You are on page 1of 54

‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫االجتهاد االستثنايئ‬
‫حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬

‫إعداد‪ :‬فاطمة أمين‬


‫مدرس مساعد بقسم الشريعة اإلسالمية‬
‫كلية دار العلوم – جامعة القاهرة‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ملخص البحث‪:‬‬
‫هتدف هذه الدارسة إىل بیان حقیقة االجتهاد االستثنائي‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫علما على معىن خمصوص‪ ،‬والتعريف ابملصطلحات‬ ‫الكشف عن مفهومه بوصفه ً‬
‫ذات الصلة‪ ،‬واإلابنة عن الضوابط العامة اليت جيدر ابلفقیه اعتمادها؛ حىت يكون‬
‫قاصدًي حمق ًقا ملصاحل العباد يف العاجل واآلجل‪.‬‬
‫ً‬ ‫تطبیقه لألحكام تطبی ًقا م‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سید األولني واآلخرين‪ ،‬وخامت‬
‫النبیني‪ ،‬ورمحة هللا للعاملني‪ ،‬سیدان حممد‪ ،‬وعلى آله األطهار‪ ،‬وأصحابه األخیار‪،‬‬
‫وأتباعه األبرار إيل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن هللا ‪ ‬قد أكمل شريعته لألمة اإلسالمیة وأمت بذلك نعمته علیها‪ ،‬ومن‬
‫أبرز مسات الكمال يف الشريعة اإلسالمیة أهنا جاءت هـادية حلیاة اإلنسان يف‬
‫الفكر والعمل‪ ،‬تسدد الفكر إىل احلق‪ ،‬وترشد العمل إىل اخلري والصالح‪ ،‬وذلك‬
‫عرب قسمي االجتهاد‪ :‬االجتهاد يف الفهم‪ ،‬واالجتهاد يف التنزيل (التطبیق)‪.‬‬

‫‪-285-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫أما االجتهاد يف الفهم‪ :‬فهو استجالء اخلطاب الشرعي لتمثل خطاب الشارع‬
‫أمرا‪ ،‬وهنیًا‪ ،‬وأما االجتهاد يف التطبیق (التنـزيل)‪ :‬فهو اإلجراء العملي ملا حصل‬
‫فیه‪ً ،‬‬
‫على مستوى الفهم التجريدي لألحكام الشرعیة على واقع األفعال‪ ،‬وتكییف‬
‫السلوك هبا(‪ ،)1‬وغري ٍ‬
‫خاف ما لفقه تنزيل األحكام الشرعیة من األمهیة؛ إذ الشريعة‬
‫ال تعمل يف فراغ‪ ،‬وغايتها أن تطبق على أرض الواقع‪ ،‬فبدون التطبیق لن نفید من‬
‫كثريا ما يطلق علیه األصولیون "حتقیق املناط"‪ ،‬يقول اإلمام‬ ‫تفسريان للنصوص‪ ،‬و ً‬
‫الشاطيب مبینًا عن أمهیته‪" :‬فاحلاصل أنه ال بد منه ابلنسبة إىل كل انظر وحاكم‬
‫ت‪ ،‬بل ابلنسبة إىل كل مكلف يف نفسه‪ ،‬ولو فرض ارتفاع هذا االجتهاد مل‬ ‫وم ْف ٍ‬
‫ُ‬
‫تتنزل األحكام الشرعیة على أفعال املكلفني إال يف الذهن؛ ألهنا مطلقات‬
‫وعمومات وما يرجع إىل ذلك‪ ،‬منزالت على أفعال مطلقات كذلك‪ ،‬واألفعال ال‬
‫اقعا علیها إال‬
‫تقع يف الوجود مطلقة‪ ،‬وإمنا تقع معینة مشخصة؛ فال يكون احلكم و ً‬
‫بعد املعرفة أبن هذا املعني يشمله ذلك املطلق أو ذلك العام‪ ،‬وقد يكون ذلك‬
‫سهال وقد ال يكون‪ ،‬وكله اجتهاد"(‪.)2‬‬‫ً‬
‫ومن األسس املنهجیة يف عملیة تنزيل احلكم وحتقیق مناطه حلْظ املآل‪،‬‬
‫فیتبصر اجملتهد مبا يرتتب على تنزيل النص ـ ـ العام اجملرد ـ ـ على الواقع من مآالت‬
‫آيال إىل حتقیق مقصد الشارع من تشريعه‬ ‫ونتائج‪ ،‬فإن كان تنزيله على هذا الوجه ً‬
‫أمضاه وأجراه‪ ،‬وإن استتبع مفاسد تربو على مصلحة تنزيله وإجرائه كما هو فإن‬
‫اجملتهد يلج إىل االجتهاد االستثنائي‪ ،‬وما يقتضیه من أتجیل تنزيل ذلك احلكم‪،‬‬
‫أو تعلیقه ووقفه‪ ،‬أوتغیريه واستبداله بغريه؛ كي يبقى املنطق التشريعي متس ًقا يف‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬يف االجتهاد التنزيلي‪ ،‬د‪ .‬بشري بن مولود جحیش‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬العدد‪.93‬‬
‫(‪ )2‬املوافقات‪ ،16،15/5،‬إلبراهیم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي الشهري ابلشاطيب‬
‫(ت‪790:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬أيب عبیدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪-286-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫استجالب املصاحل ودرء املفاسد‪ ،‬وتسلم الوحدة التشريعیة من التهافت‬


‫واالختالف‪.‬‬
‫ضرب من التوفیق‬ ‫فاالستثناء من القاعدة العامة‪ ،‬أو األصل العام الذي هو ٌ‬
‫العامة اجملردة‪ ،‬وبني مقتضى احلیاة الواقعیة يـُ ْعتَـ َرب ـ يف‬
‫بني مقتضى القاعدة النظرية ّ‬
‫مستبصرا من مناهج االجتهاد ابلرأي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منهجا تشريعیًّا أصولیًّا‬
‫الواقع ـ خطةً أو ً‬
‫يعاجل غلو التطبیق اآليل‪ ،‬وسوء نتائجه اليت جتايف العدل واملصلحة احلقیقیة؛ نتیجةً‬
‫للجهل ابلواقع وظروفه مما يتصل ابلدولة‪ ،‬أو مبستقبل حیاة الناس اجتماعیًّا‪ ،‬أو‬
‫اقتصادًي‪ ،‬أو سیاسیًّا‪ ،‬أو غري ذلك(‪.)1‬‬
‫ًّ‬
‫أمهية املوضوع‪ ،‬وأسباب اختياره‪:‬‬
‫ابإلضافة إىل ما سبق ذكره من األمهیة اليت يكتسبها هذا املوضوع‪ ،‬وحاجة‬
‫البحث إلیه‪ ،‬فهناك أسباب دعتين بقوة إىل اختیاره‪ ،‬أمهها ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬احلاجة الواقعیة إىل هذه الدراسات؛ حیث إن الغفلة عن االجتهاد‬ ‫ً‬
‫االستثنائي وفقه التنزيل قد يؤدي إىل عكس مقصود الشارع؛ فتصبح األحكام‬
‫مظهرا من مظاهر الرمحة والتیسري‬ ‫بدال من أن تكون ً‬ ‫سببًا إلحلاق احلرج ابألمة‪ً ،‬‬
‫على العباد‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬الرد على الدعوات القائلة بضرورة ترك الرتاث الفقهي؛ لعدم جدواه يف‬
‫اجتهادا لتلك املرحلة‪ ،‬فمن‬ ‫ً‬ ‫واقعنا‪ ،‬حبجة أن ذلك النتاج الفقهي االجتهادي كان‬
‫اخلط تنزيل ذلك االجتهاد املرتبط بواقع معني ومالبسات معینة على الواقع‬
‫املعاصر‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬إغراق الكتب األصولیة يف الكالم عن املرحلة األوىل يف تطبیق الشريعة‪ ،‬وهو‬
‫االجتهاد يف الفهم‪َّ ،‬أما التنزيل فإنه مل أيخذ حظه من التنظري األصويل‪.‬‬

‫(‪ )1‬املناهج األصولیة يف االجتهاد ابلرأي يف التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ ،485‬د‪/‬فتحي الدريين‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪3،1434‬ه‪.2013/‬‬

‫‪-287-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫ابعا‪ :‬وضع خطط وأسس وضوابط عملیة تصحح االجتهاد االستثنائي عند تنزيل‬ ‫رً‬
‫األحكام الشرعیة‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اعتمدت الدراسة املنهج الوصفي التحلیلي يف استنباط حقیقة االجتهاد‬
‫االستثنائي وضوابطه‪ ،‬وذلك من خالل استقراء املنهج األصويل اإلسالمي الذي‬
‫اتبعه علماء املسلمني يف استنباط األحكام الشرعیة من أدلتهاالتفصیلیة‪ ،‬ومن مث‬
‫تنزيلها على الواقع بشكل حيقق املقصد الذي من أجله ُش ِر َعت تلك األحكام‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫يتكون هذا البحث من مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪ ،‬مث ْثبت أبهم‬
‫املصادر واملراجع‪.‬‬
‫أما املقدمة فتشتمل على أمهیة املوضوع‪ ،‬وبواعث اختیاري له‪ ،‬ومنهجه‪ ،‬وخطة‬
‫البحث‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬حقيقة االجتهاد االستثنائي‪.‬‬
‫وفیه مطلبان‪:‬‬
‫اصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطل األول‪ :‬تعريف االجتهاد االستثنائي لغةً و‬
‫علما على معىن‬‫املطل الثاين‪ :‬تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه ً‬
‫خمصوص‪ ،‬والتعريف ابملصطلحات ذات الصلة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حجية االجتهاد االستثنائي‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ضوابط االجتهاد االستثنائي‪.‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‪.‬‬

‫‪-288-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫املبحث األول‬
‫حقيقة االجتهاد االستثنائي‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫املطل األول‪ :‬تعريف االجتهاد االستثنائي لغةً و‬
‫قبل التطرق إىل تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه َعلَ ًما على معىن خمصوص‬
‫البد من التعرض َّأوًال إىل داللة االجتهاد االستثنائي من الناحیتني‪ :‬اإلفرادية‪،‬‬
‫والرتكیبیة‪ ،‬واستعماالت العلماء للفظ "االستثناء" ابعتباره مفتاح املصطلح يف هذا‬
‫الرتكیب‪ ،‬حىت تتضح داللته يف الرتاث التشريعي اإلسالمي‪ ،‬وتُـ ْعرف مراداته الدالة‬
‫على نفس معناه‪.‬‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫أوال‪ :‬تعريف االجتهاد لغةً‬
‫ً‬
‫أ‪ -‬تعريف االجتهاد يف اللغة‪:‬‬
‫وحتمل املشقة‪،‬‬
‫الو ْسع والطاقة‪ ،‬وبلوغ الغاية يف الطلب‪ُّ ،‬‬‫االجتهاد لغةً‪ :‬بذل ُ‬
‫وهو افتعال من اجلهد ـ بفتح اجلیم وضمها‪ ،‬ومادة (جـ ه د) تدور معانیها حول‬
‫الو ْسع والطاقة من قول وعمل يف الواقعة املقصودة‬ ‫املبالغة‪ ،‬واستفراغ ما يف ُ‬
‫لتحصیل أم ٍر ّ‬
‫شاق(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬تعريف االجتهاد يف االصطالح‪:‬‬
‫لالجتهاد لدى األصولیني والفقهاء تعاريف كثرية خمتلفة‪ ،‬ولكنها لیست‬
‫متعارضة أو متناقضة‪ ،‬وحاصل ذلك التعدد واالختالف يرجع ـ غالبًا ـ إىل زًيدة‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الصحاح اتج اللغة وصحاح العربیة‪ ،460/2 ،‬مادة (جـ ه د)‪ ،‬إلمساعیل بن محاد اجلوهري‬
‫الفارايب (ت‪393 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬أمحد عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1399‬ه‪1979/‬م‪ ،‬ومعجم مقايیس اللغة‪ ،486/1،‬مادة (جـ ه د)‪ ،‬أليب احلسني أمحد بن فارس بن‬
‫زكرًي (ت‪395:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق ـ سورًي‪ ،‬ط‬
‫‪1399‬ه‪1979/‬م‪ ،‬وخمتار الصحاح‪ ،‬ص‪ ،48‬مادة (جـ ه د)‪ ،‬حملمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي‬
‫(ت‪666 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط ‪1986‬م‪ ،‬ولسان العرب‪ ،133/3 ،‬مادة‪( :‬جـ ه د)‪،‬‬
‫أليب الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املصري ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1414‬ه‪.‬‬
‫‪-289-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫إطناب يف تعريف وإجيا ٍز يف آخر‪ ،‬ومع كثرة التعريفات فإهنا ترجع‬ ‫ٍ‬ ‫قید أو شرط‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫إىل اجتاهني(‪:)1‬‬
‫االجتاه األول‪ :‬تعريف االجتهاد ابعتباره من فعل اجملتهد‪:‬‬
‫وهو الذي جرت علیه عادة كثري من األصولیني‪ ،‬وقد صدَّر أصحاب هذا‬
‫االجتاه التعريف بكلمة‪" :‬بذل"‪ ،‬أو"استفراغ"‪ ،‬وحنومها مما روعي فیه املعىن املصدري‬
‫صادرا عن اجملتهد‪ ،‬ومن تلك التعريفات‪:‬‬ ‫أمرا ً‬ ‫الدال على كونه ً‬
‫الو ْس ِع‪ ،‬وبذل اجملهود ِيف طلب احلكم الش َّْر ِع ّي‬ ‫تعريف الصنعاين(‪ )2‬أبنه‪ِ " :‬‬
‫است ْفَراغ ُ‬
‫ْ‬
‫العجز َعن‬ ‫ِ‬
‫عقلیًّا َكا َن‪ ،‬أَو نقلیًّا‪ ،‬قَطْعیًّا َكا َن‪ ،‬أَو ظنیًّا‪ ،‬على َوجه حيس من النَّفس َ‬
‫امل ِزيد َعلَْی ِه"(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫قائما ابجملتهد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ا‬‫ف‬‫ً‬ ‫وص‬ ‫ابعتباره‬ ‫االجتهاد‬ ‫تعريف‬ ‫الثاين‪:‬‬ ‫االجتاه‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬االجتهاد يف اإلسالم أصوله ـ أحكامه ـ آفاقه‪ ،‬ص‪ ،20‬د‪/‬اندية شريف العمري‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1404 ،2‬ه‪1984/‬م‪ ،‬وحبوث يف االجتهاد فیما ال نص فیه‪ ،7/1 ،‬د‪/‬‬
‫الطیب خضري السید‪ ،‬دار الطباعة احملمدية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1389 ،1‬ه‪1987/‬م‪ ،‬وتبصري النجباء حبقیقة‬
‫االجتهاد والتلفیق واإلفتاء‪ ،‬ص‪ ،28‬د‪/‬حممد إبراهیم احلفناوي‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1415‬ه‪1995/‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬حممد بن إمساعیل بن صالح الكحالين مث الصنعاين‪ ،‬ويعرف ابألمري‪ ،‬حمدث‪ ،‬فقیه‪ ،‬أصويل‪،‬‬
‫جمتهد‪ ،‬متكلم‪ ،‬من أئمة الیمن‪ ،‬ولد يف نصف مجادى اآلخرة سنة ‪1099‬ه‪ ،‬وانتقل اىل صنعاء‪ ،‬وأخذ‬
‫عن علمائها بكحالن‪ ،‬مث رحل إىل احلرمني‪ ،‬من تصانیفه‪ :‬سبل السالم يف شرح بلوغ املرام من أدلة‬
‫األحكام البن حجر العسقالين‪ ،‬مثرات النظر يف علم األثر يف مصطلح احلديث‪ ،‬إرشاد النقاد اىل تیسري‬
‫االجتهاد وغريها‪ ،‬تويف بصنعاء سنة ‪1182‬ه‪ ،‬انظر ترمجته يف‪ :‬البدر الطالع مبحاسن َم ْن بعد القرن‬
‫السابع‪ ،133/2 ،‬حملمد بن علي بن حممد بن عبد هللا الشوكاين (ت‪1250 :‬هـ)‪ ،‬ويلیله امللحق التابع‬
‫للبدر الطالع حملمد بن حممد بن حيىي زابرة الیمين‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬إرشاد النقاد إىل تیسري االجتهاد‪ ،‬ص‪ ،8‬حملمد بن إمساعیل املعروف ابألمري الصنعاين صاحب سبل‬
‫السالم (ت‪1182:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬صالح الدين مقبول أمحد‪ ،‬الدار السلفیة‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1405‬ه‪1985/‬م‪.‬‬
‫‪-290-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫"ملَ َكة" وحنوها مما روعي فیه‬ ‫وقد صدَّر أصحاب هذا االجتاه تعريفهم بكلمة َ‬
‫ظ ابلشهرة‬ ‫املعىن االمسي‪ ،‬الذي هو وصف للمجتهد‪ ،‬قائم به‪ ،‬وهذا االجتاه مل حي َ‬
‫والذيوع كاالجتاه األول؛ إذ مل يسلك هذا املسلك إال قلة من األصولیني‪ ،‬والقاسم‬
‫املشرتك بني االجتاه األول واالجتاه الثاين‪ :‬هو أن االجتهاد ال يت تى إال ببذل‬
‫اجلهد‪ ،‬سواء من البداية‪ ،‬أو بعد عدة حماوالت هلذا البذل واجلهد‪ ،‬لتصبح صفة‬
‫مالزمة للمجتهد؛ وذلك ألن االجتهاد ابعتباره صفة لفعل اجملتهد ال يتحقق إال‬
‫ابمللَ َكة املشار إلیها يف االعتبار الثاين‪ ،‬ومن تلك التعريفات اليت متثل االجتاه الثاين‪:‬‬
‫َ‬
‫قوهلم‪ :‬االجتهاد‪ ،‬هو‪َ " :‬ملَ َكة حتصیل احلجج على األحكام الشرعیة‪ ،‬أو الوظائف‬
‫العملیة‪ ،‬شرعیة أو عقلیة"(‪.)1‬‬
‫منعا للتكرار ـ‬
‫وابلنظر يف هذين التعريفني وأمثاهلما ـ مما تركت ذكره هاهنا ً‬
‫يتبني أن أغلب العلماء حصروا تعريف االجتهاد يف استنباط األحكام الشرعیة من‬
‫أدلتها التفصیلیة دون أن يتعرضوا إىل االجتهاد يف تنزيلها على أفعال املكلفني‬
‫الذي هو أهم أنواع االجتهاد؛ ألن املقصود من استنباط األحكام الشرعیة العمل‬
‫هبا‪ ،‬وال جيوز املباشرة يف تطبیقها قبل معرفة َم ْن تشمله ِممّن ال تشمله‪ ،‬ولذا تفطن‬
‫الشیخ عبد هللا دراز عندما تكلم الشاطيب عن ضروب االجتهاد وأنواعه‪ ،‬وجعل‬
‫االجتهاد يف تطبیق احلكم أحد النوعني األساسیني لالجتهاد(‪ ،)2‬فوضع الشیخ‬
‫عبد هللا دراز تعري ًفا اصطالحیًّا لالجتهاد جيعل االجتهاد يف التطبیق جزءًا أساسیًّا‬
‫يف مفهوم االجتهاد‪ ،‬وهذا التعريف هو‪" :‬استفراغ اجلهد وبذل غاية الوسع‪ ،‬إما‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬األصول العامة للفقه املقارن مدخل إىل دراسة الفقه املقارن‪ ،‬ص‪ ،545‬للسید حممد تقي‬
‫احلكیم‪ ،‬حتقیق‪ :‬اجملمع العاملي ألهل البیت‪ ،‬اجملمع العاملي ألهل البیت ـ علیهم السالم ـ ردمك‪،‬‬
‫ط‪2،1418‬ه‪1997 /‬م‪ ،‬واالجتهاد يف اإلسالم‪ ،‬د‪/‬اندية العمري‪ ،‬ص‪ ،23‬وحبوث يف االجتهاد فیما ال‬
‫نص فیه‪.8/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬املوافقات‪.11/5 ،‬‬
‫‪-291-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫يف درك األحكام الشرعية‪ ،‬وإما يف تطبيقها"(‪ .)1‬أي‪ :‬تطبیقها على أفعال‬
‫املكلفني‪.‬‬
‫حمصورا يف استنباط احلكم‪ ،‬بل امتد‬
‫ً‬ ‫وهكذا توسع مفهوم االجتهاد‪ ،‬ومل يعد‬
‫لیشمل الغاية من هذا االستنباط‪ ،‬وهي تطبیق احلكم وتنزيله على الواقع‪ ،‬وأصبح‬
‫مفهوم االجتهاد ال يتوقف عند حدود االستنباط للحكم‪ ،‬بل أصبح النظر يف‬
‫كیفیة تطبیق هذا احلكم وتنزيله على أفعال املكلفني‪ ،‬ووضع احللول للعوائق اليت‬
‫قد تعرتض هذا التطبیق جزءًا أساسیًّا يف عملیة االجتهاد‪.‬‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫اثنيًا‪ :‬تعريف االستثناء لغةً‬
‫أ‪ -‬االستثناء لغةً‪ :‬مصدر من استثىن الشيء‪ :‬إذا أخرجه من قاعدة عامة‪ ،‬أو‬
‫حكم عام‪ ،‬وأصله ثـَ َىن‪ ،‬واملصدر الثـ َّْين‪ ،‬والسني والتاء زائداتن(‪ ،)2‬جاء يف املعجم‬
‫الوسیط‪( :‬استَـثْـنَاه)‪ :‬أخرجه من قَ ِ‬
‫اع َدة َع َّامة أَو حكم َعام(‪.)3‬‬ ‫ْ ُ‬
‫ب‪ -‬تعريف االستثناء يف االصطالح‪ :‬مصطلح (االستثناء) من املصطلحات اليت‬
‫تستخدم يف علمي‪ :‬الفقه‪ ،‬واألصول‪ ،‬ويكاد يكون بني هذين العلمني اشرتاك يف‬
‫جوانب من داللة مصطلح االستثناء‪ ،‬أييت من االتفاق يف الداللة األصلیة للكلمة‪،‬‬
‫وهي داللتها اللغوية‪ ،‬إال أن أهل كل علم من هذين العلمني يصبغون الداللة‬
‫اللغوية بصبغة العلم نفسه‪ ،‬فیزيدون على الداللة اللغوية من معطیات علومهم‬
‫وخصائصها ما جيعل داللة الكلمة اصطالحیًّا عندهم تتمیز عن داللتها اصطالحیًّا‬
‫عند غريهم‪.‬‬
‫وقبل أن أفصل القول يف الداللة االصطالحیة لالستثناء املقصود يف موضوع‬

‫(‪ )1‬هامش الشیخ عبد هللا دراز على املوافقات‪.11/5 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬حاشیة الصبان على شرح األمشوىن أللفیة ابن مالك‪ ،208/2 ،‬أليب العرفان حممد بن علي‬
‫الصبان الشافعي (ت‪1206 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ‪1997/‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬املعجم الوسیط‪ ،‬ص‪ ،101‬مادة (ثىن)‪ ،‬جممع اللغة العربیة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولیة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫‪1425‬ه‪2004/‬م‪.‬‬
‫‪-292-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫البحث ـ ألن ذلك ما يعنیين أصالةً ـ س شري إشارةً موجزة إىل داللة مصطلح‬
‫االستثناء يف الفقه‪ ،‬واألصول‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف االستثناء عند األصوليني‪:‬‬
‫ً‬
‫حبث األصولیون موضوع االستثناء يف مباحث التخصیص‪ ،‬ابعتباره من‬
‫وعرفوه بتعريفات متعددة(‪ )1‬ال يكاد خيلو تعريف منها من اإليراد واملناقشة‪،‬‬
‫أدواته‪َّ ،‬‬
‫حد من اإلشكال واالعرتاض‪،‬‬ ‫ولیس القصد هنا بسط ذلك؛ إذ ال يكاد يسلم ٌّ‬
‫ومن مجلة تعريفاهتم‪:‬‬
‫ـ عرفه الرازي(‪ ،)2‬أبنه‪" :‬إخراج بعض اجلملة من اجلملة بلفظ إال أو ما أقیم‬
‫مقامه"(‪ .)3‬واإلخراج جنس للمخصصات ككل‪ :‬كالشرط‪ ،‬أو الصفة‪ ،‬أو الغاية‪،‬‬
‫وما أقیم مقامه‪ ،‬كعدا‪ ،‬وسوى‪ ،‬وحاشا‪ ،‬وخال‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر للتوسع يف ذلك‪ :‬االستغناء يف أحكام االستثناء‪ ،‬للقرايف‪ ،‬ص‪ ،96‬مباحث التخصیص عند‬
‫عمان ـ األردن‪،‬‬
‫األصولیني‪ ،‬ص ‪ ،144‬د‪/‬عمر بن عبد العزيز الشیلخاين‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫ط‪2000 ،1‬م‪ ،‬االستثناء عند األصولیني‪ ،‬ص‪ ،28‬د‪/‬أكرم بن حممد بن حسني أوزيقان‪ ،‬دار املعراج‬
‫الدولیة للنشر‪ ،‬الرًيض ـ السعودية ط‪1418 ،1‬ه ‪1998/‬م‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬هو‪ :‬أبو عبد هللا حممد بن عمر بن احلسني بن علي القرشي التیمي البكري‪ ،‬أبو املعايل املعروف‬
‫املفسر‪ ،‬املتكلم‪ ،‬إمام وقته‬
‫ابلفخر الرازي‪ ،‬ويقال له‪ :‬ابن خطیب الري‪ ،‬أحد الفقهاء الشافعیة املشاهري‪ّ ،‬‬
‫يف العلوم العقلیة‪ ،‬وأحد األئمة يف العلوم الشرعیة‪ ،‬صاحب املصنفات املشهورة‪ ،‬ومنها‪ :‬احملصول يف علم‬
‫أصول الفقه‪ ،‬ومفاتیح الغیب يف التفسري‪ ،‬واملعامل يف أصول الدين وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪606‬ه‪ ،‬انظر ترمجته‬
‫يف‪ :‬لسان املیزان‪ ، 244/9 ،‬أليب الفضل أمحد بن علي بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين (ت‪:‬‬
‫‪852‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬دار البشائر اإلسالمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪ ،‬وطبقات‬
‫املفسرين‪ 215/2 ،‬وما بعدها‪ ،‬لشمس الدين حممد بن أمحد الداوودي (ت‪945:‬ه)‪ ،‬راجع النسخة‬
‫وضبط أعالمها‪ :‬جلنة من العلماء‪ ،‬دار الكتب العلمیة ‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1403 ،1‬ه‪1983/‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬احملصول يف علم أصول الفقه‪ ،27/3 ،‬لفخر الدين حممد بن عمر بن احلسني الرازي (ت‪606 :‬هـ)‪،‬‬
‫دراسة وحتقیق‪ :‬د‪ /‬طه جابر فیاض العلواين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪ 1418 ،3‬هـ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫‪-293-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫لكن الباقالين(‪ )1‬اعرتض على كون االستثناء إخرا ًجا بقوله‪" :‬قول ِّ‬
‫املعرف أبن‬
‫نسخا‬
‫داخال فیه خط ؛ ألنه يصري ً‬ ‫االستثناء ما أخرج ما هو داخل فیه‪ ،‬أو ما كان ً‬
‫وتبديال للحكم بعد ثبوته‪ ،‬وذلك فاسد؛ فوجب أنه املخرج من اخلطاب ما كان‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫يصح دخوله فیه" ‪.‬‬
‫احدا‪ ،‬وإمنا‬
‫مما سبق خنلُص إىل أن تعريف األصولیني لالستثناء مل يكن و ً‬
‫ٍ‬
‫وظیفة يف إظهار احلكم‬ ‫حبسب رؤية األصويل لداللة االستثناء وما يؤديه من‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫اثنيًا ‪ :‬تعريف االستثناء عند الفقهاء‪:‬‬
‫تقدم أن األصولیني يطلقون االستثناء مريدين به األدوات اللفظیة املخصوصة‬
‫ـ وهي إال وأخواهتا ـ الرافعة لعموم اللفظ املتقدم املتصل هبا‪ ،‬غري أن الفقهاء قد‬
‫اختلف مدلول االستثناء عندهم عما هو جا ٍر عند األصولیني‪ ،‬حیث يُطْلَق‬
‫االستثناء يف البحث الفقهي على معىن أعم‪ ،‬يشمل كل ما يقتضي املخالفة لكالم‬
‫متقدم بتقیید بعض أفراده أو أحواله حبكم مباين للكالم األول؛ هلذا يدخل يف‬
‫املدلول الفقهي التقیید أبدوات االستثناء "إال" وأخواهتا‪ ،‬والشرط‪ ،‬كما يدخل فیه‬
‫التقیید بكالم مستقل‪.‬‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬القاضي أبو بكر حممد بن الطیب بن حممد بن جعفر بن القسم‪ ،‬املعروف ابلباقالين البصري‬
‫املتكلم املشهور‪ ،‬كان على مذهب الشیخ أيب احلسن األشعري‪ ،‬ومؤيدا اعتقاده وانصرا طريقته‪ ،‬له آتلیف‬
‫كثرية جلیلة‪ ،‬منها‪ :‬التقريب واإلرشاد يف أصول الفقه‪ ،‬وأمايل إمجاع أهل املدنیة‪ ،‬وكتاب التمهید‪ ،‬وكتاب‬
‫إعجاز القرآن‪ ،‬وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪403‬ه‪ .‬انظر ترمجته يف‪ :‬ترتیب املدارك وتقريب املسالك‪،70/7 ،‬‬
‫للقاضي عیاض بن موسى عیاض السبيت (ت‪544 :‬هـ) ‪ ،‬حتقیق‪ :‬جمموعة من العلماء‪ ،‬وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمیة‪ ،‬اململكة املغربیة‪ ،‬د‪.‬ط‪1402 ،‬ه‪1982/‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬التقريب واإلرشاد (الصغري)‪ ،127/3 ،‬للقاضي أيب بكر حممد بن الطیب الباقالين (ت‪ 403 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقیق‪ :‬د‪ /‬عبد احلمید بن علي أبو زنید‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬هـ‪1998 /‬م‪.‬‬
‫‪-294-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫يقول ابن حزم(‪" :)1‬االستثناء‪ :‬هو ختصیص بعض الشيء من مجلته‪ ،‬أو‬
‫إخراج شيء ما مما أدخلت فیه شيء آخر‪ ،‬إال أن النحويني اعتادوا أن يسموا‬
‫ابالستثناء ما كان من ذلك بلفظ‪ :‬حاشا‪ ،‬وخال‪ ،‬وإال ‪ ،...‬وأن جيعلوا ما كان‬
‫خربا من خرب ‪-‬كقولك‪ :‬اقتل القوم‪ ،‬ودع زيدا‪ -‬مسمى ابسم التخصیص ال‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫استثناء‪ ،‬ومها يف احلقیقة سواء" ‪.‬‬
‫اثلثًا ‪ :‬املعىن املراد لالستثناء يف هذا البحث‪:‬‬
‫أسلواب‬
‫ً‬ ‫إن املعىن املقصود لالستثناء يف هذا البحث هو‪ :‬االستثناء ابعتباره‬
‫من أسالیب التنزيل‪ ،‬يتجاوز املعىن النظري إىل التطبیق الفعلي؛ "إذ ما من و ٍ‬
‫اقعة‬
‫أصلي تَـْنضوي حتته‪ ،‬مث قد يعرض هلا عند التطبیق من‬ ‫ٌّ‬ ‫رك‬
‫تُفرض إال وهلا ُم ْد ٌ‬
‫نظرا استثنائیًّا هو أقرب إىل حقیقة العدل‬
‫اإلضافات التبعیة ما يستدعي إعطاءها (‪ً)3‬‬
‫واملصلحة‪ ،‬كما هو مسلك الشريعة نفسه" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬علي بن أمحد بن سعید بن حزم الظاهري‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬عامل األندلس يف عصره‪ ،‬وأحد أئمة‬
‫"احلزمیة"‪ ،‬ولد بقرطبة‪ ،‬وكانت له‬
‫اإلسالم‪ ،‬كان يف األندلس خلق كثري ينتسبون إىل مذهبه‪ ،‬يقال هلم‪ْ :‬‬
‫وألبیه من قبله رًيسة الوزارة وتدبري اململكة‪ ،‬فزهد هبا وانصرف إىل العلم والت لیف‪ ،‬وكان إلیه املنتهى يف‬
‫الذكاء واحلفظ وكثرة العلم‪ ،‬وكان متفننا يف علوم مجة‪ ،‬من كتبه‪ :‬اإلحكام يف أصول األحكام جملدان‪،‬‬
‫وكتاب احمللى يف الفقه على مذهبه واجتهاده جملد‪ ،‬وشرحه هو احمللى يف مثاين جملدات‪ ،‬وكتاب الفصل يف‬
‫امللل والنحل ثالث جملدات وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪456‬ه‪ .‬انظر ترمجته يف‪ :‬إخبار العلماء أبخبار احلكماء‪،‬‬
‫ص‪ ،179‬جلمال الدين أيب احلسن علي بن يوسف القفطي (ت‪ 646 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬إبراهیم مشس الدين‪،‬‬
‫دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ ـ لبنان‪ ،‬ط‪ 1426 ،1‬هـ ‪ 2005 /‬م‪ ،‬وسري أعالم النبالء‪،373/13 ،‬‬
‫واملقصد األرشد‪ ،213/2 ،‬واألعالم‪.254/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،10/4 ،‬أليب حممد علي بن أمحد بن سعید بن حزم (ت‪456 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقیق‪ :‬الشیخ‪:‬أمحد حممد شاكر‪ ،‬قدم له‪ :‬األستاذ الدكتور إحسان عباس‪ ،‬دار اآلفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات ـ دراسة مقارنة يف أصول الفقه ومقاصد الشريعة‪ ،‬ص‪،419‬‬
‫لعبد الرمحن بن معمر السنوسي‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام ـ السعودية‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪-295-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫فك ن االستثناء مبعناه الشمويل هنا‪ :‬هو عملیة إخراج ٍ‬


‫لفرد أو ٍ‬
‫حالة ما عن‬
‫األصل‪ ،‬حبیث لو مل يتم ذلك لوقعنا يف حرٍج وضیق شديدين‪ ،‬وهو هبذا املعىن‬
‫مشارك لإلطالقات اآلنفة يف معناها اللغوي يف كونه صرفًا للحكم عن نظائره‪،‬‬
‫وعن قاعدته العامة إىل حكم آخر‪ ،‬هو أقرب إىل حتقیق مقصود الشارع؛ إذ‬
‫األصل يف تطبیق األحكام الشرعیة أن يكون تطبی ًقا حيقق إرادة الشارع على أرض‬
‫الواقع من خالل تفريغ معىن احلكم العام يف الوقائع اليت تصلح أن تكون جزئیات‬
‫مناسبة له‪ ،‬فإذا كانت هناك حالة ما غري صاحلة لتطبیق احلكم علیها فالبد من‬
‫استثنائها وعدم إجراء احلكم علیها؛ حىت ال يكون مآل التطبیق عبارة عن إحلاق‬
‫احلرج والضیق من حیث وضع للتیسري ورفع احلرج عن املكلفني‪.‬‬
‫أسلواب من أسالیب التنزيل ما‬
‫ً‬ ‫ومن أهم تعريفات العلماء لالستثناء ابعتباره‬
‫أييت‪:‬‬
‫ـ تعريف الدكتور‪ /‬عبد اجمليد النجار‪ ،‬وهو‪" :‬إسقاط تطبیق احلكم الشرعي يف‬
‫حق عینة من عینات األفراد أو احلاالت‪ ،‬يف حني يطبق على سائر العینات‬
‫األخرى املشاهبة هلا"(‪.)1‬‬
‫وذلك أبن تستثىن واقعة معینة أو فرد معني من بني وقائع وأفراد من ذات‬
‫النوع‪ ،‬فال جيري علیهما احلكم الشرعي؛ ملا يتبني من أن تلك الواقعة أو الفرد‬
‫حتف هبما مالبسات تؤدي إىل مفسدة لو أجري علیهما حكم النوع(‪.)2‬‬ ‫ّ‬

‫فهما وتنز ًيال‪ ،139/2 ،‬د‪ /‬عبد اجملید النجار‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬العدد‪ ،23‬رائسة احملاكم‬
‫(‪ )1‬يف فقه التدين ً‬
‫الشرعیة والشؤون الدينیة بقطر‪ ،‬طبعة خاصة مبصر تصدر عن مؤسسة أخبار الیوم إدارة الكتب‬
‫واملكتبات‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪1989/‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬املقتضیات املنهجیة لتطبیق الشريعة يف الواقع اإلسالمي الراهن‪ ،‬ص‪ ،62،61‬د‪ /‬عبد اجملید النجار‪،‬‬
‫جملة املسلم املعاصر‪ ،‬جملد ‪ ،27‬العدد ‪ ،105‬السنة السابعة والعشرون‪.‬‬
‫‪-296-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫ـ وعرفه أ‪.‬د‪/‬حممد كمال إمام‪ ،‬أبنه‪":‬مراعاة األحوال والظروف عند تنزيل األحكام‬
‫الشرعیة‪ ،‬مبا يقتضي تغیري هیئة احلكم‪ ،‬أو إحالل غريه مكانه"(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫ظروف‬ ‫ـ كما عرفه د‪/‬حممود صاحل جابر‪ ،‬ود‪/‬عمر مونة‪ ،‬أبنه‪" :‬عدول بو ٍ‬
‫اقعة يف‬
‫معینة‪ ،‬وفق االقتضاء التبعي عن حكمها األصل‪ ،‬على حنو حيقق مقصود الشرع‬
‫منها‪ ،‬يكون هذا العدول حینها؛ أقرب إىل املصلحة والعدل"(‪.)2‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذه بعض تعريفات العلماء لالستثناء مبعناه املقصود يف هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬وميكن القول إن تعريف أستاذان الدكتور‪ /‬حممد كمال الدين إمام هو‬
‫بیاان ملعىن االستثناء املراد يف هذه الدراسة‪.‬‬
‫أحسن هذه التعريفات‪ ،‬وأكثرها ً‬
‫املطل الثاين‬
‫علما على معىن خمصوص‬ ‫تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه ً‬
‫والتعريف ابملصطلحات ذات الصلة‬
‫علما على معىن خمصوص‪:‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬تعريف االجتهاد االستثنائي بوصفه ً‬
‫إن املتقدمني من األصولیني مل يضعوا هلذا املصطلح املركب تعري ًفا اصطالحیًّا‬
‫حيدد ماهیته؛ وذلك ألهنم مل يـُنَ ِظّروا هلذا النوع من االجتهاد‪ ،‬وإن كانوا ميارسونه‬
‫عملیًّا‪ ،‬ومفهومه وصوره املتمثلة يف حتقیق املناط‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬واالستحسان إىل‬
‫غري ذلك من األدلة التبعیة أو املوهومة ‪-‬كما مساها الغزايل(‪ -)3‬مبثوثة يف ثناًي‬
‫حمددا عندهم بشكل واضح‪ ،‬إال أن املت خرين‬ ‫مدوانهتم وكتبهم‪ ،‬لكن مفهومه لیس ً‬
‫تعرضا هلذا النوع من االجتهاد‪ ،‬ومنهم أ‪.‬د‪ /‬حممد‬ ‫خبالف املتقدمني كانوا أكثر ً‬

‫(‪ )1‬مآالت تطبیق منهج حتقیق املناط يف أتجیل بعض األحكام أو تعلیقها‪ ،‬ص‪ ،115‬أ‪ .‬د‪ /‬حممد كمال‬
‫الدين إمام‪ ،‬جملة املسلم املعاصر‪ ،‬جملد ‪ ،37‬العدد ‪ ،148‬السنة السابعة والثالثون‪.‬‬
‫(‪ )2‬حقیقة االجتهاد االستثنائي ومسالكه‪ ،‬ص‪ ،616‬حممود صاحل جابر‪ ،‬وعمر مونة‪ ،‬جملة دراسات‪،‬‬
‫علوم الشريعة والقانون‪ ،‬اجمللد ‪( ،36‬ملحق)‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املستصفى من علم األصول‪ 435 /2 ،‬وما بعدها‪ ،‬أليب حامد حممد بن حممد‬
‫الغزايل(ت‪505:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬محزة بن زهري حافظ ‪ ،‬اجلامعة اإلسالمیة‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-297-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫فتحي الدريين‪ ،‬فقد أشار إىل االجتهاد املبين على قاعدة االستثناء بقوله‪:‬‬
‫ضرب من التوفیق بني‬ ‫ٌ‬ ‫"االستثناء من القاعدة العامة‪ ،‬أو األصل العام مبا هو‬
‫مقتضى القاعدة النظرية العامة اجملردة‪ ،‬وبني مقتضى احلیاة الواقعیة يعترب ـ يف الواقع‬
‫غلو‬
‫مستبصرا‪ ،‬من مناهج االجتهاد ‪ ،...‬يعاجل َ‬‫ً‬ ‫منهجا تشريعیًّا أصولیًّا‬
‫ـ خطّةً أو ً‬
‫التطبیق اآليل‪ ،‬وسوءَ نتائجه اليت جتايف العدل واملصلحة احلقیقیة"(‪.)1‬‬
‫كما أشار إىل أن هذا النوع من االجتهاد يقوم على قاعديت‪ :‬االستحسان‪،‬‬
‫وسد الذرائع‪ ،‬ولكنه مل يعرفه(‪.)2‬‬
‫ـ وقد حاول بعض العلماء أن يضع هلذا املركب الوصفي تعري ًفا اصطالحیًّا‬
‫يوضح مفهومه‪ ،‬وحيدد ماهیته‪ ،‬ومنهم الدكتور‪ /‬حممود صاحل جابر‪ ،‬والدكتور‪/‬عمر‬
‫علما على معىن خمصوص‪ ،‬أبنه‪" :‬بذل‬ ‫مونة‪ ،‬فقد عرفا االجتهاد االستثنائي بوصفه ً‬
‫اقعة معدول هبا عن حكمها األصلي‪ ،‬يف‬ ‫الوسع يف استنباط حكم الشرع يف و ٍ‬
‫ُْ‬
‫ظروف معینة‪ ،‬على حنو حيقق مقصود الشرع منها‪ ،‬يكون هذا العدول أقرب إىل‬ ‫ٍ‬
‫املصلحة والعدل"(‪.)3‬‬
‫صحیحا لالجتهاد االستثنائي‪ ،‬ولكنه يؤخذ علیه‬ ‫ً‬ ‫تصورا‬
‫وهذا التعريف يعطي ً‬
‫أنه طويل‪ ،‬كما أنه مل ينص على أن هذا االجتهاد اجتهاد يف تنزيل احلكم الشرعي‪.‬‬
‫وميكن االستفادة من جهود العلماء السابقني يف تعريف االجتهاد الشرعي‪،‬‬
‫وكذلك االستفادة من تعريف أستاذان الدكتور‪/‬حممد كمال الدين إمام لالستثناء يف‬
‫يف لالجتهاد االستثنائي يعرب عن حقیقته‪ ،‬فیكون تعريف االجتهاد‬ ‫وضع تعر ٍ‬
‫االستثنائي هو‪" :‬بذل اجملتهد ُو ْسعه يف تنزيل األحكام الشرعیة على الوقائع‬

‫(‪ )1‬املناهج األصولیة يف االجتهاد ابلرأي يف التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪ ،494‬أ‪.‬د‪/‬حممد فتحي الدريين‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،3‬ه‪1997/‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.486‬‬
‫(‪ )3‬حقیقة االجتهاد االستثنائي ومسالكه‪ ،‬ص‪.617‬‬
‫‪-298-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫املشخصة‪ ،‬مبا يقتضي تغیري هیئة احلكم وإحالل غريه مكانه إذا كان ال حيقق‬
‫املقصد الشرعي منه"‪.‬‬
‫شرح التعريف وبيان حمرتازاته‪:‬‬
‫ــ"بذل اجملتهد ُو ْسعه"‪ .‬أي‪ :‬استنفاد اجملتهد كل طاقته يف البحث واالستقصاء‬
‫والنظر‪.‬‬
‫واملقصود ابجملتهد‪ :‬الفقیه املؤهل للفقه واالجتهاد‪ ،‬وهو قی ٌد إلخراج غري اجملتهد‪،‬‬
‫اجتهادا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهو املقلد‪ ،‬فال يسمى ما بذله‬
‫ـ "تنزيل األحكام الشرعية على الوقائع املشخصة"‪ .‬أي‪ :‬تطبیق هذه األحكام‬
‫وتنزيلها على أفعال املكلفني‪.‬‬
‫ــ" أو تغيري هيئة احلكم و إحالل غريه مكانه إذا كان ال حيقق املقصد الشرعي‬
‫منه"‪ .‬أي‪ :‬وضع احللول للعوائق اليت قد تعرتض تطبیق هذه األحكام‪ ،‬وذلك‬
‫ابلعدول إىل أحكام استثنائیة حتقق مراد الشارع من تلك األحكام‪ ،‬وذلك يستلزم‬
‫من اجملتهد "تبصر زائد على حفظ الفقه وأدلته"(‪.)1‬‬
‫وهذا ما أشار إلیه ابن قیم اجلوزية(‪ )2‬بقوله‪" :‬وال يتمكن املفيت وال احلاكم من‬
‫الفتوى واحلكم ابحلق إال بنوعني من الفهم‪ :‬أحدمها‪ :‬فهم الواقع والفقه فیه‪،‬‬
‫علما‪.‬‬
‫واستنباط علم حقیقة ما وقع ابلقرائن واألمارات والعالمات‪ ،‬حىت حيیط به ً‬
‫اَّلل الذي َح َكم به يف كتابه‬
‫والنوع الثاين‪ :‬فهم الواجب يف الواقع‪ ،‬وهو فهم ُحكْم َّ‬

‫(‪ )1‬فتاوى السبكي‪ ،123/2 ،‬أليب احلسن تقي الدين علي بن عبد الكايف السبكي (ت‪756 :‬ه )‪،‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي‪ ،‬مث الدمشقي‪ ،‬الفقیه‪ ،‬األصويل‪ ،‬املفسر‬
‫النحوي‪ ،‬العارف‪ ،‬مشس الدين‪ ،‬أبو عبد هللا بن قیم اجلوزية‪ ،‬ولد سنة ‪691‬ه‪ ،‬ألّف تصانیف كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬والطرق احلكمیة يف السیاسة الشرعیة‪ ،‬وشفاء العلیل يف مسائل القضاء‬
‫والقدر واحلكمة والتعلیل وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪751‬ه‪ ،‬انظر ترمجته يف‪ :‬الذيل على طبقات احلنابلة‪،‬‬
‫‪ 170/5‬وما بعدها‪ ،‬لعبد الرمحن بن أمحد بن رجب (ت‪795 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د ‪/‬عبد الرمحن بن سلیمان‬
‫العثیمني‪ ،‬مكتبة العبیكان‪ ،‬الرًيض ـ السعودية‪ ،‬ط‪ 1425 ،1‬هـ ‪ 2005 /‬م‪.‬‬
‫‪-299-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫أو على لسان رسوله ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬يف هذا الواقع‪ ،‬مث يطبق أحدمها على‬
‫أجرا؛ فالعامل‬
‫اآلخر؛ فمن بَ َذ َل َج ْهده واستفرغ ُو ْسعه يف ذلك مل يعدم أجرين أو ً‬
‫اَّلل ورسوله ‪-‬صلى هللا علیه‬
‫َم ْن يتوصل مبعرفة الواقع والتفقه فیه إىل معرفة حكم َّ‬
‫وسلم"(‪.)1‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬التعريف ابملصطلحات ذات الصلة‪:‬‬
‫علما على معىن خمصوص جتدر‬ ‫بعد بیان معىن االجتهاد االستثنائي بوصفه ً‬
‫اإلشارة إىل أوجه الشبه واخلالف بینه وبني ما يشبهه من مصطلحات‪ ،‬فإن‬
‫االجتهاد االستثنائي يتداخل مع مصطلحني من مصطلحات أصول الفقه‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫ختصيص العلة‪ ،‬واملعدول به عن َسنَن القياس‪ ،‬ولعل اجلامع لالجتهاد االستثنائي‬
‫مع هذين املصطلحني هو خمالفة النظائر‪ ،‬واخلروج عن األصل أو القاعدة العامة‪،‬‬
‫والعدول عن األقیسة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ختصيص العلة‪:‬‬ ‫ً‬
‫تناول األصولیون مس لة ختلف حكم األصل عن علته يف كتبهم‪ ،‬وعاجلوها يف‬
‫ابب القیاس‪ ،‬لكنهم مل يتفقوا على وضعها يف موضع معني ضمن مباحث العلة‪،‬‬
‫فمنهم من حبثها ضمن شرط االطراد يف صحة العلة‪ ،‬ومنهم من حبثها حتت عنوان‬
‫"النقض" ضمن قوادح العلة‪ ،‬بینما حبثها آخرون حتت العنوان ذاته "ختصیص‬
‫العلة"‪ ،‬كلٌّ حسب وجهة نظره يف حكم هذا التخلف‪ ،‬هل هو مبطل للعلة أو ال؟‬
‫وجتدر يف هذا املقام اإلشارة ابختصار إىل معىن ختصیص العلة إشارةً تعطي‬
‫جممال عن حقیقته‪.‬‬ ‫تصورا ً‬
‫ً‬
‫‪ -1‬تعريف ختصيص العلة‪:‬‬
‫أ ـ تعريف التخصيص‪:‬‬

‫(‪ )1‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪.165/2 ،‬‬


‫‪-300-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫صا‪ ،‬وخصوصا‪ ،‬وخص ِ‬


‫وصیّةً‪،‬‬ ‫خيص َخ ًّ ُ ً َ ُ‬ ‫خص ّ‬ ‫التخصيص يف اللغة‪ :‬من ّ‬
‫تص فال ٌن ابألَمر‪،‬‬ ‫وخ ِ‬
‫اخ ّ‬ ‫صوصیّةً‪ ،‬والفتح أَفصح‪ ،‬وهو اإلفراد ابلشيء‪ ،‬يـُ َقال‪ْ :‬‬ ‫ُ ُ‬
‫ص له‪ :‬إِذا انفرد‪ ،‬وكل اسم ملسمى معلوم على االنفراد يقال له‪ :‬خاص ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وختص َ‬‫ّ‬
‫أما يف االصطالح‪ :‬فقد انقسم األصولیون يف حتديده إىل فريقني‪ :‬اجلمهور‪،‬‬
‫واحلنفیة‪:‬‬
‫أما اجلمهور فقد اختلفت عباراهتم وتنوعت عند املتقدمني واملت خرين‪ ،‬وإن كانت‬
‫جتتمع كلها يف النهاية حول معىن واحد‪ ،‬وهو "بَـیَا ُن ما مل يُ ْرد ِابللَّ ْف ِظ الْ َع ِّام"(‪ ،)2‬أو‬
‫ض ُم َس َّمیَاتِِه"(‪.)3‬‬ ‫ص ُر الْ َع ِّام على بَـ ْع ِ‬‫"قَ ْ‬
‫یح َعلَى َم ْذ َهبِنَا أَ ْن يـُ َق َال‪ُ :‬ه َو‬ ‫وأما احلنفية فقد عرفوه بقوهلم‪" :‬احل ُّد َّ ِ‬
‫الصح ُ‬ ‫َ‬
‫ض أَفْـَر ِادهِ بِ َدلِ ٍیل ُم ْستَ ِق ٍّل ُم ْق َرتن" ‪.‬‬
‫ِ ٍ (‪)4‬‬
‫ص ُر الْ َع ِّام َعلَى بَـ ْع ِ‬
‫قَ ْ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،24/7 ،‬مادة (خ ص ص)‪ ،‬واتج العروس‪ ،550/17 ،‬مادة (خ ص ص)‪،‬‬
‫والتعريفات‪ ،‬ص‪ ،53‬ابب التاء‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اللمع يف أصول الفقه‪ ،‬ص‪ ،77‬أليب إسحاق إبراهیم بن علي الشريازي (ت‪476:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪:‬‬
‫حمیي الدين ديب مستو‪ ،‬ويوسف علي بديوي‪ ،‬دار الكلم الطیب‪ ،‬ودار ابن كثري‪ ،‬دمشق ـ بريوت‪،‬‬
‫ط‪1،1416‬ه‪1995/‬م‪ ،‬والتمهید يف أصول الفقه‪ ،71/2 ،‬حملفوظ بن أمحد بن احلسن أَيب اخلطاب‬
‫ال َك ْل َو َذاين احلنبلي (ت‪ 510:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬مفید حممد أبو عمشة‪ ،‬وحممد بن علي بن إبراهیم‪ ،‬مركز البحث‬
‫العلمي وإحیاء الرتاث اإلسالمي‪ ،‬جامعة أم القرى ‪ ،‬ط‪ 1406 ،1‬هـ ‪ 1985 /‬م‪ ،‬والبحر احملیط يف‬
‫أصول الفقه‪ ،241/3 ،‬لبدر الدين حممد بن هبادر بن عبد هللا الزركشي (ت‪794:‬ه)‪ ،‬راجعه‪ :‬د‪/‬عبد‬
‫الستار أبو غدة‪ ،‬د‪/‬حممد سلیمان األشقر‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمیة ابلكويت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1413‬ه‪1992/‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬بیان املختصر ـ وهو شرح خمتصر ابن احلاجب ـ ‪ ،234/2 ،‬لشمس الدين أيب الثناء حممود بن عبد‬
‫الرمحن بن أمحد األصفهاين (ت‪749 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬حممد مظهر بقا‪ ،‬دار املدين‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1406‬هـ ‪1986 /‬م ‪ ،‬وانظر‪ :‬إرشاد الفحول‪ ،628/2 ،‬والبحر احملیط يف أصول الفقه‪.241/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪ ،306/1 ،‬و فتح الغفار بشرح املنار املعروف‬
‫مبشكاة األنوار يف أصول املنار‪ ،97/1 ،‬لزين الدين بن إبراهیم‪ ،‬الشهري اببن جنیم احلنفي‪ ،‬وعلیه بعض‬
‫اش للشیخ عبد الرمحن البحراوي احلنفي املصري‪ ،‬راجعة‪ :‬الشیخ‪ /‬حممود أبو دقیقة‪ ،‬شركة مكتبة‬ ‫حو ٍ‬
‫ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده مبصر‪ ،‬ط‪1355 ،1‬ه‪1936/‬م‪ ،‬ومسلم الثبوت‪ ،233/1 ،‬حملب=‬
‫‪-301-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫ب ـ تعريف العلة‪:‬‬
‫الش ْربَة الثانیة‪ ،‬أو الش ُّْرب بَـ ْع َد‬‫حمركةً‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬ ‫العلَل ‪َّ -‬‬ ‫العلة يف اللغة‪ :‬من َ‬
‫الع ّل و َ‬
‫العلَّةُ‪ :‬الضََّّرة‪،‬‬
‫الس ْقیَة الثانیة‪ ،‬و َ‬ ‫باعا‪ ،‬يقال‪َ :‬علَّه‪ ،‬يَـعُلُّه‪ ،‬ويَعِلُّه‪ :‬إِذا سقاه َّ‬ ‫بت ً‬
‫الشُّر ِ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫والعلَّة‪ :‬املََر ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ض‪ ،‬وما يَ ْشغَل صاحبَه عن حاجته ‪.‬‬
‫أما يف االصطالح فقد اختلفت عبارات العلماء يف تعريف العلة بناءً على‬
‫اختالفهم يف حقیقة الوصف الذي جيوز أن يعلّل به احلكم‪ ،‬وآرائهم يف عالقة‬
‫احلكم ابلعلة‪ ،‬ومن هذه التعريفات‪ :‬تعريف ابن النجار(‪ ،)2‬فقد عرفها بقوله‪:‬‬
‫السن َِّة ِمن أَصحابِنَا و َغ ِريِهم‪ُ :‬جمَّرد أَمارةٍ وع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صبَـ َها الشَّا ِرعُ‬ ‫"العلَّةُ ‪ ...‬عْن َد أ َْه ِل ُّ ْ ْ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫المة نَ َ‬
‫َدلِ ًیال‪ ،‬يَ ْستَ ِد ُّل ِهبَا الْ ُم ْجتَ ِه ُد َعلَى ِو ْج َد ِان ْ‬
‫احلُ ْك ِم إ َذا َملْ يَ ُك ْن َعا ِرفًا بِِه"(‪.)3‬‬
‫ت ُوِج َد‬ ‫ِ‬
‫أي‪ :‬أهنا جمرد عالمة أو أمارة دالة على وجود احلكم‪ ،‬فإذا ُوج َد ْ‬
‫احلكم‪ ،‬وإذا انعدمت انعدم احلكم‪ ،‬من غري أن تكون مؤثرة فیه‪ ،‬وال ابعثة علیه؛‬
‫ألن املؤثر يف احلقیقة هو هللا ‪ ،‬وهو مذهب مجهور األصولیني‪.‬‬

‫هللا بن عبد الشكور اهلندي البهاري‪ ،‬ويلیه خمتصر ابن احلاجب‪ ،‬واملنهاج للبیضاوي‪ ،‬املطابع احلسینیة‬
‫املصرية‪ ،‬مطبعة كردستان العلمیة‪ ،‬د‪.‬ط‪1326 ،‬ه‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬معجم مقايیس اللغة‪ ،12/4 ،‬ابب العني والالم‪ ،‬ولسان العرب‪ ،467/11 ،‬مادة (ع ل ل)‪،‬‬
‫والقاموس احملیط‪ ، 20/4 ،‬فصل العني ابب الالم‪ ،‬جملد الدين حممد بن يعقوب الفريوز أابدي الشريازي‬
‫(ت‪817:‬ه)‪ ،‬نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة األمريية سنة ‪1310‬ه‪ ،‬اهلیئة املصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬ط ‪1399‬ه‪1979/‬م‪ ،‬واتج العروس‪ ،44/30 ،‬مادة (ع ل ل)‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬تقي الدين حممد بن أمحد بن عبد العزيز الفتوحي‪ ،‬أبو البقاء‪ ،‬الشهري اببن النجار‪ :‬فقیه حنبلي‬
‫مصري‪ ،‬من القضاة ‪ ،‬من كتبه‪ :‬الكوكب املنري املسمى خمتصر التحرير وشرحه يف أصول الفقه‪ ،‬ومنتهى‬
‫اإلرادات يف مجع املقنع مع التنقیح وزًيدات مع شرحه للبهويت‪ ،‬يف فقه احلنابلة‪ ،‬تويف سنة ‪972‬ه‪ ،‬انظر‬
‫ترمجته يف‪ :‬خمتصر طبقات احلنابلة‪ ،‬ص‪ ،91‬حملمد مجیل بن عمر البغدادي املعروف اببن شطي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1406 ،1‬ه‪1986/‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬شرح الكوكب املنري املسمى مبختصر التحرير أو املخترب املبتكر شرح املختصر يف أصول الفقه‪،‬‬
‫‪ ،39/4‬حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي احلنبلي املعروف اببن النجار (ت ‪972 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقیق ‪ :‬د‪/‬حممد الزحیلي‪ ،‬ود‪ /‬نزيه محاد‪ ،‬مكتبة العبیكان‪ ،‬الرًيض ـ السعودية‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪-302-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫جـ ـ معىن ختصيص العلة‪:‬‬


‫عرف العلماء ختصیص العلة بتعريفات متقاربة تدور حول معىن واحد هو‪،‬‬
‫ختلُّف احلكم يف بعض الصور مع وجود العلّة‪ ،‬وهذا يعين أن ختصیص العلة ٌ‬
‫كسر‬
‫وعدما‪ ،‬ومن هذه‬‫ً‬ ‫وجودا‬
‫ً‬ ‫للقاعدة العامة اليت تفرتض دوران احلكم مع العلّة‬
‫التعريفات ما أييت‪:‬‬
‫ف‬‫صِ‬‫الو ْ‬ ‫ن‬‫ع‬‫َ‬ ‫الصوِ‬
‫ر‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ـ‬‫ب‬ ‫ِ‬
‫يف‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ك‬
‫ْ‬ ‫احل‬ ‫"ختَلُّ ِ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬‫أبنه‬ ‫‪،‬‬‫(‪)1‬‬
‫ـ عرفه عبد العزيز البخاري‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّعى ِعلَّةً لِ َمانِ ٍع"(‪.)2‬‬
‫املُد َ‬
‫ـ ومن العلماء َم ْن عرف ختصیص العلة‪ ،‬أبنه‪" :‬ختلف احلكم عن العلة يف بعض‬
‫الصور لسبب موجب هلذا التخلف"(‪. )3‬‬
‫ويعين هذا ـ عند القائلني بتخصیص العلّة ـ أن توصف العلة ابلعموم‪ ،‬مث خترج‬
‫مقتصرا على الصور‬
‫ً‬ ‫بعض الصور عن أتثري العلة فیها؛ لقیام مانع‪ ،‬ويبقى الت ثري‬
‫األخرى(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬عبد العزيز بن أمحد بن حممد‪َ ،‬ع َالء ال ِّدين البُ َخاري‪ :‬فقیه حنفي من علماء األصول‪ ،‬من أهل‬
‫خبارى‪ ،‬له تصانیف‪ ،‬منها‪" :‬شرح أصول البزدوي" جملدان‪ ،‬مساه " كشف األسرار"‪ ،‬و"شرح املنتخب‬
‫احلسامي" وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪730‬ه‪ ،‬انظر ترمجته يف‪ :‬الفوائد البهیة يف تراجم احلنفیة‪ ،‬ص‪ ،94‬واألعالم‪،‬‬
‫‪.13/4‬‬
‫(‪ )2‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪ ، 32/4 ،‬وانظر‪ :‬التعريفات الفقهیة (معجم يشرح‬
‫األلفاظ املصطلح علیهابني الفقهاء واألصولیني وغريهم من علماء الدين)‪ ،‬ص‪ ،54‬حملمد عمیم اإلحسان‬
‫اجملددي الربكيت‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ ‪2003 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬معجم لغة الفقهاء مع كشاف إنكلیزي ـ عريب ابملصطلحات الواردة يف املعجم‪ ،‬ص‪ ،125‬حملمد‬
‫رواس قلعجي‪ ،‬وحامد صادق قنیيب‪ ،‬دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،2‬‬
‫هـ ‪ 1988 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬شرح التلويح على التوضیح ‪ ،184/2 ،‬وفتح الغفار بشرح املنار‪ ،‬البن جنیم‪.42/3 ،‬‬
‫‪-303-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫عالقة االجتهاد االستثنائي بتخصيص العلة‪:‬‬


‫لكل من االجتهاد االستثنائي وختصیص العلة هو الصرف أو‬ ‫املعىن اجلامع ٍّ‬
‫الرتك‪ ،‬فاالجتهاد االستثنائي هو صرف احلكم عن نظائره إىل حكم آخر‪ ،‬هو‬
‫أقرب إىل حتقیق مقصود الشارع‪ ،‬وختصیص العلة ترك املقتضى أو منع العلة من‬
‫عملها يف حك ٍم خاص؛ لوجود مانع‪ ،‬ومها يدالن على كمال الشريعة؛ ألن طرد‬
‫كثريا ما يؤدي إىل خالف مقصود الشارع‪ ،‬والفقه كله يف‬ ‫القواعد والقیاس ً‬
‫الش ِر َيعةَ َم ْن َملْ‬
‫االستثناء ابملصلحة وختصیص العلل‪ ،‬يقول ابن العريب‪َ " :‬وَملْ يَـ ْف َه ْم َّ‬
‫یص الْعِلَّ ِة"(‪ ،)1‬وقال ابن تیمیة بعد أن ّبني أن األئمة‬ ‫ِ‬ ‫َحي ُكم ِابلْم ِ‬
‫صلَ َحة َوَال َرأَى َختْص َ‬
‫ْ ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ني ُك ِّل ع ْل ٍم‪ ،‬بَ ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني الْف ْقه‪ ،‬بَ ْل ُه َو َع ْ ُ‬
‫كانوا خيصون االتعلیل بوجود املانع‪َ " :‬وَه َذا َع ْ ُ‬
‫يد"(‪.)2‬‬ ‫یح وَك َالٍم س ِد ٍ‬ ‫هو عني ُك ِل نَظَ ٍر ِ‬
‫َ‬ ‫صح ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َْ ُ ّ‬
‫ولكن خيتلف كل من االجتهاد االستثنائي وختصیص العلة يف أن االجتهاد‬
‫االستثنائي ينعدم فیه احلكم يف الفرع املستثىن؛ النعدام العلَّة فیه‪ ،‬أما يف ختصیص‬
‫املستدل وجود‬ ‫ّ‬ ‫تنعدم‪ ،‬بل تبقى يف الفرع املستثىن‪ ،‬لكن ّادعي‬ ‫فإن العلَّة ال ِ‬ ‫العلّة َّ‬
‫مانع مينع من ثبوت احلكم يف الفرع ألجلها(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أحكام القرآن‪ ،‬البن العريب‪.279/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى الكربى‪ ،201/6 ،‬لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احللیم بن تیمیة احلراين‬
‫(ت‪728:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬حممد عبدالقادر عطا‪ ،‬و مصطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ ‪1987 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ختصیص العلة الشرعیة‪ ،‬ص‪ ، 36‬د‪/‬عیاض بن انمي السلمي‪ ،‬جملة جامعة اإلمام حممد بن سعود‬
‫اإلسالمیة‪ ،‬العدد‪ ،20‬رمضان ‪1418‬ه‪ ،‬وانظر‪ :‬أصول السرخسي‪ ،204/2 ،‬أليب بكر حممد بن أمحد‬
‫بن أيب سهل السرخسي (ت‪483 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬أبو الوفا األفغاين‪ ،‬جلنة إحیاء املعارف النعمانیة‪ ،‬حیدر‬
‫أابد ـ اهلند‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-304-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫اثنيًا‪ :‬املعدول به عن َسنَن القياس‪:‬‬


‫هذه املس لة من املسائل الدقیقة اليت تباينت يف حتديد معاملها آراء العلماء‪،‬‬
‫حىت قال اإلمام الغزايل‪" :‬وهذه قاعدة غامضة املدرك‪ ،‬اثر منها أغالیط ضل‬
‫بسببها بعض الناظرين عن سواء السبیل"(‪.)1‬‬
‫وأول مكامن الغموض فیها أن هذا املفهوم قد تراوح التعبري عنه بني سائر‬
‫العبارات املرتادفة الدالة علیه‪ ،‬كعبارة "املستثىن عن قاعدة القیاس"(‪ ،)2‬و"املعدول به‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فضال عن عبارة "املعدول به عن‬ ‫عن القیاس" ‪ ،‬و"خالف قیاس األصول" ‪ً ،‬‬
‫َسنَن القیاس"(‪ ،)5‬وقد غلب استعمال العبارات املتضمنة للفظ "القیاس"‪ ،‬مثل‬
‫املعدول به عن َسنَن القیاس على سائر العبارات األخرى املرادفة هلا يف املصنفات‬
‫األصولیة‪ ،‬وجتدر اإلشارة هنا إىل بیان معىن هذا املصطلح لبیان العالقة بینه وبني‬
‫االجتهاد االستثنائي‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف املعدول به عن َسنَن القياس‪:‬‬
‫أ ـ تعريف املعدول به عن َسنَن القياس لغةً‪:‬‬

‫(‪ )1‬شفاء الغلیل‪ ،‬للغزايل‪ ،‬ص‪.642‬‬


‫(‪ ) 2‬انظر‪ :‬روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،277/2 ،‬ملوفق‬
‫الدين عبد هللا بن أمحد بن قدامة (ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬شعبان حممد إمساعیل‪ ،‬املكتبة املكیة‪ ،‬مكة‪،‬‬
‫املكتبة التدمرية‪ ،‬الرًيض‪ ،‬مؤسسة الرًين‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1419 ،1‬ه‪1998/‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الربهان يف أصول الفقه‪ ،895/2 ،‬أليب املعايل عبد امللك بن عبد هللا اجلويين (ت‪478:‬ه)‪،‬‬
‫حتقیق‪ :‬د‪/‬عبد العظیم الديب‪ ،‬دار األنصار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1400 ،2‬ه‪ ،‬وأصول السرخسي‪،149/2 ،‬‬
‫ومنتهى الوصول واألمل يف علمي األصول واجلدل‪ ،‬ص ‪ ، ،168‬جلمال الدين أيب عمرو عثمان بن عمرو‬
‫ابن أيب بكر املالكي املعروف اببن احلاجب (ت‪646 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1405‬ه‪1985/‬م‪.‬‬
‫الع َمد‪ ،109/2 ،‬أليب احلسني البصري حممد بن علي بن الطیب‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬عبد احلمید‬ ‫(‪ )4‬انظر‪ :‬شرح ُ‬
‫ابن علي أبو زنید‪ ،‬دار املطبعة السلفیة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪.‬‬
‫(‪ )5‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬لآلمدي‪.246/3 ،‬‬
‫‪-305-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫ـ العدول يف اللغة‪ :‬املیل واالحنراف عن الطريق‪ ،‬يقال‪َ :‬ع َد َل عن الشيء‬


‫وع َد َل عن الطريق عُ ُد ًوال‪ :‬مال عنه‪ ،‬وانصرف‪ ،‬ومنه‬
‫وعدوال‪ :‬حاد‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫عدال‪،‬‬
‫يعدل ً‬
‫ﱏﱠ(‪ .)1‬أي‪ :‬يعدلون عن‬ ‫‪:‬ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬ ‫قوله ‪-‬تعاىل‪:‬‬
‫احلق(‪.)2‬‬
‫ومتجاوزا عنه‪ ،‬ويكون معناه مع الباء‬ ‫ً‬ ‫ـ والبَاءُ يف (به) لِلتـ َّْع ِديَِة‪ ،‬أي‪ :‬جعله ً‬
‫عادال‬
‫معىن الفاعل(‪.)3‬‬
‫السنَن بفتح السني‪ :‬هو الطريق(‪.)4‬‬ ‫السنَن يف اللغة‪َّ :‬‬
‫ـ َّ‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ـ القياس لغةً‬
‫ِ‬
‫ت الشيء بغريه‪ ،‬وعلى غريه‪،‬‬ ‫ـ القياس يف اللغة‪ :‬هو التقدير‪ ،‬يقال‪ :‬ق ْس ُ‬
‫یاسا‪ :‬إِذا َّ‬‫ِ‬ ‫أَقِ‬
‫ُخرى‪ :‬قُ ْستُه‪ ،‬أَقُ ُ‬
‫وسه‪ ،‬قَـ ْو ًسا‬ ‫قدرته على مثاله‪ ،‬وفیه لغة أ ْ‬ ‫یس قَـْی ًسا‪ ،‬وق ً‬
‫ُ‬
‫یاسا(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫وق ً‬
‫يفات منها‪:‬‬‫ـ أما القياس يف االصطالح‪ :‬فقد عرفه األصولیون بتعر ٍ‬
‫صوص َعلَْی ِه على معىن ُه َو ِعلّة ل َذلِك احلكم ِيف‬ ‫هو‪َ :‬ترتّب احلكم ِيف غري املَْن ُ‬
‫إثبات حك ٍم هلما‪ ،‬أو نفیه‬ ‫معلوم يف ِ‬‫معلوم على ٍ‬‫املْنصوص علَی ِه(‪ ،)6‬وقیل‪ :‬هو محل ٍ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬
‫(‪)7‬‬
‫صفة‪ ،‬أو نفیهما عنهما ‪.‬‬ ‫عنهما‪ ،‬أبم ٍر جام ٍع بینهما‪ :‬من إثبات حك ٍم أو ٍ‬

‫(‪ )1‬سورة األنعام‪ :‬جزء من اآلية ‪.1‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬املصباح املنري‪ ،541/2 ،‬ابب العني مع الدال وما يثلثهما‪ ،‬واملعجم الوسیط‪ ،‬ص‪،588‬‬
‫مادة(ع د ل)‪.‬‬
‫(‪ )3‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪. 302/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬لسان العرب‪ ،220/13 ،‬مادة (سنن) ‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،185/6 ،‬مادة (قوس)‪ ،‬وهتذيب اللغة‪ ،179/9 ،‬ابب القاف والسني ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أصول الشاشي‪ ،‬ص‪ ،203‬لنظام الدين أيب علي أمحد بن حممد بن إسحاق الشاشي (ت‪344:‬هـ)‪،‬‬
‫وهبامشه عمدة احلواشي شرح أصول الشاشي‪ ،‬للموىل حممد فیض احلسن الكنكوهي‪ ،‬حتقیق‪ :‬عبد هللا‬
‫حممد اخللیلي‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪2003/‬م‪.‬‬
‫(‪ )7‬احملصول‪ ،‬للرازي‪.5/5 ،‬‬
‫‪-306-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ب ـ تعريف املعدول به عن َسنَن القياس‬
‫ذكر العلماء للمعدول به عن القیاس عدة تعريفات‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫ـ عرفه الدبوسي‪ ،‬بقوله‪" :‬حد املعدول عن القیاس‪ :‬أن جييء خبالف ما يوجبه‬
‫العقل والقیاس الشرعي"(‪.)1‬‬
‫ـ وعرفه د‪ /‬النملة‪ ،‬أبنه‪" :‬ما ُش ِرع من األحكام على وجه االستثناء واالقتطاع عن‬
‫القواعد العامة‪ ،‬وهو خمالف للقواعد العامة‪ ،‬بشرط‪ :‬أن يكون معقول املعىن"(‪.)2‬‬
‫عالقة االجتهاد االستثنائي ابملعدول به عن َسنَن القياس‪:‬‬
‫لكل من االجتهاد االستثنائي واملعدول به عن َسنَن القیاس هو‬ ‫املعىن اجلامع ٍّ‬
‫اإلخراج‪ ،‬فاالجتهاد االستثنائي هو‪ :‬إخراج واقعة معینة أو فرد معني من بني وقائع‬
‫وأفراد من النوع ذاته‪ ،‬فال جيري علیهما احلكم الشرعي‪ ،‬واملعدول به عن َسنَن‬
‫القیاس هو‪ :‬ماخالف القواعد الكلیة‪ ،‬وخرج من القواعد الفقهیة على سبیل‬
‫االستثناء‪.‬‬
‫ولكن خيتلف كل منهما عن اآلخر يف‪ :‬أن املعدول به عن َسنَن القیاس إذا‬
‫ِ‬
‫صد به احلكم الذي خرج عن سنن القواعد القیاسیة ابلنص أو اإلمجاع؛‬ ‫أُطْل َق يـُ ْق َ‬
‫وهلذا يطلق على املعدول به عن َسنَن القیاس اسم املخصوص من القیاس‬
‫ابلنص(‪.)3‬‬
‫حمصورا يف‬
‫ً‬ ‫أما االجتهاد االستثنائي فإن موجب خروجه أعم من أن يكون‬
‫النص أو األثر‪ ،‬بل جيوز أن خيرج عن حكم األصل أبي دلیل معترب‪.‬‬

‫بوسي احلنفي‬
‫(‪ )1‬تقومي األدلة يف أصول الفقه‪ ،‬ص‪ ، ،284‬أليب زيد عبید هللا بن عمر بن عیسى ال ّد ّ‬
‫(ت‪430:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬خلیل حمیي الدين املیس‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪/‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬اجلامع ملسائل أصول الفقه وتطبیقاهتا على املذهب الراجح‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬عبد الكرمي بن علي بن حممد النملة‪،‬‬
‫مكتبة الرشد‪ ،‬الرًيض ـ اململكة العربیة السعودية‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬هـ ‪ 2000 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪.178/1 ،‬‬
‫‪-307-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫حجية االجتهاد االستثنائي‬
‫يعترب االجتهاد وفق أصول االستثناء من أدق وجوه االجتهاد وأخطرها ش ًان؛‬
‫وذلك ألنه ال يعمل يف منطقة الفراغ التشريعي‪ ،‬وغیاب الشواهد النصیّة‪ ،‬وإمنا‬
‫جمال عمله هو األحكام اليت تقررت على خلفیة من النصوص(‪.)1‬‬
‫وإذا كان األصولیون مل يـُنَ ِظّروا ألصول االجتهاد االستثنائى كما نَظَُّروا ألصول‬
‫أصوال‬
‫االستنباط والفهم فإن ممارستهم العملیة هلذا النوع من االجتهاد أفرزت ً‬
‫وقواعد يستند إلیها اجملتهد يف ممارسته لتطبیق احلكم وتنزيله‪ ،‬وهذه األصول‬
‫والقواعد تتناسب يف مضموهنا وطبیعتها مع الطبیعة العملیة لالجتهاد االستثنائي‪،‬‬
‫إذ يقوم هذا االجتهاد على النظر يف احلكم‪ ،‬وكیفیة حتقیق مناطه يف الواقع‪ ،‬وحتقیق‬
‫املقصد الشرعي منه‪ ،‬وكذلك النظر يف النتائج املستقبلیة‪ ،‬واآلاثر املتوقع حصوهلا‬
‫من تطبیق احلكم وتنزيله‪ ،‬والبحث يف احللول واملعاجلات اليت ميكن للمجتهد أن‬
‫يلج إلیها عند حدوث مشاكل تعرتض تنزيل احلكم الشرعى‪.‬‬
‫واألدلة على مشروعیة هذا النوع من االجتهاد كثرية ومتنوعة‪ ،‬فالتشريع‬
‫كتااب وسنة ـ يرشد إىل هذه اخلطة التشريعیة اليت تقوم على االستثناء‪،‬‬ ‫اإلسالمي ـ ً‬
‫ومن يت مل نصوص القران الكرمي وسنة النيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬جيد العديد‬
‫من النصوص اليت تدعو إىل أن يكون تنزيل األحكام على حنو متبصر راشد حمقق‬
‫لغاًيت املشرع ومتوافق مع مقاصد التشريع‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أدلة مشروعية االجتهاد االستثنائي من القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫ً‬
‫‪ 1‬ـ األحكام والتشريعات الواردة يف بعض اآلًيت الناسخة واملنسوخة‪ :‬تعترب اآلًيت‬
‫دلیال على مشروعیة‬ ‫اليت قال الكثري من املفسرين عنها إهنا انسخة أو منسوخة ً‬

‫(‪ ) 1‬االجتهاد ابلرأي يف عصر اخلالفة الراشدة ـ دراسة حتلیلیة يف أصول سیاسة التشريع ومقاصده واترخيه‪،‬‬
‫ص‪ ،430‬د‪/‬عبد الرمحن بن معمر السنوسي‪ ،‬جملة الوعي اإلسالمي‪ ،‬اإلصدار ‪ ،21‬وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمیة ـ الكويت‪ ،‬ط‪1432 ،1‬ه‪2011/‬م‪.‬‬
‫‪-308-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫هذا النمط من االجتهاد؛ ألن احلكمة من وقوع النسخ هي حتقیق مصاحل الناس‪،‬‬
‫ورفع احلرج املرتتب على احلكم املنسوخ‪ ،‬أي‪ :‬مبعىن اَخر مراعاة ظروفهم العامة منها‬
‫واخلاصة(‪.)1‬‬
‫يقول األستاذ حممد مصطفى شليب‪" :‬أما النسخ فإن احلكم املنسوخ جاء يف‬
‫ٍ‬
‫ملصلحة خاصة‪ ،‬فلما تبدلت تبدل احلكم"(‪.)2‬‬ ‫حالة خاصة‪ ،‬و‬ ‫ٍ‬
‫إن النسخ قد راعى فیه الشارع احلكیم ظروف العباد أثناء التشريع‪ ،‬فكان‬
‫ظرف ما‪ ،‬مث إذا ما تغري الظرف رفعه‪ ،‬ونسخه حبكم آخر‬ ‫يشرع حكما معینًّا يف ٍ‬
‫ً‬
‫مراعا ًة ملصاحل العباد‪ ،‬أو إلرادة اخلري هلم‪ ،‬وهذا يعين أن الشارع أراد من اجملتهد أن‬
‫حكما معینًّا يف‬
‫يراعي مصاحل العباد أثناء تنزيل احلكم الشرعي‪ ،‬وأنه إذا رأي أن ً‬
‫ظرف ما مل حيقق املصلحة اليت ُش ِرع من أجلها فعلیه أن يلج إىل االجتهاد‬ ‫ٍ‬
‫أتجیال‪ ،‬أو إيقافًا؛ كي يبقى املنطق التشريعي‬
‫تعديال‪ ،‬أو تغی ًريا‪ ،‬أو ً‬
‫االستثنائي ـ ـ ً‬
‫متس ًقا يف استجالب املصاحل ودرء املضار واملفاسد‪ ،‬وتسلم الوحدة التشريعیة من‬
‫التهافت واالختالف‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬آًيت الصرب‪ ،‬والصفح‪ ،‬والعفو‪ ،‬واإلعراض عن املشركني‪ ،‬وحنو ذلك مما قال فیه‬
‫كثري من املفسرين‪ :‬إهنا منسوخة آبية السیف يف قوله –تعاىل‪ :‬ﱡ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜﲝﱠ(‪.)3‬‬
‫واحلق أن هذه اآلًيت هلا جمال ووقت معني‪ ،‬وآية السیف هلا وقت وجمال‬
‫آخر‪ ،‬فاألمر هنا لیس من ابب النسخ‪ ،‬وإمنا هو مبىن على سبب يرتفع ابرتفاعه‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أثر الظرف يف تغیري األحكام الشرعیة‪ ،‬ص ‪ ،160‬خللیل حممود نعراين‪ ،‬دار ابن اجلوزي‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪2006/1427 ،1‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬تعلیل األحكام عرض وحتلیل لطريقة التعلیل وتطوراهتا يف عصور االجتهاد والتقلید‪ ،‬ص‪،307‬‬
‫لألستاذ حممد مصطفى شليب‪ ،‬دار النهضة العربیة للطباعة والنشر بريوت ـ ـ ـ لبنان‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة التوبة‪ :‬جزء من اآلية ‪.5‬‬
‫‪-309-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫ويعود بعوده‪ ،‬وهو ما ذكره اإلمام الزركشي(‪ )1‬يف بیان النوع الثالث من أنواع‬
‫النسخ‪ ،‬قال ‪-‬رمحه هللا ‪" :‬الثالث ما أمر به لسبب‪ ،‬مث يزول السبب‪ ،‬كاألمر حني‬
‫الضعف والقلة ابلصرب‪ ،‬وابملغفرة للذين يرجون لقاء هللا (‪ ،)2‬وحنوه من عدم إجياب‬
‫األمر ابملعروف والنهى عن املنكر واجلهاد وحنوها‪ ،‬مث نسخه إجياب ذلك"‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫سءٌ‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪ :‬ﱡ ﱆ ﱇ ﱠ(‪،)3‬‬ ‫"وهذا لیس بنسخ يف احلقیقة‪ ،‬وإمنا هو نَ ْ‬
‫فاملْن َس ُ هو األمر ابلقتال إىل أن يقوى املسلمون‪ ،‬وىف حال الضعف يكون احلكم‬
‫ُ‬
‫الصرب على األذى"(‪.)4‬‬
‫فاآلًيت اآلمرة ابلتخفیف كما ذكر الزركشي ـ ـ لیست منسوخة آبية السیف‪،‬‬
‫توجب‬ ‫وقت ما ٍ‬
‫لعلة‬ ‫بل هي من املْنس ‪ ،‬مبعىن‪ :‬أن كل أمر ورد جيب امتثاله يف ٍ‬
‫ُ‬ ‫َُ‬
‫ذلك احلكم‪ ،‬مث ينتقل ابنتقال تلك العلة إىل حكم آخر‪ ،‬وأما النسخ فهو اإلزالة‪،‬‬
‫أبدا(‪.)5‬‬
‫حىت ال جيوز امتثاله ً‬
‫‪ -2‬اآلًيت اليت تدعو إىل أن يكون تطبیق األحكام الشرعیة حمققا لغاًيت‬
‫املشرع‪ ،‬ومتوافقا مع مقاصد التشريع‪ ،‬فقدت وردت العديد من اآلًيت اليت‬
‫تتضمن املنع من بعض األفعال‪ ،‬مع أهنا قد تكون مشروعة ومباحة يف األصل؛‬

‫(‪ ) 1‬هو‪ :‬حممد بن عبد هللا بن هبادر‪ ،‬اإلمام العامل العالمة املصنف احملرر‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬أبو عبد هللا املصري‬
‫البلقیين‪ ،‬كان فقیها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األذرعي‪ ،‬والسراج‬
‫ّ‬ ‫اإلسنوي‪ ،‬ومغلطاي‪ ،‬وابن كثري و‬
‫ّ‬ ‫كشي الشافعي‪ ،‬أخذ عن‬ ‫الزر ّ‬
‫ودرس وأفىت‪ ،‬وله تصانیف كثرية يف عدة فنون‪ ،‬منها‪« :‬الربهان يف علوم القرآن»‪،‬‬ ‫مفسرا‪ ،‬أديبا‪ّ ،‬‬
‫أصولیا‪ّ ،‬‬
‫افعي»‪ ،‬تويف سنة ‪794‬ه‪ ،‬انظر ترمجته‬ ‫و«القواعد يف الفقه»‪ ،‬و«أحكام املساجد» و«ختريج أحاديث الر ّ‬
‫يف‪ :‬طبقات املفسرين‪ ،‬للداوودي‪.162/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل اآلية (‪ )14‬من سورة اجلاثیة‪ ،‬ونصها‪ :‬ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌ ﱍ ﱎﱠ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة‪ :‬جزء من اآلية (‪.)106‬‬
‫(‪ )4‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،42/2 ،‬لإلمام بدر الدين حممد بن عبد هللا الزركشي‪ ،‬حتقیق‪ :‬حممد أبو‬
‫الفضل إبراهیم‪ ،‬مكتبة دار الرتاث ـ ـ ـ القاهرة‪ ،‬ط‪1404 ،3‬ه‪1984/‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪-310-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫نظرا ملا تؤدي إلیه من الوقوع يف حمظور‪ ،‬فهذه اآلًيت تبني حجیة هذا النوع من‬ ‫ً‬
‫االجتهاد؛ ألن األساس الذي يقوم علیه االجتهاد االستثنائي هو الرتجیح بني‬
‫ظاهر الدلیل الشرعي وما يتضمنه من حكم‪ ،‬وبني ما ينتج عن تنزيل هذا احلكم‬
‫على حمله من مصاحل أو مفاسد‪ ،‬وضرورة أن يبذل اجملتهد ُو ْسعه يف دراسة املآالت‬
‫والنتائج قبل تنزيل احلكم‪ ،‬فإذا تبني له‪ ،‬أو غلب على ظنه أن تنزيل احلكم على‬
‫الواقعة يئول إىل حتقیق املقصد الشرعي منه‪ ،‬وأن اآلاثر املتوقع حصوهلا من هذا‬
‫استنادا‬
‫ً‬ ‫التنزيل تالئم ذلك املقصد وتتطابق معه؛ أقدم على تنزيل احلكم وتطبیقه؛‬
‫إىل سالمة املآل وصالحه‪ ،‬وأما إذا غلب على ظنه أن تنزيل احلكم يئول إىل‬
‫مناقضة مقصده الشرعي‪ ،‬وأن اآلاثر املتوقع حصوهلا من تنزيله تتناىف مع هذا‬
‫استنادا إىل مآله الفاسد وآاثره املنافیة ملقصد‬
‫ً‬ ‫املقصد عُ ِدل عن هذا التنزيل؛‬
‫الشارع‪ ،‬ومن هذه اآلًيت‪:‬‬
‫تعايل‪:‬ﱡ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫أ ـ ـ قوله‬
‫ﲧ ﱠ(‪.)1‬‬
‫وجه االستشهاد‪ :‬أن هللا ‪-‬تعاىل‪ -‬هنى رسوله ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪-‬‬
‫سب آهلة املشركني‪ ،‬وإن كان فیه مصلحة؛ ألنه يرتتب علیه مفسدة‪،‬‬ ‫واملؤمنني عن ِّ‬
‫بسب إله املؤمنني‪ ،‬وهو هللا الذي ال إله إال هو؛ فمنع هللا‬
‫وهي مقابلة املشركني ّ‬
‫جائزا يؤدى إىل حمظور(‪.)2‬‬
‫فعال ً‬ ‫أحدا أن يفعل ً‬
‫تعايل يف كتابه ً‬
‫األصل يف سب آهلة املشركني هو املشروعیة واجلواز‪ ،‬وذلك ملا فیه من توهني‬
‫أمر املشركني‪ ،‬وإهانة آهلتهم‪ ،‬وإظهار عزة املؤمنني وقوهتم‪ ،‬غري أن هذا األصل‬
‫املشروع مل أيذن الشارع بتطبیقه؛ ملا فیه من نتائج تتعارض مع مقصد الشارع من‬

‫(‪ )1‬سورة األنعام‪ :‬جزء من اآلية ‪.108‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسري القرآن العظیم‪ ،132/6 ،‬لعماد الدين أيب الفداء إمساعیل بن كثري الدمشقي‬
‫(ت‪774:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬مصطفى السید حممد‪ ،‬وحممد السید رشاد وجمموعة من العلماء‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪،‬‬
‫اجلیزة ـ ـ مصر‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ه‪2000/‬م‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬البن العريب‪.265/2 ،‬‬
‫‪-311-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫أصل مشروعیة هذا احلكم‪ ،‬وذلك من جهة ما سیفضي إلیه من محل املشركني‬
‫جهال وعدو ًاان‪ ،‬وهي مفسدة تربو بكثري على‬ ‫سب هللا ـ ـ سبحانه وتعاىل ـ ـ ً‬‫على ّ‬
‫املصلحة اليت يرجي حتقیقها من هذا الفعل‪ ،‬وهذا تنبیه على املنع من الفعل اجلائز؛‬
‫لئال يكون سببًا يف فعل ما ال جيوز(‪.)1‬‬
‫فهذه اآلية تبني ضرورة الوعي بنتائج التطبیق والتحقق من مدى توافق احلكم‬
‫عند تطبیقه مع املصلحة اليت ُش ِرع من أجلها‪ ،‬يقول اإلمام القرطيب‪" :‬هذه اآلية‬
‫حق له إذا أدى إىل ضرر‬ ‫ف عن ٍّ‬ ‫ودلیل على أن امل ِح َّق قد ي ُك ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ضرب من املوادعة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫(‪)2‬‬
‫اقعا‪،‬‬
‫نظرا وو ً‬
‫يكون يف الدين ‪ ،‬وهذا يبني أمهیة أن يتحرى اجملتهد قصد الشارع ً‬
‫وأن ال يقف عند جمرد احلكم األصلي‪ ،‬حىت ينظر يف النتائج املرتتبة على احلكم‬
‫املراد تنزيله يف الواقع؛ وذلك حىت ال يؤدي التجريد النظري إىل عكس مراد‬
‫الشارع؛ فیؤدي إىل الفساد بدل الصالح‪ ،‬وإىل الضرر بدل املنفعة‪.‬‬
‫‪-‬تعاىل‪ :‬ﱡﲥ‬ ‫ب ‪ -‬قوله ‪-‬تعاىل‪ :‬ﱡ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱠ(‪ ،)3‬وقوله‬
‫ﲦﲧﲨﲩﲪﱠ(‪.)4‬‬
‫وجه االستشهاد‪ :‬أن هللا ـ ـ عز وجل ـ ـ هنى عن إمساك الزوجة وعضلها بقصد‬
‫املضارة‪ ،‬ف مر هللا ‪-‬تعاىل‪ -‬الزوج ابإلمساك ابملعروف‪ ،‬وهناه عن مضارهتا بتطويل‬
‫ب وقت انقضاء‬ ‫العدة علیها كما كانت تفعل اجلاهلیة من طالق املرأة‪ ،‬حىت إذا قَـ ُر َ‬
‫عدهتا راجعها ال عن حاجة وال حملبة‪ ،‬ولكن لقصد تطويل العدة وتوسیع مدة‬
‫االنتظار‪ ،‬أو إلجلائها إىل اخللع وأن تفتدي نفسها من الزوج ببعض ماهلا(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪.5/5،‬‬


‫(‪ )2‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطيب‪.492/8 ،‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة‪ :‬جزء من اآلية ‪.231‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء‪ :‬جزء من اآلية ‪.19‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬أحكام القرآن‪ ،‬للكیا اهلراسي‪ ،183/1 ،‬مفاتیح الغیب‪ ،118/6 ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪،‬‬
‫‪ ،51/4‬فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري‪.422/1 ،‬‬
‫‪-312-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫مندوب إىل املراجعة‪ ،‬ولكن إذا قصد اإلصالح‬ ‫ٌ‬ ‫الرجل‬


‫يقول القرطيب‪ُ " :‬‬
‫إبصالح حاله معها‪ ،‬وإزالة الوحشة بینهما‪ ،‬ف ما إذا قصد اإلضرار وتطويل العدة‬
‫فم َحّرم"(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫والقطع هبا عن اخلالص من ربْقة النكاح ُ‬
‫فاآلية الكرمية دلت على منع التحايل على الشريعة اإلسالمیة‪ ،‬وعلى منع‬
‫الفعل املباح إذا إىل أفضى إىل نتائج مضادة ملا حتراه الشارع من املقاصد والغاًيت‪،‬‬
‫فالرجعة ‪-‬وإن كانت مشروعة‪ -‬ال حتل ملن قصد هبا اإلضرار‪.‬‬
‫فهذه اآلًيت والتشريعات الواردة يف القرآن الكرمي وأمثاهلا كثري تدل داللة‬
‫ظاهرة على جواز االستثناء والعدول عن األصل العام‪ ،‬بناءً على موجبات املصلحة‬
‫الشرعیة‪ ،‬ومقتضیات التیسري ورفع احلرج عن الفرد واجملتمع واألمة‪ ،‬وهذا العمل‬
‫عمال ابهلوى والتشهي‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫افتئاات على الشرع‪ ،‬وال ً‬
‫الذي يقوم به اجملتهد لیس ً‬
‫تتبع لسنن الشارع يف طريقة تقريره لألحكام الشرعیة كما بَـیَّـْنت(‪.)2‬‬
‫اثنيًا‪ :‬أدلة مشروعية االجتهاد االستثنائي من السنة النبوية‪:‬‬
‫‪ -1‬التشريعات و التوجيهات الواردة يف السنة‪ ،‬املتضمنة ترك األمر املباح‪ ،‬أو‬
‫املنع منه والنهي عنه حتقی ًقا للمصلحة‪ ،‬أو خشیة الوقوع يف حمظور‪ ،‬وهذه‬
‫التوجیهات النبوية تؤكد على ضرورة أن ينظر اجملتهد إىل مآل احلكم الشرعي عند‬
‫تنزيله يف الواقع‪ ،‬فإذا غلب على ظنه أن تطبیق احلكم يف الواقع سیؤدي إىل‬
‫مقصده الشرعي أمضاه‪ ،‬أما إذا غلب على ظنه أنه ال حيقق مقصده‪ ،‬بل قد‬
‫يفضي إىل مفسدة؛ فإنه يلج إىل اجتهاد استثنائي يتناسب مع الواقع‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫ذلك ما يلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬اجلامع ألحكام القرآن‪.51/4 ،‬‬


‫(‪ ) 2‬انظر‪ :‬نظرية االستحسان عند األصولیني‪ ،‬وإمكانیة التجديد يف التوصیف والتوظیف‪ ،‬حبث مقدم‬
‫لندوة فقه العصر‪ ،‬ومناهج التجديد الديين والفقهي‪ ،‬ص‪ ،14‬أ‪.‬د‪/‬عبد الرمحن الكیالين‪ ،‬وزارة األوقاف‬
‫والشئون الدينیة‪ ،‬سلطنة عمان‪.‬‬
‫‪-313-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫"ال‬
‫أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬امتنع عن قتل املنافقني وعلّل هذا بقوله‪َ :‬‬
‫َّاس أَنَّهُ َكا َن يَـ ْقتُ ُل أ ْ‬
‫َص َحابَهُ"(‪.)1‬‬ ‫يَـتَ َح َّد ُ‬
‫ث الن ُ‬
‫يكف عن قتل‬‫وجه االستشهاد‪ :‬أن النيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬كان ّ‬
‫املنافقني ـ مع ما يف قتلهم من مصلحة التخلص من مكرهم وكیدهم ابملسلمني‪،‬‬
‫ضررا على املسلمني من أعدائهم‬ ‫وبقاء اجملتمع اإلسالمي متماس ًكا؛ ألهنم أكثر ً‬
‫الذين يقاتلوهنم مواجهة؛ لئال يؤول ذلك إىل تنفري الناس من الدخول يف اإلسالم‪،‬‬
‫وتشويه صورة اإلسالم خارج املدينة املنورة عن طريق ترهیب الناس‪ ،‬وختويفهم من‬
‫املصري الذي أصاب بعض األفراد الذين اعتنقوا اإلسالم (يف الظاهر)‪ ،‬فكان‬
‫مصريهم القتل؛ لذلك امتنع النيب ﷺ عن قتلهم؛ ألن مفسدة التنفري أكرب من‬
‫مفسدة ترك قتاهلم‪ ،‬ومصلحة الت لیف أعظم من مصلحة قتلهم‪ ،‬وهذا من ابب‬
‫الرتك للمطلوب‪ ،‬خوفًا من حدوث مفسدة أعظم من مصلحة ذلك املطلوب(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عظیما من‬
‫ً‬ ‫اباب‬
‫ً‬ ‫الكالم‬ ‫هذا‬ ‫يف‬ ‫إن‬ ‫"‬ ‫احلديث‪:‬‬ ‫هذا‬ ‫ح‬ ‫شر‬ ‫يف‬ ‫يقول اخلطايب‬
‫سیاسة أمر الدين والنظر يف عواقب أموره‪ ،‬وذلك أن الناس إمنا يدخلون يف الدين‬
‫ظاهرا‪ ،‬وال سبیل إىل معرفة ما يف نفوسهم‪ ،‬فلو عوقب املنافق على ابطن كفره‬ ‫ً‬
‫سبیال إىل تنفري الناس عن الدخول فیه أبن يقولوا إلخواهنم‪ :‬ما‬ ‫لوجد أعداء الدين ً‬
‫ص ْلتُم يف ك ِّفه وأنتم مؤمنون به وخملصون له‬
‫ؤمنُ ُكم إذا دخلتم يف دين هذا النيب ِ‬
‫وح ّ‬
‫ُ‬
‫يِ‬
‫ُ‬
‫إيل يف أمركم‪ ،‬وجاءين‬
‫أن ي ّدعي علیكم كفر الباطن‪ ،‬وأن يقول لكم‪ :‬قد أوحي ّ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف صحیحه‪ ،184/4 ،‬كتاب املناقب‪ ،‬ابب‪ :‬ما يُنهى من دعوى اجلاهلیة‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)3518‬ومسلم يف صحیحه‪ ،‬ص‪ ،1041‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬ابب‪ :‬نصر األخ ظاملا أو‬
‫ً‬
‫مظلوما‪ ،‬رقم (‪.)2584‬‬
‫ً‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بیان الدلیل على بطالن التحلیل‪ ،‬ص‪ ،257‬إالم املوقعني‪ ،7/5 ،‬املوافقات‪.428/4 ،‬‬
‫فقیها‪ ،‬أديبًا‪ ،‬حمد ًاث‪ ،‬له‬
‫(‪ )3‬هو أبو سلیمان محد بن حممد بن إبراهیم بن اخلطاب البسيت اخلطايب‪ ،‬كان ً‬
‫التصانیف البديعیة منها‪" :‬غريب احلديث"‪ ،‬و"معامل السنن يف شرح سنن أيب داود"‪ ،‬و"أعالم السنن يف‬
‫ت يف شهر‬ ‫شرح البخاري"‪ ،‬و"بیان إعجاز القرآن"‪ ،‬وكتاب "إصالح غلط احملدثني" وغري ذلك‪ ،‬تويف ببُ ْس َ‬
‫ربیع اآلخر‪ ،‬سنة ٍ‬
‫مثان ومثانني وثالثة مائة‪ ،‬انظر ترمجته‪ :‬يف تذكرة احلفاظ‪ ،149/3 ،‬واألعالم‪.273/2 ،‬‬
‫‪-314-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫اخلرب عن سركم أنكم منافقون‪ ،‬فیستبیح بذلك دماءكم وأموالكم‪ ،‬فال تُ ِّ‬
‫غرروا‬
‫أبنفسكم وال تُسلِّموها للهالك؛ فیكون ذلك سببًا لنفور الناس عن الدين وزهادهتم‬
‫فیه"(‪.)1‬‬
‫ففي امتناع النيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬عن قتل املنافقني توجیه إىل ضرورة‬
‫التبصر بنتائج تطبیق األفعال قبل اإلقدام علیها للتحقق من مدى توافقها مع‬
‫مقاصد التشريع‪.‬‬
‫‪ -2‬التشريعات واألحكام الواردة يف السنة استثناء من احلكم العام‪ ،‬واليت‬
‫يكون األخذ هبا رخصة من أجل التیسري والتخفیف على الناس‪ ،‬فهذه األحكام‬
‫والتشريعات ترشد اجملتهد إىل ضرورة مراعاة أحوال الناس وظروفهم وحاجاهتم عند‬
‫تنزيل األحكام الشرعیة يف الواقع‪ ،‬فیحكم بتطبیق احلكم الشرعي على املكلف كما‬
‫هو إذا أفضى إىل حتقیق املصلحة املقصودة منه‪ ،‬أو يلج إىل حكم استثنائي إذا‬
‫أفضى تطبیق احلكم على املكلف كما هو إىل عكس مراد الشارع‪ ،‬فريخص له فیه‬
‫أو مينع منه‪ ،‬ومن تلك التشريعات ما يلي‪:‬‬
‫تیسريا على‬
‫الرتخیص يف بعض املعامالت ـ ـ مع أن ذلك خالف األصل ـ ـ ً‬
‫نظرا؛ ملا يؤول إلیه بقاء احلكم األصلي من احلرج واملشقة على‬
‫ورفعا للحرج ً‬
‫العباد‪ً ،‬‬
‫املكلفني‪ ،‬ومن ذلك إابحة القرض للحاجة‪ ،‬مع أنه يف األصل راب‪ ،‬ووجه ذلك أن‬
‫القرض يتم فیه إعطاء نقود آلخر على أن يردها بعد مدة‪ ،‬وقد حدث تبادل‬
‫مثلیات ربوية مع عدم التقابض يف اجمللس‪ ،‬وهو راب نسیئة حىت ولو مل حتدث زًيدة‬
‫علیه‪ ،‬ولكن الشارع أابح القرض ملعىن اإلحسان فیه‪ ،‬وتوسعة على الناس‪ ،‬وهذا‬
‫استثناء من الشارع هلذا النوع من التعامل مع أن التبادل يتم يف أموال ربوية‪ ،‬فقد‬

‫(‪ )1‬أعالم احلديث (شرح صحیح البخاري)‪ ،1586/3 ،‬أليب سلیمان محد بن حممد اخلطايب‬
‫(ت‪388:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬حممد بن سعد بن عبد الرمحن آل سعود‪ ،‬جامعة أم القرى (مركز البحوث‬
‫العلمیة وإحیاء الرتاث اإلسالمي)‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬ط‪1409 ،1‬ه‪1988/‬م‪.‬‬
‫‪-315-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫ف ِم ْن َر ُج ٍل‬ ‫استَ ْسلَ َ‬


‫روي عن أيب رافع أن الرسول ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ْ -‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الر ُجل‬ ‫ض َي َّ‬ ‫الص َدقَة‪ ،‬فََمر أَاب رافِع أَ ْن يـ ْق ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ت َعلَْیه إِبِل ِمن إِبِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫بكْرا(‪ ،)2‬فَـ َق ِ‬
‫د‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ٌ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بَكَْره ‪ ،‬وقال ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪َ " :‬ما م ْن ُم ْسل ٍم يُـ ْق ِر ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ضا َم َّرتَـ ْني‬
‫ض ُم ْسل ًما قَـ ْر ً‬
‫ص َدقَتِ َها َم َّرة"(‪.)4‬‬‫إَِال َكان َك َ‬
‫وجه االستشهاد‪ :‬جواز القرض ـ ـ وهو بیع الدرهم ابلدرهم إىل أجل ـ ـ مع أنه‬
‫راب يف األصل‪ ،‬يقول الشاطيب‪" :‬أُبیح الدرهم ابلدرهم إىل أجل للحاجة املاسة‬
‫للمقرض‪ ،‬والتوسعة على العباد"(‪.)5‬‬
‫فهذه األحكام والتشريعات النبوية وغريها كثري تؤصل ملشروعیة االجتهاد‬
‫االستثنائي الذي يعمل على حتقیق املواءمة‪ ،‬أو درء التعارض بني ما يقتضیه الواقع‪،‬‬
‫وما يقتضیه االلتزام ابألحكام الشرعیة‪ ،‬وكذلك دفع الضرر الناشئ عن تطبیق‬

‫ف ِيف امسه‪ ،‬فقیل‪ :‬أسلم‪ ،‬وقیل‪ :‬إبراهیم‪،‬‬ ‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو رافع موىل رسول هللا ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ِ ،‬‬
‫اختُل َ‬
‫ْ‬
‫وقیل‪ :‬صاحل‪ ،‬قال ابن عبد الربّ‪ :‬أشهر ما قیل يف امسه أسلم‪ ،‬وقیل كان موىل العباس بن عبد املطلب‪،‬‬
‫بشره إبسالم العباس بن عبد املطلب‪ ،‬واحملفوظ أنه أسلم ملا‬ ‫للنيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ ،‬ف عتقه ملا ّ‬
‫فوهبه ّ‬
‫بشر العباس أب ّن النيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬انتصر على أهل خیرب‪ ،‬وكان إسالمه قبل بدر ومل يشهدها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أحدا وما بعدها‪ ،‬تويف ابملدينة قبل عثمان بیسري أو بعده‪ ،‬انظر ترمجته يف‪ :‬اإلصابة يف متییز‬ ‫وشهد ً‬
‫الصحابة‪.112/7 ،‬‬
‫الفيت من اإلبل‪ ،‬فهو مبنزلة الغالم‪ ،‬انظر‪ :‬غريب احلديث‪ ،84/1 ،‬أليب الفرج عبد‬ ‫(‪ )2‬البَكُْر ابلفتح‪ُّ :‬‬
‫الرمحن بن علي بن حممد بن علي بن اجلوزي (ت‪597 :‬ه)‪ ،‬وثق أصوله وعلق علیه‪ :‬د‪/‬عبد املعطي أمني‬
‫قلعجي‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ ـ لبنان‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪2004/‬م‪.‬‬
‫خريا منه‪،‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم يف صحیحه‪ ،‬ص‪ ،653‬كتاب املساقاة‪ ،‬ابب‪ :‬من استسلف شیئًا فقضى ُ‬
‫رقم(‪.)1600‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجة يف سننه‪ ،812/2 ،‬كتاب الصدقات‪ ،‬ابب‪ :‬القرض‪ ،‬رقم(‪ ،)2430‬والصنعاين يف‬
‫وصوب الدارقطين‬ ‫ٍ‬
‫فتح الغفار‪ ،1221/3 ،‬رقم(‪ ،)3716‬وقال‪ :‬رواه ابن ماجة إبسناد ال يقوم به حجة‪ّ ،‬‬
‫مرفوعا وموقوفًا‪.‬‬
‫وقفه‪ ،‬وأخرجه ابن حبان يف صحیحه‪ ،‬والبیهقي ً‬
‫(‪ )5‬املوافقات‪.58/3 ،‬‬
‫‪-316-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫تعديال‪ ،‬أو‬
‫تغیريا‪ ،‬أو ً‬‫عموم احلكم يف الظروف املختلفة عن طريق مراجعة احلكم ً‬
‫إلغاءً؛ لتحقیق أقصى ما ميكن من املصاحل‪ ،‬ودرء أقصى ما ميكن من املفاسد‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وال يقلل من سالمة االستدالل هبذه األدلة أن العلماء يسوقوهنا للداللة‬
‫على حجیة االستحسان‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬واعتبار املآالت؛ ذلك أن مجیع هذه‬
‫املناهج هي من األصول التشريعیة املنهجیة لالجتهاد االستثنائي‪.‬‬

‫‪-317-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫املبحث الثالث‬
‫ضوابط االجتهاد االستثنائي‬
‫نظًرا خلطورة هذا االجتهاد وأمهیته فإنه يتوجب بیان الضوابط واملعايري اليت‬
‫البد للمجتهد منها عند نظره يف املس لة حمل احلكم وواقعها‪ ،‬ومن خالهلا يستطیع‬
‫يؤجل‪ ،‬أو يـُ َعلَّق تطبیقه‪ ،‬ومىت يـُ َع َّمم احلكم‬
‫أن حيدد مىت يُطبَّق احلكم الشرعي ومىت َّ‬
‫صص عمومه أو يـُ َقیَّد إطالقه‪ ،‬فیستثىن منه بعض‬ ‫الشرعي على أفراده‪ ،‬ومىت ُخيَ َّ‬
‫األفراد ملوجب خاص يقتضي هذا العدول واالستثناء؛ حىت يكون هذا االجتهاد‬
‫بعیدا عن اتباع اهلوى‪.‬‬‫خادما ملقاصد الشريعة‪ ،‬وحم ّق ًقا ألهدافها وغاًيهتا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫فاالجتهاد االستثنائي حيتاج إىل بصرية‪ ،‬ودقّة‪ ،‬واستشراف للمستقبل‪ ،‬وتقدير‬
‫ملآالت األمور‪ ،‬وحيتاج كذلك إىل إدراك حقائق األمور وتفاصیلها‪ ،‬وإحاطة‬
‫حتتف ببعض الوقائع واألعیان‪ ،‬وسیكون احلديث‬ ‫ابلظروف واألحوال اخلاصة اليت ّ‬
‫يف هذا املبحث حول أهم هذه الضوابط اليت تس ّدد عملیة االجتهاد االستثنائي‪،‬‬
‫وتشكل يف حمصلتها مثرة كلیة‪ ،‬هي احلفاظ على املقاصد الكلیة يف تشريع‬
‫األحكام‪.‬‬
‫الضابط األول‪ :‬التصور الصحيح التام للواقعة ومعرفة حقيقتها‪:‬‬
‫اتفقت كلمة العلماء على ضرورة معرفة الواقع والفقه فیه ملن أراد الفتیا أو‬
‫القضاء‪ ،‬فالفقیه احلق البد أن يكون واقعیًّا‪ ،‬يعرف الواقع وال جيهله‪ ،‬يلتفت إلیه‬
‫وال يلتفت عنه‪ ،‬يُعمله وال يُهمله‪ ،‬يبين علیه وال يبين يف فراغ(‪.)1‬‬
‫وملا كانت الواقعة هي احملل الذي سیتنزل علیه احلكم فالبد من معرفة ماهیتها‬
‫واستكناه حقیقتها‪ ،‬مث حترير الوصف الشرعي املناسب هلا؛ لبیان ما تقتضیه من‬
‫حكم‪ ،‬يقول الشیخ عبد الرمحن السعدي‪" :‬مجیع املسائل اليت حتدث يف كل وقت‪،‬‬

‫(‪ )1‬االجتهاد النص‪ ،‬الواقع‪ ،‬املصلحة‪ ،‬ص‪ ،50‬أ‪.‬د‪/‬أمحد الريسوين‪ ،‬دار الكلمة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫ط‪1435 ،1‬ه‪2014/‬م‪.‬‬
‫‪-318-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫سواء حدثت أجناسها أو أفرادها جيب أن تتصور قبل أي شيء‪ ،‬فإذا عُ ِرفت‬
‫اتما بذاهتا‬ ‫صحیحا ًّ‬ ‫تصورا‬ ‫ت صفاهتا‪ ،‬وتصورها اإلنسان‬ ‫حقیقتها‪ِ ُ ،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫صْ‬‫وش ّخ َ‬
‫ت على نصوص الشرع وأصوله الكلیة"(‪.)1‬‬ ‫ومقدماهتا ونتائجها طُبِّ َق ْ‬
‫ومن هنا تتضح حاجة الفقیه إىل دراسة واقع احلیاة حيت يكون رأيه يف إنزال‬
‫الشريعة على الواقع مبنیًا على أساس سلیم‪ ،‬وهلذا فإن من اخلط أن ينظر اجملتهد‬
‫جمردا عن الواقع والعرف والعادة‪ ،‬فیعمم األحكام دون أن يراعي‬ ‫نظرا ً‬
‫إىل املس لة ً‬
‫نوعا من التقیید والتخصیص‪ ،‬ولقد نبه ابن القیم إىل‬ ‫األعراف اليت قد تستدعي ً‬
‫أبدا جتيء‬ ‫خطورة هذا املنهج يف التعامل مع األحكام الشرعیة بقوله‪" :‬وعلى هذا ً‬
‫فاعتربه‪ ،‬ومهما سقط ف لْغِ ِه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الفتاوى يف طول األًيم‪ ،‬فمهما جتدد يف العُْرف شيء‬
‫رجل من غري إقلیمك‬ ‫طول عمرك‪ ،‬بل إذا جاءك ٌ‬ ‫وال جتمد على املنقول يف الكتب َ‬
‫وس ْله عن عرف بلده‪ ،‬ف ْج ِرهِ علیه‪ ،‬وأفْتِ ِه به‪،‬‬
‫يستفتیك فال ُْجت ِرهِ على عُْرف بلدك‪َ ،‬‬
‫اجلمود على‬ ‫دون عرف بلدك واملذكور يف كتبك‪ ،...‬فهذا هو احلق الواضح‪ ،‬و ُ‬
‫وجهل مبقاصد علماء املسلمني والسلف‬ ‫ٌ‬ ‫ضالل يف الدين‬ ‫ٌ‬ ‫أبدا‬
‫املنقوالت ً‬
‫املاضني"(‪.)2‬‬
‫والبد من التنبیه يف هذا السیاق إىل أن تغري العرف واختالف األحوال‬
‫واملالبسات احملیطة ابلواقعة اليت سیطبق علیها احلكم قد جعل هلا طبیعة جديدة‬
‫تبصر هبا‬ ‫ختتلف عنها فیما لو كانت ذات الواقعة عريّة عن تلك املالبسات اليت َّ‬
‫الفقیه نتیجةً لفقهه ابلواقع وإحاطته بدقائقه وتفصیالته‪ ،‬وهذا التغري الذي طرأ‬
‫على الواقعة هو الذي أوجب التغري يف احلكم‪ ،‬وهذا التغري يف األحكام ال يـُ َع ّد‬
‫نسخا للشريعة؛ ألن األحكام يف حقیقتها ابقیة وإمنا الذي‬ ‫تبديال وال ً‬ ‫تغیريا وال ً‬
‫ً‬
‫افرا فیه شروط التطبیق فطُبِّق حكم‬ ‫تغري حملّها الذي تنزل علیه؛ إذ إنه مل يعد متو ً‬
‫(‪ )1‬الفتاوى السعدية‪ ،‬ص‪ ،190‬للشیخ عبد الرمحن السعدي‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرًيض ـ السعودية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1402‬ه‪1982/‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬إعالم املوقعني‪.470/4 ،‬‬
‫‪-319-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫آخر علیه‪ ،‬ومن هنا فإن الفقه اإلسالمي يتجدد‪ ،‬وال جيمد‪ ،‬حیث أيخذ كل واقعة‬
‫خبصوصها‪ ،‬فیدخلها حتت حكمها الشرعي‪ ،‬حسب حتقیق مناطها‪ ،‬فإن جاء‬
‫ت‬‫وتغري حتقیق مناطها‪ُ ،‬و ِض َع ْ‬ ‫زمان آخر وجتددت تلك الواقعة على صورةٍ أخرى‪ّ ،‬‬
‫حتت حكمها اخلاص هبا وهكذا(‪ ،)1‬وهذا الفهم هو ما متثله اإلمام أبو زيد‬
‫القريواين(‪ )2‬حني سقط حائط داره وكان خياف على نفسه من الشیعة‪ ،‬فاختذ كلبًا‬
‫ب إال لثالثة أشیاء‪،‬‬ ‫ك نَـهى َعن ِّاختَ ِاذ الْ ِك َال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف تَـتَّخ ُذهُ َوَمال ٌ َ ْ‬
‫للحراسة‪ ،‬فقیل له‪َ :‬كْی َ‬
‫وهي أن يكون‪ :‬كلب ماشیة‪ ،‬أو زرٍع‪ ،‬أوصید؟ فَـ َق َال‪ :‬لَ ْو أ َْد َرَك َمالِ ٌ‬
‫ك َزَمانَـنَا َِال َّختَ َذ‬
‫ضا ِرًًي(‪.)3‬‬
‫َس ًدا َ‬
‫أَ‬
‫فواقعة اختاذ الكلب يف زمان أيب زيد القريواين وما حصل فیه من فقدان‬
‫لألمن وخوف على األنفس واألموال هي يف حقیقتها وطبیعتها ومكوانهتا غري‬
‫واقعة اختاذ الكلب يف زمان اإلمام مالك‪ ،‬حیث مل يكن هناك ما يوجب ذلك؛‬
‫أثرا(‪.)4‬‬
‫وعلیه فال يصح تطبیق حكم واحد على واقعتني خمتلفتني طبیعةً و ً‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الوجیز يف أصول الفقه‪ ،‬ص‪ ،205‬د‪/‬عبد الكرمي زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة انشرون‪ ،‬بريوت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1430 ،1‬ه‪2009/‬م‪ ،‬والتطبیق املقاصدي لألحكام الشرعیة‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬عبد احلمن الكیالين‪،‬‬
‫ص‪.19‬‬
‫حممد عبد هللا بن أبو زيد عبد الرمحن القريواين‪ ،‬الفقیه‪ ،‬النظار‪ ،‬احلافظ‪ ،‬احلجة‪ ،‬إمام املالكیة‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو َّ‬
‫يف وقته‪ ،‬كان واسع العلم‪ ،‬كثري احلفظ والرواية‪ ،‬من كتبه‪ :‬النوادر والزًيدات على املدونة‪ ،‬وكتاب خمتصر‬
‫املدونة‪ ،‬واالقتداء أبهل املدينة وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪ 386‬ه‪ ،‬انظر ترمجته يف‪ :‬الديباج املذهب‪،427/1 ،‬‬
‫شجرة النور الذكیة يف طبقات املالكیة‪.144/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،556/2 ،‬ألمحد بن غنیم بن سامل بن مهنا‬
‫النفراوي األزهري املالكي (ت‪1126:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬عبد الوارث حممد علي‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪1997/‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬التطبیق املقاصدي لألحكام الشرعیة‪ ،‬للكیالين‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪-320-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫الضابط الثاين‪ :‬مراعاة اختالف أحوال املكلفني‪:‬‬


‫ص ُد برعاية أحوال املكلفني‪ :‬النظر إىل ما هو أرفق هبم يف مجیع األمور‬ ‫يـُ ْق َ‬
‫كثريا‪ ،‬وفقه أحوال املكلفني على ما ذكره السادة الفقهاء أنفع أنواع‬ ‫يسريا كان أو ً‬ ‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫الفقه؛ ألنه يف كل نفس مراقب ما حكم هللا علیه ‪.‬‬
‫فالنظر العام يف النصوص ونقلها‪ ،‬مث تنزيلها على الواقع دون اعتبا ٍر‬
‫خلصوصیات أشخاص املكلفني‪ ،‬أو خصوصیات أفعاهلم غري جائز؛ جملافاته للعدل‬
‫واملصلحة‪ ،‬ويف هذا املعىن يقول اإلمام الشاطيب ‪" :‬إن هذه املرتبة يلزمها إذا مل يعترب‬
‫اخلصوصیات أال يعترب حما ّهلا‪ ،‬وهي أفعال املكلفني‪ ،‬بل كما ُجيري الكلیات يف كل‬
‫جزئیة على اإلطالق يلزمه أن ُجيريها يف كل مكلف على اإلطالق من غري اعتبار‬
‫خبصوصیاهتم‪ ،‬وهذا ال يصح كذلك على ما استمر علیه الفهم يف مقاصد الشارع‪،‬‬
‫فال يصح مع هذا إال اعتبار خصوصیات األدلة‪ ،‬فصاحب هذه املرتبة ال ميكنه‬
‫التنزل إىل ما تقتضیه رتبة اجملتهد‪ ،‬فال يستقیم مع هذا أن يكون من أهل‬
‫االجتهاد"(‪.)2‬‬
‫اقعة معینة حبكم‬‫فلیس من املعقول وال من املقبول شرعا أن ُحي َكم على و ٍ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫أتثريا يف نتائج‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬مهما اختلفت ظروفها ومالبساهتا؛ ذلك ألن هلذه الظروف ً‬
‫شرعا تطبیق احلكم املناسب لكل شخص على حدة يف ضوء‬ ‫التطبیق‪ ،‬فالواجب ً‬
‫خاصا يف حقه؛‬‫حكما ًّ‬ ‫ظروفه اخلاصة‪ ،‬اليت تنهض بدلیل تكلیفي معني‪ ،‬يستدعي ً‬
‫ألن تعمیم احلكم التكلیفي على مجیع املكلفني يفرتض التشابه يف الظروف‪ ،‬وقد‬
‫ال يوجد(‪.)3‬‬

‫(‪ ) 1‬هبجة النفوس وحتلیلها مبعرفة ما هلا وما علیها "شرح خمتصر صحیح البخاري املسمى مجع النهاية يف‬
‫بدء اخلري والغاية"‪ ،55/2 ،‬أليب حممد عبد هللا بن أيب محزة األندلسي (ت‪699:‬ه)‪ ،‬مطبعة الصدق‬
‫اخلريية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1348 ،1‬ه‪.‬‬
‫(‪ )2‬املوافقات‪.529،528/5 ،‬‬
‫(‪ )3‬حبوث مقارنة يف الفقه اإلسالمي وأصوله‪ ،‬د‪/‬فتحي الدريين‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪-321-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫أحیاان‬
‫تبعا لتنوعه‪ ،‬فهو ً‬ ‫فاملكلف متنوع يف اخلطاب الشرعي وتتنوع األحكام ً‬
‫أحیاان مقیم‪ ،‬وأخرى مسافر‪ ،‬ولیس التنوع‬ ‫صحیح معاىف‪ ،‬وأخرى مريض‪ ،‬و ً‬
‫املقصود هو تبدل األحكام وتغريها‪ ،‬وإمنا املراد به ـ كما أتكد ساب ًقا ـ أن يُ ْشرع‬
‫للحالة الواحدة عدة أحكام تضمن دخول مجیع املكلفني حتت القواعد الشرعیة‪،‬‬
‫فمثال الصالة حكمها الوجوب بال خالف‪ ،‬كما‬ ‫مهما اختلفت قدراهتم وظروفهم‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ -‬أن هللا مل جيعل أداء الصالة على كیفیة واحدة‪ ،‬فنجد‬ ‫أنه ال خالف ‪ً -‬‬
‫صالة الصحیح‪ ،‬واملريض‪ ،‬واملسافر‪ ،‬وصالة اخلوف‪ ،‬وهناك اجلمع بني‬
‫الصلوات(‪.)1‬‬
‫ومما يدل على ضرورة مراعاة أحوال املكلفني وأمهیتها أن هللا ـ عز وجل ـ قد‬
‫راعى أحوال العباد فیما شرعه هلم‪ ،‬فاألحكام اليت تطبق يف أوقات السعة واالختیار‬
‫ختتلف عن األحكام اليت تطبق يف أوقات الضیق واالضطرار‪ ،‬ويتجلى هذا يف‬
‫تدرج نزول القرآن‪ ،‬وتشريع رخص عند القیام ابلعبادات‪ ،‬واستثناء أحوال اإلكراه‬
‫واالضطرار واخلط من األحكام العامة‪ ،‬وتعدد درجات االحتساب‪ ،‬والتنويع يف‬
‫عقوبة الزان‪ ،‬والتخیري يف الكفارات(‪.)2‬‬
‫وبناءً على ما سبق البد للمجتهد من مراعاة خصوصیات املكلفني‪ ،‬فرب‬
‫مس ٍلة تصلح لقوم دون قوم‪ ،‬ولذا فإن من شروط املفيت اليت وضعها اإلمام أمحد‬
‫معرفة الناس(‪.)3‬‬
‫فهذا الشرط يشري إىل أن مناط صحة الفتوى معرفة املفيت أبحوال املكلفني‬
‫وظروفهم النفسیة واالجتماعیة‪ ،‬فإن اجلاهل يفسد ابلفتوى أكثر مما يصلح؛ لذا‬

‫(‪ )1‬مبدأ املشروعیة يف الشريعة اإلسالمیة‪ ،‬لعلي حممد علي مصلح‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫(‪ )2‬مراعاة أحوال املخاطبني‪ ،‬د‪/‬فضل إهلي‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬إبطال احلیل‪ ،‬ص‪ ،86‬أليب عبد هللا عبید هللا بن حممد بن بَطَّة ُ‬
‫العك َْربي احلنبلي (ت‪387:‬هـ)‪،‬‬
‫حتقیق‪ :‬د‪/‬سلیمان بن عبد هللا العمري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‪1996/‬م‪ ،‬وإعالم‬
‫املوقعني‪.106/6 ،‬‬
‫‪-322-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫فالبد للمفيت من بصرية انفذة يتعرف هبا مداخل الشیطان‪ ،‬ومداخل اهلوى‪،‬‬
‫واحلظوظ العاجلة‪ ،‬حىت يلقي الدالئل التكلیفیة على املكلف مقیدة بقیود التحرز‬
‫من تلك املداخل(‪.)1‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد املتعارضة‪:‬‬
‫الشريعة اإلسالمیة جاءت لتحقیق مصاحل اخللق‪ ،‬ودفع املفاسد عنهم‪ ،‬ولكن‬
‫قد تتعارض هذه املصاحل واملفاسد وتتزاحم؛ وهلذا جيب على اجملتهد املوازنة بني‬
‫املصاحل املتعارضة لیتبني أي املصلحتني أرجح؛ فیقدمها على غريها‪ ،‬أو املوازنة بني‬
‫خطرا؛ فیقدم درءها‪ ،‬يقول شیخ‬ ‫املفاسد املتعارضة لیتبني أي املفسدتني أعظم ً‬
‫اإلسالم بن تیمیة‪" :‬ومجاع ذلك داخل يف القاعدة العامة فیما إذا تعارضت املصاحل‬
‫واملفاسد‪ ،‬واحلسنات والسیئات‪ ،‬أو تزامحت‪ ،‬فإنه جيب ترجیح الراجح منها فیما‬
‫إذا ازدمحت املصاحل واملفاسد‪ ،‬وتعارضت املصاحل واملفاسد؛ فإن األمر والنهى وإن‬
‫كان متضمنًا لتحصیل مصلحة ودفع مفسدة‪ ،‬فینظر يف املعارض له‪ ،‬فإن كان‬
‫مورا به‪ ،‬بل يكون‬‫الذي يفوت من املصاحل أو حيصل من املفاسد أكثر مل يكن م ً‬
‫حمرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته‪ ،‬لكن اعتبار مقادير املصاحل واملفاسد‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫هو مبیزان الشريعة‪ ،‬فمىت قدر االنسان على اتباع النصوص مل يعدل عنها" ‪.‬‬
‫وهلذا فإن من أهم الضوابط اليت ينبغي للمجتهد أن يراعیها عند تنزيل‬
‫األحكام الشرعیة على الواقع النظر إىل نتائج تطبیق احلكم ومآالته اليت ترتتب‬
‫علیه‪ ،‬فیوازن بني املصاحل واملفاسد إذا تعارضتا‪ ،‬ويعرف مىت تُقدم درء املفسدة على‬
‫جلب املصلحة‪ ،‬ومىت تُغتفر املفسدة من أجل املصلحة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬املوافقات‪ ،25،24/5 ،‬واالجتهاد والتقلید يف الشريعة اإلسالمیة‪ ،‬ص‪ ،107‬أستاذان‬
‫الدكتور‪/‬حممد الدسوقي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ ،‬د‪.‬ط‪1407 ،‬ه‪1987/‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬االستقامة‪ ، 217،216/2 ،‬البن تیمیة أيب العباس تقي الدين أمحد بن عبد احللیم‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪ /‬حممد‬
‫رشاد سامل‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمیة‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ ،‬ط‪1411 ،2‬ه‪1991/‬م‪.‬‬
‫‪-323-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫واملقصود ابملوازنة بني املصاحل واملفاسد املتعارضة يف ضوابط االجتهاد‬


‫االستثنائي‪ :‬الفهم يف إدراك نسبیة املصاحل واملفاسد الشرعیة عند تنزيل األحكام‪،‬‬
‫فاملصاحل واملفاسد نسبیة‪ ،‬فما يكون مصلحة يف وقت قد يكون مفسدة يف ٍ‬
‫وقت‬
‫آخر‪ ،‬كاملیتة؛ َّ‬
‫فإن أَ ْكلَ َها يف حالة االختیار مفسدة‪ ،‬ويف حالة االضطرار مصلحة‪،‬‬
‫فهي نسبیة من حیث الوقت‪ ،‬يقول الشاطيب‪" :‬املنافع واملضار عامتها أن تكون‬
‫إضافیة‪ ،‬ال حقیقیة‪ ،‬ومعىن كوهنا إضافیة‪ :‬أهنا منافع أو مضار يف حال دون حال‪،‬‬
‫وابلنسبة إىل شخص دون شخص‪ ،‬أو وقت دون وقت‪ ،...‬فكثري من املنافع‬
‫ضررا‬ ‫ٍ‬
‫ضررا يف وقت أو حال‪ ،‬وال تكون ً‬ ‫ضررا على قوم ال منافع‪ ،‬أو تكون ً‬ ‫تكون ً‬
‫يف آخر"(‪.)1‬‬
‫ونسبیة املصاحل واملفاسد قد تكون متقابلة من حیث الشيء الواحد‪ ،‬ويف‬
‫شر‬
‫خالص‪ ،‬وال ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫لشخص واحد‪ ،‬أو جلماعة واحدة‪ ،‬فال يوجد خريٌ‬ ‫وقت واحد‪،‬‬
‫خالص‪ ،‬حیث ال ختلو مصلحة من شائبة مفسدة‪ ،‬وال ختلو مفسدة من وجه‬
‫مصلحة‪ ،‬يقول العز بن عبد السالم‪" :‬واعلم أن املصاحل اخلالصة عزيزة الوجود"(‪،)2‬‬
‫وابلتايل حيتاج اجملتهد إىل متییز ذلك عند التنزيل‪ ،‬وهذا األمر حيتاج إىل نظ ٍر دقیق‬
‫وفه ٍم عمیق يف متییز تلك النسب‪ ،‬من خالل املوازنة الدقیقة والقراءة من كل‬
‫اجلوانب ومن مث التنزيل‪.‬‬
‫وهبذا الفقه البد عند التنزيل إذا تعارضت كلّیّتان أن تقدم الكلیة العلیا على‬
‫الدنیا‪ ،‬وإذا تعارضت كلیة دنیا مع جزئي من كلیة أعلى منها قُ ِّدمت الكلیة الدنیا‬
‫على ذلك اجلزئي من الكلیة العلیا‪ ،‬وبناءً على هذا اعترب اللخمي احلج ساقطًا على‬
‫حاجا يف طر ٍيق خموف على غرر‪ ،‬ويغلب على ظنه أنه ال يسلم‪،‬‬ ‫َم ْن أراد اخلروج ًّ‬

‫(‪ )1‬املوافقات‪.65/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬قواعد األحكام يف مصاحل األانم‪.7/1 ،‬‬
‫‪-324-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫(‪)1‬‬
‫يفوت كلّ ّي الدين؛ ألنه جزء منه‪ ،‬بینما‬ ‫بل لعل فاعله أيمث ؛ ألن فوات احلج ال ّ‬
‫هالك الشخص ّفوت كلّ ّي النفس‪ ،‬فقدم الكلّ ّي األدىن على اجلزئي األعلى(‪،)2‬‬
‫ظاهرا مع بقاء القلب مطمئنًّا‬ ‫ً‬ ‫وعلى هذا أمجع العلماء على جواز الكفر‬
‫ابإلميان(‪)3‬؛ لقوله ‪-‬تعاىل‪:‬ﱡ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ(‪ )4‬ملن أُ ْك ِره‬
‫قول أوفعل ‪...‬؛ ألن مثل هذه اجلزئیات من كلّ ّي الدين ال يعود ختلفها‬ ‫علیه أبي ٍ‬
‫على كلّیّها ابإلبطال‪ ،‬وتعارضت مع كلّ ّي النفس‪ ،‬وهو أقوى من اجلزئیات من‬
‫حیث االعتبار‪ ،‬وهكذا فإن كان اإلكراه ـ ولو دون القتل ـ موجبًا الرخصة يف‬
‫إظهار الكفر فهو يف غري الكفر من املعاصي أوىل‪ ،‬كشرب اخلمر‪ ،‬والزان‪،‬‬
‫ويستخلص من ذلك قاعدة جلیلة‪ ،‬وهي‪ :‬إذا تعارض جزئي أعلى مع كلّ ّي أدىن‬
‫قُ ِّدم الكلّ ّي األدىن(‪.)5‬‬
‫فإذا كان القیام ابلكلیات حمفوفًا مبخاطر الوقوع يف بعض املفاسد اجلزئیة‬
‫الطارئة فاجملتهد ال يلتفت إىل املفاسد الطارئة؛ ألن مفسدة تعطیل الكلیات أعظم‪،‬‬
‫فهو يوجه املكلف إىل إقامة الكلیات ما أمكنه من غري الوقوع يف حرٍج يفسد علیه‬
‫سعیه‪.‬‬
‫فهذا تدخل من اجملتهد حلفظ الكلیات املقاصدية ابلرغم من وجود بعض‬
‫املخالفات اجلزئیة‪ ،‬وما أحوج الفقهاء الیوم إىل مثل هذه املوازانت بني الكلّیّات‬
‫واجلزئیات قبل احلكم ابإلقدام أو اإلحجام على فعل من أفعال املكلفني‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬املسائل املختصرة من كتاب الربزيل‪ ،‬ص‪ ،173‬أليب العباس بن عبد الرمحن الزلیطين املعروف‬
‫حبلولو‪ ،‬حتقیق‪ ،‬د‪/‬أمحد حممد اخللیفي‪ ،‬دار املدار اإلسالمي‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الفكر املقاصدي عند فقهاء القريوان إىل منتصف القرن اخلامس اهلجري‪ ،‬ص‪ ،447‬لعز الدين‬
‫ابن زغیبة‪ ،‬حبث مقدم ألعمال ندوة مدرسة القريوان بني الفقه واحلديث‪ ،‬مركز الدراسات اإلسالمیة‬
‫ابلقريوان‪ ،‬جامعة الزيتونة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪.295/14 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة النحل‪ :‬جزء من اآلية ‪.106‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الفكر املقاصدي عند فقهاء القريوان‪ ،‬لعز الدين بن زغیبة ‪ ،‬ص‪.448‬‬
‫‪-325-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫الضابط الرابع‪ :‬مراعاة أسباب النزول وأسباب الورود‪:‬‬


‫إن النصوص الشرعیة حتتاج إىل معرفة أسباب نزوهلا وورودها؛ لیتحقق الفهم‬
‫السلیم‪ ،‬والتنزيل القومي‪ ،‬فبدون تلك املعرفة فإهنا قد تؤدي إىل اخللل الكبري يف فهم‬
‫مراد الشارع من التنزيل‪ ،‬كما أن هذه املعرفة طريق إىل تقلیل فجوة اخلالف‪،‬‬
‫وتُـ َقِّرب االتفاق من التنزيل الصحیح للحكم‪.‬‬
‫احملل‪ ،‬وما يتنزل‬
‫ويف هذا يقول األستاذ‪/‬عمر عبید حسنة‪" :‬قد يكون فقه ّ‬
‫علیه من األحكام‪ ،‬حبسب استطاعته‪ ،‬من أهم األمور املطلوبة للفقیه املسلم الیوم‪،‬‬
‫ذلك أن الكثري من النصوص يف الكتاب والسنة أحاطت هبا ظروف‪ ،‬وشروط‪،‬‬
‫ومناسبات‪ ،‬البد من إدراكها أثناء عملیة التنزيل للنص على الواقع‪ ،‬ولَعلِّي أعترب‬
‫احملل‪ ،‬وإعانة للمجتهد على إدراك وأمهیة‬
‫فقه ّ‬ ‫نوعا من‬
‫سبب النزول‪ ،‬وسبب الورود ً‬
‫توفر الشروط والظروف نفسها للتنزيل"(‪.)1‬‬
‫أيضا‪" :‬إننا أثناء التنزيل للنص على الواقع الذي قد يقتضینا االستثناء‪،‬‬
‫ويقول ً‬
‫أو الت جیل‪ ،‬أو التدرج يف احلكم؛ فإن ذلك ال يعين أن هذه احلال اليت علیها احملل‬
‫هي الصورة النهائیة‪ ،‬أو املرحلة النهائیة للحكم الشرعي‪ ،‬وإمنا يعين مرحلة يف طريق‬
‫أهال للحكم النهائي ‪ ...‬واملشكلة كل املشكلة ـ يف‬ ‫الرتقي‪ ،‬وحتضري احملل؛ لیكون ً‬
‫نظري ـ قد تكون يف هذا الفقه الغائب الذي هو فقه التنزيل الذي مينحه أسباب‬
‫النزول والورود"(‪.)2‬‬
‫ومما يوضح ذلك األمر ما َّقرره اإلمام الشاطيب يف التنزيل الذي يقتضي قراءة‬
‫القرائن واألحوال اليت تعني يف تفسري النصوص‪ ،‬وجزء من معرفة ذلك الذي يتوقف‬

‫(‪ )1‬مقدمة كتاب "أسباب ورود احلديث حتلیل وأتسیس"‪ ،‬ص‪ ،21‬د‪/‬حممد رأفت سعید‪ ،‬تقدمي‪ :‬عمر‬
‫عبید حسنة‪ ،‬سلسلة كتاب األمة‪ ،‬العدد ‪ ،37‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمیة‪ ،‬قطر‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أسباب ورود احلديث حتلیل وأتسیس‪ ،‬د‪/‬حممد رأفت سعید‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪-326-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫علیه هذه املعرفة‪ ،‬وهو معرفة أسباب النزول‪ ،‬وذلك بقوله‪" :‬معرفة أسباب التنزيل‬
‫الزمة ملن أراد علم القرآن"(‪.)1‬‬
‫تنزل النص يعني على فهم‬ ‫ومن األمثلة اليت تبني أن الوقوف على ظروف ُّ‬
‫مقصده‪ ،‬ومن مث حسن تنزيله على الواقع ما ُرِوي عن النيب ‪-‬صلى هللا علیه‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني أَظ ُْه ِر‬ ‫وسلم‪ -‬أنه قال لصحابته الكرام‪" :‬أ َََن بَ ِرىءٌ م ْن ُك ِل ُم ْسل ٍم يُق ُ‬
‫يم بَـ ْ َ‬
‫امهَا"(‪ ،)2‬يُفهم من ظاهر‬ ‫اَّللِ‪ِ ،‬ملَ ؟‪ ،‬قَ َال‪" :‬الَ تَـ َراءَى ََن َر ُ‬
‫ول َّ‬ ‫ني"‪ ،‬قَالُوا ًَي َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫بصفة عامة‪ ،‬مع تعدد احلاجة إىل‬ ‫هذا احلديث حترمي اإلقامة يف بالد غري املسلمني ٍ‬
‫ذلك يف عصران للتعلُّم‪ ،‬وللتداوي‪ ،‬وللعمل‪ ،‬وللتجارة‪ ،‬وللسفر‪ ،‬ولغري ذلك(‪.)3‬‬
‫لكن بعد الرجوع إىل الرواية الكاملة هلذا احلديث يتبني سبب وروده واملعىن‬
‫اَّللِ‬
‫الصحیح الذي أراده النيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ ،‬والذي جاء فیها‪ :‬أن َر ُسول َّ‬
‫لسج ِ‬ ‫اعتَصم َان ِ‬ ‫ِ‬
‫ود‪،‬‬ ‫س مْنـ ُه ْم ِاب ُّ ُ‬‫ث َس ِريَّةً إ َىل َخثْـ َع ٍم‪ ،‬فَ ْ َ َ ٌ‬ ‫‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ -‬بَـ َع َ‬
‫صِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فََسر ِ‬
‫ف‬ ‫َّيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪ ،‬فَ ََمَر َهلُْم بِن ْ‬ ‫ك النِ َّ‬ ‫ع فی ِه ُم الْ َقْت َل‪ ،‬فَـبَـلَ َغ َذل َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني"‪ ،‬قَالُوا‪ًَ :‬ي‬ ‫ني أَظ ُْه ِر ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫الْ َع ْق ِل‪َ ،‬وقَ َال‪" :‬أ َََن بَ ِريءٌ م ْن ُك ِل ُم ْسل ٍم يُق ُ‬
‫يم بَـ ْ َ‬
‫اءى(‪ََ )4‬ن َر ُ‬
‫امهَا"(‪.)5‬‬ ‫اَّللِ‪ِ ،‬ملَ؟ قَ َال‪َ :‬‬
‫"ال تَـ َر َ‬ ‫ول َّ‬‫َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬املوافقات‪.146/4 ،‬‬


‫ود‪ ،‬رقم‬ ‫لسج ِ‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،45/3 ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬ابب‪ :‬النـ َّْه ِي َعن قَـْت ِل م ِن ْاعتَ َ ِ‬
‫ص َم اب ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ني‪،‬‬ ‫(‪ ،)2645‬والرتمذي يف سننه‪ ،155/4 ،‬أبواب السري‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء ِيف َكر ِاهی ِة امل َق ِام بـني أَظْه ِر امل ْش ِركِ‬
‫َ ُ َ َ َ َ َ ُ َْ َ ُ ُ َ‬
‫ي‪ ،‬وقاال‪:‬‬ ‫رقم (‪ ،)1604‬وابن امللقن يف البدر املنري‪ ،163/9 ،‬كتاب السري‪ ،‬وقال‪ :‬رواه أَبو داود و ِ ِ ِ‬
‫الرتمذ ّ‬‫ُ َ ُ َ ّْ‬
‫الص ِحیح أَنه ُم ْرسل‪َ ،‬وَك َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ال‪َّ :‬‬ ‫ي أَنه قَ َ‬ ‫يذكروا فیه َج ِر ًيرا َوُه َو أصح‪َ ،‬وذكر َعن البُ َخار ّ‬
‫اعة َومل ُ‬ ‫َوقد َرَواهُ مجَ َ‬
‫ِ‬
‫ين ِيف علله ملا ُسئ َل َعنهُ‪.‬‬ ‫ي َوالد َ ِ‬ ‫ال أَبُو َح ِامت َّ ِ‬
‫َّارقُطْ ّ‬ ‫الراز ّ‬ ‫قَ َ‬
‫(‪ )3‬أسباب ورود احلديث‪ ،‬د‪/‬حممد رأفت سعید‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫(‪ )4‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫جماز‬
‫َّاريْن ٌ‬ ‫(‪ )5‬الرتائي‪ :‬تفاعل من الرؤية‪ ،‬يقال‪ :‬تراءى القوم‪ :‬إذا رأى بعضهم بعضا‪ ،‬وإِسناد َّ ِ ِ‬
‫الرتائي إىل الن َ‬
‫حيل له أن يسكن بالد املشركني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫من قوهلم‪َ :‬داري تَـْنظُر إىل دار فالن‪ .‬أَي‪ :‬تُقابلُها‪ ،‬واملعىن‪ :‬أن املسلم ال ّ‬
‫احد منهم انر صاحبه‪ ،‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،291/14 ،‬مادة (رأى)‪.‬‬ ‫كل و ٍ‬ ‫فیكون معهم بقدر ما يرى ُّ‬
‫‪-327-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫وبناءً علیه يتبني لنا املعىن الصحیح لقول النيب ‪-‬صلى هللا علیه وسلم‪" :‬أ َََن‬
‫ني"‪ .‬أي‪ :‬بريء من دمه إذا قُتِل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني أَظ ُْه ِر ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫بَ ِريءٌ م ْن ُك ِل ُم ْسل ٍم يُق ُ‬
‫يم بَـ ْ َ‬
‫عرض نفسه لذلك إبقامته بني‬ ‫بداللة اقتضاء النص الذي يُفهم من السیاق؛ ألنه َّ‬
‫هؤالء احملاربني لدولة اإلسالم‪ ،‬وابلتايل فعلّة إسقاط نصف دية الذين مل يهاجروا‪،‬‬
‫كما يُفهم من قرينة احلال اليت أرشد إلیها سبب الورود أهنم قد أعانوا على أنفسهم‬
‫حني أقاموا بني أظهر املشركني‪ ،‬فكانوا كمن أسقط نصف حقه(‪.)1‬‬
‫فهذا احلديث ورد يف الظرف الذي كان املسلمون حباجة إىل هجرة املسلمني‬
‫إىل املدينة املنورة؛ لنصرة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬واملشاركة يف بناء الدولة اإلسالمیة‪،‬‬
‫وهلذا ذهب الشیخ‪/‬حممد رشید رضا إىل أن اإلقامة يف دار الكفر ممنوعة إذا كان‬
‫املسلمون حباجة إىل هجرة املسلم إىل دار اإلسالم‪ ،‬أما إذا كانت احلاجة هي إقامة‬
‫أمال يف دعوهتم وهدايتهم فإن النهي اليتوجه إىل هذه‬ ‫املسلمني يف أوساط املشركني ً‬
‫احلالة (‪.)2‬‬
‫تغريت الظروف واألحوال اليت قیل فیها هذا احلديث‪،‬‬ ‫ومعىن هذا أنه إذا َّ‬
‫وانتفت العلة امللحوظة من ورائه انتفى احلكم‪ ،‬كما هو احلال يف زماننا اآلن‪ ،‬حیث‬
‫إنه ال ميكن تنزيل هذا النص على الواقع الذي تغريت فیه الظروف‪ ،‬فإن أكثر‬
‫البالد األجنبیة يسكنها مسلمون حبسب املعاهدات واالتفاقات الدولیة املربمة بني‬
‫بالد اإلسالم وتلك البالد األجنبیة‪ ،‬كما أن وجود املسلمني يف تلك البالد أسهم‬
‫يف إسالم الكثريين‪.‬‬

‫تبني علة احلكم الشرعي دراسة أصولیة‪ ،‬ص‪ ،103‬د‪/‬عبد الرمحن‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬القرينة احلالیة وأثرها يف ُّ‬
‫الكیالين‪ ،‬اجمللة األردنیة يف الدراسات اإلسالمیة‪ ،‬اجمللد الثالث‪ ،‬العدد األول‪1428 ،‬ه‪2007/‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسري املنار‪.133/10 ،‬‬
‫‪-328-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫اخلامتة‬
‫بعد هذا العرض الذي قدمناه عن "االجتهاد االستثنائي" نشري إيل مجلة من‬
‫النتائج اليت توصلت إلیها الدارسة‪ ،‬واليت أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬االجتهاد االستثنائي هو‪ :‬تنزيل األحكام الشرعیة على الوقائع املشخصة‪ ،‬مبا‬
‫يقتضي تغیري هیئة احلكم وإحالل غريه مكانه إذا كان ال حيقق املقصد الشرعي‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ -2‬االجتهاد يف تنزيل األحكام هو صنو االجتهاد يف تفسري النصوص الشرعیة‪،‬‬
‫وله أصول وقواعد ال بد من أن يراعیها اجملتهد‪ ،‬وإال طبق احلكم على غري‬
‫حمله‪ ،‬أو استثين من احلكم ما هو من أفراده وجزئیاته‪ ،‬ويف هذا من الفساد ما‬
‫فیه ‪.‬‬
‫‪ -3‬االجتهاد االستثنائي ضرب من ضروب االجتهاد‪ ،‬يتطلب الفهم التام‪،‬‬
‫واالستیعاب العمیق للواقعة حمل احلكم‪ ،‬واملعرفة بتفصیالهتا ودقائقها‪ ،‬وهذه‬
‫اإلحاطة حتتاج يف الكثري من الوقائع والصور إىل االستعانة ابملختصني يف‬
‫احلقول العلمیة‪ ،‬واإلنسانیة‪ ،‬واالجتماعیة؛ لتقدمي التصور الكامل عن كل‬
‫متعلقات الواقعة وتفاصیلها؛ لیصار بعدها إىل إجراء احلكم املناسب الذي‬
‫حتقق مناطه فیها‪.‬‬
‫‪ -4‬توصي الدراسة مبواصلة البحث يف موضوع أصول االجتهاد االستثنائي‪،‬‬
‫لصیاغة معايري واضحة ومنضبطة‪ ،‬ميكن من خالهلا التحقق من مدى سالمة‬
‫واتما‬
‫كامال ًّ‬
‫تطبیق األصل على جزئیاته‪ ،‬وانطباق مناطه فیها انطباقًا ً‬
‫وصحیحا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪-329-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬


‫إبطال احليل‪ ،‬أليب عبد هللا عبید هللا بن حممد بن بَطَّة العُك َْربي احلنبلي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪387:‬هـ) ‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬سلیمان بن عبد هللا العمري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‬
‫ـ لبنان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‪1996/‬م‪.‬‬
‫أثر الظرف يف تغيري األحكام الشرعية‪ ،‬خللیل حممود نعراين‪ ،‬دار ابن اجلوزي‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪2006/1427 ،1‬م‪.‬‬
‫االجتهاد النص‪ ،‬الواقع‪ ،‬املصلحة‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬أمحد الريسوين‪ ،‬دار الكلمة للنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1435 ،1‬ه‪2014/‬م‪.‬‬
‫االجتهاد ابلرأي يف عصر اخلالفة الراشدة ـ دراسة حتليلية يف أصول سياسة‬ ‫‪‬‬
‫التشريع ومقاصده واترخيه‪ ،‬د‪/‬عبد الرمحن بن معمر السنوسي‪ ،‬جملة الوعي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمیة ـ الكويت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1432‬ه‪2011/‬م‪.‬‬
‫االجتهاد يف اإلسالم أصوله ـ أحكامه ـ آفاقه‪ ،‬د‪/‬اندية شريف العمري‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1404 ،2‬ه‪1984/‬م‪.‬‬
‫االجتهاد يف مورد النص ـ دراسة أصولية مقارنة‪ ،‬د‪/‬جنم الدين قادر كرمي‬ ‫‪‬‬
‫الزنكي‪ ،‬دار الكتب العلمیة ‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م ‪.‬‬
‫االجتهاد والتقليد يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬حممد الدسوقي‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الدوحة‪ ،‬د‪.‬ط‪1407 ،‬ه‪1987/‬م‪.‬‬
‫أسباب ورود احلديث حتليل وأتسيس‪ ،‬د‪/‬حممد رأفت سعید‪ ،‬سلسلة كتاب‬ ‫‪‬‬
‫األمة‪ ،‬العدد ‪ ،37‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمیة‪ ،‬قطر‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه‪.‬‬
‫االستثناء عند األصوليني‪ ،‬د‪/‬أكرم بن حممد بن حسني أوزيقان‪ ،‬دار املعراج‬ ‫‪‬‬
‫الدولیة للنشر‪ ،‬الرًيض ـ السعودية ط‪1418 ،1‬ه ‪1998/‬م‪.‬‬

‫‪-330-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫أصول السرخسي‪ ،‬أليب بكر حممد بن أمحد بن أيب سهل السرخسي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪483:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬أبو الوفا األفغاين‪ ،‬جلنة إحیاء املعارف النعمانیة‪ ،‬حیدر‬
‫أابد ـ اهلند‪.‬‬
‫أصول الشاشي‪ ،‬لنظام الدين أيب علي أمحد بن حممد بن إسحاق الشاشي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪344:‬هـ) ‪ ،‬وهبامشه عمدة احلواشي شرح أصول الشاشي‪ ،‬للموىل حممد‬
‫فیض احلسن الكنكوهي‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1424‬ه‪2003/‬م‪.‬‬
‫األصول العامة للفقه املقارن مدخل إىل دراسة الفقه املقارن‪ ،‬للسید حممد‬ ‫‪‬‬
‫تقي احلكیم‪ ،‬حتقیق‪ :‬اجملمع العاملي ألهل البیت‪ ،‬اجملمع العاملي ألهل البیت ـ‬
‫علیهم السالم ـ ردمك‪ ،‬ط‪1418 ،2‬ه‪1997 /‬م‪.‬‬
‫اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات ـ دراسة مقارنة يف أصول الفقه‬ ‫‪‬‬
‫ومقاصد الشريعة‪ ،‬لعبد الرمحن بن معمر السنوسي‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام ـ‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪.‬‬
‫أعالم احلديث (شرح صحيح البخاري)‪ ،‬أليب سلیمان محد بن حممد اخلطايب‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪388:‬ه)‪ ،‬جامعة أم القرى (مركز البحوث العلمیة وإحیاء الرتاث‬
‫اإلسالمي)‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬ط‪1409 ،1‬ه‪1988/‬م‪.‬‬
‫إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬أليب عبد هللا حممد بن أيب بكر بن أيوب‬ ‫‪‬‬
‫املعروف اببن قیم اجلوزية (ت‪ 751:‬هـ)‪ ،‬قدم له وعلق علیه وخرج أحاديثه‬
‫وآاثره‪ :‬أبو عبیدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن اجلوزي للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬
‫األعالم قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من العرب واملستعمرين‬ ‫‪‬‬
‫واملستشرقني ‪ ،‬خلري الدين الزركلي‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،15‬‬
‫‪ 2002‬م‪.‬‬

‫‪-331-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫البحر احمليط يف أصول الفقه‪ ،‬لبدر الدين حممد بن هبادر بن عبد هللا الزركشي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪794:‬ه)‪ ،‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمیة ابلكويت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1413‬ه‪1992/‬م‪.‬‬
‫حبوث يف االجتهاد فيماال نص فيه‪ ،‬د‪ /‬الطیب خضري السید‪ ،‬دار الطباعة‬ ‫‪‬‬
‫احملمدية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1389 ،1‬ه‪1987/‬م‪.‬‬
‫حبوث مقارنة يف الفقه اإلسالمي وأصوله‪ ،‬د‪/‬فتحي الدريين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1434 ،2‬ه‪2013/‬م ‪.‬‬
‫الربهان يف أصول الفقه‪ ،‬أليب املعايل عبد امللك بن عبد هللا‬ ‫‪‬‬
‫اجلويين(ت‪478:‬ه) ‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬عبد العظیم الديب‪ ،‬دار األنصار‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1400 ،2‬ه‪.‬‬
‫الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬لإلمام بدر الدين حممد بن عبد هللا الزركشي‪ ،‬حتقیق‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫حممد أبو الفضل إبراهیم‪ ،‬مكتبة دار الرتاث ـ ـ ـ القاهرة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1404‬ه‪1984/‬م‪.‬‬
‫بيان املختصر ـ وهو شرح خمتصر ابن احلاج ـ ‪ ،‬لشمس الدين أيب الثناء‬ ‫‪‬‬
‫حممود بن عبد الرمحن بن أمحد األصفهاين (ت‪749 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬حممد‬
‫مظهر بقا‪ ،‬دار املدين‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ ‪1986 /‬م ‪.‬‬
‫تبصري النجباء حبقيقة االجتهاد والتلفيق واإلفتاء‪ ،‬د‪ /‬حممد إبراهیم احلفناوي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1415 ،1‬ه‪1995/‬م‪.‬‬
‫ختصيص العلة الشرعية‪ ،‬د‪/‬عیاض بن انمي السلمي‪ ،‬جملة جامعة اإلمام حممد‬ ‫‪‬‬
‫بن سعود اإلسالمیة‪ ،‬العدد‪ ،20‬رمضان ‪1418‬ه‪.‬‬
‫ترتي املدارك وتقري املسالك‪ ،‬للقاضي عیاض بن موسى عیاض السبيت‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪544:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬جمموعة من العلماء‪ ،‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمیة‪،‬‬
‫اململكة املغربیة‪ ،‬د‪.‬ط‪1402 ،‬ه‪1982/‬م‪.‬‬

‫‪-332-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫تعليل األحكام عرض وحتليل لطريقة التعليل وتطوراهتا يف عصور االجتهاد‬ ‫‪‬‬
‫والتقليد‪ ،‬لألستاذ حممد مصطفى شليب‪ ،‬دار النهضة العربیة‪ ،‬بريوت ـ ـ ـ لبنان‪،‬‬
‫ط‪.2‬‬
‫تفسري القرآن العظيم‪ ،‬ال بن كثري (ت‪774 :‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬مصطفى السید‬ ‫‪‬‬
‫حممد‪ ،‬وجمموعة من العلماء‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬اجلیزة ـ ـ مصر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1421‬ه‪2000/‬م‪.‬‬
‫التقري واإلرشاد (الصغري)‪ ،‬للقاضي الباقالين (ت‪ 403:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬عبد‬ ‫‪‬‬
‫احلمید بن علي أبو زنید‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪1998/‬م‪.‬‬
‫تقومي األدلة يف أصول الفقه‪ ،‬للدبوسي(ت‪430 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬خلیل حمیي‬ ‫‪‬‬
‫الدين املیس‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪2001 /‬م‪.‬‬
‫التمهيد يف أصول الفقه‪ ،‬حملفوظ بن أمحد أَيب اخلطاب ال َك ْل َو َذاين احلنبلي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪ 510:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬مفید حممد أبو عمشة‪ ،‬وحممد بن علي بن إبراهیم‪،‬‬
‫مركز البحث العلمي وإحیاء الرتاث اإلسالمي‪ ،‬جامعة أم القرى‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪1406‬هـ‪1985/‬م‪.‬‬
‫التوقيف على مهمات التعاريف ‪ ،‬لعبد الرؤوف بن املناوي (ت‪1031 :‬هـ)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حتقیق‪ :‬د‪/‬عبد احلمید صاحل محدان‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1،1410‬هـ‪1990/‬م‪.‬‬
‫اجلامع ملسائل أصول الفقه وتطبيقاهتا على املذه الراجح‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬عبد الكرمي‬ ‫‪‬‬
‫بن علي بن حممد النملة‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرًيض‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬هـ ‪ 2000 /‬م‪.‬‬
‫شرح اجلالل مشس الدين حممد بن أمحد احمللي على منت مجع اجلوامع لإلمام‬ ‫‪‬‬
‫اتج الدين عبد الوهاب بن السبكي‪ ،‬وهبامشهما تقرير شیخ اإلسالم عبد‬
‫الرمحن الشربیين‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط‪1402 ،‬ه‪1982/‬م‪.‬‬

‫‪-333-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫حاشية النفحات على شرح الورقات‪ ،‬ألمحد بن عبد اللطیف اخلطیب اجلاوي‬ ‫‪‬‬
‫الشافعي ‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1434 ،2‬ه‪2013/‬م‪.‬‬
‫حقيقة االجتهاد االستثنائي ومسالكه‪ ،‬حممود صاحل جابر‪ ،‬وعمر مونة‪ ،‬جملة‬ ‫‪‬‬
‫دراسات‪ ،‬علوم الشريعة والقانون‪ ،‬اجمللد ‪( ،36‬ملحق)‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫رد احملتار على الدر املختار شرح تنوير األبصار‪ ،‬حملمد أمني‪ ،‬الشهري اببن‬ ‫‪‬‬
‫عابدين‪ ،‬مع تكملة ابن عابدين لنجل املؤلف‪ ،‬حتقیق‪ :‬عادل أمحد عبد‬
‫املوجود‪ ،‬وعلي حممد معوض‪ ،‬دار عامل الكتب‪ ،‬الرًيض ـ السعودية‪،‬‬
‫‪1423‬ه‪2003/‬م‪.‬‬
‫روضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬أليب زكرًي حمیي الدين حيىي بن شرف النووي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬زهري الشاويش‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ـ دمشق ـ‬
‫عمان‪ ،‬ط‪1412 ،3‬هـ ‪1991 /‬م‪.‬‬
‫روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذه اإلمام أمحد بن‬ ‫‪‬‬
‫حنبل‪ ،‬ملوفق الدين عبد هللا بن أمحد بن قدامة (ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬املكتبة املكیة‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬املكتبة التدمرية‪ ،‬الرًيض‪ ،‬مؤسسة الرًين‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1419‬ه‪1998/‬م‪.‬‬
‫شرح العُ َمد‪ ،‬أليب احلسني البصري حممد بن علي بن الطیب‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪/‬عبد‬ ‫‪‬‬
‫احلمید بن علي أبو زنید‪ ،‬دار املطبعة السلفیة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪.‬‬
‫شرح الكوك املنري املسمى مبختصر التحرير أو املخترب املبتكر شرح‬ ‫‪‬‬
‫املختصر يف أصول الفقه‪ ،‬حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي‬
‫احلنبلي املعروف اببن النجار (ت ‪972:‬هـ)‪ ،‬حتقیق ‪ :‬د‪/‬حممد الزحیلي‪ ،‬ود‪/‬نزيه‬
‫محاد‪ ،‬مكتبة العبیكان‪ ،‬الرًيض ـ السعودية‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ ‪1997 /‬م ‪.‬‬

‫‪-334-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫شفاء الغليل يف بيان الشبه واملخيل ومسالك التعليل‪ ،‬أليب حامد حممد بن‬ ‫‪‬‬
‫حممد الغزايل الطوسي (ت‪ 505 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬د‪ /‬محد الكبیسي‪ ،‬مطبعة‬
‫اإلرشاد‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪1390 ،1:‬ه‪1971 /‬م‪.‬‬
‫الصحاح اتج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬إلمساعیل بن محاد اجلوهري الفارايب‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪393:‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬أمحد عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1399 ،2‬ه‪1979/‬م‪.‬‬
‫ضوابط االجتهاد التنزيلي يف ضوء الكليات املقاصدية‪ ،‬د‪ /‬وورقیة عبد‬ ‫‪‬‬
‫الرزاق‪ ،‬دار لبنان للطباعة والنشر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫العدة يف أصول الفقه‪ ،‬للقاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الفراء البغدادي‬ ‫‪‬‬
‫احلنبلي (ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬حققه وعلق علیه وخرج نصه‪ :‬د أمحد بن علي بن سري‬
‫املباركي‪ ،‬حقوق الطبع حمفوظة للمحقق‪ ،‬الرًيض ـ السعودية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1410‬ه‪1990/‬م‪.‬‬
‫غري احلديث‪ ،‬أليب الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن علي بن اجلوزي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪597 :‬ه)‪ ،‬وثق أصوله وعلق علیه‪ :‬د‪/‬عبد املعطي أمني قلعجي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ ـ لبنان‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪2004/‬م‪.‬‬
‫فتاوى السبكي‪ ،‬أليب احلسن تقي الدين علي بن عبد الكايف السبكي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪756:‬ه) ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الفتاوى السعدية‪ ،‬للشیخ عبد الرمحن السعدي‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرًيض ـ‬ ‫‪‬‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪1402 ،2‬ه‪1982/‬م‪.‬‬
‫الفتاوى الكربى‪ ،‬لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احللیم بن تیمیة احلراين‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪1987/‬م‪.‬‬

‫‪-335-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫فصول البدائع يف أصول الشرائع‪ ،‬لشمس الدين حممد بن محزة الفناري‬ ‫‪‬‬
‫الرومي (ت‪834:‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1427‬ه‪2006/‬م‪.‬‬
‫الفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬ألمحد بن غنیم بن سامل بن‬ ‫‪‬‬
‫مهنا النفراوي األزهري املالكي(ت‪1126:‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬عبد الوارث حممد علي‪،‬‬
‫دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪1997/‬م‪.‬‬
‫يف االجتهاد التنزيلي‪ ،‬د‪ .‬بشري بن مولود جحیش‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬العدد‪.93‬‬ ‫‪‬‬
‫فهما وتنز ًيال‪ ،‬د‪ /‬عبد اجملید النجار‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬العدد‪،23‬‬
‫يف فقه التدين ً‬ ‫‪‬‬
‫رائسة احملاكم الشرعیة والشؤون الدينیة بقطر‪ ،‬طبعة خاصة مبصر تصدر عن‬
‫مؤسسة أخبار الیوم إدارة الكتب واملكتبات‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪1989/‬م‪.‬‬
‫تبني علة احلكم الشرعي دراسة أصولية‪ ،‬د‪/‬عبد‬ ‫القرينة احلالية وأثرها يف ن‬ ‫‪‬‬
‫الرمحن الكیالين‪ ،‬اجمللة األردنیة يف الدراسات اإلسالمیة‪ ،‬اجمللد الثالث‪ ،‬العدد‬
‫األول‪1428 ،‬ه‪2007/‬م‪.‬‬
‫كشاف القناع عن منت اإلقناع‪ ،‬ملنصور بن يونس البهوتى (ت‪1046 :‬ه)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حتقیق‪ :‬حممد أمني الضناوي‪ ،‬دار عامل الكتب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‪.‬‬
‫ال إنكار يف مسائل االجتهاد رؤية منهجية حتليلية‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬قطب مصطفى سانو‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫دار ابن حزم‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه‪2006/‬م‪.‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬أليب الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي‬ ‫‪‬‬
‫املصري ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1414 ،3‬ه‪.‬‬
‫اللمع يف أصول الفقه‪ ،‬أليب إسحاق إبراهیم بن علي الشريازي(ت‪476:‬ه)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حتقیق‪ :‬حمیي الدين ديب مستو‪ ،‬ويوسف علي بديوي‪ ،‬دار الكلم الطیب‪ ،‬ودار‬
‫ابن كثري‪ ،‬دمشق ـ بريوت‪ ،‬ط‪1،1416‬ه‪1995/‬م‪.‬‬

‫‪-336-‬‬
‫فاطمة أمني‬ ‫االجتهاد االستثنائي‪ :‬حقيقته‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‬ ‫أحباث‬

‫مآالت تطبيق منهج حتقيق املناط يف أتجيل بعض األحكام أو تعليقها‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫أ‪.‬د‪/‬حممد كمال الدين إمام‪ ،‬جملة املسلم املعاصر‪ ،‬جملد ‪ ،37‬العدد ‪،148‬‬
‫السنة ‪.37‬‬
‫مباحث التخصيص عند األصوليني‪ ،‬د‪/‬عمر بن عبد العزيز الشیلخاين‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬
‫عمان ـ األردن‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬ ‫أسامة للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫احملصول يف علم أصول الفقه‪ ،‬لفخر الدين حممد بن عمر بن احلسني الرازي‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪606 :‬هـ)‪ ،‬دراسة وحتقیق‪ :‬د‪ /‬طه جابر فیاض العلواين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،3‬هـ ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫خمتار الصحاح‪ ،‬حملمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي (ت‪666 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪‬‬
‫لبنان‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫املسائل املختصرة من كتاب البَـ َرزيل‪ ،‬أليب العباس بن عبد الرمحن الزلیطين‬ ‫‪‬‬
‫املعروف حبلولو‪ ،‬دار املدار اإلسالمي‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪.‬‬
‫املستصفى من علم األصول‪ ،‬أليب حامد حممد بن حممد الغزايل(ت‪505:‬ه)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حتقیق‪ :‬د‪/‬محزة بن زهري حافظ ‪ ،‬اجلامعة اإلسالمیة‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫مسلم الثبوت‪ ،‬حملب هللا بن عبد الشكور اهلندي البهاري‪ ،‬املطابع احلسینیة‬ ‫‪‬‬
‫املصرية‪ ،‬مطبعة كردستان العلمیة‪ ،‬د‪.‬ط‪1326 ،‬ه‪.‬‬
‫املعتمد يف أصول الفقه‪ ،‬ويلیه "زًيدات املعتمد"‪ ،‬والقیاس الشرعي‪ ،‬أليب‬ ‫‪‬‬
‫احلسني حممد بن علي بن الطیب البصري املعتزيل(ت‪436 :‬ه)‪ ،‬حتقیق‪ :‬حممد‬
‫محید هللا وآخرون‪ ،‬املعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربیة بدمشق‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪1384‬ه‪.‬‬
‫املعجم الوسيط‪ ،‬جممع اللغة العربیة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولیة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،4‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1425‬ه‪2004/‬م‪.‬‬

‫‪-337-‬‬
‫العدد (‪)92‬‬ ‫مجلة الدراسات اإلسالمية والبحوث األكاديمية‬

‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكرًي (ت‪395:‬ه)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حتقیق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق ـ سورًي‪ ،‬ط‬
‫‪1399‬ه‪1979/‬م‪.‬‬
‫املقتضيات املنهجية لتطبيق الشريعة يف الواقع اإلسالمي الراهن‪ ،‬د‪ /‬عبد‬ ‫‪‬‬
‫اجملید النجار‪ ،‬جملة املسلم املعاصر‪ ،‬جملد ‪ ،27‬العدد ‪ ،105‬السنة السابعة‬
‫والعشرون‪.‬‬
‫من فقه احلالة‪ ،‬د‪/‬عمر عبید حسنة‪ ،‬املكتب اإلسالمي ـ بريوت‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪2004/‬م‪.‬‬
‫املناهج األصولية يف االجتهاد ابلرأي يف التشريع اإلسالمي‪ ،‬د‪/‬فتحي‬ ‫‪‬‬
‫الدريين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1434،3‬ه‪2013/‬م‪.‬‬
‫منتهى الوصول واألمل يف علمي األصول واجلدل‪ ،‬البن احلاجب‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪646:‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1405 ،1‬ه‪1985/‬م‪.‬‬
‫املوافقات‪ ،‬إلبراهیم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي الشهري ابلشاطيب‬ ‫‪‬‬
‫(ت‪790 :‬هـ)‪ ،‬حتقیق‪ :‬أبو عبیدة مشهور ‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪/‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫نظرية التعسف يف استعمال احلق يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪/‬فتحي الدريين‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1434 ،3‬ه‪2013/‬م‪.‬‬
‫نفائس األصول يف شرح احملصول‪ ،‬لشهاب الدين أيب العباس أمحد بن إدريس‬ ‫‪‬‬
‫بن عبد الرمحن القرايف (ت‪684 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫ط‪1416 ،1‬هـ ‪1995/‬م‪.‬‬
‫الوجيز يف أصول الفقه‪ ،‬د‪/‬عبد الكرمي زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة انشرون‪ ،‬بريوت‬ ‫‪‬‬
‫ـ لبنان‪ ،‬ط‪1430 ،1‬ه‪2009/‬م‪.‬‬

‫‪-338-‬‬

You might also like