You are on page 1of 75

‫الفصل الخامس‬

‫دراسة مضمون قصائد الديوان‬


‫المضمون‪ :‬مصطلح أدبي وفني معاصر‪ ،‬يرادفه في الداللة مصطلح معاصر آخر‪:‬‬
‫محت وى‪ .‬وه و يش ير بتوس ع إلى م ا اص طلح الق دامى على تس ميته ب المعنى‪ ،‬أو‬
‫الفكرة‪ ،‬في مقابل اللفظ عندهم‪ ،‬وفي مقابل الشكل في مجتمعنا المعاصر(‪.)1‬‬
‫وق د قس م بعض الب احثين نق اد الع رب قس مين‪ :‬لفظ يين أو أنص ار اللف ظ‪،‬‬
‫يجعلونه وحده هدف البليغ‪ ،‬ويدعون البلغاء إلى العناية به وحده؛ ويضعون الجاحظ‬
‫على رأس هذا الفريق‪ .‬ومعنويين أو أنصار المعنى‪ ،‬يجعلون له المكانة األولى في‬
‫النص األدبي‪ ،‬ويأخ ذون البلغ اء ب الغوص علي ه‪ ،‬وتتبع ه‪ ،‬والبحث عن ه؛ ويض عون‬
‫على رأس هذا الفريق عبد القاهر الجرجاني(‪.)2‬‬
‫وال ذي س اقهم إلى ه ذا ال رأي عن الجاح ظ ه و م ا ُروي عن ه‪ ،‬من ه قول ه‪:‬‬
‫"والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى‪ ،‬وهتك الحجاب دون الضمير‪،‬‬
‫ح تى يفض ي الس امع إلى حقيقت ه‪ ،‬ويهجم على محص وله كائن ا ًم ا ك ان ه ذا البي ان‪،‬‬
‫ومن أي جنس ك ان ال دليل؛ ألن م دار األم ر والغاي ة ال تي إليه ا يج ري القائ ل‬
‫والسامع‪ ،‬إنما هو الفهم واإلفهام؛ فأي شيء بلغت اإلفهام وأوضحت عن المعنى‪،‬‬
‫فذلك هو البيان في ذلك الموضع"(‪.)3‬‬
‫وي رى أح د النق اد المعاص رين أن قض ية الش كل والمض مون قض ية عربي ة‬
‫بحتة؛ نشأت في ظل الحضارة اإلسالمية وثقافتها في القرن الثالث الهجري‪ ،‬وأن‬
‫اآلداب الغربية لم تهتد إلى هذه القضية إاّل أخيراً؛ حين اختلف فالسفة الجمال في‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪1160‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص ‪357‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.130‬‬ ‫‪3‬‬


‫قض ية الفن الك برى؛ ه ل يك ون الفن للفن؟ فيك ون الجم ال الف ني عائ داً إلى الص ورة‬
‫والشكل‪ ،‬أو الفن للحياة؛ فيعود الجمال للمحتوى والمضمون(‪.)1‬‬
‫ويق ول ال دكتور رش اد رش دي موض حاً أهمي ة قض ية الش كل والمض مون في‬
‫النق د الح ديث‪" :‬العالق ة بين الش كل والموض وع من المس ائل ال تي يهتم به ا النق د‬
‫الحديث اهتماماً كبيراً؛ ألن هذه العالقة قد أسيء فهمها بعد أن انتش ر العلم‪ ،‬وطغت‬
‫المقاييس العلمية على غيرها من المقاييس"(‪.)2‬‬
‫ويضيف مقارناً بين العلم الذي يهتم بالموضوع أو المضمون والعم ل األدبي‬
‫الذي يرى أنه يركز على الشكل أكثر من المضمون‪:‬‬
‫"والعلم يهتم بالموضوع ال بالشكل؛ ولذلك نجد الكثيرين يتطلبون من العمل‬
‫األدبي أن يزودنا بمادة جديدة‪ ،‬أو أن يعالج مشاكلنا االجتماعية والنفسية؛ تمام اً كما‬
‫يفعل العلم‪.)3( "...‬‬
‫وخالصة القول هنا أن النقد الحديث يهتم بكل من الشكل والمضمون على‬
‫ح د س واء‪ .‬يق ول في ذل ك ال دكتور رش دي‪ ..." :‬ول ذلك ف إن النق د الح ديث ال يفص ل‬
‫بين الشكل والموض وع؛ ألن ه يعت بر العم ل األدبي كائن اً حي اً‪ ،‬ومثل ك ل كائن حي‬
‫آخ ر ال يمكن أن نش طره ش طرين‪ ،‬والك اتب ال يفك ر في الموض وع منفص الً عن‬
‫الش كل‪ ،‬أو في الش كل منفص الً عن الموض وع؛ ف إن فع ل ج اءت كتابات ه س قيمة‬
‫عليلة"(‪.)4‬‬
‫وال ذي يجب أن تنتب ه إلي ه األذه ان ه و أن من ينص ر اللف ظ أو يس وي بين اللف ظ‬
‫والمعنى‪ ،‬ال يقف عند حدود اللفظ فقط‪ ،‬دون مراعاة للمعنى الذي يدل عليه اللفظ‪،‬‬

‫‪ -‬أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ‪ ،‬البيان والتبين ‪ ،‬تحقيق وشرح عبدالسالم محمد هارون‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬الجزء‬ ‫‪1‬‬

‫األول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة اليازجي‪2003 ،‬م‪.‬‬


‫‪ -‬محمد بن سليمان بن ناصر القيقل‪ ،‬البالغة والنقد األدبي‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬ص ‪.1002‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬محمد بن سليمان‪ ،‬البالغة والنقد األدبي‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬ص ‪.1002‬‬ ‫‪4‬‬
‫بل هؤالء يشيدون بقيمة المعنى أيض اً‪ ،‬ويرون البالغة في اللفظ المختار والمعنى‬
‫المنتخب‪ ،‬ومتى اجتمعا فقد اجتمع الحسن مع أطرافه واكتمل الكالم(‪.)1‬‬
‫للنقاد المعارين‪ ،‬العرب منهم والغربيين في قضية المضمون في العمل األدبي شبه‬
‫إجم اع بينهم على أهمي ة المض مون‪ ،‬غ ير أن ه ال يق وم وح ده دون الش كل؛ ألنهم ا‬
‫يؤدي ان غاي ة التص وير األدبي؛ تل ك الغاي ة ال تي تتمث ل بتحقي ق الجم ال الش عوري‬
‫والف ني الم ؤثر؛ ذل ك الجم ال ال ذي ال يتحق ق إاّل بتض افر القيم والتج ارب الش عورية‬
‫م ع القيم التعبيري ة الش كلية ال تي تحتض ن تل ك التج ارب أو القيم الش عورية وتحمله ا‬
‫في وئام متألف متالحم ونظام جميل قوي متماسك(‪.)2‬‬
‫لك ون المض مون يتعل ق ب األمور الذهني ة ال تي ال ت دركها الح واس‪ ،‬واألش ياء‬
‫غ ير المادي ة مم ا يتعل ق بال ذهن وه و نت اج العق ل‪ ،‬والعق ل ه و مجم وع العملي ات‬
‫الذهني ة الناتج ة عن وج ود بعض المحف زات في خالي ا ال دماغ‪ .‬ولدراس ة مض مون‬
‫قصائد ديوان الرياض ننظر إليها في الوجوه اآلتية‪:‬‬
‫الفكرة – العواطف – الخيال‪.‬‬

‫‪ -‬عبدالقادر حسين‪ ،‬فن البالغة‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬محمد بن سليمان بن ناصر القيقل‪ ،‬البالغة والنقد األدبي‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬ص ‪.1005‬‬ ‫‪2‬‬
‫المبحث األول‬
‫دراسة األفكار‬
‫األفك ار جم ع الفك رة‪ :‬هي الخ اطرة‪ ،‬أو المع نى ال ذي يع رض لإلنس ان عن د‬
‫إعمال ه لفهمهن وإ جالت ه‪ .‬أو هي إعم ال ال ذهن وإ جالت ه للوص ول إلى المع نى‪ ،‬وق د‬
‫تقاب ل البديه ة واالرتج ال‪ ،‬ق ال الجاح ظ‪" :‬وك ل مع نى للعجم فإنم ا ه و على ط ول‬
‫فكرة‪ ،‬وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال"(‪.)1‬‬
‫واألفك ار قض ية رئيس ية يح اول الفن ان معالجته ا بجه وده العقلي ة‪ .‬وهي من‬
‫جه ة ثاني ة الخالص ة ال تي نس تنتجها من خالل االس تيعاب بواس طة فهمن ا للمع اني‬
‫الموج ودة في النص‪ .‬أو هي فلس فة النص‪ ،‬أو الم دلول الفعلي ال ذي يل وح ب ه األث ر‬
‫الفني(‪.)2‬‬
‫إن مظه ر الفني ة أو خصوص ية األدب تتجلى في ص ياغة المع اني واألفك ار‬
‫وإ ج ادة العب ارة عنه ا‪ ،‬وفي ذل ك يتف اوت الن اس ويتفاض ل األدب اء ‪ ،‬ألن لك ل فك رة‬
‫مداها من الضيق واالتساع‪ .‬فالناس يتفاوتون ويختلفون في اختيار األفكار وكيفية‬
‫ترتيبه ا ترتيب اً منطقي اً أو مض طرباً‪ ،‬وفي وض وحها وغموض ها‪ ،‬وفي ص حتها أو‬
‫خطئها(‪.)3‬‬
‫ويمكن أن تختلف األفكار عند شاعر أو أديب واحد باختالف الموضوعات‪.‬‬
‫قد تكون أفكار الرثاء‪ -‬مثالً‪ -‬قوية عند شاعر‪ ،‬وأفكار المدح ضعيفة عنده‪.‬‬
‫عن دما نع ود إلى دي وان الري اض‪ ،‬ن درك أن الس مة الغالب ة في أفك ار قص ائده‬
‫هي االبتك ار‪ ،‬بمع نى تعب ير الش اعر عن أفك اره ومش اعره تعب يرا ًاس تقاللياً ال يعم د‬
‫فيه إلى تقليد الغير في المضمون أو الصياغة‪ .‬وإ ضافة إلى ذلك‪ ،‬نالحظ حرية في‬

‫‪ -‬أحمد مطلوب‪ ،‬معجم مصطلحات النقد العربي القديم‪ ،‬ص ‪.313‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.uobabylon.edu.iq/uabloieges/lecture 15/8/2018 11:49pm -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أيوب شيخ أحمد رفاعي‪ ،‬شعر الرثاء العربي في بالد الهوسا خالل القرنين التاسع عشر والعشرين الميالديين‪ ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.313‬‬
‫هذه األفكار‪ ،‬ولكنها حرية مقيدة بقيد األخالق اإلسالمية الفاضلة‪ ،‬تأثراً بالبيئة التي‬
‫نش أ فيه ا الش اعر‪ .‬وهلل در الش يخ الطنط اوي القائ ل‪" :‬وأن ا أحب األدب وأق دس‬
‫الحرية‪ ،‬ولكنني أفضل أن تبقى مقيدة ألسنتنا وأقالمنا بقيد اإلسالم واألخالق على‬
‫أن نهلك ونحن أحرار نقول ما نشاء"(‪.)1‬‬
‫لدراس ة األفك ار ال واردة في دي وان الري اض‪ ،‬يمكن النظ ر إلي ه حس ب‬
‫أغراضه على النحو التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المراثي‪:‬‬
‫إن أغلب المرثيين في ديوان الرياض شيوخ وزمالء الدراسة‪ ،‬واألمراء‪ ،‬م ا‬
‫عدا القصيدتين قال في إحداهما رثاء لموت الصغار نتيجة الطاعون في السبعينات‪،‬‬
‫واألخرى في كارثة سقوط طائرة الحجاج في مطار (كانو) سنة ‪1973‬م‪ .‬لذا كانت‬
‫األفكار الواردة في معظمها تدور حول اآلتي‪:‬‬
‫‪ /1‬براعة االستهالل‪:‬‬
‫يدرك القارئ أو السامع الغرض الرئيسي للمراثي في الديوان من أول بيت‬
‫فيه ا‪ ،‬وذل ك إم ا ل ذكر فجيع ة الم وت‪ ،‬أو س كب ال دموع‪ ،‬أو تص بير الن اس على‬
‫المصيبة‪ ،‬أو بيان عظمة المصيبة‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬استهل الشاعر مرثيته في موت الصغار قائالً‪:‬‬
‫فلهذا ترونني أنا خاض(‪.)2‬‬ ‫إن موت الصغار في اليوم فاش‬
‫وفي مستهل رثائه لألستاذ عثمان قال‪:‬‬
‫لما أصاب بطعنه اإلخوانا(‪.)3‬‬ ‫الموت أضعف عزمنا وقوانا‬
‫وأما سكب الدموع‪ ،‬فقد قال في مستهل رثائه للدكتور عبداهلل عزام‪:‬‬

‫‪ -‬عبدالكريم فاضل العاني ونور عبدالعزيز عوار الراوي‪ ،‬الحداثة بين التجديد والتبديد في الشعر العربي الحديث‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.57‬‬
‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.198‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫‪3‬‬


‫وتألمت فتجاوبت أشعاري(‪.)1‬‬ ‫ذرفت عيون قصائد األخيار‬
‫وفي رثاء الشيخ عبدالرحمن السيوطي قال‪:‬‬
‫فسالت دموع العين تجري كوابل(‪.)2‬‬ ‫أحيت نداء الحق يا خير راحل‬
‫ومثال آخر قوله في رثائه بمناسبة أسبوع الشيخ عبداهلل اإللوري‪:‬‬
‫واخمدي في القلوب نار البالء(‪.)3‬‬ ‫كفكفي الدمع وارضخي للقضاء‬
‫وأما في تصبيره األمة على فقد المرثي‪ ،‬فمنه قوله في مستهل رثائه للشيخ محمد‬
‫الغزالي والشيخ جاد الحق علي جاد شيخ األزهر الشريف‪:‬‬
‫لفجيعة ثقلت على األيام(‪.)4‬‬ ‫صبراً جميالً أمة اإلسالم‬
‫وفي اس تهالل الرث اء ببي ان عظم ة المص يبة‪ ،‬فمن ه قول ه في رث اء ال دكتور علي‬
‫أبوبكر‪:‬‬
‫جلت مصيبتها لفقد نجيبها(‪.)5‬‬ ‫"الضاد" آلمها فراق حبيبها‬
‫وقوله في مستهل رثاء األمير علي عبدالقادر‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫رأينا خالل العمر في قطرنا خربا فأحدث ذاك الحزب في قلبنا رعبا‬
‫ومثال آخر لهذه الفكرة قوله‪:‬‬
‫لما أصاب بطعنه اإلخوانا(‪.)7‬‬ ‫الموت أضعف عزمنا وقوانا‬
‫‪ /2‬ذكر أخالق المرثي الفاضلة وتعداد محاسنه‪:‬‬
‫تتسم أغلب المراثي في الديوان بذكر األخالق الفاضلة للمرثي منها‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.199‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫‪7‬‬


‫التواض ع والعف ة واإلحس ان والك رم ووف ور العلم‪ ...‬ومن أمثل ة ذل ك قول ه في ذك ر‬
‫فضائل الشيخ عبدالرحمن السيوطي‪:‬‬
‫لها أثر ال يرتضى بمماثل‬ ‫ص ْغت في الدنيا حياة كريمة‬
‫لقد ُ‬
‫إذا قبلت فيها نجاة القبائل(‪.)1‬‬ ‫لها صفحات يا سيوطي نواصع‬
‫وفي ذكر فضائل الشيخ آدم عبداهلل اإللوري يقول‪:‬‬
‫ـمجد في حله وفي االغتراب‬ ‫طاب مسعاه في الحياة فنال الـ‬
‫كان في العلم طارقا ًكل باب‬ ‫آية اهلل في الفعال وحيد‬
‫في تآليفه حليف الصواب‬ ‫عاش أعجوبة الزمان تراه‬
‫(‪)2‬‬
‫فجزاه الكريم خير ثواب‬ ‫بذل العلم والرشاد سخيا‬
‫وأما في األمير علي عبدالقادر فذكر في رثائه‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫به وغدا في حسن أخالقه ضربا‬ ‫وهل كنت إاّل عابداً قد تيمموا‬
‫يزيل عن األحباب في قصره حجبا‬ ‫وهل كنت إاّل هادئاً متواضعا‬
‫‪ /3‬ذكر فلسفة الموت‪:‬‬
‫ذكر الشاعر في بعض مراثيه حال الموت من فجيعته‪ ،‬ونزوله على الشبان‪ ،‬وينبه‬
‫السامين بأن يستعدوا له باألعمال الصالحة‪.‬‬
‫ومن أمثل ة ذل ك قول ه في رث اء األس تاذ عثم ان أب وبكر ال ذي لقي حتف ه في حادث ة‬
‫سيارة‪ ،‬متعجباً عن أمر المنية‪:‬‬
‫يرجو الفناء وتشتهي الشبانا‬ ‫عجبا ًلها تعدو المشيب وقدوني‬
‫(‪)4‬‬
‫تسبي العيون ويهجر العيانا‬ ‫مثل الذبول يصيب أخضر زهرة‬
‫ومثال آخر قوله في رثاء الشيخ أحمد البدوي ينبه عن غرور الدنيا ويدعو إلى‬
‫استعداد لآلخرة‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.204‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.210‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫‪4‬‬


‫نمر به إلى غرض وأمر؟‬ ‫فهل هذه الحياة سوى ممر‬
‫حقير أو نلوثها بمكر؟‬ ‫لماذا نستميت بها لشيء‬
‫غناها إن تعقلنا َكفَ ْقر(‪.)1‬‬ ‫نضارة هذه الدنيا غرور‬
‫‪ /4‬خطاب خيالي للمرثي‪:‬‬
‫ومن األفكار الواردة في الديوان خطاب خيالي للمرثي ليرى حال الشاعر السيء‬
‫من أجل فراقه له‪ .‬ومن أمثلة ذلك قول الشاعر في رثائه لصديقه سليمان‪:‬‬
‫حزن تضعضع منه كل كياني‬ ‫إني ذكرتك موهناً فدهاني‬
‫(‪)2‬‬
‫أجرى رحيلك أدمع اإلخوان‬ ‫يا راحالً ترك الفؤاد معذبا‬
‫ومثاله قوله أيضاً في رثاء األستاذ عثمان أبوبكر‪:‬‬
‫عثمان من طعم األسى ألوانا‬ ‫واهلل ذقنا بعد موتك صاحبي‬
‫(‪)3‬‬
‫من لم يرثك فقد أساء وخانا‬ ‫أرثيك بالعشر الحزين ألنه‬
‫‪ /5‬طلب العفو والمغفرة للمرثي‪:‬‬
‫ومن األفك ار ال واردة أيض اً رج اء العف و والمغف رة للفقي د‪ .‬ومن أمثل ة ذل ك ق ول‬
‫الشاعر في ختام رثاء الدكتور عبداهلل عزام‪:‬‬
‫ما جادت الخضراء باألمطار‬ ‫فعليك يا عزام رحمة ربنا‬
‫(‪)4‬‬
‫في جنة المأوى مكين قرار‬ ‫يا عاشق الحور الحسان أم تكن‬
‫وفي ختام رثاء األمير علي عبدالقادر قال‪:‬‬
‫بخير فأرض ذلك الدين والرب‬ ‫أرى كل جزب ينشرون علينا‬
‫(‪)5‬‬
‫يثبت بها من يبتغي عنده قربا‬ ‫فمأواه عند اهلل جناته التي‬
‫وفي ختام رثاء الشيخ أحمد البدوي قال‪:‬‬
‫وحظك عند ربي خير أجر‬ ‫إلى دار السالم بال سؤال‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.224‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.216‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.223‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.203-202‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.210‬‬ ‫‪5‬‬


‫(‪)1‬‬
‫يجدد عطره بطلوع فجر‬ ‫على الهادي النبي صالة ربي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المدائح والتهاني‪.‬‬
‫كان مناط المدائح والتهاني في ديوان الرياض بيان القيم والفضائل‪ ،‬وإ شادة‬
‫المحامد والمن اقب اإلنسانية القائم ة على اإليمان والتق وى‪ ،‬والعف ة‪ ،‬والك رم واله دى‬
‫والرشاد والسعادة‪ .‬وِل َم ال والممدحون هم عباقرة الدنيا‪ ،‬وعلى رأسهم النبي صلى‬
‫اهلل علي ه وس لم‪ ،‬ثم الش يوخ واألم راء وال زمالء‪ .‬ومن أهم األفك ار ال واردة في ه ذا‬
‫الباب ما يأتي‪:‬‬
‫‪ /1‬الخطاب الخيالي‪:‬‬
‫تتس م أفك ار الش اعر في الم دائح والته اني بالخط اب الخي الي إم ا لقرينت ه‬
‫الشعرية طالباً منها تدفق األشعار وفيض القصائد في الممدوح أو مخاطبة الشعراء‬
‫طالب اً منهم س رد األبي ات في المم دوح‪ .‬ومن أمثل ة ذل ك قول ه في اس تهالل قص يدته‬
‫"ذكرى الهجرة النبوية"‪:‬‬
‫وتدفقي كتدفق األنهار‬ ‫أقريحتي اتقدي اتقاد النار‬
‫أجب النداء بفيضة األشعار‬ ‫أدعوك يا أدبي ألنك عدتي‬
‫(‪)2‬‬
‫دوماً ألبذل ثروة األفكار‬ ‫واهلل قد عاهدت الجميع بأنني‬
‫ومثال آخر قال في قصيدته لمدح الشيخ عبداهلل بن فودي‪:‬‬
‫أهواك في حلي وفي ترحالي‬ ‫يا شعر أنت لرونقي وجمالي‬
‫دأب األديب بفكرتي وبمالي‬ ‫ما زلت أبذل كل ما تهواه من‬
‫ـمسه يد التلويث واألطفال‬ ‫ووضعت عرشك في مكان ليس تلـ‬
‫(‪)3‬‬
‫جد بالجديد لشيخنا المفضال‬ ‫فاليوم ال تبخل علي ضنانة‬
‫وأم ا في مخاطب ة الش عراء وطلبهم بفيض األش عار فمن ه قول ه في قص يدته "إلى‬
‫الشعراء"‪:‬‬
‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.225‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪3‬‬


‫امشوا حثيثاً دائماً وتقدموا‬ ‫شعراء هذا الجيل إني منكم‬
‫(‪)1‬‬
‫ونوادر ال تضعفوا ال تحجموا‬ ‫نلق الذين مضوا بكل روائع‬
‫ومثال آخر قوله في قصيدته "المركز"‪:‬‬
‫فالقول مهما جل فهو معبر‬ ‫قل ما بدا لك عنه أنت مخير‬
‫(‪)2‬‬
‫ال‪ ..‬ال‪ ..‬بذلك إننا ال نشعر‬ ‫أيعم قولك كل ما هو شامل‬
‫‪ /2‬ال دعوة إلى اإليم ان والتمس ك ب النبي ص لى اهلل علي ه وس لم واإلش ادة بم ا ق ام ب ه‬
‫المسلمون األولون‪ .‬مثال ذلك في قصيدته "النبي األمجد" يقول‪:‬‬
‫واسأل ذوي العرفان ال تتردد‬ ‫قم فاسألن الدهر عنه وفضله‬
‫(‪)3‬‬
‫إن التشكك صاح ليس بمنجد‬ ‫ودع التشكك في حقيقة أمره‬
‫وفي اإلش ادة بم ا ق ام ب ه المس لمون األول ون يق ول في قص يدته "ذك رى الهج رة‬
‫النبوية"‪:‬‬
‫يا سالم في األقطار واألمصار‬ ‫يا هجرة كانت دليل تقدم‬
‫(‪)4‬‬
‫فيها جميع متاعب األسفار‬ ‫المسلمون األولون تحملوا‬
‫‪ /3‬ذكر دور الممدوحين في اإلرشاد ونشر العلم والتأليف‪:‬‬
‫من المم دوحين المرك ز اإلس المي ومؤسس ة الش يخ آدم عبداهلل اإلل وري وغيرهم ا‪.‬‬
‫ومثال ذكر دور المركز يقول الشاعر‪:‬‬
‫في مركزي ذا الحق دوما يكبر؟‬ ‫يا ناشداً حقاً أضيع أال ترى‬
‫(‪)5‬‬
‫يا حبذا اإلسقاء وهو مقدر‬ ‫يسقى بماء العلم في عرصاته‬
‫ويقول عن دور الشيخ آدم اإللوري في اإلرشاد والوعظ‪:‬‬
‫آذان وعظاً رادعاً من يكفر‬ ‫أرق المنابر إنها لك وامأل الـ‬
‫(‪)6‬‬
‫رعناء واعلم أن قولك يندر‬ ‫وازجر أناساً نوماً من غفلة‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪5‬‬


‫وفي مدحه للشيخ عبداهلل بن فودي ذكر كثيراً من مؤلفاته فبدأ قائالً‪:‬‬
‫رب اليراع بحكمة وكمال‬ ‫إنا قدرنا كل ما ألفته‬
‫(‪)1‬‬
‫بأعمار يغرق فيه نور ذبال‬ ‫إن "الضياء" يضيء كل جوانب‬
‫‪ /4‬الفرح والسرور بقدوم الزوار وإ ظهار الحنان والشوق عند الفراق‪:‬‬
‫كان الشاعر ينظم القصائد في مناسبات الزيارات وعادة يبدي سروره وفرحه في‬
‫هذه المناسبات‪ .‬ومن أمثلة الزيارات قصيدته التي ألقاها عندما زار الشيخ صالح‬
‫بن حم د العس اف م دير الجامع ة اإلس المية ب النيجر إلى جامع ة عثم ان بن ف ودي‪.‬‬
‫استهلها قائالً‪:‬‬
‫أكرم بضيف في القلوب مكين‬ ‫نورتنا بقدومك الميمون‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫لشمائل ومعارف وشئون‬ ‫قرت عيون إذ رأتك أمامها‬
‫وقال في قصيدة رحب بها الشيخ هزاع بن عبداهلل الغامدي والوفد المرافق له‪:‬‬
‫ما يشتكي من حمله األفراد‬ ‫إني ِ‬
‫أك ُّن لكم وداداً نصفه‬
‫(‪)3‬‬
‫يحلو الزمان وتبرد األكباد‬ ‫نعم القدوم قدومكم هذا به‬
‫وعن دما ت ولى البروفيس ور علي أب وبكر غون دو إدارة جامع ة عثم ان بن ف ودي ألقى‬
‫الشاعر قصيدة مطلعها‪:‬‬
‫ذي العلم والمكرمات والعدل‬ ‫أهالً وسهالً بصاحب الفضل‬
‫(‪)4‬‬
‫أن ملكوا األمر طيب األصل‬ ‫لما أتاك الزمام فرحنا‬
‫وفي وداع ه لألس تاذ ش يث محم د إس ماعيل أعظمي الهن دي رئيس القس م الع ربي‬
‫جامعة عثمان بن فودي عندما يعود إلى وطنه‪ ،‬قال في مستهل القصيدة‪:‬‬
‫هو عندنا أمر جليل‬ ‫يا أعظمي حان الرحيل‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.92‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪4‬‬


‫ـت لنا من الخير الجزيل‬ ‫ماذا نقول وقد بذلـ‬
‫تهذيب جيل بعد جيل(‪.)1‬‬ ‫وقضيت أحلى العمر في‬
‫‪ /5‬إظهار التهنئة بالزواج أو التعميم‪:‬‬
‫ولما تزوج أبناء إمام إلورن‪ ،‬الشيخ محمد البشير صالح هنأه الشاعر بقصيدة قال‬
‫في مطلعها‪:‬‬

‫شيخ األئمة والنذير(‪.)2‬‬ ‫طوبى لقد سعد البشير‬


‫وهنأ البروفيسور زكريا حسين عند عمم وزيراً لمدينة أوتشي قال فيها‪:‬‬
‫بهذا المقام األعز األجل‬ ‫يباركك اهلل يا ابن الحسين‬
‫وتعميمك اليوم يرضي الزمان ويكسو بنيهو جميل الحلل(‪.)3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.87‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.97 -96‬‬ ‫‪3‬‬


‫المطلب الثالث‪ :‬األخالقيات‪.‬‬
‫إن الش اعر أل بي نش أ في كن ف اإلس الم‪ ،‬وت ربى على العقي دة والعب ادة‪،‬‬
‫والسلوك‪ ،‬وانضم إلى سلك التعليم منذ طفولته‪ ،‬حيث التحق بمركز التعليم العربي‬
‫اإلس المي قب ل المراهق ة‪ .‬وق د أث رت ه ذه البيئ ة على أفك ار الش اعر في قص ائده‬
‫األخالقيات‪ .‬لذا تتميز هذه القصائد باألفكار العالية أهمها‪:‬‬
‫‪ /1‬االعتزاز باإلسالم‪:‬‬
‫يؤمن الشاعر إيمانا ًجازم اً بعزة اإلسالم‪ ،‬وأنه ال مثيل له من األديان‪ ،‬قال‬
‫في إحدى أخالقياته‪:‬‬
‫ال الظلم يعبث فيه واإليالم‬ ‫عز العباد يديمه اإلسالم‬
‫ّ‬
‫هو للبرية رحمة وسالم(‪.)1‬‬ ‫دين حرام أن يجيئك مثله‬
‫ويرى اإلسالم أغلى وأثمن شيء‪:‬‬
‫إني أرى اإلسالم أغلى درة يحفى مواطن حسنها األقوام(‪.)2‬‬
‫‪ /2‬الحث على اإلقدام واالعتماد على النفس‪:‬‬
‫مم ا تتم يز ب ه أفك ار الش اعر في األخالقي ات ال دعوة إلى اإلق دام واالعتم اد‬
‫على النفس‪ .‬وكان يوجه دعوته‪ ،‬في الغالب‪ ،‬إلى الشبان‪ .‬ومثال ذلك قوله‪:‬‬
‫ببث السالم وسعد العصر‬
‫ّ‬ ‫فأدعوكم يا شباب اعملوا‬
‫فما قلبكم بمحل الخوى‪.‬‬ ‫وال تتركوا السأم ينتابكم‬
‫ولهو الشبيبة ال يغتفر(‪.)3‬‬ ‫جد قوم فال تكسلوا‬
‫لقد ّ‬
‫وقال في الدعوة إلى االعتماد على النفس‪:‬‬

‫ـس وال تعتمد على األجداد‬ ‫فاعتمد طالب المعالي على النفـ‬
‫(‪)4‬‬
‫يعرف السر في عال األمجاد‬ ‫إذ ذكر الجدود غاية من ال‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪ /3‬اإليمان باالعتدال في األمور‪:‬‬
‫تبدو فكرة االعتدال في األمور في أخالقيات الشاعر ألبي‪ ،‬كان ال يؤمن باإلفراط‬
‫وال التفريط‪ .‬بل يرى أن يكون اإلنسان معتدالً‪ .‬قال في قصيدته "االعتدال" يلوم من‬
‫يبالغ في الزهد‪:‬‬
‫ـشف والزهادة للمآت‬ ‫يا من يبالغ في التقـ‬
‫كذباً مبيناً وانتحال‬ ‫وغذا يعذب نفسه‬
‫ت محرمات للرجال؟‪.‬‬ ‫من قال إن الطيبا‬
‫أو بعض أموال ينال؟‬ ‫من أكلة مستساغة‬
‫ت للمحبة والوصال(‪.)1‬‬ ‫أو من نساء صالحا‬
‫وفي نفس الوقت يلوم الذي ينغمس في المالهي قائالً‪:‬‬
‫س في الماهي غير بال‪.‬‬ ‫من حبه في االنغما‬
‫ـدنيا تخفف بالنكال(‪.)2‬‬ ‫ساه واله آنما الـ‬
‫‪ /4‬الدعوة إلى التمسك باألخالق اإلسالمية الفاضلة‪:‬‬
‫مم ا تتم يز ب ه األخالقي ات في دي وان الري اض ال دعوة إلى التمس ك ب األخالق‬
‫اإلس المية الفاض لة وتربي ة الص غار عليه ا‪ .‬منه ا‪ :‬العلم والحلم والص فح الجمي ل‪،‬‬
‫والحياء والجود والبذل وغير ذلك‪ .‬ويلزم من ذلك الدعوة إلى االبتعاد عن األخالق‬
‫الرذيلة كالكبر والخيانة والكذب وغيرها‪ .‬ومن أمثلة ذلك قوله‪:‬‬
‫في العلم والخلق الجميل ألرفع(‪.)3‬‬ ‫ربوا الصغار على المكارم إنكم‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫إن الحليم بال جدال أشجع‬ ‫والحلم والصفح الجميل شجاعة‬
‫للمرء من يوم يشين ويوجع‬ ‫والجود والبذل الصحيح وقاية‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪3‬‬


‫سيروا إلى النور الذي ال يمنع(‪.)1‬‬ ‫هذا هو اإلسالم في إيماننا‬
‫ومثال آخر في دعوته إلى العلم قوله‪:‬‬
‫إن الجهالة أصل كل وبال‬ ‫العلم نور والجهالة ظلمة‬
‫شهدت بذلك أعصى بتوالي‬ ‫ومحبة العلم الرفيع شعارنا‬
‫لتفيد في األسحار واآلصال(‪.)2‬‬ ‫أفشو العلوم إلى الجميع تكرما‬
‫‪ /5‬التحذير عن المحرمات‪:‬‬
‫من األفك ار ال واردة في ال ديوان التح ذير عن المحرم ات كش رب الخم ر‪،‬‬
‫والتدخين والكذب‪ ،‬وكان متشدداً في ذلك‪ .‬يقول في التحذير عن شرب الخمر مثالً‪:‬‬
‫شر أخي في الخمر مكتوم(‪.)3‬‬
‫الخمر رجس وعصيان ومنقصة وكل ّ‬
‫وقد بالغ في الدعوة إلى منع معاملة شارب الخمر فقال‪:‬‬
‫إلى وليمته والخير تحريم(‪.)4‬‬ ‫وال تجيبوا سكوراً إن دعا أبدا‬
‫عند اللقاء ورأس العيب تكليم‬ ‫وال مصافحة األحباب بينكم‬
‫إن مات فهو لدى الرحمن محروم‬ ‫وال تصلوا على السكران بينكم‬
‫ومثال آخر‪ ،‬قال الشاعر محذراً عن التدخين ومسغها لعقل المتدخن‪:‬‬
‫وتراه يسعى له كل حين(‪.)5‬‬ ‫متعاطيه كان رهن هواه‬
‫ل ليلقي بنفسه في الفتون؟‬ ‫كيف يحلو لعاقل يبذل الما‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪5‬‬


‫المطلب الرابع‪ :‬الوصف‪.‬‬
‫إن الوص ف في دي وان الري اض بره ان س اطع على مش اهده‪ ،‬وملهم فك ره‪،‬‬
‫وإ ثارة عاطفته‪ ،‬وإ جالل عظائم الطبيعة‪ .‬فاتسم باألفكار أهمها‪:‬‬
‫‪ /1‬اإلشادة ببدائع الكون‪:‬‬
‫كان لشاعر في وصفه يتوقف للطبيعة وما أودع اهلل فيها من آيات الجمال‬
‫والبه اء ال تي تأس ر النفس‪ ،‬وتأخ ذ اللب بتمثله ا‪ ،‬والحض على مالزمته ا وإ يثاره ا‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك قول الشاعر عن الجمال‪:‬‬
‫هو في الماء أو عوالي الجبال‬ ‫يتجلى الجمال في كل خلق‬
‫ـر كذاك الوحوش في األدغال‬ ‫في الصحارى وفي البحور وفي البـ‬
‫بأرض باد على رؤوس التالل(‪.)1‬‬ ‫ظاهر في الزهور أو في نبات‬
‫وقال عن السموات واألرض واألمطار‪:‬‬
‫ضين منا هدية ونواال‬ ‫خلقت هذه السموات واألر‬
‫راء يأتي الدنا سجاالً سجاال‬ ‫كيف ال ننظر أن ماء من الخضـ‬
‫ت ليحيا الورى عليها طواال(‪.)2‬‬ ‫فيحي األرض وقد جاءها المو‬
‫‪ /2‬ذكر الكتب والتعجب بما تحتوي عليها‪:‬‬
‫من األفكار الواردة في الوصف في ديوان الرياض ذكر الكتب وما تحتوي‬
‫عليه ا من الفوائ د والعج ائب الجم ة‪ ،‬ب دءاً من الق رآن الك ريم ووص والً إلى كتب‬
‫أخ رى‪ ،‬منه ا‪ :‬الكت اب األخض ر‪ ،‬ودي وان المتن بي والس طور الع اطرة‪ ،‬والمأدب ة‬
‫األدبية‪ ،‬واألدب اإلسالمي في ديوان العالمة اإللوري‪ .‬من أمثلة ما ورد في وصفه‬
‫للقرآن الكريم قوله‪:‬‬
‫نيه ونجم ال يروم أفوال‬ ‫بحر خضم نحن نسبح في معا‬
‫ينجي ويبرئ في الحياة عليال‬ ‫فيه الشفاء لمن تعضل داؤه‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.128‬‬ ‫‪2‬‬


‫وقفوا لديه تحيرا وذهوال(‪.)1‬‬ ‫وروى لنا فعل الذين تقدموا‬
‫وقال متعجباً بكتاب "المأدبة األدبية" الذي ألفه األستاذ البروفيسور زكريا حسين‪:‬‬
‫ـلة ال يساوى بالذهب‬ ‫هو في منافعه الجليـ‬
‫ـماء الزالل بال صخب‬ ‫كلماته تنساب كالـ‬
‫ـجب األعاجم والعرب(‪.)2‬‬ ‫راقت فصاحته فأعـ‬
‫وأم ا عن "الكت اب األخض ر" لل زعيم اللي بي الس ابق معم ر الق ذافي فق ال في استهالل‬
‫وصفه‪:‬‬
‫فرأيته حقاً رفيقاً أكبر‬ ‫إني قرأت أخي الكتاب األخضر‬
‫هو آية قد نمقوها أسطرا(‪.)3‬‬ ‫صفحاته ملئت حقائق جمة‬
‫‪ /3‬اإلشارة بالدين وشعائره‪:‬‬
‫االعتزاز بالدين وشعائره من األفكار الواردة في ديوان الرياض‪ ،‬فوصف الشاعر‬
‫ال دين اإلس المي متعجب اً بروائع ه كم ا وس ف بعض المس اجد ال تي جدد بناؤه ا‪ .‬قال‬
‫في وصف الدين اإلسالمي‪:‬‬
‫الملك والخدام فيه سواء‬ ‫دين أتى فتنشط الفقراء‬
‫هل كان في هذا المقال مراء‬ ‫ال رب إاّل اهلل هذا رمزه‬
‫(‪)4‬‬
‫بالمعجزات فعافها جهالء‬ ‫ومحمد عبد رسول قد أتى‬
‫وقال في وصف أحد المساجد لمدينة إلورن‪:‬‬
‫حفظت من الشر كالمسجدين‬ ‫أيا مسجداً نال إعجابنا‬
‫وقد زانه لمعان اللجين(‪.)5‬‬ ‫جمالك صار حديث الورى‬
‫‪ /4‬االعتزاز باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.136 -135‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.157‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.144‬‬ ‫‪5‬‬


‫تبدو فكرة االعتزاز باللغة العربية والدعوة إلى نشرها وصونها‪ ،‬في قصائد‬
‫الوص ف ل ديوان الري اض‪ .‬مث ال ذل ك م ا ورد في قص يدة "م ا أجم ل الض اد" ق ول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ما أجمل الضاد في دنيا الجمال‬
‫أعيد في القوم يوم الزينة الكلم‬
‫إذا‬
‫عين اإلله فال يغتالها العدم‬ ‫أدواؤها آية اآليات تحرسها‬
‫فيها أفانين قول زانها الحكم(‪.)1‬‬ ‫إذا تتبعت أسرار البيان ترى‬
‫وقال في الدعوة إلى الدفاع عنها‪:‬‬
‫وتطلب اليوم منكم أعظم الطلب‬ ‫شراكم لغة القرآن تنشدكم‬
‫وهل يعيشون باألمجاد والرتب‬ ‫أيعبث القوم في ساحات حرمتها‬
‫تحفهم بحنان الحب والحدب‬ ‫هي التي ربت األجيال تربية‬
‫أنارت الدرب في جنح الظالم لهم وآمنتهم من التضليل والعطب‬
‫(‪)2‬‬
‫وال ترى ثروة األعجام والعرب‬ ‫أتخفق اليوم واألبصار ناظرة‬
‫‪ /5‬تجسيد المعاني‪:‬‬
‫من األفكار الواردة في ديوان الرياض‪ ،‬تجسيد بعض المعاني وخطابها خيالياً‪ ،‬وفي‬
‫بعض األحاديين يسرد الشاعر األبيات على لسانها‪.‬‬
‫من ه ذه المع اني مثالً‪ :‬الفك رة والم وت والش يخوخة وع ام جدي د وغيره ا‪ .‬تخي ل‬
‫الشاعر‪ -‬مثالً‪ -‬خطاب فكرة نائمة فقال لها‪:‬‬
‫قد طال عهدك في سبات دائم‬ ‫يا فكرة نامت أفيقي وانشطي‬
‫(‪)3‬‬
‫في ذلك الثوران عيش العالم‬ ‫ثوري كفعل األسد في آجامها‬
‫وقال في خطابه الخيالي لعام جديد‪:‬‬
‫جئت باليمن والعال والسالم‬ ‫مرحباً بالقدوم يا خير عام‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.134‬‬ ‫‪3‬‬


‫(‪)1‬‬
‫فانزلن يا جديد بين األنام‬ ‫انتظرناك بالقلوب طويال‬
‫‪ /6‬االعتزاز بالوطني والشكاية عن سوء حاله‪:‬‬
‫كان الشاعر مفتخراً بوطنه نيجيريا وفي نفس الوقت مؤلماً بما يحدث فيها من عدم‬
‫التقدم ومواكبة العصر‪ .‬قال في اعتزازه بنيجيريا‪:‬‬
‫ال تستطيع نعوتك األقالم‬ ‫نيجيريا مني إليك سالم‬
‫(‪)2‬‬
‫ولها لسان واحد وكالم‬ ‫وطني كبير فيه أعظم أمة‬
‫واشتكى الشاعر من اختفاق شركة الكهرباء الوطنية مما أدى إلى إغراق البالد في‬
‫الظالم وتعطيل المصانع والشركات‪ ،‬فقال مؤسفاً عن هذا الوضع‪:‬‬
‫عطلت عندنا المصانع حتى دفعتها إلى سبيل الفناء‬
‫(‪)3‬‬
‫حسبوها أساس كل رخاء‬ ‫خيبت في البالد آمال قوم‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪3‬‬


‫المطلب الخامس‪ :‬السياسة‪.‬‬
‫إن أفكار قصائد السياسة في ديوان الرياض تتسم بالدفاع عن الدين والوطن‬
‫واإلنسانية‪ ،‬والبغض الشديد على النظام األرستقراطي‪ ،‬والسياسة الجوفاء‪ .‬من أهم‬
‫هذه األفكار ما يأتي‪:‬‬
‫‪ /1‬العتاب الشديد للسياسة‪:‬‬
‫تأثر على الشاعر البيئة السياسية النيجيرية‪ ،‬فجعل يكره السياسة برمتها‪ ،‬وال يرى‬
‫أدنى خير فيها‪ .‬وتظهر هذه الفكرة في استهالل قصيدته "ويالت السياسة"‪:‬‬
‫الكذب والتدجيل والشر‬ ‫إن السياسة خيرها شر‬
‫ال تخدعنك حلوها مر‬ ‫ماذا يروعك من محاسنها‬
‫قد حف بالتوقير يغتر‬ ‫إني أرى اإلنسان يدخلها‬
‫قد ناله التقريع والهجر‬ ‫وأراه يخرج من أماكنها‬
‫ويضيق من ويالتها الصدر(‪.)1‬‬ ‫ريح عقيم ال رجاء لها‬
‫ومثال آخر قوله عن السياسة‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إال هموم القلوب والريب‬ ‫سياسة ال تزيد أمال‬
‫ـنا يا رجالي أراذل الشعب‬ ‫سياسة تجعل األعزة فيـ‬
‫ومن يريد البقاء في الشجب؟‬ ‫سياسة ال نريدها أبدا‬
‫‪ /2‬اإلنكار الشديد للظلم وهتك الحرمة اإلنسانية‪:‬‬
‫تظهر كراهية الشاعر الشديدة للظلم وهتك الحرمة اإلنسانية في قصائد السياسة في‬
‫دي وان الري اض‪ .‬ومن أمثل ة ه ذه الفك رة قص يدة الش اعر "بل غ الس يل ال زبى" حيث‬
‫صب جام غضبه على رئيس العراق السابق صدام حسين عندما ضم دولة الكويت‬
‫إلى دولته‪ .‬قال في استهالل القصيدة‪:‬‬
‫ذبح العباد بمدية الجزار‬ ‫ندد بشر مدمر جبار‬
‫ّ‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)1‬‬
‫يزجي بنيه إلى لهيب النار‬ ‫ما للعراق يديره هدامه‬
‫واستمر يستفهم صدام استفهاماً إنكارياً‪:‬‬
‫طابت وعاشت في حمى ووقار؟‬ ‫ماذا تروم وراء غزوك أمة‬
‫(‪)2‬‬
‫ما هذه الشنعاء أم دفار‬ ‫فهتكت حرمتها بدون ترحم‬
‫وأظهر الشاعر ما يخفيه في صدره من الغضب والضيق حين قال‪:‬‬
‫لمناظر اآلالم واألعسار(‪.)3‬‬ ‫العين تدمع والفؤاد مفتت‬
‫ال يستميت لها سوى األغرار‬ ‫ضم العراق إلى الكويت سخافة‬
‫ومثال آخر إلنكاره الشديد لهتك الحرمة اإلنسانية قوله في قصيدته "حرب الخليج"‪:‬‬
‫ودمدمة األركان والبلدان(‪.)4‬‬ ‫تظنون إهالك النفوس شجاعة‬
‫وجاء في القصيدة استفهام إنكاري حين قال‪:‬‬
‫وتسعون كاألسراب للنيران(‪.)5‬‬ ‫بأي قلوب تهرقون دمائكم‬
‫خسائره في الناس واألوطان؟‬ ‫أيوقف صاروخ قتاالً تتابعت‬
‫سرى سمه في القلب والشريان؟‬ ‫أيوقف صاروخ قتاالً مطوال‬
‫‪ /3‬الدعوة إلى الصلح وحل المشكالت بطريق سلمي‪:‬‬
‫تظه ر فك رة إيم ان الش اعر بالص لح وح ل المش كالت بطري ق س لمي في قص ائد‬

‫السياسة‪ .‬ومثال ذلك في دعوته لدولتي العراق واإليران إلى إيقاف الحرب‪ ،‬ذاكراً‬
‫لهما ما بينهما من العالقة القديمة فقال‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫كيف يحلو بنا الزمان وينسى؟‬ ‫أنسيتم ما بينكم من وداد‬
‫وداعياً لهما إلى إيقاف الحرب‪:‬‬
‫يتحاسون دائماً كأس بؤس(‪.)7‬‬ ‫أوقفوا الحرب رحمة لعباد‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫‪6‬‬


‫وقال أيضاً في نفس الموضوع‪:‬‬
‫سالم على من عاد منكم إلى التقى وأنقذ أجياالً من الخسران(‪.)1‬‬
‫ومث ال آخ ر ل دعوة الش اعر إلى ح ل المش كالت بطري ق س لمي‪ ،‬قص يدته ال تي قاله ا‬
‫عندما اضطربت الجامعات النيجيرية لسوء حالها‪ ،‬وأبت الحكومة السعي إلى حل‬
‫مش كالتها ب ل وأدت األزم ات إلى قط ع الح وار بين الط رفين‪ .‬ش رع الش اعر ي دعو‬
‫الطرفين أن يعودوا إلى الحوار قائالً‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فيه تطويل كل أمر قصير‬ ‫إن قطع الحوار قطع األماني‬
‫وشجار وفتنة ونفور‬ ‫ينتهي بالحوار كل خالف‬
‫‪ /4‬الدعوة إلى الدفاع عن الدين والوطن‪:‬‬
‫من األفكار الواردة في قصائد السياسة‪ ،‬في ديوان الرياض دعوة الشعب إلى دفاع‬
‫وطنهم العزي ز‪ .‬ومن أمثل ة ذل ك دعوت ه الش عب الكوي تي إلى الجه اد لل دفاع عن‬
‫الوطن العزيز‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫قم للجهاد تهب كاإلعصار‬ ‫شعب الكويت تحية وتجلة‬
‫(‪)3‬‬
‫قمع األعادي صولة البتار‬ ‫النصر حظك في المواقف كلها‬
‫ومث ال آخ ر دعوت ه إلى ت دعيم مجاه دي فلس طين‪ ،‬ال ذين يجاه دون من أج ل تحري ر‬
‫أرضهم وتطهير مقدساتها اإلسالمية‪ .‬قال في ذلك‪:‬‬
‫جهاد الرجال بمال كثر(‪.)4‬‬ ‫ندائي إلى الناس أن يدعموا‬
‫فنفس الورى خير ما ينحر‬ ‫لقد بذلوا خير ما يملكون‬
‫وفي دعوته إلى الدفاع عن الشريعة اإلسالمية قال‪:‬‬
‫كيال يعيب جمالها أشقانا(‪.)5‬‬ ‫أهل الشريعة في البالد تضافروا‬
‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.170‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.174‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪5‬‬


‫علم الرجال وجهد من يتفان‬ ‫تطبيقها حلم يحققه لنا‬
‫المطلب السادس‪ :‬الفخر والغزل‪.‬‬
‫إن فخ ر الش اعر في دي وان الري اض ق ائم على االعت دال في الق ول‪ ،‬يص ور‬
‫رزانة قائله‪ ،‬ودماثة سلوكه‪ ،‬وغالب اً ما يعقد محور مفاخره‪ ،‬اعتزازاً بأدبه ودينه‪.‬‬
‫وأم ا غزل ه فه و غ زل عفي ف في روح ه ومعن اه‪ ،‬ويظه ر ب أن غاي ة قائل ه تمثي ل‬
‫إنسانيته اللطيفة‪ .‬لذا اتسمت أفكار الفخر والغزل في الديوان بأمور أهمها‪:‬‬
‫‪ /1‬اإلشادة بمشاركة اآلخرين في األفراح واألتراح‪:‬‬
‫ك ان الش اعر يفتخ ر بأن ه دائم اً يس عى نح و نج دة المحت اج ومش اركة اآلخ رين في‬
‫األفراح‪ ،‬وهذا داللة على عدم األنانية‪ .‬قال في استهالل قصيدته "السلوى"‪:‬‬
‫عملت جهدي كي ينجو من الضجر‬ ‫إذا رأيت حبيباً كان في ضجر‬
‫(‪)1‬‬
‫قدنا لهم طرب أمسيت في النفر‬ ‫إذا رأيت عروساً عندها نفر‬
‫‪ /2‬الثقة بالنفس‪:‬‬
‫من األفكار الواردة في قصائد ديوان الري اض في الفخر‪ ،‬ثقة الشاعر بنفسه ودقة‬
‫نظره في األمور‪ .‬قال في ذلك‪:‬‬
‫فاليأس من تدون شك أعظم‬
‫فال تراني يوماً يائساً أبدا‬
‫الخطر‬
‫أخال أن سراج الدار كالقمر‬ ‫إين إذا كنت في ليل بال قمر‬
‫(‪)2‬‬
‫وال يرى لظهور الفجر من أثر‬ ‫تباً لمن ينظر اآلفاق مظلمة‬
‫‪ /3‬عدم الفرور بالدينا ومتاعها‪:‬‬
‫يتسم فخر الشاعر في ديوان الرياض بعدم غروره بالدنيا ومتاعها‪ ،‬مع أنها تتبع‬
‫كل الفرص والوسائل أمامها لجذب عقول الناس إليها‪ ..‬فإنه مع ذلك لم يغتر بها‪،‬‬
‫بل توجه نحو المتاع األبدي‪.‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪2‬‬


‫يتمثل ذلك في قصيدته "حديقة الحكماء" جاء فيها‪:‬‬
‫فولجت بعد حديقة الحكماء‬ ‫فنظرتها شرراً ألجل حديثها‬
‫زي من األنوار واألضواء‬ ‫فهناك أنواع من العادات في‬
‫(‪)1‬‬
‫وكسون أنفسهن ثوب بقاء‬ ‫قد صاغهن يد البديع من السنى‬
‫‪ /4‬عدم صدق العاطفة‪:‬‬
‫يبدو في قصائد الغزل في ديوان الرياض عدم صدق العاطفة‪ ،‬ويظهر عدم إلمام‬
‫الش اعر بالتش بيب‪ ،‬ف أدى ذل ك إلى ع دم تع يين المحبوب ة‪ ،‬والغل و في الخي ال‪ .‬ومنت‬
‫أمثلة ذلك قوله في قصيدته "ألم الحب"‪:‬‬
‫ـتواضع يا من اسمها كان لي ذكرا‬ ‫فمالشكر إاّل أن تكون كثيرة الـ‬
‫(‪)2‬‬
‫آلخذ منك الود والحب واألجرا‬ ‫أردد ذاك النكر في كل حالة‬
‫وقال في قصيدته "عابرة"‪:‬‬
‫ولم يوصب فهو جماد(‪.)3‬‬ ‫إذا ِس ْر ِت جنب راهب‬
‫وأما عدم تعيين المحبوبة فقال في قصيدته "المرأة"‪:‬‬
‫لوثة األعصر أم ربة طهر؟(‪.)4‬‬ ‫أنت يا مرأة نور أم ظالم‬
‫أم نعيم الخلد في طيب ويسر؟‬ ‫لفحة النار إذا ما ذقت ظلماً‬
‫‪ /5‬البعد عن عبث اللهو وأسر المتعة‪:‬‬
‫يصون غزل الشاعر ألبي المروءة والدماثة‪ ،‬فلم يصرح فيه بوصف صورة المرأة‬
‫تص ويراً ظ اهراً‪ ،‬ب ل لج أ إلى التش بيهات واالس تعارات ليبتع د عن التص ريح‪ .‬من‬
‫أمثلة ذلك قوله في وصف المرأة‪:‬‬
‫تختال كالغصن في امتياد‬ ‫لها جمال يفوق وصفا‬
‫(‪)5‬‬
‫فقام مني غي الفؤاد‬ ‫نظرت منها وجهاً كبدر‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.181‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫‪4‬‬


‫ومثال آخر لبعده عن أوصاف المرأة الطاهرة قوله‪:‬‬
‫يأخذ األلباب في سر وجهر‬ ‫قد حباك اهلل حسناً فانتا‬
‫(‪)1‬‬
‫مصدر اإللهام في شعر ونثر‬ ‫أنت سر اهلل في عالمه‬

‫المطلب السابع‪ :‬الشكوى والعتاب‪.‬‬


‫تتس م أفك ار ش كاوى الش اعر أل بي وعتاب ه في ديوان ه الري اض بالتواض ع‬
‫وعزاء إلى نفسه بالتقصير‪ ،‬واالهتمام بحال وطنه والوطن العربي‪ .‬يمكن تلخيص‬
‫أهم هذه األفكار في اآلتي‪:‬‬
‫‪ /1‬االعتراف بالتقصير وقلة اإلنتاج‪:‬‬
‫يع ترف الش اعر أل بي؛ في قص ائد ش كاواه‪ ،‬بقل ة إنتاج ه الش عري‪ ،‬وض عف‬
‫قريحت ه‪ ،‬ويع زي نفس ه ه ذه الحال ة‪ .‬من أمثل ة ذل ك قول ه في اس تهالل قص يدته‬
‫"الشكوى"‪:‬‬
‫لكنها عبثاً تبقى بإصرار(‪.)2‬‬ ‫فال أزال أناغيها وأطربها‬
‫وكان يرى سبب ذلك جمود قريحته‪ ،‬لذا رفع شكواه إلى اهلل تعالى قائالً‪:‬‬
‫يا رب تسمع أقوالي وأعذاري‬ ‫إن القريحة أمست وهي جامدة‬
‫(‪)3‬‬
‫حتى أفوز بذكر جد سيار‬ ‫إني أود ذيوع الصيت لي أبدا‬
‫‪ /2‬دعوة الشعراء إلى بذل القصائد‪:‬‬
‫من أفكار الشاعر في قصائد الشكوى والعتاب‪ ،‬إيمانه بدور الشعر في منع‬
‫الفس اد والظلم‪ .‬ل ذا‪ ،‬يع اتب الش عراء الس اكتين وينبههم إلى النهض ة والج د في ب ذل‬
‫القصائد‪ .‬قال في قصيدته "لماذا السكوت"‪:‬‬
‫فلم التكسل في مقالك والونى؟‬ ‫قل إن قولك واضع مثل السنى‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.183‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫‪3‬‬


‫(‪)1‬‬
‫حتى طليت الحق خوفاً بالسنا؟‬ ‫ماذا تخافوا من الذين تمردوا‬
‫ويرى سكوت الشاعر يؤدي إلى فسح المجال للمفسدين‪ ،‬وإ فشاء الفساد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فسح المجال لمن تشيطن أو جنى‬ ‫الشاعر المجواد إن لم ينطق‬
‫(‪)2‬‬
‫عمم البالد خالعة مثل الزنا‬ ‫الشاعر المجواد إن لم ينطق‬
‫‪ /3‬ال دهش من أم ر الم وت في قص ائد ش كواه وعتاب ه الم وت وص نيعه من التفري ق‬
‫بين األحبة‪ ،‬وعدم رجوع كل من مات‪ .‬ويعقب هذا الدهش بالدعوة إلى االستعداد‬
‫جلية في قصيدته "ذهاب بال إياب"‪ ،‬استهلها قائالً‪:‬‬
‫له‪ .‬تظهر هذه الفكرة ّ‬
‫أرضوا بسيرهم وطابوا باال؟‬ ‫أحبابنا ساروا فأين طريقهم‬
‫(‪)3‬‬
‫حتى نراهم غيروا أحواال؟‬ ‫أو أنهم بلغوا إلى غاياتهم‬
‫واستمر يخيل أحوال الموتى إلى أن قال‪:‬‬
‫ـأحباب في أخراهم إجماال‪.‬‬ ‫فاهلل منفرد بعلم طبيعة الـ‬
‫وأخيراً دعا إلى االستعداد للموت قائالً‪:‬‬
‫ما فاز إاّل من يشد رحاال‬ ‫يا قومنا شدوا الرحال لظعنكم‬
‫(‪)4‬‬
‫ال ترسبوا في قيلكم والقاال‬ ‫ألقوا التكسل والمالمة جانبا‬
‫‪ /4‬االهتمام بالوقائع‪:‬‬
‫من أفكار الشاعر الواردة في قصائد شكواه وعتابه االهتمام بحال وطنه من‬
‫عدم التقدم واالستقرار‪ ،‬واهتمامه بحال الوطن العربي وما يحدث فيه من الحروب‪.‬‬
‫من أمثلة اهتمامه بما يحدث في وطنه قوله‪:‬‬
‫منكل ناحية لواء حذار؟‬ ‫من أين تأتي موجة اإلعصار‬
‫(‪)5‬‬
‫من عيشة كدرت بغير قرار‬ ‫هل هكذا شاء اإلله لخلقه‬
‫ويحزن الشاعر أنانية المواطنين وعدم اهتمامهم بالضعفاء بينهم قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫‪5‬‬


‫هل أنت وحدك صاحب المضمار‬ ‫يا من يسابق وهو غر غافل‬
‫(‪)1‬‬
‫يتلوك وأمن زلة اإلعثار‬ ‫فانظر وراءك مرة لترى الذي‬
‫ويصف حالهم من الفوضى وعدم االستقرار قائالً‪:‬‬
‫إاّل ونتركه إلى األقطار(‪.)2‬‬ ‫ما إن وصلنا موضعاً لجمامنا‬
‫من غير نيل سعادة األوطار‬ ‫تجري بنا األعمار رغم أنوفنا‬
‫ويتمثل اهتمامه بحال الوطن العربي في قصيدته "إلى العرب" التي استهال قائالً‪:‬‬
‫عاشت على الصحراء خير‬
‫يا أمة انحدرت من العدنان‬
‫(‪)3‬‬
‫مكان ‪.‬‬
‫يا مرحباً بالنور باإلذعان‬ ‫أرض تألأل فوقها نور الهدى‬
‫وبعد أن ذكر ما لألمة العربية من الفضائل والكرم‪ ،‬شرع يتعزى من حالها قائالً‪:‬‬
‫عاشت طويالً في لظى العدوان‪.‬‬ ‫إين ليحزنني كثيراً حالها‬
‫ب ل إن ه س ئم بم ا يس مع عم ا يح دث في بالد الع رب من الح روب والقت ال المس تمر‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫الحرب في قدس وفي لبنان‬ ‫إنا سئمنا ما يقول مذيعكم‬
‫قتلوا نساء الحي بالنيران‬ ‫قتلوا صباح اليوم ألف مواطن‬
‫(‪)4‬‬
‫ذاقت سموم الموت بنت فالن‬ ‫قذف العدو من السماء قنابال‬
‫وأردف ه ذا الح زن بالرج اء وال دعوة إلى التع اون ح تى يقض ي على ه ذه الح ال‬
‫المؤسفة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫وتعاونوا حتماً على اإلحسان‬ ‫يا أيها العرب الكرام تضافروا‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.193‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪4‬‬


‫وتعوذوا باهلل من شيطان‬ ‫ال تترك إبليس يفسد جمعكم‬
‫(‪)1‬‬
‫ذهبوا وقد ذاقوا لظى الحرمان‬ ‫إن الحظ األعداء منكم وحدة‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪1‬‬


‫المبحث الثاني‬
‫دراسة العواطف‬
‫العواط ف‪ :‬هي اإلرهاص ات الوجداني ة واالنفع االت ال تي تحص ل نتيج ة لحال ة‬
‫غريزية أو روحية أو خلقية(‪ .)1‬أو هي حالة الشعور واالنفعال النفسي اإلنساني(‪.)2‬‬
‫يسمى بعض النقاد العواطف قواعد‪ ،‬يريد بها األسس والينابيع التي يتفجر‬
‫عنها الشعر‪ ،‬وكأنهم أدركوا أن الطبع الموهوب ال يكفي وحده للتغريد بالشعر‪ ،‬بل‬
‫الب د من مث ير ي دفع إلى فرض ه‪ .‬ولكنهم في العص ور القديم ة لم يطلق وا على ه ذه‬
‫البواعث ما يطلقه عليها علماء النفس‪ ،‬ورجال النقد في عصرنا الحديث‪ ،‬بل أطلقوا‬
‫عليها اسم القواعد‪ ،‬كما سبق الذكر(‪.)3‬‬
‫وق د ذك ر ابن رش يق الق يرواني في العم دة أن ه‪ " :‬الب د للش اعر‪ -‬وإ ن ك ان‬
‫فحالً‪ ،‬حاذق اً‪ ،‬م ّبرزاً‪ ،‬مق دماً‪ -‬من ف ترة تع رض ل ه في بعض األوق ات‪ :‬إم ا لش غل‬
‫يس ير‪ ،‬أو م وت قريح ة‪ ،‬أو نب ّو طب ع في تل ك الس اعة أو ذل ك الحين‪ .‬وق د ك انت‬
‫الفرزدق‪ -‬وهو فحل مضر في زمانه‪ -‬يقول‪ :‬تمر علي الساعة وقلع ضرس من‬
‫أضراسي أهون علي من عمل بيت من الشعر"(‪.)4‬‬
‫وق د ذك ر ابن قتيب ة أن للش عر دواع تحث البطيء وتبعث المتكل ف‪ .‬منه ا‬
‫الطم ع والش وق والش راب والط رب والغض ب‪ .‬وقي ل للحطيئ ة‪ :‬أي الن اس أش عر؟‬
‫فأخرج لساناً دقيقاً كأنه لسان حية فقال‪ :‬هذا إذا طمع‪ .‬وقيل ألبي يعقوب الخزيمي‪:‬‬
‫مدائحك لمحمد بن منصور بن زياد‪ -‬يعني كاتب البرامكة‪ -‬اشعر من مراثيك فيه‬

‫‪www.uobabylon.edu.iq/uabloieges/lecture 22/9/2018 11:49pm -‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع وميشال‪ ...‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.807‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي‪ ،‬ص ‪.502‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الحسن بن رشيق القيرواني‪ ،‬كتاب العمدة في نقد الشعر وتمحصيه‪ ،‬ص ‪.177‬‬ ‫‪4‬‬
‫وأجود‪ .‬فقال كنا يومئذ نعمل على الرجاء‪ ،‬ونحن اليوم نعمل على الوفاء‪ ،‬وبينهما‬
‫بون بعيد(‪.)1‬‬
‫وق د أوج ز بعض النق اد االنفع االت في أربع ة‪ :‬الرغب ة‪ ،‬والرهب ة‪ ،‬والط رب‪،‬‬
‫والغض ب‪ ،‬ورأوا أن أغ راض الش عر تنبعث عنه ا‪" ،‬فم ع الرغب ة يك ون الم دح‪،‬‬
‫والش كر‪ .‬وم ع الرهب ة يك ون االعت ذار‪ ،‬واالس تعطاف‪ .‬وم ع الط رب يك ون الش وق‪،‬‬
‫ورقة النسيب‪ .‬ومع الغضب يكون الهجاء‪ ،‬والتوعد‪ ،‬والعتاب الموجع"(‪.)2‬‬
‫إلى جانب ما ذكر‪ ،‬فقد أدرك نقاد العرب أن الشاعر قد يكون لديه الحافز‬
‫لقول الشعر‪ ،‬ولكن مع ذلك يصعب عليه قول الشعر‪ ،‬إذ "للشعر أوقات يسرع فيها‬
‫آتيه ويسمح فيها ُّ‬
‫أبيد‪ ،‬منها أول الليل قبل تغشي الكرى‪ ،‬وصدر النهار قبل الغداء‪،‬‬
‫ويوم شرب الدواء‪ .‬ومنها الخلوة في الحبس والمسير‪ .‬ولهذه العلل تختلف أشعار‬
‫الشاعر ورسائل الكاتب(‪.)3‬‬
‫وانطالق اً مم ا س بق‪ ،‬الستش فاف عواط ف الش اعر عيس ى أل بي خالل قص ائد‬
‫ديوانه "الرياض" ينظر البحث إلى االنفعاالت اآلتية‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الرغبة‪.‬‬
‫الرغب ة‪ :‬من رغب ي رغب رغب ة إذا ح رص على الش يء وطم ع في ه‪ .‬والرغب ة‪:‬‬
‫السؤال والطمع أيضاً(‪.)4‬‬
‫فالرغبة إحدى الجهات الدفاعية في النفس والتي تصدر فيها وعنها األزمات‬
‫النفس ية‪ .‬ترتب ط الرغب ة ع ادة بع دد من الت أثيرات المختلف ة؛ حيث إن الش خص ال ذي‬
‫لدي ه الرغب ة يفك ر بط رق معين ة‪ ،‬ويش عر بط رق معين ة‪ ،‬ف إذا رغب الش خص في‬
‫شيء معين فإنه سيحاول الحصول عليه‪ ،‬ولكن إن لم يحصل عليه في نفس الوقت‬

‫‪ -‬عبداهلل بن مسلم ابن قتيبة‪ ،‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي‪ ،‬ص ‪.503‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبداهلل بن مسلم ابن قتيبة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص ‪.293‬‬ ‫‪4‬‬


‫فإنه سيشعر برغبة أكبر في الحصول عليه‪ ،‬وسيفكر فيه كثيراً‪ ،‬وسيجد افتقاده له‬
‫أمراً مجزوناً‪.‬‬
‫عندما ننظر إلى قصائد ديوان الرياض‪ ،‬ندرك بأن عاطفة الرغبة‪ ،‬قد طغت‬
‫على الش اعر أل بي ودفعت ه إلى ق رض القص ائد في األغ راض ال تي تنش أ منه ا‪ .‬من‬
‫هذه األغراض‪.‬‬
‫أ‪ /‬المدح‪:‬‬
‫المديح أو المدح هو غرض من أغراض الشعر‪ ،‬ومن أوسعها انتشاراً في عصور‬
‫األدب العربي على اإلطالق(‪.)1‬‬
‫مع أن نقاد العرب قد قرروا أن شعر المدح ناشئ من الرغبة التي هي أحد‬
‫قواع د الش عر األربع ة‪ ،‬ومعناه ا أن ش عر الم دح أص له رغب ة الش اعر في الم ال‪،‬‬
‫ورج اؤه أن يحص ل على جزي ل الن وال‪ .‬ويع ني أن الم دح في حقيقت ه ال ينبعث عن‬
‫العاطفة الصادقة بها المادح نحو ممدوحه‪ .‬فالناظر إلى مدائح ديوان الرياض يدرك‬
‫أنه ا لم تنش أ عن الرغب ة في العط اء ‪ ،‬ولكنه ا نش أت عن قلب ص ادق ل ود‪ ،‬وعن‬
‫اإلخالص واإلعج اب‪ .‬ل ذا ك ان من اط ه ذه الم دائح بي ان القيم والفض ائل‪ ،‬وإ ش ادة‬
‫المحام د والمن اقب اإلنس انية القائم ة على اإليم ان والتق وى‪ ،‬والتواض ع والعف ة‪،‬‬
‫واإلحسان والكرم‪ ،‬والمجد‪ ،‬والنجدة‪ ،‬والهدى والرشاد‪ ،‬والسعادة‪ .‬والممدوحون في‬
‫ال ديوان هم عب اقرة ال دنيا في النب وة‪ ،‬والوالي ة‪ ،‬والرس الة وال وحي‪ ،‬والمعج زة‪،‬‬

‫والهج رة‪ ،‬والخالف ة‪ ،‬واإلمام ة‪ ،‬والزعام ة ومن س اند ه داهم‪ .‬وق د ع رج عكوف اً‬
‫مس تطيال ًعن د أعالم منطقت ه إل وري على امت داد زم انهم‪ ،‬وجعلهم م وطئ إلهام ه‪،‬‬
‫وعلى رأس هم الش يخ آدم عبداهلل اإلل وري‪ ،‬ال ذي ت ربى الش اعر على ي ده وت أثر ب ه‪.‬‬
‫ومن أمثلة مدح للشيخ قصيدته (شيخنا آدم) قال في مطلعها‪:‬‬
‫لك الرئاسة في المقال‬ ‫يا مالكاً قلب الرجال‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.1132‬‬ ‫‪1‬‬


‫أعطاكها رب الكمال‬ ‫سحر البيان عطية‬
‫حيرت أصحاب الجدال(‪.)1‬‬ ‫فمتى بدأت مقالة‬
‫وهذا لون من المدح يتحدث عن عاطفة وادة صادقة‪.‬‬
‫ومن مدائح الشاعر التي نشأت عن عاطفة صحيحة طبيعية‪ ،‬وتتصف بالقوة‬
‫والعم ق مدح ه للن بي ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬والمرك ز اإلس المي ال ذي ت ربى في ه‪،‬‬
‫وك ذلك دار العل وم لجبه ة العلم اء واألئم ة‪ .‬ق ال في إح دى مدائح ه للن بي ص لى اهلل‬
‫عليه سلم‬
‫إن التشكك صاح ليس بمنجد‬ ‫ودع التشكك في حقيقة أمره‬
‫نقيت سرائه ففاز بسؤدد‬ ‫هو في حداثة سنه في قومه‬
‫(‪)2‬‬
‫لكنه في الرسل ليس بمخلد‬ ‫أخالقه علوية محبوبة‬
‫في هذه األبيات ينفي الشاعر أدنى شك في أمر النبي صلى اهلل عليه سولم‪ ،‬ويص فه‬
‫بالصدق واألمانة منذ أن كان ولداً صغيراً‪ ،‬وأضاف إلى ذلك ما اتصف به النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم من األخالق العليا‪.‬‬
‫وأما دار العلوم‪ ،‬فقد ورد في قصيدة مدحها بها األبيات اآلتية‪:‬‬
‫شيخي وهيأ لي ذرى العلياء‬ ‫إني شكرت الحظ حين اختارني‬
‫ونظارتي تمت بكل كوفاء‬ ‫فعملت فيك مدرساً وموجهاً‬
‫(‪)3‬‬
‫بيضاء في عمي وبغير مراء‬ ‫ما تلكم األيام إاّل صفحة‬
‫ب‪ /‬الشكر‪:‬‬
‫هو عرفان اإلحسان ونشره‪ .‬والجزاء على اإلحسان‪ ،‬والثناء الجميل على ما‬
‫تقدم في الخير واإلحسان‪.‬‬
‫وق د أك ثر الش اعر أل بي في قص ائد الم دح ولكنه ا لم تكن ناش ئة عن الطم ع‬
‫والرغب ة في الم ال‪ ،‬كم ا س بق ال ذكر‪ ،‬والش كر ع ادة ينش أ ج زاء الخ ير واإلحس ان‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.99‬‬ ‫‪3‬‬


‫وخاصة من الشعراء الذين كانوا يستجدون بشعرهم الخلفاء والملوك‪ ،‬ويطلبون في‬
‫ذلك في صراحة‪ ،‬وروي أن لبيد ابن ربيعة لما بعث إليه الوليد بن عقبة مائة من‬
‫اإلبل ينحرها كعادته عند هبوب الصبا‪ ،‬قال البنته‪ :‬اشكري هذا الرجل؛ فإني ال‬
‫أجد نفسي تجيبني‪ ،‬ولقد أراني ال أعيا بجواب شاعر(‪.)1‬‬
‫لم يتخ ذ الش اعر أل بي الش كر غرض اً من أغ راض قص ائده‪ ،‬ل ذا ك ان الش كر في‬
‫الديوان قطرة في بحر‪ ،‬ومبعثراً في نواحي القصائد‪ .‬فالقصيدة التي خصها الشاعر‬
‫للشكر هي قصيدته (شكر جميل) قدم فيها شكره الجزيل إلى الشيخ بدماصي الذي‬
‫أه دى إلي ه مجموع ة من الكتب‪ .‬وك انت عاطف ة ه ذه القص يدة تتص ف بالص دق‬
‫والقوة‪ ،‬لذا استهلها بتقديم الشكر إلى جميع أسرة المشكور قائالً‪:‬‬
‫أعظم به فاهلل ربك يشكر(‪.)2‬‬ ‫يا نجل يوسف إن جودك أكبر‬
‫وتسمو العاطفة في هذه القصيدة‪ ،‬وصف الشاعر هذه الكتب قائالً‪:‬‬
‫هذا يقول الشعر ذلك ينثر(‪.)3‬‬ ‫هي ملتقى اآلداب من أربابها‬
‫يا صادياً أبشر لمزن يمطر‬ ‫هي وابل تشفي الغليل مياهه‬
‫ولم يس تطع الش اعر أن يحبس عاطفت ه القوي ة عن إب راز غاي ة فرح ه له ذه الهدي ة‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫عن ذلك اإلهداء شكر يقصر‬ ‫واهلل بدماصي تحير فكرتي‬
‫ج‪ /‬التهاني‪:‬‬
‫تع د ظ اهرة الته اني ظ اهرة اجتماعي ة قديم ة‪ ،‬وباب اً من أب واب التعب ير عن‬
‫النفس اإلنس انية في ح ال فرحته ا ومس رتها‪ ،‬فه و يتن اول بين س طوره مع اني‪:‬‬
‫الصداقة‪ ،‬والمحبة‪ ،‬واألخوة‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪3‬‬


‫فالتهنئة تكون على أحوال‪ ،‬إما أن تكون ما يسر به اإلنسان مما يطرأ عليه‬
‫من األم ور ال تي فيه ا تج دد نعم ة‪ ،‬أو دف ع مص يبة‪ ،‬كالتهنئ ة ب الزواج‪ ،‬وب المولود‬
‫الجديد‪ ،‬أو بالخالفة‪ ،‬أو ما شابه ذلك من المناسبات التي ال ارتباط لها بزمن معين‪،‬‬
‫وإ ما أن تكون التهنئة في أزمان معينة‪ ،‬كاألعياد‪ ،‬واألعوام واأليام‪.‬‬
‫فش عر الته اني ج زء من ش عر المناس بات‪ .‬إذ ك انت المناس بة هي ال تي تملئ‬
‫على الش عراء أش كال قص ائدهم وإ يقاعاته ا وقوافيه ا‪ ،‬والج دير بال ذكر أن ه اختل ف‬
‫النقاد أمام هذا اللون من الشعر‪ ،‬وتساءلوا‪ :‬هل ينتمي إلى األدب‪ ،‬أو انه بعيد عنه؟‬
‫أثار هذه التساؤل عدة مناقشات لم يصل فيها المتبارزون إلى نتيجة قاطعة حاسمة‪.‬‬
‫وال يلي ق بالمك ان س رد ه ذه اآلراء‪ ،‬إذ ه ذه القض ية له ا أص ول وعوام ل اجتماعي ة‬
‫ونفس ية يجب دراس تها وتحليله ا وبحث جوانبه ا في دراس ة خاص ة للوص ول إلى‬
‫الرأي األخير والنهائي‪.‬‬
‫ومهم ا يكن األم ر‪ ،‬فإن ه ق د ورد في دي وان الري اض القص ائد في الته اني‬
‫للمناس بات المختلف ة أساس ها الص داقة‪ ،‬والمحب ة‪ ،‬واألخ وة‪ .‬منه ا‪ :‬التهنئ ة ب الزواج‪،‬‬
‫والتهنئة بالمولود الجديد‪ ،‬والتهنئة بالتعميم والتولية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫تتفاوت العواطف في هذه القصائد حسب قوة االنفعاالت النفسية التي دفعت‬
‫الشاعر إلى قرضها‪ .‬فالقصائد التي قالها الشاعر في التعميمات‪ ،‬وخاص ة المناصب‬
‫التي توالها أصحابها بعد المجادالت‪ ،‬تجد عواطفها قوية متصفة بالصدق‪ ،‬ويبدو‬
‫ذلك جلياً منذ األبيات األولى للقصائد‪ .‬انظر مطلع القصيدة "صرت إمام القوم" ال تي‬
‫قرضها الشاعر بمناسبة تولية الحاج عثمان سليمان ألوسن إمام اً جديداً‪ ،‬حيث بدأها‬
‫قائالً‪:‬‬
‫به توطد لإلسالم أركان(‪.)1‬‬ ‫عثمان صرت إمام القوم عثمان‬
‫مغفل في أمور الدين حيران‬ ‫بخس اإلمامة أن يأتي لمطلبها‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪1‬‬


‫ويدعي أنه في العلم سلطان‬ ‫ما بال إسالمنا يأتيه جاهلنا‬
‫وكذلك القصيدة "إن اإلمارة في أيامنا سعدت" التي هنأ بها الشاعر الحاج إبراهيم‬
‫ذو القرنين غمبري أميراً جديداً لمدينة إلورن‪ .‬قال في مطلعها‪:‬‬
‫ونشط القلب في أفواج أخيار(‪.)1‬‬ ‫خدعوك العذب بأقوال أشعاري‬
‫زياً ويعبق منها نشر عطار‬ ‫أال ترى أرضنا نشوى وقد لبست‬
‫وأم ا القص ائد ال تي قاله ا الش اعر في الته اني ب الزواج أو المول ود الجدي د تك اد تفق د‬
‫العاطف ة الص ادقة‪ ،‬لم ا يظه ر فيه ا من ض عفها وانهياره ا‪ .‬وعن د ت دقيق النظ ر في‬
‫بعض هذه القصائد يدرك عدم التأثير في نفس الشاعر‪ ،‬إلى الحد الذي لم يف رق بين‬
‫أبياته ا والكالم الع ادي إاّل ال وزن والقافي ة‪ .‬انظ ر إلى إح دى القص ائد ال تي قاله ا‬
‫بمناسبة حفلة الزواج‪ .‬مطلعها‪:‬‬
‫تصلحوا النفس من فساد العزوبة‬ ‫يا شباب البالد هل لكم أن‬
‫(‪)2‬‬
‫إن جهلنا يكون بعض الصعوبة‬ ‫فانكحوا من نسائكم ما يطيب‬
‫هن ا ك أن الش اعر يتح دث كالم اً عادي اً بعي داً عن األدب‪ .‬فالعاطف ة هن ا مص طنعة ال‬
‫تتصف بالصدق وال بالقوة‪ .‬وهذه الظاهرة واضحة في كثير من القصائد التي قالها‬
‫الشاعر في المناسبات المختلفة‪ ،‬ما عدا التي سبق بيانها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الرهبة‪.‬‬
‫ور َهباً ورهبة‪ :‬خافه‪ .‬والرهبة الخوف والفزع(‪.)3‬‬
‫رهبا َ‬
‫الرهبة من رهب الشيء ْ‬
‫والرهب ة ش عور ن اجم عن الخط ر أو التهدي د المتص ور‪ .‬وهي أيض اً موق ف انفع الي‬
‫يتصف بعدم الرضا ويحمل فكرة توقع نتائج سيئة للحوادث المقبلة‪.‬‬
‫تظه ر انفع االت الرهب ة في بعض أغ راض قص ائد دي وان الري اض‪ ،‬أهم ه ذه‬
‫األغراض‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص ‪.303‬‬ ‫‪3‬‬


‫أ‪ /‬السياسة‪:‬‬
‫الش عر السياس ي ه و الش عر ال ذي يع بر في ه قائل ه عن النزع ات السياس ية‬
‫واإلصالحية‪ ،‬وعن تصوراته الدقيق ة والمح ددة في سياسة عص ره‪ ،‬أو سياس ة أه ل‬
‫زمانه(‪ .)1‬أو ه و ل ون من أل وان الش عر الغن ائي يع بر الش اعر في ه عن مواقف ه‬
‫وأحاسيس ه وطني ة وقومي ة‪ ،‬تحث على التق دم والتح رر واالس تقالل‪ ،‬وت ذكر روح‬
‫النض ال في مواجه ة التخل ف والتخ اذل‪ ،‬وفي مجاه دة األع داء‪ ،‬ومن أج ل تحص ين‬
‫الوطن‪ ،‬وتطهير المجتمع من آفاته ونزاعاته الداخلية‪ ،‬وسعياً إلى مواكبة الحضارة‬
‫العالمية‪ ،‬والتزام قيمها ومثلها اإلنسانية السامية(‪.)2‬‬
‫وقد وردت في ديوان الرياض القصائد السياسية‪ ،‬والتي يمكن أن تقسم إلى‬
‫مجموع تين؛ القص ائد السياس ية على المس توى الوط ني‪ ،‬والقص ائد السياس ية على‬
‫المستوى العالمي‪.‬‬
‫وفي كال الن وعين من القص ائد يع بر الش اعر عن نزعات ه اإلص الحية‪ ،‬وعن‬
‫تصوراته الدقيقة والمحددة في سياسة وطنه‪ ،‬معارضاً السياسة العمياء الظالمة التي‬
‫تبنته ا حكوم ة وطن ه نيجيري ا‪ ،‬ويراه ا مص در الفتن والش رور المس تطيرة‪ .‬وك ذلك‬
‫الشأن في سياسة العالم‪ ،‬ويصب جام غضبه على سوء األرستقراطية‪ ،‬وخاصة ما‬
‫يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني من جهة‪ ،‬وما قام به رئيس العراق السابق صدام‬
‫حسين من ضم الكويت إلى دولته من جهة أخرى‪ ،‬بل وسياسته الجوفاء في الع راق‬
‫على وجه العموم‪.‬‬
‫وانطالق اً مم ا س بق‪ ،‬تب دو عاطف ة أل بي‪ ،‬خالل القص ائد السياس ية على‬
‫مس توييها‪ ،‬ص ادقة لص دورها عن س بب ص حيح غ ير زائ ف وال مص طنع‪ .‬فهي‬
‫صورة لتلك الحاالت النفسية المفعمة‪ ،‬والتجارب الحقيقية الصادقة‪ .‬وكان تصويره‬

‫‪ -‬مرتضى بن عبدالسالم الحفيفي‪ ،‬الشعر السياسي في رياض ألبي‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل في اللغة واألدب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.749‬‬ ‫‪2‬‬
‫لتلك العواطف تصويراً ص ادقاً‪ ،‬ال مبالغة في ه وال تهوي ل‪ .‬وذلك لكراهيته الشديدة‬
‫ألي ة سياس ة أناني ة جب ارة‪ ،‬ال تلقي ب االً لمراع اة مص لحة الرعي ة‪ ،‬ب ل تس عى إلى‬
‫إش باع نهمه ا ورغباته ا على حس اب حق وق اآلخ رين‪ .‬والش اعر هن ا يف ني مقدرت ه‬
‫اإلبداعي ة غالب اً بنفس مؤلم ة متأجج ة زاعل ة‪ ،‬لص ب هج وه ومعارض ته على من‬
‫يعاديهم من الساسة وغيرهم دون أن يعتريه فيه ملذات أو رغبات أخرى قد تؤثر‬

‫في فتور عواطفه وضعف قوة مقاومته‪ .‬وقد تحرز قصائد السياسة في الديوان ثبات اً‬
‫واستمراراً إن استطاعت الوصول إلى أعماق قلوب المستمعين تأثيراً وإ ثارة‪.‬‬
‫وعلى ه ذا األس اس‪ ،‬ف إن ه ذه القص ائد ال ت زال متراوح ة في عواطفه ا بين‬
‫بناء على المواقف‪ ،‬أو المثيرات التي تساور الشاعر‪،‬‬
‫أشكال متعددة نظراً لتنوعها ً‬
‫فلذا تتجلى بين الغضب والحسرة والتعجب والتألم واإلعجاب والكراهي ة‪ ،‬على رغم‬
‫ما يداخل الشاعر من روح التشاؤم نحو السياسة والصمود على االعتداء مع أألمل‬
‫الشديد في تحقيق آمال الشعب عاجالً أو آجالً‪.‬‬
‫وخالصة القول فإن عاطفة في كل من هذه القصائد سامية ألنها نابغة عن إنسانية‬
‫النزع ة‪ ،‬وال تي تب وأ مقع د ص دق عن دما ش رع اهلل س بحانه وتع الى بين ال راعي‬
‫والرعية من تحقيق العدل وتوفير األمن والسالم‪.‬‬
‫ب‪ /‬األخالق‪:‬‬
‫الخلُ ق‪ :‬بض متين وس كون الث اني أيض اً في اللغ ة‪ :‬الع ادة والطبيع ة‬
‫مف رده ُ‬
‫والدين والمروءة‪ .‬وفي عرف العلماء‪ :‬ملكة تصدر بها عن النفس األفعال بسهولة‪،‬‬
‫من غير تقدم فكر وروية وتكلف(‪.)1‬‬

‫‪ -‬محمد علي بن علي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪1‬‬
‫ف األخالق في غايته ا هي الحف اظ على الوف اق االجتم اعي‪ ،‬وت أمين نمطي ة معيش ية‬
‫منس جمة م ع الحي اة الحض ارية ال تي يعيش ها المجتم ع‪ ،‬ويت ابع ص يرورته م ع تغي ير‬
‫هذه المعايير األخالقية على الدوام(‪.)2‬‬
‫كان مناط قصائد األخالق في ديوان الرياض بيان القيم والفضائل والمناقب‬
‫اإلنسانية القائمة على االعتدال والحث على اإلقدام‪ ،‬واالعتماد على النفس‪ ،‬والبيان‬
‫عن حقيقة الدين اإلسالمي‪ ،‬وما يجب على الشباب‪ .‬وعندما أراد أن يتحدث الشاعر‬
‫عن الرذائ ل‪ ،‬كش رب الخم ر والت دخين‪ ،‬ق ام بالبي ان عن أض رارهما وعواقبهم ا‬
‫الوخيمة يتجنبها الناس‪.‬‬
‫كانت العواطف في هذه القصائد منبعثة عن أسباب صحيحة غير زائفة وال‬
‫مص طنعة‪ ،‬وذل ك لك ون الش اعر نش أ مربي اً على األخالق اإلس المية الفاض لة‪ ،‬كم ا‬
‫سبق في سيرته‪ ،‬فكان يرهبه األخالق الرذيلة‪ ،‬لذا صب غضبه على هذه األخالق‪،‬‬
‫ولم يغ ادر ص غيرة وال كب يرة عن أض رارها‪ .‬انظ ر قص يدته "تح ريم الخم ر" و"آف ة‬
‫العصر" تدرك أن معانيهما من ناحية العواطف تحرز ثباتا ًواس تمراراً‪ ،‬واس تطاعت‬
‫الوص ول إلى أعم اق قل وب المس تمعين‪ ،‬وذل ك لم ا ق ام ب ه الش اعر من ذك ر العل ل‬
‫واألضرار الكامنة في هذه األخالق الرذيلة‪ ،‬وإ بطال الحجج والبراهين التي يختفي‬
‫وراءها المنخرطون في هذه الرذائل‪ .‬وتحقق بذلك التفاعل الشديد مع الشاعر في‬
‫وحدة المشاعر‪ .‬وندرك كذلك نفس العواطف عند متابعة القصائد التي تحتوي على‬
‫الحث على التمس ك ب األخالق الفاض لة كـ"االعت دال" و"الحث على التق دم" و"قيم ة‬
‫اإلنسان" وغيرها‪.‬‬

‫‪www.aluka.net 16/12/18 11:31 am -‬‬ ‫‪2‬‬


‫المطلب الثالث‪ :‬الطرب‪.‬‬
‫الض رب‪ :‬الف رح والح زن‪ .‬وقي ل‪ :‬الط رب خف ة تع تري عن د ش دة الف رح أو الح زن‬
‫والهم‪ .‬وقيل‪ :‬حلول الفرح وذهاب الحزن(‪.)1‬‬
‫والطرب من االنفعاالت والعواطف التي تثير مشاعر الشاعر في قرض القصائد‪.‬‬

‫ويكون معه الشوق ورقة النسيب ‪ .‬ويمكن أن يدخل تحت الطرب الرثاء‪ ،‬اعتباراً‬
‫(‪)2‬‬

‫لمع نى اللف ظ في اللغ ة‪ ،‬إذ أن النق اد لم ي ذكروا للرث اء لون اً من أل وان العاطف ة‪ ،‬م ع‬
‫كونه فن اً كبيراً من فنون األدب العربي؛ ألن واحداً مما ذكروه ال يصلح أن يكون‬
‫باعث اً ل ه‪ .‬إذ أن الح زن ال ي دخل في ه ذه الب واعث(‪ .)3‬وألج ل ه ذه الدراس ة ي رى‬
‫الباحث أن يكون دافع الرثاء تحت لفظ "الطرب" إذ يحمل معنى الفرح والحزن‪.‬‬
‫اعتباراً لما سبق‪ ،‬ندرك بأن عواطف الطرب دفعت الشاعر ألبي إلى قرض‬
‫الشعر في األغراض اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ /‬الغزل‪:‬‬
‫الغ زل ه و غ رض من أغ راض الش عر الغن ائي‪ ،‬موض وعه الحب والهي ام‪ .‬وقوام ه‬
‫ذك ر الم رأة ووص ف محاس نها الخلقي ة‪ ،‬ومفاتنه ا الجمالي ة‪ ،‬والتعب ير عم ا يختلج في‬
‫نفس العاش ق من تب اريح اله وى‪ ،‬وم اي ع رض ل ه في حب ه من أح داث ومفاج آت‪،‬‬
‫ومن وصل وحرمان‪ ،‬ومن مغامرات وذكريات‪ .‬ومنه النيسب والتشبيب(‪.)4‬‬
‫يتمثل هذا الغرض في ديوان الرياض في أربع قصائد؛ "ألم الحب" و"ع ابرة"‬
‫و"المرأة" و "حب وحيرة" فالناظر في هذه القصائد يدرك بأن غرضها غزل عفيف‬
‫في روح ه ومعن اه‪ ،‬يص ونه الم روءة والدماث ة‪ ،‬وك أن الش اعر تغ زل إلب راز إنس انية‬
‫جنسه اللطيف‪ .‬فالعاطفة في هذه القصائد متخيلة‪ ،‬ولم يكن التعبير فيها صادقاً مما‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص ‪.389‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبدالرحمن عبداهلل‪ ،‬مقاييس النقد األدبي ومناهجه‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب‪.505 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪.902‬‬ ‫‪4‬‬


‫يحس ب ه الش اعر في الحب من س رور وألم‪ ،‬ب ل إنم ا ه و تخي ل الص بابة‪ ،‬وتوج ع‬
‫الكآبة‪ ،‬ولوعة الفراق‪ .‬فالتجربة التي يتخيلها الشاعر هنا تجربة مؤلمة‪ ،‬ألن مثل‬
‫ه ذه التجرب ة أش د ت أثيراً في نف وس س امعي الش عر‪ ،‬فاس تمع إلي ه حين يق ول في‬
‫قصيدته "ألم الحب"‪:‬‬
‫ـتواضع يا من اسمها كان لي ذكرا‬ ‫فما الشكر إاّل أن تكون كثير الـ‬
‫(‪)1‬‬
‫آلخذ منك الود والحب واألجرا‬ ‫أردد ذاك الذكر في كل حالة‬
‫ي بين الش اعر هن ا أن اس م محبوبت ه المتخيل ة ك ان ذك راً ي ردده في ك ل ح ٍ‬
‫ال من‬
‫األحوال‪ ،‬لكي يحصل على الحب والود واألجر‪.‬‬
‫ويظهر مدى تحيره في وص ف ام رأة أعيت فكره‪ ،‬فغ دا يتس اءل عن حقيق ة‬
‫أمرها قائالً‪:‬‬
‫لوثة األعصر أم ربة طهر‬ ‫أنت يا مرآة نور أم ظالم‬
‫(‪)2‬‬
‫أم نعيم الخلد في طيب ويسر؟‬ ‫نفحة النار إذا ما ذقت ظلما‬
‫والجدير بالذكر أن النقاد لم يحرموا النسيب على غير من يحس هذه العاطفة‪ ،‬بل‬
‫أباحوا هذا الفن لكل شاعر‪ ،‬وأعجبوا به من المحب وغير المحب‪ ،‬إذا كان الشعر‬
‫نفسه قوياً مؤثراً في نفس سامعه(‪.)3‬‬
‫ب‪ /‬الوصف‪:‬‬
‫ه و نهج في التعب ير يط ابق نهج اً في اإلدراك‪ ،‬ويجس د س ياقاً في ال وعي‪ ،‬مبحث ه‬
‫طبيع ة النفس ال تي تعي ذاته ا ومحيطه ا الط بيعي‪ ،‬وقوام ه نق ل المش اهد واألح داث‬
‫والحاالت‪ ،‬كما تنعكس في مرآة الذات اإلنسانية‪ ،‬قوالً أو كتابة(‪.)4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.181‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.1306‬‬ ‫‪4‬‬


‫وأحس ن الوص ف م ا وص ف الموص وف ح تى ك اد يمثل ه للس امع أو الق ارئ عيان اً‪،‬‬
‫وذلك بأن يأتي بأكثر معاني ما يصفه‪ ،‬لذا قال بعض النقاد‪" :‬أبلغ الوصف ما قلّب‬
‫السمع بصراً"(‪.)1‬‬
‫والوص ف في دي وان الري اض أقس ام‪ ،‬منه ا‪ :‬وص ف للطبيع ة كالجم ال‬
‫والشيخوخة والعام الجديد‪ ،‬ومنها وصف الكتب كوصفه للكتاب األخضر‪ ،‬والقرآن‬
‫الكريم والكتاب "المأدبة األبية"‪ ،‬ووصف لمخترعات الحضارة كالمساجد الجديدة‪،‬‬
‫ودولة نيجيريا‪ ،‬ووصف الحيوانات والشخصيات وغيرها‪.‬‬
‫يبرهن الوصف في الديوان على ملهم فكر الشاعر وإ ثارة عاطفته‪ ،‬بإجالل‬
‫عظائم الطبيعة‪ ،‬وإ شادة بدائع الكون التي تستوجب الوقوف لما أودع فيها من آيات‬
‫الجمال والبهاء التي تأسر النفس‪.‬‬
‫وك ان الش اعر يك ثر من وص ف إحساس ه وعاطفت ه إزاء م ا يص فه وك ان‬
‫لتصوير الموصوف أثر ضئيل في الغالب‪ ،‬ال يكاد يذكر‪ .‬فالنأخذ على سبيل المثال‬
‫قصيدته "الجمال" حين أراد أن يصف الجمال‪ ،‬واختالف الناس عن حقيقة تعريفه‪،‬‬
‫شرع يبين إحساسه نحو الجمال قائالً‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ؤ إذا كان ذا شعور الكمال‬ ‫هو عندي شيء يحس به المر‬
‫هو في الماء أو عوالي الجمال‬ ‫يتجلى الجمال في كل خلق‬
‫ـر كذاك الوحوش في األدغال‬ ‫في الصحارى وفي البحور وفي البـ‬
‫واس تمر الش اعر ي بين إحساس ه نح و الجم ال‪ ،‬بأن ه موج ود في جمي ع المخلوق ات‬
‫كالسماوات واألرض والجبال واألشجار وغيرها‪ .‬وأخيراً أكد بأن أجمل الجمال في‬
‫الحب والخير ويؤكد على التمسك بهما قائالً‪:‬‬
‫ـر ونقوا الفؤاد من أوحال(‪.)3‬‬ ‫روضوا نفسكم على الحب والخيـ‬

‫‪ -‬الحسن بن رشيق القيرواني‪ ،‬كتاب المدة‪ ،‬ص ‪.544‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪3‬‬


‫وعلى ه ذا المن وال س ار الش اعر في وص فه‪ .‬إن ه لم يق ف عن د موص وفه مص وراً‬
‫ألوان ه‪ ،‬ولكن مح دثاً عن آث اره في النفس‪ .‬فك ان تص وير عاطفت ه في الغ الب‪،‬‬
‫تصويراً قوياً مؤثراً‪.‬‬
‫حـ‪ /‬الرثاء‪:‬‬
‫ه و غ رض من أغ راض الش عر الغن ائي‪ ،‬يع بر الش اعر في ه عن مش اعر الح زن‬
‫واللوع ة‪ ،‬ال تي تنتاب ه لغي اب عزي ز فج ع بق ده‪ ،‬أو لكارث ة ت نزل بأم ة‪ ،‬أو ش عب‪ ،‬أو‬
‫دولة(‪.)1‬‬
‫وك ان من عناص ر الرث اء تعدي د محاس ن الميت‪ ،‬رأى النق اد أن ه ال ف رق بين‬
‫الرث اء والم دح‪ ،‬إاّل أن يخل ط بالرث اء ش يء ي دل على أن المقص ود ب ه ميت‪ ،‬مث ل‬
‫"كان" أو "عدمنا به كيت وكيت" وما يشاكل هذا ليعلم أنه ميت(‪.)2‬‬
‫وهن اك عنص ر أساس ي يم يز الرث اء عن الم دح‪ ،‬وه و بك اء الميت وإ ظه ار‬
‫اللوع ة واألس ى لفقدان ه‪ ،‬وق د نب ه ابن رش يق إلى ه ذا العنص ر‪ ،‬ولكن ه خص ه ب أن‬
‫يك ون الميت ملك اً أو رئيس اً كب يراً‪ ،‬حيث ق ال‪" :‬وس بيل الرث اء أن يك ون ظ اهر‬
‫التفجع‪ ،‬بين الحسرة‪ ،‬مخلوطاً بالتلهف واألسف واالستعظام‪ ،‬إن كان الميت ملك اً أو‬
‫رئيساً كبيراً"(‪.)3‬‬
‫كان مناط الرثاء في ديوان الرياض ّبين التفجع‪ ،‬ظاهر االستعظام‪ ،‬واضح‬
‫الحس رة والتله ف واألس ف‪ ،‬ولكن مختلط اً ببي ان القيم والفض ائل‪ ،‬وإ ش ادة المحام د‬
‫والمن اقب اإلنس انية المتمس كة باإليم ان والتق وى‪ ،‬والتواض ع‪ ،‬والعف ة والك رم‬
‫واإلحس ان‪ ،‬واله دى والس عادة‪ .‬وكي ف ال‪ ،‬والمرثي ون هم الش يوخ األعالم‪ ،‬والمل وك‬
‫العظام‪ ،‬وزمالء الدراسة‪.‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.663‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الحسن بن رشيق القيرواني‪ ،‬العمدة في نقد الشعر‪ ،‬ص ‪.426‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ك انت العواط ف ال تي دفعت أل بي في رثائ ه ص ادقة قوي ة‪ ،‬ل ذا تج دها تح رك‬
‫عواط ف المتلقين وتبث في نفوس هم من االنفع االت مث ل م ا ل دى الش اعر‪ ،‬وتجعلهم‬
‫من حيث ال يش عرون ش ركاء فيم ا يع بر عن ه من مش اعر الح زن واألس ى‪،‬‬
‫واالس تعظام للحادث ة‪ ،‬وذل ك منب ذ اس تهالل القص يدة‪ .‬اس تمع إلي ه في بعض قص ائده‬
‫الرثائية‪ ،‬قال في استهالل قصيدته "دفن الكالم"‪:‬‬
‫دفن الكالم فكسروا أقالمي(‪.)1‬‬ ‫ماذا يضيف إلى العقول كالمي‬
‫ركنت البيان مزين األعالم‬ ‫ماذا أضيف من البيان فقد هوى‬
‫هن ا يتس اءل الش اعر س ؤال تعجب عن فائ دة كالم ه ومق د دفن ص احب الكالم‬
‫المس موع‪ ،‬ل ذا يطلب من المخ اطبين أن يكس روا أقالم ه‪ ،‬النته اء عمله ا بم وت‬
‫مرثيه‪.‬‬
‫ومن استعظامه للفجيعة قوله في رثائه لصديقه سليمان الذي توفى في حادثة‬
‫سيارة‪:‬‬
‫حزن تضعضع منه كل كياني‬ ‫إني ذكرتك موهناً فدهاني‬
‫(‪)2‬‬
‫أجرى رحيلك أدمع اإلخوان‬ ‫يا راحالً ترك الفؤاد معذبا‬
‫وقوله أيضا ً في رثاء اإلمام الحاج آدم بن حسين الغمبري‪:‬‬
‫للشيخ آدم ذي الصالح عزاء‬ ‫سألوا لماذا ال أقول رثاء‬
‫(‪)3‬‬
‫تمحو العقول وال تصون والء‬ ‫فأجبتهم‪ :‬موت الرجال مصيبة‬
‫وأما ذكر القيم والفضائل‪ ،‬فإنه ال تكاد تخلو قصيدة من قصائد الرثاء في الديوان‬
‫إاّل وقد ذكر الشاعر أخالق الفقيد الفاضلة مثل الكرم‪ ،‬والتواضع‪ ،‬والعفة‪ ،‬ووفور‬
‫العلم‪ ،‬والرشاد وغيرها‪.‬‬
‫قال في رثاء الشيخ محمد الغزالي‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.216‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.215‬‬ ‫‪3‬‬


‫في القلب ألم من نفاذ سهام‬ ‫يا حجة اإلسالم موتك طعنة‬
‫فهديت حائرنا بخير كالم‬ ‫جددت بالعلم المنير حياتنا‬
‫(‪)1‬‬
‫من شاء في أدب عال ونظام‬ ‫يا من تمكن في العلوم بنيلها‬
‫ويقول أيضاً في ذكر فضائل الشيخ عبدالقادر يمليكون‪:‬‬
‫تجدى وتنقذ من لظى األتراح(‪.)2‬‬ ‫تمحو دموع الناس بالحسنى التي‬
‫فثنت بألسنة عليك فصاح‬ ‫عرفت فضائلك المدائن كلها‬
‫وغزوت غيهمو بغير سالح‬ ‫غيرت حيرة أهلها بهداية‬
‫وخالصة القول إن عاطفة الشاعر ألبي في رثائه تتصف بالصدق ألنها تنبعث عن‬
‫س بب ص حيح‪ ،‬تجع ل المع نى م ؤثراً في نف وس الس امعين والق ارئين‪ .‬وك انت ثابت ة‬
‫مستمرة من مطلع القصيدة إلى مقطعها‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الغضب‪.‬‬
‫الغضب‪ :‬السخط‪ ،‬ضد الرضى‪ ،‬وغاضبتُه‪ :‬راغمته‪ ،‬وفالناً‪ :‬أغضبته وأغضبني(‪.)3‬‬
‫يعد الغضب من دواعي الشعر التي تهيجه‪ ،‬وينابيعه التي ينبجس منها‪ .‬فمن‬
‫كان ذا فطرة شاعرة‪ ،‬وموهبة أدبية استحثته إلى قول الشعر دواعيه‪ ،‬وأمدته فيها‬
‫عواطفه وهو في ظل هذه العاطفة أصدق شعوراً(‪.)4‬‬
‫لم تتأثر عاطفة الغضب على الشاعر ألبي تأثراً بارزاً إاّل في القصائد التي‬
‫قاله ا في األخالق والسياس ة‪ ،‬حين ألقاه ا دفاع اً وص وناً لدين ه ووطن ه ويق وى عتاب ه‬
‫ويص ب ج ام غض به على س وء األرس تقراطية اإلنجليزي ة ال تي أق امت قانونه ا‬
‫الوضعي مقام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.220‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬محي الدين الفيروز أبادي‪ ،‬القاموس المحيط ‪ ،‬باب الباء ‪ ،‬فصل الضاد‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬طه عبدالرحيم عبدالبر‪ ،‬مقاييس نقد األدب ومناهجه‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪4‬‬
‫انطالقا ًمما سبق يمكن حصر الموضوعات التي ظهر فهيا عاطفة الغضب‬
‫في ديوان الرياض في اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ /‬الهجاء‪:‬‬
‫هو غرض من أغراض الشعر‪ ،‬يقوم على تقبيح صورة فرد‪ ،‬أو جماعة أو‬
‫ع ادة من الع ادات‪ ،‬أو مظه ر من مظ اهر الحي اة والوج ود‪ .‬وه و تعب ير عن احتق ار‬
‫الشاعر للمهجو والرغبة في الحط من شأنه‪ ،‬والهزء به ومسخه ما أمكن إلى ذلك‬
‫سبيالً(‪.)1‬‬
‫لم ت رد في دي وان الري اض قص يدة تخص الهج اء‪ ،‬ولكن وردت أبي ات فيه ا‬
‫هجاء في بعض القصائد التي تناولت غرضاً ما‪.‬‬
‫والهج اء ال وارد في ال ديوان س لب في المهج و الص فات النفس ية والفض ائل‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وإ نه يثير اإلعج اب في نفس المستمع والق ارئ‪ ،‬حيث استطاع أن يرسم‬
‫بقلم ه النق ائض ال تي يراه ا في المهج و‪ .‬فاس تمع إلي ه حين يهج و ال رئيس الس ابق‬
‫للعراق صدام حسين‪ ،‬حين ضم دولة الكويت إلى وطنه‪ ،‬استهل القصيدة قائالً‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ذبح العباد بمدية الجزاء‬ ‫ندد بشر مدمر جبار‬‫ّ‬
‫يزجي بنيه إلى لهيب النار؟‬ ‫ما للعراق يديره هدامه‬
‫صدام هل تنجو من التيار؟‬ ‫إن العراق سفينة مالمحها‬
‫والش اعر هن ا يص ف المهج و بأن ه ش رير وجب ار قاس ي‪ ،‬ي زجي رعيت ه إلى لهيب‬
‫النار‪.‬‬
‫ويهجو الش اعر من يطلب اإلمامة مع عدم استحقاقه‪ ،‬فمالته عاطفته القوية‬
‫إلى وصفه بالغفلة والحيرة والجهل‪ ،‬بل هو كسرطان في الدين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مغفل في أمور الدين حيران‬ ‫بخس اإلمامة أن يأتي لمطلبها‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.1281‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪3‬‬


‫ويدعي أنه في العلم سلطان؟‬ ‫ما بال إسالمنا يأتيه جاهلنا‬
‫ألنه في كيان الدين سرطان‬ ‫ينافس الناس فيما ليس يعلمه‬
‫ب‪ /‬العتاب‪:‬‬
‫ه و مخاطب ة اإلدالل وم ذاكرة الموج دة(‪ .)1‬وإ ن ه ب اب من أب واب الخديع ة‪،‬‬
‫يسرع إلى الهجاء‪ ،‬وسبب وكيد من أسباب القطيعة‪ ،‬والجفاء‪ ،‬فإذا ق ّل كان داعية‬
‫وقيد الصحبة‪ ،‬وإ ذا كثر َخشن جانبه‪ ،‬وثقل صاحبه(‪.)2‬‬
‫األلفة‪َ ،‬‬
‫فالعت اب الج اري في دي وان الري اض‪ ،‬ك ان يمازج ه االس تعطاف‪ ،‬واإلص رار على‬
‫االستمساك ببقاء الود‪ ،‬كما يمازجه االعتراف واالعتذار‪.‬‬
‫اعتم اداً على م اس ب ق‪ ،‬ك انت عواط ف الش اعر في عتاب ه هادئ ة رزين ة‪،‬‬
‫ولكنها تؤثر في عواطف السامعين‪ ،‬النطباقها على منهج العتاب المقبول‪ .‬نقف عن د‬
‫قص يدة الش اعر في قص يدته "عت اب" قاله ا في ل وم ص ديق ل ه‪ ،‬لكن ه ال يش اركه في‬
‫همومه وأحزانه فقال‪:‬‬
‫السر‬
‫أتسألني في ساعة الحزن "ما ّ‬ ‫أخالك من خدن غليظ فؤاده‬
‫(‪)3‬‬
‫إذا حدثت لي ثم ليس لك الشطر‬ ‫أخالك في كل األمور مشاطرا‬
‫ومع هذا العتاب يطلب منه بقاء الود‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫مذل يطيل المرء في همه مر‬ ‫أمط عنك هذا الداء إذ هو معضل‬
‫(‪)4‬‬
‫صوان وفيه الخير يذخر والشر‬ ‫ونق فؤاداً ما استطعت فإنه‬
‫ّ‬
‫وفي قصيدة الشاعر "إلى العرب" جاء العتاب مصحوباً باللين واالستعطاف‪ ،‬وإ ثارة‬
‫وعلو مكانة‪ ،‬يقول في ذلك‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الذكرات الماضية‪ ،‬وما للعرب ولغتهم من شرف‬
‫إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد شعباً يضاهي أمة القحطان(‪.)5‬‬

‫‪ -‬الرازي‪ ،‬معجم مختار الصحاح‪ ،‬ص ‪.258‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ص ‪.438‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪5‬‬


‫ولسان أهل الشرق خير لسان‬ ‫إن اللغات تعددت وتباينت‬
‫تخلص الش اعر بع د ذل ك يش كو ح ال الع رب من ع دم اس تقرار وأمن م ع إض حاك‬
‫األعداء قائالً‪:‬‬
‫فالشر كل الشر ضحك الجاني(‪.)1‬‬ ‫واهلل قد أضحكتم أعدائكم‬
‫الحرب في قدس وفي لبنان‬ ‫إنا سئمنا ما يقول مذيعكم‬
‫ولم يكم ل الش اعر قص يدته ح تى ع اد يطلب منهم التع اون فيم ا بينهم ليع ود ع ّزهم‬
‫وكرمهم قائالً‪:‬‬
‫وتعاونوا حتماً على اإلحسان(‪.)2‬‬ ‫يا أيها العرب الكرام تضافروا‬
‫وتعذوا باهلل من شيطان‬ ‫ال تتركوا إبليس يفسد جمعكم‬
‫ومن العت اب ال ذي ذهب إلي ه الش اعر أل بي في دي وان الري اض عت اب النفس‪ ،‬ولكن‬
‫يش ركه االعت ذار واالع تراف‪ .‬وب ذلك يأخ ذ قلب المعت ذر إلي ه‪ ،‬ويس تجلب رض اه‪.‬‬
‫فالنأخذ على سبيل المثال قصيدة الشاعر "اعتذار وعتاب"‪ ،‬استهل الشاعر قائالً‪:‬‬
‫فاسمع أقوالي مغتفرا(‪.)3‬‬ ‫موالي أتيتك معتذراً‬
‫أذنبت وكان الخطأ جرى‬ ‫لوال ذاك الشيطان لما‬
‫وبع د أن اس تعطف المعت ذر إلي ه وطلب رض اه‪ ،‬ذهب الش اعر م ذهباً آخ ر في‬
‫االعت ذار‪ ،‬فيخ بر المعت ذر إلي ه بأن ه ال كام ل في ه ذه الحي اة‪ ،‬وأن ه ال رج ل ت ام‬
‫التهذيب بين الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لو كان ولياً مطهرا‪.‬‬ ‫أين اإلنسان بال خلل‬
‫وعلى هذا المنوال سار عتاب الشاعر ألبي في ديوانه الرياض‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬دراسة الخيال‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫‪3‬‬


‫الخي ال‪ :‬ه و الق درة على ص ناعة ص ور ذهني ة غ ير موج ودة من أش ياء ق د يك ون‬
‫بعضها موجوداً في الواقع(‪.)1‬‬
‫والخيال إحدى الحواس الباطنة‪ ،‬وهو قوة تحفظ الصور المرتسمة في الحس‬
‫المش ترك‪ ،‬إذا غ ابت تل ك الص ور عن الح واس الباطن ة‪ ،‬ومحل ه م ؤخر التجوي ف‬
‫األول من التجاويف الثالثة للدماغ ‪ ،‬عند الجمهور(‪.)2‬‬
‫والخي ال ملك ة يس تطيع به ا األدب اء أن يؤلف وا ص ورهم‪ ،‬وهم ال يؤلفونه ا من‬
‫اله واء‪ ،‬وإ نم ا يؤلفونه ا من إحساس ات س ابقة ال حص ر له ا‪ ،‬تخزنه ا عق ولهم وتظ ل‬
‫كامنة في مخيلتهم‪ ،‬حتى يحين الوقت‪ ،‬فيؤلفوا منها الصورة التي يريدونها‪ ،‬صورة‬
‫تصبح لهم‪ ،‬ألنها من عملهم وخلقهم(‪.)3‬‬
‫والخي ال بم ا أن ه مص در التص ور‪ ،‬وجس ر العب ور الوحي د بين المع ادالت‬
‫الذهنية التجريدية والظواهر المحسوسة في الواقع المحيط‪ ،‬يمد األديب بالق درة على‬
‫اء‪ ،‬عن طري ق التش بيه‬
‫التق اط ه ذه المع ادالت‪ ،‬واختي ار أطرفه ا‪ ،‬وأكثره ا إيح ً‬
‫واالس تعارة والكناي ة‪ ،‬وس ائر أن واع البي ان‪ ،‬ال تي تكسو المع اني العقلي ة غالالت من‬
‫الصور الحسية‪ ،‬وتقيم التماثل بين هذه وتلك‪ ،‬أو تقرن التجريد األمثل‪ ،‬أو الحسي‬
‫بالحسي األبين‪ ،‬مما ال وجود له في واقع الحال لوال عصا الخيال السحرية‪ ،‬التي‬
‫يمتلكه ا األديب الب ارع‪ ،‬مض يفاً به ا إلى وق ائع الوج ود خلق اً غ ير م ألوف إاّل في‬
‫الصنيع األدبي والفني المبدع‪.‬‬
‫للخي ال ص ور متنوع ة‪ ،‬منه ا بص ري كتمث ل الفض يلة في ص ورة فتاة جميلة‬
‫ذات مالبس أنيقة تستهوي القلوب‪ ،‬ومنها سمعي كالصور التي يؤلفها الموسيقيون‪،‬‬

‫‪ -‬محمد علي بن علي بن محمد التهانوي الحنفي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬شوقي ضيف‪ ،‬في النقد األدبي‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬وميشال عاص‪ ،‬المعجم المفصل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.626‬‬ ‫‪3‬‬
‫ف إنهم يس معون في ب اطنهم ووراء آذانهم ص وراً موس يقية بديع ة يع برون عنه ا في‬
‫ألحانهم الرائعة(‪.)1‬‬
‫ي رى نق اد الع رب أن الكالم ال ذي اش تمل على الخي ل أروع وأش د ت أثيرا ًفي‬
‫النفس من الكالم ال ذي يك ون حقيق ة كل ه‪ ،‬وله ذا دار على ألس نتهم كث يراً ق ولهم‪:‬‬
‫المجاز أبلغ من الحقيقة‪ ،‬ورأوه أحسن موقعاً في القلوب واألسماع‪ .‬ذلك ألن الكالم‬
‫المشتمل على الخيال يجعل النفس شديدة األنس به‪ ،‬سريعة إلى التأثر بصوره(‪.)2‬‬
‫وال يك اد الش عراء ي تركون ش يئاً في الطبيع ة إاّل وينفث ون في ه من ع واطفهم‬
‫وخ واطرهم ومش اعرهم‪ ،‬فالنه ار يتث اءب واللي ل يزح ف والش مس تم د في الغ روب‬
‫ذارعيه ا إلى األرض مودع ة وأنام ل الفج ر الرمادي ة تنش ب أظفاره ا في أعن اق‬
‫النج وم الش احبة‪ .‬وش اعر يق ف بج انب بح ر‪ ،‬ف يراه يئن ويلهث من التعب ويتخي ل‬
‫ص راعا ًبين أمواج ه وبين رم ال الش اطئ‪ .‬وآخ ر يق ف نفس الموق ف في حال ة‬
‫وجداني ة أخ رى‪ ،‬ف يرى البح ر يت ألف ويتألأل ويض حك ويتخي ل لق اء م ؤثراً بين‬
‫أمواج ه وبين الرم ال‪ ،‬وس رعان م ا تع ود األم واج من لقائه ا على اس تحياء وق د‬
‫انتشرت على وجهها حمرة الخجل(‪.)3‬‬
‫والخيال الذي درسه العرب محصور في أبواب االستعارة والتشبيه والكناية‬
‫والمج از المرسل(‪ .)4‬حس ب ه ذه األب واب‪ ،‬ت درس الخي االت في دي وان الري اض‪،‬‬
‫ويكتفي الب احث بتعري ف ه ذه األب واب‪ ،‬وذك ر بعض مس ائلها المهم ة‪ ،‬من دون‬
‫إس هاب وال تفص يل‪ ،‬فمح ل ذل ك كتب علم البي ان‪ .‬ويق ف الب احث على م ا ورد في‬
‫دي وان الري اض مم ا استحس نه النق اد وم ا اس تهجنوه منه ا‪ .‬والدارس ة تج ري في‬
‫المطالب اآلتية‪.‬‬

‫‪ -‬شوقي ضيف‪ ،‬في النقد األدبي‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص ‪.510‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬شوقي ضيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.512‬‬ ‫‪4‬‬


‫المطلب األول‪ :‬التشبيه‪.‬‬
‫التشبيه لغة‪ :‬التمثيل وهو مصدر مشتق من الفعل "شبه" بتضعيف الباء يقال‪ :‬شبهت‬
‫هذا بهذا تشبيهاً‪ ،‬أي مثلته به(‪.)1‬‬
‫وفي اص طالح البالغ يين للتش بيه أك ثر من تعري ف‪ ،‬وإ ن اختلفت ه ذه‬
‫التعاريف لفظاً فإنها متفقة معنى‪.‬‬
‫فابن رشيق مثالً يعرف التشبيه بالقول‪" :‬صفة الشيء بما قاربه وشاكله‪ ،‬من جهة‬
‫واحدة أو جهات كثيرة ال من جميع جهاته؛ ألنه إذا ناسبه مناسبة كلية لكان إياه"(‪.)2‬‬
‫ويعرف أبو هالل العسكري بقوله‪" :‬التشبيه‪ :‬الوصف بأن أحد الموصوفين ينوب‬
‫مناب اآلخر بأداة التشبيه‪ ،‬ناب منابه أو لم ينب"(‪.)3‬‬
‫وأما إميل بديع يعقوب فيعرفه قائالً‪" :‬التشبيه‪ ،‬في علم المعاني‪ ،‬هو بيان أن شيئاً أو‬
‫أش ياء ش اركت غيره ا في ص فة أو أك ثر ب أداة هي الك اف أو نحوه ا‪ ،‬ملفوظ ة أو‬
‫مقدرة‪ ،‬تقرب بين المشبه والمشبه به في وجه الشبه‪ ،‬نحو "وجهك كالبدر جماال"(‪.)4‬‬
‫وللتش بيه تعريف ات أخ رى كث يرة ال تخ رج في جوهره ا ومض مونها عم ا ورد‪.‬‬
‫والتشبيه على ضربين‪ :‬تشبيه حسن‪ ،‬وتشبيه قبيح؛ فالتشبيه الجيد هو الذي يخرج‬
‫األغمض إلى األوضح فيفيد بياناً‪ ،‬والتشبيه القبيح ما كان على خالف ذلك(‪.)5‬‬
‫وللتشبيه أركان أربعة‪ :‬المشبه‪ ،‬والمشبه به‪ ،‬وأداة التشبيه‪ ،‬ووجه الشبه(‪.)6‬‬
‫والنق اد مجمع ون على ش رف التش بيه وفخام ة أم ره‪ .‬ويش يد عب دالقاهر بالتش بيه‬
‫التم ثيلي ق ائالً‪ ..." :‬ف إن ك ان م دحاً ك ان أبهى وأفخم‪ ،‬وأنب ل في النف وس وأعظم‪،‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ص ‪.241‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة العربية‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬ص ‪.331‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.242‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫‪6‬‬


‫وأه ز للعط ف‪ ،‬وأس رع لإلل ف‪ ..‬وإ ن ك ان ذم اً ك ان مس ه أوج ع‪ ،‬وميس مه أل ذع‪،‬‬
‫أحد‪ .‬وإ ن كان افتخاراً كان شأوه أبعد‪ ،‬وشرفه أجد‪ ،‬ولسانه ألد‪.‬‬
‫وحده ّ‬
‫ووقعه أشد‪ّ ،‬‬
‫وإ ن كانت اعتذاراً كان إلى القلوب أقرب‪ ،‬وللقلوب أخلب‪.)1( "...‬‬
‫جالء تام اً‪ ،‬ما تؤثر في‬
‫ً‬ ‫والغرض األول للتشبهي هو إبراز الفكرة وتجليتها‬
‫نفس قارئها وسامعها أقوى تأثير وأشده‪.‬‬
‫ق د وردت التش بيهات في دي وان الري اض بأنواعه ا المختلف ة‪ ،‬والش اعر فيه ا‬
‫يفس ر عاطفت ه إزاء أم ر م ا‪ ،‬ويري د أن ينق ل إلى الس امع أو الق ارئ أحاسيس ه‬
‫ومشاعره كي يحس كما أحس هو‪.‬‬
‫وك ان غ رض الش اعر في أك ثر تش بيهاته تق ريب المش به من فهم الس امع أو‬
‫األدون باألعلى‪.‬‬
‫القارئ‪ ،‬وإ يضاحه له‪ ،‬لذا شبه في الغالب ْ‬
‫وللتشبيه أنواع كثيرة‪ ،‬من التشبيهات التي وردت في الديوان اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ /‬التشــبيه المرســل‪ :‬ه و م ا ذك رت في ه أداة التش بيه(‪ ،)2‬وق د ورد ه ذا الن وع من‬
‫التشبيه كثيراً في الديوان‪ .‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫في ألمع اإليحاء واألخبار‬ ‫إني أغرد كالبالبل معجبا‬
‫هنا شبه نفسه بالبالبل في التغريد‪ ،‬فاستعمل أداة التشبيه "الكاف"‪.‬‬
‫واستعمل أداة "كأن" في تشبيه قراءة الشيخ عبداهلل اإللوري بالمزمار قائالً‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫صوت من المزمار ساعة تصدر‬ ‫وإ ذا بدأت قراءة فكأنها‬
‫وفي تشبيه المركز اإلسالمي بالعبير‪ ،‬استعمل أداة "مثل" حيث قال‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫مثل العبير بال حدود يعبق‬ ‫يا مركزاً مأل األماني خيره‬

‫‪ -‬عبدالقاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة في علم المعاني‪ ،‬ص ‪.94 -93‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬ص ‪.331‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪5‬‬


‫ومثل ه أيض اً في وص فه لمنظم ة مدرس ي اللغ ة العربي ة والدراس ات اإلس المية (‬

‫‪:)NATAIS‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ينير على الضرب خير الضياء‬ ‫خرجت إلى الكون مثل السنى‬
‫والجدير بالذكر أن أصل التشبيه يكون مع دخول أداة التشبيه(‪ .)2‬لذا ورد كثيراً في‬
‫ديوان الرياض‪.‬‬
‫ب‪ /‬التشــبيهـ المؤكــد‪ :‬ه و م ا ح ذفت من ه أداة التش بيه‪ ،‬وتأكي د التش بيه حاص ل من‬
‫ادعاء أن المشبه عين المشبه به(‪.)3‬‬
‫والتشبيه المؤكد أبلغ من التشبيه المرسل وأوجز‪ ،‬ألنه يجعل المشبه مشبهاً به من‬
‫غير واسطة أداة فيكون هو إياه ‪ ،‬ولحذف أداة التشبيه كان أوجز(‪.)4‬‬
‫لم ي رد ه ذا الن وع من التش بيه في ال ديوان‪ ،‬كم ا ورد التش بيه المرس ل‪ .‬من ه ق ول‬
‫الشاعر‪ ،‬واصفاً المدينة المنورة بالجنة‪:‬‬
‫لمهاجري األشراك واألشرار‬ ‫يا يثرب واهلل أرضك جنة‬
‫هنا لم يذكر أداة التشبيه‪ ،‬ومعناه "أرضك كجنة"‪.‬‬
‫وقوله في قصيدته "ذكرى األستاذ عبداهلل بن فودي" مادحاً له‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫شيخي فخذ مني ضئيل مقالي‬ ‫الشعر مملكة وأنت مليكها‬
‫وفي وصفه للكتب التي أرسلها إليه صديقه يوسف بالوابل قال‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫يا صادياً أبشر لمزن يمطر‬ ‫هي وابل تشفي الغليل مياهه‬
‫وهنا أيضاً لم يذكر أداة التشبيه‪.‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ص ‪.244‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪ /3‬التشبيهـ المجمل‪ :‬هو ما حذف منه وجه الشبه‪ ،‬نحو قول الشاعر في قصيدته‬
‫"ذكرى الهجرة النبوية" ويقول‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مثل األناجيل التي في دار‬ ‫إن رسالة جاؤوا بها‬
‫هنا يشبه القرآن باإلنجيل‪ ،‬ولكن ن دون ذكر وجه الشبه‪.‬‬
‫وقوله في سحر بيان الشيخ آدم إلوري‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حيرت أصحاب الجدال‬ ‫فمتى بدأت مقالة‬
‫حيناً كطعن من نضال‬ ‫ومذاقها حيناً عسل‬
‫لم يذكر وجه الشبه هنا أيضاً‪.‬‬
‫ومن المجم ل في ال ديوان ح ذف الش اعر في تش بيه جماع ة الش يخ عبداهلل بن ف ودي‬
‫باألسود حيث قال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قاموا لصون الدين كالرئبال‬ ‫ذهبت ضحيتها نفوس كماتنا‬
‫‪ /4‬التشــبيهـ البليــغ‪ :‬ه و ال ذي ح ذفت من ه األداة ووج ه الش به‪ .‬وه و أعلى م راتب‬
‫التشبيه في البالغة وقوة المبالغة‪ ،‬لما فيه من ادعاء أن المشبه هو عين المشبه به‪،‬‬
‫ولما فيه من اإليجاز الناشئ عن حذف األداة والوجه معاً(‪.)4‬‬
‫التجأ الشاعر في ديوان الرياض إلى التشبيه البليغ في بعض تشبيهاته‪ ،‬وذلك عن دما‬
‫شعر بأنه أكثر من غيره في إصابة الغرض ووضوح الداللة على المعنى‪ .‬كقوله‬
‫في تشبيه شعره بالعسل‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫إليه فشعري لديه العسل‬ ‫يجب قريض فأهديته‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫‪5‬‬


‫هنا شبه شعره بالعسل‪ ،‬ولكن لم يذكر أداة الشبه وال وجهه‪ .‬وقوله في تشبيه الفتية‬
‫باألسد‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عند العزائم تبدى العون ألوانا‬ ‫وفتية اليوم أسد الغاب كافية‬
‫ولم يرد هذا النوع من التشبيه كثيراً في الديوان‪.‬‬
‫‪ /5‬التشبيه المفرد‪ :‬هو ما كان فيه كل من المشبه والمشبه به مفرداً غير مركب(‪.)2‬‬
‫وقد ورد هذا النوع من التشبيه كثيراً في الديوان‪ .‬كقوله‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فكان حلواً كالضرب‬ ‫إني تصفحت الكتاب‬
‫هنا يشبه الكتاب "المأدبة األدبية" بالضرب‪.‬‬
‫ومنه قوله في رثاء الشيخ محمد الغزالي‪ ،‬حيث يشبه باإلمام الغزالي قائالً‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وآتيتنا بعجاب اإللهام‬ ‫أثبت قدرك كالغزالي عالما‬
‫ومنه أيضاً تشبيهه الحاج راجي سليمان بالطب بالعالج‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫كنت لنا كالطب في العالج‬
‫وأما علمه فكاألمواج‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وعلمه في الصدر كاألمواج‬
‫‪ /6‬التشبيهـ المركب‪ :‬هو ما كان فيه كل من المشبه والمشبه به مركب اً‪ ،‬نحو قول‬
‫الشاعر في الديوان‪:‬‬
‫(‪)7‬‬
‫د وفيه أطيار الطرب‬ ‫كالروض تكنفه الورو‬
‫د وليس يمنع من غضب‬ ‫كالعطر ال يدري الحدو‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة العربية‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬ص ‪.333‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص‬ ‫‪7‬‬


‫حيث ش به الكت اب وم ا احت وى علي ه‪ ،‬ب الروض ال ذي تكنف ه ال ورود‪ ،‬وفي ه أطي ار‬
‫مغردة‪ .‬ثم شبه ما تضمنه الكتاب بالعطر الذي ال حدود له في انتشار‪.‬‬
‫ومن ه أيض اً تش بيهه ح ال الش عب النيج يري عن دما ك انت الدول ة في الح يرة‬
‫واالضطراب‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫راع يسوق الشياه باألدب(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫تراهم كالشياه ليس لها‬
‫وأيضاً‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ـحظ فأضحى يعيش في نصب‬ ‫كحوت بحر رماه في اليبس الـ‬
‫عديم أم وصاحب وأب‬ ‫كطائر ضل وكره فغدا‬
‫حيث شبه حال الشعب من الحيرة وعدم النظام وفساد الرعاة‪ ،‬بحال الشياه التي ال‬
‫راعي له ا‪ ،‬وح ال ح وت البح ر رمي في المك ان الي ابس‪ ،‬وح ال الط ائر ال ذي ض ل‬
‫عن وكره وأمه وأبيه‪.‬‬
‫ومن المركب الوارد في الديوان قول الشاعر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كالباز حلق في عنان سماء‬ ‫قد طال ذكرك في المدائن كلها‬
‫حيث شبه الشاعر دار العلوم لجبهة العلماء واألئمة وشهرته‪ ،‬وارتفاع شأنها‪ ،‬بالباز‬
‫المحلق في عنان السماء ‪.‬‬
‫‪ /7‬التشبيهـ القــريب المبتــذل‪ :‬ه و م ا ينتق ل في ه من المش به إلى المش به ب ه من غ ير‬
‫تدقيق نظر‪ ،‬وذلك لظهور وجهه في بادئ الرأي(‪.)4‬‬
‫بما ورد في ديوان الرياض من هذا النوع من التشبيه‪ ،‬تشبيه قسوة القلب بالحجارة‬
‫في قوله‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ولم يتأثر بماء ونار‬ ‫قسا كالحجارة قلب الورى‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫‪5‬‬


‫وكذلك تشبيه الشباب باألسود في الشجاعة في قوله‪:‬‬
‫تختال في الغابات واألدغال(‪.)1‬‬ ‫واهلل أنتم كاألسود شجاعة‬
‫ومن القريب المبتذل أيضاً تشبيه الجموع بالبحر‪ ،‬وذلك في قول الشاعر حين يشبه‬
‫الجموع التي اجتمعت في تنصيب السلطان إبراهيم دسوقي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لكنه ليس يزبد(‪.)2‬‬ ‫رأت جموعاً كالبحر‬
‫‪ /8‬التشــبيه البعيــد الغـريب‪ :‬ه و م ا ال ينتق ل في ه من المش به إلى المش به ب ه إاّل بع د‬
‫فكر‪ ،‬وذلك لخفاء وجهه في بادئ الرأي(‪.)3‬‬
‫وقد ورد هذا النوع من التشبيه في ديوان الرياض‪ ،‬حيث كان المشبه به فيه كثير‬
‫التفصيل‪ ،‬منه قول الشاعر‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كالشمس تغب في السماء وتشرق‬ ‫يا أربعون تجددي وتكرري‬
‫هنا شبه الشاعر تكرار أربعين سنة بطلوع الشمس وغروبها على استمرار‪ .‬وهذا‬
‫التشبيه بعيد وغريب‪.‬‬
‫ومن ه أيض اً تش بيه الش عر ال ذي يق ال ل دى العجم بالحدي د ال ذي ي دق وي زعج‬
‫اآلذان‪ .‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ـض يقال في دنيا العجم‬ ‫يا قوم ما جدوى القريـ‬
‫فيصك آذان القرم‬ ‫هو كالحديد تدقه‬
‫وكذلك تشبيهه الفوضى بالموت حين قال‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫كالموت يحدث في اإلخوان عدوانا‬ ‫تسودنا اليوم فوضى وهي شاحبة‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.196‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪ /9‬تشبيهـ المعقول بالمحسوس‪ :‬هو التشبيه الذي يكون فيه المشبه عقلي اً‪ ،‬والمشبه‬
‫به حسياً(‪.)1‬‬
‫وق د ورد ه ذا الن وع من التش بيه في التش بيهات ال واردة في دي وان الري اض‪.‬‬
‫منه تشبيه الشاعر صعوبة الشعر عند البعض قائالً‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كنت عندي مثل الذي عند جدب‬ ‫ولدى البعض أنت مثل الجبال‬
‫ومنه تشبيه الشاعر أخالق ممدوحه بالمسك في قوله‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأخالقه فوق كل السنا‬ ‫سجاياه مسك يفوح شذا‬
‫‪ /10‬تشــبيه المعقــول بــالمعقول‪ :‬وه و التش بيه ال ذي يك ون في ه المش به والمش به ب ه‬
‫عقليين(‪.)4‬‬
‫ولم ي رد ه ذا الن وع من التش بيه كث يراً في ال ديوان‪ .‬من ه وص ف الش اعر الق ول‬
‫بالضياء حين قال‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫فلما التكسل في مقالك والونى‬ ‫إن قولك واضح مثل السنى‬
‫ومنه تشبيهه المنية بالذبول‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫يرجو الفناء وتشتهي الشبابا‬ ‫عجباً لها تعدو المشيب وقدوني‬
‫تسبي العيون ويهجر العيدانا‬ ‫مثل الذبول يصيب أخضر زهرة‬
‫هن ا ش به الش اعر المني ة في إص ابتها للش بان ب ذبول الزه رة في إص ابته لألخض ر‬
‫منها‪ .‬وكال المشبه والمشبه به معقوالن ال محسوسان‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المجاز المرسل‪.‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬ص ‪.341‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫‪6‬‬


‫المجاز‪ :‬مفعل واشتقاقه من الجواز‪ .‬وهو التعدي من قولهم‪ :‬جزت موضع كذا‪ ،‬إذا‬
‫تعديته‪ ،‬سمي به المجاز اآلتي بيانه‪ ،‬ألنهم جازوا به موضعه األصلي‪ ،‬أو جاز هو‬
‫مكانه الذي وضع فيه أوالً(‪.)1‬‬
‫والمج از أيض اً اس م للمك ان ال ذي يج از في ه كالمع اج والم زار وأش باههما‪ ،‬وحقيقت ه‬
‫هي االنتقال من مكان إلى آخر‪ ،‬وأخذ هذا المعنى واستعمل للداللة على نقل األلفاظ‬
‫من معنى آخر(‪.)2‬‬
‫والمجاز عند البالغيين‪ :‬كلمة استعملت في غير معناها الحقيقي لعالقة مع‬
‫قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي‪.‬‬
‫ومع نى المج از طري ق الق ول ومأخ ذه‪ ،‬ومن كالم عبداهلل بن مس لم بن قتيب ة‬
‫في المج از ق ال‪ :‬ل و ك ان المج از ك ذباً لك ان أك ثر كالمن ا ب اطالً‪ ،‬ألن ا نق ول‪ :‬نبت‬
‫البقل‪ ،‬وطالت الشجرة‪ ،‬وأينعت الثمرة‪ ،‬وأقام الجبل‪ ...‬والمجاز في كث ير من الكالم‬
‫أبل غ من الحقيق ة‪ ،‬وأحس ن موقع اً في القل وب واألس ماع‪ ،‬وماع دا الحق ائق من جمي ع‬
‫األلفاظ ثم لم يكن مجاالً محضاً‪ ،‬فهو مجاز‪ ،‬الحتماله وجوه التأويل‪ ،‬فصار التشبيه‬
‫واالس تعارة وغيرهم ا من محاس ن الكالم داخل ة تحت المج از‪ ،‬إاّل أنهم خص وا ب ه‬
‫باباً‪ ،‬وذلك بأن يسمى الشيء باسم ما قاربه أو كان منه بسبب(‪.)3‬‬
‫والمج از قس مان‪ :‬المج از العقلي والمج از اللغ وي‪ .‬والمج از اللغ وي نوع ان‪:‬‬
‫االستعارة والمجاز المرسل‪.‬‬
‫أم ا المج از المرس ل فه و مج از تك ون العالق ة في ه غ ير المش ابهة وس مي‬
‫مرس الً ألن ه لم يقي د بعالق ة المش ابهة‪ ،‬أو ألن ل ه عالق ات ش تى(‪ .)4‬وق د س ماه ابن‬
‫زملكاني والزركشي "المجاز اإلفرادي" وسماه السيوطي "المجاز في المفرد" وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة العربية‪ ،‬المجلد الثامن‪ ،‬ص ‪.147‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحمد مطلوب‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية‪ ،‬عربي‪ -‬عربي‪ ،‬ص ‪.589‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة في نقد الشعر وتمحصيه‪ ،‬ص ‪.223‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪4‬‬


‫"ويسمى المجاز اللغوي"(‪ .)1‬مثاله كاليد في النعمة‪ .‬ومنه تسمية الشيء باسم جزئه‬
‫كالعين في الربيئة (وهي الشخص الرقيب) وعكسه كاألصابع في األنامل‪ .‬وتسمية‬
‫الشيء باسم سببه نحو‪ :‬رعينا الغيث أي النبات الذي سببه الغيث أو مسببه نحو‪:‬‬
‫أمطرت السماء نبات اً‪ .‬أو ما كان عليه نحو‪" :‬آتو اليتامى أموالهم" [النساء‪ ]40 :‬أو‬
‫تسمية الحال باسم محله‪ ،‬كقوله "فليدع نادية" [العلق‪ ]17 :‬أي أهل نادية‪ .‬أو عكس‬
‫ذلك نحو‪" :‬وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة اهلل" [آل عمران‪ ]107 :‬أي في‬
‫الجنة(‪.)2‬‬
‫ومن ه تس مية الش يء باس م آلت ه‪ ،‬كقول ه تع الى‪" :‬وم أ أرس لنا من رس ول إال‬
‫بلسان قومه" [إبراهيم‪ ]4 :‬أي بلغة قومه‪ .‬وقوله تعالى "واجعل لي لسان صدق في‬
‫وثناء حسناً(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫اآلخرين" [الشعراء‪ ]84 :‬أي ذكراً جميالً‬
‫والج دير باإلش ارة هن ا أن ه ق د يك ون اللف ظ الواح د ص الحاً ألن يك ون ب النظر‬
‫إلى معنى واحد مجازاً مرس الً واستعارة باعتبارين‪ ،‬فإذا جاز مراعاة عالقتين أو‬
‫أكثر فالمعول عليه هو ما الحظه المتكلم‪ ،‬فإن لم يعرف مقصده‪ ،‬صح للمخاطب‬
‫أن يعتبر ما يشاء ‪ ،‬ولكن بعد أن يمعن النظر ويرجح أكثرها قوة واشدها مالءمة‬
‫للغ رض‪ ،‬ومن ثم يرج ع عالق ة المش ابهة على غيره ا‪ ،‬والمش ابهة الحقيقي ة على‬
‫الصورية‪ ،‬فمثالً‪ :‬المشفى إذا أطلق على شفة اإلنسان‪ ،‬فإن لوحظ في إطالقه عليها‬
‫المش ابهة في الغل ظ‪ ،‬فهي اس تعارة‪ ،‬وإ ن لوح ظ أن ه من إطالق اس م المقي د على‬
‫المطلق كان مجازاً مرسالً(‪.)4‬‬
‫وعند العودة إلى ديوان الرياض نجد أن الشاعر استعمل في قصائده المجاز‬
‫المرس ل في مواض ع كث يرة‪ .‬واس تعماله لم يكن تالعب ا ًباأللف اظ‪ ،‬ولكن ي دل على‬

‫‪ -‬أحمد مطلوب‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية‪ ،‬عربي‪ -‬عربي‪ ،‬ص ‪.595‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬محمد بن عبدالرحمن الشافعي الدمشقي‪ ،‬التلخيص في علوم البالغة‪ ،‬ص ‪.73 -72‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الخطيب القزويني‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ص ‪.282‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬محمد سيد‪ ،‬البالغة العربية (علم البيان) ص ‪.78‬‬ ‫‪4‬‬


‫عاطفت ه وإ حساس ه‪ .‬يري د أن يفس ر عاطفت ه إزاء أم ر م ا‪ ،‬وذل ك بنق ل إحساس ه‬
‫ومش اعره إلى المس تمع أو الق ارئ كي يحس كم ا أحس تمام اً‪ .‬ومن وج وه المج از‬
‫المرسل الوارد في الديوان اآلتي‪:‬‬
‫‪ /1‬تسميةـ الحا ّل باسم المحل‪:‬‬
‫وق د ورد ه ذا الن وع من المج از المرس ل كث يراً في دي وان الري اض‪ ،‬من ه ق ول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وتظل ترسف في قيود حصار(‪.)1‬‬ ‫إن الكويت تعيش يوماً قاتماً‬
‫أي‪ :‬المواطنون في الكويت‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ذا الصيت وهو بغير مال(‪.)2‬‬ ‫الدهر يظلم عالماً‬
‫والدهر هنا‪ :‬الناس والمجتمع‪.‬‬
‫وعليه أيضاً قوله في قصيدته "ذكرى عشرين عام اً على اعتالء األمير ذي القرنين‬
‫عرش اإلمارة"‪:‬‬
‫ـيوم تلقين بالعال أعالما(‪.)3‬‬ ‫يا إلورن بشراك إنك هذا اليـ‬
‫أي‪ :‬يا أهل إلورن صغارهم وكبارهم‪.‬‬
‫ومثاله قوله‪:‬‬
‫من خيرهم يسدونه بصفاء(‪.)4‬‬ ‫أفال يرى ما تستفيد بالدنا‬
‫‪ /2‬تسميةـ الشيء باسم جزئه‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.99‬‬ ‫‪4‬‬


‫اس تعمل الش اعر في قص ائد ال ديوان لف ظ بعض األج زاء وأراد به ا الش يء‬
‫نفسه‪ ،‬وذلك لما لهذه األجزاء من أهمية خاصة‪ .‬مثال استعماله "الض اد" في اللغة‬
‫العربية‪ ،‬الختصاصها بهذه الحرف بين اللغات‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫جلت مصيبتها لفقد نجيبها(‪.)1‬‬ ‫"الضاد" آلمها فراق حبيبها‬
‫ومثاله‪:‬‬
‫يا عاشق "الضاد" جاء العز‬
‫(‪)2‬‬
‫وصار جهدك بعد الذم يحترم ‪.‬‬
‫والكرم‬
‫وكذلك إطالقه "اآلذان" على الناس في قوله‪:‬‬
‫تصغى إليك إذا ما قلت آذان(‪.)3‬‬ ‫أراك عثمان أنت اليوم قائدنا‬
‫ألن اآلذان أهم ج زء يتوق ف عليه ا الن اس في اإلص غاء واالمتث ال ب األوامر‪ .‬ومث ال‬
‫آخر بإطالق الشاعر لفظ "العيون" على الناس في قوله‪:‬‬
‫لشمائل ومعارف وشؤون(‪.)4‬‬ ‫قرت عيون إذ رأتك أمامها‬
‫وأيضا ًإطالقه ي د الفس اد على المفسدين لما في الي د من دور في الفس اد‪ ،‬وذل ك في‬
‫قوله‪:‬‬
‫وبه تكف يد الفساد وتمنع(‪.)5‬‬ ‫قل إن قولك في المحافل ينفع‬
‫‪ /3‬تسميةـ السبب باسم المسبب‪:‬‬
‫وقد ورد هذا النوع من المجاز المرسل كثيراً في ديوان الرياض‪ ،‬منه إطالقه لفظ‬
‫"الدمار" بمعنى األسلحة؛ لكونها سبباً في الدمار‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫كتب اهلل أن يكون لحرس(‪.)6‬‬ ‫تشترون الدمار منهم بمال‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.199‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.116‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫‪6‬‬


‫ومنه استعمال "دواء" بمعنى "الشفاء" ألنه سبب له في قوله‪:‬‬
‫ناجع يدرأ عنا السيئات(‪.)1‬‬ ‫في تكاب اهلل قومي دواء‬
‫ومن المج از المرس ل ال وارد في ال ديوان حيث أطل ق الش اعر لف ظ المس بب على‬
‫السبب‪ ،‬إطالقه لفظ الظلم بمعنى الظالمين في قوله‪:‬‬
‫ذودوا عنت الوطن المحبب يظلم(‪.)2‬‬ ‫أفال ترون الظلم يمأل أرضنا‬
‫كما أطلق لفظ قطع الطرق على قطاع الطرق في قوله‪:‬‬
‫قطع الطريق وصولة القتّال(‪.)3‬‬ ‫هل هكذا نبقى يهدد أمننا‬
‫ومنه أيضاً إطالق لفظ الشعر بمعنى الشاعر‪ ،‬ألن الشعر هو المسبب والشاعر هو‬
‫السبب‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫متفتتاً لنوائب األقدار(‪.)4‬‬ ‫الشعر حسَّاس يكون ضميره‬
‫‪ /4‬تسميةـ الشيء باسم آلته‪:‬‬
‫ولم ي رد ه ذا الن وع من المج از إاّل في إطالق لف ظ اللس ان إم ا على اللغ ة أو على‬
‫البيان‪ .‬وذلك في قول الشاعر‪:‬‬
‫ولسان أهل الشرق خير لسان(‪.)5‬‬ ‫إن اللغات تعددت وتباينت‬
‫واللسان هنا أي‪ :‬اللغة العربية‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫أدركت حتماً زلة السحبان(‪.)6‬‬ ‫ذلق اللسان إذا تكلم في المال‬
‫ذلق اللسان أي‪ :‬سلس البيان‪.‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.207‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫‪6‬‬


‫هذه األنواع للمجاز المرسل هي التي وردت في ديوان الرياض‪ ،‬وأما أنواع‬
‫أخرى‪ ،‬مثل تسمية الشيء باسم ما كان عليه أو ما يؤول إليه‪ ،‬وتسمية الجزء باسم‬
‫الك ل‪ ،‬وتس مية المح ل باس م الح ا ّل‪ ،‬فإن ه لم ي رد ش يء من ذل ك حس ب م ا ظه ر‬
‫للباحث‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬االستعارة‪.‬‬

‫االستعارة لغ ة رفع الش يء وتحويله من مك ان إلى آخر‪ ،‬يقال‪ :‬اس تعار فالن س هماً‬
‫من كنانته‪ :‬رعفه وحوله منها إلى يده(‪.)1‬‬
‫واالستعارة في علم البيان‪ ،‬تشبيه حذف منه جميع أركانه إاّل المشبه أو المشبه به‪،‬‬
‫وألحقت به قرينة تدل على أن المقصود هو المعنى المستعار ال الحقيقي(‪.)2‬‬
‫أو هي نق ل العب ارة عن موض ع اس تعمالها في أص ل اللغ ة إلى غ يره لغ رض وذل ك‬
‫الغرض إما أن يكون شرح المعنى وفصل اإلبانة عنه أو تأكيده والمبالغة فيه أو‬
‫اإلشارة إليه بالقليل من اللفظ أو يحسن المعرض الذي يبرز فيه(‪.)3‬‬
‫واالس تعارة في الجمل ة أن يك ون لف ظ األص ل في الوض ع اللغ وي معروف اً ت دل‬
‫الش واهد على أن ه اختص ب ه حين وض ع‪ ،‬ثم يس تعمله الش اعر أو غ ير الش اعر في‬
‫غير ذلك األصل‪ ،‬وينقله إليه نقالً غير الزم‪ ،‬فيكون هناك كالعارية(‪.)4‬‬
‫وأرك ان االس تعارة ثالث ة‪ :‬المس تعار من ه (أي‪ :‬المش به ب ه) والمس تعار ل ه (أي‪:‬‬
‫المشبه) ووجه االستعارة (أي‪ :‬وجه الشبه) (‪.)5‬‬
‫تتنوع االستعارة باعتبار وجوهها المختلفة‪ ،‬أنواع اً كثيرة‪ ،‬تعرف بالرجوع‬
‫إلى كتب البالغة‪ .‬إذ يضيق دون ذكرها المقام‪.‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬فن البيان‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أبو هالل الحسن بن عبداهلل بن سهل العسكري‪ ،‬كتاب الصناعتين الكتابة والشعر‪ ،‬ص ‪.295‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبدالقاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة في علم البيان‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪5‬‬


‫واالس تعارة بجمي ع ض روبها وتع دد م ذاهبها وش عوبها‪ ،‬أعلى مرتب ة من‬
‫التش بيه‪ ،‬وأق وى في المبالغ ة من ه‪ ،‬لم ا فيه ا من تناس ي التش بيه‪ ،‬وادع اء االتح اد بين‬
‫المشبه والمشبه به‪ ،‬كأنهما شيء واحد‪ ،‬يطلق عليهما لفظ واحد‪.‬‬
‫وق د اس تعمل الع رب االس تعارة في كالمهم تقريب اً للمع نى إلى ذهن الس امع‪،‬‬
‫واستثارة لخياله‪ ،‬واختالباً للبه‪ ،‬ليقنع بما يقال له‪ ،‬ويلقى في روعة(‪.)1‬‬
‫والش اعر أل بي‪ -‬كغ يره من الش عراء‪ -‬اس تعمل االس تعارة في قص ائد ديوان ه‬
‫"الرياض" بأنواعها المختلفة‪ ،‬فخص بالذكر هنا االستعارات باعتبار ما يتصل بها‪،‬‬
‫واالستعارات باعتبار طرفيها‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ /1‬االستعارة المرشحة‪:‬‬
‫هي التي تقترن بما يالئم المستعار منه (المشبه به) (‪.)2‬‬
‫وقد وردت االستعارات المرشحة في ديوان "الرياض" منها قول الشاعر‪:‬‬
‫تحفهم بحنان الحب والحدب(‪.)3‬‬ ‫هي التي ربت األجيال تربية‬
‫ف يه ذا ال بيت ش به الش عر اللغ ة العربي ة ب األم المربي ة بج امع التربي ة‪ ،‬ثم ح ذف‬
‫المش به ب ه‪ ،‬وه و األم ورم ز إلي ه بش يء من لوازم ه وه و ت ربت‪ ،‬واالس تعارة هن ا‬
‫مكنية‪ .‬ولم يقف الشاعر عند هذا الحد بل وصل إلى ذكر ما يالئم المشبه به‪ ،‬وهو‬
‫تحفهم بحنان الحب‪ ،‬فكانت االستعارة مرشحة‪.‬‬
‫والثمال اآلخر قول الشاعر‪:‬‬
‫رياً ويعبق منها شنر عطار(‪.)4‬‬ ‫أال ترى أرضنا فيها وقد لبست‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬المعجم المفصل في اللغة واألدب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.90‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫‪4‬‬


‫ش به الش اعر هن ا مدين ة إل ورن باإلنس ان ال ذي لبس مالبس ف اخرة‪ ،‬بج امع الجم ال‬
‫بينهما‪ ،‬ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه‪ ،‬وهو لبست‪ ،‬وذكر بعد‬
‫ذلك ما يالئم المشبه به‪ ،‬وهو "يعبق منها نشر عطار"‪ ،‬فكانت االستعارة مرشحة‪.‬‬
‫ومن االستعارة المرشحة في الديوان أيضاً قول الشاعر‪:‬‬
‫كانت تمد جناحيها بال تعب(‪.)1‬‬ ‫هي التي قد سمت في أفقنا طربا‬
‫شبه الشاعر اللغة العربية هنا بالطائر‪ ،‬بجامع االرتفاع‪ ،‬ثم حذف المشبه به ورمز‬
‫إليه بشيء من لوازمه وهو سمو في اآلفاق‪ .‬وذكر الشاعر بعد ذلك ما يالئم المشبه‬
‫به وهو "تمد جناحيها بال تعب" ‪ ،‬فكانت االستعارة مرشحة‪.‬‬
‫‪ /2‬االستعارة المجردة‪:‬‬
‫هي ما ذكر معها مالئم المشبه (المستعار له) (‪.)2‬‬
‫وق د ورد في دي وان الري اض بعض االس تعارات ال تي يليه ا م ا يالئم المش به ‪ ،‬منه ا‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫عاشت على الصحراء خير مكان(‪.)3‬‬ ‫يا أمة انحدرت من العدنان‬
‫هن ا ش به الش اعر األم ة العربي ة بالم اء الن ازل‪ ،‬بج امع الس يالن والنش ر‪ ،‬ثم ح ذف‬
‫المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه‪ ،‬على سبيل االستعارة المكنية‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫ذك ر م ا يالئم المش به وه و "عاش ت على الص حراء خ ير مك ان" فك انت االس تعارة‬
‫مجردة‪.‬‬
‫والمثال اآلخر قول الشاعر يبين حال الشعب العراقي‪ ،‬ويصفهم في الوحدة بالبناء‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ونعيش رهن تقاذف األقدار(‪.)4‬‬ ‫هدمت وحدتنا لتذهب ريحنا‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة العربية‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.193‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪4‬‬


‫شبه الشاعر األمة العربية بالبناء‪ ،‬بجامع تالصق بعضها بالبعض‪ ،‬فحذف المشبه‬
‫ب ه ورم ز إلي ه بش يء من لوازم ه وه و "ه دمت" ثم ذك ر الش اعر م ا يالئم المش به‪،‬‬
‫قائالً‪" :‬وتعيش رهن تقاذف األقدار"‪.‬‬
‫‪ /3‬االستعارة المطلقة‪:‬‬
‫هي م ا خلت من مالئم ات المش به ب ه أو المش به‪ ،‬أو هي م ا ذك ر معه ا م ا يالئم‬
‫المشبه والمشبه به معاً(‪.)1‬‬
‫ومن االستعارات الواردة في ديوان الرياض االستعارة المطلقة‪ ،‬حيث يأتي‬
‫الشاعر باالستعارة‪ ،‬وال يذكر معها ما يالئم المشبه وال المشبه به‪ .‬نحو قوله‪:‬‬
‫ظلم الرجال فحلت دون زوال(‪.)2‬‬ ‫هذى الديار يكاد يهدم ركنها‬
‫هنا شبه الشاعر المنطلقة بالبناء‪ ،‬بجامع تالصق بعضها مع بعض‪ ،‬فحذف المشبه‬
‫ب ه ورم ز غلي ه بش يء من لوازم ه‪ ،‬وه و "يه دم" والقرين ة المانع ة من إرادة المع نى‬
‫الحقيقي تفهم من سياق الكالم‪ ،‬ولم يذكر الشاعر بعدها ما يالئم المشبه وال المشبه‬
‫به‪ ،‬فكانت االستعارة مطلقة‪.‬‬
‫والمثال اآلخر قول الشاعر يشبه الدين اإلسالمي بالداعي بجامع الداللة إلى الخير‬
‫قائالً‪:‬‬
‫"لبيك" باألقوال واألعمال(‪.)3‬‬ ‫إسالمنا يدعو فقولوا كلكم‬
‫فالمشبه هنا اإلسالم‪ ،‬والمشبه به الداعي‪ ،‬والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي‬
‫لفظي ة وهي "ي دعو"‪ ،‬ولم ي ذكر الش اعر م ا يالئم المش به وال المش به ب ه فك انت‬
‫االستعارة مطلقة‪.‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة العربية‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص‬ ‫‪3‬‬


‫وأما الن وع الث اني من االستعارة المطلق ة‪ ،‬فلم يجدها الب احث في الديوان حسب م ا‬
‫ظهر له‪.‬‬
‫‪ /4‬االستعارة التصريحية‪:‬‬
‫وهي ما صرح فيها بلفظ المشبه به‪ ،‬أو ما استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه(‪.)1‬‬
‫لم يجر هذا النوع من االستعارة في الديوان حسب ما ظهر للباحث‪.‬‬
‫‪ /5‬االستعارة المكنية‪:‬‬
‫هي ما حذف فيها المشبه به أو المستعار منه‪ ،‬ورمز إليه بشيء من لوازمه(‪ .)2‬أو‬
‫ه و لف ظ المش به ب ه المس تعار في النفس للمش به‪ ،‬والمح ذوف الم دلول علي ه ي ذكر‬
‫الزمه(‪.)3‬‬
‫وقد وردت استعارات مكنية كثيرة في ديوان الرياض‪ ،‬حيث يحذف الشاعر‬
‫لفظ المشبه به‪ ،‬ثم يرمز إليه بشيء من لوازمه‪ .‬نحو قول الشاعر‪:‬‬
‫تنمو علوم العالمين وتورق(‪.)4‬‬ ‫نحن العباقرة الذين بدورهم‬
‫ففي ه ذا ال بيت ُش ّبهت العل وم باألش جار ذات الثم ار‪ ،‬بج امع انتف اع الن اس به ا‪ ،‬ثم‬
‫حذف المشبه به‪ ،‬وهو األشجار ورمز إليه بشيء من لوازمه‪ ،‬وهو "تنمو وتورق"‬
‫والقرين ة المانع ة من إرادة المع نى الحقيقي لفظي ة "تنم و وت ورق"‪ ،‬واالس تعارة هن ا‬
‫مكنية‪ ،‬ألن المشبه به محذوف‪.‬‬
‫ومنا قوله في قصيدته "اللغة العربية"‪:‬‬
‫لم تجد من أجاب يوماً ولبى(‪.)5‬‬ ‫"لغة الضاد" من زمان تنادي‬
‫في ه ذا ال بيت ُش ّبهت اللغ ة العربي ة باإلنس ان المحت اج بج امع االحتي اج‪ ،‬ثم ح ذف‬
‫المش به ب ه وه و "اإلنس ان" المحت اج‪ ،‬ورم ز إلي ه بش يء من لوازم ه‪ ،‬وه و "تن ادي"‪،‬‬
‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬حامد عوني‪ ،‬المنهاج الواضح للبالغة‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.145‬‬ ‫‪5‬‬


‫والقرينة لفظية‪ ،‬وهي إثبات النداء للغة العربية‪ ،‬واالستعارة هنا "مكنية" ألن المشبه‬
‫به قد حذف ورمز إليه بشيء من لوازمه‪.‬‬
‫ومن االستعارة المكنية في الديوان أيضاً تشبيه الشاعر اآلمال بالمصباح المنير‪ ،‬ثم‬
‫حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو "يبرق نورها" وذلك في قوله‪:‬‬
‫واهلل أنتم معقل اآلمال(‪.)1‬‬ ‫إني أرى اآلمال يبرق نورها‬
‫والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي "يبرق" ألن اآلمال ال تبرق في الحقيقة‪،‬‬
‫وهي حالية‪ ،‬إذ تفهم من سياق الكالم‪.‬‬
‫وقد وردت االستعارة المكنية أيضاً في قول الشاعر‪:‬‬
‫وتظل ترسف في قيود حصار(‪.)2‬‬ ‫إن الكويت تعيش يوماً قاتماً‬
‫في البيت استعارة حيث شبه الشاعر الكويت بالحيوان المقيد‪ ،‬بجامع الضيق وعدم‬
‫الس رعة في الس ير‪ ،‬ثم ح ذف المش به ب ه ورم ز إلي ه بش يء من لوازم ه‪ ،‬وه و‬
‫"ترسف"‪ ،‬والقرية لفظية وهي إثبات القيود‪.‬‬
‫والمثال اآلخر لالستعارة المكنية في الديوان أيضاً قول الشاعر‪:‬‬
‫ه خطيباً يأتي بلب اللباب(‪.)3‬‬ ‫حزن المنبر الذي كان يرقا‬
‫شبه الشاعر المنبر هنا باإلنسان الحزين‪ ،‬بجامع فقدهما للشيخ اإللوري‪ -‬المرثى‪-‬‬
‫ثم حذف المشبه به "اإلنسان الحزين" ورمز إليه بشيء من لوازمه‪ ،‬وهو "حزن"‪،‬‬
‫والقرين ة لفظي ة‪ ،‬وهي إثب ات الح زن للمن بر‪ ،‬ولح ذف المش به ب ه ك انت االس تعارة‬
‫مكنية‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الكناية‪.‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.205‬‬ ‫‪3‬‬


‫الكناي ة لغ ة‪ :‬أن تتكلم بش يء وتري د غ يره‪ ،‬وق د كن وت بك ذا عن ك ذا‪ ،‬أو ك نيت إذا‬
‫تركت التصريح به(‪.)4‬‬
‫وهي في علم البي ان‪ ،‬لف ظ أطل ق وأري د ب ه الزم معن اه‪ ،‬م ع ج واز إرادة‬
‫المع نى األص لي‪ ،‬أو كالم أري د ب ه مع نى غ ير معن اه الحقيقي ال ذي وض ع ل ه‪ ،‬م ع‬
‫جواز إرادة ذلك المعنى األصلي‪ ،‬إذ ال قرينة تمنع هذه اإلرادة(‪.)2‬‬
‫وق د ع بر اإلم ام عب دالقاهر الجرج اني المع نى االص طالحي للكناي ة بص ورة‬
‫أخرى فقال‪" :‬أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فال يذكره باللفظ الموضوع‬
‫له في اللغة‪ ،‬ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومي إليه ويجعله‬
‫دليالً عليه"(‪.)3‬‬
‫إن العرب قد تلفظ أحيان اً بلفظ ال تريد منه معناه الذي يدل عليه بالوضع‪،‬‬

‫بل تريد منه ما هو الزم له في الوجود بحيث إذا تحقق األول تحقق الثاني عرف اً‬
‫ب الص در" يقص د أن ه حليم من قب ل أن الحليم‬ ‫ِ‬
‫وع ادة‪ ،‬ومث ال ذل ك الق ول‪" :‬فالن َرح ُ‬
‫يكون ذا أناة وتؤدة‪ ،‬وال يجد الغضب إليه سبيالً‪ ،‬لما في صدره من السعة الحتمال‬
‫كث ير من الحف اظ واألض غان كم ا يحتم ل الص ندوق الواس ع كث يراً من المت اع‬
‫والمعون‪.‬‬
‫والف رق بين الكناي ة والمج از‪ ،‬أن الكناي ة ال يمتن ع معه ا إرادة المع نى‬
‫األص لي‪ ،‬فيس وغ في المث ال المتق دم أن ي راد أن ه واس ع الص در حقيق ة‪ .‬أم ا قرين ة‬
‫المجاز فتمن ع من إرادة المعنى األصلي‪ ،‬فال يسوغ إرادة أسد المفترس في قولك‪:‬‬
‫رأيت أسداً في الميدان يضرب يميناً وشماالً(‪.)4‬‬

‫‪ -‬محمد سيد‪ ،‬البالغة العربية (علم البيان)‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة علوم اللغة العربية‪ ،‬المجلد السابع‪ ،‬ص ‪.428‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبدالعزيز عتيق‪ ،‬علم البيان‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬محمد سعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫‪4‬‬


‫والكناي ة ل ون من أل وان الخي ال‪ ،‬ع ني به ا النق اد‪ ،‬وعرف وا له ا مكانته ا في‬
‫اإليضاح والتأثير‪ ،‬فإن الشعراء يذهبوا أحياناً مذهب الكناية والتح ريض‪ .‬وإ ذا فعلوا‬

‫ذل ك ب دت محاس ن تمأل الط رف‪ ،‬ودق ائق تعج ز الوص ف‪ ،‬ورأيت هن اك ش عراً‬
‫شاعراً‪ ،‬وبالغة ال يكمل لها إاّل الشاعر المفلق‪ ،‬والخطيب المقصع(‪.)1‬‬
‫والكناية تكون حسنة إذا جمعت بين الفائ دة ولطف اإلش ارة‪ ،‬وقبيح ة إذا خلفت مم ا‬
‫ذكر(‪.)2‬‬
‫واألبل غ في ه ذا الب اب واألب دع أن يك ني المتكلم عن اللف ظ الق بيح باللف ظ الحس ن‪،‬‬
‫والمعجز في ذلك قوله تع الى‪" :‬وقد أفضى بعض كم إلى بعض" [النساء‪ ]21 :‬يريد‬
‫بذلك ما يكون بين الزوجين(‪.)3‬‬
‫ويالحظ أن إي راد المع نى األص لي أم ر جائز وليس واجب اً‪ ،‬فبعض الكناي ات‬
‫يمكن أن تحم ل المع نى األص لي المباش ر‪ ،‬وبعض ها اآلخ ر ال يمكن حمله ا على‬
‫المعنى المباشر والسيما في الكناية عن نسبة(‪.)4‬‬
‫إن الش اعر أل بي‪ -‬كغ يره من الش عراء‪ -‬لج أ إلى الكناي ة في قص ائد ديوان ه‬
‫الري اض‪ ،‬حيث يق رن دع واه إثب ات أم ر من األم ور بم ا يجع ل النفس ترت اح إلى‬
‫إثباته وتطمئن إلى هذا اإلثبات‪ ،‬إذ كأنه يأتي ببرهان على دعواه‪.‬‬
‫وللنظر إلى الكنايات في الديوان ننظر إلى أقسام الكناية تبع اً لما تدل عليه‪،‬‬
‫وهي ثالثة أقسام‪ :‬كناية عن صفة‪ ،‬وكناية عن موصوف‪ ،‬وكناية عن نسبة‪.‬‬
‫‪ /1‬كناية الصفة‪( :‬والمراد بالصفة المعنوية)‬

‫‪ -‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬مقاييس النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص ‪.529 -528‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬محمد سيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أبوبكر بن علي بن عبداهلل الحموين خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عاطف فضل محمد‪ ،‬البالغة العربية‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫‪4‬‬


‫وهي المطلوب به ا ص فة والمراد بالصفة هنا الصفة المعنوية‪ ،‬ك الجود والش جاعة‬
‫والندم والقبح والقوة‪ ...‬إلخ(‪.)5‬‬
‫ض ابطها‪ :‬أن يص رح بالموص وف وبالنس بة إلي ه‪ ،‬وال يص رح بالص فة المطل وب‬
‫نسبتها‪ ،‬ولكن يذكر مكانها صفة تستلزمها‪ .‬ومثاله‪" :‬محمد طويل النجاد" كناية عن‬
‫طول القامة‪ ،‬وقد صرح بالموصوف وهو "محمد" وصرح بالنسبة وهي إسناد طول‬
‫النج اد إلي ه ولم يص رح بالص فة المطل وب نس بتها وهي "ط ول القام ة" ولكن ذك ر‬
‫مكانها صفة أخرى تستلزمها هي "طول النجاد"(‪.)2‬‬
‫وهذا القسم من الكناية أكثر وروداً في الديوان‪ ،‬وكان الشاعر يريد بها إثبات صفة‪،‬‬
‫ولكن ال الصفة بذاتها‪ ،‬وإ نما الزم معناها‪ .‬ومن أمثلته قوله‪:‬‬
‫إلى محاسنه تشير(‪.)3‬‬ ‫بناننا في كل يوم‬
‫كناية عن الشهرة‪ .‬صرح بالموصوف وهو المحاسن‪ ،‬وصرح بالنسبة‪ ،‬وهي إسناد‬
‫اإلشارة إليه‪ ،‬ولم يصرح بالصفة التي تلتزم اإلشارة‪ ،‬وهي الشهرة وعلو المكان‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ويكره دوماً عيوب الحيل(‪.)4‬‬ ‫نقي السريرة في صنعه‬
‫فالكناي ة في قول ه "نقي الس ريرة" ال تي تع ني أخالق الموص وف الفاض لة‪ ،‬حيث لم‬
‫يصرح بهذه الصفة ولكن صرح بالنسبة وهي إسناد النقاء إلى سريرته‪.‬‬
‫ومثال هذا أيضاً قوله‪:‬‬
‫ونقيكم يحيا بكل جالل(‪.)5‬‬ ‫نقوا سريرتكم ونقو جهركم‬
‫ومن الكنايات عن الصفة في الديوان كناية الشاعر علو الدرجة برفع الذكر حيث‬
‫قال‪:‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 112‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬حامد عوني‪ ،‬المنهاج الواضح‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫‪5‬‬


‫يرفع اهلل ذكركم والدهور(‪.)1‬‬ ‫فادفعوا السيئات بالحسنات‬
‫ومنه ا أيض اً كناي ة عن ال رزق بربي ع األرض حيث ص رح بالموص وف والنس بة‪،‬‬
‫ولكن لم يصرح بالصفة المطلوب نسبتها إليه وهي الرزق‪ .‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫أرض منا وقال هاك زمانا(‪.)2‬‬ ‫وهب اهلل لألمير ربيع‬
‫ويقول الشار ف يمدح البروفيسور عبدالباقي شعيب أغاكا‪:‬‬
‫ـعلماء في األمصار واآلفاق(‪.)3‬‬ ‫ورفعت رأسك في صفوف أجلة الـ‬
‫هنا يصف الممدوح برفع ال رأس بين العلماء‪ ،‬وه ذه الصفة تدل على عل و درجته‬
‫وعظمته بين العلماء ‪ ،‬لكنه عدل عن التصريح بهذه الصفة إلى الكناية عنها‪ ،‬ألنه‬
‫علو الدرجة‪.‬‬
‫يلزم من رفع الرأس ّ‬
‫وعن دما أراد الشاعر أني صف شدة الحزن عدل عن التصريح إلى الكناية‬
‫عنه بـ "شكت ضلوعك" ‪ ،‬حيث صرح بالموصوف وهو المخاطب‪ ،‬وصرح بالنس بة‬
‫وهي إس ناد ش كاية الض لوع‪ ،‬ولم يص رح بالص فة المطل وب نس بتها وهي "الح زن"‬
‫وذلك قوله في رثاء الدكتور علي أبوبكر‪:‬‬
‫لو مات قبلك النكسرت من األسى وشكت ضلوعك تلتظى بكروبها(‪.)4‬‬
‫ومن إلتج اء الش اعر إلى الكناي ة في ال ديوان‪ ،‬قول ه في الكناي ة عن األخط اء تكب وه‬
‫الرجل‪ ،‬حين قال‪:‬‬
‫ِّ‬
‫ـه فهيهات أن ينال قياما(‪.)5‬‬ ‫إن َم ْن ال يحب كبوة رجليـ‬
‫"م ْن" وصرح بالنسبة وهي إسناد الكبوة‬
‫هنا صرح بالموصوف وهو اسم الموصول َ‬
‫إلى رجليه‪ ،‬ولمن يصرح بالصفة وهي األخطاء‪.‬‬
‫‪ /2‬كناية الموصوف‪:‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.159‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪5‬‬


‫وهي المطل وب به ا موص وف‪ ،‬ض ابطها‪ :‬أن تص رح بالص فة وبالنس بة وال‬
‫يص رح بالموص وف المطل وب النس بة‪ ،‬ولكن ي ذكر مكان ه ص فة تختص ب ه كم ا في‬
‫قولك "فالن صفا لي مجمع لبه" أي قلبه فقد صرح في هذه الكناية بالصفة‪ ،‬وهي‬
‫"مجم ع اللب" وص رح بالنس بة‪ ،‬وهي إس ناد الص فاء إلي ه ولم يص رح بالموص وف‬
‫المطلوب نسبة الصفاء إليه‪ ،‬وهو "القلب" ولكن ذكر مكانه وصف خاص به وهو‬
‫مجمع اللب فإن القلب "كما يقولون" موضع العقل والتفكير(‪.)1‬‬
‫ويكنى بهذه الكناية عن الذات كالرجل‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والوطن‪ ،‬والبدر والقلب‪ ..‬إلخ(‪.)2‬‬
‫ولم يرد هذا النوع من الكناية في ديوان الرياض كثيراً‪ ،‬من وروده ما يأتي‪:‬‬
‫قال الشاعر في قصيدته "يا أربعون تجددي"‪:‬‬
‫هو للمالمة قلبه يتحرق(‪.)3‬‬ ‫وانقض مضجع حاسد متربص‬
‫مك ان الكناي ة‪ :‬مض جع حاس د " أي قلب ه" وق د ص رح في ه ذه الكناي ة بالص فة وهي‬
‫"مض جع" وص رح بالنس بة وهي إس ناد انقض اء إلى حاس د‪ ،‬ولم يص رح بالموصوف‬
‫المطل وب نس بة الص فة إلي ه‪ ،‬وه و القلب‪ ،‬ولكن ذك ر مكان ه وص ف خ اص ب ه وه و‬
‫مضجع حاسد‪.‬‬
‫ومنها كناية الشاعر عن الفرج بالحرث‪ ،‬عن طريق االقتباس‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فأتوه أنى شئتم إخواني‬ ‫إن النساء كما أتى "حرث لكم"‬
‫وجناننا الشك خير مكان‬ ‫واهلل هن بال مراء جنة‬
‫والحرث يطلق في األصل على محل إنبات الزرع والنبات‪ ،‬وهو تراب األرض‪،‬‬
‫وك ني ب ه عن الف رج‪ ،‬ألن ه مك ان زرع الول د في الم رأة‪ .‬وق د ص رح بالص فة وهي‬

‫‪ -‬حامد عوني المنهاج الواضح للبالغة‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عاطف فضل محمد‪ ،‬البالغة العربية‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪4‬‬


‫ح رث‪ ،‬ولم يص رح بالموص ف وه و "ف رج"‪ .‬وك ذلك في الكناي ة عن جس م النس اء‬
‫بالجنة لما فيه من المتعة‪.‬‬
‫ومنها أيضاً كناية الشاعر عن القلب بالثوب في قوله‪:‬‬
‫من لوثة األقذار واألردان(‪.)1‬‬ ‫الزوجة الفضلى تطهر ثوبها‬
‫الكناي ة هن ا في "تطه ر ثوبه ا" أي أن تطه ر قلبه ا من األخالق الس يئة‪ ،‬فص رح‬
‫بالصفة وهي الطهارة‪ ،‬وصرح بالنسبة وهي إسناد الطهارة إلى الثوب‪ ،‬ولم يصرح‬
‫بالموصوف المطلوب نسبة الطهارة إليه‪ ،‬وهو القلب‪.‬‬
‫‪ /3‬كناية النسبة‪:‬‬
‫وهي المطل وب به ا نس بة‪ ،‬ض ابطها‪ :‬أن تص رح بالموص وف والص فة‪ ،‬وال يص رح‬
‫بالنسبة بينهما ولكن يذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها‪.‬‬
‫مثالها قولهم‪" :‬الكرم بين ثوبي محمد" كناية عن إثبات الكرم له‪ ،‬فقد ص رح في هذه‬
‫الكناي ة بالموص وف وه و "محم د" وص رح بالص فة وهي "الك رم" ولكن لم يص رح‬
‫بنسبة الكرم إليه‪ ،‬وإ نما ذكر مكانها نسبة أخرى هي نسبة الكرم إلى ثوبيه‪ ،‬وهي‬
‫تستلزم نسبة الكريم إليه(‪.)2‬‬

‫ولم ي رد ه ذا الن وع من الكناي ة كث يراً في دي وان الري اض‪ .‬فالش اعر أحيان اً‬
‫يصرح بالصفة والموص وف‪ ،‬لكن ال يعطي الص فة للموص وف مباشرة‪ ،‬ب ل يعطي‬
‫لشيء يتعلق بالموصوف‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ما في يمينك أجود(‪.)3‬‬ ‫فقلت ًّ‬
‫عزا وفخراً‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.59‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬حامد عوني‪ ،‬المنهاج الواضح للبالغة‪ ،‬ص ‪.153‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪3‬‬


‫هن ا يص ف الش اعر ممدوح ه الش يخ آدم عبداهلل اإلل وري ب الجود‪ ،‬ولكن ه لج أ إلى‬
‫الكناي ة بقول ه "م ا في يمين ك أج ود"‪ ،‬حيث ص رح بالص فة وهي "الج ود" ولكن لم‬
‫يصرح بنسبتها إلى ممدوحه‪ ،‬بل نسبها إلى يمينه إذ هو من متعلقات الموصوف‪.‬‬
‫وفي قص يدة الش اعر "إلى الع رب" لم ا أراد أن يثبت عل و الدرج ة للع رب‪ ،‬وينفي‬
‫عنهم الذلة‪ ،‬لجأ إلى الكناية قائالً‪:‬‬
‫ثوب العال وخلعت ثوب هوان(‪.)1‬‬ ‫أو أن أراك وقد لبست مفوقا‬
‫فالش اعر أراد أن يثبت للع رب عل و الدرج ة ويبع دهم عن الذل ة فنس ب الص فتين إلى‬
‫شيء يتعلق بهم‪ ،‬ولم يعطها إليهم مباشرة‪ ،‬وهذا الشيء هو "الثوب"‪.‬‬
‫وكذلك عندما أراد أن ينسب الروح إلى الصوم لم ينسبه إليه مباشرة‪ ،‬بل نسب إلى‬
‫برديه عن طريق كناية نسب قائالً‪:‬‬
‫ديه روحاً للمتعبين ونصرا(‪.)2‬‬ ‫أقبل الصوم وهو يحمل في بر‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ديوان الرياض‪ ،‬ص‬ ‫‪2‬‬

You might also like