You are on page 1of 7

‫التعريف بعلم المناسبات‬

‫المناسبة في اللغة‪ :‬المقاربة والمشاكلة؛ یقال‪ :‬فلان یناسب فلانا فهو نسیبه‪ ،‬أي قریبه‪ ،‬وتقول‪ :‬لیس بینهما مناسبة‪ ،‬أي‬

‫مشاكلة‪ ،‬ونسبت الرجل َأ نسبه بالضم نسبة ونسبا‪ ،‬إذا ذكرت نسبه‪.‬‬

‫يقول ابن فارس ت ‪395‬هـ‪ " :‬النون والسين والباء كلمة واحدة قياسها اتصال شيء بشيء‪ ،‬و منه و منه ‪ ،‬منه النسب‪ ،‬سمي‬

‫لاتصاله وللاتصال به‪.‬‬

‫المناسبة اصطلاحا ‪:‬‬

‫هي بیان وجه الارتباط بین الجملة والجملة في الآیة الواحدة أو بین الآیة في الآیات المتعددة‪ ،‬أو بین السورة والسورة‪.‬‬

‫وعرفها الإمام الزركشي بقوله‪" :‬المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول‪.‬‬

‫وقد عرفها الإمام البقاعي بقوله‪":‬علم مناسبات القرآن‪ :‬علم تعرف منه علل ترتیب أجزائه‪.‬‬

‫ويقول الدكتور محمد بازمول‪" :‬هو معرفة مجموع الأصول الكلية والمسائل المتعلقة بعلل ترتيب أجزاء القرآن العظيم بعضها‬

‫ببعض‪.‬‬

‫العلاقة بين التعريف الاصطلاحي و التعريف اللغوي ‪:‬‬

‫مما سبق یتضح لنا أن هناك ترابطا وثیقا بین التعریف اللغوي والاصطلاحي للمناسبة؛ "فكلاهما یعني أن الآیة وجارتها‬

‫شقیقتان‪ ،‬یربط بینهما رباط من نوع ما‪ ،‬كما یرتبط النسب بین المتناسبین‪ ،‬غیر أن ذلك لا یعني الآیتان أو الآیات متماثلة‬

‫كل التماثل‪ ،‬بل ربما یكون بینهما تضاد‪ ،‬أو تباعد في المعنى‪ ،‬المهم أن هناك سواء توصل إلیها العلماء أم ّ صلة‪ ،‬أو رابط یربط‬

‫بین الآیتین‪ ،‬أو یقارب بینهما‪ ،‬سواء توصل إلیها العلماء أم لا‪ ،‬فقد تظهر أحیانا‪ ،‬وتختفي أحیانا أخرى‪ ،‬وفي هذا مجال لتسابق‬

‫الافهام والعقول‪ ،‬والتدبر في الربط والصلة بین الآیات والسور‪.‬‬

‫موضوع علم المناسبات‬

‫علم المناسبات أحد علوم القرآن الكریم المتعددة بل هو من أهمها؛ إذ مبناه على التدبر لكتاب االله‪ ،‬وقد أمرنا االله ( ‪U‬‬

‫ك لِّي َ ّد َب ّر ُٓوا ۟ ءَايَٰـتِه ِۦ و َلِيَتَذ َ َك ّر َ ُأ و۟لُوا ۟ ٱلَْأ ل ْب َ ِ‬


‫ٰـب (ص‬ ‫ك م ُبَٰـر َ ٌۭ‬
‫ٰـب َأ نزَلْنَٰـه ُ ِإ لَي ْ َ‬
‫(بالتدبر في كتابه الكریم وقرآنه العظیم فقال –سبحانه‪ -‬كِت َ ٌ‬

‫‪ ) 29 :‬و قال ‪َ :‬أ فَلَا يَتَد َب ّر ُونَ ٱلْقُر ْءَانَ َأ ْم عَلَى قُل ُ ٍ‬
‫وب َأ ق ْف َالُهَٓا (محمد‪ (. ٢٤ :‬یقول الإمام البقاعي وهو یتكلم عن المناسبات‪:‬‬
‫ٰ‬
‫"وموضوعه‪ :‬أجزاء الشيء المطلوب علم مناسبته من حیث الترتیب"‪ .‬وهذا في أي مناسبة‪ ،‬فیكون علم المناسبات هنا أجزاء‬

‫القرآن وآیاته وسوره من حیث الترتیب وتناسقه وتناسبه ووجه اتصال بعضه ببعض‪.‬‬

‫أهمية هذا العلم وفوائده‬


‫علم المناسبات بین سور القرآن الكریم أو بین الآیات في السورة الواحدة من أهم وأشرف العلوم‪ ،‬والبحث فیه من أهم‬

‫البحوث‪ ،‬وما ذاك إلا لأنه علم من علوم ُ القرآن الكریم‪ ،‬وشرف العلم بشرف المعلوم‪ ،‬وهو علم بدیع "تحرز به العــقول‪،‬‬

‫ویعرف به قدر القائـل فیمـا یقول ‪ ،‬ویكشف به الوحدة الموضوعیة للقرآن الكریم ُ من خلال تآخي وتناسق سوره وآیاته‪.‬‬

‫وهو من "العلوم الدقیقة التي تحتاج إلى فهم دقیق لمقاصد القرآن الكریم‪ ،‬وتذوق لنظم القرآن الكریم وبیانه المعجز‪ ،‬والى‬

‫معایشه جو التنزیل‪ ،‬وكثیرا ما تأتي ً ٕ إلى ذهن المفسر على شاكلة إشراقات فكریة أو روحیة‪.‬‬

‫ولدراسة هذا العلم ومعرفة وجه الارتباط بین الآیات والسور فوائد عدیدة هي ‪:‬‬

‫الفائدة الأولى‪ :‬جلاء كیفیة ارتباط الكلام فإن علم المناسبات "یجعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض فیقوى بذلك‬

‫الارتباط ویصیر التألیف كالبناء المحكم المتلائم الأجزاء‪.‬‬

‫الثانیة‪ :‬بیان مناسبة السورة لما قبلها أو الآیات لما قبلها خطوة مهمة في تفسیر القرآن تلقي الضوء على غرض السورة أو الآیة‬

‫ومقصودها مما یعطي فكرة عن السورة أو الآیات‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬معرفة المناسبة للسورة أو الآیات مع ما قبلها یساعد على ترجیح بعض الآراء على بعضها الآخر لأن الآراء إذا‬

‫تساوت في القوة كان تناسب الكلام مع بعضه مساعدا على الترجیح وذلك أمر معمول به في مصادر التفسیر‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬معرفة المناسبة للسورة أو الآیات مع ما قبلها یساعد على حل مشكلات في تفسیر القرآن فیوقف على الحق من‬

‫معاني آیات حار فیها المفسرون‪.‬‬

‫الخامسة‪ :‬علم المناسبات یكشف لنا عن وجه من وجوه إعجاز القرآن الكریم‪.‬‬

‫ویقول الإمام أبو بكر النیسابوري‪ :‬إن إعجاز القرآن البلاغي لم یرجع إلا إلى هذه المناسبات الخفیة والقویة بین آیاته وسوره‪،‬‬

‫حتى كأن القرآن كله كالكلمة الواحدة ترتیبا وتماسكا‪.‬‬

‫وقال الدكتور مناع القطان‪" :‬ولمعرفة المناسبة فائدتها في إدراك ٕ ٕ اتساق المعاني‪ ،‬واعجاز القرآن البلاغي‪ ،‬واحكام بیانه‪،‬‬

‫وانتظام كلامه‪ ،‬وروعة أسلوبه‬

‫السادسة‪ :‬الكشف عن مقصد السورة الأساسي والمحور الذي تدور علیه معاني السورة في القرآن الكریم وذلك أن التفسیر‬

‫الموضوعي إنما یتوصل إلیه ‪.‬‬

‫السابعة‪ :‬أن هذا العلم یربي العقل ویعطیه ملكة قویة في حسن التدبر والاستنباط‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬في معر ً فة هذا العلم ووجه مناسبة اللاحق للسابق وما نزل متأخرا لما نزل قبل‪ ،‬وأوجه الارتباط بین ما تباعد نزوله‪،‬‬

‫یعلم ویؤكد أن هذا القرآن من عند الله‬

‫التاسعة‪ :‬بهذا العلم یتبین سر التكرار في الكلمات والآیات والقصص بحیث تظهر مناسبة كل كلمة أو آیة أو قصة وردت في‬

‫موضعها‪ ،‬وأن لكل منها هدفا یختلف عن غیره من المواضع‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬بهذا العلم نتمكن من دحض شبه المفترین على كتاب االله بالادعاءات الكاذبة والمشككة في تمام القرآن‪ ،‬واثب ات‬

‫أن القرءان لا نقص فیه ولا تحریف‪ ،‬وذلك من خلال ترابط آیاته دون أي خلل‪.‬‬
‫ظهور علم المناسبات وأهم المؤلفات فيه‬

‫مر معنا سابقا يف تعريف المناسبة قول ابن العربي لم يتعرض له ‪ - :‬أي علم المناسبات ‪ -‬إال عالم واحد عمل فيه سورة‬

‫البقرة ‪،‬وذكر السيوطي أن غير ابن العربي قال‪ :‬أول النيسابوري من أظهر علم المناسبة الشيخ أبو بكر ‪،‬وكان غزير العلم يف‬

‫الشريعة واألدب‪ ،‬وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه‪ :‬لم جعلت هذه اآلية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة يف جعل هذه‬

‫السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يزري على علماء بغداد؛ لعدم علمهم بالمناسبة‪.‬‬

‫یمكن القول بأن علم المناسبات كان موجودا بصورة متناثرة في ثنایا التفسیر والحدیث عموما‪ ،‬بل كان معروفا عند الأولین‬

‫من الصحابة وأفاضل التابعین‪ ،‬یعرفونه بسلیقتهم ویعرفونه بطبیعتهم‪.‬‬

‫وذكر فضیلة الأستاذ الدكتور نور الدین عتر حفظه االله في مذكرته "علم المناسبات‪" :‬أن أول ما بدأ به علم المناسبات‬

‫شذرات على لسان السلف یستأنسون بها في تفسیر القرءان ولا سیما في اجتهاداتهم وحواراتهم‪.‬‬

‫المؤلفات المستقلة التي صنفت في هذا العلم خاصة‪:‬‬

‫‪ ١‬ـ البرهان فى ترتیب سور القرآن لأبي جعفر أحمد بن إبراهیم بن الزبیر الثقفي الغرناطي (ت‪٨٠٧‬ه)‪ ،‬مطبوع‪.‬‬

‫‪ ٢‬ـ نظم الدرر في تناسب الآیات والسور لبرهان الدین إبراهیم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (ت‪:‬‬

‫‪٨٨٥‬هـ)‪ ،‬مطبوع‪.‬‬

‫‪ ٣‬ـ مصاعد النظر للإشر اف على مقاصد السور ویسمىالمقصد الَأ سمى في ّ مطابقة اسم كل سورة للمسمى َ ُ لإبراهیم بن عمر‬

‫بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (ت‪٨٨٥ :‬هـ)‪ ،‬مطبوع‪.‬‬

‫كيفية التعرف على المناسبة‬

‫المناسبة معنى واصل بین الآیات‪ ،‬أو بین السورتین عام أو خاص‪ ،‬عقلي أو حسي أو خیالي‪ ،‬أو غیر ذلك من أنواع‬

‫العلاقات أو التلازم الذهني كالسبب والمسبب والعلة والمعلول‪ ،‬والنظیرین والضدین ونحو ذلك مما یربط أجزاء الكلام‪،‬‬

‫ویجعل بعضه آخذا بأعناق بعض‪ ،‬فیقوى بذلك الارتباط ویصیر التألیف حاله حال البناء المحكم المترابط الأجزاء‪.‬‬

‫ومن هنا قال الشیخ ولي الدین الملوي‪" :‬والذي ینبغي في كل آیة أن یبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو‬

‫مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففي ذلك علم جم وهكذا في السور یطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سیقت له‪.‬‬

‫ضرورة إحكام النظر في الآيات كل ّها‬

‫بید أننا قبل أن نأخذ فیما قصدنا إلیه نحب أن نقول "كلمة" ساق الحدیث إلیها‪ :‬وهي أن السیاسة الرشیدة في دراسة النسق‬

‫القرآني تقضي بأن یكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فیه‪ ،‬فلا یتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعیة‬

‫بین جزء منه ‪-‬وهي تلك الصلات المبثوثة في مثاني الآیات ومقاطعها‪ -‬إلا بعد أن یحكم النظر في السورة كلها بإحصاء‬

‫أجزائها وضبط ً مقاصدها على وجه یكون معوانا له على السیر في تلك التفاصیل عن بینة‪.‬‬
‫أنواع المناســــــبات‬

‫من خلال التأمل والتتبع والاستقراء في كتب علوم القرآن عموما‪ ،‬وفي الكتب التي ألفت في المناسبات على وجه‬

‫الخصوص‪ ،‬یمكن تقسیم المناسبات إلى نوعین رئیسین‪ ،‬وكل قسم من هذین القسمین تندرج تحته صور‪:‬‬

‫النوع الأول‪ :‬المناسبات في السورة الواحدة‬

‫الصورة الأولى‪ :‬المناسبة بین اسم السورة ومقصودها أو مضمونها‪.‬‬

‫الأمثلة على هذا النوع أكثر من أن تحصر في الكتاب العزیز‪ ،‬ومن هذه الأمثلة‪:‬‬

‫‪1‬ـ التناسب بین سورة الفیل واسمها؛ فإن اسم السورة یشیر إلى حادثة الفیل الذي قدم به أبرهة قاصدا هدم الكعبة وما‬

‫سلط االله علیه من عقوبة‪.‬‬

‫‪2‬ـ التناسب بین سورة یوسف واسمها؛ فإن المحور الرئیس الذي تعرضت له هذه السورة هو قصة یوسف فلم تذكر قصة نبي‬

‫في القرآن بمثل ما ذكرت قصة یوسف هذه السورة من الإطناب‪.‬‬

‫الصورة الثانیة‪ :‬المناسبة بین مطلع السورة والمقصد الذي سیقت له‪ ،‬وهذه تدخل في براعة‪.‬‬

‫مثال ذلك‪:‬‬

‫‪1‬ـ افتتاح سورة "الرحمن" باسم الرحمن جل جلاله فیه براعة استهلال وذلك لأن معظم هذه السورة تعداد للنعم والآلاء‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ افتتاح سورة القیامة بالقسم بها فیه براعة استهلال‪.‬‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬مناسبة خاتمة السورة لمضمونها‬

‫‪ 1‬ـ تناسب خاتمة سورة التین مع مضمونها‪.‬‬

‫ْس الل ّٰه ُ ب ِاَحْك َم ِ الْحٰكِم ِيْنَ (‪( )٨‬التین‪( ٨:‬وهذا تقریر‬
‫یقول الإمام ابن القیم في بیان وجه التناسب‪" :‬ثم ختم السورة بقوله‪ :‬اَلَي َ‬

‫لمضمون السورة من إثبات النبوة والتوحید والمعاد وحكمه بتضمن نصره لرسوله على من كذبه وجحد ما جاء به بالحجة‬

‫والقدرة والظهور علیه وحكمه بین عباده في الدنیا بشرعه وأمره وحكمه ٕ بینهم في الآخرة بثوابه وعقابه وان أحكم الحاكمین لا‬

‫یلیق به تعطیل هذه الأحكام بعد ما ظهرت حكمته في خلق الإنسان في أحسن تقویم ونقله في أطوار التخلیق ً حالا بعد‬

‫حال إلى أكمل الأحوال فكیف یلیق بأحكم الحاكمین أن لا یجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وهل ذلك إلا قدح في‬

‫حكمه وحكمته فلله ما أخصر لفظ هذه السورة وأعظم شأنها وأتم معناها والله أعلم‪.‬‬

‫الصورة الرابعة‪ :‬المناسبة بین فاتحة السورة وخاتمتها‪.‬‬


‫ح ال ْم ُْؤم ِنُوْنَ ۙ { المؤمنون‪(، ١:‬وآخرها‪{ :‬ا َِن ّه ٗ ل َا ي ُفْل ِ ُ‬
‫ح ا ْلكٰف ِر ُ ْونَ‬ ‫‪1‬ـ التناسب بین فاتحة وخاتمة سورة المؤمنون؛ ففي أولها {ق َ ْد اَفْل َ َ‬

‫ح ال ْم ُْؤم ِنُوْنَ { وأورد في خاتمتها { ا َِن ّه ٗ ل َا‬


‫} (المؤمنون‪ (. ١١٧ :‬یقول الإمام الزمخشري‪" :‬وقد جعل االله فاتحة سورة { ق َ ْد اَف ْل َ َ‬

‫ح ا ْلكٰف ِر ُ ْونَ } فشتان ما بین الفاتحة والخاتمة"‪.‬‬


‫ي ُفْل ِ ُ‬

‫الصورة الخامسة‪ :‬المناسبة بین الآیة وخاتمتها‬

‫جه َا و َت َشْت َكِ ْٓي ا ِل َى الل ّٰه ِ ۖو َالل ّٰه ُ ي َ ْسم َ ُع تَحَاوُرَكُمَاۗ ا ِ َ ّ‬
‫ن الل ّٰه َ سَمِي ْ ٌع ۢ بَصِ يْر ٌ (‪)١‬‬ ‫ل َال ّت ِ ْي تُجَادِل ُ َ‬
‫ك ف ِ ْي ز َ ْو ِ‬ ‫‪ 1‬ـ قوله تعالى‪ :‬ق َ ْد سَم ِ َع الل ّٰه ُ قَو ْ َ‬

‫المجادلة‪١:‬؛ فإن الآیة لما كانت تتحدث عن سماع االله لشكوى هذه المرأة‪ ،‬وتألمها من فعل زوجها لما ظاهر منها؛ ناسب أن‬

‫تختم الآیة بصفة سمع االله لدعائها‪ ،‬وبصره بحالها‪ ،‬فقال) ا ِ َ ّ‬


‫ن الل ّٰه َ سَمِي ْ ٌع ۢ بَصِ يْر ٌ (‬

‫الصورة السادسة‪ :‬المناسبة بین آیات السورة الواحدة‪.‬‬

‫القسم الأول‪ :‬أن یظهر الارتباط بین الآیة الثانیة والآیة الأولى‬

‫ومن أمثلة هذا القسم‪:‬‬

‫(أ) أن تكون الآیة الثانیة سببا للأولى‬

‫(ب) أن تكون الآیة الثانیة تفسیرا للأولى‬

‫(ج) أن تكون الآیة الثانیة تأكیدا للأولى‬

‫(د) أن تكون الآیة الثانیة بدلا من الأولى‬

‫ْب‬
‫ضو ِ‬ ‫َاط ال َ ّذ ِي ْ َ‬
‫ن اَنْعَمْتَ عَل َيْه ِ ْم ەۙ غ َيْر ِ ال ْمَغْ ُ‬ ‫مثل قوله تعالى‪ :‬اِهْدِن َا الص ِّر َ‬
‫َاط ال ْمُسْتَقِي ْم َ ۙ (‪ )6‬ص ِر َ‬
‫عَل َيْه ِ ْم وَل َا َ‬
‫الضّ ۤا لِّيْنَ(‪)7‬‬

‫(ه) أن تكون الآیة معترضة‬

‫القسم الثاني‪ :‬وهو ما لا یظهر الارتباط فیه بین الآیتین‪ ,‬وینقسم هذا القسم إلى قسمین‪:‬‬

‫القسم الأول‪ :‬أن تكون الآیة الثانیة معطوفة على ما قبلها بحرف من حروف العطف‪ ،‬فتشاركها في‬

‫الحكم‪ ،‬ولا بد أن تكون بینهما جهة جامعة‪ ،‬إذ لا بد منها عند العطف‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬ألا تكون الآیة الثانیة معطوفة على الأولى‪.‬‬

‫النوع الثاني من أنواع المناسبات‪ :‬المناسبات بين السورتين‬

‫والمناسبات بین السورتین له عدة صور‪:‬‬

‫الصورة الأولى‪ :‬المناسبة بین فاتحة السورة وفاتحة ما قبلها‪.‬‬


‫مثال ذلك‪ :‬مناسبة افتتاح سورة الكهف بالتحمید‪ ،‬وسورة الإسراء بالتسبیح‪ ،‬فالتحمید یكون عقب التسبیح؛ یقال‪ :‬سبحان‬

‫الله والحمد لله‪.‬‬

‫الصورة الثانیة‪ :‬المناسبة بین فاتحة السورة وخاتمة ما قبلها‬

‫مثال ذلك ‪ :‬المناسبة بین فاتحة سورة البقرة وخاتمة سورة الفاتحة فإن "افتتاح سورة البقرة بقوله { الۤ ۤمّ ۚ ذٰل ِ َ‬
‫ك ا ْلكِت ٰبُ ل َا‬

‫نَ} (البقرة‪(١،٢ :‬فیه إشارة إلى {الصراط} في قوله { اِهْدِن َا الص ِّر َ‬
‫َاط ال ْمُسْتَقِي ْم َ ۙ {(الفاتحة‪( ٦:‬كأنهم‬ ‫ر َي ْبَ ۛ فِيْه ِ ۛ هُدًى لِّل ْم َُت ّق ِي ْ ۙ‬

‫لما سألوا الهدایة إلى الصراط المستقیم قیل لهم ذلك الصراط الذي سألتم الهدایة إلیه هو الكتاب وهذا معنى حسن یظهر فیه‬

‫ارتباط سورة البقرة بالفاتحة‪.‬‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬المناسبة بین فاتحة السورة وخاتمة التي تلیها‬

‫خرَة ِ ه ُ ْم يُو ْق ِنُوْنَۗ { البقرة‪٤ :‬‬


‫ك ۚ و َب ِالْا ٰ ِ‬
‫ل م ِنْ قَب ْل ِ َ‬ ‫ل اِلَي ْ َ‬
‫ك وَمَٓا اُنْز ِ َ‬ ‫مثال ذلك ‪ :‬وافتتحت البقرة بقوله‪ { :‬و َال َ ّذ ِي ْ َ‬
‫ن ي ُْؤم ِنُوْنَ بِمَٓا اُنْز ِ َ‬

‫ل اِل َيْه ِ ْم خٰ شِع ِيْنَ ل ِل ّٰه ِ ۙ )آل عمران‪:‬‬


‫ل اِلَي ْك ُ ْم وَمَٓا اُنْز ِ َ‬
‫ن ب ِالل ّٰه ِ وَمَٓا اُنْز ِ َ‬
‫ٰب ل َم َنْ ُي ّْؤم ِ ُ‬
‫ل ا ْلكِت ِ‬ ‫وختمت آل عمران بقوله‪ :‬و َا ِ َ ّ‬
‫ن م ِنْ اَه ْ ِ‬
‫‪ ( ١٩٩‬فلله الحمد على ما ألهم‪.‬‬

‫الصورة الرابعة‪ :‬المناسبة بین خاتمتي السورتین‬

‫مثال ذلك ‪ :‬المناسبة بین خاتمتي سورة المنافقون والتغابن‪ ،‬فقد ختمت سورة المنافقین بقوله تعالى‪ٰٓ :‬يا ُ َ ّيهَا ال َ ّذ ِي ْ َ‬
‫ن ا ٰم َنُو ْا ل َا تلُْه ِك ُ ْم‬

‫ل ا َ ْن َي ّْأ تِي َ‬ ‫ك فَاُول ۤ ِٕ ٰى َ‬


‫ك هُم ُ الْخٰس ِر ُ ْونَ ( ‪ )9‬و َاَن ْفِقُو ْا م ِنْ َمّا رَزَق ْنٰك ُ ْم مِّنْ قَب ْ ِ‬ ‫اَمْوَال ُك ُ ْم وَلَٓا ا َ ْول َاد ُك ُ ْم ع َنْ ذِكْر ِ الل ّٰه ِ ۚوَم َنْ َي ّ ْفع َلْ ذٰل ِ َ‬

‫خر َ الل ّٰه ُ ن َ ْفسًا اِذ َا َ‬


‫ج ۤا ء َ‬ ‫ن ّٰ‬
‫الصلِحِيْنَ(‪ )10‬و َلَنْ ُي َّؤ ِّ‬ ‫ص َ ّدقَ و َاَكُنْ مِّ َ‬
‫ْب فَا َ َ ّ‬ ‫خرْت َنِ ْٓي ا ِل ٰٓى اَج َ ٍ‬
‫ل قَرِي ٍ ۚ‬ ‫َب لَوْلَٓا ا َ َ ّ‬ ‫اَحَد َك ُم ُ ال ْمَو ْتُ فَيَقُو ْ َ‬
‫ل ر ِّ‬

‫اَج َلُهَاۗ و َالل ّٰه ُ خَب ِيْر ٌ ۢ بِمَا تَعْم َلُوْنَ(‪)11‬‬

‫ففي هذه الآیات یحذر االله المؤمنین بألا تلههم الأموال والأولاد عن ذكر االله‪ ،‬دم‪ ،‬ثم ٍ ثم حضت الآیات على الإنفاق‬

‫قبل مجيء ساعة الموت‪ ،‬فحینئذ لا ینفع الن مدحت االله بصفة من صفاته أنه خبیر بما یعملون‪ ،‬ومرجع هذه الصفة أنه‬

‫متصف بالعلم‪.‬‬

‫وكان أواخر سورة التغابن قوله تعالى ‪ :‬ا ِ َن ّمَٓا اَمْوَال ُك ُ ْم و َا َ ْول َاد ُك ُ ْم فِت ْن َة ٌ ۗو َالل ّٰه ُ عِنْد َ ٓه ٗ ا َ ْ‬
‫جر ٌ عَظِي ْم ٌ(‪ )15‬ف َ َات ّق ُوا الل ّٰه َ م َا اسْ تَطَعْتُم ْ‬

‫حوْنَ(‪ )16‬ا ِ ْن ت ُ ْقرِضُوا الل ّٰه َ قَر ْضًا َ‬


‫حسَن ًا ُي ّضٰ ع ِفْه ُ‬ ‫ك هُم ُ ال ْم ُفْل ِ ُ‬ ‫س ٖه فَاُول ۤ ِٕ ٰى َ‬ ‫سك ُ ْ ۗم وَم َنْ ُي ّو ْقَ ُ َ‬
‫شح ّ ن َ ْف ِ‬ ‫و َاسْم َعُو ْا و َا َطِي ْعُو ْا و َاَن ْفِقُو ْا خ َيْر ًا لّ ِان َ ْف ُ ِ‬

‫ْب و َال َش ّه َادَة ِ الْع َزِي ْز ُ الْح َ ِ‬


‫كي ْم ُ(‪)18‬‬ ‫شكُوْر ٌ ح َلِي ْم ٌۙ(‪ )17‬ع ٰل ِم ُ الْغَي ِ‬
‫ل َك ُ ْم و َيَغْفِر ْ ل َك ُ ْ ۗم و َالل ّٰه ُ َ‬

‫فقد حذرت هذه الآیات المؤمنین من فتنة الأموال والأولاد‪ ،‬ثم حضت على الإنفاق‪ ،‬ورغبت فیه بأنه تكفیر للخطایا‪ ،‬ثم‬

‫ختمت بصفة من صفات االله بأنه عالم الغیب والشهادة‪ ،‬ومرد هذه الصفة أن االله متصف بصفة العلم‪.‬‬

‫الصورة الخامسة‪ :‬مناسبة موضوعات السورة لموضوعات السورة التي تلیها‬

‫مثال ذلك ‪ :‬المناسبة بین الفاتحة والبقرة وآل عمران‪ :‬فقد قال بعض الأئمة في وجه المناسبة‪" :‬وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار‬

‫بالربوبیة والالتجاء إلیه في دین الإسلام والصیانة عن دین الیهودیة والنصرانیة وسورة البقرة تضمنت قواعد الدین وآل عمران‬

‫مكملة لمقصودها فالبقرة بمنزلة إقامة الدلیل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا ورد فیها ذكر‬

‫المتشابه لما تمسك به النصارى وأوجب الحج في آل عمران وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فیه‬
‫وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر كما أن خطاب الیهود في البقرة أكثر لأن التوراة أصل والإنجیل فرع لها والنبي‬

‫لما هاجر إلى المدینة دعا الیهود وجاهدهم وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل‬

‫الكتاب ولهذا كانت السور المكیة فیها الدین الذي اتفق علیه الأنبیاء فخوطب به جمیع الناس والسور المدنیة فیها خطاب من‬

‫أقر بالأنبیاء من أهل الكتاب والمؤمنین فخوطبوا بیا أهل الكتاب یا بني إسرائیل یأیها الذین آمنوا‬

‫الصورة السادسة‪ :‬المناسبات العامة‬

‫اس‬ ‫اس( ‪ ،‬نحو ما جاء في سورة النساء والحج؛ قال تعالى ‪ٰٓ :‬يا ُ َ ّيهَا َ‬
‫الن ّ ُ‬ ‫وذلك كما ذكروا ما افتتحت به سورتان ب‪ٰٓ ) :‬يا ُ َ ّيهَا َ‬
‫الن ّ ُ‬

‫ن ب ِ ٖه‬ ‫جه َا و َب َ َّث مِنْهُم َا رِج َال ًا كَث ِيْر ًا َوّنِس َ ۤا ء ً ۚ و ََات ّق ُوا الل ّٰه َ ال َ ّذ ْ‬
‫ِي تَس َ ۤا ءَلُو ْ َ‬ ‫حدَة ٍ َوّخ َل َ َ‬
‫ق مِنْهَا ز َ ْو َ‬ ‫س َوّا ِ‬
‫ِي خَلَق َك ُ ْم مّ ِنْ َن ّ ْف ٍ‬
‫َات ّقُو ْا ر ََب ّك ُم ُ ال َ ّذ ْ‬

‫ساعَة ِ شَيْء ٌ عَظِي ْم ٌ)‬ ‫اس َات ّقُو ْا ر ََب ّك ُ ْ ۚم ا ِ َ ّ‬


‫ن ز َل ْزل ََة َ ال َ ّ‬ ‫ن الل ّٰه َ ك َانَ عَلَي ْك ُ ْم ر َقِي ْب ًا) النساء‪،( ١:‬وفي سورة الحج قال ‪ٰٓ :‬يا ُ َ ّيهَا َ‬
‫الن ّ ُ‬ ‫و َالْا َ ْرح َام َ ۗ ا ِ َ ّ‬

‫الحج‪ ( ١:‬ففي سورة النساء تحدثت عن بدء الخلق والحیاة‪ ،‬والحج ذكرت بنهایة هذه الحیاة‪.‬‬

You might also like