You are on page 1of 35

-1-

‫‪-2-‬‬

‫ّ‬
‫العامة للفكر األصول‪-‬فقهي‬ ‫املبادئ‬
‫ّ‬
‫النصّ‬ ‫اإلسالمي في تعامله مع‬
‫مجلة إسالمية املعرفة‪ ،‬املجلد ‪ ،20‬العدد‪ ،77‬صيف‪2014/1453‬م‬

‫د‪ .‬أيمن صالح‬


‫أستاذ الفقه وأصوله املشارك‬
‫كلية الشريعة‬
‫جامعة قطر‬
‫‪-3-‬‬

‫امللخص‬

‫ّ ّ‬
‫هدف هذا البحث إلى استقراء املبادئ الكل ّية التي حكمت وال تزال تحكم علم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫أصول الفقه اإلسالمي في تعامله مع ّ‬
‫الديني‪ ،‬وتعيينها‪ ،‬وعرضها عرضا موجزا‪.‬‬ ‫ص‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة للعلوم ّ‬
‫الد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلسالمي‬ ‫ينية األخرى والفكر‬ ‫منهجية البحث‬ ‫هذا العلم الذي يرسم‬
‫ّ‬
‫بعامة‪.‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫فاق‬ ‫ٍ‬ ‫ات‬ ‫محل‬ ‫تقريبا‬ ‫هي‬ ‫‪،‬‬ ‫مبدأ‬ ‫يتوصل إلى اثني عشر‬ ‫ولقد استطاع الباحث أن‬
‫ص ومعقوليته‪.‬‬ ‫ص‪ )2 .‬ص ْدق ّ‬
‫الن ّ‬ ‫األصوليين‪ .‬وهذه املبادئ هي‪ )1 :‬االحتكام إلى ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫بين‬
‫ِ‬
‫ص في األشخاص إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ص بلفظه ومعناه للوقائع‪ )4 .‬عموم الن ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ )3‬شمول الن ّ‬
‫ص‬ ‫الن ّ‬ ‫ص‪ )8 .‬حمل ّ‬ ‫عربية ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ص وتكامله‪َّ )7 .‬‬ ‫الن ّ‬ ‫ص‪ )6 .‬انسجام ّ‬ ‫إعمال َمقاصد ّ‬
‫الن ّ‬ ‫‪ْ )5‬‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫الن ّ‬‫إعمال الحال في مقال ّ‬ ‫على ظاهره إال لدليل‪ْ )9 .‬‬
‫ص الثابت‬ ‫ص‪ )10 .‬االح ِتجاج بالن‬ ‫ِ‬
‫أهلية‬ ‫ص‪ )12 .‬اش ِتراط َّ‬ ‫ّ‬
‫الراجح‪ )11 .‬احترام تفسيرات املجتهدين للن ّ‬ ‫ال ْاملحكم ّ‬‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الد ّ‬
‫املجتهد في ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص‪.‬‬
-4-

Abstract

General Principles of Islamic Jurisprudence (Usul al Fiqh) in Its Handling


of the Holy Text

This study aimed at deducting and briefly demonstrating the general principles that dominated and
still dominating the science of Islamic Jurisprudence (Usul al Fiqh), the branch of Islamic science, which
dictates the methodology of dealing with the holy Islamic text to other branches of Islamic sciences and
consequently to the Islamic thought in general.
The researcher managed to conclude twelve general principles, which are agreed upon by all the
scholars of Islamic Jurisprudence (Usul al Fiqh) or the vast majority of them. These principles are: 1) the
command of Text. 2) The Truthfulness and reasonability of the Text. 3) The comprehension of the Text to the
events. 4) The comprehension of the text to the people until the judgment day. 5) The empowerment of the
text aims. 6) The harmony and integration of the Text. 7) The arabisizm of the text. 8) Interpreting the text
depending on the common meanings unless proven false. 9) Empowering the context of situation. 10) Using
the proven true, to the point, unabrogated and superior Text in arguments. 11) Respecting the different
scholars' interpretations of the text. 12) The necessity of being illegible to interpret the Text.

Key Words: Usul al Fiqh, Principles of Islamic Jurisprudence, Islamic text interpretation.
‫‪-5-‬‬

‫ّ‬
‫املقدمة‬
‫ّ‬
‫والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وآله ومن وااله‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫الحمد هلل‪،‬‬
‫ّ‬
‫فـ «أصول الفقه هو الذي يقض ي وال يقض ى عليه»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يصور املنـزلة التي يحتلها‬
‫هذا ما قاله العالمة املحق ابن دقي العيد ‪ ،‬وقوله هذا ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫علم أصول الفقه بين العلوم ّ‬
‫املهيمن‬ ‫الدينية األخرى بصفته العلم الحاكم أو القاض ي أو ق ِل‬
‫ّ َّ‬
‫الدينية كلها (الكالم‪،‬‬ ‫واضح و"بسيط"‪ ،‬وهو ّأن العلوم‬ ‫ٌ‬ ‫والسبب في ذلك‬ ‫على تلك العلوم‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫والس ّنة)(‪)2‬‬
‫ص (=الكتاب ّ‬ ‫تلتف حول ّ‬ ‫ّ‬
‫وتستمد‬ ‫الن ّ‬ ‫الفقه‪ ،‬التفسير‪ ،‬الحديث‪ ،‬ال ّسير‪...‬الخ)‬
‫ص»‪ ،‬تلك القواعد التي‬ ‫التعامل مع ّ‬
‫الن ّ‬ ‫منه‪ .‬وفي استمدادها هذا ال ّبد أن تخضع لـ «قواعد ّ‬
‫رعية ُ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬ ‫يصنعها ّ‬
‫علم أصول الفقه‪.‬‬ ‫ويهيئها ويمنحها‬
‫ِ‬
‫كل العلوم التي‬ ‫صو ّ‬ ‫الن ّ‬‫عد الجسر الذي يربط بين ّ‬ ‫فعلم أصول الفقه‪ ،‬على هذا‪ُ ،‬ي ّ‬
‫تلتف حوله‪ ،‬بحيث ال تستطيع هذه العلوم أن َتر َد إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫ص وتنهل منه إال َع ْبر ذلك الجسر‪.‬‬ ‫الن ّ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الدينية على املشتغل فيها أن يكون عاملا بأصول‬ ‫ّ‬ ‫ومن هنا ال ُيستغرب اشتراط أرباب العلوم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫الفقه ال ّ‬
‫مفسرا أو شارحا للحديث أو فقيها‪.‬‬ ‫سيما إذا كان‬
‫ومتنوعة‪ ،‬بعضها ّ‬
‫متف ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫التعامل مع ّ‬
‫الن ّ‬ ‫و«قواعد ّ‬
‫األصوليون كثيرة‬ ‫ص» التي أنتجها‬
‫ّ‬
‫األصولية املختلفة‪ .‬وفي سبيل الوصول‬ ‫وخالف بين املدارس‬
‫ٍ‬ ‫جدال‬ ‫عليه‪ ،‬والبعض اآلخر محل‬
‫ٍ‬
‫اإلسالمي وأسلمة العلوم ال غنى عن استعمال هذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علمي ٍة على صعيد الفكر‬ ‫نهضة‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫املتف عليه منها ‪ -‬الستثمار ّ‬
‫الن ّ‬ ‫سيما ّ‬
‫القواعد ومراعاتها – ال ّ‬
‫الفكر‬ ‫ص واستنطاقه‪ ،‬وإال فقد‬
‫رعية الع ّ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬ ‫ُ‬
‫لمية التي تمنحها هذه القواعد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والعلوم املراد أسلمتها‪،‬‬ ‫املراد إنشاؤه‪،‬‬
‫الطرح األصول‪-‬فقهي ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫قليدي أمران‪:‬‬ ‫الت‬ ‫ومما ّتتصف به هذه القواعد في‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫أنماط ّ‬
‫معي ٍنة من‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫الجزئية» بحيث تتعامل مع‬ ‫أحدهما‪ّ :‬أنها‪ ،‬في أكثرها‪ ،‬تتسم بـ «‬
‫والن ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلقة باألمر ّ‬ ‫ّ‬
‫هي‪ ،‬والعموم‬ ‫محدودة منها‪ ،‬كالقواعد‬
‫ٍ‬ ‫النصوص‪ ،‬وتنطب على فئة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والخصوص‪ ،‬وسائر أنواع األلفاظ لفظا لفظا‪ ،‬والقواعد املتعلقة بمباحث األدلة دليال‬
‫ً‬
‫دليال‪...‬الخ‪.‬‬

‫الزركش ّي‪ :‬محمد بن بهادر‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مصر‪ :‬دار الكتبي‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ=‪1994‬م‪ ،‬ج‪،1‬‬ ‫( ‪ّ )1‬‬
‫ص‪.14‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪ )2‬لالطالع على معاني مصطلح «النص» ينظر‪ :‬صالح‪ :‬أيمن‪" .‬قراءة نقدية في مصطلح النص في‬
‫الفكر األصولي"‪ ،‬فرجينيا‪ :‬مجلة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪.34-33‬‬
‫‪-6-‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫بدءا من مباحث ُ‬
‫الحكم‬ ‫واألمر اآلخر‪ّ :‬أنها متناثرة في جميع مباحث أصول الفقه‬
‫وانتهاء بمباحث االجتهاد ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫والتقليد‪.‬‬ ‫ومرورا بمباحث األدلة وكيفية االستدالل‬
‫ينظمها على‬
‫ومن هنا فقد احتاجت هذه القواعد ‪ -‬الجزئية املتناثرة ‪ -‬إلى «استقر ٍاء» ِ‬
‫عامة ُعليا‪ ،‬يمكن اعتبا ها املعالم الرئيسة ملنهج األصوليين في ّ‬
‫التعامل مع‬ ‫ر‬ ‫شكل مبادئ ّ ٍ‬
‫ّ‬ ‫األصولية في ّ‬
‫ّ‬ ‫إجمالي ٍة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ َّ ّ‬
‫ملنهجية‬ ‫تصورها‬ ‫عام ٍة على الفلسفة‬ ‫نظرة‬
‫يمكن من إلقاء ٍ‬‫النص‪ِ ،‬مما ِ‬
‫ّ‬
‫السياق جاءت هذه الدراسة لتقوم بهذه ّ‬
‫املهمة‪.‬‬ ‫ص والوصول إلى مكامنه‪ .‬وفي هذا ّ‬ ‫تلقي ّ‬
‫الن ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الباحث لهذه ال ّد اسة « ّ‬
‫وال ّيدعي ّ‬
‫النضج» فضال عن «االحتراق»‪ ،‬وإنما هي محاولة‬ ‫ر‬
‫تقدم‬‫طور والتشبع بمرور الوقت و ّ‬ ‫النماء ّ‬
‫والت ّ‬ ‫متواضعة يزجيها بين يدي الباحثين اجيا لها ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫الزمان‪.‬‬
‫ُ‬
‫اعيت في استقراء هذه املبادئ وانتقائها أمرين‪:‬‬‫وقد ر‬
‫والس ّنة‪ ،‬رّبما جميع هذه‬
‫كم هائل من نصوص الكتاب ّ‬
‫ٍ‬
‫أحدهما‪ :‬أن تنطب على ّ‬
‫ٍ‬
‫النصوص‪ ،‬أو نصوص األحكام جميعها‪ ،‬أو نصوص األخبار جميعها‪ ،‬وهكذا‪...‬‬ ‫ّ‬
‫محل ّاتفاق بين ّ‬
‫كل األصو ّليين أو بين ّ‬ ‫ّ‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون هذه املبادئ َّ‬
‫السواد األعظم‬ ‫ٍ‬
‫منهم‪.‬‬
‫واألصوليون املقصودون في هذه الدراسة هم بالدرجة األولى أصحاب الكتب‬ ‫ّ‬
‫األصولية بمدارسها املختلفة الكالمية والفقهية والجامعة بينهما‪ ،‬وبالدرجة الثانية العلماء‬
‫يأت ذلك في سياق كتابات ّ‬ ‫سطروا قواعد ومناهج للتعامل مع ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة‬ ‫ص‪ ،‬ولو لم ِ‬ ‫الذين‬
‫ّ‬
‫والطبري وابن عبد البر وابن ّ‬
‫تيمية وغيرهم‪.‬‬ ‫بعلم أصول الفقه‪ ،‬كالشافعي في األم‪،‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬
‫ألنها تهدف إلى استقراء "مبادئ التعامل مع النص"‬ ‫الدراسة َوصفية باألساس‪ّ ،‬‬ ‫هذه ّ‬
‫جميعهم أو جمهورهم‪ .‬وقد استلزم ذلك اإلكثار من النقول‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫األصوليون‬ ‫وعرضها كما يراها‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التي تبرهن على التبني األصولي للمبدأ محل البحث ال سيما ما أشير فيه منها إلى ذكر اإلجماع‬
‫على املبدأ املعروض‪ .‬وعند إيراد هذه النقول حاولت التنويع في النقل عن املدارس األصولية‬
‫ّ‬
‫املتقدمين دون‬ ‫مفضال‪ ،‬في الغالب‪ّ ،‬‬
‫النقل عن‬ ‫ّ‬
‫املختلفة ما بين حنفية وشافعية وظاهرية‪ِ ،‬‬
‫الدراسة لم تهدف إلى البرهنة واالستدالل على هذه املبادئ‪،‬‬ ‫وألن هذه ّ‬
‫املتأخرين واملعاصرين‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشارع وآثار ّ‬
‫الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم إال‬ ‫فإ ّنها لم تتطرق إلى ذكر أدلتها من نصوص‬
‫األصوليين‪ ،‬كما ّأنها لم ت ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ملاما في ثنايا ّ‬
‫توسع في ذكر ما ينبني على املبادئ‬ ‫النقول عن‬ ‫ما ورد‬
‫صولية ّ‬ ‫ُ‬
‫املعروضة من قواعد أ ّ‬
‫فرعية‪.‬‬
‫‪-7-‬‬
‫ّ‬
‫الدراسات ّ‬
‫السابقة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة للفكر األصولي في تعامله مع النص الديني‪ .‬وهي ورقة بحثية‬ ‫‪ .1‬املبادئ‬
‫قصيرة قدمها الباحث في املتؤتمر الدولي للفكر اإلسالمي املنعقد في ‪-12-6‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املاليزية‬ ‫‪2004‬م‪ /‬املواف ‪ 24‬شوال ‪1425‬هـ‪ ،‬الذي نظمته الجامعة الوطنية‬
‫الدراسة واشتملت على‬ ‫‪ UKM‬في كواالملبور‪ .‬وهي في أقل من نصف حجم هذه ّ‬
‫األولي لهذه ّ‬ ‫شكلت األصل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسة‪ ،‬لكن مع تغييرات جذرّية‬ ‫ستة مبادئ‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫وإضافات كبيرة في الشكل واملضمون‪.‬‬
‫محمد بن الحسن‬ ‫‪ .2‬معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬للدكتور ّ‬
‫كتاب هدف‬ ‫الجيزاني‪( ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ه=‪1996‬م)‪ .‬وهو ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األصولية املتفق عليها‬ ‫جملة من األغراض‪ ،‬منها‪« :‬تحرير القواعد‬ ‫ٍ‬ ‫املتؤلف فيه إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األصولية املختلف فيها»‪ .‬وقد قام املتؤلف‬ ‫عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬وبيان القواعد‬
‫األ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫املختلفة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صولية‬ ‫جملة كبيرة من هذه القواعد موزعة على األبواب‬ ‫ٍ‬ ‫بعرض‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫مركزا على بيان موقف «السلف» من هذه القواعد‪ .‬وهذا الكتاب ال يلتقي مع‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دراستنا هذه ألمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن الكتاب ‪ -‬بحكم أهدافه ‪ -‬لم يركز على معالم‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫قطاع عريض من األصوليين متكلمين وفقهاء‬ ‫الفكر األصولي ُجملة‪ ،‬الذي يمثله‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫من شتى املذاهب واملدارس‪ ،‬بل كان انتقائيا ِمعياريا ال شامال وصفيا‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يشكل مبدأ ذا آثار‬ ‫توسعه في عرض القواعد دون التمييز بين ما يصلح منها أن ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وقواعد ّ‬ ‫َ‬
‫أصولية ذات آثار محدودة في‬ ‫فرعي ٍة‪ ،‬وما ال يعدو كونه قاعدة‬ ‫عريضة‬
‫ٍ‬
‫باب من األبواب‪.‬‬
‫ّ‬
‫األصولية‬ ‫‪ .3‬معلمة زايد للقواعد األصولية والفقهية‪ ،‬وهي موسوعة للقواعد‬
‫أعدها مجموعة كبيرة من الباحثين على مدى سنين متطاولة‪ ،‬بإشراف‬ ‫والفقهية ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ملنظمة ّ‬ ‫ّ‬
‫التعاون اإلسالمي‪ ،‬ونشرت نشرا ورقيا‬ ‫مجمع الفقه اإلسالمي التابع‬
‫ّ‬ ‫وإلكترونيا في العام ‪1334‬ه املواف ‪2013‬م‪ .‬وقد ّ‬ ‫ً‬
‫قت املوسوعة في املجلد‬ ‫تطر ِ‬
‫ّ‬ ‫الثالث منها إلى ما ُس ّمي بـ "قواعد املبادئ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫عامة في التشريع اإلسالمي"‪ ،‬وذكرت‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫مقصد شرعي" وآخرها‪" :‬الشريعة‬ ‫أربعة عشر مبدأ‪ّ :‬أولها‪" :‬تكريم اإلنسان‬
‫وفصلت الثوابت"‪ .‬وقد قام باحثو املوسوعة بذكر املبدأ وشرح‬ ‫املتغيرات ّ‬ ‫أجملت ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫املقصود به ثم االستدالل له من أدلة الشرع ثم بيان ما ينبني عليه من آثار‬
‫تشريعية‪ .‬وقد تقاطعت دراستنا هذه مع مبادئ املوسوعة األربعة عشر في أربع ٍة‬
‫منها فقط هي‪" )1 :‬ال حكم إال هلل"‪ ،‬وهو في دراستنا بعنوان‪" :‬مبدأ االحتكام إلى‬
‫النص"‪ ،‬و ‪" )2‬ما من حادثة إال وهلل فيها حكم"‪ ،‬وهو في دراستنا بعنوان‪" :‬مبدأ‬ ‫ّ‬
‫‪-8-‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫شمول ّ‬


‫والحسية معتبرة‬
‫ِ‬ ‫العقلية‬ ‫النص بلفظه ومعناه للوقائع"‪ ،‬و ‪" )3‬املسلمات‬
‫النص ومعقوليته"‪ ،‬و ‪" )4‬األصل‬ ‫في الشرع"‪ ،‬وهو في د استنا بعنوان "مبدأ صدق ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عموم األحكام وتساوي الناس فيها"‪ ،‬وهو في دراستنا بعنوان "مبدأ عموم النص‬
‫القدر املتواضع من التقاطع بين‬ ‫وسبب هذا ْ‬
‫ُ‬ ‫في األشخاص إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫املبادئ األربعة عشر املذكورة في املوسوعة واملبادئ االثني عشر املذكورة في هذه‬
‫كل منهما‪ ،‬فاملوسوعة استهدفت مبادئ‬ ‫الدراسة هو اختالف املجال املستقرأ في ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫النص ّ‬
‫خاصة‪ .‬وكما‬ ‫عامة‪ ،‬وهذه الد اسة استهدفت مبادئ ّ‬
‫التعامل مع ّ‬ ‫التشريع ّ‬
‫ر‬
‫اختلفت املوسوعة عن هذه الدراسة في تحديد تلك املبادئ فقد اختلفت عنها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أيضا في طريقة عرضها‪ ،‬فاملوسوعة ركزت على الشرح واالستدالل وبيان اآلثار‪،‬‬
‫ود استنا ّركزت على الوصف والعرض وبيان حجم ّ‬
‫التبني األصولي للمبدأ ّ‬
‫محل‬ ‫ر‬
‫البحث‪.‬‬
‫تتوجه هذه ّ‬
‫الدراسة‪:‬‬ ‫ملن ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫هذه ّ‬
‫للمتخصصين في علم أصول الفقه من حيث إنها‬ ‫الدراسة رغم كونها نافعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َْ ُ‬
‫عدد محدود من املبادئ الكبرى إال‬ ‫تنظم القواعد الفرعية للتعامل مع النص وتلخصها في ٍ‬
‫ّ‬
‫املهتمين بقضايا الفكر‬ ‫سيما هتؤالء‬ ‫ّ‬
‫املتخصصين في العلوم الشرعية‪ ،‬ال ّ‬ ‫إ ّنها ُ‬
‫أنفع بكثير لغير‬
‫النص وعلم الداللة‪ّ ،‬‬ ‫اللغوية الحديثة كعلم لغة ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنها‬ ‫اإلسالمي أو هتؤالء املعتنين بالعلوم‬
‫النص ّ‬
‫الديني‪ ،‬كما ّأنها‬ ‫توقفهم بإيجاز على املعالم الكبرى للمنهج األصولي في تعامله مع ّ‬
‫مة ّ‬ ‫ّ ً‬
‫عامة للمبتدئين في دراسة علم أصول الفقه‪.‬‬ ‫تصلح مقد‬
‫ّ‬
‫وهذا أوان الشروع في ذكر املبادئ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫الن ّ‬
‫ص‪:‬‬ ‫ّأوال‪ :‬مبدأ االحتكام إلى‬
‫املقرر ّ‬
‫النهائي لألحكام‪ .‬فـ «ال حاكم سوى هللا تعالى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ (‪)1‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬
‫أي أن النص‪ ،‬والنص وحده ‪ ،‬هو ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وال حكم إال ما َحكم به»(‪ .)2‬قال الشافعي‪ ،‬رحمه هللا‪« :‬لم أسمع أحدا ن َس َبه الناس‪ ،‬أو ن َسب‬
‫َ‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫والتسليم‬ ‫وجل اتباع أمر رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫نفسه‪ ،‬إلى علم‪ ،‬يخالف في أن فرض هللا ع‬

‫(‪ )1‬املقصود بالنص هو الكتاب والسنة بغض النظر عن الداللة‪ ،‬على أن تحكيم املقاصد والقرائن‬
‫بشتى أنواعها في فهم املراد بالنص ال ينافي االحتكام إلى النص‪ ،‬بل الذي ينفيه هو رفض النص‬
‫ً‬
‫والوحي مرجعية للحكم‪ ،‬واالحتكام إلى مصادر وضعية بشرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬اآلمدي‪ :‬سيف الدين علي بن أبي علي‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد الرزاق عفيفي‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬املكتب اإلسالمي‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.79‬‬
‫‪-9-‬‬
‫ّ‬
‫وأنه ال يل م قول ّ‬ ‫ّ‬ ‫وجل لم يجعل ألحد َ‬ ‫ّ‬
‫بأن هللا ع ّ ّ‬
‫بكل حال إال بكتاب هللا أو‬ ‫بعده إال اتباعه‪،‬‬ ‫لحكمه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سنة رسوله‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأن ما سواهما تبع لهما»(‪.)1‬‬
‫مسميات يذكرها كثيرون في‬‫والرأي والعرف واملصلحة وغير ذلك من ّ‬ ‫وأما العقل ّ‬‫ّ‬
‫أدلة األحكام أو مصادرها‪ ،‬فلها ثالث حاالت‪:‬‬
‫قررها ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ً‬
‫أحكاما ّتتف مع األحكام التي ّ‬ ‫إحداها ‪ :‬أن ُت ّ‬
‫حينئذ بما‬
‫ٍ‬ ‫ص‪ ،‬فالعبرة‬ ‫قرر‬
‫ّ‬
‫ومتؤك ٌ‬ ‫ص‪ ،‬وهذه املصادر‪ ،‬في هذه الحال‪ّ ،‬إنما هي ّ‬
‫متؤي ٌ‬ ‫قرره ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫دات ال‬ ‫دات‬
‫يضر االستغناء عنها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يقررها ّ‬
‫الن ّ‬ ‫أحكاما تصطدم مع األحكام التي ّ‬ ‫ً‬ ‫والثانية ‪ :‬أن ُت ّ‬
‫وحينئذ فال اعتبار‬
‫ٍ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫قرر‬
‫لها‪.‬‬
‫يتعرض لها ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ً‬
‫أحكاما لم َّ‬ ‫ّ‬
‫الثالثة ‪ :‬أن ُت ّ‬
‫ص بلفظه أو معناه بطري ٍ مباشرة أو‬ ‫قرر‬ ‫و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫غير مباشرة‪ .‬وهذا الفرض غير واقع؛ ألنه يتناقض مع مبدأ «شمول النص»‬
‫قليل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الذي سنبينه بعد ٍ‬
‫العرف أو اإلجماع في تقرير الحكم‪،‬‬ ‫ص على العقل أو الرأي أو ُ‬ ‫نعم‪ ،‬قد يحيل ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص‬‫ألنها لوال اإلحالة من ا ّلن ّ‬
‫ص؛ ّ‬ ‫لكن هذا ال يعني انفراد هذه املصادر بتقرير الحكم دون ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هائي إذن هو ّ‬
‫الن ّ‬ ‫فاملقرر ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملا ح ّ لها هذا ّ‬
‫ص‪ .‬قال الشاطبي‪« :‬إذا تعاضد النقل‬ ‫التقرير‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬
‫ويتأخر العقل فيكون‬ ‫يتقدم النقل فيكون متبوعا‪،‬‬ ‫رعية‪ ،‬فعلى شرط أن‬ ‫والعقل على املسائل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النظر إال بقدر ما ّ‬ ‫ا‬
‫يسرحه النقل»(‪ .)2‬وقال‪« :‬األدلة العقلية إذا‬ ‫تابعا‪ ،‬فال يسرح العقل في مجال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫استعملت في هذا العلم فإنما تستعمل مركبة على األدلة السمعية‪ ،‬أو معينة في طريقها‪ ،‬أو محققة‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫مستقل اة ّ‬
‫بالداللة؛ ألن النظر فيها نظر في أمر شرعي‪ ،‬والعقل ليس‬ ‫ملناطها‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬ال‬
‫بشارع»(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫بالتحسين ّ‬
‫يعكر على هذا املبدأ سوى قول املعتزلة وغيرهم ّ‬‫ّ‬
‫العقليين‪،‬‬ ‫والتقبيح‬ ‫ِ‬ ‫وال‬
‫داللة أو إحالة من‬ ‫ُ‬
‫اإليمان باستقالل العقل بمعرفة الحكم دون‬ ‫ألن ّ‬
‫متؤدى هذا القول‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫طريقا وحيد ًا للوصول إلى الحكم‪ّ .‬‬ ‫ص ال ّ‬ ‫ص‪ ،‬أي ّأن ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ولكن هذا القول كان ذا أ ٍثر‬ ‫يتعين‬
‫ًّ‬
‫جدا في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وذلك لسببين‪:‬‬ ‫محدود‬

‫(‪ )1‬الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ .‬األم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار املعرفة‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.287‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )2‬الشاطبي‪ :‬إبراهيم بن موس ى الغرناطي‪ .‬املوافقات‪ ،‬تحقي وشرح عبد هللا دراز‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.87‬‬
‫(‪ )3‬املرجع الساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.35‬‬
‫‪-10-‬‬

‫أحدهما‪ّ :‬أن القائلين به يقصرون دور العقل في الوصول إلى األحكام على الفترة قبل‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الناس هل كانوا َّ‬ ‫النص‪ .‬أي ّأن ّ‬‫ُورود ّ‬
‫متعبدين بالعقل قبل ورود الشرع أم ال؟ وهي مسألة‬
‫قليلة الجدوى والخالف فيها ليس ذا شأن‪.‬‬
‫قرون ّ‬‫ّ ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن‬ ‫والثاني‪ :‬أنهم يعترفون بمحدودية العقل في مجال تقرير األحكام‪ ،‬أي أنهم ي ِ‬
‫ص فقط دون العقل‪ّ ،‬‬
‫وأن ما يثبته العقل‬ ‫الغالبية العظمى من األحكام ّإنما يمكن إثباتها ّ‬
‫بالن ّ‬
‫ّ‬
‫من األحكام كوجوب العدل‪ ،‬وحرمة الظلم‪ ،‬ووجوب شكر املنعم‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬قد جاء بها‬
‫النص وليست هي موضع خالف بين أحد‪.‬‬
‫كثير من مسائل االعتقاد‪ ،‬فقد‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ومن هنا نجد أن املعتزلة‪ ،‬وإن خالفوا أهل السنة في ٍ‬
‫وافقوهم في الفروع واألحكام في الغالب‪ .‬قال األنصار ّي‪« :‬ال حكم إال من هللا تعالى بإجماع ّ‬
‫األمة‪،‬‬
‫مما ال يجترئ‬‫فإن هذا ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال كما في كتب بعض املشايخ‪ :‬إن هذا عندنا‪ ،‬وعند املعتزلة الحاكم العقل‪.‬‬
‫ن ّ‬ ‫ّ‬
‫معرف لبعض األحكام اإللهية‪ ،‬سواء َو َرد‬
‫إن العقل ّ‬ ‫عليه أحد ممن ّيدعي اإلسالم‪ .‬بل إنما يقولو ‪:‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الشرع أم ال‪ .‬وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضا»(‪.)1‬‬ ‫به‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقال ابن قاض ي الجبل‪« :‬ليس مراد املعتزلة بأن األحكام عقلية‪ :‬أن األوصاف مستقلة‬
‫باألحكام‪ ،‬وال أن العقل هو املوجب أو ّ‬
‫املحرم‪ ،‬بل معناه عندهم‪ :‬أن العقل أدرك أن هللا تعالى بحكمته‬
‫البالغة كلف بترك املفاسد وتحصيل املصالح‪ ،‬فالعقل أدرك اإليجاب والتحريم‪ ،‬ال أنه أوجب‬
‫وحرم»(‪.)2‬‬
‫معظم األصوليين ‪ -‬في مبحث الحكم ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫الديب‪« :‬وجدنا‬
‫وقال الدكتور عبد العظيم ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫يقولون‪" :‬ال حاكم إال هللا‪ ،‬خالفا للمعتزلة؛ فإنهم يحكمون العقل"‪ .‬وعندما قمنا بتتبع نصوص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫املعتزلة في كتبهم األصيلة لم نجد هذا صحيحا بهذا اإلطالق‪ ،‬وإنما هذا قول املعتزلة قبل ورود الشرع‪،‬‬
‫ّ‬
‫أما بعد ورود الشرع‪ ،‬فال حكم إال هلل‪ ،‬وال يوجد مسلم يقول بغير هذا‪ .‬وعلى ذلك تخرج هذه املسألة‬
‫من علم أصول الفقه إلى علم أصول الدين»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬األنصاري‪ :‬عبد العلي محمد بن نظام الدين‪ .‬فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،1‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )2‬نقله عنه املرداوي‪ :‬عالء الدين أبو الحسن علي بن سليمان‪ .‬التحبير شرح التحرير‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد‬
‫الرحمن الجبرين وعوض القرني وأحمد السراج‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ=‪2000‬م‪،‬‬
‫ج‪ ،2‬ص‪.721‬‬
‫(‪ )3‬الجويني‪ ،‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ .‬نهاية املطلب في دراية املذهب‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد‬
‫العظيم محمود الديب‪ ،‬جدة‪ :‬دار املنهاج‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ=‪2007‬م‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ص‪ .247‬ومن الجدير‬
‫متفر ٌع عن قولهم بالتحسين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذكره أن قول املعتزلة بالتحسين والتقبيح في مجال األحكام الشرعية ِ‬
‫والتقبيح في مجال أفعال الباري سبحانه‪ ،‬وهي مسألة وجوب الصالح واألصلح عليه سبحانه‪.‬‬
‫‪-11-‬‬
‫إجماع األصوليين على ّأن االجتهاد بالرأي‪ّ ،‬‬
‫بشتى‬ ‫ُ‬ ‫ومن أهم ما انبنى على هذا املبدأ‬
‫ً‬
‫دل ال ّنص الثابت غير املعا َرض على حكمها داللة صريحة‪.‬‬
‫قضية ّ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫صوره‪ ،‬ال يجوز في‬
‫قال الشافعي‪« :‬ما كان هلل فيه نص حكم‪ ،‬أو لرسوله سنة‪ ،‬أو للمسلمين فيه إجماع‪ ،‬لم‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫يسع أحدا َعلم من هذا واحدا أن يخالفه‪ .‬وما لم يكن فيه من هذا واحد كان ألهل العلم االجتهاد‬
‫ّ‬
‫فيه بطلب الشبهة [أي‪ :‬الش َبه‪ ،‬وهو القياس] بأحد هذه الوجوه الثالثة»(‪ .)1‬وقال‪« :‬أجمع الناس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على أن من استبانت له سنة عن رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لم يكن له أن يدعها لقول أحد‬
‫ّ‬
‫الناس»(‪.)2‬‬ ‫من‬
‫ّ‬
‫وقال زفر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة‪« :‬إنما نأخذ بالرأي ما لم يجئ األثر‪ ،‬فإذا جاء‬
‫األثر تركنا الرأي‪ ،‬وأخذنا باألثر»(‪.)3‬‬
‫ومن َ‬
‫بعدهم من فقهاء سائر األعصار إذا‬ ‫الجصاص‪« :‬املتوارث عن الصدر األول‪َ ،‬‬‫ّ‬ ‫وقال‬
‫يسوغون‬‫ص ف عوا إلى االجتهاد والقياس‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص‪ ،‬ثم إذا عدموا‬ ‫ابتلوا بحادثة طلبوا حكمها من‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص»(‪.)5‬‬ ‫ص»(‪ .)4‬وقال‪« :‬ال خالف في سقوط االجتهاد مع‬ ‫ألحد االجتهاد واستعمال القياس مع‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص باطل قطعا»(‪.)6‬‬ ‫وقال الغزالي‪« :‬القياس على خالف‬
‫ّ ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقال الرازي‪ّ « :‬‬
‫ص»(‪.)7‬‬ ‫األمة مجمعة على أن من شرط القياس أن ال يرده‬

‫كبير في الخالف بينهم‬


‫أثر ٍ‬‫واملسألة األصل ‪ -‬أي التحسين والتقبيح العقلي في مجال األفعال ‪ -‬ذات ٍ‬
‫ومنتشرة من املسائل االعتقادية واألصولية‪ ،‬وهذا بخالف املسألة‬
‫ٍ‬ ‫كبيرة‬
‫ٍ‬ ‫جملة‬
‫ٍ‬ ‫وبين غيرهم في‬
‫ينبن عليها إال‬
‫محدود ولم ِ‬
‫ٍ‬ ‫أثر‬
‫الفرع ـ أي التحسين والتقبيح العقلي في مجال األحكام ـ فهي ذات ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫معدودة مثل الحكم قبل ورود الشرع‪ ،‬ووجوب شكر الباري عقال‪ ،‬وغيرها من‬ ‫ٍ‬ ‫خالف في مسائل‬
‫عد الخالف فيها ذا فائدة َع َم ّلية ملموسة‪.‬‬‫املسائل التي ال ُي ّ‬
‫(‪ )1‬الشافعي‪ .‬األم‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.300‬‬
‫(‪ )2‬نقله عنه ابن القيم‪ .‬إعالم املوقعين‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .201‬ولم أجده في املطبوع من كتب الشافعي‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخطيب البغدادي‪ ،‬أحمد بن علي بن ثابت‪ .‬الفقيه واملتفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬عادل بن يوسف الغرازي‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪ :‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ط‪( ،2‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.510‬‬
‫(‪ )4‬الجصاص‪ :‬أحمد بن علي الرازي‪ .‬الفصول في األصول‪ ،‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1414‬هـ=‪1994‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.319‬‬
‫(‪ )5‬املرجع الساب ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )6‬الغزالي‪ .‬املستصفى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.341‬‬
‫(‪ )7‬الرازي‪ .‬فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي‪ .‬املحصول في علم أصول الفقه‪،‬‬
‫تحقي ‪ :‬طه جابر العلواني‪ ،‬بيروت‪ :‬متؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1418 ،3‬هـ=‪1997‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.100‬‬
‫‪-12-‬‬
‫ّ‬
‫وقال ابن القيم‪« :‬فصل في تحريم اإلفتاء والحكم في دين هللا بما يخالف النصوص‪،‬‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص‪ ،‬وذكر إجماع العلماء على ذلك»(‪.)1‬‬ ‫وسقوط االجتهاد والتقليد عند ظهور‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص ومعقوليته‪:‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مبدأ صدق‬
‫ٌ‬ ‫ّ ّ ّ ّ‬
‫صادق فيما أخبر به من العقائد والقصص واألحداث املاضية‬ ‫ص الثابت‬ ‫أي أن الن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ناجم عن صدق املخبر به‪ ،‬وهو ّ‬ ‫النص ٌ‬ ‫واملستقبلية‪ .‬وصدق ّ‬
‫ّ‬
‫الرسول‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬
‫بي‪،‬‬ ‫عن هللا تعالى‪ .‬قال ابن حزم‪« :‬قد وافقنا املعتزلة وكل من يخالفنا في هذا املكان على أن خبر‬
‫الشريعة ال يجوز فيه الكذب‪ ،‬وال الوهم؛ لقيام ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدليل على ذلك»(‪.)2‬‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في‬
‫َّ‬ ‫وقال الزركش ي‪ّ « :‬اتفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه»(‪ )3‬أي في َّ‬
‫النص الذي بلغه‬
‫النبي‪ ،‬صلى هللا عليه سلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويدل عليه‬ ‫وقال الغزالي‪« :‬ما أخبر هللا تعالى عنه فهو صدق بدليل استحالة الكذب عليه‪.‬‬
‫دليالن‪:‬‬
‫الرسول‪ ،‬عليه ّ‬
‫السالم‪ ،‬عن امتناع الكذب عليه تعالى‪.‬‬ ‫أقواهما‪ :‬إخبار ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والثاني‪ :‬أن كالمه تعالى قائم بنفسه‪ ،‬ويستحيل الكذب في كالم النفس على من يستحيل‬
‫عليه الجهل»(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫األصوليون نسخ الخبر؛ «ألن نسخه ّ‬
‫والرجوع عنه يفض ي إلى الكذب»(‪.)5‬‬ ‫ّ‬
‫يجوز‬
‫ولذلك لم ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبناء على هذا املبدأ فليس بمقبو ٍل أصوليا‪ :‬منهج بعض الفالسفة‪« :‬الذين يقولون‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن األنبياء أخبروا عن هللا وعن اليوم اآلخر‪ ،‬وعن الجنة والنار‪ ،‬بل وعن املالئكة‪ ،‬بأمور غير مطابقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لألمر في نفسه‪ ،‬ولكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن هللا جسم عظيم‪ ،‬وأن األبدان‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫تعاد‪ ،‬وأن لهم نعيما محسوسا‪ ،‬وعقابا محسوسا‪ ،‬وإن كان األمر ليس كذلك في نفس األمر‪ ،‬ألن من‬
‫ا‬
‫مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن األمر هكذا‪ ،‬وإن كان هذا كذبا فهو كذب‬
‫ّ‬
‫ملصلحة الجمهور؛ إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم ال تمكن إال بهذه الطريق‪ .‬وقد وضع ابن سينا وأمثاله‬

‫(‪ )1‬ابن القيم الجوزية‪ :‬محمد بن أبي بكر‪ .‬إعالم املوقعين عن رب العاملين‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد عبد‬
‫السالم إبراهيم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ=‪1991‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.192‬‬
‫(‪ )2‬ابن حزم‪ :‬علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلس ي‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد‬
‫شاكر‪ ،‬بيروت‪ :‬دار اآلفاق الجديدة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )3‬الزركش ي‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )4‬الغزالي‪ .‬املستصفى‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )5‬أبو يعلى الفراء‪ :‬محمد بن الحسين بن محمد بن خلف‪ .‬العدة في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد‬
‫بن علي املباركي‪( ،‬د‪.‬م)‪( :‬د‪.‬ن)‪ ،‬ط‪1410 ،2‬هـ=‪1990‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.825‬‬
‫‪-13-‬‬

‫قانونهم على هذا األصل‪ ،‬كالقانون الذي ذكره في رسالته األضحوية‪ .‬وهؤالء يقولون‪ :‬األنبياء قصدوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ظواهرها‪ ،‬وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر‪ ،‬وإن كانت الظواهر في نفس‬ ‫بهذه األلفاظ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫للحق‪ ،‬فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة»(‪.)1‬‬ ‫األمر كذبا وباطال ومخالفة‬

‫ص استخدم‬ ‫الن ّ‬‫بأن ّ‬ ‫وكذلك ليس بمقبول‪ :‬منهج القائلين من بعض املعاصرين ّ‬
‫ٍ‬
‫الن ّ‬ ‫ً‬
‫الروائي (=غير الحقيقي)‪ ،‬مراعاة ألحوال العرب وقت نزول ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫والق ّ‬
‫ص‪،‬‬ ‫«األسطورة»‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫كما دندن حوله نصر أبو زيد(‪ )2‬وغيره‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فال َح َوال َح َّ أقول}(ص‪ ،)84:‬وقال‪َ { :‬و َم ْن‬
‫ََ ْ َ َ َ َ ْ ٌَْ ُ َْ‬
‫األ ْل َباب َما َك َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َأ ْ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ص َد ُق ِم َن الل ِه َح ِديثا}(النساء‪ ،)87:‬وقال‪{ :‬لقد كان ِفي قص ِص ِهم ِعبرة ِأل ِولي‬
‫ً َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ ََ ْ َ ُ َ‬
‫يل ك ِ ّل ش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َمة ِلق ْو ٍم‬
‫َّ‬
‫ص ِدي َ ال ِذي بين يدي ِه وتف ِص‬‫َحد ًيثا ُي ْف َت َرى َو َلك ْن َت ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ ُ نَ‬
‫يتؤ ِمنو }(يوسف‪.)111:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد انبنى على مبدأ صدق النص أنه معقول أي أنه ال يأتي بما تحيله أو تأباه‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫العقو ُل أبدا‪ ،‬وال بما يصادم حقائ العلم أو الواقع أو التاريخ‪ .‬وإذا ُوجد ث َّم ما قد يعارض‬
‫غير ما ظهر منه‪.‬‬ ‫معنى ُ‬ ‫وإما املقصود به ً‬ ‫بثابت‪ّ ،‬‬ ‫النصوص فهو‪َّ :‬إما ليس‬ ‫البين من ّ‬ ‫العقل ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قال ابن عقيل‪« :‬أجمع أرباب العقول من أهل الشرائع أنه ال يجوز أن َيرد الشرع بغير‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تلميذه ُ‬
‫ابن الجوزي‪« :‬كل حديث رأيته يخالف املعقول‪ ،‬أو‬ ‫مجوزات العقول»(‪ .)3‬ولذلك قال‬
‫يناقض األصول‪ ،‬فاعلم ّأنه موضوع»(‪.)4‬‬
‫ينافي موجبات أحكام العقول؛ ألن‬ ‫ّ‬
‫الجصاص‪« :‬م ّما ي َرد به أخبار اآلحاد من العلل أن َ‬ ‫وقال‬
‫حجة هلل تعالى‪ ،‬وغير جائ انقالب ما دلت عليه وأوجبته‪ .‬وكل خبر يضاده ّ‬
‫حجة للعقل فهو‬ ‫العقول ّ‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫أحكام‬ ‫فاسد غير مقبول‪ ،‬وحجة العقل ثابتة صحيحة‪ ،‬إال أن يكون الخبر محتمال لوجه ال يخالف به‬
‫ّ ّ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫العقول‪ ،‬فيكون محموال على ذلك الوجه»(‪ .)5‬وذلك‪ ،‬كما يقول التفتازاني؛ «ألن النقل يقبل‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ .‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد رشاد سالم‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬ط‪1411 ،2‬هـ= ‪1992‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.8‬‬
‫ّ‬
‫ُوينظر‪ :‬ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الحفيد)‪ .‬فصل املقال فيما بين الشريعة‬
‫والحكمة من االتصال‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد عمارة‪ ،‬الرياض‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪( ،2‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر كتابه‪ :‬النص‪ّ ،‬‬
‫السلطة‪ ،‬الحقيقة‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن عقيل‪ :‬علي بن عقيل بن محمد‪ .‬الواضح في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد هللا بن عبد املحسن‬
‫التركي‪ ،‬بيروت‪ :‬متؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ=‪1999‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.377‬‬
‫(‪ )4‬ابن الجوزي‪ :‬جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد‪ .‬املوضوعات‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬املكتبة‬
‫السلفية‪ ،‬ط‪1386 ،1‬هـ=‪1966‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.106‬‬
‫(‪ )5‬الجصاص‪ .‬الفصول في األصول‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.121‬‬
‫‪-14-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التأويل بخالف العقل‪ ،‬وألنه [أي النقل] فرع العقل الحتياجه إليه من غير عكس‪ ،‬فال يجوز تكذيب‬
‫ّ‬
‫األصل لتصديق الفرع املتوقف صدقه على صدق األصل»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األصوليين‪ ،‬وأهل العلم عموما‪ ،‬على هذا املبدأ من حيث الجملة إال‬ ‫ورغم اتفاق‬
‫ً‬ ‫ظنا أو ّ‬ ‫كونه ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّأنهم يتفاوتون فيما بينهم فيما ُي ّ‬
‫حتى وهما‪،‬‬ ‫عد ثابتا بالعقل‪ ،‬وما ال يعدو‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وبعضهم ّ‬ ‫يتوسع في تحكيم العقل في مجال ّ‬ ‫فبعضهم ّ‬
‫يضي ‪ ،‬وتبعا لهذا يبالغ‬ ‫النظريات‪،‬‬
‫النصوص بدعوى التوفي بينها وبين دالئل العقول‪ ،‬وينكر ا ّ‬
‫ملضيقون‬ ‫املتوسعون في تأويل ّ‬
‫ّ‬
‫الدليل العقلي الذي ُي ّ‬
‫تؤول أو ُيرد‬ ‫املضيقين‪ ،‬يشترط في ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن ابن تيمية‪ ،‬وهو من‬ ‫ذلك‪ .‬ولهذا َّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مما يخفى ويشتبه‪ ،‬ويكون َمدعاة للخالف بين العقالء‪،‬‬ ‫صريحا أو ّبي ًنا‪ ،‬ال ّ‬
‫ً‬
‫النص أن يكون‬ ‫به ّ‬
‫الصحيح إال وهو عند أهل العلم‬‫السمع ّ‬ ‫قال رحمه هللا‪« :‬ال يعلم حديث واحد يخالف العقل أو ّ‬
‫ّ‬
‫الخفية املشتبهة التي يحار فيها كثير‬ ‫ضعيف‪ ،‬بل موضوع‪...‬ولكن عامة موارد التعارض هي من األمور‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من العقالء‪ ،‬كمسائل أسماء هللا وصفاته وأفعاله‪ ،‬وما بعد املوت من الثواب والعقاب والجنة والنار‬
‫والعرش والكرس ي‪ ،‬وعامة ذلك من أنباء الغيب التي تقصر عقول أكثر العقالء عن تحقيق معرفتها‬
‫وإما حيارى‬ ‫بمجرد رأيهم‪ّ :‬إما متنازعين مختلفين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بمجرد رأيهم‪ ،‬ولهذا كان عامة الخائضين فيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والسنة ال يعارضها معقول َب ّين قط»(‪.)3‬‬ ‫م َت ّهوكين»(‪ ،)2‬و«النصوص الثابتة في الكتاب‬
‫ل ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص بلفظه ومعناه للوقائع‪:‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مبدأ شمو‬
‫ص متناو ٌل لها بالحكم‪،‬‬ ‫أي ّأنه ما من واقعة حدثت أو تحدث إلى يوم القيامة إال ّ‬
‫والن ّ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫شامل للوقائع‬ ‫ص بلفظه ومعناه القريب والبعيد‬ ‫سوا ٌء بطري مباشرة أو غير مباشرة‪ّ .‬‬
‫فالن ّ‬
‫ٍ‬
‫ومكان‪.‬‬ ‫مان‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫كاف للحكم عليها‪ ،‬وهو صالح لكل ز ٍ‬
‫ٍ‬
‫قال الشافعي‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪« :‬فليست تنزل بأحد من أهل دين هللا نازلة إال وفي كتاب‬
‫ا ّ‬ ‫ّ‬
‫هللا الدليل على سبيل الهدى فيها»(‪ .)4‬وعنه أيضا‪« :‬إنا نعلم قطعا أنه ال تخلو واقعة عن حكم هللا‬
‫تعالى مع و إلى شريعة ّ‬
‫محمد‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬التفتازاني‪ :‬سعد الدين مسعود بن عمر‪ .‬شرح التلويح على التوضيح‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة صبيح‪،‬‬
‫(د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.247‬‬
‫(‪ )2‬ابن تيمية‪ .‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.150‬‬
‫(‪ )3‬املرجع الساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.155‬‬
‫(‪ )4‬الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ .‬الرسالة‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة الحلبي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1358‬هـ=‪1940‬م‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )5‬عزاه إليه الجويني‪ :‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ .‬البرهان في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬صالح‬
‫بن محمد بن عويضة‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ=‪1997‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،162‬وليس‬
‫‪-15-‬‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫وجل فيه حكم؛ ألنه تعالى يقول‪{ :‬إن الل َه كان‬
‫وقال ابن سريج‪« :‬ليس ش يء إال وهلل ع ّ ّ‬
‫ان الله َع َلى ك ّل َش يء مق ايتا} (النساء‪ ،)85:‬وليس في ّ‬
‫الدنيا‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َعلى ك ّل ش يء َحس ايبا} (النساء‪{ ،)86:‬وك‬
‫ّ‬
‫ش يء يخلو من إطالق أو حظر أو إيجاب؛ ألن جميع ما على األرض من مطعم أو مشرب أو ملبس أو‬
‫منكح أو حكم بين م َتشاجرين‪ ،‬أو غيره‪ ،‬ال يخلو من حكم‪ ،‬ويستحيل في العقول غير ذلك‪ ،‬وهذا ّ‬
‫مما‬
‫ال خالف فيه أعلمه»(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫الجصاص‪« :‬ما من حادثة جليلة وال دقيقة إال وهلل فيها حكم‪ ،‬قد ّبينه في الكتاب‬ ‫وقال‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫دليال»(‪.)2‬‬ ‫نصا أو‬
‫ا‬
‫يقينا بخبر هللا تعالى الذي ال ي َك ّذبه مؤمن أ ّنه لم ّ‬
‫يفرط في الكتاب‬ ‫وقال ابن حزم‪« :‬صح‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ا ّ‬
‫شيئا‪ ،‬وأنه قد بين فيه كل ش يء‪ ،‬وأن الدين قد كمل‪ ،‬وأن رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قد بين‬
‫ّ‬
‫للناس ما ن ّ ل إليهم»(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫وقال إمام الحرمين‪« :‬الرأي املبتوت املقطوع به عندنا أنه ال تخلو واقعة عن حكم هللا‬
‫تعالى متلق اى من قاعدة الشرع»(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫ورغم اتفاق األصوليين على شمول النصوص للوقائع بلفظها ومعناها املباشر وغير‬
‫َّ‬
‫غطته ّ‬ ‫املباشر‪ّ ،‬‬
‫النصوص من الوقائع بلفظها ومعناها املباشر إلى‬ ‫فإنهم اختلفوا في نسبة ما‬
‫َّ‬
‫واالستحسان واالس ِتصالح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ما غطته بمعناها غير املباشر كالقياس‬
‫ّ‬
‫ص َدر عن االجتهاد‪ ،‬والنصوص ال تفي بالعشر من معشار‬
‫بعضهم‪« :‬معظم الشريعة َ‬ ‫فقال ُ‬
‫الشريعة»(‪.)5‬‬

‫أقوال للشافعي غير منصوصة له‬ ‫ٍ‬ ‫هو في املطبوع من كتب الشافعي‪ ،‬ومن عادة إمام الحرمين عزو‬
‫مخرجة من معنى أقواله أو من الفروع التي حكم فيها وطريقته في االجتهاد‪.‬‬ ‫وإنما ّ‬
‫الزركش ّي‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .217‬وإثبات‬ ‫(‪ )1‬نقله عن كتابه إثبات القياس‪ّ :‬‬
‫ٌ‬
‫مفقود فيما أعلم‪.‬‬ ‫القياس البن سريج‬
‫(‪ )2‬الجصاص‪ :‬أبو بكر أحمد بن علي الرازي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقي محمد صادق قمحاوي‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪1405 ،‬ه‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )3‬ابن حزم‪ :‬علي بن أحمد بن سعيد األندلس ي‪ .‬النبذة الكافية في أحكام أصول الدين‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )4‬الجويني‪ .‬البرهان في أصول الفقه‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )5‬الجويني‪ .‬البرهان في أصول الفقه‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .37‬أي النصوص بألفاظها‪ ،‬ال بعللها‬
‫ومعانيها املستنبطة‪ ،‬التي يقوم عليها االجتهاد أصال‪.‬‬
‫‪-16-‬‬

‫النصوص»(‪)1‬؛‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫وناقضهم آخرون‪ ،‬فقالوا‪« :‬من املحال املمتنع وجود نازلة ال َ‬
‫حكم لها في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وذلك ألن «النصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه‪ ،‬وكل نازلة تنزل إلى يوم القيامة‬
‫ّ‬
‫باسمها»(‪.)2‬‬
‫ّ ّ‬
‫أئمة املسلمين أن النصوص‬ ‫وتوسط فري ٌ ثالث فقالوا‪ّ « :‬‬
‫الصواب الذي عليه جمهور ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وافية بجمهور أحكام أفعال العباد‪ .‬ومنهم من يقول‪ّ :‬إنها وافية بجميع ذلك‪ ،‬وإنما أنكر ذلك من‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة التي هي أقوال هللا ورسوله وشمولها ألحكام أفعال‬ ‫أنكره؛ ألنه لم يفهم معاني النصوص‬
‫ّ‬ ‫ّ ا‬ ‫ّ‬
‫محمدا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بجوامع الكلم‪ ،‬فيتكلم بالكلمة الجامعة‬ ‫العباد‪ ،‬وذلك أن هللا بعث‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫قضية ّكل ّية وقاعدة ّ‬
‫عامة تتناول أنواعا كثيرة‪ ،‬وتلك األنواع تتناول أعيانا ال تحص ى‪،‬‬ ‫العامة التي هي ّ‬
‫ّ‬
‫ا‬ ‫ن ّ‬
‫النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد»(‪.)3‬‬ ‫فبهذا الوجه تكو‬
‫وسعوا من داللة ّ‬
‫النص‬ ‫وفاء بمبدأ الشمول‪َّ ،‬‬ ‫وعلى ّأية حال ّ‬
‫فإن األصوليين‪ً ،‬‬
‫اللفظية‪ ،‬بطريقين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬تعميم حكم ّ‬
‫النص في األشخاص واألزمنة واألمكنة‪.‬‬
‫واألخرى‪ :‬إعمال مقاصد ّ‬
‫النص‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهما املبدآن اللذان سنتناولهما فيما يلي‪:‬‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص في األخشخاص إلى يوم القيامة‪:‬‬ ‫رابعا‪ :‬مبدأ عموم‬
‫من الرسالة إال وهو‬‫ص في ح ّ شخص أو أشخاص ز َ‬ ‫قرره ّ‬
‫الن ّ‬ ‫أي ّأنه ما من حكم ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫الناس في ذلك الزمن‪ ،‬وعلى من بعدهم من الناس إلى يوم القيامة إال‬ ‫ينسحب على جميع ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫لع َمر بن‬ ‫دليل على تخصيصه بمن خوطب به‪ .‬فمثال قوله‪،‬‬ ‫إذا قام ٌ‬
‫ً‬ ‫أبي سلمة‪ّ « :‬‬
‫سم هللا‪ ،‬وكل بيمينك‪ ،‬وكل ّ‬
‫لواحد مخصوص‬ ‫ٍ‬ ‫مما يليك»(‪ ،)4‬وإن كان بلفظه خطابا‬
‫خطاب لجميع املسلمين ز َ‬
‫من الرسالة‪ ،‬ولجميع ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫األمة إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫إال أنه في داللته‬

‫(‪ )1‬ابن حزم‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )2‬املرجع الساب ‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.17‬‬
‫(‪ )3‬ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ .‬مجموع الفتاوى‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪،‬‬
‫املدينة النبوية‪ :‬مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪1416 ،‬هـ=‪1995‬م‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.280‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب التسمية على الطعام واألكل باليمين‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)5376‬ج‪ ،7‬ص‪ .68‬ومسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب آداب الطعام والشراب‬
‫وأحكامهما‪ ،‬رقم (‪ )2022‬ج‪ ،3‬ص‪.1599‬‬
‫‪-17-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قال ابن ّ‬
‫الص ّباغ‪« :‬خطابه‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لواحد خطاب للجماعة باإلجماع»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫كل حكم َحك َم هللا ورسوله به في خشخص أو على خشخص‪ ،‬من عبادة أو‬ ‫الجصاص‪ّ « :‬‬ ‫وقال‬
‫ّ‬
‫التخصيص فيه»(‪.)2‬‬ ‫غيرها‪ ،‬فذلك الحكم الزم في سائر األخشخاص إال إذا قام دليل‬
‫ّ‬ ‫وقال ابن حزم‪ّ « :‬‬
‫األمة كلها مجمعة على وجوب حكم النص وتماديه إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫كل زان أو سارق إلى يوم القيامة‪،‬‬ ‫السالم‪ ،‬على زان أو سارق هو حكم منه على ّ‬‫وكذلك حكمه‪ ،‬عليه ّ‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫وهكذا كل ما َحكم به النص في عين ما هو حكم في نوع تلك العين أبدا‪ ،‬ولو كان خالف ذلك ‪ -‬ونعوذ‬
‫بعده‪ .‬وهذا كفر من‬‫الظن ‪ -‬لبطلت لوازم نبوته‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في ال مان اآلتي َ‬
‫ّ‬ ‫باهلل من هذا‬
‫َ‬
‫كل زمان َأبد األبد»(‪ .)3‬وقال‬
‫حكمه‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في زمانه حكم باق في ّ‬‫معتقده؛ فصح أن َ‬
‫ُْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫الر ُسو َل َوأولي األ ْمر منكم}(النساء‪ّ « :)59 :‬‬ ‫َّ َ َ‬
‫يعوا الله َوأط ُ‬
‫يعوا َّ‬ ‫َ‬
‫في قوله تعالى‪{ :‬أط ُ‬
‫األمة مجمعة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على أن هذا الخطاب متوجه إلينا‪ ،‬وإلى كل من يخلق ويركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من‬
‫والناس‪ ،‬كتوجهه إلى من كان على عهد رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل من أتى بعده‪،‬‬ ‫الجنة‬
‫َ‬
‫عليه السالم‪ ،‬وقبلنا‪ ،‬وال فرق»(‪.)4‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫أن ما سبق من الخطاب في عصر رسول‬ ‫وقال إمام الحرمين‪« :‬أجمع املسلمون قاطبة على‬
‫بعدهم مندرجون تحت قضيته‪ .‬إذا‬‫كافة‪َ ،‬ف َمن َ‬
‫ّ‬
‫متوجه على أهل عصره‬ ‫ّ‬ ‫هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫لم نقل ذلك أدى ذلك إلى قصر الشرع على الذين انقرضوا‪ ،‬فلداللة اإلجماع عدينا الخطاب من‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫الخلف»(‪.)5‬‬ ‫السلف إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالضرورة من دينه عليه السالم‪ :‬أن كل حكم تعلق بأهل زمانه‬ ‫مما عرف‬ ‫وقال ّ‬
‫الزركش ّي‪ّ « :‬‬
‫فهو شامل لجميع ّ‬
‫األمة إلى يوم القيامة»(‪.)6‬‬
‫كثير من ال َعلمانيين‬ ‫ً‬
‫وبناء على هذا املبدأ‪ ،‬تظهر مناقضة ومخالفة ما يدندن حوله ٌ‬
‫الزمان‬ ‫يخية ّ‬
‫النص الديني» ‪ -‬بمعنى ارتهانه وقصر داللته على أسباب نزوله في ّ‬ ‫في قولهم بـ «تار ّ‬

‫(‪ )1‬نقله عنه‪ ،‬الزركش ي‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.272‬‬
‫الجصاص‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.355‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ )3‬ابن حزم‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.59‬‬
‫(‪ )4‬املرجع الساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.97‬‬
‫(‪ )5‬الجويني‪ :‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ .‬التلخيص في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد هللا‬
‫جولم النبالي وبشير أحمد العمري‪ ،‬بيروت‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.428‬‬
‫(‪ )6‬الزركش ي‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،251‬وينظر‪ :‬العالئي‪ :‬صالح الدين الكيكلدي‪.‬‬
‫تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم‪ ،‬تحقي ونشر عبد هللا آل الشيخ‪( ،‬د‪.‬م)‪ :‬ط‪1403 ،1‬ه‪،‬‬
‫ص‪.339‬‬
‫‪-18-‬‬

‫مر العصور‪ .‬قال الفخر الرازي‪ّ « :‬‬


‫األمة‬ ‫الذي نزل فيه(‪ - )1‬ملا أجمع عليه أهل اإلسالم على ّ‬
‫أن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عم َموا‬
‫األمة ّ‬ ‫مجمعة على أن آية اللعان والظهار والسرقة وغيرها إنما ن لت في أقوام معينين مع‬
‫حكمها‪ ،‬ولم يقل أحد‪ :‬إ ّن ذلك التعميم خالف األصل»(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫ا‬ ‫وقال ابن تيمية‪« :‬قولهم‪ :‬هذه اآلية ن لت في كذا‪ّ ،‬‬
‫السيما إن كان املذكور خشخصا؛ كأسباب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الظهار ن لت في امرأة أوس بن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصامت‪ ،‬وإن آية اللعان‬ ‫النزول املذكورة في التفسير‪ ،‬كقولهم‪ :‬إن آية‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫العجالني أو هالل بن أ ّ‬‫ن لت في عويمر َ‬
‫مية‪ ،‬وإن آية الكاللة ن لت في جابر بن عبد هللا‪ ...‬ونظائر هذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كثير م ّما يذكرون أنه ن ل في قوم من املشركين بمكة‪ ،‬أو في قوم من أهل الكتاب اليهود والنصارى‪ ،‬أو‬
‫أن حكم اآلية مختص بأولئك األعيان دون‬ ‫ّ‬
‫في قوم من املؤمنين‪ .‬فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العام الوارد‬ ‫غيرهم‪ ،‬فإن هذا ال يقوله مسلم وال عاقل على اإلطالق‪ ،‬والناس وإن تنازعوا في اللفظ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على سبب هل يختص بسببه أم ال؟ فلم يقل أحد من علماء املسلمين‪ :‬إن عمومات الكتاب والسنة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيعم ما يشبهه‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫تختص بنوع ذلك الشخص‬‫ّ‬ ‫املعين‪ ،‬وإنما غاية ما يقال‪ّ :‬إنها‬
‫بالشخص ّ‬ ‫ّ‬
‫تختص‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫يكون العموم فيها بحسب اللفظ‪ .‬واآلية التي لها سبب معين‪ ،‬إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك‬
‫ّ‬ ‫خبرا بمدح أو ّ‬‫ممن كان بمنزلته‪ ،‬وإن كانت ا‬ ‫الشخص ولغيره ّ‬ ‫ّ‬
‫ذم فهي متناولة لذلك الشخص وغيره‬
‫م ّمن كان بمنزلته ا‬
‫أيضا»(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫خامسا‪ :‬مبدأ إعمال َمقاصد النص‪:‬‬
‫أحكام أخرى‬ ‫فإنه ّ‬‫ّ‬ ‫النص‪ ،‬كما ّ‬ ‫أي ّأن ّ‬
‫ٍ‬ ‫يدل على‬ ‫أحكام بلفظه وعبارته‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يدل على‬
‫بمعقوله ومقصوده‪ .‬و ُي ّ‬
‫توصل إلى تلك األحكام عن طري إعمال آليات التعليل والقياس‬
‫واالستصالح‪.‬‬

‫افد إلى الساحة العربية واإلسالمية من الغرب‪ .‬وقد ُس ِ ّجل‬ ‫مصطلح و ٌ‬


‫ٌ‬ ‫(‪« )1‬التاريخية» أو «التاريخانية»‬
‫َ‬
‫أ َّو ُل ظهور لهذا املصطلح في اللغة الفرنسية في القرن التاسع عشر امليالدي وبالتحديد عام ‪1872‬م‪.‬‬
‫ُْ‬
‫ورغم أن املعاني الفلسفية واأليديولوجية التي أل ِبست لهذا املفهوم في العصر الحديث هي أكثر‬
‫ُ‬
‫من تحص ى‪ ،‬كما يقول الجابري‪ ،‬إال أن من أقرب ما ُع ّ ِرفت به التاريخانية هو أنها‪« :‬العقيدة التي‬
‫تتطور مع التاريخ‪ ،‬وهي تهتم أيضا بدراسة األشياء واألحداث من‬ ‫تقول‪ :‬إن كل ش يء أو كل حقيقة َّ‬
‫خالل ارتباطها بالظروف التاريخية»‪ .‬من خالل هذا التعريف نالحظ أن التاريخية مذهب فكري‬
‫يتؤمن بأنه ال ثبات للحقائ بل هي في تغير وتطور دائمين‪ .‬وهذا املذهب‪ ،‬على الصعيد املعرفي‪،‬‬
‫مواز للنظرية الداروينية على الصعيد البيولوجي‪ ،‬التي تقول بتطور الكائنات الحية املستمر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُوينظر‪ :‬الطحان‪ :‬أحمد إدريس‪ .‬العلمانيون والقرآن الكريم‪ :‬تاريخية النص‪ ،‬الرياض‪ :‬دار ابن‬ ‫ّ‬
‫حزم للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪ ،‬ص‪.296‬‬
‫(‪ )2‬الرازي‪ .‬املحصول‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.125‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )3‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪ .‬مقدمة في أصول التفسير‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫دار مكتبة الحياة‪1980 ،‬م‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪-19-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الحكم واألغراض‬ ‫فالتعليل يهدف إلى الوصول إلى ِعلل األحكام املنصوصة‪ ،‬وهي ِ‬
‫ُ‬
‫واملصالح التي شرعت األحكام لتحصيلها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منصوص على حكمها‬‫ٍ‬ ‫غير‬
‫ِ‬ ‫ى‬‫أخر‬ ‫وقائع‬ ‫إلى‬ ‫األحكام‬ ‫هذه‬ ‫ية‬ ‫عد‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫والقياس يهدف إلى‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫إذا كانت تشترك معها في عين علتها‪ ،‬أو في جنسها القريب‪ ،‬كاستعمال فرشاة األسنان‪ ،‬فإنه‬
‫َّ‬ ‫السواك الذي وردت ّ‬ ‫ُيحكم عليها بمثل ما ُحكم على ّ‬
‫النصوص باستحبابه‪ ،‬والعلة املشتركة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تطهير الفم واألسنان ّ‬
‫بكل منهما‪.‬‬‫ٍ‬
‫غير منصوص على حكمها إذا اشتركت مع‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬
‫واالستصالح يعدي األحكام إلى وقائع ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوقائع املنصوص على حكمها في مقصدها الكلي‪ ،‬وهو جنس علتها البعيد‪ ،‬كااللتزام بإشارات‬
‫ٌ‬ ‫ألنه يتؤدي إلى حفظ ّ‬ ‫ً ّ‬ ‫ّ‬
‫مقصد شرعي‬ ‫النفوس واألموال‪ ،‬وهو‬ ‫املرور فإنه ُيحكم بوجوبه شرعا؛‬
‫النصوص‪.‬‬ ‫ّدلت عليه ٌ‬
‫كثير من ّ‬

‫ويكاد ي ّتف األصوليون والفقهاء‪ ،‬ما خال الظاهرية‪ ،‬على تعليل األحكام باملصالح‪،‬‬
‫نص‪ ،‬وإن اختلفوا في شروط التعليل وشروط‬ ‫وعلى مشروعية القياس واالستصالح حيث ال ّ‬
‫األقيسة واملصالح املعتبرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال الطبري‪« :‬ما أمر هللا بأمر قط إال وهو أمر صالح في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وال نهى هللا عن أمر‬
‫والدين‪ ،‬وهللا أعلم بالذي يصلح َخ َلقه»(‪.)1‬‬
‫الدنيا ّ‬ ‫قط إال وهو أمر فساد في ّ‬
‫ّ‬
‫أن شرائع األنبياء قصد بها مصالح الخلق ّ‬
‫الدينية‬ ‫وقال القرطبي‪« :‬ال خالف بين العقالء‬
‫ّ‬
‫والدنيوية»(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقال إلكيا‪« :‬الذي َع َرفناه من الشرائع ّأنها وضعت على االستصالح‪ ،‬دلت آيات الكتاب‬
‫والسياسات الفاضلة‪ّ ،‬‬
‫وأنها ال ّ‬ ‫بلية ّ‬ ‫ّ‬
‫الشرع للعادات الج ّ‬ ‫ّ‬
‫والسنة وإجماع ّ‬
‫تنفك عن‬ ‫األمة على مالءمة‬
‫مصلحة عاجلة وآجلة»(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫وقال ابن ّحال‪« :‬قال أصحابنا‪ّ :‬‬
‫الدليل على أن األحكام كلها شرعت ملصالح العباد‪ ،‬إجماع‬ ‫ر‬
‫األمة على ذلك‪ّ :‬إما على جهة اللطف والفضل على أصلنا‪ ،‬أو على جهة الوجوب على أصل املعتزلة»(‪.)4‬‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬الطبري‪ :‬محمد بن جرير بن يزيد‪ .‬تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد‬
‫شاكر‪ ،‬بيروت‪ :‬متؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ=‪2000‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.382‬‬
‫(‪ )2‬القرطبي‪ :‬محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين‪ .‬الجامع ألحكام‬
‫القرآن (تفسير القرطبي)‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب املصرية‪،‬‬
‫ط‪1384 ،2‬هـ=‪1994‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.64‬‬
‫(‪ )3‬الزركش ي‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.161‬‬
‫(‪ )4‬املرجع الساب ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.158‬‬
‫‪-20-‬‬
‫ّ‬
‫وقال اآلمدي‪« :‬أئمة الفقه مجمعة على أن أحكام هللا تعالى ال تخلو عن حكمة‬
‫ومقصود»(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إال من ال ي ّ‬ ‫ّ‬
‫عتد به من جامدي الظاهرية‪ ،‬على تعليل األحكام باملصالح‬ ‫وقال الطوفي‪« :‬أجمع‪،‬‬
‫واملَفاسد»(‪.)2‬‬
‫وقال املزني‪« :‬الفقهاء من عصر رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إلى يومنا وهلم ّ‬
‫جرا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫أن نظير ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حق‪ ،‬وأن‬ ‫املقاييس في الفقه‪ ،‬في جميع األحكام في أمر دينهم‪ .‬قال‪ :‬وأجمعوا‬ ‫استعملوا‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫والتمثيل عليها»(‪.)3‬‬ ‫نظير الباطل باطل‪ .‬قال‪ :‬فال يجوز ألحد إنكار القياس؛ ألنه التشبيه باألمور‬

‫الصحابة القول بالقياس واالجتهاد في أحكام الحوادث‪،‬‬ ‫الجصاص‪« :‬قد صح عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقال‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫باألخبار املتواترة املوجبة للعلم‪ ،‬بحيث ال مساغ للشك فيه‪ .‬كل واحد منهم يقول‪ :‬أجتهد رأيي‪ ،‬فأقول‬
‫َ‬ ‫فيها برأيي‪ ،‬ويستعمل القياس‪ ،‬ويأمر به َ‬
‫غيره‪ ،‬ال يتناكرونه‪ ،‬وال يمنعون إنفاذ القضايا واألحكام به‪.‬‬
‫ا‬
‫وكذلك حال التابعين وأتباعهم مستفيضا ذلك بينهم‪ .‬وقد وقع العلم لنا بوجوده منهم»(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص وتكامله‪:‬‬ ‫سادسا‪ :‬مبدأ انسجام‬
‫َ ََ‬
‫متناقض في نفسه‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬أفال‬
‫ٍ‬ ‫مختلف أو‬
‫ٍ‬ ‫ص َّأنه غير‬ ‫الن ّ‬ ‫املقصود بانسجام َّ‬
‫ْ َ ً َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ون ْال ُق ْر َآن َو َل ْو َك َ‬
‫َي َت َد َّب ُر َ‬
‫ان ِم ْن ِع ْن ِد غ ْي ِر الل ِه ل َو َج ُدوا ِف ِيه اخ ِتالفا ك ِث ًيرا} (النساء‪ .)82:‬وما قد‬
‫الظ ّنية فهو تعار ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يبدو من تعا ض وتناقض بين بعض ّ‬
‫ض ظاهر ٌي ينبغي على املجتهد‬ ‫النصوص‬ ‫ٍ‬ ‫ر ٍ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رفعه عن طري الجمع أو النسخ أو الترجيح‪ .‬قال الشاطبي‪« :‬اتفق الجميع على أن الشريعة ال‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫اختالف فيها وال تناقض‪ ،‬ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا»(‪.)5‬‬
‫ّ‬ ‫كونه متكامال‪ ،‬أي ّأن ّ‬ ‫ُ‬
‫رعية‪ ،‬عند‬ ‫الش ّ‬ ‫النصوص‬ ‫وقد انبنى على انسجام ال ّنص‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫واحد‪ ،‬بحيث ّ‬ ‫ٌ‬ ‫األصوليين‪ٌّ ،‬‬
‫يكمل بعضها بعضا‪ .‬فالقرآن «من فاتحته إلى خاتمته كالكلمة‬ ‫كل‬
‫الواحدة»(‪ ،)6‬والقرآن والحديث «كلفظة واحدة‪ ،‬وخبر واحد‪ ،‬موصول بعضه ببعض‪ ،‬ومضاف‬

‫(‪ )1‬اآلمدي‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.285‬‬


‫(‪ )2‬الطوفي‪ :‬سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم‪ .‬رسالة في رعاية املصلحة‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد عبد‬
‫الرحيم ّ‬
‫السايح‪( ،‬د‪.‬م)‪ :‬الدار املصرية اللبنانية‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ= ‪1993‬م‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫(‪ )3‬ابن القيم‪ .‬إعالم املوقعين‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.157‬‬
‫(‪ )4‬الجصاص‪ .‬الفصول في األصول‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪.52 ،4‬‬
‫(‪ )5‬الشاطبي‪ .‬املوافقات‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ .18‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )6‬الشيرازي‪ :‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي‪ .‬اللمع في أصول الفقه‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1405‬ه=‪1985‬م‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪-21-‬‬
‫ّ‬ ‫األدلة عند ّ‬‫ّ‬
‫األئمة الراسخين إنما هو على أن‬ ‫بعضه إلى بعض‪ ،‬ومبني بعضه على بعض»(‪ .)1‬و«مأخذ‬
‫ّ‬ ‫الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من ّكلياتها وج ئياتها املرتبة عليها‪ّ ،‬‬
‫وعامها املرتب‬
‫ّ‬
‫تؤخذ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫خاصها‪ ،‬ومطلقها املحمول على مقيدها‪ ،‬ومجملها املفسر بب ّينها‪...‬وما مثلها إال مثل اإلنسان‬ ‫على‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الصحيح السوي‪ ،‬فكما أن اإلنسان ال يكون إنسانا حتى يستنطق(‪ ،)2‬فال ينطق؛ ال باليد وحدها‪ ،‬وال‬
‫باللسان َ‬‫ّ‬
‫وحده‪ ،‬بل بجملته التي س ّمي بها إنسانا‪ ،‬كذلك‬ ‫بالرجل وحدها‪ ،‬وال بالرأس وحده‪ ،‬وال‬‫ّ‬
‫الشريعة ال يطلب منها الحكم على حقيقة االستنباط إال بجملتها‪ ،‬ال من دليل منها ّ‬ ‫ّ‬
‫أي دليل كان‪ ،‬وإن‬
‫ظهر لبادي الرأي نطق ذلك»(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫حكم أو قضية ما باالقتصار على‬ ‫وعليه‪ ،‬فال يجوز في املنهج األصولي االستدالل على ٍ‬
‫ّ‬ ‫النصوص الوا دة فيها دون بعض‪ ،‬بل ينبغي اعتبار جميع ّ‬ ‫بعض ّ‬
‫النصوص املتعلقة بها‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬
‫بمتطلبات هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫النظرة‬ ‫األصولي شغلها الوفاء‬ ‫اعتبارا واحدا‪ .‬ومساحة عريضة من البحث‬
‫ّ‬
‫باألدلة ّ‬ ‫والتقييد ّ‬ ‫والتفسير ّ‬‫كاملية لنصوص الوحي‪ .‬فمباحث التأويل ّ‬ ‫الت ّ‬‫ّ‬
‫املتصلة‬ ‫والتخصيص‬
‫النصوص‪،‬‬ ‫والترجيح‪ّ ،‬كلها تصب في خدمة الحفاظ على تكامل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملنفصلة‪ ،‬ومباحث النسخ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُويستنتج منها ّأن نصوص الوحي لم تكن ـ في نظر األصوليين ـ إال سياقا واحدا‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬حتى تتكامل‬ ‫كالحنفية‪ ،‬تشترط في نصوص ّ‬ ‫ّ‬ ‫نعم‪ ،‬بعض املدارس األصولية‪،‬‬
‫أشد مما يشترطه الجمهور‪َّ ،‬‬
‫لكن هذا ال ينفي أنهم ُي ّ‬ ‫ً‬
‫شروطا ّ‬
‫قرون بتكامل‬ ‫مع القرآن الكريم‪،‬‬
‫يتشددون في اعتبار خبر الواحد إذا كان في ظاهر‬ ‫َّ‬ ‫الكتاب والسنة من حيث املبدأ‪ ،‬وإنما‬
‫ألنهم يرفضون‬ ‫الشبهة‪ ،‬حينئذ‪ ،‬على ضعف الحديث وشذوذه‪ ،‬ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫الكتاب ما يدفعه؛ لقيام‬
‫مبدأ التكامل من حيث األصل‪ .‬ولذلك فهم يسمون تخصيص خبر اآلحاد لعموم الكتاب‬
‫ّ‬ ‫ويتطلبون في الحديث ّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫الناسخ الشهرة واالستفاضة‪.‬‬ ‫وتقييده ملطلقه «نسخا»‪،‬‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص‪:‬‬ ‫سابعا‪ :‬مبدأ عربية‬
‫َ‬ ‫أي ّأن ّ‬
‫ص ورد بلسان العرب فعلى َسنن العرب ونهجهم في الخطاب والتخاطب‬
‫الن ّ‬
‫يجب أن ُيفهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن حزم‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.35‬‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫(‪ )2‬يشير بذلك إلى تعريف الحكماء لإلنسان بأنه‪ :‬حيوان ناط ‪ ،‬فصفة النط له كال‪ ،‬ال أجز ًاء‬
‫مستقل بعضها عن بعض‪.‬‬‫ٌّ‬
‫(‪ )3‬الشاطبي‪ :‬إبراهيم بن موس ى بن محمد‪ .‬االعتصام‪ ،‬تحقي ‪ :‬سليم بن عيد الهاللي‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ :‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ=‪1992‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.311‬‬
‫‪-22-‬‬

‫قال الشافعي‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪« :‬إنما خاطب هللا بكتابه العرب بلسانها‪ ،‬على ما تعرف‬
‫من معانيها»(‪.)1‬‬
‫ا‬
‫وقال الشاطبي‪« :‬إن هللا ع وجل أن ل القرآن عربيا ال عجمة فيه‪ ،‬بمعنى أنه جاء في ألفاظه‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫ومعانيه وأساليبه على لسان العرب‪ ،‬قال هللا تعالى‪{ :‬إنا َج َعلناه قرآنا َع َرب ًّيا}(ال خرف‪ ،)3 :‬وقال‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫تعالى‪{ :‬قرآنا َع َرب ًّيا غي َر ذي ع َوج}(ال مر‪ .)28 :‬وقال تعالى‪{ :‬ن َ َل به الروح األمين َعلى قلب َك لتكون م َن‬
‫ا‬ ‫املنذر َ‬
‫ين بل َسان َع َرب ّي مبين}(الشعراء‪ ،)193 :‬وكان املنزل عليه القرآن عربيا أفصح من نطق بالضاد‪،‬‬
‫ا‬
‫محمد بن عبد هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكان الذين بعث فيهم َع َربا أيضا‪ ،‬فجرى الخطاب به‬ ‫وهو ّ‬
‫على معتادهم في لسانهم‪ ،‬فليس فيه ش يء من األلفاظ واملعاني إال وهو جار على ما اعتادوه‪ ،‬ولم‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫يداخله ش يء بل نفى عنه أن يكون فيه ش يء أعجمي‪ ،‬فقال تعالى‪{َ :‬ولقد نعلم أنهم َيقولون إن َما‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي َعلمه َبشر ل َسان الذي يلحدون إليه أع َجمي َو َهذا ل َسان َع َربي مبين}(النحل‪ ،)103 :‬وقال تعالى في‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلت َآياته}(فصلت‪ .)44 :‬هذا‪ ،‬وإن كان بعث‬ ‫موضع آخر‪{َ :‬ولو َج َعلناه قرآنا أع َجم ًّيا لقالوا لوال ف‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫وعامة األلسنة في هذا األمر تبعا للسان العرب‪ ،‬وإذا كان‬ ‫للناس كافة فإن هللا جعل جميع األمم‬
‫كذلك فال يفهم كتاب هللا تعالى إال من الطريق الذي ن ل عليه‪ ،‬وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها‬
‫وأساليبها»(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫ولهذا لم يكن عجبا أن قال القرافي عن أصول الفقه‪« :‬هو في غالب أمره ليس فيه إال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة‪ ،‬وما يعرض لتلك األلفاظ من النسخ والترجيح‪،‬‬ ‫العربية‬ ‫قواعد األحكام الناشئة عن األلفاظ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخاصة للعموم‪ ،‬ونحو ذلك»(‪ ،)3‬وأكد ذلك‬ ‫والصيغة‬ ‫ونحو‪ :‬األمر للوجوب‪ ،‬والنهي للتحريم‪،‬‬
‫الشاطبي بقوله‪« :‬غالب ما ص ّنف في أصول الفقه من الفنون ّإنما هو املطالب العربية»(‪.)4‬‬
‫ص‪ ،‬عند األصوليين وغيرهم من أئمة الفقه‬ ‫ومما َت َّرتب على هذا املبدأ ّأن ّ‬
‫للن ّ‬
‫قطعية تفرضها اللغة ال يجوز ّ‬
‫ّ‬ ‫ً ُ ُ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ملتلقيه‬ ‫والحديث والتفسير‪ ،‬ذاتا وكينونة وحدودا وأطرا‬
‫الباطنية ّ‬
‫للن ّ‬ ‫ّ‬ ‫اشتد نكيرهم على ّ‬‫َّ‬ ‫ُُ‬ ‫ّ‬
‫ص‪ ،‬وهي التي‬ ‫التفسيرات‬ ‫تجاوزها بحال‪ .‬ولذلك‬ ‫ومفسره‬
‫ِ‬
‫ّّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تخرج بالن ّ‬
‫ص عن إطاره اللغوي بالكلية‪.‬‬
‫قال الفخر الرازي‪« :‬يجب على املكلف تنزيل ألفاظ القرآن على املعاني التي هي موضوعة‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫العربية‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫فأما حملها على معان أخر‪ ،‬ال بهذا الطريق‪ ،‬فهذا باطل قطعا‪ ،‬وذلك مثل‬ ‫لها بحسب اللغة‬

‫(‪ )1‬الشافعي‪ .‬الرسالة‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ص‪.52‬‬


‫(‪ )2‬الشاطبي‪ .‬االعتصام‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.804‬‬
‫(‪ )3‬القرافي‪ :‬شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي‪ .‬الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫عالم الكتب‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.2‬‬
‫(‪ )4‬الشاطبي‪ .‬املوافقات‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.117‬‬
‫‪-23-‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الوجوه التي يذكرها أهل الباطن‪ ،‬مثل ّأنهم تارة يحملون الحروف على حساب الجمل(‪ ،)1‬وتارة‬
‫وفية طرق كثيرة في الباب ويسمونها علم املكاشفة‪ .‬والذي‬ ‫ّ‬
‫وللص ّ‬ ‫يحملون كل حرف على ش يء آخر‪.‬‬
‫ّا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫يدلل على فساد تلك الوجوه بأسرها قوله تعالى‪{ :‬قرءانا ع َرب ّيا}‪ ،‬وإنما ّ‬ ‫ّ‬
‫سماه عربيا؛ لكونه داال على‬
‫ّ‬ ‫هذه املعاني املخصوصة بوضع العرب وباصطالحاتهم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫يدل على أن داللة هذه األلفاظ لم‬
‫ّ‬
‫وأن ما سواه فهو باطل»(‪.)2‬‬ ‫تحصل إال على تلك املعاني املخصوصة‪،‬‬
‫ا‬ ‫وقال عبد العزيز البخاري‪« :‬يقبل كل تأويل َ‬
‫احتمله ظاهر الكالم لغة‪ ،‬وال يرده الشرع‪ ،‬وال‬
‫ّ‬
‫يقبل تأويالت الباطنية التي خرجت عن الوجوه التي يحتملها ظاهر اللغة‪ ،‬وأكثرها مخالفة للعقل‬
‫واآليات املحكمة؛ ّ‬
‫ألنها ترك للقرآن ال تأويل»(‪.)3‬‬
‫وقال ابن عبد البر‪َ « :‬جل هللا ع وجل عن أن يخاطب إال بما تفهمه العرب في معهود‬
‫مخاطباتها مما يصح معناه عند ّ‬
‫السامعين»(‪.)4‬‬
‫وقال ابن ّ‬
‫تيمية‪« :‬الكتاب والسنة وكالم السلف جاء باللسان العربي‪ ،‬وال يجوز أن يراد‬
‫ا َ‬
‫معنى َسنح له‪ ،‬وإن لم‬ ‫يفسر أي لفظ ّ‬
‫بأي‬ ‫بش يء منه خالف لسان العرب‪...‬وإال فيمكن كل مبطل أن ّ‬
‫يكن له أصل في اللغة»(‪.)5‬‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص على ظاهره إال لدليل‪:‬‬ ‫ثامنا‪ :‬مبدأ حمل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أي َّأن َّ‬
‫ّ‬
‫النص إن احتمل وجوها في لغة العرب واستعمالهم فإنه ينبغي حمله على‬
‫ّ‬
‫معانيه الجمهورية املتبادرة إلى فهم العرب‪ ،‬والشائعة في استعمالهم‪ ،‬ال على املعاني البعيدة‬
‫أحوال قليلة إال إذا‬ ‫ّ‬
‫املتؤولة غير املتبادرة لهم حتى لو ثبت استعمال اللفظ فيها عندهم في‬
‫ٍ‬
‫دل على ذلك دليل‪.‬‬‫َّ‬

‫(‪ )1‬أي الدالالت الرقمية للحروف فيجعلون مقابل كل حرف عددا‪ .‬ومن التفسيرات الرقمية املعاصرة‬
‫ما تنبأ به بعضهم من زوال دولة بني إسرائيل عام ‪2022‬م‪ ،‬بناء على بعض الحسابات الرقمية في‬
‫حروف القرآن‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرازي‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي‪ .‬مفاتح الغيب أو التفسير‬
‫الكبير‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪1420 ،3‬هـ‪ ،‬ج‪ ،27‬ص‪.539‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬عالء الدين عبد العزيز بن أحمد‪ .‬كشف األسرار شرح أصول البزدوي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الكتاب اإلسالمي‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.58‬‬
‫(‪ )4‬ابن عبد البر‪ :‬يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عبد البر النمري‪ .‬التمهيد ملا في املوطأ من املعاني‬
‫واألسانيد‪ ،‬تحقي ‪ :‬مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري‪ ،‬املغرب‪ :‬وزارة عموم‬
‫األوقاف والشتؤون اإلسالمية‪1387 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.131‬‬
‫(‪ )5‬ابن تيمية‪ .‬مجموع الفتاوى‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.360‬‬
‫‪-24-‬‬

‫قال الشافعي‪« :‬القرآن عربي‪ ،‬كما وصفت‪ ،‬واألحكام فيه على ظاهرها وعمومها ليس ألحد‬
‫ّا‬ ‫ا‬
‫خاص إال بداللة من كتاب هللا‪ ،‬فإن لم تكن فس ّنة رسول‬
‫ّ‬ ‫عاما إلى‬ ‫أن ي َ‬
‫حيل منها ظاهرا إلى باطن وال‬
‫عام‪ ،‬أو باطن دون ظاهر‪ ،‬أو إجماع من ّ‬
‫عامة العلماء الذين ال يجهلون‬ ‫تدل على ّأنه خاص دون ّ‬ ‫هللا ّ‬
‫السنة‪ .‬ولو جاز في الحديث أن يحال ش يء منه عن ظاهره إلى ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫معنى باطن‬ ‫كلهم كتابا وال سنة‪ .‬وهكذا‬
‫معنى منها ّ‬
‫عددا من املعاني‪ ،‬وال يكون ألحد ذهب إلى ا‬ ‫ا‬
‫حجة على أحد‬ ‫يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل‬
‫ّ‬
‫معنى غيره‪ ،‬ولكن الحق فيها واحد؛ ألنها على ظاهرها وعمومها إال بداللة عن رسول هللا‪ ،‬أو‬ ‫ذهب إلى ا‬
‫عام‪ ،‬وباطن دون ظاهر‪ ،‬إذا كانت إذا صرفت إليه عن‬ ‫خاص دون ّ‬ ‫ّ‬ ‫عامة أهل العلم‪ّ ،‬‬
‫بأنها على‬ ‫قول ّ‬
‫ا‬
‫ظاهرها محتملة للدخول في معناه»(‪.)1‬‬
‫وقال أبو سعيد الدارمي‪« :‬ال يحكم لألغرب من كالم العرب على األغلب‪ ،‬ولكن نصرف‬
‫ّ‬
‫معانيها إلى األغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها األغرب‪ ،‬وهذا هو املذهب الذي إلى العدل واإلنصاف‬
‫أقرب»(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫الطبري‪« :‬غير جائ إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل ال داللة عليه من ّ‬
‫نص‬ ‫وقال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتاب‪ ،‬وال خبر لرسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال إجماع من األمة‪ ،‬وال داللة من بعض هذه‬
‫الوجوه»(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال ابن عبد البر‪« :‬إنما يوجه كالم هللا ع وجل إلى األشهر واألظهر من وجوهه ما لم‬
‫يمنع من ذلك ما يجب له التسليم‪ .‬ولو ساغ ّادعاء املجاز ّ‬
‫لكل مدع ما ثبت ش يء من العبارات»(‪.)4‬‬
‫وقال الشنقيطي‪« :‬قد أجمع جميع املسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى َيرد دليل‬
‫َ‬
‫املحتمل املرجوح‪ ،‬وعلى هذا كل من تكلم في األصول»(‪.)5‬‬ ‫شرعي صارف عنه إلى‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫يلخصان شروط األصوليين في التأويل املقبول وهي‪:‬‬ ‫وهذا املبدأ‪ ،‬والذي قبله‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫اللفظ سا ِئ ًغا لغة‪ .‬وهذا ما ّ‬ ‫ّأو ًال‪ :‬أن يكون املعنى الذي ُ‬
‫يقرره "مبدأ عربية النص"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عليه‬ ‫مل‬ ‫ح‬

‫(‪ )1‬الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ .‬اختالف الحديث‪ ،‬تحقي ‪ :‬عامر أحمد حيدر‪ ،‬بيروت‪ :‬متؤسسة‬
‫الكتب الثقافية‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ=‪1986‬م‪ ،‬ص‪.480‬‬
‫(‪ )2‬الدارمي‪ :‬عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد‪ .‬نقض اإلمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على‬
‫املريس ي الجهمي العنيد فيما افترى على هللا ع وجل من التوحيد‪ ،‬تحقي ‪ :‬رشيد بن حسن‬
‫األملعي‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ=‪1998‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.855‬‬
‫(‪ )3‬الطبري‪ .‬تفسير الطبري‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )4‬ابن عبد البر‪ .‬التمهيد‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.131‬‬
‫(‪ )5‬الشنقيطي‪ :‬محمد األمين بن محمد املختار بن عبد القادر الجكني‪ .‬أضواء البيان في إيضاح‬
‫القرآن بالقرآن‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪( ،‬د‪.‬ط)‪1415 ،‬هـ=‪1995‬م‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.769‬‬
‫‪-25-‬‬
‫ّ‬
‫الظاهر إلى معناه َّ‬ ‫ً‬
‫املتؤول‪ .‬وهذا ما‬ ‫دليل مقبو ٌل على صرف اللفظ عن معناه‬
‫يدل ٌ‬
‫ثانيا‪ :‬أن َّ‬
‫يقرره مبدأ "حمل ّ‬
‫النص على ظاهره إال لدليل"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ا‬
‫ص‪:‬‬ ‫تاسعا‪ :‬مبدأ إعمال الحال في َمقال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أي أنه في سبيل فهم النص فهما صحيحا دقيقا ينبغي مراعاة تأثر داللته اللفظية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الحالية التي تحتف به‪ ،‬وهي األحوال التي تحتوشه من‪ :‬حال املتكلم‪ ،‬وحال‬ ‫بالقرائن‬
‫ماني واملكان ّي الذي قيل فيه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املخاطب‪ ،‬والظرف الز ّ‬
‫والسبب الذي أثاره‪ ،‬والغرض الذي‬
‫ّ‬
‫وتأثر ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص بهذه القرائن‬ ‫استهدفه‪ ،‬واألعراف الجارية في املجتمع الذي قيل فيه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫يعني إمكانية تأكيد داللته اللغوية أو تفسيرها أو تأويلها وصرفه عن ظاهره بها‪ .‬قال الشاطبي‪:‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫«إن علم املعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن‪ ،‬فضال عن معرفة مقاصد كالم العرب‪،‬‬
‫ّ‬
‫إنما مداره على معرفة مقتضيات األحوال‪ :‬حال الخطاب من جهة نفس الخطاب‪ ،‬أو املخاطب‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫املخاطب‪ ،‬أو الجميع؛ إذ الكالم الواحد يختلف فهمه بحسب حالين‪ ،‬وبحسب مخاطبين‪ ،‬وبحسب‬
‫َ‬
‫غير ذلك‪ :‬كاالستفهام لفظه واحد‪ ،‬ويدخله معان أخر‪ :‬من تقرير وتوبيخ وغير ذلك‪ ،‬وكاألمر يدخله‬
‫ّ‬
‫والتعجيز وأشباهها‪ ،‬وال ّ‬ ‫معنى اإلباحة ّ‬
‫يدل على معناها املراد إال األمور الخارجة‪ ،‬وعمدتها‬ ‫والتهديد‬
‫مقتضيات األحوال»(‪.)1‬‬
‫مجرد دالالت لغوية ُيبحث عن‬ ‫السائد ليس ّ‬ ‫النص في املنهج األصولي ّ‬ ‫وهذا يعني ّأن ّ‬
‫ص ُ‬ ‫حي ٌة تنطبع على داللتها َب َ‬ ‫ٌ‬
‫ألفاظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫معانيها في املعاجم وكتب ّ‬
‫مات‬ ‫النحو واللغة فحسب‪ ،‬بل هو‬
‫والسبب ّ‬‫متلقيها والبيئة التي قيلت فيها ّ‬ ‫املتكلم بها وحال ّ‬‫ّ‬
‫الداعي لها‪.‬‬ ‫حال‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫السياق املقالي ّ‬ ‫األصوليون في اعتبار ّ‬
‫ّ‬
‫للنص واعتبروا نصوص الشارع كلها‬ ‫ِ‬ ‫وكما أبدع‬
‫بعضها في بعض‪ ،‬كما أوضحناه في املبدأ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً ّ‬ ‫ً‬
‫السابع‪ ،‬وهو "مبدأ‬ ‫سياقا واحدا تتؤثر اجزاؤه‬
‫ودل على هذا ك ٌ‬
‫ثير‬ ‫للنص‪ّ ،‬‬ ‫السياق الحالي ّ‬
‫النص وتكامله"‪ ،‬فكذلك أبدعوا في اعتبار ّ‬ ‫انسجام ّ‬
‫ِ‬
‫النزول والورود ومدى تأثيرها في عموم ّ‬ ‫ّ‬ ‫من مباحثهم ّ‬
‫النص‬ ‫الداللية‪ ،‬كبحثهم في أسباب‬
‫علة ّ‬‫ّ‬
‫النص في داللته‪ ،‬وفي تخصيص العموم وتأويل‬ ‫وخصوصه‪ ،‬وبحثهم في مدى تأثير‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قدمة‬ ‫الحقائ بحال املتكلم وحال املخاطب والعادة الجارية زمن النص‪ ،‬بل طرقوا أبحاثا مت ِ‬
‫َ‬ ‫ًّ‬
‫للخطاب وفهمه له في داللته‪ ،‬وغير ذلك(‪.)2‬‬ ‫جدا في هذا الخصوص كتأثير استجابة املخاطب ِ‬
‫ونستطيع القول‪ّ :‬إن املنهج األصولي استطاع بكفاءة أن يوازن في هذه املباحث بين‬
‫للزمان واملكان‪ ،‬كما يدل عليه مبدأ "عموم ّ‬ ‫النص العابرة ّ‬ ‫العامة في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص في‬ ‫النزعة‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ .‬املوافقات‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.347‬‬


‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الحالية كثيرة‪ .‬ينظر‪ :‬صالح‪ :‬أيمن‪ ،‬القرائن والنص‪:‬‬ ‫(‪ )2‬ال ّنقول عن األصوليين في مجال القرائن‬
‫ّ‬
‫دراسة في املنهج األصولي في فقه النص‪ ،‬فرجينيا‪ :‬املعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪-26-‬‬
‫بالسياق ّ‬ ‫ّ‬
‫التاريخي ا ّلزماني‬ ‫الخاصة فيه من خالل تأثره ّ‬
‫ّ‬ ‫األشخاص إلى يوم القيامة"‪ ،‬والنزعة‬
‫واملكاني الذي قيل فيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الثابت ّ‬
‫الد ّ‬
‫ال املحكم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫الراجح‪:‬‬ ‫عاشرا‪ :‬مبدأ االحتجاج بالنص‬
‫ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حكم من األحكام إال أن‬
‫بنص ن ِسب إلى الشارع على ٍ‬ ‫أي أنه ال يصح االح ِتجاج ٍ‬
‫بعة شروط‪ ،‬تنضوي تحتها ُ‬ ‫ُ‬
‫أكثر املباحث‬ ‫يستجمع شروطا‪ .‬وهي‪ ،‬بحسب االستقراء‪ ،‬أر‬
‫ّ‬
‫املتعلقة ّ‬
‫بالنص‪.‬‬ ‫والقواعد األصولية‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون النص ثابتا عن الشارع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وهذا الشرط ّ‬
‫يضم جميع املباحث األصولية املتعلقة باألخبار وطرق ورودها وإفادتها‬
‫ّ‬ ‫القطع أو ّ‬
‫الظن واالحتجاج بالقراءات الشاذة‪ ،‬وخبر اآلحاد وشروط تصحيحه وغير ذلك من‬
‫املباحث‪.‬‬
‫ّا‬ ‫ّ‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون النص داال على املطلوب‪:‬‬
‫ّ‬
‫كالعام‬ ‫وهذا الشرط يضم جميع املباحث املتعلقة بأبواب األلفاظ وأنواعها ودالالتها‬
‫واملتؤول واملجمل واملتشابه واألمر ّ‬
‫والظاهر ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والنهي‪ ،‬واملفهوم املواف‬ ‫واملقيد‬ ‫والخاص واملطل‬
‫واملخالف وداللة االق ِتضاء واإلشارة وغير ذلك من املباحث‪ .‬وهي أكثر مباحث األصول‪.‬‬
‫َ ا‬ ‫ّ‬
‫والثالث‪ :‬أن يكون النص محكما‪:‬‬
‫التا يخ عنه‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ٌّ ُ ّ‬ ‫ً‬
‫حينئذ ُيحكم‬
‫ٍ‬ ‫فإنه‬ ‫متأخ ٌر في ر‬
‫أي أال يكون منسوخا بأن عارضه نص آخر ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للناسخ ويسقط االحتجاج باملنسوخ‪ .‬وهذا الشرط ينطوي على جميع مباحث النسخ عند‬
‫األصوليين‪.‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫والرابع‪ :‬أن يكون النص راجحا‪:‬‬
‫حينئذ ُيحكم ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي أال يعارضه ٌّ‬
‫للراجح‬ ‫ٍ‬ ‫خصوص املسألة أقوى منه‪ ،‬فإنه‬
‫ِ‬ ‫نص آخر في‬
‫ّ‬ ‫الشرط ينطوي على جميع مباحث ّ‬ ‫ّ‬
‫التعارض والترجيح‪.‬‬ ‫ويسقط االحتجاج باملرجوح‪ .‬وهذا‬
‫ّ‬
‫فتفاصيل هذه الشروط األربعة‪ ،‬عند التحقي ‪ ،‬تشمل معظم املباحث األصولية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد بنى عليها الشريف التلمساني كتابه الفريد في عرضه األصولي‪ِ :‬مفتاح الوصول إلى بناء‬
‫الفروع على األصول‪.‬‬
‫ّ‬
‫للن ّ‬
‫ص‪:‬‬ ‫أحد عشر‪ :‬مبدأ احترام تفسيرات املجتهدين‬
‫َ‬
‫وذلك بشرط مراعاة أصحاب هذه التفسيرات شروط التأويل املنبثقة عن املبادئ‬
‫النص على ظاهره إال لدليل"‪.‬‬ ‫النص" و"حمل ّ‬
‫التي ذكرناها سابقا ال سيما مبدأي‪" :‬عربية ّ‬
‫‪-27-‬‬
‫ُ‬ ‫فإذا كان كذلك فيجوز عند جماهير األصوليين أن ُيفهم ّ‬
‫مختلفة‪ ،‬وإن‬
‫ٍ‬ ‫املحتمل بطر ٍق‬
‫ِ‬ ‫النص‬
‫ّ‬
‫املتعددة‬ ‫بصحة التفسيرات‬ ‫ّ‬ ‫قائل‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫أفض ى ذلك إلى نتائج متباينة‪ .‬وذلك ألن األصوليين ما بين ٍ‬
‫ّ‬
‫املصوبة‪ ،‬وقا ٍئل‬ ‫النص‪ ،‬وهو مذهب‬ ‫العامة في فهم ّ‬
‫للنص جميعها بشرط خضوعها للمبادئ ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫املخطئة(‪ .)1‬وعلى كال‬‫ِ‬ ‫واحد مع التماس العذر لباقي التفسيرات‪ ،‬وهو مذهب‬ ‫بصحة تفسير ٍ‬
‫املذهبين ال ينبغي ألهل تفسير اإلنكار على أصحاب التفسير اآلخر ما دام صدر من أهله‪ ،‬ولم‬
‫والنقاش حول ّ‬
‫أصح‬ ‫ولكن هذا ال يمنع من الترجيح ّ‬
‫ص‪َّ .‬‬ ‫العامة في فهم ّ‬
‫الن ّ‬ ‫يخرج عن املبادئ ّ‬
‫ّ‬ ‫وأيها أقرب إلى ّ‬
‫التفسيرات‪ّ ،‬‬
‫الصواب ومقصود الشرع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال إمام الحرمين‪« :‬املجتهد‪ :‬إن كان كامل اآللة في االجتهاد في الفروع‪ ،‬فأصاب‪ ،‬فله‬
‫أجران‪ ،‬وإن اجتهد وأخطأ‪ ،‬فله أجر واحد‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬كل مجتهد في الفروع مصيب»(‪.)2‬‬
‫الصحابة في فهم أمر ّ‬
‫النبي‪ ،‬صلى هللا عليه‬ ‫وقال ابن رجب في شرح حديث اختالف ّ‬
‫وسلم‪ ،‬لهم ّ‬
‫بالصالة في بني قريظة(‪« :)3‬فيه داللة على أن املجتهد‪ ،‬سواء أصاب أو أخطأ‪ ،‬فإنه غير‬
‫ملوم على اجتهاده‪ ،‬بل إن أصاب كان له أجران‪ ،‬وإن أخطأ فخطؤه موضوع عنه‪ ،‬وله أجر على‬
‫اجتهاده»(‪.)4‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقال الشاطبي‪« :‬إن العلماء الراسخين األئمة املتقين اختلفوا‪ :‬هل كل مجتهد مصيب‪ ،‬أم‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫املصيب واحد‪ .‬والجميع سوغوا هذا االختالف‪ ،‬وهو دليل على أن له مساغا في الشريعة على‬
‫الجملة»(‪.)5‬‬

‫ّ‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الشوكاني‪ :‬محمد بن علي‪ ،‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول‪ ،‬تحقي محمد سعيد‬
‫البدري‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ه=‪1992‬م‪ ،‬ص‪.436‬‬
‫(‪ )2‬الجويني‪ :‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ .‬الورقات‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد اللطيف محمد العبد‪،‬‬
‫(د‪.‬م)‪( :‬د‪.‬ن)‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬م)‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫ص ّل َينَّ‬‫يوم األحزاب‪ :‬ال ُي َ‬‫(‪ )3‬عن ابن عمر‪ ،‬رض ي هللا عنهما‪ ،‬قال‪« :‬قال النبي‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫نصلي حتى نأتيهم‪ ،‬وقال‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ٌ‬
‫أحد العصر إال في بني قريظة‪ ،‬فأدرك بعضهم العصر في الطري ‪ ،‬فقال‪ :‬ال ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫منا ذلك‪ .‬فذ ِكر ذلك للنبي‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلم ُي َع ِّنف واحدا‬ ‫نصلي لم ُيرد َّ‬ ‫ُ‬
‫بعضهم‪ :‬بل‬
‫منهم»‪ .‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب صالة الخوف‪ ،‬باب صالة الطالب واملطلوب راكبا‬
‫ومسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب‬ ‫ٌ‬ ‫وإيماء‪ ،‬رقم (‪ ،)946‬ج‪ ،2‬ص‪ ،15‬واللفظ له‪.‬‬
‫املبادرة بالغزو‪ ،...‬رقم (‪ ،)1770‬ج‪ ،3‬ص‪.1391‬‬
‫(‪ )4‬ابن رجب الحنبلي‪ :‬زين الدين عبد الرحمن بن أحمد‪ .‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬تحقي ‪:‬‬
‫محمود بن شعبان وآخرين‪ ،‬املدينة النبوية‪ :‬مكتبة الغرباء األثرية‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ=‪1996‬م‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫ص‪.410‬‬
‫(‪ )5‬الشاطبي‪ .‬املوافقات‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.225‬‬
‫‪-28-‬‬

‫تأسست قواعد عتيدة عند الفقهاء واألصوليين في هذا الباب‪،‬‬ ‫وبناء على هذا املبدأ َّ‬
‫منها‪" :‬ال إنكار في مسائل االجتهاد"(‪ )1‬و"االجتهاد ال ُينقض بمثله"(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫اثنا عشر‪ :‬مبدأ اشتراط أهلية املجتهد في النص‪:‬‬
‫النص من غير ّ‬ ‫اجتهاد في ّ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫متأه ٍل لذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أي أنه ال ُيقبل‬
‫بابا في االجتهاد والتقليد‪ُ ،‬تذكر فيه ّ‬‫ً‬ ‫تخص ُ‬‫ّ‬
‫الصفات التي ينبغي‬ ‫ص أكثر كتب األصول‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫توفرها في الشخص املتؤهل الستنباط األحكام من أدلة الشرع‪ .‬فالناس عند األصوليين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫العوام الذين لم يبلغوا رتبة االجتهاد‪ ...‬وصنف ثان‪ ،‬وهم‬ ‫«صنفان‪ :‬صنف فرضه التقليد‪ ،‬وهم‬
‫َ‬
‫املجتهدون الذين كملت لهم شروط االجتهاد»(‪.)3‬‬
‫النصوص بقصد استنباط األحكام‬ ‫النظر في ّ‬
‫يحل له ّ‬ ‫فمن لم يبلغ رتبة االجتهاد ال ّ‬
‫ا‬ ‫سواء لنفسه أو لغيره‪ .‬قال إمام الحرمين‪« :‬أجمعوا أنه ال يحل ّ‬ ‫ٌ‬
‫لكل من شدا شيئا‬ ‫للحوادث‪،‬‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وإنما ّ‬
‫ويحل للغير قبول قوله في الفتوى‪ ،‬إذا استجمع أوصافا»(‪:)4‬‬ ‫يحل له الفتوى‪،‬‬ ‫من العلم أن يفتي‪.‬‬
‫ا‬
‫وهذه األوصاف هي‪« :‬أن يكون عارفا بالكتاب‪ .‬والذي يجب عليه أن َيعلم منه ما تعلق‬
‫حكمه وناسخه ومنسوخه‪ ...‬ويحفظ‬ ‫فصله ومجمله‪ ،‬وم َ‬ ‫بذكر األحكام من الحالل والحرام‪ ،‬فيعرف م ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫املروية عن النبي في ذلك من بيان األحكام وناسخها ومنسوخها‪ ،‬ويعرف معاني الخطاب وموارد‬ ‫السنن‬
‫ّ‬
‫واملقيد‪ ،‬واملنطوق واملفهوم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫واملفصل واملطلق‬ ‫ّ‬
‫والخاص‬ ‫الكالم ومصادره‪ ،‬من الحقيقة واملجاز‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويعرف من اللسان ما يفهم به معاني الكالم‪ ،‬ويعرف أقاويل العلماء من الصحابة والتابعين ومن‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أئمة املسلمين‪ ،‬وما اتفقوا عليه م ّما اختلفوا فيه‪ ،‬ويعرف وجه النطق واالجتهاد والقياس‪،‬‬
‫بعدهم من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ووضع األدلة في مواضعها والترجيح والتعليل»(‪.)5‬‬
‫ممن استجمع‬ ‫يتمتع بهذه األوصاف فينبغي عليه أن يعتمد على غيره ّ‬ ‫فمن لم ّ‬
‫ّ‬
‫العامي الذي ليس من أهل االجتهاد بنازلة‪ ،‬فعليه‬ ‫ّ‬
‫الجصاص‪« :‬إذا ابتلي‬ ‫شرائط االجتهاد‪ .‬قال‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ‬
‫مساءلة أهل العلم عنها؛ وذلك لقول هللا تعالى‪{ :‬فاسألوا أه َل الذكر إن كنتم ال تعلمون}(األنبياء‪:‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬املجمع الفقهي اإلسالمي‪ .‬معلمة زايد للقواعد الفقهية واألصولية‪ ،‬قاعدة رقم (‪،)2210‬‬
‫ج‪ ،33‬ص‪.31‬‬
‫(‪ )2‬املرجع الساب ‪ ،‬قاعدة رقم (‪ ،)2209‬ج‪ ،33‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )3‬ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (الحفيد)‪ .‬الضروري في أصول الفقه أو مختصر املستصفى‪،‬‬
‫تحقي ‪ :‬جمال الدين العلوي‪ ،‬بيروت‪-‬الرباط‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫(‪ )4‬الجويني‪ .‬التلخيص‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.457‬‬
‫(‪ )5‬ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (الجد)‪ .‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل‬
‫ملسائل املستخرجة‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد ّ‬
‫حجي وآخرين‪ ،‬بيروت‪-‬الرباط‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1408‬هـ=‪1988‬م‪ ،‬ج‪ ،17‬ص‪.12‬‬
‫‪-29-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫{ف َلوَال َن َف َر من ك ّل فر َقة منهم َطائ َفة ل َي َت َفقهوا في ّ‬
‫الدين َولينذروا قو َمهم إذا َر َجعوا‬ ‫‪ ،)7‬وقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫إليهم ل َعلهم َيحذرون}(التوبة‪ .)122 :‬فأمر من ال يعلم بقبول قول أهل العلم فيما كان من أمر دينهم‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األمة من لدن ّ‬ ‫نصت ّ‬ ‫النوازل‪ ،‬وعلى ذلك ّ‬ ‫ّ‬
‫الصدر األول‪ّ ،‬ثم التابعين‪ ،‬إلى يومنا هذا‪ ،‬إنما يف ع‬ ‫من‬
‫العامة إلى علمائها في حوادث أمر دينها»(‪.)1‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫النظر في ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫فإذا أبى غير ّ‬
‫النصوص‪ ،‬كاملجتهدين‪ ،‬فقد‬ ‫الستؤال والتقليد‪ ،‬وتكلف‬ ‫املتؤهل‬
‫ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا‬ ‫يشمله حديث «إذا َح َكم الحاكم فاجتهد ّ‬
‫قرر األصوليون‪ :‬إ ّنه ال َ‬
‫ّ‬
‫ثم أخطأ فله أجر»(‪ ،)2‬بل هو ٌ‬
‫آثم غير معذور‪ ،‬أصاب في اجتهاده أو أخطأ‪.‬‬ ‫حكم فاجتهد ّ‬
‫قال الشافعي‪« :‬من تكلف ما َجهل‪ ،‬وما لم تثبته معرفته‪ :‬كانت موافقته ّ‬
‫للصواب ‪ -‬إن‬
‫غير محمودة‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬وكان بخطئه َ‬ ‫َ‬
‫وافقه من حيث ال يعرفه ‪َ -‬‬
‫غير معذور إذا ما نطق فيما ال‬
‫ّ‬
‫والصواب فيه»(‪.)3‬‬ ‫يحيط علمه بالفرق بين الخطأ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق؛ ألن اجتهاده عبادة وال يؤجر‬ ‫وقال الخطابي‪« :‬إنما يؤجر املخطئ على اجتهاده في طلب‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫على الخطأ بل يوضع عنه اإلثم فقط‪ .‬وهذا فيمن كان من املجتهدين جامعا آللة االجتهاد‪ ،‬عارفا‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫فأما من لم يكن َمحال لالجتهاد فهو متكلف‪ ،‬وال يعذر بالخطأ في الحكم‪،‬‬
‫باألصول‪ ،‬وبوجوه القياس‪ّ .‬‬
‫بل يخاف عليه أعظم الوزر»(‪.)4‬‬
‫وقال ابن رشد‪« :‬إذا اجتهد الحاكم فله أجر االجتهاد وإن أخطأ باجتهاده‪...‬وهذا إذا كان من‬
‫أهل االجتهاد‪ّ ،‬‬
‫وأما إن لم يكن من أهل االجتهاد‪ ،‬فهو آثم‪ ،‬وإن أصاب باجتهاده؛ لتقحمه‪ ،‬وجرأته على‬
‫هللا في الحكم بغير علم»(‪.)5‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫متكلفا آثما باجتهاده فإنه ال يعتد بقوله‪ ،‬وال قيمة له تذكر في عداد‬
‫ونتيجة لكونه ِ‬
‫أقوال أهل العلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجصاص‪ .‬الفصول في األصول‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.281‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب أجر الحاكم إذا اجتهد‬
‫فأصاب أو أخطأ‪ ،‬رقم (‪ ،)7352‬ج‪ ،9‬ص‪ .108‬ومسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب بيان‬
‫أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ‪ ،‬رقم‪ ،)1716( :‬ج‪ ،3‬ص‪.1342‬‬
‫(‪ )3‬الشافعي‪ .‬الرسالة‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.53‬‬
‫(‪ )4‬الخطابي‪ :‬حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي‪ .‬معالم السنن‪ ،‬املطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪،‬‬
‫ط‪1351 ،1‬هـ=‪1932‬م‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.160‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )5‬ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (الجد)‪ .‬املقدمات ّ‬
‫املمهدات‪ ،‬بيروت‪-‬الرباط‪ :‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪1988 /‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.262‬‬
‫‪-30-‬‬

‫ّ‬
‫العامة لهم‪...‬دليلنا‪:‬‬ ‫قال أبو يعلى‪« :‬االعتبار في اإلجماع بقول أهل العلم‪ ،‬وال يعتبر بخالف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامي ليس من أهل االجتهاد في أحكام الشريعة؛ ألنه ال يجوز أن َيعمل باجتهاده‪ ،‬وال يجوز لغيره‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫أن َيعمل به‪ ،‬فهو بمنزلة ّ‬
‫الصبيان واملجانين»(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫وقال ّ‬
‫كالعامة واملتكلمين‬ ‫السمعاني‪« :‬ال اعتبار أيضا بمن ليس من أهل االجتهاد في األحكام‪،‬‬
‫ّالذين يدعون َ‬
‫علم األصول»(‪.)2‬‬
‫حتى لم َ‬
‫يبق عليه إال أداة واحدة‪ ،‬كمن‬
‫ّ‬ ‫وقال الزركش ي‪« :‬من َأح َ‬
‫كم أكثر أدوات االجتهاد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أحكم علوم القرآن والسنة‪ ،‬ولم يبق عليه إال اللغة أو علم التفسير‪ ،‬فهل يعتد بخالفه؟ قال ابن‬
‫ّ‬
‫برهان‪ :‬ذهب كافة العلماء إلى ّأنه ال يعتد بخالفه‪ ،‬وينعقد اإلجماع دونه»(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الناس‪ :‬أكثر ما يفسد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقال ابن ّ‬
‫الدنيا‪ :‬نصف متكلم‪ ،‬ونصف متفقه‪،‬‬ ‫تيمية‪« :‬قد قال‬
‫متطبب‪ ،‬ونصف نحوي‪ .‬هذا يفسد األديان‪ ،‬وهذا يفسد البلدان‪ ،‬وهذا يفسد األبدان‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫ونصف‬
‫ّ‬
‫يفسد اللسان»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أبو يعلى الفراء‪ .‬الع ّدة في أصول الفقه‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1133‬‬
‫(‪ )2‬السمعاني‪ :‬منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد املروزي‪ .‬قواطع األدلة في األصول‪ ،‬تحقي ‪:‬‬
‫محمد حسن إسماعيل الشافعي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ=‪1999‬م‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.480‬‬
‫(‪ )3‬الزركش ي‪ .‬البحر املحيط‪ ،‬مرجع ساب ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.428‬‬
‫(‪ )4‬ابن تيمية‪ :‬تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪ .‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬تحقي ‪:‬‬
‫حمد بن عبد املحسن التويجري‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الصميعي‪ ،‬ط‪1425 ،2‬هـ=‪2004‬م‪ ،‬ص‪.554‬‬
‫‪-31-‬‬

‫الخاتمة‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد هدفت هذه الدراسة إلى استقراء املبادئ العامة للفكر األصول‪-‬فقهي اإلسالمي‬
‫توصل الباحث‬ ‫النص (الكتاب والسنة) وتعيينها وعرضها عرضا موج ًزا‪ .‬وقد ّ‬ ‫في تعامله مع ّ‬
‫محل اتفاق بين األصوليين‪ ،‬أو بين ّ‬ ‫مبدأ هي ّ‬ ‫ً‬
‫السواد األعظم منهم‪ ،‬يمكن‬ ‫إلى تحديد اثني عشر‬
‫ص‪ ،‬وهذه املبادئ هي‪:‬‬ ‫الن ّ‬ ‫عدها املعالم الرئيسة لتعامل األصوليين مع ّ‬ ‫ّ‬
‫املقرر ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ً‬
‫النهائي‬ ‫أوال‪ :‬مبدأ االحتكام إلى النص‪ :‬أي‪ :‬أن النص‪ ،‬والنص وحده‪ ،‬هو ِ‬
‫لألحكام‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ ّ ّ ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬مبدأ ص ْدق ّ‬ ‫ً‬
‫صادق فيما أخبر به من‬ ‫ص الثابت‬ ‫ص ومعقوليته‪ :‬أي أن الن‬ ‫ِ‬
‫واملستقبلية‪ ،‬وعليه فهو ال يأتي بما تحيله أو تأباه‬ ‫ّ‬ ‫العقائد والقصص واألحداث املاضية‬
‫ً‬
‫العقو ُل أبدا‪ ،‬وال بما يصادم حقائ العلم أو الواقع أو التاريخ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ثالثا‪ :‬مبدأ شمول ّ‬ ‫ً‬
‫واقعة حدثت أو‬ ‫ٍ‬ ‫ص بلفظه ومعناه للوقائع‪ :‬أي أنه ما من‬
‫سواء بطري ٍ مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ص متناو ٌل لها بالحكم‪،‬‬ ‫والن ّ‬ ‫تحدث إلى يوم القيامة إال ّ‬
‫ص في األشخاص إلى يوم القيامة‪ :‬أي ّأنه ما من حكم ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ابعا‪ :‬مبدأ عموم ّ‬ ‫ً‬
‫قرره‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫من الرسالة إال وينسحب على جميع الناس في ذلك‬ ‫ص في ح ّ شخص أو أشخاص ز َ‬ ‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫دليل على تخصيصه بمن‬ ‫الناس إلى يوم القيامة إال إذا قام ٌ‬ ‫بعدهم من ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وعلى من َ‬
‫ُ‬
‫وطب به‪.‬‬ ‫خ ِ‬
‫النص‪ ،‬كما ّ‬ ‫النص‪ :‬أي ّأن ّ‬ ‫خامسا‪ :‬مبدأ إعمال َمقاصد ّ‬ ‫ً‬
‫أحكام بلفظه‬ ‫ٍ‬ ‫يدل على‬
‫يدل على أحكام أخرى بمعقوله ومقصوده‪ُ .‬وي ّ‬ ‫فإنه ّ‬ ‫ّ‬
‫توصل إلى تلك األحكام عن‬ ‫ٍ‬ ‫وعبارته‪،‬‬
‫طري إعمال آليات التعليل والقياس واالستصالح‪.‬‬
‫ً‬
‫متناقض في نفسه‪ ،‬وما‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف أو‬‫ٍ‬ ‫ص وتكامله‪ :‬أي َّأنه غير‬ ‫الن ّ‬‫سادسا‪ :‬مبدأ انسجام ّ‬
‫الظ ّنية فهو تعار ٌ‬ ‫ّ‬ ‫قد يبدو من تعا ض وتناقض بين بعض ّ‬
‫ض ظاهر ٌي ينبغي على‬ ‫النصوص‬ ‫ٍ‬ ‫ر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املجتهد رفعه عن طري الجمع أو النسخ أو الترجيح‪ .‬وقد انبنى على ذلك أن النصوص‬
‫ً‬ ‫يكمل ُ‬ ‫واحد‪ ،‬بحيث ّ‬‫كل ٌ‬ ‫رعية‪ ،‬عند األصوليين‪ٌّ ،‬‬ ‫الش ّ‬‫ّ‬
‫بعضها بعضا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ص‪ :‬أي ّأن ّ‬ ‫عربية ّ‬ ‫ً‬
‫ص ورد بلسان العرب فعلى َسنن العرب ونهجهم‬ ‫الن ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫سابعا‪ :‬مبدأ َّ‬
‫في الخطاب والتخاطب يجب أن ُيفهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫أي َّأن َّ‬
‫ص على ظاهره إال لدليل‪ّ :‬‬ ‫الن ّ‬ ‫ً‬
‫ثامنا‪ :‬مبدأ حمل ّ‬
‫النص إن احتمل وجوها في‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫لغة العرب واستعمالهم فإنه ينبغي حمله على معانيه الجمهورية املتبادرة إلى فهم العرب‪،‬‬
‫‪-32-‬‬

‫يدل ٌ‬ ‫املتؤولة البعيدة غير املتبادرة إال أن َّ‬ ‫ّ‬


‫والشائعة في استعمالهم‪ ،‬ال على املعاني َّ‬
‫دليل على‬
‫التأويل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫ً‬
‫ص اللفظية تتأثر بالقرائن‬ ‫ص‪ :‬أي ّأن داللة الن‬ ‫إعمال الحال في َمقال ّ‬
‫الن ّ‬ ‫تاسعا‪ :‬مبدأ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الحالية التي تحتف به‪ ،‬وهي األحوال التي تحتوشه من‪ :‬حال املتكلم‪ ،‬وحال املخاطب‪،‬‬
‫ماني واملكان ّي الذي قيل فيه‪ّ ،‬‬
‫الز ّ‬ ‫ّ‬
‫والظرف ّ‬
‫والسبب الذي أثاره‪ ،‬والغرض الذي استهدفه‪،‬‬
‫واألعراف الجارية في املجتمع الذي قيل فيه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫يصح‬
‫ّ‬
‫الراجح‪ :‬أي أنه ال‬‫ال ْاملُحكم ّ‬ ‫الثابت ّ‬
‫الد ّ‬ ‫ّ‬ ‫عاش ًرا‪ :‬مبدأ االحتجاج ّ‬
‫بالنص‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫حكم من األحكام إال أن يستجمع شروطا أربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫بنص ن ِسب إلى الشارع على ٍ‬ ‫االح ِتجاج ٍ‬
‫ُ ْ َ ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أن يكون ثابتا عن الشارع‪ ،‬وأن يكون داال على املطلوب‪ ،‬وأن يكون محكما غير منسوخ‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫يكون ر ِاجحا على غيره إذا عارضه‪.‬‬
‫النص‬‫ص‪ :‬أي أنه يجوز أن ُيفهم ّ‬ ‫أحد عشر‪ :‬مبدأ احترام تفسيرات املجتهدين ّ‬
‫للن ّ‬
‫بطرق مختلفة‪ ،‬وإن أفض ى ذلك إلى َ‬ ‫ُ‬
‫نتائج متباينة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫املحتمل ٍ‬ ‫ِ‬
‫اجتهاد في ّ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫أهلية املجتهد في ّ‬
‫النص من‬ ‫النص‪ :‬أي أنه ال ُيقبل‬ ‫اثنا عشر‪ :‬مبدأ اش ِتراط َّ‬
‫متأه ٍل لذلك‪.‬‬‫غير ّ‬
‫ِ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل ر ّب العاملين‪.‬‬

‫د‪ .‬أيمن صالح‬


‫الدوحة‬
‫‪ 11‬محرم ‪1435‬هـ‬
‫املواف ‪2013/11/15‬م‬
‫‪-33-‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫اآلمدي‪ :‬سيف الدين علي بن أبي علي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد الرزاق عفيفي‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫بيروت‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫األنصاري‪ :‬عبد العلي محمد بن نظام الدين‪ ،‬فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪)2‬‬
‫البخاري‪ :‬عالء الدين عبد العزيز بن أحمد‪ ،‬كشف األسرار شرح أصول البزدوي‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪)3‬‬
‫(د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫البخاري‪ :‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬صحيح البخاري (الجامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا‬ ‫‪)4‬‬
‫عليه وسلم وسننه وأيامه)‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫التفتازاني‪ :‬سعد الدين مسعود بن عمر‪ ،‬شرح التلويح على التوضيح‪ ،‬مكتبة صبيح‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن‬ ‫‪)6‬‬
‫سعود اإلسالمية‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1411 ،2‬هـ= ‪1992‬م‪.‬‬
‫ابن تيمية‪ :‬تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪ ،‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬تحقي ‪ :‬حمد بن عبد املحسن‬ ‫‪)7‬‬
‫التويجري‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1425 ،2‬هـ=‪2004‬م‪.‬‬
‫ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع امللك فهد‬ ‫‪)8‬‬
‫لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة النبوية‪1416 ،‬هـ=‪1995‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪ ،‬مقدمة في أصول التفسير‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪)9‬‬
‫‪1980‬م‪.‬‬
‫الجصاص‪ :‬أبو بكر أحمد بن علي الرازي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقي محمد صادق قمحاوي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪)10‬‬
‫بيروت‪1405 ،‬ه‪.‬‬
‫الجصاص‪ :‬أبو بكر أحمد بن علي الرازي‪ ،‬الفصول في األصول‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ=‪1994‬م‪.‬‬ ‫‪)11‬‬
‫ابن الجوزي‪ :‬جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد‪ ،‬املوضوعات‪ ،‬املكتبة السلفية‪ ،‬املدينة املنورة‪ .‬ط‪،1‬‬ ‫‪)12‬‬
‫‪1386‬هـ=‪1966‬م‪.‬‬
‫الجويني‪ :‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ ،‬البرهان في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬صالح بن محمد بن عويضة‪ ،‬دار‬ ‫‪)13‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ=‪1997‬م‪.‬‬
‫الجويني‪ :‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ ،‬التلخيص في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد هللا جولم النبالي وبشير أحمد‬ ‫‪)14‬‬
‫العمري‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫الجويني‪ ،‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ ،‬نهاية املطلب في دراية املذهب‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد العظيم محمود الديب‪،‬‬ ‫‪)15‬‬
‫دار املنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ=‪2007‬م‪.‬‬
‫الجويني‪ :‬إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا‪ ،‬الورقات‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد اللطيف محمد العبد‪( ،‬د‪.‬ت)‪( ،‬د‪.‬ن)‪.‬‬ ‫‪)16‬‬
‫ابن حزم‪ :‬علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلس ي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬دار اآلفاق‬ ‫‪)17‬‬
‫الجديدة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫ابن حزم‪ :‬علي بن أحمد بن سعيد األندلس ي‪ ،‬النبذة الكافية في أحكام أصول الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪)18‬‬
‫ط‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫الخطابي‪ :‬حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي‪ ،‬معالم السنن‪ ،‬املطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪)19‬‬
‫‪1351‬هـ=‪1932‬م‪.‬‬
‫‪-34-‬‬

‫الدارمي‪ :‬عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد‪ ،‬نقض اإلمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على املريس ي الجهمي العنيد‬ ‫‪)20‬‬
‫فيما افترى على هللا ع وجل من التوحيد‪ ،‬تحقي ‪ :‬رشيد بن حسن األملعي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1418‬هـ=‪1998‬م‪.‬‬
‫الرازي‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي‪ ،‬املحصول في علم أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬طه جابر‬ ‫‪)21‬‬
‫العلواني‪ ،‬متؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،3‬هـ=‪1997‬م‪.‬‬
‫الرازي‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي‪ ،‬مفاتح الغيب أو التفسير الكبير‪ ،‬دار إحياء التراث‬ ‫‪)22‬‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1420 ،3‬هـ‪.‬‬
‫ابن رجب الحنبلي‪ :‬زين الدين عبد الرحمن بن أحمد‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمود بن شعبان‬ ‫‪)23‬‬
‫وآخرين‪ ،‬مكتبة الغرباء األثرية‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ=‪1996‬م‪.‬‬
‫املمهدات‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪-‬الرباط‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املقدمات‬ ‫ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (الجد)‪،‬‬ ‫‪)24‬‬
‫‪1408‬هـ=‪1988‬م‪.‬‬
‫ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (الجد)‪ ،‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل ملسائل املستخرجة‪،‬‬ ‫‪)25‬‬
‫حجي وآخرين‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪-‬الرباط‪ ،‬ط‪1408 ،2‬هـ=‪1988‬م‪.‬‬ ‫تحقي ‪ :‬محمد ّ‬
‫ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي (الحفيد)‪ ،‬الضروري في أصول الفقه أو مختصر املستصفى‪ ،‬تحقي ‪ :‬جمال الدين‬ ‫‪)26‬‬
‫العلوي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪-‬الرباط‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫ابن رشد‪ :‬محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الحفيد)‪ ،‬فصل املقال فيما بين الشريعة والحكمة من االتصال‪،‬‬ ‫‪)27‬‬
‫تحقي ‪ :‬محمد عمارة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪( ،2‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫الزركش ّي‪ :‬محمد بن بهادر‪ ،‬البحر املحيط‪ ،‬دار الكتبي‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ=‪1994‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪)28‬‬
‫السلطة‪ ،‬الحقيقة‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬ ‫أبو زيد‪ :‬نصر حامد‪ ،‬النص‪ّ ،‬‬ ‫‪)29‬‬
‫السمعاني‪ :‬منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد املروزي‪ ،‬قواطع األدلة في األصول‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد حسن‬ ‫‪)30‬‬
‫إسماعيل الشافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ=‪1999‬م‪.‬‬
‫الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ ،‬اختالف الحديث‪ ،‬تحقي ‪ :‬عامر أحمد حيدر‪ ،‬متؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪)31‬‬
‫‪1405‬هـ=‪1986‬م‪.‬‬
‫الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ ،‬األم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬ ‫‪)32‬‬
‫الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ ،‬الرسالة‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1358 ،1‬هـ=‪1940‬م‪.‬‬ ‫‪)33‬‬
‫الشاطبي‪ :‬إبراهيم بن موس ى الغرناطي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬تحقي ‪ :‬سليم بن عيد الهاللي‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬اململكة العربية‬ ‫‪)34‬‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ=‪1992‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشاطبي‪ :‬إبراهيم بن موس ى الغرناطي‪ ،‬املوافقات‪ ،‬تحقي وشرح عبد هللا دراز‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪)35‬‬
‫الشنقيطي‪ :‬محمد األمين بن محمد املختار بن عبد القادر الجكني‪ ،‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬دار‬ ‫‪)36‬‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪1415 ،‬هـ=‪1995‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشوكاني‪ :‬محمد بن علي‪ ،‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول‪ ،‬تحقي محمد سعيد البدري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪)37‬‬
‫ط‪1412 ،1‬ه=‪1992‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشيرازي‪ :‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي‪ ،‬اللمع في أصول الفقه‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1405 ،1‬ه=‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪)38‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صالح‪ :‬أيمن‪ ،‬القرائن والنص‪ :‬دراسة في املنهج األصولي في فقه النص‪ ،‬املعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬فرجينيا‪،‬‬ ‫‪)39‬‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صالح‪ :‬أيمن‪" ،‬قراءة نقدية في مصطلح النص في الفكر األصولي"‪ ،‬مجلة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العالمي للفكر‬ ‫‪)40‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فرجينيا‪ ،‬العدد ‪.34-33‬‬
‫‪-35-‬‬

‫الطبري‪ :‬محمد بن جرير بن يزيد‪ ،‬تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬متؤسسة‬ ‫‪)41‬‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ= ‪2000‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫الطوفي‪ :‬سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم‪ ،‬رسالة في رعاية املصلحة‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬الدار‬ ‫‪)42‬‬
‫املصرية اللبنانية‪( ،‬د‪ .‬م‪ ،).‬ط‪1413 ،1‬هـ= ‪1993‬م‪.‬‬
‫ابن عقيل‪ :‬علي بن عقيل بن محمد‪ ،‬الواضح في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد هللا بن عبد املحسن التركي‪ ،‬متؤسسة‬ ‫‪)43‬‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ=‪1999‬م‪.‬‬
‫ابن عبد البر‪ :‬يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عبد البر النمري‪ ،‬التمهيد ملا في املوطأ من املعاني واألسانيد‪ ،‬تحقي ‪:‬‬ ‫‪)44‬‬
‫مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري‪ ،‬وزارة عموم األوقاف والشتؤون اإلسالمية‪ ،‬املغرب‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫العالئي‪ :‬صالح الدين الكيكلدي‪ ،‬تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم‪ ،‬تحقي ونشر عبد هللا آل الشيخ‪ ،‬ط‪1403 ،1‬ه‪.‬‬ ‫‪)45‬‬
‫الغزالي‪ ،‬املستصفى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪)46‬‬
‫القرافي‪ :‬شهاب الدين أحمد بن إدريس‪ ،‬الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ط)‪،‬‬ ‫‪)47‬‬
‫(د‪.‬ت)‪.‬‬
‫القرطبي‪ :‬محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن (تفسير‬ ‫‪)48‬‬
‫القرطبي)‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1384 ،2‬هـ=‪1994‬م‪.‬‬
‫ابن القيم الجوزية‪ :‬محمد بن أبي بكر‪ ،‬إعالم املوقعين عن رب العاملين‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار‬ ‫‪)49‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ=‪1991‬م‪.‬‬
‫مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬معلمة زايد للقواعد الفقهية واألصولية‪2034 ،‬هـ=‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪)50‬‬
‫املرداوي‪ :‬عالء الدين أبو الحسن علي بن سليمان‪ ،‬التحبير شرح التحرير‪ ،‬تحقي ‪ :‬عبد الرحمن الجبرين وعوض القرني‬ ‫‪)51‬‬
‫وأحمد السراج‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ=‪2000‬م‪.‬‬
‫مسلم‪ :‬مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬صحيح مسلم (املسند الصحيح املختصر بنقل العدل عن العدل‬ ‫‪)52‬‬
‫إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)‪ ،‬تحقي ‪ :‬محمد فتؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫العدة في أصول الفقه‪ ،‬تحقي ‪ :‬أحمد بن علي املباركي‪( ،‬د‪.‬ن)‪،‬‬ ‫أبو يعلى الفراء‪ :‬محمد بن الحسين بن محمد بن خلف‪ّ ،‬‬ ‫‪)53‬‬
‫ط‪1410 ،2‬هـ=‪1990‬م‪.‬‬

You might also like