You are on page 1of 36

‫الرقم الدولي‪2321-7928 :‬‬ ‫بدأ صدورها في ‪2102‬م‬

‫مـــجــــلــة اهلـــــــند‬
‫ّ‬
‫مجلة فصلية محكمة‬
‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫املجلد‪9 :‬‬
‫أبريل‪-‬سبتمبر ‪2222‬م‬

‫مدير التحرير‬
‫د‪ .‬أورنك زيب األعظمي‬

‫املشارك في التحرير‬
‫د‪ .‬هيف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء شاك ــري‬

‫نائب مدير التحرير‬


‫د‪ .‬محمد معتصم األعظمي‬

‫تصدر عن‬
‫موالنا آزاد آئيديل إيجوكيشنال ترست‬
‫بولفور‪ ،‬بنغال الغربية‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪1‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫‪ISSN: 2321-7928‬‬
‫دالالت األلفاظ والتراكيب في سورة الفاتحة‬
‫دراسة بيانية تحليلية‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمد وسيم خان‪1‬‬

‫ملخص البحث‬
‫وبين أسباب‬‫اشتمل هذا البحث على مقدمة أشاد فيها الباحث بأهمية املوضوع‪ّ ،‬‬
‫اختياره‪ ،‬وذكر الدراسات السابقة عن املوضوع‪ ،‬وهدف البحث‪ ،‬وخطته‪ ،‬واملنهج‬
‫املتبع فيه‪ ،‬وختمها بكلمة الشكر‪ .‬ثم قسم الباحث بحثه إلى ثالثة مباحث أولها‬
‫نص سورة الفاتحة‪ ،‬وثانيها دراسة األلفاظ‪ ،‬وثالثها دراسة التراكيب في السورة‪.‬‬
‫الدالالت اللغوية والبيانية‪ ،‬وما احتوت عليه الحروف‬ ‫وقد ّركز الباحث على ّ‬
‫ِ‬
‫معان عميقة دقيقة‪ ،‬وإشارات لطيفة عجيبة‪ ،‬وعني‬ ‫والكلمات املفردة في ذاتها من ٍ‬
‫ودالالت‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ببيان األلفاظ‪ ،‬وشرح التراكيب‪ ،‬وما اشتملت عليه من مفاهيم‬
‫وقد مض ى الباحث ملتزما في دراسته املنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬محاوال من خالله‬
‫الوصول إلى الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه‪ ،‬وهو إبراز الجوانب البالغية‬
‫والكشف عن الوجوه البيانية في سورة الفاتحة من خالل دالالت األلفاظ‬
‫والتراكيب‪ ،‬جامعا بين الدراسة اللغوية الداللية والدراسة البيانية البالغية‪،‬‬
‫ملتزما بهما؛ ملا فيهما من ربط مباشر وثيق غير قابل لالنفصال للكشف عن‬
‫جماليات القرآن ودقائقه اللغوية‪ ،‬وعجائبه البيانية‪ ،‬ولطائفه البالغية‪ ،‬معتمدا‬
‫على أقوال املفسرين واللغويين والبيانيين‪.‬‬
‫وانتهى الباحث من خالل البحث والدراسة للموضوع إلى نتائج رصدها في خاتمة البحث‪.‬‬

‫‪ 1‬أستاذ مساعد في البالغة العربية‪ ،‬قسم اللغة العربية‪ ،‬كلية اآلداب والفنون‪ ،‬جامعة حائل‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪191‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫ّ‬
‫املقدمـة‬
‫ِّ‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬والصالة والسالم على رسوله الكريم‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه دراسة بيانية تحليلية لأللفاظ والتراكيب في سورة الفاتحة‪ ،‬وهي تحاول‬
‫كشف بعض ما فيها من أسرار البيان‪ ،‬وجمال األسلوب‪ ،‬وبالغة التعبير مستعينة‬
‫بالنظر في كتب علماء التفسير‪ ،‬واللغة‪ ،‬ومن ُع ُن ْوا ببيان جماليات التعبير القرآني‪.‬‬
‫وقد ربطت فيها بين اللغة والبالغة وبين الداللة والبيان؛ حيث قمت بتحليل‬
‫الحروف والكلمات‪ ،‬واملفردات والتراكيب‪ ،‬والكشف عما فيها من بالغة وبيان؛ إذ‬
‫تتجلى فصاحة القرآن الكريم وبالغته وبيانه بداية من اختيار الحروف والكلمات‪،‬‬
‫ثم الجمل والنظم والتأليف‪.‬‬
‫أهمية املوضوع‪ :‬يكفي ألهمية هذا املوضوع أنه متعلق بالقرآن‪ ،‬بل ّ‬
‫بأم القرآن‪،‬‬
‫يكشف عن بعض ما اشتملت عليه هذه السورة العظيمة من املعاني الجليلة‪،‬‬
‫واملطالب العالية‪ ،‬وينقب عن بعض ما احتوت عليه من ألوان البالغة والبيان‪،‬‬
‫وتتلخص أهميته في النقاط التالية‪:‬‬
‫متصل بالقرآن الكريم اتصاال مباشرا يبحث فيه‪ ،‬ويكشف عن‬ ‫‪ّ .2‬أن املوضوع ّ‬
‫بعض جمالياته‪.‬‬
‫‪ .2‬وأنه متعلق بسورة عظيمة من سور القرآن‪ ،‬وهي سورة الفاتحة التي هي‬
‫فاتحة الكتاب ّ‬
‫وأم القرآن‪.‬‬
‫‪ .3‬وأنه يبحث في جانب يتصل بإعجاز القرآن الكريم‪.‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‪ :‬هذه األسباب السابقة الكاشفة عن أهمية هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬ورغبتي في دراسة آيات القرآن دراسة تحليلية تنمي الذوق‪ ،‬وتساعدني‬

‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪192‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫على الوقوف عند دقائق القرآن اللغوية‪ ،‬وجمالياته البيانية؛ دفعتني إلى اختيار‬
‫هذا املوضوع للدرس والبحث‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪ :‬أفنى العلماء أعمارهم في دراسة القرآن وتفسيره والعناية به‬
‫من جوانب مختلفة‪ ،‬وال يزالون يستمرون في ذلك مبتغين به وجه هللا تعالى‪.‬‬
‫فإن مؤلفات التفسير اللغوي والبياني وكتب إعراب القرآن على العموم‬ ‫وعلى هذا ّ‬
‫تعد من الدراسات السابقة لهذه السورة حيث تناولتها من جوانب مختلفة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫للزمخشري (ت ‪735‬هـ)‪ ،‬والتفسير الكبير ّ‬


‫للرازي (ت‬ ‫وأخص بالذكر هنا الكشاف ّ‬
‫‪621‬هـ)‪ ،‬والبحر املحيط ألبي حيان األندلس ي (ت ‪517‬هـ)‪ ،‬والدر املصون للسمين‬
‫الحلبي (ت ‪576‬هـ)‪ ،‬وروح املعاني لآللوس ي (ت ‪2252‬هـ)‪ ،‬والتحرير والتنوير البن‬
‫عاشور (ت ‪2393‬هـ)‪ ،‬وأضواء البيان للعالمة محمد األمين الشنقيطي (ت‬
‫‪2393‬هـ) رحمهم هللا جميعا؛ ملا لها صلة أقوى بمضمون هذه الدراسة والبحث؛ إذ‬
‫تكشف عن جماليات التعبير القرآني بشكل واضح ملموس‪.‬‬
‫ثم هناك دراسات خاصة تناولت هذه السورة أو جزءا منها بالشرح والتفسير‬
‫والبيان‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬وأذكر منها ما لها صلة مباشرة باملوضوع‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ ‬بدائع الفوائد البن القيم (ت ‪572‬هـ)‪.‬‬

‫‪ ‬ملسات بيانية في نصوص من التنـزيل للدكتور فاضل صالح السامرائي‪.‬‬


‫هدف البحث‪ :‬يهدف هذا البحث إلى إبراز الجوانب البالغية والكشف عن الوجوه‬
‫البيانية في سورة الفاتحة من خالل دالالت األلفاظ والتراكيب‪.‬‬
‫خطة البحث‪ :‬اشتملت خطة البحث على مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬والخاتمة‪ ،‬والفهرس‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬وفيها بيان أهمية املوضوع‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬ومنهجه‪،‬‬
‫وكلمة الشكر‪.‬‬

‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪193‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬نص سورة الفاتحة‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دالالت األلفاظ في سورة الفاتحة‪ ،‬وفيه تسعة مطالب‪:‬‬
‫َّ‬
‫اَّللِ) ودالالتها البيانية‪.‬‬‫املطلب األول‪ :‬لفظ الجاللة (‬
‫ٱلرِنَٰمۡح َّ‬
‫ٱلرحِي ِم)‪ :‬دالالتهما البيانية‪ ،‬والفائدة في اقترانهما‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬صفتا ( َّ‬

‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد)‪ ،‬وما فيها من دالالت‪ ،‬والفرق بينها وبين الشكر‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬كلمة ( َ‬

‫ۡ‬ ‫ۡ َ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬دالالت كلمتي ( َرب ٱل َعٰلم َ‬
‫ني) البيانية‪ ،‬وما في كلمة (ٱل َر ِب) من الدقة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإليحاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِك يَ ۡو ِم‬
‫ِين) البيانية في قوله تعالى‪( :‬مٰل ِ‬ ‫املطلب الخامس‪ :‬دالالت كلمة (مٰل ِ‬
‫ِك) و(ٱدل ِ‬
‫َۡ‬
‫ِين) من‬ ‫ِين)‪ ،‬والدقة في إضافة امللك إلى اليوم‪ ،‬وما يحمل التعبير بـ(يو ِم ٱدل ِ‬
‫ٱدل ِ‬
‫املعاني واإليحاءات‪.‬‬
‫َّ َ َ‬
‫اك ن ۡع ُب ُد‬ ‫املطلب السادس‪ :‬دالالت (العبادة) و (االستعانة) البيانية في قوله تعالى‪( :‬إِي‬
‫اك ن َ ۡس َتع ُ‬
‫ِني)‪ ،‬والحكمة من االقتران بينهما‪.‬‬ ‫ِإَويَّ َ‬

‫ۡ‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ِيم)‪.‬‬ ‫املطلب السابع‪ :‬دالالت (الهداية) البيانية في قوله تعالى‪( :‬ٱهدِنا ِ‬
‫ۡ َ‬ ‫ٱلص َر ٰ َط) و (ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬
‫ِيم) البيانية في قوله تعالى‪( :‬ٱهدِنا‬ ‫املطلب الثامن‪ :‬دالالت ( ِ‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬
‫ِيم)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َۡ ُ‬ ‫ۡ‬
‫َۡۡ َ‬ ‫َ‬
‫ٱلضٓال َِني) البيانية في قوله تعالى‪:‬‬ ‫وب) و (‬
‫املطلب التاسع‪ :‬دالالت (أنعمت) و (ٱلمغض ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫َ َۡۡ َ َ ۡ ۡ ۡ َۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٱلضٓال َِني)‪.‬‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬ ‫َ َ‬
‫(صِ رٰط ٱَّلِين أنعمت علي ِهم غ ِ‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬

‫املبحث الثالث‪ :‬دالالت التراكيب في سورة الفاتحة‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬


‫ۡ َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ َرب ٱل َعٰلم َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ) في قوله تعالى‪َ ( :‬‬
‫املطلب األول‪ :‬دالالت تركيب ( َ‬
‫ني)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪194‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫ۡي‬ ‫ِين َأ ۡن َع ۡم َ‬
‫ت َعلَ ۡيه ۡم َغ ۡ‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬دالالت التراكيب في قوله تعالى‪( :‬صِ َر ٰ َط َّٱَّل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ۡ ۡ َ َ َّ‬ ‫َۡ ۡ ُ‬
‫ٱلضٓال َِني)‪.‬‬ ‫وب علي ِهم وَل‬
‫ٱلمغض ِ‬

‫ِيم) بأول السورة‪،‬‬ ‫لص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬


‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط قوله تعالى‪( :‬ٱهدِنا ٱ ِ‬
‫ووسطها‪ ،‬وآخرها‪ ،‬وما في ذلك من دالالت لطيفة‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬وفيها أهم النتائج التي توصل إليها الباحث من خالل البحث والدراسة‪.‬‬
‫الفهرس‪ :‬ويشمل قائمة املصادر واملراجع‬
‫منهج البحث‪ :‬اتبعت في دراسة هذا املوضوع املنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬وقمت في‬
‫أثناء تطبيقه بمراعاة ضوابط البحث العلمي من العزو‪ ،‬والتخريج‪ ،‬والتوثيق‪،‬‬
‫ووضع عالمات الترقيم في مكانها املناسب‪ ،‬وضبط ما يحتاج إلى ضبط إلى غير ذلك‬
‫من األمور التي ينبغي للباحث مراعاتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عز ّ‬ ‫كلمة الشكر‪ :‬أشكر هللا ّ‬
‫وجل أوال وآخرا على ما وفقني للقيام بهذا العمل‬
‫املبارك املتعلق بكتابه العزيز‪.‬‬
‫أقدم جزيل الشكر ووافر االمتنان لكل من له يد بيضاء كريمة في إخراج هذا‬ ‫كما ّ‬
‫العمل في هذه الصورة‪ ،‬فجزاهم هللا أيضا خير ما يجازي به عباده الصالحين‪.‬‬
‫وفي الختام أدعو هللا أن يرزقني الفهم والبصيرة‪ ،‬ويهديني إلى الصراط املستقيم‪،‬‬
‫ويجعل القرآن ربيع قلبي‪ ،‬ويثبتني على تالوته‪ ،‬والتأمل فيه‪ ،‬ويلهمني رشدي‪،‬‬
‫ويوفقني ملا يحبه ويرضاه‪.‬‬
‫كما أدعو هللا أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬ويرزقه القبول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويوفقني في الدنيا واآلخرة‪ .‬إنه ولي التوفيق‪.‬‬
‫ِ‬

‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪195‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫املبحث األول‬
‫ُ َ َ‬
‫ورةُ الف ِ‬
‫اُتَةِ‬ ‫نص س‬

‫ِك يَ ۡو ِم‬
‫َ‬
‫ٱلرحِي ِم ‪ ٣‬مٰل ِ‬ ‫ٱلرِنَٰمۡح َّ‬
‫ني ‪َّ ٢‬‬ ‫ِ‬ ‫ِيم ‪َ ۡ ١‬‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ َرب ۡٱل َعٰلَم َ‬ ‫ٱلرِنَٰمۡح َّ‬
‫ٱلرح ِ‬
‫َّ‬
‫ٱَّلل ِ َّ‬ ‫ِمۡسِب‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ِيم ‪ ٦‬صِ َر ٰ َط َّٱَّل َ‬
‫ِين أ ۡن َع ۡم َ‬ ‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َّ َ َ ۡ ُ َّ َ َ ۡ َ ُ‬
‫ِين ‪ ٤‬إِياك نع ُبد ِإَوياك نستعِني ‪ ٥‬ٱهدِنا ِ‬ ‫ٱدل ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫َ َۡ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ‬
‫ِني ‪٧‬‬ ‫ٱلضٓال َ‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫علي ِهم غۡيِ ٱلمغض ِ‬

‫املبحث الثاني‬
‫دالالت األلفاظ في سورة الفاتحة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل)‪ ،‬اسم‬‫اَّلل)‪ ،‬ودالالتها البيانية‪ :‬لفظ الجاللة (‬‫املطلب األول‪ :‬لفظ الجاللة (‬
‫جل في عاله‪ .‬وقد اختلف علماء اللغة في اشتقاقه على أقوال‬ ‫معروف لرب العاملين ّ‬
‫كثيرة‪ .‬فقال الفيروزآبادي‪" :‬واختلف فيه‪ -‬يعني‪ :‬لفظ الجاللة‪ -‬على عشرين قوال"‪1.‬‬
‫ّ‬
‫معلقا عليه‪" :‬قال شيخنا‪ :‬بل على أكثر من ثالثين‬ ‫وقال أبو الوفاء نصر الهوريني ِ‬
‫قوال‪ ،‬ذكرها املتكلمون على البسملة"‪ 2.‬وأشهر األقوال فيها ما يأتي‪3:‬‬

‫األول‪ :‬وهو قول أبي بكر ابن دريد صاحب "االشتقاق"‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫"فأما اشتقاق‬ ‫القول ّ‬
‫وجل فقد أقدم قوم على تفسيره‪ ،‬وال ّ‬
‫أحب أن أقول فيه شيئا"‪4.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫اسم هللا ّ‬

‫والقول الثاني‪ّ :‬إن أصله "إلـه"‪ ،‬ثم دخلت األلف والالم عليه فصار "اإللـه"‪ ،‬ثم‬
‫َّ‬
‫اَّلل"‪ .‬فاأللف والالم عوض عن‬‫حذفت الهمزة وأدغمت الالم في الالم فصار "‬

‫‪ 1‬القاموس املحيط مادة "أله"‪ ،‬ص ‪.2272‬‬


‫‪ 2‬حاشية الهوريني على القاموس املحيط مادة "أله"‪ ،‬ص ‪.2272‬‬
‫‪ 3‬تنظـر هـذه األقـوال بالتفصيل في تفسيـر أسمـاء اللـه الحسـنى‪ ،‬ص ‪ ،26-27‬واملخصص‪،‬‬
‫‪ ،272-237/25‬وسفر السعادة‪ ،26-5/2 ،‬والجـامع ألحكام القـرآن‪ ،279-275/2 ،‬والتحرير‬
‫والتنوير‪.267-262/2 ،‬‬
‫‪ 4‬االشتقاق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪196‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫مؤيدا له‪ّ :‬إن أصله "إلـه"‪ ،‬وهو مشتق من‬ ‫الهمزة‪ .‬وهذا رأي سيبويه‪ 1.‬وقال غيره ّ‬
‫ِ‬
‫فأل َهه‪ ،‬أي‪ :‬أجاره وآمنه‪ 2،‬فسميّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ّ ُ َ‬
‫يأل ُه إليه‪ :‬إذا فز َع إليه من ّ‬
‫شر نزل به‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أ ِله الرجل‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫إلها‪ .‬وقال اآلخر‪ :‬إن أصله "إلـه"‪ ،‬وهو مشتق من "أ ِلـه َيألـه"‪ :‬إذا تحير؛‪ 3‬ألن العقول‬
‫تتحير عند التفكر في جالله‪.‬‬
‫َ‬ ‫والقول الثالث‪ّ :‬إن أصله َ‬
‫"اله" على وزن ف َع َل‪ ،‬مثل ضرب‪ ،‬ثم دخلت عليه األلف‬
‫وجل وإبانة له عن كل مخلوق‪ ،‬فهو اسم وإن كان فيه معنى‬ ‫عز ّ‬ ‫والالم تعظيما هلل ّ‬
‫َ‬ ‫(وي َذ َر َك َ‬
‫وإاله َت َك)‪ 4،‬أي‪ :‬وعبادتك؛ ألنهم كانوا يعبدون فرعون‪.‬‬ ‫ف ْعل‪ .‬وقرأ ابن عباس َ‬
‫ِ‬
‫والقول الرابع‪ّ :‬إن أصله ِ"واله"‪ ،‬فأبدلت الواو همزة‪ ،‬فصارت "إلـه"‪ ،‬وهو مشتق‬
‫َ َ‬ ‫الو َلـه‪ ،‬بمعنى الحب واالشتياق الشديد‪ّ 5:‬‬
‫من َ‬
‫ألن قلوب العباد ت ْوله إليه‪.‬‬
‫ونجد عند التأمل ّأن كل هذه املعاني والصفات موجودة في ذات هللا تعالى‪ :‬فهو‬
‫معبود يعبده الخلق‪ ،‬ويفزعون إليه عند الشدائد والنوازل‪ ،‬وهو محبوب لدى‬
‫عباده الصالحين‪ :‬يحبونه ويطيعون أمره‪ ،‬كما تتحير العقول عند التفكر في‬
‫جالله‪ ،‬وفي بديع صنعه‪ ،‬وعجيب خلقه‪ ،‬وعظيم قدرته‪.‬‬
‫والقول الخامس‪ :‬ذهب جماعة من أهل العربية والفقهاء‪ -‬منهم اإلمام أبو حنيفة‪،‬‬
‫ومحمد بن الحسن‪ ،‬واإلمام الشافعي رحمهم هللا‪ -‬إلى أنه علم غير مشتق‪ ،‬وال‬
‫والرحيم‪ ،‬وإليه ذهب‬‫الرحمن ّ‬ ‫يجوز حذف األلف والالم عنه‪ ،‬كما يجوز من ّ‬
‫الخليل‪ ،‬والفيروزآبادي‪6.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الكتاب‪.296-297/2 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬القاموس املحيط مادة "أله"‪ ،‬ص ‪.2272‬‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.2272‬‬
‫‪ 4‬سورة األعراف‪ .225 :‬وينظر للقراءة‪ :‬جامع البيان‪ ،39/23 ،‬واملحتسب‪ ،276/2 ،‬والبحر‬
‫املحيط‪.167/1 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة "وله"‪.122-399/27 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬تفسير أسماء هللا الحسنى‪ ،‬ص ‪ ،27‬وسفر السعادة‪ ،27/2 ،‬والجامع ألحكام القرآن‪،‬‬
‫‪ ،279/2‬والقاموس املحيط مادة "أله"‪ ،‬ص ‪.2272‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪197‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫السهيلي‪ 1،‬وشيخه أبو بكر ابن العربي ّأن‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪" :‬زعم ل‬
‫اسم هللا غير مشتق؛ ّ‬
‫ألن االشتقاق يستلزم مادة يشتق منها‪ ،‬واسمه تعالى قديم‪،‬‬
‫والقديم ال مادة له‪ ،‬فيستحيل االشتقاق‪.‬‬
‫وال ريب أنه إن أريد باالشتقاق هذا املعنى‪ ،‬وأنه مستمد من أصل آخر‪ ،‬فهو باطل‪.‬‬
‫َ‬
‫ولكن الذين قالوا باالشتقاق لم يريدوا هذا املعنى‪ ،‬وال أل ّم بقلوبهم‪ ،‬وإنما أرادوا أنه‬
‫دال على صفة له تعالى‪ ،‬وهي اإللهية‪ ،‬كسائر أسمائه الحسنى‪ ،‬كالعليم‪ ،‬والقدير‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فإن هذه أسماء مشتقة من مصادرها بال‬ ‫والغفور‪ ،‬والرحيم‪ ،‬والسميع‪ ،‬والبصير‪ّ ،‬‬
‫ريب‪ ،‬وهي قديمة‪ ،‬والقديم ال مادة له‪ ،‬فما كان جوابكم عن هذه األسماء‪ ،‬فهو‬
‫َّ‬
‫اَّلل"؟‬‫جواب القائلين باشتقاق اسمه "‬
‫ثم الجواب عن الجميع‪ :‬أننا ال نعني باالشتقاق إال أنها مالقية ملصادرها في اللفظ‬
‫ّ‬
‫واملعنى‪ ،‬ال أنها متولدة منها تول َد الفرع من أصله‪ .‬وتسمية النحاة للمصدر واملشتق‬
‫ّ‬
‫منه أصال وفرعا ليس معناه ّأن أحدهما تولد من اآلخر‪ ،‬وإنما هو باعتبار ّأن‬
‫ّ‬
‫يتضمن اآلخر وزيادة‪.‬‬ ‫أحدهما‬
‫وقول سيبويه‪" :‬إن الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث األسماء"‪ )2،‬هو بهذا‬
‫االعتبار‪ ،‬ال أن العرب تكلموا باألسماء أوال‪ ،‬ثم اشتقوا منها األفعال‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫التخاطب باألفعال ضروري‪ ،‬كالتخاطب باألسماء‪ ،‬ال فرق بينهما‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتضمن‪-‬‬ ‫فاالشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مادي‪ ،‬وإنما هو اشتقاق تالزم‪ّ ،‬‬
‫سمي‬
‫ِ‬
‫بالكسر‪ -‬مشتقا‪ ،‬واملتضمن‪ -‬بالفتح‪ -‬مشتقا منه‪ ،‬وال محذور في اشتقاق أسماء‬
‫هللا تعالى بهذا املعنى"‪3.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬نتائج الفكر‪ ،‬ص ‪.72‬‬


‫‪ 2‬الكتاب‪ ،22/2 ،‬وفيه‪" :‬وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث األسماء‪ ،‬وبنيت ملا مض ى‪،‬‬
‫وملا يكون ولم يقع‪ ،‬وما هو كائن لم ينقطع"‪.‬‬
‫‪ 3‬بدائع الفوائد‪.12-39/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪198‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫َّ‬
‫ٱَّللِ) بمعنى االستعانة؛ ّ‬
‫ألن الفعل ال يتأتى على الوجه األكمل إال‬ ‫و(الباء) في (ِمۡسِب‬
‫بالبسملة‪1.‬‬

‫ٱلرِنَٰمۡح َّ‬
‫ٱلرحِي ِم)‪ ،‬ودالالتهما البيانية‪ ،‬والفائدة في‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬صفتا ( َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الرحمن ف ْعالن من الرحمة‪ .‬وصيغة ف ْعالن تفيد الداللة على الحدوث‬ ‫اقترانهما‪ّ :‬‬
‫وجوعان‪ ،‬كما تفيد أيضا االمتالء بالوصف‪،‬‬ ‫والتجدد‪ ،‬وذلك نحو َعطشان َ‬
‫فيقولون‪ :‬غضبان ملن امتأل غضبا‪ ،‬وسكران ملن امتأل سكرا‪2.‬‬

‫والرحمن علم وصفة‪ ،‬وهي من األعالم الخاصة باهلل‪ ،‬فال يجوز ألحد أن يسمي‬
‫نفسه بالرحمن‪ ،‬فهو في هذا الباب كلفظ الجاللة‪ ،‬بخالف الصفات األخرى‬
‫كالرحيم والكريم وغير ذلك‪ ،‬فإنه ال بأس بالتسمي بها‪ ،‬وشتان بين املوصوفين‪3.‬‬

‫والرحيم فعيل من الرحمة‪ .‬وصيغة فعيل تدل على الثبوت في الصفة‪ ،‬نحو طويل وجميل‪،‬‬
‫كما تفيد التحول في الوصف إلى ما يقرب من الثبوت‪ ،‬نحو خطيب وبليغ وكريم‪4.‬‬

‫فجاء بالوصفين للداللة على ّأن هذه الصفة ثابتة فيه ومتجددة‪ ،‬وأفاد بالجمع‬
‫بين الوصفين ما لم يفده عدمه‪.‬‬
‫فلو وصف نفسه بأنه رحمن فقط لوقع في النفس ّأن هذا الوصف غير ثابت‪،‬‬
‫كالغضبان والعطشان‪ ،‬والواقع ليس كذلك؛ فإنه يغضب ولكنه رحيم بعباده‪،‬‬
‫ورحمته وسعت كل ش يء‪ ،‬بل غضبه أيضا مقرون برحمته‪.‬‬
‫ولو وصف نفسه بالرحيم فقط لوقع في النفس ّأن هذا وصفه الثابت‪ ،‬والواقع أنه‬
‫قد يأتي وقت ال يرحم فيه‪ ،‬كالكريم قد ال يكرم‪ ،‬والخطيب قد ال يخطب‪5.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬مغني اللبيب‪ ،‬ص ‪.227‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬معاني األبنية في العربية‪ ،‬ص ‪.52-55‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬تفسير أسماء هللا الحسنى‪ ،‬ص ‪ ،25‬وبدائع الفوائد‪ ،12-12/2 ،‬والقول املفيد‪.262/2 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬معاني األبنية في العربية‪ ،‬ص ‪ ،71-73‬و‪ ،65-67‬و‪.55-53‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪199‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫وجل متصف بصفة الرحمة الثابتة واملتجددة‪ ،‬وهذه الصفة هو‬ ‫ّ‬ ‫فاهلل ّ‬
‫عز‬
‫موصوف بها كما يليق بجالله‪.‬‬
‫وقال السهيلي‪" :‬وفائدة الجمع بين الصفتين ّ‬
‫الرحمن والرحيم اإلنباء عن رحمة‬
‫عاجلة وآجلة‪ ،‬وخاصة وعامة"‪1.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪" :‬وأما الجمع بين الرحمن والرحيم ففيه معنى هو‬
‫أحسن من املعنيين اللذين ذكرهما السهيلي‪ :‬وهو ّأن الرحمن ّ‬
‫دال على الصفة‬
‫القائمة به سبحانه‪ ،‬والرحيم ّ‬
‫دال على تعلقها باملرحوم‪ .‬فكان األول للوصف‪،‬‬
‫والثاني للفعل‪.‬‬
‫دال على ّأن الرحمة صفته‪ ،‬والثاني ّ‬
‫دال على أنه يرحم خلقه برحمته‪ ،‬وإذا‬ ‫فاألول ّ‬
‫أردت فهم هذا فتأمل قوله‪َ ( :‬و ََك َن بٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ‬
‫ِني َرحِيما)‪( 2،‬إنَّ ُهۥ به ۡم َر ُءوف َّرحِيم)‪3.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ولم يجئ قط "رحمن بهم"‪ ،‬فعلم ّأن "رحمن" هو املوصوف بالرحمة‪ ،‬و"رحيم" هو‬
‫ُ‬ ‫الراحم برحمتـه‪ ،‬وهذه نكتة ال تكاد تجدها في كتاب‪ ،‬وإن ّ‬
‫تنفست عندها مرآة‬
‫ُ‬
‫صورتها"‪4.‬‬ ‫قلبك لم َتنجل َ‬
‫لك‬ ‫ِ‬
‫وقد ذكروا ّأن الرحمن عام للناس‪ ،‬والرحيم خاص باملؤمنين‪ ،‬وتحصل في الدنيا‬
‫كما تحصل في اآلخرة‪5.‬‬

‫قال العالمة الشنقيطي‪" :‬هما‪ -‬أي‪ :‬الرحمن والرحيم‪ -‬وصفان هلل تعالى‪ ،‬واسمان‬
‫من أسمائه الحسنى‪ ،‬مشتقان من الرحمة على وجه املبالغة‪ ،‬والرحمن أشد‬
‫مبالغة من الرحيم؛ ّ‬
‫ألن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخالئق في الدنيا‪،‬‬

‫‪ 1‬نتائج الفكر‪ ،‬ص ‪.73‬‬


‫‪ 2‬سورة األحزاب‪.13 :‬‬
‫‪ 3‬سورة التوبة‪.225 :‬‬
‫‪ 4‬بدائع الفوائد‪.12/2 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬أضواء البيان‪.19-15/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪211‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫وللمؤمنين في اآلخرة‪ ،‬والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة‪ .‬وعلى هذا أكثر‬
‫العلماء‪ .‬وفي كالم ابن جرير الطبري ما ُي َ‬
‫فهم منه حكاية االتفاق على هذا"‪1.‬‬

‫وقال السمين الحلبي بعدما ذكر الخالف الواقع في أيهما أبلغ‪ ،‬الرحمن أو الرحيم؟‬
‫"والظاهر ّأن جهة املبالغة فيهما مختلفة‪ ،‬فمبالغة "فعالن" من حيث االمتالء‬
‫الرحمة"‪2.‬‬ ‫ّ‬
‫بمحال ّ‬ ‫والغلبة‪ ،‬ومبالغة "فعيل" من حيث التكرار والوقوع‬
‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد)‪ ،‬وما فيها من دالالت‪ ،‬والفرق بينها وبين املدح والشكر‪:‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬كلمة ( َ‬
‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد)‪ :‬األلف والالم في الحمد لتعريف الجنس على سبيل‬
‫أوال‪ :‬داللة (أل) في ( َ‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪ ،‬أو للعهد‪ ،‬أي‪ :‬الحمد املعهود بين‬ ‫االستغراق‪ ،‬أي‪ :‬جميع أنواع الحمد هلل ّ‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪3.‬‬ ‫الناس هلل ّ‬
‫ثانيا‪ :‬داللة كلمة ( ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡم ُد) والفرق بينها وبين املدح‪ْ :‬‬
‫الحمد نقيض الذم‪ 4،‬وهو الثناء‬
‫على الجميل من نعمة أو غيرها مع املحبة واإلجالل‪ 5.‬وهو هنا ّ‬
‫أدق وأوفى باملراد من‬
‫املدح والشكر‪.‬‬
‫فأما من ناحية املدح فالحمد ال يكون إال للحي العاقل‪ ،‬بخالف املدح فقد يكون‬
‫للحي العاقل وقد يكون للحي غير العاقل‪ ،‬كما يكون للجمادات أحيانا‪ ،‬فقد تمدح‬
‫إنسانا‪ ،‬وقد تمـدح حيوانا‪ ،‬وقد تمدح جمادا‪ ،‬ويستحيل أن تحمدها‪6.‬‬

‫فدل " ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ" ّأن هللا حي‪ ،‬له الصفات العليا‪ ،‬واألفعال الجميلة يحمد عليها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أخص من املدح‪ ،‬وضده الذم‪،‬‬ ‫ولو قال‪" :‬املدح هلل" لم يفد شيئا من ذلك‪ .‬فالحمد‬

‫‪ 1‬املصدر نفسه‪.15-15/2 ،‬‬


‫‪ 2‬الدر املصون‪.33/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬جامع البيان‪ ،239-235/2 ،‬والبحر املحيط‪ ،32/2 ،‬وفتح القدير‪ ،29/2 ،‬والتحرير‬
‫والتنوير‪.279/2 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬تهذيب اللغة مادة "حمد"‪.131/1 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬الكشاف‪ ،72-72/2 ،‬والبحر املحيط‪ ،32/2 ،‬وروح املعاني‪.97-92/2 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬البحر املحيط‪ ،32/2 ،‬والتفسير الكبير‪.255/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪211‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫بخالف املدح إذ ضده الهجاء‪ 1.‬وكذلك ّ‬
‫فإن في الحمد من التعظيم والفخامة ما‬
‫ليس في املدح‪ 2.‬وكذلك فإن املدح قد يكون قبل اإلحسان وقد يكون بعده‪ ،‬وأما‬
‫الحمد فال يكون إال بعد اإلحسان‪3.‬‬

‫ومعنى ذلك‪ّ :‬أن الحمد يكون ملا هو حاصل من املحاسن في الصفات وفي الفعل‪ ،‬فال‬
‫يحمد من ليس في صفاته ما يستحق الحمد‪ ،‬وال يحمد من لم يفعل جميال‪ ،‬بخالف‬
‫املدح فقد يكون بغير ذلك‪ ،‬فتمدح إنسانا ولم يفعل شيئا من املحاسن والجميل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الفرق بين الحمد والشكر‪ :‬وأما من ناحية الشكر ّ‬
‫فإن الحمد قد يكون‬
‫لصنيعة جميلة حصلت لك‪ ،‬وقد يكون ابتداء ملا هو حاصل من املحمود لغيرك أو‬
‫ثابت فيه من الصفات العليا‪ ،‬والشكر ال يكون إال ثناء ل َيد َ‬
‫أوليتها‪4.‬‬
‫ِ ٍ‬
‫كما ّأن الشكر خاص بالنعمة‪ ،‬وال يكون على الصفات الذاتية‪ ،‬بخالف الحمد‬
‫ُ‬
‫فإنه يعم الجميع‪ 5.‬فكان اختيار الحمد أولى أيضا من الشكر؛ ألنه أعم؛ إذ تـثني‬
‫وجل لنعمه الواصلة إليك‪ ،‬وإلى الخلق أجمعين‪ ،‬كما تثني عليه‬ ‫عز ّ‬ ‫على هللا ّ‬
‫بصفاته العليا الذاتية‪ ،‬وإن لم يتعلق ش يء منها بك‪6.‬‬

‫فإن الشكر يقع باللسان‬ ‫وال يكون الشكر أعم من الحمد إال من جهة ما يقعان به‪ّ :‬‬
‫وبغيره من الجوارح‪ ،‬والحمد ال يقع إال باللسان‪ .‬كما يكون الحمد أعم من الشكر‪-‬‬
‫فإن الشكر ال يكون إال على نعمة أصابت‬‫كما سبق‪ -‬باعتبار ما يقعان عليه‪ّ :‬‬
‫الشاكر من املشكور له‪ ،‬بخالف الحمد فإنه يكون على النعمة أصابت الحامد أو‬
‫غيره‪ ،‬أو على الصفات الذاتية‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬تهذيب اللغة مادة "حمد"‪.131/1 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬روح املعاني‪.97/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير‪.255/2 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬تهذيب اللغة مادة "حمد"‪ ،131/1 ،‬والتفسير الكبير‪.259-255/2 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة "حمد"‪.233/1 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪212‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫وملا كان املقصود هو الثاني مراعاة للسياق فضله هنا على الشكر‪ ،‬كما ّأن الشكر‬
‫فضله على الحمد في آيات أخرى كثيرة؛ ّ‬
‫ألن السياق اقتضاه‪1.‬‬

‫فثبت ّأن اختيار كلمة الحمد هنا كان أولى من كلمة املدح والشكر‪.‬‬
‫وجل‪ ،‬وليست‬‫ّ‬ ‫والالم الجارة في ( ِ ََّّللِ) لالستحقاق‪ 2،‬أي‪ :‬يستحقه هللا ّ‬
‫عز‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للملك وغيره من املعاني‬
‫لالختصاص؛ ألن املدح ليس خاصا باهلل عز وجل‪ ،‬وليس ِ‬
‫لعدم مطابقتها مقتض ى الكالم‪.‬‬
‫ۡ َ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬دالالت كلمتي ( َرب ٱل َعٰلم َ‬
‫ني) البيانية‪ ،‬وما في كلمة (الرب) من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫الدقة واإليحاء‪ :‬قال ابن فارس‪" :‬الراء والباء يدل على أصول‪ .‬فاألول إلصالح‬
‫الش يء والقيام عليه‪ .‬فالرب‪ :‬املالك‪ ،‬والخالق‪ ،‬والصاحب‪ .‬والرب املصلح للش يء‪.‬‬
‫ّ‬
‫والرب‪ :‬املالك‪ ،‬والسيد‪،‬‬ ‫رب فالن ضيعته‪ ،‬إذا أقام على إصالحها‪3."...‬‬ ‫يقال‪ّ :‬‬
‫واملربي‪ّ ،‬‬
‫والقيم‪ ،‬واملنعم‪4.‬‬

‫عز ّ‬
‫وجل‪ ،‬وإذا أريد بها غيره أضيفت إليه‬ ‫وكلمة الرب إذا أطلقت انصرفت إلى هللا ّ‬
‫غالبا‪ ،‬فقيل مثال‪ :‬رب البيت‪ ،‬ورب ّ‬
‫الدابة‪5.‬‬

‫والعاملين جمع عالم‪ ،‬وهو كل موجود سوى هللا تعالى‪ .‬ويجمع على العاملين للعقالء‬
‫أو ملا غلب فيه العقالء‪6.‬‬

‫وال شك ّأن هللا ‪ ‬رب العاملين‪ ،‬رب السموات واألرض وما بينهما‪ .‬بيده ملكوت كل‬
‫ش يء وهو على كل ش يء قدير‪ّ .‬‬
‫فرب العاملين‪ :‬مالكهم وسيدهم‪ ،‬ومربيهم‪ ،‬واملنعم عليهم‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الكشاف‪ ،72-72/2 ،‬وفتح القدير‪.29/2 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬مغني اللبيب‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪ 3‬مقاييس اللغة مادة "رب"‪.352/2 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة "ربب"‪.97/7 ،‬‬
‫‪ 5‬املصدر نفسه‪ ،‬مادة "ربب"‪.97/7 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬أنوار التنـزيل‪ ،‬ص ‪ ،5‬وفتح القدير‪.22/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪213‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫وكلمة الرب هنا دقيقة‪ ،‬لها من املعاني واإليحاءات ما لم توجد لو وضعت كلمة‬
‫أخرى مكانها؛ فإنها ّ‬
‫تدل على أنه رب العاملين القائم على أمورهم‪ ،‬املدبر لشؤونهم‪،‬‬
‫املصلح ألحوالهم‪ ،‬املنعم عليهم‪ .‬وهو سيدهم‪ ،‬ومالكهم‪ ،‬وخالقهم‪ ،‬ورازقهم‪،‬‬
‫يسمع لهم‪ ،‬ويعلم بهم إلى آخر ما هو من صفات الرب الذي يملك ناصية مربوبه‪.‬‬
‫ۡ َ‬
‫وقد وقف بعض املفسرين عند هذا املعنى‪ ،‬فقالوا‪ :‬ودخل تحت قوله‪َ ( :‬رب ٱل َعٰلم َ‬
‫ني)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثير من صفات هللا تعالى كالعليم‪ ،‬والسميع‪ ،‬والبصير‪ ،‬والقيوم‪ ،‬واملريد‪ ،‬وامللك‪،‬‬
‫ألن كل واحد من هذه األسماء والصفات يطلب ما يقع عليه‪1.‬‬ ‫وما أشبه ذلك؛ ّ‬

‫كذلك فإن في كلمة الرب داللة على ّأن جميع العاملين مفتقر إليه افتقارا تاما‪ ،‬في‬
‫حال حدوثها وبقائها‪ ،‬كما يفتقر املربوب إلى ربه‪2.‬‬

‫ني) ردا على اليهود الذين يدعون أن هللا رب بني‬ ‫أن في قوله‪َ ( :‬رب ۡٱل َعٰلَم َ‬
‫كما ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إسرائيل خاصة‪ ،‬وليس رب الخلق اآلخرين من البشر‪ ،‬فرد عليهم بأنه رب العاملين‬
‫جميعا‪ .‬فحسن اختيار ( َرب ۡٱل َعٰلَم َ‬
‫ني) من كل وجه‪3.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫املطلب الخامس‪ :‬دالالت كلمة (مالك) و(الدين) البيانية في قوله تعالى‪( :‬مٰل ِ‬
‫ِك‬
‫َۡ‬ ‫َۡ‬
‫ِين)‪ ،‬والدقة في إضافة امللك إلى اليوم‪ ،‬وما يحمل التعبير بـ(يو ِم ٱدل ِ‬
‫ِين) من‬ ‫يو ِم ٱدل ِ‬
‫املعاني واإليحاءات‪:‬‬
‫الدين مشتق من دان يدين‪ ،‬قال ابن فارس‪" :‬الدال والياء والنون أصل واحد إليه‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والذل"‪ّ 4.‬‬ ‫ل‬
‫وسمي يوم القيامة بيوم الدين‪-‬‬ ‫يرجع فروعه كلها‪ .‬وهو جنس من االنقياد‬
‫ّ‬
‫والذل‪5.‬‬ ‫أي‪ :‬يوم الجزاء والحساب‪ -‬ملا فيه من مظاهر االنقياد‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬روح املعاني‪.225/2 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير‪.255/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 4‬مقاييس اللغة مادة "دين"‪.329/2 ،‬‬
‫‪ 5‬املصدر نفسه‪ ،‬مادة "دين"‪.322-329/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪214‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫وجل َملك‪ ،‬ومالك لجميع األشياء في جميع األوقات‪ ،‬إال أنه ّ‬ ‫ّ‬
‫خصص ذلك هنا‬ ‫وهللا عز ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ ُْ‬ ‫بيوم ّ‬
‫ألن امللك وا ِمللك الحاصلين في الدنيا‬ ‫الدين ملعنى لطيف؛ وذلك‪ -‬وهللا تعالى أعلم‪-‬‬
‫لبعض الناس بحسب الظواهر يزوالن‪ ،‬وينسلخ الخلق عنهما انسالخا تاما ظاهرا‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ُّ‬
‫واضحا في اآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وُك ُه ۡم َءاتِيهِ يَ ۡو َم ٱلق َِيٰ َمةِ ف ۡر ًدا)‪ 1،‬وينفرد سبحانه وتعالى‬
‫َ َ ُ َۡ‬
‫جل في عاله‪( :‬يَ ۡو َم َل ت ۡمل ِك نفس‬
‫ذلك اليوم بامللكية وامللوكية انفرادا ال خفاء فيه‪ ،‬قـال ّ‬
‫ۡ‬ ‫َّ ۡ‬ ‫ۡ ۡ ُ ۡ‬ ‫َۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱل َق َّهار)‪4 3‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫نلَفس ش ۡيئاُۖ َوٱۡل ۡم ُر يَ ۡو َمئذ َِّلل)‪ 2،‬وقال‪( :‬ل َِمن ٱل ُملك ٱِلَ ۡو َم َِّلل ٱل َوٰحد‬
‫ِ ِ‬ ‫ُۖ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كما ّأن في إضافة امللك إلى اليوم‪ -‬مع ّأن اليوم ال ُيملك‪ ،‬بل ُيملك ما فيه‪ -‬معنى‬
‫لطيفا أيضا‪ :‬وهو ّأن ذلك يفيد العموم‪ ،‬فمالك اليوم مالك لكل ما اشتمل عليه‬
‫من أمور مادية ومعنوية‪ ،‬فملكية اليوم هي ملكية لكل ما يجري ويحدث في ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬ولكل ما في ذلك اليوم‪ ،‬ولكل من في ذلك اليوم‪ ،‬فهي إضافة دقيقة في مكانها‬
‫ال تقوم مقامها إضافة‪5.‬‬

‫ۡ‬
‫ِين" دون "يَ ۡو ِم ٱلق َِيٰ َمةِ" فيه من املعاني واإليحاءات التي ال‬ ‫َۡ‬
‫كما أن التعبير بـ"يو ِم ٱدل ِ‬
‫توجد في غيرها‪ :‬فإن الدين بمعنى الجزاء يشمل جميع أحوال القيامة من ابتداء‬
‫النشور إلى السرمد الدائم‪ ،‬بل يكاد يتناول النشأة األولى بأسرها على أن يوم‬
‫القيامة ال يفهم منه الجزاء مثل يوم الدين‪6.‬‬

‫قال الجرجاني في قوله تعالى‪َ ( :‬مٰل ِ َ ۡ‬


‫ِك يو ِم ٱدل ِ‬
‫ِين)‪" :‬فإن الجزاء يتناول جميع أحوال‬
‫الدين له عدة معان‪ :‬كالجزاء‪ ،‬والحساب‪ ،‬والطاعة‪،‬‬ ‫اآلخرة إلى السرمد"‪ 7.‬ثم إن ّ‬
‫ل‬
‫والقهر‪ ،‬يجمعها أصل االنقياد والذل كما سبق قريبا‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة مريم‪.97 :‬‬


‫‪ 2‬سورة االنفطار‪.29 :‬‬
‫‪ 3‬سورة غافر‪.26 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬روح املعاني‪.227/2 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬روح املعاني‪.227/2 ،‬‬
‫‪ 7‬حاشية الجرجاني على الكشاف‪.217/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪215‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫فذلك اليوم هو يوم الدين كله‪ ،‬فهو يوم الحساب‪ ،‬وهو يوم الجزاء‪ ،‬وهو يوم‬
‫يعز فيه أهل الطاعة‪ ،‬ويقهر ويذل فيه أهل‬ ‫الطاعة والخضوع هلل‪ ،‬وهو يوم ّ‬
‫املعصية‪ ،‬إلى غير ذلك من املعاني التي تؤديها كلمة الدين‪ ،‬وال تؤديها كلمة القيامة‪1.‬‬

‫معان شاع استعماله فيها كالطاعة والشريعة‪،‬‬‫ٍ‬ ‫وقال اآللوس ي‪" :‬وأيضا للدين‬
‫فتذهب نفس السامع إلى كل مذهب سائغ‪ ،‬وقد قال بكل هذين املعنيين بعض‪،‬‬
‫واملعنى حينئذ على تقدير مضاف‪ ،‬فعلى األول يوم الجزاء الكائن للدين‪ ،‬وعلى‬
‫الثاني يوم الجزاء الثابت في الدين‪.‬‬
‫وإذا أريد بالطاعة في األول االنقياد املطلق لظهوره ذلك اليوم ظاهرا وباطنا‪،‬‬
‫وجعل إضافة "يوم" للدين في الثاني ملا بينهما من املالبسة باعتبار الجزاء؛ لم يحتج‬
‫إلى تقدير"‪2.‬‬

‫ني)؛ وذلك‬‫أن قوله‪( :‬يَ ۡو ِم ٱدلِين) أنسب لقوله‪َ ( :‬رب ۡٱل َعٰلَم َ‬
‫وهناك أمر آخر وهو ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشتمال العاملين يوم القيامة على املكلفين وال بد‪ ،‬وأنسب ألصناف املكلفين التي‬
‫منعم عليهم‪ ،‬ومغضوب عليهم وضالين؛ ألن من معنى "الدين"‬ ‫ذكرتهم السورة من َ‬
‫الجزاء والحساب والطاعة والقهر‪ ،‬وهذه كلها إنما تكون لهؤالء‪ ،‬فهو أنسب من‬
‫يوم القيامة الذي ال يفهم من معناه اللغوي ما يفهم من يوم الدين‪3.‬‬

‫ثم إذا تأملنا في هذه األسماء والصفات املذكورة واقترانها بالحمد رأينا ما أحسن‬
‫اقترانها به وما أجمله!‪ .‬فاستغرق الحمد الزمان كله من األزل إلى األبد‪ ،‬ولم يترك‬
‫وَّل َوٱٓأۡلخ َِرةِۖ)‪ 4،‬وشمل ذلك قوله‪َ ( :‬وقُ ِ َ‬ ‫ُۡ َ‬ ‫منه شيئا‪ ،‬فكان كقوله‪ُُ َ ( :‬ل ۡ َ‬
‫ِض‬ ‫ٱۡل ۡم ُد ِِف ٱۡل ٰ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫ني)‪ 5،‬وقوله‪َ ( :‬و َءاخ ُِر َد ۡع َوى ٰ ُه ۡم أ ِن ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡم ُد َِّلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِيل ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ َرب ۡٱل َع ٰلَم َ‬ ‫َۡ َ َ‬ ‫َۡ‬
‫بَين ُهم بِٱۡل ِ ِۚ‬
‫ق وق‬
‫ِ‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ 2‬روح املعاني‪.227/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 4‬سورة القصص‪.52 :‬‬
‫‪ 5‬سورة الزمر‪.57 :‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪216‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫َرب ٱل َعٰلم َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ني)‪ 1،‬فلم يترك شيئا من الحمد إال ذكره‪ ،‬ولم يترك وقتا منذ األزل إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األبد إال استغرقه‪ ،‬فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى أم الكتاب‪2.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪" :‬في ذكر هذه األسماء بعد الحمد‪ ،‬وإيقاع الحمد على‬
‫مضمونها ومقتضاها ما ّ‬
‫يدل على أنه محمود في إلهيته‪ ،‬محمود في ربوبيته‪ ،‬محمود في‬
‫رب محمود‪ ،‬ورحمن محمود‪ ،‬وملك محمود"‪3.‬‬ ‫رحمانيته‪ ،‬محمود في ملكه‪ ،‬وأنه إله محمود‪ّ ،‬‬
‫َّ َ َ‬
‫اك ن ۡعبُ ُد‬ ‫املطلب السادس‪ :‬دالالت (العبادة) و (االستعانة) البيانية في قوله تعالى‪( :‬إِي‬
‫ِني)‪ ،‬والحكمة من االقتران بينهما‪ :‬العبادة في اللغة التذلل والخضوع‪ ،‬وهو‬ ‫اك ن َ ۡستَع ُ‬
‫ِإَويَّ َ‬

‫يعبد‪ .‬قال ابن فارس‪" :‬العين والباء والدال أصالن صحيحان كأنهما‬ ‫عبد ُ‬ ‫مشتق من َ‬
‫ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫متضادان‪ ،‬واألول منهما يدل على لين وذ ّل‪ ،‬واآلخر على شدة ِ‬
‫وغلظ"‪ 4.‬وفي االصطالح‪:‬‬
‫عز ّ‬
‫وجل ويرضاه من األقوال واألعمال الباطنة‬ ‫هي اسم جامع لكل ما يحبه هللا ّ‬
‫والظاهرة‪ 5.‬وهي مالزمة للحب والتذلل والخضوع‪ .‬فعبادة هللا تستلزم الحب مع التذلل‬
‫والخضوع‪ .‬قال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫"والعبادة تجمع أصلين‪ :‬غاية الحب بغاية الذل والخضوع‪ .‬والعرب تقول‪ :‬طريق‬
‫معبد‪ ،‬أي‪ :‬مذلل‪ ،‬والتعبد‪ :‬التذلل والخضوع‪ .‬فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم‬
‫تكن عابدا له‪ ،‬ومن خضعت له بال محبة لم تكن عابدا له حتى تكون محبا له"‪6.‬‬

‫واالستعانة مشتق من العون‪ ،‬وهي من االستفعال‪ ،‬ومن معاني االستفعال‬


‫املشهورة السؤال والطلب‪ 7،‬فهي بمعنى طلب العون والنصر‪ ،‬وهي مالزمة للثقة‬
‫واالعتماد‪ .‬قال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫‪ 1‬سورة يونس‪.22 :‬‬


‫‪ 2‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.12-12‬‬
‫‪ 3‬الضوء املنير‪.62/2 ،‬‬
‫‪ 4‬مقاييس اللغة مادة "عبد"‪.227/1 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪.219/22 ،‬‬
‫‪ 6‬بدائع التفسير‪.13/2 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر‪ :‬ارتشاف الضرب‪ ،259/2 ،‬واملغني في تصريف األفعال‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪217‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫"واالستعانة تجمع أصلين‪ :‬الثقة باهلل‪ ،‬واالعتماد عليه‪ّ ،‬‬
‫فإن العبد قد يثق بالواحد‬
‫من الناس وال يعتمد عليه في أموره مع ثقته به؛ الستغنائه عنه‪ .‬وقد يعتمد عليه مع‬
‫عدم ثقته به؛ لحاجته إليه‪ ،‬ولعدم من يقوم مقامه‪ ،‬فيحتاج إلى اعتماده عليه مع‬
‫ليدل على ّأن اإلنسان ال يستطيع أن‬
‫أنه غير واثق به‪ .‬وقد قرنت العبادة باالستعانة ّ‬
‫عز ّ‬
‫وجل إال باالستعانة به عليها‪ ،‬فهم عاجزون عن أدائها الصحيح‬ ‫يقوم بعبادة هللا ّ‬
‫والقيام بها على الوجه املطلوب إال بتوفيقه ونصرته‪ .‬كما جمع بينهما ليجمع بين ما‬
‫‪1‬‬
‫يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته"‪.‬‬
‫َّ َ َ‬
‫اك ن ۡع ُب ُد‬ ‫والتوكل معنى يلتئم من أصلين‪ :‬من الثقة‪ ،‬واالعتماد‪ ،‬وهو حقيقة (إِي‬
‫ِني)‪ ،‬وهذان األصالن‪ -‬وهما التوكل والعبادة‪ -‬قد ذكرا في القرآن الكريم‬ ‫اك ن َ ۡس َتع ُ‬
‫ِإَويَّ َ‬
‫في عدة مواضع قرن بينهما فيها"‪2.‬‬

‫وعلى هذا فقد أفادت اآلية ّأن من شأن املؤمن أن ال يعبد إال هللا‪ ،‬وال يستعين إال‬
‫والزكاة والصيام والحج والذبح والنذر وغير‬ ‫به‪ ،‬فجميع أنواع عبادته من الصالة ّ‬
‫ذلك خاضعة هلل‪ ،‬خالصة له ابتغاء لوجهه ومرضاته‪ ،‬وهذا تجريد توحيد‬
‫األلوهية‪ .‬كما من شأنه أيضا أن ال تكون االستعانة بمختلف أصنافها في شؤونه‬
‫املتنوعة من طلب األمور املعنوية واملادية إال به‪ ،‬وهذا تجريد توحيد الربوبية‪.‬‬
‫عز ّ‬
‫وجل وحده‪.‬‬ ‫فجمع بين األلوهية والربوبية أحسن جمع‪ ،‬وصرفهما هلل ّ‬

‫ولو عبر بغير كلمة العبادة واالستعانة ملا ّأد ى هذا املفهوم الشامل كما هو‬
‫واضح‪ :‬فالعبادة شملت جميع األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة يحبها هللا‬
‫ويرضاها‪ ،‬واالستعانة شملت جميع أنواع ما يحتاج إليه العبد في تحصيله من‬
‫نصرة ومعاونة ومساعدة‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الكشاف‪.75/2 ،‬‬


‫‪ 2‬بدائع التفسير‪.11-13/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪218‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫ۡ َ‬
‫ٱلص َر ٰ َط‬
‫املطلب السابع‪ :‬دالالت (الهداية) البيانية في قوله تعالى‪( :‬ٱهدِنا ِ‬
‫والداللة‬ ‫ِيم)‪ :‬الهداية تأتي لعدة معان‪ ،‬منها‪ :‬اإلرشاد والتوجيه والتبيين ّ‬ ‫ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واإللهام والتوفيق‪ 1.‬قال تعالى‪ِ( :‬إَونَّ َك ۡلَ ۡهد ِٓي إ ِ َٰل صِ َرٰط ُّم ۡس َتقِيم)‪ 2،‬فهنا الهداية‬
‫بمعنى اإلرشاد والتوجيه والتبيين والداللة‪.‬‬
‫َ ٓ ُ َ َۡ‬ ‫ك ََل َت ۡهدِي َم ۡن أَ ۡح َب ۡب َ‬
‫ت َو َلٰك َِّن َّ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ٱَّلل َي ۡهدِي َمن يَشا ُء َۚ َوه َو أعل ُم‬ ‫وقال تعالى‪( :‬إِن‬
‫ِين ‪ 3،)٥٦‬فهنا الهداية بمعنى اإللهام والتوفيق‪4.‬‬ ‫بٱل ۡ ُم ۡه َتد َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ٱلسبِيل إ ِ َّما شاكِرا ِإَو َّما‬ ‫وفعل الهداية قد يعدى بنفسه كقوله تعالى‪( :‬إِنا ه َديۡ َنٰ ُه‬
‫ّ‬
‫َّ َ َ َ ۡ ٓ َ‬ ‫َك ُف ً‬
‫صِ َرٰط ُّم ۡس َتقِيم)‪ 6،‬وقد‬ ‫ِي إ ِ َٰل‬
‫ّ‬
‫ورا)‪ 5،‬وقد يعدى بـ"إلى" كقوله تعالى‪ِ( :‬إَونك ۡلهد‬
‫ذا)‪7.‬‬‫َ َ َٰ َٰ َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫عدى بالالم كقوله تعالى‪َ ۡ ( :‬‬
‫ٱۡل ۡم ُد َِّللِ ٱَّلِي هدىنا ل ِه‬
‫ُي ّ‬

‫والفرق بين املتعدي بنفسه واملتعدي بالحرف‪ -‬كما قالوا‪ّ -‬أن املتعدي بنفسه يقال‬
‫ملن يكون في الطريق وملن ال يكون فيه‪ ،‬واملتعدي بالحرف يقال ملن ال يكون فيه‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫فيوصل بالهداية إليه‪.‬‬
‫يعد بالحرف؛ وذلك ليشمل املعنيين‪ :‬فكان‬‫عدي هنا بنفسه‪ ،‬ولم ّ‬ ‫وفعل الهداية ّ‬
‫ِ‬
‫طلب الهداية ملن كان في الطريق فيعرف به ويبصر بشأنه‪ ،‬وملن ضل من املؤمنين‬
‫ّ‬
‫الجادة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الجادة فيرد إلى‬ ‫عن‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة "هدي"‪.62-75 ،‬‬


‫‪ 2‬سورة الشورى‪.72 :‬‬
‫‪ 3‬سورة القصص‪.76 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد‪.172-117/2 ،‬‬
‫‪ 5‬سورة اإلنسان‪.3 :‬‬
‫‪ 6‬سورة الشورى‪.72 :‬‬
‫‪ 7‬سورة األعراف‪.13 :‬‬
‫‪ 8‬ينظر‪ :‬حاشية الجرجاني على الكشاف‪ ،73/2 ،‬وروح املعاني‪ ،221-223/2 ،‬والتحرير والتنوير‪،‬‬
‫‪.255/2‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪219‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫ثم من هؤالء املؤمنين املوحدين الحامدين هلل من هم على الجادة والطريق‬
‫املستقيم فيكون املعنى لهم طلب استمرار الهداية على الطريق املستقيم؛ وذلك‬
‫ألن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى هللا تعالى في تثبيته على الهدى ورسوخه‬
‫فيها‪ ،‬وتبصره وازدياده منها‪ ،‬واستمراره عليها‪ 1.‬قال ابن القيم رحمه هللا‪:‬‬
‫َ‬
‫"إن العبد مفتقر إلى الهداية في كل نفس‪ ،‬في جميع ما يأتيه ويذره‪ ،‬أصال وتفصيال‬
‫وتثبيتا‪ ،‬ومفتقر إلى مزيد العلم بالهدى على الدوام‪ ،‬فليس له أنفع وال هو إلى ش يء‬
‫أحوج من سؤال الهداية‪ ،‬فنسأل هللا أن يهدينا الصراط املستقيم‪ ،‬وأن يثبت‬
‫قلوبنا على دينه"‪2.‬‬

‫ۡ‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ِيم)‪ :‬عرفنا الطريق الحق‪ ،‬وردنا إليه ردا جميال‬ ‫فيكون معنى (ٱهدِنا ِ‬
‫إذا ما ضللنا أو انحرفنا‪ ،‬وثبتنا على الهدى وزدنا هدى‪3.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه هللا بعدما ذكر ما يتعلق بتعدية فعل الهداية بالحرف‬
‫وبغيره خاصة‪ ،‬وبتعدية األفعال بالحرف وبغيره عامة‪ ،‬وما فيه من لطائف بيانية‬
‫ودقائق لغوية‪" :‬فإذا عرفت هذا ففعل الهداية متى ّ‬
‫عدي بـ"إلى" تضمن اإليصال إلى‬
‫ِ‬
‫عدي بالالم تضمن التخصيص بالش يء‬ ‫الغاية املطلوبة‪ ،‬فأتي بحرف الغاية‪ ،‬ومتى ّ‬
‫ِ‬
‫املطلوب‪ ،‬فأتي بالالم الدالة على االختصاص والتعيين‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬هديته لكذا‪،‬‬
‫تعدى بنفسه تضمن املعنى الجامع‬ ‫فهم معنى‪ :‬ذكرته له‪ ،‬وهيأته‪ ،‬ونحو هذا‪ .‬وإذا ّ‬
‫لذلك كله‪ ،‬وهو التعريف والبيان واإللهام‪ .‬فالقائل إذا قال‪( :‬اهدنا الصراط‬
‫املستقيم)‪ ،‬فهو طالب من هللا أن يعرفه إياه‪ ،‬ويبينه له‪ ،‬ويلهمه إياه‪ ،‬ويقدره‬
‫عليه‪ ،‬فيجعل في قلبه علمه وإرادته والقدرة عليه‪ ،‬فجرد الفعل من الحرف‪ ،‬وأتى‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬البحر املحيط‪ ،12/2 ،‬وتفسير القرآن العظيم‪ ،232/2 ،‬وروح املعاني‪.226/2 ،‬‬
‫‪ 2‬بدائع الفوائد‪.172/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،12/2 ،‬وبدائع الفوائد‪ ،115-117/2 ،‬وروح املعاني‪،226/2 ،‬‬
‫وملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪211‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫عدي بحرف تعين معناه‪،‬‬ ‫معدى بنفسه؛ ليتضمن هذه املراتب كلها‪ ،‬ولو ّ‬
‫به مجردا ّ‬
‫ِ‬
‫وتخصص بحسب معنى الحرف‪ ،‬فتأمله! فإنه من دقائق اللغة وأسرارها"‪1.‬‬

‫ۡ َ‬
‫املطلب الثامن‪ :‬دالالت (الصراط) و (املستقيم) البيانية في قوله تعالى‪( :‬ٱهدِنا‬
‫َ ُ ّ‬
‫طت الطعام‪ ،‬إذا‬ ‫"الصراط" فهو مشتق من "سر‬ ‫ّ‬ ‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬
‫ِيم)‪ :‬وأما كلمة‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫بلعته؛ ألنه إذا ُسرط غاب‪ .‬واشتقاق ّ‬
‫الصراط من ذلك ألن الذاهب فيه يغيب‬ ‫ِ‬
‫"صرطتُ‬
‫ست َرط‪ 2.‬قال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬املشهور أنه من َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫غيبة الطعام امل‬
‫َّ‬ ‫أصرطه" إذا بلعته بلعا سهال‪ُ ،‬‬
‫املارة فيه‪.‬‬ ‫فس ِ ّمي الطريق صراطا ألنه يسترط‬ ‫الش يء ُ‬
‫ّ‬
‫والصراط ما جمع خمسة أوصاف‪ :‬أن يكون طريقا‪ ،‬مستقيما‪ ،‬سهال‪ ،‬واسعا‪،‬‬
‫ِ‬
‫موصال إلى املقصود‪ ،‬فال تسمي العرب الطريق املعوج صراطا‪ ،‬وال الصعب املشق‪،‬‬
‫وال املسدود غير املوصل‪ ،‬ومن تأمل موارد الصراط في لسانهم واستعمالهم تبين له‬
‫ذلك‪ .‬قال جرير‪3:‬‬

‫ـتقيم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫إذا اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارد مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫اط‬
‫أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـير املـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمنين علـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍ‬
‫الصراط على ِزنة " ِفعال"؛ ألنه مشتمل على سالكه اشتمال الحلق على‬ ‫وبنوا ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫والخمار‪،‬‬
‫كاللحاف‪ِ ،‬‬ ‫الش يء املسروط‪ ،‬وهذا الوزن كثير في املشتمالت على األشياء‪ِ ،‬‬
‫والرداء‪ ،‬والغطاء‪ ،‬والفراش‪ ،‬والكتاب‪ ،‬إلى سائر الباب"‪4.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫(الصراط) دون كلمة (الطريق) أو كلمة (السبيل)؛‬
‫ولذا فقد اختيرت هنا كلمة ِ‬
‫(صراط) على وزن ( ِفعال)‪ ،‬وهو من األوزان الدالة على االشتمال‪،‬‬‫وذلك ألن ِ‬
‫فيشتمل على ّ‬
‫كل السالكين‪ ،‬وال يضيق بهم؛ لرحبه وسعته‪ 5.‬بخالف كلمة (طريق)‪،‬‬

‫‪ 1‬بدائع الفوائد‪.127-123/2 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬مقاييس اللغة مادة "سرط"‪ ،272/3 ،‬ولسان العرب مادة "سرط"‪.212/6 ،‬‬
‫‪ 3‬ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 122‬‬
‫‪ 4‬بدائع الفوائد‪.125-126/2 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد‪ ،125-126/2 ،‬ومعاني األبنية في العربية‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪211‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫فإنها (فعيل) بمعنى مفعول من (طرق) بمعنى مطروق‪ ،‬وكذلك (سبيل)‪ ،‬فهي أيضا‬
‫كأنها (فعيل) بمعنى مفعول من أسبلت الطريق إذا كثرت سابلتها‪ ،‬والسابلة من‬
‫الطرق املسلوكة‪ ،‬يقال‪ :‬سبيل سابلة‪ ،‬أي مسلوكة‪ 1.‬هذا مع املعاني والدالالت‬
‫األخرى التي تشتمل عليها كلمة "الصراط" دون كلمتي "الطريق" و "السبيل"‪.‬‬
‫وعلى هذا فال تدالن‪ -‬أعني‪ :‬كلمتي الطريق والسبيل‪ -‬في صيغتهما على املعاني التي‬
‫تدل عليها كلمة ّ‬
‫(الصراط)‪2.‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫وليس معناه أنه ال تستخدم كلمة (السبيل) وكلمة (الطريق) للطريق الحق‪ ،‬بل‬
‫ذلك كله تابع القتضاء الحال‪ ،‬فقد يكون استخدام كلمة في مكان أحسن‬
‫باملوضع‪ ،‬وأوفى باملراد‪ ،‬وأنسب بالسياق دون مكان‪ ،‬وكل ذلك خاضع للسياق‬
‫واقتضاء الحال‪.‬‬
‫ومن املالحظ ّأن "الصراط" جاء هنا مفردا ّ‬
‫معرفا بتعريفين‪ :‬باأللف والالم‬
‫واإلضافة؛ وذلك للداللة على أنه صراط واحد فليس ثمة صراط آخر‪ ،‬وهو‬
‫الصراط املعروف الصراط املستقيم صراط الذين أنعم هللا عليهم من املؤمنين‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬وذكر الصراط املستقيم منفردا معرفا بتعريفين‪:‬‬
‫تعريفا بالالم‪ ،‬وتعريفا باإلضافة‪ ،‬وذلك يفيد تعيينه واختصاصه‪ ،‬وأنه صراط‬
‫واحد‪ .‬وأما طرق أهل الغضب والضالل فإنه سبحانه يجمعها ويفردها كقوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ َّ ُ ُ َ َ َ َّ ُ ْ ُّ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫َ‬
‫سبيله)‪3.‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ٱلس ُبل ف َتف َّرق بِك ۡم َعن‬ ‫( َوأن هٰذا صِ َر ٰ ِِط ُم ۡس َتقِيما فٱتب ِعوهُۖ وَل تتبِعوا‬
‫فوحد لفظ الصراط وسبيله‪ ،‬وجمع السبل املخالفة له‪...‬؛ وهذا ألن الطريق‬ ‫ّ‬
‫املوصل إلى هللا واحد‪ ،‬وهو ما بعث به رسله‪ ،‬وأنزل به كتبه‪ ،‬ال يصل إليه أحد إال‬
‫من هذه الطريق‪ .‬ولو أتى الناس من كل طريق‪ ،‬واستفتحوا من كل باب‪ ،‬فالطرق‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة "سبل"‪ ،262/6 ،‬ومعاني األبنية في العربية‪ ،‬ص ‪.71-73‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد‪ ،125-126/2 ،‬وملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ 3‬سورة األنعام‪.273 :‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪212‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫عليهم مسدودة‪ ،‬واألبواب عليهم مغلقة‪ ،‬إال من هذا الطريق الواحد‪ ،‬فإنه متصل‬
‫باهلل‪ ،‬موصل إلى هللا"‪1.‬‬

‫وقال الرازي‪" :‬اعلم ّأن أهل الهندسة قالوا‪ :‬الخط املستقيم هو أقصر خط يصل‬
‫بين نقطتين‪ .‬فالحاصل ّأن الخط املستقيم أقصر من جميع الخطوط املعوجة‪،‬‬
‫ۡ‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ِيم) لوجوه‪:‬‬ ‫فكأن العبد يقول‪( :‬ٱهدِنا ِ‬
‫األول‪ :‬أنه أقرب الخطوط وأقصرها‪ ،‬وأنا عاجز فال يليق بضعفي إال الطريق املستقيم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن املستقيم واحد‪ ،‬وما عداه معوجة‪ ،‬وبعضها يشبه بعضا في االعوجاج‪،‬‬
‫فيشتبه الطريق علي‪ ،‬أما املستقيم فال يشابهه غيره‪ ،‬فكان أبعد عن الخوف‬
‫واآلفات‪ ،‬وأقرب إلى األمان‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬الطريق املستقيم يوصل إلى املقصود‪ ،‬واملعوج ال يوصل إليه‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬املستقيم ال يتغير‪ ،‬واملعوج يتغير‪.‬‬
‫فلهذه األسباب سأل الصراط املستقيم‪ ،‬وهللا أعلم"‪.!2.‬‬
‫َّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ۡ َۡ ُ‬
‫ٱلضٓال َِني)‪،‬‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬
‫ثم ميز هللا هذا الصراط وزاده بيانا وتوضيحا بقوله‪( :‬غ ِ‬
‫فهو غير صراط الذين غضب هللا عليهم‪ -‬وهم اليهود‪ ،-‬وال الذين ضلوا‪ -‬وهم النصارى‪.-‬‬
‫فعرفه بأل واإلضافة‪ .‬ثم وصفه باملستقيم‪ .‬واملستقيم اسم فاعل من استقام‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬
‫قومته فاستقام‪3.‬‬ ‫معاني "استفعل" املطاوعة‪ ،‬وهو هنا مطاوع أقمته فاستقام‪ ،‬أو ّ‬

‫واملستقيم هو املعتدل املستوي الذي ال عوج فيه‪ 4،‬فإذا كان الصراط متضمنا‬
‫ملعنى االستقامة‪ -‬كما سبق قريبا‪ -‬صار الوصف بها تأكيدا مزيدا لهذا املعنى‪،‬‬
‫وتوضيحا أكثر له‪.‬‬

‫‪ 1‬بدائع التفسير‪.36-37/2 ،‬‬


‫‪ 2‬التفسير الكبير‪.225/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ارتشاف الضرب‪ ،259/2 ،‬والتحرير والتنوير‪ ،292/2 ،‬واملغني في تصريف األفعال‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة "قوم"‪ ،376/22 ،‬والتحرير والتنوير‪.292/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪213‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫َّ‬
‫ٱلضٓال َِني) البيانية في قوله‬ ‫وب) و (‬ ‫َۡ ۡ ُ‬
‫ض‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫(‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫املطلب التاسع‪ :‬دالالت ( َأ ۡن َع ۡم َ‬
‫ت‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َۡۡ َ َ ۡ ۡ ۡ َۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٱلضٓال َِني)‪ :‬إذا تأملنا‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬ ‫َ َ‬
‫تعالى‪( :‬صِ رٰط ٱَّلِين أنعمت علي ِهم غۡيِ ٱلمغض ِ‬
‫ٱلضٓال َِني" أيضا من‬ ‫َّ‬
‫وب" و "‬ ‫ض‬
‫َۡ ۡ ُ‬
‫غ‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫"‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫أن في التعبير بكلمات " َأ ۡن َع ۡم َ‬
‫ت‬
‫وجدنا ّ‬
‫ِ‬
‫الدالالت ما ال توجد في غيرها من مرادفها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫وتفصيل ذلك ّأن كلمة "أ ۡن َع ۡم َت" فعل ماض‪ ،‬مشتقة من اإلنعام‪ ،‬واإلنعام مادتها‬
‫ل‬
‫"نعم"‪ ،‬والنون والعين وامليم على كثرة فروعها راجعة إلى أصل واحد يدل على ترفه‬
‫النعمة‪ ،‬وهي ما ينعم هللا تعالى به على عبده من مال‬ ‫وطيب عيش وصالح‪ ،‬ومنه‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫والنعمة‪ :‬املنة‪1.‬‬ ‫وعيش وطيب وصالح في الحياة‪ ،‬يقال‪ :‬هلل عليه نعمة‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫ومن هنا فكانت كلمة اإلنعام شاملة ملعاني النعمة ومفهومها املختلفة املناسبة‬
‫ألحوال األنبياء والصديقين والشهداء والصالحين بلفظها‪ ،‬وأكبر هذه النعمة نعمة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وهداية الصراط املستقيم‪ .‬فهي أنسب لهذا املقام وأليق به‪ .‬ولو كانت‬
‫مكانها كلمة اإلكرام أو اإلحسان أو اإلفضال أو غيرها من مرادف اإلنعام ملا ّأدت‬
‫ما ّأدتها كلمة اإلنعام من املعاني‪ ،‬وما أوفت باملراد‪ .‬ثم كلمة اإلنعام بادية منها‬
‫النعمة لصلتها بها اشتقاقا‪ ،‬وهي كلمة عامة تشمل جميع النعم املناسبة لحال‬
‫املنعم عليه‪ ،‬فجمعت الكلمة بين الداللتين‪ :‬اللفظية واملعنوية‪.‬‬
‫متضمن للشكر‪ -‬بخالف اإلحسان وغيره‪ -‬الذي يجب وجوب‬ ‫ّ‬ ‫كذلك فإن اإلنعام‬
‫ِ‬
‫الدين‪ ،‬وبالشكر تبقى النعمة وتدوم‪2.‬‬

‫وعلى هذا فكان اإلنعام هنا أوفى باملراد‪ ،‬وأليق بالسياق؛ إذ فيه ذكر إلنعام هللا على‬
‫األنبياء والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬وطلب الصراط املستقيم الذي أنعم هللا‬
‫به على هؤالء في جملة النعم املنعمة بها عليهم‪ ،‬فإذا حصل ذلك استوجب الشكر‬
‫منهم؛ ألن اإلنعام يستوجب الشكر‪ .‬فجمعت السورة بين الحمد والشكر‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬مقاييس اللغة مادة "نعم"‪.116/7 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬الفروق اللغوية‪ ،‬ص ‪.225‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪214‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫َۡ ُ‬ ‫ۡ‬
‫وب"‪ ،‬فإنها اسم مفعول‪ ،‬مشتقة من الغضب‪ .‬قال ابن فارس‪:‬‬ ‫كذلك كلمة "ٱلمغض ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫"الغين والضاد والباء أصل صحيح يدل على ّ‬
‫ضبة‪:‬‬ ‫شدة وقوة‪ .‬يقال‪ :‬إن الغ‬
‫ضب؛ ألنه اشتداد ل‬
‫السخط"‪1.‬‬ ‫ُ َ‬
‫الغ َ‬ ‫الصخرة الصلبة‪ .‬قالوا‪ :‬ومنه اشتق‬
‫فلما كان األمر متعلقا باليهود كانت كلمة الغضب أنسب لهم؛ ملا فيها من شدة وقوة؛‬
‫وذلك ألنهم عرفوا الحق ثم جحدوا به وأنكروه‪ .‬فإن قيل‪ :‬ل َم لم ّ‬
‫يعب ْر هنا بكلمة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"السخط" دون الغضب‪ ،‬واملعنى متقارب؟ قيل‪ّ :‬إن الغضب يكون من الصغير على‬
‫السخط فإنه يكون من الكبير على‬ ‫الكبير‪ ،‬ومن الكبير على الصغير‪ ،‬بخالف ّ‬
‫الصغير‪ ،‬يقال‪ :‬سخط األمير على الحاجب‪ ،‬وال يقال سخط الحاجب على األمير‪2.‬‬

‫فإن السياق أدعى للغضب؛ ألن املغضوب عليهم غضب هللا عليهم‪ ،‬وغضب‬ ‫ومن هنا ّ‬
‫عباده الصالحون عليهم‪ ،‬ومن العباد من كان صغيرا غضب على الكبير‪ ،‬ومنهم من كان‬
‫كبيرا غضب على األصغر منه‪ ،‬فاشتملت على الجميع‪ ،‬بخالف لو عبر بالسخط أو نحوه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والقوة‪ -‬كما سبق‪ ،-‬وهي في نفسها شديدة‬ ‫ثم إن كلمة "الغضب" تدل على الشدة‬
‫ملا اشتملت على الغين والضاد والباء‪ ،‬وكلها من الحروف املجهورة‪ 3.‬بخالف كلمة‬
‫"السخط" فهي أقل درجة من الغضب‪ -‬كما سبق‪ ،-‬وهي في نفسها أضعف من‬
‫السخط الشتمالها على السين والخاء‪ ،‬وهما من الحروف املهموسة‪ ،‬وليس فيها‬
‫من الحروف املجهورة إال الطاء‪4.‬‬

‫فكلمة الغضب هي املناسبة لفظا ومعنى للمقام‪ ،‬وهي املطابقة ملقتض ى الحال‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬قالوا ّإن الغضب عند حكماء األخالق مبدأ الشجاعة‪ ،‬والشجاعة جزء من‬
‫مجموع األخالق الثالثة األصلية‪ ،‬وهي الحكمة‪ ،‬وال ِع ّفة‪ ،‬والشجاعة التي يعبر عن‬
‫جميعها بالعدالة‪.‬‬

‫‪ 1‬مقاييس اللغة مادة "غضب"‪.125/1 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬الفروق اللغوية‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬سر صناعة اإلعراب‪ ،229/2 ،‬و ‪ ،223/2‬و ‪.213/2‬‬
‫‪ 4‬املصدر نفسه‪ ،253/2 ،‬و ‪ ،295/2‬و ‪.225/2‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪215‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫وجل هو الغضب الذي تقتضيه الشجاعة‪،‬‬‫عز ّ‬ ‫والغضب الذي يوصف به هللا ّ‬
‫وتوجبه الحكمة‪ 1.‬وهللا تعالى أعلم!‪ .‬وهللا ‪ ‬يتصف بصفة الغضب كما يليق‬
‫بجالله‪ ،‬فالصفة ثابتة‪ ،‬والكيف مجهول‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ٱلضٓال َِني"‪ ،‬فإنها مشتقة من الضالل‪ .‬قال ابن فارس‪" :‬الضاد والالم‬‫وكذلك كلمة "‬
‫أصل صحيح يدل على معنى واحد‪ ،‬وهو ضياع الش يء وذهابه في غير حقه‪ ... .‬ومما يدل‬
‫ت‪ ،‬إذا ُدفن‪ .‬وذاك كأنه ش يء قد ضاع"‪2.‬‬ ‫قولهم‪ُ :‬أض ّل ّ‬
‫املي ُ‬ ‫ُ‬
‫على ّأن األصل ما ذكرناه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ٱلضٓال َِني" وقعت في‬ ‫وإذا تأملنا في اآلية وما تهدف إليه من املعاني وجدنا أن كلمة "‬
‫موقعها‪ ،‬فهي بنفسها تشعر بذهاب هؤالء بعيدين عن الصراط املستقيم‪ ،‬ومن ثم‬
‫ضياعهم‪ ،‬ومن ثم هالكهم‪.‬‬
‫يعب ْر هنا بكلمة "الغي" دون الضالل‪ ،‬واملعنى متقارب؟ قيل‪ :‬إ ّن‬
‫فإن قيل‪ :‬ل َم لم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫أصل الغي الفساد‪ ،‬وأصل الضالل الهالك‪ 3.‬فكأن‪ -‬وهللا تعالى أعلم‪ -‬في التعبير‬
‫بالضالل إشعارا بهالك انصارى ومن شايعهم إذ ضلوا عن الصراط املستقيم‪،‬‬
‫فكأنه قيل فيهم‪ :‬الضالين الهالكين بسبب ضاللهم عن الحق‪ .‬وال شك في ّأن من‬
‫ضل عن الصراط املستقيم فقد ضاع وهلك‪.‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫دالالت التراكيب في سورة الفاتحة‬
‫ۡ َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّلل ِ َرب ٱل َعٰلم َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّلل ِ) في قوله تعالى‪َ ( :‬‬
‫املطلب األول‪ :‬دالالت تركيب ( َ‬
‫ني)‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(إن الحمد هلل)‬ ‫أدق وأوفى باملراد من ّ‬ ‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ) هنا ّ‬ ‫إذا تأملنا وجدنا أن قوله‪َ ۡ ( :‬‬

‫ألن املقام ليس مقام الشك أو اإلنكار املقتض ي للتوكيد‪ ،‬بل هو‬ ‫بتأكيد؛ وذلك ّ‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الفروق اللغوية‪ ،‬ص ‪ ،219‬والتحرير والتنوير‪.295/2 ،‬‬


‫‪ 2‬مقاييس اللغة مادة "ضل"‪.376/3 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬الفروق اللغوية‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪216‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫ثابت ومستقر في النفوس على سبيل البديهيات‪ ،‬وإنما جيء به هنا لتوجيه املؤمنين‬
‫الذين ّ‬
‫يقرون بذلك‪ ،‬ويعملون على مقتضاه‪.‬‬
‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ) خبر يتضمن إنشاء‪ 1،‬فهو أولى من (إن الحمد هلل)؛ ألنه‬
‫ثم إن قوله‪َ ( :‬‬
‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ) املعنيين‪ :‬الخبر واإلنشاء‪.‬‬
‫خبر محض‪ ،‬فجمع في قوله‪َ ( :‬‬

‫(أحمد هللا)؛ لكونها جملة اسمية تدل على الثبوت‬ ‫ُ‬ ‫و( ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ) كذلك أولى من‬
‫والدوام‪ ،‬بخالف الجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث؛ ّ‬
‫فإن املحامد كلها‬
‫ثابتة له ّ‬
‫جل في عاله‪ ،‬كما أنها دائمة مستمرة‪.‬‬
‫ثم نجد أنه تعالى لم يقل هنا (هلل الحمد)؛ ألنه يدل على االختصاص‪ ،‬والحمد ليس‬
‫جل لصنيعه الجميل‪.‬‬‫الر َ‬
‫جل ّ‬‫الر ُ‬
‫خاصا باهلل‪ :‬فقد يحمد ّ‬
‫وهذا ال يعني أنه ال يقال‪( :‬وهلل الحمد) مطلقا؛ ّ‬
‫ألن الحاكم هو السياق‪ ،‬فقد يكون‬
‫ٱۡل ۡم ُد ِ ََّّللِ)؛ القتضاء املقام ذلك‪ ،‬فإذا اقتض ى املقام ّ‬ ‫ۡ‬
‫(هلل الحمد) أولى من ( َ‬
‫قدم‪،‬‬‫ِ‬
‫ّ‬
‫وإذا اقتض ى املقام ِأخر‪ ،‬وباب التقديم والتأخير في البالغة باب دقيق لطيف كما‬
‫هو مشهور‪ ،‬والبالغة هي مطابقة الكالم ملقتض ى الحال كما هو معروف‪.‬‬
‫َ َ َّ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ۡ َ ۡ‬
‫املطلب الثاني‪ :‬دالالت التراكيب في قوله تعالى‪( :‬صِ رٰط ٱَّلِين أنعمت علي ِهم غ ِ‬
‫ۡي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ ۡ ُ‬
‫ٱلضٓال َِني)‪ :‬نالحظ ّأن هللا تعالى أضاف الصراط هنا إلى الذين‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ٱلمغض ِ‬
‫أنعم عليهم‪ ،‬فعرفه باإلضافة بعدما عرفه بأل‪ -‬كما سبق آنفا‪ ،-‬ثم ميزه ّ‬
‫بضده‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ٱلضٓال َِني)‪ -،‬وبضدها تتميز األشياء‪ ،-‬فصار‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬
‫ۡ‬
‫بقوله‪( :‬غ ِ‬
‫معروفا متميزا عن غيره أحسن تمييز‪.‬‬
‫َۡ‬ ‫َ َ َّ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ۡ‬
‫وإذا تأملنا في التعبير الدقيق في قوله‪( :‬صِ رٰط ٱَّلِين أنعمت علي ِهم) وفي قوله‪( :‬غۡيِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ ۡ ُ‬
‫ٱلضٓال َِني) وجدنا ّأن التعبير في األول بالفعل املاض ي‪ ،‬وفي‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ٱلمغض ِ‬
‫الثاني بالجملة االسمية‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬روح املعاني‪ ،222/2 ،‬والتحرير والتنوير‪.262-262/2 ،‬‬


‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪217‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِين أ ۡن َع ۡم َت َعل ۡي ِه ۡم) فذلك ليتعين زمانه‪،‬‬
‫فأما التعبير بالفعل املاض ي في (صِ َر ٰ َط ٱَّل َ‬

‫وليتبين ّأن املقصود صراط الذين ثبت إنعام هللا عليهم وتحقق‪ ،‬وهم األنبياء‬
‫ِين َأ ۡن َع َم َّ ُ‬
‫ٱَّلل‬ ‫ك َم َع َّٱَّل َ‬ ‫َ ُ ْ َ َٰٓ َ‬
‫والصديقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى‪( :‬فأولئ ِ‬
‫َ َ َ ُ َ ُ ْ َٰٓ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ َ ٓ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ك َرفِيقا)‪1.‬‬
‫حنيَۚ وحسن أولئ ِ‬ ‫ٱلصدِيقِني َوٱلش َهداءِ َوٱلصٰل ِ ِ‬
‫عل ۡي ِهم م َِن ٱنلَّب ِ ِي َن َو ِ‬

‫كل من مض ى من رسل هللا‬ ‫ولو قال‪( :‬صراط الذين تنعم عليهم) ألغفل ّ‬
‫والصالحين‪ ،‬بل لم يفد أنه أنعم على أحد قبله‪ ،‬بخالف املاض ي‪ ،‬فإنه أحاط بمن‬
‫مض ى من الرسل والصالحين‪ ،‬وأفاد بإنعامه على من مض ى‪.‬‬
‫مر الزمن كثر عدد الذين أنعم هللا‬‫كما أن اإلتيان بالفعل املاض ي يدل على أنه كلما ّ‬
‫عليهم؛ وذلك اللتحاق الحاضر باملاض ي‪ ،‬فتتسع دائر املنعم عليهم‪ ،‬بخالف (صراط‬
‫الذين تنعم عليهم) فإن الزمن فيه محدد‪ ،‬ولربما كان عدد املنعم عليهم قليال‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ۡ َۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ٱلضٓال َِني) فذلك ليشمل‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬‫وأما التعبير بالجملة االسمية في (غ ِ‬
‫سائر األزمنة‪ّ ،‬‬
‫ويدل على الثبوت والدوام‪.‬‬
‫نعم عليهم)؛ ليشمل سائر األزمنة‪ ،‬ويدل على‬ ‫فإن قيل‪ :‬ول َم َل ْم ُيقل‪( :‬صراط املُ َ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫الثبوت والدوام؟‪ .‬فالجواب‪ :‬أن لكل مقام مقاال‪ ،‬ولكل تعبير موضعا‪.‬‬
‫نعم عليهم) لم يتبين املن ِعم الذي أنعم عليهم‪ ،‬والنعمة إنما تقدر بقدر‬‫فلو قال‪( :‬املُ َ‬
‫املن ِعم‪ ،‬فيختلف مستوى اإلنعام باختالف املن ِعم‪ :‬فإنعام األمير غير إنعام أحد‬
‫الرعية‪ ،‬وإنعام السلطان غير إنعام أحد أفراد املجتمع‪.‬‬
‫وكذلك من حيث التكريم‪ ،‬فإن الذي يكرمه األمير وينعم عليه غير الذي يكرمه‬
‫أحد أفراد الرعية‪2.‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء‪.69 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬البحر املحيط‪ ،19/2 ،‬وبدائع الفوائد‪ ،122-122/2 ،‬وملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪218‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫َ‬
‫صرح بالفاعل في قوله‪( :‬أ ۡن َع ۡم َت)‪ ،‬ونسب اإلنعام إليه مباشرة‪،‬‬
‫وكذلك نالحظ أنه ّ‬
‫ولم يصرح به في املغضوب عليهم وال الضالين؛ وذلك ألن هللا ينسب الخير إلى‬
‫َ َ َّ َ َ ۡ ٓ َ‬
‫ي أ َ ٌّ‬
‫ش‬ ‫نفسه مباشرة‪ ،‬وال ينسب الشر إلى نفسه مباشرة‪ .‬قال تعالى‪( :‬وأنا َل ندرِ‬
‫َ َ‬ ‫َۡ‬ ‫أُر َ‬
‫ۡرض أ ۡم أ َر َاد ب ِ ِه ۡم َر ُّب ُه ۡم َر َشدا)‪ 1،‬فلم ينسب الشر إلى نفسه مباشرة‪،‬‬
‫يد ب ِ َمن ِِف ٱۡل ِ‬‫ِ‬
‫بخالف الخير فقد نسبه إلى نفسه مباشرة‪.‬‬
‫كذلك ّ‬
‫فإن في بناء "املغضوب" على املجهول فيه داللة على عموم الغضب من هللا‬
‫‪ ،‬ومن الغاضبين هلل‪ ،‬بل وممن واالهم في الدنيا‪ ،‬فسينقطع حبل مودتهم في‬
‫اآلخرة؛ ألنها لم تبن في هللا وهلل‪ .‬فكان كل من التعبيرين في محله ومكانه‪2.‬‬

‫كذلك نالحظ أنه أتى في أهل الغضب باسم املفعول‪ ،‬وفي الضالين باسم الفاعل؛‬
‫ألن املغضوب عليهم من غضب هللا عليهم‪ ،‬ومن غضب عليهم عباده‬ ‫وذلك ّ‬
‫الصالحون هلل وفي هللا‪ ،‬فهم مغضوب عليهم‪.‬‬
‫وأما أهل الضالل فإنهم هم الذين ضلوا وآثروا الضالل واكتسبوه؛ ولهذا‬
‫ُ َّ‬
‫ضلين مبنيا للمفعول؛ ملا في‬ ‫استحقوا العقوبة عليه‪ ،‬وال يليق أن يقال‪ :‬وال امل‬
‫ُ‬
‫ائحته من إقامة عذرهم‪ ،‬وأنهم لم يكتسبوا الضالل من أنفسهم بل فعل فيهم‪3.‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬فذكر النعمة مضافة إليه سبحانه‪ ،‬والضالل منسوبا‬
‫إلى من قام به‪ ،‬والغضب محذوفا فاعله"‪4.‬‬

‫َ‬‫ۡ َۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬


‫وب َعل ۡي ِه ۡم) بلفظ "غير" دون "ال"؛ وذلك ملا "قيل‪:‬‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬
‫كذلك نالحظ أنه قال‪( :‬غ ِ‬
‫في ذكر "غير" بيان للفضيلة للذين أنعم عليهم‪ ،‬وتخصيص لنفي صفة الضالل‬
‫والغضب عنهم‪ ،‬وأنهم الذين أنعم عليهم بالنبوة والهدى دون غيرهم‪ ،‬ولو قال‪( :‬ال‬
‫املغضوب عليهم) لم يكن في ذلك إال تأكيد نفي إضافة الصراط إلى املغضوب عليهم‪،‬‬

‫‪ 1‬سورة الجن‪.22 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪:‬البحر املحيط‪ ،19 /2 ،‬وبدائع الفوائد‪ ،122-122/2 ،‬وملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.67-63‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد‪.113-112/2 ،‬‬
‫‪ 4‬املصدر نفسه‪.527/2 ،‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪219‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫كما تقول‪" :‬هذا غالم زيد ال عمرو"‪ ،‬أكدت نفي اإلضافة عن عمرو‪ ،‬بخالف قولك‪:‬‬
‫"هذا غالم الفقيه غير الفاسق وال الخبيث"‪ ،‬فكأنك جمعت بين إضافة الغالم إلى‬
‫الفقيه دون غيره‪ ،‬وبين نفي ّ‬
‫الصفة املذمومة عن الفقيه‪ ،‬فافهمه"!‪1‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬‫ۡ َۡ ُ‬ ‫َ‬


‫ٱلضٓال َِني) بذكر "ال" بينهما‪ ،‬ولم‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬
‫كذلك نالحظ أنه قال‪( :‬غ ِ‬
‫يقل‪( :‬غير املغضوب عليهم والضالين) بدون ال؛ وذلك لتأكيد النفي الذي تضمنته‬
‫جوز َ‬
‫ثبوت أحدهما‪2.‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫كلمة "غير"‪ ،‬ولئال يتوهم أن املنفي هو املجموع‪ ،‬في ِ‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬
‫ِيم) بأول السورة‪،‬‬ ‫ۡ َ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ارتباط قوله تعالى‪( :‬ٱهدِنا ِ‬
‫ووسطها‪ ،‬وآخرها‪ ،‬وما في ذلك من دالالت لطيفة‪ :‬إذا تأملنا في ارتباط قوله‬
‫ِيم) بأول السورة‪ ،‬ووسطها‪ ،‬وآخرها وجدنا أنه‪:‬‬‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬
‫تعالى‪( :‬ٱهدِنا ِ‬
‫ني)؛ ّ‬‫ارتبط بقوله‪َ ( :‬رب ۡٱل َعٰلَم َ‬
‫ألن من معاني الرب املربي‪ ،‬ومن مهام املربي الهداية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٱلرحِيم)؛ ألن من هداه هللا فقد رحمه‪ .‬وارتبط بقوله‪( :‬إيَّاكَ‬
‫ِ‬ ‫ٱلرِنَٰمۡح َّ ِ‬‫وارتبط بقوله‪َّ ( :‬‬
‫ألن العبادة ينبغي أن تكون على الطريقة الصحيحة التي يرتضيها هللا ّ‬
‫عز‬ ‫َن ۡع ُب ُد)؛ ّ‬

‫ِني)؛ ألن من االستعانة طلب الهداية‪ ،‬والثبات‬ ‫اك ن َ ۡس َتع ُ‬


‫وجل‪ .‬وارتبط بقوله‪ِ( :‬إَويَّ َ‬‫ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ۡ َۡ ُ‬ ‫َ‬
‫ٱلضٓال َِني) ألنهم تائهون عن الطريق‪،‬‬ ‫وب َعل ۡي ِه ۡم َوَل‬
‫ۡي ٱلمغض ِ‬
‫عليها‪ .‬وارتبط بقوله‪( :‬غ ِ‬
‫السالكون غير ّ‬
‫جادة الحق‪3.‬‬

‫"أن مدار اعتالل القلوب وأسقامها على أصلين‪ :‬فساد العلم‪ ،‬وفساد‬ ‫ثم اعلم ّ‬
‫القصد‪ ،‬ويترتب عليهما داءان قاتالن‪ ،‬وهما الضالل‪ ،‬والغضب‪ .‬فالضالل نتيجة‬
‫فساد العلم‪ ،‬والغضب نتيجة فساد القصد‪ .‬وهذان املرضان هما مالك أمراض‬
‫القلوب جميعها‪ ،‬فهداية الصراط املستقيم يتضمن الشفاء من مرض الضالل‪...‬‬

‫‪ 1‬املصدر نفسه‪.372-372/2 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد‪ ،111-113/2 ،‬وحاشية الجرجاني على الكشاف‪ ،75/2 ،‬والتحرير‬
‫والتنوير‪.295/2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ملسات بيانية‪ ،‬ص ‪.75-75‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪221‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫اك ن ۡس َتع ُ‬ ‫َ‬
‫اك َن ۡع ُب ُد ِإَويَّ َ‬
‫والتحقيق بـ(إيَّ َ‬
‫ِني) علما ومعرفة وعمال وحاال يتضمن الشفاء من‬ ‫ِ‬
‫مرض فساد القلب والقصد‪ ...‬ثم ّإن القلب يعرض له مرضان عظيمان‪ ،‬إن لم‬
‫اك َن ۡع ُب ُد)‪،‬‬
‫يتداركهما تراميا به إلى التلف وال بد‪ ،‬وهما‪ :‬الريا‪ ،‬والكبر‪ .‬فدواء الرياء بـ(إيَّ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اك َن ۡع ُب ُد)‪ ،‬ومن مرض‬
‫ِني)‪ ،...‬فإذا عوفي من مرض الرياء بـ(إيَّ َ‬
‫ِ‬
‫ودواء الكبر بـ(ِإَويَّ َ‬
‫اك ن ۡس َتع ُ‬
‫ۡ‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ُم ۡس َتق َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َّ َ ۡ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِيم)؛ عوفي‬ ‫الكبر والعجب بـ(ِإَوياك نستعِني)‪ ،‬ومن مرض الجهل بـ(ٱهدِنا ِ‬
‫وتمت عليه النعمة‪ ،‬وكان من َ‬
‫املنعم‬ ‫من أمراضه وأسقامه‪ ،‬ورفل في أثواب العافية‪ّ ،‬‬
‫عليهم غير املغضوب عليهم‪ ،‬وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه‪،‬‬
‫والضالين‪ ،‬وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه"‪1.‬‬

‫الخـاتمـة‬
‫الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬والصالة والسالم على رسوله األمين‬
‫محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ٍ‬
‫فهذه دراسة بيانية تحليلية تدور حول سورة الفاتحة في ألفاظها وتراكيبها‪،‬‬
‫وتحاول الكشف عن بعض وجوهها البالغية‪ ،‬وقد توصلت‪ -‬وهلل الحمد‪ -‬من خالل‬
‫ّ‬
‫الدراسة والبحث في املوضوع إلى نتائج‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪ .2‬األلفاظ والتراكيب في سورة الفاتحة لها دالالت واسعة عميقة تلفت نظر‬
‫املتأمل‪ ،‬وتدهش الدارس‪.‬‬
‫ّ‬
‫تشد سورة الفاتحة االنتباه إلى الجوانب البالغة والوجوه البيانية واملعاني‬ ‫‪.2‬‬
‫البديعة التي اشتملت عليها السورة لكثرتها مع قصرها‪.‬‬

‫‪ 1‬بدائع التفسير‪ .12/2 ،‬وقد ذكر ابن القيم رحمه هللا تعالى في كتابه املمتع املسمى بـ"بدائع‬
‫ٱلص َر ٰ َط ٱل ۡ ُم ۡس َتق َ‬
‫ِيم‬
‫ۡ َ‬
‫الفوائد" أكثر من عشرين وجها لغويا تكشف عن دقائق قولـه تعالى‪( :‬ٱهدِنا ِ‬
‫َ َ ۡ ۡ َ َ َّ‬ ‫َ َ َّ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ۡ َ ۡ ۡ َ ۡ ُ‬
‫ٱلضٓال َِني ‪ ،)٧‬وهي في غاية الجودة ونهاية‬ ‫‪ ٦‬صِ رٰط ٱَّلِين أنعمت علي ِهم غۡيِ ٱلمغض ِ‬
‫وب علي ِهم وَل‬
‫اإلفادة‪ ،‬جديرة بالقراءة والدرس‪( .‬ينظر على سبيل املثال‪ :‬بدائع الفوائد‪ ،372-372/2 ،‬و‬
‫‪ ،173-126/2‬و ‪.)527/2‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪221‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫‪ .3‬الدقائق اللغوية‪ ،‬والتراكيب اللطيفة‪ ،‬ل‬
‫والنظم البديعة التي اشتملت عليها‬
‫سورة الفاتحة كثيرة‪ ،‬جديرة بالنظر والبحث والدراسة التفصيلية‪.‬‬
‫أشكر هللا مرة أخرى على ما وفقني إلنجاز هذا العمل املبارك املتعلق بكتابه‬
‫العزيز‪ ،‬داعيا ْأن ينفعنا به‪ ،‬ويوفقنا دائما ملا فيه خيرا الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين‪.‬‬

‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪222‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫املصادرواملراجع‬
‫‪ .2‬ارتشاف الضرب من لسان العرب ألبي حيان األندلس ي (تحقيق‪ :‬الدكتور رجب‬
‫عثمان محمد)‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪2995-‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬االشتقاق البن دريد (تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون)‪ ،‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪.3‬‬
‫‪ .3‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للعالمة محمد األمين الشنقيطي‪ ،‬دار‬
‫عالم الفوائد للنشر والتوزيع‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪2126 ،2‬هـ‪،‬‬
‫‪ .1‬أنوار التنـزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) للقاض ي البيضاوي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2125 ،3‬هـ‪2226-‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬البحر املحيط ألبي حيان األندلس ي (تحقيق‪ :‬عبد الرزاق املهدي)‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2123 ،2‬هـ‪2222-‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬بدائع التفسير الجامع ملا فسره اإلمام ابن قيم الجوزية (جمعه‪ :‬يسري السيد‬
‫محمد)‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .5‬بدائع الفوائد لإلمام ابن القيم (تحقيق‪ :‬علي بن محمد العمران)‪ ،‬دار عالم‬
‫الفوائد للنشر والتوزيع‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .5‬التحرير والتنوير ملحمد الطاهر ابن عاشور‪ ،‬دار سحنون للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .9‬تسهيل الفوائد وتكميل املقاصد البن مالك (تحقيق‪ :‬محمد كامل بركات)‪،‬‬
‫دار الكاتب العربي للطباعة والنشر‪2355 ،‬هـ‪2965-‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬تفسير أسماء هللا الحسنى ل ّلزجاج (تحقيق‪ :‬أحمد يوسف دقاق)‪ ،‬دار الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .22‬تفسير القرآن العظيم البن كثير الدمشقي (تحقيق‪ :‬عبد الرزاق املهدي)‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2123 ،2‬هـ‪2222-‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬التفسير الكبير = مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2127 ،2‬هـ_‪2221‬م‪.‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪223‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫‪ .23‬تهذيب اللغة ألبي منصور األزهري (تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‬
‫وزمالئه)‪ ،‬الدار املصرية للتأليف والترجمة‪ ،‬مصر‪ ،‬في عدة سنوات‪.‬‬
‫‪ .21‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) البن جرير الطبري‬
‫(تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر)‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪.2‬‬
‫‪ .27‬الجامع ألحكام القرآن (تفسير القرطبي) ألبي بكر القرطبي (تحقيق‪ :‬عبد هللا‬
‫عبد املحسن التركي)‪ ،‬مؤسسة الريالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪2226‬م‪.‬‬
‫للزمخشري (بهامش كتاب الكشاف)‪ ،‬طبعة‬ ‫‪ .26‬حاشية الجرجاني على الكشاف ّ‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .25‬حاشية الهوريني على القاموس املحيط (املطبوع مع القاموس املحيط)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪2225-‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬الدر املصون في علوم الكتاب املكنون للسمين الحلبي (تحقيق‪ :‬الدكتور‬
‫أحمد محمد الخراط)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪2121 ،‬هـ‪2223-‬م‪.‬‬
‫‪ .29‬ديوان جرير‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .22‬روح املعاني لشهاب الدين السيد محمود اآللوس ي (تحقيق‪ :‬محمد أحمد‬
‫األمد وعمر عبد السالم ّ‬
‫السالمي)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪2122 ،2‬هـ‪2999-‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬سر صناعة اإلعراب البن جني (تحقيق‪ :‬الدكتور حسن هنداوي)‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط ‪2123 ،2‬هـ‪2993-‬م‪.‬‬
‫السخاوي (تحقيق‪ :‬الدكتور محمد أحمد ّ‬
‫الدالي)‪،‬‬ ‫‪ .22‬سفر السعادة لعلم الدين ّ‬
‫دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2127 ،2‬هـ‪2997-‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬الضوء املنير على التفسير (مباحث تفسيرية من كتب اإلمام ابن القيم)‪،‬‬
‫جمعه‪ :‬علي الحمد الصالحي‪ ،‬مؤسسة النور للطباعة والنشر‪ ،‬دخنة‪،‬‬
‫القصيم‪ ،‬السعودية‪ ،‬بالتعاون مع مكتبة السالم‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ .21‬فتح القدير الجامع بين ّ‬
‫فني الرواية والدراية من علم التفسير ملحمد بن علي‬
‫الشوكاني (تحقيق‪ :‬عبد الرزاق املهدي)‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط ‪2122 ،2‬ه‪2999-‬م‪.‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪224‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬
‫‪ .27‬الفروق اللغوية ألبي الهالل العسكري (تحقيق‪ :‬باسل عيون السود)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2122 ،2‬هـ‪2222-‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬القاموس املحيط للفيروزآبادي (تعليق وحاشية‪ :‬أبو الوفاء نصر الهوريني)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪2225-‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬كتاب سيبويه (تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون)‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط ‪.2‬‬
‫‪ .25‬الكشاف ل ّلزمخشري (تحقيق‪ :‬عبد الرزاق املهدي)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2122 ،2‬هـ‪2222-‬م‪.‬‬
‫‪ .29‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪2129‬ه‪2999-‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬ملسات بيانية في نصوص من التنـزيل للدكتور فاضل صالح السامرائي‪ ،‬دار‬
‫عمار للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪2125 ،1‬هـ‪2225-‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬املحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات واإليضاح عنها البن جني (تحقيق‪:‬‬
‫علي النجدي الناصف وزمالئه)‪ ،‬دار سزكين للطباعة والنشر‪ ،‬إستانبول‪،‬‬
‫تركيا‪ ،‬ط ‪2126 ،2‬ه‪2956-‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬املخصص البن سيده األندلس ي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪2395 ،‬هـ‪2955-‬م‪.‬‬
‫‪ .33‬معاني األبنية في العربية للدكتور فاضل صالح السامرائي‪ ،‬دار عمار للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪2125 ،2‬هـ‪2225-‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب البن هشام األنصاري (تحقيق‪ :‬الدكتور مازن‬
‫املبارك ومحمد علي حمد هللا‪ ،‬مراجعة‪ :‬الدكتور سعيد األفغاني)‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2126-2127 ،2‬هـ‪2227-‬م‪.‬‬
‫‪ .37‬املغني في تصريف األفعال للدكتور محمد عبد الخالق عظيمة‪ ،‬دار الحديث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪2122 ،2‬هـ‪2999-‬م‪.‬‬
‫‪ .36‬مقاييس اللغة البن فارس (تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون)‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2122 ،2‬هـ‪2992-‬م‪.‬‬
‫السهيلي (تحقيق‪ :‬محمد إبراهيم البنا)‪ ،‬مكة‬ ‫‪ .35‬نتائج الفكر ألبي القاسم ل‬
‫املكرمة‪ ،‬السعودية‪2951 ،‬م‪.‬‬
‫س‬ ‫ال‬
‫ابريل‪ -‬بتمبر ‪2222‬‬ ‫‪225‬‬ ‫العددان‪3-2 :‬‬ ‫مجلد‪9:‬‬

You might also like