You are on page 1of 5

‫ملخص المحاضرة الرابعة‪:‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬تفسير القرآن بأقوال التابعين‬


‫المقصد األول ‪ :‬المصادر التي اعتمد عليها التابعون في تفسيرهم للقرآ‪.‬‬
‫كما اشتهر بعض اعالم الصحابة بالتفسير ‪ ،‬اشتهر بعض أعالم التابعين الذين أخذوا عنهم من تالميذهم‬
‫بالتفسير كذلك معتمدين في مصادره على المصادر التي جاءت في العصر ‪ -‬السابق‪ -‬عصر الصحابة‪-‬‬
‫باإلضافة إلى ماكان لهم من اجتهاد وإعمال نظر ‪ .‬فإذا كان الذين اشتهروا بالتفسير من الصحابة ‪ ،‬قد اعتمدوا‬
‫على عدة مصادر في تفسيرهم للقرآن متمثلة هذه المصادر كما سبق لك في ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬القرآن الكريم نفسه ‪ .‬ثانيا ‪ :‬ما جاء في سنة رسول هللا ﷺﷺ ثالثا ‪ :‬اجتهادهم واعمال نظرهم‬
‫الثاقب ‪ .‬رابعا ً ‪ :‬أخذهم من أهل الكتاب خاصة فيما يتعلق بجانب القصص دون العقيدة واألحكام ‪ .‬أقول ‪ :‬إذا‬
‫كان السابقون قد اعتمدوا على هاتيك المصادر ‪ ،‬فإن تالميذهم التابعين لهم قد‬
‫اعتمدوا على نفس المصادر باإلضافة إلى ماكان للتابعين أيضا ً من اجتهاد وإعمال نظر ‪ .‬قال ‪ :‬شيخ مشايخنا‬
‫األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد حسين الذهبي عليه الرحمة ‪ ( :‬تنتهي المرحلة األولى للتفسير بانصرام عهد الصحابة‬
‫‪ ،‬وتبدأ المرحلة الثانية للتفسير من عصر التابعين ‪ -‬الذين تتلمذوا للصحابة فتلقوا غالب معلوماتهم عنهم ‪.‬‬
‫وكما اشتهر بعض أعالم الصحابة بالتفسير والرجوع إليهم في استجالء بعض ما خفي من كتاب هللا ‪ ،‬اشتهر‬
‫ايضا بالتفسير أعالم من التابعين تكلموا في التفسير ‪ ،‬ووضحوا لمعاصريهم خفي معانيه ‪.‬‬
‫مصادر التفسير في هذا العصر ‪:‬‬
‫وقد اعتمد هؤالء المفسرون في فهمهم لكتاب هللا تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه ‪ .‬وعلى ما رووه عن‬
‫الصحابة عن رسول ہللا ﷺ ‪ ،‬وعلى ما رووه عن الصحابة في تفسيرهم أنفسهم ‪ ،‬وعلى ما أخذوه من أهل‬
‫الكتاب مما جاء في كتبهم ‪ ،‬وعلى ما يفتح ا هللا به عليهم من طريق االجتهاد والنظر في كتاب هللا تعالى ‪ .‬وقد‬
‫روت لنا كتب التفسير كثيراً من أقوال هؤالء التابعين في التفسير لم يتناول جميع آيات القرآن ‪ ،‬وإنما فسروا‬
‫ما غمض فهمه على معاصريهم ‪ ،‬ثم تزايد هذا الغموض على تدرج ‪ -‬كلما بعد الناس عن عصر النبي ﷺ‬
‫والصحابة ‪ ،‬فاحتاج المشتغلون بالتفسير من التابعين إلى أن يكملوا بعض هذا النقص ‪ ،‬فزادوا في التفسير ‪.‬‬
‫بمقدار ما زاد مـن غمـوض ‪ ،‬ثم جاء من بعدهم فأتموا تفسير القرآن تباعا ً معتمدين على ما عرفوه من لغة‬
‫العرب ومناحيهم في القول ‪ ،‬وعلى ما صح لديهم من األحداث التي حدثت في عصر نزول القرآن ‪ ،‬وغير هذا‬
‫من أدوات الفهم ووسائل البحث ‪ ،‬أ ‪ .‬هـ (‬
‫المقصد الثاني ‪ :‬طبقات التابعين وبيان مدارسهم التفسيرية ‪.‬‬
‫لقد امتن هللا تعالى على المسلمين بفتح كثير من بالد العالم في حياة الرسول الكريم ﷺ ‪ ،‬وكذلك زادت رقعة‬
‫اتساع بالد المسلمين في العهود الميمونة ‪ -‬عهود الخلفاء الراشدين ‪ -‬بعـد بهذه ‪ -‬وهذه الفتوحات التي أكرم ا‬
‫م هللا بها عباده المسلمين تمت على أيدي أصحاب رسول ہللا ﷺ ‪ ،‬األمر الذي جعلهم ال يستقرون في بلد‬
‫واحد من بالد المسلمين بل ترك الكثير منهم عاصمة الدولة اإلسالمية ‪ -‬آنذاك ‪ -‬المدينة المنورة مشرق النور‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬فاستقر بهم المطاف بالتوزع على مناحي البالد اإلسالمية التي دخل أصحابها اإلسالم ‪ ،‬ولقد كان‬
‫من هؤالء الفاتحين الوالة ‪ ،‬والوزراء ‪ ،‬ومنهم القضاة ‪ ،‬ومنهم المعلمون ‪ ،‬ومنهم غير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وال شك أن هؤالء جميعا ً ممكن تتلمذوا على أيدي رسول ہللا ﷺ ‪ ،‬فحفظوا عنه ما تلقوه من علوم ‪ ،‬وحملوا‬
‫معهم إلى البالد التي فتحوها ما حفظته ذاكرتهم ووعته قلوبهم من العلم الذي تعلموه على يدي رسول ہللا ﷺ‬
‫‪ ،‬وفي هذه البالد المفتوحة جلس وصغى إليهم كثير من التابعين يأخذون عنهم العلم وينقلونه لمن بعدهم فنتج‬
‫عن تالقح األفكار بين الصحابة المعلمين والتابعين التالميذ قيام مدارس تفسيرية متعددة أساتذتها الصحابة‬
‫وتالميذها التابعون ‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه المدارس التي أقاموها في هذه البالد كثيرة ‪ ،‬فإن بعضها كتب هللا لها الشهرة فتوافد إليها‬
‫الكثير من التابعين لمشاهير المفسرين من الصحابة يأخذون عنهم ومن هذه المدارس ‪ :‬مدرسة مكة ورائدها‬
‫ابن عباس ‪ ،‬ومدرسة المدينة ورائدها أبي بن كعب ‪ ،‬ومدرسة العراق ورائدها عبد هللا بن مسعود قال الحافظ‬
‫السيوطي ‪ :‬أعلم الناس بالتفسير أهل مكة ألنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة‬
‫مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود وعلماء أهل المدينة‬
‫في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد ومالك بن أنس ( ‪. ) 1‬‬
‫قلت ‪ :‬ويمكن للباحث تقسيم المفسرين من التابعين إلى طبقات ثالث ‪ :‬كل طبقة منها تمثل مدرسة مستقلة‬
‫قائمة بنفسها لها تالميذها ورائدها ‪ .‬أوالها ‪ :‬طبقة المكيين ومدرستهم ‪ ،‬مدرسة أهل مكة ورائد هذه المدرسة‬
‫ابن عباس رضي‬
‫هللا عنه ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬طبقة المدنيين ومدرستهم ‪ ،‬مدرسة أهل المدينة ‪ ،‬ورائد هذه المدرسة أبي بن كعب رضي اللهعنه ‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬مدرسة العراقيين ومدرستهم ‪ ،‬مدرسة أهل العراق ورائد هذه المدرسة عبد هللا بن مسعود رضي هللا‬
‫عنه‬
‫واآلن حان الشروع في تفصيل الحديث عن كل مدرسة والترجمة لتالميذها ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مدرسة أهل مكة‬
‫ومدرسة أهل مكة تضم طبقة من التابعين تمثل هذه الطبقة أعظم مدرسة تفسيرية ‪ ،‬كان تالميذها علماء‬
‫مبرزين بالتفسير بـل مـن أعلم الناس بالتفسير ‪ ،‬وتالميذ هذه المدرسة النجباء على النحو التالي ‪:‬‬
‫( مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس و( طاوس بن كيسان اليماني )‬

‫ثانيا ‪ :‬مدرسة أهل المدينة‬


‫كانت المدينة المنورة عاصمة الدولة اإلسالمية في عهد الصحابة ‪ ،‬وقد أقام بها صحابة كثيرون ولم يتحولوا‬
‫عنها كما تحول كثير منهم إلى غيرها من بالد المسلمين فجلسوا ألتباعهم يعلمونهم كتاب هللا تعالى وسنة‬
‫رسوله ﷺ ومن ثم قامت بالمدينة مدرسة للتفسير كان رائدها الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي هللا عنه ‪،‬‬
‫تتلمذ فيها كثير من التابعين ·‬
‫لمشاهير المفسرين من الصحابة وكان أشهر من تتلمذوا عليه هو أبي بن كعب ‪ .‬وقد ذاع صيت تالميذ هذه‬
‫المدرسة واشتهر رجالها وقد حاز قصب السبق منهم ثالثة يحسن بنا أن نترجم لهم ونبين مكانتهم في‬
‫التفسير ‪ ( .‬أبو العالية )‬
‫و( محمد بن كعب القرظي )‬
‫وزيد بن أسلم‬
‫ثالثا ‪ :‬مدرسة أهل العراق‬
‫كما اشتهرت مدارس للتفسير بمكة والمدينة فإن ثمة مدرسة تفسيرية كبرى اشتهرت بالعراق قامت هذه‬
‫المدرسة على أستاذ بارع صاحب قـدم راسخة في التفسير وهـو الصحابي الجليل عبدهللا ‪ :‬بن مسعود رضي‬
‫وإذا كان هناك صحابة آخرون أخذ عنهم أهل العراق التفسير ‪ ،‬غير أن عبد هللا بن مسعود كان يعتبر األستاذ‬
‫األول لهذه المدرسة نظرا لشهرته في التفسير ‪ ،‬وكثرة المروي عنه في هذا الجانب ‪ ،‬وألن عمر رضى هللا‬
‫عنه _ لما ولي عمار بن ياسر على الكوفة ‪ ،‬سير معه عبدهللا بن مسعود معلما ووزيرا فكونه معلم أهل‬
‫الكوفة بأمر أمير المؤمنين عمر جعل الكوفيين يجلسون إليه ‪.‬‬
‫ويمتاز أهل العراق بأنهم أهـل الـرأي ‪ ،‬وهذه ظاهرة تجدها بكثرة في مسائل الخالف ‪ ،‬ويقول العلماء ‪ :‬إن ابن‬
‫مسعود هو الذي وضع األساس لهذه الطريقة في االستدالل ‪ ،‬ثم توارثها عنه علماء العراق ‪ ،‬ومن الطبيعي‬
‫أن تؤثر هذه الطريقة في مدرسة التفسير ‪ ،‬فيكثر تفسير القرآن بالرأي واالجتهاد ‪ ،‬ألن استنباط مسائل‬
‫الخالف الشريعية نتجة من نتائج إعمال الرأي في فهم نصوص القرآن والسنة ( ‪ ) 1‬وقد تلقى في مدرسة‬
‫العراق كثير من التابعين التفسير أنه اشتهر من بين المتلقين للتفسير ستة رجال سنتحدث بالتعريف لهم‬
‫وبيان مكانة كل منهم في التفسير فمن هؤالء ‪ ( :‬مسروق بن األجدع )‬
‫وقتادة بن دعامة )‬
‫بكسر الدال المهملة الوالحسن البصري ومرة الهمداني و( األسود بن يزيد التابعي )‬
‫هؤالء هم أعالم المفسرين من التابعين وهم قدماء المفسرين ‪ ،‬وغالب أقوالهم تلقوها عن الصحابه ( ‪، ) ٢‬‬
‫وهم بذلك قد بلغوا شأوا عظيما في فهم كتاب هللا تعالى ‪.‬‬
‫ثم حمل تفسير كتاب هللا تعالى عدول كل خلف وقد ورد يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه‬
‫تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فهذا الخبر شهادة على أن التابعين أعالم الدين و أئمة‬
‫المسلمين لحفظهم الشريعة من التحريف ومن انتحال المبطلين ‪ ،‬ولردهم تأويل الجاهلين فعليهم المعول في‬
‫أمر الدين واليهم المرجع فيما رواه الصحابة عن سيد المرسلين فرضي هللا أجمعين ( ‪ ) 3‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫المقصد الثالث ‪ :‬نقد المروي عن التابعين في التفسير ‪.‬‬


‫اختلف العلماء في قيمة الوارد من التفسير بالمأثور عن التابعين والرجوع إلى تفسيرهم واألخذ بأقوالهم في‬
‫هذا الجانب ما دام لم يكن ثمة وارد في ذلك عن رسول ہللا ﷺ أو عن صحابته الذين تلقوا التفسير عنه في‬
‫األعم الغالب ‪.‬‬
‫برع قلم األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد حسين الذهبي في تفصيل ما أجمل فقال عليه الرحمة ‪ :‬اختلف العلماء في‬
‫الرجوع إلى تفسير التابعين واألخذ بأقوالهم إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن رسول ہللا ﷺ أو عن الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم أجمعين ‪ .‬فنقل عن اإلمام أحمد رضي هللا عنه روايتان في ذلك ‪ :‬رواية بالقبول ‪ ،‬ورواية‬
‫بعـدم القبول ‪ ،‬وذهب بعض العلماء إلى أنه ال يؤخذ بتفسير التابعي واختاره ابن عقيل ‪ ،‬وحكى عن شعبة ‪.‬‬
‫واستدل أصحاب هذا الرأي على ما ذهبوا إليه ‪ :‬بأن التابعين ليس لهم سماع من الرسول فال يمكن الحمل‬
‫عليه كما قيل في تفسير الصحابي ‪ :‬إنه محمول على ساعه من النبي‬
‫‪ ،‬وبأنهم لم يشاهدوا القرائن واألحوال التي نزل عليها القرآن فيجوز عليهم الخطأ في فهم المراد وظن ما‬
‫ليس بدليل دليالً ومع ذلك فعدالة التابعين غير منصوص عليها كما نص على عدالة الصحابة ‪.‬‬
‫نقل عن أبي حنيفة أنه قال ‪ :‬ما جاء عن رسول هللا فعلى الرأس والعين ‪ ،‬وما جاء عن الصحابة تخيرنا ‪ ،‬وما‬
‫جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال ‪ .‬وقد ذهب أكثر المفسرين ‪ :‬إلى أنه يؤخذ بقول التابعي في‬
‫التفسير ‪ ،‬ألن التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة فمجاهد مثالً يقول ‪ :‬عرضت المصحف على ابن‬
‫عباس ثالث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها ‪ .‬وقتادة يقول ‪ :‬ما في القرآن آية‬
‫إال وقد سمعت فيها شيئا ولذا حكي أكثر المفسرين أقـوال التابعين في كتبهم ونقلوها عنهم مع اعتمادهم لها ‪.‬‬
‫والذي تميل إليه النفس هو أن قول التابعي في التفسير ال يجب األخذ به إال إذا كان مما ال مجال للرأي فيه ‪،‬‬
‫فإنه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة ‪ ،‬فإن ارتبنا فيه بأن كان يأخـذ مـن أهل الكتاب فلنا أن نترك قوله وال‬
‫نعتمد عليه ‪ ،‬أما إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به وال نتعداه إلى غيره ( ‪ ) 1‬أ‪.‬هـ‬

‫المقصود من كالمه ‪ .‬والذي يتحصل أن للعلماء قولين ‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬ما عليه الجمهور من األخذ بأقوالهم وداللة األخذ بها كون العلماء قـد حـكـوا هـذه األقوال في كتبهم‬
‫ولكن أغلب أقوالهم تلقوها من الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫ثانيها ‪ :‬ما ذهب إليه جماعة من القول بعدم األخذ بها لكون التابعين لم يعاصروا تنزالت الوحي ‪ ،‬ولم‬
‫يشاهدوا القرئن واألحوال التي من أجلها نزل القرآن فتكون أقوالهم مبنية على رأيهم ‪ ،‬وقد يقع منهم الخطأ‬
‫في الرأي ‪ ،‬ورأى بعض العلماء أنه متى أجمع التابعون على رأي فإنه يكون حجة ويجب األخذ به واإللتزام‬
‫به ‪ ،‬أما إن اختلفـوا فـال يـكـون اختالفهم ‪ ،‬وال قول بعضهم حجة على بعض وعند ذلك يجب الرجوع إلى‬
‫القواعد العامة التي قررها العلماء من لغة القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة أو عموم لغة العرب أو‬
‫أقوال الصحابة تكفي في ذلك متى وجدت وصح نقلها‪.‬‬

‫المبحث الثاني ضعف الرواية في التفسير بالمأثور ‪ ،‬وأسباب هذا الضعف‬


‫قال الشيخ الزرقاني‪ : :‬علمنا أن الرواية بالمأثور تتناول ما كان تفسيرا للقرآن بالقرآن ‪ ،‬وماكان تفسيرا‬
‫للقرآن بالسنة ‪ ،‬وما كان تفسيرا للقرآن بالموقوف على الصحابة أو التابعين على‬
‫رأي ‪ .‬أما تفسير بعض القرآن ببعض وتفسير القرآن بالسنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي فال خالف في‬
‫وجاهته وقبوله ‪ ،‬وأما تفسير القرآن ما يعزى إلى الصحابة والتابعين فإنه يتطرق إليه الضعف من وجوه ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬ما دسه أعداء اإلسالم مثل زنادقة اليهود والفرس فقد أرادوا هدم هذا الدين المتين عن طريق الدس‬
‫والوضع حينما أعيتهم الحيل في النيل منه عن طريق الحرب ‪ ،‬والقوة ‪ ،‬وعن طريق الدليل والحجة ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬ما لفقه أصحاب المذاهب المتطرفة ترويجا لتطرفهم كشيعة علي المتطرفين الذين نسبوا إليه ما هو‬
‫منه بريء ‪ ،‬وكالمتزلفين الذين حطبوا في حبـل العباسيين فنسبوا إلى ابن عباس ما لم تصح نسبته إليه تملقا‬
‫لهم واستدرارا لدنياهم ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬اختالط الصحيح بغير الصحيح ‪ ،‬ونقل كثير من األقوال المعزوة إلى الصحابة أو التابعين من غير‬
‫إسناد وال تحر مما أدى إلى إلتباس الحق بالباطل ‪ .‬زد على ذلك أن من يرى رأيا صار يعتمده دون أن يذكر له‬
‫سندا ‪ ،‬ثم يجئ منه بعده فينقله على اعتبار أن له‬
‫أصالً وال يكلف نفسه البحث عن أصل الرواية وال من يرجع إليه هذا القول ‪ .‬رابعها ‪ :‬أن تلك الروايات مليئة‬
‫باإلسرائيليات ‪ ،‬ومنها كثير من الخرافات التي يقوم الدليـل على بطالنها ‪ .‬ومنها ما يتعلق بأمور العقائد التي‬
‫ال يجوز األخذ فيها بالظن وال برواية اآلحاد ‪ ،‬بل ال بد من دليـل قـاطع فيها ‪ ،‬كالروايات التي تتحدث عن‬
‫أشراط الساعة وأهوال القيامة وأحوال اآلخرة تذكر على أنها اعتقاديات في اإلسالم ‪.‬‬
‫خامسها ‪ :‬أن ما نقل نقالً صحيحا عن الكتب السابقة التي عند أهل الكتاب كالتوراة واإلنجيل أمرنا الرسول‬
‫ﷺﷺ أن نتوقف فيه فال نصدقهم الحتمال أنه مما حرفـوا في تلك الكتب وال نكذبهم ال حتمال أنه مما حفظوه‬
‫منها ‪ ،‬فقد قال تعالى فيهم إنهم ‪ « :‬أوثوا نصيبا من الكتاب ) [ آل عمران ‪] ۲۳‬‬
‫واالختالف في التفسير على نوعين منه ‪ :‬ما مستنده النقل فقط ‪ ،‬ومنه ما يعلم بغير ذلك ‪ ،‬والمنقول إما عن‬
‫المعصوم أو غيره ‪ ،‬ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره ‪ ،‬ومنه ما ال يمكن ذلك ‪.‬‬
‫وهذا القسم_أي الذي ال يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه _ عامته مما ال فائدة فيه وال حاجة بنا إلى معرفته‬
‫وذلك كاختالفهم في لون كلـب أهل الكهف واسمه ‪ ،‬وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ‪ ،‬وفي قدر‬
‫سفينة نوح وخشبها وفي اسم الغالم الذي قتله الخضر ونحو ذلك ‪.‬‬
‫فهذه األمور طريقة العلم بها النقل ‪ .‬فما كان منها منقوالً نقالً صحيحا عن النبي ﷺ قبلناه وما كان منقوال‬
‫عن أهل الكتاب ككعب ووهب وقفنا عن تصديقه وتكذيبـه لقوله‬
‫‪ « :‬إذا حدثكم أهل الكتـاب فـال تصدقوهم وال تكذبوهم‬
‫وأما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود كثيرا وهلل الحمد وأما ما يعلم باالستدالل ال النقل فهذا‬
‫أكثر ما فيه الخطأ من جهتين إحداها ‪ :‬حمل ألفاظ القرآن على معان اعتقدوها لتأييدها به ‪ .‬والثانية ‪ :‬التفسير‬
‫بمجرد داللة اللغة العربية من غير مراعاة المتكلم بالقرآن وهو هللا عز وجل والمنزل عليه ‪ ،‬والمخاطب به‬
‫أ‪.‬هـ‬
‫‪ .‬وكلمة اإلنصاف في هذا الموضوع أن التفسير بالمأثور نوعان ‪ :‬أحدها ‪ :‬ما توافرت األدلة على صحته‬
‫وقبوله ‪ ،‬وهذا ال يليق بأحد رده وال يجوز إهماله وإغفاله وال يجمل أن تعتبره من الصوارف عن هدي القرآن‬
‫‪ ،‬بل هو على العكس عامل من أقوى العوامل على االهتداء بالقرآن ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬ما ال يصح لسبب من األسباب اآلنفة أو غيرهـا وهـذا يجب رده وال يجوز قبـوله وال االشتغال به‬
‫اللهم إال لتمحيصه والتنبيه إلى ضالله وخطئه حتى ال يغتر به أحد ‪ .‬وال يزال كثير من أيقاظ المفسرين كابن‬
‫كثير يتحرون الصحة فيما ينقلون ويزيفون ما هو باطل أو ضعيف وال يحابون وال يجبنون ‪.‬‬
‫وقفت عند ص ‪ 112‬الفصل الثالث‬

You might also like