You are on page 1of 65

‫جامعة قاصدي مرباح – ورقلة –‬

‫كلية اآلداب واللغات‬

‫قسم اللغة واألدب العربي‬

‫تخصص‪ :‬أدب عربي قديم‬

‫بعنوان‪:‬‬

‫رحلة ابن جبير‬

‫دراسة سردية‬

‫مذكرة مقدم لنيل شهادة الماستر في األدب العربي القديم‪.‬‬

‫إشراف الدكتورة‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫* أحالم معمري‬ ‫‪ ‬سمية شاشة‬

‫السنة الجامعية ‪8341-8341:‬هـ ‪ 7181 -7182/‬م‬


‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫شكر وعرفان ‪:‬‬

‫قال اهلل تعالى "ولئن شكرتم ألزيدنكم"‬

‫أوال وقبل كل شيء نحمد اهلل الكريم العزيز على منه وكرمه إلتمام هذا العمل‬
‫وانجازه على هذا الوجه فله كل الفضل والشكر على ذلك‪.‬‬

‫فال يسعني وقد أنهيت هذا البحث بعون اهلل وتوفيق منه إال أن أنسب الفضل‬
‫ألصحابه‪ ،‬فأخص بالذكر الدكتورة المشرفة "أحالم معمري" التي منحتني الكثير من‬
‫وقتها ولم تبخل علي بتوجيهاتها ونصائحها القيمة فلها جزيل الشكر والعرفان بالجميل‬
‫على تحملها وصبرها طيلة انجاز هذا العمل فألف ألف شكر‪.‬‬

‫كما أتقدم بجزيل الشكر لكل من علمني حرفا ‪........‬أساتذتي األفاضل‪.‬‬

‫وأتقدم بالشكر إلى كل من ساعدني من قريب أو بعيد في إتمام هذا العمل‬


‫المتواضع ‪.‬‬

‫آمل أن تكون هذه المذكرة بادرة علمية لكل باحث في هذا الميدان‪ ،‬آملة أن‬
‫يجعل منه فائدة وخير‪.‬‬

‫تحياتي بالشكر والتقدير لكم‪.‬‬


‫مقدمة‬

‫الحمد هلل الذي شرف اللغة العربية على سائر اللغات تشريف المرسل بها‬
‫على جميع األنبياء والرساالت‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف البشرية أجمعين‪.‬‬

‫لقد عرف المسلمون برحالتهم المبكرة وتدوينها منذ القدم‪ ،‬فتركوا تراثاً‬
‫اإلسالمي على ثقافات أخرى‪ ،‬ورغم‬
‫ّ‬ ‫ضخماً من أدب الرحالت المختلفة‪ ،‬فانفتح العالم‬
‫اختالف األهداف بين الرحالة‪ ،‬إال أن الهدف المشترك بينهم هو طلب العلم والمعرفة‬
‫واكتشاف ثقافات شعوب أخرى‪ ،‬فاهتموا بأدب الرحالت اهتماماً كبي ًار‪ ،‬حتى أصبح‬
‫تراكمًا ثقافيًا ومعرفيًا عبر العصور‪.‬‬

‫وقد تطور الخطاب الرحلي عبر العصور نظ اًر لما يزخر به من ثر ٍ‬


‫اء فكري‬
‫وأدبي أصيل تتواج د فيه العديد من المستويات الفكرية والعلمية والمعرفية‪ ،‬فهو يسعى‬
‫للكشف عن األشياء غير المألوفة ونقلها إلى المتلقي‪.‬‬

‫تعتبر الرحلة َكما َعّرفها األدباء‪ ،‬انتقاال من مكان إلى مكان مرتبطة بزمن‬
‫معين‪ ،‬يحكي فيها الرحالة أحداث سفره وما شاهده‪ ،‬إال أن القليل منهم الذين دونوا‬
‫أحداث رحلتهم التي صادفتهم ووصفوا األماكن التي مروا بها‪ ،‬وذلك لشعورهم أنهم‬
‫اطلعوا على ما لم يطلع عليه غيرهم‪ ،‬فرغبوا في تخليده حتى يعرفوا من لم يزر تلك‬
‫األماكن بها ثقافة أو أدب تلك المدن‪.‬‬

‫كانت بيئة األندلس مرك اًز حضارياً وثقافياً‪ ،‬حافالً بمختلف االنجازات‬
‫الثقافية والعلمية واألدبية‪،‬إذ كان األندلسيون أكثر عناية بالرحلة والتنقل عبر البلدان‬
‫يتفرد بها‬
‫‪،‬لذلك كان اختياري لنص أندلسي لعلي أقف على الخصائص المهمة التي ّ‬
‫هذا النص عن بقية النصوص الرحلية األخرى فحصرت بحثي في دراسة عن رحالة‬
‫أندلسي‪ ،‬وهو "ابن جبير" الذي يعتبر من أشهر الرحالة المسلمين الذين قاموا‬
‫برحالتهم إلى المشرق العربي‪ ،‬فكان عنوان المذكرة‪ ":‬رحلة ابن جبير دراسة سرديه"‬

‫‌أ‬
‫مقدمة‬

‫‪،‬والتي سماها تذكار باألخبار عن اتفاقيات األسفار‪،‬والتي عرفت بعد ذلك برحلة ابن‬
‫جبير‪ ،‬فسرد لنا من خاللها تفاصيل رحلته ذهابا وايابا‪.‬‬

‫حاولت من خالل هذه الدراسة اإلجابة عن إشكالية محورية هي‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وقد‬

‫‪ ‬ماهو النظام السردي الذي اتبعه ابن جبير في رحلته؟‬

‫وانبثقت عن هذه اإلشكالية إشكاليات فرعية أخرى التي تصب كلها في‬
‫اإلجابة عن اإلشكالية الرئيسية وهي ‪:‬‬

‫‪ ‬كيف وظف ابن جبير تقنيات السرد في رحلته؟‬


‫‪ ‬ما الخصائص الفنية التي تميز رحلة ابن جبير؟‬

‫من خالل اطالعي على بعض الكتب المتعلقة بأدب الرحلة استطعت‬
‫أن أصل إلى بعض الفرضيات وهي ‪:‬‬

‫سردي بالدرجة األولى‪.‬‬


‫ّ‬ ‫خطاب‬
‫ٌ‬ ‫إن خطاب الرحلة‬
‫‪ّ ‬‬
‫‪ ‬مكونات السرد الرحلي مختلفة عن باقي الخطابات األدبية األخرى مما‬
‫حلي محط استفهام ‪..‬‬
‫جعل سردية الخطاب الر ّ‬
‫‪ ‬اختالف الجانب الفني والجمالي في النص الرحلي عن باقي األنواع‬
‫األدبية األخرى‪.‬‬

‫أما عن األسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع فهناك دوافع‬
‫ذاتية وموضوعية‪ ،‬فالدافع الذاتي يتمثل في ميلي إلى البحث في هذا النوع األدبي من‬
‫أدب الرحالت‪ .‬أما الدوافع الموضوعية فتكمن في أهمية النصوص الرحلية وثراءها‬
‫ومحاولة التطلع على ثقافات األمم األخرى‪ ،‬من خالل الخصائص التي ينفرد بها هذا‬
‫النص عن بقية النصوص األخرى‪.‬‬

‫‌ب‬
‫مقدمة‬

‫والهدف من هذا البحث‪ ،‬هو محاولة إثبات قيمة النص الرحلي وابراز‬
‫جمالياته السردية‪ ،‬ومعرفة الخصائص التي يتميز بها عن غيره ‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪،‬اعتمدت في هذا البحث على خطة‪ ،‬مقسمة إلى مقدمة‬
‫وتمهيد عرفت فيه أدب الرحلة وصاحب الرحلة‪ ،‬وقسمت البحث إلى فصلين‪ ،‬فكان‬
‫الفصل األول المعنون بتيمات الخطاب الرحلي وعناصره‪ ،‬تناولت فيه تعريف الرحلة‬
‫لغةً واصطالحاً ثم دوافع وأسباب الترحال المختلقة أهم أنواع الرحلة‪ ،‬مكونات‬
‫الخطاب الرحلي‪ ،‬وأخي ار خصائص الكتابة الرحلية ‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني المعنون بالدراسة الفنية للرحلة‪ ،‬تناولت فيه‪ ،‬البناء الفني‬
‫للرحلة من ناحية الشكل ثم المضمون‪ ،‬والقيمة األدبية والعلمية للرحلة‪ ،‬والنظام‬
‫السردي في رحلة ابن جبير‪ ،‬الذي يتفرع من هذا العنوان‪ ،‬الخطاطة السردية في‬
‫الخطاب الرحلي‪ ،‬والتدوين الزمني والمكاني للرحلة‪ .‬وخاتمة حوصلت بها بحثي بأهم‬
‫النتائج‪.‬‬

‫أما عن المنهج الذي اتبعته في الدراسة فكان نابعًا من طبيعة مادة البحث‪،‬‬
‫حيث اعتمدت على المنهج البنيوي‪ ،‬ألنه األقرب لدراستي‪ ،‬الذي يعتمد على تحليل‬
‫النص ومكونات الخطاب الرحلي القصصي‪ ،‬كما استعنت بأدوات الوصف والتحليل‬
‫في تحليل الظواهر المختلفة في الرحلة وتفسيرها ‪.‬‬

‫فقد وجدت بعض الدراسات التي ساعدتني في إثراء هذا البحث بالمعارف‬
‫الضرورية والمتنوعة التي تصب في صلب الموضوع وهي‪:‬‬

‫‪ ‬أمين الريحاني‪ ،‬أدبية الخطاب في رحلة " نور األندلس"‪.‬‬


‫‪ ‬أحمد عبد الرازق خليل‪ ،‬جمالية المكان في رحلة ابن جبير األندلسي‪.‬‬

‫‌ج‬
‫مقدمة‬

‫واعتمدت على مجموعة من المراجع المختلفة‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬أدب الرحلة في التراث العربي لفؤاد قنديل‪.‬‬


‫‪ ‬الرحلة في األدب العربي نهاية ق ‪ 4‬هجري ناصر الموافي‪.‬‬
‫‪ ‬حسين محمد فهيم‪ ،‬أدب الرحالت‪.‬‬

‫وقد القت دراستي الكثير من الصعوبات‪ ،‬والتي تتجلى في كثرة المراجع‬


‫المتنوعة التي تنا ولت الرحلة‪ ،‬ما أدى إلى تشتت األفكار وعدم التحكم فيها‪ ،‬وكذلك‬
‫صعوبة تحديد المنهج وتوظيفه كونه نصا متنوع تتداخل فيه مجموعة من‬
‫الخطابات‪.‬ورغم الصعوبات التي واجهتني واعترضت طريقي في هذه الدراسة‪ ،‬إال‬
‫أنني بفضل اهلل تعالى استطعت أن أشق طريقي نحو هذا اإلنجاز ‪.‬‬
‫وفي األخير أوجه شكري الخالص وامتناني العميق إلى الدكتورة المشرفة‬
‫"أحالم معمري"على ما قدمته لي من يد العون إلنجاز هذا البحث ‪،‬فلم تبخل علي‬
‫بتوجيهاتها ونصائحها القيمة إلثراء موضوع البحث‪ ،‬كما أشكر الدكتور "أحمد حاجي"‬
‫الذي زودني ببعض المراجع والنصائح التي أضاءت هذا البحث‪ .‬كما أتقدم بشكري‬
‫الخالص ألعضاء اللجنة الموقرة على قبولهم قراءة البحث وتقويمه‪ ،‬وافادتي‬
‫بمالحظتهم العلمية القيمة‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم‬
‫األنبياء والمرسلين‪.‬‬
‫تقرت‪ :‬يوم األحد ‪8402/40/40‬م‪.‬‬

‫الموافق ل‪ 01 :‬جمادى الثاني ‪0001‬هـ‪.‬‬

‫الطالبة‪ :‬سمية شاشة‪.‬‬

‫‌د‬
‫رحلة ابن جبير‬ ‫تمهيد‬

‫يعتبر أدب الرحالت فن من الفنون النثرية في األدب العربي‪،‬إذ يمثل‬


‫مصد اًر مهماً ومنبعاً ثرياً لمختلف العلوم‪ .‬حيث يعتمد على سرد األحداث ووصفها‬
‫‪،‬فيكون الشخصية الرئيسية في الرحلة هو الرحالة نفسه الذي قام بهذه الرحلة‪ ،‬حيث‬
‫اخترت في دارسة هذا البحث رحالة أندلسي "ابن جبير" في رحلته "تذكرة باإلخبار‬
‫في اتفاقيات األسفار" والتي أصبحت مؤخ ار تسمى "برحلة ابن جبير‪.‬‬

‫وأعرف في هذه األسطر بصاحب الرحلة ‪،‬هو أبو الحسن محمد بن أحمد‬
‫بن جبير الكناني األندلسي‪ ،‬أصل أسرته من بلدة شطابة هناك‪ ،‬ولد ببلنسية سنة‬
‫‪045‬ه ـ‪4440 /‬م واعتنى أباه بتربيته‪ ،‬فدرس العلوم الدينية واللغوية‪ 4،‬فهو من أشهر‬
‫الرحالة األندلسيون في القرن السادس الهجري‪ ،‬قام بثالث رحالت كانت جميعها‬
‫بغرض الحج إلى بيت اهلل الحرام‪ ،‬وهو ال يعود بعد أدائه لفريضة الحج مباشرةً إلى‬
‫بيته‪ ،‬وانما يزور بعض البلدان العربية اإلسالمية ويتعرف عليها‪ ،‬وقد حظيت رحالته‬
‫باهتمام المؤرخين العلماء‪ ،‬رغم أنه لم يدون غير رحلته األولى فقط‪ .‬حيث بدأ رحلته‬
‫وهو في األربعين من عمره‪ ،‬وكان معه جده القاضي ابن عطية وصديقاه أبو جعفر‬
‫الطيب واحمد بن حسان يوم الخميس الثامن من شوال سنة ‪075‬ه ـ الموافق ‪ 3‬من‬
‫فبرلير سنة ‪4453‬م‪.‬‬

‫يعتبر "ابن جبير" األندلسي رائد من رواد أدب الرحالت‪ ،‬الذي قام‬
‫بالرحلة ليحج بيت اهلل الحرام و تكفير عن الذنب الذي اقترفه‪ ،‬وهو شربه للخمر‬
‫الذي أسر عليه حاكم غرناطة ‪،‬فأقسم أن يشرب سبعه كؤوس‪ ،‬فاضطر ابن جبير أن‬
‫يشرب على مضض كأسا بعد كأس‪ ،‬وسر األمير وأخذ يقهقه معب ار عن فرحه‬
‫بسلطته وسعادته بطاعة الجميع له‪ ،‬أدرك األمير سخط ابن جبير فأراد أن يطيب‬

‫‪4‬ينظر‪ :‬شوقي ضيف‪ ،‬الرحالت‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،4‬ص ‪.75‬‬
‫ينظر‪ :‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحلة في التراث العربي‪،‬مكتبة الدار العربية للكتاب‪ ،‬ط‪ ، 55 ، -4‬ص ‪.353-354‬‬

‫‪6‬‬
‫رحلة ابن جبير‬ ‫تمهيد‬

‫خاطره فمأل له الكأس الذي شرب منه دنانير وأفرغها في حجره‪،‬فقرر ابن جبير أن‬
‫يحج بتلك الدنانير كفارة لشربه‪.4‬‬

‫حيث تعد هذه الرحلة دليل القارئ في معرفة البلدان وتوضيح مناسك الحج‬
‫وكيفية إتباع المراحل للقيام بهذه الفريضة على أكمل وجه‪.‬‬

‫فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحلة في التراث العربي‪ ،‬ص‪.350‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول‪:‬تيمات الخطاب الرحلي‬
‫‪ ‬تعريف الرحلة‪.‬‬
‫‪ ‬أنواع الرحلة‪.‬‬
‫‪ ‬خصائص الكتابة الرحلية‪.‬‬
‫‪ ‬دوافع الترحال المختلفة‪.‬‬
‫‪ ‬مكونات الخطاب الرحلي‪.‬‬
‫‪ ‬عناصر الخطاب الرحلي‪.‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫الفصل األول ‪ :‬تيمات الخطاب الرحلي‬

‫لقد عرف العرب األوائل برحالتهم‪ ،‬التي جالوا من خاللها العالم في جميع‬
‫االتجاهات‪ ،‬ومعظم األماكن المختلفة‪ ،‬إذ يعتبر أدب الرحالت نوع من أنواع األدب‬
‫القديم‪ ،‬فكان الرحالة يسافر الكتشاف أراض جديدة لم تكن معروفة في السابق‪.‬‬
‫وكذلك أخد أدبهم وعلمهم وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي نقلت إلينا‪ ،‬ولكن‬
‫قبل الغوص في أغوار هذا البحث يجب أوالً أن ُنعرف الرحلة لغوياً واصطالحاً ‪:‬‬

‫أ‪/‬تعريف الرحلة لغة‪:‬‬

‫لسان العرب‪:‬الرحل مركب لبعير والناقة‪،‬و جمعه رحال‪،‬وهو من مراكب الرجال‬


‫دون النساء‪ ،‬والرحل هو منزل الرجل وما يصطحبه من أثاث‪ ،‬والرحل بمعني رحل‬
‫البعير‪ ،‬وارتحل فالن فالنا أي عال ظهره و ركبه‪.4‬‬

‫معجم الوسيط‪" :‬رحل بمعني رحل عن المكان‪ ،‬رحال ورحيال‪ ،‬ورحلة سار‬
‫ومضى‪ ،‬ورحل البعير رحال‪ ،‬ورحلة جعل عليه الرحل‪ ،‬وهو مسكن اإلنسان وما‬
‫يصطحبه من أثاث ‪.‬‬

‫الرح ُل مسكن الرجل وما يستصحبه من األثاث‪،‬‬


‫وفي مختار الصحاح نجد " َ‬
‫ورَح َل‬
‫والرحل أيضا َرَح َل البعير وهو اصغر من القتب‪ ،‬وجمع الرحال وثالثة أرحل‪َ ،‬‬
‫البعير شد على ظهره ِ‬
‫الرحلة وبابه القطع‪ .‬و( َرَح َل) فالن و( ْارتَ َح َل) و( تََرَح َل) بعنى‬
‫رحل واالسم (الرحيل)‪ ،‬والرحلة بالكسر االرتحال‪ ،‬يقال دنت رحلتنا‪ ،‬و(أرحله)أعطاه‬

‫ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة رحل‪ ،‬دار الصادرة لنشر و الطباعة بيروت‪ ،‬ط‪ ،02 2 ،3‬ص ‪002‬‬
‫‪0‬‬
‫مجمع اللغة العربية‪ ،‬معجم الوسيط‪ ،‬ط‪ ،4‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،0224،‬ص ‪33‬‬

‫‪9‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫راحلة‪ ،‬والراحلة الناقة التي تصلح ألن ترحل وقيل الراحلة المركب من اإلبل ذك ار أو‬
‫‪4‬‬
‫أنثى"‪.‬‬

‫من خالل معجم المختار الصحاح ومعجم الوسيط ولسان العرب أجد أنهم‬
‫يتفقون في معنى واحد للرحلة وهو مغادرة المكان أي الحركة من مكان إلى آخر‪ ،‬إذ‬
‫ارتبطت الرحلة بالبعير وهي الوسيلة التي كانوا يستعملونها قديما في التنقل‪ ،‬وقد‬
‫أشار القرآن الكريم إلى رحلتي الشتاء والصيف‪ ،‬التي كانت قريش تقوم بها من أجل‬
‫‪8‬‬ ‫ِ‬
‫الشتاء والصيف)‬ ‫التجارة (إليالف قريش‪ ،‬ايالفيهم رحلة‬

‫ب‪/‬التعريف االصطالحي ألدب الرحلة‪ :‬ألدب الرحلة عدة تعريفات وهي‪:‬‬

‫عرفت الرحلة في"معجم المصطلحات األدبية" بأنها من اآلثار األدبية التي‬


‫يسعي الرحالة إلى نقل وتسجيل كل ما صادفه من عادات وسلوك وأخالق بلد ما‪.‬‬

‫أما "ناصر الموافي" فيعرف أدب الرحلة على أنه‪ :‬ذلك النثر الذي يصف‬
‫الرحلة‪ ،‬أو رحالته الواقعية‪،‬التي قام بها رحالة متميز‪ ،‬موازنًا بين الذات والموضوع‬
‫من خالل المضمون والشكل المرنين بهدف التواصل مع القارئ والتأثير فيه‪.3‬‬

‫حيث نجد أن "ناصر الموافي" قسم الرحلة إلى خطاب فني ونثري‪ ،‬الذي يحكي‬
‫فيه عن أحداث رحلة ما واقعية وذلك بغرض إفادة القارئ‪.‬‬

‫‪4‬ا لشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬مادة ر ح ل‪ ،‬ط‪ 4‬مكتبة العصرية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫باب الراء(رجا) ص ‪.455‬‬
‫سورة قريش ‪ ،‬اآلية ‪.5 -54‬‬
‫‪3‬‬
‫ينظر‪ :‬نصر عبد الرزاق الموافي‪ ،‬الرحلة في األدب العربي حتي نهاية القرن الرابع هجري‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار النشر للجامعات‬
‫المصرية‪-‬مكتبة الوفاء‪ -‬ص ‪.33‬‬

‫‪10‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن خالل التعريفات السابقة نجد أن أساس الرحلة يكمن في الحركة واالنتقال‪،‬‬
‫وهذه الحركة تهدف إلى اكتساب خبرات علمية و فكرية من خالل احتكاكه بآخر‪.‬‬

‫أهم أنواع الرحلة‪:‬‬

‫لقد عرف العرب أنواعًا كثيرة من الرحالت المختلفة‪ ،‬فتختلفوا في تصنيفها‪،‬‬


‫حيث يمكن التركيز على أهم األنواع وهي‪:4‬‬

‫‪/0‬الرحالت الدينية‪ :‬ويقصد بها أداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وتطهير النفس من ملذات الدنيا وشهواتها ‪ ،‬فهذه من أهم األهداف التي دفعت‬
‫المسلمين إلى الرحلة‪.‬‬

‫‪ /8‬الرحالت العلمية‪ :‬وهي الرغبة في طلب العلم والتعلم‪ ،‬من منابعه األصلية وأخذ‬
‫المعرفة من الشيوخ والعلماء الكبار‪ ،‬فنجد ذلك في مقدمة "ابن خلدون" الشهيرة إذ‬
‫يقول‪ ":‬والرحلة البد منها لطلب العلم‪ ،‬والكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ وأخذ‬
‫العلم منهم‪".‬‬

‫‪ /0‬الرحالت التجارية‪ :‬جاءت الرحالت التجارية ب ار وبح ار من أجل الربح ‪ ،‬ومحاولة‬


‫تأمين الحياة ‪ ،‬وذلك من خالل اختيار موقع تجاري هام التي تنشط فيه التجارة ‪،‬‬
‫فأثناء عودتهم إلى وطنهم يقومون بسرد الحكايات واألحاديث في أسلوب شيق لما‬
‫صادفوه أثناء رحلتهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ينظر‪ :‬جميلة روباش‪ ،‬أدب الرحلة في المغرب العربي‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في األدب الجزائري‪،‬‬
‫إشراف أمحمد بن لخضر فورار‪ ،‬جامعة محمد خيضر بسكرة‪ ،02 2-02 4 ،‬ص‪. 3‬‬
‫ابن خلدون عبد الرحمن‪ ،‬مقدمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم الشدادي‪ ،‬ط‪ ، 4‬خزانة بن خلدون بيت الفنون والعلوم واآلداب‪ ،‬الدار‬
‫‪.‬‬ ‫البيضاء‪،‬المغرب‪، 550 ،‬ص ‪3‬‬

‫‪11‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ /0‬الرحالت السياحية‪ :‬وهي محاولة اكتشاف مواطن الجمال في مختلف البلدان‬


‫والبحث عن الحرية والراحة والترويح عن النفس من خالل زيارة بعض األماكن الغير‬
‫مألوفة‪.‬‬

‫‪ /5‬الرحالت الرسمية‪ :‬يبعث الرحالة إلى دول مجاورة لها عالقة مع بعضها البعض‬
‫قصد هدف معين‪،‬مثل" تفقد أمر الرعية‪ ،‬أو تلبية طلب الحاكم في معاينة أماكن‬
‫‪4‬‬
‫مجهولة أو بعيدة‪ ،‬أو اإلتيان بأخبارها‪ ،‬فقد تكون في إطار التجسس أو االطالع‪".‬‬
‫فعند عودة الرحالة يكتبون مغامرات هذه المهمة وكيف أنجزت‪ .‬وقد يكون هدف هذه‬
‫الرحلة أيضا هو الصلح بين دول مختلفة وفك األسري‪.‬‬

‫إذ تعتبر رحلة "ابن جبير" من الرحالت الدينية‪ ،‬كونها رحلة قام بها صاحبها‬
‫من أجل أداء شعائر فريضة الحج‪ .‬حيث يعتبر الحج من أهم األسباب التي شجعت‬
‫المسلمين على الرحلة والتوجه إلى المشرق اإلسالمي‪ ،‬فلم يفكروا في المسافة التي‬
‫تفصل بين المشرق والمغرب‪ ،‬فكان الشوق والحنين إلى الحج وزيارة البقاع المقدسة‬
‫من بين األسباب التي دفعت المسلمين إلى الرحلة‪ ،‬فيقول اهلل تعالى‪{:‬وأذن في الناس‬
‫‪8‬‬
‫بالحج يأتوك رجاال وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق‪}.‬‬

‫‪4‬‬
‫سميرة أنساعد‪ ،‬الرحلة إلى المشرق في األدب الجزائري‪ ،‬دراسة في النشأة والتطور والبنية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه‪،‬‬
‫إشراف الشريف مريبعي جامعة الجزائر‪ ، 557- 553 ،‬ص ‪. 5‬‬
‫سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪. 7‬‬

‫‪12‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫خصائص الكتابة الرحلية‪:‬‬

‫تتميز الكتابة الرحلية بمجموعة من الخصائص التي تجعلها جنسا منفردا عن‬
‫بقية األجناس األدبية األخرى‪ ،‬وهي‪:4‬‬

‫‪/0‬الذاتية‪ :‬وهو ذات الرحالة نفسه‪ ،‬حيث يسرد لنا أحداث الرحلة التي قام بها‪ ،‬وعاش‬
‫كل تفاصيلها الدقيقة‪.‬‬

‫فإذا تتبعنا حضور الذات في رحلة "ابن جبير" فإننا نجدها حاضرة بشكل واضح‬
‫من خالل الضمير المتكلم الجمع‪ ،‬فيقول في رحلته‪":‬يسر اهلل علينا في عبور‬
‫البحر" وقوله أيضًا‪ :‬وأصبحنا يوم السبت وبيننا وبينه مسافة بعيدة‪ ،‬وظهر لنا إذ‬
‫ذاك الجبل‪ ،0"......‬وقوله‪ :‬فكان نزولنا في أحد الفنادق‪ ،‬وأقمنا بها تسعة أيام‪،‬‬
‫فلما كان ليلة الثالثاء الثاني عشر للشهر المبارك المذكور‪ ،‬ركبنا في زورق‬
‫متوجهين إلى المدينة‪ 0.....‬فذاتيته حاضرة ومتحكمة في جميع خيوط الرحلة من‬
‫بدايتها إلى نهايتها‪.‬‬

‫‪/8‬هيمنة بنية السفر‪:‬ويقصد بها السفر في ذاته‪ ،‬فالرحالة قام بفعل المغادرة والسفر‬
‫لمختلف األماكن ‪.0‬‬

‫‪ /0‬الحكي بضمير المتكلم مفردا أو جمعا‪:‬وهو أن يستعمل الرحالة الضمير المتكلم‬


‫في رحلته كونه سرد الرحلة بنفسه‪.‬حيث اعتمد "ابن جبير" على ضمير الجمع في‬
‫رحلته‪ ،‬ونجد ذلك في قوله‪" :‬ومن العجيب ما عرض علينا بباب بني شيبة المذكور‬

‫جميلة روباش‪ ،‬أدب الرحلة في المغرب العربي‪،‬ص‪1‬‬


‫ابن جبير‪ ،‬رحلة ابن جبير‪،‬سلسلة األنيس للطباعة و النشر‪ ،‬ط‪ ،4‬سنة ‪ ، 545‬ص‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.0‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪2‬‬
‫جميلة روباش‪ ،‬أدب الرحلة في المغرب العربي‪،‬ص‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫عتب من الحجارة‪......‬ذكر لنا أنها األصنام التي كانت قريش تعبدها‪ 4.‬وقوله‬
‫أيضاً‪ .... :‬صعدنا إلى منى لمشاهدة المناسك المعظمة بها ولمعانيها منزل اكتري‬
‫لنا فيها إعدادا لمقام بها أيام التشريق‪ ،‬إن شاء اهلل‪ ،‬فألفيناها تمأل النفوس‬
‫‪8‬‬
‫بهجة"‪.‬‬

‫ال شخصية اجتماعية نابعة من‬


‫يوحي ضمير المتكلم الجمع إلى أن "ابن جبير" فع ً‬
‫عمق المجتمع‪ ،‬فهو ال يرى نفسه إال مع الجماعة‪.‬‬

‫ونجده أيضًا استعمل الضمير المتكلم المفرد في قوله‪" :‬ابتدئ بتقييدها يوم‬
‫الجمعة الموفي لشهر شوال ‪ "0....‬يمكن "ابن جبير" استعمل الضمير الفردي رغبة‬
‫في إبراز التميز واالنفراد‪.‬‬

‫‪/0‬الواقعية‪ :‬يتميز أدب الرحلة بالواقعية‪ ،‬حيث كتبت الرحلة وأنجزت من طرف‬
‫شخص معروف زمنيا ومكانيا‪،‬عاش غمار هذه الرحلة‪.4‬‬

‫رحلة ابن جبير رحلة واقعية‪ ،‬قام بها صاحبها بنفسه فذكر لنا زمانها ومكانها ‪،‬‬
‫حيث وصف لنا "ابن جبير" األماكن والشخصيات التي صادفها أثناء رحلته وصفا‬
‫دقيقا‪ .‬فنجد هذه الواقعية في وصفه المسجد الحرام فيقول‪ ":‬وموضع الطواف مفروش‬
‫بحجارة مبسوطة كأنها الرخام حسنا‪ ،‬منها سود وسمر وبيض قد ألصق بعضها‬
‫إلى بعض‪ ،‬واتسعت عن البيت بمقدار تسع خطا إال في الجهة التي تقابل المقام‪،‬‬
‫‪ "5.....‬وقوله أيضاً في وصف منشأ اإلسالم"وهي بإزراء الصفا ويالصقها بيت‬
‫صغير عن اليمين الداخل إليها كان مسكن بالل‪ ،‬رضي اهلل عنه‪،‬و يدخل إليها‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪،‬ص ‪.53‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4 3‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪4‬‬
‫جميلة روباش‪ ،‬أدب الرحلة في المغرب العربي‪،‬ص‪1‬‬
‫‪0‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪14‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫على حلق كبير شبيه الفندق قد أحدقت به بيوت للكراء من الحاج‪ .‬والدار المكرمة‬
‫‪0‬‬
‫دار صغيرة يجدها الداخل إلى الحلق المذكور أثره الكريم في هذا المكتوب‪".....،‬‬
‫فهذه الواقعية التي تتميز بها الرحلة عن األعمال السردية األخرى التي بنيت علي‬
‫الخيال‪.‬‬

‫‪/5‬دور الخطاب بالرجوع إلى نقطة االنطالق‪ :‬وهنا يكمن دور السارد حيث يسرد لنا‬
‫أحداث رحلته من بدايتها إلى نهايتها‪،‬أي من لحظة خروجه إلى وصوله إلى المكان‬
‫المقصود‪ ،‬والعودة من جديد‪.‬‬

‫فكان "ابن جبير" حريصاً على تدوين رحالته وكل ما جاء فيها من أوصاف‬
‫ومعلومات حول البلدان التي مر بها منذ انطالقه من بالده حتى رجوعه من سفره‪،‬‬
‫حيث يبدأ رحلته بقوله‪" :‬وكانت مرحلتنا األولى منها إلى حصن ال َق ْب َذاق‪ ،‬ثم منه إلى‬
‫س ِتجة‪ ،‬ثم منها إلى حصن أشوَنة‪ ،‬ثم منه إلى‬ ‫حصن قبرة‪ ،‬ثم منه إلى مدينة إِ ْ‬
‫شّل َبر‪ ،‬ثم منه إلى حصن أ َْركش‪ ،‬ثم منه إلى قرية ت ْع َرف بقرية القمشة من قرى‬
‫َ‬
‫مدينة ابن السليم‪ .8"...‬وقوله أيضاً " ثم إنا أقلعنا منه ظهر يوم األحد السادس‬
‫مدة مقامنا بالمرسى المذكور جددنا فيه الماء‬
‫عشر من الشهر المذكور‪ ،‬وفي ّ‬
‫والحطب والزاد‪ " .‬حيث كان يسجل كل بلد أو مكان مر به أو توقف عندها ويصف‬
‫أخبارها وكل ما فيها‪ .‬ووصوله إلى مكان المقصود بعد سفر دام ثالثين يوماً فيقول‬
‫في ذلك‪ " :‬وفي صبيحة يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر المذكور‪ ،‬أطلع‬
‫اهلل علينا البشرى بالسالمة بظهور منارة اإلسكندرية على نحو العشرين ميال‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫والحمد هلل على ذلك حمدا يقتضي المزيد من فضله وكريم الصنعة‪".‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.433‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪15‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫وفي خطاب عودته‪" :‬وفي ضحوة يوم الثالثاء الثالث عشر منه أقلعنا على‬
‫اليمن والبركة بريح شرقية لينة المهب لها نفس خافت‪ ......... ،‬ثم أقلعنا منها‬
‫اثر صالة الجمعة السادس عشر منه فبتنا في فحص قرطاجنة بالبرج المعروف‬
‫‪0‬‬
‫برج الثالثة صهاريج‪".‬‬

‫‪/1‬تعدد المضامين وتدخل الخطابات‪ :‬للخطاب الرحلي معارف مختلفة‪ ،‬مثل معارف‬
‫دينية مثل ذكره للمساجد فيقول في رحلته‪ ":‬وبين مصر والقاهرة المسجد الكبير‬
‫المنسوب إلى أبي عباس أحمد بن طولون‪،‬وهو من الجوامع العتيقة األنيقة‬
‫الصنعة الواسعة البنيان‪ ،8.....‬وجغرافية مثل قوله‪ ":‬ومنها مدينة أسيوط‪،‬وهي من‬
‫‪0‬‬
‫مدن الصعيد الشهيرة‪ ،‬بينها و بين الشط الغربي من النيل مقدار ثالثة أميال‪"...‬‬
‫وتاريخية‪ ،‬حيث تتداخل فيه مجموعة من الخطابات مثل الشعر‪ ،‬والرسالة‪ ،‬والحكاية‪،‬‬
‫والوصف‪ ،‬والسرد وهذا ما يجعله جنسًا من األجناس األدبية‪.‬‬

‫نجد في رحلة "ابن جبير" تعدد في المضامين حيث تحتوى على معلومات‬
‫عد هذه الرحلة دليل للحج ومناسكه‪،‬كما‬
‫اقتصادية وبشرية وتاريخية والسياسية‪ ،‬إذ تُ ُ‬
‫أنها دليل سياحي أيضاً مهم‪ ،‬وذلك من خالل وصفه للبلدان بكل دقة وذكر الحاالت‬
‫االجتماعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬والعادات والتقاليد‪.‬‬

‫كما تبين الرحلة دورها في وصف الطريق جغرافيًا وتاريخيًا وحضاريًا‪ ،‬يضاعف‬
‫من أهمية هذه المعلومات إن معظمها مما أهمله تاريخ المناطق التي تصفها‬
‫الرحالت‪4.‬حيث يصف "ابن جبير" في هذه الرحلة مدينة "قنا" فيقول‪ ":‬ومنها مدينة‬

‫‪4‬‬
‫‪.3‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬ص‬
‫‪0‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد المنوني ‪،‬مقالة في مجلة المناهل المغربية –الرحالت المغربية الحجازية‪ -‬العدد‪ ،045‬مجلد ‪ ،03‬المغرب‪،‬‬
‫اغسطس‪ ،4334‬ص‪.43‬‬

‫‪16‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫قنا‪ ،‬وهي مدن الصعيد بيضاء أنيقة المنظر ذات مبان حفيلة‪ ،‬ومن مآثرها المأثورة‬
‫صون النساء أهله والتزامهن البيوت‪ ،‬فال تظهر في الزقاق من أزقتها امرأة البتة‬
‫‪0‬‬
‫‪"....‬‬

‫كذلك نجد قوله في وصف اآلثار " وبهذه المدينة المذكورة آثار مصانع من‬
‫بنيان القبط وكنائس معمورة‪ .....‬ومن أعظم الهياكل المحدث بغرائبها في الدنيا‪،‬‬
‫هيكل عظمي في شرقي المدينة المذكورة وتحت سورها طوله مائتا ذراع وعشرون‬
‫‪8‬‬
‫فأدب‬ ‫ذراعاً‪ ،‬وسعته مائة وستون ذراعاً‪ ،‬يعرف عند أهل هذه الجهة بالبربا ‪"...‬‬
‫الرحلة في بدء األمر ومنتهاه هو محاولة الكتشاف سر األشياء والتعرف على‬
‫تكوينها الذي يبدو أحيانا ككتل الجليد العائمة في المحيطات والبحار‪ ،‬ال يظهر منها‬
‫‪3‬‬
‫سوى العشرة وتبقي األعشار األخرى مغيبة تحت الماء‪.‬‬

‫كذلك نجده تكلم على الجانب الديني فيقول‪ ":‬وهذه الفرق من السودان‬
‫المذكورين فرق أضل من األنعام سبيال وأقل مقو ًال‪ ،‬ال دين لهم سوى كلمة التوحيد‬
‫التي ينطقون بها إظها ارً إلسالم وراء ذلك من مذاهبهم الفاسدة وسيرهم ماال يرضى‬
‫ونساؤهم يتصرفون عراةً إال خرقاً يسترون بها عوراتهم ‪ ....‬وبالجملة فهم أم ًة ال‬
‫‪0‬‬
‫خالق لهم وال جناح على ال عنهم‪".‬‬

‫دوافع وأسباب الترحال المختلفة‪:‬‬

‫لقد أدت الرحلة دو ار كبي اًر في تطوير معارف الحضارة اإلنسانية‪ ،‬وكسب خبرات‬
‫مختلفة‪ ،‬فاإلنسان لم يرض باالستقرار والثبات‪ ،‬فدفعه شغفه إلى استكشاف العالم‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 3‬‬
‫‪3‬‬
‫ينظر‪:‬عماد الدين خليل‪ ،‬من أدب الرحالت‪ ،‬دار الكثير‪ ،‬ط‪ ، 550 ،4‬ص ‪.3‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪17‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫المحيط به‪ ،‬والى معرفة اآلخر‪ ،‬وحب المغامرة وراء المجهول‪ .‬وهذه الرحالت تكون‬
‫استجابة مباشرة لحوافز ودوافع معينة‪ ،‬تدعو الرحالة بكل شغف إلى الحركة والتنقل‬
‫من مكان إلى آخر‪ ،‬ويمكن حصر هذه الدوافع في‪:‬‬

‫‪/0‬دوافع دينية‪ :‬وهى رحلة يقوم بها الرحالة إلى الحج حيث يزور األماكن المقدسة‪،‬‬
‫وقبر الرسول صل اهلل عليه وسلم واألولياء الصالحين‪ ،‬بغية تطهير النفس من‬
‫الذنوب والتوبة ‪.4‬‬

‫‪/8‬دوافع علمية أو تعلمية‪ :‬بزيارة األماكن المعروفة والمشهورة بالعلم والمعرفة‬


‫يكتسب الرحالة معرف جديدة من خالل أخدها من منابعها األصلية دون تحريف فيها‬
‫‪ ،‬حيث كان الرحالة يسافرون ب ار و بح ار غير آبهين بمخاطر ومشاق السفر وذلك‬
‫من أجل العلم‪.‬‬

‫‪ /0‬دوافع سياسية‪ :‬وهو أن يبعث حكم دولة ما إلى حكم دولة أخرى‪ ،‬قصد تبادل‬
‫اآلراء فيما بينهم والوصول إلى حل جدري ‪ ،‬فكان هدفها سلمي من خالل مناقشة‬
‫األمور فيما بينهم للوصول إلى السالم‪.‬‬

‫‪/0‬دوافع سياحية وثقافية‪ :‬فهدف الرحالة من هذه الرحلة هو تغير األجواء والتعرف‬
‫على األماكن الجديدة التي لم يزرها‪ ،‬فيسجل موقعها وآثارها وكل ما صدفه قصد‬
‫إفادة القارئ بها أو عالم جغرافي وتاريخي ‪.‬‬

‫‪/5‬دوافع اقتصادية‪ :‬ينتقل الرحالة إلى البلدان المختلفة من أجل التجارة وطلب الرزق‬
‫والبحث عن مكان استراتيجي الذي تنشط فيه التجارة للكسب السريع‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحالت في التراث العربي‪ ،‬مكتبة الدار العربية للكتاب‪ ،‬ط ‪ ،0،‬سنة‪ ،0220‬ص‪1‬‬

‫المرجع نفسه ‪،‬ص ‪. 5‬‬

‫‪18‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪/1‬دوافع صحية‪ :‬وهو السفر للعالج أو إراحة النفس من التعب والعناء ويكون هربًا‬
‫من وباء أو طاعون أو تلوث‪.‬‬

‫نجد في بعض الكتب أن دافع رحلة "ابن جبير" ليس زيارة البقاع المقدسة وحب‬
‫االطالع والمعرفة بزيارته إلى بعض األماكن األخرى فقط‪ ،‬وانما لرحلته سبب قوي‬
‫آخر‪ ،‬وهو أن صاحب مدينة غرناطة أمير الموحدين استدعى "ابن جبير" يومًا‬
‫ليؤلف كتاباً‪ ،‬وهو في مجلس شرابه‪ ،‬وحدث أن دفع إليه األمير كأساً‪ ،‬فأظهر "ابن‬
‫جبير" االنقباض‪ ،‬وقال‪ :‬يا سيدي ما شربتها قط‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل لتشربن منها سبعاً‪ ،‬فلما‬
‫رأى العزيمة شرب سبع كؤوس‪ ،‬فمأل له السيد الكأس من دنانير سبع مرات‪ ،‬وصب‬
‫‪4‬‬
‫ذلك في حجره‪ ،‬فحمله إلى منزله وأضمر أن يجعل كفارة شربه الحج‪.‬‬

‫فباع بعض عقاراته وأضاف ثمنه إلى عطية األمير‪ ،‬وما هي إال أيام حتى‬
‫استأذن من األمير في الحج‪ ،‬ولكي ال يحول دون سفره‪ ،‬أبلغه أنه أقسم قسماً ال‬
‫رجع َة فيه أن يحج في تلك السنة فأذن له‪.‬‬

‫كانت للرحلة دافع مهم وهو الحج إلى بيت اهلل وتكفير من الذنب الذي ارتكبه ابن‬
‫جبير‪ ،‬حيث أصبحت هذه الرحلة من الرحاالت المهمة على الفرد والجماعة‪ ،‬ألن من‬
‫خاللها نتعرف على شعوب أخرى ‪ ،‬فيقول اهلل تعالى‪:‬‬

‫{ يا ّأيها ال ّناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا إن‬
‫أكرمكم عند اهلل أتقاكم إن اهلل عليم خبير} ‪.‬‬

‫‪4‬ينظر‪ :‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحالت في التراث العربي ‪ ،‬ص‪.350‬‬


‫‪0‬سورة الحجرات اآلية ‪.43‬‬

‫‪19‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫مكونات الخطاب الرحلي‪:‬‬

‫إن أدب الرحلة ينقل لنا الواقع ويصف المشاهد الذي شاهدها من خالل رحلة قام‬
‫بها الرحالة‪ ،‬الذي يكون متمكناً من لغته ومتمي اًز بأسلوبه وسعة خياله‪ ،‬ومن مكونات‬
‫الخطاب الرحلي نجد‪:‬‬

‫‪ /0‬أطراف الرحلة‪ :‬للرحلة ثالثة أطراف وهي‪ :‬الحاكي نفسه‪ ،‬ونص الحكاية ‪،‬‬
‫والموضوع ‪.‬‬

‫المحكي عنه‬ ‫المحكي(الحكاية)‬ ‫الحاكي‬

‫السفر‬ ‫الخطاب الرحلي‬ ‫مؤلف الرحلة‬


‫رحلة إلى الحج‬ ‫تذكرة باألخبار‪ ،‬عن اتفاقات األسفار‬ ‫ابن جبير‬

‫ا‪/‬الحاكي‪ :‬هو الرحالة نفسه الذي قام بالرحلة ودونها ‪،‬من خالل سرده لكل تفاصيلها‬
‫الدقيقة‪ .‬حيث نجد في هذه الرحلة الحاكي هو "ابن جبير" نفسه‪ ،‬الذي سرد لنا رحلته‬
‫بكل تفاصيلها‪ ،‬ووصف المشاهد والمدن التي زارها ومر بها‪ ،‬وصفاً دقيقاً‪ ،‬كونه قام‬
‫بفعل الرحلة بنفسه فمن الطبيعي أن يسرد لنا كل ما شاهده في هذه الرحلة‪.‬‬

‫ب‪ /‬المحكي عنه‪ :‬وهو الرحلة أو السفر الذي أنجزه الرحالة بنفسه‪ ،‬حيث سافر "ابن‬
‫جبير" ألداء فريضة الحج‪ ،‬فنقل لنا صورة حية وصادقة عن المدن والمجتمعات‬
‫اإلسالمية في المشرق العربي وعن عادات السكان وتقاليدهم إذ تعتبر هذه الرحلة‬
‫دليالً القارئ في معرفة البلدان المجهولة‪ ،‬مع توضيح مناسك الحج والعمرة‪ ،‬باإلضافة‬

‫‪20‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫إلى القيمة التي تحملها‪ ،‬وتفيد األديب والباحث في الجغرافيا‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والحركة‬
‫السياسية‪ ،‬والدينية‪ ،‬واالقتصادية‪.4‬‬

‫ج‪/‬المحكي أو الحكاية‪ :‬وهو نص الرحلة‪ ،‬فكل نص له طريقته الخاصة في البناء‪،‬‬


‫التي يتميز بها عن غيره من الخطابات‪ ،‬فالرحالة يبتدئ بتحديد أسباب الرحلة‬
‫ودوافعها‪ ،‬وزمن خروجه من بلده ومكان تواجده‪ ،‬فكان البن جبير طريقته الخاصة في‬
‫بناء هذه الرحلة‪.‬‬

‫كانت رحلة "ابن جبير" تسمي قديماً "بتذكرة باألخبار عن اتفاقات األسفار"‪ ،‬ثم‬
‫أطلق عليها في عصرنا الحديث برحلة "ابن جبير"‪ ،‬التي سافر صاحبها من أجل‬
‫أداء فريضة الحج‪ ،‬والتكفير عن ذنوبه‪ ،‬واالطالع على ثقافات أمم أخرى‪ ،‬وزيارة‬
‫بعض األماكن األخرى فاعتمد طريقة خاصة في كتابة رحلته‪ ،‬فسجل بكل دقة التتابع‬
‫الزمني أيام األسبوع واألشهر العربية واإلفرنجية في كل بلد أو مكان توقف فيه أو مر‬
‫به‪ ،‬فاهتم به منذ لحظة خروجه حتى عودته‪ ،‬حيث كتب رحلته على شكل مذكرات‬
‫يومية‪ ،‬ولم تكن في شكل كتاب بل كانت أوراقاً منفصلة ‪ .‬فكانت الرحلة في غاية‬
‫ال‪،‬‬
‫األهمية ألنها الرحلة المدونة األولى التي وصف صاحبها طريق الحج مفص ً‬
‫وصور عادات وتقاليد البالد التي مر بها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ينظر‪:‬حسين محمد فهيم‪ ،‬أدب الرحالت‪ ،‬سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫علم المعرفة‪،‬العدد‪، 435‬كويت‪ 4375 ،‬ص‪.43‬‬
‫ينظر‪ :‬دميش دليلة‪ ،‬أدب الرحالت ودوره في تواصل بين الحضارات‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماستر‪ ،‬إشراف بغداد عبد‬
‫الرحمان‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪-‬تلمسان‪ ، 543/ 550 -‬ص ‪.35‬‬

‫‪21‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪/8‬عناصر الخطاب الرحلي‪:‬‬

‫من خالل مكونات الخطاب الرحلى يمكن حصر عناصره في‪:‬‬

‫ا‪ /‬المعرفة‪ :‬في الخطاب الرحلي تتنوع المعارف منها‪ :‬دينية‪ ،‬وتاريخية‪ ،‬وجغرافية‪،‬‬
‫وأدبية‪ ،‬واجتماعية وغير ذلك‪ ،‬مما يجعلها مادة هامة للعديد من الباحثين‪ ،‬التي‬
‫يسعي إليها الرحالة إلفادة القارئ به‪.‬‬

‫فكانت رحلة "ابن جبير" حافلة بالمعارف المتنوعة‪ ،‬فهي تعتبر وثيقة بحث يسعى‬
‫إلى تلبية مطالب الجغرافيين واألدباء‪ ،‬الذين يطمحون لمعاينة الوقائع وسبر أغوارهم‪،‬‬
‫ومن المعارف الدينية في هذه الرحلة نجدها في قوله‪ " :‬من يوم الجمعة الخامس‬
‫لصفر المذكور‪ ،‬فصعد المنبر‪ ،‬وأخذ القراء أمامه في القراءة على كرسي موضوعة‪،‬‬
‫فتوقوا وشوقوا‪ ،‬وأتوا بتالحين معجبة‪ ،‬ونغمات محرجة مطربة‪ ،‬ثم اندفع الشيخ‬
‫اإلمام المذكور فخطب خطبة سكون ووقار وتصرف في أفانين من العلوم‪ ،‬من‬
‫تفسير كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬واردا حديث الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والتكلم على‬
‫‪0‬‬
‫معانيه‪"...،‬‬

‫وقوله أيضاً في ذلك‪ ":‬وفي هذا اليوم المذكور كان فراغنا من حفظ كتاب اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬له الشكر على ما يسر لنا من ذلك‪ "8.‬نجد في هذه الرحلة جانبًا مهمًا‬
‫وهو الجانب الديني‪ ،‬الذي كان يضمنه في كالمه واالقتباس من القرآن الكريم‬
‫واألحاديث النبوية‪ ،‬مما يوحي لنا بتمتعه بالعاطفة الدينية ‪.‬‬

‫ومن المعارف التاريخية نجد وقوفه على دار أم المؤمنين "خديجة" مولد فاطمة‬
‫الزهراء والحسن والحسين رضي اهلل عنهم" فمن مشاهدها التي عايناها قبة الوحي‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪22‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫وهي في دار خديجة أم المؤمنين‪ ،‬رضي اهلل عنها‪ ،‬وبها كان أبناء النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم بها‪ ،‬وقبة صغيرة أيضا في الدار المذكور فيها كان مولد فاطمة‬
‫الزهراء‪ ،‬رضي اهلل عنها‪ ،‬وفيها أيضا ولدت سيدة شباب أهل الجنة‪ :‬الحسن‬
‫‪4‬‬
‫والحسين‪ ،‬رضي اهلل عنهما‪" ...،‬‬

‫والجغرافية عند "ابن جبير" تتمثل في وصف "جزيرة مالطة" فيقول‪ ":‬فارسينا يوم‬
‫االثنين المذكور بجزيرة تعرف بمالطة‪ ،‬وهي جزيرة غير معمورة‪ ،‬يقال‪ :‬إنها كانت‬
‫معمورة في القديم‪ ،‬وهي مقصد العدو‪،‬وبينها وبين البر المذكور نحو ثالثين‬
‫‪8‬‬
‫ميال‪".‬‬

‫ب‪ /‬السرد‪ :‬يعتبر البنية المهمة في الكتابة الرحلية ‪ ،‬ألنها تسرد أحداثا واقعة‪،‬‬
‫ال قام بها السارد أو الرحالة‪ ،‬حيث نجد أن السرد يسير مع الرحلة من بدايتها‬
‫وأفعا ً‬
‫إلى نهايتها‪.‬‬

‫ويظهر السرد بوضوح في رحلة "ابن جبير" في مواضيع عدة أهمها ما ذكره في‬
‫حسن تعامل السلطان "صالح الدين األيوبي" معهم‪ ،‬فيقول‪ ":‬وكان يحافظ على جانب‬
‫هذا السلطان العادل الذي قد شمل البالد عدله وسار في اآلفاق ذكره‪ ،‬وال يسعي‬
‫في ها يسئ الذكر بمن قد حسن اهلل ذكره‪ ،‬ويقبح المقالة في جانب من أجمل اهلل‬
‫المقالة عنه‪ 3".‬وقوله أيضًا‪ ... ":‬اللهم إال هذا السلطان العادل صالح الدين‪ ،‬الذي‬
‫قد ذكرنا سيرته ومناقبه‪ ،‬ولو كان له أعوان على الحق‪ ،‬مما أريد اهلل عز وجل‬
‫‪0‬‬
‫يتالفى مسلمين بجميل نظره ولطيف صنعه‪".‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3 5‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪23‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫ج‪/‬الوصف‪:‬الوصف هو البنية األساسية في الخطاب الرحلى‪ ،‬كونه يصف الرحالة‬


‫كل المشاهد واألشياء التي مر بها أو رآها أثناء رحلته‪.‬‬

‫إن أدب الرحلة يتخذ الوصف عماده حيث ينقل لنا الواقع الحقيقي‪ ،‬إذ برع "ابن‬
‫جبير" في وصف البلدان والشخصيات والعادات وتقاليد البالد ‪ ،‬فوصف لنا عدد لنا‬
‫خيرات األندلس ومكة فيقول‪":‬وأما األرزاق والفواكه وسائر الطيبات‪ ،‬فكنا نظن أن‬
‫األندلس اختصت من ذلك بحظ له المزية على سائر حظوظ البالد‪ ،‬حتى حللنا‬
‫بهذه البالد المباركة‪ ،‬فألفيناها تغص بالنعيم والفواكه‪ :‬كالتين‪ ،‬العنب‪ ،‬والرمان‪،‬‬
‫والسفرجل‪ ،‬والخوخ‪ ،‬واألترج‪ ،‬والجوز‪ ،‬والمقل‪ ،‬والبطيخ‪ ،‬والقثاء‪ ،‬والخيار‪ ،‬إلى‬
‫جميع البقول كلها‪ :‬كالباذنجان‪ ،‬واليقطين‪ ،‬والسلجم‪ ،‬والجزر‪ ،‬والكرنب‪ ،‬إلى‬
‫‪0‬‬
‫سائرها‪".‬‬

‫ويستمر "ابن جبير" في وصف هذه الخيرات" وأنواع اللبن بها في النهاية من‬
‫الطيب‪ ،‬وكل ما يصنع منها من السمن‪ ،‬فانه ال تكاد تميزه من العسل طيبا ولذاذة‬
‫‪8‬‬
‫‪".‬‬

‫كما وصف "ابن جبير" مكة المكرمة الذي وصفها بعروس ليلة العمر‪ ،‬وتحدث‬
‫عن جمالها الباهر فقال‪ ":‬ودخلنا مكة‪ ،‬حرسها اهلل‪....... ،‬وكان إسراؤنا تلك الليلة‬
‫المذكورة‪ ،‬والبدر قد ألقى على البسيطة شعاعه‪ ،‬والليل قد كشف عنا‬
‫قناعه‪.......‬فهي عروس ليالي العمر وبكر بنيات الدهر‪ .‬إلى أن وصلنا في‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪24‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫الساعة المذكورة من اليوم المذكور‪ ،‬حرم اهلل العظيم ومبوأ الخليل إبراهيم‪ .‬فألفينا‬
‫‪0‬‬
‫الكعبة الحرام عروسا مجلوة مزفوفة إلى جنة الرضوان محفوفة بوفود الرحمن"‬

‫د‪ /‬الشعر‪ :‬يعتمد العديد من الرحالة في كتاباتهم على توظيف األشعار المختلفة‪،‬‬
‫فتكون من إبداع الرحالة أو اقتبسها من شعراء آخرين ‪ ،‬فهو يسعى إلى إمتاع القارئ‬
‫بهذا الخطاب الشعري ‪ ،‬والى رفع قيمة رحلته باحتوائها عددًا هائل من األشعار التي‬
‫توظف في مواضيع مختلفة‪ .‬وتتماشي مع طبيعة بناء الرحلة حيث دعم "ابن جبير"‬
‫رحلته بالشعر‪ ،‬فاستشهد بأشعار الغير‪ ،‬في قوله‪ .... " :‬ثم في أثناء مجلسه ينشد‬
‫بأشعار من النسيب مبرحة التشويق‪ ،‬بديعة الترقيق‪ ،‬تشعل القلوب وجدا‪،‬‬
‫‪ .....‬وكان آخر ما انشده من ذلك‪ ،‬وقد أخد المجلس مأخذه من االحترام‪ ،‬وأصابت‬
‫المقاتل سهام ذلك الكالم‪:‬‬

‫وأين قلبي فما صحا بعد‬ ‫أين فؤاد أذابه الوجد‬

‫باهلل ق ْل لِي فَ َ‬ ‫يا سعد ِز ِ‬


‫‪8‬‬
‫ديت يا سعد‬ ‫دني َجوى بذكرهم‬

‫كذلك نجده اقتبس بيتا من شعر أبي نواس الحسن بن هانئ في وصف مدينة‬
‫نصيبين حيث يقول‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫الدنيا نصيبين‪.‬‬ ‫نص ِ‬ ‫طابت ِ‬
‫ليت َحظي من َ‬
‫يا َ‬ ‫يبين لي يوماً فطبت لها‬ ‫ْ‬

‫وظف "ابن جبير" الشعر للتأثير في القارئ‪ ،‬ودعم رحلته‪ ،‬كذلك نظ ار لمكانة‬
‫الشعر التي يحتلها في الثقافة الغربية والعربية معا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.07‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.433‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪25‬‬
‫تيمات الخطاب الرحلي‬ ‫الفصل األول‬

‫الخالصة‪ :‬للرحلة أنواع و خصائص تختص بها عن غيرها‪ ،‬فكانت رحلة ابن‬
‫جبير من الرحالت الدينية‪ ،‬الذي سافر صاحبها من أجل تكفير عن ذنوبه ‪ ،‬فكتب كل‬
‫ما شاهده بنفسه دون تحريف أو تغير فيها‪ ،‬حيث تعتبر من الرحالت الزاخرة‬
‫بالمعارف المتنوعة ‪ ،‬منها دينية وسياسية واقتصادية‪.‬كما وصف مناسك الحج‬
‫وبعض أماكن األولياء الصلحين وقبر الرسول صل هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬الدراسة الفنية للرحلة‪.‬‬
‫بناء الرحلة شكالً ومضمونا ً‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القيمة األدبية للرحلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النظام السردي في رحلة ابن جبير‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫البناء الهيكلي للرحلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الخطاطة السردية في الخطاب الرحلي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التدوين الزمني والمكاني للرحلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الدراسة الفنية للرحلة‪.‬‬

‫‪ /4‬بناء الرحلة شكال ومضمونا‪:‬‬

‫لكل رحالة أو كاتب تصور خاص للكتابة رحلته‪ ،‬ومحاولة إخراج هذا العمل األدبي‬
‫في صورة مميزة‪ ،‬فيسعى إلى تطبيق هذا التصور الذي يتحكم فيه األسلوب طريقة‬
‫التدوين‪.‬‬

‫تتميز الرحلة عن غيرها من الفنون األدبية‪ ،‬بسمات وخصائص ومالمح ذاتية‪،‬‬


‫حيث تعتبر فنا سرديا‪ ،‬فتكشف لنا عن خصائص البناء الفني‪ ،‬واإلبداع األدبي‪ ،‬إذ‬

‫تعتبر مصد ًار تاريخيًا لمعرفة أحوال بعض المجتمعات‪ ،‬ومصد ًار جغرافيًا واقتصادياً‬
‫وتجارياً‪ ،‬ألنها تهتم بحياة الناس اليومية وعاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬فالنص الرحلي عبارة‬
‫عن وسيلة من خاللها ينقل الرحلة إلى الكتابة‪ ،‬وفق معاير فنية معينة‪.4‬‬

‫بناء الرحلة من حيث الشكل ‪:‬‬

‫إن معظم الرحالة يلتزمون في كتابة رحالتهم بمحاور البناء الفني األساسية وهي‪:‬‬

‫المقدمة‪ :‬فهي بمثابة مفتاح الرحلة‪ ،‬الذي يفتح ويمهد الفكرة للقارئ‪ .‬حيث تبدأ بحمد‬
‫اهلل والثناء عليه والصالة على الرسول صل اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫فكانت افتتاحية رحلة "ابن جبير" بالبسملة‪ ،‬وجعلها في سطر لوحدها ‪،‬ثم‬
‫الصالة على الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬فيقول "ابن جبير"‪" :‬بسم اهلل الرحمن‬
‫"‬
‫الرحيم ‪.‬اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم‬

‫ينظر‪ :‬ناصر الموافى‪ ،‬الرحلة في األدب العربي حتى نهاية القرن الرابع‪،‬دار النشر للجامعات المصرية‪ ،‬مكتبة الوفاء‪،‬‬
‫ط‪ ،4330 ،4‬ص ‪.35‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪28‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫العرض‪ :‬وهو يأتي بعد التمهيد‪ ،‬يوظف كل أساليب التعبير إلبراز الموضوع أو‬
‫الهدف الذي من أجله كانت الرحالت‪ ،‬ووصف كل ما صادف من مشاهد مر بها‬
‫الرحالة‪.‬‬

‫بدأ "ابن جبير" رحلته إلى الحج فسجل مالحظاته في كل ما شاهده من مناظر‬
‫مر بها‪ ،‬حيث نقل لنا "ابن جبير" صور صادقة عن المدن والمجتمعات اإلسالمية‬
‫في المشرق العربي من خالل رحلته فعرض لنا عاداتهم وتقاليدهم‪.‬‬

‫الخاتمة‪ :‬يختم معظم الرحالة رحالتهم بالحمد والصالة على محمد وآله وصحبه‬
‫ويحدد بعضهم الزمن الذي يستغرقه من لحظة الخروج إلى لحظة اإلياب‪.4‬‬

‫ختم "ابن جبير" رحلته بالحمد هلل ‪،‬والصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وعلى كافة المرسلين‪ ،‬فيقول في ذلك ‪ ":‬والحمد هلل على الصنع الجميل الذي أواله‪،‬‬
‫والتسيير والتسهيل الذي وااله‪ ،‬وصلواته على سير المرسلين األولين منهم‬
‫واآلخرين محمد رسوله الكريم ومصطفاه‪ ،‬وعلى آله وأصحابه الذين اهتدوا بهداه‪،‬‬
‫وشرف وكرم ‪،‬فكانت مدة مقامنا من لدن خروجنا من غرناطة إلى وقت إيابنا هذا‬
‫‪8‬‬
‫عامين كاملين وثالثة أشهر ونصفا‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪".‬‬

‫لقد اهتم "ابن جبير" بكتابة رحلته‪ ،‬بأسلوب وشكل جديد‪ ،‬فرتبها ترتيبًا‬
‫زمنياً لتكون نصا سرديا متماسكا مع بعضه البعض ‪،‬حيث وصف كل ما شاهده من‬
‫المدن والمساجد والمعالم واألطعمة والمرافق العامة التي مر بها ووصفها وصفًا دقيقًا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ينظر‪:‬نوال عبد الرحمن الشوابكة‪ ،‬أدب الرحالت األندلسية والمغربية‪ -‬حتى نهاية القرن التاسع هجري‪ -‬دار المأمون لنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ، 555 ،4‬ص‪. 34‬‬
‫‪3‬‬ ‫الرحلة ‪ ،‬ص‬

‫‪29‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فكانت الرحلة تشبه الرسائل من حيث بناءها فعادة الرسائل تفتتح بالبسملة‪،‬‬
‫كما أنها مكتوبة على شكل مذكرات يومية‪ ،‬ولم تكن في شكل كتاب بل كانت أوراقاً‬
‫منفصلة‪.‬‬

‫بناء الرحلة من حيث المضمون‪:‬‬

‫إن أدب الرحلة وعاء لكل مضمون‪ ،‬وكل مضمون قابل للتدوين‪ ،‬فهو موضوع‬
‫الحياة ألنه يتجدد في كل رحلة‪.‬حيث يتناول فيه الرحالة طابعًا موسوعيًا ومعرفيًا‬
‫وطابع إنساني وجمالي ‪ ،‬فال بد على الرحالة أن ينقل لنا معلوماته وتجاربه المختلفة‪.‬‬

‫لقد كان "ابن جبير" لغويًا وأديبًا متمكنًا من اللغة‪ ،‬فاللغة واأللفاظ والمعاني ال‬
‫بدأ أن تتناسق مع بعضها البعض " تكون األلفاظ موافقة للمعاني"‪.4‬‬

‫فكانت ألفاظ "ابن جبير" في رحلته ألفاظاً دقيقة منسجمة مع بعضها البعض‪،‬‬
‫من حيث التركيب‪ ،‬إضافة إلى تأثره بالقرآن الكريم ‪ ،‬ونجد ذلك في وصفه لجنائز‬
‫أهل "دمشق" فيقول‪ " :‬وذلك أنهم يمشون أمام الجنائز بقراء يقرؤون القرآن‬
‫بأصوات شجية تالحين مبكية‪ ،‬تكاد تنخلع لها النفوس سجوا وحنانا‪ ،‬يرفعون‬
‫أصواتهم بها فتتلقاها اآلذان بأدمع األجفان‪ ،‬وجنائزهم يصلى عليها في الجامع‬
‫‪8‬‬
‫قبال المقصورة‪."...............‬‬

‫أما عن األسلوب فكان هناك تداخل بين األساليب منها سردي والقصصي‬
‫ووصفي ‪،‬حيث اعتمد "ابن جبير" على السرد المشوق‪ ،‬واالقتباس من القرآن الكريم‪،‬‬
‫‪ ،‬ونجد ذلك في وصفه ألهوال البحر عندما شارفت سفينتهم على الغرق‬
‫فيقول‪....":‬فأخذت الرياح أحدها ومزقته وكسرت الخشبة التي تربط الشراع فيها‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫احمد الهاشمي ‪،‬جواهر البالغة ‪، ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ، 4375 ،4‬ص ‪.353‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 35‬‬

‫‪30‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وهي المعرفة عندهم بالقرية‪ ،‬فحينئذ تمكن اليأس من النفوس وارتفعت أيدي‬
‫‪0‬‬
‫المسلمين بالدعاء إلى اهلل عز وجل ‪"...‬‬

‫وال ننس أيضاً استشهاده ببعض األشعار مثل قول " قول "الحارث بن مضاض‬
‫الجرهمي" ‪:‬‬

‫أنيس ولم يسمر بم ّك َة ِ‬


‫سامر‬ ‫الصفا‬ ‫الحج ِ‬
‫ْ‬ ‫ون إلى ّ‬ ‫أن لم يك ْن َبين َ‬
‫َك ْ‬
‫‪8‬‬
‫الع َو ِاثر‬
‫صروف اللّيالي والجدود َ‬ ‫اد َنا‬
‫فأب َ‬
‫َب َلى نحن ك ّنا أه َلها َ‬

‫وقول اإلمام جمل الدين إلى الفضائل بن على الجوزي‪:‬‬

‫الذي انشد أثناء مجلسه أشعار من النسيب مبرحة التشويق‬

‫وأين قلبي فما صحا بعد‬ ‫أين الفؤاد أذابه الوجد‬

‫‪0‬‬
‫ديت يا سعد‬
‫باهلل ق ْل لي ف َ‬ ‫يا سعد ِزدني جوى بذكرهم‬

‫وفي أول مجلسه أنشد قصيد نير القبس عراقي النفس في الخليفة أوله‪:‬‬

‫‪0‬‬ ‫بسفح ِ‬
‫عاق ِل‬ ‫هاجه البرق‬ ‫ِ‬ ‫من ال َغرِام شاغل‬
‫ِ‬ ‫من َ‬ ‫في ش ْغل َ‬

‫يقول فيه عند ذكر الخليفة‪:‬‬

‫ِمن العيون لإلمام الكامل‬


‫ِ‪5‬‬ ‫ِ‬
‫كلمات اهلل كوني عوَذة‬ ‫يا‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.433‬‬
‫‪ 4‬الرحلة ص ‪. 11‬‬
‫‪0‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.433‬‬

‫‪31‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وغير ذلك فهناك الكثير من االقتباسات‪ ،‬واألشعار التي استخدمها "ابن جبير"‬
‫في رحلته وذلك قصد تأكيد كالمه للقارئ ‪.‬‬

‫كما استخدم في بعض الفقرات فنون البالغة من سجع وطباق وتشبيه وجناس‪،‬‬
‫فيقول مثال في وصفه لمدينة "مسينة*" إذ يقول ‪ ":‬هذه المدينة موسم تجار الكفار‪،‬‬
‫ومقصد جواري البحر من جميع األقطار‪ ،‬كثيرة اإلرفاق برخاء األسفار‪ ،‬مظلمة‬
‫‪0‬‬
‫اآلفاق بالكفر‪ ،‬ال يقر فيها لمسلم قرار‪ ،‬مشحونة بعيدة الصلبان‪".‬‬

‫أما عن االستعارة والتشبيه نجده في قوله‪ ":‬فتقسمت مذائب وانسابت جداول‬


‫تنبسط في مروج أخضر‪ ،‬فكأنها سبائك اللجين ممدودة في بساط الزبرجد"‪ 8.‬وقوله‬

‫ومن خالل ذلك نجد أن "ابن جبير" رحالة متميز ومتمكن من ناصية السرد‪،‬‬
‫الذي يسعى إلى تشويق القارئ وافادته ‪.‬‬

‫‪ /8‬القيمة األدبية للرحلة‪:‬‬

‫القيمة األدبية‪ :‬تكمن القيمة األدبية في رحلة "ابن جبير" في اختالف األساليب‬
‫السردية والقصصية ‪ ،‬وتداخلها فيما بينها التي تحفز القارئ وتجعله يكتسب معارف‬
‫جديدة مختلفة‪ ،‬إذ نجد في رحلة ابن جبير تنوع في المعارف والثقافات من خالل‬
‫نق ل ثقافات وعادات البلدان التي رحل إليها أو مر بها‪ ،‬دون تحريف فيها أو تعديل‬
‫فكان يسجل كل كبيرة و صغير من وقت و تاريخ دخوله إلى أي بلد‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫*مدينة مسينة‪ :‬هي مدينة ايطالية في جزيرة صقالية‪ ،‬تقع في زاوية الشمالية الشرقية لجزيرة صقيلية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ /0‬النظام السردي في رحلة "ابن جبير"‪:‬‬


‫إن الرحالة ال يمكنه أن يكتب دون مقدمات أو تخطيط‪ ،‬ألن الرحلة ال‬
‫تكتب إال بعد االنتهاء منها ‪،‬وذلك اعتماداً على الذاكرة واألفكار المخزنة‬
‫باإلضافة إلى ورؤوس أقالم المشتتة‪،‬الذي يعود بها إلى الماضي ‪.‬فهذا‬
‫التخطيط موضوع من أجل الوصول إلى غاية معينة‪ ،‬ألنه يعتبر ضروريا لكل‬
‫عمل سردي فيقول "غريماس" ‪ ": GRIMAS‬الحظ أن السرد يكون مبنيًا‬
‫بصورة مسبقة حتى قبل تشكله‪ ،‬وهذا هو ما يسمي باإلطار الشكلي لجنس‬
‫‪4‬‬
‫السرد‪" .‬‬
‫فللرحلة أهداف وغاية يضعها الرحالة من أجل رحلته ‪ ،‬فيضع لها تصميم‬
‫البناء ويسعى إلى إنجاز هذا التصميم وتجسيده على أرض الواقع‪ ،‬ألنها‬
‫كغيرها من النصوص تحتاج إلى تصميم يناسب طبيعتها وهذا التصميم الذي‬
‫يبينه الشكل أدناه‪ ،‬المتشكل على أعمدة أساسية وهي ‪ :‬العنوان والمقدمة‬
‫والمتن وهو مضمون الرحلة والخاتمة‬
‫المخطط التالي يبين تصميم البناء الهيكلي للرحلة‬

‫‪4‬‬
‫طاهر حسيني‪ ،‬الرحلة الجزائرية في العهد العثماني ـ بناءها الفني وخصائصها ـ أطروحة لنيل درجة دكتوراه العلوم في‬
‫األدب العربي ‪ ،‬إشراف العيد جلولي‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح‪ 543 ،‬ـ ‪ ، 544‬ص ‪.33‬‬

‫‪33‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪4‬‬
‫عنوان الرحلة‬ ‫البناء الهيكلي للرحلة‬
‫رحلة "ابن جبير"‬

‫التقديم‬

‫عنصر ‪ :4‬نبذة عن حياة المؤلف وهو ابن جبير‬

‫عنصر ‪ :‬بدأها بالبسملة والصالة علي سيدنا محمد "ص"‬

‫عنصر‪ :3‬أهمية هذه الرحلة ونوعها والفائدة منها‬

‫المتن‬

‫محطات ‪ :‬االنطالق‪،‬من غرناطة‪،‬الوصول إلى مكة‪،‬االنطالق من الكوفة ثم بغداد‬


‫الوصول إلى بالده غرناطة‪.‬‬

‫المصاعب‪ :‬الطبيعية والبشرية‪ ،‬مثل موقف الخزي والمهانة وقطاع الطرق الذين‬
‫اعترضوا طريق الحجاج والعبث في أمتعتهم و تفتيشها‪.‬‬

‫المشاهد‪ :‬برية بحرية عمرانية مثل آثار بنيان قديمة ‪،‬ومصانع وأهرامات قديمة‪.‬‬

‫لقاء اآلخر‪ :‬تواصل تأثير وتأثر عادات وتقاليد مثل حضور مجالس العلم والوعظ‬
‫والخطب في تفسير القران الكريم‪ .‬ولقاء المشايخ والعلماء‪.‬أخبار قصص وحكايات‬
‫واقعية وخيالية‬

‫الختام‬
‫رحلة دون عودة ـ ـ رحلة بعودة‬

‫‪4‬‬
‫ينظر‪ :‬طاهر حسيني‪،‬الرحلة الجزائرية في العهد العثماني‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪34‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ /4‬الخطاطة السردية في الخطاب الرحلي‪:‬‬

‫تعد الرحلة خطاب مكتوب ألحداث واقعيه ونقل لمشاهدات من قبل شخصية‬
‫حقيقية‪ ،‬حيث احتوت رحلة" ابن جبير" على محطات سردية مثل‪ :‬االستعداد للسفر‬
‫وطريق الذهاب واإلياب وأخي ار الوصول إلى المكان المقصود‪ ،‬إذ يمكن أن نضع‬
‫تفاصيل إخبارية في كل المحطات السردية التي نتطرق إليها‪:4‬‬

‫سردية االنطالق‪ :‬وهو أن يستعد الرحالة للسفر‪ ،‬ويبين وجهته وزمن انطالقه من‬
‫موطنه‪.‬‬

‫انطلق "ابن جبير" من غرناطة في ‪ 5‬شوال سنة ‪075‬هـ ‪ 3‬من فبراير سنة‬
‫‪4453‬م‪ ،‬وركب البحر في سفينة لبعض "أهل جنوة" ‪ ،‬قاصدا إلى اإلسكندرية فيقول‪:‬‬
‫" كان انفصال أحمد بن حسان ومحمد بن جبير من غرناطة حرسها اهلل‪ ،‬للنية‬
‫الحجازية المباركة ‪......... ،‬كان الخروج منها أول ساعة من يوم االثنين التاسع‬
‫‪8‬‬
‫عشر لشهر شوال المذكور "‬

‫سردية الذهاب‪ :‬و في طريقه يسرد لنا الرحالة مشاهداته واألحداث التي تعرض إليها‬
‫أثناء هذه الرحلة مع ذكر الزمان والمكان ‪ ،‬ونجد ذلك متوف ار في رحلة "ابن جبير"‬
‫‪،‬حيث أنه أسهب كثي ار في وصف وسرد األحداث والمشاهد المختلفة في كل بلد مر‬
‫بها أو زارها‪ ،‬فيقول‪ " :‬وقام علينا نوء هال له البحر صبيحة يوم الثالثاء المذكور‪،‬‬
‫فبقينا مترددين بسببه حول بر سردانية إلى يوم األ ربعاء بعده"‪.0‬‬

‫ينظر‪ :‬فاطمة بوطبسو ‪ ،‬أدبية الخطاب في رحلة نور األندلس ‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في األدب الحديث‪،‬‬
‫إشراف عبد اهلل حمادى‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ 545 ،‬ـ ‪ 544‬ص‬
‫الرحلة‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪35‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وقوله أيضا في وصف أهوال البحر‪ " :‬وفي ليلة األربعاء بعدها من أولها‬
‫عصفت علينا ريح هال لها البحر وجاء معها مطر ترسله الرياح بقوه كأنه شآبيب‬
‫سهام‪ .‬فعظم الخطب واشتد الكرب وجاءنا الموج من كل مكان أمثال الجبال‬
‫السائر‪ ، "0‬فكان يسرد كل ما تعرض إليه أثناء سفره‪ ،‬وما شاهده من أماكن وآثار‬
‫تاريخية‪ ،‬وعادات وتقاليد مختلفة‪.‬‬

‫الوصول‪ :‬وهنا يحدد الرحالة زمن وصوله إلى المكان المقصود‪ ،‬مع سرد مغامرات‬
‫الرحلة ‪.‬لقد وصل "ابن جبير" بعد معاناة ومشاق البحر الذي تعرض إليه ورصد كل‬
‫تفاصيل الرحلة‪ ،‬حيث يقول‪ ":‬وفي صبيحة يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر‬
‫المذكور أطلع اهلل علينا البشري بالسالمة بظهور منار اإلسكندرية على نحو‬
‫‪8‬‬
‫العشرين ميال‪ ،‬والحمد هلل على ذلك حمدا يقتضي المزيد من فضله وكريم صنعه‪".‬‬
‫وقوله أيضا في ذلك ‪ ":‬وفي آخر الساعة الخامسة منه كان إرساؤنا بمرسى البلد‪،‬‬
‫ونزولنا إثر ذلك‪ ،‬واهلل المستعان فيما بقي بمنه‪ ،‬فكانت إقامتنا على متن البحر‬
‫ثالثين يوما‪ ،‬ونزلنا في الحادية والثالثين‪ ،‬ألن ركوبنا إياه كان يوم الخميس التاسع‬
‫والعشرين من شهر شوال‪ ،‬ونزلنا عنه في يوم السبت التاسع والعشرين من شهر‬
‫ذي القعدة‪ 0"........ ،‬فأدى الفريضة وزار المدينة‪ ،‬وظل في المدينة ستة أشهر‬
‫ينهل من ينابيع النور الذي أشرق على العالمين منذ ولد محمد سيد الخلق أجمعين‪.‬‬

‫العودة‪ :‬وهي أيضا يحدد فيها الرحالة زمن ومكان خروجه من ذلك البلد‪ ،‬متجها إلى‬
‫بلده‪ .‬بعدما أدى "ابن جبير" فريضة الحج ‪ ،‬وارتوى من علمهم‪ ،‬هاهو يستعد لمغادرة‬
‫البالد والعودة إلى وطنه ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪36‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫االنطالق‪ :‬أن يستعد للعودة إلى موطنه األصلي ‪،‬وتحديد زمن ومكان االنطالق‪،‬‬
‫فيقول "ابن جبير" في ذلك‪ " :‬فأقمنا بالزاهر ثالثة أيام نجدد العهد كل يوم بالبيت‬
‫العتيق‪ ،‬ونعيد وداعه‪ .‬فلما كان ضحوة يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي‬
‫الحجة المذكور‪ ،‬أقلعة المحلة على تؤدة ‪ .....‬واهلل كفيل بالسالمة والعصمة‬
‫‪0‬‬
‫بمنه"‬

‫كذلك يسرد لنا الرحالة مشاهدات ومغامرات طريق العودة بكل‬ ‫سردية اإلياب‪:‬‬
‫تفاصيلها‪.‬‬

‫بعد أن خرج "ابن جبير" من مكة‪ ،‬اتخذ طريق "النجد" إلى "كوفة"‪ ،‬ثم زار‬
‫"بغداد" ثم "الموصل"‪ ،‬لم يكن يمر مرو ار عاب ار بهذه البلدان‪ ،‬بل كان يمكث لبعض‬
‫الوقت يدرس ويتأمل ويتفحص ويسجل كل مشاهداته ومغامراته‪ ،‬ثم انتقل إلى "الشام"‬
‫إذا قرر أن يعود عن طريق "سوريا"‪ ،‬فمضى عبر المستعمرات الصليبية‪ ،‬وأخي ار‬
‫ركب البحر من "عكا" عائدا إلى بالده على مركب مسيحي‪ ،‬وألمت المركب "بصقلية"‬
‫فنزل بها وطاف ببالدها‪.‬‬

‫الوصول‪ :‬تحديد مكان وزمن الوصول ووصف حالة الرحالة بعد السفر وطقوس‬
‫الوصول من دعاء ومالقاة األحباب‪.‬‬

‫وصل "ابن جبير" إلى بالده "غرناطة" في ‪ 40‬من محرم سنة ‪054‬هـ ـ ‪ 0‬من‬
‫أفريل سنة ‪4450‬م‪ ،‬فيقول‪ .... " :‬ثم منها يوم الخميس الثاني والعشرين لمحرم‪،‬‬
‫والخامس والعشرين ألبريل إلى المنزل بغرناطة‪..........‬فكانت مدة مقامنا من لدن‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.400‬‬

‫‪37‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫خروجنا من غرناطة إلى وقت إيابنا هذا عامين كاملين وثالثة أشهر ونصفا‪،‬‬
‫‪0‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪".‬‬

‫‪ /8‬التدوين الزمني والمكاني للرحلة‪:‬‬

‫يعتبر المكان والزمان من التقنيات السردية المهمة‪ ،‬التي ال يمكن االستغناء‬


‫عنهما‪ ،‬في أي عمل أدبي‪ ،‬فمن خاللهما تجرى األحداث وفق تسلسل زمني ومكاني‪،‬‬
‫إذ أن الرحلة ال تنفصل عن عنصرين مهمين من المكونات السردية وهي الزمن‬
‫والمكان‪.‬‬

‫أ‪ /‬التدوين الزمني في رحلة "ابن جبير"‪:‬‬

‫إن الزمن عنصر من العناصر المهمة في النص الرحلى‪ ،‬إذ ال يخلو أي عمل‬
‫أدبي من الزمن‪ ،‬ألنه يعتبر الخيط الذي يربط بين األحداث الماضية والحاضرة‬
‫والمستقبل‪ ،‬فنجد في بداية العمل سردي لحظة زمنية كما أن لنهايتها أيضا لحظة‬
‫زمنية ‪ ،‬ألنه يساعد على تنظيم األحداث وترتيبها في اإلطار الذي يضفي عليها‬
‫الواقعية‪ ،‬ويكسبها الصدق‪ ،‬وتساعد أيضا في رصد جوانب حياة الناس اليومية خالل‬
‫فترة زمنية معينة‪ ،‬فتقول "يمنى العيد" في ذلك ‪" :‬الشئ الذي نقص عنه زمنه ‪ ،‬لكن‬
‫‪3‬‬
‫لفعل القص نفسه زمنه ؟ أي زمن القص‪".‬‬

‫حيث نالحظ في رحلة "ابن جبير" أنه اعتمد على التدوين الزمني‪ ،‬واهتم بالتتابع‬
‫الزمني منذ لحظة خروجه حتى عودته‪ ،‬فكلما زار بلد أو مر بها‪ ،‬ذكر التاريخ باليوم‬
‫والشهر والسنة بكل دقة وتفصيل‪ ،‬مع ذكر الوقت إذ كان صبحا أو ظه ار أو مغربا‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.3‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬ص‬
‫ينظر‪ :‬أحمد حاجي‪ ،‬أدب الرحلة والمثاقفة‪ ،‬رحلة القلصادى انمودج ‪ ،‬الملتقي العلمي العالمي التاسع للغة العربية ومؤتمر‬
‫الخامس اتحاد مدرسي للغة العربية بأندونيسيا‪( ،‬د ت)‪ ،‬ص ‪.4543‬‬
‫‪3‬‬
‫يمني العيد‪ ،‬تقنيات السرد الروائي‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪38‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فيقول في بداية رحلته‪ " :‬ابتدئ بتقييدها يوم الجمعة الموفي ثالثين لشهر شوال‪،‬‬
‫ثمان وسبعين وخمس مائة‪ ،‬على متن البحر بمقابلة جبل شلير "‪ 0‬وقوله أيضا‪" :‬‬
‫وفي يوم الجمعة السادس عشر منه خرجت قافلة كبيرة من الحجاج‪.....‬وفي‬
‫جمادي الثانية قبله كانت أيضا زيارة أخرى لبعض الحجاج في قافلة ‪........‬وفي‬
‫‪8‬‬
‫ا لتاسع عشر من شعبان كان انصراف هذه القافلة الكبيرة في كنف السالمة‪".‬‬

‫كذلك في السياق نفسه يستمر في تدوين التاريخ إذ يقول‪ " :‬وفي ضحوة يوم‬
‫السبت الثامن لمحرم المذكور‪ ،‬والحادي والعشرين من شهر أبريل‪ ،‬كان رحيلنا من‬
‫المدينة المكرمة إلى العراق‪ 0".‬ويقول أيضا‪ ":‬وأقمنا بها يوم األحد المذكور ويوم‬
‫االثنين بعده‪ ،‬وهو الثاني ليوليو إلى أول الظهر‪ ،‬ورحلنا منها وتمادينا إلى العشي‬
‫‪ ......‬وتمادى سيرنا إلى الضحى األعلى من يوم الثالثاء الثاني والعشرين من‬
‫الشهر المذكور‪ 0".‬من خالل الجدول التالي يمكن أن نستخرج بعض الزمن الموجود‬
‫في الرحلة ‪:‬‬

‫الصفحة‬ ‫رحلة اإلياب التاريخ‬ ‫الصفحة‬ ‫رحلة الذهاب التاريخ‬


‫محرم‪/‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الكوفة‬ ‫شوال‬ ‫‪5‬‬
‫‪454‬‬ ‫‪ 4‬مايو‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ 43‬فبراير‬ ‫غرناطة‬
‫‪4075‬‬
‫يوم‬ ‫ظهر‬ ‫قصر‬
‫‪453‬‬ ‫‪ 3‬محرم‬ ‫زبالة‬ ‫الثالثاء‬ ‫مصمودة‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫الرحلة ‪،‬ص ‪.457‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.477‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة ‪،‬ص ‪. 34‬‬

‫‪39‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ 7‬فبراير‬

‫‪45‬‬ ‫‪ 3‬محرم‬ ‫بلورة‬ ‫‪ 5‬فبراير‬ ‫اإلسكندرية‬


‫قرية الفراش ثالثاء‬ ‫ذي‬ ‫الخروج من ‪45‬‬
‫‪455‬‬ ‫صفر‬ ‫‪4‬‬ ‫‪0‬‬ ‫قعده‬ ‫سردانية‬
‫مارس‬
‫قبيل الظهر‬ ‫صبيحة‬
‫‪435‬‬ ‫يوم‬ ‫من‬ ‫بغداد‬ ‫‪5‬‬ ‫األحد‬ ‫دمنهور‬
‫األربعاء‬ ‫‪44‬‬ ‫ذي حجة ‪3‬‬
‫أفريل‬
‫‪ 40‬صفر‪/‬‬ ‫أفريل‬ ‫‪3‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ 5‬مايو‬ ‫الموصل‬ ‫‪0‬‬ ‫‪73/‬ه ـ‬ ‫مصر‬
‫‪54‬‬ ‫قرية الحربة ‪ 43‬صفر‬ ‫‪7‬‬ ‫الخروج من ‪ 44‬محرم‪/‬‬
‫‪ 3‬أفريل‬ ‫مصر‬
‫‪54‬‬ ‫‪ 45‬صفر‬ ‫شط دجلة‬ ‫‪34‬‬ ‫محرم‬ ‫‪4‬‬ ‫قوص‬
‫‪ 43/‬مايو‬
‫‪50‬‬ ‫‪ 43‬صفر‪/‬‬ ‫مدينة‬ ‫ربيع‬ ‫إلى ‪0‬‬ ‫العبور‬
‫‪ 4‬يونيه‬ ‫تكريت‬ ‫‪43‬‬ ‫األول‪45/‬‬ ‫جدة‬
‫يوليو‬
‫‪53‬‬ ‫صفر‪/‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الحرم‬
‫‪ 4‬يونيه‬ ‫قيارة‬ ‫‪34‬‬ ‫سبتمبر‪/‬‬ ‫المقدس‬
‫شهر‬
‫جمادى‬
‫‪44‬‬ ‫ربيع األول‬ ‫مدينة‬ ‫الصعود إلى ‪ 43‬ه ـ‪3 /‬‬
‫‪ 4 /‬يونيه‬ ‫نصيبين‬ ‫‪4 3‬‬ ‫فبراير‬ ‫منى‬

‫‪40‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ليلة األربعاء‬ ‫تل عبدة‬ ‫ذي‬ ‫‪5‬‬


‫‪4‬‬ ‫ربيع‬ ‫‪3‬‬ ‫‪400‬‬ ‫حجة ‪4 /‬‬ ‫محلة‬
‫األول‬ ‫أفريل‬
‫ربيع‪/‬‬ ‫‪44‬‬ ‫مدينة منبج‬ ‫ذي ‪407‬‬ ‫‪4‬‬ ‫عسفان‬
‫يونيه‬ ‫حجة‬
‫ربيع‬ ‫‪43‬‬ ‫مدينة‬ ‫من بدر إلى ‪44‬أفريل‪/‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫األول‬ ‫حلب‬ ‫‪434‬‬ ‫‪405‬ه ـ‬ ‫الصفراء‬
‫يونيه‬
‫‪33‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪477‬‬ ‫محرم‬ ‫‪5‬‬ ‫العراق‬
‫يوليه‬ ‫دمشق‬ ‫‪ 4/‬ابريل‬
‫‪7‬‬ ‫‪ 0‬جمادى‪/‬‬ ‫عكا‬ ‫‪454‬‬ ‫محرم‪/‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الثعلبية‬
‫‪ 43‬سبتمبر‬ ‫‪ 3‬مايو‬
‫‪30‬‬ ‫مدينة مسينة ‪ 3‬رمضان‬

‫‪340‬‬ ‫‪ 4‬فبراير‬ ‫أطرابنش‬

‫ذي‬ ‫‪7‬‬ ‫جزيرة‬


‫‪3 5‬‬ ‫حجة‬ ‫سردانية‬
‫الخميس‬
‫‪3‬‬ ‫محرم‪/‬‬ ‫غرناطة‬
‫‪ 0‬أفريل‬
‫من خالل هذا الجدول وتتبعنا لرحلة "ابن جبير"‪ ،‬نجد أنه كان يسجل تاريخ‬
‫دخوله إلى أية مدينة‪ ،‬وتاريخ خروجه منها باليوم والشهر والوقت‪ ،‬كما كان يسجل‬
‫بعض التواريخ المتعلقة بعادات واالحتفاالت التي كانوا يقومون بها مثل قوله‪ ":‬وفي‬
‫ليلة الثالثاء السابع والعشرين منه‪ ،‬أعنى رجب ظهر ألهل مكة أيضا احتفال عظيم‬

‫‪41‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫في الخروج إلى العمرة لم يقصر عن االحتفال األول‪ 0.....‬وهذه االحتفاالت كان‬
‫يقوم بها أهل "مكة" وهذا االحتفال يسمونه بعمرة األكمة‪ ،‬ونجد أيضا قوله‪ " :‬وفي‬
‫ضحوة يوم األربعاء الثالث من الشهر المبارك المذكور‪ ،‬كنا جلوسا بالحجر المكرم‬
‫‪8‬‬
‫وهذا ما‬ ‫فسمعنا دبادب األمير مكثر وأصوات نساء مكة يولولن عليه ‪".....‬‬
‫يجعل هذه الرحلة وثيقة تاريخية مرتبطة بزمن معين كما يضفي عليها الواقعية‬
‫ويكسبها الصدق‪ ،‬وأن هذه الرحلة موجودة فعال وقام بها صاحبها في فترة معينة‪،‬‬
‫فالزمن يعتبر خاصية من الخصائص التي تميز بها الرحلة عن غيره من األعمال‬
‫السردية األخرى‪.‬‬

‫ب‪ /‬التدوين المكاني في رحلة ابن جبير‪:‬‬

‫تتميز رحلة "ابن جبير" بوفرة األمكنة المتنوعة‪ ،‬التي شكلت دو ار بار از مهما‪ ،‬في‬
‫التعرف على األماكن الجديدة‪ ،‬ومن هذه األماكن نجد‪:‬‬

‫‪ /0‬أمكنة المجتمعات السكنية‪ :‬مثل المدينة‪ ،‬القرية‪ ،‬والجزيرة‪ ،‬والقلعة‪ ،‬والحصن‬


‫حيث يقول في مدينة "دنيصر"‪ " :‬هي في بسيط من األرض فسيح‪ ،‬وحولها بساتين‬
‫الرياحين والخضر‪ ،‬تسقي بالسواقي‪ ،‬وهي مائلة الطبع إلى البادية‪ ،‬وال سور لها‬
‫‪ 0"....‬ووصفه أيضا لقرية برمة فيقول‪ ":‬واتصل سيرنا إلى موضع يعرف ببرمة فكان‬
‫‪0‬‬
‫مبيتنا بها‪ ،‬وهي قرية كبيرة فيها السوق وجميع المرافق‪" .‬‬

‫أما عن الجزيرة فوصفها بقوله‪ " :‬وفي صبيحة يوم الجمعة السابع من الشهر‬
‫المذكور آنفا قابلنا بر جزيرة يابسة ثم يوم السبت بعده قابلنا بر جزيرة‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.457‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.447‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪42‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ميورقة‪......‬و فارقنا بر هذه الجزيرة المذكورة وقام معنا بر جزيرة سردانية أول‬
‫‪0‬‬
‫ليلة ثالثاء ‪"...‬‬

‫‪ /8‬أمكنة السكن الكبرى والصغرى‪ :‬مثل الفندق والبيت والحجرة‪ ،‬حيث يقول في‬
‫وصف البيت‪ ... " :‬ويدخل منه إلى بيت كبير سعته نحو خمسين شبرا ‪".....‬‬
‫ويذكر مقامه في صقلية بأحد الفنادق فيقول‪ " :‬فكان نزولنا في أحد الفنادق وأقمنا‬
‫بها تسعة أيام" ‪. 0‬‬

‫‪ /3‬مؤسسات عامة ‪ :‬المساجد‪ ،‬والمدارس‪ ،‬واألسواق‪ ،‬والحمامات‪ ،‬الكنائس‪.‬‬

‫فيصف المساجد‪ ":‬و في أعاله مسجد موصوف بالبركة يتبرك الناس بالصالة‬
‫فيه"‪ 0.‬كما أنه يذكر األسواق ويصفها بقوله‪ " :‬فيه األسواق وسائر ما يحتاجه إليه‬
‫‪5‬‬
‫من مرافق‪ ....‬وقمحها يجلب إلى مصر لطيبه ورزانة حبته‪".....‬‬

‫أما بالنسبة إلى المدارس فيقول في ذلك‪ " :‬والمدارس بها نحو ثالثين‪ ،‬وهي‬
‫كلها بالشرقية‪ ،‬وما منها مدرسة إال وهي يقصر القصر البديع عنها‪ ...... ،‬ولهذه‬
‫‪1‬‬
‫المدارس والمارستانات شرف عظيم وفخر مخلد‪".‬‬

‫ويقول أيضا في الحمامات‪ " :‬وأما حماماتها فال تحصي عدها‪ ،‬وذكر لنا أحد‬
‫أشياخ البلد أنها بين الشرقية والغربية نحو األلفي حمام‪ ........ ،‬وحمامات هذه‬
‫‪0‬‬
‫الجهات أكثرها على هذه الصفة لكثرة القار عندهم‪" .‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬ص‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪0‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 3‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 5‬‬

‫‪43‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ /0‬أمكنة تاريخية‪ :‬المقابر‪ ،‬المنابر‪ ،‬األهرامات‪ ،‬اآلبار‪ ،‬المغارات‪ ،‬الهياكل‪ .‬فنجد‬


‫هذه األماكن التاريخية متوفرة بشكل جلي في هذه الرحلة فيقول مثال في وصف‬
‫األهرامات‪ " :‬وعلى مقربة من هذه األهرام بمقدار غلوة صورة غريبة من حجر‬
‫‪8‬‬
‫وقوله‬ ‫‪......‬وجهه إلى األهرام وظهره إلى القبلة مهبط النيل‪ ،‬تعرف بابى األهوال"‬
‫أيضا في وصف الهياكل‪ " :‬ومن أعظم الهياكل المحدث بغرائبها في الدنيا هيكل‬
‫عظيم في شرقي المدينة المذكورة ‪ 0"....‬ونجد أيضا ذكره لمدافن األنبياء الصالحين‬
‫فيقول‪ " :‬وخارج هذه البلد الجبانة العتيقة‪ ،‬وهي مدفن األنبياء والصالحين وبركتها‬
‫شهيرة‪ ،‬وفي طرفها مما يلي البساتين وهدة من األرض متصلة بالجبانة‪ ،‬وذكر أنه‬
‫‪0‬‬
‫مدفن سبعين نبيا‪".‬‬

‫‪/5‬مسارات وطرق‪ :‬الزقاق‪ ،‬القنطرة‪ ،‬الدهاليز‪ ،‬فيقول في وصف القنطرة‪ " :‬ومن‬
‫مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بناءها‬
‫بغرب مصر"‪ 5‬ووصفه لدهاليز أيضا‪ " :‬وللشرقي والغربي والشمالي أيضا من هذه‬
‫األبواب دهاليز متسعة‪ ،‬يفضي كل دهاليز منها إلى باب عظيم‪ ،‬كانت كلها مداخل‬
‫‪1‬‬
‫للكنيسة فبقيت على حالها‪ ،‬وأعظمها منظرا الدهاليز المتصل بباب جيرون‪".‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪.‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬ص‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 3‬‬
‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫‪0‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪. 44‬‬

‫‪44‬‬
‫الدراسة الفنية للرحلة‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪/1‬أمكنة طبيعية‪ :‬البحر‪ ،‬الجبال‪ ،‬النهر‪ ،‬الصحراء‪ .‬حيث يصف "ابن جبير" أهوال‬
‫البحر في رحلته فيقول‪ " :‬عصفت علينا ريح هال لها البحر وجاء معها مطر ترسله‬
‫‪0‬‬
‫الرياح بقوة كأنه شبابيب سهام "‬

‫لقد كان "ابن جبير" دور فعال في إبراز جمالية المكان من خالل استعمال‬
‫أسلوبه في وصف األماكن المختلفة وذلك بتفاعله مع حركة الزمن‪ ،‬حيث وصف‬
‫الرحلة وفق تسلسل األحداث الزمنية والمكانية‪ ،‬فالمكان هو الخلفية التي تقع فيها‬
‫األحداث الرحلة وفق زمن معين‪ ،‬فهم يتفاعالن مع بعضهما البعض في نسيج العمل‬
‫األدبي ‪.‬‬

‫الخالصة‪ :‬رحلة ابن جبير رحلة دينية قام بها صاحبها من أجل تأدية الحج‪ ،‬إذ كتبها‬
‫بأسلوب وابداع أدبي خاص فجعلها على شكل مذكرات يومية‪ ،‬فكان يسجل كل‬
‫مالحظاته أثناء ذهابه وعودته مع ذكر المكان و زمن مروره أو توقفه في مكان ما‪،‬‬
‫كما سرد لنا عادات وتقاليد البلدان المختلفة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الرحلة‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪45‬‬
‫الخــــــــــــــاتمة‬

‫وفي ختام هذه الدراسة والتحليل في رحلة "ابن جبير"‪ ،‬أصل في النهاية إلى أهم‬
‫النتائج وهي ‪:‬‬

‫‪ ‬إن رحلة "ابن جبير" رحلة واقعية منبثقة من الواقع ‪ ،‬حيث أن هذه الخاصية هي‬
‫أهم ما يميز أدب الرحلة عن غيره من األنواع األدبية األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬رحلة "ابن جبير" هي عبارة عن فن من الفنون السردية التي تعتمد على القص‪،‬‬
‫حيث قام بالرحلة بنفسه‪ ،‬وخاض غمار الرحلة وعاش مخاطرها وأهوالها‪.‬‬
‫‪ ‬المقصد األساسي لرحلة "ابن جبير" هو مقصد ديني ألداء فريضة الحج‪،‬‬
‫باإلضافة إلى االطالع على الثقافات المختلفة‪ ،‬وحب المعرفة بزيارة بعض‬
‫األماكن األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬كتبت رحلة "ابن جبير" بشكل مذكرات يومية‪ ،‬في أوراق منفصلة كتبها أثناء‬
‫رحلته‪ ،‬فهي أشبه بأن تكون مذكرات شخصية ‪.‬‬
‫‪ ‬لقد صاغ لنا "ابن جبير" رحلته بأسلوب سلس‪ ،‬ولغة سهلة بسيطة مشوقة تتسم‬
‫بحسن السرد‪ ،‬ودقة الوصف‪ ،‬وروعة التصوير‪ ،‬وخفة السجع‪ ،‬التي من خاللها‬
‫اكسبها السمة األدبية والقيمة الفنية‪.‬‬
‫‪ ‬اعتمد "ابن جبير" في رحلته على ضمير الجمع‪ ،‬كونه شخصية اجتماعية مميزة‬
‫نابعة من رحم المجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬تعتبر رحلة "ابن جبير" خطاب أدبي إبداعي‪ ،‬صور فيها كل ما وقع له من‬
‫أحداث مختلفة‪ ،‬وما صدفه من أشياء أثناء رحلته المألوفة وغير المألوفة‪.‬‬
‫‪ ‬انحصرت الثقافة في رحلة "ابن جبير"‪ ،‬في المعرفة الدينية وذلك من خالل ذكر‬
‫الفقهاء والوعاظ واللقاء بهم وأخذ العلم منهم‪ ،‬مما أكسب هذه الرحلة الطابع‬
‫الديني‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الخــــــــــــــاتمة‬

‫‪ ‬لقد اعتمد "ابن جبير" على النظام السردي في رحلته‪ ،‬حيث احتوت هذه الرحلة‬
‫على محطات سردية مختلفة وهي االستعداد للسفر ثم طريق الذهاب ثم اإلياب‬
‫وأخي ار الوصول إلى المكان المقصود‪ ،‬ووصف كل هذه المحطات وصفاً دقيقاً‪.‬‬
‫‪ ‬تعتبر تقنية الوصف الذي اعتمدها "ابن جبير" ميزة من مميزات الخطاب الرحلي‬
‫التي تتفرد بها عن باقي الخطابات األخرى‪ ،‬كونها تصور الواقع الحقيقي‪.‬‬
‫‪ ‬كان "ابن جبير" دقيقًا في مالحظته فيما احتوته رحلته من مادة غنية عن التجارة‪،‬‬
‫واجراءات الجمارك والضرائب‪ ،‬وأحوال البحر وعن أنواع السفن وطريقة صيانتها‪.‬‬
‫‪ ‬اعتمد "ابن جبير" على وصف المدن والطرق والعمران والبلدان‪ ،‬وأخبار الناس‬
‫وعادتهم والحوادث الغريبة‪ ،‬التي من خاللها تشكل أدبًا ثريًا واكتساب ثقافات‬
‫الغير‪.‬‬
‫‪ ‬وظف "ابن جبير" في رحلته مجموعة من األشعار المختلفة‪ ،‬نظ اًر لمكانة الشعر‬
‫وتأثيره في نفس القارئ‪.‬‬
‫‪ ‬تتميز رحلة "ابن جبير" بسمات وخصائص فنية‪ ،‬يلتزم بها الرحالة من خالل‬
‫الشكل وطرق التدوين‪.‬‬
‫‪ ‬معظم الرحالة يلتزمون في كتابة رحالتهم بمحاور البناء الفني األساسية وهي ‪،‬‬
‫المقدمة والعرض والخاتمة‪ ،‬حيث نجد ذلك جلياً في رحلة "ابن جبير"‪ ،‬فبدأ‬
‫مقدمته بحمد هلل والثناء عليه‪ ،‬وفي العرض اعتمد على الوصف والسرد كل ما‬
‫صادفه‪ ،‬ثم ختم بالحمد والصالة على محمد واله وصحبه وحدد الزمن الذي‬
‫استغرقته الرحلة ‪.‬‬
‫‪ ‬اعتمد "ابن جبير" على السرد المشوق‪ ،‬واالقتباس من القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬استخدم مجموعة من الفنون البالغية منها الوصف والطباق والسجع والتشبيه‬
‫واالستعارات المختلفة‪ ،‬كونه رحالة متميز ومتمكن من السرد‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الخــــــــــــــاتمة‬

‫‪ ‬تحتوى الرحلة على قيمة معرفية مهمة ومتنوعة‪ ،‬إذ تمثل الجزء األساسي من‬
‫التاريخ االجتماعي للشعوب‪ ،‬كونها موسوعة معلومات ومعارف إنسانية يستقى‬
‫منه الكثير من الباحثين معلوماتهم‪.‬‬
‫‪ ‬وضع ابن جبير في رحلته نظام سردي‪ ،‬يتكون من عنوان الرحلة‪ ،‬ثم التقديم‪ ،‬ثم‬
‫المتن وهي المحطات التي مر بها أو توقف عندها‪ ،‬وأخي ار الخاتمة‪.‬‬
‫‪ ‬لقد اهتم "ابن جبير" بالتتابع الزمني‪ ،‬في رحلته منذ لحظة خروجه حتى عودته‪،‬‬
‫حيث اعتمد على التاريخ الهجري والميالدي في كل محطة يقف عندها أو بلد مر‬
‫به‪ ،‬مع ذكر اليوم‪ ،‬وذلك ألن الزمن يعتبر من أهم العناصر التي تساعد في‬
‫تنظيم وضبط أحداث الرحلة‪ ،‬كما يضفي عليها الصدق والواقعية‪.‬‬
‫‪ ‬نجد في رحلة "ابن جبير" وفرة األمكنة المتنوعة‪ ،‬التي تجري فيها األحداث‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫‪ ‬لقد ساهم "ابن جبير" في التعرف على األماكن الجديدة ومعرفة عاداتهم‬
‫وتقاليدهم‪.‬‬
‫‪ ‬ساهمت رحلة "ابن جبير" في توضيح مناسك الحج لمعاصريه‪ ،‬وبيان المسالك‬
‫التي ينبغي عليهم إتباعها للقيام بهذه الفريضة‪.‬‬

‫باختصار هذا ما حاول البحث أن يقوله عن أهمية أدب الرحالت‪ ،‬وفي‬


‫الختام أسأل اهلل تعالى أن يكون قد حالفني التوفيق في إبراز أهم النتائج التي‬
‫توصلت إليها‪ ،‬محققة بذلك الهدف المرجو من هذا البحث‪ ،‬فإن أصبت فبتوفيق من‬
‫اهلل وان أخطأت فمن نفسي‪ ،‬أسأل اهلل أن يوفقني إلى الرأي السديد ويلهمني الخير‬
‫والرشاد‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل ربي العالمين‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الخــــــــــــــاتمة‬

‫‪50‬‬
‫المصـــــــــــــادر و المــــــــــراجع‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ ‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫المصادر‪:‬‬

‫‪ .0‬ابن جبير‪ ،‬رحلة ابن جبير‪ ،‬سلسلة األنيس للطباعة النشر‪ ،‬ط‪. 545 ،4‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪ .0‬أحمد الهاشمي‪ ،‬جواهر البالغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.4375 ، -4‬‬


‫‪ .8‬ابن خلدون عبد الرحمن‪ ،‬مقدمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم الشدادي‪ ،‬خزانة بن‬
‫خلدون بيت الفنون والعلوم واآلداب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪. 550 ،4‬‬
‫‪ .0‬حسين نصار‪ ،‬أدب الرحلة‪ ،‬الشركة المصرية العالمية للنشر‪ ،‬لونجمان‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪.4334 ،4‬‬
‫‪ .0‬حسني محمود حسين‪ ،‬أدب الرحالت عند العرب‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط ‪.4353 ،‬‬
‫‪ .5‬شوقي ضيف‪ ،‬الرحالت‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.4‬‬
‫‪ .1‬صالح الدين علي الشامي‪ ،‬الرحلة عين الجغرافيا المبصرة في الكشف‬
‫الجغرافي والدراسة الميدانية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية ط‪.4353 4،‬‬
‫‪ .7‬على إبراهيم الكردي‪ ،‬أدب الرحلة في المغرب واألندلس‪ ،‬منشورات الهيئة‬
‫العامة السورية للكتاب‪. 543 ،‬‬
‫‪ .2‬عماد الدين خليل‪ ،‬من أدب الرحالت‪ ،‬دار الكثير‪ ،‬ط‪. 550 ،4‬‬
‫‪ .1‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحلة في التراث العربي‪ ،‬مكتبة الدار العربية للكتاب‪،‬‬
‫ط ‪. 55 ،4‬‬

‫‪52‬‬
‫المصـــــــــــــادر و المــــــــــراجع‬

‫‪ .04‬نصر عبد الرزاق الموافي‪ ،‬الرحلة في األدب العربي حتى نهاية القرن الرابع‬
‫هجري‪ ،‬دار النشر للجامعات المصرية‪-‬مكتبة الوفاء‪ ،‬ط ‪.4‬‬
‫‪ .00‬نوال عبد الرحمان شوابكة‪ ،‬أدب الرحالت األندلسية والمغربية‪-‬حتى نهاية‬
‫القرن التاسع هجري‪ ،-‬دار المأمون نشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪. 555 ،4‬‬
‫‪ .08‬يمني العيد‪ ،‬تقنيات السرد الروائي‪ ،‬دار الفرابي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪.4‬‬

‫الرسائل الجامعية‪:‬‬

‫‪ .0‬جميلة روباش‪ ،‬أدب الرحلة في المغرب العربي‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه العلوم‬
‫في األدب الجزائري‪ ،‬إشراف أمحمد بن لخضر فورار‪ ،‬جامعة محمد خيضر‬
‫بسكرة‪. 540- 544 ،‬‬
‫دميش دليلة‪ ،‬أدب الرحالت ودوره في تواصل بين الحضارات‪ ،‬مذكرة لنيل‬ ‫‪.8‬‬
‫شهادة ماستر‪ ،‬إشراف بغداد عبد الرحمان‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪-‬تلمسان‪-‬‬
‫‪543./ 550‬‬
‫‪ .0‬سميرة أنساعد‪ ،‬الرحلة إلى المشرق في األدب الجزائري‪ ،‬دراسة في النشأة‬
‫والتطور والبنية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه‪ ،‬إشراف الشريف مريبعي جامعة‬
‫الجزائر‪. 557/ 553 ،‬‬
‫‪ .0‬طاهر حسيني‪ ،‬الرحلة الجزائرية في العهد العثماني‪"،‬بناءها الفني أنواعها‬
‫وخصائصها‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه العلوم في األدب العربي‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫العيد جلولي‪ ،‬جامعة ورقلة‪544/ 543 ،‬‬
‫‪ .5‬عبد اهلل عثمان‪ ،‬أدب الرحلة الحجازية عند األندلسيين من ق ‪ 3‬حتى سقوط‬
‫غرناطة‪ ،‬المشرف محمود حسين زيني‪ ،‬جامعة أم القرى‪. 554 ،‬‬
‫‪ .1‬عواطف محمد يوسف نواب‪ ،‬الرحالت المغاربة واألندلسية مصدر من‬
‫مصادر التاريخ في القرنيين ‪7‬و‪ 5‬هـ ‪-‬دراسة تحليلية نقدية مقارنة ‪ ،-‬إشراف‬
‫فواز بن على بن جنيدب الدهاس‪ ،‬دراسة مقدمة لنيل درجة ماجستير في‬
‫التاريخ اإلسالمي –مخطوطة‪ -‬جامعة أم القرى‪.4334 ،‬‬

‫‪53‬‬
‫المصـــــــــــــادر و المــــــــــراجع‬

‫‪ .7‬فاطمة بوطبسو‪ ،‬أدبية الخطاب في رحلة نور األندلس‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل‬
‫شهادة الماجستير في األدب الحديث‪ ،‬إشراف عبد اهلل حمادي‪ ،‬جامعة‬
‫منتورى قسنطينة‪. 544/ 545 ،‬‬

‫المعاجم‪:‬‬

‫‪ .0‬الشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬مادة ر ح‬
‫ل‪ ،‬ط‪ 4‬مكتبة العصرية للطباعة والنشر‪ ،‬باب الراء(رجا) ‪.‬‬
‫‪ .8‬معجم الوسيط ط‪ ،4‬مكتبة الشروق الدولية‪0224،‬‬
‫‪ .0‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة رحل‪ ،‬دار الصادرة لنشر و الطباعة بيروت‪،‬‬
‫ط‪. 545 ،3‬‬
‫المجالت والدوريات‪:‬‬

‫‪ .0‬احمد حاجي‪ ،‬أدب الرحلة والمثاقفة‪ ،‬رحلة القلصادي انمودج‪ ،‬قسم األدب‬
‫العربي‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬الملتقي العلمي التاسع للغة العربية ومؤتمر‬
‫الخامس اتحاد مدرسي اللغة العربية باندونيسيا ‪.‬‬
‫‪ .8‬حسين محمد فهيم‪ ،‬أدب الرحالت‪ ،‬سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬علم المعرفة‪،‬العدد‪، 435‬كويت‪،‬‬
‫‪.4375‬‬
‫‪ .0‬محمد المنوني ‪ ،‬مقالة في مجلة المناهل المغربية –الرحالت المغربية‬
‫الحجازية‪ -‬العدد‪ ،045‬مجلد ‪ ،03‬المغرب‪ ،‬اغسطس‪4334‬‬

‫المواقع االلكترونية‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫المصـــــــــــــادر و المــــــــــراجع‬

‫‪ .0‬موقع منتديات مرمريتا ‪marmrita. Com‬االلكتروني‪،‬‬


‫‪WWW.Marmarita.Com/vb/showthreedK‬أدب الرحلة والرحالة في‬
‫التراث العربي‬

‫‪55‬‬
‫الـفهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرس‬

‫العـــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــنـوان الصفحة‬

‫دعاء‬

‫كلمة شكر وعرفان‬

‫أ‪ -‬ه‬
‫مقدمة‬

‫‪47‬‬ ‫تمهيد‬

‫‪04‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تيمات الخطاب الرحلي‪.‬‬

‫‪00‬‬ ‫تعريف الرحلة لغةً‬

‫‪08‬‬ ‫تعريف الرحلة اصطالحاً‬

‫‪00‬‬ ‫أهم أنواع الرحلة‬

‫‪05‬‬ ‫خصائص الكتابة الرحلية‬

‫‪84‬‬ ‫دوافع وأسباب الترحال المختلفة‬

‫‪88‬‬ ‫مكونات الخطاب الرحلي‬

‫‪80‬‬ ‫عناصر الخطاب الرحلي‬

‫‪81‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الدراسة الفنية للرحلة‬

‫‪04‬‬ ‫البناء الفني للرحلة من حيث الشكل‬

‫‪57‬‬
‫الـفهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرس‬

‫‪08‬‬ ‫البناء الفني للرحلة من حيث المضمون‬

‫‪05‬‬ ‫القيمة األدبية والعلمية للرحلة ابن جبير‬

‫‪01‬‬ ‫النظام السردي في رحلة ابن جبير‬

‫‪07‬‬ ‫البناء الهيكلي للرحلة‬

‫‪02‬‬ ‫الخطاطة السردية في الخطاب الرحلي‬

‫‪00‬‬ ‫التدوين الزمني في رحلة ابن جبير‬

‫‪05‬‬ ‫التدوين المكاني في رحلة ابن جبير‬

‫‪54‬‬ ‫الخاتمة‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫الفهرس‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫الملخص‬

‫‪58‬‬
:‫الملخص‬

‫ الذي سافر صاحبها من أجل تأدية الحج‬،‫تعتبر رحلة ابن جبير من الرحالت الدينية‬
‫ حيث نجده في هذه الرحلة أنه وصف مناسك الحج بكل خطواتها وتفاصيلها‬،‫وتكفير عن ذنوبه‬
‫ فأصبحت وثيقة مهمة لتوضيح مناسك الحج و إتباع هذا البيان لكل من يرغب في أداء‬،‫الدقيقة‬
‫وذلك من خالل اإلجابة‬،‫ فحاولت دراسة رحله ابن جبير دراسة سردية‬.‫هذا الركن الديني المقدس‬
:‫عن اإلشكالية األساسية وهي‬

‫ ماهو النظام السردي الذي اتبعه ابن جبير في رحلته؟‬

‫ إذ‬،‫ أنه اعتمد على النظام السردي مختلف في رحلته‬:‫توصلت في النهاية إلى نتائج أهمها‬
‫احتوت هذه الرحلة على محطات سردية مختلفة وهي االستعداد للسفر أوال ثم طريق الذهاب ثم‬
‫ ونجده‬.‫ مع وصف كل هذه المحطات وصفًا دقيقًا‬،‫اإلياب وأخي ار الوصول إلى المكان المقصود‬
‫ ثم المتن وهي‬،‫ ثم التقديم‬،‫ يتكون من عنوان الرحلة‬،‫أيضا أنه وضع في رحلته نظام سردي‬
.‫ وأخي ار الخاتمة‬،‫المحطات التي مر بها أو توقف عندها‬

.‫ تقنيات‬،‫ السرد‬،‫ ابن جبير‬،‫ الرحلة‬:‫الكلمة المفتاحية‬

Resume

Ibn Jubayrs Journey is considered as one of the religious journeys of which the
owner traveled to perform the expiation of his sins. In this journey We find the
description of Hajj rituals in all its steps and precise details. We tried to study the
journey of Ibn jubair a narrative study through an answer to the basic problem: What
is the narrative system that Ibn jubair followed in his journey? Finally, We reached the
conclusion of the most Important results: It is based on the narrative system in the
different journey, this trip contains different narrative stations, namely the readiness
to travel first and then the way to go and then return and finally reach the place of
destination, describing all these stations accurately, A narrative system consisting of
the address of the journey and the presentation of the text and the stations through
which it passed or stopped was placed on its journey and finally the conclusion was
drawn.

Keywords: Journey, Ibn jubair, Narrative Techniques.


‫الـفهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرس‬

‫‪60‬‬

You might also like