You are on page 1of 156

‫جامعة األزهر‬

‫أصـــول الفقــه‬

‫الفرقة الرابعة ‪ -‬أصول الدين‬


‫( قسم العقيدة )‬

‫دكتور‬
‫إمساعيل حممد علي عبد الرمحن‬
‫أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة األزهر‬
‫‪3‬‬

‫ِّمـة‬
‫ال ُْم َقـد َ‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم النبيين وسيد األولين‬
‫واآلخرين والمبعوث رحمةً للعالَمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪..‬‬
‫وبعـد ‪..‬‬
‫فإن علم أصول الفقه من أعظم العلوم منزلةً وشرفاً ؛ ألنه مرتبط بوضع األسس‬
‫والقواعد التي تبنى عليها األحكام التي شرعها الله ‪ ‬لعباده ؛ كي تستقيم حياتهم‬
‫الدنيا باتباع المنهج اإللهي ‪ ،‬ويسعدوا بأثر هذا االتباع وثمرته في اآلخرة ‪.‬‬
‫وقد وفق الله ‪ ‬كثيراً من علماء هذه األمة للحفاظ على هذا العلم تدريساً‬
‫في كتاب " الرسالة " ‪ ،‬حتى أساتذتنا‬ ‫وتصنيفاً ‪ ،‬بدءاً من إمامنا الشافعي‬
‫المعاصرين من علماء األصول وفحوله ‪.‬‬
‫وواجب على خلف هذا السلف الصالح أن يسلك نهجهم ‪ ،‬ويقتفي أثرهم في‬
‫خدمة هذا العلم واالشتغال به ‪ ،‬ومن هنا كان حرصي على أن أنال هذا الشرف‬
‫بخدمة هذا العلم والكتابة فيه ‪ ،‬والذي شرح الله تعالى إليه صدري ؛ كي أوجز فيه‬
‫أبواب األصول ‪ ،‬بأسلوب يسهل على المبتدئ استيعابه وفهمه ‪..‬‬
‫وقد قسمتُه إلى هذه المقدمة وتسعة مباحث ‪..‬‬
‫واللهَ تعالى أسأل التوفيق والسداد والقبول ؛ ليكون ذخراً لي ولوالدي وزوجتي‬
‫يوم ال ينفع مال وال بنون إال َمن أتى اللهَ بقلب‬
‫وأوالدي وألصحاب الحقوق َعلَي َ‬
‫سليم ‪..‬‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫د‪ /.‬إسماعيل عبد الرحمن‬
‫دمياط يوم الثالثاء ‪1440/12/19‬ه‬
‫الموافق ‪ 2019/8/20‬م‬
‫‪4‬‬

‫المبحث األول‬
‫مقدمات علم أصول الفقه‬

‫المطلب األول‬
‫تعريف أصول الفقه‬
‫عرف األصوليون علم أصول الفقه بتعريفين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬باعتباره مركباً إضافياً ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬باعتباره لقباً أو علماً على هذا الفن ‪.‬‬
‫ونفصل القول في كل تعريف منهما ‪..‬‬
‫التعريف األول ‪ :‬تعريف أصول الفقه باعتباره مركباً إضافياً ‪.‬‬
‫تعريف أصول الفقه باعتبار اإلضافة يقتضي بيان وتعريف جزئَي اإلضافة ‪ :‬وهما‬
‫المضاف ( أصول ) والمضاف إليه ( الفقه ) ‪.‬‬
‫تعريف األصول ‪:‬‬
‫األصول في اللغة ‪ :‬جمع " أصل " ‪..‬‬
‫حسياً ‪:‬‬
‫وله عندهم معان عديدة ‪ ،‬منها ‪ :‬منشأ الشيء ‪ ،‬وما يبنى عليه غيره ِّ‬
‫كابتناء السقف على الجدار ‪ ،‬وعقلياً ‪ :‬كابتناء الحكم على الدليل ‪ ،‬والنسب ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والحسب ‪ ،‬والعقل ‪.‬‬
‫واألصل في االصطالح يطلق على معان ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫ََ ُ ْ‬
‫األول ‪ :‬الدليل ‪ :‬كقولهم ‪ ":‬األصل في وجوب الزكاة قوله تعالى {وءاتوا‬
‫َّ َ‬
‫ٱلزك ٰوة} " أي دليلها ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهذا اإلطالق هو المراد عند األصوليين ‪.‬‬


‫اجع ‪ :‬لسان العرب ‪ 16/11‬والمصباح المنير ‪ 16/1‬والتعريفات ‪ 43/‬والكليات ‪، 122/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪ 123‬والصحاح ‪ 29/‬والمعجم الوسيط ‪ 20/1‬ونشر البنود ‪ 10/1‬وحاشية البناني ‪32/1‬‬
‫(‪ )2‬وردت في آيات كثيرة ‪ ،‬منها سورة البقرة من اآلية ‪43‬‬
‫‪5‬‬
‫الثاني ‪ :‬المقيس عليه ‪ :‬كقولهم ‪ :‬الخمر أصل في تحريم النبيذ ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬المستصحب ( القاعدة المستمرة ) ‪ :‬كقولهم ‪ :‬إباحة الميتة للمضطر‬
‫على خالف األصل ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الراجح ‪ :‬كقولهم ‪ :‬األصل في الكالم الحقيقة دون المجاز ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬القاعدة الكلية ‪ :‬كقولهم ‪ ":‬بُني اإلسالم على خمسة أصول " ‪ ،‬وقولهم‬
‫ضرر وال ضرار ) أصل من أصول الشريعة ‪.‬‬
‫( ال َ‬
‫واألصل عند الفقهاء هو الدليل التفصيلي ‪ ،‬واألصول التي يبنى عليها الفقه‬
‫(‪)1‬‬
‫أربعة ‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ‪.‬‬
‫* تعريف الفقه ‪:‬‬
‫َ ۡ َّ‬
‫َش ٍء إَِّّل ي ُ َسب ِّ ُح ِِّبَ ۡم ِّده ِّۦ‬ ‫{ِإَون مِّن‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬ومنه قوله جل وعال‬ ‫الفقه لغ ًة ‪ :‬الفهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ون ت َ ۡسب َ‬ ‫َ‬
‫يح ُه ۡ ۚۡم إِّنَّ ُهۥ َك َن َحل ًِّيما غ ُفورا} ‪.‬‬ ‫َول ٰ ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِّ‬ ‫كن َّل تفقه‬
‫(‪)4‬‬
‫واصطالحاً ‪ ( :‬العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية ) ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫( العلم ) ‪ :‬كالجنس في التعريف ‪ ،‬يشمل العلم باألحكام والعلم بغيرها ‪ ،‬وال‬
‫يراد بالعلم هنا حقيقته ‪ -‬وهي االعتقاد الجازم المطابق للواقع عن دليل ‪ -‬وإنما‬
‫( ‪)5‬‬
‫هو إدراك يشمل الظن ؛ ألن غالب األحكام االجتهادية مبنية على الظن ‪.‬‬
‫( باألحكام ) ‪ :‬قيد أول ‪ ،‬خرج به العلم بالذوات ‪ :‬كزيد ‪ ،‬والعلم بالصفات ‪:‬‬
‫كسواده ‪ ،‬والعلم باألفعال ‪ :‬كقيامه ‪ ،‬فال يسمى العلم بها فقهاً ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 17 ، 16/1‬ونهاية السول ‪ 19 ، 18/1‬وشرح مختصر الروضة ‪126/1‬‬‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وشرح الكوكب المنير ‪ 39/1‬ومسلم الثبوت ‪ 8/1‬وأصول الفقه اإلسالمي للزحيلي ‪16/1‬‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 534/‬والمصباح المنير ‪ 479/2‬والكليات ‪690/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬سورة اإلسراء ‪ :‬اآلية ‪44‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 21/1‬وأنيس الفقهاء ‪308/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح اللمع ‪ 89 - 85/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 74 ، 73/1‬والبحر‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫المحيط ‪ 81 - 64/1‬وقواطع األدلة ‪ 39 - 37/‬ومختصر المنتهى ‪ 58/1‬وشرح‬
‫العضد ‪61/1‬‬
‫‪6‬‬
‫وسيأتي تعريف الحكم لغةً واصطالحاً بإذن الله تعالى ‪..‬‬
‫( الشرعية ) ‪ :‬قيد ثان ‪ ،‬خرج به العلم باألحكام العقلية ‪ :‬كالحسابيات‬
‫والهندسة ‪ ،‬والعلم باألحكام الحسية نحو ‪ :‬إحراق النار ‪ ،‬والعلم باألحكام اللغوية‬
‫نحو ‪ :‬الفاعل مرفوع ‪ ،‬وليس المراد العلم بجميع األحكام الشرعية ؛ وإنما المراد‬
‫العلم بجملة غالبة منها ‪..‬‬
‫( العملية ) ‪ :‬قيد ثالث ‪ ،‬خرج به العلم باألحكام العلمية ‪ ،‬وهي أصول الدين‬
‫‪ -‬علم العقيدة ‪ -‬كالعلم بأن الله تعالى واحد ‪ ،‬وأنه يُرى في اآلخرة ‪..‬‬
‫( المكتسب ) ‪ :‬قيد رابع ‪ ،‬خرج به علم الله تعالى ؛ فإنه ذاتي قديم ‪..‬‬
‫( من أدلتها ) ‪ :‬قيد خامس ‪ ،‬خرج به علم المالئكة ‪ ،‬وعلم الرسول‬
‫الحاصل بطريق الوحي ؛ فإنه ال يسمى فقهاً ‪ ،‬وإنما هو دليل يبنى عليه الحكم ‪..‬‬
‫( التفصيلية ) ‪ :‬قيد سادس ‪ ،‬خرج به علم المقلد ‪ ،‬فإنه يُكتسب من دليل‬
‫(‪)1‬‬
‫إجمالي ‪.‬‬
‫أن هذا القيد إنما ذُك َر لبيان الواقع ‪ ،‬وليكون‬ ‫ويرى الشيخ أبو النور زهير‬
‫في مقابلة األدلة اإلجمالية في تعريف أصول الفقه ‪ ،‬وهو رأي أميل إليه وأرجحه ؛‬
‫(‪)2‬‬
‫لوجاهته ‪.‬‬
‫تعريف أصول الفقه باعتباره مركباً إضافياً ‪:‬‬
‫بعد الوقوف على معنى جزأَي المركب واإلضافي ( أصول الفقه ) يكون معناه‬
‫(‪)3‬‬
‫بهذا االعتبار هو ‪ ( :‬األدلة التي يبنى عليها العلم باألحكام الشرعية العملية ) ‪.‬‬
‫التعريف الثاني ألصول الفقه ‪:‬‬
‫وهو التعريف اللقبي أو العلمي ‪..‬‬
‫والمراد باللقبي أو العلمي هنا ‪ :‬أن لفظ ( أصول الفقه ) بمجموعه أصبح لقباً‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 22 ، 21/1‬وحاشية البناني ‪ 44 - 42/1‬وجمع الجوامع‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وشرح المحلي مع البناني ‪ 44 - 42/1‬ونشر البنود ‪ 14 ، 13/‬والتمهيد لإلسنوي ‪، 50/‬‬
‫‪ 51‬وتقريب الوصول ‪ 43/‬وشرح مختصر الروضة ‪ 133/1‬والضياء الالمع ‪145 - 135/1‬‬
‫(‪ )2‬أصول الفقه للشيخ زهير ‪24/1‬‬
‫(‪ )3‬حقائق األصول ‪ 93/1‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫على هذا الفن وعلماً عليه ‪.‬‬
‫‪ ،‬والثاني‬ ‫وأكتفي في هذا المقام بإيراد تعريفين ‪ :‬األول البن الحاجب‬
‫‪..‬‬ ‫للبيضاوي‬
‫‪..‬‬ ‫التعريف األول ‪ :‬البن الحاجب‬
‫هو ‪ (:‬العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط األحكام الشرعية الفرعية من‬
‫(‪)1‬‬
‫أدلتها التفصيلية ) ‪.‬‬
‫‪..‬‬ ‫التعريف الثاني ‪ :‬للبيضاوي‬
‫هو ‪ (:‬معرفة دالئل الفقه إجماالً ‪ ،‬وكيفية االستفادة منها ‪ ،‬وحال المستفيد ) ‪.‬‬
‫والمراد بأدلة الفقه ‪ :‬هو األدلة اإلجمالية ‪ ،‬نحو ‪ :‬األمر للوجوب ‪ ،‬والنهي‬
‫للتحريم ‪ ،‬وهي القواعد األصولية ‪ ،‬كما يشمل األدلة التفصيلية متفقاً عليها ‪ -‬وهي‬
‫الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ‪ -‬ومختلَفاً فيها ‪ ،‬نحو ‪ :‬االستصحاب‬
‫واالستحسان وقول الصحابي ‪.‬‬
‫وكيفية االستفادة منها ‪ :‬أي معرفة كيفية استخراج األحكام من األدلة ‪.‬‬
‫وحال المستفيد ‪ :‬أي ومعرفة حال المستفيد ‪ ،‬وهو المجتهد القادر على‬
‫(‪)2‬‬
‫استنباط األحكام الشرعية من األدلة ‪.‬‬
‫مثال تطبيقي ‪:‬‬
‫توصل األصوليون إلى القواعد األصولية باالستقراء والتتبع من خالل النصوص‬
‫(‪)3‬‬
‫الشرعية أو اللغة العربية أو العقل ‪ ،‬وهذه القواعد تُـ َعد أدلةً إجماليةً أو أدلةً كلِّيةً ؛‬
‫ألنها ليست خاصةً بحكم جزئي معين ‪.‬‬
‫مثال هذه القواعد ‪ :‬األمر للوجوب ‪ ،‬فإنه يشمل جميع األوامر الشرعية ‪ ،‬وكذا‬
‫النهي للتحريم ‪ ،‬وخبر الواحد يفيد الظن ‪ ،‬والمتواتر يفيد اليقين ‪..‬‬
‫(‪ )1‬مختصر المنتهى ‪ 19 ، 18/1‬وبيان المختصر ‪ 15 ، 14/1‬والمختصر في أصول الفقه ‪30/‬‬
‫وشرح مختصر الروضة ‪120/1‬‬
‫اجع ‪ :‬حقائق األصول ‪ 97 - 93/1‬ومناهج العقول ‪ 20 - 18/1‬ونهاية السول ‪- 20/1‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪ 24‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪15 - 9/1‬‬
‫اجع الواضح في أصول الفقه ‪13 ، 12/‬‬‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪8‬‬
‫َ َ ُ ْ َّ َ‬
‫وهو أمر شرعي ؛ لكنه‬ ‫ٱلصل ٰوة}‬ ‫{وأقِّيموا‬
‫فلو أخذنا ‪ -‬مثالً ‪ -‬قوله تعالى‬
‫بحكم معين ‪ ،‬وهو إقامة الصالة ‪ ،‬فيكون دليالً تفصيلياً ‪ ،‬أو دليالً جزئياً على حكم‬
‫إقامة الصالة الذي يمكن للمجتهد التوصل إليه ؛ وذلك بجعل القاعدة األصولية‬
‫مقدم ًة كبرى لقياس من الشكل األول ‪ ،‬موضوع الكبرى هو محمول الصغرى ‪ ،‬وهو‬
‫المكرر ‪ ،‬فيُ ْح َذف ليتوصل إلى النتيجة ‪ ،‬على النحو التالي ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مقدمة كبرى‬ ‫أمر [ محمول ]‬ ‫ٱلصل ٰوة} [ موضوع ]‬ ‫{ َوأق ُ‬
‫ِّيموا َّ‬

‫مقدمة صغرى‬ ‫للوجوب [ محمول ]‬ ‫واألمر [ موضوع ]‬


‫َ َ ُ ْ َّ َ‬
‫نتيجة‬ ‫ٱلصل ٰوة} للوجوب‬ ‫{وأقِّيموا‬
‫ََ ُ ْ‬
‫{وأقِّيموا‬ ‫فيكون حكم إقامة الصالة المفروضة واجب ًة ‪ ،‬دليلها التفصيلي‬
‫َّ َ‬
‫ٱلصل ٰوة} ‪ ،‬ودليلها اإلجمالي ( القاعدة األصولية ) األمر للوجوب ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫موضوع علم أصول الفقه وأركانه‬

‫اختلف األصوليون في موضوع أصول الفقه على مذاهب أربعة ‪:‬‬


‫المذهب األول ‪ :‬األدلة الشرعية من حيث ثبوت األحكام الشرعية بها ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو مذهب الجمهور ‪.‬‬
‫المذهب الثاني ‪ :‬األحكام الشرعية من حيث ثبوتها باألدلة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫في " المستصفى " ‪.‬‬ ‫وهو اختيار الغزالي‬
‫المذهب الثالث ‪ :‬األدلة الشرعية من حيث إثباتها لألحكام الشرعية ‪ ،‬واألحكام الشرعية‬
‫اجع ‪ :‬شرح العضد ‪ 21 ، 20/1‬وحقائق األصول ‪ 95/1‬وتيسير التحرير ‪16/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وحاشية البناني ‪ 22/1‬وأصول الفقه للخضري ‪ 13/‬وعلم أصول الفقه ألبي النجا ‪12/‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح اللمع ‪ 109/1‬والمستصفى ‪ 5 ، 4/1‬واإلحكام لآلمدي ‪9 ، 8/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫والبحر المحيط ‪ 30/1‬ومسلم الثبوت ‪ 17 ، 16/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 36/1‬ونهاية‬
‫السول‪ 25/1‬وتيسير التحرير ‪ 18/1‬والتقرير والتحبير ‪33 ، 32/1‬‬
‫(‪ )3‬المستصفى ‪5 ، 4/1‬‬
‫‪9‬‬
‫من حيث ثبوتها باألدلة الشرعية ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وإليه ذهب بعض األصوليين ‪.‬‬
‫المذهب الرابع ‪ :‬األدلة والترجيح واالجتهاد ‪..‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وهو اختيار نور الدين األردبيلي وابن قاسم العبادي رحمهما الله ‪.‬‬
‫والذي أراه ‪ :‬أن المذاهب كلها متفقة على أن موضوع علم األصول هو األدلة‬
‫اإلجمالية ‪ ،‬وهي الموصلة إلى األحكام الشرعية بعد الترجيح ‪ ،‬وال يتأتى ذلك إال‬
‫لمجتهد ‪..‬‬
‫فجميعها عندي هي موضوع علم األصول ‪ ،‬وهو ما نص عليه تعريف البيضاوي‬
‫صراحةً ‪ ،‬وهو ‪ :‬معرفة دالئل الفقه إجماالً ‪ ،‬وكيفية االستفادة منها ‪ ،‬وحال‬
‫(‪)4‬‬
‫المستفيد ‪.‬‬
‫ومما تقدم يتضح أن أركان علم األصول أربعة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬األدلة الشرعية ( اإلجمالية ) ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬األحكام الشرعية ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬استخراج األحكام من األدلة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬المجتهد ‪.‬‬
‫" األقطاب األربعة التي يدور‬ ‫وهذه األركان َسماها حجة اإلسالم الغزالي‬
‫عليها علم األصول " ‪..‬‬
‫وهي ‪ :‬الثمرة والمثمر وطرق االستثمار والمستثمر ‪..‬‬
‫فالثمرة هي األحكام ‪ ،‬والمثمر هي األدلة ‪ ،‬وطرق االستثمار هي وجوه داللة‬
‫(‪)5‬‬
‫األدلة واستخراج األحكام بعد الترجيح ‪ ،‬والمستثمر هو المجتهد ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬التوضيح مع شرح التلويح ‪ 22 ، 21/1‬وشرح طلعة الشمس ‪24 ، 23/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وإرشاد الفحول ‪ 5/‬وحاشية النفحات ‪9/‬‬
‫(‪ )2‬حقائق األصول ‪98/1‬‬
‫اجع ‪ :‬تسهيل الوصول إلى علم األصول ‪ 19/‬وغاية الوصول ‪47 ، 46/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬منهاج الوصول مع اإلبهاج ‪19/1‬‬
‫(‪ )5‬المستصفى ‪ 7/1‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫استمداد علم األصول‬

‫ذكرت الكثرة من األصوليين أن علم أصول الفقه مستمد من أصول ثالثة ‪ :‬علم‬
‫(‪)1‬‬
‫الكالم ‪ ،‬واللغة العربية ‪ ،‬واألحكام الشرعية ‪.‬‬
‫َعبر بـ( أصول الدين ) بدالً من ( علم الكالم ) كما ذهب‬ ‫لكن الفتوحي‬
‫الكثرة من األصوليين ‪ ،‬وهو تعبير أ َْو َجه وأ َْولَى عندي من ( علم الكالم ) ‪..‬‬
‫في ذلك ‪ :‬ويستمد علم أصول الفقه من ثالثة أشياء ‪ :‬أصول الدين ‪،‬‬ ‫فقال‬
‫والعربية ‪ ،‬وتصور األحكام ‪.‬‬
‫ثم بين أن التوقف إما أن يكون من جهة ثبوت حجية األدلة فهو أصول الدين ‪،‬‬
‫وإما أن يكون من جهة داللة األلفاظ على األحكام فهو العربية بأنواعها ‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون التوقف من جهة تصور ما يدل به عليه فهو تصور األحكام ‪.‬‬
‫ثم فصل كل علم منها على النحو التالي ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أصول الدين ؛ فإن علم األصول والفقه متوقف على ثبوت حجية األدلة ‪،‬‬
‫ولذلك تتوقف معرفة كون األدلة الكلية ُحجةً شرعاً على معرفة الله تعالى بصفاته‬
‫وص ْدق رسوله فيما جاء به عنه ‪ ،‬ويتوقف صدقه على داللة المعجزة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬العربية ‪ ،‬من جهة داللة األلفاظ على األحكام من الكتاب والسنة وغيرهما ‪،‬‬
‫وذلك متوقف على معرفة اللغة العربية وما فيها من أمر ونهي وعام وخاص ومطلق‬
‫ومقيد ومنطوق ومفهوم وحقيقة ومجاز وغيرها ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬تصور األحكام ؛ ألنه إذا لم يتصورها لم يتمكن من إثباتها وال من نفيها ؛‬
‫ألن الحكم على الشيء فرع عن تصوره " كقولنا ‪ :‬األمر للوجوب ‪ ،‬والنهي للتحريم ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والصالة واجبة ‪ ،‬والربا حرام ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر المنتهى وشرح العضد ‪ 35 - 32/1‬واإلحكام لآلمدي ‪ 9/1‬وبيان‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫المختصر ‪ 32 - 30/1‬والوصول إلى األصول ‪ 56 - 53/1‬وشرح الكوكب المنير ‪- 48/1‬‬
‫‪ 50‬وإرشاد الفحول ‪6 ، 5/‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪ 50 - 48/1‬وإرشاد الفحول ‪6 ، 5/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪11‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫غاية علم األصول وثمرته‬

‫علم األصول له فوائد عديدة ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬


‫‪ -1‬القدرة على استنباط األحكام الشرعية من األدلة السمعية وفق القواعد‬
‫األصولية ‪ ،‬فيتوصل المجتهد باجتهاده إلى معرفة حكم الله تعالى ‪ ،‬من وجوب‬
‫وندب وحظر وكراهة وإباحة وغيرها ‪..‬‬
‫‪ -2‬فهم األحكام الشرعية التي استنبطها المجتهدون ‪ ،‬والتي توصلوا إليها وفق‬
‫قواعد منضبطة ‪ ،‬فال َد ْخ َل لرأي شخصي أو هوى نفس ‪ ،‬األمر الذي يزيد النفس‬
‫اطمئناناً بهذه األحكام ‪ ،‬وثقةً بهؤالء األئمة المجتهدين ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن علم األصول من أكبر الوسائل لحفظ الدين وصون أدلته وحججه من ُشبَه‬
‫(‪)1‬‬
‫المنكرين والرد على الفرق الضالة ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن صالحية الشريعة لكل زمان ومكان تقتضي استخراج األحكام الشرعية‬
‫لمستجدات األمور ومستحدثاتها وفق قواعد راسخة منضبطة ‪ ،‬وعلم أصول الفقه‬
‫أحد أدوات االجتهاد ‪ ،‬والذي به يتأكد هذا المبدأ ويتحقق ‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل باألحكام الشرعية بعد معرفتها معرفةً مباشرًة من المجتهد ‪ ،‬فتصبح في‬
‫العامي أو َمن ليس مجتهداً ‪ ،‬فتصبح‬ ‫حق نفسه ملزمةً ‪ ،‬ومعرف ًة غير مباشرة في حق ِّ‬
‫سنة‬ ‫في حقه ‪ -‬أيضاً ‪ -‬ملزمةً ويجب العمل بها طاعةً لربنا ‪ -‬جل وعال ‪ -‬واتباعاً ل ُ‬
‫نبينا ‪ ،‬وبهذا تتحقق للعبد سعادته في الدنيا والنجاة والفوز في اآلخرة ‪.‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫فضل علم األصول وحكم تعلمه‬
‫أوالً ‪ -‬فضل علم األصول ‪:‬‬
‫لَما كانت غاية علم األصول هي العلم بأحكام الله تعالى أو الظن بها وما يستلزم‬
‫اجع ‪ :‬غاية الوصول ‪ 51 - 47/‬والوصول إلى األصول ( هامش ) ‪ 53/1‬وأصول‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫الفقه اإلسالمي لزكي الدين شعبان ‪13/‬‬
‫‪12‬‬
‫ذلك من تعامل مع األدلة ‪ -‬وأفضلها على اإلطالق كتاب الله تعالى وسنة رسوله‬
‫‪ -‬فإن هذا العلم لذلك عال قدراً وسما شرفاً بين العلوم الشرعية ‪..‬‬
‫‪ :‬وأشرف العلوم ما ازدوج فيه‬ ‫وفي ذلك يقول حجة اإلسالم الغزالي‬
‫العقل والسمع واصطحب فيه الرأي والشرع ‪ ،‬وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل ؛‬
‫فإنه يأخذ م ن صفو الشرع والعقل سواء السبيل ‪ ،‬فال هو تصرف بمحض العقول‬
‫بحيث ال يتلقاه الشرع بالقبول ‪ ،‬وال هو مبني على محض التقليد الذي ال يشهد له‬
‫(‪)1‬‬
‫العقل بالتأييد والتسديد ‪.‬‬
‫‪ :‬فاعلم ‪ -‬وفـ َقك الله‬ ‫وقال في ذلك ‪ -‬أيضاً ‪ -‬تلميذه ابن برهان‬
‫َجل العلوم قَ ْدراً وأعالها شرفاً وذكراً علم أصول الفقه ؛ وذلك ألن‬‫وأعانك ‪ -‬أن أ َ‬
‫َجل العلوم قَ ْدراً وأسماها شرفاً وذكراً ؛ ل َما يتعلق به من مصالح العباد في‬ ‫الفقه أ َ‬
‫المعاش والْ َم َعاد ‪..‬‬
‫وعرفت الفقهَ ومرتبتَه فما ظنك بأصوله التي منها استمداده‬
‫َ‬ ‫عرفت هذا‬
‫ثم قال ‪ :‬فإذا َ‬
‫وإليها استناده ؟! فم َن الواجب على كل َمن اشتغل بالفقه أن يَصرف صدراً من زمانه‬
‫(‪)2‬‬
‫فهم معانيه ‪ ..‬ا‪.‬هـ‬
‫إلى معرفة أصول الفقه ؛ ليَكون على ثقة مما دخل فيه قادراً على ْ‬
‫‪ :‬اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية وأجلها‬ ‫وقال ابن خلدون‬
‫قدراً وأكثرها فائد ًة ‪ ،‬وهو النظر في األدلة من حيث تؤخذ منها األحكام‬
‫(‪)3‬‬
‫والتكاليف ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬حكم تعلُّم أصول الفقه ‪:‬‬
‫ذهب جمهور العلماء إلى أن تعلم علم أصول الفقه من فروض الكفاية كعلم‬
‫فمن تعلمه محتسباً كان مأجوراً ويسقط اإلثم والحرج عن باقي‬ ‫الفقه تماماً ‪ ،‬ولذا َ‬
‫أهل العلم ‪ ،‬وإذا تركه الجميع أثموا ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ويكون تعلُّمه فرض عين في حق المجتهد ‪.‬‬
‫(‪ )1‬المستصفى ‪3/1‬‬
‫(‪ )2‬الوصول إلى األصول ‪48 ، 47/1‬‬
‫(‪ )3‬مقدمة ابن خلدون ‪501/‬‬
‫اجع شرح الكوكب المنير ‪47/1‬‬
‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫‪13‬‬

‫المطلب السادس‬
‫أول َمن صنف في علم أصول الفقه‬

‫إن األمر في أصول الفقه لم يكن كنظيره الفقه من ظهور المذاهب الفقهية ‪،‬‬
‫‪ -‬الذي وضع أول حجر في أساس‬ ‫وإنما ظهرت ‪ -‬بعد عصر اإلمام الشافعي‬
‫هذا العلم بكتابه " الرسالة " ‪ -‬طُُرق للتفكير والتأليف في هذا العلم أثرت على‬
‫مسيرته العلمية حتى اليوم ‪ ،‬وسميت بـ" طرق التصنيف عند األصوليين " ‪ ،‬وهي ما‬
‫يقابل المذاهب في الفقه ‪.‬‬
‫وفي أول األمر ظهرت طريقتان للتأليف في علم أصول الفقه ‪:‬‬
‫الطريقة األولى ‪ :‬طريقة المتكلمين ‪.‬‬
‫وسميت بذلك ألن أغلب الذين كتبوا فيها كانوا من علماء الكالم ‪ :‬كأبي الحسين‬
‫البصري والرازي والغزالي والجويني رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫وقد قامت طريقتهم على تأصيل القواعد األصولية وتحريرها وكثرة االستدالل‬
‫العقلي وقلة الفروع الفقهية ‪ ،‬وهذه الطريقة تسمى " طريقة الجمهور أو غير الحنفية " ‪.‬‬
‫ومن أشهر كتبهم ‪ :‬العدة للقاضي أبي يعلى ( ت‪ 458 .‬هـ ) ‪ ،‬والبرهان إلمام‬
‫الحرمين الجويني ( ت‪ 487 .‬هـ ) ‪ ،‬والمستصفى لحجة اإلسالم الغزالي ( ت‪.‬‬
‫‪ 505‬هـ ) ‪ ،‬والمحصول للفخر الرازي ( ت‪ 606 .‬هـ ) ‪ ،‬وروضة الناظر البن‬
‫قدامة ( ت‪ 620 .‬هـ ) ‪ ،‬ومختصر المنتهى البن الحاجب ( ت‪ 646 .‬هـ ) ‪،‬‬
‫وشرح تنقيح الفصول للقرافي ( ت‪ 684 .‬هـ ) ‪ ..‬رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫الطريقة الثانية ‪ :‬طريقة الفقهاء أو طريقة الحنفية ‪.‬‬
‫وسميت بـ" الفقهاء " ألنهم أكثروا من الفروع الفقهية وقَـللوا من االستدالل العقلي ‪.‬‬
‫ومن أشهر كتبهم ‪ :‬أصول البزدوي [ كنز الوصول إلى معرفة األصول ] ( ت‪.‬‬
‫‪ 482‬هـ ) ‪ ،‬وأصول السرخسي ( ت‪ 490 .‬هـ ) ‪ ،‬وميزان األصول لعالء الدين‬
‫السمرقندي ( ت‪ 539 .‬هـ ) ‪ ،‬والمنار لحافظ الدين النسفي ( ت‪ 790 .‬هـ ) ‪،‬‬
‫وكشف األسرار عن أصول البزدوي لعالء الدين البخاري ( ت‪ 730 .‬هـ ) ‪..‬‬
‫رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫ثم ظهرت بعدهما طريقة ثالثة تسمى " طريقة المتأخرين " ‪ ،‬وهي الطريقة التي‬
‫جمعت بين طريقة المتكلمين وطريقة الفقهاء ؛ فقررت القواعد األصولية وأقامت‬
‫(‪)1‬‬
‫الدليل عليها ‪ ،‬مع تطبيقها على الفروع الفقهية من خالل ربطها بها ‪.‬‬
‫ومن أشهر كتبهم ‪ :‬بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي واإلحكام البن‬
‫الساعاتي ( ت‪ 694 .‬هـ ) ‪ ،‬وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي ( ت‪ 771 .‬هـ ) ‪،‬‬
‫والتحرير لكمال الدين بن الهمام ( ت‪ 861 .‬هـ ) وإرشاد الفحول للشوكاني ( ت‪.‬‬
‫‪ 1250‬هـ ) ‪ ..‬رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫وهذه الطريقة هي التي سار عليها المتأخرون من علماء األصول ‪ :‬كالشيخ عبد‬
‫الوهاب خالف والشيخ الخضري والشيخ محمد أبو زهرة ‪ -‬رحمهم الله تعالى ‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وغيرهم من العلماء المعاصرين ‪.‬‬

‫المطلب السابع‬
‫الفرق بين علمي الفقه واألصول وبين األصولي والفقيه‬
‫اوال‪ -‬الفرق بين علم األصول وعلم الفقه ‪:‬‬
‫إن علم الفقه هو ‪ :‬العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها‬
‫التفصيلية ‪.‬‬
‫وعلم أصول الفقه هو ‪ :‬العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط األحكام‬
‫الشرعية الفرعية ‪.‬‬
‫وإن موضوع الفقه هو فعل المكلف لبيان حكم الشرع فيه ‪.‬‬
‫وموضوع أصول الفقه هو األدلة أو األحكام أو هما معاً ‪.‬‬
‫إن الفقه استخراج لألحكام من األدلة ‪ ،‬واألصول قواعد تُستخرج األحكام على‬
‫ضوئها ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬علم أصول الفقه لخالف ‪ 23/‬وأصول الفقه ألبي زهرة ‪ 19/‬وغابة الوصول ‪102/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬تاريخ الفقه اإلسالمي ‪ 85 - 81/‬ونظرة عامة في تاريخ الفقه اإلسالمي ‪، 266/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪ 267‬وأصول الفقه وتاريخه ورجاله ‪26/‬‬
‫‪15‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الفرق بين الفقيه واألصولي ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الفقيه ‪ :‬هو المجتهد الذي يُنتج الفروع الفقهية عن أدلة صحيحة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أو هو ‪َ :‬من بذل وسعه في نيل حكم شرعي عملي بطريق االستنباط ‪.‬‬
‫واألصولي ‪ :‬هو العالم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط األحكام الشرعية‬
‫الفرعية ‪.‬‬
‫وعلى ذلك يكون األصولي غير الفقيه ‪ ،‬وال يلزم من كونه أصولياً أن يكون فقيهاً ‪،‬‬
‫ويلزم من كونه فقيهاً أن يكون أصولياً ؛ لتوقُّف معرفة األحكام منها ‪ -‬أي األدلة ‪-‬‬
‫على معرفة أصولها ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وإذا تقرر ذلك كان كل فقيه أصولياً ‪ ،‬وليس كل أصولي فقيهاً ‪.‬‬

‫اجع غاية الوصول ‪554/‬‬


‫(‪ )1‬البحر المحيط ‪ 23/1‬ويُـ َر َ‬
‫اجع البحر المحيط ‪197/6‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪ 46/1‬والضياء الالمع وجمع الجوامع ‪ 133/1‬وبلوغ‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫السول ‪173 ، 172/‬‬
‫‪16‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الحاكم والحكم‬

‫المطلب األول‬
‫الحاكم‬

‫لَما كان الحكم الشرعي ال بد فيه من حاكم ومحكوم به ومحكوم عليه وجب‬
‫ش ِّرع ومصدر الحكم ؛ أال وهو الحاكم ‪..‬‬ ‫الم َ‬
‫أن نبدأ بأعالها وأشرفها ‪ ،‬وهو ُ‬
‫والحاكم هو الله تعالى ‪ ،‬ورسله ‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬يبلغون أحكامه إلى خلقه ‪،‬‬
‫والمجتهد وظيفته استنباط الحكم وإظهاره ‪ ،‬وليس تكوينه وال إنشاؤه ‪..‬‬
‫لكن هل يدرك العقل بذاته أحكام الشرع دون نبي مرسل عن رب العزة جل‬
‫وعال ؟ وهو المسمى بالتحسين والتقبيح العقليين‪.‬‬
‫تحرير محل النزاع في التحسين والتقبيح ‪:‬‬
‫أطلق العلماء الحسن والقبح على ثالثة معان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ما الءم الطبع ونافره ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬إنقاذ الغريق ‪ ،‬واتهام البريء ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬صفة الكمال والنقص ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬العلم حسن ‪ ،‬والجهل قبيح ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬المدح والذم الشرعيان عاجالً ‪ ،‬والثواب والعقاب آجالً ‪.‬‬
‫وال نزاع في أنهما باإلطالقين األولين عقليان ‪ ،‬أما اإلطالق الثالث فهو محل‬
‫النزاع ‪ ،‬بمعنى هل يستقل العقل بمعرفة الحكم الشرعي دون ورود الشرع ؟‬
‫(‪)1‬‬
‫ثالثة مذاهب في ذلك ‪:‬‬
‫المذهب األول ‪ :‬الحسن والقبح شرعيان ‪.‬‬
‫وهو مذهب األشاعرة وأكثر األئمة كمالك والشافعي واألوزاعي وأحمد‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 143/1‬وشرح مختصر الروضة ‪ 404 ، 403/1‬وشرح المنار‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫البن ملك ‪ 48 ، 47/‬وغاية الوصول ‪ 7/‬وإرشاد الفحول ‪7/‬‬
‫‪17‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وأهل السنة والفقهاء وبعض الحنفية ‪.‬‬
‫تكليف‬
‫َ‬ ‫وهؤالء قالوا ‪ :‬الحسن ما أمر به الشارع ‪ ،‬والقبيح ما نهى عنه ‪ ،‬فال‬
‫وال ثواب وال عقاب إال بمقتضى الشرع ‪.‬‬
‫وليس معنى ذلك أنهم يعطلون العقل ‪ ،‬ويلغون عمله كما قد يفهم البعض ؛‬
‫(‪)3‬‬
‫وإنما حددوا وظيفته ‪ :‬بأنه وسيلة الستنباط األحكام ‪ ،‬وبه تُفهم قواعد الشرع ‪.‬‬
‫المذهب الثاني ‪ :‬الحسن والقبح عقليان ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وهو مذهب المعتزلة والكرامية والبراهمة والخوارج وغيرهم ‪.‬‬
‫واالستقالل بإدراكها قبل ورود‬
‫ُ‬ ‫وهم يرون ‪ :‬أن العقل يمكنه إظهار األحكام‬
‫الشرع ‪ ،‬فاألفعال عندهم حسنها وقبحها لذاتها ‪.‬‬
‫وليس معنى إدراك العقل لحسن الفعل وقبحه عند المعتزلة أن العقل هو‬
‫المحرم ؛ بل معناه ‪ :‬أن العقل أدرك أن الله تعالى ‪ -‬بحكمته البالغة ‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫الموجب أو‬
‫كل ف بترك المفاسد وتحصيل المصالح ‪ ،‬فالعقل أدرك اإليجاب والتحريم ال أنه‬
‫(‪)5‬‬
‫أوجب وحرم ‪ ،‬فالنزاع معهم في أن العقل أدرك ذلك أم ال ؟ ‪..‬‬
‫والمعتزلة قالوا بالتحسين والتقبيح العقليين ؛ ألن األصلح عندهم واجب على‬
‫الله تعالى بالعقل ‪ ،‬ففعله حسن وتركه قبيح ‪ ،‬والجمهور على أنه ال يجب على الله‬
‫(‪)6‬‬
‫تعالى شيء ‪.‬‬
‫المذهب الثالث ‪ :‬أن العقل ليس مجرد آلة فهم الخطاب ‪ ،‬وإنما قد يدرك حسن‬
‫األفعال وقبحها قبل ورود الشرع بال نظر ‪ :‬كحسن الصدق النافع ‪ ،‬أو بنظر‬
‫واستدالل ‪ :‬كحسن الكذب النافع ‪ ،‬ويدركها كذلك بعد ورود الشرع ‪ :‬كأكثر‬
‫األحكام الشرعية ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 136/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 301/1‬وحاشية نسمات األسحار ‪45/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬تيسير التحرير ‪151/1‬‬
‫اجع البحر المحيط ‪138/1‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المسودة ‪ 484/‬وشرح الكوكب المنير ‪302/1‬‬ ‫(‪ )4‬اإلحكام لآلمدي ‪ ، 77/1‬ويُـ َر َ‬
‫اجع شرح مختصر الروضة ‪406 ، 405/1‬‬ ‫(‪ )5‬شرح الكواكب المنير ‪ ، 303/1‬ويُـ َر َ‬
‫(‪ )6‬شرح المنار البن ملك ‪48/‬‬
‫‪18‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وإليه ذهب الماتريدية وأكثر الحنفية وبعض الشافعية ‪ ،‬واختاره الشوكاني‬
‫‪ ،‬وعلل ذلك بقوله ‪ :‬وإنكار مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسناً أو قبيحاً‬
‫مكابرة ومباهتة ‪ ،‬وأما إدراكه لكون ذلك الفعل الحسن متعلقاً للثواب وكون ذلك‬
‫الفعل القبيح متعلقاً للعقاب فغير مسلم ‪ ،‬وغاية ما تدركه العقول ‪ :‬أن هذا الفعل‬
‫الزَم بين هذا وبين كونه‬
‫الحسن يُ ْم َدح فاعله ‪ ،‬وهذا الفعل القبيح يُ َذم فاعله ‪ ،‬وال تَ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫متعلقاً للثواب والعقاب ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪ ،‬وهو رأي وجيه ومقبول ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫الحكم الشرعي وأقسامه‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف الحكم الشرعي ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الحكم لغةً ‪ :‬المنع ‪ ،‬ويطلق ‪ -‬أيضاً ‪ -‬على الفصل ‪ ،‬وكذا القضاء ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬له تعريفان ‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫األول ‪ :‬عند الفقهاء ‪ .‬وهو ‪ ( :‬مدلول خطاب الشرع أو األثر المترتب عليه ) ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬عند األصوليين ‪..‬‬
‫‪ ،‬وهو ‪ ( :‬خطاب الله تعالى المتعلق‬ ‫والراجح عندي تعريف ابن الحاجب‬
‫(‪)6‬‬
‫بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير أو الوضع ) ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫( خطاب ) ‪ :‬معناه ما يقصد به إفهام من هو متهيئ لفهمه ‪ ،‬وهو كالجنس في التعريف ؛‬
‫اجع ‪ :‬شرح التوضيح للتنقيح ‪ 191 ، 190/1‬والتلويح ‪ 191 ، 190/1‬وتيسير‬ ‫() يُـ َر َ‬
‫التحرير ‪151/1‬‬
‫اجع البحر المحيط ‪138/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬إرشاد الفحول ‪9/‬‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 145 ، 144/1‬والكليات ‪ 380/‬ومختار الصحاح ‪166 ، 165/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪333/1‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬مختصر المنتهى ‪ 220/1‬وفواتح الرحموت ‪54/1‬‬ ‫(‪ )6‬المختصر في أصول الفقه ‪ ، 57/‬ويُـ َر َ‬
‫والمستصفى ‪ 55/1‬والتحصيل ‪ 170/1‬وتغيير التنقيح ‪ 5 ، 4/‬ونشر البنود ‪ 18/1‬ومنهاج‬
‫الوصول مع اإلبهاج ‪43/1‬‬
‫‪19‬‬
‫يشمل خطاب الشرع وخطاب غيره ‪.‬‬
‫( الله تعالى ) ‪ :‬لفظ الجاللة قيد أول ‪ ،‬خرج به خطاب غير الله تعالى ؛ فإنه ال‬
‫يسمى حكماً شرعياً ‪ ،‬وخطاب الله تعالى يشمل الوحي ‪ -‬وهو القرآن الكريم ‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫السنة المطهرة ‪ -‬وما تفرع عنهما من األدلة ‪.‬‬ ‫وغير المباشر ‪ -‬وهي ُّ‬
‫( المتعلق بأفعال المكلفين ) ‪ :‬قيد ثان ‪ ،‬خرج به خطاب الله تعالى المتعلق بغير‬
‫أفعال المكلفين ‪ :‬كالخطاب المتعلق بذاته تعالى وصفاته ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫وم} ‪ ،‬وكالخطاب المتعلق بذات المكلفين ‪ ،‬نحو ‪:‬‬
‫ۡ َ ي ُ (‪)2‬‬
‫ح ٱلقي‬ ‫َّلل ََّلا إ ِّ َل ٰ َه إ ِّ ََّّل ُه َو ۡٱل َ ي‬
‫{ٱ َّ ُ‬
‫َ َّ ُ َ َ َ ُ‬
‫كم مِّن تُ َراب} ‪.‬‬ ‫قوله تعالى {وٱَّلل خلق‬
‫(‪)3‬‬

‫و( المتعلق ) أي المرتبط ( بأفعال ) جمع " فعل " ‪ ،‬وهو ما يصدر عن‬
‫اإلنسان ‪ ،‬ويدخل تحت قدرته ما يـُ ْعتَبَر فعالً عرفاً ؛ ليشمل فعل الجوارح والقلب ‪،‬‬
‫( المكلفين ) جمع " مكلف " ‪ ،‬وهو البالغ العاقل ‪.‬‬
‫( باالقتضاء أو التخيير أو الوضع ) ‪ :‬قيد ثالث ‪ ،‬خرج به نحو قوله تعالى‬
‫ُ‬ ‫خلَ َق ُ‬
‫ك ۡم َو َما َت ۡع َملون} ؛ فإنه خطاب للشارع متعلق بأفعال المكلفين ال‬ ‫َ َّ ُ َ‬
‫{وٱَّلل‬
‫(‪)4‬‬

‫على سبيل االقتضاء أو التخيير أو الوضع ‪ ،‬لذا ال يسمى حكماً شرعياً ‪.‬‬
‫( باالقتضاء ) واالقتضاء معناه الطلب ‪.‬‬
‫وهو قسمان ‪ :‬إما طلب فعل وإما طلب ترك ‪ ،‬وكل واحد منهما إما أن يكون‬
‫جازماً أو غير جازم ‪ :‬فإن كان طلباً للفعل طلباً جازماً فهو اإليجاب ‪ ،‬وإن كان طلباً‬
‫للفعل طلباً غير جازم فهو الندب ‪ ،‬وإن كان طلباً للترك طلباً جازماً فهو التحريم ‪،‬‬
‫وإن كان طلبا للترك طلباً غي ر جازم فهي الكراهة ‪ ،‬فهذه أحكام تكليفية أربعة‬
‫شملتها كلمة االقتضاء ‪.‬‬
‫( أو التخيير ) والمراد به المباح ‪ ،‬وهو الفعل الذي ُخيِّر فيه بين الفعل والترك ‪.‬‬
‫( أو الوضع ) " أو " في التعريف للتنويع والتقسيم ‪ ،‬و" الوضع " هو جعل الشارع‬
‫() شرح المحلي على جمع الجوامع مع البناني ‪50/1‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪255‬‬
‫(‪ )3‬سورة فاطر من اآلية ‪11‬‬
‫(‪ )4‬سورة الصافات ‪ :‬اآلية ‪96‬‬
‫‪20‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشيء على نحو خاص ‪ :‬كجعله الطهارة شرطاً لصحة الصالة ‪.‬‬
‫َ‬
‫ثانياً ‪ -‬أقسام الحكم الشرعي ‪:‬‬
‫بعد الوقوف على تعريف الحكم الشرعي يتضح لنا أنه ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫والثاني ‪ :‬حكم وضعي ‪.‬‬ ‫األول ‪ :‬حكم تكليفي ‪.‬‬
‫وقسمه بعضهم إلى ‪ :‬حكم عملي ؛ وهو الذي يبين كيفية عمل المكلف ‪ ،‬ويبحث‬
‫(‪)2‬‬
‫في الفقه واألصول ‪ ،‬وحكم اعتقادي ؛ وهو الذي يبين مباحث االعتقاد ‪.‬‬
‫* تعريف الحكم التكليفي ‪:‬‬
‫الحكم التكليفي ‪ :‬هو خطاب الشرع ؛ المتعلق بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير ‪.‬‬
‫وس ِّمي " تكليفاً " ألنه إلزام ما فيه كلفة ومشقة ‪ ،‬وإطالقه على اإلباحة من‬ ‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫باب التغليب ‪ ،‬ولذا كان الحكم التكليفي شامالً اإليجاب والندب والتحريم‬
‫والكراهة واإلباحة ‪.‬‬
‫* تعريف الحكم الوضعي ‪:‬‬
‫الحكم الوضعي ‪ :‬هو خطاب الشرع الذي اقتضى وضع شيء سبباً لشيء آخر‬
‫أو شرطاً أو رخصةً أو عزيمةً ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫ط‬
‫وس ِّمي " وضعياً " ألن الشارع هو الذي وضع هذه األسباب للمسببات والشر َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫للمشروط وهكذا ‪.‬‬
‫أقسام الحكم التكليفي ‪:‬‬
‫ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام ‪ :‬إيجاب ‪ ،‬وندب ‪ ،‬وتحريم ‪ ،‬وكراهة ‪،‬‬
‫وإباحة ‪.‬‬
‫وبعضهم جعل األقسام ‪ :‬الواجب ‪ ،‬والمندوب ‪ ،‬والحرام ‪ ،‬والمكروه ‪ ،‬والمباح ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح العضد ‪ 222 ، 221/1‬وبيان المختصر ‪ 326 ، 325/1‬ونهاية‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫السول ‪ 43 ، 42/1‬ومناهج العقول ‪ 42 ، 41/1‬وشرح الكوكب المنير ‪342 - 333/1‬‬
‫وحقائق األصول ‪ 116/1‬وشرح مختصر الروضة ‪254 - 247/1‬‬
‫(‪ )2‬الوجيز في أصول الفقه للزحيلبي ‪286/‬‬
‫اجع البرهان ‪102 ، 101/1‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 127/1‬وإرشاد الفحول ‪7 ، 6/‬‬
‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫‪21‬‬
‫فالتقسيم األول باعتبار نص الشارع ‪ ،‬والتقسيم الثاني باعتبار تعلقه بفعل‬
‫المكلف ‪ :‬فاإليجاب يصبح واجباً ‪ ،‬والندب يصبح مندوباً ‪ ،‬والتحريم يصبح حراماً ‪،‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫والكراهة تصبح مكروهاً ‪ ،‬واإلباحة تصبح مباحاً ‪.‬‬
‫ونوجز القول في كل قسم منها في المطلب التالي بإذن الله تعالى ‪.‬‬
‫الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي والعالقة بينهما ‪:‬‬
‫أما الفروق بينهما فأهمها فرقان ‪:‬‬
‫المقصود منه طلب الفعل من المكلف أو ْتركه أو‬ ‫ُ‬ ‫األول ‪ :‬أن الحكم التكليفي‬
‫التخيير بينهما ‪.‬‬
‫أما الحكم الوضعي فالمقصود منه ليس ما تَقدم ؛ وإنما هو بيان أن الشيء‬
‫سبب أو شرط أو مانع ونحوها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن الفعل المطلوب في الحكم التكليفي ال بد أن يكون في مقدور‬
‫المكلف فعالً أو تركاً ‪.‬‬
‫أما الحكم الوضعي فقد يكون مقدوراً للمكلف ‪ :‬كالسفر الذي هو سبب‬
‫للرخصة ‪ ،‬وقد يكون غير مقدور ‪ :‬كزوال الشمس لصالة الظهر ‪.‬‬
‫وأما العالقة بينهما فلها صورتان ‪:‬‬
‫الصورة األولى ‪ :‬اجتماعهما معاً ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الزنا ؛ فإنه حرام ‪ ،‬وهو حكم تكليف ‪ ،‬وهو ذاته سبب للحد ‪ ،‬ومن هذا‬
‫الوجه كان حكماً وضعياً ‪.‬‬
‫ومثاله أيضاً ‪ :‬السرقة ‪ ،‬فإنها حرام ‪ ،‬وهو حكم تكليف ‪ ،‬وهي ذاتها سبب للحد ‪،‬‬
‫ومن هذا الوجه كانت حكماً وضعياً ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬انفرادهما ‪.‬‬
‫مثال انفراد خطاب الوضع ‪َ :‬ح َوالَن الحول شرطاً لوجوب الزكاة ‪ ،‬والبلوغ شرطاً‬
‫للتكليف ‪ ،‬ورؤية الهالل شرطاً لوجوب الصيام ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ومثال انفراد خطاب التكليف ‪ :‬ترك المنكرات واجتناب المحرمات ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬مسلم الثبوت ‪ 59/1‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪50/1‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬الفروق ‪ 164 ، 163/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 344 ، 343/1‬وأصول الفقه‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اإلسالمي لزكي الدين شعبان ‪216 - 214/‬‬
‫‪22‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫أقسام الحكم التكليفي‬

‫القسم األول ‪ :‬الواجب‬


‫أوالً ‪ -‬تعريف الواجب ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الواجب في اللغة ‪ :‬الساقط ‪ ،‬ويطلق ‪ -‬أيضاً ‪ -‬على الثابت ‪ ،‬وكذا على الالزم ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬الفعل الذي طلبه الشارع من المكلف على سبيل الحتم واإللزام ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ما يُ َذم تاركه ويُ ْم َدح فاعله ‪.‬وقيل ‪ :‬هو ما يثاب فاعله ويعاقَب تاركه ‪.‬‬
‫واإليجاب ‪ :‬خطاب الشارع الطالب للفعل طلباً جازماً‬
‫(‪)2‬‬
‫والوجوب ‪ :‬هو األثر المترتب على اإليجاب ‪.‬‬
‫َ َ ُ ْ َّ َ‬
‫ٱلصل ٰوة} ؛ فهذا الخطاب الطالب إلقامة‬ ‫مثال ذلك ‪ :‬قوله تعالى {وأقِّيموا‬
‫الصالة هو اإليجاب ‪ ،‬واألثر المترتب على هذا اإليجاب هو وجوب الصالة ‪،‬‬
‫وفعلها من المكلف هو الواجب ‪.‬‬
‫ولذا فإنا نقول ‪ :‬حكم إقامة الصالة المفروضة الوجوب ‪ ،‬ودليل ذلك اآلية‬
‫الكريمة ‪ ،‬وهي نص الشارع ‪ ،‬وهذا النص هو اإليجاب ‪ ،‬وحينما يتعلق بفعل‬
‫المكلف تكون في حقه واجبةً ‪.‬‬
‫* الفرق بين الفرض والواجب ‪:‬‬
‫الفرض والواجب مترادفان عند الجمهور ( غير الحنفية ) ‪.‬‬
‫وأما عند الحنفية فإنهما متغايران ‪..‬‬
‫فالفرض ‪ :‬ما ثبت بدليل قطعي ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قراءة القرآن في الصالة ؛ فإنها ثابتة‬
‫ۡ‬ ‫بمقتضى قوله تعالى {فَٱقۡ َر ُءوا ْ َما تَيَ َّ َ‬
‫َّس م َِّن ٱل ُق ۡر َءان} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 734/‬والمصباح المنير ‪648/2‬‬‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬


‫اجع ‪ :‬حاشية النفحات ‪ 18/‬ونهاية السول ‪ 56 - 54/1‬والبحر المحيط ‪176/1‬‬‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫ومسلم الثبوت ‪ 59/1‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪ 51 ، 50/1‬وشرح التلويح ‪123/1‬‬
‫وأصول الفقه للبرديسي ‪57 - 49/‬‬
‫(‪ )3‬سورة المزمل من اآلية ‪20‬‬
‫‪23‬‬

‫{الَ َ‬
‫صالَ َة ل َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ‬
‫والواجب ‪ :‬ما ثبت بدليل ظنِّي ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله‬
‫ب َفات َحة الْكتَاب}‬
‫(‪)2( )1‬‬
‫‪.‬‬
‫أثر هذا االختالف في األحكام ‪:‬‬
‫ترتب على االختالف بين العلماء في الفرض والواجب اآلثار الفقهية التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن منكر الفرض عند الحنفية كافر ؛ إلنكاره ما ثبت عن الشارع بدليل قطعي ‪،‬‬
‫ومن أنكر الواجب فال يكفر ؛ ألنه ثابت بدليل ظنِّي ‪،‬‬ ‫نحو ‪ :‬إنكار الصالة والزكاة ‪َ ،‬‬
‫نحو ‪ :‬صالة الوتر وقراءة الفاتحة في الصالة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وغير الحنفية يرون ما رآه الحنفية في حكم منكر الفرض والواجب ‪.‬‬
‫‪َ -2‬من ترك قراءة الفاتحة في الصالة فصالته ال تبطل عند الحنفية ؛ ألن قراءتها‬
‫واجبة ‪ ،‬بخالف ترك قراءة القرآن ؛ فإنه يبطلها ؛ لثبوتها بدليل قطعي ‪ ،‬والجمهور‬
‫يبطلونها بترك قراءة الفاتحة ‪.‬‬
‫وجمهور األصوليين يرون أن الخالف بين الحنفية وغيرهم خالف لفظي ‪ ،‬ولكنا‬
‫(‪)4‬‬
‫نرى أثراً فقهياً له كما تقدم ‪.‬‬
‫ثانياً – صيغ اإليجاب ‪:‬‬
‫اإليجاب في نصوص الشريعة له صيغ ‪ ،‬نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ۡ ُ ْ‬
‫ۡشكوا بِّهِّۦ َش ۡئا} ‪.‬‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى {وٱعبدوا ٱَّلل وَّل ت ِّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ -1‬صيغة ( افعل ) ‪ ،‬نَ ْ‬
‫س فَـلْيُ َخ ِّفف} ‪.‬‬ ‫‪ -2‬المضارع المقترن بالم األمر ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله { َم ْن أَم الناَ َ‬
‫(‪)6‬‬

‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬


‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 107/‬ومختصر صحيح مسلم ‪ 81/‬برواية أخرى ‪.‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬أصول السرخسي ‪ 113 - 110/1‬والمستصفى ‪ 66/1‬والتحصيل ‪، 172/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪ 173‬والتلويح وشرح التوضيح ‪ 124 ، 123/1‬ونشر البنود ‪ 28/1‬وغاية الوصول ‪11/‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح المنار البن ملك ‪ 196 ، 195/‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪ 55/1‬وأصول‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫الفقه ألبي زهرة ‪26/‬‬
‫(‪ )4‬شرح المحلي مع البناني ‪88/1‬‬
‫(‪ )5‬سورة النساء من اآلية ‪36‬‬
‫(‪ )6‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه عبد الرزاق في المصنف ‪ 366/2‬برقم ( ‪ ) 3726‬والطبراني في‬
‫‪.‬‬ ‫المعجم الكبير ‪ 206/17‬برقم ( ‪ ) 555‬عن أبي مسعود األنصاري‬
‫‪24‬‬
‫َ َ‬
‫ك َّفٰ َرتُ ُه اۥ إ ۡط َع ُ‬
‫ام َع َ َ‬
‫ۡشة ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫{ف‬ ‫‪ -3‬المصدر الدال على طلب الفعل ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫سكِّني} أي فَ َك ِّف ُروا ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َم َ ٰ‬
‫َ َ َ ُ ۡ َ ُ ۡ َ ُ ََاُ ُ‬
‫كم} أي الزموا‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {مَكنكم أنتم وُشكؤ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -4‬اسم فعل األمر ‪ ،‬نَ ْ‬
‫مكانكم ‪.‬‬
‫‪ -5‬األلفاظ الموضوعة لإليجاب واإللزام ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫ض ُهن الله} ‪.‬‬ ‫{ َخ َْم َُ‬
‫(‪)3‬‬
‫صلَ َوات افْـتَـ َر َ‬
‫س َ‬ ‫ۡ‬
‫‪ -‬لفظ " فرض " ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله‬
‫َّ َٰ‬
‫‪ -‬لفظ األمر ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َوأ ُم ۡر أ ۡهل َك بِّٱلصلوة} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫ُ َ َ َۡ ُ‬
‫ٱلصيَام} ‪.‬‬ ‫ب عليك ُم ِّ‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {كتِّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ -‬لفظ " كتب " ‪ ،‬نَ ْ‬
‫َ َّ ا‬ ‫َّ‬ ‫َّ ۡ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى { َو َمن ل ۡم يُؤ ِّم ۢن بِّٱَّللِّ َو َر ُس ِّ‬
‫وِلِّۦ فإِّنا‬ ‫َ‪ -6‬الوعيد على ترك الفعل ‪ ،‬نَ ْ‬
‫ََۡۡ ۡ َ‬
‫ين َسعِّريا} ‪.‬‬ ‫كٰفِّر َ‬
‫(‪)6‬‬
‫ِّ‬ ‫أعتدنا ل ِّل‬

‫ثالثاً ‪ -‬تقسيمات الواجب ‪:‬‬


‫ينقسم الواجب إلى تقسيمات عدة باعتبارات مختلفة ‪ ،‬نذكرها فيما يلي ‪:‬‬
‫التقسيم األول ‪ :‬باعتبار ذاته ‪:‬‬
‫ينقسم الواجب باعتبار ذاته إلى ‪ :‬واجب معين وواجب مخير ‪.‬‬
‫والواجب المعين ‪ :‬هو الفعل الذي طلبه الشارع بعينه طلبا جازما بال تخيير ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬العبادات المفروضة من صالة وزكاة وصوم ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫والواجب المخير ‪ :‬هو الذي طلبه الشارع مبهماً ض ْمن أمور معينة ‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ك َّفٰ َرتُ ُه اۥ إ ۡط َع ُ‬
‫ام َع َ َ‬
‫ۡشة ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫مثاله ‪ :‬التخيير بين خصال كفارة اليمين في قوله تعالى {ف‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َٰ َ ۡ َۡ َ َ ُۡ ُ َ َ ۡ‬
‫ِّ‬ ‫ِّيك ۡم أ ۡو ك ِّۡس َو ُت ُه ۡم أ ۡو ََتۡر ُ‬
‫ير َر َقبَة َف َمن لَّ ۡم ََي ۡد فَصيَ ُ‬
‫ام‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫مسكِّني مِّن أوس ِّط ما تطعِّمون أ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫(‪ )1‬سورة المائدة من اآلية ‪89‬‬
‫(‪ )2‬سورة يونس من اآلية ‪28‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه أبو داود في سننه ‪ 115/1‬برقم ( ‪ ) 425‬وابن ماجه في سننه ‪449/1‬‬
‫برقم ( ‪ ) 1401‬وأحمد في مسنده ‪ 377/37‬برقم ( ‪ ) 22704‬عن عبادة بن الصامت ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة طه من اآلية ‪132‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة من اآلية ‪183‬‬
‫(‪ )6‬سورة الفتح ‪ :‬اآلية ‪13‬‬
‫‪25‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ٰ َ َّ َ ٰ َ َّ ٰ َ ُ ۡ َ ٰ ُ‬
‫ِّك ۡم إِّذا َحل ۡفتُم} ‪ ،‬والجمهور على أن الواجب من هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫ثلثةِّ أيام ذل ِّك كفرة أيمن‬
‫الخصال الثالث ‪ -‬اإلطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة ‪ -‬واحد ال بعينه ‪ ،‬ولذا كان‬
‫المكلف مخيراً بينها ‪.‬‬
‫وليس معنى الواجب المخير أن المكلف مخير بين جواز الترك وعدمه في شيء‬
‫واحد ؛ ألنه التناقض بعينه ‪ ،‬والشرع منزه عنه ؛ وإنما معناه ‪ :‬أن الذي وجب مبهم‬
‫لم يُ َخيـ ْر فيه ‪ ،‬والمخير فيه هو كل الخصال المعينة ولم يجب منها شيء ‪ ،‬وإن‬
‫كان كل منها يتأدى به الواجب ‪ ،‬فالذي هو متعلق الوجوب ال تخيير فيه ‪ ،‬والذي‬
‫(‪)2‬‬
‫هو متعلق التخيير ال وجوب فيه ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ‪ :‬باعتبار فاعله ‪:‬‬
‫ينقسم الواجب باعتبار الملزم بفعله إلى ‪ :‬واجب عيني وواجب كفائي ‪.‬‬
‫الواجب العيني ‪ :‬هو الفعل الذي طلبه الشارع طلباً جازماً من كل مكلف بذاته ‪،‬‬
‫أو من واحد معين بخصوصه ‪ :‬كخصائص النبي ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مثاله ‪ :‬أركان اإلسالم ‪ ،‬وصلة الرحم ‪ ،‬واألضحية في حقه‬
‫حكمه ‪ :‬أنه يجب اإلتيان به على كل مكلف به ‪ ،‬وال يسقط بفعل بعض‬
‫المكلفين ‪ ،‬وإذا تركه المكلف أثم ‪.‬‬
‫والواجب الكفائي ‪ :‬هو ما طلبه الشارع حتماً من غير نظر بالذات إلى فاعله ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬تجهيز الميت ‪ ،‬والصالة عليه ودفنه ‪ ،‬وطلب العلم الشرعي ‪ ،‬وتعلم‬
‫الحرف والصناعات ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬الوجوب على جميع المكلفين ‪ ،‬فإ ْن فعله البعض أجزأ وسقط اإلثم‬
‫عن الباقين ‪ ،‬وإن لم يفعله البعض أثم الكل ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة المائدة من اآلية ‪89‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر المنتهى وشرح العضد ‪ 239 - 236/1‬وشرح الكوكب المنير ‪380/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫وشرح تنقيح الفصول ‪ 152/‬ومنتهى السول ‪ 24 ، 23/1‬والتمهيد لإلسنوي ‪80 ، 79/‬‬
‫والمستصفى ‪ 67/1‬والقواعد والفوائد األصولية ‪59/‬‬
‫اجع ‪ :‬التمهيد لإلسنوي ‪ 74/‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 155/‬وغاية الوصول ‪260/‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫واإلبهاج ‪ 101/1‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪ 110/1‬واألمر عند األصوليين ‪381/1‬‬
‫‪26‬‬
‫ومقصود األمر في الواجب الكفائي ‪ :‬هو حصول الفعل ‪ ،‬بصرف النظر عن فاعله ‪.‬‬
‫ابتالء له بتحصيل الفعل‬‫ً‬ ‫ومقصوده في الواجب العيني ‪ :‬هو الفاعل ذاته ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المطلوب ‪.‬‬
‫تعيين الواجب الكفائي ‪:‬‬
‫الواجب الكفائي قد ينقلب واجباً عينياً في حاالت ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا ظن المكلف أن غيره ال يقوم بالواجب الكفائي ؛ فيجب عليه القيام به‬
‫سواء قام غيره به أم ال ‪ :‬كما إذا ُوجد عالِم يصلح للقضاء أو الفتوى أو طبيب‬
‫وهناك غيره ويغلب على ظنه عدم قيام هذا الغير بذلك الواجب ‪.‬‬
‫أما إذا انفرد كل واحد من هؤالء فإنه يكون في حقهم واجباً عينياً ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬وجود مكلف واحد للصالة على الميت ‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا عين اإلمام شخصاً للصالة أو الجهاد أو القضاء ‪ ،‬فيصبح في حقه واجباً‬
‫عينياً ال كفائياً ‪ ،‬فإ ْن تركه أثم ‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا دخل الكفار بالد اإلسالم كان الجهاد واجباً عينياً على جميع أهل هذه‬
‫(‪)2‬‬
‫البلدة ‪ ،‬ووجب عليهم حمل السالح والدفاع عن دينهم وأرضهم ‪.‬‬
‫والسنة العينية ‪ :‬هي الفعل الذي طلبه الشارع طلباً غير جازم من كل مكلف‬
‫بذاته ‪ ،‬أو من واحد معين بخصوصه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مثالها ‪ :‬سنن الوضوء ‪ ،‬وسنن الصالة ‪ ،‬وصوم النفل ‪.‬‬
‫والسنة الكفائية ‪ :‬هي الفعل الذي طلبه الشارع طلباً غير جازم ‪ ،‬مع قطع النظر عن‬
‫اجع ‪ :‬شرح العضد ‪ 234/1‬والتمهيد لإلسنوي ‪ 74/‬وشرح لب األصول ‪28/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫والمحصول ‪ 188/1‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 155/‬والمسودة ‪ 30/‬والبحر المحيط ‪246/1‬‬
‫وشرح الكوكب المنير ‪ 376/1‬ونشر البنود ‪ 191 ، 190/1‬وغاية الوصول ‪264 ، 263/‬‬
‫والتمهيد ‪70/‬‬
‫اجع ‪ :‬حقائق األصول ‪ 218/1‬والبحر المحيط ‪ 251/1‬والضياء الالمع ‪327/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫وشرح الكوكب المنير ‪ 376/1‬وأصول الفقه اإلسالمي ‪ 64/1‬واألمر عند األصوليين ‪405/2‬‬
‫اجع ‪ :‬المنثور في القواعد ‪ 210/2‬ونهاية السول ‪ 125/1‬والتمهيد لإلسنوي ‪75/‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫واألمر عند األصوليين ‪ 389/1‬والقواعد والفوائد ‪156/‬‬
‫‪27‬‬
‫فاعله ‪.‬‬
‫مثالها ‪ :‬ابتداء السالم ‪ ،‬وذلك حينما تلقى جماعة واحداً أو جماعةً فسلم‬
‫غيره أو‬
‫واحد منهم كان ذلك كافياً ألداء السنة ‪ ،‬أما إذا كان رجالً واحداً فلقي َ‬
‫جماعةً فيكون إلقاء السالم في حقه ُسنةَ عين ‪ ،‬وأما رد السالم فهو فرض كفاية‬
‫(‪)1‬‬
‫على الجماعة وفرض عين على الواحد ‪.‬‬
‫ومثالها أيضاً ‪ :‬تشميت العاطس ‪ ،‬واألضحية عن أهل البيت على رأي الجمهور ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وعند الحنفية تجب على كل مسلم حر مقيم موسر ‪.‬‬
‫التقسيم الثالث ‪ :‬تقسيم الواجب باعتبار وقت أدائه ‪:‬‬
‫ينقسم الواجب بهذا االعتبار إلى قسمين ‪ :‬واجب مطلق وواجب مقيد ‪.‬‬
‫فالواجب المطلق ‪ :‬هو الذي طلب الشارع فعله بغير تحديد وقت ألدائه ‪،‬‬
‫ويبرأ المكلف بفعله ‪ ،‬وال إثم عليه في التأخير ‪ ،‬والمبادرة به أَ ْولى ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬كفارة اليمين ‪ ،‬والنذر غير المحدد بوقت ‪.‬‬
‫والواجب المقيد ‪ :‬هو الذي طلب الشارع فعله في وقت محدد ‪ ،‬فإن خرج‬
‫عنه بغير عذر كان آثماً ‪.‬‬
‫والواجب المقيد إما أن يؤدى قبل وقته ‪ ،‬أو فيه دون إعادة ‪ ،‬أو مع اإلعادة ‪،‬‬
‫أو بعده ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فالمحصلة أربعة أقسام ‪ :‬تعجيل وأداء وإعادة وقضاء ‪ ،‬نفصلها فيما يلي ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫األول ‪ :‬التعجيل ‪ ،‬وهو ‪ :‬وقوع الواجب قبل وقته ‪ ،‬حيث جوزه الشارع ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬جمع الصالة تقديماً فيما رخصه الشارع ‪ ،‬وجواز تعجيل الزكاة ‪ ،‬وهو ما‬
‫(‪)5‬‬
‫صدقة‬ ‫ذهب إليه الجمهور ؛ ل َما ثبت أن النبي تعجل من عمه العباس‬
‫اجع ‪ :‬التمهيد لإلسنوي ‪ 75/‬واألشباه والنظائر للسيوطي ‪ 418/‬وشرح المحلي مع‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫البناني ‪ 186/‬ونشر البنود ‪ 194/1‬والضياء الالمع ‪ 328/1‬واألمر عند األصوليين ‪396/1‬‬
‫اجع ‪ :‬بداية المجتهد ‪ 249/1‬واالختيار ‪16/5‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬بيان المختصر ‪ 74/2‬وشرح الكوكب المنير ‪ 363/1‬وغاية الوصول ‪214/‬‬‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬نهاية السول ‪ 90/1‬وغاية الوصول ‪215/‬‬
‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المبسوط ‪ 24/3‬وبداية المجتهد ‪ 274/1‬والمهذب ‪ 43/1‬والمغني البن‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫قدامة ‪500/2‬‬
‫‪28‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سنتين ل َما رأى من حاجة فقراء المسلمين إلى ذلك ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الثاني ‪ :‬األداء ‪ ،‬وهو ‪ :‬الواجب الذي فعله المكلف في وقته المقدر له شرعاً ‪.‬‬
‫ووقت األداء هذا ينقسم إلى ‪ :‬مضيق وموسع ‪..‬‬
‫غيره‬
‫فالواجب المضيق ‪ :‬هو الفعل الذي طلبه الشارع حتما في وقت ال يسع َ‬
‫من جنسه ‪.‬‬
‫آخر ‪ ،‬ولذا كان‬
‫مثاله ‪ :‬صوم شهر رمضان ؛ فإن شهر رمضان ال يسع صياماً َ‬
‫(‪)3‬‬
‫مضيقاً ‪.‬‬
‫والواجب الموسع ‪ :‬هو الفعل الذي طلبه الشارع حتماً في وقت يسع الفعل‬
‫غيره من جنسه ‪.‬‬‫ويسع َ‬
‫مثاله ‪ :‬أداء الصلوات في أوقاتها المحددة ببداية ونهاية ‪.‬‬
‫والجمهور على أن الوجوب متعلق بجميع أجزاء الوقت ‪ ،‬وأن المكلف مخير‬
‫(‪)4‬‬
‫بإيقاع الفعل في أي واحد منها ‪ ،‬مع جواز ترك الواجب أول الوقت بال بدل ‪.‬‬
‫وزاد الحنفية قسماً ثالثاً ‪ ،‬وهو ‪ :‬الواجب ذو الشبهين ‪ ،‬أي أنه يشبه المضيق‬
‫من جهة ‪ ،‬ويشبه الموسع من جهة أخرى ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الحج ؛ فإنه يشبه المضيق في أنه ال يصح في العام إال حجاً واحداً ‪،‬‬
‫ويشبه الموسع في أن أداء أركان الحج ال تستغرق كل أوقاته ‪ ،‬بل الوقت يسعها‬
‫(‪)5‬‬
‫ويسع غيرها ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬اإلعادة ‪ ،‬وهي ‪ :‬إيقاع العبادة في وقتها بعد تقدم إيقاعها على خلل في‬
‫اجع السنن الكبرى للبيهقي ‪111/4‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬مختصر المنتهى ‪ 232/1‬والتمهيد لإلسنوي ‪ 63/‬والمختصر في أصول الفقه ‪59/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المعتمد ‪ 125 ، 124/1‬وفواتح الرحموت ‪ 69/1‬وأصول الفقه للشيخ‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫زهير ‪101/1‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح تنقيح الفصول ‪ 150/‬ونشر البنود ‪ 181/1‬وأصول الفقه اإلسالمي ‪50/1‬‬
‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬كشف األسرار للنسفي ‪ 117 ، 116/1‬وكشف األسرار للبخاري ‪449/1‬‬ ‫(‪)5‬يُـ َر َ‬
‫وتيسير التحرير ‪ 188/2‬والتقرير والتحبير ‪ 119/1‬وشرح إفاضة األنوار ‪ 54/‬وحاشية‬
‫نسمات األسحار ‪ 59 - 54/‬وشرح التوضيح مع التلويح ‪ 203 ، ،202/1‬وأصول الفقه‬
‫للخضري ‪39 - 35/‬‬
‫‪29‬‬
‫األجزاء ‪ :‬كمن صلى بدون ركن ‪ ،‬أو في الكمال ‪ :‬كصالة المنفرد ثم أعادها مع‬
‫(‪)1‬‬
‫الجماعة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الرابع ‪ :‬القضاء ‪ ،‬وهو ‪ :‬فعل العبادة بعد خروج وقتها ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأكثر العلماء على أن القضاء يستلزم أمراً جديداً ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فقضاء الصيام واجب بمقتضى قوله تعالى {فَعِّ َّدة ‪ ٞ‬م ِّۡن أيَّا ٍم أ َخر} ‪ ،‬وليس‬
‫(‪)4‬‬

‫ُ َ ََ ُ‬
‫ب عل ۡيك ُم‬ ‫واجباً بمقتضى األمر بوجوب الصيام في قوله تعالى {كت ِّ‬
‫ۡ‬
‫ٱلش ۡه َر فَليَ ُص ۡمه}‬
‫ُ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱلصيَام} وقوله تعالى {ف َمن ش ِّه َد مِّنكم‬
‫(‪)7( )6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫صالَة أ َْو نَسيَـ َها‬ ‫ام َع ْن َ‬ ‫{ َم ْن نَ َ‬ ‫وقضاء الصالة واجب بمقتضى قوله‬
‫ك َوقْـتَـ َها} ‪ ،‬وليس قضاؤها واجباً بمقتضى األمر‬
‫(‪)8‬‬
‫صلِّ َها إذَا ذَ َك َرَها ؛ فَإن َذل َ‬
‫فَـلْيُ َ‬
‫َ ُ ْ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ٱلصل ٰوة} ‪.‬‬ ‫بوجوب الصالة في قوله تعالى {وأقِّيموا‬
‫(‪)9‬‬

‫رابعاً ‪ -‬مقدمة الواجب ( ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ) ‪:‬‬


‫معنى مقدمة الواجب ‪ :‬هي األمور التي تلزم لتحقيق الواجب قبل الدخول في حقيقته ‪،‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح تنقيح الفصول ‪ 76/‬وشرح المحلي على جمع الجوامع مع البناني ‪118/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫والضياء الالمع ‪243/1‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح اللمع ‪ 235/1‬والمحصول ‪ 27/1‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 73/‬وروضة‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫الناظر ‪57/‬‬
‫اجع ‪ :‬البرهان ‪ 226/1‬والمستصفى ‪ 11/2‬والمحصول ‪ 325/1‬وكشف األسرار‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫للبخاري ‪ 315/1‬ومختصر المنتهى ‪92/2‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة من اآلية ‪184‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة من اآلية ‪183‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة من اآلية ‪185‬‬
‫اجع ‪ :‬أحكام القرآن للجصاص ‪ 208 - 183/1‬والجامع ألحكام القرآن ‪، 281/2‬‬ ‫(‪ )7‬يُـ َر َ‬
‫‪299 ، 282‬‬
‫(‪ )8‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 92 ، 91/‬برقم ( ‪ ) 346‬ومختصر صحيح مسلم ‪، 67/‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪ 68‬برقم ( ‪. ) 229‬‬
‫اجع ‪ :‬أصول السرخسي ‪ 45/1‬واإلحكام لآلمدي ‪ 201 ، 200/2‬وشرح طلعة‬ ‫(‪ )9‬يُـ َر َ‬
‫الشمس ‪45/1‬‬
‫‪30‬‬
‫وهذا الالزم قد يكون سبباً أو شرطاً ‪.‬‬
‫والجمهور على أن مقدمة الواجب واجبة ‪ ،‬سواء كانت سبباً أو شرطاً ‪ ،‬شرعياً‬
‫كان أم عقلياً أم عادياً في كل منهما ‪.‬‬
‫أقسام مقدمة الواجب ‪:‬‬
‫تنقسم مقدمة الواجب إلى قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬ما يتوقف عليها وجود الواجب في الخارج شرعاً ‪ :‬كتوقف الصالة‬
‫على الطهارة ‪ ،‬أو عقالً ‪ :‬كتوقف الحج على السفر إلى تلك البقاع المخصوصة ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬ما يتوقف عليها العلم بحصول الواجب ‪.‬‬
‫ولها صورتان ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن يكون الواجب ملتبساً بغيره ‪ ،‬فيجب اإلتيان بذلك الغير ليحصل العلم‬
‫بحصول الواجب ‪ :‬كمن ترك صالةً من الخمس ولم يَ ْدر عينها ؛ فإنه يجب عليه‬
‫اإلتيان بالصلوات الخمس ؛ ليتحقق اإلتيان بالصالة المتروكة ‪ ،‬فالواجب هنا‬
‫الصالة المتروكة ‪ ،‬ومقدمته اإلتيان بالصلوات الخمس ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يكون الواجب مميزاً عن غيره ‪ ،‬لكن يمتنع اإلتيان بالواجب عادةً إال‬
‫مع اإلتيان بذلك الغير ؛ التصاله به ‪ :‬كستر الفخذ ؛ فإنه واجب ‪ ،‬وال يمكن‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلتيان به إال بستر شيء من الركبة ‪ ،‬فوجب ستر شيء منها ‪.‬‬
‫* الفرق بين مقدمة الواجب ومقدمة الوجوب ‪:‬‬
‫مقدمة الواجب كما عرفنا آنفاً ‪.‬‬
‫أما مقدمة الوجوب ‪ :‬وهي التي يتعلق بها التكليف بالواجب ‪ ،‬أو يتوقف شغل‬
‫وح َوالن‬
‫الذمة عليها ‪ :‬كدخول الوقت بالنسبة للصالة ‪ ،‬ونحو االستطاعة لوجوب الحج ‪َ ،‬‬
‫الحول لوجوب الزكاة ‪ ،‬وهذه المقدمة غير واجبة على المكلف باتفاق ؛ ألنها ليست‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن أدرجها من األصوليين في مقدمة الواجب فقد جانبه الصواب ‪.‬‬ ‫في مقدوره ‪َ ،‬‬
‫اجع ‪ :‬حقائق األصول ‪ 234 ، 233/1‬واإلبهاج ‪ 113 ، 112/1‬ونهاية السول ‪، 135/1‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪ 136‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪122 ،121/1‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 223/1‬وأصول الفقه اإلسالمي ‪ 67/1‬ومباحث الحكم ‪، 88/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪ 89‬ومباحث الواجب ‪835/‬‬
‫‪31‬‬
‫أثر مقدمة الواجب على األحكام ‪:‬‬
‫تفرع على مقدمة الواجب كثير من الفروع الفقهية ‪ ،‬نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فيجب غسل الجميع وتكفينهم‬
‫والصالة عليهم ‪ ،‬والواجب هنا غسل موتى المسلمين وتكفينهم والصالة عليهم ‪،‬‬
‫وال يتحقق أداء هذا الواجب إال بغسل وتكفين والصالة على َمن مات معهم من‬
‫الكافرين ‪ ،‬ولذا كان فعل ذلك مع الكافرين واجباً ؛ ألنه مقدمة للواجب ‪ ،‬وال يتم‬
‫إال به ‪ ،‬وينوي الصال َة على المسلمين منهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬غسل جميع الوجه واجب في الوضوء ‪ ،‬ويجب غسل جزء من الرأس ؛ ألن‬
‫(‪)1‬‬
‫الواجب ال يتحقق عادةً إال به ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬المندوب‬


‫(‪) 2‬‬
‫المندوب لغةً ‪ :‬المطلوب والدعاء إلى الفعل ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬هو الفعل الذي طلبه الشارع طلباً غير جازم ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما يثاب على فعله وال يعاقَب على تركه‬
‫(‪)3‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما يُ ْم َدح فاعله وال يُ َذم تاركه ‪.‬‬
‫وأما الندب ‪ :‬فهو خطاب الشارع الطالب للفعل طلباً غير جازم ‪..‬‬
‫فقوله تعالى {فَ ََكت ِّبُ ُ‬
‫وه ۡم إ ِّ ۡن َعل ِّۡمتُ ۡم فِّي ِّه ۡم َخ ۡريا} يُـ َعد ندباً لمكاتَبة الرقيق ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وفعل المكاتَبة نفسه يكون مندوباً ‪ ،‬وحينما يتعلق بفعل المكلف يكون مندوباً كذلك ‪.‬‬
‫ويسمى المندوب ‪ُ :‬سنةً ونافلةً وتطوعاً ومستحباً ومرغباً فيه ‪ ،‬وهذه األسماء‬
‫كلها مترادفة عند جمهور األصوليين ‪.‬‬
‫وقال القاضي حسين والبغوي ‪ -‬رحمهما الله تعالى ‪ -‬من الشافعية ‪ :‬السنة ‪:‬‬
‫ما واظب عليه النبي ‪ ،‬والمستحب ‪ :‬ما فعله مرًة أو مرتين ‪ ،‬والتطوع ‪ :‬ما ينشئه‬
‫اجع ‪ :‬التمهيد لإلسنوي ‪ 86 ، 85/‬والقواعد والفوائد ‪ 85/‬والمحصول ‪292/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 676/‬والمصباح المنير ‪ 597/2‬وروضة الناظر ‪39/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬اإلبهاج ‪ 56/1‬وشرح مختصر الروضة ‪353/1‬‬
‫(‪ )3‬الورقات مع حاشية النفحات ‪ ، 20/‬ويُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬سورة النور من اآلية ‪33‬‬
‫‪32‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلنسان باختياره ‪ ،‬ولم يَر ْد فيه نقل ‪.‬‬
‫والسنة عند الفقهاء ‪ :‬هي النافلة والمندوب ‪ ،‬أي ما ثبت عن النبي من غير‬
‫وجوب ‪.‬‬
‫وعند األصوليين ‪ :‬ما ثبت عن النبي قوالً أو فعالً أو تقريراً ‪.‬‬
‫من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو‬ ‫وعند المحدِّثين ‪ :‬ما أُثر عن النبي‬
‫سيرة ‪.‬‬
‫وقد يستعملونها في مقابل البدعة ‪ ،‬وفي الصدر األول على طريقة الخلفاء‬
‫(‪)2‬‬
‫الراشدين ‪.‬‬
‫صيغ الندب ‪:‬‬
‫للندب في نصوص الشرع صيغ ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في الفعل ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله { َخ ْيـ ُرُك ْم َم ْن تَـ َعل َم الْ ُق ْرآ َن َو َعل َمه} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ -2‬ذكر الثواب عليه ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله { َم ْن بَـنَى لله َم ْسجداً بَـنَى اللهُ لَهُ بَـ ْيتاً في‬
‫ْجنة} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ال َ‬
‫‪ -3‬األمر مع قرينة صارفة له عن الوجوب ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله { َ‬
‫صلُّوا قَـ ْب َل ال َْمغْرب‬
‫صلُّوا قَـ ْب َل ال َْمغْرب َرْك َعتَـ ْين} ثم قال {ل َم ْن َشاء} ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫َرْك َعتَـ ْين ‪َ ..‬‬
‫ل َما يـُتَـ َقرب به دون دليل يدل على الوجوب ‪ :‬كصومه يوم‬ ‫‪ -4‬ف ْعل النبي‬
‫اجع ‪ :‬اإلبهاج ‪ 58 ، 57/1‬وحقائق األصول ‪ 140/1‬وحاشية العطار ‪، 126/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪ 127‬وغاية الوصول ‪ 11/‬والمحصول ‪21 ، 20/1‬‬
‫‪ 704/2‬ومباحث في‬ ‫اجع ‪ :‬بحوث من السنة المطهرة ‪ 45/1‬وأفعال الرسول‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫علوم الحديث ‪13 ، 12/‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري في صحيحه ‪ 192/6‬برقم ( ‪ ) 5027‬والنسائي في سننه‬
‫الكبرى ‪ 267/7‬برقم ( ‪ ) 7983‬وأبو داود في سننه ‪ 70/2‬برقم ( ‪ ) 1452‬عن سيدنا‬
‫‪.‬‬ ‫عثمان بن عفان‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه ابن أبي شيبة في المصنف ‪ 275/1‬برقم ( ‪ ) 3159‬والطبراني في‬
‫‪.‬‬ ‫األوسط ‪ 347/6‬برقم ( ‪ ) 6586‬عن السيدة عائشة‬
‫(‪ )5‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه أبو داود في سننه ‪ 26/2‬برقم ( ‪ ) 1281‬واإلمام أحمد في‬
‫مسنده ‪ 171/34‬برقم ( ‪ ) 20552‬عن عبد الله المزني ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫(‪)2( )1‬‬
‫‪.‬‬ ‫االثنين والخميس‬
‫أثر المندوب في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على المندوب أنه ‪ :‬هل يلزم بالشروع فيه أو ال ؟‬
‫قوالن للعلماء في ذلك ‪:‬‬
‫يؤاخذ بقطعه ؛ ألنه غير الزم ‪.‬‬ ‫األول ‪ :‬أنه ال يلزم ‪ ،‬وال َ‬
‫‪.‬‬ ‫وهو ما ذهب إليه الجمهور ‪ ،‬واختيار اإلمام الشافعي‬
‫فمن شرع في نفل ثم أفسده‬ ‫الثاني ‪ :‬أن النفل يكون الزماً بالشروع فيه ‪ ،‬وعليه َ‬
‫يجب عليه القضاء ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو ما ذهب إليه الحنفية ‪ ،‬ونُقل عن اإلمام مالك‬
‫(‪)3‬‬
‫وعلى القول األول ال قضاء عليه ‪.‬‬
‫اء‬
‫ام ‪َ ،‬وإ ْن َش َ‬ ‫صَ‬ ‫اء َ‬ ‫وحجة األول ‪ :‬حديث {الصائ ُم ال ُْمتَطَِّوعُ أَم ُير نَـ ْفسه ‪ :‬إ ْن َش َ‬
‫أَفْطَر} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وحجة الثاني ‪ :‬قوله تعالى { َو ََّل ُت ۡبطلُ اوا ْ أ َ ۡع َمٰلَ ُ‬


‫كم} ‪..‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ِّ‬
‫والراجح عندي ‪ :‬أن المندوب ال يلزم بالشروع فيه ؛ لقوة الدليل فيه ‪ ،‬ويُحمل‬
‫(‪)6‬‬
‫قوله تعالى على التنزيه ‪ ،‬أو أن المراد بالبطالن هو الردة ‪ ،‬أو ال تبطلوها بالرياء ‪.‬‬
‫‪ :‬من احتج على المنع بقوله تعالى { َو ََّل ُت ۡبطلُ اوا ْ أَ ۡع َمٰلَ ُ‬
‫كم}‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫قال ابن عبد البر‬
‫فإنه جاهل بأقوال العلماء ؛ فإنهم اختلفوا فيها على قولين ‪ :‬فأكثرهم قالوا ‪ :‬ال‬
‫صوها ‪ ،‬وهم أهل السنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ال تبطلوها بالكبائر ‪ ،‬وهو قول‬ ‫تبطلوها بالرياء وأَ ْخل ُ‬
‫(‪ )1‬أَ ْخ َر َجه ابن ماجه ‪ 553/1‬والدارمي في سننه ‪ 1098/2‬برقم ( ‪ ) 1792‬وأحمد في‬
‫‪.‬‬ ‫مسنده ‪ 98/14‬برقم ( ‪ ) 8361‬عن أبي هريرة‬
‫اجع الواضح في أصول الفقه لألشقر ‪31/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬جمع الجوامع مع البناني ‪ 91 ، 90/1‬وشرح التوضيح ‪ 125/2‬ونشر البنود ‪، 33/1‬‬‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪ 34‬وشرح الكوكب المنير ‪ 409 - 407/1‬والمسودة ‪60/‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث رواه اإلمام أحمد والحاكم والدارمي وغيرهم ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مسند اإلمام أحمد ‪ 341/6‬والمستدرك للحاكم ‪ 439/1‬وسنن الدارمي ‪16/2‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )5‬سورة محمد من اآلية ‪33‬‬
‫اجع ‪ :‬غاية الوصول ‪ 10/‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪51 ، 50/1‬‬ ‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫‪34‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المعتزلة ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬المباح‬


‫(‪)2‬‬
‫المباح لغةً ‪ :‬االتساع ‪ ،‬ويطلق بمعنى اإلذن ‪ ،‬ومعنى اإلعالن ‪.‬‬
‫ف فيه بن الفعل والترك ‪.‬‬
‫الشارع المكل َ‬
‫ُ‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬هو الفعل الذي َخير‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما ال يثاب على فعله وال يعاقَب على تركه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما ال يُ ْم َدح فاعله وال يُ َذم تاركه ‪.‬‬
‫وأما اإلباحة ‪ :‬فهي خطاب الله تعالى المخيِّر للمكلف بين الفعل والترك ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وأثر اإلباحة هو المباح ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ويسمى المباح ‪ :‬جائزاً ‪ ،‬وحالل طلْق ‪ ،‬والمطلق والمطلوب ‪.‬‬
‫والجائز ‪ :‬يطلق على ما ال يمتنع شرعاً ‪ ،‬فيعم غير الحرام ‪ ،‬ويطلق على المباح ‪،‬‬
‫ويطلق على ما ال يمتنع عقالً ‪ ،‬ويطلق على ما استوى فيه األمران ‪ ،‬ويطلق على‬
‫(‪)6‬‬
‫المشكوك فيه فيهما باالعتبارين ‪ ،‬وعلى ذلك كل مباح جائز ‪ ،‬وليس كل جائز مباحاً ‪.‬‬
‫مثال المباح في العبادات ‪ :‬الوضوء من أكل لحم الغنم في حديث {إ ْن ش ْئ َ‬
‫ت‬
‫ت فَالَ تَـتَـ َوضأ} حينما سئل عن الوضوء من أكل لحم الغنم ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫فَـتَـ َوضأْ ‪َ ،‬وإ ْن ش ْئ َ‬
‫ومثاله في العادات ‪ :‬أكل المباحات وكذا الملبوسات إال ما حرمه الله تعالى‬
‫منها ‪.‬‬
‫والجمهور على أن اإلباحة حكم شرعي ‪ ،‬والمعتزلة ال يرون ذلك ‪.‬‬
‫اجع البحر المحيط ‪353/1‬‬‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 65/1‬ومختار الصحاح ‪ 82/‬ومنتهى السول ‪30/1‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬الورقات مع حاشية النفحات ‪21 ، 20/‬‬
‫اجع ‪ :‬غاية الوصول ‪ 10/‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪51 ، 50/1‬‬
‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المحصول ‪ 20/1‬وشرح العضد ‪ 6/2‬وحاشية النفحات ‪20/‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬مختصر المنتهى ‪ 6 ، 5/2‬وشرح الكوكب المنير ‪ 430 - 428/1‬والبحر‬ ‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫المحيط ‪276/1‬‬
‫(‪ )7‬هذا الحديث أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مسند اإلمام أحمد ‪ 86/5‬ومختصر صحيح مسلم ‪ 47‬برقم ( ‪. ) 146‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪35‬‬
‫يرى أنه مأمور به ‪.‬‬ ‫والجمهور يرون أن المباح غير مأمور به ‪ ،‬والكعبي‬
‫(‪)1‬‬
‫والذي عليه الجمهور عندي هو الراجح واألَ ْولى ‪.‬‬
‫صيغ اإلباحة ‪:‬‬
‫لإلباحة صيغ عديدة وردت في الشرع ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫ۡ‬ ‫ُ َّ َ ُ‬
‫ك ۡم َص ۡي ُد ٱۡلَ ۡحرِّ َو َط َع ُامه} ‪.‬‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {أحِّل ل‬
‫(‪)2‬‬

‫َ‬
‫‪ -1‬لَ ْفظ الْحل ‪ ،‬نَ ْ‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى {فإِّن أ َرادا ف َِّصاَّل عن ت َراض مِّن ُه َما‬
‫ۡ‬
‫ْجنَاح أو اإلثم ‪ ،‬نَ ْ‬ ‫‪ -2‬نَـ ْفي ال ُ‬
‫َََ ُ ََ َُ َ َ‬
‫اح َعل ۡي ِّه َما} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وتشاور فَل جن‬
‫اء م ْن غَْير‬‫ت َع ْن أَ ْشيَ َ‬‫{ َو َس َك َ‬ ‫‪ -3‬سكوت الشرع عن الفعل ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله‬
‫وها} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وها َر ْح َمةً م ْن َربِّ ُك ْم ‪ ،‬فَاقْـبَـلُ َ‬
‫ن ْسيَان ‪ ،‬فَالَ تَ َكل ُف َ‬
‫القسم الرابع ‪ :‬الحرام‬
‫(‪)5‬‬
‫الحرام لغ ًة ‪ :‬ضد الحالل ‪ ،‬ويطلق على المنع ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬هو الفعل الذي طلب الشارع تركه طلباً جازماً ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما يثاب تاركه ويعاقَب فاعله ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما يُ َذم فاعله ويُ ْم َدح تاركه ‪.‬‬
‫والتحريم ‪ :‬هو خطاب الله تعالى الطالب لترك الفعل طلباً جازماً ‪.‬‬
‫ويسمى الحرام ‪ :‬محظوراً ‪ ،‬وممنوعاً ‪ ،‬ومزجوراً ‪ ،‬ومعصيةً ‪ ،‬وذنباً ‪ ،‬وقبيحاً ‪،‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وسيئةً ‪ ،‬وفاحشةً ‪ ،‬وإثماً ‪ ،‬وعقوبةً ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح اللمع ‪ 106/1‬ومنتهى السول ‪ 31/1‬والتحصيل ‪ 174/1‬وشرح العضد ‪7 ، 6/2‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬سورة المائدة من اآلية ‪96‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪233‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه الدارقطني في سننه ‪ 537/5‬برقم ( ‪ ) 4814‬والطبراني في المعجم‬
‫‪.‬‬ ‫األوسط ‪ 381/8‬برقم ( ‪ ) 8938‬عن أبي الدرداء‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 150 ، 149/‬والمصباح المنير ‪132 ، 131/1‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )6‬الورقات مع حاشية النفحات ‪22 ، 21/‬‬
‫اجع ‪ :‬المحصول ‪ 20 ، 19/1‬وشرح اللمع ‪ 106/1‬والتحصيل ‪ 174/1‬وشرح الكوكب‬ ‫(‪ )7‬يُـ َر َ‬
‫المنير ‪ 387 ، 386/1‬واإلبهاج ‪ 60 ، 59/1‬والبحر المحيط ‪ 255/1‬وغاية الوصول ‪10/‬‬
‫‪36‬‬
‫صيغ التحريم ‪:‬‬
‫للتحريم صيغ عديدة وردت في الشرع ‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬
‫َ َّ َ َّ ُ َّ‬ ‫َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َّ ۡ َ َّ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى {وَّل تقتلوا ٱنلفس ٱل ِِّت حرم ٱَّلل إَِّّل‬ ‫‪ -1‬صيغة ( ال تفعل ) ‪ ،‬نَ ْ‬
‫ٱۡلق} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ب َۡ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ٱدل َم َو ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫‪ -2‬صيغة ( حرم ) ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {إن َما َح َّر َم عل ۡيك ُم ٱل َم ۡيتَة َو َّ‬
‫ۡل َم‬ ‫ِّ‬ ‫َْ‬
‫َ ۡ َّ‬ ‫َ َ ا ُ َّ‬ ‫ۡ‬
‫ٱَّلل} ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ري‬ ‫ِّغ‬ ‫ل‬ ‫ِّۦ‬ ‫ه‬‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫ِّل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫م‬‫و‬ ‫ير‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّزن‬ ‫ٱۡل‬
‫ََۡ َ ٰ َ َۡ ۡ َ ا َ ُۡ َ َ َۡۡ‬
‫‪ -3‬صيغة ( نهي ) ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى {وينَه ع ِّن ٱلفحشاءِّ وٱلمنكرِّ وٱۡلغ}‬
‫(‪)3‬‬

‫َ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ي َ ُ ۡ َ َ ُ ْ‬
‫يأيها ٱَّلِّين ءامنوا َّل َيِّل لكم أن ترِّثوا‬ ‫‪ -4‬صيغة نفي الحل ‪ ،‬نَحو ‪ :‬قوله تعالى { َٰٓ‬
‫ْ‬
‫ا َ‬
‫ٱلن ِّ َسا َء ك ۡرها} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫أقسام الحرام ‪:‬‬


‫قسم الحنفية الحرام إلى قسمين ‪:‬‬
‫ابتداء ؛ الشتماله على‬
‫ً‬ ‫األول ‪ :‬حرام لعينه ‪ ،‬وهو ‪ :‬الفعل الذي حرمه الشارع‬
‫مفسدة راجعة لذاته ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬شرب الخمر ‪ ،‬وأكل الميتة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬حرام لغيره ‪ ،‬وهو ‪ :‬الفعل الذي كان مشروعاً في أصله ثم حرمه الشارع‬
‫لعارض اقتضى تحريمه ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫مثاله ‪ :‬أكل مال الغير ‪.‬‬

‫القسم الخامس ‪ :‬المكروه‬


‫المكروه لغ ًة ‪ :‬ضد المحبوب ‪ ،‬وما نفر منه الطبع والشرع ‪ ،‬ويطلق على الشدة‬
‫(‪)6‬‬
‫والمشقة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة اإلسراء من اآلية ‪33‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪173‬‬
‫(‪ )3‬سورة النحل من اآلية ‪90‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء من اآلية ‪19‬‬
‫اجع التلويح مع شرح التوضيح ‪125/2‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬الكليات‪ 871/‬والمصباح المنير ‪ 532/2‬ومختار الصحاح ‪594/‬ومنتهى السول‪30/1‬‬‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫‪37‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬الفعل الذي طلب الشارع تركه طلباً غير جازم ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما يثاب تاركه وال يعاقب فاعله ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ما يُ ْم َدح تاركه وال يُ َذم فاعله ‪.‬‬
‫والكراهة ‪ :‬هي خطاب الشارع الطالب لترك الفعل طلبا غير جازم ‪.‬‬
‫صيغ الكرهة ‪:‬‬
‫للكراهة في نصوص الشرع صيغ ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬مادة ( كره ) ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله {إن اللهَ ‪َ -‬عز َو َجل ‪َ -‬حرَم َعلَْي ُك ْم عُ ُقو َق األُم َهات‬
‫اعةَ ال َْمال} ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ضَ‬ ‫الس َؤال َوإ َ‬‫ال َوَكثْـ َرةَ ُّ‬ ‫َوَوأْ َد الْبَـنَات َوَم ْنعاً َو َهات ‪َ ،‬وَكرَه لَ ُك ْم ثَالَثاً ‪ :‬ق َ‬
‫يل َوقَ َ‬
‫‪ -2‬صيغة النهي المقترنة بقرينة تدل على أنه للكراهة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬النهي عن صيام يوم‬
‫الجمعة ؛ فإنه لم يكن للحرمة ؛ ألن األيام التي حرم الله تعالى صيامها هي ‪ :‬يوم‬
‫عيد الفطر ‪ ،‬ويوم عيد األضحى ‪ ،‬وأيام التشريق الثالثة ‪.‬‬
‫أقسام المكروه عند الحنفية ‪:‬‬
‫المكروه عند الحنفية قسمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬المكروه تحريماً ‪ ،‬وهو ما كان إلى الحرمة أقرب ‪ ،‬وهو ما ثبت بدليل ظنِّي ‪.‬‬
‫َح ُد ُك ْم َعلَى بَـ ْيع أَخيه} ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬البيع على البيع ‪ ،‬المنهي عنه في قوله {الَ يَب ْع أ َ‬
‫(‪)3‬‬

‫وهذا القسم عند الحنفية مقابل للواجب ؛ لثبوته بدليل ظنِّي ‪.‬‬
‫والفرق بين الحرام والمكروه تحريماً ‪ :‬أن األول ثابت بدليل قطعي ‪ ،‬والثاني‬
‫ثابت بدليل ظنِّي ‪ ،‬ومنكر األول كافر ‪ ،‬ومنكر الثاني ال يكفر ‪.‬‬
‫وكالهما يشتركان في استحقاق العقاب والذم بالترك ‪ ،‬غير أنه في المكروه‬
‫قاب بالنار ‪ ،‬ولكنه يتعلق به محذور ‪ :‬كحرمان الشفاعة‬ ‫تحريماً ال يستحق فاعله الع َ‬
‫المكروه تحريماً حرام ثبتت حرمته بدليل ظنِّي ‪.‬‬ ‫وعند محمد‬
‫(‪ )1‬الورقات مع حاشية النفحات ‪22/‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري في صحيحه ‪ 120/3‬برقم ( ‪ ) 2408‬ومسلم في‬
‫‪.‬‬ ‫صحيحه ‪ 1341/3‬برقم ( ‪ ) 593‬عن المغيرة بن شعبة‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري برقم ( ‪ ) 969‬ومختصر صحيح مسلم رقم ( ‪. ) 800‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪38‬‬
‫الثاني ‪ :‬المكروه تنزيهاً ‪ ،‬وهو ما كان إلى الحل أقرب ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬أكل لحوم الخيل ‪ ،‬وترك السنن المؤكدة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حكمه ‪ :‬ال يستحق فاعله الذم وال العقاب ‪ ،‬ولكنه خالف األَ ْولى ‪.‬‬
‫وأرى ‪ :‬أن حكم هؤالء العلماء بكراهة ترك السنن إنما هو في حق َمن لم يداوم على‬
‫ومن‬
‫تركها ‪ ،‬أما َمن داوم على ترك السنة فإنما هو رجل سوء رغب عن هدي النبي ‪َ ،‬‬
‫رغب عن سنته فليس منه ‪ ،‬وهذه العاقبة تجعل هذا الفعل مكروهاً تحريماً ال تنزيهاً ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫أقسام الحكم الوضعي‬
‫(‪)2‬‬
‫قسم بعض األصوليين الحكم الوضعي أقساما ستةً ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -3‬المانع ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الشرط ‪.‬‬ ‫‪ -1‬السبب ‪.‬‬
‫‪ -6‬الرخصة والعزيمة ‪.‬‬ ‫‪ -5‬الفساد ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الصحة ‪.‬‬
‫ونفصل القول في كل قسم منها فيما يلي ‪..‬‬
‫القسم األول ‪ :‬السبب ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السبب لغةً ‪ :‬الحبل ‪ ،‬وكل شيء يتوصل به إلى غيره ‪.‬‬
‫معرفاً لحكم‬
‫واصطالحاً ‪ :‬وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه ِّ‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫شرعي ال مؤثِّراً فيه ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وعرفه بعضهم ‪ :‬بأنه ما يلزم من وجوده الوجود ‪ ،‬ومن عدمه العدم لذاته ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح التوضيح مع التلويح ‪ 126 ، 125/2‬وأصول الفقه ألبي زهرة ‪41 ، 40/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وأصول الفقه للخضري ‪ 50 ، 49/‬والتعريفات ‪239/‬‬
‫اجع ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 123 - 118/1‬ومختصر المنتهى مع شرح العضد ‪، 7/2‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪ 8‬والموافقات ‪187/1‬‬
‫اجع ‪ :‬الكليات ‪ 495/‬ومختار الصحاح ‪303/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬اإلحكام لآلمدي ‪ 118/1‬والبحر المحيط ‪ 306/1‬ولب األصول ‪13/‬‬
‫(‪ )5‬بيان المختصر ‪405/1‬‬
‫(‪ )6‬شرح تنقيح الفصول ‪81/‬‬
‫‪39‬‬
‫أقسام السبب ‪:‬‬
‫حصرت منها ما يلي ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قسم األصوليون السبب تقسيمات عدةً باعتبارات مختلفة ‪،‬‬
‫التقسيم األول ‪ :‬باعتبار المشروعية وعدمها ‪..‬‬
‫تنقسم األسباب من حيث المشروعية وعدمها إلى أسباب مشروعة وأسباب غير‬
‫مشروعة ‪..‬‬
‫واألسباب المشروعة ‪ :‬هي التي وضعها الشارع لتحقيق مصالح العباد أو دفع‬
‫المفاسد عنهم ‪.‬‬
‫مثالها ‪ :‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فإنه أمر مشروع ؛ ألنه سبب‬
‫إلقامة الدين وإظهار شعائر اإلسالم وإخماد الباطل على أي وجه كان ‪.‬‬
‫واألسباب الممنوعة ‪ :‬هي التي ينشئها المكلف باختياره مخالفةً ألمر الشارع ‪،‬‬
‫وهذه األسباب ال أثر لها شرعاً ‪ ،‬وال يقع لها مقتضى ؛ ألنها أسباب للمفاسد ‪.‬‬
‫مثالها ‪ :‬األنكحة الفاسدة ممنوعة وإن أدت إلى إلحاق الولد وثبوت الميراث ‪،‬‬
‫والعاصي بسفره ال يقصر وال يفطر ؛ ألن المشقة كأنها واقعة بفعله ؛ ألنها ناشئة‬
‫(‪)1‬‬
‫عن سببه ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ‪ :‬باعتبار القدرة للمكلف وعدمها ‪..‬‬
‫األسباب م ن حيث قدرة المكلف وعدمها تنقسم إلى ‪ :‬أسباب خارجة عن‬
‫مقدور المكلف ‪ ،‬وأسباب داخلة تحت مقدور المكلف ‪.‬‬
‫مثال غير المقدور ‪ :‬زوال الشمس أو غروبها ‪ ،‬أو طلوع الفجر ؛ فإنه سبب في‬
‫إيجاب الصلوات في تلك األوقات ‪ ،‬وليس مقدوراً للمكلف ‪.‬‬
‫ومثال المقدور ‪ :‬السفر الذي يـُ َعد سبباً إلباحة القصر والفطر ‪ ،‬وعقد الزواج ؛‬
‫(‪)2‬‬
‫فإنه سبب لحل العشرة الزوجية ‪.‬‬
‫* الفرق بين العلة والسبب ‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫العلة لغ ًة ‪ :‬المرض ‪.‬‬
‫اجع الموافقات ‪242 - 193/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬الموافقات ‪ 188 ، 187/1‬وأصول الفقه للخضري ‪ 50/‬وأصول الفقه ألبي زهرة ‪57/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬مختار الصحاح ‪475/‬‬
‫‪40‬‬

‫وربط به وجوداً‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬الوصف الظاهر المنضبط الذي بُني عليه الحكم ُ‬
‫وعدماً ‪.‬‬
‫ذهب بعض األصوليين إلى أنه ال فرق بين العلة والسبب ؛ فكل منهما عالمة‬
‫وربط به وجوداً وعدماً ‪ ،‬وكل منهما للشارع حكمة‬ ‫على الحكم ‪ ،‬وبُني عليه الحكم ُ‬
‫في ربط الحكم به وبنائه عليه ‪.‬‬
‫وفرق أكثر األصوليين بين السبب والعلة مع أن كال منهما ‪ -‬عندهم ‪ -‬عالمة‬
‫على الحكم ومرتبط به وجوداً وعدماً ‪ ،‬وللشارع حكمة في ربط الحكم به وبنائه‬
‫عليه ‪ ،‬ولكن إذا كانت المناسبة في هذا الربط مما تدركه عقولنا ُس ِّمي الوصف‬
‫" عل ًة " ‪ ،‬وسمي ‪ -‬أيضاً ‪ " -‬سبباً " ‪.‬‬
‫صر الصالة ‪.‬‬ ‫مثاله ‪ :‬السفر يـُ َعد علةً وسبباً ل َق ْ‬
‫وإن كان الوصف مما ال تدركه عقولنا ُس ِّمي " سبباً " فقط ‪ ،‬وال يسمى " علةً " ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬غروب الشمس يُـ َعد سبباً إليجاب صالة المغرب ‪ ،‬وليس عل ًة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وعلى ذلك تكون كل علة سبباً ‪ ،‬وليس كل سبب علةً ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬الشرط ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الشرط لغةً ‪ :‬العالمة ‪ ،‬ومنه أشراط الساعة ؛ أي عالماتها ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما يلزم عن عدمه العدم ‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الحول في الزكاة يلزم من عدمه عدم وجوب الزكاة ‪ ،‬وال يلزم من وجوده‬
‫(‪)3‬‬
‫وجوبها ؛ الحتمال عدم النصاب ‪ ،‬وال عدم وجوبها ؛ الحتمال وجود النصاب ‪.‬‬
‫أقسام الشرط باعتبار الشرعية وعدمها ‪:‬‬
‫الشرط باعتباره شرعياً أو غيره ينقسم إلى أربعة اقسام ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬شرط شرعي ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪، 449/1‬‬
‫(‪ )1‬علم أصول الفقه لخالف ‪ 73 - 71/‬بتصرف ‪ ،‬ويُـ َر َ‬
‫‪ 450‬وشرح المحلي مع البناني ‪ 95/1‬وشرح مختصر الروضة ‪ 428 ، 427/1‬وشرح‬
‫التوضيح مع التلويح ‪145/1‬‬
‫(‪ )2‬الكليات ‪ 529/‬والمصباح المنير ‪309/1‬‬
‫اجع غاية الوصول ‪13/‬‬ ‫(‪ )3‬شرح تنقيح الفصول ‪ 83/‬ويُـ َر َ‬
‫‪41‬‬
‫مثاله ‪ :‬الطهارة شرط في صحة الصالة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬شرط عقلي ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الحياة شرط لقيام العلم ووجوده ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬شرط عادي ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الغذاء شرط لحياة الحيوان ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬شرط لغوي ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مثاله ‪ :‬إن دخلت الدار فأنت طالق ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬المانع ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المانع لغةً ‪ :‬الحائل من المنع ‪ ،‬وهو ضد اإلعطاء ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما يلزم من وجوده عدم وجود الحكم ‪ ،‬وال يلزم من عدمه وجود‬
‫(‪)3‬‬
‫وال عدم لذاته ‪.‬‬
‫أقسام المانع ‪:‬‬
‫ينقسم المانع إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬مانع للحكم ‪ ،‬وهو وصف وجودي ظاهر منضبط ‪ ،‬مستلزم لحكمة تقتضي‬
‫نقيض حكم السبب مع بقاء حكم المسبب ‪ ،‬وسمي " مانعاً للحكم " ألن سببه مع‬
‫بقاء حكمته ال يؤثر ‪.‬‬
‫المجمع عليها في بدن المصلِّي أو ثوبه ؛ فإنه سبب‬ ‫َ‬ ‫مثاله ‪ :‬وجود النجاسة‬
‫ووجد مانع وهو النجاسة ‪.‬‬
‫لعدم صحة الصالة ‪ ،‬وهنا ُعدم شرط وهو الطهارة ‪ُ ،‬‬
‫والثاني ‪ :‬مانع للسبب ‪ ،‬وهو وصف يخل وجوده بحكمة السبب ‪ ،‬وسمي " مانعاً‬
‫ت مع وجود صورته فقط ‪.‬‬ ‫للسبب " ألن حكمته فُق َد ْ‬
‫مثاله ‪ :‬الديْن على َمن ملك نصاباً كامالً ؛ فإن حكمة السبب ‪ -‬وهو الغني ‪ -‬مواساة‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪ 455/1‬وشرح مختصر الروضة ‪ 432 ، 431/1‬والمختصر‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫في أصول الفقه ‪ 66/‬وإرشاد الفحول ‪ 7/‬والكليات ‪ 531/‬والبحر المحيط ‪310 ، 309/1‬‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 581 ، 580/2‬ومختار الصحاح ‪661/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح تنقيح الفصول ‪ 82/‬والبحر المحيط ‪ 310/1‬وشرح الكوكب المنير ‪456/1‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫وشرح مختصر الروضة ‪436/1‬‬
‫‪42‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الفقراء من فضل ماله ‪ ،‬ولم يَ َدع الدين في المال فضالً يواسي به ‪.‬‬
‫القسم الرابع ‪ :‬الصحة ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الصحة لغةً ‪ :‬ضد الس َقم ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬موافقة الفعل ذي الوجهين وقوعاً الشرع ‪.‬‬
‫والوجهان هما ‪ :‬موافقة الشرع الستجماعه ما يُعتبر فيه شرعاً ‪ ،‬ومخالفته النتفاء‬
‫(‪)3‬‬
‫ما يُعتبر فيه شرعاً ‪.‬‬
‫والصحيح ‪ :‬هو الفعل الذي استوفى أركانه وشروطه الشرعية ‪ ،‬وتترتب عليه‬
‫اآلثار المقصودة شرعاً ‪.‬‬
‫القسم الخامس ‪ :‬الفساد ‪:‬‬
‫الفساد لغةً ‪ :‬مأخوذ من " فسد اللحم " إذا أنتن ويمكن االنتفاع به ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والباطل ‪ :‬من " بطل اللحم " إذا دود وسوس وصار بحيث ال يمكن االنتفاع به ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬مخالفة الفعل ذي الوجهين وقوعاً الشرع ‪ ..‬هذا عند المتكلمين ‪.‬‬
‫وعند الفقهاء ‪ :‬هو عدم سقوط القضاء ‪.‬‬
‫والفاسد ‪ :‬هو الفعل الذي لم يستوف أركانه وال شروطه ‪ ،‬فال تترتب عليه آثار‬
‫شرعية ‪.‬‬
‫* الفرق بين الفاسد والباطل ‪:‬‬
‫الفاسد والباطل عند الجمهور مترادفان في العبادات والمعامالت ؛ فنقول في‬
‫العبادات " صالة فاسدة وباطلة " إذا لم تستوف أركانها أو شروطها ‪ ،‬ونقول في‬
‫البيوع " بيع فاسد وباطل " إذا لم يستوف شروطه وأركانه ‪.‬‬
‫والحنفية قالوا قول الجمهور في العبادات ‪ ،‬وفَـرقُوا بين الفاسد والباطل في‬
‫المعامالت ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 121 ، 120/1‬ومنتهى السول ‪ 32/1‬وبيان المختصر ‪، 406/1‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪ 407‬والبحر المحيط ‪ 311 ، 310/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 458 ، 457/1‬وشرح‬
‫مختصر الروضة ‪ 436/1‬وإرشاد الفحول ‪ 7/‬وأصول الفقه للخضري ‪65/‬‬
‫(‪ )2‬مختار الصحاح ‪380/‬‬
‫(‪ )3‬شرح المحلي مع البناني ‪99/1‬‬
‫(‪ )4‬الكليات ‪692/‬‬
‫‪43‬‬
‫فالفاسد عندهم ‪ :‬هو ما ُشرع بأصله دون وصفه ‪ :‬كبيع صاع من قمح بصاعين‬
‫منه ؛ فالبيع مشروع لكن الزيادة ربا ‪ ،‬فإ ْن طرح الزيادة صح البيع ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والباطل ‪ :‬ما لم يُشرع بأصله وال بوصفه ‪ :‬كبيع المالقيح ( وهو ما في بطن الناقة ) ‪.‬‬
‫القسم السادس ‪ :‬الرخصة والعزيمة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬الرخصة ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الرخصة لغةً ‪ :‬التيسير والتسهيل ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما ُشرع من األحكام لعذر خالف حكم سابق مع قيام السبب‬
‫المحرم ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫( ما ُشرع من األحكام ) ‪ :‬كالجنس في التعريف ‪ ،‬يشمل الرخصة والعزيمة ‪..‬‬
‫ابتداء بغير‬
‫ً‬ ‫( لعذر ) ‪ :‬قيد أول ‪ ،‬خرج به العزيمة ‪ ،‬وهي ما شرع من األحكام‬
‫عذر ‪ ،‬نحو ‪ :‬إقامة الصالة كاملةً بغير قصر ‪..‬‬
‫( خالف حكم سابق ) ‪ :‬قيد ثان ‪ ،‬خرج به ما ثبت على وفق الحكم السابق ‪،‬‬
‫فإنه ال يكون رخصةً بل عزيمة ‪ ،‬نحو ‪ :‬الصوم في الحضر ‪ ،‬فإنه موافق لألمر‬
‫ۡ‬
‫ٱلش ۡه َر فَليَ ُص ۡمه} ‪.‬‬
‫ُ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بالصيام في قوله تعالى {ف َمن ش ِّه َد مِّنكم‬
‫(‪)3‬‬

‫( مع قيام السبب المحرم ) ‪ :‬قيد ثالث ‪ ،‬خرج به ما رفع فيه سبب التحريم ‪،‬‬
‫وحينئذ ال مخالفة بين حكمين متقدم ومتأخر ‪ ،‬فتنتفي الرخصة ويكون عندنا حكم‬
‫واحد هو المتأخر بال معارضة لمتقدم ‪ ،‬وهو معنى العزيمة ‪.‬‬
‫أقسام الرخصة ‪:‬‬
‫تنقسم الرخصة أقساما أربعة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬رخصة واجبة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬أكل الميتة للمضطر ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح العضد ‪ 8 ، 7/2‬والمحصول ‪ 26/1‬ومنتهى السول ‪ 32/1‬وروضة الناظر ‪56/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫والمختصر في أصول الفقه ‪ 67/‬وتغيير التنقيح ‪ 137/‬ومسلم الثبوت ‪ 122/1‬وتيسير‬
‫التحرير ‪ 137 ، 136/2‬وشرح طلعة الشمس ‪ 216 ، 215/2‬وشرح التلويح ‪123/2‬‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 224 ، 223/1‬ومختار الصحاح ‪ 258/‬والكليات ‪472/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪185‬‬
‫‪44‬‬
‫الثاني ‪ :‬رخصة مندوبة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قصر الصالة في السفر بشروطه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬رخصة مباحة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬تعجيل الزكاة ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬واإلجارة ‪ ،‬وكلمة الكفر‬
‫إن أُ ْكره عليها ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الرابع ‪ :‬رخصة خالف األَ ْولى ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬اإلفطار في السفر عند عدم التضرر بالصوم ‪.‬‬
‫والرخص ال تناط بالمعاصي ؛ فالرخصة ال تكون محرم ًة وال مكروه ًة ‪ ،‬وهو‬
‫ب أَ ْن تُـ ْؤتَى َع َزائ ُمه} ‪.‬‬ ‫ظاهر قوله {إن اللهَ يُح ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ب أَ ْن تُـ ْؤتَى ُر َخ ُ‬
‫صهُ َك َما يُح ُّ‬
‫ثانياً ‪ -‬العزيمة ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫العزيمة لغةً ‪ :‬القصد المؤكد ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫آخر ‪.‬‬ ‫يعارض بدليل شرعي َ‬‫واصطالحاً ‪ :‬الحكم الشرعي الثابت بدليل لم َ‬
‫أقسام العزيمة ‪:‬‬
‫تنقسم العزيمة إلى أربعة أقسام ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬فريضة إن كان الدليل مقطوعاً به ‪ :‬كترك أكل الميتة ‪ ،‬وشرب الخمر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬واجب إن دخل في الدليل شبهة ‪ :‬كترك أكل الضب ‪ ،‬واللعب بالشطرنج ‪.‬‬
‫الثالث والرابع ‪ :‬سنة ونفل إن كان الدليل دون الواجب ‪ :‬كترك ما قيل فيه ‪ :‬ال بأس‬
‫(‪)6‬‬
‫به ‪.‬‬
‫والعزيمة عند البيضاوي تشمل األحكام الخمسة ‪:‬‬
‫اإليجاب ‪ ،‬نحو ‪ :‬وجوب الصالة والزكاة ‪.‬‬
‫والندب ‪ ،‬نحو ‪ :‬صالة الضحى ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪ 480 ، 479/1‬والبحر المحيط ‪329 ، 328/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫والمختصر في علم أصول الفقه ‪ 68/‬والتمهيد لإلسنوي ‪72 ، 71/‬‬
‫اجع ‪ :‬مسند أحمد ‪108/2‬‬‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه أحمد والبيهقي ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 329/1‬وشرح الكوكب المنير ‪481 ، 480/1‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 408/2‬ومختار الصحاح ‪ 455/‬والكليات ‪650/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 325/1‬وشرح مختصر‬‫(‪ )5‬المختصر في أصول الفقه ‪ ، 67/‬ويُـ َر َ‬
‫الروضة ‪ 457/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 476/1‬وفواتح الرحموت ‪119/1‬‬
‫اجع ‪ :‬كشف األسرار للبخاري ‪ 54/2‬وتيسير التحرير ‪230 ، 229/2‬‬ ‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫‪45‬‬
‫والتحريم ‪ ،‬نحو ‪ :‬تحريم الزنا وشرب الخمر ‪.‬‬
‫والكراهة ‪ ،‬نحو ‪ :‬الصالة في مرابض اإلبل ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واإلباحة ‪ ،‬نحو ‪ :‬األكل والشرب ‪.‬‬

‫اجع ‪ :‬اإلبهاج ‪ 82 ، 81/1‬ونهاية السول ‪ 97 ، 96/1‬وشرح الكوكب المنير ‪476/1‬‬


‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وأصول الفقه للشيخ زهير ‪87/1‬‬
‫‪46‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫المحكوم به والمحكوم عليه‬

‫المطلب األول‬
‫المحكوم به‬

‫المحكوم به ‪ :‬هو الفعل المكلف به ‪ ،‬أي الذي تعلق به حكم الشارع ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومنهم من عبر بـ" المحكوم فيه " ‪..‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ :‬األصل الثالث في المحكوم فيه ‪ :‬وهي األفعال المكلف بها ‪.‬‬ ‫قال اآلمدي‬
‫* شروط المحكوم به ‪:‬‬
‫اشترط األصوليون شروطاً للفعل المكلف به ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫معلوم الحقيقة للمكلف ؛ حتى يأتي به على الوجه المطلوب ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬أن يكون‬
‫‪ -2‬أن يكون معدوماً من حيث هو يمكن حدوثه ؛ ألن إيجاد الموجود تحصيل‬
‫للحاصل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون حاصالً بكسب العبد ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون تكليفاً بالفعل ‪ ،‬والمكلف به في النهي الكف ‪ ،‬وهو فعل ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬الترك نفي ال يدخل تحت التكليف ‪ ،‬وهو ضعيف ‪ ..‬كذا ذكر‬
‫‪.‬‬ ‫الزركشي‬
‫‪ -5‬أن يكون مقدوراً للمكلف ‪ ،‬فال يصح التكليف بما ليس مقدوراً له ‪ ،‬وهو‬
‫ما يسمى عند األصوليين بـ" التكليف بالمحال " أو " التكليف بما ال يطاق " ‪.‬‬
‫* الفرق بين التكليف بالمحال والتكليف المحال ‪:‬‬
‫التكليف بالمحال ‪ :‬ما كان التكليف فيه راجعاً إلى الفعل المأمور به ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬بيان المختصر ‪ 413/1‬والمختصر في أصول الفقه ‪ 68/‬واإلبهاج ‪170/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وحقائق األصول ‪330/1‬‬
‫اجع مسلم الثبوت ‪123/1‬‬
‫(‪ )2‬اإلحكام لآلمدي ‪ ، 124/1‬ويُـ َر َ‬
‫‪47‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬حمل جبل ‪ ،‬أو صوم الدهر ‪.‬‬
‫والتكليف المحال ‪ :‬ما كان التكليف فيه راجعاً إلى المكلف نفسه ‪..‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬تكليف الغافل والمجنون ‪ ،‬وهذا ال يجوز التكليف به ‪.‬‬
‫أثر شروط المحكوم به في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على القدرة على أداء الفعل ‪ :‬ما إذا دخل وقت الصالة وحاضت‬
‫(‪)1‬‬
‫المرأة أو نفست ونحو ذلك قبل مضي زمن يسعها فإن القضاء ال يجب عليها ‪.‬‬
‫ومما يتفرع على علم المكلف بما ُكلِّف به ‪ :‬لو قام اإلمام إلى ركعة زائدة َ‬
‫وسبح‬
‫صواب نفسه ‪ ،‬فإن لم يرجع بطلت صالته ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫به اثنان لزمه الرجوع ما لم يتيقن‬
‫(‪)2‬‬
‫وتبطل صالة متابعه عالماً ال جاهالً على األصح فيهما ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫المحكوم عليه‬

‫المقصود بالمحكوم عليه ‪ :‬المكلف الذي تعلق به التكليف‪.‬‬


‫أوالً ‪ -‬شروط المحكوم عليه ‪:‬‬
‫شروط المكلف في سبعة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬ ‫حصر الزركشي‬
‫الشرط األول ‪ :‬الحياة ‪ ،‬فالميت ال يكلف ‪.‬‬
‫تكليف على‬
‫َ‬ ‫الشرط الثاني ‪ :‬كونه من الثقلين ( اإلنس والجن ) والمالئكة ‪ ،‬فال‬
‫البهائم والجمادات ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬البلوغ ‪ ،‬فالصبي ال يكلف ؛ لقصور فهمه عن إدراك معاني الخطاب ‪.‬‬
‫ودليله ‪ :‬قوله { ُرف َع الْ َقلَ ُم َع ْن ثَالَثَة ‪َ :‬عن الصب ِّي َحتى يَـ ْبـلُ َغ ‪َ ،‬و َعن النائم‬
‫ظ ‪َ ،‬و َعن ال َْم ْجنُون َحتى يُفيق} ‪ ،‬فال مؤاخذة وال إثم عليه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َحتى يَ ْستَـ ْيق َ‬
‫(‪ )1‬التمهيد لإلسنوي ‪118/‬‬
‫(‪ )2‬القواعد والفوائد األصولية ‪55/‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن الترمذي ‪ 23/4‬برقم ( ‪ ) 1423‬وسنن أبي داود ‪ 140/4‬برقم ( ‪. ) 1442‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪48‬‬
‫أما وجوب الضمانات والزكوات ونفقات األقارب ‪ :‬فإنها ليست متعلقةً بفعل‬
‫الصبي ؛ وإنما هي متعلقة بما له أو ذمته ‪ ،‬فليست أحكاماً تكليفيةً ‪ ،‬وإنما هي‬
‫أحكام وضعية ‪ ،‬من قبيل ربط األحكام باألسباب ‪.‬‬
‫ولذا تثبت هذه الحقوق في ذمة الصبي ‪ ،‬بمعنى مخاطبة الولي في الحال‬
‫باألداء ‪ ،‬ومخاطبة الصبي بعد البلوغ ‪.‬‬
‫{ ُم ُر ُ‬
‫وه ْم بالصالَة َو ُه ْم‬ ‫أما أمر الصبي بالصالة ‪ :‬فإن الخطاب في قوله‬
‫أَبْـنَاءُ َس ْبع} فإنه موجه إلى الولي ؛ ألنه أهل التكليف ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬العقل ‪ ،‬فالمجنون ال يكلف إجماعاً ‪.‬‬


‫الشرط الخامس ‪ :‬الفهم ‪ ،‬فاإلتيان بالفعل على سبيل القصد واالمتثال يتوقف على‬
‫العلم به ‪ ،‬وال يتحقق ذلك إال بالفهم ‪ ،‬ولذا يمتنع تكليف الغافل ‪ :‬كالنائم والناسي‬
‫والسكران ‪.‬‬
‫الملجأ ‪ ،‬وهو َمن ال يجد مندوح ًة عن‬ ‫الشرط السادس ‪ :‬االختيار ‪ ،‬فيمتنع تكليف ُ‬
‫كمن يُـ ْل َقى من شاهق ؛ فهو ال بد له من الوقوع ‪ ،‬وال‬ ‫الفعل ‪ ،‬مع حضور عقله ‪َ :‬‬
‫اختيار له فيه ‪ ،‬وال هو بفاعل له ‪ ،‬ومثله المضطر ‪.‬‬
‫َ‬
‫الشرط السابع ‪ :‬علم المخاطَب بكونه مأموراً ‪ ،‬أن يعلم المخاطَب كونه مأموراً قبل‬
‫زمن االمتثال ؛ حتى يتصور منه قصد االمتثال وإن لم يعلم وجود شرطه وتمكنه في‬
‫(‪)3‬‬
‫الوقت ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬تكليف الكفار ‪:‬‬
‫ال خالف بين العلماء في أن الكفار مخاطَبون بأصول الشريعة ‪ ،‬فهم مخاطَبون‬
‫بأمر اإليمان ‪..‬‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وغيرهم ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن أبي داود ‪ 130/1‬برقم ( ‪ ) 496 ( ) 495‬وسنن الترمذي ‪ 259/2‬برقم‬ ‫يُـ َر َ‬
‫( ‪ ) 407‬والمستدرك ‪258/1‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 348 - 344/1‬ومنتهى السول ‪ 36/1‬والمستصفى ‪84/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫واإلبهاج ‪56/1‬‬
‫(‪ )3‬البحر المحيط ‪ 365 - 349/1‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫وإنما الخالف في ‪ :‬أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ‪ :‬كالصالة والصيام والزكاة‬
‫يؤاخذون عليها في اآلخرة مع عدم‬ ‫‪ -‬كما أنهم مخاطبون بأصولها ‪ -‬أم ال ؟ وهل َ‬
‫حصول الشرط الشرعي وهو اإليمان ؟‬
‫اتفق األصوليون على أنه جائز عقالً ‪..‬‬
‫واختلفوا في جوازه شرعاً ‪:‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أنهم مخاطَبون بفروع الشريعة مطلقاً في األوامر والنواهي‬
‫َ ا ُ َ‬ ‫َ َّ‬
‫تقدم اإليمان ؛ لقوله تبارك وتعالى { ِّف‬
‫َ‬
‫جنٰت يَت َسا َءلون ‪ ٤٠‬ع ِّن‬ ‫بشرط ُّ‬
‫َ َ ُ ُ‬ ‫ك م َِّن ٱل ۡ ُم َصل َ‬
‫ِّني ‪َ ٤٣‬ول ۡم نك ن ۡطعِّ ُم‬
‫َ ُ ْ َۡ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِّني ‪َ ٤١‬ما َسلكك ۡم ِّف َسق َر ‪ ٤٢‬قالوا لم ن‬
‫جرم َ‬ ‫ُۡ ۡ‬
‫ٱلم ِّ‬
‫ۡ‬
‫ٱل ِّم ۡسكِّني} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ونُقل عن بعض الحنفية والمعتزلة أنهم غير مكلفين بها ‪.‬‬


‫وفرق قوم بين األمر والنهي ‪..‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فقالوا ‪ :‬إنهم مكلفون بالنواهي دون األوامر ‪.‬‬
‫أثر تكليف الكفار في األحكام ‪:‬‬
‫تفرع على الخالف في تكليف الكفار بفروع الشريعة فروع ‪..‬‬
‫منها ‪ :‬إذا جوزنا للكافر دخول المساجد ‪ -‬إما مطلقاً ( على رواية ) ‪ ،‬أو‬
‫لمصلحة كما قيدها البعض ‪ ،‬أو بإذن مسلم كما قيدها بعضهم ‪ ،‬أو بإذن مسلم‬
‫لمصلحة كما قيدها بعضهم ‪ -‬فلو كان ُجنُباً فهل يجوز ؟‬
‫(‪)3‬‬
‫في المسألة وجهان بناهما بعضهم على المخاطَبة بالفروع وعدمها ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة المدثر ‪ :‬اآليات ‪44 - 40‬‬


‫اجع ‪ :‬المستصفى للغزالي ‪ 91/1‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 162/‬وشرح العضد مع‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫المختصر ‪ 12/2‬ونهاية السول ‪ 194/1‬وشرح المحلي مع جمع الجوامع مع البناني ‪211/1‬‬
‫وشرح الكوكب المنير ا‪ 501 ، 500/‬وإرشاد الفحول للشوكاني ‪ 10/‬وأصول الفقه‬
‫للشيخ زهير ‪183 ، 182/1‬‬
‫(‪ )3‬القواعد والفوائد األصولية ‪47/‬‬
‫‪50‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫األهلية وعوارضها‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف األهلية وعوارضها ‪:‬‬
‫تعريف األهلية ‪:‬‬
‫األهلية لغةً ‪ :‬مصدر صناعي لكلمة " أهل " ‪ ،‬ومعناها الصالحية ‪.‬‬
‫بأنها ‪ :‬عبارة عن صالحيته ‪ -‬أي‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬عرفها عالء الدين البخاري‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلنسان ‪ -‬لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه ‪.‬‬
‫أقسام األهلية ‪:‬‬
‫تنقسم األهلية إلى قسمين ‪ :‬أهلية وجوب ‪ ،‬وأهلية أداء ‪.‬‬
‫ونوجز القول فيهما فيما يلي ‪..‬‬
‫أهلية الوجوب ‪ :‬معناها ‪ :‬صالحية اإلنسان لوجوب الحقوق المشروعة له ‪ ،‬وهذه‬
‫تثبت له بمقتضى إنسانيته ‪ ،‬وهي قسمان ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ناقصة ‪ ،‬وهذه تثبت للجنين في بطن أمه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬كاملة ‪ ،‬وهذه تكون بانفصال الجنين حياً ‪ ،‬وبهذه الحياة وبمجرد وجوده‬
‫كإنسان يكون أهالً أل ْن تجب له حقوق ‪ :‬كميراث ووصية ‪ ،‬ويجب عليه بعض‬
‫الحقوق ‪ ،‬نحو ‪ :‬النفقة ‪.‬‬
‫أهلية األداء ‪ :‬معناها ‪ :‬صالحية اإلنسان لصدور الفعل منه على وجه يـُ ْعتَد به شرعاً ‪،‬‬
‫ومناطها هو العقل وكماله ‪ :‬فإن كمل كملت ‪ ،‬وإن نقص نقصت ‪ ،‬وهى قسمان ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ناقصة ‪ ،‬وهذه تثبت للصبي المميز والمعتوه العاقل ‪.‬‬
‫ب‪-‬كاملة ‪ ،‬وهذه تثبت لكل بالغ عاقل ‪.‬‬
‫واإلنسان مع هذه األهلية له أدوار ثالثة ‪:‬‬
‫الدور األول ‪ :‬من الوالدة إلى سن التمييز ‪ ،‬وهذا الصبي ال تصح منه التصرفات‬
‫الشرعية ‪ ،‬وتثبت له أهلية الوجوب كاملة ‪ ،‬فيرث وتجب النفقة كاملةً ‪ ،‬فهو عديم‬
‫أهلية األداء ‪ ،‬ونظيره المجنون ‪.‬‬
‫(‪ )1‬كشف األسرار للبخاري ‪393/4‬‬
‫‪51‬‬
‫سن التمييز ( سبع سنين ) إلى البلوغ ‪ ،‬وهذا الصبي ‪ -‬أيضاً ‪-‬‬ ‫الدور الثاني ‪ :‬من ِّ‬
‫له أهلية وجوب كاملة ‪ ،‬أما أهلية األداء فهي في حقه ناقصة ‪.‬‬
‫الدور الثالث ‪ :‬البلوغ ‪ ،‬وهذا اإلنسان له أهلية كاملة في الوجوب ‪ ،‬وله أهلية كاملة‬
‫كذلك في األداء ‪ ،‬إال أن يعترضها عارض من عوارض األهلية فيُنقصها ‪.‬‬
‫أما الجنين في بطن أمه ‪ :‬فإن له أهلية وجوب ناقصة ‪ ،‬فيثبت له بعض الحقوق ‪:‬‬
‫كالوصية والميراث ‪ ،‬وال يجب عليه شيء ‪.‬‬
‫ومما تقدم يتضح أن ُكالا من أهلية الوجوب واألداء قسمان ‪ :‬ناقصة وكاملة ‪..‬‬
‫فأهلية الوجوب الكاملة تثبت لكل إنسان ‪ ،‬فهو صالح ألن تثبت له حقوق‬
‫وتجب عليه واجبات ‪.‬‬
‫وأهلية الوجوب الناقصة تثبت للجنين في بطن أمه ‪ ،‬فتثبت له حقوق ‪ ،‬وال‬
‫تجب عليه واجبات ‪.‬‬
‫وأهلية األداء الكاملة تثبت لكل بالغ عاقل ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأهلية األداء الناقصة تثبت للصبي المميز والمعتوه العاقل ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬عوارض األهلية ‪:‬‬
‫المراد بعوارض األهلية ‪ :‬هي األمور المعترضة على األهلية ‪ ،‬فتمنع تعلق األحكام‬
‫بها ( األهلية بنوعيها ) أو بأحدهما ‪ ،‬أو توجب تغييراً في بعض أحكامهما ‪.‬‬
‫وهذه العوارض قسمان ‪ :‬عوارض سماوية ‪ ،‬وعوارض مكتسبة ‪..‬‬
‫العوارض السماوية ‪ :‬وهي ما لم يكن للعبد فيها اختيار واكتساب ‪.‬‬
‫وهي أحد عشر عارضاً ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الجنون ‪ ،‬وهو اختالط العقل بحيث يمنع جريان األفعال واألقوال على نهج‬
‫العقل إال نادراً ‪ ،‬وهو ُم ْسقط للعبادات كلها ‪ ،‬دون حقوق العباد ‪ :‬كالديات واألمانات ‪.‬‬
‫والجنون يُ ْسقط أهلية األداء ‪ ،‬فال تصح تصرفات المجنون ‪ ،‬وله أهلية الوجوب‬
‫كاملة ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح التوضيح مع التلويح ‪ 166 - 161/2‬والوجيز ‪ 105/‬وشرح المنار البن‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫ملك ‪ 335 - 333/‬وشرح إفاضة األنوار ‪ 251 ، 250/‬وعلم أصول الفقه لخالف ‪- 143/‬‬
‫‪ 145‬وأصول السرخسي ‪ 353 - 332/2‬وفواتح الرحموت ‪177 - 156/2‬‬
‫‪52‬‬
‫الثاني ‪ :‬الصغر ‪ ،‬وهو في أول أحواله كالجنون ‪ ،‬فإذا عقل بعد ذلك كان له أهلية‬
‫أداء قاصرة ‪.‬‬
‫وتصرفات الصبي المميِّز أقسام ثالثة ‪:‬‬
‫تصرفات نافعة نفعاً محضاً ‪ ،‬نحو ‪ :‬قبول الهبة والصدقة ‪ ،‬وهذه جائزة ‪.‬‬
‫وتصرفات ضارة ضرراً محضاً ‪ :‬نحو ‪ :‬الهبة والعتق ‪ ،‬وهذه غير جائزة ‪.‬‬
‫وتصرفات مترددة بينهما ( النفع والضرر ) ‪ ،‬نحو ‪ :‬النكاح والبيع ‪ ،‬وهذه‬
‫تتوقف على إذن الولي ‪.‬‬
‫ويسقط عنه التكليف والعهدة ‪ ،‬وال تسقط عنه حقوق العباد ‪.‬‬
‫كالم العقالء ‪،‬‬
‫الثالث ‪ :‬العته ‪ ،‬وهو آفة توجب خلالً في العقل ‪ ،‬فيشبه بعض كالمه َ‬
‫آخر يشبه كالم المجانين ‪ ،‬وكذا سائر أموره ‪.‬‬ ‫وبعض َ‬
‫والعته يُـ ْنقص أهلية األداء ‪ ،‬ويكون حكم تصرفات المعتوه حكم تصرفات‬
‫الصبي المميِّز ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬النسيان ‪ ،‬وهو عدم االستحضار في وقت حاجته ‪ ،‬ومنه السهو ‪ ،‬وفي‬
‫" التحرير " ال فر َق بينهما لغةً ‪..‬‬
‫وقيل ‪ :‬السهو ‪ :‬زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة ‪ ،‬والنسيان ‪:‬‬
‫زوالهما معاً ‪ ،‬فيحتاج حينئذ في حصولها إلى سبب جديد ‪.‬‬
‫فمن نسي صالةً ال‬ ‫والنسيان ال ينافي وجوب األداء في حقوق الله تعالى ‪َ ،‬‬
‫يسقط عنه وجوبها ‪ ،‬ويجب عليه قضاؤها عند ذكرها ‪.‬‬
‫لكن إن كان النسيان غالباً في حقوق الله تعالى لكثرته في الصيام أكالً‬ ‫ْ‬
‫والتسمية في الذبيحة وسالم القعدة األولى فإنه يُـ َعد من أسباب العفو في حقه‬
‫تعالى ‪ ،‬فصومه وصالته صحيحة ‪ ،‬وذبيحته جائزة ‪ ،‬فتؤكل ‪.‬‬
‫أما حقوق العباد ‪ :‬فال يُـ َعد النسيان سبباً للعفو منها ‪ ،‬وإنما يجب ضمان ما أتلفه‬
‫الناسي ؛ ألنها حقوقهم محترمة لحقهم ‪ ،‬وليس فيها ابتالء كما في حقوق الله تعالى ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬النوم ‪ ،‬وهو عجز عن اإلدراكات ؛ أي اإلحساسات الظاهرة ؛ إذ‬
‫الحواس الباطنة ال تسكن في النوم ‪ ،‬وعن الحركات اإلرادية ؛ أي الصادرة عن‬
‫قصد واختيار ‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫والنوم ال يُ ْسقط الوجوب ‪ ،‬وإنما يوجب تأخير الخطاب لوقت األداء بال حرج ‪.‬‬
‫ك‬‫صلِّ َها إذَا ذَ َك َرَها ؛ فَإن ذَل َ‬
‫صالَة أ َْو نَسيَـ َها فَـلْيُ َ‬ ‫دليله ‪ :‬حديث { َم ْن نَ َ‬
‫ام َع ْن َ‬
‫َوقْـتَـ َها} ‪.‬‬
‫وعبارة النائم باطلة ؛ لعدم االختيار ‪ ،‬فال يقع طالقه أو ردته أو عتقه أو تكلُّمه‬
‫في صالته ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬اإلغماء ‪ ،‬وهو تعطيل القوى المدركة والمحركة حركةً إراديةً بسبب مرض‬
‫القوى ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫يَعرض للدماغ أو القلب ‪ ،‬واإلغماء فوق النوم في سلب االختيار وتعطل َ‬
‫وحكمه حكم النوم من تأخير الخطاب وإبطال العبادات ‪ ،‬ويزيد اإلغماء في أنه‬
‫يـُ َعد حدثاً ‪ ،‬فتبطل الصالة به ‪ ،‬ويمنع بناء ما بقي من الصالة بعد اإلقامة على ما‬
‫قبله إذا وقع خاللها ‪ ،‬بخالف النوم في الصالة مضطجعاً فله البناء ‪ ،‬وفي الصوم‬
‫(‪) 1‬‬
‫والزكاة ال يـُ ْعتَبَر ؛ ألنه يندر وجوده شهراً أو سنةً ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬الرق ‪ ،‬وهو عجز حكمي عن الوالية والشهادة والقضاء ومالكية المال‬
‫وغيرها ‪ ،‬والرقيق ال يكون أهالً للوالية والشهادة والقضاء ‪ ،‬وال يكون أهالً للتملك‬
‫(‪)2‬‬
‫والتصرفات المالية من بيع وشراء وهبة وغيرها ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬المرض ‪ ،‬وهو ال ينافي األهلية ‪ ،‬لكنه ‪ -‬ل َما فيه من العجز ‪ُ -‬شر َعت‬
‫العبادات فيه للقدرة الممكنة ‪ ،‬ولَما كان سبب الموت ‪ -‬وهو علة الخالفة ‪ -‬كان‬
‫الحجر إذا اتصل بالموت ‪.‬‬ ‫سبب تعلق الوارث والغريم ‪ ،‬فيوجب ْ‬
‫التاسع والعاشر ‪ :‬الحيض والنفاس ‪ ،‬وهما ال يعدمان األهلية ‪ ،‬إال أن وجود أحدهما‬
‫تحقق شرط الطهارة في الصالة والصيام ‪ ،‬فيفوت األداء بهما ‪ ،‬ويسقط أصل‬ ‫مانع ل ُّ‬
‫الصالة للحرج ‪ ،‬ال الصوم ‪ ،‬فيقضى هو ال هي ‪.‬‬
‫الحادي عشر ‪ :‬الموت ‪ ،‬وهو عجز ليس فيه جهة القدرة بوجه ‪ ،‬وهو ينافي أحكام‬
‫الدنيا مما فيه تكليف ؛ ألنه يعتمد القدرة ‪ ،‬والموت ينافيها ‪ ،‬مع تفصيل في حكم‬
‫(‪)1‬‬
‫التصرفات والحقوق التي تعلقت بالمكلف قبل وفاته ‪.‬‬
‫العوارض المكتسبة ‪ :‬وهي العوارض التي يكون للعبد فيها دخل واختيار ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬تيسير التحرير ‪ 266/2‬وشرح التوضيح ‪ 177/2‬وشرح الكوكب المنير ‪511/1‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح التوضيح ‪ 170/2‬وشرح طلعة الشمس ‪251/2‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪54‬‬
‫وهي قسمان ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬العوارض التي تكون من اكتساب المكلف واختياره ‪.‬‬
‫وهي العوارض التالية ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الجهل ‪ ،‬وهو اعتقاد الشيء على خالف ما هو به ‪.‬‬
‫وأنواعه أربعة ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬جهل باطل بال شبهة ‪ ،‬ال يصلح عذراً في اآلخرة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬الكفر من‬
‫الكافر ‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬جهل دون جهل الكافر ‪ ،‬وال يصلح عذراً في اآلخرة ؛ لألدلة القطعية ‪،‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬جهل صاحب الهوى في صفات الله تعالى وأحكام اآلخرة ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬جهل يَصلح شبهةً ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬االجتهاد الصحيح ‪ ،‬بشرط أ ْن ال‬
‫السنة ‪.‬‬
‫يخالف الكتاب أو ُّ‬
‫النوع الرابع ‪ :‬جهل يَصلح عذراً ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬جهل َمن أسلم في دار الحرب ؛ فإنه‬
‫(‪)2‬‬
‫يكون عذراً له في الشرائع ‪.‬‬
‫الس ْكر ‪ ،‬وهو سرور يَغلب على العقل بمباشرة أسبابه فيمنعه عن العمل‬ ‫الثاني ‪ُّ :‬‬
‫بموجب عقله من غير أن يزيله ‪.‬‬
‫والس ْكر له طريقان ‪:‬‬
‫ُّ‬
‫الطريق األول ‪ :‬طريق مباح ‪..‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬شرب الدواء ‪ ،‬وشرب الْ ُم ْك َره والمضطر ‪.‬‬
‫وحكمه حكم اإلغماء ‪ ،‬فيمنع صحة الطالق والعتاق وسائر التصرفات ‪.‬‬
‫الطريق الثاني ‪ :‬طريق محظور ‪..‬‬
‫وهو ‪ :‬شرب الْ ُم ْسكر متعمداً باختياره غير مضطر ‪.‬‬
‫الس ْكر في هذه الحالة ‪ :‬أنه ال ينافي الخطاب ‪ ،‬وال يـُْبطل األهلية ‪،‬‬ ‫وحكم ُّ‬
‫وتلزمه أحكام الشرع ‪ ،‬وتصح تصرفاته كلها قوالً وفعالً ‪ -‬عند الحنفية ‪ -‬إال الردة‬
‫اجع ‪ :‬الوجيز ‪ 112/‬وشرح التوضيح ‪ 177/2‬وشرح إفاضة األنوار ‪257 ، 256/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وشرح ابن العيني وشرح المنار البن ملك ‪351/‬‬
‫اجع شرح التوضيح مع التلويح ‪185 - 182/2‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪55‬‬
‫(‪)1‬‬
‫استحساناً ‪ ،‬واإلقرار بالحدود الخالصة لله تعالى ‪.‬‬
‫وذهب بعض األصوليين إلى أن السكران ليس بمكلف ‪ ،‬منهم إمام الحرمين‬
‫والغزالي والشيرازي وابن برهان رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫‪ -‬أنه مكلف‬ ‫‪ -‬ورواية عن اإلمام أحمد‬ ‫ومذهب اإلمام الشافعي‬
‫وتصح تصرفاته ‪.‬‬
‫والذي يُ ْح َمل على المعتدي‬ ‫والذي أميل إليه ‪ :‬هو قول اإلمام الشافعي‬
‫أن السكران المعتدي بسكره مكلف‬ ‫بسكره ‪ ،‬وهو ما ذهب إليه الزركشي‬
‫(‪)2‬‬
‫مأثوم ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الهزل ‪ ،‬وهو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له وال ما صلح له اللفظ استعارةً ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬أنه ال ينافي األهلية ؛ أي أهلية صحة العبادة ووجوب األحكام والرضا‬
‫بالمباشرة ؛ ألن الهازل يتكلم بما هزل به عن اختيار ورضاء ‪ ،‬فتصح تصرفاته ‪،‬‬
‫اح َوالطالَ ُق َوالْيَمين}‬ ‫ومنها النكاح ؛ بدليل حديث {ثَالَ ٌ‬
‫ث َه ْزلُ ُهن ج ٌّد ‪ :‬النِّ َك ُ‬
‫اح َوالطالَ ُق َوالر ْج َعة} ‪.‬‬ ‫وفي رواية {ثَالَ ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫ث ج ُّد ُهن ج ٌّد َو َه ْزلُ ُهن ج ٌّد ‪ :‬النِّ َك ُ‬
‫الرابع ‪ :‬الس َفه ‪ ،‬وهو خفة تعتري اإلنسان ‪ ،‬فتحمله على العمل بخالف موجب‬
‫العقل والشرع ‪ ،‬مع قيام العقل حقيقةً ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬أنه ال ينافي األهلية ‪ ،‬وال يضع شيئاً من أحكام الشرع ‪ ،‬وال يوجب‬
‫وضع الخطاب بحال ‪ ،‬وأجمعوا أنه يمنع من ماله في أول ما بلغ بالنص ؛ قال‬
‫ٱلس َف َها ا َء أ َ ۡم َوٰلَ ُ‬
‫تعالى { َو ََّل تُ ۡؤتُوا ْ ي‬
‫كم} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫واختلفوا في حكم الْ َح ْجر على السفيه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أصول البزدوي مع كشف األسرار ‪579 - 571/4‬‬
‫اجع ‪ :‬اإلبهاج ‪ 155/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 505/1‬والمسودة ‪35/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن الترمذي ‪ 490/3‬برقم ( ‪ ) 1184‬وسنن أبي داود ‪ 266 ، 265/2‬برقم‬ ‫يُـ َر َ‬
‫( ‪ ) 2194‬وسنن ابن ماجه ‪ 658/1‬برقم ( ‪. ) 2039‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء من اآلية ‪5‬‬
‫اجع ‪ :‬أصول البزدوي مع كشف األسرار للبخاري ‪ 602 - 582/4‬وشرح المنار البن‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫ملك ‪360/‬‬
‫‪56‬‬
‫الخامس ‪ :‬السفر ‪ ،‬وهو ال ينافي األهلية بوجه ‪ ،‬وال شيئاً من األحكام ‪ ،‬لكن الشارع‬
‫صر الصالة الرباعية ‪ ،‬والجمع تقديماً‬ ‫جعله سبباً من أسباب التخفيف ‪ ،‬فرخص فيه قَ ْ‬
‫وتأخيراً ‪ ،‬والفطر في حق الصائم ‪ ،‬مع تفصيل في شروط هذا السفر عند الفقهاء ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬الخطأ ‪ ،‬وهو أن يفعل فعالً من غير أن يقصد قصداً تاماً ‪ :‬كما إذا رمى‬
‫صيداً فأصاب إنساناً ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬أنه يَصلح عذراً في سقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد ‪،‬‬
‫والمؤاخذة به جائزة عقالً عند أهل السنة ‪ ،‬خالفاً للمعتزلة ‪ ،‬ولذا سئل ‪ ‬عدم‬
‫َّ َ ا َ َ ۡ‬ ‫َ َُ َۡا‬
‫ِّينا أ ۡو أ ۡخ َطأنَا} ؛ إذ الممتنع‬ ‫المؤاخذة به ؛ قال تعالى { َر َّبنَا َّل تؤاخِّذنا إِّن نس‬
‫(‪)1‬‬

‫عقالً ال يُ ْسأَل عدمه ‪.‬‬


‫وقد جعله الشارع عذراً في إسقاط حقه إذا اجتهد المجتهد ؛ ففي الصحيحين‬
‫اجتَـ َه َد فَأَ ْخطَأَ فَـلَهُ‬
‫َج َران ‪َ ،‬وإذَا َح َك َم فَ ْ‬‫اب فَـلَهُ أ ْ‬
‫َص َ‬‫اجتَـ َه َد فَأ َ‬ ‫{إذَا َح َك َم ال َ‬
‫ْحاك ُم فَ ْ‬
‫َجر} ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أْ‬
‫يؤاخذ بحد ‪ ،‬وجعله سبباً للتخفيف‬ ‫وجعله الشارع شبهةً دارئةً في العقوبات فال َ‬
‫في القتل فوجبت الدية ‪ ،‬ولكونه عن تقصير في التثبت وجب به ما تردد بين العبادة‬
‫والعقوبة من الكفارة ‪ ،‬ويقع طالقه عند الحنفية ‪ ،‬وينعقد بيعه فاسداً عندهم ‪.‬‬
‫أما حقوق العباد ‪ :‬فإنه يضمن المتلفات فيها ‪ :‬كما لو رمى إلى شاة إنسان على‬
‫ظن أنها صيد ‪.‬‬
‫استُ ْكرُهوا َعلَْيه}‬ ‫والمراد من قوله { ُرف َع َع ْن أُمتي الْ َخطَأُ َوالن ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِّسيَا ُن َوَما ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫حكم اآلخرة ورفع المؤاخذة والتأثيم ‪ ،‬ال حكم الدنيا ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪286‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 572/‬برقم ( ‪ ) 2123‬ومختصر صحيح مسلم ‪275/‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫برقم ( ‪. ) 1056‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي وغيرهم ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬المستدرك ‪ 198/2‬وسنن الدارقطني ‪ 171 ، 170/4‬وسنن البيهقي ‪356/7‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬تيسير التحرير ‪ 307 - 305/2‬وشرح المنار البن ملك ‪ 369/‬وشرح‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫التوضيح ‪195/2‬‬
‫‪57‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬العوارض التي تُكتسب من غير ذلك المكلف فتقع من مكلف آخر ‪،‬‬
‫وهذا وجه اكتسابها ‪.‬‬
‫وهذا القسم محصور في اإلكراه ‪ ،‬وهو ‪ :‬حمل الغير على ما ال يرضاه من قول‬
‫(‪)1‬‬
‫أو فعل ‪.‬‬
‫أقسام اإلكراه ‪:‬‬
‫لإلكراه تقسيمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬من حيث المشروعية وعدمها ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬من حيث اإللجاء وعدمه ‪.‬‬
‫ونفصل القول فيهما فيما يلي ‪..‬‬
‫التقسيم األول ‪ :‬اإلكراه من حيث المشروعية وعدمها ‪.‬‬
‫ينقسم اإلكراه بهذا االعتبار إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬إكراه مشروع ( بحق ) ‪ ،‬وهو اإلكراه المشروع ؛ أي الذي ال ظلم فيه وال إثم ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬إكراه الْ َمدين القادر على وفاء الديْن ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إكراه غير مشروع ( بغير حق ) ‪ ،‬وهو اإلكراه ظلماً ‪ ،‬أو اإلكراه المحرم ؛‬
‫(‪)2‬‬
‫لتحريم وسيلته ‪ ،‬أو لتحريم المطلوب به ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ‪ :‬اإلكراه من حيث اإللجاء وعدمه ‪.‬‬
‫ينقسم اإلكراه بهذا االعتبار إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬إكراه ُم ْلجئ ‪ ،‬وهو الذي ال يبقى للشخص معه قدرة وال اختيار ‪..‬‬
‫وبعبارة الحنفية ‪ :‬أن يعدم الرضا ويفسد االختيار ‪.‬‬
‫مثاله عند الحنفية ‪ :‬اإلكراه ( التهديد ) بالقتل أو بقطع عضو ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وحكمه عندهم ‪ :‬أنه ال ينافي األهلية ‪ ،‬والْ ُم ْك َره مبتلى ‪ ،‬واالبتالء يحقق الخطاب ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مثاله عند غير الحنفية ‪ :‬اإللقاء من شاهق ‪.‬‬
‫(‪ )1‬التحرير مع التيسير ‪307/2‬‬
‫اجع الموسوعة الفقهية الكويتية ‪104/6‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع شرح العيني وشرح المنار البن ملك ‪369/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬التمهيد لإلسنوي ‪120/‬‬
‫‪58‬‬
‫وحكمه عندهم ‪ :‬أنه ال يصح معه تكليف ‪ ،‬ال بالفعل الْ ُم ْك َره عليه ؛ لضرورة‬
‫وقوعه ‪ ،‬وال بضده ؛ المتناعه ‪ ،‬وال يكلف إال على رأي َمن جوز التكليف بما ال‬
‫استُ ْكرُهوا َعلَْيه} ‪ ،‬وهو‬ ‫ِّسيَا ُن َوَما ْ‬‫{ ُرف َع َع ْن أُمتي الْ َخطَأُ َوالن ْ‬ ‫يطاق ؛ لقوله‬
‫(‪) 1‬‬
‫مستلزم لرفع التكليف ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إكراه غير ُم ْلجئ ‪.‬‬
‫وهو عند الحنفية قسمان ‪:‬‬
‫‪ -1‬إكراه يعدم الرضا وال يفسد االختيار ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬اإلكراه ( التهديد ) بالحبس ‪.‬‬
‫‪ -2‬إكراه ال يعدم الرضا وال يفسد االختيار ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬اإلكراه ( التهديد ) بحبس االبن أو االبنة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وحكمه عندهم ‪ :‬أنه يصح التكليف ‪ ،‬وال ينافي أهلية الخطاب ‪.‬‬
‫مثال اإلكراه غير الْ ُم ْلجئ عند غير الحنفية ‪ :‬لو قال ‪ ":‬إن لم تكفر أو تقتل‬
‫زيداً وإال قتلتُك " ‪ ،‬أو غلب على ظنه أنه إن لم يفعل وإال قتله ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬أنه ال يمتنع معه التكليف ‪..‬‬
‫وقالت المعتزلة ‪ :‬يمتنع التكليف في الشيء الْ ُم ْك َره عليه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ":‬إن أتى به لداعي الشرع صح ‪ ،‬أو لداعي اإلكراه فال ‪.‬‬ ‫وقال الغزالي‬
‫وحيث إنه مكلف ‪ -‬على رأي الجمهور ‪ -‬فإن األحكام الشرعية تثبت في حقه ‪،‬‬
‫لكن خفف عليه بسبب اإلكراه ؛ إذ جوز له الترخص في كثير من األحكام ‪ ،‬حتى‬
‫َۡ‬ ‫ُ ۡ‬ ‫َّ‬
‫في كلمة الشرك إذا كان قلبه مطمئناً باإليمان ؛ قال تعالى {إ َِّّل َم ۡن أكرِّهَ َوقلبُ ُهۥ‬
‫ُ ۡ َ يۢ ۡ‬
‫ٱۡل َيمٰن}‬
‫(‪)5( )4‬‬
‫‪.‬‬ ‫مطمئِّن ب ِّ ِّ‬
‫(‪ )1‬منتهى السول ‪37/1‬‬
‫اجع شرح العيني وشرح المنار البن ملك ‪369/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المستصفى ‪ 91 ، 90/1‬والبحر المحيط ‪ 360 - 355/1‬وروضة الناظر ‪50/‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫وشرح مختصر الروضة ‪ 194/1‬وشرح الكوكب المنير ‪ 509 ، 508/1‬وشرح المحلي مع‬
‫البناني ‪ 76 - 74/1‬واإلبهاج ‪73/1‬‬
‫(‪ )4‬سورة النحل من اآلية ‪106‬‬
‫(‪ )5‬شرح طلعة الشمس ‪271/2‬‬
‫‪59‬‬
‫أثر اإلكراه في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على اإلكراه ‪ :‬لو أُ ْكره على السرقة أو تناول الْ ُم ْسكر ففعل فهل‬
‫يجب عليه الحد أم ال ؟‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫في المسألة روايتان ذكرهما القاضي أبو يعلى‬
‫والراجح عندي ‪ :‬أنه ال َحد عليه ؛ لإلكراه ‪.‬‬

‫اجع التمهيد لإلسنوي ‪124/‬‬


‫(‪ )1‬القواعد والفوائد األصولية ‪ ، 44 ، 43/‬ويُـ َر َ‬
‫‪60‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫داللة األلفاظ على الحكم‬

‫المطلب األول‬
‫داللة الخطاب على الحكم عند غير الحنفية‬

‫أوالً ‪ :‬تقسيم اللفظ المفرد‬


‫ومن تبعه ‪ -‬هو أنه ‪ :‬إما أن يكون‬
‫َ‬ ‫أساس هذا التقسيم ‪ -‬كما ذكره الرازي‬
‫اللفظ والمعنى واحداً ‪ ،‬أو يتكثرا ( أي اللفظ والمعنى ) ‪ ،‬أو يتكثر اللفظ ويتحد‬
‫المعنى ‪ ،‬أو العكس ‪..‬‬
‫في تقسيمات أربعة أوجزها فيما يلي ‪..‬‬
‫التقسيم األول ‪ :‬ما اتحد اللفظ والمعنى ‪.‬‬
‫وهو إما أن يمنع الشركة فيه ‪ ،‬فهو العلم ‪.‬‬
‫وإن لم يمنع الشركة فإما أن يستوي في محاله أم ال ‪ :‬فإن استوى في محاله‬
‫فهو المتواطئ ‪ :‬كالرجل ؛ فهو متوافق في زيد وعمرو وسعد ‪ ،‬وإن لم يستو في‬
‫محاله فهو المشكك ‪ :‬كالنور إلى السراج والشمس ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ‪ :‬ما تعدد اللفظ وتعدد المعنى ‪.‬‬
‫وهي األلفاظ المتباينة ‪ :‬كاإلنسان والفرس ‪.‬‬
‫التقسيم الثالث ‪ :‬ما تعدد اللفظ واتحد المعنى ‪.‬‬
‫وهي األلفاظ المترادفة ‪ :‬كالقمح والبُـر والحنطة ‪.‬‬
‫التقسيم الرابع ‪ :‬ما اتحد اللفظ وتعدد المعنى ‪.‬‬
‫وهذا التقسيم تحته أقسام عدة ذكرها ابن السبكي واإلسنوي رحمهم الله ‪:‬‬
‫كالمشترك ‪ ،‬والمنقول عنه وإليه ‪ ،‬والحقيقة والمجاز ‪.‬‬
‫وهذا التقسيم إما أن تكون داللته على كل واحد من المعاني على السوية ‪ ،‬فهو‬
‫‪61‬‬
‫المجمل ‪ ،‬أو ال ‪..‬‬
‫فإن كانت داللته على بعض المعاني أرجح فالطرف الراجح ظاهر ‪ ،‬والمرجوح‬
‫مؤول ‪ ،‬والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه ‪.‬‬
‫والتقسيمات الثالثة األَُول ‪ -‬المتحدة اللفظ والمعنى والمتكثرة اللفظ والمعنى‬
‫والمتكثرة اللفظ دون المعنى ‪ -‬تسمى " نصوصاً " ؛ ألن لكل لفظ منها فرداً معيناً‬
‫ال يحتمل غيره ‪ ،‬وهذا هو المعني بالنص ‪ ،‬ولذا كان المشترك بين النص والظاهر‬
‫هو الحكم ‪.‬‬
‫ونعرف كل مصطلح من هذه المصطلحات فيما يلي ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫المشترك ‪ :‬هو اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين فأكثر ‪ :‬كالعين ‪ ،‬وقولنا‬
‫" ل ُكل واحد " احترازاً من أسماء األعداد ؛ فإنها لمجموع المعاني ال ل ُكل واحد ‪،‬‬
‫للمثلين ‪ ،‬فإن التعين إن ا ْعتُبر‬
‫ْ‬ ‫مختلفين " ؛ فإن الوضع مستحيل‬‫ْ‬ ‫وال حاجة لقولنا "‬
‫بمثلين ‪.‬‬
‫مختلفين ‪ ،‬وإن لم يـُ ْعتَبَـ ْر كانا واحداً ‪ ،‬والواحد ليس ْ‬
‫ْ‬ ‫في التسمية كانا‬
‫والمتواطئ ‪ :‬هو اللفظ الموضوع لمعنى كلِّي مستو في محالِّه ‪ :‬كالرجل ‪.‬‬
‫لمعنى كلِّي مختلف في محالِّه إما بالكثرة والقلة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫والمشكك ‪ :‬هو الموضع‬
‫كالنور بالنسبة إلى السراج والشمس ‪ ،‬أو بإمكان التغير واستحالته ‪ :‬كالوجود‬
‫بالنسبة إلى الواجب والممكن ‪ ،‬أو باالستغناء واالفتقار ‪ :‬كالموجود بالنسبة إلى‬
‫والعرض ‪.‬‬
‫الجوهر َ‬
‫والمترادفة ‪ :‬هي األلفاظ الكثيرة لمعن ًى واحد ‪ :‬كالقمح والبُـر والحنطة ‪.‬‬
‫والمتباينة ‪ :‬هي األلفاظ الموضوع كل واحد منها لمعن ًى ‪ :‬كاإلنسان وال َف َرس‬
‫والطير ‪ ،‬ولو كانت للذات والصفة وصفة الصفة ‪ ،‬نحو ‪ :‬زيد متكلم فصيح ‪.‬‬
‫والنص ‪ :‬فيه ثالثة اصطالحات ‪..‬‬
‫قيل ‪ :‬هو ما َدل على معن ًى قطعاً وال يحتمل غيره قطعاً ‪ :‬كأسماء األعداد ‪.‬‬
‫معنى قطعاً وإن احتمل غيره ‪ :‬كصيغ الجموع في العموم ؛‬ ‫وقيل ‪ :‬ما َدل على ً‬
‫فإنها تدل على أقل الجمع قطعاً ‪ ،‬وتحتمل االستغراق ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ما َدل على معن ًى كيف كان ‪ ،‬وهو غالب استعمال الفقهاء ‪.‬‬
‫والظاهر ‪ :‬هو المتردد بين احتمالين فأكثر هو في أحدهما أرجح ‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫والمحكم ‪ :‬هو الذي تتضح داللته على معناه ‪ ،‬وهو كالجنس بالنسبة إلى‬
‫النص والظاهر ‪.‬‬
‫والنص ‪ :‬هو ما دل على معنى قطعا ؛ وال يحتمل غيره ‪.‬‬
‫والمتشابه ‪ :‬هو اللفظ الذي لم تتضح داللته على معناه ‪ ،‬وهو كالجنس بالنسبة‬
‫إلى المجمل والمؤول ‪.‬‬
‫والمجمل ‪ :‬هو المتردد بين احتمالين على السواء ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والمؤول ‪ :‬هو المتردد بين احتمالين هو في أحدهما مرجوح ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬المنطوق والمفهوم‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف المنطوق وأقسامه ‪:‬‬
‫المنطوق لغةً ‪ :‬اسم مفعول من " نطق " أي تكلم ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بأنه ‪ :‬ما َدل عليه اللفظ في محل النطق ‪.‬‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬عرفه ابن الحاجب‬
‫َ َ َ ُ َّ ُ َ ا ُ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {فَل تقل لهما أف} ؛ فإن اللفظ في محل النطق يدل‬
‫(‪)3‬‬

‫على تحريم التأفيف في حق الوالدين ‪.‬‬


‫أقسام المنطوق ‪:‬‬
‫ينقسم المنطوق إلى ‪ :‬منطوق صريح ‪ ،‬وغير صريح ‪.‬‬
‫القسم األول ‪ :‬المنطوق الصريح ‪:‬‬
‫هو ‪ :‬ما ُوضع اللفظ له ‪ ،‬فيدل عليه بالمطابقة أو التضمن ‪.‬‬
‫ومعنى المطابقة ‪ :‬داللة اللفظ على مسماه ‪ :‬كداللة البيت على المجموع‬
‫المركب من السقف والجدار واألساس ‪ ،‬وتسمى هذه الداللة بـ" المطابقية " ‪.‬‬
‫ومعنى التضمن ‪ :‬داللة اللفظ على جزء مسماه ‪ :‬كداللة البيت على الجدار‬
‫فقط ‪ ،‬أو السقف فقط ‪ ،‬وتسمى هذه الداللة بالتضمنية ‪.‬‬
‫اجع تقسيم اللفظ المفرد في ‪ :‬المحصول ‪ 83 - 80/1‬والمستصفى ‪345/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫والتحصيل ‪ 202/1‬والذخيرة للقرافي ‪ 55 ، 45/‬واإلبهاج ‪ 215 - 208/1‬وتقريب‬
‫الوصول ‪ 85/‬وشرح طلعة الشمس ‪172 - 168/1‬‬
‫(‪ )2‬مختصر المنتهى ‪171/2‬‬
‫(‪ )3‬سورة اإلسراء من اآلية ‪23‬‬
‫‪63‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬المنطوق غير الصريح ‪:‬‬
‫وهو ‪ :‬ما لم يوضع اللفظ له ‪ ،‬بل ما يلزم مما وضع له ‪ ،‬فيدل على االلتزام ‪..‬‬
‫ومعنى االلتزام ‪ :‬داللة اللفظ على الزم له ‪ :‬كداللة البيت على البناء ‪ ،‬والمراد‬
‫هنا هو اللزوم الذهني ‪ ،‬وتسمى هذه الداللة بـ" االلتزامية " ‪.‬‬
‫وهذه الدالالت الثالث هي أقسام الداللة اللفظية الوضعية ‪.‬‬
‫أقسام المنطوق غير الصريح ( الداللة االلتزامية ) ‪:‬‬
‫ينقسم المنطوق غير الصريح إلى أقسام ثالثة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬داللة اقتضاء ‪.‬‬
‫وهي ‪ :‬اقتضاء الكالم تقدير كلمة في الكالم تصحيحاً لمعناه شرعاً أو عقالً ‪.‬‬
‫استُ ْكرُهوا َعلَْيه} أي رفع‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله { ُرف َع َع ْن أُمتي الْ َخطَأُ َوالن ْ‬
‫ِّسيَا ُن َوَما ْ‬
‫المؤاخذة على ذلك ؛ ألن رفع الثالث حقيقةً ال يقع ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬داللة إيماء وتنبيه ‪.‬‬
‫وهي ‪ :‬أن يكون الكالم داالا على علة الحكم كما يدل على المعنى صريحاً ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬حديث { َم ْن َمس ذَ َك َرهُ فَـلْيَتَـ َوضأ} ‪ ،‬وأمثلته في القياس كثيرة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الثالث ‪ :‬داللة إشارة ‪.‬‬


‫وهو ‪ :‬أن ال يقصد المتكلم ما يلزم عما ُوضع له اللفظ ‪ ،‬لكن يحصل بالتبعية ‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ ََ ُ َ َ‬ ‫َُۡ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى { َوَحل ُهۥ َوف ِّصٰل ُهۥ ثلٰثون ش ۡهرا} مع قوله تعالى { َوف ِّصٰل ُهۥ‬
‫(‪)2‬‬

‫ِّف ََع َم ۡني} إشارةً إلى أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ثانياً ‪ -‬تعريف المفهوم وأقسامه ‪:‬‬


‫المفهوم لغةً ‪ :‬اسم مفعول من " فهم " ‪ ،‬وهو الصورة الذهنية سواء ُوضع بإزائها‬
‫األلفاظ أو ال ‪.‬‬
‫بأنه ‪ :‬ما دل عليه اللفظ ال في محل النطق ‪.‬‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬عرفه ابن الحاجب‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن الترمذي ‪ 126/1‬برقم ( ‪ ) 82‬وسنن أبي داود ‪ 45/1‬برقم ( ‪. ) 181‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬سورة األحقاف من اآلية ‪15‬‬
‫(‪ )3‬سورة لقمان من اآلية ‪14‬‬
‫‪64‬‬
‫أقسام المفهوم ‪:‬‬
‫ينقسم المفهوم إلى قسمين ‪ :‬مفهوم موافقة ‪ ،‬ومفهوم مخالفة ‪.‬‬
‫القسم األول ‪ :‬مفهوم الموافقة ‪.‬‬
‫مفهوم الموافقة هو ‪ :‬أن يكون المسكوت موافقاً للمنطوق في الحكم ‪..‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو تعريف شمس الدين األصفهاني‬
‫أقسام مفهوم الموافقة ‪:‬‬
‫ينقسم مفهوم الموافقة إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن يكون المسكوت موافقاً في الحكم للمنطوق ‪ ،‬ويسمى " مفهوم الموافقة "‬
‫إذا كان المسكوت ْأولى بالحكم من المنطوق ‪ ،‬ويسمى ‪ -‬أيضاً ‪ -‬بـ" فحوى‬
‫الخطاب " ‪ ،‬وفحوى الكالم ما يُـ ْف َهم منه قطعاً ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ ا ُ‬ ‫َ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {فََل َت ُقل ل ُه َما أف َوَّل َت ۡن َه ۡر ُه َما} ؛ فإنه دال على تحريم‬
‫الضرب ؛ ألنه أَ ْولَى بالحكم من المنطوق ‪ ،‬وهو من قبيل التنبيه باألدنى على األعلى ‪.‬‬
‫َۡ‬
‫وقد يكون م ن قبيل التنبيه باألعلى على األدنى ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { َوم ِّۡن أه ِّل‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلك َِّتٰ ِّب َم ۡن إِّن تَأ َم ۡن ُه بِّقِّ َنطار يُ َؤدِّه ِّۦا إَِّلۡك} يفهم منه تأدية ما دون القنطار ‪ ،‬وسمى‬
‫(‪)2‬‬

‫البعض هذا القسم " قياساً جلياً ًِ " أو من باب أَ ْولى ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون المسكوت عنه مساوياً للحكم في المنطوق ‪ ،‬ويسمى " لحن‬
‫الخطاب " أي معناه ‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ُ َ ۡ َ ٰ َ َ َ ٰ َ ٰ ُ ۡ ً َّ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كلون ِّف ُب ُطون ِّ ِّه ۡم‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {إِّن ٱَّلِّين يأكلون أمول ٱَلتَم ظلما إِّنما يأ‬
‫َ‬
‫نَاراۖ َو َس َي ۡصل ۡو َن َسعِّريا} ؛ فإن إحراق مال اليتيم مساو ألخذه وأكله وإتالفه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬مفهوم المخالفة ‪:‬‬


‫مفهوم المخالفة هو ‪ :‬أن يكون المسكوت عنه مخالفاً للمنطوق في الحكم‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫إثباتاً ونفياً ‪ ،‬ويسمى " دليل الخطاب " ‪ ،‬وهو تعريف التفتازاني‬
‫(‪ )1‬بيان المختصر ‪440/2‬‬
‫(‪ )2‬سورة آل عمران من اآلية ‪75‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪10‬‬
‫(‪ )4‬التلويح ‪266/1‬‬
‫‪65‬‬
‫أنواع مفهوم المخالفة ‪:‬‬
‫ينقسم مفهوم المخالفة إلى عشرة أنواع ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬مفهوم الصفة ‪.‬‬
‫{في َسائ َمة الْغَنَم َزَكاة} ؛ فإنه يفيد إثبات الزكاة في‬
‫(‪)1‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله‬
‫السائمة مطلقاً منطوقاً ‪ ،‬كما ينفي إثباتها عن المعلوفة مفهوماً للمخالفة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬مفهوم الغاية ‪.‬‬
‫َ َ َ َّۡ‬ ‫ُ َّ َ ي ْ‬
‫ٱلصيام إَِّل ٱَلل} ‪ ،‬ولذا ال يكون الصوم تاماً إال‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {ثم أت ِّموا ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫نَ ْ‬
‫باإلمساك إلى غروب الشمس ‪ ،‬فإ ْن أفطر قبله فال صيام له ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬مفهوم العدد ‪.‬‬
‫ۡ‬
‫وه ۡم ثَ َمٰن َِّني َج َِلة} ‪ ،‬فال يجوز الزيادة عن هذا‬ ‫ِل ُ‬ ‫نحو ‪ :‬قوله تعالى {فَ ۡ‬
‫ٱج ِّ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫َْ‬
‫العدد أو نقصانه ‪ ،‬وذلك بمقتضى مفهوم المخالفة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬مفهوم الشرط ‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َحل فَأنفِّ ُقوا َعل ۡي ِّهن} ‪ ،‬وعليه فغير‬ ‫َۡ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى {ِإَون ك َّن أ ْول ٰ ِّ‬
‫ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ت‬ ‫نَ ْ‬
‫الحامل ال يجب اإلنفاق عليها ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬مفهوم الحصر ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله {إن َما ال َْماءُ م َن ال َْماء} أي يجب الغسل عند رؤية المني ‪،‬‬
‫(‪)5‬‬

‫فإذا لم ير الماء ‪ -‬أي المني ‪ -‬فال غسل عليه ‪.‬‬


‫السادس ‪ :‬مفهوم االستثناء ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ۢ َ ۡ َ ٰ َ َ ۡ َ ُ َ َّ َّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َّ َ َ‬
‫ٱَّلل غ ُفور‪َّ ٞ‬رحِّيم} ‪،‬‬ ‫ِّين تابُوا ِّمن بع ِّد ذل ِّك وأصلحوا فإِّن‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {إَِّّل ٱَّل‬
‫(‪)6‬‬
‫نَ ْ‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه النسائي والحاكم وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن أبي داود ‪ 21/5‬والمستدرك ‪391/1‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪187‬‬
‫(‪ )3‬سورة النور من اآلية ‪4‬‬
‫(‪ )4‬سورة الطالق من اآلية ‪6‬‬
‫(‪ )5‬هذا الحديث أخرجه اإلمام مسلم وغيره ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح مسلم ‪ 49/‬برقم ( ‪. ) 151‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )6‬سورة آل عمران ‪ :‬اآلية ‪ ، 89‬سورة النور ‪ :‬اآلية ‪5‬‬
‫‪66‬‬
‫فإذا لم يتوبوا فال يكونون أهالً للعفو والمغفرة ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬مفهوم العلة ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ُ { :‬ك ُّل ُم ْسكر َح َرام} ؛ فمنطوق هذا اللفظ تحريم المسكر ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومفهومه تحليل غير المسكر ‪.‬‬


‫الثامن ‪ :‬مفهوم المكان ‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫َ ُ ۡ َٰ ُ َ‬ ‫َ‬
‫س ِّجد} ‪ ،‬فال يجوز االعتكاف في‬
‫(‪)2‬‬
‫ون ِّف ٱل َم َ ٰ‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {وأنتم عكِّف‬ ‫نَ ْ‬
‫غير المساجد ‪.‬‬
‫التاسع ‪ :‬مفهوم الزمان ‪.‬‬
‫َّ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى {قُ ِّم ٱَلۡل} ‪ ،‬فال يكون قياماً بالنهار ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫العاشر ‪ :‬مفهوم اللقب ‪.‬‬


‫معناه ‪ :‬االسم الذي عبر به عن الذات ‪ ،‬علماً كان أو وصفاً أو اسم جنس ‪.‬‬
‫ص َدقَة} ‪ ،‬ويـُ ْف َهم منه مخالفة أنه ال صدقة في‬ ‫{في الْبُـ ِّر َ‬
‫(‪)4‬‬
‫مثاله ‪ :‬قوله‬
‫الشعير والذرة وغيرهما من الحبوب ‪ ،‬وهذا لم يَـ ُقلْه أحد من الفقهاء ‪ ،‬ولذا اتفقوا‬
‫على عدم االحتجاج بمفهوم المخالفة في اللقب ؛ ألنه ال يقصد بذكره تقييد وال‬
‫(‪)5‬‬
‫تخصيص وال احتراز عما عداه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 422‬برقم ( ‪ ) 1599‬ومختصر صحيح مسلم ‪338‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫برقم ( ‪. ) 1264‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪187‬‬
‫(‪ )3‬سورة المزمل من اآلية ‪2‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك ‪388/1‬‬
‫اجع المنطوق والمفهوم في ‪ :‬مختصر المنتهى ‪ 184 - 171/2‬وتقريب الوصول ‪- 87/‬‬
‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫‪ 89‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 273 - 270/‬وشرح الكوكب المنير ‪ 509 - 473/3‬وحاشية‬
‫البناني مع جمع الجوامع ‪ 257 - 237/1‬واإلبهاج ‪ 383 - 365/1‬ونشر البنود ‪- 83/1‬‬
‫‪ 99‬وشرح طلعة الشمس ‪ 267 - 254/1‬وغاية الوصول ‪ 36/‬وإرشاد الفحول ‪- 178/‬‬
‫‪ 182‬وعلم أصول الفقه لخالف ‪164 - 160/‬‬
‫‪67‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫داللة الخطاب على الحكم عند الحنفية‬

‫أكتفي في هذا المقام بأشهر تقسيمات اللفظ عند الحنفية ‪..‬‬


‫التقسيم األول ‪ :‬تقسيم اللفظ من حيث ظهور معناه ‪:‬‬
‫ينقسم اللفظ من حيث ظهور معناه ووضوح داللته على الحكم إلى أربعة أقسام ‪.‬‬
‫أساس تقسيمها ‪ :‬أن اللفظ إ ْن َدل على المراد منه بنفس صيغته من غير توقف‬
‫على أمر خارجي ‪ :‬فإ ْن كان يحتمل التأويل والمراد منه ليس هو المقصود أصالةً من‬
‫سياقه سمي " الظاهر" ‪.‬‬
‫وإ ْن كان يحتمل التأويل والمراد منه هو المقصود أصالةً من سياقه سمي " النص " ‪.‬‬
‫وإ ْن كان ال يحتمل التأويل ويقبل حكمه النسخ سمي " المفسر " ‪.‬‬
‫وإ ْن كان ال يحتمل التأويل وال يقبل حكمه النسخ سمي " المحكم " ‪.‬‬
‫والتأويل معناه ‪ :‬صرف اللفظ عن ظاهره بدليل ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬تخصيص العموم ‪ ،‬وتقييد المطلق ‪ ،‬ودخول االستثناء ‪.‬‬
‫ََ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َي َ َ ۡ‬ ‫أما تخصيص العموم فمثاله ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل ۡ ُم َطلَّ َقٰ ُ‬
‫س ِّه َّن ثلٰثة‬ ‫َت َّبص َن بِّأنف ِّ‬
‫ت‬‫قُ ُر اوء}(‪ )1‬؛ فهذا عام في كل مطلقة أن تعتد بثالثة قروء ‪ ،‬مع قوله تعالى { َوأ ُ ْو َل ٰ ُ‬
‫ۡ َ ۡ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ‬
‫َحل ُهن} ؛ فهذا خاص بالحامل ؛ فعدتها وضع حملها ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ٱۡلَحا ِّل أجلهن أن يضعن‬
‫وهذا تخصيص لعموم اآلية األولى ‪.‬‬
‫ۡ‬
‫ك ُم ٱل َم ۡيتَ ُة َو َّ‬ ‫َ‬
‫ٱدلم ‪ }...‬؛ فهذا‬ ‫ت َعل ۡي ُ‬ ‫ومثال تقييد المطلق ‪ :‬قوله تعالى { ُحر َم ۡ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِّ‬
‫َ ۡ َ َّ ۡ ُ‬
‫مطلق الدم يحرم ‪ ،‬مع قوله تعالى {أو دما مسفوحا} ؛ فهذا تقييد إلطالق الدم ؛‬
‫(‪)4‬‬

‫فيحرم الدم المسفوح ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ َ َّ َ َ ُ َّ َ َّ َ َ َ ۡ ُ َّ‬
‫ك ۡم إَِّّل َما ٱض ُط ِّر ۡرت ۡم‬‫{وقد فصل لكم ما حرم علي‬ ‫ومثال االستثناء ‪ :‬قوله تعالى‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫(‪ )2‬سورة الطالق من اآلية ‪4‬‬
‫(‪ )3‬سورة المائدة من اآلية ‪3‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنعام من اآلية ‪145‬‬
‫‪68‬‬
‫َ‬
‫إَِّلۡه} ؛ فهذا االستثناء أباح أكل الميتة للمضطر ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫عرف كل قسم مع التمثيل له فيما يأتي ‪:‬‬ ‫إذا تقرر ذلك فلنُ ِّ‬
‫األول ‪ :‬الظاهر ‪ ،‬وهو اسم لكل كالم ظهر المراد به للسامع بصيغته ‪.‬‬
‫َ َ َ َّ َّ ُ ۡ‬
‫ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} ؛ فهو ظاهر في إحالل كل‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {وأحل‬
‫(‪)2‬‬

‫بيع وتحريم كل ربا ‪.‬‬


‫حكمه ‪ :‬وجوب العمل بالذي ظهر منه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬النص ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما ازداد وضوحاً على الظاهر بمعنى من المتكلم ال من‬
‫(‪)3‬‬
‫نفس الصيغة ‪.‬‬
‫َ َ َ َّ َّ ُ ۡ‬
‫ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} ؛ فهو نص على نفي المماثلة‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {وأحل‬
‫بين البيع والربا ‪ ،‬وهو المقصود أصالةً من النص ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬وجوب العمل بما وضح على احتمال تأويل هو في حيز المجاز ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬المفسر ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما ظهر المراد به من اللفظ ببيان من قبَل المتكلم بحيث‬
‫ال يبقى معه احتمال التأويل والتخصيص ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ۡ َ َ ُ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {فَ َس َج َد ٱل َم َٰٓلئِّك ُة ُك ُه ۡم أ ۡۡجَ ُعون} ؛ فالمالئكة اسم ظاهر‬
‫(‪)4‬‬

‫سر بقوله تعالى‬


‫عام ‪ ،‬ولكنه يحتمل التخصيص وهو سجود بعض المالئكة ‪ ،‬ولَما فُ ِّ‬
‫ُي‬
‫{ُك ُهم} انقطع هذا االحتمال ‪.‬‬
‫ۡ َ َ‬
‫و{ٱل َم َٰٓلئِّكة} ‪ -‬أيضاً ‪ -‬يحتمل التأويل بأن يسجدوا كلهم متفرقين أو‬
‫َ‬
‫سر بقوله {أ ۡۡجَ ُعون} انقطع احتمال التأويل ‪.‬‬ ‫مجتمعين ‪ ،‬ولَما فُ ِّ‬
‫حكمه ‪ :‬وجوب العمل به على احتمال النسخ ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ُحكم المراد به عن احتمال النسخ والتأويل ‪.‬‬ ‫الرابع ‪ :‬المحكم ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما أ ْ‬
‫َش ٍء َعل ِّيم} ؛ ألنه نص في مضمونه‬ ‫كل َ ۡ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {وٱَّلل ب ِّ ِّ‬
‫(‪)6‬‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬سورة األنعام من اآلية ‪119‬‬


‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪275‬‬
‫(‪ )3‬المنار مع شرح إفاضة األنوار ‪88/‬‬
‫(‪ )4‬سورة الحجر ‪ :‬اآلية ‪30‬‬
‫اجع أصول السرخسي ‪165/1‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )6‬سورة الحجرات من اآلية ‪16‬‬
‫‪69‬‬
‫لم يحتمل التأويل والنسخ ؛ إذ هو من باب العقائد في بيان التوحيد والصفات ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬وجوب العمل به من غير احتمال التأويل والنسخ ‪.‬‬
‫أثر هذا التقسيم ‪:‬‬
‫يظهر أثر هذا التقسيم عند التعارض بين هذه األقسام األربعة ؛ ليترجح األقوى‬
‫على غيره ‪ :‬فيقدم النص على الظاهر ‪ ،‬ويقدم المفسر عليهما ‪ ،‬ويقدم المح َكم‬
‫على الجميع ‪.‬‬
‫مثال تعارض النص مع الظاهر ‪:‬‬
‫َ ُ َّ َ ُ َّ َ َ َ ٰ ُ‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫ِّكم} وهو ظاهر في إباحة الزواج من‬ ‫قوله تعالى {وأحِّل لكم ما وراء ذل‬
‫(‪)1‬‬

‫حوا ْ َما َط َ َ ُ‬ ‫َ‬


‫غير المحرمات دون التقيد بعدد ‪ ،‬مع قوله تعالى {فٱن ِّ‬
‫اب لكم م َِّن‬ ‫ك ُ‬
‫َ ا ََۡ ََُ َ َ َُ‬
‫ٱلنِّساءِّ مث َٰن وثلٰث وربٰع} وهو نص في قَ ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫صر إباحة الزواج على أربع ‪ ،‬ولذا قُ ِّدم‬
‫النص ‪ -‬لقوته في وضوح الداللة ‪ -‬على الظاهر ‪ ،‬فال يباح الزواج بأكثر من األربع ‪.‬‬
‫مثال تعارض النص مع المفسر ‪:‬‬
‫صالَة} ؛ فهو نص يقتضي تجديد‬ ‫{ال ُْم ْستَ َح َ‬
‫(‪)3‬‬
‫اضةُ تَـتَـ َوضأُ ل ُك ِّل َ‬ ‫قوله‬
‫الوضوء لكل صالة ولو تعددت في الوقت الواحد ‪ ،‬لكنه يحتمل التأويل ؛ فالالم‬
‫في {ل ُكل} بمعنى الوقت ‪ ،‬فيكفي الوضوء الواحد لكل وقت َم ْه َما َ‬
‫تعددت‬
‫صالَة} ‪ ،‬وهو‬ ‫{ال ُْم ْستَ َح َ‬
‫(‪)4‬‬
‫اضةُ تَـتَـ َوضأُ ل َوقْت ُك ِّل َ‬ ‫الصلوات فيه ‪ ،‬مع قوله‬
‫مفسر ال يحتمل التأويل ‪ ،‬ولذا يقدم على النص ‪ ،‬فيكفي الوضوء مرةً واحدةً في‬
‫وقت الصالة ‪.‬‬
‫مثال تعارض المفسر مع المح َكم ‪:‬‬
‫َ َۡ ُ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى { َوأ ۡشه ُدوا ذ َو ۡي َع ۡدل م ُ‬
‫{ َوَّل تقبَلوا ل ُه ۡم‬ ‫ِّنكم}‬
‫(‪)5‬‬
‫مع قوله تعالى‬ ‫ِّ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء من اآلية ‪24‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء من اآلية ‪3‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن أبي داود ‪ 78/1‬برقم ( ‪ ) 297‬وسنن الترمذي ‪ 220/1‬برقم ( ‪. ) 126‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫اجع نيل األوطار ‪348 ، 347/1‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )5‬سورة الطالق من اآلية ‪2‬‬
‫‪70‬‬
‫َ‬
‫َش َه ٰ َدةً أبَدا} ؛ فاألول مفسر يقتضي قبول شهادة محدودين في القذف بعد التوبة ؛‬
‫(‪)1‬‬

‫عدلين حينئذ ‪ ،‬والثاني محكم يقتضي عدم قبولها ؛ لوجود التأبيد فيه‬
‫ألنهما صارا ْ‬
‫صريحاً ‪ ،‬فإذا تعارضا قُ ِّدم المحكم على المفسر ‪ ،‬فال تُـ ْقبَل لمحدود في قذف‬
‫(‪)2‬‬
‫شهادة حتى ولو تقدمت توبته ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ‪ :‬تقسيم اللفظ من حيث خفاء معناه ‪:‬‬
‫ينقسم اللفظ من حيث خفاء معناه إلى أربعة أقسام ‪.‬‬
‫أساس تقسيمها ‪ :‬أن اللفظ غير الواضح إ ْن كان يُزال خفاؤه بالبحث واالجتهاد‬
‫فهو الخفي أو الم ْشكل ‪ ،‬وإ ْن كان ال يزال خفاؤه إال باالستفسار من الشارع نفسه‬
‫سبيل إلى إزالة خفائه أصالً فهو المتشابه ‪.‬‬
‫فهو المجمل ‪ ،‬وإ ْن كان ال َ‬
‫ونعرف فيما يلي كل قسم مع التمثيل ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫األول ‪ :‬الخفي ‪ ،‬وهو اسم لما اشتبه معناه وخفي المراد منه بعارض في الصيغة‬
‫يمنع نيل المراد بها إال بالطلب ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬انطباق لفظ السارق على الطرار ( من يأخذ المال من اليقظان في غفلة‬
‫منه ) والنباش ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬النظر فيه ليعلم أن اختفاءه لمزية أو نقصان ‪ ،‬فيظهر المراد ‪ :‬كآية‬
‫السرقة في حق الطرار والنباش ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ال ُْم ْشكل ‪ ،‬وهو اسم لما يشتبه المراد منه بدخوله في أشكاله على وجه‬
‫ال يـُ ْع َرف المراد إال بدليل يتميز به من بين سائر األشكال ‪.‬‬
‫وقد ينشأ األشكال في النص من لفظ مشترك فيه ‪..‬‬
‫(‪ )1‬سورة النور من اآلية ‪4‬‬
‫اجع تقسيم اللفظ من حيث‬
‫(‪ )2‬شرح نور األنوار ‪ 212/1‬بتصرف مع كشف األسرار ‪ ،‬و يُـ َر َ‬
‫ظهور معناه في ‪ :‬كشف األسرار مع أصول البزدوي ‪ 137 - 123/1‬وشرح التوضيح مع‬
‫التلويح ‪ 125 ، 124/1‬وكشف األسرار للنسفي ‪ 213 - 205/1‬وأصول السرخسي ‪- 163/1‬‬
‫‪ 166‬والوجيز ‪ 49 - 48/‬والمنار مع شرح إفاضة األنوار مع حاشية نسمات األسحار ‪- 88/‬‬
‫‪ 91‬وعلم أصول الفقه لخالف ‪176 - 168/‬‬
‫‪71‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َّ‬
‫{ َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء}‬
‫(‪)1‬‬
‫؛ فإن القرء‬ ‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫يحتمل الطهر والحيض ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬اعتقاد الحقية فيما هو المراد به ‪ ،‬ثم اإلقبال على الطلب ‪ ،‬والتأمل‬
‫(‪)2‬‬
‫فيه إلى أن يتبين المراد ‪.‬‬
‫يدرك‬
‫المجمل ‪ ،‬وهو ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه المراد اشتباهاً ال َ‬ ‫َ‬ ‫الثالث ‪:‬‬
‫بنفس العبارة ‪ ،‬بل الرجوع إلى االستفسار ثم الطلب ثم التأمل ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬ألفاظ الصالة والزكاة والصيام ونحوها ‪.‬‬
‫حكمه ‪ :‬اعتقاد الحقية فيما هو المراد ‪ ،‬والتوقف فيه إلى أن يتبين المراد ببيان‬
‫المجمل ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬المتشابه ‪ ،‬وهو اسم لما انقطع رجاء معرفة المراد منه لمن اشتبه فيه عليه ‪.‬‬
‫الس َور ( الحروف المقطعة ) وآيات الصفات ‪.‬‬ ‫مثاله ‪ :‬أوائل ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫حكمه ‪ :‬اعتقاد الحقية والتسليم بترك الطلب ‪.‬‬
‫وأقسام داللة اللفظ باعتبار الخفاء تقابل أقسام اللفظ من حيث الظهور ‪:‬‬
‫فالخفي يقابل الظاهر ‪ ،‬وال ُْم ْشكل يقابل النص ‪ ،‬والمجمل يقابل المفسر ‪،‬‬
‫والمتشابه يقابل المحكم ‪.‬‬
‫المجمل ‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫والخفاء على مراتب ‪ :‬المرتبة األولى الخفي ‪ ،‬ثم المشكل ‪ ،‬ثم‬
‫(‪)4‬‬
‫المتشابه ‪.‬‬
‫التقسيم الثالث ‪ :‬تقسيم اللفظ من حيث استعماله في المعنى ‪:‬‬
‫ينقسم اللفظ من حيث استعماله في المعنى إلى أربعة أقسام ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الحقيقة ‪ ،‬وهي ‪ :‬كل لفظ أري َد به ما ُوضع له ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫اجع أصول السرخسي ‪168 ، 167/1‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع المنار مع شرح إفاضة األنوار ‪96 ، 95/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح المنار البن ملك ‪ 106 - 102/‬وأصول السرخسي ‪169 - 167/1‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫وكشف األسرار للبخاري ‪ 158 - 138/1‬وكشف األسرار للنسفي ‪224 - 214/1‬‬
‫والوجيز ‪ 52 - 50/‬وحاشية نسمات األسحار ‪96 - 92/‬‬
‫‪72‬‬
‫وأقسامها ثالثة ‪:‬‬
‫‪ -1‬حقيقة شرعية ‪ ،‬وهي ‪ :‬استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له في الشرع ‪.‬‬
‫مثالها ‪ :‬الصالة ‪ ،‬وهي األقوال واألفعال المفتتَحة بالتكبير ‪ ،‬المختتَمة بالتسليم‬
‫(‪)1‬‬
‫بشرائط مخصوصة ‪.‬‬
‫‪ -2‬حقيقة لغوية ‪ ،‬وهي ‪ :‬استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له لغةً ‪ :‬كالصالة ؛‬
‫فهي في اللغة الدعاء ‪.‬‬
‫المستعمل في أعراف كل فن ‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬حقيقة عُرفية ‪ ،‬وهي ‪ :‬استعمال اللفظ في المعنى‬
‫كالرفع والنصب عند النُّحاة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬المجاز ‪ ،‬وهو ‪ :‬استعمال اللفظ في غير ما ُوضع له ‪ ،‬وال بد في المجاز‬
‫مناسبة بين المعنى الموضوع له وبينه ‪.‬‬ ‫من عالقة أو َ‬
‫ت أسداً في الفصل ‪.‬‬ ‫مثاله ‪ :‬رأيْ ُ‬
‫واألصل في األلفاظ الحقيقة ‪ ،‬وال يُصار إلى المجاز إال بدليل ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الصريح ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما ظهر المراد به ظهوراً بيِّناً ‪ ،‬حقيقةً كان أو مجازاً ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬قوله ‪ ":‬أنت حر " ‪ ،‬و" أنت طالق " ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الكناية ‪ ،‬وهي ‪ :‬اللفظ الذي يكون المراد به مستوراً إلى أن يثبت بالدليل ‪،‬‬
‫وال يثبت حكم الكناية إال بالنـِّية أو ما يقوم مقامها من داللة الحال ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله لزوجته ‪ ":‬أنت حرام علي " ‪ ،‬أو " أنت بائن " ‪.‬‬
‫التقسيم الرابع ‪ :‬تقسيم اللفظ باعتبار داللة النص على الحكم ‪:‬‬
‫ينقسم اللفظ من حيث طريق داللة النص على الحكم إلى أربعة أقسام ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬عبارة النص ‪ ،‬وهي ‪ :‬ما سيق الكالم له وأري َد به قصداً ‪.‬‬
‫َ َ َ َّ َّ ُ ۡ‬
‫ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} ؛ فالمقصود أصالةً من‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {وأحل‬
‫َْٰ‬ ‫َّ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ ُ‬
‫النص بيان أن البيع ليس مثل الربا ‪ ،‬رداً على قولهم {إِّنما ٱۡليع مِّثل ٱلرِّبوا} ‪،‬‬
‫والمقصود تبعاً إحالل البيع وتحريم الربا ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج ‪120/1‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح التوضيح مع التلويح ‪ 73 - 69/1‬وكشف األسرار للنسفي ‪، 98 ، 97/1‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪ 142 ، 141‬والوجيز ‪17 - 6/‬‬
‫‪73‬‬
‫الثاني ‪ :‬إشارة النص ‪ ،‬وهي ‪ :‬العمل بما ثبت بنظم الكالم ‪ ،‬لكنه غير مقصود وال‬
‫سيق الكالم له ‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى { َو َلَع ٱل َم ۡولودِّ ُِلۥ رِّ ۡز ُق ُه َّن َوك ِّۡس َو ُت ُه َّن بِّٱل َم ۡع ُروف} ؛ فالمفهوم‬
‫من عبارة النص أن النفقة واجبة على اآلباء ‪ ،‬والمفهوم من إشارته أن األب ال يشاركه‬
‫أحد في وجوب النفقة لولده عليه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬داللة النص ‪ ،‬وهو ‪ :‬المعنى الذي يـُ ْف َهم من روح اللفظ ومعقوله ‪.‬‬
‫َّ ا ُ‬ ‫َ‬
‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {فََل َت ُقل ل ُه َما أف} ؛ فعبارة النص َحرَمت التأفيف ‪،‬‬
‫ومعقوله وروحه يدل على تحريم ما هو أكثر من التأفيف ‪ :‬كالضرب من باب أَ ْولى ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬اقتضاء النص ‪ ،‬وهو ‪ :‬داللة المنطوق على ما يتوقف صحته عليه عقالً‬
‫أو شرعاً ‪ ،‬أي المعنى الذي ال يستقيم الكالم إال بتقديره ‪.‬‬
‫ك ۡم أ ُ َّم َه ٰتُ ُ‬‫ت َعلَ ۡي ُ‬
‫كم} أي زواجهن ‪.‬‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى { ُحر َم ۡ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬
‫وأقوى الدالالت في هذا التقسيم هي ‪ :‬عبارة النص ‪ ،‬ثم داللة اإلشارة ‪ ،‬ثم‬
‫(‪)2‬‬
‫داللة النص ‪ ،‬ثم اقتضاء النص ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫األمر والنهي‬

‫القسم األول ‪ :‬األمر‬


‫أوالً ‪ -‬تعريف األمر ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫األمر لغةً ‪ :‬ما يُطْلَب به حصول شيء بعد زمان التكلم ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بأنه ‪ :‬طلب الفعل بالقول على سبيل االستعالء ‪.‬‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬عرفه الرازي‬
‫(‪ )1‬سورة النساء من اآلية ‪23‬‬
‫اجع ‪ :‬علم أصول الفقه لخالف ‪ 159/‬وكشف األسرار للبخاري ‪ 195 - 171/1‬وحاشية‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫نسمات األسحار مع شرح إفاضة األنوار ‪ 150 - 143/‬وكشف األسرار للنسفي ‪- 374/1‬‬
‫‪ 393‬والوجيز ‪47 - 41/‬‬
‫(‪ )3‬شذا العرف في فن الصرف للحمالوي ‪26/‬‬
‫(‪ )4‬المحصول ‪190/1‬‬
‫‪74‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بأنه ‪ :‬القول الطالب للفعل ‪.‬‬ ‫وعرفه البيضاوي‬

‫ثانياً ‪ -‬صيغ األمر ‪ :‬لألمر خمس صيغ ‪ ،‬هي ‪:‬‬


‫‪ -1‬صيغة ( افعل ) ‪.‬‬
‫َ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ْ ۡ َ ُ ْ َ ۡ ُ ُ ْ َ ۡ ُ ُ ْ َ َّ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ْ‬
‫ٱَّلين ءامنوا ٱركعوا وٱسجدوا وٱعبدوا ربكم وٱفعلوا‬ ‫يأيها ِّ‬ ‫نَحو ‪ :‬قوله تعالى { َٰٓ‬
‫ْ‬
‫ۡ َ ۡ َ َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ‬
‫ٱۡلري لعلكم تفل ِّحون} ؛ فاألوامر ( اركعوا واسجدوا واعبدوا وافعلوا الخير )‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫كلها على صيغة ( افعل ) ‪.‬‬


‫‪ -2‬المضارع المقترن بالم األمر ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َِّلُنفِّ ۡق ذُو َس َعة مِّن َس َعتِّه} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ -3‬اسم فعل األمر ‪.‬‬


‫ُش َك ا ُؤ ُ‬ ‫َ‬ ‫نحو ‪ :‬قوله تعالى { َم ََكنَ ُ‬
‫كم} أي الزموا مكانكم ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ك ۡم أنتُ ۡم َو ُ َ‬
‫َْ‬
‫‪ -4‬المصدر الدال على الطلب ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫َض َب ٱلرِّقَاب} أي فاضربوا‬ ‫ك َف ُروا فَ َ ۡ‬
‫َ َ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى {فإِّذا لقِّيتُ ُم ٱَّلِّين‬
‫(‪)5‬‬
‫نَ ْ‬
‫الرقاب ضرباً ‪.‬‬
‫‪ -5‬الجملة الخبرية التي تضمنت أمراً ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل َوٰل َِّد ٰ ُت يُ ۡر ِّض ۡع َن أ ۡول ٰ َد ُهن} أي ليرضعن أوالدهن ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬موجب صيغة األمر ‪:‬‬


‫موجب صيغة األمر يسمى ‪ -‬أيضاً ‪ " -‬مقتضى األمر " أو " ما تستلزمه صيغة‬
‫األمر الواردة من الشرع في الكتاب أو السنة " ‪.‬‬
‫(‪ )1‬منهاج الوصول للبيضاوي ‪41/‬‬
‫(‪ )2‬سورة الحج ‪ :‬اآلية ‪77‬‬
‫(‪ )3‬سورة الطالق من اآلية ‪7‬‬
‫(‪ )4‬سورة يونس من اآلية ‪28‬‬
‫(‪ )5‬سورة محمد من اآلية ‪4‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة من اآلية ‪233‬‬
‫اجع ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي ‪ 219/1‬واألوامر والنواهي ‪ 61 - 56/‬ومباحث‬‫(‪ )7‬يُـ َر َ‬
‫في أصول الفقه ‪ 145/‬وأصول الفقه اإلسالمي ألبي العينين ‪260/‬‬
‫‪75‬‬
‫هل تُ ْح َمل هذه الصيغة على الوجوب أم الندب أم اإلباحة ؟‬
‫قبل اإلجابة عن هذا السؤال يجب تحرير محل النزاع القائم على أن العلماء اتفقوا‬
‫على أنه إذا ورد األمر ومعه قرينة على الوجوب ُحمل على الوجوب ‪ :‬كقوله ‪ ":‬اكتب‬
‫وإال عاقبتُك " ؛ فالكتابة هنا واجبة ؛ ألن العقاب على الترك َأمارة الوجوب ‪.‬‬
‫وإ ْن كان معه قرينة على الندب ُحمل عليها ‪ :‬كقوله ‪ ":‬اكتب ؛ فالكتابة خير لك " ؛‬
‫فالكتابة هنا مندوبة ومستحبة ؛ لقرينة الخيرية ‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫وه ۡم إِّ ۡن َعل ِّۡمتُ ۡم فِّي ِّه ۡم َخ ۡريا} ؛ فإنه يدل على ندب‬ ‫ومنه ‪ :‬قوله تعالى {فَكت ِّب‬
‫(‪)1‬‬

‫مكاتَبة الرقيق ‪.‬‬


‫شئت " ؛‬
‫وإن كان معه قرينة على اإلباحة ُحمل عليها ‪ :‬كقوله ‪ ":‬اكتب إن َ‬
‫شئت " الدالة على التخيير واإلباحة ‪.‬‬ ‫فالكتابة هنا مباحة ؛ لقرينة " إن َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬
‫كم م َِّن ٱلن ِّ َساءِّ َمث َ َٰن َوثل ٰ َث َو ُر َبٰع} ؛‬
‫َ‬ ‫حوا ْ َما َط َ‬
‫اب ل ُ‬ ‫َ‬
‫ومنه ‪ :‬قوله تعالى {فٱن ِّ‬
‫ك ُ‬

‫تعدد الزوجات ‪.‬‬ ‫فإنه يدل على إباحة ُّ‬


‫واختلف العلماء في األمر المطلق عن القرائن ‪ -‬نحو قوله ‪ ":‬اكتب هذا الدرس " ‪،‬‬
‫َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َّ َ‬
‫ٱلزك ٰوة} ‪ -‬فهل يُ ْح َمل على‬ ‫ومن هذا القبيل قوله تعالى {وأقِّيموا ٱلصلوة وءاتوا‬
‫(‪)3‬‬

‫الوجوب أم الندب أم غيرهما ؟‬


‫لهم في ذلك مذاهب ‪ ،‬أشهرها ما يلي ‪:‬‬
‫المذهب األول ‪ :‬أنه حقيقة في الوجوب ‪ ،‬مجاز فيما عداه ‪.‬‬
‫وهو قول الجمهور ‪.‬‬
‫المذهب الثاني ‪ :‬أنه حقيقة في الندب ‪.‬‬
‫وعامة المعتزلة ‪.‬‬ ‫وهو قول أبي هاشم‬
‫المذهب الثالث ‪ :‬أنه حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب ‪ ،‬وهو‬
‫الطلب ‪.‬‬
‫وغيره ‪.‬‬ ‫وهو قول بعض األصوليين كالماتريدي‬
‫(‪ )1‬سورة النور من اآلية ‪33‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء من اآلية ‪3‬‬
‫(‪ )3‬وردت هذه الجملة في ستة مواضع من القرآن الكريم ‪ ،‬منها سورة البقرة من اآلية ‪43‬‬
‫‪76‬‬
‫والراجح ‪ :‬أن األمر المطلق مقتضاه أو موجبه هو الوجوب ‪ ،‬وهو ما عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫أصحاب المذهب األول وهم الجمهور ‪.‬‬
‫ومن أدلتهم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الدليل األول ‪ :‬قوله تعالى { َما َمنَ َع َك أَّل ت ۡس ُج َد إِّذ أ َم ۡرتُك} ‪..‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وجه الداللة ‪ :‬أن مبا َدرة المالئكة إلى امتثال األمر بالسجود َأمارة أنهم عقلوا أن‬ ‫ْ‬
‫المطلَق يوجب االمتثال ‪ ،‬ف َدل ذلك على أن األمر للوجوب ‪.‬‬ ‫األمر ُ‬
‫وطر َده من الْ َجنة ‪ ،‬ف َدل‬
‫امتثال األمر بالسجود ونجاه ربه َ‬ ‫كما أن إبليس لَما رفَض َ‬
‫(‪)3‬‬
‫استحق إبليس العقوبة والتوبيخ بتَـ ْركه االمتثال ‪.‬‬ ‫ذلك على أن األمر للوجوب ؛ وإال لَ َما َ‬
‫ويؤيده ‪ :‬أنه لو لم يكن األمر للوجوب الحتج إبليس بأنه تَـ َرك ما ليس واجباً‬
‫ففيم العقاب والطرد والتوبيخ ؟!‬ ‫عليه ؛ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫وحيث لم يثبت أنه قال شيئاً من ذلك ف َدل على أن األمر يفيد الوجوب ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدليل الثاني ‪ :‬قوله تعالى {ِإَوذا ق َِّيل ل ُه ُم ۡٱرك ُعوا َّل يَ ۡرك ُعون} ‪..‬‬
‫(‪)5‬‬

‫غير الممتثلين لألمر بالركوع الذي هو جزء من‬ ‫وجه الداللة ‪ :‬أن الله تعالى ذم ْ‬‫ْ‬
‫الصالة ‪ ،‬فهو من باب إطالق الجزء وإرادة الكل ‪ ،‬والذم ال يَكون إال على تَـ ْرك‬
‫(‪)6‬‬
‫واجب ‪ ،‬ف َدل ذلك على أن األمر بالركوع واجب ‪ ،‬ولواله لَ َما استحقوا الذم ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬البرهان ‪ 216/1‬واإلحكام لآلمدي ‪ 162/2‬ومختصر المنتهى ‪ 79/2‬وتيسير‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫التحرير ‪ 341/1‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 127/‬والمعتمد ‪ 69/1‬والمستصفى ‪ 426/1‬ونهاية‬
‫السول ‪46/2‬‬
‫(‪ )2‬سورة األعراف من اآلية ‪12‬‬
‫اجع ‪ :‬المعتمد ‪ 64/1‬والعدة ‪ 229/1‬والوصول إلى األصول ‪137/1‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫والتحصيل ‪ 274/1‬واإلبهاج ‪ 27/2‬ومعراج المنهاج ‪ 319/1‬وتيسير التحرير ‪342/1‬‬
‫اجع ‪ :‬المحصول ‪ 205/1‬وحقائق األصول ‪222/2‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )5‬سورة المرسالت ‪ :‬اآلية ‪48‬‬
‫اجع ‪ :‬المعتمد ‪ 64 ، 63/1‬وإحكام الفصول ‪ 195/‬والمستصفى ‪ 431/1‬والتمهيد‬ ‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫وشرح التوضيح ‪154/1‬‬‫ألبي الخطاب ‪ 149/1‬وروضة الناظر ‪ 171/‬والتحصيل ‪ْ 274/1‬‬
‫وبيان المختصر ‪ 25 ، 24/2‬وحقائق األصول ‪ 223/2‬وتيسير التحرير ‪ 342/1‬وفواتح‬
‫الرحموت ‪ 374/1‬ومباحث في أصول الفقه ‪151/‬‬
‫‪77‬‬
‫صلِّي‬ ‫دعاه وهو يُ َ‬ ‫أن النبي‬ ‫الدليل الثالث ‪ :‬ما رواه أبو سعيد بن المعلى‬
‫ت اللهَ تَـ َعالَى يَـ ُقول‬ ‫يب َوقَ ْد َسم ْع َ‬ ‫ك أَ ْن تُج َ‬ ‫{ َوَما َمنَـ َع َ‬ ‫فلم يجبه ‪ ،‬فقال له‬
‫َ َ‬
‫يكم} } ‪..‬‬
‫(‪)2( )1‬‬ ‫َ َ َ ُ ۡ َ ُۡ ُ‬ ‫ْ‬
‫ٱستَ ُ َّ َ َّ ُ‬ ‫امنُوا ْ ۡ‬ ‫يأ يي َها َّٱَّل َ‬
‫ِّين َء َ‬ ‫{ َٰٓ‬
‫جيبوا َِّّللِّ ول ِّلرسو ِّل إِّذا دَعكم ل ِّما َيي ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َو ْجه الداللة ‪ :‬أن النبي أَن َكر على أبي سعيد بن المعلى س تَـ ْر َك االستجابة مع‬
‫ذلك األمر الوارد في اآلية ‪ ،‬وال ينكر عليه إال لتركه ما يجب عليه ‪ -‬ال سيما وهو يصلي ‪-‬‬
‫َ َ ُۡ ُ اْ َ ۡ ََٰ ُ‬
‫كم} ‪ ،‬فلو لم تكن االستجابة لله وللرسول‬ ‫مع قوله تعالى {وَّل تب ِّطلوا أعمل‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫لَ َما َأمره أ ْن يَتركها ويستجيب ‪.‬‬ ‫ب من الصالة التي فيها أبو سعيد‬ ‫أ َْو َج َ‬
‫رابعاً ‪ -‬األمر بعد الحظر ‪:‬‬
‫اختلف األصوليون في األمر الوارد بعد الحظر ‪..‬‬
‫ْ (‪)5‬‬ ‫حلَلۡتُ ۡم فَ ۡ‬‫نحو ‪ :‬قوله تعالى {ِإَوذَا َ‬
‫ٱص َط ُادوا} وقد كان االصطياد محظوراً على‬ ‫َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ري ُُمِّّل َّ‬ ‫َ‬
‫ح ُرم} وقوله تعالى {َّل‬ ‫نت ۡم ُ‬ ‫ٱلص ۡي ِّد َوأ ُ‬ ‫المحرم بمقتضى قوله تعالى {غ ۡ َ‬
‫(‪)6‬‬
‫ِّ‬
‫ۡ‬ ‫ٱلص ۡي َد َوأَنتُ ۡم ُح ُرم}(‪ )7‬وقوله تعالى { َو ُحر َم َعلَ ۡي ُ‬ ‫َت ۡقتُلُوا ْ َّ‬
‫ك ۡم َص ۡي ُد ٱل َبِّ َما ُد ۡمتُ ۡم‬ ‫ِّ‬
‫ُح ُرما} ‪ ،‬ثم أتى األمر به بعد التحلل ‪ ،‬فهل يكون واجباً أم غيره ؟‬
‫(‪)8‬‬

‫خالف بين األصوليين ‪ :‬فذهب أكثر المتكلمين وبعض الحنفية إلى أنه للوجوب ‪،‬‬
‫وذهب أكثر الفقهاء والشافعي ومالك وأحمد وجمهور الحنابلة إلى أنه لإلباحة ‪،‬‬
‫وقال قوم ‪ :‬إنه للندب ‪ ،‬وتوقف بعضهم ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة األنفال من اآلية ‪24‬‬
‫َخرجه البخاري ‪..‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أ َ‬
‫اجع ‪ :‬فتح الباري ‪ 158/8‬كتاب التفسير باب سورة األنفال برقم ( ‪. ) 4647‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬سورة محمد من اآلية ‪33‬‬
‫وشرح اللمع ‪172/1‬‬
‫اجع ‪ :‬المعتمد ‪ 67/1‬والعدة ‪ 234/1‬وإحكام الفصول ‪ْ 196/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫والمحصول ‪ 217/1‬والتحصيل ‪ 278/1‬ومنهاج الوصول ‪ 45/‬واإلبهاج ‪37 ، 36/2‬‬
‫شرح اإلسنوي ‪24/2‬‬ ‫ومباحث في أصول الفقه ‪ 162 ، 161/‬وتهذيب ْ‬
‫(‪ )5‬سورة المائدة من اآلية ‪2‬‬
‫(‪ )6‬سورة المائدة من اآلية ‪1‬‬
‫(‪ )7‬سورة المائدة من اآلية ‪95‬‬
‫(‪ )8‬سورة المائدة من اآلية ‪96‬‬
‫‪78‬‬
‫وذهب فريق إلى أن األمر يرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر ‪ :‬فإن كان قبله‬
‫واجباً كان بعد الحظر واجباً ‪ ،‬وإن كان مندوباً فهو كذلك ‪ ،‬أو مباحاً فكذلك ‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو الذي أميل إليه وأُرجحه ‪.‬‬
‫وفي المثال الذي معنا كان صيد البر حالالً قبل اإلحرام ‪ ،‬ولذا فإنه بعد التحلل‬
‫يعود إلى ما كان عليه من اإلباحة والحل ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬األمر المعلق على شرط أو صفة ‪:‬‬
‫األمر المعلق على شرط أو صفة إن ثبت أنهما علة في األمر فإن الحكم حينئذ‬
‫يتكرر بتكرره ‪ ،‬وأما إذا لم يثبت كون الشرط أو الصفة علةً في نفس األمر بل‬
‫توقف الحكم عليه من غير تأثير له ‪ -‬كاإلحصان ؛ فإن الرجم يتوقف عليه وليس‬
‫أنه ال يقتضي التكرار من‬ ‫علةً له ‪ -‬فهذا هو محل النزاع ‪ ،‬واختار الرازي‬
‫جهة اللفظ ويقتضيه قياساً ‪.‬‬
‫ْ (‪)1‬‬ ‫ُ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى {ِإَون كنتُ ۡم ُجنُبا فَ َّٱط َّه ُروا} ؛ فالجنابة شرط للطهارة ‪،‬‬
‫فتتكرر الطهارة بتكرر الجنابة ‪.‬‬
‫ۡ ُ َ ْ َ َ َ َۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٱج ِّ ُِلوا ُك َوٰحِّد مِّنهما مِّائة جِلة} ؛ فالزنا‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {ٱلزانِّية و ِّ‬
‫ٱلزان ف ۡ‬
‫َّ َ َ َّ‬
‫ونَ ْ‬
‫صفة يقوم عليها الحكم ‪ ،‬ويتكرر الجلد بتكرارها ‪.‬‬
‫أما إذا لم يثبت كونه ‪ -‬أي الشرط أو الصفة ‪ -‬علةً للحكم ‪ -‬نحو ‪:‬‬
‫االستطاعة للحج ؛ فإنها شرط فيه ‪ -‬فهل يتكرر الحج بتكررها ؟‬
‫خالف بين األصوليين ‪ :‬فذهب الفقهاء واألصوليون إلى أنه ال يقتضي التكرار‬
‫ومن تبعه إلى أنه ال يقتضيه لفظاً ال قياساً ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ال لفظاً وال قياساً ‪ ،‬واختار الرازي‬
‫(‪)2‬‬
‫وفَـرق بعضهم بين الشرط والصفة ؛ فجعله مقتضياً للتكرار في األول دون الثاني ‪.‬‬
‫سادساً ‪ -‬أثر األوامر في األحكام ‪:‬‬
‫تفرع على القواعد األصولية في األمر فروع كثيرة ‪ ،‬نكتفي منها بهذا الفرع ‪،‬‬
‫(‪ )1‬سورة المائدة من اآلية ‪6‬‬
‫اجع ‪ :‬المعتمد ‪ 106/1‬وأصول السرخسي ‪ 21/1‬واإلحكام لآلمدي ‪181/2‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫ومختصر المنتهى ‪ 83/2‬والمحصول ‪ 243/1‬وكشف األسرار مع البزدوي ‪283 ، 282/1‬‬
‫واإلبهاج ‪ 55/2‬وتيسير التحرير ‪ 353/1‬وشرح التلويح ‪ 159/1‬والبحر المحيط ‪390/2‬‬
‫‪79‬‬
‫وهو ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫النظر إلى المخطوبة‬
‫هذا الفرع مبني على قاعدة األمر بعد الحظر ‪.‬‬
‫{انْظُْر إلَْيـ َها ؛ فَإنهُ أ ْ‬
‫َح َرى أَ ْن يـُ ْؤ َد َم‬ ‫للمغيرة بن شعبة‬ ‫وأصله ‪ :‬قوله‬
‫{إذَا َخطَ َ‬ ‫بَـ ْيـنَ ُك َما} وحديث جابر‬
‫(‪)2‬‬
‫اع أَ ْن يَـ ْنظَُر‬ ‫َح ُد ُك ُم ال َْم ْرأَةَ فَإن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫ب أَ‬
‫إلَى َما يَ ْدعُوهُ إلَى ن َكاح َها فَـ ْليَـ ْف َعل} ؛ فاألمر الوارد في النصين هو {انْظُْر‬
‫(‪)3‬‬

‫إلَْيـ َها} و{فَـ ْليَـ ْف َعل} أي فلينظر ‪ ،‬وهو أمر بالنظر إلى المخطوبة ‪ ،‬وهو أمر َوَر َد‬
‫بعد حظر ؛ ألن المخطوبة بالنسبة للخاطب تُـ َعد أجنبيةً ‪ ،‬والنظر إليها حرام‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ۡ‬
‫بمقتضى قوله تعالى {قُل ل ِّل ُم ۡؤ ِّمن َِّني َي ُغ يضوا م ِّۡن أبۡ َص ٰ ِّرهِّم} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫ولذا اختلف الفقهاء في حكم النظر إلى المخطوبة على أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أن النظر إليها مباح ‪.‬‬
‫وهو قول الجمهور ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن النظر إليها مندوب ‪.‬‬
‫وهو قول المالكية ‪ ،‬والصحيح عند الشافعية ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الراجح عندي ؛ لوجود القرينة المرغِّبة للنظر إلى المخطوبة في‬
‫َح َرى أَ ْن يـُ ْؤ َد َم بَـ ْيـنَ ُك َما} أي دوام العشرة واأللفة بين‬ ‫قوله {انْظُْر إلَْيـ َها ؛ فَإنهُ أ ْ‬
‫الزوجين ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أن النظر إلى المخطوبة ال يجوز ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫عن قوم ‪.‬‬ ‫نقله الطحاوي‬
‫اجع ‪ :‬التمهيد لإلسنوي ‪ 272/‬والقواعد والفوائد األصولية ‪141/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن الترمذي ‪ 315/1‬برقم ( ‪ ) 868‬وسنن الدارقطني ‪ 252/3‬برقم ( ‪. ) 31‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬المستدرك ‪ 165/2‬والسنن الكبرى ‪84/7‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬سورة النور من اآلية ‪31‬‬
‫اجع فتح الباري ‪88/9‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫‪80‬‬
‫حكى كراهة النظر إلى‬ ‫أن القاضي عياض‬ ‫وذكر الشوكاني‬
‫(‪)1‬‬
‫المخطوبة ‪ ،‬ولكن الثابت عند المالكية أن كراهة النظر إلى المخطوبة ليست‬
‫عدم إجابة المخطوبة لخطبته ‪ ،‬ولم‬
‫مطلقةً ؛ وإنما هي مقيدة بما إذا علم الخاطب َ‬
‫(‪)2‬‬
‫يخش الفتنة من النظر إليها ‪.‬‬
‫أما موضع النظر ‪ :‬فالجمهور على جواز النظر إلى الوجه والكفين ؛ ألنه يستدل‬
‫بالوجه على الجمال ‪ ،‬وبالكفين على خصوبة البدن ‪.‬‬
‫النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين ‪ ،‬وقال األوزاعي‬ ‫وأجاز أبو حنيفة‬
‫‪ :‬ينظر إلى جميع بدنها ‪ ،‬وفي‬ ‫‪ :‬ينظر إلى مواضع اللحم ‪ ،‬وقال داود‬
‫(‪)3‬‬
‫أنه ينظر إلى الوجه ‪.‬‬ ‫رواية عن اإلمام أحمد‬
‫القسم الثاني ‪ :‬النهي‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف النهي ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫النهي لغةً ‪ :‬الزجر والتحريم والمنع ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫بأنه ‪ :‬استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه ‪.‬‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬عرفه الشيرازي‬
‫(‪)6‬‬
‫بأنه ‪ :‬القول الدال بالوضع على ترك الفعل ‪.‬‬ ‫وعرفه اإلسنوي‬
‫ثانياً ‪ -‬صيغ النهي ‪:‬‬
‫النهي له صيغ ‪ ،‬أشهرها ما يلي ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ -1‬صيغة ( ال تفعل ) ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َوَّل َت ۡق َربُوا ٱلزِّ ٰن} ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫َ َ َ َّ َّ ُ ۡ‬
‫ٱَّلل ٱۡلَ ۡي َع َو َح َّر َم ٱلرِّبَ ٰو} ‪.‬‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {وأحل‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ -2‬صيغة ( حرم ) ‪ ،‬نَ ْ‬
‫(‪ )1‬نيل األوطار ‪111/6‬‬
‫اجع بلغة السالك ‪10/2‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬بداية المجتهد ‪ 3/2‬والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪ 215/2‬وكفاية األخيار ‪254/2‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫والمغني البن قدامة ‪ 453/7‬ونيل األوطار ‪ 111/6‬واألمر عند األصوليين ‪669 - 667/2‬‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 629/2‬والمعجم الوجيز ‪ 637/‬وميزان األصول ‪40/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )5‬شرح اللمع ‪293/1‬‬
‫(‪ )6‬التمهيد لإلسنوي ‪290 ، 264/‬‬
‫(‪ )7‬سورة اإلسراء من اآلية ‪32‬‬
‫(‪ )8‬سورة البقرة من اآلية ‪275‬‬
‫‪81‬‬
‫َّ َ َ ۡ َ ٰ ُ ُ َّ ُ َ َّ َ َ ُ ُ‬
‫{إِّنما ينهىكم ٱَّلل ع ِّن ٱَّل‬
‫ِّين قٰتَلوك ۡم ِّف‬ ‫‪ -3‬صيغة ( نهي ) ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫ٱدلِّين} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -4‬صيغة األمر باالجتناب ‪ ،‬ومنه ‪ ( :‬دع ‪ ،‬و َذ ْر ‪ ،‬وأَعرض ) ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫ْ (‪)3‬‬
‫ٱلربَ َٰٓوا} ‪.‬‬ ‫ٱجتَنبُوا ْ ٱلر ۡج َس م َِّن ۡٱۡلَ ۡو َثٰن}(‪ ، )2‬وقوله تعالى { َوذَ ُروا ْ َما بَ‬
‫َ ۡ‬
‫ِّ‬
‫ِق م َ‬
‫ِّن‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫{ف ِّ‬
‫َ َ َ ي َ ُ َّ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ‬
‫خلَ َق َّ ُ‬
‫ٱَّلل ِّ ا‬
‫ف‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {وَّل َيِّل لهن أن يكتمن ما‬ ‫َ‪ -5‬صيغة نفي الحل ‪ ،‬نَ ْ‬
‫أ ۡر َحا ِّم ِّهن} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫َّ‬ ‫َ ۡ َ ۡ‬ ‫َ َ ۡ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى { َو َما َكن ل ُِّمؤم ٍِّن أن َيقتُل ُمؤمِّنًا إَِّّل‬ ‫‪ -6‬صيغة الجملة المنفية ‪ ،‬نَ ْ‬
‫َخ َطٔا} ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫َّ َّ َ َ ُ‬
‫ٱَّلل َّل َي يِّب‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {إِّن‬ ‫‪ -7‬الجملة الخبرية التي تفيد النهي ‪ ،‬نَ ْ‬
‫ۡ‬
‫ٱل ُم ۡع َتدِّين} أفاد النهي عن التعدي ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬مقتضى النهي ( موجب النهي ) ‪:‬‬


‫اختلف األصوليون في مقتضى النهي هل يقتضي التحريم ؟ أم الكراهة ؟‬
‫على مذاهب ‪:‬‬
‫فالجمهور واألئمة األربعة ذهبوا إلى أنه يقتضي التحريم ما لم تَر ْد قرينة تصرفه‬
‫عنه إلى غيره ‪.‬‬
‫ومن األصوليين َمن قال أنه يقتضي الكراهة ‪ ،‬ومنهم َمن توقف ‪ ،‬ومنهم َمن قال‬
‫(‪)8‬‬
‫أنه مشترك بين التحريم والكراهة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة الممتحنة من اآلية ‪9‬‬
‫(‪ )2‬سورة الحج من اآلية ‪30‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪278‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫(‪ )5‬سورة النساء من اآلية ‪92‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة من اآلية ‪190‬‬
‫اجع ‪ :‬طلعة الشمس ‪ 66/1‬والبحر المحيط ‪ 426/1‬وتيسير التحرير ‪ 375/1‬وشرح‬ ‫(‪ )7‬يُـ َر َ‬
‫الكوكب المنير ‪77/3‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح تنقيح الفصول ‪ 168/‬ونشر البنود ‪ 196 ، 195/1‬وشرح اللمع ‪296/1‬‬ ‫(‪ )8‬يُـ َر َ‬
‫وكشف األسرار للبخاري ‪ 525/1‬وإرشاد الفحول ‪96/‬‬
‫‪82‬‬
‫والراجح ‪ :‬ما عليه المذهب األول القائل بأن مقتضى النهي التحريم ‪..‬‬
‫ولهم أدلة ‪ ،‬أذكر منها ‪:‬‬
‫ُ ۡ َ ۡ ُ َ َ ُ ْ (‪)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫ٱلر ُسول فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َهىٰكم عنه فٱنتهوا} ‪.‬‬ ‫ََ َ َٰ ُ‬
‫ك ُم َّ‬ ‫الدليل األول ‪ :‬قوله تعالى {وما ءاتى‬
‫َو ْجه الداللة ‪ :‬أن الله تعالى أمرنا باالنتهاء عن المنهي عنه ‪ ،‬فيَكون االنتهاء‬
‫واجباً ؛ ألن األمر للوجوب ‪ ،‬وإذا ثبت وجوب االنتهاء عن المنهي ثبتت حرمة‬
‫نقيضه وهو إتيان المنهي عنه ‪ ،‬فدل ذلك على أن النهي يقتضي التحريم ‪.‬‬
‫الدليل الثاني ( وهو دليل عقلي ) ‪ :‬أن السيد إذا نهى عبده عن فعل شيء وقال له‬
‫" ال تفعله " فإ ْن فعله بَـ ْع َد ذلك مخالفاً نهي سيده استحق الذم والتوبيخ ‪ ،‬فلو لم‬
‫المخالف‬
‫ُ‬ ‫يكن النهي يقتضي التحريم ووجوب الكف عن الفعل لَ َما استحق العب ُد‬
‫(‪)2‬‬
‫والتوبيخ ‪ ،‬ولكنه استحق ذلك ؛ فيَكون النهي للتحريم ؛ وهو الْ ُمد َعى ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الذم‬
‫رابعاً ‪ -‬أثر النهي ‪:‬‬
‫اتفق األصوليون على أن النهي يدل على الفساد إذا اقترن به قرينة تدل على ذلك ‪.‬‬
‫ج ال َْم ْرأَةُ نَـ ْف َ‬
‫س َها ؛ فَإن الزانيَةُ‬ ‫مثاله ‪ :‬حديث {الَ تُـ َزِّو ُ‬
‫ج ال َْم ْرأَةُ ال َْم ْرأَةَ ‪َ ،‬والَ تُـ َزِّو ُ‬
‫س َها} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ه َي التي تُـ ْنك ُح نَـ ْف َ‬
‫كما اتفقوا ‪ -‬أيضاً ‪ -‬على أن النهي ال يدل على الفساد إذا اقترنت به قرينة‬
‫تدل على ذلك ‪.‬‬
‫أن يراجع زوجته‬ ‫مثاله ‪ :‬طالق الحائض حينما أمر النبي ابْ َن عمر‬
‫(‪)4‬‬
‫التي طلقها وهي حائض ؛ فاألمر بالمراجعة دليل على صحته وعدم فساده ‪.‬‬
‫واختلفوا في مطلق النهي الذي لم يقترن بقرينة تدل على الفساد أو عدمه ‪ :‬هل‬
‫يقتضي الفساد أم ال ؟‬
‫(‪ )1‬سورة الحشر من اآلية ‪7‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح اللمع ‪ 297/1‬والتمهيد للكلوذاني ‪ 363/1‬واإلشارة ‪183 ، 182/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫والتبصرة للشيرازي ‪99/‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن ابن ماجه ‪ 66/1‬برقم ( ‪ ) 1882‬وسنن الدارقطني ‪. ) 26 ، 25 ( 227/3‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫اجع مختصر صحيح البخاري ‪ 483/‬برقم ( ‪. ) 1786‬‬ ‫(‪ )4‬روى ذلك البخاري وغيره ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫‪83‬‬
‫على مذاهب عدة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن النهي يدل على الفساد سواء كان المنهي عنه عبادةً أو معاملةً أو‬
‫تعلق النهي بعين المنهي عنه أو بجزئه ؛ بأن يكون المنهي عنه مستقبَحاً لذاته ‪:‬‬
‫كالنهي عن الزنا وشرب الخمر ‪.‬‬
‫وهو مذهب الجمهور ‪.‬‬
‫أما إذا كان النهي راجعاً إلى وصف مقارن خارج عن المأمور به غير الزم ‪ :‬فإنه‬
‫ال يدل على الفساد ‪.‬‬
‫مثاله في العبادات ‪ :‬النهي عن الصالة في الدار المغصوبة والثوب الحرير ‪.‬‬
‫ومثاله في المعامالت ‪ :‬النهي عن البيع يوم الجمعة وقت النداء ‪ ،‬والبيع على‬
‫بيع أخيه ‪.‬‬
‫ويرى الحنابلة ‪ -‬ونُقل عن اإلمام مالك ‪ -‬أنه يدل على الفساد في هذه الحالة ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنه يفيد الصحة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن النهي ال يدل على الفساد بذاته ؛ بل ال بد من داللته على الفساد من‬
‫آخر غير النهي ‪.‬‬
‫دليل َ‬
‫وعليه عامة الحنفية واألشعري وبعض المعتزلة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن النهي يدل على الفساد في العبادات دون المعامالت ‪.‬‬
‫وهو قول الرازي والغزالي واآلمدي رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫والراجح ‪ :‬ما عليه الجمهور ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬أثر النهي في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على قواعد النهي ‪ :‬صحة البيع وقت النداء ‪ ،‬وبيع الحاضر للبادي ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والبيع والشراء على بيع أخيه وشرائه ‪ ،‬ونحو ذلك ؛ لكونه مقارناً غير الزم ‪..‬‬
‫هذا عند الجمهور ‪ ،‬أما عند الحنابلة ‪ :‬فالبيع فاسد وباطل ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح اللمع ‪ 302/1‬والتبصرة ‪ 100/‬ومنتهى السول ‪ 16/2‬والمسودة ‪82/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وبيان المختصر ‪ 89/2‬وشرح الكوكب المنير ‪ 84/2‬والبحر المحيط ‪ 422/2‬ومسلم‬
‫الثبوت ‪ 396/1‬وتيسير التحرير ‪ 376/1‬وإرشاد الفحول ‪110/‬‬
‫(‪ )2‬التمهيد لإلسنوي ‪294/‬‬
‫‪84‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫العام والخاص والمطلق والمقيد‬
‫والمجمل والمبين والنسخ وحروف المعاني‬

‫المطلب األول‬
‫العام والخاص‬

‫القسم األول ‪ :‬العام‬


‫أوالً ‪ -‬تعريف العام ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫العام لغ ًة ‪ :‬الشمول ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬اللفظ الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعداً ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬صيغ العموم ‪:‬‬
‫حصر بعضهم صيغ العموم في أربعة أضرب ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬لفظ الجمع ‪ ،‬مثل ‪ :‬المسلمين ‪ ،‬والمشركين ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬لفظ الجنس ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما ال واح َد له من لفظه ‪ ،‬مثل ‪ :‬الناس ‪ ،‬والنساء ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬األلفاظ المبهمة ‪ ،‬وهي ‪ :‬من ‪ ،‬وما ‪ ،‬وأي ‪ ،‬وأين ‪ ،‬ومتى ( أسماء الشرط‬
‫واالستفهام ) ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬االسم المفرد إذا دخل عليه األلف والالم ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫واألسماء الموصولةَ و( كل ) والمضاف إلى معرفة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫البعض النكرَة المنفي َة‬
‫ُ‬ ‫وأضاف‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 480/‬وإرشاد الفحول ‪112/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬المستصفى ‪32/2‬‬
‫اجع ‪ :‬شرح مختصر الروضة ‪ 474 - 466/2‬وشرح الكوكب المنير ‪- 119/3‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪ 153‬والبحر المحيط ‪ 132 - 71/3‬ومنتهى السول ‪ 19/2‬والعدة ‪ 485/2‬ومختصر‬
‫المنتهى ‪ 102/2‬وشرح التوضيح مع شرح التلويح ‪ 61 - 49/1‬وإرشاد الفحول ‪123/‬‬
‫‪85‬‬
‫(‪)1‬‬
‫في نحو عشرين صيغة ‪.‬‬ ‫وحصرها القرافي‬
‫ثالثاً ‪ -‬مدلول العام ‪:‬‬
‫مدلول العام ‪ :‬أنه محكوم فيه على فرد فرد مطابقةً في حالتي اإلثبات ( الخبر‬
‫واألمر ) والسلب ( النفي والنهي ) ‪.‬‬
‫مثاله ‪ " :‬جاء َعبيدي وما خالفوا فأكرمهم وال تُهنهم " ‪ ،‬فـ" عبيدي " جمع‬
‫معرف باإلضافة ‪ ،‬وكل الضمائر في األفعال الثالثة الباقية تعود عليهم ‪ ،‬وما عاد‬
‫على العام فهو عام ‪.‬‬
‫ولذا كانت األمثلة األربعة دالةً في كل واحد منها على كل فرد من أفراده داللة‬
‫مطابقة ؛ ألنه في قوة قضايا بعدد أفراده ‪ ،‬أي جاء فالن وجاء فالن وهكذا وكل‬
‫منها محكوم فيه على فرده ‪.‬‬
‫واختلف األصوليون في داللة العموم على األفراد هل هي قطعية أم ظنية ؟ ‪:‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أنها ظنية ‪ ،‬والحنفية قالوا ‪ :‬قطعية ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬أنواع العام ‪:‬‬
‫للعام أنواع ثالثة ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬عام يراد به العموم قَطْعاً ‪ ،‬وهو ُكل عام ال يَحتمل التخصيص‬
‫بمقتضى القرائن الدالة على ذلك ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ۡرض إَِّّل َلَع ٱ ََّّللِّ رِّ ۡز ُق َها} ؛ فعامة دواب‬ ‫َ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى { َو َما مِّن دٓابَّة ِّف ٱۡل ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫نَ ْ‬
‫األرض بال استثناء تَكفل الله ‪ -‬جل وعال ‪ -‬برزقها ‪.‬‬
‫ُح ْكم هذا النوع ‪ :‬أنه قطعي الداللة على العموم ‪.‬‬
‫صص بمقتضى القرائن‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬عام يراد به الخصوص قَطْعاً ‪ ،‬وهو ُكل عام ُخ ِّ‬
‫المانعة بقاءه على العموم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ۡ ََ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫اع إَِّلۡهِّ َسبِّيَل} ؛‬ ‫ت َم ِّن ٱستط‬ ‫اس ح يِّج ٱۡلَ ۡي ِّ‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى { َو َِّّللِّ لَع ٱنلَّ ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫نَ ْ‬
‫فل ْفظ " الناس " هنا ليس مراداً به عامتهم ‪ ،‬وإنما المراد المكلفون منهم ‪ ،‬وإال‬
‫(‪ )1‬شرح تنقيح الفصول ‪179 ،178/‬‬
‫(‪ )2‬سورة هود من اآلية ‪6‬‬
‫(‪ )3‬سورة آل عمران من اآلية ‪97‬‬
‫‪86‬‬
‫دخل الصبي والمجنون ‪.‬‬
‫ُح ْكم هذا النوع ‪ :‬أنه قَطْعي الداللة على الخصوص ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬عام ُمطْلَق ‪ ،‬وهو ُكل عام أُطْلق عن قرائن إرادة التخصيص أو إرادة‬
‫وردت بصيغة العموم ‪.‬‬ ‫العموم ‪ ،‬وهذا هو الغالب في النصوص الش َرعية التي َ‬
‫َ‬ ‫ۡ َّ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة ق ُر اوء} ‪.‬‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫اع فيه بَـ ْين العلماء في أنه يدل على جميع األفراد التي يَصدق‬ ‫وهذا النوع ال نز َ‬
‫الح ْكم الوارد عليه يَكون ثابتاً لجميع ما يتناوله من األفراد ‪.‬‬ ‫عليها معناه ‪ ،‬وأن ُ‬
‫وإنما النزاع ْبينهم في ‪ :‬صفة هذه الداللة هل هي قَطْعية ‪ -‬كداللة الخاص ‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫على معناه أم ظَنـِّية ؟ ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬الفرق بين العام المخصوص والعام الذي يراد به الخصوص ‪:‬‬
‫الفرق بينهما ‪ :‬أن العام الذي يراد به الخصوص عام صاحبته قرينة عند النطق به‬
‫تدل على أن المراد به الخصوص ال العموم ‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫َّ َ َ‬
‫اس ح يِّج ٱۡلَ ۡيت} ؛ فهذا عام مخصوص ؛‬‫حو ‪ :‬قوله جل وعال { َو َِّّللِّ لَع ٱنلَّ ِّ‬
‫نَ ْ‬
‫ألن العقل يقضي إخراج من ليسوا أهالً للتكليف ‪ ،‬وكذلك جميع خطابات التكليف ‪.‬‬
‫أما العام المخصوص فهو عام لم تصاحبه قرينة عند النطق به تدل على أن‬
‫المراد به بعض أفراده ‪ ،‬وحينئذ يكون ظاهراً في داللته على العموم حتى يظهر دليل‬
‫على التخصيص ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬الخاص‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف الخاص ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫لمعنى معلوم على االنفراد ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ع‬ ‫ض‬‫و‬‫ُ‬ ‫لفظ‬ ‫كل‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫الخاص لغةً ‪ :‬اإلفراد‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫اجع ‪ :‬الرسالة لإلمام الشافعي ‪ 63 - 53/‬وعلْم أصول الفقه لخالف ‪ 191/‬وأصول‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫الفقه اإلسالمي للزحيلي ‪ 250/1‬وأصول الفقه اإلسالمي لشعبان ‪ 330/‬وأثر االختالف في‬
‫القواعد األصولية ‪204 ، 203/‬‬
‫اجع المصباح المنير ‪171/1‬‬‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬الكليات ‪414/‬‬
‫‪87‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬اللفظ الواحد الذي ال يصلح مدلوله الشتراك كثيرين فيه ‪ :‬كأسماء‬
‫(‪)1‬‬
‫األعالم من زيد وعمرو ونحوه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والمراد بالخاص هنا هو التخصيص ‪ ،‬وهو قصر العام على بعض أفراده ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬حكم التخصيص ‪:‬‬
‫الجمهور على أن تخصيص العام جائز مطلقاً ‪ ،‬سواء كان العام أمراً أو نهياً أو‬
‫اآلخر في األمر ‪.‬‬
‫ص َرهُ البعض في الخبر ‪ ،‬وقصره البعض َ‬
‫خبراً ‪ ،‬وقَ َ‬
‫ثالثاً ‪ -‬أقسام التخصيص ‪:‬‬
‫المخصص للعام قسمان ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫القسم األول ‪ :‬مخصص متصل ‪ ،‬وهو خمسة ‪:‬‬
‫في حرمة مكة {الَ يُ ْختَـلَى َخالَه} أي ال‬ ‫األول ‪ :‬االستثناء ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله‬
‫‪ ":‬إال اإل ْذخ َر ؛ فَإنهُ ل َق ْيننَا [ الحداد والصائغ ]‬ ‫يـُ ْقطَع حشيشته ‪ ،‬فقال العباس‬
‫َوبـُيُوتنَا " فقال {إال اإل ْذخر} ‪ ،‬وهو نبات له رائحة طيبة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫الثاني ‪ :‬الشرط ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قولك ‪ :‬أكرم بني تميم إن حضروا ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الصفة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قولك ‪ :‬أكرم بني تميم الطوال ‪.‬‬
‫َ َّ ُ ۡ ُ ْ ۡ‬
‫ٱۡل ۡزيَ َة َعن يَد َو ُه ۡم َصٰغِّ ُرون} ‪.‬‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى {ح ٰ‬
‫(‪)4‬‬
‫ِت يعطوا ِّ‬ ‫الرابع ‪ :‬الغاية ‪ ،‬نَ ْ‬
‫الخامس ‪ :‬بدل البعض من الكل ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬أكرم الناس عالمهم ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬مخصص المنفصل ‪ ،‬وهو ثالثة مخصصات ‪:‬‬
‫َشء} ؛ فإن هذا‬
‫(‪)5‬‬ ‫ٱَّلل َخٰل ُِّق ُُك َ ۡ‬‫األول ‪ :‬الدليل العقلي ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫َْ‬
‫(‪ )1‬اإلحكام لآلمدي ‪183/1‬‬
‫(‪ )2‬مختصر المنتهى مع بيان المختصر ‪ 236 ، 235/2‬وجمع الجوامع مع البناني ‪2/2‬‬
‫ونشر البنود ‪126/1‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 32/‬برقم ( ‪ ) 92‬ومختصر صحيح مسلم ‪، 200/‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪ 201‬برقم ( ‪. ) 766‬‬
‫(‪ )4‬سورة التوبة من اآلية ‪29‬‬
‫(‪ )5‬سورة الزمر من اآلية ‪62‬‬
‫‪88‬‬
‫الحكم ليس عاماً على إطالقه ؛ وإنما هو مخصص بدليل العقل ؛ ألنا نعلم ضرورًة‬
‫أن الله تعالى ليس خالقاً لنفسه ‪.‬‬
‫َ َۡ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ ۡ َ ۡ ََ‬ ‫ََ‬
‫ج َعلت ُه‬ ‫ت عل ۡيهِّ إَِّّل‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى { َما تذ ُر مِّن َش ٍء أت‬ ‫الثاني ‪ :‬الدليل الحسي ‪ ،‬نَ ْ‬
‫ٱلرمِّيم} ‪ ،‬ونحن نرى أشياء لم تتأثر بهذه الرياح العاتية ‪ ،‬ومنها الجبال‬
‫(‪)1‬‬ ‫َك َّ‬

‫المشاهدة حساً ‪.‬‬


‫َ‬
‫الثالث ‪ :‬الدليل السمعي ‪ ،‬وفيه يكون تخصيص الكتاب بالكتاب ‪ ،‬والسنة بالسنة ‪،‬‬
‫والسنة بالكتاب ‪ ،‬والكتاب بالسنة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َّ‬
‫مثال األول ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} ؛ فإنه عام‬
‫(‪)2‬‬

‫َ ُ ْ َ ٰ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ‬
‫َحل ُهن} ‪.‬‬ ‫صص بقوله تعالى {وأولت ٱۡلَحا ِّل أجلهن أن يضعن‬
‫(‪)3‬‬
‫في كل مطلقة ‪ ،‬ثم ُخ ِّ‬
‫يما َس َقت الس َماءُ أ َْو َكان َعثَرياً الْعُ ْشر} ؛ فإنه‬ ‫{ف َ‬
‫(‪)4‬‬
‫مثال الثاني ‪ :‬قوله‬
‫ص َدقَة} ‪.‬‬ ‫ُم َخصص بقوله {لَْي َ‬
‫(‪)5‬‬
‫سة أ َْو ُسق َ‬ ‫يما ُدو َن َخ ْم َ‬ ‫سف َ‬
‫اس َحتى يَـ ُقولُوا ‪ :‬الَ إلَهَ إال‬ ‫ت أَ ْن أُقَات َل الن ۡ َ‬ ‫{أُم ْر ُ‬ ‫مثال الثالث ‪ :‬قوله‬
‫َ َّ ُ ۡ ُ ْ‬
‫ٱۡل ۡزيَ َة َعن يَد َو ُه ۡم َصٰغِّ ُرون} ‪.‬‬ ‫خصص بقوله تعالى {ح ٰ‬ ‫الله} ؛ فإنه ُم َ‬
‫(‪)6‬‬
‫ِت يعطوا ِّ‬
‫ث ال ُْم ْسل ُم الْ َكاف َر َوالَ‬ ‫مثال الرابع ‪ :‬تخصيص آية المواريث بحديث {الَ يَر ُ‬
‫الْ َكاف ُر ال ُْم ْسلم} ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫(‪ )1‬سورة الذاريات اآلية ‪42‬‬


‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫(‪ )3‬سورة الطالق من اآلية ‪4‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 185/‬برقم ( ‪ ) 714‬ومختصر صحيح مسلم ‪136/‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫برقم ( ‪. ) 503‬‬
‫(‪ )5‬هذا الحديث أخرجه البخاري وغيره ‪..‬‬
‫اجع مختصر صحيح البخاري ‪ 174/‬برقم ( ‪. ) 672‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )6‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 19/‬برقم ( ‪ ) 24‬ومختصر صحيح مسلم ‪ 8/‬برقم ( ‪. ) 4‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫(‪ )7‬هذا الحديث أخرجه مسلم وأحمد ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح مسلم ‪ 257/‬برقم ( ‪ ) 994‬ومسند أحمد ‪200/5‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪89‬‬
‫ويجوز عند الجمهور تخصيص عموم الكتاب والسنة المتواترة باإلجماع ؛ ألن‬
‫العام يتطرق إليه االحتمال ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫رابعاً ‪ -‬الخطاب الخاص بالنبي‬
‫َ َٰٓ َ ي َ َّ ي َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ‬
‫{يأيها ٱنل ِّ‬ ‫يأ يي َها ٱل ُم َّزمِّل}‬
‫{ َٰٓ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِب ٱت ِّق‬ ‫‪ ،‬وقوله تعالى‬ ‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫َّ َ (‪)2‬‬
‫ٱَّلل} ‪.‬‬
‫وقد اختلف فيه العلماء ‪ :‬فذهب أكثرهم إلى أنه عام لألمة ‪ ،‬وال يختص به إال‬
‫بدليل ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬إنه ال يتناول األمة ‪.‬‬
‫أما الخطاب الخاص باألمة ‪ :‬فهل يشمل الرسول أم ال ؟ ‪:‬‬
‫اتفقوا على أن ما كان خاصاً بهم فإنه ال يشمل الرسول ‪..‬‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫ِّلر ُسول إذا َد ََع ُ‬
‫ك ۡم ل َِّما‬ ‫ٱس َتجيبُوا ْ ِّ ََّّللِّ َول َّ‬
‫امنُوا ْ ۡ‬ ‫يأ يي َها َّٱَّل َ‬
‫ِّين َء َ‬ ‫حو ‪ :‬قوله تعالى { َٰٓ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫نَ ْ‬
‫ُۡ‬
‫يكم} ‪.‬‬ ‫َيي ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِّ‬
‫اس} وقوله تعالى‬ ‫ي َأ يي َها ٱنلَّ ُ‬
‫واختلفوا فيما دون ذلك ‪ -‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { َ َٰٓ‬
‫{ َيٰعِّبَادِّي} ‪ -‬فهل يشمل النبي أم ال ؟‬
‫فذهب األكثرون إلى أنه يشمله ‪ ،‬وذهب بعضهم إلى أنه ال يشمله ‪.‬‬
‫؛ لظهور‬ ‫وفرق بعضهم بين الخطاب المقترن بـ{قُل} ؛ فإنه ال يشمله‬
‫التبليغ فيه ‪ ،‬وإن لم يقترن بـ{قُل} فإن الخطاب يشمله ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬حكم العام بعد التخصيص ‪:‬‬
‫صص العام فإنه يُطْلَق مجازاً على ما بقي من أفراده عند األكثرين ‪.‬‬
‫إذا ُخ ِّ‬
‫(‪)4‬‬
‫صص يُطْلَق على ما بقي من أفراده ‪.‬‬ ‫وقال بعض األصوليين ‪ :‬إن العام إذا ُخ ِّ‬
‫(‪ )1‬سورة المزمل ‪ :‬اآلية ‪1‬‬
‫(‪ )2‬سورة األحزاب من اآلية ‪1‬‬
‫(‪ )3‬سورة األنفال من اآلية ‪24‬‬
‫اجع العام والخاص في ‪ :‬اإلحكام ‪ 313 - 181/2‬وإحكام الفصول ‪257 - 231/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫وبيان المختصر مع المختصر ‪ 304 - 104/2‬وبذل النظر ‪ 259 - 157/‬والبحر‬
‫المحيط ‪ 41 - 21/3‬وشرح التوضيح مع التلويح ‪ 62 - 23/1‬وجمع الجوامع مع‬
‫البناني ‪ 43 - 2/2‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 259 - 178/‬وعلم أصول الفقه لخالف ‪197 - 187/‬‬
‫‪90‬‬
‫سادساً ‪ -‬أثر العام والخاص في األحكام ‪:‬‬
‫تفرع على العام والخاص فروع كثيرة ‪ ،‬أكتفي منها بهذين الفرعين ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -1‬إذا وقف على ولده فإنه يتناول جميع أوالده الذكور واإلناث ‪.‬‬
‫‪ -‬أنه‬ ‫‪ -2‬لو وقف على الفقراء فافتقر فإن الراجح ‪ -‬على ما ذكره الرافعي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ :‬ال يدخل ؛ ألن المتكلم ال يدخل في كالمه ‪.‬‬ ‫يدخل ‪ ،‬وقال الغزالي‬

‫المطلب الثاني‬
‫المطلق والمقيد‬

‫أوالً‪ -‬تعريف المطلق والمقيد ‪:‬‬


‫المطلق لغةً ‪ :‬اسم مفعول من " اإلطالق " ‪ ،‬وهو اإلرسال والتخلية وعدم التقييد ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما َدل على شائع في جنسه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو تعريف ابن الحاجب‬
‫ثانياً ‪ -‬تعريف المقيد ‪:‬‬
‫المقيد لغةً ‪ :‬مقابل المطلق ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما تناول معيناً أو موصوفاً بزائد على حقيقة جنسه ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو تعريف الفتوحي‬
‫وقد يجتمعان في لفظ واحد باعتبار الجهتين ‪ ،‬فيكون اللفظ مقيداً من وجه‬
‫آخر ‪.‬‬
‫مطلقاً من وجه َ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َر َقبَة يم ۡؤمِّنَة} قيدت الرقبة من حيث الدين باإليمان ‪،‬‬
‫(‪)5‬‬

‫فتتعين المؤمنة للكفارة ‪ ،‬وأطلقت من حيث ما سوى اإليمان من األوصاف ‪ :‬ككمال‬


‫الخلقة والطول والبياض وأضدادها ونحو ذلك ‪ ،‬فاآلية مطلَقة في كل رقبة مؤمنة‬
‫(‪ )1‬القواعد والفوائد األصولية ‪167/‬‬
‫(‪ )2‬التمهيد لإلسنوي ‪ 347/‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪ )3‬بيان المختصر ‪349/2‬‬
‫(‪ )4‬شرح الكوكب المنير ‪393/3‬‬
‫(‪ )5‬سورة النساء من اآلية ‪92‬‬
‫‪91‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وفي كل كفارة مجزئة ‪ ،‬مقيدة بالنسبة إلى مطلق الرقاب ومطلق الكفارات ‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬حكم المطلق والمقيد ‪:‬‬


‫حكم المطلق والمقيد يرجع إلى حكمهما وسببهما في صور أربع ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن يختلفا حكماً وسبباً ‪.‬‬
‫َ َ ُ َ َ َ ََّ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى في كفارة اليمين {ف ِّصيام ثلٰثةِّ أيام} ‪ ،‬وقوله تعالى‬
‫(‪)2‬‬

‫{فَ ِّصيَ ُام َش ۡه َر ۡي ِّن ُمتَتَاب ِّ َع ۡني} ‪..‬‬


‫(‪)3‬‬

‫فالحكم في األول صيام ثالثة أيام مطلقة أي بال تتابع ‪ ،‬والسبب هو الحنث‬
‫في اليمين ‪.‬‬
‫والحكم في الثاني صيام شهرين ‪ ،‬وهو مقيد بالتتابع ‪ ،‬والسبب هو الظهار ‪.‬‬
‫َ‬
‫والحكم في هذه الصورة ‪ :‬أن المطلق يجري على إطالقه {أيَّام} ‪ ،‬والمقيد‬
‫ََُ َۡ‬
‫اآلخر ‪ ،‬فال يصح َح ْمل مطلق‬ ‫على تقييده {متتابِّعني} ‪ ،‬وال يُ ْح َمل أحدهما على َ‬
‫الصيام في اليمين على مقيده في الظهار ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يتحدا حكماً وسبباً ‪.‬‬
‫ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َّ ُ َ َ ۡ ُ ۡ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى {ح ِّرمت عليكم ٱلميتة وٱدلم وۡلم ٱۡلِّزنِّير} ‪ ،‬وقوله تعالى‬
‫(‪)4‬‬

‫ون َم ۡيتَ ًة أ َ ۡو َدما َّم ۡس ُف ً‬


‫َ ۡ َ ُ ُ ا َّ ا َ َ ُ َ‬ ‫َ ا ُ َ َ َّ ُ َ‬
‫ُم َّر ًما َ َ ٰ‬
‫ُ َّ ا َ‬
‫وحا‬ ‫لَع َطاعِّم يطعمهۥ إَِّّل أن يك‬ ‫ج ُد ِّف ما أ ِّ‬
‫وِح إَِّل‬ ‫{قل َّل أ ِّ‬
‫َ‬
‫ِّزنير} ؛ فالدم في األولى مطلق ‪ ،‬وفي الثانية مقيد بكونه مسفوحاً ‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫خ‬ ‫م‬ ‫أ ۡو َ ۡ‬
‫ۡل َ‬
‫ِّ‬
‫وحيث إن الحكم والسبب فيهما واحد فيُ ْح َمل المطلق على المقيد ‪ ،‬ولذا فشرط‬
‫تحريم الدم أن يكون مسفوحاً ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أن يتحدا حكماً ويختلفا سبباً ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى في كفارة الظهار { َفتَ ۡحرِّ ُير َر َقبَة} ؛ فالرقبة هنا مطلَقة ‪..‬‬
‫(‪)6‬‬

‫(‪ )1‬شرح الكوكب المنير ‪394 ، 393/3‬‬


‫(‪ )2‬سورة المائدة من اآلية ‪89‬‬
‫(‪ )3‬سورة المجادلة من اآلية ‪4‬‬
‫(‪ )4‬سورة المائدة من اآلية ‪3‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام من اآلية ‪145‬‬
‫(‪ )6‬سورة المجادلة من اآلية ‪3‬‬
‫‪92‬‬
‫وفي كفارة القتل { َفتَ ۡحرِّ ُير َر َقبَة يم ۡؤمِّنَة} ‪ ،‬والرقبة هنا مقيدة باإليمان ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن تبعه إلى َح ْمل المطلَق على المقيد ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وفي هذه الصورة ذهب الشافعي‬
‫ومن تبعه إلى أنه ال يُ ْح َمل المطلق على المقيد ‪ ،‬فال يُ ْشتَـ َرط‬ ‫َ‬ ‫وذهب أبو حنيفة‬
‫في رقبة الظهار عنده أن تكون مؤمنة ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬أن يختلفا حكماً ويتحدا سبباً ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حوا ْ ب ُو ُ‬ ‫نحو ‪ :‬قوله تعالى في التيمم {فَ ۡ‬
‫ِّيكم م ِّۡنه} ؛ فاأليدي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جوهِّك ۡم َوأيۡد‬ ‫ِّ‬
‫ٱم َس ُ‬
‫َْ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ك ۡم إَِّل ٱل َم َراف ِّق}‬ ‫هنا مطلَقة ‪ ،‬وقوله تعالى في الوضوء {فٱغسِّلوا وجوهكم وأيدِّي‬
‫(‪)2‬‬

‫واأليدي هنا مقيدة ‪ ،‬فسبب التيممم والوضوء واحد ‪ :‬وهو التطهر إلقامة الصالة ‪،‬‬
‫لكن الحكم مختلف ‪ :‬ففي األولى وجوب المسح ‪ ،‬وفي الثانية وجوب الغسل ‪..‬‬
‫وفي هذه الصورة هل يُ ْح َمل المطلَق [ المسح في التيمم ] على المقيد [ الغسل‬
‫إلى المرافق في الوضوء ] ؟‬
‫(‪)3‬‬
‫الجمهور على أن المطلق ال يُ ْح َمل على المقيد ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬أثر المطلق والمقيد في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على المطلق والمقيد ما يلي ‪:‬‬
‫؛ لقوله‬ ‫‪ -1‬أن النكاح ال ينعقد بحضور الفاسقين عند اإلمام الشافعي‬
‫اح إال ب َول ٍّي َو َشاه َد ْي َع ْدل} ؛ فإنه قيد الشهادة بالعدالة ‪ ،‬وعند الحنفية‬
‫{الَ ن َك َ‬
‫اح إال ب َول ٍّي َو ُش ُهود} ‪،‬‬
‫ينعقد ؛ ألن الشهادة مطلَقة في حديث أو رواية {الَ ن َك َ‬
‫(‪)4‬‬

‫ومن أجازها فلم يحمل‬ ‫فمن منع شهادة الفاسق فقد حمل المطلق على المقيد ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫المطلق على المقيد ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة النساء من اآلية ‪92‬‬
‫(‪ )2‬سورة المائدة من اآلية ‪6‬‬
‫اجع المطلق والمقيد في ‪ :‬جمع الجوامع مع شرح المحلي مع البناني ‪ 51 - 44/2‬والمختصر‬‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫في أصول الفقه ‪ 126 ، 125/‬والوجيز ‪ 37 - 34/‬وعلم أصول الفقه لخالف ‪- 198/‬‬
‫‪200‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أخرجه البيهقي والدارقطني وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬السنن الكبرى ‪ 107/7‬وسنن الدارقطني ‪ 222 - 218/3‬والمستدرك ‪169/2‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪93‬‬
‫‪ -2‬أن إعتاق الرقبة الكافرة ال يجزئ في كفارة الظهار عند َمن َح َمل المطلق في‬
‫ير َر َقبَة} كفارةً للظهار على المقيد في قوله تعالى { َفتَ ۡحر ُ‬
‫ير‬ ‫قوله تعالى { َفتَ ۡحر ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َر َقبَة يم ۡؤمِّنَة} في كفارة القتل ‪ ،‬وتجزئ الرقبة الكافرة في كفارة الظهار عند َمن لم‬
‫(‪)1‬‬
‫يَحمل المطلق على المقيد ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬الفرق بين العام والْ ُمطْلَق ‪:‬‬
‫فرد من أفراده ‪ ،‬وأما‬
‫ال َف ْرق ْبين العام والْ ُمطْلَق ‪ :‬أن العام يدل على شمول ُكل ْ‬
‫فرد شائع أو أفراد شائعة ال على جميع األفراد ‪ ،‬فالعام‬ ‫لمطْلَق فإنه يدل على ْ‬ ‫اْ ُ‬
‫يتناول ُكل ما يَصدق عليه من األفراد دفعةً واحدةً ‪ ،‬والْ ُمطْلَق ال يتناول ما يَصدق‬
‫عليه دفعةً واحد ًة ‪ ،‬وإنما فرداً شائعاً من األفراد ‪..‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ولذا قال األصوليون ‪ :‬عموم العام شمولي ‪ ،‬وعموم الْ ُمطْلَق بدلي ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫المجمل والمبين‬
‫َ‬
‫القسم األول ‪ :‬المجمل‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف المجمل ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المجمل لغةً ‪ :‬المبهم ‪ ،‬أو المجموع من غير تفصيل ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما لم تتضح داللته من قول أو فعل ‪ ،‬أو ما ترد َد بين محتملين‬
‫(‪)5‬‬
‫فأكثر على السواء ‪.‬‬
‫والمجمل واقع في الكتاب والسنة باالتفاق ‪ ،‬وخالف في ذلك داود الظاهري‬
‫(‪)6‬‬
‫فنفاه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬تخريج الفروع على األصول ‪262/‬‬
‫راجع إرشاد الفحول ‪200/‬‬‫(‪ )2‬علم أصول الفقه لخالف ‪ 188/‬بتصرف ‪ ،‬ويُ َ‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 127/‬والمصباح المنير ‪110/1‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬مختصر ابن الحاجب ‪ 158/2‬وشرح المحلي على جمع الجوامع مع البناني ‪58/2‬‬
‫(‪ )5‬شرح الكوكب المنير ‪414/3‬‬
‫(‪ )6‬جمع الجوامع مع البناني ‪63/2‬‬
‫‪94‬‬
‫ثانياً ‪ -‬أسباب اإلجمال ‪:‬‬
‫لإلجمال أسباب ‪..‬‬
‫أحدها ‪ :‬االشتراك اللفظي ‪ ،‬أي وضع اللفظ لحقائق متعددة بأوضاع مختلفة مع‬
‫عدم وجود قرينة تعيِّن المراد منها ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َّ‬
‫مثل ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} ‪.‬‬
‫ومثل ‪ " :‬المختار ؛ فإنه موضوع السم الفاعل مرةً والسم المفعول مرةً أخرى ؛‬
‫اسم‬
‫اسم فاعل ‪ ،‬وبتقدير الفتحة قبلها يكون َ‬ ‫إذ بتقدير الكسرة قبل الياء يكون َ‬
‫مفعول ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫ومثل ‪ :‬قوله تعالى {أ ۡو َي ۡع ُف َوا ٱَّلِّي ب ِّ َي ِّده ِّۦ ُع ۡق َدةُ ٱنل َِّكح} ؛ فإن الذي بيده‬
‫العقدة موضوع للزوج وللولي ‪ ،‬فهو مشترك بينهما ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬إرادة فرد معين من أفراد الحقيقة الواحدة مع عدم القرينة على التعيين ‪.‬‬
‫َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ ُ َ ۡ ْ‬
‫ك ۡم أن تَذ َِبُوا َب َق َرة} ‪.‬‬ ‫مثل ‪ :‬قوله تعالى {إِّن ٱَّلل يأمر‬
‫ثالثها ‪ :‬تردُّد اللفظ بين َمجازاته المتكافئة مع قيام الدليل على عدم إرادة الحقيقة ‪.‬‬
‫صالَ َة إال ب َفات َحة الْكتَاب} ‪.‬‬ ‫أيت بحراً في الحمام " ‪ ،‬و{الَ َ‬ ‫مثل ‪ " :‬ر ُ‬
‫تعدد مرجع الضمير ‪.‬‬ ‫رابعها ‪ُّ :‬‬
‫مثل ‪ " :‬ضرب زيد عمراً وأكرمني " ؛ فإن الضمير المستكن في " أكرم "‬
‫ام للمتكلم ‪،‬‬‫يحتمل رجوعه إلى زيد فيكون قد وقع منه الضرب لعمرو واإلكر ُ‬
‫ام حاصالً من‬ ‫ويحتمل رجوعه إلى عمرو فيكون الضرب حاصالً من زيد واإلكر ُ‬
‫عمرو للمتكلم ‪.‬‬
‫شبَ ًة في ج َداره} ؛‬ ‫ومثل ‪ :‬قوله {الَ يَ ْمنَ ْع أ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ض َع َخ َ‬ ‫َح ُد ُك ْم َج َارهُ م ْن أَ ْن يَ َ‬
‫فإن الضمير في {ج َداره} يحتمل أن يرجع إلى أحدكم فيكون األحد منهياً عن أن‬
‫الجار من وضع الخشبة على جدار ذلك األحد ‪ ،‬ويحتمل أن يرجع إلى الجار‬ ‫يمنع َ‬
‫الجار من وضع الخشبة على جدار ذلك الجار ‪.‬‬ ‫فيكون األحد منهياً عن أن يمنع َ‬
‫تعدد مرجع الصفة ‪.‬‬ ‫خامسها ‪ُّ :‬‬
‫نَ ْحو ‪ " :‬زيد طبيب ماهر " ؛ فإن " ماهراً " يحتمل رجوعه إلى زيد فيكون زيد‬
‫اجع كنز العمال ‪60/9‬‬
‫‪ ..‬يُـ َر َ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة‬
‫‪95‬‬

‫طبيباً وماهراً في غير الطب ‪ ،‬ويحتمل رجوعه إلى " طبيب " فيكون زيد طبيباً‬
‫وماهراً في الطب ‪.‬‬
‫سادسها ‪ :‬استثناء المجهول ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نحو ‪ :‬قوله تعالى {أُحِّلَّ ۡ‬
‫كم} ؛ فإن ما‬ ‫َ ُۡ ٰ َ ۡ ُ‬
‫يمة ٱۡلنع ٰ ِّم إَِّّل ما يتّل علي‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫كم بَه َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َْ‬
‫يـُْتـلَى قبل نزوله مجهول ‪ ،‬وذلك يجعل ما أُحل من البهيمة غير معلوم ‪ ،‬فكان‬
‫(‪)1‬‬
‫مجمالً يحتاج إلى البيان ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬أنواع المجمل ‪:‬‬
‫المجمل له أنواع أربعة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬إجمال في الحرف ‪.‬‬
‫ۡ ۡ‬ ‫َ َّ ٰ ُ َ‬
‫ون ِّف ٱلعِّلم} ؛ فإنها تحتمل أن تكون‬ ‫حو ‪ :‬الواو في قوله تعالى {وٱلرسِّخ‬
‫(‪)2‬‬
‫نَ ْ‬
‫للعطف فيعلم الراسخون في العلم تأويلَه ‪ ،‬وتحتمل أن تكون مستأنف ًة ويكون‬
‫َّ َّ‬
‫ٱَّلل} فال يعلمون تأويله ‪.‬‬ ‫الوقف على {إَِّّل‬
‫الثاني ‪ :‬إجمال في الفعل ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َج َم َع في السفر بين الصالتين ؛ فإن مسافة السفر‬ ‫نَ ْحو ‪ :‬ما ثبت أنه‬
‫مجملة ‪ ،‬فيجب التوقف فيه إلى أن يقوم الدليل على أي وجه ‪ -‬مسافة ‪ -‬فعله‬
‫(‪)4‬‬
‫فيؤخذ به حينئذ ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬إجمال في االسم المفرد ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َّ‬
‫‪ ،‬والقرء‬ ‫{ َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنفسِّ ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء}‬
‫نَ ْحو ‪ :‬القرء في قوله تعالى‬
‫متردد بين الطهر والحيض ‪.‬‬
‫وكالعين المترددة بين الباصرة والجارية والذهب ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أصول الفقه للشيخ زهير ‪ 13 ، 12/3‬بتصرف يسير ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة آل عمران من اآلية ‪7‬‬
‫(‪ )3‬أَ ْخ َر َجه البخاري ومسلم ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 142/‬برقم ( ‪ ) 555‬ومختصر صحيح مسلم ‪119/‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫برقم ( ‪. ) 438‬‬
‫اجع اللمع ‪48/‬‬
‫(‪ )4‬شرح اللمع بتصرف ‪ ،‬ويُـ َر َ‬
‫‪96‬‬
‫الرابع ‪ :‬إجمال في المركب ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى {أ ۡو َي ۡع ُف َوا ٱَّلِّي بِّيَ ِّده ِّۦ ُع ۡق َدةُ ٱنل َِّكح} ؛ فإنه يحتمل أن‬
‫(‪)1‬‬

‫الزوج ؛ ألنه بيده‬


‫نكاح المرأة ‪ ،‬ويحتمل أن يكون َ‬ ‫يكون الولي ؛ ألنه الذي يعقد َ‬
‫دوام العقد ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬حكم المجمل ‪:‬‬
‫حكم المجمل ‪ :‬التوقف على البيان الخارجي ‪ ،‬فال يُ ْح َمل اللفظ على أحد‬
‫(‪)2‬‬
‫احتماالته إال بدليل خارج عن لفظه ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬ال ُْمبَـين‬


‫أوالً ‪ -‬تعريف ال ُْمبَـين ‪:‬‬
‫بينت شيئاً تبييناً " أي أظهرته ووضحته‬
‫ال ُْمبَـين لغ ًة ‪ :‬اسم مفعول من قولك ‪ُ ":‬‬
‫(‪)3‬‬
‫توضيحاً ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما اتضحت داللته بالنسبة إلى معناه ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وال ُْمبين ‪ :‬هو الدليل الذي حصل به اإليضاح ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬ما يقع به البيان ( ال ُْمبَـيِّن ) ‪:‬‬
‫البيان يقع بواحد من سبعة أوجه ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬البيان بالقول ‪.‬‬
‫الرقَة ُربْ ُع الْعُ ْشر} ‪.‬‬ ‫نَ ْحو ‪ :‬قوله {في ِّ‬
‫(‪)6‬‬

‫ص َدقَة} ‪.‬‬
‫يما ُدو َن َخ ْم َسة أ َْو ُسق م َن الت ْمر َ‬ ‫سف َ‬ ‫وكقوله {لَْي َ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪237‬‬
‫(‪ )2‬شرح الكوكب المنير ‪ 414/3‬بتصرف ‪ ،‬والبحر المحيط ‪456/4‬‬
‫اجع المصباح المنير ‪70/1‬‬‫(‪ )3‬نهاية السول ‪ ، 205/2‬ويُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬اإلبهاج ‪231/2‬‬
‫(‪ )5‬نهاية السول ‪206/2‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ‪ :‬باب زكاة الغنم ‪ 118/2‬والنسائي في كتاب الزكاة ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫باب زكاة اإلبل ‪ 18/5‬وأحمد في مسند أبي بكر الصديق ‪ 234/1‬عن أبي بكر‬
‫‪97‬‬
‫الثاني ‪ :‬البيان بالمفهوم ‪.‬‬
‫وهو إما بالتنبيه أو بدليل الخطاب ‪.‬‬
‫َ َ َ ُ َّ ُ َ ا ُ‬
‫مثاله بالتنبيه ‪ :‬قوله تعالى {فَل تقل لهما أف} ؛ فإنه بَـين بهذا الضرب والشتم ‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َۡ َ‬ ‫ُ َّ ُ ْ َ‬
‫َحل فَأنفِّ ُقوا َعل ۡي ِّهن} ؛‬ ‫ت‬‫ومثاله بدليل الخطاب ‪ :‬قوله تعالى {ِإَون كن أو ِّ‬
‫ٰ‬ ‫ل‬
‫فإنه بَـين بذلك حكم َمن ال َح ْم َل لها ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬البيان بالفعل ‪.‬‬
‫بَـين ذلك بفعله ‪ ،‬وكذا أفعال‬ ‫نَ ْحو ‪ :‬مواقيت الصالة وأفعالها ؛ فإن النبي‬
‫الحج ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬البيان باإلقرار ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬ما يـُ ْرَوى أن قيساً كان يصلي ركعتين بعد الصبح ‪ ،‬فسأله النبي‬
‫{ َما َهاتَان الرْك َعتَان} فقال ‪َ ":‬رْك َعتَا الْ َف ْجر لَ ْم أَ ُك ْن أ َ‬
‫ُصلِّيه َما ‪ ،‬فَـ ُه َما َهاتَان‬
‫(‪)1‬‬
‫الرْك َعتَان " فلم ينكر عليه ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬البيان باإلشارة ‪.‬‬
‫قال ألعرابي {الش ْه ُر َه َك َذا َو َه َك َذا َو َه َك َذا} وكف‬ ‫كما ُروي أن النبي‬
‫(‪)2‬‬
‫عدد أيام الشهر لألعرابي باإلشارة باليد ‪.‬‬ ‫إيهامه في الثالثة ‪ ،‬فبَـين َ‬
‫السادس ‪ :‬البيان بالكتابة ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬الكتب التي كتبها رسول الله إلى اليمن وغيرها من البالد وبَـين فيها‬
‫فرائض الزكوات وغيرها من األحكام ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬البيان بالقياس ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قياس األرز على البُـر ‪ ،‬والنبيذ على الخمر ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬تأخير البيان ‪:‬‬
‫أما تأخير البيان عن وقت الحاجة ‪ :‬فقد اتفقوا على امتناعه ‪ ،‬إال َمن أجاز‬
‫التكليف بما ال يطاق ‪.‬‬
‫َ‬
‫اجع البدر المنير ‪263/3‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫اجع كنز العمال ‪451/13‬‬ ‫‪ ..‬يُـ َر َ‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مسلم والنسائي عن ابن عمر‬
‫اجع شرح اللمع ‪175 - 172/5‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪98‬‬
‫وأما تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة ‪ :‬فهو محل خالف بين‬
‫(‪)1‬‬
‫األصوليين ‪.‬‬
‫أثر المجمل والمبين في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على المجمل والمبين ‪ :‬ما إذا قال لعب َديْه ‪ ":‬أحدكما ُحر " ولم يَـ ْنو‬
‫ُم َعيناً فإنا نأمره بالتعيين ‪ ،‬فإ ْن عين كان ابتداء وقوعه عند اإليقاع على الصحيح ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقيل ‪ :‬عند التعيين ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫النسخ‬

‫أوالً ‪ -‬تعريف النسخ ‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫النسخ لغةً ‪ :‬اإلزالة والنقل والرفع والتحويل ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه ‪ ،‬أو رفع‬
‫(‪)5‬‬
‫الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬شروط النسخ ‪:‬‬
‫للنسخ شروط ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬
‫غير شرعي فال يسمى‬
‫‪ -1‬أن يكون الناسخ والمنسوخ حكماً شرعياً ‪ ،‬فإ ْن كان َ‬
‫نسخاً ‪.‬‬
‫أضعف منه فال‬
‫َ‬ ‫‪ -2‬أن يكون الناسخ أقوى من المنسوخ أو مساوياً له ‪ ،‬فإ ْن كان‬
‫ينسخه ‪.‬‬
‫اجع المجمل والمبين في ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 44 - 7/3‬واللمع ‪ 51 - 47/‬والبحر‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫المحيط ‪ 495 - 455/3‬واإلبهاج ‪ 246 - 224/3‬وجمع الجوامع مع البناني ‪74 - 58/2‬‬
‫ونهاية السول ‪ 234 - 196/2‬ومختصر المنتهى ‪ 167 - 158/2‬وإرشاد الفحول ‪174 - 169/‬‬
‫(‪ )2‬التمهيد لإلسنوي ‪430/‬‬
‫اجع ‪ :‬الكليات ‪ 892/‬والمصباح المنير ‪603 ، 602/2‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬روضة الناظر ‪66/‬‬
‫(‪ )5‬مختصر المنتهى مع بيان المختصر ‪489/2‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الناسخ منفصالً ومتأخراً عن المنسوخ ‪ ،‬فإن اقترن به ‪ -‬كالصفة‬
‫والشرط ‪ -‬فال يسمى نسخاً ‪ ،‬وإنما هو تخصيص ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬أنواع النسخ في القرآن ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬نسخ التالوة مع بقاء الحكم ‪.‬‬
‫يما أُنْزل [ أي من القرآن ] ‪:‬‬ ‫‪َ ":‬كا َن ف َ‬ ‫ومنه ‪ :‬قول عمر بن الخطاب‬
‫وه َما الْبَتة " ‪ ،‬ثم قال ‪َ :‬والذي نَـ ْفسي بيَده لَ ْوالَ أَ ْن‬ ‫الش ْي ُخ َوالش ْي َخةُ إذَا َزنَـيَا فَ ْار ُج ُم ُ‬
‫( ‪)1‬‬
‫اد عُ َم ُر في كتَاب الله " ألَثْـبَتُّـ َها ‪.‬‬ ‫اس " َز َ‬‫ول الن ُ‬ ‫يَـ ُق َ‬
‫الثاني ‪ :‬نسخ الحكم دون التالوة ‪.‬‬
‫ومنه ‪ :‬نسخ اإلعداد بالحول للمتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر في قوله تعالى‬
‫ٱۡل ۡول َغ ۡ َ‬
‫ري‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫َل‬
‫َّ َ ً َ‬
‫إ‬ ‫ا‬‫ع‬‫ٰ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ج‬ ‫ٰ‬ ‫ص َّية ِّۡلَ ۡز َ‬
‫و‬ ‫ِّ‬ ‫ون أ َ ۡز َوٰجا َ‬
‫و‬
‫ُ ۡ ََ َُ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ِّين ُيتَ َوف ۡون مِّنكم ويذر‬ ‫{ َو َّٱَّل َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ ُ‬ ‫ون أ َ ۡز َوٰجا َي َ َ ۡ‬
‫ُ ۡ َََُ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫إ ۡخ َراج}(‪ )2‬مع قوله تعالى { َو َّٱَّل َ‬
‫َت َّبص َن بِّأنف ِّ‬
‫س ِّه َّن‬ ‫ِّين ُيتَ َوف ۡون مِّنكم ويذر‬ ‫ِّ‬
‫ََََۡ َۡ ُ َ َ ۡ‬
‫أربعة أشهر وعۡشا} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫الثالث ‪ :‬نسخ الحكم والتالوة معاً ‪.‬‬


‫يما أُنْز َل م َن الْ ُق ْرآن ‪َ ":‬ع ْش ُر‬ ‫‪َ ":‬كا َن ف َ‬ ‫ومنه ‪ :‬ما روي عن عائشة‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬فلم يَـ ْب َق لهذا‬ ‫ومات "‬
‫ت ب َخ ْمس َم ْعلُ َ‬
‫ومات ُم َح ِّرَمات " ‪ ،‬فَـنُس َخ ْ‬
‫ض َعات َم ْعلُ َ‬
‫َر َ‬
‫(‪)5‬‬
‫اللفظ حكم القرآن ال في االستدالل وال في غيره ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬بين الناسخ والمنسوخ ‪:‬‬
‫له حاالت ‪ ،‬أشهرها ما يلي ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬نسخ القرآن بالقرآن ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬نسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة بوجوب ثباته لالثنين في قوله تعالى‬
‫َْ‪َۡ ْ ۡ ٞ‬‬ ‫ون َي ۡغل ِّبُوا ْ مِّاْئَتَ ۡني ِإَون يَ ُ‬
‫كن م ُ‬ ‫ُ ۡ ۡ ُ َ َٰ ُ َ‬ ‫{إن يَ ُ‬
‫ِّنكم مِّائة َيغل ِّبُ اوا ألفا‬ ‫ِّ‬ ‫كن مِّنكم عِّۡشون ص ِّب‬ ‫ِّ‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح مسلم ‪ 271/‬برقم ( ‪. ) 1037‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة من اآلية ‪240‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪234‬‬
‫اجع مختصر صحيح مسلم ‪ 231/‬برقم ( ‪. ) 879‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )5‬شرح الكوكب المنير ‪ 557 - 554/3‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫ُ َ ۡ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َّ ُ َ ُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ْ (‪)1‬‬ ‫م َِّن َّٱَّل َ‬
‫ٱَّلل عنك ۡم َوعل َِّم أن فِّيك ۡم ضعفا ۚۡ‬ ‫ِّين كف ُروا} وقوله تعالى {ٱلَٰٔـ َن خفف‬
‫ْ َۡ‬ ‫ُ َۡ‬ ‫ُ َْ ‪ََْۡ ْ ُ ۡ َ ٞ َ َ ٞ‬‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِّنك ۡم أل ‪ٞ‬ف َي ۡغل ِّبُ اوا أل َف ۡني} ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ني ِإَون يَكن م‬
‫(‪)2‬‬
‫فإِّن يكن مِّنكم مِّائة صابِّرة يغل ِّبوا مِّائت ِّ‬
‫وهذا النسخ محل اتفاق العلماء ‪ ،‬إال ما ُحكي عن أبي مسلم األصفهاني‬
‫من منع جواز النسخ مطلقاً ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬نسخ القرآن بالسنة المتواترة والمشهورة ‪.‬‬
‫ُ َ َ َۡ ُ‬
‫ك ۡم إذَا َ‬
‫ح َ َ‬
‫َض‬ ‫ِّ‬ ‫مثاله ‪ :‬نسخ الوصية للوالدين واألقربين في قوله تعالى {كتِّب علي‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫{الَ َوصي َة ل َوارث}‬ ‫ك ُم ٱل َم ۡو ُت إِّن تَ َر َك َخ ۡ ًريا ٱل َو ِّص َّية} بقوله‬ ‫َ َ ُ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪،‬‬ ‫أحد‬
‫‪.‬‬ ‫والنسخ في هذه الحالة جائز عند الجمهور ‪ ،‬ومنعه اإلمام الشافعي‬
‫الثالثة ‪ :‬نسخ السنة بالسنة ‪ ،‬والمتواتر بالمتواتر ‪ ،‬واآلحاد باآلحاد ‪.‬‬
‫وها} ‪.‬‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله { ُك ْن ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫ت نَـ َه ْيتُ ُك ْم َع ْن زيَ َارة الْ ُقبُور ؛ أَالَ فَـ ُز ُ‬
‫ور َ‬
‫‪.‬‬ ‫وهذا النسخ محل اتفاق العلماء ‪ ،‬إال َمن أنكر وقوع النسخ كاألصفهاني‬
‫الرابعة ‪ :‬نسخ السنة بالقرآن ‪.‬‬
‫بالسنة ‪ -‬بقوله تعالى‬
‫مثاله ‪ :‬نسخ استقبال بيت المقدس في الصالة ‪ -‬الثابتة ُّ‬
‫ٱۡل َرام} ‪.‬‬ ‫ج ِّد ۡ َ‬ ‫ََ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َۡ ۡ‬
‫{فو ِّل وجهك شطر ٱلمس ِّ‬
‫(‪)6‬‬

‫وغيره ‪.‬‬ ‫وهذا النسخ جائز عند الجمهور ‪ ،‬ومنعه اإلمام الشافعي‬
‫الخامسة ‪ :‬نسخ المتواتر من الكتاب والسنة باآلحاد ‪..‬‬
‫وجوَزهُ الظاهرية ‪.‬‬ ‫والنسخ في هذه الحالة غير جائز عند الجمهور ‪َ ،‬‬
‫السادسة ‪ :‬النسخ بالقياس واإلجماع ‪.‬‬
‫وجوَز أبو عبد الله‬
‫والجمهور على أنه ال يكون واحد منهما ناسخاً وال منسوخاً ‪َ ،‬‬
‫نسخ القياس بالقياس ‪.‬‬ ‫وجوَز القاضي أبو بكر‬ ‫النسخ باإلجماع ‪َ ،‬‬ ‫البصري‬
‫(‪ )1‬سورة األنفال من اآلية ‪65‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنفال من اآلية ‪66‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪180‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مسند أحمد ‪ 267/5‬وسنن البيهقي ‪264/6‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫اجع مختصر صحيح مسلم ‪ 133/‬برقم ( ‪. ) 496‬‬‫(‪ )5‬هذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة من اآلية ‪144‬‬
‫‪101‬‬
‫خامساً ‪ -‬أنواع النسخ باعتبار البدل واألخف واألثقل ‪:‬‬
‫ينقسم نسخ بهذا االعتبار إلى أقسام أربعة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬النسخ بال بدل ‪.‬‬
‫ت بال بدل في قوله‬ ‫مثاله ‪ :‬نسخ تقديم الصدقة عند مناجاة النبي ‪ ،‬ونُس َخ ْ‬
‫َ َٰٓ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ا ْ َ َ ٰ َ ۡ ُ ُ َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ ۡ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ ُ‬
‫ك ۡم َص َدقَة}‬ ‫تعالى {يأيها ٱَّلِّين ءامنوا إِّذا نجيتم ٱلرسول فقدِّموا بني يدي َنوى‬
‫(‪)1‬‬

‫اب َّ ُ‬ ‫ك ۡم َص َد َقٰت فَإ ۡذ ل َ ۡم َت ۡف َعلُوا ْ َوتَ َ‬ ‫ََ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َُ ُ ْ َۡ َ َ َ ۡ ََۡ ٰ ُ‬


‫ٱَّلل‬ ‫ِّ‬ ‫مع قوله تعالى {ءأشفقتم أن تقدِّموا بني يدي َنوى‬
‫َ َ ۡ ُ ۡ َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َّ َ َ َ ُ َ‬
‫عليكم فأقِّيموا ٱلصلوة وءاتوا ٱلزكوة وأطِّيعوا ٱَّلل ورسوِل} ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪.‬‬ ‫وهذا النسخ أجازه أكثر األصوليين ‪ ،‬ومنعه داود الظاهري‬


‫الثاني ‪ :‬النسخ باألخف ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬نسخ االعتداد بالحول في حق المتوفى عنها زوجها إلى أربعة أشهر‬
‫وعشر ‪.‬‬
‫وهذا النسخ مت َفق على جوازه ووقوعه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬النسخ باألثقل ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مثاله ‪ :‬نسخ وجوب صيام عاشوراء بوجوب صوم شهر رمضان ‪.‬‬
‫وداود الظاهري‬ ‫وهذا النسخ أجازه أكثر األصوليين ‪ ،‬ومنعه اإلمام الشافعي‬
‫‪.‬‬
‫بالمساوي ‪.‬‬ ‫الرابع ‪ :‬النسخ ُ‬
‫مثاله ‪ :‬نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة ‪ ،‬ولذا كان تحويلها اختباراً‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ۡ َ ۡ ۡ َ َ َّ ُ َ َ ا َّ‬
‫نت َعل ۡي َها إَِّّل نلِّ َ ۡعل َم َمن يَتب ِّ ُع‬ ‫للمؤمنين بمقتضى قوله تعالى {وما جعلنا ٱلقِّبلة ٱل ِِّت ك‬
‫ََ‬
‫ٱَّلل} ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫َ َّ َ ۡ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫لَع َعقِّبَ ۡيه} وقوله تعالى {فأ ۡينَ َما ت َولوا فثم وجه‬
‫(‪)4‬‬
‫نقل ُِّب َ َ ٰ‬
‫َّ ُ َ َّ َ َ‬
‫ٱلرسول مِّمن ي‬

‫(‪ )1‬سورة المجادلة من اآلية ‪12‬‬


‫(‪ )2‬سورة المجادلة من اآلية ‪13‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 255/‬برقم ( ‪ ) 919‬ومختصر صحيح مسلم ‪163/‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫برقم ( ‪. ) 611‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة من اآلية ‪143‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة من اآلية ‪115‬‬
‫‪102‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهذا النسخ متفق على جوازه ووقوعه ‪.‬‬

‫المطلب الخامس‬
‫معاني الحروف‬
‫اهتم األصوليون بالحروف لكثرة وقوعها في األدلة ‪ ،‬والفقيه المجتهد يحتاج‬
‫إلى معرفة معاني هذه الحروف ؛ ل َما لها من دور بارز في استخراج األحكام الشرعية ‪.‬‬
‫ونذكر فيما يلي بعضاً منها وأهم معانيها ‪:‬‬
‫‪ ( -1‬أ َْو ) ‪.‬‬
‫وتأتي لمعان عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫اإلضراب ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى{ َوأ ۡر َسل َنٰ ُه إ َٰل مِّائَةِّ ألف أ ۡو يَز ُ‬
‫يدون} أي بل يزيدون ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ اَ‬
‫اإلبهام ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {أتَى ٰ َها أ ۡم ُرنَا َلَۡل أ ۡو َن َهارا} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫َ‬ ‫ُ ْ َ ۡ‬
‫الشك ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {قَالوا ۡلِّثنَا يَ ۡو ًما أ ۡو َب ۡع َض يَ ۡوم} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫َ‬ ‫ك َّفٰ َرتُ ُه اۥ إ ۡط َع ُ‬ ‫َ َ‬


‫ِّني م ِّۡن أ ۡو َس ِّط َما‬
‫سك َ‬ ‫ۡشة ِّ َم َ ٰ‬ ‫ام َع َ َ‬ ‫التخيير ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {ف‬
‫ِّ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َۡ‬
‫ِّيك ۡم أ ۡو ك ِّۡس َو ُت ُه ۡم أ ۡو َتۡرِّ ُير َر َقبَة} ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ت ۡطعِّ ُمون أهل‬
‫(‪)5‬‬

‫التقسيم ‪ ،‬نحو ‪ :‬قولهم ‪ :‬الكلمة اسم أو فعل أو حرف ‪.‬‬


‫‪ ( -2‬الباء ) ‪.‬‬
‫وتأتي لمعان ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َص ُك ُم َّ ُ‬
‫ٱَّلل ب ِّ َب ۡدر َوأنتُ ۡم أذِّلة} ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬ ‫الظرفية ( المكانية ) ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { َولَ َق ۡد نَ َ َ‬

‫اجع النسخ في ‪ :‬روضة الناظر ‪ 81 - 66/‬وشرح الكوكب المنير ‪585 - 525/3‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫وشرح اللمع ‪ 242 - 185/2‬ونشر البنود ‪ 299 - 280/1‬وشرح تنقيح الفصول ‪- 301/‬‬
‫‪ 322‬ومختصر المنتهى ‪ 200 - 185/2‬والبحر المحيط ‪ 160 - 63/4‬وأصول الفقه‬
‫للخضري ‪ 270 - 250/‬ونهاية السول ‪ 267 - 224/2‬ومنتهى السول ‪95 - 81/3‬‬
‫(‪ )2‬سورة الصافات اآلية ‪147‬‬
‫(‪ )3‬سورة يونس من اآلية ‪24‬‬
‫(‪ )4‬سورة المؤمنون من اآلية ‪113‬‬
‫(‪ )5‬سورة المائدة من اآلية ‪89‬‬
‫(‪ )6‬سورة آل عمران من اآلية ‪123‬‬
‫‪103‬‬
‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ ا‬
‫الظرفية ( الزمانية ) ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {إَِّّل َءال لوط َنَّ ۡي َنٰ ُهم ب ِّ َس َحر} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ُا َ ۡ َ‬
‫السببية ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {فَّلُك أ َخذنَا بِّذۢنبِّه} ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫أخذت بزمام الناقة ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اإللصاق ‪ ،‬نحو ‪ :‬قولك ‪:‬‬


‫ْ‬
‫ِّكم} ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حوا ب ِّ ُر ُءوس‬ ‫ٱم َس ُ‬ ‫التبعيض ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { َو ۡ‬
‫(‪)3‬‬

‫االستعانة ‪ ،‬نحو ‪ :‬قولك ‪ :‬كتبت بالقلم ‪.‬‬


‫‪ ( -3‬الواو ) ‪.‬‬
‫وتأتي لمعان عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ ُ‬
‫اب ُس َّجدا َوقولوا ح َِّّطة} ‪.‬‬ ‫خلوا ٱۡلَ َ‬ ‫العطف ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {وٱد‬
‫(‪)4‬‬

‫َ َ َ ۡ َ ُ َ َ ُ ا َّ َّ‬ ‫ۡ‬
‫ٱَّلل} ‪.‬‬ ‫االستئناف ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {وما يعلم تأوِّيلهۥ إَِّّل‬
‫القسم ‪ ،‬نحو ‪ :‬قولك ‪ :‬والله ألفعلن كذا ‪.‬‬ ‫بدل عن َ‬
‫‪ ( -4‬في ) ‪.‬‬
‫وتأتي لمعان عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫َ‬
‫س ِّجد} ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ون ِّف ٱل ۡ َم َ ٰ‬ ‫َ ُ ۡ َٰ ُ َ‬
‫الظرفية ( المكانية ) ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {وأنتم عكِّف‬
‫َ‬
‫َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ ا َّ َّ ۡ ُ َ‬
‫ودٰت} ‪.‬‬ ‫الظرفية ( الزمانية ) ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {وٱذكروا ٱَّلل ِّف أيام معد‬
‫(‪)6‬‬

‫َ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫المصاحبة ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {قَال ۡٱد ُخلوا ِّفا أ َمم قَ ۡد َخلت} ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫اب َع ِّظيم} ‪.‬‬


‫(‪)8‬‬ ‫ِّيما ا أ َ َخ ۡذ ُت ۡم َع َذ ٌ‬ ‫ك ۡم ف َ‬ ‫التعليل ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {ل َ َم َّس ُ‬
‫ُ ُ‬ ‫االستعالء ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { َو َۡلُ َصل ِّبَ َّن ُ‬
‫وع ٱنلَّ ۡخل} ‪.‬‬ ‫ك ۡم ِّف‬
‫(‪)9‬‬
‫جذ ِّ‬
‫َۡ‬ ‫َْ‬
‫بمعنى " إلى " ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {فَ َر يد اوا أيۡد َِّي ُه ۡم ِّفا أف َوٰهِّ ِّهم} ‪.‬‬
‫(‪)10‬‬

‫(‪ )1‬سورة القمر من اآلية ‪34‬‬


‫(‪ )2‬سورة العنكبوت من اآلية ‪40‬‬
‫(‪ )3‬سورة المائدة من اآلية ‪6‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة من اآلية ‪58‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة من اآلية ‪187‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة من اآلية ‪203‬‬
‫(‪ )7‬سورة األعراف من اآلية ‪38‬‬
‫(‪ )8‬سورة األنفال من اآلية ‪68‬‬
‫(‪ )9‬سورة طه من اآلية ‪71‬‬
‫(‪ )10‬سورة إبراهيم من اآلية ‪9‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ ( -5‬الالم ) ‪.‬‬
‫وتأتي لمعان عديدة ‪ ،‬منها ‪..‬‬
‫َۡ‬ ‫الملك ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { ِّ ََّّللِّ َما ف َّ‬
‫ٱلس َم ٰ َو ٰ ِّت َو َما ِّف ٱۡلۡرض} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َُۡ َ‬
‫ني غ ۡ َري بَعِّيد} ‪.‬‬ ‫ٱۡل َّنة ل ِّل ُم َّتق َ‬
‫َ‬ ‫االختصاص ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {وأزل ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ِّف‬
‫َ ََۡ َ ُ ا َ ُ ۡ َ ۡ َ َ ُ َ َ‬
‫ون ل ُه ۡم َع ُدوا َو َح َزنا} ‪.‬‬ ‫العاقبة ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {فٱۡلقطهۥ ءال ف ِّرعون َِّلك‬
‫(‪)3‬‬

‫َ ي َ ََۡۡ‬
‫ان ُس َّجدا} ‪.‬‬ ‫بمعنى " على " ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {َيِّرون ل ِّۡلذق ِّ‬
‫(‪)4‬‬

‫ۡ‬ ‫ََ َ ُ ََۡ َ ۡ‬


‫ين ٱلقِّ ۡس َط َِّلَ ۡو ِّم ٱلقِّ َيٰ َمة} ‪.‬‬ ‫بمعنى " في " ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {ونضع ٱلموٰزِّ‬
‫(‪)5‬‬

‫َ‬
‫بمعنى " إلى " ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى { ُس ۡق َنٰ ُه ۡلِّ َِل َّميِّت}‬
‫(‪)7( )6‬‬
‫‪.‬‬
‫أثر حروف المعاني في األحكام ‪:‬‬
‫ت عند طلوع‬ ‫مما يتفرع على حروف المعاني ‪ :‬إذا قال ‪ ":‬أنت طالق في يوم كذا " طُلِّ َق ْ‬
‫الفجر من ذلك اليوم ؛ ألن الظرفية قد تحققت ‪ ،‬وفيه قول ‪ :‬إنها تطلق عند غروب الشمس ‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫غيره من األوقات المحددة ‪ :‬كوقت الظهر ‪ ،‬والعصر ونحوهما ‪.‬‬ ‫س على اليوم َ‬ ‫وق ْ‬
‫ومنها ‪ :‬إذا حلف ال تخرج امرأته إلى العرس فخرجت بقصده ولم تصل إليه‬
‫فال يحنث ؛ ألن الغاية لم توجد ‪ ،‬وكذا لو انعكس الحال فخرجت لغير العرس ثم‬
‫دخلت إليه ‪ ،‬بخالف ما إذا أتى بـ( الالم ) فقال ‪ ":‬للعرس " ؛ فإنه ال يشترط‬
‫وصولها إليه ؛ بل الشرط أن تخرج له وحده أو مع غيره ؛ ألن حرف الغاية وهو‬
‫(‪)9‬‬
‫( إلى ) لم يوجد ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪284‬‬
‫(‪ )2‬سورة ق اآلية ‪31‬‬
‫(‪ )3‬سورة القصص من اآلية ‪8‬‬
‫(‪ )4‬سورة اإلسراء من اآلية ‪107‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنبياء من اآلية ‪47‬‬
‫(‪ )6‬سورة األعراف من اآلية ‪57‬‬
‫اجع حروف المعاني في ‪ :‬تيسير التحرير ‪ 119 - 64/2‬والوجيز ‪ 85 - 76/‬وجمع الجوامع‬
‫(‪ )7‬يُـ َر َ‬
‫مع حاشية البناني ‪ 365 - 336/1‬والكوكب الدري ‪ 298 - 275/‬وبذل النظر ‪- 38/‬‬
‫‪ 50‬وشرح التوضيح مع التلويح ‪ 118 - 98/1‬وشرح اللمع ‪264 - 255/2‬‬
‫(‪ )8‬التمهيد لإلسنوي ‪227/‬‬
‫(‪ )9‬الكوكب الدري ‪287/‬‬
‫‪105‬‬

‫المبحث السادس‬
‫األدلة المتفق عليها‬

‫المطلب األول‬
‫تعريف األدلة وأقسامها‬

‫أوالً ‪ -‬تعريف األدلة ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫األدلة لغ ًة ‪ :‬جمع " دليل " ‪ ،‬وهو المرشد والكاشف ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما يمكن أن يـُتَـ َوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ‪.‬‬
‫بأنه ‪ :‬ما يُ ْستَ َدل بالنظر الصحيح فيه على حكم‬ ‫وعرفَـ َها الشيخ خالف‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫شرعي عملي على سبيل القطع أو الظن ‪.‬‬
‫والراجح عندي ‪ :‬تعريف الدليل بأنه ‪ :‬ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم‬
‫شرعي ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬أقسام األدلة ‪:‬‬
‫تنقسم األدلة إلى تقسيمات باعتبارات مختلفة ‪:‬‬
‫التقسيم األول ‪ :‬باعتبار القطع والظن ‪:‬‬
‫تنقسم األدلة بهذا االعتبار إلى قسمين ‪ :‬دليل قطعي ‪ ،‬ودليل ظنِّي ‪.‬‬
‫والدليل القطعي قسمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬دليل قطعي الثبوت ‪ ،‬وهو الدليل الذي ورد إلينا بطريق التواتر ‪ ،‬وهذا‬
‫متحقق في الكتاب والسنة المتواترة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬دليل قطعي الداللة على الحكم ‪ ،‬وهو الدليل الذي ال يحتمل تأويالً وال‬
‫تخصيصاً ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 229/‬والمصباح المنير ‪199/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع شرح اللمع ‪97 ، 96/1‬‬
‫(‪ )2‬مختصر المنتهى مع شرح العضد ‪ ، 26/1‬ويُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬علم أصول الفقه ‪25/‬‬
‫‪106‬‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ۡشكوا بِّهِّۦ َش ۡئا} ؛ فهذا النص القرآني‬ ‫َّ َ َ ۡ‬ ‫َ ُُۡ‬
‫حو ‪ :‬قوله تعالى { وٱعبدوا ٱَّلل وَّل ت ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫نَ ْ‬
‫أو الدليل قطعي الثبوت ألنه ثابت بالتواتر ‪ ،‬وقطعي الداللة على الحكم ألنه‬
‫ال يحتمل تأويالً وال تخصيصاً ‪.‬‬
‫ُصلِّي} ؛ فهذا الدليل وإن كان‬ ‫ومن السنة ‪ :‬قوله { َ‬
‫(‪)2‬‬
‫صلُّوا َك َما َرأَيْـتُ ُموني أ َ‬
‫ظنِّي الثبوت إال أنه قطعي الداللة على الحكم ؛ ألنه ال يحتمل تأويالً وال تخصيصاً ‪.‬‬
‫والدليل الظني قسمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬دليل ظنِّي الثبوت ‪ ،‬وهو الدليل الذي ورد إلينا بغير طريق التواتر ‪ ،‬وهو‬
‫متحقق في الحديث المشهور وخبر الواحد ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬دليل ظنِّي الداللة على الحكم ‪ ،‬وهو الدليل الذي احتمل التأويل أو‬
‫التخصيص ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنفسِّ ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} ؛ فالقرء لفظ‬
‫(‪)3‬‬

‫مشترك يحتمل التأويل على أحد معنييه ‪ :‬الطهر أو الحيض ‪ ،‬ولذا كان هذا الدليل‬
‫أو النص الكريم قطعي الثبوت لكنه ظنِّي الداللة على الحكم ‪.‬‬
‫صالَ َة ل َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ ب َفات َحة الْكتَاب} ؛ فهذا‬ ‫{الَ َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫ومن السنة ‪ :‬قوله‬
‫الدليل ظنِّي الثبوت ألنه خبر واحد ‪ ،‬وهو ظنِّي الداللة على الحكم ألنه يحتمل‬
‫التأويل على معنيين ‪ :‬نفي الصحة ( أي ال صالة صحيحة ) ‪ ،‬أو نفي الكمال ( أي‬
‫(‪)5‬‬
‫ال صالة كاملة ) ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ‪ :‬باعتبار النقل والعقل ‪:‬‬
‫تنقسم األدلة بهذا االعتبار إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬دليل نقلي ‪ ،‬وهو الدليل الذي نُقل إلينا ‪ ،‬وهو الكتاب والسنة واإلجماع‬
‫(‪ )1‬سورة النساء من اآلية ‪36‬‬
‫‪..‬‬ ‫(‪ )2‬هذا الحديث أَ ْخ َرجه البخاري والدارمي عن مالك بن الحويرث‬
‫لمسافر إذا كانوا جماعةً برقم‬
‫اجع ‪ :‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب األذان ‪ :‬باب األذان ل ُ‬ ‫يُـ َر َ‬
‫َحق باإلمامة برقم ( ‪. ) 1225‬‬
‫( ‪ ) 595‬وسنن الدارمي ‪ :‬كتاب الصالة ‪ :‬باب َمن أ َ‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث سبق تخريجه ‪.‬‬
‫اجع علم أصول الفقه لخالف ‪40 ، 39/‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫‪107‬‬
‫وقول الصحابي والعرف وشرع َمن قبلنا إ ْن نُقل إلينا نقالً صحيحاً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬دليل عقلي ‪ ،‬وهو ما يستخرجه العقل بواسطة النظر في المقدمات العقلية ‪،‬‬
‫ويتحقق ذلك في القياس والمصلحة المرسلة واالستحسان واالستصحاب وسد‬
‫الذرائع ‪.‬‬
‫وليس معنى تقسيم األدلة إلى دليل نقلي وعقلي أن ُكالا منهما أن ُكالا منهما‬
‫اآلخر ؛ ألن األدلة النقلية تحتاج إلى عمل العقل في فهمها واستنباط‬ ‫مستغن عن َ‬
‫األحكام منها ‪ ،‬وكذلك األدلة العقلية ال تُـ ْعتَبَر شرعاً إال إذا استندت إلى الدليل‬
‫العقلي ‪.‬‬
‫‪ :‬إن العقل لن يهتدي إال بالشرع ‪،‬‬ ‫وفي ذلك يقول حجة اإلسالم الغزالي‬
‫والشرع ال يتبين إال بالعقل ‪ ،‬فالعقل كاألساس ‪ ،‬والشرع كالبناء ‪ ،‬ولن يغني أساس‬
‫(‪)1‬‬
‫ما لم يكن بناء ‪ ،‬ولن يثبت بناء ما لم يكن أساس ‪.‬‬
‫التقسيم الثالث ‪ :‬باعتبار اإلجمال والتفصيل ‪:‬‬
‫تنقسم األدلة بهذا االعتبار إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أدلة إجمالية ‪ ،‬وهي األدلة الكلية التي ال تتعلق بمسألة بخصوصها وال تدل‬
‫على حكم بعينه ‪ :‬كمصادر األحكام الشرعية األربعة ( الكتاب والسنة واإلجماع‬
‫والقياس ) وما يتعلق بها أو ما يـُ ْبـنَى عليها من قواعد أصولية ‪ ،‬نحو ‪ :‬قولنا " األمر‬
‫للوجوب " ؛ فهي قاعدة أصولية تشمل جميع أوامر الشرع دون أمر بعينه ‪ ،‬وكذلك‬
‫" النهي للتحريم " ؛ فإنها تشمل جميع نواهي الشرع دون نهي بعينه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أدلة تفصيلية ‪ ،‬وهي األدلة الجزئية التي تتعلق بمسألة بخصوصها ويدل كل‬
‫َ َ ُ ْ َّ َ‬
‫ٱلصل ٰوة} ؛ فهذا دليل‬ ‫واحد منها على حكم بعينه ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى {وأقِّيموا‬
‫َ ۡ‬
‫جزئي دل على وجوب إقامة الصالة المفروضة ‪ ،‬ونحو ‪ :‬قوله تعالى { َوَّل َيغتَب‬
‫كم َب ۡعضا} ؛ فهذا دليل جزئي أو تفصيلي على حرمة الغيبة ‪.‬‬ ‫َّب ۡع ُض ُ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫اجع ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي لزكريا البري ‪ 14 ، 13/‬وأصول الفقه للخضري ‪، 207/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪208‬‬
‫(‪ )2‬سورة الحجرات من اآلية ‪12‬‬
‫اجع أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي ‪25/1‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪108‬‬
‫التقسيم الرابع ‪ :‬باعتبار الحجية وعدمها ‪:‬‬
‫الحجية معناها ‪ :‬اإللزام ووجوب االتباع ‪.‬‬
‫واألدلة بهذا االعتبار تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫والسنة ‪ ،‬واإلجماع ‪ ،‬والقياس ‪.‬‬
‫األول ‪ :‬أدلة متفق على حجيتها ‪ ،‬وهي ‪ :‬الكتاب ‪ُّ ،‬‬
‫والثاني ‪ :‬أدلة مختلَف في حجيتها ‪ ،‬وهي ‪ :‬شرع َمن قبلنا ‪ ،‬والعُرف ‪ ،‬واالستحسان ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المرسلة ‪ ،‬واالستصحاب ‪ ،‬وقول الصحابي ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬ ‫والمصلحة َ‬

‫المطلب الثاني‬
‫الكتـاب‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف الكتاب ‪:‬‬
‫الكتاب لغةً ‪ :‬يطلَق على كل كتابة ومكتوب ‪ ،‬ثم غلب في عرف أهل الشرع‬
‫(‪)2‬‬
‫على القرآن ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والقرآن لغ ًة ‪ :‬مصدر بمعنى القراءة ‪.‬‬
‫المنزل على سيدنا محمد لإلعجاز ولو بسورة‬
‫واصطالحاً ‪ :‬كالم الله تعالى َ‬
‫(‪)4‬‬
‫منه ‪ ،‬المتعبد بتالوته ‪ ،‬المنقول إلينا تواتراً ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬داللة آياته على األحكام ‪:‬‬
‫تنقسم داللة آيات القرآن الكريم على األحكام إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬نص قطعي الداللة ‪ ،‬وهو ما لم يحتمل التأويل ‪.‬‬
‫َ َ ُ ۡ ۡ ُ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َّ ۡ َ ُ َّ ُ َّ َ َ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى {ولكم ن ِّصف ما ترك أزوٰجكم إِّن لم يكن لهن ودل} ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫والثاني ‪ :‬نص ظنِّي الداللة ‪ ،‬وهو ما احتمل التأويل ‪.‬‬


‫اجع ‪ :‬أصول الفقه للخضري ‪ 208 - 205/‬وعلم أصول الفقه لخالف ‪27 - 25/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫ومباحث في األدلة المختلف عليها ‪9 - 7/‬‬
‫(‪ )2‬إرشاد الفحول ‪62/‬‬
‫(‪ )3‬الكليات ‪ 720/‬والمصباح المنير ‪502/2‬‬
‫اجع ‪ :‬المختصر في أصول الفقه ‪ 70/‬وإرشاد الفحول ‪ 62/‬والنبأ العظيم ‪14/‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )5‬سورة النساء من اآلية ‪12‬‬
‫‪109‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى { َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنفسِّ ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} ؛ فالقرء في اللغة‬
‫يطلَق على الطهر والحيض ‪.‬‬
‫أما داللة آيات القرآن من ناحية الورود ‪ :‬فجميعها قطعية الورود والثبوت والنقل ‪،‬‬
‫مخالف في ذلك من المسلمين ‪.‬‬
‫َ‬ ‫وال‬
‫ثالثاً ‪ -‬مرتبته بين األدلة ‪:‬‬
‫القرآن الكريم هو أول األدلة الشرعية ومصدرها ‪ ،‬وإليه ترجع ‪.‬‬
‫‪ :‬فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إال في‬ ‫قال اإلمام الشافعي‬
‫(‪)1‬‬
‫الدليل على سبيل الهدى فيها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كتاب الله‬
‫َ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ا ْ َ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ْ‬
‫يأيها ٱَّلِّين ءامنوا أطِّيعوا ٱَّلل وأطِّيعوا‬ ‫في قوله تعالى { َٰٓ‬ ‫وقال الفخر الرازي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َشء ف ُر يدوهُ إَل ٱ ََّّللِّ َو َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّنك ۡمۖ فإن تَ َنٰ َز ۡع ُت ۡ‬‫ول َوأ ُ ْوِل ۡٱۡلَ ۡمر م ُ‬
‫َّ ُ َ‬
‫ٱلر ُسول} ‪ :‬اعلم أن هذه‬ ‫ِّ‬ ‫ۡ‬ ‫ف‬‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٱلرس‬
‫اآلية آية شريفة مشتملة على أكثر علم أصول الفقه ؛ وذلك ألن الفقهاء زعموا أن‬
‫والسنة واإلجماع والقياس ‪...‬‬ ‫أصول الشريعة أربعة ‪ :‬الكتاب ُّ‬
‫َ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ْ‬
‫والسنة ‪ :‬فقد وقعت اإلشارة إليهما بقوله تعالى {أطِّيعوا ٱَّلل وأطِّيعوا‬ ‫أما الكتاب ُّ‬
‫ٱلر ُسول} ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وقوله تعالى { َوأ ُ ْوِل ۡٱۡلَ ۡمر م ُ‬
‫ِّنكم} أهل الحل والعقد من األمة ‪ ،‬وذلك يوجب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫القطع بأن إجماع األمة حجة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َشء ف ُر يدوهُ إَل ٱ ََّّللِّ َو َّ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى {فَإن تَ َنٰ َز ۡعتُ ۡم ِّف ۡ‬
‫ٱلر ُسول} يدل عندنا على أن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫القياس حجة ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬أنواع األحكام القرآنية ‪:‬‬
‫َ‬
‫{ َوأ ِّن‬
‫الجانب التشريعي في القرآن الكريم من أهم مقاصده ؛ قال تعالى‬
‫ۡ ُ َ ۡ َ ُ َ ا َ َ َ َّ‬
‫ٱَّلل} ‪ ،‬وأحكام القرآن وردت صريح ًة في آيات معدودة ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ٱحكم بينهم بِّما أنزل‬
‫(‪ )1‬الرسالة ‪20/‬‬
‫(‪ )2‬التفسير الكبير ‪ 251 ، 250/5‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يراجع الكتاب في ‪ :‬أصول الفقه للخضري ‪ 213 - 209/‬وعلم أصول الفقه‬
‫لخالف ‪ 41 - 28/‬وأصول الفقه ألبي زهرة ‪96 - 70/‬‬
‫(‪ )4‬سورة المائدة من اآلية ‪49‬‬
‫‪110‬‬
‫في خمسمائة آية ‪ ،‬لكن ما من آية من آيات الله تعالى‬ ‫حصرها الفخر الرازي‬
‫نقالً عن المشايخ أن سورة‬ ‫إال وفيها حكم وتوجيه ‪ ،‬ولذا قال ابن العربي‬
‫(‪)1‬‬
‫البقرة فيها ألف حكم وألف أمر وألف نهي وألف خبر ‪.‬‬
‫وقد قسم بعض المتأخرين هذه األحكام القرآنية إلى أنواع ‪ ،‬ومنهم ‪:‬‬
‫‪ ،‬والذي حصرها في ثالثة أنواع ‪:‬‬ ‫‪ -‬الشيخ عبد الوهاب خالف‬
‫األول ‪ :‬أحكام اعتقادية تتعلق بما يجب على المكلف اعتقاده في الله تعالى‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أحكام ُخلُقية تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من الفضائل وأن‬
‫يتخلى عنه من الرذائل‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أحكام عملية تتعلق بما يصدر عن المكلف من أقوال وأفعال وعقود‬
‫وتصرفات ‪..‬‬
‫أن النوع األخير هو فقه القرآن ‪ ،‬وهو المقصود إليه بعلم أصول الفقه ‪،‬‬ ‫وذكر‬
‫ثم قسم األحكام العملية إلى ‪ :‬أحكام العبادات وأحكام المعامالت ‪ ،‬وهذه تتنوع‬
‫(‪)2‬‬
‫إلى أحوال شخصية ومدنية وجنائية ومرافعات دستورية ودولية واقتصادية ومالية ‪..‬‬
‫ولكني أرى أن األحكام الْ ُخلُقية مقصودة ‪ -‬أيضاً ‪ -‬في علم األصول ؛ ألنها‬
‫َ ُ ُ ْ َ َ َّ‬
‫ٱلص ٰ ِّدقِّني} ‪ ،‬وإما‬ ‫إما اقتضاء فعل ‪ ،‬نحو ‪ :‬الصدق في قوله تعالى {وكونوا مع‬
‫(‪)3‬‬

‫َُ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ََُ ۡ‬


‫ب َمق ًتا ع‬
‫ِّند ٱَّللِّ أن تقولوا َما َّل‬ ‫اقتضاء ترك ‪ ،‬نحو ‪ :‬الكذب في قوله تعالى {ك‬
‫ُ‬
‫َت ۡف َعلون} ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫‪ ،‬والذي قسمها إلى أقسام ‪ ،‬نذكر منها ‪ :‬العبادات ‪،‬‬ ‫‪ -‬الشيخ محمد أبو زهرة‬
‫والكفارات ‪ ،‬والمعامالت ‪ ،‬واألسرة ‪ ،‬والعقوبات الزاجرة ‪ ،‬والعالقة بين الحاكم‬
‫(‪)5‬‬
‫والمحكوم ‪ ،‬ومعاملة المسلمين لغيرهم ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬أحكام القرآن البن العربي ‪ 15/1‬والمحصول ‪ 497/1‬والمستصفى ‪350/5‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )2‬علم أصول الفقه لخالف ‪ 39 - 37/‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة التوبة من اآلية ‪119‬‬
‫(‪ )4‬سورة الصف اآلية ‪3‬‬
‫اجع أصول الفقه ألبي زهرة ‪96 - 86/‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫‪111‬‬
‫وهذه التقسيمات التي ذهب إليها الشيخان الفاضالن ‪ -‬رحمهما الله ‪ -‬يمكن‬
‫ردها جميعاً إلى قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬ما كان طلباً لفعل إيجاباً كان أم ندباً ‪ ،‬أو كان طلباً لترك فعل تحريماً‬
‫كان أم كراهة ‪.‬‬
‫طلب فيه ‪ :‬كاإلباحة ‪ ،‬ونصب األسباب والشرائط والموانع‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬ما ال َ‬
‫والصحة والفساد ‪ ،‬ونحو ذلك من األحكام الوضعية الخبرية‪.‬‬
‫في‬ ‫وهذا التقسيم المختار عندي ‪ ،‬هو ما ارتضاه العز بن عبد السالم‬
‫(‪)1‬‬
‫كتابه " اإلمام " ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫السـنـة‬
‫ُّ‬
‫السنة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫السنة في اللغة ‪ :‬السيرة والعادة والطريقة المحمودة المستقيمة ‪.‬‬‫ُّ‬
‫واصطالحاً ‪ :‬عند الفقهاء ‪ :‬اسم لما شرع زيادة على الفرض والواجب ‪.‬‬
‫وعند المحدِّثين ‪ :‬كل ما أُث َر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ‪.‬‬
‫وعند األصوليين ‪ :‬ما ثبت عن النبي من قول أو فعل أو تقرير ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السنة على مقابل البدعة ‪ ،‬وتطلَق ‪ -‬أيضاً ‪ -‬على ما يقابل القرآن ‪.‬‬
‫كما تطلَق ُّ‬
‫السنة ‪ ،‬ونسبتها إلى القرآن الكريم من جهة االحتجاج بها ‪:‬‬‫ثانياً ‪ُ -‬ح ِّجيةُ ُّ‬
‫أي أن األحكام الواردة فيها ُملْزَمة وواجبة‬
‫السنة ُحجة بإجماع المسلمين ؛ ْ‬ ‫ُّ‬
‫االتباع ‪ ،‬كما أنها تُـ َعد في المرتبة الثانية من جهة االحتجاج بها والرجوع إليها في‬
‫استنباط األحكام الشرعية ‪ ،‬وال يرجع المجتهد إليها إال إذا لم يجد حكماً في‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬
‫اجع اإلمام في بيان أدلة األحكام ‪77 - 75/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 292/1‬ومختار الصحاح ‪339/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬بحوث في السنة المطهرة ‪ 45/1‬ومباحث في علوم الحديث ‪13 ، 12/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪112‬‬
‫عندما أ َْر َسله النبي إلى اليَ َمن قاضياً وسأله‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬حديث معاذ‬
‫{ب َم تَـ ْقضي} قال ‪ ":‬بكتَاب الله " ‪ ،‬قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال ‪ ":‬ب ُ‬
‫سنة َر ُسول‬
‫ض َرب رسول الله‬ ‫َجتَه ُد َرأْيي َوالَ آلُو} ‪ ،‬ف َ‬‫الله " ‪ ،‬قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال {أ ْ‬
‫ول‬
‫ول َر ُسول الله ل َما يـُ ْرضي َر ُس َ‬ ‫ص ْدره وقال {ال َ‬
‫ْح ْم ُد لله الذي َوف َق َر ُس َ‬ ‫على َ‬
‫الله} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫السنة من القرآن الكريم باعتبار ما ورد فيها من األحكام ‪:‬‬ ‫ثالثاً ‪ -‬منزلة ُّ‬
‫السنة مع الكتاب ‪ -‬من حيث داللتها على ما فيها‬ ‫أن ُّ‬ ‫ذكر اإلمام الشافعي‬
‫من األحكام ‪ -‬ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫مقررة ومؤِّكدة ل ُح ْكم‬ ‫النوع األول ‪ُ :‬سنة موافقة له من حيث اإلجمال والبيان ‪ ،‬فهي ِّ‬
‫ورد في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ادة أَ ْن الَ إلَهَ إال اللهُ َوأَن‬ ‫نَ ْحو ‪ :‬حديث {بُن َي اإل ْسالَ ُم َعلَى َخ ْمس ‪َ :‬ش َه َ‬
‫ضا َن ‪َ ،‬و َح ِّج الْبَـ ْيت‬ ‫ص ْوم َرَم َ‬
‫ول الله ‪َ ،‬وإقَام الصالَة ‪َ ،‬وإيْـتَاء الزَكاة ‪َ ،‬و َ‬ ‫ُم َحمداً َر ُس ُ‬
‫َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َّ َٰ‬
‫اع إلَْيه َسبيال} مع قوله تعالى {وأقِّيموا ٱلصلوة وءاتوا ٱلزكوة} وقوله‬
‫(‪)2‬‬
‫استَطَ ََ‬ ‫ل َمن ْ‬
‫َّ َ َ‬ ‫امنُوا ْ ُكت َ َ َ ُ‬ ‫يأ يي َها َّٱَّل َ‬
‫ٱلص َيام} وقوله تعالى { َو َِّّللِّ لَع ٱنلَّ ِّ‬ ‫ب عل ۡيك ُم ِّ‬
‫ِّين َء َ‬ ‫تعالى { َ َٰٓ‬
‫(‪)3‬‬
‫اس‬ ‫ِّ‬
‫ۡ ََ َ َ‬ ‫ۡ‬
‫اع إَِّلۡهِّ َسبِّيَل} ؛ من حيث الداللة على وجوب كل من‬ ‫ت َم ِّن ٱستط‬ ‫ح يِّج ٱۡلَ ۡي ِّ‬
‫(‪)4‬‬

‫الصالة والزكاة والصوم والحج مع عدم بيان كيفيتها ‪.‬‬


‫النوع الثاني ‪ُ :‬سنة ُمبَـيِّـنَة للقرآن ‪.‬‬
‫ولها صور ‪:‬‬
‫صلَة لمحمل القرآن ‪.‬‬ ‫األولى ‪ُ :‬سنة ُم َف ِّ‬
‫كيف يَـ ْقضي‬‫(‪ )1‬أَ ْخ َر َجه الترمذي في كتاب األحكام َع ْن رسول الله ‪ :‬باب ما جاء في القاضي ْ‬
‫برقم ( ‪ ) 1249‬وأبو داود في كتاب األقضية ‪ :‬باب اجتهاد الرأي في القضاء برقم ( ‪) 3119‬‬
‫وأحمد في ُم ْسنَد األنصار برقم ( ‪. ) 21000‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب اإليمان ‪ :‬باب بُني اإلسالم على خمس برقم ( ‪) 7‬‬
‫ومسلم في كتاب اإليمان ‪ :‬باب بيان أركان اإلسالم ودعائمه العظام برقم ( ‪ ) 21‬والترمذي في‬
‫كتاب اإليمان عن رسول الله ‪ :‬باب ما جاء بُني اإلسالم على خمس برقم ( ‪. ) 1249‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة من اآلية ‪183‬‬
‫(‪ )4‬سورة آل عمران من اآلية ‪97‬‬
‫‪113‬‬
‫السنة العملية في كيفية الصالة ومناسك الحج ‪ ،‬وكذا تحديد نصاب‬ ‫نَ ْحو ‪ُّ :‬‬
‫الزكاة وصحيح البيع وفاسده وانواع الربا ‪.‬‬
‫صة لعموم القرآن ‪.‬‬ ‫صَ‬‫الثانية ‪ُ :‬سنة ُم َخ ِّ‬
‫{الْ َقات ُل الَ يَرث} ؛ فهو‬
‫(‪)1‬‬
‫مثالها ‪ :‬منع القاتل من الميراث في قوله‬
‫ۡ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َّ ُ َ َ ُ‬
‫َّلل ِّفا أ ۡولٰدِّك ۡمۖ ل َِّّذلكرِّ م ِّۡث ُل َح ِّظ ٱۡلنثيَ ۡني} ‪.‬‬ ‫صص لقوله تعالى {يُ ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وصيكم ٱ‬ ‫ُم َخ ِّ‬
‫الثالثة ‪ُ :‬سنة ُم َقيِّ َدة لمطلَق القرآن ‪.‬‬
‫ث‪،‬‬ ‫{الثُّـلُ ُ‬ ‫مثالها ‪ :‬تقييد الوصية بالثلث في حديث سعد بن أبي وقاص‬
‫َا‬
‫ث َكثير} ؛ فقد قيد مطلَق الوصية في قوله تعالى { ِّم ۢن َبع ِّد َو ِّ‬
‫ص َّية يُ ِّ‬ ‫ۡ‬ ‫(‪)3‬‬
‫وِص بِّها‬ ‫َوالثُّـلُ ُ‬
‫َ‬
‫أ ۡو َديۡن} بعدم الزيادة على ثلث التركة ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫الرابعة ‪ُ :‬سنة ناسخة للقرآن ‪.‬‬


‫ب َعلَ ۡي ُ‬ ‫مثالها ‪ :‬حديث {ال وصية لوارث}(‪ )5‬؛ فإنه ناسخ لقوله تعالى { ُكتِّ َ‬
‫ك ۡم‬ ‫ََ َ َ‬
‫َ َ َ َ ۡ ً ۡ َ َّ ُ ۡ َ ٰ َ ۡ َ ۡ َ َۡ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ ُ ۡ‬
‫ك ُم ٱل َم ۡو ُت إِّن ترك خريا ٱلو ِّصية ل ِّلو ِّدلي ِّن وٱۡلقربِّني ‪ }...‬اآلية ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫إِّذا حَض أحد‬
‫‪،‬‬ ‫والقول بنسخ الحديث لحكم اآلية الكريمة ورد عن جماعة من الصحابة‬
‫وهو الصحيح من اقوال العلماء ‪.‬‬
‫َ‬ ‫جال نَص ‪ٞ‬‬
‫يب م َِّّما ت َر َك‬ ‫‪ :‬إنها نسخت بقوله تعالى {ل َ‬ ‫وقال ابن عباس‬
‫ِّلر ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫ۡ َۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱل َو ٰ ِّ َدل ِّان َوٱۡلق َربُون ‪ }...‬اآلية ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الفرائض عن رسول الله ‪ :‬باب ما جاء في إبطال‬
‫ميراث القاتل برقم ( ‪ ) 2035‬وابن ماجه في كتاب الديات ‪ :‬باب القاتل ال يرث برقم ( ‪) 2635‬‬
‫‪.‬‬ ‫عن أبي هريرة‬
‫(‪ )2‬سورة النساء من اآلية ‪11‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الوصايا ‪ :‬باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن‬
‫يتكففوا الناس برقم ( ‪ ) 2537‬ومسلم في كتاب الوصية ‪ :‬باب الوصية بالثلث برقم ( ‪. ) 3076‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء من اآلية ‪11‬‬
‫(‪ )5‬هذا الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الوصايا عن رسول الله ‪ :‬باب ما جاء ال وصيةَ‬
‫لوارث برقم ( ‪ ) 2046‬وأبو داود في كتاب الوصايا ‪ :‬باب ما جاء في الوصية للوارث برقم‬
‫‪.‬‬ ‫( ‪ ) 2486‬عن أبي أمامة الباهلي‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة من اآلية ‪180‬‬
‫(‪ )7‬سورة النساء من اآلية ‪7‬‬
‫‪114‬‬
‫وفيها أقوال غير ذلك ال يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ُ :‬سنة واردة بأحكام سكت عنها القرآن ‪.‬‬
‫ْح ُمر األهلية وكل ذي ناب ‪ ،‬وتحريم لبس الذهب والحرير‬ ‫مثالها ‪ :‬تحريم ال ُ‬
‫على الرجال ‪ ،‬وصدقة الفطر ‪ ،‬ووجوب الدية على العاقلة ‪ ،‬وتوريث الجدة ‪،‬‬
‫وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ‪ ،‬وتشريع الشفعة والرهن في الحضر ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ووجوب الكفارة في جماع رمضان ‪.‬‬
‫السنة باعتبار سندها ‪:‬‬ ‫رابعاً ‪ -‬أقسام ُّ‬
‫تنقسم السنة باعتبار سندها عند الجمهور إلى قسمين ‪:‬‬
‫َج ْم ٌع أحالت العادة أن‬ ‫القسم األول ‪ :‬المتواتر ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما رواه عن النبي‬
‫يتواطؤوا على الكذب ‪ ،‬حتى وصل إلينا ‪.‬‬
‫وهو قسمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬متواتر لفظي ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما اشترك عدد رواته في لفظ بعينه ‪.‬‬
‫ب َعلَي ُمتَـ َع ِّمداً فَـلْيَتَبَـوأْ َم َق َع َدهُ م َن النار} ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬حديث { َم ْن َك َذ َ‬
‫(‪)2‬‬

‫الثاني ‪ :‬متواتر معنوي ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما تغايرت فيه األلفاظ مع االشتراك في معنى كلِّي ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أن رسول الله قال‬ ‫مثاله ‪ :‬حديث الحوض ‪ ،‬وم ْنه ما رواه أبو هريرة‬
‫ضةٌ م ْن ريَاض الْ َجنة ‪َ ،‬وم ْنبَري َعلَى َح ْوضي} ‪.‬‬ ‫{ َما بَـ ْي َن بَـ ْيتي َوم ْنبَري َرْو َ‬
‫(‪)4‬‬

‫واحد أو اثنان أو جمع لم‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬اآلحاد ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما رواه عن النبي‬
‫يبلغ حد التواتر ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬الرسالة ‪ 115 - 91/‬وحجية السنة ‪ 499 - 495/‬وأصول الفقه اإلسالمي‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫لزكريا البري ‪ 43 ، 42/‬وأصول الفقه اإلسالمي للزحيلي ‪464 - 460/1‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 32/‬برقم ( ‪ ) 89‬ومختصر صحيح مسلم ‪ 487/‬برقم‬ ‫يُـ َر َ‬
‫( ‪. ) 1861‬‬
‫اجع نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ‪238 - 236/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬صحيح البخاري برقم ( ‪ ) 1888‬وصحيح مسلم برقم ( ‪. ) 502‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪115‬‬
‫وهو قسمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬المشهور ( المستفيض ) ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما رواه بعد الراوي األول جمع من الرواة‬
‫بلغوا حد التواتر عن مثلهم حتى وصل إلينا ‪.‬‬
‫ال بالنـِّيات} ‪.‬‬‫مثاله ‪ :‬حديث {إن َما األَ ْع َم ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫الثاني ‪ :‬خبر الواحد ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما رواه عن الراوي األول راو واحد أو اثنان أو جمع‬
‫لم يبلغ حد التواتر ‪.‬‬
‫السنة باعتبار سندها عند الجمهور ‪.‬‬ ‫هذا تقسيم ُّ‬
‫أما الحنفية ‪ :‬فإنهم قسموها بنفس االعتبار إلى ثالثة أقسام ‪ :‬متواتر ومشهور‬
‫يرى أن المشهور من المتواتر ‪.‬‬ ‫وآحاد ‪ ،‬وإن كان الجصاص‬
‫واتفق جمهور العلماء على أن جاحد المتواتر كافر ‪ ،‬وجاحد المشهور مختلَف‬
‫فيه ‪ ،‬وجاحد اآلحاد ال يكفر عند األكثرين ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬قطعية السنة وظنيتها ‪:‬‬
‫السنة من جهة ورودها إلينا قد تكون قطعيةً وقد تكون ظنِّـيةً ‪ ،‬فإذا كانت متواترةً‬
‫فهي قطعية ‪ ،‬وكذلك المشهورة من بداية جمع الرواة الذي بلغ حد التواتر ‪ ،‬أما ما‬
‫قبله فهي ظنية الورود ‪ ،‬وتكون ظنية الورود في خبر اآلحاد ‪.‬‬
‫أما من جهة داللتها على األحكام ‪ :‬فإنها تكون قطعيةً إذا كان نصها ال يحتمل‬
‫(‪)2‬‬
‫التأويل ‪ ،‬وقد تكون ظنِّـيةً إذا كان نصها يحتمل التأويل ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫اإلجـ ـ ـ ـم ـ ـ ـاع‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف اإلجماع ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلجماع لغةً ‪ :‬العزم التام على الشيء ‪ ،‬كما يطلق على االتفاق ‪.‬‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري برقم ( ‪ ) 50‬ومختصر صحيح مسلم برقم ( ‪. ) 1080‬‬‫يُـ َر َ‬
‫اجع السنة في ‪ :‬روضة الناظر ‪ 115 - 82/‬وفواتح الرحموت ‪ 128 - 96/2‬وحاشية‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫البناني ‪ 61 - 3/2‬وحاشية نسمات األسحار ‪ 191 - 176/‬وإرشاد الفحول ‪46 - 33/‬‬
‫اجع الكليات ‪42/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪116‬‬
‫بعد وفاته‬ ‫واصطالحاً ( الراجح عندي ) ‪ :‬اتفاق المجتهدين من أمة محمد‬
‫في عصر من العصور على حكم شرعي ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ُ -‬ح ِّجية اإلجماع ‪:‬‬


‫اتفق العلماء على أن اإلجماع ممكن في نفسه ‪ ،‬واالطالع عليه والعمل به ‪،‬‬
‫واإلمامية ‪.‬‬ ‫وأنه ُحجة شرعية ‪ ،‬ولم يخالف في ذلك إال النظام‬
‫وجمهور العلماء على أنه حجة قطعية في الصريح ‪ ،‬وحجة ظنية في السكوتي ‪.‬‬
‫وإجماع الصحابة حجة باإلجماع إال عند قوم من المبتدعة ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫أما إجماع أهل المدينة ‪ :‬فهو حجة عند اإلمام مالك‬
‫ثالثاً ‪ -‬أنواع اإلجماع ‪:‬‬
‫اإلجماع نوعان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬صريح ‪ ،‬وهو ‪ :‬اتفاق جميع المجتهدين في عصر على الواقعة بعد وفاة النبي‬
‫اتفاقاً صريحاً ‪.‬‬
‫وهذا النوع حجة باإلجماع ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬سكوتي ‪ ،‬وهو ‪ :‬إبداء بعض المجتهدين رأيهم في واقعة بعد عصر النُّبُـوة‬
‫اآلخر ‪.‬‬
‫وسكوت البعض َ‬
‫واختلفوا في حجية هذا النوع ‪ :‬فالجمهور على أنه ليس ُحجةً ‪ ،‬والحنفية قالوا ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إنه ُحجة ‪.‬‬

‫المطلب الخامس‬
‫القيـاس‬

‫أوالً ‪ -‬تعريف القياس ‪:‬‬


‫القياس لغةً ‪ :‬المساواة والتقدير ‪.‬‬
‫اجع اإلجماع في ‪ :‬المحصول ‪ 98 - 3/2‬واإلبهاج ‪ 90 - 65/2‬ونشر البنود ‪- 74/2‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪ 97‬وشرح طلعة الشمس ‪ 90 - 65/2‬وتقريب الوصول ‪133 - 129/‬‬
‫‪117‬‬
‫(‪)1‬‬
‫) ‪ :‬مساواة فرع ألصل في علة حكمه ‪.‬‬ ‫واصطالحاً (عند ابن الحاجب‬
‫والقياس إظهار لحكم الله تعالى في هذه الواقعة التي لم يَر ْد فيها نص ويتوصل‬
‫إليه المجتهد على ما يغلب على ظنه ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ُ -‬ح ِّجيةُ القياس ومرتبته بين األدلة ‪:‬‬
‫القياس ُحجة ‪ ،‬وواجب العمل به في األمور الدنيوية ‪.‬‬
‫وأما القياس الشرعي ‪ :‬فإنه كذلك عند كافة األئمة والعلماء ‪ ،‬إال َمن شذ‬
‫‪.‬‬ ‫وبعض المعتزلة وداود الظاهري‬ ‫كالنظام‬
‫والقياس يأتي في المرتبة الرابعة من األدلة الشرعية بعد الكتاب والسنة واإلجماع ‪،‬‬
‫واألكثرون قالوا ‪ :‬إنه قطعي الداللة على الحكم ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬أركان القياس ‪:‬‬
‫أركان القياس أربعة ‪ :‬أصل ‪ ،‬وفرع ‪ ،‬وحكم أصل ‪ ،‬وعلة ‪.‬‬
‫ويمكن توضيح أركان القياس من خالل هذا المثال التطبيقي ‪ :‬وهو قياس ضرب‬
‫الوالدين على التأفيف ؛ فاألصل هو التأفيف ‪ ،‬والفرع هو الضرب ‪ ،‬وحكم األصل‬
‫هو التحريم أو الحرمة ‪ ،‬والعلة هي اإليذاء ‪ ،‬وحيث إن العلة متحققة في الفرع فإنا‬
‫ننقل حكم األصل ( التحريم أو الحرمة ) إلى الفرع ( وهو الضرب ) ليصبح حكم‬
‫ضرب الوالدين هو الحرمة قياساً على تحريم التأفيف في حقهما ‪ ،‬بل الحرمة فيه‬
‫من باب أَ ْولى ‪.‬‬
‫والتوصل إلى حكم الفرع بالقياس هو ثمرة القياس ونتيجته ‪ ،‬ولذا فال يُـ َعد ركناً‬
‫من أركان القياس ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬شروط حكم األصل ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون حكماً شرعياً ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال يكون ثابتاً بقياس ‪ ،‬أي أن يكون ثابتاً بالنص كتاباً أو ُسنةً ‪..‬‬
‫واختلفوا فيما إذا ثبت باإلجماع ‪ :‬فمنهم َمن أجاز القياس عليه ‪ ،‬ومنهم َمن‬
‫منعه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مختصر المنتهى مع بيان المختصر ‪5/3‬‬
‫‪118‬‬
‫‪ -3‬أن يكون شامالً لحكم الفرع ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون حكم األصل غير مختص به ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن ال يكون منسوخاً ‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬شروط الفرع ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون علة الحكم في األصل موجودةً فيه ولو ظناً ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال يتقدم الفرع في الثبوت على األصل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال يتناوله دليل األصل ‪.‬‬
‫سادساً ‪ -‬شروط العلة ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫العلة لغةً ‪ :‬المرض ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬الوصف الظاهر المنضبط ‪ ،‬الذي بُني عليه الْ ُح ْكم ‪،‬‬
‫وربط به وجوداً وعدماً ‪.‬ويشترط فيها ما يلي ‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -1‬أن تكون وصفاً ظاهراً ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون وصفاً منضبطاً ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكون وصفاً مناسباً للحكم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تكون وصفاً متعدياً ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تكون معتبَرًة شرعاً وغير ملغاة ‪.‬‬
‫سابعاً ‪ -‬أقسام القياس ‪:‬‬
‫ينقسم القياس إلى تقسيمين ‪ :‬باعتبار القوة ‪ ،‬وباعتبار العلة ‪.‬‬
‫أقسام القياس باعتبار القوة ‪:‬‬
‫ينقسم القياس باعتبار القوة إلى قسمين ‪ :‬قياس جلي ‪ ،‬وقياس خفي ‪.‬‬
‫القياس الجلي ( وسماه البعض ‪ :‬قياساً في معنى األصل ) ‪ :‬هو ما عُلم فيه‬
‫بنفي الفارق بين األصل والفرع قطعاً ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬قياس األ ََمة على العبد في أحكام العتق ‪ ،‬فإنا نعلم أن الذكورة واألنوثة‬
‫غير معتبَرة قطعاً في أحكام العتق ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مختار الصحاح ‪475/‬‬
‫‪119‬‬
‫والقياس الخفي ‪ :‬هو ما كان نفي الفارق فيه بين األصل والفرع مظنوناً ( العلة‬
‫فيه مستنبطة ) ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬قياس النبيذ على الخمر في الحرمة ؛ إذ ال يمتنع أن تكون خصوصية‬
‫الخمر معتبَرًة ‪ ،‬ولذلك ا ْختُلف فيه ‪.‬‬
‫أقسام القياس باعتبار العلة ‪:‬‬
‫ينقسم القياس باعتبار العلة إلى قسمين ‪ :‬قياس العلة ‪ ،‬وقياس الداللة ‪.‬‬
‫ص ِّرح فيه بالعلة ‪.‬‬ ‫قياس العلة ‪ :‬هو ما ُ‬
‫مثاله ‪ :‬النبيذ مسكر فيحرم كالخمر ‪.‬‬
‫وقياس الداللة ( وسماه البعض ‪ :‬قياس الشبَه ) ‪ :‬هو ما لم تُ ْذ َك ْر فيه العلة ؛‬
‫صف مالزم لها ‪.‬‬ ‫وإنما َو ْ‬
‫مثاله ‪ :‬لو علل قياس النبيذ على الخمر برائحته المشتدة ‪.‬‬
‫أما قياس العكس ‪ :‬فهو إثبات نقيض الحكم في غيره ؛ الفتراقهما في علة‬
‫الحكم ‪.‬‬
‫ص َدقَة} قالوا ‪ ":‬يَا َر ُس َ‬
‫ول الله ‪ ..‬يَأْتي‬ ‫َحد ُك ْم َ‬ ‫ضع أ َ‬ ‫{ َوفي بُ ْ‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله‬
‫ض َع َها في َح َرام} يعني أكان يعاقَب ؟‬ ‫أَ َح ُدنَا َش ْه َوتَهُ َويـُ ْؤ َجر ؟ " قال {أ ََرأَيْـتُ ْم لَ ْو َو َ‬
‫قالوا ‪ ":‬نعم " قال {فَ َمه} ‪ ،‬وهنا ثبت نقيض حكم وطء الزوجة ( وهو مباح )‬
‫(‪)1‬‬

‫وهو اإلثم في غيره وهو الزنا ؛ الفتراقهما في علة الحكم ‪ :‬وهو كون هذا مباحاً‬
‫وهذا حراماً ‪.‬‬
‫ثامناً ‪ -‬ما ال يجرى فيه القياس ‪:‬‬
‫ال يجري القياس في أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬التعبديات ‪ ،‬وهي العبادات التي لم نقف على علة تشريعها ‪ ،‬ولذا ال يقاس‬
‫عليها سواء كانت في العبادات أم غيرها ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الطواف بالبيت سبعاً ‪ ،‬وتقبيل الحجر األسود ‪ ،‬ورمي الجمار ‪ ،‬وكذلك‬
‫العدة والكفارات والحدود ‪.‬‬
‫اجع مختصر صحيح مسلم ‪ 148/‬برقم ( ‪. ) 545‬‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫‪120‬‬
‫‪ -2‬األصل المعلل بعلة قاصرة ال تتعداه إلى غيره ‪.‬‬
‫بشهادة رجلين ‪.‬‬ ‫مثاله ‪َ :‬ج ْعل النبي شهادةَ خزيمة بن ثابت‬
‫‪ -3‬خصوصيات النبي ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشعر في حقه ‪.‬‬‫مثاله ‪ :‬زواجه بأكثر من أربع نسوة ‪ ،‬وتحريم ِّ‬
‫أثر القياس في األحكام ‪:‬‬
‫مما تفرع على القياس ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز التداوي بغير أبوال اإلبل من النجاسات ‪ ،‬وفيه وجهان أصحهما الجواز‬
‫ما عدا الخمر الصرف ‪.‬‬
‫وأصل الخالف ‪ :‬أنه أمر العرنيين ‪ -‬لَما قدموا المدينة فمرضوا فيها ‪ -‬أن‬
‫وص ُّحوا ‪ ،‬وشربهم لألبوال رخصة جواز ألجل‬
‫يشربوا من ألبان اإلبل وأبوالها فشربوا َ‬
‫التداوي عند القائلين بالنجاسة ‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا فرعنا على جواز الصوم عن الميت لورود الحديث الصحيح ‪ -‬وإن كانت‬
‫القاعدة امتناع النيابة في األفعال البدنية ‪ -‬فإن الصحيح أن ذلك ال يتعدى إلى‬
‫(‪)2‬‬
‫الصالة واالعتكاف ‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع القياس في ‪ :‬المستصفى ‪ 345 - 325/2‬والمحصول ‪385 - 236/2‬‬


‫والتلويح مع شرح التوضيح ‪ 90 - 52/2‬وروضة الناظر ‪ 305 - 247/‬وبيان المختصر‬
‫‪ 170 - 5/3‬وأصول الفقه ألبي زهرة ‪ 233 - 204/‬وإرشاد الفحول ‪223 - 198/‬‬
‫وأصول الفقه للخضري ‪339 - 288/‬‬
‫(‪ )2‬التمهيد لإلسنوي ‪ - 463/‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫المبحث السابع‬
‫األدلة المختلَف فيها‬

‫المطلب األول‬
‫شرع َمن قبلنا‬

‫المراد بشرع من قبلنا ‪ :‬األحكام العملية التي شرعها الله تعالى في حق األمم‬
‫السابقة على لسان رسله قبل سيدنا محمد عليهم الصالة والسالم ‪.‬‬
‫وشرع َمن قبلنا يَرد إلينا من أحد طرق أربعة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الكتب السابقة كالتوراة واإلنجيل ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أتباع الشرائع السابقة ‪ ،‬وعلماؤهم الذين لم يُ ْسل ُموا ‪.‬‬
‫وهذان الطريقان ال يـُ ْعتَبَـ َران ُحجةً ؛ ألن التحريف والتبديل ثابت فيهما بقوله‬
‫ۡ َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫َُ ُ َ ۡ َ‬
‫اضعِّه} وقوله تعالى {ِإَون م ِّۡن ُه ۡم لفرِّيقا يَل ُوۥن‬ ‫تعالى {َيرِّفون ٱلَك َِّم عن م َو ِّ‬
‫َ َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫َّ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُ َ ۡ َٰ َ َ ُ َ َ ۡ َ‬ ‫َۡ ََُ ۡ َ‬


‫ب َو َيقولون ُه َو م ِّۡن عِّن ِّد ٱَّللِّ َو َما‬‫ِّ‬ ‫ٰ‬ ‫ِّت‬
‫ك‬ ‫ٱل‬ ‫ِّن‬‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ا‬‫م‬‫و‬ ‫ب‬
‫ِّ‬ ‫ِّت‬
‫ك‬ ‫ٱل‬ ‫ِّن‬‫م‬ ‫وه‬ ‫ب‬ ‫س‬‫ح‬ ‫ۡلِّ‬ ‫ب‬ ‫ٰ‬
‫ألسِّنتهم بِّٱلك ِّ‬
‫ِّت‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ َ َ َّ ۡ َ‬
‫ٱَّللِّ ٱلكذ َِّب َو ُه ۡم َي ۡعل ُمون} ‪.‬‬ ‫ُه َو م ِّۡن عِّن ِّد ٱَّللِّ ويقولون لَع‬
‫(‪)2‬‬

‫الثالث ‪ :‬أتباع الشرائع السابقة الذين أسلموا ‪ ،‬ومنهم عبد الله بن سالم وكعب األحبار ‪،‬‬
‫والجمهور على أن ما نُقل عن هؤالء العلماء ال يـُ ْعتَد به ؛ ألنه في حكم خبر اآلحاد ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن تَرد هذه األحكام في الكتاب أو السنة ‪..‬‬
‫وهذا الطريق يأخذ صورًة من ثالث ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن يرد ما يدل على نسخ الحكم المشروع في حق من قبلنا ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬تحليل الغنائم المحرمة على َمن قبلنا في قوله { َوأُحل ْ‬
‫ت ل َي الْغَنَائ ُم ‪،‬‬
‫َحد قَـ ْبلي} ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َولَ ْم تَحل أل َ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء من اآلية ‪46‬‬
‫(‪ )2‬سورة آل عمران اآلية ‪78‬‬
‫=‬ ‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫‪122‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يَرد في شريعتنا ما يدل على إقرار هذا الحكم المشروع في حق من قبلنا ‪..‬‬
‫َ َٰٓ َ ي َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ۡ ُ‬
‫ك ُم ٱلص َي ُ‬
‫ام‬ ‫ِّ‬ ‫مثاله ‪ :‬تشريع الصيام في قوله تعالى {يأيها ٱَّلِّين ءامنوا كتِّب علي‬
‫َ ۡ ُ ۡ َ َ َّ ُ‬ ‫لَع َّٱَّل َ‬‫َ َ ُ َ ََ‬
‫ك ۡم َت َّت ُقون} ‪.‬‬ ‫ِّين مِّن قبل ِّكم لعل‬ ‫كما كتِّب‬
‫الثالثة ‪ :‬أن يَرد الحكم المشروع في حق َمن قبلنا في الكتاب أو السنة ‪ ،‬بغيرما‬
‫نسخ أو إقرار ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ََۡۡ َۡۡ‬ ‫َّ ۡ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ۡ َ ا َّ َّ ۡ َ‬
‫ني َوٱۡلنف‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعالى {وكتبنا علي ِّهم فِّيها أن ٱنلفس بِّٱنلف ِّس وٱلعني بِّٱلع ِّ‬
‫َ ُُۡ َ ُۡ‬ ‫َۡ‬
‫وح ق َِّصاص} ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ٱۡل ُذ ِّن َوٱلس َِّّن بٱلسِّن َو ۡ ُ‬
‫ٱۡل ُر َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ذ‬ ‫ٱۡل‬‫و‬ ‫نف‬
‫ِّ‬ ‫بِّٱۡل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وهذه الصورة هي محل الخالف بين األصوليين ‪ ،‬على ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫المذهب األول ‪ :‬أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ‪.‬‬
‫المذهب الثاني ‪ :‬أنه ليس شرعا لنا ما لم يدل دليل على بقائه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المذهب الثالث ‪ :‬التوقف ‪.‬‬
‫أثر شرع َمن قبلنا في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على شرع َمن قبلنا ‪ :‬ما لو حلف ليضربن زيداً مائة خشبة فضربه‬
‫لَما حلف ليضربن زوجته‬ ‫بالعثكال ونحوه فإنه يبر ؛ لقوله تعالى أليوب‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ۡ‬
‫ٱۡضب بِّهِّۦ َوَّل َتۡنَث} ‪ ،‬والضغث هو الشماريخ القائمة على‬ ‫{وخذ بِّيدِّك ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ضغثا ف ِّ‬
‫الساق الواحد ‪ ،‬وهو المسمى بالعثكال ‪..‬‬
‫في كتاب اإليمان ‪ :‬اتفق العلماء على أن هذه اآلية‬ ‫قال إمام الحرمين‬
‫(‪)4‬‬
‫معمول بها في ملتنا ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 47/‬برقم ( ‪ ) 217‬ومختصر صحيح مسلم ‪ 75/‬برقم‬ ‫= يُـ َر َ‬
‫( ‪. ) 257‬‬
‫(‪ )1‬سورة المائدة من اآلية ‪45‬‬
‫(‪ )2‬يراجع شرع َمن قبلنا في ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 129 - 121/4‬وجمع الجوامع مع شرح المحلي‬
‫مع البناني ‪ 353 ، 352/2‬والبحر المحيط ‪ 71 - 41/6‬وشرح مختصر الروضة ‪- 169/3‬‬
‫‪ 184‬وشرح طلعة الشمس ‪ 65 - 63/2‬وبيان المختصر ‪ 273 - 267/3‬ومباحث في‬
‫األدلة المختلف فيها ‪36 - 13/‬‬
‫(‪ )3‬سورة ص من اآلية ‪44‬‬
‫(‪ )4‬التمهيد لإلسنوي ‪442 ، 441/‬‬
‫‪123‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫قول الصحابي‬

‫مؤمناً ومات على اإلسالم ‪.‬‬ ‫الصحابي هو ‪ :‬من لقي النبي‬


‫طُُرق معرفة الصحبة ‪:‬‬
‫الصحبة تُـ ْع َرف من أحد طُُرق أربعة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬التواتر ‪ ،‬كما هو الحال في حق الخلفاء الراشدين وغيرهم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬االستفاضة والشهرة التي لم تبلغ حد التواتر ‪ ،‬كما هو الحال في حق أهل‬
‫بدر ‪ ،‬أو كونه من المهاجرين أو األنصار ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬النقل الصحيح عن أحد الصحابة أن فالناً صحابي ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬اإلخبار عن نفسه ‪ ،‬والراجح هو قبول إخبار الصحابي عن نفسه بشرف‬
‫الصحبة ‪.‬‬
‫تحرير محل النزاع في قول الصحابي ‪:‬‬
‫يمكن تقسيم ما يصدر عن الصحابي أقساماً أربعةً ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ما يضاف إلى زمن النبي ‪.‬‬
‫صغير‬
‫َع ْن ُك ِّل َ‬ ‫ج َزَكا َة الْ َفطْر َعلَى َع ْهد َر ُسول الله‬
‫نَ ْحو ‪ :‬قولهم ‪ُ :‬كنا نُ ْخر ُ‬
‫صاعاً م ْن َشعير أَ ْو َ‬
‫صاعاً‬ ‫صاعاً م ْن أَقط أَ ْو َ‬
‫صاعاً م ْن طَ َعام أَ ْو َ‬ ‫َوَكبير َو ُح ٍّر َوَم ْملُوك َ‬
‫(‪)1‬‬
‫صاعاً م ْن َزبيب ‪.‬‬ ‫م ْن تَ ْمر أَ ْو َ‬
‫وهذا القول حجة باإلجماع ؛ ألنه يُـ َعد ُسنةً عن رسول الله رواها الصحابي ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬قول الصحابي الذي انتشر بين الصحابة ولم يـُ ْعلَ ْم له مخالف منهم ‪.‬‬
‫ويُـ َعد هذا القول من قبيل اإلجماع السكوتي عند الجمهور ‪ ،‬ولم يعتبره اإلمام‬
‫‪.‬‬ ‫الشافعي‬
‫الثالث ‪ :‬قول الصحابي الذي عُلم له مخالف من الصحابة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الشيخان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح البخاري ‪ 187/‬برقم ( ‪ ) 726‬ومختصر صحيح مسلم ‪142/‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫برقم ( ‪. ) 521‬‬
‫‪124‬‬
‫ومن بعدهم أن يُ ْحدثُوا قوالً يخالف قول الصحابي ؟‬ ‫فهل يجوز للتابعين َ‬
‫وجوز ذلك الظاهرية ‪.‬‬
‫يجوزون إحداث قول يخالف قول الصحابة ‪َ ،‬‬ ‫الجمهور ال ِّ‬
‫وفرق قوم بين قول جديد يرفع األقوال فال يجوز ‪ ،‬وقول ال يرفعها فيجوز بل‬
‫يتفق مع أحدها ‪.‬‬
‫في فسخ النكاح للعيوب التي تمنع االستمتاع ‪:‬‬ ‫مثاله ‪ :‬اختالف الصحابة‬
‫‪ -‬إلى جواز‬ ‫كالرتق والقرن ‪ ،‬فذهب بعضهم ‪ -‬منهم عمر وابنه وابن عباس‬
‫‪ -‬إلى‬ ‫آخر ‪ -‬منهم علي وابن مسعود‬ ‫فسخ النكاح لذلك ‪ ،‬وذهب بعض َ‬
‫عدم جواز الفسخ ‪ ،‬فلو ظهر قول للتابعين وَمن بعدهم بجواز الفسخ لبعض‬
‫غير خارج عن أقوال الصحابة ‪.‬‬ ‫اآلخر كان قوالً َ‬
‫العيوب وعدم الجواز للبعض َ‬
‫في ميراث الجد مع األخوة ‪ :‬فجعله أبو بكر‬ ‫وكذلك اختالف الصحابة‬
‫أنه يقاسمهم في‬ ‫وابن عباس كاألب فيحجبهم ‪ ،‬ورأى عمر وعلي وغيرهما‬
‫ومن بعدهم أن يَخرجوا عن هذين‬ ‫الميراث التحاد درجتهم ‪ ،‬فال يجوز للتابعين َ‬
‫القولين بإحداث رأي بعدم ميراث الجد مع األخوة ‪.‬‬
‫ولم‬ ‫الرابع ‪ :‬قول الصحابي الصادر عن رأيه واجتهاده بغير نسبة إلى النبي‬
‫ينتشر هذا القول بين الصحابة ‪.‬‬
‫وهذا هو محل النزاع ‪.‬‬
‫آخر ‪ ،‬ولكن‬‫اتفق العلماء على أن قول الصحابي ال يكون ُحجةً على صحابي َ‬
‫ومن بعدهم ؟‬‫هل يكون ُحجةً على التابعين َ‬
‫اختلفوا في ذلك على مذاهب ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أنه ليس بحجة مطلقاً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه حجة مطلقاً ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه حجة إذا خالف القياس ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الخامس ‪ :‬أن الحجة في قول أبي بكر وعمر‬
‫(‪ )1‬يراجع قول الصحابي في ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 135 - 130/4‬وروضة الناظر ‪، 145/‬‬
‫‪ 146‬وبيان المختصر ومعه مختصر المنتهى ‪ 280 - 274/3‬وشرح التوضيح مع =‬
‫‪125‬‬
‫والراجح ‪ :‬ما عليه القول الثاني أنه حجة مطلقاً ‪.‬‬
‫أثر قول الصحابي في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على قول الصحابي ‪ :‬ما إذا أصاب الرجل بمكة حماماً من حمامها‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫فعليه شاة ؛ اتباعاً لعموم رأي عثمان وابن عباس وابن عمر وغيرهم‬
‫المطلب الثالث‬
‫العـرف‬

‫تعريف العرف ‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫العرف لغةً ‪ :‬كل ما ارتفع عن األرض فهو عرف ؛ استعارةً من عرف الديك ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما استقر في النفوس من جهة العقول ‪ ،‬وتلقته الطباع السليمة‬
‫بالقبول ‪.‬‬
‫أما العادة ‪ :‬فهي ما يستقر في النفوس من األمور المتكررة المقبولة عند الطباع‬
‫(‪)3‬‬
‫السليمة ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالعرف والعادة مترادفان ‪ ،‬ومن العلماء َمن اعتبر العادة أعم من‬
‫العرف ‪ ،‬ومنهم َمن اعتبر العكس ‪.‬‬
‫سن} ‪.‬‬ ‫واألصل في العرف ‪ :‬حديث { َما َرآهُ ال ُْم ْسل ُمو َن َح َسناً فَـ ُه َو ع ْن َد الله َح َ‬
‫(‪)4‬‬

‫الشروط الواجب توافرها في العرف ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يكون عرفاً مطرداً أو غالباً ‪.‬‬
‫= التلويح ‪ 17/2‬والقواعد والفوائد األصولية ‪ 243 - 240/‬وجمع الجوامع مع حاشية‬
‫البناني ‪ 356 - 354/2‬وشرح مختصر الروضة ‪ 189 - 185/3‬وفواتح الرحموت ‪- 185/2‬‬
‫‪ 188‬ومباحث في األدلة المختلف فيها ‪ 86 - 42/‬وشرح طلعة الشمس ‪65 ، 64/2‬‬
‫(‪ )1‬القواعد والفوائد األصولية ‪243/‬‬
‫(‪ )2‬الكليات ‪598/‬‬
‫(‪ )3‬الكليات ‪ 617/‬والتعريفات ‪163 ، 160/‬‬
‫(‪ )4‬هذا الحديث أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مسند أحمد ‪ 379/1‬ومجمع الزوائد ‪183 ، 182/1‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫‪126‬‬
‫‪ -2‬أن يكون سابقاً على التصرف المحكم فيه ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال يعارض بتصريح بخالفه ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ال يخالف نصاً شرعياً ‪.‬‬
‫حجية العرف ‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن العرف الصحيح يـُ ْر َجع إليه لمعرفة الحكم الشرعي إذا لم‬
‫يوجد نص أو إجماع أو قياس ‪ ،‬ولذا قالوا ‪ [ :‬العادة ُم َحك َمة ] أي أن العرف‬
‫والعادة لهما دخل في بناء الحكم الشرعي ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬إذا لم يتفق الزوجان على المقدم والمؤخر من المهر ؛ فالحكم‬
‫حينئذ يرجع إلى العرف ‪.‬‬
‫ومع اتفاق العلماء في الرجوع إلى العرف عند عدم النص أو اإلجماع أو القياس‬
‫إال أنهم متفاوتون في األخذ به ‪..‬‬
‫في عمل أهل المدينة ‪.‬‬ ‫فاعتبره اإلمام مالك‬
‫وتوسع الحنفية في األخذ به ‪.‬‬
‫بعض األحكام في مذهبه القديم والجديد ‪.‬‬ ‫وبنى عليه اإلمام الشافعي‬
‫أثر العرف في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على العرف ( العادة ) ‪:‬‬
‫‪ -‬لو حلف ال يأكل لحماً لم يحنث بأكل لحم السمك وإن سماه الله تعالى لحماً‬
‫في القرآن ‪.‬‬
‫‪ -‬ولو حلف ال يركب دابةً فركب كافراً لم يحنث وإن سماه الله تعالى دابةً ‪.‬‬
‫‪ -‬ولو حلف ال يجلس تحت سقف فجلس تحت السماء لم يحنث وإن سماها‬
‫(‪)1‬‬
‫الله تعالى سقفاً ‪.‬‬
‫(‪ )1‬يراجع العرف والعادة في ‪ :‬األشباه والنظائر للسيوطي ‪ 101 - 89/‬واألشباه والنظائر‬
‫البن نجيم ‪ 104 - 91/‬وأصول الفقه ألبي زهرة ‪ 257 - 254/‬وعلم أصول الفقه‬
‫لخالف ‪ 96 - 94/‬ومباحث في األدلة المختلف فيها ‪108 - 87/‬‬
‫‪127‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫االستصحاب‬

‫أوالً ‪ -‬تعريف االستصحاب ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫االستصحاب لغةً ‪ :‬طلب الصحبة ‪ ،‬وهي المالزمة وعدم المفارقة ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني ؛ بناء على أنه كان ثابتاً في‬
‫(‪)2‬‬
‫الزمان األول ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬أنواع االستصحاب ‪:‬‬
‫وم ْكثر ‪ ،‬وفيما يلي‬
‫اختلف األصوليون في حصر أنواع االستصحاب ببين ُمقل ُ‬
‫نذكر أهمها ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬استصحاب العدم األصلي ‪ ،‬وهو الذي عرف العقل نفيه بالبقاء على‬
‫العدم األصلي ولم يثبته الشرع ‪ ،‬وهو معروف بـ" براءة الذمة أو" البراءة األصلية "‬
‫أو" العدم األصلي " ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬الحكم ببراءة الذمة من التكاليف الشرعية والحقوق إلى أن يوجد دليل‬
‫على تكليفها ‪ ،‬فإذا لم يوجد هذا الدليل كانت األشياء على أصلها وهو اإلباحة ‪،‬‬
‫فإذا أعطى زيد عمراً ماالً ليشتغل به في التجارة مضاربةً واشترى عمرو نوعاً من‬
‫البضاعة وبعد ذلك ادعى زيد أنه نهى عمراً عن شراء هذا النوع من البضاعة لعلمه‬
‫بأن توقع الربح فيه قليل ولكن عمراً أنكر مدعياً أنه لم ينهه ؛ فحينئذ تصدق‬
‫دعوى عمرو في عدم نهي زيد ؛ استصحاباً لألصل الذي هو عدم النهي ‪.‬‬
‫ما‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬استصحاب ما دل الشرع على ثبوته ‪ ،‬ومنه عند الزركشي‬
‫(‪)3‬‬
‫بأنه ‪:‬‬ ‫دل العقل على دوامه وثبوته ‪ ،‬وهذا النوع صاغه ابن القيم‬
‫(‪)4‬‬
‫استصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خالفه ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬لسان العرب ‪ 8/2‬وتاج العروس ‪ 186/3‬والمصباح المنير ‪33/1‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع كشف األسرار ‪622/3‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫اجع البحر المحيط ‪20/6‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )4‬أعالم الموقعين ‪265/1‬‬
‫‪128‬‬
‫مثاله ‪ :‬الملك الثابت لعقار أو منقول ؛ فإن هذه الملكية تظل ثابتةً للمالك ؛‬
‫ت قرينة أو دليل ‪ :‬كبيع أو‬ ‫لوجود سببها وهو العقد ‪ ،‬وال تُـ ْنـ َقل لغيره إال إذا ُوج َد ْ‬
‫هبة أو وقف ‪.‬‬
‫ومثاله أيضاً ‪ :‬حل االستمتاع بين الزوجين يظل ثابتاً ؛ لوجود سببه ‪ -‬وهو عقد‬
‫النكاح ‪ -‬إلى أن يوجد دليل على حصول الفرقة بينهما ‪.‬‬
‫وأيضاً ‪ :‬بقاء المتوضئ على وضوئه بعد شكه في النقض ؛ لثبوت الوضوء‬
‫(‪) 1‬‬
‫المتي َقن ‪ ،‬فيستمر على حكمه وال يـُ ْرفَع بالشك ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬استصحاب الحكم األصلي لألشياء ‪.‬‬
‫والح ديث في هذا النوع يستلزم منا أن نبين األصل في األشياء الموجودة قبل‬
‫ورود الشرع وبعد وروده ولم يرد فيها حكم معين بعد ورود الشرع ؛ ليخرج بذلك‬
‫حكم األشياء قبل ورود الشرع ‪ ،‬والذي اختلف فيه أهل السنة والمعتزلة ‪..‬‬
‫فأهل السنة قالوا ‪ :‬ال حكم فيها ؛ لعدم ورود الشرع ‪.‬‬
‫والمعتزلة قالوا ‪ :‬للعقل أن يحسن الحسن ويقبح القبيح مع تفصيل في ذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫ليس هذا مقامه ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬حجية االستصحاب ‪:‬‬
‫اختلف األصوليون في حجية االستصحاب على مذاهب أشهرها ما يلي ‪:‬‬
‫المذهب األول ‪ :‬أنه ُحجة ‪ ،‬وهم جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية‬
‫وبعض الحنفية ‪ -‬القائلون بأن االستصحاب حجة مطلقاً‬
‫المذهب الثاني ‪ :‬أنه ليس ُحج ًة مطلقاً ‪ ،‬وهم جمهور الحنفية وبعض المتكلمين‬
‫المذهب الثالث ‪ :‬أنه ُحجة للدفع ال للرفع ‪.‬‬
‫والدفع معناه ‪ :‬استمرار عدم ذلك األمر الطارئ ‪ ،‬فيبقى ما كان على ما كان ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 20/6‬ونزهة الخاطر مع روضة الناظر ‪ 322/1‬وأصول الفقه‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫للخضري ‪ 356/‬واإلبهاج ‪ 181/3‬وأصول الفقه اإلسالمي للزحيلي ‪ 892/2‬والوجيز في‬
‫أصول الفقه ‪269 ، 268/‬‬
‫اجع ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 87 ، 86/1‬والمستصفى ‪ 63/1‬والمحصول ‪ 40/1‬ومنتهى‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫السول ‪ 22 ، 21/1‬واإلبهاج ‪ 142 - 139/1‬وحاشية النفحات ‪157 - 155/‬‬
‫‪129‬‬
‫والرفع مراد به ‪ :‬إثبات أمر لم يكن ‪ ،‬فال يصلح إلثبات حكم مبتدأ وال لإللزام‬
‫(‪)2‬‬
‫على الخصم بوجه ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وعليه بعض الحنفية ‪ :‬كالدبوسي والسرخسي والبزدوي رحمهم اهلل تعالى ‪.‬‬
‫وذلك كاستصحاب حياة المفقود قبل الحكم بموته ؛ فإنه دافع لإلرث منه ‪،‬‬
‫وليس برافع لعدم إرثه من غيره للشك في حياته ‪ ،‬فال يثبت استصحابها له ملكاً‬
‫جديداً ؛ إذ األصل عدمه ‪.‬‬
‫والراجح ‪ :‬هو األول ؛ ألن االستصحاب ما هو إال استمرار لحكم ثابت بدليل ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وليس دليالً مستقالا مثبتاً لحكم جديد كما قد يـُتَـ َوهم ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬أثر االستصحاب في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على االستصحاب ‪ :‬القاعدة الفقهية ( اليقين ال يُزال بالشك ) ؛‬
‫َخ َر َج م ْنهُ أ َْم الَ فَالَ‬ ‫بدليل حديث {إذَا َو َج َد أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم في بَطْنه َش ْيئاً فَأَ ْش َك َل َعلَْيه أ َ‬
‫ص ْوتاً أ َْو يَج َد ريحا} ؛ فاليقين هو الوضوء ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يَ ْخ ُر َجن م َن ال َْم ْسجد َحتى يَ ْس َم َع َ‬
‫والشك في الحدث ‪ ،‬فال يَرفع الشك اليقين ‪ ،‬وتستصحب األصل ‪ :‬وهو الوضوء ‪.‬‬
‫تيقن الحدث بعد الوضوء ‪ ،‬و َشك هل توضأ أم ال ‪-‬‬ ‫أما إن كان العكس ‪ -‬وهو ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫فيستصحب األصل ‪ :‬وهو عدم الوضوء ‪.‬‬
‫ومما يتفرع عليه ‪ :‬إذا شك الصائم في طلوع الفجر فأكل وهو شاك في ذلك‬
‫ولم يتبين أن أكله كان قبل طلوع الفجر أو بعده ‪..‬‬
‫قضاء عليه ؛‬ ‫َ‬ ‫فجمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه ال‬
‫استصحاباً لبقاء الليل الثابت يقيناً ‪ ،‬فال يزول بالشك في طلوع الفجر ‪ ،‬ولكن إن ظهر‬
‫(‪ )1‬يراجع االستصحاب في ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 120 - 111/4‬ومختصر المنتهى مع بيان‬
‫المختصر ‪ 266 - 262/3‬والبحر المحيط ‪ 26 - 17/6‬وشرح التوضيح مع التلويح ‪، 101/2‬‬
‫‪ 102‬واإلبهاج ‪ 185 - 181/3‬وإرشاد الفحول ‪ 238 ، 237/‬وجمع الجوامع مع‬
‫البناني ‪350 - 348/2‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه أبو داود والطبراني وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬سنن أبي داود ‪ 142 ، 141/1‬ومجمع الزوائد ‪243 ، 242/1‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫اجع األشباه والنظائر للسيوطي ‪51 ، 50/‬‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫‪130‬‬
‫اإلمساك حرم ًة لنهار رمضان وقضاءُ يوم‬
‫ُ‬ ‫وثبت أنه كان بعد طلوع الفجر فيجب عليه‬
‫آخر بدالً عنه ‪ ،‬وال كفارَة عليه ‪..‬‬
‫َ‬
‫ويرى المالكية أن َمن أكل شاكاً في الفجر فعليه القضاء مع الحرمة رغم أن‬
‫األصل بقاء الليل ‪ ،‬وجعلوا ذلك في صوم الفرض ‪ ،‬أما صوم النفل ففرق بعضهم‬
‫فقالوا ‪ :‬عليه القضاء والكفارة ‪ ،‬وبعضهم اعتبره كالفرض سواء بسواء ‪..‬‬
‫وإن شك في غروب الشمس فأكل فسد صومه إن تبين أنه أكل قبل غروبها ؛‬
‫ألن بقاء النهار متي َقن ‪ ،‬فال يزول بالشك وهو الغروب ‪ ،‬ولذا وجب عليه القضاء مع‬
‫(‪)1‬‬
‫شيء عليه ‪.‬‬
‫اختالفهم في وجوب الكفارة ‪ ،‬وإن تبين أنه أكل بعد غروب الشمس فال َ‬
‫وجه تفريع هذا الفرع على االستصحاب ‪ :‬أن القول بصحة صوم َمن أكل شاكاً‬
‫في طلوع الفجر إنما كان ألن األصل بقاء الليل واستمراره ‪ ،‬ولذا عُد استصحاباً‬
‫لبقائه ما لم يتبين أنه أكل بعد طلوع الفجر ‪..‬‬
‫ومثل هذا يكون ‪ -‬أيضاً ‪ -‬في َمن أكل شاكاً في غروب الشمس ؛ فإن صومه‬
‫يكون فاسداً ؛ اعتباراً ببقاء النهار ألنه األصل ‪ ،‬فاستصحبنا دوامه ما لم يتبين أنه‬
‫شيء عليه كما تقدم ‪.‬‬
‫أكل بعد غروبها ‪ ،‬فال َ‬
‫المطلب الخامس‬
‫االستحسان‬
‫تعريف االستحسان ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫االستحسان لغ ًة ‪َ :‬عد الشيء حسناً ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بأنه ‪ :‬األخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل ُكلِّي ‪.‬‬ ‫وعرفه الشاطبي‬
‫اجع ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ 105/2‬ونهاية المحتاج ‪ 171/3‬والعدة ‪ 151/‬والخرشي ‪251/2‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫واإلقناع في فقه اإلمام أحمد ‪ 316/1‬وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪526/1‬‬
‫اجع ‪ :‬المصباح المنير ‪ 136/1‬ومختار الصحاح ‪154/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬مختصر المنتهى مع بيان المختصر ‪281/3‬‬
‫(‪ )4‬الموافقات ‪206/4‬‬
‫‪131‬‬

‫سن} ‪.‬‬ ‫ودليله ‪َ { :‬ما َرآهُ ال ُْم ْسل ُمو َن َح َ‬


‫سناً فَـ ُه َو ع ْن َد الله َح َ‬
‫أقسام االستحسان ‪:‬‬
‫على ضوء التعريفين السابقين يمكن تقسيم االستحسان إلى قسمين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬العدول عن قياس إلى قياس أقوى منه ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬حق المسيل وحق المرور ؛ فإنه يدخل في وقف األرض الزراعية‬
‫استحساناً ؛ ألن االنتفاع ال يتم إال بها ؛ فلذا فإنها تدخل الوقف حتى ولو لم تذكر‬
‫قياساً على اإلجارة ‪ ،‬والقياس أنها ال تدخل إال بالنص قياساً على البيع ؛‬
‫الشتراكهما في إخراج الملك من اليد ‪ ،‬لكنا ألحقناها باإلجارة ‪ -‬وهو قياس خفي‬
‫‪ -‬الشتراكهما في قصد االنتفاع ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬األخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل ُكلِّي ‪..‬‬
‫مثاله ‪ :‬عقود االستصناع والسلم والمزارعة ‪ ،‬فقد رخصها الشارع استحساناً‬
‫لحاجة الناس إليها في مقابلة دليل ُكلِّي ‪ :‬وهو أنها عقود ‪ ،‬وشرط العقد أن يكون‬
‫المعقود عليه موجوداً وقت العقد ؛ لكنه رخص استحساناً ‪.‬‬
‫حجية االستحسان ‪:‬‬
‫اعتبر الجمهور االستحسا َن ُحج ًة ‪..‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حجيته ‪ ،‬فقال ‪َ ":‬من استحسن فقد شرع " ‪،‬‬ ‫وأنكر اإلمام الشافعي‬
‫ومراده لو جاز االستحسان بالرأي على خالف الدليل لكان هذا بعث شريعة أخرى‬
‫(‪)2‬‬
‫على خالف ما أمر الله ‪.‬‬
‫أقسام االستحسان ‪:‬‬
‫لالستحسان أقسام ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ثبت بالنص ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬السلم ‪ ،‬واإلجارة ‪ ،‬وبقاء الصوم مع فعل الناسي ‪.‬‬
‫(‪ )1‬يراجع االستحسان في ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 139 - 136/4‬ومختصر المنتهى مع بيان‬
‫المختصر ‪ 285 - 281/3‬وروضة الناظر ‪ 148 ، 147/‬وشرح مختصر الروضة ‪- 190/3‬‬
‫‪ 203‬والبحر المحيط ‪ 98 - 87/6‬وجمع الجوامع مع البناني ‪ 353/2‬ومباحث في األدلة‬
‫المختلف فيها ‪223 - 183/‬‬
‫(‪ )2‬البحر المحيط ‪87/6‬‬
‫‪132‬‬
‫‪ -2‬ما ثبت باإلجماع ‪ ،‬وهو االستصناع ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -3‬ما ثبت بالضرورة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬تطهير الحياض واآلبار واألواني ‪.‬‬
‫أثر االستحسان في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على االستحسان ‪ :‬االطالع على عورة المرأة لضرورة التداوي ؛ ألننا‬
‫لو التزمنا بالقاعدة المستمرة ‪ -‬وهي حرمة النظر ‪ -‬لترتب عليه ضرر ‪ ،‬وقد يكون‬
‫(‪)2‬‬
‫فيه هالك المرأة ‪ ،‬ولذا أبيح النظر إلى عورتها ‪ -‬موضع دائها ‪ -‬استحساناً ‪.‬‬

‫المطلب السادس‬
‫المصلحة المرسلة‬
‫تعريف المصلحة ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المصلحة لغةً ‪ :‬ضد المفسدة ‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أو هي ‪ :‬جلب نفع أو دفع ضر ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫والمرسلة في اللغة ‪ :‬المطلقة ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫والمصلحة المرسلة اصطالحاً ‪ :‬حكم ال يشهد له أصل في الشرع اعتبار وإلغاء ‪.‬‬
‫أقسام المصلحة ‪:‬‬
‫المصلحة لها أقسام ‪ ،‬أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬ما شهد الشرع باعتبارها ‪ ،‬وهو يرجع إلى القياس ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬تحريم شحم الخنزير من تحريم لحمه المنصوص عليه بالكتاب ‪.‬‬
‫(‪ )1‬شرح مختصر الروضة ‪199/3‬‬
‫اجع ‪ :‬الموافقات ‪ 207/4‬ومباحث في األدلة المختلف فيها ‪223/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬مختار الصحاح ‪ 391/‬والمصباح المنير ‪345/1‬‬
‫(‪ )4‬البحر المحيط ‪76/6‬‬
‫(‪ )5‬شرح مختصر الروضة ‪204/3‬‬
‫اجع ‪ :‬مختار الصحاح ‪ 264 ، 263/‬والمصباح المنير ‪227 ، 226/1‬‬‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )7‬بيان المختصر ‪287/3‬‬
‫‪133‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬ما شهد الشرع ببطالنه ‪.‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬إلزام الموسر ‪ -‬كالملك ونحوه ‪ -‬بالصوم في كفارة اليمين أو كفارة‬
‫الوطء في نهار رمضان ‪ ،‬والمصلحة من ذلك هي زجره بالصوم ‪ ،‬وال يزجره العتق‬
‫أو اإلطعام ؛ لكثرة ماله ‪ ،‬وهذه المصلحة باطلة وملغاة ؛ لمخالفتها النص الملزَم‬
‫فمن لم يجد فالصيام ‪ ،‬وال ينتقل‬ ‫أوالً بالتخيير بين اإلطعام أو الكسوة أو العتق ‪َ ،‬‬
‫إلى الصوم إال عند فَـ ْقد كل خصال التخيير غنياً كان أو فقيراً ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬ما لم يَشهد الشرع باعتبار أو بطالن ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهذه هي المصلحة المرسلة عن االعتبار واإللغاء ‪.‬‬
‫شروط العمل بالمصلحة المرسلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تتحقق المصلحة عند شرع الحكم قطعاً أو ظناً ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تندرج في مقاصد الشريعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم معارضتها لألدلة المتفق عليها ‪.‬‬
‫مثالها ‪ :‬توثيق عقد الزواج بوثيقة رسمية ‪ ،‬وجمع المصحف في عهد أبي بكر‬
‫‪.‬‬ ‫الصديق‬
‫ُح ِّجية المصلحة المرسلة ‪:‬‬
‫اختلف العلماء في حجية المصلحة المرسلة ‪:‬‬
‫فمنهم َمن لم يُجز العمل بها ‪.‬‬
‫ومنهم َمن أجازها مطلقاً بشروطها ‪ ،‬وهو ما أميل إليه ‪.‬‬
‫ومنهم َمن اشترط زيادة أن تكون ضروريةً كلِّيةً قطعية ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ومنهم َمن اشترط أن تكون مالئمةً لتصرفات الشرع ‪.‬‬
‫أثر المصلحة المرسلة في األحكام ‪:‬‬
‫مما يتفرع على المصلحة المرسلة ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما اتفق عليه األئمة وجمهور العلماء من قتل الجماعة بالواحد ‪ ،‬مستدلين‬
‫(‪ )1‬شرح مختصر الروضة ‪ 206 ، 205/3‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تراجع المصلحة المرسلة في ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 140 ، 139/4‬والموافقات ‪ 210/4‬ومختصر‬
‫المنتهى مع بيان المختصر ‪ 287/3‬وشرح مختصر الروضة ‪ 217- 204/3‬والبحر المحيط ‪- 76/6‬‬
‫‪ 81‬وشرح طلعة الشمس ‪ 185/2‬ومباحث في األدلة المختلف فيها ‪150 - 115/‬‬
‫‪134‬‬
‫اء لََقتَـ ْلتُـ ُه ْم َجميعا " عندما اشترك جماعة‬ ‫‪ ":‬لَ ْو تَ َماألَ َعلَْيه أَ ْه ُل َ‬
‫ص ْنـ َع َ‬ ‫بقول عمر‬
‫(‪)1‬‬
‫في قتل واحد حتى ال يقتص منهم ‪.‬‬
‫تفضيل بعض األوالد على بعض في العطية إذا كان‬ ‫‪ -2‬أباح اإلمام مالك‬
‫فيه مصلحة تقتضي هذا التفضيل ‪ :‬كالعمى وكثرة العيال واالشتغال بالعلم ‪ ،‬أو‬
‫(‪)2‬‬
‫تقتضي حرمانهم ‪ :‬كالفسق واالبتداع واالستعانة بالمال على الفساد ‪.‬‬

‫المطلب السابع‬
‫َسد الذرائع‬

‫تعريف الذريعة ‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫الذريعة لغةً ‪ :‬الوسيلة للشيء ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬ما ظاهره مباح ويُتوصل به إلى الحرام ‪ ،‬والمنع من فعلها‬
‫(‪)4‬‬
‫لتحريمه ‪.‬‬
‫تعريف سد الذرائع عندي ‪َ :‬م ْنع ُكل ف ْعل يُـ ْفضي إلى الحرام ‪.‬‬
‫أقسام الذرائع ‪:‬‬
‫ائع أقساماً ثالث ًة ‪:‬‬
‫الذر َ‬ ‫قسم القرافي‬
‫األول ‪ :‬معتبَر إجماعاً ‪ :‬كحفر اآلبار في طريق المسلمين ‪ ،‬وإلقاء السم في‬
‫أطعمتهم ‪ ،‬وسب األصنام عند من يُعلم من حاله أنه يسب الله تعالى حينئذ ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ملغى إجماعاً ‪ :‬كزراعة العنب ؛ فإنه ال يُ ْمنَع خشي َة الخمر ‪ ،‬والشركة في‬
‫(‪)5‬‬
‫الدار خشي َة الزنا ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬مختلَف فيه ‪ :‬كبيوع اآلجال ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬تخريج الفروع على األصول ‪ 321/‬والمصالح المرسلة ‪87/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع بداية المجتهد ‪357/2‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬الفروق ‪366/‬‬
‫(‪ )4‬شرح الكوكب المنير ‪434/4‬‬
‫(‪ )5‬شرح تنقيح الفصول ‪448/‬‬
‫‪135‬‬
‫تحرير محل النزاع في سد الذرائع ‪:‬‬
‫مما تقدم يتضح أن الذريعة محل اتفاق في صور ‪ :‬إن كانت مفسدةً تفضي إلى‬
‫مفسدة ‪ ،‬أو كانت مفسدةً تفضي إلى مصلحة ‪ ،‬ومن باب أَ ْولى إن كانت مصلحةً‬
‫تفضي إلى مصلحة ‪.‬‬
‫أما إن كانت مصلحةً ولكنها تؤدي إلى مفسدة ‪ :‬فهذه هي محل النزاع ‪ ،‬نحو ‪:‬‬
‫بيع العنب لمن غلب على الظن أنه يصنع الخمر ‪.‬‬
‫واختلف العلماء في سد الذرائع بهذا المعنى فاعتبرها المالكية والحنابلة ُحجةً ‪،‬‬
‫ولم يعتبرها الحنفية والشافعية ‪ ،‬ولكن األدلة أقوى عند القائلين بها ‪ ،‬وهو ما‬
‫أرجحه ‪.‬‬
‫أدلة سد الذرائع ‪:‬‬
‫ْ‬
‫َّ َ َ ُ ي َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َۡ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱَّلل ع ۡد َوۢا‬ ‫ون ٱَّللِّ فيسبوا‬ ‫ُ ي‬
‫قوله تعالى {وَّل تسبوا ٱَّلِّين يدعون مِّن د ِّ‬
‫َ‬
‫الدليل األول ‪ْ :‬‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ج ُع ُه ۡم ف ُينبِّئُ ُهم ب ِّما َكنوا‬ ‫ب َغ ۡري عِّلۡم َك َذ ٰل َِّك َزيَّ َّنا ل ُِّك أ ُ َّم ٍة َع َملَ ُه ۡم ُث َّم إ َ َٰل َربهم َّم ۡ‬
‫ر‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ََُۡ‬
‫يعملون} ‪..‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وجه الداللة ‪ :‬أن الله تعالى نَـ َهى عن َسب اآللهة التي تُـ ْعبَد من ُدونه حتى ال‬ ‫ْ‬
‫سب الله ‪ ،‬وحيث إن َسب الله تعالى ُم َحرم وممنوع فما كان‬ ‫يَكون دافعاً أو وسيلةً ل َ‬
‫سبباً له أو وسيل ًة إليه كان ُم َحرماً كذلك ‪ ،‬وإذا كانت ذريعة الحرام ُم َحرم ًة ف َدل‬
‫(‪)2‬‬
‫ذلك على وجوب سدها ‪ ،‬وهو المطلوب ‪.‬‬
‫قوله ‪{ ‬إن م َن الْ َكبَائر َش ْت َم الر ُجل َوال َديْه} قالوا ‪ ":‬يَا َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫الدليل الثاني ‪ْ :‬‬
‫سب أَبَاهُ ‪،‬‬ ‫ـب أَبَا الر ُجل فَـيَ ُ‬ ‫الله ‪َ ..‬و َه ْل يَ ْشتُ ُم الر ُج ُل َوال َديْه ؟! " قال {نَـ َع ْم ؛ يَ ُ‬
‫سـ ُّ‬
‫ب أُمه } ‪..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫س ُّ‬ ‫ب أُمهُ فَـيَ ُ‬
‫س ُّ‬
‫َويَ ُ‬
‫َو ْجه الداللة ‪ :‬أن النبي ‪َ ‬جرم َش ْتم الوالديْن وأبان أنه من الكبائر ‪ ،‬فيَكون‬
‫بسب وال َدي الغَْير ‪ ،‬ولذا كان َسب‬ ‫سبب في ذلك َ‬ ‫فيمن تَ َ‬
‫الح ْكم َ‬ ‫ُم َحرماً ‪ ،‬وكذلك ُ‬
‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪108‬‬
‫اجع ‪ :‬أعالم الموقِّعين ‪ 137/3‬وتفسير القرطبي ‪ 58/2‬وتفسير الطبري ‪309/7‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫سب الر ُجل والديْه برقم ( ‪) 5516‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أَ ْخ َرجه البخاري في كتاب األدب ‪ :‬باب ال يَ ُ‬
‫‪.‬‬ ‫وم ْسلم في كتاب اإليمان ‪ :‬باب بيان الكبائر وأَ ْكبَرها برقم ( ‪ ) 130‬عن ابن عمرو‬ ‫ُ‬
‫‪136‬‬
‫فح ِّرم َسب وال َدي‬
‫وسب وال َدي الغَْير ذريعة ووسيلة إلى ذلك ‪ُ ،‬‬
‫الوالديْن ُم َحرماً ‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الغَْير سداً لذريعة َسب الوالديْن ‪.‬‬
‫أثر الذرائع في األحكام ‪:‬‬
‫اندرج تحت هذه القاعدة األصولية قواعد فقهية عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما حرم أخذه حرم إعطاؤه ‪..‬‬
‫فالرشوة ‪ -‬مثالً ‪ -‬حرام ‪ ،‬فال يجوز أخذها من الغير ‪ ،‬وال يجوز إعطاؤها ؛ ألنه‬
‫وسيلة ألكل الحرام ‪ ،‬فوسيلة الحرام محرمة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما حرم استعماله حرم اتخاذه ‪..‬‬
‫نَ ْحو ‪ :‬آالت اللهو وأواني الذهب والفضة ؛ فإنه يحرم اقتناؤها في البيوت ؛‬
‫(‪)2‬‬
‫سداً لذريعة استعمالها الذي هو في األصل محرم ‪.‬‬

‫اجع ‪ :‬أعالم الموقِّعين ‪ 138/3‬واالعتصام ‪34/2‬‬


‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع سد الذرائع في ‪ :‬الموافقات ‪ 200 - 198/4‬والبحر المحيط ‪ 86 - 82/6‬وشرح‬‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫تنقيح الفصول ‪ 450 - 448/‬والفرق ‪ 368 - 366/3‬وشرح الكوكب المنير ‪- 434/4‬‬
‫‪ 437‬وإرشاد الفحول ‪ 247 ، 246/‬ومباحث في األدلة المختلف فيها ‪175 - 165/‬‬
‫‪137‬‬

‫المبحث الثامن‬
‫التعارض والترجيح‬

‫المطلب األول‬
‫التعارض‬

‫أوالً ‪ -‬تعريف التعارض ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫التعارض لغةً ‪ :‬التقابل والتمانع والمواقعة ‪.‬‬
‫خالف‬
‫َ‬ ‫واصطالحاً ‪ :‬تَقابُل دليلين متساويين على وجه يقتضي كل واحد منهما‬
‫(‪)2‬‬
‫اآلخر ‪.‬‬ ‫ما يقتضيه َ‬
‫ثانياً ‪ -‬شروط التعارض ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون محل حكم الدليلين متحداً ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون اتحادهما في محل الحكم وقت صدور الدليلين ‪.‬‬
‫‪ -3‬المساواة بين الدليلين من جهة الداللة والثبوت والعدد ‪.‬‬
‫اآلخر ‪.‬‬
‫‪ -4‬مخالفة حكم كل واحد من الدليلين َ‬
‫ثالثاً ‪ -‬حكم دفع التعارض ‪:‬‬
‫إذا تعارضت النصوص ظاهرياً أو في ذهن المجتهد فإن الواجب على العلماء‬
‫المجتهدين إزالة هذا التعارض ودفعه ؛ حتى ال يتشكك ضعاف اإليمان أو‬
‫المنافقون أو غَْير المسلمين في أحكام شريعتنا الغراء لتعارض أدلتها ونصوصها ‪.‬‬
‫وإذا كانت نصوص الشريعة متناقض ًة فإنها ال تَصلح أ ْن تكون الرسالة الخاتمة‬
‫التي يعتنقها الناس وأ ْن يؤمنوا ويتمسكوا بها ‪.‬‬
‫‪ ":‬وُكل خبر واحد دل العقل أو نص‬ ‫وفي ذلك يقول الخطيب البغدادي‬
‫اجع ‪ :‬تهذيب اللغة ‪ 463/1‬والصحاح ‪ 1087/3‬والقاموس المحيط ‪348/2‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع إتحاف األخيار بترجيحات األخبار للمؤلف ‪17/‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪138‬‬
‫الكتاب أو الثابت من األخبار أو اإلجماع أو األدلة الثابتة المعلومة على صحته‬
‫آخر يعارضه فإنه يجب اطراح ذلك الْ ُم َعارض والعمل بالثابت الصحيح الالزم ؛‬
‫وخبر َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ألن العمل بالمعلوم واجب على ُكل حال ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬طُُرق دفع التعارض ‪:‬‬
‫دفع التعارض بين النصوص عند الجمهور يحتاج إلى الخطوات التالية وفق ترتيبها ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬الجمع بين الدليلين ‪.‬‬
‫والجمع بين الدليلين أَ ْولى من القول بإلغاء أحدهما ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫آلخر ‪ ،‬وهنا‬ ‫مثاله ‪ :‬إذن النبي لرجل في ال ُقبلة في رمضان ‪ ،‬وعدم إذنه َ‬
‫تعارض ظاهر النصين ‪ ،‬لكن أمكن الجمع بينهما ؛ ألن راوي الحديث قال ‪ :‬فَـنَظَ ْرنَا‬
‫ص لَهُ َش ْي ٌخ ‪َ ،‬والذي نَـ َهاهُ َشاب ‪.‬‬
‫الذي َرخ َ‬
‫الثانية ‪ :‬النسخ ‪.‬‬
‫وذلك في حالة ما إذا لم يمكن الجمع بين الدليلين ‪ ،‬وحينئذ على المجتهد‬
‫ظر في أيهما نزل أوالً ليكون منسوخاً والمتأخر ناسخاً وفق شروط النسخ المقررة ‪.‬‬ ‫الن ُ‬
‫الثالثة ‪ :‬الترجيح ‪.‬‬
‫ويُـ ْقدم المجتهد على الترجيح بين األدلة إذا لم يمكن الجمع بينهما ‪ ،‬وليس‬
‫أحدهما منسوخاً ‪ ،‬ولكن عليه أن يلتزم بشروط الترجيح وأقسامه والتي سيأتي‬
‫ذكرها بإذن الله تعالى ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬التوقف أو التخيير ‪.‬‬
‫وهي المرحلة األخيرة التي يتوصل إليها المجتهد عند تعارض األدلة ‪ ،‬وذلك‬
‫اآلخر ‪ ،‬وحينئذ يتوقف حتى‬ ‫عندما ال يمكنه الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما على َ‬
‫مرجح ‪..‬‬‫يظهر له دليل ِّ‬
‫وقيل ‪ :‬يتخير بينهما فيفعل أي واحد منهما ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬يتساقط الدليالن في حقه ويرجع إلى استصحاب البراءة األصلية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكفاية في علْم الرواية ‪608/‬‬
‫اجع سنن الترمذي ‪97/3‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫‪139‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫الترجـيح‬

‫أوالً ‪ -‬تعريف الترجيح ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫الترجيح لغةً ‪ :‬التمييل والتغليب ‪ ،‬من " رجح الميزان " أي مال ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬تقديم المجتهد أح َد الدليلين المتعارضين ؛ الختصاصه بقوة الداللة ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬شروط الترجيح ‪:‬‬
‫‪ -1‬كونه بين األدلة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون األدلة متعارضة في الظاهر ‪.‬‬
‫‪ -3‬قيام دليل على الترجيح ‪.‬‬
‫حكم الدليل الراجح ‪:‬‬
‫إذا ثبت الترجيح وجب العمل بالراجح وترك المرجوح ‪..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫في التقاء الختانين على خبر‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬تقديم خبر السيدة عائشة‬
‫{إن َما ال َْماءُ م َن ال َْماء} ‪.‬‬ ‫أبي هريرة‬
‫ثالثاً – أثر الترجيح في األحكام‬
‫الترجيح بكثرة الرواة ‪:‬‬
‫ول الله إ َذا‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫قال ‪َ ":‬رأَيْ ُ‬ ‫مثاله ‪ :‬ما ُروي عن ابن عمر عن أبيه‬
‫اد أَ ْن يَـ ْرَك َع ‪ ،‬وبَـ ْع َد َما يَـ ْرفَ ُع َرأْ َسهُ‬
‫ي َم ْنكبَـ ْيه َوإذَا أ ََر َ‬
‫افْـتَتَ َح الصالَةَ َرفَ َع يَ َديْه َحتى يُ َحاذ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫معارضة برواية البراء‬ ‫الرُكوع ‪َ ،‬والَ يَـ ْرفَ ُع بَـ ْي َن الس ْج َدتَـ ْين " ‪ ،‬وهذه الرواية َ‬ ‫م َن ُّ‬
‫اجع ‪ :‬لسان العرب ‪ 445/2‬والصحاح ‪364/1‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع إتحاف األخيار للمؤلف ‪86/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما ‪..‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر صحيح مسلم ‪ 65/‬برقم ( ‪ ) 220‬وسنن الترمذي ‪181 ، 180/1‬‬ ‫يُـ َر َ‬
‫جدتين برقم ( ‪ ) 1132‬وأبو‬
‫(‪ )4‬أَ ْخ َر َجه النسائي في كتاب التطبيق ‪ :‬باب تَـ ْرك ذلك بَـ ْين الس ْ‬
‫داود في كتاب الصالة ‪ :‬باب رفع اليديْن في الصالة برقم ( ‪ ) 619‬وابن ماجه في كتاب إقامة‬
‫والسنة فيها ‪ :‬باب رفع اليديْن إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع برقم ( ‪. ) 848‬‬
‫الصالة ُّ‬
‫‪140‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ت النبي إذَا افْـتَتَ َح الصالَ َة يَـ ْرفَ ُع يَ َديْه " ورواية ابن‬ ‫قال ‪َ ":‬رأَيْ ُ‬ ‫ابن عازب‬
‫(‪)3( )2‬‬
‫‪.‬‬ ‫َكا َن يَـ ْرفَ ُع يَ َديْه ع ْن َد تَ ْكب َيرة اإل ْح َرام ثُم الَ يَـعُود "‬ ‫‪ ":‬أن النبي‬ ‫مسعود‬
‫َو ْجه التعارض ‪ :‬أن الرواية األولى أثبتت للنبي ثالثة مواضع لرفع اليديْن في‬
‫الصالة ‪ :‬عند تكبيرة اإلحرام وقَـ ْبل الركوع وبَـ ْعده ‪ ،‬والروايتان األخيرتان أثبتتا‬
‫موضعاً واحداً عند تكبيرة اإلحرام ‪ ،‬وهنا تعارض الخبران ؛ لعدم اتفاقهما في عدد‬
‫مرات رفع اليديْن في الصالة عن النبي ‪ ،‬وال بُد من رفع هذا التعارض ‪.‬‬
‫األول ؛ ألنه أكثر روا ًة من‬ ‫الخبر َ‬ ‫َ‬ ‫الجمهور‬
‫ُ‬ ‫وجه الترجيح بَـ ْين الخبريْن ‪ :‬رجح‬ ‫ْ‬
‫بلغ ثالثةً وثالثين صحابياً ‪،‬‬ ‫الخبريْن األخيريْن ؛ فقد رواه جمع من الصحابة‬
‫(‪)4‬‬
‫وقيل ‪ :‬ثالثة وأربعون ‪ ،‬وقيل ‪ :‬خمسون ‪.‬‬
‫أثر الترجيح بكثرة الرواة في هذا الفرع ‪:‬‬
‫سن رفع اليديْن في ثالثة مواضع ‪:‬‬ ‫إن الجمهور الذين رجحوا بكثرة الرواة قالوا ‪ :‬يُ َ‬
‫عند تكبيرة اإلحرام ‪ ،‬وقَـ ْبل الركوع ‪ ،‬وبَـ ْعده ‪.‬‬
‫عن‬ ‫‪ :‬إذا قام من التشهد األول ؛ لحديث ابن عمر‬ ‫وللشافعي‬
‫(‪)5‬‬
‫النبي أنه كان يفعله ‪.‬‬
‫أما الذين لَ ْم يرجحوا بكثرة الرواة ‪ -‬وهم الحنفية ‪ -‬فإنهم يرون ندب رفع‬
‫(‪)6‬‬
‫اليديْن عند تكبيرة اإلحرام فقط ‪.‬‬
‫والراجح عندي ‪ :‬ما عليه الجمهور ‪ ،‬وهو ندب رفع اليديْن في المواضع الثالثة ؛‬
‫لكثرة رواة الخبر الذي نص على ذلك ‪ ،‬ويزاد الموضع الرابع عند القيام إلى الثالثة ‪.‬‬
‫َم يَذكر الرفع عند الركوع برقم‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه أبو داود في كتاب الصالة ‪ :‬باب َمن ل ْ‬
‫( ‪ ) 640‬واإلمام أحمد في أول مسند الكوفيين برقم ( ‪. ) 17756‬‬
‫َم يَرفع إال في‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه الترمذي في كتاب الصالة ‪ :‬باب ما جاء أن النبي ل ْ‬
‫أول مرة برقم ( ‪ ) 238‬والنسائي في كتاب التطبيق ‪ :‬باب الرخصة في ذلك برقم ( ‪. ) 1048‬‬
‫اجع ‪ :‬البحر المحيط ‪ 150/6‬وشرح الكوكب المنير ‪ 632 - 629/4‬واإلبهاج ‪219/3‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪ 632/4‬وفتح الباري ‪ 183 ، 182/1‬والبحر المحيط ‪150/6‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع شرح النووي على صحيح مسلم ‪95/4‬‬ ‫(‪ )5‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري ‪ ..‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬التاج واإلكليل ‪ 536/1‬والمجموع ‪ 255 - 251/2‬واإلقناع ‪ 142/1‬وشرح النووي‬ ‫(‪ )6‬يُـ َر َ‬
‫على مسلم ‪ 95/4‬ونيل األوطار ‪ 250/1‬والمغني البن قدامة ‪ 295/1‬وبدائع الصنائع ‪199/1‬‬
‫‪141‬‬

‫المبحث التاسع‬
‫االجتهاد والتقليد‬
‫المطلب األول‬
‫االجتهاد‬
‫أوالً ‪ -‬تعريف االجتهاد ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫االجتهاد لغ ًة ‪ :‬بَ ْذل الطاقة والوسع والجد والمبالغة وتَ َح ُّمل المشقة والكلفة ‪.‬‬
‫وس َعه في طلب الْ ُح ْكم الشرعي الظني ‪.‬‬‫واصطالحاً ‪ :‬بَ ْذل الفقيه ْ‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫( بَ ْذل ) ‪ :‬كالجنس في التعريف ‪ ،‬يَشمل ُكل بَ ْذل ‪ ،‬سواء أكان م ْن فقيه أو غَْيره ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ومعناه ‪ :‬استفراغ الوسع ‪ ،‬وهو ضد المنع ‪ ،‬من أعطاه وجاد به ‪.‬‬
‫العامي ‪ ،‬وهو َم ْن ليس فقيهاً ‪،‬‬ ‫( الفقيه ) ‪ :‬قَـ ْيد أول ‪ ،‬خرج به بَ ْذل الطاقة من ِّ‬
‫َحتى وإ ْن كان متبحراً في غَْير العلوم الشرعية ‪.‬‬
‫أي عنده َملَكة القدرة على‬ ‫والمراد به ُهنَا ‪َ :‬م ْن كان أهالً لذلك أو متهيئاً ‪ْ ،‬‬
‫استنباط األحكام الشرعية من األدلة ‪.‬‬
‫وس َعه ) ‪ :‬قَـ ْيد ثان ‪ ،‬خرج به التقصير في بَ ْذل الوسع ‪.‬‬‫( ْ‬
‫العجز عن‬
‫َ‬ ‫أي بَ ْذل تمام الطاقة بحيث يحس م ْن نَـ ْفسه‬ ‫والو ْسع ‪ :‬المقدور ‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬
‫المزيد فيه ‪.‬‬
‫آخر ‪ :‬بَ ْذل تمام الطاقة في النظر في األدلة ‪.‬‬ ‫أو بمعنى َ‬
‫وس َعه في غَْير الْ ُح ْكم ‪:‬‬ ‫( في طلب الْ ُح ْكم ) ‪ :‬قَـ ْيد ثالث ‪ ،‬خرج به بَ ْذل الفقيه ْ‬
‫كالعبادة والتجارة ونَ ْحوها ؛ فال يُ َسمى " اجتهاداً " ‪.‬‬
‫وهذا القيد يـُثْبت أن المجتهد ليس مصدراً للتشريع أو األحكام ‪ ،‬وإنما هو‬
‫اجع أصول الفقه اإلسالمي للبري ‪302/‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع لسان العرب ‪50 /11‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪142‬‬
‫ُمظْهر وكاشف لها ‪.‬‬
‫( الشرعي ) ‪ :‬قَـ ْيد رابع ‪ ،‬خرج به بَ ْذل الوسع من الفقيه في طلب ُح ْكم غَْير‬
‫حسياً أو عقلياً ونَ ْحوهما ‪.‬‬
‫شرعي ‪ :‬كأ ْن كان ِّ‬
‫( الظني ) ‪ :‬قَـ ْيد خامس ‪ ،‬خرج به طلب الْ ُح ْكم الشرعي القطعي ‪ ،‬كما خرج‬
‫به ‪ -‬أيضاً ‪ -‬األحكام الشرعية العلمية ؛ فإنها قطعية ‪ ،‬ول َذا فال مجال لالجتهاد فيه ؛‬
‫والمسائل االجتهادية ما ال يـُ َعد المخطئ فيها باجتهاد‬
‫ألن المخطئ فيها يـُ َعد آثماً ‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫آثماً ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬حكم االجتهاد ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عين‬
‫ض ْ‬‫االجتهاد م ْن فروض الكفايات ‪ ،‬إال أنه قَ ْد يَكون فَـ ْر َ‬
‫َ‬ ‫اعتبَر األصوليون‬
‫وقَ ْد يَكون مندوباً وقَ ْد يَكون حراماً ‪..‬‬
‫فالمحصلة أنه تعتريه أحكام أربعة ‪:‬‬
‫ِّ‬
‫عين ‪.‬‬
‫الْ ُح ْكم األول ‪ :‬فَـ ْرض ْ‬
‫حالتين ‪:‬‬
‫عين في ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫ويَكون االجتهاد فَـ ْر َ‬
‫الحالة األولى ‪ :‬اجتهاد المجتهد في حق نَـ ْفسه فيما نزل به ؛ ألن المجتهد ال يجوز‬
‫له أ ْن يقلِّد غَْيـ َره في حق نَـ ْفسه وال في حق غَْيره ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬اجتهاد في حق غَْيره إذا تَعين َعلَْيه الْ ُح ْكم فيه ‪ :‬بأ ْن ضاق وقْت‬
‫الحادثة ؛ فإنه يجب على الفور حينئذ ‪.‬‬
‫فرض كفاية ‪.‬‬ ‫الْ ُح ْكم الثاني ‪ْ :‬‬
‫حالتين ‪:‬‬
‫ض كفاية في ْ‬ ‫فر َ‬‫ويَكون االجتهاد ْ‬
‫الحالة األولى ‪ :‬إذا نزلَت حادثة بأحد فاستفتَى أح َد العلماء ؛ فإن الجواب يَكون‬
‫اجع ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ 171 - 169/4‬وشرح العضد ومعه حاشية السعد ‪، 289/2‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪ 290‬والتلويح ‪ 245/2‬وتيسير التحرير ‪ 179/4‬وفواتح الرحموت ‪ 362/2‬وإرشاد الفحول ‪250/‬‬
‫وتقرير الشربيني مع شرح المحلي مع حاشية البناني ‪ 381 - 379/2‬وأصول الفقه للشيخ‬
‫زهير ‪ 473/4‬والوجيز في أصول الفقه لزيدان ‪402 ، 401/‬‬
‫اجع ‪ :‬تقرير االستناد ‪ 29/‬والبحر المحيط ‪ 195/6‬وإرشاد النقاد ‪ 31/‬وأصول الفقه‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫للخضري ‪357/‬‬
‫‪143‬‬
‫َخصهم بفرضه َم ْن ُخص بالسؤال عن الحادثة ‪ ،‬فإ ْن أجاب‬ ‫فرضاً على جميعهم ‪ ،‬وأ َ‬
‫واحد َس َقط الفرض عن الباقي ‪ ،‬وإ ْن َسكتوا جميعاً أَثموا ‪.‬‬
‫كين في النطق ‪ ،‬فيَكون االجتهاد‬‫قاضيين مشتر ْ‬
‫ْ‬ ‫الحالة الثانية ‪ :‬أ ْن يَتردد الْ ُح ْكم بَـ ْين‬
‫بالح ْكم َسقط الفرض به ‪.‬‬ ‫مشتركاً بَـ ْينهما ‪ ،‬فأيهما تَـ َفرد ُ‬
‫الْ ُح ْكم الثالث ‪ :‬أ ْن يَكون مندوباً ‪.‬‬
‫حالتين ‪:‬‬
‫ويَكون االجتهاد مندوباً في ْ‬
‫الحالة األولى ‪ :‬أ ْن يَجتهد المجتهد قَـ ْبل نزول الحادثة ليَسبق على معرفة ُح ْكمها‬
‫قَـ ْبل نزولها ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أ ْن يَستفتيه سائل قَـ ْبل نزولها ‪.‬‬
‫الْ ُح ْكم الرابع ‪ :‬أ ْن يَكون حراماً ‪.‬‬
‫ويَكون االجتهاد حراماً في حاالت ثالث ‪:‬‬
‫السنة ‪ ،‬أو َوقَع في‬
‫الحالة األولى ‪ :‬إذا َوقَع في مقابَلة نَص قاطع من الكتاب أو ُّ‬
‫مقابَلة اإلجماع ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬إذا َوقَع في األصول االعتقادية ‪ :‬كإثبات الوحدانية والصفات وما‬
‫يجري مجراها ‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬إذا َوقَع فيما عُلم من الدين بالضرورة ‪ :‬كأركان اإلسالم والصلوات‬
‫(‪)2‬‬
‫الْ َخ ْمس وتحريم الزنا ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬دليل مشروعية االجتهاد ‪:‬‬
‫والسنة وعمل الصحابة والمعقول ‪..‬‬ ‫االجتهاد ثابت بالكتاب ُّ‬
‫ونفصل القول في ُكل واحد م ْنـ َها فيما يلي ‪..‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -1‬أدلة مشروعية االجتهاد من الكتاب ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱۡل ۡرث إ ۡذ َن َف َش ۡ‬ ‫َ َ ُ َ َ ُ َۡ َ َ ۡ َۡ ُ َ‬
‫ت فِّيهِّ غنَ ُم‬ ‫{وداوۥد وسليمٰن إِّذ َيكم ِّ‬
‫ان ِّف َ ِّ ِّ‬ ‫الدليل األول ‪ :‬قوله تعالى‬
‫اجع ‪ :‬قواطع األدلة ‪ 303/2‬وكشف األسرار للبخاري ‪27 ، 26/4‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬اللمع ‪ 129/‬وشرح المنهاج ‪ 837/1‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 435/‬وفواتح‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫الرحموت ‪ 363 ، 362/2‬وأصول الفقه للشيخ زهير ‪ 441/4‬وتبصير النجباء ‪64 ، 63/‬‬
‫‪144‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َّ ۡ َ َ ُ َ ۡ َ َ َ ُ ا َ َ ۡ َ ُ ۡ‬ ‫ۡ َ ۡ َ ُ َّ ُ ۡ ۡ َ‬
‫حكما َوعِّلما ۚۡ َو َسخ ۡرنا َم َع د ُاوۥد‬ ‫ِّين ‪ ٧٨‬ففهمنٰها سليمٰنۚۡ ولُك ءاتينا‬ ‫شهد َ‬
‫ٱلقو ِّم وكنا ِّۡلك ِّم ِّهم ٰ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ٱۡلبَ َال ي ُ َسب ۡح َن َو َّ‬‫ۡ‬
‫ٱلط ۡ َريۚۡ َوك َّنا َفٰعِّل ِّني} ‪..‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أن ُح ْكم داود وسليمان ‪َ -‬علَْيه َما السالم ‪ -‬في مسألة الغَنَم‬ ‫ْ‬
‫لَ ْم يَ ُك ْن راجعاً إلى الوحي ‪ ،‬وإنما هو راجع إلى اجتهادهم ؛ بدليل ‪ :‬قوله تعالى‬
‫َ ُ َّ ُ ۡ‬
‫ك ِّم ِّه ۡم َ ٰ‬ ‫ۡ َۡ ُ‬
‫ش ِّهدِّين} ‪،‬‬ ‫{إِّذ َيك َمان} ‪ ،‬وقَ ْد َزكى الله تعالى ذلك بقوله {وكنا ِّۡل‬
‫ََ‬
‫؛ بدليل ‪ :‬قوله تعالى {فف َّه ۡم َنٰ َها‬ ‫وعال على اجتهاد سليمان‬ ‫وأَثْـنَى َجل َ‬
‫َ‬
‫مصيباً في اجتهاده لَقال تعالى " ففهمناها سليمان‬ ‫ُسل ۡي َمٰن} ‪ ،‬ولو كان داود‬
‫وداود " ‪ ،‬ولَما كان ُح ْكم سليمان أ َْولَى م ْن ُح ْكم داود ‪َ -‬علَْيه َما السالم ‪ -‬ف َدل‬
‫(‪)2‬‬
‫ذلك على وقوع االجتهاد ‪.‬‬
‫ٱۡلَ ۡوف أَذَ ُ‬
‫اعوا ْ بهِّۦ َول َ ۡو َر يدوهُ‬ ‫َ َ اَ ُ ۡ َۡ ‪ۡ َ َۡ ۡ َ ٞ‬‬
‫ِّ ۖ‬ ‫ِّ‬ ‫الدليل الثاني ‪ :‬قوله تعالى {ِإَوذا جاءهم أمر مِّن ٱۡلم ِّن أوِّ‬
‫َ َ َ ۡ ُ َّ‬
‫ٱَّلل َعلَ ۡي ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ِإَوَل أ ُ ْوِل ۡٱۡلَ ۡمر م ِّۡن ُه ۡم لَ َعل َِّم ُه َّٱَّل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫ك ۡم‬ ‫ِّين ي ۡستَۢنبِّ ُطون ُهۥ مِّن ُه ۡم َول ۡوَّل فضل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫إَِّل ٱلرسو ِّل َٰٓ ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ َ ۡ َ ُ ُ َ َّ َ ۡ ُ ُ َّ‬
‫ٱلش ۡي َطٰ َن إَِّّل قَل ِّيَل} ‪..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ورَحتهۥ َلتبعتم‬
‫وس َعه في طلب الْ ُح ْكم الشرعي الظني ‪،‬‬ ‫وجه الداللة ‪ :‬أن االجتهاد ‪ :‬بَ ْذل الفقيه ْ‬
‫ْ‬
‫وهو في ذاته استخراج ل ْل ُح ْكم واستنباط له إذا عدم النص أو اإلجماع ‪ ،‬وإذا كان‬
‫لح ْكم ؛ واالستنباط مدحه الله تعالى ونَ َدب إليه ؛ َدل ذلك‬ ‫االجتهاد استنباطاً ل ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫على أن االجتهاد جائز شرعاً ‪ ،‬وهو المد َعى ‪.‬‬
‫السنة المطهرة ‪:‬‬
‫‪ -2‬أدلة مشروعية االجتهاد من ُّ‬
‫إلى اليَ َمن قاضياً وسأله‬ ‫عندما أ َْر َسله النبي‬ ‫الدليل األول ‪ :‬حديث معاذ‬
‫{ب َم تَـ ْقضي} قال ‪ ":‬بكتَاب الله " ‪ ،‬قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال ‪ ":‬ب ُ‬
‫سنة َر ُسول‬
‫(‪ )1‬سورة األنبياء اآليتان ‪98 ، 97‬‬
‫اجع ‪ :‬أحكام القرآن للشافعي ‪ 122/2‬وإحكام الفصول ‪ 709 ، 708/‬واإلحكام‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫وفتح القدير ‪418/3‬‬
‫لآلمدي ‪ْ 173/4‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪83‬‬
‫اجع ‪ :‬تفسير القرطبي ‪ 292/5‬وأحكام القرآن للجصاص ‪ 19/3‬وشرح النووي على‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫صحيح مسلم ‪ 57/11‬وفتح الباري ‪ 200/13‬وتفسير القرآن العظيم ‪ 390/4‬وإرشاد‬
‫النقاد ‪4/‬‬
‫‪145‬‬
‫ض َرب النبي على‬ ‫َجتَه ُد َرأْيي َوالَ آلُو} ‪ ،‬ف َ‬‫الله " ‪ ،‬قال {فَإ ْن لَ ْم تَجد} قال {أ ْ‬
‫ول الله} ‪..‬‬ ‫ص ْدره وقال {ال َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ول َر ُسول الله ل َما يُـ ْرضي َر ُس َ‬
‫ْح ْم ُد لله الذي َوف َق َر ُس َ‬ ‫َ‬
‫في طُُرق‬ ‫َحمد الل َه تعالى على توفيقه ل ُمعاذ‬ ‫وجه الداللة ‪ :‬أن النبي‬ ‫ْ‬
‫استخراج األحكام وم ْنـ َها االجتهاد ‪ ،‬ف َدل ذلك على أن االجتهاد جائز ومشروع ‪.‬‬
‫اجتَـ َه َد‬
‫َج َران ‪َ ،‬وإذَا ْ‬
‫اب فَـلَهُ أ ْ‬
‫َص َ‬
‫ْحاك ُم فَأ َ‬ ‫{إذَا ْ‬
‫اجتَـ َه َد ال َ‬ ‫الدليل الثاني ‪ :‬قوله‬
‫َجر} ‪..‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فَأَ ْخطَأَ فَـلَهُ أ ْ‬
‫بَـين لنا أن المجتهد مأجور على اجتهاده في كلتي‬ ‫وجه الداللة ‪ :‬أن النبي‬ ‫ْ‬
‫أجر واحد ‪ ،‬والثواب على الفعل‬ ‫حالتَـ ْيه ‪ :‬إ ْن أصاب فله أجران ‪ ،‬وإ ْن أخطأ فله ْ‬
‫َأمارة الندب واالستحباب ‪ ،‬ف َدل ذلك على أن االجتهاد جائز شرعاً ‪ ،‬وهو المد َعى ‪.‬‬
‫‪ -3‬أدلة مشروعية االجتهاد م ْن عمل الصحابة ‪:‬‬
‫عند وجود النص في فَـ ْهمه ‪ ،‬وعند عدمه في الوصول إلى‬ ‫اجتهد الصحابة‬ ‫َ‬
‫ُح ْكم فيما يَعرض لهم م ْن َمسائل ‪..‬‬
‫صلِّيَن‬ ‫م ْن أدلة ذلك ما يلي ‪ :‬قول النبي للصحابة بَـ ْعد غزوة الخندق {الَ يُ َ‬
‫ص َر إال في بَني قُـ َريْظَة} ‪ ،‬وبينما ُه ْم في الطريق أذن العصر ‪ ،‬فاختلَفوا ‪..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َح ُد ُك ُم ال َْع ْ‬
‫أَ‬
‫فبَـ ْعضهم صالها خوفاً م ْن خروج وقْتها وعمالً ُبروح النص ؛ ألنهم فَهموا‬
‫الحكمة م ْن هذا النهي هي التعجيل وليس لذات المكان ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬محل االجتهاد ‪:‬‬
‫حصر بَـ ْعض المتأخرين الحاالت التي يسوغ فيها االجتهاد في أربع ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫َ‬
‫الحالة األولى ‪ُ :‬كل حادثة لَ ْم يَر ْد فيها نص أو إجماع ‪ ،‬نَ ْحو ‪َ :‬ج ْمع المصحف ‪،‬‬
‫(‪ )1‬هذا الحديث سبق تخريجه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه الترمذي في كتاب األحكام َع ْن رسول الله ‪ :‬باب ما جاء في القاضي‬
‫يصيب ويخطئ برقم ( ‪ ) 1248‬والنسائي في كتاب آداب القضاة ‪ :‬باب اإلصابة في الْ ُح ْكم‬
‫‪ ،‬وابن ماجه في كتاب األحكام ‪ :‬باب الحاكم يَجتهد‬ ‫برقم ( ‪َ ) 5286‬ع ْن أبي هريرة‬
‫‪.‬‬ ‫فيصيب برقم ( ‪ ) 2305‬عن ابن َع ْمرو‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه البخاري برقم ( ‪ ) 904‬ومسلم برقم ( ‪ ) 1770‬وابن حبان برقم‬
‫‪.‬‬ ‫( ‪ ) 1462‬عن ابن عمر‬
‫‪146‬‬
‫‪.‬‬ ‫واستخالف أبي بكر‬
‫الحالة الثانية ‪ُ :‬كل ُح ْكم شرعي َوَرد به نص ظنِّي الداللة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َّ‬
‫{ َوٱل ُم َطل َقٰ ُت َي َ ََت َّب ۡص َن بِّأ ُنف ِّس ِّه َّن ثَلٰثَ َة قُ ُر اوء} ؛ فالقرء ظنِّي الداللة ؛ ألنه مشترك‬
‫(‪)1‬‬

‫بَـ ْين الطهر والحيض ‪ ،‬ول َذا اختلَف الفقهاء في عدة الْ ُمطَل َقة ‪َ :‬ه ْل هي ثالثة أطهار‬
‫أم ثالث حيضات ؟‬
‫بح ْكمها نص ظنِّي الثبوت قطعي الداللة ‪ ،‬نَ ْحو ‪:‬‬ ‫الحالة الثالثة ‪ :‬الواقعة التي َوَرد ُ‬
‫اد َماض إلَى يَـ ْوم الْقيَ َامة} ؛ فإنه خبر آحاد ظنِّي الثبوت ‪ ،‬إال‬ ‫قوله {الْج َه ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫أنه قطعي الداللة في معناه ‪.‬‬


‫بح ْكمها نص ظنِّي الثبوت والداللة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬قوله‬ ‫الحالة الرابعة ‪ :‬الواقعة التي َوَرد ُ‬
‫صالَةَ ل َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ ب َفات َحة الْكتَاب} ؛ فإنه خبر آحاد ظنِّي الثبوت‬ ‫{الَ َ‬
‫(‪)3‬‬

‫ظنِّي الداللة ؛ الحتمال أ ْن يَكون النفي فيه لنَـ ْفي الصحة أو الكمال ‪ :‬فالشافعية‬
‫َح َملوا النفي على الصحة ‪ ،‬وقالوا ببطالن الصالة التي لَ ْم يـُ ْق َرأْ فيها بفاتحة الكتاب ‪،‬‬
‫والحنفية َح َملوا النفي على الكمال ‪ ،‬وقالوا بصحة صالة َم ْن لَ ْم يَـ ْق َرأْ بفاتحة‬
‫(‪)5( )4‬‬
‫‪.‬‬ ‫الكتاب‬
‫حصر الحاالت التي ال يجوز االجتهاد فيها ‪ -‬أو ما ال يسوغ فيه‬ ‫ويُ ْمكن ْ‬
‫االجتهاد ‪ -‬في أربع حاالت ‪:‬‬
‫الحالة األولى ‪ :‬ما ليس من األحكام الشرعية ‪ ،‬نحو ‪ :‬الموت اإلكلينيكي ؛ فهو‬
‫ْأمر طبِّي بَ ْحت ‪ ،‬لكنه مرتبط بأحكام شرعية في جواز نَـ ْقل األعضاء م ْن هذا‬
‫اإلنسان في تلك الحالة أم ال ‪ ،‬ول َذا كان على الفقهاء أ ْن يَرجعوا إلى األطباء الذين‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة من اآلية ‪228‬‬
‫(‪ )2‬أَ ْخ َر َجه أبو داود في كتاب الجهاد ‪ :‬باب في الغزو مع أئمة الجور برقم ( ‪َ ) 2170‬ع ْن‬
‫اد َماض ُم ْن ُذ بَـ َعثَني اللهُ إلَى أَ ْن يُـ َقات َل آخ ُر أُمتي الدجال} ‪.‬‬
‫‪ ،‬ولَْفظه {‪َ ...‬والْج َه ُ‬ ‫أَنَس‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث سبق تخريجه ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬الهداية ‪ 53/1‬ومغني المحتاج ‪156/1‬‬ ‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬إرشاد الفحول ‪ 257/‬وأصول الفقه اإلسالمي لبدران أبي العينين ‪479 - 472/‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫وتبصير النجباء ‪ 75 - 71/‬والوجيز ل َع ْبد الكريم زيدان ‪ 407 ، 406/‬وأصول الفقه اإلسالمي‬
‫للزحيلي ‪ 1082 - 1080/2‬وأصول الفقه اإلسالمي لزكي الدين شعبان ‪335 ، 334/‬‬
‫‪147‬‬
‫وهل هناك رجعة َع ْنه بعودة الحياة أ َْم ال ؟‬
‫شخِّصون هذا الموت ‪ْ ،‬‬ ‫يُ َ‬
‫فهل‬
‫َسل ْمنَا جدالً بعدم عودة الحياة وأنه في ُح ْكم الميت إ ْن لَ ْم يَ ُك ْن ميتاً ‪ْ :‬‬
‫يجوز أ ْن تُـ ْنتَـ َهك حرمة الميت بأخذ بَـ ْعض أعضائه ليَنتفع بها غَْيره في حالة‬
‫الضرورة ؟ ‪ ..‬هذا هو َد ْور الفقهاء ليَجتهدوا في بيان ُح ْكم الشرع في هذه الواقعة‬
‫المستح َدثة ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬ما َوَرد فيه نص قطعي الثبوت والداللة ‪ ،‬نحو ‪ :‬قوله تعالى‬
‫ُۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َّ ُ َ َ ُ‬
‫َّلل ِّفا أ ۡولٰدِّك ۡمۖ ل َِّّذلكرِّ م ِّۡث ُل َح ِّظ ٱۡلنثيَ ۡني} ؛ فإنه قطعي الثبوت وقطعي‬ ‫{يُ ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وصيكم ٱ‬
‫الداللة على وجوب إعطاء الولد من التركة ض ْعف نصيب األنثى ‪ ،‬وهذا دليل قطعي‬
‫ت‬‫بمعارضته أو إبطاله أو تعديله كما فَـ َعلَ ْ‬ ‫َ‬ ‫في هذا الْ ُح ْكم ‪ ،‬ول َذا يحرم االجتهاد‬
‫بَـ ْعض الدول حينما أَصدر رئيسها السابق قانوناً يساوي األنثى بالذ َكر في الميراث ‪،‬‬
‫وهو اجتهاد مرفوض ؛ ألنه صادر مم ْن ليس أهالً له ‪ ،‬كما أنه في غَْير محله ؛ ألنه‬
‫(‪)2‬‬
‫وح ْكمه ‪.‬‬ ‫ألمر الله تعالى ُ‬‫عارض النص وأَبْطَلَه ‪ ،‬وهو َرفْض صريح ْ‬ ‫َ‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬ما ُعلم من الدين بالضرورة ‪ ،‬نحو ‪ :‬الصلوات المفروضة والزكوات‬
‫(‪)3‬‬
‫الواجبة والصيام والحج ونَ ْحوها من العقوبات والكفارات ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ت َعلَْيه األُمة ‪ ،‬وأ َْولى اإلجماعات في ذلك ‪ :‬إجماع‬ ‫َج َم َع ْ‬ ‫الحالة الرابعة ‪ :‬ما أ ْ‬
‫َج َمع َعلَْيه فقهاء األُمة ‪ ،‬نَ ْحو ‪ :‬إجماعهم على أن ُكل‬ ‫‪ ،‬ونَ ْحوه ما أ ْ‬ ‫الصحابة‬
‫ت َعلَْيه الصالة من المكلفين ثُم تَـ َرَك َها جاحداً وجوبَها كافر يـُ ْقتَل بكفره ‪،‬‬ ‫َم ْن َو َجبَ ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫اجتهد وأَفْـتَى بأن‬
‫فمن َ‬ ‫فيم ْن تركها غَْيـ َر جاحد بَ ْل كسالً وتهاوناً ‪ ،‬ول َذا َ‬ ‫ثُم اختلَفوا َ‬
‫وم ْنكراً لوجوبها ليس كافراً ‪ ،‬بَ ْل هو ُم ْسلم يَكون اجتهاده‬ ‫تارك الصالة جاحداً ُ‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫مردوداً ؛ لمقابَلته اإلجماع المبني على النصوص الواردة في ذلك من الكتاب ُّ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء من اآلية ‪11‬‬
‫(‪ )2‬تبصير النجباء ‪79 ، 78‬‬
‫اجع تبصير النجباء ‪81/‬‬‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫اجع رحمة األُمة ‪26/‬‬‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬اللمع ‪ 130 ، 129/‬والمعتمد ‪ 397 ، 396/‬والمستصفى ‪344/2‬‬ ‫(‪ )5‬يُـ َر َ‬
‫واإلحكام لآلمدي ‪ 171/4‬والموافقات ‪ 157 ، 156/4‬وشرح العضد ‪ 289/2‬وإرشاد‬
‫الفحول ‪ 252/‬وتبصير النجباء ‪81 - 77/‬‬
‫‪148‬‬
‫خامساً ‪ -‬شروط المجتهد ‪:‬‬
‫المجتهد هو ‪ :‬الفقيه المستفرغ لوسعه في طلب الحكم الشرعي الظني ‪.‬‬
‫وشروط المجتهد نوعان ‪ :‬علمية ‪ ،‬وشخصية ‪..‬‬
‫* أما الشروط العلمية للمجتهد فهي ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً بالكتاب ‪.‬‬
‫ويحتاج في ذلك إلى ثالثة علوم ‪:‬‬
‫العلْم األول ‪ :‬آيات األحكام ‪.‬‬
‫العلْم الثاني ‪ :‬الناسخ والمنسوخ ؛ حتى ال يُفتي بالمنسوخ ‪.‬‬
‫العلْم الثالث ‪ :‬أسباب النزول ؛ حتى يقف على مناسبة التشريع ‪ ،‬وهل الْ ُح ْكم عام‬
‫في سبب نزوله وغَْيره ْأم خاص به ‪.‬‬
‫بالسنة ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً ُّ‬
‫بمسائل اإلجماع ؛ ألنه إذا لَ ْم يَ ُك ْن عالماً قد يُـ ْفتي‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً َ‬
‫ت َعلَْيه األُمة ‪ ،‬واالجتهاد في هذه الحالة باطل وال يجوز ‪.‬‬ ‫َج َم َع ْ‬
‫بخالف ما أ ْ‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً بلُغَة العرب ‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً بأصول الفقه ؛ ألنه العلْم الذي على ضوء‬
‫قواعده يُ ْمكن استخراج األحكام واستنباطها ‪.‬‬
‫الشرط السادس ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً ب َمقاصد الشريعة ؛ حتى ال يَجتهد فيما يخالف‬
‫المقاصد ‪.‬‬
‫أو يَتعارض مع هذه َ‬
‫الشرط السابع ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً بالقواعد الكلية ‪.‬‬
‫الشرط الثامن ‪ :‬أ ْن يَكون عالماً بأحوال الناس وأعرافهم وعاداتهم ؛ وذلك لتأثر‬
‫(‪)1‬‬
‫األحكام بها وفْق ضوابط وشروط معينة ‪.‬‬
‫اجع شروط االجتهاد في ‪ :‬اللمع ‪ 127/‬وقواطع األدلة ‪307 - 303/2‬‬ ‫(‪ )1‬تُـ َر َ‬
‫والمنخول ‪ 464 ، 463/‬والمستصفى ‪ 353 - 350/2‬واإلحكام لآلمدي ‪170/4‬‬
‫والموافقات ‪ 70 - 67/4‬واإلبهاج ‪ 257 - 254/3‬وإرشاد الفحول ‪252 – 250/‬‬
‫وأصول الفقه لزكريا البري ‪ 309/‬وشرح تنقيح الفصول ‪ 437/‬والبحر المحيط ‪- 199/6‬‬
‫‪ 204‬وتبصير النجباء ‪60 - 51/‬‬
‫‪149‬‬
‫* أما الشروط الشخصية للمجتهد فهي ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬اإلسالم ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬البلوغ ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬العقل ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬فقيه الن ْفس ‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬العدالة والصالح ‪.‬‬
‫المسلك ‪.‬‬ ‫الشرط السادس ‪ُ :‬ح ْسن الطريقة وسالمة َ‬
‫الشرط السابع ‪ :‬الورع والعفة ‪.‬‬
‫المالحظة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫الشرط الثامن ‪ :‬رصانة الفكر وجودة‬
‫الشرط التاسع ‪ :‬أ ْن يَكون ثقةً غَْيـ َر متساهل في ْأمر الدين ‪.‬‬
‫الشرط العاشر ‪ :‬االفتقار إلى الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء ‪.‬‬
‫شر ‪ :‬ثقته بن ْفسه ‪.‬‬
‫الشرط الحادي َع َ‬
‫شر ‪ :‬شهادة الناس له باألهلية ‪.‬‬ ‫الشرط الثاني َع َ‬
‫ضى قوله ‪.‬‬ ‫شر ‪ :‬موافَقة عمله مقت َ‬ ‫الشرط الثالث َع َ‬
‫سادساً ‪ -‬دعاوى غَلْق باب االجتهاد وتجديده والرد عليها ‪:‬‬
‫اإلسالم اليوم متـ َهم ‪ -‬من البعض ‪ -‬بالجمود ‪ ،‬وأحكامه الفقهية ‪ -‬كذلك ‪-‬‬
‫وأهل العصور الوسطى ‪ ،‬أما في‬ ‫ألهل البادية ْ‬ ‫بالتخلف والرجعية ‪ ،‬وأنها ال تَصلح إال ْ‬
‫عصر التقدم العلْمي والتطور التكنولوجي وثورة االتصاالت فإنها ال تتواءم وال تَتفق‬ ‫ْ‬
‫معه ‪ ،‬ول َذا ال بُد م ْن فَـ ْتح باب االجتهاد وإعادة النظر في ُكل األحكام وتجديد‬
‫االجتهاد في حقها ‪..‬‬
‫وهذان المطلبان ال يطالب بهما إال جاهل بالفقه اإلسالمي وأصوله ‪..‬‬
‫ألن المطلب األول ( وهو فَـ ْتح باب االجتهاد ) ‪ :‬قائم في ُكل زمان ‪ ،‬وال يخلو‬
‫ْح ِّق َحتى‬
‫ين َعلَى ال َ‬ ‫{الَ تَـ َز ُ‬
‫ال طَائ َفةٌ م ْن أُمتي ظَاهر َ‬ ‫عصر َع ْن مجتهد ؛ لقوله‬
‫ْ‬
‫يَأْت َي أ َْم ُر الله} ‪ ،‬وألن االجتهاد هو وسيلة صالحية الشريعة ل ُكل زمان ول ُكل‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬هذا الحديث أَ ْخ َر َجه ُم ْسلم في كتاب اإلمارة ‪ :‬باب قوله {الَ تَـ َز ُ‬
‫ال طَائ َفةٌ م ْن أُمتي =‬
‫‪150‬‬
‫ت أفعال كثيرة ال نص فيها عن التشريع ‪ ،‬وألن‬ ‫مكان ‪ ،‬ولو أُ ْغلق بابُه لَ َخ َر َج ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫فرض كفاية ‪ ،‬فيَستلزم انتفاؤه اتفا َق المسلمين على الباطل ‪ ،‬وهو ممنوع ‪.‬‬ ‫االجتهاد ْ‬
‫فتح باب‬ ‫صر َع ْن مجتهد ‪ ،‬مما يَستلزم َ‬ ‫ونحن مع الرأي القائل بعدم خلو َع ْ‬
‫ولكن وفْق شروط وضوابط ؛ حتى ال نَفتح‬ ‫االجتهاد في ُكل زمان وفي ُكل مكان ‪ْ ،‬‬
‫أبواباً للفساد والضالل ‪.‬‬
‫قصدوا حماية األُمة مم ْن لَ ْم يَبلغ‬ ‫والذين أَغلَقوا باب االجتهاد من العلماء إنما َ‬
‫وم ْن‬
‫االجتهاد غَْيـ ُر ْأهله َ‬
‫َ‬ ‫درجة االجتهاد أو لَ ْم تتحقق فيه شروطه ‪ ،‬وخشيةَ أ ْن يدعي‬
‫ال يُوثَق بدينه ورأْيه ‪ ،‬فسداً لذريعة الفساد أَق َفلوا باب االجتهاد ‪ -‬مع عُلُو شأنه ‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وآثَروا التقلي َد َعلَْيه مع انحطاط ُرتْـبَته ‪.‬‬
‫واليوم ‪ -‬ولله الحمد والمنة ‪ -‬هناك من العلماء َم ْن ُه ْم ْأهل للفتيا واالجتهاد ‪،‬‬
‫يُظْهرون ُح ْكم الشرع في ُكل مستح َدث وجديد لَ ْم يَ ُك ْن فيه نَص أو ُح ْكم سابق ‪،‬‬
‫صد أصحاب هذه الدعوى‬ ‫األمر الذي يـُْبطل َد ْع َوى غلْق باب االجتهاد ‪ ،‬إال إ ْن قَ َ‬ ‫َ‬
‫فَـ ْت َح باب االجتهاد دون ضوابط أو قيود حتى يدخل م ْن هذا الباب ُكل المثقفين‬
‫والمتعلمين والفنانين والمفكرين وغَْيرهم مم ْن يحاولون إباحة الحرام وفْق‬
‫اجتهاداتهم الباطلة ‪.‬‬
‫وأما المطلب الثاني ( وهو تجديد االجتهاد ) ‪ :‬فليس مصطلَحاً مستح َدثاً كما‬
‫عصرهم ‪،‬‬ ‫يتوهم البعض ؛ ففقهاء اإلسالم ‪ -‬في نظرهم ‪ -‬إنما نظروا وح َكموا فقط ل ْ‬
‫ول َذا ال عالقة لهم بما يستجد م ْن وقائع متعلقة بهذه األحكام ‪ ،‬مما يَستدعي‬
‫تجديد االجتهاد ‪ ،‬وهو ما نَفتقده هذه األيام ‪.‬‬
‫ويَكفي َرداً على هذه الدعوى ‪ :‬تلك النصوص التي تُثبت تجديد االجتهاد‬
‫وعُ ْم َقه في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬وم ْنـ َها ‪:‬‬
‫هل يلزم المجتهد تجديد االجتهاد إذا َوقَـ َعت الحادثة‬ ‫‪ْ :‬‬ ‫‪ -‬قول اإلمام النووي‬
‫ض ُّرُه ْم َم ْن َخالََف ُهم} برقم ( ‪ ) 3544‬والترمذي في كتاب الفتن َع ْن‬
‫ْح ِّق الَ يَ ُ‬
‫ين َعلَى ال َ‬
‫= ظَاهر َ‬
‫‪.‬‬ ‫رسول الله ‪ :‬باب ما جاء في األئمة المضلين برقم ( ‪ ) 2155‬عَ ْن ثوبان‬
‫اجع ‪ :‬إرشاد الفحول ‪253/‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع بلوغ السول ‪14/‬‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫‪151‬‬
‫مرةً أخرى أو القبلة ؟‬
‫ْت ‪ :‬أصحهما ‪ :‬لزوم التجديد ‪ ،‬وهذا إذا لَ ْم يَ ُك ْن ذاكراً لدليل األولى ولَ ْم‬ ‫قُـل ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫رجوعه ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫يَتجدد ما قَ ْد يوجب َ‬
‫العامي عالماً في ُح ْكم حادثة فأفتاه ثُم‬ ‫‪ :‬إذا استفتَى ِّ‬ ‫‪ -‬وقول ابن عقيل‬
‫َح َدث مثْـلُ َها َو َجب َعلَْيه أ ْن يُ ْحدث اجتهاداً ثانياً ‪ ،‬وال يفتي بما أَفْـتَى أوالً فيَكون‬
‫مقلِّداً لنَـ ْفسه ‪..‬‬
‫ض َرت صالة أخرى فإنه‬ ‫اجتهد في القبلة فأداه اجتهاده إلى جهة ‪ ،‬ثُم َح َ‬ ‫كما إذا َ‬
‫يُ ْحدث لها اجتهاداً ثانياً إذا كانت القبلة على الخفاء ‪ ،‬وال يَستقبل الجهةَ األولى ؛‬
‫ألن االجتهاد قَ ْد يَتغير ‪ ،‬فال يـُ ْؤَمن أ ْن يَكون الحق فيما يَتجدد من الْ ُح ْكم باجتهاده‬
‫(‪)2‬‬
‫الثاني ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫وقول ابن السبكي رحمهما الله تعالى ‪ ":‬إذا تكرَرت الواقعة وتَ َجدد ما قَ ْد‬
‫(‪)3‬‬
‫يَقتضي الرجوع ولَ ْم يَ ُك ْن ذاكراً للدليل األول َو َجب تجديد النظر قطعاً ‪ ..‬ا‪.‬هـ ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫التقليـد‬

‫أَوالً ‪ -‬تعريف التقليد ‪:‬‬


‫التقليد لغةً هو ‪ :‬ما يـُ ْربَط في العنق ‪ ،‬أو ما يُـل َْزم به أو يـُ َفوض إليه ‪.‬‬
‫واصطالحاً (الراجح عندي ) ‪ :‬العمل بالْ ُح ْكم الشرعي الذي تَوصل إليه المجتهد ‪.‬‬
‫( العمل ) ‪ :‬كالجنس في التعريف ‪ ،‬يَشمل التقليد وغَْيـ َره ‪ ،‬ويَشمل العمل‬
‫بالْ ُح ْكم والعمل بغَْيره ‪.‬‬
‫سمى " تقليداً " ‪.‬‬ ‫الح ْكم ؛ فال يُ َ‬
‫( بالْ ُح ْكم ) ‪ْ :‬قيد أول ‪ ،‬خرج به العمل بغَْير ُ‬
‫( الذي تَوصل إليه المجتهد ) ‪ْ :‬قيد ثالث ‪ ،‬خرج به العمل بالْ ُح ْكم الشرعي‬
‫(‪ )1‬روضة الطالبين ‪100/11‬‬
‫(‪ )2‬الواضح ‪244 ، 243/5‬‬
‫(‪ )3‬جمع الجوامع مع حاشية البناني ‪394/2‬‬
‫‪152‬‬
‫سمى " تقليداً " وإنما‬ ‫أو ُرجع فيه إلى اإلجماع ؛ فال يُ َ‬ ‫الذي أُخذ عن النبي‬
‫تؤخذ م ْنه األحكام ‪..‬‬ ‫" اتباعاً " ؛ ألن ُكل واحد م ْنـ ُه َما دليل َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫سمى " تقليداً " ‪.‬‬ ‫كما خرج به ‪ -‬أيضاً ‪ -‬العمل بقول الصحابي ؛ فال يُ َ‬
‫كما خرج به ‪ -‬أيضاً ‪ -‬العمل بالْ ُح ْكم الشرعي الذي تَوصل إليه غَْير المجتهد ؛‬
‫فال يُ َسمى " تقليداً " ؛ ألن الْ ُح ْكم صادر م ْن غَْير ْأهله ‪.‬‬
‫كما خرج به ‪ -‬أيضاً ‪ -‬العمل بأحكام العقيدة وأصول الدين ؛ ألنه ال يسوغ‬
‫االجتهاد فيها ‪ ،‬وم ْن ثَم يحرم التقليد فيها ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬حكم التقليد ‪:‬‬
‫إن معرفة ُح ْكم التقليد تَتوقف على معرفة ُكل ُرْكن من أركانه الثالثة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫المقلِّد ‪ ،‬والمقلد ( المجتهد ) ‪ ،‬والمقلد فيه ( وهو الحكم الشرعي الذي قَـلد‬
‫العام ُّي فيه المجتهد ) ‪..‬‬
‫ِّ‬
‫فالمقلِّد إما أ ْن يَكون ِّ‬
‫عامياً أو مجتهداً أو عالماً لَ ْم يَـ ْبـلُ ْغ درجةَ االجتهاد ‪.‬‬
‫والمقلد قَ ْد يَكون النبي أو الصحابةَ أو مجتهداً حياً أو ميتاً ‪ ،‬فاضالً أو‬
‫مفضوالً ‪ ،‬واحداً أو متعدداً ‪.‬‬
‫والمقلد فيه إما أ ْن يَكون أصوالً أو فروعاً ‪.‬‬
‫حص ْرتُها في ثالثة ‪ :‬الوجوب ‪ ،‬والحرمة ‪ ،‬والجواز ‪.‬‬ ‫والتقليد في جميعها تعتريه أحكام ‪َ ،‬‬
‫ول َذا فإنه يمكن الوقوف على تفصيل القول فيها واختالف األصوليين الذي‬
‫ت م ْنه ما َعلَْيه الجمهور أو الراجح عندي على النحو التالي ‪:‬‬ ‫َخ ْذ ُ‬
‫أَ‬
‫الْ ُح ْكم األول ‪ :‬الوجوب ‪.‬‬
‫العامي الذي ال يَعرف الْ ُح ْك َم الشرعي ‪ ،‬فيجب‬ ‫التقليد يَكون واجباً في َحق ِّ‬
‫َعلَْيه أ ْن يقلِّد مجتهداً في ذلك ‪.‬‬
‫الْ ُح ْكم الثاني ‪ :‬الحرمة ‪.‬‬
‫التقليد يَكون حراماً في حاالت ‪:‬‬
‫الحالة األولى ‪ :‬التقليد في أصول الدين وأصول العبادات ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬تقليد المجتهد في ُح ْكم خالَف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً ‪.‬‬
‫اجع شرح الكوكب المنير ‪533 - 531/4‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫‪153‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬تقليد َم ْن عُرف بالجهل أو َم ْن ُجهل حالُه ‪.‬‬
‫الحالة الرابعة ‪ :‬تقليد المجتهد للمجتهد ‪.‬‬
‫الْ ُح ْكم الثالث ‪ :‬الجواز ‪.‬‬
‫التقليد يَكون جائزاً في حاالت ‪:‬‬
‫الحالة األولى ‪ :‬التقليد في فروع الشريعة ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬تقليد المفضول مع التمكن م ْن تقليد الفاضل ‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬تقليد الميت ‪.‬‬
‫الحالة الرابعة ‪ :‬تقليد المجتهد لمجتهد أَ ْعلَم م ْنه ‪.‬‬
‫آخر إذا أَ ْش َكل َعلَْيه الْ ُح ْكم في المسألة ‪.‬‬‫الحالة الخامسة ‪ :‬تقليد المجتهد لمجتهد َ‬
‫الحالة السادسة ‪ :‬تقليد العالم الذي لَ ْم يَـ ْبـلُ ْغ درجةَ االجتهاد َم ْن كان م ْن ْأهل االجتهاد ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬حكم التقليد ‪:‬‬
‫حصرها فيما يلي ‪:‬‬ ‫شترط في التقليد شروط ‪ ،‬أَم َكن ْ‬ ‫يُ َ‬
‫الر َخص المذهبية تتبعاً يُ ْخرجه َع ْن ع ْقد التكليف ‪.‬‬‫الشرط األول ‪ :‬أ ْن ال يَتتبع ُّ‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أ ْن ال يـُلَ ِّفق بَـ ْين ْ‬
‫قو ْلين تَتولد م ْنـ ُه َما حقيقة واحدة ال يقول بها ُكلٌّ‬
‫اإلمامين ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أ ْن ال يَكون الْ ُح ْكم المقلد فيه مخالفاً لنَص أو إجماع أو قياس َجلي ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أ ْن يَكون مقلده مجتهداً ولو في الفتوى ‪ :‬كالنووي وابن القيم والعز‬
‫ض ْعف قوله‬ ‫يصرح العلماء ب َ‬
‫عبد السالم ‪ -‬رحمهم الله تعالى ‪ -‬بشرط أ ْن ال ِّ‬ ‫ابن ْ‬
‫في هذه المسألة ‪ ،‬وكذلك ال يصح تقليد المجتهد في القول الذي َر َجع َع ْنه ما لَ ْم‬
‫يرجحه علماء مذهبه ؛ لقوة الدليل ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الشرط الخامس ( للمؤلف ) ‪ :‬أ ْن يَكون المقلِّد ِّ‬
‫عامياً أو عالماً لَ ْم يَبلغ درجةَ‬
‫االجتهاد ‪ ،‬أما إ ْن كان مجتهداً فال يجوز له أ ْن يقلِّد مجتهداً غَْيـ َره إال بشروط عند‬
‫البعض يأتي تفصيل القول فيها بإذن الله تعالى ‪.‬‬
‫الشرط السادس ( للمؤلف) ‪ :‬أ ْن يَكون المقلد فيه م ْن فروع الشريعة وليس م ْن‬
‫(‪)1‬‬
‫أصول الدين أو أصول العبادات كما ذهب أَكثر األصوليين ‪.‬‬
‫اجع ‪ :‬روضة الناظر‪407، 406/‬والواضح‪449/5‬ومختصر المنتهى مع شرح العضد ‪305/2‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫والبلبل ‪ 183/‬وشرح الكوكب المنير ‪ 533/4‬وشرح المنهاج ‪ 849/2‬ومسلم الثبوت ‪401/2‬‬
‫‪154‬‬
‫العامي للمجتهد ‪:‬‬ ‫ثالثاً ‪ -‬حكم تقليد ِّ‬
‫العامي للمجتهد على مذاهب ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬ ‫اختلَف األصوليون في جواز تقليد ِّ‬
‫العامي للمجتهد ‪.‬‬‫المذهب األول ‪ :‬وجوب تقليد ِّ‬
‫سبه الزركشي‬ ‫‪ ،‬ونَ َ‬ ‫وهو ما َعلَْيه المحققون من األصوليين واألئمة األربعة‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى الجمهور ‪ ،‬واختاره إمام الحرمين والغزالي والباجي والقرافي وابن‬
‫عبد‬
‫الحاجب وابن قدامة واآلمدي وابن السبكي والفتوحي وابن الهمام وابن ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫الشكور والزركشي رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫وأصحاب هذا المذهب قالوا بحرمة تقليد المجتهد للمجتهد ‪..‬‬
‫هل يجب َعلَْيه التقليد‬ ‫واختلَفوا في تقليد العالم الذي لَ ْم يَبلغ درجةَ االجتهاد ‪ْ :‬‬
‫كالعامي ْأم ال ؟‬
‫ِّ‬
‫كالعامي‬
‫ِّ‬ ‫ف َذ َهب ابن الحاجب واآلمدي ‪ -‬رحمهما الله تعالى ‪ -‬وغَْيرهما إلى أنه‬
‫(‪)3‬‬
‫عجزه َع ْن االجتهاد ‪ ،‬ولعدم بلوغه درجتَه ‪.‬‬ ‫الص ْرف ؛ ل ْ‬
‫ِّ‬
‫وقال قوم ‪ :‬ال يجوز ذلك ‪ ،‬ويجب َعلَْيه معرفة الْ ُح ْكم بطريقه ؛ ألنه قادر على‬
‫معرفة األحكام وأدلتها ‪ ،‬بخالف غَْيره من العوام ‪.‬‬
‫بالعامي ‪ ،‬ال سيما أتباع المذاهب‬ ‫ِّ‬ ‫في إلحاق العالم‬ ‫وتَـ َوقف الزركشي‬
‫(‪)4‬‬
‫سهم نصبة المقلدين ‪.‬‬ ‫المتبحرين ؛ فإنهم لَ ْم ينصبوا أن ُف َ‬
‫ومما تَـ َقدم أرى ‪ :‬وجوب التفريق بَـ ْين عالم غَْير قادر على معرفة طُُرق الْ ُح ْكم‬
‫وأدلته والترجيح وبَـ ْين عالم قادر على ذلك ‪..‬‬
‫الص ْرف سواء ‪ ،‬فيجب َعلَْيه تقليد المجتهد ‪.‬‬ ‫والعامي ِّ‬
‫فاألول هو ِّ‬
‫اجع البحر المحيط ‪283 - 280/6‬‬
‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬البرهان ‪ 1358/2‬والمستصفى ‪ 372/‬وإحكام الفصول ‪ 727/‬وشرح تنقيح‬ ‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫الفصول ‪ 444/‬ومختصر المنتهى ‪ 306/2‬وروضة الناظر ‪ 407/‬واإلحكام لآلمدي ‪234/4‬‬
‫وجمع الجوامع مع الغيث الهامع ‪ 891/3‬وشرح الكوكب المنير ‪ 539/4‬والتحرير مع‬
‫التيسير ‪ 246/4‬ومسلم الثبوت ‪ 403/2‬والبحر المحيط ‪280/6‬‬
‫اجع ‪ :‬مختصر المنتهى ‪ 306/2‬واإلحكام لآلمدي ‪ 234/4‬والتحرير ‪ 246/4‬ومسلم‬
‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫الثبوت ‪403/2‬‬
‫اجع البحر المحيط ‪285 ، 284/6‬‬
‫(‪ )4‬يُـ َر َ‬
‫‪155‬‬
‫العامي والمجتهد ‪ ،‬فهذا ال يجب في حقه‬ ‫والثاني ‪ :‬وهو درجة وسط بَـ ْين ِّ‬
‫الح ْكم‬
‫بل يجوز له ذلك ‪ ،‬لكن األ َْولى أ ْن يَبحث َع ْن دليل المجتهد وعلة ُ‬ ‫التقليد ‪ْ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويحاول الترجيح بَـ ْين األحكام التي تَوصل إليها المجتهدون ‪.‬‬
‫العامي للمجتهد ‪.‬‬
‫المذهب الثاني ‪َ :‬م ْنع تقليد ِّ‬
‫وبَـ ْعض المعتزلة ‪ ،‬واختاره القاضي أبو بكر وابن تيمية‬ ‫وهو قول ابن حزم‬
‫وابن القيم والشوكاني رحمهم الله تعالى ‪..‬‬
‫‪ ،‬وهذه الحكاية وتلك النسبة إلى‬ ‫وحكي عن اإلمام مالك والشافعي‬ ‫ُ‬
‫اإلما ْمين فيها نظر ‪.‬‬
‫عامياً ْأم‬
‫وأصحاب هذا المذهب يَمنعون التقليد ُمطْلَقاً ‪ ،‬سواء أكان المقلد ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫عالماً ْأم مجتهداً ‪.‬‬
‫العامي للمجتهد ‪.‬‬‫المذهب الثالث ‪ :‬جواز تقليد ِّ‬
‫وهو اختيار الشيرازي وابن السمعاني وابن عقيل والفخر الرازي والطوفي رحمهم‬
‫الله تعالى ‪..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫إذا كان ذلك في المسائل التي يسوغ فيها االجتهاد ‪.‬‬ ‫وهو قول الجبائي‬
‫الص ْرف أ ْن يقف َعلَْيه ‪ ،‬وإنما يجب أ ْن‬
‫العامي ِّ‬
‫لن يَستطيع ِّ‬ ‫وأرى أن هذا القيد ْ‬
‫يوجه في المقام األول إلى المجتهد الذي يجب َعلَْيه أ ْن يَعرف ما يجوز له أ ْن‬
‫يَجتهد فيه وما ال يجوز ‪.‬‬
‫العامي للمجتهد ؛‬
‫والراجح عندي هو ‪ :‬المذهب األول القائل بوجوب تقليد ِّ‬
‫لقوة أدلته ورجاحتها ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪..‬‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫اجع الغيث الهامع ‪893/3‬‬ ‫(‪ )1‬يُـ َر َ‬
‫اجع ‪ :‬اإلحكام البن حزم ‪ 289/6‬وفتاوى ابن تيمية ‪ 266/19‬وأعالم الموقعين ‪161/2‬‬
‫(‪ )2‬يُـ َر َ‬
‫وإرشاد الفحول ‪ 267/‬والبحر المحيط ‪ 280/6‬والغيث الهامع ‪894 ، 893/3‬‬
‫اجع ‪ :‬اللمع ‪ 71/‬والتبصرة ‪ 414/‬وقواطع األدلة ‪ 99/5‬والواضح ‪416/5‬‬ ‫(‪ )3‬يُـ َر َ‬
‫والمحصول ‪ 101/6‬والبلبل ‪ 180/‬واإلحكام لآلمدي ‪ 234/4‬والغيث الهامع ‪893/3‬‬
‫‪156‬‬

‫ف ْهـرس الْكـتَـاب‬
‫صفحة‬ ‫ض ــوع‬
‫ال َْمـ ْـو ُ‬
‫‪3‬‬ ‫ِّمة‪.........................................................................‬‬
‫ال ُْم َقد َ‬
‫‪4‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬مقدمات علم أصول الفقه ‪:‬‬
‫‪4‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬تعريف أصول الفقه‪..............................................‬‬
‫‪8‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬موضوع علم أصول الفقه وأركانه‪.................................‬‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬استمداد علم األصول‪..........................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬غاية علم األصول وثمرته‪........................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬فضل علم األصول وحكم تعلمه‪...............................‬‬
‫‪13‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬أول َمن صنف في علم أصول الفقه‪............................‬‬
‫‪14‬‬ ‫المطلب السابع ‪ :‬الفرق بين القاعدة األصولية والقاعدة الفقهية وبين األصولي والفقيه‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬الحاكم والحكم‪:‬‬
‫‪16‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬الحاكم‪.........................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫المطلب الثاني الحكم الشرعي وأقسامه‪...........................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬أقسام الحكم التكليفي‪.........................................‬‬
‫‪38‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬أقسام الحكم الوضعي‪...........................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬المحكوم به والمحكوم عليه ‪:‬‬
‫‪46‬‬ ‫المطلب األول ‪:‬المحكوم به‪......................................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫المطلب الثاني ‪:‬المحكوم عليه‪...................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬األهلية وعوارضها‪..............................................‬‬
‫‪60‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ :‬داللة األلفاظ على الحكم ‪:‬‬
‫‪60‬‬ ‫المطلب األول ‪:‬داللة الخطاب على الحكم عند غير الحنفية‪......................‬‬
‫‪67‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬داللة الخطاب على الحكم عند الحنفية‪..........................‬‬
‫‪73‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬األمر والنهي‪...................................................‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والنسخ‬
‫‪84‬‬ ‫وحروف المعاني ‪:‬‬
‫‪84‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬العام والخاص‪...................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬المطلق والمقيد‪.................................................‬‬
‫‪157‬‬
‫صفحة‬ ‫ض ــوع‬
‫ال َْمـ ْـو ُ‬
‫‪93‬‬ ‫المجمل والمبين‪...............................................‬‬
‫َ‬ ‫المطلب الثالث ‪:‬‬
‫‪98‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬النسخ‪..........................................................‬‬
‫‪102‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬معاني الحروف‪...............................................‬‬
‫‪105‬‬ ‫المبحث السادس ‪ :‬األدلة المتفق عليها ‪:‬‬
‫‪105‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬تعريف األدلة وأقسامها‪..........................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬الكتاب‪.........................................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫السنة‪..........................................................‬‬
‫المطلب الثالث ‪ُّ :‬‬
‫‪115‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬اإلجماع‪........................................................‬‬
‫‪116‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬القياس‪.......................................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫المبحث السابع ‪ :‬األدلة المختلَف فيها ‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬شرع َمن قبلنا‪...................................................‬‬
‫‪123‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬قول الصحابي‪...................................................‬‬
‫‪125‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬العرف‪.........................................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬االستصحاب‪....................................................‬‬
‫‪130‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬االستحسان‪..................................................‬‬
‫‪132‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬المصلحة المرسلة‪............................................‬‬
‫‪134‬‬ ‫المطلب السابع ‪ :‬سد الذرائع‪....................................................‬‬
‫‪137‬‬ ‫المبحث الثامن ‪ :‬التعارض والترجيح ‪:‬‬
‫‪137‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬التعارض‪........................................................‬‬
‫‪139‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬الترجيح‪.........................................................‬‬
‫‪141‬‬ ‫المبحث التاسع ‪ :‬االجتهاد والتقليد ‪:‬‬
‫‪141‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬االجتهاد‪........................................................‬‬
‫‪151‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬التقليد‪..........................................................‬‬

You might also like