Professional Documents
Culture Documents
إعداد الدكتورة
فلوة بنت ناصر بن محد الراشد
أستاذ التفسري وعموم القرآى املشارك
جامعة األمرية نورة بهت عبدالرمحو
الرياض -املممكة العربية السعودية
مستلة من
حولية كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية
العدد الثالث والثالثون ،لعام 3415هـ 1034 -م
والمودعة بدار الكتب تحت رقم 1034/6157
ملخص البحث
موضوع القسم في القرآن من الموضوعات المصنفة ضمن موضوعات علوم
القرآن ،وفكرة البحث تقوم على دراسة الموضوع بمنهجية التفسير الموضوعي
ولذلك أرفقت به بحثين تطبيقيين لتوضيح الفكرة وقد قسمت البحث لقسمين األول
منه الجانب النظري وفيه مباحث منها :معنى القسم .داللة القسم في اللغة .أهمية
القسم في خطاب القرآن .أساليب ورود القسم في القرآن :وفيه مطلبان :القسم
الظاهر -القسم المضمر .كيف نتدبر اآليات الواردة في سياق القسم :وفيه مطلبان:
-المطلب األول :على مستوى القرآن .المطلب الثاني :على مستوى السورة.
والقسم الثاني :الجانب التطبيقي :وفيه :أوال :مثال تطبيقي على تدبر القسم
باعتبار السورة :القسم في سورة الضحى .والثاني :مثال تطبيقي لتدبر القسم على
مستوى القرآن :القسم بالقرآن في القرآن.
إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده هللا فهو المهتدي ،ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأصلي وأسلم على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم
أما بعد:
فإن القرآن الكريم أنزله هللا تعالى كتابا لصالح أمر الناس كافة رحمة لهم
اب إِالَّ ِلتُبَيِنَ لَ ُه ُم الَّذِي نز ْلنَا عَلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ َلتبلغهم مراد هللا منهم قال تعالىَ { :و َما أ َ َ
اختَلَفُواْ فِي ِه َوهُدًى َو َرحْ َمة ً ِلقَ ْو ٍم يُؤْ ِمنُونَ } ( )64سورة النحل. ْ
فكان المقصد األعلى صالح األمة وهدايتهم إلى طريق المستقيم وقد أودع
ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطابا بينا وتعبدنا بمعرفة مراده واالطالع
ب} نز ْلنَاهُ إِلَ ْيكَ ُمبَا َركٌ ِليَ َّدبَّ ُروا آيَاتِ ِه َو ِليَت َذَك ََّر أ ُ ْولُوا ْاأل َ ْلبَا ِ
اب أ َ َ
عليه فقالِ { :كت َ ٌ
((ص.)29 :
وقد اختار هللا اللسان العربي مظهرا لوحيه حيث كان لسانهم أفصح األلسن،
وكانت هذه اللغة أكثر اللغات تحمال للمعاني مع إيجاز اللفظ فتحداهم مع فصاحتهم
أن يأتوا بمثله فصار معجزة ليكون آية دالة على صدق رسوله.
َّللاِ َو ِإنَّ َما أنَاَ
علَ ْي ِه آيَاتٌ ِمن َّر ِب ِه قُ ْل ِإنَّ َما ْاْليَاتُ ِعن َد َّ { َوقَالُوا لَ ْو َال أ ُ ِنز َل َ
ِير ُّم ِبينٌ } (العنكبوت.)50 : نَذ ٌ
ومن األساليب العربية التي أظهرت إعجاز كتابه :استخدام القسم للوصول
للمعنى المراد ،إذ أن القسم من األساليب العربية التي يتوصل بها إلى تأكيد األمر,
فإذا ورد القسم في أي موضوع في القرآن فالداللة األولية له أهميته والعناية به
ولنتأمل قوله( :هل في ذلك قسم لذي حجر) وكذلك (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم).
-3-
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
ولو عشنا حقيقة القسم -,بل عشنا حقيقة القرآن كله من كون المتكلم به هو هللا
والذي يقسم هو هللا لحق لقلوبنا أن تذوب ،يقول الحارث المحاسبي :قلت قد علمت
أن في فهمه النجاة وفي اإلغفال عنه الهلكة فلو ذاب أهل السموات وأهل األرض
حين يسمعون كالم هللا ( )أو ماتوا خمودا أجمعون لكان ذلك حق لهم ولما كان
ذلك كثيرا إذ تكلم هللا ( )به تكليما من نفسه من فوق عرشه من فوق سبع سمواته
فإذا عظم في صدرك تعظيم المتكلم به لم يكن عندك شيء أرفع وال أشرف وال
أنفع وال ألذ وال أحلى من استماع كالم هللا جل وعز وفهم معاني قوله تعظيما وحبا
له وإجالال إذ كان تعالى قائله فحب القول على قدر حب قائله)(.)1
ولسنا في هذه الدراسة بصدد مناقشة شبه أو تفريعات لغوية بقدر القصد إلى
معرفة االهتمام بالقضايا التي وردت في سياق القسم وتدبر ما فيها من فوائد من
شتى االتجاهات.
الهدف من البحث:
دراسة موضوع القسم في القرآن بمنهجيات متنوعة تجمع بين هذا الموضوع
في مجال علوم القرآن ،وبين دراسته في التفسير الموضوعي ،باإلضافة لألصل
وهو التفسير التحليلي .فينسبك من ذلك مناهج متعددة تسهم في عمق التدبر لهذا
الموضوع.
إجراءات البحث وحدوده:
سيركز البحث على بناء المنهجية وبالتالي ستكون الدراسة الشاملة ألمثلة فقط
من آيات القسم على حسب ما رسم من منهجيات وهي التي ستأتي في القسم الثاني
من البحث ،أما باقي آيات القسم فسيتم جمعها الستقراء موضوعات المقسم به
والمقسم عليه ومن ثم تدبر المنهجية األشمل لتدبر موضوع القسم في القرآن.
الدراسات السابقة:
يطرح موضوع القسم عادة في علوم القرآن فهو أحد األنواع التي ذكرها
السيوطي في اإلتقان ،وغيره ممن كتب في علوم لقرآن سواء ضمن مؤلف عام
لكل علوم القرآن أو ممن أفرده بالتصنيف كما هو عادة العلماء في مناهجهم في
التصنيف ،وممن أفرده بالتصنيف :ابن القيم في كتابه ):التبيان في أقسام القرآن)،
عبدالحميد الفراهي في كتاب (إمعان في أقسام القرآن).
ومن األبحاث في هذا الموضوع( :التناسب بين القسم المفرد وجوابه في
القرآن الكريم للدكتور /ناصر بن محمد آل عشوان) منشور في مجلة تبيان –
العدد السادس ,وهي دراسة لها تعلق كبير بالبحث ،وستكون مرجعا لي في
البحث ،ولكنها دراسة اعتنت كما هو العنوان بأوجه التناسب بين المقسم به
-4-
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
والمقسم عليه ،وهذا أحد األمور التي ستكون مقصدا في البحث ،ولكن هذا البحث
اعتنيت فيه بالمنهج الذي من ضمنه هذه المسألة.
خطة البحث:
سأقسم البحث إلى قسمين:
القسم األول :الجانب النظري وفيه مباحث:
المبحث األول معنى القسم .المبحث الثاني :داللة القسم في اللغة.
المبحث الثالث :أهمية القسم في خطاب القرآن.
المبحث الرابع :أساليب ورود القسم في القرآن :وفيه مطلبان:
المطلب األول :القسم الظاهر -المطلب الثاني :القسم المضمر.
كيف نتدبر اآليات الواردة في سياق القسم :وفيه مطلبان:
المطلب األول :على مستوى القرآن .المطلب الثاني على مستوى السورة.
القسم الثاني :الجانب التطبيقي:
أوال :مثال تطبيقي على تدبر القسم باعتبار السورة :القسم في سورة الضحى.
ثانيا :مثال تطبيقي لتدبر القسم على مستوى القرآن :القسم بالقرآن في القرآن.
-5-
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
القسم الأول
الجــانب النظــري
وفيه مباحث:
المبحث الأول
معنـــى القســــم
القسم لغة :إفراز النصيب ،يقال :قسمت كذا قسما وقسمة ،وقسمة الميراث،
وقسمة الغنيمة :تفريقهما على أربابهما ،قال{ :لكل باب منهم جزء مقسوم}
[الحجر{ ،]44/ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} [القمر ،]28/وأقسم :حلف،
وأصله من القسامة ،وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول ،ثم صار اسما لكل
حلف )1(.وقال الفراهي( :القسم في أصله للقطع .ومنه قسمت الشيء وقسمته.
والقطع يستعمل لنفي الريب والشبهة)(.)2
سم هو يمين يُقسِم بها الحالف ليؤكد بها شيئا يُخبر عنه القسم اصطالحا :القَ َ
من إيجاب أو جحد وهو جملة يؤكد بها جملة أخرى فالجملة المؤ َّكدة هي ال ُم ْق َ
سم
سمسم هو ال ُم ْق َ
سم واالسم الذي يدخل عليه حرف الق َ المؤكدة هي الق َ
ِ عليه والجملة
به)3(.
-6-
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
المبحث الثاني
دلالة القسم في اللغة
إن اإلنسان ربما يحتاج إلى تأكيد خبر أو وعد منه ،حين يريد أن يعتمد عليه
المخاطب وتطمئن به نفسه ،وال سيما في األمور العظيمة كالمعاهدة بين قوم وقوم
أو بين ملك ورعيته أو بين أفراد الناس ،ليكونوا على ثقة بعضهم من بعض،
ي من العدو .وهذه الحاجة دعتهم إلى طرق فيعلموا الموافق من المخالف والول َّ
وكلمات خاصة يعبرون بها عن هذا التأكيد .فكان ذلك أصل قسمهم) (.
1
-7-
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الثالث
أهمية القسم في خطاب القرآن
القرآن الكريم نزل بلغة العرب فالقسم إجماال على أصله من حيث داللته على
توكيد األمر .قال :أبو القاسم القشيري (ذكر هللا القسم لكمال الحجة وتأكيدها وذلك
أن الحكم يفصل باثنين إما بالشهادة وإما بالقسم فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى
ال يبقى لهم حجة فقال (شهد هللا أنه ال إله إال هو والمالئكة وأولو العلم) وقال (قل
إي وربي إنه لحق) وعن بعض األعراب أنه لما سمع قوله تعالى (وفي السماء
رزقكم وما توعدون فورب السماء واألرض إنه لحق) صرخ وقال من ذا الذي
أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين))1(.
فمجيء القسم من باب تصريف الخطاب وتلوينهَ ( :و َكذَ ِلكَ أ َ ْن َز ْلنَاهُ قُ ْرآَنًا
ِث لَ ُه ْم ِذ ْك ًرا) ( )113طه. ص َّر ْفنَا فِي ِه ِمنَ ا ْل َو ِعي ِد لَعَلَّ ُه ْم يَت َّقُونَ أ َ ْو يُ ْحد ُ ع ََربِيًّا َو َ
وقد أشيد بدور القسم في تأكيد أهمية القضايا التي وردت في سياقه في مثل:
قوله (هل في ذلك قسم لذي حجر) وهو سؤال للتقرير ،أي إن في ذلك قسما لذي
لب وعقل ،إن في ذلك مقنعا لمن له إدراك وفكر،إذا هي دعوة ألصحاب الحجر
والعقول أن يتدبروا في أجزاء القسم وماذا أريد من العاقل فهمه.
(وه َُو ِع ْندَ النَّحْ ِو ِيينَ ُج ْملَة ي َُؤ َّكد ُ ِب َها ْال َخبَ ُرَ ،حتَّى ِإنَّ ُه ْم َج َعلوا
ُ قال الزركشيَ :
سما َو ِإ ْن َكانَ فِي ِه ِإ ْخبَار ِإ َّال ش َه ُد ِإنَّ ا ْل ُمنَافِ ِقينَ لَكَا ِذبُونَ } قَ َ َّللاُ يَ ْقَ ْولَهُ ت َ َعالَىَ { :و َّ
سما. ي قَ َ أَنَّهُ لَ َّما َجا َء ت َْو ِكيدا ِلل َخبَ ِر سُ ِم َ
ْ
ظم َكقَ ْو ِل ِه: َو َال يَكُونُ ِإ َّال ِباس ِْم ُم َع َّ
ض ِإنَّه ُ لَ َحق} [الذاريات]23 : اء َو ْاأل َ ْر ِ س َم ِ {فَ َو َر ِ
ب ال َّ
وقوله{ :قُ ْل إِي َو َربِي إِنَّهُ ل َ َحق} [يونس.]53 :
وقوله{ :قُ ْل بَلَى َو َر ِبي لَتُبْعَثُنَّ } [التغابن.]7 :
اطينَ } [مريم.]68 : شيَ ِوقوله{ :فَ َو َر ِبكَ لَنَحْ ش َُرنَّ ُه ْم َوال َّ
سأَلَنَّ ُه ْم أَجْ َم ِعينَ } [الحجر.]92 : وقوله{ :فَ َو َربِكَ لَنَ ْ
وقوله{ :فَ َل َو َر ِبكَ َال يُؤْ ِمنُونَ } [النساء.]65 :
ب} [المعارج.]40 : ق َوا ْل َمغ َ ِار ِ ب ا ْل َمش َِار ِ س ُم ِب َر ِ وقوله{ :فَ َل أ ُ ْق ِ
س َمّللاُ فِي َها ِبنَ ْف ِس ِه َو ْالبَاقِي كُلُّهُ أ َ ْق َ
س َم َّ اض َع أ َ ْق َ
س ْب َعةُ َم َو ِ قال الزركشي( :فَ َه ِذ ِه َ
بِ َم ْخلُوقَاتِ ِه )2().ومن المواضع أيضا قوله{ :قُ ْل بَلَى َو َربِي لَتَأْتِيَن َّ ُك ْم} [سبأ.]3 :
-8-
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
ومما يعكس أهمية القسم عدد السور المفتتحة بالقسم :خمس عشرة سورة،
وهي :الصافات و الذاريات والطور والنجم والمرسالت والنازعات والبروج
والطارق والفجر ,والشمس والليل والضحى والتين والعاديات والعصر.
وهناك سور افتتحت بالقسم ولكن بعد الحروف المقطعة التي تفتتح بها هذه
السور مثل سورة :ص ،يس.
-9-
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الرابع
أساليب ورود القسم في القرآن
ورد القسم في القرآن بطريقتين هما :القسم الظاهر – والقسم المضمر.
المطلب األول :القسم الظاهر:
وهو الذي توفر فيه أركان القسم كلها أو أغلبها.
وأركان القسم :فعل القسم ،أداة القسم ,المقسم به ,المقسم عليه.
فعل القسم :من أفعال القسم عامة :اليمين ،والنذر ،واأللية ،والقسم ،والحلف.
وأشهرها في القرآن القسم ،لكن الفعل كثيرا ما يحذف .قال ابن األنباري (إن قال
قائلِ :ل َم حذف فعل القسم؟ قيل :إنما حذف فعل القسم لكثرة االستعمال )1().ومما
س ُم ِب َهذَا ا ْلبَلَ ِد ([ })1البلد ]1 :وقولهَ { :وأ َ ْق َ
س ُموا ورد بذكر فعل القسمَ { :ال أ ُ ْق ِ
اّلل َج ْه َد أ َ ْي َمانِ ِه ْم لَئِ ْن َجا َءتْ ُه ْم آيَةٌ لَيُؤْ ِمنُنَّ بِ َها} [األنعام ]109 :ومما ذكر
بِ َّ ِ
َ
اّلل إِنَّ ُه ْم ل ِمنْ ُك ْم} [التوبة.]56 :
بفعل الحلفَ { :ويَحْ ِلفُونَ ِب َّ ِ
أداة القسم :وهي الدالة على القسم مثل :البا-التا-الواو ,قال ابن سيده( :وأصل
هذه الحروف الباء والتاء صلة للفعل المقدر ولك الفعل أحلف أو أقسم أو ما جرى
مجرى ذلك فإذا قال باهلل ألضربَ َّن زيدا فكأنه قال أحلف باهلل ،وجعلوا الواو بدال
من الباء وخصوا بها القسم ألنها من مخرج الباء واستعملوا الواو أكثر من
استعمالهم الباء ألن الباء تدخل في صلة األفعال في القسم وغيرها فاختاروا الواو
في االستعمال النفرادها بالقسم)(.)2
وأكثر األقسام في القرآن المحذوفة الفعل ال تكون إال بالواو فإذا ذكرت الباء
أتي بالفعل كقوله :وأقسموا باهلل -يحلفون باهلل -وال تجد الباء مع حذف الفعل.
والقسم كما ذكر السيوطي :إما ظاهر وإما مضمر )3(.وعد من الظاهر ما
تواجد فيه المقسم به وأداة القسم.
المقسم به :ال يكون القسم إال باسم معظم( ) وقد أقسم هللا تعالى بنفسه في
4
القرآن في سبعة مواضع كما أسلفنا ،كما أقسم سبحانه بالقرآن الكريم والباقي كله
قسم بمخلوقاته ومما وقع القسم به:
- 10 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
- 11 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
ت ِذ ْك ًرا ت َزجْ ًرا ( )2فَالتَّا ِليَا ِ اج َرا ِ الز ِصفًّا ( )1ف َ َّ ت َ صافَّا ِ فاألول كقوله { َوال َّ
اح ٌد ([ })4الصافات]4 - 1 : ( )3إِنَّ إِلَ َهكُ ْم لَ َو ِ
س ٌم لَ ْو ت َ ْعلَ ُمو َن وم (َ )75وإِنَّه ُ لَقَ َ س ُم بِ َم َواقِ ِع الن ُّ ُج ِوالثاني كقوله {فَ َل أ ُ ْق ِ
ع َِظي ٌم ({ )76إِنَّهُ لَقُ ْرآ ٌن ك َِري ٌم ([ })77الواقعة
ين ( )2إِنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي ل َ ْيلَ ٍة ُمب َ َ
ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا ب ا ْل ُمبِ ِ
وقوله {حم (َ )1والْ ِكتَا ِ
ين ( )2إِنَّا َجعَ ْلنَاهُ ب ا ْل ُم ِب ِ
ُم ْنذ ِِرينَ ([ })3الدخان] وقوله{ :حم (َ )1وا ْل ِكتَا ِ
قُ ْرآنًا ع ََر ِبيًّا لَعَلَّكُ ْم ت َ ْع ِقلُو َن ([ })3الزخرف ]3 - 1 :إذ جعل ذلك جواب القسم
كما هو الظاهر).
آن الْ َح ِك ِيم ( )2إِنَّكَ والثالث :القسم على الرسول كقوله {يس (َ )1وا ْلقُ ْر ِ
س ِلينَ ([ })3يس ]3 - 1 :إذا قيل هو الجواب وإن قيل الجواب ا ْل ُم ْر َ لَ ِمنَ
َ
ط ُرونَ (َ )1ما أ ْنتَ ِبنِ ْع َم ِة َربِكَ س ُ محذوف كان كما ذكر ومنه {ن َوا ْلقَل َ ِم َو َما يَ ْ
يم (})4 ق ع َِظ ٍ ون (َ )3و ِإنَّكَ لَعَلَى ُخل ُ ٍ غ ْي َر َم ْمنُ ٍ ون (َ )2و ِإ َّن لَكَ َألَجْ ًرا َ ِب َمجْ نُ ٍ
غ َوى ()2 احب ُ ُك ْم َو َما َ ص ِ ض َّل َ [القلم ]4 - 1 :ومنه { َوالنَّجْ ِم إِذَا َه َوى (َ )1ما َ
ي يُو َحى ([ })4النجم] إلى آخر ق ع َِن ا ْل َه َوى (ِ )3إ ْن ُه َو ِإ َّال َوحْ ٌ َو َما يَ ْن ِط ُ
س ُم بِ َما تُبْ ِص ُرونَ (َ )38و َما َال ت ُ ْب ِص ُرونَ ( )39إِنَّه ُ القصة ،ومنه قوله {فَ َل أ ُ ْق ِ
يل َما ت ُؤْ ِمنُونَ (َ )41و َال سو ٍل ك َِر ٍيم (َ )40و َما ُه َو بِقَ ْو ِل شَا ِع ٍر ق َ ِل ً لَقَ ْو ُل َر ُ
س س ُم بِالْ ُخنَّ ِ يل َما تَذَك َُّرو َن ([ })42الحاقة] وقوله {فَ َل أ ُ ْق ِ بِقَ ْو ِل كَا ِه ٍن قَ ِل ً
س ح إِذَا تَنَفَّ َ ص ْب ِ س (َ )17وال ُّ سع َ َ ع ْ( )15الْ َج َو ِار الْ ُكن َّ ِس (َ )16واللَّ ْي ِل إِذَا َ
ين ()20 سو ٍل ك َِر ٍيم ( )19ذِي قُ َّو ٍة ِع ْن َد ِذي ا ْلعَ ْر ِش َم ِك ٍ ( )18إِنَّهُ لَقَ ْو ُل َر ُ
ون ([ })22التكوير]. احبُكُ ْم ِب َمجْ نُ ٍ ص ِين (َ )21و َما َ اع ث َ َّم أ َ ِم ٍ
ط ٍ ُم َ
ت ذَ ْر ًوا وأما القسم على الجزاء والوعد والوعيد ففي مثل قوله { َوالذ َّ ِاريَا ِ
ت أ َ ْم ًرا ( )4إِنَّ َما س َما ِس ًرا ( )3فَا ْل ُمقَ ِ ت يُ ْ ت ِو ْق ًرا ( )2فَا ْل َج ِاريَا ِ ( )1فَا ْل َحا ِم َل ِ
الدينَ لَ َواقِ ٌع ([ })6الذاريات ]6 - 1 :ثم ذكر ق (َ )5وإِنَّ ِ صا ِد ٌ عدُونَ ل َ َ تُو َ
تفصيل الجزاء وذكر الجنة والنار وذكر أن في السماء رزقهم وما يوعدون ثم
قال {فورب السماء واألرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} ومثل قوله
ت نَش ًْرا ()3 صفًا (َ )2والنَّا ِ
ش َرا ِ ت عَ ْ ت ع ُْرفًا ( )1فَالْعَ ِ
اصفَا ِ { َوا ْل ُم ْر َ
س َل ِ
ع ْذ ًرا أ َ ْو ن ُ ْذ ًرا (ِ )6إنَّ َما تُوعَ ُدونَ
ت ِذك ًْرا (ُ )5 ت فَ ْرقًا ( )4فَا ْل ُم ْل ِقيَا ِ فَا ْلفَ ِارقَا ِ
ور ()2 س ُ
ط ٍ ب َم ْور (َ )1و ِكتَا ٍ ط ِلَ َوا ِق ٌع ([ })7المرسلت] ومثل قولهَ { :وال ُّ
وع (َ )5وا ْلب َحْ ِر ف ا ْل َم ْرفُ ِ
س ْق ِور (َ )4وال َّ ت ا ْل َم ْع ُم ِ
ُور (َ )3وا ْلبَ ْي ِ ق َم ْنش ٍ فِي َر ٍ
اب َربِكَ لَ َواقِ ٌع (َ )7ما لَهُ ِم ْن دَافِ ٍع ([ })8الطور]. عذ ََ ور ( )6إِنَّ َ س ُج ِ ا ْل َم ْ
- 12 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
وقد أمر نبيه أن يقسم على الجزاء والمعاد في ثالث آيات فقال تعالىَ { :و
ست َ ْنبِئ ُونَكَ أ َ َحق ُه َو قُ ْل إِي َو َربِي إِنَّه ُ لَ َحق َو َما أ َ ْنت ُ ْم بِ ُم ْع ِج ِزي َن (})53
يَ ْ
[يونس.]53 :
ع َم الَّذِي َن َكفَ ُروا أ َ ْن لَ ْن يُ ْبعَثُوا قُ ْل بَلَى َو َر ِبي لَت ُ ْبعَثُنَّ ث ُ َّم لَتُنَبَّ ُؤ َّنوقولهَ { :ز َ
ِير ([ })7التغابن.]7 : علَى َّ ِ
َّللا يَس ٌ ِب َما ع َِم ْلت ُ ْم َوذَ ِلكَ َ
وقولهَ { :وقَا َل الَّذِي َن َكفَ ُروا َال تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُ ْل بَلَى َو َربِي لَتَأْتِيَن َّ ُك ْم} [سبأ]3 :
وأما القسم على أحوال اإلنسان فكقوله { َواللَّ ْي ِل إِذَا يَ ْغشَى (َ )1والنَّ َه ِار إِذَا
س ْعي َ ُك ْم لَشَتَّى ([ })4الليل](.)1 ق الذَّك ََر َو ْاأل ُ ْنثَى (ِ )3إ َّن َ ت َ َجلَّى (َ )2و َما َخلَ َ
وقد يحذف الجواب وأكثر ما يحذف إذا كان في نفس المقسم به داللة على
المقسم عليه فإن المقصود يحصل بذكره فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز،
وكثيرا ما يحذف جواب القسم في القرآن كقوله تعالىَ [ :وا ْلفَجْ ِر (َ )1ولَيا ٍل َ
عش ٍْر
س ِر (َ )4ه ْل فِي ذ ِلكَ قَسَ ٌم ِلذِي ِحجْ ٍر ش ْف ِع َوا ْل َوتْ ِر (َ )3واللَّ ْي ِل ِإذا يَ ْ (َ )2وال َّ
ت ا ْل ِعما ِد ( )7الَّ ِتي لَ ْم يُ ْخل َقْ ِمثْلُها ف فَعَ َل َربُّكَ ِبعا ٍد (ِ )6إ َر َم ذا ِ ( )5أَلَ ْم ت َ َر َك ْي َ
آن ا ْل َم ِجي ِد ( )1بَ ْل فِي ا ْلبِل ِد (( ])8الفجر .)8 - 1وقوله تعالى[ :ق َوا ْلقُ ْر ِ
يب ( )2أَإِذا ِمتْنا ع ِج ٌ ع َِجبُوا أ َ ْن جا َءهُ ْم ُمنْذ ٌِر ِم ْن ُه ْم فَقا َل ا ْلكافِ ُرو َن هذا ش َْي ٌء َ
غ ْرقا ً ()1 ت َ َو ُكنَّا تُرابا ً ذ ِلكَ َر ْج ٌع ب َ ِعي ٌد (( ])3ق .)3 - 1وقوله (َ [ :)والنَّ ِازعا ِ
س ْبقا ً ()4 ت َ سابِقا ِ س ْبحا ً ( )3فَال َّ ت َ ت نَشْطا ً (َ )2والسَّابِحا ِ شطا ِ َوالنَّا ِ
الرا ِدفَةُ (( ])7النازعات اجفَةُ ( )6ت َتْبَعُ َها َّ الر ِ
ف َّ ت أ َ ْمرا ً ( )5يَ ْو َم ت َ ْر ُج ُ فَا ْل ُمد َِبرا ِ
.)7 - 1
فجواب القسم في ذلك كله محذوف يفهم من السورة التى ورد فيها هذا القسم،
وإن في هذا الحذف بعث النفس على التفكير ،لتهتدى إلى الجواب ،وتظل النفس
تتبع هذه اآليات ،يتلو بعضها بعضا ،تستوحى منها هذا الجواب ،الذى ال بد أن
يكون شيئا عظيما يقسم عليه هللا ،ومع تتبع آيات السورة نجد حديثا عن البعث،
وتعجبا من منكريه ،مما يؤذن بأن هذا القسم وارد لتأكيده ،وأنه سيكون ال محالة،
أو ال ترى في حذف هذا الجواب داللة على مثوله في الذهن لشدة ما شغل النفس،
واستأثر بعميق تفكيرها ،يوم نزل القرآن مؤكدا مجىء اليوم اآلخر)2(.
- 13 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
( )1البرهان في علوم القرآن ( ،)43 /3اإلتقان في علوم القرآن (.)56 /4
- 14 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
- 15 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الخامس
كيف نتدبر الآيات الواردة في سياق القسم
إذا استحضرنا كون المقسم به ال يكون إال بمعظم ،ثم المقسم عليه هو ما أريد
توكيده وسيق القسم ألجله ,كل ذلك يدعونا إلى إطالة التأمل في المذكور في آيات
القسم،
وللقسم في القرآن الكريم مقاصد كثيرة ،وفي طيَّاته مواطن للعظة والعبرة،
ومجاالت رحبة للتأ ُّمل والنظر ،ولطائف خفية يكتشفها المؤمن بنور بصيرته،
فيزداد بها يقينا.
ومن المنهجيات الموصلة لهذا الغرض تطبيق بعض مناهج التفسير
الموضوعي ,فيكون التدبر على مستويين:
-على مستوى القرآن. -على مستوى السورة.
المطلب األول :على مستوى السورة
ويشمل:
-1تدبر المقسم به :ويشمل:
-معنى المفردة الواردة.
-الحكمة من القسم به ,إما بتدبر منفعة أو بتدبر فضيلة ،أو بتدبر بديع صنع هللا
فيه حسب ما يقتضيه المقام.
-إذا تعدد المقسم به في سياق واحد البد من إيجاد المناسبات بين المعدود في
المقسم به.
-2المقسم عليه :ويشمل:
-معرفة المعنى.
-تدبر األهمية التي ألجلها سيق القسم من حيث التوكيد.
-المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه.
-3تدبر المناسبة بين موضوع القسم في السورة وبين الوحدة الموضوعية لها فإن
القسم أحد موضوعات السورة فهو يلتحم معها للوصول إلى مقصد رئيسي
بالوصول إليه تنبلج للمتأمل الفوائد الكثيرة.
المطلب الثاني :على مستوى القرآن:
وذلك بتدبر أمرين:
-1األمور التي وقع القسم بها:
وهي متعددة ذكرنا مجملها في أركان القسم.
لكن يلفت النظر أن بعض القضايا يتكرر القسم بها في القرآن ولذلك يمكن
أن يكون من مسارات تدبر القرآن في موضوع القسم على منهج التفسير
- 16 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
الموضوعي :جمع اآليات التي أقسم هللا بها في موضوع واحد عند تكراره ،أو في
موضوعات حسب زاوية البحث فتجمع فيه عدد المرات التي وقع القسم به بحيث
يتم استخالص أهم القضايا والفوائد الواردة في قالب القسم .مثل:
القسم بالزمان في القرآن( ،)1فتجمع اآليات الواردة في ذلك وتدرس دراسة
تحليلية موضوعية ،وبذلك نخرج بفوائد مع االجتماع تضاف إلى الفوائد المستنبطة
من آيات القسم في التفسير التحليلي في المواضع المتفرقة كل في مكانه ،ومثلها
باقي الوضوعات مثل :القسم بالقرآن في القرآن ،القسم بالرسول في القرآن.
-2األمور التي وقع القسم عليها – جواب القسم – إذ أنه الغرض الرئيسي من
القسم ،وذلك بنظرة شاملة ألقسام القرآن فإذا استحضرنا الغرض من القسم
عموما أنه تأكيد المقسم عليه أمكننا بذلك رصد مهمات الدين التي قدمت لنا
في القرآن بأعلى درجات التوكيد ،ويالحظ أن القضايا الكبرى تكرر القسم
عليها فيكون من مسالك التدبر في القرآن رصد القضايا الكبرى باعتبار
ورودها في قالب القسم ،وكذلك رصد المتكرر منها ودراسته دراسة
موضوعية يستنبط معه المقاصد والهدايات المسوقة في جواب القسم .وسبق
في مبحث القسم الظاهر رصد أهم القضايا التي أقسم هللا عليها بحيث تصلح
كل منها أن موضوعا لدراسة مستقلة.
وفي كال النوعين يمكن رسم منهج العمل كاآلتي:
-جمع اآليات التي وقع القسم بها أو عليها حسب موضوع البحث.
-دراسة القسم في كل سورة على النحو المذكور سابقا في السورة.
-استنباط أهم الهدايات والفوائد سواء الفوائد للسورة وهي منفردة ،أو
من اجتماع السور حول هذا الموضوع.
( )1هناك دراسة بعنوان (قيمة الزمن في القرآن الكرريم) نشررت فري العردد الرابرع والسربعون -
مجلة البحوث اإلسلمية -اإلصدار من ذو القعدة إلى صفر لسنة 1425هـ 1426هـ.
- 17 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
القسم الثاني
الجانب التطبيقي
أوال :مثال تطبيقي على تدبر القسم باعتبار السورة :القسم في سورة الضحى.
نزولها:
ورة الضحى سورة مكية في قول ابن عباس:
زلت بعد سورة ْالفَجْ ِر ،ونزل بعدها سورة :أَل ْم نَ ْش َرحْ .) (،
1 َ
سبب النزول:
علَى النَّ ِب ِى ( )فَقَا َلتِ س ِجب ِْري ُل (َ ) ّللا ( (قَا َل احْ تَبَ َ ع ْب ِد َّ ِ ب ب ِْن َ ع ْن ُج ْندَ ِ َ
س َجى َ ِْ ِ َاَ ذإ ليَّ ل ال و ) 1 ( ىحَ ُّ
ض ال وَ { تْ َ
ل َزَ ن َ ف . ُ هُ ن اطَ ي
ْ ش
َ هَ ِي
ْ َ لع َ أطَ ب
ْ َ أ ْش ي ر َ ُ ق ْ
ن مام َرأَة ِ ْ
َ ُ ْ َ ُ ْ َ
(َ )2ما َو َّدعَكَ َربُّكَ َو َما قلى (َ )3ولْل ِخ َرة َخ ْي ٌر لكَ ِمنَ األولى () (.})4
2 َ َ
ّللا () ُب بْنَ سُ ْفيَانَ يَقُو ُل ا ْشت َ َكى َرسُو ُل َّ ِ س ِم ْعتُ ُج ْند َ وفي رواية مسلم :قَا َل َ
طانُكَش ْي َ َ َ
ت يَا ُم َح َّمد ُ ِإنِى أل ْر ُجو أ ْن يَكُونَ َ ام َرأة فَقَالَ ْ َ فَلَ ْم يَقُ ْم لَ ْيلَتَي ِْن أ َ ْو ثَالَثا فَ َجا َءتْهُ ْ
ض َحى َواللَّ ْي ِل ِإذَا ّللاُ (َ ( )وال ُّ الث قَا َل فَأ َ ْنزَ َل َّ قَدْ ت ََر َككَ لَ ْم أ َ َرهُ قَ ِر َبكَ ُم ْنذ ُ لَ ْيلَتَي ِْن أ َ ْو ث َ َ
عكَ َربُّكَ َو َما قَلَى)(.)3 س َجى َما َودَّ َ َ
- 18 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
المقسم به:
(والضحى):
الضحى :وقتُ ارتفاع الشمس عن أفق مشرقها ،وظهور شعاعها ،وهو
الوقت الذي ترتفع فيه الشمس متجاوزة مشرقها بمقدار ما يخيل للناظر أنه طول
ُرمح .وسجى أي أظلم وسكن.
وفي المراد بالضحى في اْلية قوالن:
-1وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس .وهو قول قتادة
والسدي ،وعليه األكثرون.
-2وقيل :هو النهار كله إلقرانه بالليل في القسم ،وبه قال الفراء وقد رجحه
الطبري عند تفسير لقوله( :والشمس وضحاها) ،وضعفه النيسابوري.
فالقول بأنه يعني النهار كله ،خالف األولى ،واالحتجاج على ذلك بأنه
جعل في مقابلة الليل كله ال يصح ،وذلك ألنه إنما جعل في مقابلة الليل في
حال سجوه؛ أي في حـال استقرار الظالم وسكون الليل والناس فيه ،وال
ريب أن سجو الليل هو جزء من الليل ال كله ،فهو بمنزلة الضحى من
النهار .ويمكن االستئناس في ذلك بوقت صالة الضحى ،فإن وقتها ال يكون
بعد الزوال ،مما يؤكد ضعف القول بأن الضحى يمتد ليشمل النهار كله)1(.
سجْ وا بفتح فسكون ،وسُ ُجوا بضمتين وتشديد ( َواللَّ ْي ِل إِذَا َ
س َجى) :سجا الليل َ
الواو ،إذا سكن .وذلك عند تناهي ظالمه وركوده .ويكون ذلك إذا امتد وطال مدة
ظالمه مثل سجو المرء بالغطاء ،إذا غطي به جميع جسده(.)2
وقال الراغب األصفهاني) سجى :سكن ،وعين ساجية :فاترة الطرف ،وسجى
البحر سجوا :سكنت أمواجه ،ومنه استعير :تسجية الميت ،أي :تغطيته
بالثوب))3(.
المناسبة بين أفراد المقسم به :المقسم به :الضحى والليل ،ويشتركان في
أنهما أزمان ،والزمن له قيمة كبيرة في القرآن الكريم ,حيث كثر فيه العناية
بالوقت والزمن وتجلى ذلك أكثر في سياق القسم في القرآن فقد أقسـم هللا بالزمن
سواء بذاته أو بأجزائه كما في القسم بالفجر ،والصبح ،والضحى ،والشفق،
( )1انظددر :معدداني القددرآن للفددراء ( ،)273 /3تفسددير المدداوردي = النكددت والعيددون (,)291 /6
وزاد المسير في علدم التفسدير ( ،)457 /4تفسدير المداوردي = النكدت والعيدون (،)291 /6
قيمة الزمن في القرآن الكريم.
( )2انظر :غريب القرآن البن قتيبة (ص )459 :التحرير والتنوير ( -ج / 16ص .)280
( )3مفردات ألفاظ القرآن (ص .)461
- 19 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
والنهار ،والليل ،والليالي العشر ،ويوم القيامة ،والعمر ،وفي القسـم بهذه
الوحـدات الزمنية تنبيه على:
أ -االعتبار بها في االستدالل على حكمة نظام هللا في هذا الكون وبديع قدرته
ب -ومن جهة أخرى فالزمن مستودع لألعمال التي سيرى اإلنسان عاقبتها يوم
القيامة الكافر والمؤمن على حد سواء.
ج -ثم نوع الزمان المذكور هنا يرمز للنور والظلمة التي هي محك مهم في
طريق الهدى والضالل.
مناسبة المقسم به لسبب النزول كما ذكر ابن عاشور( :ومناسبة القسم ب
{الضحى والليل} أن الضحى وقتُ انبثاق نور الشمس فهو إيماء إلى تمثيل نزول
الوحي وحصول االهتداء به ،وأن الليل وقت قيام النبي ( )بالقرآن ،وهو الوقت
الذي كان يَسمع فيه المشركون قراءت َه من بيوتهم القريبة من بيته أو من المسجد
ظرف {إذا سجى} .فلعل ذلك وقت قيام النبي () الحرام .ولذلك قُيد {الليل} ب َ
قال تعالى{ :قم الليل إال قليل ً نصفه أو انقص منه قليلً} [المزمل ] ( ).
1
جواب القسم:
َما َو َّدعَكَ َربُّكَ َو َما قَلَى (:)3
قال الراغب :الدعة :الخفض .يقال :ودعت كذا أدعه َودْعا .نحو :تركته،و
التوديع :تحيةُ من يريد السفر .واستعير في اآلية للمفارقة بعد االتصال تشبيها
بفراق المسافر في انقطاع الصلة حيث شبه انقطاع صلة الكالم بانقطاع صلة
اإلقامة )2( .والمعنى :أي :ما تركك منذ اعتنى بك ،وال أهملك منذ رباك ورعاك،
بل لم يزل يربيك أحسن تربية ،ويعليك درجة بعد درجة)3(.
وجملة{ :وما قلى} عطف على جملة جواب القسم ولها حكمها.
ي (بفتح القاف مع سكون الالم) وال ِقلَى (بكسر القاف مع فتح الالم): والقل ْ
البغض الشديد ،) (.والمعنى كما قال السعدي( :ما أبغضك منذ أحبك ،فإن نفي
4
الضد دليل على ثبوت ضده ،والنفي المحض ال يكون مدحا ،إال إذا تضمن ثبوت
- 20 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
كمال ،فهذه حال الرسول ( )الماضية والحاضرة ،أكمل حال وأتمها ،محبة هللا
له واستمرارها ،وترقيته في درج الكمال ،ودوام اعتناء هللا به))1(.
فجواب القسم يتناول أمر من مهمات الدين وهو شهادة أن محمدا عبده
ورسوله فهذه السورة تناولت هذا األمر بالقسم بالتأكيد عليه ولكن في أحد أحواله.
قال ابن القيم (أقسم على إنعامه على رسوله ( )وإكرامه له وإعطائه ما يرضيه
وذلك متضمن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في اآلخرة
فهو قسم على النبوة والمعاد وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته دالتين على ربوبيته
وحكمته ورحمته وهما الليل والنهار)(.)2
المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه:
هناك مناسبة بينة بين المقسم به والمقسم عليه وقد تنوعت عبارات المفسرين
في التعبير عنها ولعل من ألطفها وأشملها عبارة ابن القيم حيث قال( :فتأمل
مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافى بعد ظالم الليل للمقسم عليه وهو
نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه :ودع محمدا ربه فأقسم
بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه
واحتجابه وأيضا فإن فالق ظلمة الليل عن ضوء النهار هو الذي فلق ظلمة الجهل
والشرك بنور الوحي والنبوة فهذان للحس وهذان للعقل ؟ وأيضا فإن الذي
اقتضت رحمته أن ال يترك عباده في ظلمة الليل سرمدا بل هداهم بضوء النهار
إلى مصالحهم ومعايشهم فال يتركهم في ظلمة الجهل والغي بل يهديهم بنور
الوحي والنبوة إلى مصالح دنياهم وآخرتهم ،فتأمل حسن ارتباط المقسم به
بالمقسم عليه وتأمل هذه الجزالة والرونق الذي على هذه األلفاظ والجاللة التي
على معانيها ،ونفى سبحانه أن يكون ودع نبيه أو قاله فالتوديع الترك والقلى
البغض فما تركه منذ اعتنى به وأكرمه وال أبغضه منذ أحبه وأطلق سبحانه أن
اآلخرة خير له من األولى وهذا يعم كل حالة يرقيه إليها هي خير له مما قبلها كما
أن الدار اآلخرة خير له مما قبلها ثم وعده بما تقر به عينه وتفرح به نفسه
وينشرح به صدره وهو أن يعطيه فيرضى وهذا يعم ما يعطيه من القرآن والهدى
والنصر وكثرة األتباع ورفع ذكره و إعالء كلمته وما يعطيه بعد مماته وما
يعطيه في موقف القيامة وما يعطيه في الجنة وأما ما يغتر به الجهال من أنه ال
يرضى وواحد من أمته في النار أو ال يرضى أن يدخل أحد من أمته النار فهذا
من غرور الشيطان لهم ولعبه بهم فإنه صلوات هللا وسالمة عليه يرضى بما
يرضى به ربه تبارك وتعالى وهو سبحانه يدخل النار من يستحقها من الكفار
- 21 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
والعصاة ثم يحد لرسوله حدا يشفع فيهم ورسوله أعرف به وبحقه من أن يقول :ال
أرضى أن يدخل أحد من أمتي النار على أن يدعه فيها بل ربه تبارك وتعالى
يأذن له فيشفع فيمن شاء هللا أن يشفع فيه وال يشفع في غير من أذن له فيه
ورضيه.
ثم ذكر سبحانه نعمه عليه من إيوائه بعد تيت ُّ ِمه وهدايته بعد الضاللة وإغنائه
بعد الفقر فكان محتاجا إلى من يؤويه ويهديه ويغنيه فآواه ربه وهداه وأغناه فأمره
سبحانه أن يقابل هذه النعم الثالث بما يليق بها من الشكر فنهاه أن يقهر اليتيم وأن
ينهر السائل وأن يكتم النعمة بل يحدث بها فأوصاه سبحانه باليتامى والفقراء
والمتعلمين قال مجاهد ومقاتل :ال تحقر اليتيم فقد كنت يتيما وقال الفراء :ال تقهره
على ماله فتذهب بحقه لضعفه وكذلك كانت العرب تفعل في أمر اليتامى تأخذ
أموالهم وتظلمهم فغلظ الخطاب في أمر اليتيم وكذلك من الناصر له يغلظ في
أمره وهو نهى لجميع المكلفين.
{وأما السائل فل تنهر} قال أكثر المفسرين :هو سائل المعروف والصدقة
ال تنهره إذا سألك فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا قال الحسن:
أما إنه ليس بالسائل الذي يأتيك ولكن طالب العلم وهذا قول يحيى بن آدم قال :إذا
جاءك طالب العلم فال تنهره والتحقيق أن اآلية تتناول النوعين,
(وأما بنعمة ربك فحدث) قال مجاهد :القرآن ,وقال مقاتل :اشكر على هذه النعم
التي ذكرت في السورة ،والتحقيق أن النعم تشمل هذا كله نعم الدين والدنيا)()1
المناسبة بين القسم وموضوع السورة:
سورة الضحى في عمومها تتحدث عن نبينا محمد ( )وعظيم محبة هللا له
ومن ثم عظيم عطاياه له (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فهي تعداد لنعم أعقبت
حرمان ماقبل البعثة فناسب مجيء اآليات التي ارتبطت بحادثة سبب النزول
وهي ظن المشركين بأ ن هللا قاله بأن كان الدفاع لم يقتصر فيه على نفي هذا
األمر بل قدره أعظم من ذلك بكثير – من خالل تعداد النعم الواردة في السورة-
بل وتضمن مع ذلك عظيم فضله على األمة كلها بإخراجهم من الظلمات إلى
النور بدعوته مثل انبالج نور الضحى بعد ظلمة الليل.
وبهذا التحم القسم بأجزائه مع موضوع السورة.
الهدايات والفوائد من القسم في سورة الضحى:
-1استعمال القسم في المواعظ المهمة لألمة فهو من أساليب التوكيد والتأثير.
- 22 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
- 23 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
علَ ْي ِه ِم ْن نِ َع ِم ِه َوقَ َّر َرهُ ِم ْن آالئِ ِه قِبَ َلهُ ِفي عدَّهُ ت َ َعالَى َ س َما َ َام ُ ارْ ،الخ ِ ِم ْن أ ُ َّمتِ ِه النَّ َ
ف اختِ َال ِ علَى ْ اس بِ ِه َ ورةِ منه هدايته إلى ما هداه له أو هداية النَّ َ س َ بَ ِقيَّ ِة ال ُّ
ْ
ع ِة َوال ِغنَى َ ْ َ
ير َوال َما َل له ُ فأغنَاهُ بما آتاه أ ْو بِ َما َجعَله ُ في قلبه مِنَ القنَا ََ ْ َ َ َ التَّفَا ِس ِ
ّللا َو ِقي َل يَتِيما َال ِمثَا َل َلكَ ع ُّمهُ َو َآواهُ إِلَ ْي ِه َوقِي َل َآواهُ إِلَى َّ ِ علَ ْي ِه َ ب َ َويَتِيما فَ َحدَ َ
وآوى ِبكَ عا ِئال َ ض ًاال وأ َ ْغنَى ِبكَ َ فآواكَ ِإلَ ْي ِهَ ،و ِقي َل ْال َم ْعنَى أَلَ ْم َي ِجدْكَ فَ َهدَى ِبكَ َ َ
صغ َِر ِه ل
َ ِ ِ اح ي ف
ِ ُ ه ْ
ل م
ِ ه
ْ ي
ُ م َ
ِ ْ ل ير سِ ْ
ف َّ تال نَ م ِ وم
َ ِ ُ ل ع
ْ م ْ
ال ى َ لعَ ُ ه َّ نأ و
ِ ََن نمِ ْ
ال ه
ِ ذ ِ ه ب
َ َِ ُ ه ر َّ
ك َ ذ ا؟ يم يَتِ
اص ِه ص ِ ْف بَ ْعد َ ْ
اختِ َ عه ُ َو َال قَ َاله ُ فَ َكي َ ع ْيلَتِ ِه َويُتْ ِم ِه َوقَ ْب َل َم ْع ِرفَتِ ِه ِب ِه َو َال َودَّ َ َو َ
عل ْي ِه َوشُك ِر َما ش ََّرفَهُ بِ ِه بِنَ ْش ِر ِه َوإشَادَ ِةْ َ ار نِ ْع َمتِ ِه َ ْ
ِس أ َم َرهُ بإِظ َه ِ َ ص ِطفَائِ ِه؟ ال َّساد ُ َوا ْ
ُّث بِ َها ْ َ
ِذ ْك ِر ِه بِقَ ْو ِل ِه تَعَالى ( َوأ َّما ِبنِ ْع َم ِة َربِكَ ف َحدِث) فَإ ِ َّن ِم ْن شُك ِر النِ ْع َم ِة الت َّ َحد َ
ْ َ َ
عام ِأل ُ َّمتِ ِه(.)1 َو َهذَا خَاص لَهُ َ
عطفه عليه. والفَ ْل ُج :الظفَ ُر بما طلب .و َحدَب عليهَّ :
- 24 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
- 25 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الأول
القسم في سورة يس
نزولها:
ان في قول ْ
ورةِ الفُ ْرقَ ِ ي َوقَ ْب َل سُ َ ُ ُ
ورةِ ق ْل أ ِ سورة يس :مكية ،،نَزَ لَ ْ
وح َ ت بَ ْعدَ سُ َ
ابن عباس)1( .
موضوع سورة يس:
هذه السورة مكية فموضوعها جرى على عموم مواضيع السور المكية مما
يناسب دعوة مشركي مكة وتأصيل أمور االعتقاد وما يدعم هذا الموضوع،
ويمكن القول بأن الموضوع يتركز في آيتين من السورة وهو قوله:
س َوا ٌء عَلَ ْي ِه ْم أَأ َ ْنذَ ْرت َ ُه ْم أ َ ْم لَ ْم ت ُ ْنذ ِْرهُ ْم َال يُؤْ ِمنُو َن (ِ )10إنَّ َما ت ُ ْن ِذ ُر َم ِن اتَّب َ َع
( َو َ
ب فَبَش ِْر ُه ِب َم ْغ ِف َر ٍة َوأَجْ ٍر كَ ِر ٍيم ()11
ِي ال َّرحْ َمنَ بِالْغَ ْي ِ
الذك َْر َو َخش َ
ِ
حيث تركز في السورة موضوع الدعوة والنذارة لمشركي مكة وتثبيت النبي
في االستمرار في الدعوة من خالل قصة صاحب القريتين ،وقد احتوت السورة
على أكثر الموضوعات التي وقع فيها اإلنكار والجدل في إمكانيتها وهو البعث.
ومناسبة القسم الذي هو مفتتح السورة للموضوع:
هو أن الجدل كل الجدل في تكذيبهم للنبي ( )بتكذيبهم بأنه مرسل من عند
هللا ،ولو آمنوا به لوقع التصديق بكل ما جاء به لذلك ناسب أن تفتتح السورة بتأكيد
رسالته أنها من عند هللا وهو جواب القسم (إنك لمن المرسلين)
ثم جاء المقسم به بما يشهد للمقسم عليه باإلثبات وهو القرآن الكريم فأقسم هللا
( )بالقرآن على رسالة محمد ( )معلال نزول القرآن وإرسال الرسول بحصول
غافِلُونَ ) ،ومما ورد في السورة مؤكدا النذارة ( ِلت ُ ْنذ َِر قَ ْو ًما َما أُنْذ َِر آبَا ُؤهُ ْم فَ ُه ْم َ
لهذا الموضوع :ما ورد في آية ( )11التي كانت محور السورة في موضوعها.
تفسير آيات القسم:
آن الْ َح ِك ِيم (ِ )2إنَّكَ لَ ِمنَ الْ ُم ْر َ
س ِلينَ ( )3عَلى قال تعالى( :يس (َ )1وا ْلقُ ْر ِ
الر ِح ِيم (ِ )5لت ُ ْن ِذ َر ق َ ْوما ً َما أ ُ ْن ِذ َر آبا ُؤ ُه ْم فَ ُه ْم
ست َ ِق ٍيم ( )4ت َ ْن ِزي َل ا ْلعَ ِز ِيز َّ
ِصراطٍ ُم ْ
غافِلُونَ ()6
(يس)
السورة من السور المفتتحة بالحروف المقطعة
( )1أخرجده ابددن الضددريس فدي :فضددائل القددرآن ومددا أندزل مددن القددرآن بمكدة ومددا أنددزل بالمدينددة
(ص.)33 :
- 26 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
وهذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها ،وفي الحكمة منها على أقوال
كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال:
القول األول :أن لها معنى؛ واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه :مثل قول
ابن عباس( ،يس) قال :فإنه قسم أقسمه هللا ،وهو من أسماء هللا وقال آخرون:
معناه :يا رجل .ومثل قول مجاهد( :يس) مفتاح كالم افتتح هللا به كالمه .وقول
قتادة( ،يس) :كل هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن )1(.وعن ابن عباس" :
يس " يا إنسان يريد محمدا ( .)وروى عكرمة عنه" :يس" :يا إنسان
بالحبشية)2(.
القول الثاني :هي حروف هجائية ليس لها معنى .وينظر فيها إلى الحكمة من
مجيئها.
القول الثالث :لها معنى هللا أعلم به؛ فنجزم بأن لها معنى؛ ولكن هللا أعلم به؛
ألنهم يقولون :إن القرآن ال يمكن أن ينزل إال بمعنى.
َ َ
القول الرابع :التوقف ،وأال نزيد على تالوتها؛ ونقول :هللا أعلم :ألها معنى،
أم ال؛ وإذا كان لها معنى فال ندري ما هو.
وأصح األقوال فيها – وهللا أعلم -القول الثاني؛ وهو أنها حروف هجائية ليس
لها معنى على اإلطالق؛ وهذا مروي عن مجاهد؛ وحجة هذا القول :أن القرآن
نزل بلغة العرب؛ وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية ،مثل ما تقول:
أ ِلف؛ باء؛ تاء؛ ثاء؛ جيم؛ حاء . . .؛ فهي كذلك حروف هجائية.
هذا بالنسبة لذات هذه الحروف؛ أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين
لها معنى فإن الحكمة منها :الداللة على ذلك المعنى .مثل غيرها مما في القرآن.
وأما على قول من يقول" :ليس لها معنى"؛ أو" :لها معنى هللا أعلم به"؛ أو:
"يجب علينا أن نتوقف" فإن الحكمة عند هؤالء على أرجح األقوال ،وهو الذي
اختاره ابن القيم ،وشيخ اإلسالم ابن تيمية ،واختاره تلميذه الحافظ الذهبي ،وأجمع
كثير من أهل العلم :هو اإلشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم ،وأن هذا القرآن لم
ت بكلمات ،أو بحروف خارجة عن نطاق البشر؛ وإنما هو من الحروف التي ال يأ ِ
تعدو ما يتكلم به البشر؛ ومع ذلك فقد أعجزهم . .؛ فالحكمة منها ظهور إعجاز
القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة؛ قالوا :ويدل على ذلك أنه ما من سورة
افتتحت بهذه الحروف إال وللقرآن فيها ذكر؛ ومنها هذه السورة (يس) حيث وقع
- 27 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
القسم بالقرآن .ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء
الفصحاء)1(.
آن ْال َح ِك ِيم ( )2قوله{ :والقرآن} :إ َّما قسم مستأنفْ ،
إن لم يُجْ عَ ْل ما تقدَّم َو ْالقُ ْر ِ
سما به) (.
2
إن كانَ ُم ْق َ
طف على ما قبلَه ْع ْ سما ،وإ َّما َ قَ َ
والقرآن( ) :الواو هنا حرف قسم .أقسم هللا تعالى بالقرآن ،ألن هلل تعالى أن 3
يقسم بما شاء ،وإقسامه هنا بالقرآن إقسام بكالمه ،وكالم هللا تعالى من صفاته ،وقد
ذكر أهل العلم ( ) أنه يجوز اإلقسام باهلل تعالى ،أو بصفة من صفاته ،وأما آياته
فال يُقسم بها إال إذا قصد اإلنسان باآليات كلماته ،كالقرآن الكريم ،والتوراة،
واإلنجيل ،وما أشبه ذلك ،وأما اآليات الكونية كالشمس والقمر فال يجوز لنا أن
نقسم بها)4(،
- 28 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
والقرآن :هو كتاب هللا ( )المنزل على خاتم أنبيائه محمد ( )بلفظه ومعناه،
المنقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين المكتوب في المصاحف من أول سورة
«الفاتحة» إلى آخر سورة «الناس»)1(.
(الحكيم)
َح َك َم أصله :منع منعا إلصالح ،ومنه سميت اللجامَ :حك َمة الدابة ،فقيل:
َ
حكمته و َح َك ْمتُ الدابة :منعتها بالحكمة ،وأَحْ َك ْمت ُ َها :جعلت لها حكمة ،وكذلك:
والح ْك َمةُ :إصابة الحق بالعلم والعقل ،فالحكمة من هللا ِ حكمت السفيه وأحكمته،
تعالى :معرفة األشياء وإيجادها على غاية اإلحكام ،ومن اإلنسان :معرفة
الموجودات وفعل الخيرات)2(.
ووصف القرآن بأنه حكيم ذكر النسفي أنه يجوز أن يكون ذا حكمة أو ألنه
دليل ناطق بالحكمة أو ألنه كالم حكيم فوصف بصفة المتكلم به()3
ولما كان من معاني الحكمة :وضع كل شيء موضعه ،فإن من مستتبعات
وصف القرآن بأنه حكيم :وضع األمر والنهي في الموضع الالئق بهما ،ووضع
الجزاء بالخير والشر في محلهما الالئق بهما ،فأحكامه الشرعية والجزائية كلها
مشتملة على غاية الحكمة .ومن حكمة هذا القرآن ،أنه يجمع بين ذكر الحكم
وحكمته ،فينبه العقول على المناسبات واألوصاف المقتضية لترتيب الحكم
عليها)4(.
وذكر السيوطي أن من أسماء القرآن الحكمة كما في قولهَ [ :ولَقَ ْد َجا َءهُ ْم ِم َن
اء َما فِي ِه ُم ْز َد َج ٌر (ِ )4ح ْك َمةٌ بَا ِلغَةٌ فَ َما تُغْ ِن الن ُّذُ ُر (( ])5القمر) فقالَ :وأ َ َّما ْاأل َ ْنبَ ِ
يء فِي َم َح ِل ِه أ َ ْو ْألَنَّهُ ش ْْع كُ ِل َ ون ال ُم ْعتَبَ ِر ِم ْن َوض ِ
علَى ْالقَانُ ِ ْ ْال ِح ْك َمةُ ،فَ ْألَنَّه ُ نَزَ َل َ
ِيع ْال َم َعانِي ْ
ب النَّظ ِم َو َبد ِ علَى ْال ِح ْك َم ِةَ .وأ َ َّما ْال َح ِكي ُم ،فَ ْألَنَّه ُ أُحْ ِك َم ْ
ت آ َياتُهُ ِبعَ ِجي ِ ُم ْشت َِمل َ
ف َوالت َّ َباي ُِن) (.
5
يف َو ِاال ْختِ َال ِحْر ِ ق الت َّ ْبدِي ِل َوالت َّ ِ
ط ُّر ِ ع ْن ت َ َ
ت َ َوأُحْ ِك َم ْ
{ ِإنَّكَ لَ ِمنَ المرسلين} جواب للقسم
شهادة ُ سال) وهذه ال َّ حقه (( )لستَ ُمر َ لرد إنكار ال َكفَرةِ بقو ِلهم في ِ والجملةُ ِ
منه ( )من جملة ما أُشير إليه بقوله تعالى في جوابهم (قُ ْل كفى باهلل ش َِهيدا ً
( )1انظر :التعريفات (ص ،)174 :المدخل لدراسة القرآن الكريم (ص.)8 :
( )2المفردات في غريب القرآن (ص.)248 :
( )3تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (.)95 /3
( )4انظر :تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص.)692 :
( )5اإلتقان في علوم القرآن (.)183 /1
- 29 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
اّلل ش َِهيدًا س ًل قُ ْل َكفَى بِ َّ ِ بَ ْي ِني َوبَ ْينَ ُك ْم) من قولهَ ( :ويَقُو ُل الَّذِي َن َكفَ ُروا لَ ْ
ستَ ُم ْر َ
ب (()43الرعد) ،ولذلك جاء ت َأ ْ ِكيد ُ َهذَا ْال َخ َب ِر بَ ْينِي َوبَ ْينَكُ ْم َو َم ْن ِعنْ َدهُ ِع ْل ُم ا ْل ِكتَا ِ
يض بِ ْال ُم ْش ِركِينَ ار َك ْونِ ِه ُم َرادا بِ ِه الت َّ ْع ِر َ اء بِا ْعتِبَ ِ ف التَّأ ْ ِكي ِد َو َال ِم ِاال ْبتِدَ ِ س ِم َو َح ْر ِ بِ ْالقَ َ
سالَ ِة فَ ُه َو ت َأ ْ ِنيس ِللنَّ ِبي (َ )وت َ ْع ِريض ِب ْال ُم ْش ِركِينَ )1(. الَّذِينَ َكذَّبُوا ِب ِ
الر َ
وفي مجيء (من) هنا لبيان أنه من جملة المرسلين ،فليس ببدع من الرسل،
وأيضا جاء بما جاء به الرسل من أصول الشرائع.
يم} :خبر آخ َُر لـ (إ َّن) أخبر بأعظم أوصاف ست َ ِق ٍقوله تعالى{ :على صراط ُّم ْ
على يم} و َ ست َ ِق ٍ
على ِص َراطٍ ُم ْ َ الرسول ( ،)الدالة على رسالته ،وهو أنه { َ
َ
ب إِفادَة ك ْونِ ِهَ َ َ
ع ِن ال ُمخَاط ِ ْ ار بِ ِه َ اإل ْخبَ ِ ض مِنَ ْ ِ ْس ْالغ ََر ُ ِل ِال ْستِ ْع َال ِء ويفيد التمكنَ ،ولَي َ
سلِينَ . ار ِم ْن َك ْو ِن ِه أ َ َحد َ ْال ُم ْر َ صولُهُ مِنَ ْاأل َ ْخ َب ِ ص َراط ُم ْست َ ِقيم ِأل َ َّن ذَلِكَ َم ْعلُوم ُح ُ علَى ِ َ
س َال ُم َوبَيْنَ َحا ِل دِينِ ِه ص َالة ُ َوال َّ علَ ْي ِه ال َّ ِ َ ل و س
ُ الر
َّ ل َ ِاح ْنَيب
َ ع مْ
َ َ َ ُج ْ
ال ض َر غ ْ
ال ن َّ ك
ِ َ لوَ ،
ض ْمنِيًا .فأفاد بمجموع ذلك ً ْ
ص َراط ُم ْست َ ِقيم ِعلما ُم ْست َ ِقال َال ِ َ ْ ْ
ِليَكُونَ ال ِعل ُم ِبأ َّن دِينَه ُ ِ
ي نكير التَّفخيم ُّ رائع وأعدلُها كما يُعرب عنه الت َّ ُ وصف شريعته ( )بأنها أقوم ال َّش ِ
والوصف إثر بيان أنه ( )من جملة المرسلين ،وهذا الصراط موصل إلى هللا ُ
وإلى دار كرامته ،وذلك الصراط المستقيم ،مشتمل على أعمال ،وهي األعمال
الصالحة ،المصلحة للقلب والبدن ،والدنيا واآلخرة ،واألخالق الفاضلة ،المزكية
للنفس ،المطهرة للقلب ،المنمية لألجر ،فهذا الصراط المستقيم ،الذي هو وصف
الرسول ( ،)ووصف دينه الذي جاء به(.)2
نزي َل العزيز الرحيم} نصب على المدح ،فهو مصدر بمعنى المفعو ِل عبَّر به {ت َ ِ
منزال من عن ِد هللا ( )إظهارا لفخامتِه عن القرآنُ بيانا لكمال عراقتِه في كونِه َّ
بيان فخامتِه الذَّاتيَّ ِة بوصفه بالحكمة, اإلضافي ِة بعدَ ِ
علَ ْي ِه الر ِح ِيم ِأل َ َّن َما ا ْشت َ َم َل َ يز َّ صفَت َي ِ ْال َع ِز ِ ان ِ ّللا ِبعُ ْن َو ِيف الت َّ ْن ِزي ُل ِإلَى َّ ِ ض َ َوأ ُ ِ
علَى اس َ ّللا ت َ َعالَىَ ،وه َُو َما فِي ِه ِم ْن َح ْم ِل النَّ ِ ار ِع َّز ِة َّ ِ ْالقُ ْرآنُ َال َي ْعد ُو أ َ ْن َيكُونَ ِم ْن آث َ ِ
اإل ْنذَ ِار ض ْعف َم َع َما ِفي ِه ِمنَ ْ ِ صانَ َعة َو َال َ ق ْال ُهدَى د ُونَ ُم َ ط ِري ِ وك َ سلُ ِ ق َو ُ ْال َح ِ
الرحم ِة بأن تنزيلَه ناشيء عن غاي ِة َّ ان .وإشعار َّ ان َو ْالكُ ْف َر ِص َي ِ علَى ْال ِع ْ َو ْال َو ِعي ِد َ
ار حسب ما ورد في قولُه تعالىَ ( :و َما أرسلناك إِالَّ َر ْح َمةً للعالمين) و ِم ْن آث َ ِ
اظ ِرينَ ، ق ِللنَّ ِ ف ْال َحقَائِ ِ ب ْالبَ ِعي ِد َو َك ْش ِ ب ْاأل َ ِدلَّ ِة َوت َ ْق ِري ِ ص ِ آن ِم ْن نَ ْ َرحْ َمتِ ِه َما فِي ْالقُ ْر ِ
و ( )1انظر :تفسير أبي السدعود = إرشداد العقدل السدليم إلدى مزايدا الكتداب الكدريم (،)158 /7
التحرير والتنوير (.)345 /22
( )2انظددر :تفسددير أبددي السددعود = إرشدداد العقددل السددليم إلددى مزايددا الكتدداب الكددريم (،)158 /7
وتفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص ، )692 :والتحرير والتنوير (.)347 /22
- 30 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
ّللا ت َ َعا َلىَ ،وذَلِكَ ه َُو َما َو َردَ بَيَانُهُ ِين يَكُونُونَ ِع ْند َ َم ْر َ
ضاةِ َّ ِ َم َع َما فِي ِه مِنَ ْال ِبش َ
َارةِ ِللَّذ ِ
َب ْعد ُ ِإجْ َماال ِم ْن قَ ْو ِل ِهِ [ :لت ُ ْنذ َِر قَ ْوما ً َما أُنْذ َِر آبا ُؤ ُه ْم فَ ُه ْم غا ِفلُونَ ] [يس ]6 :ث ُ َّم
ق ا ْلقَ ْو ُل عَلى أ َ ْكث َ ِر ِه ْم] [يسَ ]7 :وبِقَ ْو ِل ِه[ :إِنَّما ت ُ ْن ِذ ُر َم ِن صيال بِقَ ْو ِل ِه[ :لَقَ ْد َح َّت َ ْف ِ
يم] [يس: ب فَبَش ِْرهُ ِب َم ْغ ِف َر ٍة َوأَجْ ٍر ك َِر ٍ ِي ال َّرحْ منَ ِبالْغَ ْي ِ الذك َْر َو َخش َ اتَّبَ َع ِ
)1(.]11
{ ِلت ُ ْنذ َِر قَ ْو ًما َما أُنْذ َِر آبَا ُؤهُ ْم فَ ُه ْم غَا ِفلُونَ } فلما أقسم تعالى على رسالته
وأقام األدلة عليها ،ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقالِ { :لت ُ ْنذ َِر. . .
} وهم العرب األميون ،الذين لم يزالوا خالين من الكتب ،عادمين الرسل ،قد
عمتهم الجهالة ،وغمرتهم الضاللة ،فأرسل هللا إليهم رسوال من أنفسهم ،يزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة ،وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين ،فينذر العرب
األميين ،ومن لحق بهم من كل أمي ،ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب،
فنعمة هللا به على العرب خصوصا ،وعلى غيرهم عموما)2(.
ولعل ما ورد في هذه اآلية من دالالت هي من مرتكزات السورة ومقاصدها
وهو النذارة كما أشرنا سابقا.
المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه:
ال يخفى ما بين المقسم به ،وهو القرآن الحكيم ،وبين المقسم عليه ،وهو
رسالة الرسول محمد ( ،)من االتصال ،وأنه لو لم يكن لرسالته دليل وال شاهد
إال هذا القرآن الحكيم ،لكفى به دليال وشاهدا على رسالة محمد ( ،)بل القرآن
العظيم أقوى األدلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول ،فأدلة القرآن كلها أدلة
لرسالة محمد ( ،)فتأمل جاللة هذا القرآن الكريم ،كيف جمع بين القسم بأشرف
األقسام ،على أجل مقسم عليه ،وخبر هللا وحده كاف ،ولكنه تعالى أقام من األدلة
الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما أقسم عليه ،من
رسالة رسوله)3(.
( )1انظر :تفسير أبي السعود ( ،)158 /7والتحرير والتنوير (.)347 /22
( )2تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص.)692 :
( )3تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص.)692 :
- 31 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الثاني
القسم في سورة (ص)
اق (})2 شقَ ٍ الذك ِْر ( )1بَ ِل ال َّ ِذينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّز ٍة َو ِ آن ذِي ِ {ص َوا ْلقُ ْر ِ
[ص]3 - 1 :
نزولها:
هذه السورة مكية بإجماع من المفسرين) (.
1
( )1تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (.)491 /4
( )2أخرجده ابددن الضددريس فدي :فضددائل القددرآن ومددا أندزل مددن القددرآن بمكدة ومددا أنددزل بالمدينددة
(ص.)33 :
( )3بدائع الفوائد (.)174 /3
- 32 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
َت فَاتِ َحت ُ َها ُم ْست َ ْك ِملَةق ِإلَى َما بَ ْعدَهُ فَ َكان ْ س ِم مِنَ الت َّ ْش ِوي ِ َاح ِب ْالقَ َ
ذَلِكَ َ ،م َع َما فِي ِاال ْفتِت ِ
ص حسن ِاال ْبتِدَاء)) (.
1
صائِ َ َخ َ
تفسير آيات القسم:
اق (})2 شقَ ٍ الذك ِْر ( )1بَ ِل ال َّ ِذينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّز ٍة َو ِ آن ذِي ِ {ص َوا ْلقُ ْر ِ
[ص.]3 - 1 :
(ص) :من الحروف المقطعة ،وسبق ذكر مذاهب العلماء في الحروف
المقطعة في تفسير سورة (يس).
ويضاف هنا أقوال العلماء فيمن يرى أن لها معنى غير ما ذكر سابقا:
صا ِد" ،بكسر ما ورد في قراءة أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاقَ " :
الدال .قال أبو الفتح :المأثور عن الحسن أنه إنما كان يكسر الدال من "صاد" ألنه
عنده أمر من المصاداة ،أي :عارض عملك بالقرآن)2(.
علَى جاللة قدره ،فإن فيه بيان كل شي، س َم ِب ْالقُ ْر ِ
آن ت َ ْن ِبيها َ الذ ْك ِر) :أ َ ْق َ آن ذِي ِ ( َو ْالقُ ْر ِ
ُورَ ،و ُم ْع ِجزَ ة ِللنَّ ِبي ِ (.) صد ِ َو ِشفَاء ِل َما فِي ال ُّ
الذ ْك ِر) :يحتمل معنيين: (ذِي ِ
ْنُ
س ِعيد ُ ب ُجبَيْر َوإِ ْس َما ِعي ُل عبَّاسَ ،و َ ْنُ َ
الذك ِر) ذي الشرف ،قا َل اب َ ْ األول( :ذِي ِ
الذك ِر} ذِي ْ ي {ذِي ِ س ِد ُّ
صا ِلح َوال ُّ َ
صيْن َوأبُو َ بْنُ أَبِي خَا ِلدَ ،وابْنُ عُيَ ْينَة َوأبُو ُح َ
َ َ
شأ ْ ِن َو ْال َم َكانَ ِة )3(.وقال الضحاك :ذي الشرف ،دليله قوله (:) ي :ذِي ال َّ ف أَ ْش َر ِ ال َّ
ي َم ْن آ َمنَ ِب ِه َكانَ ف ) ( .)44-قال القرطبي :أ َ ْ 4 ( َو ِإنَّهُ لَ ِذ ْك ٌر لَكَ َو ِلقَ ْو ِمكَ ) ( ُّ
الز ْخ ُر ِ
َّاري ِْنَ ،ك َما قَا َل تَعَالَى " :لَقَ ْد أ َ ْن َز ْلنا إِلَ ْي ُك ْم ِكتابا ً فِي ِه ِذ ْك ُر ُك ْم" ش ََرفا لَهُ فِي الد َ
ي ش ََرفُكُ ْم )5(.وهذا مفهوم قول الضحاك حيث قال ك (ذي الذكر) [األنبياء ]10 :أ َ ْ
قال :فيه ذكركم ،قال :ونظيرتها( :لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم))6(.
وبهذا يكون مفهوم هذا الوصف من حيث داللته على الشرف أمرين:
علَى ما ال يشتمل عليه غَيره. -أن القرآن شريف في ذاته ِ ِإل ْع َجازه َوا ْشتِ َماله َ
( )1وهددذا فددي روايددة ابددن عبدداس التددي أخرجهددا ابددن الضددريس فددي فضددائل القددرآن (ص)33 :
وانظر التحرير والتنوير (.)203 /23
( )2المحتسددب فددي تبيددين وجددوه شددواذ القددراءات واإليضدداح عنهددا ( )230 /2وروايددة الحسددن
أخرجها الطبري (.)137 /21
( )3والروايات أخرجها الطبري ( ،)137 /21وانظر تفسير ابن كثير ت سالمة ()51 /7
( )4تفسددير الثعلبددي = الكشددف والبيددان عددن تفسددير القددرآن ( )176 /8وانظددر :تفسددير البغددوي -
طيبة (.)67 /7
( )5تفسير القرطبي (.)143 /15
( )6تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (.)140 /21
- 33 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
- 34 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
وقيل :تقدير الجواب المحذوف منه :لقد جاء الحق .وقيل :تقديره :ما األمر
كما قالوا)1(.
قال ابن القيم في مسألة متى يحذف جواب القسم . . .( :إذا كان في المقسم به
الذك ِْر} فإن في ما يدل على المقسم عليه فمن هذا قوله تعالى{ :ص َوا ْلقُ ْر ِ
آن ذِي ِ
المقسم به من تعظيم القرآن ووصفه بأنه ذي الذكر المتضمن لتذكير العباد ما
يحتاجون إليه وللشرف والقدر ما يدل على المقسم عليه وكونه حقا من عند هللا
غير مفترى كما يقوله الكافرون وهذا معنى قول كثير من المفسرين متقدميهم
ومتأخريهم إن الجواب محذوف تقديره إن القرآن لحق وهذا مطرد في كل ما
شأنه ذلك)(.)2
( )1انظر :تفسير الماوردي = النكت والعيون ( )76 /5و تفسير ابن كثير ت سالمة (.)51 /7
( )2التبيان في أقسام القرآن (ص.)10 :
- 35 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الثالث
القسم في سورة الزحرف
َان)1(. ورةِ الدُّخ ِ ت َوقَ ْب َل سُ َ صلَ ْ ورةِ فُ ِ ت بَ ْعدَ سُ َ وهي مكية بإجماعهم ،نَزَ لَ ْ
وهذه السورة من السور التي أطلق العلماء عليها (آل حم) أو الحواميم.
َ
يمَ ،ويَقُو ُل :آ ُل حم .قَا َل أبُو ام َ يرينَ ،أَنَّهُ َكانَ يَ ْك َرهُ أ َ ْن يَقُو َل ْال َح َو ِ ع ِن اب ِْن ِس ِ و َ
َ ْ
ضفت َ ُه ْم ِإل ْي ِه) (.
2 َ َ ُ ُ
عُبَيْد :آ ُل حم َك َما تَقو ُلَ :هؤ َُال ِء آ ُل ف َالنَ ،كأنَّكَ أ َ
وقد جاء فيها عن السلف ما يدل على فضلها
َ َ
آن َك َمث َ ِل َر ُجل ا ْنطلَقَ َي ْرتَاد ُ ِأل ْه ِل ِه َم ْن ِزال فَ َم َّر ّللا قَالَ ِ :إ َّن َمث َ َل ْالقُ ْر ِ ع ْب ِد َّ ِ ع ْن َ َ
ضات دَ ِمثَات ،فَقَالَ : علَى َر ْو َ َ ْ
ب ِم ْنهُ ِإذ َهبَط َ ِير فِي ِه َويَت َ َع َّج ُغيْث فَبَ ْين ََما ه َُو يَس ُ ِبأَث َ ِر َ
ث ْاأل َ َّو ِلب ،فَ ِقي َل لَهُ ِإ َّن َمث َ َل ْالغَ ْي ِ ب ِم ْنهُ َوأ َ ْع َج ُ ث ْاأل َ َّو ِل فَ َهذَا أ َ ْع َج ُ ع ِجبْتُ ِمنَ ْالغَ ْي ِ َ
آن. ْ
ال حم فِي القُ ْر ِ ت َمث َ ُل ْ ت الد َِّمثَا ِ ضا ِ الر ْو َ آن َو ِإ َّن َمث َ َل َهؤ َُال ِء َّ ْ
ظ ِم القُ ْر ِ َمث َ ُل ِع َ
امي ُم. ْ
آن ال َح َو ِ ْ
اب القُ ْر ِ ُ
يء ل َباب َول َب ُ ُ ش ْعبَّاس قَا َلِ :لكُ ِل َ ع ْن اب ِْن َ و َ
آن» ْ
ّللا« :آ ُل حم دِيبَا ُج القُ ْر ِ قَا َل َ
ع ْبد ُ َّ ِ
َ َ
ضات دَ ِمثَات أتَأنَّ ُق َوقَا َل ابْنُ َم ْسعُودِ :إذَا َوقَ ْعتُ فِي آ ِل حم َوقَ ْعتُ فِي َر ْو َ
س َّميْنَ العرائس)3(. يم :كُ َّن آ َل حم يُ َ س ْعد ُ بْنُ ِإب َْرا ِه َ فِي ِه َّنَ .وقَا َل َ
( )1فضائل القدرآن ومدا أندزل مدن القدرآن بمكدة ومدا أندزل بالمديندة (ص .)33 :زاد المسدير فدي
علم التفسير (.)72 /4
( )2فضائل القرآن للقاسم بن سالم (ص.)256 :
( )3الروايات أخرجها أبو عبيد في فضدائل القدرآن (ص )255 :و البغدوي -إحيداء التدراث (/4
.)103
( )4أخرجه الطبري = جامع البيان ت شاكر (.)103 /22
- 36 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
الرسل ،ولذا نجد كثير من مصطلحات الزحرف في السورة وخاصة اسم السورة
(الزحرف) ومن اآليات الدالة على هذا المقصد:
ِير إِ َّال قَا َل ُمتْ َرفُوهَا إِنَّا
س ْلنَا ِم ْن قَ ْب ِلكَ فِي قَ ْريَ ٍة ِم ْن نَذ ٍ{ َو َكذَ ِلكَ َما أ َ ْر َ
علَى آث َ ِار ِه ْم ُم ْقتَدُو َن ([ })23الزخرف]23 : علَى أ ُ َّم ٍة َوإِنَّا َ
َو َج ْدنَا آبَا َءنَا َ
{بَ ْل َمت َّ ْعتُ َهؤ َُال ِء َوآبَا َء ُه ْم} [الزخرف]29 :
ففي دعوة النبي ( )يذكر تطلعاتهم لزخرف الحياة من النبي المرسل وأثره
علَى َر ُج ٍل ِمنَ على صدهم عن قبول الدعوةَ { :وقَالُوا لَ ْو َال نُ ِز َل هَذَا ا ْلقُ ْرآنُ َ
س ُمونَ َرحْ َمتَ َر ِبكَ نَحْ نُ قَ َ
س ْمنَا بَ ْينَ ُه ْم َم ِعي َ
شت َ ُه ْم ا ْلقَ ْريَت َ ْي ِن ع َِظ ٍيم ( )31أ َ ُه ْم يَ ْق ِ
ض ُه ْم بَ ْعضًا ت ِليَت َّ ِخذ َ بَ ْع ُض د ََر َجا ٍ ض ُه ْم فَ ْو َ
ق ب َ ْع ٍ ِفي ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو َرفَ ْعنَا ب َ ْع َ
اس أ ُ َّمةًس ْخ ِريًّا َو َر ْح َمتُ َربِكَ َخ ْي ٌر ِم َّما يَ ْج َمعُو َن (َ )32ولَ ْو َال أ َ ْن يَكُو َن النَّ ُ ُ
ض ٍة َو َمعَ ِار َج عَلَ ْي َها سقُفًا ِم ْن فِ َّ الرحْ َم ِن ِلبُيُوتِ ِه ْم ُ اح َدةً ل َ َجعَ ْلنَا ِل َم ْن يَ ْكفُ ُر بِ َّ َو ِ
س ُر ًرا عَلَ ْي َها يَت َّ ِكئ ُونَ (َ )34و ُز ْخ ُرفًا َو ِإ ْن يَ ْظ َه ُرونَ (َ { )33و ِلبُيُو ِت ِه ْم أ َ ْب َوابًا َو ُ
ع ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو ْاْل ِخ َرة ُ ِع ْن َد َربِكَ ِل ْل ُمت َّ ِقينَ (})35ُك ُّل ذ َ ِلكَ لَ َّما َمتَا ُ
وفي قصة موسى مع فرعون يذكر الزخرف وأثره على الصد عن
االستجابةَ { :ونَادَى فِ ْرع َْو ُن فِي قَ ْو ِم ِه قَا َل يَا قَ ْو ِم أ َلَيْ َ
س ِلي ُم ْلكُ ِمص َْر َو َه ِذ ِه
جْري ِم ْن ت َ ْح ِتي أَف َ َل ت ُ ْب ِص ُرو َن ( )51أ َ ْم أَنَا َخ ْي ٌر ِم ْن هَذَا الَّذِي ُه َو ْاأل َ ْن َها ُر ت َ ِ
ب أ َ ْو َجا َء َمعَهُ س ِو َرة ٌ ِم ْن ذَهَ ٍَم ِهينٌ َو َال يَكَا ُد يُبِينُ ( )52فَلَ ْو َال أ ُ ْل ِق َي عَلَ ْي ِه أ َ ْ
ا ْل َم َلئِكَةُ ُم ْقت َ ِرنِينَ (})53
وفي نعيم الجنة يذكر الزخرف فهو محله وليس الحياة الدنيا{ :ا ْد ُخلُوا ا ْل َجنَّة َ
ب َوأَك َْوا ٍ
ب اف عَلَ ْي ِه ْم بِ ِصحَافٍ ِم ْن ذ َ َه ٍ ط ُ أ َ ْنت ُ ْم َوأ َ ْز َوا ُج ُك ْم تُحْ بَ ُرونَ ( )70ي ُ َ
س َوتَلَذُّ ْاأل َ ْعيُنُ َوأ َ ْنت ُ ْم فِي َها َخا ِلدُونَ (َ )71وتِلْكَ ا ْل َجنَّةُ شت َ ِهي ِه ْاأل َ ْنف ُ ُ
َوفِي َها َما ت َ ْ
ْ
يرةٌ ِم ْن َها تَأ ُكلُونَ ٌ
ورثْت ُ ُمو َها ِب َما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ ( )72ل َ ُك ْم فِي َها فَا ِك َهة َكثِ َ الَّتِي أ ُ ِ
(})73
وقد احتوت السورة على حوالي ( )20كلمة من مصطلحات الزخرف مثل:
الحلية -مترفوها -متعت -فضة -ذهب -زحرفا -ملك مصر -أسورة -مسرفين-
صحاف من ذهب-األزواج-البنين-بيوتهم -سررا -تشتهيه األنفس -تلذ األعين-
يخوضوا -يلعبوا)
مناسبة القسم لموضوع السورة:
لما كانت سور آل حم ومنها الزحرف مقصدها دعوة النبي ( )وكان من
معوقات استجابتهم له تعززهم بمكانتهم وإسرافهم بين في مطلع السورة شرفهم
بتنزل ا لقرآن عليهم لشرفه وعلوه بعد أن أقسم به على هذا الشرف فقالَ ( :و ِإنَّهُ
- 37 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
- 38 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
يذكر المتعلق ،ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين
واآلخرة.)1().
(إِنَّا َجعَ ْلنَاهُ قُ ْرآنًا ع ََربِيًّا لَعَل َّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ ) :جواب القسم أو المقسم عليه {إِنَّا
ي :أ َ ْنزَ ْلنَاهُ()2 َجعَ ْلنَاهُ} أ َ ْ
َضي أَنَّهُ َمحْ فُوظ فِي ور ِكت َاب فَيَ ْقت ِ ض ِ {قُ ْرآنا} ْال َم ْعنَى :أَنَّهُ َم ْق ُروء د ُونَ ُح ُ
صا ِلح ِأل َ ْن ار بِأَنَّهُ َم ْق ُروء ِأل َ َّن كُ َّل ِكت َاب َ َت فَائِدَة ِل ْ ِ
ْل ْخبَ ِ ُور َولَ ْو َال ذَلِكَ لَ َما َكان ْ صد ِ ال ُّ
ي َ
ب َمق ُروءا ،أ ْ ْ َ ْ َ َ
ب بِأنهُ ق ْرآن ُمبَالغَة فِي ك ْو ِن َهذا ال ِكتا ِ َ ُ َّ َ ْ
ع ِن ال ِكت َا ِ ار َ ْ
اإلخبَ ُ ْ
يُ ْق َرأَ .و ِ ُ
لذك ِْر] [ ْالقَ َمرَ ]17 :وقَ ْو ِل ِهِ [ :إنَّ س ْرنَا ا ْلقُ ْرآ َن ِل ِ ُميَ َّسرا ِأل َ ْن يُ ْق َرأ ُ ِلقَ ْو ِل ِهَ [ :ولَقَ ْد يَ َّ
الذ ْك َر َو ِإنَّا لَهُ علَ ْينا َج ْمعَهُ َوقُ ْرآنَهُ] [ ْال ِق َيا َمةَ .]17 :وقَ ْو ِل ِهِ [ :إنَّا نَحْ نُ نَ َّز ْلنَا ِ َ
َاب ْال ُمن ََّز َل على ُم َح َّمد () ف أ َ َّن ْال ِكت َ ص ِ ص َل ِب َهذَا ْال َو ْ ظونَ ] [ ْالحجر .]9 :فَ َح َ لَحا ِف ُ
ص بِ ِه اخت ُ َّعلَى أ َ ْل ِسنَ ِة ا ْأل ُ َّم ِةَ .و َهذَا ِم َّما ْ صفَي ِْنَ :ك ْونِ ِه ِكت َاباَ ،و َك ْونِ ِه َم ْق ُروءا َ امع ِل َو ْ َج ِ
َ
اإلسْال ِم. ْ
َاب ِ ِكت ُ
عل ْي ِه َ َت َ ُ
على َما ك ِون ْ َ ْ
ع َربِيًا تَك ِوينُهُ َ ُ
(عربيا) :نسبة للعرب َو َم ْعنَى َج ْع ِل ِه ق ْرآنا َ
ف ْ َ
ب ِألن َها أش َر ُ َّ َ ْ ُ
َاب ق ْرآنا ِبلغَ ِة العَ َر ِ ُ ّللا بِ َبا ِه ِر ِح ْك َمتِ ِه َجعَ َل َهذَا ْال ِكت َ بَ ،وأ َ َّن َّ َ لُغَةُ ْالعَ َر ِ
عدِي ِد ْال َمعَانِيَ ،وأ َ ْنزَ لَهُ بَيْنَ أ َ ْه ِل تِ ْلكَ اللُّغَ ِة ِألَنَّ ُه ْم أ َ ْف َه ُم علَى َ سعُ َها دَ َاللَة َ ت َوأ َ ْو َ اللُّغَا ِ
سائِ ُل الد ََّاللَ ِة َو ْالفَ ْه ِم ظاه ََر َو َ طفَى َرسُولَهُ ِم ْن أ َ ْه ِل تِ ْلكَ اللُّغَ ِة ِلتَت َ َ ص َ ِلدَقَائِ ِق َهاَ ،و ِلذَلِكَ ا ْ
ّللا إِلَى ْاأل ُ َم ِم)3(. فَيَكُونُوا ْال ُمبَ ِلغِينَ ُم َرادَ َّ ِ
ع َر ِبي ُم ِبين} سان َ ي :ت َ ْف َه ُمونَهُ َوتَتَدَب َُّرونَهَُ ،ك َما قَا َلِ { :ب ِل َ {لَعَل َّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ } أ َ ْ
اء.]195 : ش َع َر ِ [ال ُّ
أل ب ل َ َد ْينَا لَعَ ِلي َح ِكيمٌ} َبيَّنَ ش ََرفَهُ ِفي ْال َم َ ِ َوقَ ْولُهُ ت َ َعالَىَ { :و ِإنَّهُ ِفي أ ُ ِم ا ْل ِكتَا ِ
ض ،فَقَا َل تَعَالَىَ { :وإِنَّهُ} أَي ِْ :القُ ْرآنَ ْاأل َ ْعلَىِ ،ليُش َِرفَهُ َويُعَ ِظ َمهُ َوي ُِطيعَهُ أ َ ْه ُل ْاأل َ ْر ِ
عبَّاسَ ،و ُم َجا ِهد{ ،لَ َد ْينَا} أ َ ْ ح ْال َمحْ فُ ِ {فِي أ ُ ِم ا ْل ِكتَا ِ َ
ي: وظ ،قَالَهُ ا ْب ُن َ ب} أي ِ :اللَّ ْو ِ
ع ِظي َمة َوش ََرف َوفَضْل ،قَالَهُ قَت َادَة ُ ي :ذُو َم َكانَة َ غي ُْرهُ{ ،لَعَ ِلي} أ َ ْ ِع ْندَنَا ،قَالَهُ قَت َادَة ُ َو َ
يُ :محْ َكم بَ ِريء ِمنَ اللَّب ِْس َو َّ
الزي ِْغ. { َح ِكي ٌم} أ َ ْ
ب ض ِل ِهَ ،ك َما قَالَ { :إِنَّهُ لَقُ ْرآنٌ ك َِري ٌم .فِي ِكتَا ٍ علَى ش ََرفِ ِه َوفَ ْ َو َهذَا كُلُّهُ ت َ ْن ِبيه َ
ب ا ْلعَالَ ِمينَ } [ ْال َواقِ َع ِة- 77 : ط َّه ُرونَ .تَنزي ٌل ِم ْن َر ِ سهُ ِإال ا ْل ُم َ ونَ .ال يَ َم ُّ َم ْكنُ ٍ
ع ٍة صحُفٍ ُمك ََّر َم ٍةَ .م ْرفُو َ َ ]80وقَالَ { :كَل إِنَّ َها ت َ ْذ ِك َرة ٌ .فَ َم ْن شَا َء ذَك ََرهُ .فِي ُ
( )1انظر :تفسير الرازي ( ،)616 /27تفسير أبي السعود ( ،)39 /8تفسير السدعدي = تيسدير
الكريم الرحمن (ص.)762 :
( )2تفسير ابن كثير ت سالمة (.)218 /7
( )3التحرير والتنوير (.)160 /25
- 39 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
ط ْالعُلَ َما ُء، س ]16- 11 :؛ َو ِل َهذَا ا ْست َ ْن َب َ ع َب َ سفَ َر ٍةِ .ك َر ٍام بَ َر َر ٍة} [ َ ط َّه َر ٍةِ .بأ َ ْيدِي َ ُم َ
ِيث ِإ ْن فَ ،ك َما َو َردَ ِب ِه ْال َحد ُ ص َح َ س ْال ُم ْ ِث َال َي َم ُّ ( )ِ ،م ْن هَاتَي ِْن ْاآل َيتَي ِْن :أ َ َّن ال ُمحد َ
آن فِي ْال َم َ ِ
أل علَى ْالقُ ْر ِ ف ْال ُم ْشت َِملَةَ َ اح َ ص ِ ص َّح؛ ِأل َ َّن (ْ )4ال َم َالئِ َكةَ يُعَ ِظ ُمونَ ْال َم َ َ
َ
عل ْي ِه ْمَ ،و ِخطابُهُ ُمت ََو ِجه َ َّ َ
حْرىِ ،ألنهُ نَزَ َل َ َ َ َ
ض بِذلِكَ أ ْولى َوأ َ َ َ ْ َ
ْاأل ْعلى ،فأه ُل األ ْر ِ
ْ َ َ َ
اإل ْك َر ِام َوالت َّ ْع ِظ ِيمَ ،و ِاال ْن ِقيَا ِد لَهُ بِ ْالقَبُو ِل َوالت َّ ْس ِل ِيمِ ،لقَ ْو ِل ِه:إِلَ ْي ِه ْم ،فَ ُه ْم أ َ َح ُّق أ َ ْن يُقَابِلُوهُ بِ ْ ِ
ب لَدَ ْينَا لَعَ ِلي َح ِكيم}( )
1
{ َوإِنَّهُ فِي أ ُ ِم ْال ِكت َا ِ
ص ْفحا أ َ ْن كُ ْنت ُ ْم قَ ْوما ُمس ِْرفِينَ (:)5 الذ ْك َر َ ع ْنكُ ُم ِ ب َ (أَفَنَض ِْر ُ
أي أنهملكم ونصرف عنكم الذكر إلسرافكم .وإنما كانت الحاجة إلى الذكر
لْلسراف ،إذ لو كانوا على السيرة العادلة والطريقة الوسطى لما احتيج إلى
التذكير .بل التذكير يجب عند اإلفراط والتفريط .ولهذا بعث األنبياء في زمان
الفترة.)2(.
المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه:
س ِم بِ ِه هو نفسه المقسم عليه ،فلما أقسم المناسبة هنا ظاهرة حيث َج ْع ِل ْال ُم ْق َ
ّللا َجعَلَهُ قرآنا عربيا ،ففيه س ِم أ َ َّن َّ َ ب ْالقَ َ ف َك ْونِ ِه ُمبِيناَ ،ج ْع ِل َج َوا ِ ص ِ ب ْالقُ ْرآنَ بِ َو ْ
آن ،قال السمين( :وهذا عندهم من البالغ ِة :وهو كونُ القَ َ
س ِم ت َ ْن ِويه خَاص بِ ْالقُ ْر ِ
ع ِزيز بديع ِألَنَّهُ ض ْرب َ س ِم عليه ِم ْن واد واحد)( )3قال ابن عاشورَ ( :و َهذَا َ وال ُم ْق َ
علَى ف فَإِذَا أ َ َرادَ ْال ُم ْق ِس ُم أ َ ْن يُ ْقس َِم َ ش َر ِ علَى شَأْنِ ِه بَلَ َغ غَايَةَ ال َّ س َم َ يومىء ِإلَى أ َ َّن ْال ُم ْق َ
س ِمس ِم َو ْال ُم ْق َ ب بَيْنَ ْالقَ َ س ِم بِ ِه ِللتَّنَاسُ ِ ت ش ََرف لَهُ لَ ْم يَ ِجدْ َما ه َُو أ َ ْولَى بِ ْالقَ َ ثُبُو ِ
علَ ْي ِه))4(. َ
- 40 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
المبحث الرابع
القسم في سورة الدخان
ين (ِ )2إنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَيْلَ ٍة ُمبَ َ
ار َك ٍة ِإنَّا ُكنَّا ُمنْذ ِِري َن ب ا ْل ُم ِب ِ
حم (َ )1وا ْل ِكتَا ِ
س ِلينَ ()5 ق ُك ُّل أ َ ْم ٍر َح ِك ٍيم ( )4أ َ ْم ًرا ِم ْن ِعنْ ِدنَا ِإنَّا ُكنَّا ُم ْر ِ (ِ )3في َها يُ ْف َر ُ
ض َو َما ت َو ْاأل َ ْر ِاوا ِ س َم َ ب ال َّ س ِمي ُع ا ْلعَ ِلي ُم (َ )6ر ِ َرحْ َمةً ِم ْن َربِكَ إِنَّهُ ُه َو ال َّ
ب آبَائِكُ ُمبَ ْينَ ُه َما إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُموقِنِي َن (َ )7ال إِلَهَ إِ َّال ُه َو يُحْ ِيي َويُ ِميتُ َربُّكُ ْم َو َر ُّ
ْاأل َ َّو ِلي َن ()8
نزولها:
ور ِة س ل
ُ ِ َ َ ُ َ ب
ْ َ ق و ف ر خْ ُّ
الز ة ور س
ََْ ُ َ ِ د ع ب تْ َ ل َزَ ن ، آية خمسون و تسع وهي مكية
ْال َجاثِيَ ِة) (.
1
( )1فضائل القرآن وما أنزل مدن القدرآن بمكدة ومدا أندزل بالمديندة (ص ،)33 :تفسدير البغدوي -
إحياء التراث ()172 /4
- 41 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
النبي ( )مع المشركين فإنهم خافوا أن يفقدوا ماهم فيه من السلطة والتمكين إن
أسلموا وهذا أحد معوقات الدعوة إلى هللا.
وعليه يتلخص مقصد السورة في :إنذار المشركين بالعذاب بسبب إعراضهم
والتحذير من االغترار بالسلطة والتمكين في األرض ,والتمثيل باألقوام السابقة
في عاقبة أمرهم لما أعرضوا بعد اإلنذار.
مناسبة القسم بالقرآن لموضوع السورة:
اإلنذار بدأ في أول السورة بعد أن جاء القسم بالقرآن على القرآن في قوله
تعالى (إِنَّا ُكنَّا ُمنذ ِِرينَ ) ،ثم بعد ذكر جملة من األقوام المنذرين يعود السياق في
خاتمة السورة للتذكير بالقرآن الذي افتتحت السورة بالقسم به موصوفا بالبيان:
ب ِإنَّ ُه ْم ُم ْرت َ ِقبُونَ (})59 س ْرنَاهُ ِب ِلسَانِكَ لَعَلَّ ُه ْم يَتَذَك َُّرونَ ( )58فَ ْ
ارت َ ِق ْ {فَ ِإنَّ َما يَ َّ
فكان من بيانه تيسير تبليغه على لسان الرسول ( )بهدف حصول الذكرى(لعلهم
يتذكرون) وبعدها يأتي األمر للنبي ( )بارتقاب ما وعده هللا ( )من النصر وما
ب ِإنَّ ُهم ُّم ْرت َ ِقبُونَ ). يحل بالمكذبين من عذاب كما قال تعالى( :فَ ْ
ارت َ ِق ْ
التفسير الموجز ْليات القسم:
ب ا ْل ُم ِب ِ
ين ()2 حم (َ )1وا ْل ِكتَا ِ
سبق التفسير بمثلها في سورة الزخرف.
لكن تميزت هذه السورة بأمر آخر وهو أن وصف مبين تكرر في السورة
سو ٌلين)َ ( ،ر ُ ين) ( ِب ُد َخ ٍ
ان ُّم ِب ٍ ب ا ْل ُم ِب ِ خمس مرات في قوله تعالىَ ( :وا ْل ِكتَا ِ
ين)( ،بَ َل ٌء ُّم ِبينٌ ) .فكل ما جاء به هللا تعالى من القرآن ان ُّم ِب ٍ س ْل َ
ط ٍ ُّم ِبينٌ )ِ ( ،ب ُ
وهو طريق النجاة والفالح والمعلم وهو الرسول الكريم والبرهان واآليات
الواضحة والتهديد الحق لمن خالف إنما توجب اإليمان والتصديق فهي بينة ال
غموض فيها لمن أبصرها ووعاها بعين البصيرة قبل عين البصر.
ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا ُمنْذ ِِرينَ ())3 (إِنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُمبَ َ
جملة جواب القسم
القسم ،وأ ْن يكونَ اعتراضا، َ ِ جواب
َ يجوز أن يكونَ ُ نز ْلنَاهُ}: فقوله{ :إِنَّآ أ َ َ
والجواب قولُهِ { :إنَّا ُكنَّا ُمنذ ِِرينَ } ،واختاره ابنُ عطية)1(. ُ
آن ْال َع ِظ ِيمِ :إنَّهُ أ َ ْنزَ لَهُ فِي لَ ْيلَة ُم َب َ
ار َكة، ع ِن ْالقُ ْر ِ والمعنىَ :يقُو ُل ت َ َعا َلى ُم ْخ ِبرا َ
بار َكة) ت َ ْن ِويه ِب َها َوت َ ْش ِويق صفُ َها ِبـ ( ُم َ ير لَ ْيلَة ِللت َّ ْع ِظ ِيمَ ،و َو ْ ي لَ ْيلَةُ ْالقَد ِْرَ ،وت َ ْن ِك ُ َو ِه َ
آن على ُم َح َّمد ( )فِي ئ فِي َها نُ ُزو ُل ْالقُ ْر ِ ي اللَّ ْيلَةُ الَّتِي ا ْبت ُ ِد َِل َم ْع ِرفَتِ َها .فَ َه ِذ ِه اللَّ ْيلَةُ ِه َ
ضانَ َك َما قَا َل تَعَالَى{ :إِنَّا أَنز ْلنَاهُ فِي لَيْلَ ِة ا ْلقَد ِْر} َار ِم ْن َجبَ ِل ِح َراء فِي َر َم َ ْالغ ِ
- 42 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
( )1انظددر :تفسددير ابددن كثيددر ت سددالمة ( ,)245 /7تفسددير السددعدي = تيسددير الكددريم الددرحمن
(ص،)771 :التحرير والتنوير (.)277 /25
- 43 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث الخامس
القسم في سورة ق
نزولها:
َ
ت َوقَبل سورةِ البَل ِد ،وهي خمس ْ َ
مرسال ِ ْ
ت بَ ْعدَ سورةِ ال َ
سورة ق َم ِكيَّة .نَزَ ل ْ
َ
ي أ َّو ُل ورة ُ ِه َ
س َ عد الجميع بال خالف في شيء منهاَ .و َه ِذ ِه ال ُّ وأربعون آية ،في ِ
يح) (،
1
ص ِح ِ علَى ال َّ ص ِل َ ب ْال ُم َف َّ
ْال ِح ْز ِ
موضوع سورة ق ومناسبة افتتاح القسم بالقرآن لهذا الموضوع:
سورة ق افتتحت بالقسم بالقرآن موصوفا بأنه مجيد فبه يكون المجد والرفعة
والشرف وبه كثرة الخيرات لمن اتعظ به ،ولذلك ناسب اختتامها بمثل ما ابتدأت
اف َو ِعي ِد) وما بين ذلك تضمن قضايا الدين آن َم ْن ي َ َخ ُ به ( . . .فَذ َ ِك ْر بِا ْلقُ ْر ِ
الكبرى التي ينبغي التذكر بها في القرآن ولذلك تناولت إثبات النبوة وإثب ات
البعث ،واألقوام السابقة التي كذبت رسلها لالتعاظ بأحوالهم وذكر الجنة والنار
والحساب ،وقد تكرر كلمة الذكرى بمشتقاتها ثالث مرات منها( :ت َ ْب ِص َرة ً َو ِذك َْرى
س ْم َع ب أ َ ْو أ َ ْلقَى ال َّ ب) ( ,8إِ َّن فِي ذَ ِلكَ ل َ ِذ ْك َرى ِل َم ْن َكا َن لَهُ قَ ْل ٌ عبْ ٍد ُمنِي ٍ ِلك ُِل َ
آن).َو ُه َو ش َِهي ٌد (( ،)37فَذ َ ِك ْر بِا ْلقُ ْر ِ
وعليه يتلخص موضوع السورة :بأنه التذكر بالقرآن حال كونه وسيع
المعاني شريف القدر عظيم المنزلة.
س ْم َع َو ُه َو ش َِهي ٌد ب أ َ ْو أَلْقَى ال َّ وفي قوله(( :إِنَّ فِي ذَ ِلكَ ل َ ِذ ْك َرى ِل َم ْن كَا َن لَه ُ قَ ْل ٌ
( )37يمكن بناء منهجية التذكر بالقرآن وهو كلما كان القلب صحيحا في نور من
هللا فإن التذكرة تحصل مباشرة ،وكلما نقص هذا النور فعلى صاحبه إلقاء السمع
لمواعظه مع حضور القلب فإنه مظنة االرتقاء إلى صفاء القلب الذي تكتمل معه
التذكرة)2( .
( )1انظددر :فضددائل القددرآن ومددا أنددزل مددن القددرآن بمكددة ومددا أنددزل بالمدينددة (ص ,.)33 :فنددون
األفنان في عيون علوم القرآن (ص ،)309 :تفسدير ابدن كثيدر ت سدالمة ( )392 /7بصدائر
ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (.)437 /1
آن فداجمع ِ ْ ِر ُ ق ْ
دالب َداع فتنْ
ِ ِ اال ْت د أر ذا إ
ِ جليلدة ة ( )2قال ابدن القديم فدي كتابده :الفوائدد (ص ( )3 :قَاعِددَ
سمعك واحضر ُحضُور من يخاطبه بِ ِه من تكلم بِد ِه سُد ْب َحانَهُ ق َقَ ْلبك ِع ْند ت َِال َوته وسماعه :وأ َ ْل ِ
ِم ْنهُ إِلَ ْي ِه فانه خَاطب ِم ْنهُ لَك على ِل َسان َرسُوله قَا َل تَعَالَى{ :إِنَّ فِي ذَ ِلركَ لَر ِذك َْرى ِل َمرنْ كَرانَ
َرهيد} َوذَلِدكَ أَن ت َمدام التَّدأْثِير لمدا َكدانَ َم ْوقُوفدا علدى ُمدؤثر ب أ َ ْو أ َ ْلقَرى ال َّ
س ْرم َع َوه َُرو ش ِ لَهُ قَ ْل ٌ
ْ َّ ْ َ
صول األثر َوا ْنتِفَاء ال َمانِع الدذِي ي ْمنَدع ِم ْندهُ تضدمنت اآليَدة بَيَدان ْ ُم ْقت َض َومحل قَابل َوشرط ل ُح ُ
ذَلِك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على ال ُم َراد فَقَوله {إِنَّ فِي ذَ ِلكَ لذكرى} اشار إِلَى َما تقددم
- 44 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
ولعل ذلك من أسرار فاتحة المفصل بهذه السورة ،قال أبو الحسن الحرالي( :في
سر افتتاح المفصل بهذا الحرف فقال في آخر كتابه في هذا الحرف :اعلم أن
القرآن منزل مثاني ،ضمن ما عدا المفصل منه الذي هو من قاف إلى آخر الكتاب
العزيز وفاتحة ما يختص بأولي العلم والفقه من مبسوطات الحكم ومحكمات
األحكام ومطوالت األقاصيص ،ومتشابه اآليات ،والسورة المفتتحة بالحروف
الكلية لْلحاطة لغيبية المتهجى المسندة إلى آحاد األعداد ،فلعلو رتبة إيراده
وطوله ثنى الحق سبحانه الخطاب وانتظمه في سور كثيرة العدد يسيرة عدد اآلي
قصيرة مقدارها ،ذكر فيها من أطراف القصص والمواعظ واألحكام والثناء وأمر
الجزاء ما يليق بسماع العامة ليسهل عليهم سماعه وليأخذوا بحظ مما أخذه
الخاصة وليكرر على أسماعهم في قراءة األئمة له في الصلوات المفروضة التي
ب} فَ َهذَا ه َُو ْالمحل ْالقَا ِبل ُّورة الى َه ُهنَا َو َهذَا ه َُو المؤثر َوقَوله { ِل َمنْ كَانَ لَهُ قَ ْل ٌ من أول الس َ
ْرر َوقُ ْررآنٌ ُم ِبرينٌ مراد بِ ِه ْالقلب الحي الدذِي يعقدل َعدن هللا َك َمدا قَدا َل ت َ َعدالَى {إِنْ ه َُرو إِ َّال ِذك ٌ َّ َو ْال َ
سدمعه وأصددغى سر ْرم َع} أَي وجَّده َ ِليُ ْنرذ َِر َمرنْ َكررانَ حَيرا} أَي حدي ْالقلددب َوقَولده {أ َ ْو أ َ ْلقَرى ال َّ
َرهي ٌد} أَي شَداهد ْالقلدب كالم َوقَوله { َوه َُو ش ِ بال َ سمعه إِلَى َما يُقَال لَهُ َو َهذَا شَرط التأثر ْ حاسة َ
ْس بغافدل َو َال ْ
َحاضر غير غَائِب قَا َل ابْن قُت َ ْيبَدة اسْدتمع كتداب هللا َوه َُدو شَداهد القلدب والفهدم لَدي َ
عن تعقدل َمدا يُقَدال لَدهُ س ْهو ْالقلب وغيبته َ صول التَّأْثِير َوه َُو َ َارة ِإلَى ْال َمانِع من ُح ُ ساه َوه َُو ِإش َ
ْ ْ ْ ْ
ظر فِي ِه وتأمله فَدإِذا حصدل ال ُمدؤثر َوه َُدو القُ ْدرآن َوالمحدل القَابِدل َوه َُدو القلدب ال َحدي َووجدد ْ ْ َوالنَّ َ
عددن معنددى ْالخطدداب َ وذهولدده قلددب ْ
ال َال غ ت
ِ ددشْ ا ُددو ه
َ َ و ِع نددام َ ْ
ال وانتفددى اإلصددغاء ُددو
ش ْ َ َ
ه و ط ددر ال َّ
ْ َّ
ش ْيء آخدر حصدل األثدر َوه َُدو ِاالنتِفَداع والتدذكر فَدإِن قيدل إِذا َكدانَ التدأثِير ْ َ ْ َ
عنهُ إِلى َ وانصرافه َ
وضدع س ْم َع} والموضع َم ِ َ ْ َ َ َ َ
إِنَّ َما يتم بِ َم ْج ُموع َهذِه ف َما َوجه دُخول أدَاة أو فِي ق ْوله {أ ْو ألقى ال َّ
َ ُ َ
عندهُ أنَ ْ َواو= = ْالجمع َال َم ِ
شد ْيئَي ِْن قيدل هَدذَا سُدؤال جيدد َوال َج َدواب َ ِدي ألحدد ال َّ وضدع أَو الَّتِدي ه َ
عو فَدإِن مدن النَّداس مدن يكدون َحدي ْالقلدب يُقَال خرج ْالك ََالم ِبدأَو ِبا ْع ِت َبدار َحدال ْال ُمخَاطدب ْال َمددْ ُ
فط َرة فَإِذا ف َّكر بِقَ ْلبِه وجال بفكره دلده قلبده وعقلده علدى صدحة القُ ْدرآن َوأنده الحدق
ْ َ ْ واعيه ت َام ْال ْ
فط َدرة َوهَدذَا َوشهد قلبه ِب َمدا أخبدر ِبد ِه ْالقُ ْدرآن فَ َكدانَ ُو ُرود ْالقُ ْدرآن علدى قلبده ندورا علدى ندور ْال ْ
وصف الَّذين قيل فديهم { َويَ َرى الَّ ِذينَ أُوت ُوا ا ْل ِع ْل َم الَّذِي أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ ِمرنْ َر ِبركَ ه َُرو ا ْلحرق}
ح فِددي دور ِه َك ِم ْشدكَاة فِي َهدا ِمصْدبَاح ْالمِ صْدبَا ُ ض َمث َد ُل نُ ِ َوقَدا َل فِدي حقهدم هللا ندور السَّد َم َوات َو ْاأل َ ْر ِ
اركَدة زَ ْيتُونَددة َال ش َْدرقِيَّة َوال غ َْربِيَّددة دن شَد َج َرة ُمبَ َ الز َجا َجدةُ كَأَنَّ َهددا ك َْوكَدب د ُِري يُوقَدد ُ ِمد ْ ُز َجا َجدة ُّ
دن َيشَداء فَ َهدذَا ندور دور ِه َم ْ ُ ِ ِ ُ نل َّ
ّللا ِي د دهَْ ي دور ُ ن دى َ لعَ دور ُ ن َدار ن ُ ه ْد
س س مَ ت م دَ ل دو َ
َيكَاد ُ زَ ْيت ُ َها ِ ُ َ ْ ْ ْ َ
لو ء ديُض ي
ْ
صاحب القلب ال َحي الواعي قَدا َل ابْدن القديم َوقدد ذكرنَدا َمدا ْ ْ فط َرة على نور ْال َوحْي َو َهذَا َحال َ ْال ْ
غد ْدزو تضددمنت َهدذِه ْاآل َيددة مددن ْاأل َ ْسد َدرار والعبددر فِددي كتدداب ا ْجتِ َمدداع الجيددو اإلسددالمية علددى َ
صاحب ْالقلب يجمع بَين قلبه َوبَين َمعَاني ْالقُ ْرآن فيجددها َكأَنَّ َهدا قدد كتبدت المعطلة والجهمية فَ َ
ظ ْهدر قَ ْلدب َومدن النَّداس مدن َال يكدون تدا َّم االسدتعداد واعدي ْالقلدب كَامِدل عدن َ فِيد ِه فَ ُه َدو َي ْق َرأهدا َ
ْال َحيَاة فَي ْحت َاج إِلَى شَاهد يميز لهُ بَين الحق َوالبَاطِ ل َولم تبلغ َحيَاة قلبده وندوره وزكداء فطرتده ْ ْ َ
سمعه ْللك ََدالم َوقَلبده لتأملده صول هدايته أَن يفرغ َ صاحب ْالقلب ْال َحي الواعي فطريق ُح ُ مبلغ َ
والتفكير فِي ِه وتعقل َمعَانِيه.
- 45 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
ال مندوحة لهم عنها ما يكون لهم خلفا مما يعولهم من مضمون سائر السور
المطوالت ،فكان أحق ما افتتح به مفصلهم)1(). .
ولعل هذا أيضا مناسبة اختيار الرسول ( )لهذه السورة فيقرأ بها في الفجر
وفي العيد وفي الجمعة( )2لتطرق اآلذان وتحصل الذكرى.
التفسير العام للقسم في السورة:
آن ا ْل َم ِجي ِد ( )1بَ ْل ع َِجبُوا أ َ ْن َجا َء ُه ْم ُم ْن ِذ ٌر ِم ْن ُه ْم فَقَا َل الْكَافِ ُرو َن
ق َوا ْلقُ ْر ِ
يب ()2
ع َِج ٌ َهذَا ش َْي ٌء
ق :سبق بيان مذاهب العلماء في الحروف المقطعة في سورة يس)3(.
آن ا ْل َم ِجي ِد:
َوا ْلقُ ْر ِ
شرف) ،وقال ابن فارسْ ( :ال ِمي ُم المجيد من المجد ،قال الخليل( :ال َمجدُ :نيل ال َّ
علَى بُلُوغِ ِ
الن َها َي ِةَ ،و َال َيكُونُ ِإ َّال ِفي َمحْ ُمود. ص ِحيحَ ،يد ُ ُّل َ
صل ََو ْال ِجي ُم َوالدَّا ُل أ َ ْ
الن َها َي ِة ِفي ْال َك َر ِم .و قال الراغب (السعة في الكرم والجالل. ِم ْنهُ ْال َمجْ د ُ :بُلُوغُ ِ
ت صلَ ْ
ت اإلب ُل :إذا َح َ يقالَ :م َجدَ يَ ْم ُجد ُ َمجْ دا و َم َجادَة ،وأصل المجد من قولهمَ :م َجدَ ِ
في مرعى كثير واسع)(.)1
والمجيد من أوصاف القرآن له مساران في المعنى كلها من أوصاف القرآن.
األول :من المجد بمعنى الشرف ورفعة القدر ،قال سعيد بن ُجبير (ق
آن ا ْل َم ِجي ِد) قال :الكريم) )2(.قال ابن كثير( :فهو ْال َك ِري ُم ْال َع ِظي ُم الذِي َال َوا ْلقُ ْر ِ
اط ُل ِم ْن َبي ِْن َيدَ ْي ِه َو َال ِم ْن خ َْل ِف ِه ،ت َ ْن ِزيل ِم ْن َح ِكيم َح ِميد). َيأ ْ ِتي ِه ْال َب ِ
يرَ ،مأ ْ ُخوذ ِم ْن َكثْ َر ِة ْالقَد ِْر والثاني :الكثير ،قال القرطبيَ ( :وقِيلَ ْ :ال َك ِث ُ
ب وسَ ،و ِم ْنهُ قَ ْو ُل ْال َع َر ِير فُ َالن ِفي النُّفُ ِ َو ْال َم ْن ِزلَ ِة َال ِم ْن َكثْ َر ِة ْال َعدَدِِ ،م ْن قَ ْو ِل ِه ْمَ :ك ِث ُ
ان ار) .أَي ِ ا ْست َ ْكث َ َر َهذَ ِ
ش َجر نَارَ ،وا ْست َْم َجدَ ْال َم ْر ُخ َو ْال َعفَ ُ سا ِئ ِرِ ( :في كُ ِل َ ِفي ْال َمث َ ِل ال َّ
ان من النار فزادا على سائر الشجر ،قال ابْنُ َبحْر)( ).
3
ع ِ النَّ ْو َ
وتحصل من ذلك في وصف القرآن أنه وسيع المعاني عظيمها ،كثير الوجوه
كثير البركات ،جزيل المبرات .ففي المجد :سعة األوصاف وعظمتها ،به يمجد
ويعلو ويظهر من تمسك به ،وأحق كالم يوصف بهذا ،هذا القرآن ،الذي قد
احتوى على علوم األولين واآلخرين ،الذي حوى من الفصاحة أكملها ،ومن
األلفاظ أجزلها ،ومن المعاني أعمها وأحسنها ،وهذا موجب لكمال اتباعه ،و
سرعة االنقياد له ،وشكر هللا على المنة به ،فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من
المكارم الدنيوية واألخروية ،وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله( :إِنَّهُ لَقُ ْرآنٌ ك َِري ٌم
[الواقعة ،]77 /وعلى نحوه( :بَ ْل ه َُو قُ ْرآن َم ِجيد) (.)4
يب قوله( :بَ ْل ع َِجبُوا أ َ ْن َجا َء ُه ْم ُم ْن ِذ ٌر ِم ْن ُه ْم فَقَا َل ا ْلكَافِ ُرونَ هَذَا ش َْي ٌء ع َِج ٌ
()2
أي :لم يكذبك قريش يا محمد ألنهم ال يعرفونك بل لتعجبهم وإنكارهم من
بشر مثلهم ينذرهم بأمر هللا ({ .)فَقَا َل الكافرون هذا ش َْي ٌء ع َِج ٌ
يب} .قال
بعض أهل المعاني :العجب وقع من المؤمنين والكافرين فقيل بل عجبوا أن جاءهم
منذر منهم .ثم ميز هللا الكافرين من المؤمنين فقال تعالى{ :فَقَا َل الكافرون هذا
يب * أ َ ِءذَا ِمتْنَا} اآلية فوصفهم بإنكار البعث ،ولم يقل :بل عجبوا أن
ش َْي ٌء ع َِج ٌ
جاءهم منذر منهم فقالوا هذا شيء عجيب .ثم بيَّن قول الكافرين من جميع من
تعجب من إرسال منذر ،فآمن المؤمنون مما تعجبوا منه ،وكفر الكافرون به .ثم
( )1العين ( ،)89 /6مقاييس اللغة ( ،)297 /5المفردات في غريب القرآن (ص.)760 :
( )2تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (.)326 /22
( )3تفسير القرطبي (.)3 /17
( )4تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص ،)803 :تفسير العثيمين :الحجرات -الحديدد
(ص.)72 :
- 47 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
قال تعالى حكاية عن قولهم أنهم قالوا{ :أ َ ِءذَا ِمتْنَا} ،وإنما جواب منهم إلعالم
النبي ( )لهم ،أنهم يبعثون ،فأنكروا ذلك فقالوا{ :أ َ ِءذَا ِمتْنَا َو ُكنَّا ت ُ َرابا ً ذ َ ِلكَ
ث إذا كنا في قبورنا ترابا؟ وقوله{ :أ َ ِءذَا ِمتْنَا} :إنما هو َرجْ ٌع بَ ِعي ٌد} أي :أَنُب َع ُ
جواب منهم إلعالم النبي ( )لهم أنهم يبعثون ويجازون بأعمالهم.
ودل على ذلك قوله{ :أَن َجآ َء ُه ْم ُّمنذ ٌِر ِم ْن ُه ْم} ألن المنذر أعلمهم أنهم
يبعثون فأنكروا ذلك ،فقالوا :أئِذا متنا وكنا ترابا ،واكتفى بداللة الكالم على حكاية
ما قال لهم المنذر وهو النبي ( .)وقيل :إنما أتى هذا اإلنكار ولم يتقدم قبله شيء
للجواب المضمر المحذوف ،والتقدير :والقرآن المجيد لتبعثن ،ففهموا ذلك فقالوا
جزابا :أنبعث إذا كنا ترابا ،إنكارا للبعث)1(.
جواب القسم:
القسم في هذه السورة من القسم الذي حذف جوابه – في قول كثير من
المفسرين -فهذه السورة شبيهة بسورة ص في القسم .قال ابن القيم( :وههنا قد
اتحد المقسم به والمقسم عليه وهو القرآن فأقسم بالقرآن على ثبوته وصدقه وأنه
حق من عنده ولذلك حذف الجواب ولم يصرح به لما في القسم من الداللة عليه أو
ض ُمونُ ْال َك َال ِم ب ه َُو َم ْ ألن المقصود نفس المقسم به)( )2وقال ابن كثيرَ ( :ب ِل ْال َج َوا ُ
س ُميرهُ َوتَحْ ِقيقُهُ َو ِإ ْن لَ ْم َيكُ ِن ْالقَ َ
س ِمَ ،وه َُو ِإثْ َباتُ النُّب َُّو ِةَ ،و ِإثْ َباتُ ْال َم َعادَِ ،وت َ ْق ِر ُ
َب ْعدَ ْالقَ َ
آن ذِي آن َك َما تَقَد ََّم فِي قَ ْو ِل ِه{ :ص َوا ْلقُ ْر ِ س ِام ْالقُ ْر ِ ُمتَلَقًى لَ ْفظاَ ،و َهذَا َكثِير فِي أ َ ْق َ
الذ ْك ِر)()3 ِ
ومن المفسرين من رأى أن الجواب محذوف ولكن قدر الجواب من مضمون
محدد في السورة فقال الفراء :محذوف دل عليه قوله (أإذا متنا) أي لتبعثن ،وهو
قول المبرد والزجاج وحسن هذا القول ابن عطية)4(.
ومن المفسرين من رأى أن الجواب مذكور ثم تنوعت أقوالهم في تحديده:
ض ِم ْن ُه ْم) ،قاله األخفش( )،
5
ص ْاأل َ ْر ُ ع ِل ْمنا ما ت َ ْنقُ ُ فقيل :الجواب :قوله( :قَ ْد َ
وضعفه النحاس فقال( :فأما أن يكون الجواب قد علمنا فخطأ ألن «قد» ليست من
- 48 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
والقرآن
ِ جواب األقسام) )1(،و أجاز هذا القول الزجاج فيكون المعنى( :ق
المجي ِد) لقد َع ِل ْمنا ،ف ُحذفت الالمُ ألن ما ق ْبلَها ِع َوض منها ،كقولهَ ( :والش َّْم ِس
ح) أي :لقد أفلح)2(.،َوضُحاها . . .قَ ْد أ َ ْفلَ َ
وقيل :أنه قوله( :ما يَ ْل ِفظُ ِم ْن َق ْول) .،وابن كيسان .وقيل :أ َّنه قولُهَ { :ما يُبَدَّ ُل
القول} وقيلَّ { :ما يَ ْل ِفظُ ِمن قَ ْول} .وقيلِ { :إ َّن فِي ذَلِكَ لذكرى} .وقيل{ :بَ ْل
ع ِجبوا»(.)3 عجبوا} قال السمين الحلبي :وهو قول كوفي .قالوا :ألنَّه بمعنى «قد َ
- 49 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
المبحث السادس
الفوائد والهدايات الجامعة بين السور الخمس المفتتحة
بالقسم بالقرآن
-1جميع السور مكية ،وهذا منسجم مع الغرض فتعظيم شأن القرآن يناسب أن
يكون في مكة حيث وقع التكذيب به في مكة فقالوا عنه أساطير األولين وقد
ذكر القرآن ذلك في تسع مواضع منهاَ ( :وإِذَا قِي َل لَ ُه ْم َماذَا أ َ ْن َز َل َربُّكُ ْم قَالُوا
اطي ُر ْاأل َ َّو ِلينَ ) ()24النحل .ومثل اتهامهم له بالشعر والكهانة في قوله: س ِ أَ َ
يل َما يل َما ت ُؤْ ِمنُو َن (َ )41و َال ِبق َ ْو ِل كَا ِه ٍن قَ ِل ً ( َو َما ُه َو ِبقَ ْو ِل شَا ِع ٍر قَ ِل ً
ب الْعَالَ ِمينَ ( )43الحاقة. تَذَك َُّرونَ ( )42ت َ ْن ِزي ٌل ِم ْن َر ِ
-2جميع السور افتتحت باألحرف المقطعة .وهذا أيضا منسجم مع الغرض من
كون الحكمة من مجيء هذه األحرف إثبات إعجاز القرآن حيث تحداهم أن
ت بكلمات ،أو بحروف خارجة عن نطاق البشر ،أو يأتوا بمثله مع كونه لم يأ ِ
نطاق لغتهم؛ وإنما هو من الحروف التي ال تعدو ما يتكلم به البشر؛ ومع ذلك
فقد أعجزهم.
-3وجم يعها اشتركت باإلشادة بالقرآن وهم أمر اشتركت فيه مع غالب السور
المفتتحة بالحروف المقطعة ،لكنها تميزت بأن اإلشادة بالقرآن كانت بأسل وب
القسم الذي هو أعلى المؤكدات.
-4من الخمس سور ذكر القرآن باسمه العلم عليه وهو القرآن ،واثنتين ذكر باسم
الكتاب ،فاكتسب بمجموعها أن القرآن مجموع في الصدور ومجموع في
السطور كما سبق بيانه ،وهذا من تمام حفظه ،وتيسيره.
-5جاء ذكر القرآن في جميع القرآن موصوفا ،ومن هذه األوصاف تتبين عظمته
وهذه الصفات:
َ
ع ْن تَط ُّر ِ ُ ْ ْ ت آيَاتُهُ بِعَ ِجي ِ ْال َح ِكي ُمْ ،ألَنَّهُ أُحْ ِك َم ْ
ق ت َ ب النَّظ ِم َوبَد ِ
ِيع ال َم َعانِي َوأحْ ِك َم ْ -
ف َوالتَّبَاي ُِن ،فأحكامه الشرعية والجزائية كلها يف َو ِاال ْختِ َال ِ حْر ِ الت َّ ْبدِي ِل َوالت َّ ِ
مشتملة على غاية الحكمة .ومن حكمة هذا القرآن ،أنه يجمع بين ذكر الحكم
وحكمته ،فينبه العقول على المناسبات واألوصاف المقتضية لترتيب الحكم
عليها.
شأ ِن َوال َم َكانَ ِة .فهو ش َِريف فِي نَ ْف ِس ِه ْ ْ -وهو (ذي الذكر) :فهو ذو الشرف وال َّ
غي ُْرهُ .وهو شرف لمن انتسب إليه علَ ْي ِه َعلَى َما َال يَ ْشت َِم ُل َ از ِه َوا ْشتِ َما ِل ِه َ
ِ ِإل ْع َج ِ
وآمن به وعمل بما جاء فيه.
- 50 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
- 52 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
.10بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز -المؤلف :مجد الدين أبو
طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى817 :هـ)-المحقق :محمد
علي النجار -الناشر :المجلس األعلى للشئون اإلسالمية -لجنة إحياء التراث
اإلسالمي ،القاهرة.
.11تأويل مشكل القرآن-المؤلف :أبو محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري
(المتوفى276 :هـ)-المحقق :إبراهيم شمس الدين-الناشر :دار الكتب
العلمية ،بيروت – لبنان.
.12التبيان في أقسام القرآن-المؤلف :محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس
الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى751 :هـ)-المحقق :محمد حامد الفقي-
الناشر :دار المعرفة ،بيروت ،لبنان.
.13التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير
الكتاب المجيد»-المؤلف :محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن
عاشور التونسي (المتوفى1393 :هـ) -الناشر :الدار التونسية للنشر –
تونس -سنة النشر 1984 :هـ.
.14التعريفات -المؤلف :علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني
(المتوفى816 :هـ)-المحقق :ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف
الناشر -الناشر :دار الكتب العلمية بيروت – لبنان -الطبعة :األولى
1403هـ 1983-م.
.15تفسير القرآن العظيم -المؤلف :أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي
البصري ثم الدمشقي (المتوفى774 :هـ)-المحقق :سامي بن محمد سالمة-
الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع -الطبعة :الثانية 1420هـ 1999 -م.
.16تفسير الحجرات – الحديد -المؤلف :محمد بن صالح بن محمد العثيمين
(المتوفى1421 :هـ)-الناشر :دار الثريا للنشر والتوزيع ،الرياض-الطبعة:
األولى 1425 ،هـ 2004 -م.
.17تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان-المؤلف :عبد الرحمن بن ناصر
بن عبد هللا السعدي (المتوفى1376 :هـ) -المحقق :عبد الرحمن بن معال
اللويحق-الناشر :مؤسسة الرسالة -الطبعة :األولى 1420هـ 2000-م.
.18الجامع ألحكام القرآن = تفسير القرطبي-المؤلف :أبو عبد هللا محمد بن أحمد
بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى:
671هـ) -تحقيق :أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش-الناشر :دار الكتب
المصرية – القاهرة-الطبعة :الثانية1384 ،هـ 1964 -م.
- 53 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
- 54 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
.28فضائل القرآن وما أنزل من القرآن بمكة وما أنزل بالمدينة-المؤلف :أبو عبد
هللا محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس بن يسار الضريس البجلي الرازي
(المتوفى294 :هـ) -تحقيق :غزوة بدير -الناشر :دار الفكر ،دمشق –
سورية-الطبعة :األولى 1408 ،هـ.
.29فنون األفنان في عيون علوم القرآن-المؤلف :جمال الدين أبو الفرج عبد
الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى597 :هـ) ( -المتوفى 597
هـ) -دار النشر :دار البشائر -بيروت – لبنان-الطبعة :األولى 1408 -هـ
1987 -م.
.30فهم القرآن ومعانيه-المؤلف :الحارث بن أسد المحاسبي ،أبو عبد هللا
(المتوفى243 :هـ)-المحقق :حسين القوتلي-الناشر :دار الكندي ،دار الفكر
– بيروت-الطبعة :الثانية.1398 ،
.31الفوائد-المؤلف :محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم
الجوزية (المتوفى751 :هـ)-الناشر :دار الكتب العلمية – بيروت-الطبعة:
الثانية 1393 ،هـ 1973 -م.
( .32قيمة الزمن في القرآن الكريم) بحث منشور في العدد الرابع والسبعون -
مجلة البحوث اإلسالمية -ذو القعدة إلى صفر لسنة 1425هـ 1426هـ.
.33كتاب العين-المؤلف :أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم
الفراهيدي البصري (المتوفى170 :هـ)-المحقق :د مهدي المخزومي ،د.
إبراهيم السامرائي -الناشر :دار ومكتبة الهالل.
.34الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل-المؤلف :أبو القاسم محمود بن عمرو
بن أحمد ،الزمخشري جار هللا (المتوفى538 :هـ)-الناشر :دار الكتاب
العربي – بيروت-الطبعة :الثالثة 1407 -هـ.
.35الكشف والبيان عن تفسير القرآن-المؤلف :أحمد بن محمد بن إبراهيم
الثعلبي ،أبو إسحاق (المتوفى427 :هـ)-تحقيق :اإلمام أبي محمد بن
عاشور-مراجعة وتدقيق :األستاذ نظير الساعدي-الناشر :دار إحياء التراث
العربي ،بيروت – لبنان-الطبعة :األولى ،1422هـ 2002 -م
.36مجاز القرآن -المؤلف :أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى:
209هـ)-المحقق :محمد فواد سزگين-الناشر :مكتبة الخانجى – القاهرة -
الطبعة 1381 :هـ.
.37المدخل لدراسة القرآن الكريم-المؤلف :محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة
(المتوفى1403 :هـ)-الناشر :مكتبه السنة – القاهرة-الطبعة :الثانية،
1423هـ 2003 -م.
- 55 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
- 56 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
معجم مقاييس اللغة -المؤلف :أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، .47
أبو الحسين (المتوفى395 :هـ) -المحقق :عبد السالم محمد هارون -
الناشر :دار الفكر -عام النشر1399 :هـ 1979 -م.
مفاتيح الغيب = التفسير الكبير-المؤلف :أبو عبد هللا محمد بن عمر بن .48
الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري
(المتوفى606 :هـ)-الناشر :دار إحياء التراث العربي – بيروت-الطبعة:
الثالثة 1420 -هـ.
المفردات في غريب القرآن-المؤلف :أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف .49
بالراغب األصفهانى (المتوفى502 :هـ)-المحقق :صفوان عدنان الداودي-
الناشر :دار القلم ،الدار الشامية -دمشق بيروت الطبعة :األولى 1412 -
هـ.
من بالغة القرآن-المؤلف :أحمد أحمد عبد هللا البيلي البدوي (المتوفى: .50
1384هـ)-الناشر :نهضه مصر – القاهرة-عام النشر.2005 :
نظم الدرر في تناسب اآليات والسور-المؤلف :إبراهيم بن عمر بن حسن .51
الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى885 :هـ)-الناشر :دار الكتاب
اإلسالمي ،القاهرة.
النكت والعيون تفسير الماوردي -المؤلف :أبو الحسن علي بن محمد بن .52
محمد بن حبيب البصري البغدادي ،الشهير بالماوردي (المتوفى450 :هـ)-
المحقق :السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم-الناشر :دار الكتب العلمية -
بيروت /لبنان.
الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره ،وأحكامه ،وجمل من .53
فنون علومه-المؤلف :أبو محمد مكي بن أبي طالب َحمو بن محمد بن
مختار القيسي القيرواني ثم األندلسي القرطبي المالكي (المتوفى437 :هـ)-
المحقق :مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي -
جامعة الشارقة ،بإشراف أ .د :الشاهد البوشيخي-الناشر :مجموعة بحوث
الكتاب والسنة -كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية -جامعة الشارقة-
الطبعة :األولى 1429 ،هـ 2008 -م.
- 57 -
الدكتورة /فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
3 ملخص البحث
5 الهدف من البحث
5 إجراءات البحث وحدوده
5 الدراسات السابقة
7 القسم األول :الجانب النظري
7 المبحث األول :معنى القسم
8 المبحث الثاني :داللة القسم في اللغة
9 المبحث الثالث :أهمية القسم في خطاب القرآن
11 المبحث الرابع :أساليب ورود القسم في القرآن
11 المطلب األول :القسم الظاهر
17 المطلب الثاني :القسم المضمر
19 المبحث الخامس :كيف نتدبر اآليات الواردة في سياق القسم
20 المطلب الثاني :على مستوى القرآن
22 القسم الثاني :الجانب التطبيقي
26 المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه
28 المناسبة بين القسم وموضوع السورة
28 الهدايات والفوائد من القسم في سورة الضحى
31 ثانيا :مثال تطبيقي لتدبر القسم على مستوى القرآن
33 المبحث األول :القسم في سورة يس
33 نزولها
33 موضوع سورة يس
33 ومناسبة القسم الذي هو مفتتح السورة للموضوع
34 تفسير آيات القسم
34 (يس)
37 (الحكيم)
41 المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه
42 المبحث الثاني :القسم في سورة (ص)
42 نزولها
- 58 -
منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين
- 59 -