You are on page 1of 159

‫اجلمهـورية اجلزائريــة الدميقراطيــة الشعبــية‬

‫وزارة التعليـم العالـي والبحث العلمـي‬

‫جـامـعـة وهـران ‪ 1‬أمحد بن بلة‬


‫م ـعـهـد التمجة‬

‫مذكرة لنيل شهادة املاجستري‬


‫رواية جول فرين "حول العامل يف مثانني يوما" دراسة تطبيقية‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاجستري يف التمجة‬

‫إشـراف‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬


‫‪ ‬د‪.‬بوزريبة خمطارية‬ ‫‪ ‬صغري مرمي‬

‫‪2015/11/16‬‬ ‫أعضاء اللجنة املناقشة‪:‬‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة وهران‬ ‫‪ ‬الدكتورة ‪ :‬فرقاين جازية‬
‫مشرفا و مقررا‬ ‫جامعة وهران‬ ‫‪ ‬الدكتورة ‪ :‬بوزريبة خمطارية‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة وهران‬ ‫‪ ‬الدكتورة ‪ :‬داين فتيحة‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة وهران‬ ‫‪ ‬الدكتور ‪ :‬قادة مربوك‬

‫السنة اجلامعية‪2015/2014:‬‬
‫«ليس للمتمجني خيار يف األمر‪ ،‬فهم رحل‪ -‬ابإلجبار»‬
‫مايكل كرونني‬
‫اإله ـ ـداء‬

‫إلـى أبـ ـي ‪...‬‬


‫الشكـر والعـرفـان‬

‫شكري وامتناين لألستاذة بوزريبة خمطارية اليت أشرفت على هذا العمل‪.‬‬

‫وشكري وتقديري ألساتذة قسم الرتمجة جبامعة وهران وعلى رأسهم األستاذ توهامي‬

‫وسام الذي بذل جهدا يف تسيري الدفعة‪ .‬وإىل مجيع أساتذيت األفاضل الذين أعتز‬

‫بتتلمذي على أيديهم منذ بداية مشواري ‪.‬‬

‫وشكري وحمبيت إىل زمالئي يف الدراسة وأخص ابلذكر قادوش زينب صديقيت وعضدي‪.‬‬

‫وشكري واعتزازي أبخوي وأختاي‪ :‬حممد وساملة وفيصل رمحه هللا وزينب‪ ،‬وأزواجهم‬

‫وأوالدهم‪ ،‬سندي وعزويت‪.‬‬

‫وشكري وفخري بوالدي منصور وحورية قرات عيين ومالذي‪.‬‬

‫واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪.‬‬


‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫إن حب اإلطالع لدى املرء وفضوله ابلفطرة دفعا به ملعرفة ما جيوب حوله يف العامل الواسع‬
‫الشاسع الذي يقطنه‪ ،‬ابلتنقل عرب أرجائه والتحليق يف مسائه‪ .‬وهذا ما جعل الرحلة قدمية قدم‬
‫حياته‪ ،‬فلطاملا خدمته وكانت حيلته يف نشاطه اإلنساين‪ ،‬وحققت طموحه وكانت شفاءه يف‬
‫االستكشاف واخرتاق العامل‪ ،‬فمن البديهي أن يزدهر التأليف فيها ويظهر فنا هلا ومؤلفات حوهلا‬
‫جعلتها تنزل منزلة رفيعة يف األدب احلديث‪.‬‬
‫أدب الرحلة أو أدب الرحالت فن جدير ابالهتمام ملا يتميز به من متعة فكرية وفسحة أدبية‬
‫ترتاوح بني األسلوب القصصي املشوق والطرفة األدبية وجنوحه إىل الغرابة اترة واخليال اترة أخرى‪،‬‬
‫فهو يقوم على العديد من املعطيات احلضارية جتعل القارئ يطل عربه على صور خمتلفة وأمناط‬
‫متباينة للحياة‪ ،‬ورؤى جديدة‪ ،‬وعوامل غريبة عن تلك اليت ألفها‪ .‬وهذا يف قالب ممتع ومسل‪.‬‬
‫كما يعد حقال أدبيا ثراي جتتمع فيه العديد من االختصاصات املعرفية والعلمية‪ ،‬حىت أنه‪،‬‬
‫وملا حيويه من دراسة ألنواع اجملتمعات والشعوب واحلضارات وفهم لعاداهتم وتقاليدهم وثقافاهتم‬
‫واعتقاداهتم‪ ،‬أصبح حمل نزاع بني العديد من الباحثني من علماء اجلغرافيا واإلثنوغرافيا واملؤرخني‬
‫وغريهم‪ ،‬حيث حاول كل منهم أن ينسبه إليه ملا خيدم منهجه واختصاصه‪ ،‬وهلذا ال يزال يعاين‬
‫مشكل التصنيف واالكتشاف النقدي‪.‬‬
‫ويشرتك أدب الرحلة مع الرتمجة يف الدور البارز الذي أداه كل منهما يف التعرف على تراث‬
‫األمم والكشف عن حضارات الشعوب وثقافاهتم‪ ،‬فقد أسهم كل منهما يف توسيع دائرة حوار‬
‫احلضارات ويف تالقيها وتالقحها‪ ،‬فكما تصور كتاابت الرحالة بعض مالمح احلضارات اليت‬
‫عايشوها وأحوال الشعوب اليت اختلطوا هبا‪ ،‬متثل الرتمجة هي األخرى جسرا ترحل عربه تلك‬
‫احلضارات مما ميكن من التعرف على أمناط احلياة هبا‪ ،‬حيث حتمل كل لغة ثقافة وتوجهات فكرية‪.‬‬
‫كما أن الرتمجة ضرورة حضارية أوجبتها طبيعة العالقات املتبادلة بني اجملتمعات يف تواصلها‪ ،‬فعلى‬
‫املرتجم أن يسافر ضمن السياق اللغوي أبكمله كي يلم مبعاين الدالالت ويدرك خصوصيات كل‬
‫من العاملني‪ ،‬املنقول منه واملنقول إليه‪.‬‬
‫وكلنا نعلم أن الرتمجة ترمجات‪ ،‬تختلف ابختالف املرتجم والزمن الذي ترمجت فيه‪ ،‬فلكل‬
‫ترمجته اخلاصة ونظرته الذاتية‪ ،‬ولكل أهدافه‪ ،‬ولكل أولوايته يف العمل الرتمجي الذي ميارسه‪ ،‬كما‬
‫لكل فهمه وأتويله الذايت قبل إعادة الصياغة أبسلوبه اخلاص‪ ،‬وإبتباعه للمنهج الذي يراه هو‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫ويتناسب وطريقة تفكريه‪ ،‬وكذا اإلسرتاتيجية اليت يعتمدها واليت تختلف اترة من نص آلخر‪ ،‬واترة‬
‫أخرى حتكمها عوامل اقتصادية‪ ،‬سياسية أو ثقافية‪ ،‬ولكل أهداف يصبو لتحقيقها‪ .‬وميكن تقسيم‬
‫أهم هذه اإلسرتاتيجيات إىل قسمني رئيسيني‪ ،‬إذ قد تلتزم الرتمجة ابلقيم السائدة يف ثقافة اللغة‬
‫اهلدف وتتبع أسلواب متحفظا وحماكيا بشكل كبري للنص األجنيب‪ ،‬ويف الوقت ذاته يالئم املعايري‬
‫احمللية واجتاهات النشر والقواعد السياسية‪ ،‬فيعتمد البعض حتويل هذا النص للثقافة احمللية مقاومني‬
‫القيم اليت أتى هبا النص األصلي‪ .‬وقد حتافظ الرتمجة على الصبغة األجنبية للنص هبدف اإلبقاء‬
‫على االختالفات الثقافية واللغوية عن طريق االحنراف عن القيم السائدة‪ .‬وهذا ما يدعى ابلتوطني‬
‫يف احلالة األوىل‪ ،‬ويعد تغريبا يف الثانية‪.‬‬
‫وحاليا‪ ،‬يف ظل العوملة‪ ،‬أصبحت التبادالت عميقة‪ ،‬غنية ومتنوعة‪ ،‬مما جعل املستوى املعريف‬
‫وقدرة الناس على تقبل اآلخر‪ ،‬بل واإلشادة به‪ ،‬أكرب بكثري مما سبق‪ ،‬مما جعل التغريب‪ ،‬على‬
‫عكس التوطني‪ ،‬خيدم أكثر رغبة الناس يف التعرف على ثقافات األمم األخرى‪ .‬حيث يهدف‬
‫التغريب إىل توسيع املعارف إىل ما هو خارج الوطن‪ ،‬ضد االمربايلية‪ ،‬حنو عامل متعدد الثقافات‪ ،‬إذ‬
‫تعترب الرتمجة انفتاح وإنصات وحتاور وتفاعل مع اآلخر‪ ،‬ويتعني عليها مناهضة النزعات التمركزية‬
‫والعرقية‪.‬‬
‫ومبا أن النص موضوع الدراسة‪ ،‬أدب الرحلة‪ ،‬يعج بكل ما هو غريب وأجنيب‪ ،‬من أمساء‬
‫العلم لألشخاص واألماكن‪ ،‬وألنه حيمل العديد من الثقافات ويصفها يف أدىن دقائقها من أعياد‬
‫وعمالت وغريها‪ ،‬ومبا أن املرتجم ابعتباره أول قارئ للنص‪ ،‬هو األقدر على فهم الصعوابت يف‬
‫اللغة األصل وإجياد ما يكافئها يف اللغة اهلدف‪ ،‬إذ سيقرر أي اإلسرتاتيجيتني يتبع‪ ،‬لتجاوز حمنته‬
‫يف خدمة حاكمني‪ ،‬بني مطرقة التغريب وسندان التوطني‪ ،‬فتطرح اإلشكالية من خالل األسئلة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ما ماهية أدب الرحلة؟ وما هي خصائصه؟ وما مدى مسامهة شحنته الداللية والتعبريية‬
‫يف زايدة عنصري املتعة والتشويق؟‬
‫‪ -‬ما طبيعة العالقة بني كل من الرتمجة والرحلة واإلثنوغرافيا؟‬
‫‪ -‬كيف ميكن لرتمجة أدب الرحلة أن تستوعب املضمون الثقايف املتأصل فيه؟‬
‫‪ -‬ما مدى إسهام الرتمجة وأدب الرحلة يف حوار احلضارات؟‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫‪ -‬ما هي اسرتاتيجيات ترمجة أدب الرحلة؟ وما هي فرص املرتجم األديب يف انتهاج الرتمجة‬
‫– تغريب أو الرتمجة – توطني يف تعامله مع أدب الرحلة؟‬
‫ولإلجابة على هذه اإلشكاليات تفرتض الفرضيات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان كل من أدب الرحلة والرتمجة يساهم يف التعريف حبضارات الشعوب وثقافاهتا‬
‫فإهنما يوسعان من دائرة حوار احلضارات‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت وظيفة مرتجم أدب الرحلة هي التعريف ابآلخر‪ ،‬فإنه يعمل على التغريب‬
‫الثقايف يف اللغة اهلدف‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كان هذا التغريب جيازف خبسارة املعىن وغموضه ابلنسبة للمتلقي اهلدف فإنه يلجأ‬
‫إىل إسرتاتيجية التوطني ومراعاة رؤى العامل يف الثقافة املستقبلة‪.‬‬
‫ال يزال موضوع أدب الرحالت حقال خصبا للدراسة يف جمال الرتمجة وهو موضوع جديد مل‬
‫يتطرق إليه الكثري من الباحثني والدارسني‪ ،‬وهو يبحث يف أساليب الرتمجة األكثر تداوال يف عصر‬
‫العوملة‪ ،‬إذ يتطرق إىل حوار احلضارات والتغريب‪ ،‬وحياول تقدمي اجلديد للدراسات واستخالص‬
‫آليات الرتمجة يف جنس أديب رائد ومتداول‪ ،‬هبدف تسليط الضوء عليه ودراسة خصائصه وكيفية‬
‫ترمجته‪ ،‬فكان هذا دافعا الختياره موضوعا للبحث‪ .‬وال بد أن شغف الباحثة ابالرحتال بلداان‪،‬‬
‫وحبها للمغامرة مواقفا وأحدااث‪ ،‬وألهنا تواقة لرؤية العامل جديدا وغريبا‪ ،‬جعلها تتمتع مبطالعة كتب‬
‫الرحلة وجتوب من خالهلا مواطن بعيدة وتستكشف بفضلها أقواما عديدة‪ ،‬فكان هذا خري دافع‬
‫الختيار هذا املوضوع للبحث والدراسة‪.‬‬
‫اقتضت املادة العلمية إىل أن يقسم البحث‪" :‬إشكالية ترمجت أدب الرحلة" إىل ثالثة فصول‬
‫فضال عن مقدمة وخامتة‪.‬‬
‫جاء الفصل األول املوسوم بـ‪" :‬عن أدب الرحلة" دراسة عامة هلذا النوع األديب‪ ،‬ففي‬
‫املبحث األول مت التعريج على مفهومه وعلى عالقته ابملغامرة للوصول إىل رواية املغامرة اليت متثل‬
‫نوعا يندرج حتت طائلة أدب الرحلة‪ ،‬مع إبراز مكانته يف ظل الدراسات النقدية‪ .‬أما املبحث الثاين‬
‫فتناول نبذة اترخيية عن أهم من برزوا فيه عند العرب تفصيال‪ ،‬وعند الغرب يف بعض احملطات‪.‬‬
‫واملبحث الثالث كان عبارة عن دراسة أسلوبية مشلت أهم خصائص أدب الرحلة من ظواهر فنية‬
‫وظفها الرحالة يف وصف مشاهدهم وتسجيل انطباعاهتم يف قالب قصصي ممتع ومشوق‪ ،‬ومن‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫صورة فنية قدم الكاتب من خالهلا عرضا ملشاهد اجتماعية ودينية وثقافية‪ ،‬وكذا الطرفة األدبية اليت‬
‫متيز هبا هذا النوع من النص‪ ،‬وهذا بعد التأكيد على أدبيته‪.‬‬
‫يف حني تناول الفصل الثاين املعنون بـ‪" :‬اسرتاتيجيات ترمجة أدب الرحلة" يف مبحثه األول‬
‫دور الرتمجة يف الرحلة‪ ،‬وإبراز العالقة بني املرتجم والرحالة واالثنوغرايف‪ ،‬والتعريج على أهم املشاكل‬
‫اليت قد تعرتض عمل املرتجم حني تعامله مع هذا النوع األديب‪ .‬أما املبحث الثاين فتناول ابلبحث‬
‫والدراسة ترمجة أمساء العلم يف شقه األول‪ ،‬ويف الشق الثاين عرج على أهم املقارابت الرتمجية‬
‫وسخرها خلدمة ترمجة أدب الرحلة‪ ،‬كما وضح عالقة تلك املقارابت الرتمجية على اختالفها‬
‫إبسرتاتيجييت التوطني والتغريب‪ .‬وخصص املبحث الثالث لدراسة مجالية التلقي وعنصر التشويق‬
‫ابلسري على خطى النظرايت الوظيفية مبراعاة أنساق اللغة اهلدف وظروفها االتصالية‪.‬‬
‫وكان الفصل الثالث تطبيقيا‪ ،‬مت التعريف فيه ابملدونة "حول العامل يف مثانني يوما" جلول فرين‬
‫أوال وتقدمي ملخص هلا‪ .‬مث مت عرض لرتمجة األمساء‪ ،‬اجلغرافية منها والثقافية وأمساء األشخاص‪،‬‬
‫ولبعض الفقرات اليت عوينت ابلنقد والتقييم إببراز املزااي والعيوب وكذا مواطن القوة والضعف فيها‪،‬‬
‫وتربير االختيارات واآلليات اليت انتهجت يف الرتمجة‪ ،‬وحماولة اقرتاح البديل ملا اقتضى األمر ذلك‪.‬‬
‫ويف األخري‪ ،‬خامتة تضمنت النتائج اليت مت استخالصها من البحث واليت قد تساعد يف‬
‫جتاوز العقبات اليت تقف حاجزا أمام املرتجم حني تعامله مع هذا النوع من النصوص‪ ،‬تزامنا مع‬
‫العصر‪.‬‬
‫وفيما خيص املنهج املتبع‪ ،‬فقد تباين حسب الفصول‪ ،‬فجاء املنهج الوصفي النقدي لدراسة‬
‫أدب الرحلة شكال ومضموان‪ ،‬وكذا يف الفصل الثاين لدراسة املقارابت الرتمجية وإسقاطها على‬
‫أدب الرحلة‪ .‬أما يف الفصل التطبيقي فتمثل يف الدراسة التحليلية واملقارنة والنقدية‪ ،‬أما التحليل‬
‫فطبق من خالل عرض الفقرات وترمجتها‪ ،‬ومناقشتها مقارنة ابألصل وتبيان ما فيها من مزااي‬
‫وعيوب‪ ،‬أما النقد فال بد منه لدراسة الرتمجات واألساليب اليت أتبعت يف ذلك‪.‬‬
‫أما ابلنسبة للدراسات السابقة‪ ،‬فقليلة تلك اليت تناولت هذا املوضوع يف الرتمجة‪ ،‬على الرغم‬
‫من كثرة املؤلفات والبحوث اليت تناولته ابلدرس والعناية يف اللغة الواحد ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬عن أدبية الرحلة‪ ،‬عبد الرحيم مودن‪.‬‬
‫‪ -‬الرحالت‪ ،‬شوقي ضيف‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة‬

‫‪ -‬مشوار كتب الرحلة‪ ،‬سيد حامد النساج‪.‬‬


‫وبعض رسائل املاجستري ‪:‬‬
‫‪ -‬عبد هللا بن أمحد بن حامد آل محادي‪ ،‬أدب الرحلة يف اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪- Récit de voyage, Evelyne Deprêtre.‬‬
‫أما يف الدراسات الرتمجية فقد اعتمد البحث على العديد من مؤلفات منظري الرتمجة ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬مايكل كرونني‪ ،‬الرتمجة والعوملة‪.‬‬
‫‪ -‬أنطوان برمان‪ ،‬الرتمجة واحلرف أو مقام البعد‪.‬‬
‫‪ -‬كريستياان نورد‪ ،‬حتليل النص يف الرتمجة‪.‬‬
‫‪ -‬ماراين لودورير ودانيكا سيليسكوفيتش‪ ،‬التأويل سبيال إىل الرتمجة‪.‬‬
‫وغريها من الكتب واملؤلفات والبحوث يف الرتمجة ويف أدب الرحالت‪.‬‬
‫ولعل أهم الصعوابت اليت واجهت البحث هي تلك املتعلقة بفهم بعض اخلصوصيات‬
‫الثقافية حيث تطلب ذلك التنقيب والبحث املعمق‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‬
‫عن أدب الرحلة‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املضمون الفكري‬
‫‪ -1‬مفهوم أدب الرحالت‪:‬‬
‫استعمل املؤلفون والدارسون مصطلح "أدب الرحالت" للداللة على الكتب اليت يصف فيها‬
‫الرحالة العرب واملسلمون البلدان والسكان واألحداث اليت عايشوها وانطباعاهتم اجتاهها‪ ،‬فهو‪:‬‬
‫«ذلك األدب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث‪ ،‬وما صادفه من أمور أثناء رحلة‬
‫قام هبا ألحد البالد »(‪ ،)1‬فيؤسس بناءه الفين على املشاهدة احلية والتصوير املباشر ملا رآه يف‬
‫جمتمعات زارها من عادات وسلوكات وتقاليد وملبس ومأكل‪ ،‬وكذا الطبيعة‪ ،‬الشاقة منها واملمتعة‪،‬‬
‫اليت سلكها من جبال وأودية ومدن وقرى‪ ،‬وما قد جرى له من أحداث‪ ،‬الشائكة منها والطريفة‪،‬‬
‫والشخصيات اليت التقى هبا من أئمة وملوك إىل غرييب أطوار وصعاليك‪ .‬فريصد كل هذا بلغة أدبية‬
‫متزج الفائدة ابملتعة‪ ،‬يروي فيها الرحالة الصعاب واملشقة أبسلوب شيق وحيكي عن شعوره ويربز‬
‫رؤيته‪.‬‬
‫ولطاملا وجد اخللط بني األدب اجلغرايف وأدب الرحالت لتداخلهما‪ ،‬وهلذا كان من الضروري‬
‫حماولة وضع حدود واضحة بني هذا وذاك؛ فـ«إذا اختفت العناصر األدبية الذاتية أو ندرت‪ ،‬صنف‬
‫النص على أنه جغرافيا وصفية‪ ،‬وإذا حاول الرحال أن يوازن بني املوضوع والذات‪ ،‬فهو أدب‬
‫جغرايف‪ ،‬أما إذا طغت العناصر األدبية الذاتية فعمله يصنف على أنه أدب رحلة‪ .(2) »...‬فاجلغرايف‬
‫إذن يستسقي احلقائق بدقة وتفصيل‪ ،‬وتكون غايته علمية حبتة‪ ،‬يتسم نصه ابملوضوعية املبنية على‬
‫احلقيقة املنقولة من الواقع‪ ،‬حيث ال مكان للخيال وال للذاتية فيه‪ ،‬وأما إذا امتزجت تلك احلقيقة‬
‫ببعض من الذاتية‪ ،‬وأمكن رصد بصمة الرحالة يف مؤلفه‪ ،‬من رؤى خاصة أو أحداث شخصية‪،‬‬
‫فيسمى هذا ابألدب اجلغرايف‪ ،‬وأما وصف الرحالة فيتسم ابلشمولية واإلمجال ويطغى عليه الوجود‬

‫(‪ )1‬املوسوعة العربية العاملية ‪ ،‬مؤسسة أعمال املوسوعة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،1999/1419 ،‬ط‪ ،2‬مج‪،11‬‬
‫ص‪.141‬‬
‫انصر عبد الرزاق املوايف‪ ،‬الرحلة يف األدب العريب حىت هناية القرن الرابع اهلجري‪ ،‬أدب الرحالت‪ ،‬دار النشر للجامعات املصرية مكتبة الوفاء‪،‬‬ ‫(‪) 2‬‬

‫‪1415‬ه‪1995 /‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.35‬‬


‫‪7‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫الذايت والنظرة اخلاصة واالنطباع الشخصي واحلسي والعاطفي‪ ،‬وكل هذا يف قالب فين وأسلوب‬
‫)‪(1‬‬
‫أديب‪ ،‬حيث «جيعل للرحلة مسة أدبية بدال من أن تقف عند حد التسجيل والتدوين واجلمود»‪.‬‬
‫فأدب الرحلة يشمل الوصف اجلغرايف والعرقي‪ ،‬يسمه األديب ببصمة ذاتية تبعث بتجدد وإبداع‬
‫ويتجاوز من خالله اجلغرافيا العلمية ليصب بذلك يف أدبية الرحلة‪ ،‬وابلتايل فهو "ذلك النثر األديب‬
‫الذي يتخذ من "الرحلة" موضوعا‪ ،‬أو مبعىن آخر‪ :‬الرحلة عندما تكتب بشكل أديب نثري مميز‪ ،‬ويف‬
‫لغة خاصة‪ ،‬ومن خالل تصور بناء فين له مالحمه ومساته املستقلة" )‪ ،(2‬وخنلص إىل أنه انتج فن‬
‫مستقل خبصائصه‪ ،‬وعلى الرغم من ارتباطه ابجلغرافيا إال أنه يتميز عنها بقالبه الفين‪ ،‬ويف الغالب‬
‫نثري‪ ،‬ولغته األدبية الذاتية‪.‬‬
‫والشكل التايل يوضح مواضع التداخل بينه وبني اجلغرافيا الوصفية واألدب اجلغرايف‪ ،‬كما يوضح‬
‫أوجه االختالف اليت جتعل من أدب الرحالت ينفرد خبصائصه‪.‬‬

‫الشكل (‪ :)1‬يوضح الفرق بني أدب الرحلة واألدب اجلغرايف واجلغرافيا الوصفية‬

‫(‪)1‬سيد حامد النساج‪ ،‬مشوار كتب الرحلة (قدميا وحديثا)‪ ،‬دار غريب للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.04‬‬
‫(‪)2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.05‬‬
‫‪8‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ومن هنا يتضح الفرق‪ ،‬فيصبح أدب الرحالت مستقال خبصائصه املذكورة واملبينة أعاله‪ ،‬أي‬
‫ابلشمولية عوضا عن الدقة‪ ،‬والذاتية الضاربة الساردة لألحداث واالنطباعات الشخصية اليت جتر‬
‫العاطفة واخليال‪ ،‬واألسلوب اخلاص الذي يكون اجلمال األديب‪ ،‬عوضا عن املوضوعية املستقصية‬
‫للوقائع واحلقائق لتدوينها أبسلوب علمي حمض وجامد‪" ،‬فالرحالة يكتب مبخيلة القصاص الذي‬
‫)‪(1‬‬
‫يسند الواقع ابخليال واحلقيقة ابألسطورة‪".‬‬
‫أدب الرحلة‪ ،‬أدب الرحالت أو السفرانمة‪ ،‬هو مسمى واسع تندرج حتته جمموعة كبرية من‬
‫املؤلفات املتباينة‪ ،‬انتهجت كال طريقتها حسب الغرض الذي تسعى إىل حتقيقه‪ ،‬وأسلوب كاتبها‬
‫واجلمهور املتلقي هلا‪ ،‬فضم هذا الفن عالوة على تسجيل الرحالة لرحالهتم‪ ،‬القصص اخليالية‬
‫الشعبية مثل‪ :‬السندابد‪ ،‬والقصص األدبية مثل‪ :‬قصة حي بن يقضان‪ ،‬واملالحم الشعرية األدبية‬
‫الكربى يف اتريخ اإلنسانية مثل‪ :‬ملحمة األوديسا اإلغريقية وملحمة أبو زيد اهلاليل العربية‬
‫وغريها‪ ،‬حبيث يقوم البطل فيها برحلة ما إىل مكان ما يف فرتة زمنية معينة لتحقيق هدف معني‪،‬‬
‫وتُبىن على وقائع اترخيية وجغرافية وشخصيات حقيقية وإن تدخل أحياان ابب اخلرافة‬
‫واألسطورة )‪.(2‬‬
‫ولقد تغري أسلوب الكتابة يف هذا اللون األديب واختلف بني ما كان عليه سابقا وما أصبح‬
‫عليه اليوم‪ ،‬فقد أخذت أغلب األعمال احلديثة منحى غري بعيد عما كانت عليه ولكنها مل تعد‬
‫عبارة عن نوع من السري الذاتية أو اليوميات أو مذكرات أو مجع ألكثر من نوع‪ :‬القصة والرواية‬
‫والسرية الذاتية‪ .‬بل ارتبطت جبنس الرواية‪ ،‬فتجاوزت أساليب الكتابة القدمية‪ ،‬حيث استمدت‬
‫)‪(3‬‬
‫من السالف املستوى احلكائي وواقعية األحداث‪ ،‬وأضفت عليه تقنيات الرواية وأبعادها الفنية‪.‬‬

‫(‪ )1‬شوقي ضيف‪ ،‬فنون األدب القصصي‪ ،‬الفن القصصي‪ ،‬الرحالت‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ط‪ ،4‬ص‪.02‬‬
‫( ‪ )2‬ينظر موقع املوسوعة احلرة ‪ :‬أدب الرحالت‪http://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫( ‪ )3‬م‪.‬ن‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫يوضح الشكل اآليت األنواع األدبية اليت تندرج ضمن أدب الرحالت‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)2‬ميثل أنواع أدب الرحالت‬

‫‪-2‬أدب الرحالت‪ ،‬املغامرة‪ ،‬الرواية‪:‬‬


‫‪-1-2‬مفهوم املغامرة‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫غامر إذا كان يقتحم املهالك»‬
‫«غامره اي ابطشه وقاتله ومل يبال املوت‪ .‬رجل ُم ٌ‬
‫فاملغامرة هي املخاطرة ابحلياة واجملازفة هبا الستكشاف جمهول ما أو جديد ما‪ ،‬وهي حدث‬
‫غري مضمون العواقب‪ ،‬ومبعىن آخر هي خوض جتربة مثرية وجريئة‪.‬‬
‫يرى جون إيف اتدييه ‪ Jean Yves Tadié‬أن املغامرة هي‪:‬‬
‫‪« L’aventure est l'irruption du hasard, ou du destin, dans la vie‬‬
‫‪quotidienne, où elle introduit un bouleversement qui rend la mort possible,‬‬
‫)‪probable, présente. »(2‬‬
‫«املغامرة هي ظهور الصدفة أو القدر الذي يقتحم احلياة اليومية ليحدث فيها حتوال جيعل‬
‫من املوت حالة ممكنة وحمتملة وحاضرة» (الرتمجة لنا)‬

‫(‪ )1‬ابن املنظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬طبعة دار املعارف‪ ،‬ص‪.3295‬‬


‫‪Article extrait de l’ouvrage Larousse dictionnaire mondiale de littérature, roman d’aventure‬‬
‫) ‪(2‬‬

‫‪larousse.fr.‬‬
‫‪10‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫هذا يعين أن املغامرة هي مواجهة اجملهول املليء حتما ابملفاجآت اليت ستهز املألوف وحتول‬
‫مساره اهلادئ واملعتاد إىل أحداث توشك أن جتعل من املوت مصريا قريبا‪.‬‬
‫‪ -2-2‬أدب الرحالت‪ ،‬الرواية‪ ،‬املغامرة‪ :‬متعن يف العالقة‪:‬‬
‫مبا أن املغامرة هي عبارة عن استكشاف جلديد أو جمهول‪ ،‬فال تخل إذن رحلة من مغامرة‪،‬‬
‫وصف هلا‪ ،‬فال يستطيع إال أن يكون وصفا للمغامرة اليت عاشها الرحالة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ومبا أن أدب الرحالت‬
‫حيث «أن اإلاثرة يف الرحلة متأتية من الوصف الطريف للواقع‪ ،‬والسرد الفين للمغامرة الفنية‬
‫والعواطف احملركة لإلنسان» )‪.(1‬‬
‫كما احتضنت العديد من الرواايت املغامرة وجعلت منها العنصر الفعال واحملرك هلا‪ ،‬بل‬
‫تعدت ذلك إىل أهنا أصبحت ما يعرفها ويعطي مفهومها‪ ،‬حيث أصبحت تعد «ابتداء من القرن‬
‫السادس عشر؛ الرواية‪ :‬سرد نثري ملغامرات خيالية (‪ )...‬ومتثل‪ ،‬يف معظم األحيان‪ ،‬مغامرة إنسانية‬
‫)‪(2‬‬
‫مثرية ملشاعر القارئ » ‪.‬‬
‫وذلك ملا حتتويه الرواية من مفاجآت أتت لتحرك األحداث وحتول جمراها وأتزم الوضع‬
‫وتقحم الشخصيات يف مغامرات لتشوق القارئ فتثري مشاعره وجتعله يتفاعل مع تلك األحداث‪،‬‬
‫حىت تنكشف العقدة ويظهر احلل يف النهاية‪ .‬وذهب البعض إىل أن وصفوا الرواية بصفة عامة‬
‫تقريبا على أهنا رواية مغامرة‪:‬‬
‫‪« Tout roman, à l’exception du roman d’analyse, serait à toutes fins utiles,‬‬
‫)‪un roman d’aventures »(3‬‬

‫(الرتمجة لنا)‬ ‫«كل رواية‪ ،‬ابستثناء رواية التحليل‪ ،‬هي رواية مغامرة»‬
‫فهذا ما يؤكد أمهيتها‪ ،‬إن مل نقل ضرورة وحتمية وجود املغامرة يف الرواية‪.‬‬

‫(‪)1‬جبور عبد النور‪،‬املعجم األديب‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،1984 ،‬ط‪ ، 2‬ص‪.122‬‬
‫(‪ )2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪Bernard Harvey, Des outils pour apprécier le roman d’aventures en classe, Québec français,‬‬
‫) ‪(3‬‬

‫‪n°139, 2005, p62-64. www.erudit.org.‬‬


‫‪11‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪« L’aventure est l’essence de la fiction […], est à la base de l’art narratif et‬‬
‫)‪qu’elle transcende tous les genres littéraires »(1‬‬

‫»املغامرة هي جوهر اخليال وهي أساس فن السرد وتفوق كل األنواع األدبية» (الرتمجة لنا)‬
‫وإذا كانت املغامرة جوهر اخليال وكان اخليال جوهر الكتابة‪ ،‬فهي إذن ما يثري الفن‬
‫القصصي وما جيعل من األدب أداب‪ ،‬فتكون هبذا منبع روح الرواية للمؤلف واجلرعة الراوية لظمأ‬
‫القارئ‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر أبدب الرحلة‪ ،‬فالرحلة ومبا تتميز به من ذهاب وإايب فهي تعج‬
‫ابجلديد واملفاجئ‪ ،‬وابملغامرة مبعىن أدق‪.‬‬
‫‪« Dans le système globale des discours sur le voyage, l’aventure semble‬‬
‫)‪trouver une place générique, qui est de l’ordre du fictionnel »(2‬‬
‫«يبدو أن املغامرة‪ ،‬يف النظام العام للخطاب الرحلي‪ ،‬صنعت لنفسها مكانة عامة من طابع‬
‫(الرتمجة لنا)‬ ‫خيايل»‬
‫وتعددت هذه املغامرات كي تعدد أنواع الرواية‪ ،‬فمنها الرواية البوليسية والرواية االجتماعية‬
‫والتعليمية والنفسية وغريها‪ ،‬إال أن اليت ارتبطت ابلرحلة هي رواية املغامرة‪.‬‬
‫‪ -3-2‬رواية املغامرة‪:‬‬
‫ليس من السهل تقدمي مفهوم واضح وشامل هلذا النوع من الرواية كما كان احلال ابلنسبة‬
‫ألدب الرحالت‪ ،‬كوهنا وريثته‪ ،‬حيث كانت أول أكرب املؤلفات فيه هي املالحم الشعرية كاألوديسا‬
‫مثال‪ .‬إال أن تطوره صاحب تطور األدب الشعيب‪ ،‬ومل يُعرتف به ومل حيظى ابهتمام خاص إال‬
‫مؤخرا‪.‬‬
‫يروي هذا النوع األديب رحلة‪ ،‬إما واقعية أو خيالية‪ ،‬تعيش فيها الشخصيات العديد من‬
‫األحداث وتواجه خالهلا عددا من املواقف‪ ،‬تشد هلف القارئ وتشوقه‪ .‬ومبا أنه مالزم للرحلة فهو‬
‫ال خيل من كل غريب‪ ،‬اترخييا كان أم جغرافيا‪ ،‬كما تعترب املغامرات الربية والبحرية ما يكون جوهر‬

‫‪(1 ) Letissier‬‬
‫‪George, The pope’s rhinoceros de Lawrence Norfolk ou l’aventure de l’écriture dans‬‬
‫‪un roman historique postmoderne. Université de Bordeaux 3 juillet 2008, p209.‬‬
‫‪(2 ) Alex Demeulenaere ,Le récit de voyage français en Afrique noire (1830-1931) : Essais de‬‬

‫‪scénographie. Lit Verlag Dr. W. Hopf. Berlin, 2009,p181.‬‬


‫‪12‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫رواية املغامرة‪ ،‬حيث أن املغامرة اجلغرافية أي الربية ال تعد حبثا عن األصل وعن الغريب من خالل‬
‫الغور يف مساحات عذراء فحسب‪ ،‬وإمنا هي تعليمية أكثر منها استكشافية‪ ،‬وأما املغامرات‬
‫البحرية؛ فليس هناك ما ميكن وصفه ابلبطولة أكثر من اخلوض يف أوساطها اجملهولة واملتقلبة‬
‫والغامضة‪ .‬وفيما يلي توضيح ألهم ما قد تواجهه الشخصيات يف رواية املغامرة وما جيعل منها‬
‫ذات قيمة تعليمية‪.‬‬

‫الشكل (‪ )03‬خصائص رواية املغامرة‬


‫وفيما خيص الشخصيات فيها‪ ،‬فهم أبطال حقا بشجاعتهم وصربهم ومقاومتهم وجرأهتم‬
‫وفضوهلم‪ ،‬آملني يف النجاح والظفر مببتغاهم ومتمسكني به رغم الصعاب والعراقيل‪ ،‬كما أهنم‬
‫مستقلون بذاهتم وقابلون للتغيري‪ ،‬ويتميزون عن الشخصيات املعقدة يف الرواية النفسية أو الرواية‬
‫الواقعية )‪.(1‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Voir Marie-Noelle Legrand, Travailler le roman d’aventures au CIII, CPD Maitrise de la langue,‬‬
‫‪Cantal, 2008-2009, p2.‬‬
‫‪13‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الشكل (‪ )04‬خصائص شخصيات رواية املغامرة‪.‬‬


‫وإذا ما حللنا عالقة هذا النوع بعناصره‪ ،‬فإننا سنالحظ عنصرين أساسيني فيه؛ احلركة غري‬
‫العادية (أي خوض جتربة جديدة)‪ ،‬والعالقة ابلغريب (التارخيي واجلغرايف)‪ ،‬والغرض منه هو التغريب‬
‫الكلي‪ ،‬وهذا ما يرويه عادة أدب الرحلة‪ ،‬ففيه يثبت البطل ذاته مبفارقة وطنه وجمتمعه كي يرمتي يف‬
‫حمن الغريب اجملهول‪.‬‬
‫فاحلركة أوال هي اليت تندفع هبا األحداث إىل األمام وتعد اهليكل األساسي للرحلة‪ ،‬وترتبط‬
‫ابألحداث الزمنية وتصبح هلا عالقة ابلتاريخ‪ ،‬وترتبط ابملكان وتشكل عالقة ابجلغرافيا والدراسات‬
‫البيئية‪.‬‬
‫واثنيا‪ ،‬تعترب الرحلة "رغبة عميقة يف التغيري الداخلي‪ ،‬تنشأ متوازية مع احلاجة إىل جتارب‬
‫)‪(1‬‬
‫هذا يعين أن الرحالة بتنقله حنو أماكن‬ ‫جديدة أكثر من تعبريها يف الواقع عن تغيري مكاين‪".‬‬
‫جديدة‪ ،‬ومواجهته ملواقف جديدة أيضا‪ ،‬ما هو يف احلقيقة إال حبثا عن ذاته‪ ،‬رغبة منه يف سد فراغ‬
‫ما يف نفسه‪ ،‬خبوض جتارب أخرى يف مواطن بعيدة‪ ،‬ألن تغيري احمليط يؤدي ابلضرورة إىل التغيري‬
‫الداخلي‪.‬‬

‫(‪ )1‬اندية حممد عبد هللا‪ ،‬الرحلة بني الواقع واخليال يف أدب أندريه جيد‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬وزارة اإلعالم‪ ،‬الكويت‪ ،‬اجمللد‪ ،13:‬العدد‪ ،4:‬مارس‪1983‬م‪،‬‬
‫ص‪.97‬‬
‫‪14‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ظل الدراسات النقدية‪:‬‬
‫‪ -3‬أدب الرحالت يف ّ‬
‫«إذا كان التمثيل املسرحي أاب للفنون‪ ،‬فإن أدب الرحالت – يف رأيي‪ -‬هو أبو اآلداب‪،‬‬
‫ألنه حيوي كل ألوان وفنون األدب» )‪.(1‬وذلك ألنه حيوي السرية الذاتية والقصة والرواية وبعضا من‬
‫اجلغرافيا والشعر واألدب الساخر‪ .‬ويرى البعض يف أدب الرحالت القاعدة اليت بين عليها األدب‬
‫أبكمله حيث " أن فن القص العريب احلديث هو ابلقطع مثر من مثار التواصل مع األدب األورويب‬
‫الذي كان بدوره حصيلة االقتباس والتأثر ابلرتاث اليوانين يف العصور القدمية والرتاث العريب يف‬
‫العصور الوسطى‪ (2) ".‬ومبا أن الرتاث اليوانين يف العصور القدمية كان عبارة عن مالحم شعرية تروي‬
‫رحالت ومغامرات أبطال‪ ،‬فهذا خري دليل على أنه أساس كل أدب‪.‬‬
‫أما البعض اآلخر من النقاد فال يرى منه إال أداب شعبيا ال قواعد فيه وال نظرايت وال مجالية‬
‫أدبية جتعل منه أداب‪ .‬وهلذا مهش ومل حيظ ابملكانة اليت تليق به‪ ،‬ومل يلق رواجا وال التفاتة قيمة رغم‬
‫كثرة املؤلفني فيه وكذا الباحثني واحملللني اللذين اتخذوا منه موضوعا لدراساهتم‪ ،‬ومن بني هؤالء‬
‫الذي يقول على حد تعبريه أن أدب الرحالت ما هو إال تشابك‬ ‫‪François Mauriac‬‬ ‫النقاد‬
‫ومهي لبعض الظروف‪.‬‬
‫‪« Le roman d’aventures n’est qu’un enchevêtrement factice de‬‬
‫)‪circonstances »(3‬‬
‫وآخرون يشككون يف استمراريته فيطرحون السؤال‪":‬هل انتهى عهد أدب الرحالت؟"‬
‫مستندين يف ذلك على حجة التطور التكنولوجي الذي جعل من األرض قرية ال تخفى منها‬
‫خافية‪" ،‬فأوشك أن يكون كالفلسفة ترااث فقط‪ ،‬ال جديد ميكن أن يضاف إليه بعد أن تيسر‬
‫)‪(4‬‬
‫السفر واالنتقال‪".‬‬

‫(‪ )1‬فايزة فرح‪ ،‬رحالت وحكاايت‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،1990 ،‬ط‪،1‬ص‪.05‬‬
‫(‪ )2‬فؤاد قنديل‪ ،‬أدب الرحلة يف الرتاث العريب‪ ،‬مكتبة الدار العربية للكتاب‪ ،2002 ،‬ط‪ ،2‬ص‪.544‬‬
‫‪Voir roman d’aventure, l'encyclopédie libre wikipedia (fr.wikipedia.org/wiki/Roman‬‬
‫)‪(3‬‬

‫)‪d’aventures‬‬
‫(‪ )4‬فؤاد قنديل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪15‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫لكن ليس األدب كالتكنولوجيا وال هو خيضع لقوانينها‪ ،‬زد على ذلك النظرة اخلاصة‬
‫والتجربة الفريدة اليت يتميز هبا‪ .‬كما أن هذا التطور مهما بلغت ذروته‪ ،‬ال ميكنه أن ينتزع حب‬
‫معانقة كتاب واالرحتال معه ويف أجوائه ألن‬
‫)‪« Ecrire c’est voyager, voyager c’est écrire »(1‬‬
‫«التأليف سفر والسفر أتليف» (الرتمجة لنا)‬
‫ومهما زاد عدد السياح واتسعت الرقعة املستكشفة واختفى الغريب وعرف اجملهول وتخطت‬
‫لكل رحلته و ٍ‬
‫لكل حكايته‪ ،‬فما صادف األول من أحداث‬ ‫الدروب الوعرة والبحار العميقة إال أن ٍ‬
‫ليس ابلضرورة ما سيلقاه الثاين‪.‬‬
‫‪« Les gens se disent à ce moment qu’il y a des touristes partout, des‬‬
‫‪chemins de fer partout. Plus de taches blanches sur les cartes. Le monde est‬‬
‫‪cadastré. Comme l’écrit Henri Michaux()dans Ecuador, “cette terre est rincée‬‬
‫‪de son exotisme”. La seule solution sera donc d’arpenter le même territoire‬‬
‫‪que les autres, différemment des autres. Par exemple, en recherchant la‬‬
‫‪proximité de la mort, le danger, dit autrement : une forme d’imprévu absolu‬‬
‫‪qu’on appellera l’aventure »(2) .‬‬
‫«ما يتداوله الناس بينهم اليوم هو أن السياح صاروا يتواجدون يف كل مكان‪ ،‬وكذا خطوط‬
‫السكة احلديدية‪ .‬مل يعد هناك مساحات بيضاء يف خريطة العامل‪ ،‬فقد مت مسحه‪ .‬يقول هنري‬
‫ميشو يف مؤلفه "إيكوادور"‪" :‬قد شطفت األرض من غرابتها"‪ ،‬فاحلل إذن هو أن جنوب ما جابه‬
‫اآلخرون بطريقة أخرى‪ ،‬مشيا مبحاذاة املوت واخلطر‪ ،‬أو مبعىن آخر بنوع من التصادف املطلق‬
‫الذي يدعى املغامرة»‪( .‬الرتمجة لنا)‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Michel Butor, Le voyage et l’écriture – Romantisme, n°4, 1972, p05.‬‬
‫)‪ (‬هنري ميشو ‪ )1984-1899( Henri Michaux‬كاتب وشاعر ورسام بلجيكي األصل‪ ،‬اكتسب اجلنسية الفرنسية ‪ ،1958‬سافر‬
‫كبحار على منت سفينة وبدأ بكتابة نصوصه‪ ،‬ومنها إكوادور ‪ ،1929‬وبربري يف آسيا ‪ ،1933‬ومل يتوقف عن الرتحال يف أرجاء العامل‪ ،‬وال على‬
‫الكتابة اليت تعددت أنواعها حيث جرب القصيدة والشعر امل نثور والقصص واملسرحيات القصرية واأللبومات املصورة‪( .‬ينظر املوسوعة العاملية للشعر‬
‫العريب ‪.)adab.com‬‬
‫) ‪(2‬‬
‫‪Elisa Amaru, Ecrire le voyage. De Montaigne à Le Clézio, sous la direction de Sylvain‬‬
‫)‪venayre,La cause littéraire, le 15.04.2014. (http://www.lacauselitteraire.fr‬‬
‫‪16‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫وما يؤكد أيضا على وجوب اعتبار النص الرحلي فنا قائما بذاته ونوعا متميزا خبصائصه‬
‫وحمددا مبعامله‪ ،‬هو كثرة الدراسات والبحوث يف جماله‪ ،‬وهذا ما حتدث عنه عبد الرحيم مودن حني‬
‫قال‪« :‬ويبدو أن نص الرحلة أصبح قادرا على مواجهة "التهميش" النقدي‪ ،‬سواء عن صواب‪ ،‬أو‬
‫خطأ‪ ،‬بفضل اشتغال العديد من الباحثني هبذا امليدان‪ .‬وما يعد مقنعا اآلن احلديث عن الرحلة‬
‫كخطاب جامع مانع لكل املعارف والعلوم واألنساق‪ .‬ولعل هاجس األدبية الذي استبد ابلبحث‬
‫والباحثني‪ ،‬يف هذه املرحلة‪ ،‬يؤكد على االجتاه حنو إنصاف هذا اجلنس» )‪.(1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬نبذة اترخيية عن أدب الرحالت‬

‫‪ -1‬عند العرب‪ :‬نشأته وتطوره وأهم مؤلفيه‪:‬‬


‫عرف العرب أدب الرحالت منذ القدم‪ ،‬وكانت عنايتهم به ابلغة‪ ،‬إذ كثرت رحالهتم‬
‫وتنوعت بتنوع أسباهبا وحوافزها‪ ،‬السياسية منها واالقتصادية والدينية وكذا روح اجملازفة واملغامرة‪.‬‬
‫فجابوا األقطار برا وحبرا‪ ،‬ووصفوا ما شاهدوه من أراضي بشىت تضاريسها وتنوع مناخها‪ ،‬وحكوا‬
‫عن عادات وطباع شعوب وأمم‪ ،‬وقصوا حقائق مزجت بعجائب وأساطري)‪.(2‬‬

‫‪-1-1‬قبل اإلسالم‪:‬‬
‫إن طبيعة البيئة العربية فرضت على اإلنسان الرتحال إما اتجرا‪ ،‬خاصة‪ ،‬أو مغريا أو ابحثا‬
‫عن راحة أو أنس‪ .‬وهذا ما يؤكده القرآن الكرمي أوال‪ ،‬مث نصوص الشعر اجلاهلي‪ .‬يقول املوىل تبارك‬
‫ف‬ ‫الشتا إاء او َّ‬
‫الصْي إ‬ ‫ش (‪ )1‬إ ايالفإ إهم إرحلاةا إ‬
‫ْ ْ‬ ‫ف قُـاريْ ٍ‬‫وتعاىل بعد بسم هللا الرمحن الرحيم‪ »:‬إإإل ايال إ‬
‫وع وآامناـهم إمن خو ٍ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫ف(‪ (3)«)4‬حيث كانت‬ ‫ب اه اذا الْباـْيت (‪ )3‬الَّذي أاطْ اع ام ُه ْم م ْن ُج ٍ ا ا ُ ْ ْ ا ْ‬
‫(‪ )2‬فاـ ْلياـ ْعبُ ُدوا ار َّ‬
‫هاتني الرحلتني للتجارة‪ ،‬يقول حسني فهيم‪" :‬لقد عرف العرب السفر‪ ،‬ومارسوا الرتحال يف شبه‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬والبلدان املتامخة وقاموا برحليت الشتاء والصيف اللتني ورد ذكرمها يف القرآن‬
‫)‪(4‬‬
‫الكرمي"‪.‬‬

‫( ‪ )1‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬رحلة أدبية أم أدبية الرحلة؟جملة فكر ونقد‪ ،‬منرب حممد عابد اجلابري‪ ،‬ع‪ ،20‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شوقي ضيف‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫(‪)3‬القرآن الكرمي‪ ،‬سورة قريش‪.‬‬
‫(‪ )4‬حسني فهيم‪ ،‬أعالم اجلغرافيني العرب حياهتم ورحالهتم‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪17‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫أما فيما خيص الشعر اجلاهلي‪ ،‬فقد خلف الشعراء العرب ما خلفوا من ثراء إبداعي‪ ،‬إذ‬
‫كانوا غالبا ما يستهلون قصائدهم ابلرحلة‪ ،‬بوصف معاانهتا وتفاصيلها‪ .‬وشقت الرحلة يف القصيدة‬
‫طريقا يف البحث واالجتهاد يف النقد العريب‪ ،‬حىت أن طه حسني تصدى هلذه الكثرة وقال عن‬
‫تداول وتردد احلديث عن الناقة يف أكثر القصائد اجلاهلية وعللها قائال‪« :‬وأنت اي سيدي خمطئ‬
‫أشد اخلطأ حني تظهر ما تظهر من الضجر‪ ،‬وحني أتخذ يف التربم حبديث الناقة الذي يكثر منه‬
‫الشعراء القدماء [‪ ]...‬فقدرهتا على اإلسراع الحتمال ما يفرضه السفر من اجلهد واملشقة واهلزال‪،‬‬
‫هو أهم ما يعنيه من هذه الناقة [‪ ،]...‬فشاعري اي سيدي قادر ماهر وهو ماكر أيضا‪ ،‬خييل إيل‬
‫)‪(1‬‬
‫أنه إمنا اتخذ انقته بعلة ليتغىن ببعض املناظر اجلميلة اليت كانت تشيع يف الصحراء وليعرضها»‪.‬‬
‫ومل يكن استهالل تلك القصائد ابلرحلة تقليدا كما يرى ويظن بعض الدارسني‪ ،‬بل كانت‬
‫تعبريا عن عالقة الشاعر العريب برحلته وراحلته وتقديره هلا‪ ،‬واليت كانت عالقة هيام وعشق‪ ،‬يشيد‬
‫هبا ويضرب هبا املثل ‪":‬ال انقيت هبذا وال مجلي"‪" ،‬أهدى من مجل"‪" ،‬أحبها وحتبين وحيب انقتها‬
‫بعريي"‪ .‬فليس من الغريب أن يرسم تفاصيلها وجيسد أبعادها)‪ .(2‬حيث اتصفت الرحلة آنذاك‬
‫بطول مدهتا وصعوبة عيشها من مشقة نقص املاء والكأل إىل قسوة البيئة ومعاانة السري يف طرقها‪.‬‬
‫فاتخذت الناقة اليت هبا يتمكن الرحالة من بلوغ الغاايت‪ ،‬واليت منها يتعلم الصرب وحتمل املشقة‪،‬‬
‫مثابة الصديق املؤنس الذي ال تسمع منه ضجرا وال يتطلب قوته سيل العرم‪.‬‬
‫وظهر البـحر منلـؤه سفينا (عمرو بن كلثوم)‬ ‫"مألنـا الرب حىت ضـاق عنا‬
‫أال رب دار يل سوى حر دارك ( طرفة بن العبد)‬ ‫تعري يف طوف البالد ورحليت‬
‫)‪(3‬‬
‫شبه سريهـا عـوم السفيـن (عبيد بن األبرص)"‬ ‫تبـني صاحيب أترى محوال‬

‫(‪ )1‬طه حسني‪ ،‬حديث األربعاء ‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ، 1993 ،‬ط‪ ،14‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬عبد هللا بن أمحد بن حامد آل محادي‪ ،‬أدب الرحلة يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬ماجستري جبامعة أم القرى يف األدب‪،1997 ،‬‬
‫ص‪.12‬‬
‫(‪ )3‬ينظر وفاء سلمان علي العليان‪ ،‬االرحتال يف الشعر اجلاهلي (دراسة نقدية)‪ ،‬حبث مقدم لنيل درجة املاجستري يف اآلداب‪ ،‬اللغة العربية‪/‬األدب‬
‫والنقد‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬جدة‪ ،2011،‬ص‪.101 ،45 ،38‬‬
‫‪18‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫واملهم إذن هو احلضور الواضح للرحلة يف الشعر العريب‪ ،‬فضال عما أضفته على علم اجلغرافيا‬
‫وما أثرته به‪ ،‬حيث جاب الشعراء آنذاك جزيرة العرب وسافروا إىل أبعد نطاقها واصفني الدروب‬
‫وشعبها‪ ،‬فكان هذا ذخرا وموردا هاما يف‬
‫واجلبال واألودية‪ ،‬وصوروا تضاريسها وذكروا أمساء شعوهبا ُ‬
‫علم اجلغرافيا‪.‬‬
‫إذن فالرحلة كما أكدها القرآن الكرمي وعرضتها مقدمات قصائد الشعر العريب القدمي‪ ،‬كانت‬
‫ضرورة حتمية فرضتها البيئة الصحراوية يف أغلب األحيان‪ ،‬بقسوهتا وندرهتا للماء والكأل‪ ،‬وكانت‬
‫الرحلة واقعا مألوفا يف حياة البدو العرب قصرية كانت أم طويلة‪ ،‬بعيدة كانت أم قريبة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإن مل توجد الرحلة على وجه اتم‪ ،‬أي كلون أديب مكتوب‪ ،‬إال أهنا قدمت الكثري‬
‫وعبدت الطريق ملا تالها‪ .‬مع أنه كان هلا مقاصد أخرى ومتعددة إال أهنا «أفادت العرب فوائد‬
‫عملية يف فتوحاهتم اليت انطلقوا فيها إىل ما جاورهم من بالد هلم هبا سابق معرفة عن طريق هذه‬
‫الرحالت وغريها» )‪.(1‬‬
‫‪-2-1‬اإلسالم والرحلة‪:‬‬
‫جدد اإلسالم رؤية الرحلة‪ ،‬بل وجعلها أتخذ أبعادا روحية غري تلك اليت كان يصبو إليها‬
‫العرب سابقا‪ ،‬إذ أصبحت الغاية منها بدل البحث عن الكأل أو الدرهم أو احملبوب إىل جهاد‬
‫وحج وطلب علم)‪ .(2‬ويف أكثر من آية حيث القرآن الكرمي على الرحلة حبس أتملي وبعد فكري‪،‬‬
‫ض اذلُ اوال فا ْام ُشوا إيف امنااكإبإ اها اوُكلُوا إم ْن إرْزقإ إه‬ ‫إ‬
‫إذ يقول املوىل تبارك وتعاىل‪ُ « :‬ه او الَّذي اج اع ال لا ُك ُم ْاأل ْار ا‬
‫اج ُروا فإ ايها »‪ (4) .‬فتحولت الرحلة من‬ ‫اَّللإ و إاسعةا فاـتـه إ‬
‫ض َّ ا ا ُ ا‬ ‫ور» ويقول أيضا‪«:‬أااملْ تا ُك ْن أ ْار ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫اوإلاْي إه الن ُ‬
‫ُّش ُ‬
‫مادية حمضة غريزية‪ ،‬تتمثل أقصى غايتها يف كسب العيش أو حتسينه‪ ،‬إىل روحية ذات غاايت‬
‫سامية‪ ،‬من أتمل وتطوير الفكر‪ ،‬وتدبر يف اخللق‪ ،‬مبا فيها من منافع وتقوية للشخصية واالعتماد‬

‫(‪ )1‬حسن حممود حسني‪ ،‬أدب الرحلة عند العرب‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬بريوت‪ ،1983 ،‬ط‪ ،2‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬عبد هللا بن أمحد‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )3‬القرآن الكرمي‪ ،‬سورة امللك‪ ،‬اآلية‪. 15‬‬
‫(‪ )4‬القرآن الكرمي‪ ،‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.97‬‬
‫‪19‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫على النفس والتطلع على عوامل أخرى واالنفتاح عليها والتمتع مبناظر وتذوق طعم فواكه غري تلك‬
‫اليت ألفناها‪.‬‬
‫وكانت الفتوحات اإلسالمية من أهم احلوافز للرحلة‪ ،‬إذ كانت احلاجة لتوحيد الدولة‬
‫اإلسالمية تستلزم التعرف على الطرق املؤدية إىل كل أقطارها اليت اتسعت‪ .‬ومبا أن هذا التوحيد‬
‫تضمن اإلملام ابجلوانب العامة لشؤون الدولة من بريد واتصال وإدارة وضرائب ومالية وغريها‪،‬‬
‫تطلب التحكم يف كل من تلك الشؤون معرفة سري األمور يف كل موضع يعيش حتت حكمها‪،‬‬
‫الشيء الذي ال يتحقق إال ابإلطالع عليها بني كل وقت وحني وإرسال سفراء ومكلفني للقيام‬
‫بذلك‪.‬‬
‫«وهل عملية الفتوح إال رحلة أو جمموعة من الرحالت‪ ،‬قدمت للعرب جتارب ومعارف‬
‫جديدة‪ ،‬وخلقت ظروفا استلزمت الرحلة والبحث والتنقل؟» )‪ (1‬فكما قدمت الرحالت خريطة‬
‫سري للفاحتني‪ ،‬يسرت هلم قطع املسافات الطويلة ابتخاذ طرق خمتصرة أو بتجنب دروب وعرة أو‬
‫ابملشي حماذاة أودية تروي ظمأهم‪ ،‬فهي تعترب أيضا رحالت مثلت زادا يف معرفة العرب وزادهتم‬
‫خربة‪ ،‬وقوت عزمهم وفضوهلم لتطوير تلك األسفار ولتغيري وجهاهتم‪ ،‬وأصبحت سببا وحافزا لشد‬
‫الرحال‪ .‬وهلذا «عىن اجلغرافيون هبذا اجلانب‪ ،‬وازداد يف عنايتهم به حاجة احلجاج إىل معرفة‬
‫حمطات القوافل يف طريقهم إىل مكة‪ ،‬ومن هنا مسوا كثريا من كتبهم ابسم املسالك واملمالك» )‪.(2‬‬
‫إال أن التأليف النثري يف هذا اللون األديب مل يبدأ إال يف حدود القرن الثالث اهلجري‪.‬‬
‫وفيما يلي توضيح للفرق بني دواعي الرحالت قبل اإلسالم وبعده‪:‬‬

‫(‪ )1‬سيد حامد النساج‪ ،‬م‪.‬س ‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫(‪ )2‬فؤاد قنديل‪ ،‬م‪.‬س ‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪20‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)5‬دواعي الرحالت قبل وبعد اإلسالم‬


‫الرحلة منذ القرن الثالث اهلجري (ق‪9‬م)‪:‬‬
‫لعل أقدم مناذج أدب الرحالت هي تلك اليت تعود للتاجر سليمان السريايف حبرا إىل احمليط‬
‫اهلندي يف القرن الثالث اهلجري واليت «تستحضر مطالعتها قصص ألف ليلة وليلة وخاصة أسفار‬
‫)‪(1‬‬
‫السندابد الذي يبدو وكأنه مؤلفها أوكأن مؤلفها صحبه يف رحالته»‪.‬‬
‫كما يعد كتاب "املسالك واملمالك" الذي رواه بن خرداذبة عام ‪272‬ه من أبرز هذه‬
‫النماذج‪ ،‬ويروي رحلة سالم الرتمجان إىل حصون جبال القوقاز عام ‪227‬ه بتكليف من اخلليفة‬
‫العباسي الواثق للبحث عن أيجوج ومأجوج‪.‬‬
‫أما القرن الرابع ويف عام ‪346‬ه ابلتحديد‪ ،‬ألف املسعودي كتابه "مروج الذهب ومعادن‬
‫اجلوهر" الذي حيتوي على مادة إثنوغرافية)‪ (‬ذات قيمة عالية‪ ،‬زايدة على الطرافة والتنوع‪.‬‬

‫(‪ )1‬فؤاد قنديل‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫)‪ (‬االثنوغرافيا‪ :‬علم وصف الشعوب‪ ،‬أحد علوم اإلنسان وينصب على دراسة املظاهر املادية للنشاط اإلنساين من عادات وتقاليد كاملأكل واملشرب‬
‫وامللبس‪ ،‬وكان الكثري من املستكشفني املسلمني (ابن بطوطة) واألوربيني (كريستوف كولوبوس) قد قاموا بذلك تلقائيا دون أن يقصدوا التأسيس‬
‫هلذا العلم‪ ،‬أما اآلن فهو يعتمد منهجا علميا يتحرى الدقة للوصول إىل احلقيقة‪( .‬ويكيبيداي املوسوعة احلرة)‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫وبعد الطبيب البغدادي ابن بطالن عام ‪404‬ه‪ ،‬ظهر البريوين يف "حتقيق للهند" الذي‬
‫يتضمن أيضا آراء يف الدين والفلسفة والتاريخ‪ ،‬وقد دفع األدب اجلغرايف خطوة مهمة إىل األمام يف‬
‫هذا القرن‪.‬‬
‫أما القرن السادس اهلجري (ق ‪12‬م) «يطول أدب الرحلة‪ ،‬ويكثر عدد من ساروا فيه وشاركوا‬
‫يف ركبه‪ ،‬وخباصة اعتبارا من القرن السادس اهلجري‪ ،‬حني انطلقت على أوسع مدى‪ ،‬وجتاوزت‬
‫داير املسلمني»‪ (1) .‬ميثل هذا القرن مرحلة الغزارة هلذا اللون األديب‪ ،‬إذ شهدت الرحالت منوا‬
‫ملحوظا حيث ال ميكن اإلحاطة هبا لكثرة املؤلفني فيها‪ ،‬وهذا يف العصر العباسي حتديدا إذ كان‬
‫مردها أن «أصحاب القرار كانوا من املشجعني على االنفتاح على حضارة اآلخر‪ ،‬والتواصل معها‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫واالستفادة منها‪ ،‬واالقتباس من دورها دومنا حرج أو خوف أو وسوسة أو استهانة ابآلخر‪».‬‬
‫ومن أبرزهم‪ :‬أبو حامد الغرانطي األندلسي يف "حتفة األلباب وخنبة اإلعجاب" سنة ‪508‬ه‪.‬‬
‫وكذا رحلة الشريف اإلدريسي)‪(‬سنة ‪560‬ه يف "نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق" اليت مجع‬
‫فيها هذا الرحالة اجلغرايف مادة عظيمة استمدها من رحالته املتعددة يف أجزاء من أورواب‪ ،‬وأقاليم‬
‫متعددة من البلدان اإلسالمية‪.‬‬
‫أما يف سنة ‪543‬ه كان أبو بكر العريب مبؤلَّفه "ترتيب الرحالت" أول من استخدم لفظة‬
‫"رحلة" يف عنوان مؤلفه‪ ،‬و«يعترب هبذا أول من وضع أساس أدب الرحالت ابلصورة الفنية‬
‫)‪(3‬‬
‫املأمولة»‪.‬‬
‫وفيما خيص ابن جبري سنة ‪614‬ه فقد دون يومياته متفاداي الغريب والعجيب‪ ،‬فصور ما‬
‫شاهده من أحداث وسجل ما تركته فيه من انطباعات ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سيد حامد النساج‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.69‬‬


‫(‪ )2‬املصلى‪ ،‬احملرر الثقايف‪ ،‬سياحة اترخيية يف أدب الرحالت على ضفاف الثقافة العربية‪ ،‬جملة الوسط‪ ،‬العدد ‪.2003/02/148،01‬‬
‫)‪ (‬اإلدريسي اجلغرايف الشهري‪ ،‬أعانته رحالته على تصميم كرة من الفضة تصور كافة تضاريس العامل‪ ،‬وقدمها حلاكم صقلية األمري روجر الثاين‪ .‬كما‬
‫أنه أضاف منهجية البحث اجلغرايف‪(.‬املوسوعة احلرة ويكيبيداي)‪.‬‬
‫(‪ )3‬فؤاد قنديل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪22‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫أما يف القرن السابع اهلجري فكان "معجم البلدان" لياقوت احلموي سنة ‪626‬ه‪ ،‬عبارة عن‬
‫جملدات ضخمة تتضمن معارف جغرافية واترخيية وفلكلورية وأدبية‪.‬‬
‫وليس ببعيد عن هذا التاريخ أي يف سنة ‪629‬ه‪ ،‬كان لعبد اللطيف البغدادي "اإلفادة‬
‫واالعتبار يف األمور املشاهدة واحلوادث املعاينة أبرض مصر"‪ ،‬وللقزويين سنة ‪682‬ه "عجائب‬
‫املخلوقات" والذي ميثل أوج ما وصلت إليه الكتاابت الكومسوغرافية)‪.(‬‬
‫ويف القرن الثامن اهلجري فنذكر من بني رحالته‪ :‬مشس الدين الدمشقي سنة ‪727‬ه مبؤلفه‬
‫"خنبة الدهر يف عجائب الرب والبحر"‪ ،‬وأبو الفداء مبصنفني كبريين‪" :‬خمتصر اتريخ البشر" و"تقومي‬
‫البلدان" واليت تدعى بـ‪":‬اتريخ أيب الفداء" و"جغرافية أيب الفداء"‪ ،‬وقد كاان موضوعا العديد من‬
‫الدراسات األوروبية (‪732‬ه)‪ .‬والعديد من املوسوعات مثل‪" :‬هناية األرب يف فنون األدب"‬
‫للنويري‪ ،‬وكذا "مسالك األبصار"أليب فضل العمري‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫أما النجم الكبري والرحالة العاملي ابن بطوطة مبؤلفه "حتفة النظار يف غرائب األمصار وعجائب‬
‫األسفار" سنة ‪779‬ه‪ ،‬فقد جعل أدب الرحلة العريب يبلغ ذروته من حيث االمتناع واجلاذبية‪،‬‬
‫فضال عن ما حيتويه من مادة جغرافية واثنوغرافية وأدبية‪ ،‬وأصبح أول ما يتبادر إىل الذهن حال‬
‫ذكر أدب الرحالت‪.‬‬
‫وألديب غرانطة الشهري‪ ،‬لسان الدين بن اخلطيب‪" ،‬خطرة الطيف يف رحلة الشتاء والصيف"‬
‫و"نفاضة اجلراب يف عاللة االغرتاب")‪.(1‬‬
‫وأخريا رحلة عبد الرمحان بن خلدون سنة ‪808‬ه يف كتابه "التعريف اببن خلدون ورحلته‬
‫شرقا وغراب" الذي كان مزجيا بني سريته الذاتية وأدب الرحالت‪ .‬وانتهج فيه أسلواب أدبيا سلسا‬
‫)‪(2‬‬
‫ووصف من خالله املخاطر العديدة اليت تعرض هلا‪ ،‬كما أنه متيز ابملالحظات الدقيقة والذكية‪.‬‬

‫)‪ (‬الكومسوغرافيا‪ :‬وهي علم وصف الكون من جغرافيا وفلك‪)fr.wikipedia.org(.‬‬


‫(‪ )1‬ينظر فؤاد قنديل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.72،86‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬سيد حامد النساج‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.72،74‬‬
‫‪23‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪-3-1‬العصر احلديث‪:‬‬
‫أما يف العصر احلديث فقد تغري منحى هذا األدب من دراسة اترخيية وجغرافية حية إىل‬
‫شكل فين يف األدب‪ ،‬وال يزال صداه ميتد وأثره يتسع على املستويني الفكري واألديب‪.‬‬
‫كما أن الرحالت وحدت وجهتها يف الغالب حنو الغرب‪ ،‬نتيجة الثورة الصناعية‪ .‬ومن أبرز‬
‫هذه الرحالت‪ ،‬رحلة رفاعة رافع الطهطاوي إىل ابريس‪« ،‬حيث احلضارة األوربية‪ .‬ومعظم الذين‬
‫جاءوا بعده يف العصر احلديث صوبوا أنظارهم إليها‪ ،‬وراحت عيوهنم تتجه حنوها» )‪ . (1‬ففي كتابه‬
‫"تخليص اإلبريز يف تلخيص ابريز" سنة ‪1873‬م‪ ،‬نقل الطهطاوي صورة اآلخر الغريب األورويب‬
‫واحلضارة احلديثة وقارن بينها وبني الذات الشرقية واحلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬فهي متثل وصفا‬
‫للنهضة األوروبية وإبراز مظاهر التطور فيها مع نقد البعض اآلخر منها ‪ .‬فاعرتف فيها بتقدم‬
‫الغربيني ودعا إىل إتباع بعض أساليبهم يف التعليم والتعلم‪ ،‬كما كان له الفضل الكبري يف حترر اللغة‬
‫العربية من احملسنات البديعية إىل لغة ال تشدها قيود‪ .‬كما أهنا أصبحت موضوعا للعديد من‬
‫الدراسات املوسعة يف فرنسا وغريها بعد ذلك‪.‬‬
‫مث كانت رحلة حممد عياد الطنطاوي إىل أوراب الشرقية (‪1256‬ه) يف كتابة "رحلة األذكياء‬
‫أبخبار بالد روسيا"‪ ،‬وكذا رحلة أمحد فارس الشدايق "الواسطة يف أحوال مالطة"‪ ،‬وكما يدل عليه‬
‫عنوانه فقد وصف يف مؤلفه عادات وتقاليد مالطة وخص ابلذكر والوصف نساءها )‪.(2‬‬
‫كان للعديد من الرحالة أيضا رحالت متعددة وعلى سبيل الذكر حسني فوزي يف "السندابد‬
‫العصري" و"زهرة العمر" لتوفيق احلكيم‪ ،‬والرحلة احلجازية للبتاتوين‪ ،‬ورحلة شكيب أرسالن‬
‫"اإلرتسامات اللطاف يف خاطر احلاج إىل أقدس مطاف"‪ ،‬وحممود تيمور يف أربعة رحالت‪" :‬أبو‬
‫اهلول يطري"‪" ،‬مشس وليل"‪" ،‬جزيرة اجليب"‪" ،‬خطوات على الشالل"‪ ،‬ورحالت أخرى ال يسع‬
‫)‪(3‬‬
‫ذكرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر سيد حامد النساج‪ ،‬م‪.‬س‪ ، ،‬ص‪.86‬‬


‫( ‪ )2‬ينظر املصلى‪ ،‬م‪ .‬س‪.‬‬
‫(‪ )3‬سيد حامد النساج‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.101 ،86‬‬
‫‪24‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫أما مع بداية القرن العشرين فقد تراجع هذا النوع من األدب ومرُد ذلك التطور التكنولوجي‬
‫الذي سهل السفر وجعل من األرض قرية ال تكاد تخفي أدق تفاصيلها عمن يريد استكشافها‪،‬‬
‫فقد يكتفي املرء ابجللوس أمام شاشة كي يتعرف على أبعد منطقة وأوعرها من أي مكان يف العامل‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الشكل (‪ )06‬أبرز مؤلفات أدب الرحالت عند العرب‬

‫‪26‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪ -2‬عند الغرب‪:‬‬
‫تعود أول رواية مغامرة إىل العهد اليوانين‪ ،‬فبعد أوديسة هومروس‪ ،‬امللحمة اليت يروي فيها‬
‫املغامرات واألحداث اليت واجهها البطل يوليوس ‪ Ulysse‬يف رحلته‪ ،‬أييت كتاب اتريخ هريودوت‬
‫الذي يطلق عليه عادة اسم رواايت املغامرة اإلغريقية‪ .‬ومن أشهر أقواله‪"« :‬أعرف أن السعادة‬
‫اإلنسانية ال تبقى طويال يف نفس املكان[‪]...‬يثق الناس آبذاهنم أقل من ثقتهم أبعينهم" «)‪، (1‬‬
‫حمفزا بذلك إىل التنقل وداعيا للسفر‪ ،‬حيث ال جمال للمقارنة بني ما روي وما رؤي‪ ،‬فوصف‬
‫هريودوت األماكن العديدة اليت زارها واألانس الذين قابلهم يف رحالته حول حوض البحر‬
‫املتوسط‪.‬‬
‫أما يف القرون الوسطى فظهر يف هذا العصر ما يسمى "‪ "le Roman de chevalerie‬رواية‬
‫يف القرن ‪12‬م‪ ،‬واكتسب هذا النوع من الرواية‬ ‫‪Chrétien de Troyes‬‬ ‫الفروسية‪ ،‬ومن أبرزها‬
‫مجهورا كبريا أكثرهم من الطبقة البورجوازية ملا فيه من صورة ساخرة وحماكاة هتكمية ومغامرات‬
‫مثرية‪ .‬ومنه على سبيل الذكر ‪ Don Quichot‬إل ‪.)1605-1615(Cervantès‬‬
‫ويف القرن‪18‬م‪ ،‬اتضحت صورة رواية املغامرة وارتسمت شكال متميزا وابرزا مع رواية‬
‫عام (‪ ،)1719‬واليت ظهر فيها إىل أي حد ميكن‬ ‫‪Daniel Defoe‬‬ ‫إل‬ ‫‪Robinson Crusoe‬‬

‫للمغامرة أن جتعل الشخصيات تصادف أحدااث غري متوقعة‪ ،‬فتحرك القصة وجتعل هلا مكاان يف‬
‫جغرافية واسعة املدى‪.‬‬
‫أما القرن ‪19‬م فيمثل مرحلة الغزارة‪ ،‬إذ تعددت الرحالت العسكرية والتجارية والعلمية‬
‫فتعددت املؤلفات‪ .‬وبدأ هذا النوع األديب أيخذ منحى غري ذلك الذي يسرد امللحوظ‪ ،‬بل تعداه‬
‫إىل خيال أوسع‪ ،‬وهبذا دخل األدب بشكل فين‪ .‬ومن بني العديد من املؤلفني الذين طوروه‬
‫‪Alexandre‬‬ ‫‪ ،‬والذي أهلم الكثري من الكتاب مثل‬ ‫‪ 1810‬ب‪Robroy‬‬ ‫يف‬ ‫‪Walter Scott‬‬

‫‪ Dumas‬و‪. Stevenson‬‬

‫اقتباسات وأقوال‪ ،‬اقتباس‪.‬كوم‪eqtibas.com/author/543 ،‬‬ ‫(‪) 1‬‬

‫‪27‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪The last Mohicans‬‬ ‫كما أدى عامل الغريب األجنيب والبعيد إىل إثراء هذا النوع األديب فظهر‬
‫إل ‪ ،F.Coper‬و ‪ E.Sue‬يف ‪ Kernok Le pirate‬سنة ‪ 1830‬وكذا ‪ E.A.Poe‬عام ‪ 1837‬يف‬
‫‪Narrative of Arthur Gordon Pym‬‬
‫‪Les trois mousquetaires‬‬ ‫ويف عام ‪ Alexandre Dumas 1840‬يف‬
‫)‪. (1‬‬ ‫و‪Le comte de Monte- Cristo‬‬

‫أيضا أدى احلنني إىل العامل القدمي الذي خيلو من كل تطور وعلم دوره يف التأليف يف هذا اجملال‬
‫‪Tarzan ( Edgar Rice Burroughas‬‬ ‫اخليالية إل‬ ‫مغامرات ‪Tarzan‬‬ ‫هبذا النوع‪ ،‬حيث ظهرت‬
‫‪ )of the apes‬سنة ‪.1912‬‬
‫يف‬ ‫مع ‪Artur Rimbeau‬‬ ‫أما ذوق املغامرة املمزوج ابحلداثة والغرابة يف آن واحد فنشهده‬
‫) ‪(2‬‬
‫"‪"Au fond de l’inconnu pour trouver du nouveau‬‬

‫ومع التغيريات اليت حدثت يف هذا القرن تغذت رواية املغامرة اليت أصبحت تعتين ابملدن اجلديدة‬
‫أيضا‪ ،‬وساعد على ذلك تطور وسائل النقل وسهولة التنقل بسرعة‪ ،‬فظهر‬
‫والعديد من‬ ‫‪Michel Strogoff‬‬ ‫‪ Le tour du monde en 80 jours (1873) Jules verne‬و‬
‫مؤلفات أخرى‪.‬‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪Voir :Matthieu Letourneux, Le roman d’aventures : présentation, auteurs, historique, genres,‬‬
‫‪feuilletons, Roman-daventures.com‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Voir : Ibid.‬‬
‫‪28‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬دراسة أسلوبية‬
‫‪ -1‬أدبية الرحلة‪:‬‬
‫مبا أن إشكالية التصنيف هي إشكالية األدبية)‪ ،(‬و مبا أن النص الرحلي لطاملا كون التباسا‬
‫من حيث مضمونه وشكله‪ ،‬فتارة كان أداب واترة أخرى اترخيا‪ ،‬وأخرى جغرافيا‪ ،‬وغريها من العلوم‪،‬‬
‫وانتسابه بذلك إىل النص عامة‪ ،‬أصبح تصنيفه من أعقد القضااي‪ ،‬وطرح إشكالية أدبيته‪ .‬فإذا‬
‫حتدثنا عن أدب الرحلة فهذا « جيعل من الرحلة مضافا إىل األدب مادام هذا األخري هو األصل‪،‬‬
‫واملضاف إليه هو الفرع‪ ،‬وابلتايل فالرحلة تخضع من جديد ملعيارية [األدب] دون أن تنتج معياريتها‬
‫املميزة » )‪ .(1‬أي أن الرحلة عبارة عن جنس متفرع عن األدب‪ ،‬وأدهبا يقع حتت طائلة األدب‬
‫الذي يفرض عليه‪ ،‬مثل كل فروعه‪ ،‬معايريه‪ ،‬وجيعل منه اتبعا ملباحثه‪.‬‬
‫أما إذا حتدثنا عن أدبية الرحلة «فاألمر يتعلق ابمتالك النص لوجوده الشرعي دون االستناد‬
‫إىل متكأ سابق مينحه الشرعية األدبية‪ ،‬ومن مث "فأدبية" الرحلة هي أدبية اجلنس ذاته‪ ،‬عوض‬
‫االقتصار على نص مفرد أو خصائص مفردة‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ :‬األدبية ابلنسبة للرحلة تتجسد يف‬
‫القواسم املشرتكة هلذا املنت عرب الرتاكم الكمي والكيفي‪ ،‬مع مراعاة إمكاانت اجلنس ذاته املبشرة‬
‫)‪(2‬‬
‫دائما بتحوالت البنية النصية متهيدا لتطبيق "قانون خرق النوع" إبضافات جديدة»‬
‫من هنا تصبح الرحلة هي األصل املنتج لألدبية‪ ،‬وهي أدب مستقل بذاته‪ ،‬وله خصائصه‬
‫الفريدة واملميزة‪ ،‬وككل جنس أديب‪ ،‬ينتج معايريه اخلاصة اليت تعطي مصداقية جلنسه املتجدد املرن‬
‫حبكم "قانون خرق النوع"‪ .‬فالتجديد انبع من طاقة هذا اجلنس على التنوع البنيوي والنصي‪ .‬ومبدأ‬
‫املرونة قائم فيه انطالقا من انفتاح الرحلة‪ ،‬كما ذكر آنفا‪ ،‬على أجناس غري أدبية مثل اخلطاب‬

‫)‪ (‬األدبية‪ la littérarité :‬األدبية هي مقاربة ابطنية للنص يف نظامه األديب أي "تلك العناصر اليت ميكن اعتبارها ماثلة يف النص حمددة جلنسه‬
‫الفين ومكيفة لطبيعة تكوينه وموجهة ملدى كفاءته يف أداء وظيفته اجلمالية على وجه التحديد " (صالح فضل‪ ،‬مناهج النقد املعاصر‪ ،‬دار اآلفاق‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪)88‬‬
‫( ‪ )1‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬حول أدبية الرحلة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬القنيطرة‪.‬‬
‫( ‪ )2‬م‪.‬ن‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫الصحفي أو الريبوراتج‪ ،‬واخلطاب التارخيي‪ ،‬واجلغرايف‪ ،‬واألوتوبيوغرايف‪ ،‬والبيوغرايف‪ ،‬فهو نص‬
‫هجني تتقاطع فيه األدبية مع خطاابت غري أدبية‪.‬‬
‫‪« Dans les voyages d’écrivains, des parenthèses, des digressions qui‬‬
‫‪empruntent à diverses thématiques, émaillent le récit. Le récit prend des‬‬
‫‪détours sans jamais se perdre. Le narrateur ouvre son récit en permanence‬‬
‫)‪mais en maintient toujours le fil. »(1‬‬
‫«يفتح كاتب الرحالت أقواسا وأيخذ استطرادات‪ ،‬يتناول فيها مواضيع متنوعة تزين نصه‪ ،‬حيث‬
‫يلف ويدور دون أن يضيع‪ ،‬أي أنه جيعل نصه منفتحا بصفة دائمة دون أن ينفلت حبل أفكاره‪».‬‬
‫(الرتمجة لنا)‬
‫مبعىن أن النص الرحلي حيكي قصة ذهاب مث إايب الرحالة وما استوقفه خالهلا من أحداث‬
‫ومواقف إال أنه يفتح أقواسا يتناول فيها مواضيع خمتلفة من جغرافيا إىل داينة أو انثروبولوجيا أو‬
‫كل يتطلب صياغة معينة‪،‬‬
‫التعمق يف وصف ما أو ترمجة ألحد املعامل أو نقل ألخبار بتفاصيلها‪ ،‬و ٌ‬
‫وهذا ما يصنع هجانة النوع األديب‪ ،‬وكل هذا حتت ظل دميومة السرد األول واستمراريته‪ ،‬حيث ال‬
‫يشعر القارئ بتقطع وتشتت يف األفكار وإمنا هي عبارة عن إضافات متنوعة وألوان خمتلفة تزيد من‬
‫مجالية النص‪ ،‬وكأن الرحالة يف مسريته يغري وجهة نظره من حني آلخر أو يقرتب من واد أو جبل‬
‫دون أن يغري طريقه‪.‬‬
‫وابلتايل فإن «الرحلة تستفيد‪ -‬مثل ابقي النصوص‪ -‬من التحوالت األجناسية من جهة‪،‬‬
‫ومن تطورات اجلنس ذاته من جهة أخرى [‪( ]...‬فهي) حتقق أدبيتها ابقرتاهبا من األدب واالبتعاد‬
‫عنه يف آن واحد » )‪ .(2‬أي أن الرحلة استقلت خبصائص نصها املميز والفريد دون أن تقطع‬
‫واثقها ابحلقل األديب السائد‪.‬‬

‫)‪(1‬‬‫‪Veronique Magri Mourgues ,L’écrivain-voyageur au xixe siecle: du récit au parcours initiatique,‬‬


‫‪http://halshs.archives_ouvertes.fr/docs/00/59/64/62/pdf/du_ra_cit_de_voyage_au_parcours_inititati‬‬
‫‪que, p5.‬‬
‫( ‪ )2‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬رحلة أدبية أم أدبية الرحلة؟‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪30‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫إذن ميكن اعتبارها «"جنسا أدبيا له شكله اخلاص الذي مييزه عن ابقي األنواع األخرى‪ ،‬أو‬
‫[‪ ]...‬خطااب له منطق خاص» )‪ ،(1‬وهبذا فهي نوع أديب النتمائها للحقل األديب‪ ،‬استنادا إىل‬
‫تراكم كمي وكيفي ميزه عن غريه من النصوص من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فهو خيرق صفاء نوعه‬
‫ابنفتاحه على جمموعة من األمناط اخلطابية اليت يستوعبها وتتالقح فيه ابنسجام يف نسيج‬
‫فسيفسائي املبىن واحملتوى‪.‬‬

‫الرحلة‬

‫أدبية الرحلة‬ ‫أدب الرحلة‬

‫الرحلة هي األصل‪ ،‬معايري مميزة‬ ‫الرحلة فرع من األدب خاضعة‬


‫خاصة هبا‬ ‫ملعايري األدب‬

‫استقاللية أدبية مع خصائص مميزة‬ ‫تبعية أدبية مع خصائص مفردة‬

‫الشكل (‪ :)7‬الرحلة بني األدب واألدبية‬


‫‪ -2‬خصائص أدب الرحلة‪:‬‬
‫بعد الوقوف طويال عند أدبية الرحلة بغية جتنيسها وتوضيح حدودها‪ ،‬مت استخالص مجلة‬
‫من السمات اليت جتعل للرحلة أدبية متيزها عن النص السردي خاصة‪ ،‬واألديب عامة‪ .‬فمن السمات‬
‫اليت ينبغي أن تتوفر يف الرحلة عالوة عن السفر ابعتباره معيارا تصنيفيا‪ ،‬ألن الرحلة يف النهاية هي‬
‫"حكاية سفر" تعكس جتربة ذاتية‪ ،‬أتيت "القصدية" أي قصدية السفر والكتابة عنه‪ .‬تقصد الرحلة‬

‫( ‪ )1‬حممد ودغريي‪ ،‬الرحلة وخرق صفاء النوع‪ ،‬أنفاس نت‪.‬من أجل ثقافة اإلنسان‪.2013/10/20 ،‬‬
‫‪31‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫لسبب أو آلخر‪ ،‬وتقتضي الذهاب واإلايب‪ .‬مث أهنا تخضع لقانون اخلطاب الشائع من‪ :‬مرسل‬
‫ومرسل إليه ورسالة‪( ،‬سارد‪ ،‬مسرود له‪ ،‬سرد)‪ ،‬فضال عن إتباعها لتقاليد التأليف )‪.(1‬‬

‫السفر‬

‫التسجيل‬ ‫القصدية‬

‫الكتابة عنه‪ :‬سرد‪/‬سارد‪/‬مسرود له‬ ‫سبب أو هدف حمدد‪/‬ذهاب وإايب‬

‫الشكل (‪ :)8‬السفر بني القصدية والتسجيل‬


‫‪ Claude Reichler‬يف تعريفه ألدب الرحلة‬ ‫)‪(‬‬
‫وللتأكيد على ذلك‪ ،‬قدم كلود ريشلور‬
‫أربعة عناصر مكونه له وهي‪ :‬السرد والتنقل(السفر) والرحالة والقارئ (املتلقي)‪.‬‬
‫‪« Claude Reichler envisage dans sa définition du récit de voyage, quatre‬‬
‫‪constituants : "La narration d’un déplacement effectué par un voyageur‬‬
‫)‪adressé à un lecteur"»(2‬‬
‫»هو سرد لتنقل قام به رحالة موجه إىل قارئ»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫و تعترب هذه شروطا يف الرحلة‪ ،‬أما فيما خيص األسلوب‪ ،‬فيعترب كاتب الرحلة «را ٍو‪ ،‬وممثل‬
‫وجمرب وموضوع التجربة ومسجل مذكرات أفعاله وحركاته وبطل اترخيه الشخصي على مسرح‬
‫)‪(3‬‬
‫أجنيب‪ ،‬وخشبة مسرح بعيدة ولكنها أيضا حاضرة من خالل القصة»‪.‬‬

‫( ‪ )1‬ينظر‪ :‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬حول أدبية الرحلة‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬


‫)‪ (‬كلود ريشلر‪ ، 1946 Claude Reichler ،‬أستاذ األدب الفرنسي واتريخ الثقافة جبامعة لوزان‪ ،‬اهتم يف حبوثه أبدب الرحالت على وجه‬
‫اخلصوص‪ ،‬وله العديد من املؤلفات منها‪ :‬أتويل النصوص ‪ ،1989‬رحلة إىل السويد‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫) ‪(2‬‬
‫‪Evelyne Deprètre, Le récit de voyage : quête historique et définitoire, Mémoire de recherche,‬‬
‫‪Université de Québec à Rimouski, Février 2011, p40.‬‬
‫( ‪ )3‬دانيال هنري ابجو‪ ،‬األدب العام و املقارن‪ ،‬ت‪ :‬غسان السيد‪ ،‬إحتاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،1997 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.53‬‬
‫‪32‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫وهذا ما جيعل نصه ثراي ومتنوعا‪ ،‬فضال عن أن بنية السفر القائم على احلركة التنقلية والذي‬
‫يفتح اجملال للمالحظات العينية على الغريب اجملهول املثري للدهشة حينا‪ ،‬والتفكري أحياان أخرى‪،‬‬
‫وللفزع اترة‪ ،‬واإلعجاب اترة أخرى‪ ،‬كلها تغري احلالة الشعورية للرحالة‪ ،‬وابلتايل يغري أسلوب‬
‫الكتابة والتعبري‪.‬‬
‫«والرحلة نص مهجن ابمتياز‪ ،‬ومن مث فهو ميتح من "حوارية" غنية تالقح فيها املكتوب‬
‫ابملرسوم‪ ،‬الفصيح ابلدارجي‪ ،‬العريب ابللهجي‪ ،‬النثري ابلشعري[‪ ]...‬يقوم على نوع من التوليف‬
‫)‪(1‬‬
‫[املونتاج] ملختلف األنظمة املكتوبة واملسموعة واملرئية»‪.‬‬
‫ومن أهم خصائص األسلوب يف الرحلة ما يلي‪:‬‬
‫الصورة الفنية والنزعة القصصية والطرفة األدبية والرؤى النقدية‪.‬‬
‫‪ -1-2‬الصورة الفنية‪:‬‬
‫تعد الصورة الفنية من أهم ركائز األسلوب األديب‪ ،‬الشعري منه والنثري بشىت أنواعه‪ ،‬حيث‬
‫أهنا «متنح األدب احلياة وجتعل من املعاين املبتذلة معاين مقبولة‪ ،‬وذلك بفضل قدرة األديب على‬
‫التصرف يف هندسة التعبري إسنادا وتقدميا وأتخريا[‪]...‬فاملعاين شيء كامن ال يظهر إال يف‬
‫الصورة[‪(]...‬فهي إذن)‪ ،‬ذلك القالب الذي يصب فيه األديب أفكاره‪ ،‬ومعانيه وعواطفه» )‪،(2‬‬
‫وهي جتسيد لقدرته اخليالية على تقدمي تلك األفكار واملعاين والعواطف يف لوحة فنية جتعل املتلقي‬
‫يستمتع ابلتحليق يف أجوائها‪.‬‬
‫ويف سياق أدب الرحلة‪ ،‬يتطلب هذا من األديب قدرة كبرية على توظيف خياله من أجل‬
‫إنتاج قالب يصوغ فيه املشاهد ويرصد به التفاصيل ويبث من خالله مشاعر الذات‪ ،‬وجيعله‬
‫جديرا ابلقراءة واالهتمام‪.‬‬
‫وجتمع الرحلة بني العالمات اللغوية وغري اللغوية (كالرسم والصور وغريها)‪ ،‬وهذا ما يالحظ‬
‫يف أغلب كتب الرحالت من نقل تخطيطي على حنو اخلرائط‪ ،‬والتمثيل اجلغرايف من تضاريس‪،‬‬

‫( ‪ )1‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬حول أدبية الرحلة‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬


‫( ‪ )2‬ينظر حسن عجب الدور حسن السلك‪ ،‬الصورة الفنية معيارا نقداي ‪ ،‬جامعة الدلنج ‪https://uqu.edu.sa/page/ar/185232‬‬
‫‪33‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫ورسومات للصناعات احلديثة (قطارات وبواخر)‪ .‬و«تتفاعل (هذه العالمات) مع املكتوب أببعاد‬
‫جديدة جتعل من نص الرحلة نصا متعدد األنظمة والصيغ التعبريية املختلفة» )‪ ،(1‬وتعد "فنا بصراي"‬
‫قائما على أساس ثنائية الصورة‪«:‬الصور البالغية القائمة على امللفوظ من خالل تكامل الوصف‬
‫والسرد‪ ،‬وتقوم الصورة الثانية على الرسم‪ ،‬خاصة أن العديد من الرحالت تزخر ابلرسوم املنجزة من‬
‫قبل الرحالة هبدف مقاربة املرئي من زوااي خمتلفة» )‪.(2‬‬
‫أي أن الرحالة حياول نقل الصور املشاهدة إىل القارئ وتقريبها منه قدر اإلمكان‪ ،‬فيلتمس‬
‫لذلك شىت األساليب كي يضع املتلقي يف اإلطار الواقعي واحلي ملا يراه هو‪ ،‬فتارة يستعمل الصور‬
‫البالغية اليت تعتمد األلفاظ للوصف الدقيق والسرد املشوق‪ ،‬ويستعمل اترة أخرى الصور التشكيلية‬
‫اليت تعتمد الرسم‪ ،‬وغالبا ما تكون الصورة أبلغ من ألف كلمة‪ .‬أي أن النص الرحلي عالوة على‬
‫الصورة األدبية املتعلقة ابأللفاظ وأسلوب العرض وأدبية الصياغة‪ ،‬حيتوي على صورة غري لغوية‬
‫متمثلة يف الرسومات أو الصور الفوتوغرافية اليت تساعد على الفهم والتأويل‪ ،‬نظرا لغرابة بعض‬
‫املرئيات ابلنسبة للمتلقي‪ .‬أما فيما خيص الصورة األدبية البالغية فقد «تصل أعلى مراحلها‬
‫اجلمالية يف نصوص حمددة محلت على عاتقها تقدمي لقطات رائعة يكتب فيها الرحالة بـ [املكان]‬
‫عوض أن يكتب عن املكان» )‪ .(3‬أي أن النص الرحلي يتميز جبمالية أسلوبه بعيدا عن التكلف‬
‫والتصنع‪ ،‬ويرتقي إىل مستوايت عالية من التبليغ البليغ‪ ،‬الذي يروي من خالله األديب جتاربه‬
‫اخلاصة يف سفره‪ ،‬ويصف فيه أقصى مراحل انفعاالته الذاتية‪ ،‬وهذا ما نلحظه يف الرحالت احلديثة‬
‫خاصة اليت أصبحت ترتكز على تقريب الصورة اجملردة إىل ملموسة قصد تسهيل استيعاب القارئ‬
‫هلا‪ ،‬مستندة يف ذلك عل أساليب التشبيه وضرب األمثال والوصف املقارن )‪.(4‬‬

‫( ‪ )1‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬حتليل اخلطاب األديب‪ ،‬دار اآلفاق‪ ،‬اجلزائر‪ ،2003 ،‬ط‪ ،3‬ص‪.17‬‬
‫( ‪ )2‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬حول أدبية الرحلة‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫( ‪ )3‬ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪.‬‬
‫( ‪ )4‬ينظر‪ :‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬رحلة أدبية أم حول أدبية الرحلة؟‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪34‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الرحلة‬

‫فن بصري‬

‫صورة تشكيلية‬ ‫صورة بالغية‬

‫املرسوم‪ :‬صور وخرائط‬ ‫امللفوظ‪ :‬وصف وسرد‬

‫الشكل (‪ :)9‬الرحلة فن بصري‬


‫‪ -2-2‬النزعة القصصية‪:‬‬
‫«إذا كان أبرز ما مييز أدب الرحالت تنوع األسلوب من السرد القصصي إىل احلوار إىل‬
‫الوصف وغريه‪ ،‬فإن أبرز ما مييز أسلوب الكتابة القصصي‪ ،‬املعتمد على السرد املشوق مبا يقدمه‬
‫)‪(1‬‬
‫من متعة ذهنية»‪.‬‬
‫تفرض طبيعة الرحلة وجود النزعة القصصية يف أدب الرحلة‪ ،‬وذلك ملا يتخللها من أحداث‬
‫ومواقف يرويها األديب‪ ،‬واليت تقتضي صياغتها أسلواب قصصيا يعتمد الوصف واإلاثرة والتشويق يف‬
‫غالب األحيان حيث تعد الرحلة قصة وإن مل تتوفر على كل خصائصها‪ ،‬كوهنا عبارة عن سرد‬
‫ألحداث ومواقف جرت لشخصية ما تكون يف غالب األحيان الرحالة ذاته خالل رحلة الذهاب‬
‫واإلايب‪ ،‬فيخوض مغامرات‪ ،‬وتتأزم املواقف (ما يسمى ابحلبكة يف القصة) بني احلني واآلخر‪،‬‬
‫ينجو منها‪ ،‬فتحل األزمة حبدث انزل‪.‬‬
‫‪« Le récit de voyage est considéré comme une source ou un matériau du‬‬
‫‪roman. Par ailleurs, la structure du genre viatique (départ, découverte d’un‬‬
‫‪ailleurs, retour) informe le genre romanesque, lequel fait à son tour intervenir‬‬

‫( ‪ )1‬فؤاد قنديل‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫‪35‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪bien souvent les notions de quête, d’initiation, d’aventure ou de découverte,‬‬
‫)‪qui renvoient à la thématique du voyage ».(1‬‬
‫« يعد أدب الرحلة مادة أولية يف صناعة الرواية‪ ،‬أو مصدرا هلا‪ .‬وفضال عن هذا فإن بنية‬
‫النوع الرحلي (انطالق‪ ،‬اكتشاف مكان آخر‪ ،‬عودة) تستدعي الرواية اليت تستدعي بدورها مفاهيم‬
‫عديدة‪ :‬البحث والسعي وخوض املغامرة واالكتشاف‪ ،‬وهي مفاهيم حتيل إىل موضوع الرحلة»‪.‬‬
‫(الرتمجة لنا)‬
‫وإن مل يعترب أدب الرحالت قصة إال أنه ميثل مادة أولية فيها‪ ،‬وذلك ألن يف الرحلة‬
‫سيصادف الرحالة مواقف تستحق أن تروى ال حمالة‪ ،‬وسيشاهد خالهلا أماكن تستحق الوصف ال‬
‫حمالة‪ ،‬كما أنه سيلتقي بشخصيات تستحق لغرابتها أو طرافتها التحدث عنها ال حمالة‪.‬‬
‫فهي إذن تبىن على السرد والوصف‪ ،‬إال أن البعض‪ ،‬بعد األخذ والرد يف موضوع هذين‬
‫العنصرين األساسيني يف األعمال األدبية وخاصة الرواية‪ ،‬يرى أن هيمنة الوصف على خطاهبا‬
‫جيعلها من املؤلفات الوصفية غري القائمة على احلبكة‪ ،‬وأخرجها البعض اآلخر من حقل اخلطاابت‬
‫السردية حلقيقة األحداث فيها وافتقارها للخيال‪ .‬وللرد على هذا البعض الثاين الذي يرى أن افتقار‬
‫الرحلة للخيال خيرجها من دائرة اخلطاابت السردية‪ ،‬ميكن تقدمي أفضل دليل على ذلك وهو‬
‫تعريف السرد جلريار جينت ‪«:Gérard Genette‬السرد عرض حلدث أو ملتوالية من األحداث‬
‫حقيقية أو خيالية‪ ،‬عرض بواسطة اللغة‪ ،‬وبصفة خاصة اللغة املكتوبة ضمن تسلسل زمين‬
‫)‪(2‬‬
‫أي أن عنصر احلقيقة واخليال ال يشرتط أن يكون معيارا للسردية‪ .‬ففي أدب الرحلة‬ ‫معني»‪.‬‬
‫يعرض األديب تلك األحداث واملواقف اليت جتري يف أزمنة معينة ويف أماكن معينة مع اختيار‬
‫األسلوب املالئم لعرضها مثله مثل أي أديب يف أي نوع أديب آخر‪.‬‬

‫‪Hamdi Abdelazim, L’Egypte dans voyage en orient de Gérard de Nerval et la France dans l’or‬‬
‫) ‪(1‬‬

‫‪de Paris de Rifaa Al Tahtaur, These du Doctorat en étude littéraires, Avril 2008, Université du‬‬
‫‪Québec, Montréal, p68.‬‬
‫( ‪ )2‬فاضل عبود التميمي‪ ،‬قراءة يف كتاب سرد الذات‪ ،‬جملة الرافد‪ ،‬حكومة الشارقة‪ ،‬ص‪www.arrafid.ae/arrafid/p13.html.13‬‬
‫‪36‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫إذن فالرحلة تعتمد على التقابل التقليدي [سرد ‪ /‬وصف]‪ ،‬ألهنا من جهة فن وصفي يعتمد‬
‫على املشاهدات العينية‪ ،‬ابعتبار الوصف فيها «مقاطع من زمن الرحلة ميهد هلا ويؤطرها التنقل‬
‫)‪( 1‬‬
‫الذي يشكل املفاصل الرئيسية للرحلة»‬
‫ومن جهة أخرى «تقوم الرحلة على "الصورة السردية"‪ ،‬ذلك أن السارد يف الرحلة يصف‬
‫ليسرد‪ ،‬ويسرد ليصف‪ ،‬والوصف ليس مفارقا للسرد من جهة‪ ،‬وال يعد اتبعا له من جهة اثنية‪ ،‬بل‬
‫)‪( 2‬‬
‫أي أن االرتباط وثيق بني‬ ‫إن الوصف يصبح يف هناية األمر مستوى من مستوايت السرد »‬
‫الوصف والسرد يف الرحلة‪ ،‬حيث يقوم األديب ابسرتجاع حلظات السفر وأتويل املرئي‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫بني زمنني‪ ،‬زمن اللحظة اليت عاشها الرحالة‪ ،‬وزمن املرحتل إليهم (املتلقي)‪.‬‬
‫‪«… pour rendre compte d’un voyage, l’écrivain n’a d’autre alternative que de‬‬
‫‪recourir à la mise en mots et le plus souvent au récit écrit après le retour du‬‬
‫‪voyage. Au prisme du souvenir, s’ajoute alors le travail de l’imaginaire qui,‬‬
‫‪tous deux, président plutôt qu’à une restitution pure et simple de la vision, à‬‬
‫‪une reconstruction et à" l’invention de l’espace". Le récit de voyage est, plus‬‬
‫)‪que tout autre, tendu entre réel et fiction »(3‬‬
‫«ليس للكاتب من أجل تربير سفره خيار آخر غري اللجوء إىل حترير نص بعد عودته من‬
‫السفر‪ ،‬وزايدة على اسرتجاع الذاكرة تعمل املخيلة أيضا ال من أجل إعادة تركيب حمضة وبسيطة‬
‫للرؤية فحسب وإمنا يضاف هلا إعادة البناء و"االختالق املكاين"‪ ،‬فيكون النص الرحلي أكثر ما‬
‫يكون إذن مزجيا بني احلقيقة واخليال»‪( .‬الرتمجة لنا)‬

‫( ‪ )1‬لطيف زيتوين‪ ،‬السيميولوجيا واألدب‪ ،‬جملة عامل الفكر‪ ،‬مج ‪ ،24‬ع‪ ،3‬الكويت‪ ،1996 ،‬ص‪.257‬‬
‫( ‪ )2‬عبد الرحيم مودن‪ ،‬حول أدبية الرحلة‪ ،‬م س‪.‬‬
‫) ‪(3‬‬
‫‪Veronique Magri Mourgues, op.cit, p2.‬‬
‫‪37‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الرحلة‬

‫صورة سردية‬ ‫صورة وصفية‬

‫مشاهدات‬
‫عرض األحداث‬
‫عينية‬

‫زمن املرحتل إليهم (اسرتجاع‬ ‫زمن‬


‫حلظات السفر)‬ ‫الرحلة(السفر)‬
‫الشكل (‪ :)10‬الرحلة بني السردية والوصفية‬
‫ومما يزيد من متعة مطالعة كتب أدب الرحلة هو عنصر التشويق الذي كثريا ما يتم اعتماده‪،‬‬
‫وهو ملمح فين ابرز يف األعمال السردية‪ ،‬كما أنه عامل رئيسي يف جناح العمل الفين واألديب‪ ،‬وكما‬
‫يقول أحد كتاب املسرح‪« :‬انطالقا من كون األدب ممارسة ممتعة هتدف إىل إعادة صياغة الواقع‬
‫وفق حالة إبداعية يتشكل بناؤها ممتزجا ابخليال‪ ،‬فإن التشويق يف األعمال األدبية السردية تقنية‬
‫مهمة من تقنيات الفعل السردي‪ ،‬وهلذا يعمد كتاب القصة والرواية إىل حقن أعماهلم ابلسياقات‬
‫واألحداث اليت تضفي عليها طقسا من اإلاثرة والتحفيز القرائي‪ ،‬سعيا منهم يف توريط املتلقي يف‬
‫كينونة العمل وحراكه الداخلي» )‪ ،(1‬وذلك إلبعاد امللل الناتج عن طغيان املباشرة والتقريرية‪ ،‬وكذا‬
‫إضفاء حيوية‪ ،‬وإاثرة املتلقي‪ ،‬وابلتايل تفاعل هذا األخري مع النص‪ ،‬فيتجاوز مرحلة اجلمود ويتوغل‬
‫يف الرحلة وكأنه يعيشها يف أدق تفاصيلها‪.‬‬
‫أيضا يعمد بعض الرحالة إىل التعبري شعرا أو إىل االستشهاد به‪ ،‬كونه «وسيلة فاعلة يف‬
‫)‪(2‬‬
‫اختزال املشاعر‪ ،‬وأتلق كثري من الصور‪ ،‬وإيصاهلا بشحنات فنية متميزة إىل املتلقي»‪.‬‬

‫( ‪ )1‬فاطمة عبد الرمحن‪ ،‬التشويق يف األعمال السردية‪،‬ساحة إلاثرة تفكري القارئ‪ ،‬جسد الثقافة‪.www.aljsad.com ،2010/05/19 ،‬‬
‫( ‪ )2‬عبد هللا بن أمحد بن حامد آل محادي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.138‬‬
‫‪38‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫أي أن للشعر قوة يف التعبري ابلقليل عن الكثري‪ ،‬أو مبعىن آخر يستطيع الشعر أن يوجز دون‬
‫اسرتسال يف التصوير ويف الوقت نفسه يوصل املعىن أبدق وأمجل صيغة‪ .‬كما أن له وقعا يف العقول‬
‫واآلذان‪ ،‬جلميل ألفاظه وعباراته اليت تكسو التعبري رونقا وحتركه نغما وحلنا‪ ،‬فتضرب يف األذهان‬
‫وحترك الوجدان‪.‬‬
‫‪-3-2‬الطرفة األدبية)‪:(‬‬
‫ملا يدعو إليه‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬السرد الرحلي من امللل‪ ،‬غمس الكثري من أدابء هذا النوع‪،‬‬
‫لتلوين األسلوب‪ ،‬فرشاهتم يف لون الطرفة والسخرية‪ ،‬واستثمروها لتكوين وتنويع األسلوب‬
‫واملضمون ابللجوء إىل اخليال لرصد األحداث واملواقف اجلادة وإعطائها أبعادا طريفة أو ساخرة‪،‬‬
‫تبعث رغبة يف الضحك وخلق األنس وإضفاء املرح‪.‬‬
‫فتعد الطرفة أو الفكاهة عنصرا هاما ملا جتعله من قبول ومجال للعمل األديب‪ ،‬وذلك منوط‪،‬‬
‫بطبيعة احلال‪ ،‬بقدرة األديب على عرض املواقف وصياغتها‪« ،‬فالكاتب الساخر هو الذي يقلل‬
‫من حجم الواقع يف حديثه أو ينتقص منه» )‪ ،(1‬ولكثرة املواقف واألحداث املختلفة اليت يصادفها‬
‫الرحالة يف رحلته‪ ،‬وكذا تنوع الشخصيات اليت يلتقي هبا‪ ،‬فمن الضروري أن مير مبواقف طريفة‬
‫تستدعي التسجيل والوقوف عندها‪ ،‬حىت وإن مل تكن كذلك‪ ،‬قد ينظر إليها هو مبنظار ساخر أو‬
‫طريف‪ ،‬وحيوهلا من جد إىل هزل‪ ،‬فيقلل من حدهتا‪ ،‬ويبثها برقة الفكاهة اليت تقتضي «النقل املغاير‬

‫)‪ (‬الطرفة األدبية‪ :‬أو األدب الساخر‪ ،‬األدب الفكاهي‪ ،‬األدب الضاحك‪ ،‬السخرية‪ Sarcasme Humour, Ironie،‬مل يستقر مفهومها ال‬
‫عند العرب وال عند الغرب‪ .‬وهي تصوير مضحك ملوقف ما‪ ،‬وتتطلب قدرة ومهارة‪ ،‬وذكاء حادا‪ ،‬وروحا مرحة‪ ،‬وعينني ترتداين نظارتني حتيالن‬
‫احلقيقة إىل صور كاريكاتورية‪ ،‬وتبحرا يف اللغة وثروهتا اللفظية‪ ،‬حبيث خيتار الكاتب تلك املفردات واألوزان الصرفية اليت تتوفر‪ .‬وابإلضافة إىل ما‬
‫تشيعه من أجواء املرح واالنبساط‪ ،‬فهي تعاجل قضااي األمة وتصور احلياة االجتماعية عند األقوام بكل تفاصيلها‪ ،‬هي "خري مرآة تنعكس عليها‬
‫أحوال كل جمتمع‪ ،‬وما مر به من أحداث واكتسب من مقوماته‪ ،‬وما اندمج يف خلقه من مسات" (زكراي إبراهيم‪ ،‬سيكولوجيا الفكاهة والضحك)‪،‬‬
‫وهي تعرب بصدق عن بعض األمراض النفسية مثل احلمق واجلنب والغرور والبخل واألاننية وغريها من العادات الذميمة‪ ،‬فهي تلمس قضااي اجتماعية‬
‫وسياسية وثقافية واقتصادية بطريقة ذكية هادفة‪ .‬وهي تراث تناقلته األجيال يعد من "مظاهر الرقي األخالقي والدماثة‪ ،‬وبرهان على صفاء الذهن‪،‬‬
‫وتوقد العبقرية" (علي مروة‪ ،‬موسوعة األدب الضاحك‪ ،‬و "هذا الباب مما تنجذب النفوس إليه‪ ،‬وتشتمل اخلواطر عليه‪ ،‬فإن فيه راحة للنفوس إذا‬
‫تعبت وكلت‪ ،‬ونشاطا للخواطر إذا سئمت وملت‪ ،‬ألن النفوس ال تستطيع مالزمة األ عمال‪ ،‬بل تراتح إىل تنقل األحوال‪ ،‬فإذا عاهدهتا ابلنوادر يف‬
‫بعض األحيان‪ ،‬والطفتها ابلفكاهات يف أحد األزمان‪ ،‬عادت إىل العمل اجلد بنشطة جديدة‪ ،‬وراحة يف طلب العلوم مديد" (النويري‪ ،‬هناية األرب‬
‫يف فنون األدب)‪.‬‬
‫( ‪ )1‬روبري اسكاربيت‪ ،‬الفكاهة‪ ،‬ت‪.‬هدى علي مجال‪ ،‬املكتبة العاملية‪ ،‬دار املستقبل العريب‪ ،‬د ت‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫‪39‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫على مستوايت األسلوب» )‪ ، (1‬وهذا يتعلق بقدرة األديب على الصياغة والعرض والرغبة‪ .‬ومل مينع‬
‫الكثري من األدابء اعتمادها وإن كانوا هم ذاهتم حمل ذلك التندر والضحك‪.‬‬
‫وهنا بعض األمثلة عن بعض املواقف الطريفة من كتب خمتلفة‪:‬‬
‫يقول القصييب‪« :‬منذ طلب مين صديق عزيز أن أشرف عل مكتبه القانوين خالل غيابه يف‬
‫بعثة دراسية‪ ،‬ف ُقدت املكتب هبمة وبراعة إىل اإلفالس»‪.‬‬
‫ورد األسلوب الفكاهي هنا فأبعد األسلوب اخلربي هرواب من مرارة الفشل إىل رحابة‬
‫الطرفة‪ ،‬ومن فزع املوقف إىل لطافة الفكاهة‪.‬‬
‫ويقول األموي‪...« :‬فوضعوا مدافعهم‪ ،‬ومرتسوا خلف فندقنا‪ ،‬وأخذوا ميطرون القصر‬
‫اجلمهوري من خلف وحول فندقنا‪ ،‬فريد القصر (التحية) أبحسن منها‪ ،‬وحنن كالكامخ بني‬
‫)‪(2‬‬
‫الشاطر واملشطور‪».‬‬
‫‪« Dans une histoire qui faisait pâmer toutes les boutiques de la ville, un‬‬
‫‪mollah apostrophait deux paysans prosternant devant l’urne aux bulletins :‬‬
‫‪"Pourquoi adorez-vous cette boite, mécréants ?" "Vénéré Mollah, elle vient de‬‬
‫‪faire un miracle ; tout le village a mis Kassem dedans et c’est Youssouf qui‬‬
‫)‪en est sorti".» Nicolas Bouvier (3‬‬
‫«رأى أحد املالة أعرابيان يسجدان لصندوق االقرتاع فقال هلما‪ :‬ما دهاكما تعبدان صندوقا‬
‫أيها الكافران؟ فردا عليه‪ :‬موالان املوقر إان نعبده تراه أتى مبعجزة‪ ،‬فقد أدخل فيه مجيع سكان القرية‬
‫قامسا إذا به خيرج يوسف»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫وجاء هنا ليعرب عن مرارة وضع سياسي ورمبا ملعاجلته بسالسة السخرية‪.‬‬
‫‪ -4-2‬الرؤى النقدية‪:‬‬
‫«العني هي حاسة املسافة واالبتعاد واالنفصال ولذلك هي حاسة التفكري والنقد والتأويل‬
‫)‪(4‬‬
‫والتقييم وتعدد وجهات النظر»‬

‫( ‪ )1‬روبري اسكاربيت‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫( ‪ )2‬عبد هللا بن أمحد بن حامد آل محادي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.168 ،163‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫‪Evelyne Deprètre, op.cit, p39.‬‬
‫( ‪ )4‬عمر عبد الواحد‪ ،‬السرد والشفهية‪ ،‬دار اهلدى للنشر والتوزيع ‪ ،2003 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.10‬‬
‫‪40‬‬
‫عن أدب الرحلة‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫هذا ما يستحث الرحالة‪ ،‬الذي تقوم رحلته على فعل املشاهدة العينية واحلسية والتنقل إىل‬
‫فضاء خمتلف‪ ،‬إىل تسجيل رؤيته)‪(‬وانطباعاته‪ ،‬فيصبح التقومي أحد أعمدة بناء خطابه الرحلي‪،‬‬
‫ظاهرا كان أم مضمرا‪ ،‬مدحا أم ذما‪ ،‬فتعكس أفكاره نظرته لذاته ولآلخرين‪ ،‬حضاراي‪ ،‬بكل ما‬
‫حتمله من معاين كلمة احلضارة)‪ ،(‬معتمدا يف ذلك على املقاربة والتماهي أواملطابقة وكذا على‬
‫فعل املقارنة اليت‪:‬‬
‫‪«…qui peut instaurer une distance plus grande, dès lors que le‬‬
‫‪rapprochement creuse le fossé ou l’écart entre le référent (inédit) et son‬‬
‫)‪modèle (familier) »(1‬‬
‫« اليت ميكنها أن توسع املسافة‪ ،‬ومن مث خيلق التقارب فجوة أو فارقا بني املرجع (اجلديد) ومنوذجه‬
‫(املألوف)» (الرتمجة لنا)‬
‫وملا حيمله الرحالة من ذات وما يواجهه عند اآلخر الغريب‪ ،‬يقوده تلقائيا إىل نقد هذا‬
‫وذاك‪ ،‬املعروف واجملهول‪ ،‬بني التميز والقصور‪ ،‬قصد تعريف القارئ ابآلخر (الغريب واجملهول)‪.‬‬

‫‪« Cet élan vers l’autre n’aboutit qu’à un retour sur soi, mais ce retour est‬‬
‫‪en fait un départ vers de nouvelles aventures, celle de la découverte de soi et‬‬
‫‪aussi celle de l’écriture qui se forge lors d’un récit de voyage et se prépare à‬‬
‫‪servir la mission de l’écrivain romanesque. Le déplacement spécial induit un‬‬
‫‪décentrement de soi, temporaire et salutaire, pour mieux s’affirmer comme‬‬
‫)‪écrivain. »(2‬‬
‫«وما هذا االندفاع حنو الغري إال عودة إىل الذات‪ ،‬وهو بداية انطالق حنو مغامرات جديدة‪،‬‬
‫مغامرات اكتشاف للذات‪ ،‬مغامرة التأليف الذي يصنع عرب نص روائي‪ ،‬يتأهب بذلك ألداء مهمة‬
‫الكاتب الروائي‪ ،‬حيث يؤدي التنقل املكاين إىل تغري مؤقت وسليم للذات من أجل االرتقاء إىل‬
‫درجة الكاتب الضليع» (الرتمجة لنا)‪.‬‬

‫)‪ (‬الرؤية ال تقتصر على اإلدراك احلسي وحسب وإمنا هي "عملية املعرفة أو اإلدراك بواسطة الفكر و احلواس"‪ .‬الصادق قسومة‪ :‬طرائف حتليل‬
‫القصة‪ ،‬ص‪115‬‬
‫)‪ (‬احلضارة‪" :‬تتألف احلضارة من عناصر أربعة‪ :‬املوارد االقتصادية‪ ،‬والنظم السياسية‪ ،‬والتقاليد اخللقية‪ ،‬ومتابعة العلوم والفنون" حضارة‬
‫‪or.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫) ‪(1‬‬
‫‪Récit (s) de voyage et caractérisation de l’i(I)nconnu. Conférence à l’université de Marcerata,‬‬
‫‪École doctorale Politique, éducation, et formation aux langues et cultures de la Faculté des‬‬
‫‪Sciences Juridiques et Sociales, 5e séminaire extraordinaire; novembre 2002.‬‬
‫) ‪(2‬‬
‫‪Véronique Magri Mourgues, op.cit, p10.‬‬
‫‪41‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬التمجة والرحلة‬
‫‪ -1‬التمجة إستاتيجية تواصل يف الرحلة‪:‬‬
‫‪-1-1‬التمجة ‪ /‬الرحلة‪:‬‬
‫صور بعضهم الرتمجة ابلسحر احلالل لقدرهتا على نقلنا من عامل إىل آخر ومن حضارة إىل‬
‫أخرى يف غمضة عني‪ ،‬حيث تعترب «مسرية الرتمجة مسرية ُرحل يف ماهيتها» )‪ .(1‬فالرتمجة إذن رحلة‬
‫حتط بنا يف الضفة األخرى‪ ،‬فتمكننا من اإلطالع على ما جيري فيها وكيف‪ ،‬من حياة اجتماعية‬
‫وسياسية واقتصادية وعلمية‪ ،‬وكذا رؤية شعوهبا وطرق تفكريهم وطريقة تعبريهم عن كل هذا‪.‬‬
‫«وترمجة نص ما من لغة إىل أخرى هي يف احلقيقة إقحام عامل يف عامل آخر‪ ،‬واتريخ يف اتريخ‬
‫آخر وثقافة يف ثقافة أخرى» )‪ ،(2‬هذا يعين أن املرتجم يتعدى حدود النص اللسانية إىل بيئة‬
‫جغرافية واترخيية ومناخية وحضارية‪ ،‬ومبا أنه «ليس للمرتمجني أي خيار يف األمر‪ ،‬فهم رحل‪-‬‬
‫ابإلجبار» )‪ (3‬فعليهم أن يسافروا ضمن السياق أبكمله ليعيشوا فيه ويتعايشوا معه أوال مث ليعودوا‬
‫به اثنية إىل البيئة اهلدف حيث أن «الرتمجة هي تذكرة عودة‪ ،‬فالسفر الطويل إىل اخلارج تُتممه‬
‫)‪(4‬‬
‫الرحلة إىل الوطن‪».‬‬
‫وال ميكن للمرتجم أن يقوم بعمله الرتمجي على أكمل وجه إال إذا كان ملما ابلكثري من‬
‫املعارف‪ ،‬وواعيا أبسرار اللغتني‪ ،‬املنقول منها واملنقول هلا‪ ،‬ومدركا للفروق بني العاملني وخصوصيات‬
‫كل منهما‪ .‬وال يتحقق هذا إال إذا لبس املرتجم ثوب املؤلف األصلي‪ ،‬ومبعىن أدق‪ ،‬إال إذا سافر‬
‫إىل عامل املؤلف وعاش يف بيئته وتكلم لغته حىت يفهم قصده احلقيقي وما يرمي إليه‪ ،‬مث يعود إىل‬
‫وطنه بعد إعادة الصياغة بنسخة قريبة من األصل‪ ،‬أي ليقول الشيء نفسه تقريبا "‪Dire presque‬‬
‫‪. "la même chose‬‬

‫( ‪ )1‬مايكل كرونني‪ ،‬الرتمجة والعوملة‪ ،‬ت‪.‬حممود منقذ اهلامشي‪ ،‬عبد الودود بن عامر العمراين‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬انشرون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،2010 ،‬‬
‫ط‪ ،1‬ص‪.180‬‬
‫( ‪ )2‬عالن نسيمة‪ ،‬أمهية الرتمجة وشروط إحيائها‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،2007 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫( ‪ )3‬ما يكل كرونني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫( ‪ )4‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫‪43‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)11‬العالقة ترمجة‪/‬رحلة‬


‫يرحل املرتجم ابلنص األصلي يف زمن أول مث يعود به إىل الوطن‪ ،‬وهبذا ينقل القراء إىل العامل‬
‫األصل‪ ،‬ويكون قد منحهم تذكرة سفر إىل ذلك العامل «فالرتمجة هي السفينة اليت تنقل احلموالت‬
‫الثقافية املتنوعة من مرفأ إىل آخر» )‪.(1‬‬
‫ومن هنا يتجلى الرابط بني الرتمجة وأدب الرحالت يف الدور الفعال الذي يؤديه كل‬
‫منهما‪ ،‬فكالمها ميثل جسرا من جسور التواصل بني الثقافات ويساهم كل منها يف الكشف عن‬
‫تراث األمم ويف التمازج بني الشعوب وكذا تالقح احلضارات‪ ،‬ويساهم يف رقي احلياة األدبية‬
‫والعلمية‪ ،‬إذ يؤدي انعدامهما إىل السبات الثقايف والعقم والركود‪« .‬فالشفاء هو الرتمجة‪ ،‬هو‬
‫)‪(2‬‬
‫االنفتاح على بعد آخر‪ ،‬واالخنالع عن كل أشكال األسر الدوغمائية)‪»...(‬‬

‫( ‪ )1‬علي القامسي‪ ،‬الرتمجة وأدواهتا‪ ،‬مكتبة لبنان انشرون‪ ،‬بريوت‪ ،2009 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.13‬‬
‫)‪ (‬الدوغمائية‪ :‬هي التعصب لفكرة معينة من قبل جمموعة دون قبول النقاش فيها أو اإلتيان أبي دليل ينقضها ملناقشة‪ ،‬كما هي اجلمود الفكري‪،‬‬
‫التشدد يف االعتقاد الديين أو املبدأ اإليديولوجي‪ ،‬أو موضوع غري مفتوح للنقاش أو للشك‪( .‬املوسوعة احلرة ويكيبيداي)‪.‬‬
‫( ‪ )2‬مايكل كرونني‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪44‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫ومبا أن كل منهما يعد أداة حوار بني األمم‪ ،‬فيجب أن ال يكون كل من الرحالة واملرتجم‬
‫متعصبا لرأيه‪ ،‬بل عليه أن يتحلى مبوضوعية العامل‪ ،‬وأن ينطلق من قاعدة قبول اآلخر واحرتامه‬
‫واالعرتاف أبن احلقيقة الفكرية ليست مطلقة‪ ،‬وتقبل االختالفات‪ ،‬ومنه تعزيز التميز وحتسني‬
‫القصور بفعل املقارنة واالحتكاك ابلغري‪ .‬وهذا ما مينحه السفر حني خيدم وظيفة هامة وهي‬
‫«التحديق البعيد بوصفه نظرة نقدية إىل القرب» )‪ ،(1‬فمثله مثل الرتمجة؛ يفتح بوابة على اآلخر‬
‫ليتعرف على الذات ابلتعرف على اآلخر‪ ،‬حيث ال ميكن إدراك الذات ما مل نعرف اآلخر‪،‬‬
‫فباآلخر تتحدد الذات )‪.(2‬‬
‫رحالة‪:‬‬
‫‪ -2-1‬متجم ‪ّ /‬‬
‫مبا أن السفر والرتمجة يتالزمان فإن املرتجم يعد رحالة والرحالة مرتمجا‪ ،‬ألن الرحالة بتنقله‬
‫إىل بلدان أخرى‪ ،‬أي ثقافات أخرى وابلتايل لغات أخرى‪ ،‬وعليه التواصل والتعايش‪ ،‬جيد نفسه‬
‫جمربا على استعمال لغة الغري اليت تعترب قناة التواصل‪ ،‬فسيرتجم حتما‪« ،‬حىت أكثر جتارب السفر‬
‫إىل اخلارج هتورا‪ ،‬جترب املسافر على إجياد إسرتاتيجية للتعامل مع اللغة األجنبية» )‪ ،(3‬وال ميكن هلذه‬
‫اإلسرتاتيجية يف التعامل مع اللغة األجنبية إال أن تكون ترمجة بطريقة أو أبخرى‪ ،‬وجتربه املواقف‬
‫على أن يلجأ إليها ورمبا دون إدراك ذلك‪« ،‬فيصبح (إذن) السفر مزاولة دائمة للرتمجة» )‪.(4‬‬
‫يضاف إىل ذلك عامل مشرتك آخر جيمع بني املرتجم والرحالة أال وهو عدم مرئية)‪ (‬كل منهما‪،‬‬

‫( ‪ )1‬مايكل كرونني ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.232‬‬


‫( ‪ )2‬ينظر‪ ،‬علي القامسي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.15 ،14‬‬
‫( ‪ )3‬مايكل كرونني ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫( ‪ )4‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.225‬‬
‫)‪ (‬عدم مرئية املرتجم‪ :‬يعرفه لورنس فينويت يف كتابه‪( :‬اختفاء املرتجم‪ :‬اتريخ املرتجم) على أنه مصطلح يستخدم لوصف موقف املرتجم وفعاليته يف‬
‫الثقافة األجنلو‪ -‬األمريكية املعاصرة‪ ،‬ويستهل كتابه مبقولة لـإ‪ :‬نورمان شابريو «الرتمجة يف رأسي هي حماولة إنتاج يبلغ من فرط شفافيته حدا يبدو معه‬
‫كما لو مل يكن ترمجة‪ ،‬فالرتمجة هي لوح زجاجي ال نالحظ وجوده إال إذا شاب نقاده بعض الشوائب‪ ،‬كاخلدوش والفقاقيع‪ ،‬وهو ما ال جيب أن‬
‫يكون‪ ،‬فال ينبغي أن تلفت الرتمجة النظر إىل نفسها»‪ .‬يرى فينويت أن الالمرئية تنتج أوال « من خالل الطريقة اليت ينزع املرتمجون أنفسهم للرتمجة إىل‬
‫االجنليزية جبزالة لكي ينتجوا ترمجة اصطالحية ومقروءة خالقني بذلك وهم الشفافية» ‪،‬واثنيا «من خالل الطريقة اليت تقرأ هبا النصوص منطيا يف‬
‫ثقافة اهلدف فالنص املرتجم‪ ،‬سواء كان نثرا أم شعرا‪ ،‬حيكم عليه ابلقبول من قبل معظم الناشرين واملراجعني والقراء عندما يكون جزال وعندما جيعله‬
‫غياب أي من اخلصائص اللغوية أو األسلوبية يبدو شفافا ماحنا اهليأة أبنه يعكس شخصية املؤلف األجنيب أو نية املعىن اجلوهري للنص األجنيب‬
‫وهي بكلمات أخرى‪ ،‬هيأة أن الرتمجة يف احلقيقة ليست برتمجة وإمنا النص األصلي»‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫واليت تتجلى يف اجنازات كل منهما وكأهنا ُوجدت «بطريقة سحرية وبعيدة عن كل اإلشكاليات‬
‫[‪ ]...‬وكأن املسافر قد وصل من دون توسط إىل الواقع األجنيب من خالل عملية ُملغزة من‬
‫)‪(1‬‬
‫عمليات الرتمجة الفورية‪ ،‬اندرا ما يتم وصفها يف أي وقت‪ .‬فآاثر توقيع املرتجم يتم حموها بعناية»‬
‫نجز‪ ،‬ومبعىن آخر ما يصنعه املرتجم‬ ‫أي أننا نستغل املنجز وهنتم به ونستفيد مما فيه ونغفل عن امل إ‬
‫ُ‬
‫والرحالة جدير ابالهتمام لكن الذات الصانعة ُهتمل وُهتمش وكأن النصوص املنقولة إىل الضفة‬
‫الثانية ُوجدت وحسب‪ ،‬دون االستناد إىل أحد‪.‬‬
‫كما يصبو كل منهما إىل ذلك االختفاء‪ ،‬فهدف املرتجم هو أن يقرأ املتلقي النص وكأنه‬
‫يقرأه يف لغته األصل‪ ،‬وهدف الرحالة هو أن "يشاهد" القارئ‪ ،‬من خالل كلماته ووصفه‪ ،‬الصورة‬
‫وكأنه يراها فعال‪.‬‬
‫‪"Le rêve de l’écrivain voyageur est de faire comme s’il pouvait écrire‬‬
‫‪un récit transparent au sens où les mots auraient la capacité de s’effacer pour‬‬
‫)‪laisser place à la vision première." (2‬‬
‫"إن حلم الرحالة هو كتابة نص يتميز ابلشفافية حبيث تصبح للكلمات القدرة على‬
‫االختفاء لتحل حملها الرؤية األصلية"‪( .‬الرتمجة لنا)‬

‫التعامل مع‬
‫المادة ّ‬
‫اللغوية‬ ‫الرحالة‬
‫المترجم‬
‫االختفاء‬ ‫الترجمة من أجل‬
‫الترجمة من أجل‬
‫التواصل في السياق‬
‫الترجمة‬ ‫التواصل‬
‫الرحلي‬
‫[مخيـــــــر]‬ ‫حوار‬
‫الحضارات‬ ‫[مجبــــــــــر]‬

‫الشكل (‪ :)12‬العالقة متجم‪/‬رحالة‬

‫( ‪ )1‬مايكل كرونني ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.222‬‬


‫‪(2) Veronique‬‬ ‫‪Margui Mourgues, op.cit, p6.‬‬
‫‪46‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪ -3-1‬التمجة يف خدمة الرحلة‪:‬‬
‫كما ورد يف املخطط السابق "الشكل(‪ ")12‬فإن الرحالة جمرب على اعتماد الرتمجة‬
‫إبسرتاتيجياهتا ومناهجها وتقنياهتا لتجاوز العائق اللغوي يف سياق سفره الستكشاف ثقافة اآلخر‪.‬‬
‫و«الكاتب يف أدب الرحالت يواجه واقع التواصل اللغوي املتبادل وقد يتبىن عددا من‬
‫)‪(1‬‬
‫اليت طوعها مايكل كرونني يف مضمار التواصل الرحلى وسخرها يف متناول‬ ‫االسرتاتيجيات»‬
‫الرحلة‪ ،‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬احملاكاة‪ :‬وتتضمن إعادة الصياغة احلرفية أي الكتابة الصوتية للكالم ابللغة األجنبية مع‬
‫مراعاة تركيب اللغة اهلدف‪.‬‬
‫‪ -‬نزع األلفة‪ :‬ومبعىن آخر اإلبقاء على الغرابة ويتضمن استخدام املفردات الغربية‪،‬‬
‫والكلمات والتعابري يف النص ابللغة األجنبية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسهاب‪ :‬وهو شكل من الرتمجة غري املباشرة‪ ،‬يلجأ إليه الكاتب ليعرب بلغته بكالم‬
‫غري مباشر متحاشيا الكالم املباشر ابللغة األجنبية‪ .‬ويكون لتوضيح الفكرة أو الشيء بعدد أكرب‬
‫من الكلمات مما هو ضروري‪.‬‬
‫‪ -‬اإلقصاء‪ :‬وهو أن يقرر الكاتب ببساطة أن يتجاهل الواقع اخلارجي للغة البلد‬
‫واستبعاده وأن يركز ابلدرجة األوىل على العمليات الذهنية الداخلية واالستجابة للمكان‪.‬‬
‫‪ -‬التمجة‪ :‬إبعادة صياغة الكالم األجنيب مباشرة إىل لغة السرد‪ ،‬وهي املفضلة عموما‪ ،‬كما‬
‫أهنا تخفي القدرات اللغوية احلقيقية للمسافر‪.‬‬
‫‪ -2‬مشاكل ترمجة أدب الرحلة‪:‬‬
‫تندرج ترمجة أدب الرحلة ضمن الرتمجة األدبية اليت يعرفها حممد عناين على أهنا ترمجة األدب‬
‫بفروعه املختلفة‪ ،‬أو ما يطلق عليه األنواع األدبية املختلفة مثل الشعر والقصة واملسرح وما إليها‪،‬‬
‫وهي تشرتك مع الرتمجة بصفة عامة إال أن هلا ما مييزها عن الرتمجات األخرى فيما خيص العناصر‬

‫( ‪ )1‬مايكل كرونني ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.224‬‬


‫‪47‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫البالغية والبنائية واملوسيقية‪ ،‬إضافة إىل الرؤى واألفكار واخلياالت واألمثال وغريها من العناصر‬
‫الثقافية والنفسية واالجتماعية )‪.(1‬‬
‫)‪(2‬‬
‫فهي تتجاوز‬ ‫والرتمجة ابعتبارها «فعل معريف أساس يف التجربة الفكرية والثقافية لألمم»‬
‫العنصر الفين اجلمايل والفكري الداليل‪ ،‬وترقى إىل اجلانب الثقايف‪ .‬أي أهنا ال تنشغل ابللغة‬
‫وتنحصر يف جماهلا‪ ،‬وإمنا تصنع جسرا بني الثقافات‪ ،‬وتكون بعدا حواراي بينها‪ ،‬وتساهم هبذا يف‬
‫تطوير األدب واإلبداع‪.‬‬
‫يرى عبد الرمحن التمارة أن الرتمجة األدبية تدفع إىل التفكري يف عدة ثنائيات وأبعاد )‪:(3‬‬
‫ثنائية اللّغة والفكر‪:‬‬
‫وفيها تتجلى املهارة اللغوية يف نقل النص إىل لغة اهلدف من أسلوب وتراكيب وبناء شكلي‬
‫وحممول فكري‪ ،‬فبني البالغة واإلبالغ يتحقق البعد التقين‪.‬‬
‫ثنائية اللّغة والثقافة‪:‬‬
‫حيث أن النص يعرب عن ثقافة معينة‪ .‬فهو حيمل فضال عن البعد اإلبداعي والتعبري الفين‪،‬‬
‫بعدا إيديولوجيا تتجسد من خالله الرؤية اخلاصة واملميزة للعامل‪.‬‬
‫ثنائية لغة الذات ولغة اآلخر‪:‬‬
‫حيث تعترب الرتمجة اجلسر الواصل بني الشعوب واألمم‪ ،‬والذي يقرهبم إبطالع كل منهم عن‬
‫اجنازات وأعمال اآلخر وطرق عيشه ونظرته وتفكريه وكيفية تعبريه عما حوله وما خيتلجه‪ ،‬فتعرف‬
‫ابلذات وتتعرف على اآلخر‪ ،‬وهبذا تكون الرتمجة قد حققت بعدا تواصليا‪.‬‬

‫( ‪ )1‬ينظر حممد عناين‪ ،‬الرتمجة األدبية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬الشركة املصرية العاملية للنشر‪ -‬لوجنمان‪ ،‬مصر‪ ،2003 ،‬ط‪ ،2‬ص‪.7،8‬‬
‫( ‪ )2‬عبد الرمحن التمارة‪ ،‬من نقطة التحويل إىل دائرة املثاقفة‪ ،‬منرب حممد عابد اجلابري‪ ،‬جملة فكر ونقد‪ ،‬ع‪.86‬‬
‫( ‪ )3‬ينظر م‪.‬ن‬
‫‪48‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫واملخطط التايل يوضح ما تدفع الرتمجة األدبية للتفكري فيه من ثنائيات‪:‬‬

‫الرتمجة‬

‫فعل معريف أساس يف التجربة الفكرية والثقافية لألمم‬

‫لغة الذات ولغة اآلخر‬ ‫اللغة والثقافة‬ ‫اللغة والفكر‬

‫البعد التواصلي‪ :‬بني الشعوب‬ ‫البعد التقين‪ :‬املهارة‬


‫ثقافة معينة‬
‫واإلطالع على بعضها البعض‬ ‫اللغوية‬

‫البعد اإليديولوجي‪:‬‬
‫البعد اإلبداعي‬
‫رؤية العامل‬
‫الشكل (‪ :)13‬ثنائيات (‪ )dichotomies‬التمجة األدبية‬
‫ومن هنا خنلص إىل أن الرتمجة األدبية هتدف إىل تقليص املسافة بني الشعوب‪ ،‬وتصري قناة‬
‫تواصلية تطلع عربها أمة على غريها وتفتح جماال لتطوير األدب وخلق مجالية جديدة تولد عن فعل‬
‫املقارنة ابلغري‪.‬كما أهنا تساهم يف إثراء اللغة اهلدف مبفاهيم ومصطلحات جديدة خاصة ابللغة‬
‫األصل‪ ،‬فهي يف خدمة املعرفة اإلنسانية‪.‬‬
‫ومن هذه األبعاد والثنائيات تتجلى الصعوابت اليت يواجهها املرتجم األديب‪ ،‬فمما سبق‬
‫ذكره نستنتج أن هناك صعوابت متعلقة ابللغة والبناء والتعبري‪ ،‬وأخرى‪ ،‬وهي ما يهم يف هذا‬
‫البحث‪ ،‬سياقية)‪،(‬أي تتعلق ابلسياق الثقايف واالجتماعي‪.‬‬

‫)‪ (‬السياق‪" :‬عبارة عن املنوال الذي يُنسج فيه الرتكيب أو القلب الذي يفرغ فيه‪ ،‬وال يرجع إىل الكالم ابعتبار إفادته أصل املعىن الذي هو وظيفة‬
‫اإلعراب أي النحو‪ ،‬وال ابعتبار كما املعىن من خواص الرتكيب الذي هو وظيفة البالغة والبيان‪ ،‬وال ابعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي‬
‫هو وظيفة العروض‪ ،‬وإمنا يرجع إىل صورة ذهنية للرتاكيب املنتظمة كلية ابعتبار إنطاقها على تركيب خاص‪ ،‬وتلك الصور ينتزعها الذهن من أعيان‬
‫الرتاكيب وأشخاصها وبعيدها يف اخليال كالقالب واملنوال مث ينتقي الرتاكيب الصحيحة عند العرب ابعتبار اإلعراب والبيان فريصها رصا‪ ،‬كما يفعل‬
‫البناء يف القالب والنساج يف املنوال حىت يتسع القالب حبصول الرتاكيب الوافية مبقصود الكالم ووقع على الصورة الصحيحة"‪ ،‬فالسياق هو تتابع‬
‫الكالم وأسلوبه الذي جيري عليه‪ ،‬ويقصد به جتاوز الكلمات يف التالصق الركين للحمل يف امللفوظ‪ ،‬أي ما يسبقها وما يلحقها من مفردات‪( .‬ينظر‬
‫مقدمة ابن خلدون‪ ،‬املعجم الوسيط)‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪ -1-2‬التداخل الثقايف‪:‬‬
‫يتميز النص الرحلي على غرار النصوص األدبية األخرى أبنه نص مفعم ابلشحنات الثقافية‬
‫ويقوم على العديد من املعطيات احلضارية‪ .‬ومبا أن هناك خصوصيات لكل ثقافة تنطلق من‬
‫مرتكزات بيئية وحضارية واترخيية وظروف اجتماعية؛ فعملية الرتمجة « تتجاوز املطابقة بني لغتني‬
‫أو التعبري عن املعىن الواحد بلغتني خمتلفتني بل هو التقاء كتلتني حضاريتني ثقافتني ال ميكن الوفاء‬
‫للمطابقة بينهما ألن بني اجلنس والبيئة تعايش وتالحم ثقايف قد يتجسد يف أمثال شعبية‪ ،‬يف‬
‫عادات وطقوس‪ ،‬وصناعات وحنل يف عبارات تضمينية قد ُحتشن بكل تلك املظاهر أو‬
‫ببعضها»)‪.(1‬‬
‫فالرتمجة هنا إذن ال توجب الوسائل الفنية والرباعة التقنية على املستوى البالغي واجلمايل‬
‫للنص فحسب‪ ،‬وإمنا تتعداها إىل ترمجة شىت املضامني يف جماالت وعالقات حتيط ابلظاهرة اللغوية‪،‬‬
‫حيث تختلف جتربة املرء ابختالف بيئته ومناخه وتضاريسه واترخيه وجمتمعه وثقافته‪ ،‬وابلتايل رؤيته‬
‫للعامل وكيفية التعبري عنها‪.‬‬
‫ويرى أوجني نيدا أن‬
‫‪« Differences between cultures may cause more severe complications for‬‬
‫)‪the translator than differences in language structures »(2‬‬
‫« قد تسبب االختالفات بني الثقافات تعقيدات كبرية للمرتجم أكثر مما تسببه‬
‫(الرتمجة لنا)‬ ‫االختالفات يف البنيات اللغوية‪».‬‬
‫هذا يعين أنه على املرتجم‪ ،‬كي يتجاوز هذه العقبات‪ ،‬الولوج يف الوقائع الثقافية األجنبية‪،‬‬
‫وأن يكون قادرا على أن يرى العامل األجنيب الذي يرتجم له‪ ،‬ويعرب عنه وأن يريه ملن ال يعرفه‪ ،‬أي‬
‫قارئ الرتمجة )‪.(3‬‬

‫( ‪ )1‬حممد األمني حبري‪ ،‬أمهية الرتمجة وشروط إحيائها‪ ،‬مطبعة دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪،2007،‬ص‪.354‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Dabaghi Azizoallah and Bagheri Mohammad, The I ssue of translating culture : a literary case in‬‬
‫‪focus, theory and practice in language studies, vol.2.N°1,pp183-186, january 2012, academy‬‬
‫‪publisher, Manufactured in Finland.‬‬
‫( ‪ )3‬ينظر ماراين لودورير‪ ،‬الرتمجة‪ :‬النموذج التأويلي‪ ،‬ت‪.‬فايزة القاسم‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬لبنان‪ ،2012 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.166‬‬
‫‪50‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪ -1-1-2‬التمجة ورؤية العامل‪:‬‬
‫بعد أن دخلت الرتمجة مرحلتها الفلسفية‪ ،‬ظهرت وجهة نظر يف هذا الشأن عرضها "ويلهلم‬
‫يف ابدئ األمر‪ ،‬مث أُعيد اكتشافها بدقة وحتققت‬ ‫‪Wilhelem Von Humbolt‬‬ ‫فون مهبولت"‬
‫على يد عامل اللغة األملاين "إدوارد سابري" وطورها تلميذه "بنيامني يل ورف"‪ ،‬وهلذا ُمسيت بنظرية‬
‫"سابري‪-‬ورف"‪ ،‬واليت مفادها أن الرتمجة بني لغتني خمتلفتني أمر مستحيل‪ ،‬وإن مل يوافق عليها‬
‫اجلميع ومل ترق إىل مستوى اإلمجاع إال أهنا ذات أمهية ابلغة‪ .‬حيث ترى أنه «يتضمن كل نظام‬
‫لغوي حتليال للعامل اخلارجي خاصا به وخمتلفا عن حتليل سائر اللغات أو عن حتليل اللغة نفسها يف‬
‫سائر مراحلها‪ .‬فالنظام اللغوي مستودع التجربة املتكدسة جيال بعد جيل‪ ،‬وهو يقدم للجيل اآليت‬
‫طريقة للنظر وتفسريا للكون‪ ،‬ويورثه موشورا عليه أن يرى عربه العامل غري اللغوي» )‪.(1‬‬
‫وانطالقا من أن لكل لغة نظرة خمتلفة ورؤية خاصة للعامل‪ ،‬تتأسس مسألة تعذر الرتمجة‪ ،‬إذ‬
‫تعترب «كل لغة نظام واسع من البىن خيتلف عن أنظمة سائر اللغات‪ ،‬وتنظم فيه ثقافيا األشكال‬
‫والفصائل اليت بواسطتها يتصل الفرد‪ ،‬وحيلل الطبيعة‪ ،‬ويالحظ أو يتغاضى عن هذا النمط أو ذاك‬
‫من الظواهر والعالقات ويعمل طريقته يف التفكري‪ ،‬ويبين صرح معرفته للعامل» )‪.(2‬‬
‫فما هو حمبوب يف لغة ما أي يف ثقافة وبيئة ما‪ ،‬يبدو قبيحا ومكروها يف لغة أخرى أي يف‬
‫ثقافة وبيئة مغايرة متاما‪ ،‬وما هو بديهي وتسلم به الواحدة‪ ،‬ال ميكن للثانية أن تتقبله‪ ،‬حيث ال‬
‫ميكن لرجل اإلسكيمو الذي يعرب أبلفاظ متنوعة عن خمتلف حاالت الثلوج وأمسائها أن يتقن مثل‬
‫العريب وصف اإلبل واإلشادة مبا يدب يف بيئته الصحراوية‪ ،‬وال ميكن لألملاين تقبل فكرة تناول‬
‫طبق "احللزون" الذي يثري امشئزازه يف حني يعتربه الفرنسي من األطباق الرفيعة )‪.(3‬‬
‫وإذا كان هذا االختالف بني لغتني اثنتني أي بني ثقافتني‪ ،‬فما عساه أن يكون إذا تعلق‬
‫األمر أبدب الرحلة الذي يواجه فيه املرتجم االنتقال ال من عاملني اثنني فحسب وإمنا ثالثة على‬

‫( ‪ )1‬جورج موانن‪ ،‬املسائل النظرية يف الرتمجة‪ ،‬ت‪.‬لطيف زيتوين‪ ،‬دار املنتخب العريب‪ ،‬لبنان‪ ،1994 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.87‬‬
‫( ‪ )2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫( ‪ )3‬يُنظر عبد القادر سالمي‪ ،‬الرتمجة يف ضوء رؤية العامل و ثقافة النص‪ ،‬جملة دراسات العامل اإلسالمي‪7 ،‬مارس ‪ ،2014‬ص‪.02‬‬
‫‪51‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫األقل؟ هذا إذا كان صاحب النص قد سافر إىل بلد واحد فقط‪ ،‬وعادة ما يكون هذا إال يف‬
‫القليل من احلاالت‪ ،‬فأغلب الرحالة املؤلفون لكتب الرحالت‪ ،‬إن مل يكن كلهم‪ ،‬قد تنقلوا يف‬
‫سفرهم إىل العديد من املناطق وشهدوا أمناطا خمتلفة وصورا متباينة من احلياة‪ ،‬حىت وإن كانت‬
‫الوجهة واحدة‪ ،‬إال أن الطريق املؤدي إليها استوجب الوقوف مبحطات واملرور بعوامل ذات بيئات‬
‫متميزة وخمتلفة عن تلك اليت يعرفها ‪.‬‬
‫فأوال‪ ،‬هناك تصادم بني الرؤية الذاتية للرحالة (الكاتب) والرؤية الغريية اليت متثل الثقافة‬
‫املستقبلة أي وجهة السفر (البلد املقصود)‪ ،‬واثنيا تصادم الرؤية الذاتية للمرتجم مع الرؤى اليت‬
‫تشحن النص الرحلي حمل الرتمجة‪ .‬وفيما يلي خمطط يوضح تصادم تلك الرؤى‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)14‬تصادم الرؤى يف ترمجة أدب الرحلة‬


‫أي أن ٍ‬
‫لكل رؤيته اخلاصة للعامل‪ ،‬فبعدما تنقل الرحالة بنظرته إىل ثقافة حتمل نظرهتا اخلاصة‬
‫هي األخرى‪ ،‬سينتج نصا ترجم فيه تلك الرؤى بطريقة أو أبخرى‪ ،‬سواء أسقطها على ثقافته أم‬
‫غرهبا عنها‪ ،‬كان معها أم اثر ضدها‪ ،‬استمد منها أم استنكرها وعزز ذاته‪ ،‬أييت دور املرتجم اآليت‬
‫هو اآلخر من ثقافة أخرى حتمل منظارا آخر ليرتجم كل تلك الرؤى‪ .‬وهذا ما ال يسهل على‬
‫‪52‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫املرتجم مهمته وال جيعلها ابألمر اهلني أو املستهان‪ .‬وهلذا رأت نظرية "سابري‪-‬ورف" استحالة‬
‫الرتمجة‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم فإن املرتجم يصطدم حقا هبذه اإلشكالية‪ ،‬لكن هذا ال جيعل عمله‬
‫مستحيال‪ ،‬حيث أنه وإن اختلفت اجملموعات البشرية إال أن التجربة اإلنسانية واحدة‪ ،‬وهلذا‬
‫ظهرت فكرة "الكليات" ‪ les universaux‬واليت تقول أبنه «مهما اختلفت وجوه اللغة [‪ ]...‬جند‬
‫فيها كليات أساسية‪ ،‬ابطنية‪ ،‬وهي تظهر يف كل اللغات اخلاصة اليت درست حىت اآلن»‪ (1) .‬أي‬
‫أن الرؤى تختلف حقا لكنها تنظر إىل العامل ذاته‪ .‬و«ألن مجيع الناس يسكنون يف كوكب واحد‬
‫ويشرتكون يف الصفة اإلنسانية مع ما يتضمنه هذا من متاثل فيزيولوجي ونفسي» )‪ ،(2‬فاملسافة تبقى‬
‫نفسها سواء عربان عنها ابألميال أو ابلكيلومرتات‪ ،‬والوقت نفسه سواء عربان عنه أبثالث الساعة‬
‫أو أبرابعها‪ ،‬واأللوان نراها ذاهتا سواء كنا يف الصني أو يف األرجنتني‪ ،‬فـ «ال مربر لالفرتاض أن‬
‫عمل خالاي شبكية العني أو خالاي قشرة الدماغ خيتلف حبسب العرق البشري واملنطقة‬
‫اجلغرافية» )‪ (3‬فهي إذن كليات لغوية (أفعال‪ ،‬أمساء‪ ،‬ضمائر‪ ،)...‬وبيئوية (أرض‪ ،‬مساء‪ ،‬مطر‪،)...‬‬
‫وبيولوجية (غذاء‪ ،‬تنفس‪ ،‬نوم‪ ،)...‬ونفسية (فرح‪ ،‬حزن‪ ،‬خوف‪ ،)...‬وثقافية (لغة‪ ،‬دين‪،‬‬
‫اقتصاد‪ ،)...‬يشرتك فيها الناس عامة‪ ،‬فتخلف العادات يف التسمية فقط )‪.(4‬‬
‫‪ -2 -1 -2‬التمجة واإلثنوغرافيا‪:‬‬
‫إذا متعنا يف العالقة بني الرتمجة واإلثنوغرافيا والرحلة فسنرى ما يلي‪:‬‬
‫ّأوال بني الرحلة واإلثنوغرافيا‪:‬‬
‫يقوم الرحالة إبثنوغرافيا "عفوية" إذ يقوم بوصف حضاري للثقافات اليت ارحتل إليها‪،‬فيصف‬
‫من خالل جتربته الرحلية الفعلية‪ ،‬خصائص البلدان مقدما مادة غنية عن الغري الثقايف واملختلف‬

‫( ‪ )1‬جورج موانن‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.233‬‬


‫( ‪ )2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.235‬‬
‫( ‪ )3‬م‪.‬ن‪.237 ،‬‬
‫( ‪ )4‬ينظر‪ ،‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.259 ،229‬‬
‫‪53‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫املثري‪ ،‬كيف يفكر‪ ،‬كيف يعيش وكيف حيتفل وكيف حيزن‪ ،‬وأيكل ويشرب‪ ،‬وكيف ينظر إىل‬
‫األشياء احمليطة به‪ ،‬و«اإلملام بلغة جمتمع الدراسة‪ ،‬واإلقامة الفعلية مبكان الدراسة‪ ،‬وخمالطة الناس‬
‫ومشاركتهم يف أنشطتهم وأعماهلم‪ ،‬والوقوف على فعاليات سلوكهم وأساس معتقداهتم من واقع‬
‫تفكريهم‪ ،‬واالستعانة أبهل الثقة‪ ،‬وكافة املصادر األخرى يف استخبار أمر املشاهد واملروى مع‬
‫االستعانة ابملقارانت الستجالء أوجه التشابه واالختالف بني الثقافات‪ ،‬كلها أمور قد تبلورت‬
‫اآلن كأساسيات املعمل اإلثنوجرايف يف شكله املعاصر» )‪.(1‬‬
‫فيقوم الرحالة إذن بعمل اإلثنوغرايف حني تنقله إىل بلد ما ومعايشة ثقافته واالرتواء من مائه‬
‫واالكتساء بثيابه‪ .‬وال ميكن لإلثنوغرايف أن يقوم بعمله إال إذا قام ابلشيء ذاته أي االرحتال إىل‬
‫البلد أو اجملتمع حمل الدراسة‪ ،‬وهذا على الرغم من اختالف اهلدف عند كل منهما‪« ،‬فإذا قلنا إن‬
‫أدب الرحالت يصور أساسا خربة اتصال الرحلة بثقافة معينة (أو عدة ثقافات) فإن اإلثنوجرافيا‬
‫هتدف إىل وصف وحتليل الثقافة (أو الثقافات) ذاهتا» )‪ .(2‬وابلتايل يعترب "الرحالة كإثنوجرافيني‬
‫واإلثنوجرافيون كرحالة" كما ورد يف عنوان ألحد فصول كتاب أدب الرحالت حلسني حممد فهيم‪.‬‬
‫واثنيا بني التمجة واإلثنوغرافيا‪:‬‬
‫«تفرض الرتمجة من اللغة األجنبية شرطني كالمها الزم وكل منهما غري كاف مبفرده‪ :‬دراسة‬
‫اللغة األجنبية ودراسة إثنوغرافية اجلماعة اليت تعرب هبذه اللغة دراسة منهجية‪ ،‬وال ميكن ألي ترمجة‬
‫أن تفي متاما ابملراد إال إذا التزمت هبذين الشرطني» )‪.(3‬‬
‫أي أن الرتمجة ليست مسألة لغوية فقط وإمنا إثنوغرافية أيضا‪ ،‬حىت على املستوى اللغوي‪،‬‬
‫فإن للعالمات دالالت ذات مرجعية خاصة جبماعة معينة‪ ،‬الشيء الذي ال ميكن حتقيقه بوجه‬
‫كامل إال ابلتحول إىل عامل اإلثنوغرافيا للجماعة اليت يرتجم هلا )‪.(4‬‬

‫( ‪ )1‬حسني حممد فهيم‪ ،‬أدب الرحالت‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪،1989 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.61 ،60‬‬
‫( ‪ )2‬ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪63‬‬
‫( ‪ )3‬جورج موانن‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫( ‪ )4‬ينظر‪ :‬م ‪.‬ن‪.272 ،‬‬
‫‪54‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫إذن حتتاج الرتمجة لإلثنوغرافيا عندما يتعلق األمر ابلنصوص ذات اخلصوصية الثقافية وأدب‬
‫الرحالت على وجه اخلصوص‪ ،‬وتعترب شرطا أساسيا فيها‪ ،‬وإن مل يرحل املرتجم مثلما يفعل‬
‫اإلثنوغرايف‪ ،‬رحلة فعلية‪ ،‬عليه أن يرحل عرب حبثه بني الكتب والواثئق (دراسات إثنوغرافية‪ ،‬وكتب‬
‫أدب الرحالت وغريها)‪ ،‬وحتتاج اإلثنوغرافيا للرتمجة أيضا‪ ،‬إذ يعرف البعض اإلثنوغرايف على أنه‬
‫"مرتجم ثقايف"‬
‫)‪« …définissait l’ethnographe comme traducteur culturel »(1‬‬
‫ألنه بتنقله إىل اجملتمع حمل الدراسة يكون مرتمجا حتما ألن عمله ينصب على دراسة املظاهر‬
‫والظواهر يف النشاط اإلنساين من عادات وتقاليد وغريها‪ ،‬مبا فيها اللغة اليت يتواصل هبا اجملتمع‪،‬‬
‫واليت سيرتجم منها وهلا لفهمها أوال ولنقلها بعد ذلك‪.‬‬
‫‪« L’ethnographe suppose la traduction comme condition de son‬‬
‫)‪existence et de sa vérité » (2‬‬
‫«يعترب اإلثنوغرايف الرتمجة شرطا لوجوده وحقيقته»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫وابلتايل خنلص إىل أن هناك عالقة وطيدة تربط بني الرتمجة واإلثنوغرافيا‪ ،‬عالقة عكسية‬
‫تالزم األوىل الثانية‪ ،‬وكذا عالقة الرحالة ابإلثنوغرايف وهلذا أصبح منظروا الرتمجة‪ ،‬مؤخرا‪ ،‬يستوحون‬
‫يف دراساهتم من أعمال اإلثنوغرافيني ومن أدب الرحالت )‪ .(3‬وفيما يلي خمطط يلخص العالقة بني‬
‫املرتجم واالثنوغرايف والرحالة‪:‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Hélène Buzelin, la traductologie, l’ethnographe et la production des connaissances, Meta :‬‬
‫‪journal des traducteurs, volume 49,numéro 4, décembre 2004, p729.‬‬
‫) ‪(2‬‬
‫‪Sherry Simon, Excursions ethnologiques : contextes pour penser les pouvoirs de la traduction.‬‬
‫‪http :id.erudit.org/iderudit/037015ar‬‬
‫‪(3 ) Voir Hélène Buzelin, op.cit. p 729.‬‬

‫‪55‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)15‬العالقة متجم‪/‬رحالة‪/‬إثنوغرايف‬


‫‪ -3-1-2‬التمجة والسخرية‪:‬‬
‫مبا أن النص الرحلي يتميز خباصية الطرفة األدبية واألسلوب التهكمي الفكاهي‪ ،‬فإنه خيلق‬
‫مشكلة أخرى يف الرتمجة واليت تعد من املشكالت العويصة اليت تواجهها الرتمجة األدبية‪ .‬إذ أن‬
‫صياغة السخرية‪ ،‬يف اللغة ذاهتا تتطلب ذكاء وروحا مرحة‪ ،‬وتعتمد على التلميح والتضمني‬
‫والتالعب ابأللفاظ وحتتاج إىل وقت‪ ،‬ولو لربهة‪ ،‬أو إىل علم ابخللفيات الرتاثية والثقافية اليت‬
‫حتملها‪ ،‬من أجل استعاهبا‪ ،‬حيث أهنا حتمل زايدة عن معناها املركزي (أي ما يُقرأ مباشرة) معىن‬
‫هامشيا مضحكا (ما نفهمه مما قُرئ)‪.‬‬
‫وليس هناك أية حلول جاهزة لرتمجتها‪ ،‬لذا ال بد على املرتجم أن يستخدم قدراته اإلبداعية‬
‫اخلالقة‪ ،‬فالرتمجة األدبية عامة ال تقتصر على عمليات لغوية فحسب‪ ،‬وإمنا هي نشاط إبداعي‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وإعادة إنتاج خالقة‪.‬‬
‫كما أن هناك عالقة تربط الرتمجة ابلسخرية‪ ،‬كوهنما يعمالن ابلطريقة نفسها‪ .‬إذ أن‪:‬‬

‫( ‪ )1‬ينظر علي القامسي‪ ،‬م‪.‬س‪ .‬ونقد الرتمجة األدبية‪ ،‬الرتمجة األدبية والتلقي‪ ،‬جملة الفرسان‪2008/04،‬‬
‫)‪(al-forsan.googoolz.com/t2340-topic‬‬
‫‪56‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫)‪« Reading irony is in some ways like translation. »(1‬‬
‫«قراءة السخرية هي نوع من الرتمجة‪( ».‬الرتمجة لنا)‬
‫فكالمها عملية أتويل‪ ،‬يؤول املرتجم ما قرأه ابللغة األصل ليعيد صياغته ابللغة اهلدف‪ ،‬ويؤول‬
‫قارئ السخرية النص مبعناه املركزي ليعيد صياغته (فهمه) ابملعىن اهلامشي املراد‪.‬‬
‫‪« Même lorsqu’il ne s’agit pas de passer d’une langue à une autre, lire‬‬
‫‪l’ironie, c’est en fait toujours interpréter c’est-à-dire traduire, afin d’atteindre‬‬
‫‪un sens qui ne se donnait pas d’emblée »(2) .‬‬
‫«حىت يف اللغة ذاهتا‪ ،‬تعد قراءة السخرية يف احلقيقة أتويال‪ ،‬أي ترمجة‪ ،‬كي يتسىن فهم املعىن‬
‫الذي مل يُفصح عنه مسبقا»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫وهبذا يقوم املرتجم أثناء ترمجته للسخرية بعمل مضاعف‪ ،‬ففي زمن أول يفهم املرتجم‬
‫السخرية اليت يتعرف عليها ابعتباره قارائ للنص األصل‪ .‬ويف زمن ٍ‬
‫اثن؛ ينتج السخرية يف النص‬
‫اهلدف إذ سيقرر أي التقنيات يتبع كي يعيد هذه السخرية يف النص اهلدف‪ .‬ويف زمن اثلث‬
‫وأخري‪ :‬سيقوم قارئ النص اهلدف ابلتعرف على هذه السخرية )‪.(3‬‬

‫الشكل (‪ :)16‬العالقة ترمجة‪/‬سخرية‬

‫) ‪(1‬‬ ‫‪Katrien Lievois. Traduire l’ironie : entre réception et production, l’ironie aujourd’hui : lectures‬‬
‫‪d’un discours oblique. Etudes réunies par Mustapha Trabelsi. presses Universitaires Blaise Pascal,‬‬
‫‪France,2006,p83.‬‬
‫) ‪(2‬‬
‫‪Vincent Ferré traduire l’ironie, Fabrile, Mars 2009, www.fabrile.org/actualités/traduire-p-ironie-‬‬
‫‪29660.php‬‬
‫) ‪( 3‬‬
‫‪Voir Meltseva Polina, la difficulté de traduire l’ironie,2013,http://archive-ouverte.unige‬‬
‫‪.ch/unige.ch /unige :30861.p20.‬‬
‫‪57‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫وترمجة السخرية يف نظر الباحثني ال ميكنها إال أن تكون ترمجة حرة‪ ،‬ألن الرتمجة احلرفية‬
‫تفقدها طابعها أو حىت تخفيها‪ ،‬وهلذا جيب إما تطويعها أو التصرف فيها مبا خيدم إنتاج األثر نفسه‬
‫بغض النظر عما إذا ابتعدان عن األصل أو اقرتبنا منه‪.‬‬
‫‪« L’ironie ne se traduit que librement : une traduction littérale fait bien‬‬
‫)‪souvent disparaitre l’ironie. »(1‬‬
‫«ال ترتجم السخرية إال ترمجة حرة ألن الرتمجة احلرفية غالبا ما تلغيها متاما» (الرتمجة لنا)‬
‫وذلك ملا حتمله السخرية من أبعاد ثقافية وعادات اجتماعية خاصة مبجموعة معينة‪ ،‬فما‬
‫يثري السخرية والضحك يف لغة ما‪ ،‬قد ال يكون له التأثري ذاته وال مشابه له وال مقارب حىت يف‬
‫لغة أخرى‪.‬‬
‫‪« L’ironie est éminemment liée aux stéréotypes culturels et aux‬‬
‫)‪habitudes sociales partagées par un groupe donné. »(2‬‬
‫«ترتبط السخرية بصفة ابرزة ابلصور النمطية الثقافية والعادات االجتماعية اليت تشرتك فيها‬
‫جمموعة معينة‪( ».‬الرتمجة لنا)‬
‫وهلذا تتطلب ترمجتها قدرات عالية على املرتجم أن يتحلى هبا‪ ،‬لتلقي السخرية أوال مث إلعادة‬
‫صياغتها‪ ،‬أو مبعىن أصح‪ :‬إعادة إنتاجها وفقا للجمهور املتلقي كي يتسىن له فهمها ويكون هلا‬
‫األثر ذاته عليه‪.‬‬

‫) ‪(1‬‬
‫‪Katrien Lievois, op.cit,p84.‬‬
‫) ‪(2‬‬
‫‪Ibid, p88.‬‬
‫‪58‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الرحلة يف رحاب املقارابت التمجية‬
‫‪ -1‬ترمجة األمساء يف كتب الرحالت‪:‬‬
‫‪ -1-1‬مشاكل ترمجة األمساء‪:‬‬
‫حتمل كتب الرحالت يف ثناايها معلومات وافرة عن األقوام اليت زارها املؤلفون‪ ،‬حيث تطرقوا‬
‫إىل نقل املشاهد االجتماعية ضمن سياقات متعددة‪ ،‬فرصدوا فيها العادات والتقاليد واملالبس‬
‫واألطعمة واألشربة‪ ،‬وكذا تصرفات القوم يف مناسباهتم االجتماعية والدينية املختلفة من طقوس‬
‫وأعياد وزواج وجنائز‪ ،‬فقد صوروا شىت أشكال احلضارة يف البالد اليت توجهوا إليها‪.‬‬
‫وال مناص أن لكل هذه الظواهر اسم مييزها‪ ،‬خيتلف عن ما تدعى به يف مناطق أخرى‪ ،‬هذا‬
‫إن كان موجودا‪ ،‬ففيما خيص مراسيم الزواج وتشييع اجلنازات وغريها؛ فهي مشرتكة بني الثقافات‬
‫إال أن التسمية تختلف‪ .‬أما فيما خيص بعض العادات والتصرفات فيختص هبا جمتمع دون آخر‪.‬‬
‫وكذا احلال عن الفاعلني‪ ،‬أي األشخاص الذين يلتقي هبم الرحالة فريوي عن املواقف اليت‬
‫صادفته معهم أو حيكي عنهم بذكر أمسائهم‪ ،‬وأمساء األماكن اليت يقطنوهنا من بلدان وأودية‬
‫وشوارع ومناطق جبلية‪.‬‬
‫يظن البعض أن ترمجة األمساء سهلة وليست إال ابألمر اهلني‪ ،‬لكن احلقيقة غري ذلك‪ ،‬حيث‬
‫يطرح السؤال‪" :‬فما الذي جيعل املرتمجني خيتلفون يف نقل األمساء إن كانت ترمجتها ال تتضمن شيئا‬
‫سوى استبدال حرف يف لغة حبرف يف لغة أخرى؟"(‪.)1‬‬
‫فمن املشاكل اليت يواجهها املرتجم عند نقل هذه األمساء من لغة ألخرى؛ تلك اليت تتعلق‬
‫ابملبىن أي االختالف الشكلي والذي يضم الضبط اإلمالئي والبناء الصويت‪ ،‬وأخرى تتعلق ابملعىن‬
‫املرجعي واجملازي السم العلم )‪ .(2‬وهذا ما يبينه املخطط التايل‪:‬‬

‫(‪ )1‬حممد عصفور‪ ،‬دراسات يف الرتمجة ونقدها‪ ،‬دار فارس للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،2009 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.129‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Voir Camélia Sobhy, la traduction du nom propre, www.atida.org.‬‬
‫‪59‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫اسم العلم‬

‫معىن‬ ‫شكل‬

‫جمازي‬ ‫مرجعي‬
‫ضبظ إمالئي‬ ‫بناء صويت‬
‫[صور بيانية]‬ ‫[اجتماعي ثقايف]‬

‫الشكل (‪ :)17‬خاصيات اسم العلم‬


‫‪-1-1-1‬املشاكل املتعلقة ابملبىن‪:‬‬
‫غالبا ما يؤدي نقل أمساء األعالم من لغة إىل أخرى إىل العديد من األخطاء‪ ،‬حيث نالحظ‬
‫أنه قد يكون لالسم الواحد أكثر من ترمجة‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪:‬‬
‫‪Mecca-Makkah-Mekkah‬‬ ‫اسم "مكة" الذي يرتجم أبكثر من مقابل‪ ،‬فنجد‪:‬‬
‫‪Coran-Quran-Koran-Qur’an‬‬ ‫واسم "قرآن" الذي يعطينا‪:‬‬
‫«متر األمساء يف انتقاهلا من لغة إىل أخرى بقدر قليل أو كبري من التحوير قد يبلغ درجة‬
‫التشويه يف بعض األحيان»)‪ ،(1‬وينجم هذا التباين الذي يولد العديد من البدائل أو يؤدي إىل‬
‫التشويه واخلطأ عن اختالف طرق النقل وعن بعض األصوات اليت حتتويها لغة دون أخرى‪ ،‬حنو‪:‬‬
‫)‪ (P,V‬ابلنسبة للغة العربية‪ ،‬و(ع‪،‬ح) ابلنسبة للفرنسية‪.‬‬
‫‪«Un autre facteur : joue à l’oral et affecte parfois la translittération :‬‬
‫‪chaque son a "à la fois un timbre qui lui est propre (étant donné son‬‬
‫‪articulation) et une couleur" qui change parfois selon la région, créant des‬‬
‫)‪variantes ».(2‬‬

‫(‪ )1‬حممد عصفور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.127‬‬


‫)‪(2‬‬ ‫‪Camélia Sobhy, op-cit.‬‬
‫‪60‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫«يؤثر العامل الشفهي هو اآلخر على النقل احلريف أحياان‪ ،‬إذ أن لكل صوت نربة خاصة به‬
‫(نظرا لطريقة نطقه) ولون يتغري من منطقة ألخرى متسببا بذلك يف خلق بدائل عدة»‪(.‬الرتمجة لنا)‬
‫فروقات‪ ،‬وهلذا‬ ‫و‪ Micheal‬و‪Michal‬‬ ‫فبني سلمى وساملة‪ ،‬وفاطمة وفطمة‪ ،‬وأمحد وامحد‬
‫نالحظ فوضى يف نقل أمساء العلم لدى املرتمجني‪ ،‬فمن يكتب‪ :‬رميبو‪ ،‬رميبورد‪ ،‬رامبو‪ ،‬رمبو‬
‫‪Camus‬‬ ‫أو كامو‪ ،‬كامي‬ ‫‪Rimband‬‬

‫وأحياان يكون هذا االختالف عند املرتجم الواحد‪ ،‬فنراه يكتب مرة هايدجير‪ ،‬واترة أخرى‬
‫هيدجير‪ ،‬واألمثلة عديدة)‪.(1‬‬
‫‪ -2-1-1‬املشاكل املتعلقة ابملعىن‪:‬‬
‫املعىن املرجعي‪:‬‬
‫خيضع اسم العلم أحياان لعوامل اجتماعية وثقافية‪ ،‬حيث يكتسب اسم العلم معىن وفقا للبيئة‬
‫أو الداينة أو املنطقة أو الزمن واملناسبة اليت ُمنح فيها هذا االسم‪ ،‬فعند العرب مثال ومبا أهنم‬
‫يفضلون األوالد عن البنات‪ ،‬مينحون أمساء تليق ابجلنسني (للذكر واألنثى) للبنات‪ ،‬حنو‪ :‬نور‪،‬‬
‫وسام‪ ،‬قمر‪ ،‬كي يظن الناس أنه ولد بدل بنت‪.‬‬
‫أيضا عندما حترم بعض العائالت من الولد‪ ،‬يسمون املولود الذي جاء بعد طول انتظار‬
‫تسمية األنثى إلبعاد العني واحلسد خشية أن تصيب ابنهم‪ .‬وقد متيل بعض العائالت اليت مل ترزق‬
‫الذرية أو فقدت أبناء حديثي الوالدة أن تسمي أبناءها أبمساء مهينة حنو‪ :‬اجلحش‪ ،‬األعرج‬
‫وغريها‪ ،‬قصد احلفاظ عليه‪ ،‬على عكس أخرى اليت تسميه أبمساء جالبة للحظ‪ ،‬وحتمل معىن‬
‫التفاؤل حنو‪ :‬خرية‪ ،‬سعدية‪ ،‬مربوكة وغريها )‪.(2‬‬
‫‪:Michel Ballard‬‬ ‫وقد يبني االسم كذلك االنتماء الديين إذ يقول‬
‫‪« Le nom, et en particulier le prénom, peut être un indicateur‬‬
‫‪d’appartenance religieuse : un enfant qui s’appelle Samuel ou Esther peut,‬‬

‫(‪ )1‬ينظر حممد عصفور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.129‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Voir Camélia Sobhy, op.cit.‬‬
‫‪61‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪dans une société‬‬ ‫‪catholique,‬‬ ‫‪être‬‬ ‫‪perçu‬‬ ‫‪comme‬‬ ‫‪appartenant‬‬ ‫‪au‬‬
‫)‪judaïsme »(1‬‬
‫«ميكن لالسم‪ ،‬واالسم الشخصي (اللقب) خاصة‪ ،‬أن يكون مؤشرا على االنتماء إىل داينة‬
‫ما؛ فقد ينظر إىل الطفل املسمى صموئيل أو البنت املسماة أستري يف جمتمع كاثوليكي على أهنما‬
‫ينتميان إىل الداينة اليهودية»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫والشيء نفسه ابلنسبة حملمد وزينب وأبوبكر وعبد هللا يف جمتمع غري إسالمي‪ ،‬أما لقب‬
‫أسامة فقد اكتسب معىن معاداي وأصبح رمزا لالعتداء والتحدي على األمن القومي األمريكي منذ‬
‫أحداث ‪11‬سبتمرب)‪.(2‬‬
‫املعىن اجملازي‪:‬‬
‫وهو أن يكتسب اسم العلم معىن جمازاي ابستخدامه يف صورة بيانية‪ ،‬إذ يتقمص دورا ما يف‬
‫سياق حمدد‪ ،‬يشري به إىل جمموعة كاملة من الوحدات اليت تشرتك يف خاصية أو العديد من‬
‫أن اسم العلم ينتمي عامة إىل عامل خارج اللغة‬ ‫‪Michel Ballard‬‬ ‫اخلصائص‪ ،‬ويرى‬
‫واقعي أو خيايل‪،‬يدل على مرجع معلوم جيعلنا يف عالقة مباشرة معه‪،‬‬ ‫)‪،(Extralinguistique‬‬

‫كاتخاذان على سبيل املثال شخصية واقعية اترخيية (هتلر‪ ،‬فرعون‪ ،‬تشيغفارا)‪ ،‬أو خيالية من عامل‬
‫اخلرافة واألسطورة‪( :‬سندريال‪ ،‬سندابد‪ ،‬دون كيشوت)‪ ،‬للداللة على عوام‪ ،‬ويضيف موضحا أن‬
‫السم الداللة قدرة كامنة متكنه من أداء معىن "فوق" معناه األساسي )‪ (Métasémie‬واليت تتمثل‬
‫يف املعىن اجملازي )‪ .(3‬وميكن توضيح ما سبق عرب األمثلة التالية‪:‬‬
‫ها قد أتى أشعب ‪ :‬عن الطماع الشره‪.‬‬
‫فالن السموأل‪ ،‬فالن ُمسيلمة‪ ،‬وذلك لوصف أحدهم دون التصريح املباشر ملا يُنعت به‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Michel Ballard, Le nom propre en traduction, paris, Ophrys, 2001,p183.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر منري صايفي‪ ،‬ترمجة أمساء األعالم يف القرآن الكرمي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستري يف الرتمجة‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪،2010/2009 ،‬‬
‫ص‪.11‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫‪Voir Michel ballard, op.cit, p107-108.‬‬
‫‪62‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪« Cornélus alla pousser deux volets de fer pour fermer sans doute les‬‬
‫‪judas par lesquels il avait regardé si longtemps dans la rue, et vint reprendre‬‬
‫‪sa place » Honoré de Balzac, Maitre Cornélus»(1) .‬‬
‫وذلك للداللة على الغدر والنفاق‪ ،‬يهودا الذي غدر ابملسيح عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -2-1‬طرق ترمجة اسم العلم‪:‬‬
‫وفقا ملا سبق ذكره من املعاين اليت قد يكتسبها اسم العلم‪ ،‬ووفقا للسياق وكذا اجلمهور‬
‫املتلقي ومدى معرفته ابلثقافة املرتجم منها‪ ،‬يرتجم اسم العلم بعدة طرق‪ ،‬صنفها ميشال ابالر‬
‫كاأليت‪ ،‬وعلى املرتجم أن خيتار األنسب‪:‬‬
‫‪Le report‬‬ ‫‪ -1-2-1‬النقل التام‪:‬‬
‫وهو أن ينقل اسم العلم كما هو متاما يف لغته حبروفه‪ ،‬أي أن حيافظ على تركيبته اخلطية‬
‫والصوتية‪ ،‬أن نكتب مثال يف اللغة العربية‪ Eugène Nida :‬بدل أوجني نيدا‪.‬‬
‫)‪« Le report est le transfert intégral d’un nom propre du TD dans le TA »(2‬‬
‫«هو النقل الكلي السم العلم من النص املصدر إىل النص اهلدف» (الرتمجة لنا)‬
‫وتستعمل هذه الطريقة عندما تؤدي الرتمجة إىل خطأ أو لبس‪ ،‬أو عندما ال توجد مكافئات‬
‫حرفية أو مكافئات حتمل الدالالت الضمنية ذاهتا يف اللغة اهلدف‪ ،‬و هلذا عامة ما حيذر الطلبة‬
‫)‪.(3‬‬
‫من ترمجة أمساء العلم‪.‬‬
‫)‪(‬‬
‫‪Translittération‬‬ ‫‪ -2-2-1‬النقحرة‪:‬‬
‫‪« In the process of actually transliterating a text, the transliterator‬‬
‫‪replaces each SL letter or other graphological unit by a TL letter, or other‬‬
‫)‪unit, on the basis of a conventionally established set of rules »(4‬‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪Voir Des expressions et leurs personnages, www.dixel.fr/peif/des-expressions-et-leurs-‬‬


‫‪personages-pdf‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Michel Ballard, Op-cit, p18.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Voir Ibid, p19.‬‬
‫النقحرة‪ translitteration:‬مركبة من كلمتني‪ transcription :trans ،‬و ‪ lettre :littéra: litteration‬أي حرف‪ ،‬ومكافؤها‬ ‫)‪(‬‬

‫ابللغة العربية‪ ،‬لفظة مركبة على شاكلتها‪ :‬نقل‪+‬حريف=نقحرة‪.‬‬


‫)‪(4‬‬
‫‪J.C. Catford, A linguistic theory of translation, Oxford University Press,1st published, Great Britain, 1965,‬‬
‫‪p66.‬‬
‫‪63‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫«يقوم املرتجم أثناء عملية النقحرة ابستبدال كل حرف أو وحدة خطية من اللغة األصل‪ ،‬حبرف أو‬
‫وحدة أخرى يف اللغة اهلدف‪ ،‬على أساس جمموعة القواعد املتفق عليها» (الرتمجة لنا)‬
‫تشمل النقحرة النقل احلريف والنقل الصويت‪ ،‬فهي إذن إما استبدال احلروف وتعويضها‬
‫حبروف يف اللغة اهلدف وإما تعويض أصوات األصل أبصوات مكافئة هلا يف اللغة اهلدف )‪ ،(1‬وكلتا‬
‫الطريقتني تؤدي إىل النتيجة ذاهتا‪ : Mozart :‬موزار‪ ،‬موزارت‪ ،‬موتسارت‪.‬‬

‫احلرفية‪Traduction littérale :‬‬ ‫‪ -3-2-1‬التمجة‬


‫‪« Cette équivalence fait intervenir la signifiance du nom propre, son‬‬
‫)‪rattachement visible à la catégorie du nom commun »(2‬‬
‫«يستدعي هذا التكافؤ مدلولية اسم العلم‪ ،‬أي ارتباطه الواضح بفئة االسم العام» (الرتمجة لنا)‬
‫يعين هذا أن الرتمجة احلرفية تتطلب البحث عن مكافئ للمعىن العام السم العلم‪ ،‬فنحافظ‬
‫األمحر‪La mer rouge:‬‬ ‫على املعىن احلريف له‪ .‬كأن نرتجم‪ :‬البحر‬
‫‪Blanche neige‬‬ ‫ريتشارد قلب األسد‪ ، Richard Cœur de Lion :‬الثلجة البيضاء‪:‬‬

‫‪Equivalence phonétique‬‬ ‫‪ -4-2-1‬التكييف الصويت‪:‬‬


‫ويتمثل يف حتوير الوحدات الصوتية مبا يوافق ويتناسب والصيغة املنطوقة يف اللغة اهلدف‪ ،‬أي‬
‫أن تكيف حسب القارئ‪ ،‬فتبعد عنه الغرابة وتضمن له راحة القراءة والنطق )‪ (3‬واألمثلة على ذلك‬
‫‪Razes‬‬ ‫كثرية منها‪ :‬ابن سينا ‪ / Avicenne‬ابن رشد ‪ / Averroès‬الرازي‬

‫‪Transfert culturel‬‬ ‫‪ -5-2-1‬النقل الثقايف‪:‬‬

‫وهو أن ترتجم أمساء األعالم مبا يكافئها من أمساء أعالم أخرى معروفة‪ ،‬حتمل دالالت ضمنية‬
‫مماثلة‪ ،‬كأن نستبدل ‪ Juliette‬الشكسبريية بـ‪ :‬ليلى (ليلى وقيس)‪ ،‬وذلك ملا حتمله كلتيهما من‬
‫معاين احلب‪ ،‬ولتشاهبهما يف رفض عائلتيهما لزواجهما بعشيقيهما‪.‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪Voir J.C. Catford, op.cit,p56.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Michel Ballard, op.cit,p31.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Ibid,p103.‬‬
‫‪64‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫لكن يعد هذا النوع من ترمجة أمساء العلم خيارا أبعدا ومستبعدا‪ .‬إذ يعتربه ‪ Ballard‬ظاهرة‬
‫أكثر تعقيدا مما تبدو عليه‪ ،‬كوهنا تتعدى املستوى اللغوي لتصل إىل أبعاد أوسع يف إطار‬
‫)‪(1‬‬
‫االتصاالت اللغوية‪ -‬الثقافية فيقول‪:‬‬
‫‪« Cet acte d’acclimatation se heurte à des frontières qui sont la frange de‬‬
‫)‪ce que l’on appelle "l’intraduisible", l’irréductible altérité »(2‬‬
‫«ويصطدم فعل التكييف هذا حبدود متثل حاشية ما يسمى"غري القابلة للرتمجة"‪ ،‬الغريية‬
‫املتعذر حتويرها» (الرتمجة لنا)‬
‫حيث أنه مهما كان النظري قريبا من األصل إال أن هناك فروقات قد حتدث خلطا يف‬
‫يتعلق األمر‬ ‫‪،Jésus‬‬ ‫املفاهيم بني الثقافات‪ .‬ومثال على ذلك‪ :‬عيسى عليه السالم الذي هو‬
‫ابلشخصية ذاهتا‪ ،‬لكن ليس هو املكافئ املطابق هلا‪ ،‬وذلك الختالف املرجع الديين‪ ،‬فعيسى هو‬
‫نيب من أنبياء هللا‪ ،‬أما ‪ Jésus‬فيعترب اليسوع ابن الرب عند املسيحيني)‪. (3‬‬

‫‪ -2‬ترمجة البعد الثقايف يف أدب الرحالت‪:‬‬


‫ال جرم أن أدب الرحالت يعج بكل ما هو ثقايف ملا يصفه الرحالة من خصائص اجملتمعات‬
‫اليت زارها يف أدق تفاصيلها‪ ،‬ويزيدها عمقا إذا ما هو قارهنا خبصائص جمتمعه هو‪ ،‬على وجه‬
‫التوضيح أو املقارنة ليبني التميز أو دعوة لإلقتداء‪ ،‬فكان له دورا فعاال لتعارف الشعوب والتواصل‬
‫بينها إلثراء املعرفة العلمية وتطوير حسها اإلبداعي ابلتطلع على ما جيري يف عمقها‪ ،‬شأنه شأن‬
‫الرتمجة اليت تعترب «اجلسر الذي تعرب عليه ثقافة األمم بعضها إىل بعض فتزيد املعرفة وتعمق متعة‬
‫احلياة يف هذا العامل‪ ،‬فهي عكاز التقدم والنهضة يف كل بلد‪.(4)»...‬‬
‫ولرتمجة الثقافة الغالبة يف أدب الرحالت ولصعوبة املوقف الذي يواجهه املرتجم يف هذا‪،‬‬
‫اختلفت آراء املنظرين‪ ،‬وانقسمت إىل فئتني‪ ،‬من مؤيد إىل معارض ومما يسلم إبمكانيتها ومما يقول‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Voir Michel Ballard, op.cit, p19.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Voir Ibid,p19.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر منري صايفي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫(‪ )4‬سامل العيس‪ ،‬الرتمجة يف خدمة الثقافة اجلماهريية –دراسة‪ ،-‬إحتاد الكتاب العرب‪،1999 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪65‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫أهنا مستحيلة‪ .‬ويف هذا الصدد يقول مايكل كرونني‪« :‬هناك إسرتاتيجيتني)‪( (‬منطني) يف حكاايت‬
‫الرحالت‪ ،‬إسرتاتيجية الرتمجة التطبيعية‪ ،‬وإسرتاتيجية الرتمجة التغريبية»)‪. (1‬وهذا ما كان حمل النقاش‬
‫على مدى زمن طويل يف اتريخ الرتمجة‪ ،‬أي بني حمورين‪ :‬احملور الذي ينادي ابإلخالص للنص‬
‫األصل )‪ ،(stratégie sourcière‬واحملور الذي يدعو إىل شيء من احلرية ملصلحة النص يف اللغة‬
‫املرتجم هلا )‪. (stratégie cibliste‬‬
‫أن الرتمجة هي أن تخدم سيدين‪ ،‬وهي وضعية املرتجم‬ ‫‪Rozen Zweig Franz‬‬ ‫وكما يرى‬
‫غري املرحية‪ ،‬ما تدعى مبأساة املرتجم )‪ ،(le drame du traducteur‬إذ يتعلق األمر خبدمة العمل‬
‫املرتجم واملؤلف واللغة األجنبية (وذلك هو السيد األول)‪ ،‬وخدمة اجلمهور ولغة الرتمجة (وذلك هو‬
‫)‪(2‬‬
‫ولقد تطور مفهوم كل من احملورين السابق ذكرمها ليصبحا طريقتني أو منطني‬ ‫السيد الثاين)‪.‬‬
‫خمتلفني يف عملية الرتمجة‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫)‪(‬‬
‫بني التوطني و التغريب‬
‫يستعمل مصطلح التوطني لإلشارة إىل تكييف السياق الثقايف أو مصطلحات حمددة والقيم‬
‫السائدة هبا‪ .‬يف حني يشري مصطلح التغريب إىل احلفاظ على السياق الثقايف األصل من حيث‬

‫)‪ (‬اإلسرتاتيجية‪ :‬مصطلح مأخوذ من الكلمة اإلغريقية ‪ strato‬وتعين اجليش‪،‬و‪ agein‬تعين قيادة‪ .‬وتعكس اإلسرتاتيجية اخلطط احملددة مسبقا‬
‫لتحقيق هدف معني على املدى البعيد‪ .‬ويف جمال الرتمجة تتضمن اإلسرتاتيجية اختيار النصوص وكذا املنهجية املتبعة لرتمجتها‪ ،‬أي جمموع القرارات‬
‫اليت يتخذها املرتجم يف ممارسة عمله‪ .‬وترتبط هذه العناصر (خيار‪ ،‬منهجية‪ ،‬قرار) بعوامل خمتلفة االقتصادية منها والثقافية والسياسية والتارخيية‬
‫واأليديولوجية وغريها‪)voir Mathieu Guidère, Introduction à la traductologie, de boec, 2011,2ème éd, p.97 (.‬‬
‫(‪ )1‬مايكل كرونني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.225‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Voir Antoine Berman, L’épreuve de l’étranger, Gallimard, 1984, Paris, p15.‬‬
‫(‪)‬يعترب لورانس فينويت‪ Laurence Venuti ،‬أول من سلط الضوء على فكرة مرتجم موطن ‪ /‬مغرب‪ ،‬اليت استمدها من حتليل حملاضرة اللساين األملاين‬
‫فريدريك شالمياخر ‪ Friedirich Schleiermacher‬اليت أقر فيها على وجود احتمالني فقط يف الرتمجة‪ :‬إما أن يرتك املرتجم املؤلف بسالم قدر ما‬
‫أمكنه ذلك وجيلب إليه القارئ‪ ،‬وإما أن يرتك القارئ بسالم قدر ما أمكنه ذلك وجيلب املؤلف إليه‪ .‬يتطرق لورانس فينويت يف كتابه‪ :‬اختفاء املرتجم ‪1995‬‬
‫جلدلية التغريب والتوطني )‪( (domestication-foreignization‬أو التهجني والتدجني أو التغريب والتطبيع) يف الرتمجة السيما األدبية والدينية‬
‫منها‪ ،‬إذ يرى أن املرتجم إما أن حيافظ على تركيبة النص األصلي ومفرداته وعناصره الثقافية مما يؤدي إىل كسر األعراف اللغوية يف اللغة املرتجم إليها وابلتايل‬
‫"يغرب" النص‪ ،‬أو أن يقولب النص األصلي مبا يتوافق واللغة املرتجم إليها فيقد بعضا من مالمح النص األصلي و"يوطنه"‪.‬‬
‫ويرى فينويت يف كتابه‪ :‬فضائح الرتمجة أن توطني النص األصلي يف اللغة املرتجم إليها يزيل كل عالمات الرتمجة فيبدو النص وكأنه كتب أصال ابللغة املرتجم إليها‪،‬‬
‫أي أن املرتجم أصيح "ال مرئيا" "‪ ،"invisible‬ويف هذا هتميش لدور املرتجم‪ ،‬إذ أن النص املرتجم‪ -‬حسب قول فينويت – جيب أن يكون غريبا بطبيعته ال أن‬
‫ينصهر يف بوتقة اللغة املرتجم إليها‪ ،‬ألن يف اإلخضاع حتقري للخواص الثقافية للغة املرتجم منها واستبعاد‪( .‬بدر جهوري‪ ،‬إعادة إحياء اجلمال‪ :‬قراءة يف ترمجة فهد‬
‫السعيدي لرواية‪ :‬ساحر أوز عجيب‪ ،‬يومية الوطن‪ ،‬اليمن‪ 19 ،‬جانفي ‪.)2014‬‬
‫‪66‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫ومقاوم لقيم الثقافة‬ ‫)‪(exotique‬‬ ‫مكوانته (صور وقيم وأسلوب)‪ ،‬ويكون الناتج ذا طابع غريب‬
‫املستقبلة واملعايري املعمول هبا‪.‬‬
‫فتعد األوىل مدجمة هاضمة للثقافة األصل وتسعى حملوها على حساب الثقافة املستقبلة‪ ،‬أما‬
‫الثانية فتحمي ثقافة األصل وجتعلها مبقية حمافظة على طابعها الغريب األجنيب )‪.(1‬‬
‫فإسرتاتيجية الرتمجة التوطينية جتعل ثقافة األصل تذوب وتتحلل ضمن معايري الثقافة‬
‫املستقبلة‪« ،‬وكالم الدليل متطبع ليصري كالم عضو يف اجلماعة اللغوية نفسها ألدابء‬
‫الرحالت[‪(]...‬أما إسرتاتيجية الرتمجة التغريبية فهي) تعكس فكرة السفر اليت ينعشها االختالف‪،‬‬
‫سواء أجرى استحضار هذه الفكرة قصدا أم عن غري قصد‪ .‬و تربير الرحيل هو الوعد ابلتغري‪ ،‬وأثر‬
‫هذه اآلخرية هو‪ ،‬يف أحد املستوايت‪ ،‬ملحوظ لغواي»)‪.(2‬‬
‫‪ -1-2‬نيدا ونظرية التكافؤ‪:‬‬
‫«إن الرتمجات اليت تركز على جمرد نقل الرسالة يطلق عليها نيدا اآلن تسمية "التكافؤ‬
‫الشكلي" )‪ ،(Formal Equivalence‬أما الرتمجات اليت تركز يف تلك الرسالة على إنتاج التأثري‬
‫الديناميكي" ‪(Dynamic‬‬ ‫املكافئ على املستقبل‪ ،‬فإهنا اآلن تسمى ب"التكافؤ‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ ،‬ويقصد نيدا ابلتأثري املكافئ وظيفة الرسالة فيتحدث عن "التقمص‬ ‫)‪»Equivalence‬‬
‫الوجداين"‪ ،‬عن أن يكون للمرتجم اخللفية الثقافية ذاهتا للمؤلف األصل‪ ،‬وأن يلبس شخصيته‪،‬‬
‫فيكون دور املرتجم إذن هو تعويض نظام ثقايف آبخر‪ ،‬ال تعويض نظام لغوي آبخر‪.‬‬
‫وإذا ما انتهج املرتجم مبدأ التكافؤ الديناميكي وجعل النص يبدو طبيعيا بشكل اتم حبيث‬
‫يتالءم والسياق الثقايف املستقبل فإنه سيحجب الثقافة املنقول منها ومينع املتلقي من التعرف‬
‫عليها‪ .‬ومبا أن ابلنسبة لنيدا الرتمجة هي أداة وظيفية اتصالية فهو يؤيد اإلسرتاتيجية التوطينية إذ‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Voir Mathieu Guidère, Introduction à la traductologie, Groupe de Boeck, Bruxelles, 2010, 2ème‬‬
‫‪éd, p98.‬‬
‫(‪ )2‬مايكل كرونني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.226 ،225‬‬
‫(‪ )3‬إدوين غينتسلر‪ ،‬يف نظرية الرتمجة‪ ،‬اجتاهات معاصرة‪ ،‬ت‪ .‬سعد عبد العزيز مصلوح‪ ،‬بريوت‪ ،2007 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.149‬‬
‫‪67‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫يقول‪« :‬أن تولد التعبريات املكافئة أسلوبيا ودالليا يف اللغة املستقبلة»)‪ ،(1‬على عكس التكافؤ‬
‫الشكلي الذي يعترب تغريبا‪.‬‬

‫نيدا‬

‫تكافؤ شكلي‬ ‫تكافؤ ديناميكي‬

‫تغريب‬ ‫توطني‬

‫الشكل (‪ :)18‬مقاربة نيدا بني التوطني والتغريب‬


‫‪ -2-2‬التمجة الداللية والتمجة التواصلية عند نيومارك‪:‬‬
‫‪«Communicative translation attempts to produce on its readers an effect‬‬
‫‪as close as possible to that obtained on the readers of the original. Semantic‬‬
‫‪translation attempts to render, as closely as the semantic and syntactic‬‬
‫‪structures of the second language allow, the exact contextual meaning of the‬‬
‫)‪original»(2‬‬
‫«هتدف الرتمجة التواصلية ألن حتدث يف قارئها األثر ذاته الذي أحدثه األصل يف قارئه‪ ،‬قدر‬
‫اإلمكان‪ .‬بينما هتدف الرتمجة الداللية إىل نقل املعىن السياقي لألصل أبدق صيغة تسمح هبا البىن‬
‫الداللية والنحوية للغة الثانية» (الرتمجة لنا)‬
‫فما يقرتحه نيومارك من ترمجة داللية وترمجة تواصلية يتطابق مع ما حتدث عنه نيدا من‬
‫تكافؤ شكلي وتكافؤ ديناميكي‪ .‬إذ أن الرتمجة التواصلية ال تخاطب القارئ الذي ال يتوقع أي‬
‫مشكالت أو غموض فقط‪ ،‬حيث أنه ينتظر أن تكون الرتمجة عبارة عن نقل سخي للعناصر‬
‫األجنبية إىل ثقافته ولغته‪ ،‬لكن ما على املرتجم هو أن يعمل على شكل النص بوصفه األساس‬
‫املادي الوحيد لعمله‪ .‬أما الرتمجة الداللية فتبقى يف إطار الثقافة األصلية‪ ،‬وال تعني القارئ إال يف‬

‫(‪ )1‬إدوين غينستلر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.152‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Rod P. Roberts, Hieronynus Towards a typologie of translations, Centrovirtual Gérantes, p70.‬‬
‫‪68‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫إدراك إحياءات تلك الثقافة حينما تكل تلك اإلحياءات اليت متثل جوهر الرسالة اإلنسانية (غري‬
‫العرقية) للنص )‪.(1‬‬
‫وابلتايل‪ ،‬فإن الرتمجة التواصلية ملا عليها من أن تنتج األثر ذاته يف القارئ املستقبل ومبا أهنا‬
‫متحو كل غريب قد يشكل غموضا للقارئ؛ فإهنا ذات طابع توطيين‪ .‬أما الرتمجة الداللية واليت‬
‫تبقي على خصائص الثقافة األصل فهي ذات طابع تغرييب‪.‬‬

‫نيومارك‬

‫ترمجة داللية‬ ‫ترمجة تواصلية‬

‫تغريب‬ ‫توطني‬

‫الشكل (‪ :)19‬مقاربة نيومارك بني التوطني والتغريب‬

‫‪ -3-2‬برمان والتمركز العرقي)‪: (‬‬


‫‪« Ou bien le traducteur laisse le plus possible l’écrivain en repos, et fait‬‬
‫‪se mouvoir vers lui le lecteur ; ou bien laisse le lecteur le plus possible en‬‬
‫‪repos, et fait se mouvoir vers lui l’écrivain »(2) .‬‬
‫«إما أن يدع املرتجم الكاتب بسالم ما استطاع إىل ذلك سبيال وجيلب القارئ إليه‪ ،‬أو أن‬
‫يدع القارئ بسالم ما استطاع إىل ذلك سبيال وجيلب الكاتب إليه»‪( .‬الرتمجة لنا)‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Voir Peter Newmark, approaches to translation, illustrée, 1988, numérisé en 2011, p39.‬‬
‫التمركز العرقي ‪( :‬التمركز اإلثين‪ ،‬االستعالء العرقي‪ ،‬املركزية العرقية‪ ،‬اإلستعراقية‪ :)Ethnocentrisme ،‬هو اعتقاد إنسان أبن أمته أو‬ ‫)‪(‬‬

‫اجلنس الذي ينتمي إليه هو األحسن و األكثر اتساقا مع الطبيعة‪ .‬يشري إىل االعتقاد أبن مجاعة الفرد هي األفضل بني كل اجلماعات‪ ،‬وأن احلكم‬
‫على اآلخرين على أساس أن مجاعة الفرد هي مرجع هلا احلكم أمياان ابلقيمة الفريدة و الصواب التام للجماعة اليت ينتمي إليها والرتفع عن اجلماعات‬
‫األخرى غلى حد اعتبارها نوع من غري نوع مجاعته‪ .‬إن اهلوى اإليديولوجية وهوس التمركز العرقي واخليال الشخصي تقود إىل تزييف الوعي التارخيي‬
‫و االستغراق يف تعظيم التاريخ العرقي املصطفى على حساب األمانة العلمية واملصداقية الفكرية‪[ .‬استعالء عرقي‪]ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪Antoine Berman, l’épreuve de l’étranger, op.cit, p235.‬‬
‫‪69‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫يعترب برمان أفضل اإلسرتاتيجيات هي تسفري القارئ وحتسيسه بغرابة النص‪ .‬فتعد الرتمجة يف‬
‫نظره عبارة عن خلق وإبداع ومكان الستقبال الغريب األجنيب بلغته وثقافته‪« ،‬فهي ترغب عرب‬
‫ماهيتها ذاهتا يف "جعل الغريب منفتحا كغريب‪ ،‬على فضائه اللساين اخلاص" [‪ ]...‬إن الرتمجة هي‬
‫ماهيتها "مقام البعد"»)‪.(1‬‬
‫فهي إذن انفتاح وإنصات وتفاعل وحتاور مع اآلخر‪ ،‬وعليها استقبال الغريب ال صده أو‬
‫السيطرة عليه‪ ،‬وفعلها األخالقي جيعلها تعرتف ابآلخر كآخر وأن تتقبله‪ ،‬كما عليها مناهضة‬
‫التمركز العرقي الذي يعين «إرجاع كل شيء إىل الثقافة اخلاصة (ابملرتجم) وإىل معايريها وقيمها‬
‫واعتبار اخلارج عن إطار هذه األخرية ‪-‬أي الغريب‪ -‬سلبيا‪ ،‬يتعني أن يكون ملحقا ومهيأ‬
‫)‪(2‬‬
‫للمسامهة يف إغناء هذه الثقافة»‬
‫ويؤكد برمان على أن اهلدف األساسي للرتمجة هو إثراء الثقافة املستقبلة إبقامة عالقة مع‬
‫اآلخر الغريب األجنيب ومن خالل تالقحها معه‪ ،‬فهي إذن عالقة تبادل وتفاعل بني الذات‬
‫واآلخر‪.‬‬
‫ويقول برمان‪« :‬وستكون غاية الرتمجة ابعتبارها غاية أخالقية هي استقبال هذه احلرفية داخل‬
‫ويسمح بتجلي العامل من‬ ‫)‪(sprachlichkeit‬‬ ‫لغتها األم‪ ،‬ألن عربها يبسط العمل منطوقه‬
‫خالله»)‪ (3‬أي أن جوهر الرتمجة يكمن يف االلتزام ابحلرفية واحلفاظ على الصورة اللفظية والشكلية‬
‫لألصل‪ ،‬ألن «الغريب هو كائن جسدي [‪ ]...‬وألن الغاية األخالقية للرتمجة تروم ابلضبط تلقي‬
‫الغريب يف جسديته‪ ،‬فإهنا لن تنفصل عن حرف العمل اإلبداعي»)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أنطوان برمان‪ ،‬الرتمجة واحلرف أو مقام البعد‪ ،‬ت‪ .‬عز الدين اخلطايب‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2010 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.103‬‬
‫(‪ )2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫(‪)3‬ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪70‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫تعمل الرتمجة إذن على حترر املاهية اخلاصة هبا‪ ،‬أال وهي احلرف‪ ،‬وتناهض التمركز العرقي‬
‫فتصبح بذلك مقاما الستقبال وضيافة الغريب وتقبله ابختالفه عنها داخل مقامها بدل أن تكون‬
‫حتويال وخيانة للغته وثقافته‪.‬‬

‫برمان‬

‫ترمجة حرفية‬ ‫ترمجة متمركزة عرقيا‬

‫تغريب‬ ‫توطني‬
‫الشكل (‪ :)20‬مقاربة برمان بني التوطني والتغريب‬
‫‪ -4-2‬النظرية التأويلية‪:‬‬
‫يعرف الفعل الرتمجي وفقا للنظرية التأويلية على أنه يقتضي فهم النص مث إعادة التعبري عنه‪،‬‬
‫حيث يعترب «املخطط التفسريي [‪ ]...‬بسيط جدا‪ :‬إذ بدال من العنصرين الوحيدين اللذين‬
‫تطرحهما أي نظرية لسانية يف الرتمجة ومها لغة املصدر ولغة الوصول وعملية حتول إحدامها إىل‬
‫األخرى كمسلمة‪ ،‬أرى (دانيكا سيليسكوفتش‪ )Danica Seleskovitch‬من جانيب ثالثة عناصر‪:‬‬
‫اخلطاب يف اللغة "س"‪ ،‬إدراك املعىن خارجا عن لغة هذا اخلطاب‪ ،‬وإعادة التعبري عن هذا املعىن يف‬
‫اللغة "ص" وأطرح كمسلمة أن العملية تتعلق ابلفهم وإعادة التعبري عن األفكار وليس بتحويل‬
‫دالالت»)‪.(1‬‬
‫وأهم تلك اخلطوات الثالثة هي مرحلة الفهم‪ ،‬وفهم النص خارج لغته أي يف ذهن املرتجم‬
‫يقتضي حتيزات سيستمدها من أفقه الثقايف اخلاص‪ ،‬وتتطلب عملية الفهم أوال إستعاب النص‬

‫(‪ )1‬ماراين لودورير‪ -‬دانيكا سيليسكوفيتش‪ ،‬التأويل سبيال إىل الرتجة‪ ،‬ت‪.‬فايزة القاسم‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت‪ ،2009 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.116‬‬
‫‪71‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫بتجريده من كل غريب ومن مث إعادة صياغته مبفاهيم مألوفة للمرتجم يف سياق ثقايف مألوف أال‬
‫وهو اخلاص به‪ ،‬دليل على ذلك هذه التعاليم اليت كانت توجه لطالب مدرسة الرتامجة واملرتمجني‬
‫بباريس‪« :‬صغيوا خطااب آخر‪ ،‬إذا أردمت أن يفهمكم املستمع انطلقوا من الفكرة اليت أدركتموها ال‬
‫من اللغة املصدر»‪ (1)،‬وهذا ما يؤكد على وجوب استخالص املعىن من قالبه إلعادة صياغته يف‬
‫قالب مغاير يتماشى واللغة املستقبلة‪ ،‬فهي إذن‬
‫‪« La re-verbalisation des concepts du texte source dans une autre‬‬
‫)‪langue »(2‬‬

‫«إعادة صياغة مفاهيم النص األصل يف لغة أخرى»‪ ( .‬الرتمجة لنا)‬


‫نستنتج مما سبق أن النظرية التأويلية تؤيد إسرتاتيجية الرتمجة التوطينية‪ ،‬إذ ترى ماراين‬
‫أنه «كان لغرابة الرتمجة املنسوخة حرفيا من لغة األصل أن جتد‬ ‫‪Marianne Lederer‬‬ ‫لودورير‬
‫أنصارا هلا يف زمن ظل فيه واقع احلضارات املختلفة مغلقا على الكثري من األشياء[‪ ]...‬أما يف‬
‫يومنا هذا‪ ،‬فلم تعد الغرابة معللة‪ ،‬نظرا ألن الصورة ابتت يف متناول املاليني من البشر»)‪.(3‬‬
‫أي أن الرتمجة التغريبية سامهت سابقا‪ ،‬عن طريق االقرتاض والنسخ ونقل الغريب‪ ،‬يف‬
‫التعريف ابلثقافات األجنبية وكذا يف إثراء الثقافة املستقبلة‪ .‬أما يف يومنا هذا وابتضاح الصورة‬
‫بفضل وسائل االتصال املتطورة فال وجود للغرابة تقريبا‪.‬‬
‫ويستخلص أن الرتمجة الناجحة ال هي توطينية بصفة مطلقة وال هي تغريبية بصفة مطلقة‪،‬‬
‫وإمنا «تنطوي على التناوب بني التقابالت (األمانة للحرف) والتعادالت (التحرر من احلرف)»)‪.(4‬‬
‫حيث تكون التقابالت ضرورية عندما يتعلق األمر أبمساء العلم واألرقام واملصطلحات الفنية‪،‬‬

‫(‪ )1‬ماراين لودورير‪ -‬دانيكا سيليسكوفيتش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.117‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Mathieu Guidère, op.cit,p70.‬‬
‫(‪ )3‬مارراين لودورير‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.112،113‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪72‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫وذلك لنقل احلرف‪ ،‬ونلجأ إىل التعادالت لنقل الروح لربط العالمات اللغوية ابملكمالت املعرفية‪،‬‬
‫وتزول بذلك مسات األصل لتشري إىل واقع خاص ذي طابع مستحدث)‪.(1‬‬
‫وتعرب املكمالت املعرفية يف هذا السياق عن اخلصوصية الثقافية لكل لغة واليت ترتبط‬
‫مبرجعيات خاصة «وقوام النقل الثقايف أن جيلب للقارئ األجنيب معارف عن عامل ليس عامله دون‬
‫أن يكف ذلك لردم املسافة بني العاملني متاما‪ ،‬ولكنه يفتح انفذة على الثقافة األصل‪ .‬وبغية ذلك‬
‫حيفظ املرتجم ما يدعى ابملرجعي املغاير‪ ،‬وذلك بتوصيله حتت أشكال مفهومة»)‪ .(2‬وهنا تتجلى‬
‫أمهية الشروط اليت جيب على املرتجم أن يتحلى هبا من معرفة عامة وثقافة واسعة وكذا فطنة ووعي‬
‫الختيار أي اإلسرتاتيجيتني أجنع يف نقل هذا أو ذاك‪ ،‬فال يتحيز وال مييل كل امليل إلحدامها وال‬
‫يهمل ويتجاهل األخرى‪« ،‬ميتنع املرتجم اجليد عن "توطني" الثقافة األصل كما ميتنع عن أن يرتك‬
‫يف الظل ما جيدر إفهامه»)‪ ،(3‬فعليه إذن أن حيفظ الغريية الثقافية خبصائصها األجنبية إذا ما بقت‬
‫غري مفهومة من طرف القارئ‪ ،‬فيمكنه تعلم ما كان جيهله من الثقافة املغايرة وتتسع معرفته‬
‫ابنكشاف الواقع الثقايف املختلف من خالل استخدام كلمات معينة‪« ،‬الكلمات اليت ال يتم متثلها‬
‫بيسر [‪ ]...‬واليت تقوض اإلسرتاتيجية التطبيعية (التوطينية) تكاملها‪ ،‬وجتعل املسافر مرئيا بوصفه‬
‫)‪(4‬‬
‫مرتمجا [‪( ]...‬وهذا) الذي يكونه كاتب أدب الرحالت يف مكان آخر»‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مارراين لودورير‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.117-113‬‬


‫(‪ )2‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫(‪ )3‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪)4‬مايكل كرونني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪73‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫التأويل‬

‫التقابالت‬ ‫التعادالت‬

‫تغريب‬ ‫توطني‬

‫الشكل (‪ :)21‬النظرية التأويلية بني التوطني والتغريب‬


‫هذا يعين أن التواتر بني اإلسرتاتيجيتني‪ ،‬أي اترة توطينية واترة أخرى تغريبية خيدم الرتمجة‬
‫عامة وترمجة أدب الرحالت خاصة‪ .‬فلكاتب الرحالت ما يرويه عن الغري األجنيب املختلف‬
‫والغريب‪ ،‬فإذا ما ترجم ابإلسرتاتيجية التوطينية بصفة مطلقة؛ فكأنه مل يرحتل إىل مكان آخر بعيد‪،‬‬
‫ومل أيت ابجلديد‪ .‬وإذا ما ترجم ابإلسرتاتيجية التغريبية بصفة مطلقة؛ فال يكاد ينتهي إىل التعريف‬
‫ابآلخر‪ ،‬وال إفهام مجهوره املتلقي إال إذا ارأتى إىل إجياد مكافئات وتطويعها مبا يعادهلا يف وطنه‬
‫وثقافته‪ ،‬وابلتايل توطينها‪.‬‬

‫الشكل(‪ :)22‬خمط يوضح توج املقارابت التمجية وحو إستاتيجية التوطني أو التغريب‬
‫‪74‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رحلة التشويق بني عاملني‬
‫‪ -1‬التشويق يف أدب الرحالت‪:‬‬
‫إذا كان البناء القصصي يقوم على بنية سردية يتجلى فيها عنصر التشويق من خالل أفق‬
‫توقعي ملا سيتبع من أحداث‪ ،‬فإن الرحلة‪ ،‬وملا مييزها من ذهاب وإايب ومواجهة للمجهول يف كل‬
‫حلظة‪ ،‬جتسد الغاية املرجوة اليت كتبت من أجلها بتقدمي مادة إبداعية يتلذذ هبا املتلقي ويتفاعل‬
‫معها‪ .‬حيث يشتغل الرحالة يف بنائه الفين على واقع وميزج فيه ذاتية خاصة وموضوعية (املعلومات‬
‫املقدمة)‪ ،‬ويورط القارئ بسرد روائي رائع وخيال خصب يف عوامل الدهشة‪ ،‬ويفيده من السياحة يف‬
‫العامل والشوق للوصول إىل النهاية واحلل بعد سرد مطول غري ممل‪ .‬ويعرف التشويق الفعال مبدى‬
‫جتاوب القارئ مع األحداث‪.‬‬
‫‪« Suspense is ultimately all about audience involvement […] using‬‬
‫‪methods of suspense guarantees active audience participation and therefore a‬‬
‫)‪deeper intellectual and emotional connection to the narrative»(1‬‬
‫»التشويق هو توريط اجلمهور‪ ،‬واستعمال تقنياته يضمن مشاركة فعالة للجمهور‪ ،‬وابلتايل‬
‫تواصل فكري وعاطفي عميق مع السرد»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫ويتحقق ذلك من خالل تساؤالت القارئ عما سيأيت‪ ،‬وهبذا يكون قد أاثر تفكريه‪ ،‬وكذا‬
‫بتفاعله مع الشخصيات نظرا ملا ينتابه من قلق أو فرح أو خوف فإنه يكون قد حرك عواطفه‪.‬‬
‫‪« Un tel effet de suspense fait que nous cherchons à nous présenter‬‬
‫‪immédiatement l’information qui nous manque sur la suite des événements.‬‬
‫‪Comment la situation va-t-elle évoluer ? Plus nous nous posons ce genre de‬‬
‫)‪questions plus nous participons au déroulement des événements »(2‬‬
‫«جيعلنا التشويق نبحث على الفور عن عرض ملعلومات تنقصنا يف سري األحداث وكيف‬
‫سيتطور الوضع‪ .‬وكلما طرحنا هذا النوع من األسئلة كلما شاركنا يف تسلسل األحداث‪».‬‬
‫(الرتمجة لنا)‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Suspense strategies, www.galyakay.com/suspense.html‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Raphaèl Baroni , La valeur littéraire du suspense,revue a contrario, (vol.2) p29,BSN Press.2004.‬‬
‫‪75‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪ -2‬مجالية التلقي‪:‬‬
‫ترى نظرية التلقي أنه ال تتم عملية األدب إال ابملشاركة الفعالة بني اإلبداع ومتلقيه‪ ،‬أي أن‬
‫النص ال حيي إال بقراءته‪ ،‬وأنه سيبقى غري اتم ما دام مل يقرأ‪ ،‬مبعىن أن الكاتب والقارئ شريكان يف‬
‫صناعة اإلبداع‪« ،‬فالنص األديب "حيتاج إىل دينامية الحقة بنقله من حالة اإلمكان إىل حالة‬
‫اإلجناز ومن حالة الكمون إىل حالة التحقق؛ مبعىن أنه ال جيوز القول بوجود املعىن اجلاهز أو‬
‫النهائي يف النص‪ ،‬وإمنا معناه املرتقب انتج عن فعل القراءة وفعاليتها اليت هي عبارة عما سيتولد‬
‫)‪(1‬‬
‫بني النص وقارئه‪ ،‬بني البنية األصلية أو السنن األول وبني خربات القارئ" أو "أفق انتظاره"»‬
‫إذن ال ميكن للنص أن حيقق غايته أو أن يقوم بوظيفته اجلمالية إال إذا حتقق فعل القراءة‬
‫وارتقى إىل أفق توقعات املتلقي الذي سيشارك بفعالية يف املركب (نص‪/‬قارئ) ويتفاعل معه كي‬
‫يكتمل النص‪ ،‬إذ «أن النص ميثل آلية كسولة (أو مقتصدة) حتيا من قيمة املعىن الزائدة اليت يكون‬
‫املتلقي أدخلها (إىل النص) [‪ ]...‬ألن النص بقدر ما ميضي من وظيفته التعليمية إىل وظيفته‬
‫اجلمالية‪ ،‬فإنه يرتك للقارئ املبادرة التأويلية [‪ .]...‬إن النص يصادر على املتلقي خاصته ابعتباره‬
‫شرطا ال غىن عنه [‪]Suie qua non‬لطاقته التواصلية امللموسة»)‪ . (2‬هذا يعين أن النص يتطلب‬
‫عمال حثيثا من القارئ الذي عليه ملئ "الفضاءات البيضاء" اليت مل يصرح هبا‪ ،‬وذلك إبضافة معىن‬
‫ملا قرأ عن طريق التأويل‪ ،‬فهو إذن يتفاعل مع النص فيزيد من قيمة املعىن فيه‪ ،‬وهبذا يصبح شرطا‬
‫أساسيا يف عملية التواصل‪ ،‬من مرسل ورسالة ومرسل إليه‪ ،‬وإال بقي النص رسالة بال عنوان‪ ،‬ألن‬
‫النص كتب أساسا ليصل إىل قارئ ليقوم بتفعيله وابلتايل يبث الروح فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬عيساين حممد‪ ،‬التأويل والرتمجة‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،2009 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )2‬أمربتو إيكو‪ ،‬القارئ يف احلكاية‪ ،‬ت‪ .‬أنطوان أبوزيد‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،1996 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.63،64‬‬
‫‪76‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫ويعين التلقي اجلمايل «أننا وقعنا حتت أتثري سحر مجالية النص‪ ،‬ويف شعور من الدهشة‬
‫[‪ ]...‬فال ميكن أن نتمتع جبمالية النص إال عندما يعترب كحدث جديد‪ .‬فاحلدث يف نظر ايوس‬
‫)‪(1‬‬
‫)‪ " Jauss(‬يكون هذا العنصر اجلديد الذي مل نكن ننتظره‪ ،‬والذي فاجأان وأاثر دهشتنا"»‬
‫ويعرب هذا العنصر اجلديد الذي سيوقعنا حتت أتثري سحره إما عن طريقة صياغة جديدة تتبل‬
‫النص بعناصر جتعل القارئ يتلذذ هبا (من تشويق واستعارات وجتسيد لغوي وتصوير حي) وإما أن‬
‫يكون اجلديد‪ ،‬فعال‪ ،‬جديدا من سرد لوقائع ومشاهد غريبة أو وصف ألماكن أجنبية أو تصوير‬
‫ملفاهيم مدهشة‪ .‬وأدب الرحالت ال خيلو من هذا وال ذاك‪ ،‬محل اجلديد الغريب يف حمتواه ووضعه‬
‫يف قالب فين جديد‪ .‬و«الشيء من غري معدنه أغرب‪ ،‬وكلما كان أغرب كان أبعد يف الوهم‪ ،‬وكلما‬
‫كان أبعد يف الوهم كان أطرف‪ ،‬وكلما كان أطرف كان أعجب‪ ،‬وكلما كان أعجب كان أبدع‬
‫»)‪. (2‬‬
‫‪ -3‬املقارابت التواصلية الوظيفية يف التمجة‪:‬‬
‫يعترب التواصل عملية تشفري وترميز أي رسالة قد تتضمن بعض املعلومات‪ .‬ويعترب املرتجم‬
‫)‪(3‬‬
‫جهاز فك رموز وإعادة تشفري الرسالة إىل رموز يسعى إىل نقلها سليمة بعد تعديالت تثقيفية‪.‬‬
‫وإبعادة خمطط جاكوبسون لالتصال خنلص إىل أن الرتمجة هي إعادة فعل التواصل على‬
‫النحو التايل‪:‬‬

‫)‪ (‬عمل ايوس يف دراسته حول اتريخ األعمال األدبية والتبدالت اليت يعرفها املعىن من خالل عملية التلقي حيث أسس مفهوما جديدا ليفسر‬
‫عملية االستقبال‪ ،‬والتطوير الذي جيري على اجلنس األديب وهو مفهوم "أفق التوقعات" زاعما أن "كل نص كان قد قرئ عكس عدد من التوقعات‬
‫الثقافية اليت تتغري مبرور الزمن‪ .‬وأن أفق التوقعات هو أطار ثقايف برغمايت نشأ املعىن من خالله"‬
‫هتدف قراءة ايوس إىل كشف النقاب عن األسئلة اليت يعتقد النص األول أنه ميثل اجلواب احلقيقي هلا‪ ،‬فهي عكس املناهج اليت تنطلق يف عملية‬
‫القراءة من النص إىل القارئ‪( ،‬النظرة األحا دية يف تقومي األدب)‪ ،‬بل تنطلق من خطتني أساسيتني مزدوجتني‪ :‬من النص إىل القارئ ومن القارئ‬
‫على النص أو جدلية النص‪/‬القارئ‪ .‬ذالك أن النص ال حيقق قصديته ووظيفته اجلمالية "إال من خالل فعل التحقق القرائي وجتسيده عرب عمليات‬
‫ملئ الفراغات و البياضات وحتديد ما هو غري حمدد‪ ،‬وإثبات ما هو منفي والتأرجح بني اإلخفاء والكشف على مستوى استخالص املعاين عن‬
‫طريق الفهم والتأويل والتطبيق"‪" ،‬ال ميثل النص فنا ما مل خيضع لعملية اإلدراك"‪ ،‬التأويل والرتمجة‪ ،‬ص‪.251-250‬‬
‫(‪ )1‬عيساين حممد‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫(‪ )2‬عميش عبد القادر‪ ،‬أدبية النص ومجالية التلقي‪.amicheabdelkader.com ،‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫‪Voir Mathieu Guidère, op.cit.p60.‬‬
‫‪77‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)23‬التمجة فعل تواصلي‬

‫إذن التلقي هو وظيفة يؤديها املرسل إليه الذي تكون له قابلية االستجابة "لألثر" املوجه‬
‫إليه‪ .‬واألثر األديب هو جزء أساسي يف أي عمل أديب تسعى الرتمجة مثلما تسعى ما ترتمجه من‬
‫أعمال أدبية إىل خلق أثر أديب يولد ردة فعل من املتلقي (القارئ)‪.‬‬
‫وهتدف املقارابت التواصلية الوظيفية بشىت أوجهها إىل االهتمام بوظيفة الرتمجة وثقافة‬
‫مجهورها‪ ،‬متخطية بذلك مفهوم التكافؤ الذي لطاملا مثل هدفا للرتمجة‪ .‬وهنا عرض لبعض منها‪:‬‬

‫‪ -1-3‬نظرية رايس )‪ (Reiss‬ألمناط النصوص‪:‬‬


‫تعترب نظرية رايس (‪ ،(Katharina Reiss‬أمناط النصوص‪ ،‬امتدادا ملا أجنزه بوهلر‪، Buhler‬‬
‫فوسعت مفهوم نيدا للتكافؤ الديناميكي من الكلمة أو اجلملة إىل مستوى النص‪ .‬وألن هدف‬
‫الرتمجة هو هدف تواصلي فإهنا تتحقق بتكافؤ النص يف جممله‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫ووظيفة التعبري‬ ‫)‪،(informative‬‬ ‫تقسم رايس اللغة إىل وظائف‪ :‬وظيفة التمثيل‬
‫)‪ ، (expressive‬ووظيفة االستمالة )‪ .(appellative‬مع أنه من النادر أن متثل نصا وظيفة واحدة‬
‫فقط إال أنه ميكن لوظيفة واحدة أن هتيمن على النص أبكمله)‪.(1‬‬
‫ترى رايس أن الرتمجة الناجحة هي اليت حتقق الشروط التالية‪:‬‬
‫‪«If an informative text was written in the original SL communicative‬‬
‫‪situation in order to transmit news, facts, knowledge, ect (…), then the‬‬
‫‪translation should transmit the original information in full.‬‬
‫‪If the SL text was written because the author wished to transmit an‬‬
‫‪artistically shaped creative content, then the translation should transmit this‬‬
‫‪content artistically shaped in a similar way in the TL.‬‬
‫‪If the SL text was written in order to bring about certain behaviour in the‬‬
‫‪reader, the translation should have this effect on the behaviour of the TL‬‬
‫)‪reader.»(2‬‬
‫«إذا كتب نص إعالمي يف اللغة املصدر يف موقف تواصلي من أجل نقل أخبار أو وقائع أو‬
‫معارف‪ ،...‬فيجب على الرتمجة أن تنقل املعلومة األصلية بكاملها‪.‬‬
‫وإذا كتب النص املصدر ألن الكاتب أراد نقل إبداعه يف قالب فين‪ ،‬فعلى الرتمجة أن تنقل‬
‫ذلك اإلبداع يف قالب فين مماثل لألصل‪.‬‬
‫وأما إذا كتب النص املصدر من أجل حتفيز القارئ التخاذ سلوك معني‪ ،‬فعلى الرتمجة أن‬
‫حتدث األثر ذاته على سلوك قارئ النص املرتجم»‪( .‬الرتمجة لنا)‬
‫جيمع أدب الرحالت بني الوظائف الثالث؛ إذ أنه يقدم معلومات دقيقة ويصف حقائقا‬
‫ويعرض أخبارا عن البلدان اليت زارها الرحالة (وتلك هي الوظيفة اإلعالمية)‪ ،‬كما أنه يروي عن‬
‫جتربة ذاتية ويصيغها يف قالب فين رائع ومشوق‪ ،‬ميتع القارئ (وتلك هي وظيفة التعبري)‪ ،‬ويرمي‬
‫أيضا إىل توريط القارئ بتفاعله مع النص عرب التشويق املفتعل من قبل الرحالة كما يعترب النص‬
‫الرحلي دعوة للسفر إىل عوامل خمتلفة (وتلك هي وظيفة االستمالة)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر إدوين غينستلر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.183‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Lalbila Aristide yoda, La traduction médicale du français vers le mooré et le bisa, University‬‬
‫‪Labrary Groningen,Host, 2005, p.123.‬‬
‫‪79‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫‪:Skopos‬‬ ‫‪ -2-3‬نظرية الغرض‬
‫‪ -1-2-3‬مقاربة فريمري‪: Vermeer‬‬
‫يرى مؤيدو نظرية الغرض الرتمجة على أهنا فعل ذو هدف اتصايل معني‪ ،‬وأهنا تعرف‬
‫بوظيفتها داخل الثقافة املستقبلة «ألن حتقق املالئمة يف شكل االتصال هو دائما ذو عالقة إبجناز‬
‫اهلدف املقصود»)‪ .(1‬كما تعطي نظرية الغرض األولوية للمرتجم وجتعل منه املقرر للمنهج الذي‬
‫سيتخذه من أجل أداء أفضل و«هكذا يتمتع املرتجم‪ /‬العامل يف احلقل الثقايف جبواز املشاركة‬
‫النشطة يف إنتاج النص النهائي [‪( ]...‬كونه) حمرتفا يف جمال الشؤون العابرة»)‪ ،(2‬وجواز املشاركة‬
‫النشطة يعطي املرتجم احلق يف التصرف يف الرتمجة على أن ينتج نصا يؤدي وظيفة النص األصل‬
‫‪(cohérence‬‬ ‫ويبلغ هدفه يف اجلمهور املتلقي‪ ،‬كما عليه إنتاج نص يكون طبيعيا وسلسا وحمبوكا‬
‫)‪ textuelle‬عند تلقيه‪.‬‬
‫‪ -2-2-3‬مقاربة نورد ‪: Nord‬‬
‫أن النص ليس يف حد ذاته وظيفة بل يكتسب وظيفته من‬ ‫)‪(Christian Nord‬‬ ‫ترى نورد‬
‫املوقف الذي يستقبله فيه‪ .‬فبالنسبة هلا تدخل الرتمجة يف إطار التواصل الثقايف إذ أن «املرتجم ليس‬
‫مرسل رسالة النص األصل؛ لكنه منتج نص يف الثقافة اهلدف يتبىن قصد شخص آخر كي ينتج‬
‫وسيلة تواصلية للثقافة اهلدف‪ ،‬أو وثيقة يف الثقافة اهلدف لتواصل حدث يف الثقافة األصل»)‪. (3‬‬
‫أي أن الرتمجة يكلف هبا املرتجم من قبل عميل له غايته احملددة اليت هي يف حاجة ألن‬
‫يتوجه إليها النص ابخلطاب‪ ،‬حيث «حتدد حاجات املمول أو متلقي النص اهلدف التواصلية تلقي‬
‫املرتجم (أعين‪ :‬الطريقة اليت يتلقى هبا النص‪ (4)» .‬والعميل أو "املبادر" الذي قد يكون شخصا أو‬
‫مجاعة أو مؤسسة هلا غاايت أو أهداف تختلف عن غاايت مؤلف النص املصدر‪ ،‬ومستقبل النص‬

‫(‪ )1‬إدوين غينستلر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.184،185‬‬


‫(‪ )2‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪.186‬‬
‫(‪ )3‬كريستياان نورد‪ ،‬حتليل النص يف الرتمجة‪ ،‬ت‪ .‬حميي الدين علي محيدي‪ ،‬النشر العلمي واملطابع‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،2009 ،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )4‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪80‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫املستهدف واملرتجم‪ .‬وما حيدد منهجية الرتمجة ليست الوظيفة املرجوة من الكاتب األصلي مثلما‬
‫تنص عليه أغلب النظرايت املبنية على أساس التكافؤ‪ ،‬وإمنا حتدده الوظيفة احملتملة أو "غرض"‬
‫)‪(1‬‬
‫أي أن عملية الرتمجة متثل وفقا لنظرية الغرض‪ ،‬اليت ترفض مبدأ‬ ‫"‪ "skopos‬النص اهلدف‪،‬‬
‫التكافؤ ابعتباره هدفا يف العمل الرتمجي‪ ،‬فكرة جديدة جتعل من هدف املنتج معيارا يف العملية‬
‫الرتمجية‪ .‬كما أنه مل يعد مدى التكافؤ بني األصل واهلدف معيارا يف تقييم الرتمجة بل وظيفته يف‬
‫اللغة اهلدف‪.‬‬
‫وهبذا يكون على املرتجم أخذ قرار أي االسرتاتيجيات يوظف‪ ،‬وأن يكون على قدر كاف‬
‫من املرونة من أجل إنتاج الغرض املرجو من الرتمجة‪ .‬ويف حالة أدب الرحالت‪ ،‬عليه ابعتباره خبري‬
‫يف االتصال بني الثقافات أن ينقل أوال تلك اخلصائص املميزة للثقافة األصل بكل سالسة إىل‬
‫اللغة اهلدف‪ ،‬وإن كان قد قدم اجلديد هلا‪ ،‬وبصيغة تخدم أيضا الغرض التفاعلي الذي أراد املؤلف‬
‫خلقه بني النص وقارئه (من تشويق ومجالية اإلبداع)‪.‬‬

‫‪: Hatim et Mason‬‬ ‫‪ -3-2-3‬مقاربة حامت ومايسن‬


‫تعترب الرتمجة ابلنسبة حلامت وميسن فعال تواصليا حياول نقل فعل تواصلي آخر عرب حواجز‬
‫لغوية وثقافية‪ .‬كما يعترباهنا فعال تواصليا أين يدخل املرتجم ضمن صنف خاص من التواصل‪،‬‬
‫ويراين أن االتساق والتماسك ما يشكل نسيج النص وبنيته‪.‬‬
‫‪« La fonction du traducteur est ainsi définie : "on pourrait définir la tache‬‬
‫‪du traducteur communicateur comme un être qui recherche à maintenir la‬‬
‫]…[ ‪cohérence en recherchant l’équilibre approprié entre ce qui est effectif‬‬
‫‪dans un environnement particulier, dans un but particulier et pour des‬‬
‫)‪récepteurs particuliers »(2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ ،‬كريستياان نورد‪،‬م س‪،‬ص ‪.38،39‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Mathieu Guidère, la communication multilingue, op.cit, p 15.‬‬
‫‪81‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫«ميكن تعريف وظيفة املرتجم االتصايل الذي يعترب شخصا يسعى للمحافظة على االتساق‪،‬‬
‫ابحثا عن توازن يتناسب وما هو فعال يف بيئة معينة وهلدف معني ومن أجل متلقني معينني»‬
‫(الرتمجة لنا)‬
‫وما أضافه حامت وميسن إىل املقاربة الوظيفية يف الرتمجة هو املصطلحني اللذين يعتربان‬
‫متغريين سوسيولسانيني‪" :‬السلطة" و"البعد" يف العمل الرتمجي‪ ،‬واللذين يعربان عن عالقة القوة بني‬
‫املنتج واملتلقي‪.‬‬
‫‪« Power may be defined as the degree to which the text producer can‬‬
‫‪impose his own plans and self-evaluation at the expense of the text receiver’s‬‬
‫)‪plans and self evaluation »(1‬‬
‫«قد تعرف السلطة على أهنا الدرجة اليت ميكن ملنتج النص فيها أن يفرض غاايته اخلاصة‬
‫وتقييمه الذايت على حساب غاايت متلقي النص وتقييمه الذايت» (الرتمجة لنا)‬

‫أي أنه ميكن ملؤلف النص أن ميارس هذه السلطة إما من خالل استبعاد اخلصم)‪ (‬أو التنازل‬
‫له‪ .‬وتعود هذه السلطة إىل مدى التوافق البالغي والثقايف بني األصل واهلدف‪ .‬وهبذا ميكن للمرتجم‬
‫أن يكتشف هذه املتغريات لكي يوجه قراره اإلسرتاتيجي يف عملية الرتمجة (الفعل التواصلي)‪ ،‬فإذا‬
‫استوىف النص توقعات املتلقي فيكون منهج الرتمجة احلرفية ممكنا هنا‪ ،‬أما إذا غابت؛ فعليه اختيار‬
‫مناهج واسرتاتيجيات أخرى )‪.(2‬‬

‫وفيما خيص أدب الرحالت‪ ،‬فعلى املرتجم أن يستخدم السلطة اترة والبعد اترة أخرى‪،‬‬
‫فكما هناك مواقف تفرض عليه التنازل حبق املتلقي ويرتجم نصه مبا خيدم غاايت املتلقي وجيعله‬
‫مطابقا ملعايريه وتقييمه الذايت حىت تتسىن له رؤية ذاته بني طيات املؤلف‪ ،‬توجد مواقف أخرى أين‬
‫)‪(1‬‬
‫‪Bassil Hatim and Ian Mason, The translator as communicator, Firstpublished 1997, Routledge,‬‬
‫‪New York, p116.‬‬
‫)‪ (‬استعملت لفظة خصم هنا للداللة على املتلقي يف عملية االتصال‪ ،‬واليت يشرحها أمربتو إيكو يف كتابه القارئ يف احلكاية‪ " :‬أن يكون املرء‬
‫نصا يعين أن يضع حيز الفعل إسرتاتيجية انجحة أتخذ يف اعتبارها توقعات حركة اآلخر‪ -‬شأن كل إسرتاتيجية‪ .‬وعليه فإن االحرتايب إذ يكون حيال‬
‫إسرتاتيجيته احلربية (أو حيال إسرتاتيجية الشطرنج‪ ،‬أو لنقل حيال أي إسرتاتيجية لعب) فإنه غالبا ما ينصرف إىل رسم صورة خصم منوذجي‪ ،‬إن‬
‫فعلت كذا ‪ ،‬كانت ردة فعل اخلصم كذا‪ ،‬إال أن أمرا واحدا يبطل هذه املماثلة‪ :‬يسعى املؤلف يف كتابه أن جيعل اخلصم راحبا‪ ،‬ال خاسرا‪".‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪Voir Bassil Hatim and Ian Mason, op.cit. p117.‬‬
‫‪82‬‬
‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫جيب على املرتجم أن يفرض ذاته ومعايريه‪ ،‬أن يتسلط على النص وابلتايل على املتلقي‪ ،‬فيرتجم‬
‫نصه مبا خيدم غاايته ومعايريه اخلاصة‪ ،‬وهنا تتجلى للقارئ صورة اآلخر‪.‬‬

‫ويشتمل كل من هذين املتغريين (السلطة والبعد) على اهلدف االتصايل التفاعلي الذي‬
‫تسعى إىل حتقيقه الرتمجة‪ .‬ويبقى اخليار االسرتاتيجي منوط ابملرتجم وقدرته على اتخاذ القرار األجنع‬
‫لكل موقف‪ ،‬شريطة حتقيق ذلك اهلدف االتصايل املنشود‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ -1‬املدونة‪:‬‬
‫‪ -1-1‬التعريف ابلكاتب‪:‬‬
‫ولد جول غابرييل فرين ‪ Jules Gabriel Verne‬يف مدينة اننت‪ ،‬وهي ميناء يقع على‬
‫الساحل األطلسي الفرنسي‪ ،‬ويف سن احلادية عشر أحبر جول يف رحلة طويلة إىل اهلند‪ ،‬واستطاع‬
‫والداه إرجاعه‪ ،‬ووعدمها أال يسافر بعد ذلك إال يف خياله‪.‬‬
‫درس جول البالغة والفلسفة يف اننت‪ ،‬مث احلقوق يف ابريس إال أنه رفض أن خيلف أابه يف‬
‫مهنة احملاماة‪ .‬وبدأ يف التأليف لينتج أكثر من مخسني قصة رحالت خيالية‪ .‬كانت كتاابته املبكرة‬
‫‪Alexandre‬‬ ‫خلشبة املسرح حىت أنه عرضت واحدة من مسرحياته األوىل بدعم من الكاتب‬
‫‪ .Dumas‬واشتملت أغلب أعماله األدبية مواضيع املخرتعات العلمية يف القرن ‪19‬م ابإلضافة إىل‬
‫اليت كان يتنبأ هبا ويتوقع ظهورها الحقا‪ ،‬وملا ضمته من مغامرات ورحالت استقطبت عددا كبريا‬
‫من القراء‪ ،‬ومت اقتباسها للعديد من األعمال السينمائية والكارتونية)‪.(1‬‬
‫ابملدونة‪:‬‬
‫‪ -2-1‬التعريف ّ‬
‫"‪"Le tour du monde en 80 jours‬‬ ‫"حول العامل يف ‪ 80‬يوما"‬
‫إحدى الرواايت اليت ألفها جول فرين سنة ‪1873‬م‪ ،‬وتعد من أشهر رواايته وأكثرها استهواء‬
‫للقراء ملا مزجت يف طياهتا من تركيب ساحر ملغامرات يف مناطق خمتلفة‪ ،‬غريبة وبعيدة‪ ،‬وفكاهة‬
‫طريفة‪ ،‬وخيال علمي مثبت حبقائق علمية إىل درجة بلوغ تصديق حقيقة وجود الشخصيات‬
‫والرحلة اليت قاموا هبا‪ ،‬كما حاول البعض تقليدهم والسري على خطاهم‪ .‬ومت اقتباسها للعديد من‬
‫األعمال السينمائية (أفالم ومسلسالت) واملسرحية والرسوم املتحركة والقصة املصورة وألعاب‬
‫الفيديو‪ ،‬حىت يف الرايضة إذ تقدم جائزة جول فرين يف سباق املراكب الشراعية حول العامل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر جول فرين‪ ،‬حول العامل يف مثانني يوما‪ ،‬ت‪ .‬صربي الفضل‪ ،‬اهليئة العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،1998 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫‪85‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫تعترب رواية جول فرين "حول العامل يف مثانني يوما" ذات قيمة إبداعية ومجالية وتثقيفية‬
‫وترفيهية كمثيالهتا من أدب الرحالت‪ ،‬حيث مزج فيها الكاتب بني التدوين العلمي والشعر‬
‫)‪(‬‬

‫والسرد القصصي يف مجالية أدبية‪ .‬يستدعي فيها امللتقى يف كل حني متجاوزا بذلك األبعاد‬
‫التارخيية والزمكانية‪ .‬فقد قام الكاتب بسرد أحداث القصة اليت مل تخل من املغامرات واملصادفات‪،‬‬
‫كما وصف الشخصيات وأدائها وردود أفعاهلا وجتاوهبا مع املواقف املختلفة والغريبة‪ ،‬ومن حني‬
‫آلخر اتخذ الكاتب استطرادات وفتح أقواسا تناول فيها تقرير حقائق علمية واترخيية وجغرافية‬
‫وأخرى أنثروبولوجية كلما سنحت له الفرصة لذلك دون أن ينقطع حبل أفكاره أو تسلسل‬
‫أحداث قصته‪ ،‬وهبذا فقد كان نصه عبارة عن نسيج فسيفسائي منسجم يتميز ابجلمالية واإلبداع‪،‬‬
‫من بديع وبيان وتالعب ابأللفاظ وفكاهة وتشويق‪.‬‬
‫كما نلمس فيها املتعة واملصادفة وإعادة اكتشاف الذات من خالل اآلخر‪ ،‬ومراهنات‬
‫اللعبة (‪ )whist‬واحلقيقة املمزوجة بروح املغامرة واحتماالت املوت املستقبلية‪ .‬وكذا اجلانب العلمي‬
‫الذي حتقق يف النسبية الزمانية ابالجتاه حنو الشرق‪ .‬وأخريا تشكلت صورة تداخلت فيها خمتلف‬
‫ألوان احلياة (من قطار إىل فيل‪ ،‬ومن مدن كربى إىل غاابت‪ ،‬ومن حياة مدنية إىل طقوس قدمية)‪.‬‬
‫املدونة‪:‬‬
‫‪ -3-1‬ملخص ّ‬
‫الرجل الثري‬ ‫‪Fileas Fogg‬‬ ‫يف مدينة لندن عام ‪ ،1872‬يعيش السيد "فيلياس فوج"‬
‫اهلادئ‪ ،‬اجنليزي الطبع والسلوك‪ ،‬تنقسم حياته بني بيته واندي "اإلصالح" الذي هو عضو فيه‪،‬‬
‫ليس له زوجة وال ولد‪ ،‬يتبع منوذجا يوميا ال يتغري أبدا وحياته منظمة ودقيقة لدرجة أنه طرد خادمه‬
‫الذي سخن املاء لدرجة ‪ 84‬بدل من ‪ ،86‬وهو ينتظر قدوم اخلادم اجلديد الفرنسي جان‬
‫ابسبارتو ‪ Jean Passepartout‬الذي شغل مناصب عديدة يف حياته من غناء ورقص ورجل‬
‫إطفاء‪ ،‬وهو يصبو اآلن إىل عيش حياة هادئة مستقرة يف بيت إجنليزي منضبط‪.‬‬

‫)‪ (‬استدل جول فرين أببيات شعرية مرتمجة إىل الفرنسية‪ ،‬ينظر امللحق رقم ‪.01‬‬
‫‪86‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫ويف اليوم ذاته بعد أن خرج السيد فوج وتناول غدائه وتصفح اجلرائد كعادته يف اندي‬
‫اإلصالح إذا به يعود إىل البيت ليخرب خادمه أهنما سيغادران على الفور يف رحلة سريعة حول‬
‫العامل نتيجة رهان أجراه مع أصدقائه يف النادي‪ ،‬واملتمثل يف أن جيوب العامل يف ظرف ‪ 80‬يوما‬
‫ابلساعة والدقيقة)‪.(‬‬
‫فيبدأ إذن السباق مع الوقت يف مغامرات ثرية األلوان عرب أورواب وإفريقيا وآسيا وأمريكا‪،‬‬
‫مستعملني لذلك مجيع وسائل النقل املتوفرة آنذاك من قطارات وبواخر وعرابت‪ ،‬حىت الفيلة‪ .‬وما‬
‫يزيد القصة إاثرة هو مطاردة السيد "فيكس"‪ ،‬الشرطي الربيطاين السري‪ ،‬للسيد فوج بغية إلقاء‬
‫القبض عليه وحماولة إبطائه وأتخري موعد عودته يف كل فرصة‪ .‬وقد واجه املسافران أخطارا وأحدااث‬
‫غري متوقعة تعرقل سريمها‪ ،‬ومنها القبض على ابسبارتو من قبل رجال الدين يف بومباي والتعرض‬
‫إىل هجوم من طرف اهلنود احلمر يف أمريكا وغريها من األحداث‪ .‬أما بعد تعطل القطار وتوجب‬
‫عليهما شراء فيل واستئجار رجل هندي ليقوده ويواصل السري هبما‪ ،‬إذا هبم يشهدوا جنازة رهيبة‬
‫ألحد األمراء اهلنود‪ ،‬متارس فيها طقوس السويت واليت تقتضي إحراق الزوجة مع زوجها املتويف‪،‬‬
‫الصغرية واجلميلة خبطة ماكرة واصطحاهبا معهم إىل هناية‬ ‫‪Aouda‬‬ ‫فهموا إلنقاذ الزوجة "عودة"‬
‫الرحلة‪.‬‬
‫ولكثرة الصعاب والعواقب ورغم حماوالت سيد "فوج" جتاوزها يف كل مرة إال أن القطار‬
‫األخري الذي استأجره من ليفربول إىل لندن وصل على الساعة التاسعة إال عشر دقائق‪ ،‬أي أنه‬
‫أتخر عن املوعد وخسر الرهان‪.‬‬
‫دخل اجلميع بيت السيد "فوج" جيرون أذايل اخليبة‪ ،‬ال ميلكون فلسا‪ ،‬وحاول السيد "فوج"‬
‫االعتذار "لعودة" اليت فاجأته ابعرتافها حببها له‪ ،‬وقررا الزواج‪.‬‬
‫ويف مساء اليوم التايل أمر اخلادم ألن يذهب إىل الكنيسة ليتوىل االتفاق مع القس على عقد‬
‫الزواج‪ ،‬فإذا ابخلادم يعود بسرعة الربق ليفاجئ سيده حبقيقة مذهلة؛ مبا أن الرحلة بدأت ابالجتاه‬

‫)‪ (‬ينظر‪ :‬اجلدول الزمين ومسار الرحلة‪ ،‬امللحق ‪.3 ،2‬‬


‫‪87‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫حنو الشرق حيث يقصر الوقت أبربع دقائق كلما عربوا درجة من خطوط الطول الثالمثائة والستني‬
‫للكرة األرضية‪ ،‬فهذا يعين أنه ال تزال بضع دقائق ميكن للسيد "فوج" خالهلا االلتحاق بنادي‬
‫اإلصالح يف موعده وابلتايل كسب الرهان‪.‬‬

‫‪ -2‬دراسة حتليلية نقدية للمدونة‪:‬‬


‫إن مسألة "نوعية الرتمجة" كانت حمط اهتمام املرتمجني على مر العصور‪ ،‬كما أصبح هناك‬
‫اختالف يف وضع معيار للتقييم الذي تختلف مقاييسه وعوامله ابختالف النظرايت واملقارابت‬
‫الرتمجية‪ ،‬وبصفة أدق وفقا لالسرتاتيجيات املتبعة من طرف املرتجم لتحقيق اهلدف املرجو من‬
‫عمله‪ ،‬والذي خيتلف هو اآلخر من مرتجم إىل آخر‪.‬‬
‫وفيما يلي خمطط يلخص أهم االسرتاتيجيات اليت نالحظها عند أغلب املرتمجني عامة‬
‫وأنطوان برمان خاصة‪ ،‬واليت تخدم الرتمجة عامة وترمجة أدب الرحلة خاصة‪ ،‬واليت مت وفقها حتليل‬
‫املدونة "حول العامل يف مثانني يوما"‪.‬‬

‫استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬

‫التوطني‬ ‫التغريب‬

‫احلذف‬ ‫التفخيم‬ ‫العقلنة‬ ‫اإليضاح‬ ‫اإلختصار‬ ‫اإلحتفاظ‬ ‫اإلقرتاض‬

‫التعميم‬ ‫االتجريد‬ ‫الكيفي‬ ‫الكمي‬

‫)‪(1‬‬
‫الشكل (‪ :)24‬خمط يوضح أهم استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬

‫(‪ )1‬االحتفاظ‪ :‬هو عبارة عن حماكاة تعدت مستوى اللفظة إىل اجلملة والرسالة إذ حياول فيها املرتجم نقل شكل وحمتوى الرسالة األصلية حرفيا‬
‫ومعنواي قدر اإلمكان‪(voir Jan Pedersen, How is culture rendering subtitles ? Mutra2005, Chalenge of .‬‬
‫‪multidimensional translation : conference proceedings, p.04‬‬
‫االختصار‪ :‬الكمي‪:‬حييل على النقصان املعجمي‪ ،‬إذ ينتج مساس ابلنسيج املعجمي للعمل وبنمط معجميته ‪ lexicalité‬وبتكوثره‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ -1-2‬ترمجة العناوين‪:‬‬
‫‪-1-1-2‬عنوان الرواية‪:‬‬
‫يعترب العنوان أول عتبات النص واليت تكون مبثابة نص مصغر يدل على املنت ويشمله يف‬
‫بضع كلمات جامعة مانعة ذات أثر على القارئ‪ ،‬جتلبه حنو النص الكتشافه والولوج يف طياته‪،‬‬
‫وهلذا فإن ترمجته ال تقل أمهية عن ترمجة املنت حيث أن "خصوصية العبارة العنوانية ومتايزها عن‬
‫أسلوب الكتلة النصية لغاية إشهارية حينا واستفزازية مضللة حينا آخر"(‪.)1‬‬
‫"‪"Le tour du monde en 80 jours‬‬
‫حول العامل يف مثانني يوما‪.‬‬
‫ولشهرة الرواية يف لغتها األصلية كان من الضروري إجياد املعادل اللفظي الذي حيمل العمق‬
‫الداليل ذاته لعنواهنا كي يتسىن جلمهورها التعرف عليها بسهولة وابلتايل اقتناؤها‪ ،‬وهذا ما خيدم‬
‫الوظيفة اإلشهارية للعنوان‪.‬‬

‫الكيفي‪ :‬ويقتضي تعويض كلمات وعبارات وصياغات األصل‪ ،‬بكلمات وعبارات وصياغات ال تتوفر على غناها اجلهريي )‪ (sonore‬وال على‬
‫غناها الداليل )‪ (signifiante‬أو ابألحرى اإليقوين )‪.(iconique‬‬
‫التوضيح‪( :‬اإليضاح) يقتضي إدخال عالمات داللية غري مذكورة يف النص األصل‪ ،‬يستدل عليها املرتجم من خالل السياق املعريف‪ .‬فقد يكون‬
‫إعادة صياغة للمعاين اجملازية اليت يتضمنها األسلوب‪.‬‬
‫العقلنة‪ :‬تعيد تركيب اجلمل ومقاطعها )‪ ، (séquences‬بطريقة تسمح بتنظيمها وفق فكرة معينة حول نظام اخلطاب‪ .‬وجتعل من األصل املتفرع‬
‫نصا خطيا )‪ (linéaire‬وتقتضي العقلنة التجريد والتعميم‪ ،‬إذ تعمل على حتويل العناصر اجملردة أو التأملية اليت جيرها النثر معه إىل حمسوسات‪،‬‬
‫كما تعمل على إعادة تنظيم خطي يتصف بعمومية أكرب‪.‬‬
‫التفخيم ‪ :‬تكون فيها الرتمجة "أمجل" شكليا من األصل‪ .‬إذ يتعني على كل خطاب أن يكون مجيال‪ ،‬وهو ما يعطينا التحسني الشعري‬
‫)‪ (poétisation‬يف جمال الشعر والتحسني البالغي )‪ (rhétorique‬يف جمال النثر‪.‬‬
‫(االختصار‪ ،‬التوضيح‪ ،‬العقلنة‪ ،‬التفخيم‪ ،‬ينظر أنطوان برمان‪ ،‬الرتمجة واحلرف أو مقام البعد‪ ،‬ص‪.)84-76‬‬
‫احلذف‪ :‬تظهر األخطار على خلفية املبدأ السائد هلدف الرتمجة‪ ،‬وتتصل ابلعوامل املوجودة يف النموذج التحليلي‪ .‬وهذا هو السبب وراء األمهية‬
‫القصوى لتعريف هدف الرتمجة يف كل مهمة ترمجية‪ .‬فإذا ما تطلب هدف الرتمجة‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬إعادة إنتاج احملتوى برمته‪ ،‬فإن أصغر حذف‪،‬‬
‫طاملا أنه ليس سبب افرتاض مسبق حمدد عند متلقي النص اهلدف‪ ،‬سيكون خطأ ترمجيا‪ .‬إال أن احلذف نفسه لن يكون خطأ إذا ما تطلب هدف‬
‫الرتمجة جمرد تلخيص عام للمعلومات اهلامة اليت حيتويها النص‪ .‬وإذا نظر إليه وفق هذا املنظار‪ ،‬فقد يكون "انتهاك ضد املعيار" يف الواقع أمرا مناسبا‬
‫ترمجيا‪ ،‬إذا ما قصد منه أن جيسد قيمة إخبارية أو أسلوبية‪( .‬كريستياان نورد‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.)275 ،274‬‬
‫(‪ )1‬بن عبد هللا األخضر‪ ،‬إشكاليات ترمجة العنوان‪...‬قراءة يف عناوين‪ ،‬جريدة املؤمتر‪.2007- 20 -07 ،‬‬

‫‪89‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫وإن مل يكن التطابق اتما بني األصل والرتمجة إال أنه كان تطابقا شكليا غري مطلق‪ ،‬وذلك‬
‫اليت تعين يف سياقها‪ :‬الرحلة أو اجلولة‪ ،‬واليت اكتفى املرتجم مبعادلتها بلفظة‪:‬‬ ‫للفظة‪"le tour" :‬‬

‫"حول" اليت تدل على ما حييط ابلشيء واليت أتيت مقرونة بلفظة‪" :‬رحلة" أو "جولة" كقولنا‪ :‬رحلة‬
‫حول أو جولة حول‪.‬‬
‫أما إذا تُرمجت حرفيا لكان الناتج‪ :‬رحلة (جولة) حول العامل يف مثانني يوما‪.‬‬
‫وقد قام املرتجم حبذفها‪ ،‬كونه حذف جائز)‪ ،(‬مرتبط مبعىن القول وداللته وقدرته على‬
‫التأثري‪ ،‬وهذا ما خيدم خصوصية اإلجياز واالقتصاد اللغوي يف العنوان‪ ،‬كما أنه ال يضر ابملعىن وال‬
‫ابلصناعة النحوية‪ ،‬بل يزيد من رونق العبارة ويهذهبا‪.‬‬
‫‪-2-1-2‬العناوين الداخلية‪:‬‬
‫بينما حتتوي النسخة األصلية على ‪ 37‬عنواان فصليا‪ ،‬حتتوي الرتمجة على ‪ 103‬عناوين‪ ،‬أي‬
‫مبعدل (‪ )3‬ثالث عناوين للفصل الواحد‪ .‬كما أن العناوين يف األصل كانت عبارة عن مجل مركبة‬
‫ومطولة نوعا ما‪ ،‬تروي ابختصار ما سيحدث خالل الفصل‪ .‬على حنو‪:‬‬
‫‪-Dans lequel Phileas Fogg et Passepartout s’acceptent réciproquement‬‬
‫‪l’un comme maitre, l’autre comme domestique.‬‬
‫والذي قسمه املرتجم إىل فصلني عنوهنما‪:‬‬
‫‪ .2‬خادمه‪.‬‬ ‫‪ .1‬مسرت فيلياس فوج‬
‫‪-Où Phileas Fogg et ses compagnons s’aventurent à travers les forêts de‬‬
‫‪l’Inde et de ce qui s’ensuit.‬‬
‫مت تقسيمه إىل ستة (‪ )6‬فصول معنونة كاآليت‪:‬‬
‫‪.1‬منظر عجيب ‪ .2‬السويت ‪.3‬هيا ننقذ املرأة ‪.4‬فشل اخلطة األوىل ‪ .5‬اخلطة الثانية تفشل‬
‫‪.6‬خيبة األمل‪.‬‬

‫)‪ (‬احلذف اجلائز‪ :‬إسقاط عنصر (إسنادي أو غريه) من عناصر بناء النص‪ ،‬لغرض ما ‪ ،‬مع مساح النظام النحوي بذكره‪ ،‬ومع داللة ابقي عناصر‬
‫النص عليه و إمكان ذكر هذا العنصر يف مقام آخر‪ ،‬يقول اإلمام عبد القاهر‪" :‬هو ابب دقيق املسلك‪ ،‬لطيف املأخذ‪ ،‬عجيب األمر‪ ،‬شبيه‬
‫ابلسحر‪ ،‬فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر‪ ،‬والصمت عن اإلفادة أزيد لإلفادة‪ ،‬و جتدك أنطق ما تكون إذا مل تنطق‪ ،‬وأمت ما تكون بياان إذا‬
‫مل تنب"‪ .‬ينظر صاحل الشاعر‪ .‬ظاهرة احلذف يف النحو العريب‪ ،‬امللتقى الرتبوي‪ -‬اللغة العربية‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫يبدو هذا التباين الكمي (عدد الفصول) والكيفي (صياغة عناوينها) بني األصل والرتمجة أنه‬
‫تباين جذري‪ ،‬إال أنه خيدم الوظيفة والغاية من العناوين‪ .‬أعطاها املرتجم صيغة عناوين على عكس‬
‫ما هي عليه يف األصل (مجل مركبة ومطولة)‪ ،‬كما أنه استعمل االختصار الكمي والكيفي‪ ،‬حبيث‬
‫حول العبارات من حمسوس إىل جمرد وأعاد تنظيم البنية الرتكيبية لألصل إىل بنية خطية‪ ،‬ترجم عربها‬
‫األفعال إىل أمساء تتصف بعمومية أكرب‪ ،‬على حنو‪ :‬التأخري‪ ،‬ترتيبات القتال‪ ،‬ضياع ابسبارتو‪ ،‬تغيري‬
‫القبطان‪ ،‬بدل‪:‬‬
‫‪- Dans lequel Phileas Fogg s’engage dans une lutte directe avec la‬‬
‫‪mauvaise chance.‬‬
‫‪- Où le patron de la "Tancadère" risque fort de perdre une prime de‬‬
‫‪deux cents livres.‬‬
‫‪- Où il sera fait le récit d’incidents divers qui ne se rencontrent que sur‬‬
‫‪les rail-roads de l’union.‬‬
‫‪ -2-2‬ترمجة أمساء العلم‪:‬‬
‫‪-1-2-2‬الشخصيات الرئيسية‪:‬‬
‫‪ : Phileas Fogg‬فيلياس فوج‬
‫مل يكن اختيار جول فرين ألمساء شخصيات الرواية عفواي وإمنا كانت موحية‪ ،‬إذ أن‬
‫هو اسم جلغرايف يعود للقرن اخلامس قبل امليالد‪ ،‬والذي قام برحالت عديدة عرب البحر‬ ‫‪Phileas‬‬

‫فتعين ابللغة االجنليزية إذا ما‬ ‫‪Fogg‬‬ ‫األبيض املتوسط الذي كان ميثل جغرافية العامل آنذاك‪ .‬أما‬
‫نزعنا حرف )‪ (g‬املضاعف أي ‪ :Fog‬الضباب‪ ،‬ما يعكس شخصيته الغامضة والباردة اليت ال يرى‬
‫منها شيئا وال يعرف عنها أحدا‪ ،‬عكس ما هو عليه‪ ،‬أي ذو األفكار الواضحة واخلطى السديدة‬
‫والنظرة الثاقبة رغم الضباب‪ .‬فرتمجتها كانت عبارة عن نقحرة‪ ،‬أي نقال حرفيا‪ ،‬أو ابألحرى نقال‬
‫صوتيا‪ .‬إذ مت تعويض أصوات األصل أبصوات مكافئة هلا يف اللغة العربية وفقا للنظام املعمول به‬
‫دوليا‪ .‬مل يكن نقال حرفيا حيث عوضت الوحدة الصوتية املتكونة من احلرفني )‪ (P,H‬حبرف واحد‬
‫‪.Fogg‬‬ ‫(ف) ملا نطقت به‪ ،‬و(ج) عوضت )‪ (gg‬يف‬

‫‪91‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ :Jean Passepartout‬جان ابسبارتو‬

‫متت نقحرة االسم أيضا‪ ،‬إال أنه‪ ،‬وملا حيمله من معىن‪ ،‬كان جيب على املرتجم إما ترمجته‬
‫حرفيا ابستعمال املكافئ الداليل‪ ،‬وإما أن ينقحره ويضع املعىن الداليل له يف احلاشية‪ ،‬وهذا ما كان‬
‫اختياره‪ .‬وذلك ألن لفظة ‪ Passepartout‬موحية وحققت فعال داللتها يف الرواية‪ ،‬حيث ارتبطت‬
‫النجاة من أغلب الصعاب وحتقيق كل مطالب وواجبات السيد "فوج" بشخصية ابسبارتو اليت‬
‫أفسحت الطريق أمامه وفتحت األبواب اليت اعرتضت مسريه‪.‬‬

‫‪ :Mrs.Aouda‬السيدة عودة‬

‫مت نقل االسم عن طريق التكييف الصويت مبا يوافق الصيغة املنطوقة للغة العربية‪ ،‬ابستبدال‬
‫ابحلرف ع‪ ،‬ألن املكافئ املعياري للحرف "ع" إذا نقل حرفيا كان ال بد أن يكون‪:‬‬ ‫‪A‬‬ ‫احلرف‬
‫‪ ،‬ما مل يكن احلال هنا‪ .‬وذلك إلبراز أصول الفتاة اهلندية وتوضيح االختالف بني الثقافتني‬ ‫)‪(Ä‬‬

‫(اهلندية والربيطانية)‪ ،‬فكان ال بد من زرع ولو القليل مما يوحي بذلك الفرق االجتماعي‪ ،‬السيما‬
‫األمساء‪ ،‬مع أنه ال وجود حلرف (ع) يف اللغة اهلندية‪ .‬لكن هذا قرب النص نوعا ما من القارئ‬
‫العريب‪ ،‬وأبعد عنه الغرابة وجعل االسم "عودة" يبدو طبيعيا ومعتادا يف ثقافته‪.‬‬

‫‪-2-2-2‬الشخصيات الثانوية‪:‬‬

‫فكانت يف أغلبها عبارة عن نقحرة كما سيوضح يف اجلدول التايل يف بعض األمثلة على‬
‫الذي قام املرتجم بوضع شرح يف احلاشية ملا‬ ‫)‪(Speedy‬‬ ‫سبيل الذكر‪ ،‬عدا اسم القبطان سبيدي‬
‫توحي إليه اللفظة من معىن داليل (سريع)‪ ،‬وملا يناسب املوقف يف الرواية حيث كان الصراع قائما‬
‫ضد الوقت واحلاجة للسرعة كانت ماسة‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫ترمجت‬
‫اسم العلم‬
‫السيد فيكس‬ ‫‪M.Fix‬‬
‫جون سوليفان‬ ‫‪John Sullivan‬‬
‫صموييل فولنتني‬ ‫‪Samuel Fallentin‬‬
‫توماس فالانجان‬ ‫‪Thomas Flanagen‬‬
‫أندرو ستيوارت‬ ‫‪Andrew Stuart‬‬
‫جدول )‪ (1‬يبني بعض األمثلة عن ترمجة أمساء الشخصيات الثانوية يف الرواية‪.‬‬

‫‪ -3-2-2‬ترمجة األمساء اجلغرافية‪:‬‬


‫كانت ألغلب املدن اليت مر هبا السيد "فوج" خالل سفره حول العامل عالقة مع بريطانيا‬
‫العظمى‪ ،‬فإما كانت حتت وطأهتا أو محايتها (مثل اهلند‪ ،‬قناة السويس‪ ،‬خليج عدن‪ ،‬هونج‬
‫كونج‪ ،)....‬وإما تتحدث لغتها (و‪.‬م‪.‬أ)‪ .‬ووردت ترمجتها عن طريق النقحرة يف غالب األحيان‪،‬‬
‫ويف أحيان أخرى ترمجت مبا يكافئها يف اللغة العربية مثل‪ :‬قناة السويس وخليج عدن‪ ،‬إال احمليط‬
‫الباسيفيكي الذي رغم احتواء اللغة العربية على مكافئ له‪ :‬احمليط اهلادي‪ ،‬إال أن املرتجم ارأتى إىل‬
‫أن ينقحره‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض األمثلة‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫ترمجت‬ ‫االسم اجلغرايف‬


‫لندن‬ ‫‪Londres‬‬
‫ليفربول‬ ‫‪Liverpool‬‬
‫سنغفورة‬ ‫‪Singapour‬‬
‫هونج كونج‬ ‫‪Hong-Kong‬‬
‫يوكوهاما‬ ‫‪Yokohama‬‬
‫قناة السويس‬ ‫‪Canal de Suez‬‬
‫خليج عدن‬ ‫‪Golf d’Aden‬‬
‫الوالايت املتحدة األمريكية‬ ‫‪Etats Unis d’Amérique‬‬
‫سان فرانسيسكو‬ ‫‪San Francisco‬‬
‫احمليط الباسيفيكي‬ ‫‪Océan Pacifique‬‬
‫أرض الشمس‬ ‫‪Pays du soleil‬‬
‫جزيرة فورموزا‬ ‫‪L’ile Formose‬‬
‫العامل اجلديد‬ ‫‪Le nouveau monde‬‬
‫ساحل الصني‬ ‫‪Côte Chinoise‬‬

‫جدول )‪ (2‬يبني بعض األمثلة عن ترمجة األمساء اجلغرافية‪.‬‬


‫‪ -4-2-2‬أمساء املراجع الثقافية‪:‬‬
‫أترجحت ترمجة أمساء املراجع الثقافية بني النقحرة والرتمجة احلرفية‪ ،‬وآلت يف بعض األحيان‬
‫إىل التكييف الصويت‪ .‬أما فيما خيص املراجع الثقافية اخلاصة ابلثقافات البعيدة واليت يصعب على‬
‫القارئ فهمها‪ ،‬فقد قام املرتجم بنقحرهتا كي يعرفه هبا‪ ،‬مبنطوقها األصلي رغم غرابته‪ ،‬مث شرحها يف‬
‫احلاشية‪ ،‬وهبذا يكون قد أثرى معارفه وأطلعه على ما جيري يف الطرف اآلخر من الكرة األرضية‪،‬‬
‫على حنو طقوس السويت ‪ sutty‬اليت تتمثل يف إحراق األرملة اهلندوسية يف حمرقة زوجها املتويف‬
‫عالمة على إخالصها له‪ ،‬وكذا إضافة معلومة عن السيوكس ‪ sioux‬يف احلاشية أيضا‪ ،‬على أهنم‬
‫قبائل من اهلند تعيش يف مشال أمريكا‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫وفيما يلي بعض األمثلة عن أمساء املراجع الثقافية وكيفية ترمجتها‪:‬‬
‫طريقة ترمجت‬ ‫ترمجت‬ ‫اسم املرجع الثقايف‬
‫نقحرة ‪ +‬شرح يف احلاشية‬ ‫سويت‬ ‫‪Sutty‬‬
‫ترمجة حرفية ‪ +‬نقحرة‬ ‫معبد بيالجي‬ ‫‪Pagode de pillaji‬‬
‫ترمجة حرفية‬ ‫األنوف الطويلة‬ ‫‪Lorgs –Nez-Longs-Nez‬‬
‫ترمجة حرفية‬ ‫اندي اإلصالح‬ ‫‪Reform club‬‬
‫ترمجة شارحة‬ ‫لعبة الورق‬ ‫‪Whist‬‬
‫نقحرة ‪ +‬شرح يف احلاشية‬ ‫سيوكس‬ ‫‪Sioux‬‬
‫ترمجة حرفية‬ ‫الزحافة ذات األشرع‬ ‫‪Traineaux à voiles‬‬
‫تكييف صويت‬ ‫هنريتا‬ ‫‪Henrietta‬‬
‫نقحرة‬ ‫جانتلمان‬ ‫‪Gentleman‬‬
‫نقحرة‬ ‫كارانتيك‬ ‫‪Carnatique‬‬
‫نقحرة‬ ‫اتنكادير‬ ‫‪Tancadère‬‬
‫نقحرة‬ ‫مورنينج كرونيكل‬ ‫‪Morning chronicle‬‬
‫نقحرة‬ ‫كبينة‬ ‫‪Cabine‬‬
‫ترمجة شارحة‬ ‫املوظف‬ ‫‪Purser‬‬
‫ترمجة حرفية‬ ‫أمري‬ ‫‪Rajah‬‬
‫ترمجة شارحة‬ ‫من يقود الفيل‬ ‫‪mahout, cornac‬‬

‫جدول )‪ (3‬يبني بعض األمثلة عن ترمجة املراجع الثقافية وطريقة ترمجتها‬


‫أما بعضا من األمساء ذات املراجع الثقافية فلم حتظ أبي نوع من تلك الرتمجات‪ ،‬حيث‬
‫ارأتى املرتجم إىل أن حيذفها كلية‪ ،‬وذلك إلهنا تعرب عن بعض التفاصيل الدقيقة وأهنا مل تخل ابملعىن‬
‫ومل تقلل من وظيفة النص‪ ،‬إال أن ترمجتها كانت ستكون مبثابة إضافة إىل الرصيد املعريف للمتلقي‬
‫العريب‪ .‬ونذكر منها بعض األلبسة )‪ )mackintosh‬وبعض أنواع األطعمة على حنو‪:‬‬
‫‪Reading sauce, hors-d’œuvre, royal british sauce, condiment mushroom,‬‬
‫‪tige de rhubarbe, roastbeef.‬‬
‫‪ours, guépards,‬‬ ‫وهناك بعض األمساء املتعلقة ابلبيئة مثل أمساء احليواانت على حنو‪:‬‬
‫‪tigres, tortues, zébus, aligators‬‬

‫‪95‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫مثل‪girofliers, caféiers, palmiers, poivriers.:‬‬ ‫وبعض النبااتت‬
‫‪divinité solaire, ablution, bouddhisme‬‬ ‫وكذا الدايانت وما يتعلق هبا‪:‬‬
‫وتلك الناجتة عن اختالف الثقافات والبيئات حيث ميكن لألوريب أن يعرب عن وسائل النقل‬
‫مثال مستعمال ألفاظا متنوعة وكذا عن مستعمليها واملوظفني هبا‪ ،‬يف حني ال تلقى تلك األلفاظ إال‬
‫مكافئا واحدا للداللة عليها أبنواعها‪ .‬وفيما يلي بعض األمثلة عن ذلك‪:‬‬
‫‪Embarcation, sloop, navire, bateau, paquebot,‬‬ ‫الباخرة ‪ /‬السفينة‬
‫‪bâtiment, steamer, transatlantique.‬‬
‫‪Train, locomotive, express.‬‬ ‫القطار‬
‫‪L’équipage, matelot, capitaine, chauffeur.‬‬ ‫الرابن‬
‫‪Les pavois, les dromes, la mature.‬‬ ‫اخلشب‬

‫جدول (‪ )4‬يبني تعدد األلفاظ يف لغة مع حمدوديتها يف لغة الثقافة املتجم إليها‪.‬‬
‫أما فيما خيص األمساء الشرفية اليت تستخدم قبل اسم العلم موحية عن مدى االحرتام‬
‫املنسوب له أو عن رمسيته‪ ،‬أو معلنة عن مكانته االجتماعية‪ ،‬فقد ترمجت على أنواعها بلفظة‬
‫"السيد" ابستثناء كلميت‪ Mister :‬و ‪ Sir‬اليت متت نقحرهتما يف بعض املواضع‪:‬‬

‫…‪Mister‬‬ ‫السيد ‪ /‬ميسرت‬


‫…‪Sir‬‬ ‫السيد ‪ /‬سري‬
‫…‪Lord‬‬ ‫السيد‬
‫‪…,esq.‬‬ ‫السيد‬
‫جدول (‪ )5‬يبني أمثلة عن ترمجة األمساء الشرفية‬
‫وخالصة القول هو أن األمساء كما تعتربها النظرية التأويلية جمموع التقالابت اليت ترتجم‬
‫حرفيا (األمانة للحرف)‪ ،‬فتقرب القارئ من النص وجتعله يستقبل األجنيب بشكله الغريب حبفاوة‬

‫‪96‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫مثلما يرى برمان‪ ،‬أو كما ميكن وصفها ابلتكافؤ الشكلي إذا نظران إليها بعني نيدا‪ ،‬أو الرتمجة‬
‫الداللية اليت حتافظ على إطار الثقافة األصلية عند نيومارك‪ .‬كما أهنا تضيف إىل معارف القارئ‬
‫وتثري معلوماته عن عامل ليس بعامله‪ ،‬فتعكس هبذا فكرة السفر اليت ينعشها االختالف؛ أمساء‬
‫أجنبية ألانس أجانب وأوطان بعيدة حتمل أمساء أبعد‪ ،‬وطقوس غريبة يف ثقافات شعوب خمتلفة‪.‬‬
‫فتكون إذن إسرتاتيجية التغريب‪ ،‬اليت اتخذها املرتجم لنقل أمساء العلم كافية وافية ابلغرض وكانت‬
‫األجنع‪ ،‬إذ تطغى على ترمجته النقحرة والبعض من الرتمجة احلرفية‪ ،‬فحافظ من خالل طريقة عمله‬
‫على غريية هذه األمساء وغرابتها ملا حتمله من معاين مرجعية واحيائية‪ ،‬وهذا ما خيدم الرحلة وأدهبا‪،‬‬
‫ألن "السفر وعد ابلتغيري"‪.‬‬
‫‪ -3-2‬ترمجة اجملاز‪:‬‬
‫)‪( ‬‬
‫ضمن عملية التواصل‪ ،‬فوسائل التعبري‪ ،‬أي األسلوب‪،‬‬ ‫تدخل الثنائية (متلقي‪ /‬أسلوب)‬
‫يقررها توقع التأثري‪ ،‬فكما لعامل األسلوب التأثري على املتلقي‪ ،‬على املرتجم أن يفهم قصد املرسل‬
‫من تلك األساليب البالغية أوال‪ ،‬كونه أول متلقي‪ ،‬وأن يكون على دراية اتمة بكيفية عملها يف‬
‫إطار الثقافة املستقبلة كي يتسىن له عربها إنتاج التأثري ذاته‪.‬‬
‫ومبا أن اجملاز هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر‪ ،‬وذو قيمة بالغية ومجالية قد تستعمل‬
‫لإلجياز أو لتجسيد صورة دقيقة وتقريبها إىل الذهن‪ ،‬فهو متعلق بعبقرية اللغة ونظمها اخلاص‪،‬‬
‫حبيث ميكننا التعبري‪ ،‬إبجياز ودقة وسالسة يف لغة األصل‪ ،‬عما قد تعجز عن نقله اللغة اهلدف‬
‫خبصائصه البالغية على املستوى الداليل والرتكييب والصويت‪ ،‬ومرد ذلك ما حتمله األلفاظ من‬
‫خلفيات ثقافية خمتلفة عن الثقافة اهلدف‪ ،‬وكذا ما يقتضيه التداول وآليات اخلطاب اخلاصة هبا‪.‬‬
‫وفيما يلي أمثلة عن االسرتاتيجيات اليت اتبعها املرتجم لنقل األساليب البالغية‪ ،‬ابستعمال تقنيات‬
‫متعددة وطرق خمتلفة‪:‬‬

‫)‪ (‬ترى كريستياان نورد أن العالقات بني القصد والنص‪ ،‬وبني املتلقي وعامل النص‪ ،‬وبني املتلقي واألسلوب‪ ،‬هي العالقات األشد أمهية بني العوامل‬
‫املمكنة يف عملية التواصل أي يف إنتاج أتثري النص‪ ،‬وأن يف العالقة املتلقي‪/‬أسلوب إذا ما كان اختيار وسائل التعبري النصية الداخلية يقرره توقع‬
‫التأثري‪ ،‬ينبغي اعتبار فئة التأثري فئة من البالغة حيث يتم تعيني صفة النص املولدة للتأثري مببادئ أسلوبية حمددة مثل‪ :‬الدقة والوضوح أو الزخرفة‪،‬‬
‫وتشمل هذه أقسام الكالم اجملازية (ينظر كريستياان نورد‪ ،‬حتليل النص يف الرتمجة‪ ،‬من ص‪ 213‬إىل ‪.)219‬‬
‫‪97‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ -1-3-2‬التفخيم‪:‬‬
‫‪-" Si donc il aperçoit le colonel Proctor, nous ne pourrons empêcher une‬‬
‫‪rencontre, qui peut amener de déplorables résultats"(1).‬‬
‫"فإذا رأى مسرت بروكتور‪ ،‬فلن نستطيع منعهما من القتال‪ ،‬وهذا سيتسبب فيما ال حيمد‬
‫عقباه")‪.(2‬‬
‫شخص الكاتب‪ ،‬من خالل استعماله اجملازي يف املثال‪ ،‬اللقاء الذي سيؤدي إىل نتائج‬
‫وخيمة‪ ،‬وهو أسلوب بياين متمثل يف استعارة مكنية )‪ُ ،(personnification‬حذف فيها املشبه‬
‫به‪ ،‬اإلنسان الذي إبمكانه جلب الشيء الصفة اليت ُرمز له هبا‪.‬‬

‫أعاد املرتجم نقل ذلك اجملاز منتجا أثرا إجيابيا ابستعماله لصورة معربة‪ ،‬إذ استحضر "املكافئ‬
‫الديناميكي" و"الوظيفي" يف العبارة املصكوكة املتداولة يف اللغة العربية‪" :‬ماال حيمد عقباه"‪ .‬حيث‬
‫استعمل املرتجم األصل كمادة أولية أي ارتكز على معىن األصل يف بنائه اللغوي مث طاله حبسن‬
‫البالغة‪.‬‬
‫فلم تؤدي هذه العبارة الداللة اإلحيائية املقصودة فحسب وإمنا جاءت مسة تعبريية ذات أثر‬
‫مجايل‪ .‬وهذا ما أدى وظيفة التحسني البالغي املرجوة من اخلطاب النثري‪.‬‬

‫‪-"La bourrasque de pluie et de rafale tomba à‬‬ ‫‪bord"(3).‬‬

‫"ينهمر املطر كالسيل")‪.(4‬‬


‫صور الكاتب مشهد العاصفة اليت حلت حني تنقل املسافرون حبرا‪ ،‬فمألت السفينة مياه‬
‫أمطارها الغزيرة‪ ،‬وقام املرتجم بنقل املعىن املقصود من هذه الصورة فجاء أبسلوب بياين هو اآلخر‬
‫واملتمثل يف التشبيه الذي مل يكافئ األصل إال أنه أضفى نوعا من اجلمالية‪ ،‬حيث استعمل عبارة‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, Le tour du monde en quatre- vingt jours, éditions du group "Ebooks libres et‬‬
‫‪gratuits",2004, p263.‬‬
‫(‪ )2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.253‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p196.‬‬
‫(‪ )4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.194‬‬
‫‪98‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫جاهزة ومتداولة تصف غزارة األمطار بقوله‪ :‬كالسيل‪ ،‬أي املاء الكثري السائل‪ ،‬كما مل يصف تدفق‬
‫تلك األمطار على منت السفينة وجعله معىن ضمنيا‪ ،‬وهبذا قلل من خطورة املشهد‪ ،‬ألن ذكر هذا‬
‫التفصيل حييل نظر القارئ إىل إمكانية غرق السفينة الناتج عن امتالئها مبياه األمطار الغزيرة‪.‬‬
‫واملقرتح‪ :‬واهنمر املطر على ظهر السفينة كسيل العرم‪.‬‬

‫‪-" Elle traversa comme un éclair l’Indiana. La fringante locomotive partit‬‬


‫‪à toute vitesse"(1).‬‬
‫"وأخذ القطار ينهب األرض عرب والية إندايان‪ .‬وزجمرت املاكينة أبعلى سرعتها")‪.(2‬‬
‫( ‪comparaison‬‬ ‫شبه الكاتب القطار ابلربق عند اجتيازه والية إندايان األمريكية يف سرعته‬
‫أي ابستعمال أداة التشبيه) يف اجلملة األوىل‪ .‬مث أعاد إبراز وجه الشبه املتمثل يف‬ ‫‪:explicite‬‬

‫"‪."à toute vitesse‬‬ ‫السرعة العالية مرة أخرى‪ ،‬بوصف عصبية القطار متبوعة بعبارة‪:‬‬
‫أوىل املرتجم اهتماما أكرب جلمالية تعبريه وقيمته األسلوبية يف هذا املثال‪ ،‬إذ عوض التشبيه‬
‫الوارد يف األصل أبسلوب بياين مكافئ ديناميكيا (أدى املعىن املتمثل يف السرعة العالية)‪ ،‬ووظيفتها‬
‫(خلق التأثري املتمثل يف املتعة اجلمالية)‪ ،‬متثل يف استعارة مكنية حبيث شخص القطار وأسند إليه‬
‫)‪(fringante‬‬ ‫صفة النهب‪ .‬ويف اجلملة الثانية‪ ،‬فقد عوض العبارة املوحية ابلسرعة وكذا الوصف‬
‫ابستعارة مكنية أخرى متثلت يف لفظة "زجمرت" اليت أعطت بعدا تصويراي وملموسا ملشهد السرعة‪.‬‬
‫‪-"S’écria le capitaine Speedy, qui ne pouvait même plus prononcer les‬‬
‫‪syllabes"(3).‬‬
‫"فصرخ القبطان سبيدي‪ ،‬الذي كان الغضب يلجم لسانه عن الكالم")‪.(4‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op. cit , p308.‬‬
‫(‪ )2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op. cit , p323‬‬
‫(‪ )4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.339‬‬
‫‪99‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪_"L’inspecteur de police passa sa main sur son front. Il hésitait avant‬‬
‫‪de reprendre la parole"(1).‬‬
‫"بدأ املفتش يفكر‪ ،‬ويقدح زاند فكره")‪.(2‬‬
‫‪_"L’Henrietta se dirigeait vers Liverpool"(3).‬‬
‫"بدأت السفينة تشق طريقها جتاه ليفربول")‪.(4‬‬
‫يف كل من األمثلة املذكورة أعاله‪ ،‬مل ميتنع املرتجم عن إيراد أساليب بيانية إليضاح معاين‬
‫األصل‪ .‬ويعترب تفخيم انتج عن مجال الرتمجة مقارنة ابألصل على مستوى الشكل‪ .‬وذلك‬
‫الستعانة املرتجم بعبارات متداولة يف اللغة العربية‪ ،‬واليت جعلت النص يبدو مألوفا من جهة‪ ،‬ومجيال‬
‫ببيانه من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪-2-3-2‬اإليضاح‪:‬‬
‫)‪_"Le paquebot ne levait l’ancre qu’à midi"(5‬‬
‫)‪(6‬‬
‫" ومل تغادر السفينة امليناء حىت منتصف النهار"‬
‫استعمل الكاتب األسلوب اجملازي للتعبري عن احلقيقة املتمثلة يف مغادرة السفينة فلم يفصح‬
‫عنها‪ ،‬بل نظر إليها من جانب جزئي‪ ،‬إذ أنه ترفع مرساة السفينة استعدادا لإلقالع‪ ،‬فكان جمازا‬
‫مرسال‪ ،‬كانت عالقة احلقيقة فيه ابجملاز سببية‪ ،‬ترمجت بصيغة موضحة هدمت العبارة)‪ (‬األصلية‬
‫وأفقدهتا قيمتها اجلمالية‪ .‬وابلتايل تعترب خسارة على املستوى األسلويب‪ .‬مع أهنا أدت املعىن‬
‫وأوصلت الفكرة‪ ،‬لكنها مل تنتج الوظيفة املرجوة واملتمثلة يف املتعة اجلمالية‪ .‬واملقرتح‪ :‬مل ترفع مرساة‬
‫السفينة إال بعد الثانية عشرة زواال‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit ,p173.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.317‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p173.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.327‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p128‬‬
‫(‪)6‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.102‬‬
‫)‪ (‬هدم العبارات‪ :‬هو تعويض عبارة اصطالحية مبا يرادفها ويكون مبثابة نزعة مركزية عرقية‪ .‬فاللعب ابملرتادفات هو مساس مبنطوق العمل‪ ،‬ألن‬
‫مرادفات عبارة أو مثل ال تعوضها؛ ألن الرتمجة ليست البحث عن املرتادفات‪( .‬ينظر أنطوان برمان‪ ،‬الرتمجة واحلرف أو مقام البعد‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.)90‬‬
‫‪100‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫)‪"Le monument s’écroula comme un château de cartes"(1‬‬
‫)‪(2‬‬
‫"بدأ اهلرم يهتز فجأة‪ ،‬وحتطم مث سقط‪".‬‬
‫شبه الكاتب اهلرم‪ ،‬الذي صنعه ابسبارتو مع فرقة األنوف الطويلة خالل عرضهم لأللعاب‬
‫البهلوانية‪ ،‬هبرم أوراق اللعبة‪ ،‬والذي يعترب هواية يف الثقافة الغربية‪ ،‬ويضرب به املثل يف البناء اهلش‬
‫الذي سرعان ما يتحطم‪ .‬فكان التشبيه ذا قيمة بالغية ومجالية‪ ،‬قرب املشهد من املتلقي وجسده‬
‫يف خميلته‪ .‬أما الرتمجة فكانت تفسريية‪ ،‬عبارة عن تطويع شارح‪ ،‬ترجم "خسارة" على املستوى‬
‫األسلويب على الرغم من أنه أدى املعىن‪ .‬ومرد ذلك‪ ،‬عدم وجود املكافئ يف اللغة اهلدف‪ ،‬وال‬
‫معادل فين يصف السقوط بدرجة قريبة جلمالية األصل‪.‬‬
‫‪"Et parfois, il bouillait d’impatience, comme s’il eût été échauffé par les‬‬
‫‪fourneaux de l’Henrietta"(3).‬‬
‫"وأحياان يصبح فاقد الصرب بشكل مزعج")‪.(4‬‬
‫استعمل الكاتب هنا أيضا أسلوب التشبيه‪ ،‬حيث صور من خالله صرب ابسباتو الذي أنفذه‬
‫هلب نريان فرن السفينة "هنريتا" اليت كانت تستهلك خشبا أكثر مما قد يسعهم لإلرساء يف ميناء‬
‫وجهتهم‪ ،‬وكانت سببا يف قلقه‪ ،‬فقد نفذ اخلشب وابلتايل ستتوقف السفينة عن السري‪ .‬وهلذا جاء‬
‫التصوير البياين أبسلوب بالغي مجيل وموجز إذ عرب الكاتب عن الكثري ابلقليل‪ .‬وكان من الصعب‬
‫أن تنتج الرتمجة التشبيه ذاته ابلقيمة اجلمالية ذاهتا وابلتأثري ذاته‪ ،‬حمافظة على البنية الرتكيبية يف اللغة‬
‫اهلدف‪ .‬وهلذا ارأتى املرتجم إىل توضيح املعىن املقصود خبسارة املبىن‪ ،‬أي "هبدم العبارات"‪.‬‬
‫واملقرتح‪ :‬وأحياان يعتصر قلب ابسبارتو قلقا وكأن نريان فرن اهلنريتا حترقه‪.‬‬
‫مل يتقيد هذا االقرتاح حبرفية مطلقة للنص األصل‪ .‬وإمنا نقل التشبيه مبا يتوافق والنظام اللغوي‬
‫اهلدف أبقل قدر من "اخلسارة"‪.‬‬

‫‪(1) Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit p221‬‬


‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪220‬‬
‫‪(3)Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit ,p319.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.330‬‬
‫‪101‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪"Le visage de Passepartout se rembrunit en même temps que le ciel, et,‬‬
‫‪pendant deux jours, l’honnête garçon éprouva de mortelles transes"(1).‬‬
‫"ظل ابسبارتو خائفا جدا ملدة يومني")‪.(2‬‬
‫شبه الكاتب يف هذا املثال وجه ابسبارتو الذي من شدة اخلوف أخذ لون السماء اليت‬
‫تلبددت ابلغيوم واسودت‪ ،‬ما جعله حيس ابلقلق حيال مصري السفينة اليت قد تغرقها العاصفة‪ .‬إال‬
‫أن املرتجم اختصر كل هذا التشبيه املفعم ابلدالالت اإلحيائية واأللفاظ املنتقاة ذات األبعاد‬
‫اجلمالية وتركيب أسلوهبا التصويري‪ ،‬بتوضيح ما كان حيسه ابسبارتو أي اخلوف‪ .‬فكانت "خسارة"‬
‫على املستويني‪ ،‬الداليل منه واألسلويب‪.‬‬
‫واملقرتح‪ :‬اسود وجه ابسبارتو وأصبح مثل السماء يف تلبد غيومها‪ ،‬وظل يغشاه اخلوف ملدة‬
‫يومني‪.‬‬
‫وهذا ألن سواد الوجه يف اللغة العربية يدل على الغم واهلم‪ .‬ومل تكن الرتمجة مستحيلة مع‬
‫اإلقرار بصعوبتها‪ ،‬ملا حتمله من أسلوب بالغي يتوافق مع لغة دون غريها‪.‬‬
‫وفيما يلي أمثلة أخرى عن التوضيح الذي كان عبارة عن ترمجة تفسريية أدت إىل هدم‬
‫العبارات وأفقدهتا القيمة اجلمالية اليت وردت لتحقيقها‪ ،‬ومبعىن آخر مواطن اخلسارة على املستوى‬
‫األسلويب خاصة‪:‬‬
‫‪"…Il arrivait à Chicago, déjà relevée de ses ruines, et plus fièrement‬‬
‫‪assise que jamais sur les bords de son beau lac Michigan"(3).‬‬
‫"وصلوا إىل هذه املدينة املشهورة‪ ،‬واليت أعيد بناؤها بعد احلريق الفظيع الذي دمرها منذ‬
‫بضعة سنوات")‪.(4‬‬
‫أمهل املرتجم هنا األسلوب اجملازي املتمثل يف االستعارة املكنية اليت تشخص مدينة شيكاغو‬
‫وتصور هنوضها القوي بعد احلريق‪ .‬لكنه أدى الوظيفة املرجوة من هذه االستعارة‪ ،‬واملتمثلة يف نقل‬
‫معلومة‪ ،‬ابستعمال تقنية التوضيح‪.‬‬

‫‪(1)Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit,p320‬‬


‫(‪ )2‬جول فرين‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.332‬‬
‫‪(3) Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit,p308.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫‪102‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫واملقرتح‪ :‬وصلوا إىل مدينة شيكاغو اليت أفاقت من حطامها‪ ،‬وهي ترتبع ابفتخار على‬
‫ضفاف هنرها الصايف‪ ،‬هنر ميشيغان‪.‬‬
‫‪"…et poussait des hurlements qui détonnaient une colère, bien‬‬
‫‪pardonnable, poussée jusqu’au paroxysme"(1).‬‬
‫"وكان يزجمر غاضبا‪...‬ومل يكن هذا مستغراب")‪.(2‬‬
‫‪"…et l’éléphant les emportait d’un trot rapide"(3).‬‬
‫"ومحلهم الفيل بعيدا ابلسرعة اليت يقدر عليها")‪.(4‬‬
‫‪"La‬‬ ‫‪nuit vint…le regard le plus intrépide n’eût pas considéré sans‬‬
‫‪épouvante cette obscure immensité. Un absolu silence régnait sur la plaine. Ni‬‬
‫‪le vol d’un oiseau, ni la passé d’un fauve n’en troublait le calme infini"(5).‬‬
‫"وجثم الليل بظالمه احلالك ومل يعد هناك صوت يسمع")‪.(6‬‬
‫‪ -4-2‬ترمجة التعابري الساخرة‪:‬‬
‫املثال (‪:)1‬‬
‫‪"- Oui, my lord, répondit le drôle, du lapin des jungles.‬‬
‫? )‪- Et ce lapin là n’à pas miaulé quand on l’a tué ?(7‬‬
‫اضطر السيد فوج خالل رحلته إىل التخلي عن العديد من عاداته اليت كان ال يغريها أبدا‬
‫كونه متطلبا ودقيقا جدا‪ ،‬ففي أحد األايم‪ ،‬ويف القارة اآلسيوية قُدم له طبق حلم األرنب الربي‪ ،‬وملا‬
‫تذوقه وأحس بغرابته‪ ،‬سأل اخلادم إن كان فعال حلم أرنب‪ ،‬وملا أكد له اخلادم اإلجابة‪ ،‬رد عليه‬
‫بتهكم‪:‬‬
‫أمل يكن هلذا األرنب مواء حني قتله؟‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪Jules Verne, op.cit, p317.‬‬


‫(‪ )2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.326‬‬
‫‪(3) Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit, p119.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫)‪(5‬‬ ‫‪Jules Verne, op.cit, p296.‬‬
‫(‪)6‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.298‬‬
‫‪(7) Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit, p7‬‬
‫‪103‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫فكما نعلم أن السخرية تعتمد على التلميح والتضمني والتالعب ابأللفاظ فإن قراءهتا‬
‫واستيعاهبا يتطلبان التأويل لعدم التوافق واالنسجام بني احملتوى والشكل‪ ،‬أي بني وظيفة النص‬
‫وتوقعات املتلقي‪ .‬الشيء الذي جيعل هلا معنيني)‪ ،(‬األول مركزي وهو ما نقرأه مباشرة يف مثالنا‪:‬‬
‫مواء األرنب‪ ،‬والثاين هامشي متضمن للسخرية وهو ما نفهمه بعد التأويل‪ ،‬ويف مثالنا‪ :‬هو املواء‬
‫الذي جاء مقروان ابألرنب‪ ،‬على الرغم من أن األرنب يضغب ال ميوء‪ ،‬وذلك لإلشارة إىل النفي‬
‫احملذوف يف اللفظ املقصود منه السخرية‪ ،‬لإلحياء أبن اللحم املقدم حلم قط وليس حلم أرنب بري‬
‫كما زعم اخلادم‪.‬‬

‫اختار املرتجم أال يرتجم هذه العبارة الساخرة وفضل حذفها كلية‪ ،‬وذلك ملا رصد من فجوة‬
‫معلوماتية‪ ،‬حيث أن مقصود الكاتب من هذا األسلوب التهكمي يتطلب دراية ابخللفية الثقافية‬
‫اليت حتملها العبارة واملتمثلة يف خاصية أكل القطط يف القارة اآلسيوية‪ ،‬وملا طلب السيد فوج حلم‬
‫األرنب أراد اخلادم أن خيدعه بتقدمي ما يشبهه أو ابألحرى ما هو متوفر‪ .‬قدر املرتجم هنا‪،‬‬
‫ابحلذف‪ ،‬اخللفية املعرفية الثقافية العامة للمخاطبني (للمتلقي)‪ ،‬كي ال يستعصي النص املرتجم على‬
‫الفهم‪ .‬وال ميكن اعتبار خياره هنا خطأ إذ يعد احلذف من اسرتاتيجيات الرتمجة‪ ،‬كما أنه ال خيل‬
‫ابملعىن العام ومل ينقص من قيمة النص‪ ،‬إال أنه يعترب بعضا من اخلسارة)‪ (‬كونه أطاح ابلوظيفة‬
‫التهكمية املتمثلة يف هذه احلالة‪ ،‬يف أتسيس عالقة محيمية بني املرسل (الكاتب) واملتلقي‪.‬‬

‫املثال (‪:)2‬‬
‫‪_" Allons, décidément, nous sommes en Amérique ! pensa Passepartout,‬‬
‫)‪et le conducteur de train est un gentleman du meilleur monde!"(1‬‬

‫"وفكر ابسبارتو وهو يتبع سيده‪ - :‬إننا بكل أتكيد يف أمريكا! واملسؤول عن القطار‬
‫)‪(2‬‬
‫جنتلمان متكامل!"‬

‫)‪ (‬ينظر الفصل الثاين‪ ،‬املبحث األول ( الرتمجة والسخرية)‪.‬‬


‫(‪ )‬اخلسارة‪ :‬هي نتيجة غياب عناصر داللية أو أسلوبية عن النص اهلدف يف حالة مقارنته مع النص األصلي‪ ،‬وهي تظهر من خالل حتجيم النهج‬
‫األسلوبية والبالغية‪ ،‬ومن شأن اخلسارة أن ُحتدث إفقارا ابلنسبة إىل نربة النص‪( .‬ينظر مصطلحات تعليم الرتمجة)‪.‬‬
‫‪(1)Jules Verne, op.cit, p28.‬‬

‫(‪ )2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.278‬‬


‫‪104‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫يف أمريكا تشاجر السيد فوج مع أحد األمريكيني (سري بروكتور) وأرادا القتال ابألسلحة‪،‬‬
‫لكن أوشك القطار على اإلقالع‪ ،‬فلم يكن هناك ال وقتا وال مكاان لذلك‪ ،‬إال أن سائق القطار‬
‫دبر األمر فأخلى آخر القاطرات من الركاب وجعل هلما منها ساحة قتال‪ ،‬الشيء الذي أدهش‬
‫ابسبارتو من جهة وأكد له من جهة أخرى فكرته عن جرأة األمريكيني وتصرفاهتم الغريبة‪ ،‬وهلذا‬
‫فكر يف قرارة نفسه‪" :‬إننا بكل أتكيد يف أمريكا!"‪ ،‬أي ال يقوم هبذا التدبري إال رجل أمريكي‪.‬‬
‫وللتعبري عن مدى جنون وغرابة سائق القطار‪ ،‬استعمل الكاتب أسلوب التهكم لإلشارة‬
‫ابلنقيض عن احلقيقة احملذوفة بقوله‪" :‬واملسؤول عن القطار جنتلمان متكامل"‪ .‬ويتجلى الفرق‬
‫وعدم التوافق يف السخرية بني احملتوى والشكل يف املعىن املركزي الذي نقرأه يف تكامل وتفهم سائق‬
‫القطار للموقف‪ .‬واجلنتلمان‪ ،‬كما نعلم‪ ،‬رجل فاضل طيب الشمائل‪ ،‬إذ تفضل إبسداء خدمة‬
‫للمتبارزين‪ .‬أما املعىن اهلامشي واملتمثل يف اإلشارة إىل أن السائق أمريكي حقا وذو أفكار جنونية‬
‫وغريبة‪ ،‬ما كان قد عرفه ابسبارتو عن األمريكيني‪ .‬وهو معىن أراد الكاتب إيصاله للقارئ بطريقة‬
‫هتكمية غري مباشرة ابستعمال النقيض‪ ،‬جتعله يدرك املعىن بعد التأويل وهو مبتسم‪ ،‬وهكذا يكون‬
‫قد أسس الكاتب عالقة محيمية بينه وبني القارئ‪ ،‬واليت تعترب إحدى وظائف السخرية)‪.(‬‬
‫واختار املرتجم هنا نقل الشطر األول حرفيا‪ ،‬بينما أعاد صياغة الشطر الثاين مبا خيدم‬
‫الوظيفة املرجوة من السخرية‪ ،‬إذ أنه عوض ‪ un gentleman du meilleur monde‬بـ‪ :‬جنتلمان‬
‫متكامل وهو تطويع شارح يوضح قصد الكاتب ويليب غايته‪.‬‬
‫املثال (‪:)3‬‬
‫‪_" Mais au moins qu’ils me rendent mes souliers! S’écria Passepartout‬‬
‫‪avec un mouvement de rage.‬‬
‫‪On lui rendit ses souliers.‬‬
‫! ‪"En voilà qui coûtent cher ! murmura-t-il. Plus de mille livres chacun‬‬
‫)‪Sans compter qu’ils me gênent!"(1‬‬

‫)‪ (‬وظائف السخرية‪ :‬جتنب أعراف التأدب‪ ،‬إجناز ميزة يف املناقشة‪ ،‬التعبري عن ابتعاد عاطفي أو علو فاتر‪ ،‬أتسيس عالقة محيمية بني املرسل‬
‫واملتلقي‪ ،‬التعليق على حالة‪ ،‬للسخرية من املخاطب يف أعني شخص اثلث‪( .‬كريستياان نورد‪ ،‬م‪.‬س‪ .،‬ص‪)337‬‬
‫‪(1)Jules Verne, op.cit,p139.‬‬

‫‪105‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫"فصرخ ابسبارتو يف صوت غاضب‪ :‬ولكن على األقل جيب أن يعيدوا يل حذائي! وملا‬
‫أعطوه حذاءه قال‪ :‬لقد تكلف مبلغا كبريا من املال‪ .‬أكثر من ألف جنيه لكل فردة! ومع ذلك‬
‫فهي ليست على مقاسي متاما")‪.(1‬‬
‫كان ذلك عند امتثال ابسبارتو عند القاضي بعدما وطأ حبذائه أحد املعابد ابهلند‪ ،‬الشيء‬
‫الذي كان ممنوعا ويستدعي مقاضاة اجلاين‪ .‬فحاول السيد فوج تخليص خادمه من السجن بدفع‬
‫مبلغ مايل كبري‪ ،‬وذلك مع أن الطريق أمامهم ال يزال طويال وسيكلفهم الكثري‪ .‬فلجأ الكاتب هنا‬
‫ألسلوب السخرية وأعطى املوقف بعدا طريفا فقلل من حدة الواقع‪ ،‬ونقله من مرارة اخلسارة إىل‬
‫رحابة الطرفة‪ ،‬كما أبرز شخصية ابسبارتو اليت كانت يف الكثري من املواقف حمل التندر والضحك‬
‫لسذاجتها وغرابتها مرة‪ ،‬وشجاعتها مرة أخرى‪.‬‬
‫فقد وفق املرتجم يف نقل السخرية إىل اللغة العربية نقال حرفيا‪ ،‬إذ نالحظ "تطابقا شكليا"‬
‫وكذا على املستوى الداليل والذرائعي خاصة‪ ،‬إذ خدم هذا النقل الغاية املرجوة واملتمثلة يف إبعاد‬
‫امللل والتقليل من حجم املوقف وقلب اجلد إىل هزل والرتويح عن نفس القارئ وتقريبه من النص‪.‬‬
‫املثال (‪:)4‬‬
‫‪"- Je crois, Votre Honneur, que nous ferions bien de gagner un des ports‬‬
‫‪de la cote .‬‬
‫‪- Je le crois aussi, répondit Phileas Fogg.‬‬
‫? ‪- Ah ! fit le pilote, mais lequel‬‬
‫‪- Je n’en connais qu’un, répondit tranquillement Mr Fogg.‬‬
‫‪- Et c’est….‬‬
‫‪- Shangaï "(2).‬‬
‫‪" -‬أعتقد اي سيدي‪ ،‬من األفضل أن نتوجه إىل أحد املوانئ القريبة‪.‬‬
‫فأجاب فيلياس فوج‪:‬‬
‫‪ -‬وأان أعتقد ذلك أيضا‪.‬‬

‫(‪)1‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.116‬‬


‫‪(2)Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit,,p198.‬‬
‫‪106‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن أي ميناء؟‬
‫‪ -‬إنين أعرف ميناء واحدا‪.‬‬
‫‪ -‬وما هو؟‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬شنغهاي!!"‬
‫كان فيلياس فوج متوجها مع رفقائه إىل ميناء شنغهاي‪ ،‬وعندما حلت العاصفة واضطرب‬
‫البحر‪ ،‬اقرتح رابن السفينة التوجه إىل أحد املوانئ القريبة‪ ،‬لكن السيد فوج الذي كان مصرا على‬
‫الوصول إىل وجهته يف أقرب وقت للظفر ابلرهان املتمثل يف جوب العامل يف اآلجال املتفق عليها‪،‬‬
‫فكانت إجابته ابإلجياب التهكمي‪ ،‬أي ابلنفي احملذوف‪ ،‬إذ قال نعم سنضطر إىل التوجه إىل ميناء‬
‫أقرب‪ ،‬وما كان يقصده ما هو إال ميناء شنغهاي‪ ،‬ومبعىن آخر‪ :‬لن نغري الوجهة ولن نتوقف مهما‬
‫اشتدت العاصفة ومهما كلف ذلك‪.‬‬
‫حققت الرتمجة‪ ،‬اليت كانت حرفية يف هذا املثال‪ ،‬التأثري التهكمي وجعلت له انطباعا‬
‫صحيحا‪ ،‬حيث أهنا مل تكن حتمل أية صعوبة متعلقة ابأللفاظ أو ابألسلوب أو ابلثقافة‬
‫واخللفيات‪ ،‬فكانت بسيطة‪ ،‬سهلة املنال‪ ،‬أدت الوظيفة لتوافق العبارات يف النظامني اللسانيني‪،‬‬
‫املنقول منه واملنقول إليه‪.‬‬
‫‪ -5-2‬ترمجة رؤى العامل‪:‬‬
‫‪ -1-5-2‬االحتفاظ‪:‬‬
‫تُرمجت أغلب رؤى العامل أبسلوب االحتفاظ الذي هو عبارة عن حماكاة تعدت مستوى‬
‫اللفظة واللفظتني إىل اجلملة والرسالة‪ ،‬إذ حياول املرتجم فيه نقل شكل وحمتوى الرسالة األصلية‬
‫حرفيا ومعنواي قدر اإلمكان‪ .‬أي حيافظ على حرفية األصل بكل دقة وتفصيل مبا يتناسب والبنية‬
‫الرتكيبية للغة املنقول إليها‪ .‬فيكون هبذا "التكافؤ الشكلي"‪ ،‬احلامل للمعىن طبعا‪ ،‬قد وصل أقصى‬
‫التعبري يف األصل‪،‬‬ ‫)‪(Naturalité‬‬ ‫حاالته إذ ينقل الرسالة من لغة إىل أخرى مركزا على "طبيعية"‬

‫(‪ )1‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.195‬‬


‫‪107‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫مبلغا عن الصيغة السلوكية واألساليب الثقافية اليت تنتهجها اللغة املصدر يف التعبري عن العامل مبا‬
‫حيتويه‪ ،‬وطريقة نظرهتا العامة له وجتربتها اخلاصة فيه أوال‪ .‬واثنيا‪ ،‬وعلى املستوى اخلاص‪ ،‬كون‬
‫العمل اإلبداعي واقعا جسداي وحمسوسا وحيواي على مستوى اللسان‪ ،‬ومهما بدا غريبا لدى متلقي‬
‫النص اهلدف‪ ،‬فإن من أخالقية الرتمجة تلقي الغريب يف جسديته‪ ،‬حيث أن هذه األخرية ال‬
‫تنفصل عن "حرف" العمل اإلبداعي‪.‬‬
‫وفيما يلي أمثلة عن ذلك‪:‬‬
‫املثال (‪:)1‬‬
‫‪_" Il eut donné une de ses oreilles pour entendre de l’autre ce qui se‬‬
‫‪disait là"(1).‬‬
‫"وكان يود أن يعطي إحدى أذنيه مقابل أن يسمع ابألذن الثانية ما قيل")‪.(2‬‬
‫جنح املرتجم إىل نقل هذه الصورة حبرفيتها إىل اللغة العربية‪ ،‬فحافظ على خصوصية النص‬
‫األصلي يف لغته‪ ،‬على الرغم من عدم تداول العبارة يف اللغة العربية‪ ،‬وعلى الرغم من احتواء هذه‬
‫األخرية على ما يكافئها‪ ،‬أو مبعىن أدق؛ إمكانية التعبري عنها أبسلوب خاص ابللغة اهلدف‪ ،‬فكان‬
‫قادرا على تطويعها ملا يناسب اللغة العربية‪ ،‬أو ابألحرى "توطينها" كي يكون هلا التأثري ذاته على‬
‫املتلقي العريب‪ ،‬كقوله مثال‪ - :‬كان يود أن يفتدي إبحدى أذنيه مقابل اسرتاق السمع‬
‫أو ‪ -‬كان يود اسرتاق السمع مهما كلفه ذلك‬
‫ولكن املرتجم فضل االحتفاظ ابلصورة اإلستعارية الفرنسية بوجهها اجلديد ابلنسبة‬
‫للمتلقي‪ .‬وذلك ألن الرتمجة ليست هي البحث عن املرتادفات‪ ،‬حيث أن حماولة تعويض عبارة‬
‫أبخرى "تعكس جهلنا بوجود وعي ابملثل لدينا"‪ ،‬فمجرد قراءة صورة بالغية أو مثل حبرفيته يبعثنا‬
‫إلدراكه ويتبادر يف أذهاننا مباشرة ما يقابله يف مثل آخر‪ .‬وهذا ما يؤكده املثال حمل الدراسة‪ ،‬فعلى‬

‫‪(1) Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit,p321.‬‬


‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.334‬‬
‫‪108‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الرغم من غرابة التصور إال أنه مفهوما وميكن للمتلقي إدراكه بكل سهولة‪ ،‬كما يعترب انبثاقا جديدا‬
‫يف اللغة اهلدف بعدما استنفذ جدته يف لغته األصلية‪ .‬وما لب العمل األديب إن مل يكن يف اجلدة؟‬
‫املثال (‪:)2‬‬
‫‪_"Passepartout, lui, avait veillé comme un chien à la porte de son‬‬
‫‪maitre"(1).‬‬
‫(‪)2‬‬
‫"بينما ابسبارتو كان كالكلب املخلص يراقب ابب سيده طوال الليل‪" !...‬‬
‫بينما ميثل "الكلب" يف ثقافة األوريب رمزا للوفاء‪ ،‬وله مكانته يف العائلة األوربية‪ ،‬كما أنه‬
‫مبثابة األنيس والرفيق واحلامي‪ ،‬يعترب يف الثقافة العربية جناسة‪ ،‬والكلب من تعود أكل الناس‪ ،‬كما‬
‫أن نعت أحدهم ابلكلب شتيمة‪ .‬فمن هنا يتجلى التباين اجلذري والفرق الشاسع يف استعمال‬
‫لفظة "كلب" بني الثقافتني‪ .‬فورودها للتعبري عن الوفاء كما جاءت يف سياق املثال‪ ،‬حيث ابت‬
‫اخلادم ‪ Passepartout‬عند ابب غرفة سيده يراقب ويرتقب تصرفاته وحركاته حرصا منه على منعه‬
‫من االنتحار خلسارته الرهان وخسارته كل ممتلكاته‪ ،‬يف اللغة الفرنسية كان تشبيها صائبا وذا قيمة‬
‫بالغية ومجالية صورت مشهد الوفاء‪.‬‬
‫أما ترمجتها احلرفية إىل اللغة العربية فقد حتط من مقام اخلادم بتشبيهه ابلكلب‪ ،‬رغم إضافة‬
‫املرتجم للفظة "املخلص" (كالكلب املخلص)‪ ،‬يقول املثل العريب‪" :‬الكلب كلب ولو طوقته ذهبا"‪،‬‬
‫إذ كان إبمكانه حذف التشبيه كلية‪ ،‬كونه حذف ال خيل ابملعىن‪ ،‬فمجرد أنه عس سيده داللة‬
‫على اإلخالص‪ ،‬ويكون الناتج كاآليت‪ - :‬بينما ابت ابسبارتو يراقب ابب سيده طوال الليل‪! ...‬‬
‫أو إبضافة وجه التشبيه املراد أي اإلخالص ويكون الناتج‪:‬‬
‫‪" -‬ابت ابسبارتو يراقب ابب سيده إبخالص طوال الليل‪!...‬‬
‫أراد املرتجم ابختياره هذا احلفاظ على خصوصية اللغة الفرنسية بكل ما حتمله من‬
‫خلفيات‪ ،‬رمبا حماولة منه تعريف املتلقي العريب بطريقة تفكري األجنيب ونظرته لألشياء‪ ،‬فما على‬

‫‪(1)Jules‬‬ ‫‪Verne, op.cit,p338.‬‬


‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.356‬‬
‫‪109‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الرتمجة إال أن تستقبل هذه احلرفية حبفاوة داخل لغتها األم‪ ،‬وهذا ما يسمح بتجلي العامل من‬
‫خالله‪.‬‬
‫املثال (‪:)3‬‬
‫‪-"Excusez ma question"(1).‬‬
‫)‪(2‬‬
‫"اغفر يل سؤايل"‬
‫تستعمل هذه العبارة يف اللغة الفرنسية لطلب حاجة ما بلطف ولباقة وحسن خلق احرتاما‬
‫للمطلوب منه‪ ،‬وتعترب إحدى صيغ اجملاملة )‪ ،(formules de politesse‬وهنا أيضا جنح املرتجم‬
‫إىل تغريبها أي ابحلفاظ على صيغتها األصلية‪ ،‬فرتمجها حرفيا‪ ،‬مع أن ال وجود هلا يف اللغة العربية‪،‬‬
‫إذ كان إبمكانه توطينها‪ ،‬وترمجتها على النحو التايل‪ - :‬هل يل بسؤال؟ أو‪ - :‬امسح يل ابلسؤال؟‬
‫ألن املغفرة تكون للذنب ال للسؤال‪ ،‬إال أنه فضل نقلها للمتلقي العريب خبصوصيتها وإبراز أمهية‬
‫اللباقة وهتذيب صياغة العبارة لدى األوريب‪ ،‬كما يدل مستوى اللغة )‪ (niveau de langue‬على‬
‫الطبقة اليت ينحدر منها املخاطب‪ .‬وهبذا ميكنه إطالع املتلقي على غور اللغة األجنبية وما حتمله‬
‫من خلفيات ثقافية وواقع حضاري‪ ،‬ويكون قد قلص املسافة بني الشعبني وخدم وظيفة الرتمجة‬
‫التواصلية‪.‬‬
‫املثال (‪:)4‬‬
‫‪_"Jamais,…non, pour tout l’or du monde"(3).‬‬
‫"أبدا‪...‬وال مقابل مجيع الذهب الذي يف العامل")‪.(4‬‬
‫عبارة مصكوكة أو عبارة جاهزة يف اللغة‬ ‫‪pour tout l’or du monde‬‬ ‫تعترب العبارة‬
‫الفرنسية واليت مفادها‪ :‬أبي مثن أو مهما كلف ذلك‪.‬‬

‫‪Jules Verne, op.cit,p175.‬‬


‫)‪(1‬‬

‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.170‬‬


‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit,p 176.‬‬
‫(‪ )4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.164‬‬
‫‪110‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫تتميز العبارة املصكوكة بقوهتا التعبريية احلادة والثابتة ألهنا حتافظ على بنيتها‪ ،‬كوهنا حتتوي‬
‫على منوذج "الواقعة األسلوبية التامة" وهلا حضور قوي يف منظومة الكالم‪ ،‬إذ يتداوهلا الكتاب‬
‫بكثرة‪ ،‬كما يعزز توظيفها من التأثري على القارئ وجيعله يدرك العالقة بني العمل الذي بني يديه‬
‫واألعمال اليت سبقته‪ ،‬فتحدث نوعا من التناص حيث تؤدي ابلقارئ إىل أصل السياق الذي‬
‫وردت فيه‪ ،‬وهذا ما جيعلها ذات خلفية ثقافية‪ ،‬وما جيعل من ترمجتها صعبة‪ .‬وذهب البعض إىل أن‬
‫سلم ابستحالتها‪ .‬فاألرجح أال تُرتجم إال مبكافئها‪ ،‬إن وجد‪ ،‬يف اللغة اهلدف فهو أوضح وأبلغ‬
‫للمعىن‪ .‬كقولنا لرتمجة هذا املثال‪:‬‬
‫‪ -‬أبدا!‪..‬وال مقابل كنوز الدنيا‪.‬‬
‫فهذا هو املتداول يف اللغة العربية‪ .‬أما املرتجم فقد فضل إسرتاتيجية التغريب؛ واالحتفاظ‬
‫ابلعبارة األصلية‪ ،‬وهبذا يكون قد نقل املعىن وما يوصف من زاوية أخرى ومبنظار مغاير‪.‬‬
‫املثال (‪:)5‬‬
‫‪-"Si‬‬ ‫‪je ne me trompe pas,…c’est vous, monsieur, qui m’avez si‬‬
‫)‪complaisamment servi de guide à suez ?"(1‬‬
‫"إن مل أكن خمطئا اي سيدي‪ ،‬فأنت الذي تفضلت ووجهتين يف السويس")‪.(2‬‬
‫‪Si je ne me trompe pas‬‬ ‫حيمل هذا املثال أيضا عبارة مصكوكة واملتمثلة يف‪:‬‬
‫واليت تستعمل حني عدم التأكد مما يُقال أو من أجل تفادي نربة اليقني والوثوق يف القول‪.‬‬
‫فعمد املرتجم هنا أيضا إىل تغريبها ابالحتفاظ على صيغتها األصلية ابإلبقاء على مفرداهتا‬
‫وبنيتها‪" :‬إذا مل أكن خمطئا"‪ ،‬على الرغم من قدرته على إجياد املكافئ كقوله مثال‪:‬‬
‫‪ -‬إن مل تخين الذاكرة اي سيدي‪ ،‬فأنت الذي تفضلت بتوجيهي يف السويس‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit,p69.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪111‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫وهذا ما يعطيها صبغة توطينية‪ .‬ومع أن املتلقي العريب قد حيس بغرابة الصياغة إال أن‬
‫إدراكه ملفهومها لن يكون صعبا وال انقصا‪ .‬ومبا أن الرواية تروى أحدااث جرت يف بلد أجنيب فال‬
‫جناح على اللغة اهلدف أن تستقبل هذا األجنيب بغرابته بكل حفاوة‪.‬‬
‫املثال (‪:)6‬‬
‫)‪-"Tant pis pour le soleil, monsieur ! C’est lui qui aura tort !"(1‬‬
‫"هذا أسوأ للشمس اي سيدي‪ ،‬قد تكون الشمس خمطئة ولكن ساعيت ال تخطئ")‪.(2‬‬
‫يتعلق األمر يف هذا املثال أيضا بعبارة مصكوكة "‪ "tant pis‬اليت مفادها التأسف‪ ،‬حيث‬
‫كان ابسبارتو مصرا على أن ساعته تشري دائما وأبدا إىل الوقت بدقة‪ ،‬وأهنا‪ ،‬منذ أن ورثها عن‬
‫جده‪ ،‬مل تتعطل ومل تتأخر أو تتقدم‪ ،‬مصرا على دقتها وصواهبا ولو غربت الشمس وهي تشري إىل‬
‫الساعة الثانية‪ .‬ذلك لعدم إدراكه لفارق التوقيت بني النطاق الزمين والثاين خالل رحلته مع السيد‬
‫فوج‪.‬‬
‫قام املرتجم بنقل العبارة حرفيا وحافظ على غرابتها بقوله‪ :‬هذا أسوأ للشمس‪ ،‬ألن اللغة‬
‫العربية ال حتتوي على هذه الصيغة وإمنا متلك مكافئات هلا ككل لغة‪ ،‬حيث أن احلقيقة هي ذاهتا‪،‬‬
‫وما خيتلف هو زاوية النظر‪ ،‬ولو جنح لتوطينها لكان بتطويعها أو بشرحها أو إبجياد "املكافئ‬
‫الديناميكي" هلا‪ ،‬كقوله مثال‪:‬‬
‫‪ -‬لسوء حظ الشمس اي سيدي ! ألهنا هي اليت قد تخطئ‪ ،‬أما ساعيت‪ ،‬فال!‬
‫املثال (‪:)7‬‬
‫‪-"On ne connaissait à Phileas Fogg ni femme ni enfants ce qui peut‬‬
‫)‪arriver aux gens les plus honnêtes"(3‬‬
‫"كان يبدو أن فيلياس فوج ليست لديه زوجة وال أطفال ‪ ...‬الشيء الذي حيدث لبعض‬
‫الناس")‪.(4‬‬
‫صاغ الكاتب مجلته للتعبري عن فيلياس فوج الشخصية الغامضة اليت ال يعرف عنها الناس‬
‫الكثري‪ ،‬واليت أصبحت حمط هتمة سرقة البنك‪ ،‬ابستعماله للعبارة‪ ،gens honnêtes :‬وملا مل يكن‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p62.‬‬
‫(‪ )2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p12.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.14‬‬
‫‪112‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫لديه زوجة وال أطفال زاد األمر غموضا وأاثر الشكوك حياله‪ .‬وكانت الصياغة مالئمة وبليغة يف‬
‫لغتها األصلية‪ ،‬أما ترمجتها احلرفية إىل اللغة العربية فلم تتوافق وخصوصياهتا‪ .‬ومع أهنا أدت املعىن‬
‫إال أن اإلحساس ابلغرابة متأصل‪ ،‬فإن كانت رغبة املرتجم هي التعريف بطبيعية التعبري يف األصل‪،‬‬
‫فقد حقق ذلك من خالل نقله للمعىن جبسديته اليت ال تنفصل عن "احلرف"‪.‬‬
‫أما بتوطني العبارة أو مبعىن آخر؛ إعطائها صبغة طبيعية تنصهر ضمن خصوصية أسلوب‬
‫اللغة العربية فسيكون الناتج‪ - :‬مل يكن لفيلياس فوج زوجة وأوالد كعامة الناس‪.‬‬
‫املثال (‪:)8‬‬
‫‪"Quant à Passepartout, la face rouge comme le disque solaire quand il se‬‬
‫‪couche dans les brumes"(1).‬‬
‫"كان لباسبارتو وجه أمحر مثل الشمس الغاربة")‪.(2‬‬
‫استأجر السيد فوج خالل الرحلة زحافة ذات أشرع )‪ (traineaux à voiles‬للعبور مع رفاقه‬
‫عرب اجلليد يف وقت أسرع‪ ،‬واستطاع الكاتب التعبري عن ذلك أبسلوب بالغي مجيل ودقيق‬
‫وموجز‪ ،‬إذ وصف يف بضع كلمات الطقس (الربد والضباب)‪ ،‬والوقت الذي جتري فيه األحداث‬
‫(وقت املغيب)‪ ،‬ووجه ابسبارتو الذي‪ ،‬من شدة الربد‪ ،‬أخذ لون الشمس األمحر وقت غروهبا‪.‬‬
‫وكان من الصعب إعادة إنتاج التشبيه ذاته ابلبنية ذاهتا وابلتأثري ذاته يف نظام لغوي مغاير‬
‫متاما لألصل‪ .‬إال أن املرتجم جنح مرة أخرى إىل إسرتاتيجية التغريب‪ ،‬فنقل األسلوب البالغي‬
‫حبرفيته‪ ،‬وعلى الرغم من أن املتلقي يف اللغة اهلدف سيدرك املعىن إال أنه سيحس ابلغرابة‪ ،‬كما أنه‬
‫لن يتلقى الصورة كاملة ولن يستشعر مجاليتها‪ ،‬لكن هذا سيعرفه على نظرة خمتلفة ورؤية جديدة‬
‫بتعبري آخر غري ذلك الذي ألفه‪.‬‬
‫وتوطني التشبيه كان سيؤدي إما إىل حذفه كلية واالكتفاء بوصف شدة الربد اليت كان يعاين‬
‫منها ابسبارتو‪ ،‬وإما ابستعمال عبارة متداولة يف اللغة العربية كقولنا مثال‪:‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit,p305.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫‪113‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫_ أما ابسبارتو فأقرسه الربد‪.‬‬
‫ألن امحرار الوجه إذا نظران إليه مبنظار الثقافة العربية فيدل على الغضب يف غالب األحيان‪،‬‬
‫ال على شدة الربد‪.‬‬
‫‪ -2-5-2‬اإلقتاض‪:‬‬
‫وهو ما الحظناه يف أغلب األمساء)‪(‬على حنو‪ :‬السويت‪ ،‬السيوكس‪ ،‬هنريتا‪ ،‬مورنينغ كرونيكل‬
‫وغريها من األمساء اليت مت اقرتاحها من طرف املرتجم واليت قد أتبع بعضها برتمجة شارحة يف‬
‫احلاشية‪ ،‬وذلك ملا حتمله من خاصية ثقافية وملا ال حتمله لغة وثقافة املتلقي العريب من مكافئ هلا‪.‬‬
‫وقد يفسر جلوء املرتجم املتكرر ألسلوب االقرتاض رغبة منه على احملافظة على نكهة النص‬
‫األصلي وغرابته‪ .‬وهو السبيل األجنع لذلك‪.‬‬
‫وهذا ما يؤكده املثال التايل‪:‬‬
‫‪-"Cependant, il parait que le flegmatique gentleman en a pris un" (1).‬‬
‫"ولكن يبدو هذا اجلنتلمان اهلادئ قد قرر ورسم خطة ما")‪.(2‬‬
‫لفظة "جنتلمان" اليت تعين الرجل الفاضل‪ ،‬طيب الشمائل أو السيد النبيل واحملرتم‪ ،‬متثل‬
‫صورة منطية لثقافة اإلجنليز منذ العصر الفكتوري‪ ،‬فقد جلأ املرتجم لنقلها أبسلوب االقرتاض‪ ،‬وذلك‬
‫ألن النص حيتوي على نوع من "تنوع األلسن" )‪ (hétéroglossie‬و"تنوع األصوات"‬
‫)‪ (hétérophonie‬حيث أنه يروي بلغة فرنسية عن بطل إجنليزي جاب العامل‪.‬‬
‫فكان اختيار املرتجم استعمال هذه اللفظة بدل ترمجتها مبا يكافئها "السيد"‪ ،‬ولو أنه‬
‫استعملها يف بعض املواضع‪ ،‬حرصا منه على احلفاظ على غرابة األصل والداللة على متيزه يف أصله‬
‫مع اإلبقاء على "الرتاكب اللغوي" املتواجد فيه‪.‬‬
‫أما يف املثال الثاين‪:‬‬
‫‪-"Quant au capitaine Speedy, il était tout bonnement enfermé à clef dans‬‬
‫‪sa cabine"(3).‬‬

‫)‪ (‬ينظر ترمجة أمساء العلم الفصل التطبيقي‪.‬‬


‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit,p69. p322.‬‬
‫جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.336‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p317.‬‬
‫‪114‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫"أما القبطان سبيدي‪ ،‬فكان حمبوسا يف كابينته وكان يزجمر غضبا" )‪.(1‬‬
‫فضل املرتجم استعمال لفظة "كابينة" للتعبري عن قمرة املركب‪ .‬وعلى الرغم من وجود بدائل‬
‫حتمل املعىن ذاته على حنو‪ :‬غرفة أو حجرة‪ ،‬إال أنه اختار هذه اللفظة (كابينة)‪ ،‬ويعود السبب يف‬
‫ذلك للتخصيص رمبا‪ ،‬كون كل من غرفة أو حجرة ذات استعمال واسع‪.‬‬
‫كما ميكن أن يعود السبب يف اختيار اللفظة "كابينة" هو إعطاء الرواية صبغة معاصرة من‬
‫أجل استقطاب مجهور معني ينتمي إىل حقبة زمنية معينة يف زمان أصبح فيه العامل قرية مصغرة‬
‫تتعايش فيها اللغات وتندمج‪ ،‬حيث أن هذه اللفظة دخلت "معجم اللغة العربية املعاصرة"‪ ،‬علما‬
‫أن الرتمجة متت يف أواخر التسعينيات‪.‬‬
‫كما أنه استعمل لفظة "غرفة" للداللة على املعىن ذاته أي "قمرة املركب" يف مواضع تلت‬
‫األوىل بعد بضع صفحات‪" :‬أما ابلنسبة للقبطان سبيدي‪ ،‬فظل يزأر يف غرفته")‪.(2‬‬
‫وفيما خيص املثال الثالث‪:‬‬
‫‪-"Ces détonations se prolongeaient au contraire, jusqu’à l’avant et sur‬‬
‫)‪toute la ligne du train"(3‬‬
‫"ابنج ! ابنج ! ابنج ! لقد جاءت من اخلارج على طول القطار" )‪.(4‬‬
‫اليت تعين طلقات انرية أو أصوات‬ ‫"‪"détonations‬‬ ‫لقد جنح املرتجم إىل تعويض لفظة‬
‫انفجارات مبحاكاة صوتية )‪ (onomatopée) (‬للفظة‪ ،‬على الرغم من عدم وجودها يف النص‬
‫بوصف الصوت‬ ‫‪détonations‬‬ ‫األصل‪ ،‬وال هي موجودة يف اللغة العربية‪ .‬فقد استبدل كلمة‬
‫الناتج عن احلدث أوال‪ ،‬فنتج عن ذلك‪ ،"bang, bang, bang" :‬مث نقله إىل اللغة العربية‬
‫أبسلوب االقرتاض وكان الناتج‪ :‬ابنج ! ابنج ! ابنج ! وذلك ملا تعطيه احملاكاة الصوتية من‬

‫جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.326‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.330‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit. p282.‬‬
‫(‪ )4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.280‬‬
‫)‪ (‬احملاكاة الصوتية‪ :‬أو حكاية الصوت‪ ،‬من حكى الشيء أي أتى مبثله وحكي القول أي نقله)‪ ،‬هي مشاهبة بني الصوت الناتج عن لفظ بعض‬
‫الكلمات واألصوات املسموعة يف الطبيعة‪ ،‬مثل الضوضاء أو أصوات احليواانت‪ ،‬أي أن صوت كلمة ما مأخوذ من صوت حقيقي حلدث طبيعي‪.‬‬
‫(املوسوعة احلرة ويكيبيداي)‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫توضيح أكثر‪ ،‬حبثا من خالل ذلك إىل حتويل العالقة بني الصوت واللفظة من حسية إىل مادية‬
‫متجسدة‪ ،‬وهذا ما يزيد النص حيوية فيجعله مشهدا مرسوما يف ذهن القارئ وجيعل له صدى‬
‫مسموعا يف أذنه‪.‬‬
‫‪ -6-2‬ترمجة اإلثنوغرافيا واملكوانت الثقافية‪:‬‬
‫نظرا ملا حيمله أدب الرحالت من دالالت مغرقة يف إطار خصوصيات حضارية وإثنوغرافية‪،‬‬
‫وملا تسببه هذه األخرية من درجات التعقد اليت قد تصل إىل أفق االستحالة يف بعض األحيان؛‬
‫يلجأ املرتجم إما إلضافة ما يتطلبه السياق من شرح وتوضيح وإحالة‪ ،‬وإما للحذف الذي قد‬
‫يتجاوز اللفظة والعبارة إىل الفقرة والفصل أحياان‪ ،‬كون ترمجة بعض املفردات واجلمل ال تفي مبا‬
‫تتطلبه عملية التفاعل احلضاري الناتج عن التباين بني هذه وتلك‪.‬‬
‫وهذا ما يالحظ يف ترمجة الرواية حمل الدراسة‪ ،‬حيث مت احلذف على مستوى العديد من‬
‫الفقرات والفصول‪ ،‬خاصة تلك اليت تصف أحوال الشعوب وأعرافها وتقاليدها‪ ،‬واتريخ املدن‬
‫وجغرافيتها‪ ،‬وعلى الرغم من أن هذا احلذف مل يؤد إىل اختالل يف املعىن ومل يهز البنية الرتكيبية‬
‫للسرد الروائي‪ ،‬إال أنه جرد النص من وظيفته التعليمية اليت تشمل الوصف اجلغرايف والعرقي‪ ،‬كما‬
‫قلل من خاصية اهلجانة ( تنوع أمناط اخلطاب) اليت يتميز هبا النص الرحلي‪ .‬وفيما يلي مثال عن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪-" A midi et demi le train s’arrêtait à la station de Bénarès. Les légendes‬‬
‫‪brahmaniques affirment que cette ville occupe l’emplacement de l’ancienne‬‬
‫‪Casi, qui était autre fois suspendue dans l’espace entre le zénith et le nadir,‬‬
‫‪comme la tombe de Mahomet. Mais, à cette époque plus réaliste, Bénarès,‬‬
‫‪Athène de l’Inde au dire des orientalistes, reposait tout prosaïquement sur le‬‬
‫‪sol"(1).‬‬
‫مت حذفها ملا حتمله من أمساء املدن وتصور أسطوري خاص بثقافة معينة‪ .‬فرمبا كان هذا‬
‫احلذف مراعاة للخلفية الثقافية لدى املتلقي‪ ،‬إذ رصد املرتجم فجوة معلوماتية ففضل أال يقحم‬
‫نصه مبعارف إضافية‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit P126.‬‬
‫‪116‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫واملقرتح‪ - :‬توقف القطار على الثانية عشر والنصف زواال مبحطة فاانراسي‪ ،‬مدينة كاشي‬
‫القدمية اليت وفقا لألسطورة الربمهنية كانت يف قدمي الزمان معلقة يف السماء بني السمت والنظري‪،‬‬
‫كقرب النيب حممد (عليه الصالة والسالم)‪ .‬أما اليوم‪ ،‬ويف زمن أكثر واقعية‪ ،‬فرتقد فاانراسي‪ ،‬أثينا‬
‫اهلند‪ ،‬كما يلقبها املستشرقون‪ ،‬على األرض بكل تواضع‪.‬‬
‫‪-" Le parsi connaissait parfaitement le métier de" mahout" ou cornac. Il‬‬
‫‪couvrit d’une sorte de housse le dos de l’éléphant et disposa de chaque coté‬‬
‫‪sur ses flancs, deux espèces de cacolets assez peu confortables"(1).‬‬
‫"كان الصيب اهلندي يعرف عمله‪ ،‬فقام بتثبيت ترتيبات اجللوس على ظهر احليوان‪ ،‬وكانت‬
‫عبارة عن كرسي يف كل جانب")‪.(2‬‬
‫ترمجت لفظة "‪ "Parsi‬ابلصيب اهلندي‪ ،‬مع أن هناك فرق بني هذه وتلك‪ ،‬إذ يقطن‬
‫البارسيون أو الزردشتيون اهلند منذ زمن‪ ،‬وخيتلفون أبصوهلم الفارسية عن اجملتمع اهلندي من انحية‬
‫املمارسات السلوكية الثقافية والدينية أيضا)‪ .(3‬فال ميكن التغاضي عن مثل هذا التدقيق اللفظي‬
‫خاصة وأنه حيمل داللة مرجعية‪ .‬كما كان للصيب ذاته صلة مع الفتاة "عودة" حيث إن مل يكن‬
‫ابرسيا ملا وقف يف صف املسافرين من أجل إنقاذها من طقوس السويت اهلندية‪ .‬وهلذا كان جيب‬
‫الوقوف عند هذا التباين وإبرازه وإن تطلب ذلك إضافة أو إحالة يف اهلامش‪ .‬هذا وقد حذف‬
‫اللتان تدالن على املعىن ذاته (وأصلهما هندي) وهو سائق‬ ‫‪ Cornac‬و ‪Mahout‬‬ ‫املرتجم لفظتا‪:‬‬
‫الفيل أو قائده‪ .‬ويربر احلذف هنا كونه سبق وأن حتدث املرتجم عن هذا الصيب عند شراء الفيل‪.‬‬
‫أما بقية الرتمجة فكانت "تعميما" حبيث مت حتويل العناصر الوصفية الدقيقة إىل ما هو عام‬
‫وشامل (ترتيبات اجللوس)‪.‬‬
‫‪-"A vol d’abeille -comme disent les Américains- la distance qui sépare‬‬
‫‪le fort Keyney d’Omaha est de deux cent milles au plus"(4).‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p96.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )3‬ينظر البارسيون‪ ،‬املوسوعة احلرة ‪.ar.wikipedia.org‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p303.‬‬
‫‪117‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫"كانت املسافة بني كيين وأوماها يف خط مستقيم ال تتعدى املائيت ميل")‪.(1‬‬
‫يف حني يستعمل الفرنسي عبارة ‪ à vol d’oiseau‬للتعبري عن املسافة يف خط مستقيم‪،‬‬
‫اختار الكاتب أن يعرب عنها ابلعبارة اجلاهزة‪ à vol d’abeille :‬ذاكرا استعماهلا عند األمريكيني‪.‬‬
‫ويربر هذا االختيار أوال بتواجد املسافرين يف أمريكا وذلك للتأقلم مع احليز اجلغرايف الذي حيتلونه‪،‬‬
‫واثنيا‪ ،‬للتعريف برؤية سكان أمريكا للعامل وطريقة تعبريهم عن األشياء وابلتايل التعريف هبم‪ .‬وهذا‬
‫ما مل تنتجه الرتمجة‪ ،‬فقد اكتفى املرتجم ابلتطويع الشارح الذي أدى املعىن وأمهل الوظيفة اإلخبارية‬
‫الكامنة يف األصل‪ ،‬لتعذر نقل العبارة إىل اللغة العربية اليت ال ميلك نظامها اللساين ما يقابلها‪ ،‬إال‬
‫املعادل الذي ذكره املرتجم (يف خط مستقيم)‪.‬‬
‫‪-" Le train s’arrêtait dans la gare, sur la rive droite du fleuve, devant le‬‬
‫‪"Pier" même des streamers de la ligne Cunard, autrement dite "British and‬‬
‫‪North American royal mail stream packet co"" (2).‬‬
‫"توقف القطار ابحملطة املالصقة لرصيف شركة البواخر")‪.(3‬‬
‫قام املرتجم ابلتقليل من عدد الدوال املكونة للجملة‪ ،‬معتمدا أسلوب "االختصار الكمي"‬
‫الذي حييل على النقصان املعجمي‪ ،‬أو كما يسمى أيضا "االقتصاد اللغوي"‪.‬‬
‫فقد عوض اسم شركة البواخر املذكورة تفصيال‪ ،‬والذي حيمل إشارات خاصة ابلبيئة األصل‬
‫تصعب ترمجتها‪ ،‬مبا يوحي إليه‪ ،‬أي بعبارة‪ :‬شركة البواخر‪ .‬وذلك ألن عدم ذكر االسم لن خيل‬
‫ابملعىن وذكره يعترب معرفة إضافية غري ضرورية لتتبع األحداث‪.‬‬
‫‪-"On demanda deux bouteilles de porter"(4).‬‬
‫"طلب فيكس زجاجتني من النبيذ")‪.(5‬‬

‫(‪)1‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.308‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Juls Verne, op.cit, p308,309.‬‬
‫(‪ )3‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪Juls Verne, op.cit, p170‬‬
‫(‪)5‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪118‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫)‪-"…avoir fait apporter un flacon de brandy"(1‬‬
‫"طلب مشرواب أقوى من النبيذ")‪.(2‬‬
‫‪"Une trentaine de consommateurs (…) quelques uns vidaient des pintes‬‬
‫‪de bière anglaise, ale ou porter, d’autres, des brocs de liqueurs alcooliques,‬‬
‫‪gin ou brandy. En outre, la plupart fumaient des pipes de terre rouges,‬‬
‫‪bourrées de petites boulettes d’opium mélangées d’essence rose"(3).‬‬
‫"هناك حوايل ثالثني رجال جيلسون على املوائد حيتسون اخلمر")‪.(4‬‬
‫‪"Cela‬‬ ‫‪tient à ce qu’on l’a enivrée de la fumée du chanvre et de‬‬
‫‪l’opium"(5).‬‬
‫"إهنم جيربوهنا على أن تشرب أو تدخن شيئا جيعلها يف حالة نعاس‪ .‬فهي ال تدري مبا‬
‫)‪(6‬‬
‫يدور‪".‬‬
‫يتجلى التباين الثقايف الذي ميثل حاجزا أمام عبور الرتمجة إىل الضفة األخرى يف عامل اخلمور‬
‫واملسكرات‪ ،‬حيث يعرب الغريب عن خمتلف املشروابت الكحولية أبلفاظ متنوعة بتنوع مركباهتا‬
‫ودرجة أتثريها )‪ (…bière, ale, porter, gin, brandy‬واليت اختصرها املرتجم يف لفظيت النبيذ‬
‫واخلمر‪ ،‬الوحيدتني يف اللغة العربية‪ ،‬وأنواع املخدرات‬
‫)…‪( pipes de terre rouge, fumée de chanvre, opium‬‬
‫اليت ترمجها بـ‪" :‬تشرب أو تدخن شيئا جيعلها يف حالة نعاس"‪ ،‬مع وجود مرادفات لفظية‬
‫تدل على املعىن ذاته‪ ،‬أي التخدير ومسبباته‪.‬‬
‫واملقرتح‪- :‬إهنا سكرى‪ ،‬ال تعي ما يدور حوهلا‪ ،‬فقد جعلوها تدخن احلشيش واألفيون‪.‬‬
‫‪-"Il se prêtait à jouer pique.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Juls Verne, op.cit, , p172.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p169.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p107.‬‬
‫(‪ )6‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪119‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫)‪-Moi je jouerais carreau…"(1‬‬
‫"وكان على وشك أن يلعب ورقة سوداء معينة‪.‬‬
‫إلعب الورقة احلمراء بدال منها")‪.(2‬‬
‫إن لعبة الورق )‪ ، (le Whist‬اليت كانت هواية السيد فوج‪ ،‬لعبة ذات أصول بريطانية حتتوي‬
‫على أربعة أنواع‪ ،‬منها اثنتني محراويتني (‪ :carreau‬الديناري‪ :cœur ،‬الكبة)‪ ،‬واثنتني سوداويتني‬
‫)‪ :pique‬البستوين‪ :trèfle ،‬السبايت)‪ .‬ومتثل هذه الدالة احلضارية إحدى خصوصيات البيئة الغربية‬
‫‪(pique,‬‬ ‫اليت ال يوجد هلا مقابل يف اللغة العربية‪ .‬وهلذا ترمجت الورقتني املذكورتني يف املثال‬
‫)‪ carreau‬بوصف لونيهما (األمحر واألسود)‪ ،‬فتمثلت الرتمجة يف "التكافؤ الوصفي"‪ ،‬كون أسامي‬
‫أوراق اللعبة غري متداولة االستعمال يف اللغة العربية‪ ،‬على الرغم من وجودها يف الثقافة املستقبلة‪.‬‬
‫فنتج عن هذا النقل خسارة يف الرتمجة إذ احتوت هذه األخرية على تفصيل أقل مما ورد يف األصل‪،‬‬
‫إذا ما دققنا يف تفاصيل النص وترمجته‪ .‬أما بصفة عامة‪ ،‬فقد حققت الرتمجة "تكافؤا ديناميكيا"‬
‫أنتج أتثريا مكافئا على متلقي النص اهلدف‪ ،‬وجعل النص يبدو طبيعيا ومالئما للسياق الثقايف‬
‫املستقبل دون احلجب التام للثقافة املنقول منها‪ ،‬حيث طوع املرتجم اجلملة الثانية من جمرد اقرتاح‬
‫إىل أمر‪ ،‬وذلك وفقا ملا تال يف النص حيث أخذ اخلطاب نربة حتدي واستفزاز‪ .‬واملقرتح‪:‬‬
‫كان سيلعب ورقة البستوين‪.‬‬
‫لو كنت مكانك للعبت ورقة الديناري‪...‬‬
‫! ‪"-Yankee‬‬
‫)‪-Englishman !"(3‬‬
‫"‪-‬أمحق أمريكي‬
‫)‪(4‬‬
‫‪-‬أمحق إجنليزي"‬
‫‪"- Fils de John Bull"(5).‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p276.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p238,239.‬‬
‫(‪ )4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪242‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p278.‬‬
‫‪120‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫جرى بني السيد فوج وأحد املتظاهرين يف الو‪.‬م‪.‬أ نزاع فتبادال اللكمات والشتائم‪ .‬نعت‬
‫اليت يلقب هبا أي مواطن أمريكي‪ ،‬كما ميكن أن حتمل‬ ‫‪yankee‬‬ ‫السيد فوج األمريكي بلفظة‪:‬‬
‫‪ ،‬وأهنا ليست‬ ‫‪yankee = american man‬‬ ‫معىن سلبيا حتقرياي‪ ،‬إال أن يف نظر األمريكيني‪:‬‬
‫شتيمة ابلنسبة هلم‪ ،‬وليبني األمريكي له ذلك نعته بـ‪ Englishman :‬أي اإلجنليزي القح‪ ،‬وكأنه رد‬
‫عليه العبارة مبثيلتها‪:‬‬
‫‪englishman = englishman‬‬
‫متت ترمجة هذا املثال مبكافئه الديناميكي‪ ،‬ألن النقل احلريف للفظتني كان قد يؤدي إىل‬
‫الغموض أو عدم الفهم لدى املتلقي العريب إن وجدت فجوة معلوماتية خبصوص ما حتمله هاتني‬
‫اللفظتني من خلفيات ثقافية‪ ،‬فأبرز املرتجم قصد الكاتب من استعماهلما فصاغهما مبا يتناسب‬
‫واللغة اهلدف ويؤدي الوظيفة‪ ،‬قائال‪ :‬أمحق أمريكي‪ ،‬أمحق إجنليزي‪.‬‬
‫أما فيما خيص عبارة‪ fils de John Bull :‬فقد جلأ املرتجم إىل احلذف‪ ،‬واكتفى ابلعبارة‬
‫األوىل‪" :‬أمحق إجنليزي" اليت أدت املعىن‪ ،‬وذلك ألن ‪ John Bull‬شخصية ذات بعد ثقايف عميق‬
‫متأصل يف صورة منطية تصف الرجل اإلجنليزي النموذجي‪ ،‬كما كانت بطل العديد من القصص‬
‫‪ John‬شتيمة هتينه‬ ‫‪Bull‬‬ ‫والصور الكاريكاتورية )‪ .(1‬ويعترب نعت أحدهم اببن‬ ‫)‪(B.D‬‬ ‫املصورة‬
‫وتقلل من شأنه‪ ،‬ففي رواية أخرى )‪ (l’Ile mystérieuse‬يقول جول فرين‪:‬‬
‫‪"Quand Pencroff, en sa qualité d’Américain avait traité quelqu’un de‬‬
‫‪"fils de John Bull", il s’était élevé jusqu’aux dernières limites de l’insulte" (2) .‬‬
‫"عندما نعت بنكروف أحدا اببن جون بول‪ ،‬فقد تعدى بذلك كل حدود اإلهانة"‪.‬‬
‫‪ -7-2‬ترمجة التشويق‪:‬‬
‫كثريا ما جلأ الكاتب ألسلوب التشويق بغية إاثرة تفكري القارئ وحتفيز تفاعله مع النص‪،‬‬
‫إلبعاد امللل واجلمود الناتج عن السرد التقريري املباشر‪ ،‬ابستعمال تقنيات خمتلفة‪ ،‬ومنها أسلوب‬
‫االستفهام الذي قد خيرج عن هدفه احلقيقي املتمثل يف طلب العلم بشيء ما إىل تصور إحيائي‬

‫(‪ )1‬ينظر جون بول‪ ،‬املوسوعة احلرة ‪.wikipedia.org‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪Jules Verne, L’Ile mystérieuse, Arvensa éditions, 2014, p 231.‬‬
‫‪121‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫مجايل غري مباشر‪ ،‬يرمي إىل مقاصد أخرى)‪ ،(‬ومؤداي بذلك دورا مجاليا وبالغيا‪ ،‬فإذا خرج إىل‬
‫إاثرة التشويق فسيحمل نفس القارئ على النزاع إىل الشيء وهتييجها إليه‪ ،‬ويستدرج القارئ‬
‫لالنتباه ويشده إىل أمر سيحدث‪ .‬مث بعد ذلك يواصل الكاتب تفاصيل السرد‪ ،‬دون ردة فعل‬
‫املخاطب‪ ،‬لريحيه مما قد ورطه فيه ويقلص من فضاء تفكريه وخيلصه مما قد فاضت إليه عواطفه‪.‬‬
‫وفيما يلي أمثلة عن ذلك‪:‬‬
‫‪1- "Passepartout et le guide interrompirent leur travail. Les avait-on‬‬
‫)‪surpris ? L’éveil était-il donné ?"(1‬‬
‫)‪(2‬‬
‫"فتوقفوا عن عملهم‪ .‬ماذا حدث؟ هل مسعوهم وهم حيفرون؟"‬
‫‪2- "Et maintenant quel parti allait prendre Fogg ? Celà était difficile à‬‬
‫‪imaginer"(3).‬‬
‫"واآلن‪ ،‬ما الذي سيفعله فيلياس فوج؟ من الصعب التكهن")‪.(4‬‬
‫‪3- "Trois voyageurs, Passepartout compris, avaient disparu.‬‬
‫‪Avaient-ils été tués dans la lutte ? Etaient-ils prisonniers des Sioux ? On‬‬
‫‪ne pouvait encore le savoir"(5).‬‬
‫"مت حصر ثالثة ركاب مفقودين‪ .‬هل قتلوا يف املعركة؟ هل أسرهم اهلنود؟ ال أحد يعلم")‪.(6‬‬
‫أراد الكاتب يف كل من األمثلة املذكورة (وأمثلة كثرية أخرى مل يسع ذكرها) حتفيز فضول‬
‫القارئ ملعرفة ما سيحدث‪ ،‬خاصة وأنه جعل األزمات تصل ذروهتا حىت يظن أهنا ال حتل‪ ،‬قبل أن‬
‫يواصل سرد تتبع األحداث‪.‬‬
‫ففي املثال األول‪ ،‬عندما أراد السيد فوج ورفقائه إنقاذ السيدة "عودة" من موت رهيب‬
‫ومؤكد‪ ،‬كانت اخلطة األوىل أن جيعلوا حفرة يف املعبد ليخرجوهنا منها‪ ،‬وملا توقفوا عن عملهم جعلنا‬

‫)‪ (‬املقاصد اليت قد خيرج إليها االستفهام عديدة وأمهها‪ :‬الت قرير‪ ،‬اإلخبار والتحقيق‪ ،‬التسوية‪ ،‬العرض واحلض‪ ،‬اإلرشاد والتوجيه‪ ،‬األمر‪ ،‬النفي‪،‬‬
‫التمين‪ ،‬النهي‪ ،‬التهويل‪ ،‬التشويق‪ ،‬كلها خمارج ألسلوب االستفهام‪ .‬ينظر حممد سعد‪ ،‬اخلرب واإلنشاء‪ ،‬أسلوب االستفهام دراسة بالغية‪ ،‬شبكة‬
‫ضفاف لعلوم اللغة العربية‪.09-04-2010 ،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit,p114.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p322.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.336‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p288.‬‬
‫(‪)6‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.286‬‬
‫‪122‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الكاتب نظن أن أمرهم قد انكشف‪ .‬فجاءت الرتمجة عبارة عن "تطابق وظيفي"‪ ،‬حيث أعيد نقل‬
‫األسلوب االستفهامي مبا حيمله من وظيفة مولدة للتأثري لدى القارئ‪ ،‬لكن أبسئلة مغايرة‪ ،‬ففي‬
‫الشطر األول مت تطويع اجلزء ابلكل‪ :‬املفاجأة ابحلدث‪ ،‬ويف الشطر الثاين‪ :‬مث التطويع بقلب وجهة‬
‫النظر‪ ،‬إذ كانت وجهة نظر الكاتب اجتاه رجال الدين الذين رمبا أعطوا اإلذن ببدء مراسيم‬
‫"السويت"‪ ،‬يف حني توجهت نظرة املرتجم حنو ابسبارتو ورفقائه‪ ،‬وهبذا أعاد تخصيص ما عممه يف‬
‫الشطر األول‪.‬‬
‫واملقرتح هو إضافة لفظة فجأة للتعبري عن "‪ ،"interrompirent‬من أجل الدقة‪ ،‬والتصرف‬
‫يف طرح السؤال األول إبجياد "املكافئ الوضعي"‪ ،‬أي التعبري عن الوضع ذاته بطريقة تتناسب‬
‫والنظام اللغوي اهلدف‪.‬أما السؤال الثاين فيكون عبارة عن تطويع شارح ألن ‪ L’éveil‬الذي أذن‬
‫به كان من أجل بدء ممارسة طقوس "السويت"‪ ،‬فيكون الناتج كاآليت‪:‬‬
‫‪-‬توقف ابسبارتو واملرشد فجأة عن عملهم‪ .‬هل انكشف أمرهم؟ أم حان تشييع اجلنازة؟‬
‫أما يف املثال الثاين‪ ،‬فقد نفذ الفحم الذي كان يشغل السفينة وال تزال املسافة طويلة أمام‬
‫املسافرين‪ .‬وأصبح السيد فوج الذي كان يقودها يف حرية من أمره‪ .‬فأسلوب الكاتب يف االستفهام‬
‫هنا جيعل القارئ يتفاعل مع الشخصية وحياول إجياد حلول لألزمة وهذا ما حققته الرتمجة إبعادة‬
‫األسلوب االستفهامي ذاته‪.‬‬
‫حيكي املثال الثالث عما حدث بعد هجوم هنود السيوكس على القطار ابلوالايت املتحدة‬
‫األمريكية ومت إحصاء ثالثة مفقودين‪ .‬ولشد انتباه القارئ وتوريطه يف النص اختار الكاتب أال يقر‬
‫مباشرة مبا حدث هلم من أجل صبغ نصه حبركية وحيوية قائمة على تعايش القارئ مع ما جيري‪.‬‬
‫وكانت الرتمجة عبارة عن "تطابق شكلي" حقق الوظيفة‪ .‬إال أن املرتجم مل يذكر ابسبارتو‪ ،‬أحد‬
‫‪encore‬‬ ‫املفقودين‪ ،‬والبطل الذي أنقذ الركاب‪ .‬كما نالحظ عدم الدقة يف جتاهل املرتجم للفظة‬
‫واملقرتح‪:‬‬

‫‪123‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ -‬مت حصر ثالثة ركاب مفقودين‪ ،‬من بينهم ابسبارتو‪ .‬هل قتلوا يف املعركة؟ هل أسرهم‬
‫اهلنود؟ ال أحد يعلم بعد‪.‬‬
‫استعمل الكاتب يف أسلوب التشويق زايدة على تقنية األسلوب االستفهامي تقنية التقدمي‬
‫والتأخري اليت تثري الذهن وتشوق القارئ‪ .‬فكلما أخران شيئا كلما أثران الرغبة والشوق ملعرفته‪.‬‬
‫فالكالم املتأخر يضفي غرابة وفضوال يدعوان ملعرفة ما يتبع‪.‬‬
‫وما يالحظ يف زمن سرد الرواية حمل الدراسة‪ ،‬على الرغم من كونه صاعدا أي من احلاضر‬
‫إىل املستقبل‪ ،‬هو التقاطع أو التداخل الزمين الذي يتخلله من حني آلخر‪ ،‬فلم تكن هذه البنية‬
‫السردية ذات "الرتكيب الزمين احللزوين" مبثابة بنية مجالية فحسب‪ ،‬وإمنا حفزت القارئ وجعلته ال‬
‫ينقطع عن فعله القرائي ابلتشويق وتنمية فضوله واستغرابه‪ ،‬وابلتايل الرغبة والتشوق للوصول إىل‬
‫احلل والنهاية‪ .‬وهذا ما جعل منه يشارك يف تسلسل األحداث‪ ،‬وابلتايل التجاوب مع النص‪ ،‬أي‬
‫حتقيق وظيفته التأثريية‪.‬‬
‫‪1"-Phileas Fogg, après avoir accompli ce voyage autour du monde,‬‬
‫‪arrivait avec un retard de cinq minutes !...‬‬
‫‪Il avait perdu"(1).‬‬
‫)‪(2‬‬
‫"لقد أكمل فيلياس فوج رحلته حول العامل‪ ،‬مع أتخري مخس دقائق‪...‬لقد خسر!!"‬
‫‪2- "Et maintenant, comment un homme si exact, si méticuleux, avait-il‬‬
‫)‪pu commettre cette erreur de jour ?(3‬‬
‫)‪(4‬‬
‫"واآلن‪ ،‬كيف لرجل حريص مثله أن يقع يف مثل هذه الغلطة؟ كيف كان ذلك؟"‬
‫‪3"-Certes on doit croire que cet homme était le capitaine Speedy ! Pas le‬‬
‫‪moins du monde. C’était Phileas Fogg. Esq"(5).‬‬

‫"من املفروض بكل أتكيد أن يكون الرجل هو القبطان سبيدي‪ ،‬لكنه مل يكن كذلك‪ .‬إنه‬
‫كان فيلياس فوج")‪.(6‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit,p335.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.353‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p352.‬‬
‫(‪)4‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.371‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p317.‬‬
‫(‪)6‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.326‬‬
‫‪124‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫يقوم الكاتب يف املثالني األول والثاين ابإلقرار عن خسارة السيد فوج للرهان‪ ،‬فيقطع بذلك‬
‫أمل القارئ يف هناية سعيدة ليعيده له مرة أخرى بطريقة جد مشوقة‪ .‬فيشرح كيف أخطأ السيد‬
‫فوج يف اليوم وكسب الرهان يف هناية املطاف‪ ،‬حيث أنه ربح يوما ابجتاهه حنو الشرق‪ .‬وهذا بعد‬
‫أن أاثر دهشة واستغراب القارئ اترة ابالستفهام واترة أخرى ابلتقدمي والتأخري‪ .‬الشيء الذي‬
‫حققته الرتمجة حيث كانت ترمجة حرفية وافية وإن مل تكن "تطابقا شكليا" مطلقا‪ ،‬كانت مستوفية‬
‫ملعىن األصل وشكله‪ ،‬مؤدية للوظيفة‪ .‬فقد أنتجت "التأثري الشامل" نفسه وخلقت عالقة تفاعلية‬
‫بني النص ومتلقيه‪.‬‬
‫أما املثال الثالث فقد وصف الكاتب قائد السفينة على أنه القبطان سبيدي‪ ،‬يف ظن‬
‫القارئ‪ ،‬دون ذكر امسه‪ ،‬وقبل أن يقر أبن هذا األخري قد مت حبسه يف غرفة واستخلفه السيد فوج‪.‬‬
‫فهنا أيضا يالحظ التقدمي والتأخري‪ .‬وما نعيبه على ترمجة هذا املثال يكمن فقط يف عدم الدقة يف‬
‫معادلة األزمنة‪ ،‬إذ ترجم‪ c’était :‬بـ‪" :‬إنه كان"‪ ،‬مما جعل اجلملة تبدو ثقيلة نوعا ما‪ ،‬حيث تلى‬
‫الفعل الناقص "كان"‪" ،‬إن" احلرف الناسخ‪ ،‬واملقرتح هو تعويضها حبرف العطف "بل" لتقرير ما‬
‫قبلها (مل يكن كذلك) وتثبيت ضده ملا بعدها (كان فيلياس فوج) وينتج ابلتايل‪:‬‬
‫‪ -‬من املفروض بكل أتكيد أن يكون هذا الرجل هو القبطان سبيدي‪ ،‬ولكن مل يكن‬
‫كذلك بل كان فيلياس فوج‪.‬‬
‫ومل يقتصر التقدمي والتأخري يف التقاطع والتداخل الزمين للبنية السردية العامة للرواية وإمنا تخلل‬
‫أيضا يف الفقرة الواحدة‪ ،‬مما جعل "الرتكيب الزمين احللزوين" أكثر دوراان‪ ،‬وابلتايل البنية اجلمالية‬
‫أكثر جاذبية‪ ،‬مشوقة شيقة‪ .‬واملثال التايل دليل على ذلك‪:‬‬
‫‪-" Le vieux rajah n’était donc pas mort, qu’on le vit se redresser tout à‬‬
‫‪coup, comme un fantôme soulever la jeune femme dans ses bras, descendre‬‬
‫‪du bûcher au milieu des tourbillons de vapeurs qui lui donnaient une‬‬
‫‪apparence spectrale ? (…) Mr.Fogg et sir Francis Cromarty étaient demeurés‬‬
‫‪debout. Le Parsi avait courbé la tête. Et Passepartout, sans doute, n’était pas‬‬
‫‪moins stupéfié!...‬‬

‫‪125‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪Ce ressuscité arriva ainsi près de l’endroit où se tenaient Mr. Fogg et Sir‬‬
‫‪Cromarty, et là d’une voix brève : "Filons"… dit-il. C’était Passepartout lui-‬‬
‫)‪même qui s’était glissé vers le bûcher au milieu de la fumée épaisse !"(1‬‬
‫"مل يكن األمري العجوز‪ ،‬عندئذ ميتا‪ ،‬بعد كل ذلك‪ .‬لقد شاهدوه وهو يهب واقفا فجأة‬
‫ويلتقط الفتاة يف ذراعيه وينزل من كومة اخلشب وهو حاملها من بني سحب الدخان (‪.)...‬وكان‬
‫مسرت فوج وسري فرانسيس يف حالة من االندهاش العظيم‪ .‬وأحىن اهلندي رأسه‪ ،‬وال بد أن ابسبارتو‬
‫كان يف حالة مشاهبة من االنبهار‪ .‬وجاء الرجل الذي بعث للحياة مرة أخرى‪ ،‬حامال الفتاة بني‬
‫ذراعيه مسرعا يف اجتاه املسافرين‪ ،‬واقرتب منهم قائال‪ :‬هيا بنا نذهب‪.‬‬
‫إنه ابسبارتو نفسه‪ .‬ففي أثناء الليل نزل متسلال من فرع الشجرة ورقد جبانب اجلثة وارتدى‬
‫السرتة الذهبية الطويلة")‪.(2‬‬
‫بعد فشل اخلطتني األوىل والثانية‪ ،‬خطط ابسبارتو‪ ،‬لوحده دون علم أصدقائه‪ ،‬حلل اثلث‬
‫متثل يف انتحال شخصية األمري املتوقي للهروب ابلفتاة "عودة" وإنقاذها من احلرق‪ .‬فكان تصوير‬
‫الكاتب هلذا املشهد جيعل منه حيا معاشا يوغل القارئ يف أعمق التفاصيل‪ ،‬فيحرك عواطفه ويثري‬
‫تفكريه‪ ،‬من دهشة (أكان األمري حيا؟)‪ ،‬وحرية (ماذا عن املسافرين؟) وليزيد من توريط القارئ‬
‫يتحدث عن حتمية دهشة ابسبارتو هو اآلخر حيال ما جيري‪ .‬مث يعود لرييح القارئ حني يقول‬
‫ابسبارتو املتنكر يف زي األمري خماطبا رفقائه‪ :‬هيا بنا نذهب‪.‬‬
‫ميكن القول أبن الرتمجة أدت "التأثري الشامل" ذاته لدى القارئ يف اللغة اهلدف‪ ،‬حيث‬
‫ولدت يف نفسه العواطف ذاهتا اليت جذبته واستدرجته وشدت انتباهه وجعلته يتفاعل مع النص‬
‫ويشد أنفاسه كي يتنفس الصعداء أخريا مع آخر مجلة مفسرة ملا جرى يف احلقيقة‪ ،‬إال بعض‬
‫اهلفوات على مستوى دقة املسلك اللغوي‪ :‬حيث جيب استحضار معادل فين خيدم النظام اللغوي‬
‫اهلدف أكثر مما يفعله احلرف‪ .‬كما أن املرتجم تغاضى عن األسلوب االستفهامي الذي غرضه‬
‫التشويق‪ .‬نالحظ أيضا بعض املعادالت اللفظية اليت مل يكن هلا العمق الداليل ذاته‪ .‬والتفخيم املربر‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Jules Verne, op.cit, p117.‬‬
‫(‪)2‬جول فرين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪126‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫إذ يقابلها على مستوى الشكل عبارة يف اللغة اهلدف‪ .‬أما اجلملة األخرية‬ ‫‪ressuscité‬‬ ‫يف لفظة‬
‫يف اللغة اهلدف فكانت عبارة عن إضافة قصد هبا التفسري املفصل ملا حدث‪ ،‬وتعترب إضافة غري‬
‫مربرة إذ جيب على املرتجم أال يستهني ابملتلقي اهلدف‪ ،‬حيث ميكنه مثلما أمكن للمتلقي األصل‬
‫فهم قصد الكاتب‪.‬‬
‫واملقرتح‪ - :‬أمل يكن األمري العجوز ميتا؟ فقد هب واقفا فجأة‪ ،‬التقط الفتاة ونزل من كومة‬
‫اخلشب وسط سحب الدخان يف هيأة طيف خميف كأنه شبح‪.‬‬
‫أحىن اهلندي رأسه‪ ،‬يف حني وقف مسرت فوج وسري فرانسيس يف اندهاش ال يقل عما قد‬
‫يكون عليه ابسبارتو‪ .‬وجاء األمري الذي بعث للحياة مرة أخرى‪ ،‬حامال الفتاة بني ذراعيه‪ ،‬مسرعا‬
‫يف اجتاه املسافرين‪ ،‬قائال‪ -:‬هيا بنا نذهب‪ .‬إنه ابسبارتو نفسه‪ .‬فقد تسلل ليال حنو احملرقة وسط‬
‫الدخان األسود‪.‬‬

‫لقد كانت ترمجة الرواية يف جمملها مؤدية ملضامني الرواية األصلية إىل حد ما‪ ،‬لكنها مل تؤد‬
‫وظائف النص الرحلي كلها‪ ،‬من إخبار وحتفيز ومجالية‪ ،‬حبيث أن النص الرحلي املرتجم اكتفى‬
‫ابإلخبار (السرد القصصي للرواية)‪ ،‬والتحفيز (التشويق)‪ ،‬مع حمدودية مجالية األسلوب‪ ،‬وأغفل‬
‫الغرض التعليمي من اإلخبار‪ ،‬والذي يعترب من خصائص النص الرحلي املهمة (الكم املعريف من‬
‫اتريخ وجغرافيا وإثنوغرافيا)‪.‬‬
‫وعلى الرغم من وجود "وحدات ترمجية مفرغة" أي وحدات ترمجية يف األصل مل يرد مقابل هلا‬
‫يف الرتمجة من جراء احلذف وهدم العبارات‪ ،‬مل يسجل تفاوت واضح بني حجم الرواية األصلية‬
‫والرواية املرتمجة حبيث تضمنت النسخة الفرنسية ‪ 356‬صفحة‪ ،‬والنسخة املرتمجة ‪ 378‬صفحة‪.‬‬
‫فقدمت الرتمجة نصا فقريا وأطول يف الوقت ذاته‪ ،‬ومرد ذلك أوال التقسيم الذي أحدثه املرتجم على‬
‫مستوى الفصول اليت كانت مبعدل ثالث (‪ )03‬فصول يف الرتمجة مقابال الفصل الواحد يف‬
‫األصل‪ ،‬إذ يتطلب كل فصل جديد صفحة جديدة ما أوجد فراغات بيضاء كثرية‪ .‬واثنيا يرتجم‬
‫الفقر يف الرتمجة بوجود دوال أقل فيها مقارنة مبا يوجد يف األصل‪ ،‬فيتعايش هذا النقصان مع‬
‫‪127‬‬
‫ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الزايدة يف الكم أو كتلة النص اخلام عن طريق التطويل‪ ،‬علما أن الكم شيء مهم ابلنسبة للنثر)‪،(1‬‬
‫وهذا ما يرتجم الطول يف الرتمجة‪.‬‬
‫لقد تراوحت ترمجة العناصر اللسانية والثقافية املتضمنة يف النص الرحلي بني إسرتاتيجي‬
‫التوطني والتغريب‪،‬حيث وطن املرتجم اترة وغرب اترة أخرى‪ ،‬وهذا ما يوضحه اجلدول التايل‪:‬‬

‫التغريب‬ ‫التوطني‬ ‫املكوانت اللسانية والثقافية‬


‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أمساء العلم‬
‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫اجملاز‬
‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫السخرية‬
‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫رؤى العامل‬
‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫اإلثنوغرافيا‬
‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫التشويق‬

‫جدول (‪ )6‬يوضح تواتر العناصر اللسانية والثقافية بني إستاتيجييت التوطني والتغريب‬

‫(‪ )1‬ينظر أنطوان برمان‪ ،‬الرتمجة واحلرف أو مقام البعد‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪128‬‬
‫خامتة‬
‫خ ـ ـ ـ ــامتة‬
‫خامتة‪:‬‬
‫خلص حبث الرحلة وأدهبا يف رحاب املقارابت الرتمجية إىل النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬حتمل كتب أدب الرحلة يف طياهتا قيمة فكرية تعليمية‪ ،‬وتتميز خبصائص فنية ينفتح فيها‬
‫اخلطاب على أجناس خمتلفة من سرد اترخيي ووصف جغرايف وأسلوب قصصي‪ ،‬يصور عربه‬
‫الرحالة ما شاهدوه من عادات وتقاليد وأعراف وسلوكات دينية وثقافية تعكس فكرة اآلخر‬
‫ورؤيته اخلاصة للعامل‪.‬‬
‫‪ -2‬استخدم الرحالة يف نقل املشاهد "الصورة"‪ ،‬البالغية منها والتشكيلية‪ ،‬واليت أتلقت من خالل‬
‫إاثرة املتلقي وتشويقه‪ ،‬معتمدة على الشعر اترة واالستفهام اترة أخرى‪ ،‬وكذا األسلوب الفين‬
‫الرامز‪ ،‬واملتمثل يف السخرية اليت أضفت روح الدعابة وقللت من حدة احلوادث املتأزمة‪ ،‬مما‬
‫يزيد النص متعة وتشويقا‪.‬‬
‫‪ -3‬يعد أدب الرحلة‪ ،‬مثله مثل الرتمجة‪ ،‬قناة مهمة من قنوات معرفة اآلخر وحضارته‪ .‬فقد واجه‬
‫الرحالة احلضارات وعايشوها‪ ،‬وقدموا من خالل كتاابهتم وصفا يعتمد على املشاهدة يف أدق‬
‫تفاصيل تلك احلضارات‪.‬‬
‫‪ -4‬يساهم كل من أدب الرحلة والرتمجة يف حوار احلضارات إىل درجة أنه مت تنقل وتوارث بعض‬
‫املكوانت الثقافية والعادات والتقاليد بني اجملتمعات دون أن نعرف ما إن كانت متأصلة حقا‬
‫يف حضاراهتم أم مت اكتساهبا من جمتمعات أخرى دون شعورهم‪.‬‬
‫‪ -5‬تربط بني الرتمجة والرحلة واإلثنوغرافيا عالقة وطيدة‪ ،‬هي عالقة عكسية تالزم فيها كل واحدة‬
‫األخرى وتستمد يف عملها منها‪ ،‬حبيث يعد الرحالة إثنوغرافيا حني يصف خصائص الشعوب‬
‫اليت زارها‪ ،‬ويعترب اإلثنوغرايف رحالة حني يتوجب عليه التنقل إىل اجملتمع حمل الدراسة‪ ،‬وكل‬
‫منهما يزاول الرتمجة لتجاوز العائق اللغوي يف سياق سفره‪ ،‬كما حتتاج الرتمجة لفهم املعاين‬
‫ذات اخللفيات الثقافية إىل الغوص يف أعماق الثقافة املرتجم منها‪ ،‬وإن مل تكن الرحلة فعلية‪،‬‬

‫‪130‬‬
‫خ ـ ـ ـ ــامتة‬
‫فإن املرتمجني يستندون‪ ،‬أو جيب عليهم أن يستندوا يف عملهم على دراسات اإلثنوغرافيني‬
‫وأدب الرحلة‪.‬‬
‫‪ -6‬إن أهم ما مييز النص الرحلي والنص الرحلى املرتجم خاصة هو تصادم الرؤى فيه‪ ،‬واهلوايت‬
‫الثقافية وكذا التعدد الثقايف‪ .‬كما تنشأ فيه عالقة بني الذات واآلخر تتأرجح ابملقارنة بني‬
‫التميز والقصور‪.‬‬
‫‪ -7‬تتضمن الرتمجة إعادة إنتاج األثر ذاته وخلق التواصل بني املرسل واملتلقي أي بني الكاتب‬
‫والقارئ وهلذا فعلى املرتجم أن أيخذ بعني االعتبار الصور النمطية الثقافية اليت يعج هبا النص‬
‫الرحلي‪ ،‬وكذا بعض الظواهر اليت ال توجد يف الثقافة اهلدف‪ ،‬مؤداي دور الوسيط الثقايف‪ ،‬إذ‬
‫يتموقع عمله ابعتباره مرتمجا يف نقطة تقاطع الثقافات ال داخل الثقافة الواحدة‪.‬‬
‫‪ -8‬لرتمجة الثقافة يف أدب الرحلة هناك إسرتاتيجيتني أساسيتني‪ :‬التوطني والتغريب‪.‬‬
‫فمهما اختلفت املقارابت الرتمجية إال أهنا تتوجه يف مضمون أغلبها يف شقني يصبان يف هاتني‬
‫اإلسرتاتيجيتني (التوطني والتغريب)‪.‬‬
‫‪ -9‬بدأت الرتمجة‪ ،‬مع ما نشاهده اليوم من عوملة‪ ،‬تتخلص شيئا فشيئا من كثرة التصرف‬
‫والتوطني‪ ،‬وأصبحت تنحاز إىل الرتمجة احلرفية اليت تغريت الفكرة السائدة عنها سابقا وأصبح‬
‫إبمكان املتلقي اليوم أن يقرأ األصل ويتأقلم مع العوامل األجنبية فيه‪ ،‬وإن كانت غريبة عن‬
‫عاداته اللغوية والثقافية‪ ،‬وهذا ما قد يثري رصيده املعريف‪.‬‬
‫‪ -10‬إن هذه العوامل األجنبية والغريبة جتعل املؤلف‪ ،‬الذي ينتمي إىل نظام لغوي مغاير مثريا‬
‫لالهتمام وممتعا أيضا وإنه ملن املهم واملمتع يف اآلن ذاته أن نتعلم أشياء كنا جنهلها عن أقوام‬
‫وثقافات أخرى‪.‬‬
‫‪ -11‬عندما نرتجم نصا رحليا إىل لغة أخرى يف ثقافة أخرى‪ ،‬يكون من الضروري األخذ بعني‬
‫االعتبار ما قد ال يفهمه اجلمهور املتلقي‪ ،‬ودون االبتعاد عن األصل ميكن إنتاج نص يف‬
‫متناول قارئ الثقافة املستقبلة الذي جيب أن حيس أبجنبية النص اليت يسعى املرتجم إىل‬

‫‪131‬‬
‫خ ـ ـ ـ ــامتة‬
‫احملافظة عليها وعدم التنكر للغة والثقافة القادم منها‪ ،‬وإن كان جيب أال حيس أبن النص‬
‫ُمرتجم‪.‬‬
‫‪ -12‬مبا أنه من االختالف وجدت الرتمجة‪ ،‬فإهنا وإن مل تكن سهلة‪ ،‬ليست مستحيلة‪ .‬وهلذا‬
‫يتعني على املرتجم إجياد احلل األمثل لكل حالة واتخاذ القرار األجنع يف أي اإلسرتاتيجيتني‬
‫يتبع‪ ،‬من أجل ترمجة وافية مستوفية ملعاين األصل وشكله‪.‬‬
‫‪ -13‬هناك دائما طريقة نعرب هبا عن فكرة ما‪ ،‬أما يف حالة انعدامها يف الثقافة املستقبلة‪ ،‬فال‬
‫يتعلق األمر ابلرتمجة وإمنا إبدخال مفهوم جديد يف تراث ثقايف موجود فيمكن إثراء املفاهيم‬
‫بتقدمي شرح قبل إثراء اللغة بتقدمي كلمات جديدة‪.‬‬
‫ومن هذا خنلص إىل أن التفاوض الذي حتدث عنه امربتو إيكو هو احلل األجنع‪ ،‬فاملرتجم‬
‫اجليد هو الذي جييد التفاوض بني متطلبات عامل األصل لكي يصب يف عامل الوصول‪.‬‬
‫فهذا التفاوض هو الذي حيدد خيارات املرتجم من توطني أو تغريب أو حذف‪ .‬وابلتايل يف‬
‫كل ترمجة يضيع شيئا ليكتسب شيئا آخر‪ ،‬ال ربح بدون خسارة‪.‬‬
‫وهدف عملية التفاوض هو إنتاج التأثري ذاته‪ ،‬وعلى خيارات وقرارات املرتجم أن حترتم النص‬
‫األصل وثقافته وكذا الثقافة املستقبلة‪.‬‬
‫‪ -14‬تتم ترمجة أدب الرحلة إذن ابالستناد إىل التواتر بني اإلسرتاتيجيتني‪ ،‬أي اترة تغريب‬
‫للتعريف ابلغري األجنيب املختلف والغريب ألن "السفر وعد ابلتغيري"‪ ،‬واترة أخرى توطني‬
‫إبجياد املكافئ وتطويعه مبا يناسب الثقافة املستقبلة من أجل إفهام اجلمهور املتلقي‪.‬‬
‫‪ -15‬التأويل إذن هو املقاربة األنسب لرتمجة أدب الرحلة‪ ،‬ألهنا تنطوي على التناوب بني‬
‫التقابالت‪ ،‬فتكون أمينة للحرف عندما يتعلق األمر أبمساء العلم واملصطلحات الفنية‪ ،‬وبني‬
‫التعادالت لنقل الروح بربط العالمات اللغوية ابملكمالت املعرفية‪ .‬وهدفها "أن جتلب‬
‫للقارئ األجنيب معارف عن عامل ليس عامله دون أن يكفي ذلك لردم املسافة بني العاملني‬
‫متاما‪ ،‬فيحفظ املرتجم ما يدعى ابملرجعي املغاير‪ ،‬وذلك بتوصيله حتت أشكال مفهومة"‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫خ ـ ـ ـ ــامتة‬
‫ومن خالل ما سبق‪ ،‬فإن البحث يقدم التوصيات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ملا حتمله هذه الرحالت من قيمة فكرية وتعليمية ومجالية تعتمد على اإلاثرة والتشويق‪،‬‬
‫فحبذا لو أدرجت مقتطفات منها ضمن مناهج التعليم‪.‬‬
‫‪ -‬وللخلط الكائن بني أدب الرحالت وكتب الرتاجم واملسالك واجلغرافيا والتاريخ‪ ،‬يدعو‬
‫البحث إىل ضرورة النظر يف هذا األدب والسيما يف أدبيته من أجل تصنيفه ومتييزه عن‬
‫ابقي املؤلفات‪.‬‬
‫كما يفتح هذا البحث آفاقا جديدة لدراسة ترمجة خصائص أدب الرحالت بشيء من‬
‫التفصيل‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي آليات ترمجة السخرية يف أدب الرحلة ؟‬
‫‪ -‬ما مدى جناعة الرتمجة الوظيفية يف التعامل مع عنصر التشويق يف الرحلة ؟‬
‫‪ -‬ما إمكانية مسامهة ترمجة رؤى العامل يف حوار احلضارات ؟‬

‫‪133‬‬
‫املالحـ ـ ـ ـ ــق‬
‫املالح ـ ـ ـ ـ ـ ـق‬
‫امللحق رقم ‪:01‬‬

‫‪135‬‬
‫املالح ـ ـ ـ ـ ـ ـق‬
‫امللحق رقم‪:02‬‬
‫اجلدول الزمين املقتح‪:‬‬

‫امل ّدة الزمنية‬ ‫وسيلة النقل‬ ‫من و إىل‬


‫بواسطة قطار‪ ،‬وعرب البحر املتوسط بواسطة‬
‫‪ 7‬أايم‬ ‫من لندن إىل السويس (يف مصر)‬
‫ابخرة‬
‫سفينة خبارية عرب البحر األمحر و احمليط‬
‫‪ 13‬يوما‬ ‫من السويس إىل بومباي (اهلند)‬
‫اهلندي‬
‫‪ 3‬أايم‬ ‫قطار‬ ‫من بومباي إىل كلكتا (اهلند)‬
‫‪ 13‬يوما‬ ‫سفينة خبارية عرب حبر الصني اجلنويب‬ ‫من كلكتا إىل هونغ كونغ‬
‫سفينة خبارية عرب حبر الصني اجلنويب والشرقي‬ ‫من هونغ كونغ إىل يوكوهاما‬
‫‪ 6‬أايم‬
‫من خالل احمليط اهلادي‪.‬‬ ‫(الياابن)‬
‫من يوكوهاما إىل سان‬
‫‪ 22‬يوما‬ ‫سفينة خبارية عرب احمليط اهلادي‪.‬‬
‫فرانسيسكو (و‪.‬م‪.‬أ)‬
‫من سان فرانسيسكوا إىل نيويورك‬
‫‪ 7‬أايم‬ ‫قطار‬

‫سفينة خبارية عرب احمليط األطلسي مث قطار‬


‫‪ 9‬أايم‬ ‫من نيويورك إىل لندن‬
‫من ليفربول‬
‫‪ 80‬يوما‬ ‫اجملمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع‬

‫‪136‬‬
‫املالحـ ـ ـ ـق‬
‫امللحق رقم ‪:03‬‬

‫‪137‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫املصادر واملراجع ابللغة العربية‪:‬‬

‫‪ ‬القرآن الكرمي‬
‫‪ ‬اسكاربيت روبري‪ ،‬الفكاهة‪ ،‬ت‪ .‬هدى علي مجال‪ ،‬املكتبة العاملية‪ ،‬دار املستقبل العريب‪ ،‬دت‪،‬‬
‫دط‪.‬‬
‫‪ ‬العيس سامل‪ ،‬الرتمجة يف خدمة الثقافة اجلماهريية – دراسة‪ ،-‬إحتاد الكتاب العرب‪،1999 ،‬‬
‫د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪ ‬القامسي علي‪ ،‬الرتمجة وأدواهتا‪ ،‬مكتبة لبنان انشرون‪ ،‬بريوت‪ ،2009 ،‬ط‪.1‬‬
‫املوايف انصر عبد الرزاق‪ ،‬الرحلة يف األدب العريب حىت هناية القرن الرابع اهلجري‪ ،‬أدب‬ ‫‪‬‬
‫الرحالت‪ ،‬دار النشر للجامعات املصرية مكتبة الوفاء‪1415 ،‬ه‪1995 /‬م‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫النساج سيد حامد‪ ،‬مشوار كتب الرحلة (قدميا وحديثا)‪ ،‬دار غريب للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫د‪.‬ط‪.‬‬
‫إيكو أمربتو‪ ،‬القارئ يف احلكاية‪ ،‬ت‪.‬أنطوان أبوزيد‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املغرب‪،1996 ،‬ط‪1‬‬
‫حبري حممد األمني‪ ،‬أمهية الرتمجة وشروط إحيائها‪ ،‬مطبعة دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ 2007،‬د‪.‬ط‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬برمان أنطوان‪ ،‬الرتمجة واحلرف أو مقام البعد‪ ،‬ت‪.‬عز الدين اخلطايب‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2010 ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ ‬حسن حممود حسني‪ ،‬أدب الرحلة عند العرب‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬بريوت‪ ،1983 ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ ‬حسني حممد فهيم‪ ،‬أدب الرحالت‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،1989 ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪ ‬حسني طه‪ ،‬حديث األربعاء‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ، 1993 ،‬ط‪.14‬‬
‫‪ ‬صحراوي إبراهيم‪ ،‬حتليل اخلطاب األديب‪ ،‬دار اآلفاق‪ ،‬اجلزائر‪ ،2003 ،‬ط‪.3‬‬
‫‪ ‬صالح فضل‪ ،‬مناهج النقد املعاصر‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪.‬‬
‫‪ ‬ضيف شوقي‪ ،‬فنون األدب القصصي‪ ،‬الفن القصصي‪ ،‬الرحالت‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫‪ ‬عبد الواحد عمر‪ ،‬السرد والشفهية‪ ،‬دار اهلدى للنشر والتوزيع‪ ،2003 ،‬ط‪.1‬‬

‫‪139‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫‪ ‬عصفور حممد‪ ،‬دراسات يف الرتمجة ونقدها‪ ،‬دار فارس للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،2009‬ط‪.1‬‬
‫‪ ‬عالن نسيمة‪ ،‬أمهية الرتمجة وشروط إحيائها‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،2007 ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪ ‬عناين حممد‪ ،‬الرتمجة األدبية بني النظرية والتطبيق‪،‬الشركة املصرية العاملية للنشر‪ -‬لوجنمان‪،‬‬
‫مصر‪ ،2003،‬ط‪.2‬‬
‫‪ ‬عيساين حممد‪ ،‬التأويل والرتمجة‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،2009 ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ ‬غينتسلر إدوين‪ ،‬يف نظرية الرتمجة‪ ،‬اجتاهات معاصرة‪ ،‬ت‪ .‬سعد عبد العزيز مصلوح‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ط‪1‬‬
‫‪ ‬فرح فايزة‪ ،‬رحالت وحكاايت‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،1990 ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ ‬فضل صالح‪ ،‬مناهج النقد املعاصر‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ ‬فهيم حسني‪ ،‬أعالم اجلغرافيني العرب حياهتم ورحالهتم‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪.‬‬
‫‪ ‬فرين جول‪ ،‬حول العامل يف مثانني يوما‪ ،‬ت‪ .‬صربي الفضل‪ ،‬اهليئة العامة للكتاب‪1998 ،‬‬
‫‪ ‬قنديل فؤاد‪ ،‬أدب الرحلة يف الرتاث األديب‪ ،‬مكتبة الدار العربية للكتاب ‪ ،2002 ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ ‬كرونني مايكل‪ ،‬الرتمجة والعوملة‪ ،‬ت‪.‬حممود منقذ اهلامشي‪ ،‬عبد الودود بن عامر العمراين‪ ،‬الدار‬
‫العربية للعلوم‪ ،‬انشرون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2010 ،‬ط‪.1‬‬
‫لودورير مارراين‪ ،‬الرتمجة النموذج التأويلي‪ ،‬ت‪.‬فايزة القاسم‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،2012‬ط‪1‬‬
‫لودورير ماراين ‪ -‬سيليسكوفيتش دانيكا‪ ،‬التأويل سبيال على الرتمجة‪ ،‬ت‪ .‬فايزة القاسم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املنظمة العربية للرتمجة بريوت‪ ،2009 ،‬ط‪.1‬‬
‫موانن جورج‪ ،‬املسائل النظرية يف الرتمجة‪ ،‬ت‪.‬لطيف زيتوين‪ ،‬دار املنتخب العريب‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،1994‬ط‪.1‬‬
‫نورد كريستياان‪ ،‬حتليل النص يف الرتمجة‪ ،‬ت‪ .‬حميي الدين علي محيدي‪ ،‬النشر العلمي واملطابع‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2009 ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪ ‬هنري ابجو دانيال‪ ،‬األدب العام و املقارن‪ ،‬ت‪ :‬غسان السيد‪ ،‬إحتاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ط‪.1‬‬

‫‪140‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫اجملالت والدورايت‪:‬‬

‫‪ ‬التمارة عبد الرمحن‪ ،‬من نقطة التحويل إىل دائرة املثاقفة‪ ،‬جملة فكر ونقد‪ ،‬منرب حممد عابد‬
‫اجلابري‪ ،‬العدد ‪.86‬‬
‫‪ ‬الشاعر صاحل‪ ،‬ظاهرة احلذف يف النحو العريب‪ ،‬امللتقى الرتبوي‪ ،‬اللغة العربية ‪2008/09/15،‬‬
‫‪ ‬املصلى‪ ،‬احملرر الثقايف‪ ،‬سياحة اترخيية يف أدب الرحالت على ضفاف الثقافة العربية‪ ،‬الوسط‪،‬‬
‫العدد ‪.2003/02/148،01‬‬
‫‪ ‬بن عبد هللا األخضر‪ ،‬إشكاليات ترمجة العنوان‪...‬قراءة يف عناوين‪ ،‬جريدة املؤمتر‪،‬‬
‫‪2007/20/07‬‬
‫‪ ‬جهوري بدر‪ ،‬إعادة إحياء اجلمال‪ :‬قراءة يف ترمجة فهد السعيدي لرواية‪ :‬ساحر أوز عجيب‪،‬‬
‫يومية الوطن‪ ،‬اليمن‪ 19 ،‬جانفي ‪.2014‬‬
‫‪ ‬زيتوين لطيف‪ ،‬السيميولوجيا واألدب‪ ،‬جملة عامل الفكر‪ ،‬مج ‪ ،24‬ع‪ ،3‬الكويت‪.1996 ،‬‬
‫‪ ‬سعد حممد‪ ،‬اخلرب واإلنشاء‪،‬أسلوب االستفهام دراسة بالغية‪،‬شبكة ضفاف لعلوم اللغة‬
‫العربية‪.2010/04/09 ،‬‬
‫‪ ‬سالمي عبد القادر‪ ،‬الرتمجة يف ضوء رؤية العامل و ثقافة النص‪ ،‬جملة دراسات العامل‬
‫اإلسالمي‪7،‬مارس‪.2014‬‬
‫‪ ‬عبد الرمحن فاطمة‪ ،‬التشويق يف األعمال السردية‪ ،‬ساحة إلاثرة تفكري القارئ‪ ،‬جسد الثقافة‪،‬‬
‫‪.2010/05/19‬‬
‫‪ ‬عبود التميمي فاضل‪ ،‬قراءة يف كتاب سرد الذات‪ ،‬جملة الرافد‪ ،‬حكومة الشارقة‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ ‬حممد عبد هللا اندية‪ ،‬الرحلة بني الواقع واخليال يف أدب أندريه جيد‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬وزارة‬
‫اإلعالم‪ ،‬الكويت‪ ،‬اجمللد‪ ،13:‬العدد‪ ،4:‬مارس‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ ‬مودن عبد الرحيم ‪ ،‬حول أدبية الرحلة‪ ،‬كلية اآلداب و العلوم اإلنسانية‪ ،‬القنيطرة‪.‬‬
‫‪ ‬مودن عبد الرحيم ‪ ،‬رحلة أدبية أم أدبية الرحلة؟ جملة فكر ونقد‪ ،‬منرب حممد عابد اجلابري‪،‬‬
‫العدد ‪.20‬‬
‫‪ ‬ودغريي حممد‪ ،‬الرحلة وخرق صفاء النوع‪ ،‬أنفاس نت‪.‬من أجل ثقافة اإلنسان‪،‬‬
‫‪.2013/10/20‬‬
‫‪141‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
:‫الرسائل اجلامعية‬

‫ حبث مقدم لنيل درجة‬،)‫ االرحتال يف الشعر اجلاهلي (دراسة نقدية‬، ‫ سلمان علي العليان وفاء‬
‫ جامعة‬،‫ كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬،‫األدب والنقد‬/‫ اللغة العربية‬،‫املاجستري يف اآلداب‬
.2011 ،‫ جدة‬،‫امللك سعود‬
،‫ مذكرة لنيل شهادة املاجستري يف الرتمجة‬،‫ ترمجة أمساء األعالم يف القرآن الكرمي‬،‫ صايفي منري‬
2010/2009 ،‫ قسنطينة‬،‫جامعة منتوري‬
‫ ماجستري‬،‫ أدب الرحلة يف اململكة العربية السعودية‬،‫ عبد هللا بن أمحد بن حامد آل محادي‬
.1997 ،‫جبامعة أم القرى يف األدب‬

:‫املعاجم واملوسوعات‬

‫ طبعة دار املعارف‬،‫ لسان العرب‬،‫ ابن املنظور‬


. 2‫ ط‬،1984 ،‫ بريوت لبنان‬،‫ دار العلم للماليني‬،‫ املعجم األديب‬،‫ جبور عبد النور‬
‫ اململكة العربية‬،‫ الرايض‬،‫ مؤسسة أعمال املوسوعة للنشر والتوزيع‬،‫ املوسوعة العربية العاملية‬
.11‫ مج‬،2‫ ط‬،1999/1419 ،‫السعودية‬

:‫املراجع ابللغات األجنبية‬


 Amaru Elisa, Ecrire le voyage. De Montaigne à Le Clézio, sous la
direction de Sylvain venayre,La cause littéraire, le 15.04.2014.
 Article extrait de l’ouvrage Larousse dictionnaire mondiale de littérature
.roman d’aventure larousse.fr.
 Ballard Michel, Le nom propre en traduction, paris, Ophrys, 2001.
 Baroni Raphaèl, La valeur littéraire du suspense,revue a contrario,
(vol.2),BSN Press.2004.
 Lalbila Aristide yoda, La traduction médicale du français vers le mooré et
le bisa, University Labrary Groningen,Host, 2005.
 Berman, Antoine, L’épreuve de l’étranger, Gallimard, 1984, Paris.
 Buzelin Hélène, la traductologie, l’ethnographe et la production des
connaissances, Meta: journal des traducteurs, volume 49,numéro 4,
décembre 2004.
 Catford J.C., A linguistic theory of translation, Oxford University Press,
Great Britain, 1965, 1st published
142
‫قائمة املصادر واملراجع‬
 Dabaghi Azizollah and Bagheri Mohammad, The Issue of translating
culture : a literary case in focus, theory and practice in language studies,
vol.2.N°1, january 2012, academy publisher, Manufactured in Finland.
 Demeulenaere Alex ,Le récit de voyage français en Afrique noire (1830-
1931) : Essais de scénographie. Lit Verlag Dr. W. Hopf. Berlin, 2009.
 Depretre Evelyne, Le récit de voyage : quête historique et définitoire,
Mémoire de recherche, Université de Québec à Rimouski, Février 2011
 Ferré Vincent, Traduire l’ironie, Fabrile, Mars 2009
 Guidère Mathieu, Introduction à la traductologie, Groupe de Boeck,
Bruxelles, 2010, 2ème éd.
 Harvey Bernard, «Des outils pour apprécier le roman d’aventures en
classe » Québec français, n°139, 2005.
 Hamdi Abdelazim, L’Egypte dans voyage en orient de Gérard de Nerval
et la France dans l’or de Paris de Rifaa Al Tahtaur, These du Doctorat en
étude littéraires, Avril 2008, Université du Québec, Montréal
 Hatim Bassil, and Mason Ian, The translator as communicator,
Firstpublished 1997, Routledge, New York
 Legran Marie-Noelle, Travailler le roman d’aventures au CIII, CPD
Maitrise de la langue, Cantal, 2008-2009.
 Letissier Georges, The pope’s rhinoceros de Lawrence Norfolk ou
l’aventure de l’écriture dans un roman historique postmoderne. Université
de Bordeaux 3 juillet 2008.
 Letourneux Matthieu, Le roman d’aventures : présentation, auteurs,
historique, genres, feuilletons, Roman-daventures.com
 Lievois Katrien, Traduire l’ironie : entre réception et production, l’ironie
aujourd’hui : lectures d’un discours oblique. Etudes réunies par Mustapha
Trabelsi. presses Universitaires Blaise Pascal, France,2006.
 Michel Butor, Le voyage et l’écriture – Romantisme, n°4, 1972.
 Newmark Peter, approaches to translation, illustrée, 1988, numérisé en
2011.
 Pedersen Jan, How is cultutre rendering subtitles ? Mutra2005, Chalenge
of multidimensional translation : conference proceedings
 Conférence à l’université de Marcerata, École doctorale Politique,
éducation, et formation aux langues et cultures de la Faculté des Sciences
Juridiques et Sociales, Récit (s) de voyage et caractérisation de
l’i(I)nconnu, 5e séminaire extraordinaire; novembre 2002.
 Roberts Rod P., Hieronynus Towards a typologie of translations,
Centrovirtual Gérantes.
 Verne Jules, L’Ile mystérieuse, p231, Arvensa éditions, 2014.
 Verne Jules, Le tour du monde en quatre- vingt jours, éditions du group
"Ebooks libres et gratuits",2004

143
‫قائمة املصادر واملراجع‬
:‫املواقع االلكتونية‬

eqtibas.com/author/543 ،‫كوم‬.‫ اقتباس‬،‫ اقتباسات وأقوال‬


‫ الصورة‬،‫ جامعة الدلنج‬،‫ كلية الرتبية‬،‫ أستاذ البالغة والنقد‬،‫ حسن عجب الدور حسن السلك‬
.https://uqu.edu.sa/page/ar/185232 ،‫الفنية معيارا نقداي‬
. amicheabdelkader.com ،‫ أدبية النص ومجالية التلقي‬،‫ عميش عبد القادر‬

 http://books.google.com/books.
 roman-daventures.com
 www.atida.org
 www.larousse.fr
 www.wikipedia.org
 https://uqu.edu.sa/page/ar/185232 .
 Des expressions et leurs personnages, www.dixel.fr/peif/des-expressions-
et-leurs-personages-pdf
 www.erudit.org.
 Meltseva Polina, la difficulté de traduire l’ironie,2013,http://archive-
ouverte.unige .ch/unige.ch /unige :30861.
 Sherry Simon, Excursions ethnologiques : contextes pour penser les
pouvoirs de la traduction. http : id.erudit.org/iderudit/037015ar
 Sobhy Camélia, la traduction du nom propre, www.atida.org
 Suspense strategies, www.galyakay.com/suspense.html
 Veronique Magri Mourgues ,L’écrivain-voyageur au xixe siecle: du récit
au parcours initiatique
http://halshs.archives_ouvertes.fr/docs/00/59/64/62/pdf/du_ra_cit_de_voy
age_au_parcours_inititatique.

144
‫قائمة األشك ـ ـ ـ ـ ــال‬
‫الصفحة‬ ‫عنوان الشكـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫رقم الشكل‬
‫‪08‬‬ ‫الفرق بني أدب الرحلة واألدب اجلغرايف واجلغرافيا الوصفية‬ ‫‪01‬‬
‫‪10‬‬ ‫أنواع أدب الرحالت‬ ‫‪02‬‬
‫‪13‬‬ ‫خصائص رواية املغامرة‬ ‫‪03‬‬
‫‪14‬‬ ‫خصائص شخصيات رواية املغامرة‬ ‫‪04‬‬
‫‪21‬‬ ‫دواعي الرحالت قبل وبعد اإلسالم‬ ‫‪05‬‬
‫‪26‬‬ ‫أبرز مؤلفات أدب الرحالت عند العرب‬ ‫‪06‬‬
‫‪31‬‬ ‫الرحلة بني األدب واألدبية‬ ‫‪07‬‬
‫‪32‬‬ ‫السفر بني القصدية والتسجيل‬ ‫‪08‬‬
‫‪35‬‬ ‫الرحلة فن بصري‬ ‫‪09‬‬
‫‪38‬‬ ‫الرحلة بني السردية والوصفية‬ ‫‪10‬‬
‫‪44‬‬ ‫العالقة ترمجة‪/‬رحلة‬ ‫‪11‬‬
‫‪46‬‬ ‫العالقة مرتجم‪/‬رحالة‬ ‫‪12‬‬
‫‪49‬‬ ‫ثنائيات (‪ )dichotomies‬الرتمجة األدبية‬ ‫‪13‬‬
‫‪52‬‬ ‫تصادم الرؤى يف ترمجة أدب الرحلة‬ ‫‪14‬‬
‫‪56‬‬ ‫العالقة مرتجم‪/‬رحالة‪/‬إثنوغرايف‬ ‫‪15‬‬
‫‪57‬‬ ‫العالقة ترمجة‪/‬سخرية‬ ‫‪16‬‬
‫‪60‬‬ ‫خاصيات اسم العلم‬ ‫‪17‬‬
‫‪68‬‬ ‫مقاربة نيدا بني التوطني والتغريب‬ ‫‪18‬‬
‫‪69‬‬ ‫مقاربة نيومارك بني التوطني والتغريب‬ ‫‪19‬‬
‫‪71‬‬ ‫مقاربة برمان بني التوطني والتغريب‬ ‫‪20‬‬
‫‪73‬‬ ‫النظرية التأويلية بني التوطني والتغريب‬ ‫‪21‬‬
‫‪74‬‬ ‫خمطط يوضح توجه املقارابت الرتمجية حنو إسرتاتيجية التوطني أو التغريب‬ ‫‪22‬‬
‫‪78‬‬ ‫الرتمجة فعل تواصلي‬ ‫‪23‬‬
‫‪88‬‬ ‫خمطط يوضح أهم اسرتاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬ ‫‪24‬‬
‫قائمة اجل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداول‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان اجل ـ ـ ـ ـ ـ ــدول‬ ‫رقم اجلدول‬

‫‪93‬‬ ‫بعض األمثلة عن ترمجة أمساء الشخصيات الثانوية يف الرواية‬ ‫‪01‬‬

‫‪94‬‬ ‫بعض األمثلة عن ترمجة األمساء اجلغرافية‬ ‫‪02‬‬

‫‪95‬‬ ‫بعض األمثلة عن ترمجة املراجع الثقافية وطريقة ترمجتها‬ ‫‪03‬‬

‫‪96‬‬ ‫تعدد األلفاظ يف لغة مع حمدوديتها يف لغة الثقافة املرتجم إليها‬ ‫‪04‬‬

‫‪96‬‬ ‫أمثلة عن ترمجة األمساء الشرفية‬ ‫‪05‬‬

‫‪128‬‬ ‫تواتر العناصر اللسانية والثقافية بني إسرتاتيجييت التوطني والتغريب‬ ‫‪06‬‬

‫‪146‬‬
‫الفه ـ ـ ـ ـ ـ ـرس‬

‫الفهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرس‬
‫اإلهداء‬
‫الشكر والعرفان‬
‫املقدمة‪01 .....................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬عن أدب الرحلة‬
‫‪07‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬املضمون الفكري‪.........................................................‬‬
‫‪07‬‬ ‫‪ -1‬مفهوم أدب الرحالت‪..................................................................‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪ -2‬أدب الرحالت‪ ،‬املغامرة‪ ،‬الرواية‪.........................................................‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪ -1-2‬مفهوم املغامرة‪.....................................................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -2-2‬أدب الرحالت‪ ،‬املغامرة‪ ،‬الرواية‪ :‬متعن يف العالقة‪...................................‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -3-2‬رواية املغامرة‪.......................................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -3‬أدب الرحالت يف ظل الدراسات النقدية‪...............................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬نبذة اترخيية عن أدب الرحالت‪...........................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫‪ -1‬عند العرب‪ :‬نشأته وتطوره وأهم مؤلفوه‪................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫‪ -1-1‬قبل اإلسالم‪........................................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪ -2-1‬اإلسالم والرحلة‪.....................................................................‬‬
‫‪24‬‬ ‫‪ -3-1‬العصر احلديث‪......................................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪ -2‬عند الغرب‪ :‬نشأته وتطوره وأهم مؤلفوه‪................................................‬‬
‫‪29‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬دراسة أسلوبية‪...........................................................‬‬
‫‪29‬‬ ‫‪ -1‬أدبية الرحلة‪............................................................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -2‬خصائص أدب الرحلة‪..................................................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫‪ -1-2‬الصورة الفنية‪........................................................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪ -2-2‬النزعة القصصية‪.....................................................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪ -3-2‬الطرفة األدبية‪.......................................................................‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪ -4-2‬الرؤى النقدية‪......................................................................‬‬
‫الفه ـ ـ ـ ـ ـ ـرس‬
‫الفصل الثاين‪ :‬استاتيجيات ترمجة أدب الرحلة‬
‫‪43‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬الرتمجة والرحلة‪............................................................‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ -1‬الرتمجة‪ ،‬إسرتاتيجية تواصل يف الرحلة‪...................................................‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ -1-1‬الرتمجة ‪ /‬الرحلة‪...................................................................‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ -2-1‬مرتجم ‪ /‬رحالة‪...................................................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪ -3-1‬الرتمجة يف خدمة الرحلة‪..........................................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪ -2‬مشاكل ترمجة أدب الرحلة‪.............................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -1-2‬التداخل الثقايف‪...................................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -1-1-2‬الرتمجة ورؤية العامل‪.............................................................‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ -2-1-2‬الرتمجة واإلثنوغرافيا‪............................................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪ -3-1-2‬الرتمجة والسخرية‪..............................................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬الرحلة يف رحاب املقارابت الرتمجية‪........................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪ -1‬ترمجة األمساء يف كتب الرحالت‪........................................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪ -1-1‬مشاكل ترمجة األمساء‪......................................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪ -2-1‬طرق ترمجة اسم العلم‪......................................................‬‬
‫‪65‬‬ ‫‪ -2‬ترمجة البعد الثقايف يف أدب الرحالت‪...................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪ -1-2‬نيدا ونظرية التكافؤ‪...............................................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪ -2-2‬الرتمجة الداللية والرتمجة التواصلية عند نيومارك‪.....................................‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪ -3-2‬برمان والتمركز العرقي‪.............................................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ -4-2‬النظرية التأويلية‪....................................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬رحلة التشويق بني عاملني‪.................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫‪ -1‬التشويق يف أدب الرحالت‪.............................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ -2‬مجالية التلقي‪...........................................................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ -3‬املقارابت التواصلية الوظيفية يف الرتمجة‪..................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫‪ -1-3‬نظرية رايس )‪ (Reiss‬ألمناط النصوص‪............................................‬‬
‫الفه ـ ـ ـ ـ ـ ـرس‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -2-3‬نظرية الغرض‬
‫‪................................................................... Skopos‬‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -1-2-3‬مقاربة فريمري ‪...................................................... Vermeer‬‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -2-2-3‬مقاربة نورد ‪............................................................ Nord‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ -3-2-3‬مقاربة حامت ومايسن ‪..................................... Hatim et Mason‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ترمجة رواية "حول العامل يف مثانني يوما" ‪ -‬دراسة تطبيقية‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -1‬املدونة‪.................................................................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -1-1‬التعريف ابلكاتب‪.................................................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -2-1‬التعريف ابملدونة‪..................................................................‬‬
‫‪86‬‬ ‫‪ -3-1‬ملخص املدونة‪...................................................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪ -2‬دراسة حتليلية نقدية للمدونة‪...........................................................‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪ -1-2‬ترمجة العناوين‪.....................................................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫‪ -2-2‬ترمجة أمساء العلم‪..................................................................‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪ -3-2‬ترمجة اجملاز‪........................................................................‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪ -4-2‬ترمجة التعابري الساخرة‪.............................................................‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪ -5-2‬ترمجة رؤى العامل‪..................................................................‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪ -6-2‬ترمجة اإلثنوغرافيا واملكوانت الثقافية‪...............................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪ -7-2‬ترمجة التشويق‪.....................................................................‬‬
‫‪129‬‬ ‫اخلامتة ‪......................................................................................‬‬
‫‪134‬‬ ‫املالحق‪.....................................................................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫قائمة املصادر واملراجع‪..............................................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫قائمة األشكال‪.............................................................................‬‬
‫‪146‬‬ ‫قائمة اجلداول‪...............................................................................‬‬
Résumé :

Le récit de voyage est un genre littéraire qui, se caractérisant de


la non-clôture permanente, a donné lieu à de multiples récits
potentiels, le roman d’aventure entre autre. Il adopte un vaste
répertoire de thèmes et de sujets, synthétisant Histoire, géographie,
ethnographie et poésie, variant ainsi le discours entre l’authenticité et
la fiction, la narration et la description, l’humour et le suspense. Cette
hétérogénéité (hybridité de sa composition) a fait du récit viatique à la
fois un récit divertissant et instructif, mais elle a posé,
paradoxalement, la question de sa classification et son acceptation en
tant que genre littéraire à part entière.

L’autre et le Moi, s’affrontent continuellement dans le récit de


voyage, « l’exote qui, pour être approché doit cependant être encore
ramené au Même », car au moment de son déplacement, l’écrivain-
voyageur raconte son expérience dans un ailleurs, sa rencontre avec le
monde, ce qui l’induit à se mesurer et à se démesurer à l’équation
créée par le champ de différences entre un savoir préalable, un vécu,
une culture et une réalité donnée, un constat, entre l’ici et le là-bas.

Le récit de voyage, comme la traduction, assume le rôle du


médiateur, du pont de liaison culturel entre deux mondes différents,
découvrir et se faire découvrir en faisant le transfert de phénomènes et
de stéréotypes culturels qui n’existent pas dans le pays d’origine
(source) ou dans la culture de destination (cible). Donc, leur travail se
situe entre les intersections qui se tissent entre les cultures et non au
sein d’une culture unique. Tout traducteur doit voyager à travers les
mots, car tout acte langagier, tradition, vision ou habitude s’inscrivent
dans un contexte culturel. Tout voyageur doit traduire pour
communiquer dans un pays autre que le sien, car un autre pays est
généralement synonyme d’une autre culture, une autre langue.
Une traduction n’est jamais la même, variant d’un traducteur à
un autre, elle dépend de facteurs divers : économiques, politiques ou
culturels, lesquels définissent la stratégie adoptée par le traducteur.
Cependant, on distingue deux tendances principales : la naturalisation
(l’acclimatation) et l’exotisation (l’étrangéisation). La première vise à
adapter l’œuvre étrangère et la soumettre aux contraintes de la culture
cible, donc à la gommer en privilégiant la culture d’arrivée (elle est
cibliste). L’autre, protectionniste, vise à confronter les normes et les
valeurs dominantes dans la culture source, préservant ainsi la culture
de départ (elle est sourcière).

De nos jours, à l’ère de la mondialisation, le lecteur a de plus en


plus le droit de lire l’original, on adapte de moins en moins et on
s’adapte plutôt aux éléments étrangers que contient un texte venu
d’ailleurs. L’exotisation, contrairement à la naturalisation, tend à
élargir et à extravertir les connaissances vers un monde multiculturel,
appliquant ainsi la réflexion éthique de la traduction qui est sensée
être ouverture, dialogue, métissage, décentrement.

Comme le récit de voyage (thème abordé dans cette étude)


déborde de tout ce qui est exotique et étranger (noms propres, rituels,
monnaies, fêtes, traditions…) le traducteur étant le premier lecteur du
texte, doit prendre conscience de ses éléments qui créent un écart
linguistique et culturel inhérent au processus de son travail, et il devra
décider quelle stratégie entreprendre pour sortir de son « drame » (être
tiraillé entre deux pôles : l’œuvre et l’auteur, l’auteur et le public).

Comment traduire le récit de voyage ? Là est la problématique


de ce mémoire. Une première partie a été une quête définitoire du récit
de voyage, et a montré la place importante qu’occupe l’aventure dans
ce genre de textes, pour arriver enfin au roman d’aventures et sa
définition. La seconde section de cette partie théorique, tente de
représenter l’historique du récit de voyage en citant ses principaux
auteurs, orientaux et occidentaux, et leurs œuvres. Dans la troisième
section, il était nécessaire d’aborder le style d’écriture que les
écrivains-voyageurs entreprennent dans leurs écrits quant à la
description de leurs visions (lieux, paysages, décors…) et à la
« narration dont l’organisation tend à aborder toutes les descriptions et
les analyses, de manière à maintenir un suspense, une tension sur le
lecteur ». Le tout dans un contexte à finalité orientée vers le plaisir de
la découverte. On a, en outre, abordé la question de sa littérarité qui
fait de lui un genre littéraire à part entière.

Dans une deuxième partie intitulée : Les stratégies de traduction


du récit de voyage, il était question d’étudier d’abord le rôle de la
traduction dans les voyages, et de souligner l’importance et la nature
de la relation entre traducteur, écrivain-voyageur et ethnographe, qui
s’inspirent l’un de l’autre dans leur travail. On a discuté par la suite,
les difficultés imposées par ce genre de textes (l’ethnographie, les
visions du monde, l’ironie…) lors de leur traduction. La deuxième
section représentait une étude de la traduction des noms propres
d’abord, puis la présentation des différentes approches
traductologiques en les projetant sur le récit de voyage, notamment
l’approche interprétative qui distingue : équivalences et
correspondances, l’approche de Nida qui distingue : équivalence
formelle et équivalence dynamique, l’approche de Newmark qui
distingue : traduction communicative et traduction sémantique,
l’approche de Berman qui distingue : traduction ethnocentrique et
traduction littérale. Aussi différentes qu’elles soient, ces approches
convergent vers deux grandes stratégies : la naturalisation et
l’exotisation. Une dernière section a été consacrée à l’étude de la
réception littéraire et au suspense en particulier, en se basant sur les
théories fonctionnelles et communicatives.

Dans la partie pratique du mémoire, on a présenté le corpus


« Le tour du monde en quatre- vingt jours » et son auteur (Jules
Verne), suivi d’une étude de la traduction des noms propres. Ensuite,
on a soumis à la critique traductologique quelques passages dont on a
repéré des éléments linguistiques et culturels qui ont rendu délicate
leur traduction, à fin d’évaluer la qualité de la traduction en
s’appuyant sur le gain et la perte qui en résultent.

Cette recherche a abouti à des résultats, citons-en :

La théorie interprétative est la théorie qui correspond le mieux à la


traduction du récit de voyage, car elle traite, par alternance entre
correspondances et équivalences, les éléments linguistiques et
culturels. Les correspondances : quand il s’agit des noms propres et
des termes artistiques spécifiques à une culture donnée, les
équivalences : quand il faut rendre compte des signes linguistiques, en
les reliant aux bagages cognitifs.

Autrement dit : il faut que le lecteur sente que le texte vient d’ailleurs
sans pour autant sentir qu’il est traduit.

Un bon traducteur est celui qui sait bien « négocier » avec les
exigences du monde de départ pour déboucher sur un monde
d’arrivée.
‫ﻣﻠﺨﺺ‬
‫ﯾﻌﺪ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺣﻘﻼ أدﺑﯿﺎ ﺛﺮﯾﺎ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﯿﮫ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﺼﺎﺻﺎت اﻟﻤﻌﺮﻓﯿﺔ واﻟﻌﻠﻤﯿﺔ‪،‬‬
‫ﯾﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﻠﻮب اﻟﻘﺼﺼﻲ اﻟﻤﺸﻮق واﻟﻄﺮﻓﺔ اﻷدﺑﯿﺔ واﻟﺠﻨﻮح إﻟﻰ اﻟﻐﺮاﺑﺔ ﻛﻤﺎ أﻧّﮫ ﯾﻘﻮم‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺤﻀﺎرﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻘﺎرئ ﯾﻄﻞّ ﻋﺒﺮھﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‬
‫وأﻧﻤﺎط ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺤﯿﺎة ورؤى ﺟﺪﯾﺪة وﻋﻮاﻟﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ‪ ،‬واﻟﻜﻞ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ﻣﻤﺘﻊ وﻣﺴﻞّ ‪.‬وﻟﮭﺬا‬
‫ﻃﺮﺣﺖ إ ﺷﻜﺎﻟﯿﺔ ﺗﺮﺟﻤﺘﮫ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ھﻲ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎت ﺗﺮﺟﻤﺔ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ؟ وﻣﺎ ھﻲ ﻓﺮص اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ‬
‫اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻧﺘﮭﺎج اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‪ -‬ﺗﻮﻃﯿﻦ أو اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ‪ -‬ﺗﻐﺮﯾﺐ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ ﻣﻊ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ؟ ﻗﺴّﻢ‬
‫اﻟﺒﺤﺚ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻓﺼﻮل ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻣﻘﺪﻣﺔ وﺧﺎﺗﻤﺔ‪ .‬وﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول "ﻋﻦ أدب‬
‫اﻟﺮﺣﻠﺔ " ﻣﻔﮭﻮم أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻊ إ ﺑﺮاز ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ‪،‬ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻓﯿﮫ ﻧﺒﺬة‬
‫ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ ﻋﻨﮫ ﺛﻢّ دراﺳﺔ أﺳﻠﻮﺑﯿﺔ ﺷﻤﻠﺖ أھﻢ ﺧﺼﺎﺋﺼﮫ‪ .‬وﺗﻨﺎول اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻤﻌﻨﻮن ب‪:‬‬
‫"اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎت ﺗﺮﺟﻤﺔ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ "ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻌﺮﯾﺞ ﻋﻠﻰ أھﻢ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻌﺘﺮض ﻋﻤﻞ‬
‫اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﺣﯿﻦ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ ﻣﻊ ھﺬا اﻟﻨﻮع اﻷدﺑﻲ‪ ،‬ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﺘﺮﺟﻤﯿﺔ وﺳﺨّﺮھﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ‬
‫ﺗﺮﺟﻤﺔ أ دب اﻟﺮﺣﻠﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ وﺿﺢ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼﻓﮭﺎ ﺑﺎﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎﺗﻲ اﻟﺘﻮﻃﯿﻦ‬
‫واﻟﺘﻐﺮﯾﺐ ‪.‬أﻣﺎ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻜﺎن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ دراﺳﺔ ﺗﺤﻠﯿﻠﯿﺔ ﻧﻘﺪﯾﺔ ﻟﻠﻤﺪوﻧﺔ رواﯾﺔ "ﺣﻮل‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﯿﻦ ﯾﻮم" ﻟﺠﻮل ﻓﯿﺮن‪ ،‬وذاﻟﻚ ﺑﺎﺧﺘﯿﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﺮات اﻟﺘﻲ ﻋﯿﻨﺖ ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﻘﯿﯿﻢ‬
‫ﻣﻊ إ ﺑﺮاز اﻟﻤﺰاﯾﺎ واﻟﻌﯿﻮب وﻛﺬا ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻘﻮة واﻟﻀﻌﻒ ﻓﯿﮭﺎ‪ ،‬وﺗﺒﺮﯾﺮ اﻻﺧﺘﯿﺎرات واﻵﻟﯿﺎت‬
‫اﻟﺘﻲ اﻧﺘﮭﺠﺖ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ وﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻻﻗﺘﺮاح اﻟﺒﺪﯾﻞ ﻟﻤﺎ اﻗﺘﻀﻰ اﻷﻣﺮ ذﻟﻚ‪ .‬وﻓﻲ اﻷﺧﯿﺮ‪،‬‬
‫ﺧﺘﻢ اﻟﺒﺤﺚ ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﺳﺘﺨﻼﺻﮭﺎ واﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺴﺎھﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎوز اﻟﻌﻘﺒﺎت ﻟﻠﻤﺘﺮﺟﻢ أدب‬
‫اﻟﺮﺣﻠﺔ‪.‬‬

‫اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﻔﺘﺎﺣﯿﺔ‪:‬‬
‫اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ؛ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ؛ اﻷﺳﻠﻮﺑﯿﺔ؛ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎت اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ؛ اﻟﺘﻮﻃﯿﻦ؛ اﻟﺘﻐﺮﯾﺐ؛ اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت‬
‫اﻟﻮﻇﯿﻔﯿﺔ؛ اﻟﺘﻤﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮﻗﻲ؛ ﺣﻮار اﻟﺤﻀﺎرات؛ اﻹﺛﻨﻮﻏﺮاﻓﯿﺎ‪.‬‬

‫ﻧﻮﻗﺸﺖ ﯾﻮم ‪ 16‬ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ‪2015‬‬

You might also like