Professional Documents
Culture Documents
-2-
ّ
العامة للفكر األصول-فقهي املبادئ
ّ
النصّ اإلسالمي في تعامله مع
مجلة إسالمية املعرفة ،املجلد ،20العدد ،77صيف2014/1453م
امللخص
ّ ّ
هدف هذا البحث إلى استقراء املبادئ الكل ّية التي حكمت وال تزال تحكم علم
ً ً ّ الن ّ أصول الفقه اإلسالمي في تعامله مع ّ
الديني ،وتعيينها ،وعرضها عرضا موجزا. ص
ّ بالنسبة للعلوم ّ
الد ّ ّ ّ ّ
اإلسالمي ينية األخرى والفكر منهجية البحث هذا العلم الذي يرسم
ّ
بعامة.
ّ ّ ً ً ّ
فاق ٍ ات محل تقريبا هي ، مبدأ يتوصل إلى اثني عشر ولقد استطاع الباحث أن
ص ومعقوليته. ص )2 .ص ْدق ّ
الن ّ األصوليين .وهذه املبادئ هي )1 :االحتكام إلى ّ
الن ّ ّ بين
ِ
ص في األشخاص إلى يوم القيامة. ّ
ص بلفظه ومعناه للوقائع )4 .عموم الن ّ ّ
)3شمول الن ّ
ص الن ّ ص )8 .حمل ّ عربية ّ
الن ّ ص وتكاملهَّ )7 . الن ّ ص )6 .انسجام ّ إعمال َمقاصد ّ
الن ّ ْ )5
ّ ّ ّ الن ّإعمال الحال في مقال ّ على ظاهره إال لدليلْ )9 .
ص الثابت ص )10 .االح ِتجاج بالن ِ
أهلية ص )12 .اش ِتراط َّ ّ
الراجح )11 .احترام تفسيرات املجتهدين للن ّ ال ْاملحكم ُّ ّ
الد ّ
املجتهد في ّ
الن ّ
ص.
-4-
Abstract
This study aimed at deducting and briefly demonstrating the general principles that dominated and
still dominating the science of Islamic Jurisprudence (Usul al Fiqh), the branch of Islamic science, which
dictates the methodology of dealing with the holy Islamic text to other branches of Islamic sciences and
consequently to the Islamic thought in general.
The researcher managed to conclude twelve general principles, which are agreed upon by all the
scholars of Islamic Jurisprudence (Usul al Fiqh) or the vast majority of them. These principles are: 1) the
command of Text. 2) The Truthfulness and reasonability of the Text. 3) The comprehension of the Text to the
events. 4) The comprehension of the text to the people until the judgment day. 5) The empowerment of the
text aims. 6) The harmony and integration of the Text. 7) The arabisizm of the text. 8) Interpreting the text
depending on the common meanings unless proven false. 9) Empowering the context of situation. 10) Using
the proven true, to the point, unabrogated and superior Text in arguments. 11) Respecting the different
scholars' interpretations of the text. 12) The necessity of being illegible to interpret the Text.
Key Words: Usul al Fiqh, Principles of Islamic Jurisprudence, Islamic text interpretation.
-5-
ّ
املقدمة
ّ
والصالة والسالم على رسول هللا ،وآله ومن وااله ،وبعد: الحمد هلل،
ّ
فـ «أصول الفقه هو الذي يقض ي وال يقض ى عليه».
ّ ُ ّ ّ
يصور املنـزلة التي يحتلها
هذا ما قاله العالمة املحق ابن دقي العيد ،وقوله هذا ِ
()1
َ ُ علم أصول الفقه بين العلوم ّ
املهيمن الدينية األخرى بصفته العلم الحاكم أو القاض ي أو ق ِل
ّ َّ
الدينية كلها (الكالم، واضح و"بسيط" ،وهو ّأن العلوم ٌ والسبب في ذلك على تلك العلومّ .
ّ والس ّنة)()2
ص (=الكتاب ّ تلتف حول ّ ّ
وتستمد الن ّ الفقه ،التفسير ،الحديث ،ال ّسير...الخ)
ص» ،تلك القواعد التي التعامل مع ّ
الن ّ منه .وفي استمدادها هذا ال ّبد أن تخضع لـ «قواعد ّ
رعية ُ الش ّ ّ يصنعها ّ
علم أصول الفقه. ويهيئها ويمنحها
ِ
كل العلوم التي صو ّ الن ّعد الجسر الذي يربط بين ّ فعلم أصول الفقه ،على هذاُ ،ي ّ
تلتف حوله ،بحيث ال تستطيع هذه العلوم أن َتر َد إلى ّ ّ
ص وتنهل منه إال َع ْبر ذلك الجسر. الن ّ
ِ
ً ُ
الدينية على املشتغل فيها أن يكون عاملا بأصول ّ ومن هنا ال ُيستغرب اشتراط أرباب العلوم
ً ً ّ ً الفقه ال ّ
مفسرا أو شارحا للحديث أو فقيها. سيما إذا كان
ومتنوعة ،بعضها ّ
متف ٌ ّ ٌ ّ التعامل مع ّ
الن ّ و«قواعد ّ
األصوليون كثيرة ص» التي أنتجها
ّ
األصولية املختلفة .وفي سبيل الوصول وخالف بين املدارس
ٍ جدال عليه ،والبعض اآلخر محل
ٍ
اإلسالمي وأسلمة العلوم ال غنى عن استعمال هذه ّ ّ
علمي ٍة على صعيد الفكر نهضة
ٍ إلى
ُ ََ املتف عليه منها -الستثمار ّ
الن ّ سيما ّ
القواعد ومراعاتها – ال ّ
الفكر ص واستنطاقه ،وإال فقد
رعية الع ّ ّ
الش ّ ُ
لمية التي تمنحها هذه القواعد. ِ والعلوم املراد أسلمتها، املراد إنشاؤه،
الطرح األصول-فقهي ّ ّ
ّ
قليدي أمران: الت ومما ّتتصف به هذه القواعد في ّ
ّ
أنماط ّ
معي ٍنة من ٍ ّ
الجزئية» بحيث تتعامل مع أحدهماّ :أنها ،في أكثرها ،تتسم بـ «
والن ّ ّ
املتعلقة باألمر ّ ّ
هي ،والعموم محدودة منها ،كالقواعد
ٍ النصوص ،وتنطب على فئة
ً ّ ّ ً ً
والخصوص ،وسائر أنواع األلفاظ لفظا لفظا ،والقواعد املتعلقة بمباحث األدلة دليال
ً
دليال...الخ.
الزركش ّي :محمد بن بهادر .البحر املحيط ،مصر :دار الكتبي ،ط1414 ،1هـ=1994م ،ج،1 ( ّ )1
ص.14
ّ ّ ُ ّ ّ
( )2لالطالع على معاني مصطلح «النص» ينظر :صالح :أيمن" .قراءة نقدية في مصطلح النص في
الفكر األصولي" ،فرجينيا :مجلة إسالمية املعرفة ،املعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،العدد .34-33
-6-
ً ٌ
بدءا من مباحث ُ
الحكم واألمر اآلخرّ :أنها متناثرة في جميع مباحث أصول الفقه
وانتهاء بمباحث االجتهاد ّ
ً ّ ً
والتقليد. ومرورا بمباحث األدلة وكيفية االستدالل
ينظمها على
ومن هنا فقد احتاجت هذه القواعد -الجزئية املتناثرة -إلى «استقر ٍاء» ِ
عامة ُعليا ،يمكن اعتبا ها املعالم الرئيسة ملنهج األصوليين في ّ
التعامل مع ر شكل مبادئ ّ ٍ
ّ األصولية في ّ
ّ إجمالي ٍة ّ
ّ ّ ّ َّ ّ
ملنهجية تصورها عام ٍة على الفلسفة نظرة
يمكن من إلقاء ٍالنصِ ،مما ِ
ّ
السياق جاءت هذه الدراسة لتقوم بهذه ّ
املهمة. ص والوصول إلى مكامنه .وفي هذا ّ تلقي ّ
الن ّ
ّ ً الباحث لهذه ال ّد اسة « ّ
وال ّيدعي ّ
النضج» فضال عن «االحتراق» ،وإنما هي محاولة ر
تقدمطور والتشبع بمرور الوقت و ّ النماء ّ
والت ّ متواضعة يزجيها بين يدي الباحثين اجيا لها ّ
ر
ّ
الزمان.
ُ
اعيت في استقراء هذه املبادئ وانتقائها أمرين:وقد ر
والس ّنة ،رّبما جميع هذه
كم هائل من نصوص الكتاب ّ
ٍ
أحدهما :أن تنطب على ّ
ٍ
النصوص ،أو نصوص األحكام جميعها ،أو نصوص األخبار جميعها ،وهكذا... ّ
محل ّاتفاق بين ّ
كل األصو ّليين أو بين ّ ّ
والثاني :أن تكون هذه املبادئ َّ
السواد األعظم ٍ
منهم.
واألصوليون املقصودون في هذه الدراسة هم بالدرجة األولى أصحاب الكتب ّ
األصولية بمدارسها املختلفة الكالمية والفقهية والجامعة بينهما ،وبالدرجة الثانية العلماء
يأت ذلك في سياق كتابات ّ سطروا قواعد ومناهج للتعامل مع ّ
الن ّ ّ
خاصة ص ،ولو لم ِ الذين
ّ
والطبري وابن عبد البر وابن ّ
تيمية وغيرهم. بعلم أصول الفقه ،كالشافعي في األم،
منهج البحث:
ألنها تهدف إلى استقراء "مبادئ التعامل مع النص" الدراسة َوصفية باألساسّ ، هذه ّ
جميعهم أو جمهورهم .وقد استلزم ذلك اإلكثار من النقول ُ ّ
األصوليون وعرضها كما يراها
ِ
ُ ّ ّ ّ
التي تبرهن على التبني األصولي للمبدأ محل البحث ال سيما ما أشير فيه منها إلى ذكر اإلجماع
على املبدأ املعروض .وعند إيراد هذه النقول حاولت التنويع في النقل عن املدارس األصولية
ّ
املتقدمين دون مفضال ،في الغالبّ ،
النقل عن ّ
املختلفة ما بين حنفية وشافعية وظاهريةِ ،
الدراسة لم تهدف إلى البرهنة واالستدالل على هذه املبادئ، وألن هذه ّ
املتأخرين واملعاصرينّ .
ّ ّ
الشارع وآثار ّ
الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم إال فإ ّنها لم تتطرق إلى ذكر أدلتها من نصوص
األصوليين ،كما ّأنها لم ت ّ
ّ ً
ملاما في ثنايا ّ
توسع في ذكر ما ينبني على املبادئ النقول عن ما ورد
صولية ّ ُ
املعروضة من قواعد أ ّ
فرعية.
-7-
ّ
الدراسات ّ
السابقة:
ّ ّ
العامة للفكر األصولي في تعامله مع النص الديني .وهي ورقة بحثية .1املبادئ
قصيرة قدمها الباحث في املتؤتمر الدولي للفكر اإلسالمي املنعقد في -12-6 ّ
ّ ّ
املاليزية 2004م /املواف 24شوال 1425هـ ،الذي نظمته الجامعة الوطنية
الدراسة واشتملت على UKMفي كواالملبور .وهي في أقل من نصف حجم هذه ّ
األولي لهذه ّ شكلت األصل ّ ّ ّ
الدراسة ،لكن مع تغييرات جذرّية ستة مبادئ ،وقد
ّ
وإضافات كبيرة في الشكل واملضمون.
محمد بن الحسن .2معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ،للدكتور ّ
كتاب هدف الجيزاني( ،دار ابن الجوزي ،الرياض ،ط1416 ،1ه=1996م) .وهو ٌ
ّ ّ ّ
األصولية املتفق عليها جملة من األغراض ،منها« :تحرير القواعد ٍ املتؤلف فيه إلى
ّ ّ ّ
األصولية املختلف فيها» .وقد قام املتؤلف عند أهل السنة والجماعة ،وبيان القواعد
األ ّ ُ ّ
املختلفة، ِ صولية جملة كبيرة من هذه القواعد موزعة على األبواب ٍ بعرض
َّ ّ
مركزا على بيان موقف «السلف» من هذه القواعد .وهذا الكتاب ال يلتقي مع ِ
ّ ّ
دراستنا هذه ألمرين :أحدهما :أن الكتاب -بحكم أهدافه -لم يركز على معالم
ّ ٌ ّ ً
قطاع عريض من األصوليين متكلمين وفقهاء الفكر األصولي ُجملة ،الذي يمثله ِ
ّ ً َ ً ً ً ّ
من شتى املذاهب واملدارس ،بل كان انتقائيا ِمعياريا ال شامال وصفيا ،والثاني:
ً ّ ّ
يشكل مبدأ ذا آثار توسعه في عرض القواعد دون التمييز بين ما يصلح منها أن ِ
ّ ً وقواعد ّ َ
أصولية ذات آثار محدودة في فرعي ٍة ،وما ال يعدو كونه قاعدة عريضة
ٍ
باب من األبواب.
ّ
األصولية .3معلمة زايد للقواعد األصولية والفقهية ،وهي موسوعة للقواعد
أعدها مجموعة كبيرة من الباحثين على مدى سنين متطاولة ،بإشراف والفقهية ّ
ّ
ً ً ُ ملنظمة ّ ّ
التعاون اإلسالمي ،ونشرت نشرا ورقيا مجمع الفقه اإلسالمي التابع
ّ وإلكترونيا في العام 1334ه املواف 2013م .وقد ّ ً
قت املوسوعة في املجلد تطر ِ
ّ الثالث منها إلى ما ُس ّمي بـ "قواعد املبادئ ال ّ ّ
عامة في التشريع اإلسالمي" ،وذكرت ِ
ّ ٌ ً
مقصد شرعي" وآخرها" :الشريعة أربعة عشر مبدأّ :أولها" :تكريم اإلنسان
وفصلت الثوابت" .وقد قام باحثو املوسوعة بذكر املبدأ وشرح املتغيرات ّ أجملت ّ َ
ّ
املقصود به ثم االستدالل له من أدلة الشرع ثم بيان ما ينبني عليه من آثار
تشريعية .وقد تقاطعت دراستنا هذه مع مبادئ املوسوعة األربعة عشر في أربع ٍة
منها فقط هي" )1 :ال حكم إال هلل" ،وهو في دراستنا بعنوان" :مبدأ االحتكام إلى
النص" ،و " )2ما من حادثة إال وهلل فيها حكم" ،وهو في دراستنا بعنوان" :مبدأ ّ
-8-
( )1املقصود بالنص هو الكتاب والسنة بغض النظر عن الداللة ،على أن تحكيم املقاصد والقرائن
بشتى أنواعها في فهم املراد بالنص ال ينافي االحتكام إلى النص ،بل الذي ينفيه هو رفض النص
ً
والوحي مرجعية للحكم ،واالحتكام إلى مصادر وضعية بشرية.
( )2اآلمدي :سيف الدين علي بن أبي علي .اإلحكام في أصول األحكام ،تحقي :عبد الرزاق عفيفي،
بيروت :املكتب اإلسالمي( ،د.ت) ،ج ،1ص.79
-9-
ّ
وأنه ال يل م قول ّ ّ وجل لم يجعل ألحد َ ّ
بأن هللا ع ّ ّ
بكل حال إال بكتاب هللا أو بعده إال اتباعه، لحكمه
ّ ّ ّ
سنة رسوله ،صلى هللا عليه وسلم ،وأن ما سواهما تبع لهما»(.)1
مسميات يذكرها كثيرون فيوالرأي والعرف واملصلحة وغير ذلك من ّ وأما العقل ّّ
أدلة األحكام أو مصادرها ،فلها ثالث حاالت:
قررها ّ
الن ّ ً
أحكاما ّتتف مع األحكام التي ّ إحداها :أن ُت ّ
حينئذ بما
ٍ ص ،فالعبرة قرر
ّ
ومتؤك ٌ ص ،وهذه املصادر ،في هذه الحالّ ،إنما هي ّ
متؤي ٌ قرره ّ
الن ّ ّ
دات ال دات
يضر االستغناء عنها. ّ
يقررها ّ
الن ّ أحكاما تصطدم مع األحكام التي ّ ً والثانية :أن ُت ّ
وحينئذ فال اعتبار
ٍ ص، قرر
لها.
يتعرض لها ّ
الن ّ ً
أحكاما لم َّ ّ
الثالثة :أن ُت ّ
ص بلفظه أو معناه بطري ٍ مباشرة أو قرر و
ّ ّ َ
غير مباشرة .وهذا الفرض غير واقع؛ ألنه يتناقض مع مبدأ «شمول النص»
قليل. ّ
الذي سنبينه بعد ٍ
العرف أو اإلجماع في تقرير الحكم، ص على العقل أو الرأي أو ُ نعم ،قد يحيل ّ
الن ّ
صألنها لوال اإلحالة من ا ّلن ّ
ص؛ ّ لكن هذا ال يعني انفراد هذه املصادر بتقرير الحكم دون ّ
الن ّ ّ
ّ ّ هائي إذن هو ّ
الن ّ فاملقرر ّ
الن ّ ّ ملا ح ّ لها هذا ّ
ص .قال الشاطبي« :إذا تعاضد النقل التقرير،
ّ ا ّ ّ ّ
الش ّ
ويتأخر العقل فيكون يتقدم النقل فيكون متبوعا، رعية ،فعلى شرط أن والعقل على املسائل
ّ ّ ّ
النظر إال بقدر ما ّ ا
يسرحه النقل»( .)2وقال« :األدلة العقلية إذا تابعا ،فال يسرح العقل في مجال
ّ ّ ّ ّ
استعملت في هذا العلم فإنما تستعمل مركبة على األدلة السمعية ،أو معينة في طريقها ،أو محققة
ّ ّ ّ
مستقل اة ّ
بالداللة؛ ألن النظر فيها نظر في أمر شرعي ،والعقل ليس ملناطها ،أو ما أشبه ذلك ،ال
بشارع»(.)3
ّ بالتحسين ّ
يعكر على هذا املبدأ سوى قول املعتزلة وغيرهم ّّ
العقليين، والتقبيح ِ وال
داللة أو إحالة من ُ
اإليمان باستقالل العقل بمعرفة الحكم دون ألن ّ
متؤدى هذا القول ّ
ٍ
ً
طريقا وحيد ًا للوصول إلى الحكمّ . ص ال ّ ص ،أي ّأن ّ
الن ّ ّ
الن ّ
ولكن هذا القول كان ذا أ ٍثر يتعين
ًّ
جدا في الفقه اإلسالمي ،وذلك لسببين: محدود
( )1الشافعي :محمد بن إدريس .األم ،بيروت :دار املعرفة( ،د.ط)( ،د .ت) ،ج ،7ص.287
ّ
( )2الشاطبي :إبراهيم بن موس ى الغرناطي .املوافقات ،تحقي وشرح عبد هللا دراز ،بيروت :دار
املعرفة ،ج ،1ص.87
( )3املرجع الساب ،ج ،1ص.35
-10-
أحدهماّ :أن القائلين به يقصرون دور العقل في الوصول إلى األحكام على الفترة قبل
ٌ ّ الناس هل كانوا َّ النص .أي ّأن ُّورود ّ
متعبدين بالعقل قبل ورود الشرع أم ال؟ وهي مسألة
قليلة الجدوى والخالف فيها ليس ذا شأن.
قرون ّّ ُ ّ ّ ّ ّ
بأن والثاني :أنهم يعترفون بمحدودية العقل في مجال تقرير األحكام ،أي أنهم ي ِ
ص فقط دون العقلّ ،
وأن ما يثبته العقل الغالبية العظمى من األحكام ّإنما يمكن إثباتها ّ
بالن ّ
ّ
من األحكام كوجوب العدل ،وحرمة الظلم ،ووجوب شكر املنعم ،وغير ذلك ،قد جاء بها
النص وليست هي موضع خالف بين أحد.
كثير من مسائل االعتقاد ،فقد ّ ّ ّ
ومن هنا نجد أن املعتزلة ،وإن خالفوا أهل السنة في ٍ
وافقوهم في الفروع واألحكام في الغالب .قال األنصار ّي« :ال حكم إال من هللا تعالى بإجماع ّ
األمة،
مما ال يجترئفإن هذا ّّ ّ
ال كما في كتب بعض املشايخ :إن هذا عندنا ،وعند املعتزلة الحاكم العقل.
ن ّ ّ
معرف لبعض األحكام اإللهية ،سواء َو َرد
إن العقل ّ عليه أحد ممن ّيدعي اإلسالم .بل إنما يقولو :
ا ّ
الشرع أم ال .وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضا»(.)1 به
ّ ّ ّ
وقال ابن قاض ي الجبل« :ليس مراد املعتزلة بأن األحكام عقلية :أن األوصاف مستقلة
باألحكام ،وال أن العقل هو املوجب أو ّ
املحرم ،بل معناه عندهم :أن العقل أدرك أن هللا تعالى بحكمته
البالغة كلف بترك املفاسد وتحصيل املصالح ،فالعقل أدرك اإليجاب والتحريم ،ال أنه أوجب
وحرم»(.)2
معظم األصوليين -في مبحث الحكم - َ الديب« :وجدنا
وقال الدكتور عبد العظيم ّ
ِ
ّ ّ ا
يقولون" :ال حاكم إال هللا ،خالفا للمعتزلة؛ فإنهم يحكمون العقل" .وعندما قمنا بتتبع نصوص
ّ ّ ا
املعتزلة في كتبهم األصيلة لم نجد هذا صحيحا بهذا اإلطالق ،وإنما هذا قول املعتزلة قبل ورود الشرع،
ّ
أما بعد ورود الشرع ،فال حكم إال هلل ،وال يوجد مسلم يقول بغير هذا .وعلى ذلك تخرج هذه املسألة
من علم أصول الفقه إلى علم أصول الدين»(.)3
( )1األنصاري :عبد العلي محمد بن نظام الدين .فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ،بيروت :دار
الكتب العلمية ،ط ،2ج ،1ص.25
( )2نقله عنه املرداوي :عالء الدين أبو الحسن علي بن سليمان .التحبير شرح التحرير ،تحقي :عبد
الرحمن الجبرين وعوض القرني وأحمد السراج ،الرياض :مكتبة الرشد ،ط1421 ،1هـ=2000م،
ج ،2ص.721
( )3الجويني ،إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا .نهاية املطلب في دراية املذهب ،تحقي :عبد
العظيم محمود الديب ،جدة :دار املنهاج ،ط1428 ،1هـ=2007م ،املقدمة ،ص .247ومن الجدير
متفر ٌع عن قولهم بالتحسين
ّ ّ
ذكره أن قول املعتزلة بالتحسين والتقبيح في مجال األحكام الشرعية ِ
والتقبيح في مجال أفعال الباري سبحانه ،وهي مسألة وجوب الصالح واألصلح عليه سبحانه.
-11-
إجماع األصوليين على ّأن االجتهاد بالرأيّ ،
بشتى ُ ومن أهم ما انبنى على هذا املبدأ
ً
دل ال ّنص الثابت غير املعا َرض على حكمها داللة صريحة.
قضية ّ
ٍ ُ
صوره ،ال يجوز في
قال الشافعي« :ما كان هلل فيه نص حكم ،أو لرسوله سنة ،أو للمسلمين فيه إجماع ،لم
ا ا
يسع أحدا َعلم من هذا واحدا أن يخالفه .وما لم يكن فيه من هذا واحد كان ألهل العلم االجتهاد
ّ
فيه بطلب الشبهة [أي :الش َبه ،وهو القياس] بأحد هذه الوجوه الثالثة»( .)1وقال« :أجمع الناس
ّ ّ
على أن من استبانت له سنة عن رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،لم يكن له أن يدعها لقول أحد
ّ
الناس»(.)2 من
ّ
وقال زفر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة« :إنما نأخذ بالرأي ما لم يجئ األثر ،فإذا جاء
األثر تركنا الرأي ،وأخذنا باألثر»(.)3
ومن َ
بعدهم من فقهاء سائر األعصار إذا الجصاص« :املتوارث عن الصدر األولَ ،ّ وقال
يسوغونص ف عوا إلى االجتهاد والقياس ،وال ّ ّ
الن ّ ّ
الن ّ
ص ،ثم إذا عدموا ابتلوا بحادثة طلبوا حكمها من
ّ
الن ّ ّ
الن ّ
ص»(.)5 ص»( .)4وقال« :ال خالف في سقوط االجتهاد مع ألحد االجتهاد واستعمال القياس مع
ا ّ
الن ّ
ص باطل قطعا»(.)6 وقال الغزالي« :القياس على خالف
ّ ّ
الن ّ ّ وقال الرازيّ « :
ص»(.)7 األمة مجمعة على أن من شرط القياس أن ال يرده
( )1ابن القيم الجوزية :محمد بن أبي بكر .إعالم املوقعين عن رب العاملين ،تحقي :محمد عبد
السالم إبراهيم ،بيروت :دار الكتب العلمية ،ط1411 ،1هـ=1991م ،ج ،2ص.192
( )2ابن حزم :علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلس ي .اإلحكام في أصول األحكام ،تحقي :أحمد
شاكر ،بيروت :دار اآلفاق الجديدة( ،د.ت) ،ج ،1ص.120
( )3الزركش ي .البحر املحيط ،مرجع ساب ،ج ،6ص.14
( )4الغزالي .املستصفى ،مرجع ساب ،ص.112
ّ
( )5أبو يعلى الفراء :محمد بن الحسين بن محمد بن خلف .العدة في أصول الفقه ،تحقي :أحمد
بن علي املباركي( ،د.م)( :د.ن) ،ط1410 ،2هـ=1990م ،ج ،3ص.825
-13-
قانونهم على هذا األصل ،كالقانون الذي ذكره في رسالته األضحوية .وهؤالء يقولون :األنبياء قصدوا
ّ ّ َ
ظواهرها ،وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر ،وإن كانت الظواهر في نفس بهذه األلفاظ
ّ ا ا ا
للحق ،فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة»(.)1 األمر كذبا وباطال ومخالفة
ص استخدم الن ّبأن ّ وكذلك ليس بمقبول :منهج القائلين من بعض املعاصرين ّ
ٍ
الن ّ ً
الروائي (=غير الحقيقي) ،مراعاة ألحوال العرب وقت نزول ّ ص ّ َ
والق ّ
ص، «األسطورة»،
ُ َ ْ َ ْ
كما دندن حوله نصر أبو زيد( )2وغيره .قال تعالى{ :فال َح َوال َح َّ أقول}(ص ،)84:وقالَ { :و َم ْن
ََ ْ َ َ َ َ ْ ٌَْ ُ َْ
األ ْل َباب َما َك َ ً َّ َأ ْ
ان ِ ص َد ُق ِم َن الل ِه َح ِديثا}(النساء ،)87:وقال{ :لقد كان ِفي قص ِص ِهم ِعبرة ِأل ِولي
ً َ َْ َ َ َ ْ ََ ْ َ ُ َ
يل ك ِ ّل ش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َمة ِلق ْو ٍم
َّ
ص ِدي َ ال ِذي بين يدي ِه وتف ِصَحد ًيثا ُي ْف َت َرى َو َلك ْن َت ْ
ِ ِ
ُ ْ ُ نَ
يتؤ ِمنو }(يوسف.)111:
ّ ّ
وقد انبنى على مبدأ صدق النص أنه معقول أي أنه ال يأتي بما تحيله أو تأباه
َ ً
العقو ُل أبدا ،وال بما يصادم حقائ العلم أو الواقع أو التاريخ .وإذا ُوجد ث َّم ما قد يعارض
غير ما ظهر منه. معنى ُ وإما املقصود به ً بثابتّ ، النصوص فهوَّ :إما ليس البين من ّ العقل ّ
ٍ ِ
ّ ّ ّ
قال ابن عقيل« :أجمع أرباب العقول من أهل الشرائع أنه ال يجوز أن َيرد الشرع بغير
َ ُ
تلميذه ُ
ابن الجوزي« :كل حديث رأيته يخالف املعقول ،أو مجوزات العقول»( .)3ولذلك قال
يناقض األصول ،فاعلم ّأنه موضوع»(.)4
ينافي موجبات أحكام العقول؛ ألن ّ
الجصاص« :م ّما ي َرد به أخبار اآلحاد من العلل أن َ وقال
حجة هلل تعالى ،وغير جائ انقالب ما دلت عليه وأوجبته .وكل خبر يضاده ّ
حجة للعقل فهو العقول ّ
َ ا
أحكام فاسد غير مقبول ،وحجة العقل ثابتة صحيحة ،إال أن يكون الخبر محتمال لوجه ال يخالف به
ّ ّ ا َ
العقول ،فيكون محموال على ذلك الوجه»( .)5وذلك ،كما يقول التفتازاني؛ «ألن النقل يقبل
( )1ابن تيمية :أحمد بن عبد الحليم .درء تعارض العقل والنقل ،تحقي :محمد رشاد سالم ،اململكة
العربية السعودية :جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،ط1411 ،2هـ= 1992م ،ج ،1ص.8
ّ
ُوينظر :ابن رشد :محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الحفيد) .فصل املقال فيما بين الشريعة
والحكمة من االتصال ،تحقي :محمد عمارة ،الرياض :دار املعارف ،ط( ،2د.ت) ،ص.48
(ُ )2ينظر كتابه :النصّ ،
السلطة ،الحقيقة ،الدار البيضاء :املركز الثقافي العربي ،ط1995 ،1م.
( )3ابن عقيل :علي بن عقيل بن محمد .الواضح في أصول الفقه ،تحقي :عبد هللا بن عبد املحسن
التركي ،بيروت :متؤسسة الرسالة ،ط1422 ،1هـ=1999م ،ج ،3ص.377
( )4ابن الجوزي :جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد .املوضوعات ،املدينة املنورة :املكتبة
السلفية ،ط1386 ،1هـ=1966م ،ج ،1ص.106
( )5الجصاص .الفصول في األصول ،مرجع ساب ،ج ،3ص.121
-14-
ّ ّ
التأويل بخالف العقل ،وألنه [أي النقل] فرع العقل الحتياجه إليه من غير عكس ،فال يجوز تكذيب
ّ
األصل لتصديق الفرع املتوقف صدقه على صدق األصل»(.)1
ً ّ ّ
األصوليين ،وأهل العلم عموما ،على هذا املبدأ من حيث الجملة إال ورغم اتفاق
ً ظنا أو ّ كونه ّ َ ً ّأنهم يتفاوتون فيما بينهم فيما ُي ّ
حتى وهما، عد ثابتا بالعقل ،وما ال يعدو
ً ُ
وبعضهم ّ يتوسع في تحكيم العقل في مجال ّ فبعضهم ّ
يضي ،وتبعا لهذا يبالغ النظريات،
النصوص بدعوى التوفي بينها وبين دالئل العقول ،وينكر ا ّ
ملضيقون املتوسعون في تأويل ّ
ّ
الدليل العقلي الذي ُي ّ
تؤول أو ُيرد املضيقين ،يشترط في ّ
ّ فإن ابن تيمية ،وهو من ذلك .ولهذا َّ
ً ُ
مما يخفى ويشتبه ،ويكون َمدعاة للخالف بين العقالء، صريحا أو ّبي ًنا ،ال ّ
ً
النص أن يكون به ّ
الصحيح إال وهو عند أهل العلمالسمع ّ قال رحمه هللا« :ال يعلم حديث واحد يخالف العقل أو ّ
ّ
الخفية املشتبهة التي يحار فيها كثير ضعيف ،بل موضوع...ولكن عامة موارد التعارض هي من األمور
ّ ّ ّ
من العقالء ،كمسائل أسماء هللا وصفاته وأفعاله ،وما بعد املوت من الثواب والعقاب والجنة والنار
والعرش والكرس ي ،وعامة ذلك من أنباء الغيب التي تقصر عقول أكثر العقالء عن تحقيق معرفتها
وإما حيارى بمجرد رأيهمّ :إما متنازعين مختلفينّ ،
ّ ّ
بمجرد رأيهم ،ولهذا كان عامة الخائضين فيها
ّ ّ ّ
والسنة ال يعارضها معقول َب ّين قط»(.)3 م َت ّهوكين»( ،)2و«النصوص الثابتة في الكتاب
ل ّ
الن ّ ا
ص بلفظه ومعناه للوقائع: ثالثا :مبدأ شمو
ص متناو ٌل لها بالحكم، أي ّأنه ما من واقعة حدثت أو تحدث إلى يوم القيامة إال ّ
والن ّ ٍ
ٌ
شامل للوقائع ص بلفظه ومعناه القريب والبعيد سوا ٌء بطري مباشرة أو غير مباشرةّ .
فالن ّ
ٍ
ومكان. مان ّ ٌ
ٍ كاف للحكم عليها ،وهو صالح لكل ز ٍ
ٍ
قال الشافعي ،رحمه هللا تعالى« :فليست تنزل بأحد من أهل دين هللا نازلة إال وفي كتاب
ا ّ ّ
هللا الدليل على سبيل الهدى فيها»( .)4وعنه أيضا« :إنا نعلم قطعا أنه ال تخلو واقعة عن حكم هللا
تعالى مع و إلى شريعة ّ
محمد ،صلى هللا عليه وسلم»(.)5
( )1التفتازاني :سعد الدين مسعود بن عمر .شرح التلويح على التوضيح ،مصر :مكتبة صبيح،
(د.ط)( ،د.ت) ،ج ،1ص.247
( )2ابن تيمية .درء تعارض العقل والنقل ،مرجع ساب ،ج ،1ص.150
( )3املرجع الساب ،ج ،1ص.155
( )4الشافعي :محمد بن إدريس .الرسالة ،تحقي :أحمد شاكر ،مصر :مكتبة الحلبي ،ط،1
1358هـ=1940م ،ص.20
( )5عزاه إليه الجويني :إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا .البرهان في أصول الفقه ،تحقي :صالح
بن محمد بن عويضة ،بيروت :دار الكتب العلمية ،ط1418 ،1هـ=1997م ،ج ،2ص ،162وليس
-15-
َ َ ّ
وجل فيه حكم؛ ألنه تعالى يقول{ :إن الل َه كان
وقال ابن سريج« :ليس ش يء إال وهلل ع ّ ّ
ان الله َع َلى ك ّل َش يء مق ايتا} (النساء ،)85:وليس في ّ
الدنيا
ََ َ َ َ
َعلى ك ّل ش يء َحس ايبا} (النساء{ ،)86:وك
ّ
ش يء يخلو من إطالق أو حظر أو إيجاب؛ ألن جميع ما على األرض من مطعم أو مشرب أو ملبس أو
منكح أو حكم بين م َتشاجرين ،أو غيره ،ال يخلو من حكم ،ويستحيل في العقول غير ذلك ،وهذا ّ
مما
ال خالف فيه أعلمه»(.)1
ّ
الجصاص« :ما من حادثة جليلة وال دقيقة إال وهلل فيها حكم ،قد ّبينه في الكتاب وقال
ا ا ّ
دليال»(.)2 نصا أو
ا
يقينا بخبر هللا تعالى الذي ال ي َك ّذبه مؤمن أ ّنه لم ّ
يفرط في الكتاب وقال ابن حزم« :صح
ّ َ ّ ا ّ
شيئا ،وأنه قد بين فيه كل ش يء ،وأن الدين قد كمل ،وأن رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،قد بين
ّ
للناس ما ن ّ ل إليهم»(.)3
َ
وقال إمام الحرمين« :الرأي املبتوت املقطوع به عندنا أنه ال تخلو واقعة عن حكم هللا
تعالى متلق اى من قاعدة الشرع»(.)4
ّ
ورغم اتفاق األصوليين على شمول النصوص للوقائع بلفظها ومعناها املباشر وغير
َّ
غطته ّ املباشرّ ،
النصوص من الوقائع بلفظها ومعناها املباشر إلى فإنهم اختلفوا في نسبة ما
َّ
واالستحسان واالس ِتصالح.
ِ ما غطته بمعناها غير املباشر كالقياس
ّ
ص َدر عن االجتهاد ،والنصوص ال تفي بالعشر من معشار
بعضهم« :معظم الشريعة َ فقال ُ
الشريعة»(.)5
أقوال للشافعي غير منصوصة له ٍ هو في املطبوع من كتب الشافعي ،ومن عادة إمام الحرمين عزو
مخرجة من معنى أقواله أو من الفروع التي حكم فيها وطريقته في االجتهاد. وإنما ّ
الزركش ّي .البحر املحيط ،مرجع ساب ،ج ،1ص .217وإثبات ( )1نقله عن كتابه إثبات القياسّ :
ٌ
مفقود فيما أعلم. القياس البن سريج
( )2الجصاص :أبو بكر أحمد بن علي الرازي .أحكام القرآن ،تحقي محمد صادق قمحاوي ،بيروت:
دار إحياء التراث العربي1405 ،ه ،ج ،5ص.10
( )3ابن حزم :علي بن أحمد بن سعيد األندلس ي .النبذة الكافية في أحكام أصول الدين ،بيروت :دار
الكتب العلمية ،ط1405 ،1هـ ،ص.61
( )4الجويني .البرهان في أصول الفقه ،مرجع ساب ،ج ،2ص.3
( )5الجويني .البرهان في أصول الفقه ،مرجع ساب ،ج ،2ص .37أي النصوص بألفاظها ،ال بعللها
ومعانيها املستنبطة ،التي يقوم عليها االجتهاد أصال.
-16-
النصوص»()1؛ّ َ
وناقضهم آخرون ،فقالوا« :من املحال املمتنع وجود نازلة ال َ
حكم لها في
ّ ّ
وذلك ألن «النصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه ،وكل نازلة تنزل إلى يوم القيامة
ّ
باسمها»(.)2
ّ ّ
أئمة املسلمين أن النصوص وتوسط فري ٌ ثالث فقالواّ « :
الصواب الذي عليه جمهور ّ ّ
ّ
وافية بجمهور أحكام أفعال العباد .ومنهم من يقولّ :إنها وافية بجميع ذلك ،وإنما أنكر ذلك من
َ ّ ّ ّ
العامة التي هي أقوال هللا ورسوله وشمولها ألحكام أفعال أنكره؛ ألنه لم يفهم معاني النصوص
ّ ّ ا ّ
محمدا ،صلى هللا عليه وسلم ،بجوامع الكلم ،فيتكلم بالكلمة الجامعة العباد ،وذلك أن هللا بعث
ا ا قضية ّكل ّية وقاعدة ّ
عامة تتناول أنواعا كثيرة ،وتلك األنواع تتناول أعيانا ال تحص ى، العامة التي هي ّ
ّ
ا ن ّ
النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد»(.)3 فبهذا الوجه تكو
وسعوا من داللة ّ
النص وفاء بمبدأ الشمولَّ ، وعلى ّأية حال ّ
فإن األصوليينً ،
اللفظية ،بطريقين:
إحداهما :تعميم حكم ّ
النص في األشخاص واألزمنة واألمكنة.
واألخرى :إعمال مقاصد ّ
النص.
ّ
وهما املبدآن اللذان سنتناولهما فيما يلي:
ّ
الن ّ ا
ص في األخشخاص إلى يوم القيامة: رابعا :مبدأ عموم
من الرسالة إال وهوص في ح ّ شخص أو أشخاص ز َ قرره ّ
الن ّ أي ّأنه ما من حكم ّ
ٍ ٍ ِ ٍ
ّ
الناس في ذلك الزمن ،وعلى من بعدهم من الناس إلى يوم القيامة إال ينسحب على جميع ّ
صلى هللا عليه وسلمُ ، ّ ُ
لع َمر بن دليل على تخصيصه بمن خوطب به .فمثال قوله، إذا قام ٌ
ً أبي سلمةّ « :
سم هللا ،وكل بيمينك ،وكل ّ
لواحد مخصوص ٍ مما يليك»( ،)4وإن كان بلفظه خطابا
خطاب لجميع املسلمين ز َ
من الرسالة ،ولجميع ّ ٌ ّ
األمة إلى يوم القيامة. إال أنه في داللته
( )1ابن حزم .اإلحكام في أصول األحكام ،مرجع ساب ،ج ،6ص.33
( )2املرجع الساب ،ج ،8ص.17
( )3ابن تيمية :أحمد بن عبد الحليم .مجموع الفتاوى ،تحقي :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم،
املدينة النبوية :مجمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف1416 ،هـ=1995م ،ج ،19ص.280
( )4أخرجه البخاري في صحيحه ،كتاب األطعمة ،باب التسمية على الطعام واألكل باليمين ،رقم
( ،)5376ج ،7ص .68ومسلم في صحيحه ،كتاب األشربة ،باب آداب الطعام والشراب
وأحكامهما ،رقم ( )2022ج ،3ص.1599
-17-
ّ ّ قال ابن ّ
الص ّباغ« :خطابه ،صلى هللا عليه وسلم ،لواحد خطاب للجماعة باإلجماع»(.)1
َ ّ
كل حكم َحك َم هللا ورسوله به في خشخص أو على خشخص ،من عبادة أو الجصاصّ « : وقال
ّ
التخصيص فيه»(.)2 غيرها ،فذلك الحكم الزم في سائر األخشخاص إال إذا قام دليل
ّ وقال ابن حزمّ « :
األمة كلها مجمعة على وجوب حكم النص وتماديه إلى يوم القيامة،
كل زان أو سارق إلى يوم القيامة، السالم ،على زان أو سارق هو حكم منه على ّوكذلك حكمه ،عليه ّ
ا َ
وهكذا كل ما َحكم به النص في عين ما هو حكم في نوع تلك العين أبدا ،ولو كان خالف ذلك -ونعوذ
بعده .وهذا كفر منالظن -لبطلت لوازم نبوته ،صلى هللا عليه وسلم ،في ال مان اآلتي َ
ّ باهلل من هذا
َ
كل زمان َأبد األبد»( .)3وقال
حكمه ،صلى هللا عليه وسلم ،في زمانه حكم باق في ّمعتقده؛ فصح أن َ
ُْ َْ ُ
الر ُسو َل َوأولي األ ْمر منكم}(النساءّ « :)59 : َّ َ َ
يعوا الله َوأط ُ
يعوا َّ َ
في قوله تعالى{ :أط ُ
األمة مجمعة ِ ِ ِ ِ ِ
ّ ّ ّ
على أن هذا الخطاب متوجه إلينا ،وإلى كل من يخلق ويركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من
والناس ،كتوجهه إلى من كان على عهد رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلمّ ، ّ ّ
وكل من أتى بعده، الجنة
َ
عليه السالم ،وقبلنا ،وال فرق»(.)4
ّ ا
أن ما سبق من الخطاب في عصر رسول وقال إمام الحرمين« :أجمع املسلمون قاطبة على
بعدهم مندرجون تحت قضيته .إذاكافةَ ،ف َمن َ
ّ
متوجه على أهل عصره ّ هللا ،صلى هللا عليه وسلم،
ّ َ
لم نقل ذلك أدى ذلك إلى قصر الشرع على الذين انقرضوا ،فلداللة اإلجماع عدينا الخطاب من
َ ّ
الخلف»(.)5 السلف إلى
ّ ّ ّ
بالضرورة من دينه عليه السالم :أن كل حكم تعلق بأهل زمانه مما عرف وقال ّ
الزركش ّيّ « :
فهو شامل لجميع ّ
األمة إلى يوم القيامة»(.)6
كثير من ال َعلمانيين ً
وبناء على هذا املبدأ ،تظهر مناقضة ومخالفة ما يدندن حوله ٌ
الزمان يخية ّ
النص الديني» -بمعنى ارتهانه وقصر داللته على أسباب نزوله في ّ في قولهم بـ «تار ّ
( )1نقله عنه ،الزركش ي .البحر املحيط ،مرجع ساب ،ج ،4ص.272
الجصاص .أحكام القرآن ،ج ،4ص.355 ّ ()2
( )3ابن حزم .اإلحكام في أصول األحكام ،مرجع ساب ،ج ،5ص.59
( )4املرجع الساب ،ج ،1ص.97
( )5الجويني :إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا .التلخيص في أصول الفقه ،تحقي :عبد هللا
جولم النبالي وبشير أحمد العمري ،بيروت :دار البشائر اإلسالمية( ،د.ت) ،ج ،1ص.428
( )6الزركش ي .البحر املحيط ،مرجع ساب ،ج ،4ص ،251وينظر :العالئي :صالح الدين الكيكلدي.
تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم ،تحقي ونشر عبد هللا آل الشيخ( ،د.م) :ط1403 ،1ه،
ص.339
-18-
ويكاد ي ّتف األصوليون والفقهاء ،ما خال الظاهرية ،على تعليل األحكام باملصالح،
نص ،وإن اختلفوا في شروط التعليل وشروط وعلى مشروعية القياس واالستصالح حيث ال ّ
األقيسة واملصالح املعتبرة.
ّ
قال الطبري« :ما أمر هللا بأمر قط إال وهو أمر صالح في الدنيا واآلخرة ،وال نهى هللا عن أمر
والدين ،وهللا أعلم بالذي يصلح َخ َلقه»(.)1
الدنيا ّ قط إال وهو أمر فساد في ّ
ّ
أن شرائع األنبياء قصد بها مصالح الخلق ّ
الدينية وقال القرطبي« :ال خالف بين العقالء
ّ
والدنيوية»(.)2
ّ ّ
وقال إلكيا« :الذي َع َرفناه من الشرائع ّأنها وضعت على االستصالح ،دلت آيات الكتاب
والسياسات الفاضلةّ ،
وأنها ال ّ بلية ّ ّ
الشرع للعادات الج ّ ّ
والسنة وإجماع ّ
تنفك عن األمة على مالءمة
مصلحة عاجلة وآجلة»(.)3
ّ وقال ابن ّحال« :قال أصحابناّ :
الدليل على أن األحكام كلها شرعت ملصالح العباد ،إجماع ر
األمة على ذلكّ :إما على جهة اللطف والفضل على أصلنا ،أو على جهة الوجوب على أصل املعتزلة»(.)4
ّ
( )1الطبري :محمد بن جرير بن يزيد .تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن) ،تحقي :أحمد
شاكر ،بيروت :متؤسسة الرسالة ،ط1420 ،1هـ=2000م ،ج ،3ص.382
( )2القرطبي :محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين .الجامع ألحكام
القرآن (تفسير القرطبي) ،تحقي :أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش ،القاهرة :دار الكتب املصرية،
ط1384 ،2هـ=1994م ،ج ،2ص.64
( )3الزركش ي .البحر املحيط ،مرجع ساب ،ج ،7ص.161
( )4املرجع الساب ،ج ،7ص.158
-20-
ّ
وقال اآلمدي« :أئمة الفقه مجمعة على أن أحكام هللا تعالى ال تخلو عن حكمة
ومقصود»(.)1
ّ ّ
إال من ال ي ّ ّ
عتد به من جامدي الظاهرية ،على تعليل األحكام باملصالح وقال الطوفي« :أجمع،
واملَفاسد»(.)2
وقال املزني« :الفقهاء من عصر رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،إلى يومنا وهلم ّ
جرا،
ّ الحق ّ
أن نظير ّ ّ َ
حق ،وأن املقاييس في الفقه ،في جميع األحكام في أمر دينهم .قال :وأجمعوا استعملوا
ّ ّ ّ
والتمثيل عليها»(.)3 نظير الباطل باطل .قال :فال يجوز ألحد إنكار القياس؛ ألنه التشبيه باألمور
الصحابة القول بالقياس واالجتهاد في أحكام الحوادث، الجصاص« :قد صح عن ّ ّ وقال
ّ َ َ
باألخبار املتواترة املوجبة للعلم ،بحيث ال مساغ للشك فيه .كل واحد منهم يقول :أجتهد رأيي ،فأقول
َ فيها برأيي ،ويستعمل القياس ،ويأمر به َ
غيره ،ال يتناكرونه ،وال يمنعون إنفاذ القضايا واألحكام به.
ا
وكذلك حال التابعين وأتباعهم مستفيضا ذلك بينهم .وقد وقع العلم لنا بوجوده منهم»(.)4
ّ
الن ّ ا
ص وتكامله: سادسا :مبدأ انسجام
َ ََ
متناقض في نفسه ،كما قال تعالى{ :أفال
ٍ مختلف أو
ٍ ص َّأنه غير الن ّ املقصود بانسجام َّ
ْ َ ً َ َ َّ َ ون ْال ُق ْر َآن َو َل ْو َك َ
َي َت َد َّب ُر َ
ان ِم ْن ِع ْن ِد غ ْي ِر الل ِه ل َو َج ُدوا ِف ِيه اخ ِتالفا ك ِث ًيرا} (النساء .)82:وما قد
الظ ّنية فهو تعار ٌ ّ يبدو من تعا ض وتناقض بين بعض ّ
ض ظاهر ٌي ينبغي على املجتهد النصوص ٍ ر ٍ
ّ ّ ّ ّ ّ ّ
رفعه عن طري الجمع أو النسخ أو الترجيح .قال الشاطبي« :اتفق الجميع على أن الشريعة ال
ا ا
اختالف فيها وال تناقض ،ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا»(.)5
ّ كونه متكامال ،أي ّأن ّ ُ
رعية ،عند الش ّ النصوص وقد انبنى على انسجام ال ّنص
ً ُ واحد ،بحيث ّ ٌ األصوليينٌّ ،
يكمل بعضها بعضا .فالقرآن «من فاتحته إلى خاتمته كالكلمة كل
الواحدة»( ،)6والقرآن والحديث «كلفظة واحدة ،وخبر واحد ،موصول بعضه ببعض ،ومضاف
قال الشافعي ،رحمه هللا تعالى« :إنما خاطب هللا بكتابه العرب بلسانها ،على ما تعرف
من معانيها»(.)1
ا
وقال الشاطبي« :إن هللا ع وجل أن ل القرآن عربيا ال عجمة فيه ،بمعنى أنه جاء في ألفاظه
ا َ
ومعانيه وأساليبه على لسان العرب ،قال هللا تعالى{ :إنا َج َعلناه قرآنا َع َرب ًّيا}(ال خرف ،)3 :وقال
َ َ َ َ َ َ َ ا
تعالى{ :قرآنا َع َرب ًّيا غي َر ذي ع َوج}(ال مر .)28 :وقال تعالى{ :ن َ َل به الروح األمين َعلى قلب َك لتكون م َن
ا املنذر َ
ين بل َسان َع َرب ّي مبين}(الشعراء ،)193 :وكان املنزل عليه القرآن عربيا أفصح من نطق بالضاد،
ا
محمد بن عبد هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،وكان الذين بعث فيهم َع َربا أيضا ،فجرى الخطاب به وهو ّ
على معتادهم في لسانهم ،فليس فيه ش يء من األلفاظ واملعاني إال وهو جار على ما اعتادوه ،ولم
َ ََ َ َ َ
يداخله ش يء بل نفى عنه أن يكون فيه ش يء أعجمي ،فقال تعالى{َ :ولقد نعلم أنهم َيقولون إن َما
َ َ َ َ َ ّ
ي َعلمه َبشر ل َسان الذي يلحدون إليه أع َجمي َو َهذا ل َسان َع َربي مبين}(النحل ،)103 :وقال تعالى في
َّ َ َ ََ ا َ َ َ
صلت َآياته}(فصلت .)44 :هذا ،وإن كان بعث موضع آخر{َ :ولو َج َعلناه قرآنا أع َجم ًّيا لقالوا لوال ف
ا ّ
وعامة األلسنة في هذا األمر تبعا للسان العرب ،وإذا كان للناس كافة فإن هللا جعل جميع األمم
كذلك فال يفهم كتاب هللا تعالى إال من الطريق الذي ن ل عليه ،وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها
وأساليبها»(.)2
ً
ولهذا لم يكن عجبا أن قال القرافي عن أصول الفقه« :هو في غالب أمره ليس فيه إال
ّ ّ ّ ّ
خاصة ،وما يعرض لتلك األلفاظ من النسخ والترجيح، العربية قواعد األحكام الناشئة عن األلفاظ
ّ ّ ّ ّ
الخاصة للعموم ،ونحو ذلك»( ،)3وأكد ذلك والصيغة ونحو :األمر للوجوب ،والنهي للتحريم،
الشاطبي بقوله« :غالب ما ص ّنف في أصول الفقه من الفنون ّإنما هو املطالب العربية»(.)4
ص ،عند األصوليين وغيرهم من أئمة الفقه ومما َت َّرتب على هذا املبدأ ّأن ّ
للن ّ
قطعية تفرضها اللغة ال يجوز ّ
ّ ً ُ ُ ً ً ً
ملتلقيه والحديث والتفسير ،ذاتا وكينونة وحدودا وأطرا
الباطنية ّ
للن ّ ّ اشتد نكيرهم على َّّ ُُ ّ
ص ،وهي التي التفسيرات تجاوزها بحال .ولذلك ومفسره
ِ
ّّ ّ ّ
تخرج بالن ّ
ص عن إطاره اللغوي بالكلية.
قال الفخر الرازي« :يجب على املكلف تنزيل ألفاظ القرآن على املعاني التي هي موضوعة
ا َ ّ
العربيةّ . ّ
فأما حملها على معان أخر ،ال بهذا الطريق ،فهذا باطل قطعا ،وذلك مثل لها بحسب اللغة
( )1أي الدالالت الرقمية للحروف فيجعلون مقابل كل حرف عددا .ومن التفسيرات الرقمية املعاصرة
ما تنبأ به بعضهم من زوال دولة بني إسرائيل عام 2022م ،بناء على بعض الحسابات الرقمية في
حروف القرآن.
( )2الرازي :فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي .مفاتح الغيب أو التفسير
الكبير ،بيروت :دار إحياء التراث العربي ،ط1420 ،3هـ ،ج ،27ص.539
( )3البخاري :عالء الدين عبد العزيز بن أحمد .كشف األسرار شرح أصول البزدوي ،القاهرة :دار
الكتاب اإلسالمي( ،د.ط)( ،د.ت) ،ج ،1ص.58
( )4ابن عبد البر :يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عبد البر النمري .التمهيد ملا في املوطأ من املعاني
واألسانيد ،تحقي :مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري ،املغرب :وزارة عموم
األوقاف والشتؤون اإلسالمية1387 ،هـ ،ج ،7ص.131
( )5ابن تيمية .مجموع الفتاوى ،مرجع ساب ،ج ،6ص.360
-24-
قال الشافعي« :القرآن عربي ،كما وصفت ،واألحكام فيه على ظاهرها وعمومها ليس ألحد
ّا ا
خاص إال بداللة من كتاب هللا ،فإن لم تكن فس ّنة رسول
ّ عاما إلى أن ي َ
حيل منها ظاهرا إلى باطن وال
عام ،أو باطن دون ظاهر ،أو إجماع من ّ
عامة العلماء الذين ال يجهلون تدل على ّأنه خاص دون ّ هللا ّ
السنة .ولو جاز في الحديث أن يحال ش يء منه عن ظاهره إلى ا ّ ّ ا
معنى باطن كلهم كتابا وال سنة .وهكذا
معنى منها ّ
عددا من املعاني ،وال يكون ألحد ذهب إلى ا ا
حجة على أحد يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل
ّ
معنى غيره ،ولكن الحق فيها واحد؛ ألنها على ظاهرها وعمومها إال بداللة عن رسول هللا ،أو ذهب إلى ا
عام ،وباطن دون ظاهر ،إذا كانت إذا صرفت إليه عن خاص دون ّ ّ عامة أهل العلمّ ،
بأنها على قول ّ
ا
ظاهرها محتملة للدخول في معناه»(.)1
وقال أبو سعيد الدارمي« :ال يحكم لألغرب من كالم العرب على األغلب ،ولكن نصرف
ّ
معانيها إلى األغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها األغرب ،وهذا هو املذهب الذي إلى العدل واإلنصاف
أقرب»(.)2
ّ
الطبري« :غير جائ إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل ال داللة عليه من ّ
نص وقال
ّ ّ
كتاب ،وال خبر لرسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،وال إجماع من األمة ،وال داللة من بعض هذه
الوجوه»(.)3
َ َ
وقال ابن عبد البر« :إنما يوجه كالم هللا ع وجل إلى األشهر واألظهر من وجوهه ما لم
يمنع من ذلك ما يجب له التسليم .ولو ساغ ّادعاء املجاز ّ
لكل مدع ما ثبت ش يء من العبارات»(.)4
وقال الشنقيطي« :قد أجمع جميع املسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى َيرد دليل
َ
املحتمل املرجوح ،وعلى هذا كل من تكلم في األصول»(.)5 شرعي صارف عنه إلى
ّ َ
يلخصان شروط األصوليين في التأويل املقبول وهي: وهذا املبدأ ،والذي قبلهِ ،
ّ
اللفظ سا ِئ ًغا لغة .وهذا ما ّ ّأو ًال :أن يكون املعنى الذي ُ
يقرره "مبدأ عربية النص".
ِ عليه مل ح
( )1الشافعي :محمد بن إدريس .اختالف الحديث ،تحقي :عامر أحمد حيدر ،بيروت :متؤسسة
الكتب الثقافية ،ط1405 ،1هـ=1986م ،ص.480
( )2الدارمي :عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد .نقض اإلمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على
املريس ي الجهمي العنيد فيما افترى على هللا ع وجل من التوحيد ،تحقي :رشيد بن حسن
األملعي ،الرياض :مكتبة الرشد ،ط1418 ،1هـ=1998م ،ج ،2ص.855
( )3الطبري .تفسير الطبري ،مرجع ساب ،ج ،10ص.12
( )4ابن عبد البر .التمهيد ،مرجع ساب ،ج ،7ص.131
( )5الشنقيطي :محمد األمين بن محمد املختار بن عبد القادر الجكني .أضواء البيان في إيضاح
القرآن بالقرآن ،بيروت :دار الفكر( ،د.ط)1415 ،هـ=1995م ،ج ،7ص.769
-25-
ّ
الظاهر إلى معناه َّ ً
املتؤول .وهذا ما دليل مقبو ٌل على صرف اللفظ عن معناه
يدل ٌ
ثانيا :أن َّ
يقرره مبدأ "حمل ّ
النص على ظاهره إال لدليل". ّ
ِ
ّ
الن ّ ا
ص: تاسعا :مبدأ إعمال الحال في َمقال
ّ ّ ً ً ً ّ
أي أنه في سبيل فهم النص فهما صحيحا دقيقا ينبغي مراعاة تأثر داللته اللفظية
ّ ّ ّ ّ
الحالية التي تحتف به ،وهي األحوال التي تحتوشه من :حال املتكلم ،وحال بالقرائن
ماني واملكان ّي الذي قيل فيهّ ، ّ ّ
املخاطب ،والظرف الز ّ
والسبب الذي أثاره ،والغرض الذي
ّ
وتأثر ّ
الن ّ
ص بهذه القرائن استهدفه ،واألعراف الجارية في املجتمع الذي قيل فيه ،وغير ذلك.
ّ
يعني إمكانية تأكيد داللته اللغوية أو تفسيرها أو تأويلها وصرفه عن ظاهره بها .قال الشاطبي:
ا ّ
«إن علم املعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن ،فضال عن معرفة مقاصد كالم العرب،
ّ
إنما مداره على معرفة مقتضيات األحوال :حال الخطاب من جهة نفس الخطاب ،أو املخاطب ،أو
َ
املخاطب ،أو الجميع؛ إذ الكالم الواحد يختلف فهمه بحسب حالين ،وبحسب مخاطبين ،وبحسب
َ
غير ذلك :كاالستفهام لفظه واحد ،ويدخله معان أخر :من تقرير وتوبيخ وغير ذلك ،وكاألمر يدخله
ّ
والتعجيز وأشباهها ،وال ّ معنى اإلباحة ّ
يدل على معناها املراد إال األمور الخارجة ،وعمدتها والتهديد
مقتضيات األحوال»(.)1
مجرد دالالت لغوية ُيبحث عن السائد ليس ّ النص في املنهج األصولي ّ وهذا يعني ّأن ّ
ص ُ حي ٌة تنطبع على داللتها َب َ ٌ
ألفاظ ّ ّ معانيها في املعاجم وكتب ّ
مات النحو واللغة فحسب ،بل هو
والسبب ّمتلقيها والبيئة التي قيلت فيها ّ املتكلم بها وحال ّّ
الداعي لها. حال
َّ ّ السياق املقالي ّ األصوليون في اعتبار ّ
ّ
للنص واعتبروا نصوص الشارع كلها ِ وكما أبدع
بعضها في بعض ،كما أوضحناه في املبدأ ّ ُ ً ّ ً
السابع ،وهو "مبدأ سياقا واحدا تتؤثر اجزاؤه
ودل على هذا ك ٌ
ثير للنصّ ، السياق الحالي ّ
النص وتكامله" ،فكذلك أبدعوا في اعتبار ّ انسجام ّ
ِ
النزول والورود ومدى تأثيرها في عموم ّ ّ من مباحثهم ّ
النص الداللية ،كبحثهم في أسباب
علة ّّ
النص في داللته ،وفي تخصيص العموم وتأويل وخصوصه ،وبحثهم في مدى تأثير
ّ ً ً ّ ّ
قدمة الحقائ بحال املتكلم وحال املخاطب والعادة الجارية زمن النص ،بل طرقوا أبحاثا مت ِ
َ ًّ
للخطاب وفهمه له في داللته ،وغير ذلك(.)2 جدا في هذا الخصوص كتأثير استجابة املخاطب ِ
ونستطيع القولّ :إن املنهج األصولي استطاع بكفاءة أن يوازن في هذه املباحث بين
للزمان واملكان ،كما يدل عليه مبدأ "عموم ّ النص العابرة ّ العامة في ّ
ّ ّ
النص في النزعة
ّ
( )1ينظر :الشوكاني :محمد بن علي ،إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول ،تحقي محمد سعيد
البدري ،بيروت :دار الفكر ،ط1412 ،1ه=1992م ،ص.436
( )2الجويني :إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا .الورقات ،تحقي :عبد اللطيف محمد العبد،
(د.م)( :د.ن)( ،د.ط)( ،د.م) ،ص.31
ص ّل َينَّيوم األحزاب :ال ُي َ( )3عن ابن عمر ،رض ي هللا عنهما ،قال« :قال النبي ،صلى هللا عليه وسلمَ ،
ِ
نصلي حتى نأتيهم ،وقال
ّ ُ َ َ ٌ
أحد العصر إال في بني قريظة ،فأدرك بعضهم العصر في الطري ،فقال :ال ِ
ً ُ ّ
منا ذلك .فذ ِكر ذلك للنبي ،صلى هللا عليه وسلم ،فلم ُي َع ِّنف واحدا نصلي لم ُيرد َّ ُ
بعضهم :بل
منهم» .أخرجه البخاري في صحيحه ،كتاب صالة الخوف ،باب صالة الطالب واملطلوب راكبا
ومسلم في صحيحه ،كتاب الجهاد والسير ،باب ٌ وإيماء ،رقم ( ،)946ج ،2ص ،15واللفظ له.
املبادرة بالغزو ،...رقم ( ،)1770ج ،3ص.1391
( )4ابن رجب الحنبلي :زين الدين عبد الرحمن بن أحمد .فتح الباري شرح صحيح البخاري ،تحقي :
محمود بن شعبان وآخرين ،املدينة النبوية :مكتبة الغرباء األثرية ،ط1417 ،1هـ=1996م ،ج،8
ص.410
( )5الشاطبي .املوافقات ،مرجع ساب ،ج ،2ص.225
-28-
تأسست قواعد عتيدة عند الفقهاء واألصوليين في هذا الباب، وبناء على هذا املبدأ َّ
منها" :ال إنكار في مسائل االجتهاد"( )1و"االجتهاد ال ُينقض بمثله"(.)2
ّ
اثنا عشر :مبدأ اشتراط أهلية املجتهد في النص:
النص من غير ّ اجتهاد في ّ
ٌ ّ
متأه ٍل لذلك.
ِ أي أنه ال ُيقبل
بابا في االجتهاد والتقليدُ ،تذكر فيه ًّ تخص ُّ
الصفات التي ينبغي ص أكثر كتب األصول ِ
ّ ّ ّ َّ ّ ّ
توفرها في الشخص املتؤهل الستنباط األحكام من أدلة الشرع .فالناس عند األصوليين:
ّ َ
العوام الذين لم يبلغوا رتبة االجتهاد ...وصنف ثان ،وهم «صنفان :صنف فرضه التقليد ،وهم
َ
املجتهدون الذين كملت لهم شروط االجتهاد»(.)3
النصوص بقصد استنباط األحكام النظر في ّ
يحل له ّ فمن لم يبلغ رتبة االجتهاد ال ّ
ا سواء لنفسه أو لغيره .قال إمام الحرمين« :أجمعوا أنه ال يحل ّ ٌ
لكل من شدا شيئا للحوادث،
ا َ ّ ّ
وإنما ّ
ويحل للغير قبول قوله في الفتوى ،إذا استجمع أوصافا»(:)4 يحل له الفتوى، من العلم أن يفتي.
ا
وهذه األوصاف هي« :أن يكون عارفا بالكتاب .والذي يجب عليه أن َيعلم منه ما تعلق
حكمه وناسخه ومنسوخه ...ويحفظ فصله ومجمله ،وم َ بذكر األحكام من الحالل والحرام ،فيعرف م ّ
ّ َ
املروية عن النبي في ذلك من بيان األحكام وناسخها ومنسوخها ،ويعرف معاني الخطاب وموارد السنن
ّ
واملقيد ،واملنطوق واملفهوم، ّ
واملفصل واملطلق ّ
والخاص الكالم ومصادره ،من الحقيقة واملجاز،
ّ ّ
ويعرف من اللسان ما يفهم به معاني الكالم ،ويعرف أقاويل العلماء من الصحابة والتابعين ومن
ّ َ
أئمة املسلمين ،وما اتفقوا عليه م ّما اختلفوا فيه ،ويعرف وجه النطق واالجتهاد والقياس،
بعدهم من ّ
ّ ّ
ووضع األدلة في مواضعها والترجيح والتعليل»(.)5
ممن استجمع يتمتع بهذه األوصاف فينبغي عليه أن يعتمد على غيره ّ فمن لم ّ
ّ
العامي الذي ليس من أهل االجتهاد بنازلة ،فعليه ّ
الجصاص« :إذا ابتلي شرائط االجتهاد .قال
َ َ َ َ ّ َ َ َ
مساءلة أهل العلم عنها؛ وذلك لقول هللا تعالى{ :فاسألوا أه َل الذكر إن كنتم ال تعلمون}(األنبياء:
(ُ )1ينظر :املجمع الفقهي اإلسالمي .معلمة زايد للقواعد الفقهية واألصولية ،قاعدة رقم (،)2210
ج ،33ص.31
( )2املرجع الساب ،قاعدة رقم ( ،)2209ج ،33ص.23
( )3ابن رشد :محمد بن أحمد القرطبي (الحفيد) .الضروري في أصول الفقه أو مختصر املستصفى،
تحقي :جمال الدين العلوي ،بيروت-الرباط :دار الغرب اإلسالمي ،ط1994 ،1م ،ص.144
( )4الجويني .التلخيص ،مرجع ساب ،ج ،3ص.457
( )5ابن رشد :محمد بن أحمد القرطبي (الجد) .البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل
ملسائل املستخرجة ،تحقي :محمد ّ
حجي وآخرين ،بيروت-الرباط :دار الغرب اإلسالمي ،ط،2
1408هـ=1988م ،ج ،17ص.12
-29-
َ َ َ
{ف َلوَال َن َف َر من ك ّل فر َقة منهم َطائ َفة ل َي َت َفقهوا في ّ
الدين َولينذروا قو َمهم إذا َر َجعوا ،)7وقال تعالى:
َ َ َ َ َ َ
إليهم ل َعلهم َيحذرون}(التوبة .)122 :فأمر من ال يعلم بقبول قول أهل العلم فيما كان من أمر دينهم
َ
ّ ّ األمة من لدن ّ نصت ّ النوازل ،وعلى ذلك ّ ّ
الصدر األولّ ،ثم التابعين ،إلى يومنا هذا ،إنما يف ع من
العامة إلى علمائها في حوادث أمر دينها»(.)1 ّ
ّ
النظر في ّ َّ َ فإذا أبى غير ّ
النصوص ،كاملجتهدين ،فقد الستؤال والتقليد ،وتكلف املتؤهل
ثم أصاب فله أجران ،وإذا يشمله حديث «إذا َح َكم الحاكم فاجتهد ّ
قرر األصوليون :إ ّنه ال َ
ّ
ثم أخطأ فله أجر»( ،)2بل هو ٌ
آثم غير معذور ،أصاب في اجتهاده أو أخطأ. حكم فاجتهد ّ
قال الشافعي« :من تكلف ما َجهل ،وما لم تثبته معرفته :كانت موافقته ّ
للصواب -إن
غير محمودة ،وهللا أعلم ،وكان بخطئه َ َ
وافقه من حيث ال يعرفه َ -
غير معذور إذا ما نطق فيما ال
ّ
والصواب فيه»(.)3 يحيط علمه بالفرق بين الخطأ
ّ ّ ّ ّ
الحق؛ ألن اجتهاده عبادة وال يؤجر وقال الخطابي« :إنما يؤجر املخطئ على اجتهاده في طلب
ا ا
على الخطأ بل يوضع عنه اإلثم فقط .وهذا فيمن كان من املجتهدين جامعا آللة االجتهاد ،عارفا
َ ّ ا
فأما من لم يكن َمحال لالجتهاد فهو متكلف ،وال يعذر بالخطأ في الحكم،
باألصول ،وبوجوه القياسّ .
بل يخاف عليه أعظم الوزر»(.)4
وقال ابن رشد« :إذا اجتهد الحاكم فله أجر االجتهاد وإن أخطأ باجتهاده...وهذا إذا كان من
أهل االجتهادّ ،
وأما إن لم يكن من أهل االجتهاد ،فهو آثم ،وإن أصاب باجتهاده؛ لتقحمه ،وجرأته على
هللا في الحكم بغير علم»(.)5
ُ ّ ّ ً
متكلفا آثما باجتهاده فإنه ال يعتد بقوله ،وال قيمة له تذكر في عداد
ونتيجة لكونه ِ
أقوال أهل العلم.
ّ
العامة لهم...دليلنا: قال أبو يعلى« :االعتبار في اإلجماع بقول أهل العلم ،وال يعتبر بخالف
ّ ّ
العامي ليس من أهل االجتهاد في أحكام الشريعة؛ ألنه ال يجوز أن َيعمل باجتهاده ،وال يجوز لغيره
ّ أن
أن َيعمل به ،فهو بمنزلة ّ
الصبيان واملجانين»(.)1
ّ ّ ا وقال ّ
كالعامة واملتكلمين السمعاني« :ال اعتبار أيضا بمن ليس من أهل االجتهاد في األحكام،
ّالذين يدعون َ
علم األصول»(.)2
حتى لم َ
يبق عليه إال أداة واحدة ،كمن
ّ وقال الزركش ي« :من َأح َ
كم أكثر أدوات االجتهاد،
ّ ّ
أحكم علوم القرآن والسنة ،ولم يبق عليه إال اللغة أو علم التفسير ،فهل يعتد بخالفه؟ قال ابن
ّ
برهان :ذهب كافة العلماء إلى ّأنه ال يعتد بخالفه ،وينعقد اإلجماع دونه»(.)3
ّ ّ الناس :أكثر ما يفسد ّ ّ وقال ابن ّ
الدنيا :نصف متكلم ،ونصف متفقه، تيمية« :قد قال
متطبب ،ونصف نحوي .هذا يفسد األديان ،وهذا يفسد البلدان ،وهذا يفسد األبدان ،وهذا ّ ونصف
ّ
يفسد اللسان»(.)4
( )1أبو يعلى الفراء .الع ّدة في أصول الفقه ،مرجع ساب ،ج ،4ص.1133
( )2السمعاني :منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد املروزي .قواطع األدلة في األصول ،تحقي :
محمد حسن إسماعيل الشافعي ،بيروت :دار الكتب العلمية ،ط1418 ،1هـ=1999م ،ج،1
ص.480
( )3الزركش ي .البحر املحيط ،مرجع ساب ،ج ،6ص.428
( )4ابن تيمية :تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم .الفتوى الحموية الكبرى ،تحقي :
حمد بن عبد املحسن التويجري ،الرياض :دار الصميعي ،ط1425 ،2هـ=2004م ،ص.554
-31-
الخاتمة
وبعد:
فقد هدفت هذه الدراسة إلى استقراء املبادئ العامة للفكر األصول-فقهي اإلسالمي
توصل الباحث النص (الكتاب والسنة) وتعيينها وعرضها عرضا موج ًزا .وقد ّ في تعامله مع ّ
محل اتفاق بين األصوليين ،أو بين ّ مبدأ هي ّ ً
السواد األعظم منهم ،يمكن إلى تحديد اثني عشر
ص ،وهذه املبادئ هي: الن ّ عدها املعالم الرئيسة لتعامل األصوليين مع ّ ّ
املقرر ّ ّ َ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ً
النهائي أوال :مبدأ االحتكام إلى النص :أي :أن النص ،والنص وحده ،هو ِ
لألحكام.
ٌ ّ ّ ّ ّ الن ّ ثانيا :مبدأ ص ْدق ّ ً
صادق فيما أخبر به من ص الثابت ص ومعقوليته :أي أن الن ِ
واملستقبلية ،وعليه فهو ال يأتي بما تحيله أو تأباه ّ العقائد والقصص واألحداث املاضية
ً
العقو ُل أبدا ،وال بما يصادم حقائ العلم أو الواقع أو التاريخ.
ّ الن ّ ثالثا :مبدأ شمول ّ ً
واقعة حدثت أو ٍ ص بلفظه ومعناه للوقائع :أي أنه ما من
سواء بطري ٍ مباشرة أو غير مباشرة. ٌ ص متناو ٌل لها بالحكم، والن ّ تحدث إلى يوم القيامة إال ّ
ص في األشخاص إلى يوم القيامة :أي ّأنه ما من حكم ّ الن ّ ابعا :مبدأ عموم ّ ً
قرره ٍ ر
ّ
من الرسالة إال وينسحب على جميع الناس في ذلك ص في ح ّ شخص أو أشخاص ز َ الن ّ ّ
ٍ ٍ ِ
دليل على تخصيصه بمن الناس إلى يوم القيامة إال إذا قام ٌ بعدهم من ّ الزمن ،وعلى من َ
ُ
وطب به. خ ِ
النص ،كما ّ النص :أي ّأن ّ خامسا :مبدأ إعمال َمقاصد ّ ً
أحكام بلفظه ٍ يدل على
يدل على أحكام أخرى بمعقوله ومقصودهُ .وي ّ فإنه ّ ّ
توصل إلى تلك األحكام عن ٍ وعبارته،
طري إعمال آليات التعليل والقياس واالستصالح.
ً
متناقض في نفسه ،وما ٍ مختلف أوٍ ص وتكامله :أي َّأنه غير الن ّسادسا :مبدأ انسجام ّ
الظ ّنية فهو تعار ٌ ّ قد يبدو من تعا ض وتناقض بين بعض ّ
ض ظاهر ٌي ينبغي على النصوص ٍ ر ٍ
ّ ّ ّ ّ
املجتهد رفعه عن طري الجمع أو النسخ أو الترجيح .وقد انبنى على ذلك أن النصوص
ً يكمل ُ واحد ،بحيث ّكل ٌ رعية ،عند األصوليينٌّ ، الش ّّ
بعضها بعضا.
َ ص :أي ّأن ّ عربية ّ ً
ص ورد بلسان العرب فعلى َسنن العرب ونهجهم الن ّ الن ّ سابعا :مبدأ َّ
في الخطاب والتخاطب يجب أن ُيفهم.
ً أي َّأن َّ
ص على ظاهره إال لدليلّ : الن ّ ً
ثامنا :مبدأ حمل ّ
النص إن احتمل وجوها في ِ
ُ ّ
لغة العرب واستعمالهم فإنه ينبغي حمله على معانيه الجمهورية املتبادرة إلى فهم العرب،
-32-
املصادر واملراجع
اآلمدي :سيف الدين علي بن أبي علي ،اإلحكام في أصول األحكام ،تحقي :عبد الرزاق عفيفي ،املكتب اإلسالمي، )1
بيروت( ،د.ت).
األنصاري :عبد العلي محمد بن نظام الدين ،فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط.2 )2
البخاري :عالء الدين عبد العزيز بن أحمد ،كشف األسرار شرح أصول البزدوي ،دار الكتاب اإلسالمي ،القاهرة، )3
(د.ط)( ،د.ت).
البخاري :محمد بن إسماعيل ،صحيح البخاري (الجامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا )4
عليه وسلم وسننه وأيامه) ،تحقي :محمد زهير بن ناصر الناصر ،دار طوق النجاة ،ط1422 ،1هـ.
التفتازاني :سعد الدين مسعود بن عمر ،شرح التلويح على التوضيح ،مكتبة صبيح ،مصر( ،د.ط)( ،د.ت). )5
ابن تيمية :أحمد بن عبد الحليم ،درء تعارض العقل والنقل ،تحقي :محمد رشاد سالم ،جامعة اإلمام محمد بن )6
سعود اإلسالمية ،اململكة العربية السعودية ،ط1411 ،2هـ= 1992م.
ابن تيمية :تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ،الفتوى الحموية الكبرى ،تحقي :حمد بن عبد املحسن )7
التويجري ،دار الصميعي ،الرياض ،ط1425 ،2هـ=2004م.
ابن تيمية :أحمد بن عبد الحليم ،مجموع الفتاوى ،تحقي :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ،مجمع امللك فهد )8
لطباعة املصحف الشريف ،املدينة النبوية1416 ،هـ=1995م.
ّ
ابن تيمية ،تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ،مقدمة في أصول التفسير ،دار مكتبة الحياة ،بيروت، )9
1980م.
الجصاص :أبو بكر أحمد بن علي الرازي ،أحكام القرآن ،تحقي محمد صادق قمحاوي ،دار إحياء التراث العربي، ّ )10
بيروت1405 ،ه.
الجصاص :أبو بكر أحمد بن علي الرازي ،الفصول في األصول ،وزارة األوقاف الكويتية ،الكويت ،ط1414 ،2هـ=1994م. )11
ابن الجوزي :جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد ،املوضوعات ،املكتبة السلفية ،املدينة املنورة .ط،1 )12
1386هـ=1966م.
الجويني :إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا ،البرهان في أصول الفقه ،تحقي :صالح بن محمد بن عويضة ،دار )13
الكتب العلمية ،بيروت ،ط1418 ،1هـ=1997م.
الجويني :إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا ،التلخيص في أصول الفقه ،تحقي :عبد هللا جولم النبالي وبشير أحمد )14
العمري ،دار البشائر اإلسالمية ،بيروت( ،د.ت).
الجويني ،إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا ،نهاية املطلب في دراية املذهب ،تحقي :عبد العظيم محمود الديب، )15
دار املنهاج ،جدة ،ط1428 ،1هـ=2007م.
الجويني :إمام الحرمين عبد امللك بن عبد هللا ،الورقات ،تحقي :عبد اللطيف محمد العبد( ،د.ت)( ،د.ن). )16
ابن حزم :علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلس ي ،اإلحكام في أصول األحكام ،تحقي :أحمد شاكر ،دار اآلفاق )17
الجديدة ،بيروت( ،د.ت).
ابن حزم :علي بن أحمد بن سعيد األندلس ي ،النبذة الكافية في أحكام أصول الدين ،دار الكتب العلمية ،بيروت، )18
ط1405 ،1هـ.
الخطابي :حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي ،معالم السنن ،املطبعة العلمية ،حلب ،ط،1 )19
1351هـ=1932م.
-34-
الدارمي :عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد ،نقض اإلمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على املريس ي الجهمي العنيد )20
فيما افترى على هللا ع وجل من التوحيد ،تحقي :رشيد بن حسن األملعي ،مكتبة الرشد ،الرياض ،ط،1
1418هـ=1998م.
الرازي :فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي ،املحصول في علم أصول الفقه ،تحقي :طه جابر )21
العلواني ،متؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1418 ،3هـ=1997م.
الرازي :فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي ،مفاتح الغيب أو التفسير الكبير ،دار إحياء التراث )22
العربي ،بيروت ،ط1420 ،3هـ.
ابن رجب الحنبلي :زين الدين عبد الرحمن بن أحمد ،فتح الباري شرح صحيح البخاري ،تحقي :محمود بن شعبان )23
وآخرين ،مكتبة الغرباء األثرية ،املدينة النبوية ،ط1417 ،1هـ=1996م.
املمهدات ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت-الرباط ،ط،1 ّ ّ
املقدمات ابن رشد :محمد بن أحمد القرطبي (الجد)، )24
1408هـ=1988م.
ابن رشد :محمد بن أحمد القرطبي (الجد) ،البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل ملسائل املستخرجة، )25
حجي وآخرين ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت-الرباط ،ط1408 ،2هـ=1988م. تحقي :محمد ّ
ابن رشد :محمد بن أحمد القرطبي (الحفيد) ،الضروري في أصول الفقه أو مختصر املستصفى ،تحقي :جمال الدين )26
العلوي ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت-الرباط ،ط1994 ،1م.
ّ
ابن رشد :محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الحفيد) ،فصل املقال فيما بين الشريعة والحكمة من االتصال، )27
تحقي :محمد عمارة ،دار املعارف ،الرياض ،ط( ،2د.ت).
الزركش ّي :محمد بن بهادر ،البحر املحيط ،دار الكتبي ،املدينة املنورة ،ط1414 ،1هـ=1994م. ّ )28
السلطة ،الحقيقة ،املركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،ط1995 ،1م. أبو زيد :نصر حامد ،النصّ ، )29
السمعاني :منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد املروزي ،قواطع األدلة في األصول ،تحقي :محمد حسن )30
إسماعيل الشافعي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1418 ،1هـ=1999م.
الشافعي :محمد بن إدريس ،اختالف الحديث ،تحقي :عامر أحمد حيدر ،متؤسسة الكتب الثقافية ،بيروت ،ط،1 )31
1405هـ=1986م.
الشافعي :محمد بن إدريس ،األم ،دار املعرفة ،بيروت( ،د.ط)( ،د .ت). )32
الشافعي :محمد بن إدريس ،الرسالة ،تحقي :أحمد شاكر ،مكتبة الحلبي ،مصر ،ط1358 ،1هـ=1940م. )33
الشاطبي :إبراهيم بن موس ى الغرناطي ،االعتصام ،تحقي :سليم بن عيد الهاللي ،دار ابن عفان ،اململكة العربية )34
السعودية ،ط1412 ،1هـ=1992م.
ّ
الشاطبي :إبراهيم بن موس ى الغرناطي ،املوافقات ،تحقي وشرح عبد هللا دراز ،دار املعرفة ،بيروت. )35
الشنقيطي :محمد األمين بن محمد املختار بن عبد القادر الجكني ،أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ،دار )36
الفكر ،بيروت( ،د.ط)1415 ،هـ=1995م.
ّ
الشوكاني :محمد بن علي ،إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول ،تحقي محمد سعيد البدري ،دار الفكر ،بيروت، )37
ط1412 ،1ه=1992م.
ّ
الشيرازي :أبو إسحاق إبراهيم بن علي ،اللمع في أصول الفقه ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1405 ،1ه=1985م. )38
ّ ّ
صالح :أيمن ،القرائن والنص :دراسة في املنهج األصولي في فقه النص ،املعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،فرجينيا، )39
2010م.
ّ ّ
صالح :أيمن" ،قراءة نقدية في مصطلح النص في الفكر األصولي" ،مجلة إسالمية املعرفة ،املعهد العالمي للفكر )40
اإلسالمي ،فرجينيا ،العدد .34-33
-35-
الطبري :محمد بن جرير بن يزيد ،تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن) ،تحقي :أحمد شاكر ،متؤسسة )41
الرسالة ،بيروت ،ط1420 ،1هـ= 2000م.
ّ
الطوفي :سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم ،رسالة في رعاية املصلحة ،تحقي :أحمد عبد الرحيم السايح ،الدار )42
املصرية اللبنانية( ،د .م ،).ط1413 ،1هـ= 1993م.
ابن عقيل :علي بن عقيل بن محمد ،الواضح في أصول الفقه ،تحقي :عبد هللا بن عبد املحسن التركي ،متؤسسة )43
الرسالة ،بيروت ،ط1422 ،1هـ=1999م.
ابن عبد البر :يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عبد البر النمري ،التمهيد ملا في املوطأ من املعاني واألسانيد ،تحقي : )44
مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري ،وزارة عموم األوقاف والشتؤون اإلسالمية ،املغرب1387 ،هـ.
العالئي :صالح الدين الكيكلدي ،تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم ،تحقي ونشر عبد هللا آل الشيخ ،ط1403 ،1ه. )45
الغزالي ،املستصفى ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط.2 )46
القرافي :شهاب الدين أحمد بن إدريس ،الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق ،عالم الكتب ،القاهرة( ،د.ط)، )47
(د.ت).
القرطبي :محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين ،الجامع ألحكام القرآن (تفسير )48
القرطبي) ،تحقي :أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش ،دار الكتب املصرية ،القاهرة ،ط1384 ،2هـ=1994م.
ابن القيم الجوزية :محمد بن أبي بكر ،إعالم املوقعين عن رب العاملين ،تحقي :محمد عبد السالم إبراهيم ،دار )49
الكتب العلمية ،بيروت ،ط1411 ،1هـ=1991م.
مجمع الفقه اإلسالمي ،معلمة زايد للقواعد الفقهية واألصولية2034 ،هـ=2013م. )50
املرداوي :عالء الدين أبو الحسن علي بن سليمان ،التحبير شرح التحرير ،تحقي :عبد الرحمن الجبرين وعوض القرني )51
وأحمد السراج ،مكتبة الرشد ،الرياض ،ط1421 ،1هـ=2000م.
مسلم :مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ،صحيح مسلم (املسند الصحيح املختصر بنقل العدل عن العدل )52
إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم) ،تحقي :محمد فتؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت( ،د.ت).
العدة في أصول الفقه ،تحقي :أحمد بن علي املباركي( ،د.ن)، أبو يعلى الفراء :محمد بن الحسين بن محمد بن خلفّ ، )53
ط1410 ،2هـ=1990م.