You are on page 1of 58

‫منهجيات يف تدبر القسم يف القرآن‬

‫الكريم مع حبثني تطبيقيني‬

‫إعداد الدكتورة‬
‫فلوة بنت ناصر بن محد الراشد‬
‫أستاذ التفسري وعموم القرآى املشارك‬
‫جامعة األمرية نورة بهت عبدالرمحو‬
‫الرياض ‪ -‬املممكة العربية السعودية‬

‫مستلة من‬
‫حولية كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية‬
‫العدد الثالث والثالثون‪ ،‬لعام ‪ 3415‬هـ ‪1034 -‬م‬
‫والمودعة بدار الكتب تحت رقم ‪1034/6157‬‬

‫دار األندلس للطباعة‪-‬أمام كلية الهندسة‪-‬عمارات الزراعيين‪-‬شبين الكوم ت ‪0401111040‬‬


‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ملخص البحث‬
‫موضوع القسم في القرآن من الموضوعات المصنفة ضمن موضوعات علوم‬
‫القرآن‪ ،‬وفكرة البحث تقوم على دراسة الموضوع بمنهجية التفسير الموضوعي‬
‫ولذلك أرفقت به بحثين تطبيقيين لتوضيح الفكرة وقد قسمت البحث لقسمين األول‬
‫منه الجانب النظري وفيه مباحث منها‪ :‬معنى القسم‪ .‬داللة القسم في اللغة‪ .‬أهمية‬
‫القسم في خطاب القرآن‪ .‬أساليب ورود القسم في القرآن‪ :‬وفيه مطلبان‪ :‬القسم‬
‫الظاهر ‪ -‬القسم المضمر‪ .‬كيف نتدبر اآليات الواردة في سياق القسم‪ :‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬على مستوى القرآن‪ .‬المطلب الثاني‪ :‬على مستوى السورة‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬الجانب التطبيقي‪ :‬وفيه‪ :‬أوال‪ :‬مثال تطبيقي على تدبر القسم‬
‫باعتبار السورة‪ :‬القسم في سورة الضحى‪ .‬والثاني‪ :‬مثال تطبيقي لتدبر القسم على‬
‫مستوى القرآن‪ :‬القسم بالقرآن في القرآن‪.‬‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا من يهده هللا فهو المهتدي‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا‪.‬‬
‫وأصلي وأسلم على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن القرآن الكريم أنزله هللا تعالى كتابا لصالح أمر الناس كافة رحمة لهم‬
‫اب إِالَّ ِلتُبَيِنَ لَ ُه ُم الَّذِي‬ ‫نز ْلنَا عَلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ َ‬‫لتبلغهم مراد هللا منهم قال تعالى‪َ { :‬و َما أ َ َ‬
‫اختَلَفُواْ فِي ِه َوهُدًى َو َرحْ َمة ً ِلقَ ْو ٍم يُؤْ ِمنُونَ } (‪ )64‬سورة النحل‪.‬‬ ‫ْ‬
‫فكان المقصد األعلى صالح األمة وهدايتهم إلى طريق المستقيم وقد أودع‬
‫ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطابا بينا وتعبدنا بمعرفة مراده واالطالع‬
‫ب}‬ ‫نز ْلنَاهُ إِلَ ْيكَ ُمبَا َركٌ ِليَ َّدبَّ ُروا آيَاتِ ِه َو ِليَت َذَك ََّر أ ُ ْولُوا ْاأل َ ْلبَا ِ‬
‫اب أ َ َ‬
‫عليه فقال‪ِ { :‬كت َ ٌ‬
‫((ص‪.)29 :‬‬
‫وقد اختار هللا اللسان العربي مظهرا لوحيه حيث كان لسانهم أفصح األلسن‪،‬‬
‫وكانت هذه اللغة أكثر اللغات تحمال للمعاني مع إيجاز اللفظ فتحداهم مع فصاحتهم‬
‫أن يأتوا بمثله فصار معجزة ليكون آية دالة على صدق رسوله‪.‬‬
‫َّللاِ َو ِإنَّ َما أنَاَ‬
‫علَ ْي ِه آيَاتٌ ِمن َّر ِب ِه قُ ْل ِإنَّ َما ْاْليَاتُ ِعن َد َّ‬ ‫{ َوقَالُوا لَ ْو َال أ ُ ِنز َل َ‬
‫ِير ُّم ِبينٌ } (العنكبوت‪.)50 :‬‬ ‫نَذ ٌ‬
‫ومن األساليب العربية التي أظهرت إعجاز كتابه‪ :‬استخدام القسم للوصول‬
‫للمعنى المراد‪ ،‬إذ أن القسم من األساليب العربية التي يتوصل بها إلى تأكيد األمر‪,‬‬
‫فإذا ورد القسم في أي موضوع في القرآن فالداللة األولية له أهميته والعناية به‬
‫ولنتأمل قوله‪( :‬هل في ذلك قسم لذي حجر) وكذلك (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫ولو عشنا حقيقة القسم‪ -,‬بل عشنا حقيقة القرآن كله من كون المتكلم به هو هللا‬
‫والذي يقسم هو هللا لحق لقلوبنا أن تذوب‪ ،‬يقول الحارث المحاسبي‪ :‬قلت قد علمت‬
‫أن في فهمه النجاة وفي اإلغفال عنه الهلكة فلو ذاب أهل السموات وأهل األرض‬
‫حين يسمعون كالم هللا (‪ )‬أو ماتوا خمودا أجمعون لكان ذلك حق لهم ولما كان‬
‫ذلك كثيرا إذ تكلم هللا (‪ )‬به تكليما من نفسه من فوق عرشه من فوق سبع سمواته‬
‫فإذا عظم في صدرك تعظيم المتكلم به لم يكن عندك شيء أرفع وال أشرف وال‬
‫أنفع وال ألذ وال أحلى من استماع كالم هللا جل وعز وفهم معاني قوله تعظيما وحبا‬
‫له وإجالال إذ كان تعالى قائله فحب القول على قدر حب قائله)(‪.)1‬‬
‫ولسنا في هذه الدراسة بصدد مناقشة شبه أو تفريعات لغوية بقدر القصد إلى‬
‫معرفة االهتمام بالقضايا التي وردت في سياق القسم وتدبر ما فيها من فوائد من‬
‫شتى االتجاهات‪.‬‬
‫الهدف من البحث‪:‬‬
‫دراسة موضوع القسم في القرآن بمنهجيات متنوعة تجمع بين هذا الموضوع‬
‫في مجال علوم القرآن‪ ،‬وبين دراسته في التفسير الموضوعي‪ ،‬باإلضافة لألصل‬
‫وهو التفسير التحليلي‪ .‬فينسبك من ذلك مناهج متعددة تسهم في عمق التدبر لهذا‬
‫الموضوع‪.‬‬
‫إجراءات البحث وحدوده‪:‬‬
‫سيركز البحث على بناء المنهجية وبالتالي ستكون الدراسة الشاملة ألمثلة فقط‬
‫من آيات القسم على حسب ما رسم من منهجيات وهي التي ستأتي في القسم الثاني‬
‫من البحث‪ ،‬أما باقي آيات القسم فسيتم جمعها الستقراء موضوعات المقسم به‬
‫والمقسم عليه ومن ثم تدبر المنهجية األشمل لتدبر موضوع القسم في القرآن‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫يطرح موضوع القسم عادة في علوم القرآن فهو أحد األنواع التي ذكرها‬
‫السيوطي في اإلتقان‪ ،‬وغيره ممن كتب في علوم لقرآن سواء ضمن مؤلف عام‬
‫لكل علوم القرآن أو ممن أفرده بالتصنيف كما هو عادة العلماء في مناهجهم في‬
‫التصنيف‪ ،‬وممن أفرده بالتصنيف‪ :‬ابن القيم في كتابه‪ ):‬التبيان في أقسام القرآن)‪،‬‬
‫عبدالحميد الفراهي في كتاب (إمعان في أقسام القرآن)‪.‬‬
‫ومن األبحاث في هذا الموضوع‪( :‬التناسب بين القسم المفرد وجوابه في‬
‫القرآن الكريم للدكتور ‪ /‬ناصر بن محمد آل عشوان) منشور في مجلة تبيان –‬
‫العدد السادس‪ ,‬وهي دراسة لها تعلق كبير بالبحث‪ ،‬وستكون مرجعا لي في‬
‫البحث‪ ،‬ولكنها دراسة اعتنت كما هو العنوان بأوجه التناسب بين المقسم به‬

‫(‪ ( )1‬فهم القرآن ‪( -‬ج ‪ / 0‬ص ‪.)302‬‬

‫‪-4-‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫والمقسم عليه‪ ،‬وهذا أحد األمور التي ستكون مقصدا في البحث‪ ،‬ولكن هذا البحث‬
‫اعتنيت فيه بالمنهج الذي من ضمنه هذه المسألة‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫سأقسم البحث إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الجانب النظري وفيه مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول معنى القسم‪ .‬المبحث الثاني‪ :‬داللة القسم في اللغة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهمية القسم في خطاب القرآن‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أساليب ورود القسم في القرآن‪ :‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬القسم الظاهر ‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬القسم المضمر‪.‬‬
‫كيف نتدبر اآليات الواردة في سياق القسم‪ :‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬على مستوى القرآن‪ .‬المطلب الثاني على مستوى السورة‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الجانب التطبيقي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مثال تطبيقي على تدبر القسم باعتبار السورة‪ :‬القسم في سورة الضحى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مثال تطبيقي لتدبر القسم على مستوى القرآن‪ :‬القسم بالقرآن في القرآن‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫القسم الأول‬
‫الجــانب النظــري‬
‫وفيه مباحث‪:‬‬
‫المبحث الأول‬
‫معنـــى القســــم‬
‫القسم لغة‪ :‬إفراز النصيب‪ ،‬يقال‪ :‬قسمت كذا قسما وقسمة‪ ،‬وقسمة الميراث‪،‬‬
‫وقسمة الغنيمة‪ :‬تفريقهما على أربابهما‪ ،‬قال‪{ :‬لكل باب منهم جزء مقسوم}‬
‫[الحجر‪{ ،]44/‬ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} [القمر‪ ،]28/‬وأقسم‪ :‬حلف‪،‬‬
‫وأصله من القسامة‪ ،‬وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول‪ ،‬ثم صار اسما لكل‬
‫حلف‪ )1(.‬وقال الفراهي‪( :‬القسم في أصله للقطع‪ .‬ومنه قسمت الشيء وقسمته‪.‬‬
‫والقطع يستعمل لنفي الريب والشبهة)(‪.)2‬‬
‫سم هو يمين يُقسِم بها الحالف ليؤكد بها شيئا يُخبر عنه‬ ‫القسم اصطالحا‪ :‬القَ َ‬
‫من إيجاب أو جحد وهو جملة يؤكد بها جملة أخرى فالجملة المؤ َّكدة هي ال ُم ْق َ‬
‫سم‬
‫سم‬‫سم هو ال ُم ْق َ‬
‫سم واالسم الذي يدخل عليه حرف الق َ‬ ‫المؤكدة هي الق َ‬
‫ِ‬ ‫عليه والجملة‬
‫به‪)3(.‬‬

‫(‪ )1‬المفردات في غريب القرآن (‪.)242 / 2‬‬


‫(‪ )2‬إمعان في أقسام القرآن ‪( -‬ص ‪.)15‬‬
‫(‪ )3‬المخصص البن سيده‪.)178 / 3 ( - ,‬‬

‫‪-6-‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫المبحث الثاني‬
‫دلالة القسم في اللغة‬

‫إن اإلنسان ربما يحتاج إلى تأكيد خبر أو وعد منه‪ ،‬حين يريد أن يعتمد عليه‬
‫المخاطب وتطمئن به نفسه‪ ،‬وال سيما في األمور العظيمة كالمعاهدة بين قوم وقوم‬
‫أو بين ملك ورعيته أو بين أفراد الناس‪ ،‬ليكونوا على ثقة بعضهم من بعض‪،‬‬
‫ي من العدو‪ .‬وهذه الحاجة دعتهم إلى طرق‬ ‫فيعلموا الموافق من المخالف والول َّ‬
‫وكلمات خاصة يعبرون بها عن هذا التأكيد‪ .‬فكان ذلك أصل قسمهم‪) (.‬‬
‫‪1‬‬

‫سم علماء البالغة أسلوب الخبر إلى ثالثة أقسام‪:‬‬


‫ومن هنا ق َّ‬
‫ْ‬
‫أ‪ -‬ابتدائي‪ ،‬ويُلقَى لخالي الذهن من غير توكيد‪.‬‬
‫ب‪ -‬طلبي‪ :‬ويلقى لمن داخله الشك مؤكدا بأداة من أدوات التوكيد‪.‬‬
‫ج‪ -‬إنكاري‪ ،‬ويلقى لمن أنكر القول مؤكدا بأكثر من توكيد‪.)2(.‬‬
‫فالقسم أعلى أنواع التوكيد فيستعمل كثيرا مع المنكرين‪.‬‬
‫وألهمية داللة هذه الكلمات على التأكيد‪ ,‬والتوثيق‪ ,‬ترتب على مخالفته أحكاما‬
‫شرعية مثل‪ :‬اليمين الغموس‪ ،‬والحنث‪ ,‬وكفارة اليمين‪.‬‬

‫(‪ )1‬إمعان في أقسام القرآن ‪ ( -‬ص ‪.)10‬‬


‫(‪ )2‬دراسات في علوم القرآن ‪ -‬محمد بكر إسماعيل (ص‪.)317 :‬‬

‫‪-7-‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الثالث‬
‫أهمية القسم في خطاب القرآن‬
‫القرآن الكريم نزل بلغة العرب فالقسم إجماال على أصله من حيث داللته على‬
‫توكيد األمر‪ .‬قال‪ :‬أبو القاسم القشيري (ذكر هللا القسم لكمال الحجة وتأكيدها وذلك‬
‫أن الحكم يفصل باثنين إما بالشهادة وإما بالقسم فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى‬
‫ال يبقى لهم حجة فقال (شهد هللا أنه ال إله إال هو والمالئكة وأولو العلم) وقال (قل‬
‫إي وربي إنه لحق) وعن بعض األعراب أنه لما سمع قوله تعالى (وفي السماء‬
‫رزقكم وما توعدون فورب السماء واألرض إنه لحق) صرخ وقال من ذا الذي‬
‫أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين)‪)1(.‬‬
‫فمجيء القسم من باب تصريف الخطاب وتلوينه‪َ ( :‬و َكذَ ِلكَ أ َ ْن َز ْلنَاهُ قُ ْرآَنًا‬
‫ِث لَ ُه ْم ِذ ْك ًرا) (‪ )113‬طه‪.‬‬ ‫ص َّر ْفنَا فِي ِه ِمنَ ا ْل َو ِعي ِد لَعَلَّ ُه ْم يَت َّقُونَ أ َ ْو يُ ْحد ُ‬ ‫ع ََربِيًّا َو َ‬
‫وقد أشيد بدور القسم في تأكيد أهمية القضايا التي وردت في سياقه في مثل‪:‬‬
‫قوله (هل في ذلك قسم لذي حجر) وهو سؤال للتقرير‪ ،‬أي إن في ذلك قسما لذي‬
‫لب وعقل‪ ،‬إن في ذلك مقنعا لمن له إدراك وفكر‪،‬إذا هي دعوة ألصحاب الحجر‬
‫والعقول أن يتدبروا في أجزاء القسم وماذا أريد من العاقل فهمه‪.‬‬
‫(وه َُو ِع ْندَ النَّحْ ِو ِيينَ ُج ْملَة ي َُؤ َّكد ُ ِب َها ْال َخبَ ُر‪َ ،‬حتَّى ِإنَّ ُه ْم َج َعلوا‬
‫ُ‬ ‫قال الزركشي‪َ :‬‬
‫سما َو ِإ ْن َكانَ فِي ِه ِإ ْخبَار ِإ َّال‬ ‫ش َه ُد ِإنَّ ا ْل ُمنَافِ ِقينَ لَكَا ِذبُونَ } قَ َ‬ ‫َّللاُ يَ ْ‬‫قَ ْولَهُ ت َ َعالَى‪َ { :‬و َّ‬
‫سما‪.‬‬ ‫ي قَ َ‬ ‫أَنَّهُ لَ َّما َجا َء ت َْو ِكيدا ِلل َخبَ ِر سُ ِم َ‬
‫ْ‬
‫ظم َكقَ ْو ِل ِه‪:‬‬ ‫َو َال يَكُونُ ِإ َّال ِباس ِْم ُم َع َّ‬
‫ض ِإنَّه ُ لَ َحق} [الذاريات‪]23 :‬‬ ‫اء َو ْاأل َ ْر ِ‬ ‫س َم ِ‬ ‫{فَ َو َر ِ‬
‫ب ال َّ‬
‫وقوله‪{ :‬قُ ْل إِي َو َربِي إِنَّهُ ل َ َحق} [يونس‪.]53 :‬‬
‫وقوله‪{ :‬قُ ْل بَلَى َو َر ِبي لَتُبْعَثُنَّ } [التغابن‪.]7 :‬‬
‫اطينَ } [مريم‪.]68 :‬‬ ‫شيَ ِ‬‫وقوله‪{ :‬فَ َو َر ِبكَ لَنَحْ ش َُرنَّ ُه ْم َوال َّ‬
‫سأَلَنَّ ُه ْم أَجْ َم ِعينَ } [الحجر‪.]92 :‬‬ ‫وقوله‪{ :‬فَ َو َربِكَ لَنَ ْ‬
‫وقوله‪{ :‬فَ َل َو َر ِبكَ َال يُؤْ ِمنُونَ } [النساء‪.]65 :‬‬
‫ب} [المعارج‪.]40 :‬‬ ‫ق َوا ْل َمغ َ ِار ِ‬ ‫ب ا ْل َمش َِار ِ‬ ‫س ُم ِب َر ِ‬ ‫وقوله‪{ :‬فَ َل أ ُ ْق ِ‬
‫س َم‬‫ّللاُ فِي َها ِبنَ ْف ِس ِه َو ْالبَاقِي كُلُّهُ أ َ ْق َ‬
‫س َم َّ‬ ‫اض َع أ َ ْق َ‬
‫س ْب َعةُ َم َو ِ‬ ‫قال الزركشي‪( :‬فَ َه ِذ ِه َ‬
‫بِ َم ْخلُوقَاتِ ِه‪ )2().‬ومن المواضع أيضا قوله‪{ :‬قُ ْل بَلَى َو َربِي لَتَأْتِيَن َّ ُك ْم} [سبأ‪.]3 :‬‬

‫(‪ )1‬اإلتقان ‪( -‬ج ‪ / 2‬ص ‪.)350‬‬


‫(‪ )2‬البرهان في علوم القرآن (‪.)40 /3‬‬

‫‪-8-‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ومما يعكس أهمية القسم عدد السور المفتتحة بالقسم‪ :‬خمس عشرة سورة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الصافات و الذاريات والطور والنجم والمرسالت والنازعات والبروج‬
‫والطارق والفجر‪ ,‬والشمس والليل والضحى والتين والعاديات والعصر‪.‬‬
‫وهناك سور افتتحت بالقسم ولكن بعد الحروف المقطعة التي تفتتح بها هذه‬
‫السور مثل سورة‪ :‬ص‪ ،‬يس‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الرابع‬
‫أساليب ورود القسم في القرآن‬
‫ورد القسم في القرآن بطريقتين هما‪ :‬القسم الظاهر – والقسم المضمر‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬القسم الظاهر‪:‬‬
‫وهو الذي توفر فيه أركان القسم كلها أو أغلبها‪.‬‬
‫وأركان القسم‪ :‬فعل القسم‪ ،‬أداة القسم‪ ,‬المقسم به‪ ,‬المقسم عليه‪.‬‬
‫فعل القسم‪ :‬من أفعال القسم عامة‪ :‬اليمين‪ ،‬والنذر‪ ،‬واأللية‪ ،‬والقسم‪ ،‬والحلف‪.‬‬
‫وأشهرها في القرآن القسم‪ ،‬لكن الفعل كثيرا ما يحذف‪ .‬قال ابن األنباري (إن قال‬
‫قائل‪ِ :‬ل َم حذف فعل القسم؟ قيل‪ :‬إنما حذف فعل القسم لكثرة االستعمال‪ )1().‬ومما‬
‫س ُم ِب َهذَا ا ْلبَلَ ِد (‪[ })1‬البلد‪ ]1 :‬وقوله‪َ { :‬وأ َ ْق َ‬
‫س ُموا‬ ‫ورد بذكر فعل القسم‪َ { :‬ال أ ُ ْق ِ‬
‫اّلل َج ْه َد أ َ ْي َمانِ ِه ْم لَئِ ْن َجا َءتْ ُه ْم آيَةٌ لَيُؤْ ِمنُنَّ بِ َها} [األنعام‪ ]109 :‬ومما ذكر‬
‫بِ َّ ِ‬
‫َ‬
‫اّلل إِنَّ ُه ْم ل ِمنْ ُك ْم} [التوبة‪.]56 :‬‬
‫بفعل الحلف‪َ { :‬ويَحْ ِلفُونَ ِب َّ ِ‬
‫أداة القسم‪ :‬وهي الدالة على القسم مثل‪ :‬البا‪-‬التا‪-‬الواو‪ ,‬قال ابن سيده‪( :‬وأصل‬
‫هذه الحروف الباء والتاء صلة للفعل المقدر ولك الفعل أحلف أو أقسم أو ما جرى‬
‫مجرى ذلك فإذا قال باهلل ألضربَ َّن زيدا فكأنه قال أحلف باهلل‪ ،‬وجعلوا الواو بدال‬
‫من الباء وخصوا بها القسم ألنها من مخرج الباء واستعملوا الواو أكثر من‬
‫استعمالهم الباء ألن الباء تدخل في صلة األفعال في القسم وغيرها فاختاروا الواو‬
‫في االستعمال النفرادها بالقسم)(‪.)2‬‬
‫وأكثر األقسام في القرآن المحذوفة الفعل ال تكون إال بالواو فإذا ذكرت الباء‬
‫أتي بالفعل كقوله‪ :‬وأقسموا باهلل ‪ -‬يحلفون باهلل ‪ -‬وال تجد الباء مع حذف الفعل‪.‬‬
‫والقسم كما ذكر السيوطي‪ :‬إما ظاهر وإما مضمر‪ )3(.‬وعد من الظاهر ما‬
‫تواجد فيه المقسم به وأداة القسم‪.‬‬
‫المقسم به‪ :‬ال يكون القسم إال باسم معظم( ) وقد أقسم هللا تعالى بنفسه في‬
‫‪4‬‬

‫القرآن في سبعة مواضع كما أسلفنا‪ ،‬كما أقسم سبحانه بالقرآن الكريم والباقي كله‬
‫قسم بمخلوقاته ومما وقع القسم به‪:‬‬

‫(‪ )1‬أسرار العربية (ص‪.)203 :‬‬


‫(‪ )2‬المخصص ‪( -‬ج ‪ / 3‬ص ‪ )178‬وانظر‪ :‬أسرار العربية (ص‪.)203 :‬‬
‫(‪ )3‬اإلتقان (‪..)350/2‬‬
‫(‪ )4‬الفراهي اليرى هذا القول ويعدده شدبهة‪ ،‬فأقدام كتابده (إمعدان فدي أقسدام القدرآن) فدي اإلجابدة‬
‫على ذلك ولذا فهو ال يرى كون المقسم به من أركان القسم‪.‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫النبي (‪ ،)‬المالئكة‪ ،‬األزمنة كالضحى والليل والفجر ويوم القيامة‪،‬‬


‫المخلوقات وخاصة األجرام السماوية كالسماء واألرض والنجم والشمس وغيرها‪،‬‬
‫أو المخلوقات األرضية مثل التين والزيتون والخيل‪.‬‬
‫قال السيوطي فإن قيل كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير هللا‬
‫قلنا أجيب عنه بأوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه على حذف مضاف أي ورب التين ورب الشمس وكذا الباقي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن العرب كانت تعظم هذه األشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما‬
‫يعرفون‬
‫الثالث‪ :‬أن األقسام إنما تكون بما يعظمه المقسم أو يجله وهو فوقه وهللا تعالى‬
‫ليس شيء فوقه فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته ألنها تدل على بارئ وصانع‪.‬‬
‫وقال ابن أبي اإلصبع في أسرار الفواتح القسم بالمصنوعات يستلزم القسم‬
‫بالصانع ألن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل إذ يستحيل وجود مفعول بغير‬
‫فاعل‪)1(.‬‬
‫وعن الحسن قال‪( :‬إن هللا يقسم بما شاء من خلقه وليس ألحد أن يقسم إال‬
‫باهلل)‪.2‬‬
‫المقسم عليه‪ :‬وهو األمر الذي يساق القسم ألجله توكيدا وتوثيقا‪ ،‬فالبد أن‬
‫يكون بما يحسن فيه ذلك كاألمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما األمور‬
‫الظاهرة المشهورة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء واألرض فهذه يقسم‬
‫بها و اليقسم عليها‪ ،‬وما أقسم عليه الرب فهو من آياته فيجوز أن يكون مقسما به‬
‫وال ينعكس‪.‬‬
‫ولما كان الغرض الرئيسي من القسم هو جواب القسم‪ ،‬إذ أن القسم مسوق‬
‫لتأكيده أمكننا بذلك رصد مهمات الدين التي قدمت لنا في القرآن بأعلى درجات‬
‫التوكيد‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬إذا عرف هذا فهو سبحانه يقسم على أصول اإليمان التي‬
‫يجب على الخلق معرفتها‪:‬‬
‫‪ -‬تارة يقسم على التوحيد‪.‬‬
‫‪ -‬وتارة يقسم على أن القرآن حق‪.‬‬
‫‪ -‬وتارة على أن الرسول حق‪.‬‬
‫‪ -‬وتارة على الجزاء والوعد والوعيد‪.‬‬
‫‪ -‬وتارة على حال اإلنسان‪.‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫ت ِذ ْك ًرا‬ ‫ت َزجْ ًرا (‪ )2‬فَالتَّا ِليَا ِ‬ ‫اج َرا ِ‬ ‫الز ِ‬‫صفًّا (‪ )1‬ف َ َّ‬ ‫ت َ‬ ‫صافَّا ِ‬ ‫فاألول كقوله { َوال َّ‬
‫اح ٌد (‪[ })4‬الصافات‪]4 - 1 :‬‬ ‫(‪ )3‬إِنَّ إِلَ َهكُ ْم لَ َو ِ‬
‫س ٌم لَ ْو ت َ ْعلَ ُمو َن‬ ‫وم (‪َ )75‬وإِنَّه ُ لَقَ َ‬ ‫س ُم بِ َم َواقِ ِع الن ُّ ُج ِ‬‫والثاني كقوله {فَ َل أ ُ ْق ِ‬
‫ع َِظي ٌم (‪{ )76‬إِنَّهُ لَقُ ْرآ ٌن ك َِري ٌم (‪[ })77‬الواقعة‬
‫ين (‪ )2‬إِنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي ل َ ْيلَ ٍة ُمب َ َ‬
‫ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا‬ ‫ب ا ْل ُمبِ ِ‬
‫وقوله {حم (‪َ )1‬والْ ِكتَا ِ‬
‫ين (‪ )2‬إِنَّا َجعَ ْلنَاهُ‬ ‫ب ا ْل ُم ِب ِ‬
‫ُم ْنذ ِِرينَ (‪[ })3‬الدخان] وقوله‪{ :‬حم (‪َ )1‬وا ْل ِكتَا ِ‬
‫قُ ْرآنًا ع ََر ِبيًّا لَعَلَّكُ ْم ت َ ْع ِقلُو َن (‪[ })3‬الزخرف‪ ]3 - 1 :‬إذ جعل ذلك جواب القسم‬
‫كما هو الظاهر)‪.‬‬
‫آن الْ َح ِك ِيم (‪ )2‬إِنَّكَ‬ ‫والثالث‪ :‬القسم على الرسول كقوله {يس (‪َ )1‬وا ْلقُ ْر ِ‬
‫س ِلينَ (‪[ })3‬يس‪ ]3 - 1 :‬إذا قيل هو الجواب وإن قيل الجواب‬ ‫ا ْل ُم ْر َ‬ ‫لَ ِمنَ‬
‫َ‬
‫ط ُرونَ (‪َ )1‬ما أ ْنتَ ِبنِ ْع َم ِة َربِكَ‬ ‫س ُ‬ ‫محذوف كان كما ذكر ومنه {ن َوا ْلقَل َ ِم َو َما يَ ْ‬
‫يم (‪})4‬‬ ‫ق ع َِظ ٍ‬ ‫ون (‪َ )3‬و ِإنَّكَ لَعَلَى ُخل ُ ٍ‬ ‫غ ْي َر َم ْمنُ ٍ‬ ‫ون (‪َ )2‬و ِإ َّن لَكَ َألَجْ ًرا َ‬ ‫ِب َمجْ نُ ٍ‬
‫غ َوى (‪)2‬‬ ‫احب ُ ُك ْم َو َما َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ض َّل َ‬ ‫[القلم‪ ]4 - 1 :‬ومنه { َوالنَّجْ ِم إِذَا َه َوى (‪َ )1‬ما َ‬
‫ي يُو َحى (‪[ })4‬النجم] إلى آخر‬ ‫ق ع َِن ا ْل َه َوى (‪ِ )3‬إ ْن ُه َو ِإ َّال َوحْ ٌ‬ ‫َو َما يَ ْن ِط ُ‬
‫س ُم بِ َما تُبْ ِص ُرونَ (‪َ )38‬و َما َال ت ُ ْب ِص ُرونَ (‪ )39‬إِنَّه ُ‬ ‫القصة‪ ،‬ومنه قوله {فَ َل أ ُ ْق ِ‬
‫يل َما ت ُؤْ ِمنُونَ (‪َ )41‬و َال‬ ‫سو ٍل ك َِر ٍيم (‪َ )40‬و َما ُه َو بِقَ ْو ِل شَا ِع ٍر ق َ ِل ً‬ ‫لَقَ ْو ُل َر ُ‬
‫س‬ ‫س ُم بِالْ ُخنَّ ِ‬ ‫يل َما تَذَك َُّرو َن (‪[ })42‬الحاقة] وقوله {فَ َل أ ُ ْق ِ‬ ‫بِقَ ْو ِل كَا ِه ٍن قَ ِل ً‬
‫س‬ ‫ح إِذَا تَنَفَّ َ‬ ‫ص ْب ِ‬ ‫س (‪َ )17‬وال ُّ‬ ‫سع َ َ‬ ‫ع ْ‬‫(‪ )15‬الْ َج َو ِار الْ ُكن َّ ِس (‪َ )16‬واللَّ ْي ِل إِذَا َ‬
‫ين (‪)20‬‬ ‫سو ٍل ك َِر ٍيم (‪ )19‬ذِي قُ َّو ٍة ِع ْن َد ِذي ا ْلعَ ْر ِش َم ِك ٍ‬ ‫(‪ )18‬إِنَّهُ لَقَ ْو ُل َر ُ‬
‫ون (‪[ })22‬التكوير]‪.‬‬ ‫احبُكُ ْم ِب َمجْ نُ ٍ‬ ‫ص ِ‬‫ين (‪َ )21‬و َما َ‬ ‫اع ث َ َّم أ َ ِم ٍ‬
‫ط ٍ‬ ‫ُم َ‬
‫ت ذَ ْر ًوا‬ ‫وأما القسم على الجزاء والوعد والوعيد ففي مثل قوله { َوالذ َّ ِاريَا ِ‬
‫ت أ َ ْم ًرا (‪ )4‬إِنَّ َما‬ ‫س َما ِ‬‫س ًرا (‪ )3‬فَا ْل ُمقَ ِ‬ ‫ت يُ ْ‬ ‫ت ِو ْق ًرا (‪ )2‬فَا ْل َج ِاريَا ِ‬ ‫(‪ )1‬فَا ْل َحا ِم َل ِ‬
‫الدينَ لَ َواقِ ٌع (‪[ })6‬الذاريات‪ ]6 - 1 :‬ثم ذكر‬ ‫ق (‪َ )5‬وإِنَّ ِ‬ ‫صا ِد ٌ‬ ‫عدُونَ ل َ َ‬ ‫تُو َ‬
‫تفصيل الجزاء وذكر الجنة والنار وذكر أن في السماء رزقهم وما يوعدون ثم‬
‫قال {فورب السماء واألرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} ومثل قوله‬
‫ت نَش ًْرا (‪)3‬‬ ‫صفًا (‪َ )2‬والنَّا ِ‬
‫ش َرا ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫ت ع ُْرفًا (‪ )1‬فَالْعَ ِ‬
‫اصفَا ِ‬ ‫{ َوا ْل ُم ْر َ‬
‫س َل ِ‬
‫ع ْذ ًرا أ َ ْو ن ُ ْذ ًرا (‪ِ )6‬إنَّ َما تُوعَ ُدونَ‬
‫ت ِذك ًْرا (‪ُ )5‬‬ ‫ت فَ ْرقًا (‪ )4‬فَا ْل ُم ْل ِقيَا ِ‬ ‫فَا ْلفَ ِارقَا ِ‬
‫ور (‪)2‬‬ ‫س ُ‬
‫ط ٍ‬ ‫ب َم ْ‬‫ور (‪َ )1‬و ِكتَا ٍ‬ ‫ط ِ‬‫لَ َوا ِق ٌع (‪[ })7‬المرسلت] ومثل قوله‪َ { :‬وال ُّ‬
‫وع (‪َ )5‬وا ْلب َحْ ِر‬ ‫ف ا ْل َم ْرفُ ِ‬
‫س ْق ِ‬‫ور (‪َ )4‬وال َّ‬ ‫ت ا ْل َم ْع ُم ِ‬
‫ُور (‪َ )3‬وا ْلبَ ْي ِ‬ ‫ق َم ْنش ٍ‬ ‫فِي َر ٍ‬
‫اب َربِكَ لَ َواقِ ٌع (‪َ )7‬ما لَهُ ِم ْن دَافِ ٍع (‪[ })8‬الطور]‪.‬‬ ‫عذ َ‬‫َ‬ ‫ور (‪ )6‬إِنَّ َ‬ ‫س ُج ِ‬ ‫ا ْل َم ْ‬

‫‪- 12 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫وقد أمر نبيه أن يقسم على الجزاء والمعاد في ثالث آيات فقال تعالى‪َ { :‬و‬
‫ست َ ْنبِئ ُونَكَ أ َ َحق ُه َو قُ ْل إِي َو َربِي إِنَّه ُ لَ َحق َو َما أ َ ْنت ُ ْم بِ ُم ْع ِج ِزي َن (‪})53‬‬
‫يَ ْ‬
‫[يونس‪.]53 :‬‬
‫ع َم الَّذِي َن َكفَ ُروا أ َ ْن لَ ْن يُ ْبعَثُوا قُ ْل بَلَى َو َر ِبي لَت ُ ْبعَثُنَّ ث ُ َّم لَتُنَبَّ ُؤ َّن‬‫وقوله‪َ { :‬ز َ‬
‫ِير (‪[ })7‬التغابن‪.]7 :‬‬ ‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا يَس ٌ‬ ‫ِب َما ع َِم ْلت ُ ْم َوذَ ِلكَ َ‬
‫وقوله‪َ { :‬وقَا َل الَّذِي َن َكفَ ُروا َال تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُ ْل بَلَى َو َربِي لَتَأْتِيَن َّ ُك ْم} [سبأ‪]3 :‬‬
‫وأما القسم على أحوال اإلنسان فكقوله { َواللَّ ْي ِل إِذَا يَ ْغشَى (‪َ )1‬والنَّ َه ِار إِذَا‬
‫س ْعي َ ُك ْم لَشَتَّى (‪[ })4‬الليل](‪.)1‬‬ ‫ق الذَّك ََر َو ْاأل ُ ْنثَى (‪ِ )3‬إ َّن َ‬ ‫ت َ َجلَّى (‪َ )2‬و َما َخلَ َ‬
‫وقد يحذف الجواب وأكثر ما يحذف إذا كان في نفس المقسم به داللة على‬
‫المقسم عليه فإن المقصود يحصل بذكره فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز‪،‬‬
‫وكثيرا ما يحذف جواب القسم في القرآن كقوله تعالى‪َ [ :‬وا ْلفَجْ ِر (‪َ )1‬ولَيا ٍل َ‬
‫عش ٍْر‬
‫س ِر (‪َ )4‬ه ْل فِي ذ ِلكَ قَسَ ٌم ِلذِي ِحجْ ٍر‬ ‫ش ْف ِع َوا ْل َوتْ ِر (‪َ )3‬واللَّ ْي ِل ِإذا يَ ْ‬ ‫(‪َ )2‬وال َّ‬
‫ت ا ْل ِعما ِد (‪ )7‬الَّ ِتي لَ ْم يُ ْخل َقْ ِمثْلُها‬ ‫ف فَعَ َل َربُّكَ ِبعا ٍد (‪ِ )6‬إ َر َم ذا ِ‬ ‫(‪ )5‬أَلَ ْم ت َ َر َك ْي َ‬
‫آن ا ْل َم ِجي ِد (‪ )1‬بَ ْل‬ ‫فِي ا ْلبِل ِد (‪( ])8‬الفجر ‪ .)8 - 1‬وقوله تعالى‪[ :‬ق َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫يب (‪ )2‬أَإِذا ِمتْنا‬ ‫ع ِج ٌ‬ ‫ع َِجبُوا أ َ ْن جا َءهُ ْم ُمنْذ ٌِر ِم ْن ُه ْم فَقا َل ا ْلكافِ ُرو َن هذا ش َْي ٌء َ‬
‫غ ْرقا ً (‪)1‬‬ ‫ت َ‬ ‫َو ُكنَّا تُرابا ً ذ ِلكَ َر ْج ٌع ب َ ِعي ٌد (‪( ])3‬ق ‪ .)3 - 1‬وقوله (‪َ [ :)‬والنَّ ِازعا ِ‬
‫س ْبقا ً (‪)4‬‬ ‫ت َ‬ ‫سابِقا ِ‬ ‫س ْبحا ً (‪ )3‬فَال َّ‬ ‫ت َ‬ ‫ت نَشْطا ً (‪َ )2‬والسَّابِحا ِ‬ ‫شطا ِ‬ ‫َوالنَّا ِ‬
‫الرا ِدفَةُ (‪( ])7‬النازعات‬ ‫اجفَةُ (‪ )6‬ت َتْبَعُ َها َّ‬ ‫الر ِ‬
‫ف َّ‬ ‫ت أ َ ْمرا ً (‪ )5‬يَ ْو َم ت َ ْر ُج ُ‬ ‫فَا ْل ُمد َِبرا ِ‬
‫‪.)7 - 1‬‬
‫فجواب القسم في ذلك كله محذوف يفهم من السورة التى ورد فيها هذا القسم‪،‬‬
‫وإن في هذا الحذف بعث النفس على التفكير‪ ،‬لتهتدى إلى الجواب‪ ،‬وتظل النفس‬
‫تتبع هذه اآليات‪ ،‬يتلو بعضها بعضا‪ ،‬تستوحى منها هذا الجواب‪ ،‬الذى ال بد أن‬
‫يكون شيئا عظيما يقسم عليه هللا‪ ،‬ومع تتبع آيات السورة نجد حديثا عن البعث‪،‬‬
‫وتعجبا من منكريه‪ ،‬مما يؤذن بأن هذا القسم وارد لتأكيده‪ ،‬وأنه سيكون ال محالة‪،‬‬
‫أو ال ترى في حذف هذا الجواب داللة على مثوله في الذهن لشدة ما شغل النفس‪،‬‬
‫واستأثر بعميق تفكيرها‪ ،‬يوم نزل القرآن مؤكدا مجىء اليوم اآلخر‪)2(.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التبيان في أقسام القرآن ‪.)7/1 ( -‬‬


‫(‪ )2‬من بالغة القرآن (ص‪.)99 :‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القسم المضمر‪:‬‬


‫هو ما لم يصرح فيه بفعل القسم وال بالمقسم به‪.‬‬
‫الال ُم نَحْ َو‪{ :‬لَت ُ ْبلَ ُونَّ‬
‫علَ ْي ِه َّ‬
‫قال الزركشي و السيوطي‪ :‬وهو قسمان‪ :‬قسم دلت َ‬
‫اب ِم ْن قَ ْب ِلكُ ْم َو ِم َن الَّذِي َن‬ ‫س َمعُ َّن ِمنَ ال َّ ِذينَ أُوتُوا الْ ِكت َ َ‬ ‫فِي أ َ ْم َوا ِل ُك ْم َوأ َ ْنفُ ِ‬
‫سكُ ْم َولَت َ ْ‬
‫يرا} [آل عمران‪َ ]186 :‬وقَ َسم دَ َّل َعلَ ْي ِه ْال َم ْعنَى نَحْ َو‪َ { :‬و ِإ ْن ِم ْن ُك ْم‬ ‫أَش َْركُوا أَذًى َكثِ ً‬
‫ار َيةُ‬ ‫ي ْاأل َ ْلفَاظُ ْال َج ِ‬ ‫ع ِلي ْالفَ ِ‬
‫ار ِس ُّ‬ ‫ّللا" َوقَا َل أَبُو َ‬
‫ِإ َّال َو ِار ُد َها} [مريم‪ ]71 :‬تقديره " َو َّ ِ‬
‫ان‪:‬‬
‫ض ْر َب ِ‬
‫س ِم َ‬ ‫جْرى ْالقَ َ‬ ‫َم َ‬
‫اب بِ َج َوابِ ِه‬ ‫ت بِقَ َسم فَ َال ت ُ َج ُ‬‫س ْ‬ ‫أ َ َح ُدهُ َما‪َ :‬ما تَكُونُ َكغَي ِْرهَا ِمنَ ْاأل َ ْخبَ ِ‬
‫ار الَّتِي لَ ْي َ‬
‫َكقَ ْو ِل ِه‪َ { :‬وقَ ْد أ َ َخذ َ ِميثَاق َ ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ } [الحديد‪َ { ]8 :‬و َرفَ ْعنَا فَ ْوقَ ُه ُم‬
‫وز أ َ ْن يَكُونَ‬ ‫ور ِب ِميثَاقِ ِه ْم} [النساء‪{ ]154 :‬يَحْ ِلفُونَ لَ ُك ْم} وهذا َونَحْ ُوهُ يَ ُج ُ‬ ‫ط َ‬‫ال ُّ‬
‫ْ‬
‫سما َوأ ْن يَكُونَ َحاال ِل ُخلُ ِو ِه ِمنَ ال َج َوا ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قَ َ‬
‫ق الَّ ِذينَ أُوتُوا‬ ‫ب ْالقَ َس ِم َكقَ ْو ِل ِه‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخذ َ َّ‬
‫َّللا ُ ِميثَا َ‬ ‫َوالثَّانِي‪َ :‬ما يَتَلَقَّى بِ َج َوا ِ‬
‫اّلل َج ْه َد أ َ ْي َمانِ ِه ْم لَئِ ْن‬
‫س ُموا بِ َّ ِ‬ ‫اس} [آل عمران‪َ { ]187 :‬وأ َ ْق َ‬ ‫اب لَتُبَيِنُنَّهُ ِللنَّ ِ‬‫ا ْل ِكت َ َ‬
‫أ َ َم ْرت َ ُه ْم لَيَ ْخ ُر ُجنَّ } [النور‪.)1(]53 :‬‬
‫ومن القسم الذي دلت عليه الالم المؤكدة التي تدخل على جواب القسم كقوله‬
‫تعالى‪{ :‬لتبلون في أموالكم وأنفسكم} (‪ 186‬آل عمران) أي وهللا لتبلون‪ .‬وهذا‬
‫النوع يكثر وروده في القرآن‪ ،‬ويكون االهتمام فيه بجواب القسم الذي هو أهم‬
‫أركان القسم ومن فوائده‪:‬‬
‫أنه كثيرا ما يحمل الموضوع الذي سيق ألجله القسم طابع السنية فهو مطرد‬
‫المعنى كلما توفر مضمونه ومن أمثلة ما استفيد اطراده بسبب القسم‪َ ( :‬ولَنَ ْبلُ َونَّ ُك ْم‬
‫س َوالث َّ َم َرا ِ‬
‫ت َوبَش ِِر‬ ‫األم َوا ِل َواأل ْنفُ ِ‬
‫ص ِمنَ ْ‬ ‫ف َوا ْل ُج ِ‬
‫وع َونَ ْق ٍ‬ ‫ِبش َْيءٍ ِم َن ا ْل َخ ْو ِ‬
‫اجعُونَ *‬ ‫صابَتْ ُه ْم ُم ِصيبَة ٌ قَالُوا ِإنَّا ِ َّ ِ‬
‫ّلل َو ِإنَّا ِإلَ ْي ِه َر ِ‬ ‫صا ِب ِرينَ * ال َّ ِذينَ ِإذَا أ َ َ‬
‫ال َّ‬
‫صلَ َواتٌ ِم ْن َربِ ِه ْم َو َرحْ َمة ٌ َوأُولَئِكَ هُ ُم الْ ُم ْهتَدُونَ } البقرة‪.‬‬ ‫أُولَئِكَ عَلَ ْي ِه ْم َ‬
‫االهتمام بالخبر الذي يرد القسم في سياقه‪ ،‬ويكثر في سياق االهتمام بقصص‬
‫ب َوقَفَّ ْينَا‬ ‫األنبياء مثل تصدير القصة بقوله‪( :‬لقد) في مثل [ لَقَ ْد آَت َ ْينَا ُمو َ‬
‫سى الْ ِكتَا َ‬
‫ُس أَف َ ُكلَّ َما‬ ‫ت َوأ َيَّ ْدنَا ُه ِب ُر ِ‬
‫وح ا ْلقُد ِ‬ ‫سى ا ْبنَ َم ْري َ َم ا ْلبَيِنَا ِ‬ ‫س ِل َوآَت َ ْينَا ِعي َ‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد ِه ِب ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ست َ ْكبَ ْرت ُ ْم فَفَ ِريقًا َكذَّ ْبت ُ ْم َوفَ ِريقًا ت َ ْقتُلُو َن‬ ‫سو ٌل بِ َما َال تَه َْوى أ َ ْنفُ ُ‬
‫سكُ ُم ا ْ‬ ‫َجا َء ُك ْم َر ُ‬
‫(‪[ ])87‬البقرة]‬

‫(‪ )1‬البرهان في علوم القرآن (‪ ،)43 /3‬اإلتقان في علوم القرآن (‪.)56 /4‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ش َدهُ ِم ْن قَ ْب ُل َو ُكنَّا ِب ِه عَا ِل ِمينَ (‪ )51‬إِ ْذ قَا َل‬


‫وقوله‪َ [ :‬ولَقَ ْد آَت َ ْينَا ِإ ْب َرا ِهي َم ُر ْ‬
‫ِألَبِي ِه َوقَ ْو ِم ِه َما َه ِذ ِه الت َّ َماثِي ُل الَّتِي أ َ ْنت ُ ْم لَ َها عَا ِكفُونَ (‪[ ])52‬األنبياء]‬
‫وقوله‪[ :‬لَقَ ْد أ َ ْن َز ْلنَا ِإلَيْ ُك ْم ِكتَابًا فِي ِه ِذك ُْركُ ْم أَفَ َل ت َ ْع ِقلُونَ (‪[ ])10‬األنبياء]فهو‬
‫من أساليب فواتح الغرض المهم‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الخامس‬
‫كيف نتدبر الآيات الواردة في سياق القسم‬
‫إذا استحضرنا كون المقسم به ال يكون إال بمعظم‪ ،‬ثم المقسم عليه هو ما أريد‬
‫توكيده وسيق القسم ألجله‪ ,‬كل ذلك يدعونا إلى إطالة التأمل في المذكور في آيات‬
‫القسم‪،‬‬
‫وللقسم في القرآن الكريم مقاصد كثيرة‪ ،‬وفي طيَّاته مواطن للعظة والعبرة‪،‬‬
‫ومجاالت رحبة للتأ ُّمل والنظر‪ ،‬ولطائف خفية يكتشفها المؤمن بنور بصيرته‪،‬‬
‫فيزداد بها يقينا‪.‬‬
‫ومن المنهجيات الموصلة لهذا الغرض تطبيق بعض مناهج التفسير‬
‫الموضوعي‪ ,‬فيكون التدبر على مستويين‪:‬‬
‫‪ -‬على مستوى القرآن‪.‬‬ ‫‪ -‬على مستوى السورة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬على مستوى السورة‬
‫ويشمل‪:‬‬
‫‪ -1‬تدبر المقسم به‪ :‬ويشمل‪:‬‬
‫‪ -‬معنى المفردة الواردة‪.‬‬
‫‪ -‬الحكمة من القسم به‪ ,‬إما بتدبر منفعة أو بتدبر فضيلة‪ ،‬أو بتدبر بديع صنع هللا‬
‫فيه حسب ما يقتضيه المقام‪.‬‬
‫‪ -‬إذا تعدد المقسم به في سياق واحد البد من إيجاد المناسبات بين المعدود في‬
‫المقسم به‪.‬‬
‫‪ -2‬المقسم عليه‪ :‬ويشمل‪:‬‬
‫‪ -‬معرفة المعنى‪.‬‬
‫‪ -‬تدبر األهمية التي ألجلها سيق القسم من حيث التوكيد‪.‬‬
‫‪ -‬المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬تدبر المناسبة بين موضوع القسم في السورة وبين الوحدة الموضوعية لها فإن‬
‫القسم أحد موضوعات السورة فهو يلتحم معها للوصول إلى مقصد رئيسي‬
‫بالوصول إليه تنبلج للمتأمل الفوائد الكثيرة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬على مستوى القرآن‪:‬‬
‫وذلك بتدبر أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬األمور التي وقع القسم بها‪:‬‬
‫وهي متعددة ذكرنا مجملها في أركان القسم‪.‬‬
‫لكن يلفت النظر أن بعض القضايا يتكرر القسم بها في القرآن ولذلك يمكن‬
‫أن يكون من مسارات تدبر القرآن في موضوع القسم على منهج التفسير‬

‫‪- 16 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫الموضوعي‪ :‬جمع اآليات التي أقسم هللا بها في موضوع واحد عند تكراره‪ ،‬أو في‬
‫موضوعات حسب زاوية البحث فتجمع فيه عدد المرات التي وقع القسم به بحيث‬
‫يتم استخالص أهم القضايا والفوائد الواردة في قالب القسم‪ .‬مثل‪:‬‬
‫القسم بالزمان في القرآن(‪ ،)1‬فتجمع اآليات الواردة في ذلك وتدرس دراسة‬
‫تحليلية موضوعية‪ ،‬وبذلك نخرج بفوائد مع االجتماع تضاف إلى الفوائد المستنبطة‬
‫من آيات القسم في التفسير التحليلي في المواضع المتفرقة كل في مكانه‪ ،‬ومثلها‬
‫باقي الوضوعات مثل‪ :‬القسم بالقرآن في القرآن‪ ،‬القسم بالرسول في القرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬األمور التي وقع القسم عليها – جواب القسم – إذ أنه الغرض الرئيسي من‬
‫القسم‪ ،‬وذلك بنظرة شاملة ألقسام القرآن فإذا استحضرنا الغرض من القسم‬
‫عموما أنه تأكيد المقسم عليه أمكننا بذلك رصد مهمات الدين التي قدمت لنا‬
‫في القرآن بأعلى درجات التوكيد‪ ،‬ويالحظ أن القضايا الكبرى تكرر القسم‬
‫عليها فيكون من مسالك التدبر في القرآن رصد القضايا الكبرى باعتبار‬
‫ورودها في قالب القسم‪ ،‬وكذلك رصد المتكرر منها ودراسته دراسة‬
‫موضوعية يستنبط معه المقاصد والهدايات المسوقة في جواب القسم‪ .‬وسبق‬
‫في مبحث القسم الظاهر رصد أهم القضايا التي أقسم هللا عليها بحيث تصلح‬
‫كل منها أن موضوعا لدراسة مستقلة‪.‬‬
‫وفي كال النوعين يمكن رسم منهج العمل كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬جمع اآليات التي وقع القسم بها أو عليها حسب موضوع البحث‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة القسم في كل سورة على النحو المذكور سابقا في السورة‪.‬‬
‫‪ -‬استنباط أهم الهدايات والفوائد سواء الفوائد للسورة وهي منفردة‪ ،‬أو‬
‫من اجتماع السور حول هذا الموضوع‪.‬‬

‫(‪ )1‬هناك دراسة بعنوان (قيمة الزمن في القرآن الكرريم) نشررت فري العردد الرابرع والسربعون ‪-‬‬
‫مجلة البحوث اإلسلمية ‪ -‬اإلصدار من ذو القعدة إلى صفر لسنة ‪1425‬هـ ‪1426‬هـ‪.‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫القسم الثاني‬
‫الجانب التطبيقي‬
‫أوال‪ :‬مثال تطبيقي على تدبر القسم باعتبار السورة‪ :‬القسم في سورة الضحى‪.‬‬
‫نزولها‪:‬‬
‫ورة الضحى سورة مكية في قول ابن عباس‪:‬‬
‫زلت بعد سورة ْالفَجْ ِر‪ ،‬ونزل بعدها سورة‪ :‬أَل ْم نَ ْش َرحْ ‪.) (،‬‬
‫‪1‬‬ ‫َ‬
‫سبب النزول‪:‬‬
‫علَى النَّ ِب ِى (‪ )‬فَقَا َلتِ‬ ‫س ِجب ِْري ُل (‪َ )‬‬ ‫ّللا (‪ (‬قَا َل احْ تَبَ َ‬ ‫ع ْب ِد َّ ِ‬ ‫ب ب ِْن َ‬ ‫ع ْن ُج ْندَ ِ‬ ‫َ‬
‫س َجى‬ ‫َ ِْ ِ َ‬‫ا‬‫َ‬ ‫ذ‬‫إ‬ ‫ل‬‫ي‬‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫ى‬‫ح‬‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ض‬ ‫ال‬ ‫و‬‫َ‬ ‫{‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َزَ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫ط‬‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ه‬‫َ ِ‬‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ط‬‫َ‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْش‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م‬‫ام َرأَة ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪َ )2‬ما َو َّدعَكَ َربُّكَ َو َما قلى (‪َ )3‬ولْل ِخ َرة َخ ْي ٌر لكَ ِمنَ األولى (‪) (.})4‬‬
‫‪2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللا (‪)‬‬ ‫ُب بْنَ سُ ْفيَانَ يَقُو ُل ا ْشت َ َكى َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫س ِم ْعتُ ُج ْند َ‬ ‫وفي رواية مسلم‪ :‬قَا َل َ‬
‫طانُكَ‬‫ش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت يَا ُم َح َّمد ُ ِإنِى أل ْر ُجو أ ْن يَكُونَ َ‬ ‫ام َرأة فَقَالَ ْ‬ ‫َ‬ ‫فَلَ ْم يَقُ ْم لَ ْيلَتَي ِْن أ َ ْو ثَالَثا فَ َجا َءتْهُ ْ‬
‫ض َحى َواللَّ ْي ِل ِإذَا‬ ‫ّللاُ (‪َ ( )‬وال ُّ‬ ‫الث قَا َل فَأ َ ْنزَ َل َّ‬ ‫قَدْ ت ََر َككَ لَ ْم أ َ َرهُ قَ ِر َبكَ ُم ْنذ ُ لَ ْيلَتَي ِْن أ َ ْو ث َ َ‬
‫عكَ َربُّكَ َو َما قَلَى)(‪.)3‬‬ ‫س َجى َما َودَّ َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬األثر أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (ص‪.)33 :‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخارى ‪( -‬ج ‪ / 4‬ص ‪ )391‬ح ‪.1125‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم ‪( -‬ج ‪ / 12‬ص ‪ )121‬ح ‪.4758‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫المقسم به‪:‬‬
‫(والضحى)‪:‬‬
‫الضحى‪ :‬وقتُ ارتفاع الشمس عن أفق مشرقها‪ ،‬وظهور شعاعها‪ ،‬وهو‬
‫الوقت الذي ترتفع فيه الشمس متجاوزة مشرقها بمقدار ما يخيل للناظر أنه طول‬
‫ُرمح‪ .‬وسجى أي أظلم وسكن‪.‬‬
‫وفي المراد بالضحى في اْلية قوالن‪:‬‬
‫‪ -1‬وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس‪ .‬وهو قول قتادة‬
‫والسدي‪ ،‬وعليه األكثرون‪.‬‬
‫‪ -2‬وقيل‪ :‬هو النهار كله إلقرانه بالليل في القسم‪ ،‬وبه قال الفراء وقد رجحه‬
‫الطبري عند تفسير لقوله‪( :‬والشمس وضحاها)‪ ،‬وضعفه النيسابوري‪.‬‬
‫فالقول بأنه يعني النهار كله‪ ،‬خالف األولى‪ ،‬واالحتجاج على ذلك بأنه‬
‫جعل في مقابلة الليل كله ال يصح‪ ،‬وذلك ألنه إنما جعل في مقابلة الليل في‬
‫حال سجوه؛ أي في حـال استقرار الظالم وسكون الليل والناس فيه‪ ،‬وال‬
‫ريب أن سجو الليل هو جزء من الليل ال كله‪ ،‬فهو بمنزلة الضحى من‬
‫النهار‪ .‬ويمكن االستئناس في ذلك بوقت صالة الضحى‪ ،‬فإن وقتها ال يكون‬
‫بعد الزوال‪ ،‬مما يؤكد ضعف القول بأن الضحى يمتد ليشمل النهار كله‪)1(.‬‬
‫سجْ وا بفتح فسكون‪ ،‬وسُ ُجوا بضمتين وتشديد‬ ‫( َواللَّ ْي ِل إِذَا َ‬
‫س َجى)‪ :‬سجا الليل َ‬
‫الواو‪ ،‬إذا سكن‪ .‬وذلك عند تناهي ظالمه وركوده‪ .‬ويكون ذلك إذا امتد وطال مدة‬
‫ظالمه مثل سجو المرء بالغطاء‪ ،‬إذا غطي به جميع جسده(‪.)2‬‬
‫وقال الراغب األصفهاني) سجى‪ :‬سكن‪ ،‬وعين ساجية‪ :‬فاترة الطرف‪ ،‬وسجى‬
‫البحر سجوا‪ :‬سكنت أمواجه‪ ،‬ومنه استعير‪ :‬تسجية الميت‪ ،‬أي‪ :‬تغطيته‬
‫بالثوب)‪)3(.‬‬
‫المناسبة بين أفراد المقسم به‪ :‬المقسم به‪ :‬الضحى والليل‪ ،‬ويشتركان في‬
‫أنهما أزمان‪ ،‬والزمن له قيمة كبيرة في القرآن الكريم‪ ,‬حيث كثر فيه العناية‬
‫بالوقت والزمن وتجلى ذلك أكثر في سياق القسم في القرآن فقد أقسـم هللا بالزمن‬
‫سواء بذاته أو بأجزائه كما في القسم بالفجر‪ ،‬والصبح‪ ،‬والضحى‪ ،‬والشفق‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظددر‪ :‬معدداني القددرآن للفددراء (‪ ،)273 /3‬تفسددير المدداوردي = النكددت والعيددون (‪,)291 /6‬‬
‫وزاد المسير في علدم التفسدير (‪ ،)457 /4‬تفسدير المداوردي = النكدت والعيدون (‪،)291 /6‬‬
‫قيمة الزمن في القرآن الكريم‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬غريب القرآن البن قتيبة (ص‪ )459 :‬التحرير والتنوير ‪( -‬ج ‪ / 16‬ص ‪.)280‬‬
‫(‪ )3‬مفردات ألفاظ القرآن (ص ‪.)461‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫والنهار‪ ،‬والليل‪ ،‬والليالي العشر‪ ،‬ويوم القيامة‪ ،‬والعمر‪ ،‬وفي القسـم بهذه‬
‫الوحـدات الزمنية تنبيه على‪:‬‬
‫أ‪ -‬االعتبار بها في االستدالل على حكمة نظام هللا في هذا الكون وبديع قدرته‬
‫ب‪ -‬ومن جهة أخرى فالزمن مستودع لألعمال التي سيرى اإلنسان عاقبتها يوم‬
‫القيامة الكافر والمؤمن على حد سواء‪.‬‬
‫ج‪ -‬ثم نوع الزمان المذكور هنا يرمز للنور والظلمة التي هي محك مهم في‬
‫طريق الهدى والضالل‪.‬‬
‫مناسبة المقسم به لسبب النزول كما ذكر ابن عاشور‪( :‬ومناسبة القسم ب‬
‫{الضحى والليل} أن الضحى وقتُ انبثاق نور الشمس فهو إيماء إلى تمثيل نزول‬
‫الوحي وحصول االهتداء به‪ ،‬وأن الليل وقت قيام النبي (‪ )‬بالقرآن‪ ،‬وهو الوقت‬
‫الذي كان يَسمع فيه المشركون قراءت َه من بيوتهم القريبة من بيته أو من المسجد‬
‫ظرف {إذا سجى}‪ .‬فلعل ذلك وقت قيام النبي (‪)‬‬ ‫الحرام‪ .‬ولذلك قُيد {الليل} ب َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬قم الليل إال قليل ً نصفه أو انقص منه قليلً} [المزمل ] ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫جواب القسم‪:‬‬
‫َما َو َّدعَكَ َربُّكَ َو َما قَلَى (‪:)3‬‬
‫قال الراغب‪ :‬الدعة‪ :‬الخفض‪ .‬يقال‪ :‬ودعت كذا أدعه َودْعا‪ .‬نحو‪ :‬تركته‪،‬و‬
‫التوديع‪ :‬تحيةُ من يريد السفر‪ .‬واستعير في اآلية للمفارقة بعد االتصال تشبيها‬
‫بفراق المسافر في انقطاع الصلة حيث شبه انقطاع صلة الكالم بانقطاع صلة‬
‫اإلقامة‪ )2( .‬والمعنى‪ :‬أي‪ :‬ما تركك منذ اعتنى بك‪ ،‬وال أهملك منذ رباك ورعاك‪،‬‬
‫بل لم يزل يربيك أحسن تربية‪ ،‬ويعليك درجة بعد درجة‪)3(.‬‬
‫وجملة‪{ :‬وما قلى} عطف على جملة جواب القسم ولها حكمها‪.‬‬
‫ي (بفتح القاف مع سكون الالم) وال ِقلَى (بكسر القاف مع فتح الالم)‪:‬‬ ‫والقل ْ‬
‫البغض الشديد‪ ،) (.‬والمعنى كما قال السعدي‪( :‬ما أبغضك منذ أحبك‪ ،‬فإن نفي‬
‫‪4‬‬

‫الضد دليل على ثبوت ضده‪ ،‬والنفي المحض ال يكون مدحا‪ ،‬إال إذا تضمن ثبوت‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير ‪( -‬ج ‪ / 16‬ص ‪.)297‬‬


‫(‪ )2‬المفردات في غريب القرآن (ص‪ ،)861 :‬التحرير والتنوير ‪( -‬ج ‪ / 16‬ص ‪)297‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪ ،)928 :‬التحرير والتنوير ‪( -‬ج ‪/ 16‬‬
‫ص ‪.)297‬‬
‫(‪ )4‬انظدددر‪ :‬مجددداز القدددرآن (‪،)302 /2‬ا العدددين (‪ ،)215 /5‬مقددداييس اللغدددة (‪ )16 /5‬التحريدددر‬
‫والتنوير ‪( -‬ج ‪ / 16‬ص ‪.)297‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫كمال‪ ،‬فهذه حال الرسول (‪ )‬الماضية والحاضرة‪ ،‬أكمل حال وأتمها‪ ،‬محبة هللا‬
‫له واستمرارها‪ ،‬وترقيته في درج الكمال‪ ،‬ودوام اعتناء هللا به)‪)1(.‬‬
‫فجواب القسم يتناول أمر من مهمات الدين وهو شهادة أن محمدا عبده‬
‫ورسوله فهذه السورة تناولت هذا األمر بالقسم بالتأكيد عليه ولكن في أحد أحواله‪.‬‬
‫قال ابن القيم (أقسم على إنعامه على رسوله (‪ )‬وإكرامه له وإعطائه ما يرضيه‬
‫وذلك متضمن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في اآلخرة‬
‫فهو قسم على النبوة والمعاد وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته دالتين على ربوبيته‬
‫وحكمته ورحمته وهما الليل والنهار)(‪.)2‬‬
‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‪:‬‬
‫هناك مناسبة بينة بين المقسم به والمقسم عليه وقد تنوعت عبارات المفسرين‬
‫في التعبير عنها ولعل من ألطفها وأشملها عبارة ابن القيم حيث قال‪( :‬فتأمل‬
‫مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافى بعد ظالم الليل للمقسم عليه وهو‬
‫نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه‪ :‬ودع محمدا ربه فأقسم‬
‫بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه‬
‫واحتجابه وأيضا فإن فالق ظلمة الليل عن ضوء النهار هو الذي فلق ظلمة الجهل‬
‫والشرك بنور الوحي والنبوة فهذان للحس وهذان للعقل ؟ وأيضا فإن الذي‬
‫اقتضت رحمته أن ال يترك عباده في ظلمة الليل سرمدا بل هداهم بضوء النهار‬
‫إلى مصالحهم ومعايشهم فال يتركهم في ظلمة الجهل والغي بل يهديهم بنور‬
‫الوحي والنبوة إلى مصالح دنياهم وآخرتهم‪ ،‬فتأمل حسن ارتباط المقسم به‬
‫بالمقسم عليه وتأمل هذه الجزالة والرونق الذي على هذه األلفاظ والجاللة التي‬
‫على معانيها‪ ،‬ونفى سبحانه أن يكون ودع نبيه أو قاله فالتوديع الترك والقلى‬
‫البغض فما تركه منذ اعتنى به وأكرمه وال أبغضه منذ أحبه وأطلق سبحانه أن‬
‫اآلخرة خير له من األولى وهذا يعم كل حالة يرقيه إليها هي خير له مما قبلها كما‬
‫أن الدار اآلخرة خير له مما قبلها ثم وعده بما تقر به عينه وتفرح به نفسه‬
‫وينشرح به صدره وهو أن يعطيه فيرضى وهذا يعم ما يعطيه من القرآن والهدى‬
‫والنصر وكثرة األتباع ورفع ذكره و إعالء كلمته وما يعطيه بعد مماته وما‬
‫يعطيه في موقف القيامة وما يعطيه في الجنة وأما ما يغتر به الجهال من أنه ال‬
‫يرضى وواحد من أمته في النار أو ال يرضى أن يدخل أحد من أمته النار فهذا‬
‫من غرور الشيطان لهم ولعبه بهم فإنه صلوات هللا وسالمة عليه يرضى بما‬
‫يرضى به ربه تبارك وتعالى وهو سبحانه يدخل النار من يستحقها من الكفار‬

‫(‪ )1‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪.)928 :‬‬


‫(‪ ( )2‬التبيان في أقسام القرآن ‪( -‬ص ‪.)47‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫والعصاة ثم يحد لرسوله حدا يشفع فيهم ورسوله أعرف به وبحقه من أن يقول‪ :‬ال‬
‫أرضى أن يدخل أحد من أمتي النار على أن يدعه فيها بل ربه تبارك وتعالى‬
‫يأذن له فيشفع فيمن شاء هللا أن يشفع فيه وال يشفع في غير من أذن له فيه‬
‫ورضيه‪.‬‬
‫ثم ذكر سبحانه نعمه عليه من إيوائه بعد تيت ُّ ِمه وهدايته بعد الضاللة وإغنائه‬
‫بعد الفقر فكان محتاجا إلى من يؤويه ويهديه ويغنيه فآواه ربه وهداه وأغناه فأمره‬
‫سبحانه أن يقابل هذه النعم الثالث بما يليق بها من الشكر فنهاه أن يقهر اليتيم وأن‬
‫ينهر السائل وأن يكتم النعمة بل يحدث بها فأوصاه سبحانه باليتامى والفقراء‬
‫والمتعلمين قال مجاهد ومقاتل‪ :‬ال تحقر اليتيم فقد كنت يتيما وقال الفراء‪ :‬ال تقهره‬
‫على ماله فتذهب بحقه لضعفه وكذلك كانت العرب تفعل في أمر اليتامى تأخذ‬
‫أموالهم وتظلمهم فغلظ الخطاب في أمر اليتيم وكذلك من الناصر له يغلظ في‬
‫أمره وهو نهى لجميع المكلفين‪.‬‬
‫{وأما السائل فل تنهر} قال أكثر المفسرين‪ :‬هو سائل المعروف والصدقة‬
‫ال تنهره إذا سألك فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا قال الحسن‪:‬‬
‫أما إنه ليس بالسائل الذي يأتيك ولكن طالب العلم وهذا قول يحيى بن آدم قال‪ :‬إذا‬
‫جاءك طالب العلم فال تنهره والتحقيق أن اآلية تتناول النوعين‪,‬‬
‫(وأما بنعمة ربك فحدث) قال مجاهد‪ :‬القرآن‪ ,‬وقال مقاتل‪ :‬اشكر على هذه النعم‬
‫التي ذكرت في السورة‪ ،‬والتحقيق أن النعم تشمل هذا كله نعم الدين والدنيا)(‪)1‬‬
‫المناسبة بين القسم وموضوع السورة‪:‬‬
‫سورة الضحى في عمومها تتحدث عن نبينا محمد (‪ )‬وعظيم محبة هللا له‬
‫ومن ثم عظيم عطاياه له (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فهي تعداد لنعم أعقبت‬
‫حرمان ماقبل البعثة فناسب مجيء اآليات التي ارتبطت بحادثة سبب النزول‬
‫وهي ظن المشركين بأ ن هللا قاله بأن كان الدفاع لم يقتصر فيه على نفي هذا‬
‫األمر بل قدره أعظم من ذلك بكثير – من خالل تعداد النعم الواردة في السورة‪-‬‬
‫بل وتضمن مع ذلك عظيم فضله على األمة كلها بإخراجهم من الظلمات إلى‬
‫النور بدعوته مثل انبالج نور الضحى بعد ظلمة الليل‪.‬‬
‫وبهذا التحم القسم بأجزائه مع موضوع السورة‪.‬‬
‫الهدايات والفوائد من القسم في سورة الضحى‪:‬‬
‫‪ -1‬استعمال القسم في المواعظ المهمة لألمة فهو من أساليب التوكيد والتأثير‪.‬‬

‫(‪ )1‬التبيان في أقسام القرآن ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪.)47‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫‪ -2‬الزمن والوقت من المرتكزات األساسية في حياة اإلنسان‪ ،‬فالزمن مستودع‬


‫لألعمال التي سيرى اإلنسان عاقبتها يوم القيامة الكافر والمؤمن على حد‬
‫سواء ‪ ,‬ولذلك كثر القسم به في القرآن مثل هذه السورة‪ ،‬وربط بينه وبين‬
‫سانَ لَ ِفي ُخ ْ‬
‫س ٍر (‪)2‬‬ ‫العمل كما في سورة العصر‪َ ( :‬وا ْلعَص ِْر (‪ )1‬إِنَّ ْ ِ‬
‫اإل ْن َ‬
‫ص ْب ِر‬
‫ص ْوا بِال َّ‬ ‫ص ْوا بِا ْل َح ِ‬
‫ق َوت َ َوا َ‬ ‫ت َوت َ َوا َ‬ ‫إِ َّال ال َّ ِذينَ آ َمنُوا َوع َِملُوا ال َّ‬
‫صا ِل َحا ِ‬
‫(‪.)3‬‬
‫وكما في سورة الليل‪َ ( :‬واللَّ ْي ِل إِذَا يَ ْغشَى (‪َ )1‬والنَّ َه ِار إِذَا ت َ َجلَّى (‪َ )2‬و َما َخلَ َ‬
‫ق‬
‫شتَّى (‪)4‬‬ ‫الذَّك ََر َو ْاأل ُ ْنثَى (‪ )3‬إِنَّ َ‬
‫س ْعي َ ُك ْم لَ َ‬
‫‪ -2‬ضرورة اغتنام الوقت فيما ينفع وبناء منهج محاسبي مع النفس وفي الحديث‬
‫ع ْن‬ ‫ع ْن خ َْمس‪َ ،‬‬ ‫« َال ت َُزو ُل قَدَ ُم اب ِْن آدَ َم يَ ْو َم ال ِقيَا َم ِة ِم ْن ِع ْن ِد َربِ ِه َحتَّى يُ ْسأ َ َل َ‬
‫يم أ َ ْنفَقَهُ‪َ ،‬و َماذَا‬ ‫س َبهُ َوفِ َ‬ ‫يم أَب َْالهُ‪َ ،‬و َما ِل ِه ِم ْن أ َ ْينَ ا ْكت َ َ‬ ‫ع ْن َ‬
‫شبَا ِب ِه فِ َ‬ ‫يم أ َ ْفنَاهُ‪َ ،‬و َ‬
‫عُ ُم ِر ِه فِ َ‬
‫ع ِل َم»‪ .‬وبمقدار عقل اإلنسان‪ ،‬وإيمانه‪ ،‬يكون اهتمامه بالوقت‪ ،‬قال‬ ‫ع ِم َل فِي َما َ‬ ‫َ‬
‫الص َّحةُ َو ْالفَ َراغُ)‬ ‫َان َم ْغبُون فِي ِه َما َكثِير ِم ْن النَّا ِس ِ‬ ‫نبينا (‪( :)‬نِ ْع َمت ِ‬
‫فبمقدار ما يشعر المؤمن‪ ،‬باليوم اآلخر‪ ،‬وتقوم في قلبه حقائق اإليمان‪ ،‬يشعر‬
‫بأهمية الوقت‪ ،‬وإذا ضعف ذلك صار الوقت عنده أرخص ما يكون‪.‬‬
‫‪ -3‬عظم مكانة النبي (‪ )‬عند ربه‪ ،‬وقد جعل القاضي عياض في كتابه‪( :‬الشفا‬
‫علَ ْي ِه‬ ‫ّللا ت َ َعا َلى َ‬ ‫َاء َّ ِ‬ ‫اب األ َ َّو ُل منه بعنوان‪ِ ( :‬في ثَن ِ‬ ‫بتعريف حقوق المصطفى) ْال َب ُ‬
‫يم قَد ِْر ِه لَدَ ْي ِه) وجعل أحد فصوله في داللة القسم على هذا‬ ‫ع ِظ َ‬ ‫ار ِه َ‬ ‫ظ َه ِ‬ ‫َو ِإ ْ‬
‫ق َم َكانَتِ ِه ِع ْندَهُ)‬ ‫س ِم ِه تَعَالَى َجدُّهُ لَهُ ِلتَحْ قُ ِ‬ ‫س‪ :‬فِي قَ َ‬ ‫الموضوع فقال (الفصل ْالخ ِ‬
‫َام ُ‬
‫َت َه ِذ ِه‬ ‫ض َّمن ْ‬ ‫ثم افتتحه بهذه السورة لبيان عظيم داللتها على ذلك فقال‪( :‬ت َ َ‬
‫َ‬
‫يم ِه إيَّاهُ ِستَّةَ ُو ُجوه‪ :‬األ َّو ُل‬ ‫َعظ ِ‬ ‫ّللا تَعَالَى لَهُ َوت َ ْن ِويه ِه بِ ِه َوت ِ‬ ‫ورة ُ ِم ْن َك َرا َم ِة َّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ُّ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ض َحى َوالل ْي ِل إذا سجى) أ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْالقَ َس ُم لهُ َع َّما أخبَ َرهُ بِ ِه ِمن َحا ِل ِه بِق ْو ِل ِه تَعَالى‪َ ( :‬وال ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ال َمبَ َّرةِ‪ ،‬الثَّا ِني بَيَانُ َم َكانَتِ ِه ِع ْندَهُ‬ ‫ظ ِم دَ َر َجا ِ‬ ‫ض َحى َو َهذَا ِم ْن أ ْع َ‬ ‫ب ال ُّ‬ ‫َو َر ِ‬
‫َ‬
‫ي َما ت ََرككَ َو َما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظ َوتِ ِه لدَ ْي ِه بِق ْو ِل ِه تعَالى‪َ ( :‬ما َو َّدعَكَ َربُّكَ َو َما قلى) أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو ُح ْ‬
‫ْلخ َرةُ َخ ْي ٌر‬ ‫ث قَ ْولُهُ تَعَالَى‪َ ( :‬ولَ ِ‬ ‫طفَاكَ ‪ ،‬الثَّا ِل ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ضكَ َوقِي َل َما أ َ ْه َملَكَ بَ ْعدَ أ َ ِن ا ْ‬ ‫أ َ ْبغَ َ‬
‫ظ ُم ِم َّما‬ ‫ّللا أ ْع َ‬ ‫ي َمالَكَ فِي َم ْر ِجعِكَ ِع ْندَ َّ ِ‬ ‫لَكَ ِمنَ األولى) قال ابن إسحق أ َ ْ‬
‫ع ِة َو ْال َمقَ ِام‬ ‫شفَا َ‬ ‫ي َما ادَّخ َْرتُ لَكَ ِمنَ ال َّ‬ ‫س ْهل‪ :‬أ َ ْ‬ ‫طاكَ ِم ْن َك َرا َم ِة الدُّ ْنيَا‪َ ،‬وقَا َل َ‬ ‫أ ْع َ‬
‫ف ي ُ ْع ِطيكَ‬ ‫س ْو َ‬ ‫الرابِ ُع قَ ْولُهُ تَعَالَى ( َولَ َ‬ ‫ط ْيتُكَ فِي الدُّ ْنيَا‪َّ ،‬‬ ‫ال َمحْ ُمو ِد َخيْر لَكَ ِم َّما أ ْع َ‬
‫اإل ْنعَ ِام‬ ‫ت ِْ‬ ‫شت َا ِ‬ ‫سعَادَةِ َو َ‬ ‫امعَة ِل ُو ُجو ِه ْال َك َرا َم ِة َوأ ْن َواعِ ال َّ‬ ‫ربك فترضى) َو َه ِذ ِه آيَة َج ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الزيَادَةِ‪ ،‬قَا َل ابْنُ إسحق ي ُْر ِ‬
‫ب فِي‬ ‫ج فِي الدُّنيَا َوالث َوا ِ‬ ‫ضي ِه بِالفَل ِ‬ ‫َّاري ِْن َو ِ‬ ‫فِي الد َ‬
‫ض آ ِل النَّ ِبي ِ (‪ )‬أنَّهُ‬ ‫ع ْن بَ ْع ِ‬ ‫ي َ‬ ‫عة‪َ ،‬و ُر ِو َ‬ ‫َ‬ ‫ض َوال َّشفَا َ‬ ‫ْ‬
‫اآلخ َرةِ َوقِي َل يُ ْع ِطي ِه ال َح ْو َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ّللا (‪ )‬أ ْن يَدْ ُخ َل أ َحد‬ ‫َ‬ ‫ضى َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫َ‬
‫أر َجى ِمن َها‪َ ،‬وال يَ ْر َ‬ ‫ْ‬ ‫آن ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ْس آيَة فِي الق ْر ِ‬ ‫َ‬
‫قَالَ ‪ :‬لي َ‬

‫‪- 23 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫علَ ْي ِه ِم ْن نِ َع ِم ِه َوقَ َّر َرهُ ِم ْن آالئِ ِه قِبَ َلهُ ِفي‬ ‫عدَّهُ ت َ َعالَى َ‬ ‫س َما َ‬ ‫َام ُ‬ ‫ار‪ْ ،‬الخ ِ‬ ‫ِم ْن أ ُ َّمتِ ِه النَّ َ‬
‫ف‬ ‫اختِ َال ِ‬ ‫علَى ْ‬ ‫اس بِ ِه َ‬ ‫ورةِ منه هدايته إلى ما هداه له أو هداية النَّ َ‬ ‫س َ‬ ‫بَ ِقيَّ ِة ال ُّ‬
‫ْ‬
‫ع ِة َوال ِغنَى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ير َوال َما َل له ُ فأغنَاهُ بما آتاه أ ْو بِ َما َجعَله ُ في قلبه مِنَ القنَا َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫التَّفَا ِس ِ‬
‫ّللا َو ِقي َل يَتِيما َال ِمثَا َل َلكَ‬ ‫ع ُّمهُ َو َآواهُ إِلَ ْي ِه َوقِي َل َآواهُ إِلَى َّ ِ‬ ‫علَ ْي ِه َ‬ ‫ب َ‬ ‫َويَتِيما فَ َحدَ َ‬
‫وآوى ِبكَ‬ ‫عا ِئال َ‬ ‫ض ًاال وأ َ ْغنَى ِبكَ َ‬ ‫فآواكَ ِإلَ ْي ِه‪َ ،‬و ِقي َل ْال َم ْعنَى أَلَ ْم َي ِجدْكَ فَ َهدَى ِبكَ َ‬ ‫َ‬
‫صغ َِر ِه‬ ‫ل‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ا‬‫ح‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ل‬ ‫ير‬ ‫سِ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫نَ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫وم‬
‫َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫و‬
‫ِ َ‬‫َن‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َ َِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ا؟‬ ‫يم‬ ‫يَتِ‬
‫اص ِه‬ ‫ص ِ‬ ‫ْف بَ ْعد َ ْ‬
‫اختِ َ‬ ‫عه ُ َو َال قَ َاله ُ فَ َكي َ‬ ‫ع ْيلَتِ ِه َويُتْ ِم ِه َوقَ ْب َل َم ْع ِرفَتِ ِه ِب ِه َو َال َودَّ َ‬ ‫َو َ‬
‫عل ْي ِه َوشُك ِر َما ش ََّرفَهُ بِ ِه بِنَ ْش ِر ِه َوإشَادَ ِة‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ار نِ ْع َمتِ ِه َ‬ ‫ْ‬
‫ِس أ َم َرهُ بإِظ َه ِ‬ ‫َ‬ ‫ص ِطفَائِ ِه؟ ال َّساد ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫ُّث بِ َها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِذ ْك ِر ِه بِقَ ْو ِل ِه تَعَالى ( َوأ َّما ِبنِ ْع َم ِة َربِكَ ف َحدِث) فَإ ِ َّن ِم ْن شُك ِر النِ ْع َم ِة الت َّ َحد َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عام ِأل ُ َّمتِ ِه(‪.)1‬‬ ‫َو َهذَا خَاص لَهُ َ‬
‫عطفه عليه‪.‬‬ ‫والفَ ْل ُج‪ :‬الظفَ ُر بما طلب‪ .‬و َحدَب عليه‪َّ :‬‬

‫(‪ )1‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى ‪.)35 /1( -‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ثانيا‪ :‬مثال تطبيقي لتدبر القسم على مستوى القرآن‬


‫القسم بالقرآن في القرآن‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‪،‬‬
‫وصلى هللا على سيدنا محمد هادي البشرية‪ ،‬على مدى السنين واألزمان‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن القرآن الكريم أنزله هللا تعالى كتابا لصالح أمر الناس كافة رحمة لهم‬
‫اب تِ ْبيَانًا ِلك ُِل ش َْيءٍ َو ُهدًى‬ ‫علَ ْيكَ ا ْل ِكت َ َ‬‫لتبلغهم مراد هللا منهم قال تعالى‪َ { :‬ونَ َّز ْلنَا َ‬
‫س ِل ِمينَ } (‪ )89‬سورة النحل‪.‬‬ ‫َو َرحْ َمةً َوبُش َْرى ِل ْل ُم ْ‬
‫فكان تنزيله لهداية الناس إلى الطريق المستقيم‪ ،‬وأثنى هللا على كتابه في كونه‬
‫موصال لهذا الغرض مثل قوله تعالى‪ِ ( :‬إنَّ هَذَا ا ْلقُ ْرآنَ يَ ْهدِي ِللَّ ِتي ِه َي أ َ ْق َو ُم‬
‫ت أ َ َّن لَ ُه ْم أ َج ًْرا َكبِي ًرا (‪ )9‬اإلسراء‪.‬‬ ‫صا ِل َحا ِ‬ ‫َويُبَش ُِر ا ْل ُمؤْ ِمنِي َن الَّذِي َن يَ ْع َملُونَ ال َّ‬
‫ولما كان أسلوب القسم من أعلى أساليب التأكيد وكان عظمة المقسم به سبيال‬
‫للتوصل إلى تأكيد المقسم عليه كان مما ورد اإلقسام به في القرآن هو القرآن ذاته‬
‫وقد تكرر ذلك في مواضع متعددة وفي فواتح السور مما يجعله يكتسب أهمية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ولذلك يهدف البحث إلى دراسة عظيم قدر القرآن من خالل أسلوب القسم في‬
‫اآليات التي كان فيها القرآن مقسما به ويجدر الذكر أن القرآن وقع أيضا مقسما‬
‫عليه و وهذا لن تشمله هذه الدراسة المقسم عليه‪.‬‬
‫وسيكون منهج العرض ذكر مواضع القسم بدراسة موجزة لكل سورة‬
‫استقالال من حيث ورود القسم فيها ومناسبته لموضوع السورة‪ ،‬ثم عرض الفوائد‬
‫المستنبطة من عموم المواضع التي ورد فيها‪ .‬وقد كان القسم بالقرآن في خمس‬
‫سور هي‪( :‬يس‪ ,‬ص‪ ,‬الزخرف‪ ,‬الدخان‪ ,‬ق) وقد قسمت البحث إلى ستة مباحث‬
‫خمسة منها لكل سورة مبحثا‪ ،‬والسادس للفوائد والهدايات العامة من كل السور‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الأول‬
‫القسم في سورة يس‬
‫نزولها‪:‬‬
‫ان في قول‬ ‫ْ‬
‫ورةِ الفُ ْرقَ ِ‬ ‫ي َوقَ ْب َل سُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ورةِ ق ْل أ ِ‬ ‫سورة يس‪ :‬مكية‪ ،،‬نَزَ لَ ْ‬
‫وح َ‬ ‫ت بَ ْعدَ سُ َ‬
‫ابن عباس‪)1( .‬‬
‫موضوع سورة يس‪:‬‬
‫هذه السورة مكية فموضوعها جرى على عموم مواضيع السور المكية مما‬
‫يناسب دعوة مشركي مكة وتأصيل أمور االعتقاد وما يدعم هذا الموضوع‪،‬‬
‫ويمكن القول بأن الموضوع يتركز في آيتين من السورة وهو قوله‪:‬‬
‫س َوا ٌء عَلَ ْي ِه ْم أَأ َ ْنذَ ْرت َ ُه ْم أ َ ْم لَ ْم ت ُ ْنذ ِْرهُ ْم َال يُؤْ ِمنُو َن (‪ِ )10‬إنَّ َما ت ُ ْن ِذ ُر َم ِن اتَّب َ َع‬
‫( َو َ‬
‫ب فَبَش ِْر ُه ِب َم ْغ ِف َر ٍة َوأَجْ ٍر كَ ِر ٍيم (‪)11‬‬
‫ِي ال َّرحْ َمنَ بِالْغَ ْي ِ‬
‫الذك َْر َو َخش َ‬
‫ِ‬
‫حيث تركز في السورة موضوع الدعوة والنذارة لمشركي مكة وتثبيت النبي‬
‫في االستمرار في الدعوة من خالل قصة صاحب القريتين‪ ،‬وقد احتوت السورة‬
‫على أكثر الموضوعات التي وقع فيها اإلنكار والجدل في إمكانيتها وهو البعث‪.‬‬
‫ومناسبة القسم الذي هو مفتتح السورة للموضوع‪:‬‬
‫هو أن الجدل كل الجدل في تكذيبهم للنبي (‪ )‬بتكذيبهم بأنه مرسل من عند‬
‫هللا‪ ،‬ولو آمنوا به لوقع التصديق بكل ما جاء به لذلك ناسب أن تفتتح السورة بتأكيد‬
‫رسالته أنها من عند هللا وهو جواب القسم (إنك لمن المرسلين)‬
‫ثم جاء المقسم به بما يشهد للمقسم عليه باإلثبات وهو القرآن الكريم فأقسم هللا‬
‫(‪ )‬بالقرآن على رسالة محمد (‪ )‬معلال نزول القرآن وإرسال الرسول بحصول‬
‫غافِلُونَ )‪ ،‬ومما ورد في السورة مؤكدا‬ ‫النذارة ( ِلت ُ ْنذ َِر قَ ْو ًما َما أُنْذ َِر آبَا ُؤهُ ْم فَ ُه ْم َ‬
‫لهذا الموضوع‪ :‬ما ورد في آية (‪ )11‬التي كانت محور السورة في موضوعها‪.‬‬
‫تفسير آيات القسم‪:‬‬
‫آن الْ َح ِك ِيم (‪ِ )2‬إنَّكَ لَ ِمنَ الْ ُم ْر َ‬
‫س ِلينَ (‪ )3‬عَلى‬ ‫قال تعالى‪( :‬يس (‪َ )1‬وا ْلقُ ْر ِ‬
‫الر ِح ِيم (‪ِ )5‬لت ُ ْن ِذ َر ق َ ْوما ً َما أ ُ ْن ِذ َر آبا ُؤ ُه ْم فَ ُه ْم‬
‫ست َ ِق ٍيم (‪ )4‬ت َ ْن ِزي َل ا ْلعَ ِز ِيز َّ‬
‫ِصراطٍ ُم ْ‬
‫غافِلُونَ (‪)6‬‬
‫(يس)‬
‫السورة من السور المفتتحة بالحروف المقطعة‬

‫(‪ )1‬أخرجده ابددن الضددريس فدي‪ :‬فضددائل القددرآن ومددا أندزل مددن القددرآن بمكدة ومددا أنددزل بالمدينددة‬
‫(ص‪.)33 :‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫وهذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها‪ ،‬وفي الحكمة منها على أقوال‬
‫كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن لها معنى؛ واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه‪ :‬مثل قول‬
‫ابن عباس‪( ،‬يس) قال‪ :‬فإنه قسم أقسمه هللا‪ ،‬وهو من أسماء هللا وقال آخرون‪:‬‬
‫معناه‪ :‬يا رجل‪ .‬ومثل قول مجاهد‪( :‬يس) مفتاح كالم افتتح هللا به كالمه‪ .‬وقول‬
‫قتادة‪( ،‬يس)‪ :‬كل هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن‪ )1(.‬وعن ابن عباس‪" :‬‬
‫يس " يا إنسان يريد محمدا (‪ .)‬وروى عكرمة عنه‪" :‬يس"‪ :‬يا إنسان‬
‫بالحبشية‪)2(.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬هي حروف هجائية ليس لها معنى‪ .‬وينظر فيها إلى الحكمة من‬
‫مجيئها‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬لها معنى هللا أعلم به؛ فنجزم بأن لها معنى؛ ولكن هللا أعلم به؛‬
‫ألنهم يقولون‪ :‬إن القرآن ال يمكن أن ينزل إال بمعنى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القول الرابع‪ :‬التوقف‪ ،‬وأال نزيد على تالوتها؛ ونقول‪ :‬هللا أعلم‪ :‬ألها معنى‪،‬‬
‫أم ال؛ وإذا كان لها معنى فال ندري ما هو‪.‬‬
‫وأصح األقوال فيها – وهللا أعلم‪ -‬القول الثاني؛ وهو أنها حروف هجائية ليس‬
‫لها معنى على اإلطالق؛ وهذا مروي عن مجاهد؛ وحجة هذا القول‪ :‬أن القرآن‬
‫نزل بلغة العرب؛ وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية‪ ،‬مثل ما تقول‪:‬‬
‫أ ِلف؛ باء؛ تاء؛ ثاء؛ جيم؛ حاء‪ . . .‬؛ فهي كذلك حروف هجائية‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لذات هذه الحروف؛ أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين‬
‫لها معنى فإن الحكمة منها‪ :‬الداللة على ذلك المعنى‪ .‬مثل غيرها مما في القرآن‪.‬‬
‫وأما على قول من يقول‪" :‬ليس لها معنى"؛ أو‪" :‬لها معنى هللا أعلم به"؛ أو‪:‬‬
‫"يجب علينا أن نتوقف" فإن الحكمة عند هؤالء على أرجح األقوال‪ ،‬وهو الذي‬
‫اختاره ابن القيم‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬واختاره تلميذه الحافظ الذهبي‪ ،‬وأجمع‬
‫كثير من أهل العلم‪ :‬هو اإلشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم‪ ،‬وأن هذا القرآن لم‬
‫ت بكلمات‪ ،‬أو بحروف خارجة عن نطاق البشر؛ وإنما هو من الحروف التي ال‬ ‫يأ ِ‬
‫تعدو ما يتكلم به البشر؛ ومع ذلك فقد أعجزهم‪ . .‬؛ فالحكمة منها ظهور إعجاز‬
‫القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة؛ قالوا‪ :‬ويدل على ذلك أنه ما من سورة‬
‫افتتحت بهذه الحروف إال وللقرآن فيها ذكر؛ ومنها هذه السورة (يس) حيث وقع‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (‪.)490 /20‬‬


‫(‪ )2‬الهداية الى بلوغ النهاية (‪.)5999 /9‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫القسم بالقرآن‪ .‬ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء‬
‫الفصحاء‪)1(.‬‬
‫آن ْال َح ِك ِيم (‪ )2‬قوله‪{ :‬والقرآن}‪ :‬إ َّما قسم مستأنف‪ْ ،‬‬
‫إن لم يُجْ عَ ْل ما تقدَّم‬ ‫َو ْالقُ ْر ِ‬
‫سما به‪) (.‬‬
‫‪2‬‬
‫إن كانَ ُم ْق َ‬
‫طف على ما قبلَه ْ‬‫ع ْ‬ ‫سما‪ ،‬وإ َّما َ‬ ‫قَ َ‬
‫والقرآن( )‪ :‬الواو هنا حرف قسم‪ .‬أقسم هللا تعالى بالقرآن‪ ،‬ألن هلل تعالى أن‬ ‫‪3‬‬

‫يقسم بما شاء‪ ،‬وإقسامه هنا بالقرآن إقسام بكالمه‪ ،‬وكالم هللا تعالى من صفاته‪ ،‬وقد‬
‫ذكر أهل العلم ( ) أنه يجوز اإلقسام باهلل تعالى‪ ،‬أو بصفة من صفاته‪ ،‬وأما آياته‬
‫فال يُقسم بها إال إذا قصد اإلنسان باآليات كلماته‪ ،‬كالقرآن الكريم‪ ،‬والتوراة‪،‬‬
‫واإلنجيل‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وأما اآليات الكونية كالشمس والقمر فال يجوز لنا أن‬
‫نقسم بها‪)4(،‬‬

‫(‪ )1‬تفسير العثيمين‪ :‬الفاتحة والبقرة (‪.)22 /1‬‬


‫(‪ )2‬الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (‪.)245 /9‬‬
‫(‪ )3‬واختلف في أصدل اشدتقاقه‪ :‬وقدد لخدص السديوطي آراء العلمداء فدي ذلدك (اإلتقدان‪)181/1 :‬‬
‫غي ُْدر َم ْه ُمدوز‬ ‫ّللا فَ ُه َدو َ‬ ‫غي ُْدر ُم ْشدت َق خَداص بِك ََدال ِم َّ ِ‬ ‫علَم َ‬ ‫عة‪ :‬ه َُو ا ْس ُم َ‬ ‫ِف فِي ِه فَقَا َل َج َما َ‬ ‫فقال‪( :‬ا ْختُل َ‬
‫َ‬
‫ع ْندهُ أنَّدهُ َكدانَ‬ ‫غي ُْرهُ َما َ‬ ‫يب َو َ‬ ‫ي َوالخَطِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫شافِعِي ِ أ ْخ َر َج البَ ْي َه ِق ُّ‬ ‫َ‬ ‫ع ِن ال َّ‬ ‫َوبِ ِه قَ َرأ َ ا ْب ُن َكثِير َوه َُو َم ْر ِوي َ‬
‫ْس ِب َم ْه ُموز ولم يؤخذ مدن قدرأت َولَ ِكنَّدهُ‬ ‫َي ْهم ُِز قَ َرأْتَ َو َال َي ْهم ُِز ْالقُ ْرآنَ َو َيقُو ُل‪ْ :‬القُ َرانَ اسْم َولَي َ‬
‫ش ْي َء‬ ‫ي‪ :‬ه َُو ُم ْشت َق َم ْن قَ َر ْنتُ ال َّ‬ ‫اإل ْن ِجي ِل‪َ .‬وقَا َل قَ ْوم ِم ْن ُه ُم ْاأل ْشعَ ِر ُّ‬
‫َ‬ ‫ّللا مِثْ َل الت َّ ْو َراةِ َو ْ ِ‬ ‫ب َّ ِ‬ ‫اسْم ِل ِكت َا ِ‬
‫ت َو ْال ُح ُروفِ فِي ِه‪.‬‬ ‫ان الس َُّو ِر َو ْاآل َيا ِ‬ ‫ِر‬ ‫ق‬
‫ِ َ ُ َ ِِ ِ َ ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ِي‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫َر‬ ‫خ‬ ‫اآل‬ ‫ْ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ش ْيءِ ِإذَ َ َ ْ تَ َ َ َ ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ض‬ ‫ا‬ ‫ِبال َّ‬
‫ض َها بَ ْعضدا َويُشَدابِهُ بَ ْعضُد َها بَ ْعضدا‬ ‫ص ِد ُق بَ ْع ُ‬ ‫ت ِم ْنهُ يُ َ‬ ‫َوقَا َل ْالف ََّرا ُء‪ :‬ه َُو ُم ْشت َق مِنَ القَ َرائ ِِن أل َّن اآليَا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سد ْهو‬ ‫ج‪َ :‬هدذَا ْالقَد ْدو ُل َ‬ ‫الز َّجدا ُ‬ ‫صد ِليَّة‪َ .‬وقَددا َل َّ‬ ‫علَددى القددولين هددو ِبد َدال َه ْمددز أَيْضددا َونُونُدهُ أ َ ْ‬ ‫ِدي قَد َدرائِ ُن َو َ‬ ‫َوه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب التخفِيفِ َونَق ِل حركة الهمزة إِلى السَّاك ِِن قَ ْبل َها‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫والصحيح أن ترك الهمزة فِي ِه م ِْن بَا ِ‬
‫دان َو ْالغُ ْفد َدرا ِن‬ ‫َ ِ‬ ‫ح‬ ‫جْ‬ ‫َالر‬
‫ُّ‬ ‫ك‬ ‫تُ‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫در‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ْد‬‫ص‬ ‫م‬
‫ُّ َ َ‬ ‫دو‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫د‬‫ي‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫الل‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ُُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ِد‬‫م‬ ‫م‬ ‫دو‬‫ْ‬ ‫دف ْالقَدائِلُونَ ِبأَنَّدهُ َم ْه ُمدوز فَقَددا َل قَ‬ ‫َوا ْختَلَ َ‬
‫صدَ ِر‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ت َ ْس ِميَ ِة ال َمفعُو ِل بِال َم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َاب ال َمق ُرو ُء مِن بَا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِي بِ ِه ال ِكت ُ‬ ‫ْ‬ ‫سُم َ‬
‫دع َومِ ْندهُ قَ َدرأْتُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫علَى فُ ْع َالن ُم ْشدت َق مِدنَ ْالقَ ْدرءِ ِب َم ْعنَدى ْ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫ْف‬ ‫ص‬ ‫و‬‫َ َ‬ ‫ُو‬ ‫ه‬ ‫‪:‬‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫َّا‬
‫ج‬ ‫َّ‬
‫الز‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ونَ‬ ‫َر‬
‫ُ‬ ‫خ‬ ‫آ‬ ‫َوقَا َل‬
‫ضد َها إِلدى بَ ْعدض‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِي بِذلِكَ ألندهُ َج َمد َع الس َُّدو ِر بَ ْع َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي َج َم ْعتهُ‪ .‬قا َل أبُو عُبَ ْيدَة َ‪َ :‬وسُم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْال َما َء فِي ال َح ْو ِ‬
‫ْ‬
‫ي قُ ْرآنا ِلك َْونِ ِه َج ْمدع‬ ‫ِب‪َ :‬ال يُقَا ُل ِلكُ ِل َج ْمع قُ ْرآن َو َال ِل َج ْم ِع ك َِل َك َالم قُ ْرآن قَا َل َوإِنَّ َما سُ ِم َ‬ ‫الراغ ُ‬ ‫َوقَا َل َّ‬
‫ب قَ ْدوال‪ِ :‬إنَّدهُ ِإنَّ َمدا‬ ‫ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َى‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ََ َ َ َ ُ ِ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫أل‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ِي‬ ‫ق‬
‫ِ ِ ُ ِ َ َ‬‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َّ‬
‫َز‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫َّا‬‫س‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ث َ َم َراتُ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫سدال قَدط أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت النَّاقَدة َ‬ ‫َ‬
‫ب‪َ :‬مدا قَ َدرأ ِ‬ ‫ْ‬
‫ئ يُظ ِه ُرهُ َويُبَيِنُهُ م ِْن فِي ِه أ ْخذا م ِْن قَ ْو ِل العَ َدر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ار َ‬ ‫ْ‬
‫ِي قُ ْرآنا أل َّن القَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سُم َ‬
‫دن فِيد ِه َوي ُْلقِيد ِه‬ ‫ئ= =مِ د ْ‬ ‫ط َو ْالقُد ْرآ ُن يلفظدده ْالقَدا ِر ُ‬ ‫دت قَد ُّ‬ ‫ي َمددا َح َملَ ْ‬ ‫ت َولَددا أ َْ‬ ‫ط ْ‬‫ي َمدا أ َ ْسدقَ َ‬ ‫دت ِب َولَددد أ َْ‬ ‫َمدا َر َم ْ‬
‫ي‪.‬‬ ‫شافِ ِع ُّ‬ ‫علَ ْي ِه ال َّ‬ ‫َص َ‬ ‫َار ِع ْندِي فِي َه ِذ ِه ْال َم ْسأَلَ ِة َما ن َّ‬ ‫ِي قُ ْرآنا‪.‬قال السيوطي‪َ :‬و ْال ُم ْخت ُ‬ ‫فَسُم َ‬
‫فالشافعي يرى أن القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت‪ ،‬ولدو أخدذ مدن قدرأت‪ ،‬كدان كدل‬
‫ما قرئ قرآنا‪ ،‬ولكنه اسم للقرآن‪ ،‬مثل التوراة واإلنجيل‪ .‬تاريخ بغداد(‪.)401/2‬‬
‫(‪ )4‬تفسير العثيمين‪ :‬الحجرات ‪ -‬الحديد (ص‪.)72 :‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫والقرآن‪ :‬هو كتاب هللا (‪ )‬المنزل على خاتم أنبيائه محمد (‪ )‬بلفظه ومعناه‪،‬‬
‫المنقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين المكتوب في المصاحف من أول سورة‬
‫«الفاتحة» إلى آخر سورة «الناس»‪)1(.‬‬
‫(الحكيم)‬
‫َح َك َم أصله‪ :‬منع منعا إلصالح‪ ،‬ومنه سميت اللجام‪َ :‬حك َمة الدابة‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫َ‬
‫حكمته و َح َك ْمتُ الدابة‪ :‬منعتها بالحكمة‪ ،‬وأَحْ َك ْمت ُ َها‪ :‬جعلت لها حكمة‪ ،‬وكذلك‪:‬‬
‫والح ْك َمةُ‪ :‬إصابة الحق بالعلم والعقل‪ ،‬فالحكمة من هللا‬ ‫ِ‬ ‫حكمت السفيه وأحكمته‪،‬‬
‫تعالى‪ :‬معرفة األشياء وإيجادها على غاية اإلحكام‪ ،‬ومن اإلنسان‪ :‬معرفة‬
‫الموجودات وفعل الخيرات‪)2(.‬‬
‫ووصف القرآن بأنه حكيم ذكر النسفي أنه يجوز أن يكون ذا حكمة أو ألنه‬
‫دليل ناطق بالحكمة أو ألنه كالم حكيم فوصف بصفة المتكلم به(‪)3‬‬
‫ولما كان من معاني الحكمة‪ :‬وضع كل شيء موضعه‪ ،‬فإن من مستتبعات‬
‫وصف القرآن بأنه حكيم‪ :‬وضع األمر والنهي في الموضع الالئق بهما‪ ،‬ووضع‬
‫الجزاء بالخير والشر في محلهما الالئق بهما‪ ،‬فأحكامه الشرعية والجزائية كلها‬
‫مشتملة على غاية الحكمة‪ .‬ومن حكمة هذا القرآن‪ ،‬أنه يجمع بين ذكر الحكم‬
‫وحكمته‪ ،‬فينبه العقول على المناسبات واألوصاف المقتضية لترتيب الحكم‬
‫عليها‪)4(.‬‬
‫وذكر السيوطي أن من أسماء القرآن الحكمة كما في قوله‪َ [ :‬ولَقَ ْد َجا َءهُ ْم ِم َن‬
‫اء َما فِي ِه ُم ْز َد َج ٌر (‪ِ )4‬ح ْك َمةٌ بَا ِلغَةٌ فَ َما تُغْ ِن الن ُّذُ ُر (‪( ])5‬القمر) فقال‪َ :‬وأ َ َّما‬ ‫ْاأل َ ْنبَ ِ‬
‫يء فِي َم َح ِل ِه أ َ ْو ْألَنَّهُ‬ ‫ش ْ‬‫ْع كُ ِل َ‬ ‫ون ال ُم ْعتَبَ ِر ِم ْن َوض ِ‬
‫علَى ْالقَانُ ِ ْ‬ ‫ْال ِح ْك َمةُ‪ ،‬فَ ْألَنَّه ُ نَزَ َل َ‬
‫ِيع ْال َم َعانِي‬ ‫ْ‬
‫ب النَّظ ِم َو َبد ِ‬ ‫علَى ْال ِح ْك َم ِة‪َ .‬وأ َ َّما ْال َح ِكي ُم‪ ،‬فَ ْألَنَّه ُ أُحْ ِك َم ْ‬
‫ت آ َياتُهُ ِبعَ ِجي ِ‬ ‫ُم ْشت َِمل َ‬
‫ف َوالت َّ َباي ُِن‪) (.‬‬
‫‪5‬‬
‫يف َو ِاال ْختِ َال ِ‬‫حْر ِ‬ ‫ق الت َّ ْبدِي ِل َوالت َّ ِ‬
‫ط ُّر ِ‬ ‫ع ْن ت َ َ‬
‫ت َ‬ ‫َوأُحْ ِك َم ْ‬
‫{ ِإنَّكَ لَ ِمنَ المرسلين} جواب للقسم‬
‫شهادة ُ‬ ‫سال) وهذه ال َّ‬ ‫حقه (‪( )‬لستَ ُمر َ‬ ‫لرد إنكار ال َكفَرةِ بقو ِلهم في ِ‬ ‫والجملةُ ِ‬
‫منه (‪ )‬من جملة ما أُشير إليه بقوله تعالى في جوابهم (قُ ْل كفى باهلل ش َِهيدا ً‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التعريفات (ص‪ ،)174 :‬المدخل لدراسة القرآن الكريم (ص‪.)8 :‬‬
‫(‪ )2‬المفردات في غريب القرآن (ص‪.)248 :‬‬
‫(‪ )3‬تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (‪.)95 /3‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪.)692 :‬‬
‫(‪ )5‬اإلتقان في علوم القرآن (‪.)183 /1‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫اّلل ش َِهيدًا‬ ‫س ًل قُ ْل َكفَى بِ َّ ِ‬ ‫بَ ْي ِني َوبَ ْينَ ُك ْم) من قوله‪َ ( :‬ويَقُو ُل الَّذِي َن َكفَ ُروا لَ ْ‬
‫ستَ ُم ْر َ‬
‫ب (‪()43‬الرعد)‪ ،‬ولذلك جاء ت َأ ْ ِكيد ُ َهذَا ْال َخ َب ِر‬ ‫بَ ْينِي َوبَ ْينَكُ ْم َو َم ْن ِعنْ َدهُ ِع ْل ُم ا ْل ِكتَا ِ‬
‫يض بِ ْال ُم ْش ِركِينَ‬ ‫ار َك ْونِ ِه ُم َرادا بِ ِه الت َّ ْع ِر َ‬ ‫اء بِا ْعتِبَ ِ‬ ‫ف التَّأ ْ ِكي ِد َو َال ِم ِاال ْبتِدَ ِ‬ ‫س ِم َو َح ْر ِ‬ ‫بِ ْالقَ َ‬
‫سالَ ِة فَ ُه َو ت َأ ْ ِنيس ِللنَّ ِبي (‪َ )‬وت َ ْع ِريض ِب ْال ُم ْش ِركِينَ ‪)1(.‬‬ ‫الَّذِينَ َكذَّبُوا ِب ِ‬
‫الر َ‬
‫وفي مجيء (من) هنا لبيان أنه من جملة المرسلين‪ ،‬فليس ببدع من الرسل‪،‬‬
‫وأيضا جاء بما جاء به الرسل من أصول الشرائع‪.‬‬
‫يم}‪ :‬خبر آخ َُر لـ (إ َّن) أخبر بأعظم أوصاف‬ ‫ست َ ِق ٍ‬‫قوله تعالى‪{ :‬على صراط ُّم ْ‬
‫على‬ ‫يم} و َ‬ ‫ست َ ِق ٍ‬
‫على ِص َراطٍ ُم ْ‬ ‫َ‬ ‫الرسول (‪ ،)‬الدالة على رسالته‪ ،‬وهو أنه { َ‬
‫َ‬
‫ب إِفادَة ك ْونِ ِه‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع ِن ال ُمخَاط ِ‬ ‫ْ‬ ‫ار بِ ِه َ‬ ‫اإل ْخبَ ِ‬ ‫ض مِنَ ْ ِ‬ ‫ْس ْالغ ََر ُ‬ ‫ِل ِال ْستِ ْع َال ِء ويفيد التمكن‪َ ،‬ولَي َ‬
‫سلِينَ ‪.‬‬ ‫ار ِم ْن َك ْو ِن ِه أ َ َحد َ ْال ُم ْر َ‬ ‫صولُهُ مِنَ ْاأل َ ْخ َب ِ‬ ‫ص َراط ُم ْست َ ِقيم ِأل َ َّن ذَلِكَ َم ْعلُوم ُح ُ‬ ‫علَى ِ‬ ‫َ‬
‫س َال ُم َوبَيْنَ َحا ِل دِينِ ِه‬ ‫ص َالة ُ َوال َّ‬ ‫علَ ْي ِه ال َّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫الر‬
‫َّ‬ ‫ل‬ ‫َ ِ‬‫ا‬‫ح‬ ‫ْنَ‬‫ي‬‫ب‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ْ‬
‫َ َ َ ُ‬‫ج‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ض‬ ‫َر‬ ‫غ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬‫‪َ ،‬‬
‫ض ْمنِيًا‪ .‬فأفاد بمجموع ذلك‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ص َراط ُم ْست َ ِقيم ِعلما ُم ْست َ ِقال َال ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِليَكُونَ ال ِعل ُم ِبأ َّن دِينَه ُ ِ‬
‫ي‬ ‫نكير التَّفخيم ُّ‬ ‫رائع وأعدلُها كما يُعرب عنه الت َّ ُ‬ ‫وصف شريعته (‪ )‬بأنها أقوم ال َّش ِ‬
‫والوصف إثر بيان أنه (‪ )‬من جملة المرسلين‪ ،‬وهذا الصراط موصل إلى هللا‬ ‫ُ‬
‫وإلى دار كرامته‪ ،‬وذلك الصراط المستقيم‪ ،‬مشتمل على أعمال‪ ،‬وهي األعمال‬
‫الصالحة‪ ،‬المصلحة للقلب والبدن‪ ،‬والدنيا واآلخرة‪ ،‬واألخالق الفاضلة‪ ،‬المزكية‬
‫للنفس‪ ،‬المطهرة للقلب‪ ،‬المنمية لألجر‪ ،‬فهذا الصراط المستقيم‪ ،‬الذي هو وصف‬
‫الرسول (‪ ،)‬ووصف دينه الذي جاء به(‪.)2‬‬
‫نزي َل العزيز الرحيم} نصب على المدح‪ ،‬فهو مصدر بمعنى المفعو ِل عبَّر به‬ ‫{ت َ ِ‬
‫منزال من عن ِد هللا (‪ )‬إظهارا لفخامتِه‬ ‫عن القرآنُ بيانا لكمال عراقتِه في كونِه َّ‬
‫بيان فخامتِه الذَّاتيَّ ِة بوصفه بالحكمة‪,‬‬ ‫اإلضافي ِة بعدَ ِ‬
‫علَ ْي ِه‬ ‫الر ِح ِيم ِأل َ َّن َما ا ْشت َ َم َل َ‬ ‫يز َّ‬ ‫صفَت َي ِ ْال َع ِز ِ‬ ‫ان ِ‬ ‫ّللا ِبعُ ْن َو ِ‬‫يف الت َّ ْن ِزي ُل ِإلَى َّ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َوأ ُ ِ‬
‫علَى‬ ‫اس َ‬ ‫ّللا ت َ َعالَى‪َ ،‬وه َُو َما فِي ِه ِم ْن َح ْم ِل النَّ ِ‬ ‫ار ِع َّز ِة َّ ِ‬ ‫ْالقُ ْرآنُ َال َي ْعد ُو أ َ ْن َيكُونَ ِم ْن آث َ ِ‬
‫اإل ْنذَ ِار‬ ‫ض ْعف َم َع َما ِفي ِه ِمنَ ْ ِ‬ ‫صانَ َعة َو َال َ‬ ‫ق ْال ُهدَى د ُونَ ُم َ‬ ‫ط ِري ِ‬ ‫وك َ‬ ‫سلُ ِ‬ ‫ق َو ُ‬ ‫ْال َح ِ‬
‫الرحم ِة‬ ‫بأن تنزيلَه ناشيء عن غاي ِة َّ‬ ‫ان‪ .‬وإشعار َّ‬ ‫ان َو ْالكُ ْف َر ِ‬‫ص َي ِ‬ ‫علَى ْال ِع ْ‬ ‫َو ْال َو ِعي ِد َ‬
‫ار‬ ‫حسب ما ورد في قولُه تعالى‪َ ( :‬و َما أرسلناك إِالَّ َر ْح َمةً للعالمين) و ِم ْن آث َ ِ‬
‫اظ ِرينَ ‪،‬‬ ‫ق ِللنَّ ِ‬ ‫ف ْال َحقَائِ ِ‬ ‫ب ْالبَ ِعي ِد َو َك ْش ِ‬ ‫ب ْاأل َ ِدلَّ ِة َوت َ ْق ِري ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫آن ِم ْن نَ ْ‬ ‫َرحْ َمتِ ِه َما فِي ْالقُ ْر ِ‬

‫و‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير أبي السدعود = إرشداد العقدل السدليم إلدى مزايدا الكتداب الكدريم (‪،)158 /7‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)345 /22‬‬
‫(‪ )2‬انظددر‪ :‬تفسددير أبددي السددعود = إرشدداد العقددل السددليم إلددى مزايددا الكتدداب الكددريم (‪،)158 /7‬‬
‫وتفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪ ، )692 :‬والتحرير والتنوير (‪.)347 /22‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ّللا ت َ َعا َلى‪َ ،‬وذَلِكَ ه َُو َما َو َردَ بَيَانُهُ‬ ‫ِين يَكُونُونَ ِع ْند َ َم ْر َ‬
‫ضاةِ َّ ِ‬ ‫َم َع َما فِي ِه مِنَ ْال ِبش َ‬
‫َارةِ ِللَّذ ِ‬
‫َب ْعد ُ ِإجْ َماال ِم ْن قَ ْو ِل ِه‪ِ [ :‬لت ُ ْنذ َِر قَ ْوما ً َما أُنْذ َِر آبا ُؤ ُه ْم فَ ُه ْم غا ِفلُونَ ] [يس‪ ]6 :‬ث ُ َّم‬
‫ق ا ْلقَ ْو ُل عَلى أ َ ْكث َ ِر ِه ْم] [يس‪َ ]7 :‬وبِقَ ْو ِل ِه‪[ :‬إِنَّما ت ُ ْن ِذ ُر َم ِن‬ ‫صيال بِقَ ْو ِل ِه‪[ :‬لَقَ ْد َح َّ‬‫ت َ ْف ِ‬
‫يم] [يس‪:‬‬ ‫ب فَبَش ِْرهُ ِب َم ْغ ِف َر ٍة َوأَجْ ٍر ك َِر ٍ‬ ‫ِي ال َّرحْ منَ ِبالْغَ ْي ِ‬ ‫الذك َْر َو َخش َ‬ ‫اتَّبَ َع ِ‬
‫‪)1(.]11‬‬
‫{ ِلت ُ ْنذ َِر قَ ْو ًما َما أُنْذ َِر آبَا ُؤهُ ْم فَ ُه ْم غَا ِفلُونَ } فلما أقسم تعالى على رسالته‬
‫وأقام األدلة عليها‪ ،‬ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال‪ِ { :‬لت ُ ْنذ َِر‪. . .‬‬
‫} وهم العرب األميون‪ ،‬الذين لم يزالوا خالين من الكتب‪ ،‬عادمين الرسل‪ ،‬قد‬
‫عمتهم الجهالة‪ ،‬وغمرتهم الضاللة‪ ،‬فأرسل هللا إليهم رسوال من أنفسهم‪ ،‬يزكيهم‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين‪ ،‬فينذر العرب‬
‫األميين‪ ،‬ومن لحق بهم من كل أمي‪ ،‬ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب‪،‬‬
‫فنعمة هللا به على العرب خصوصا‪ ،‬وعلى غيرهم عموما‪)2(.‬‬
‫ولعل ما ورد في هذه اآلية من دالالت هي من مرتكزات السورة ومقاصدها‬
‫وهو النذارة كما أشرنا سابقا‪.‬‬
‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‪:‬‬
‫ال يخفى ما بين المقسم به‪ ،‬وهو القرآن الحكيم‪ ،‬وبين المقسم عليه‪ ،‬وهو‬
‫رسالة الرسول محمد (‪ ،)‬من االتصال‪ ،‬وأنه لو لم يكن لرسالته دليل وال شاهد‬
‫إال هذا القرآن الحكيم‪ ،‬لكفى به دليال وشاهدا على رسالة محمد (‪ ،)‬بل القرآن‬
‫العظيم أقوى األدلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول‪ ،‬فأدلة القرآن كلها أدلة‬
‫لرسالة محمد (‪ ،)‬فتأمل جاللة هذا القرآن الكريم‪ ،‬كيف جمع بين القسم بأشرف‬
‫األقسام‪ ،‬على أجل مقسم عليه‪ ،‬وخبر هللا وحده كاف‪ ،‬ولكنه تعالى أقام من األدلة‬
‫الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما أقسم عليه‪ ،‬من‬
‫رسالة رسوله‪)3(.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير أبي السعود (‪ ،)158 /7‬والتحرير والتنوير (‪.)347 /22‬‬
‫(‪ )2‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪.)692 :‬‬
‫(‪ )3‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪.)692 :‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الثاني‬
‫القسم في سورة (ص)‬
‫اق (‪})2‬‬ ‫شقَ ٍ‬ ‫الذك ِْر (‪ )1‬بَ ِل ال َّ ِذينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّز ٍة َو ِ‬ ‫آن ذِي ِ‬ ‫{ص َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫[ص‪]3 - 1 :‬‬
‫نزولها‪:‬‬
‫هذه السورة مكية بإجماع من المفسرين‪) (.‬‬
‫‪1‬‬

‫اف‪ ،‬كما في قول البن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫ورةِ األع َْر ِ‬ ‫عةُ َوقَ ْب َل سُ َ‬ ‫سا َ‬
‫ت ال َّ‬ ‫ورةِ ا ْقت ََر َب ِ‬ ‫ت بَ ْعدَ سُ َ‬ ‫نَزَ لَ ْ‬
‫عباس‪)2(.‬‬
‫موضوع سورة ص‪:‬‬
‫يكثر في هذه السورة ذكر الخصومات ولعل هذا من أوجه المناسبة بين‬
‫افتتاحها ب (ص) وموضوعها كما في قول ابن القيم حيث قال‪( :‬وتأمل السور‬
‫التي اشتملت على الحروف المفردة كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف‬
‫فمن ذلك ما اشتملت عليه سورة (ص) من الخصومات المتعددة فأولها خصومة‬
‫الكفار مع النبي (‪ )‬أجعل اآللهة إلها واحد إلى أخر كالمهم ثم اختصام الخصمين‬
‫عند داود ثم تخاصم أهل النار ثم اختصم المأل األعلى في العلم وهو الدرجات‬
‫والكفارات ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود آلدم ثم‬
‫خصامة ثانيا في شأن بنيه حلفه ليغوينهم أجمعين إال أهل اإلخالص منهم فليتأمل‬
‫اللبيب الفطن هل يليق بهذه السورة غير (ص) وسورة (ق) غير حرفها وهذه‬
‫قطرة من بحر من بعض أسرار هذه الحروف وهللا أعلم)‪)3(.‬‬
‫مناسبة القسم لموضوع السورة‪:‬‬
‫ت‬ ‫أما عن مناسبة القسم بموضوع السورة فيقول ابن عاشور‪َ ( :‬وقَدْ َجا َء ْ‬
‫ب ِب ِه‬ ‫آن الَّذِي َكذَّ َ‬ ‫س ِم ِب ْالقُ ْر ِ‬
‫َت ِب ْالقَ َ‬‫اض َها ِإ ِذ ا ْبت ُ ِدئ ْ‬‫يع أ َ ْغ َر ِ‬ ‫فَا ِت َحت ُ َها ُمنَا ِس َبة ِل َج ِم ِ‬
‫علَ ْي ِه أ َ َّن الَّذِينَ َكفَ ُروا ِفي ِع َّزة َو ِشقَاق َوكُ ُّل َما ذ ُ ِك َر ِفي َها‬ ‫س ُم َ‬ ‫ْال ُم ْش ِركُونَ ‪َ ،‬و َجا َء ْال ُم ْق َ‬
‫ضدُّ‬ ‫س َببُهُ ِ‬ ‫از ِه ْم َو ِشقَاقُ ُه ْم‪َ ،‬و ِم ْن أَحْ َوا ِل ْال ُمؤْ ِمنِينَ َ‬ ‫س َببُهُ ا ْع ِتزَ ُ‬ ‫ِم ْن أَحْ َوا ِل ْال ُم َك ِذ ِبينَ َ‬

‫(‪ )1‬تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (‪.)491 /4‬‬
‫(‪ )2‬أخرجده ابددن الضددريس فدي‪ :‬فضددائل القددرآن ومددا أندزل مددن القددرآن بمكدة ومددا أنددزل بالمدينددة‬
‫(ص‪.)33 :‬‬
‫(‪ )3‬بدائع الفوائد (‪.)174 /3‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫َت فَاتِ َحت ُ َها ُم ْست َ ْك ِملَة‬‫ق ِإلَى َما بَ ْعدَهُ فَ َكان ْ‬ ‫س ِم مِنَ الت َّ ْش ِوي ِ‬ ‫َاح ِب ْالقَ َ‬
‫ذَلِكَ ‪َ ،‬م َع َما فِي ِاال ْفتِت ِ‬
‫ص حسن ِاال ْبتِدَاء)‪) (.‬‬
‫‪1‬‬
‫صائِ َ‬ ‫َخ َ‬
‫تفسير آيات القسم‪:‬‬
‫اق (‪})2‬‬ ‫شقَ ٍ‬ ‫الذك ِْر (‪ )1‬بَ ِل ال َّ ِذينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّز ٍة َو ِ‬ ‫آن ذِي ِ‬ ‫{ص َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫[ص‪.]3 - 1 :‬‬
‫(ص)‪ :‬من الحروف المقطعة‪ ،‬وسبق ذكر مذاهب العلماء في الحروف‬
‫المقطعة في تفسير سورة (يس)‪.‬‬
‫ويضاف هنا أقوال العلماء فيمن يرى أن لها معنى غير ما ذكر سابقا‪:‬‬
‫صا ِد"‪ ،‬بكسر‬ ‫ما ورد في قراءة أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق‪َ " :‬‬
‫الدال‪ .‬قال أبو الفتح‪ :‬المأثور عن الحسن أنه إنما كان يكسر الدال من "صاد" ألنه‬
‫عنده أمر من المصاداة‪ ،‬أي‪ :‬عارض عملك بالقرآن‪)2(.‬‬
‫علَى جاللة قدره‪ ،‬فإن فيه بيان كل شي‪،‬‬ ‫س َم ِب ْالقُ ْر ِ‬
‫آن ت َ ْن ِبيها َ‬ ‫الذ ْك ِر)‪ :‬أ َ ْق َ‬ ‫آن ذِي ِ‬ ‫( َو ْالقُ ْر ِ‬
‫ُور‪َ ،‬و ُم ْع ِجزَ ة ِللنَّ ِبي ِ (‪.)‬‬ ‫صد ِ‬ ‫َو ِشفَاء ِل َما فِي ال ُّ‬
‫الذ ْك ِر)‪ :‬يحتمل معنيين‪:‬‬ ‫(ذِي ِ‬
‫ْنُ‬
‫س ِعيد ُ ب ُجبَيْر َوإِ ْس َما ِعي ُل‬ ‫عبَّاس‪َ ،‬و َ‬ ‫ْنُ‬ ‫َ‬
‫الذك ِر) ذي الشرف‪ ،‬قا َل اب َ‬ ‫ْ‬ ‫األول‪( :‬ذِي ِ‬
‫الذك ِر} ذِي‬ ‫ْ‬ ‫ي {ذِي ِ‬ ‫س ِد ُّ‬
‫صا ِلح َوال ُّ‬ ‫َ‬
‫صيْن َوأبُو َ‬ ‫بْنُ أَبِي خَا ِلد‪َ ،‬وابْنُ عُيَ ْينَة َوأبُو ُح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شأ ْ ِن َو ْال َم َكانَ ِة‪ )3(.‬وقال الضحاك‪ :‬ذي الشرف‪ ،‬دليله قوله (‪:)‬‬ ‫ي‪ :‬ذِي ال َّ‬ ‫ف أَ ْ‬‫ش َر ِ‬ ‫ال َّ‬
‫ي َم ْن آ َمنَ ِب ِه َكانَ‬ ‫ف‪ ) ( .)44-‬قال القرطبي‪ :‬أ َ ْ‬ ‫‪4‬‬ ‫( َو ِإنَّهُ لَ ِذ ْك ٌر لَكَ َو ِلقَ ْو ِمكَ ) ( ُّ‬
‫الز ْخ ُر ِ‬
‫َّاري ِْن‪َ ،‬ك َما قَا َل تَعَالَى‪ " :‬لَقَ ْد أ َ ْن َز ْلنا إِلَ ْي ُك ْم ِكتابا ً فِي ِه ِذ ْك ُر ُك ْم"‬ ‫ش ََرفا لَهُ فِي الد َ‬
‫ي ش ََرفُكُ ْم‪ )5(.‬وهذا مفهوم قول الضحاك حيث قال ك (ذي الذكر)‬ ‫[األنبياء‪ ]10 :‬أ َ ْ‬
‫قال‪ :‬فيه ذكركم‪ ،‬قال‪ :‬ونظيرتها‪( :‬لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم)‪)6(.‬‬
‫وبهذا يكون مفهوم هذا الوصف من حيث داللته على الشرف أمرين‪:‬‬
‫علَى ما ال يشتمل عليه غَيره‪.‬‬ ‫‪ -‬أن القرآن شريف في ذاته ِ ِإل ْع َجازه َوا ْشتِ َماله َ‬

‫(‪ )1‬وهددذا فددي روايددة ابددن عبدداس التددي أخرجهددا ابددن الضددريس فددي فضددائل القددرآن (ص‪)33 :‬‬
‫وانظر التحرير والتنوير (‪.)203 /23‬‬
‫(‪ )2‬المحتسددب فددي تبيددين وجددوه شددواذ القددراءات واإليضدداح عنهددا (‪ )230 /2‬وروايددة الحسددن‬
‫أخرجها الطبري (‪.)137 /21‬‬
‫(‪ )3‬والروايات أخرجها الطبري (‪ ،)137 /21‬وانظر تفسير ابن كثير ت سالمة (‪)51 /7‬‬
‫(‪ )4‬تفسددير الثعلبددي = الكشددف والبيددان عددن تفسددير القددرآن (‪ )176 /8‬وانظددر‪ :‬تفسددير البغددوي ‪-‬‬
‫طيبة (‪.)67 /7‬‬
‫(‪ )5‬تفسير القرطبي (‪.)143 /15‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (‪.)140 /21‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫‪ -‬وهو شرف لمن آمن به وعمل بمقتضاه‪.‬‬


‫القول الثاني‪( :‬ذي الذكر‪ :‬ذي التذكير‪ ،‬ذ َّكرك ُم هللا به‪ ).‬وقيل‪ :‬ذي ذكر هللا‬
‫(‪.)‬‬
‫َار ابْنُ َج ِرير الثاني فقال‪( :‬وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال‪:‬‬ ‫اخت َ‬ ‫َو ْ‬
‫معناه‪ :‬ذي التذكير لكم‪ ،‬ألن هللا أتبع ذلك قوله (بل الذين كفروا في عزة وشقاق)‬
‫فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرا لعباده ذكرهم به‪ ،‬وأن‬
‫الكفار من اإليمان به في عزة وشقاق)‪)1(.‬‬
‫ع َلى‬ ‫(و َال ُمنَافَاةَ بَيْنَ ْالقَ ْو َلي ِْن‪ ،‬فَإِنَّهُ ِكت َاب ش َِريف ُم ْشت َِمل َ‬ ‫وقال ابن كثير‪َ :‬‬
‫ي ِفي ِه ِذ ْك ُر َما يُحْ ت َا ُج ِإلَ ْي ِه ِم ْن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫"‬ ‫ر‬‫ِ ِ‬‫ْ‬
‫ك‬ ‫الذ‬ ‫ِي‬ ‫ذ‬ ‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ي‬
‫َ ِ َ‬‫ق‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫‪2‬‬
‫(‬ ‫)‬‫ار‬ ‫اإل ْعذَ ِار َو ْ ِ‬
‫اإل ْنذَ ِ‬ ‫ير َو ْ ِ‬ ‫التَّذْ ِك ِ‬
‫ي ِذي‬ ‫ّللا َوت َْم ِجيدُهُ‪َ .‬و ِقي َل‪ :‬أ َ ْ‬ ‫اء َّ ِ‬ ‫ي ِفي ِه ِذ ْك ُر أ َ ْس َم ِ‬ ‫الذ ْك ِر" أ َ ْ‬
‫ِين‪َ .‬و ِقي َل‪ " :‬ذِي ِ‬ ‫أ َ ْم ِر الد ِ‬
‫الذ ْك ِر‪) ().‬‬
‫‪3‬‬
‫ظ ِة َو ِ‬ ‫ْال َم ْو ِع َ‬
‫آن لَ ِذ ْكرا ِل َم ْن‬ ‫ي‪ِ :‬إ َّن فِي َهذَا ْالقُ ْر ِ‬ ‫َوقَ ْولُهُ‪َ { :‬ب ِل الَّذِينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّزة َو ِشقَاق} أ َ ْ‬
‫يَتَذَ َّك ُر‪َ ،‬و ِعب َْرة ِل َم ْن يَ ْعتَبِ ُر‪َ .‬وإِنَّ َما لَ ْم يَ ْنت َ ِف ْع بِ ِه ْال َكافِ ُرونَ ِألَنَّ ُه ْم {فِي ِع َّزة} أ َي ِ‪:‬‬
‫ارقَة‪ .‬و(بل) في قوله‪:‬‬ ‫ي‪ُ :‬مخَالَفَة لَهُ َو ُمعَانَدَة َو ُمفَ َ‬ ‫ع ْنهُ َو َح ِميَّة { َو ِشقَاق} أ َ ْ‬ ‫ا ْستِ ْكبَار َ‬
‫ريب فيه قطعا وليس عد ُم إذعان‬ ‫َ‬ ‫{ َب ِل الذين َكفَ ُرواْ} إضراب عن ذلك كأنَّه قيل ال‬
‫ال َكفَر ِة له لشائب ِة ريب ما فيه بل هم في استكبار وحميَّة شديدة وشقاق بعيد هلل‬
‫تعالى ولرسو ِله ولذلك ال يذعنون له(‪)4‬‬
‫وجواب القسم اختلف فيه على أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الجواب ظاهر ثم اختلفوا في تحديده على أقوال منها‪:‬‬
‫‪( -‬بَ ِل الَّ ِذينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّز ٍة) قال قتادة‪( :‬بَ ِل الَّ ِذينَ َكفَ ُروا فِي ِع َّز ٍة) ها هنا‬
‫َارهُ ابْنُ َج ِرير (‪)5‬‬ ‫اخت َ‬ ‫وقع القسم‪َ .‬و ْ‬
‫ب} ‪.‬‬ ‫ق ِعقَا ِ‬ ‫س َل ف َ َح َّ‬ ‫الر ُ‬ ‫ب ُّ‬ ‫‪ -‬ه َُو قَ ْولُهُ‪{ :‬إِ ْن كُل إِال كَذَّ َ‬
‫ص ُم أ َ ْه ِل النَّ ِار} و َح َكى الثاني والثالث ابْنُ َج ِرير‬ ‫‪ -‬قَ ْولُهُ‪{ :‬إِنَّ ذ َ ِلكَ لَ َحق ت َ َخا ُ‬
‫وقال عن الثالث‪ :‬فِي ِه بُ ْعد َكبِير‪.‬‬
‫صدْق َحق‬ ‫ض أ َ ْه ِل ال ِعل ِم أنه ُ قا َل‪َ :‬ج َوابُهُ "ص" بِ َم ْعنَى‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ع ْن بَ ْع ِ‬ ‫‪َ -‬ح َكى ابْنُ َج ِرير َ‬
‫الذ ْك ِر‪.‬‬‫آن ذِي ِ‬ ‫َو ْالقُ ْر ِ‬
‫الثاني‪ :‬أن الجواب محذوف وحذفه أفخم له ألن النفس تذهب فيه كل مذهب‬
‫ور ِة ِب َك َما ِل َها‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫اق ال ُّ‬ ‫ض َّمنَهُ ِس َي ُ‬‫فمنهم من قال‪َ :‬ج َوابُهُ َما ت َ َ‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (‪.)140 /21‬‬


‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير ت سالمة (‪.)51 /7‬‬
‫(‪ )3‬تفسير القرطبي (‪.)143 /15‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير ت سالمة (‪ ،)51 /7‬و تفسير أبي السعود (‪.)213 /7‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (‪.)140 /21‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫وقيل‪ :‬تقدير الجواب المحذوف منه‪ :‬لقد جاء الحق‪ .‬وقيل‪ :‬تقديره‪ :‬ما األمر‬
‫كما قالوا‪)1(.‬‬
‫قال ابن القيم في مسألة متى يحذف جواب القسم‪ . . .( :‬إذا كان في المقسم به‬
‫الذك ِْر} فإن في‬ ‫ما يدل على المقسم عليه فمن هذا قوله تعالى‪{ :‬ص َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫آن ذِي ِ‬
‫المقسم به من تعظيم القرآن ووصفه بأنه ذي الذكر المتضمن لتذكير العباد ما‬
‫يحتاجون إليه وللشرف والقدر ما يدل على المقسم عليه وكونه حقا من عند هللا‬
‫غير مفترى كما يقوله الكافرون وهذا معنى قول كثير من المفسرين متقدميهم‬
‫ومتأخريهم إن الجواب محذوف تقديره إن القرآن لحق وهذا مطرد في كل ما‬
‫شأنه ذلك)(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الماوردي = النكت والعيون (‪ )76 /5‬و تفسير ابن كثير ت سالمة (‪.)51 /7‬‬
‫(‪ )2‬التبيان في أقسام القرآن (ص‪.)10 :‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الثالث‬
‫القسم في سورة الزحرف‬
‫َان‪)1(.‬‬ ‫ورةِ الدُّخ ِ‬ ‫ت َوقَ ْب َل سُ َ‬ ‫صلَ ْ‬ ‫ورةِ فُ ِ‬ ‫ت بَ ْعدَ سُ َ‬ ‫وهي مكية بإجماعهم‪ ،‬نَزَ لَ ْ‬
‫وهذه السورة من السور التي أطلق العلماء عليها (آل حم) أو الحواميم‪.‬‬
‫َ‬
‫يم‪َ ،‬ويَقُو ُل‪ :‬آ ُل حم‪ .‬قَا َل أبُو‬ ‫ام َ‬ ‫يرينَ ‪ ،‬أَنَّهُ َكانَ يَ ْك َرهُ أ َ ْن يَقُو َل ْال َح َو ِ‬ ‫ع ِن اب ِْن ِس ِ‬ ‫و َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضفت َ ُه ْم ِإل ْي ِه‪) (.‬‬
‫‪2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عُبَيْد‪ :‬آ ُل حم َك َما تَقو ُل‪َ :‬هؤ َُال ِء آ ُل ف َالن‪َ ،‬كأنَّكَ أ َ‬
‫وقد جاء فيها عن السلف ما يدل على فضلها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫آن َك َمث َ ِل َر ُجل ا ْنطلَقَ َي ْرتَاد ُ ِأل ْه ِل ِه َم ْن ِزال فَ َم َّر‬ ‫ّللا قَالَ ‪ِ :‬إ َّن َمث َ َل ْالقُ ْر ِ‬ ‫ع ْب ِد َّ ِ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َ‬
‫ضات دَ ِمثَات‪ ،‬فَقَالَ ‪:‬‬ ‫علَى َر ْو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب ِم ْنهُ ِإذ َهبَط َ‬ ‫ِير فِي ِه َويَت َ َع َّج ُ‬‫غيْث فَبَ ْين ََما ه َُو يَس ُ‬ ‫ِبأَث َ ِر َ‬
‫ث ْاأل َ َّو ِل‬‫ب‪ ،‬فَ ِقي َل لَهُ ِإ َّن َمث َ َل ْالغَ ْي ِ‬ ‫ب ِم ْنهُ َوأ َ ْع َج ُ‬ ‫ث ْاأل َ َّو ِل فَ َهذَا أ َ ْع َج ُ‬ ‫ع ِجبْتُ ِمنَ ْالغَ ْي ِ‬ ‫َ‬
‫آن‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ال حم فِي القُ ْر ِ‬ ‫ت َمث َ ُل ْ‬ ‫ت الد َِّمثَا ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫الر ْو َ‬ ‫آن َو ِإ َّن َمث َ َل َهؤ َُال ِء َّ‬ ‫ْ‬
‫ظ ِم القُ ْر ِ‬ ‫َمث َ ُل ِع َ‬
‫امي ُم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫آن ال َح َو ِ‬ ‫ْ‬
‫اب القُ ْر ِ‬ ‫ُ‬
‫يء ل َباب َول َب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ش ْ‬‫عبَّاس قَا َل‪ِ :‬لكُ ِل َ‬ ‫ع ْن اب ِْن َ‬ ‫و َ‬
‫آن»‬ ‫ْ‬
‫ّللا‪« :‬آ ُل حم دِيبَا ُج القُ ْر ِ‬ ‫قَا َل َ‬
‫ع ْبد ُ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضات دَ ِمثَات أتَأنَّ ُق‬ ‫َوقَا َل ابْنُ َم ْسعُود‪ِ :‬إذَا َوقَ ْعتُ فِي آ ِل حم َوقَ ْعتُ فِي َر ْو َ‬
‫س َّميْنَ العرائس‪)3(.‬‬ ‫يم‪ :‬كُ َّن آ َل حم يُ َ‬ ‫س ْعد ُ بْنُ ِإب َْرا ِه َ‬ ‫فِي ِه َّن‪َ .‬وقَا َل َ‬

‫موضوع سور آل حم‪:‬‬


‫يبين الموضوع ما ورد عن مسروق حيث قال (أن آل حم‪ ،‬إنما نزلت بمكة‪،‬‬
‫وإنما كانت محاجة رسول هللا (‪ )‬قومه)(‪)4‬‬
‫ثم نالحظ أن كل سورة تركز فيه جانبا من جوانب الدعوة بحيث يشكل‬
‫مقصدا فرعيا للمقصد الرئيسي من سور آل حم‪.‬‬
‫موضوع سورة الزخرف‪:‬‬
‫تشترك سورة الزخرف في موضوعها مع سور آل حم من حيث الدعوة إلى‬
‫هللا وتركز في الزخرف الحديث عن أثر زخرف الحياة في الصد عن اتباع‬

‫(‪ )1‬فضائل القدرآن ومدا أندزل مدن القدرآن بمكدة ومدا أندزل بالمديندة (ص‪ .)33 :‬زاد المسدير فدي‬
‫علم التفسير (‪.)72 /4‬‬
‫(‪ )2‬فضائل القرآن للقاسم بن سالم (ص‪.)256 :‬‬
‫(‪ )3‬الروايات أخرجها أبو عبيد في فضدائل القدرآن (ص‪ )255 :‬و البغدوي ‪ -‬إحيداء التدراث (‪/4‬‬
‫‪.)103‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبري = جامع البيان ت شاكر (‪.)103 /22‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫الرسل‪ ،‬ولذا نجد كثير من مصطلحات الزحرف في السورة وخاصة اسم السورة‬
‫(الزحرف) ومن اآليات الدالة على هذا المقصد‪:‬‬
‫ِير إِ َّال قَا َل ُمتْ َرفُوهَا إِنَّا‬
‫س ْلنَا ِم ْن قَ ْب ِلكَ فِي قَ ْريَ ٍة ِم ْن نَذ ٍ‬‫{ َو َكذَ ِلكَ َما أ َ ْر َ‬
‫علَى آث َ ِار ِه ْم ُم ْقتَدُو َن (‪[ })23‬الزخرف‪]23 :‬‬ ‫علَى أ ُ َّم ٍة َوإِنَّا َ‬
‫َو َج ْدنَا آبَا َءنَا َ‬
‫{بَ ْل َمت َّ ْعتُ َهؤ َُال ِء َوآبَا َء ُه ْم} [الزخرف‪]29 :‬‬
‫ففي دعوة النبي (‪ )‬يذكر تطلعاتهم لزخرف الحياة من النبي المرسل وأثره‬
‫علَى َر ُج ٍل ِمنَ‬ ‫على صدهم عن قبول الدعوة‪َ { :‬وقَالُوا لَ ْو َال نُ ِز َل هَذَا ا ْلقُ ْرآنُ َ‬
‫س ُمونَ َرحْ َمتَ َر ِبكَ نَحْ نُ قَ َ‬
‫س ْمنَا بَ ْينَ ُه ْم َم ِعي َ‬
‫شت َ ُه ْم‬ ‫ا ْلقَ ْريَت َ ْي ِن ع َِظ ٍيم (‪ )31‬أ َ ُه ْم يَ ْق ِ‬
‫ض ُه ْم بَ ْعضًا‬ ‫ت ِليَت َّ ِخذ َ بَ ْع ُ‬‫ض د ََر َجا ٍ‬ ‫ض ُه ْم فَ ْو َ‬
‫ق ب َ ْع ٍ‬ ‫ِفي ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو َرفَ ْعنَا ب َ ْع َ‬
‫اس أ ُ َّمةً‬‫س ْخ ِريًّا َو َر ْح َمتُ َربِكَ َخ ْي ٌر ِم َّما يَ ْج َمعُو َن (‪َ )32‬ولَ ْو َال أ َ ْن يَكُو َن النَّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ض ٍة َو َمعَ ِار َج عَلَ ْي َها‬ ‫سقُفًا ِم ْن فِ َّ‬ ‫الرحْ َم ِن ِلبُيُوتِ ِه ْم ُ‬ ‫اح َدةً ل َ َجعَ ْلنَا ِل َم ْن يَ ْكفُ ُر بِ َّ‬ ‫َو ِ‬
‫س ُر ًرا عَلَ ْي َها يَت َّ ِكئ ُونَ (‪َ )34‬و ُز ْخ ُرفًا َو ِإ ْن‬ ‫يَ ْظ َه ُرونَ (‪َ { )33‬و ِلبُيُو ِت ِه ْم أ َ ْب َوابًا َو ُ‬
‫ع ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو ْاْل ِخ َرة ُ ِع ْن َد َربِكَ ِل ْل ُمت َّ ِقينَ (‪})35‬‬‫ُك ُّل ذ َ ِلكَ لَ َّما َمتَا ُ‬
‫وفي قصة موسى مع فرعون يذكر الزخرف وأثره على الصد عن‬
‫االستجابة‪َ { :‬ونَادَى فِ ْرع َْو ُن فِي قَ ْو ِم ِه قَا َل يَا قَ ْو ِم أ َلَيْ َ‬
‫س ِلي ُم ْلكُ ِمص َْر َو َه ِذ ِه‬
‫جْري ِم ْن ت َ ْح ِتي أَف َ َل ت ُ ْب ِص ُرو َن (‪ )51‬أ َ ْم أَنَا َخ ْي ٌر ِم ْن هَذَا الَّذِي ُه َو‬ ‫ْاأل َ ْن َها ُر ت َ ِ‬
‫ب أ َ ْو َجا َء َمعَهُ‬ ‫س ِو َرة ٌ ِم ْن ذَهَ ٍ‬‫َم ِهينٌ َو َال يَكَا ُد يُبِينُ (‪ )52‬فَلَ ْو َال أ ُ ْل ِق َي عَلَ ْي ِه أ َ ْ‬
‫ا ْل َم َلئِكَةُ ُم ْقت َ ِرنِينَ (‪})53‬‬
‫وفي نعيم الجنة يذكر الزخرف فهو محله وليس الحياة الدنيا‪{ :‬ا ْد ُخلُوا ا ْل َجنَّة َ‬
‫ب َوأَك َْوا ٍ‬
‫ب‬ ‫اف عَلَ ْي ِه ْم بِ ِصحَافٍ ِم ْن ذ َ َه ٍ‬ ‫ط ُ‬ ‫أ َ ْنت ُ ْم َوأ َ ْز َوا ُج ُك ْم تُحْ بَ ُرونَ (‪ )70‬ي ُ َ‬
‫س َوتَلَذُّ ْاأل َ ْعيُنُ َوأ َ ْنت ُ ْم فِي َها َخا ِلدُونَ (‪َ )71‬وتِلْكَ ا ْل َجنَّةُ‬ ‫شت َ ِهي ِه ْاأل َ ْنف ُ ُ‬
‫َوفِي َها َما ت َ ْ‬
‫ْ‬
‫يرةٌ ِم ْن َها تَأ ُكلُونَ‬ ‫ٌ‬
‫ورثْت ُ ُمو َها ِب َما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ (‪ )72‬ل َ ُك ْم فِي َها فَا ِك َهة َكثِ َ‬ ‫الَّتِي أ ُ ِ‬
‫(‪})73‬‬
‫وقد احتوت السورة على حوالي (‪ )20‬كلمة من مصطلحات الزخرف مثل‪:‬‬
‫الحلية‪ -‬مترفوها‪ -‬متعت‪ -‬فضة‪ -‬ذهب‪ -‬زحرفا‪ -‬ملك مصر‪ -‬أسورة‪ -‬مسرفين‪-‬‬
‫صحاف من ذهب‪-‬األزواج‪-‬البنين‪-‬بيوتهم‪ -‬سررا‪ -‬تشتهيه األنفس‪ -‬تلذ األعين‪-‬‬
‫يخوضوا‪ -‬يلعبوا)‬
‫مناسبة القسم لموضوع السورة‪:‬‬
‫لما كانت سور آل حم ومنها الزحرف مقصدها دعوة النبي (‪ )‬وكان من‬
‫معوقات استجابتهم له تعززهم بمكانتهم وإسرافهم بين في مطلع السورة شرفهم‬
‫بتنزل ا لقرآن عليهم لشرفه وعلوه بعد أن أقسم به على هذا الشرف فقال‪َ ( :‬و ِإنَّهُ‬

‫‪- 37 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫ص ْف ًحا أ َ ْن ُك ْنت ُ ْم قَ ْو ًما‬ ‫ع ْنكُ ُم ِ‬


‫الذك َْر َ‬ ‫ب َ‬ ‫ب ل َ َد ْينَا لَعَ ِلي َح ِكي ٌم * أَفَنَ ْ‬
‫ض ِر ُ‬ ‫ِفي أ ُ ِم ا ْل ِكتَا ِ‬
‫س ِرفِينَ ) ثم تاله جملة من حجج القرآن في دعوتهم‪.‬‬ ‫ُم ْ‬
‫التفسير الموجز ْليات القسم‪:‬‬
‫ين * ِإنَّا َجع َ ْلنَاهُ قُ ْرآنًا ع ََر ِبيًّا لَعَل َّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ * َو ِإنَّه ُ‬
‫ب ا ْل ُم ِب ِ‬
‫(حم * َوالْ ِكتَا ِ‬
‫ص ْف ًحا أ َ ْن ُك ْنت ُ ْم قَ ْو ًما‬
‫الذك َْر َ‬‫ع ْنكُ ُم ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ب ل َ َد ْينَا لَعَ ِلي َح ِكي ٌم * أَفَنَ ْ‬
‫ض ِر ُ‬ ‫ِفي أ ُ ِم ا ْل ِكتَا ِ‬
‫س ِرفِينَ }‪.‬‬ ‫ُم ْ‬
‫حم‪ :‬تقدم ال حديث عن تفسير الحروف المقطعة في القرآن في تفسير(يس)‬
‫ين)‪ :‬هذا قسم بالقرآن‪ ،‬وسماه هنا (الكتاب)‬ ‫ب ْال ُمبِ ِ‬‫( َو ْال ِكت َا ِ‬
‫وأصل الكتب في اللغة كما في قول الراغب‪ :‬ضم أديم إلى أديم بالخياطة‪،‬‬
‫يقال‪َ :‬كتَبْتُ السقاء‪ ،‬و َكتَبْتُ البغلة‪ :‬جمعت بين شفريها بحلقة‪ ،‬وفي التعارف ضم‬
‫الحروف بعضها إلى بعض بالخط‪ ،‬وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض‬
‫باللفظ‪ ،‬فاألصل في ْال ِكت َابَ ِة‪ :‬النظم بالخط لكن يستعار كل واحد لآلخر‪ ،‬ولهذا‬
‫سمي كالم هللا‪ -‬وإن لم يُ ْكتَبْ ‪ِ -‬كتَابا كقوله‪ ):‬ذلِكَ ْال ِك ُ‬
‫تاب [البقرة]‪ ،‬وقوله‪[ :‬قا َل‬
‫تاب] [مريم‪ .]30 /‬وال ِكتاب في األصل مصدر‪ ،‬ثم سمي‬ ‫َّللاِ آتا ِن َي ا ْل ِك َ‬
‫ع ْب ُد َّ‬
‫ِإ ِني َ‬
‫َاب في األصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه‪ ،‬وفي‬ ‫المكتوب فيه كتابا‪ْ ،‬‬
‫وال ِكت ُ‬
‫ماء[النساء‪]153 /‬‬ ‫س ِ‬ ‫ب أ َ ْن تُنَ ِز َل عَلَ ْي ِه ْم ِكتابا ً ِم َن ال َّ‬‫سئَلُكَ أ َ ْه ُل الْ ِكتا ِ‬ ‫قوله‪[ :‬يَ ْ‬
‫فإنه يعني صحيفة فيها ِكتَابَةٌ‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬ولَ ْو نَ َّز ْلنا َ‬
‫علَ ْيكَ ِكتابا ً فِي‬
‫طاس] اآلية [األنعام‪)1( .]7 /‬‬
‫ِق ْر ٍ‬
‫ص‬ ‫ص ِ‬ ‫وم َو ْال ِق َ‬‫ع ْالعُلُ ِ‬‫وسمي القرآن بالكتاب كما في قول السيوطي‪ِ ( :‬ل َج ْم ِع ِه أ َ ْن َوا َ‬
‫علَى أ َ ْبلَ ِغ َوجْ ه‪)2().‬‬ ‫ار َ‬ ‫َو ْاأل َ ْخبَ ِ‬
‫ّللا أ َ ْنزَ لَهُ‬
‫ار أ َ َّن َّ َ‬
‫آن ِبا ْعتِبَ ِ‬ ‫علَى ْالقُ ْر ِ‬ ‫ب َ‬‫ط َال ُق اس ِْم ْال ِكت َا ِ‬ ‫وقال ابن عاشور‪َ ( :‬وإِ ْ‬
‫ورونَ بِ ِكت َابَتِ ِه َوإِ ْن َكانَ نُ ُزولُهُ على الرسول (‪ )‬لَ ْفظا َ‬
‫غي َْر‬ ‫َب َوأ َ َّن ْاأل ُ َّمةَ َمأ ْ ُم ُ‬ ‫ِليُ ْكت َ‬
‫ف‪)3().‬‬ ‫اح ِ‬ ‫ص ِ‬‫َب فِي ْال َم َ‬ ‫سيُ ْكت ُ‬‫َارة ِإلَى أَنَّهُ َ‬
‫َم ْكتُوب‪َ .‬وفِي َهذَا ِإش َ‬
‫البي ِن لمن أُنزلَ عليهم لكونِه بلغتِهم‬ ‫(المبين)‪ :‬وصف القرآن بأنه (المبين) أي ِ‬
‫ق الضالل ِة الموضح لكل ما‬ ‫ق ال ُهدى من طري ِ‬ ‫المبين لطري ِ‬ ‫ِ‬ ‫على أسالي ِبهم أو‬ ‫و َ‬
‫ب الديان ِة‪ .‬قال السعدي‪( :‬فأقسم بالكتاب المبين وأطلق‪ ،‬ولم‬ ‫يُحتاج إلي ِه في أبوا ِ‬

‫(‪ )1‬المفردات في غريب القرآن (ص‪.)699 :‬‬


‫(‪ )2‬اإلتقان في علوم القرآن (‪.)178 /1‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير (‪.)160 /25‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫يذكر المتعلق‪ ،‬ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين‬
‫واآلخرة‪.)1().‬‬
‫(إِنَّا َجعَ ْلنَاهُ قُ ْرآنًا ع ََربِيًّا لَعَل َّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ )‪ :‬جواب القسم أو المقسم عليه {إِنَّا‬
‫ي‪ :‬أ َ ْنزَ ْلنَاهُ(‪)2‬‬ ‫َجعَ ْلنَاهُ} أ َ ْ‬
‫َضي أَنَّهُ َمحْ فُوظ فِي‬ ‫ور ِكت َاب فَيَ ْقت ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫{قُ ْرآنا} ْال َم ْعنَى‪ :‬أَنَّهُ َم ْق ُروء د ُونَ ُح ُ‬
‫صا ِلح ِأل َ ْن‬ ‫ار بِأَنَّهُ َم ْق ُروء ِأل َ َّن كُ َّل ِكت َاب َ‬ ‫َت فَائِدَة ِل ْ ِ‬
‫ْل ْخبَ ِ‬ ‫ُور َولَ ْو َال ذَلِكَ لَ َما َكان ْ‬ ‫صد ِ‬ ‫ال ُّ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ب َمق ُروءا‪ ،‬أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب بِأنهُ ق ْرآن ُمبَالغَة فِي ك ْو ِن َهذا ال ِكتا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ع ِن ال ِكت َا ِ‬ ‫ار َ‬ ‫ْ‬
‫اإلخبَ ُ‬ ‫ْ‬
‫يُ ْق َرأ‪َ .‬و ِ‬ ‫ُ‬
‫لذك ِْر] [ ْالقَ َمر‪َ ]17 :‬وقَ ْو ِل ِه‪ِ [ :‬إنَّ‬ ‫س ْرنَا ا ْلقُ ْرآ َن ِل ِ‬ ‫ُميَ َّسرا ِأل َ ْن يُ ْق َرأ ُ ِلقَ ْو ِل ِه‪َ [ :‬ولَقَ ْد يَ َّ‬
‫الذ ْك َر َو ِإنَّا لَهُ‬ ‫علَ ْينا َج ْمعَهُ َوقُ ْرآنَهُ] [ ْال ِق َيا َمة‪َ .]17 :‬وقَ ْو ِل ِه‪ِ [ :‬إنَّا نَحْ نُ نَ َّز ْلنَا ِ‬ ‫َ‬
‫َاب ْال ُمن ََّز َل على ُم َح َّمد (‪)‬‬ ‫ف أ َ َّن ْال ِكت َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ص َل ِب َهذَا ْال َو ْ‬ ‫ظونَ ] [ ْالحجر‪ .]9 :‬فَ َح َ‬ ‫لَحا ِف ُ‬
‫ص بِ ِه‬ ‫اخت ُ َّ‬‫علَى أ َ ْل ِسنَ ِة ا ْأل ُ َّم ِة‪َ .‬و َهذَا ِم َّما ْ‬ ‫صفَي ِْن‪َ :‬ك ْونِ ِه ِكت َابا‪َ ،‬و َك ْونِ ِه َم ْق ُروءا َ‬ ‫امع ِل َو ْ‬ ‫َج ِ‬
‫َ‬
‫اإلسْال ِم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫َاب ِ‬ ‫ِكت ُ‬
‫عل ْي ِه‬ ‫َ‬ ‫َت َ‬ ‫ُ‬
‫على َما ك ِون ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ع َربِيًا تَك ِوينُهُ َ‬ ‫ُ‬
‫(عربيا)‪ :‬نسبة للعرب َو َم ْعنَى َج ْع ِل ِه ق ْرآنا َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب ِألن َها أش َر ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َاب ق ْرآنا ِبلغَ ِة العَ َر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّللا بِ َبا ِه ِر ِح ْك َمتِ ِه َجعَ َل َهذَا ْال ِكت َ‬ ‫ب‪َ ،‬وأ َ َّن َّ َ‬ ‫لُغَةُ ْالعَ َر ِ‬
‫عدِي ِد ْال َمعَانِي‪َ ،‬وأ َ ْنزَ لَهُ بَيْنَ أ َ ْه ِل تِ ْلكَ اللُّغَ ِة ِألَنَّ ُه ْم أ َ ْف َه ُم‬ ‫علَى َ‬ ‫سعُ َها دَ َاللَة َ‬ ‫ت َوأ َ ْو َ‬ ‫اللُّغَا ِ‬
‫سائِ ُل الد ََّاللَ ِة َو ْالفَ ْه ِم‬ ‫ظاه ََر َو َ‬ ‫طفَى َرسُولَهُ ِم ْن أ َ ْه ِل تِ ْلكَ اللُّغَ ِة ِلتَت َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ِلدَقَائِ ِق َها‪َ ،‬و ِلذَلِكَ ا ْ‬
‫ّللا إِلَى ْاأل ُ َم ِم‪)3(.‬‬ ‫فَيَكُونُوا ْال ُمبَ ِلغِينَ ُم َرادَ َّ ِ‬
‫ع َر ِبي ُم ِبين}‬ ‫سان َ‬ ‫ي‪ :‬ت َ ْف َه ُمونَهُ َوتَتَدَب َُّرونَهُ‪َ ،‬ك َما قَا َل‪ِ { :‬ب ِل َ‬ ‫{لَعَل َّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ } أ َ ْ‬
‫اء‪.]195 :‬‬ ‫ش َع َر ِ‬ ‫[ال ُّ‬
‫أل‬ ‫ب ل َ َد ْينَا لَعَ ِلي َح ِكيمٌ} َبيَّنَ ش ََرفَهُ ِفي ْال َم َ ِ‬ ‫َوقَ ْولُهُ ت َ َعالَى‪َ { :‬و ِإنَّهُ ِفي أ ُ ِم ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ض‪ ،‬فَقَا َل تَعَالَى‪َ { :‬وإِنَّهُ} أَي ِ‪ْ :‬القُ ْرآنَ‬ ‫ْاأل َ ْعلَى‪ِ ،‬ليُش َِرفَهُ َويُعَ ِظ َمهُ َوي ُِطيعَهُ أ َ ْه ُل ْاأل َ ْر ِ‬
‫عبَّاس‪َ ،‬و ُم َجا ِهد‪{ ،‬لَ َد ْينَا} أ َ ْ‬ ‫ح ْال َمحْ فُ ِ‬ ‫{فِي أ ُ ِم ا ْل ِكتَا ِ َ‬
‫ي‪:‬‬ ‫وظ‪ ،‬قَالَهُ ا ْب ُن َ‬ ‫ب} أي ِ‪ :‬اللَّ ْو ِ‬
‫ع ِظي َمة َوش ََرف َوفَضْل‪ ،‬قَالَهُ قَت َادَة ُ‬ ‫ي‪ :‬ذُو َم َكانَة َ‬ ‫غي ُْرهُ‪{ ،‬لَعَ ِلي} أ َ ْ‬ ‫ِع ْندَنَا‪ ،‬قَالَهُ قَت َادَة ُ َو َ‬
‫ي‪ُ :‬محْ َكم بَ ِريء ِمنَ اللَّب ِْس َو َّ‬
‫الزي ِْغ‪.‬‬ ‫{ َح ِكي ٌم} أ َ ْ‬
‫ب‬ ‫ض ِل ِه‪َ ،‬ك َما قَالَ ‪{ :‬إِنَّهُ لَقُ ْرآنٌ ك َِري ٌم‪ .‬فِي ِكتَا ٍ‬ ‫علَى ش ََرفِ ِه َوفَ ْ‬ ‫َو َهذَا كُلُّهُ ت َ ْن ِبيه َ‬
‫ب ا ْلعَالَ ِمينَ } [ ْال َواقِ َع ِة‪- 77 :‬‬ ‫ط َّه ُرونَ ‪ .‬تَنزي ٌل ِم ْن َر ِ‬ ‫سهُ ِإال ا ْل ُم َ‬ ‫ون‪َ .‬ال يَ َم ُّ‬ ‫َم ْكنُ ٍ‬
‫ع ٍة‬ ‫صحُفٍ ُمك ََّر َم ٍة‪َ .‬م ْرفُو َ‬ ‫‪َ ]80‬وقَالَ ‪{ :‬كَل إِنَّ َها ت َ ْذ ِك َرة ٌ‪ .‬فَ َم ْن شَا َء ذَك ََرهُ‪ .‬فِي ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الرازي (‪ ،)616 /27‬تفسير أبي السعود (‪ ،)39 /8‬تفسير السدعدي = تيسدير‬
‫الكريم الرحمن (ص‪.)762 :‬‬
‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير ت سالمة (‪.)218 /7‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير (‪.)160 /25‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫ط ْالعُلَ َما ُء‪،‬‬ ‫س‪ ]16- 11 :‬؛ َو ِل َهذَا ا ْست َ ْن َب َ‬ ‫ع َب َ‬ ‫سفَ َر ٍة‪ِ .‬ك َر ٍام بَ َر َر ٍة} [ َ‬ ‫ط َّه َر ٍة‪ِ .‬بأ َ ْيدِي َ‬ ‫ُم َ‬
‫ِيث ِإ ْن‬ ‫ف‪َ ،‬ك َما َو َردَ ِب ِه ْال َحد ُ‬ ‫ص َح َ‬ ‫س ْال ُم ْ‬ ‫ِث َال َي َم ُّ‬ ‫( )‪ِ ،‬م ْن هَاتَي ِْن ْاآل َيتَي ِْن‪ :‬أ َ َّن ال ُمحد َ‬
‫آن فِي ْال َم َ ِ‬
‫أل‬ ‫علَى ْالقُ ْر ِ‬ ‫ف ْال ُم ْشت َِملَةَ َ‬ ‫اح َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ص َّح؛ ِأل َ َّن (‪ْ )4‬ال َم َالئِ َكةَ يُعَ ِظ ُمونَ ْال َم َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫عل ْي ِه ْم‪َ ،‬و ِخطابُهُ ُمت ََو ِجه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫حْرى‪ِ ،‬ألنهُ نَزَ َل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض بِذلِكَ أ ْولى َوأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْاأل ْعلى‪ ،‬فأه ُل األ ْر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإل ْك َر ِام َوالت َّ ْع ِظ ِيم‪َ ،‬و ِاال ْن ِقيَا ِد لَهُ بِ ْالقَبُو ِل َوالت َّ ْس ِل ِيم‪ِ ،‬لقَ ْو ِل ِه‪:‬‬‫إِلَ ْي ِه ْم‪ ،‬فَ ُه ْم أ َ َح ُّق أ َ ْن يُقَابِلُوهُ بِ ْ ِ‬
‫ب لَدَ ْينَا لَعَ ِلي َح ِكيم}( )‬
‫‪1‬‬
‫{ َوإِنَّهُ فِي أ ُ ِم ْال ِكت َا ِ‬
‫ص ْفحا أ َ ْن كُ ْنت ُ ْم قَ ْوما ُمس ِْرفِينَ (‪:)5‬‬ ‫الذ ْك َر َ‬ ‫ع ْنكُ ُم ِ‬ ‫ب َ‬ ‫(أَفَنَض ِْر ُ‬
‫أي أنهملكم ونصرف عنكم الذكر إلسرافكم‪ .‬وإنما كانت الحاجة إلى الذكر‬
‫لْلسراف‪ ،‬إذ لو كانوا على السيرة العادلة والطريقة الوسطى لما احتيج إلى‬
‫التذكير‪ .‬بل التذكير يجب عند اإلفراط والتفريط‪ .‬ولهذا بعث األنبياء في زمان‬
‫الفترة‪.)2(.‬‬
‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‪:‬‬
‫س ِم بِ ِه هو نفسه المقسم عليه‪ ،‬فلما أقسم‬ ‫المناسبة هنا ظاهرة حيث َج ْع ِل ْال ُم ْق َ‬
‫ّللا َجعَلَهُ قرآنا عربيا‪ ،‬ففيه‬ ‫س ِم أ َ َّن َّ َ‬ ‫ب ْالقَ َ‬ ‫ف َك ْونِ ِه ُمبِينا‪َ ،‬ج ْع ِل َج َوا ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب ْالقُ ْرآنَ بِ َو ْ‬
‫آن‪ ،‬قال السمين‪( :‬وهذا عندهم من البالغ ِة‪ :‬وهو كونُ القَ َ‬
‫س ِم‬ ‫ت َ ْن ِويه خَاص بِ ْالقُ ْر ِ‬
‫ع ِزيز بديع ِألَنَّهُ‬ ‫ض ْرب َ‬ ‫س ِم عليه ِم ْن واد واحد)(‪ )3‬قال ابن عاشور‪َ ( :‬و َهذَا َ‬ ‫وال ُم ْق َ‬
‫علَى‬ ‫ف فَإِذَا أ َ َرادَ ْال ُم ْق ِس ُم أ َ ْن يُ ْقس َِم َ‬ ‫ش َر ِ‬ ‫علَى شَأْنِ ِه بَلَ َغ غَايَةَ ال َّ‬ ‫س َم َ‬ ‫يومىء ِإلَى أ َ َّن ْال ُم ْق َ‬
‫س ِم‬‫س ِم َو ْال ُم ْق َ‬ ‫ب بَيْنَ ْالقَ َ‬ ‫س ِم بِ ِه ِللتَّنَاسُ ِ‬ ‫ت ش ََرف لَهُ لَ ْم يَ ِجدْ َما ه َُو أ َ ْولَى بِ ْالقَ َ‬ ‫ثُبُو ِ‬
‫علَ ْي ِه)‪)4(.‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير ت سالمة (‪.)218 /7‬‬


‫(‪ )2‬تفسير القاسمي = محاسن التأويل (‪.)379 /8‬‬
‫(‪ )3‬الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (‪.)571 /9‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير (‪.)159 /25‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫المبحث الرابع‬
‫القسم في سورة الدخان‬
‫ين (‪ِ )2‬إنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَيْلَ ٍة ُمبَ َ‬
‫ار َك ٍة ِإنَّا ُكنَّا ُمنْذ ِِري َن‬ ‫ب ا ْل ُم ِب ِ‬
‫حم (‪َ )1‬وا ْل ِكتَا ِ‬
‫س ِلينَ (‪)5‬‬ ‫ق ُك ُّل أ َ ْم ٍر َح ِك ٍيم (‪ )4‬أ َ ْم ًرا ِم ْن ِعنْ ِدنَا ِإنَّا ُكنَّا ُم ْر ِ‬ ‫(‪ِ )3‬في َها يُ ْف َر ُ‬
‫ض َو َما‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬‫اوا ِ‬ ‫س َم َ‬ ‫ب ال َّ‬ ‫س ِمي ُع ا ْلعَ ِلي ُم (‪َ )6‬ر ِ‬ ‫َرحْ َمةً ِم ْن َربِكَ إِنَّهُ ُه َو ال َّ‬
‫ب آبَائِكُ ُم‬‫بَ ْينَ ُه َما إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُموقِنِي َن (‪َ )7‬ال إِلَهَ إِ َّال ُه َو يُحْ ِيي َويُ ِميتُ َربُّكُ ْم َو َر ُّ‬
‫ْاأل َ َّو ِلي َن (‪)8‬‬
‫نزولها‪:‬‬
‫ور ِة‬ ‫س‬ ‫ل‬
‫ُ ِ َ َ ُ َ‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫الز‬ ‫ة‬ ‫ور‬ ‫س‬
‫ََْ ُ َ ِ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َزَ‬ ‫ن‬ ‫‪،‬‬ ‫آية‬ ‫خمسون‬ ‫و‬ ‫تسع‬ ‫وهي‬ ‫مكية‬
‫ْال َجاثِيَ ِة‪) (.‬‬
‫‪1‬‬

‫موضوع سورة الدخان‪:‬‬


‫تشترك سورة الدخان في موضوعها مع سور آل حم في عموم دعوة النبي‬
‫(‪ )‬ثم تركز في سورة الدخان جانب النذارة التي هي من مهام النبوة‪،‬وقد تبين‬
‫ار َك ٍة ِإنَّا ُكنَّا‬ ‫ذلك من جواب القسم في السورة في قوله‪ِ ( :‬إنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُمب َ َ‬
‫ُم ْنذ ِِرينَ (‪ )3‬وتخلل السورة صور متعددة ألنواع النذارة منها ماهو في الدنيا‬
‫ومنها ما هو في اآلخرة ومن آيات السورة الدالة على معاني اإلنذار و العذاب‪:‬‬
‫ين (‪})10‬‬ ‫ان ُمبِ ٍ‬ ‫س َما ُء بِ ُد َخ ٍ‬ ‫ارت َ ِق ْب يَ ْو َم تَأْتِي ال َّ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬فَ ْ‬
‫طشَة َ الْ ُك ْب َرى ِإنَّا ُم ْنت َ ِق ُمو َن (‪})16‬‬ ‫ش ا ْلبَ ْ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬يَ ْو َم نَ ْب ِط ُ‬
‫علَ ْي ِه ُم ال َّ‬
‫س َما ُء‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬كذَ ِلكَ َوأ َ ْو َرثْنَاهَا قَ ْو ًما آ َخ ِرينَ (‪ )28‬فَ َما بَكَتْ َ‬
‫ظ ِرينَ (‪})29‬‬ ‫ض َو َما كَانُوا ُم ْن َ‬‫َو ْاأل َ ْر ُ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬أ َ ُه ْم َخ ْي ٌر أ َ ْم قَ ْو ُم تُب َّ ٍع َوال َّ ِذينَ ِم ْن قَ ْب ِل ِه ْم أ َ ْهل َ ْكنَا ُه ْم ِإنَّ ُه ْم كَانُوا‬
‫ُمجْ ِر ِمينَ (‪})37‬‬
‫ص ُرو َن‬ ‫ش ْيئ ًا َو َال هُ ْم يُ ْن َ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬يَ ْو َم َال يُ ْغنِي َم ْولًى ع َْن َم ْولًى َ‬
‫(‪})41‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬ذُقْ ِإنَّكَ أَنْتَ ا ْلعَ ِزي ُز الْك َِري ُم (‪})49‬‬
‫و ركز على النذارة من عاقبة السلطة والتمكين فهي سبب للغفلة كما في قوله‬
‫(يلعبون) ونظيره ما حدث مع فرعون وعاقبة ملكه وسلطانه‪ ،‬وبالتالي هي نذارة‬
‫لكفار قريش ألن لهم التمكين بين قبائل العرب فكان مقصد السورة مناسب لحالة‬

‫(‪ )1‬فضائل القرآن وما أنزل مدن القدرآن بمكدة ومدا أندزل بالمديندة (ص‪ ،)33 :‬تفسدير البغدوي ‪-‬‬
‫إحياء التراث (‪)172 /4‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫النبي (‪ )‬مع المشركين فإنهم خافوا أن يفقدوا ماهم فيه من السلطة والتمكين إن‬
‫أسلموا وهذا أحد معوقات الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫وعليه يتلخص مقصد السورة في‪ :‬إنذار المشركين بالعذاب بسبب إعراضهم‬
‫والتحذير من االغترار بالسلطة والتمكين في األرض‪ ,‬والتمثيل باألقوام السابقة‬
‫في عاقبة أمرهم لما أعرضوا بعد اإلنذار‪.‬‬
‫مناسبة القسم بالقرآن لموضوع السورة‪:‬‬
‫اإلنذار بدأ في أول السورة بعد أن جاء القسم بالقرآن على القرآن في قوله‬
‫تعالى (إِنَّا ُكنَّا ُمنذ ِِرينَ )‪ ،‬ثم بعد ذكر جملة من األقوام المنذرين يعود السياق في‬
‫خاتمة السورة للتذكير بالقرآن الذي افتتحت السورة بالقسم به موصوفا بالبيان‪:‬‬
‫ب ِإنَّ ُه ْم ُم ْرت َ ِقبُونَ (‪})59‬‬ ‫س ْرنَاهُ ِب ِلسَانِكَ لَعَلَّ ُه ْم يَتَذَك َُّرونَ (‪ )58‬فَ ْ‬
‫ارت َ ِق ْ‬ ‫{فَ ِإنَّ َما يَ َّ‬
‫فكان من بيانه تيسير تبليغه على لسان الرسول (‪ )‬بهدف حصول الذكرى(لعلهم‬
‫يتذكرون) وبعدها يأتي األمر للنبي (‪ )‬بارتقاب ما وعده هللا (‪ )‬من النصر وما‬
‫ب ِإنَّ ُهم ُّم ْرت َ ِقبُونَ )‪.‬‬ ‫يحل بالمكذبين من عذاب كما قال تعالى‪( :‬فَ ْ‬
‫ارت َ ِق ْ‬
‫التفسير الموجز ْليات القسم‪:‬‬
‫ب ا ْل ُم ِب ِ‬
‫ين (‪)2‬‬ ‫حم (‪َ )1‬وا ْل ِكتَا ِ‬
‫سبق التفسير بمثلها في سورة الزخرف‪.‬‬
‫لكن تميزت هذه السورة بأمر آخر وهو أن وصف مبين تكرر في السورة‬
‫سو ٌل‬‫ين)‪َ ( ،‬ر ُ‬ ‫ين) ( ِب ُد َخ ٍ‬
‫ان ُّم ِب ٍ‬ ‫ب ا ْل ُم ِب ِ‬ ‫خمس مرات في قوله تعالى‪َ ( :‬وا ْل ِكتَا ِ‬
‫ين)‪( ،‬بَ َل ٌء ُّم ِبينٌ )‪ .‬فكل ما جاء به هللا تعالى من القرآن‬ ‫ان ُّم ِب ٍ‬ ‫س ْل َ‬
‫ط ٍ‬ ‫ُّم ِبينٌ )‪ِ ( ،‬ب ُ‬
‫وهو طريق النجاة والفالح والمعلم وهو الرسول الكريم والبرهان واآليات‬
‫الواضحة والتهديد الحق لمن خالف إنما توجب اإليمان والتصديق فهي بينة ال‬
‫غموض فيها لمن أبصرها ووعاها بعين البصيرة قبل عين البصر‪.‬‬
‫ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا ُمنْذ ِِرينَ (‪))3‬‬ ‫(إِنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُمبَ َ‬
‫جملة جواب القسم‬
‫القسم‪ ،‬وأ ْن يكونَ اعتراضا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫جواب‬
‫َ‬ ‫يجوز أن يكونَ‬ ‫ُ‬ ‫نز ْلنَاهُ}‪:‬‬ ‫فقوله‪{ :‬إِنَّآ أ َ َ‬
‫والجواب قولُه‪ِ { :‬إنَّا ُكنَّا ُمنذ ِِرينَ }‪ ،‬واختاره ابنُ عطية‪)1(.‬‬ ‫ُ‬
‫آن ْال َع ِظ ِيم‪ِ :‬إنَّهُ أ َ ْنزَ لَهُ فِي لَ ْيلَة ُم َب َ‬
‫ار َكة‪،‬‬ ‫ع ِن ْالقُ ْر ِ‬ ‫والمعنى‪َ :‬يقُو ُل ت َ َعا َلى ُم ْخ ِبرا َ‬
‫بار َكة) ت َ ْن ِويه ِب َها َوت َ ْش ِويق‬ ‫صفُ َها ِبـ ( ُم َ‬ ‫ير لَ ْيلَة ِللت َّ ْع ِظ ِيم‪َ ،‬و َو ْ‬ ‫ي لَ ْيلَةُ ْالقَد ِْر‪َ ،‬وت َ ْن ِك ُ‬ ‫َو ِه َ‬
‫آن على ُم َح َّمد (‪ )‬فِي‬ ‫ئ فِي َها نُ ُزو ُل ْالقُ ْر ِ‬ ‫ي اللَّ ْيلَةُ الَّتِي ا ْبت ُ ِد َ‬‫ِل َم ْع ِرفَتِ َها‪ .‬فَ َه ِذ ِه اللَّ ْيلَةُ ِه َ‬
‫ضانَ َك َما قَا َل تَعَالَى‪{ :‬إِنَّا أَنز ْلنَاهُ فِي لَيْلَ ِة ا ْلقَد ِْر}‬ ‫َار ِم ْن َجبَ ِل ِح َراء فِي َر َم َ‬ ‫ْالغ ِ‬

‫(‪ )1‬الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (‪.)615 /9‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫شه ُْر َر َمضَا َن الَّذِي‬


‫ضانَ ‪َ ،‬ك َما قَا َل‪ :‬ت َ َعا َلى‪َ { :‬‬ ‫[ ْالقَد ِْر‪َ ]1 :‬و َكانَ ذَلِكَ ِفي َ‬
‫ش ْه ِر َر َم َ‬
‫أُنز َل فِي ِه ا ْلقُ ْرآنُ } [البقرة‪،]185 :‬‬
‫ومعنى مباركة‪ :‬كثيرة الخير والبركة فليلة القدر هي خير من ألف شهر‪،‬‬
‫فأنزل أفضل الكالم بأفضل الليالي واأليام على أفضل األنام‪ ،‬بلغة العرب الكرام‬
‫لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا‬
‫من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير األخروي ولهذا قال‪:‬‬
‫{ ِإنَّا ُكنَّا ُمنْذ ِِري َن فِي َها} أي‪ :‬في تلك الليلة الفاضلة التي نزل فيها‬
‫وم ُح َّجة ُ َّ ِ‬
‫ّللا‬ ‫ش ْرعا‪ِ ،‬لتَقُ َ‬ ‫ض ُّرهُ ْم َ‬ ‫اس َما يَ ْنفَعُ ُه ْم َويَ ُ‬ ‫ي‪ُ :‬معَ ِل ِمينَ النَّ َ‬ ‫القرآن( ُم ْنذ ِِرينَ } أ َ ْ‬
‫علَى ِعبَا ِد ِه‪.‬‬ ‫َ‬
‫وظ‬ ‫ُ‬
‫ح ال َمحْ ف ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ص ُل ِمنَ الل ْو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪ :‬فِي ل ْيل ِة القَد ِْر يُف َ‬ ‫َ‬
‫يم} أ ْ‬ ‫َ‬
‫ق ُك ُّل أ ْم ٍر َح ِك ٍ‬ ‫ْ‬
‫َوقَ ْولهُ‪{ :‬فِي َها يُف َر ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ق‪َ ،‬و َما يَكُو ُن فِي َها إِلى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سنَ ِة‪َ ،‬و َما يَكُو ُن فِي َها مِنَ اآل َجا ِل َواأل ْرزَ ا ِ‬ ‫إِلَى ْال َكتَبَ ِة أ َ ْم ُر ال َّ‬
‫سلَ ِ‬
‫ف‪.‬‬ ‫احد ِمنَ ال َّ‬ ‫غي ِْر َو ِ‬ ‫ع ِن اب ِْن عُ َم َر‪َ ،‬و َ‬ ‫ي َ‬ ‫آخ ِرهَا‪َ .‬و َه َكذَا ُر ِو َ‬ ‫ِ‬
‫ي‪ُ :‬محْ َكم َال يُ َبدَّ ُل َو َال يُغَي َُّر؛ َو ِل َهذَا قَا َل‪{ :‬أ َ ْم ًرا ِم ْن ِعنْ ِدنَا}‬ ‫َوقَ ْولُهُ‪َ { :‬ح ِكي ٌم} أ َ ْ‬
‫ُوحي ِه فَبِأ َ ْم ِر ِه َوإِذْنِ ِه َو ِع ْل ِم ِه‪{ ،‬إِنَّا ُكنَّا‬ ‫ّللاُ تَعَالَى َو َما ي ِ‬ ‫ي‪َ :‬ج ِمي َع َما يَكُونُ َويُقَد ُِرهُ َّ‬ ‫أَ ْ‬
‫َت‬‫ّللا ُم َبيِنَات‪ ،‬فَإ ِ َّن ْال َحا َجةَ َكان ْ‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫اس َرسُوال يَتْلُو َ‬
‫علَ ْي ِه ْم آيَا ِ‬ ‫ي‪ :‬إِلَى النَّ ِ‬ ‫س ِلينَ } أ َ ْ‬ ‫ُم ْر ِ‬
‫سة ِإلَ ْي ِه‪َ {،‬رحْ َمة ِم ْن َر ِبكَ } أي‪ :‬إن إرسال الرسل وإنزال الكتب التي أفضلها‬ ‫ً‬ ‫َما َّ‬
‫القرآن رحمة من رب العباد بالعباد‪ ،‬فما رحم هللا عباده برحمة أجل من هدايتهم‬
‫بالكتب والرسل‪ ،‬وكل خير ينالونه في الدنيا واآلخرة فإنه من أجل ذلك وسببه‪،‬‬
‫ض‬ ‫األر ِ‬ ‫ت َو ْ‬ ‫س َم َوا ِ‬‫ب ال َّ‬ ‫س ِمي ُع الْعَ ِلي ُم َر ِ‬ ‫َو ِل َهذَا قَا َل‪َ { :‬رحْ َمةً ِم ْن َربِكَ إِنَّه ُ ُه َو ال َّ‬
‫ض َوخَا ِلقُ ُه َما‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬ ‫س َم َوا ِ‬ ‫َو َما بَ ْينَ ُه َما} أَي ِ‪ :‬الَّذِي أ َ ْنزَ َل َهذَا ْالقُ ْرآنَ ه َُو َربُّ ال َّ‬
‫َو َما ِلكُ ُه َما َو َما فِي ِه َما‪)1(.‬‬
‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‪:‬‬
‫سورة الدخان شبيهة بسورة الزخرف من حيث المناسبة بين المقسم به‬
‫والمقسم عليه‪ ،‬فأقسم بالقرآن (الكتاب المبين) على القرآن ولكن المتعلق في‬
‫جواب القسم وهو القرآن اختلف فقال في الزخرف‪ِ ( :‬إنَّا َجعَ ْلنَا ُه قُ ْرآن ًا ع ََر ِبيًّا‬
‫ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا‬‫لَعَل َّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ ) وقال هنا في الدخان‪( :‬إِنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُمب َ َ‬
‫ُم ْنذ ِِرينَ (‪ )3‬وسبق أن ذكر قول المفسرين أن هذا من أعلى درجات البالغة وهو‬
‫س ِم عليه ِم ْن واد واحد‪.‬‬ ‫س ِم وال ُم ْق َ‬ ‫كونُ القَ َ‬

‫(‪ )1‬انظددر‪ :‬تفسددير ابددن كثيددر ت سددالمة (‪ ,)245 /7‬تفسددير السددعدي = تيسددير الكددريم الددرحمن‬
‫(ص‪،)771 :‬التحرير والتنوير (‪.)277 /25‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث الخامس‬
‫القسم في سورة ق‬
‫نزولها‪:‬‬
‫َ‬
‫ت َوقَبل سورةِ البَل ِد‪ ،‬وهي خمس‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مرسال ِ‬ ‫ْ‬
‫ت بَ ْعدَ سورةِ ال‬ ‫َ‬
‫سورة ق َم ِكيَّة‪ .‬نَزَ ل ْ‬
‫َ‬
‫ي أ َّو ُل‬ ‫ورة ُ ِه َ‬
‫س َ‬ ‫عد الجميع بال خالف في شيء منها‪َ .‬و َه ِذ ِه ال ُّ‬ ‫وأربعون آية‪ ،‬في ِ‬
‫يح‪) (،‬‬
‫‪1‬‬
‫ص ِح ِ‬ ‫علَى ال َّ‬ ‫ص ِل َ‬ ‫ب ْال ُم َف َّ‬
‫ْال ِح ْز ِ‬
‫موضوع سورة ق ومناسبة افتتاح القسم بالقرآن لهذا الموضوع‪:‬‬
‫سورة ق افتتحت بالقسم بالقرآن موصوفا بأنه مجيد فبه يكون المجد والرفعة‬
‫والشرف وبه كثرة الخيرات لمن اتعظ به‪ ،‬ولذلك ناسب اختتامها بمثل ما ابتدأت‬
‫اف َو ِعي ِد) وما بين ذلك تضمن قضايا الدين‬ ‫آن َم ْن ي َ َخ ُ‬ ‫به (‪ . . .‬فَذ َ ِك ْر بِا ْلقُ ْر ِ‬
‫الكبرى التي ينبغي التذكر بها في القرآن ولذلك تناولت إثبات النبوة وإثب ات‬
‫البعث‪ ،‬واألقوام السابقة التي كذبت رسلها لالتعاظ بأحوالهم وذكر الجنة والنار‬
‫والحساب‪ ،‬وقد تكرر كلمة الذكرى بمشتقاتها ثالث مرات منها‪( :‬ت َ ْب ِص َرة ً َو ِذك َْرى‬
‫س ْم َع‬ ‫ب أ َ ْو أ َ ْلقَى ال َّ‬ ‫ب) ‪( ,8‬إِ َّن فِي ذَ ِلكَ ل َ ِذ ْك َرى ِل َم ْن َكا َن لَهُ قَ ْل ٌ‬ ‫عبْ ٍد ُمنِي ٍ‬ ‫ِلك ُِل َ‬
‫آن)‪.‬‬‫َو ُه َو ش َِهي ٌد (‪( ،)37‬فَذ َ ِك ْر بِا ْلقُ ْر ِ‬
‫وعليه يتلخص موضوع السورة‪ :‬بأنه التذكر بالقرآن حال كونه وسيع‬
‫المعاني شريف القدر عظيم المنزلة‪.‬‬
‫س ْم َع َو ُه َو ش َِهي ٌد‬ ‫ب أ َ ْو أَلْقَى ال َّ‬ ‫وفي قوله‪(( :‬إِنَّ فِي ذَ ِلكَ ل َ ِذ ْك َرى ِل َم ْن كَا َن لَه ُ قَ ْل ٌ‬
‫(‪ )37‬يمكن بناء منهجية التذكر بالقرآن وهو كلما كان القلب صحيحا في نور من‬
‫هللا فإن التذكرة تحصل مباشرة‪ ،‬وكلما نقص هذا النور فعلى صاحبه إلقاء السمع‬
‫لمواعظه مع حضور القلب فإنه مظنة االرتقاء إلى صفاء القلب الذي تكتمل معه‬
‫التذكرة‪)2( .‬‬

‫(‪ )1‬انظددر‪ :‬فضددائل القددرآن ومددا أنددزل مددن القددرآن بمكددة ومددا أنددزل بالمدينددة (ص‪ ,.)33 :‬فنددون‬
‫األفنان في عيون علوم القرآن (ص‪ ،)309 :‬تفسدير ابدن كثيدر ت سدالمة (‪ )392 /7‬بصدائر‬
‫ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (‪.)437 /1‬‬
‫آن فداجمع‬ ‫ِ ْ ِ‬‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫دال‬‫ب‬ ‫َداع‬ ‫ف‬‫ت‬‫ن‬‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫اال‬ ‫ْت‬ ‫د‬ ‫أر‬ ‫ذا‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫جليلدة‬ ‫ة‬ ‫(‪ )2‬قال ابدن القديم فدي كتابده‪ :‬الفوائدد (ص‪ ( )3 :‬قَاعِددَ‬
‫سمعك واحضر ُحضُور من يخاطبه بِ ِه من تكلم بِد ِه سُد ْب َحانَهُ‬ ‫ق َ‬‫قَ ْلبك ِع ْند ت َِال َوته وسماعه‪ :‬وأ َ ْل ِ‬
‫ِم ْنهُ إِلَ ْي ِه فانه خَاطب ِم ْنهُ لَك على ِل َسان َرسُوله قَا َل تَعَالَى‪{ :‬إِنَّ فِي ذَ ِلركَ لَر ِذك َْرى ِل َمرنْ كَرانَ‬
‫َرهيد} َوذَلِدكَ أَن ت َمدام التَّدأْثِير لمدا َكدانَ َم ْوقُوفدا علدى ُمدؤثر‬ ‫ب أ َ ْو أ َ ْلقَرى ال َّ‬
‫س ْرم َع َوه َُرو ش ِ‬ ‫لَهُ قَ ْل ٌ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صول األثر َوا ْنتِفَاء ال َمانِع الدذِي ي ْمنَدع ِم ْندهُ تضدمنت اآليَدة بَيَدان‬ ‫ْ‬ ‫ُم ْقت َض َومحل قَابل َوشرط ل ُح ُ‬
‫ذَلِك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على ال ُم َراد فَقَوله {إِنَّ فِي ذَ ِلكَ لذكرى} اشار إِلَى َما تقددم‬

‫‪- 44 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ولعل ذلك من أسرار فاتحة المفصل بهذه السورة‪ ،‬قال أبو الحسن الحرالي‪( :‬في‬
‫سر افتتاح المفصل بهذا الحرف فقال في آخر كتابه في هذا الحرف‪ :‬اعلم أن‬
‫القرآن منزل مثاني‪ ،‬ضمن ما عدا المفصل منه الذي هو من قاف إلى آخر الكتاب‬
‫العزيز وفاتحة ما يختص بأولي العلم والفقه من مبسوطات الحكم ومحكمات‬
‫األحكام ومطوالت األقاصيص‪ ،‬ومتشابه اآليات‪ ،‬والسورة المفتتحة بالحروف‬
‫الكلية لْلحاطة لغيبية المتهجى المسندة إلى آحاد األعداد‪ ،‬فلعلو رتبة إيراده‬
‫وطوله ثنى الحق سبحانه الخطاب وانتظمه في سور كثيرة العدد يسيرة عدد اآلي‬
‫قصيرة مقدارها‪ ،‬ذكر فيها من أطراف القصص والمواعظ واألحكام والثناء وأمر‬
‫الجزاء ما يليق بسماع العامة ليسهل عليهم سماعه وليأخذوا بحظ مما أخذه‬
‫الخاصة وليكرر على أسماعهم في قراءة األئمة له في الصلوات المفروضة التي‬

‫ب} فَ َهذَا ه َُو ْالمحل ْالقَا ِبل‬ ‫ُّورة الى َه ُهنَا َو َهذَا ه َُو المؤثر َوقَوله { ِل َمنْ كَانَ لَهُ قَ ْل ٌ‬ ‫من أول الس َ‬
‫ْرر َوقُ ْررآنٌ ُم ِبرينٌ‬ ‫مراد بِ ِه ْالقلب الحي الدذِي يعقدل َعدن هللا َك َمدا قَدا َل ت َ َعدالَى {إِنْ ه َُرو إِ َّال ِذك ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َو ْال َ‬
‫سدمعه وأصددغى‬ ‫سر ْرم َع} أَي وجَّده َ‬ ‫ِليُ ْنرذ َِر َمرنْ َكررانَ حَيرا} أَي حدي ْالقلددب َوقَولده {أ َ ْو أ َ ْلقَرى ال َّ‬
‫َرهي ٌد} أَي شَداهد ْالقلدب‬ ‫كالم َوقَوله { َوه َُو ش ِ‬ ‫بال َ‬ ‫سمعه إِلَى َما يُقَال لَهُ َو َهذَا شَرط التأثر ْ‬ ‫حاسة َ‬
‫ْس بغافدل َو َال‬ ‫ْ‬
‫َحاضر غير غَائِب قَا َل ابْن قُت َ ْيبَدة اسْدتمع كتداب هللا َوه َُدو شَداهد القلدب والفهدم لَدي َ‬
‫عن تعقدل َمدا يُقَدال لَدهُ‬ ‫س ْهو ْالقلب وغيبته َ‬ ‫صول التَّأْثِير َوه َُو َ‬ ‫َارة ِإلَى ْال َمانِع من ُح ُ‬ ‫ساه َوه َُو ِإش َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ظر فِي ِه وتأمله فَدإِذا حصدل ال ُمدؤثر َوه َُدو القُ ْدرآن َوالمحدل القَابِدل َوه َُدو القلدب ال َحدي َووجدد‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َوالنَّ َ‬
‫عددن معنددى ْالخطدداب‬ ‫َ‬ ‫وذهولدده‬ ‫قلددب‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫َال‬ ‫غ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫دد‬‫ش‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ُددو‬ ‫ه‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ِع‬ ‫ن‬‫ددا‬‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫وانتفددى‬ ‫اإلصددغاء‬ ‫ُددو‬
‫ش ْ َ َ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫ط‬ ‫ددر‬ ‫ال َّ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ش ْيء آخدر حصدل األثدر َوه َُدو ِاالنتِفَداع والتدذكر فَدإِن قيدل إِذا َكدانَ التدأثِير‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عنهُ إِلى َ‬ ‫وانصرافه َ‬
‫وضدع‬ ‫س ْم َع} والموضع َم ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إِنَّ َما يتم بِ َم ْج ُموع َهذِه ف َما َوجه دُخول أدَاة أو فِي ق ْوله {أ ْو ألقى ال َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عندهُ أنَ‬ ‫ْ‬ ‫َواو= = ْالجمع َال َم ِ‬
‫شد ْيئَي ِْن قيدل هَدذَا سُدؤال جيدد َوال َج َدواب َ‬ ‫ِدي ألحدد ال َّ‬ ‫وضدع أَو الَّتِدي ه َ‬
‫عو فَدإِن مدن النَّداس مدن يكدون َحدي ْالقلدب‬ ‫يُقَال خرج ْالك ََالم ِبدأَو ِبا ْع ِت َبدار َحدال ْال ُمخَاطدب ْال َمددْ ُ‬
‫فط َرة فَإِذا ف َّكر بِقَ ْلبِه وجال بفكره دلده قلبده وعقلده علدى صدحة القُ ْدرآن َوأنده الحدق‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫واعيه ت َام ْال ْ‬
‫فط َدرة َوهَدذَا‬ ‫َوشهد قلبه ِب َمدا أخبدر ِبد ِه ْالقُ ْدرآن فَ َكدانَ ُو ُرود ْالقُ ْدرآن علدى قلبده ندورا علدى ندور ْال ْ‬
‫وصف الَّذين قيل فديهم { َويَ َرى الَّ ِذينَ أُوت ُوا ا ْل ِع ْل َم الَّذِي أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ ِمرنْ َر ِبركَ ه َُرو ا ْلحرق}‬
‫ح فِددي‬ ‫دور ِه َك ِم ْشدكَاة فِي َهدا ِمصْدبَاح ْالمِ صْدبَا ُ‬ ‫ض َمث َد ُل نُ ِ‬ ‫َوقَدا َل فِدي حقهدم هللا ندور السَّد َم َوات َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫اركَدة زَ ْيتُونَددة َال ش َْدرقِيَّة َوال غ َْربِيَّددة‬ ‫دن شَد َج َرة ُمبَ َ‬ ‫الز َجا َجدةُ كَأَنَّ َهددا ك َْوكَدب د ُِري يُوقَدد ُ ِمد ْ‬ ‫ُز َجا َجدة ُّ‬
‫دن َيشَداء فَ َهدذَا ندور‬ ‫دور ِه َم ْ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫ل‬ ‫َّ‬
‫ّللا‬ ‫ِي‬ ‫د‬ ‫د‬‫ه‬‫َْ‬ ‫ي‬ ‫دور‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫دى‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫دور‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َدار‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْد‬
‫س‬ ‫س‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫دو‬ ‫َ‬
‫َيكَاد ُ زَ ْيت ُ َها ِ ُ َ ْ ْ ْ َ‬
‫ل‬‫و‬ ‫ء‬ ‫دي‬‫ُض‬ ‫ي‬
‫ْ‬
‫صاحب القلب ال َحي الواعي قَدا َل ابْدن القديم َوقدد ذكرنَدا َمدا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فط َرة على نور ْال َوحْي َو َهذَا َحال َ‬ ‫ْال ْ‬
‫غد ْدزو‬ ‫تضددمنت َهدذِه ْاآل َيددة مددن ْاأل َ ْسد َدرار والعبددر فِددي كتدداب ا ْجتِ َمدداع الجيددو اإلسددالمية علددى َ‬
‫صاحب ْالقلب يجمع بَين قلبه َوبَين َمعَاني ْالقُ ْرآن فيجددها َكأَنَّ َهدا قدد كتبدت‬ ‫المعطلة والجهمية فَ َ‬
‫ظ ْهدر قَ ْلدب َومدن النَّداس مدن َال يكدون تدا َّم االسدتعداد واعدي ْالقلدب كَامِدل‬ ‫عدن َ‬ ‫فِيد ِه فَ ُه َدو َي ْق َرأهدا َ‬
‫ْال َحيَاة فَي ْحت َاج إِلَى شَاهد يميز لهُ بَين الحق َوالبَاطِ ل َولم تبلغ َحيَاة قلبده وندوره وزكداء فطرتده‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سمعه ْللك ََدالم َوقَلبده لتأملده‬ ‫صول هدايته أَن يفرغ َ‬ ‫صاحب ْالقلب ْال َحي الواعي فطريق ُح ُ‬ ‫مبلغ َ‬
‫والتفكير فِي ِه وتعقل َمعَانِيه‪.‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫ال مندوحة لهم عنها ما يكون لهم خلفا مما يعولهم من مضمون سائر السور‬
‫المطوالت‪ ،‬فكان أحق ما افتتح به مفصلهم‪)1(). .‬‬
‫ولعل هذا أيضا مناسبة اختيار الرسول (‪ )‬لهذه السورة فيقرأ بها في الفجر‬
‫وفي العيد وفي الجمعة(‪ )2‬لتطرق اآلذان وتحصل الذكرى‪.‬‬
‫التفسير العام للقسم في السورة‪:‬‬
‫آن ا ْل َم ِجي ِد (‪ )1‬بَ ْل ع َِجبُوا أ َ ْن َجا َء ُه ْم ُم ْن ِذ ٌر ِم ْن ُه ْم فَقَا َل الْكَافِ ُرو َن‬
‫ق َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫يب (‪)2‬‬
‫ع َِج ٌ‬ ‫َهذَا ش َْي ٌء‬
‫ق‪ :‬سبق بيان مذاهب العلماء في الحروف المقطعة في سورة يس‪)3(.‬‬
‫آن ا ْل َم ِجي ِد‪:‬‬
‫َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫شرف)‪ ،‬وقال ابن فارس‪ْ ( :‬ال ِمي ُم‬ ‫المجيد من المجد‪ ،‬قال الخليل‪( :‬ال َمجدُ‪ :‬نيل ال َّ‬
‫علَى بُلُوغِ ِ‬
‫الن َها َي ِة‪َ ،‬و َال َيكُونُ ِإ َّال ِفي َمحْ ُمود‪.‬‬ ‫ص ِحيح‪َ ،‬يد ُ ُّل َ‬
‫صل َ‬‫َو ْال ِجي ُم َوالدَّا ُل أ َ ْ‬
‫الن َها َي ِة ِفي ْال َك َر ِم‪ .‬و قال الراغب (السعة في الكرم والجالل‪.‬‬ ‫ِم ْنهُ ْال َمجْ د ُ‪ :‬بُلُوغُ ِ‬

‫(‪ )1‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور (‪.)398 /18‬‬


‫بق‬ ‫َجْدر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي (‪ )‬كَدانَ يَق َدرأ فِدي الف ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫سد ُم َرة َ قَدا َل‪ :‬إِ َّن النبِد َّ‬ ‫ْدن َ‬‫(‪ )2‬في صحيح مسلم (‪َ )337 /1‬جدابِ ِر ب ِ‬
‫سدأَلَ أ َ َبدا َواقِدد‬ ‫ِ َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫دا‬‫ط‬‫َّ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ب‬
‫ْدنَ‬ ‫در‬ ‫م‬
‫َُ َ‬ ‫ع‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫)‬ ‫‪607‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪2‬‬‫(‬ ‫أيضدا‬ ‫آن ْال َم ِجيد ِد) وفدي صدحيح مسدلم‬ ‫َو ْالقُ ْدر ِ‬
‫بق‬ ‫ُ‬
‫ض َحى َوالفِط ِر؟ فَقَدا َل‪َ « :‬كدانَ يَ ْق َدرأ فِي ِه َمدا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي‪َ :‬ما َكانَ يَ ْق َرأ ِب ِه َرسُو ُل هللاِ (‪ )‬فِي ْاأل َ ْ‬ ‫اللَّ ْيثِ َّ‬
‫دن‬‫عد ِ‬ ‫َدق القَ َم ُدر» وفدي الترمدذي ت بشدار (‪َ )667 /1‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عة َوانش َّ‬ ‫ُ‬ ‫ت السَّدا َ‬ ‫ْ‬
‫آن ال َم ِجيددِ‪َ ،‬واقت ََربَد ِ‬ ‫ْ‬ ‫َو ْالقُ ْدر ِ‬
‫سر َم َر ِبركَ‬ ‫حا ْ‬ ‫س ِب ِ‬‫ب{ َ‬ ‫ي (‪َ )‬ي ْق َرأ ُ فِي العِيدَي ِْن َوفِي ال ُج ُم َع ِة‪ِ :‬‬ ‫ان ب ِْن َبشِير‪ ،‬قَا َل‪َ :‬كانَ النَّ ِب ُّ‬ ‫النُّ ْع َم ِ‬
‫ُ‬
‫شيَ ِة}‪َ ،‬و ُربَّ َما ا ْجت َ َم َعا فِي َي ْوم َواحِ د فَ َي ْق َرأ ِب ِه َما‪).‬‬ ‫ِيث الغَا ِ‬ ‫األ َ ْعلَى}‪َ ،‬و { َه ْل أَت َاكَ َحد ُ‬
‫(‪ )3‬ويضاف هنا عندد مدن قدال أن هدذه الحدروف لهدا معندى مدا قالده الزجداج فدي ( معداني القدرآن‬
‫اف) معنى قضدي األمدر‪،‬‬ ‫وإعرابه (‪ )41 /5‬وغيره من اللغويين‪( :‬ويجوز أن يكون معنى (قَ ْ‬
‫َك َما قِي َل (حم) ُح َّم األ ْم ُر‪ .‬واحتج الذين قالوا من أهل اللغة أن معنى (ق) بمعنى قضدي األمدر‬
‫بقول الشاعر‪:‬‬
‫=‬ ‫قلنا لها قفي قالت قاف‪ . . .‬ال تحسبي أنا نسينا اإليجاف‪.‬‬
‫ظدر؛ ِألَنَّ‬ ‫ِدير نَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫= معناه فقالت أقف)‪ .‬وقال ابن كثير‪ :‬تفسير ابن كثير (‪َ ( )395 /7‬وفِي هَدذا التفس ِ‬
‫علَ ْيهِ‪َ ،‬وم ِْن أَيْنَ يُ ْف َه ُم َهذَا م ِْن ِذ ْك ِر َهذَا ْال َح ْرفِ ؟)‪.‬‬ ‫ف فِي ْالك ََال ِم إِنَّ َما يَكُو ُن إِذَا دَ َّل دَلِيل َ‬ ‫ْال َحذْ َ‬
‫وممددا قيددل فددي معنددى (ق) مددا أورده الثعلبددي فددي‪ :‬الكشددف والبيددان عددن تفسددير القددرآن (‪)92 /9‬‬
‫وغيددره مددن المفسددرين‪ ( :‬وقدددال عكرمددة‪ ،‬والضددحاك‪ :‬هددو جبدددل محدديط بدداألرض مددن زمدددردة‬
‫خضراء‪ ،‬خضرة السماء منه‪ ،‬وعليه كتفا السماء‪ ،‬وما أصاب الناس من زمرد‪ ،‬فهو ما يسقط من‬
‫الجبل‪ ،‬وهي رواية أبي الحوراء عدن ابدن عبداس) وهدذا القدول أورده كثيدر مدن المفسدرين‪ ،‬لكدن‬
‫نجد ابن كثير يضعفه ويعيب على من يرويه فقال‬
‫دن‬ ‫َ‬
‫اس‪ ،‬لَ َّمدا َرأى مِ د ْ‬ ‫دض النَّد ِ‬ ‫عد ْن ُه ْم بَ ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ت بَنِددي إِس َْدرائِي َل التِددي أخَدذَهَا َ‬ ‫دن ُخ َرافَدا ِ‬‫ّللاُ أ َ ْعلَد ُم‪ِ -‬مد ْ‬
‫َوكَدأ َ َّن َهدذَا ‪َ -‬و َّ‬
‫ب‪ .).....‬تفسير ابن كثير ت سالمة (‪.)394 /7‬‬ ‫صدَّ ُق َو َال يُ َكذَّ ُ‬ ‫ع ْن ُه ْم فِي َما َال يُ َ‬ ‫الر َوايَ ِة َ‬ ‫َج َو ِاز ِ‬
‫‪- 46 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ت‬ ‫صلَ ْ‬
‫ت اإلب ُل‪ :‬إذا َح َ‬ ‫يقال‪َ :‬م َجدَ يَ ْم ُجد ُ َمجْ دا و َم َجادَة‪ ،‬وأصل المجد من قولهم‪َ :‬م َجدَ ِ‬
‫في مرعى كثير واسع)(‪.)1‬‬
‫والمجيد من أوصاف القرآن له مساران في المعنى كلها من أوصاف القرآن‪.‬‬
‫األول‪ :‬من المجد بمعنى الشرف ورفعة القدر‪ ،‬قال سعيد بن ُجبير (ق‬
‫آن ا ْل َم ِجي ِد) قال‪ :‬الكريم)‪ )2(.‬قال ابن كثير‪( :‬فهو ْال َك ِري ُم ْال َع ِظي ُم الذِي َال‬ ‫َوا ْلقُ ْر ِ‬
‫اط ُل ِم ْن َبي ِْن َيدَ ْي ِه َو َال ِم ْن خ َْل ِف ِه‪ ،‬ت َ ْن ِزيل ِم ْن َح ِكيم َح ِميد)‪.‬‬ ‫َيأ ْ ِتي ِه ْال َب ِ‬
‫ير‪َ ،‬مأ ْ ُخوذ ِم ْن َكثْ َر ِة ْالقَد ِْر‬ ‫والثاني‪ :‬الكثير‪ ،‬قال القرطبي‪َ ( :‬وقِيلَ ‪ْ :‬ال َك ِث ُ‬
‫ب‬ ‫وس‪َ ،‬و ِم ْنهُ قَ ْو ُل ْال َع َر ِ‬‫ير فُ َالن ِفي النُّفُ ِ‬ ‫َو ْال َم ْن ِزلَ ِة َال ِم ْن َكثْ َر ِة ْال َعدَدِ‪ِ ،‬م ْن قَ ْو ِل ِه ْم‪َ :‬ك ِث ُ‬
‫ان‬ ‫ار)‪ .‬أَي ِ ا ْست َ ْكث َ َر َهذَ ِ‬
‫ش َجر نَار‪َ ،‬وا ْست َْم َجدَ ْال َم ْر ُخ َو ْال َعفَ ُ‬ ‫سا ِئ ِر‪ِ ( :‬في كُ ِل َ‬ ‫ِفي ْال َمث َ ِل ال َّ‬
‫ان من النار فزادا على سائر الشجر‪ ،‬قال ابْنُ َبحْر)( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ع ِ‬ ‫النَّ ْو َ‬
‫وتحصل من ذلك في وصف القرآن أنه وسيع المعاني عظيمها‪ ،‬كثير الوجوه‬
‫كثير البركات‪ ،‬جزيل المبرات‪ .‬ففي المجد‪ :‬سعة األوصاف وعظمتها‪ ،‬به يمجد‬
‫ويعلو ويظهر من تمسك به‪ ،‬وأحق كالم يوصف بهذا‪ ،‬هذا القرآن‪ ،‬الذي قد‬
‫احتوى على علوم األولين واآلخرين‪ ،‬الذي حوى من الفصاحة أكملها‪ ،‬ومن‬
‫األلفاظ أجزلها‪ ،‬ومن المعاني أعمها وأحسنها‪ ،‬وهذا موجب لكمال اتباعه‪ ،‬و‬
‫سرعة االنقياد له‪ ،‬وشكر هللا على المنة به‪ ،‬فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من‬
‫المكارم الدنيوية واألخروية‪ ،‬وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله‪( :‬إِنَّهُ لَقُ ْرآنٌ ك َِري ٌم‬
‫[الواقعة‪ ،]77 /‬وعلى نحوه‪( :‬بَ ْل ه َُو قُ ْرآن َم ِجيد) (‪.)4‬‬
‫يب‬ ‫قوله‪( :‬بَ ْل ع َِجبُوا أ َ ْن َجا َء ُه ْم ُم ْن ِذ ٌر ِم ْن ُه ْم فَقَا َل ا ْلكَافِ ُرونَ هَذَا ش َْي ٌء ع َِج ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫أي‪ :‬لم يكذبك قريش يا محمد ألنهم ال يعرفونك بل لتعجبهم وإنكارهم من‬
‫بشر مثلهم ينذرهم بأمر هللا (‪{ .)‬فَقَا َل الكافرون هذا ش َْي ٌء ع َِج ٌ‬
‫يب}‪ .‬قال‬
‫بعض أهل المعاني‪ :‬العجب وقع من المؤمنين والكافرين فقيل بل عجبوا أن جاءهم‬
‫منذر منهم‪ .‬ثم ميز هللا الكافرين من المؤمنين فقال تعالى‪{ :‬فَقَا َل الكافرون هذا‬
‫يب * أ َ ِءذَا ِمتْنَا} اآلية فوصفهم بإنكار البعث‪ ،‬ولم يقل‪ :‬بل عجبوا أن‬
‫ش َْي ٌء ع َِج ٌ‬
‫جاءهم منذر منهم فقالوا هذا شيء عجيب‪ .‬ثم بيَّن قول الكافرين من جميع من‬
‫تعجب من إرسال منذر‪ ،‬فآمن المؤمنون مما تعجبوا منه‪ ،‬وكفر الكافرون به‪ .‬ثم‬

‫(‪ )1‬العين (‪ ،)89 /6‬مقاييس اللغة (‪ ،)297 /5‬المفردات في غريب القرآن (ص‪.)760 :‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (‪.)326 /22‬‬
‫(‪ )3‬تفسير القرطبي (‪.)3 /17‬‬
‫(‪ )4‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪ ،)803 :‬تفسير العثيمين‪ :‬الحجرات ‪ -‬الحديدد‬
‫(ص‪.)72 :‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫قال تعالى حكاية عن قولهم أنهم قالوا‪{ :‬أ َ ِءذَا ِمتْنَا}‪ ،‬وإنما جواب منهم إلعالم‬
‫النبي (‪ )‬لهم‪ ،‬أنهم يبعثون‪ ،‬فأنكروا ذلك فقالوا‪{ :‬أ َ ِءذَا ِمتْنَا َو ُكنَّا ت ُ َرابا ً ذ َ ِلكَ‬
‫ث إذا كنا في قبورنا ترابا؟ وقوله‪{ :‬أ َ ِءذَا ِمتْنَا}‪ :‬إنما هو‬ ‫َرجْ ٌع بَ ِعي ٌد} أي‪ :‬أَنُب َع ُ‬
‫جواب منهم إلعالم النبي (‪ )‬لهم أنهم يبعثون ويجازون بأعمالهم‪.‬‬
‫ودل على ذلك قوله‪{ :‬أَن َجآ َء ُه ْم ُّمنذ ٌِر ِم ْن ُه ْم} ألن المنذر أعلمهم أنهم‬
‫يبعثون فأنكروا ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬أئِذا متنا وكنا ترابا‪ ،‬واكتفى بداللة الكالم على حكاية‬
‫ما قال لهم المنذر وهو النبي (‪ .)‬وقيل‪ :‬إنما أتى هذا اإلنكار ولم يتقدم قبله شيء‬
‫للجواب المضمر المحذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬والقرآن المجيد لتبعثن‪ ،‬ففهموا ذلك فقالوا‬
‫جزابا‪ :‬أنبعث إذا كنا ترابا‪ ،‬إنكارا للبعث‪)1(.‬‬
‫جواب القسم‪:‬‬
‫القسم في هذه السورة من القسم الذي حذف جوابه – في قول كثير من‬
‫المفسرين‪ -‬فهذه السورة شبيهة بسورة ص في القسم‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬وههنا قد‬
‫اتحد المقسم به والمقسم عليه وهو القرآن فأقسم بالقرآن على ثبوته وصدقه وأنه‬
‫حق من عنده ولذلك حذف الجواب ولم يصرح به لما في القسم من الداللة عليه أو‬
‫ض ُمونُ ْال َك َال ِم‬ ‫ب ه َُو َم ْ‬ ‫ألن المقصود نفس المقسم به)(‪ )2‬وقال ابن كثير‪َ ( :‬ب ِل ْال َج َوا ُ‬
‫س ُم‬‫يرهُ َوتَحْ ِقيقُهُ َو ِإ ْن لَ ْم َيكُ ِن ْالقَ َ‬
‫س ِم‪َ ،‬وه َُو ِإثْ َباتُ النُّب َُّو ِة‪َ ،‬و ِإثْ َباتُ ْال َم َعادِ‪َ ،‬وت َ ْق ِر ُ‬
‫َب ْعدَ ْالقَ َ‬
‫آن ذِي‬ ‫آن َك َما تَقَد ََّم فِي قَ ْو ِل ِه‪{ :‬ص َوا ْلقُ ْر ِ‬ ‫س ِام ْالقُ ْر ِ‬ ‫ُمتَلَقًى لَ ْفظا‪َ ،‬و َهذَا َكثِير فِي أ َ ْق َ‬
‫الذ ْك ِر)(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫ومن المفسرين من رأى أن الجواب محذوف ولكن قدر الجواب من مضمون‬
‫محدد في السورة فقال الفراء‪ :‬محذوف دل عليه قوله (أإذا متنا) أي لتبعثن‪ ،‬وهو‬
‫قول المبرد والزجاج وحسن هذا القول ابن عطية‪)4(.‬‬
‫ومن المفسرين من رأى أن الجواب مذكور ثم تنوعت أقوالهم في تحديده‪:‬‬
‫ض ِم ْن ُه ْم)‪ ،‬قاله األخفش( )‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ص ْاأل َ ْر ُ‬ ‫ع ِل ْمنا ما ت َ ْنقُ ُ‬ ‫فقيل‪ :‬الجواب‪ :‬قوله‪( :‬قَ ْد َ‬
‫وضعفه النحاس فقال‪( :‬فأما أن يكون الجواب قد علمنا فخطأ ألن «قد» ليست من‬

‫(‪ )1‬الهداية الى بلوغ النهاية (‪.)7027 /11‬‬


‫(‪ )2‬التبيان في أقسام القدرآن (ص‪ )425 :‬وانظدر‪ :‬تأويدل مشدكل القدرآن (ص‪)142 :‬حيدث قدال‬
‫ابددن قتيبددة‪ ( :‬ومددن االختصددار‪ :‬القسددم بددال جددواب إذا كددان فددي الكددالم بعددده مددا يدددل علددى‬
‫الجواب‪.).‬‬
‫(‪ )3‬تفسير ابن كثير ت سالمة (‪.)395 /7‬‬
‫(‪ )4‬معاني القرآن للفراء (‪ )75 /3‬وانظر‪ :‬تفسير ابن عطية (‪.)155 /5‬‬
‫(‪ )5‬معانى القرآن لألخفش (‪.)522 /2‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫والقرآن‬
‫ِ‬ ‫جواب األقسام)‪ )1(،‬و أجاز هذا القول الزجاج فيكون المعنى‪( :‬ق‬
‫المجي ِد) لقد َع ِل ْمنا‪ ،‬ف ُحذفت الالمُ ألن ما ق ْبلَها ِع َوض منها‪ ،‬كقوله‪َ ( :‬والش َّْم ِس‬
‫ح) أي‪ :‬لقد أفلح‪)2(.،‬‬‫َوضُحاها‪ . . .‬قَ ْد أ َ ْفلَ َ‬
‫وقيل‪ :‬أنه قوله‪( :‬ما يَ ْل ِفظُ ِم ْن َق ْول)‪ .،‬وابن كيسان‪ .‬وقيل‪ :‬أ َّنه قولُه‪َ { :‬ما يُبَدَّ ُل‬
‫القول} وقيل‪َّ { :‬ما يَ ْل ِفظُ ِمن قَ ْول}‪ .‬وقيل‪ِ { :‬إ َّن فِي ذَلِكَ لذكرى}‪ .‬وقيل‪{ :‬بَ ْل‬
‫ع ِجبوا»(‪.)3‬‬ ‫عجبوا} قال السمين الحلبي‪ :‬وهو قول كوفي‪ .‬قالوا‪ :‬ألنَّه بمعنى «قد َ‬

‫(‪ )1‬إعراب القرآن للنحاس (‪.)146 /4‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬معاني القرآن وإعرابه للزجاج (‪.)42 /5‬‬
‫(‪ )3‬الددر المصدون فدي علدوم الكتداب المكندون (‪ )17 /10‬وانظدر‪ :‬زاد المسدير فدي علدم التفسدير‬
‫(‪ ،)157 /4‬تفسير القرطبي (‪.)3 /17‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫المبحث السادس‬
‫الفوائد والهدايات الجامعة بين السور الخمس المفتتحة‬
‫بالقسم بالقرآن‬
‫‪ -1‬جميع السور مكية‪ ،‬وهذا منسجم مع الغرض فتعظيم شأن القرآن يناسب أن‬
‫يكون في مكة حيث وقع التكذيب به في مكة فقالوا عنه أساطير األولين وقد‬
‫ذكر القرآن ذلك في تسع مواضع منها‪َ ( :‬وإِذَا قِي َل لَ ُه ْم َماذَا أ َ ْن َز َل َربُّكُ ْم قَالُوا‬
‫اطي ُر ْاأل َ َّو ِلينَ ) (‪)24‬النحل‪ .‬ومثل اتهامهم له بالشعر والكهانة في قوله‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫أَ َ‬
‫يل َما‬ ‫يل َما ت ُؤْ ِمنُو َن (‪َ )41‬و َال ِبق َ ْو ِل كَا ِه ٍن قَ ِل ً‬ ‫( َو َما ُه َو ِبقَ ْو ِل شَا ِع ٍر قَ ِل ً‬
‫ب الْعَالَ ِمينَ (‪ )43‬الحاقة‪.‬‬ ‫تَذَك َُّرونَ (‪ )42‬ت َ ْن ِزي ٌل ِم ْن َر ِ‬
‫‪ -2‬جميع السور افتتحت باألحرف المقطعة‪ .‬وهذا أيضا منسجم مع الغرض من‬
‫كون الحكمة من مجيء هذه األحرف إثبات إعجاز القرآن حيث تحداهم أن‬
‫ت بكلمات‪ ،‬أو بحروف خارجة عن نطاق البشر‪ ،‬أو‬ ‫يأتوا بمثله مع كونه لم يأ ِ‬
‫نطاق لغتهم؛ وإنما هو من الحروف التي ال تعدو ما يتكلم به البشر؛ ومع ذلك‬
‫فقد أعجزهم‪.‬‬
‫‪ -3‬وجم يعها اشتركت باإلشادة بالقرآن وهم أمر اشتركت فيه مع غالب السور‬
‫المفتتحة بالحروف المقطعة‪ ،‬لكنها تميزت بأن اإلشادة بالقرآن كانت بأسل وب‬
‫القسم الذي هو أعلى المؤكدات‪.‬‬
‫‪ -4‬من الخمس سور ذكر القرآن باسمه العلم عليه وهو القرآن‪ ،‬واثنتين ذكر باسم‬
‫الكتاب‪ ،‬فاكتسب بمجموعها أن القرآن مجموع في الصدور ومجموع في‬
‫السطور كما سبق بيانه‪ ،‬وهذا من تمام حفظه‪ ،‬وتيسيره‪.‬‬
‫‪ -5‬جاء ذكر القرآن في جميع القرآن موصوفا‪ ،‬ومن هذه األوصاف تتبين عظمته‬
‫وهذه الصفات‪:‬‬
‫َ‬
‫ع ْن تَط ُّر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت آيَاتُهُ بِعَ ِجي ِ‬ ‫ْال َح ِكي ُم‪ْ ،‬ألَنَّهُ أُحْ ِك َم ْ‬
‫ق‬ ‫ت َ‬ ‫ب النَّظ ِم َوبَد ِ‬
‫ِيع ال َم َعانِي َوأحْ ِك َم ْ‬ ‫‪-‬‬
‫ف َوالتَّبَاي ُِن‪ ،‬فأحكامه الشرعية والجزائية كلها‬ ‫يف َو ِاال ْختِ َال ِ‬ ‫حْر ِ‬ ‫الت َّ ْبدِي ِل َوالت َّ ِ‬
‫مشتملة على غاية الحكمة‪ .‬ومن حكمة هذا القرآن‪ ،‬أنه يجمع بين ذكر الحكم‬
‫وحكمته‪ ،‬فينبه العقول على المناسبات واألوصاف المقتضية لترتيب الحكم‬
‫عليها‪.‬‬
‫شأ ِن َوال َم َكانَ ِة‪ .‬فهو ش َِريف فِي نَ ْف ِس ِه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -‬وهو (ذي الذكر)‪ :‬فهو ذو الشرف وال َّ‬
‫غي ُْرهُ‪ .‬وهو شرف لمن انتسب إليه‬ ‫علَ ْي ِه َ‬‫علَى َما َال يَ ْشت َِم ُل َ‬ ‫از ِه َوا ْشتِ َما ِل ِه َ‬
‫ِ ِإل ْع َج ِ‬
‫وآمن به وعمل بما جاء فيه‪.‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫ظ ِة‬‫ِين‪ .‬و ْال َم ْو ِع َ‬


‫الذ ْك ِر) ألن فِي ِه ِذ ْك ُر َما يُحْ ت َا ُج ِإلَ ْي ِه ِم ْن أ َ ْم ِر الد ِ‬
‫وهو (ذِي ِ‬
‫والتذكير‪.‬‬
‫لمبين‬
‫ِ‬ ‫على أسالي ِبهم أو ا‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬وهو المبين فألنه ِبين لمن أنز َل عليهم لكونِه بلغتِهم و َ‬
‫ب‬‫ق الضالل ِة الموضح لكل ما ي ُحتاج إلي ِه في أبوا ِ‬ ‫ق ال ُهدى من طري ِ‬ ‫لطري ِ‬
‫الديانة‪.‬‬
‫‪ -‬وهو المجيد فألن له الشرف ورفعة القدر‪ ،‬وهو ْال َك ِري ُم ْال َع ِظي ُم‪.‬‬
‫وهو الكثير‪ِ ،‬م ْن َكثْ َر ِة ْالقَد ِْر َو ْال َم ْن ِزلَ ِة وكثرة المعاني العظيمة‪ ،‬كثير الوجوه‬
‫كثير البركات‪ .‬حوى من الفصاحة أكملها‪ ،‬ومن األلفاظ أجزلها‪ ،‬ومن المعاني‬
‫أعمها وأحسنها‪ ،‬وهو مجيد به يمجد ويعلو ويظهر من تمسك به‪ ،‬وهذا موجب‬
‫لكمال اتباعه‪ ،‬وسرعة االنقياد له‪.‬‬
‫‪ -6‬تميزت سور آل حم من الخمس سور‪ :‬الزخرف والدخان بأن المقسم به‬
‫ين (‪ )2‬إِنَّا َجعَ ْلنَاهُ قُ ْرآنًا‬ ‫ب ا ْل ُمبِ ِ‬
‫والمقسم عليه هو القرآن {حم (‪َ )1‬والْ ِكتَا ِ‬
‫ع ََر ِبيًّا لَعَلَّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ (‪[ })3‬الزخرف‪ ، ]4 - 1 :‬و {حم (‪َ )1‬والْ ِكتَا ِ‬
‫ب‬
‫ين (‪ِ )2‬إنَّا أ َ ْن َز ْلنَاهُ ِفي لَ ْيلَ ٍة ُمبَا َر َك ٍة ِإنَّا ُكنَّا ُمنْذ ِِرينَ (‪[ })3‬الدخان‪1 :‬‬
‫ا ْل ُم ِب ِ‬
‫‪]3 -‬‬
‫فاجتمع فيه سبل التأكيد على عظمة القرآن‪ .‬فزاد بذلك أوصاف القرآن من‬
‫ف‬ ‫خالل جواب القسم حيث أقسم هللا بالقرآن على القرآن بوصفه عربي ِألَنَّ َها أ َ ْش َر ُ‬
‫عدِي ِد ْال َمعَانِي‪َ ،‬وأ َ ْنزَ لَهُ بَيْنَ أ َ ْه ِل تِ ْلكَ اللُّغَ ِة ِألَنَّ ُه ْم أ َ ْف َه ُم‬ ‫علَى َ‬ ‫سعُ َها دَ َاللَة َ‬ ‫ت َوأ َ ْو َ‬
‫اللُّغَا ِ‬
‫سائِ ُل الد ََّاللَ ِة َو ْالفَ ْه ِم‬ ‫ظاه ََر َو َ‬ ‫طفَى َرسُولَهُ ِم ْن أ َ ْه ِل تِ ْلكَ اللُّغَ ِة ِلتَت َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ِلدَقَائِ ِق َها‪َ ،‬و ِلذَلِكَ ا ْ‬
‫ّللا إِلَى ْاأل ُ َم ِم‪.‬‬
‫فَيَكُونُوا ْال ُمبَ ِلغِينَ ُم َرادَ َّ ِ‬
‫صفُ َها بِـ‬ ‫كما أقسم بالقرآن على القرآن باعتبار وقت نزوله في ليلة مباركة َو َو ْ‬
‫ئ فِي َها نُ ُزو ُل‬ ‫ي اللَّ ْيلَةُ الَّتِي ا ْبت ُ ِد َ‬ ‫بار َكة) ت َ ْن ِويه بِ َها َوت َ ْش ِويق ِل َم ْع ِرفَتِ َها‪ .‬فَ َه ِذ ِه اللَّ ْيلَةُ ِه َ‬ ‫( ُم َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضانَ َك َما قَا َل ت َ َعالَى‪{ :‬إِنَّا أنزلنَاهُ فِي‬ ‫علَ ْي ِه فِي َر َم َ‬ ‫صلى هللا ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫آن على ُم َح َّمد َ‬ ‫ْالقُ ْر ِ‬
‫لَ ْيلَ ِة ا ْلقَد ِْر} ومعنى مباركة‪ :‬كثيرة الخير والبركة فليلة القدر هي خير من ألف‬
‫شهر‪ ،‬فأنزل أفضل الكالم بأفضل الليالي واأليام على أفضل األنام‪.‬‬
‫‪ -7‬بمجموع هذه الصفات تتبين أهمية تدبر القرآن فبالتدبر تتبين حكمته والذكرى‬
‫الحاصلة به خصوصا إذا استحضرنا تيسيره وإبانته لطريق الهداية لمن أقبل‬
‫عليه‪ ،‬كما أن بمجموع هذه الصفات تتبين أهمية التمسك به فبه يشرف‪ ،‬وبه‬
‫يذكر ويعلو قدره‪.‬‬
‫‪ -8‬اجتمع في سورة يس اإلشادة بالقرآن وكذلك اإلشادة بمبلغه وهوالرسول (‪)‬‬
‫عل َى‬ ‫س ِلينَ (‪َ )3‬‬ ‫آن ا ْل َح ِك ِيم (‪ )2‬إِنَّكَ لَ ِم َن الْ ُم ْر َ‬ ‫فقال تعالى‪( :‬يس (‪َ )1‬وا ْلقُ ْر ِ‬
‫يم (‪ )4‬فكان هذا من تمام إثباتالقرآن بصدق مبلغه‪.‬‬ ‫ست َ ِق ٍ‬
‫ِص َراطٍ ُم ْ‬
‫‪- 51 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫اإلتقان في علوم القرآن ‪-‬المؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ,‬السيوطي‬ ‫‪.1‬‬
‫(المتوفى‪911 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪-‬الناشر‪ :‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪-‬الطبعة‪1394 :‬هـ‪ 1974 /‬م‪.‬‬
‫إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪-‬المؤلف‪ :‬أبو السعود العمادي‬ ‫‪.2‬‬
‫محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى‪982 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي – بيروت‪.‬‬
‫أسرار البالغة‪-‬المؤلف‪ :‬أبو بكر عبد القاهر‪ ،‬الجرجاني الدار (المتوفى‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪471‬هـ)‪-‬قرأه وعلق عليه‪ :‬محمود محمد شاكر‪-‬الناشر‪ :‬مطبعة المدني‬
‫بالقاهرة‪ ،‬دار المدني بجدة‪.‬‬
‫أسرار العربية‪ -‬المؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن عبيد هللا األنصاري‪ ،‬أبو‬ ‫‪.4‬‬
‫البركات‪ ،‬كمال الدين األنباري (المتوفى‪577 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار األرقم بن‬
‫أبي األرقم‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1420‬هـ‪1999 -‬م‬
‫أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪-‬المؤلف‪ :‬محمد األمين بن محمد‬ ‫‪.5‬‬
‫المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى‪1393 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان‪-‬عام النشر‪ 1415 :‬هـ‬
‫‪ 1995 -‬مـ‪.‬‬
‫إعراب القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أبو جعفر النَّ َّحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن‬ ‫‪.6‬‬
‫يونس المرادي النحوي (المتوفى‪338 :‬هـ)‪ -‬وضع حواشيه وعلق عليه‪:‬‬
‫عبد المنعم خليل إبراهيم‪-‬الناشر‪ :‬منشورات محمد علي بيضون‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫إمعان في أقسام القرآن – عبدالحميد الفراهي ‪ -‬دار القلم‪-‬دمشق – الدار‬ ‫‪.7‬‬
‫الشامية – بيروت – الطبعة األولى ‪1415-‬هـ‪.‬‬
‫البرهان في علوم القرآن ‪-‬المؤلف‪ :‬أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا‬ ‫‪.8‬‬
‫بن بهادر الزركشي (المتوفى‪794 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1376 ،‬هـ ‪ 1957 -‬م الناشر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‬
‫عيسى البابى الحلبي وشركائه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫البالغة العربية المؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن حسن َحبَنكة الميداني الدمشقي‬ ‫‪.9‬‬
‫(المتوفى‪1425 :‬هـ) الناشر‪ :‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1416 ،‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫‪ .10‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز‪ -‬المؤلف‪ :‬مجد الدين أبو‬
‫طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى‪817 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬محمد‬
‫علي النجار‪ -‬الناشر‪ :‬المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ‪ -‬لجنة إحياء التراث‬
‫اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .11‬تأويل مشكل القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أبو محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري‬
‫(المتوفى‪276 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬
‫‪ .12‬التبيان في أقسام القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس‬
‫الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬محمد حامد الفقي‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .13‬التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير‬
‫الكتاب المجيد»‪-‬المؤلف‪ :‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن‬
‫عاشور التونسي (المتوفى‪1393 :‬هـ)‪ -‬الناشر‪ :‬الدار التونسية للنشر –‬
‫تونس‪ -‬سنة النشر‪ 1984 :‬هـ‪.‬‬
‫‪ .14‬التعريفات‪ -‬المؤلف‪ :‬علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني‬
‫(المتوفى‪816 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف‬
‫الناشر‪ -‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت – لبنان‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‬
‫‪1403‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬تفسير القرآن العظيم‪ -‬المؤلف‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬
‫البصري ثم الدمشقي (المتوفى‪774 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬سامي بن محمد سالمة‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬تفسير الحجرات – الحديد‪ -‬المؤلف‪ :‬محمد بن صالح بن محمد العثيمين‬
‫(المتوفى‪1421 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار الثريا للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪-‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪ 1425 ،‬هـ ‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪-‬المؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن ناصر‬
‫بن عبد هللا السعدي (المتوفى‪1376 :‬هـ) ‪ -‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن بن معال‬
‫اللويحق‪-‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1420‬هـ ‪ 2000-‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬الجامع ألحكام القرآن = تفسير القرطبي‪-‬المؤلف‪ :‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد‬
‫بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى‪:‬‬
‫‪671‬هـ)‪ -‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫المصرية – القاهرة‪-‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1384 ،‬هـ ‪ 1964 -‬م‪.‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫‪ .19‬جامع البيان في تأويل القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن‬


‫غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري (المتوفى‪310 :‬هـ)‪ -‬المحقق‪ :‬أحمد محمد‬
‫شاكر‪-‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1420 ،‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬الدر المصون في علوم الكتاب المكنون‪-‬المؤلف‪ :‬أبو العباس‪ ،‬شهاب الدين‪،‬‬
‫أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى‪:‬‬
‫‪756‬هـ)‪ -‬المحقق‪ :‬الدكتور أحمد محمد الخراط‪ -‬الناشر‪ :‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ .21‬دراسات في علوم القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬محمد بكر إسماعيل (المتوفى‪:‬‬
‫‪1426‬هـ)‪ -‬الناشر‪ :‬دار المنار‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1419‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬زاد المسير في علم التفسير‪ -‬المؤلف‪ :‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن‬
‫علي بن محمد الجوزي (المتوفى‪597 :‬هـ)‪ -‬المحقق‪ :‬عبد الرزاق المهدي‪-‬‬
‫‪ 1422‬هـ‪.‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي– بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪-‬‬
‫‪ .23‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى ‪ -‬مذيال بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن‬
‫ألفاظ الشفاء‪ .‬المؤلف‪ :‬أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي‬
‫(المتوفى‪544 :‬هـ)‪-‬الحاشية‪ :‬أحمد بن محمد بن محمد الشمنى (المتوفى‪:‬‬
‫‪873‬هـ)‪ -‬الناشر‪ :‬دار الفكر الطباعة والنشر والتوزيع‪ -‬عام النشر‪1409 :‬‬
‫هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬صحيح البخاري‪-‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول هللا (‪)‬‬
‫وسننه وأيامه = المؤلف‪ :‬محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي‪-‬‬
‫المحقق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪-‬الناشر‪ :‬دار طوق النجاة (مصورة‬
‫عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ .25‬صحيح مسلم ‪-‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول‬
‫هللا (‪-)‬المؤلف‪ :‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري‬
‫(المتوفى‪261 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ -‬الناشر‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث العربي – بيروت‪.‬‬
‫‪ .26‬غريب القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أبو محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري‬
‫(المتوفى‪276 :‬هـ)‪ -‬المحقق‪ :‬أحمد صقر‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية (لعلها‬
‫مصورة عن الطبعة المصرية)‪ -‬السنة‪ 1398 :‬هـ ‪ 1978 -‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬فضائل القرآن للقاسم بن سالم‪-‬المؤلف‪ :‬أبو عُبيد القاسم بن سالم بن عبد هللا‬
‫الهروي البغدادي (المتوفى‪224 :‬هـ)‪-‬تحقيق‪ :‬مروان العطية‪ ،‬ومحسن‬
‫خرابة‪ ،‬ووفاء تقي الدين‪-‬الناشر‪ :‬دار ابن كثير (دمشق ‪ -‬بيروت)‪ -‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪ 1415 ،‬هـ ‪ 1995-‬م‪.‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫‪ .28‬فضائل القرآن وما أنزل من القرآن بمكة وما أنزل بالمدينة‪-‬المؤلف‪ :‬أبو عبد‬
‫هللا محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس بن يسار الضريس البجلي الرازي‬
‫(المتوفى‪294 :‬هـ)‪ -‬تحقيق‪ :‬غزوة بدير‪ -‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬دمشق –‬
‫سورية‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .29‬فنون األفنان في عيون علوم القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬جمال الدين أبو الفرج عبد‬
‫الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى‪597 :‬هـ) ‪( -‬المتوفى ‪597‬‬
‫هـ)‪ -‬دار النشر‪ :‬دار البشائر ‪ -‬بيروت – لبنان‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1408 -‬هـ‬
‫‪ 1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ .30‬فهم القرآن ومعانيه‪-‬المؤلف‪ :‬الحارث بن أسد المحاسبي‪ ،‬أبو عبد هللا‬
‫(المتوفى‪243 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬حسين القوتلي‪-‬الناشر‪ :‬دار الكندي‪ ،‬دار الفكر‬
‫– بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.1398 ،‬‬
‫‪ .31‬الفوائد‪-‬المؤلف‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم‬
‫الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت‪-‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪ 1393 ،‬هـ ‪ 1973 -‬م‪.‬‬
‫‪( .32‬قيمة الزمن في القرآن الكريم) بحث منشور في العدد الرابع والسبعون ‪-‬‬
‫مجلة البحوث اإلسالمية ‪ -‬ذو القعدة إلى صفر لسنة ‪1425‬هـ ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ .33‬كتاب العين‪-‬المؤلف‪ :‬أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم‬
‫الفراهيدي البصري (المتوفى‪170 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬د مهدي المخزومي‪ ،‬د‪.‬‬
‫إبراهيم السامرائي‪ -‬الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬
‫‪ .34‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪-‬المؤلف‪ :‬أبو القاسم محمود بن عمرو‬
‫بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار هللا (المتوفى‪538 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي – بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1407 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .35‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أحمد بن محمد بن إبراهيم‬
‫الثعلبي‪ ،‬أبو إسحاق (المتوفى‪427 :‬هـ)‪-‬تحقيق‪ :‬اإلمام أبي محمد بن‬
‫عاشور‪-‬مراجعة وتدقيق‪ :‬األستاذ نظير الساعدي‪-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت – لبنان‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ ،1422‬هـ ‪ 2002 -‬م‬
‫‪ .36‬مجاز القرآن‪ -‬المؤلف‪ :‬أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى‪:‬‬
‫‪209‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬محمد فواد سزگين‪-‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجى – القاهرة ‪-‬‬
‫الطبعة‪ 1381 :‬هـ‪.‬‬
‫‪ .37‬المدخل لدراسة القرآن الكريم‪-‬المؤلف‪ :‬محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة‬
‫(المتوفى‪1403 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬مكتبه السنة – القاهرة‪-‬الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪ 1423‬هـ ‪ 2003 -‬م‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫‪ .38‬محاسن التأويل‪-‬المؤلف‪ :‬محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحالق‬


‫القاسمي (المتوفى‪1332 :‬هـ)‪ -‬المحقق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪-‬الناشر‪:‬‬
‫دار الكتب العلميه– بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1418 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .39‬المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات واإليضاح عنها‪-‬المؤلف‪ :‬أبو الفتح‬
‫عثمان بن جني الموصلي (المتوفى‪392 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬وزارة األوقاف‪-‬‬
‫المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪-‬الطبعة‪1420:‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ -‬المؤلف‪ :‬أبو محمد عبد الحق بن‬
‫غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية األندلسي المحاربي (المتوفى‪:‬‬
‫‪542‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬عبد السالم عبد الشافي محمد‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫– بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1422 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .41‬المخصص‪-‬المؤلف‪ :‬أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي‬
‫(المتوفى‪458 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬خليل إبراهم جفال‪-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي – بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪1417 ،‬هـ ‪1996‬م‬
‫‪( .42‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل) تفسير النسفي ‪-‬المؤلف‪ :‬أبو البركات عبد‬
‫هللا بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (المتوفى‪710 :‬هـ)‪-‬حققه وخرج‬
‫أحاديثه‪ :‬يوسف علي بديوي‪-‬راجعه وقدم له‪ :‬محيي الدين ديب مستو‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكلم الطيب‪ ،‬بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1419 ،‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ .43‬معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي‪-‬المؤلف‪ :‬محيي السنة‪ ،‬أبو‬
‫محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى‪:‬‬
‫‪510‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬عبد الرزاق المهدي‪-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي –‬
‫بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ .44‬معانى القرآن لألخفش ‪-‬المؤلف‪ :‬أبو الحسن المجاشعي بالوالء‪ ،‬البلخي ثم‬
‫البصري‪ ،‬المعروف باألخفش األوسط (المتوفى‪215 :‬هـ)‪-‬تحقيق‪ :‬الدكتورة‬
‫هدى محمود قراعة‪-‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 1411‬هـ ‪ 1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ .45‬معاني القرآن وإعرابه‪-‬المؤلف‪ :‬إبراهيم بن السري بن سهل‪ ،‬أبو إسحاق‬
‫الزجاج (المتوفى‪311 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬عبد الجليل عبده شلبي‪-‬الناشر‪ :‬عالم‬
‫الكتب – بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ .46‬معاني القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد هللا بن منظور‬
‫الديلمي الفراء (المتوفى‪207 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬أحمد يوسف النجاتي ‪ /‬محمد‬
‫علي النجار ‪ /‬عبد الفتاح إسماعيل الشلبي‪-‬الناشر‪ :‬دار المصرية للتأليف‬
‫والترجمة – مصر‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫معجم مقاييس اللغة ‪-‬المؤلف‪ :‬أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي‪،‬‬ ‫‪.47‬‬
‫أبو الحسين (المتوفى‪395 :‬هـ) ‪-‬المحقق‪ :‬عبد السالم محمد هارون ‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬عام النشر‪1399 :‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫مفاتيح الغيب = التفسير الكبير‪-‬المؤلف‪ :‬أبو عبد هللا محمد بن عمر بن‬ ‫‪.48‬‬
‫الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري‬
‫(المتوفى‪606 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪-‬الطبعة‪:‬‬
‫الثالثة ‪ 1420 -‬هـ‪.‬‬
‫المفردات في غريب القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف‬ ‫‪.49‬‬
‫بالراغب األصفهانى (المتوفى‪502 :‬هـ)‪-‬المحقق‪ :‬صفوان عدنان الداودي‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار القلم‪ ،‬الدار الشامية ‪ -‬دمشق بيروت الطبعة‪ :‬األولى ‪1412 -‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫من بالغة القرآن‪-‬المؤلف‪ :‬أحمد أحمد عبد هللا البيلي البدوي (المتوفى‪:‬‬ ‫‪.50‬‬
‫‪1384‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬نهضه مصر – القاهرة‪-‬عام النشر‪.2005 :‬‬
‫نظم الدرر في تناسب اآليات والسور‪-‬المؤلف‪ :‬إبراهيم بن عمر بن حسن‬ ‫‪.51‬‬
‫الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى‪885 :‬هـ)‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫النكت والعيون تفسير الماوردي ‪-‬المؤلف‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد بن‬ ‫‪.52‬‬
‫محمد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي (المتوفى‪450 :‬هـ)‪-‬‬
‫المحقق‪ :‬السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم‪-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بيروت ‪ /‬لبنان‪.‬‬
‫الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬وجمل من‬ ‫‪.53‬‬
‫فنون علومه‪-‬المؤلف‪ :‬أبو محمد مكي بن أبي طالب َحمو بن محمد بن‬
‫مختار القيسي القيرواني ثم األندلسي القرطبي المالكي (المتوفى‪437 :‬هـ)‪-‬‬
‫المحقق‪ :‬مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي ‪-‬‬
‫جامعة الشارقة‪ ،‬بإشراف أ‪ .‬د‪ :‬الشاهد البوشيخي‪-‬الناشر‪ :‬مجموعة بحوث‬
‫الكتاب والسنة ‪ -‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة الشارقة‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1429 ،‬هـ ‪ 2008 -‬م‪.‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫الدكتورة ‪ /‬فلوة بنت ناصر بن حمد الراشد‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪3‬‬ ‫ملخص البحث‬
‫‪5‬‬ ‫الهدف من البحث‬
‫‪5‬‬ ‫إجراءات البحث وحدوده‬
‫‪5‬‬ ‫الدراسات السابقة‬
‫‪7‬‬ ‫القسم األول‪ :‬الجانب النظري‬
‫‪7‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬معنى القسم‬
‫‪8‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬داللة القسم في اللغة‬
‫‪9‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أهمية القسم في خطاب القرآن‬
‫‪11‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬أساليب ورود القسم في القرآن‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬القسم الظاهر‬
‫‪17‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬القسم المضمر‬
‫‪19‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬كيف نتدبر اآليات الواردة في سياق القسم‬
‫‪20‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬على مستوى القرآن‬
‫‪22‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬الجانب التطبيقي‬
‫‪26‬‬ ‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‬
‫‪28‬‬ ‫المناسبة بين القسم وموضوع السورة‬
‫‪28‬‬ ‫الهدايات والفوائد من القسم في سورة الضحى‬
‫‪31‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مثال تطبيقي لتدبر القسم على مستوى القرآن‬
‫‪33‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬القسم في سورة يس‬
‫‪33‬‬ ‫نزولها‬
‫‪33‬‬ ‫موضوع سورة يس‬
‫‪33‬‬ ‫ومناسبة القسم الذي هو مفتتح السورة للموضوع‬
‫‪34‬‬ ‫تفسير آيات القسم‬
‫‪34‬‬ ‫(يس)‬
‫‪37‬‬ ‫(الحكيم)‬
‫‪41‬‬ ‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‬
‫‪42‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬القسم في سورة (ص)‬
‫‪42‬‬ ‫نزولها‬

‫‪- 58 -‬‬
‫منهجيات في تدبر القسم في القرآن الكريم مع بحثين تطبيقيين‬

‫‪42‬‬ ‫موضوع سورة ص‬


‫‪43‬‬ ‫مناسبة القسم لموضوع السورة‬
‫‪43‬‬ ‫تفسير آيات القسم‬
‫‪47‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬القسم في سورة الزحرف‬
‫‪48‬‬ ‫موضوع سور آل حم‬
‫‪48‬‬ ‫موضوع سورة الزخرف‬
‫‪49‬‬ ‫مناسبة القسم لموضوع السورة‬
‫‪50‬‬ ‫التفسير الموجز آليات القسم‬
‫‪53‬‬ ‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‬
‫‪54‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬القسم في سورة الدخان‬
‫‪54‬‬ ‫نزولها‬
‫‪54‬‬ ‫موضوع سورة الدخان‬
‫‪56‬‬ ‫التفسير الموجز آليات القسم‬
‫‪58‬‬ ‫المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه‬
‫‪59‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬القسم في سورة ق‬
‫‪59‬‬ ‫نزولها‬
‫‪59‬‬ ‫موضوع سورة ق ومناسبة افتتاح القسم بالقرآن لهذا الموضوع‬
‫‪62‬‬ ‫التفسير العام للقسم في السورة‬
‫‪65‬‬ ‫جواب القسم‬
‫‪68‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬الفوائد والهدايات الجامعة بدين السدور الخمدس‬
‫المفتتحة بالقسم بالقرآن‬
‫‪71‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪80‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫‪- 59 -‬‬

You might also like