Professional Documents
Culture Documents
أصـــول الفقــه
دكتور
إمساعيل حممد علي عبد الرمحن
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة األزهر
3
ِّمـة
ال ُْم َقـد َ
الحمد لله رب العالمين ،والصالة والسالم على خاتم النبيين وسيد األولين
واآلخرين والمبعوث رحمةً للعالَمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعـد ..
فإن علم أصول الفقه من أعظم العلوم منزلةً وشرفاً ؛ ألنه مرتبط بوضع األسس
والقواعد التي تبنى عليها األحكام التي شرعها الله لعباده ؛ كي تستقيم حياتهم
الدنيا باتباع المنهج اإللهي ،ويسعدوا بأثر هذا االتباع وثمرته في اآلخرة .
وقد وفق الله كثيراً من علماء هذه األمة للحفاظ على هذا العلم تدريساً
في كتاب " الرسالة " ،حتى أساتذتنا وتصنيفاً ،بدءاً من إمامنا الشافعي
المعاصرين من علماء األصول وفحوله .
وواجب على خلف هذا السلف الصالح أن يسلك نهجهم ،ويقتفي أثرهم في
خدمة هذا العلم واالشتغال به ،ومن هنا كان حرصي على أن أنال هذا الشرف
بخدمة هذا العلم والكتابة فيه ،والذي شرح الله تعالى إليه صدري ؛ كي أوجز فيه
أبواب األصول ،بأسلوب يسهل على المبتدئ استيعابه وفهمه ..
وقد قسمتُه إلى هذه المقدمة وتسعة مباحث ..
واللهَ تعالى أسأل التوفيق والسداد والقبول ؛ ليكون ذخراً لي ولوالدي وزوجتي
يوم ال ينفع مال وال بنون إال َمن أتى اللهَ بقلب
وأوالدي وألصحاب الحقوق َعلَي َ
سليم ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
د /.إسماعيل عبد الرحمن
دمياط يوم الثالثاء 1440/12/19ه
الموافق 2019/8/20م
4
المبحث األول
مقدمات علم أصول الفقه
المطلب األول
تعريف أصول الفقه
عرف األصوليون علم أصول الفقه بتعريفين :
األول :باعتباره مركباً إضافياً .
والثاني :باعتباره لقباً أو علماً على هذا الفن .
ونفصل القول في كل تعريف منهما ..
التعريف األول :تعريف أصول الفقه باعتباره مركباً إضافياً .
تعريف أصول الفقه باعتبار اإلضافة يقتضي بيان وتعريف جزئَي اإلضافة :وهما
المضاف ( أصول ) والمضاف إليه ( الفقه ) .
تعريف األصول :
األصول في اللغة :جمع " أصل " ..
حسياً :
وله عندهم معان عديدة ،منها :منشأ الشيء ،وما يبنى عليه غيره ِّ
كابتناء السقف على الجدار ،وعقلياً :كابتناء الحكم على الدليل ،والنسب ،
()1
والحسب ،والعقل .
واألصل في االصطالح يطلق على معان ،منها :
ََ ُ ْ
األول :الدليل :كقولهم ":األصل في وجوب الزكاة قوله تعالى {وءاتوا
َّ َ
ٱلزك ٰوة} " أي دليلها .
()2
المطلب الثاني
موضوع علم أصول الفقه وأركانه
المطلب الثالث
استمداد علم األصول
ذكرت الكثرة من األصوليين أن علم أصول الفقه مستمد من أصول ثالثة :علم
()1
الكالم ،واللغة العربية ،واألحكام الشرعية .
َعبر بـ( أصول الدين ) بدالً من ( علم الكالم ) كما ذهب لكن الفتوحي
الكثرة من األصوليين ،وهو تعبير أ َْو َجه وأ َْولَى عندي من ( علم الكالم ) ..
في ذلك :ويستمد علم أصول الفقه من ثالثة أشياء :أصول الدين ، فقال
والعربية ،وتصور األحكام .
ثم بين أن التوقف إما أن يكون من جهة ثبوت حجية األدلة فهو أصول الدين ،
وإما أن يكون من جهة داللة األلفاظ على األحكام فهو العربية بأنواعها ،وإما أن
يكون التوقف من جهة تصور ما يدل به عليه فهو تصور األحكام .
ثم فصل كل علم منها على النحو التالي :
األول :أصول الدين ؛ فإن علم األصول والفقه متوقف على ثبوت حجية األدلة ،
ولذلك تتوقف معرفة كون األدلة الكلية ُحجةً شرعاً على معرفة الله تعالى بصفاته
وص ْدق رسوله فيما جاء به عنه ،ويتوقف صدقه على داللة المعجزة .
الثاني :العربية ،من جهة داللة األلفاظ على األحكام من الكتاب والسنة وغيرهما ،
وذلك متوقف على معرفة اللغة العربية وما فيها من أمر ونهي وعام وخاص ومطلق
ومقيد ومنطوق ومفهوم وحقيقة ومجاز وغيرها .
الثالث :تصور األحكام ؛ ألنه إذا لم يتصورها لم يتمكن من إثباتها وال من نفيها ؛
ألن الحكم على الشيء فرع عن تصوره " كقولنا :األمر للوجوب ،والنهي للتحريم ،
()2
والصالة واجبة ،والربا حرام .
اجع :مختصر المنتهى وشرح العضد 35 - 32/1واإلحكام لآلمدي 9/1وبيان ( )1يُـ َر َ
المختصر 32 - 30/1والوصول إلى األصول 56 - 53/1وشرح الكوكب المنير - 48/1
50وإرشاد الفحول 6 ، 5/
اجع :شرح الكوكب المنير 50 - 48/1وإرشاد الفحول 6 ، 5/
( )2يُـ َر َ
11
المطلب الرابع
غاية علم األصول وثمرته
المطلب السادس
أول َمن صنف في علم أصول الفقه
إن األمر في أصول الفقه لم يكن كنظيره الفقه من ظهور المذاهب الفقهية ،
-الذي وضع أول حجر في أساس وإنما ظهرت -بعد عصر اإلمام الشافعي
هذا العلم بكتابه " الرسالة " -طُُرق للتفكير والتأليف في هذا العلم أثرت على
مسيرته العلمية حتى اليوم ،وسميت بـ" طرق التصنيف عند األصوليين " ،وهي ما
يقابل المذاهب في الفقه .
وفي أول األمر ظهرت طريقتان للتأليف في علم أصول الفقه :
الطريقة األولى :طريقة المتكلمين .
وسميت بذلك ألن أغلب الذين كتبوا فيها كانوا من علماء الكالم :كأبي الحسين
البصري والرازي والغزالي والجويني رحمهم الله تعالى .
وقد قامت طريقتهم على تأصيل القواعد األصولية وتحريرها وكثرة االستدالل
العقلي وقلة الفروع الفقهية ،وهذه الطريقة تسمى " طريقة الجمهور أو غير الحنفية " .
ومن أشهر كتبهم :العدة للقاضي أبي يعلى ( ت 458 .هـ ) ،والبرهان إلمام
الحرمين الجويني ( ت 487 .هـ ) ،والمستصفى لحجة اإلسالم الغزالي ( ت.
505هـ ) ،والمحصول للفخر الرازي ( ت 606 .هـ ) ،وروضة الناظر البن
قدامة ( ت 620 .هـ ) ،ومختصر المنتهى البن الحاجب ( ت 646 .هـ ) ،
وشرح تنقيح الفصول للقرافي ( ت 684 .هـ ) ..رحمهم الله تعالى .
الطريقة الثانية :طريقة الفقهاء أو طريقة الحنفية .
وسميت بـ" الفقهاء " ألنهم أكثروا من الفروع الفقهية وقَـللوا من االستدالل العقلي .
ومن أشهر كتبهم :أصول البزدوي [ كنز الوصول إلى معرفة األصول ] ( ت.
482هـ ) ،وأصول السرخسي ( ت 490 .هـ ) ،وميزان األصول لعالء الدين
السمرقندي ( ت 539 .هـ ) ،والمنار لحافظ الدين النسفي ( ت 790 .هـ ) ،
وكشف األسرار عن أصول البزدوي لعالء الدين البخاري ( ت 730 .هـ ) ..
رحمهم الله تعالى .
14
ثم ظهرت بعدهما طريقة ثالثة تسمى " طريقة المتأخرين " ،وهي الطريقة التي
جمعت بين طريقة المتكلمين وطريقة الفقهاء ؛ فقررت القواعد األصولية وأقامت
()1
الدليل عليها ،مع تطبيقها على الفروع الفقهية من خالل ربطها بها .
ومن أشهر كتبهم :بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي واإلحكام البن
الساعاتي ( ت 694 .هـ ) ،وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي ( ت 771 .هـ ) ،
والتحرير لكمال الدين بن الهمام ( ت 861 .هـ ) وإرشاد الفحول للشوكاني ( ت.
1250هـ ) ..رحمهم الله تعالى .
وهذه الطريقة هي التي سار عليها المتأخرون من علماء األصول :كالشيخ عبد
الوهاب خالف والشيخ الخضري والشيخ محمد أبو زهرة -رحمهم الله تعالى -
()2
وغيرهم من العلماء المعاصرين .
المطلب السابع
الفرق بين علمي الفقه واألصول وبين األصولي والفقيه
اوال -الفرق بين علم األصول وعلم الفقه :
إن علم الفقه هو :العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها
التفصيلية .
وعلم أصول الفقه هو :العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط األحكام
الشرعية الفرعية .
وإن موضوع الفقه هو فعل المكلف لبيان حكم الشرع فيه .
وموضوع أصول الفقه هو األدلة أو األحكام أو هما معاً .
إن الفقه استخراج لألحكام من األدلة ،واألصول قواعد تُستخرج األحكام على
ضوئها .
اجع :علم أصول الفقه لخالف 23/وأصول الفقه ألبي زهرة 19/وغابة الوصول 102/
( )1يُـ َر َ
اجع :تاريخ الفقه اإلسالمي 85 - 81/ونظرة عامة في تاريخ الفقه اإلسالمي ، 266/
( )2يُـ َر َ
267وأصول الفقه وتاريخه ورجاله 26/
15
ثانيا -الفرق بين الفقيه واألصولي :
()1
الفقيه :هو المجتهد الذي يُنتج الفروع الفقهية عن أدلة صحيحة .
()2
أو هو َ :من بذل وسعه في نيل حكم شرعي عملي بطريق االستنباط .
واألصولي :هو العالم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط األحكام الشرعية
الفرعية .
وعلى ذلك يكون األصولي غير الفقيه ،وال يلزم من كونه أصولياً أن يكون فقيهاً ،
ويلزم من كونه فقيهاً أن يكون أصولياً ؛ لتوقُّف معرفة األحكام منها -أي األدلة -
على معرفة أصولها .
()3
وإذا تقرر ذلك كان كل فقيه أصولياً ،وليس كل أصولي فقيهاً .
المبحث الثاني
الحاكم والحكم
المطلب األول
الحاكم
لَما كان الحكم الشرعي ال بد فيه من حاكم ومحكوم به ومحكوم عليه وجب
ش ِّرع ومصدر الحكم ؛ أال وهو الحاكم .. الم َ
أن نبدأ بأعالها وأشرفها ،وهو ُ
والحاكم هو الله تعالى ،ورسله -عليهم السالم -يبلغون أحكامه إلى خلقه ،
والمجتهد وظيفته استنباط الحكم وإظهاره ،وليس تكوينه وال إنشاؤه ..
لكن هل يدرك العقل بذاته أحكام الشرع دون نبي مرسل عن رب العزة جل
وعال ؟ وهو المسمى بالتحسين والتقبيح العقليين.
تحرير محل النزاع في التحسين والتقبيح :
أطلق العلماء الحسن والقبح على ثالثة معان :
األول :ما الءم الطبع ونافره ،نَ ْحو :إنقاذ الغريق ،واتهام البريء .
الثاني :صفة الكمال والنقص ،نَ ْحو :العلم حسن ،والجهل قبيح .
الثالث :المدح والذم الشرعيان عاجالً ،والثواب والعقاب آجالً .
وال نزاع في أنهما باإلطالقين األولين عقليان ،أما اإلطالق الثالث فهو محل
النزاع ،بمعنى هل يستقل العقل بمعرفة الحكم الشرعي دون ورود الشرع ؟
()1
ثالثة مذاهب في ذلك :
المذهب األول :الحسن والقبح شرعيان .
وهو مذهب األشاعرة وأكثر األئمة كمالك والشافعي واألوزاعي وأحمد
اجع :البحر المحيط 143/1وشرح مختصر الروضة 404 ، 403/1وشرح المنار ( )1يُـ َر َ
البن ملك 48 ، 47/وغاية الوصول 7/وإرشاد الفحول 7/
17
()2 ()1
وأهل السنة والفقهاء وبعض الحنفية .
تكليف
َ وهؤالء قالوا :الحسن ما أمر به الشارع ،والقبيح ما نهى عنه ،فال
وال ثواب وال عقاب إال بمقتضى الشرع .
وليس معنى ذلك أنهم يعطلون العقل ،ويلغون عمله كما قد يفهم البعض ؛
()3
وإنما حددوا وظيفته :بأنه وسيلة الستنباط األحكام ،وبه تُفهم قواعد الشرع .
المذهب الثاني :الحسن والقبح عقليان .
()4
وهو مذهب المعتزلة والكرامية والبراهمة والخوارج وغيرهم .
واالستقالل بإدراكها قبل ورود
ُ وهم يرون :أن العقل يمكنه إظهار األحكام
الشرع ،فاألفعال عندهم حسنها وقبحها لذاتها .
وليس معنى إدراك العقل لحسن الفعل وقبحه عند المعتزلة أن العقل هو
المحرم ؛ بل معناه :أن العقل أدرك أن الله تعالى -بحكمته البالغة -
ِّ الموجب أو
كل ف بترك المفاسد وتحصيل المصالح ،فالعقل أدرك اإليجاب والتحريم ال أنه
()5
أوجب وحرم ،فالنزاع معهم في أن العقل أدرك ذلك أم ال ؟ ..
والمعتزلة قالوا بالتحسين والتقبيح العقليين ؛ ألن األصلح عندهم واجب على
الله تعالى بالعقل ،ففعله حسن وتركه قبيح ،والجمهور على أنه ال يجب على الله
()6
تعالى شيء .
المذهب الثالث :أن العقل ليس مجرد آلة فهم الخطاب ،وإنما قد يدرك حسن
األفعال وقبحها قبل ورود الشرع بال نظر :كحسن الصدق النافع ،أو بنظر
واستدالل :كحسن الكذب النافع ،ويدركها كذلك بعد ورود الشرع :كأكثر
األحكام الشرعية .
اجع :البحر المحيط 136/1وشرح الكوكب المنير 301/1وحاشية نسمات األسحار 45/ ( )1يُـ َر َ
( )2تيسير التحرير 151/1
اجع البحر المحيط 138/1 ( )3يُـ َر َ
اجع :المسودة 484/وشرح الكوكب المنير 302/1 ( )4اإلحكام لآلمدي ، 77/1ويُـ َر َ
اجع شرح مختصر الروضة 406 ، 405/1 ( )5شرح الكواكب المنير ، 303/1ويُـ َر َ
( )6شرح المنار البن ملك 48/
18
()2 ()1
وإليه ذهب الماتريدية وأكثر الحنفية وبعض الشافعية ،واختاره الشوكاني
،وعلل ذلك بقوله :وإنكار مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسناً أو قبيحاً
مكابرة ومباهتة ،وأما إدراكه لكون ذلك الفعل الحسن متعلقاً للثواب وكون ذلك
الفعل القبيح متعلقاً للعقاب فغير مسلم ،وغاية ما تدركه العقول :أن هذا الفعل
الزَم بين هذا وبين كونه
الحسن يُ ْم َدح فاعله ،وهذا الفعل القبيح يُ َذم فاعله ،وال تَ ُ
()3
متعلقاً للثواب والعقاب ..ا.هـ ،وهو رأي وجيه ومقبول .
المطلب الثاني
الحكم الشرعي وأقسامه
أوالً -تعريف الحكم الشرعي :
()4
الحكم لغةً :المنع ،ويطلق -أيضاً -على الفصل ،وكذا القضاء .
واصطالحاً :له تعريفان :
()5
األول :عند الفقهاء .وهو ( :مدلول خطاب الشرع أو األثر المترتب عليه ) .
الثاني :عند األصوليين ..
،وهو ( :خطاب الله تعالى المتعلق والراجح عندي تعريف ابن الحاجب
()6
بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير أو الوضع ) .
شرح التعريف :
( خطاب ) :معناه ما يقصد به إفهام من هو متهيئ لفهمه ،وهو كالجنس في التعريف ؛
اجع :شرح التوضيح للتنقيح 191 ، 190/1والتلويح 191 ، 190/1وتيسير () يُـ َر َ
التحرير 151/1
اجع البحر المحيط 138/1 ( )2يُـ َر َ
( )3إرشاد الفحول 9/
اجع :المصباح المنير 145 ، 144/1والكليات 380/ومختار الصحاح 166 ، 165/ ( )4يُـ َر َ
اجع :شرح الكوكب المنير 333/1 ( )5يُـ َر َ
اجع :مختصر المنتهى 220/1وفواتح الرحموت 54/1 ( )6المختصر في أصول الفقه ، 57/ويُـ َر َ
والمستصفى 55/1والتحصيل 170/1وتغيير التنقيح 5 ، 4/ونشر البنود 18/1ومنهاج
الوصول مع اإلبهاج 43/1
19
يشمل خطاب الشرع وخطاب غيره .
( الله تعالى ) :لفظ الجاللة قيد أول ،خرج به خطاب غير الله تعالى ؛ فإنه ال
يسمى حكماً شرعياً ،وخطاب الله تعالى يشمل الوحي -وهو القرآن الكريم -
()1
السنة المطهرة -وما تفرع عنهما من األدلة . وغير المباشر -وهي ُّ
( المتعلق بأفعال المكلفين ) :قيد ثان ،خرج به خطاب الله تعالى المتعلق بغير
أفعال المكلفين :كالخطاب المتعلق بذاته تعالى وصفاته ،نحو :قوله تعالى
وم} ،وكالخطاب المتعلق بذات المكلفين ،نحو :
ۡ َ ي ُ ()2
ح ٱلقي َّلل ََّلا إ ِّ َل ٰ َه إ ِّ ََّّل ُه َو ۡٱل َ ي
{ٱ َّ ُ
َ َّ ُ َ َ َ ُ
كم مِّن تُ َراب} . قوله تعالى {وٱَّلل خلق
()3
و( المتعلق ) أي المرتبط ( بأفعال ) جمع " فعل " ،وهو ما يصدر عن
اإلنسان ،ويدخل تحت قدرته ما يـُ ْعتَبَر فعالً عرفاً ؛ ليشمل فعل الجوارح والقلب ،
( المكلفين ) جمع " مكلف " ،وهو البالغ العاقل .
( باالقتضاء أو التخيير أو الوضع ) :قيد ثالث ،خرج به نحو قوله تعالى
ُ خلَ َق ُ
ك ۡم َو َما َت ۡع َملون} ؛ فإنه خطاب للشارع متعلق بأفعال المكلفين ال َ َّ ُ َ
{وٱَّلل
()4
على سبيل االقتضاء أو التخيير أو الوضع ،لذا ال يسمى حكماً شرعياً .
( باالقتضاء ) واالقتضاء معناه الطلب .
وهو قسمان :إما طلب فعل وإما طلب ترك ،وكل واحد منهما إما أن يكون
جازماً أو غير جازم :فإن كان طلباً للفعل طلباً جازماً فهو اإليجاب ،وإن كان طلباً
للفعل طلباً غير جازم فهو الندب ،وإن كان طلباً للترك طلباً جازماً فهو التحريم ،
وإن كان طلبا للترك طلباً غي ر جازم فهي الكراهة ،فهذه أحكام تكليفية أربعة
شملتها كلمة االقتضاء .
( أو التخيير ) والمراد به المباح ،وهو الفعل الذي ُخيِّر فيه بين الفعل والترك .
( أو الوضع ) " أو " في التعريف للتنويع والتقسيم ،و" الوضع " هو جعل الشارع
() شرح المحلي على جمع الجوامع مع البناني 50/1
( )2سورة البقرة من اآلية 255
( )3سورة فاطر من اآلية 11
( )4سورة الصافات :اآلية 96
20
()1
الشيء على نحو خاص :كجعله الطهارة شرطاً لصحة الصالة .
َ
ثانياً -أقسام الحكم الشرعي :
بعد الوقوف على تعريف الحكم الشرعي يتضح لنا أنه ينقسم إلى قسمين :
والثاني :حكم وضعي . األول :حكم تكليفي .
وقسمه بعضهم إلى :حكم عملي ؛ وهو الذي يبين كيفية عمل المكلف ،ويبحث
()2
في الفقه واألصول ،وحكم اعتقادي ؛ وهو الذي يبين مباحث االعتقاد .
* تعريف الحكم التكليفي :
الحكم التكليفي :هو خطاب الشرع ؛ المتعلق بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير .
وس ِّمي " تكليفاً " ألنه إلزام ما فيه كلفة ومشقة ،وإطالقه على اإلباحة من ُ
()3
باب التغليب ،ولذا كان الحكم التكليفي شامالً اإليجاب والندب والتحريم
والكراهة واإلباحة .
* تعريف الحكم الوضعي :
الحكم الوضعي :هو خطاب الشرع الذي اقتضى وضع شيء سبباً لشيء آخر
أو شرطاً أو رخصةً أو عزيمةً ...إلخ .
ط
وس ِّمي " وضعياً " ألن الشارع هو الذي وضع هذه األسباب للمسببات والشر َ ُ
()4
للمشروط وهكذا .
أقسام الحكم التكليفي :
ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام :إيجاب ،وندب ،وتحريم ،وكراهة ،
وإباحة .
وبعضهم جعل األقسام :الواجب ،والمندوب ،والحرام ،والمكروه ،والمباح .
اجع :شرح العضد 222 ، 221/1وبيان المختصر 326 ، 325/1ونهاية ( )1يُـ َر َ
السول 43 ، 42/1ومناهج العقول 42 ، 41/1وشرح الكوكب المنير 342 - 333/1
وحقائق األصول 116/1وشرح مختصر الروضة 254 - 247/1
( )2الوجيز في أصول الفقه للزحيلبي 286/
اجع البرهان 102 ، 101/1
( )3يُـ َر َ
اجع :البحر المحيط 127/1وإرشاد الفحول 7 ، 6/
( )4يُـ َر َ
21
فالتقسيم األول باعتبار نص الشارع ،والتقسيم الثاني باعتبار تعلقه بفعل
المكلف :فاإليجاب يصبح واجباً ،والندب يصبح مندوباً ،والتحريم يصبح حراماً ،
() 1
والكراهة تصبح مكروهاً ،واإلباحة تصبح مباحاً .
ونوجز القول في كل قسم منها في المطلب التالي بإذن الله تعالى .
الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي والعالقة بينهما :
أما الفروق بينهما فأهمها فرقان :
المقصود منه طلب الفعل من المكلف أو ْتركه أو ُ األول :أن الحكم التكليفي
التخيير بينهما .
أما الحكم الوضعي فالمقصود منه ليس ما تَقدم ؛ وإنما هو بيان أن الشيء
سبب أو شرط أو مانع ونحوها .
الثاني :أن الفعل المطلوب في الحكم التكليفي ال بد أن يكون في مقدور
المكلف فعالً أو تركاً .
أما الحكم الوضعي فقد يكون مقدوراً للمكلف :كالسفر الذي هو سبب
للرخصة ،وقد يكون غير مقدور :كزوال الشمس لصالة الظهر .
وأما العالقة بينهما فلها صورتان :
الصورة األولى :اجتماعهما معاً .
مثاله :الزنا ؛ فإنه حرام ،وهو حكم تكليف ،وهو ذاته سبب للحد ،ومن هذا
الوجه كان حكماً وضعياً .
ومثاله أيضاً :السرقة ،فإنها حرام ،وهو حكم تكليف ،وهي ذاتها سبب للحد ،
ومن هذا الوجه كانت حكماً وضعياً .
الصورة الثانية :انفرادهما .
مثال انفراد خطاب الوضع َ :ح َوالَن الحول شرطاً لوجوب الزكاة ،والبلوغ شرطاً
للتكليف ،ورؤية الهالل شرطاً لوجوب الصيام .
()2
ومثال انفراد خطاب التكليف :ترك المنكرات واجتناب المحرمات .
اجع :مسلم الثبوت 59/1وأصول الفقه للشيخ زهير 50/1
( )1يُـ َر َ
اجع :الفروق 164 ، 163/1وشرح الكوكب المنير 344 ، 343/1وأصول الفقه ( )1يُـ َر َ
اإلسالمي لزكي الدين شعبان 216 - 214/
22
المطلب الثالث
أقسام الحكم التكليفي
{الَ َ
صالَ َة ل َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ
والواجب :ما ثبت بدليل ظنِّي ،نَ ْحو :قوله
ب َفات َحة الْكتَاب}
()2( )1
.
أثر هذا االختالف في األحكام :
ترتب على االختالف بين العلماء في الفرض والواجب اآلثار الفقهية التالية :
-1أن منكر الفرض عند الحنفية كافر ؛ إلنكاره ما ثبت عن الشارع بدليل قطعي ،
ومن أنكر الواجب فال يكفر ؛ ألنه ثابت بدليل ظنِّي ، نحو :إنكار الصالة والزكاة َ ،
نحو :صالة الوتر وقراءة الفاتحة في الصالة .
()3
وغير الحنفية يرون ما رآه الحنفية في حكم منكر الفرض والواجب .
َ -2من ترك قراءة الفاتحة في الصالة فصالته ال تبطل عند الحنفية ؛ ألن قراءتها
واجبة ،بخالف ترك قراءة القرآن ؛ فإنه يبطلها ؛ لثبوتها بدليل قطعي ،والجمهور
يبطلونها بترك قراءة الفاتحة .
وجمهور األصوليين يرون أن الخالف بين الحنفية وغيرهم خالف لفظي ،ولكنا
()4
نرى أثراً فقهياً له كما تقدم .
ثانياً – صيغ اإليجاب :
اإليجاب في نصوص الشريعة له صيغ ،نذكر منها ما يلي :
َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ۡ ُ ْ
ۡشكوا بِّهِّۦ َش ۡئا} .
حو :قوله تعالى {وٱعبدوا ٱَّلل وَّل ت ِّ
()5
-1صيغة ( افعل ) ،نَ ْ
س فَـلْيُ َخ ِّفف} . -2المضارع المقترن بالم األمر ،نَ ْحو :قوله { َم ْن أَم الناَ َ
()6
ُ َ َ َۡ ُ
ٱلصيَام} . ب عليك ُم ِّ حو :قوله تعالى {كتِّ
()5
-لفظ " كتب " ،نَ ْ
َ َّ ا َّ َّ ۡ
حو :قوله تعالى { َو َمن ل ۡم يُؤ ِّم ۢن بِّٱَّللِّ َو َر ُس ِّ
وِلِّۦ فإِّنا َ -6الوعيد على ترك الفعل ،نَ ْ
ََۡۡ ۡ َ
ين َسعِّريا} . كٰفِّر َ
()6
ِّ أعتدنا ل ِّل
ُ َ ََ ُ
ب عل ۡيك ُم واجباً بمقتضى األمر بوجوب الصيام في قوله تعالى {كت ِّ
ۡ
ٱلش ۡه َر فَليَ ُص ۡمه}
ُ ُ َّ َ َ
ٱلصيَام} وقوله تعالى {ف َمن ش ِّه َد مِّنكم
()7( )6 ()5
. ِّ
صالَة أ َْو نَسيَـ َها ام َع ْن َ { َم ْن نَ َ وقضاء الصالة واجب بمقتضى قوله
ك َوقْـتَـ َها} ،وليس قضاؤها واجباً بمقتضى األمر
()8
صلِّ َها إذَا ذَ َك َرَها ؛ فَإن َذل َ
فَـلْيُ َ
َ ُ ْ َّ َ َ
ٱلصل ٰوة} . بوجوب الصالة في قوله تعالى {وأقِّيموا
()9
وفعل المكاتَبة نفسه يكون مندوباً ،وحينما يتعلق بفعل المكلف يكون مندوباً كذلك .
ويسمى المندوب ُ :سنةً ونافلةً وتطوعاً ومستحباً ومرغباً فيه ،وهذه األسماء
كلها مترادفة عند جمهور األصوليين .
وقال القاضي حسين والبغوي -رحمهما الله تعالى -من الشافعية :السنة :
ما واظب عليه النبي ،والمستحب :ما فعله مرًة أو مرتين ،والتطوع :ما ينشئه
اجع :التمهيد لإلسنوي 86 ، 85/والقواعد والفوائد 85/والمحصول 292/1 ( )1يُـ َر َ
اجع :مختار الصحاح 676/والمصباح المنير 597/2وروضة الناظر 39/ ( )2يُـ َر َ
اجع :اإلبهاج 56/1وشرح مختصر الروضة 353/1
( )3الورقات مع حاشية النفحات ، 20/ويُـ َر َ
( )4سورة النور من اآلية 33
32
()1
اإلنسان باختياره ،ولم يَر ْد فيه نقل .
والسنة عند الفقهاء :هي النافلة والمندوب ،أي ما ثبت عن النبي من غير
وجوب .
وعند األصوليين :ما ثبت عن النبي قوالً أو فعالً أو تقريراً .
من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو وعند المحدِّثين :ما أُثر عن النبي
سيرة .
وقد يستعملونها في مقابل البدعة ،وفي الصدر األول على طريقة الخلفاء
()2
الراشدين .
صيغ الندب :
للندب في نصوص الشرع صيغ ،منها :
-1الترغيب في الفعل ،نَ ْحو :قوله { َخ ْيـ ُرُك ْم َم ْن تَـ َعل َم الْ ُق ْرآ َن َو َعل َمه} .
()3
-2ذكر الثواب عليه ،نَ ْحو :قوله { َم ْن بَـنَى لله َم ْسجداً بَـنَى اللهُ لَهُ بَـ ْيتاً في
ْجنة} .
()4
ال َ
-3األمر مع قرينة صارفة له عن الوجوب ،نَ ْحو :قوله { َ
صلُّوا قَـ ْب َل ال َْمغْرب
صلُّوا قَـ ْب َل ال َْمغْرب َرْك َعتَـ ْين} ثم قال {ل َم ْن َشاء} .
()5
َرْك َعتَـ ْين َ ..
ل َما يـُتَـ َقرب به دون دليل يدل على الوجوب :كصومه يوم -4ف ْعل النبي
اجع :اإلبهاج 58 ، 57/1وحقائق األصول 140/1وحاشية العطار ، 126/1 ( )1يُـ َر َ
127وغاية الوصول 11/والمحصول 21 ، 20/1
704/2ومباحث في اجع :بحوث من السنة المطهرة 45/1وأفعال الرسول ( )2يُـ َر َ
علوم الحديث 13 ، 12/
( )3هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري في صحيحه 192/6برقم ( ) 5027والنسائي في سننه
الكبرى 267/7برقم ( ) 7983وأبو داود في سننه 70/2برقم ( ) 1452عن سيدنا
. عثمان بن عفان
( )4هذا الحديث أَ ْخ َر َجه ابن أبي شيبة في المصنف 275/1برقم ( ) 3159والطبراني في
. األوسط 347/6برقم ( ) 6586عن السيدة عائشة
( )5هذا الحديث أَ ْخ َر َجه أبو داود في سننه 26/2برقم ( ) 1281واإلمام أحمد في
مسنده 171/34برقم ( ) 20552عن عبد الله المزني .
33
()2( )1
. االثنين والخميس
أثر المندوب في األحكام :
مما يتفرع على المندوب أنه :هل يلزم بالشروع فيه أو ال ؟
قوالن للعلماء في ذلك :
يؤاخذ بقطعه ؛ ألنه غير الزم . األول :أنه ال يلزم ،وال َ
. وهو ما ذهب إليه الجمهور ،واختيار اإلمام الشافعي
فمن شرع في نفل ثم أفسده الثاني :أن النفل يكون الزماً بالشروع فيه ،وعليه َ
يجب عليه القضاء .
. وهو ما ذهب إليه الحنفية ،ونُقل عن اإلمام مالك
()3
وعلى القول األول ال قضاء عليه .
اء
ام َ ،وإ ْن َش َ صَ اء َ وحجة األول :حديث {الصائ ُم ال ُْمتَطَِّوعُ أَم ُير نَـ ْفسه :إ ْن َش َ
أَفْطَر} .
()4
َ
-1لَ ْفظ الْحل ،نَ ْ
َ َ ً َ ۡ َ
حو :قوله تعالى {فإِّن أ َرادا ف َِّصاَّل عن ت َراض مِّن ُه َما
ۡ
ْجنَاح أو اإلثم ،نَ ْ -2نَـ ْفي ال ُ
َََ ُ ََ َُ َ َ
اح َعل ۡي ِّه َما} .
()3
وتشاور فَل جن
اء م ْن غَْيرت َع ْن أَ ْشيَ َ{ َو َس َك َ -3سكوت الشرع عن الفعل ،نَ ْحو :قوله
وها} .
()4
وها َر ْح َمةً م ْن َربِّ ُك ْم ،فَاقْـبَـلُ َ
ن ْسيَان ،فَالَ تَ َكل ُف َ
القسم الرابع :الحرام
()5
الحرام لغ ًة :ضد الحالل ،ويطلق على المنع .
واصطالحاً :هو الفعل الذي طلب الشارع تركه طلباً جازماً .
وقيل :هو ما يثاب تاركه ويعاقَب فاعله .
()6
وقيل :هو ما يُ َذم فاعله ويُ ْم َدح تاركه .
والتحريم :هو خطاب الله تعالى الطالب لترك الفعل طلباً جازماً .
ويسمى الحرام :محظوراً ،وممنوعاً ،ومزجوراً ،ومعصيةً ،وذنباً ،وقبيحاً ،
()7
وسيئةً ،وفاحشةً ،وإثماً ،وعقوبةً .
اجع :شرح اللمع 106/1ومنتهى السول 31/1والتحصيل 174/1وشرح العضد 7 ، 6/2 ( )1يُـ َر َ
( )2سورة المائدة من اآلية 96
( )3سورة البقرة من اآلية 233
( )4هذا الحديث أَ ْخ َر َجه الدارقطني في سننه 537/5برقم ( ) 4814والطبراني في المعجم
. األوسط 381/8برقم ( ) 8938عن أبي الدرداء
اجع :مختار الصحاح 150 ، 149/والمصباح المنير 132 ، 131/1 ( )5يُـ َر َ
( )6الورقات مع حاشية النفحات 22 ، 21/
اجع :المحصول 20 ، 19/1وشرح اللمع 106/1والتحصيل 174/1وشرح الكوكب ( )7يُـ َر َ
المنير 387 ، 386/1واإلبهاج 60 ، 59/1والبحر المحيط 255/1وغاية الوصول 10/
36
صيغ التحريم :
للتحريم صيغ عديدة وردت في الشرع ،نذكر منها :
َ َّ َ َّ ُ َّ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َّ ۡ َ َّ
حو :قوله تعالى {وَّل تقتلوا ٱنلفس ٱل ِِّت حرم ٱَّلل إَِّّل -1صيغة ( ال تفعل ) ،نَ ْ
ٱۡلق} .
()1 ب َۡ
ِّ
َ
ٱدل َم َو ۡ َ ۡ ُ َ َ َّ
-2صيغة ( حرم ) ،نحو :قوله تعالى {إن َما َح َّر َم عل ۡيك ُم ٱل َم ۡيتَة َو َّ
ۡل َم ِّ َْ
َ ۡ َّ َ َ ا ُ َّ ۡ
ٱَّلل} .
()2
ِّ ري ِّغ ل ِّۦ هِّ ب ِّل ه أ امو ير
ِّ ِّ ِّزن ٱۡل
ََۡ َ ٰ َ َۡ ۡ َ ا َ ُۡ َ َ َۡۡ
-3صيغة ( نهي ) ،نَ ْحو :قوله تعالى {وينَه ع ِّن ٱلفحشاءِّ وٱلمنكرِّ وٱۡلغ}
()3
َ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ي َ ُ ۡ َ َ ُ ْ
يأيها ٱَّلِّين ءامنوا َّل َيِّل لكم أن ترِّثوا -4صيغة نفي الحل ،نَحو :قوله تعالى { َٰٓ
ْ
ا َ
ٱلن ِّ َسا َء ك ۡرها} .
()4
وهذا القسم عند الحنفية مقابل للواجب ؛ لثبوته بدليل ظنِّي .
والفرق بين الحرام والمكروه تحريماً :أن األول ثابت بدليل قطعي ،والثاني
ثابت بدليل ظنِّي ،ومنكر األول كافر ،ومنكر الثاني ال يكفر .
وكالهما يشتركان في استحقاق العقاب والذم بالترك ،غير أنه في المكروه
قاب بالنار ،ولكنه يتعلق به محذور :كحرمان الشفاعة تحريماً ال يستحق فاعله الع َ
المكروه تحريماً حرام ثبتت حرمته بدليل ظنِّي . وعند محمد
( )1الورقات مع حاشية النفحات 22/
( )2هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري في صحيحه 120/3برقم ( ) 2408ومسلم في
. صحيحه 1341/3برقم ( ) 593عن المغيرة بن شعبة
( )3هذا الحديث أخرجه الشيخان ..
اجع :مختصر صحيح البخاري برقم ( ) 969ومختصر صحيح مسلم رقم ( . ) 800 يُـ َر َ
38
الثاني :المكروه تنزيهاً ،وهو ما كان إلى الحل أقرب .
مثاله :أكل لحوم الخيل ،وترك السنن المؤكدة .
()1
حكمه :ال يستحق فاعله الذم وال العقاب ،ولكنه خالف األَ ْولى .
وأرى :أن حكم هؤالء العلماء بكراهة ترك السنن إنما هو في حق َمن لم يداوم على
ومن
تركها ،أما َمن داوم على ترك السنة فإنما هو رجل سوء رغب عن هدي النبي َ ،
رغب عن سنته فليس منه ،وهذه العاقبة تجعل هذا الفعل مكروهاً تحريماً ال تنزيهاً .
المطلب الرابع
أقسام الحكم الوضعي
()2
قسم بعض األصوليين الحكم الوضعي أقساما ستةً ،وهي :
-3المانع . -2الشرط . -1السبب .
-6الرخصة والعزيمة . -5الفساد . -4الصحة .
ونفصل القول في كل قسم منها فيما يلي ..
القسم األول :السبب :
()3
السبب لغةً :الحبل ،وكل شيء يتوصل به إلى غيره .
معرفاً لحكم
واصطالحاً :وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه ِّ
()5 ()4
شرعي ال مؤثِّراً فيه .
()6
وعرفه بعضهم :بأنه ما يلزم من وجوده الوجود ،ومن عدمه العدم لذاته .
اجع :شرح التوضيح مع التلويح 126 ، 125/2وأصول الفقه ألبي زهرة 41 ، 40/
( )1يُـ َر َ
وأصول الفقه للخضري 50 ، 49/والتعريفات 239/
اجع :اإلحكام لآلمدي 123 - 118/1ومختصر المنتهى مع شرح العضد ، 7/2 ( )2يُـ َر َ
8والموافقات 187/1
اجع :الكليات 495/ومختار الصحاح 303/
( )3يُـ َر َ
( )4اإلحكام لآلمدي 118/1والبحر المحيط 306/1ولب األصول 13/
( )5بيان المختصر 405/1
( )6شرح تنقيح الفصول 81/
39
أقسام السبب :
حصرت منها ما يلي :
ُ قسم األصوليون السبب تقسيمات عدةً باعتبارات مختلفة ،
التقسيم األول :باعتبار المشروعية وعدمها ..
تنقسم األسباب من حيث المشروعية وعدمها إلى أسباب مشروعة وأسباب غير
مشروعة ..
واألسباب المشروعة :هي التي وضعها الشارع لتحقيق مصالح العباد أو دفع
المفاسد عنهم .
مثالها :األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فإنه أمر مشروع ؛ ألنه سبب
إلقامة الدين وإظهار شعائر اإلسالم وإخماد الباطل على أي وجه كان .
واألسباب الممنوعة :هي التي ينشئها المكلف باختياره مخالفةً ألمر الشارع ،
وهذه األسباب ال أثر لها شرعاً ،وال يقع لها مقتضى ؛ ألنها أسباب للمفاسد .
مثالها :األنكحة الفاسدة ممنوعة وإن أدت إلى إلحاق الولد وثبوت الميراث ،
والعاصي بسفره ال يقصر وال يفطر ؛ ألن المشقة كأنها واقعة بفعله ؛ ألنها ناشئة
()1
عن سببه .
التقسيم الثاني :باعتبار القدرة للمكلف وعدمها ..
األسباب م ن حيث قدرة المكلف وعدمها تنقسم إلى :أسباب خارجة عن
مقدور المكلف ،وأسباب داخلة تحت مقدور المكلف .
مثال غير المقدور :زوال الشمس أو غروبها ،أو طلوع الفجر ؛ فإنه سبب في
إيجاب الصلوات في تلك األوقات ،وليس مقدوراً للمكلف .
ومثال المقدور :السفر الذي يـُ َعد سبباً إلباحة القصر والفطر ،وعقد الزواج ؛
()2
فإنه سبب لحل العشرة الزوجية .
* الفرق بين العلة والسبب :
() 3
العلة لغ ًة :المرض .
اجع الموافقات 242 - 193/1 ( )1يُـ َر َ
اجع :الموافقات 188 ، 187/1وأصول الفقه للخضري 50/وأصول الفقه ألبي زهرة 57/
( )2يُـ َر َ
( )3مختار الصحاح 475/
40
وربط به وجوداً واصطالحاً :الوصف الظاهر المنضبط الذي بُني عليه الحكم ُ
وعدماً .
ذهب بعض األصوليين إلى أنه ال فرق بين العلة والسبب ؛ فكل منهما عالمة
وربط به وجوداً وعدماً ،وكل منهما للشارع حكمة على الحكم ،وبُني عليه الحكم ُ
في ربط الحكم به وبنائه عليه .
وفرق أكثر األصوليين بين السبب والعلة مع أن كال منهما -عندهم -عالمة
على الحكم ومرتبط به وجوداً وعدماً ،وللشارع حكمة في ربط الحكم به وبنائه
عليه ،ولكن إذا كانت المناسبة في هذا الربط مما تدركه عقولنا ُس ِّمي الوصف
" عل ًة " ،وسمي -أيضاً " -سبباً " .
صر الصالة . مثاله :السفر يـُ َعد علةً وسبباً ل َق ْ
وإن كان الوصف مما ال تدركه عقولنا ُس ِّمي " سبباً " فقط ،وال يسمى " علةً " .
مثاله :غروب الشمس يُـ َعد سبباً إليجاب صالة المغرب ،وليس عل ًة .
()1
وعلى ذلك تكون كل علة سبباً ،وليس كل سبب علةً .
القسم الثاني :الشرط :
()2
الشرط لغةً :العالمة ،ومنه أشراط الساعة ؛ أي عالماتها .
واصطالحاً :ما يلزم عن عدمه العدم ،وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته .
مثاله :الحول في الزكاة يلزم من عدمه عدم وجوب الزكاة ،وال يلزم من وجوده
()3
وجوبها ؛ الحتمال عدم النصاب ،وال عدم وجوبها ؛ الحتمال وجود النصاب .
أقسام الشرط باعتبار الشرعية وعدمها :
الشرط باعتباره شرعياً أو غيره ينقسم إلى أربعة اقسام :
األول :شرط شرعي .
اجع :شرح الكوكب المنير ، 449/1
( )1علم أصول الفقه لخالف 73 - 71/بتصرف ،ويُـ َر َ
450وشرح المحلي مع البناني 95/1وشرح مختصر الروضة 428 ، 427/1وشرح
التوضيح مع التلويح 145/1
( )2الكليات 529/والمصباح المنير 309/1
اجع غاية الوصول 13/ ( )3شرح تنقيح الفصول 83/ويُـ َر َ
41
مثاله :الطهارة شرط في صحة الصالة .
الثاني :شرط عقلي .
مثاله :الحياة شرط لقيام العلم ووجوده .
الثالث :شرط عادي .
مثاله :الغذاء شرط لحياة الحيوان .
الرابع :شرط لغوي .
()1
مثاله :إن دخلت الدار فأنت طالق .
القسم الثالث :المانع :
()2
المانع لغةً :الحائل من المنع ،وهو ضد اإلعطاء .
واصطالحاً :ما يلزم من وجوده عدم وجود الحكم ،وال يلزم من عدمه وجود
()3
وال عدم لذاته .
أقسام المانع :
ينقسم المانع إلى قسمين :
األول :مانع للحكم ،وهو وصف وجودي ظاهر منضبط ،مستلزم لحكمة تقتضي
نقيض حكم السبب مع بقاء حكم المسبب ،وسمي " مانعاً للحكم " ألن سببه مع
بقاء حكمته ال يؤثر .
المجمع عليها في بدن المصلِّي أو ثوبه ؛ فإنه سبب َ مثاله :وجود النجاسة
ووجد مانع وهو النجاسة .
لعدم صحة الصالة ،وهنا ُعدم شرط وهو الطهارة ُ ،
والثاني :مانع للسبب ،وهو وصف يخل وجوده بحكمة السبب ،وسمي " مانعاً
ت مع وجود صورته فقط . للسبب " ألن حكمته فُق َد ْ
مثاله :الديْن على َمن ملك نصاباً كامالً ؛ فإن حكمة السبب -وهو الغني -مواساة
اجع :شرح الكوكب المنير 455/1وشرح مختصر الروضة 432 ، 431/1والمختصر ( )1يُـ َر َ
في أصول الفقه 66/وإرشاد الفحول 7/والكليات 531/والبحر المحيط 310 ، 309/1
اجع :المصباح المنير 581 ، 580/2ومختار الصحاح 661/ ( )2يُـ َر َ
اجع :شرح تنقيح الفصول 82/والبحر المحيط 310/1وشرح الكوكب المنير 456/1
( )3يُـ َر َ
وشرح مختصر الروضة 436/1
42
()1
الفقراء من فضل ماله ،ولم يَ َدع الدين في المال فضالً يواسي به .
القسم الرابع :الصحة :
()2
الصحة لغةً :ضد الس َقم .
واصطالحاً :موافقة الفعل ذي الوجهين وقوعاً الشرع .
والوجهان هما :موافقة الشرع الستجماعه ما يُعتبر فيه شرعاً ،ومخالفته النتفاء
()3
ما يُعتبر فيه شرعاً .
والصحيح :هو الفعل الذي استوفى أركانه وشروطه الشرعية ،وتترتب عليه
اآلثار المقصودة شرعاً .
القسم الخامس :الفساد :
الفساد لغةً :مأخوذ من " فسد اللحم " إذا أنتن ويمكن االنتفاع به .
()4
والباطل :من " بطل اللحم " إذا دود وسوس وصار بحيث ال يمكن االنتفاع به .
واصطالحاً :مخالفة الفعل ذي الوجهين وقوعاً الشرع ..هذا عند المتكلمين .
وعند الفقهاء :هو عدم سقوط القضاء .
والفاسد :هو الفعل الذي لم يستوف أركانه وال شروطه ،فال تترتب عليه آثار
شرعية .
* الفرق بين الفاسد والباطل :
الفاسد والباطل عند الجمهور مترادفان في العبادات والمعامالت ؛ فنقول في
العبادات " صالة فاسدة وباطلة " إذا لم تستوف أركانها أو شروطها ،ونقول في
البيوع " بيع فاسد وباطل " إذا لم يستوف شروطه وأركانه .
والحنفية قالوا قول الجمهور في العبادات ،وفَـرقُوا بين الفاسد والباطل في
المعامالت ..
اجع :اإلحكام لآلمدي 121 ، 120/1ومنتهى السول 32/1وبيان المختصر ، 406/1
( )1يُـ َر َ
407والبحر المحيط 311 ، 310/1وشرح الكوكب المنير 458 ، 457/1وشرح
مختصر الروضة 436/1وإرشاد الفحول 7/وأصول الفقه للخضري 65/
( )2مختار الصحاح 380/
( )3شرح المحلي مع البناني 99/1
( )4الكليات 692/
43
فالفاسد عندهم :هو ما ُشرع بأصله دون وصفه :كبيع صاع من قمح بصاعين
منه ؛ فالبيع مشروع لكن الزيادة ربا ،فإ ْن طرح الزيادة صح البيع .
()1
والباطل :ما لم يُشرع بأصله وال بوصفه :كبيع المالقيح ( وهو ما في بطن الناقة ) .
القسم السادس :الرخصة والعزيمة :
أوالً -الرخصة :
()2
الرخصة لغةً :التيسير والتسهيل .
واصطالحاً :ما ُشرع من األحكام لعذر خالف حكم سابق مع قيام السبب
المحرم .
ِّ
شرح التعريف :
( ما ُشرع من األحكام ) :كالجنس في التعريف ،يشمل الرخصة والعزيمة ..
ابتداء بغير
ً ( لعذر ) :قيد أول ،خرج به العزيمة ،وهي ما شرع من األحكام
عذر ،نحو :إقامة الصالة كاملةً بغير قصر ..
( خالف حكم سابق ) :قيد ثان ،خرج به ما ثبت على وفق الحكم السابق ،
فإنه ال يكون رخصةً بل عزيمة ،نحو :الصوم في الحضر ،فإنه موافق لألمر
ۡ
ٱلش ۡه َر فَليَ ُص ۡمه} .
ُ ُ َّ َ َ
بالصيام في قوله تعالى {ف َمن ش ِّه َد مِّنكم
()3
( مع قيام السبب المحرم ) :قيد ثالث ،خرج به ما رفع فيه سبب التحريم ،
وحينئذ ال مخالفة بين حكمين متقدم ومتأخر ،فتنتفي الرخصة ويكون عندنا حكم
واحد هو المتأخر بال معارضة لمتقدم ،وهو معنى العزيمة .
أقسام الرخصة :
تنقسم الرخصة أقساما أربعة :
األول :رخصة واجبة ،نَ ْحو :أكل الميتة للمضطر .
اجع :شرح العضد 8 ، 7/2والمحصول 26/1ومنتهى السول 32/1وروضة الناظر 56/
( )1يُـ َر َ
والمختصر في أصول الفقه 67/وتغيير التنقيح 137/ومسلم الثبوت 122/1وتيسير
التحرير 137 ، 136/2وشرح طلعة الشمس 216 ، 215/2وشرح التلويح 123/2
اجع :المصباح المنير 224 ، 223/1ومختار الصحاح 258/والكليات 472/ ( )2يُـ َر َ
( )3سورة البقرة من اآلية 185
44
الثاني :رخصة مندوبة ،نَ ْحو :قصر الصالة في السفر بشروطه .
الثالث :رخصة مباحة ،نَ ْحو :تعجيل الزكاة ،والسلم ،واإلجارة ،وكلمة الكفر
إن أُ ْكره عليها .
()1
الرابع :رخصة خالف األَ ْولى ،نَ ْحو :اإلفطار في السفر عند عدم التضرر بالصوم .
والرخص ال تناط بالمعاصي ؛ فالرخصة ال تكون محرم ًة وال مكروه ًة ،وهو
ب أَ ْن تُـ ْؤتَى َع َزائ ُمه} . ظاهر قوله {إن اللهَ يُح ُّ
()3
ب أَ ْن تُـ ْؤتَى ُر َخ ُ
صهُ َك َما يُح ُّ
ثانياً -العزيمة :
()4
العزيمة لغةً :القصد المؤكد .
()5
آخر . يعارض بدليل شرعي َواصطالحاً :الحكم الشرعي الثابت بدليل لم َ
أقسام العزيمة :
تنقسم العزيمة إلى أربعة أقسام :
األول :فريضة إن كان الدليل مقطوعاً به :كترك أكل الميتة ،وشرب الخمر .
الثاني :واجب إن دخل في الدليل شبهة :كترك أكل الضب ،واللعب بالشطرنج .
الثالث والرابع :سنة ونفل إن كان الدليل دون الواجب :كترك ما قيل فيه :ال بأس
()6
به .
والعزيمة عند البيضاوي تشمل األحكام الخمسة :
اإليجاب ،نحو :وجوب الصالة والزكاة .
والندب ،نحو :صالة الضحى .
اجع :شرح الكوكب المنير 480 ، 479/1والبحر المحيط 329 ، 328/1 ( )1يُـ َر َ
والمختصر في علم أصول الفقه 68/والتمهيد لإلسنوي 72 ، 71/
اجع :مسند أحمد 108/2( )2هذا الحديث أخرجه أحمد والبيهقي ..يُـ َر َ
اجع :البحر المحيط 329/1وشرح الكوكب المنير 481 ، 480/1 ( )3يُـ َر َ
اجع :المصباح المنير 408/2ومختار الصحاح 455/والكليات 650/ ( )4يُـ َر َ
اجع :البحر المحيط 325/1وشرح مختصر( )5المختصر في أصول الفقه ، 67/ويُـ َر َ
الروضة 457/1وشرح الكوكب المنير 476/1وفواتح الرحموت 119/1
اجع :كشف األسرار للبخاري 54/2وتيسير التحرير 230 ، 229/2 ( )6يُـ َر َ
45
والتحريم ،نحو :تحريم الزنا وشرب الخمر .
والكراهة ،نحو :الصالة في مرابض اإلبل .
()1
واإلباحة ،نحو :األكل والشرب .
المبحث الثالث
المحكوم به والمحكوم عليه
المطلب األول
المحكوم به
المحكوم به :هو الفعل المكلف به ،أي الذي تعلق به حكم الشارع .
()1
ومنهم من عبر بـ" المحكوم فيه " ..
()2
:األصل الثالث في المحكوم فيه :وهي األفعال المكلف بها . قال اآلمدي
* شروط المحكوم به :
اشترط األصوليون شروطاً للفعل المكلف به ،وهي :
معلوم الحقيقة للمكلف ؛ حتى يأتي به على الوجه المطلوب . َ -1أن يكون
-2أن يكون معدوماً من حيث هو يمكن حدوثه ؛ ألن إيجاد الموجود تحصيل
للحاصل .
-3أن يكون حاصالً بكسب العبد .
-4أن يكون تكليفاً بالفعل ،والمكلف به في النهي الكف ،وهو فعل .
وقال بعضهم :الترك نفي ال يدخل تحت التكليف ،وهو ضعيف ..كذا ذكر
. الزركشي
-5أن يكون مقدوراً للمكلف ،فال يصح التكليف بما ليس مقدوراً له ،وهو
ما يسمى عند األصوليين بـ" التكليف بالمحال " أو " التكليف بما ال يطاق " .
* الفرق بين التكليف بالمحال والتكليف المحال :
التكليف بالمحال :ما كان التكليف فيه راجعاً إلى الفعل المأمور به ..
اجع :بيان المختصر 413/1والمختصر في أصول الفقه 68/واإلبهاج 170/1 ( )1يُـ َر َ
وحقائق األصول 330/1
اجع مسلم الثبوت 123/1
( )2اإلحكام لآلمدي ، 124/1ويُـ َر َ
47
نَ ْحو :حمل جبل ،أو صوم الدهر .
والتكليف المحال :ما كان التكليف فيه راجعاً إلى المكلف نفسه ..
نَ ْحو :تكليف الغافل والمجنون ،وهذا ال يجوز التكليف به .
أثر شروط المحكوم به في األحكام :
مما يتفرع على القدرة على أداء الفعل :ما إذا دخل وقت الصالة وحاضت
()1
المرأة أو نفست ونحو ذلك قبل مضي زمن يسعها فإن القضاء ال يجب عليها .
ومما يتفرع على علم المكلف بما ُكلِّف به :لو قام اإلمام إلى ركعة زائدة َ
وسبح
صواب نفسه ،فإن لم يرجع بطلت صالته ، َ به اثنان لزمه الرجوع ما لم يتيقن
()2
وتبطل صالة متابعه عالماً ال جاهالً على األصح فيهما .
المطلب الثاني
المحكوم عليه
المطلب الثالث
األهلية وعوارضها
أوالً -تعريف األهلية وعوارضها :
تعريف األهلية :
األهلية لغةً :مصدر صناعي لكلمة " أهل " ،ومعناها الصالحية .
بأنها :عبارة عن صالحيته -أي واصطالحاً :عرفها عالء الدين البخاري
()1
اإلنسان -لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه .
أقسام األهلية :
تنقسم األهلية إلى قسمين :أهلية وجوب ،وأهلية أداء .
ونوجز القول فيهما فيما يلي ..
أهلية الوجوب :معناها :صالحية اإلنسان لوجوب الحقوق المشروعة له ،وهذه
تثبت له بمقتضى إنسانيته ،وهي قسمان :
أ -ناقصة ،وهذه تثبت للجنين في بطن أمه .
ب -كاملة ،وهذه تكون بانفصال الجنين حياً ،وبهذه الحياة وبمجرد وجوده
كإنسان يكون أهالً أل ْن تجب له حقوق :كميراث ووصية ،ويجب عليه بعض
الحقوق ،نحو :النفقة .
أهلية األداء :معناها :صالحية اإلنسان لصدور الفعل منه على وجه يـُ ْعتَد به شرعاً ،
ومناطها هو العقل وكماله :فإن كمل كملت ،وإن نقص نقصت ،وهى قسمان :
أ -ناقصة ،وهذه تثبت للصبي المميز والمعتوه العاقل .
ب-كاملة ،وهذه تثبت لكل بالغ عاقل .
واإلنسان مع هذه األهلية له أدوار ثالثة :
الدور األول :من الوالدة إلى سن التمييز ،وهذا الصبي ال تصح منه التصرفات
الشرعية ،وتثبت له أهلية الوجوب كاملة ،فيرث وتجب النفقة كاملةً ،فهو عديم
أهلية األداء ،ونظيره المجنون .
( )1كشف األسرار للبخاري 393/4
51
سن التمييز ( سبع سنين ) إلى البلوغ ،وهذا الصبي -أيضاً - الدور الثاني :من ِّ
له أهلية وجوب كاملة ،أما أهلية األداء فهي في حقه ناقصة .
الدور الثالث :البلوغ ،وهذا اإلنسان له أهلية كاملة في الوجوب ،وله أهلية كاملة
كذلك في األداء ،إال أن يعترضها عارض من عوارض األهلية فيُنقصها .
أما الجنين في بطن أمه :فإن له أهلية وجوب ناقصة ،فيثبت له بعض الحقوق :
كالوصية والميراث ،وال يجب عليه شيء .
ومما تقدم يتضح أن ُكالا من أهلية الوجوب واألداء قسمان :ناقصة وكاملة ..
فأهلية الوجوب الكاملة تثبت لكل إنسان ،فهو صالح ألن تثبت له حقوق
وتجب عليه واجبات .
وأهلية الوجوب الناقصة تثبت للجنين في بطن أمه ،فتثبت له حقوق ،وال
تجب عليه واجبات .
وأهلية األداء الكاملة تثبت لكل بالغ عاقل .
()1
وأهلية األداء الناقصة تثبت للصبي المميز والمعتوه العاقل .
ثانياً -عوارض األهلية :
المراد بعوارض األهلية :هي األمور المعترضة على األهلية ،فتمنع تعلق األحكام
بها ( األهلية بنوعيها ) أو بأحدهما ،أو توجب تغييراً في بعض أحكامهما .
وهذه العوارض قسمان :عوارض سماوية ،وعوارض مكتسبة ..
العوارض السماوية :وهي ما لم يكن للعبد فيها اختيار واكتساب .
وهي أحد عشر عارضاً :
األول :الجنون ،وهو اختالط العقل بحيث يمنع جريان األفعال واألقوال على نهج
العقل إال نادراً ،وهو ُم ْسقط للعبادات كلها ،دون حقوق العباد :كالديات واألمانات .
والجنون يُ ْسقط أهلية األداء ،فال تصح تصرفات المجنون ،وله أهلية الوجوب
كاملة .
اجع :شرح التوضيح مع التلويح 166 - 161/2والوجيز 105/وشرح المنار البن
( )1يُـ َر َ
ملك 335 - 333/وشرح إفاضة األنوار 251 ، 250/وعلم أصول الفقه لخالف - 143/
145وأصول السرخسي 353 - 332/2وفواتح الرحموت 177 - 156/2
52
الثاني :الصغر ،وهو في أول أحواله كالجنون ،فإذا عقل بعد ذلك كان له أهلية
أداء قاصرة .
وتصرفات الصبي المميِّز أقسام ثالثة :
تصرفات نافعة نفعاً محضاً ،نحو :قبول الهبة والصدقة ،وهذه جائزة .
وتصرفات ضارة ضرراً محضاً :نحو :الهبة والعتق ،وهذه غير جائزة .
وتصرفات مترددة بينهما ( النفع والضرر ) ،نحو :النكاح والبيع ،وهذه
تتوقف على إذن الولي .
ويسقط عنه التكليف والعهدة ،وال تسقط عنه حقوق العباد .
كالم العقالء ،
الثالث :العته ،وهو آفة توجب خلالً في العقل ،فيشبه بعض كالمه َ
آخر يشبه كالم المجانين ،وكذا سائر أموره . وبعض َ
والعته يُـ ْنقص أهلية األداء ،ويكون حكم تصرفات المعتوه حكم تصرفات
الصبي المميِّز .
الرابع :النسيان ،وهو عدم االستحضار في وقت حاجته ،ومنه السهو ،وفي
" التحرير " ال فر َق بينهما لغةً ..
وقيل :السهو :زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة ،والنسيان :
زوالهما معاً ،فيحتاج حينئذ في حصولها إلى سبب جديد .
فمن نسي صالةً ال والنسيان ال ينافي وجوب األداء في حقوق الله تعالى َ ،
يسقط عنه وجوبها ،ويجب عليه قضاؤها عند ذكرها .
لكن إن كان النسيان غالباً في حقوق الله تعالى لكثرته في الصيام أكالً ْ
والتسمية في الذبيحة وسالم القعدة األولى فإنه يُـ َعد من أسباب العفو في حقه
تعالى ،فصومه وصالته صحيحة ،وذبيحته جائزة ،فتؤكل .
أما حقوق العباد :فال يُـ َعد النسيان سبباً للعفو منها ،وإنما يجب ضمان ما أتلفه
الناسي ؛ ألنها حقوقهم محترمة لحقهم ،وليس فيها ابتالء كما في حقوق الله تعالى .
الخامس :النوم ،وهو عجز عن اإلدراكات ؛ أي اإلحساسات الظاهرة ؛ إذ
الحواس الباطنة ال تسكن في النوم ،وعن الحركات اإلرادية ؛ أي الصادرة عن
قصد واختيار .
53
والنوم ال يُ ْسقط الوجوب ،وإنما يوجب تأخير الخطاب لوقت األداء بال حرج .
كصلِّ َها إذَا ذَ َك َرَها ؛ فَإن ذَل َ
صالَة أ َْو نَسيَـ َها فَـلْيُ َ دليله :حديث { َم ْن نَ َ
ام َع ْن َ
َوقْـتَـ َها} .
وعبارة النائم باطلة ؛ لعدم االختيار ،فال يقع طالقه أو ردته أو عتقه أو تكلُّمه
في صالته .
السادس :اإلغماء ،وهو تعطيل القوى المدركة والمحركة حركةً إراديةً بسبب مرض
القوى . ُّ
يَعرض للدماغ أو القلب ،واإلغماء فوق النوم في سلب االختيار وتعطل َ
وحكمه حكم النوم من تأخير الخطاب وإبطال العبادات ،ويزيد اإلغماء في أنه
يـُ َعد حدثاً ،فتبطل الصالة به ،ويمنع بناء ما بقي من الصالة بعد اإلقامة على ما
قبله إذا وقع خاللها ،بخالف النوم في الصالة مضطجعاً فله البناء ،وفي الصوم
() 1
والزكاة ال يـُ ْعتَبَر ؛ ألنه يندر وجوده شهراً أو سنةً .
السابع :الرق ،وهو عجز حكمي عن الوالية والشهادة والقضاء ومالكية المال
وغيرها ،والرقيق ال يكون أهالً للوالية والشهادة والقضاء ،وال يكون أهالً للتملك
()2
والتصرفات المالية من بيع وشراء وهبة وغيرها .
الثامن :المرض ،وهو ال ينافي األهلية ،لكنه -ل َما فيه من العجز ُ -شر َعت
العبادات فيه للقدرة الممكنة ،ولَما كان سبب الموت -وهو علة الخالفة -كان
الحجر إذا اتصل بالموت . سبب تعلق الوارث والغريم ،فيوجب ْ
التاسع والعاشر :الحيض والنفاس ،وهما ال يعدمان األهلية ،إال أن وجود أحدهما
تحقق شرط الطهارة في الصالة والصيام ،فيفوت األداء بهما ،ويسقط أصل مانع ل ُّ
الصالة للحرج ،ال الصوم ،فيقضى هو ال هي .
الحادي عشر :الموت ،وهو عجز ليس فيه جهة القدرة بوجه ،وهو ينافي أحكام
الدنيا مما فيه تكليف ؛ ألنه يعتمد القدرة ،والموت ينافيها ،مع تفصيل في حكم
()1
التصرفات والحقوق التي تعلقت بالمكلف قبل وفاته .
العوارض المكتسبة :وهي العوارض التي يكون للعبد فيها دخل واختيار .
اجع :تيسير التحرير 266/2وشرح التوضيح 177/2وشرح الكوكب المنير 511/1
( )1يُـ َر َ
اجع :شرح التوضيح 170/2وشرح طلعة الشمس 251/2 ( )2يُـ َر َ
54
وهي قسمان :
القسم األول :العوارض التي تكون من اكتساب المكلف واختياره .
وهي العوارض التالية :
األول :الجهل ،وهو اعتقاد الشيء على خالف ما هو به .
وأنواعه أربعة :
النوع األول :جهل باطل بال شبهة ،ال يصلح عذراً في اآلخرة ،نَ ْحو :الكفر من
الكافر .
النوع الثاني :جهل دون جهل الكافر ،وال يصلح عذراً في اآلخرة ؛ لألدلة القطعية ،
نَ ْحو :جهل صاحب الهوى في صفات الله تعالى وأحكام اآلخرة .
النوع الثالث :جهل يَصلح شبهةً ،نَ ْحو :االجتهاد الصحيح ،بشرط أ ْن ال
السنة .
يخالف الكتاب أو ُّ
النوع الرابع :جهل يَصلح عذراً ،نَ ْحو :جهل َمن أسلم في دار الحرب ؛ فإنه
()2
يكون عذراً له في الشرائع .
الس ْكر ،وهو سرور يَغلب على العقل بمباشرة أسبابه فيمنعه عن العمل الثاني ُّ :
بموجب عقله من غير أن يزيله .
والس ْكر له طريقان :
ُّ
الطريق األول :طريق مباح ..
نَ ْحو :شرب الدواء ،وشرب الْ ُم ْك َره والمضطر .
وحكمه حكم اإلغماء ،فيمنع صحة الطالق والعتاق وسائر التصرفات .
الطريق الثاني :طريق محظور ..
وهو :شرب الْ ُم ْسكر متعمداً باختياره غير مضطر .
الس ْكر في هذه الحالة :أنه ال ينافي الخطاب ،وال يـُْبطل األهلية ، وحكم ُّ
وتلزمه أحكام الشرع ،وتصح تصرفاته كلها قوالً وفعالً -عند الحنفية -إال الردة
اجع :الوجيز 112/وشرح التوضيح 177/2وشرح إفاضة األنوار 257 ، 256/ ( )1يُـ َر َ
وشرح ابن العيني وشرح المنار البن ملك 351/
اجع شرح التوضيح مع التلويح 185 - 182/2 ( )2يُـ َر َ
55
()1
استحساناً ،واإلقرار بالحدود الخالصة لله تعالى .
وذهب بعض األصوليين إلى أن السكران ليس بمكلف ،منهم إمام الحرمين
والغزالي والشيرازي وابن برهان رحمهم الله تعالى .
-أنه مكلف -ورواية عن اإلمام أحمد ومذهب اإلمام الشافعي
وتصح تصرفاته .
والذي يُ ْح َمل على المعتدي والذي أميل إليه :هو قول اإلمام الشافعي
أن السكران المعتدي بسكره مكلف بسكره ،وهو ما ذهب إليه الزركشي
()2
مأثوم .
الثالث :الهزل ،وهو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له وال ما صلح له اللفظ استعارةً .
حكمه :أنه ال ينافي األهلية ؛ أي أهلية صحة العبادة ووجوب األحكام والرضا
بالمباشرة ؛ ألن الهازل يتكلم بما هزل به عن اختيار ورضاء ،فتصح تصرفاته ،
اح َوالطالَ ُق َوالْيَمين} ومنها النكاح ؛ بدليل حديث {ثَالَ ٌ
ث َه ْزلُ ُهن ج ٌّد :النِّ َك ُ
اح َوالطالَ ُق َوالر ْج َعة} . وفي رواية {ثَالَ ٌ
()3
ث ج ُّد ُهن ج ٌّد َو َه ْزلُ ُهن ج ٌّد :النِّ َك ُ
الرابع :الس َفه ،وهو خفة تعتري اإلنسان ،فتحمله على العمل بخالف موجب
العقل والشرع ،مع قيام العقل حقيقةً .
حكمه :أنه ال ينافي األهلية ،وال يضع شيئاً من أحكام الشرع ،وال يوجب
وضع الخطاب بحال ،وأجمعوا أنه يمنع من ماله في أول ما بلغ بالنص ؛ قال
ٱلس َف َها ا َء أ َ ۡم َوٰلَ ُ
تعالى { َو ََّل تُ ۡؤتُوا ْ ي
كم} .
()4
()5
واختلفوا في حكم الْ َح ْجر على السفيه .
( )1أصول البزدوي مع كشف األسرار 579 - 571/4
اجع :اإلبهاج 155/1وشرح الكوكب المنير 505/1والمسودة 35/ ( )2يُـ َر َ
( )3هذا الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه ..
اجع :سنن الترمذي 490/3برقم ( ) 1184وسنن أبي داود 266 ، 265/2برقم يُـ َر َ
( ) 2194وسنن ابن ماجه 658/1برقم ( . ) 2039
( )4سورة النساء من اآلية 5
اجع :أصول البزدوي مع كشف األسرار للبخاري 602 - 582/4وشرح المنار البن ( )5يُـ َر َ
ملك 360/
56
الخامس :السفر ،وهو ال ينافي األهلية بوجه ،وال شيئاً من األحكام ،لكن الشارع
صر الصالة الرباعية ،والجمع تقديماً جعله سبباً من أسباب التخفيف ،فرخص فيه قَ ْ
وتأخيراً ،والفطر في حق الصائم ،مع تفصيل في شروط هذا السفر عند الفقهاء .
السادس :الخطأ ،وهو أن يفعل فعالً من غير أن يقصد قصداً تاماً :كما إذا رمى
صيداً فأصاب إنساناً .
حكمه :أنه يَصلح عذراً في سقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد ،
والمؤاخذة به جائزة عقالً عند أهل السنة ،خالفاً للمعتزلة ،ولذا سئل عدم
َّ َ ا َ َ ۡ َ َُ َۡا
ِّينا أ ۡو أ ۡخ َطأنَا} ؛ إذ الممتنع المؤاخذة به ؛ قال تعالى { َر َّبنَا َّل تؤاخِّذنا إِّن نس
()1
المبحث الرابع
داللة األلفاظ على الحكم
المطلب األول
داللة الخطاب على الحكم عند غير الحنفية
ِّف ََع َم ۡني} إشارةً إلى أن أقل مدة الحمل ستة أشهر .
()3
البعض هذا القسم " قياساً جلياً ًِ " أو من باب أَ ْولى .
الثاني :أن يكون المسكوت عنه مساوياً للحكم في المنطوق ،ويسمى " لحن
الخطاب " أي معناه .
ۡ ۡ َ
َ َ ُ ُ َ ۡ َ ٰ َ َ َ ٰ َ ٰ ُ ۡ ً َّ َ َ ُ ُ َ ۡ َّ َّ
كلون ِّف ُب ُطون ِّ ِّه ۡم مثاله :قوله تعالى {إِّن ٱَّلِّين يأكلون أمول ٱَلتَم ظلما إِّنما يأ
َ
نَاراۖ َو َس َي ۡصل ۡو َن َسعِّريا} ؛ فإن إحراق مال اليتيم مساو ألخذه وأكله وإتالفه .
()3
المطلب الثاني
داللة الخطاب على الحكم عند الحنفية
عرف كل قسم مع التمثيل له فيما يأتي : إذا تقرر ذلك فلنُ ِّ
األول :الظاهر ،وهو اسم لكل كالم ظهر المراد به للسامع بصيغته .
َ َ َ َّ َّ ُ ۡ
ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} ؛ فهو ظاهر في إحالل كل مثاله :قوله تعالى {وأحل
()2
عدلين حينئذ ،والثاني محكم يقتضي عدم قبولها ؛ لوجود التأبيد فيه
ألنهما صارا ْ
صريحاً ،فإذا تعارضا قُ ِّدم المحكم على المفسر ،فال تُـ ْقبَل لمحدود في قذف
()2
شهادة حتى ولو تقدمت توبته .
التقسيم الثاني :تقسيم اللفظ من حيث خفاء معناه :
ينقسم اللفظ من حيث خفاء معناه إلى أربعة أقسام .
أساس تقسيمها :أن اللفظ غير الواضح إ ْن كان يُزال خفاؤه بالبحث واالجتهاد
فهو الخفي أو الم ْشكل ،وإ ْن كان ال يزال خفاؤه إال باالستفسار من الشارع نفسه
سبيل إلى إزالة خفائه أصالً فهو المتشابه .
فهو المجمل ،وإ ْن كان ال َ
ونعرف فيما يلي كل قسم مع التمثيل : ِّ
األول :الخفي ،وهو اسم لما اشتبه معناه وخفي المراد منه بعارض في الصيغة
يمنع نيل المراد بها إال بالطلب .
مثاله :انطباق لفظ السارق على الطرار ( من يأخذ المال من اليقظان في غفلة
منه ) والنباش .
حكمه :النظر فيه ليعلم أن اختفاءه لمزية أو نقصان ،فيظهر المراد :كآية
السرقة في حق الطرار والنباش .
الثاني :ال ُْم ْشكل ،وهو اسم لما يشتبه المراد منه بدخوله في أشكاله على وجه
ال يـُ ْع َرف المراد إال بدليل يتميز به من بين سائر األشكال .
وقد ينشأ األشكال في النص من لفظ مشترك فيه ..
( )1سورة النور من اآلية 4
اجع تقسيم اللفظ من حيث
( )2شرح نور األنوار 212/1بتصرف مع كشف األسرار ،و يُـ َر َ
ظهور معناه في :كشف األسرار مع أصول البزدوي 137 - 123/1وشرح التوضيح مع
التلويح 125 ، 124/1وكشف األسرار للنسفي 213 - 205/1وأصول السرخسي - 163/1
166والوجيز 49 - 48/والمنار مع شرح إفاضة األنوار مع حاشية نسمات األسحار - 88/
91وعلم أصول الفقه لخالف 176 - 168/
71
َ َ ۡ َّ
{ َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء}
()1
؛ فإن القرء نَ ْحو :قوله تعالى
يحتمل الطهر والحيض .
حكمه :اعتقاد الحقية فيما هو المراد به ،ثم اإلقبال على الطلب ،والتأمل
()2
فيه إلى أن يتبين المراد .
يدرك
المجمل ،وهو ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه المراد اشتباهاً ال َ َ الثالث :
بنفس العبارة ،بل الرجوع إلى االستفسار ثم الطلب ثم التأمل .
مثاله :ألفاظ الصالة والزكاة والصيام ونحوها .
حكمه :اعتقاد الحقية فيما هو المراد ،والتوقف فيه إلى أن يتبين المراد ببيان
المجمل .
الرابع :المتشابه ،وهو اسم لما انقطع رجاء معرفة المراد منه لمن اشتبه فيه عليه .
الس َور ( الحروف المقطعة ) وآيات الصفات . مثاله :أوائل ُّ
()3
حكمه :اعتقاد الحقية والتسليم بترك الطلب .
وأقسام داللة اللفظ باعتبار الخفاء تقابل أقسام اللفظ من حيث الظهور :
فالخفي يقابل الظاهر ،وال ُْم ْشكل يقابل النص ،والمجمل يقابل المفسر ،
والمتشابه يقابل المحكم .
المجمل ،ثم
َ والخفاء على مراتب :المرتبة األولى الخفي ،ثم المشكل ،ثم
()4
المتشابه .
التقسيم الثالث :تقسيم اللفظ من حيث استعماله في المعنى :
ينقسم اللفظ من حيث استعماله في المعنى إلى أربعة أقسام :
األول :الحقيقة ،وهي :كل لفظ أري َد به ما ُوضع له .
( )1سورة البقرة من اآلية 228
اجع أصول السرخسي 168 ، 167/1 ( )2يُـ َر َ
اجع المنار مع شرح إفاضة األنوار 96 ، 95/
( )3يُـ َر َ
اجع :شرح المنار البن ملك 106 - 102/وأصول السرخسي 169 - 167/1 ( )4يُـ َر َ
وكشف األسرار للبخاري 158 - 138/1وكشف األسرار للنسفي 224 - 214/1
والوجيز 52 - 50/وحاشية نسمات األسحار 96 - 92/
72
وأقسامها ثالثة :
-1حقيقة شرعية ،وهي :استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له في الشرع .
مثالها :الصالة ،وهي األقوال واألفعال المفتتَحة بالتكبير ،المختتَمة بالتسليم
()1
بشرائط مخصوصة .
-2حقيقة لغوية ،وهي :استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له لغةً :كالصالة ؛
فهي في اللغة الدعاء .
المستعمل في أعراف كل فن :
َ -3حقيقة عُرفية ،وهي :استعمال اللفظ في المعنى
كالرفع والنصب عند النُّحاة .
الثاني :المجاز ،وهو :استعمال اللفظ في غير ما ُوضع له ،وال بد في المجاز
مناسبة بين المعنى الموضوع له وبينه . من عالقة أو َ
ت أسداً في الفصل . مثاله :رأيْ ُ
واألصل في األلفاظ الحقيقة ،وال يُصار إلى المجاز إال بدليل .
الثالث :الصريح ،وهو :ما ظهر المراد به ظهوراً بيِّناً ،حقيقةً كان أو مجازاً .
مثاله :قوله ":أنت حر " ،و" أنت طالق " .
الرابع :الكناية ،وهي :اللفظ الذي يكون المراد به مستوراً إلى أن يثبت بالدليل ،
وال يثبت حكم الكناية إال بالنـِّية أو ما يقوم مقامها من داللة الحال .
()2
نَ ْحو :قوله لزوجته ":أنت حرام علي " ،أو " أنت بائن " .
التقسيم الرابع :تقسيم اللفظ باعتبار داللة النص على الحكم :
ينقسم اللفظ من حيث طريق داللة النص على الحكم إلى أربعة أقسام :
األول :عبارة النص ،وهي :ما سيق الكالم له وأري َد به قصداً .
َ َ َ َّ َّ ُ ۡ
ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} ؛ فالمقصود أصالةً من مثاله :قوله تعالى {وأحل
َْٰ َّ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ ُ
النص بيان أن البيع ليس مثل الربا ،رداً على قولهم {إِّنما ٱۡليع مِّثل ٱلرِّبوا} ،
والمقصود تبعاً إحالل البيع وتحريم الربا .
( )1مغني المحتاج 120/1
اجع :شرح التوضيح مع التلويح 73 - 69/1وكشف األسرار للنسفي ، 98 ، 97/1
( )2يُـ َر َ
142 ، 141والوجيز 17 - 6/
73
الثاني :إشارة النص ،وهي :العمل بما ثبت بنظم الكالم ،لكنه غير مقصود وال
سيق الكالم له .
ۡ َ ُ ۡ َ
مثاله :قوله تعالى { َو َلَع ٱل َم ۡولودِّ ُِلۥ رِّ ۡز ُق ُه َّن َوك ِّۡس َو ُت ُه َّن بِّٱل َم ۡع ُروف} ؛ فالمفهوم
من عبارة النص أن النفقة واجبة على اآلباء ،والمفهوم من إشارته أن األب ال يشاركه
أحد في وجوب النفقة لولده عليه .
الثالث :داللة النص ،وهو :المعنى الذي يـُ ْف َهم من روح اللفظ ومعقوله .
َّ ا ُ َ
مثاله :قوله تعالى {فََل َت ُقل ل ُه َما أف} ؛ فعبارة النص َحرَمت التأفيف ،
ومعقوله وروحه يدل على تحريم ما هو أكثر من التأفيف :كالضرب من باب أَ ْولى .
الرابع :اقتضاء النص ،وهو :داللة المنطوق على ما يتوقف صحته عليه عقالً
أو شرعاً ،أي المعنى الذي ال يستقيم الكالم إال بتقديره .
ك ۡم أ ُ َّم َه ٰتُ ُت َعلَ ۡي ُ
كم} أي زواجهن . مثاله :قوله تعالى { ُحر َم ۡ
()1
ِّ
وأقوى الدالالت في هذا التقسيم هي :عبارة النص ،ثم داللة اإلشارة ،ثم
()2
داللة النص ،ثم اقتضاء النص .
المطلب الثالث
األمر والنهي
وجه الداللة :أن مبا َدرة المالئكة إلى امتثال األمر بالسجود َأمارة أنهم عقلوا أن ْ
المطلَق يوجب االمتثال ،ف َدل ذلك على أن األمر للوجوب . األمر ُ
وطر َده من الْ َجنة ،ف َدل
امتثال األمر بالسجود ونجاه ربه َ كما أن إبليس لَما رفَض َ
()3
استحق إبليس العقوبة والتوبيخ بتَـ ْركه االمتثال . ذلك على أن األمر للوجوب ؛ وإال لَ َما َ
ويؤيده :أنه لو لم يكن األمر للوجوب الحتج إبليس بأنه تَـ َرك ما ليس واجباً
ففيم العقاب والطرد والتوبيخ ؟! عليه ؛ َ
()4
وحيث لم يثبت أنه قال شيئاً من ذلك ف َدل على أن األمر يفيد الوجوب .
َ َ َْ َ َ
الدليل الثاني :قوله تعالى {ِإَوذا ق َِّيل ل ُه ُم ۡٱرك ُعوا َّل يَ ۡرك ُعون} ..
()5
غير الممتثلين لألمر بالركوع الذي هو جزء من وجه الداللة :أن الله تعالى ذم ْْ
الصالة ،فهو من باب إطالق الجزء وإرادة الكل ،والذم ال يَكون إال على تَـ ْرك
()6
واجب ،ف َدل ذلك على أن األمر بالركوع واجب ،ولواله لَ َما استحقوا الذم .
اجع :البرهان 216/1واإلحكام لآلمدي 162/2ومختصر المنتهى 79/2وتيسير ( )1يُـ َر َ
التحرير 341/1وشرح تنقيح الفصول 127/والمعتمد 69/1والمستصفى 426/1ونهاية
السول 46/2
( )2سورة األعراف من اآلية 12
اجع :المعتمد 64/1والعدة 229/1والوصول إلى األصول 137/1 ( )3يُـ َر َ
والتحصيل 274/1واإلبهاج 27/2ومعراج المنهاج 319/1وتيسير التحرير 342/1
اجع :المحصول 205/1وحقائق األصول 222/2 ( )4يُـ َر َ
( )5سورة المرسالت :اآلية 48
اجع :المعتمد 64 ، 63/1وإحكام الفصول 195/والمستصفى 431/1والتمهيد ( )6يُـ َر َ
وشرح التوضيح 154/1ألبي الخطاب 149/1وروضة الناظر 171/والتحصيل ْ 274/1
وبيان المختصر 25 ، 24/2وحقائق األصول 223/2وتيسير التحرير 342/1وفواتح
الرحموت 374/1ومباحث في أصول الفقه 151/
77
صلِّي دعاه وهو يُ َ أن النبي الدليل الثالث :ما رواه أبو سعيد بن المعلى
ت اللهَ تَـ َعالَى يَـ ُقول يب َوقَ ْد َسم ْع َ ك أَ ْن تُج َ { َوَما َمنَـ َع َ فلم يجبه ،فقال له
َ َ
يكم} } ..
()2( )1 َ َ َ ُ ۡ َ ُۡ ُ ْ
ٱستَ ُ َّ َ َّ ُ امنُوا ْ ۡ يأ يي َها َّٱَّل َ
ِّين َء َ { َٰٓ
جيبوا َِّّللِّ ول ِّلرسو ِّل إِّذا دَعكم ل ِّما َيي ِّ ِّ
َو ْجه الداللة :أن النبي أَن َكر على أبي سعيد بن المعلى س تَـ ْر َك االستجابة مع
ذلك األمر الوارد في اآلية ،وال ينكر عليه إال لتركه ما يجب عليه -ال سيما وهو يصلي -
َ َ ُۡ ُ اْ َ ۡ ََٰ ُ
كم} ،فلو لم تكن االستجابة لله وللرسول مع قوله تعالى {وَّل تب ِّطلوا أعمل
()3
()4
لَ َما َأمره أ ْن يَتركها ويستجيب . ب من الصالة التي فيها أبو سعيد أ َْو َج َ
رابعاً -األمر بعد الحظر :
اختلف األصوليون في األمر الوارد بعد الحظر ..
ْ ()5 حلَلۡتُ ۡم فَ ۡنحو :قوله تعالى {ِإَوذَا َ
ٱص َط ُادوا} وقد كان االصطياد محظوراً على َْ
َ َ ري ُُمِّّل َّ َ
ح ُرم} وقوله تعالى {َّل نت ۡم ُ ٱلص ۡي ِّد َوأ ُ المحرم بمقتضى قوله تعالى {غ ۡ َ
()6
ِّ
ۡ ٱلص ۡي َد َوأَنتُ ۡم ُح ُرم}( )7وقوله تعالى { َو ُحر َم َعلَ ۡي ُ َت ۡقتُلُوا ْ َّ
ك ۡم َص ۡي ُد ٱل َبِّ َما ُد ۡمتُ ۡم ِّ
ُح ُرما} ،ثم أتى األمر به بعد التحلل ،فهل يكون واجباً أم غيره ؟
()8
خالف بين األصوليين :فذهب أكثر المتكلمين وبعض الحنفية إلى أنه للوجوب ،
وذهب أكثر الفقهاء والشافعي ومالك وأحمد وجمهور الحنابلة إلى أنه لإلباحة ،
وقال قوم :إنه للندب ،وتوقف بعضهم .
( )1سورة األنفال من اآلية 24
َخرجه البخاري ..
( )2هذا الحديث أ َ
اجع :فتح الباري 158/8كتاب التفسير باب سورة األنفال برقم ( . ) 4647 يُـ َر َ
( )3سورة محمد من اآلية 33
وشرح اللمع 172/1
اجع :المعتمد 67/1والعدة 234/1وإحكام الفصول ْ 196/ ( )4يُـ َر َ
والمحصول 217/1والتحصيل 278/1ومنهاج الوصول 45/واإلبهاج 37 ، 36/2
شرح اإلسنوي 24/2 ومباحث في أصول الفقه 162 ، 161/وتهذيب ْ
( )5سورة المائدة من اآلية 2
( )6سورة المائدة من اآلية 1
( )7سورة المائدة من اآلية 95
( )8سورة المائدة من اآلية 96
78
وذهب فريق إلى أن األمر يرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر :فإن كان قبله
واجباً كان بعد الحظر واجباً ،وإن كان مندوباً فهو كذلك ،أو مباحاً فكذلك .
وهذا الرأي هو الذي أميل إليه وأُرجحه .
وفي المثال الذي معنا كان صيد البر حالالً قبل اإلحرام ،ولذا فإنه بعد التحلل
يعود إلى ما كان عليه من اإلباحة والحل .
خامساً -األمر المعلق على شرط أو صفة :
األمر المعلق على شرط أو صفة إن ثبت أنهما علة في األمر فإن الحكم حينئذ
يتكرر بتكرره ،وأما إذا لم يثبت كون الشرط أو الصفة علةً في نفس األمر بل
توقف الحكم عليه من غير تأثير له -كاإلحصان ؛ فإن الرجم يتوقف عليه وليس
أنه ال يقتضي التكرار من علةً له -فهذا هو محل النزاع ،واختار الرازي
جهة اللفظ ويقتضيه قياساً .
ْ ()1 ُ
نَ ْحو :قوله تعالى {ِإَون كنتُ ۡم ُجنُبا فَ َّٱط َّه ُروا} ؛ فالجنابة شرط للطهارة ،
فتتكرر الطهارة بتكرر الجنابة .
ۡ ُ َ ْ َ َ َ َۡ َّ ُ ْ َ ُ
ٱج ِّ ُِلوا ُك َوٰحِّد مِّنهما مِّائة جِلة} ؛ فالزنا حو :قوله تعالى {ٱلزانِّية و ِّ
ٱلزان ف ۡ
َّ َ َ َّ
ونَ ْ
صفة يقوم عليها الحكم ،ويتكرر الجلد بتكرارها .
أما إذا لم يثبت كونه -أي الشرط أو الصفة -علةً للحكم -نحو :
االستطاعة للحج ؛ فإنها شرط فيه -فهل يتكرر الحج بتكررها ؟
خالف بين األصوليين :فذهب الفقهاء واألصوليون إلى أنه ال يقتضي التكرار
ومن تبعه إلى أنه ال يقتضيه لفظاً ال قياساً ، َ ال لفظاً وال قياساً ،واختار الرازي
()2
وفَـرق بعضهم بين الشرط والصفة ؛ فجعله مقتضياً للتكرار في األول دون الثاني .
سادساً -أثر األوامر في األحكام :
تفرع على القواعد األصولية في األمر فروع كثيرة ،نكتفي منها بهذا الفرع ،
( )1سورة المائدة من اآلية 6
اجع :المعتمد 106/1وأصول السرخسي 21/1واإلحكام لآلمدي 181/2 ( )2يُـ َر َ
ومختصر المنتهى 83/2والمحصول 243/1وكشف األسرار مع البزدوي 283 ، 282/1
واإلبهاج 55/2وتيسير التحرير 353/1وشرح التلويح 159/1والبحر المحيط 390/2
79
وهو :
()1
النظر إلى المخطوبة
هذا الفرع مبني على قاعدة األمر بعد الحظر .
{انْظُْر إلَْيـ َها ؛ فَإنهُ أ ْ
َح َرى أَ ْن يـُ ْؤ َد َم للمغيرة بن شعبة وأصله :قوله
{إذَا َخطَ َ بَـ ْيـنَ ُك َما} وحديث جابر
()2
اع أَ ْن يَـ ْنظَُر َح ُد ُك ُم ال َْم ْرأَةَ فَإن ْ
استَطَ َ ب أَ
إلَى َما يَ ْدعُوهُ إلَى ن َكاح َها فَـ ْليَـ ْف َعل} ؛ فاألمر الوارد في النصين هو {انْظُْر
()3
إلَْيـ َها} و{فَـ ْليَـ ْف َعل} أي فلينظر ،وهو أمر بالنظر إلى المخطوبة ،وهو أمر َوَر َد
بعد حظر ؛ ألن المخطوبة بالنسبة للخاطب تُـ َعد أجنبيةً ،والنظر إليها حرام
َ ْ ۡ
بمقتضى قوله تعالى {قُل ل ِّل ُم ۡؤ ِّمن َِّني َي ُغ يضوا م ِّۡن أبۡ َص ٰ ِّرهِّم} .
()4
ولذا اختلف الفقهاء في حكم النظر إلى المخطوبة على أقوال :
القول األول :أن النظر إليها مباح .
وهو قول الجمهور .
القول الثاني :أن النظر إليها مندوب .
وهو قول المالكية ،والصحيح عند الشافعية .
وهذا القول هو الراجح عندي ؛ لوجود القرينة المرغِّبة للنظر إلى المخطوبة في
َح َرى أَ ْن يـُ ْؤ َد َم بَـ ْيـنَ ُك َما} أي دوام العشرة واأللفة بين قوله {انْظُْر إلَْيـ َها ؛ فَإنهُ أ ْ
الزوجين .
القول الثالث :أن النظر إلى المخطوبة ال يجوز .
()5
عن قوم . نقله الطحاوي
اجع :التمهيد لإلسنوي 272/والقواعد والفوائد األصولية 141/ ( )1يُـ َر َ
( )2هذا الحديث أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما ..
اجع :سنن الترمذي 315/1برقم ( ) 868وسنن الدارقطني 252/3برقم ( . ) 31 يُـ َر َ
( )3هذا الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما ..
اجع :المستدرك 165/2والسنن الكبرى 84/7 يُـ َر َ
( )4سورة النور من اآلية 31
اجع فتح الباري 88/9 ( )5يُـ َر َ
80
حكى كراهة النظر إلى أن القاضي عياض وذكر الشوكاني
()1
المخطوبة ،ولكن الثابت عند المالكية أن كراهة النظر إلى المخطوبة ليست
عدم إجابة المخطوبة لخطبته ،ولم
مطلقةً ؛ وإنما هي مقيدة بما إذا علم الخاطب َ
()2
يخش الفتنة من النظر إليها .
أما موضع النظر :فالجمهور على جواز النظر إلى الوجه والكفين ؛ ألنه يستدل
بالوجه على الجمال ،وبالكفين على خصوبة البدن .
النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين ،وقال األوزاعي وأجاز أبو حنيفة
:ينظر إلى جميع بدنها ،وفي :ينظر إلى مواضع اللحم ،وقال داود
()3
أنه ينظر إلى الوجه . رواية عن اإلمام أحمد
القسم الثاني :النهي
أوالً -تعريف النهي :
()4
النهي لغةً :الزجر والتحريم والمنع .
()5
بأنه :استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه . واصطالحاً :عرفه الشيرازي
()6
بأنه :القول الدال بالوضع على ترك الفعل . وعرفه اإلسنوي
ثانياً -صيغ النهي :
النهي له صيغ ،أشهرها ما يلي :
َ ْ َ
-1صيغة ( ال تفعل ) ،نَ ْحو :قوله تعالى { َوَّل َت ۡق َربُوا ٱلزِّ ٰن} .
()7
َ َ َ َّ َّ ُ ۡ
ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} . حو :قوله تعالى {وأحل
()8
-2صيغة ( حرم ) ،نَ ْ
( )1نيل األوطار 111/6
اجع بلغة السالك 10/2 ( )2يُـ َر َ
اجع :بداية المجتهد 3/2والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 215/2وكفاية األخيار 254/2
( )3يُـ َر َ
والمغني البن قدامة 453/7ونيل األوطار 111/6واألمر عند األصوليين 669 - 667/2
اجع :المصباح المنير 629/2والمعجم الوجيز 637/وميزان األصول 40/ ( )4يُـ َر َ
( )5شرح اللمع 293/1
( )6التمهيد لإلسنوي 290 ، 264/
( )7سورة اإلسراء من اآلية 32
( )8سورة البقرة من اآلية 275
81
َّ َ َ ۡ َ ٰ ُ ُ َّ ُ َ َّ َ َ ُ ُ
{إِّنما ينهىكم ٱَّلل ع ِّن ٱَّل
ِّين قٰتَلوك ۡم ِّف -3صيغة ( نهي ) ،نَ ْحو :قوله تعالى
ٱدلِّين} .
()1
-4صيغة األمر باالجتناب ،ومنه ( :دع ،و َذ ْر ،وأَعرض ) ،نَ ْحو :قوله تعالى
ْ ()3
ٱلربَ َٰٓوا} . ٱجتَنبُوا ْ ٱلر ۡج َس م َِّن ۡٱۡلَ ۡو َثٰن}( ، )2وقوله تعالى { َوذَ ُروا ْ َما بَ
َ ۡ
ِّ
ِق م َ
ِّن َ ِّ ِّ {ف ِّ
َ َ َ ي َ ُ َّ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ
خلَ َق َّ ُ
ٱَّلل ِّ ا
ف حو :قوله تعالى {وَّل َيِّل لهن أن يكتمن ما َ -5صيغة نفي الحل ،نَ ْ
أ ۡر َحا ِّم ِّهن} .
()4
َّ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ
حو :قوله تعالى { َو َما َكن ل ُِّمؤم ٍِّن أن َيقتُل ُمؤمِّنًا إَِّّل -6صيغة الجملة المنفية ،نَ ْ
َخ َطٔا} .
()5
َّ َّ َ َ ُ
ٱَّلل َّل َي يِّب حو :قوله تعالى {إِّن -7الجملة الخبرية التي تفيد النهي ،نَ ْ
ۡ
ٱل ُم ۡع َتدِّين} أفاد النهي عن التعدي .
()7 ()6
المبحث الخامس
العام والخاص والمطلق والمقيد
والمجمل والمبين والنسخ وحروف المعاني
المطلب األول
العام والخاص
اع فيه بَـ ْين العلماء في أنه يدل على جميع األفراد التي يَصدق وهذا النوع ال نز َ
الح ْكم الوارد عليه يَكون ثابتاً لجميع ما يتناوله من األفراد . عليها معناه ،وأن ُ
وإنما النزاع ْبينهم في :صفة هذه الداللة هل هي قَطْعية -كداللة الخاص -
()2
على معناه أم ظَنـِّية ؟ .
خامساً -الفرق بين العام المخصوص والعام الذي يراد به الخصوص :
الفرق بينهما :أن العام الذي يراد به الخصوص عام صاحبته قرينة عند النطق به
تدل على أن المراد به الخصوص ال العموم .
ۡ َّ َ َ
اس ح يِّج ٱۡلَ ۡيت} ؛ فهذا عام مخصوص ؛حو :قوله جل وعال { َو َِّّللِّ لَع ٱنلَّ ِّ
نَ ْ
ألن العقل يقضي إخراج من ليسوا أهالً للتكليف ،وكذلك جميع خطابات التكليف .
أما العام المخصوص فهو عام لم تصاحبه قرينة عند النطق به تدل على أن
المراد به بعض أفراده ،وحينئذ يكون ظاهراً في داللته على العموم حتى يظهر دليل
على التخصيص .
القسم الثاني :الخاص
أوالً -تعريف الخاص :
()4 ()3
لمعنى معلوم على االنفراد .
ً ع ضوُ لفظ كل أو ، الخاص لغةً :اإلفراد
( )1سورة البقرة من اآلية 228
اجع :الرسالة لإلمام الشافعي 63 - 53/وعلْم أصول الفقه لخالف 191/وأصول ( )2يُـ َر َ
الفقه اإلسالمي للزحيلي 250/1وأصول الفقه اإلسالمي لشعبان 330/وأثر االختالف في
القواعد األصولية 204 ، 203/
اجع المصباح المنير 171/1( )3يُـ َر َ
( )4الكليات 414/
87
واصطالحاً :اللفظ الواحد الذي ال يصلح مدلوله الشتراك كثيرين فيه :كأسماء
()1
األعالم من زيد وعمرو ونحوه .
()2
والمراد بالخاص هنا هو التخصيص ،وهو قصر العام على بعض أفراده .
ثانياً -حكم التخصيص :
الجمهور على أن تخصيص العام جائز مطلقاً ،سواء كان العام أمراً أو نهياً أو
اآلخر في األمر .
ص َرهُ البعض في الخبر ،وقصره البعض َ
خبراً ،وقَ َ
ثالثاً -أقسام التخصيص :
المخصص للعام قسمان : ِّ
القسم األول :مخصص متصل ،وهو خمسة :
في حرمة مكة {الَ يُ ْختَـلَى َخالَه} أي ال األول :االستثناء ،نَ ْحو :قوله
":إال اإل ْذخ َر ؛ فَإنهُ ل َق ْيننَا [ الحداد والصائغ ] يـُ ْقطَع حشيشته ،فقال العباس
َوبـُيُوتنَا " فقال {إال اإل ْذخر} ،وهو نبات له رائحة طيبة .
()3
الثاني :الشرط ،نَ ْحو :قولك :أكرم بني تميم إن حضروا .
الثالث :الصفة ،نَ ْحو :قولك :أكرم بني تميم الطوال .
َ َّ ُ ۡ ُ ْ ۡ
ٱۡل ۡزيَ َة َعن يَد َو ُه ۡم َصٰغِّ ُرون} . حو :قوله تعالى {ح ٰ
()4
ِت يعطوا ِّ الرابع :الغاية ،نَ ْ
الخامس :بدل البعض من الكل ،نَ ْحو :أكرم الناس عالمهم .
القسم الثاني :مخصص المنفصل ،وهو ثالثة مخصصات :
َشء} ؛ فإن هذا
()5 ٱَّلل َخٰل ُِّق ُُك َ ۡاألول :الدليل العقلي ،نحو :قوله تعالى { َّ ُ
ِّ َْ
( )1اإلحكام لآلمدي 183/1
( )2مختصر المنتهى مع بيان المختصر 236 ، 235/2وجمع الجوامع مع البناني 2/2
ونشر البنود 126/1
( )3هذا الحديث أخرجه الشيخان ..
اجع :مختصر صحيح البخاري 32/برقم ( ) 92ومختصر صحيح مسلم ، 200/ يُـ َر َ
201برقم ( . ) 766
( )4سورة التوبة من اآلية 29
( )5سورة الزمر من اآلية 62
88
الحكم ليس عاماً على إطالقه ؛ وإنما هو مخصص بدليل العقل ؛ ألنا نعلم ضرورًة
أن الله تعالى ليس خالقاً لنفسه .
َ َۡ َّ َ
َ ۡ َ ۡ ََ ََ
ج َعلت ُه ت عل ۡيهِّ إَِّّل حو :قوله تعالى { َما تذ ُر مِّن َش ٍء أت الثاني :الدليل الحسي ،نَ ْ
ٱلرمِّيم} ،ونحن نرى أشياء لم تتأثر بهذه الرياح العاتية ،ومنها الجبال
()1 َك َّ
َ ُ ْ َ ٰ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ
َحل ُهن} . صص بقوله تعالى {وأولت ٱۡلَحا ِّل أجلهن أن يضعن
()3
في كل مطلقة ،ثم ُخ ِّ
يما َس َقت الس َماءُ أ َْو َكان َعثَرياً الْعُ ْشر} ؛ فإنه {ف َ
()4
مثال الثاني :قوله
ص َدقَة} . ُم َخصص بقوله {لَْي َ
()5
سة أ َْو ُسق َ يما ُدو َن َخ ْم َ سف َ
اس َحتى يَـ ُقولُوا :الَ إلَهَ إال ت أَ ْن أُقَات َل الن ۡ َ {أُم ْر ُ مثال الثالث :قوله
َ َّ ُ ۡ ُ ْ
ٱۡل ۡزيَ َة َعن يَد َو ُه ۡم َصٰغِّ ُرون} . خصص بقوله تعالى {ح ٰ الله} ؛ فإنه ُم َ
()6
ِت يعطوا ِّ
ث ال ُْم ْسل ُم الْ َكاف َر َوالَ مثال الرابع :تخصيص آية المواريث بحديث {الَ يَر ُ
الْ َكاف ُر ال ُْم ْسلم} .
()7
المطلب الثاني
المطلق والمقيد
فالحكم في األول صيام ثالثة أيام مطلقة أي بال تتابع ،والسبب هو الحنث
في اليمين .
والحكم في الثاني صيام شهرين ،وهو مقيد بالتتابع ،والسبب هو الظهار .
َ
والحكم في هذه الصورة :أن المطلق يجري على إطالقه {أيَّام} ،والمقيد
ََُ َۡ
اآلخر ،فال يصح َح ْمل مطلق على تقييده {متتابِّعني} ،وال يُ ْح َمل أحدهما على َ
الصيام في اليمين على مقيده في الظهار .
الثانية :أن يتحدا حكماً وسبباً .
ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َّ ُ َ َ ۡ ُ ۡ
نَ ْحو :قوله تعالى {ح ِّرمت عليكم ٱلميتة وٱدلم وۡلم ٱۡلِّزنِّير} ،وقوله تعالى
()4
ومن تبعه إلى َح ْمل المطلَق على المقيد ، َ وفي هذه الصورة ذهب الشافعي
ومن تبعه إلى أنه ال يُ ْح َمل المطلق على المقيد ،فال يُ ْشتَـ َرط َ وذهب أبو حنيفة
في رقبة الظهار عنده أن تكون مؤمنة .
الرابعة :أن يختلفا حكماً ويتحدا سبباً .
َ حوا ْ ب ُو ُ نحو :قوله تعالى في التيمم {فَ ۡ
ِّيكم م ِّۡنه} ؛ فاأليدي ُ ُ
جوهِّك ۡم َوأيۡد ِّ
ٱم َس ُ
َْ
ۡ َ َ
ُ ُ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ْ ُ ۡ َ
ك ۡم إَِّل ٱل َم َراف ِّق} هنا مطلَقة ،وقوله تعالى في الوضوء {فٱغسِّلوا وجوهكم وأيدِّي
()2
واأليدي هنا مقيدة ،فسبب التيممم والوضوء واحد :وهو التطهر إلقامة الصالة ،
لكن الحكم مختلف :ففي األولى وجوب المسح ،وفي الثانية وجوب الغسل ..
وفي هذه الصورة هل يُ ْح َمل المطلَق [ المسح في التيمم ] على المقيد [ الغسل
إلى المرافق في الوضوء ] ؟
()3
الجمهور على أن المطلق ال يُ ْح َمل على المقيد .
رابعاً -أثر المطلق والمقيد في األحكام :
مما يتفرع على المطلق والمقيد ما يلي :
؛ لقوله -1أن النكاح ال ينعقد بحضور الفاسقين عند اإلمام الشافعي
اح إال ب َول ٍّي َو َشاه َد ْي َع ْدل} ؛ فإنه قيد الشهادة بالعدالة ،وعند الحنفية
{الَ ن َك َ
اح إال ب َول ٍّي َو ُش ُهود} ،
ينعقد ؛ ألن الشهادة مطلَقة في حديث أو رواية {الَ ن َك َ
()4
ومن أجازها فلم يحمل فمن منع شهادة الفاسق فقد حمل المطلق على المقيد َ ، َ
المطلق على المقيد .
( )1سورة النساء من اآلية 92
( )2سورة المائدة من اآلية 6
اجع المطلق والمقيد في :جمع الجوامع مع شرح المحلي مع البناني 51 - 44/2والمختصر( )3يُـ َر َ
في أصول الفقه 126 ، 125/والوجيز 37 - 34/وعلم أصول الفقه لخالف - 198/
200
( )4هذا الحديث أخرجه البيهقي والدارقطني وغيرهما ..
اجع :السنن الكبرى 107/7وسنن الدارقطني 222 - 218/3والمستدرك 169/2 يُـ َر َ
93
-2أن إعتاق الرقبة الكافرة ال يجزئ في كفارة الظهار عند َمن َح َمل المطلق في
ير َر َقبَة} كفارةً للظهار على المقيد في قوله تعالى { َفتَ ۡحر ُ
ير قوله تعالى { َفتَ ۡحر ُ
ِّ ِّ
َر َقبَة يم ۡؤمِّنَة} في كفارة القتل ،وتجزئ الرقبة الكافرة في كفارة الظهار عند َمن لم
()1
يَحمل المطلق على المقيد .
خامساً -الفرق بين العام والْ ُمطْلَق :
فرد من أفراده ،وأما
ال َف ْرق ْبين العام والْ ُمطْلَق :أن العام يدل على شمول ُكل ْ
فرد شائع أو أفراد شائعة ال على جميع األفراد ،فالعام لمطْلَق فإنه يدل على ْ اْ ُ
يتناول ُكل ما يَصدق عليه من األفراد دفعةً واحدةً ،والْ ُمطْلَق ال يتناول ما يَصدق
عليه دفعةً واحد ًة ،وإنما فرداً شائعاً من األفراد ..
()2
ولذا قال األصوليون :عموم العام شمولي ،وعموم الْ ُمطْلَق بدلي .
المطلب الثالث
المجمل والمبين
َ
القسم األول :المجمل
أوالً -تعريف المجمل :
()3
المجمل لغةً :المبهم ،أو المجموع من غير تفصيل .
()4
واصطالحاً :ما لم تتضح داللته من قول أو فعل ،أو ما ترد َد بين محتملين
()5
فأكثر على السواء .
والمجمل واقع في الكتاب والسنة باالتفاق ،وخالف في ذلك داود الظاهري
()6
فنفاه .
( )1تخريج الفروع على األصول 262/
راجع إرشاد الفحول 200/( )2علم أصول الفقه لخالف 188/بتصرف ،ويُ َ
اجع :مختار الصحاح 127/والمصباح المنير 110/1 ( )3يُـ َر َ
( )4مختصر ابن الحاجب 158/2وشرح المحلي على جمع الجوامع مع البناني 58/2
( )5شرح الكوكب المنير 414/3
( )6جمع الجوامع مع البناني 63/2
94
ثانياً -أسباب اإلجمال :
لإلجمال أسباب ..
أحدها :االشتراك اللفظي ،أي وضع اللفظ لحقائق متعددة بأوضاع مختلفة مع
عدم وجود قرينة تعيِّن المراد منها .
َ َ ۡ َّ
مثل :قوله تعالى { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} .
ومثل " :المختار ؛ فإنه موضوع السم الفاعل مرةً والسم المفعول مرةً أخرى ؛
اسم
اسم فاعل ،وبتقدير الفتحة قبلها يكون َ إذ بتقدير الكسرة قبل الياء يكون َ
مفعول .
َ ْ َّ َ
ومثل :قوله تعالى {أ ۡو َي ۡع ُف َوا ٱَّلِّي ب ِّ َي ِّده ِّۦ ُع ۡق َدةُ ٱنل َِّكح} ؛ فإن الذي بيده
العقدة موضوع للزوج وللولي ،فهو مشترك بينهما .
ثانيها :إرادة فرد معين من أفراد الحقيقة الواحدة مع عدم القرينة على التعيين .
َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ ُ َ ۡ ْ
ك ۡم أن تَذ َِبُوا َب َق َرة} . مثل :قوله تعالى {إِّن ٱَّلل يأمر
ثالثها :تردُّد اللفظ بين َمجازاته المتكافئة مع قيام الدليل على عدم إرادة الحقيقة .
صالَ َة إال ب َفات َحة الْكتَاب} . أيت بحراً في الحمام " ،و{الَ َ مثل " :ر ُ
تعدد مرجع الضمير . رابعها ُّ :
مثل " :ضرب زيد عمراً وأكرمني " ؛ فإن الضمير المستكن في " أكرم "
ام للمتكلم ،يحتمل رجوعه إلى زيد فيكون قد وقع منه الضرب لعمرو واإلكر ُ
ام حاصالً من ويحتمل رجوعه إلى عمرو فيكون الضرب حاصالً من زيد واإلكر ُ
عمرو للمتكلم .
شبَ ًة في ج َداره} ؛ ومثل :قوله {الَ يَ ْمنَ ْع أ َ
()1
ض َع َخ َ َح ُد ُك ْم َج َارهُ م ْن أَ ْن يَ َ
فإن الضمير في {ج َداره} يحتمل أن يرجع إلى أحدكم فيكون األحد منهياً عن أن
الجار من وضع الخشبة على جدار ذلك األحد ،ويحتمل أن يرجع إلى الجار يمنع َ
الجار من وضع الخشبة على جدار ذلك الجار . فيكون األحد منهياً عن أن يمنع َ
تعدد مرجع الصفة . خامسها ُّ :
نَ ْحو " :زيد طبيب ماهر " ؛ فإن " ماهراً " يحتمل رجوعه إلى زيد فيكون زيد
اجع كنز العمال 60/9
..يُـ َر َ ( )1أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة
95
طبيباً وماهراً في غير الطب ،ويحتمل رجوعه إلى " طبيب " فيكون زيد طبيباً
وماهراً في الطب .
سادسها :استثناء المجهول .
َ َ َّ َ ۡ َ ۡ ُ َ نحو :قوله تعالى {أُحِّلَّ ۡ
كم} ؛ فإن ما َ ُۡ ٰ َ ۡ ُ
يمة ٱۡلنع ٰ ِّم إَِّّل ما يتّل علي ِّ
ُ
كم بَه َ ل ت َْ
يـُْتـلَى قبل نزوله مجهول ،وذلك يجعل ما أُحل من البهيمة غير معلوم ،فكان
()1
مجمالً يحتاج إلى البيان .
ثالثاً -أنواع المجمل :
المجمل له أنواع أربعة :
األول :إجمال في الحرف .
ۡ ۡ َ َّ ٰ ُ َ
ون ِّف ٱلعِّلم} ؛ فإنها تحتمل أن تكون حو :الواو في قوله تعالى {وٱلرسِّخ
()2
نَ ْ
للعطف فيعلم الراسخون في العلم تأويلَه ،وتحتمل أن تكون مستأنف ًة ويكون
َّ َّ
ٱَّلل} فال يعلمون تأويله . الوقف على {إَِّّل
الثاني :إجمال في الفعل .
()3
َج َم َع في السفر بين الصالتين ؛ فإن مسافة السفر نَ ْحو :ما ثبت أنه
مجملة ،فيجب التوقف فيه إلى أن يقوم الدليل على أي وجه -مسافة -فعله
()4
فيؤخذ به حينئذ .
الثالث :إجمال في االسم المفرد .
َ َ ۡ َّ
،والقرء { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنفسِّ ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء}
نَ ْحو :القرء في قوله تعالى
متردد بين الطهر والحيض .
وكالعين المترددة بين الباصرة والجارية والذهب .
( )1أصول الفقه للشيخ زهير 13 ، 12/3بتصرف يسير .
( )2سورة آل عمران من اآلية 7
( )3أَ ْخ َر َجه البخاري ومسلم ..
اجع :مختصر صحيح البخاري 142/برقم ( ) 555ومختصر صحيح مسلم 119/ يُـ َر َ
برقم ( . ) 438
اجع اللمع 48/
( )4شرح اللمع بتصرف ،ويُـ َر َ
96
الرابع :إجمال في المركب .
َ ْ َّ َ
نَ ْحو :قوله تعالى {أ ۡو َي ۡع ُف َوا ٱَّلِّي بِّيَ ِّده ِّۦ ُع ۡق َدةُ ٱنل َِّكح} ؛ فإنه يحتمل أن
()1
ص َدقَة} .
يما ُدو َن َخ ْم َسة أ َْو ُسق م َن الت ْمر َ سف َ وكقوله {لَْي َ
( )1سورة البقرة من اآلية 237
( )2شرح الكوكب المنير 414/3بتصرف ،والبحر المحيط 456/4
اجع المصباح المنير 70/1( )3نهاية السول ، 205/2ويُـ َر َ
( )4اإلبهاج 231/2
( )5نهاية السول 206/2
( )6أخرجه البخاري في كتاب الزكاة :باب زكاة الغنم 118/2والنسائي في كتاب الزكاة :
. باب زكاة اإلبل 18/5وأحمد في مسند أبي بكر الصديق 234/1عن أبي بكر
97
الثاني :البيان بالمفهوم .
وهو إما بالتنبيه أو بدليل الخطاب .
َ َ َ ُ َّ ُ َ ا ُ
مثاله بالتنبيه :قوله تعالى {فَل تقل لهما أف} ؛ فإنه بَـين بهذا الضرب والشتم .
ْ َ َۡ َ ُ َّ ُ ْ َ
َحل فَأنفِّ ُقوا َعل ۡي ِّهن} ؛ تومثاله بدليل الخطاب :قوله تعالى {ِإَون كن أو ِّ
ٰ ل
فإنه بَـين بذلك حكم َمن ال َح ْم َل لها .
الثالث :البيان بالفعل .
بَـين ذلك بفعله ،وكذا أفعال نَ ْحو :مواقيت الصالة وأفعالها ؛ فإن النبي
الحج .
الرابع :البيان باإلقرار .
نَ ْحو :ما يـُ ْرَوى أن قيساً كان يصلي ركعتين بعد الصبح ،فسأله النبي
{ َما َهاتَان الرْك َعتَان} فقال َ ":رْك َعتَا الْ َف ْجر لَ ْم أَ ُك ْن أ َ
ُصلِّيه َما ،فَـ ُه َما َهاتَان
()1
الرْك َعتَان " فلم ينكر عليه .
الخامس :البيان باإلشارة .
قال ألعرابي {الش ْه ُر َه َك َذا َو َه َك َذا َو َه َك َذا} وكف كما ُروي أن النبي
()2
عدد أيام الشهر لألعرابي باإلشارة باليد . إيهامه في الثالثة ،فبَـين َ
السادس :البيان بالكتابة .
مثل :الكتب التي كتبها رسول الله إلى اليمن وغيرها من البالد وبَـين فيها
فرائض الزكوات وغيرها من األحكام .
السابع :البيان بالقياس .
()3
نَ ْحو :قياس األرز على البُـر ،والنبيذ على الخمر .
ثالثاً -تأخير البيان :
أما تأخير البيان عن وقت الحاجة :فقد اتفقوا على امتناعه ،إال َمن أجاز
التكليف بما ال يطاق .
َ
اجع البدر المنير 263/3
( )1أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ..يُـ َر َ
اجع كنز العمال 451/13 ..يُـ َر َ ( )2أخرجه مسلم والنسائي عن ابن عمر
اجع شرح اللمع 175 - 172/5 ( )3يُـ َر َ
98
وأما تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة :فهو محل خالف بين
()1
األصوليين .
أثر المجمل والمبين في األحكام :
مما يتفرع على المجمل والمبين :ما إذا قال لعب َديْه ":أحدكما ُحر " ولم يَـ ْنو
ُم َعيناً فإنا نأمره بالتعيين ،فإ ْن عين كان ابتداء وقوعه عند اإليقاع على الصحيح ،
()2
وقيل :عند التعيين .
المطلب الرابع
النسخ
وغيره . وهذا النسخ جائز عند الجمهور ،ومنعه اإلمام الشافعي
الخامسة :نسخ المتواتر من الكتاب والسنة باآلحاد ..
وجوَزهُ الظاهرية . والنسخ في هذه الحالة غير جائز عند الجمهور َ ،
السادسة :النسخ بالقياس واإلجماع .
وجوَز أبو عبد الله
والجمهور على أنه ال يكون واحد منهما ناسخاً وال منسوخاً َ ،
نسخ القياس بالقياس . وجوَز القاضي أبو بكر النسخ باإلجماع َ ، البصري
( )1سورة األنفال من اآلية 65
( )2سورة األنفال من اآلية 66
( )3سورة البقرة من اآلية 180
( )4هذا الحديث أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهما ..
اجع :مسند أحمد 267/5وسنن البيهقي 264/6 يُـ َر َ
اجع مختصر صحيح مسلم 133/برقم ( . ) 496( )5هذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ..يُـ َر َ
( )6سورة البقرة من اآلية 144
101
خامساً -أنواع النسخ باعتبار البدل واألخف واألثقل :
ينقسم نسخ بهذا االعتبار إلى أقسام أربعة :
األول :النسخ بال بدل .
ت بال بدل في قوله مثاله :نسخ تقديم الصدقة عند مناجاة النبي ،ونُس َخ ْ
َ َٰٓ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ا ْ َ َ ٰ َ ۡ ُ ُ َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ ۡ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ ُ
ك ۡم َص َدقَة} تعالى {يأيها ٱَّلِّين ءامنوا إِّذا نجيتم ٱلرسول فقدِّموا بني يدي َنوى
()1
المطلب الخامس
معاني الحروف
اهتم األصوليون بالحروف لكثرة وقوعها في األدلة ،والفقيه المجتهد يحتاج
إلى معرفة معاني هذه الحروف ؛ ل َما لها من دور بارز في استخراج األحكام الشرعية .
ونذكر فيما يلي بعضاً منها وأهم معانيها :
( -1أ َْو ) .
وتأتي لمعان عديدة ،منها :
َ ۡ َ ْ َ ۡ َ
اإلضراب ،نحو :قوله تعالى{ َوأ ۡر َسل َنٰ ُه إ َٰل مِّائَةِّ ألف أ ۡو يَز ُ
يدون} أي بل يزيدون .
()2
ِّ ٍ ِّ
َ ً َ َ اَ
اإلبهام ،نحو :قوله تعالى {أتَى ٰ َها أ ۡم ُرنَا َلَۡل أ ۡو َن َهارا} .
()3
َ ُ ْ َ ۡ
الشك ،نحو :قوله تعالى {قَالوا ۡلِّثنَا يَ ۡو ًما أ ۡو َب ۡع َض يَ ۡوم} .
()4
اجع النسخ في :روضة الناظر 81 - 66/وشرح الكوكب المنير 585 - 525/3 ( )1يُـ َر َ
وشرح اللمع 242 - 185/2ونشر البنود 299 - 280/1وشرح تنقيح الفصول - 301/
322ومختصر المنتهى 200 - 185/2والبحر المحيط 160 - 63/4وأصول الفقه
للخضري 270 - 250/ونهاية السول 267 - 224/2ومنتهى السول 95 - 81/3
( )2سورة الصافات اآلية 147
( )3سورة يونس من اآلية 24
( )4سورة المؤمنون من اآلية 113
( )5سورة المائدة من اآلية 89
( )6سورة آل عمران من اآلية 123
103
َّ َ ُ َّ ا
الظرفية ( الزمانية ) ،نحو :قوله تعالى {إَِّّل َءال لوط َنَّ ۡي َنٰ ُهم ب ِّ َس َحر} .
()1
ُا َ ۡ َ
السببية ،نحو :قوله تعالى {فَّلُك أ َخذنَا بِّذۢنبِّه} .
()2
َ َ َ ۡ َ ُ َ َ ُ ا َّ َّ ۡ
ٱَّلل} . االستئناف ،نحو :قوله تعالى {وما يعلم تأوِّيلهۥ إَِّّل
القسم ،نحو :قولك :والله ألفعلن كذا . بدل عن َ
( -4في ) .
وتأتي لمعان عديدة ،منها :
َ
س ِّجد} .
()5
ون ِّف ٱل ۡ َم َ ٰ َ ُ ۡ َٰ ُ َ
الظرفية ( المكانية ) ،نحو :قوله تعالى {وأنتم عكِّف
َ
َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ ا َّ َّ ۡ ُ َ
ودٰت} . الظرفية ( الزمانية ) ،نحو :قوله تعالى {وٱذكروا ٱَّلل ِّف أيام معد
()6
َ ُ ْ ُ َ
المصاحبة ،نحو :قوله تعالى {قَال ۡٱد ُخلوا ِّفا أ َمم قَ ۡد َخلت} .
()7
َ ي َ ََۡۡ
ان ُس َّجدا} . بمعنى " على " ،نحو :قوله تعالى {َيِّرون ل ِّۡلذق ِّ
()4
َ
بمعنى " إلى " ،نحو :قوله تعالى { ُس ۡق َنٰ ُه ۡلِّ َِل َّميِّت}
()7( )6
.
أثر حروف المعاني في األحكام :
ت عند طلوع مما يتفرع على حروف المعاني :إذا قال ":أنت طالق في يوم كذا " طُلِّ َق ْ
الفجر من ذلك اليوم ؛ ألن الظرفية قد تحققت ،وفيه قول :إنها تطلق عند غروب الشمس ،
()8
غيره من األوقات المحددة :كوقت الظهر ،والعصر ونحوهما . س على اليوم َ وق ْ
ومنها :إذا حلف ال تخرج امرأته إلى العرس فخرجت بقصده ولم تصل إليه
فال يحنث ؛ ألن الغاية لم توجد ،وكذا لو انعكس الحال فخرجت لغير العرس ثم
دخلت إليه ،بخالف ما إذا أتى بـ( الالم ) فقال ":للعرس " ؛ فإنه ال يشترط
وصولها إليه ؛ بل الشرط أن تخرج له وحده أو مع غيره ؛ ألن حرف الغاية وهو
()9
( إلى ) لم يوجد .
( )1سورة البقرة من اآلية 284
( )2سورة ق اآلية 31
( )3سورة القصص من اآلية 8
( )4سورة اإلسراء من اآلية 107
( )5سورة األنبياء من اآلية 47
( )6سورة األعراف من اآلية 57
اجع حروف المعاني في :تيسير التحرير 119 - 64/2والوجيز 85 - 76/وجمع الجوامع
( )7يُـ َر َ
مع حاشية البناني 365 - 336/1والكوكب الدري 298 - 275/وبذل النظر - 38/
50وشرح التوضيح مع التلويح 118 - 98/1وشرح اللمع 264 - 255/2
( )8التمهيد لإلسنوي 227/
( )9الكوكب الدري 287/
105
المبحث السادس
األدلة المتفق عليها
المطلب األول
تعريف األدلة وأقسامها
مشترك يحتمل التأويل على أحد معنييه :الطهر أو الحيض ،ولذا كان هذا الدليل
أو النص الكريم قطعي الثبوت لكنه ظنِّي الداللة على الحكم .
صالَ َة ل َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ ب َفات َحة الْكتَاب} ؛ فهذا {الَ َ
() 4
ومن السنة :قوله
الدليل ظنِّي الثبوت ألنه خبر واحد ،وهو ظنِّي الداللة على الحكم ألنه يحتمل
التأويل على معنيين :نفي الصحة ( أي ال صالة صحيحة ) ،أو نفي الكمال ( أي
()5
ال صالة كاملة ) .
التقسيم الثاني :باعتبار النقل والعقل :
تنقسم األدلة بهذا االعتبار إلى قسمين :
األول :دليل نقلي ،وهو الدليل الذي نُقل إلينا ،وهو الكتاب والسنة واإلجماع
( )1سورة النساء من اآلية 36
.. ( )2هذا الحديث أَ ْخ َرجه البخاري والدارمي عن مالك بن الحويرث
لمسافر إذا كانوا جماعةً برقم
اجع :صحيح البخاري :كتاب األذان :باب األذان ل ُ يُـ َر َ
َحق باإلمامة برقم ( . ) 1225
( ) 595وسنن الدارمي :كتاب الصالة :باب َمن أ َ
( )3سورة البقرة من اآلية 228
( )4هذا الحديث سبق تخريجه .
اجع علم أصول الفقه لخالف 40 ، 39/ ( )5يُـ َر َ
107
وقول الصحابي والعرف وشرع َمن قبلنا إ ْن نُقل إلينا نقالً صحيحاً .
الثاني :دليل عقلي ،وهو ما يستخرجه العقل بواسطة النظر في المقدمات العقلية ،
ويتحقق ذلك في القياس والمصلحة المرسلة واالستحسان واالستصحاب وسد
الذرائع .
وليس معنى تقسيم األدلة إلى دليل نقلي وعقلي أن ُكالا منهما أن ُكالا منهما
اآلخر ؛ ألن األدلة النقلية تحتاج إلى عمل العقل في فهمها واستنباط مستغن عن َ
األحكام منها ،وكذلك األدلة العقلية ال تُـ ْعتَبَر شرعاً إال إذا استندت إلى الدليل
العقلي .
:إن العقل لن يهتدي إال بالشرع ، وفي ذلك يقول حجة اإلسالم الغزالي
والشرع ال يتبين إال بالعقل ،فالعقل كاألساس ،والشرع كالبناء ،ولن يغني أساس
()1
ما لم يكن بناء ،ولن يثبت بناء ما لم يكن أساس .
التقسيم الثالث :باعتبار اإلجمال والتفصيل :
تنقسم األدلة بهذا االعتبار إلى قسمين :
األول :أدلة إجمالية ،وهي األدلة الكلية التي ال تتعلق بمسألة بخصوصها وال تدل
على حكم بعينه :كمصادر األحكام الشرعية األربعة ( الكتاب والسنة واإلجماع
والقياس ) وما يتعلق بها أو ما يـُ ْبـنَى عليها من قواعد أصولية ،نحو :قولنا " األمر
للوجوب " ؛ فهي قاعدة أصولية تشمل جميع أوامر الشرع دون أمر بعينه ،وكذلك
" النهي للتحريم " ؛ فإنها تشمل جميع نواهي الشرع دون نهي بعينه .
الثاني :أدلة تفصيلية ،وهي األدلة الجزئية التي تتعلق بمسألة بخصوصها ويدل كل
َ َ ُ ْ َّ َ
ٱلصل ٰوة} ؛ فهذا دليل واحد منها على حكم بعينه ،نحو :قوله تعالى {وأقِّيموا
َ ۡ
جزئي دل على وجوب إقامة الصالة المفروضة ،ونحو :قوله تعالى { َوَّل َيغتَب
كم َب ۡعضا} ؛ فهذا دليل جزئي أو تفصيلي على حرمة الغيبة . َّب ۡع ُض ُ
()3 ()2
اجع :أصول الفقه اإلسالمي لزكريا البري 14 ، 13/وأصول الفقه للخضري ، 207/
( )1يُـ َر َ
208
( )2سورة الحجرات من اآلية 12
اجع أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي 25/1 ( )3يُـ َر َ
108
التقسيم الرابع :باعتبار الحجية وعدمها :
الحجية معناها :اإللزام ووجوب االتباع .
واألدلة بهذا االعتبار تنقسم إلى قسمين :
والسنة ،واإلجماع ،والقياس .
األول :أدلة متفق على حجيتها ،وهي :الكتاب ُّ ،
والثاني :أدلة مختلَف في حجيتها ،وهي :شرع َمن قبلنا ،والعُرف ،واالستحسان ،
()1
المرسلة ،واالستصحاب ،وقول الصحابي ...إلخ . والمصلحة َ
المطلب الثاني
الكتـاب
أوالً -تعريف الكتاب :
الكتاب لغةً :يطلَق على كل كتابة ومكتوب ،ثم غلب في عرف أهل الشرع
()2
على القرآن .
()3
والقرآن لغ ًة :مصدر بمعنى القراءة .
المنزل على سيدنا محمد لإلعجاز ولو بسورة
واصطالحاً :كالم الله تعالى َ
()4
منه ،المتعبد بتالوته ،المنقول إلينا تواتراً .
ثانياً -داللة آياته على األحكام :
تنقسم داللة آيات القرآن الكريم على األحكام إلى قسمين :
األول :نص قطعي الداللة ،وهو ما لم يحتمل التأويل .
َ َ ُ ۡ ۡ ُ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َّ ۡ َ ُ َّ ُ َّ َ َ
نَ ْحو :قوله تعالى {ولكم ن ِّصف ما ترك أزوٰجكم إِّن لم يكن لهن ودل} .
()5
،والذي قسمها إلى أقسام ،نذكر منها :العبادات ، -الشيخ محمد أبو زهرة
والكفارات ،والمعامالت ،واألسرة ،والعقوبات الزاجرة ،والعالقة بين الحاكم
()5
والمحكوم ،ومعاملة المسلمين لغيرهم ..
اجع :أحكام القرآن البن العربي 15/1والمحصول 497/1والمستصفى 350/5
( )1يُـ َر َ
( )2علم أصول الفقه لخالف 39 - 37/بتصرف .
( )3سورة التوبة من اآلية 119
( )4سورة الصف اآلية 3
اجع أصول الفقه ألبي زهرة 96 - 86/ ( )5يُـ َر َ
111
وهذه التقسيمات التي ذهب إليها الشيخان الفاضالن -رحمهما الله -يمكن
ردها جميعاً إلى قسمين :
القسم األول :ما كان طلباً لفعل إيجاباً كان أم ندباً ،أو كان طلباً لترك فعل تحريماً
كان أم كراهة .
طلب فيه :كاإلباحة ،ونصب األسباب والشرائط والموانع القسم الثاني :ما ال َ
والصحة والفساد ،ونحو ذلك من األحكام الوضعية الخبرية.
في وهذا التقسيم المختار عندي ،هو ما ارتضاه العز بن عبد السالم
()1
كتابه " اإلمام " .
المطلب الثالث
السـنـة
ُّ
السنة :
أوالً -تعريف ُّ
()2
السنة في اللغة :السيرة والعادة والطريقة المحمودة المستقيمة .ُّ
واصطالحاً :عند الفقهاء :اسم لما شرع زيادة على الفرض والواجب .
وعند المحدِّثين :كل ما أُث َر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .
وعند األصوليين :ما ثبت عن النبي من قول أو فعل أو تقرير .
()3
السنة على مقابل البدعة ،وتطلَق -أيضاً -على ما يقابل القرآن .
كما تطلَق ُّ
السنة ،ونسبتها إلى القرآن الكريم من جهة االحتجاج بها :ثانياً ُ -ح ِّجيةُ ُّ
أي أن األحكام الواردة فيها ُملْزَمة وواجبة
السنة ُحجة بإجماع المسلمين ؛ ْ ُّ
االتباع ،كما أنها تُـ َعد في المرتبة الثانية من جهة االحتجاج بها والرجوع إليها في
استنباط األحكام الشرعية ،وال يرجع المجتهد إليها إال إذا لم يجد حكماً في
القرآن الكريم .
اجع اإلمام في بيان أدلة األحكام 77 - 75/
( )1يُـ َر َ
اجع :المصباح المنير 292/1ومختار الصحاح 339/
( )2يُـ َر َ
اجع :بحوث في السنة المطهرة 45/1ومباحث في علوم الحديث 13 ، 12/
( )3يُـ َر َ
112
عندما أ َْر َسله النبي إلى اليَ َمن قاضياً وسأله ودليل ذلك :حديث معاذ
{ب َم تَـ ْقضي} قال ":بكتَاب الله " ،قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال ":ب ُ
سنة َر ُسول
ض َرب رسول الله َجتَه ُد َرأْيي َوالَ آلُو} ،ف َالله " ،قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال {أ ْ
ول
ول َر ُسول الله ل َما يـُ ْرضي َر ُس َ ص ْدره وقال {ال َ
ْح ْم ُد لله الذي َوف َق َر ُس َ على َ
الله} .
()1
السنة من القرآن الكريم باعتبار ما ورد فيها من األحكام : ثالثاً -منزلة ُّ
السنة مع الكتاب -من حيث داللتها على ما فيها أن ُّ ذكر اإلمام الشافعي
من األحكام -ثالثة أنواع :
مقررة ومؤِّكدة ل ُح ْكم النوع األول ُ :سنة موافقة له من حيث اإلجمال والبيان ،فهي ِّ
ورد في القرآن الكريم .
ادة أَ ْن الَ إلَهَ إال اللهُ َوأَن نَ ْحو :حديث {بُن َي اإل ْسالَ ُم َعلَى َخ ْمس َ :ش َه َ
ضا َن َ ،و َح ِّج الْبَـ ْيت ص ْوم َرَم َ
ول الله َ ،وإقَام الصالَة َ ،وإيْـتَاء الزَكاة َ ،و َ ُم َحمداً َر ُس ُ
َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َّ َٰ
اع إلَْيه َسبيال} مع قوله تعالى {وأقِّيموا ٱلصلوة وءاتوا ٱلزكوة} وقوله
()2
استَطَ ََ ل َمن ْ
َّ َ َ امنُوا ْ ُكت َ َ َ ُ يأ يي َها َّٱَّل َ
ٱلص َيام} وقوله تعالى { َو َِّّللِّ لَع ٱنلَّ ِّ ب عل ۡيك ُم ِّ
ِّين َء َ تعالى { َ َٰٓ
()3
اس ِّ
ۡ ََ َ َ ۡ
اع إَِّلۡهِّ َسبِّيَل} ؛ من حيث الداللة على وجوب كل من ت َم ِّن ٱستط ح يِّج ٱۡلَ ۡي ِّ
()4
( )1هذا الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الفرائض عن رسول الله :باب ما جاء في إبطال
ميراث القاتل برقم ( ) 2035وابن ماجه في كتاب الديات :باب القاتل ال يرث برقم ( ) 2635
. عن أبي هريرة
( )2سورة النساء من اآلية 11
( )3هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الوصايا :باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن
يتكففوا الناس برقم ( ) 2537ومسلم في كتاب الوصية :باب الوصية بالثلث برقم ( . ) 3076
( )4سورة النساء من اآلية 11
( )5هذا الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الوصايا عن رسول الله :باب ما جاء ال وصيةَ
لوارث برقم ( ) 2046وأبو داود في كتاب الوصايا :باب ما جاء في الوصية للوارث برقم
. ( ) 2486عن أبي أمامة الباهلي
( )6سورة البقرة من اآلية 180
( )7سورة النساء من اآلية 7
114
وفيها أقوال غير ذلك ال يتسع المقام لذكرها .
النوع الثالث ُ :سنة واردة بأحكام سكت عنها القرآن .
ْح ُمر األهلية وكل ذي ناب ،وتحريم لبس الذهب والحرير مثالها :تحريم ال ُ
على الرجال ،وصدقة الفطر ،ووجوب الدية على العاقلة ،وتوريث الجدة ،
وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ،وتشريع الشفعة والرهن في الحضر ،
()1
ووجوب الكفارة في جماع رمضان .
السنة باعتبار سندها : رابعاً -أقسام ُّ
تنقسم السنة باعتبار سندها عند الجمهور إلى قسمين :
َج ْم ٌع أحالت العادة أن القسم األول :المتواتر ،وهو :ما رواه عن النبي
يتواطؤوا على الكذب ،حتى وصل إلينا .
وهو قسمان :
األول :متواتر لفظي ،وهو :ما اشترك عدد رواته في لفظ بعينه .
ب َعلَي ُمتَـ َع ِّمداً فَـلْيَتَبَـوأْ َم َق َع َدهُ م َن النار} .
مثاله :حديث { َم ْن َك َذ َ
()2
الثاني :متواتر معنوي ،وهو :ما تغايرت فيه األلفاظ مع االشتراك في معنى كلِّي .
()3
أن رسول الله قال مثاله :حديث الحوض ،وم ْنه ما رواه أبو هريرة
ضةٌ م ْن ريَاض الْ َجنة َ ،وم ْنبَري َعلَى َح ْوضي} . { َما بَـ ْي َن بَـ ْيتي َوم ْنبَري َرْو َ
()4
واحد أو اثنان أو جمع لم القسم الثاني :اآلحاد ،وهو :ما رواه عن النبي
يبلغ حد التواتر ..
اجع :الرسالة 115 - 91/وحجية السنة 499 - 495/وأصول الفقه اإلسالمي ( )1يُـ َر َ
لزكريا البري 43 ، 42/وأصول الفقه اإلسالمي للزحيلي 464 - 460/1
( )2هذا الحديث أخرجه الشيخان ..
اجع :مختصر صحيح البخاري 32/برقم ( ) 89ومختصر صحيح مسلم 487/برقم يُـ َر َ
( . ) 1861
اجع نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني 238 - 236/
( )3يُـ َر َ
( )4هذا الحديث أخرجه الشيخان ..
اجع :صحيح البخاري برقم ( ) 1888وصحيح مسلم برقم ( . ) 502 يُـ َر َ
115
وهو قسمان :
األول :المشهور ( المستفيض ) ،وهو :ما رواه بعد الراوي األول جمع من الرواة
بلغوا حد التواتر عن مثلهم حتى وصل إلينا .
ال بالنـِّيات} .مثاله :حديث {إن َما األَ ْع َم ُ
()1
الثاني :خبر الواحد ،وهو :ما رواه عن الراوي األول راو واحد أو اثنان أو جمع
لم يبلغ حد التواتر .
السنة باعتبار سندها عند الجمهور . هذا تقسيم ُّ
أما الحنفية :فإنهم قسموها بنفس االعتبار إلى ثالثة أقسام :متواتر ومشهور
يرى أن المشهور من المتواتر . وآحاد ،وإن كان الجصاص
واتفق جمهور العلماء على أن جاحد المتواتر كافر ،وجاحد المشهور مختلَف
فيه ،وجاحد اآلحاد ال يكفر عند األكثرين .
خامساً -قطعية السنة وظنيتها :
السنة من جهة ورودها إلينا قد تكون قطعيةً وقد تكون ظنِّـيةً ،فإذا كانت متواترةً
فهي قطعية ،وكذلك المشهورة من بداية جمع الرواة الذي بلغ حد التواتر ،أما ما
قبله فهي ظنية الورود ،وتكون ظنية الورود في خبر اآلحاد .
أما من جهة داللتها على األحكام :فإنها تكون قطعيةً إذا كان نصها ال يحتمل
()2
التأويل ،وقد تكون ظنِّـيةً إذا كان نصها يحتمل التأويل .
المطلب الرابع
اإلجـ ـ ـ ـم ـ ـ ـاع
أوالً -تعريف اإلجماع :
()3
اإلجماع لغةً :العزم التام على الشيء ،كما يطلق على االتفاق .
( )1هذا الحديث أخرجه الشيخان ..
اجع :مختصر صحيح البخاري برقم ( ) 50ومختصر صحيح مسلم برقم ( . ) 1080يُـ َر َ
اجع السنة في :روضة الناظر 115 - 82/وفواتح الرحموت 128 - 96/2وحاشية
( )2يُـ َر َ
البناني 61 - 3/2وحاشية نسمات األسحار 191 - 176/وإرشاد الفحول 46 - 33/
اجع الكليات 42/
( )3يُـ َر َ
116
بعد وفاته واصطالحاً ( الراجح عندي ) :اتفاق المجتهدين من أمة محمد
في عصر من العصور على حكم شرعي .
المطلب الخامس
القيـاس
وهو اإلثم في غيره وهو الزنا ؛ الفتراقهما في علة الحكم :وهو كون هذا مباحاً
وهذا حراماً .
ثامناً -ما ال يجرى فيه القياس :
ال يجري القياس في أمور :
-1التعبديات ،وهي العبادات التي لم نقف على علة تشريعها ،ولذا ال يقاس
عليها سواء كانت في العبادات أم غيرها .
مثاله :الطواف بالبيت سبعاً ،وتقبيل الحجر األسود ،ورمي الجمار ،وكذلك
العدة والكفارات والحدود .
اجع مختصر صحيح مسلم 148/برقم ( . ) 545
( )1هذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ..يُـ َر َ
120
-2األصل المعلل بعلة قاصرة ال تتعداه إلى غيره .
بشهادة رجلين . مثاله َ :ج ْعل النبي شهادةَ خزيمة بن ثابت
-3خصوصيات النبي .
()1
الشعر في حقه .مثاله :زواجه بأكثر من أربع نسوة ،وتحريم ِّ
أثر القياس في األحكام :
مما تفرع على القياس ما يلي :
-1جواز التداوي بغير أبوال اإلبل من النجاسات ،وفيه وجهان أصحهما الجواز
ما عدا الخمر الصرف .
وأصل الخالف :أنه أمر العرنيين -لَما قدموا المدينة فمرضوا فيها -أن
وص ُّحوا ،وشربهم لألبوال رخصة جواز ألجل
يشربوا من ألبان اإلبل وأبوالها فشربوا َ
التداوي عند القائلين بالنجاسة .
-2إذا فرعنا على جواز الصوم عن الميت لورود الحديث الصحيح -وإن كانت
القاعدة امتناع النيابة في األفعال البدنية -فإن الصحيح أن ذلك ال يتعدى إلى
()2
الصالة واالعتكاف .
المبحث السابع
األدلة المختلَف فيها
المطلب األول
شرع َمن قبلنا
المراد بشرع من قبلنا :األحكام العملية التي شرعها الله تعالى في حق األمم
السابقة على لسان رسله قبل سيدنا محمد عليهم الصالة والسالم .
وشرع َمن قبلنا يَرد إلينا من أحد طرق أربعة :
األول :الكتب السابقة كالتوراة واإلنجيل .
الثاني :أتباع الشرائع السابقة ،وعلماؤهم الذين لم يُ ْسل ُموا .
وهذان الطريقان ال يـُ ْعتَبَـ َران ُحجةً ؛ ألن التحريف والتبديل ثابت فيهما بقوله
ۡ َ ََ َّ َُ ُ َ ۡ َ
اضعِّه} وقوله تعالى {ِإَون م ِّۡن ُه ۡم لفرِّيقا يَل ُوۥن تعالى {َيرِّفون ٱلَك َِّم عن م َو ِّ
َ َّ
()1
الثالث :أتباع الشرائع السابقة الذين أسلموا ،ومنهم عبد الله بن سالم وكعب األحبار ،
والجمهور على أن ما نُقل عن هؤالء العلماء ال يـُ ْعتَد به ؛ ألنه في حكم خبر اآلحاد .
الرابع :أن تَرد هذه األحكام في الكتاب أو السنة ..
وهذا الطريق يأخذ صورًة من ثالث :
األولى :أن يرد ما يدل على نسخ الحكم المشروع في حق من قبلنا .
مثاله :تحليل الغنائم المحرمة على َمن قبلنا في قوله { َوأُحل ْ
ت ل َي الْغَنَائ ُم ،
َحد قَـ ْبلي} .
()3
َولَ ْم تَحل أل َ
( )1سورة النساء من اآلية 46
( )2سورة آل عمران اآلية 78
= ( )3هذا الحديث أخرجه الشيخان ..
122
الثانية :أن يَرد في شريعتنا ما يدل على إقرار هذا الحكم المشروع في حق من قبلنا ..
َ َٰٓ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ۡ ُ
ك ُم ٱلص َي ُ
ام ِّ مثاله :تشريع الصيام في قوله تعالى {يأيها ٱَّلِّين ءامنوا كتِّب علي
َ ۡ ُ ۡ َ َ َّ ُ لَع َّٱَّل ََ َ ُ َ ََ
ك ۡم َت َّت ُقون} . ِّين مِّن قبل ِّكم لعل كما كتِّب
الثالثة :أن يَرد الحكم المشروع في حق َمن قبلنا في الكتاب أو السنة ،بغيرما
نسخ أو إقرار .
َ َ ۡ َ ََۡۡ َۡۡ َّ ۡ َ
َ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ۡ َ ا َّ َّ ۡ َ
ني َوٱۡلنف مثاله :قوله تعالى {وكتبنا علي ِّهم فِّيها أن ٱنلفس بِّٱنلف ِّس وٱلعني بِّٱلع ِّ
َ ُُۡ َ ُۡ َۡ
وح ق َِّصاص} .
()1 ٱۡل ُذ ِّن َوٱلس َِّّن بٱلسِّن َو ۡ ُ
ٱۡل ُر َ ب نذ ٱۡلو نف
ِّ بِّٱۡل
ِّ ِّ ِّ
وهذه الصورة هي محل الخالف بين األصوليين ،على ثالثة مذاهب :
المذهب األول :أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ .
المذهب الثاني :أنه ليس شرعا لنا ما لم يدل دليل على بقائه .
()2
المذهب الثالث :التوقف .
أثر شرع َمن قبلنا في األحكام :
مما يتفرع على شرع َمن قبلنا :ما لو حلف ليضربن زيداً مائة خشبة فضربه
لَما حلف ليضربن زوجته بالعثكال ونحوه فإنه يبر ؛ لقوله تعالى أليوب
َ َ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ۡ
ٱۡضب بِّهِّۦ َوَّل َتۡنَث} ،والضغث هو الشماريخ القائمة على {وخذ بِّيدِّك ِّ
()3
ضغثا ف ِّ
الساق الواحد ،وهو المسمى بالعثكال ..
في كتاب اإليمان :اتفق العلماء على أن هذه اآلية قال إمام الحرمين
()4
معمول بها في ملتنا .
اجع :مختصر صحيح البخاري 47/برقم ( ) 217ومختصر صحيح مسلم 75/برقم = يُـ َر َ
( . ) 257
( )1سورة المائدة من اآلية 45
( )2يراجع شرع َمن قبلنا في :اإلحكام لآلمدي 129 - 121/4وجمع الجوامع مع شرح المحلي
مع البناني 353 ، 352/2والبحر المحيط 71 - 41/6وشرح مختصر الروضة - 169/3
184وشرح طلعة الشمس 65 - 63/2وبيان المختصر 273 - 267/3ومباحث في
األدلة المختلف فيها 36 - 13/
( )3سورة ص من اآلية 44
( )4التمهيد لإلسنوي 442 ، 441/
123
المطلب الثاني
قول الصحابي
المطلب الرابع
االستصحاب
المطلب السادس
المصلحة المرسلة
تعريف المصلحة :
()3
المصلحة لغةً :ضد المفسدة .
() 4
واصطالحاً :المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق .
()5
أو هي :جلب نفع أو دفع ضر .
()6
والمرسلة في اللغة :المطلقة .
()7
والمصلحة المرسلة اصطالحاً :حكم ال يشهد له أصل في الشرع اعتبار وإلغاء .
أقسام المصلحة :
المصلحة لها أقسام ،أهمها ما يلي :
القسم األول :ما شهد الشرع باعتبارها ،وهو يرجع إلى القياس .
نَ ْحو :تحريم شحم الخنزير من تحريم لحمه المنصوص عليه بالكتاب .
( )1شرح مختصر الروضة 199/3
اجع :الموافقات 207/4ومباحث في األدلة المختلف فيها 223/
( )2يُـ َر َ
( )3مختار الصحاح 391/والمصباح المنير 345/1
( )4البحر المحيط 76/6
( )5شرح مختصر الروضة 204/3
اجع :مختار الصحاح 264 ، 263/والمصباح المنير 227 ، 226/1( )6يُـ َر َ
( )7بيان المختصر 287/3
133
القسم الثاني :ما شهد الشرع ببطالنه .
نَ ْحو :إلزام الموسر -كالملك ونحوه -بالصوم في كفارة اليمين أو كفارة
الوطء في نهار رمضان ،والمصلحة من ذلك هي زجره بالصوم ،وال يزجره العتق
أو اإلطعام ؛ لكثرة ماله ،وهذه المصلحة باطلة وملغاة ؛ لمخالفتها النص الملزَم
فمن لم يجد فالصيام ،وال ينتقل أوالً بالتخيير بين اإلطعام أو الكسوة أو العتق َ ،
إلى الصوم إال عند فَـ ْقد كل خصال التخيير غنياً كان أو فقيراً .
القسم الثالث :ما لم يَشهد الشرع باعتبار أو بطالن .
()1
وهذه هي المصلحة المرسلة عن االعتبار واإللغاء .
شروط العمل بالمصلحة المرسلة :
-1أن تتحقق المصلحة عند شرع الحكم قطعاً أو ظناً .
-2أن تندرج في مقاصد الشريعة .
-3عدم معارضتها لألدلة المتفق عليها .
مثالها :توثيق عقد الزواج بوثيقة رسمية ،وجمع المصحف في عهد أبي بكر
. الصديق
ُح ِّجية المصلحة المرسلة :
اختلف العلماء في حجية المصلحة المرسلة :
فمنهم َمن لم يُجز العمل بها .
ومنهم َمن أجازها مطلقاً بشروطها ،وهو ما أميل إليه .
ومنهم َمن اشترط زيادة أن تكون ضروريةً كلِّيةً قطعية .
()2
ومنهم َمن اشترط أن تكون مالئمةً لتصرفات الشرع .
أثر المصلحة المرسلة في األحكام :
مما يتفرع على المصلحة المرسلة ما يلي :
-1ما اتفق عليه األئمة وجمهور العلماء من قتل الجماعة بالواحد ،مستدلين
( )1شرح مختصر الروضة 206 ، 205/3بتصرف .
( )2تراجع المصلحة المرسلة في :اإلحكام لآلمدي 140 ، 139/4والموافقات 210/4ومختصر
المنتهى مع بيان المختصر 287/3وشرح مختصر الروضة 217- 204/3والبحر المحيط - 76/6
81وشرح طلعة الشمس 185/2ومباحث في األدلة المختلف فيها 150 - 115/
134
اء لََقتَـ ْلتُـ ُه ْم َجميعا " عندما اشترك جماعة ":لَ ْو تَ َماألَ َعلَْيه أَ ْه ُل َ
ص ْنـ َع َ بقول عمر
()1
في قتل واحد حتى ال يقتص منهم .
تفضيل بعض األوالد على بعض في العطية إذا كان -2أباح اإلمام مالك
فيه مصلحة تقتضي هذا التفضيل :كالعمى وكثرة العيال واالشتغال بالعلم ،أو
()2
تقتضي حرمانهم :كالفسق واالبتداع واالستعانة بالمال على الفساد .
المطلب السابع
َسد الذرائع
وجه الداللة :أن الله تعالى نَـ َهى عن َسب اآللهة التي تُـ ْعبَد من ُدونه حتى ال ْ
سب الله ،وحيث إن َسب الله تعالى ُم َحرم وممنوع فما كان يَكون دافعاً أو وسيلةً ل َ
سبباً له أو وسيل ًة إليه كان ُم َحرماً كذلك ،وإذا كانت ذريعة الحرام ُم َحرم ًة ف َدل
()2
ذلك على وجوب سدها ،وهو المطلوب .
قوله { إن م َن الْ َكبَائر َش ْت َم الر ُجل َوال َديْه} قالوا ":يَا َر ُس َ
ول الدليل الثاني ْ :
سب أَبَاهُ ، ـب أَبَا الر ُجل فَـيَ ُ الله َ ..و َه ْل يَ ْشتُ ُم الر ُج ُل َوال َديْه ؟! " قال {نَـ َع ْم ؛ يَ ُ
سـ ُّ
ب أُمه } ..
()3
س ُّ ب أُمهُ فَـيَ ُ
س ُّ
َويَ ُ
َو ْجه الداللة :أن النبي َ جرم َش ْتم الوالديْن وأبان أنه من الكبائر ،فيَكون
بسب وال َدي الغَْير ،ولذا كان َسب سبب في ذلك َ فيمن تَ َ
الح ْكم َ ُم َحرماً ،وكذلك ُ
( )1سورة األنعام :اآلية 108
اجع :أعالم الموقِّعين 137/3وتفسير القرطبي 58/2وتفسير الطبري 309/7 ( )2يُـ َر َ
سب الر ُجل والديْه برقم ( ) 5516
( )3هذا الحديث أَ ْخ َرجه البخاري في كتاب األدب :باب ال يَ ُ
. وم ْسلم في كتاب اإليمان :باب بيان الكبائر وأَ ْكبَرها برقم ( ) 130عن ابن عمرو ُ
136
فح ِّرم َسب وال َدي
وسب وال َدي الغَْير ذريعة ووسيلة إلى ذلك ُ ،
الوالديْن ُم َحرماً َ ،
()1
الغَْير سداً لذريعة َسب الوالديْن .
أثر الذرائع في األحكام :
اندرج تحت هذه القاعدة األصولية قواعد فقهية عديدة ،منها :
-1ما حرم أخذه حرم إعطاؤه ..
فالرشوة -مثالً -حرام ،فال يجوز أخذها من الغير ،وال يجوز إعطاؤها ؛ ألنه
وسيلة ألكل الحرام ،فوسيلة الحرام محرمة .
-2ما حرم استعماله حرم اتخاذه ..
نَ ْحو :آالت اللهو وأواني الذهب والفضة ؛ فإنه يحرم اقتناؤها في البيوت ؛
()2
سداً لذريعة استعمالها الذي هو في األصل محرم .
المبحث الثامن
التعارض والترجيح
المطلب األول
التعارض
المطلب الثاني
الترجـيح
المبحث التاسع
االجتهاد والتقليد
المطلب األول
االجتهاد
أوالً -تعريف االجتهاد :
()1
االجتهاد لغ ًة :بَ ْذل الطاقة والوسع والجد والمبالغة وتَ َح ُّمل المشقة والكلفة .
وس َعه في طلب الْ ُح ْكم الشرعي الظني .واصطالحاً :بَ ْذل الفقيه ْ
شرح التعريف :
( بَ ْذل ) :كالجنس في التعريف ،يَشمل ُكل بَ ْذل ،سواء أكان م ْن فقيه أو غَْيره .
()2
ومعناه :استفراغ الوسع ،وهو ضد المنع ،من أعطاه وجاد به .
العامي ،وهو َم ْن ليس فقيهاً ، ( الفقيه ) :قَـ ْيد أول ،خرج به بَ ْذل الطاقة من ِّ
َحتى وإ ْن كان متبحراً في غَْير العلوم الشرعية .
أي عنده َملَكة القدرة على والمراد به ُهنَا َ :م ْن كان أهالً لذلك أو متهيئاً ْ ،
استنباط األحكام الشرعية من األدلة .
وس َعه ) :قَـ ْيد ثان ،خرج به التقصير في بَ ْذل الوسع .( ْ
العجز عن
َ أي بَ ْذل تمام الطاقة بحيث يحس م ْن نَـ ْفسه والو ْسع :المقدور ْ ، ُ
المزيد فيه .
آخر :بَ ْذل تمام الطاقة في النظر في األدلة . أو بمعنى َ
وس َعه في غَْير الْ ُح ْكم : ( في طلب الْ ُح ْكم ) :قَـ ْيد ثالث ،خرج به بَ ْذل الفقيه ْ
كالعبادة والتجارة ونَ ْحوها ؛ فال يُ َسمى " اجتهاداً " .
وهذا القيد يـُثْبت أن المجتهد ليس مصدراً للتشريع أو األحكام ،وإنما هو
اجع أصول الفقه اإلسالمي للبري 302/
( )1يُـ َر َ
اجع لسان العرب 50 /11 ( )2يُـ َر َ
142
ُمظْهر وكاشف لها .
( الشرعي ) :قَـ ْيد رابع ،خرج به بَ ْذل الوسع من الفقيه في طلب ُح ْكم غَْير
حسياً أو عقلياً ونَ ْحوهما .
شرعي :كأ ْن كان ِّ
( الظني ) :قَـ ْيد خامس ،خرج به طلب الْ ُح ْكم الشرعي القطعي ،كما خرج
به -أيضاً -األحكام الشرعية العلمية ؛ فإنها قطعية ،ول َذا فال مجال لالجتهاد فيه ؛
والمسائل االجتهادية ما ال يـُ َعد المخطئ فيها باجتهاد
ألن المخطئ فيها يـُ َعد آثماً َ ،
()1
آثماً .
ثانياً -حكم االجتهاد :
()2
عين
ض ْاالجتهاد م ْن فروض الكفايات ،إال أنه قَ ْد يَكون فَـ ْر َ
َ اعتبَر األصوليون
وقَ ْد يَكون مندوباً وقَ ْد يَكون حراماً ..
فالمحصلة أنه تعتريه أحكام أربعة :
ِّ
عين .
الْ ُح ْكم األول :فَـ ْرض ْ
حالتين :
عين في ْ ض ْ ويَكون االجتهاد فَـ ْر َ
الحالة األولى :اجتهاد المجتهد في حق نَـ ْفسه فيما نزل به ؛ ألن المجتهد ال يجوز
له أ ْن يقلِّد غَْيـ َره في حق نَـ ْفسه وال في حق غَْيره .
الحالة الثانية :اجتهاد في حق غَْيره إذا تَعين َعلَْيه الْ ُح ْكم فيه :بأ ْن ضاق وقْت
الحادثة ؛ فإنه يجب على الفور حينئذ .
فرض كفاية . الْ ُح ْكم الثاني ْ :
حالتين :
ض كفاية في ْ فر َويَكون االجتهاد ْ
الحالة األولى :إذا نزلَت حادثة بأحد فاستفتَى أح َد العلماء ؛ فإن الجواب يَكون
اجع :اإلحكام لآلمدي 171 - 169/4وشرح العضد ومعه حاشية السعد ، 289/2 ( )1يُـ َر َ
290والتلويح 245/2وتيسير التحرير 179/4وفواتح الرحموت 362/2وإرشاد الفحول 250/
وتقرير الشربيني مع شرح المحلي مع حاشية البناني 381 - 379/2وأصول الفقه للشيخ
زهير 473/4والوجيز في أصول الفقه لزيدان 402 ، 401/
اجع :تقرير االستناد 29/والبحر المحيط 195/6وإرشاد النقاد 31/وأصول الفقه
( )2يُـ َر َ
للخضري 357/
143
َخصهم بفرضه َم ْن ُخص بالسؤال عن الحادثة ،فإ ْن أجاب فرضاً على جميعهم ،وأ َ
واحد َس َقط الفرض عن الباقي ،وإ ْن َسكتوا جميعاً أَثموا .
كين في النطق ،فيَكون االجتهادقاضيين مشتر ْ
ْ الحالة الثانية :أ ْن يَتردد الْ ُح ْكم بَـ ْين
بالح ْكم َسقط الفرض به . مشتركاً بَـ ْينهما ،فأيهما تَـ َفرد ُ
الْ ُح ْكم الثالث :أ ْن يَكون مندوباً .
حالتين :
ويَكون االجتهاد مندوباً في ْ
الحالة األولى :أ ْن يَجتهد المجتهد قَـ ْبل نزول الحادثة ليَسبق على معرفة ُح ْكمها
قَـ ْبل نزولها .
()1
الحالة الثانية :أ ْن يَستفتيه سائل قَـ ْبل نزولها .
الْ ُح ْكم الرابع :أ ْن يَكون حراماً .
ويَكون االجتهاد حراماً في حاالت ثالث :
السنة ،أو َوقَع في
الحالة األولى :إذا َوقَع في مقابَلة نَص قاطع من الكتاب أو ُّ
مقابَلة اإلجماع .
الحالة الثانية :إذا َوقَع في األصول االعتقادية :كإثبات الوحدانية والصفات وما
يجري مجراها .
الحالة الثالثة :إذا َوقَع فيما عُلم من الدين بالضرورة :كأركان اإلسالم والصلوات
()2
الْ َخ ْمس وتحريم الزنا .
ثالثاً -دليل مشروعية االجتهاد :
والسنة وعمل الصحابة والمعقول .. االجتهاد ثابت بالكتاب ُّ
ونفصل القول في ُكل واحد م ْنـ َها فيما يلي ..
ِّ
-1أدلة مشروعية االجتهاد من الكتاب :
َ ۡ
ٱۡل ۡرث إ ۡذ َن َف َش ۡ َ َ ُ َ َ ُ َۡ َ َ ۡ َۡ ُ َ
ت فِّيهِّ غنَ ُم {وداوۥد وسليمٰن إِّذ َيكم ِّ
ان ِّف َ ِّ ِّ الدليل األول :قوله تعالى
اجع :قواطع األدلة 303/2وكشف األسرار للبخاري 27 ، 26/4
( )1يُـ َر َ
اجع :اللمع 129/وشرح المنهاج 837/1وشرح تنقيح الفصول 435/وفواتح ( )2يُـ َر َ
الرحموت 363 ، 362/2وأصول الفقه للشيخ زهير 441/4وتبصير النجباء 64 ، 63/
144
َ َ َّ َ ۡ َ َ َّ ۡ َ َ ُ َ ۡ َ َ َ ُ ا َ َ ۡ َ ُ ۡ ۡ َ ۡ َ ُ َّ ُ ۡ ۡ َ
حكما َوعِّلما ۚۡ َو َسخ ۡرنا َم َع د ُاوۥد ِّين ٧٨ففهمنٰها سليمٰنۚۡ ولُك ءاتينا شهد َ
ٱلقو ِّم وكنا ِّۡلك ِّم ِّهم ٰ ِّ
ُ ٱۡلبَ َال ي ُ َسب ۡح َن َو َّۡ
ٱلط ۡ َريۚۡ َوك َّنا َفٰعِّل ِّني} ..
()1
ِّ ِّ
وجه الداللة :أن ُح ْكم داود وسليمان َ -علَْيه َما السالم -في مسألة الغَنَم ْ
لَ ْم يَ ُك ْن راجعاً إلى الوحي ،وإنما هو راجع إلى اجتهادهم ؛ بدليل :قوله تعالى
َ ُ َّ ُ ۡ
ك ِّم ِّه ۡم َ ٰ ۡ َۡ ُ
ش ِّهدِّين} ، {إِّذ َيك َمان} ،وقَ ْد َزكى الله تعالى ذلك بقوله {وكنا ِّۡل
ََ
؛ بدليل :قوله تعالى {فف َّه ۡم َنٰ َها وعال على اجتهاد سليمان وأَثْـنَى َجل َ
َ
مصيباً في اجتهاده لَقال تعالى " ففهمناها سليمان ُسل ۡي َمٰن} ،ولو كان داود
وداود " ،ولَما كان ُح ْكم سليمان أ َْولَى م ْن ُح ْكم داود َ -علَْيه َما السالم -ف َدل
()2
ذلك على وقوع االجتهاد .
ٱۡلَ ۡوف أَذَ ُ
اعوا ْ بهِّۦ َول َ ۡو َر يدوهُ َ َ اَ ُ ۡ َۡ ۡ َ َۡ ۡ َ ٞ
ِّ ۖ ِّ الدليل الثاني :قوله تعالى {ِإَوذا جاءهم أمر مِّن ٱۡلم ِّن أوِّ
َ َ َ ۡ ُ َّ
ٱَّلل َعلَ ۡي ُ ۡ َ ِإَوَل أ ُ ْوِل ۡٱۡلَ ۡمر م ِّۡن ُه ۡم لَ َعل َِّم ُه َّٱَّل َ َ
َ َ َّ ُ
ك ۡم ِّين ي ۡستَۢنبِّ ُطون ُهۥ مِّن ُه ۡم َول ۡوَّل فضل ِّ ِّ إَِّل ٱلرسو ِّل َٰٓ ِّ
َّ َ َ ۡ َ ُ ُ َ َّ َ ۡ ُ ُ َّ
ٱلش ۡي َطٰ َن إَِّّل قَل ِّيَل} ..
()3
ورَحتهۥ َلتبعتم
وس َعه في طلب الْ ُح ْكم الشرعي الظني ، وجه الداللة :أن االجتهاد :بَ ْذل الفقيه ْ
ْ
وهو في ذاته استخراج ل ْل ُح ْكم واستنباط له إذا عدم النص أو اإلجماع ،وإذا كان
لح ْكم ؛ واالستنباط مدحه الله تعالى ونَ َدب إليه ؛ َدل ذلك االجتهاد استنباطاً ل ُ
()4
على أن االجتهاد جائز شرعاً ،وهو المد َعى .
السنة المطهرة :
-2أدلة مشروعية االجتهاد من ُّ
إلى اليَ َمن قاضياً وسأله عندما أ َْر َسله النبي الدليل األول :حديث معاذ
{ب َم تَـ ْقضي} قال ":بكتَاب الله " ،قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال ":ب ُ
سنة َر ُسول
( )1سورة األنبياء اآليتان 98 ، 97
اجع :أحكام القرآن للشافعي 122/2وإحكام الفصول 709 ، 708/واإلحكام ( )2يُـ َر َ
وفتح القدير 418/3
لآلمدي ْ 173/4
( )3سورة النساء :اآلية 83
اجع :تفسير القرطبي 292/5وأحكام القرآن للجصاص 19/3وشرح النووي على ( )4يُـ َر َ
صحيح مسلم 57/11وفتح الباري 200/13وتفسير القرآن العظيم 390/4وإرشاد
النقاد 4/
145
ض َرب النبي على َجتَه ُد َرأْيي َوالَ آلُو} ،ف َالله " ،قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال {أ ْ
ول الله} .. ص ْدره وقال {ال َ
()1
ول َر ُسول الله ل َما يُـ ْرضي َر ُس َ
ْح ْم ُد لله الذي َوف َق َر ُس َ َ
في طُُرق َحمد الل َه تعالى على توفيقه ل ُمعاذ وجه الداللة :أن النبي ْ
استخراج األحكام وم ْنـ َها االجتهاد ،ف َدل ذلك على أن االجتهاد جائز ومشروع .
اجتَـ َه َد
َج َران َ ،وإذَا ْ
اب فَـلَهُ أ ْ
َص َ
ْحاك ُم فَأ َ {إذَا ْ
اجتَـ َه َد ال َ الدليل الثاني :قوله
َجر} ..
()2
فَأَ ْخطَأَ فَـلَهُ أ ْ
بَـين لنا أن المجتهد مأجور على اجتهاده في كلتي وجه الداللة :أن النبي ْ
أجر واحد ،والثواب على الفعل حالتَـ ْيه :إ ْن أصاب فله أجران ،وإ ْن أخطأ فله ْ
َأمارة الندب واالستحباب ،ف َدل ذلك على أن االجتهاد جائز شرعاً ،وهو المد َعى .
-3أدلة مشروعية االجتهاد م ْن عمل الصحابة :
عند وجود النص في فَـ ْهمه ،وعند عدمه في الوصول إلى اجتهد الصحابة َ
ُح ْكم فيما يَعرض لهم م ْن َمسائل ..
صلِّيَن م ْن أدلة ذلك ما يلي :قول النبي للصحابة بَـ ْعد غزوة الخندق {الَ يُ َ
ص َر إال في بَني قُـ َريْظَة} ،وبينما ُه ْم في الطريق أذن العصر ،فاختلَفوا ..
()3
َح ُد ُك ُم ال َْع ْ
أَ
فبَـ ْعضهم صالها خوفاً م ْن خروج وقْتها وعمالً ُبروح النص ؛ ألنهم فَهموا
الحكمة م ْن هذا النهي هي التعجيل وليس لذات المكان .
رابعاً -محل االجتهاد :
حصر بَـ ْعض المتأخرين الحاالت التي يسوغ فيها االجتهاد في أربع ،وهي :
َ
الحالة األولى ُ :كل حادثة لَ ْم يَر ْد فيها نص أو إجماع ،نَ ْحو َ :ج ْمع المصحف ،
( )1هذا الحديث سبق تخريجه .
( )2هذا الحديث أَ ْخ َر َجه الترمذي في كتاب األحكام َع ْن رسول الله :باب ما جاء في القاضي
يصيب ويخطئ برقم ( ) 1248والنسائي في كتاب آداب القضاة :باب اإلصابة في الْ ُح ْكم
،وابن ماجه في كتاب األحكام :باب الحاكم يَجتهد برقم ( َ ) 5286ع ْن أبي هريرة
. فيصيب برقم ( ) 2305عن ابن َع ْمرو
( )3هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري برقم ( ) 904ومسلم برقم ( ) 1770وابن حبان برقم
. ( ) 1462عن ابن عمر
146
. واستخالف أبي بكر
الحالة الثانية ُ :كل ُح ْكم شرعي َوَرد به نص ظنِّي الداللة ،نَ ْحو :قوله تعالى
َ َ ۡ َّ
{ َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} ؛ فالقرء ظنِّي الداللة ؛ ألنه مشترك
()1
بَـ ْين الطهر والحيض ،ول َذا اختلَف الفقهاء في عدة الْ ُمطَل َقة َ :ه ْل هي ثالثة أطهار
أم ثالث حيضات ؟
بح ْكمها نص ظنِّي الثبوت قطعي الداللة ،نَ ْحو : الحالة الثالثة :الواقعة التي َوَرد ُ
اد َماض إلَى يَـ ْوم الْقيَ َامة} ؛ فإنه خبر آحاد ظنِّي الثبوت ،إال قوله {الْج َه ُ
()2
ظنِّي الداللة ؛ الحتمال أ ْن يَكون النفي فيه لنَـ ْفي الصحة أو الكمال :فالشافعية
َح َملوا النفي على الصحة ،وقالوا ببطالن الصالة التي لَ ْم يـُ ْق َرأْ فيها بفاتحة الكتاب ،
والحنفية َح َملوا النفي على الكمال ،وقالوا بصحة صالة َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ بفاتحة
()5( )4
. الكتاب
حصر الحاالت التي ال يجوز االجتهاد فيها -أو ما ال يسوغ فيه ويُ ْمكن ْ
االجتهاد -في أربع حاالت :
الحالة األولى :ما ليس من األحكام الشرعية ،نحو :الموت اإلكلينيكي ؛ فهو
ْأمر طبِّي بَ ْحت ،لكنه مرتبط بأحكام شرعية في جواز نَـ ْقل األعضاء م ْن هذا
اإلنسان في تلك الحالة أم ال ،ول َذا كان على الفقهاء أ ْن يَرجعوا إلى األطباء الذين
( )1سورة البقرة من اآلية 228
( )2أَ ْخ َر َجه أبو داود في كتاب الجهاد :باب في الغزو مع أئمة الجور برقم ( َ ) 2170ع ْن
اد َماض ُم ْن ُذ بَـ َعثَني اللهُ إلَى أَ ْن يُـ َقات َل آخ ُر أُمتي الدجال} .
،ولَْفظه {َ ...والْج َه ُ أَنَس
( )3هذا الحديث سبق تخريجه .
اجع :الهداية 53/1ومغني المحتاج 156/1 ( )4يُـ َر َ
اجع :إرشاد الفحول 257/وأصول الفقه اإلسالمي لبدران أبي العينين 479 - 472/ ( )5يُـ َر َ
وتبصير النجباء 75 - 71/والوجيز ل َع ْبد الكريم زيدان 407 ، 406/وأصول الفقه اإلسالمي
للزحيلي 1082 - 1080/2وأصول الفقه اإلسالمي لزكي الدين شعبان 335 ، 334/
147
وهل هناك رجعة َع ْنه بعودة الحياة أ َْم ال ؟
شخِّصون هذا الموت ْ ، يُ َ
فهل
َسل ْمنَا جدالً بعدم عودة الحياة وأنه في ُح ْكم الميت إ ْن لَ ْم يَ ُك ْن ميتاً ْ :
يجوز أ ْن تُـ ْنتَـ َهك حرمة الميت بأخذ بَـ ْعض أعضائه ليَنتفع بها غَْيره في حالة
الضرورة ؟ ..هذا هو َد ْور الفقهاء ليَجتهدوا في بيان ُح ْكم الشرع في هذه الواقعة
المستح َدثة .
الحالة الثانية :ما َوَرد فيه نص قطعي الثبوت والداللة ،نحو :قوله تعالى
ُۡ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ ُ
َّلل ِّفا أ ۡولٰدِّك ۡمۖ ل َِّّذلكرِّ م ِّۡث ُل َح ِّظ ٱۡلنثيَ ۡني} ؛ فإنه قطعي الثبوت وقطعي {يُ ِّ
()1
وصيكم ٱ
الداللة على وجوب إعطاء الولد من التركة ض ْعف نصيب األنثى ،وهذا دليل قطعي
تبمعارضته أو إبطاله أو تعديله كما فَـ َعلَ ْ َ في هذا الْ ُح ْكم ،ول َذا يحرم االجتهاد
بَـ ْعض الدول حينما أَصدر رئيسها السابق قانوناً يساوي األنثى بالذ َكر في الميراث ،
وهو اجتهاد مرفوض ؛ ألنه صادر مم ْن ليس أهالً له ،كما أنه في غَْير محله ؛ ألنه
()2
وح ْكمه . ألمر الله تعالى ُعارض النص وأَبْطَلَه ،وهو َرفْض صريح ْ َ
الحالة الثالثة :ما ُعلم من الدين بالضرورة ،نحو :الصلوات المفروضة والزكوات
()3
الواجبة والصيام والحج ونَ ْحوها من العقوبات والكفارات .
()4
ت َعلَْيه األُمة ،وأ َْولى اإلجماعات في ذلك :إجماع َج َم َع ْ الحالة الرابعة :ما أ ْ
َج َمع َعلَْيه فقهاء األُمة ،نَ ْحو :إجماعهم على أن ُكل ،ونَ ْحوه ما أ ْ الصحابة
ت َعلَْيه الصالة من المكلفين ثُم تَـ َرَك َها جاحداً وجوبَها كافر يـُ ْقتَل بكفره ، َم ْن َو َجبَ ْ
()5
اجتهد وأَفْـتَى بأن
فمن َ فيم ْن تركها غَْيـ َر جاحد بَ ْل كسالً وتهاوناً ،ول َذا َ ثُم اختلَفوا َ
وم ْنكراً لوجوبها ليس كافراً ،بَ ْل هو ُم ْسلم يَكون اجتهاده تارك الصالة جاحداً ُ
والسنة .
مردوداً ؛ لمقابَلته اإلجماع المبني على النصوص الواردة في ذلك من الكتاب ُّ
( )1سورة النساء من اآلية 11
( )2تبصير النجباء 79 ، 78
اجع تبصير النجباء 81/( )3يُـ َر َ
اجع رحمة األُمة 26/( )4يُـ َر َ
اجع :اللمع 130 ، 129/والمعتمد 397 ، 396/والمستصفى 344/2 ( )5يُـ َر َ
واإلحكام لآلمدي 171/4والموافقات 157 ، 156/4وشرح العضد 289/2وإرشاد
الفحول 252/وتبصير النجباء 81 - 77/
148
خامساً -شروط المجتهد :
المجتهد هو :الفقيه المستفرغ لوسعه في طلب الحكم الشرعي الظني .
وشروط المجتهد نوعان :علمية ،وشخصية ..
* أما الشروط العلمية للمجتهد فهي :
الشرط األول :أ ْن يَكون عالماً بالكتاب .
ويحتاج في ذلك إلى ثالثة علوم :
العلْم األول :آيات األحكام .
العلْم الثاني :الناسخ والمنسوخ ؛ حتى ال يُفتي بالمنسوخ .
العلْم الثالث :أسباب النزول ؛ حتى يقف على مناسبة التشريع ،وهل الْ ُح ْكم عام
في سبب نزوله وغَْيره ْأم خاص به .
بالسنة .
الشرط الثاني :أ ْن يَكون عالماً ُّ
بمسائل اإلجماع ؛ ألنه إذا لَ ْم يَ ُك ْن عالماً قد يُـ ْفتي الشرط الثالث :أ ْن يَكون عالماً َ
ت َعلَْيه األُمة ،واالجتهاد في هذه الحالة باطل وال يجوز . َج َم َع ْ
بخالف ما أ ْ
الشرط الرابع :أ ْن يَكون عالماً بلُغَة العرب .
الشرط الخامس :أ ْن يَكون عالماً بأصول الفقه ؛ ألنه العلْم الذي على ضوء
قواعده يُ ْمكن استخراج األحكام واستنباطها .
الشرط السادس :أ ْن يَكون عالماً ب َمقاصد الشريعة ؛ حتى ال يَجتهد فيما يخالف
المقاصد .
أو يَتعارض مع هذه َ
الشرط السابع :أ ْن يَكون عالماً بالقواعد الكلية .
الشرط الثامن :أ ْن يَكون عالماً بأحوال الناس وأعرافهم وعاداتهم ؛ وذلك لتأثر
()1
األحكام بها وفْق ضوابط وشروط معينة .
اجع شروط االجتهاد في :اللمع 127/وقواطع األدلة 307 - 303/2 ( )1تُـ َر َ
والمنخول 464 ، 463/والمستصفى 353 - 350/2واإلحكام لآلمدي 170/4
والموافقات 70 - 67/4واإلبهاج 257 - 254/3وإرشاد الفحول 252 – 250/
وأصول الفقه لزكريا البري 309/وشرح تنقيح الفصول 437/والبحر المحيط - 199/6
204وتبصير النجباء 60 - 51/
149
* أما الشروط الشخصية للمجتهد فهي :
الشرط األول :اإلسالم .
الشرط الثاني :البلوغ .
الشرط الثالث :العقل .
الشرط الرابع :فقيه الن ْفس .
الشرط الخامس :العدالة والصالح .
المسلك . الشرط السادس ُ :ح ْسن الطريقة وسالمة َ
الشرط السابع :الورع والعفة .
المالحظة .
َ الشرط الثامن :رصانة الفكر وجودة
الشرط التاسع :أ ْن يَكون ثقةً غَْيـ َر متساهل في ْأمر الدين .
الشرط العاشر :االفتقار إلى الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء .
شر :ثقته بن ْفسه .
الشرط الحادي َع َ
شر :شهادة الناس له باألهلية . الشرط الثاني َع َ
ضى قوله . شر :موافَقة عمله مقت َ الشرط الثالث َع َ
سادساً -دعاوى غَلْق باب االجتهاد وتجديده والرد عليها :
اإلسالم اليوم متـ َهم -من البعض -بالجمود ،وأحكامه الفقهية -كذلك -
وأهل العصور الوسطى ،أما في ألهل البادية ْ بالتخلف والرجعية ،وأنها ال تَصلح إال ْ
عصر التقدم العلْمي والتطور التكنولوجي وثورة االتصاالت فإنها ال تتواءم وال تَتفق ْ
معه ،ول َذا ال بُد م ْن فَـ ْتح باب االجتهاد وإعادة النظر في ُكل األحكام وتجديد
االجتهاد في حقها ..
وهذان المطلبان ال يطالب بهما إال جاهل بالفقه اإلسالمي وأصوله ..
ألن المطلب األول ( وهو فَـ ْتح باب االجتهاد ) :قائم في ُكل زمان ،وال يخلو
ْح ِّق َحتى
ين َعلَى ال َ {الَ تَـ َز ُ
ال طَائ َفةٌ م ْن أُمتي ظَاهر َ عصر َع ْن مجتهد ؛ لقوله
ْ
يَأْت َي أ َْم ُر الله} ،وألن االجتهاد هو وسيلة صالحية الشريعة ل ُكل زمان ول ُكل
()1
( )1هذا الحديث أَ ْخ َر َجه ُم ْسلم في كتاب اإلمارة :باب قوله {الَ تَـ َز ُ
ال طَائ َفةٌ م ْن أُمتي =
150
ت أفعال كثيرة ال نص فيها عن التشريع ،وألن مكان ،ولو أُ ْغلق بابُه لَ َخ َر َج ْ
()1
فرض كفاية ،فيَستلزم انتفاؤه اتفا َق المسلمين على الباطل ،وهو ممنوع . االجتهاد ْ
فتح باب صر َع ْن مجتهد ،مما يَستلزم َ ونحن مع الرأي القائل بعدم خلو َع ْ
ولكن وفْق شروط وضوابط ؛ حتى ال نَفتح االجتهاد في ُكل زمان وفي ُكل مكان ْ ،
أبواباً للفساد والضالل .
قصدوا حماية األُمة مم ْن لَ ْم يَبلغ والذين أَغلَقوا باب االجتهاد من العلماء إنما َ
وم ْن
االجتهاد غَْيـ ُر ْأهله َ
َ درجة االجتهاد أو لَ ْم تتحقق فيه شروطه ،وخشيةَ أ ْن يدعي
ال يُوثَق بدينه ورأْيه ،فسداً لذريعة الفساد أَق َفلوا باب االجتهاد -مع عُلُو شأنه -
()2
وآثَروا التقلي َد َعلَْيه مع انحطاط ُرتْـبَته .
واليوم -ولله الحمد والمنة -هناك من العلماء َم ْن ُه ْم ْأهل للفتيا واالجتهاد ،
يُظْهرون ُح ْكم الشرع في ُكل مستح َدث وجديد لَ ْم يَ ُك ْن فيه نَص أو ُح ْكم سابق ،
صد أصحاب هذه الدعوى األمر الذي يـُْبطل َد ْع َوى غلْق باب االجتهاد ،إال إ ْن قَ َ َ
فَـ ْت َح باب االجتهاد دون ضوابط أو قيود حتى يدخل م ْن هذا الباب ُكل المثقفين
والمتعلمين والفنانين والمفكرين وغَْيرهم مم ْن يحاولون إباحة الحرام وفْق
اجتهاداتهم الباطلة .
وأما المطلب الثاني ( وهو تجديد االجتهاد ) :فليس مصطلَحاً مستح َدثاً كما
عصرهم ، يتوهم البعض ؛ ففقهاء اإلسالم -في نظرهم -إنما نظروا وح َكموا فقط ل ْ
ول َذا ال عالقة لهم بما يستجد م ْن وقائع متعلقة بهذه األحكام ،مما يَستدعي
تجديد االجتهاد ،وهو ما نَفتقده هذه األيام .
ويَكفي َرداً على هذه الدعوى :تلك النصوص التي تُثبت تجديد االجتهاد
وعُ ْم َقه في الفقه اإلسالمي ،وم ْنـ َها :
هل يلزم المجتهد تجديد االجتهاد إذا َوقَـ َعت الحادثة ْ : -قول اإلمام النووي
ض ُّرُه ْم َم ْن َخالََف ُهم} برقم ( ) 3544والترمذي في كتاب الفتن َع ْن
ْح ِّق الَ يَ ُ
ين َعلَى ال َ
= ظَاهر َ
. رسول الله :باب ما جاء في األئمة المضلين برقم ( ) 2155عَ ْن ثوبان
اجع :إرشاد الفحول 253/ ( )1يُـ َر َ
اجع بلوغ السول 14/ ( )2يُـ َر َ
151
مرةً أخرى أو القبلة ؟
ْت :أصحهما :لزوم التجديد ،وهذا إذا لَ ْم يَ ُك ْن ذاكراً لدليل األولى ولَ ْم قُـل ُ
()1
رجوعه ..ا.هـ .
يَتجدد ما قَ ْد يوجب َ
العامي عالماً في ُح ْكم حادثة فأفتاه ثُم :إذا استفتَى ِّ -وقول ابن عقيل
َح َدث مثْـلُ َها َو َجب َعلَْيه أ ْن يُ ْحدث اجتهاداً ثانياً ،وال يفتي بما أَفْـتَى أوالً فيَكون
مقلِّداً لنَـ ْفسه ..
ض َرت صالة أخرى فإنه اجتهد في القبلة فأداه اجتهاده إلى جهة ،ثُم َح َ كما إذا َ
يُ ْحدث لها اجتهاداً ثانياً إذا كانت القبلة على الخفاء ،وال يَستقبل الجهةَ األولى ؛
ألن االجتهاد قَ ْد يَتغير ،فال يـُ ْؤَمن أ ْن يَكون الحق فيما يَتجدد من الْ ُح ْكم باجتهاده
()2
الثاني ..ا.هـ .
وقول ابن السبكي رحمهما الله تعالى ":إذا تكرَرت الواقعة وتَ َجدد ما قَ ْد
()3
يَقتضي الرجوع ولَ ْم يَ ُك ْن ذاكراً للدليل األول َو َجب تجديد النظر قطعاً ..ا.هـ .
المطلب الثاني
التقليـد
ف ْهـرس الْكـتَـاب
صفحة ض ــوع
ال َْمـ ْـو ُ
3 ِّمة.........................................................................
ال ُْم َقد َ
4 المبحث األول :مقدمات علم أصول الفقه :
4 المطلب األول :تعريف أصول الفقه..............................................
8 المطلب الثاني :موضوع علم أصول الفقه وأركانه.................................
10 المطلب الثالث :استمداد علم األصول..........................................
11 المطلب الرابع :غاية علم األصول وثمرته........................................
11 المطلب الخامس :فضل علم األصول وحكم تعلمه...............................
13 المطلب السادس :أول َمن صنف في علم أصول الفقه............................
14 المطلب السابع :الفرق بين القاعدة األصولية والقاعدة الفقهية وبين األصولي والفقيه.
16 المبحث الثاني :الحاكم والحكم:
16 المطلب األول :الحاكم.........................................................
18 المطلب الثاني الحكم الشرعي وأقسامه...........................................
22 المطلب الثالث :أقسام الحكم التكليفي.........................................
38 المطلب الرابع :أقسام الحكم الوضعي...........................................
46 المبحث الثالث :المحكوم به والمحكوم عليه :
46 المطلب األول :المحكوم به......................................................
47 المطلب الثاني :المحكوم عليه...................................................
50 المطلب الثالث :األهلية وعوارضها..............................................
60 المبحث الرابع :داللة األلفاظ على الحكم :
60 المطلب األول :داللة الخطاب على الحكم عند غير الحنفية......................
67 المطلب الثاني :داللة الخطاب على الحكم عند الحنفية..........................
73 المطلب الثالث :األمر والنهي...................................................
المبحث الخامس :العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والنسخ
84 وحروف المعاني :
84 المطلب األول :العام والخاص...................................................
90 المطلب الثاني :المطلق والمقيد.................................................
157
صفحة ض ــوع
ال َْمـ ْـو ُ
93 المجمل والمبين...............................................
َ المطلب الثالث :
98 المطلب الرابع :النسخ..........................................................
102 المطلب الخامس :معاني الحروف...............................................
105 المبحث السادس :األدلة المتفق عليها :
105 المطلب األول :تعريف األدلة وأقسامها..........................................
108 المطلب الثاني :الكتاب.........................................................
111 السنة..........................................................
المطلب الثالث ُّ :
115 المطلب الرابع :اإلجماع........................................................
116 المطلب الخامس :القياس.......................................................
121 المبحث السابع :األدلة المختلَف فيها :
121 المطلب األول :شرع َمن قبلنا...................................................
123 المطلب الثاني :قول الصحابي...................................................
125 المطلب الثالث :العرف.........................................................
127 المطلب الرابع :االستصحاب....................................................
130 المطلب الخامس :االستحسان..................................................
132 المطلب السادس :المصلحة المرسلة............................................
134 المطلب السابع :سد الذرائع....................................................
137 المبحث الثامن :التعارض والترجيح :
137 المطلب األول :التعارض........................................................
139 المطلب الثاني :الترجيح.........................................................
141 المبحث التاسع :االجتهاد والتقليد :
141 المطلب األول :االجتهاد........................................................
151 المطلب الثاني :التقليد..........................................................