Professional Documents
Culture Documents
االجتهاد االستثنايئ
حقيقته ،حجيته ،ضوابطه
ﭑﭒﭓ
ملخص البحث:
هتدف هذه الدارسة إىل بیان حقیقة االجتهاد االستثنائي ،وذلك من خالل
علما على معىن خمصوص ،والتعريف ابملصطلحات الكشف عن مفهومه بوصفه ً
ذات الصلة ،واإلابنة عن الضوابط العامة اليت جيدر ابلفقیه اعتمادها؛ حىت يكون
قاصدًي حمق ًقا ملصاحل العباد يف العاجل واآلجل.
ً تطبیقه لألحكام تطبی ًقا م
املقدمة:
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على سید األولني واآلخرين ،وخامت
النبیني ،ورمحة هللا للعاملني ،سیدان حممد ،وعلى آله األطهار ،وأصحابه األخیار،
وأتباعه األبرار إيل يوم الدين.
أما بعد:
فإن هللا قد أكمل شريعته لألمة اإلسالمیة وأمت بذلك نعمته علیها ،ومن
أبرز مسات الكمال يف الشريعة اإلسالمیة أهنا جاءت هـادية حلیاة اإلنسان يف
الفكر والعمل ،تسدد الفكر إىل احلق ،وترشد العمل إىل اخلري والصالح ،وذلك
عرب قسمي االجتهاد :االجتهاد يف الفهم ،واالجتهاد يف التنزيل (التطبیق).
-285-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
أما االجتهاد يف الفهم :فهو استجالء اخلطاب الشرعي لتمثل خطاب الشارع
أمرا ،وهنیًا ،وأما االجتهاد يف التطبیق (التنـزيل) :فهو اإلجراء العملي ملا حصل
فیهً ،
على مستوى الفهم التجريدي لألحكام الشرعیة على واقع األفعال ،وتكییف
السلوك هبا( ،)1وغري ٍ
خاف ما لفقه تنزيل األحكام الشرعیة من األمهیة؛ إذ الشريعة
ال تعمل يف فراغ ،وغايتها أن تطبق على أرض الواقع ،فبدون التطبیق لن نفید من
كثريا ما يطلق علیه األصولیون "حتقیق املناط" ،يقول اإلمام تفسريان للنصوص ،و ً
الشاطيب مبینًا عن أمهیته" :فاحلاصل أنه ال بد منه ابلنسبة إىل كل انظر وحاكم
ت ،بل ابلنسبة إىل كل مكلف يف نفسه ،ولو فرض ارتفاع هذا االجتهاد مل وم ْف ٍ
ُ
تتنزل األحكام الشرعیة على أفعال املكلفني إال يف الذهن؛ ألهنا مطلقات
وعمومات وما يرجع إىل ذلك ،منزالت على أفعال مطلقات كذلك ،واألفعال ال
اقعا علیها إال
تقع يف الوجود مطلقة ،وإمنا تقع معینة مشخصة؛ فال يكون احلكم و ً
بعد املعرفة أبن هذا املعني يشمله ذلك املطلق أو ذلك العام ،وقد يكون ذلك
سهال وقد ال يكون ،وكله اجتهاد"(.)2ً
ومن األسس املنهجیة يف عملیة تنزيل احلكم وحتقیق مناطه حلْظ املآل،
فیتبصر اجملتهد مبا يرتتب على تنزيل النص ـ ـ العام اجملرد ـ ـ على الواقع من مآالت
آيال إىل حتقیق مقصد الشارع من تشريعه ونتائج ،فإن كان تنزيله على هذا الوجه ً
أمضاه وأجراه ،وإن استتبع مفاسد تربو على مصلحة تنزيله وإجرائه كما هو فإن
اجملتهد يلج إىل االجتهاد االستثنائي ،وما يقتضیه من أتجیل تنزيل ذلك احلكم،
أو تعلیقه ووقفه ،أوتغیريه واستبداله بغريه؛ كي يبقى املنطق التشريعي متس ًقا يف
( )1انظر :يف االجتهاد التنزيلي ،د .بشري بن مولود جحیش ،كتاب األمة ،العدد.93
( )2املوافقات ،16،15/5،إلبراهیم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي الشهري ابلشاطيب
(ت790:هـ) ،حتقیق :أيب عبیدة مشهور بن حسن آل سلمان ،دار ابن عفان ،الطبعة األوىل1417 ،هـ/
1997م.
-286-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
( )1املناهج األصولیة يف االجتهاد ابلرأي يف التشريع اإلسالمي ،ص ،485د/فتحي الدريين ،مؤسسة
الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط3،1434ه.2013/
-287-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
ابعا :وضع خطط وأسس وضوابط عملیة تصحح االجتهاد االستثنائي عند تنزيل رً
األحكام الشرعیة.
منهج البحث:
اعتمدت الدراسة املنهج الوصفي التحلیلي يف استنباط حقیقة االجتهاد
االستثنائي وضوابطه ،وذلك من خالل استقراء املنهج األصويل اإلسالمي الذي
اتبعه علماء املسلمني يف استنباط األحكام الشرعیة من أدلتهاالتفصیلیة ،ومن مث
تنزيلها على الواقع بشكل حيقق املقصد الذي من أجله ُش ِر َعت تلك األحكام.
خطة البحث:
يتكون هذا البحث من مقدمة ،وثالثة مباحث ،وخامتة ،مث ْثبت أبهم
املصادر واملراجع.
أما املقدمة فتشتمل على أمهیة املوضوع ،وبواعث اختیاري له ،ومنهجه ،وخطة
البحث.
املبحث األول :حقيقة االجتهاد االستثنائي.
وفیه مطلبان:
اصطالحا.
ً املطل األول :تعريف االجتهاد االستثنائي لغةً و
علما على معىناملطل الثاين :تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه ً
خمصوص ،والتعريف ابملصطلحات ذات الصلة.
املبحث الثاين :حجية االجتهاد االستثنائي.
املبحث الثالث :ضوابط االجتهاد االستثنائي.
اخلامتة.
فهرس املصادر واملراجع.
-288-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
املبحث األول
حقيقة االجتهاد االستثنائي
اصطالحا:
ً املطل األول :تعريف االجتهاد االستثنائي لغةً و
قبل التطرق إىل تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه َعلَ ًما على معىن خمصوص
البد من التعرض َّأوًال إىل داللة االجتهاد االستثنائي من الناحیتني :اإلفرادية،
والرتكیبیة ،واستعماالت العلماء للفظ "االستثناء" ابعتباره مفتاح املصطلح يف هذا
الرتكیب ،حىت تتضح داللته يف الرتاث التشريعي اإلسالمي ،وتُـ ْعرف مراداته الدالة
على نفس معناه.
واصطالحا:
ً أوال :تعريف االجتهاد لغةً
ً
أ -تعريف االجتهاد يف اللغة:
وحتمل املشقة،
الو ْسع والطاقة ،وبلوغ الغاية يف الطلبُّ ،االجتهاد لغةً :بذل ُ
وهو افتعال من اجلهد ـ بفتح اجلیم وضمها ،ومادة (جـ ه د) تدور معانیها حول
الو ْسع والطاقة من قول وعمل يف الواقعة املقصودة املبالغة ،واستفراغ ما يف ُ
لتحصیل أم ٍر ّ
شاق(.)1
ب -تعريف االجتهاد يف االصطالح:
لالجتهاد لدى األصولیني والفقهاء تعاريف كثرية خمتلفة ،ولكنها لیست
متعارضة أو متناقضة ،وحاصل ذلك التعدد واالختالف يرجع ـ غالبًا ـ إىل زًيدة
( )1انظر :الصحاح اتج اللغة وصحاح العربیة ،460/2 ،مادة (جـ ه د) ،إلمساعیل بن محاد اجلوهري
الفارايب (ت393 :هـ) ،حتقیق :أمحد عبد الغفور عطار ،دار العلم للماليني ،بريوت ـ لبنان ،ط،2
1399ه1979/م ،ومعجم مقايیس اللغة ،486/1،مادة (جـ ه د) ،أليب احلسني أمحد بن فارس بن
زكرًي (ت395:ه) ،حتقیق :عبد السالم حممد هارون ،دار الفكر ،دمشق ـ سورًي ،ط
1399ه1979/م ،وخمتار الصحاح ،ص ،48مادة (جـ ه د) ،حملمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي
(ت666 :هـ) ،مكتبة لبنان ،بريوت ـ لبنان ،ط 1986م ،ولسان العرب ،133/3 ،مادة( :جـ ه د)،
أليب الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املصري ،دار صادر ،بريوت ـ لبنان ،ط،3
1414ه.
-289-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
إطناب يف تعريف وإجيا ٍز يف آخر ،ومع كثرة التعريفات فإهنا ترجع ٍ قید أو شرط ،أو ٍ
إىل اجتاهني(:)1
االجتاه األول :تعريف االجتهاد ابعتباره من فعل اجملتهد:
وهو الذي جرت علیه عادة كثري من األصولیني ،وقد صدَّر أصحاب هذا
االجتاه التعريف بكلمة" :بذل" ،أو"استفراغ" ،وحنومها مما روعي فیه املعىن املصدري
صادرا عن اجملتهد ،ومن تلك التعريفات: أمرا ً الدال على كونه ً
الو ْس ِع ،وبذل اجملهود ِيف طلب احلكم الش َّْر ِع ّي تعريف الصنعاين( )2أبنهِ " :
است ْفَراغ ُ
ْ
العجز َعن ِ
عقلیًّا َكا َن ،أَو نقلیًّا ،قَطْعیًّا َكا َن ،أَو ظنیًّا ،على َوجه حيس من النَّفس َ
امل ِزيد َعلَْی ِه"(.)3
َ
قائما ابجملتهد:
ً افً وص ابعتباره االجتهاد تعريف الثاين: االجتاه
( )1انظر :االجتهاد يف اإلسالم أصوله ـ أحكامه ـ آفاقه ،ص ،20د/اندية شريف العمري ،مؤسسة
الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط1404 ،2ه1984/م ،وحبوث يف االجتهاد فیما ال نص فیه ،7/1 ،د/
الطیب خضري السید ،دار الطباعة احملمدية ،مصر ،ط1389 ،1ه1987/م ،وتبصري النجباء حبقیقة
االجتهاد والتلفیق واإلفتاء ،ص ،28د/حممد إبراهیم احلفناوي ،دار احلديث ،القاهرة ،ط،1
1415ه1995/م.
( )2هو :حممد بن إمساعیل بن صالح الكحالين مث الصنعاين ،ويعرف ابألمري ،حمدث ،فقیه ،أصويل،
جمتهد ،متكلم ،من أئمة الیمن ،ولد يف نصف مجادى اآلخرة سنة 1099ه ،وانتقل اىل صنعاء ،وأخذ
عن علمائها بكحالن ،مث رحل إىل احلرمني ،من تصانیفه :سبل السالم يف شرح بلوغ املرام من أدلة
األحكام البن حجر العسقالين ،مثرات النظر يف علم األثر يف مصطلح احلديث ،إرشاد النقاد اىل تیسري
االجتهاد وغريها ،تويف بصنعاء سنة 1182ه ،انظر ترمجته يف :البدر الطالع مبحاسن َم ْن بعد القرن
السابع ،133/2 ،حملمد بن علي بن حممد بن عبد هللا الشوكاين (ت1250 :هـ) ،ويلیله امللحق التابع
للبدر الطالع حملمد بن حممد بن حيىي زابرة الیمين ،دار الكتاب اإلسالمي ،القاهرة ،د.ت.
( )3إرشاد النقاد إىل تیسري االجتهاد ،ص ،8حملمد بن إمساعیل املعروف ابألمري الصنعاين صاحب سبل
السالم (ت1182:هـ) ،حتقیق :صالح الدين مقبول أمحد ،الدار السلفیة ،الكويت ،ط،1
1405ه1985/م.
-290-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
"ملَ َكة" وحنوها مما روعي فیه وقد صدَّر أصحاب هذا االجتاه تعريفهم بكلمة َ
ظ ابلشهرة املعىن االمسي ،الذي هو وصف للمجتهد ،قائم به ،وهذا االجتاه مل حي َ
والذيوع كاالجتاه األول؛ إذ مل يسلك هذا املسلك إال قلة من األصولیني ،والقاسم
املشرتك بني االجتاه األول واالجتاه الثاين :هو أن االجتهاد ال يت تى إال ببذل
اجلهد ،سواء من البداية ،أو بعد عدة حماوالت هلذا البذل واجلهد ،لتصبح صفة
مالزمة للمجتهد؛ وذلك ألن االجتهاد ابعتباره صفة لفعل اجملتهد ال يتحقق إال
ابمللَ َكة املشار إلیها يف االعتبار الثاين ،ومن تلك التعريفات اليت متثل االجتاه الثاين:
َ
قوهلم :االجتهاد ،هوَ " :ملَ َكة حتصیل احلجج على األحكام الشرعیة ،أو الوظائف
العملیة ،شرعیة أو عقلیة"(.)1
منعا للتكرار ـ
وابلنظر يف هذين التعريفني وأمثاهلما ـ مما تركت ذكره هاهنا ً
يتبني أن أغلب العلماء حصروا تعريف االجتهاد يف استنباط األحكام الشرعیة من
أدلتها التفصیلیة دون أن يتعرضوا إىل االجتهاد يف تنزيلها على أفعال املكلفني
الذي هو أهم أنواع االجتهاد؛ ألن املقصود من استنباط األحكام الشرعیة العمل
هبا ،وال جيوز املباشرة يف تطبیقها قبل معرفة َم ْن تشمله ِممّن ال تشمله ،ولذا تفطن
الشیخ عبد هللا دراز عندما تكلم الشاطيب عن ضروب االجتهاد وأنواعه ،وجعل
االجتهاد يف تطبیق احلكم أحد النوعني األساسیني لالجتهاد( ،)2فوضع الشیخ
عبد هللا دراز تعري ًفا اصطالحیًّا لالجتهاد جيعل االجتهاد يف التطبیق جزءًا أساسیًّا
يف مفهوم االجتهاد ،وهذا التعريف هو" :استفراغ اجلهد وبذل غاية الوسع ،إما
( )1انظر :األصول العامة للفقه املقارن مدخل إىل دراسة الفقه املقارن ،ص ،545للسید حممد تقي
احلكیم ،حتقیق :اجملمع العاملي ألهل البیت ،اجملمع العاملي ألهل البیت ـ علیهم السالم ـ ردمك،
ط2،1418ه1997 /م ،واالجتهاد يف اإلسالم ،د/اندية العمري ،ص ،23وحبوث يف االجتهاد فیما ال
نص فیه.8/1 ،
( )2انظر :املوافقات.11/5 ،
-291-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
يف درك األحكام الشرعية ،وإما يف تطبيقها"( .)1أي :تطبیقها على أفعال
املكلفني.
حمصورا يف استنباط احلكم ،بل امتد
ً وهكذا توسع مفهوم االجتهاد ،ومل يعد
لیشمل الغاية من هذا االستنباط ،وهي تطبیق احلكم وتنزيله على الواقع ،وأصبح
مفهوم االجتهاد ال يتوقف عند حدود االستنباط للحكم ،بل أصبح النظر يف
كیفیة تطبیق هذا احلكم وتنزيله على أفعال املكلفني ،ووضع احللول للعوائق اليت
قد تعرتض هذا التطبیق جزءًا أساسیًّا يف عملیة االجتهاد.
واصطالحا:
ً اثنيًا :تعريف االستثناء لغةً
أ -االستثناء لغةً :مصدر من استثىن الشيء :إذا أخرجه من قاعدة عامة ،أو
حكم عام ،وأصله ثـَ َىن ،واملصدر الثـ َّْين ،والسني والتاء زائداتن( ،)2جاء يف املعجم
الوسیط( :استَـثْـنَاه) :أخرجه من قَ ِ
اع َدة َع َّامة أَو حكم َعام(.)3 ْ ُ
ب -تعريف االستثناء يف االصطالح :مصطلح (االستثناء) من املصطلحات اليت
تستخدم يف علمي :الفقه ،واألصول ،ويكاد يكون بني هذين العلمني اشرتاك يف
جوانب من داللة مصطلح االستثناء ،أييت من االتفاق يف الداللة األصلیة للكلمة،
وهي داللتها اللغوية ،إال أن أهل كل علم من هذين العلمني يصبغون الداللة
اللغوية بصبغة العلم نفسه ،فیزيدون على الداللة اللغوية من معطیات علومهم
وخصائصها ما جيعل داللة الكلمة اصطالحیًّا عندهم تتمیز عن داللتها اصطالحیًّا
عند غريهم.
وقبل أن أفصل القول يف الداللة االصطالحیة لالستثناء املقصود يف موضوع
البحث ـ ألن ذلك ما يعنیين أصالةً ـ س شري إشارةً موجزة إىل داللة مصطلح
االستثناء يف الفقه ،واألصول.
أوال :تعريف االستثناء عند األصوليني:
ً
حبث األصولیون موضوع االستثناء يف مباحث التخصیص ،ابعتباره من
وعرفوه بتعريفات متعددة( )1ال يكاد خيلو تعريف منها من اإليراد واملناقشة،
أدواتهَّ ،
حد من اإلشكال واالعرتاض، ولیس القصد هنا بسط ذلك؛ إذ ال يكاد يسلم ٌّ
ومن مجلة تعريفاهتم:
ـ عرفه الرازي( ،)2أبنه" :إخراج بعض اجلملة من اجلملة بلفظ إال أو ما أقیم
مقامه"( .)3واإلخراج جنس للمخصصات ككل :كالشرط ،أو الصفة ،أو الغاية،
وما أقیم مقامه ،كعدا ،وسوى ،وحاشا ،وخال.
( )1ينظر للتوسع يف ذلك :االستغناء يف أحكام االستثناء ،للقرايف ،ص ،96مباحث التخصیص عند
عمان ـ األردن،
األصولیني ،ص ،144د/عمر بن عبد العزيز الشیلخاين ،دار أسامة للنشر والتوزيعّ ،
ط2000 ،1م ،االستثناء عند األصولیني ،ص ،28د/أكرم بن حممد بن حسني أوزيقان ،دار املعراج
الدولیة للنشر ،الرًيض ـ السعودية ط1418 ،1ه 1998/م.
( ) 2هو :أبو عبد هللا حممد بن عمر بن احلسني بن علي القرشي التیمي البكري ،أبو املعايل املعروف
املفسر ،املتكلم ،إمام وقته
ابلفخر الرازي ،ويقال له :ابن خطیب الري ،أحد الفقهاء الشافعیة املشاهريّ ،
يف العلوم العقلیة ،وأحد األئمة يف العلوم الشرعیة ،صاحب املصنفات املشهورة ،ومنها :احملصول يف علم
أصول الفقه ،ومفاتیح الغیب يف التفسري ،واملعامل يف أصول الدين وغريها ،تويف سنة 606ه ،انظر ترمجته
يف :لسان املیزان ، 244/9 ،أليب الفضل أمحد بن علي بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين (ت:
852هـ) ،حتقیق :عبد الفتاح أبو غدة ،دار البشائر اإلسالمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط2002 ،1م ،وطبقات
املفسرين 215/2 ،وما بعدها ،لشمس الدين حممد بن أمحد الداوودي (ت945:ه) ،راجع النسخة
وضبط أعالمها :جلنة من العلماء ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط1403 ،1ه1983/م.
( )3احملصول يف علم أصول الفقه ،27/3 ،لفخر الدين حممد بن عمر بن احلسني الرازي (ت606 :هـ)،
دراسة وحتقیق :د /طه جابر فیاض العلواين ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط 1418 ،3هـ1997 /م.
-293-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
لكن الباقالين( )1اعرتض على كون االستثناء إخرا ًجا بقوله" :قول ِّ
املعرف أبن
نسخا
داخال فیه خط ؛ ألنه يصري ً االستثناء ما أخرج ما هو داخل فیه ،أو ما كان ً
وتبديال للحكم بعد ثبوته ،وذلك فاسد؛ فوجب أنه املخرج من اخلطاب ما كان ً
()2
يصح دخوله فیه" .
احدا ،وإمنا
مما سبق خنلُص إىل أن تعريف األصولیني لالستثناء مل يكن و ً
ٍ
وظیفة يف إظهار احلكم حبسب رؤية األصويل لداللة االستثناء وما يؤديه من
الشرعي.
اثنيًا :تعريف االستثناء عند الفقهاء:
تقدم أن األصولیني يطلقون االستثناء مريدين به األدوات اللفظیة املخصوصة
ـ وهي إال وأخواهتا ـ الرافعة لعموم اللفظ املتقدم املتصل هبا ،غري أن الفقهاء قد
اختلف مدلول االستثناء عندهم عما هو جا ٍر عند األصولیني ،حیث يُطْلَق
االستثناء يف البحث الفقهي على معىن أعم ،يشمل كل ما يقتضي املخالفة لكالم
متقدم بتقیید بعض أفراده أو أحواله حبكم مباين للكالم األول؛ هلذا يدخل يف
املدلول الفقهي التقیید أبدوات االستثناء "إال" وأخواهتا ،والشرط ،كما يدخل فیه
التقیید بكالم مستقل.
( )1هو :القاضي أبو بكر حممد بن الطیب بن حممد بن جعفر بن القسم ،املعروف ابلباقالين البصري
املتكلم املشهور ،كان على مذهب الشیخ أيب احلسن األشعري ،ومؤيدا اعتقاده وانصرا طريقته ،له آتلیف
كثرية جلیلة ،منها :التقريب واإلرشاد يف أصول الفقه ،وأمايل إمجاع أهل املدنیة ،وكتاب التمهید ،وكتاب
إعجاز القرآن ،وغريها ،تويف سنة 403ه .انظر ترمجته يف :ترتیب املدارك وتقريب املسالك،70/7 ،
للقاضي عیاض بن موسى عیاض السبيت (ت544 :هـ) ،حتقیق :جمموعة من العلماء ،وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمیة ،اململكة املغربیة ،د.ط1402 ،ه1982/م.
( )2التقريب واإلرشاد (الصغري) ،127/3 ،للقاضي أيب بكر حممد بن الطیب الباقالين (ت 403 :هـ)،
حتقیق :د /عبد احلمید بن علي أبو زنید ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط 1418 ،1هـ1998 /م.
-294-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
يقول ابن حزم(" :)1االستثناء :هو ختصیص بعض الشيء من مجلته ،أو
إخراج شيء ما مما أدخلت فیه شيء آخر ،إال أن النحويني اعتادوا أن يسموا
ابالستثناء ما كان من ذلك بلفظ :حاشا ،وخال ،وإال ،...وأن جيعلوا ما كان
خربا من خرب -كقولك :اقتل القوم ،ودع زيدا -مسمى ابسم التخصیص ال ً
()2
استثناء ،ومها يف احلقیقة سواء" .
اثلثًا :املعىن املراد لالستثناء يف هذا البحث:
أسلواب
ً إن املعىن املقصود لالستثناء يف هذا البحث هو :االستثناء ابعتباره
من أسالیب التنزيل ،يتجاوز املعىن النظري إىل التطبیق الفعلي؛ "إذ ما من و ٍ
اقعة
أصلي تَـْنضوي حتته ،مث قد يعرض هلا عند التطبیق من ٌّ رك
تُفرض إال وهلا ُم ْد ٌ
نظرا استثنائیًّا هو أقرب إىل حقیقة العدل
اإلضافات التبعیة ما يستدعي إعطاءها (ً)3
واملصلحة ،كما هو مسلك الشريعة نفسه" .
( )1هو :علي بن أمحد بن سعید بن حزم الظاهري ،أبو حممد ،عامل األندلس يف عصره ،وأحد أئمة
"احلزمیة" ،ولد بقرطبة ،وكانت له
اإلسالم ،كان يف األندلس خلق كثري ينتسبون إىل مذهبه ،يقال هلمْ :
وألبیه من قبله رًيسة الوزارة وتدبري اململكة ،فزهد هبا وانصرف إىل العلم والت لیف ،وكان إلیه املنتهى يف
الذكاء واحلفظ وكثرة العلم ،وكان متفننا يف علوم مجة ،من كتبه :اإلحكام يف أصول األحكام جملدان،
وكتاب احمللى يف الفقه على مذهبه واجتهاده جملد ،وشرحه هو احمللى يف مثاين جملدات ،وكتاب الفصل يف
امللل والنحل ثالث جملدات وغريها ،تويف سنة 456ه .انظر ترمجته يف :إخبار العلماء أبخبار احلكماء،
ص ،179جلمال الدين أيب احلسن علي بن يوسف القفطي (ت 646 :هـ) ،حتقیق :إبراهیم مشس الدين،
دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ ـ لبنان ،ط 1426 ،1هـ 2005 /م ،وسري أعالم النبالء،373/13 ،
واملقصد األرشد ،213/2 ،واألعالم.254/4 ،
( )2اإلحكام يف أصول األحكام ،10/4 ،أليب حممد علي بن أمحد بن سعید بن حزم (ت456 :هـ)،
حتقیق :الشیخ:أمحد حممد شاكر ،قدم له :األستاذ الدكتور إحسان عباس ،دار اآلفاق اجلديدة ،بريوت ـ
لبنان ،د.ط ،د.ت.
( ) 3اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات ـ دراسة مقارنة يف أصول الفقه ومقاصد الشريعة ،ص،419
لعبد الرمحن بن معمر السنوسي ،دار ابن اجلوزي ،الدمام ـ السعودية ،ط1424 ،1ه.
-295-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
فهما وتنز ًيال ،139/2 ،د /عبد اجملید النجار ،كتاب األمة ،العدد ،23رائسة احملاكم
( )1يف فقه التدين ً
الشرعیة والشؤون الدينیة بقطر ،طبعة خاصة مبصر تصدر عن مؤسسة أخبار الیوم إدارة الكتب
واملكتبات ،ط1410 ،1ه1989/م .
( )2املقتضیات املنهجیة لتطبیق الشريعة يف الواقع اإلسالمي الراهن ،ص ،62،61د /عبد اجملید النجار،
جملة املسلم املعاصر ،جملد ،27العدد ،105السنة السابعة والعشرون.
-296-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
ـ وعرفه أ.د/حممد كمال إمام ،أبنه":مراعاة األحوال والظروف عند تنزيل األحكام
الشرعیة ،مبا يقتضي تغیري هیئة احلكم ،أو إحالل غريه مكانه"(.)1
ٍ
ظروف ـ كما عرفه د/حممود صاحل جابر ،ود/عمر مونة ،أبنه" :عدول بو ٍ
اقعة يف
معینة ،وفق االقتضاء التبعي عن حكمها األصل ،على حنو حيقق مقصود الشرع
منها ،يكون هذا العدول حینها؛ أقرب إىل املصلحة والعدل"(.)2
وبعد ،فهذه بعض تعريفات العلماء لالستثناء مبعناه املقصود يف هذه
الدراسة ،وميكن القول إن تعريف أستاذان الدكتور /حممد كمال الدين إمام هو
بیاان ملعىن االستثناء املراد يف هذه الدراسة.
أحسن هذه التعريفات ،وأكثرها ً
املطل الثاين
علما على معىن خمصوص تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه ً
والتعريف ابملصطلحات ذات الصلة
علما على معىن خمصوص: الفرع األول :تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه ً
إن املتقدمني من األصولیني مل يضعوا هلذا املصطلح املركب تعري ًفا اصطالحیًّا
حيدد ماهیته؛ وذلك ألهنم مل يـُنَ ِظّروا هلذا النوع من االجتهاد ،وإن كانوا ميارسونه
عملیًّا ،ومفهومه وصوره املتمثلة يف حتقیق املناط ،وسد الذرائع ،واالستحسان إىل
غري ذلك من األدلة التبعیة أو املوهومة -كما مساها الغزايل( -)3مبثوثة يف ثناًي
حمددا عندهم بشكل واضح ،إال أن املت خرين مدوانهتم وكتبهم ،لكن مفهومه لیس ً
تعرضا هلذا النوع من االجتهاد ،ومنهم أ.د /حممد خبالف املتقدمني كانوا أكثر ً
( )1مآالت تطبیق منهج حتقیق املناط يف أتجیل بعض األحكام أو تعلیقها ،ص ،115أ .د /حممد كمال
الدين إمام ،جملة املسلم املعاصر ،جملد ،37العدد ،148السنة السابعة والثالثون.
( )2حقیقة االجتهاد االستثنائي ومسالكه ،ص ،616حممود صاحل جابر ،وعمر مونة ،جملة دراسات،
علوم الشريعة والقانون ،اجمللد ( ،36ملحق)2009 ،م.
( )3انظر :املستصفى من علم األصول 435 /2 ،وما بعدها ،أليب حامد حممد بن حممد
الغزايل(ت505:ه) ،حتقیق :د/محزة بن زهري حافظ ،اجلامعة اإلسالمیة ،املدينة املنورة ،د.ت.
-297-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
فتحي الدريين ،فقد أشار إىل االجتهاد املبين على قاعدة االستثناء بقوله:
ضرب من التوفیق بني ٌ "االستثناء من القاعدة العامة ،أو األصل العام مبا هو
مقتضى القاعدة النظرية العامة اجملردة ،وبني مقتضى احلیاة الواقعیة يعترب ـ يف الواقع
غلو
مستبصرا ،من مناهج االجتهاد ،...يعاجل ًَ منهجا تشريعیًّا أصولیًّا
ـ خطّةً أو ً
التطبیق اآليل ،وسوءَ نتائجه اليت جتايف العدل واملصلحة احلقیقیة"(.)1
كما أشار إىل أن هذا النوع من االجتهاد يقوم على قاعديت :االستحسان،
وسد الذرائع ،ولكنه مل يعرفه(.)2
ـ وقد حاول بعض العلماء أن يضع هلذا املركب الوصفي تعري ًفا اصطالحیًّا
يوضح مفهومه ،وحيدد ماهیته ،ومنهم الدكتور /حممود صاحل جابر ،والدكتور/عمر
علما على معىن خمصوص ،أبنه" :بذل مونة ،فقد عرفا االجتهاد االستثنائي بوصفه ً
اقعة معدول هبا عن حكمها األصلي ،يف الوسع يف استنباط حكم الشرع يف و ٍ
ُْ
ظروف معینة ،على حنو حيقق مقصود الشرع منها ،يكون هذا العدول أقرب إىل ٍ
املصلحة والعدل"(.)3
صحیحا لالجتهاد االستثنائي ،ولكنه يؤخذ علیه ً تصورا
وهذا التعريف يعطي ً
أنه طويل ،كما أنه مل ينص على أن هذا االجتهاد اجتهاد يف تنزيل احلكم الشرعي.
وميكن االستفادة من جهود العلماء السابقني يف تعريف االجتهاد الشرعي،
وكذلك االستفادة من تعريف أستاذان الدكتور/حممد كمال الدين إمام لالستثناء يف
يف لالجتهاد االستثنائي يعرب عن حقیقته ،فیكون تعريف االجتهاد وضع تعر ٍ
االستثنائي هو" :بذل اجملتهد ُو ْسعه يف تنزيل األحكام الشرعیة على الوقائع
( )1املناهج األصولیة يف االجتهاد ابلرأي يف التشريع اإلسالمي ،ص ،494أ.د/حممد فتحي الدريين،
مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط1418 ،3ه1997/م.
( )2انظر :املصدر السابق ،ص.486
( )3حقیقة االجتهاد االستثنائي ومسالكه ،ص.617
-298-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
املشخصة ،مبا يقتضي تغیري هیئة احلكم وإحالل غريه مكانه إذا كان ال حيقق
املقصد الشرعي منه".
شرح التعريف وبيان حمرتازاته:
ــ"بذل اجملتهد ُو ْسعه" .أي :استنفاد اجملتهد كل طاقته يف البحث واالستقصاء
والنظر.
واملقصود ابجملتهد :الفقیه املؤهل للفقه واالجتهاد ،وهو قی ٌد إلخراج غري اجملتهد،
اجتهادا.
ً وهو املقلد ،فال يسمى ما بذله
ـ "تنزيل األحكام الشرعية على الوقائع املشخصة" .أي :تطبیق هذه األحكام
وتنزيلها على أفعال املكلفني.
ــ" أو تغيري هيئة احلكم و إحالل غريه مكانه إذا كان ال حيقق املقصد الشرعي
منه" .أي :وضع احللول للعوائق اليت قد تعرتض تطبیق هذه األحكام ،وذلك
ابلعدول إىل أحكام استثنائیة حتقق مراد الشارع من تلك األحكام ،وذلك يستلزم
من اجملتهد "تبصر زائد على حفظ الفقه وأدلته"(.)1
وهذا ما أشار إلیه ابن قیم اجلوزية( )2بقوله" :وال يتمكن املفيت وال احلاكم من
الفتوى واحلكم ابحلق إال بنوعني من الفهم :أحدمها :فهم الواقع والفقه فیه،
علما.
واستنباط علم حقیقة ما وقع ابلقرائن واألمارات والعالمات ،حىت حيیط به ً
اَّلل الذي َح َكم به يف كتابه
والنوع الثاين :فهم الواجب يف الواقع ،وهو فهم ُحكْم َّ
( )1فتاوى السبكي ،123/2 ،أليب احلسن تقي الدين علي بن عبد الكايف السبكي (ت756 :ه )،
دار املعرفة ،بريوت ـ لبنان ،د.ت.
( )2هو :حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ،مث الدمشقي ،الفقیه ،األصويل ،املفسر
النحوي ،العارف ،مشس الدين ،أبو عبد هللا بن قیم اجلوزية ،ولد سنة 691ه ،ألّف تصانیف كثرية ،منها:
إعالم املوقعني عن رب العاملني ،والطرق احلكمیة يف السیاسة الشرعیة ،وشفاء العلیل يف مسائل القضاء
والقدر واحلكمة والتعلیل وغريها ،تويف سنة 751ه ،انظر ترمجته يف :الذيل على طبقات احلنابلة،
170/5وما بعدها ،لعبد الرمحن بن أمحد بن رجب (ت795 :هـ) ،حتقیق :د /عبد الرمحن بن سلیمان
العثیمني ،مكتبة العبیكان ،الرًيض ـ السعودية ،ط 1425 ،1هـ 2005 /م.
-299-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
أو على لسان رسوله -صلى هللا علیه وسلم -يف هذا الواقع ،مث يطبق أحدمها على
أجرا؛ فالعامل
اآلخر؛ فمن بَ َذ َل َج ْهده واستفرغ ُو ْسعه يف ذلك مل يعدم أجرين أو ً
اَّلل ورسوله -صلى هللا علیه
َم ْن يتوصل مبعرفة الواقع والتفقه فیه إىل معرفة حكم َّ
وسلم"(.)1
الفرع الثاين :التعريف ابملصطلحات ذات الصلة:
علما على معىن خمصوص جتدر بعد بیان معىن االجتهاد االستثنائي بوصفه ً
اإلشارة إىل أوجه الشبه واخلالف بینه وبني ما يشبهه من مصطلحات ،فإن
االجتهاد االستثنائي يتداخل مع مصطلحني من مصطلحات أصول الفقه ،ومها:
ختصيص العلة ،واملعدول به عن َسنَن القياس ،ولعل اجلامع لالجتهاد االستثنائي
مع هذين املصطلحني هو خمالفة النظائر ،واخلروج عن األصل أو القاعدة العامة،
والعدول عن األقیسة.
أوال :ختصيص العلة: ً
تناول األصولیون مس لة ختلف حكم األصل عن علته يف كتبهم ،وعاجلوها يف
ابب القیاس ،لكنهم مل يتفقوا على وضعها يف موضع معني ضمن مباحث العلة،
فمنهم من حبثها ضمن شرط االطراد يف صحة العلة ،ومنهم من حبثها حتت عنوان
"النقض" ضمن قوادح العلة ،بینما حبثها آخرون حتت العنوان ذاته "ختصیص
العلة" ،كلٌّ حسب وجهة نظره يف حكم هذا التخلف ،هل هو مبطل للعلة أو ال؟
وجتدر يف هذا املقام اإلشارة ابختصار إىل معىن ختصیص العلة إشارةً تعطي
جممال عن حقیقته. تصورا ً
ً
-1تعريف ختصيص العلة:
أ ـ تعريف التخصيص:
ب ـ تعريف العلة:
الش ْربَة الثانیة ،أو الش ُّْرب بَـ ْع َدحمركةً ،وهيَّ : العلَل َّ - العلة يف اللغة :من َ
الع ّل و َ
العلَّةُ :الضََّّرة،
الس ْقیَة الثانیة ،و َ باعا ،يقالَ :علَّه ،يَـعُلُّه ،ويَعِلُّه :إِذا سقاه َّ بت ً
الشُّر ِ ِ
ْ
ِ
والعلَّة :املََر ُ
()1
ض ،وما يَ ْشغَل صاحبَه عن حاجته .
أما يف االصطالح فقد اختلفت عبارات العلماء يف تعريف العلة بناءً على
اختالفهم يف حقیقة الوصف الذي جيوز أن يعلّل به احلكم ،وآرائهم يف عالقة
احلكم ابلعلة ،ومن هذه التعريفات :تعريف ابن النجار( ،)2فقد عرفها بقوله:
السن َِّة ِمن أَصحابِنَا و َغ ِريِهمُ :جمَّرد أَمارةٍ وع ٍ ِ ِ
صبَـ َها الشَّا ِرعُ "العلَّةُ ...عْن َد أ َْه ِل ُّ ْ ْ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ َ
المة نَ َ
َدلِ ًیال ،يَ ْستَ ِد ُّل ِهبَا الْ ُم ْجتَ ِه ُد َعلَى ِو ْج َد ِان ْ
احلُ ْك ِم إ َذا َملْ يَ ُك ْن َعا ِرفًا بِِه"(.)3
ت ُوِج َد ِ
أي :أهنا جمرد عالمة أو أمارة دالة على وجود احلكم ،فإذا ُوج َد ْ
احلكم ،وإذا انعدمت انعدم احلكم ،من غري أن تكون مؤثرة فیه ،وال ابعثة علیه؛
ألن املؤثر يف احلقیقة هو هللا ،وهو مذهب مجهور األصولیني.
هللا بن عبد الشكور اهلندي البهاري ،ويلیه خمتصر ابن احلاجب ،واملنهاج للبیضاوي ،املطابع احلسینیة
املصرية ،مطبعة كردستان العلمیة ،د.ط1326 ،ه.
( )1انظر :معجم مقايیس اللغة ،12/4 ،ابب العني والالم ،ولسان العرب ،467/11 ،مادة (ع ل ل)،
والقاموس احملیط ، 20/4 ،فصل العني ابب الالم ،جملد الدين حممد بن يعقوب الفريوز أابدي الشريازي
(ت817:ه) ،نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة األمريية سنة 1310ه ،اهلیئة املصرية العامة
للكتاب ،ط 1399ه1979/م ،واتج العروس ،44/30 ،مادة (ع ل ل).
( )2هو :تقي الدين حممد بن أمحد بن عبد العزيز الفتوحي ،أبو البقاء ،الشهري اببن النجار :فقیه حنبلي
مصري ،من القضاة ،من كتبه :الكوكب املنري املسمى خمتصر التحرير وشرحه يف أصول الفقه ،ومنتهى
اإلرادات يف مجع املقنع مع التنقیح وزًيدات مع شرحه للبهويت ،يف فقه احلنابلة ،تويف سنة 972ه ،انظر
ترمجته يف :خمتصر طبقات احلنابلة ،ص ،91حملمد مجیل بن عمر البغدادي املعروف اببن شطي ،دار
الكتاب العريب ،بريوت ـ لبنان ،ط1406 ،1ه1986/م.
( )3شرح الكوكب املنري املسمى مبختصر التحرير أو املخترب املبتكر شرح املختصر يف أصول الفقه،
،39/4حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي احلنبلي املعروف اببن النجار (ت 972 :هـ)،
حتقیق :د/حممد الزحیلي ،ود /نزيه محاد ،مكتبة العبیكان ،الرًيض ـ السعودية ،ط1418 ،2هـ1997/م.
-302-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
( )1هو :عبد العزيز بن أمحد بن حممدَ ،ع َالء ال ِّدين البُ َخاري :فقیه حنفي من علماء األصول ،من أهل
خبارى ،له تصانیف ،منها" :شرح أصول البزدوي" جملدان ،مساه " كشف األسرار" ،و"شرح املنتخب
احلسامي" وغريها ،تويف سنة 730ه ،انظر ترمجته يف :الفوائد البهیة يف تراجم احلنفیة ،ص ،94واألعالم،
.13/4
( )2كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ، 32/4 ،وانظر :التعريفات الفقهیة (معجم يشرح
األلفاظ املصطلح علیهابني الفقهاء واألصولیني وغريهم من علماء الدين) ،ص ،54حملمد عمیم اإلحسان
اجملددي الربكيت ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط1424 ،1هـ 2003 /م.
( )3معجم لغة الفقهاء مع كشاف إنكلیزي ـ عريب ابملصطلحات الواردة يف املعجم ،ص ،125حملمد
رواس قلعجي ،وحامد صادق قنیيب ،دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ـ لبنان ،ط1408 ،2
هـ 1988 /م.
( )4انظر :شرح التلويح على التوضیح ،184/2 ،وفتح الغفار بشرح املنار ،البن جنیم.42/3 ،
-303-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
اصطالحا:
ً ب ـ تعريف املعدول به عن َسنَن القياس
ذكر العلماء للمعدول به عن القیاس عدة تعريفات ،من أمهها:
ـ عرفه الدبوسي ،بقوله" :حد املعدول عن القیاس :أن جييء خبالف ما يوجبه
العقل والقیاس الشرعي"(.)1
ـ وعرفه د /النملة ،أبنه" :ما ُش ِرع من األحكام على وجه االستثناء واالقتطاع عن
القواعد العامة ،وهو خمالف للقواعد العامة ،بشرط :أن يكون معقول املعىن"(.)2
عالقة االجتهاد االستثنائي ابملعدول به عن َسنَن القياس:
لكل من االجتهاد االستثنائي واملعدول به عن َسنَن القیاس هو املعىن اجلامع ٍّ
اإلخراج ،فاالجتهاد االستثنائي هو :إخراج واقعة معینة أو فرد معني من بني وقائع
وأفراد من النوع ذاته ،فال جيري علیهما احلكم الشرعي ،واملعدول به عن َسنَن
القیاس هو :ماخالف القواعد الكلیة ،وخرج من القواعد الفقهیة على سبیل
االستثناء.
ولكن خيتلف كل منهما عن اآلخر يف :أن املعدول به عن َسنَن القیاس إذا
ِ
صد به احلكم الذي خرج عن سنن القواعد القیاسیة ابلنص أو اإلمجاع؛ أُطْل َق يـُ ْق َ
وهلذا يطلق على املعدول به عن َسنَن القیاس اسم املخصوص من القیاس
ابلنص(.)3
حمصورا يف
ً أما االجتهاد االستثنائي فإن موجب خروجه أعم من أن يكون
النص أو األثر ،بل جيوز أن خيرج عن حكم األصل أبي دلیل معترب.
بوسي احلنفي
( )1تقومي األدلة يف أصول الفقه ،ص ، ،284أليب زيد عبید هللا بن عمر بن عیسى ال ّد ّ
(ت430:هـ) ،حتقیق :خلیل حمیي الدين املیس ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،،ط1421 ،1هـ /
2001م.
( ) 2اجلامع ملسائل أصول الفقه وتطبیقاهتا على املذهب الراجح ،أ.د/عبد الكرمي بن علي بن حممد النملة،
مكتبة الرشد ،الرًيض ـ اململكة العربیة السعودية ،ط 1420 ،1هـ 2000 /م.
( )3انظر :كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي.178/1 ،
-307-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
املبحث الثاين
حجية االجتهاد االستثنائي
يعترب االجتهاد وفق أصول االستثناء من أدق وجوه االجتهاد وأخطرها ش ًان؛
وذلك ألنه ال يعمل يف منطقة الفراغ التشريعي ،وغیاب الشواهد النصیّة ،وإمنا
جمال عمله هو األحكام اليت تقررت على خلفیة من النصوص(.)1
وإذا كان األصولیون مل يـُنَ ِظّروا ألصول االجتهاد االستثنائى كما نَظَُّروا ألصول
أصوال
االستنباط والفهم فإن ممارستهم العملیة هلذا النوع من االجتهاد أفرزت ً
وقواعد يستند إلیها اجملتهد يف ممارسته لتطبیق احلكم وتنزيله ،وهذه األصول
والقواعد تتناسب يف مضموهنا وطبیعتها مع الطبیعة العملیة لالجتهاد االستثنائي،
إذ يقوم هذا االجتهاد على النظر يف احلكم ،وكیفیة حتقیق مناطه يف الواقع ،وحتقیق
املقصد الشرعي منه ،وكذلك النظر يف النتائج املستقبلیة ،واآلاثر املتوقع حصوهلا
من تطبیق احلكم وتنزيله ،والبحث يف احللول واملعاجلات اليت ميكن للمجتهد أن
يلج إلیها عند حدوث مشاكل تعرتض تنزيل احلكم الشرعى.
واألدلة على مشروعیة هذا النوع من االجتهاد كثرية ومتنوعة ،فالتشريع
كتااب وسنة ـ يرشد إىل هذه اخلطة التشريعیة اليت تقوم على االستثناء، اإلسالمي ـ ً
ومن يت مل نصوص القران الكرمي وسنة النيب -صلى هللا علیه وسلم -جيد العديد
من النصوص اليت تدعو إىل أن يكون تنزيل األحكام على حنو متبصر راشد حمقق
لغاًيت املشرع ومتوافق مع مقاصد التشريع.
أوال :أدلة مشروعية االجتهاد االستثنائي من القرآن الكرمي: ً
1ـ األحكام والتشريعات الواردة يف بعض اآلًيت الناسخة واملنسوخة :تعترب اآلًيت
دلیال على مشروعیة اليت قال الكثري من املفسرين عنها إهنا انسخة أو منسوخة ً
( ) 1االجتهاد ابلرأي يف عصر اخلالفة الراشدة ـ دراسة حتلیلیة يف أصول سیاسة التشريع ومقاصده واترخيه،
ص ،430د/عبد الرمحن بن معمر السنوسي ،جملة الوعي اإلسالمي ،اإلصدار ،21وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمیة ـ الكويت ،ط1432 ،1ه2011/م.
-308-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
هذا النمط من االجتهاد؛ ألن احلكمة من وقوع النسخ هي حتقیق مصاحل الناس،
ورفع احلرج املرتتب على احلكم املنسوخ ،أي :مبعىن اَخر مراعاة ظروفهم العامة منها
واخلاصة(.)1
يقول األستاذ حممد مصطفى شليب" :أما النسخ فإن احلكم املنسوخ جاء يف
ٍ
ملصلحة خاصة ،فلما تبدلت تبدل احلكم"(.)2 حالة خاصة ،و ٍ
إن النسخ قد راعى فیه الشارع احلكیم ظروف العباد أثناء التشريع ،فكان
ظرف ما ،مث إذا ما تغري الظرف رفعه ،ونسخه حبكم آخر يشرع حكما معینًّا يف ٍ
ً
مراعا ًة ملصاحل العباد ،أو إلرادة اخلري هلم ،وهذا يعين أن الشارع أراد من اجملتهد أن
حكما معینًّا يف
يراعي مصاحل العباد أثناء تنزيل احلكم الشرعي ،وأنه إذا رأي أن ً
ظرف ما مل حيقق املصلحة اليت ُش ِرع من أجلها فعلیه أن يلج إىل االجتهاد ٍ
أتجیال ،أو إيقافًا؛ كي يبقى املنطق التشريعي
تعديال ،أو تغی ًريا ،أو ً
االستثنائي ـ ـ ً
متس ًقا يف استجالب املصاحل ودرء املضار واملفاسد ،وتسلم الوحدة التشريعیة من
التهافت واالختالف.
ومن أمثلة ذلك:
-آًيت الصرب ،والصفح ،والعفو ،واإلعراض عن املشركني ،وحنو ذلك مما قال فیه
كثري من املفسرين :إهنا منسوخة آبية السیف يف قوله –تعاىل :ﱡ ﲚ ﲛ
ﲜﲝﱠ(.)3
واحلق أن هذه اآلًيت هلا جمال ووقت معني ،وآية السیف هلا وقت وجمال
آخر ،فاألمر هنا لیس من ابب النسخ ،وإمنا هو مبىن على سبب يرتفع ابرتفاعه،
( )1انظر :أثر الظرف يف تغیري األحكام الشرعیة ،ص ،160خللیل حممود نعراين ،دار ابن اجلوزي
القاهرة ،ط2006/1427 ،1م.
( )2تعلیل األحكام عرض وحتلیل لطريقة التعلیل وتطوراهتا يف عصور االجتهاد والتقلید ،ص،307
لألستاذ حممد مصطفى شليب ،دار النهضة العربیة للطباعة والنشر بريوت ـ ـ ـ لبنان ،ط ،2د.ت.
( )3سورة التوبة :جزء من اآلية .5
-309-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
ويعود بعوده ،وهو ما ذكره اإلمام الزركشي( )1يف بیان النوع الثالث من أنواع
النسخ ،قال -رمحه هللا " :الثالث ما أمر به لسبب ،مث يزول السبب ،كاألمر حني
الضعف والقلة ابلصرب ،وابملغفرة للذين يرجون لقاء هللا ( ،)2وحنوه من عدم إجياب
األمر ابملعروف والنهى عن املنكر واجلهاد وحنوها ،مث نسخه إجياب ذلك" ،مث قال:
سءٌ ،كما قال -تعاىل :ﱡ ﱆ ﱇ ﱠ(،)3 "وهذا لیس بنسخ يف احلقیقة ،وإمنا هو نَ ْ
فاملْن َس ُ هو األمر ابلقتال إىل أن يقوى املسلمون ،وىف حال الضعف يكون احلكم
ُ
الصرب على األذى"(.)4
فاآلًيت اآلمرة ابلتخفیف كما ذكر الزركشي ـ ـ لیست منسوخة آبية السیف،
توجب وقت ما ٍ
لعلة بل هي من املْنس ،مبعىن :أن كل أمر ورد جيب امتثاله يف ٍ
ُ َُ
ذلك احلكم ،مث ينتقل ابنتقال تلك العلة إىل حكم آخر ،وأما النسخ فهو اإلزالة،
أبدا(.)5
حىت ال جيوز امتثاله ً
-2اآلًيت اليت تدعو إىل أن يكون تطبیق األحكام الشرعیة حمققا لغاًيت
املشرع ،ومتوافقا مع مقاصد التشريع ،فقدت وردت العديد من اآلًيت اليت
تتضمن املنع من بعض األفعال ،مع أهنا قد تكون مشروعة ومباحة يف األصل؛
( ) 1هو :حممد بن عبد هللا بن هبادر ،اإلمام العامل العالمة املصنف احملرر ،بدر الدين ،أبو عبد هللا املصري
البلقیين ،كان فقیها،
ّ األذرعي ،والسراج
ّ اإلسنوي ،ومغلطاي ،وابن كثري و
ّ كشي الشافعي ،أخذ عن الزر ّ
ودرس وأفىت ،وله تصانیف كثرية يف عدة فنون ،منها« :الربهان يف علوم القرآن»، مفسرا ،أديباّ ،
أصولیاّ ،
افعي» ،تويف سنة 794ه ،انظر ترمجته و«القواعد يف الفقه» ،و«أحكام املساجد» و«ختريج أحاديث الر ّ
يف :طبقات املفسرين ،للداوودي.162/2 ،
( )2إشارة إىل اآلية ( )14من سورة اجلاثیة ،ونصها :ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ
ﱌ ﱍ ﱎﱠ.
( )3سورة البقرة :جزء من اآلية (.)106
( )4الربهان يف علوم القرآن ،42/2 ،لإلمام بدر الدين حممد بن عبد هللا الزركشي ،حتقیق :حممد أبو
الفضل إبراهیم ،مكتبة دار الرتاث ـ ـ ـ القاهرة ،ط1404 ،3ه1984/م.
( )5انظر :املصدر السابق.
-310-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
نظرا ملا تؤدي إلیه من الوقوع يف حمظور ،فهذه اآلًيت تبني حجیة هذا النوع من ً
االجتهاد؛ ألن األساس الذي يقوم علیه االجتهاد االستثنائي هو الرتجیح بني
ظاهر الدلیل الشرعي وما يتضمنه من حكم ،وبني ما ينتج عن تنزيل هذا احلكم
على حمله من مصاحل أو مفاسد ،وضرورة أن يبذل اجملتهد ُو ْسعه يف دراسة املآالت
والنتائج قبل تنزيل احلكم ،فإذا تبني له ،أو غلب على ظنه أن تنزيل احلكم على
الواقعة يئول إىل حتقیق املقصد الشرعي منه ،وأن اآلاثر املتوقع حصوهلا من هذا
استنادا
ً التنزيل تالئم ذلك املقصد وتتطابق معه؛ أقدم على تنزيل احلكم وتطبیقه؛
إىل سالمة املآل وصالحه ،وأما إذا غلب على ظنه أن تنزيل احلكم يئول إىل
مناقضة مقصده الشرعي ،وأن اآلاثر املتوقع حصوهلا من تنزيله تتناىف مع هذا
استنادا إىل مآله الفاسد وآاثره املنافیة ملقصد
ً املقصد عُ ِدل عن هذا التنزيل؛
الشارع ،ومن هذه اآلًيت:
تعايل:ﱡ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ أ ـ ـ قوله
ﲧ ﱠ(.)1
وجه االستشهاد :أن هللا -تعاىل -هنى رسوله -صلى هللا علیه وسلم-
سب آهلة املشركني ،وإن كان فیه مصلحة؛ ألنه يرتتب علیه مفسدة، واملؤمنني عن ِّ
بسب إله املؤمنني ،وهو هللا الذي ال إله إال هو؛ فمنع هللا
وهي مقابلة املشركني ّ
جائزا يؤدى إىل حمظور(.)2
فعال ً أحدا أن يفعل ً
تعايل يف كتابه ً
األصل يف سب آهلة املشركني هو املشروعیة واجلواز ،وذلك ملا فیه من توهني
أمر املشركني ،وإهانة آهلتهم ،وإظهار عزة املؤمنني وقوهتم ،غري أن هذا األصل
املشروع مل أيذن الشارع بتطبیقه؛ ملا فیه من نتائج تتعارض مع مقصد الشارع من
أصل مشروعیة هذا احلكم ،وذلك من جهة ما سیفضي إلیه من محل املشركني
جهال وعدو ًاان ،وهي مفسدة تربو بكثري على سب هللا ـ ـ سبحانه وتعاىل ـ ـ ًعلى ّ
املصلحة اليت يرجي حتقیقها من هذا الفعل ،وهذا تنبیه على املنع من الفعل اجلائز؛
لئال يكون سببًا يف فعل ما ال جيوز(.)1
فهذه اآلية تبني ضرورة الوعي بنتائج التطبیق والتحقق من مدى توافق احلكم
عند تطبیقه مع املصلحة اليت ُش ِرع من أجلها ،يقول اإلمام القرطيب" :هذه اآلية
حق له إذا أدى إىل ضرر ف عن ٍّ ودلیل على أن امل ِح َّق قد ي ُك ُّ
ٌ ضرب من املوادعة،
ٌ
ُ ()2
اقعا،
نظرا وو ً
يكون يف الدين ،وهذا يبني أمهیة أن يتحرى اجملتهد قصد الشارع ً
وأن ال يقف عند جمرد احلكم األصلي ،حىت ينظر يف النتائج املرتتبة على احلكم
املراد تنزيله يف الواقع؛ وذلك حىت ال يؤدي التجريد النظري إىل عكس مراد
الشارع؛ فیؤدي إىل الفساد بدل الصالح ،وإىل الضرر بدل املنفعة.
-تعاىل :ﱡﲥ ب -قوله -تعاىل :ﱡ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱠ( ،)3وقوله
ﲦﲧﲨﲩﲪﱠ(.)4
وجه االستشهاد :أن هللا ـ ـ عز وجل ـ ـ هنى عن إمساك الزوجة وعضلها بقصد
املضارة ،ف مر هللا -تعاىل -الزوج ابإلمساك ابملعروف ،وهناه عن مضارهتا بتطويل
ب وقت انقضاء العدة علیها كما كانت تفعل اجلاهلیة من طالق املرأة ،حىت إذا قَـ ُر َ
عدهتا راجعها ال عن حاجة وال حملبة ،ولكن لقصد تطويل العدة وتوسیع مدة
االنتظار ،أو إلجلائها إىل اخللع وأن تفتدي نفسها من الزوج ببعض ماهلا(.)5
"ال
أن رسول هللا -صلى هللا علیه وسلم -امتنع عن قتل املنافقني وعلّل هذا بقولهَ :
َّاس أَنَّهُ َكا َن يَـ ْقتُ ُل أ ْ
َص َحابَهُ"(.)1 يَـتَ َح َّد ُ
ث الن ُ
يكف عن قتلوجه االستشهاد :أن النيب -صلى هللا علیه وسلم -كان ّ
املنافقني ـ مع ما يف قتلهم من مصلحة التخلص من مكرهم وكیدهم ابملسلمني،
ضررا على املسلمني من أعدائهم وبقاء اجملتمع اإلسالمي متماس ًكا؛ ألهنم أكثر ً
الذين يقاتلوهنم مواجهة؛ لئال يؤول ذلك إىل تنفري الناس من الدخول يف اإلسالم،
وتشويه صورة اإلسالم خارج املدينة املنورة عن طريق ترهیب الناس ،وختويفهم من
املصري الذي أصاب بعض األفراد الذين اعتنقوا اإلسالم (يف الظاهر) ،فكان
مصريهم القتل؛ لذلك امتنع النيب ﷺ عن قتلهم؛ ألن مفسدة التنفري أكرب من
مفسدة ترك قتاهلم ،ومصلحة الت لیف أعظم من مصلحة قتلهم ،وهذا من ابب
الرتك للمطلوب ،خوفًا من حدوث مفسدة أعظم من مصلحة ذلك املطلوب(.)2
()3
عظیما من
ً اباب
ً الكالم هذا يف إن " احلديث: هذا ح شر يف يقول اخلطايب
سیاسة أمر الدين والنظر يف عواقب أموره ،وذلك أن الناس إمنا يدخلون يف الدين
ظاهرا ،وال سبیل إىل معرفة ما يف نفوسهم ،فلو عوقب املنافق على ابطن كفره ً
سبیال إىل تنفري الناس عن الدخول فیه أبن يقولوا إلخواهنم :ما لوجد أعداء الدين ً
ص ْلتُم يف ك ِّفه وأنتم مؤمنون به وخملصون له
ؤمنُ ُكم إذا دخلتم يف دين هذا النيب ِ
وح ّ
ُ
يِ
ُ
إيل يف أمركم ،وجاءين
أن ي ّدعي علیكم كفر الباطن ،وأن يقول لكم :قد أوحي ّ
( )1أخرجه البخاري يف صحیحه ،184/4 ،كتاب املناقب ،ابب :ما يُنهى من دعوى اجلاهلیة ،رقم
( ،)3518ومسلم يف صحیحه ،ص ،1041كتاب الرب والصلة واآلداب ،ابب :نصر األخ ظاملا أو
ً
مظلوما ،رقم (.)2584
ً
( )2انظر :بیان الدلیل على بطالن التحلیل ،ص ،257إالم املوقعني ،7/5 ،املوافقات.428/4 ،
فقیها ،أديبًا ،حمد ًاث ،له
( )3هو أبو سلیمان محد بن حممد بن إبراهیم بن اخلطاب البسيت اخلطايب ،كان ً
التصانیف البديعیة منها" :غريب احلديث" ،و"معامل السنن يف شرح سنن أيب داود" ،و"أعالم السنن يف
ت يف شهر شرح البخاري" ،و"بیان إعجاز القرآن" ،وكتاب "إصالح غلط احملدثني" وغري ذلك ،تويف ببُ ْس َ
ربیع اآلخر ،سنة ٍ
مثان ومثانني وثالثة مائة ،انظر ترمجته :يف تذكرة احلفاظ ،149/3 ،واألعالم.273/2 ،
-314-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
اخلرب عن سركم أنكم منافقون ،فیستبیح بذلك دماءكم وأموالكم ،فال تُ ِّ
غرروا
أبنفسكم وال تُسلِّموها للهالك؛ فیكون ذلك سببًا لنفور الناس عن الدين وزهادهتم
فیه"(.)1
ففي امتناع النيب -صلى هللا علیه وسلم -عن قتل املنافقني توجیه إىل ضرورة
التبصر بنتائج تطبیق األفعال قبل اإلقدام علیها للتحقق من مدى توافقها مع
مقاصد التشريع.
-2التشريعات واألحكام الواردة يف السنة استثناء من احلكم العام ،واليت
يكون األخذ هبا رخصة من أجل التیسري والتخفیف على الناس ،فهذه األحكام
والتشريعات ترشد اجملتهد إىل ضرورة مراعاة أحوال الناس وظروفهم وحاجاهتم عند
تنزيل األحكام الشرعیة يف الواقع ،فیحكم بتطبیق احلكم الشرعي على املكلف كما
هو إذا أفضى إىل حتقیق املصلحة املقصودة منه ،أو يلج إىل حكم استثنائي إذا
أفضى تطبیق احلكم على املكلف كما هو إىل عكس مراد الشارع ،فريخص له فیه
أو مينع منه ،ومن تلك التشريعات ما يلي:
تیسريا على
الرتخیص يف بعض املعامالت ـ ـ مع أن ذلك خالف األصل ـ ـ ً
نظرا؛ ملا يؤول إلیه بقاء احلكم األصلي من احلرج واملشقة على
ورفعا للحرج ً
العبادً ،
املكلفني ،ومن ذلك إابحة القرض للحاجة ،مع أنه يف األصل راب ،ووجه ذلك أن
القرض يتم فیه إعطاء نقود آلخر على أن يردها بعد مدة ،وقد حدث تبادل
مثلیات ربوية مع عدم التقابض يف اجمللس ،وهو راب نسیئة حىت ولو مل حتدث زًيدة
علیه ،ولكن الشارع أابح القرض ملعىن اإلحسان فیه ،وتوسعة على الناس ،وهذا
استثناء من الشارع هلذا النوع من التعامل مع أن التبادل يتم يف أموال ربوية ،فقد
( )1أعالم احلديث (شرح صحیح البخاري) ،1586/3 ،أليب سلیمان محد بن حممد اخلطايب
(ت388:ه) ،حتقیق :د/حممد بن سعد بن عبد الرمحن آل سعود ،جامعة أم القرى (مركز البحوث
العلمیة وإحیاء الرتاث اإلسالمي) ،مكة املكرمة ،ط1409 ،1ه1988/م.
-315-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
الر ُجل ض َي َّ الص َدقَة ،فََمر أَاب رافِع أَ ْن يـ ْق ِ َّ ِ
ل ت َعلَْیه إِبِل ِمن إِبِ ْ م بكْرا( ،)2فَـ َق ِ
د
َ ََ َ َ ٌ ْ َ َ ً
ِ ِ ِ
بَكَْره ،وقال -صلى هللا علیه وسلمَ " :ما م ْن ُم ْسل ٍم يُـ ْق ِر ُ
()3
ضا َم َّرتَـ ْني
ض ُم ْسل ًما قَـ ْر ً
ص َدقَتِ َها َم َّرة"(.)4إَِال َكان َك َ
وجه االستشهاد :جواز القرض ـ ـ وهو بیع الدرهم ابلدرهم إىل أجل ـ ـ مع أنه
راب يف األصل ،يقول الشاطيب" :أُبیح الدرهم ابلدرهم إىل أجل للحاجة املاسة
للمقرض ،والتوسعة على العباد"(.)5
فهذه األحكام والتشريعات النبوية وغريها كثري تؤصل ملشروعیة االجتهاد
االستثنائي الذي يعمل على حتقیق املواءمة ،أو درء التعارض بني ما يقتضیه الواقع،
وما يقتضیه االلتزام ابألحكام الشرعیة ،وكذلك دفع الضرر الناشئ عن تطبیق
ف ِيف امسه ،فقیل :أسلم ،وقیل :إبراهیم، ( )1هو :أبو رافع موىل رسول هللا -صلى هللا علیه وسلمِ ،
اختُل َ
ْ
وقیل :صاحل ،قال ابن عبد الربّ :أشهر ما قیل يف امسه أسلم ،وقیل كان موىل العباس بن عبد املطلب،
بشره إبسالم العباس بن عبد املطلب ،واحملفوظ أنه أسلم ملا للنيب -صلى هللا علیه وسلم ،ف عتقه ملا ّ
فوهبه ّ
بشر العباس أب ّن النيب -صلى هللا علیه وسلم -انتصر على أهل خیرب ،وكان إسالمه قبل بدر ومل يشهدها، ّ
أحدا وما بعدها ،تويف ابملدينة قبل عثمان بیسري أو بعده ،انظر ترمجته يف :اإلصابة يف متییز وشهد ً
الصحابة.112/7 ،
الفيت من اإلبل ،فهو مبنزلة الغالم ،انظر :غريب احلديث ،84/1 ،أليب الفرج عبد ( )2البَكُْر ابلفتحُّ :
الرمحن بن علي بن حممد بن علي بن اجلوزي (ت597 :ه) ،وثق أصوله وعلق علیه :د/عبد املعطي أمني
قلعجي ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ ـ لبنان ،ط1425 ،1ه2004/م.
خريا منه،
( )3أخرجه مسلم يف صحیحه ،ص ،653كتاب املساقاة ،ابب :من استسلف شیئًا فقضى ُ
رقم(.)1600
( )4أخرجه ابن ماجة يف سننه ،812/2 ،كتاب الصدقات ،ابب :القرض ،رقم( ،)2430والصنعاين يف
وصوب الدارقطين ٍ
فتح الغفار ،1221/3 ،رقم( ،)3716وقال :رواه ابن ماجة إبسناد ال يقوم به حجةّ ،
مرفوعا وموقوفًا.
وقفه ،وأخرجه ابن حبان يف صحیحه ،والبیهقي ً
( )5املوافقات.58/3 ،
-316-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
تعديال ،أو
تغیريا ،أو ًعموم احلكم يف الظروف املختلفة عن طريق مراجعة احلكم ً
إلغاءً؛ لتحقیق أقصى ما ميكن من املصاحل ،ودرء أقصى ما ميكن من املفاسد.
هذا ،وال يقلل من سالمة االستدالل هبذه األدلة أن العلماء يسوقوهنا للداللة
على حجیة االستحسان ،وسد الذرائع ،واعتبار املآالت؛ ذلك أن مجیع هذه
املناهج هي من األصول التشريعیة املنهجیة لالجتهاد االستثنائي.
-317-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
املبحث الثالث
ضوابط االجتهاد االستثنائي
نظًرا خلطورة هذا االجتهاد وأمهیته فإنه يتوجب بیان الضوابط واملعايري اليت
البد للمجتهد منها عند نظره يف املس لة حمل احلكم وواقعها ،ومن خالهلا يستطیع
يؤجل ،أو يـُ َعلَّق تطبیقه ،ومىت يـُ َع َّمم احلكم
أن حيدد مىت يُطبَّق احلكم الشرعي ومىت َّ
صص عمومه أو يـُ َقیَّد إطالقه ،فیستثىن منه بعض الشرعي على أفراده ،ومىت ُخيَ َّ
األفراد ملوجب خاص يقتضي هذا العدول واالستثناء؛ حىت يكون هذا االجتهاد
بعیدا عن اتباع اهلوى.خادما ملقاصد الشريعة ،وحم ّق ًقا ألهدافها وغاًيهتاً ،
ً
فاالجتهاد االستثنائي حيتاج إىل بصرية ،ودقّة ،واستشراف للمستقبل ،وتقدير
ملآالت األمور ،وحيتاج كذلك إىل إدراك حقائق األمور وتفاصیلها ،وإحاطة
حتتف ببعض الوقائع واألعیان ،وسیكون احلديث ابلظروف واألحوال اخلاصة اليت ّ
يف هذا املبحث حول أهم هذه الضوابط اليت تس ّدد عملیة االجتهاد االستثنائي،
وتشكل يف حمصلتها مثرة كلیة ،هي احلفاظ على املقاصد الكلیة يف تشريع
األحكام.
الضابط األول :التصور الصحيح التام للواقعة ومعرفة حقيقتها:
اتفقت كلمة العلماء على ضرورة معرفة الواقع والفقه فیه ملن أراد الفتیا أو
القضاء ،فالفقیه احلق البد أن يكون واقعیًّا ،يعرف الواقع وال جيهله ،يلتفت إلیه
وال يلتفت عنه ،يُعمله وال يُهمله ،يبين علیه وال يبين يف فراغ(.)1
وملا كانت الواقعة هي احملل الذي سیتنزل علیه احلكم فالبد من معرفة ماهیتها
واستكناه حقیقتها ،مث حترير الوصف الشرعي املناسب هلا؛ لبیان ما تقتضیه من
حكم ،يقول الشیخ عبد الرمحن السعدي" :مجیع املسائل اليت حتدث يف كل وقت،
( )1االجتهاد النص ،الواقع ،املصلحة ،ص ،50أ.د/أمحد الريسوين ،دار الكلمة للنشر والتوزيع ،مصر،
ط1435 ،1ه2014/م.
-318-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
سواء حدثت أجناسها أو أفرادها جيب أن تتصور قبل أي شيء ،فإذا عُ ِرفت
اتما بذاهتا صحیحا ًّ تصورا ت صفاهتا ،وتصورها اإلنسان حقیقتهاِ ُ ،
ً ً صْوش ّخ َ
ت على نصوص الشرع وأصوله الكلیة"(.)1 ومقدماهتا ونتائجها طُبِّ َق ْ
ومن هنا تتضح حاجة الفقیه إىل دراسة واقع احلیاة حيت يكون رأيه يف إنزال
الشريعة على الواقع مبنیًا على أساس سلیم ،وهلذا فإن من اخلط أن ينظر اجملتهد
جمردا عن الواقع والعرف والعادة ،فیعمم األحكام دون أن يراعي نظرا ً
إىل املس لة ً
نوعا من التقیید والتخصیص ،ولقد نبه ابن القیم إىل األعراف اليت قد تستدعي ً
أبدا جتيء خطورة هذا املنهج يف التعامل مع األحكام الشرعیة بقوله" :وعلى هذا ً
فاعتربه ،ومهما سقط ف لْغِ ِه، ْ الفتاوى يف طول األًيم ،فمهما جتدد يف العُْرف شيء
رجل من غري إقلیمك طول عمرك ،بل إذا جاءك ٌ وال جتمد على املنقول يف الكتب َ
وس ْله عن عرف بلده ،ف ْج ِرهِ علیه ،وأفْتِ ِه به،
يستفتیك فال ُْجت ِرهِ على عُْرف بلدكَ ،
اجلمود على دون عرف بلدك واملذكور يف كتبك ،...فهذا هو احلق الواضح ،و ُ
وجهل مبقاصد علماء املسلمني والسلف ٌ ضالل يف الدين ٌ أبدا
املنقوالت ً
املاضني"(.)2
والبد من التنبیه يف هذا السیاق إىل أن تغري العرف واختالف األحوال
واملالبسات احملیطة ابلواقعة اليت سیطبق علیها احلكم قد جعل هلا طبیعة جديدة
تبصر هبا ختتلف عنها فیما لو كانت ذات الواقعة عريّة عن تلك املالبسات اليت َّ
الفقیه نتیجةً لفقهه ابلواقع وإحاطته بدقائقه وتفصیالته ،وهذا التغري الذي طرأ
على الواقعة هو الذي أوجب التغري يف احلكم ،وهذا التغري يف األحكام ال يـُ َع ّد
نسخا للشريعة؛ ألن األحكام يف حقیقتها ابقیة وإمنا الذي تبديال وال ً تغیريا وال ً
ً
افرا فیه شروط التطبیق فطُبِّق حكم تغري حملّها الذي تنزل علیه؛ إذ إنه مل يعد متو ً
( )1الفتاوى السعدية ،ص ،190للشیخ عبد الرمحن السعدي ،مكتبة املعارف ،الرًيض ـ السعودية ،ط،2
1402ه1982/م.
( )2إعالم املوقعني.470/4 ،
-319-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
آخر علیه ،ومن هنا فإن الفقه اإلسالمي يتجدد ،وال جيمد ،حیث أيخذ كل واقعة
خبصوصها ،فیدخلها حتت حكمها الشرعي ،حسب حتقیق مناطها ،فإن جاء
توتغري حتقیق مناطهاُ ،و ِض َع ْ زمان آخر وجتددت تلك الواقعة على صورةٍ أخرىّ ،
حتت حكمها اخلاص هبا وهكذا( ،)1وهذا الفهم هو ما متثله اإلمام أبو زيد
القريواين( )2حني سقط حائط داره وكان خياف على نفسه من الشیعة ،فاختذ كلبًا
ب إال لثالثة أشیاء، ك نَـهى َعن ِّاختَ ِاذ الْ ِك َال ِ ِ ِ
ف تَـتَّخ ُذهُ َوَمال ٌ َ ْ
للحراسة ،فقیل لهَ :كْی َ
وهي أن يكون :كلب ماشیة ،أو زرٍع ،أوصید؟ فَـ َق َال :لَ ْو أ َْد َرَك َمالِ ٌ
ك َزَمانَـنَا َِال َّختَ َذ
ضا ِرًًي(.)3
َس ًدا َ
أَ
فواقعة اختاذ الكلب يف زمان أيب زيد القريواين وما حصل فیه من فقدان
لألمن وخوف على األنفس واألموال هي يف حقیقتها وطبیعتها ومكوانهتا غري
واقعة اختاذ الكلب يف زمان اإلمام مالك ،حیث مل يكن هناك ما يوجب ذلك؛
أثرا(.)4
وعلیه فال يصح تطبیق حكم واحد على واقعتني خمتلفتني طبیعةً و ً
( )1انظر :الوجیز يف أصول الفقه ،ص ،205د/عبد الكرمي زيدان ،مؤسسة الرسالة انشرون ،بريوت ـ
لبنان ،ط1430 ،1ه2009/م ،والتطبیق املقاصدي لألحكام الشرعیة ،أ.د/عبد احلمن الكیالين،
ص.19
حممد عبد هللا بن أبو زيد عبد الرمحن القريواين ،الفقیه ،النظار ،احلافظ ،احلجة ،إمام املالكیة
( )2هو :أبو َّ
يف وقته ،كان واسع العلم ،كثري احلفظ والرواية ،من كتبه :النوادر والزًيدات على املدونة ،وكتاب خمتصر
املدونة ،واالقتداء أبهل املدينة وغريها ،تويف سنة 386ه ،انظر ترمجته يف :الديباج املذهب،427/1 ،
شجرة النور الذكیة يف طبقات املالكیة.144/1 ،
( )3انظر :الفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين ،556/2 ،ألمحد بن غنیم بن سامل بن مهنا
النفراوي األزهري املالكي (ت1126:ه) ،حتقیق :عبد الوارث حممد علي ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ
لبنان ،ط1418 ،1ه1997/م.
( )4التطبیق املقاصدي لألحكام الشرعیة ،للكیالين ،ص.20
-320-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
( ) 1هبجة النفوس وحتلیلها مبعرفة ما هلا وما علیها "شرح خمتصر صحیح البخاري املسمى مجع النهاية يف
بدء اخلري والغاية" ،55/2 ،أليب حممد عبد هللا بن أيب محزة األندلسي (ت699:ه) ،مطبعة الصدق
اخلريية ،مصر ،ط1348 ،1ه.
( )2املوافقات.529،528/5 ،
( )3حبوث مقارنة يف الفقه اإلسالمي وأصوله ،د/فتحي الدريين ،ص.129
-321-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
أحیاان
تبعا لتنوعه ،فهو ً فاملكلف متنوع يف اخلطاب الشرعي وتتنوع األحكام ً
أحیاان مقیم ،وأخرى مسافر ،ولیس التنوع صحیح معاىف ،وأخرى مريض ،و ً
املقصود هو تبدل األحكام وتغريها ،وإمنا املراد به ـ كما أتكد ساب ًقا ـ أن يُ ْشرع
للحالة الواحدة عدة أحكام تضمن دخول مجیع املكلفني حتت القواعد الشرعیة،
فمثال الصالة حكمها الوجوب بال خالف ،كما مهما اختلفت قدراهتم وظروفهمً ،
أيضا -أن هللا مل جيعل أداء الصالة على كیفیة واحدة ،فنجد أنه ال خالف ً -
صالة الصحیح ،واملريض ،واملسافر ،وصالة اخلوف ،وهناك اجلمع بني
الصلوات(.)1
ومما يدل على ضرورة مراعاة أحوال املكلفني وأمهیتها أن هللا ـ عز وجل ـ قد
راعى أحوال العباد فیما شرعه هلم ،فاألحكام اليت تطبق يف أوقات السعة واالختیار
ختتلف عن األحكام اليت تطبق يف أوقات الضیق واالضطرار ،ويتجلى هذا يف
تدرج نزول القرآن ،وتشريع رخص عند القیام ابلعبادات ،واستثناء أحوال اإلكراه
واالضطرار واخلط من األحكام العامة ،وتعدد درجات االحتساب ،والتنويع يف
عقوبة الزان ،والتخیري يف الكفارات(.)2
وبناءً على ما سبق البد للمجتهد من مراعاة خصوصیات املكلفني ،فرب
مس ٍلة تصلح لقوم دون قوم ،ولذا فإن من شروط املفيت اليت وضعها اإلمام أمحد
معرفة الناس(.)3
فهذا الشرط يشري إىل أن مناط صحة الفتوى معرفة املفيت أبحوال املكلفني
وظروفهم النفسیة واالجتماعیة ،فإن اجلاهل يفسد ابلفتوى أكثر مما يصلح؛ لذا
( )1مبدأ املشروعیة يف الشريعة اإلسالمیة ،لعلي حممد علي مصلح ،ص.79
( )2مراعاة أحوال املخاطبني ،د/فضل إهلي ،ص.16
( )3انظر :إبطال احلیل ،ص ،86أليب عبد هللا عبید هللا بن حممد بن بَطَّة ُ
العك َْربي احلنبلي (ت387:هـ)،
حتقیق :د/سلیمان بن عبد هللا العمري ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط1417 ،1ه1996/م ،وإعالم
املوقعني.106/6 ،
-322-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
فالبد للمفيت من بصرية انفذة يتعرف هبا مداخل الشیطان ،ومداخل اهلوى،
واحلظوظ العاجلة ،حىت يلقي الدالئل التكلیفیة على املكلف مقیدة بقیود التحرز
من تلك املداخل(.)1
الضابط الثالث :املوازنة بني املصاحل واملفاسد املتعارضة:
الشريعة اإلسالمیة جاءت لتحقیق مصاحل اخللق ،ودفع املفاسد عنهم ،ولكن
قد تتعارض هذه املصاحل واملفاسد وتتزاحم؛ وهلذا جيب على اجملتهد املوازنة بني
املصاحل املتعارضة لیتبني أي املصلحتني أرجح؛ فیقدمها على غريها ،أو املوازنة بني
خطرا؛ فیقدم درءها ،يقول شیخ املفاسد املتعارضة لیتبني أي املفسدتني أعظم ً
اإلسالم بن تیمیة" :ومجاع ذلك داخل يف القاعدة العامة فیما إذا تعارضت املصاحل
واملفاسد ،واحلسنات والسیئات ،أو تزامحت ،فإنه جيب ترجیح الراجح منها فیما
إذا ازدمحت املصاحل واملفاسد ،وتعارضت املصاحل واملفاسد؛ فإن األمر والنهى وإن
كان متضمنًا لتحصیل مصلحة ودفع مفسدة ،فینظر يف املعارض له ،فإن كان
مورا به ،بل يكونالذي يفوت من املصاحل أو حيصل من املفاسد أكثر مل يكن م ً
حمرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ،لكن اعتبار مقادير املصاحل واملفاسد ً
()2
هو مبیزان الشريعة ،فمىت قدر االنسان على اتباع النصوص مل يعدل عنها" .
وهلذا فإن من أهم الضوابط اليت ينبغي للمجتهد أن يراعیها عند تنزيل
األحكام الشرعیة على الواقع النظر إىل نتائج تطبیق احلكم ومآالته اليت ترتتب
علیه ،فیوازن بني املصاحل واملفاسد إذا تعارضتا ،ويعرف مىت تُقدم درء املفسدة على
جلب املصلحة ،ومىت تُغتفر املفسدة من أجل املصلحة.
( )1انظر :املوافقات ،25،24/5 ،واالجتهاد والتقلید يف الشريعة اإلسالمیة ،ص ،107أستاذان
الدكتور/حممد الدسوقي ،دار الثقافة ،الدوحة ،د.ط1407 ،ه1987/م.
( )2االستقامة ، 217،216/2 ،البن تیمیة أيب العباس تقي الدين أمحد بن عبد احللیم ،حتقیق :د /حممد
رشاد سامل ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمیة ،اململكة العربیة السعودية ،ط1411 ،2ه1991/م.
-323-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
()1
يفوت كلّ ّي الدين؛ ألنه جزء منه ،بینما بل لعل فاعله أيمث ؛ ألن فوات احلج ال ّ
هالك الشخص ّفوت كلّ ّي النفس ،فقدم الكلّ ّي األدىن على اجلزئي األعلى(،)2
ظاهرا مع بقاء القلب مطمئنًّا ً وعلى هذا أمجع العلماء على جواز الكفر
ابإلميان()3؛ لقوله -تعاىل:ﱡ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ( )4ملن أُ ْك ِره
قول أوفعل ...؛ ألن مثل هذه اجلزئیات من كلّ ّي الدين ال يعود ختلفها علیه أبي ٍ
على كلّیّها ابإلبطال ،وتعارضت مع كلّ ّي النفس ،وهو أقوى من اجلزئیات من
حیث االعتبار ،وهكذا فإن كان اإلكراه ـ ولو دون القتل ـ موجبًا الرخصة يف
إظهار الكفر فهو يف غري الكفر من املعاصي أوىل ،كشرب اخلمر ،والزان،
ويستخلص من ذلك قاعدة جلیلة ،وهي :إذا تعارض جزئي أعلى مع كلّ ّي أدىن
قُ ِّدم الكلّ ّي األدىن(.)5
فإذا كان القیام ابلكلیات حمفوفًا مبخاطر الوقوع يف بعض املفاسد اجلزئیة
الطارئة فاجملتهد ال يلتفت إىل املفاسد الطارئة؛ ألن مفسدة تعطیل الكلیات أعظم،
فهو يوجه املكلف إىل إقامة الكلیات ما أمكنه من غري الوقوع يف حرٍج يفسد علیه
سعیه.
فهذا تدخل من اجملتهد حلفظ الكلیات املقاصدية ابلرغم من وجود بعض
املخالفات اجلزئیة ،وما أحوج الفقهاء الیوم إىل مثل هذه املوازانت بني الكلّیّات
واجلزئیات قبل احلكم ابإلقدام أو اإلحجام على فعل من أفعال املكلفني.
( )1انظر :املسائل املختصرة من كتاب الربزيل ،ص ،173أليب العباس بن عبد الرمحن الزلیطين املعروف
حبلولو ،حتقیق ،د/أمحد حممد اخللیفي ،دار املدار اإلسالمي ،بريوت ـ لبنان ،ط2002 ،1م.
( )2انظر :الفكر املقاصدي عند فقهاء القريوان إىل منتصف القرن اخلامس اهلجري ،ص ،447لعز الدين
ابن زغیبة ،حبث مقدم ألعمال ندوة مدرسة القريوان بني الفقه واحلديث ،مركز الدراسات اإلسالمیة
ابلقريوان ،جامعة الزيتونة.
( )3انظر :التحرير والتنوير.295/14 ،
( )4سورة النحل :جزء من اآلية .106
( )5انظر :الفكر املقاصدي عند فقهاء القريوان ،لعز الدين بن زغیبة ،ص.448
-325-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
( )1مقدمة كتاب "أسباب ورود احلديث حتلیل وأتسیس" ،ص ،21د/حممد رأفت سعید ،تقدمي :عمر
عبید حسنة ،سلسلة كتاب األمة ،العدد ،37وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمیة ،قطر ،ط1414 ،1ه.
( )2أسباب ورود احلديث حتلیل وأتسیس ،د/حممد رأفت سعید ،ص.22
-326-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
علیه هذه املعرفة ،وهو معرفة أسباب النزول ،وذلك بقوله" :معرفة أسباب التنزيل
الزمة ملن أراد علم القرآن"(.)1
تنزل النص يعني على فهم ومن األمثلة اليت تبني أن الوقوف على ظروف ُّ
مقصده ،ومن مث حسن تنزيله على الواقع ما ُرِوي عن النيب -صلى هللا علیه
ِ ِ ِ
ني أَظ ُْه ِر وسلم -أنه قال لصحابته الكرام" :أ َََن بَ ِرىءٌ م ْن ُك ِل ُم ْسل ٍم يُق ُ
يم بَـ ْ َ
امهَا"( ،)2يُفهم من ظاهر اَّللِِ ،ملَ ؟ ،قَ َال" :الَ تَـ َراءَى ََن َر ُ
ول َّ ني" ،قَالُوا ًَي َر ُس َ ِ
ال ُْم ْش ِرك َ
بصفة عامة ،مع تعدد احلاجة إىل هذا احلديث حترمي اإلقامة يف بالد غري املسلمني ٍ
ذلك يف عصران للتعلُّم ،وللتداوي ،وللعمل ،وللتجارة ،وللسفر ،ولغري ذلك(.)3
لكن بعد الرجوع إىل الرواية الكاملة هلذا احلديث يتبني سبب وروده واملعىن
اَّللِ
الصحیح الذي أراده النيب -صلى هللا علیه وسلم ،والذي جاء فیها :أن َر ُسول َّ
لسج ِ اعتَصم َان ِ ِ
ود، س مْنـ ُه ْم ِاب ُّ ُث َس ِريَّةً إ َىل َخثْـ َع ٍم ،فَ ْ َ َ ٌ -صلى هللا علیه وسلم -بَـ َع َ
صِ ِ ِ فََسر ِ
ف َّيب -صلى هللا علیه وسلم ،فَ ََمَر َهلُْم بِن ْ ك النِ َّ ع فی ِه ُم الْ َقْت َل ،فَـبَـلَ َغ َذل َ َْ َ
ِ ِ ِ ِ
ني" ،قَالُواًَ :ي ني أَظ ُْه ِر ال ُْم ْش ِرك َ الْ َع ْق ِلَ ،وقَ َال" :أ َََن بَ ِريءٌ م ْن ُك ِل ُم ْسل ٍم يُق ُ
يم بَـ ْ َ
اءى(ََ )4ن َر ُ
امهَا"(.)5 اَّللِِ ،ملَ؟ قَ َالَ :
"ال تَـ َر َ ول ََّر ُس َ
وبناءً علیه يتبني لنا املعىن الصحیح لقول النيب -صلى هللا علیه وسلم" :أ َََن
ني" .أي :بريء من دمه إذا قُتِل، ِ ِ ِ ِ
ني أَظ ُْه ِر ال ُْم ْش ِرك َ بَ ِريءٌ م ْن ُك ِل ُم ْسل ٍم يُق ُ
يم بَـ ْ َ
عرض نفسه لذلك إبقامته بني بداللة اقتضاء النص الذي يُفهم من السیاق؛ ألنه َّ
هؤالء احملاربني لدولة اإلسالم ،وابلتايل فعلّة إسقاط نصف دية الذين مل يهاجروا،
كما يُفهم من قرينة احلال اليت أرشد إلیها سبب الورود أهنم قد أعانوا على أنفسهم
حني أقاموا بني أظهر املشركني ،فكانوا كمن أسقط نصف حقه(.)1
فهذا احلديث ورد يف الظرف الذي كان املسلمون حباجة إىل هجرة املسلمني
إىل املدينة املنورة؛ لنصرة اإلسالم واملسلمني ،واملشاركة يف بناء الدولة اإلسالمیة،
وهلذا ذهب الشیخ/حممد رشید رضا إىل أن اإلقامة يف دار الكفر ممنوعة إذا كان
املسلمون حباجة إىل هجرة املسلم إىل دار اإلسالم ،أما إذا كانت احلاجة هي إقامة
أمال يف دعوهتم وهدايتهم فإن النهي اليتوجه إىل هذه املسلمني يف أوساط املشركني ً
احلالة (.)2
تغريت الظروف واألحوال اليت قیل فیها هذا احلديث، ومعىن هذا أنه إذا َّ
وانتفت العلة امللحوظة من ورائه انتفى احلكم ،كما هو احلال يف زماننا اآلن ،حیث
إنه ال ميكن تنزيل هذا النص على الواقع الذي تغريت فیه الظروف ،فإن أكثر
البالد األجنبیة يسكنها مسلمون حبسب املعاهدات واالتفاقات الدولیة املربمة بني
بالد اإلسالم وتلك البالد األجنبیة ،كما أن وجود املسلمني يف تلك البالد أسهم
يف إسالم الكثريين.
تبني علة احلكم الشرعي دراسة أصولیة ،ص ،103د/عبد الرمحن ( )1انظر :القرينة احلالیة وأثرها يف ُّ
الكیالين ،اجمللة األردنیة يف الدراسات اإلسالمیة ،اجمللد الثالث ،العدد األول1428 ،ه2007/م.
( )2تفسري املنار.133/10 ،
-328-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
اخلامتة
بعد هذا العرض الذي قدمناه عن "االجتهاد االستثنائي" نشري إيل مجلة من
النتائج اليت توصلت إلیها الدارسة ،واليت أمهها:
-1االجتهاد االستثنائي هو :تنزيل األحكام الشرعیة على الوقائع املشخصة ،مبا
يقتضي تغیري هیئة احلكم وإحالل غريه مكانه إذا كان ال حيقق املقصد الشرعي
منه.
-2االجتهاد يف تنزيل األحكام هو صنو االجتهاد يف تفسري النصوص الشرعیة،
وله أصول وقواعد ال بد من أن يراعیها اجملتهد ،وإال طبق احلكم على غري
حمله ،أو استثين من احلكم ما هو من أفراده وجزئیاته ،ويف هذا من الفساد ما
فیه .
-3االجتهاد االستثنائي ضرب من ضروب االجتهاد ،يتطلب الفهم التام،
واالستیعاب العمیق للواقعة حمل احلكم ،واملعرفة بتفصیالهتا ودقائقها ،وهذه
اإلحاطة حتتاج يف الكثري من الوقائع والصور إىل االستعانة ابملختصني يف
احلقول العلمیة ،واإلنسانیة ،واالجتماعیة؛ لتقدمي التصور الكامل عن كل
متعلقات الواقعة وتفاصیلها؛ لیصار بعدها إىل إجراء احلكم املناسب الذي
حتقق مناطه فیها.
-4توصي الدراسة مبواصلة البحث يف موضوع أصول االجتهاد االستثنائي،
لصیاغة معايري واضحة ومنضبطة ،ميكن من خالهلا التحقق من مدى سالمة
واتما
كامال ًّ
تطبیق األصل على جزئیاته ،وانطباق مناطه فیها انطباقًا ً
وصحیحا.
ً
-329-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
-330-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
أصول السرخسي ،أليب بكر حممد بن أمحد بن أيب سهل السرخسي
(ت483:هـ) ،حتقیق :أبو الوفا األفغاين ،جلنة إحیاء املعارف النعمانیة ،حیدر
أابد ـ اهلند.
أصول الشاشي ،لنظام الدين أيب علي أمحد بن حممد بن إسحاق الشاشي
(ت344:هـ) ،وهبامشه عمدة احلواشي شرح أصول الشاشي ،للموىل حممد
فیض احلسن الكنكوهي ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط،1
1424ه2003/م.
األصول العامة للفقه املقارن مدخل إىل دراسة الفقه املقارن ،للسید حممد
تقي احلكیم ،حتقیق :اجملمع العاملي ألهل البیت ،اجملمع العاملي ألهل البیت ـ
علیهم السالم ـ ردمك ،ط1418 ،2ه1997 /م.
اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات ـ دراسة مقارنة يف أصول الفقه
ومقاصد الشريعة ،لعبد الرمحن بن معمر السنوسي ،دار ابن اجلوزي ،الدمام ـ
السعودية ،ط1424 ،1ه.
أعالم احلديث (شرح صحيح البخاري) ،أليب سلیمان محد بن حممد اخلطايب
(ت388:ه) ،جامعة أم القرى (مركز البحوث العلمیة وإحیاء الرتاث
اإلسالمي) ،مكة املكرمة ،ط1409 ،1ه1988/م.
إعالم املوقعني عن رب العاملني ،أليب عبد هللا حممد بن أيب بكر بن أيوب
املعروف اببن قیم اجلوزية (ت 751:هـ) ،قدم له وعلق علیه وخرج أحاديثه
وآاثره :أبو عبیدة مشهور بن حسن آل سلمان ،دار ابن اجلوزي للنشر
والتوزيع ،اململكة العربیة السعودية ،ط1423 ،1هـ.
األعالم قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من العرب واملستعمرين
واملستشرقني ،خلري الدين الزركلي ،دار العلم للماليني ،بريوت ـ لبنان ،ط،15
2002م.
-331-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
البحر احمليط يف أصول الفقه ،لبدر الدين حممد بن هبادر بن عبد هللا الزركشي
(ت794:ه) ،وزارة األوقاف والشئون اإلسالمیة ابلكويت ،ط،2
1413ه1992/م.
حبوث يف االجتهاد فيماال نص فيه ،د /الطیب خضري السید ،دار الطباعة
احملمدية ،مصر ،ط1389 ،1ه1987/م.
حبوث مقارنة يف الفقه اإلسالمي وأصوله ،د/فتحي الدريين ،مؤسسة الرسالة،
بريوت ـ لبنان ،ط1434 ،2ه2013/م .
الربهان يف أصول الفقه ،أليب املعايل عبد امللك بن عبد هللا
اجلويين(ت478:ه) ،حتقیق :د/عبد العظیم الديب ،دار األنصار ،القاهرة،
ط1400 ،2ه.
الربهان يف علوم القرآن ،لإلمام بدر الدين حممد بن عبد هللا الزركشي ،حتقیق:
حممد أبو الفضل إبراهیم ،مكتبة دار الرتاث ـ ـ ـ القاهرة ،ط،3
1404ه1984/م.
بيان املختصر ـ وهو شرح خمتصر ابن احلاج ـ ،لشمس الدين أيب الثناء
حممود بن عبد الرمحن بن أمحد األصفهاين (ت749 :هـ) ،حتقیق :د/حممد
مظهر بقا ،دار املدين ،السعودية ،ط1406 ،1هـ 1986 /م .
تبصري النجباء حبقيقة االجتهاد والتلفيق واإلفتاء ،د /حممد إبراهیم احلفناوي،
دار احلديث ،القاهرة ،ط1415 ،1ه1995/م.
ختصيص العلة الشرعية ،د/عیاض بن انمي السلمي ،جملة جامعة اإلمام حممد
بن سعود اإلسالمیة ،العدد ،20رمضان 1418ه.
ترتي املدارك وتقري املسالك ،للقاضي عیاض بن موسى عیاض السبيت
(ت544:هـ) ،حتقیق :جمموعة من العلماء ،وزارة األوقاف والشئون اإلسالمیة،
اململكة املغربیة ،د.ط1402 ،ه1982/م.
-332-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
تعليل األحكام عرض وحتليل لطريقة التعليل وتطوراهتا يف عصور االجتهاد
والتقليد ،لألستاذ حممد مصطفى شليب ،دار النهضة العربیة ،بريوت ـ ـ ـ لبنان،
ط.2
تفسري القرآن العظيم ،ال بن كثري (ت774 :ه) ،حتقیق :مصطفى السید
حممد ،وجمموعة من العلماء ،مؤسسة قرطبة ،اجلیزة ـ ـ مصر ،ط،1
1421ه2000/م.
التقري واإلرشاد (الصغري) ،للقاضي الباقالين (ت 403:هـ) ،حتقیق :د/عبد
احلمید بن علي أبو زنید ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط1418 ،1هـ1998/م.
تقومي األدلة يف أصول الفقه ،للدبوسي(ت430 :هـ) ،حتقیق :خلیل حمیي
الدين املیس ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،،ط1421 ،1هـ 2001 /م.
التمهيد يف أصول الفقه ،حملفوظ بن أمحد أَيب اخلطاب ال َك ْل َو َذاين احلنبلي
(ت 510:هـ) ،حتقیق :مفید حممد أبو عمشة ،وحممد بن علي بن إبراهیم،
مركز البحث العلمي وإحیاء الرتاث اإلسالمي ،جامعة أم القرى،ط،1
1406هـ1985/م.
التوقيف على مهمات التعاريف ،لعبد الرؤوف بن املناوي (ت1031 :هـ)،
حتقیق :د/عبد احلمید صاحل محدان ،عامل الكتب ،القاهرة،
ط1،1410هـ1990/م.
اجلامع ملسائل أصول الفقه وتطبيقاهتا على املذه الراجح ،أ.د/عبد الكرمي
بن علي بن حممد النملة ،مكتبة الرشد ،الرًيض ،ط 1420 ،1هـ 2000 /م.
شرح اجلالل مشس الدين حممد بن أمحد احمللي على منت مجع اجلوامع لإلمام
اتج الدين عبد الوهاب بن السبكي ،وهبامشهما تقرير شیخ اإلسالم عبد
الرمحن الشربیين ،دار الفكر ،دمشق ،د.ط1402 ،ه1982/م.
-333-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
حاشية النفحات على شرح الورقات ،ألمحد بن عبد اللطیف اخلطیب اجلاوي
الشافعي ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط1434 ،2ه2013/م.
حقيقة االجتهاد االستثنائي ومسالكه ،حممود صاحل جابر ،وعمر مونة ،جملة
دراسات ،علوم الشريعة والقانون ،اجمللد ( ،36ملحق)2009 ،م.
رد احملتار على الدر املختار شرح تنوير األبصار ،حملمد أمني ،الشهري اببن
عابدين ،مع تكملة ابن عابدين لنجل املؤلف ،حتقیق :عادل أمحد عبد
املوجود ،وعلي حممد معوض ،دار عامل الكتب ،الرًيض ـ السعودية،
1423ه2003/م.
روضة الطالبني وعمدة املفتني ،أليب زكرًي حمیي الدين حيىي بن شرف النووي
(ت676 :هـ) ،حتقیق :زهري الشاويش ،املكتب اإلسالمي ،بريوت ـ دمشق ـ
عمان ،ط1412 ،3هـ 1991 /م.
روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذه اإلمام أمحد بن
حنبل ،ملوفق الدين عبد هللا بن أمحد بن قدامة (ت620 :هـ) ،املكتبة املكیة،
مكة ،املكتبة التدمرية ،الرًيض ،مؤسسة الرًين ،بريوت ،ط،1
1419ه1998/م.
شرح العُ َمد ،أليب احلسني البصري حممد بن علي بن الطیب ،حتقیق :د/عبد
احلمید بن علي أبو زنید ،دار املطبعة السلفیة ،القاهرة ،ط1410 ،1ه.
شرح الكوك املنري املسمى مبختصر التحرير أو املخترب املبتكر شرح
املختصر يف أصول الفقه ،حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي
احلنبلي املعروف اببن النجار (ت 972:هـ) ،حتقیق :د/حممد الزحیلي ،ود/نزيه
محاد ،مكتبة العبیكان ،الرًيض ـ السعودية ،ط1418 ،2هـ 1997 /م .
-334-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
شفاء الغليل يف بيان الشبه واملخيل ومسالك التعليل ،أليب حامد حممد بن
حممد الغزايل الطوسي (ت 505 :هـ) ،حتقیق :د /محد الكبیسي ،مطبعة
اإلرشاد ،بغداد ،ط1390 ،1:ه1971 /م.
الصحاح اتج اللغة وصحاح العربية ،إلمساعیل بن محاد اجلوهري الفارايب
(ت393:هـ) ،حتقیق :أمحد عبد الغفور عطار ،دار العلم للماليني ،بريوت ـ
لبنان ،ط1399 ،2ه1979/م.
ضوابط االجتهاد التنزيلي يف ضوء الكليات املقاصدية ،د /وورقیة عبد
الرزاق ،دار لبنان للطباعة والنشر ،د.ط ،د.ت .
العدة يف أصول الفقه ،للقاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الفراء البغدادي
احلنبلي (ت458 :هـ) ،حققه وعلق علیه وخرج نصه :د أمحد بن علي بن سري
املباركي ،حقوق الطبع حمفوظة للمحقق ،الرًيض ـ السعودية ،ط،2
1410ه1990/م.
غري احلديث ،أليب الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن علي بن اجلوزي
(ت597 :ه) ،وثق أصوله وعلق علیه :د/عبد املعطي أمني قلعجي ،دار
الكتب العلمیة ،بريوت ـ ـ لبنان ،ط1425 ،1ه2004/م.
فتاوى السبكي ،أليب احلسن تقي الدين علي بن عبد الكايف السبكي
(ت756:ه) ،دار املعرفة ،بريوت ـ لبنان ،د.ت.
الفتاوى السعدية ،للشیخ عبد الرمحن السعدي ،مكتبة املعارف ،الرًيض ـ
السعودية ،ط1402 ،2ه1982/م.
الفتاوى الكربى ،لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احللیم بن تیمیة احلراين
(ت728 :هـ) ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط1408 ،1هـ1987/م.
-335-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
فصول البدائع يف أصول الشرائع ،لشمس الدين حممد بن محزة الفناري
الرومي (ت834:ه) ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط،1
1427ه2006/م.
الفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين ،ألمحد بن غنیم بن سامل بن
مهنا النفراوي األزهري املالكي(ت1126:ه) ،حتقیق :عبد الوارث حممد علي،
دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط1418 ،1ه1997/م.
يف االجتهاد التنزيلي ،د .بشري بن مولود جحیش ،كتاب األمة ،العدد.93
فهما وتنز ًيال ،د /عبد اجملید النجار ،كتاب األمة ،العدد،23
يف فقه التدين ً
رائسة احملاكم الشرعیة والشؤون الدينیة بقطر ،طبعة خاصة مبصر تصدر عن
مؤسسة أخبار الیوم إدارة الكتب واملكتبات ،ط1410 ،1ه1989/م.
تبني علة احلكم الشرعي دراسة أصولية ،د/عبد القرينة احلالية وأثرها يف ن
الرمحن الكیالين ،اجمللة األردنیة يف الدراسات اإلسالمیة ،اجمللد الثالث ،العدد
األول1428 ،ه2007/م.
كشاف القناع عن منت اإلقناع ،ملنصور بن يونس البهوتى (ت1046 :ه)،
حتقیق :حممد أمني الضناوي ،دار عامل الكتب ،بريوت ـ لبنان ،ط1417 ،1ه.
ال إنكار يف مسائل االجتهاد رؤية منهجية حتليلية ،أ.د/قطب مصطفى سانو،
دار ابن حزم ،بريوت ـ لبنان ،ط1427 ،1ه2006/م.
لسان العرب ،أليب الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي
املصري ،دار صادر ،بريوت ـ لبنان ،ط1414 ،3ه.
اللمع يف أصول الفقه ،أليب إسحاق إبراهیم بن علي الشريازي(ت476:ه)،
حتقیق :حمیي الدين ديب مستو ،ويوسف علي بديوي ،دار الكلم الطیب ،ودار
ابن كثري ،دمشق ـ بريوت ،ط1،1416ه1995/م.
-336-
فاطمة أمني االجتهاد االستثنائي :حقيقته ،حجيته ،ضوابطه أحباث
مآالت تطبيق منهج حتقيق املناط يف أتجيل بعض األحكام أو تعليقها،
أ.د/حممد كمال الدين إمام ،جملة املسلم املعاصر ،جملد ،37العدد ،148
السنة .37
مباحث التخصيص عند األصوليني ،د/عمر بن عبد العزيز الشیلخاين ،دار
عمان ـ األردن ،ط2000 ،1م. أسامة للنشر والتوزيعّ ،
احملصول يف علم أصول الفقه ،لفخر الدين حممد بن عمر بن احلسني الرازي
(ت606 :هـ) ،دراسة وحتقیق :د /طه جابر فیاض العلواين ،مؤسسة الرسالة،
بريوت ـ لبنان ،ط1418 ،3هـ 1997 /م.
خمتار الصحاح ،حملمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي (ت666 :هـ) ،مكتبة
لبنان ،بريوت ـ لبنان ،د.ط1986 ،م.
املسائل املختصرة من كتاب البَـ َرزيل ،أليب العباس بن عبد الرمحن الزلیطين
املعروف حبلولو ،دار املدار اإلسالمي ،بريوت ـ لبنان ،ط2002 ،1م.
املستصفى من علم األصول ،أليب حامد حممد بن حممد الغزايل(ت505:ه)،
حتقیق :د/محزة بن زهري حافظ ،اجلامعة اإلسالمیة ،املدينة املنورة ،د.ت.
مسلم الثبوت ،حملب هللا بن عبد الشكور اهلندي البهاري ،املطابع احلسینیة
املصرية ،مطبعة كردستان العلمیة ،د.ط1326 ،ه.
املعتمد يف أصول الفقه ،ويلیه "زًيدات املعتمد" ،والقیاس الشرعي ،أليب
احلسني حممد بن علي بن الطیب البصري املعتزيل(ت436 :ه) ،حتقیق :حممد
محید هللا وآخرون ،املعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربیة بدمشق ،د .ط،
1384ه.
املعجم الوسيط ،جممع اللغة العربیة ،مكتبة الشروق الدولیة ،مصر ،ط،4
1425ه2004/م.
-337-
العدد ()92 مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية
معجم مقاييس اللغة ،أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكرًي (ت395:ه)،
حتقیق :عبد السالم حممد هارون ،دار الفكر ،دمشق ـ سورًي ،ط
1399ه1979/م.
املقتضيات املنهجية لتطبيق الشريعة يف الواقع اإلسالمي الراهن ،د /عبد
اجملید النجار ،جملة املسلم املعاصر ،جملد ،27العدد ،105السنة السابعة
والعشرون.
من فقه احلالة ،د/عمر عبید حسنة ،املكتب اإلسالمي ـ بريوت ،دمشق،
عمان ،ط1425 ،1ه2004/م.
املناهج األصولية يف االجتهاد ابلرأي يف التشريع اإلسالمي ،د/فتحي
الدريين ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط1434،3ه2013/م.
منتهى الوصول واألمل يف علمي األصول واجلدل ،البن احلاجب
(ت646:ه) ،دار الكتب العلمیة ،بريوت ـ لبنان ،ط1405 ،1ه1985/م.
املوافقات ،إلبراهیم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي الشهري ابلشاطيب
(ت790 :هـ) ،حتقیق :أبو عبیدة مشهور ،دار ابن عفان ،ط1417 ،1هـ/
1997م.
نظرية التعسف يف استعمال احلق يف الفقه اإلسالمي ،د/فتحي الدريين،
مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،ط1434 ،3ه2013/م.
نفائس األصول يف شرح احملصول ،لشهاب الدين أيب العباس أمحد بن إدريس
بن عبد الرمحن القرايف (ت684 :هـ) ،مكتبة نزار مصطفى الباز ،مكة املكرمة،
ط1416 ،1هـ 1995/م.
الوجيز يف أصول الفقه ،د/عبد الكرمي زيدان ،مؤسسة الرسالة انشرون ،بريوت
ـ لبنان ،ط1430 ،1ه2009/م.
-338-