You are on page 1of 32

‫عنوان البحث‬

‫الاختالفات يف دخول اخملاطب يف معوم خطابة‬


‫إعداد الطالب‪ :‬راين سعد همل الساعدي‬

‫الشعبة‪ - 989 :‬الرمق اجلامعي (‪)421005313‬‬

‫إ رشاف‪:‬‬
‫د‪ .‬انيف بن عذال احلريب‬

‫العام اجلامعي ‪1445‬ه الفصل الثاين‬


‫الفصل األول‪ :‬اخلطاب الرشعي‬
‫مقدمة الفصل ‪:‬‬
‫امحلد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل سيدان محمد وعىل آهل الطاهرين وحصابته الراشدين ومن تبعهم‬
‫إبحسان إىل يوم ادلين‪ .‬وبعد‪.‬‬
‫يف ميدان الفقه اإلساليم‪ ،‬وظهور اخلالفات يف بعض املس‪mm‬ائل الفقهي‪mm‬ة او اللغوية حيت‪mm‬ل موضوع اإلختالف يف‬
‫دخول اخملاطب يف معوم اخلطاب ماكنة حموري‪mm‬ة‪ ،‬إذ يتص‪mm‬ل جبوهر كيفي‪mm‬ة فهم النص‪mm‬وص الرشعية وتطبيقه‪mm‬ا عىل‬
‫واقع املسلمني املعارص‪ .‬يتجىل هذا الاختالف يف التأويالت والفهم للخطاب ادليين‪ ،‬األمر اذلي يقود إىل تن‪mm‬وع‬
‫يف األحاكم الفقهية والتطبيقات العملية يف حي‪mm‬اة املسلمني‪ .‬إن الغ‪mm‬وص يف أعامق ه‪mm‬ذا املوضوع ال يتطلب فق‪mm‬ط‬
‫معرفة بأصول الفقه وقواعده‪ ،‬بل يتطلب أيًض ا فهًم ا معيًقا للسياق اذلي نزلت فيه النصوص وكيفية تعامل العلامء‬
‫املسلمني مع هذه النصوص عرب العصور‪.‬‬
‫تسلط هذه ادلراسة الضوء عىل جوانب هامة تتعلق مببحث الاختالف يف دخول اخملاطب يف معوم اخلط‪mm‬اب‪،‬‬
‫مستكشفة األس‪m‬س ال‪mm‬يت يرتك‪m‬ز علهيا ه‪mm‬ذا الاختالف ومدى ت‪m‬أثريه عىل استنباط األحاكم الفقهي‪mm‬ة‪ .‬كام هتدف‬
‫إىل تقدمي حتليل شامل للمهنجيات اخملتلفة اليت اعمتدها الفقهاء يف تفسري النص‪mm‬وص الرشعية‪ ،‬وكي‪mm‬ف أدى ذكل‬
‫إىل تنوع يف الفتاوى واملامرسات ادلينية‪.‬‬
‫إن فهم هذا اإلختالف ال يعد فقط مسعى أاكدميي‪ ،‬بل هو رضوري للتقريب بني وهجات النظر اخملتلف‪mm‬ة وتعزيز‬
‫الوحدة والتفامه داخل األمة اإلسالمية‪ .‬ابإلضافة إىل ذكل‪ ،‬يوفر إملاًم ا مببادئ التأويل وأص‪mm‬ول الفق‪mm‬ه‪ ،‬مما يس‪mm‬امه‬
‫يف تعميق الفهم ادليين ويعزز من قدرة املسلمني عىل مواهجة التحدايت املعارصة بفقه راخس وفهم معيق‪.‬‬
‫حيظى اخلط‪mm‬اب الرشعي بأمهي‪mm‬ة قص‪mm‬وى نظ‪ًmm‬ر ا دلوره احلامس يف تشكيل فهم املسلمني دليهنم وتوجي‪mm‬ه سلوكياهتم وفًق ا إلرادة‬
‫اخلالق‪ .‬العم ‪mm‬وم واخلص ‪mm‬وص يف النص الرشعي ميثالن مفت ‪mm‬احني أساسيني لفتح أب‪mm‬واب الفهم والاجهتاد يف القضااي ادليني ‪mm‬ة‬
‫وادلنيوية‪ .‬يعكس النق‪mm‬اش ح‪mm‬ول ه‪mm‬ذه املف‪mm‬اهمي الغ‪mm‬ىن والتعقي‪mm‬د اذلي ميزي الرتاث الفقهي اإلساليم‪ ،‬مما يضع أسًس ا متين‪mm‬ة‬
‫الستنباط األحاكم وتفسري النصوص الرشعية (األزهري‪.)2020 ،‬‬
‫تب‪mm‬اين فهم العم‪mm‬وم واخلص‪mm‬وص ودخ‪mm‬ول اخملاطب يف ه‪mm‬ذا السياق يسلط الضوء عىل التن‪mm‬وع الفك‪mm‬ري والاجهتادي يف الفق‪mm‬ه‬
‫اإلساليم‪ .‬ه‪mm‬ذا التب‪mm‬اين ليس جمرد نتيجة لالختالف‪mm‬ات اللغوية أو النحوية‪ ،‬ب‪mm‬ل ميت‪mm‬د ليشمل الفهم العمي‪mm‬ق للسياق الرشعي‬
‫والت‪mm‬ارخيي اذلي نزلت في‪mm‬ه النص‪mm‬وص (ابن منظ‪mm‬ور‪ .)2018 ،‬يعترب الاختالف يف تفسري النص‪mm‬وص الرشعية ظ‪mm‬اهرة حصية‬
‫تعكس حيوية الفكر اإلساليم وقدرته عىل التجدد والتكي‪m‬ف م‪m‬ع املتغريات الزماني‪m‬ة واملاكني‪m‬ة‪ ،‬مما يسمح إبجياد حل‪m‬ول مبتك‪m‬رة‬
‫للقضااي الفقهية املعارصة (القرضاوي‪.)2019 ،‬‬
‫اإلعرتاف ابالختالف وإ دارته بشلك فعال يشلك جزًء ا ال يتجزأ من مهنجي‪mm‬ة الفق‪mm‬ه اإلساليم‪ ،‬حيث يؤكد العلامء عىل رضورة‬
‫تبين مواق ‪mm‬ف حترتم التعددي ‪mm‬ة الفكرية وتع ‪mm‬زز التف ‪mm‬امه واحلوار بني املذاهب الفقهي ‪mm‬ة اخملتلف ‪mm‬ة (الب ‪mm‬وطي‪ .)2021 ،‬من خالل‬
‫استكشاف أسباب الاختالف وتأثريه عىل استنباط األحاكم‪ ،‬ميكن للباحثني والعلامء تطوير اسرتاتيجيات فعاةل للتقريب بني‬
‫اآلراء الفقهية‪ ،‬مع التأكيد عىل املقاصد الرشعية واملصاحل العامة (الغزايل‪.)2022 ،‬‬
‫هيدف هذا البحث إىل استكشاف األبعاد اخملتلفة للخطاب الرشعي يف سياق العموم واخلص‪mm‬وص‪ ،‬م‪mm‬ع الرتكزي بش‪mm‬لك خاص‬
‫عىل كيفي‪mm‬ة ت‪mm‬أثري الاختالف يف دخ‪mm‬ول اخملاطب عىل فهم وتطبيق األحاكم الرشعية‪ .‬سيمت تقسمي البحث إىل ثالث‪mm‬ة فص‪mm‬ول‬
‫رئيسية‪ ،‬تغطي املب‪m‬ادئ األساسية للخط‪m‬اب الرشعي‪ ،‬الاختالف يف تفسري النص‪m‬وص وأثره عىل الفت‪m‬اوى والترشيع‪ ،‬وأخًري ا‪،‬‬
‫مهنجيات التعامل مع الاختالف بطريقة بناءة‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اخلطاب ومفهوم العموم واخلصوص‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم الـخطاب‪.‬‬


‫‪َ .1‬م ـْفـُهـوم اْلـِخ ـَط اُب ‪:‬‬
‫اخلطاب أحد مصدري فعل خاطب خياطب خطاًاب وخماطبة‪ ،‬وهو يدل عىل توجيه الالكم ملن يفهم ‪1‬نقل من ادلالةل عىل‬
‫احلدث اجملرد عن الزمن إىل ادلالةل عىل اإلمسية‪ ،‬فأصبح يف عرف األصوليني يدل عىل ما خوطب به وهو الالكم ‪.‬‬
‫واإلمام اجلويين يرى أن الالكم‪ ،‬واخلطاب‪ ،‬والتلكم والتخاطب‪ ،‬والنطق‪ ،‬واحد يف حقيقة اللغة‪ ،‬وهو ما به يصري احلي‬
‫متلكًام ‪ .‬ويرى أيضًا أن الكتابة والعبارة يسميان الكمًا جمازًا‪ ،‬ألنه يفهم هبام الالكم ‪.‬‬
‫والالكم امس مشرتك قد يطلق عىل األلفاظ ادلاةل عىل ما يف النفس‪ .‬تقول ‪ :‬مسعت الكم فالن وفصاحته‪ ،‬وقد يطلق عىل‬
‫مدلول العبارات‪ ،‬ويه املعاين اليت يف النفس ‪ ،‬وال سبيل إىل إناكر كونه مشرتًاك بدليل قوهل تعاىل ‪(«:‬ويقولون يف أنفسهم‬
‫لوال يعذبنا هللا مبا نقول)»‪ .‬وقوهل جلت حمكته «(وأرسوا قولمك أو اهجروا به)»‪.‬‬
‫وعرف إمام احلرمني اخلطاب بأنه ما فهم منه األمر والهني واخلرب ويف رأيه أن من فهم منه أحد هذه‪ ،‬فقد فهم اللك‪ ،‬فإن لك‬
‫أمر هني وخرب‪ .‬ولك هني‪ :‬أمر‪ ،‬ولك خرب أمر وهني ألن األمر أمر ابلفعل أو الرتك واألمر والهني كام يستفادان من صيغهام‬
‫املعهودة‪ ،‬يستفادان من صيغ اخلرب ‪ ،‬مثل قول النيب ﷺ ‪« :‬إمنا األعامل ابلنيات»‪ 2‬ابلنسبة لأل مر‪ ،‬وقوهل عليه‬
‫الصالة والسالم ‪« :‬إن صالتنا هذه ال يصلح فهيا من الكم اآلدميني يشء ‪ ، 3‬فهو هني بصيغة اخلرب عىل النفي‪ .‬كام أن اخلرب‬
‫قد يكون بصيغة األمر كقوهل تعاىل ‪ :‬فليضحكوا قليًال وليبكوا كثريًا)‪ 4‬إذ املعىن أهنم سيضحكون قليال وسيبكون كثريًا‪. 5‬‬
‫وبذكل يكون لك خرب أمرًا وهنيًا‪.‬‬
‫مثل ذكل يقال يف قوهل ‪ :‬ولك أمر هني وخرب إذ األمر من هجة هني عن ضده ‪ ،‬ومن هجة أخرى فـ «إن اإلنسان قد ينيبء‬
‫عن حال نفسه ابخلرب‪ ،‬وينيبء عن حال غريه ابألمر والهني‪ ،‬ألهنام يدالن عىل وجوب الفعل وقبحه‪ 6‬أو بتعبري آخر ان‬
‫اخملاطب لغريه إما أن يفيد حال نفسه فيدخل فيه األمر والهني‪ ،‬ألن األمر ينيبء عن إ رادة األمر‪ ،‬والهني ينيبء عن كراهته‪.‬‬
‫وإ ما أن ينيبء عن حال غريه فيكون اخلرب وذلكل نرى كثريًا من األصوليني يفتتحون مؤلفاهتم ابلالكم عىل األمر والهني ‪.‬‬
‫‪ -‬وعرفه بعض األصوليني بـ «الالكم اذلي يفهم املسمتع منه شيئًا ‪ 7‬غري أن األمدي رأى أن هذا التعريف ال يتسم ابدلقة‬
‫نظرًا ألنه يدخل فيه الالكم اذلي مل يقصد املتلكم به إفهام املسمتع‪ ،‬فإنه عىل ما ذكر من احلد‪ ،‬وليس خطاًاب ذكل ألن‬
‫املعقول من قولنا ‪ :‬أنه خماطب لنا أنه قد وجه اخلطاب حنوان‪ ،‬وال معىن ذلكل إال أنه قصد إفهامنا وألنه لو مل يقصد‬
‫إفهامنا لاكن عبثًا‪ ،‬ومن مث عرف اآلمدي اخلطاب بقوهل ‪ :‬انه اللفظ املتواضع عليه‪ ،‬املقصود به إفهام من هو مهتئي لفهمه‬
‫‪ -‬ويف رشحه لهذا التعريف يذكر أن احلراكت واإلشارات املفهمة ليست من اخلطاب ألهنا ليست لفظًا‪ ،‬وكذكل األلفاظ‬
‫املهمةل ألهنا غري متواضع علهيا‪ ،‬كام أن الالكم اذلي ال يقصد به إفهام املسمتع أو الالكم اذلي يوجه ملن هو ليس مهتيئًا‬
‫للفهم اكلنامئ وحنوه ليس كذكل من اخلطاب ألن الفائدة يف اخلطاب إفهام اخملاطب‪.‬‬

‫‪ 1‬سلم الوصول لشرح نهاية السول ‪.48/1‬‬


‫‪ 2‬الحديث أخرجه البخاري في صدر صحيحه وكذلك مسلم في كتاب اإلمارة ‪. 1515/3‬‬
‫‪ 3‬حديث اخرجه النسائي سهو ‪ 20‬وابن حنبل‪.‬‬
‫‪ 4‬سورة التوبة ‪. 82‬‬
‫‪ 5‬انظر الصاحبي ‪. 302‬‬
‫‪ 6‬المعتمد في أصول الفقه ‪.21/1‬‬
‫‪ 7‬األحكام لألمدي ‪. 136/1‬‬
‫‪ -‬هذا وإ ذا اكن اخلطاب هو الالكم‪ ،‬والالكم هو اخلطاب‪ ،‬واكن الالكم اسًام مشرتًاك يطلق عىل الالكم النفيس ‪ ،‬كام يطلق‬
‫عىل األلفاظ ادلاةل عىل ما يف النفس كام سبقت اإلشارة‪ ،‬فإن األصوليني قد أاثروا إشاكًال يتعلق مبدلول اخلطاب وهو‪ :‬هل‬
‫اخلطاب واقع عىل الالكم النفيس األزيل القامئ ابذلات الالهية‪ ،‬أو هو واقع عىل الالكم اللفظي اذلي نقرأه يف املصاحف؟‬
‫وبذكل يزول اإلشاكل ويتبني أن اخلطاب الرشعي كام يطلق عىل الالكم النفيس يطلق عىل الالكم اللفظي حقيقة؛ إذ هو‬
‫لفظ مشرتك بيهنام وان اإلطالق اكن لتنوع اخلطاب من حيث هو النفيس واللفظي إىل أمر وهني وخرب واستخبار ونداء‪،‬‬
‫ألن اخملاطب حيدث يف نفسه قبل التلفظ معناها‪ ،‬مث يعرب عنه بلفظ أو كتابة أو إشارة‪ ،‬وذكل هو الالكم النفيس‪ ،‬وما يعرب‬
‫به هو الالكم احليس»‪ 8‬واكن اإلطالق أيضًا لتعدد داللهتام اليت يه صفة الزمة هلام ال تقبل الانتفاء وال التجدد عىل فعل‬
‫امللكف من حيث هو ملكف‪.‬‬
‫وبذكل يتبني أهنام متحدان ذاًات وماهية‪ ،‬وأنه ال فرق بيهنام إال من حيث أن الالكم النفيس اعترب فيه‪ ،‬وجوده العلمي األزيل‪،‬‬
‫والالكم اللفظي اعترب فيه وجوده اللفظي ‪ 9‬وأن األحاكم الرشعية إمنا تستنبط من الالكم اللفظي وال تستنبط من الالكم‬
‫النفيس ألنه ال إطالع للملكف عليه ‪.‬‬
‫وإ ن اخلطاب يف الالكم اللفظي يطلق إبطالقني ‪ :‬أحدهام أنه الالكم وهو ما تضمن نسبة إسنادية والثاين إنه أخص منه وهو‬
‫ما وجه من الالكم حنو الغري إلفادته‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مفهوم العموم واخلصوص‬


‫‪ .2‬مفهوم العموم‪:‬‬
‫تعريف العام ُلغة واْص ِط الًح ا‪:‬‬
‫قال يف "البحر احمليط"‪ :‬قال اإلماُم أمحد بن حنبل ريض هللا عنه‪َ :‬لم نكن نْع ِرُف اخلصوص والعموم حىت وَر َد علينا الشافعُّي‬
‫– ريض هللا عنه‪.‬‬
‫وهو يف اللغ‪mm‬ة‪ :‬مشوُل أم ‪ٍm‬ر ملتع ‪ِّm‬د د‪ ،‬س ‪m‬واء اكن األم ‪ُm‬ر لفًظ ا أو غريه‪ ،‬ومن‪mm‬ه‪َّ :‬معهم اخلُرب إذا ِمَش لهم وأحاط هبم؛ وذلكل يق‪mm‬ول‬
‫املنطقُّيون‪ :‬العاُّم ما ال مينع تصُّو ر الِرَّشكة فيه اكإلنسان‪ ،‬وجيعلون املطلَق عاًّم ا‪.‬‬
‫واصطالًح ا‪ :‬اللف‪mm‬ظ املستغِر ق مجلي‪mm‬ع م‪mm‬ا يصُلح هل ِم ن غري حرْص ؛ أي‪ :‬يصلح هل اللف‪ُmm‬ظ الع‪mm‬ام كـ"َم ن" يف الُع قالء دون غريمه‪،‬‬
‫و"لك" حبسب ما يدخل عليه‪ ،‬ال أَّن معوَم ه يف مجيع األفراد ُم طلًقا‪.‬‬
‫وخَر ج بقي‪mm‬د "الاستغراق" الَّنك‪mm‬رة‪ ،‬وبقوهل‪ِ" :‬م ن غري حرْص " أسامُء الَع دد‪ ،‬فإهنا متناوةل لِّلك م‪mm‬ا يصلح هل‪ ،‬لكن م‪mm‬ع حرْص ‪،‬‬
‫ومهنم َم ن زاد علي‪mm‬ه‪( ،‬بوْض ع واحد) ليحرتز ب‪mm‬ه َّمعا يتناوهل بوضَع نْي فص‪mm‬اعًد ا‪ ،‬اكملشرتك‪ ،‬وَذ َك ر ابن احلاِج ب أَّن الع‪mm‬ام ُيطل‪mm‬ق‬
‫أيًض ا عىل اللفظ مبجَّر د مسمياته‪ ،‬مثل‪ :‬الَع رَش ة‪ ،‬واملسلمني ملعه‪m‬ود‪ ،‬وضامئر اْمجل ع‪ ،‬كام ُيطل‪m‬ق التخصيص عىل قرْص اللف‪m‬ظ عىل‬
‫بعِض مسمياته‪ ،‬وإ ْن مل يكن عاًّم ا‪.‬‬
‫وقال أبو عيل الطربي‪ :‬مساواة بعِض ما تناوهل لبعض"‪ ،‬وُنوِق ض بلفظ التثنية‪ ،‬فإ َّن أحدهام مساٍو لآلَخر‪ ،‬وليس بعاٍّم ‪.‬‬
‫وقال القَّف ال الشاُّيش ‪ :‬أق ‪ُّm‬ل العم‪mm‬وم شيئان‪ ،‬كام أَّن أق‪mm‬ل اخلص‪mm‬وص واِح د‪ ،‬وأكَّن ه نَظ ر إىل املع‪mm‬ىن الُّلغ‪mm‬وي‪ ،‬وهو الشمول‪،‬‬
‫والشمول حاِص ل يف التثنية‪ ،‬وإ ال ِمفن املعلوم أَّن التثنية ال ُتسَّم ى معوًم ا‪.‬‬
‫وقال الغزايل‪ :‬اللفُظ الواحد ادلاُّل ِم ن هجة واحدة عىل شيئني فص‪mm‬اعًد ا‪ ،‬واحرتز بقوهل‪" :‬فص‪mm‬اعدا" عن لْف ظ "التثني‪mm‬ة"‪ ،‬وأراد‬
‫"ابلواحد" مقاب‪َmmm‬ل املركب؛ حىت يشمَل االثنني‪ ،‬واقتىَض الكم‪mmm‬ه يف "املستصفى" أَّن قوهل‪" :‬واحد ومن هجة واحدة" فص‪mmm‬ل‬
‫‪ 8‬الكليات ‪. 286/2‬‬
‫‪ 9‬سلم الوصول لشرح نهاية السول ‪49/1‬‬
‫واحد‪ ،‬واحرتاز ب‪mm‬ه عن ق ‪m‬وهلم‪َ :‬رض ب زيٌد ْمَع ًر ا‪ ،‬فإ َّن ه دَّل عىل شيئني‪ ،‬ولكن بلفظني ال بلف‪ٍmm‬ظ واحد‪ ،‬ومن هجتني ال ِم ن هجة‬
‫واحدة‪ ،‬وأراد ابجلهتني‪ :‬الفاعل واملفعول‪.‬‬
‫وقال الصفُّي الهندي‪ :‬اعِرُتض عليه بأَّنه إ ْن أراد دالَةل َرَض ب علهيام مًع ا فباطل؛ ألهَّن ا الزتامية‪ ،‬ودالةل العام عىل معناه ابملطابقة‪.‬‬
‫وقد تنوعت تعريفات األصوليني للعاِّم ‪ ،‬وهذه بعضها‪:‬‬
‫• يقول أبو املعايل اجلويين إمام احلرمني ‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪" :-‬وأما العاُّم ‪ ،‬فهو ما َّمع شيئني فصاعًد ا‪."...‬‬
‫فقوهل‪َّ" :‬مع شيئني"؛ أي‪ :‬تناول شيئني دفعة واحدة‪ ،‬وهذا القيد؛ إلخراج ما دل عىل واحد اكلعمَل ‪.‬‬
‫• وعرفه اإلمام الفخر الرازي ‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪ -‬يف احملص‪mm‬ول بقوهل‪" :‬ه‪mm‬و اللف‪mm‬ظ املستغِر ق مجلي‪mm‬ع م‪mm‬ا يصلح هل حبس‪mm‬ب وضع‬
‫واحد؛ كقولنا‪" :‬الرجال"؛ فإنه مستغرق مجليع ما يصلح هل‪ ،‬وال تدخل علي‪mm‬ه النك ‪m‬رات؛ كق ‪m‬وهلم‪ :‬رجل؛ ألن‪mm‬ه يصلح للك واحد‬
‫من رجال ادلنيا وال يستغرقهم‪ ،‬وال التثني‪mmm‬ة وال امجلع؛ ألن لف‪mmm‬ظ "رجالن ورجال" يصلحان للك اثنني وثالث‪mmm‬ة وال يفي‪mmm‬دان‬
‫الاستغراق‪ ،‬وال ألفاظ العدد؛ كقولنا‪ :‬مخسة؛ ألنه يصلح للك مخسة وال يستغرقه‪.‬‬
‫وقولن‪mm‬ا‪ :‬حبَس ب وضع واحد‪ ،‬احرتاٌز عن اللف‪mm‬ظ املشرتك‪ ،‬واذلي هل حقيق‪mm‬ة وجماز؛ ف‪mm‬إن معومه ال يقتيض أن يتن‪mm‬اول مفهومي‪mm‬ه‬
‫مًع ا"؛ انهتى (احملصول يف عمل األصول‪.)514 – 513 /2 :‬‬
‫• وعرفه اإلمام أبو حامد الغزايل ‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪ -‬بقوهل‪" :‬هو اللفظ الواحد ادلال من هجة واحدة عىل شيئني فصاعًد ا"‪.‬‬
‫واعِرُتَض علي‪mm‬ه‪ :‬أن‪mm‬ه ليس جبامع وال م‪m‬انع‪ ،‬أم‪mm‬ا كونه ليس جبامع؛ فلخ‪mm‬روج لف‪mm‬ظ املع‪mm‬دوم واملستحيل‪ ،‬فإن‪mm‬ه عام‪ ،‬ومدلوهل ليس‬
‫بيشء‪ ،‬وأيًض ا املوصوالت م‪mm‬ع صالهتا م‪mm‬ع مجةل الع‪mm‬ام‪ ،‬وليس‪mm‬ت بلف‪mm‬ظ واحد‪ ،‬وأم‪mm‬ا أن‪mm‬ه ليس مبانع؛ فأل ن لك مث‪mm‬ىن ي‪mm‬دخل يف‬
‫احلد‪ ،‬مع أنه ليس بعاٍّم ‪ ،‬وكذكل لك مجع ملعهود وليس بعام‪.‬‬

‫وقد أجيب عن األول‪ :‬بأن املعدوم واملستحيل يشء لغة‪ ،‬وإ ن مل يكن شيًئا يف الاصطالح‪.‬‬
‫وعن الثاين‪ :‬بأن املوصوالت يه اليت "ثبت لها العموم"؛ إرشاد الفحول‪.1/286 :‬‬
‫وعرفه اإلمام الشواكين – رمحه هللا تعاىل – بقوهل‪" :‬العام هو اللفظ املستغرق مجليع ما يصلح هل حبَس ب وضع واحد دفع‪mm‬ة"؛‬
‫إرشاد الفحول‪.1/287 :‬‬
‫وعرفه صاحب مرايق السعود بقوهل‪:‬‬
‫ما استغرَق الصاحل َدفعًة بال حٍرص من اللفظ كعٍرش ُم ِّثال‬
‫قال اإلمام الشنقيطي – رمحه هللا تعاىل – يف رشح هذا البيت‪" :‬يعين أن العام‪ :‬لفظ يستغرق مجيع املع‪mm‬اين الص‪mm‬احلة هل‪ ،‬أو‬
‫الصاحل هو لدلالةل علهيا دفعة واحدة من غري حرص‪"...‬؛ نرث الورود عىل مرايق السعود‪.243 :‬‬
‫وقد اعترب اإلمام جالل ادلين السيوطي – رمحه هللا تعاىل‪ -‬العاَّم واخلاص ِعلًم ا من علوم القرآن‪ ،‬حيث قال‪" :‬الن‪mm‬وع اخلامس‬
‫واألربعون‪ :‬يف عامه وخاصه"‪ ،‬وعَّر ف العاَّم بقوهل‪" :‬العام‪ :‬لفظ يستغرق الصاحل هل من غري حرص"؛ اإلتقان‪.2/41 :‬‬

‫‪ .3‬مفهوم اخلصوص‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬لغة ‪ :‬هو املنفرد من قوهلم اختص فالن بكذا أي انفرد به ويف اصطالح األصوليني هو لك لفظ وضع ملع‪mm‬ىن واحد عىل‬
‫‪10‬‬
‫اإلنفراد ‪.‬‬
‫هو لك لفظ وضع معىن معلوم عىل اإلنف‪m‬راد املراد ابملعىن م‪mm‬ا وضع هل اللف‪mm‬ظ عين‪mm‬ا اكن أو عرضا وابإلنفراد ‪ :‬اختص‪mm‬اص اللف‪mm‬ظ‬
‫‪11‬‬
‫بذكل املعىن وإ منا قيده ابإلنفراد ليمتزي عن املشرتك‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬اصطالحا‪ :‬هو أحد أقسام وضع اللفظ للمعىن مضن مباحث القواعد األصولية اللغوية‬
‫‪12‬‬
‫هو لفظ وضع ملعىن واحد عىل اإلنفراد فبالتخصيص خيرج ما اكن داخال حتت العام من بعض األفراد ‪.‬‬
‫ه‪mm‬و اللف‪mm‬ظ املوضوع لدلالةل عىل مع‪mm‬ىن واحد عىل سبيل اإلنف ‪m‬راد وهو إم‪mm‬ا أن يك‪mm‬ون موضوعا لشخص معني أكسامء األعالم‬
‫مثل ‪ :‬خادل ومحمد أو يكون موضوعا للنوع مثل ‪ :‬رجل وفرس أو يكون موضوعا لكثري حمصور أكسامء األعداد‪.‬‬
‫ويقول يف "تسهيل الطرقات" بعدما أورد نظم منت الورقات‪:‬‬
‫اخلاص‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريفه لغة‪ :‬هو اُمس فاعل ِم ن خَّص خيص‪ ،‬مبعىن إفراد يشء بيشء‪ ،‬والاختصاص هو التفُّر د يف يشء‪.‬‬
‫واصطالًح ا‪ :‬لْف ظ ُو ِض ع ملعىًن عىل الانفراد‪.‬‬
‫يقول اآلمدي‪" :‬أَّم ا التخصيص فقد ق‪m‬ال أب‪m‬و احلس‪m‬ني البرصي‪ :‬ه‪m‬و إخ‪m‬راُج بعض م‪m‬ا تناوهل اِخل ط‪m‬اب عن‪m‬ه‪ ،‬وذكل َّمما ال ميكن‬
‫ْمح هُل عىل ظاهره عىل ِّلك مذهب‪ ،‬أَّم ا عىل مذهب أرابب اخلصوص؛ فأل َّن اِخل طاب عنَد مه مَّزنل عىل أقل م‪mm‬ا حيمتهل اللف‪mm‬ظ‪،‬‬
‫فال ُيتص‪َّm‬و ر إخ‪m‬راُج يشء من‪mm‬ه‪ .‬وأَّم ا عىل م‪m‬ذهب أرابب الاشرتاك‪ِ ،‬مفن هجة أَّن العم‪m‬ل ابللف‪m‬ظ املشَرت ك يف بعض حمامهل‪ ،‬ال‬
‫يكون إخراًج ا لبعض ما تناوهل اِخل طاب عنه‪ ،‬بل غايته استعامُل اللفظ يف بعض حمامهل دوَن البعض‪ ،‬وأَّم ا عىل مذهب أرابب‬
‫الوقف فظاهر؛ إذ اللفظ عنَد مه موقوٌف ال يعمل كونه للخصوص أو للعموم‪ ،‬وهو صاِلٌح الستعامهل يف ِّلك واحد مهنام‪ .‬ف‪mm‬إ ْن ق‪mm‬ام‬
‫ادلليل عىل أَّنه أريد به العموم‪ ،‬وَج ب محهل عليه‪ ،‬وامتنع إخراج يشء منه‪ ،‬وإ ْن قام ادلليُل عىل أنه للخصوص‪ ،‬مل يكن اللف‪ُmm‬ظ‬
‫إذ ذاك دليًال عىل العم‪mm‬وم‪ ،‬وال متن‪mm‬اوًال هل؛ فال يتحَّق ق ابمحلل عىل اخلاص إخ ‪m‬راج بعض م‪mm‬ا تناوهل اللف‪ُmm‬ظ عىل بعِض حمامهل‬
‫الصاِلح لها‪ .‬وأَّم ا عىل مذهب أرابب العموم‪ ،‬فغايته أَّن اللفظ عنَد مه حقيقٌة يف الاستغراق‪ ،‬وجماز يف اخلصوص‪ ،‬وعىل هذا‪،‬‬
‫فإ ْن مل يقِم ادلليل عىل خمالفة احلقيقة‪ ،‬وَج ب إجراء اللف‪mm‬ظ عىل مجي‪mm‬ع حمامهل‪ِ ،‬م ن غري إخ ‪m‬راج يشٍء مهنا‪ ،‬وإ ْن ق‪mm‬ام ادلليل عىل‬
‫خمالفة احلقيقة‪ ،‬وامتناع العَم ل ابللفظ يف الاستغراق‪ ،‬وَج ب ُرص فه إىل محمهل اجملازي‪ ،‬وهو اخلصوص‪ ،‬وعنَد ْمح ل اللف‪mm‬ظ عىل‬
‫اجملاز ال يكون اللفُظ متناوًال للحقيقة‪ ،‬ويه الاستغراق‪ ،‬فال حتقق إلخراج بعِض ما تناوهل اِخل طاُب عنه؛ إذ هو – حاةل كونه‬
‫مستعمًال يف اجملاز ‪ -‬ال يكون مستعمًال يف احلقيقة‪ ،‬وعىل هذا‪ ،‬فإطالُق القول بتخصيص الع‪mm‬ام‪ ،‬أو أَّن ه‪mm‬ذا عاٌّم خمَّص ص ال‬
‫يكون حقيقة‪ .‬وإ ذا ُع ِرف ذكل‪ ،‬فالتخصيُص عىل م‪mm‬ا ُيناس‪mm‬ب م‪mm‬ذهَب أرابب العم‪mm‬وم‪ ،‬ه‪mm‬و تعريف أَّن املراد ابللف‪mm‬ظ املوضوع‬
‫للعم‪mm‬وم حقيق‪mm‬ة إ َّنام ه‪mm‬و اخلص‪mm‬وص؛ وعىل م‪mm‬ا يناس‪mm‬ب م‪mm‬ذهَب أرابب الاشرتاك تعريف أَّن املراد ابللف‪mm‬ظ الص ‪m‬اِلح للعم‪mm‬وم‬
‫واخلصوص‪ ،‬إمنا ه‪mm‬و اخلص‪mm‬وص‪ ،‬واملع‪ِّm‬رف ذلكل ‪ -‬ب‪m‬أي طريق اكن ‪ُ -‬يسَّم ى خمِّص ًص ا‪ ،‬واللف‪mm‬ظ املرصوف ِم ن هجة العم‪mm‬وم إىل‬
‫اخلصوص خمَّص ًص ا‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬اقسام وحمك الك من العموم واخلصوص‬


‫‪ 10‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ 11‬علي بن محمد البشير الشريف الجرجاني‪ ،‬معجم التعريفات دار الفضيلة‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ 12‬خالد رمضان حسن معجم أصول الفقه‪ ،‬دار الروضة للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اقسام وحمك العموم‬
‫اقسام العموم‪:‬‬
‫‪ -1‬العام اذلي ال يدخهل التخصيص‪:‬‬
‫وهو العام اذلي ال ميكن ختصيصه‪ ،‬وهذا النوع قليل جًّد ا؛ إذ األصل يف العموم أن يقبل التخصيص‪.‬‬
‫ومع أن البلقيين قال عن هذا النوع‪" :‬ومثاهل عزيز‪ ،‬إذ ما من عام إال ويتخيل فيه التخصيص"‪ 13‬إال أن الزركيش ق‪mmmm‬ال‪" :‬وهو‬
‫آ ‪14‬‬
‫كثري يف القر ن‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫وقد مجع السيوطي بيهنام بأن مراد البلقيين أنه عزيز يف األحاكم الفرعية‪ ،‬ومراد الزركيش أنه كثري يف غري األحاكم الفرعية‪.‬‬
‫ومثال هذا النوع قوهل تعاىل‪َ{ :‬و اُهَّلل ِبِّلُك ْيَش ٍء َعِلٌمي} ‪َ{ 16‬و ال َيْظ ُمِل َر ُّبَك َأَح ًد ا} ‪ُ{ 17‬ح ِّرَم ْت َعَلْيْمُك ُأَّم َه اُتْمُك } ‪َ{ 18‬و اُهَّلل َعىَل ِّلُك‬
‫ْيَش ٍء َقِد يٌر } ‪ 19‬فالعموم هنا ال ميكن ختصيصه‪.‬‬
‫‪ -2‬العام اذلي يدخهل التخصيص‪:‬‬
‫وهو اذلي ميكن ختصيصه‪ ،‬ولعل هذا الن‪m‬وع ه‪m‬و أشهر أن‪m‬واع العم‪m‬وم‪ ،‬واذلي ينرصف إلي‪m‬ه اذلهن عن‪m‬د إطالق العم‪m‬وم‪ ،‬وهو‬
‫ميدان اخلالف بني العلامء يف ختصيصه أو بقائه عىل معومه‪.‬‬
‫وأمثلته يف القرآن كثرية؛ مهنا‪َ{ :‬و ِهَّلِل َعىَل الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْس َتَط اَع َلْي ِه َس ِب ياًل } ‪ 20‬فلفظ "الن ‪mm‬اس" عام خص ‪mm‬ص بقوهل‪:‬‬
‫ِإ‬
‫{َمِن اْس َتَط اَع َلْي ِه َس ِب ياًل } ‪ .‬ومهنا قوهل تع‪mm‬اىل‪ُ{ :‬كِتَب َعَلْي ْمُك َذ ا َحَرَض َأَح َد ُمُك اْلَم ْو ُت ْن َتَر َك َخ ًرْي ا اْلَو ِص َّيُة ِلْلَو اَدِل ْيِن َو اَأْلْق َر ِبَني‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫اِب ْلَم ْع ُر وِف َح ًّقا َعىَل اْلُم َّتِقَني } ‪ 21‬فلفظ "أحدمك" يفيد العموم وخصص بقوهل‪ْ { :‬ن َتَر َك َخ ًرْي ا} ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫ومهنا قوهل تعاىل‪َ{ :‬و اْلُم َط َّلَقاُت َيَرَت َّبْص َن ِبَأْنُفِس ِهَّن َثالَثَة ُقُر وٍء } ‪ ،22‬فلفظ "املطلقات" عام يشمل احلامل وغري احلامل وخص ‪mm‬ص‬
‫‪24‬‬
‫بقوهل تعاىل‪َ{ :‬و ُأوالُت اَأْلَمْحاِل َأَج ُلُهَّن َأْن َيَض ْعَن ْمَح َلُهَّن } ‪ 23‬وغري ذكل من األمثةل‪.‬‬
‫‪ -3‬العام املراد به اخلصوص‪:‬‬
‫وهو ما دل لفظه عىل العموم ودلت القرينة عىل اخلص‪m‬وص‪ ،‬كقوهل تع‪m‬اىل {َو َذ ا ِق ي‪َm‬ل َلُهْم آِم ُن وا اَمَك آَمَن الَّن اُس } س‪m‬ورة البق‪m‬رة‪:‬‬
‫ِإ‬
‫اآلية ‪ .١٣‬واملراد ابلناس عبد هللا بن سالم فاآلي‪mm‬ة دع‪mm‬وة للهيود إىل أن يؤمن ‪m‬وا كام آمن عب‪mm‬د هللا بن سالم ‪-‬ريض هللا عن‪mm‬ه‪-‬‬
‫وقد اكن هيوداًّي ‪ ،‬مث إن الناس مل يؤمنوا لكهم‪ ،‬فدلت القرينة عىل وجوب محهل عىل فئة مهنم‪.‬‬
‫ومن أمثلته أيًض ا قوهل تعاىل‪{ :‬اِذَّل يَن َقاَل َلُهُم الَّناُس َّن الَّن اَس َق ْد َمَج ُع وا َلْمُك َفاْخَش ْو ْمُه }س‪mm‬ورة آل معران‪ :‬اآلي‪mm‬ة ‪ .١٧٣‬ق‪mm‬ال‬
‫ِإ‬
‫الزركيش‪" :‬ومعومه يقتيض دخول مجيع الن‪mm‬اس يف اللفظني مجيًع ا‪ ،‬واملراد بعضهم؛ ألن الق‪mm‬ائلني غري املق‪mm‬ول هلم‪ ،‬واملراد ابألول‬
‫نعمي بن مسعو‪ 25‬والثاين‪ :‬أبو سفيان وأحصابه"‪ .‬قال الفاريس‪ :‬ومما يقوي أن املراد ابلناس يف قوهل‪َّ { :‬ن الَّناَس َق ْد َمَج ُع وا َلْمُك }‬
‫ِإ‬
‫‪ 13‬اإلتقان‪ :‬السيوطي ج‪ ٢‬ص‪.٢١‬‬
‫‪ 14‬البرهان‪ :‬الزركشي ج‪ ٢‬ص‪.٢١٧‬‬
‫‪ 15‬اإلتقان‪ :‬السيوطي ج‪ ٢‬ص‪.٢١‬‬
‫‪ 16‬سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.١٧٦‬‬
‫‪ 17‬سورة الكهف‪ :‬اآلية ‪.٤٩‬‬
‫‪ 18‬سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.٢٣‬‬
‫‪ 19‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.٢٨٤‬‬
‫‪ 20‬سورة آل عمران‪ :‬اآلية ‪.٩٧‬‬
‫‪ 21‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.١٨٠‬‬
‫‪ 22‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.٢٢٨‬‬
‫‪ 23‬سورة الطالق‪ :‬اآلية ‪.٤‬‬
‫‪ 24‬ص‪ - 414‬كتاب دراسات في علوم القرآن فهد الرومي ‪ -‬العام الذي يدخله التخصيص ‪ -‬المكتبة الشاملة‬
‫‪ 25‬في البرهان‪ :‬نعيم بن سعيد الثقفي والصواب ابن مسعود‪.‬‬
‫واحد‪ ،‬قوهل‪َّ { :‬نَم ا َذ ِلُمُك الَّش ْي َط اُن َخُيِّو ُف َأْو ِلَي اَء ُه } س‪mm‬ورة آل معران‪ :‬اآلي‪mm‬ة ‪ .١٧٥‬ف‪mm‬وقعت اإلش‪mm‬ارة بقوهل‪َ{ :‬ذ ِلُمُك} إىل واحد‬
‫ِإ‬
‫بعينه‪ ،‬ولو اكن املعين به مجًع ا لاكن إمنا أولئمك الشياطني‪ ،‬فهذه دالةل ظاهرة يف اللف‪mm‬ظ"‪ ،‬وإ منا وصف نعمي بأن‪mm‬ه الن‪mm‬اس؛ لقيام‪mm‬ه‬
‫مقام كثري يف تثبيطه املؤمنني عن مالقاة أيب سفيان‪.‬‬
‫ومن أمثلته قوهل تعاىل‪َ{ :‬أْم ْحَي ُس ُد وَن الَّناَس َعىَل َم ا آاَت ُمُه اُهَّلل ِم ْن َفْض ِهِل }سورة النساء‪ :‬اآلي‪mm‬ة ‪ .٥٤‬واملراد ابلن‪mm‬اس هن‪mm‬ا رسول‬
‫هللا صىل هللا عليه وسمل‪.‬‬
‫ومن أمثلته {َّمُث َأِف يُض وا ِم ْن َح ْيُث َأَفاَض الَّناُس } سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪ .١٩٩‬واملراد إبراهمي علي‪mm‬ه السالم أو الع‪mm‬رب‬
‫من غري قريش‪ .‬ومهنا‪َ{ :‬فَناَد ْتُه اْلَم الِئَكُة َو ُه َو َقاٌمِئ ُيَص يِّل يِف اْلِم ْح َر اِب } ‪ ١‬واملراد ابملالئكة جربيل عليه السالم‪.‬‬

‫حـمك العموم‪:‬‬
‫حمك العموم أنه يعمل به عىل الراحج‪ ،‬والقاعدة عند العلامء‪ :‬العام يبقى عىل معومه ما مل يأت خمص‪mm‬ص خيصص‪mm‬ه‪ ،‬وهن‪mm‬اك أق ‪m‬وال‬
‫يف هذه املسأةل‪ :‬فقيل‪ :‬نبحث عن اخملصص‪ ،‬وقيل‪ :‬نتوقف‪ ،‬والثالث‪ :‬نعم‪mm‬ل ب‪mm‬ه وال نبحث عن اخملص‪mm‬ص‪ ،‬وعن‪mm‬د امجله‪mm‬ور أن‪mm‬ه‬
‫يعمل به‪ .‬والصحيح أن العام يعمل به حىت يأيت خمصص خيصصه‪.‬‬
‫(‪ )1‬املذهب األول ‪ :‬التوقف عند البعض حىت يقوم ادلليل‪ ،‬وهذه أدلهتم ‪ :‬ادلليل األول ‪ :‬ألنه ‪ ،‬أي ‪ :‬الع‪mm‬ام مجمل الختالف‬
‫أعداد امجلع فإن مجع القةل يصح أن يراد منه لك عدد من الثالثة إىل العرشة ومجع الكرثة يص‪mm‬ح أن يراد من‪mm‬ه لك عدد من‬
‫العرشة إىل ما ال هناية هل ‪ ،‬فإنه إذا قال لزيد عيل أفلس يصح بيانه من الثالثة إىل العرشة فيكون مجمال‬
‫وادلليل الثاين ‪ :‬أنه ‪ ،‬أي ‪ :‬العام يؤكد بلك وأمجع ولو اكن مستغرقا ملا احتيج إىل ذكل‬
‫وادلليل الثالث ‪ :‬ألنه يذكر امجلع ويراد به الواحد كقوهل تعاىل‪ (( :‬اذلين قال هلم الناس إن الناس )) من اآلي‪mm‬ة ‪ 173‬س‪mm‬ورة آل‬
‫معران ‪ ،‬املراد منه " نعمي بن مسعود األجشعي " أو أعرايب آخر والناس الثاين أهل مكة‬
‫(‪ )2‬املذهب الثاين ‪ :‬ويسمون بأرابب اخلصوص ‪ ،‬وعند البعض يثبت األدىن وهو الثالثة يف امجلع والواحد يف غريه ‪،‬‬
‫واستدلوا عىل ذكل ‪ :‬ألنه املتيقن ‪ ،‬حيث ال جيوز إخالء اللفظ من املعىن الواحد يف اجلنس‪ ،‬والثالثة يف امجلع هو‬
‫املتيقن ‪ ،‬فإنه إذا قال لفالن عيل درامه جتب ثالثة ابتفاق بيننا وبينمك لكنا نقول إمنا تثبت الثالثة ألن العموم غري ممكن‬
‫فيثبت أخص اخلصوص‬
‫(‪ )3‬املذهب الثالث ‪ :‬وعندان – أرابب العموم – وعند الشافعي رمحه هللا يوجب احلمك يف اللك حنو جاءين القوم يوجب‬
‫احلمك وهو نسبة اجمليء إىل لك أفراد تناولها القوم واستدلوا عىل ذكل ابملعقول ‪ ،‬وهو ‪ :‬ألن العموم معىن مقصود فال بد‬
‫أن يكون لفظ يدل عليه فإن املعاين اليت يه مقصودة يف التخاطب قد وضع األلفاظ لها ‪.‬‬
‫واستدلوا كذكل ابإلجامع ‪ ،‬وهو ‪ :‬أنه ثبت عن الصحابة وغريمه الاحتجاج ابلعمومات ‪ .‬وشاع ذكل وذاع من غري نكري ‪،‬‬
‫فاكن إجامعا عىل أن العام يوجب احلمك قطعا ‪.‬‬
‫وقد قال ريض هللا تعاىل عنه يف امجلع بني األختني وطنا مبكل الميني أحلهتام آية ويه قوهل تعاىل (( أو ما ملكت أميانمك )) من‬
‫اآلية ‪ 3‬سورة النساء ‪ ،‬فإهنا تدل عىل حل وطء لك أمة مملوكة سواء اكنت جممتعة مع أخهتا يف الوطء أو ال وحرمهتام آية‬
‫ويه (( أن جتمعوا بني األختني )) من اآلية ‪ 23‬سورة النساء ‪ ،‬تدل عىل حرمة امجلع بني األختني سواء اكن امجلع بطريق‬
‫الناكح أو بطريق الوطء مبكل الميني فاحملرم راحج كام يأيت يف فصل التعارض أن احملرم راحج عىل املبيح‪.‬‬
‫وابن مسعود ريض هللا تعاىل عنه جعل قوهل تعاىل (( وأوالت األحامل )) من اآلية ‪ 4‬سورة الطالق ‪ ،‬انخسا لقوهل تع‪mm‬اىل ))‬
‫واذلين يتوفون منمك )) من اآلية ‪ 234‬سورة البقرة ‪ ،‬حىت جعل عدة حامل تويف عهنا زوهجا بوضع امحلل‬

‫املطلب الثاين‪ :‬اقسام وحمك اخلصوص‬


‫اقسام اخلصوص‪:‬‬
‫اخملص‪mm‬ص نوعان‪ :‬خمص‪mm‬ص متص‪mm‬ل‪ ،‬وخمص‪mm‬ص منفص‪mm‬ل‪ ،‬فأم‪mm‬ا اخملص‪mm‬ص املتص‪mm‬ل فه‪mm‬و أقس‪mm‬ام‪ :‬ختصيص ابالستثناء‪ ،‬وختصيص‬
‫ابلرشط‪ ،‬وختصيص ابلغاي‪mm‬ة‪ ،‬وختصيص ابلصفة‪ ،‬واخملص‪mm‬ص املنفص‪mm‬ل أقس‪mm‬ام أيضًا‪ :‬ختصيص الكت‪mm‬اب ابلكت‪mm‬اب‪ ،‬وختصيص‬
‫الكتاب ابلسنة‪ ،‬والسنة ابلسنة‪ ،‬وختصيص الكتاب والسنة ابإلجامع والقياس‪ ،‬وأخريًا التخصيص مبفه‪m‬وم اخملالف‪m‬ة‪ ،‬وللك ن‪m‬وع‬
‫مثال يوحضه‪.‬‬

‫اخملصص املتصل وأقسامه‬ ‫‪-1‬‬


‫‪ ‬التخصيص ابالستثناء‬
‫هل يشرتط يف الاستثناء أن يكون متصًال ابلالكم؟ بعض العلامء اشرتط ذكل ومه امجلهور‪.‬‬
‫وقال بعض العلامء‪ :‬إذا فصل املستثىن عن املستثىن منه بالكم‪ ،‬حفمكه حمك غري املفص‪mm‬ول‪ ،‬وهذا ه‪mm‬و ال‪m‬راحج من أق‪m‬وال أه‪mm‬ل‬
‫العمل‪.‬‬
‫واستدلوا عىل ذكل‪ :‬أن الن‪mm‬يب ص‪mm‬ىل هللا علي‪mm‬ه وسمل ق‪mm‬ال يف فتح مك‪mm‬ة‪( :‬إن ه‪mm‬ذا البدل حرمه هللا‪ ،‬ي‪mm‬وم خل‪mm‬ق الساموات‬
‫واألرض‪ ،‬ال يعضد ش ‪mm‬وكه‪ ،‬وال خيتىل خاله‪ ،‬فق ‪mm‬ال العب ‪mm‬اس بن عب ‪mm‬د املطلب ريض هللا عن ‪mm‬ه وأرضاه‪ :‬اي رسول هللا! إال‬
‫اإلذخر؛ فإنه لقيهنم وبيوهتم) إىل آخر احلديث‪ ،‬فقال النيب صىل هللا عليه وسمل‪( :‬إال اإلذخر)‪ ،‬فهم يرون أن ه‪mm‬ذا الاستثناء‬
‫قد فصل بالكم العباس ريض هللا عنه‪.‬‬
‫‪ ‬التخصيص ابلرشط‬
‫التخصيص ابلرشط كق‪mm‬ول القائ‪mm‬ل مثًال‪ :‬أع‪mm‬ط زيدًا درهًام‪ ،‬مث يق‪mm‬ول‪ :‬إن حرض‪ ،‬فقوهل‪( :‬إن حرض) رشط لكن ل‪mm‬و ق‪mm‬ال‪ :‬لكام‬
‫جاءك زيد فأعطه درهًام‪ ،‬وإ ن مل يأتك فأعطه درهًام‪.‬‬
‫فهذا عىل العموم‪ ،‬لكن ملا يقيد ابلرشط ويقول‪ :‬أعط زيدًا درهًام إن جاءك‪ ،‬وإ ن مل يأتك فال تعطه‪ ،‬فهذا ختصيص ابلرشط‪.‬‬
‫مثاهل يف اآلايت واألحاديث‪ :‬قال هللا تعاىل‪َ{ :‬ف ْن اَت ُبوا َو َأَق اُم وا الَّص الَة َو آَت ُو ا الَّز اَك َة َفَخ ُّل وا َس ِبيَلُهْم } [التوبة‪ ]٥:‬فتخلي‪mm‬ة السبيل‬
‫ِإ‬
‫ليست عىل العموم‪ ،‬بل يشرتط فهيا التوبة مع إقامة الصالة مع إيتاء الزاكة‪ ،‬أي‪ :‬إخالء السبيل معلق برشطني‪ :‬األول‪ :‬التوبة‪،‬‬
‫الثاين‪ :‬إقامة الصالة وإ يتاء الزاكة‪.‬‬
‫أيضًا‪ :‬ق‪mm‬ول هللا تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬فَم ْن َش ِهَد ِم ْنُمُك الَّش ْهَر َفْلَيُص ْم ُه َو َمْن اَك َن َمِريًض ا َأْو َعىَل َس َفٍر َفِع َّد ٌة ِم ْن َأاَّي ٍم ُأَخ َر } [البق‪mm‬رة‪،]١٨٥:‬‬
‫يعين‪ :‬أن صوم رمضان عىل لك األحياء‪ ،‬لكن ليس عىل العموم‪ ،‬وإ منا خيصص من‪mm‬ه {َمْن اَك َن َمِريًض ا َأْو َعىَل َس َفٍر }‪ ،‬ف‪mm‬املريض‬
‫أو املسافر م‪m‬رخص هل أن يفط‪m‬ر‪ .‬واألحاكم املتعلق‪m‬ة ابلرشط يه نفس األحاكم املتعلق‪m‬ة ابالستثناء‪ ،‬حفمك ج‪m‬واب الرشط بع‪m‬د‬
‫مجةل متعاطفة أنه يرجع إىل امجليع‪ ،‬عىل اخلالف اذلي سبق يف الاستثناء‪ ،‬والراحج أهنا ترجع إىل امجليع‪.‬‬
‫التخصيص ابلصفة‬ ‫‪‬‬
‫التخصيص ابلصفة هو‪ :‬أن يكون اللفظ يدل عىل العموم‪ ،‬ويف السياق صفة مقيدة أو خمصص‪mm‬ة‪ ،‬كق‪mm‬ول القائ‪mm‬ل‪( :‬أكرم العلامء)‬
‫معوم‪ ،‬فيعم لك العلامء‪ ،‬سواء اكن صغريًا أو كبريًا‪ ،‬فاسقًا أو فاجرًا‪ ،‬صاحلًا أو قانتًا‪ ،‬ورعًا أو تقيًا‪ ،‬متقن‪ًmm‬ا أو غري متقن‪ ،‬لكن ملا‬
‫يقول‪( :‬أكرم العلامء الصادقني) فهنا وصف (العلامء) بصفة‪ ،‬وهذه الصفة تعترب صفة خمصصة‪ ،‬فيكون قد خصص‪mm‬ت طائف‪mm‬ة من‬
‫العلامء بأهنم يستحقون اإلكرام‪ ،‬ومه العلامء الصادقون‪.‬‬
‫أو يقول‪ :‬أعط طلبة العمل املال‪ ،‬أي‪ :‬أعط طلبة أي عمل‪ :‬عمل المكبيوتر‪ ،‬عمل الهندسة‪ ،‬عمل الطب‪ ،‬لكن لو ق‪mm‬ال‪ :‬أع‪mm‬ط طلب‪mm‬ة‬
‫العمل الرشعي املال‪ ،‬فإ ذًا‪ :‬خصصت طلبة العمل الرشعي‪ .‬ومثل قول هللا تعاىل‪َ{ :‬و ِهَّلِل َعىَل الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْس َتَط اَع َلْي ِه‬
‫ِإ‬
‫َس ِب ياًل } [آل معران‪ ]٩٧:‬ووجه الاستدالل أن احلج واجب عىل الناس املستطيع وغري املستطيع‪ ،‬ولكن الوصف جعهل عام ‪ًm‬ا‬
‫يف الناس املوصوفني ابالستطاعة فقط‪ .‬وقال تعاىل‪َ{ :‬و َر اَب ِئُبُمُك الاَّل يِت يِف ُحُج وِر ْمُك ِم ْن ِنَس اِئُمُك الاَّل يِت َدَخ ْلْمُت ِهِب َّن } [النساء‪]٢٣ :‬‬
‫فهنا الربيبة‪ :‬اليت يف جحر زوج األم‪ ،‬فتحرم عليه‪ ،‬لكن هذه الزوجة اليت تزوهجا ولها ابنة هل لها وصف يقيدها أم ال؟ ق‪mm‬الت‬
‫اآلية‪َ{ :‬و َر اَب ِئُبُمُك الاَّل يِت يِف ُحُج وِر ْمُك ِم ْن ِنَس اِئُمُك} [النس‪mm‬اء‪ ]٢٣:‬يع‪mm‬ين‪ :‬لك ام‪m‬رأة س‪m‬واء دخلت هبا أو مل ت‪mm‬دخل هبا إذا اكن له‪mm‬ا‬
‫ابنة ربيبة فتحرم عليك هذه الربيبة‪ ،‬مث جاء الوصف اذلي قيد هذا العموم وهو قوهل‪{ :‬الاَّل يِت َدَخ ْلْمُت ِهِب َّن } [النساء‪ ،]٢٣ :‬فهذا‬
‫يفيد عىل أهنا ليست عىل العموم‪ ،‬بل خترج بذكل اليت مل يدخل هبا‪ ،‬فإذا مل تدخل هبا فالربيبة حتل كل‪ .‬مثاهل‪ :‬رجل عق‪mm‬د عىل‬
‫هند‪ ،‬وهند لها ابنة تسمى‪ :‬زينب‪ ،‬حفدثت بني الرجل وهند مشاجرة‪ ،‬فطل‪mm‬ق هن‪m‬دًا‪ ،‬ونظ‪mm‬ر إىل زينب فأجعبت‪mm‬ه ف‪m‬أراد ال‪mm‬زواج‬
‫مهنا‪ ،‬نقول‪ :‬يصح الزتوج بزينب؛ ألن الرابئب الاليت يف احلجور خمصصة ابدلخول عىل األهمات‪ ،‬وهن‪mm‬ا مل حيص‪mm‬ل ادلخول ب‪m‬أم‬
‫زينب‪ .‬أيضًا‪ :‬قول هللا تعاىل‪َ{ :‬و َمْن َلْم َيْس َتِط ْع ِم ْنْمُك َط ْو اًل َأْن َينِكَح اْلُم ْحَص َناِت اْلُم ْؤ ِم َن اِت َفِم ْن َم ا َم َلَكْت َأْيَم اُنْمُك ِم ْن َفَتَي اِتْمُك‬
‫اْلُم ْؤ ِم َناِت } [النساء‪ ،]٢٥:‬مكل الميني يه‪ :‬اإلماء‪ ،‬واألمة قد تكون مؤمنة وغري مؤمنة‪ ،‬وممكن تكون من أهل الكتاب وممكن‬
‫تكون مرشكة‪ ،‬فيقول هللا تعاىل‪ :‬إن مل يكن معك م‪mm‬ال تستطيع أن تزتوج احلرة احملصنة {َفِم ْن َم ا َم َلَكْت َأْيَم اُنْمُك ِم ْن َفَتَي اِتْمُك‬
‫اْلُم ْؤ ِم َناِت }‪ ،‬يعين‪ :‬كل أن تزتوج أمة‪ ،‬لكن ال يكون ذكل إال بثالثة رشوط‪:‬‬
‫الرشط األول‪ :‬أن خيىش عىل نفسه العنت‪.‬‬
‫الرشط الثاين‪ :‬أال جيد طوًال يف ناكح احملصنات املؤمنات‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬أن تكون مؤمنة‪ ،‬وهذا الرشط ورد يف قول هللا تعاىل‪ِ{ :‬م ْن َفَتَياِتُمُك اْلُم ْؤ ِم َناِت } [النس‪mm‬اء‪،]٢٥:‬‬
‫إ ذًا‪ :‬الوصف يف اآلية خصص املؤمنات من الفتيات دون غري املؤمنات‪.‬‬
‫وهن ‪mm‬اك بعض األحاكم تتعل ‪mm‬ق ابلصفة مهنا‪ :‬إذا تق ‪mm‬دمت الصفة عىل متع ‪mm‬دد‪ ،‬فهي وصف للجمي ‪mm‬ع كام قلن ‪mm‬ا يف‬
‫‪26‬‬
‫الاستثناء والرشط‪ ،‬أما إذا توسطت املتعدد‪ ،‬فهي وصف ملا تقدهما فقط‪.‬‬
‫‪ ‬التخصيص ابلغاية‬
‫التخصيص ابلغاية هو‪ :‬هناية اليشء املقتضية ثبوت احلمك ملا قبله‪mm‬ا وانتفاهئا عام بع‪mm‬دها‪ ،‬أي‪ :‬أن احلمك بع‪mm‬د الغاي‪mm‬ة منت‪mm‬ف وقب‪mm‬ل‬
‫الغاية اثبت‪ .‬مثال ذكل قال هللا تعاىل‪َ{ :‬فاْغِس ُلوا ُو ُج وَه ْمُك َو َأْي ِد َيْمُك ىَل اْلَمَر اِف ِق } [املائ‪mm‬دة‪ ،]٦:‬أي‪ :‬أن الوجوب إىل املراف‪mm‬ق‪،‬‬
‫ِإ‬
‫مفا حتت املرفق واجب‪ ،‬أما العضد فليس بواجب‪.‬‬
‫إ ذًا‪ :‬ما بعد الغاية ليس بواجب‪ ،‬وما قبل الغاية واجب‪ ،‬فثبت احلمك فامي قبل الغاية وينتفي فامي بعد الغاية‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬قال هللا تعاىل‪َ{ :‬و ال ْحَت ِلُقوا ُر ُء وَس ْمُك } [البقرة‪ ]١٩٦:‬عام‪ ،‬مث قال هللا تعاىل مبينًا لنا الغاية حىت خنصص هبا‪َ{ :‬ح ىَّت‬
‫َيْب ُلَغ اْلَهْد ُي َم ِح ُهَّل} [البقرة‪ ،]١٩٦:‬أي‪ :‬ال حتلق رأسك أب‪m‬دًا وأنت يف احلج‪ ،‬وإ ال فعلي‪mm‬ك ادلم والفدي‪mm‬ة إن حلقت أو قرصت‪،‬‬

‫‪ 26‬ص‪ - 5‬كتاب تيسير أصول الفقه للمبتدئين ‪ -‬التخصيص بالصفة ‪ -‬المكتبة الشاملة‬
‫وهذا عىل العموم واإلطالق‪ ،‬وقد خصصه هللا يف غاي‪mm‬ة معين‪mm‬ة فق‪mm‬ال‪َ{ :‬ح ىَّت َيْب ُل َغ اْلَه ْد ُي َم ِح ُهَّل} [البق‪mm‬رة‪ ]١٩٦:‬أي‪ :‬كل ي‪mm‬وم‬
‫النحر األكرب أن حتلق رأسك‪.‬‬
‫وأيضًا يقال يف مسأةل اذلين أحرصوا‪ ،‬ه‪m‬ل حيل‪m‬ق احملرص قب‪mm‬ل أن يص‪m‬ل إىل احملل أم ال؟ نق‪m‬ول‪ :‬ه‪m‬ذا مقي‪mm‬د وخمص‪m‬ص للغاي‪m‬ة‪:‬‬
‫{َح ىَّت َيْب ُلَغ اْلَهْد ُي َم ِح ُهَّل}‪.‬‬
‫‪ -2‬اخملصص املنفصل وأقسامه‬
‫اخملصص املنفصل هو‪ :‬ادلليل الرشعي‪ ،‬املنفصل عن اللفظ العام‪ ،‬مبعىن‪ :‬جميء آية عامة وجاءت آي‪mm‬ة أخ‪mm‬رى خمصص‪mm‬ة له‪mm‬ا‪ ،‬أو‬
‫حديث عام وجاء حديث آخر خمصصًا هل‪ ،‬وميكن التخصيص ابإلجامع أو القياس‪.‬‬
‫واخملصص املنفصل ستة أنواع‪ :‬الكتاب والسنة‪ ،‬اإلجامع‪ ،‬القياس‪ ،‬مفهوم اخملالفة‪ ،‬مفهوم املوافقة‪.‬‬
‫‪ ‬ختصيص الكتاب ابلكتاب‬
‫القسم األول‪ :‬اخملصص املنفصل من الكتاب‪ ،‬وهذا ابالتفاق‪ ،‬ودالةل العام قطعية عن‪m‬د امجله‪m‬ور‪ ،‬أم‪m‬ا األحن‪m‬اف فريون أن دالةل‬
‫العام ظنية وليست قطعية‪ ،‬وإ منا اخلالف هل الكتاب خيصص ابلسنة أم ال؟ نقول‪ :‬الراحج من أق‪m‬وال أه‪mm‬ل العمل‪ :‬أن الكت‪mm‬اب‬
‫خيصص ابلسنة‪ ،‬وكذكل خيصص ابلقياس وابإلجامع‪ .‬مثال ذكل‪ :‬قال هللا تعاىل‪َ{ :‬و اْلُم َط َّلَقاُت َيَرَت َّبْص َن ِبَأنُفِس ِهَّن َثالَث َة ُق ُر وٍء }‬
‫[البقرة‪ .]٢٢٨:‬املطلقة ال‪mm‬يت طلقه‪mm‬ا زوهجا عىل أن‪m‬واع‪ :‬مطلق‪mm‬ة حتيض‪ ،‬ومطلق‪mm‬ة ال حتيض وتسمى ايئس‪mm‬ة‪ ،‬وصغرية ال حتيض‪،‬‬
‫قال هللا تعاىل يف النوع الثاين‪َ{ :‬و الاَّل يِئ َيِئْس َن ِم َن اْلَم ِح يِض ِم ْن ِنَس اِئْمُك } [الطالق‪ ،]٤:‬أم‪m‬ا املرأة ال‪m‬يت حتيض فع‪m‬دهتا {َثالَث َة‬
‫ُقُر وٍء } والقرء فيه خالف فقهي شديد بني العلامء؛ ألن القرء من األضداد‪ ،‬فيأيت مبع‪m‬ىن الطه‪m‬ر‪ ،‬ويأيت مبع‪m‬ىن احليض‪ ،‬فاملالكي‪m‬ة‬
‫والش‪m‬افعية يرون أن‪m‬ه الطه‪m‬ر‪ ،‬ولغ‪m‬ة الق‪m‬وة معهم‪ ،‬ورشعًا الق‪m‬وة م‪m‬ع األحن‪m‬اف واحلنابةل ب‪m‬أن الق‪m‬رء معن‪m‬اه احليض‪ ،‬وهذا ورد يف‬
‫حديث حصيح عن النيب صىل هللا عليه وسمل أنه قال‪( :‬فاعتدي أقرائك) جفعل اللفظ املبني للقرء هو احليض‪.‬‬
‫فقوهل‪َ{ :‬ثالَثَة ُقُر وٍء } يعين‪ :‬ثالث حيضات يه عدة املرأة‪ ،‬أما اليت ال حتيض فعدهتا ثالثة أشهر بنص اآلية‪.‬‬
‫فقوهل‪َ{ :‬و اْلُم َط َّلَقاُت } [البقرة‪ ]٢٢٨:‬هذا لفظ عام‪ ،‬وقد جاءت أدةل ختصص هذا اللف‪mm‬ظ الع‪mm‬ام‪ ،‬مفثًال‪ :‬احلام‪mm‬ل عىل ال‪m‬راحج من‬
‫األق‪mmmm‬وال أن عدهتا تنقيض بوضع امحلل؛ حلديث سبيعة األسلمية‪ ،‬ولقوهل تع‪mmmm‬اىل‪َ{ :‬و ُأْو الُت اَألَمْحاِل َأَج ُلُهَّن َأْن َيَض ْعَن ْمَح َلُهَّن }‬
‫[الطالق‪ .]٤:‬إ ذًا‪ :‬املرأة احلامل تعترب حمكها خاص من احلمك العام يف املطلقات‪ ،‬وحمكه‪mm‬ا أهنا إذا وضعت امحلل ولو بع‪mm‬د ي‪mm‬وم‬
‫من الطالق لها أن تزتوج؛ ألن عدهتا قد انقضت‪.‬‬
‫أيضًا‪ :‬ق‪m‬ول هللا تع‪m‬اىل‪{ :‬اَي َأَهُّيا اِذَّل يَن آَمُن وا َذ ا َنَكْح ُمُت اْلُم ْؤ ِم َن اِت َّمُث َط َّلْقُتُم وُه َّن ِم ْن َقْب ِل َأْن َتَمُّس وُه َّن َفَم ا َلْمُك َعَلِهْيَّن ِم ْن ِعَّد ٍة‬
‫ِإ‬
‫َتْع َتُّد وَهَنا} [األحزاب‪ ،]٤٩:‬أي‪ :‬أن حمك املطلقة املعق‪m‬ود علهيا قب‪mm‬ل أن ي‪mm‬دخل هبا زوهجا خمص‪mm‬وص من حمك املطلق‪m‬ات الع‪m‬ام‪،‬‬
‫وميكن أن يعق‪mm‬د علهيا آخ‪mm‬ر بع‪mm‬د س‪mm‬اعة‪ .‬إ ذًا‪ :‬احلمك الع‪mm‬ام يف املطلق‪mm‬ات أن عدهتن ثالث‪mm‬ة ق‪mm‬روء‪ ،‬لكن خصصنا من ذكل أوالت‬
‫األحامل بأن يضعن محلهن‪ ،‬وأيضًا املعقود علهيا قبل أن يدخل هبا ليس لها عدة‪.‬‬
‫‪ ‬ختصيص الكتاب ابلسنة‬
‫القسم الثاين‪ :‬اخملصص املنفصل من السنة‪ ،‬ال خالف بني العلامء أن القرآن خيصص ابلقرآن‪ ،‬وخيصص ابلسنة املت ‪m‬واترة‪ ،‬لكن‬
‫اخلالف بني العلامء يف ختصيص الق‪mmm‬رآن بسنة اآلحاد‪ ،‬فأم‪mmm‬ا األحن‪mmm‬اف‪ :‬فال يرون التخصيص ابآلحاد‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن حديث‬
‫اآلحاد ال خيصص الق‪m‬رآن‪ ،‬لكن استثنوا م‪m‬ا إذا ُخص‪m‬ص ه‪m‬ذا الق‪m‬رآن ب‪m‬دليل من الق‪m‬رآن؛ ألن‪m‬ه إذا خص‪m‬ص ب‪m‬دليل من الق‪m‬رآن‬
‫سيضعف‪ ،‬فإذا ضعف نزل إىل مرتبة حديث اآلحاد فيخصصه‪.‬‬
‫أما املالكية‪ :‬فال يرون حبال من األحوال أن القرآن خيصص بسنة اآلحاد إال إذا اكن معل أهل املدينة يوافق خرب اآلحاد‪.‬‬
‫وأروع األمثةل ال‪m‬يت أستحرضها اآلن للاملكي‪m‬ة‪ :‬ق‪m‬ول الن‪m‬يب ص‪m‬ىل هللا علي‪m‬ه وسمل‪( :‬حيرم لك ذي انب من السباع وخملب من‬
‫الطري)‪.‬‬
‫يق‪m‬ول اإلم‪m‬ام ماكل‪ :‬إن ه‪m‬ذا احلديث ال خيص‪m‬ص معوم ق‪m‬ول هللا تع‪m‬اىل‪ُ{ :‬لُكوا ِم َّم ا يِف اَألْر ِض } [البق‪m‬رة‪ ]١٦٨:‬ويأيت إىل ه‪m‬ذا‬
‫احلديث ويقول‪ :‬ما أدركنا أحدًا من أهل املدينة يعمل به‪ ،‬مث يقول‪ :‬هذا حديث آحاد ال خيصص العموم‪.‬‬
‫إ ذًا‪ :‬عنده أن لك موجود عىل األرض حىت القطط وغريها حيل ألكها‪.‬‬
‫أما القول الراحج‪ :‬فهو قول الش‪mm‬افعية وقول احلنابةل ب‪m‬أن الق‪m‬رآن ختصص‪mm‬ه السنة؛ ألن السنة والق‪m‬رآن ويح من هللا جل وعال‪،‬‬
‫فهام خرجا من مشاكة واحدة‪ ،‬فيصح ختصيص هذا بذاك‪ ،‬ويصح ختصيص اآلخر ابألول‪ ،‬قال هللا تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬و َم ا آاَت ُمُك الَّر ُس وُل‬
‫َفُخ ُذ وُه َو َم ا َهَناْمُك َعْنُه َفاْنُهَتوا} [احلرش‪ ،]٧:‬يعين‪ :‬لك ما يأيت به الرسول صىل هللا علي‪m‬ه وسمل من كت‪m‬اب أو سنة يؤخذ‪ ،‬وقال‬
‫هللا تعاىل‪َ{ :‬و َأنَز ْلَنا َلْي َك اِّذل ْك َر ِلُتَبَنِّي ِللَّناِس َم ا ُنِّزَل َلِهْي ْم } [النحل‪ ،]٤٤:‬والتبيني من الكتاب ومن السنة‪ ،‬وأيضًا من احلديث‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫القديس‪ ،‬فهذا لكه يدل عىل أن‪m‬ه خ‪m‬رج من مش‪m‬اكة واحدة فيخص‪m‬ص‪ .‬مث‪m‬ال‪ :‬ق‪m‬ال تع‪m‬اىل‪ُ{ :‬يوِص يُمُك اُهَّلل يِف َأْو الِدْمُك ِلَّذل َكِر ِم ْث ُل‬
‫َح ِّظ اُألنَثَيِنْي } [النس‪m‬اء‪ .]١١:‬قوهل‪( :‬أوالدمك) امس جنس مضاف وهو يفي‪m‬د العم‪m‬وم‪ ،‬أي‪ :‬يعم املس‪m‬مل والاكفر‪ ،‬والرقي‪m‬ق وغري‬
‫الرقيق‪.‬‬
‫لكن هذا العموم خص حبديث النيب صىل هللا عليه وسمل‪( :‬ال يرث املسمل الاكفر‪ ،‬وال الاكفر املسمل) فه‪mm‬ذا في‪mm‬ه ختصيص من‬
‫معوم اآلية بأن الاكفر ال يرث‪.‬‬
‫مثال آخر أيضًا‪ :‬قال هللا تعاىل‪َ{ :‬و َأَح َّل اُهَّلل اْلَبْي َع َو َح َّر َم الِّر اَب } [البقرة‪.]٢٧٥:‬‬
‫ووجه الاستدالل أن مجيع أنواع البيع حسب اآلي‪mm‬ة حالل‪ ،‬ولكن ه‪mm‬ذا العم‪mm‬وم خص من قب‪mm‬ل السنة اآلحادي‪mm‬ة بنح‪mm‬و‪( :‬هنى‬
‫النيب صىل هللا عليه وسمل عن بيوع الغرر)‪ ،‬فبيوع الغرر خمصوصة من معوم حل البيع‪.‬‬
‫وأيضًا‪( :‬هنى الن ‪mm‬يب ص ‪mm‬ىل هللا علي ‪mm‬ه وسمل عن مثن ادلم)‪ ،‬فاذلي يتربع ابدلم ويأخذ أج ‪mm‬رة عىل ذكل ح‪m m‬رام؛ ألن مثن ادلم‬
‫خمصوص من قول هللا تعاىل‪َ{ :‬و َأَح َّل اُهَّلل اْلَبْي َع }‪ .‬كذكل‪( :‬هنى النيب صىل هللا عليه وسمل عن مثن اللكب) فهذا خمصوص من‬
‫معوم اآلية‪.‬‬
‫‪ ‬ختصيص الكتاب والسنة ابإلجامع‬
‫القسم الثالث‪ :‬اإلجامع‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ُ{ :‬يوِص يُمُك اُهَّلل يِف َأْو الِدْمُك ِلَّذل َكِر ِم ْثُل َح ِّظ اُألنَثَيِنْي } [النس‪mm‬اء‪ ]١١:‬ه‪mm‬ذه اآلي‪mm‬ة عام‪mm‬ة يف‬
‫لك األوالد سواء اكن رقيقًا أو غري رقيق‪ ،‬لكن اإلجامع ق‪mm‬د خص الرقي‪mm‬ق؛ ألن أه‪mm‬ل العمل‪ :‬أمجع‪m‬وا عىل أن‪m‬ه ال يرث العب‪mm‬د من‬
‫احلر؛ ألن هذا املال ال ميتلكه‪ ،‬وإ منا سيذهب لسيده‪ ،‬فكونه يرد عىل أخيه أوىل‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬قال النيب ص‪m‬ىل هللا علي‪m‬ه وسمل‪( :‬املاء طه‪m‬ور ال ينجس‪m‬ه يشء) أمجع أه‪m‬ل العمل‪ :‬أن املاء إذا القت‪m‬ه جناس‪m‬ة فغريت‬
‫طعمه أو لونه أو رحيه‪ ،‬فإنه ينجس بذكل‪.‬‬
‫إ ذًا‪ :‬فهذا ختصيص لقول النيب صىل هللا عليه وسمل‪( :‬املاء طهور ال ينجسه يشء)‪.‬‬
‫‪ ‬ختصيص الكتاب ابلقياس‬
‫القسم الرابع‪ :‬القياس والنظر‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬الَّز اِنَيُة َو الَّز ايِن َفاْج ُدِل وا َّلُك َو اِحٍد ِم ُهْنَم ا ِم اَئ َة َج َدْل ٍة َو ال َتْأُخ ْذ ْمُك ِهِب َم ا} [الن‪mm‬ور‪]٢:‬‬
‫فهذا لفظ عام يدخل فيه اإلماء والرقيق واألحرار‪ ،‬وصيغة العموم ال‪mm‬يت تثبت ه‪mm‬ذا قوهل‪(( :‬الَّز اِنَي ُة َو ال‪َّm‬ز ايِن )) فه‪mm‬ذا امس جنس‬
‫مع‪mm‬رف ابأللف والالم‪ ،‬فيعم لك زاين ولك زاني‪mm‬ة‪ ،‬س ‪m‬واء اكن ح ‪m‬رًا أم رقيق ‪ًm‬ا‪ ،‬أو اكنت يه ح‪mm‬رة أم اكنت أم‪mm‬ة‪ ،‬مث جاءت آي‪mm‬ة‬
‫أخرى خصصهتا ويه قوهل تعاىل‪َ{ :‬فَع َلِهْيَّن ِنْص ُف َم ا َعىَل اْلُم ْحَص َناِت ِم َن اْلَع َذ اِب } [النس‪m‬اء‪ ،]٢٥:‬ف‪mm‬احلرة إن اكن علهيا مائ‪m‬ة‬
‫جدلة فاألمة جتدل مخسني جدلة‪ ،‬وكذكل الرجل العبد جيدل مخسني جدلة؛ ألن الرجل احلر جيدل مائ‪mm‬ة جدلة‪ ،‬والعةل يه ال‪mm‬رق‪،‬‬
‫فيجمتع العبد يف العةل مع األمة‪ ،‬فنقول‪ :‬العبد الرقيق هنا يقاس عىل األمة جبامع العةل بيهنام‪.‬‬
‫‪ ‬التخصيص مبفهوم اخملالفة‬
‫القسم اخلامس‪ :‬التخصيص مبفهوم اخملالفة‪ ،‬ومفهوم اخملالفة يعين‪ :‬أن يكون حمك املفهوم خمالفًا حلمك املنطوق‪.‬‬
‫قال النيب صىل هللا عليه وسمل‪( :‬يف أربعني شاة شاة) يعين‪ :‬سواء اكنت سامئة أم اكنت معلوفة‪ ،‬لكن ملا يأيت النيب ص‪mm‬ىل هللا‬
‫عليه وسمل ويقول‪( :‬ويف السامئة زاكة) مففهوم اخملالفة‪ :‬أن غري السامئة ليس علهيا زاكة‪ ،‬فه‪m‬ذا احلديث الث‪mm‬اين خص‪mm‬ص العم‪mm‬وم يف‬
‫احلديث األول‪.‬‬

‫حمك اخلصوص‪:‬‬
‫وحمك اخلاص عىل وجه اإلجامل‪:‬‬
‫أن‪mm‬ه إذا ورد نص رشعي دل دالةل قطعي‪mm‬ة عىل معن‪mm‬اه اخلاص اذلي وضع هل حقيق‪mm‬ة‪ ،‬وثبت احلمك ملدلوهل عىل سبيل القط‪mm‬ع ال‬
‫الظن‪.‬‬
‫فاحلمك املستفاد من قوهل تعاىل‪َ{ :‬فَكَّفاَر ُتُه ْط َع اُم َع َرَش ِة َم َس اِك َني } [املائدة‪ ،]89 :‬هو وجوب إطعام عرشة مساكني‪ ،‬وال حتمتل‬
‫ِإ‬
‫العرشة نقصًا وال زايدة‪ .‬واحلمك املستفاد من حديث‪« :‬يف لك أربعني شاة شاة» هو تقدير النص‪mm‬اب اذلي جتب الزاكة في‪mm‬ه من‬
‫الغمن بأربعني‪ ،‬وتقدير الواجب بشاة بال احامتل زايدة أو نقص يف هذا أو ذاك‪.‬‬
‫ولكن إذا قام دليل يقيض تأويل هذا اخلاص‪ ،‬أي إ رادة معىن آخر منه حيمتل عىل ما اقتضاه ادلليل‪ .‬ومثال هذا م‪mm‬ا ق‪mm‬دمناه يف‬
‫تأويل علامء احلنفية الشاة يف احلديث الس‪mm‬ابق مبا يعم الش‪mm‬اة وقميهتا‪ ،‬وتأويلهم الص‪mm‬اع من متر أو شعري يف ص‪mm‬دقة الفط‪mm‬ر مبا يعم‬
‫الصاع وقميته‪ ،‬وتأويلهم الصاع من متر يف حديث املرصاة مبا يشمهل ويشمل أي عوض مياثل املتلف‪.‬‬
‫فإذا ورد اخلاص مطلقًا محل عىل إطالقه‪ ،‬وإ ذا ورد مقيدًا محل عىل تقييده‪.‬‬
‫والفرق بني اللفظ املطلق واللفظ املقيد‪ :‬أن املطل‪mm‬ق ه‪mm‬و م‪m‬ا دل عىل ف‪mm‬رد غري مقي‪mm‬د لفظ‪ًm‬ا ب‪m‬أي قي‪mm‬د‪ ،‬مث‪mm‬ل‪ :‬مرصي‪ ،‬ورجل‪،‬‬
‫وطائر‪ ،‬واملقّيد هو ما دل عىل فرد مقيد لفظًا بأي قيد‪ ،‬مثل‪ :‬مرصي مسمل‪ ،‬ورجل رشيد‪ ،‬وطائر أبيض‪.‬‬
‫فاملطلق يفهم عىل إطالقه إال إذا قام دلي‪mm‬ل عىل تقيي‪mm‬ده‪ ،‬ف‪mm‬إن ق‪mm‬ام ادلليل عىل تقيي‪mm‬ده اكن ه‪mm‬ذا ادلليل ص‪mm‬ارفًا هل عن إطالق‪mm‬ه‬
‫ومبينًا املراد منه‪ .‬ففي قوهل تعاىل‪ِ{ :‬م ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيويِص َهِبا َأْو َد ْيٍن } [النس‪mm‬اء‪ ،]11 :‬الوصية مطلق‪mm‬ة قي‪mm‬دت ابحلديث‪ ،‬اذلي‬
‫دل عىل انه ال وصية بأكرث من الثلث‪ ،‬فصار املراد يف اآلية الوصية اليت يف حدود ثلث الرتكة‪.‬‬
‫وإ ذا ورد اللفظ مطلق‪ًm‬ا يف نص رشعي‪ ،‬وورد ه‪mm‬و نفس‪mm‬ه مقي‪m‬دًا يف نص آخ‪mm‬ر‪ ،‬إن اكن موضوع النص‪mm‬ني واحدًا ب‪m‬أن اكن احلمك‬
‫الوارد فهيام متحدًا‪ ،‬والسبب اذلي بين عليه احلمك متحدًا‪ ،‬محل املطلق عىل املقيد‪ ،‬أي‪ :‬اكن املراد من املطلق ه‪mm‬و املقي‪mm‬د ألن‪mm‬ه‬
‫مع احتاد احلمك والسبب‪ ،‬ال يتصور الاختالف ابإلطالق والتقييد‪ ،‬فيكون املطلق مقيدًا بقيد املقيد‪.‬‬
‫مثال هذا‪ :‬قوهل تعاىل يف سورة املائدة‪ُ{ :‬ح ِّرَم ْت َعَلْي ُمُك اْلَمْي َتُة َو اَّدْل ُم َو َلْح ُم اْلِخ ِزْنيِر } [املائدة‪ ]3 :‬ادلم هنا مطلق القيد‪.‬‬
‫وقوهل تعاىل يف سورة األنعام‪ُ{ :‬قل َّال َأِج ُد يِف َم ا ُأْو َيِح ِإ َّيَل ُم َح َّر مًا َعىَل َط اٍمِع َيْط َع ُم ُه ِإ َّال َأن َيُك وَن َم ْيَت ًة َأْو َدم‪ًm‬ا َّم ْس ُفوحًا َأْو‬
‫َلْح َم ِخ ِزنيٍر } [األنعام‪ ،]145 :‬ادلم هنا مقيد ابملسفوح‪ ،‬فاملراد ابدلم يف آية املائ‪mm‬دة ادلم املسفوح املنص‪mm‬وص عىل حترميه يف آي‪mm‬ة‬
‫األنعام‪ ،‬ألن احلمك يف اآليتني واحد وهو التحرمي‪ ،‬والسبب اذلي بين عليه احلمك فهيام واحد وهو كونه دم‪ًm‬ا‪ ،‬فل‪mm‬و اكن ادلم حمرم‬
‫مطلق ادلم خال القيد وهو {مسفوحًا} من الفائدة‪.‬‬
‫أما إذا اختلف النصاب يف احلمك‪ ،‬أو يف السبب‪ ،‬أو فهيام معًا‪ ،‬فال حيمتل املطلق عىل املقي‪mm‬د ب‪mm‬ل يعم‪mm‬ل ابملطلق عىل إطالق‪mm‬ه‬
‫يف موضعه‪ ،‬وابملقيد عىل قي‪mm‬ده يف موضعه‪ ،‬ألن اختالف احلمك أو السبب أو أحدهام ق‪mm‬د يك‪mm‬ون ه‪mm‬و عةل الاختالف إطالق‪ًm‬ا‬
‫وتقييدًا‪ .‬وهذا مذهب احلنفية وأكرث املالكية‪ ،‬وأما إذا اختلفا يف السبب واحتد يف احلمك فيحمل املطلق عىل املقيد‪.‬‬
‫مثال النصني اخملتلفني حكًام مع احتاد السبب قوهل تعاىل‪{ :‬اَي َأَهُّيا اِذَّل يَن آَمُنوْا َذ ا ُقْمْمُت ىَل الَّص الِة فاْغِس ُلوْا ُو ُج وَه ْمُك َو َأْيِد َيْمُك ىَل‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫اْلَمَر اِف ِق } [األنعام‪ ،]6 :‬وقوهل تعاىل‪َ{ :‬فَتَيَّمُم وْا َص ِع يدًا َط ِّي بًا َفاْم َس ُح وْا ِبُو ُج وِهْمُك َو َأْيِد يمُك ِّم ْنُه} [املائ‪mm‬دة‪ ،]6 :‬والسبب يف اآليتني‬
‫واحد وهو التطهري إلقامة الصالة‪ ،‬واحلمك يف األول وجوب الغسل ويف الثانية وجوب املسح‪ ،‬ومثهل قوهل‪َ{ :‬و ُأَّم َه اُت ِنَس آِئْمُك }‬
‫[النساء‪ ،]23 :‬وقوهل{َو َر اَب ِئُبُمُك الَّاليِت يِف ُحُج وِر مُك ِّم ن ِّنَس آِئُمُك الَّاليِت َدَخ ْلمُت ِهِب َّن } [النساء‪.]23 :‬‬
‫ومثال النصني املتحدين حكام اخملتلفني سببًا‪ ،‬قوهل تعاىل يف كفارة القتل خطأ‪َ{ :‬و َم ن َقَتَل ُمْؤ ِم نًا َخ َط ئًا َفَتْح ِريُر َر َقَبٍة ُّمْؤ ِم َنٍة َو ِد َيٌة‬
‫ُّم َس َّلَم ٌة ىَل َأْه ِهِل } [النساء‪ ،]92 :‬وقوهل تعاىل يف كفارة الظهار‪َ{ :‬و اِذَّل يَن ُيَظ اِه ُر وَن ِم ن ِّنَس اِهِئ ْم َّمُث َيُع وُدوَن ِلَم ا َقاُلوا َفَتْح ِريُر َر َقَبٍة‬
‫ِإ‬
‫ِّم ن َقْب ِل َأن َيَتَم اَّس ا} [اجملادةل‪ .]3 :‬وقوهل يف شهود املداين‪mmm‬ة‪َ{ :‬و اْس َتْش ِهُد وْا َش ِهيَد ْيِن من ِّرَج اِلْمُك } [البق ‪mm‬رة‪ .]282 :‬وقوهل يف‬
‫شهود املراجع‪mmmm‬ة‪َ{ :‬و َأْش ِهُد وا َذ َو ْي َعْد ٍل ِّم نْمُك } [الطالق‪ .]2 :‬ففي اآليتني احلمك واحد وهو وجوب حترير رقب‪mmmm‬ة‪ ،‬والسبب يف‬
‫الوجوب خمتلف ألنه يف إحداهام املداينة‪ ،‬والثانية املراجعة‪.‬‬
‫فال يعترب املقي‪mm‬د بياًان وحيم‪mm‬ل املطل‪mm‬ق علي‪mm‬ه إال يف ص‪mm‬ورة واحدة‪ ،‬ويه م‪mm‬ا إذا احتد موضوعهام حكًام وسببًا‪ .‬وأم‪mm‬ا إذا اختل‪mm‬ف‬
‫حكًام‪ ،‬أو سببًا‪ ،‬أو اختلفا حكًام وسببًا‪ ،‬فال حيمل املطلق عىل املقيد بل يفهم املطلق يف موضعه عىل إطالقه‪ ،‬ويفهم املقيد يف‬
‫موضعه عىل قيده‪ ،‬ألن اختالف احلمك قد يكون سببًا يف الاختالف ابإلطالق والتقييد‪ ،‬أي أنه ملا اكن احلمك يف آي‪mm‬ة الوضوء‬
‫وجوب غس‪mm‬ل األي‪mm‬دي‪ ،‬أطلقه‪mm‬ا ومل يقي‪mm‬دها بكوهنا إىل املراف‪mm‬ق‪ ،‬ألن التميم رخص‪mm‬ة رشعت للتخفي‪mm‬ف عن‪mm‬د عدم وجود املاء‪،‬‬
‫فيناسبه التخفيف أيضَا يف إطالق اليد فيجزئ لك ما يصدق عليه لف‪mm‬ظ ي‪mm‬د‪ ،‬وكذكل احلال إذا اختل‪mm‬ف السبب فق‪mm‬د يك‪mm‬ون‬
‫القتل خطأ اقتىض تقييد الرقبة ابإلميان تشديدًا للعقوبة‪ ،‬وإ رادة املظاهر العودة مل يقتض هذا التشديد فيجزئ حترير أية رقبة‪.‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬اإلختالف يف دخول اخملاطب يف معوم خطابة‬


‫املبحث األول‪ :‬مسائل يف دخول اخملاطب‬
‫املطلب األول‪ :‬دخول اخملاطب يف معوم اخلطاب‪.‬‬

‫‪ .1‬مسأةل دخول اخملاطب يف معوم خطابه‬


‫اختلفوا يف دخول اخملاطب بكرس الطاء يف معوم خطابه عىل وهجني ألحصابنا ‪ ،‬حاكهام األستاذ أبو منصور ‪.‬‬
‫أحدهام ‪ :‬قال ‪ :‬وبه قال أكرث اخملالفني إنه يتناول ‪ ،‬وال خيرج من معومه إال بدليل يوجب ختصيصه ‪.‬‬
‫والثاين ‪ :‬قال ‪ :‬وعليه أكرث أحصابنا إنه ال يدخل إال بدليل ‪ ،‬وهو الصحيح من مذهب الشافعي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفائدة اخلالف تظهر فامي إذا ورد منه عليه السالم لفظ عام يف إجياب حمك أو حظره أو إابحت‪mm‬ه ‪ :‬ه‪mm‬ل ي‪mm‬دل ذكل عىل‬
‫دخوهل فيه أم ال ؟ وكذا قال القايض أبو الطيب إذا أمر النيب عليه السالم أمته بأمر مل يدخل [ ص‪ ] 263 :‬هو يف األوام‪mm‬ر‬
‫خالفا لبعض أحصابنا ‪ ،‬كذا قال سلمي يف " التقريب " ‪ :‬إذا أمر عليه السالم بأمر مل يدخل يف حمكه إال أن يك‪mm‬ون يف اللف‪mm‬ظ‬
‫ما يقتضيه ‪ ،‬كقوهل ‪ :‬افعلوا كذا فإنمك ملكف‪m‬ون ‪ ،‬وقي‪mm‬ل ي‪m‬دخل مطلق‪m‬ا ‪ ،‬وكذا ق‪m‬ال ابن برهان يف " األوسط " ‪ :‬ذهب معظم‬
‫العلامء إىل أن اآلم‪mm‬ر ال ي‪mm‬دخل حتت اخلط‪mm‬اب ‪ ،‬ونق‪mm‬ل عب‪mm‬د اجلب‪mm‬ار وغريه من املعزتةل دخوهل ‪ ،‬وكذا ق‪mm‬ال ابن السمعاين يف "‬
‫القواطع " ‪ :‬املسأةل مصورة فيه عليه السالم إذا اكن آمرا ‪ ،‬وعامة الفقهاء عىل أنه ال يدخل ‪ ،‬فأما األمر ال ‪m‬وارد من هللا تع‪mm‬اىل‬
‫بذكر الناس ‪ ،‬فقد اتفقوا عىل أن الرسول ال يدخل يف ذكل ‪ .‬هكذا قال ‪ ،‬وقد سبق اخلالف فيه ‪.‬‬
‫واحلاصل أن م‪m‬ذهبنا عدم ادلخول ‪ ،‬وله‪m‬ذا ق‪m‬ال الن‪m‬ووي يف " الروض‪m‬ة " يف كت‪m‬اب الطالق ‪ :‬إن‪m‬ه األحص عن‪m‬د أحصابنا ‪ .‬وقد‬
‫رأيت من أنكر عليه ذكل بنق‪m‬ل " احملص‪m‬ول " عن األكرثين ادلخول ‪ ،‬وقد جعبت من نق‪m‬ل ه‪m‬ؤالء الفح‪m‬ول ‪ ،‬ألهنم إمنا تعرضوا‬
‫لأل مر ‪ ،‬ال للخرب ‪ ،‬والف‪mm‬رق بيهنام واحض ‪ ،‬وقد س‪mm‬وى ص‪mm‬احب " احملص‪mm‬ول " بيهنام يف النق‪mm‬ل عن األكرثين ‪ ،‬وهو ظ‪mm‬اهر الكم‬
‫الغزايل يف " املنخول " حيث ق‪mm‬ال هبام ‪ ،‬مث ق‪mm‬ال ‪ :‬واخملت‪mm‬ار الان‪m‬دراج ‪ ،‬وكذا ق‪mm‬ال ابن القشريي يف أص‪mm‬وهل " ق‪mm‬ال ‪ :‬ص‪mm‬احب‬
‫احملصول ‪ :‬ويشبه أن يكون كونه أمرا قرينة خمصصة ‪ ،‬ففرق بيهنام ‪ ،‬وأدخهل يف اخلرب ال األمر ‪ .‬قال صاحب احلاصل " ‪ :‬وهو‬
‫الظاهر ‪ ،‬وعىل هذا فال منافاة بينه وبني نقل امجلهور‪ .‬وفصل إمام احلرمني ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللف‪m‬ظ يتناوهل نفس‪m‬ه ‪ ،‬ولكن‪mm‬ه خارج عن‪mm‬ه‬
‫عادة ‪ ،‬وقال إلكيا الهرايس ‪ :‬القول املوجز فيه أن موجب اخلالف [ ص‪ ] 264 :‬الاندراج ‪ ،‬ولكن اشهتر ع‪mm‬رف الاستعامل‬
‫خبالفه ‪ ،‬وذكل ال يوجب تأثريا يف موجب اللفظ إال أن يكون عرف الاستعامل راجعا إىل غري اللف‪mm‬ظ ‪ ،‬ال إىل حال اخملاطب‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬وهذا دقيق قاطع خيال اخملالف ‪ .‬وقال الصفي الهندي ‪ :‬هذه املسأةل قد تعرض يف األم‪m‬ر ‪ ،‬وقد سبقت يف مباحث‪mm‬ه ‪،‬‬
‫ومثهل الهني ‪ ،‬ومرت يف اخلرب ‪ ،‬وامجله‪mmmm‬ور عىل دخوهل‪ .‬وقال بعض املت‪mmmm‬أخرين ‪ :‬إذا اكن املراد هبذه املس‪mmmm‬أةل أن م‪mmmm‬ا وضع‬
‫للمخاطب يشمل املتلكم وضعا ‪ ،‬فليس كذكل ‪ ،‬وإ ن اكن املراد حكام مفسمل ‪ ،‬إذا دل علي‪mm‬ه دلي‪mm‬ل ‪ ،‬أو اكن الوضع ش‪mm‬امال هل‬
‫أكلف‪mm‬اظ العم‪mm‬وم ‪ .‬تنبي‪mm‬ه [ دخ‪mm‬ول جربيل يف التاكليف ال‪mm‬يت يزنل هبا ] وقع البحث يف أن جربيل علي‪mm‬ه السالم ه‪mm‬ل ي‪mm‬دخل يف‬
‫التلكيف مبا يأيت به النيب صىل هللا عليه وسمل ؟ والتحقيق أن لك تبليغ يتوقف عىل فعل ‪ ،‬فهو مأمور بذكل الفع‪mm‬ل ‪ ،‬كام يف‬
‫إمامته ابلنيب عليه السالم يف اليومني ‪ .‬وأما ما ال يتوقف عىل فعل فهو مأمور بتبليغ ما أمر بتبليغه فقط ‪.‬‬
‫‪ .2‬مسأةل دخول اخملاطب يف معوم أمر اخملاطب هل‬
‫أما اخملاطب ابلفتح فقال القايض أبو الطيب يف تعليقه ‪ :‬ال يدخل يف معوم أمر اخملاطب هل عىل املذهب الصحيح ‪ ،‬وله‪mm‬ذا ل‪mm‬و‬
‫قال ‪ :‬ولكتك يف إبراء غرمايئ ‪ ،‬واكن هو مهنم مل يدخل ‪ .‬قلت ‪ :‬وهذه املسأةل يه مسأةل أوامر هللا العامة ‪ ،‬ه‪mm‬ل ي‪mm‬دخل فهيا‬
‫النيب عليه السالم ؟ وقد سبقت ‪ ،‬لكن الصحيح هناك ادلخول ‪ .‬يف القرائن اليت يظن أهنا ص‪m‬ارفه للف‪m‬ظ عن العم‪m‬وم ‪ .‬وفي‪mm‬ه‬
‫مسائل ‪ [ :‬املسأةل ] األوىل‬
‫اخلارج عىل هجة املدح أو اذلم ‪ ،‬حنو { إن األبرار لفي نعمي ‪ ،‬وإ ن الفجار لفي حجمي } ‪ ،‬وقوهل ‪ { :‬واذلين يكزنون اذلهب‬
‫والفضة } وقوهل ‪ { :‬واذلين مه لف‪mm‬روهجم حافظون } واملراد م‪mm‬دح ق‪mm‬وم وذم آخ‪m‬رين ‪ ،‬ويتعل‪mm‬ق ب‪mm‬ه ذكر اذلهب والفضة ‪ ،‬وذكر‬
‫النس‪mm‬اء ‪ ،‬ومكل الميني ‪ ،‬وحنو ذكل ‪ ،‬ففي التعل‪mm‬ق بعمومه وهجان ألحصابنا حاكهام أب‪mm‬و احلس‪mm‬ني بن القط‪mm‬ان ‪ ،‬واألستاذ أب‪mm‬و‬
‫منصور ‪ ،‬وسلمي الرازي ‪ ،‬وابن السمعاين ‪ ،‬وغريمه ‪:‬‬
‫أحدهام ‪ :‬أنه ال يقتيض العموم ‪ ،‬ونسب للش‪mm‬افعي ‪ ،‬وله‪mm‬ذا من‪mm‬ع المتس‪mm‬ك بآي‪mm‬ة الزاكة يف وجوب زاكة احليل ‪ ،‬ألن اللف‪mm‬ظ مل يق‪mm‬ع‬
‫مقصودا هل ‪ ،‬ورمبا نقلوا عنه أنه قال ‪ :‬الالكم مفصل يف مقصوده ‪ ،‬ومجمل يف غري مقصوده ‪.‬‬
‫ونقهل أبو بكر الرازي عن القاشاين ‪ ،‬ونقهل ابن برهان عن الكريخ وغريه ‪ .‬وقال إلكيا الهرايس ‪ :‬إنه الصحيح ‪ .‬وبه جزم القفال‬
‫الشايش يف كتابه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال حيمك العموم مبجرد اخلط‪mm‬اب الع‪mm‬ام ‪ ،‬ولكن يك‪mm‬ون اخملص‪mm‬وص [ ص‪ ] 266 :‬ابذلكر عىل م‪mm‬ا حمك‬
‫فيه ‪ ،‬مث ينظر فامي عداه مما هو داخل حتته بدليل آخر ال للعموم ‪ ،‬وأطال يف الاحتجاج بذكل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فال حيتج بقوهل ‪ { :‬واذلين يكزنون اذلهب والفضة } عىل وجوب الزاكة يف قليل اذلهب والفضة وكثريهام ‪ ،‬بل مقص‪mm‬ود‬
‫اآلي‪mm‬ة الوعي‪mm‬د لت‪mm‬ارك الزاكة ‪ ،‬وكذا ال حيتج بقوهل ‪ { :‬واذلين مه لف‪mm‬روهجم حافظون إال عىل أزواهجم أو م‪mm‬ا ملكت أمياهنم } يف‬
‫بيان ما حيل مهنا وما ال حيل ‪ ،‬ولكن فهيا بي‪mm‬ان أن الف‪mm‬رج ال جيب حفظ‪mm‬ه عهنام ‪ ،‬مث إذا احتيج إىل تفصيل م‪mm‬ا ال حيل ابلناكح‬
‫أو مبكل الميني صري فيه إىل ما قصد تفصيهل ‪ ،‬مثل ‪ { :‬حرمت عليمك أهماتمك } وحنوه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومن ضبط هذا الباب أفاده علام كثريا ‪ ،‬واسرتاح من ال يرتب اخلطاب عىل وهجه ‪ ،‬وال يضعه موضعه ‪ .‬انهتى ‪ .‬وجزم‬
‫به القايض احلسني يف تعليقه " يف ابب ما حيرم من الناكح ‪ ،‬وعبارته ‪ :‬قلن‪m‬ا ‪ :‬اآلي‪m‬ة إذا سيقت لبي‪m‬ان مقص‪m‬ود ‪ ،‬فإمنا ي‪m‬وجب‬
‫التعممي يف حمل املقصود ‪ ،‬فأما يف حمل غري املقصود والغرض ابخلطاب فال يقصد ابخلطاب ‪ ،‬ب‪mm‬ل يع‪mm‬رض عن‪mm‬ه صفحا ‪ ،‬كقوهل‬
‫تعاىل ‪ { :‬ولكوا وارشبوا حىت يتبني لمك اخليط األبيض } اآلية ا هـ ‪.‬‬
‫والثاين ‪ :‬وعليه امجلهور أن‪m‬ه عام ‪ ،‬وال تن‪m‬ايف بني قص‪m‬د العم‪m‬وم واذلم ‪ ،‬ق‪m‬ال األستاذ أب‪m‬و إحساق اإلسفراييين ‪ :‬إن‪m‬ه الظ‪m‬اهر من‬
‫املذهب ‪ .‬وقال الشيخ أب‪mm‬و حام‪mm‬د وسلمي ال ‪m‬رازي يف " التق ‪m‬ريب " ‪ :‬إن‪mm‬ه املذهب ‪ ،‬وكذا ق‪mm‬ال ابن برهان يف " األوسط " ‪،‬‬
‫وقال ابن السمعاين يف " القواطع " ‪ :‬إن‪mm‬ه املذهب الصحيح ‪ .‬ق‪mm‬ال ‪ :‬وكذا ذكره الشيخ أب‪mm‬و حام‪mm‬د وغريه من أمئتن‪mm‬ا ‪ ،‬ورصحوا‬
‫بأن املذهب الشافعي الصحيح عنده حصة ادعاء العموم فيه حىت ال يعارضه ‪ [ .‬ص‪] 267 :‬‬
‫وقال األستاذ أبو منصور يف كتاب التحصيل " عليه أحصاب الشافعي وأيب حنيفة وأكرث الق‪mm‬ائلني ابلعموم ‪ ،‬ونقهل ابن القط‪mm‬ان‬
‫عن أه‪mm‬ل الظ‪mm‬اهر ‪ ،‬وجزم ب‪mm‬ه الشيخ أب‪mm‬و إحساق يف " رشح اللم‪mm‬ع " وخط ‪m‬أ خمالف‪mm‬ه ‪ ،‬وقال األستاذ أب‪mm‬و إحساق ‪ :‬وقد جعهل‬
‫الشافعي يف بعض املواضع طريق الرتجيح ‪ ،‬وال يعرف أنه جعهل وجه املنع من الاستدالل ابلظاهر ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وللشافعي يف الق‪mm‬دمي م‪mm‬ا ي‪mm‬دل علي‪mm‬ه ‪ ،‬فإن‪mm‬ه ذهب في‪mm‬ه إىل أن الن‪mm‬وم يف الصالة ال ينقض الوضوء واحتج بقوهل تع‪mm‬اىل ‪:‬‬
‫{ واذلين يبيتون لرهبم جسدا وقياما } قال ‪ :‬فأخرجه خمرج املدح ‪ ،‬وما خرج خمرج املدح ينفى عنه إبطال العب‪mm‬ادة ‪ ،‬واحتج يف‬
‫اجلديد عىل أحصاب ماكل يف أن وقت املغ‪mm‬رب يبقى إىل مغيب الشفق من حديث أيب موىس األشعري ( أن‪mm‬ه ص‪mm‬ىل املغ‪mm‬رب‬
‫يف اليوم األول عند غروب الشمس ‪ ،‬ويف الثاين عند مغيب الشفق ‪ ،‬مث قال ‪ :‬ما بني ه‪mm‬ذين وقت املغ‪mm‬رب ) وهذا نص يف‬
‫مساواهتا يف الوقت بغريها ‪ ،‬فقال املعرتض ‪ :‬حيمل عىل أن‪m‬ه أراد تعلمي وقت الرضورة ‪ ،‬فقي‪mm‬ل هل ‪ :‬مل يقص‪m‬د ذكل ‪ ،‬وإ منا قص‪m‬د‬
‫تعلمي أوائل أوقات الاختيار وآخرها ‪ ،‬لكن نص يف موضع آخر عىل موافقة الوجه األول ‪ ،‬فإن احلنفية احتج ‪m‬وا عىل أن وقت‬
‫الظهر أطول من وقت العرص بقول أهل الكتاب ‪ :‬حنن أكرث أعامال وأقل أج‪m‬را ‪ .‬ق‪mm‬الوا ‪ :‬وهذا ي‪mm‬دل عىل سعة ال‪mm‬وقت ‪ ،‬فق‪mm‬ال‬
‫هلم ‪ :‬مل يقصد ابخلرب ذكل ‪ ،‬ألن كرثة العمل وقلته ال تدل عىل ما ذكرمت ‪ ،‬مفنع المتسك ابلعموم يف غري مقصوده ‪.‬‬
‫وكذا مين‪mmm‬ع متس‪mmm‬ك احلنفي‪mmm‬ة حبديث ‪ { :‬فامي سقت السامء العرش } عىل وجوب الزاكة يف اخلرضاوات ‪ .‬وقال ‪ :‬إن الالكم إمنا‬
‫سيق لبي‪mm‬ان اجلزء ال ‪m‬واجب ‪ ،‬ال لبي‪mm‬ان ال ‪m‬واجب في‪mm‬ه ‪ ،‬لكن الصحيح األول ‪ .‬وإ منا مل يق‪mm‬ل ب‪mm‬ه [ ص‪ ] 268 :‬الش‪mm‬افعي هن‪mm‬ا‬
‫ملع‪mm‬ارض آخ‪mm‬ر ‪ ،‬ال جملرد كونه مس‪mm‬وقا لغريه ‪ .‬ه‪mm‬ذا لكه إذا مل يعارضه معوم آخ‪mm‬ر مل يقص‪mm‬د ب‪mm‬ه املدح أو اذلم ‪ ،‬ف‪mm‬إن عارضه فال‬
‫خالف عىل املذهب أن‪mm‬ه يرتحج اذلي مل يسبق ذلكل ‪ ،‬فيج‪mm‬ري عىل معومه ‪ ،‬ويقرص م‪mm‬ا سيق للم‪mm‬دح أو اذلم علهيام ‪ .‬هك‪mm‬ذا‬
‫قال األستاذ أبو منصور يف كتاب " التحصيل " وأبو احلسني بن القطان يف كتاب‪mm‬ه ‪ ،‬والشيخ أب‪mm‬و حام‪mm‬د وسلمي ال‪m‬رازي وابن‬
‫السمعاين يف القواط‪mmm‬ع لكن حىك أب‪mmm‬و عب‪mmm‬د هللا السهييل من أحصابنا وهجا أن‪mmm‬ه يوقف ه‪mmm‬ذان العام‪mmm‬ان إىل أن يتبني احلال‬
‫اكملتعارضني ‪ ،‬وهو القياس ‪ .‬ومثال املسأةل قوهل تعاىل ‪ { :‬ح‪m‬رمت عليمك أهماتمك وبن‪mm‬اتمك } فإهنا سيقت لبي‪mm‬ان أعي‪mm‬ان احملرمات‬
‫دون العدد مع قوهل تعاىل ‪ { :‬فانكحوا م‪mm‬ا ط‪mm‬اب لمك من النس‪mm‬اء مث‪mm‬ىن وثالث ورابع } فإن‪mm‬ه سيق للع‪mm‬دد ‪ ،‬وهو يعم األخت‬
‫وغريها ‪ ،‬فيقىض بتكل ألهنا مسوقة لبيان احملرم ‪ ،‬وكذا يقىض هبا عىل { أو ما ملكت أميانمك } وكذا قوهل ‪ { :‬وأن جتمع‪mm‬وا بني‬
‫األختني } م‪mm‬ع قوهل ‪ { :‬أو م‪mm‬ا ملكت أميانمك } ف‪mm‬األوىل سيقت لبي‪mm‬ان احلمك ‪ ،‬فق‪mm‬دم عىل م‪mm‬ا سياقها للم‪mm‬دح ‪ ،‬وكذا قوهل ‪:‬‬
‫{ ح‪mm‬رمت عليمك امليت‪mm‬ة وادلم } إذا ق‪mm‬دران دخ‪mm‬ول الشعر فهيا ق‪mm‬دم عىل قوهل ‪ { :‬ومن أص ‪m‬وافها } ‪ .‬واعمل أن املس ‪m‬أةل ليس‪mm‬ت‬
‫خمصوصة مبا سيق للم‪mm‬دح أو اذلم ‪ ،‬ب‪mm‬ل يه عام‪mm‬ة يف لك م‪mm‬ا سيق لغ‪mm‬رض ‪ ،‬كام سبق من حنو ( فامي سقت السامء العرش )‬
‫وغريه ‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مسائل فهيا اختالف‬
‫‪27‬‬
‫‪ .3‬مسأةل‪ :‬قال الشافعي رمحه هللا ‪ :‬اخلطاب يف العموم واخلصوص عىل أربعة أوجه ‪:‬‬
‫أ حدها ‪ :‬خطاب عام اللفظ واملعىن ‪ ،‬كقوهل تعاىل ‪ { :‬هللا خالق لك يشء } قال الش‪mm‬افعي ( رمحه هللا ) يف " الرساةل " فه‪mm‬ذا‬
‫عام ال خاص ‪ .‬واعرتض ابن داود عليه فقال ‪ :‬كيف عد هذه اآلية يف العمومات اليت مل يدخلها التخصيص ‪ ،‬وهللا تعاىل يشء‬
‫بدليل قوهل تعاىل ‪{ :‬قل أي يشء أكرب شهادة قل هللا } ‪.‬‬
‫ورد ابن رسجي عليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬أم‪mm‬ا علمت أن اخملاطب ال ي‪mm‬دخل حتت اخلط‪mm‬اب ؟ وقال يف كت‪mm‬اب " اإلعذار واإلن‪mm‬ذار " البن‬
‫داود ‪ :‬وأما ما عرض به من قوهل ‪ { :‬قل أي يشء أكرب شهادة } وأي رضورة دعته إىل ه‪m‬ذا ؟ وكي‪m‬ف حيمتل العم‪m‬وم م‪m‬ا أومأ‬
‫إلي‪m‬ه ؟ وقد ب‪m‬دأ هللا بنفس‪m‬ه ‪ ،‬ف‪m‬أخرب بقوهل ‪ { :‬هللا خالق لك يشء } [ ص‪ ] 332 :‬وهل حتمتل األوهام يف اخملاطب‪m‬ة م‪m‬ا أومأ‬
‫إليه ؟ ولوال أن القلوب ال تطيق الالكم ‪ ،‬لاكن عليه فيه الكم كثري ‪ .‬ويقول ‪ :‬إن اآلية خترج عامة يف مذاهب مجيع الن‪mm‬اس ‪،‬‬
‫ألنه ملا اكن ما عرض به يف هللا حماال خارجا عن ال‪m‬ومه عمل أن اخلط‪m‬اب إمنا خيرج عىل م‪m‬ا يعق‪m‬ل ويت‪m‬ومه دون م‪m‬ا ال يعق‪m‬ل وال‬
‫يتومه ‪ ،‬فإذا مل خيرج عىل ما ال يتومه مل يدخل يف ذكل معوم وال خصوص ‪.‬‬
‫مث قال بعد يشء مما ذكره يف دفع م‪mm‬ا أورده ابن داود مما يستحيل اندراجه يف الصفات ‪ :‬ق‪mm‬د أومأان إىل مجل وكرهن‪mm‬ا التفسري ‪،‬‬
‫ألن الشافعي وأحصابه بعده يكرهون اخلوض يف هذا ‪ ،‬انهتى ‪.‬‬
‫وقال الصرييف يف " رشح الرساةل " ‪ :‬اعرتض ابن داود وحيىي بن أكمث عىل الشافعي يف قوهل يف قول هللا تع‪mm‬اىل ‪ { :‬هللا خالق‬
‫لك يشء } إنه عام ‪ ،‬وهجلوا الصواب ‪ ،‬وذهبوا عن اللغة ‪ ،‬وذكل لو أن رجال من كبار أهل بغداد قال ‪ :‬أطعمت أهل بغداد‬
‫مجيعا مل يكن داخال فهيم ‪ ،‬ومل تقل هل ‪ :‬خرجت أنت خبصوص ‪ ،‬وإ منا العموم يف املطعمني س‪m‬واه ألن‪mm‬ه ه‪mm‬و املطعم هلم ‪ .‬ق‪mm‬ال ‪:‬‬
‫ويف اآلية دليالن ‪:‬‬
‫أحدهام ‪ :‬أنه ال خالق سواه ‪.‬‬
‫واثنهيام ‪ :‬أن ما سواه خملوق ‪ ،‬وينبغي أن يعمل أن اخلطاب عام فامي سواه ‪ .‬ق‪mm‬ال ‪ :‬وال ش‪mm‬ك أن لفظ‪mm‬ة " يشء " ال تطل‪mm‬ق عىل‬
‫هللا ‪ ،‬وإ ن مشلت املوجودات لغ‪mm‬ة واصطالحا ‪ ،‬وسند املن‪mm‬ع كون األسامء توقيفي‪mm‬ة ‪ ،‬وألن لفظ‪mm‬ة يشء م‪mm‬أخوذة من ش‪mm‬اء ‪.‬‬
‫والشاء من احملدث اذلي ليس بقدمي ‪ ،‬وهللا تعاىل قدمي فال يصدق فيه ذكل ‪.‬‬
‫الث‪mm‬اين ‪ :‬خط‪mm‬اب خاص اللف‪mm‬ظ واملع‪mm‬ىن كقوهل ‪ { :‬اي أهيا الن‪mm‬يب ق‪mm‬ل [ ص‪ ] 333 :‬ألزواجك } اآلي‪mm‬ة فه‪mm‬ذا خمتص ب‪mm‬ه علي‪mm‬ه‬
‫السالم ‪ ،‬ألنه ال جيب عىل أحد التخيري ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬خطاب خاص اللفظ عام املعىن ‪ ،‬كقوهل تعاىل ‪ { :‬وإ ذا رأيت اذلين خيوضون يف آايتنا فأعرض عهنم } اآلية اخلط‪mm‬اب‬
‫معه ‪ ،‬واملراد به األمة ‪ ،‬بدليل قوهل ‪ { :‬وقد نزل عليمك يف الكت‪m‬اب } ومل يزنل يف الكت‪m‬اب إال ه‪m‬ذه اآلي‪m‬ة وقوهل تع‪m‬اىل ‪ { :‬لنئ‬
‫أرشكت ليحبطن معكل } وقوهل ‪ { :‬وال تكن للخائنني خصامي } ق‪mm‬ال األستاذ أب‪mm‬و إحساق ‪ :‬وال يص‪mm‬ار إىل ذكل إال ب‪mm‬دليل غري‬
‫اخلطاب ‪ ،‬وأنكر ابن حزم يف " اإلحاكم " وجود هذا القسم ‪ ،‬وقال ليس موجودا يف اللغة ‪ ،‬وهو حمجوب مبا ذكران ‪.‬‬

‫‪ 27‬البحرالبحر المحيط‪ ،‬الزركشي – بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد هللا الزركشي‪ ،‬مباحث الخاص والخصوص والتخصيص‪،‬‬
‫الفرق بين التخصيص والنسخ‪ ،‬مسألة الخطاب في العموم والخصوص على أربعة أوجه‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬خطاب عام اللفظ ‪ ،‬واملراد به اخلصوص ‪ ،‬وهذا اختل‪mm‬ف في‪mm‬ه ‪ ،‬واألكرثون عىل ج‪m‬وازه ‪ ،‬كقوهل تع‪mm‬اىل ‪ { :‬اذلين ق‪mm‬ال‬
‫هلم الناس إن الناس قد مجعوا لمك } فإن املراد ابلناس األول ‪ :‬نعمي بن مسعود أو أربعة نفر كام قال الش‪mm‬افعي يف " الرساةل " ‪.‬‬
‫قال الكريخ ‪ :‬وهو جماز ال حقيقة وإ ذا خاطب بذكل فال بد أن يدلنا عىل مراده به ‪ .‬وهل جيب مقارنة ادلليل اخلط‪mm‬اب ‪ ،‬أو‬
‫جيوز تأخريه عنه ؟ فيه القوالن ‪.‬‬
‫وذهب بعض األصوليني إىل إناكر هذا القس‪m‬م ‪ ،‬ألن املوجب للخص‪m‬وص مبزنةل الاستثناء املتص‪m‬ل ابمجلةل ‪ ،‬وال جيوز يف قوهل‬
‫تعاىل ‪ { :‬فلبث فهيم [ ص‪ ] 334 :‬ألف سنة إال مخسني عاما } أن هذه الصيغة مراد هبا ألف سنة اكمةل ‪.‬‬
‫واعمل أن جامعة أطلقوا اخلالف يف هذه املسأةل ‪ :‬مهنم صاحب احملصول ‪ ،‬وخصه الشيخ أب‪mm‬و حام‪mm‬د ‪ ،‬والشيخ أب‪mm‬و إحساق ‪،‬‬
‫وسلمي الرازي يف " التقريب " ‪ ،‬وابن السمعاين يف " القواط‪mm‬ع " ‪ ،‬والقايض عب‪mm‬د الوهاب ‪ ،‬وصاحب املعمتد يف " األحاكم "‬
‫وغريمه ابخلرب ومل ينقلوا اخلالف يف األمر والهني ‪ ،‬بل جعلوه حمل وفاق ‪ ،‬اكلنس‪mm‬خ ‪ ،‬وهو الظ‪mm‬اهر ‪ ،‬ف‪mm‬إن املانع هن‪mm‬ا يف اخلرب‬
‫قياس التخصيص عىل النسخ ‪ ،‬كام قاهل القايض عبد الوهاب ‪ ،‬والظاهر أن اخملالف مينع تسميته عاما خمصوصا ‪ ،‬ويق‪mm‬ول ‪ :‬إن‪mm‬ه‬
‫عام أريد ب‪mm‬ه اخلص‪mm‬وص ‪ ،‬وحينئ‪mm‬ذ فال ينهتض الاستدالل علي‪mm‬ه مبا ذكروه من اآلايت اخملصص‪mm‬ة ‪ ،‬وهو ق‪mm‬وي ‪ .‬ومن هن‪mm‬ا ق‪mm‬ال‬
‫بعضهم ‪ :‬يشرتط يف التخصيص وروده يف اإلنش‪mm‬اءات ال يف األخب‪mm‬ار ‪ ،‬فإن‪mm‬ه ال يك‪mm‬ون فهيا عام خمص‪mm‬وص ‪ ،‬ب‪mm‬ل عام أريد ب‪mm‬ه‬
‫اخلصوص‪.‬‬

‫‪ .4‬مسأةل ‪ :‬يف دخول اخملاطب حتت معوم خطابه‬


‫‪28‬‬
‫اختلفوا يف اخملاطب – بكرس الطاء – هل يدخل يف معوم خطابه ؟‬

‫فذهب امجلهور إىل أنه يدخل وال خيرج عنه إال بدليل خيصصه ‪ ،‬وقال أكرث أحصاب الشافعي إن‪m‬ه ال ي‪mm‬دخل إال ب‪m‬دليل ‪ ،‬ق‪mm‬ال‬
‫األستاذ أبو منصور ‪ :‬وهو الصحيح من مذهب الشافعي ‪.‬‬
‫قال األستاذ أبو منصور ‪ :‬وفائدة اخلالف فامي إذا ورد منه صىل هللا علي‪mm‬ه وآهل وسمل لف‪mm‬ظ عام يف إجياب حمكه أو حظ‪mm‬ره أو‬
‫إابحته ‪ ،‬هل يدل ذكل عىل دخوهل فيه أم ال ‪ ،‬قال ابن برهان يف األوسط ‪ :‬ذهب معظم العلامء إىل أن اآلمر ال يدخل حتت‬
‫اخلطاب ‪ ،‬ونقل عبد اجلبار وغريه من املعزتةل دخوهل ‪ .‬انهتى ‪.‬‬
‫ونقهل لهذا القول عن معظم العلامء خيالف نقل األستاذ أيب منص‪mm‬ور ‪ ،‬وال‪m‬رازي يف احملص‪mm‬ول وابن احلاجب يف خمترص املنهتى ‪،‬‬
‫وغريمه ‪ .‬فإهنم جعلوا دخول اخملاطب يف خطابه مذهب األكرثين ‪.‬‬
‫وقال إم‪mm‬ام احلرمني اجلويين ‪ :‬إن خطاب‪mm‬ه يتناوهل بنفس‪mm‬ه ‪ ،‬ولكن‪mm‬ه خارج عن‪mm‬ه عادة ‪ .‬ف‪mm‬ذهب إىل التفصيل ‪ ،‬واتبع‪mm‬ه عىل ه‪mm‬ذا‬
‫التفصيل إلكيا الهراس ‪.‬‬
‫قال الصفي الهندي ‪ :‬هذه املسأةل قد تعرض يف األمر مرة ويف الهني مرة ويف اخلرب مرة ‪ ،‬وامجلهور عىل دخوهل ‪.‬‬
‫اذلي ينبغي اعامتده أن يقال إن اكن مراد القائل بدخوهل يف خطابه أن ما وضع للمخاطب يشمل املتلكم وضعا ‪ ،‬فليس كذكل‬
‫‪،‬وإ ن اكن املراد أنه يشمهل حكام مفسمل إذا دل عليه دليل‪ ،‬واكن الوضع شامال هل‪ ،‬أكلفاظ العموم ‪.‬‬

‫مسأةل ‪ :‬يف دخول اخملاطب حتت معوم خطابه‬ ‫‪.5‬‬

‫‪28‬‬
‫إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول‪ ،‬الشوكاني – محمد بن علي بن محمد الشوكاني‪.‬‬
‫اختلفوا يف اخملاطب – بكرس الطاء – هل يدخل يف معوم خطابه ؟‬
‫فذهب امجلهور إىل أنه يدخل وال خيرج عنه إال بدليل خيصصه ‪ ،‬وقال أكرث أحصاب الشافعي إن‪m‬ه ال ي‪mm‬دخل إال ب‪m‬دليل ‪ ،‬ق‪mm‬ال‬
‫األستاذ أبو منصور ‪ :‬وهو الصحيح من مذهب الشافعي ‪.‬‬
‫قال األستاذ أبو منصور ‪ :‬وفائدة اخلالف فامي إذا ورد منه صىل هللا علي‪mm‬ه وآهل وسمل لف‪mm‬ظ عام يف إجياب حمكه أو حظ‪mm‬ره أو‬
‫إابحته ‪ ،‬هل يدل ذكل عىل دخوهل فيه أم ال ‪ ،‬قال ابن برهان يف األوسط ‪ :‬ذهب معظم العلامء إىل أن اآلمر ال يدخل حتت‬
‫اخلطاب ‪ ،‬ونقل عبد اجلبار وغريه من املعزتةل دخوهل ‪ .‬انهتى ‪.‬‬
‫ونقهل لهذا القول عن معظم العلامء خيالف نقل األستاذ أيب منص‪mm‬ور ‪ ،‬وال‪m‬رازي يف احملص‪mm‬ول وابن احلاجب يف خمترص املنهتى ‪،‬‬
‫وغريمه ‪ .‬فإهنم جعلوا دخول اخملاطب يف خطابه مذهب األكرثين ‪.‬‬
‫وقال إم‪mm‬ام احلرمني اجلويين ‪ :‬إن خطاب‪mm‬ه يتناوهل بنفس‪mm‬ه ‪ ،‬ولكن‪mm‬ه خارج عن‪mm‬ه عادة ‪ .‬ف‪mm‬ذهب إىل التفصيل ‪ ،‬واتبع‪mm‬ه عىل ه‪mm‬ذا‬
‫التفصيل إلكيا الهراس ‪.‬‬
‫قال الصفي الهندي ‪ :‬هذه املسأةل قد تعرض يف األمر مرة ويف الهني مرة ويف اخلرب مرة ‪ ،‬وامجلهور عىل دخوهل ‪.‬‬
‫اذلي ينبغي اعامتده أن يقال إن اكن مراد القائل بدخوهل يف خطابه أن ما وضع للمخاطب يشمل املتلكم وضعا ‪ ،‬فليس كذكل‬
‫‪ ،‬وإ ن اكن املراد أنه يشمهل حكام مفسمل إذا دل عليه دليل ‪ ،‬واكن الوضع شامال هل ‪ ،‬أكلفاظ العموم‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬اقوال املذاهب األربعة‬


‫املطلب األول‪:‬‬
‫دخول اخملاِط ب يف معوم خطابه‪ :‬يف ذكل ثالثة أقوال مشهورة‪:‬‬
‫أواله‪m‬ا أَّن الَّر سول – ص‪m‬ىل هللا علي‪m‬ه وسمل – ليس داخال يف معوم خطاب‪m‬ه اذلي خاطب ب‪m‬ه أحصابه؛ ألَّن خطاب‪m‬ه لغريه ق‪m‬د‬
‫يكون أم‪ًm‬ر ا أو هنًي ا‪ ،‬وال ميكن أن ي‪m‬أمر نفس‪mm‬ه أو يهناه‪mm‬ا؛ إذ ال ب‪mm‬د في‪mm‬ه من آم‪mm‬ر ومأمور‪ ،‬وانه ومهني‪ ،‬وفرق ق‪mm‬وم بني اخلرب‪،‬‬
‫واألمر والهني‪ ،‬فإن اكن خطابه بصيغة اخلرب فهو داخل فيه‪ ،‬كام يف قوهل ‪ -‬صىل هللا علي‪mm‬ه وسمل ‪(( :-‬الَّن اس مع‪mm‬ادن خي‪mm‬ارمه‬
‫يف اجلاهلَّية خيارمه يف اإلسالم إذا فقهوا))‪ ،‬وقوهل‪(( :‬املسِلمون تتاكفأ دم‪m‬اُؤ مه ويسعى ب‪m‬ذَّم هتم أدانمه))‪ ،‬وأَّم ا إذا اكن بصيغة‬
‫األمر أو الهَّن ي فال يدخل في‪mm‬ه؛ المتن‪mm‬اع أم‪m‬ر اإلنس‪m‬ان نفس‪m‬ه أو هنهيا‪ ،‬والَّص حيح أَّن األص‪mm‬ل أَّنه ‪ -‬علي‪mm‬ه السالم – داخل يف‬
‫خطابه؛ ألن اللفظ يشمهل لغة فوجب أن يشمهل حًمكا‪[ ،‬قلت‪ :‬يؤكد ذكل قوهل تعاىل‪َ{ :‬و َم ا ُأِريُد َأْن ُأَخ اِلَفْمُك ىَل َم ا َأَهْناْمُك َع ْنُه}‬
‫ِإ‬
‫[هود‪ ،]88 :‬وقوهل تع‪m‬اىل‪{ :‬اَي َأَهُّيا اِذَّل يَن آَمُن وا ِلَم َتُقوُل وَن َم ا َال َتْف َع ُل وَن } [الص‪m‬ف‪ ،]2 :‬وقد ق‪m‬ال ‪ -‬ص‪m‬ىل هللا علي‪m‬ه وسمل ‪:-‬‬
‫((إن هللا أمر املؤمنني مبا أمر به املرسلني))]‪.‬‬
‫ويظهر أثر اخلالف عند تعارض هنيه وفعهل‪ ،‬كام تقدم يف الهني عن استقبال القبةل واستدابرها بب‪mm‬ول أو غائ‪mm‬ط‪ ،‬وثب‪mm‬وت ذكل‬
‫من فعهل‪.‬‬
‫دخ‪mm‬ول العبي‪mm‬د واإلم‪mm‬اء والكف‪mm‬ار يف اخلط‪mm‬اب الع‪mm‬ام‪[ :‬قلت‪ :‬اتف‪mm‬ق العلامء عىل أهنم خماطبون بأص‪mm‬ول الرشيعة‪ ،‬مث اختلف ‪m‬وا يف‬
‫فروعها]‪ ،‬فذهب بعضهم إىل عدم دخوهلم يف اخلطاب‪ ،‬وامجلهور عىل دخوهلم فيه؛ ألن اللفظ عام‪ ،‬وصفة الرق والكف‪mm‬ر ليستا‬
‫من اخملصصات‪[ ،‬وقد جاءت األدةل مبعاقبة الكفار عىل ترك األوامر‪ ،‬وفعل الَّنوايه والَّز واجر]‪.‬‬
‫العمل ابلعاّم قبل البحث عن اخملّص ص‪ :‬أَّم ا العلامء اجملهتدون فال ينبغي اخلالف يف معِلهم ابلعموم [خاَّص ة بع‪mm‬د ب‪mm‬ذل اجله‪mm‬د يف‬
‫إدراك حمك املسأةل‪ ،‬ومراجعة ما قاهل أهل العمل قبلهم‪ ،‬جتُّنًبا إلحداث قول جديد‪ ،‬أَّم ا إن ض‪mm‬اق العم‪mm‬ل وال‪mm‬وقت فهل العم‪mm‬ل مبا‬
‫انهتى إليه اجهِت اده َّمث يراج‪mm‬ع م‪mm‬ا قبهل‪ ،‬وأَّم ا إذا اكنت املس‪m‬أةل حديث‪mm‬ة معارصة فهل الاجهِت اد وإ عامل العم‪mm‬وم‪ ،‬وال يلزمه الَّتوُّق ف‬
‫حىَّت يبحث عن خمّص ٍص ]‪ ،‬وأَّم ا العواّم فليس هلم ذكل دون سؤال أهل العمل‪ ،‬أو مراجعة كتب العمل اليت تتيرَّس هلم‪.‬‬
‫وقد بىن اإلسنوي عىل هذا اخلالف مسائل‪ ،‬أظهرها احلمك للم‪َّm‬د عي إذا ق‪mm‬امت البين‪mm‬ة دون اإلعذار إىل املَّد عى علي‪mm‬ه‪ ،‬ج‪َّm‬و زه‬
‫الَّش افعي ومنعه أبو حنيفة‪ ،‬ومن ذكل ما لو العن رُج ل زوجته ونفى الودل َّمث استْلحقه فقال هل خشص‪ :‬لست ابن فالن‪ ،‬فهل‬
‫يعد قذًفا حيّد به؟ أو يسأل عن قصده؟‬

‫‪ ‬املطلق واملقيد‪ :‬تعريفهام‪:‬‬


‫املطلق يف اللغة [املرسل] اخلايل من القيد‪ ،‬ويف الاصطالح‪" :‬ما دل عىل احلقيقة من غري وصف زائد علهيا"‪ ،‬وقيل‪" :‬ما دل‬
‫عىل فرد شائع يف جنسه"‪.‬‬
‫ومثاهل النكرة يف سياق األمر‪ ،‬كام يف قوهل تعاىل‪َ{ :‬فَتْح ِريُر َر َقَبٍة } [اجملادةل‪ ،]3 :‬فالرقبة املأمور هبا مطلق‪mm‬ة مل توصف بقي‪mm‬د زائ‪mm‬د‬
‫عىل حقيقة جنس الرقبة‪.‬‬
‫واملقيد‪" :‬ما تن‪mm‬اول معيًن ا أو موصوًفا بوصف زائ‪ٍm‬د عىل حقيق‪m‬ة جنس‪m‬ه"‪ ،‬فه‪m‬و نوعان‪ :‬معني‪ ،‬اكلَع مَل واملش‪m‬ار إلي‪mm‬ه‪ ،‬وغري املعني‬
‫املوصوف بوصف زائد عىل معىن حقيقته‪ ،‬وهذا األخري مقيد ابعتبار‪ ،‬ومطل‪mm‬ق ابعتب‪mm‬ار‪ ،‬كقوهل تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬فَتْح ِريُر َر َقَب ٍة ُّمْؤ ِم َن ٍة }‬
‫[النساء‪ ]92 :‬فهذه الرقبة مقيدة ابإلميان‪ ،‬ولكهنا مطلقة من حيث اذلكورة واألنوثة‪ ،‬والكرب والصغر‪.‬‬

‫محل املطلق عىل املقيد‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ال خيلو تقييد املطلق من أن يكون متصال‪ ،‬أو منفصال يف موضع آخر‪ ،‬فإن اكن كذكل فهل أحوال‪ ،‬بعضها حمّل خالف‬
‫وبعضها حمل وفاق عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يَّتحد احلمك والسبب‪ :‬مثهل كثري من األصولّيني بقوهل تعاىل‪ُ{ :‬ح ِّرَم ْت َعَلْي ُمُك اَملْي َتُة َو اَّدل ُم } [املائدة‪ ]3 :‬مع قوهل يف آية‬
‫أخرى‪َ{ :‬أْو َد مًا َّم ْس ُفوحًا} [األنعام‪ ،]145 :‬واستشلكه املصنف بأن لفظ (ادلم) امس جلنس حمىّل بأل‪ ،‬وهو من صيغ‬
‫العموم فيكون عاًّم ا ال مطلًقا‪ ،‬وأجاب بأَّنه عاٌّم يف ادلم القليل والكثري‪ ،‬وأَّم ا من حيث صفات ادلم األخرى فهو مطلق‪،‬‬
‫وجاء تقييده يف اآلية األخرى‪ ،‬ويف هذه الصورة حيمل املطلق عىل املقيد اتفاًقا‪ ،‬ومن أمثلته قوهل – صىل هللا عليه‬
‫وسمل ‪ -‬يف حديث ابن عباس بعرفة‪(( :‬فليْلَبس اخلَّفني))‪ ،‬وقيد حبديث ابن معر‪َ(( :‬م ن مل جيد نعَلني فليلبس اخلفني‬
‫وليقطعهام أسفل من الكعبني))‪ ،‬فاحلمك هو لبس اخلف ملن مل جيد النعل‪ ،‬والسبب هو اإلحرام‪ ،‬ولكن اخلالف هنا وقع‬
‫من هجة قاعدة أخرى ويه أن املطلق جاء متأخرا عن املقيد‪ ،‬فذهب بعض العلامء إىل أَّن املطلق إذا تأَّخر ينسخ املقيد‬
‫املتقدم‪ ،‬وهذا مذهب احلنفَّية ورواية عن أمحد‪ ،‬وذهب آخرون إىل أَّن املطلق ال ينسخ املقيد سواء تقدم أو تأَّخر‪،‬‬
‫ويكون املقّيد مقَّد ما عىل املطلق فيقيد به‪.‬‬
‫‪ -2‬أن خيتلف احلمك والسبب‪ :‬كام جاء لفظ األيدي مطلًقا يف قوهِل تعاىل‪َ{ :‬و الَّس اِرُق َو الَّس اِرَقُة َفاْقَط ُع وا َأْيِد ُهَيَم ا} [املائدة‪:‬‬
‫‪ ]38‬وجاء مقَّيًد ا يف قوهل‪َ{ :‬و َأْيِد َيْمُك ىَل اَملَر اِف ِق } [املائدة‪ ]6 :‬واحلمك يف األوىل القطع‪ ،‬ويف الثانية الغسل‪ ،‬والسبب يف‬
‫ِإ‬
‫األوىل الرسقة ويف الثانية احلدث‪ ،‬ففي هذه احلاةل ال حيمل املطلق عىل املقيد قوال واحدا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يتحد احلمك وخيتلف السبب‪ :‬لكفظ الرقبة يف قوهل تعاىل‪َ{ :‬فَتْح ِريُر َر َقَبٍة } [اجملادةل‪ ]3 :‬وقوهل‪َ{ :‬فَتْح ِريُر َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة }‬
‫[النساء‪ ،]92 :‬فاحلمك واحد وهو العتق‪ ،‬والسبب خمتلف‪ ،‬ففي اآلية األوىل الظهار‪ ،‬ويف الثانية القتل اخلطأ‪ ،‬وهذه‬
‫الصورة خمتلف فهيا عىل ثالثة أقوال‪ :‬إحداها عدم محل املطلق عىل املقيد‪ ،‬وهو مذهب احلنفية‪ ،‬والثاين محل املطلق‬
‫عىل املقيد بطريق اللغة‪ ،‬وأرحجها محل املطلق عىل املقيد بطريق القياس إذا توافرت رشوطه‪ ،‬كقوهل تعاىل‪َ{ :‬و اْس َتْش ِهُد وا‬
‫َش ِهيَد ْيِن ِم ن ِّرَج اِلْمُك } [البقرة‪ ،]282 :‬مع قوهل‪َ{ :‬و َأْش ِهُد وا َذ َو ْي َعْد ٍل ِّم نْمُك } [الطالق‪ ،]2 :‬وال خالف يف اشرتاط‬
‫العداةل يف الشاهدين‪ ،‬ولكن بعض العلامء أخذ ذكل من محل املطلق عىل املقيد‪ ،‬وبعضهم بدليل القياس‪.‬‬
‫أن يَّتحد السبب وخيتلف احلمك‪ :‬ومثاهل قوهل تعاىل يف الوضوء‪َ{ :‬و َأْيِد َيْمُك ىَل اَملَر اِف ِق } [املائدة‪ ،]6 :‬وقوهل يف التُّميم‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ِإ‬
‫{َفاْم َس ُح وا ِبُو ُج وِهْمُك َو َأْيِد يمُك } [النساء‪ ،]43 :‬فاحلمك يف األوىل الغسل‪ ،‬ويف الَّثانية التُّميم‪ ،‬والسبب واحد وهو احلدث‬
‫أو إ رادة رفع احلدث‪ ،‬وهذه الصورة خمتلف فهيا؛ فذهب بعض الَّش افعية إىل محل املطلق عىل املقيد فهيا وامجلهور عىل‬
‫عدم التقييد وهو الصواب‪.‬‬

‫رشوط محل املطلق عىل املقَّيد‪ُ :‬يعترب الَّش افعية أكرث املذاهب معال حبْم ل املطلق عىل املقَّيد‪ ،‬وقد وضعوا ذلكل رشوًط ا مهنا‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون القيد من ابب الصفات اكإلميان يف الرقبة‪ ،‬وال يصّح أن يكون يف إثبات زايدة مل ترد يف املطلق؛ وذلكل ال‬
‫يصّح أن يقال‪ :‬جيب أن ُيَيّم م الرجلني والرأس إذا أراد التّميم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال يعارض الَّتقييد تقييٌد آخر‪ ،‬مثل حديث غسل اإلانء من ولوغ الْلك ب‪ ،‬ورد بلفظ مطلق‪(( :‬فليغسهْل سبًع ا‬
‫إحداهَّن ابلرّت اب))‪ ،‬وورد بلفظ ((أوالهَّن ))‪ ،‬وبلفظ ((أخراهَّن ))‪ ،‬ولكها حصيحة فال ميكن محل املطلق عىل املقَّيد هنا‬
‫إ َّال برتجيح‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون ورود املطلق يف ابب األوامر واإلثبات‪ ،‬أَّم ا يف سياق الَّنفي والهَّن ي فال حيمل املطلق عىل املقَّيد‪ ،‬كذا قالوا‪،‬‬
‫وال خَي فى أَّن الَّنكرة يف سياق الَّنفي والهَّن ي تكون للعموم فال يكون تقييدها من تقييد املطلق بل من خَت صيص العاّم ‪،‬‬
‫والعاّم ال خيّص ص مبا يدّل عىل ثبوت احلمك لبعض أفراده‪[ ،‬قلت‪ :‬وميثل هل بأحاديث الهَّن ي عن اإلسبال وجّر الَّثوب‪ ،‬مع‬
‫ثبوت ذكل من فعهل وقوهل ‪ -‬عليه السالم – أليب بكر‪(( :‬لست ممن يفعهل خيالء))‪ ،‬فإ َّن الهَّن ي وإ ن اكن عاًّم ا يف اللفظ‬
‫واألفراد‪ ،‬فهو مطلق يف الصفات‪ ،‬اليت قيدت ابخليالء عند امجلهور‪ ،‬ومل يعمل هبذا التقييد طائفة]‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ال يقوم دليل مينع من التقييد‪ :‬ومثهل الزركيش بقوهل تعاىل‪َ{ :‬و اِذَّل يَن ُيَتَو َّفْو َن ِم نْمُك َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اجًا َيَرَت َّبْص َن ِبَأنُفِس ِهَّن‬
‫َأْر َبَع َة َأْش ُهٍر َو َع رْش ًا} [البقرة‪ ،]234 :‬مع قوهل تعاىل‪َ { :‬ذ ا َنَكْح ُمُت اُملْؤ ِم َناِت َّمُث َط َّلْقُتُم وُه َّن ِم ن َقْب ِل َأن َتَمُّس وُه َّن َفَم ا َلْمُك‬
‫ِإ‬
‫َعَلِهْيَّن ِم ن ِعَّد ٍة َتْع َتُّد وَهَنا} [األحزاب‪ ،]49 :‬ويف هذا املثال نظر؛ ألن امحلل ممتنع الختالف احلمك والسبب‪ ،‬فاحلمك يف‬
‫األوىل وجوب العدة‪ ،‬والَّس بب هو املوت‪ ،‬ويف الثانية احلمك عدم وجوب العدة‪ ،‬والسبب الطالق قبل ادلخول‪.‬‬

‫[أقسام دالالت األلفاظ]‪ :‬جرى كثري من األصوليني عىل تقسمي ادلالةل إىل دالةل منطوق ودالةل مفهوم‪:‬‬

‫ف‪mm‬املنطوق‪" :‬ه‪mm‬و املع‪mm‬ىن املستفاد من رصحي اللف‪mm‬ظ"‪ ،‬وقد يق‪mm‬ال‪" :‬م‪mm‬ا دَّل علي‪mm‬ه الَّلف‪mm‬ظ يف حمّل الّنط‪mm‬ق"‪ ،‬كدالةل قوهل تع‪mm‬اىل‪:‬‬
‫{َو َأِق ُميوا الَّص الَة َو آُتوا الَّز اَك َة} [البقرة‪ ]43 :‬عىل األمر إب قامة الصالة وإ يتاء الزاكة‪.‬‬
‫واملفهوم‪" :‬هو املعىن الالزم للفٍظ مل ُيَّرصح به فيه"‪ ،‬أو هو‪" :‬ما دل عليه اللفظ يف غري حمل النطق"‪ ،‬كدالةل قوهل تعاىل‪َ{ :‬فَال‬
‫َتُقل َّلُهَم ا ُأٍّف } [اإل رساء‪ ]23 :‬عىل حترمي الرضب والشمت‪.‬‬
‫واألوىل هنا سلوك طريق َم ن قّس م ادلالالت إىل دالةل املنظوم ودالةل غري املنظوم‪.‬‬
‫فاملنظوم‪" :‬لك دالةل تكون ابلوضع اللغوي"‪ ،‬ويه تشمل دالةل املطابقة ودالةل التضمن‪.‬‬
‫وغري املنظوم‪ :‬هو دالةل الالزتام‪ ،‬ويه‪" :‬دالةل اللفظ عىل معىن خاريج الزم للمنطوق به"‪ ،‬وتشمل دالةل الاقتضاء واإلش‪mm‬ارة‬
‫واإلمياء املفهوم وهذا بياهنا‪:‬‬
‫دالةل الاقتضاء‪ :‬يه "دالةل اللف‪mm‬ظ عىل مع‪mm‬ىن مسكوت عن‪mm‬ه جيب تق‪mm‬ديره لص‪mm‬دق الالكم أو لصحته رشعا أو‬
‫عقال"‪ ،‬واملعىن املدلول عليه ابالقتضاء يسَّم ى املقتىَض (امس مفعول) وهو ثالثة أنواع‪:‬‬

‫ما جيب تقديره لصدق الالكم ومطابقة الواقع‪ ،‬مثل دالةل قوهل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪(( :-‬ال وصَّية لوارث)) عىل‬ ‫‪-1‬‬
‫املقدر احملذوف وهو‪ :‬حصيحة؛ وذكل ألن الناس قد يوصون للورثة‪ ،‬فيتعني التقدير‪( :‬ال وصية حصيحة أو انفذة)‪.‬‬
‫ما جيب تقديره لصَّح ة الالكم رشًعا‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪َ{ :‬فَم ن اَك َن ِم نمُك َّمِريضًا َأْو َعىَل َس َفٍر َفِع َّد ٌة ِّم ْن َأاَّي ٍم ُأَخ َر } [البقرة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ ،]184‬تقديره (فأفطر) ‪.‬‬
‫ما جيب تقديره لصحة الالكم عقال مثل قوهل تعاىل‪َ{ :‬و اْس َأِل الَقْر َيَة } [يوسف‪ ]82 :‬فالعقل يقيض بأن القرية ال تسأل‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فال بَّد من تقدير‪( :‬أهل القرية)‪.‬‬

‫‪ ‬وقد اختلفوا يف معوم املقتىض أو املضمر‪:‬‬


‫فذهب بعضهم إىل معومه‪ ،‬وبعضهم إىل عدمه‪ ،‬احتَّج األَّو لون بأَّنه إذا أمكن تقدير معىن عاٍّم فال ُيمكن أن نقدر األخّص منه‬
‫إ َّال بدليل‪ ،‬مثل حديث‪(( :‬رفع عن أَّم يت اخلطأ)) أي حمك اخلطأ‪ ،‬فهذا معوم يشمل املؤاخذة ادلنيوية واألخروَّية إ َّال ما دَّل‬
‫اَّدل ليل عىل استثنائه فيكون مستثىن وخمصًص ا مثل ضامن املتلفات خطأ‪ ،‬وقال اآلخرون بل التقدير‪ :‬رفع عن أميت إمث‬
‫اخلطأ؛ ألَّن التقدير خالف األصل فال يعم‪ ،‬وكذكل قالوا يف قوهل تعاىل‪ُ{ :‬ح ِّرَم ْت َعَلْي ُمُك اَملْيَتُة } [املائدة‪ ،]3 :‬نقدر األلك فقط‬
‫فال يعم‪ ،‬وقال األَّو لون‪ :‬بل نقّد ر الانتفاع حىَّت يكون أّمع ‪ ،‬والصواب يف ذكل أن يقدر ما دَّل العرف عليه‪.‬‬

‫اإلشارة‪ :‬ويه املعىن الالزم من الالكم اذلي مل يسق الالكم لبيانه‪ ،‬مثل فهم جواز أن يصبح املسمل جنًبا يف رمضان‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫من قوهل تعاىل‪ُ{ :‬أِح َّل َلْمُك َلْي َةَل الِّص َياِم الَّر َفُث ىَل ِنَس اِئْمُك } [البقرة‪ ،]187 :‬مفن جاز هل اِجلامع طوال الليل إىل الفجر‪َّ ،‬حص‬
‫ِإ‬
‫صومه إن طلع عليه الفجر جنًبا‪.‬‬
‫اإلمياء‪ :‬وهو "فهم التعليل من ترتيب احلمك عىل الوصف املناسب"‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪َ{ :‬و الَّس اِرُق َو الَّس اِرَقُة َفاْقَط ُع وا‬ ‫‪-2‬‬
‫َأْيِد ُهَيَم ا} [املائدة‪ ،]38 :‬فهذا يدل عىل أن العةل الرسقة‪.‬‬
‫املفهوم‪ :‬وهو نوعان موافقة وخمالفة‪ ،‬مففهوم املوافقة‪" :‬هو املعىن الثابت للمسكوت عنه املوافق ملا ثبت للمنطوق؛ لكون‬ ‫‪-3‬‬
‫املسكوت أوىل ابحلمك من املنطوق أو مساواي هل"‪ ،‬مفثال األولوي الهني عن التأفف فإ َّنه يدل بطريق األوىل عىل حترمي‬
‫الرضب والشمت‪ ،‬ومثال املفهوم املساوي قوهل تعاىل‪َّ { :‬ن اِذَّل يَن َيْأُلُكوَن َأْم َو اَل الَيَتاَم ى ُظ ْلًام َّنَم ا َيْأُلُكوَن يِف ُبُط وِهِن ْم اَن رًا‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َو َس َيْص َلْو َن َس ِع ريًا} [النساء‪ ،]10 :‬فإنه يدل عىل حترمي األلك مبنطوقه‪ ،‬وعىل حترمي لك ما فيه تفويت ملال اليتمي مبفهوم‬
‫املوافقة املساوي‪ ،‬فال جيوز التصدق مبال اليتمي وال [إتالفه وال حنو ذكل]‪.‬‬

‫أَّم ا مفهوم اخملالفة فهو دليل اخلطاب‪" :‬وهو الاستدالل بتخصيص اليشء ابذلكر عىل نفي احلمك املذكور يف املنطوق عام‬
‫عداه"‪ ،‬فاحلمك اذلي يثبت للمسكوت نقيض للحمك اذلي ثبت ابملنطوق‪ ،‬وهو أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬مفهوم الصفة‪ :‬ويه هنا أمع من الَّنعت عند النحاة‪ ،‬فيشمل النعت واحلال واجلار واجملرور والظرف والمتيزي‪ ،‬مثل قوهل‬
‫– صىل هللا عليه وسمل ‪(( :-‬يف سامئة الغمن إذا اكنت أربعني ففهيا شاة))‪ ،‬فتخصيص السامئة ابِّذل ْك ر يدّل عىل أَّن‬
‫املعلوفة ال زاكة فهيا‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الرشط‪ :‬مثل حديث أم سلمي ‪ -‬ريض هللا عهنا ‪ -‬قالت‪ :‬أَعىَل املرأة غسل اي رسول هللا إذا يه احتلمت؟ قال‪:‬‬
‫((نعم‪ ،‬إذا رأت املاء))‪ ،‬فيفهم من هذا أهنا إذا مل تر املاء فال غسل علهيا‪.‬‬
‫‪ -3‬مفهوم العدد‪ :‬وهو ما يفهم من تعليق احلمك عىل عدد خمصوص‪ ،‬كقوهل تعاىل‪َ{ :‬فاْج ُدِل َو ْمُه َثَم اِنَني َج َدْل ًة} [النور‪ ،]4 :‬فهو‬
‫دال مبنطوقه عىل الامثنني‪ ،‬ومبفهومه عىل عدم إجزاء ما نقص عهنا‪ ،‬وعىل املنع من الزايدة علهيا‪ ،‬واذلي يظهر أن هذا‬
‫داخل يف مفهوم الصفة؛ ألن املقدار أحد صفات اليشء‪.‬‬
‫[قلت‪ :‬هذا إذا اكن العدد مراًدا يف نفسه‪ ،‬فإن اكن املراد به المتثيل أو املبالغة فال مفهوم هل كحديث‪(( :‬حىت يكون للقمي‬
‫الواحد مخسني امرأة))‪ ،‬فإن املراد به املبالغة يف كرثة النساء وهللا أعمل]‪.‬‬
‫‪ -4‬مفهوم الغاية‪ :‬هو ما يفهم من مد احلمك إىل غاية إبحدى أدوات الغاية ويه‪( :‬إىل‪ ،‬حىت‪ ،‬الالم)‪ ،‬مثل حديث‪(( :‬ال زاكة‬
‫يف مال حىَّت حيول عليه احلول))‪ ،‬فدَّل مبنطوقه عىل نفي الزاكة قبل احلول‪ ،‬ودَّل مبفهومه عىل وجوهبا عند متام احلول‪.‬‬
‫‪ -5‬مفهوم التقسمي‪ :‬هو ما يفهم من تقسمي احملكوم عليه قسمني فأكرث‪ ،‬مع ختصيص لك قسم حبمك مثل قوهل – صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪(( :-‬الثيب أحُّق بنفسها‪ ،‬والبكر تستأذن))‪ ،‬دَّل مبفهومه أَّن َّلك قسم خيتّص حبمكه‪ ،‬وال يشارك اآلخر يف‬
‫حمكه‪ ،‬فقوهل‪(( :‬الثيب أحّق بنفسها))‪ ،‬داّل عىل أَّن البكر ليست أحَّق بنفسها من ولهِّي ا‪ ،‬وأَّم ا قوهل‪(( :‬البكر‬
‫تستأذن))‪ ،‬فدال عىل أَّن الثِّيب ال ُتستأذن؛ ألَّن اإلذن مهنا ال يْك في بل ال بَّد من الَّترصحي‪.‬‬
‫‪ -6‬مفهوم اللقب‪ :‬هو "ما يفهم من خَت صيص الامس اجملَّر د ابحلمك من نفي احلمك عام عداه"‪ ،‬وسواء أاكن الامس إلنسان أو‬
‫حيوان‪ ،‬أو اكن امس عمل أم امس جنس‪ ،‬كقوهل – صىل هللا عليه وسمل ‪(( :-‬ال تبيعوا اَّذل هب ابَّذل هب إ َّال مثًال مبثل))‪،‬‬
‫فدَّل مبفهومه أَّن ما ليس بذهب فيجوز بيعه مبثهل أو غريه من غري مماثةل‪.‬‬

‫حـجـيـة مـفـهوم الـمـخـالفة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫مفهوم اخملالفة بأنواعه امخلسة األوىل َّجحة عند امجلهور‪ ،‬مع اختالفهم يف قَّو ة ّلك نوع من أنواعه‪ ،‬واستدّلوا بقوهل تعاىل‪ { :‬ن‬
‫ِإ‬
‫َتْس َتْغِفْر َلُهْم َس ْب ِع َني َم َّر ًة َفَلن َيْغِفَر اُهَّلل َلُهْم } [التوبة‪ ]80 :‬فقال نيب هللا‪(( :‬قد خرَّي ين ريِّب فأل زيدهَّن م عىل سبعني!)) فأنزل‬
‫هللا‪َ{ :‬س َو اٌء َعَلِهْي ْم َأْس َتْغَفْر َت َلُهْم } [املنافقون‪ ،]6 :‬قالوا‪ :‬وألَّن الَّص حابة – ريض هللا عهنم – فهموا من ختصيص الوصف‬
‫ابذلكر انتفاء احلمك َّمعا خال عنه‪ ،‬يف عدة وقائع‪ ،‬مهنا روى يعىل بن أمية قال‪ :‬قلت لعمر بن اخلطاب‪ :‬أَلم يقل هللا تعاىل‪:‬‬
‫{َفَلْيَس َعَلْي ْمُك ُجَناٌح َأن َتْقُرُص وا ِم َن الَّص الِة ْن ِخ ْفْمُت َأن َيْفِتَنُمُك اِذَّل يَن َكَفُر وا} [النساء‪ ]101 :‬فقد أمن الَّناس؟ فقال‪ :‬جعبُت‬
‫ِإ‬
‫َّمما جعبَت منه فسألت رسوَل هللا ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل – فقال‪(( :‬صدقة تصَّد ق هللا هبا عليمك فاقبلوا صدقَته))‪ ،‬وَّملا قال‬
‫النيب ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪(( :-‬يقطع الَّص الة اللكب األسود))‪ ،‬قال عبدهللا بن الصامت أليب ذر‪ :‬ما ابل األسود من‬
‫األمحر من األصفر؟ فقال‪ :‬سألُت رسول هللا – صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬كام سألتين فقال‪(( :‬اللكب األسود شيطان))‪.‬‬
‫فهؤالء من فصحاء العرب اذلين نزل القرآن بلغهتم وقد فِهموا من ختصيص احلمك بوصف انتفاَء ه َّمعا مل يوجد فيه ذكل‬
‫الوصف‪ ،‬يزيد ذكل بيااًن أَّن الكم الرَّش ع مزنه من العبث‪ ،‬فال بَّد يف ختصيص اليشء ابِّذل ْك ر من فائدة‪ ،‬فإن مل نعمل فائدًة غري‬
‫انتفاء احلمك َّمعا عداه جعلنا الَّتخصيص دالا عىل ذكل‪ ،‬وخالف يف ذكل أكرث احلنفَّية فمل يقولوا حبّج َّية مفهوم اخملالفة مطلًقا‪،‬‬
‫واستدُّلوا بأن زمعوا أَّن القرآن والسَّنة مليئان ابلنصوص اليت فهيا تعليق احلمك عىل وصف أو عدد أو غاية‪ ،‬وال يكون نفي‬
‫احلمك َّمعا سوى املذكور مراًدا ابّتفاق‪ ،‬مفن ذكل قوهل تعاىل‪َ{ :‬و َر اَب ِئُبُمُك الَّاليِت يِف ُحُج وِر مُك } [النساء‪ ،]23 :‬وقوهل تعاىل‪:‬‬
‫{َفَلْيَس َعَلْي ْمُك ُجَناٌح َأن َتْقُرُص وا ِم َن الَّص الِة ْن ِخ ْفْمُت َأن َيْفِتَنُمُك اِذَّل يَن َكَفُر وا} [النساء‪ ،]101 :‬وال خالف يف جواز القرص‬
‫ِإ‬
‫للمسافر وإ ن مل يكن خائًفا‪ ،‬وقوهل تعاىل‪َ{ :‬و ْن َأَر ْد ُمُّت اْس ِتْبَد اَل َز ْو ٍج َّم اَك َن َز ْو ٍج َو آَتْيْمُت ْح َد اُه َّن ِق نَط ارًا َفَال َتْأُخ ُذ وا ِم ْنُه َش ْيئًا}‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫[النساء‪ ،]20 :‬وال خالف أنه لو رغب يف طالق املرأة ومل يرِد الَّز واج بغريها أَّنه داخل يف الهَّن ي عن أْخذ يشء من املهر‪،‬‬
‫ومن ذكل كذكل قوهل تعاىل‪َ{ :‬و َح الِئُل َأْبَناِئُمُك اِذَّل يَن ِم ْن َأْص الِبْمُك } [النساء‪ ]23 :‬وَلم يدَّل هذا عىل خروج حليةل الابن من‬
‫الَّر ضاعة‪ ،‬مع أَّنه لْيس من الصلب‪ ،‬وأَّيدوا ذكل بزمع أَّن هللا ينّص عىل املفهوم اخملالف حني ُيريد نفي احلمك عنه يف آايت‬
‫كثرية‪ ،‬ولو اكن السكوت اكفًيا ملا اكنت هناك حاجة إىل الَّنّص عليه‪ ،‬ومبا أَّنه مسكوت عنه فليس هل حمك يؤخذ به‪ ،‬وجياب‬
‫عن ذكل بأن تكل املواضع املذكورة مل تتوافر فهيا رشوط الاحتجاج اآليت ذكرها‪ ،‬وأَّن ما نَّص هللا فيه عىل ذكر املفهوم‬
‫فالقصد منه التأكيد‪[ ،‬بل وفيه دليل عىل ّجحَّية املفهوم ألَّن الُّنصوص ّلكها بلغة العرب وجاءت بذكل‪ ،‬وّلكها ُتفَهم عىل نسق‬
‫واحد]‪.‬‬

‫وأما مفهوم الَّلقب فليس حبَّج ة عىل الَّص حيح عند امجلاهري؛ ألَّنه لو اكن َّجحة لاكن الثناء عىل الَّر سول – صىل هللا عليه وسمل‬
‫– ووصفه ابلِّرساةل قدًح ا يف بقَّية الرسل وإ ناكًر ا لرسالهتم‪.‬‬

‫[قلت‪ :‬مفهوم اخملالفة بلك أنواعه إ َّم ا أن يكون هل ضّد واحد فيكون جحة قطًع ا‪ ،‬وإ َّم ا أن يكون هل عَّد ة أضداد فهو حمل نظر‬
‫وحبث كام مىض‪ ،‬أما مفهوم اللقب والعدد فإن اكن اللفظ مهنام مقصوًدا‪ ،‬أو املراد مهنام قرص ذكل اللفظ بعينه مففهومه َّجحة‬
‫كسابقيه‪ ،‬وإ ن اكن املقصود من الَّلفظ الَّتمثيل أو املبالغة وحنو ذكل مففهومه ليس حبَّج ة‪ ،‬فذكر النبَّو ة حملَّم د – عليه السالم –‬
‫ليس القصد منه قرص ذكل عليه‪ ،‬أَّم ا حديث‪(( :‬ال تبيعوا اَّذل هب ابَّذل هب‪ ،))...‬مفن نظر إىل أَّن هذه األلفاظ مقصودة يف‬
‫ذاهِت ا مل ُيعّد غريها إلهيا اكلَّظ اهرية‪ ،‬ومن نظر إىل أن هذه األلفاظ ليست مقصودة يف ذاهتا بل يه متثيل عّد ى مثلها إلهيا‪،‬‬
‫وهكذا]‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫رشوط العمل ابملفهوم‪:‬‬

‫أن ال يكون ختصيص املذكور ابذلكر جرى جمرى الغالب‪ ،‬فإن اكن كذكل فال حيتّج به‪ ،‬كقوهل تعاىل‪َ{ :‬و َر اَب ِئُبُمُك الَّاليِت يِف‬ ‫‪-1‬‬
‫ُحُج وِر مُك } [النساء‪[ ،]23 :‬قلت‪ :‬وقد معل هبذا التقييد عيل – ريض هللا عنه – وهو مذهب أهل الظاهر]‪.‬‬
‫أن ال يكون حمك املذكور جاء لكونه مس‪m‬ؤوال عْن ه‪ ،‬أو بيااًن حلمك واقع‪m‬ة‪ ،‬كقوهل تع‪m‬اىل‪َ{ :‬ال َت ْأُلُكوا الِّر اَب َأْض َع افًا ُّم َض اَع َفًة }‬ ‫‪-2‬‬
‫[آل معران‪ ]130:‬فإنه ال يدّل عىل جواز ألك الراب إذا اكن قليال؛ ألَّن اآلية بيان حلمك أمر واقع‪[ ،‬قلت‪ :‬واألوىل هبذا أن‬
‫يتخرج عىل قاعدة‪ :‬ما حرم كثريه فقليهل أيًض ا حرام]‪.‬‬
‫أن ال يكون املذكور يف اللفظ ق‪mm‬د سبق ذكره حىت يك‪mm‬ون معه‪m‬وًدا‪ ،‬ف‪mm‬إن اكن معه‪m‬وًدا فال ي‪mm‬دّل ذكره عىل قرص احلمك َّمعا‬ ‫‪-3‬‬
‫عداه‪ ،‬وهو أمع من اذلي قبهل؛ ألن املسؤول عنه معهود لسبق ذكره‪.‬‬
‫أن ال يكون املسكوت عنه أْو ىل ابحلمك من املذكور‪ ،‬ف‪mm‬إن اكن ك‪mm‬ذكل فإن‪m‬ه يك‪m‬ون من مفه‪m‬وم املوافق‪m‬ة ويثبت للمسكوت‬ ‫‪-4‬‬
‫عن‪mm‬ه حمك املنط‪mm‬وق من ابب أوىل‪ ،‬كقوهل تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬و َال َتْقُتُل وا َأْو الَد مُك ِّم ْن ْم الٍق } [األنع‪mm‬ام‪ ،]151 :‬ف‪mm‬إذا ح‪mm‬رم قتلهم م‪mm‬ع‬
‫ِإ‬
‫خوف الفقر والعجز عن نفقاهتم فتحرمي قتلهم مع القدرة عىل نفقاهتم أْو ىل ابلتحرمي‪.‬‬

‫[قلت‪ :‬ومن الرشوط أن ال يعارض هذا املفهوَم منطوق آخر؛ ألنه ُيقّد م عليه]‪.‬‬

‫ولك ه‪mm‬ذه الرشوط ترجع إىل رشط واحد وهو أن ال يظه‪mm‬ر لتخصيص املذكور ابذلكر فائ‪mm‬دة س‪mm‬وى اختصاص‪mm‬ه ابحلمك عام مل‬
‫يشاركه يف الصفة املذكورة‪ ،‬ويظهر أثر اخلالف يف مسائل كثرية مهنا ما هو أصول وقواعد‪ ،‬ومهنا م‪m‬ا ه‪m‬و ف‪m‬روع فقهي‪m‬ة‪ ،‬ومهنا‬
‫مس‪m‬أةل ناكح األم‪mm‬ة ملن جيد همر احلرة‪ ،‬فق‪mm‬د ق‪mm‬ال تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬و َم ن َّلْم َيْس َتِط ْع ِم نْمُك َط ْو ًال َأن َينِكَح اُملْحَص َناِت اُملْؤ ِم َن اِت َفِم ن َّم ا‬
‫َم َلَكْت َأْيَم اُنمُك ِّم ن َفَتَياِتُمُك اُملْؤ ِم َن اِت } [النس‪mm‬اء‪ ،]25 :‬ف‪mm‬ذهب امجله‪mm‬ور إىل أن قوهل‪( :‬ومن مل يستطع) ي‪mm‬دّل عىل أَّن املستطيع‬
‫مله‪m‬ر احلَّر ة ليس هل أن ينكح األم‪m‬ة‪ ،‬وقالت احلنفي‪mm‬ة‪ :‬ب‪m‬ل ه‪mm‬و مسكوت عن‪mm‬ه‪ ،‬فيطلب حمكه من دلي‪mm‬ل آَخ ر‪ ،‬وقد وجدانه يف‬
‫معوم قوهل تعاىل‪َ{ :‬فانِكُح وا َم ا َط اَب َلمُك ِّم َن الِّنَس اِء } [النس‪m‬اء‪ ،]3 :‬وكذكل اختلف‪m‬وا يف القي‪m‬د اآلخ‪m‬ر‪ِّ{ :‬م ن َفَتَي اِتُمُك اُملْؤ ِم َن اِت }‬
‫[النس‪mm‬اء‪ ،]25 :‬ف‪mm‬ذهب امجله‪mm‬ور إىل اشرتاط إميان األم‪mm‬ة أخًذ ا مبفه‪mm‬وم الصفة املتق‪mm‬دم‪ ،‬وذهب احلنفَّي ة إىل ج‪m‬واز ناكح األم‪mm‬ة‬
‫الكتابَّي ة‪ ،‬وقالوا‪ :‬الَّنّص عىل املؤمن‪mm‬ة ال ي‪mm‬دّل عىل نْف ي احلمك َّمعا عداها‪ ،‬وإ َّنام ي‪mm‬دل عىل أن م‪mm‬ا عداها يطلب حمكه‪mm‬ا من دلي‪mm‬ل‬
‫آخر‪ ،‬وقد وجدان اَّدل ليل يدّل عىل الَّتفريق بني الكتابيات وغريهن من الاكفرات يف قوهل تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬و اْلُم ْحَص َناُت ِم َن اِذَّل يَن ُأوُت وا‬
‫الِكَتاَب } [املائدة‪ ،]5 :‬فالكتابية جيوز ناكهحا سواء أاكنت حَّر ة أم أمة خبالف بقَّية الكفار‪.‬‬

‫مهنج احلنفَّية يف تقسمي ادلالةل‪ :‬عرفنا أَّن امجلهور يقسمون ادلالةل إىل دالةل منطوق ودالةل مفهوم‪.‬‬
‫وأَّم ا احلنفية فإ هَّن م جيعلون ادلالةل أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬دالةل العب‪mm‬ارة (عب‪mm‬ارة النص)‪ :‬ويه دالةل اللف‪mm‬ظ عىل املع‪mm‬ىن املتب‪mm‬ادر فهم‪mm‬ه من الصيغة‪ ،‬ويه تقاب‪mm‬ل دالةل املنط‪mm‬وق عن‪mm‬د‬
‫امجلهور‪.‬‬
‫‪ -2‬دالةل اإلشارة (إشارة الَّنّص )‪ :‬ويه دالةل الَّلفظ عىل معىن غري مقصود بسياق الالكم‪ ،‬ولكَّنه الزم للمع‪mm‬ىن اذلي سيق هل‬
‫الالكم‪ ،‬مثل األمثةل الَّس ابقة يف دالةل اإلشارة عند امجلهور‪.‬‬
‫‪ -3‬دالةل الاقتضاء (اقتضاء الَّنّص )‪ :‬ويه ما اكنت زايدة عىل املنصوص‪ ،‬ويشرتط تق‪m‬ديرها ليصري املنظ‪m‬وم مفي‪ًm‬د ا أو موجًب ا‬
‫للحمك‪ ،‬وبدوهنا ال ميكن إعامل املنظوم وتصحيحه‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪ُ{ :‬ح ِّرَم ْت َعَلْي ُمُك اَملْيَتُة } [املائدة‪ ،]3 :‬والَّتقدير حمذوف‬
‫وهو ألك امليتة‪ ،‬وهذا أيًض ا مكصطلح امجلهور‪ ،‬وإ َّنام اختلفوا يف معوم املقتىض أو املقّد ر‪.‬‬
‫‪ -4‬دالةل النص‪ :‬ويه "دالةل املنطوق عىل أن حمكه اثبت للمسكوت لكونه أوىل منه [أو مثهل]"‪ ،‬ويه اليت يسِّم هيا امجلهور‬
‫مفهوم املوافقة كام تقَّد م‪ ،‬وأَّم ا مفهوم اخملالفة فيسِّم يه احلنفَّية دالةل اخملص‪mm‬وص ابِّذل ْك ر عىل نْف ي احلمك َّمعا عداه‪ ،‬وهو عن‪mm‬دمه‬
‫ليس حبَّج ة كام تقَّد م‪.‬‬

‫دالةل اللفظ من حيث الظهور واخلفاء‪:‬‬


‫جرى امجلهور عىل تقسمي اللفظ اَّدل اّل من حيث ظهور داللته وخفاؤها إىل ثالثة أقسام‪ ،‬يه الَّنّص والَّظ اهر واجململ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النص‪ :‬وهو يف اللغة‪ :‬الكشف والظهور‪ ،‬ويطلق النص يف مقابل ادلليل العقيل أو ادلليل من املعىن‪ ،‬فيكون املقصود به‬
‫النقل‪ ،‬ويف الاصطالح يطلق يف مقابةل الظاهر واجملم‪mm‬ل‪ ،‬وهو‪" :‬م‪mm‬ا دَّل عىل معن‪mm‬اه دالةل ال حتمتل التأويل"‪ ،‬وقي‪mm‬ل‪" :‬م‪mm‬ا دَّل‬
‫عىل معناه ومل حيمتل غريه احامتال انشًئا عن دليل"‪ ،‬وعىل هذا فاالحامتل اذلي ال دليل عليه فال تأثري هل‪.‬‬
‫اثنًيا‪ :‬الظاهر‪ :‬لغة‪ :‬هو الواحض خالف الباطن‪ ،‬ويف الاصِط الح‪" :‬ما احمتل معنيني هو يف أحدهام أظهر"‪ ،‬وقد يطلقون لف‪mm‬ظ‬
‫الظاهر عىل املعىن ال‪َّm‬ر احج اذلي دل علي‪mm‬ه اللف‪mm‬ظ م‪mm‬ع احامتل غريه احامتال مرجوًح ا‪ ،‬ومثاهل دالةل األم‪mm‬ر عىل الوجوب م‪mm‬ع احامتل‬
‫الن‪m‬دب‪ ،‬ودالةل الهني عىل التح‪m‬رمي م‪m‬ع احامتل الكراه‪m‬ة‪ ،‬وهك‪m‬ذا لك حقيق‪m‬ة احمتلت اجملاز ومل تقم قرين‪m‬ة قوية ت‪m‬دل عىل ذكل‬
‫فهي ظاهرة يف املعىن احلقيقي‪ ،‬وقد يعرفون الظاهر مبا اكنت داللته عىل املعىن دالةل ظنية ال قطعية؛ تفريقا بينه وبني النص‪.‬‬
‫[املؤول‪ ]:‬مث اعمل أَّنه مىت ما ُذ كر الظاهر إال ذكر معه املؤول‪ ،‬وهو يف اللغة‪ :‬امس مفع‪mm‬ول من التأويل‪ ،‬وهو الرجوع‪ ،‬وقد جاء‬
‫لفظ التأويل يف نصوص الرشع ملعان مهنا التفسري وما يؤول إليه األمر من حقائق األمور‪ ،‬ورصف اللفظ عن معناه الصحيح‬
‫إىل مع‪mm‬ىن فاس‪mm‬د غري م‪mm‬راد‪ ،‬بيامن املؤول يف الاصطالح‪" :‬ه‪mm‬و محل اللف‪mm‬ظ عىل الاحامتل املرجوح ب‪mm‬دليل"‪ ،‬وهذا التعريف‬
‫يشمل التأويل الصحيح والفاسد‪.‬‬
‫فالتأويل الصحيح هو محل اللفظ عىل الاحامتل غري املتبادر لذلهن بدليل قوي يقتيض ذكل‪.‬‬
‫والتأويل الفاسد هو محل اللفظ عىل الاحامتل غري املتبادر لذلهن بدليل ضعيف ال يقوى عىل رصف اللفظ عن ظاهره‪.‬‬
‫مثال التأويل الصحيح‪ :‬ختصيص العام بدليل خاص‪ ،‬مثل ختصيص قوهل تعاىل‪َ{ :‬و َأَح َّل اُهَّلل الَبْي َع َو َح َّر َم الِّر اَب } [البق‪mm‬رة‪]275 :‬‬
‫ابألحاديث ادلاةل عىل حترمي البيع عىل بيع أخيه‪ ،‬والبيع مع النجش‪ ،‬وبيع احلصاة وحنوه من بيوع الغرر‪ ،‬ومثهل قوهل تع‪mm‬اىل‪َ { :‬ذ ا‬
‫ِإ‬
‫ُقْمْمُت ىَل الَّص الِة َفاْغِس ُلوا ُو ُج وَه ْمُك } [املائ‪mm‬دة‪ ،]6 :‬فإهنا مؤوةل عن ظاهرها‪ ،‬واملقص‪mm‬ود‪ :‬إذا أردمت القي‪mm‬ام للصالة؛ ألن الوضوء‬
‫ِإ‬
‫يسبق القيام للصالة‪.‬‬
‫رشوط التأويل الصحيح‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون اللفظ حممتال للمعىن اذلي يراد رصفه إليه يف لغة العرب‪ ،‬أو العرف‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يقوم عىل التأويل دليل حصيح‪ ،‬إما من السياق اذلي جاء فيه اللفظ أو من دليل آخ‪mm‬ر ال ميكن امجلع بين‪mm‬ه وبني ه‪mm‬ذا‬
‫ادلليل إال بتأويل أحدهام‪ ،‬مث‪mm‬ل قوهل تع‪mm‬اىل‪{ :‬اِذَّل يَن َق اَل َلُهُم الَّن اُس َّن الَّن اَس َق ْد َمَج ُع وا َلْمُك َفاْخَش ْو ْمُه } [آل معران‪:‬‬
‫ِإ‬
‫‪ ،]173‬فلفظ الَّناس ليس عىل معومه؛ ألَّن السياق يدل عىل أن هناك قائال ومقوال هل وخمربا عن‪mm‬ه‪ ،‬ابإلض‪mm‬افة إىل دالةل‬
‫احلس عىل أن أكرث الن‪mm‬اس يف أقط‪mm‬ارمه ال عالق‪mm‬ة هلم ابلواقع‪mm‬ة‪ ،‬ومث‪mm‬ال م‪mm‬ا اكن دلي‪mm‬ل التأويل في‪mm‬ه مستقال اكلتخصيص‬
‫ابخملصصات املنفصةل‪ ،‬ومحل املطلق عىل املقيد كام تقدم بيان ذكل‪ ،‬بأمثلته هناكل‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اجململ‪:‬‬
‫وهو يف اللغة املهبم‪ ،‬واصطالًح ا‪" :‬ما دَّل عىل أحد معنَيني ال مزَّي ة ألحدهام عن اآلخ‪mm‬ر ابلنسبة إلي‪mm‬ه"‪ ،‬فق‪m‬وهلم (م‪mm‬ا دل) قي‪mm‬د‬
‫خرج به اللفظ املهمل اذلي ال دالةل هل وال معىن‪ ،‬وقوهلم (عىل أحد معنيني) أخرج النص‪ ،‬فإنه ي‪mm‬دل عىل مع‪mm‬ىن واحد معني‪،‬‬
‫وقوهلم (ال مزية ألحدهام عىل اآلخ‪mm‬ر) أخ‪mm‬رج الظ‪m‬اهر‪ ،‬فإن‪m‬ه ي‪mm‬دل عىل معنيني لكن أحدهام أرحج من اآلخ‪mm‬ر‪ ،‬وقوهلم (ابلنسبة‬
‫إليه) أي ابلنظر إىل ذات اللف‪mm‬ظ اجملم‪mm‬ل وحده‪ ،‬مفا من مجمل إال وقد بني بأمكل بي‪mm‬ان وامحلد هلل‪َ ،‬مفثال قوهل ‪ -‬ص‪mm‬ىل هللا علي‪mm‬ه‬
‫وسمل ‪(( :-‬ما من ص‪m‬احب ذهب وال فضة ال ي‪m‬ؤدي حقه‪m‬ا‪ ))...‬احلديث‪ ،‬ف‪m‬إ َّن ه‪m‬ذا احلق ق‪m‬د ُبني ابلنص‪m‬وص املبين‪mm‬ة ملق‪m‬ادير‬
‫الزاكة‪ ،‬وأما النصوص اجملمةل املتبقية فال يتعلق هبا تلكي‪m‬ف وذكل اكحلروف املقطع‪m‬ة يف أوائ‪m‬ل بعض الس‪m‬ور‪ ،‬وسامها آخ‪m‬رون‬
‫ابملتشابه‪.‬‬
‫أسباب اإلجامل‪ :‬من أمه أسبابه ما ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬الاشرتاك اللفظي‪ :‬وهو ترُّدد اللفظ بني معنَيني فأكرث‪ ،‬وال يوجد يف نفس الَّنّص ما يدّل عىل أحِدِه ام رصاحة‪ ،‬مثل لفظ‬
‫القروء الوارد يف قوهل تعاىل‪َ{ :‬و اْلُم َط َّلَقاُت َيَرَت َّبْص َن ِبَأنُفِس ِهَّن َثالَثَة ُقُر وٍء } [البقرة‪ ]228 :‬فإ َّنه حيمتل األْط هار واحليض‪.‬‬
‫‪ -2‬اشهتار اجملاز وكرثة استعامهل‪ :‬مث‪mm‬ل لف‪mm‬ظ الناكح‪ ،‬فإن‪mm‬ه يف أص‪mm‬ل اللغ‪mm‬ة لل‪mm‬وطء‪ ،‬مث أطل‪mm‬ق عىل العق‪mm‬د جمازا واشهتر حىت‬
‫س‪mm‬اوى احلقيق‪mm‬ة‪ ،‬ف‪mm‬إذا ورد لف‪mm‬ظ الناكح يف األدةل الرشعية احمتل املعنيني فص‪mm‬ار مجمال م‪mm‬ا مل يصحبه بي‪mm‬ان‪ ،‬وذكل كقوهل‬
‫تعاىل‪َ{ :‬فَال ِحَت ُّل ُهَل ِم ْن َبْع ُد َح ىَّت َتنِكَح َز ْو جًا َغَرْي ُه } [البقرة‪ ،]230 :‬فلوال بيان الرسول – صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬للم‪m‬راد‬
‫من ذكل بقوهل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪(( :-‬حىت تذويق عسيلته ويذوق عسيلتك)) لاكن مجمال‪.‬‬
‫[قلت‪ :‬األصل بقاء اللفظ عىل حقيقته‪ ،‬ولفظ الناكح صار يف عرف الرشع يطلق عىل العقد فهو حقيقة في‪mm‬ه‪ ،‬وال يك‪mm‬ون عىل‬
‫غريه إال بدليل وهللا أعمل]‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلطالق أو التعممي املفتق‪m‬رين إىل حتدي‪mm‬د‪ :‬كقوهل تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬و آُت وا َح َّق ُه َي ْو َم َحَص اِدِه } [األنع‪mm‬ام‪ ،]141 :‬ف‪mm‬احلّق مطل‪mm‬ق غري‬
‫حمدود وال معروف املقدار‪ ،‬وكذكل األمر ابلصالة قبل بيان صفهتا‪.‬‬

‫الفرق بني اجململ واملشرتك‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن اجململ أمر نسيب خيتلف من عامل آلخر‪ ،‬فقد يكون ادلليل مجمال عند عامل‪ُ ،‬م بّينا عند غريه‪ ،‬وذكل حبس‪mm‬ب م‪mm‬ا يص‪mm‬ل‬
‫إليه اجهتاد ٍلك مهنام‪.‬‬
‫ب‪ -‬أَّن الاشرتاك يكون من حيث الوضع اللغوي‪ ،‬وأما اإلجامل فيكون يف نفس األدةل الرشعية اليت حتتاج إىل بيان‪.‬‬
‫ج‪ -‬أَّن الاشرتاك ال حَّد يف انهتائه من اللغة العربية‪ ،‬وأَّم ا اإلجامل فلكه قد ُبني يف نصوص الرشع]‪.‬‬

‫د‪[ -‬قلت‪ :‬واذلي يبدو أهَّن ام يشرتاكن يف نفس التعريف وخيتص اجملم‪mm‬ل املشرتك ب‪m‬أن مع‪mm‬اين ألفاظ‪mm‬ه متضاَّدة لغ‪mm‬ة ومتدافع‪mm‬ة ال‬
‫ميكن امجلع بيهنا لكفظ القروء‪ ،‬وأما املشرتك فلك معاين ألفاظه غري متضادة حبيث ميكن أن تدخل فيه مجي‪m‬ع معاني‪m‬ه‪ ،‬كحديث‪:‬‬
‫((ال ميّس القرآن إ َّال طاهر))‪ ،‬فاملسمل طاهر‪ ،‬واملغتس‪m‬ل من اجلناب‪m‬ة ط‪m‬اهر وإ ن مل يتوَّض أ‪ ،‬واملتوضئ ط‪m‬اهر‪ ،‬فنحم‪m‬ل اللف‪m‬ظ‬
‫عىل مجيع معانيه‪ ،‬وذكل ابشرتاط ّلك أنواع هذه الطهارات اليت يشمتلها لف‪mm‬ظ‪" :‬ط‪mm‬اهر"؛ ألَّن إعامل امجلي‪mm‬ع مق‪mm‬دم عىل اإلهامل‬
‫ويكرث مثل هذا يف التفسري كام هو معروف وهللا املوفق]‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫تقسمي احلنفية دالةل اللفظ من حيث الوضوح واخلفاء‪:‬‬


‫قس‪mm‬م علامء احلنفي‪mm‬ة اللف‪mm‬ظ إىل واحض ادلالةل وخفي ادلالةل‪ ،‬وقسموا واحض ادلالةل أربع‪mm‬ة أقس‪mm‬ام رتبوها من األدىن وضوحا إىل‬
‫األعىل عىل النحو التايل‪ :‬الظاهر فالنص‪ ،‬مث املفرس فاحملمك‪.‬‬
‫وقسموا خفي ادلالةل إىل أربع‪mm‬ة أْقس‪mm‬ام رَّتبوها من األق‪ّmm‬ل خف‪mm‬اًء إىل األكرث عىل الَّنح‪mm‬و الت‪mm‬ايل‪ :‬اخلفي فاملش‪mm‬لك‪ ،‬مث اجملم‪mm‬ل‬
‫فاملتشابه‪.‬‬
‫فأما الظاهر‪ :‬فهو ما ظهر املراد به للسامع بصيغته‪ ،‬كقوهل تعاىل‪َ{ :‬و َأَح َّل اُهَّلل الَبْي َع َو َح َّر َم الِّر اَب } [البقرة‪ ،]275 :‬فه‪m‬و ظ‪mm‬اهر يف‬
‫إابحة البيع وحترمي الراب‪ ،‬وهذا الظاهر عندمه يقبل التأويل والتخصيص والنسخ‪.‬‬
‫أَّم ا النص فهو "ما زاد وضوًح ا عىل الظاهر مبعىن يف املتلكم ال يف نفس الصيغة"‪ ،‬مثال ذكل قوهل تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬ف انِكُح وا َم ا َط اَب‬
‫َلمُك ِّم َن الِّنَس اِء َم ْثىَن َو ُثالَث َو ُر اَب َع} [النس ‪mm‬اء‪ ]3 :‬فاآلي ‪mm‬ة نص يف ج‪m m‬واز ناكح األربع وما دوهنا‪ ،‬وعن ‪mm‬دمه أن النص يقب ‪mm‬ل‬
‫التخصيص والنسخ‪ ،‬وال يقبل التأويل‪ .‬وأَّم ا املفرّس فهو ما ازداد وضوًح ا عىل النص مبعىن يف النص أو بغريه‪ ،‬مث‪mm‬ال ذكل قوهل‬
‫تعاىل‪َ{ :‬فَس َج َد اَملالِئَكُة ُّلُكُهْم َأَمْج ُع وَن } [احلجر‪ ،]30:‬فهذا مفرس لكونه أكد العموم عىل وجه مينع احامتل التأويل والتخصيص؛‬
‫ذلكل اكن املفرس عندمه اليقبلهام‪ ،‬ولكنه حيمتل النسخ يف عهد الرساةل‪ .‬أَّم ا احملمك فهو ما ازداد ق‪mm‬وة وُأحمِك املراد ب‪mm‬ه عن احامتل‬
‫النسخ والتبديل‪.‬‬

‫أقسام خفي ادلالةل‪:‬‬


‫‪ -1‬اخلفي‪ :‬وهو "امس ملا اشتبه معناه وخفي املراد منه بعارض يف الصيغة مينع ني‪mm‬ل املراد هبا إال ابلطلب"‪ ،‬مث‪mm‬ل قوهل تع‪mm‬اىل‪:‬‬
‫{َو الَّس اِرُق َو الَّس اِرَقُة َفاْقَط ُع وا َأْيِد ُهَيَم ا} [املائدة‪ ،]38 :‬فإن داللته عىل قطع النباش دالةل خفية؛ ألَّن هل امس خيتص به‪.‬‬
‫‪ -2‬املشلك‪ :‬وهو امس ملا ال يعرف املراد منه إال بدليل‪ ،‬وهو عندمه قريب من اجململ ض‪mm‬د النص‪ ،‬مث‪mm‬ل قوهل تع‪mm‬اىل‪َ{ :‬ف ْأُتوا‬
‫َح ْر َثْمُك َأىَّن ِش ْئْمُت } [البق‪mm‬رة‪ ،]223 :‬فيحمتل أن‪mm‬ه ي‪mm‬دل عىل إتي‪mm‬ان املرأة يف دبرها‪ ،‬وداللت‪mm‬ه عىل املن‪mm‬ع من ذكل دالةل خفي‪mm‬ة‬
‫تتبني ابلنظر إىل فائ‪mm‬دة احلرث وهو اإلنت‪mm‬اج‪ ،‬ومعل‪mm‬وم أن ال‪mm‬وطء يف ادلبر ال ينتج الودل فيك‪mm‬ون غري داخل يف مقص‪mm‬ود‬
‫الشارع ابآلية‪.‬‬
‫‪ -3‬اجململ‪" :‬وهو اللفظ اذلي ال يفهم املراد منه إال ابستفسار اجملِم ل وبي‪mm‬ان من هجت‪mm‬ه يع‪mm‬رف ب‪mm‬ه املراد"‪ ،‬مث‪mm‬ل قوهل تع‪mm‬اىل‪:‬‬
‫{َو َح َّر َم الِّر اَب } [البقرة‪]275 :‬؛ فإن الراب يف اللغة‪ :‬الزايدة‪ ،‬وليس ذكل املعىن م ‪m‬رادا؛ ألن البيع م‪mm‬ا رشع إال لل‪mm‬رحب وطلب‬
‫الزايدة‪ ،‬وذلا فإن لفظ الراب اكن مجمال حىت جاء بيانه من قبل الشارع نفسه‪ ،‬وال ميكن أن يعرف املراد من‪mm‬ه يف اآلي‪mm‬ة إال‬
‫ببيان من هجة الشارع‪.‬‬
‫وهذا هو الفرق بني اجململ واملش‪m‬لك‪ ،‬ف‪m‬إ َّن املش‪m‬لك ق‪m‬د يع‪m‬رف املراد من‪mm‬ه ابلتأّم ل والنظ‪m‬ر يف الق‪m‬رائن املص‪m‬احبة وحنو ذكل‪،‬‬
‫خبالف اجململ فإنه ال ميكن معرفة املراد منه إ َّال ببيان من املتلكم به‪.‬‬
‫‪ -4‬املتشابه‪ :‬وهو "امس ملا انقطع رجاء معرفة املراد منه ملن اشتبه فيه"‪ ،‬مثل احلروف املقطع‪mm‬ة يف أوائ‪mm‬ل الس‪mm‬ور‪ ،‬وكيفَّي ات‬
‫صفات هللا – جَّل وعال – فإ هَّن ا من املتشابه مع أن أصل الصفات معلومة‪ ،‬وإ َّنام التشابه يف كيفياهتا‪.‬‬
‫ومما تقَّد م يتبنَّي أَّن األقسام الثالثة األوىل تسمى ابجململ عند امجله‪m‬ور‪ ،‬م‪mm‬ع تف‪mm‬اوت يف درجة اإلجامل‪ ،‬وأَّم ا القس‪mm‬م الراب‪mm‬ع وهو‬
‫املتشابه فيطلق عليه امجلهوُر الاَمس نفَس ه‪.‬‬

‫البيان‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬البيان يف اللغة‪ :‬اإليضاح والكشف‪ ،‬وُيطلق اصطالًح ا عىل اُملبنِّي ‪ ،‬وهو "ادلليل اذلي أوحض املقصود ابجملم‪mm‬ل‪ ،‬أو ه‪mm‬و‬
‫إخراج اليشء من حزي اإلشاكل إىل حزي التجيل"‪ ،‬أما املبنَّي ابلفتح فهو ادلليل احملتاج إىل بيان‪.‬‬
‫مراتب البيان‪ :‬البيان حيصل بأمور بعضها أقوى من بعض‪ ،‬ويه‪:‬‬
‫‪ -1‬القول‪ :‬وهو الغالب يف بيان الرشيعة‪ ،‬وبه ُبينت أنصبة الزاكة‪ ،‬وأكرث أحاكم الصالة‪ ،‬والبيوع وسائر املعامالت‪.‬‬
‫‪ -2‬الفع‪mm‬ل‪ :‬وهو أن يفع‪mm‬ل الن‪mm‬يب – ص‪mm‬ىل هللا علي‪mm‬ه وسمل ‪ -‬م‪mm‬ا يبني مجمل الق ‪m‬رآن أو مجمل سنة س‪mm‬ابقة‪ ،‬وذكل كبي‪mm‬ان صفة‬
‫الصالة وصفة احلج كام مر يف اببه‪.‬‬
‫‪ -3‬الكتاب‪ :‬والغالب أن ال يكون البيان ابلكتابة إال للبعيد عن املدينة‪ ،‬مثل كتابه ألهل المين اذلي فيه بيان الزاكة وادلايت‬
‫‪ -4‬اإلشارة‪ :‬كقوهل – عليه السالم ‪(( :-‬الَّش هر هكذا وهكذا ‪ ))...‬وعقد يف الَّثالثة أحد أصابعه؛ إشارة إىل أَّن الشهر يكون‬
‫تسعة وعرشين يوًم ا‪.‬‬
‫‪ -5‬التنبيه‪ :‬وذكل ابإلمياء إىل املعىن اذلي يعلق علي‪mm‬ه احلمك حىَّت يك‪mm‬ون عةَّل هل‪ ،‬كقوهل – ص‪mm‬ىل هللا علي‪mm‬ه وسمل ‪(( :-‬أينُقص‬
‫الرطب إذا جَّف )) فإن فيه إشارة إىل أن العةل يف التحرمي عدم تساوي الرطب والمتر‪.‬‬
‫‪ -6‬الرتك لفع‪mm‬ل اليشء م‪mm‬ع قي‪mm‬ام ادلاعي هل‪ :‬كرتك الوضوء مما مسته الن‪mm‬ار‪ ،‬وترك جتدي‪mm‬د أنكحة من أس‪mm‬مل من الكف‪mm‬ار‪ ،‬وترك‬
‫أخذ الزاكة من اخلرضوات‪[ ،‬وأمثال ذكل مما يكون يف تبيني أحاكم الرشع‪ ،‬ف‪mm‬إذا ق‪mm‬ام ه‪mm‬ذا اَّدل اعي الرَّش عي َّمث وجدان أَّن‬
‫الَّنَّيب ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬تركه اكن ذكل دليال عىل تعنّي تركه‪ ،‬خبالف الرتك املعلل بعةل فإنه يزول الرتك بع‪mm‬دهما]‪،‬‬
‫كرتك صالة الرَّت اوحي جامعة بعد أن صالها ليَلَتني فإ َّنه قد بني عةَّل الرَّت ك ويه خشية أن تفرض علهيم‪.‬‬
‫وأَّم ا جمَّر د الرتك املطلق لليشء [مما ال يكون بيااًن جململ من أحاكم الرَّش يعة] فإ َّنه ال يدّل عىل املنع‪ ،‬وذكل كرتك قيام الليل ليةل‬
‫مجٍع‪ ،‬وترك مبارشة األذان واإلقامة فإ َّنه ال يدّل عىل كراههتام‪.‬‬
‫تأخري البيان‪:‬‬
‫لقد نقل ابن السمعاين االّتفاق عىل امتناع تأخري البيان عن وقت احلاجة‪ ،‬واملقصود به هو الوقت اذلي حيتاج فيه املَّلكف إىل‬
‫البيان؛ ليمتَّكن من الامِتثال؛ أَّم ا تأخري البيان عن وقت اخلطاب إىل وقت احلاجة فه‪mm‬و حمّل خالف‪ ،‬واملراد من‪mm‬ه‪ :‬ه‪mm‬ل ُيمكن‬
‫للَّش ارع أن خُي اطب املَّلكفني خبطاب مجمل فيه تلكيف مطلق أو مؤَّقت بوقت مل يأت بع‪mm‬د‪َّ ،‬مث ي ‪m‬ؤَّخر بيان‪mm‬ه إىل أن ي ‪m‬أيت وقت‬
‫العمل؟ يف ذكل أقوال‪:‬‬
‫أحُد ها مذهب أكرث احلنفَّية وبعض الشافعية وهو املنع من تأخري البيان مطلًقا؛ ألَّن في‪mm‬ه جتهيال عىل املّلكف‪ ،‬وهذا أم‪mm‬ر قبيح‬
‫عْقال ورشًعا‪ ،‬قالوا‪ :‬وألَّنه ل‪m‬و جاز ت‪m‬أخري البي‪mm‬ان فإ َّم ا أن جيوز إىل أَج ٍل معنَّي أو من غري أجل‪ ،‬ف‪mm‬إن حَّددمت أجًال معَّين‪mm‬ا فال‬
‫دليل عليه‪ ،‬وإ ن مل حتّد دوا أجال لزم اخلطاب مبا ال يفهم معن‪m‬اه‪ ،‬والَّتلكي‪m‬ف مبا ال يط‪m‬اق‪ ،‬وُأجيب عن األَّو ل ب‪m‬أَّن املطل‪m‬وب من‬
‫املَّلكف آنذاك هو اعِتقاد أَّنه حّق وصدق‪ ،‬ونوقش الَّثاين بأن الت‪m‬أخري اجلائز ه‪m‬و ت‪m‬أخري البي‪m‬ان إىل حضور وقت العم‪m‬ل‪ ،‬وال‬
‫يلزم من ذكل التلكيف مبا ال يطاق؛ ذلكل ذهب امجلهور إىل جواز تأخري البي‪mm‬ان من وقت اخلط‪mm‬اب إىل وقت احلاجة مطلًق ا‪،‬‬
‫برهان ذكل قوهل تعاىل‪َ{ :‬ف َذ ا َقَر ْأاَن ُه َف اَّتِب ْع ُقْر آَنُه * َّمُث َّن َعَلْي َن ا َبَياَنُه} [القيام‪m‬ة‪ ،]19 ،18 :‬فعط‪m‬ف تع‪m‬اىل البي‪mm‬اَن عىل األم‪m‬ر‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ابالتب‪mm‬اع حبرف (مث)‪ ،‬ويه للرَّت تيب م‪m‬ع الرتايخ‪ ،‬يؤّي د ذكل قوهل تع‪m‬اىل‪َ{ :‬و َأِق ُميوا الَّص الَة َو آُت وا الَّز اَك َة} [البق‪m‬رة‪َّ ،]43 :‬مث ورود‬
‫األحاديث الكثرية يف بيان مجمل ذكل‪ .‬وذهب بعُض هم إىل ج‪m‬واز ت‪m‬أخري بي‪m‬ان اُملْج م‪m‬ل دون الع‪m‬ام اذَّل ي أريد ب‪m‬ه اخلص‪m‬وص‪ ،‬أو‬
‫املطلق اذلي أريد به املقيد؛ ألهَّن ام ل‪mm‬و ُأِّخ را ألَّدى ذكل إىل اعتق‪mm‬اد م‪mm‬ا ليس م‪m‬راًدا هلل تع‪mm‬اىل‪ ،‬خبالف اجملم‪mm‬ل فليس هل ظ‪mm‬اهر‬
‫ميكن العمل به فال يلزم من تأخري بيانه إيقاع املَّلكف يف اعِتقاد اخلطأ؛ وذلا جاز تأخري بيان اجململ دون غريه‪.‬‬
‫وميكن أن ين‪m‬اقش ه‪m‬ذا ب‪m‬أَّن ال‪m‬واجب عىل املَّلكف أن يعتق‪m‬د أَّنه عام حممتل للَّتخصيص‪ ،‬أو مطل‪m‬ق حممتل للتْقيي‪m‬د‪ ،‬ال أن جيزم‬
‫بكوهِن ام عىل العموم أو اإلطالق‪ ،‬أَّم ا العمل فلو حرض وقته قبل الَّتخصيص والَّتقيي‪m‬د عمل أَّن العم‪m‬وم واإلطالق م‪m‬رادان‪ ،‬وهبذا‬
‫يتبنَّي رحجان قول امجلهور‪.‬‬

‫الَّتخرجي عىل قاعدة تأخري البيان‪ :‬إ َّن هذه القاعدة ذات شقني كام أسلفنا‪:‬‬
‫األَّو ل عدم جواز تأخري البيان عن وقت احلاجة‪ ،‬والَّثاين جواز تْأخري البيان إىل وقت احلاجة‪.‬‬
‫فأَّم ا الشق األَّو ل فهو حمل وفاق‪ ،‬وقد خرجوا عليه قواعد كثرية‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫‪ّ -1‬جحَّية تقرير النيب – صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬وسكوته َّمعا ُفعل أو قيل حبرضته أو يف زمنه وعَمِل ب‪mm‬ه؛ وله‪mm‬ذا عّد وا ذكل من‬
‫أقسام السَّنة وَّمسوها ابلسَّنة الَّتقريرَّية‪.‬‬
‫‪ -2‬رَّتب الَّش افعي عىل ذكل قاعدة من قواعد العم‪mm‬وم‪ ،‬ونُّص ها‪ :‬أَّن ترك الاستفص‪mm‬ال يف مق‪mm‬ام اإلجامل يزنل مزنةل العم‪mm‬وم يف‬
‫املق‪m‬ال‪ ،‬واملقص‪m‬ود هبا أَّن الَّن َّيب – ص‪m‬ىل هللا علي‪m‬ه وسمل ‪ -‬إذا سئل عن مس‪m‬أةل حتمتل أكرث من وجه ف‪m‬أفىت فهيا من غري‬
‫اسِتْف صال من الَّس ائل دَّل ذكل عىل أَّن حمك مجيع األوجه واحد‪.‬‬
‫‪ -3‬األصل إجراء العاّم عىل معومه‪ ،‬واملطلق عىل إطالقه إذا حرض وقت العمل‪.‬‬

‫وأَّم ا الّش ّق الَّثاين من القاعدة فقد انبىن عىل اخلالف فيه اختالف يف مسائل أصولية هممة أمهها‪:‬‬
‫اخلاص املتأّخر عن العاّم هل يعّد خمصًص ا أو انًخسا ملا يقابهل من أفراد العام؟‬
‫ف‪mm‬ذهبت احلنفَّي ة املانعني ت‪m‬أخَري البي‪mm‬ان إىل أَّن ه‪mm‬ذا ُيع‪ّmm‬د انًخسا ال خمّص ًص ا‪ ،‬فيشرتط في‪mm‬ه م‪mm‬ا يشرتط يف الناخس‪ ،‬أَّم ا امجله‪mm‬ور‬
‫اجملزيون تأخَري البيان إىل وقت احلاجة‪ ،‬أجازوا أن يكون اخلاص املتأخر خمصصا للعام املتقدم‪ ،‬ما مل يعمل ابلعام يف معومه‪.‬‬
‫الـخـاتـمـة‬

‫يف خت‪mm‬ام ه‪mm‬ذا البحث اذلي تن‪mm‬اول موضوع "دخ‪mm‬ول اخملاطب عىل معوم خطاب‪mm‬ة"‪ ،‬ن‪mm‬ود أن نسلط الضوء عىل‬
‫األمهية البالغة اليت حيتلها فهم ديناميكيات اخلطاب‪m‬ة وتأثريها عىل اخملاطبني يف خمتل‪m‬ف السياقات‪ .‬لق‪m‬د استعرضنا‬
‫عرب صفحات هذا البحث العديد من النظرايت واملفاهمي اليت تعكس تعقي‪mm‬دات االتص‪mm‬ال البرشي‪ ،‬وكي‪mm‬ف ميكن‬
‫للمخاطب أن يلعب دورًا فعاًال يف تشكيل وتوجيه اخلطاب‪.‬‬

‫من خالل التحليل ادلقيق لألمثةل وادلراسات احلالية‪ ،‬برزت إىل الواهجة العدي‪mm‬د من ال‪mm‬رؤى القمية ح‪mm‬ول كيفي‪mm‬ة‬
‫استجابة اخملاطبني خملتلف أنواع اخلطاابت والاسرتاتيجيات املتبعة يف تقدميها‪ .‬كام توصلنا إىل فهم أمعق للعوامل‬
‫املؤثرة يف تفاعل اخملاطب مع اخلطاب‪ ،‬سواء اكنت هذه العوامل ثقافية‪ ،‬اجامتعية‪ ،‬نفسية أو لغوية‪.‬‬

‫إن ادلور اذلي يلعبه اخملاطب يف تفسري واستيعاب اخلطاب يعد عنرصًا حاسًام يف حتقي‪mm‬ق األه‪mm‬داف االتص‪mm‬الية‪.‬‬
‫ذلكل‪ ،‬جيب عىل املتخصصني يف جمال اخلطابة واالتصال األخذ بعني الاعتب‪mm‬ار التف‪mm‬اعالت املعق‪mm‬دة بني اخلطيب‬
‫واخملاطب وكيفية تأثري هذه التفاعالت عىل جناح اخلطاب يف حتقيق أهدافه‪.‬‬

‫نؤكد يف هناية هذا البحث عىل رضورة مواصةل البحث وادلراسة يف ه‪mm‬ذا اجملال‪ ،‬م‪mm‬ع الرتكزي بش‪mm‬لك خاص عىل‬
‫طرق جديدة ومبتكرة لتحليل العالق‪mm‬ة بني اخلطيب واخملاطب‪ .‬إن فهم ه‪mm‬ذه العالق‪mm‬ة بش‪mm‬لك أمعق سميكننا من‬
‫تطوير اسرتاتيجيات اتصال أكرث فعالية‪ ،‬تسامه يف بناء جسور التواص‪m‬ل بني األف‪m‬راد واجملمتع‪m‬ات‪ ،‬وتعزيز التف‪m‬امه‬
‫املتبادل‪.‬‬
‫املـراجـع‬

‫الشاطيب‪ ,‬إ‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬


‫الغزايل‪ ,‬أ‪.‬ح‪.‬م‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬املستصفى من عمل األصول‪ .‬دار الفكر‪.‬‬
‫البوطي‪ ,‬م‪.‬س‪.‬ر‪ .)2005( .‬كربى اليقينيات الكونية وصلهتا بأصول الفقه اإلساليم‪ .‬دار الفكر املعارص‪.‬‬
‫األمني‪ ,‬م‪.‬ع‪ .)2004( .‬مهنج الاستدالل يف أصول الفقه‪ .‬دار النفائس‪.‬‬
‫روضة الناظر وجنة املناظر ط‪ -‬أخرى | جمدل ‪ | 1‬صفحة ‪ | 241‬اخلطاب ابلعام يدخل فيه اخملاطب | أصول‬
‫الفقه‪.2019 ,‬‬
‫السيوايس‪ ,‬م‪ .‬ب‪ .‬ع‪ .‬الو‪ & ,.‬ابن هامم ادلين‪ .)2015( .‬التحرير يف أصول الفقه اجلامع بني اصطالح احلنفية‬
‫والشافعية‪[ .‬كتاب]‪ .‬اسرتجع من ‪https://books.google.com/books?Id=M_RHDwAAQBAJ‬‬
‫الورمغي‪ ,‬ا‪ .‬ع‪ .‬أ‪ & ,.‬أبو عبد هللا محمد‪ .)2008( .‬تفسري ابن عرفة ‪ 4-1‬ج‪[ .1‬كتاب]‪ .‬اسرتجع من‬
‫‪https://books.google.com/books?id=9Ql7DwAAQBAJ‬‬
‫‪Flügel, G. (1845). Definitiones viri meritissimi sejjid scherif Ali Ben Mohammed‬‬
‫‪Dschordschani: accedunt definitiones theosophi Mohji-Ed-Din Mohammed Ben‬‬
‫‪[ .ali vulgo Ibn arabi‬كتاب]‪ .‬اسرتجع من ?‪https://books.google.com/books‬‬
‫‪Id=x5KYAH3PO1QC‬‬
‫ابعلوي‪ ,‬ع‪ .‬الر‪ .‬ب‪ .‬م‪ .‬ب‪ .‬احل‪ .)2016( .‬بغية املسرتشدين يف تلخيص فتاوى بعض األمئة من العلامء‬
‫املتأخرين‪[ .‬كتاب]‪ .‬اسرتجع من ‪https://books.google.com/books?Id=prtsDwAAQBAJ‬‬
‫النووي‪ ,‬أ‪ .‬ز‪ .‬ي‪ .‬ب‪ .‬ش‪ .‬ادل‪ .)2000( .‬روضة الطالبني‪-‬ج ‪[ .8‬كتاب]‪ .‬اسرتجع من‬
‫‪https://books.google.com/books?id=FtcSO9zCgcIC‬‬
‫محمد بن عبد الواحد السيوايس‪/‬ابن هامم ادلين‪_ .)2015( .‬التحرير يف أصول الفقه اجلامع بني اصطالح‬
‫احلنفية والشافعية_‪ .‬اسرتجع من [‪https://books.google.com/books?(]Google Books‬‬
‫‪)Id=M_RHDwAAQBAJ‬‬
‫عبد الرمحن بن محمد بن احلسني‪/‬ابعلوي‪_ .)2016( .‬بغية املسرتشدين يف تلخيص فتاوى بعض األمئة من‬
‫العلامء املتأخرين_‪ .‬اسرتجع من [‪https://books.google.com/books?(]Google Books‬‬
‫‪)Id=prtsDwAAQBAJ‬‬
‫مجموعة مؤلفني‪_ .)2019( .‬الشيعة العرب‪ :‬املواَط نة والهوية_‪ .‬اسرتجع من [معهد ادلوحة لدلراسات العليا](‬
‫‪)https://bookstore.dohainstitute.org/p-1542.aspx‬‬

You might also like