You are on page 1of 7

‫االجتهاد اجلماعي وأهيته يف استنباط األحكام االقتصادية املعاصرة‬

‫الباحث‪ :‬صهيب مدين بايل‬

‫تعريف االجتهاد لغة واصطالحا‪:‬‬

‫االجتهاد يف اللغة ‪ :‬بذل اجلهد واستفراغ الوسع يف فعل وال يستعمل إال فيما فيه‬

‫جهد يقال‪ :‬اجتهد يف محل الرحى وال يقال‪ :‬اجتهد يف محل خردلة وهو يف عرف‬

‫‪1‬‬
‫الفقهاء خمصوص ببذل اجلهد يف العلم بأحكام الشرع‬

‫وذكر أن االجتهاد لغة‪ :‬بذل الوسع والطاقة‪ ،‬وال يستعمل إال فيما فيه جهد ومشقة‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫يقال‪ :‬اجتهد يف محل الرحى‪ ،‬وال يقال‪ :‬اجتهد يف محل النواة‬

‫واالجتهاد مصدر (جهد) اجليم واهلاء والدال أصُلُه املشَّق ة‪ ،‬مث حُي َم ل عليه ما‬

‫يقاِر ُبه‪ .‬يقال َجَه ْد ُت نفسي وأْجَه دت واُجلْه د الَّطاَقة‪ .‬قال اهلل تعاىل‪{ :‬واَّلِذ يَن َال ِجَي ُد وَن‬

‫‪1‬‬
‫روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل البن قدامة املقدسي (‪ )3/366‬مؤسسة الرّيان‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1423‬هـ‪2002-‬م‬
‫‪2‬‬
‫معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة ص‪ 421 :‬لمحَّم د بْن حَس نْي بن َح سْن اجليزاين الطبعة اخلامسة ‪ 1427 ،‬هـ‬
‫إَّال ُج ْه َد ُه ْم } ‪ .‬ويقال إّن اجملهود اللنب الذي ُأخِر َج ُز ْبده‪ ،‬وال يكاد ذلك [يكوُن ] إّال‬
‫‪3‬‬

‫مبشّق ٍة وَنَص ب‪ .‬قال الشّم اخ‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫ُتْض ِح وقد َض ِم َنْت َض ّر اهُت ا ُغَر قًا *** ِم ْن َطِّيِب الَّطْع ِم ُح ْلٍو َغِرْي ْجَمُه وِد ‪.‬‬

‫ويف االصطالح‪« :‬بذل الوسع يف النظر يف األدلة الشرعية الستنباط األحكام‬

‫‪5‬‬
‫الشرعية»‪.‬‬

‫وقد اشتمل هذا التعريف على الضوابط اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن االجتهاد هو بذل الوسع يف النظر يف األدلة‪ ،‬فهو بذلك أعم من القياس؛ إذ‬

‫القياس هو إحلاق الفرع باألصل‪ ،‬أما االجتهاد فإنه يشمل القياس وغريه‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن االجتهاد ال جيوز إال من فقيه‪ ،‬عامل باألدلة وكيفية االستنباط منها؛ إذ النظر‬

‫يف األدلة ال يتأتى إال ممن كان أهًال لذلك‪.‬‬

‫‪ . 3‬التوبة اآلية‪79 :‬‬


‫‪4‬‬
‫‪ .‬معجم مقاييس اللغة البن فارس ‪1/487‬‬
‫‪ . 5‬انظر‪" :‬الفقيه واملتفقه" (‪ ،)1/178‬و"روضة النــاظر" (‪ ،)2/401‬و"جمم ــوع الفتــاوى" (‪ ،)11/264‬و"ش ــرح الك ــوكب‬
‫املنري" (‪ ،)4/458‬و"املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد" (‪ ،)179‬و"مذكرة الشنقيطي" (‪)311‬‬
‫جـ‪ -‬أن االجتهاد قد ينتج عنه القطع باحلكم أو الظن به‪ ،‬وذلك ما تضمنه قيد‬

‫"االستنباط"‪.‬‬

‫د‪ -‬وقد تضمن قيد "الستنباط" أيًض ا بيان أن االجتهاد إمنا هو رأي اجملتهد واجتهاده‪،‬‬
‫وذلك حماولة منه لكشف حكم اهلل‪ ،‬وال ُيسمى ذلك تشريًعا؛ فإن التشريع هو الكتاب‬
‫‪6‬‬
‫والسنة‪ ،‬أما االجتهاد فهو رأي الفقيه أو حكم احلاكم‪.‬‬

‫فاصطالح االجتهاد اجلماعي هو املصطلح من املصطلحات املعاصرة فلم ُيفِر د له‬


‫العلماء السابقون حبثًا خاصًا‪ ،‬أو بابًا مستقًال من أبواب أصول الفقه‪ ،‬وإمنا جاء احلديث‬
‫عنه ضمن مسائل متفرقة يف أكثر من موضوع‪ ،‬ولذلك فإن كثريًا من املعاصرين حاول‬
‫أن يوجد له تعريفًا حسب ما يراه مناسبًا‪ ،‬وفيما يلي بعضها مع اختيار الراجح منها‬
‫مستمدا من التعريفات اليت ذكرها العلماء لالجتهاد بصفة عامة‪ ،‬فمن هذه التعريفات‪:‬‬
‫التعريف األول‪:‬‬
‫(اتفاق أغلب اجملتهدين من أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم يف عصر من العصور على‬
‫حكم شرعي يف مسألة)‬
‫وبيان ذلك بأن جيتمع هؤالء العلماء األعالم يف جممع فقهي فتعرض عليهم الوقائع‬
‫واألحداث املستجدة اليت تواجه املسلمني اليوم فيبذل كل واحد منهم جهده يف استنباط‬
‫احلكم الشرعي للمسألة املطروحة‪ .‬وما يتوصل إليه هؤالء اجملتهدون بعد تشاور بينهم‬
‫يكون هو احلكم الشرعي الذي جيب العمل به‪ ،‬سواء أمجع هؤالء العلماء على هذا‬
‫احلكم أم قال به أغلبيتهم‪.7‬‬
‫معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة ص‪421 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 7‬جملة دراسات العلوم اإلنسانية ص ‪ 14/215‬العدد العاشر ‪1987‬م ‪ ،‬حبث للعيد خليــل م ــدرس يف قس ــم الفق ــه بكليــة‬
‫التعريف الثاين‪:‬‬
‫(ختصيص مهمة البحث واستنباط األحكام مبجموعة حمدودة من العلماء واخلرباء‬
‫واملتخصصني سواء ما رسوا ذلك بالشورى املرسلة‪ ،‬أم جملس يتشاورون فيه ويتداولون‬
‫حىت يصلوا إىل رأي يتفقون عليه‪ ،‬أو ترجحه األغلبية‪ ،‬ويصدر قرارهم بالشورى ولكنه‬
‫‪8‬‬
‫يكون يف صورة فتوى‪.‬‬
‫التعريف الثالث‪:‬‬
‫(استفراغ أغلب الفقهاء اجلهد لتحصيل ظٍن حبكم شرعي بطريق االستنباط‪ ،‬واتفاقهم‬
‫مجيعًا أو أغلبهم على احلكم بعد التشاور)‪.9‬‬
‫التعريف الرابع‪:‬‬
‫(اتفاق أغلبية اجملتهدين يف نطاق جممع أو هيئة أو مؤسسة شرعية ينظمها ويل األمر يف‬
‫دولة إسالمية على حكم شرعي عملي‪ ،‬مل يرد به نص قطعي الثبوت والداللة بعد بذل‬
‫‪10‬‬
‫غاية اجلهد فيما بينهم يف البحث والتشاور)‬

‫مشروعية االجتهاد اجلماعي‪:‬‬


‫من القرآن الكرمي‪:‬‬
‫فهناك العديد من اآليات اليت حتث على إعمال الفكر والعقل‪ ,‬مثـل قـول ااهلل‪:‬‬
‫ﵟ‌ِإَّن ‌ِفي‌َٰذ ِلَك ‌ٓأَلَٰي ٖت ِّلَقۡو ٖم َيَتَفَّك ُروَن ‪٣‬ﵞ [الرعد‪ ]3 :‬وقال تعالى‪:‬‬

‫الشريعة ‪ ،‬جامعة األزهر ‪.‬‬


‫‪ 8‬فقه الشورى واالستشارة لتوفيق الشاوي ص ‪ . 242‬نقًال من كتاب‪ :‬يف االجتهاد اجلماعي املنشود ‪ ،‬نقال من موقع‬
‫قطب سانو‬

‫‪9‬‬
‫الاجهتاد امجلاعي يف الترشيع اإلساليم لعبد اجمليد السوسوة الرشيف ص ‪ ،46‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ -‬قطر̈ العدد ‪ - ٦٢‬السنة ‪١٧‬‬

‫سنة الطبع‪١٤١٨:‬هـ‬

‫‪10‬‬
‫ﵟ‌ِإَّن ‌ِفي‌َٰذ ِلَك ‌ٓأَلَٰي ٖت ِّلَقۡو ٖم َيۡع ِقُلوَن ‪٤‬ﵞ [الرعد‪ ]4 :‬وقوله جل‬
‫شأنه‪ : :‬ﵟ‌ِإَّنٓا‌َأنَز ۡل َنٓا‌ِإَلۡي َك ‌ٱۡل ِكَٰت َب ‌ِبٱۡل َح ِّق ِلَتۡح ُك َم َبۡي َن ٱلَّناِس ِبَم ٓا َأَر ٰى َك ٱُۚهَّلل‬
‫َو اَل َتُك ن ِّلۡل َخ ٓاِئِنيَن َخ ِص يٗم ا ‪١٠٥‬ﵞ [النساء‪ ]105 :‬وقوله سبحانه‪:‬‬
‫﴿فاعتربوا يا أويل األبصارَ ﴾(احلشر‪ )٢ :‬وهي صرحية يف إقرار االجتهاد عن طريق‬
‫القياس‪ ,‬كما قال بعض العلماء ومن اآليات الصرحية يف مشروعية االجتهاد‪ :‬اآليات اليت‬
‫حتث على املشاورةَ ِ وتبادل الرأي‪ ,‬مثل قول ااهلل تعاىل لرسوله صلى ااهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫ﵟ‌َو َش اِو ۡر ُهۡم ِفي ٱَأۡلۡم ِۖر ﵞ [آل عمران‪ ]159 :‬وكـذلك وصـف‬
‫املؤمنني بأن أمـرهم شـورى بيـنهم‪ ,‬كـما يف قولـه تعـاىل ﵟ‌َو َأۡم ُر ُهۡم ‌ُش وَر ٰى‬
‫َبۡي َنُهۡم ﵞ [الشورى‪]38 :‬‬
‫ومن اآليات الواضحة يف ذلك قولـه تعـاىل‪ :‬ﵟَو َلۡو َر ُّد وُه ِإَلى ٱلَّرُسوِل‬
‫َو ِإَلٰٓى ُأْو ِلي ٱَأۡلۡم ِر ِم ۡن ُهۡم ‌َلَعِلَم ُه ٱَّلِذ يَن َيۡس َتۢن ِبُطوَن ۥُه ِم ۡن ُهۗۡم ﵞ [النساء‪]83 :‬‬
‫قال القرطيب‪(( :‬واالستنباط يف اللغة ‪ :‬االستخراج‪ ,‬وهو يدل على االجتهـاد إذا عدم‬
‫‪11‬‬
‫النص واإلمجاع))‬
‫من السنة النبوية‪:‬‬
‫‪ – ١‬روى سعيد بن املـسيب عـن عـلي – رضي ااهلل عنـه – أنـه قـال‪ :‬قلـت‪ :‬يا‬
‫رسول ااهلل‪ :‬األمر ينزل بنا مل ينزل فيه القـرآن‪ ,‬ومل متـض فيـه سـنة منـك‪ ،‬قال‪ :‬امجعوا له‬
‫العاملني – أو قال العابدين – من املؤمنني‪ ,‬فـاجعلوه شـورى بيـنكم وال تقضوا فيه برأي‬
‫‪12‬‬
‫واحد‬

‫أخرج ابن عدي والبيهقي يف شعب اإليـمان بـسند حـسن عـن ابـن عباس رضي ااهلل‬
‫عـنهما قـال‪ :‬ملـا نزلـت‪ :‬ﵟ‌َو َش اِو ۡر ُهۡم ِفي ٱَأۡلۡم ِۖر ﵞ [آل عمران‪]159 :‬‬
‫قال رسول ااهلل صلى ااهلل عليه وسلم‪(( :‬أما إن ااهلل ورسوله لغنيان عنها‪ ,‬ولكن جعلها‬
‫‪ . 11‬اجلامع ألحكام القرآن (‪)5/292‬‬
‫‪ . 12‬رواه ابن عبد الرب يف اجلامع (‪ )1612 ،1611‬واخلطيب يف الفقيه واملتفقه (‪)1/191‬‬
‫‪13‬‬
‫ااهلل رمحة ألميت‪ ,‬فمن استشار منهم مل يعدم رشدا‪ ,‬ومن تركها مل يعدم غيا‬
‫مر االجتهاد اجلماعي يف تارخيه مبراحل أربع‪ :‬األوىل‪ :‬بدايته على يد اخللفاء‬
‫الراشدين رضي اهلل عنهم‪ ،‬فكانوا جيمعون رؤوس النــاس من ذوي الرأي يف املسجد‪،‬‬
‫فيستشريوهنــم يف األم ــور اخلطيــرة‪ ،‬واستمر يف بعض عصور الدولة األموية‪ ،‬مث توقفه‬
‫وهيمنة االجتهاد الفردي‪ ،‬فكان كل جمتهد يستقل برأيه وفهمه يف اجتهاده‪ ،‬مث الدعوة‬
‫إىل وقف االجتهاد عمومًا بسبب خوف أتباع املذاهب األربعة يف القرن الرابع وما بعده‬
‫من دخول من ليس أهال لالجتهاد والنظر‪ ،‬مث املرحلة الرابعة‪ ،‬وهي فرتة اشتداد احلاجة‬
‫ِإليه يف العصر احلديث‪ ،‬واهتمام العلماء بالدعوة ِإليه وتنشيطه‪ ،‬ليكون هو سبيل األمة يف‬
‫معاجلتها لقضاياها املعاصرة وتقنني نظمها وتشريعاهتا‪.‬‬

‫أمهية االجتهاد اجلماعي‪:‬‬

‫االجتهاد اجلماعي له أمهية كربى يف التشريع‪ ،‬ملا حيققه من أمور كثرية‪ ،‬ولعل من‬
‫أبرزها أنه حيقق مبدأ الشورى يف االجتهاد‪ ،‬ويكون لذلك أكرب األثر يف دقة الرأي‬
‫وِإصابته‪ ،‬وجتنيب االجتهاد األخطاء اليت قد تقع يف حالة االجتهاد الفردي‪ ،‬وبذلك‬
‫يستمر االجتهاد‪ ،‬ويقطع الطريق على من قد حياول إرباكه ‪ ..‬كما أن االجتهاد اجلماعي‬
‫حيقق لألمة ما فقدت بغياب اجملتهد املطلق وتعّذ ر اِإل مجاع‪ ،‬ويعوضها عن ذلك بالتكامل‬
‫الذي حيققه اجملتهدون مبجموعهم ‪ ..‬كما أن االجتهاد اجلماعي يعترب من أجنح السبل إىل‬
‫توحيد النظم التشريعية لألمة‪ ،‬كما أنه أفضل وسيلة ملعاجلة قضايانا املعاصرة‪ ،‬اليت‬
‫تشابكت فيها األمور‪ ،‬وتداخلت فيها العلوم‪ ،‬وأصبح النظر واالجتهاد فيها ال يتحقق‬
‫‪14‬‬
‫سليمًا ِإال برؤية مجاعية‪.‬‬

‫‪ . 13‬أخرجه ابن عدي يف الكامل (‪ )4/337‬ط دار الفكر بريوت‬


‫‪ 14‬االجتهاد اجلماعي يف التشريع اإلسالمي ‪ ،‬ص‪44‬‬

You might also like