Professional Documents
Culture Documents
الباب األول
ويشتمل على ثالثة فصول :
لفصل األول :أقسام التفسير من حيث معرفته وأقسام تلك المعرفة .
الفصل الثاني :أقسام التفسير من جهة استمداده .
الفصل الثالث :تدوين التفسير وتاريخه .
( ) 46
الفصل األول :أقسام التفسير من حيث معرفته وأقسام تلك المعرفة .
:أولى هذه االعتبارات :أن ينظر إلى التفسير من حيث معرفته وأقسام تلك المعرفة التي فصلتها رواية ابن
جرير الطبري بسنده عن ابن عباس قال :التفسير على أربعة أوجه :وجه تعرفه العرب من كالمها ،وتفسير
ال يعذر أحد بجهالته ،وتفسير يعلمه العلماء وتفسير ال يعلمه أحد إال هللا أ.هـ ( . ) 1
وقد وفت بشرح هذه األقسام التي انتظمتها رواية ابن جرير الطبري عبارة اإلمام بدر الدين الزركشي وذلك
حيث طيب هللا ثراه [ :أقسام التفسير ] وقد روى عبد الرزاق ( ) ٢في تفسيره :حدثنا الثوري عن ابن
عباس أنه قسم التفسير إلى أربعة أقسام :قسم تعرفه العرب في كالمها ،وقسم ال يعذر أحد بجهالته يقول من
الحالل والحرام ،وقسم يعلمه العلماء خاصة ،وقسم ال يعلمه إال هللا ومن ادعى علمه فهو كاذب ،وهذا
تقسيم صحيح .
فأما الذي تعرفه العرب :فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم وذلك شأن اللغة واإلعراب .فأما اللغة فعلى المفسر
معرفة معانيها ومسميات أسمائها وال يلزم ذلك القارئ ،ثم إن كان ما تتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم
كفى فيه خبر الواحد واالثنين واالستشهاد بالبيت والبيتين وإن كان مما يوجب العلم لم يكـف ذلك ،بل ال بد أن
يستفيض ذلك اللفظ وتكثر شواهده من الشعر .وأما اإلعراب فماكان اختالفه محيال للمعنى وجب على المفسر
.والقارئ تعلمه ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم وليسلم القارئ من اللحن وإن لم يكن محيال للمعنى وجب
تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن وال يجب على المفسر ليتوصل إلى المقصود دونه على أن جمله نقص في
حق الجميع .إذا تقرر ذلك :فما كان من التفسير راجعا إلى هذا القسم فسبيل المفسر التوقف فيه على ما ورد
في لسان العرب ،وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من الكتاب العزيز ،وال يكفي في
حقه تعلم اليسير منها ،فقد يكون اللفظ مشتركا وهـو يعلم أحد المعنيين .الثاني :ما ال يعذر واحد بجهله :
وهـو مـا تتبادر األفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع األحكام ودالئل التوحيد ،وكل لفظ
أفاد معنى واحدا جليا ال سـواه يعلم أنه مراد هللا تعالى .
فهذا القسم ال يختلف حكمه وال يلتبس تأويله إذ /3كل أحد يدرك معنى التوحيـد مـن قـوله تعالى « :فاعلم أنه
ال إله إال هللا » [ محمد ] ١٩ :وأنه ال شريك له في إلهيته وإن لم يعلم أن " ال " موضوعة في اللغة للنفي و
" إال " لإلثبات ،وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى « :وأقيموا
الصالة وآتوا الزكاة ﴾ [ البقرة ] 43 :ونحوها مـن األوامـر طـلـب إدخـال ماهيـة المـأمور بـه في الوجـود (
) 1وإن لم يعـام أن صيغة " أفعل " مقتضاها الترجيح وجوبا أو ندبا ،فما كان من هذا القسم ال يقدر أحد
يدعي الجهل بمعاني ألفاظه ألنها معلومة لكل أحد بالضرورة .الثالث :ما ال يعلمه إال هللا تعالى :فهو ما
يجري مجرى الغيوب نحو اآلي المتضمنة قيام الساعة ونزول الغيث وما في األرحام ،وتفسير الروح ،
والحروف المقطعة ،وكل متشابه في القرآن عنـد أهـل الحـق فـال مساغ لالجتهاد في تفسيره ،وال طريق إلى
ذلك إال بالتوقيف من أحد ثالثة أوجه :أحدها :إما نص من التنزيل .ثانيها :أو بيان من النبي ﷺ ثالثها :
أو إجماع األمة على تأويله ،فإذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات علمنا أنه مما
استأثر هللا تعالى بعلمه .
والرابع :ما يرجع إلى اجتهاد العلماء :وهذا الذي يغلب عليه إطالق التأويـل وهـو صرف اللفظ إلى ما يأول
إليه ،فالمفسر ناقل والمؤول مستنبط ،وذلك استنباط األحكام وبيان المجمل ،وتخصيص العموم .وكل لفظ
احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي ال يجوز لغير العلماء االجتهاد فيه ،وعلى العلماء اعتاد الشواهد والدالئل ،
وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه .....
الفصل الثاني :أقسام التفسير من جهة استمداده .
المبحث األول :التفسير بالنقل ( المأثور ) وفيه مطالب :هذا القسم من التفسير يمثل صلب الجزء األول من
هذه الدراسة المتعلقة بمناهج المفسرين حيث يتناول تفسير القرآن من جهة النقل سوا أكان هذا المنقول من
القرآن نفسه ،أم كان من السنة النبوية المطهرة ،أم كان التفسير المنقـول مـن أقـوال الصحابة الذين
شاهدوا تنزالت الوحي وعاصروا التنزيل ،أم كان من أقوال التابعين الذين هم في الكثير الغالب أخذوا
تفسيرهم عن الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين .
والتفسير بالمنقول ( المأثور ) سنمهد للحديث عنه بتمهيد هام يتناول :بيان الحديث عن القرآن الكريم من
حيث ماكان فيه من قدر بين بنفسه ال يحتاج إلى بيان ،وماكان فيه من قدر ليس بينا بنفسه ويحتاج إلى ما
يبينه سواء أكان المبين له القرآن أو السنة .هذا والتفسير بالمأثور يتنوع إلى أربعة أنواع :
النوع األول :تفسير القرآن بالقرآن نفسه وبيان أوجه التفسير في ذلك .النوع الثاني :تفسير القرآن بالسنة
النبوية المطهرة وبيان أوجه بيان السنة للقرآن وتحقيـق القول فيما إذا كان البيان النبوي تناول القرآن كله
بما ينتظمه في سكله من ألفاظ وكلمات وآيات أم أن البيان النبوي تناول البعض دون البعض وتحقيق القول
في ذلك .النوع الثالث :تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضوان هللا عليهم أجمعين_ وتحقيق القـول في
المنقول عنهم .النوع الرابع :تفسير القرآن بأقوال التابعين ونقد المروي عنهم .
) ٥٣
تمهيد بين يدي المبحث ،محذوف :
ولهذا كان ال بد لمن يتعرض لتفسير كتاب هللا تعالى أن ينظر في القرآن أوالً فيجمع ما تكرر منه في موضوع
واحد ،ويقابل اآليات بعضها ببعض ليستعين بما جاء مسهبا على معرفة ما جاء موجزا ،وبما جاء مبيئا
على فهم ما جاء مجمالً ،وليحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص ،وبهذا يكون قد فسر القرآن
بالقرآن وفهم مراد هللا بما جاء عن هللا ،وهذه مرحلة ال يجوز ألحد مهما كان أن يعرض عنها ويتخطاها إلى
مرحلة أخرى ألن صاحب الكالم أدرى بمعاني كالمه وأعرف بـه مـن غيره وعلى هذا فمن تفسير القرآن
بالقرآن :أن يشرح ما جاء موجزا في القرآن بما جاء في موضع آخـر مسهبا كقصة آدم وإبليس جاءت
مختصرة في بعض المواضع ،وجاءت مسهبة مطولة في موضع آخر ،وكقصة
موسى وفرعون جاءت موجزة في بعض المواضع وجاءت مسهبة مفصلة في موضع آخر .ومن تفسير
القرآن بالقرآن :أن يحمل المجمل على المبين ليفسر ـ به وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن ،فمن ذلك تفسير قوله
تعالى ( :وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ﴾ [ غافر . ] ۲۸ :بأنه العذاب األوفى المعجل في الدنيا
بقوله تعالى في آخر هذه السورة « :فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ [ غافر :
. ] ۷۷
ومنه تفسير قوله تعالى « :ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميال عظيما ) [ النساء ] ٢٧ :بأهل
الكتاب لقوله تعالى في السورة نفسها « :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضاللة ويريدون
أن تضلوا الشبيل » [ النساء . ] ٤٤ :
ومنه قوله تعالى :فتلقى آدم من ربه كلمات ﴾ [ البقرة » ] 37 :فسرتها « :قاال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ [ األعراف . ] ٢٣ :ومنه قوله تعالى « :ال تدركه األبصار )
[ األنعام ] 103 :فسرتها آية « إلى ربها ناظرة » [ القيامة ، ] ٢٣ :ومنه قوله تعالى ( :أحلت لكم بهيمة
األنعام إال ما يثلى عليكم » [ المائدة :
] ۱فسرتها آية « حرمت عليكم الميتة ( [ ) 1المائدة ] 3 :من السورة نفسها .ومن تفسير القرآن بالقرآن
حمل المطلق على المقيد ،والعام على الخاص فمن األول :ما نقله الغزالي عن أكثر الشافعية من حمل
المطلق على المقيد في صورة اختالف الحكمين
اتحاد السبب ،ومثل له بآية الوضوء والتيمم فإن األيدي مقيدة في الوضوء بالغاية في قوله تعالى « :
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ﴾ [ المائدة ] 6 :ومطلقة في التيمم في قوله في اآلية نفسها «
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) [ المائدة ] 6 :فقيدت في التيمم بالمرافـق أيضا .ومن أمثلته أيضا عند
بعض العلماء :آية الظهار مع آية القتل ففي كفارة الظهار يقول هللا تعالى « :فتحرير رقبة ﴾ [ المجادلة 3 :
] وفي كفارة القتل « :فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ النساء ] ۹۲ :فيحمل المطلق في اآلية األولى على المقيد في
اآلية الثانية بمجرد ورود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع عند هذا البعض من العلماء ( ۱ثم يقـول عليه
الرحمة ( :ومن الثاني :نفي الخلة والشفاعة على جمـة العمـوم في قوله تعالى « :ياأيها الذين آمنوا أنفقوا
مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ال يبع فيه وال خلة وال شفاعة والكافرون هم الظالمون ﴾ [ البقرة ] ٢٥٤ :
وقد استثنى هللا المتقين من نفي الخلة في قوله « :األخالء يؤميذ بعضهم لبعض عدو إال المتقين ﴾ [ الزخرف
] 67 :واستثنى ما أذن فيه من الشفاعة بقولة « :وكم من ملك في السماوات ال تغني شفاعتهم شيئا إال
مـن بعد أن يأذن هللا لمن يشاء ويرضى ﴾ [ النجم :
ومن تفسير القرآن بالقرآن :الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف كخلق آدم مـن تـراب في بعض اآليات ومن طين
في غيرها ،ومن حمأ مسنون ،ومن صلصال ،فإن هذا ذكر لألطـوار التي مر بها آدم من مبدأ خلقه إلى نفخ
الروح فيه ،
المقصد الثاني :هل القراءات مطلقا تعد من قبيل تفسير القرآن بالقرآن أم القراءات المتواترة دون غيرها ؟ !
مما ال يمكن إخراجه عن هذا القسم _أعني تفسير القرآن بالقرآن_ بيان بعض القراءات لبعض آخر منها .
وأعني بذلك القراءات المتواترة فإن من يفسر القرآن بقراءات متواترة كان صنيعه من قبيل تفسير القرآن
بالقرآن ألن كل قراءة متواترة تثبت بها القرآنية تصلح ألن تبين قراءة متواترة أخرى أما غير المتواترة فال
ألن أقصى ما تصل إليه أن تكون من قبيل تفسير القرآن بالسنة الصالحة للحجية الثابتة النسبة إلى رسول ہللا
ﷺ وذلك إلجماع األمة سلفا وخلفا على عدم عد شيء من القراءات الشاذة _ أعني غير المتواترة _ من
القرآن أصال .وبهذا يتبين لك خطأ .
أ من يعمدون إلى طائفة من القراءات الشاذة ويأخذونها مثاالً لما هو من تفسير قراءة ألخرى وهذا ليس
بسديد وال يستقيم في معيار الحق والنصفة .من أنواع القراءات _ على وجه التفسير كقراءة سعد بن أبي
وقاص " وله أخ أو -أخت من أم " أخرجها سعيد بن منصور ،وقراءة ابن عباس " ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضال من ربكم في مواسم الحج " أخرجها البخاري وقراءة ابن الزبير " ولتكن منكم أمة يدعون
إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون باهلل على ما أصابهم " ،قال عمرو :فما
أدري أكانت قراءته أم فسر ؟ ! أخرجه سعيد بن منصور وأخرجه األنباري وجزم بأنه تفسير ، ..وأخرج عن
الحسن أنه كان يقرأ " وإن منكم إال واردهـا الـورود
الدخول " قال األنباري :قوله الورود :الدخول تفسير من الحسن لمعنى الورود
من أمثلة القراءات المتواترة:
ومن ذلك أيضا قراءة ابن كثير قوله تعالى في الموضع األخير من سورة براءة " وأعد لهم
جنات تجري من تحتها األنهار " بزيادة " من " مع قراءة الجمهور بحذفها في هذا الموضع ( . ) ۱فإن في
قراءة اإلثبات من البيان لقراءة الحذف ما يمكن نظمه في سلك بيان المجمل وذلك أن قراءة الحذف ال نص
فيها على مبتدأ جريان األنهار ،بل كل ما فيها أن األنهار تجري تحت الجنة وهو أعم كما ترى من أن يكون
تحت الجنـة هـو منبع تلك األنهار ومبتدأ جريانها وأن يكون منبعها ومبتدأها موضع آخر يعلم هللا به ،غاية
األمر أن جريانها تحت الجنة فأتت قراءة اإلثبات مبينة لها ونضا في أن منبع تلك األنهار ومبتدأ جريانهـا هـو
كذلك تحت الجنة .ومن ذلك أيضا قراءة حمزة والكسائي " يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا "
مع قراءة الجمهور " فتبينوا " ( ) ٢فإن في قراءة الجمهور من البيان الزائد على قراءتها ما ال يخفى على
المتأمل وذلك أن التثبت هو كما يقول أهل اللغة والتفسير التوقف وطلب الثبات والتأني إلى أن يتضح الحال
أعم من أن يكون منشأ ذلك االتضاح من االستطالع وبذل الجهد في التعرف ،على حين أن التبين هـو كما
يقول أهل اللغة والتفسير كذلك_ طلب البيان والتصفح فالقراءة به إذن بمقتضى عدم االكتفاء بمجرد التوقف
والتأني إلى أن ينجلي األمر ولو بنفسه ،بل أن نبذل نحن من الجهد في طلب التجلي ما يحصله ويعجل به
وهللا أعلم بأسرار كتابه العظيم .
وأيا ما يكن األمر فقد رأيت أن في بعض القراءات المتواترة من مزيد البيان والتفسير لبعض آخر منها ما
يمكن نظمه في سلك ما قلناه وال سيما ما كان من قبيل بيان المجمـل وأن في االقتصار على التمثيل به في هذا
الصدد ما يغني أتم الغناء ،بل يمنع كذلك أقطع المنع من التزيد عليه
المقصد الثالث :هل داللة السياق تعد من قبيل تفسير القرآن ؟
مما ال شك فيه أن داللة السياق ال تخرج عما عده المحققون من تفسير القرآن بالقرآن من بيان المجمل
وتقييد المطلق وتخصيص العام وتنوع الداللة وغير ذلك فهو مما ال يجب أن يغفل عنه المفسر أو يفرط فيه
وفي بيان ذلك نذكر لك كلمة الزركشي -في برهانه وذلك حيث يقول تحت عدوان ( :األمور التي تعين على
المعنى عند اإلشكال ( :الرابع :داللة السياق فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد
وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الداللة ،وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم
داللة السياق أيضا ً التي تدخل تحت المصدر األول للتفسير بالمأثور ،مثال المعية في قوله تعالى ( :وهو
معكم أين ماكنتم » [ الحديد ] 4 :وقوله « وال أدنى من ذلك وال أكثر إال هو معهم أين ما كانوا ﴾
[ المجادلة ] 7 :فإنها في اآليتين الكريمتين محمولة على المعية العامة بإحاطة العلم بقرينة السياق واللحاق
أال ترى كيف أن سياقها في كلتا اآليتين حديث إحاطة عن علمه تعالى حيث قال جل ذكره في أوالها « :يعلم
ما يلج في األرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) [ .وقال في الثانية ( :ألم تر أن هللا
يعلم ما في السماوات وما في األرض ما يكون من نجوى ثالثة إال هو رابعهم وال خمسة إال هو سادسهم )
[ المجادلة . ] 7 :
وإن لحاقها حديث عن علمه المحيط كذلك حيث قال عقبها في أول اآليتين ( وهللا بما تعملون بصير وفي
آخرتها ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة إنّ هللا بكل شيء عليم [ المجادلة . ] 7 :
المطلب الثاني :تفسير القرآن بالسنة وفيه مقاصد :المقصد األول :بيان أهمية تفسير السنة للقرآن ،
وبالجملة :فتفسير رسول هللا ﷺ للقرآن يأتي في المرتبة الثانية من األهمية -بعـد القـرآن نفسه ألن رسول
ہللا ﷺ هو المبلغ عن هللا وحيه وهو الذي وكل إليه مهمة البيان فـال أعلم بكالم هللا بعد هللا تعالى من رسول
ہللا ﷺ وهذا أمر أجمع عليه أهل السنة والجماعة من أمة اإلسالم سلفا وخلفا ً وقال ثانيهم ( :أحسن طرق
التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فقد فصل في موضع آخر ،وما اختصر في مكان فإنه قد
بسط في آخر ،فإن اعياك ذلك فعليك بالسنة ،فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ،قال تعالى « :وما أنزلنا
عليك الكتاب إال لثبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ [ النحل ، ] 64 :ولهذا قال ﷺ :
« أال إني أوتيت الكتـاب ومـثله معـه " يعـني السـنـة فـإن لم يوجـد يرجع إلى أقـوال الصحابة .....ـ )
المقصد الثاني :اتجاهات بيان النبي ﷺ للقرآن الكريم .
ً ً
مما ال شك فيه أن ما روى عن الرسول ﷺ من تفسير للقرآن أكثر حاالته تفسيرا لغويا ؛ ألن القرآن قد
خاطب العرب بما يفهمون ،وما نفذ الذكر الحكيم إلى قلوبهم إال لوضوحه في عقولهم ونصوعه في أذهانهم
وهم بعد أهل اللغة وخبراؤها الثقات إال ما وجـد مـن كلـمات كانت تغيب معانيها عن فريق دون فريق ومثال
ذلك ( :البضع ) في قوله تعالى « :فلبث في السجن يضع سنين » [ يوسف ] ٤٢ :فقد روى ابن عباس :
أن رسول ہللا ﷺ قد قال « :إن البضع ما بين الثالث والتسع من السنوات » ( .المهل ) فقد روى أبو سعيد
الخدري وبدراسة ما روى من التفسير النبوي نجد أنه اتجه إلى ثالثة أنواع :النوع األول :يكشف عن
المعاني المجهولة أللفاظ ال يوحى بها المنطوق .ومن أمثلته :
أـ عن عبد هللا بن مسعود -رضي هللا عنه -قال :لما نزل قول هللا عز وجل « :الذين آمنوا ولم يلبسوا
إيمانهم يظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون﴾ [ األنعام ] ٨٢ :شـق ذلك على المسلمين فقالوا :يا رسول هللا
وأينا ال يظلم نفسه .قال « :ليس ذلك وإنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان البنه « :يابني ال تشرك
باهلل إن الشرك لظلم عظيم﴾ [ لقمان :
النوع الثاني :جاء تفسير الرسول ﷺ منه في السياق اإلرشادي العام ومثله كثيرة منها :أـ روى ابن
مسعود أن رسول ہللا ﷺ وعظ الناس فقال « :إن الشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد
بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ،فمن وجد ذلك فليعلم أنه من هللا فليحمده
ومن وجد األخرى فليتعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ،قال هللا تعالى « :الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
بالفحشاء وهللا يعدم مغفرة منه وفضال وهللا واسع عليم » [ البقرة » ] ٢٦٨ :
ب -عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :قال تعالى وقوله الحق " :إذا هم عبـدي عبـدي بحسنة فاكتبوها له
حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشرة أمثالها ،فإذا هم بسيئة فال تكتبوها فإن عملها فاكتبوها بمثلها فإن
تركها فاكتبوها حسنة " ( ) ١ثم تال قول هللا « :من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالشيئة فال
يجزى إال مثلها وهم ال يظلمون » [ األنعام 160 :
النوع الثالث :البيان النبوي للقرآن في مجال السؤال والجواب
ويمثل له بالكثير من ذلك :أ .قالت عائشة -رضي هللا عنها -سمعت رسول ہللا ﷺ یقول « :ليس أحـد
يحاسب إال هلك » ،قلت :يا رسول هللا جعلني هللا فداك أليس يقول هللا تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه *
فشوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾ [ االنشقاق ] ۸ ، ۷ :قال :ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك (
.)٢
حادي عشر :ومن بيان النبي ﷺﷺ للقرآن بيان التأكيد :كأن يقرأ رسول ہللا ﷺ نصا قرآنيا ثم يقول على
أثر ذلك ما هو جلي االستفادة من النص على وجه التأكيد لذلك ومزيـد الترسيخ له في قلب السامع كالذي
رواه الشيخان وغيرها واللفظ للبخاري عن عائشة قالت :تال رسول ہللا ﷺ هذه اآلية « هو الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما
يذكر إال أولو األلباب » [ آل عمران . ] 7 :
قالت قال رسول ہللا ﷺ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فألئك الذين سمى
هللا
فاحذرهم » ( . ) 4
ثاني عشر :ومن بيان النبي ﷺ للقرآن مطلق شرحه ﷺﷺ لبيان معنى شيء من مفردات القرآن أو تركيبه
كالذي :
( أ ) أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسـن عـن أبي سعيد الخدري عن رسول ہللا ﷺ قال « :ويل واد في
جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره » ( ( . ) 1ب ) وكالذي أخرجه أحمد بعين سند هذا
الحديث
ثالث عشر :من بيان النبي ﷺ للقرآن سبب النزول :والذي ال يظهر دخول بعضه في شيء مما تقدم وذلك
أن سبب النزول سواء منه ما يمكن دخوله تحت قوله ﷺ أو فعله أو تقريره وما ال يمكن فيه ذلك هو كله من
قبيل السنة :إما المرفوعة بالفعل في األول وإما لها حكم المرفوع قطعا كما في الثاني .
أما األول :وهو ما يمكن دخوله تحت قوله ﷺ أو فعله أو تقريره فظاهر .
أما اآلخر :وهو ما ال يمكن فيه مثل ذلك الدخول فإنما كان من السنة اآلخذة حكم المرفوع إليه ﷺﷺ لكونه
فيما ال مجال للرأي فيه وال هو من المسائل التي ال يمكن أخذها عن بني إسرائيل حتى وإن عرف راويه من
الصحابة باألخذ عنهم (
المقصد الرابع :القدر الذي بينه النبي من القرآن
.أما اختالف المختلفين -والذي يعد مفاد اإلجابة عن التساؤل -إنما هو فيما يتعلق بتفسير النبي ﷺ لكل
كلمات القرآن التي انتظمتها آياته .والناس في هذا االختالف فريقان :أحدها :قاض بكون النبي ﷺ لم يبين
إال بعض القرآن الذي احتاج الصحابة إلى بيانه مما خفي عليهم فهمه واستشكل أمره وهذا قليل وهو ما عليه
جمهور المحققين من العلماء .ثانيها :قضى أصحابه بكون بيانه ﷺ كان لجميع القرآن.وسنقتصر هنا على
بيان المذهب الراجح في المسألة – أعني المذهب األول -وقد انتصر .له كثيرون
قال السيوطي معقبا :قلت :الذي صح من ذلك قليل جدا بل أصل المرفوع منه في غاية القلة وسأسردها كلها
في آخر الكتاب إن شاء هللا تعالى .اهـ وأما القرآن فتفسيره .على وجه القطع ال يعلم إال بأن يسمع من
الرسول ﷺ وذلك متعذر إال في آيات قالئل ،فالعالم بالمراد يستنبط بأمارات ودالئل والحكمة فيه أن هللا تعالى
أراد أن يتفكر عبـاده في كتابه فلم يأمر نبيه ﷺ بالتنصيص على المراد في جميع آياته ( . ) ۲اهـ كالمه
رحمه هللا تعالى ولعل الحكمة من .عدم شمول بيان الرسول لجميع آي القرآن وكلمات تعود إلى ما أراده هللا
تعالى من العباد أن يدبروا آياته ويتفكروا في كلمات كتابه كما نطقت بذلك بعض آياته « :كتاب أنزلناه إليك
مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو األلباب » [ ص . ] ٢٩ :وهللا أعلم .
ص 66