You are on page 1of 41

‫المدرسة األندلسية‪:‬‬

‫نش أت ه ذه المدرس ة في عص ر الدول ة األموي ة في األن دلس م ع ظه ورا‬


‫لم ؤدبين ال ذين ك انوا يعلم ون الش باب في الم دن األندلس ية م دفوعين ب رغبتهم في‬
‫المحافظة على القرآن الكريم وكان أثر هؤالء القراء الذين لم يألوا جهداً في تلقي‬
‫الق راءات ال تي يرتحل ون من أجله ا إلى المش رق ومن أش هر ه ؤالء أ[وموس ى‬
‫اله واري‪ .‬ويعت بر ج ودي عثم ان الم وروي أول نح اة األن دلس فق د تتلم ذ للكس ائي‬
‫والفراء وأدخل كتب الكوفيين إلى األندلس وأولمن قام بالتأليف في النحو واضطلع‬
‫بتدريسه حتى توفي سنة ‪198‬ه‪.‬‬
‫ومن أشهر القراء والمؤدبين بعد ذلك عبدالملك بن حبيب السلمي الذي ألف‬
‫في النحو كتاب إعراب القرآن‪ ،‬ويؤلف مفرح بن مالك النحوي شرحاً على كتاب‬
‫الكس ائي ويق وم معاص ره أب وبكر بن خاطب ا لنح وي بوض ع كت اب اكتس ب ش هرة‬
‫كبيرة‪ ،‬ولقد أنشأ النحو أوالً كوفياً في األندلس لما رعفنا من أن النحوي األول فيها‬
‫هو جودي عثمان وقد كان كوفياً‪.‬‬
‫أم ا عن النح و البص ري فلم تتح ل ه فرص ة الظه ور إاَّل في أواخ ر الق رن‬
‫الث الث الهج ري حيث ب دأ على ي د محم د بن موس ى بن هاش م ودراس ته على أبي‬
‫جعفر الدينوري كتاب سيبويه ثم قام بتدريسه بعد عودته لطالبه في قرطبة‪ ،‬ثمت‬
‫ت ابع النحوي ون في دراس ة الكت اب وتبل غ الحرك ة العلمي ة ش أوها ويج د الكت اب أبل غ‬
‫االهتم ام على ي دي محم د بن يحي المهبلي ال ذي لم يكتفي بمج رد ت دريس الكت اب‬

‫لطالبه بل كان يعقد لهم مجلساً للمناظرة في مسائله كل جمعة‪ ،‬ونراه قد اتخذ سمتاً‬
‫يخ الف س مت من س بقوه إذ لم يكون وا يتعمق ون في المس ائل النحوي ة ولم يأخ ذوا‬
‫أنفسهم بعلم دقائق العربية وغوامضها واالعتالل لمسائلها ثم كانوا ال ينظرون في‬
‫إمال ة وال إدغ ام وال تص ريف وال أبنية(‪ )1‬وق د منهج ه يق وم على التوقي ف‬

‫‪ -‬المدارس النحوية – نقالً عن الشرنوبي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫واالستقصاء واالعتراض و الجواب‪ ...‬فاستفاد منه المعلمون طريقة واعتمدوا ما‬
‫سنه من ذلك(‪.)1‬‬
‫ويتض ح مم ا ذكرن ا أن كت اب س يبويه ك ان ه و مح ور الدراس ات النحوي ة‪،‬‬
‫وكان هو األساس الذي قامت عليه عند كل من تصدوا للتدريس والتأليف‪ ،‬جاء من‬
‫سار على ذات النهج مثل أبي علي الق الي‪ ،‬وأبي عبداهلل محمد بن عاصم وهارون‬
‫ابن موس ى القرط بي ه ذا إلى ج انب أحم د بن أب ان ال ذي وض ع ش رحاً على كت ابي‬
‫الكسائي واألخفش‪ ،‬وهذا يعتبر مؤشراً على أن النحو الكوفي والنحو البصري كانا‬
‫يسيران جنباً إلى جنب في هذا الوقت‪.‬‬
‫وجاء في عهد ملوك الطوائف ابن سيدة الذي يعتبر أعلم أهل زمانه بالنحو‬
‫واللغة واألشعار‪.‬‬
‫ويبدو أن النحاة في األندلس قد تأثروا بالنحو البغدادي مع تأثرهم بالبصري‬
‫والك وفي وذل ك إي ذاناً ب أن تتبل ور أفك ارهم وتتض ح اتجاه اتهم لتك ون لهم آراؤهم‬
‫الخاصة في الدراسات النحوية‪.‬‬
‫اتجاه المدرسة األندلسية‪:‬‬
‫لقد وضح مما سبق ذكره أن علماء هذه المدرسة قد نهلوا من معين علماء‬
‫كل من البصرة والكوفة وبغداد‪ .‬ومن ثم نهجوا ذات منهج البغداديين في االختيار‬
‫من آراء علم اء تل ك الم دارس‪ ،‬ه ذا إلى ج انب األفك ار الجدي دة ال تي ك انوا ينف ذون‬
‫إليه ا من خالل اتج اههم الق ائم على اإلكث ار من التعليالت وي ذكر أن أح د علم ائهم‬
‫وه و األعلم الش نتمري أول من فتح لهم طري ق التعليالت ه ذه فق د ك ان ال يكتفي‬
‫بالعل ة األولى للش يء ب ل يبحث ل ه عن عل ة أخ رى فمثالً المبت دأ مرف وع فه و ال‬
‫يكتفي به ذه العل ة وهي رف ع المبت دأ ب ل يبحث في لم اذا رف ع؟ وهك ذا يفع ل في بقي ة‬
‫الظواهر النحوية المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬نفس المصدر – نقالً عن القفطي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ومن أش هر علم اء ه ذه المدرس ة ابن مض اء وابن عص فور وابن مال ك‬
‫صاحب األلفية ويعتبر ابن مالك هذا مثاالً حي اً لمنهج هذه المدرسة في اختياراتها‬
‫فيخت ار من البص ريين والكوف يين والبغ داديين‪ ،‬كم ا أن ل ه آراء خاص ة نف رد به ا‪.‬‬
‫فنج ده ق د واف ق س يبويه في أن ن ون الرف ع هي المحذوف ة في الفع ل المض ارع‬
‫"تامروني" وليست نون الوقاية‪.‬‬
‫واختار رأي يونس في أن الذي قد تأتي حرفاً مصدرياً كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ التوبة‪ ٦٩ :‬أي كخوضهم‪.‬‬
‫ورأى ك ذلك ج واز دخ ول الم االبت داء على معم ول الخ بر المق دم علي ه إذا‬
‫كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً مثل‪" :‬إن محمداً لبك وثاق"‪.‬‬
‫ومع األخفش في أن من الجارة تأتي زائدة مطلق اً من غير اعتبار للشروط‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﭼ‬ ‫التي وضعها النحاة لزيادتها وخرج عليها قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯞ ﯟ‬
‫[الروم‪.]٤ :‬‬
‫واخت ار من آراء الكوف يين في أن م ذ ومن ذ إذا وليهم اس م مرف وع فهم ا‬
‫ظرفان مضافان لجملة فعلها وبقي الفاعل مثل‪" :‬ما رأيته مذ أو منذ شهران" على‬
‫أن األصل مذ كان شهران على أساس أن كان تامة‪.‬‬
‫والم برد وابن س راج والف ارس ي رون أنهم ا مبت دآن وم ا بع دهما خ بر‪،‬‬
‫واألخفش والزجاج والزجاجي يرون أنهما ظرفان مخبر بهما عما بعدهما‪.‬‬
‫واختار رأيهم أيضاً في جواز نصب المضارع بأن مضمرة وجوب اً بعد فاء‬
‫السببية إذا وقعت في سياق الرجاء‪.‬‬
‫واختب ار آراء البغ داديين في كث ير من المس ائل منه ا رأي الزج اجي في أن‬
‫سوى مثل غير في المعنى والتصرف فتكون فاعالً ومفعوالً كما مر‪.‬‬
‫ويرى رأيهم أيضا ًفي أن من معاني الباء الجارة التبعيض مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ [اإلنسان‪.]٦ :‬‬
‫ومن آرائه الخاصة أن عالمات اإلعراب جزء من حقيقة الكلمات المعربة‬
‫ويرى الجمهور أنها زائدة عليها‪.‬‬
‫وي رى أن (ذات‪ ،‬ذان‪ ،‬الل ذان واللت ان) مثن اة حقيقي ة وأنه ا ل ذلك معرب ة ال‬

‫مبني ة ومن ه ذا نص ل إلى حقيق ة واض حة وهي أن ابن مال ك اتخ ذ لنفس ه م ذهباً‬
‫خاصا ًيقوم على الترجيح واالختبار واالعتماد على رؤيته الخاصة‪ ،‬وقد كان يذكر‬
‫الش اذ ولكن ه ال يقيس علي ه كم ا يفع ل الكوفي ون وال يؤول ه كم ا يفع ل البص ريون‪،‬‬
‫وك ان رائ ده الس ماع‪ ،‬فه و ال ي دلي بحكم دون س ماع لس نده‪ ،‬وك ان عقل ه دقيق اً ال‬
‫يستغله في تمثل آراء السابقين من النحاة‪ ،‬واستنباط آراء جديدة فحسب بل استغله‬
‫أيضاً في تحرير مباحث النحو وأبوابه ومصطلحاته وتذليل مشاكله وصعابه‪.‬‬
‫المدرسة المصرية‪:‬‬
‫نشأت الدراسات النحوية في مصر مرتبطة بالعناية بضبط القرآن وقراءته‪.‬‬
‫ونش أت م ع ذل ك طبق ة من الم ؤدبين على ذات الص ورة ال تي ح دثت في األن دلس‬
‫لتعليم الش باب العربي ة لتك ون وس يلة لتالوة الق رآن الك ريم وك ان لبعض العلم اء‬
‫الواف دين إلى مص ر دور في ه ذه الحرك ة ومن أق دمهم عب دالرحمن بن هرم ز تلمي ذ‬
‫أبي األسود الدؤلي‪.‬‬
‫وأول من حم ل راي ة النح و بمص ر من النح اة واَّل د بن محم د التميمي ال ذي‬
‫لقى الخليل بن أحمد وأخذ عنه وكان معه في نفس الوقت أبو الحسن األعز الذي‬
‫درس على الكسائي ومن هنا ندرك أن مصر قد عرفت الدراسات النحوية في زمن‬
‫مبكر وموصولة بالمدرستين البصرية والكوفية‪.‬‬
‫ثم ج اءت الطبق ة الثاني ة وعلى رأس ها أحم د بن جعف ر ال دينوري ومحم د‬
‫التميمي وظهرت في القرن الرابع وفي عهد الدولة اإلخشيدية طبقة ثالثة تميز منها‬
‫أب و العب اس بن والد وعلي بن الحس ن الهن ائي ك راع النم ل وأحم د بن محم د بن‬
‫والد‪.‬‬
‫ولقد رحل كل هؤالء العلماء إلى العراق وإ لى بغداد بصفة خاصة‪ ،‬وكانوا‬
‫يلتحقون هن اك بحلق ات األئم ة ويأخ ذون عنهم أمث ال الم برد وثعلب والزج اج وك ان‬
‫ذلك في الق رنين الث اني والثالث وأوائل القرن الرابع‪ .‬وخير مث ل ذلك أب و العباس‬
‫ابن والد تلميذ الزجاج الذي عنى بتأليف كتاب (االنتصار لسيبويه) وواكب ذلك في‬
‫ذات ال وقت ظه ور مدرس ة بغ داد ذات الم نزع الك وفي أوالً ثم الم زج بين الك وفي‬
‫والبصري مؤخراً مع ميلها الواضح للكوفيين وأساتذة هذه المدرسة هم ابن كيسان‬
‫وابن شقير وبن الخياط‪.‬‬
‫ون رى أن أب ا جعف ر النح اس ق د أخ ذ من أص حاب الم برد كم ا اختل ف إلى‬
‫أص حاب ثعلب وأخ ذ ك ذلك عن ابن األنب اري وب ذلك يك ون ق د م زج بين آراء‬
‫البصريين ونشأ كذلك مزج بين آراء هؤالء والمدرسة البغدادية ونستطيع من خالل‬
‫آرائ ه أن نت بين منهج ه ذه المدرس ة فه و يم زج بين آراء البص ريين والكوف يين وق د‬
‫اختار بعض آراء الكوفيين وبعض مصطلحاتهم فهو يرى‪-:‬‬
‫أن األسماء الخمسة معربة بحروف العلة نفسها وليس نيابة عن شيء فيتفق‬
‫في ذلك مع بعض الكوفيين والبغداديين ويذهب كذلك إلى أن المثنى وجمع المذكر‬
‫الس الم يرفع ان ب األلف وال واو ينص بان ويج ران بالي اء أص الة وليس نياب ة عن‬
‫حرك ات مق درة وه ذا ه و رأي الكوف يين وقط رب والزج اج والزج اجي ويواف ق‬
‫الكوفيين أيضاً في أن فعل األمر المجزوم ليس مبني اً كما ذهب إلى ذلك البصريون‬
‫وأن ح تى والم الجح ود والم كي وواو المعي ة وأو وف اء الس ببية تنص ب المض ارع‬
‫بنفسها وليست بأن مضمرة بعدها كما يرى البصريون‪.‬‬
‫وواف ق الكوفي ون ك ذلك في بعض مص طلحاتهم حيث يس مون ن ائب الفاع ل‪،‬‬
‫الفعل الذي لم يسم فاعله والصفة نعت اً والتمييز تفسيراً ويوافق الكسائي في أن (ذو‬
‫وذوو) ال يضافان إلى مضمر خالفاً للجمهور‪.‬‬
‫ومن كل هذا يظهر أن النحو في مصر كان يتجه اتجاهاً بغدادياً حيث يمزج‬
‫بين النحوين البصري والكوفي ثم يأتي بآراء جديدة‪.‬‬
‫أعالم المدرسة المصرية‪:‬‬
‫لقد ش هدت مصر عددا ًمن العلم اء النابهين في ه ذا الفن ن ذكر منهم إضافة‬
‫إلى م ا س بق ذك ره ابن الح اجب جم ال ال دين عثم ان بن عم ر بن أبي بك ر المت وفي‬
‫س نة ‪646‬ه وابن هش ام جم ال ال دين عبداهلل بن هش ام األنص اري المول ود بالق اهرة‬
‫سنة ‪708‬ه والمتوفى بها سنة ‪761‬ه‪.‬‬
‫آراء ابن الحاجب‪:‬‬
‫ي رى جمه ور النح اة أن المض اف إلى ي اء المتكلم مث ل غالمي مب ني‪-‬‬
‫إلض افته إلى مب ني ويخ الفهم ابن الح اجب ف يرى أن ه مع رب إعراب اً تق ديرياً وي رى‬
‫جمه ورهم أن من مس وغات االبت داء ب النكرة أن يس بقها اس تفهام نمح و أتلمي ذ في‬
‫الفص ل وي رى ابن الح اجب أن ذل ك مقص ور على هم زة االس تفهام المعادل ة نح و‬
‫أرجل في الدار أم امرأة؟‬
‫ويتفق مع أبي علي الفارسي في أنه يجوز أن يذكر الفعل مع فاعله إذا كان‬
‫جمع مؤنث سالماً مثل قال الزينبات وقالت‪.‬‬
‫ويرى مع الزمخشري أن الم االبتداء تكون مع المبتدأ وحده مثل لزيد قائم‪،‬‬
‫وفي غير ذل ك تسمى الالم المؤكدة في مثل إن محمداً لق ائم ويوافقه أيض اً ويواف ق‬
‫الكوفيين في أن الفاعل الذي يسد مسد الخبر مع الوصف يكون اسماً ظاهراً مثل‬
‫أقائم الزيدان وال يكون ضميراً مثل أقائم أنتما‪.‬‬
‫ومن آرائ ه ال تي انف رد به ا أن المفع ول المطل ق ق د يك ون جمل ة وجع ل من ه‬
‫مقول القول في مثل قال زيد عمرو منطلق ويرى المفعولين الثاني والثالث ألنبا‬
‫في مثل أنبات زيداً عمرا منطلقاً مفعوالً مطلقاً ألنهما نفس النبأ (وقد أنكر عليه هذا‬
‫الرأي ابن هشام ووصفه بأنه لم يقل به أحد قبله)(‪.)1‬‬
‫وك ان ي رى أن من الع رب من يص رف س راويل وق د أنك ر علي ه ابن مال ك‬
‫ونوا يولَّى عليكم)‪.‬‬
‫ومن رأيه أن ما المصدرية قد تعمل عمل أختها أن مثل (كما ت ُك ُ‬
‫آراء بن هشام‪:‬‬
‫لقد اتخذ ابن هشام منهجاً يقوم على منهج المدرسة البغدادية إذ أنه يختار ما‬

‫يتفق مع ما وضعه من مقاييس بعد أن يوازن بين آراء المدارس المختلفة وغالب اً‬
‫ما يبدي رأي اً جديداً لم يسبق إليه ولكنه في اختياراته يرجح دائم اً آراء البصريين‬
‫مثالً ي رى رأي س يبويه في أن المبت دأ مرف وع باالبت داء وأن الخ بر مرف وع بالمبت دأ‬
‫وأن ك ان ترف ع اس مها وتنص ب خبره ا وأن الفع ل ه و ال ذي يعم ل النص ب في‬
‫المفعول به وأن المضاف إليه مجرور بالمضاف ال باإلضافة وال بالالم المحذوفة‪.‬‬
‫كم ا واف ق ي ونس بن ح بيب في أن الت اء في أخت وبنت ليس ت للت أنيث‪.‬‬
‫ويواف ق س يبويه والبص ريين في أن المح ذوف في ت أمروني ه و ن ون الرف ع وليس ت‬
‫نون الوقاية‪.‬‬
‫ويخ الف الكوف يين رافض اً رأيهم في أن اس م اإلش ارة ق د يك ون موص والً في‬
‫مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫أمنت وهذا تحملين طليق‬ ‫عدس مالعباد عليك إمارة‬
‫حيث يعربون "هذا" اسم موصول بمعنى الذي كما يخالفهم أيض اً في رأيهم‬
‫أن الوصف يسد معه الفاعل مسد الخبر حتى ولو لم يكن على نفي أو استفهام مثل‬
‫"خبير" بنو لهب‪.‬‬
‫ويواف ق جمه ور البص ريين في أن تق دير الخ بر م ع الظ رف أو الج ار‬
‫والمجرور هو كائن أو مستقر وليس كان أو استقر كما يرى الكوفيون‪.‬‬

‫‪ -‬المدارس النحوية – نقال ًعن المغني‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ويرى أن المرفوع بعد "لوال" مبتدأ موافقاً لسيبويه وليس فاعالً محذوف مثل‬
‫"ل وال محم د لهل ك الع رب" ويؤي د س يبويه أيض اً مخالف اً الكس ائي في أن إع راب زي د‬
‫في مثل هل زيداً رأيته منصوباً على االشتغال وال يصح أن يكون مبتدأ وأن اسم‬
‫الفاعل ال يعمل إاَّل إذا كان بمعنى الحال أو االستقبال والكسائي يرى إعماله وهو‬
‫بمعنى الماضي في قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [الكهف‪ ]١٨ :‬ويرى ابن هشام‬
‫أن ذلك على حكاية الحال‪.‬‬
‫ويخالف الكسائي أيض اً موافق اً البصريين في أن معمول اسم العفل ال يصح‬
‫أن يتق دم علي ه‪ .‬ويخ الف الفارس ي ال ذي ي رى ج واز أني ق ال "هنال ك وإ ي اك" على‬
‫اعتبار أن "إياك" مفعوالً معه مؤيداً رأي سيبويه في عدم جواز ذلك لعدم تقدم فعل‬
‫في الجملة‪.‬‬
‫ويأخ ذ ب رأي البص ريين في أن "زي د" في مث ل إن زي د ق ام‪ ،‬فاع ل لفع ل‬
‫محذوف وليس مبتدأ خالف اً لألخفش والكوفيين‪ .‬ويرى أن الفعل ال يتقدم على فعله‬
‫خالفا ًللكوفيين‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق توضيحه نرى أن ابن هشام يوافق البصريين وسيبويه‬
‫ال عن تعصب وإ نما عن ترجيح ورضى عن كثير من آرائهم وهو في ذات الوقت‬
‫ال يق ف من الكوف يين موق ف المع ارض لهم دائم اً ب ل ن راه ي وافقهم ويواف ق ك ذلك‬
‫البغداديين إذا َّ‬
‫تبين له صواب هذه اآلراء ‪.‬‬
‫فمثالً‪ :‬يوافق الكوفيين في أن الفعل ماضي ومضارع فقط وأن األمر فرع‬
‫من المضارع المصحوب بالم الطلب مثل "لتقم" فحذفت الالم تخفيفاً ثم تبعها حرف‬
‫المضارعة وأصبح الفعل "قم"‪.‬‬
‫وواف ق الكوف يين في أن "كي ف" تك ون ظرف اً أحيان اً وتك ون اس ماً غ ير ظ ف‬
‫بدليل أنه يبدل منها في الرفع فيقولون كيف زيد مخالفاً في ذلك سيبويه الرأي حيث‬
‫ي رى أنه ا ال تك ون إاَّل ظرف اً‪ .‬ويواف ق الكوف يين أيض اً واألخفش في ج واز توكي د‬
‫النك رة إذا أف ادت مث ل "ص مت أس بوعاً كل ه" مخالف اً البص ريين ال ذين يمنع ون ذل ك‬
‫ووافقهم أيض ا ًفي ج واز العط ف على الض مير المج رور ب دون إع ادة الج ار مث ل‬
‫ق راءة حم زة ال تي س بق الح ديث عنه ا‪ .‬كم ا وافقهم في ج واز الفص ل بين المض اف‬
‫والمضاف إليه مستدالً بقراءة ابن عامر التي سبق ذكرها‪.‬‬
‫واختار أيضاً من المدرسة البغدادية ما كان يراه أبو علي الفارسي من أن‬
‫حيث قد تقع مفعوالً به كما في قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [األنعام‪]١٢٤ :‬‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [التوبة‪ ]٧ :‬أي مدة‬ ‫وأن "ما" قد تأتي ظرف زمان كقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭠ‬
‫استقامتهم لكم‪.‬‬
‫واختار من األندلسيين‪ ،‬وأكثر ما كان يجرى ف يكتبه أسماء ابن عصفور‬
‫وابن مالك‪ ،‬وابن حيان فاختبار من آراء ابن عصفور أن "لن" قد تأتي للدعاء مثل‪:‬‬
‫لن تزالوا كذلك ثم ال زلـ * ت لكم خالداً خلود الجبال‬
‫أي أدعو لكم‪.‬‬
‫وقد شرح كثيراً من مصنفات ابن مالك وقلما كان يخالفه في آرائه فوافقه‬
‫في أن "إلى" ق د ت أتي بمع نى في كم ا في قول ه تع الى‪ :‬ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ‬
‫[النساء‪ .]٨٧ :‬وأن ح تى إذا عطفت على مج رور أعي د الخ افض مث ل م ررت ب القوم‬
‫ح تى يزي د‪ .‬للف رق بينهم ا ح تى الج ارة‪ .‬وأن عن ق د ت أتي بمع نى االس تعانة مث ل‬
‫"رميت عن القوس"‪.‬‬
‫لق د ض من ابن هش ام كث يراً من آرائ ه في كتاب ه "القيم" "مغ ني الل بيب" وه و‬
‫موسوعة كبرى لعرض آراء النحاة السابقين له ومناقشة واسعة لها تبيِّن الصحيح‬
‫منها والفاسد مع كثرة االستنباطات ومع اشتقاق اآلراء المبتكرة(‪.)1‬‬

‫‪ -‬المدارس النحوية – شوقي ضيف‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ﭑ‬
‫وصلَّى اهلل على سيِّدنا َّ‬
‫محمد وعلى آله وسلم‬
‫نشأة النحو‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يحج إلي ه الع رب ك َّل ع ام‪ ،‬وك انت لق ريش‬
‫إن مك ة المكرم ة ك ان م زاراً ُّ‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫الس يادة في الجاهلي ة‪ ،‬بس بب م ا آل إليه ا من‪ :‬الس قاية والرف ادة‪ ،‬أي‪ :‬س قاية‬
‫الحجاج‪ ،‬وإ طعامهم‪ ،‬والقيام بخدمة البيت‪.‬‬
‫وفي مدمة المكرمة وما والها تقام األسواق التي كان من أشهرها‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫سوق عكاظ‪ :‬موقع ما بين النخلة والطائف‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وسوق َم ِجَّنة‪ :‬هي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون(‪ ،)1‬سوق بأسفل مكة‬ ‫‪-2‬‬
‫على بريد منها‪.‬‬
‫وسوق ذي المجاز‪ :‬ويقع ف يشرط مكة المكرمة‪ ،‬ويبعد عنها مسافة (‪21‬‬ ‫‪-3‬‬
‫كم) تقريباً‪.‬‬
‫وك انت القبائ ل تجتم ع في ه ذه األس واق ك ّل س نة للتج ارة‪ .‬ق ال عم رو بن‬ ‫‪‬‬
‫دينار‪ ،‬قال ابن عباس‪ -‬رضي اهلل عنهما‪ :-‬كان ذو المجاز‪ ،‬وعكاظ متجر‬
‫الناس في الجاهلية‪ ،‬فلما جاء اإلسالم كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت(‪:)2‬ﭽ ﭳ‬
‫في مواسم الحج‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭼ‬
‫وعن أبي الزبير عن جابر بن عبداهلل‪ -‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪« :‬مكث رسول‬ ‫‪‬‬
‫اهلل‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬بمك ة عش ر س نين يتب ع الن اس في من ازلهم بـ‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬فتح الباري ‪ ، 3/594‬وقد تكسر ميمها‪ِ .‬‬


‫(م ِجَّنة) ينظر القاموس المحيط ‪.4/212‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬صحيح البخاري حديث رقم (‪.)1770‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.198‬‬ ‫‪3‬‬


‫نى‪ ،‬يق ول‪ :‬من يؤوي ني؟ من ينص رني؟‬ ‫(عك اظ‪َّ ِ َ ،‬‬
‫ومجنة) وفي المواس م بم ً‬
‫(‪)1‬‬
‫حتى أبلِّ َغ رسالة ربي؟ وله الجنة»‪.‬‬
‫وكان الشعراء يلتقون في هذه األسواق‪ :‬للتفاخر‪ ،‬والتهاجي‪ ،‬ويتناشدون ما‬
‫أح دثوا من الش عر‪ .‬ففي هالل ذي القع دة يق ام (س وق عك اظ) ثم يق ام (س وق‬
‫َم ِجَّنة) ثم يق ام (س وق ذي المج از)‪ ،‬وك انت الع رب ترح ل إلي ه بع د فراغه ا من‬
‫(م ِجَّنة)؛ لقرب ه من جب ل (عرف ات)‪ ،‬حيث يقيم ون في ه ح تى يب دأ موس م‬
‫س وق َ‬
‫الحج‪ ،‬فيدخلون مكة المكرمة لحج البيت الذي يعظمه جميع العرب‪.‬‬
‫روى الزب ير بن بك ار في (كت اب النس ب) من طري ق حكيم بن ح زام‪ :‬أن‬ ‫‪‬‬
‫س وق (عك اظ) ك انت تق ام ص بح هالل ذي القع دة‪ ،‬إلى أن يمض ي عش رون‬
‫(م ِجَّنة) عشرة أيام‪ ،‬إلى هالل ذي الحجة‪ ،‬ثم يقوم‬
‫يوماً‪ .‬قال‪ :‬ثم يقام سوق َ‬
‫(‪)2‬‬
‫منى للحج‪.‬‬
‫ثم يتوجهون إلى ً‬ ‫سوق (ذي المجاز) ثمانية أيام‪َّ ،‬‬
‫فأص بحت لغ ة ق ريش أغ نى اللغ ات العربي ة‪ ،‬وأش مكها‪ ،‬وأع َذَبها‪ ،‬وأق َد َرها‬ ‫‪‬‬
‫على تصوير المعاني المختلفة‪ ،‬بسبب‪ :‬توافد القبائل العربية من شتى البل دان‬
‫ك ل ع ام‪ ،‬بعض هم للتج ارة‪ ،‬وبعض هم اآلخ ر‪ :‬للتف اخر‪ ،‬والتهجي‪ .‬وتس ابق‬
‫الخطب اء والش عراء في اس تعمال لغ ة ق ريش ونقل وا الكث ير منه ا إلى قب ائلهم‪،‬‬
‫فانتش رت في الجزي رة العربي ة‪ ،‬وس ارت بتل ك اللغ ة المنتق اة‪ ،‬ولم يختل ط‬
‫الع َجم قب ل اإلس الم إاَّل الن ذر القلي ل‪ ،‬من أج ل بي ع‪ ،‬أو‬
‫الع رب بغ يرهم من َ‬
‫شراء‪ ،‬وكانت األلفاظ التي يستعملونها ال تخرج عن أسماء السلع‪ ،‬وأدوات‬
‫القتل وغيرها من األلفاظ التي ال تأثير لها في لغتهم التي تجري في كيانهم‬
‫مجرى الدم من العروق‪.‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل (‪.)3/322‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فتح الباري‪ ،‬كتاب النسب‪.)3/594( ،‬‬ ‫‪2‬‬


‫وحين نزل القرآن الكريم على نبي الرحمة والهدى سيدنا محمد بن عبداهلل‬ ‫‪‬‬
‫ص لوات اهلل وس المه علي ه‪ -‬ك انت لغتهم جميع اً‪ -‬أي الع رب في الجاهل ة‪:‬‬
‫عربية‪ ،‬فصيحة‪ ،‬صافية‪ ،‬نقية من الشوائب‪.‬‬
‫َّ‬
‫العربية‪ ،‬ودخ ل الن اس في‬ ‫فلم ا س طع ن ور اإلس الم‪ ،‬وانتش ر خارج الجزي رة‬ ‫‪‬‬
‫دين اهلل أفواج اً اض طر الع رب لالختالط بغ يرهم من األع اجم في س ائر‬
‫أن يفهم بعض هم بعض اً من أج ل التج ارة‪ ،‬والمن افع‪،‬‬
‫األمص ار‪ ،‬وتطلب ه ذا ْ‬
‫والتعليم‪ ،‬وغ ير ذل ك‪ ،‬فس مع الع رب من األع اجم والعكس‪ ،‬فنتج عن ه ذا‬
‫التخاطب‪ ،‬واإلصغاء بين الطرفين فساد في اللغة‪ ،‬وظهر اللحن‪ ،‬وشاع بين‬
‫أوساط الناس‪ ،‬فَهَ َّ‬
‫ب أولو األمر من المسلمين ينظرون في اللّحن ويحذرون‬
‫منه‪.‬‬
‫فظلت اللغ ة العربي ة‪ -‬كم ا ذكرن ا‪ -‬س ليمة نقي ة من اللحن في العص ر‬
‫الجاهلي‪ ،‬وصدر اإلسالم إاَّل من شيء يعتبر من القليل والنادر‪.‬‬
‫فعن أبي ال درداء‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬ق ال‪« :‬س معت الن بي‪ -‬ص لى اهلل علي ه‬ ‫‪-1‬‬
‫وس لم‪ -‬رجال ًق رأ فلحن‪ ،‬فق ال رس ول اهلل‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أرش دوا‬
‫أخاكم»(‪ .)1‬وفي رواية «أرشدوا أخاكم فقد َّ‬
‫ضل»(‪.)2‬‬
‫رب أوالده على‬
‫وك ان س يدنا عم ر بن الخط اب‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬يض ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫اللحن(‪.)3‬‬
‫وروى عن س يدنا أبي بك ر الص ديق‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪« : -‬ألن أق رأ فأس قط‬ ‫‪-3‬‬
‫إلي من أن أقرأ فألحن»(‪.)4‬‬ ‫َّ‬
‫أحب َّ‬

‫‪ -‬الحديث صححه الحاكم‪ ،‬ووافقه الذهبي كما في المستدرك ‪2/439‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الحديث‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬معجم األدباء ‪.1/23‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الحديث‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫ورووا‪ -‬أيض اً‪ -‬أن أح د والة س يدنا عم ر بن الخط اب‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪-‬‬ ‫‪-4‬‬
‫كتب إلي ه كتاب اً لحن في ه‪ ،‬فكتب إلي ه عم ر‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪« :-‬أن اض رب‬
‫كاتبك سوطاً»(‪ .)1‬وفي رواية (أن قنع(‪ )2‬كاتبك سوطاً) (‪.)3‬‬
‫وروى أن سيدنا علياً بن أبي طالب‪ -‬رضي اهلل عنه‪ -‬كان يضرب الحسن‬ ‫‪-5‬‬
‫والحسين على اللحن(‪.)4‬‬
‫وقال (صلى اهلل عليه وسلم)‪« :‬أنا من قريش ونشأت في بني سعد فأنى لي‬ ‫‪-6‬‬
‫اللحن»(‪.)5‬‬
‫وعن الخليل بن أحمد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أيوب السخاني يحدث بحديث فلحن فيه‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫يعني‪ :‬أنه َع َّد اللحن ذنباً‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫فقال استغفر اهلل)‬
‫ومن ه ذه النص وص يت َّبين لن ا َّ‬
‫أن الع رب عرف وا ش يئاً من اللحن في ص در‬ ‫‪‬‬
‫اإلس الم‪ ،‬وك انوا ينظ رون في اللحن‪ ،‬ويح ذرون من ه‪ ،‬وينف رون من س ماعه‪،‬‬
‫ويعيبون عليه‪ ،‬ويقومون من جرى على لسانه‪.‬‬
‫وبع د أن اتس عت الفتوح ات اإلس المية‪ ،‬وش ملت الف رس وال روم‪ ،‬وغ يرهم‪،‬‬
‫ودخل أهل ه ذه البالد في اإلسالم واختلطوا بالعرب معايشة ومص اهرة وممارسة‬
‫لشؤون الحياة المختلفة‪ ،‬بدأ اللحن يتسرب إلى األلسنة‪ ،‬وبدأ الفساد َي ُد ُّ‬
‫ب في أوصال‬
‫اللغ ة‪ ،‬فخ اف الح ادون من الخلف اء والعلم اء والق راء ‪ ،‬أن ينتق ل ه ذا الفس اد إلى‬
‫الق رآن الك ريم‪ ،‬فب دأت المح اوالت تب ذل لوض ع ض وابط تعص م األلس نة من الخط أ‪،‬‬
‫وتقي القرآن الكريم من التغيير والتحريف‪.‬‬
‫اختالف العلماء في من أشار بوضع النحو‪:‬‬

‫‪ -‬معجم األدباء ‪.1/80‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪( -‬قنع) أبسط القناع‪ ،‬ورأسه بالسقط غشاه به‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬معجم األدباء (‪.)1/80‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الجامع ألخالق الراوي‪.2/28 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الحديث‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬معجم األدباء ‪.1/23‬‬ ‫‪6‬‬


‫ينق ل ك ل الب احثين على أن ه ق د ط رأ على األلس نة فساد‪ ،‬وح دث تحري ف في‬
‫اللغة أصاب الخلفاء واألمراء‪ ،‬والعلماء وغيرهم بفزع وخوف شديد على مصير‬
‫اللغ ة العربي ة‪ ،‬ولكنهم يختلف ون في من ك ان ل ه الفض ل في نش أة ه ذا العلم (النح و)‬
‫وفي صور اللحن التي كانت الباعث لهذا الخوف‪ ،‬ويذكرون كذلك أمثلة مختلفة‪-‬‬
‫فمنها‪:‬‬
‫ما ذكر َّ‬
‫أن أعرابياً سمع قارئاً تال قول اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭼ‬ ‫‪)1‬‬
‫(ر ُس ْوِل ِه) فق ال األع رابي‪َ :‬أو ق د ب رئ اهلل من‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫الالم‬ ‫ر‬ ‫بكس‬ ‫ه‬ ‫ولكن‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫رس وله؟! إن ك ان اهلل ق د ب رئ من رس وله‪ ،‬فأن ا أب رأ من ه‪ ،‬فبل غ ذل ك س يدنا‬


‫عمر بن الخطاب فقال‪ :‬ليس هكذا يا أعرابي‪ .‬وإ نما هي (ورسولُهُ) بالرفع‪،‬‬
‫ثم أمر عمر‪-‬‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫األعرابي‪ :‬أنا واهلل أبرأ مما برئ اهلل ورسوله منهم)‬
‫ّ‬ ‫قال‬
‫رض ي اهلل عن ه‪ -‬بع د ذل ك أاَّل يق رأ الق رآن إاَّل ع الم باللغ ة‪ .‬ثم أم ر أب ا‬
‫األسود‪ -‬الدؤلي‪ -‬أن يضع أساساً للنحو(‪.)3‬‬
‫إذن الذي ابتدأ العمل هو أبو األسود الدؤلي بإشارة عمر بن الخطاب رض ي‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫علي بن‬
‫علي كرم اهلل وجهه‪ .‬أي بإشارة ّ‬
‫ت مع سيدنا ّ‬ ‫وقيل‪ :‬هذه القصة َح َدثَ ْ‬ ‫‪)2‬‬
‫أبي طالب‪ -‬رضي اهلل عنه‪ -‬وأنه دفع إلى أبي األسود الدؤلي رقعة كتب‬
‫فيه ا‪« :‬الكالم كل ه‪ :‬اس م‪ ،‬وفع ل‪ ،‬وح رف‪ ،‬فاالس م م ا أنب أ عن المس ّمى‪،‬‬
‫والفع ل‪ :‬م ا أن بئ ب ه‪ ،‬والح رف‪ :‬م ا أف اد مع نى‪ .‬وق ال ل ه‪ :‬انس خ ه ذا النح و‪،‬‬
‫وأضف إليه ما وقع إليك» ومن حينها ُس ّمي بالنحو‪.‬‬

‫‪ -‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪130‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ينظر‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫وقي ل‪ :‬إنه ا ح دثت م ع (زي اد بن أبي ه)‪ :‬وك ان أب و األس ود معلم أوالده‪ ،‬وهو‬ ‫‪)3‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وأنه طلب من أبي األسود أن يضع شيئاً يقيم به عوج‬ ‫والي العراق‬
‫اللسن الالحقة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن أبا األسود هو الذي بدأ بهذا اعمل بنفسه حين قالت له ابنته‪« :‬يا‬ ‫‪)4‬‬
‫أبت‪ :‬م ا أحس ُن الس ماء بض ّم الن ون»‪ ،‬وكس ر الهم زة فق ال‪ :‬أي بني ة‬
‫(نجومه ا)‪ ،‬فق الت ل ه‪( :‬لم أرد أي ش يء أحس ن؟ وإ نم ا تعجبت من حس نها‪.‬‬
‫ماء)!! وافتحي ف اك بفتح الن ون والهم زة‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬إذن ق ولي‪( :‬م ا أحس َن الس َ‬
‫وبسبب هذا اللحن وضع كتاباً‪.‬‬
‫وروى‪ -‬أيضاً‪ -‬عن أبي األسود‪ ،‬قوله‪( :‬دخلت على أمير المؤمنين علي بن‬ ‫‪)5‬‬
‫أبي ط الب‪ -‬ك رم اهلل وجه ه‪ -‬فوج دت في ي ده رفع ة‪ ،‬فقلت م ا ه ذا ي ا أم ير‬
‫المؤم نين؟ فق ال‪ :‬إني ت أملت كالم الع رب فوجدت ه ق د فس د بمخالط ة ه ذه‬
‫الحم راء‪( ،‬يع ني األع اجم) ف اردت أن أض ع ش يئاً يرجع ون إلي ه‪ ،‬ويعتم دون‬
‫علي ه‪ ،‬ثم ألقى بالرقع ة‪ ،‬وفيه ا مكت وب‪ :‬الكالم كل ه اس م‪ ،‬وفع ل‪ ،‬وح رف‪،‬‬
‫فاالسم‪ :‬ما أنبأ عن المسمى‪ ،‬والفعل ما أنبئ به‪ ،‬والحرف‪ :‬ما أفاد معنى‪.‬‬
‫انح هذا النحو‪ ،‬وأضف إليه ما وقع لك‪ .‬واعلم‪ -‬يا أبا األس ود‪ -‬أن‬
‫وقال له‪ُ :‬‬
‫األسماء ثالثة‪ :‬ظاهر‪ ،‬ومضمر‪ ،‬واسم ال ظاهر وال مضمر‪ ،‬وإ نما تتفاضل‬
‫الناس فيما ليس بظاهر وال مضمر‪ ،‬وأراد بذلك (االسم المبهم) فوضع أبو‬
‫ثم التعجب‪ ،‬واالس تفهام‪ ،‬إلى أن وص ل ب اب‬
‫األس ود‪ :‬ب اب العط ف والنعت‪َّ ،‬‬
‫(لكن)‪ ،‬فلم ا عرض ها على اإلم ام علي‪ -‬أم ره أن يض م َّ‬
‫(لكن)‬ ‫(إن) م ا ع دا َّ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫علي‪ -‬كرم اهلل‬
‫إليها‪ ،‬وكلما وضع باباً من أبواب النحو عرضها على اإلمام ّ‬
‫وجه ه‪ -‬إلى أن حص ل م ا في ه الكافي ة‪ ،‬فق ال‪ :‬م ا أحس َن ه ذا النح و‪ ،‬ال ذي‬
‫نحوت؟! ومن هنا جاءت تسمية هذا العلم بالنحو(‪.)1‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬
‫وقد ذكر‪ -‬أيضاً‪ -‬سبب آخر في وضع النحو‪ :‬وهو َّ‬
‫أن اإلمام علي اً كرم اهلل‬ ‫‪)6‬‬
‫ﭼ (‪ ،)1‬فقرأ (إاَّل الخاطئين)‬ ‫وجهه‪ :‬سمع أعرابي اً يقرأ‪ :‬ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫فوضع النحو‪.‬‬
‫وبعد استعراض كل هذه اآلراء نستطيع أن نذكر َّ‬
‫أن هناك اتفاق اً على نسبة‬ ‫‪‬‬
‫فض ل نش أة النح و إلى أبي األس ود ال دؤلي‪ ،‬وأن هن اك اختالف اً في األس باب‬
‫التي أدت إلى وضعه ونستطيع أن نقرر‪ :‬أن السبب في نشأته والباعث إليه ا‬
‫هو ظهور اللحن وإ ن اختلفت الروايات في صور هذا اللحن‪.‬‬
‫ومهما قيل‪ ،‬فالنتيجة المؤكدة أن أبا األسود (ظالم بن عمر الدؤلي) هو الذي‬
‫بدأ هذا العمل سوءا بإشارة من سيدنا عمر بن الخطاب‪ -‬رضي اهلل عنه‪-‬‬
‫علي‪ -‬كرم اهلل وجهه‪ -‬أو من (زياد بن أبيه) أم بتفكيره هو‪.‬‬
‫أو من سيدنا ّ‬
‫الراجح من تلك األقوال‪:‬‬
‫يرجع أب و الحس ن القفطي‪ :‬أن َّأول من وضع النح و ه و اإلم ام علي بن أبي‬ ‫‪‬‬
‫ط الب‪ -‬ك رم اهلل وجه ه‪ -‬ورض ي اهلل عن ه حيث ق ال‪( :‬الجمه ور من أه ل‬
‫الرواية‪َّ :‬‬
‫أن أول من وض ع النحو أمير المؤم نين علي بن أبي طالب‪ -‬كرم‬
‫اهلل وجهه‪ ،-‬ثم قال‪ :‬وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح َّ‬
‫أن أول‬
‫علي بن أبي طالب‪ -‬كرم اهلل وجهه‪ -‬وأخذ عنه أبو األسود‬
‫من وضع النحو ّ‬
‫الدؤلي) (‪.)2‬‬
‫وان ه قي ل‪ :‬ألبي األس ود‪ :‬من أين ل ك ه ذا العلم؟ يعن ون‪ :‬النح و‪ .‬فق ال‪ :‬لفقت‬ ‫‪‬‬
‫علي بن أبي طالب (رضي اهلل عنه) وكرم اهلل وجهه(‪.)3‬‬
‫حدوده من ّ‬
‫وقال أبو البركان عبدالرحمن بن محمد األنباري‪( :‬اعلم أيدك اهلل بالتوفيق‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وأس س قواع ده‪،‬‬ ‫وأرش ك إلى س واء الطري ق‪َّ :‬‬
‫أن َّأول من ص نع علم العربي ة َّ‬
‫‪ -‬سورة الحاقة‪ ،‬اآلية ‪.37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إنباء الرواة ‪.41 ، 1/39‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إنباء الرواة ‪.2/50‬‬ ‫‪3‬‬


‫َّ‬
‫وحد حدوده‪ ،‬علي بن أبي طالب‪ -‬كرم اهلل وجهه‪ -‬ورضي اهلل عنه‪ ،‬وأخذ‬
‫عنه أبو األسود الدؤلي) (‪.)1‬‬
‫وك ان أب و األس ود (ظ الم بن عم ر بن س فيان بن جن دل ال دؤلي) من كب ار‬ ‫‪‬‬
‫التابعين‪ ،‬ومن القراء‪ ،‬لبقاً‪ ،‬ذكياً‪ ،‬حاضر البديهة‪ ،‬كما كان شاعراً مفلقاً‪.‬‬
‫علي بن‬
‫قال ابن األنباري‪( :‬وكان أسود األسود ممن صحب أمير المؤمنين ّ‬ ‫‪‬‬
‫أبي ط الب‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬وك ان من المش هورين بص حبته ومحبت ه‪،‬‬
‫ومحبة أهل بيته) (‪.)2‬‬
‫علي بن أبي ط الب‪ -‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬على‬ ‫ق ال القفطي‪( :‬واس تعمله ّ‬ ‫‪‬‬
‫البصرة‪ ،‬وتوفى فيها سنة تسع وستين وهو ابن خمس وثمانين سنة) (‪.)3‬‬

‫‪ -‬نزهة األولياء في طبقات األدباء ‪.17 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪.19 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إنباء الرواة (‪.)55 ،1/53‬‬ ‫‪3‬‬


‫نشأة النحو‪:‬‬
‫أين نشأ النحو؟‬
‫ال خالف بين العلم اء في َّ‬
‫أن نش أة ه ذا العلم (النح و والص رف) ك انت‬
‫بالعراق‪ ،‬وذلك لعدد من األسباب‪:‬‬
‫أوالً‪َّ :‬‬
‫أن الع راق إقليم خص ب يق ع بين نه ري دجل ة والف رات‪،‬ـ وه ومن أق دم بق اع‬
‫األرض عمراناً‪ ،‬وهو قطر غني بخيراته ومياهه‪ ،‬وقيل عنه‪( :‬أنه أعدل أرض اهلل‬
‫هواء وماء) وكان ملجأ للعجم قبل اإلسالم‪ ،‬فكان يسكنه كثير من األمم كـ (الفرس)‬
‫واآلش وريين‪ .‬واآلش وريون‪ :‬مجموع ة عرقي ة تس كن في ش مال م ا بين النه رين في‬
‫الع راق‪ ،‬وس وريا‪ ،‬وهي من أق دم الش عوب ال تي اعتنقت المس يحية وبع د الفتح أقب ل‬
‫المس لمون على الع راق عرب اً وعجم اً؛ إذ أنه ا تمت از بأس باب الحي اة الناعم ة ورغ د‬
‫العيش‪.‬‬
‫ثاني اً‪ :‬اختالط العرب بالعجم جعل اللحن يتفشى فيه بصورة ال توجد في غيره من‬
‫األمصار‪ ،‬والبلدان‪.‬‬
‫ثالث اً‪ :‬تق ع البص رة على مقرب ة من وادي َن ْج د غرب اً والبح رين جنوب اً واألع راب‬
‫يف دون إليه ا منهم ا‪ ،‬فأخ ذ البص ريون عن الع رب (القح) األقح اح ال ذين لم تفس د‬
‫سليقتهم العربية‪.‬‬
‫أم ا الكوف ة‪ :‬فلبع دها عن البادي ة لم يف د إليه ا من الع رب (القح) إاَّل القلي ل وتُ َع ُّد‬
‫البصرة أسبق مدن العراق اشتغاالً بعلوم النحو‪ .‬حيث احتضنت النحو زهاء قرن‬
‫من الزمان‪ ،‬قبل أن تشغل به الكوفة‪.‬‬
‫فالبص رة‪ :‬هي ال تي ش ادت ص رح النح و‪ ،‬ورفعت أركان ه‪ ،‬بينم ا ك انت الكوف ة‬
‫مشغولةً بقراءات الذكر الحكيم‪ ،‬ورواية الشعر‪ ،‬واألخبار‪ .‬قال ابن سالم الحجمي‪:‬‬
‫«وك ان أه ل البص رة في العربي ة قُ ْد َم ة بالنحو وبلغ ات الع رب والغ ريب عناية»(‪.)1‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬طبقات الشعراء ‪.29 /‬‬ ‫‪1‬‬


‫وقال ابن النديم‪ :‬قال محمد بن إسحاق َّ‬
‫«إنما قدمنا البصريين أوالً؛ َّ‬
‫ألن علم العربية‬
‫عنهم أخذ‪َّ ،‬‬
‫وألن البصرة أقدم بناء من الكوفة»(‪.)1‬‬
‫ثم اش ترك علم اء البص رة والكوف ة في النه وض ب النحو من عه د الخلي ل بن‬
‫َّ‬
‫أحمد شيخ الطبقة الثانية من البصريين‪ ،‬وأبي جعفر الرؤاسي شيخ الطبقة األولى‬
‫ت عناص ره في مس تهل العص ر العباس ي‬
‫وكملَ ْ‬
‫من الكوف يين‪ ،‬ح تى نمت أص وله‪ُ ،‬‬
‫المبرد خاتم البصريين‪ ،‬وثعلب خاتم الكوفيين‪.‬‬
‫األول‪ .‬على يد ِّ‬
‫رابع اً‪ :‬هكذا كان العراق بلد علم وحضارة‪ -‬وكان أهله‪ -‬لذلك مهيئين لحمل هذه‬
‫األمانة العلمية (النحو) ومناقشة مسائلها والتأليف فيها‪.‬‬
‫وهكذا أصبحت العربية من الدين‪ ،‬وغدا تعليمها لفهم مقاصد الكتاب والسنة قربة‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫من َّ‬
‫أجل القربات إلى اهلل َّ‬
‫ق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة‪« :‬ف َّ‬
‫إن َنفَس اللغ ة العربي ة من ال دين ومعرفته ا ف رض‬
‫فإن فهم الكتاب والسنة فرض‪ ،‬وال يفهم إاَّل بفهم اللغة العربية‪ ،‬وما ال ُّ‬
‫يتم‬ ‫واجب‪َّ ،‬‬
‫ال واجب إاَّل ب ه فه و واجب‪ ،‬ثم منه ا م ا ه و واجب على األعي ان‪ ،‬ومنه ا م ا ه و‬
‫واجب على الكفاية»(‪.)2‬‬
‫مدرستا البصرة والكوفة ومنهج‪ 1‬كل منهما وأسباب الخالف‪:‬‬
‫أدت العوامل والظروف السابقة إلى اختالف منهج ك ّل من الفريقين الكوفي‬
‫والبصري‪ ،‬فنشأ الخالف بينهما في أمور عدة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬البصريون‪:‬‬
‫تمث ل البص رة نقط ة التق اء بين الحض ارات والثقاف ات ال تي ت رد عليه ا من‬ ‫‪‬‬
‫جه ات مختلف ة لموقعه ا الجغ رافي‪ .‬فهي أك ثر البل دان العراقي ة قرب اً إلى‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬الفهرست‪.96 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪.469 /‬‬ ‫‪2‬‬


‫الع رب الخلص‪ ،‬حيث ك انوا يف دون إليه ا ويت أثر بهم أهله ا ويأخ ذون عنهم‪،‬‬
‫دون أن يتكلفوا مشقة السفر إليهم‪.‬‬
‫وك ان يق ام فيه ا س وق ِ‬
‫(الم ْرب د) وه و ش بيه بس وق عك اظ‪ ،‬فتعق د المن اظرات‬ ‫‪‬‬
‫ثم راجت فيه ا‬
‫ومجالس العلم‪ ،‬ويأتي إليها الشعراء والرواة واللغويون‪ ،‬ومن َّ‬
‫سوق العلم‪ ،‬وازدهرت الحركة العلمية‪.‬‬
‫وكان أكثر ما تأثرت به هو ما يتعلق بالمسائل العقلية‪ :‬كالمنطق والفلسفة‬ ‫‪‬‬
‫التي اصطبغ بها كل ما أنتجته من دراسات‪ ،‬وخاصة النحوية منها‪ ،‬األمر‬
‫ال ذي أدى إلى اهتم امهم ب إيراد العل ل المنطقي ة وف رض الف روض النظري ة‪،‬‬
‫وتعليق كل األحكام عليها حتى وإ ن خالف ذلك المسموع من كالم العرب‪،‬‬
‫ووضعوا منهجاً يعتمد على أسس معينة وهي‪:‬‬
‫الق رآن الك ريم‪ :‬وه و مص در أص يل من مص ادر اللغ ة والنح و‪ ،‬عن د جمي ع‬ ‫‪-1‬‬
‫النحويين‪( .‬ومع ذلك فقد استبعد البصريون القرآن ما لم تكن مسنودة بشيء‬
‫من فصيح الشعر والنثر أو القياس)‪.‬‬
‫الشعر‪ :‬واعتمدوا فيه على شعر الجاهليين وشعر المخضرمين‪ .‬أي (الشعر‬ ‫‪-2‬‬
‫الج اهلي واإلس المي الموث وق بص حته وس المة لغ ة قائل ه)‪ .‬فالبص ريون‪ :‬ال‬
‫يستشهدون ببيت شعر لم ُيعرف قائله‪.‬‬
‫النقل‪ :‬النقل من القبائل العربية التي لم تتأثر ولم تختلط بغيرها مثل قبائل‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أس د‪ ،‬وقيس‪ ،‬وه ذيل وبعض كنان ة وبعض الط ائيين‪َّ ،‬‬
‫ألن لغ ة ه ؤالء لم‬ ‫َ‬
‫يص بها داء اللح‪ ،‬ولم تفس د ب االختالط باألع اجم فالبص ريون يتح رون عن‬
‫ال رواة فال يأخ ذون إاَّل برواي ة الثق ات ال ذين س معوا اللغ ة من الفص حاء عن‬
‫طريق الحفظة‪ .‬فالبصريون‪ :‬لم يأخذوا عن حضري‪ ،‬وال ممن كان يجاور‬
‫(ن ِم ر)‬
‫األمم األخ رى‪ :‬كـ (لخم وج ذام) لمج اورتهم أه ل مص ر‪ .‬وال من َ‬
‫لمجاورتهم اليونان‪ .‬وال من (بكر) لمجاورتهم النبط والفرس‪ .‬وال من (عبد‬
‫قيس) وال (أزد عم ان) لمج اورتهم الف رس‪ .‬وال من أه ل (اليمن) لمخ الطتهم‬
‫الهند والحبشة‪.‬‬
‫القي اس‪ :‬فق د جعل وا تل ك األس س أساس ا ًيق اس علي ه رغم م ا تعرض ت ل ه‬ ‫‪-4‬‬
‫نظري ة القي اس من نق د‪ .‬فق د ذك ر أن القي اس ال يت أتى في ك ل الظ واهر ال تي‬
‫تتعل ق باللغ ة‪ ،‬ألن اللغ ة ظ اهرة مج ددة وخاض عة للت أثر‪ ،‬ومن الص عب‬
‫إخض اعها لمق اييس مح ددة وق والب جام دة ال تقب ل التغي ير والتب ديل‪ .‬ينظ ر‬
‫مذكرة الشيخ حسن‪..‬‬
‫وم ع ذل ك فالبص ريون‪ ،‬ال يقيس ون على الش اذ‪ ،‬ق ال الس يوطي‪« :‬اتفق وا على‬
‫أن البص ريين أص ّح قياس اً؛ ألنهم ال يلتفت ون إلى ك ل مس موع وال يقيس ون على‬
‫الشاذ‪ ،‬والكوفيون أوسع رواية»(‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬الكوفيون‪:‬‬
‫ب دأت ه ذه المدرس ة مت أخرة عن مدرس ة البص رة بح والي ق رن من الزم ان‪،‬‬
‫ثم كان اعتمادها عليها وتأثر بها بشكل واضح‪.‬‬
‫ومن َّ‬
‫فالبص ريون لهم فض ل الري ادة من ذ أن وض ع أب و األس ود ال دؤلي قواع د ه ذا‬
‫العلم‪ ،‬وتبع ه علم اء اتخ ذوا من مدين ة البص رة مقراً لحلق ات دروس هم ونش ر آرائهم‬
‫مث ل‪ :‬عيس ى بن عم ر والخلي ل وس يبويه وت أثر بهم َم ْن تص دروا ه ذه الحلق ات من‬
‫الكوفية مثل أبي جعفر الرؤاسي إمام نحاة الكوفة الذي بدأ دراسته‬‫َّ‬ ‫رواد المدرسة‬
‫َّ‬
‫بالبصرة على (عيسى بن عمر) ثم عقد حلقته الخاصة بالكوفة وأبز من تلقوا عنه‬
‫(الكسائي والفراء)‪...‬‬
‫وت أثر ه ؤالء بنح اة البص رة لم يق ف عن د ح ّد التلقي وال درس فحس ب وإ نم ا‬
‫تج اوز ذل ك إلى أنهم اتخ ذوا من ك ت اب س يبويه مرجع اً ح تى ذك ر (ثعلب) أن‬
‫(الف راء) م ات وتحت رأس ه كت اب س يبويه‪ .‬وأن الكس ائي طلب من األخفش (س عيد‬

‫‪ -‬االقتراح في أصول النحو‪.156 /‬‬ ‫‪1‬‬


‫بن مسعدة) أن يقرأ عليه كتاب سيبويه ثم تشكل منهجهم بعد ذلك واستقلت آراؤهم‬
‫عن نح و اختلف وا في ه عن البص ريين حيث يق وم منهجهم ويعتم د على أس س معين ة‬
‫وهي‪:‬‬
‫الق رآن الك ريم‪ :‬ف الكوفيون يعتم دون على الق رآن الك ريم من غ ير تأوي ل أو‬ ‫‪-1‬‬
‫تخريج‪.‬‬
‫الشعر‪ :‬فالكوفيون يستشهدون بالشعر حتى ولو كان بيت اً واحداً‪ ،‬ويحتجون‬ ‫‪-2‬‬
‫بالش اهد المجه ول قائل ه‪ .‬يق ول أب و الطيب اللغ وي‪« :‬والش عر بالكوف ة أك ثر‬
‫وأجمع منه بالبصرة‪ ،‬ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله‪ ،‬وذلك‬
‫ّبين في دواوينهم»(‪.)1‬‬
‫النق ل والرواي ة عن الع رب وقب ول ك ل م ا ج اء منهم واإلعت داء ب ه‪ .‬ولم‬ ‫‪-3‬‬
‫يتح روا ص حة م ا نق ل إليهم فق د قبل وا ك ل مس موع ولم يب الغوا في التح ري‬
‫والتنقيب ورأوا احترام جميع ما ورد عن العرب‪ ،‬وأجازوا استعماله ولو لم‬
‫يج ر على تل ك القواع د ال تي وض عها البص ريون‪ ،‬وتس اهلوا في التثبت من‬
‫صحة المسموع وأمانة راويه وسالمة قائله‪.‬‬
‫االحتكام إلى القياس‪ :‬ولم يشترطوا للقياس كثرة كاثرة بل قاسوا على الشاهد‬ ‫‪-4‬‬
‫الواحد‪ ،‬ولو جاء مخالف اً للكثرة الكاثرة المتفق على القياس عليها (وقد أدى‬
‫ذل ك إلى قب ول الرواي ات الش اذة والش واهد الن ادرة‪ ،‬وق ادهم ذل ك إلى التوس ع‬
‫في قواعد اللغة)‪.‬‬
‫ف الكوفيون‪ :‬يس تنبطون بعض القواع د بالقي اس النظ ري من غ ير حاج ة إلى‬ ‫‪‬‬
‫ش اهد‪ ،‬وربم ا جعل وا من الش واذ أساس اً‪ .‬نق ل الس يوطي عن األندلس ي في‬
‫ش رح المفص ل قول ه‪« :‬الكوفي ون ل و س معوا بيت اً واح داً في ه ج واز ش يء‬

‫‪ -‬مراتب النحويين‪.74 /‬‬ ‫‪1‬‬


‫مخ الف لألص ول جعل وه أص الً وبوب وا علي ه بخالف البص ريين» (‪ .)2‬ق ال‬
‫الس يوطي‪ ،‬ق ال ابن درس تويه «ك ان الكس ائي يس مع الش اذ ال ذي ال يج وز إاَّل‬

‫في الضرورة فيجعله أصالً ويقيس عليه فأفسد بذلك النحو»(‪.)2‬‬


‫ويق ول القفطي‪ ،‬ق ال أب و زي د األنص اري‪« :‬ق دم الكس ائي البص رة فأخ ذ عن‬
‫أبي عم رو بن العالء‪ ،‬وعن ي ونس بن ح بيب‪ ،‬وعيس ى بن عم ر‪ ،‬ثم خ رج‬

‫طمة‪ -‬بطن من قيس‪ -‬وأخذ عنهم شيئاً فاسداً‬


‫الح ْ‬
‫إلى بغداد‪ ،‬وقد قدم أعراب ُ‬
‫‪ -‬واهلل تعالى أعلى وأعلم‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فخلط هذا بذاك فأفسده»‬

‫‪ -‬االقتراح في أصول النحو‪.157 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬بغية الوعاة ‪.2/164‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إنباه الرواة ‪.2/274‬‬ ‫‪3‬‬


‫علماء البصرة والكوفة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬علماء البصرة‪ :‬من علماء البصرة‪:‬‬
‫نص ر بن عاص م بن أبي س عد اللي ثي البص ري (‪89‬ه)‪ ،‬من الت ابعين وه و‬ ‫‪-1‬‬
‫أول من أخذ النحو عن أبي األسود الدؤلي وأخذ عنه أبو عمرو بن العالء‬
‫وغيره‪.‬‬
‫أبو عمرو بن (العالء) َّ‬
‫زيان بالزاي‪ .‬وقيل‪ :‬بالراء بن العالء بن المازني (‬ ‫‪-2‬‬
‫‪154‬ه)‪ ،‬أحد القراء السبعة‪ ،‬وهومن المشهورين‪ .‬أخذ النحو عن نصر بن‬
‫عاصم الليثي‪ ،‬وأخذ عنه الخليل بن أحمد‪ ،‬ويونس بن حبيب‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ :‬هو أبو عبدالرحمن بن أحمد بن عمرو بن تميم‬ ‫‪-3‬‬
‫الفره ودي اليم ني (‪175‬ه)‪ .‬منش ؤه ومرب اه وحيات ه في البص رة يق ول‬
‫(ثعلب)‪َّ :‬‬
‫إن األصول وأمهات المسائل النحوية والصرفية من عمل الخليل‪،‬‬
‫وه و أس تاذ س يبويه‪ ،‬والنص ر بن ش ميل‪ ،‬وغيرهم ا وم ا في كت اب س يبويه‬
‫المعروف مأخوذ عنه ذ َكر ذلك َج ْمعٌ‪.‬‬
‫أبو عبدالرحمن يونس بن حبيب بن عبدالرحمن الضبي (‪182‬ه)‪ ،‬لزم أبا‬ ‫‪-4‬‬
‫عمرو بن العالء‪ ،‬وأخذ عنه سيبويه‪ ،‬كما أخذ عنه الفراء والكسائي‪.‬‬
‫س يبويه‪ :‬أب و بش ر عم رو بن عثم ان بن قن بر الفارس ي (‪188‬ه) إم ام النح و‬ ‫‪-5‬‬
‫حج ة الع رب‪ ،‬ول د بقري ة من ق رى ش يراز يق ال له ا (البيض اء) من ق رى‬
‫ثم ق دم إلى البص رة فطلب (الفق ه‬
‫ف ارس‪ ،‬وفي ش يراز تلقى دروس ه األولى‪َّ ،‬‬
‫والح ديث) م رة ثم َّ أقب ل على العربي ة‪ ،‬والتح ق بحلق ات العلم‪ ،‬فل زم حلق ات‬
‫النح ويين واللغ ويين‪ ،‬وفي مق دمتهم (عيس ى بن عم ر) واألخفش الكب ير‪،‬‬
‫وي ونس بن ح بيب‪ ،‬ول زم الخلي ل بن أحم د الفراهي دي وأخ ذ من ه (النح و‬
‫عم نفعه‪.‬‬
‫والصرف) فبرع وساد أهل العصر‪ ،‬وألف فيها كتابه الكبير الذي َّ‬
‫األخفش الكب ير‪ :‬ه و أب و الخط اب بن عبدالحمي د بن عبدالمجي د (‪172‬ه)‬ ‫‪-6‬‬
‫وشهرته األخفش األكبر‪ ،‬أخذ عن أبي عمرو بن العالء‪ ،‬وأخذ عنه سيبويه‬
‫وأبو عبيدة معمر بن المثنى‪.‬‬
‫أب و الحس ن س عيد مس عدة البلخي ثم البص ري (‪211‬ه) وش هرته األخفش‬ ‫‪-7‬‬
‫األوس ط‪ .‬فارس ي األص ل من تالمي ذ س يبويه‪ ،‬وه و ال ذي روى عن ه كتاب ه‪،‬‬
‫وهو أعلم تالميذ سيبويه‪ ،‬وعنه أخذ المازني والجرمي كتاب سيبويه‪ ،‬وأخذ‬
‫عن ه‪ -‬أيض اً‪ -‬علم اء الكوف ة وعلى رأس هم إم امهم الكس ائي والف راء‪ ،‬وه و‬
‫أكبر أئمة النحو البصريين بعد سيبويه‪.‬‬
‫الم ازني‪ :‬ه و أب و عثم ان بك ر بن محم د بن بقي ة من ب ني م ازن الش يباني (‬ ‫‪-8‬‬
‫‪247‬ه) من أه ل البص رة‪ ،‬ل زم األخفش وأخ ذ عن ه كت اب س يبويه‪ ،‬وك ان‬
‫المبرد من أشهر تالميذه‪.‬‬
‫الم برد‪ :‬ه و أب و العب اس محم د بن يزي د بن عب د الك بر األزدي البص ري (‬ ‫‪-9‬‬
‫‪285‬ه) لزم أبا عمرو الجرمي وأبا عثمان المازني‪ ،‬وهو من أواخر أئمة‬
‫َّ‬
‫البصرية‪.‬‬ ‫المدرسة‬
‫وس ّمي‬
‫الزج اج‪ :‬ه و أب و إس حاق إب راهيم بن الس ري بن س هل (‪310‬ه) ُ‬ ‫‪-10‬‬
‫الزج اج؛ ألن ه ك ان في حداثت ه يخ رط الزج اج‪ ،‬فنس ب إلي ه‪ ،‬ل زم الم برد‪،‬‬
‫ودرس النحو عليه‪.‬‬
‫ابن الس راج‪ :‬ه و أب وبكر محم د بن الس ري (‪316‬ه) درس النح و على‬ ‫‪-11‬‬
‫المبرد ودرس على الزجاج‪.‬‬
‫هؤالء أشهر علماء النحو البصريين‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬علماء الكوفة‪ :‬من علماء الكوفة‪:‬‬
‫أبو جعفر محمد بن الحسن الرؤاس (‪175‬ه)‪ :‬سمي بالرؤاس لكبر رأسه‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أخ ذ عن عيس ى بن عم ر‪ ،‬وأبي عم رو بن العالء‪ ،‬وك ان أس تاذاً للكس ائي‬
‫والفراء‪.‬‬
‫مع اذ بن مس لم اله راء (‪187‬ه) واله راء‪ :‬نس بة للهروي ة ألن ه ك ان يبيعه ا‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وهو أخذ عن أي جعفر الرؤاس‪ ،‬وأخذ عنه الفراء‪.‬‬
‫الكس ائي‪ :‬ه و أب و الحس ن علي بن حم زة بن عبداهلل بن عثم ان الكس ائي (‬ ‫‪-3‬‬
‫وي ُّ‬
‫عد الكسائي‬ ‫‪189‬ه) من أصل فارسي‪ ،‬لزم حلقة حمزة بن حبيب الزيات ُ‬
‫وس ِّمي الكسائي‪:‬‬
‫إمام مدرسة الكوفة‪ ،‬وهو أحد القراء السبعة المشهورين‪ُ ،‬‬
‫ألنه أحرم في كساء ‪ ،‬وكان يختلف إلى حلقات أبي جعفر‪ ،‬ومعاذ بن مسلم‬
‫الهراء‪ ،‬وعيسى بن عمر‪ ،‬والخليل بن أحمد‪ ،‬يدرس النحو‪.‬‬
‫الف راء‪ :‬ه و أب و زكري ا يحي بن زي اد بن عبداهلل بن منظ ور ال ديلمي (‬ ‫‪-4‬‬
‫‪207‬ه)‪ -‬من أص ل فارس ي‪ ،‬ولقب ب الفراء؛ ألن ه ك ان يف ري الكالم‪ ،‬أخ ذ‬
‫العربية عن الكسائي‪ ،‬وأبي جعفر الرؤاس‪ ،‬وتتلمذ على يونس بن حبيب‪.‬‬
‫هش ام الض رير‪ :‬ه و أب و عبداهلل هش ام بن معاوي ة الض رير (‪209‬ه) من‬ ‫‪-5‬‬
‫تالميذ الكسائي‪.‬‬
‫ابن الس كيت‪ :‬ه و أب و يوس ف يعق وب بن إس حق الس كيت ( ‪244‬ه) أخ ذ عن‬ ‫‪-6‬‬
‫أبي عمرو الشيباني‪ ،‬والفراء وابن األعرابي‪.‬‬
‫ثعلب‪ :‬ه و أب و العب اس أحم د بن يحي الن وى بن زي د (‪291‬ه) ل زم حلق ات‬ ‫‪-7‬‬
‫تالم ذة الف راء أبي عبداهلل الط وال‪ ،‬ومحم د بن قاس م‪ ،‬وس لمة ابن عاص م‪،‬‬
‫ولزم حلقات ابن األعرابي‪ ،‬ولزم حلقات تالمذة األصمعي أبي نصر أحمد‬
‫بن ح اتم‪ ،‬ول زم حلق ات األث رم تلمي ذ أبي عبي دة‪ ،‬وأخ ذ عن عم رو بن أبي‬
‫عمرو الشيباني‪.‬‬
‫أبوبكر األنباري‪ :‬هو أبوبكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار األنباري (‬ ‫‪-8‬‬
‫‪328‬ه) أخذ النحو عن ثعلب‪.‬‬
‫حي ةً في الم دارس‪،‬‬
‫وم ا زال النح و من نش أته األولى إلى عص رنا ه ذا م ادةً ّ‬ ‫‪‬‬
‫والمعاهد‪ ،‬والجامعات‪ ،‬وسيستمر إلى أن يرث اهلل أألرض ومن عليها؛ ألنا‬
‫للغة العربية‪ ،‬هي لغة القرآن الكريم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮚ‬ ‫(‪ ،)1‬وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫عز َّ‬
‫وجل بحفظ كتابه العزيز قال تعالى‪:‬‬ ‫ﮥ ﭼ (‪ .)2‬وقد تكفل اهلل َّ‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ (‪.)3‬‬ ‫ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬

‫‪ -‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سورة الشعراء ‪ ،‬اآليات ‪.195 -192‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سورة الحجر ‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬ ‫‪3‬‬


‫النائب عن الفاعل‬
‫نيابة غير المفعول به مع وجوده‪:‬‬
‫إذا وج د بع د الفع ل المب ني للمجه ول‪ :‬مفع ول ب ه‪ ،‬ومص در‪ ،‬وظ رف‪ ،‬وج ار‬ ‫‪‬‬
‫ومجرور‪ ،‬فأيهما ينوب‪ ،‬وهل يجوز نيابة غير المفعول له مع وجوده؟‬
‫مذهب البصريين‪ :‬أنه يتعين نيابة المفعول به عن الفاعل مع وجود غيره‪،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫الشرطي المذنب إهانة بالغة يوم الخميس أمام القاضي في‬
‫ّ‬ ‫ففي مثل‪( :‬أهان‬
‫المجلس)‪.‬‬
‫عند نيابة الفعل للمجهول‪ :‬يجب عندهم نيابة المفعول به دون غيره فتقول‪:‬‬
‫المذهب إهانة بالغة يوم الخميس أمام القاضي في المجلس)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(أه ْي َن‬
‫ُ‬
‫مذهب الكوفيين‪ :‬يجوز نيابة المفعول به‪ ،‬ويجوز نيابة غير المفعول به مع‬ ‫‪)2‬‬
‫ب إهان ةٌ بالغ ةٌ أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين المذن ُ‬
‫وجوده‪ ،‬تقدم أم تأخر‪ ،‬فيجوز عندهم أن تقول‪ :‬أه َ‬
‫المذنب‪.‬‬ ‫ين إهانةٌ بالغةٌ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أه َ‬
‫يجوز نيابة غير المفعول‪ ،‬وإ ن كان األفضل نيابة المفعول‪.‬‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫واس تدلوا على م ذهبهم‪ :‬بق راءة أبي جعف ر قول ه تع الى‪ :‬ﭽ ﭚ‬ ‫‪‬‬
‫ﭼ ببن اء الفع ل (يج زي) للمجه ول‪ ،‬ففي ه ذه الق راءة‪ ،‬ج اءت نياب ة‬ ‫ﭞ‬
‫المجرور بالباء (بما) عن الفاعل مع وجود المفعول به (قوماً) منصوباً‪.‬‬
‫كما استدلوا بقول الشاعر‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫الفي إاَّل ذو هدى‬
‫وال شفى ذا ّ‬ ‫لم ُي ْع َن بالعلياء إاَّل ّ‬
‫سيداً‬
‫الش اهد في ال بيت قول ه (لم يعن بالعلي اء إال س يداً) حيث ن اب الج ار‬
‫والمج رور‪ ،‬وه و قول ه (بالعلي اء) عن الفاع ل‪ ،‬م ع وج ود المفع ول ب ه في‬
‫(سيداً)‪.‬‬
‫الكالم وهو قوله ّ‬
‫وقول الشاعر‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ما دام معنياً ٍ‬
‫بذكر َقْلَبه‬ ‫ربه‬
‫المنيب ّ‬
‫ُ‬ ‫وإ نما يرضى‬
‫(عنِ َي) بالبناء للمجهول لزوماً‪.‬‬
‫معنياً‪ :‬مهتماً ومولعاً‪ .‬وهو اسم مفعول من ُ‬
‫الشاهد فيه‪ :‬قوله (معنياً بذكر قلبه)‪ ،‬حيث أناب الجار والمجرور وهو قوله‬
‫(بذكر) مناب الفاعل‪ ،‬مع وجود المفعول به في الكالم وهو قوله ( َقْلَبه)‪.‬‬
‫وم ذهب األخفش‪ :‬إذا تق دم غ ير المفع ول ب ه على المفع ول ج از نياب ة ك ل‬ ‫‪)3‬‬
‫خالد)‪ -‬نيابة عن المفعول‪ .‬ويجوز‪( :‬ضرب‬ ‫(ض ِر َ‬
‫ب في الدار ٌ‬ ‫منهما‪ ،‬تقول‪ُ :‬‬
‫في الدار خالداً) بنيابة المجرور‪.‬‬
‫خالد في‬
‫ب ٌ‬ ‫(ض ِر َ‬
‫وإ ذا تقدم المفعول به على غيره‪ ،‬تعين نيابته‪ ،‬وذلك نحو ُ‬ ‫‪‬‬
‫رب خال داً في ال دار) بنياب ة‬
‫ال دار) لوج وب نياب ة المفع ول‪ .‬وال يج وز (ض َ‬
‫المجرور‪.‬‬
‫وقد أشار ابن مالك إلى حكم نيابة غير المفعول به مع وجود المفعول وإ لى‬ ‫‪‬‬
‫المذاهب في ذلك فقال‪:‬‬
‫ينوب بعض هذا إن وجد * في اللفظ مفعول به‪ ،‬وقد يرد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وال‬
‫والبنيان حجة الكوفيين واألخفش‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ويقول البصريون‪َّ :‬‬
‫إن هذا ضرورة شعرية‪.‬‬
‫وعن القراءة‪ :‬بأنها قراءة شاذة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫والن ائب عن الفاع ل في اآلي ة الكريم ة‪ -‬عن د البص ريين‪ -‬ض مير مس تتر في‬ ‫‪‬‬
‫الفعل عائداً على‪ -‬الغفران‪ -‬المفهوم من قوله ﭽ ﭚ ﭼ أي‪ :‬ليجزى الغفران‬
‫قوماً‪ .‬وإ نما أقيم المفعول به‪ ،‬غاية ما فيه‪ :‬أنه المفعول الثاني وذلك جائز‪.‬‬
‫الفع‪11‬ل المتع‪11‬دي لمفع‪11‬ولين أو أك‪11‬ثر‪ .‬م ا ال ذي ين وب منه ا؟! وذل ك الفع ل على ثالث ة‬
‫أن واع؛ ألن ه‪ :‬إم ا أن يك ون من ب اب أعطى‪ ،‬أو من ب اب َّ‬
‫ظن‪ ،‬أو من ب اب أعلم‪.‬‬
‫وإ ليكم حكم ِّ‬
‫كل نوع‪:‬‬ ‫َ‬
‫األول‪ :‬ف إذا ك ان‪ -‬الفع ل‪ -‬من ب اب أعطى‪ :‬أي‪ :‬متع دياً لمفع ولين‪ ،‬ليس‬
‫الن‪11 1‬وع َّ‬
‫أص لهما المبت دأ والخ بر‪ ،‬نح و‪ :‬أعطى‪ ،‬وكس ا ف يمث ل‪ :‬أعطيت محم داً كتاب اً‪،‬‬
‫وكسوت الفقير ثوباً‪.‬‬
‫فعن د بن اء ه ذا الفع ل للمجه ول‪ :‬يج وز إناب ة المفع ول األول عن الفاع ل‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فتقول‪( :‬أعطي محمد كتابه) – و ُك ِسي الفقير ثوباً‪.‬‬
‫ويج وز نياب ة المفع ول الث اني‪ -‬أيض اً‪ -‬بش رط أمن اللبس فتق ول في المث الين‬ ‫‪‬‬
‫ثوب‪.‬‬
‫الفقير ٌ‬
‫َ‬ ‫كتاب‪ -‬و ُك ِس َي‬
‫ٌ‬ ‫أع ِط َي محمداً‬
‫السابقين‪ْ :‬‬
‫أعطيت زيداً عمراً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فإذا خيف اللُْب َس‪ ،‬وجب إنابة المفعول األول‪ :‬ففي مثل‬ ‫‪‬‬
‫زيد عمراً‪ ،‬لوجوب نيابة األول فقط‪ ،‬دون‬‫ُع ِط َي ٌ‬ ‫تقول‪ :‬إذا بنيته للمجهول‪ :‬أ ْ‬
‫الثاني‪ .‬فاآلخذ هو (زيد) والمأخوذ هو (عمرو)‪ .‬وال يجوز نيابة الثاني هنا؛‬
‫ألنك لو أنبته‪ :‬انقلب المعنى‪ ،‬وصار اآلخذ هو عمرو‪ ،‬والمأخوذ هو (زيد)‬
‫وأنت تريد غير ذلك‪.‬‬
‫ظ َّن) أي‪ :‬متع دياً الث نين أص لهما المبت دأ‬
‫الن‪11‬وع الث‪11‬اني‪ :‬وإ ن ك ان الفع ل من ب اب ( َ‬
‫(ظننت محم داً مس افراً) ف إذا ب ني الفع ل‬
‫ُ‬ ‫والخ بر‪ ،‬نح و‪َّ :‬‬
‫ظن وأخواته ا‪ ،‬مث ل‪:‬‬
‫للمجه ول‪ :‬ج از نياب ة المفع ول األول عن الفاع ل‪ ،‬فتق ول‪َّ :‬‬
‫(ظن محم د مس افراً)‪.‬‬
‫ويجوز نيابة الثاني‪ -‬أيض اً‪ -‬بشرط‪ :‬أمن اللبس‪ ،‬وبشرط أن يكون المفعول الثاني‬
‫مسافر)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫جملة‪ ،‬تقول في المثال‪َّ ،‬‬
‫(ظن محمداً‬
‫وتعين إنابة األول‪ ،‬كما في‬
‫فإذا خيف اللبس عند إنابة الثاني‪ ،‬امتنع إنابته‪ّ ،‬‬ ‫‪‬‬
‫قولك‪َّ :‬‬
‫ظن زيداً عمراً) فنائب الفاعل هو (زيد) والمفعول الثاني (عمراً)‪.‬‬
‫محمد صديقك) يتعين‬
‫ٌ‬ ‫ولو أتيت المفعول الثاني النقلب المعنى‪ .‬ومثله‪َّ :‬‬
‫ظن‬ ‫‪‬‬
‫ظننت خالداً ُيكرم والديه)ز‬
‫َ‬ ‫كرم والديه‪-‬‬
‫خالد ُي ُ‬
‫(ظن ٌ‬‫فيه نيابة أألول‪َّ .‬‬
‫الن ‪11‬وع الث‪11‬الث‪ :‬وإ ذا ك ان الفع ل من ب اب (أعلم‪ ،‬وارى) أي متع دياً لثالث ة مفاعي ل‬
‫(أعلمت زيداً فرسك مسرجاً)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نحو‪:‬‬
‫فالمش هور في ه ذا الب اب‪ ،‬عن د بن اء الفع ل للمجه ول‪ ،‬وج وب نياب ة المفع ول‬ ‫‪‬‬
‫األول عن الفاعل؛ ألنه هو المفعول حقيقة‪.‬‬
‫أم ا الث اني والث الث ف إطالق (المفع ول) عليهم ا مج از‪ :‬ألن أص لهما المبت دأ‬ ‫‪‬‬
‫والخبر‪.‬‬
‫ك مسرجاً)‪.‬‬
‫فرس َ‬ ‫ُعِل َم ٌ‬
‫زيد َ‬ ‫ولذلك تقول في المثال السابق‪( :‬أ ْ‬ ‫‪‬‬
‫وال يجوز نيابة الثاني أو الثالث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أعلَ َم زي داً‬
‫جاز بقل ة عند البعض‪ ،‬نياب ة الث اني‪ :‬عن د أمن اللبس مث ل‪ْ :‬‬ ‫وربما‬ ‫‪‬‬

‫(أعِل َم زيداً‬
‫مسرجاً)‪ .‬وأقل منه نيابة الثالث‪ ،‬عند أمن اللبس كقولك‪ْ :‬‬ ‫فرسك‬
‫ُ‬
‫ُم ْس َر ٌج)‪.‬‬ ‫ك‬
‫فرس َ‬
‫َ‬
‫وقد أشار ابن مالك إلى باب َّ‬
‫(ظن وأعلم) عند بنائهما للمجهول فقال‪:‬‬
‫في باب َّ‬
‫ظن وأرى المنع اشتهر * وال أرى منعاً إذا العضد ظهر‬
‫الفعل المبني للمجهول ال يرفع إاَّل نائب فاعل واحداً‪:‬‬
‫الفع ل المب ني للمعل وم‪ ،‬ال يرف ع إاَّل فعالً واح داً‪ ،‬مث ل‪( :‬ض رب محم د علي اً)‬ ‫‪‬‬
‫وك ذلك الفع ل المب ني للمجه ول ال يرف ع إاَّل مفع والً واح داً (أي‪ :‬ن ائب فاع ل‬
‫واحداً) وينصب ما عداه‪.‬‬
‫فل و ك ان للفع ل معم والن ف أكثر‪ ،‬وأقمت واح داً منه ا مق ام الفاع ل ونص بت‬ ‫‪‬‬

‫(وض ِر َ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫خال ٌد عم را مس افراً)‬ ‫ُعِل َم‬
‫ُع ِط َي محم ٌد كتاب اً) (وأ ْ‬
‫الب اقي‪ ،‬فتق ول‪( :‬أ ْ‬
‫ضرباً شديداً يوم الخميس أمام األمير في داره)‪.‬‬
‫يرفع الفعل نائب فاعل واحدا‪ ،‬وينصب ما عداه‪ ،‬مما يستحق النصب‪ .‬وإ لى‬ ‫‪‬‬
‫هذا أشار ابن مالك بقوله‪:‬‬
‫النصب له محقّقا‬
‫ُ‬ ‫وما سوى النائب مما علقا * بالرافع‬
‫محمد‬
‫ٌ‬ ‫ض َّم ّأوله‪ ،‬وفتح ما قبل آخره‪ .‬ففي مثل‪َ :‬ف ِه َم‬ ‫إذا كان الفعل ماضياً‪ُ :‬‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫اب ال رزق‪-‬‬ ‫ال درس‪ ،‬وفتح العم ُل ب اب ال رزق‪ .‬تق ول‪ :‬فُ ِه َم ال ُ‬
‫درس‪ ،‬وفُت َح ب ُ‬
‫كما تقول في‪ :‬ضرب‪ ،‬ووص َل‪ ،‬ض ِرب وو ِ‬
‫ص َل‪..‬‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ض َّم أوله‪ ،‬وفتح ما قبل آخره‪ ،‬ففي مثل‪ :‬يعاق ُ‬
‫وإ ذا كان الفعل مضارعاً‪ُ :‬‬ ‫‪‬‬
‫ب‬
‫بيت‪ .‬تق ول عن د البن اء للمجه ول‪ُ :‬ي َع اقَ ُ‬ ‫دس ال َ‬ ‫المج ِر َم‪َ ،‬‬
‫وي ْر ُس ُم المهن ُ‬ ‫محم ٌد ُ‬
‫البيت‪ -‬كما تقول في‪َ :‬ي ْفهَ ُم‪ُ ،‬ي ْفهَ ُم‪ .‬وفي َي ْنتَ ِحي ُي ْنتَ َحى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وي ْر َس ُم‬
‫المجرم‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫وقد أشار ابن مالك إلى التغيير السابق الماضي والمضارع‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ضي َكو ِ‬
‫ص ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأو َل الفعل أضمن والمتصل * باآلخر ا ْكس ْر في ُم ّ ُ‬
‫ّ‬
‫ينتحى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واجعله من مضارع مفتت َحا * كينتَحي‪ -‬المقول فيه‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫وإ ذا ك ان الفع ل الماض ي‪ :‬مب دوءاً بت اء زائ دة‪ ،‬س واء ك انت المطاوع ة‪ ،‬أم‬ ‫‪‬‬
‫ض َّم أول ه وثاني ه‪ ،‬تق ول في‪ :‬تَعلَّ َم وتق َّد َم تُ ُعلِّ َم وتُقُ ِّد َم‪ .‬وفي‪ :‬تَ َد ْح َرج‪،‬‬ ‫لغ يره‪ُ ،‬‬
‫اه َل تقول‪ :‬تُ ُد ْح ِر َج‪ ،‬وتَ ُغو ِف َل‪ ،‬وتُ ُجو ِه َل‪.‬‬
‫وتَ َغا َف َل‪ ،‬وتَ َج َ‬
‫ض َّم أوله وثالثه‪ ،‬و ُك ِس َر ما‬
‫وإ ذا كان الفعل الماضي‪ :‬مبدوءاً بهمزة الوصل‪ُ ،‬‬ ‫‪‬‬
‫قبل اآلخر‪ ،‬وذلك نحو‪:‬‬
‫اس تَ ْغفَ َر محم د اهلل‪ ،‬واس تعار محم د الكت اب‪ ،‬تق ول‪ :‬اُ ْس تُ ْغ ِف َر اهللُ‪ ،‬واس تُ ِعير‬
‫ْ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ُ‬
‫ق‪ ،‬تق ول‪ :‬اُ ْس تُ ْحِلي‪ ،‬واُ ْقتُ ِد َر‪ ،‬واُْنطُِل َ‬
‫ق‬ ‫طلَ َ‬
‫وان َ‬
‫اس تَ ْحلَى‪ ،‬وا ْقتَ َد َر‪ْ ،‬‬
‫وقت ول في‪ْ :‬‬
‫بعمرو‪.‬‬
‫وقد أشار ابن مالك‪ -‬في المبدوء بتاء زائدة أو بهمزة وصل فقال‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫اج َعله بال ُمَن َاز َعة‬
‫والثاني التالي تا المطاوعة * كاألول ْ‬
‫وثالث الذي بهمز الوصل * كاألول اجعلنه كاستحلى‬
‫وإ ذا ك ان الماض ي الثالثي‪ ،‬مع ل العين‪ .‬مث ل‪( :‬ق ال‪ ،‬وب اع) فعن د بنائ ه‬ ‫‪‬‬
‫للمجهول‪ ،‬يجوز في فائه ثالثة أوجه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬الكسر الخالص‪ :‬فينقلب حرف العلة ياء ‪ ،‬فتقول‪ِ :‬قْب َل وبِْي َع‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ض َر ٍب) بالتنوين‪ .‬وإ ن كان على وزنت الفعل؛‬
‫ب ورأيت ضرباً‪ ،‬ونظرت إلى َ‬
‫ض َر ٌ‬
‫َ‬
‫ألن الوزن مشترك بينهما على السواء‪ ،‬كما ال تمنع (شجر وحجر)‪.‬‬
‫والخالص ة‪ :‬أن وزن الفع ل المعت بر في من ع الص رف ه و ال وزن المختص‬
‫بالفعل أو الغالب فيه‪ .‬ولذا قال ابن مالك‪:‬‬
‫الفعال * أو غالب كأحمد ويعلى‬ ‫كذاك ذو ٍ‬
‫وزن يخص ْ‬
‫‪ /6‬العلمي ة وأل ف اإللح اق‪ :‬ويمن ع االس م من الص رف للعملي ة وأل ف اإللح اق‬
‫المقصورة‪ ،‬والب َّد أن يكون االسم علم اً‪ .‬وأن تكون ألف اإللح اق مقص ورة‪ .‬وذلك‬
‫مث ل‪( :‬علقى) اس م ش جر‪ .‬و(أرطى) علم لبنت‪ .‬إذا س ميت بهم ا تق ول‪ :‬ه ذا علقى‬
‫يتكلم‪ ،‬وع رفت علقى يخطب‪ ،‬ونظ رت إلى علقى ص امتاً‪ .‬فتمنع ه من الص رف‪،‬‬
‫للعلمية وألف اإللحاق‪ .‬ومثله (أرطى) علماً‪.‬‬
‫والس ُّر في ذل ك ش به أل ف اإللح اق ب ألف الت أنيث المقص ورة في أن ك الً منهم ا ال‬
‫يقبل تاء التأنيث فكما ال تقول في (حبلى حبالة) كذلك ال تقول في (علقى علقاة)‪.‬‬
‫أم ا إذا ك انت (علقى وأرطى) نك رة فتك ون مص روفة ومنون ة‪ ،‬لع دم ش بهها‬ ‫‪‬‬
‫بألف التأنيث المقصورة في حالة التنكير‪.‬‬
‫وك ذلك إذا ك انت أل ف اإللح اق مم دودة مث ل (علي اء) فال تمن ع من الص رف‬ ‫‪‬‬
‫سواء كانت علماً أو نكرة لسماعها مصروفة‪.‬‬
‫قال ابن مالك يشير إلى منع الصرف للعلمية وألف اإللحاق‪:‬‬
‫وما يصير علماً من ذي ألف * زيدت إللحاق فليس ينصرف‬
‫‪ /7‬العلمية والعدل (أو شبه العلمية)‪ :‬ويمنع االسم من الصرف للعلمية والعدل أو‬
‫شبه العلمية والعدل في خمسة مواضع‪:‬‬
‫(جم ع و ُكت ع‬
‫األول‪ :‬م ا ك ان على وزن (فُ َع ل)‪ :‬من ألف اظ التوكي د جمع اً‪ ،‬مث ل‪ُ :‬‬
‫وبصع) فكلها ممنوعة من الصرف لشبه العلمية والعدل‪.‬‬
‫ُ‬
‫(ج َم ع) ومثله ا (كت ع وبص ع) جم وع مفرده ا‬
‫وبي ان ذل ك‪ :‬أن الع دل في ه‪ :‬أن ُ‬
‫(جمع اء) على وزن (فعالء) وقي اس جمعه ا (فعالوات) فح ق (جمع اء) ومثله ا أن‬
‫تجمع على (جمعاوات) لكنه استغنى وعدل عن (جماوات) إلى (جمع)‪.‬‬
‫ومن ه ذا يعلم أن (جم ع) م ع دول ة عن (جمع اوات) و(بص ع) عن‬
‫(بصعاوات) و(كتع) عن (كتعاوات)‪.‬‬
‫وبي ان ش به العلمي ة أن (جم ع) ونظيره ا معرف ة باإلض افة المق درة والتق دير‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫(ج ْم ُعهُ َّن) فصار تعريفه بغير أداة تعريف ظاهرة‪ ،‬فأشبه العلم من جهة أنه‬
‫ُ‬
‫معرف‪ ،‬وليس في اللفظ ما يعرفه‪.‬‬
‫والث اني‪ :‬م ا ك ان على وزن (فُ َع ل) علم اً لمف رد م ذكر مث ل‪( :‬عم ر‪ ،‬وزف ر‪ ،‬وع ل)‬
‫فه ذه ممنوع ة من الص رف للعلمي ة والع دل وهي معدول ة عن (ع امر‪ ،‬وزاف ر‪،‬‬
‫وناعل)‪.‬‬
‫والث الث‪ :‬لف ظ (س حر)‪ :‬الثلث األخ ير من اللي ل‪ ،‬ويمن ع من الص رف لش به العلمي ة‬
‫والعدل‪ ،‬بثالثة شروط‪:‬‬
‫(أي‪ُ :‬يراد به سحر يوم بعينه)‪.‬‬
‫‪ -1‬أن ُيراد به معيناً ْ‬
‫‪ -2-3‬وأن يستعمل ظرفاً مجرداً من (أل) واإلضافة‪ .‬وذلك مثل‪( :‬ذاكرت يوم‬
‫الخميس سحر) و(غردت البالبل يوم الجمعة سحر)‪ .‬فـ (سحر) ظرف ممنوع‬
‫من الصرف لشبه العلمية والعدل‪ ،‬وهو معدول عن (السحر)‪.‬‬
‫وبي ان الع دل أن ه لم ا أري د ب ه معين اً‪ ،‬ك ان حق ه أني ع رف بـ (أل) فيع ني‬ ‫‪‬‬
‫(السحر) ولكنهم عدلوا عن اللفظ بـ (أل) إلى (سحر) بدون (أل)‪.‬‬
‫وبيان شبه العلمية‪َّ :‬‬
‫أن سحر معرف بغير أداة تعريف ظاهر فأشبه العلم في‬ ‫‪‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فإن كان لفظ (سحر) غير معين صرف (مثل) قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﭼ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وإ ن كان لفظ (سحر) غير ظرف بأن كان اسماً للوقت وجب تعريفه بأل أو‬ ‫‪‬‬
‫باإلضافة‪ ،‬تقول‪ :‬السحر أنسب األوقات للمذاكرة‪ ،‬وعجبت أن يغفل الطالب‬
‫عن سحرهم‪.‬‬
‫وإ ن ك ان (س حر) ظرف اً مقترن اً بـ (أل) أو باإلض افة وجب ص رفه‪ ،‬مث ل‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫(سأساحر يوم الخميس من السحر حتى العصر‪ ،‬وأعود يوم السبت سحره)‪.‬‬
‫قال ابن مالك مشيراً إلى المواضع الثالثة السابقة‪:‬‬
‫امنع صرفه إن َع ُدال * كفُعل التوكيد أو كثُـقال‬
‫والعلم ْ‬
‫والعدل والتعريف مانع سحر * إذ به التعيين قصداً يعتبر‬
‫الراب ع‪ :‬من المع دول‪ :‬م ا ك ان على وزن (فع ال)‪ :‬علم اً لم ؤنث مث ل‪( :‬ح ِ‬
‫ذام‬
‫ورقاش) وللعرب في العلم المؤنث الذي على وزن ِ‬
‫(ف َعال) مذهبان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الم ذهب األول‪ :‬وه و م ذهب ب ني تميم‪ :‬إعراب ه إع راب م ا ال ينص رف فتمنع ه من‬
‫الصرف للعدل عن (فاعله)‪ ،‬فـ(حذام) معدولة عن (حاذمة) و(رقاش) معدولة عن‬
‫وجشم) عن (عامر وجاشم)‪.‬‬
‫(راقشة) كما عدل (عمر ُ‬
‫المذهب الثاني‪ :‬مذهب أهل الحجاز‪ :‬وهو بناء (فَ َع ال) على الكسر‪ ،‬دائم اً‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫ذام‪ ،‬وم ررت بح ِ‬
‫ذام) بالبن اء على الكس ر‪ ..‬ق ال ابن مال ك‬ ‫ذام‪ ،‬ورأيت ح ِ‬
‫(ج اءت ح ِ‬

‫يشير إلى المذهبين في مثل‪( :‬حذام)‪ -‬اإلعراب بالبناء ‪:‬‬


‫ال علما * لمؤنث وهو نظير ُح ِش َما‬
‫وابن على الكسر نِع ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫* ‪......................‬‬ ‫عند تميم ‪...............‬‬
‫ِ‬
‫(أمس)‪ :‬وللعرب فيه مذهبان‪:‬‬ ‫الخامس‪ :‬من المعدول‬
‫المذهب األول‪ :‬مذهب بعض بني تميم‪ :‬وهو إعرابه إعراب ما ال ينصرف بشرط‬
‫أن ي راد ب ه الي وم ال ذي قب ل يوم ك (أي‪ :‬معين اً) ولم يق ترن بـ أل أو بص نف‪ .‬مث ل‪:‬‬
‫(لقد رأيت مذ ِ‬
‫أمس)‪.‬‬
‫والمذهب الثاني‪ :‬بناؤها على الكسر دائماً‪ .‬مثل‪( :‬مضى ِ‬
‫أمس) بالبناء على الكسر‪.‬‬
‫(لم تشر إليها األلفية)‪.‬‬
‫أحكام عامة متعلقة بهذا الباب‪:‬‬
‫وج‪11‬وب ص‪11‬رف الممن‪11‬وع من الص‪11‬رف‪ :‬الممن وع من الص رف للعلمي ة وعل ة أخ رى‬
‫مثل العلل التسع‪ ،‬إذا زالت عنه العلمية وأصبح نكرة وجب صرفه؛ لزوال إحدى‬
‫العل تين‪ ،‬وبقائ ه بعل ة واح دة ال يقتض ي من ع الص رف‪ ،‬وذل ك نح و‪( :‬مع ديكرب‪،‬‬
‫وغطفان‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬وإ براهيم‪ ،‬وعلقى‪ ،‬وعمر) أعالم اً فكل هذه األلفاظ ممنوعة من‬
‫ون ِّونت لزوال أحد سببيها‪ ،‬وهو‬ ‫الصرف للعلمية وشيء آخر‪ ،‬فإذا نكرتها صرفت ُ‬
‫ٍ‬
‫راهيم ‪ ...‬إلخ) ب التنوين‬ ‫ان‪ ،‬وفاطم ة‪ ،‬وإ ب‬ ‫ٍ‬
‫ديكرب‪ ،‬وغطف ٍ‬ ‫ب مع‬‫(ر َّ‬‫العلمي ة‪ ،‬تق ول‪ُ :‬‬
‫ب) تدخل على النكرة فقط‪.‬‬ ‫(ر َّ‬ ‫والصرف َّ‬
‫ألن ُ‬
‫قال ابن مالك يشير إلى وجوب الصرف إذا نكر العلم‪:‬‬
‫واص ِر ْف َن ما نكرا * من كل ما التعريف فيه أثِرا‬
‫ْ‬ ‫‪.....‬‬
‫حكم المنقوص إذا كان ممنوعاً من الصرف‪:‬‬
‫ك ل منق وص ك ان نظ يره من الص حيح اآلخ ر ممنوع اً من الص رف ُيعام ل‬
‫ٍ‬
‫وغواش) أي‪ :‬يعامل معاملة المنقوص فتحذف ياؤه في حالة الرفع‬ ‫ٍ‬
‫(جوار‬ ‫معاملة‬
‫والجر‪ ،‬وينون تنوين العوض‪ ،‬وتثبت الياء في حالة النصب‪ ،‬وتظهر عليها الفتحة‬
‫ٍ‬
‫(قاض) علم اً على امرأة ونظيره من الصحيح اآلخر‬ ‫بدون تنوين‪ ،‬وذلك في مثل‪:‬‬
‫ارب) علم ا ًعلى ام رأة‪ ،‬وه و ممن وع من الص رف للعلمي ة والت أنيث‪ ،‬وه و في‬
‫(ض ٌ‬
‫حكم ه يش به (ج ٍ‬
‫وار) من جه ة ح ذف (الي اء) في حال ة الرف ع والج ر‪ ،‬م ع التن وين‪،‬‬
‫وثب وت (الي اء) ب دون تن وين في حال ة النص ب‪ ،‬تق ول‪( :‬ه ذا ق ٍ‬
‫اض‪ ،‬ونظ رت إلى‬
‫قاض) بحذف (الياء) وتنوين العوض ورأيت ِ‬
‫قاض َي‪ ،‬بثبوت (الياء) وظهور الفتح‬ ‫ٍ‬
‫جواري)‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫جوار‪ ،‬ورأيت‬ ‫ٍ‬
‫جوار‪ ،‬ونظرت إلى‬ ‫بدون تنوين‪ ،‬كما تقول‪( :‬هؤالء‬
‫قال ابن مالك يشير إلى حكم المنقوص من الممنوع من الصرف‪:‬‬
‫ٍ‬
‫جوار يقتفى‪.‬‬ ‫وما يكون منه منقوصاً ففي * إعرابه نهج‬
‫جواز صرف الممنوع من الصرف (وعكسه)‪:‬‬
‫يجوز صرف الممنوع من الصرف في موضعين‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫األول‪ :‬ضرورة الشعر‪ .‬والثاني‪ :‬التناسب في الكالم‪.‬‬
‫فأما األول ض رورة الش عر فيج وز له ا ص رف الممن وع من الص رف كق ول‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ويوم دخلت الخدر خدر ُعنيزة * فقالت‪ :‬لك الويالت إنك مرجل‬
‫(عن يزة) وهي ممنوع ة من الص رف للعلمي ة والت أنيث وص رفها‬
‫فق د ن ون الش اعر ُ‬
‫لضرورة الشعر‪ .‬وكقول الشاعر‪:‬‬
‫ظعائن * س ِ‬
‫والك نقباً بين َح ْز َمى َش َع ْب َعب‬ ‫ٍ‬ ‫تبص ْر خليلي هل ترى من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(ظعائن) حيث صرفه فج ره بالكس رة ونون ه مع أن ه على صيغة‬‫ٍ‬ ‫الشاهد فيه‪ :‬قول ه‬
‫منتهى الجم وع‪ ،‬وال ذي دع اه إلى ذل ك احتياج ه إلقام ة وزن ال بيت‪ -‬وه ذا ه و‬
‫الضرورة‪.‬‬
‫وهو كثير أجمع عليه البصريون والكوفيون‪.‬‬
‫وأما مراع اة التناس ب‪ ،‬ففي آخ ر الكلم ات أو في آخ ر الجم ل لتتش ابه في‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ [اإلنسان‪:‬‬ ‫التنوين فمثل (سالسل) في قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯻ‬
‫‪ ]٤‬فق د ص رف (سالس ل)‪ .‬وهي ممنوع ة من الص رف؛ ألنه ا على وزن‬
‫(مفاع ل)‪ ،‬وص رفها للتناس ب م ع الكلم ة المج اورة (أغالالً)‪ .‬ومثل ه (يغوث اً‪،‬‬
‫واعا وال يغوث اً ويعوقَ ا‬
‫ويعوق اً) في ق راءة من ق رأ‪( :‬وال ت درن وداً وال س َ‬
‫ونس راً) بتن وين (يغ وث‪ ،‬ويع وق) وهم ا ممنوع ان من الص رف‪ ،‬ولكنهم ا‬
‫ص ِرفا للتناسب‪ .‬وصرف الممنوع من الصرف كثير أجمع عليه البصريون‬
‫ُ‬
‫والكوفيون‪.‬‬
‫منع المنصرف‪ :‬وأم ا عكس ه وهو من ع المنص رف فقلي ل‪ ،‬ومختل ف في ه‪ ،‬فق د أج ازه‬
‫الكوفيون‪ ،‬ومنعه البصريون‪ ،‬واستدل الكوفيون على الجواز‪ ،‬بقول الشاعر‪:‬‬
‫الع ْرض‬
‫عامر * ذو الطول وذو َ‬
‫ُ‬ ‫وممن َولَدن‬
‫(عامر) بال تنوين حيث منعه من الصرف‪ ،‬مع أنه ليس فيه من‬
‫ُ‬ ‫الشاهد فيه‪ :‬قوله‬
‫موانع الصرف سوى العلمية‪ ،‬وهي وحدها غير كافية في المنع من الصرف‪ ،‬بل‬
‫الب ُّد من انض مام عل ة أخ رى إليه ا‪ ،‬ليك ون اجتماعهم ا س بباً في من ع االس م من‬
‫الصرف‪ .‬وكقول الشاعر‪:‬‬
‫ور‬
‫بشبيب عائلة النفوس َغ ُر ُ‬
‫َ‬ ‫األزارق بالكتائب إذ هوت *‬
‫َ‬ ‫طلب‬
‫الش اهد فيه ك قول ه (بش بيب) حيث منع ه من الص رف‪ -‬م ع أن ه ليس مم ا يمن ع‬
‫صرفه‪ -‬حيث اضطر إلى ذلك‪ .‬وكقول الشاعر‪:‬‬
‫اس في مجمع‬ ‫ِ‬
‫يعوقان م ْر َد َ‬
‫حابس * ُ‬ ‫ٌ‬ ‫حصن وال‬
‫ٌ‬ ‫فما كان‬
‫حيث منع صرف ِ‬
‫(م ْرداس) وليس فيه سوى العلمية‪.‬‬
‫وكقول الشاعر‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وقائلة‪ :‬ما بال ُد ْو َسر بعدنا * صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند‬
‫(د ْو َس ر) وج ره بالفتح ة‪ ،‬وال يوج د في ه غ ير العلمي ة منع ه من‬
‫فق د من ع ص رف ُ‬
‫الصرف ضرورة‪.‬‬
‫وق د أش ار ابن مال ك إلى ج واز ص رف الممن وع من الص رف للض رورة والتناس ب‬
‫فقال‪:‬‬
‫والضطرار أو تناسب صرف * ذو المنع والمصروف قد ال ينصرف‬
‫ثم أشار إلى عكسه فقال‪:‬‬
‫‪ * ....................‬والمصروف قد ال ينصرف‬
‫وه ذا الم ذكور من أنه ا ترف ع وتنص ب ه و م ذهب البص ريين‪ .‬وذهب‬
‫الكوفيون إلى أنها لم تعمل في االسم الرفع‪ ،‬وإ نما كان مرفوع بما كان مرفوع قبل‬
‫دخولها لعيه‪ ،‬ومع اتفاق الجميع على أنها نصبت الخبر‪ ،‬اختلفوا في نصبه‪.‬‬
‫حيث دار خالف طوي ل في نص ب االس م الث اني بع د (ك ان) وأخواته ا بين‬
‫المدرسة الكوفية‪ ،‬والمدرسة البصرية‪ ،‬ذكره ابن األنباري في كتابه‪( :‬اإلنص اف في‬
‫مسائل الخالف)‪ ،‬ملخصه‪:‬‬
‫ذهب جمه ور الكوف يين إلى أن (ك ان) وأخواته ا لم تعم ل في االس م الرف ع‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وإ نما هو مرفوع بما كان مرفوع اً به قبل دخولها عليه‪ ،‬كما ذهبوا إلى أن‬
‫خبر (كان) والمفعول الثاني لظنت نصب على الحال‪.‬‬
‫وذهب البص ريون‪ :‬إلى أن نص بهما نص ب المفع ول‪ ،‬ال الح ال‪ ،‬وم ع اتف اق‬ ‫‪-‬‬
‫الجميع على أنها نصبت الخبر اختلفوا في نصبه‪:‬‬
‫فقال الكوفيون‪ :‬نصبته على الحال تشبيهاً بالفع ل القاصر نح و‪( :‬ذهب زيد‬ ‫‪-‬‬
‫مسرعاً)‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬نصبه على أنه مشبه بالحال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ورد البص ريون عليهم؛ ب أن ق الوا‪ :‬إن ا رأين ا ه ذا الخ بر يجيء ض ميراً‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويجيء معرف ة‪ ،‬ويجيء جام داً‪ ،‬ورأين اه ال يس تغنى عن ه‪ ،‬فال يمكن أن يع د‬
‫مستغنى‬ ‫حاالً وال مشبهاً؛ ألن أألصل في الحال‪ :‬أاَّل يكون نكرة‪ ،‬وأن يكون‬
‫ً‬
‫عنه‪.‬‬
‫الحظن ا أن ابن هش ام األنص اري يؤي د البص ريين في رف ع االس م ونص ب‬
‫الخبر‪.‬‬

You might also like