You are on page 1of 7

‫ملخص المحاضرة الثانية‪:‬‬

‫الباب األول‬
‫ويشتمل على ثالثة فصول ‪:‬‬
‫لفصل األول ‪ :‬أقسام التفسير من حيث معرفته وأقسام تلك المعرفة ‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أقسام التفسير من جهة استمداده ‪.‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬تدوين التفسير وتاريخه ‪.‬‬
‫( ‪) 46‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬أقسام التفسير من حيث معرفته وأقسام تلك المعرفة ‪.‬‬
‫‪ :‬أولى هذه االعتبارات ‪ :‬أن ينظر إلى التفسير من حيث معرفته وأقسام تلك المعرفة التي فصلتها رواية ابن‬
‫جرير الطبري بسنده عن ابن عباس قال ‪ :‬التفسير على أربعة أوجه ‪ :‬وجه تعرفه العرب من كالمها ‪ ،‬وتفسير‬
‫ال يعذر أحد بجهالته ‪ ،‬وتفسير يعلمه العلماء وتفسير ال يعلمه أحد إال هللا أ‪.‬هـ ( ‪. ) 1‬‬
‫وقد وفت بشرح هذه األقسام التي انتظمتها رواية ابن جرير الطبري عبارة اإلمام بدر الدين الزركشي وذلك‬
‫حيث طيب هللا ثراه ‪ [ :‬أقسام التفسير ] وقد روى عبد الرزاق ( ‪ ) ٢‬في تفسيره ‪ :‬حدثنا الثوري عن ابن‬
‫عباس أنه قسم التفسير إلى أربعة أقسام ‪ :‬قسم تعرفه العرب في كالمها ‪ ،‬وقسم ال يعذر أحد بجهالته يقول من‬
‫الحالل والحرام ‪ ،‬وقسم يعلمه العلماء خاصة ‪ ،‬وقسم ال يعلمه إال هللا ومن ادعى علمه فهو كاذب ‪ ،‬وهذا‬
‫تقسيم صحيح ‪.‬‬

‫فأما الذي تعرفه العرب ‪ :‬فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم وذلك شأن اللغة واإلعراب ‪ .‬فأما اللغة فعلى المفسر‬
‫معرفة معانيها ومسميات أسمائها وال يلزم ذلك القارئ ‪ ،‬ثم إن كان ما تتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم‬
‫كفى فيه خبر الواحد واالثنين واالستشهاد بالبيت والبيتين وإن كان مما يوجب العلم لم يكـف ذلك ‪ ،‬بل ال بد أن‬
‫يستفيض ذلك اللفظ وتكثر شواهده من الشعر ‪ .‬وأما اإلعراب فماكان اختالفه محيال للمعنى وجب على المفسر‬
‫‪ .‬والقارئ تعلمه ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم وليسلم القارئ من اللحن وإن لم يكن محيال للمعنى وجب‬
‫تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن وال يجب على المفسر ليتوصل إلى المقصود دونه على أن جمله نقص في‬
‫حق الجميع ‪ .‬إذا تقرر ذلك ‪ :‬فما كان من التفسير راجعا إلى هذا القسم فسبيل المفسر التوقف فيه على ما ورد‬
‫في لسان العرب ‪ ،‬وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من الكتاب العزيز ‪ ،‬وال يكفي في‬
‫حقه تعلم اليسير منها ‪ ،‬فقد يكون اللفظ مشتركا وهـو يعلم أحد المعنيين ‪ .‬الثاني ‪ :‬ما ال يعذر واحد بجهله ‪:‬‬
‫وهـو مـا تتبادر األفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع األحكام ودالئل التوحيد ‪ ،‬وكل لفظ‬
‫أفاد معنى واحدا جليا ال سـواه يعلم أنه مراد هللا تعالى ‪.‬‬

‫فهذا القسم ال يختلف حكمه وال يلتبس تأويله إذ ‪/3‬كل أحد يدرك معنى التوحيـد مـن قـوله تعالى ‪ « :‬فاعلم أنه‬
‫ال إله إال هللا » [ محمد ‪ ] ١٩ :‬وأنه ال شريك له في إلهيته وإن لم يعلم أن " ال " موضوعة في اللغة للنفي و‬
‫" إال " لإلثبات ‪ ،‬وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى ‪ « :‬وأقيموا‬
‫الصالة وآتوا الزكاة ﴾ [ البقرة ‪ ] 43 :‬ونحوها مـن األوامـر طـلـب إدخـال ماهيـة المـأمور بـه في الوجـود (‬
‫‪ ) 1‬وإن لم يعـام أن صيغة " أفعل " مقتضاها الترجيح وجوبا أو ندبا ‪ ،‬فما كان من هذا القسم ال يقدر أحد‬
‫يدعي الجهل بمعاني ألفاظه ألنها معلومة لكل أحد بالضرورة ‪ .‬الثالث ‪ :‬ما ال يعلمه إال هللا تعالى ‪ :‬فهو ما‬
‫يجري مجرى الغيوب نحو اآلي المتضمنة قيام الساعة ونزول الغيث وما في األرحام ‪ ،‬وتفسير الروح ‪،‬‬
‫والحروف المقطعة ‪ ،‬وكل متشابه في القرآن عنـد أهـل الحـق فـال مساغ لالجتهاد في تفسيره ‪ ،‬وال طريق إلى‬
‫ذلك إال بالتوقيف من أحد ثالثة أوجه ‪ :‬أحدها ‪ :‬إما نص من التنزيل ‪ .‬ثانيها ‪ :‬أو بيان من النبي ﷺ ثالثها ‪:‬‬
‫أو إجماع األمة على تأويله ‪ ،‬فإذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات علمنا أنه مما‬
‫استأثر هللا تعالى بعلمه ‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬ما يرجع إلى اجتهاد العلماء ‪ :‬وهذا الذي يغلب عليه إطالق التأويـل وهـو صرف اللفظ إلى ما يأول‬
‫إليه ‪ ،‬فالمفسر ناقل والمؤول مستنبط ‪ ،‬وذلك استنباط األحكام وبيان المجمل ‪ ،‬وتخصيص العموم ‪ .‬وكل لفظ‬
‫احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي ال يجوز لغير العلماء االجتهاد فيه ‪ ،‬وعلى العلماء اعتاد الشواهد والدالئل ‪،‬‬
‫وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه ‪.....‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أقسام التفسير من جهة استمداده ‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬التفسير بالنقل ( المأثور ) وفيه مطالب ‪ :‬هذا القسم من التفسير يمثل صلب الجزء األول من‬
‫هذه الدراسة المتعلقة بمناهج المفسرين حيث يتناول تفسير القرآن من جهة النقل سوا أكان هذا المنقول من‬
‫القرآن نفسه ‪ ،‬أم كان من السنة النبوية المطهرة ‪ ،‬أم كان التفسير المنقـول مـن أقـوال الصحابة الذين‬
‫شاهدوا تنزالت الوحي وعاصروا التنزيل ‪ ،‬أم كان من أقوال التابعين الذين هم في الكثير الغالب أخذوا‬
‫تفسيرهم عن الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين ‪.‬‬

‫والتفسير بالمنقول ( المأثور ) سنمهد للحديث عنه بتمهيد هام يتناول ‪ :‬بيان الحديث عن القرآن الكريم من‬
‫حيث ماكان فيه من قدر بين بنفسه ال يحتاج إلى بيان ‪ ،‬وماكان فيه من قدر ليس بينا بنفسه ويحتاج إلى ما‬
‫يبينه سواء أكان المبين له القرآن أو السنة ‪ .‬هذا والتفسير بالمأثور يتنوع إلى أربعة أنواع ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬تفسير القرآن بالقرآن نفسه وبيان أوجه التفسير في ذلك ‪ .‬النوع الثاني ‪ :‬تفسير القرآن بالسنة‬
‫النبوية المطهرة وبيان أوجه بيان السنة للقرآن وتحقيـق القول فيما إذا كان البيان النبوي تناول القرآن كله‬
‫بما ينتظمه في سكله من ألفاظ وكلمات وآيات أم أن البيان النبوي تناول البعض دون البعض وتحقيق القول‬
‫في ذلك ‪ .‬النوع الثالث ‪ :‬تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضوان هللا عليهم أجمعين_ وتحقيق القـول في‬
‫المنقول عنهم ‪ .‬النوع الرابع ‪ :‬تفسير القرآن بأقوال التابعين ونقد المروي عنهم ‪.‬‬
‫‪) ٥٣‬‬
‫تمهيد بين يدي المبحث‪ ،‬محذوف ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تفسير القرآن بالقرآن المقصد‬


‫األول ‪ :‬بيان أوجه تفسير القرآن بالقرآن ونماذج ذلك ‪.‬‬
‫وتفسير القرآن بالقرآن أهم مصادر التفسير مطلقا فإذا أردت معرفة آية من أي الذكر الحكيم فعليك أن تطلب‬
‫بيانها وتقف على معرفة معانيها من القرآن نفسه فإذا وجدت طريقا إلى ذلك ما جاز لك بأي حال من األحوال‬
‫العدول عن بيان القرآن للقرآن إلى غيره ‪ .‬وهذا أمر أطبق عليه الكافة من أهل السنة والجماعة ‪ .‬وقد انطلقوا‬
‫في ذلك من مسلمات ثالث جالها لنا قلم شيخنا األستاذ الدكتور إبراهيم خليفة ‪ :‬فقال ‪ .... ( :‬أوالها ‪ :‬أن‬
‫صاحب البيت أدرى بالذي فيه وأن خير من يفسر القول هو قائله ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن من المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن هو األصل األول والعمود الرئيس الذي يقوم عليه‬
‫بنيان هذا الدين والذي ال يمكن أن يتحقق اإليمـان بـدون األخـذ بـه واإلذعان لجميع ما فيه جملة وتفصيال ‪.‬‬
‫والثالثة واألخيرة ‪ :‬أن من جملة مضمون األوامر اإللهية العديدة الموجبة لطاعته تعالى واإليمان بكتابه ورد‬
‫جميع األمر إليه من أمثال قوله عز قائال ‪ « :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر‬
‫منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن‬
‫تأويال ﴾ [ النساء ‪ . ] 59 :‬أ‪.‬هـ ( ‪ ) 3‬ويقول شيخ أشياخنا المرحوم األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد حسين الذهبي‬
‫مبينا قيمة تفسي القرآني للقرآن نفسه فقال عليه الرحمة ‪ ( :‬الناظر في القرآن الكريم يجد أنه قد اشتمل على‬
‫اإليجاز واإلطناب ‪ ،‬وعلى اإلجمال والتبيين وعلى اإلطالق والتقييد وعلى العموم والخصوص وما أوجز في‬
‫مكان قد يبسط في مكان آخر ‪ ،‬وما أجمل في موضع قد يبين في موضع آخر وما جاء مطلقا في ناحية قد‬
‫يلحقه التقييد في ناحية أخرى وماكان عاما في آية قد يدخله التخصيص في آية أخرى ‪.‬‬

‫ولهذا كان ال بد لمن يتعرض لتفسير كتاب هللا تعالى أن ينظر في القرآن أوالً فيجمع ما تكرر منه في موضوع‬
‫واحد ‪ ،‬ويقابل اآليات بعضها ببعض ليستعين بما جاء مسهبا على معرفة ما جاء موجزا ‪ ،‬وبما جاء مبيئا‬
‫على فهم ما جاء مجمالً ‪ ،‬وليحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص ‪ ،‬وبهذا يكون قد فسر القرآن‬
‫بالقرآن وفهم مراد هللا بما جاء عن هللا ‪ ،‬وهذه مرحلة ال يجوز ألحد مهما كان أن يعرض عنها ويتخطاها إلى‬
‫مرحلة أخرى ألن صاحب الكالم أدرى بمعاني كالمه وأعرف بـه مـن غيره وعلى هذا فمن تفسير القرآن‬
‫بالقرآن ‪ :‬أن يشرح ما جاء موجزا في القرآن بما جاء في موضع آخـر مسهبا كقصة آدم وإبليس جاءت‬
‫مختصرة في بعض المواضع ‪ ،‬وجاءت مسهبة مطولة في موضع آخر ‪ ،‬وكقصة‬
‫موسى وفرعون جاءت موجزة في بعض المواضع وجاءت مسهبة مفصلة في موضع آخر ‪ .‬ومن تفسير‬
‫القرآن بالقرآن ‪ :‬أن يحمل المجمل على المبين ليفسر ـ به وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن ‪ ،‬فمن ذلك تفسير قوله‬
‫تعالى ‪ ( :‬وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ﴾ [ غافر ‪ . ] ۲۸ :‬بأنه العذاب األوفى المعجل في الدنيا‬
‫بقوله تعالى في آخر هذه السورة ‪ « :‬فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ [ غافر ‪:‬‬
‫‪. ] ۷۷‬‬
‫ومنه تفسير قوله تعالى ‪ « :‬ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميال عظيما ) [ النساء ‪ ] ٢٧ :‬بأهل‬
‫الكتاب لقوله تعالى في السورة نفسها ‪ « :‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضاللة ويريدون‬
‫أن تضلوا الشبيل » [ النساء ‪. ] ٤٤ :‬‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ :‬فتلقى آدم من ربه كلمات ﴾ [ البقرة ‪ » ] 37 :‬فسرتها ‪ « :‬قاال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم‬
‫تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ [ األعراف ‪ . ] ٢٣ :‬ومنه قوله تعالى ‪ « :‬ال تدركه األبصار )‬
‫[ األنعام ‪ ] 103 :‬فسرتها آية « إلى ربها ناظرة » [ القيامة ‪ ، ] ٢٣ :‬ومنه قوله تعالى ‪ ( :‬أحلت لكم بهيمة‬
‫األنعام إال ما يثلى عليكم » [ المائدة ‪:‬‬
‫‪ ] ۱‬فسرتها آية « حرمت عليكم الميتة ( ‪ [ ) 1‬المائدة ‪ ] 3 :‬من السورة نفسها ‪ .‬ومن تفسير القرآن بالقرآن‬
‫حمل المطلق على المقيد ‪ ،‬والعام على الخاص فمن األول ‪ :‬ما نقله الغزالي عن أكثر الشافعية من حمل‬
‫المطلق على المقيد في صورة اختالف الحكمين‬
‫اتحاد السبب ‪ ،‬ومثل له بآية الوضوء والتيمم فإن األيدي مقيدة في الوضوء بالغاية في قوله تعالى ‪« :‬‬
‫فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ﴾ [ المائدة ‪ ] 6 :‬ومطلقة في التيمم في قوله في اآلية نفسها «‬
‫فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) [ المائدة ‪ ] 6 :‬فقيدت في التيمم بالمرافـق أيضا ‪ .‬ومن أمثلته أيضا عند‬
‫بعض العلماء ‪ :‬آية الظهار مع آية القتل ففي كفارة الظهار يقول هللا تعالى ‪ « :‬فتحرير رقبة ﴾ [ المجادلة ‪3 :‬‬
‫] وفي كفارة القتل ‪ « :‬فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ النساء ‪ ] ۹۲ :‬فيحمل المطلق في اآلية األولى على المقيد في‬
‫اآلية الثانية بمجرد ورود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع عند هذا البعض من العلماء ( ‪ ۱‬ثم يقـول عليه‬
‫الرحمة ‪ ( :‬ومن الثاني ‪ :‬نفي الخلة والشفاعة على جمـة العمـوم في قوله تعالى ‪ « :‬ياأيها الذين آمنوا أنفقوا‬
‫مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ال يبع فيه وال خلة وال شفاعة والكافرون هم الظالمون ﴾ [ البقرة ‪] ٢٥٤ :‬‬
‫وقد استثنى هللا المتقين من نفي الخلة في قوله ‪ « :‬األخالء يؤميذ بعضهم لبعض عدو إال المتقين ﴾ [ الزخرف‬
‫‪ ] 67 :‬واستثنى ما أذن فيه من الشفاعة بقولة ‪ « :‬وكم من ملك في السماوات ال تغني شفاعتهم شيئا إال‬
‫مـن بعد أن يأذن هللا لمن يشاء ويرضى ﴾ [ النجم ‪:‬‬
‫ومن تفسير القرآن بالقرآن ‪ :‬الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف كخلق آدم مـن تـراب في بعض اآليات ومن طين‬
‫في غيرها ‪ ،‬ومن حمأ مسنون ‪ ،‬ومن صلصال ‪ ،‬فإن هذا ذكر لألطـوار التي مر بها آدم من مبدأ خلقه إلى نفخ‬
‫الروح فيه ‪،‬‬

‫المقصد الثاني ‪ :‬هل القراءات مطلقا تعد من قبيل تفسير القرآن بالقرآن أم القراءات المتواترة دون غيرها ؟ !‬

‫مما ال يمكن إخراجه عن هذا القسم _أعني تفسير القرآن بالقرآن_ بيان بعض القراءات لبعض آخر منها ‪.‬‬
‫وأعني بذلك القراءات المتواترة فإن من يفسر القرآن بقراءات متواترة كان صنيعه من قبيل تفسير القرآن‬
‫بالقرآن ألن كل قراءة متواترة تثبت بها القرآنية تصلح ألن تبين قراءة متواترة أخرى أما غير المتواترة فال‬
‫ألن أقصى ما تصل إليه أن تكون من قبيل تفسير القرآن بالسنة الصالحة للحجية الثابتة النسبة إلى رسول ہللا‬
‫ﷺ وذلك إلجماع األمة سلفا وخلفا على عدم عد شيء من القراءات الشاذة _ أعني غير المتواترة _ من‬
‫القرآن أصال ‪ .‬وبهذا يتبين لك خطأ ‪.‬‬
‫أ من يعمدون إلى طائفة من القراءات الشاذة ويأخذونها مثاالً لما هو من تفسير قراءة ألخرى وهذا ليس‬
‫بسديد وال يستقيم في معيار الحق والنصفة ‪ .‬من أنواع القراءات _ على وجه التفسير كقراءة سعد بن أبي‬
‫وقاص " وله أخ أو ‪ -‬أخت من أم " أخرجها سعيد بن منصور ‪ ،‬وقراءة ابن عباس " ليس عليكم جناح أن‬
‫تبتغوا فضال من ربكم في مواسم الحج " أخرجها البخاري وقراءة ابن الزبير " ولتكن منكم أمة يدعون‬
‫إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون باهلل على ما أصابهم " ‪ ،‬قال عمرو ‪ :‬فما‬
‫أدري أكانت قراءته أم فسر ؟ ! أخرجه سعيد بن منصور وأخرجه األنباري وجزم بأنه تفسير ‪ ، ..‬وأخرج عن‬
‫الحسن أنه كان يقرأ " وإن منكم إال واردهـا الـورود‬
‫الدخول " قال األنباري ‪ :‬قوله الورود ‪ :‬الدخول تفسير من الحسن لمعنى الورود‬
‫من أمثلة القراءات المتواترة‪:‬‬
‫ومن ذلك أيضا قراءة ابن كثير قوله تعالى في الموضع األخير من سورة براءة " وأعد لهم‬
‫جنات تجري من تحتها األنهار " بزيادة " من " مع قراءة الجمهور بحذفها في هذا الموضع ( ‪ . ) ۱‬فإن في‬
‫قراءة اإلثبات من البيان لقراءة الحذف ما يمكن نظمه في سلك بيان المجمل وذلك أن قراءة الحذف ال نص‬
‫فيها على مبتدأ جريان األنهار ‪ ،‬بل كل ما فيها أن األنهار تجري تحت الجنة وهو أعم كما ترى من أن يكون‬
‫تحت الجنـة هـو منبع تلك األنهار ومبتدأ جريانها وأن يكون منبعها ومبتدأها موضع آخر يعلم هللا به ‪ ،‬غاية‬
‫األمر أن جريانها تحت الجنة فأتت قراءة اإلثبات مبينة لها ونضا في أن منبع تلك األنهار ومبتدأ جريانهـا هـو‬
‫كذلك تحت الجنة ‪ .‬ومن ذلك أيضا قراءة حمزة والكسائي " يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا "‬
‫مع قراءة الجمهور " فتبينوا " ( ‪ ) ٢‬فإن في قراءة الجمهور من البيان الزائد على قراءتها ما ال يخفى على‬
‫المتأمل وذلك أن التثبت هو كما يقول أهل اللغة والتفسير التوقف وطلب الثبات والتأني إلى أن يتضح الحال‬
‫أعم من أن يكون منشأ ذلك االتضاح من االستطالع وبذل الجهد في التعرف ‪ ،‬على حين أن التبين هـو كما‬
‫يقول أهل اللغة والتفسير كذلك_ طلب البيان والتصفح فالقراءة به إذن بمقتضى عدم االكتفاء بمجرد التوقف‬
‫والتأني إلى أن ينجلي األمر ولو بنفسه ‪ ،‬بل أن نبذل نحن من الجهد في طلب التجلي ما يحصله ويعجل به‬
‫وهللا أعلم بأسرار كتابه العظيم ‪.‬‬
‫وأيا ما يكن األمر فقد رأيت أن في بعض القراءات المتواترة من مزيد البيان والتفسير لبعض آخر منها ما‬
‫يمكن نظمه في سلك ما قلناه وال سيما ما كان من قبيل بيان المجمـل وأن في االقتصار على التمثيل به في هذا‬
‫الصدد ما يغني أتم الغناء ‪ ،‬بل يمنع كذلك أقطع المنع من التزيد عليه‬
‫المقصد الثالث ‪ :‬هل داللة السياق تعد من قبيل تفسير القرآن ؟‬

‫مما ال شك فيه أن داللة السياق ال تخرج عما عده المحققون من تفسير القرآن بالقرآن من بيان المجمل‬
‫وتقييد المطلق وتخصيص العام وتنوع الداللة وغير ذلك فهو مما ال يجب أن يغفل عنه المفسر أو يفرط فيه‬
‫وفي بيان ذلك نذكر لك كلمة الزركشي‪ -‬في برهانه وذلك حيث يقول تحت عدوان ‪ ( :‬األمور التي تعين على‬
‫المعنى عند اإلشكال ‪ ( :‬الرابع ‪ :‬داللة السياق فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد‬
‫وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الداللة ‪ ،‬وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم‬
‫داللة السياق أيضا ً التي تدخل تحت المصدر األول للتفسير بالمأثور ‪ ،‬مثال المعية في قوله تعالى ‪ ( :‬وهو‬
‫معكم أين ماكنتم » [ الحديد ‪ ] 4 :‬وقوله « وال أدنى من ذلك وال أكثر إال هو معهم أين ما كانوا ﴾‬
‫[ المجادلة ‪ ] 7 :‬فإنها في اآليتين الكريمتين محمولة على المعية العامة بإحاطة العلم بقرينة السياق واللحاق‬
‫أال ترى كيف أن سياقها في كلتا اآليتين حديث إحاطة عن علمه تعالى حيث قال جل ذكره في أوالها ‪ « :‬يعلم‬
‫ما يلج في األرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) [‪ .‬وقال في الثانية ‪ ( :‬ألم تر أن هللا‬
‫يعلم ما في السماوات وما في األرض ما يكون من نجوى ثالثة إال هو رابعهم وال خمسة إال هو سادسهم )‬
‫[ المجادلة ‪. ] 7 :‬‬
‫وإن لحاقها حديث عن علمه المحيط كذلك حيث قال عقبها في أول اآليتين ( وهللا بما تعملون بصير وفي‬
‫آخرتها ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة إنّ هللا بكل شيء عليم [ المجادلة ‪. ] 7 :‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تفسير القرآن بالسنة وفيه مقاصد ‪ :‬المقصد األول ‪ :‬بيان أهمية تفسير السنة للقرآن ‪،‬‬
‫وبالجملة ‪ :‬فتفسير رسول هللا ﷺ للقرآن يأتي في المرتبة الثانية من األهمية ‪ -‬بعـد القـرآن نفسه ألن رسول‬
‫ہللا ﷺ هو المبلغ عن هللا وحيه وهو الذي وكل إليه مهمة البيان فـال أعلم بكالم هللا بعد هللا تعالى من رسول‬
‫ہللا ﷺ وهذا أمر أجمع عليه أهل السنة والجماعة من أمة اإلسالم سلفا وخلفا ً وقال ثانيهم ‪ ( :‬أحسن طرق‬
‫التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فقد فصل في موضع آخر ‪ ،‬وما اختصر في مكان فإنه قد‬
‫بسط في آخر ‪ ،‬فإن اعياك ذلك فعليك بالسنة ‪ ،‬فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ‪ ،‬قال تعالى ‪ « :‬وما أنزلنا‬
‫عليك الكتاب إال لثبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ [ النحل ‪ ، ] 64 :‬ولهذا قال ﷺ ‪:‬‬
‫« أال إني أوتيت الكتـاب ومـثله معـه " يعـني السـنـة فـإن لم يوجـد يرجع إلى أقـوال الصحابة ‪.....‬ـ )‬
‫المقصد الثاني ‪ :‬اتجاهات بيان النبي ﷺ للقرآن الكريم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مما ال شك فيه أن ما روى عن الرسول ﷺ من تفسير للقرآن أكثر حاالته تفسيرا لغويا ؛ ألن القرآن قد‬
‫خاطب العرب بما يفهمون ‪ ،‬وما نفذ الذكر الحكيم إلى قلوبهم إال لوضوحه في عقولهم ونصوعه في أذهانهم‬
‫وهم بعد أهل اللغة وخبراؤها الثقات إال ما وجـد مـن كلـمات كانت تغيب معانيها عن فريق دون فريق ومثال‬
‫ذلك ‪ ( :‬البضع ) في قوله تعالى ‪ « :‬فلبث في السجن يضع سنين » [ يوسف ‪ ] ٤٢ :‬فقد روى ابن عباس ‪:‬‬
‫أن رسول ہللا ﷺ قد قال ‪ « :‬إن البضع ما بين الثالث والتسع من السنوات » ‪ ( .‬المهل ) فقد روى أبو سعيد‬
‫الخدري وبدراسة ما روى من التفسير النبوي نجد أنه اتجه إلى ثالثة أنواع ‪ :‬النوع األول ‪ :‬يكشف عن‬
‫المعاني المجهولة أللفاظ ال يوحى بها المنطوق ‪ .‬ومن أمثلته ‪:‬‬
‫أـ عن عبد هللا بن مسعود ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬لما نزل قول هللا عز وجل ‪ « :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا‬
‫إيمانهم يظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون﴾ [ األنعام ‪ ] ٨٢ :‬شـق ذلك على المسلمين فقالوا ‪ :‬يا رسول هللا‬
‫وأينا ال يظلم نفسه ‪ .‬قال ‪ « :‬ليس ذلك وإنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان البنه ‪ « :‬يابني ال تشرك‬
‫باهلل إن الشرك لظلم عظيم﴾ [ لقمان ‪:‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬جاء تفسير الرسول ﷺ منه في السياق اإلرشادي العام ومثله كثيرة منها ‪ :‬أـ روى ابن‬
‫مسعود أن رسول ہللا ﷺ وعظ الناس فقال ‪ « :‬إن الشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد‬
‫بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ‪ ،‬فمن وجد ذلك فليعلم أنه من هللا فليحمده‬
‫ومن وجد األخرى فليتعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ « :‬الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم‬
‫بالفحشاء وهللا يعدم مغفرة منه وفضال وهللا واسع عليم » [ البقرة ‪» ] ٢٦٨ :‬‬
‫ب‪ -‬عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال ‪ :‬قال تعالى وقوله الحق ‪ " :‬إذا هم عبـدي عبـدي بحسنة فاكتبوها له‬
‫حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشرة أمثالها ‪ ،‬فإذا هم بسيئة فال تكتبوها فإن عملها فاكتبوها بمثلها فإن‬
‫تركها فاكتبوها حسنة " ( ‪ ) ١‬ثم تال قول هللا ‪ « :‬من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالشيئة فال‬
‫يجزى إال مثلها وهم ال يظلمون » [ األنعام ‪160 :‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬البيان النبوي للقرآن في مجال السؤال والجواب‬
‫ويمثل له بالكثير من ذلك ‪ :‬أ ‪ .‬قالت عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪-‬سمعت رسول ہللا ﷺ یقول ‪ « :‬ليس أحـد‬
‫يحاسب إال هلك » ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول هللا جعلني هللا فداك أليس يقول هللا تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه *‬
‫فشوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾ [ االنشقاق ‪ ] ۸ ، ۷ :‬قال ‪ :‬ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك (‬
‫‪.)٢‬‬

‫المقصد الثالث ‪ :‬أوجه تفسير السنة للقرآن‬


‫فإن للسنة النبوية المطهرة في بيانها للقرآن الكريم وجوها ً متعددة أيضا ً ويمكن أن نجليها للقارئ الكريم على‬
‫النحو التالي ‪ :‬أوال ‪ :‬فسرت السنة المطهرة القرآن الكريم ذلك ببيان بعض مجمله ( ‪. ) ۱‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما جاء في القرآن من فرض الصالة ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬والحج وما إلى ذلك مما جاء‬
‫مجمالً ‪ ،‬فتولت السنة المطهرة بتفصيل أمرها بأقواله ﷺ وأفعاله أو كليهما معا ً تفصيالً ماكنا بدونه أن نتفهم‬
‫المقصود ‪ ،‬وال أن نأتي به على وجه المفروض ‪.‬‬
‫لقد حج ﷺ بالناس حجة الوداع وفصل لهم مناسكه أتم تفصيل ‪ .‬وقال لهم ‪ " :‬فخذوا عني مناسككم " ولقد‬
‫صلى رسول هللا الصلوات الخمس كا علمه الوحي إياها وعرفه عدد ركعاتها وسجودها وقيامها وبيان أوقاتها‬
‫المحددة وعلم ذلك أصحابه وقال لهم ‪ « :‬صلوا كما رأيتموني أصلي » ( ‪ . ) ٢‬وهكذا الشأن في الزكاة أمر‬
‫القرآن بها ‪ ،‬وبين مصارفها لكنه لم يبين مقدارها وال األموال التي تؤخذ منها ففصلت ذلك كله السنة ثانيا ‪:‬‬
‫تفسير النبي ﷺ للقرآن جاء من قبيل تخصيص عمـوم القـرآن ببيانه القـولي والفعـلي كتخصيص العموم في‬
‫قوله ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ [ النور ‪ ] ٢ :‬بغير المحصن أما المحصن فحده‬
‫الرجم حتى الموت وكتخصيص الظلم بالشرك في قوله تعالى ‪ « :‬الذين آمنوا ولم يلبيشوا إيمانهم يظلم »‬
‫[ األنعام ‪. ] ٨٢ :‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬بيان النبي ﷺ للقرآن جاء من قبيل تقييد المطلق كتقييده الحساب اليسير بالعرض وتقييده األيدي في‬
‫قوله تعالى ‪ « :‬والشارق والشارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة ‪ ] 38 :‬باإليمان حيث فعل ذلك في قطع يد‬
‫السارق فقد روى النسائي وأبو داود والدار قطني أن النبي ﷺ أتى بسارق فقطع يده ‪ : ،‬ثم أتى به الثانية‬
‫فقطع رجله ثم أتى به ثالثة فقطع يده ثم أتى به رابعة فقطع رجله ‪.‬‬
‫( ‪ . ) ۲‬رابعا ً ‪ :‬بيان النبي ﷺ للقرآن جاء من قبيل إيضاحه لبعض مبهماته‬
‫‪ .‬ومن بيانه ﷺﷺ لبعض مبهات القرآن تفسيره لقوله تعالى ‪ « :‬فبدل الذين ظلموا قوال غير الذي قيل لهم ﴾‬
‫[ البقرة ‪ ] 59 :‬حيث قال كما جاء في صحصح البخاري ‪ ( :‬بأنهم دخلوا يزحفون على أستاهم وقالوا حبة في‬
‫شعيرة أي بدال من أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة ) ( ‪ ) ٢‬فبنوا إسرائيل قيل لهم ‪ :‬حطة ‪ :‬أي اللهم‬
‫احطـط عنا ذنوبنا فقالوا ‪ :‬استخفافا ً ‪:‬‬
‫خامسا ‪ :‬بيان النبی ﷺ للفظ جاء غامضا ً على البعض مما ترتب عليه إشكال في الفهم عنده لكونه مستعمالً‬
‫في معنى مجازي وظن السامع أنه على سبيل الحقيقة كما في قوله تعالى ‪ « :‬وح ّتى يتبين لكم الخيط األبيض‬
‫من الخيط األسود من الفجر ﴾ [ البقرة ‪ ] 187 :‬فقد روى األئمة بأجمعهم ‪.‬‬
‫قال عدي بن حاتم ‪ :‬لما نزلت هذه اآلية عمدت إلى عقالين لي أسود وأبيض فجعلتها تحت وسادتي ‪ ،‬وجعلت‬
‫أنظر في الليل إليها فال يستبين لي ‪ ،‬فعمدت إلى رسول ہللا ﷺﷺ فذكرت ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنما ذلك سواد الليل‬
‫وبياض النهار ونزل قوله تعالى ‪ « :‬من الفجر ‪ .‬سادسا ‪ :‬بيان النبي ﷺ للقرآن جاء في ‪ :‬دفعه لما استشكل‬
‫به نصارى نجران على أخـوة مريم لهارون يعنون أخا موسى‪ -‬عليها السالم‪ -‬مع أن بينها وبين موسى كذا‬
‫وكذا من السنين فدفعه ﷺ بأن ليس المقصود هارون النبي بل هو آخر في عهدها سمي باسمه ‪ .‬فقد أخرج‬
‫القصة أحمد ومسلم والنسائي والترمذي عن المغيرة بن شعبة قال واللفظ لمسلم ‪ ( :‬لما قدمت نجران سألوني‬
‫فقال ‪ :‬إنكم تقرؤون " يا أخت هارون وموسى قبل عيسى‪ -‬بكذا وكذا ‪ ،‬فلما قدمت على رسول ہللا ﷺ سألته‬
‫عن ذلك فقال ‪ " :‬إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ( ‪. ) 1‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬بيان النبي ﷺ للقرآن وذلك ‪ :‬بأن يذكر لنا الصحابة رضوان هللا عليهم أجمعين أن آية كذا نسخت‬
‫تالوة وحكما ً أو تالوة فقط وبقيت حكما ً أو حكما ً فقط وبقيت تالوة دون أن يكون في القرآن نفسه ما يدل على‬
‫هذا النسخ فتعلم بذلك أنهم ما قالوه إال تلقيا ً من بيانه ﷺ لهم ‪.‬‬
‫أ ‪ .‬مثال ما نسخت تالوته وحكمه ‪ :‬ما نسخ من القرآن في حياة الرسول ﷺﷺ ( ‪ ) ۲‬کـا هـو الشأن في‬
‫القرآن الذي أنزل في الرضاع ودل عليه حديث عائشة رضي هللا عنها حيث قالت ‪ ( :‬كان فيها أنـزل مـن‬
‫القـرآن عشر ‪ -‬رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات وتوفي رسول هللا ﷺ وهن فيما يقرأ من‬
‫القرآن ) وهو حديث صحصح وإن كان موقوفا ً على عائشة رضي هللا عنها‪ -‬مثال ما نسخت تالوته وبقي‬
‫حكمه ما روي عن عمر ابن الخطاب وأبي بن كعـب أنها قاال ‪ ( :‬كان فيهما أنزل من القرآن ‪ :‬الشيخ والشيخة‬
‫إذا زنيـا فارجموها البتة ) أ ‪ .‬هـ ( ‪ . ) 1‬وأنت تعلم أن هذه اآلية لم يعدلها وجود بين دفتي المصحف وال على‬
‫ألسنة القراء مع أن حكمها باق ثامنا ً ‪ :‬بيان النبي ﷺ للقرآن ‪ :‬كإفصاحه وتصريحه هو بنفسه لمجيئ غاية‬
‫انتهاء عمل بحكم قـد نص عليها في القرآن الكريم كبيانه ﷺ مجيئ غاية اإلمساك الالتي يأتين الفاحشة في‬
‫البيوت حتى يتوفاهن الموت المنصوص عليها في قوله جل ذكره ‪ « :‬أو يجعل هللا لهن سبيال ﴾ [ النساء ‪:‬‬
‫‪ ] 15‬بيانه أن ذلك هو الحكم اآلتي بعد ذلك في قوله سبحانه في سورة النور ‪ « :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل‬
‫واحد منهما مائة جلدة﴾ [ النور ‪ ] ٢ :‬دل على ذلك البيان قوله ﷺ في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره عن‬
‫عبادة بن الصامت أن النبي قال ‪ « :‬خذوا عني قد جعل هللا لهن سبيال البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ( وفي‬
‫رواية وتغريب عام ) ‪ ،‬والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » ( ‪. ) ۲‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬بيان النبي ﷺﷺ للقرآن يتمثل في بيانه لكون النص القرآني شاهداً لما يقـول أو يفعـل أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫أ قوله ألبي سعيد بن المعلى وقد دعاه وهو يصلي فلم يجبه أبو سعيد حتى أتم صالته " ما منعك أن تأتيني‬
‫" ؟ فقلت يا رسول هللا إني كنت أصلي ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ألم يقل هللا استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم " ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ " :‬إني ألعلمنك سورة هي أعظم السـور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد " ثم أخذ بيدي ‪ ،‬فال‬
‫أراد أن يخرج قلت له ‪ :‬ألم تقل ألعلمنك سورة هي أعظم سور القرآن ؟ قال ‪ " :‬الحمد هلل رب العالمين هي‬
‫السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " الحديث أخرجه البخاري بسنده عن أبي سعيد بن المعلى ( ‪. ) ٢‬‬
‫عاشرا ‪ :‬بيان النبي ﷺ للقرآن يتجلى في بيانه ﷺﷺ أن المنطوق لآلية الكريمة ال مفهوم له ؛ لكونه قيدا‬
‫خرج مخرج الغالب عند نزول اآلية وليس قيدا قصد به اإلخراج واالحتراز وذلك كحديث يعلى بن أمية قال ‪:‬‬
‫سألت عمر بن الخطاب قلت له قوله ‪ « :‬فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصالة إن خفتم أن يفتنكم الذين‬
‫كفروا ) أمن الناس فقال لي عمر رضي هللا عنه عجبت مما عجبت منه فسألت رسول ہللا ﷺﷺ عن ذلك‬
‫فقال ‪ :‬صدقة تصدق هللا بها عليكم فاقبلوا صدقته ( ‪ . ) ۱‬قال الحافظ ابن كثير رحمه هللا قبل سوقه هذا‬
‫الحديث في تفسير اآلية الكريمة وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ﴾ [ النساء ‪ ، ] ١٠١ :‬فقد يكون هذا خرج‬
‫مخرج الغالب حال نزول هذا اآلية فإن مبدأ اإلسالم بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة بل ماكانوا‬
‫ينهضون إال إلى غزو عام أو في سرية خاصة وسائر األحياء حرب لإلسالم وأهله والمنطوق إذا خرخ مخرج‬
‫الغالب أو على حادثة فال مفهوم له كقوله تعالى ‪ ( :‬وال تكرهوا فنياتكم على البغاء وقال القرطبي ‪ :‬التاسعة‬
‫قوله تعالى ( وإن خفتم » خرج الكالم على الغالب إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في األسفار ولهذا قال‬
‫يعلى بن أمية ‪ :‬قلت لعمر ‪ :‬ما لنا نقصر ‪ .‬وقـد أمنا قال عمر عجبت منه فسألت رسول ہللا ﷺ عن ذلك‬
‫فقال ‪ :‬صدقة تصدق هللا بها عليكم فاقبلوا صدقته » ‪ .‬ا‪.‬هـ ( ‪. ) ۳‬‬

‫حادي عشر ‪ :‬ومن بيان النبي ﷺﷺ للقرآن بيان التأكيد ‪ :‬كأن يقرأ رسول ہللا ﷺ نصا قرآنيا ثم يقول على‬
‫أثر ذلك ما هو جلي االستفادة من النص على وجه التأكيد لذلك ومزيـد الترسيخ له في قلب السامع كالذي‬
‫رواه الشيخان وغيرها واللفظ للبخاري عن عائشة قالت ‪ :‬تال رسول ہللا ﷺ هذه اآلية « هو الذي أنزل عليك‬
‫الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه‬
‫ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما‬
‫يذكر إال أولو األلباب » [ آل عمران ‪. ] 7 :‬‬
‫قالت قال رسول ہللا ﷺ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فألئك الذين سمى‬
‫هللا‬
‫فاحذرهم » ( ‪. ) 4‬‬
‫ثاني عشر ‪ :‬ومن بيان النبي ﷺ للقرآن مطلق شرحه ﷺﷺ لبيان معنى شيء من مفردات القرآن أو تركيبه‬
‫كالذي ‪:‬‬
‫( أ ) أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسـن عـن أبي سعيد الخدري عن رسول ہللا ﷺ قال ‪ « :‬ويل واد في‬
‫جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره » ( ‪ ( . ) 1‬ب ) وكالذي أخرجه أحمد بعين سند هذا‬
‫الحديث‬
‫ثالث عشر ‪ :‬من بيان النبي ﷺ للقرآن سبب النزول ‪ :‬والذي ال يظهر دخول بعضه في شيء مما تقدم وذلك‬
‫أن سبب النزول سواء منه ما يمكن دخوله تحت قوله ﷺ أو فعله أو تقريره وما ال يمكن فيه ذلك هو كله من‬
‫قبيل السنة ‪ :‬إما المرفوعة بالفعل في األول وإما لها حكم المرفوع قطعا كما في الثاني ‪.‬‬
‫أما األول ‪ :‬وهو ما يمكن دخوله تحت قوله ﷺ أو فعله أو تقريره فظاهر ‪.‬‬
‫أما اآلخر ‪ :‬وهو ما ال يمكن فيه مثل ذلك الدخول فإنما كان من السنة اآلخذة حكم المرفوع إليه ﷺﷺ لكونه‬
‫فيما ال مجال للرأي فيه وال هو من المسائل التي ال يمكن أخذها عن بني إسرائيل حتى وإن عرف راويه من‬
‫الصحابة باألخذ عنهم (‬
‫المقصد الرابع‪ :‬القدر الذي بينه النبي من القرآن‬
‫‪ .‬أما اختالف المختلفين‪ -‬والذي يعد مفاد اإلجابة عن التساؤل‪ -‬إنما هو فيما يتعلق بتفسير النبي ﷺ لكل‬
‫كلمات القرآن التي انتظمتها آياته ‪ .‬والناس في هذا االختالف فريقان ‪ :‬أحدها ‪ :‬قاض بكون النبي ﷺ لم يبين‬
‫إال بعض القرآن الذي احتاج الصحابة إلى بيانه مما خفي عليهم فهمه واستشكل أمره وهذا قليل وهو ما عليه‬
‫جمهور المحققين من العلماء ‪ .‬ثانيها ‪ :‬قضى أصحابه بكون بيانه ﷺ كان لجميع القرآن‪.‬وسنقتصر هنا على‬
‫بيان المذهب الراجح في المسألة – أعني المذهب األول‪ -‬وقد انتصر ‪ .‬له كثيرون‬
‫قال السيوطي معقبا ‪ :‬قلت ‪ :‬الذي صح من ذلك قليل جدا بل أصل المرفوع منه في غاية القلة وسأسردها كلها‬
‫في آخر الكتاب إن شاء هللا تعالى ‪ .‬اهـ وأما القرآن فتفسيره ‪ .‬على وجه القطع ال يعلم إال بأن يسمع من‬
‫الرسول ﷺ وذلك متعذر إال في آيات قالئل ‪ ،‬فالعالم بالمراد يستنبط بأمارات ودالئل والحكمة فيه أن هللا تعالى‬
‫أراد أن يتفكر عبـاده في كتابه فلم يأمر نبيه ﷺ بالتنصيص على المراد في جميع آياته ( ‪ . ) ۲‬اهـ كالمه‬
‫رحمه هللا تعالى ولعل الحكمة من ‪ .‬عدم شمول بيان الرسول لجميع آي القرآن وكلمات تعود إلى ما أراده هللا‬
‫تعالى من العباد أن يدبروا آياته ويتفكروا في كلمات كتابه كما نطقت بذلك بعض آياته ‪ « :‬كتاب أنزلناه إليك‬
‫مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو األلباب » [ ص ‪ . ] ٢٩ :‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫ص ‪66‬‬

You might also like