You are on page 1of 176

‫‪2022‬‬ ‫د‪ .

‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪1‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫مقاصد الشريعة إلاسالمية‬


‫بين النظرية والتطبيق‬

‫تأليف‬

‫الدكتور محمد فتحي محمد العتربي‬

‫قسم أصول الفقه ومقاصد الشريعة‬

‫كلية الشريعة والقانون‬

‫جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه اإلسالمية العالمية‬

‫والية قدح ‪ -‬ماليزيا‬

‫‪1443‬ه‪2022-‬م‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪2‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪..‬وبعد‪،،‬‬

‫يرتكر الفكر المقاصدي على ثالثة محاور هي التعليل والمصلحة ومآالت‬


‫األفعال؛التعليل منطلقه‪،‬والمصلحة آلته‪،‬ومآالت األفعال مبتغاه‪،‬وطوبولوجيا المقاصد‬
‫المعرفية توضح لنا عبر مسارها األبستمولوجي التفسيري مدي التطور األنطولوجي منذ‬
‫بدايات التأسيس بالنظر في الدليل الجزئي المؤسس للضروريات الخمس وحتى يومنا‬
‫بالدعوة إلى النظرة الكلية للنص في إطاره المنظومي ال الجزئي(‪.)1‬‬

‫إن النظرة التأملية للمقاصد الشرعية في إطارها اللغوي باعتبارها وسيلة اإللحاق في‬
‫حيزه اللساني عند أهل اللغة والبالغة مبحث صرفي بالغي له أصوله وأماراته وتطبيقاته‬
‫عبر شبكة األوزان والقوافي؛وظيفته التقريب والتوضيح وإزالة الغرابة كما حكاه سيبويه‬
‫وابن جني والرماني والسيرافي وأبو على الفارسي وطبقه الجوهري والفيومي وابن فارس‬
‫وأبو حيان(‪،)2‬حتى ابن منظور المصري وغيره من أصحاب المعاجم وكتب‬
‫الظواهر‪،‬وحيث إن علم األصول مستمد من حقائق األحكام وعلم اللسان وعلم‬
‫الكالم؛فاللغة رافد من روافد االستمداد األصولي ففي هذا اإلطار الشبكي تتداخل‬
‫المشارب واألهداف كما تتداخل األصول واألحكام في دراسة الظواهر اإلنسانية‬
‫واستقرائها وتحليلها!‬

‫(‪ )1‬أقصد بداية من اإلمام الجويني وتلميذه اإلمام الغزالى وهم أول من تحدثوا عن الضروريات الخمس باعتبارها كليات‬
‫ومقاصد حتى د‪.‬حسن جابر في دعوته إلى الرؤية المنظومية في كتابه‪ :‬المقاصد الكلية في ضوء القراءة المنظومية ‪..‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪:‬سر صناعة اإلعراب ‪ ،‬ابن جني ‪،‬تحقيق حسن هنداوي دار القلم دمشق ‪429/1 :1985‬حيث يذكر اعتبار أبي‬
‫حيان كون اإللحاق وعاء نحوي‪ .‬وراجع قول أبي حيان في ‪:‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي تحقيق محمد جاد‬
‫وأبو الفضل إبراهيم على البجاوي ‪،‬ط‪ 1‬المكتبة العصرية ‪1998‬م ‪، 15 /1،‬والبالغة كما قال الجرجاني ‪( :‬توخي معاني‬
‫النحو)‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪3‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫وإذا افترضنا جدال أنه ليس من اليسير أن يتوصل عالم بأدوات علمه النظرية في بداية‬
‫تشكل بنية العقل اإلسالمي العربي إلى غايته بسهولة كعادة العلوم اإلنسانية فإن‬
‫الكتاب العزيز قد قرب البعيد ورسم بمنهجيته الطريق للفقه والتفقه‪،‬وال سيما أ ّن فقه‬
‫القرآن وتأويل معانيه الراجحة كانت آنذاك تعتمد على النقل واألثر لقرب عهدها بعصر‬
‫النبوة والتنزيل؛فإن األمر اليوم أيسر مما كان عليه سلفا إذا أردنا تأسيس علم المقاصد‬
‫وتشغيله من خالل نظرية اإللحاق األصولي استمدادا للفكر المقاصدي الكلي‪.‬يقول‬
‫عادل فاخوري‪( :‬إن كثيراً من الواقعات بعد عصر النبوة الشريف لم تندرج في‬
‫النصوص الثابتة فقايسوها بما ثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك‬
‫اإللحاق‪،‬وال شك علماء األصول بدءا من الشافعي قد أفادوا من طرق المتكلمين في‬
‫استنباط األحكام ومقايسة األشياء‪،‬وإلحاق األمثال ببعضها لتشكيل القانون المنطقي‬
‫المطرد‪،‬وقد أخذ علماء األحناف بالقياس العقلي حيث كانوا يُلحقون األصول بالفروع‬
‫على نقيض الشافعي الذي سوف يطلع فيما بعد بمنهج يقيم فيه الفروع على‬
‫األصول‪،‬ويتجاوز القياس الحنفي إلى نظرية للمعرفة تعتمد أساسا على النصوص‬
‫المنقولة وعلى عالقة األلفاظ بالمعاني ) (‪.)3‬يجدر بالذكر أ ّن بعض المؤرخين يذهب‬
‫إلى إلحاق فكر الشافعي في استنباط األحكام وتحديد القواعد األصولية بفكر‬
‫اليونان‪،‬ويسوقون لذلك علال وأدلة ترجح ذلك‪،‬منها أن كتب اليونان في المنطق‬
‫والفلسفة كانت قد نُِقلَت إلى العربية قبل الشافعي(‪.)4‬ودورنا في هذا الكتاب رسم‬
‫معالم علم المقاصد وحدوده الهادية إلى فهمه ودرسه ومن ثم تفعيله وتشغيله واهلل‬
‫الموفق‪.‬‬

‫( ‪ )3‬علم الداللة عند العرب‪ ،‬عادل فاخوري‪ :‬ط‪ 1‬دار الطليعة‪ 1985 ، ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬ص ‪.7‬‬

‫(‪)4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪4‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫التمهيد‪:‬مصطلحات البحث‬

‫االستقراء(‪:)5‬لغة التتبع‪،‬اصطالحا‪:‬النظر في الجزئيات وصوال للقواعد والكليات‪.‬وله‬


‫كل صورة منها‬
‫نوعان‪:‬االستقراء التام هو‪:‬تتبع األفراد والجزئيات فيوجد الحكم في ّ‬
‫ماعدا الصورة التي وقع فيها النزاع‪،‬فيعلم أ ّن الصورة المتنازع فيها ال تخرج في حكمها‬
‫محل النزاع فيستدل بإثبات الحكم الجزئي‬ ‫ّ‬ ‫عن بقية الصور األخرى التي ليست‬
‫بواسطة ثبوته في الكلي‪،‬بينما االستقراء الناقص أو غير التام فهو‪:‬إلحاق الفرد أو الجزء‬
‫باألغلب‪،‬ومن هذا يظهر معيار الفرق‪:‬أ ّن االستقراء التام توجد وحدة حكم فيه على‬
‫جميع أفراد وجزئيات الكلّي ماعدا الصورة المتنازع فيها بخالف الناقص فإ ّن وحدة‬
‫الحكم تقع على غالب جزئياته الخالي عن صورة النزاع ولهذا كانت حجية االستقراء‬
‫الناقص ظنية عند الجمهور على خالف االستقراء التام فهو حجة بال خالف وهو عند‬
‫أكثرهم دليل قطعي‪.‬وال تعارض بين التعاريف السابقة أل ّن األكثر هو األغلب وال ينافي‬
‫البعض أل ّن المراد منه البعض الغالب واألكثر‪.‬و يمكن إيراد مثال االستقراء التام في‬
‫يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل‬ ‫داللته على أ ّن األمر بالشيء بعد تحريمه ّ‬
‫الصالَةُ فَانتَ ِش ُروا‬ ‫التحريم من إباحة أو وجوب أو ندب مثال قوله تعالى‪﴿:‬فَِإذَا قُ ِ‬
‫ضيَت َّ‬
‫ادوا﴾(المائدة‪،)٢:‬وقوله‬ ‫اصطَ ُ‬‫﴿وإِ َذا َحلَلْتُ ْم فَ ْ‬
‫ض﴾(الجمعة‪)١٠:‬وقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫فِي األ َْر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ (التوبة‪،)٥:‬وقوله صلى اهلل عليه‬ ‫الم ْش ِرك َ‬ ‫انسلَ َخ األَ ْش ُه ُر ُ‬
‫الح ُرُم فَاقْتُ لُوا ُ‬ ‫تعالى‪﴿:‬فَإ َذا َ‬

‫(‪ )6‬انظر‪:‬لسان العرب ابن منظور ‪ 171/12:‬وما بعدها طبعة دار المعارف القاهرة ( د ت ) ‪ ،‬والقاموس الفقهى ألبى‬
‫جيب‪ ،29:‬معجم لغة الفقهاء السابق ‪ .14:‬معنى االستقراء‪:‬االستقراء لغة من قرأ األمر أي تتبعه‪ .‬ونظر في حاله‪ ،‬وهناك من‬
‫يرى أنه من قرأت الشيء بمعنى جمعته و ضممت بعضه إلى بعض ليرى توافقه واختالفه‪ ،‬و كال األمرين يعني التتبع لمعرفة‬
‫أحوال شيء ما ‪.‬واصطالحا‪ :‬االستقراء عند المنطقيين ه و الحكم على كلي بما يوجد في جزئياته الكثيرة ‪ .‬ويعرفه اإلمام‬
‫الغزالي بقوله « هو أنه تتصفح جزئيات كثيرة داخلة تحت معنى كلي‪ ،‬حتى إذا وجدت حكما في تلك الجزئيات حكم على‬
‫ذلك الكلي به » ‪ ،‬ويعرفه الدكتور عبد الرحمن بدوي بقوله‪ «:‬تعميم من حاالت جزئية تتصف بصفة مشتركة » ‪.‬و ينقسم‬
‫االستقراء إلى ناقص و تام‪ :‬أما األول فهو انتقال الذهن من الحكم على الجزئيات إلى الحكم على الكلي‪ .‬وهو استدالل‬
‫معرض لالختالل الحتمال سقوطه بعدم استقراء جزئية واحدة‪ .‬و أما التام فهو انتقال الذهن من الحكم على جميع الجزئيات‬
‫إلى الحكم على كليها‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪5‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ص َّدقُوا»(‪)6‬وقوله عليه‬ ‫ِ‬ ‫الدافَّ ِة الَّتِي َدفَّ ْ‬ ‫ِ‬


‫ت‪،‬فَ ُكلُوا َوادَّخ ُروا َوتَ َ‬ ‫وسلم‪«:‬إِنَّ َما نَ َه ْيتُ ُك ْم م ْن أ ْ‬
‫َج ِل َّ‬
‫(‪)7‬‬ ‫ت قَ ْد نَهيت ُكم َعن ِزي ِ‬
‫رد‬
‫وها» فالحكم فيها أن يُ ّ‬ ‫ارة الْ ُقبُوِر فَ ُز ُ‬
‫ور َ‬ ‫َ ُْ ْ ْ َ َ‬ ‫الصالة والسالم‪ُ «:‬ك ْن ُ‬
‫األمر إلى ما كان عليه قبل النهي‪،‬فإن كان قبله جائزا رجع إلى الجواز‪،‬وإن كان واجبا‬
‫رجع إلى الوجوب‪،‬وإنّما علم ذلك باالستقراء التام‪.‬‬
‫المقاصد لغة‪:‬تطلق مادة( ق‪-‬ص‪-‬د)في اللسان العربي ويراد بها المعاني‬
‫التالية‪:‬االستقامة واالعتدال‪،‬ومنه قوله تعالى‪):‬واقصد في مشيك (سورة لقمان‪.19:‬و‪-‬‬
‫التوجه نحو الشيء‪،‬يقال‪:‬قصدت قصده‪،‬أي نحوت نحوه‪،‬وأقصد السهم‪،‬أصاب وقتل‬
‫مكانه‪.‬و‪-‬الفل والكسر‪،‬يقال‪،‬انقصد السيف‪:‬أي انكسر‪،‬وتقصد‪:‬إذا تكسر‪،‬وقصد‬
‫الرمح‪:‬إذا كسره‪.‬و‪-‬االكتناز واالمتالء‪،‬تقول العرب‪:‬ناقة قصيد‪،‬أي مكتنزة ممتلئة من‬
‫اللحم‪ ،‬والقصيد من الشعر ما تم سبعة أبيات‪.)8(.‬وجاء في لسان العرب البن‬
‫منظور‪:‬أصل"ق‪-‬ص‪-‬د" ومواقعها في كالم العرب‪:‬االعتزام التوجه‪،‬والنهود والنهوض‬
‫نحو الشيء‪،‬على اعتدال كان أو جور‪،‬هذا أصله في الحقيقة وإن كان يخص في بعض‬
‫المواضع بقصد االستقامة دون الميل‪.9‬وملخص كالم اللغويين أن مادة (قصد)في‬

‫(‪ )7‬ل ّما قيل له‪« :‬نهيت أن تؤكل لحوم األضاحي بعد ثالث» أخرجه مسلم في األضاحي (‪ ،)٥٢١٥‬وأبو داود في‬
‫الضحايا(‪ ،)٢٨١٤‬والنسائي في الضحايا(‪ ،)٤٤٤٨‬ومالك في الموطأ(‪ ،)١٠٣٧‬وأحمد(‪ ،)٢٤٩١٨‬من حديث عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫(‪ )8‬أخرجه مسلم في الجنائز(‪ ،)٢٣٠٥‬وأبو داود في الجنائز(‪ ،)٣٢٣٧‬والترمذي في الجنائز(‪ ،)١٠٧٤‬والنسائي في‬
‫الجنائز(‪ ،)٢٠٤٤‬وأحمد(‪ )٢٣٦٦٠‬من حديث بريدة األسلمي رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫(‪ )8‬تتبع الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي أغلب التعبيرات واالستعماالت لكلمة المقاصد التي استخدمها العلماء قديما‬
‫وحديثا ليعنوا بها مراد الشارع ‪ ،‬ومقصود الوحي ومصالح الخلق‪ ،‬فوجد أنه يعبر عن المقاصد عندهم بالحكمة المقصودة‬
‫بالشريعة ‪ ،‬ويعبر عنها أيضا بمطلق المصلحة ‪ ،‬ويعبر عنها كذلك بنفي الضرر ورفعه وقطعه ‪ ،‬كما يعبر عنها بدفع المشقة‬
‫ورفعها ‪ ،‬ويعبر عنها كذلك بالكليات الشرعية الخمس الشهيرة ‪ ،‬و يعبر عنها أيضا بمعقولية الشريعة وتعليالتها وأسرارها ‪،‬‬
‫كما يعبر عنها بلفظ المعاني ‪...‬انظر االجتهاد المقاصدي ‪:‬حجيته ‪ ،‬ضوابطه ‪ ،‬مجاالته ‪ ،‬د‪ .‬نور الدين الخادمي كتاب‬
‫األمة قطر ‪،‬رقم ‪60‬ص‪.52-48:‬‬

‫(‪ )9‬ابن منظور لسان العرب ‪..353/3:‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪6‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫االستعمال العربي تدل على معان مشتركة ومتعددة‪،‬إال أن الغالب عند إطالقها‬
‫‪10‬‬
‫انصرافها إلى العزم على الشيء والتوجه نحوه ‪.‬‬

‫المقاصد اصطالحا‪:‬عرفها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بقوله‪(:‬مقاصد التشريع‬


‫العامة هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع‬
‫أومعظمها‪،‬بحيث ال تختص مالحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام‬
‫الشريعة‪،‬فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي ال يخلو التشريع‬
‫عن مالحظتها ‪ ،‬ويدخل في هذا أيضا معاني من الحكم ليست ملحوظة في سائر أن واع‬
‫األحكام‪ ،‬ول كنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها)(‪.)11‬وإذا كان ابن عاشور قد قصر‬
‫تعريفه هنا على المقاصد العامة للشريعة فإنه في قسم آخر من كتابه"مقاصد الشريعة‬
‫اإلسالمية"ذكر المقاصد الشرعية الخاصة وبين أنها‪(:‬الكيفيات المقصودة للشارع‬
‫لتحقيق مقاصد الناس النافعة‪ ،‬أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة)‪.12‬أما‬
‫العالمة ع الل الفاسي فقد قال في تعريف المقاصد عموما‪(:‬المراد بمقاصد‬
‫الشريعة‪:‬الغاية منها‪،‬واألسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)‪.13‬والذي‬
‫يظهر من تعريف األستاذ عالل الفاسي أنه جمع في تعريفه بين مقاصد الشريعة العامة‬

‫(‪ .)10‬قالوا ‪:‬القاف والصاد والدال أصول ثال ثة أولها يدل على التوجه إلى الشيء وإتيانه‪ ،‬والثاني كسر الشيء ومنه‬
‫القصدة‪ :‬وهي القطعة من الشيء إذا تكسر‪،‬والثالث اإلكثار منه كقولهم‪ :‬ناقة قصيد إذا امتألت لحما‪ .‬وما يعنينا هو المعنى‬
‫ك )سورة لقمان‪ ،19‬يقال قصدته وقصدت له وقصدت‬ ‫ْص ْد ِفي َم ْشيِ َ‬ ‫األول الذي يفيد التوجهَ واإلتيان‪ .‬ومنه قوله تعالى‪( :‬واق ِ‬
‫َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ُم ُّ‬
‫الش َّقةُ ) سورة التوبة‬ ‫وك ول ِ‬ ‫ِ‬
‫َك ْن بَ ُع َد ْ‬ ‫ضا قَ ِريبًا َو َس َف ًرا قَاص ًدا َالتَّ بَ ُع َ َ‬
‫إليه‪ ،‬والقاصد القريب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ ( :‬ل َْو َكا َن َع َر ً‬
‫‪ ، 42‬ومنه قولهم‪ :‬بيننا وبين الماء ليلة قاصدة‪ ،‬أي هينة ال تعب فيها‪ .‬والمقصد بهذا المعنى يقرب من لفظ "المورد" من‬
‫"ورد" الشيء إذا أتاه وتوجه إليه‪ .‬ومنه المصطلح المستحدث في الفقه اإلسالمي"مقاصد الشريعة"‪ ،‬أي قصد الشارع من‬
‫وضع الشريعة ابتداء‪ ،‬ومن وضعها لإلفهام‪ ،‬ووضعها للتكليف بها‪ ،‬ووضعها لدخول المكلف تحت حكمها‪.‬‬

‫(‪)11‬ابن عاشور ‪:‬مقاصد الشريعة ص ‪ .307-306:‬و بن بيه الشيخ عبد اهلل بن الشيخ المحفوظ ‪:‬مشاهد من المقاصد‬
‫الطبعة الثانية دار التجديد‪-‬جدة السعودية ‪2012‬م‪1433-‬ه ص ‪.23-13:‬‬

‫(‪. )12‬ابن عاشور السابق نفسه ‪.‬‬

‫(‪. )13‬الفاسي ‪ ،‬الشيخ عالل الفاسي ‪.‬مقاصد الشريعة ومكارمها ‪:‬ص‪.7‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪7‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ومقاصدها الخاصة ‪،‬ويبدو أن ما انتهى إليه كل من الشيخ ابن عاشور والعالمة عالل‬
‫الفاسي في تعريفهما لمقاصد الشريعة يعد مرجعا ألغلب التعريفات المتداولة بعدهما‬
‫في بعض الكتابات المقاصدية المعاصرة‪.‬وقد صرح الدكتور أحمد الريسوني بأن تعريفه‬
‫للمقاصد مبني على التعريفين السابقين‪،‬إذ قال‪( :‬وبناء على هذه التعريفات‬
‫والتوضيحات لمقاصد الشريعة لكل من ابن عاشور وعالل الفاسي وبناء على مختلف‬
‫االستعماالت والبيانات الواردة عند العلماء الذين تحدثوا عن موضوع المقاصد‪،‬يمكن‬
‫القول‪:‬إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة ألجل تحقيقها لمصلحة‬
‫العباد)‪.14‬وأما الدكتور عمر الجيدي‪-‬رحمه اهلل–فقد أخذ بتعريف األستاذ عالل‬
‫الفاسي بألفاظه حرفيا من غير تنبيه منه على ذلك‪،‬فقد قال‪ (:‬يراد بمقاصد الشريعة‬
‫‪:‬الغاية منها‪،‬واألسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)‪.15‬وقد تعرض‬
‫الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي لتعريف المقاصد في كتابه‪":‬االجتهاد‬
‫المقاصدي"‪،‬بعد أن أورد التعريفات السابقة اختار تعريفا له لم يخرج فيه عما أورده‬
‫باستثناء زيادات يسيرة‪،‬إذ قال‪(:‬المقاصد‪:‬هي المعاني الملحوظة في األحكام الشرعية‬
‫والمترتبة عليها سواء أكانت تلك المعاني حكما جزئية أم مصالح كلية أم سمات‬
‫إجمالية ‪ ،‬وهي تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية اهلل ومص لحة اإلنسان في‬
‫‪.‬‬ ‫الدارين)‬
‫(‪)16‬‬

‫(‪. )14‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي الريسوني ‪( ،‬الدكتور) أحمد ‪،‬ص‪ .7-6‬انظر كذلك للمؤلف نفسه " كتاب‬
‫الفكر المقاصدي ‪ :‬قواعده وفوائده ص ‪. .13‬‬

‫(‪. )15‬التشريع اإلسالمي ‪ :‬أصوله مقاصده ‪ ،‬للدكتور عمر الجيدي ص‪.242‬‬

‫(‪. )16‬االجتهاد المقاصدي ‪ :‬حجيته ‪ ،‬ضوابطه ‪ ،‬مجاالته للدكتور نور الدين بن المختار الخادمي ‪.‬ص‪.53-52‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪8‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المآالت(‪:)17‬مفردها المآل‪:‬المرجع‪،‬آل يؤول أوالً ومآالً إليه‪:‬رجع إليه وصار‪،‬يقال‪:‬آل‬


‫إلى الشىء‪:‬رجع إليه واآلل‪:‬الذمة والعهد وأهل الرجل وأتباعه وأولياؤه‪،‬والمآالت من‬
‫حيث توقعها واعتبارها وكيفية معرفتها هى محور التطبيق المقاصدي في دائرة‬
‫الوسائل‪.‬النظر في المآل صعب المورد محمود الغب جار على مقاصد الشريعة كما‬
‫قرر الشاطبي‪.‬وإعتبار المآالت‪:‬يقصد به اعتبار المآالت أي‪:‬الحكم على مقدمات‬
‫التصرفات بالنظر إلى نتائجها(‪،)18‬ومعنى ذلك أن الفقيه أو المجتهد ال يقوم بالحكم‬
‫على التصرف قوالً كان ذلك التصرف أو فعالً إال بعد أن ينظر فى مآله ونتائجه ويقدر‬
‫ما سيتمخص عنه تطبيق ذلك التصرف‪،‬ثم بعد ذلك يوظف تلك النتائج المتوقعة فى‬
‫تكوين مناط الحكم وتكييفه ‪،‬وبعد ذلك يصدر الحكم بالمشروعية أو عدم‬
‫المشروعية‪،‬إى باإلقدام عليه أو اإلحجام عنه بناء على المآل الذى اعتمده ‪،‬والضابط‬
‫فى ذلك هو مدى اقتراب ذلك المآل من تحقيق مقاصد الشرعية‪،‬فإن وجد المآل‬
‫يخدم المقاصد أو يحالفها حكم على أسبابه بعدم المشروعية والعكس إن وجده‬
‫محققاً مؤيداً لها ‪.‬‬

‫اإللحاق(‪:)19‬لغة اإلتباع‪،‬يقال ألحقت زيدا بعمرو‪:‬أتبعته إياه‪-‬واإلدراك‪،‬يقال‬


‫لحقه‪:‬أدركه‪.‬وأرى أن اإللحاق اصطالحا‪:‬الجمع بين المتماثلين في الوصف أو إتباع‬
‫الشيء بالشيء أو األمر باألمر في الحكم بالنظر في الوصف الجامع أو السبب أو‬

‫(‪ )17‬انظر‪:‬لسان العرب ابن منظور ‪ 171/12:‬وما بعدها طبعة دار المعارف القاهرة ( د ت ) ‪ ،‬والقاموس الفقهى ألبى‬
‫جيب‪ ،29:‬معجم لغة الفقهاء السابق ‪.14:‬‬

‫(‪ )18‬اعتبار المآالت ومراعاة نتائج التصرفات د‪/‬عبد الرحمن معمر السنوسى ط (‪ )1‬دار بن الجوزى الدمام سنة‬
‫‪1424‬هـ‪.‬ص‪.20:‬‬

‫(‪ )19‬انظر‪:‬لسان العرب ابن منظور ‪ 171/12:‬وما بعدها طبعة دار المعارف القاهرة ( د ت ) ‪ ،‬والقاموس الفقهى ألبى‬
‫جيب‪ ،29:‬مختار الصحاح الجوهري ‪ - 280‬المصباح المنير للفيومي ‪ . 449‬راجع قاعدة ‪:‬اإللحاق بنفي الفارق‬
‫بكتاب ‪:‬القواعد األصولية بين النظرية والتطبيق رؤية جديدة للمؤلف ط‪ 1‬دارالمطبوعت الجامعية اإلسكندرية ‪2014‬‬
‫ص‪.204:‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪9‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الحكمة أو المقصد أو المآل‪ .‬وسوف تدور دراستنا هذه حول موضوع مقاصد الشريعة‬
‫اإلسالمية ومفردات التعرف إليها بصورة مختصرة تجمع بين النظرية والتطبيق في‬
‫الفصول التالية ‪ ،،،‬واهلل المستعان‬
‫ويتلخص البحث في الفصول التالية‪:‬‬

‫الفصل األول ‪:‬تعريف علم المقاصد‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪:‬تاريخ علم المقاصد‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪:‬أهمية المقاصد وفوائدها‪.‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬إثبات مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫الفصل الخامس ‪:‬طرق معرفة المقاصد‪.‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬أقسام المقاصد‪.‬‬

‫الفصل السابع خصائص المقاصد‪.‬‬

‫الفصل الثامن ‪:‬عالقة المقاصد باألدلة‪.‬‬

‫الفصل التاسع ‪:‬عالقة المقاصد بالسياسة الشرعية‪.‬‬

‫الفصل العاشر ‪:‬دور المقاصد في اإللحاق واالستنباط ‪.‬‬

‫أسأل اهلل أن يجعله خالصاً لوجهه‪ ،‬نافعاً لمن شاء من خلقه‪..‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪..‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪10‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل األول‬

‫تعريف علم المقاصد‬

‫لم ‪ :‬معناه ‪ :‬إدراك الشيء بحقيقته ‪-‬‬ ‫تعريف علم المقاصد‪ :‬العلم )‪ِ (20‬‬
‫‪ :‬الع ُ‬
‫واليقين‪-‬و نور يقذفه اهلل في قلب من يحب‪-‬والمعرفة‪،‬كما يطلق علي مجموع مسائل‬
‫وأصول كلية تجمعها جهة واحدة‪،‬كعلم الكالم وعلم النحو‪،‬وعلم األرض‪،‬وعلم أصول‬
‫الفقه (‪ .)21‬والعلم نوعان (‪: )22‬قديم وحادث ‪.‬‬
‫فالعلم القديم هو العلم بذاته تعالي ‪ ،‬وال يشبَّه بالعلوم المحدثة للعباد ‪.‬‬
‫والعلم المحدث نوعان ‪ :‬ضروري واستداللي ‪ .‬وأقسام الضروري ثالثة ‪ :‬ما يحصل‬
‫بالحواس ‪ ،‬وما يحصل باألخبار المتواترة ‪ ،‬وما يحصل ببداءة العقول ‪.‬‬
‫واالستداللي نوعان ‪ :‬سمعي وعقلي ‪ .‬السمعي ما يعرف بالنظر العقلي في المسموعات‬
‫يحصل بالعقل وحده ‪ .‬وذلك كالعلم بالحالل والحرام وسائر ما شرع اهلل (جل‬
‫وال ًّ‬
‫وعز) من األحكام‪.‬‬

‫وع ت ال‬
‫علماً بح ده وموض ِ‬ ‫***‬ ‫(‪ )20‬قال أبو العالء المعري ‪ :‬م ن رام ف ن اً فليق دم أوالً‬

‫من ه وفضل ه وحكم معتم د‬ ‫وواض ع ونسب ة وما استم د ***‬

‫فتل ك عش ر للمن ي وسائ ل‬ ‫واس م وما أف اد والمسائ ل ***‬

‫ومن يكن يدري جميعها انتص ر‬ ‫وبعضهم فيها علي البعض اقتصر ***‬

‫انظر ‪ :‬أبو بكر السيد البكري (ت‪1298‬ه ) حاشية إعانة الطالبين علي حل ألفاظ الفتح المعين لشرح قرة العين بمبهمات الدين‬
‫(لزين الدين المليباري)‪ 22/1 :‬ط ‪ 1‬سنة ‪1418‬ه ‪ -‬القاهرة‪.‬راجع التجديد في علم أصول الفقه في العصر الحديث للمؤلف‬
‫طبعة المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ‪ 2018‬األردن ص‪.29-27:‬‬

‫(‪ )21‬مجمع اللغة العربية‪،‬المعجم الوسيط‪ 647 :‬نسخة مصورة كلية دار العلوم ‪1993‬م‪.‬‬

‫(‪ )22‬انظر ‪ :‬الجرجاني علي بن محم د الش ريف ‪ ،‬العالم ة (ت وفي ‪816‬ه ) التعريف ات ص ‪ 136 – 135‬مكتب ة لبن ان بي روت س نة‬
‫‪1969‬م ‪ ،‬وانظر من كتب األصول ‪ :‬السمرقندي لعالء الدين (توفي ‪553‬ه )‪،‬مي زان األص ول تحقي ق د‪ /‬محم د زك ي عب د الب ر‬
‫ص ‪ 108‬ط ‪ 1‬مكتبة دار التراث القاهرة (بتصرف ) الطبعة الثانية ‪1418‬ه ‪1998 -‬م ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪11‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫والعقلي وهو ما يعرف بمجرد العقل ‪،‬والنظر في المحسوسات و البداءة من غير‬


‫واسطة الدليل السمعي ‪ .‬والعلم العقلي يوجب العلم قطعاً ويقيناً ‪،‬وهو يسمي علم‬
‫الكالم ‪،‬وعلم التوحيد وعلم أصول الدين في عرف الفقهاء والمتكلمين ‪.‬‬
‫والعلم السمعي نوعان ‪:‬‬
‫أحدهما ثابت بطريق القطع واليقين‪ :‬وهو ما ثبت بالنص المفسر من الكتاب والخبر‬
‫المتواتر والمشهور واإلجماع‪.‬والثاني ‪ :‬ثابت بطريق الظاهر ‪ ،‬بناء علي غالب الرأي‬
‫السنَّة المتواترة وما ثبت بخبر‬
‫وأكبر الظن وهو ما ثبت بظواهر الكتاب ‪ ،‬وبظواهر ُ‬
‫الواحد والقياس الشرعي ‪ .‬وهذا النوع من العلم السمعي بنوعية يسمي (علم الفقه) أو‬
‫(علم الشرائع واألحكام ) ‪ .‬وكذا الدالئل السمعية التي تعلق بها هذا العلم تسمي‬
‫(أصول الفقه ) في عرف الشارع ‪.‬وكذا الكتاب الذي يذكر فيه تقسيم هذه األحكام‬
‫ووجوه تعلقها بهذه األصول وكيفية استخراج المعاني المسماة بالفقه من األصول‬
‫يسمي (أصول الفقه)في عرف الفقهاء‪.‬‬
‫ومقصودنا بكلمة علم مضافة إلي المقاصد ‪ ( :‬مجموعة المسائل واألصول الكلية التي‬
‫يجمعها علم المقاصد كغيره من العلوم األخرى ‪،‬والتي تمثل صياغة ( حدوده أي حدود‬
‫موضوع ه وأجزاؤه وأغراضه مع المقدمات التي تؤلف عنها قياساته وذلك كحد البدن‬
‫وأعضائه وما يعرض لها من صحة وسقم بالنسبة لعلم الطب )‪.‬ومسائله ( مطالبه‬
‫الجزئية التي يطلب إثباتها فيه ومنها مسائل األمر والنهي والعام والخاص واإلجماع‬
‫والقياس وغيرها ) (‪.)23‬‬
‫قبل حول قطعية مسائل علم‬
‫وال يري الباحث مبرراً للخوض فيما تناوله األصوليون ُ‬
‫المقاصد لكونه علماً‪،‬وأنها ليست ظنية ؛ألنه إشكال في االصطالح‪ ،‬ولما في ذلك من‬
‫إغالق للعقول ومنافاة لطبيعة الجهد البشري والعمل العقلي الذي يتغير بتغير الزمان‬

‫(‪ )23‬عب د الب ر ‪ ،‬د‪.‬محم د زك ي ‪،‬تقن ين أص ول الفق ه ص ‪11 – 10‬ط ‪ 2‬دار الت راث الق اهرة ‪1425‬ه ‪2005/‬م ‪ .‬اب ن عاش ور‬
‫‪:‬مقاص د الش ريعة ص ‪ .307-306:‬و ب ن بي ه الش يخ عب د اهلل ب ن الش يخ المحف وظ ‪:‬مش اهد م ن المقاص د الطبع ة الثاني ة دار‬
‫التجديد‪-‬جدة السعودية ‪2012‬م‪1433-‬ه ص ‪.23-13:‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪12‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫والمكان ‪ ،‬وال أدل علي ذلك التغير من تطور علم األصول ذاته منذ ألَّف الشافعي –‬
‫رحمه اهلل – رسالته وحتى عصرنا الحديث (‪.)24‬‬
‫المقاص د لغ ة‪ :‬جم ع مقص د وه و مص در ميم ي م أخوذ م ن الفع ل قص د‪ ،‬والقص د ي أتي‬
‫ٍ‬
‫لمعان منها‪:‬‬

‫األول‪ :‬االعتماد واألم وإتيان الشيء والتوجه‪ ،‬ومن ه الح ديث (ك ان رج ل م ن المش ركين‬
‫إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله) رواه مسلم ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬استقامة الطريق (وعلى اهلل قصد السبيل) (النح ل‪ ،)9 :‬قال اب ن جري ر‪ :‬القص د م ن‬
‫الطريق المستقيم الذي ال اعوجاج فيه‪.‬‬

‫الثال ث‪ :‬الع دل والتوس ط وع دم اإلف راط‪ ،‬ومن ه الح ديث‪( :‬القص د القص د تبلغ وا) رواه‬
‫البخاري‪.‬‬

‫الراب ع‪ :‬الق رب كقول ه تع الى‪ ( :‬وس فراً قاص داً )(التوب ة‪ ،)42 :‬أي قريباً‪.‬وال ذي يتناس ب م ع‬
‫المعني االصطالحي هو المعنى األول‪.‬‬

‫وأم ا الش ريعة لغ ة‪ :‬فه ي مص در الم اء ومنبع ه كم ا أن اإلس الم مص در حي اة الن اس‬
‫وهدايتهم‪.‬اص طالحاً‪ :‬ه ي المع اني والحك م الت ي راعاه ا الش ارع ف ي التش ريع عموم اً‬
‫وخصوصاً لتحقيق مصالح العباد‪ .‬تعريف آخ ر‪ :‬ه ي الحك م الت ي أراده ا اهلل م ن أوام ره‬
‫ونواهيه لتحقيق عبوديته وإصالح العباد في المعاش والمعاد (‪..)25‬وه ذا التعري ف يش مل‬
‫حقوق اهلل وحقوق العباد‪.‬‬

‫(‪ )24‬انظ ر البيض اوي ‪،‬اإلم ام (ت ‪685‬ه ) ‪،‬منه اج الوص ول ط المكتب ة المحمودي ة الق اهرة ج ‪، 27/1‬و اإلس نوي ‪ ،‬اإلم ام (ت‬
‫‪777‬ه ) ‪،‬نهاية الس ول ج ‪ 17/1‬نف س الطبع ة س نة ‪1340‬ه ‪ .‬الحفن اوي‪ ،‬محم د إبراهيم(ال دكتور) ‪ ،‬نظ رات ف ي أص ول الفق ه‬
‫ص ‪ 48 . 42‬ط دار الح ديث الق اهرة ‪ .‬حي ث ع رض رأي األص وليين ف ي المس ألة وذه ب إل ي م ا رجح ه البيض اوي م ن ظني ة‬
‫الكثير من مسائل علم األصول ‪ .‬وأنها ليست كلها قطعية كما ذهب اإلسنوي في نهايته‪.‬‬

‫(‪ )25‬راجع ‪:‬المقاصد عند شيخ اإلسالم ص‪.54 :‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪13‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل الثاني‬
‫(‪)26‬‬
‫تاريخ علم المقاصد‬

‫تأتي نشأة أي علم م ن العل وم مبك رة ع ن زم ن تدوين ه ‪ ،‬ولدراس ة أي ف ن م ن الفن ون‬


‫يجب معرفة كيف نشأ ذلك الفن وتاريخه حتى يستطيع الدارس له أن يتصور المراحل‬
‫مر بها‪ ،‬والعلماء الذين ساهموا في إبرازه‪..‬‬
‫التي َ‬
‫وعلم المقاصد كغيره من العلوم الش رعية ل م يظه ر إل ى الوج ود دفع ة واح دة ولكن ه‬
‫م ر بمراح ل متتابع ة حت ى وص ل إل ى مرحل ة التبوي ب والت دوين بالص ورة المعه ودة اآلن‪،‬‬
‫ويمكن تلخيص المراحل التي مر بها علم المقاصد بالمراحل التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‬

‫المرحلة األولى‪ :‬مرحلة التنزيل‬

‫وهي مرحلة ما قبل التدوين في عهد النبوة‪ ،‬ومما يدل على وجودها أمران‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن مقاصد الشريعة اقترنت بمجيء النصوص الشرعية من الكت اب والس نة‪ ،‬وم ن‬
‫األمثلة على المقاصد العامة ما يأتي‪:‬‬

‫‪ -‬من القران‪:‬‬

‫البقرة ‪.185‬‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪( :‬يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر)‬

‫الحج ‪.78‬‬ ‫‪ -2‬قوله تعالى‪( :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج)‬

‫(‪ )26‬راج ع مش اهد م ن المقاص د ب ن بي ه الس ابق نفس ه ‪، 57-35:‬ومقاص د الش ريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى‬
‫اإلنترنت بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪14‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫النساء ‪.28‬‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى‪( :‬يريد اهلل أن يخفف عنكم)‬

‫‪ -‬ومن السنة النبوية‪:‬‬

‫‪ -1‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعث وا معس رين) رواه البخ اري‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫‪ -2‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إن هذا الدين يسر) رواه البخاري‪.‬‬

‫رواه أحمد وابن ماجه بسند صحيح‪.‬‬ ‫‪ -3‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال ضرر وال ضرار)‬

‫أما المقاصد الجزئية فمثل‪:‬‬

‫قول ه تع الى‪( :‬إن الص الة تنه ى ع ن الفحش اء والمنك ر) العنكب وت ‪ ،45‬وقول ه‪( :‬خ ذ م ن‬
‫أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) التوبة ‪ ،103‬وقوله عليه الصالة والس الم‪( :‬ي ا معش ر‬
‫الش باب م ن اس تطاع م نكم الب اءة فليت زوج فإن ه أغ ض للبص ر وأحص ن للف رج وم ن ل م‬
‫يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫الث اني‪ :‬أن الص حابة والت ابعين وم ن بع دهم تكلم وا ف ي القي اس واحتج وا ب ه وهك ذا م ن‬
‫دون في أص ول الفق ه‪ ،‬ومبن ى القي اس عل ى العل ة واس تخراج العل ل‪ ،‬وك ل ذل ك آي ل إل ى‬
‫ّ‬
‫الك الم عل ى مقاص د الش ريعة‪ ،‬وك ذلك نبه وا كثي راً عل ى الحك م المفهوم ة م ن األحك ام‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪15‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثاني‬

‫المرحلة الثانية‪:‬مرحلة التدوين‬

‫تعد مرحلة التدوين والتأليف في المقاصد الشرعية مرحل ة زاخ رة بالعلم اء والم ؤلفين ف ي‬
‫ه ذا الف ن ‪ ،‬ولك ن أب رز م ن أل ف ف ي ه ذا الف ن وك ان ل ه ت أثير علي ه وتمي ز ف ي إظه ار‬
‫مسائله وتجديده األئمة التالية أسماؤهم (‪:)27‬‬

‫‪ -1‬اإلمام الشافعي فهو مؤسس علم المقاصد كما أن ه أول م ن أل ف ف ي أص ول الفق ه‪.‬‬
‫(مقاصد الشريعة عند شيخ اإلسالم (‪.)75‬‬

‫‪ -2‬إم ام الح رمين أب و المع الي عب د المل ك ب ن يوس ف الج ويني رحم ه اهلل (‪-419‬‬
‫‪ 478‬ه) وذلك في كتابه البرهان‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلم ام محم د الغزال ي أب و حام د محم د ب ن محم د الغزال ي ت ( ‪ 505‬ه) وذل ك‬


‫في كتابه المستصفى وشفاء العليل‪.‬‬

‫‪ -4‬اإلم ام محم د ب ن عم ر ب ن الحس ين البك ري الطبرس تاني ال رازي المع روف ب ابن‬
‫الخطيب (‪ 606 -544‬ه ) وذلك في كتابه المحصول‪.‬‬

‫‪ -5‬العز بن عبد السالم وهو عبد العزيز بن يزيد عبد السالم الملقب بس لطان العلم اء‬
‫(‪ 660-577‬ه) في كتابه قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬وكذلك تلميذه القراف ي‬
‫في كتابه شرح تنقيح الفصول‪.‬‬

‫(‪ )27‬راجع الفكر المقاصدي للريسوني ص‪.46 .55-25:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪16‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -6‬ش يخ اإلس الم اب ن تيمي ة وتلمي ذه اب ن الق يم كم ا ف ي مجم وع الفت اوى وإع الم‬
‫الموقعين البن القيم‪ ،‬وكذلك شفاء العليل له‪.‬‬

‫‪ -7‬اإلمام الشاطبي ت (‪ 790‬ه) المعاصر البن تيمية واب ن الق يم والط وفي لكن ه ف ي‬
‫المغرب وهم في المشرق كما ف ي كتاب ه الموافق ات وغيره ا‪ ،‬وك ان لإلم ام الش اطبي دور‬
‫بارز في إظهار هذا العلم وقواعده و أقسامه وأحكامه‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫مرحلة المعاصرين(‪)28‬‬

‫بدأت جهود المعاصرين منذ بداية ظهور مدرسة اإلحياء في مصر على يد اإلمام محم د‬
‫عبده وتالميذه الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ الخصري والشيخ عبد الوه اب خ الف‬
‫والش يخ عب د ال رحمن المح الوي والش يخ زك ي ال دين ش عبان‪ .‬وال دكتور عب د اهلل دراز‬
‫وكانت مؤلفاتهم األصولية زاخرة بالتنبيه بأهمية هذا العلم ومكانته واوصوا بخدمة كت اب‬
‫الموافقات للشاطبي ودراسته وفحصه ‪ .‬ويمكننا القول إن من المعاصرين الذين أس هموا‬
‫ف ي تط وير مقاص د الش ريعة‪ :‬خ الف‪ :‬وض ع عب د الوه اب خ الف مقاص د الش ريعة ك أول‬
‫قاع دة م ن قواع د األص ول التش ريعية حي ث ق ال‪ :‬المقص د الع ام للش ارع م ن تش ريعه‬
‫األحكام هو تحقيق مصالح الناس بكفالة ض روراتهم‪ ،‬وت وفير حاجي اتهم وتحس يناتهم‪...‬‬
‫ومض ي يوض ح اآلث ر المترت ب عل ى ه ذه القاع دة (ه ذه القاع دة بين ت المقص د الع ام‬
‫للشارع من التشريع‪ ،‬ومن أهم ما يس تعان ب ه عل ى فه م نصوص ه ح ق فهمه ا‪ )..‬موض حاً‬
‫دوره ا ف ي معرف ة قص د الش ارع ف ي مس ائل الت رجيح وكيفي ة رف ع التع ارض‪ ،‬كم ا ب ين أن‬
‫مقصد الشارع تكون هادية لالستدالل باألدلة الشرعية‪.‬‬
‫أ‪ -‬ابن عاشور‪ :‬أول من دع ا إل ى التوس ع ف ي مقاص د الش ريعة‪ ،‬وإقام ة عل م جدي د عل ى‬
‫مقاص د ال دين وقطيعات ه‪ ،‬وتظه ر دع واه ف ي مقدم ة كتاب ة المع روف بإس م (مقاص د‬

‫(‪ )28‬راجع‪ :‬التجديد في علم أصول الفقه للمؤلف ص‪ 304-109:‬ومراجعه‪..‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪17‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الشريعة)ويعتبره البعض من مؤسسي صرح علم المقاص د‪ ،‬وي رون أن ه ق د أكم ل م ا ب دأه‬
‫الش اطي ف ي كت اب الموافق ات‪.‬واتج ه ف ي مقدمت ه إل ى بي ان منهج ه ف ي التعام ل م ع‬
‫المقاص د‪ ،‬وه و يبح ث عنه ا ف ي أحك ام المع امالت واآلداب والعقوب ات وغيره ا‪ ،‬ولم ا‬
‫فيها من مصالح‪.‬وقد قام ابن عاشور بتقسيم كتابه إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬في إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها‪ ،‬وطرق إثباتها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في المقاصد العامة للشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬في المقاصد الخاصة بأنواع العبادات والمعامالت وغيرها‪.‬‬
‫ج – الش يخ ع الل الفاس ي‪ :‬يختل ف ع الل الفاس ي ع ن م ن س بقوه ف ي الكتاب ة ف ي‬
‫مقاصد الشريعة‪ ،‬فهو يري أن المقصد العام للشريعة اإلسالمية هو عمارة األرض وحفظ‬
‫نظام التعايش واستمرار صالحها بصالح المستخلفين فيها‪.‬وهو يذهب إل ى أن الش رائع‬
‫اإلنسانية على هذا القصد‪ .‬وقام بإجراء مقارنات بين ما عند اليونان والرومان من أفك ار‬
‫وبين ما جاء به اإلسالم‪.‬‬
‫د‪-‬ال دكتور محم دالزحيلي‪ :‬أف رد باب اً خاص اً ف ي كتاب ه أص ول الفق ه اإلس المي س ماه‬
‫مقاصد الشريعة العامة‪ ،‬اهتم فيه بتعريفها وأهميتها‪ ،‬وكيف تبني الشريعة على المصلحة‪،‬‬
‫كم ا أوض ح ش روط اعتب ار المقاص د وأنواعه ا واعتب ار أثره ا ف ي المجتم ع‪ ،‬ومكمالته ا‪،‬‬
‫وأنواع المصالح بحسب الحاجة إليها‪.‬‬

‫وال يخ ف عل ى الدارس ين جه ود العلم اء المغارب ة والمص ريين المتواص لة ف ي ه ذا الف ن‬


‫وم نهم الش يخ القرض اوي وأس تاذنا محم د كم ال ال دين إم ام ودليل ه اإلرش ادي وجم ال‬
‫الدين عطية وكتابه تفعيل مقاصد الشريعة وكالريسوني واألنصاري والبوشيخي والحمادي‬
‫والخادمي وغيرهم في مجال التأصيل والتأسيس في مقاصد العقيدة والشريعة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪18‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل الثالث‬
‫(‪)29‬‬
‫أهمية المقاصد وفوائدها‬

‫مقاص د الش ريعة ه ي قبل ة التكلي ف‪ ،‬وه ي اآلص رة الكب رى الت ي ت ربط ب ين األحك ام‬
‫والحك م‪ ،‬وتب ين خص ائص ومحاس ن الش ريعة وتحقي ق العبودي ة‪ ،‬وه ي مهم ة بالنس بة‬
‫للمسلم العامي و للمجتهد والمفتي والقاضي‪.‬‬

‫المبحث األول ‪:‬أهمية المقاصد للمسلم العامي‬

‫أهمية المقاصد للمسلم العامي تجمل في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬زي ادة اإليم ان ب اهلل تع الى ورس وف العقي دة ف ي القل ب؛ فيحص ل عن ده القناع ة التام ة‬
‫بعظمة هذا الدين وص دقه‪ ،‬وي دعوه ذل ك إل ى االلت زام ب ه لم ا ي رى م ن تحقي ق المص الح‬
‫ودرء المفاسد‪ ،‬فيترك ما سواها من الشرائع‪.‬‬

‫‪ .2‬المحافظة على المسلم من الغزو الفكري وما يحصل من تحسين للمبادئ الهدامة‪،‬‬
‫وإخفاء محاسن الشريعة لما رسخ عنده من عظمة هذه الشريعة مهما تستر أعداء الدين‬
‫وبذلوا من جهود لتشويه معالم الدين‪.‬‬

‫‪ .3‬موافق ة المكل ف لمقص د الش ارع‪ ،‬حي ث إن مقاص د المكل ف يج ب أن تك ون تابع ة‬


‫لمقاصد الشرع ومحكومة بها‪ ،‬فال يته رب منه ا وال يتحاي ل عليه ا لم ا يعل م م ن النت ائج‬
‫السيئة واألضرار الجسيمة والمفاسد الجمة‪.‬‬

‫‪ .4‬تحقيق عبودية اهلل تعالى‪ ،‬فكم ا أن الخل ق عب اد هلل كون اً ف ال ب د أن يكون وا عب اداً ل ه‬
‫شرعاً وديناً‪.‬‬

‫(‪ )29‬راجع ‪ :‬مقاصد الشريعة ‪،‬عبد الرحمن بن على إسماعيل مقالة على اإلنترنت بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪19‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .5‬اإلقب ال عل ى تطبي ق الش ريعة؛ ألن الطبيع ة البش رية تح ب م ا ينفعه ا وتمي ل إل ى م ا‬
‫وض ح طريق ه وظه رت منفعت ه‪ ،‬فحينم ا يع رف المص الح المترتب ة عل ى الطاع ات يطم ئن‬
‫إليها ويقبل عليها والعكس حينما يعرف مفاسد المعاصي يبتعد عنها‪.‬‬

‫‪ .6‬حماي ة الش ريعة م ن االنح راف ف ي االس تدالل واالس تنباط‪ ،‬وص يانة الش ريعة م ن‬
‫العبث والتغيير‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬أهمية علم المقاصد للمجتهد والمفتي والقاضي‬

‫تأتي أهمية علم المقاصد بالنسبة للمجتهد ومن في معناه بسبب كونها ش رط أهلي ة‬
‫االجته اد؛ ذل ك إن اإللم ام بمقاص د الش ريعة ق د اش ترطه كثي ر م ن األص وليين لبل و‬
‫العالم رتبة االجتهاد‪ ،‬وليس مجرد معرفة وتذكر بل ال بد من أن يكون ذل ك ملك ة ل دى‬
‫المجتهد يس تطيع به ا إدراك مقاص د الش ريعة واس تنباطها وتفجي ر ينابيعه ا م ن النص وص‬
‫الشرعية‪ ،‬وتكون ملكة المقاصد أداة بناء وتق ويم وتقي يم‪ ،‬ق ال الش افعي – رحم ه اهلل –‬
‫فيما يجب فعله على المجته د ف ي الواقع ة بع د أن يع دم ال دليل م ن الش رع‪( :‬ف إن ع دم‬
‫المطلوب في هذه الدرجات لم يخض ف ي القي اس بع د‪ ،‬ولكن ه ينظ ر ف ي كلي ات الش رع‬
‫ومص الحها العام ة)‪ ،‬ومثل ه ع ن الج ويني والغزال ي والع ز ب ن عب د الس الم ونح وه كش يخ‬
‫اإلس الم اب ن تيمي ة وتلمي ذه اب ن الق يم وغي رهم يش ترطون العل م بالمقاص د لبل و رتب ة‬
‫االجتهاد‪.‬والعلم اء ي ذكرون ه ذا الش رط عن د بي ان الجوان ب المهم ة والمج االت الت ي‬
‫يعم ل فيه ا المجته د المقاص د‪ ،‬وق د أجمله ا اب ن عاش ور ف ي خمس ة أنح اء أو جوان ب‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ .1‬فهم النصوص وتفسيرها ومعرفة داللتها‪.‬‬

‫‪ .2‬الترجيح بين األدلة المتعارضة والتوفيق بينها‪.‬‬

‫‪ .3‬معرفة أحكام الوقائع التي لم ينص عليها بالخصوص‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪20‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .4‬تنزي ل األحك ام الش رعية عل ى الظ روف المكاني ة والزماني ة (فق ه الواق ع وتحقي ق‬
‫المناط)‪.‬‬

‫‪ .5‬تحقيق التوازن واالعتدال في األحكام وعدم االضطراب‪.‬‬

‫ومن فوائدها أيضاً‪:‬‬

‫‪ .1‬االس تعانة بالمقاص د ف ي فه م بع ض األحك ام الش رعية‪ ،‬حي ث يب دو بعض ها غامض اً‬
‫( رض ي اهلل عنه ا )‬ ‫كمعرفة عدم تقبي ل ال ركنين الش اميين م ن البي ت كم ا س ألت عن ه عائش ة‬
‫فأخبره ا رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم أن قريش اً ل م تع د بن اء الكعب ة عل ى أس اس‬
‫إبراهيم وإدخال الحجر فيه كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ .2‬توجيه الفتوى وتنزيلها على الوقائع وتحقيق مقاصد الشريعة في آحاد المستفتين‪.‬‬

‫‪ .3‬تحكيم المقاصد ف ي االعتب ار ب أقوال الس لف واس تدالالتهم فيؤخ ذ منه ا م ا يوافقه ا‬
‫ويترك ما يخالفها‪.‬‬

‫‪ .4‬استنباط األحكام للوقائع المستجدة مما لم يدل عليه دليل وال وجد له نظي ر يق اس‬
‫علي ه (‪ .)30‬كم ا أن معرف ة المقاص د يع ين الداعي ة ف ي ترتي ب أولويات ه‪ ،‬فيق دم الض روري‬
‫على الحاجي وهكذا‪ ،‬ويحذر الن اس م ن الض رر األكث ر خط ورة قب ل غي ره‪ ،‬فينبغ ي عل ى‬
‫الدعاة أن ال يغفلوا هذا العلم دراسة وتدريساً وتطبيق اً‪ ،‬وأن يبين وا للن اس ه ذه المقاص د‬
‫باستمرار ليتم االقتناع بدين اهلل عز وجل‪ ،‬ويسهل على النفوس االنقي اد للش رع والرغب ة‬
‫في تنفيذ التكاليف‪.‬‬

‫(‪ )30‬طرق الكشف عن مقاصد الشارع ص‪1993 .39‬م‪ .‬وراجع ‪:‬مقاصد الشريعة عند شيخ اإلسالم ص ‪.101 :‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪21‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل الرابع‬
‫(‪)31‬‬
‫طرق إثبات مقاصد الشريعة‬

‫تتعد طرق إثبات المقاص د ؛لك ن قب ل الح ديث ع ن تفاص يل المقاص د ال ب د م ن إثب ات‬
‫أن للشارع في تش ريع األحك ام ِحكم ا وغاي ات ؛ وإن ك ان الفص ل الس ابق ق د ذك ر في ه‬
‫األدل ة عل ى المقاص د عموم ا وخصوص ا لك ن نتيج ة لوج ود م ن ينك ر تعلي ل األحك ام‬
‫ومقاصد الشريعة من بعض الف رق كالظاهري ة ك ان م ن المناس ب زي ادة األم ر وض وحا ف ي‬
‫هذا الفصل‪.‬‬

‫المبحث األول‬

‫األدلة النقلية على إثبات المقاصد‬

‫م ن خ الل التتب ع واالس تقراء لنص وص الش ريعة ظه ر أن إثب ات المقاص د ف ي النص وص‬
‫جاء بطرق متعددة وأساليب متنوعة ومنها‪:‬‬

‫الطريقة األولى(‪: )32‬‬

‫إخب ار اهلل س بحانه وتع الى ف ي كتاب ه ف ي أكث ر م ن موض ع أن ه حك يم‪ ،‬وذل ك يقتض ي أن‬
‫تكون أحكامه سبحانه مشروعه للمقاصد وال تكون عبثاً‪ ،‬إذ الحكيم الذي يضع الش يء‬
‫ف ي موض عه الالئ ق ب ه‪ ،‬وأحك ام اهلل ك ذلك وج دناها محقق ة لمص الح العب اد ف ي ال دنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫(‪ )31‬راجع ‪:‬مقاصد الشريعة زياد حميدان ومصادره ومراجعة ط‪ 1‬مؤسسة الرسالة ناشرون ‪2044‬م‪..‬‬

‫(‪ )32‬راجع الفكر المقاصدي للريسوني ص‪.46 .55-25:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪22‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الطريقة الثانية‪:‬‬

‫إخب ار اهلل تع الى ع ن نفس ه بأن ه أرح م ال راحمين ف ي أكث ر م ن موض ع كقول ه تع الى‪:‬‬
‫(ورحمت ي وس عت ك ل ش يء) األع راف ‪ ،156‬وذل ك ال يتحق ق إال ب أن يقص د رحم ة خلق ه‬
‫بما خلقه لهم وبما شرعه فلو لم تكن أوامره ونواهيه ألجل الرحمة والحكمة والمصلحة‬
‫وإرادة اإلحس ان إل ى عب اده لم ا كان ت رحم ة ق ال تع الى‪ ( :‬وم ا أرس لناك إال‬
‫)األنبياء ‪.107‬‬ ‫رحمة للعالمين‬

‫الطريقة الثالثة‪:‬‬

‫إخباره سبحانه أنه فع ل ك ذا لك ذا أو م ن أج ل ك ذا أو غي ره م ن مس الك العل ة المعروف ة‬


‫كقول ه تع الى‪ ( :‬وك ذلك جعلن ا ك م أم ة وس طا‪ )...‬اآلي ة البق رة ‪ ،143‬وقول ه تع الى‪( :‬‬
‫وحي ث م ا كن تم فول وا وج وهكم ش طره ل ئال يك ون للن اس عل يكم حج ة ) البق رة ‪،150‬‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬ولتكملوا العدة ولتكبروا اهلل على ما هداكم ) البقرة ‪ ،185‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل‪ ) .....‬اآلية المائدة ‪.32‬‬

‫الطريقة الرابعة‪:‬‬

‫إخباره سبحانه عن أهمية كتابه وعظم فائدته ومقصد إنزاله والقران أصل الش ريعة وأس ها‬
‫قال سبحانه‪( :‬يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وش فاء لم ا ف ي الص دور وه دى‬
‫أق وم)اإلس راء‬ ‫ورحمة للمؤمنين) يونس ‪ ،57‬وقال س بحانه‪(:‬إن ه ذا الق رآن يه دي للت ي ه ي‬
‫‪ ،9‬ونحوها‪.‬‬

‫الطريقة الخامسة ‪:‬‬

‫ورود بعض المقاصد الشرعية العامة والخاصة في بعض النصوص‪ ،‬فمن المقاصد العام ة‬
‫قوله تعالى‪ (:‬و ما جعل عليكم في ال دين م ن ح رج ) الح ج ‪ ،78‬وقول ه‪ ( :‬يري د اهلل بك م‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪23‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫اليس ر وال يري د بك م العس ر ) البق رة ‪ ،185‬دل ت عل ى إرادة اليس ر ورف ع الح رج‪ ،‬ومث ل‬
‫ذكر مقاصد الحج والصيام والزكاة وتوزيع الفيء ونحوه على وجه الخصوص‪.‬‬

‫الطريقة السادسة ‪:‬‬

‫ورود نصوص عامة تشمل تحقيق جميع المصالح من ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬قوله تعالى‪( :‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى) النحل ‪ ،90‬وهذا أمر‬
‫بالمص الح وأس بابها ونه ي ع ن الفحش اء والمنك ر وه ذا نه ي ع ن المفاس د وأس بابها‪،‬‬
‫وأجم ع آي ة ف ي الق رآن للح ث عل ى المص الح كله ا والزج ر ع ن المفاس د بأس رها قول ه‬
‫تعالى‪( :‬إن اهلل يأمر بالع دل واإلحس ان وإيت اء ذي القرب ى وينه ى ع ن الفحش اء والمنك ر‬
‫والبغي‪ )..‬النحل ‪.90‬‬

‫‪ -2‬قوله تعالى‪( :‬قد جاءتكم موعظة من ربكم) يونس ‪.57‬‬

‫‪ -3‬حديث ( ال ضرر وال ضرار ) حم‪ .‬ما‪ .‬جه صحيح‪ ،‬وحديث (إن ه ذا ال دين يس ر)‬
‫رواه البخ اري‪ ،‬فك م ي دخل تح ت ه ذا اليس ر م ن تحقي ق المص الح ودف ع الح رج حت ى‬
‫كأنه جعل الدين هو اليسر‪.‬‬

‫الطريقة السابعة ‪:‬‬

‫إخباره سبحانه بأن حكمه أحسن األحكام في قوله تعالى‪ ( :‬ومن أحس ن م ن اهلل حكم اُ‬
‫لق وم يوقن ون ) المائ دة ‪ ،50‬ول وال مطابقت ه للحكم ة والمص لحة المقص ودة الم رداة لم ا‬
‫كان كذلك‪.‬‬

‫الطريقة الثامنة ‪:‬‬

‫أن اهلل تعالى وصف كتابه الذي هو أصل الدين في م واطن كثي رة بأن ه ن ور وحي اة وس ماه‬
‫روحا قال تعالى (قد جاءكم من اهلل نور …) المائ دة ‪ ،15‬وقول ه‪( :‬ي ا أيه ا ال ذين آمن وا‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪24‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم …) األنفال ‪ ،24‬وقوله تع الى‪( :‬وك ذلك‬
‫أوحينا إليك روحا من أمرنا) الشورى ‪.52‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫إثبات المقاصد باألدلة العقلية‬

‫من أدلة العقل على إثبات المقاصد ‪:‬‬

‫الدليل األول‪:‬‬

‫أن اهلل تعالى راعى مصالح عباده في مبدئهم ومعاشهم حيث أوجدهم م ن الع دم وس خر‬
‫له م س ائر ال نعم فم ن المح ال أن اهلل تع الى يراع ي مص الح العب اد ف ي المب دأ والمع اد‬
‫والمع اش ويهم ل مص لحتهم ف ي األحك ام الش رعية إذ ه ي أه م‪ ،‬فه ي بالمراع اة أول ى‬
‫وألنها أيضا من مصلحة معاشهم إذ بها صيانة األموال والدماء وال معاش بدونها فوج ب‬
‫القول بأنه راعاها‪.‬‬

‫الدليل الثاني‪:‬‬

‫أن اهلل تعالى خلق اإلنسان مكرما مشرفا لقوله تعالى‪ ( :‬ولقد كرمنا بني آدم‪ ) ..‬اإلسراء‬
‫‪ ،70‬ومن لوازم التكريم أن يحقق لإلنسان مص الحه عل ى أحس ن الوج وه و إال ل م يك ن‬
‫مكرما‪.‬‬

‫الدليل الثالث‪:‬‬

‫أن أي نظ ام ال يقص د ب ه تحقي ق نف ع أو دف ع ض ر فإن ه نظ ام فاش ل ينس ب واض عه إل ى‬


‫الجهل والغفلة متهم بالشر‪ ،‬فتنزيه شريعة اهلل أحكم الحاكمين أولى بذلك‪ ،‬وكي ف يظ ن‬
‫ذلك بشريعة الرحمن وأنه أنزل شريعة ال تحقق مص لحة وال ت درأ مفس دة‪ ،‬ال يظ ن ذل ك‬
‫إال من ظن السوء برب العالمين‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪25‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الدليل الرابع‪:‬‬

‫أن تعطي ل الحكم ة والغاي ة المطلوب ة م ن األحك ام إم ا أن يك ون لع دم عل م الفاع ل به ا‪،‬‬


‫وهذا محال في حق من ه و بك ل ش يء عل يم‪ ،‬إم ا لعج زه وه ذا مح ال ف ي ح ق م ن ه و‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬وإما لعدم إرادته اإلحسان إلي غيره وإيصال النفع إليه وهذا محال‬
‫في حق أرحم الراحمين‪.‬‬

‫وإما لمانع يمنع من إرادتها وقصدها وهذا مستحيل في حق من ال يمنعه م انع ع ن فع ل‬


‫ما يريد بل هو فعال لما يريد‪ ،‬وإما الستلزامها نقصاً ومنافاتها كم االً وه ذا باط ل ب ل ه و‬
‫قل ب للحق ائق وعك س للفط ر ومناقض ة للعق ل‪ ،‬ف إن م ن يفع ل لحكم ة وغاي ة مطلوب ة‬
‫أكم ل مم ن يفع ل ال لش يء البت ة‪ ،‬كم ا أن م ن يخل ق أكم ل مم ن ال يخل ق وم ن يعل م‬
‫أكمل ممن ال يعلم وهكذا من يتكلم ويقدر ويريد أكمل من عادمه‪ ،‬فنفي حكمته ونفي‬
‫أن يك ون ل ه مقص د ف ي األحك ام بمنزل ة نف ي ه ذه األوص اف وذل ك يس تلزم وص فه‬
‫بأضدادها وهي أنقص النقائص‪ ،‬وهذه الخمسة اللوازم‪( :‬عدم العلم والعجز وعدم إرادة‬
‫الخير ووجود مانع واستلزام نقص) كلها منتفية في حق اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪26‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل الخامس‬
‫(‪)33‬‬
‫طرق معرفة المقاصد‬

‫إن الحكم عل ى أم ر م ا أن ه مقص ود للش رع أو غي ر مقص ود أم ر ب الا األهمي ة والص عوبة‬


‫ت وتأن ودقة فهم واستنباط‪ ،‬وذلك ال يكون إال بوضع ضوابط صحيحة‬ ‫فيحتاج إلى تثبُّ ٍ‬
‫وتحديد طرق واضحة يسلكها من أراد التعرف على مقصود الشارع في أحكامه‪.‬‬

‫ومن الطرق التي يمكن بها معرفة مقصد الشارع فيما يلي من المباحث‪:‬‬
‫(‪)34‬‬
‫المبحث األول ‪:‬االستقراء‬

‫واالستقراء لغة‪ :‬التتبع ‪،‬واصطالحا‪ :‬تصفح الجزئيات إلثبات حكم كلي‪.‬‬

‫وهو على نوعين‪:‬‬

‫‪ -1‬تتب ع ت ام‪ :‬وه و تتب ع جمي ع الجزئي ات م ا ع دا ص ورة الن زاع وه ذا دلي ل قطع ي عن د‬
‫أكثر العلماء على إثبات الحكم في صورة النزاع‪.‬‬

‫‪ -2‬تتبع ناقص‪ :‬وهو تتبع أكثر الجزئيات وهو دليل ظني‪.‬‬

‫والمقصود هنا‪ :‬أن االستقراء من الط رق الت ي تع رف به ا مقاص د الش ريعة وذل ك أنن ا إذا‬
‫تتبعن ا الش ريعة وأحكامه ا ومعرف ة علله ا فاس تقراء عل ل النص وص الش رعية يحص ل لن ا‬
‫العل م بمقاص د الش ريعة بس هولة ألنن ا إذا اس تقرينا عل ال كثي رة متماثل ة ف ي كونه ا ض ابطا‬
‫لحكمة متحدة أمكن أن نستخلص منها حكمة واحدة فنجزم بأنها مقصد الشارع‪.‬‬

‫(‪ )33‬راجع الفكر المقاصدي للريسوني ص‪.46 .55-25:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬

‫(‪)34‬االجتهاد المقاصدي للمؤلف ص ‪ 24-23‬ومراجعه ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪27‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثاني ‪:‬التعليل‬


‫(‪)35‬‬

‫ط رق معرف ة العل ة ‪-‬أو م ا يس مى (مس الك العل ة)‪-‬له ا عالق ة بم ا قبله ا إال أن ه ذه‬
‫الطريق ة تعن ى بكيفي ة التع رف عل ى عل ل األم ر والنه ي ومقص ود التكلي ف‪ .‬وم ن ه ذه‬
‫المسالك ما يلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬النص‪ :‬وهو ما كانت داللته على العلة ظاهرة سواء كانت قطعية أو محتملة ول يس‬
‫مجرد النص المذكور في دالالت األلفاظ أي ما يفيد بنفسه المعنى من غير احتمال بل‬
‫المقص ود هن ا ال دليل النقل ي م ن الكت اب والس نة أي م ا يقاب ل ال دليل العقل ي فيش مل‬
‫الظاهر فيكون قسما من النص وليس قسيما له كما في دالالت األلفاظ‪.‬‬

‫ومن أهم األلفاظ الدالة على العلة في نصوص الشرع األلفاظ التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬التصريح بلفظ الحكمة كقوله تعالى‪( :‬حكمة بالغة) القمر ‪.5‬‬

‫‪ -2‬أن يذكر ما هو م ن ص ريح التعلي ل مث ل قول ه‪( :‬م ن أج ل) كم ا ف ي قول ه‪( :‬م ن أج ل‬
‫ذلك كتبنا على بني إسرائيل‪ )..‬المائدة ‪ ،32‬وقول ه ص لى اهلل علي ه وس لم‪( :‬إنم ا جع ل‬
‫االستئذان من أجل البصر) ف‪ .‬م‪ ،‬وقوله‪ ( :‬إنما نهيتكم من أجل الدافة) م‪.‬‬

‫‪ -3‬لفظ (كي) كما في قوله تعالى‪( :‬كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم) الحشر ‪.7‬‬

‫‪ -4‬لف ظ (إذن) كقول ه ص لى اهلل علي ه وس لم ألب ي ب ن كع ب حينم ا ق ال أجع ل ل ك‬


‫صالتي كلها قال (إذن يغفر اهلل لك ذنبك كله) حم‪ .‬بسند جيد‪.‬‬
‫‪ -5‬لف ظ َّ‬
‫(إن) المكس ورة الهم زة والمش ددة الن ون كم ا ورد ف ي ح ديث إلق اء الروث ة‬
‫وقال‪( :‬إنها ركس) وقال في الهرة‪( :‬إنها ليست بنجس) حم‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)35‬االجتهاد المقاصدي للمؤلف ص ‪ 24-23‬ومراجعه ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪28‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -6‬الباء كما في قوله تعالى‪( :‬فبظلم م ن ال ذين ه ادوا حرمن ا عل يهم …) اآلي ة النس اء‬
‫‪.160‬‬

‫‪ -7‬ال الم كم ا ف ي قول ه تع الى‪( :‬وك ذلك جعلن اكم أم ة وس طا لتكون وا ش هداء‪ )..‬اآلي ة‬
‫البقرة ‪.143‬‬

‫‪ -8‬ذك ر المفع ول ل ه فإن ه عل ة كقول ه تع الى‪( :‬متاع ا لك م وألنع امكم ) النازع ات ‪،33‬‬
‫وكقول ه‪( :‬ونزلن ا علي ك الكت اب تبيان ا لك ل ش يء) النح ل ‪ ،89‬فنص ب تبيان ا عل ى‬
‫المفعول له أحسن من غيره كما قال ابن القيم‪.‬‬

‫‪ -9‬لف ظ لع ل فه ي ف ي لف ظ م ن ال يص ح علي ه الترج ي للتعلي ل المح ض كقول ه تع الى‪:‬‬


‫(لعلكم تتقون) البقرة ‪.183‬‬

‫‪ -10‬لفظ (إذ) وهو من ألفاظ التعليل الظ اهرة كم ا ذك ره الزركش ي كقول ه تع الى‪( :‬ول ن‬
‫ينفعكم اليوم إذ ظلمتم ) الزخرف ‪ ،39‬أي ألجل ظلمكم في الدنيا‪.‬‬

‫‪ -11‬لفظ (حتى) كقوله تعالى‪( :‬و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم) محم د ‪،31‬‬
‫وعالمة حتى التعليلية أن يحسن في موضعها كي‪.‬‬

‫‪ – 12‬إخب اره أن فع ل ك ذا لك ذا مث ل قول ه تع الى‪( :‬ذل ك لتعلم وا أن اهلل يعل م م ا ف ي‬


‫السماوات وما في األرض‪.)..‬‬

‫(‪ )2‬اإلجماع‪ :‬يعد ااإلجماع م ن مس الك العل ة س واء عل ى أن الحك م معل ل أو عل ى أن‬
‫الوص ف المع ين ه و عل ة ه ذا الحك م‪ ،‬فيحص ل اتف اق المجته دين عل ى أن الوص ف‬
‫المع ين ه و عل ة الحك م كاإلجم اع عل ى أن عل ة تق ديم الش قيق امت زاج النس بين ف ي‬
‫الميراث فيقدم كذلك في الوالية‪ ،‬وإجماعهم على خالفة أبي بكر قياساً على إمامته في‬
‫الصالة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪29‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫(‪ )3‬اإليماء(التنبيه)‪:‬وهو لغة‪ :‬اإلشارة‪ .‬واصطالحا‪ :‬اقتران الحك م بوص ف ل و ل م يك ن‬


‫علة الحكم لكان الكالم بعيدا عن فصاحة ك الم الش ارع وك ان م ن اإلتي ان باأللف اظ ف ي‬
‫غير موضعها‪.‬‬

‫أنواع اإليماء‪:‬‬

‫النوع األول‪:‬ترتيب الحكم على الوصف بالفاء وله أربع حاالت‪:‬‬

‫األولى‪ :‬ترتيب الحكم على الوصف في كالم الش ارع كقول ه ص لى اهلل علي ه وس لم ف ي‬
‫المحرم الذي وقص ته الناق ة (ال تقرب وه طيب اً فإن ه يبع ث ي وم القيام ة ملبي اً) رواه البخ اري‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫الثاني ة‪ :‬أن ت دخل عل ى الحك م ف ي ك الم الش ارع كقول ه تع الى‪ ( :‬والس ارق والس ارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما ) المائدة ‪.38‬‬

‫الثالثة‪:‬أن تدخل على الحكم في كالم الراوي مثل حديث(سهى رسول اهلل فسجد)‪. 36‬‬

‫الرابعة‪ :‬أن تدخل على الوصف في كالم الراوي ولم يظفر له بمثال‪.‬‬

‫النوع الثاني‪:‬‬

‫أن يُس أل النب ي ص لى اهلل علي ه وس لم ع ن أم ر ح ادث فيجي ب بحك م في دل عل ى أن‬


‫المذكور في السؤال علة كما في قصة األعراب ي ال ذي ج اء يس أل ع ن حك م الوق اع ف ي‬
‫نه ار رمض ان فق ال ل ه النب ي ص لى اهلل علي ه وس لم‪( :‬اعت ق رقب ة) رواه البخ اري ومس لم‪،‬‬
‫دل على أن الوقاع سبب ألنه ذكره جوابا له‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬أن يذكر الشارع مع الحكم وص فاً ل و ل م يق در التعلي ل ب ه لم ا ك ان ل ذكره‬


‫فائدة ولكان ذكره عبثاً ينزه عنه كالم الشارع وله حالتان‪:‬‬

‫‪- 36‬رواه أبو داود والترمذي وابن خزيمة بسند صحيح‪. .‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪30‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫األولى‪ :‬أن يستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود ثم يذكر الحكم عقبه كما في‬
‫قول ه ص لى اهلل علي ه وس لم لم ا س ئل ع ن بي ع الرط ب ب التمر أي نقص الرط ب إذا ج ف‬
‫قالوا‪ :‬نعم قال‪ :‬فال إذاً ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بسند صحيح‪ ،‬دل على أن‬
‫النقصان علة لعدم جواز البيع‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬أن يعدل في الجواب إلى نظير محل السؤال وينبه على وجه الشبه بينهما كقوله‬
‫للمرأة التي سألته ع ن الح ج ع ن أمه ا‪( :‬أرأي ت ل و ك ان عل ى أم ك دي ن أكن ت قاض يته‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فاقضوا الذي له فإن اهلل أحق بالوفاء) ف‪.‬‬

‫النوع الرابع‪:‬‬

‫أن يف رق الش ارع ب ين أم رين ف ي الحك م ب ذكر ص فة فيش عر ب أن تل ك الص فة ه ي عل ة‬


‫التفريق في الحكم وهو نوعان‪:‬‬

‫األول‪ :‬أال يكون حكم أح دهما م ذكورا ف ي الخط اب ب ل ف ي خط اب آخ ر مث ل ح ديث‬


‫(القات ل ال ي رث) ‪( 37‬ص حيح اإلرواء (‪ ،)117 /6‬ففي ه التفري ق ب ين القات ل وغي ره دل عل ى أن‬
‫القتل علة المنع‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن يذكر حكمهما في الخطاب وهي على خمسة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يف رق بينهم ا بالش رط كقول ه ف ي ح ديث األص ناف الربوي ة‪( :‬ف إذا اختل ف ه ذه‬
‫األصناف فبيع وا كي ف ش ئتم إذا ك ان ي دا بي د) رواه مس لم‪ ،‬دل عل ى أن االخ تالف عل ة‬
‫في جواز التفاضل‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يفرق بينهم ا بالغاي ة مث ل قول ه تع الى‪( :‬وال تقرب وهن حت ى يطه رن) البق رة ‪،222‬‬
‫أي إذا تطهرن فال مانع من قربانهن‪ ،‬فالفرق الطهر‪.‬‬

‫‪- 37‬راجع إرواء الغليل لأللباني ‪ 117/6‬وقال صحصح ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪31‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -3‬أن يفرق بينهما باالستثناء كقوله تعالى‪( :‬إال أن يعف ون) البق رة ‪ ،237‬أي الزوج ات‬
‫عن النصف فال شيء لهن‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يفرق بينهما باالستدراك مثل قول ه تع الى‪ ( :‬ال يؤاخ ذكم اهلل ب اللغو ف ي أيم انكم‬
‫ولكن يؤاخذكم بما عقدتم األيمان ) المائدة ‪ ،89‬ففرق بينهما بعقد القلب‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يفرق بينهما باستئناف ذكر أحد الشيئين بذكر صفة من ص فاته بع د ذك ر اآلخ ر‬
‫بش رط أن تك ون الص فة ص الحة للعلي ة كق ول ال راوي‪( :‬قس م رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم ف ي النف ل للف رس س همين وللراج ل س هماً) رواه البخ اري‪ ،‬فكون ه رج ل ول ه ف رس‬
‫علة إلعطائه سهمين‪.‬‬

‫الن وع الخامس‪:‬ترتي ب الحك م عل ى وص ف بص يغة الج زاء كقول ه تع الى‪( :‬وم ن يت ق اهلل‬
‫يجعل له مخرجاً) الطالق ‪ ،2‬ونحوه‪.‬‬

‫النوع السادس‪ :‬أن يذكر في سياق الكالم شيئاً لو ل م يعل ل ب ه ص ار الك الم غي ر من تظم‬
‫كقوله تعالى‪( :‬يا أيها ال ذين آمن وا إذا ن ودي للص الة م ن ي وم الجمع ة فاس عوا إل ى ذك ر‬
‫اهلل وذروا البيع) الجمعة ‪ ،9‬فنهى عن البيع لكونه مانعاً من السعي‪.‬‬

‫النوع السابع‪ :‬تعليل عدم الحكم بوجود المانع منه كقوله تعالى‪( :‬ولوال أن يك ون الن اس‬
‫أمة واح دة لجعلن ا لم ن يكف ر ب الرحمن لبي وتهم س قفا م ن فض ة ومع ارج عليه ا يظه رون)‬
‫الزخرف ‪ ،33‬وقوله‪( :‬لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا) الفتح ‪.25‬‬

‫الن وع الث امن‪:‬ربط الحك م باس م مش تق فتعلي ق الحك م علي ه مش عر بالعلي ة مث ل قول ك‪:‬‬
‫أك رم زي داً الع الم‪ ،‬ف العلم عل ة اإلك رام‪ ،‬وأن واع اإليم اء كثي رة ال مطم ع ف ي حص رها كم ا‬
‫قاله الغزالي رحمه اهلل‪.‬‬

‫(‪ )4‬المناسبة‪:‬وهي لغة‪ :‬المشاكلة والموافقة والمالءمة‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪32‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫اص طالحاً‪ :‬أن يك ون الوص ف ال ذي اقت رن ب ه الحك م مناس با ل ه‪ ،‬ومعن ي مناس باً ل ه أي‬
‫يترتب على إناطة الحكم به مصلحة أو دفع مفسدة‪.‬‬

‫(‪ )5‬الشبه‪:‬وهو لغة‪ :‬المماثلة ‪.‬واصطالحا‪ :‬أن يتردد الفرع بين أصلين فيلحق بأكثرهم ا‬
‫شبهاً وقيل غير ذلك‪.‬‬

‫(‪ )6‬السبر والتقسيم‪ :‬السبر لغة‪ :‬االختبار والتجربة‪ ،‬والتقسيم‪ :‬التفريق‪.‬‬

‫فالتقسيم‪ :‬أن يحصر المجتهد األوصاف التي تصلح للتعليل‪.‬‬

‫والس بر‪ :‬اختب ار األوص اف الت ي حص رها المجته د والنظ ر ف ي كونه ا ص الحة للتعلي ل‬
‫وإلغاء الباقي‪.‬‬

‫(‪ )7‬ال دوران‪:‬وهو لغ ة‪ :‬الط واف‪.‬وفي االص طالح‪ :‬وج ود الحك م عن د وج ود الوص ف‬
‫وارتفاعه عند ارتفاعه‪.‬والدوران من الطرق التي تع رف به ا العل ة فل و دع ي ش خص باس م‬
‫فغض ب ث م دع ي ب آخر فل م يغض ب وتك رر من ه ذل ك دون م انع دل عل ى أن ه س بب‬
‫الغضب‪ ،‬وهكذا إذا تكرر وجود الحكم عند وج ود وص ف وانع دم عن د عدم ه دل عل ى‬
‫أنه علة الحكم‪.‬‬

‫(‪ )8‬الط رد‪ :‬وه و لغ ة‪ :‬التت ابع ‪،‬وف ي االص طالح‪ :‬مقارن ة الحك م للوص ف ب ال مناس بة ال‬
‫بالذات وال بالتبع‪ ،‬وأكثر العلماء على عدم اعتباره كالطول والقصر‪.‬‬

‫(‪ )9‬تنقيح المناط‪ :‬وهو لغة‪ :‬التشذيب والتهذيب‪.‬‬

‫وف ي االص طالح‪ :‬أن ي دل ن ص ظ اهر عل ى التعلي ل بوص ف فيح ذف خصوص ه ع ن‬


‫االعتبار باالجتهاد ويناط الحكم باألعم‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬قصة األعرابي الذي ج امع ف ي نه ار رمض ان وأم ره الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم‬
‫بكف ارة مث ل كف ارة الظه ار‪ ،‬فه ل ذل ك لكون ه أعرابي اً أم للجم اع نه اراً أم انته اك حرم ة‬
‫الشهر أم ألنها زوجته ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪33‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثالث‪ :‬األمر والنهي‬

‫من طرق معرفة مقاصد الشريعة مجرد األمر والنهي االبتدائي التصريحي‪:‬‬

‫فيدل األم ر المج رد ابت داء عل ى أن الفع ل مقص ود للش ارع وهك ذا النه ي ي دل عل ى أن‬
‫ترك الفعل مقصود للشارع لكن ذكر لهما الشاطبي رحمه اهلل قيدين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون كل منهما ابتدائياً ول يس لكون ه وس يلة إل ى غي ره أو تابع ا لغي ره كتح ريم‬
‫البي ع بع د ن داء الجمع ة فل يس ابت دائياً ب ل تأكي داً للس عي ال ذي ال ي تم إال بترك ه‪ .‬تام ل‬
‫قوله تعالى من سورة الجمع ة ‪ ( :.38‬ي ا أيه ا‪) ...‬الث اني‪ :‬ك ون األم ر والنه ي تص ريحي أي‬
‫صريح في داللته على الطلب فخرج بذلك الضمني الذي تضمنه المأمور به أو المنه ي‬
‫عنه كقولهم‪(:‬األمر بالشيء نهي عن ضده) فهذه األضداد ل يس النه ي عنه ا ص ريحاً ب ل‬
‫جاء في ضمن األمر‪.‬‬

‫َى ِذ ْك ِر الل ِّه َو َذ ُرواْ‬ ‫ْج ُم َع ِة فَ ْ ِ‬ ‫ودي لِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اس َع ْواْ إل َ‬ ‫آمنُ َواْ إِذَا نُ َ ّ‬
‫لصالَة من يَ ْوم ال ُ‬ ‫ين َ‬
‫‪ - 38‬راجع ‪ .‬تفسير الطبري ف ي تأوي ل قوله تعالى‪( :‬يَأَيّ َها الّذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬‫الْبَ ْي َع َذل ُك ْم َخ ْي ٌر لّ ُك ْم إِن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمو َن )‪.‬يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده‪ :‬يا أيها الذين ص ّدقوا اهلل ورسوله إ َذا نُود َ‬
‫الج ْم َع ِة وذلك هو النداء‪ ,‬ينادى بالدعاء إلى صالة الجمعة عند قعود اإلمام على المنبر للخطبة ومعنى الكالم‪:‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫للصالة م ْن يَ ْوم ُ‬
‫ّ‬
‫فاس َع ْوا إلى ِذ ْك ِر اللّه يقول‪ :‬فامضوا إلى ذكر اهلل‪ ,‬واعملوا له وأصل السعي في هذا الموضع‬ ‫ِ‬
‫إذا نودي للصالة من يوم الجمعة ْ‬
‫العمل‪ ,‬وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪ :‬حدثنا‬
‫فاس َع ْوا إلى ِذ ْك ِر اللّهُ قال‪:‬‬ ‫الني‪ ,‬في قول اهلل‪ْ :‬‬ ‫الحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عياش‪ ,‬عن ُش َر ْحبيل بن مسلم ال َخ ْو ّ‬
‫الج ُم َع ِة قال‪ :‬العزمة عند الذكر عند‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫للصالة م ْن يَ ْوم ُ‬ ‫ي ّ‬ ‫فاسعوا في العمل‪ ,‬وليس السعي في المشي‪ .‬عن مجاهد إذَا نُود َ‬
‫فاس َع ْوا لسعيت حتى‬ ‫المغيرة واألعمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬لو قرأتها ْ‬ ‫الخطبة‪.‬قال‪ :‬ثنا مهران‪ ,‬عن سفيان عن ُ‬
‫ضوا إلى ِذ ْك ِر الل ِّه»‪.‬راجع تفسير الطبري للسورة الكريمة‪.‬‬ ‫فام ُ‬
‫يسقط ردائي‪ ,‬وكان يقرؤها‪ْ « :‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪34‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪39‬‬
‫المبحث الرابع‪:‬دالالت التقصيد الشرعية‬

‫تع د دالالت التقص يد م ن التعبي رات الت ي يس تفاد منه ا معرف ة المقاص د؛ وه ي عل ى‬
‫نوعين‪:‬‬

‫األول‪:‬التعبي ر ب اإلرادة الش رعية ونحوه ا وذل ك كقول ه تع الي‪( :‬يري د اهلل بك م اليس ر وال‬
‫يري د بك م العس ر) البق رة ‪ ،185‬وقول ه‪( :‬واهلل يري د أن يت وب عل يكم) النس اء ‪،27‬‬
‫والمقصود هنا اإلرادة الشرعية‪ ،‬ومثلها القضاء والحكم والكتابة واألم ر واإلذن والجع ل‬
‫والكلم ات والبع ث واإلرس ال والتح ريم‪ ،‬وه ذه األلف اظ ي راد به ا األم ر الك وني وت ارة‬
‫الشرعي والمقصود هنا الشرعي‪ ،‬فالقضاء الشرعي كقوله تعالى‪( :‬وقضى ربك أال تعبدوا‬
‫إال إي اه) اإلس راء ‪ ،23‬والحك م الش رعي كقول ه‪( :‬ذلك م حك م اهلل يحك م بي نكم)‬
‫الممتحن ة ‪ ،10‬والكتاب ة الش رعية كقول ه‪( :‬كت ب عل يكم الص يام) البق رة ‪ ،183‬واألم ر‬
‫الش رعي كقول ه‪( :‬إن اهلل ي أمر بالع دل واإلحس ان) النح ل ‪ ،90‬واإلذن الش رعي‬
‫كقوله‪( :‬ما قطعتم من لين ة أو تركتموه ا قائم ة عل ى أص ولها فب إذن اهلل) الحش ر ‪ ،5‬أي‬
‫بأمره ورضاه‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬التعبير عن المصالح والمفاس د بلف ظ الخي ر والش ر والنف ع والض ر وم ا ش ابهها‪،‬‬
‫وذلك مثل قوله تعالى‪( :‬كتب عليكم القتال وه و ك ره لك م) البق رة ‪ ،216‬وقول ه‪( :‬وأن‬
‫تصوموا خير لك م) البق رة ‪ ،184‬وم ن التعبي ر ع ن المص لحة والمفس دة بالمنفع ة واإلث م‬
‫قوله تع الى‪( :‬يس ألونك ع ن الخم ر والميس ر ق ل فيهم ا إث م كبي ر ومن افع للن اس) البق رة‬
‫‪. 219‬‬

‫‪ - 39‬الفكر المقاصدي للريسوني ومراجعه ‪ ،‬االجتهاد المقاصدي للمؤلف ص ومراجعه ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪35‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪40‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬داللة السكوت‬

‫تعد داللة سكوت الشارع عن الحكم من دالالت التقصيد فمع قيام المعن ى المقتض ي‬
‫له وانتفاء المانع منه يظهر المقصد ‪:‬‬

‫وذلك أن األحكام التي يراد معرفة مقصد الشارع فيها ال تخلو من ثالثة أحوال‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يثبتها الشارع بطريق من طرق اإلثبات والمشروعية كطلبها واألمر بها والترغي ب‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪ -2‬أن ينفيها الشارع وذلك بالنهي والوعيد ونحوه‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يسكت الشارع عن الحكم فال يتعرض له بنفي وال إثبات وهذا على نوعين‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما سكت عن ه لع دم وج ود م ا يقتض يه ك النوازل الت ي ح دثت بع د موت ه ص لى اهلل‬


‫عليه وسلم فهذا يجتهد فيه علماء الشريعة ‪.‬‬

‫الث اني‪ :‬م ا س كت عن ه م ع قي ام موجب ه المقتض ي ل ه فه ذا الن وع يعتب ر الس كوت عن ه‬


‫كالنص من الشارع أال يزاد في ه وال ي نقص من ه ألن وج ود المقتض ي ل ه ث م ل م يش رع ل ه‬
‫حكما دليل صريح على أن الزائد عليه بدعة زائدة ومخالفة لقص د الش ارع‪ ،‬وه ذا أص ل‬
‫عظيم يفرق به بين البدع والمصالح المرسلة‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن تيمية (رحمه اهلل)‪ :‬والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب سنة بخ الف‬
‫م ا ك ان ترك ه لع دم مق تض أو ف وات ش رط أو وج ود م انع وح دث بع ده م ن المقتض يات‬
‫والش روط وزوال الموان ع م ا دل ت الش ريعة عل ى فعل ه حينئ ذ كجم ع الق رآن وص الة‬
‫التراويح ونحوه‪.‬‬

‫‪ - 40‬مقاصدالشريعة زياد حميدان ص ‪64-53‬ومراجعه ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪36‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫فأم ا م ا ترك ه م ن ج نس العب ادات م ع أن ه ل و ك ان مش روعا لفعل ه أو أذن في ه ولفعل ه‬


‫الخلفاء بعده فيجب القطع بأن فعله بدعة وضاللة‪.41‬‬

‫ويع د ك ل م ا أدى إل ى تأكي د المقاص د الش رعية األص لية وتقويته ا أو توقف ت علي ه‬
‫المقاصد األصلية فهو مقصود شرعاً‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬اللغة العربية‬

‫‪ .1‬إن ضبط اللسان العربي ومعرفة المع اني الت ي تحمله ا ألف اظ الع رب م ن أه م األم ور‬
‫لمعرفة وفهم مقاصد الشارع ألنه نزل بلسان العرب‪.‬‬

‫‪ .2‬نظ راً لس عة اللغ ة وكث رة المع اني الت ي تحتمله ا األلف اظ‪ ،‬فق د تتخ ذ اللغ ة وس يلة‬
‫للتحري ف كم ا فع ل الباطني ة والمعتزل ة و الجهمي ة وغي رهم‪ ،‬وأص بحت األلف اظ الش رعية‬
‫محرفة تؤول حسب األهواء واألغراض‪.‬‬

‫‪ .3‬من الضروري تعلم اللغة فهي من الدين وتعلمها فرض واجب لفه م مقاص د الكت اب‬
‫والس نة وم راد الش ارع م ن خطاب ه‪ ،‬إذ ال يفه م ذل ك إال بلس ان الع رب‪ ،‬وم ا ال ي تم‬
‫الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬فمنها ما هو واجب على األعيان‪ ،‬ومنها ما هو واجب عل ى‬
‫الكفاية‪.‬‬

‫‪ .4‬إن األصل في معرفة مقاصد الش ارع ه و م ا ي دلنا علي ه م ن م راده بتص رفاته وعادت ه‪،‬‬
‫واللغة وسيلة لذلك‪ ،‬فإن عرف معنى األلفاظ الشرعية وما أريد بها من جهة النب ي ص لى‬
‫انظر المقاصد عند شيخ اإلسالم ‪.214‬‬ ‫اهلل عليه وسلم فال حاجة لالستدالل بأقوال أهل اللغة‪.‬‬

‫‪- 41‬االجتهاد المقاصدي للمؤلف ص ‪ 24-23‬ومراجعه ‪.‬المقاصد عند شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ 231‬ومراجعه ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪37‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪42‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬سياق الخطاب‬

‫‪ .1‬إن العالقة بين المقاصد والخطاب الشرعي وطيدة‪ ،‬فهو وسيلة إلى إدراكها وفهمه ا‬
‫مع كونه منبعها ومصدرها‪.‬‬

‫‪ .2‬العلم بأسلوب الشارع وعادته وطريقته ف ي التعبي ر ع ن األحك ام الش رعية ومقاص دها‬
‫ضروري جداً‪.‬‬

‫‪ .3‬يقص د بس ياق الك الم تتابع ه وأس لوبه ال ذي يج ري في ه‪ ،‬وإن أفض ل قرين ة ت دل عل ى‬
‫حقيقة معنى اللفظ موافقته لما سيق له من القول واتفاق ه م ع جمل ة المعن ى وائتالف ه م ع‬
‫القصد الذي جاء الكالم من أجله‪.‬‬

‫‪ .4‬من الشروط الالزمة لتحديد المعنى المراد فعالً من طرق الشارع ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬معرفة عادة الشارع في الخطاب وأسلوبه في التعبير والبيان وذلك باستقراء مختل ف‬
‫استعماالت األلفاظ وداللته ا عل ى المع اني وتتبعه ا وس برها ومعرف ة الوج وه والنظ ائر ف ي‬
‫كالمه‪.‬‬

‫ب‪ -‬معرفة السياق الذي ورد فيه اللفظ حتى يمكن تحديد مراد الشارع وقصده وذلك‬
‫ب النظر إل ى الق رائن الحالي ة والمقالي ة فم دلوالت األلف اظ تختل ف ب اختالف الح ال‬
‫والزم ان‪ ،‬فح ال الم تكلم والمخاط ب ال ب د م ن اعتباره ا‪ ،‬إذ الك الم يختل ف بحس ب‬
‫حالين وزمانين ومخاطبين‪.‬‬

‫‪- 42‬االجتهاد المقاصدي للخادمي ص ‪124 -123‬ومراجعه ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪38‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثامن‪ :‬فقه الصحابة(رضوان اهلل عليهم)‬

‫ويع د فق ه الص حابة وفهمه م لل نص الش رعي ومرامي ة الش رعية والداللي ة الخاص ة باللغ ة‬
‫العربي ة‪ ،‬و ك ونهم ألص ق الن اس برس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬وأعلمه م بمقاص ده‬
‫وحديث ه وس يرته م ن مبين ات المقاص د وط رق ثبوته ا‪ ،‬فللص حابة فه م ف ي الق رآن يخف ى‬
‫عل ى أكث ر المت أخرين‪ ،‬كم ا أن له م معرف ة ب أمور الس نة وأح وال الرس ول ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم ال يعرفه ا أكث ر المت أخرين ف إنهم ش اهدوا الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم وع اينوا‬
‫التنزيل وعرفوا أحواله صلى اهلل عليه وس لم‪ ،‬فامت از فقهه م ع ن غي رهم ب أنهم نظ روا إل ى‬
‫معاني األلفاظ ومقاصدها ال إلى صورها وأشكالها‪.‬‬

‫المبحث التاسع‪ :‬االستدالل بالمقاصد األصلية على المقاصد التبعية‬

‫ذل ك ب أن المقاص د األص لية تم د المقاص د الفرعي ة وتثبته ا‪ ،‬والمقاص د الفرعي ة تكم ل‬
‫األص لية وتحفظه ا‪ ،‬وذل ك بش رط أن ال تتن اقض الفرعي ة م ع األص لية وإال أص بحت‬
‫الفرعية ملغاة‪ ،‬ومثال ذلك الصالة‪ :‬فمقصدها األص لي ذك ر اهلل وعبادت ه تع الى‪ ،‬ولكنه ا‬
‫أيضاً تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬وهو مقصد فرعي يقوي ويثبت المقص د األص لي لم ا‬
‫يحص ل ف ي القل ب م ن الخش ية والتعظ يم والمهاب ة م ن اهلل تع الى م ن ت رك الفحش اء‬
‫والمنكر‪.‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬اإلخالص والتواضع فإنه يحصل بهما من الحكمة والرفعة لكن ذلك مق‬
‫صد تابع‪ ،‬فمن أخلص وتواضع ألجل المقصد التابع لم يحصل له ذلك‪ ،‬فإن قصد وج‬
‫ه اهلل وإرضاءه بذلك حصل له المقصد التابع‪ .‬انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (‬
‫‪.) 230‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪39‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل السادس‬
‫(‪)43‬‬
‫أقسام المقاصد‬

‫تنقسم المقاصد الشرعية باعتبارات ثمانية وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬باعتبار المصالح التي جاءت بحفظها‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬باعتبار مرتبتها في القصد‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬باعتبار الشمول‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬باعتبار محل صدورها ومنشئها ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬باعتبار وقتها وزمن حصولها ‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬باعتبار القطع والظن ‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬باعتبار تعلقها بعموم األمة وأفرادها ‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬باعتبار حظ المكلف وعدمه ‪.‬‬

‫وسوف نعرضها في المباحث التالية ‪:‬‬

‫(‪)43‬الفكر المقاصدي للريسوني مصادره ومراجعه ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪40‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫(‪)44‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أقسام المقاصد باعتبار المصالح التي جاءت بحفظها‬

‫تنقسم المقاصد بهذا االعتبار إلى ثالثة أقسام (‪:)45‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬الضروريات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحاجيات‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التحسينيات والمكمالت‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الضروريات‪:‬‬

‫‪ - 1‬تعريفها‪ :‬هي ما ال بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا وبفواتها يحصل الفساد‬
‫والخسران في الدارين‪.‬وقيل في تعريفها‪ :‬هي المصالح التي تتضمن حفظ مقصود من‬
‫المقاصد الخمسة وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب‪.‬‬

‫‪ 2‬أدلة اعتبارها والمحافظة عليها شرعاً‪:‬‬

‫أ) االستقراء ألدلة الشريعة فإنها ترجع جميعا إلى حفظ هذه المقاصد الخمسة‪.‬‬

‫ب) األدلة التفصيلية فبعضها شمل جميع هذه المقاصد مثل قوله تعالى‪(:‬قل تعالوا أتل‬
‫ما حرم ربكم عليكم‪ )....‬اآليات األنعام ‪ ،151‬وبعضها يشمل أفراداً منها كما سيأتي‬
‫تفصيالً‪.‬‬

‫‪ - 3‬تفصيلها‪ :‬وهي خمسة أقسام‪:‬‬

‫(‪ ) 44‬راجع‪ :‬تفعيل مقاصد الشريعة دكتور جمال الدين عطية ومصادره ومراجعه ‪.‬وفيه بيان لألقسام الضرورية والحاجية‬
‫والتحسينية بصورة تطبيقية‪.‬‬

‫(‪ )45‬راجع الفكر المقاصدي للريسوني ص‪.46 .55-25:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪41‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب‬

‫‪ -1‬حفظ الدين‪:‬‬

‫وحفظ الدين يكون من جانبين‪:‬‬

‫األول‪ :‬جانب الوجود‪ :‬بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده وذلك بالعمل به‬
‫والحكم به والدعوة إليه والجهاد من أجله واآليات واألحاديث في ذلك كثيرة جداً‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬من جانب العدم‪ :‬وذلك برد كل ما يخالفه من األقوال و األعمال ومن أهم من‬
‫يتوجه عليه ذلك العلماء والحكام‪ ،‬فالعلماء هم حراس الشريعة وحماتها والحكام هم‬
‫المنفذون ألحكام اهلل في أهل األهواء والبدع الخارجيين عن الدين ومن أعظمها قتل‬
‫المرتد وقتالهم كما فعل الصديق‪.‬‬

‫‪ -2‬حفظ النفس‪:‬والمقصود بها النفس المعصومة بإسالم أو أمان أو جزية أو عهد‪،‬‬


‫ومما شرع لحفظ النفس ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬تحريم االعتداء عليها‪.‬‬

‫‪ 2‬سد الذرائع المؤدية إلى القتل‪.‬‬

‫‪ 3‬القصاص‪.‬‬

‫‪ 4‬ضرورة إقامة البينة في قتل النفس‪.‬‬

‫‪ 5‬ضمان النفس إما بقصاص أو دية فال يذهب دمه هدرا‪.‬‬

‫‪ 6‬تأخير القصاص إذا خشي الضرر بالغير كالقصاص من الحامل‪.‬‬

‫‪ 7‬العفو عن القصاص من باب استبقاء نفس القاتل والحرص عليها‪.‬‬

‫‪ 8‬إباحة المحظورات عند الضرورة وغير ذلك مما شرع لحفظها‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪42‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ – 9‬وجوب إقامة النفس بالطعام والشراب‪.‬‬

‫‪ -3‬حفظ العقل‪:‬‬

‫وهذا أمر متفق علية في بداهة العقول وقد جاءت الشرائع بالمحافظة عليه وذلك‬
‫معلوم من كثرة النصوص في ذكره وكونه مناط التكليف وتحريم ما يفسده سواء كانت‬
‫مفسدات حسية كالخمور والمخدرات وما شابهها أم من المفسدات المعنوية من‬
‫تصورات فاسدة وأفكار هدامة وبدع ومحدثات وغيرها‪.‬‬

‫‪ -4‬حفظ النسب ( النسل)‪:‬‬

‫وقد تكلم أهل العلم في هذه الضرورة حول ثالثة مقاصد وهي حفظ النسب والنسل‬
‫والفرج‪ ،‬ويعتبر حفظ النسل من االنقطاع أهمها وحفظ النسب مكمل له وأما حفظ‬
‫الفرج فمنهم من جعله من حفظ النسب ومنهم من جعله مقصدا مستقالً وقيل غير‬
‫ذلك‪ .‬ويعد حفظ النسل من الركائز األساسية في الحياة ومن أسباب عمارة األرض‬
‫وفيه تكمن قوة األمم وبه تكون مرهوبة الجانب عزيزة القدر تحمي دينها ونفوسها‬
‫وتصون أعراضها وأموالها وعناية الشريعة بحفظ النسل من جانبين‪:‬‬

‫األول‪ :‬جانب الوجود وذلك بالحث على النكاح والترغيب فيه ونكاح‬
‫المرأة الولود وإباحة التعدد‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬جانب العدم بمنع ما يقطعه كلية أو يقلله أو يعدمه بعد وجوده‬
‫سواء في ذلك ترك النكاح و اإلعراض عنه أو منع الحمل أو ممارسة‬
‫اإلجهاض ومما يدخل في حفظ النسب أو النسل حفظ العرض‪.‬‬

‫‪ -5‬حفظ المال‪:‬‬

‫إذا المال عصب الحياة وقيام مصالحها قال سبحانه‪ (:‬وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي‬
‫جعل اهلل لكم قياماً) النساء ‪ ،5‬والحاجة إليه ماسة للفرد والجماعة خاصة إذا كان‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪43‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المقصود من المال كل ما يتموله اإلنسان من متاع أو نقد أو غيره وليس خاصا‬


‫بالنقدين فالمال الزم لتوفير متطلبات الشخص الخاصة به وبأسرته وكذلك حاجة األمة‬
‫العامة وكذلك الدفاع عن دين اهلل واستغناء األمة عن أعدائها وتسلطهم عليها لفقرهم‬
‫ومقصود المال هو قيام مصالح الدين والدنيا وليس المفاخرة به وكنزه وحصول‬
‫المباهاة‪ .‬وحفظه من جانبين‪:‬‬

‫األول‪ :‬من جانب الوجود‪ ،‬وذلك بالحث على الكسب والعمل في سائر أصناف‬
‫المداخل المباحة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬من جانب العدم وذلك بالمحافظة على المال بعد الحصول عليه بدرء الفساد‬
‫الواقع عليه أو المتوقع بتحريم االعتداء على المال وتحريم إضاعته وتبذيره وتحريم‬
‫الربا والرشوة وإقامة حد السارق والمحارب والتعزير وضمان المتلفات وتوثيق الديون‬
‫واإلشهاد عليها وتعريف اللقطة وحفظ الودائع وأداء األمانات وغير ذلك‪.‬‬

‫ترتيب المقاصد السابقة‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تقديم الدين على غيره من الكليات وهذا مذهب جمهور األصوليين إذ هو غاية‬
‫خلق الجن واإلنس و به سعادة الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ترتيب الضروريات األخرى‪ :‬تقديم النفس على غيرها من الضروريات األخرى‪،‬‬
‫وقد اتفق األصوليون الذين رتبوا هذه المقاصد على تقديم النفس على بقية األمور‬
‫األخرى‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬تقديم بقية األمور على قولين‪:‬‬

‫األول‪ :‬بين النسل والعقل فقدم اآلمدي وابن الحاجب وغيرهما قدموا النسب على‬
‫العقل وقدم ابن السبكي وصاحب مراقي السعود العقل على النسب قال في المراقي‪:‬‬

‫مال إلى ضرورة ينتسب‬ ‫دين ونفس ثم عقل نسب‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪44‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الثاني‪ :‬في الترتيب بين العرض والمال فقدم بعضهم العرض وقيل العكس والذي يظهر‬
‫أن العرض على قسمين‪:‬‬

‫‪ -‬منه ما يرجع إلى حفظ النسب فهذا مقدم على المال‪.‬‬

‫‪ -‬ومنه ما ال يرجع إلى حفظ النسب كشتم اإلنسان بغير القذف كوصفه بالبخل‬
‫والظلم فهذا ال يقدم على المال‪.‬‬
‫(‪)46‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحاجيات‬

‫‪ - 1‬تعريفها‪ :‬هي ما كان مفتقرا إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى‬
‫الحرج والمشقة الالحقة بفوات المطلوب‪.‬‬

‫والمقصود أنها إذا لم تراع دخل على المكلفين من الحرج والمشقة والعنت ما يشوش‬
‫عليهم عباداتهم ويعكر صفو حياتهم ولكنه ال يبلا مبلا الفساد واختالل نظام الحياة‬
‫وتعطيل المنافع الحاصل من الضروريات‪.‬‬

‫‪ - 2‬أدلة رفع الحرج والمشقة‪:‬‬

‫األدلة كثيرة جداً في القرآن والسنة وعلى سبيل المثال قوله تعالى‪ (:‬وما جعل عليكم‬
‫في الدين من حرج) الحج ‪ ،78‬وقوله تعالى‪ (:‬يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم‬
‫العسر) البقرة ‪ ،185‬هذا من حيث العموم‪ ،‬وأما من حيث الخصوص فأحكام التيسير‬
‫المعروفة في أبواب الفقه كإباحة التيمم عند تعسر الماء للمريض والمسافر وسائر‬
‫الرخص المعروفة في المعامالت من رهن وسلم وإجارة وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ - 3‬غاية وجود المقاصد الحاجية‪:‬‬

‫تتلخص مقاصد الحاجيات في األمور التالية‪:‬‬

‫(‪ )46‬عطية ‪،‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪45‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -1‬رفع الحرج عن المكلف لسببين(‪:)47‬‬

‫األول‪ :‬الخوف من االنقطاع عن الطريق ونقص العبادة وكراهة التكلف ودخول الفساد‬
‫على الناس‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد‪.‬‬

‫‪ -2‬حماية الضروريات بدفع ما يمسها ويؤثر فيها‪.‬‬

‫‪ -3‬خدمة الضروريات بتحقيق ما به صالحها وكمالها إذ يلزم من اختالل الحاجي‬


‫اختالل الضروري بوجه ما‪.‬‬

‫‪ -4‬تحقيق مصالح أخرى كاستثناء القيام للصالة في حق المريض والفطر في السفر‬


‫والجمع بين الصالتين في السفر والصالة في البيت للخوف والمطر ونحوه مما فيه‬
‫تحقيق بعض المصالح‪.‬‬

‫(‪)47‬عطية ‪،‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪46‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫(‪)48‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التحسينيات والمكمالت‬

‫‪ - 1‬تعريفها‪ :‬قال الشاطبي رحمه اهلل هي األخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب‬
‫األحوال المدنسات التي تألفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم األخالق‪.‬‬

‫وقال الرازي رحمه اهلل‪ :‬هي تقرير الناس على مكارم األخالق ومحاسن الشيم‪.‬‬

‫‪ - 2‬أقسامها‪ :‬تنقسم التحسينيات إلى قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما ال يقع في معارضة قاعدة شرعية‪:‬‬

‫ولذلك أمثلة منها‪:‬‬

‫أ تحريم النجاسة فإن نفرة الطباع عنها لخساستها مناسب لتحريمها فشرب البول‬
‫حرام وكذا الخمر حرام‪ ،‬ورتب الشارع الحد على الثاني دون األول لنفرة النفوس منه‬
‫فوكلت إلى طباعها‪ ،‬مع أن نفور النفس ال يقتضي التحريم‪ ،‬وإنما المرجع إلى الشرع‪.‬‬

‫ب إزالة النجاسة ألنها مستقذرة في الجبالت واجتنابها من المهمات وبقاؤها أمر‬


‫يأنف منه العقالء وبالجملة فكل ما يرجع إلى طهارة الثوب والبدن والمكان في الصالة‬
‫وخارجها مما دعا إليه اإلسالم قال تعالى‪(:‬إن اهلل يحب التوابين ويحب المتطهرين)‬
‫البقرة ‪.222‬‬

‫ج أخذ الزينة كما في قوله تعالى‪(:‬يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) األعراف ‪،31‬‬
‫والمقصود ستر العورة كما هو معلوم في سبب نزولها لكن أخذ الزينة أعم من ستر‬
‫العورة‪.‬‬

‫(‪ )48‬عطية ‪،‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪47‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫د آداب األكل والشرب سواء كانت سابقة أو مقارنة أو ال حقه كالتسمية قبله و‬
‫األكل باليمين والحمد والثناء بعده وهذه من العادات الحسنة‪.‬‬

‫ه في باب المعامالت كالمنع من بيع النجاسات ألنة يستلزم مباشرتها ووزنها وكيلها‬
‫ونحوه مما ال يليق وبيع فضل الماء ألنه مشعر بالبخل واألنانية وهما ال‬
‫مشعر بقلة الحياء‬
‫ٌ‬ ‫يليقان بالمسلم ومنع المرأة من مباشرة عقد النكاح ألنه‬
‫وتوقانها إلى الرجال مما قد يجعل الرجل يرغب عنها من ذلك حمالً للخلق على‬
‫أحسن المناهج وأجمل السير‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما يقع في معارضة قاعدة شرعية‪:‬‬

‫ومثاله‪ :‬المكاتبة فإنها غير محتاج إليها إذ لو منعت لم يحصل بذلك ضرر ولكنها‬
‫شرعت لما فيها من تكريم بني آدم وفك الرقبة وهو مستحسن عادة‪.‬‬

‫‪ -‬وجه مخالفة المكاتبة للقواعد الشرعية‪:‬‬

‫أن العبد مال لسيده وما يكسبه مال لسيده أيضاً فتكون المكاتبة أن يبيع السيد ماله‬
‫بماله فلو حكم على المكاتبة بالقاعدة الجارية في نظائرها وهي امتناع بيع اإلنسان ماله‬
‫بماله لحكم بعدم الجواز لعدم الفائدة ألنه يمتلك ما يملك بما يملك وهو تحصيل‬
‫حاصل ألنه عبث خال عن الفائدة ينزه عنه العاقل‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى أن البيع ال بد فيه من وجود عاقدين حقيقية أو حكما وال وجود هنا‬
‫إال لواحد ‪.‬أقول ‪:‬الذي يظهر أن هذا ليس فيه مخالفة للقواعد المقررة فكل ما ظهر‬
‫فيه مخالفة فهو عائد إلى قاعدة أخرى فالكتابة كما قال شيخ اإلسالم ليست مخالفة‬
‫للقياس وال للقواعد الكلية ألن العبد اشترى نفسه بمال في ذمته والسيد ال حق له في‬
‫ذمة العبد وال في إنسانيته وإنما حقه في مالية العبد فإذا اشترى نفسه بمال في ذمته‬
‫كان كسبه ونفعه له‪ .‬مقاصد الشريعة عند شيخ اإلسالم‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪48‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ 3‬أهمية المصالح التحسينية‪:‬‬

‫تظهر أهميتها من الوجوه التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬أن بها جمال األمة وكمالها وحسن أخالقها وبديع نظامها‪.‬‬

‫‪ 2‬أن التحسينيات تخدم الضروريات والحاجيات سواء كانت قبلها أو مقارنة لها أو‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪ 3‬أنه يلزم من اختالل التحسيني اختالل الحاجي بوجه ما‪.‬‬

‫‪ 4‬أن التحسينيات كالفرع لألصل الضروري ومبنية عليه ألنها تكمل ما هو حاجي أو‬
‫ضروري‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬المكمالت‪:‬‬

‫‪ 1‬تعريفها‪ :‬ما يتم به المقصود أو الحكم من الضروري أو الحاجي أو التحسيني على‬


‫أحسن الوجوه وأكملها سواء بسد ذريعة تؤدي إلى اإلخالل بالحكمة بوجه ما‪ ،‬أم‬
‫بتكميله بحكم يظهر به المقصد ويقوى به‪.‬‬

‫وهذا ما يسمى عند األصوليين بالمكمالت أو التتمات أو التوابع‪.‬‬

‫‪ 2‬أقسامها‪ :‬المكمالت على ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬مكمالت الضروريات‪ :‬وهي ما يتم بها حفظ مقصد ضروري ومثالها‪:‬‬

‫‪ 1‬تحريم البدع وعقوبة المبتدع حفظاً للدين‪.‬‬

‫‪ 2‬التماثل في القصاص تكميال لحكمة القصاص على أحسن الوجوه وأتمها فتنتفي‬
‫المفاسد وتتحقق المصالح ألن عدم التماثل سبب األحقاد والعداوات‬
‫وتوارث العصبية‪.‬‬

‫‪ 3‬تحريم القليل من المسكر تكميالً لتحريم المسكرات لحفظ العقل‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪49‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ 4‬تحريم النظر إلى األجنبية ألنه مقدمة للزنا وداعية إليه وكذلك تحريم الخلوة‬
‫باألجنبية‪.‬‬

‫‪ 5‬اإلشهاد في البيوع والرهن تكميالً لحفظ المال من الضياع وكذلك كتابة الدين‬
‫والضمان ونحوه‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬مكمالت الحاجيات‪ :‬وهي ما يتم بها حفظ مقصد حاجي ومثالها‪:‬‬

‫‪ )1‬اعتبار الكفء ومهر المثل في الصغيرة فإن مقصود النكاح حاصل بدونها لكن‬
‫إفضاء إلى دوام النكاح وتكميل مقاصده‪.‬‬
‫ً‬ ‫اشتراط ذلك أشد‬

‫‪ )2‬خيار البيع مع أن الملك حاصل بدونه لكن ما ملك بعد التروي والنظر في أحواله‬
‫أتم وأقوى لبعده عن الغبن والتدليس‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬مكمالت التحسينيات‪ :‬وهي ما يتم بها حفظ مقصد تحسيني و مثالها‪:‬‬

‫مندوبات الطهارة من البدء باليمين والغسل ثالثاً ونحوه ففيه زيادة تحسين وتكميل‬
‫ألصل الطهارة مع أن أصل التحسين يحصل بالطهارة كيفما كانت‪.‬‬

‫‪ - 3‬وظيفة المكمالت‪:‬يمكن تلخيص وظيفة المكمالت في األمور التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬سد الذريعة المؤدية إلى اإلخالل بالحكمة المقصودة من الضروري أو التحسيني‬


‫كما في تحريم القليل من المسكر‪.‬‬

‫‪ 2‬تحقيق مقاصد أخرى تابعة غير المقصد األصلي كاشتراط الكفارة ومهر المثل‬
‫السابق تحقيقاً للمحبة والوئام بين الزوجين‪.‬‬

‫‪ 3‬دفع مفاسد أخرى حاصلة في طريق الحصول على المقصد األصلي وقد سبق‬
‫بيانها في اشتراط المماثلة في القصاص‪.‬‬

‫‪ 4‬تحسين صورة المكمل وجعله سائراً على المألوف‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪50‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ - 4‬شرط المكمل‪:‬‬

‫يشترط في المكمل أال يعود على أصله باإلبطال فكل تكملة عادت على أصلها‬
‫باألبطال فال يصح اشتراطها ألن إبطال األصل إبطال للتكملة وألن حصول األصلي‬
‫أولى مثال ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬حفظ النفس من الضروريات وحفظ المروءات مستحسن فحرمت النجاسات‬


‫حفظاً للمروءات وإجراءاً ألهلها على محاسن العادات فإن دعت الحاجة إلى إحياء‬
‫النفس بتناولها النجاسات كان تناولها أولى وال نحرمها من باب حصول التحسينيات‪.‬‬

‫‪ -2‬البيع ضروري ومنع الجهالة مكمل فلو اشترط نفي الضرر جملة ال نحسم باب‬
‫البيع فال بد من إباحة بعض الضرر اليسير الذي ال يؤثر‪.‬‬

‫‪ -3‬حفظ النفس مع ستر العورة فال يضر كشفها عند الحاجة للدواء حفظا للنفس وإال‬
‫أدى إلى إبطال األصل‪.‬‬

‫‪ -4‬الجهاد ضروري وشرط عدالة اإلمام مكمل فلو ترك الجهاد بسبب ظلمه تعطل‬
‫األصل لذا قال العلماء بالجهاد مع أئمة الجور حتى ال يؤدي إلى ضرر عظيم‬
‫بالمسلمين فيبطل األصل ومثله الصالة خلف أئمة الجور‪.‬‬

‫‪ - 5‬أثر اختالل كل من األصل والتكملة على اآلخر‪:‬‬

‫‪ -‬أثر اختالل األصل على التكملة‪:‬‬

‫إذا اختل األصل أدى ذلك إلى اختالل الفرع ومثال ذلك ارتفاع القصاص يرفع الفرع‬
‫وهو المماثلة في القصاص وإذا سقط عن المغمى عليه أو الحائض أصل الصالة‬
‫سقطت الوسيلة من طهارة وقراءة إال في إحدى حالتين‪:‬‬

‫(أ) إذا كان للوسيلة اعتباران فمن جهة هي مقصودة ومن جهة هي وسيلة كالوضوء‬
‫وقراءة القرآن في الصالة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪51‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫(ب) إذا كانت الوسيلة وسيلة لمقصد آخر كالوضوء إذا ارتفعت الصالة وال يرتفع‬
‫لكونه وسيلة لمقاصد أخرى كتالوة القرآن ومس المصحف والطواف‪.‬‬

‫‪ -‬أثر اختالل التكملة على األصل‪ :‬لها حالتان‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أن تختل بإطالق‪ :‬أي ال يأتي المكلف بشيء منها أو يأتي بشيء يسير منها‬
‫فيؤدي ذلك إلى اختالل األصل بوجه ما ألن الجرأة على ترك الوسيلة والمكمل ربما‬
‫أدى إلى الجرأة على األصل ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه فالمكمل‬
‫كالنافلة للفرض ومجموعة المكمالت فرد من أفراد األصل وخادم له‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬أن تختل التكملة بوجه ما حيث يأتي بالمكمل ويدع بعضه بوجه ما ويكون ما‬
‫أتى به أكثر فهذا ال يقدح باألصل وال يدخل الخلل عليه‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪52‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثاني‬
‫(‪)49‬‬
‫أقسام المقاصد باعتبار مرتبتها في القصد‬

‫تنقسم المصالح بهذا االعتبار إلى قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬مقاصد أصلية‪:‬‬

‫وهي التي ال حظ فيها للمكلف وترجع إلى حفظ الضروريات وقسم الشاطبي رحمه اهلل‬
‫تعالى الضروريات إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ 1‬ضروريات عينية‪ :‬وهي الواجبة على كل مكلف في نفسه فهو مأمور بحفظ دينه‬
‫ونفسه وعقله وماله ونسله‪ ،‬وإن حصل له حظ فمن جهة أخرى تابعة لهذا المقصد‬
‫األصلي‪.‬‬

‫‪ 2‬ضروريات كفائية وهي التي بها قيام المصالح العامة واستقامة نظام المجتمع‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬مقاصد تابعة‪:‬‬

‫وذلك أن كل مقصد أصلى ال يخلو من مقصد آخر إما أن يكون باعثاً على تحقيقه أو‬
‫سواء من جهة األمر الشرعي أو من جهة المكلف ومقصده في‬
‫مقترناً به أو الحقاً له ً‬
‫مجارى العادات‪.‬‬

‫من جهة األمر الشرعي‪:‬‬

‫وذلك كتوقف المقصود األصلي على تلك المقاصد التابعة من حيث حصولها فتكون‬
‫بمثابة الشرط والسبب أو الجزء بالنسبة للمقصود األصلي‪ ،‬وذلك كالصالة فطلبها‬
‫يقتضي طلب كل ركن وشرط يتوقف صحتها عليه‪.‬‬

‫(‪ ) 49‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة جمال الدين عطية ومصادره وانظر ‪:‬االجتهاد المقاصدي للخادمي ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪53‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫من جهة قصد المكلف‪:‬‬

‫وهو ما يقصده المكلف من المقاصد في األمر الشرعي فما يتحقق له من المقاصد‬


‫تبعاً قد يكون مقصود للشارع وقد ال يكون كالنكاح فقد يتزوج المرأة للنسل أو‬
‫للجمال أو المال ونحوه‪ ،‬وقد خص الشاطبي رحمه اهلل تعالى المقاصد التابعة‬
‫بالمقاصد التي روعي فيها حظ المكلف دون ما يتعلق بالضروريات والمصالح العامة‬
‫فهذه مقاصد أصلية‪.‬‬

‫وفي باب العبادات جعل ضابطها المنافع الدنيوية أما المنافع والفوائد األخروية فهي‬
‫من المقاصد األصلية كاالنقياد والخضوع هلل تعالى‪.‬‬

‫أقسام المقاصد التابعة‪:‬‬

‫تنقسم المقاصد التابعة باعتبار تأكيدها للمقاصد األصلية إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما يقتضي تأكيد المقاصد األصلية وتقويتها وربطها والوثوق بها وحصول الرغبة‬
‫ومستدع لطلبها وإدامتها‬
‫ٍ‬ ‫فيها فهذا القسم مثبت للمقاصد األصلية ومق ٍو لحكمتها‬
‫ومثاله النكاح فهو مشروع للتناسل على القصد األول ويليه السكن واالزدواج والتعاون‬
‫على المصالح الدنيوية واألخروية من االستمتاع بالحالل ونحوه مما يؤدي إلى رغبة كل‬
‫من الزوجين في اآلخر وحصول النسل وهذه تعتبر مقصودة للشارع ألنها تؤكد‬
‫المقصود األصلي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما يقتضي زوال المقاصد األصلية عيناً ومثاله نكاح التحليل والمتعة فهما‬
‫يقتضيان زوال المقصود األصلي من النكاح عيناً الذي هو النسل ودوام النكاح فهذه‬
‫ممنوعة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ما ال يقتضي تأكيداً وال يقتضي رفع المقاصد األصلية وذلك كنكاح القاصد‬
‫لمضارة الزوجة أو ألخذ مالها ونحوه مما يقتضي مواصلة وال يقتضي عين المقاطعة إذ‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪54‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ال يلزم من قصد المضارة وقوعها وال وقوع الطالق لجواز الصلح أو الحكم على‬
‫الزوج أو زوال قصد المضارة‪ .‬فهذا القسم متردد بين القسمين وهو من جهة يلحق‬
‫باألول من وجه وبالثاني من وجه آخر وهذا محل اجتهاد ونظر‪.‬‬

‫الفروق بين المقاصد التابعة واألصلية (‪:)50‬‬

‫من أهم الفروق بين المقاصد األصلية والتابعة ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن مراعاة المقاصد األصلية موافقة ومطابقة لمقصود الشارع إذ أن قصده إخراج‬
‫المكلف من داعية هواه حتى يكون عبداً هلل بخالف التابعة فهي من حظوظ المكلف‬
‫ومحصلة لمراده‪.‬‬

‫‪ -2‬مراعاة المقاصد األصلية أقرب إلى اإلخالص وصيرورة العمل عبادة وأبعد عن‬
‫مشاركة الحظوظ واألغراض الدنيوية وذلك ألن مراعاة مقصود الشارع والمصالح العامة‬
‫ال يقوم به إال من ابتغى وجه اهلل تعالى وهذا بخالف من يعمل لمصلحته الشخصية‬
‫وإن كان ذلك يتحصل له من مطابقة األمر الشرعي‪ ،‬لكنه فرق بين من يصوم لحفظ‬
‫صحته ومن يصوم تعبداً ومن يصوم لألمرين‪.‬‬

‫‪ -3‬أن البناء على المقاصد األصلية يصير تصرفات المكلف عبادات ولو كانت‬
‫عادات وذلك أن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا وعمل بمقتضى‬
‫ذلك فهو يعمل حينما يطلب منه العمل و العكس‪.‬‬

‫‪ -4‬أن البناء على المقاصد األصلية ينقل األعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب إذ‬
‫المقاصد األصلية دائرة على حكم الوجوب من حيث كانت حفظاً لألمور الضرورية في‬
‫الدين بينما التابعة هي من المباحات‪.‬‬

‫(‪ )50‬عطية المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪55‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -5‬العمل على وفق المقاصد األصلية يتضمن تحقيق كل ما قصده الشارع في األمر‬
‫من جلب المصالح ودرء المفاسد فإذا راعاه المكلف حصلت المصالح العامة التي‬
‫أرادها الشرع بخالف من يعمل لحظ نفسه فإنه يقتصر على مصلحته الخاصة فإذا‬
‫حصلت لم يلتفت إلى سواها‪.‬‬

‫‪ -6‬العمل على وفق مقصد الشارع وتحقيق ما يريد يصير الطاعة أعظم وإذا خولفت‬
‫كانت معصيتها أعظم فتحصيل المصالح العليا للشرع من أعظم المقاصد وتضييعها‬
‫من أخطر األمور‪ ،‬والعامل وفق المقاصد األصلية يعمل على إصالح جميع الناس‬
‫والدفع عنهم وهكذا من يعمل على مخالفتها فهو بالعكس كابن آدم األول فهو أول‬
‫من سن القتل ولذا كانت األجور تختلف باختالف رتب المصالح فأجر اإلمام األعظم‬
‫أفضل من أجر المفتي والحاكم لما يجلبه من المصالح ويدرؤه من المفاسد بخالف‬
‫أئمة الجور فهم أسوأ الناس لما يجلبوه من المفاسد‪.‬‬

‫‪ -7‬المقاصد األصلية هي األصل والتابعة كالخادم والمكمل والمقوي لحكمتها‬


‫والداعي إليها حيث جعل اهلل تعالى وهو أحكم الحاكمين قيام الدين والدنيا إنما‬
‫يستمر بدواع من قبل اإلنسان تحمله على اكتساب ما يحتاج إليه هو وغيره فالحاجة‬
‫إلى الطعام والشرب والشهوة إلى النساء ونحوه تجعله يعمل للوصول إلى ذلك فتتحقق‬
‫المصالح العامة‪.‬‬

‫‪ -8‬أن المقاصد األصلية واجبة ولو على الكفاية أما التابعة فاألصل أن حكمها‬
‫اإلباحة إال إذا كانت وسيلة فلها حكم المتوسل إليه‪.‬‬

‫‪ -9‬أن المقاصد األصلية تأكد طلبها بخالف التابعة فلم يتأكد فيها الطلب‬
‫كالمقاصد األصلية ألن الناس مجبولون على نيل حظوظهم فاكتفي الشارع بالدافع‬
‫الطبعي عن األمر الشرعي ولم يؤكدها إال إذا تعلق بها حق للغير‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪56‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثالث‬
‫(‪)51‬‬
‫أقسام المقاصد باعتبار الشمول‬

‫تنقسم بهذا االعتبار إلى ثالثة أقسام وهي‪:‬‬

‫(‪ )3‬المقاصد الجزئية ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬المقاصد العامة‪ )2( .‬المقاصد الخاصة ‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬المقاصد العامة‪:‬‬

‫(‪ )1‬تعريفها‪ :‬هي الغايات و األهداف التي جاءت الشريعة بحفظها ومراعاتها في جميع‬
‫أبواب التشريع ومجاالته‪.‬‬

‫(‪ )2‬شروطها‪ :‬يرى محمد بن عاشور للمقاصد العامة الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬أن تكون ثابتة بمعنى أن تحقيقها للمصلحة مجزوماً به أو مظنوناً ظناً قريباً من‬
‫الجزم‪.‬‬

‫‪ .2‬أن تكون ظاهرة أي واضحة ال يختلف في تحديدها واالعتداد بها‪.‬‬

‫‪ .3‬أن تكون منضبطة أي لها حد معتبر ال يتجاوزه وال يقصر عنه‪.‬‬

‫‪ .4‬االطراد فال تختلف باختالف األقطار واألعصار(‪ (.)52‬مقاصد ابن عاشور ‪.)171‬‬

‫(‪ )3‬أنواعها‪ :‬هي مقاصد كثيرة ومنها‪:‬‬

‫المقصد األول‪ :‬جلب المصالح ودرء المفاسد‪:‬‬

‫(‪ )1‬تعريفه‪:‬المصلحة كالمنفعة وزنا ومعني‪ ،‬والصالح هو الخير والصواب في األمر‬


‫والمفسدة ضد المصلحة وهي الشر والضر والمقصود بها كما يقول الغزالي ‪ -‬رحمه‬

‫(‪)51‬مقاصد الشريعة الريسونى ص ‪.221‬‬

‫(‪)52‬امقاصد الشريعة للطاهر ابن عاشور ص‪.171:‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪57‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫اهلل تعالى ‪( :-‬هي عبارة عن جلب منفعة أو دفع مفسده)‪ ،‬والمقصود بذلك‪:‬‬
‫المصلحة التي تحافظ على مقصود الشرع وليس أي مصلحة فمصالح الخلق فيما‬
‫بينهم كثيرة‪.‬‬

‫(‪ )2‬شمول هذا المقصد‪:‬‬

‫مقصد جلب المصلحة ودرء المفسدة هو أعم مقصد من مقاصد الشريعة وكل ما عداه‬
‫فهو داخل تحته غير خارج عنه لما يلي‪:‬‬

‫أ عموم لفظ المصالح والمفاسد فالشريعة جاءت بكل خير ومنفعة ونهت عن كل شر‬
‫وضر وفساد‪.‬‬

‫ب أن المقصود بالمصالح هنا مصالح الدنيا واآلخرة وعليه فمقصود األحكام‬


‫الشرعية وخلق الخلق عبادة اهلل وهي من جلب المصالح في الدنيا و اآلخرة من سعادة‬
‫وطمأنينة القلب وراحة البال في الدنيا والفوز برضوان اهلل والجنة في اآلخرة وهذا هو‬
‫أسلوب القرآن حيث يرتب على العبادة من مصالح الدنيا كقوله تعالى‪ (:‬إن الصالة‬
‫تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت ‪ ،45‬وقوله تعالى‪ (:‬قد أفلح المؤمنون‪ )..‬إلى‬
‫قوله‪ ( :‬أولئك الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) المؤمنون ‪ ،11 - 1‬وعلى هذا‬
‫فالتيسير ورفع الحرج ودفع المشقة كله داخل تحت قاعدة طلب المصالح‪.‬‬

‫‪ )3‬أقسام المصلحة ثالثة‪:‬‬

‫‪ 1‬معتبرة وهي التي دل الشرع على اعتبارها‬

‫‪ 2‬ملغاة وهي التي دل الشارع على إلغائها‬

‫‪ 3‬مرسلة وهي التي لم يرد فيها دليل اعتبار وال إلغاء‬

‫من أهم الضوابط للمصالح المطلوبة شرعاً ما يلي‪:‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪58‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫(‪ )1‬أن تكون المصلحة شرعية‪ :‬أي أن يكون تحديد كونها مصلحة معتبر شرعا ال أن‬
‫تحدد بحسب األهواء قال الشاطبي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬إن المصالح التي تقوم بها أحوال‬
‫العبد ال يعرفها حق معرفتها إال خالقها وواضعها وليس للعبد بها علم إال من بعض‬
‫الوجوه والذي يخفى عليه أكثر من الذي يبدو له فقد يكون ساعيا في مصلحة نفسه‬
‫من وجه ال يوصله إليها أو يوصله عاجالً ال آجالً أو يوصل إليها ناقصة ال كاملة أو‬
‫يكون فيها مفسدة تربو في الموازنة على المصلحة‪.‬‬

‫أدلة ذلك‪:‬‬

‫(أ) أن الشريعة جاءت إلخراج المكلفين من دواعي أهوائهم حتى يكونوا عباداً هلل وهذا‬
‫المعنى إذا ثبت ال يجتمع مع وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها‬
‫العاجلة‪.‬‬

‫(ب) أن عامة المنافع والمضار إضافية ال حقيقية أي أنها منافع أو مضار في حال دون‬
‫حال وبالنسبة لشخص دون شخص وفي وقت دون وقت فقد يكون الشيء منفعة‬
‫في زمن‪ ،‬مضرة في زمن آخر أو مضرة لشخص منفعة آلخر فلو كانت تتبع أهواء‬
‫النفوس لكانت مطلوبة في كل حال وفي حق كل شخص‪.‬‬

‫(ج) أن األغراض في األمر الواحد تختلف بحيث إذا نفذ غرض بعض وهو منتفع به‬
‫تضرر آخر لمخالفة غرضه فحصول االختالف في األكثر يمنع أن يكون وضع الشريعة‬
‫على وفق األغراض وإنما يناسب وضعها على وفق المصالح مطلقا وافقت األغراض أو‬
‫خالفتها‪.‬‬

‫(‪ )2‬أن مصلحة الدين أساس للمصالح األخرى ومقدمة عليها وعليه فيجب التضحية‬
‫بما سواها مما يعارضها من المصالح األخرى‪ ،‬أي إلغاء كل مصلحة تعارض الدين إذ‬
‫هو أساس المصالح فالدين أصل والمصلحة فرع عنه فال يكون الدين تابعاً لمصالح‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪59‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الناس وأهوائهم وهو ال يضيع مصلحة معقولة أبداً إال إذا عارضها ما هو أعظم مفسدة‬
‫منها وعليه فهنا أمران تجب مراعاتهما‪:‬‬

‫األول‪ :‬عدم جواز بناء حكم على مصلحة إذا كان في ذلك مخالفة لنص كتاب أو سنة‬
‫أو إجماع أو قياس صحيح‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ال يصح للخبرات العادية والموازين العقلية التجريبية أن تستقل وحدها بفهم‬
‫المصالح فال يجوز االعتماد على ما يراه علماء االقتصاد أن الربا البد منه لتنشيط‬
‫الحركة التجارية وال االعتماد على ما يقوله علماء النفس من أن الجمع بين الجنسين‬
‫في مرافق المجتمع يهذب من الخلق ويخفف من الشهوة والميل إلى الجنس اآلخر‬
‫وإال كانت الشريعة محكومة بخبرات الناس وعاداتهم تابعة غير متبوعة‪ ،‬بل هي الميزان‬
‫الصحيح لكل مصلحة وال يعني ذلك أن الشريعة أهملت ما فيه مصلحة الناس أو‬
‫أهملت النظر في خبرات الناس وتجاربهم وتقرير ما يرونه مصلحة فإن الشريعة لم‬
‫تهمل ذلك بل جعلت له مجاال معينا وهو‪:‬‬

‫(أ) عند فقد النص الشرعي وعدم معارضة المصلحة للنصوص فتبنى المصلحة حينئذ‬
‫على ما تعارفه الناس‪.‬‬

‫(ب) أن يكون ذلك في حدود العادات والمعامالت ال في مجال العبادات ألنها‬


‫موقوفة على النص‪.‬‬

‫(‪ )3‬المصلحة المعتبرة شرعا هي المصلحة الغالبة في حكم االعتياد وكذلك المفسدة‪،‬‬
‫فإذا كانت المصلحة غالبة عادة فهي المعتبرة في األمر و إذا كانت المفسدة هي‬
‫الغالبة في العادة فهي المقصود في النهي وهكذا فالمقصود هو ما غلب في المحل‬
‫وما سواه ملغي ومن ضوابط المصلحة المرسلة أيضاً‪:‬‬

‫أ) مالءمتها لمقاصد الشريعة‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪60‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ب)عدم معارضة النصوص من الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬

‫ج)عدم تفويت مصلحة أهم منها‪.‬‬

‫د)أن تكون في باب المعامالت‪.‬‬

‫ه )أن تكون عامة‪.‬‬

‫تعارض المصالح والمفاسد‪:‬‬

‫أ) تعارض المصالح (‪:)53‬‬

‫إذا اجتمعت عدة مصالح فإن للمجتهد فيها المسالك التالية‪:‬‬

‫األول‪ :‬تحصيل جميعها إذا أمكن ذلك فهو أولى من تحصيل البعض وتفويت البعض‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إذا لم يمكن تحصيلها جميعاً قدم أهمها و أكملها وأشدها طلباً للشارع‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الترجيح بينها عند ذلك كما إذا تساوت أو أشكل على المجتهد أمرها كالتالي‪:‬‬

‫‪ -1‬النظر إلى ذات المصلحة فالضرورية مقدمة على الحاجية والحاجية على‬
‫التحسينية‪..‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ - 2‬النظر إلى شمول المصلحة فتقدم المصلحة العامة على الخاصة‪.‬‬

‫‪ -3‬النظر إلى مدى توقع حصول المصلحة وعدمه فما كانت قطعية في وقوعها مقدمة‬
‫على الظنية الوقوع‪.‬‬

‫ب) تعارض المفاسد‪:‬‬

‫(‪ )53‬راجع الفكر المقاصدي للريسوني ص‪.46 .55-25:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪61‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫وبنفس الطريقة السابقة تنعكس على المفاسد فإن أمكن تفويتها جميعاً فهو أولى وإال‬
‫بناء على القواعد التالية‪:‬‬
‫فإنه يدرأ أعظمها ضرراً وأشدها فساداً وهكذا‪ ،‬وذلك ً‬
‫القاعدة األولى‪( :‬تقديم المفسدة المجمع عليها على المفسدة المختلف فيها)‬

‫القاعدة الثانية‪( :‬إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)‬

‫القاعدة الثالثة‪( :‬يتحمل الضرر الخاص بدفع الضرر العام) قال العز بن عبد السالم‪-‬‬
‫رحمه اهلل تعالى (فإن تساوت فقد يتوقف وقد يتخير)‪.‬‬

‫ج) تعارض المصالح والمفاسد‪:‬‬

‫إذا حصل تعارض بين المصالح والمفاسد فإننا نسلك الطرق التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يمكن تحصيل المصلحة ودرء المفسدة فهو أولى‪.‬‬

‫‪ - 2‬أن تكون المصلحة كبرى والمفسدة صغرى فتحصل المصلحة وتتحمل المفسدة‬
‫كالجهاد‪.‬‬

‫‪ -3‬أن تكون المصلحة صغرى والمفسدة عظمى فتدرأ المفسدة وتفوت المصلحة‬
‫كالربا‪.‬‬

‫‪ -4‬عند التساوي فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة‪.‬‬

‫المقصد الثاني‪ (:‬التيسير ورفع الحرج)‪:‬‬

‫وهو من المقاصد المقطوع بها في الشريعة وهو من المقاصد العامة في جميع نواحي‬
‫الشريعة ويتلخص الكالم على هذا المقصد في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف رفع الحرج‪ :‬الحرج لغة الضيق والشدة‬

‫وفي االصطالح‪ :‬كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حاالً أو‬
‫مآالً‪ ،‬والمقصود برفع الحرج إزالة ما يؤدي إلى المشقة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪62‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫أدلة رفع الحرج في الشريعة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫أ‪ -‬قوله تعالى‪(:‬ما يريد اهلل ليجعل عليكم من حرج) المائدة ‪.6‬‬

‫ب‪ -‬وقوله تعالى‪(:‬وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج ‪.78‬‬

‫ج‪ -‬وقوله تعالى‪(:‬ليس على الضعفاء وال على المرضى وال على الذين ال يجدون ما‬
‫ينفقون حرج) التوبة ‪ ،91‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫د‪ -‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪(:‬إن هذا الدين يسر) ف‪ ،‬وأمثاله كثير‪.‬‬

‫ه ‪ -‬التتبع واالستقراء لنصوص الشريعة يدل داللة قطعية على هذا المقصد‪.‬‬

‫‪ -3‬مظاهر رفع الحرج في الشريعة‪:‬‬

‫إن السمة البارزة في أحكام الشريعة اليسر والسهولة وهذا األمر يزداد وضوحا بالوقوف‬
‫على المظاهر التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن اهلل تعالى وضع عن هذه األمة اإلصر واألغالل التي كانت على من قبلهم(‬
‫ويضع عنهم إصرهم واألغالل التي كانت عليهم) األعراف ‪.157‬‬

‫البقرة‬ ‫ابتداء ماال يطيقون(ال يكلف اهلل نفساً إال وسعها)‬


‫ً‬ ‫ب‪ -‬أن اهلل تعالى لم يكلفهم‬
‫‪.286‬‬

‫ج‪ -‬شرعية الرخص في األحوال الطارئة التي تقع فيها مشقة غير معتادة لسبب عارض‬
‫كالسفر أو المرض‪ ،‬وهي على سبعة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬تخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم والقيام بالقعود في الصالة والصيام‬
‫باإلطعام‪.‬‬

‫‪ -2‬تخفيف تقديم كالجمع بين الصالتين وتقديم الزكاة على الحول والكفارة على‬
‫الحنث‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪63‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫تخفيف تنقيص كتخفيف الصالة عن المسافر‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫تخفيف إسقاط كإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد ألصحاب األعذار‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫تخفيف تأخير كتأخير الصالة وتأخير صيام رمضان للمريض والمسافر‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫تخفيف ترخيص كصالة المستجمر مع بقية أثر النجو‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫تخفيف تغيير كتغيير نظم الصالة في الخوف‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫(‪ )4‬شمول رفع الحرج للعبادات والمعامالت وغيرها‪:‬‬

‫فاألصل في المنافع الحل واألصل في التعامل بين الناس اإلباحة وكذلك ما ورد من‬
‫االستثناءات الشرعية كاإلجارة والسلم والعرايا ونحوه مراعاة لحاجة الناس ورفع الحرج‬
‫عنهم‪.‬‬

‫‪ - 5‬تنبيهات وضوابط في رفع الحرج‪:‬‬

‫الشارع لم يقصد التكليف بالشاق واإلعنات فيه‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫المشقة المصاحبة للتكاليف الشرعية يالحظ عليها أربعة أمور‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫األول‪ :‬أنها مشقة عادية يمكن تحملها واالعتياد عليها بل يقطع أرباب العقول‬
‫والعادات أن المنقطع بسببها كسالن ويذمونه بذلك‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن هذه المشقة ليست مقصودة للشارع لذاتها بل لما في ذلك من المصالح‬
‫العائدة على المكلف كالطبيب يقصد الشفاء بالدواء المر‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن هذه المشقة ال توجب الترخيص وال أثر لها في إسقاط العبادات‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أن اهلل عز وجل يثيب المكلف على تلك المشقة وإن كان ال دخل له في‬
‫اكتسابها كما يثيبه على المصائب‪ ،‬قال تعالى(ذلك بأنهم ال يصيبهم ظمأ وال نصب وال‬
‫مخمصة في سبيل اهلل‪ )...‬التوبة ‪.120‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪64‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -3‬أن المشقة غير العادية ليست الزمة للعبادة ولكن قد تلحق بها لعارض من مرض‬
‫أو سفر فهذه توجب التخفيف وهذه وضع لها العلماء قاعدة‪ (:‬المشقة تجلب‬
‫التيسير)‪ ،‬وهناك مقاصد عامة أخرى كعبادة اهلل والعدل واالجتماع واالئتالف‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المقاصد الخاصة‪:‬‬

‫وهي الغايات الخاصة بباب من أبواب الشريعة أو أبواب متحدة لمقصد العبادات‬
‫والمعامالت والجنايات وهذه أمثلة لها‪:‬‬

‫أ‪ -‬مقاصد العبادات‪ :‬الخضوع هلل تعالى والتوجه إليه والتذلل بين يديه وحصول االنقياد‬
‫ألمره ونهيه وعمارة القلب وحسن الصلة به‪.‬‬

‫ب‪ -‬مقاصد المعامالت‪ :‬تحقيق مصالح العباد وتكميل بعضهم بعض وتوفير حاجاتهم‬
‫ودفع المشقة عنهم‪.‬‬

‫ج‪ -‬مقاصد الجنايات والحدود‪ :‬التكفير ألصحابها كما في حديث عبادة‪ (:‬فمن‬
‫أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له) وكذلك حصول الزجر عن اقترابها‬
‫ومعاودتها‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬المقاصد الجزئية‪:‬‬

‫وهي الغايات المتعلقة بمسألة معينة دون غيرها كالوضوء والصالة واإلجارة والسلم‬
‫ونحوه‪ ،‬وقد لقي هذا النوع عناية فائقة من أهل العلم واستقصاء ذلك قد يطول ولكن‬
‫من شاء االطالع على ذلك في مظانها فليراجعها في الكتب التالية‪:‬‬

‫كتب الفقه وشروح األحاديث فكثيراً ما تشير إلى الحكمة من حكم من‬ ‫‪-1‬‬
‫األحكام ومقصد جزئي منه‪.‬‬

‫‪ -2‬كتب المصالح مثل كتاب العز بن عبد السالم ومختصر المقاصد ومقاصد‬
‫الصوم والصالة‪ ،‬وكتب شيخ اإلسالم وتلميذه ابن القيم ونحوها‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪65‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الكتب المؤلفة في محاسن الشريعة والبحث عن حكمتها ومن أمثلتها‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫أ‪ -‬محاسن اإلسالم لمحمد بن عبد الرحمن البخاري‪.‬‬

‫ب‪ -‬حجة اهلل البالغة للدهلوي‪.‬‬

‫ج‪ -‬حكمة التشريع وفلسفته للجرجاني‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫أقسام المقاصد باعتبار محل صدورها ومنشئها‬

‫و أقسام المقاصد باعتبار محل صدورها ومنشئها إلى قسمين‪:‬‬

‫األول ‪ :‬مقاصد الشارع‪ :‬وهي التي قصدها الشارع من وراء أمره ونهيه‪ ،‬وهي الغايات‬
‫الحميدة واألهداف العظيمة التي أراد اهلل حصولها من جلب المصالح ودرء المفاسد‬

‫الثاني‪ :‬مقاصد المكلف‪ :‬وهي األهداف التي يقصدها المكلف من اعتقاداته وأفعاله‪،‬‬
‫(انظر مقاصد الشريعة عند ابن‬ ‫والتي تميز بين القصد الصحيح والفاسد‪ ،‬وبين العبادة والعادة‪.‬‬
‫تيمية ‪.)123‬‬

‫المبحث الخامس‬

‫أقسام المقاصد باعتبار وقتها وزمن حصولها‬

‫أقسام المقاصد باعتبار وقتها وزمن حصولها قسمان‪:‬‬

‫األول ‪ :‬المقاصد األخروية‪ :‬وهي ترجع إلى تحصيل مصالح تتعلق باآلخرة أوالً في‬
‫الغالب وال يمنع أن تؤدي إلى مصالح دنيوية كالتعارف في الحج والنهي عن الفحشاء‬
‫والمنكر في الصالة والتكافل والمحبة في الزكاة والفوائد الصحية وغيرها في الصيام‬

‫الثاني‪ :‬المقاصد الدنيوية‪ :‬وهي ما ترجع إلى مصالح تتحقق وتوجد في الدنيا‪ ،‬أو دفع‬
‫) انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (‪. ( )124‬‬ ‫مفاسد كذلك وهي المذكورة في التقسيم األول‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪66‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث السادس‬

‫أقسام المقاصد باعتبار القطع والظن‬

‫أقسام المقاصد باعتبار القطع والظن ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ .1‬مقاصد قطعية‪ :‬وهي التي تواترت على إثباتها طائفة عظمى من األدلة الشرعية‬
‫كالتيسير ورفع الحرج وإقامة العدل والضروريات الخمس‪.‬‬

‫‪ .2‬مقاصد ظنية‪ :‬وهي التي تقع دون مرتبة القطع وتختلف حولها األنظار كتحريم‬
‫القليل من النبيذ الذي يغلب على الظن إفضاؤه إلى اإلسكار‪ ،‬وتطليق زوجة المفقود‬
‫وضرب المتهم بالسرقة لإلقرار وتوريث المطلقة ثالثاً في مرض الموت‪.‬‬

‫‪ .3‬المقاصد الوهمية‪ :‬وهي التي يتوهم أن فيها مصلحة أو دفع مفسدة والحقيقة أنها‬
‫خالف ذلك‪ ،‬ومثالها‪ :‬المصلحة الموهومة في الربا واالختالط بين الجنسين(‪.)54‬‬

‫(‪ )26‬راج ع مقاص د الش ريعة عن د اب ن تيمي ة ص‪131‬ومقاص د الش ريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت ب دون‬
‫طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪67‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث السابع‬

‫أقسام المقاصد باعتبار تعلقها بعموم األمة وأفرادها‬

‫تنقسم المقاصد باعتبار تعلقها بعموم األمة وأفرادها إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ .1‬مقاصد كلية‪ :‬وهي ما تتعلق بالخلق كافة ويعود نفعها على عموم األمة كحفظ‬
‫القرآن والسنة من التبديل‪ ،‬وإقامة العدل وتقرير مكارم األخالق‪ ،‬وقتل المبتدع الداعي‬
‫إلى بدعته إذا غلب على الظن ضرره‪.‬‬

‫‪ .2‬مقاصد أغلبية‪ :‬وهي التي تتعلق بأغلب الخلق وتدفع الفساد عن معظمهم مثل‬
‫تضمين الصناع وحفظ المال في المصارف اإلسالمية والعالج في المستشفيات‬
‫ونحوه‪.‬‬

‫‪ .3‬مقاصد خاصة أو فردية‪ :‬وهي العائدة على فرد معين وربما في حالة نادرة‬
‫مثل مصلحة فسخ نكاح زوجة المفقود وانقضاء عدة من تباعدت حيضتها باألشهر‬
‫انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية( ‪.)132‬‬ ‫وتوريث المطلقة ثالثاً في مرض الموت(‪.)55‬‬

‫(‪ )26‬راجع مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ص‪.132:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت ب دون‬
‫طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪68‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثامن‬

‫أقسام المقاصد باعتبار حظ المكلف وعدمه‬

‫تنقسم المقاصد باعتبار حظ المكلف وعدمه إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ .1‬مقاصد أصلية‪ :‬وهي التي ال حظ فيها للمكلف كالضروريات الخمس‪ ،‬ومعنى عدم‬
‫حظه فيها أنه ملزم بحفظها رغماً عنه والدليل أنه لو فرض اختيار العبد خالف ذلك‬
‫لحجر عليه وحيل بينه وبين اختياره‪ ،‬وهي مقاصد ضرورية عينية وكفائية‪.‬‬

‫‪ .2‬مقاصد تبعية‪ :‬وهي التي روعي فيها حظ المكلف أي يحصل له بها ما جبل عليه‬
‫الخالت‪.‬انظر مقاصد الشريعة عند شيخ اإلسالم( ‪. )133‬‬ ‫من نيل الشهوات والتمتع بالمباحات وسد‬

‫أقول‪ :‬ذكر اإلمام ابن تيمية – رحمه اهلل تعالى – بعض المقاصد الشرعية غير‬
‫الضروريات الخمس ومنها ما يأتي‪:‬‬

‫‪ )1‬مخالفة المشركين وعدم التشبه بهم‪ :‬فقد ذكر أن مخالفة أهل الكتاب واألعاجم‬
‫قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة‪ ،‬وأدلة ذلك معروفة من الكتاب والسنة واإلجماع‪،‬‬
‫وبالنظر في تلك األدلة يتضح أن النهي عن التشبه بالمشركين ووجوب مخالفتهم‬
‫يدخل ضمن حفظ الدين من جانب العدم‪.‬‬

‫‪ )2‬مخالفة الشياطين ومن لم يكمل دينه‪ ،‬وذلك مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم‪(:‬إذا‬
‫أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه‪ ،‬فإن الشيطان يأكل ويشرب‬
‫بشماله) روه مسلم‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ (:‬ال يغلبنكم األعراب على اسم‬
‫صالتكم أال إنها العشاء وهم يعتمون باإلبل) روه مسلم‪ ،‬ولكن يظهر أن هذا المقصد‬
‫كالذي قبله‪.‬‬

‫‪ )3‬خلق السماحة والصبر والشجاعة والكرم ألن ذلك سبب اإلمامة في الدين‪،‬‬
‫والنصوص في هذا كثيرة‪ ،‬وهذا المقصد يرجع إلى المكمالت للضروريات‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪69‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ )4‬االئتالف وعدم االختالف وهذا أصل وقاعدة من قواعد الدين العظمى وقد‬
‫كثرت حوله األدلة من الشرع والعقل والواقع وهذا المقصد العظيم يدخل ضمن‬
‫الوسائل والمكمالت لمقصد الضروريات‪.‬‬

‫‪ )5‬الدعوة إلى اهلل تعالى والجهاد في سبيله والتعاون‪ ،‬وهذا المقصد راجع إلى حفظ‬
‫الدين من حيث الوجود‪.‬‬

‫‪ )6‬العدل وعدم الظلم‪ ،‬وقد قسم ابن تيمية – رحمه اهلل تعالى – الشرائع إلى ثالثة‬
‫أقسام‪ :‬شريعة عدل فقط‪ ،‬وشريعة فضل فقط‪ ،‬وشريعة تجمع األمرين فتوجب العدل‬
‫وتندب إلى الفضل‪ ،‬وهي شريعة القرآن(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) البقرة ‪،280‬‬
‫فهذا عدل واجب يستحق تاركه العقوبة ثم قال‪(:‬وأن تصدقوا خير لكم) البقرة ‪،280‬‬
‫فهذا فضل مستحب‪ ،‬وهذا المقصد راجع إلى حفظ الضروريات لكونه وسيلة إليها‬
‫ومكملة لها‪.‬‬

‫‪ )7‬مخالفة الهوى حتى يصير عبداً هلل طوعاً ‪ ،‬والنصوص في مخالفة الهوى كثيرة‬
‫معلومة‪ ،‬ويظهر أن هذا المقصد راجع إلى حفظ الدين‪.‬‬

‫وهذه المقاصد السبعة كما يظهر أنها من المقاصد العظيمة في الدين‪ ،‬وقد كثرت‬
‫يفوتها‪ ،‬وكل‬
‫النصوص الشرعية حولها أمراً بها وبما يؤدي إليها‪ ،‬ونهياً عن ضدها وما ِّ‬
‫منها يستحق الدراسة والتوضيح بشكل مستقل‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪70‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل السابع‬

‫خصائص المقاصد وقواعدها‬

‫المبحث األول ‪ :‬خصائص المقاصد‬

‫تنقسم الخصائص إلى قسمين‪:‬أوالً‪ :‬الخصائص األصلية‪ .‬ثانياً ‪ :‬الخصائص الفرعية ‪.‬‬

‫أوالً الخصائص األصلية‪:‬وهي التي يترتب عليها خصائص أخرى ومن أهم هذه‬
‫الخصائص‪:‬‬

‫‪ -1‬الربانية(‪ :)56‬ومعناها أن مقاصد الشريعة منزلة من عند اهلل تبارك وتعالى فهي ربانية‬
‫المصدر وهذا وحده كاف لبيان عظمتها وأهميتها ومكانتها فهي من عند اهلل العليم‬
‫الحكيم الذي يعلم طبائع النفوس وميولها ونزعاتها وهذا يجعلها في غاية الكمال‬
‫واإلتقان واإلحكام ومن هنا يتضح الفرق بين أحكام البشر ومقاصدهم وأحكام الشريعة‬
‫ومقاصدها إذ ال تخلو مقاصد البشر على فرض القصد من النقص لما يصاحب‬
‫وغنى وثقافةً ومكانةً‪.‬‬
‫اإلنسان من المؤثرات زماناً ومكاناً وفقراً ً‬
‫الخصائص المترتبة والمتفرعة من هذه الخاصية‪:‬‬

‫أ) خاصية العموم واالطراد(‪.)57‬‬

‫ب) خاصية الثبات(‪.)58‬‬

‫(‪)56‬انظر ‪ :‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين الخادمي ‪ 26/2،‬علم مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ . 241‬مقاصد‬
‫الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ص‪.441‬‬

‫(‪)57‬انظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬ابن عاشور ‪،‬ص‪ . 253‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين الخادمي ‪ 23/2،‬علم‬
‫مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ 240‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ص‪..442‬‬

‫(‪ )58‬انظر ‪:‬الموافقات ‪ ،‬الشاطبي ‪ .‬علم مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ . 233‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين‬
‫الخادمي ‪،‬ص‪. 23‬مقاصد التشريع اإلسالمي مفهومها ضرورتها ضوابطها‪،‬نور الدين الخادمي ‪،‬ص‪.5‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪71‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ج) خاصية العصمة من التناقض(‪.)59‬‬

‫د) خاصية البراءة من التحيز والهوى(‪.)60‬‬

‫ه ) خاصية القدسية أو االحترام(‪.)61‬‬

‫و) خاصية االنضباط(‪.)62‬‬

‫‪ -2‬خاصية مراعاة الفطرة وحاجة اإلنسان(‪:)63‬‬

‫أوالً‪ :‬المقصود بالفطرة هنا‪ :‬الجبلة التي خلق اهلل الناس عليها وجبلهم على فعلها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف الشريعة من الفطرة‪ :‬يمكن تلخيص موقف الشريعة من الفطرة في النقاط‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫أ _ الشريعة موافقة للفطرة ألن الشريعة من عند خالق الفطرة( أال يعلم من خلق)‬
‫الملك‪.14‬‬

‫(‪)59‬انظر ‪ :‬علم مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ 237‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ، ،‬محمد اليوبي‬
‫‪،‬ص‪.439‬‬

‫(‪ )60‬انظر ‪:‬الموافقات ‪ ،‬الشاطبي ‪ .‬علم مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ . 233‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين‬
‫الخادمي ‪،‬ص‪. 23‬مقاصد التشريع اإلسالمي مفهومها ضرورتها ضوابطها‪،‬نور الدين الخادمي ‪،‬ص‪.5‬‬

‫(‪)61‬انظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬ابن عاشور ‪،‬ص‪ . 253‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين الخادمي ‪ 23/2،‬علم‬
‫مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ 240‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ص‪..442‬‬

‫(‪)62‬انظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬ابن عاشور ‪،‬ص‪ . 253‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين الخادمي ‪ 23/2،‬علم‬
‫مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ 240‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ص‪..442‬‬

‫(‪ )])63‬انظر ‪ :‬مقاصد الشريعة ‪،‬ابن عاشور‪،‬ص‪. 265‬نظرية المقاصد عند اإلمام محمد الطاهر بن عاشور ‪ ،‬اسماعيل‬
‫الحسني ‪،‬ص ‪، 267‬المعهد االسالمي للفكر االسالمي‪ .‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪،‬محمد اليوبي‬
‫‪،‬ص‪. 429‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪72‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ب _ الشريعة منظمة للفطرة وواضعة للحدود والضوابط الكفيلة باستقامتها والمحافظة‬


‫‪ ،30‬فأكثر‬ ‫الروم‬ ‫عليها وعدم انحرافها قال تعالى‪(:‬فطرة اهلل التي فطر الناس عليها)‬
‫المفسرين على أن المقصود بذلك اإلسالم وأن الفطرة هنا هي اإلسالم‪.‬‬

‫ومن األمثلة واألدلة على ذلك ما يأتي‪:‬‬

‫تشريع النكاح لما في الفطرة من الميل إليه‪.‬‬

‫تشريع التملك وإباحته لما في الفطرة من حب التملك وكل ذلك بضوابط وحدود‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أثر مراعاة الفطرة في مقاصد الشريعة يتجلى ذلك من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن مقاصد الشريعة جاءت بالمحافظة على الفطرة وكل ما يعد حفاظا عليها‬
‫وتحذيراً من خرقها فهو واجب وخالفه محرم وما ال يمسها مباح وعلى ذلك يفسر‬
‫محافظة الشريعة على الضروريات والحاجيات والتحسينيات وغير ذلك فكله من‬
‫مراعاة الطبيعة البشرية وفطرتها‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن المحافظة على الفطرة وعدم مصادمتها أكسب مقاصد الشريعة خصائص‬
‫مهمة من الثبات والعموم واالتزان ونحوه ألن فطرة الناس واحدة في كل زمان ومكان‬
‫(ال تبديل لخلق اهلل) الروم ‪.30‬‬

‫ثانياً‪:‬الخصائص الفرعية‪:‬‬

‫‪ -1‬خاصية العموم واالطراد(‪:)64‬‬

‫معناها‪ :‬العموم‪ :‬بمعني الشمول لجميع أنواع التكليف والمكلفين واألحوال واألزمان‬
‫واألماكن‪.‬‬

‫(‪)64‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪73‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫واالطراد‪ :‬أال تكون تلك المقاصد مختلفة باختالف األحوال واألقطار واألزمان بل هي‬
‫محققة لمصالح العباد في كل زمان ومكان دون اختالل‪.‬‬

‫ونستفيد من ذلك أن‪:‬‬

‫‪ -1‬مقاصد الشريعة ليست متجهة لتحقيق جانب دون آخر بل تشمل جميع جوانب‬
‫الحياة الدينية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية وغيرها لسعة علم واضعها وحكمته‪.‬‬

‫‪ -2‬األنظمة والقوانين البشرية تتسم بالقصور والتناقض وذلك لقصور واضعها‬


‫واتجاهه لتحقيق جانب معين عند وضعها ونسيان بقية المواضع‪.‬‬

‫مثال‪ :‬العدل في نظام اإلسالم وضعت الشريعة وفيها مقصد تحقيق العدل لكن بمعناه‬
‫سواء في الحكم بين الناس أم بين الزوجات أم بين األوالد أم غير ذلك‬
‫الشامل ً‬
‫بخالف األنظمة فهي تراعي جانب من هذه الجوانب على خلل وضعف‪.‬‬

‫‪ -2‬خاصية الثبات(‪:)65‬‬

‫معناها‪ :‬أن المقاصد الشرعية ثابتة ال تزول وال تتغير وال تتبدل بتغير األزمان واألماكن‬
‫واألحوال فالواجب يظل واجباً دون تغير والسبب يظل كذلك واألركان تظل أركاناً دون‬
‫تبديل وهكذا بقية مقاصد الشريعة‪ ،‬ولذا بعد استقرار الشريعة وكمالها ال تجد فيها‬
‫نسخاً وال تقييداً وال تخصيصاً وال رفعاً لحكم من أحكامها‪.‬‬

‫‪ -3‬خاصية التوافق(‪:)66‬‬

‫(‪)65‬انظر ‪:‬الموافقات ‪ ،‬الشاطبي ‪ .‬علم مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ . 233‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين‬
‫الخادمي ‪،‬ص‪. 23‬مقاصد التشريع اإلسالمي مفهومها ضرورتها ضوابطها‪،‬نور الدين الخادمي ‪،‬ص‪.5‬‬

‫(‪)66‬انظر ‪ :‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين الخادمي ‪ 26/2،‬علم مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ . 241‬مقاصد‬
‫الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ص‪.441‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪74‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫معناها‪ :‬أن مقاصد الشريعة متناسبة متوافقة غير متنافرة وال مختلفة وال متناقضة وهي‬
‫سمة بارزة في نصوص الشريعة أيضاً‪ ،‬فتجد التوافق واالنسجام في النصوص نتج عنه‬
‫أيضاً توافق وتناسب في المقاصد ألن تناقض النصوص هو تناقض مدلوالتها وتعارض‬
‫مقاصدها‪.‬‬

‫‪ -4‬خاصية البراءة من التحيز‪:‬‬

‫معناها‪ :‬أن الشريعة مبنية على قصد العدل والتوسط واالعتدال وجلب المصالح لجميع‬
‫البشر وبشتى فئاتهم وطبقاتهم غنيهم و فقيرهم حاكمهم ومحكومهم فهي تحقق‬
‫المصالح وتدرأ المفاسد عن جميع البشر دون محاباة فليس فيها تكاليف تحابي‬
‫األغنياء واألقوياء وأخرى تهضم المساكين والضعفاء‪ ،‬فأركانها وأحكامها وأسبابها‬
‫تشمل جميع الناس‪.‬‬

‫‪ -5‬خاصية القداسة‪:‬‬

‫معناها‪ :‬أن للشريعة قداسة واحترام ليست للقوانين الوضعية فهي محفوظة سراً وعالنية‬
‫لألمور التالية‪:‬‬

‫أ _ أن اهلل تعالى تولى حساب البشر بنفسه ومهما اختفى اإلنسان عن أنظار الناس‬
‫فإنه يعلم أن اهلل يراه ويسمعه ويعلم سره ونجواه فيقوم واعظ عليه من داخل نفسه و‬
‫كيانه فيستعظم أمر معصية اهلل تبارك وتعالى‪.‬‬

‫ب _ أن المسلم يعلم أنه إن سلم من العقوبات الدنيوية فلن يسلم من العقوبات‬


‫األخروية إال أن يشاء اهلل بل إن عقوبة اآلخرة أعظم‪.‬‬

‫ج _ أنه يجد في الشريعة ما يحقق له جميع المصالح على أكمل الوجوه وأتمها فهي‬
‫جديرة باالحترام لما يرى من الشقاء والبالء عند المخالفة فداعي العقل والفطرة يدعو‬
‫إلى التمسك بها فضالً عن داعي الشرع‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪75‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -6‬خاصية االنضباط(‪:)67‬‬

‫معناها‪ :‬أن مقاصد الشريعة لها حدود وضوابط ال تتجاوزها وال تقصر عنها فهي‬
‫مضبوطة بضوابط وقيود من شأنها أن تجعلها في اعتدال وتوسط سواء في جانب فرض‬
‫العبادات أم في جانب المعامالت والحدود فهي تكاليف وشرائع تحقق المصالح دون‬
‫زيادة أو نقصان وهذا بخالف ما يوجد في أنظمة البشر من القصور والمبالغة في‬
‫القوانين‪.‬‬

‫وهذا الضبط في مقاصد الشريعة يحقق أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يخلصها ويبعدها عن اإلفراط والتفريط ويضفي عليها سمة التوسط واالتزان‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أنه يجعلها سهلة التطبيق ألن لها حدود وشروط وضوابط بخالف ما لو كانت‬
‫مفهومات عامة ومقاصد غير مضبوطة بضوابط فإن هذا يؤدى إلى اضطراب في فهمها‬
‫ومن ثم في العمل بها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫قواعد المقاصد‬

‫القواعد المتعلقة بالمقاصد تعد بمثابة الخالصة المستفادة مما سبق بيانه من األقسام‬
‫والضوابط ‪،‬كما تعد من القواعد والضوابط والكلمات الجامعة في باب المقاصد‬
‫ويمكن جعلها على قسمين‪:‬‬
‫(‪)68‬‬
‫المطلب األول‪ :‬قواعد عامة للمقاصد‬

‫ويمكن تلخيصها في القواعد التالية‪:‬‬

‫(‪)67‬انظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬ابن عاشور ‪،‬ص‪ . 253‬االجتهاد المقاصدي ‪ ،‬نور الدين الخادمي ‪ 23/2،‬علم‬
‫مقاصد الشارع ‪ ،‬عبدالعزيز الربيعة ‪،‬ص‪ 240‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة ‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ص‪.442‬‬

‫(‪)68‬راجع قواعد المقاصد عند الشاطبي دكتور عبد الرحمن الكيالني ‪ ،‬ونالفكر المقاصدي للريسوني السابق ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪76‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫جاءت الشرائع لمصالح العباد فاألمر والنهي والتخيير بينهما راجع إلى حظ‬ ‫‪-1‬‬
‫المكلف ومصالحه‪.‬‬

‫الشارع وضع الشريعة على اعتبار المصالح باتفاق‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهي حفظ الضروريات‬ ‫‪-3‬‬
‫والحاجيات والتحسينيات‪.‬‬

‫اشتمال الشريعة على مصلحة جزئية في كل مسألة و مصلحة كلية في الجملة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫األصول الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها خمسة وهي الدين والنفس‬ ‫‪-5‬‬
‫والعقل والنسل والمال‪.‬‬

‫‪ -6‬الضروريات مراعاة في كل ملة وإن اختلفت أوجه الحفظ وهكذا يقتضي األمر‬
‫في الحاجيات والتحسينيات‪.‬‬

‫‪ -7‬المراتب الثالث الضروريات والحاجيات والتحسينيات كليات تقضي على كل‬


‫جزئي تحتها سواء كان إضافياً أم حقيقياً إذ ليس فوق هذه الكليات كلي تنتهي إليه بل‬
‫هي أصول الشريعة وقد تمت فال يصح أن يفقد بعضها حتى يفتقر في إثباته إلى قياس‬
‫أو غيره فهي الكافية في مصالح الخلق عموماً وخصوصاً‪.‬‬

‫‪ -8‬تنزيل حفظ الضروريات والحاجيات في محل على وجه واحد ال يمكن بل البد‬
‫من اعتبار خصوصيات األحوال واألبواب وغير ذلك من الخصوصيات الجزئية‪.‬‬

‫‪ -9‬أن األمور الضرورية أو غيرها من الحاجية والتكميلية إذا اكتنفها من الخارج أمور‬
‫ال ترضى شرعاً فإن اإلقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب‬
‫االستطاعة من غير حرج‪.‬‬

‫‪ -10‬ما يقع خطأ من المكلف وفيه إخالل بالضروريات الخمس فقد شرع التالفي‬
‫حتى تزول المفسدة فيما يمكن فيه اإلزالة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪77‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -11‬القواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات لم يقع فيها نسخ وإنما‬


‫وقع النسخ في أمور جزئية‪.‬‬

‫المراتب الثالث الضروريات والحاجيات والتحسينيات يخدم بعضها بعضاً‬ ‫‪-12‬‬


‫وتخصص بعضها بعضاً فإذا كان كذلك فال بد من اعتبار الكل في مواردها وبحسب‬
‫أحوالها‪.‬‬

‫يجب أن يعتبر في كل رتبة جزئياتها لما في ذلك من المحافظة على تلك‬ ‫‪-13‬‬
‫الرتبة وعلى غيرها من الكليات‪.‬‬

‫األمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الكليات عن مقتضاه ال يخرجه عن‬ ‫‪-14‬‬
‫كونه كلياً‪.‬‬

‫حفظ الضروريات بأمرين‪:‬‬ ‫‪-15‬‬

‫األول‪ :‬ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما يدرأ عنها االختالل الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من‬
‫جانب العدم‪.‬‬

‫جميع أنواع المناسبات ترجع إلى رعاية المقاصد وما انفك عن أمر‬ ‫‪-16‬‬
‫مقصود فليس مناسباً‪.‬‬

‫‪ -17‬كل مناسبة يرجع حاصلها إلى رعاية مقصود يقع ذلك المقصود في رتبته يشير‬
‫العقل إلى حفظها وال يستغني العقالء عنها فهو واقع في الرتبة القصوى في الظهور‪.‬‬

‫في موضوعات الشرع فيما تعرضت له النصوص غنية و مندوحة عن كل‬ ‫‪-18‬‬
‫مخترع بالمصالح‪.‬‬

‫اتباع المصالح مع مناقضة النص باطل‪.‬‬ ‫‪-19‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪78‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -20‬البد من المحافظة على حدود الشريعة واإلعراض عن المصالح ألن الفتوى‬


‫بالمصلحة اجتهاد وال اجتهاد مع النص‪.‬‬

‫إنما تطلب األحكام من مصالح تجانس مصالح الشرع‪.‬‬ ‫‪-21‬‬

‫يجب أن يكون اتباع المصالح مبنياً على ضوابط الشرع ومراسمه‪.‬‬ ‫‪-22‬‬

‫الشرع يحيط بجزئيات من المصالح ال يحيط بها العقل‪.‬‬ ‫‪-23‬‬


‫(‪)69‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬القواعد الخاصة للمقاصد‬

‫القواعد الخاصة ببعض األبواب ويمكن أن نذكر منها هنا ستة أقسام وهي كالتالي‪:‬‬

‫األول‪ :‬القواعد المتعلقة بمعرفة مقاصد الشريعة‪:‬‬

‫‪ -1‬مقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬

‫‪ -2‬كل ما يتضمن حفظ األصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه األصول‬
‫فهو مفسدة ورفعها مصلحة‪.‬‬

‫‪ -3‬كل مصلحة ال ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب والسنة واإلجماع وكانت‬
‫من المصالح الغريبة التي ال تالئم تصرفات الشرع فهي باطلة‪.‬‬

‫‪ -4‬إذا تعارض شران أو ضرران فقصد الشارع دفع أشد الضررين أو أعظم الشرين‪.‬‬

‫‪ -5‬الجهة المرجوحة غير مقصودة االعتبار شرعاً‪.‬‬

‫‪ -6‬المفسدة أو المشقة التابعة للفعل المطلوب أو الناشئة عنه ليست مقصودة في‬
‫شرعية ذلك الفعل وطلبه وكذا المصلحة التابعة للمفسدة‪.‬‬

‫‪ -7‬الحرج مرفوع فكل ما يؤدي إليه فهو ساقط برفعه إال بدليل على وضعه‪.‬‬

‫(‪)69‬المراجع السابقة نفسها‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪79‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -8‬أسباب الرخص ليست بمقصودة التحصيل للشارع وال مقصودة الرفع‪.‬‬

‫‪ -9‬الحرج المعتاد مثله في التكاليف غير مرفوع‪.‬‬

‫‪ -10‬األمر بالفعل يستلزم قصد الشارع إلى وقوع ذلك الفعل‪ ،‬والنهي يستلزم القصد‬
‫إلى منع وقوع المنهي عنه‪.‬‬

‫مدح الفعل دليل على قصد الشارع إلى إيقاعه‪.‬‬ ‫‪-11‬‬

‫‪ -12‬كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان مالئماً لتصرفات الشرع ومأخوذاً‬
‫معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه ويرجع إليه إذا كان األصل قد صار بمجموع‬
‫أدلته مقطوعاً‪.‬‬

‫وضع األسباب يستلزم قصد الواضع إلى المسببات‪.‬‬ ‫‪-13‬‬

‫إن الشرع ال يعتبر من المقاصد إال ما تعلق به غرض صحيح محصل‬ ‫‪-14‬‬
‫لمصلحة أو دارئ لمفسدة‪.‬‬

‫الثاني‪:‬القواعد المتعلقة بالمكمالت‪:‬‬

‫‪ -1‬كل مكمل عاد على أصله بالنقض فباطل‪.‬‬

‫‪ -2‬إبطال األصل إبطال للتكملة‪.‬‬

‫‪ -3‬المكمل للمكمل مكمل‪.‬‬

‫‪ -4‬المقاصد الضرورية في الشريعة أصل للحاجية والتحسينية‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬القواعد المتعلقة بوسائل المقاصد‪-:‬‬

‫‪ -1‬الوسائل لها أحكام المقاصد‪.‬‬

‫‪ -2‬قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪80‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -3‬كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة‪.‬‬

‫‪ -4‬كل تصرف جر فساداً أو دفع صالحاً فهو منهي عنه‪.‬‬

‫‪ -5‬أن أجور الوسائل وآثامها تختلف باختالف مقاصدها‪.‬‬

‫‪ -6‬كلما قويت الوسيلة إلى األداء كان إثمها أعظم‪.‬‬

‫‪ -7‬أن عدم إفضاء الوسيلة إلى المقصد يبطل اعتبارها‪.‬‬

‫‪ -8‬الوسائل أخفض رتبة من المقاصد‪.‬‬

‫‪ -9‬إذا تعددت الوسائل إلى المقصد الواحد فتعتبر الشريعة في التكليف بتحصيلها‬
‫أقوى تلك الوسائل تحصيالً للمقصد المتوسل إليه بحيث يحصل كامالً راسخاً عاجالً‬
‫ميسوراً‪.‬‬

‫‪ -10‬إذا تساوت الوسائل في اإلفضاء إلى المقصد باعتبار أحواله كلها سوت‬
‫الشريعة في اعتبارها وتخير المكلف في تحصيل بعضها دون بعضها اآلخر إذ الوسائل‬
‫ليست مقصودة لذاتها‪.‬‬

‫إن الشيء إذا كان واجباً وله وسائل متعددة ال يجب أحدها عيناً‪.‬‬ ‫‪-11‬‬

‫قد تكون الوسيلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم ألجلها وما جعلت وسيلة‬ ‫‪-12‬‬
‫إليه ليس بحرام وال مكروه‪.‬‬

‫يغتفر في الوسائل ما ال يغتفر في المقاصد‪.‬‬ ‫‪-13‬‬

‫الرابع‪:‬القواعد المتعلقة بالمقاصد التابعة‪-:‬‬

‫‪ -1‬المقاصد التابعة خادمة للمقاصد األصلية ومكملة لها‪.‬‬

‫ابتداء صحيح وإال فال‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪ -2‬التابع إذا كان خادماً للقصد األصلي فالقصد إليه‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪81‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -3‬ال يعتبر التابع إذا كان اعتباره يعود على المتبوع باإلخالل‪.‬‬

‫‪ -4‬ما كان من التوابع مقوياً ومعيناً على أصل العبادة وغير قادح في اإلخالص فهو‬
‫المقصود التبعي السائا وما ال فال‪.‬‬

‫‪ -5‬أن ما كان من المقاصد التابعة مثبتاً للمقصد األصلي ومقوياً لحكمته ومستدعياً‬
‫لطلبه و إدامته فهو المقصود للشارع وإن لم ينص عليه‪.‬‬

‫أن القصد التابع إذا كان الباعث عليه القصد األصلي كان فرعاً من فروعه فله‬ ‫‪-6‬‬
‫حكمه‪.‬‬

‫الخامس‪:‬القواعد المتعلقة بمقاصد المكلفين‪:‬‬

‫‪ 1‬قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصده في التكليف‪.‬‬

‫‪ 2‬كل قصد يخالف قصد الشارع فهو باطل‪.‬‬

‫‪ 3‬كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجاً فقصد الشارع بذلك المخرج أن‬
‫يتحراه إن شاء على الوجه الذي شرعه له‪.‬‬

‫‪ 4‬أن األمور العادية إنما يعتبر في صحتها أال تكون مناقضة لقصد الشرع وال يشترط‬
‫ظهور الموافقة‪.‬‬

‫‪ -5‬القصد غير الشرعي هادم للقصد الشرعي‪.‬‬

‫السادس‪ :‬القواعد المتعلقة بالترجيحات‪:‬‬

‫‪ -1‬آكد المراتب الضروريات فالحاجيات فالتحسينيات‪.‬‬

‫‪ -2‬المقاصد العامة مقدمة على الخاصة‪.‬‬

‫أعظم المصالح جريان األمور الضرورية الخمسة المعتبرة في كل ملة وأعظم‬ ‫‪-3‬‬
‫المفاسد ما يكر عليها باإلخالل‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪82‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -4‬يرجح ما كان راجعاً إلى كلي ضروري على ما رجع إلى كلي تحسيني‪.‬‬

‫‪ -5‬المصلحة األصلية أولى من التكميلية‪.‬‬

‫‪ -6‬درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪.‬‬

‫‪ -7‬مراعاة المقاصد مقدمة على رعاية الوسائل أبداً‪.‬‬

‫‪ -8‬تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة‪.‬‬

‫ما تثبت مفسدته في جميع األحوال مقدم على ما تثبت مفسدته في حال دون‬ ‫‪-9‬‬
‫حال‪.‬‬

‫تقدم المفسدة المجمع عليها على المختلف فيها‪.‬‬ ‫‪-10‬‬

‫حفظ البعض أولى من تضييع الكل‪.‬‬ ‫‪-11‬‬

‫ما كان مطلوبا بالقصد األول هو أعلى المراتب‪.‬‬ ‫‪-12‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪83‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل الثامن‬
‫(‪)70‬‬
‫عالقة المقاصد باألدلة‬

‫الشريعة اإلسالمية وحدة متكاملة ونظام شامل اتحدت جزئياتها وكلياتها على جلب‬
‫المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها‪ ،‬ولذا كان من الطبيعي في هذه الشريعة أن‬
‫تكون الصلة قوية وواضحة بين مقاصد الشريعة وأدلتها إذ ما من دليل إال وهو يتضمن‬
‫مقصداً كلياً أو جزئياً فالدليل يحمل في طياته قصد الشارع من التشريع ونذكر هنا‬
‫عالقة المقاصد باألدلة المتفق عليها والمختلف فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬عالقة المقاصد باألدلة المتفق عليها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬عالقة المقاصد بالقرآن الكريم (‪:)71‬تظهر عالقة القرآن الكريم بالمقاصد الشرعية‬
‫من عدة جهات‪ :‬األولى‪:‬من حيث إدراكها‪ ،‬حيث يعتبر القرآن الكريم من أهم المصادر‬
‫إلدراك هذه المقاصد ومعرفتها وتقريرها وبيان ضوابطها وغيره‪،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬معرفة مقصد رفع الحرج من قوله تعالى‪(:‬ما يريد اهلل ليجعل عليكم من حرج)‬
‫المائدة ‪.6‬‬

‫‪ -2‬مقصد إخالص العبادة هلل وحده من قوله تعالى‪(:‬وما أمروا إال ليعبدوا اهلل‬
‫مخلصين له الدين ……) البينة ‪.5‬‬

‫‪ -3‬مقصد العدل في األقوال واألفعال من قوله‪(:‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان …)‬
‫النحل ‪(،90‬وال يجرمنكم شنآن قوم …) المائدة ‪.8‬‬

‫مقصد النهي عن الفساد واإلفساد من قوله تعالى‪(:‬وال تفسدوا في األرض بعد‬ ‫‪-4‬‬
‫إصالحها) األعراف ‪.85‬‬

‫(‪ )70‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة الشرعية‪ ،‬محمد اليوبي‪،‬دار الهجرة ‪،‬ط األولى ‪1418‬ه الرياض‪.‬‬

‫(‪)71‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪84‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -5‬مقصد االتفاق واالئتالف والنهي عن الفرقة واالختالف من قوله تعالى‪(:‬‬


‫واعتصموا بحبل اهلل جميعاً وال تفرقوا) آل عمران ‪.103‬‬

‫الثانية‪ :‬أن القرآن الكريم يعتبر دليالً على مراعاة الشريعة للمقاصد والمصالح فقد ذكر‬
‫بعض األحكام الشرعية خاصة ونص عليها وبين ثمرتها وفائدتها ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ )1‬قوله تعالى‪(:‬إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر …) العنكبوت ‪.45‬‬

‫‪ )2‬وقوله‪(:‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ……) التوبة ‪.103‬‬

‫‪ )3‬وقوله‪(:‬كتب عليكم الصيام … إلى قوله‪ ..:‬لعلكم تتقون) البقرة ‪.183‬‬

‫الثالثة‪ :‬من جهة كيفية طريقة القرآن في بيانها وتقريرها ويتلخص بعض ذلك في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -‬التنصيص على علة الحكم بالطرق المعروفة في مسالك العلة‪.‬‬

‫‪ -‬إيراد النصوص الكثيرة حول المعنى المعين وتنوع األسلوب من أمر به أو نهي عن‬
‫ضده أو مدح لفاعله أو ذم لتاركه أو ضرب األمثال له أو قصة معينة وكل ذلك ينتظم‬
‫معنى كلي كالدعوة إلى التوحيد مثالً‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬أهمية المقاصد في فهم القرآن وتفسيره فيكون فهمه للقرآن وتفسيره له‬
‫متمشياً ومنسجماً مع مقاصد الشريعة وبيان ذلك من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن القرآن الكريم مشتمل من اآليات على الحكم الواضح والمتشابه الذي لم‬
‫تتضح داللته أو ما احتمل أكثر من معنى فوجب ردها إلى النصوص المحكمة فيكون‬
‫ردها إلى المحكم مبيناً للمعنى والمقصد الشرعي المفهوم من نصوص الشريعة األخرى‬
‫مجتمعة وبهذا نحمل النص المحتمل على ما يوافق نصوص الشريعة ومقاصدها‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪85‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫فيعلم بذلك أن كل تأويل خالف النصوص الشرعية أو أبطلها أو عارض مقاصدها‬


‫الواضحة فهو باطل فإن وجدنا تفسيراً يوافق ظواهر النصوص ومقاصد الشريعة عملنا‬
‫به وإال أرجعنا علمها إلى اهلل تعالى‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن المقاصد ذكرت بكثرة وبعضها مرتب على بعض منها األصلي ومنها التابع‬
‫ومنها المقيد بالسنة فتحتاج إلى عدة أمور‪:‬‬

‫جمع مقاصد الحكم الواحد في القرآن لتحقيق ذلك الحكم على أفضل‬ ‫‪-1‬‬
‫الوجوه كما أراد اهلل تعالى بشرعه‪.‬‬

‫‪ -2‬المعرفة بدرجات ورتب المقاصد وذلك للعناية باألهم منها بقدر االستطاعة‬
‫فيسعى لتحقيق المقصد األصلي الذي تستقيم به النصوص خالفاً للمنافقين الذين‬
‫نظروا إلى المقصد التابع من حفظ الدماء واألمور واألغراض وأغفلوا المقصد األصلي‬
‫من اإليمان باهلل وتحقيق عبوديته ونيل رضاه في الدارين‪.‬‬

‫‪ -3‬ضم مقاصد السنة إلى مقاصد القرآن إذ المطلوب هو العلم بمقاصد الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬فالسنة مفسرة للقرآن ومؤكدة له ومنشئة ألحكام ليست في القرآن وإال حصل‬
‫الخلل بسبب النظر إلى مقاصد نصوص معينة وإهمال مقاصد نصوص أخرى مبينة لها‬
‫ومستقلة‪.‬‬

‫الخامسة‪ :‬يعتبر القرآن ضابطاً من ضوابط المصلحة بحيث يشترط العتبارها عدم‬
‫مخالفتها لها‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬تحديد القرآن لمقاصد المكلف بحيث تكون على وفق القرآن ونهجه(‪.)72‬‬

‫وبهذا ظهر لنا الصلة الوطيدة بين منظومة المقاصد وبين القرآن الكريم باعتباره منشئا‪.‬‬

‫(‪)72‬انظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة الشرعية‪ ،‬محمد اليوبي ‪،‬ومقاصد الشريعة عند ابن تيمية ‪،‬ص‪.317‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪86‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ثانياً‪:‬عالقة المقاصد بالسنة النبوية(‪:)73‬‬

‫يشبه الكالم في هذا المبحث إلى حد ما‪ ،‬ما سبق في المسألة السابقة وهو عالقة‬
‫القرآن الكريم بالمقاصد حيث تظهر عالقة المقاصد الشرعية بالسنة النبوية من خالل‬
‫األمور التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬من حيث إدراك المقاصد الشرعية وبيانها ألن مصدر المقاصد هو الكتاب‬
‫والسنة فإغفال السنة النبوية معناه إغفال جزء من الشريعة كاملة كتاب وسنة‪ ،‬كما أنها‬
‫تؤكد المقاصد الواردة في القرآن‪.‬‬

‫‪ -2‬أن السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم وذلك يشمل بيان المقاصد في بعض‬
‫األحكام التي لم ينص عليها القرآن الكريم مع زيادة بيان وتوضيح لما ذكره القرآن‬
‫ومثال ذلك‪ :‬حكم النكاح حيث ورد في القرآن وجاءت السنة ببيان بعض مقاصده‬
‫التي لم تذكر في القرآن مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ (:‬يا معشر الشباب من استطاع‬
‫منكم‪ )...‬الحديث رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وبيان مقصد االستئذان المأمور به في القرآن‬
‫مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ (:‬إنما جعل االستئذان من أجل البصر)‪.‬‬

‫‪ -3‬أن محمداً صلى اهلل عليه وسلم هو أعلم الناس بمقاصد القرآن فالحاجة ماسة‬
‫إلى االطالع على أقواله المبينة لنصوص الكتاب لمعرفة مقاصدها وهذا بالنسبة للسنة‬
‫المبينة‪.‬‬

‫‪ -4‬استقالل السنة ببعض األحكام التي لم توجد في القرآن والحاجة ماسة إلى‬
‫معرفة هذا القسم ومقاصده وهذا بالنسبة للسنة المستقلة‪.‬‬

‫‪ -5‬ورود السنة ببعض المقاصد المذكورة في القرآن وهذا يزيد األمر أهمية ووضوحاً‬
‫بسبب تكاثر النصوص وتواردها على المعنى الواحد وهذا بالنسبة للسنة الموافقة‪.‬‬

‫(‪ )73‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة الشرعية‪ ،‬محمد اليوبي المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪87‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -6‬حديث اآلحاد وبيان عالقته بالمقاصد وهل يقدم على القياس واألصول عند‬
‫التعارض مع العلم أن الحديث حجة مستقلة إذا صح ويستفاد منه مقاصد تضاف إلى‬
‫السنة النبوية لكن هنا أموراً ينبغي التنبيه عليها في حديث اآلحاد وهي‪:‬‬

‫أ) ال يتصور تعارض حديث صحيح من كل وجه وهو خبر واحد مع مقاصد الشريعة‬
‫فإذا حصل ذلك فإما أن يعود إلى عدم صحة الحديث أو عدم صحة المقصد‬
‫المفترض فقد يتصور البعض مقصداً للشريعة والحقيقة أنه ليس كذلك‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫المقصد دقيقاً خفياً في دخوله ضمن المقصد العام‪ ،‬حتى يظن الناظر أنه غير داخل‬
‫وهو داخل من وجه لم يتفطن له‪ ،‬أو يكون المقصد العام مقيداً بحديث آحاد فتستثنى‬
‫حالة الحديث‪.‬‬

‫ب) أن ترك الحديث الصحيح للقياس هو ترك المتيقن للمظنون ألن الحديث البد أن‬
‫يتضمن جلب مصلحة أو درء مفسدة وهذا يقين بخالف القياس فهو ظن‪.‬‬

‫ج) أن التقيد بالنص فيه محافظة على المصلحة‪.‬‬

‫د) أن حمل الحديث على وجه محتمل متفق مع بعض المقاصد أمر ال ينكر لكون‬
‫أقواله صلى اهلل عليه وسلم يصدق بعضها بعضاً‪ ،‬وأما ما يذهب إليه بعض المنسوبين‬
‫للدعوة من أن الحديث يفهم في ضوء مقاصد اإلسالم ويحكم عليها بالصحة‬
‫والضعف في ضوء المقاصد أيضاً فليس بطريقة المحدثين المعروفة وهو النظر في‬
‫سنده ومتنه فهذا طريق خطير جداً سوى أنه باطل فهو يتضمن رد النصوص الصحيحة‬
‫وكذلك قبول األحاديث الضعيفة وربما الموضوعة التي قد يظهر أنها توافق مقصد من‬
‫مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪88‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ثالثاً‪:‬عالقة المقاصد باإلجماع(‪:)74‬‬

‫تظهر عالقة المقاصد باإلجماع من خالل النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬من حيث كونه مصدراً من مصادر التعرف عليها إذ اإلجماع من أهم مسالك‬
‫معرفة العلة التي تعرف بها‪ ،‬ويعتبر اإلجماع مؤكداً لداللة الكتاب والسنة ومرسخاً لما‬
‫فيهما من المقاصد‪.‬‬

‫‪ -2‬أن المقاصد التي تثبت باإلجماع أقوى من المقاصد المختلف فيها ويستفاد من‬
‫ذلك في ترجيح المقاصد‪.‬‬

‫‪ -3‬أن من شروط االجتهاد المعتبر عند العلماء معرفة مقاصد الشريعة واإلجماع إنما‬
‫هو إجماع المجتهدين وذلك يتوقف على فهم المجتهد لمقاصد الشريعة الخاصة‬
‫والعامة وعلى ذلك فحصول اإلجماع متوقف على معرفة مقاصد الشريعة من هذه‬
‫الجهة‪ ،‬وبمعني أقرب نقول‪ :‬اإلجماع ال يمكن إال من المجتهدين والمجتهد من‬
‫شروطه معرفة مقاصد الشريعة وأسرارها‪ ،‬إذاً فيكون اإلجماع متوقف على معرفة‬
‫المقاصد الشرعية‪.‬‬

‫رابعاً‪:‬عالقة المقاصد بالقياس(‪:)75‬‬

‫يتحدث علماء األصول عن المقاصد الشرعية في باب القياس عند الحديث عن‬
‫مسالك العلة وبالتحديد عند مسلك المناسبة وكان حديثهم عن المناسب ومقاصد‬
‫الشريعة وبيان قواعدها وضوابطها ومن تلك المباحث‪:‬‬

‫‪ )1‬تقسيم المناسب باعتبار حصول المقصود من شرع الحكم به وأن المناسب ال‬
‫يعتبر إال إذا حصل المقصود من شرع الحكم يقينا أو ظناً فإن حصل جاز التعليل به‪.‬‬

‫(‪)74‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬

‫(‪)75‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪89‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ )2‬تقسيم المناسب باعتبار شهادة الشرع له إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫أ) ما علم أن الشارع اعتبره‬

‫ب) ما علم أن الشارع ألغاه‬

‫ج) ما لم يعلم له اعتبار وال إلغاء‬

‫‪ ) 3‬أنهم قسموا المناسب باعتبار ذاته إلى حقيقي وإقناعي وتكلموا في الحقيقي عن‬
‫الضروري والحاجي والتحسيني التي أصبحت فيما بعد أساس المقاصد وقاعدتها‪،‬‬
‫وبالجملة فقد كان مبحث المناسبة عند األصوليين هو مبحث مقاصد الشريعة باعتبار‬
‫أن المناسبة المطلوبة هي التي تتفق مع مقاصد الشرع واعتباراته‪.‬‬

‫‪ ) 4‬من المباحث في باب القياس التعليل بالحكمة وهي التي ألجلها صار الوصف‬
‫علة وعرفها بعضهم بأنها جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها‪ ،‬وبهذا‬
‫تكون الحكمة هي مقصد الشريعة من شرع الحكم‪.‬‬

‫‪ ) 5‬أن بعض األصوليين جعل المقاصد نفسها أو صافاً حيث قال‪ :‬المناسب هو‬
‫الوصف المفضي إلى ما يجلب لإلنسان نفعاً أو يدفع عنه ضرراً فيظهر أن ركن القياس‬
‫األهم هو العلة والعلة يشترط فيها المناسبة وهي مراعاة المقاصد الشرعية من جلب‬
‫مصلحة أو دفع مفسدة‪ ،‬فالقياس متوقف على العلم بمقاصد الشريعة حتى ال يحصل‬
‫التعليل بوصف ال مناسبة فيه‪ ،‬أو بوصف علم إلغاؤه أو لم يلتفت إليه ولذا أرجع‬
‫الغزالي المناسبة إلى رعاية المقاصد‪.‬‬

‫‪ ) 6‬أن الحكم يكون موافقاً للقياس إذا وافق مقاصد الشريعة العامة التي ترجع إلى‬
‫جلب المصالح‪ ،‬وعليه فالمقاصد تمثل الضابط الشرعي للقياس الذي يجعلها محققة‬
‫لروح الشريعة‪ ،‬ويحقق في القياس مهمته ووظيفته التي هي تحصيل المصالح وتعطيل‬
‫المفاسد‪ ،‬ويبعد عن التشديد وجلب الحرج‪ ،‬وتمثل المقاصد والخبرة بأسرار الشريعة‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪90‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفرقان بين القياس الصحيح والفاسد‪ ،‬وبهذا تكون المقاصد بالغة األهمية بالنسبة‬
‫للمجتهد حيث يشترط إلمامه بها ليسير على النهج القويم في إصدار أحكامه‪.‬‬

‫‪ ) 7‬القياس الصحيح الموافق لمقاصد الشريعة يعتبر علماً من أعالم محاسن الشريعة‬
‫حيث يظهر بذلك ديمومتها وصالحها لكل زمان ومكان وينفي عنها االختالف‬
‫والتضاد‪.‬‬

‫‪ )2‬عالقة المقاصد باألدلة المختلف فيها(‪:)76‬‬

‫أوالً‪:‬عالقة المقاصد بالمصلحة(‪:)77‬‬

‫المصالح تنقسم إلى ثالثة أقسام( المعتبرة ‪ ،‬والملغاة‪ ،‬والمرسلة) فأما المعتبرة‪ :‬وهي‬
‫الضروريات والحاجيات والتحسينيات فقد علم مما سبق الصلة الوثيقة بينها وبين‬
‫المقاصد الشرعية ويبقى الحديث حول المصالح المرسلة وعالقة المقاصد بها‪.‬‬

‫‪ -‬عالقة المقاصد بالمصالح المرسلة‪:‬‬

‫تتضح العالقة بين المقاصد والمصالح المرسلة مما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬اشتراط مالءمة المصلحة المرسلة عند القائلين بها لمقاصد الشريعة بحيث ال‬
‫تنافي أصالً من أصوله وال دليالً من دالئله فال عبرة بها حتى يقوم لها ما يؤيدها من‬
‫المقاصد الشرعية‪.‬‬

‫‪ -2‬أنه ال يقرر األخذ بالمصلحة المرسلة إال من كان عالماً بمقاصد الشريعة ضابطاً‬
‫ألسرارها متفقهاً في نصوصها وبهذا يزول الخوف من أن األخذ بالمصلحة المرسلة‬
‫يفتح باب الفوضى في الشريعة وذلك ألن معرفتهم بنصوص الشريعة ومقاصدها‬
‫تؤهلهم لتمييز المصالح من المفاسد‪.‬‬

‫(‪)76‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬

‫(‪)77‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪91‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -3‬أن عمدة القائلين بالمصلحة المرسلة أن من المقاصد الشرعية مراعاة المصلحة‬


‫فإذا عدم النص وتحققت المصلحة وكانت راجحة وعدمت المفسدة في أي قضية‬
‫فإنها تكون مقصودة للشارع‪.‬‬

‫ثانياً‪:‬عالقة المقاصد الشرعية باالستحسان(‪:)78‬‬

‫تظهر عالقة المقاصد باالستحسان من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬أن االستحسان ترك القياس لدليل آخر أقوى منه فكأنه بذلك يعود إلى األدلة‬
‫األخرى التي سبق بيان عالقتها بالمقاصد‪.‬‬

‫أنه استثناء من القياس الكلي الذي يؤدي التزامه إلى الحرج والمشقة والضيق‬ ‫‪)2‬‬
‫فهو بهذا االعتبار يرجع إلى رعاية مقاصد الشريعة ألن االستثناء ما شرع إال لرفع‬
‫الحرج الذي هو من أهم مقاصد الشريعة أو لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة‪.‬‬

‫األمثلة التي ذكرها القائلون باالستحسان يتضح أن االستحسان رجوع إلى‬ ‫‪)3‬‬
‫مقاصد الشريعة كاستثناء السلم واإلجارة بالنص لحاجة الناس وهذا راجع إلى رفع‬
‫الحرج‪ ،‬و االستصناع المستثنى باإلجماع لحاجة الناس‪.‬‬

‫‪ )4‬أن النظر في مآالت األفعال معتبر ومقصود شرعاً ومن األصول المبنية على هذه‬
‫القاعدة االستحسان وذلك أن التزام الدليل العام يؤدي إلى الحرج والضيق ويؤول إليه‬
‫واالستحسان ترك الدليل العام نظراً إلى مآله‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عالقة المقاصد بسد الذرائع(‪:)79‬‬

‫إن من أكثر األدلة التصاقاً وارتباطاً بالمقاصد سد الذرائع وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬

‫(‪)78‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬

‫(‪)79‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪92‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ -1‬أن سد الذرائع في نفسه مقصد من مقاصد الشريعة كما دلت النصوص الكثيرة‬
‫لقوله تعالى‪ (:‬وال تسبوا الذين يدعون من دون اهلل فيسبوا اهلل عدواً بغير علم ) من باب‬
‫التصريح على المنع من المباح المفضي إلى الحرام ومثله منع سب الرجل المفضي إلى‬
‫سب والديه‪ ،‬ومنع سفر المرأة بغير محرم والنهي عن الخلوة والتشبه بالنساء والصالة‬
‫عند طلوع الشمس ونحوه‪.‬‬

‫‪ -2‬أن في سد الذرائع حماية لمقاصد الشريعة وتوثيقاً لألصل العام الذي قامت عليه‬
‫الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد ألن األمر المباح قد يؤدي األخذ به إلى‬
‫تفويت مقصد الشارع والمحافظة على مقصود الشارع أمر مطلوب لكونه أعظم‬
‫مصلحة وأقوى أثراً فال غرابة إذا منع الشارع من المباح لتأديته إلى حصول مفسدة‬
‫أعظم مناقضة لمقصود الشارع‪ ،‬قال ابن القيم رحمه اهلل تعالى‪ :‬فإذا حرم الرب تعالى‬
‫شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له‬
‫ومنعاً من أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم‬
‫وإغراءً للنفوس به‪.‬‬

‫‪ -3‬أن سد الذرائع يرجع إلى اعتبار المآل واعتبار مآل األفعال من المقاصد المهمة‬
‫في الشريعة والدليل على ذلك األدلة الشرعية واالستقراء التام قال تعالى‪(:‬وال تأكلوا‬
‫أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس باإلثم)‬
‫ولما أشير للنبي صلى اهلل عليه وسلم بقتل من ظهر نفاقه قال‪(:‬أخاف أن يتحدث‬
‫الناس أن محمداً يقتل أصحابه) وقوله لعائشة‪(:‬لو ال أن قومك حديث عهدهم بكفر‬
‫ألسست البيت على قواعد إبراهيم)‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬عالقة المقاصد بفتح الذرائع‪:‬‬

‫المقصود بفتح الذرائع هنا هو فتح الذرائع المؤدية إلى جلب المصالح وتحقيق‬
‫المقاصد التي ال تحصل إال بها فكما يجب سد الذرائع يجب فتحها ويكره ويندب‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪93‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ويباح فالذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة الحرام محرمة فكذلك وسيلة الواجب‬
‫واجبة كالمشي إلى الجمعة ذلك أن موارد األحكام على قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬مقاصد وهي الطرق المفضية للمصالح والمفاسد في أنفسها‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬وسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها كحكم ما أفضت إليه من تحريم أو‬
‫تحليل وهذا ما قرره العلماء في قاعدة األمر حيث قالوا‪(:‬ما ال يتم الواجب إال به فهو‬
‫واجب)‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬عالقة المقاصد بإبطال الحيل(‪:)80‬‬

‫سواء توصل إليه بمباح أو بحرام‬


‫ما كان من الحيل مخالفاً لمقصود الشارع فهو باطل ً‬
‫ألن الحيل مناقضة لمقاصد الشارع وفيها تفريا للنصوص من معانيها‪ ،‬والمحتال ساع‬
‫في دين اهلل بالفساد من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬إبطال حكمة الشارع في األمر المحتال عليه‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن األمر المحتال به لم يكن له حقيقة وال كان مقصوداً بحيث يكون محصالً‬
‫لمراد الشارع‪ ،‬فالمحتال مخادع هلل ورسوله‪ ،‬ولم يفقه حكمة الشارع‪ ،‬بعيد عن رعاية‬
‫مقصود الشرع‪ ،‬وعلى ذلك فإن عالقة المقاصد بإبطال الحيل تتخلص بثالثة أمور‪:‬‬

‫‪ .1‬انتهاج الحيل مناقضة للشارع ومخادعة له وإبطال لمقاصد الشرع‪.‬‬

‫‪ .2‬أن الجهل بحكم الشرع وعلله من أسباب إتباع الحيل‪.‬‬

‫‪ .3‬المنع من الحيل يمثل توافق الشريعة وانضباطها وعدم تناقضها واضطرابها‬


‫فيستحيل عقالً وشرعاً أن يسد الشرع وسائل الفساد من جهة ثم يفتحها من جهة‬
‫أخرى فإن هذا لهو وعبث يتنزه الشارع عنه‪.‬‬

‫(‪)80‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪94‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫سادساً‪ :‬عالقة المقاصد بقول الصحابي(‪:)81‬‬

‫تظهر العالقة بين مقاصد الشريعة وقول الصحابي من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬أن أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم لهم المكانة العالية والمنزلة الرفيعة في‬
‫فهم هذا الدين وإدراك معانيه وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫أ) التلقي المباشر من النبي صلى اهلل عليه وسلم وكان لهذا أثره في فهم الدين من جهة‬
‫صفاء المورد ودقة الفهم واليقين بما سمعوا وفهموا واطالعهم على أسباب النزول‬
‫وورود الحديث ومعرفة ناسخ الحديث و منسوخه ومشاهدة ألفعال الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم التي تفسر أقواله وتشرحها‪.‬‬

‫ب) سليقتهم العربية فيعرفون بسليقتهم داللة القرآن والسنة دون حاجة إلى ما يحتاجه‬
‫غيرهم من علوم اللغة‪.‬‬

‫ج) إخالصهم هلل وتقواهم له فكل هذه األسباب شكلت فقهاً قوياً متماسكاً لدى‬
‫أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ )2‬وبناء على ما سبق فهم أعلم بمقاصد الشريعة ومراميها من غيرهم إذ من أهم‬
‫الطرق المحصلة لمقاصد الشريعة العلم من الكتاب والسنة واالستنباط منهما وهذا‬
‫متوفر لدى الصحابة بال شك على أكمل الوجوه‪ ،‬قال اإلمام الشاطبي رحمه اهلل‪:‬‬
‫السلف أعلم الناس بمقاصد القرآن وهم القدوة في فهم الشريعة والجري على‬
‫مقاصدها‪.‬‬

‫‪ )3‬أن المتمسك بقول الصحابي أخذ بمقاصد الشريعة وولج فيها من أوسع أبوابها‬
‫ولذا كان من أسباب االحتجاج بقول الصحابي عند من يقول به معرفتهم بمقاصد‬
‫الشريعة ومن أمثلة معرفتهم بذلك جمع القرآن خوفاً عليه من الضياع وحفظاً للدين‬

‫(‪)81‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪95‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫واعتماداً على مقصد الشريعة في جلب المصلحة ودفع المفسدة وكذلك تضمين‬
‫الصناع حفظاً لألموال من الضياع مراعاة لمقصد الشريعة في حفظ األموال‪.‬‬

‫‪ )4‬االهتداء بهم في معرفة مقاصد الشريعة وإدراكها وفهم معاني الكتاب والسنة‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬عالقة المقاصد بالعرف(‪:)82‬‬

‫تظهر العالقة بين مقاصد الشريعة وبين العرف من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن الشريعة أحالت في بعض أحكامها على العرف كما في قوله تعالى‪ (:‬وعلى‬
‫المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وكما في تقدير المتعة للمطلقة واألكل من مال‬
‫اليتيم ونحوه‪.‬‬

‫‪ -2‬أن الشريعة ذكرت فيها أحكام مطلقة لم تحدد كالحرز واإلكرام واإلحسان وقد‬
‫قرر العلماء أن كل ما ورد به الشرع مطلقاً بدون ضوابط وال تحده اللغة يرجع فيه إلى‬
‫العرف‪.‬‬

‫‪ -3‬أن العلماء قرروا أن األحكام االجتهادية المبنية على العرف تتغير بتغير األزمان‬
‫واألمكنة واألحوال وذلك حسب مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫أن مجال العرف أمور ثالثة‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫أ) العمل في الحاالت التي أحال الشارع فيها عليه‪.‬‬

‫ب) األحكام المطلقة في الشريعة التي لم تحدد في الشريعة واللغة‪.‬‬

‫ج) المسائل االجتهادية التي مبناها على تحقيق مصالح الناس ولذا لم يقل العلماء‬
‫بالعرف بدون ضوابط بل قيدوه بشروط يفهم منها مراعاة مقاصد الشريعة منها كون‬

‫(‪)82‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪96‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫العرف ال يخالف نصاً ألن في ذلك تفويت المصالح من وراء النصوص مع تضمنه‬
‫إبطال الشريعة لكثرة األعراف وتجددها‪.‬‬

‫‪ – 5‬أن حمل الناس على ما يخالف أعرافهم فيه مناقضة لمقصود الشارع‪.‬‬

‫‪ – 6‬العمل بالعرف يؤكد ما جاءت به الشريعة من التيسير ورفع الحرج‪.‬‬

‫‪ – 7‬عدم األخذ بالعرف يدفع الناس إلى مناقضة مقصود الشارع بإتباع الحيل‪.‬‬

‫‪ – 8‬العرف يشكل عنصراً مهماً في الحفاظ على معامالت الناس‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬عالقة المقاصد بشرع من قبلنا‪:‬‬

‫تظهر عالقة المقاصد بشرع من قبلنا من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫‪ – 1‬دليل على أن الشارع راعى المقاصد الضرورية في كل شريعة وهذ يمثل دليالً‬
‫على قطعيتها والجزم بثبوتها‪.‬‬

‫‪ - 2‬أن الشريعة اإلسالمية لها خصائص ليست موجودة في الشرائع السابقة من‬
‫الشمول ورفع الحرج والحفظ وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ - 3‬وجود بعض األحكام المنقولة عن الشرائع السابقة في شريعتنا دون إنكار أو إقرار‬
‫وال يناقض ذلك كونها شريعة متميزة‪.‬‬

‫‪ – 5‬إن أعظم المقاصد و أشرفها عبودية اهلل تعالى وجميع الضروريات راجعة إليها‪.‬‬

‫‪ – 6‬الموازنة بين شريعتنا وغيرها من الشرائع تظهر كمال شريعتنا وعدلها وفضلها‪.‬‬

‫‪ – 7‬الترجيح عند التعارض بين ما ثبت بشرع من قبلنا وفي شريعتنا ما يناقضها‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬ما الحكم إذا خالف شرع من قبلنا ما هو مقرر من مقاصد الشريعة‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪97‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫والجواب‪:‬أن العلماء قد ردوا شرع من قبلنا إذا خالف الدليل الجزئي من شرعنا ومن‬
‫باب أولى أن يرد شرع من قبلنا إذا خالف القواعد الكلية الثابتة بأكثر من دليل‪ ،‬فإذا‬
‫وجدنا حكماً في شرع من قبلنا يلزم منه الحرج تركنا ذلك وأخذنا بما دل عليه شرعنا‬
‫من رفع الحرج وغيره مثله(‪.)83‬‬

‫تاسعاً‪ :‬عالقة المقاصد باالستصحاب(‪:)84‬‬

‫تظهر عالقة المقاصد باالستصحاب من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬أن من خصائص الشريعة االطراد واالستمرار في األحكام فهي لكل زمان ومكان‬
‫وأمة تستوعب جميع الحوادث المتجددة بقواعدها الكلية‪.‬‬

‫‪ )2‬أن العلماء قرروا في االستصحاب استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً‬
‫مراعاة لمقاصد الشرع من البقاء واالستقرار من جهة ومراعاة االنضباط واالطراد وعدم‬
‫االضطراب في األحكام من جهة أخرى مع ما يحقق االستصحاب من حفظ المصالح‬
‫ومراعاتها وهو من أهم مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫األصول الثابتة الكثيرة المقررة ومن ذلك ما يلي‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫أ) األصل في األشياء النافعة اإلباحة‪.‬‬

‫ب) األصل في العبادات المنع‪.‬‬

‫ج) األصل في المعامالت اإلباحة‪.‬‬

‫وغير ذلك من األصول المقررة المحققة لمصالح كثيرة ال تعد وال تحصى‪.‬‬

‫(‪ )26‬راجع الفكر المقاصدي للريسوني ص‪.46 .55-25:‬ومقاصد الشريعة ‪،‬عب د ال رحمن ب ن عل ى إس ماعيل مقال ة عل ى اإلنترن ت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪ .‬رابط‪:‬‬
‫‪https://ebook.univeyes.com/118623/pdf-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-2‬‬

‫(‪)84‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪98‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل التاسع‬

‫عالقة المقاصد بالسياسة الشرعية‬

‫المقصود بالسياسة الشرعية في اللغة‪ :‬القيام على الشيء بما يصلحه وفق المعايير‬
‫الشرعية وضوابطها‪.‬واصطالحاً‪ :‬مجموع الوالية الصالحة والسياسة العادلة مما يصلح‬
‫الراعي والرعية‪.‬وعلى ذلك يمكن تلخيص عالقة المقاصد بالسياسة الشرعية على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬أن مقاصد الشريعة هي هدف السياسة وقبلتها وغايتها‪ ،‬إذ وظيفة الحاكم في الدولة‬
‫إنما هي حراسة الدين والدنيا‪ ،‬وإصالح أمور العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬وهذا هو غاية‬
‫نظام الحكم حراسة الدين اإلسالمي وإقامة المصالح الدنيوية على وفق الدين ومقاصده‬
‫أي حفظ حقوق اهلل تعالى وحقوق عباده‪.‬‬

‫‪ .2‬أن مقاصد الشريعة تمثل ضابطاً ألحكام السياسة‪ ،‬بحيث تبقى دائماً تحت مظلة‬
‫الشريعة‪ ،‬وكبح كل من أراد الخروج عن أحكام الدين بحجة السياسة والمصلحة‪.‬‬

‫‪ .3‬تمثل السياسة الشرعية دوراً هاماً في بيان يسر الشريعة ومراعاتها لمصالح العباد‪،‬‬
‫وشمولها وصالحها لكل عصر وذلك برجوع بعض طرقها وأساليبها إلى حاجات الناس‬
‫وعاداتهم وما يجد من تطورات علمية وطرق سياسية حديثة مما يوافق أصول الشريعة‬
‫وال يتعارض معها‪.‬‬

‫‪ .4‬تمثل السياسة الشرعية طريقاً ومنهجاً سوياً في تنزيل مقاصد الشريعة على الواقع‬
‫‪.‬‬
‫(‪)85‬‬
‫ومراعاة الظروف المتغيرة والموازنة بين المصالح والمفاسد المتزاحمة والمتعارضة‬

‫وفي المباحث القادمة نقدم نموذجا تطبيقيا لعالقة السياسة الشريعة بالمقاصد من‬
‫خالل تحقيق العمران والتعايش االجتماعي ‪.‬‬

‫(‪)85‬راجع ‪:‬المقاصد عند شيخ اإلسالم ابن تيمية ص ‪. 427 :‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪99‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث األول‬

‫قواعد العمران في ضوء المقاصد‬

‫من المعلوم عند علماء الحضارات أن العمران هو الوجه المادي ألية حضارة لذلك‬
‫نجدهم يرجعون في دراسة الحضارات القديمة إلى آثارها العمرانية‪ ،‬فما تبقى من‬
‫المدن العتيقة يعتبر تجسيدا والشك للمنظومة الثقافية –الحضارية التي أنتجتها‪ ،‬وعليه‬
‫فال يقل التراث الثقافي أهمية عن التراث العمراني في فهم طبيعة الحضارات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بل يعتبر األول مفتاحا أساسيا لفهم الثاني ألنه هو الذي أنتجه ونظمه عبر‬
‫مراحل التاريخ‪ ،‬حتى ترسخ عندهم أن "البنيان من شعار األمصار" ‪.86‬‬

‫هذه القاعدة هي الكفيلة بتفسير كثير من جوانب العالقة بين العمارة اإلسالمية‪،‬‬
‫والتراث اإلسالمي عموما وتحديدا العالقة بين المدن العتيقة‪ ،‬والتراث الفقهي‪ .‬ومن ثم‬
‫توضيح ذلك األثر لتعاليم اإلسالم على العمارة وتخطيط المدن‪ .87‬فالدارس للتراث‬
‫الفقهي وما يتضمنه من تهيئة ثقافية عمرانية للمدن العريقة كالمدينة المنورة وبغداد‬
‫والقاهرة و فاس والقيروان ومراكش وحتى لآلثار اإلسالمية في غرناطة‪ ...‬يجد أنه‬
‫كانت هناك منظومة قانونية مؤطرة لها‪ ،‬واكبت تطورات المجتمعات الحضرية اإلسالمية‬
‫على مدى التاريخ بالتقنين والتنظيم‪ ،‬والمتفحص للتراث الفقهي المالكي – خاصة ‪-‬‬
‫في مجال البنيان يتأكد من أن الفقه اإلسالمي ذو طابع حضري ‪ ،88‬فقد ألف فقهاء‬

‫‪ .‬الذخيرة ‪ ،‬شهاب الدين القرافي المالكي ‪ ،‬تحقيق محمد حجي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬ط ‪ ، 1994‬بيروت ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪:‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪.339‬‬
‫‪ .‬العمارة اإلسالمية و البيئة‪ ،‬د‪.‬م‪.‬يحيى وزيري ‪ ،‬طبعة المجلس الوطني للثقافة و الفنون و اآلداب ‪ ،‬سلسلة كتب عالم‬ ‫‪87‬‬

‫المعرفة ‪ ،‬عدد يونيو ‪ ،2004‬الكويت‪ ،‬ص‪.27 :‬‬


‫‪Delta ، El mundo jurídico en AL-ANDALUS ، - Juan Martos Quesada 3.‬‬
‫‪P.17،Madrid‬‬ ‫‪،2005‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪Primera‬‬ ‫‪edición‬‬ ‫‪،Publicaciones‬‬ ‫‪Universitarias‬‬
‫‪ -‬خوان مارتوس كيسادا‪ ،‬العالم القانوني في األندلس‪ ،‬منشورات جامعة دلتا ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2005 ،‬مدريد‪. P.17 ،‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪100‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المالكية كتبا مستقلة في االرتفاق وأحكام العمارة‪ ،‬ذات قيمة قانونية جديرة بالدراسة‪.‬‬
‫ونذكر من ذلك على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬

‫•كتاب القضاء في البنيان‪ ،‬للفقيه المالكي عبد اهلل بن عبد الحكم (ت ‪271‬ه ) ‪،89‬‬
‫وهو من أقدم الكتب المؤلفة في أحكام البنيان‪.‬‬

‫•كتاب“ القضاء بالمرفق في المباني ونفي الضرر "لإلمام عيسى بن موسى الطليطيلي‬
‫(ت ‪386‬ه ‪(.‬‬

‫•كتاب اإلعالن بأحكام البنيان لمحمد بن إبراهيم المشهور بابن الرامي التونسي‬
‫(ت‪734‬ه ) ‪ .‬ويضاف إلى هذه الكتب المستقلة في مجال التعمير و غيرها الكثير من‬
‫المباحث المضمنة في الموسوعات الفقهية والتي تناولت أحكام البنيان واألقضية‬
‫المتعلقة بها ‪ .‬وقد تطورت هذه المباحث حتى ظهر عند الفقهاء علم قائم بذاته اسمه‪:‬‬
‫" علم عقود األبنية " وعرفوه بأنه " علم يتعرف منه أحوال أوضاع األبنية وكيفية‬
‫إحكامها وطرق حسنها كبناء الحصون المحكمة وتنضيد المنازل البهية والقناطر‬
‫المشيدة وأمثالها وأحوال كيفية شق األنهار وتقنية القني ‪ ،90‬وسد البثوق ‪ ،91‬و‬
‫إنباط‪ 92‬المياه ونقلها من األغوار إلى النجود وغير ذلك " وحددوا منفعة هذا العلم‬
‫‪93‬‬
‫في " عمارة المدن والمنازل والقالع "‪.‬على أساس جلب المنافع ودفع المضار ‪.‬‬

‫‪ . 89‬انظر‪ :‬الديباج المذهب‪ ،‬ابن فرحون اليعمري المالكي طبعة دار الكتب العلمية ‪ ،‬ط‪.‬د‪.‬ت ‪ ،‬بيروت‪،‬ج‪1‬ص‪.134:‬‬

‫‪ . 90‬ال ُقنِ ُّي‪ :‬جمع قناة وهي اآلبار الت ي تُحفر ف ي األرض متتابعة ل يست خرج ماؤها ويَسيح عل ى وجه األَرض ‪ ،‬انظر ‪ :‬انظر ابن‬
‫منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪،‬دار صادر ‪ ،‬ط‪، 1‬د‪ .‬ت ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ج ‪ 15‬ص ‪.204‬‬
‫‪ . 91‬البثوق جمع بثق ‪،‬والبثق هو منبعث الماء ‪ ،‬انظر ابن منظور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪10‬ص‪.12:‬‬

‫‪ . 92‬أي الوصول إليها و استخراجها ‪ ،‬انظر المصدر السابق ‪ ،‬ج‪7‬ص‪.410 :‬‬

‫‪ .‬أبجد العلوم‪ ،‬صديق بن حسن القنوجي‪ ،‬تحقيق عبد الجبار الزكار ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ، 1978 ،‬بيروت‪،‬ج ‪2‬ص‪.384:‬‬ ‫‪93‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪101‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ويتحصل من هذا أن العمارة اإلسالمية كانت خاضعة في كلياتها و جزئياتها‬


‫ألحكام فقهية سواء منها المنصوص عليه أو االجتهادية منها والتي كانت في تجدد‬
‫مستمر حسب التطور المجتمعي‪.‬‬

‫وإذا ثبت هذا يمكن التساؤل عن إمكانية االستفادة من التراث الفقهي لفك ألغاز‬
‫‪94‬المدن العتيقة وذلك عن طريق البحث في الثروة الفقهية في مجال العمران وإعادة‬
‫النظر لمصلحتين األولى ترميم المدن القديمة وفق صورتها األولى والحفاظ على‬
‫أشكالها األصلية والثانية بناء المدن العمرانية الجديدة وفق الضوابط الفقهية التى‬
‫ذكرها العلماء في كتبهم ‪.‬‬

‫كما يمكن البحث في إمكانية استثمار ذلك التراث الفقهي في تأسيس اإلرشاد‬
‫السياحي على أساس علمي يعرف بالتراث العمراني بناء على تفسيرات علمية مستقاة‬
‫من المنظومة القانونية والثقافية التي أنتجت هذا العمران‪،‬فما أسس العمران في التراث‬
‫الفقهي‬

‫قواعد العمران في ضوء المقاصد الشرعية‪.‬‬

‫إن العمارة اإلسالمية القديمة ‪ -‬السيما مدن العصور اإلسالمية منها ‪ -‬لم تبن‬
‫على غير ميزان وال قانون وإنما كنت خاضعة لمنظومة فقهية تجيب عن إشكاالتها‬
‫ونوازلها كلما تطلب األمر ذلك‪ ،‬وهذه المنظومة تدور أحكامها على قواعد فقهية‬
‫مقاصدية عامة كانت محل تنزيل من قبل فقهاء العمران قديما ‪،‬ويمكن إجمالها في‬
‫أربع قواعد‪:‬‬

‫القاعدة األولي ‪:‬دفع المضار و جلب المصالح‪.‬‬

‫‪ . 94‬أذكر ‪،‬ونحن بكلية دار العلوم عام ‪1993‬م قمنا بزيارة المساجد األثرية بالقاهرة مع أد ‪/‬صالح نوار أستاذ التاريخ والحضارة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬وحكى لنا جانبا من هندسة العمران وبناء المرافق المصاحبة للمساجد والمدارس اإلسالمية ومراعاة النواحي الصحية‬
‫والبيئية السليمة في البناء والتشييد !! فجزاه اهلل خيرا وبارك في عمره وأثره ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪102‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫القاعدة الثانية ‪:‬تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض‬

‫القاعدة الثالثة ‪ :‬ارتكاب أخف الضررين‬

‫القاعدة الرابعة ‪:‬تحكيم العرف‬

‫وفيما يلي نتطرق بإيجاز لعالقة كل قاعدة بتنظيم العمران مع تذييلها ببعض‬
‫األمثلة‪ .‬القاعدة األولى ‪ :‬دفع المضار و جلب المصالح‬

‫بنى الفقهاء استنباط أغلب األحكام المتعلقة بالعمارة والبنيان على دفع الضرر‪،‬‬
‫معتمدين في ذلك على األدلة الشرعية المتضافرة على وجوب منع الضرر‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الحديث النبوي‪ ":‬ال ضرر وال ضرار "‪ 95‬الذي استدلوا به في أغلب مسائل االرتفاق‪،‬‬
‫وقد اقترن مبحث االرتفاق عند المالكية بمنع الضرر واتضح ذلك في عنونتهم‬
‫للمباحث المتعلقة بذلك كما ورد عند الفقيه ابن جزي الغرناطي(ت‪741‬ه ) في الباب‬
‫الخامس عشر حيث أفرده للحديث عن " المرافق ومنع الضرر‪ "96.‬وقد ارتكزوا على‬
‫هذه القاعدة في جميع أمور االرتفاق ومن أمثلة ذلك‪:‬منع الدبا أن يؤذي جيرانه‬
‫برائحة دباغة المنتنة ومنع الفرن والحمام‪،‬واألندر‪ 97‬قِرب ِ‬
‫الج ّن‪، 98‬وجميع ما يضر‬ ‫َ‬
‫بالمجال العمراني‪.‬‬

‫‪ .‬الحديث أخرجه اإلمام مالك في الموطأ ‪ ،‬كتاب األقضية ‪ ،‬باب القضاء في المرفق ‪ ،‬رقم ‪ .1234 :‬قال العالمة الزر قاني‬ ‫‪95‬‬

‫في معنى هذا الحديث ‪ " :‬ال ضرر خبر بمعنى النهي أي ال يضر اإلنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ‪ ،‬وال ضرار بكسر أوله فعال‬
‫أي ال يجازي من ضره بإ دخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين ‪ ،‬فاألول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا‬
‫والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة االعتداء بالمثل" محمد بن عبد الباقي‬
‫الزرقاني(ت‪1122‬ه ) ‪ ،‬شرح الزر قاني على موطأ اإلمام مالك ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬ط‪1411 ، 1‬ه ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬ج ‪4‬‬
‫ص‪.40:‬‬
‫‪ . 96‬القوانين الفقهية ‪ ،‬ابن جزي الغرناطي ‪ ،‬ط‪.‬د‪.‬ت‪ ،‬ج ‪1‬ص‪.223:‬‬

‫‪ . 97‬األَن َد ُر‪ :‬البَ ْي َد ُر ‪ ،‬انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.200‬‬

‫‪ . 98‬التاج واإلكليل ‪ ،‬أبو عبد اهلل العبدري ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1398 ،2‬ه ‪ ،‬بيروت ‪،‬ج ‪5‬ص‪.164:‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪103‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫القاعدة الثانية‪:‬تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض‬

‫إن المصالح الواجب مراعاتها تنقسم من حيث العموم والخصوص إلى مصالح‬
‫خاصة منفعتها تابعة آلحاد المكلفين‪ ،‬ومصالح عامة تعود منفعتها على عامة المكلفين‪،‬‬
‫وفي مجال العمران يقع في بعض األحيان التعارض بين هذين النوعين من المصلحة‪،‬‬
‫إال أن الفقهاء حسموا هذا التعارض منذ القديم لصالح المصالح العامة نظرا لقوة‬
‫أدلتها و عموم نفعها‪ ،‬و مثال ذلك منعهم التوسع في االرتفاقات الشخصية على‬
‫حساب الطرق واألفنية العامة‪ ،‬وقد استدلوا على هذا بما ورد من " أن حدادا ابتنى‬
‫كيرا في سوق المسلمين‪ ...‬فمر عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه فرآه‪ ،‬فقال لقد‬
‫انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه‪"99.‬‬

‫وعلى هذا ذهب اإلمام أشهب المالكي (ت‪204‬ه ) إلى أن للسلطان أن يأمر‬
‫بهدم ما اعتدي به على الطريق العامة " وال ينبغي ألحد التزيد من طريق المسلمين كان‬
‫في الطريق سعة أو لم يكن‪ ،‬كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه‪"100.‬‬

‫وقد استدلوا أيضا على تقديم المصلحة العامة و عدم االعتداء عليها بقضاء عمر‬
‫رضي عنه باألفنية ألرباب الدور يعني باالنتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس‬
‫الباعة فيها للبياعات الخفيفة و منع حيازتها بالبنيان والتحظير‪.101‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬ارتكاب أخف الضررين‬

‫‪ .‬مواهب الجليل‪ ،‬الشيخ أبو عبد اهلل الحطاب ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1398، 2‬ه ‪ ،‬بيروت ‪،‬ج‪5‬ص‪ . 153:‬و انظر‪ :‬حاشية‬ ‫‪99‬‬

‫الدسوقي محمد عرفة الدسوقي‪ ، ،‬تحقيق محمد عليش ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط ‪.‬د‪.‬ت ‪ ،‬بيروت ‪،‬ج ‪2‬ص‪.38:‬‬

‫‪ . 100‬مواهب الجليل‪ ،‬الشيخ أبو عبد اهلل الحطاب‪:‬ج‪5‬ص‪.153:‬‬

‫‪ . 101‬التاج واإلكليل‪ ،‬أبو عبد اهلل العبدري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪5‬ص‪ .152:‬و التحظير هو اإلحاطة لمنعها على غيره و جعل‬
‫األرض كالحظيرة ‪ ،‬انظر ابن منظور ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪4‬ص‪.203 :‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪104‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫انعقد اإلجماع الفقهي على قاعدة وجوب ارتكاب أخف الضررين عند‬
‫التقابل‪ ،102‬وأصبحت صالحة للتطبيق في جميع مجاالت الحياة‪ ،‬وباألخص في مجال‬
‫البنيان والعمران‪ ،‬حيث تم االستناد إليها في كثير من األحكام ومثالها‪ :‬القضاء على‬
‫الجار بأن يأذن لجاره في أن يدخل األجراء والبنائين من داره ألجل إصالح جداره‬
‫الكائن من جهته ارتكابا ألخف الضررين وهما دخول دار الجار وضرورة اإلصالح‬
‫ودخول دار الجار أخف‪ ،‬ويؤخذ من هذا أن منزل كنيف الجار إذ كان في دار جاره‬
‫فإنه يقضي على الجار في أن يأذن لجاره بإدخال العملة في داره‪"103.‬‬

‫القاعدة الرابعة ‪ :‬تحكيم العرف‪:‬‬

‫ف في اللغة ضد النكر‪ ،104‬وفي االصطالح‪ " :‬العرف ما استقرت النفوس عليه‬


‫العُ ْر ُ‬
‫بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول ‪ "105‬و هو عبارة عما يتعارف عليه الناس‬
‫بينهم‪.106‬‬

‫ويعتبر العرف من أهم أدلة التشريع التي يلجأ إليها المجتهدون في إجراء أحكام‬
‫الفقه على الواقع في كثير من المجاالت كاألحوال الشخصية‪ ،‬و أبواب المعامالت و‬
‫غيرها‪،‬وبتتبع مباحثهم في العمران ألفيناهم معتمدين على هذه القاعدة أشد االعتماد‬
‫والسيما في فض النزاع بين المتخاصمين على الحقوق االرتفاقية حيث ورد في بعض‬
‫الكتب الفقهية‪ ":‬وإذا تنازعا جدارا بين دارين حكم به لمن يشهد له العرف بأن له فيه‬

‫‪ . 102‬التاج واإلكليل‪ ،‬أبو عبد اهلل العبدري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪6‬ص‪.249:‬‬

‫‪ . 103‬حاشية الدسوقي ‪،‬محمد عرفة الدسوقي ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪3‬ص‪.367:‬‬


‫‪ . 104‬مختار الصحاح ‪ ،‬محمد بن أبي بكر الرازي ‪ ،‬تحقيق محمود خاطر ‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ ،‬طبعة جديدة ‪1995/1415 ،‬‬
‫‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ج‪1‬ص‪.179 :‬‬

‫التعريفات ‪ ،‬علي بن محمد الجرجاني ‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬ط‪ ، 1405 ،1‬بيروت‪ ،‬ج‬
‫‪1‬ص‪.105 193:‬‬

‫‪ .106‬المطلع ‪ ،‬محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي ‪ ،‬تحقيق محمد بشير األدلبي ‪ ،‬المكتب اإلسالمي ‪ ،‬ط‪1981/1401 ، 1‬‬
‫‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ج ‪1‬ص‪.264:‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪105‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫من التصرف ما يفعله المالك في أمالكهم من الرباط ومعاقد القمط‪ 107‬ووجوه اآلجر‬
‫واللبن وما أشبه ذلك‪. "108‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫التنمية البيئية في ضوء المقاصد الشرعية‬

‫المطلب األول‪ :‬دور المقاصد في التنمية البيئية ‪.‬‬

‫تقوم الرؤية المقاصدية للتنمية علي أساس المسؤولية الشرعية ببعديها ‪:‬‬

‫‪ 1‬اللزومي ‪ :‬من اإلنسان عن نفسه وعن القاصرين الذين في كنفه أو األعيان البيئية‬
‫ك وح ِّر ِ ِ ِ‬ ‫التي يملكها‪ ،‬يقول تعالى‪َ  :‬ال تُ َكلَّ ُ ِ‬
‫ين‪ ‬النساء‪.84:‬‬‫ض ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫ف إ َّال نَ ْف َ‬
‫س َ ََ‬
‫‪ 2‬المتعدي‪ :‬من الراعي إلى الرعية ‪،‬ومن جمهور المؤمنين وأفرادهم إلى بعضهم وإلى‬
‫‪..‬وتَ َع َاونُوا َعلَى الْبِِّر َوالتَّ ْق َوى َوَال تَ َع َاونُوا َعلَى ِْ‬
‫اإلثْ ِم‬ ‫السلطة التي تظلهم ‪ ،‬يقول تعالى‪َ  :‬‬
‫اب ‪ ‬المائدة‪. 2 :‬‬ ‫ان َواتَّ ُقوا اللَّهَ إِ َّن اللَّهَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬
‫والْع ْدو ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫األعيان البيئية هي في أصل‬ ‫وذلك يعني الوالية البشرية على أعيان البيئة‪:‬‬
‫ولكن اهلل تعالى أمكن اإلنسان من حيازتها بأسباب ترجع في مجملها‬
‫الملك هلل تعالى‪ّ ،‬‬
‫‪،‬وقد رتب تعالى عبادة هي في واقعها المادي ضريبة على هذه‬ ‫‪109‬‬
‫إلى العمل البشري‬
‫الحيازة‪.‬وتنقسم األعيان البيئية إلى ما يمكن حيازته وما ال يمكن ‪:‬‬

‫القسم األول ما ال يمكن حيازته‪ :‬يشمل هذا معظم أجزاء البيئة من موارد عامة‬
‫كالجبال واألنهار والبحار والهواء‪..‬فهذا يعد اإلضرار به باإلفساد أو اإلسراف في‬

‫‪ . 107‬الخشب التي تجعل في أركان الحيطان لتشدها " انظر‪ :‬ابن جزي الغرناطي ‪،‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪1‬ص‪223:‬‬
‫‪ .108‬التلقين ‪،‬القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي (ت ‪362‬ه ) ‪ ،‬تحقيق محمد ثالث سعيد الغاني‪ ،‬المكتبة التجارية‬
‫‪ ،‬ط‪ ، 1415 ،1‬مكة المكرمة ‪ ،‬ج ‪2‬ص‪. 433:‬‬

‫‪ 109‬أنظر‪ :‬االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬مذهباً ونظاماً‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم الطحاوي‪ ،‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية القاهرة‪1394 ،‬ه‬
‫‪1974‬م‪.186/1 ،‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪106‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫االستنزاف محرماً أشد التحريم؛ لكون البشرية بأجيالها الحالية والقادمة شريكة فيه‬
‫‪،‬واإلضرار فيه متع ّد ‪ .‬من ذلك ‪،‬ويقاس عليه ما هو أكبر منه بطريق األولى‪ :‬تحريم‬
‫البول في الماء الدائم أو التغوط في ظالل الشجر محرم ولو كان في مكان عام ٍ‬
‫خال‬ ‫ّ‬
‫اد فِي الْبَ ِّر َوالْبَ ْح ِر بِ َما‬
‫سُ‬ ‫من غير من يفعل ذلك كغابة أو بادية‪ ،‬قال تعالى‪  :‬ظَ َه َر الْ َف َ‬
‫وع ْن‬‫ض الَّ ِذي َع ِملُوا لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْرِجعُو َن ‪ ‬الروم‪َ ، 41:‬‬ ‫ت أَي ِدي الن ِ ِ ِ‬
‫َّاس ليُذي َق ُه ْم بَ ْع َ‬ ‫سبَ ْ ْ‬ ‫َك َ‬
‫ت َم َع النَّبِ ِّى‬ ‫اب النَّبِ ِّى ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قَ َ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫اج ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال غَ َزْو ُ‬ ‫ين م ْن أ ْ‬ ‫َر ُج ٍل م َن ال ُْم َه َ‬
‫ث فِى الْ َك ِإل َوال َْم ِاء َوالنَّا ِر ‪.»110‬‬ ‫ول « الْمسلِمو َن ُشرَكاء فِى ثَالَ ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َس َمعُهُ يَ ُق ُ‬
‫(ص) ثَالَثًا أ ْ‬
‫وظائف الموارد البيئية‪ " :‬ومما يدعم اعتبار موارد البيئة الطبيعية ‪،‬ملكاً مشتركاً لإلنسان‬
‫ينبغي االلتزام باآلداب اإلسالمية في تنميتها ‪،‬ودفع الضرر والفساد عنها ‪ ،‬أن وظائف‬
‫تلك الموارد مشتركة فيما بين البشر وبينها ‪،‬وهي ثالث ‪:‬‬

‫الوظيفة األولى تعبدية ‪ :‬وهي ذات شقين‪:‬‬

‫األول‪:‬يخص الموارد البيئة ذاتها‪:‬فهي مخلوقات تسبح بحمد خالقها‪،‬وتسجد له‬


‫ض َوَم ْن‬
‫األر ُ‬
‫الس ْب ُع َو ْ‬
‫ات َّ‬
‫الس َم َاو ُ‬
‫سبِّ ُح لَهُ َّ‬
‫‪،‬ودليل على قدرة الخالق‪،‬قال عز وجل‪ :‬تُ َ‬
‫‪ 110‬السنن ‪ ،‬السجستاني ‪،‬أبو داود ‪،‬سليمان بن األشعث ‪،‬كتاب اإلجارة باب منع الماء‪ ،‬وأخرجه صاحب‪ :‬كتاب الخراج‪ ،‬البن‬
‫آدم ‪،499،‬رقم ‪،315‬مصنف ابن أبي شيبة‪،7/5،‬رقم ‪ ،23194‬عن أبي خراش‪ ،‬مسند أحمد‪،364/5،‬رقم ‪ ،23132‬سؤاالت‬
‫البرذعي‪ ،448/1 ،‬عن ابن عباس‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،278/3 ،‬رقم ‪ ،3477‬سنن ابن ماجه‪ ،826/2 ،‬رقم ‪ ،2472‬قلت‪ :‬بزيادة‬
‫))وثمنه حرام(( ‪ ،‬قال أبو سعيد ‪ :‬يعني الماء الجاري‪ .‬ودرءاً لإلطالة أقف عند صحاح السنن لأللباني‪ :‬صحيح سنن أبي داود‪،‬‬
‫‪ ،665/2‬رقم ‪ ،3477/2968‬وقال صحيح‪ ،‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،64/2 ،‬رقم ‪ ، 2472/2004‬وقال‪ :‬صحيح‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫دون))ثمنه حرام(( ‪،‬قلت‪:‬وألن مسألة الماء والنار والكأل‪ ،‬هي مشتركة بين كل بني البشر‪ ،‬وليس بين المسلمين فقط‪ ،‬وألن البحث‬
‫يُعنى بكل الناس ‪ ،‬وجدنا أنه من الضروري الوقوف على حقيقة ألفاظ متن الحديث؛ التي أصلت لوحدة البيئة واالنتفاع من‬
‫مواردها‪ ،‬تجاه المسلمين عموماً ‪ ،‬وأيضاً على جهة العموم بين كل بني آدم‪ ،‬كاآلتي‪:‬‬

‫‪)) 1‬الناس شركاء في ثالثة((‪.‬‬

‫‪ 2‬ثالث ال يمنعن‪)) :‬الماء والكأل والنار(( أخرجه صاحب‪ :‬سنن ابن ماجه‪ ،826/2 ،‬رقم ‪ ، 2473‬عن أبي هريرة‪ ،‬مصباح‬
‫الزجاجة‪ ،81/3 ،‬وقال ‪ :‬هذا إسناد صحيح‪ ،‬رجاله ثقات‪ ،‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،64/2 ،‬رقم ‪ ،2473/2005‬وقال صحيح‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪107‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫سبِّ ُح بِ َح ْمده َولَك ْن ال تَ ْف َق ُهو َن تَ ْسبِ َ‬
‫يح ُه ْم إِنَّهُ َكا َن َحل ً‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورا‬
‫يما غَ ُف ً‬ ‫في ِه َّن َوإ ْن م ْن َش ْيء إال يُ َ‬
‫ات َوَم ْن فِي‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫َن اللَّهَ يَ ْس ُج ُد لَهُ َم ْن في َّ َ َ‬ ‫‪ ‬اإلسراء‪،.44 :‬وقال تعالى‪  :‬أَلَ ْم تَ َر أ َّ‬
‫اب َوَكثِ ٌير ِم َن الن ِ‬
‫َّاس َوَكثِ ٌير َح َّق‬ ‫الش َج ُر َو َّ‬
‫الد َو ُّ‬ ‫ال َو َّ‬ ‫ْجبَ ُ‬‫الشمس والْ َقمر والنُّجوم وال ِ‬
‫ض َو َّ ْ ُ َ َ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫األر ِ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫شاءُ ‪ ‬الحج‪.18 :‬‬ ‫اب َوَم ْن يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِرم إِ َّن اللَّهَ يَ ْف َع ُل َما يَ َ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه ال َْع َذ ُ‬
‫الثاني‪ :‬يخص اإلنسان الذي ُسخِّرت لخدمته ‪ ،‬فالموارد البيئية مجال تأمل اإلنسان‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫‪،‬وإعمال فكره حولها وحول مبدعها ‪،‬قال تعالى‪ :‬إِ َّن في َخل ِْق َّ َ َ‬
‫ين يَ ْذ ُك ُرو َن اللَّهَ قِيَ ًاما َوقُعُ ً‬
‫ودا‬ ‫َّ ِ‬
‫اب (‪ )190‬الذ َ‬ ‫ات ِألُولِي ْاألَلْبَ ِ‬
‫َّها ِر َآلَي ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوا ْخت َالف اللَّْي ِل َوالن َ َ‬
‫ت ه َذا ب ِ‬ ‫الس ماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ًال‬ ‫ض َربَّنَا َما َخلَ ْق َ َ َ‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َو َعلَى ُجنُوب ِه ْم َويَتَ َف َّك ُرو َن في َخل ِْق َّ َ َ‬
‫اب النَّا ِر ‪ ‬آل عمران‪. 191 190‬‬ ‫سبحانَ َ ِ‬
‫ك فَقنَا َع َذ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫إن التعدي على موارد البيئة ‪ ،‬بإتالفها أو استنزافها ‪ ،‬يعوقها عن أداء تلك الوظيفة‬
‫التعبدية بشقيها ‪ ،‬بل إن استعمالها من جانب فرد أو أفراد من أجل منفعة ال تتناسب‬
‫مع ذلك ‪،‬وما ينشأ عن ذلك من إضرار باآلخرين الذين يتقاسمون االنتفاع بتلك‬
‫الموارد هو نوع من التعسف في استعمال الحق غير مشروع‪.‬‬

‫الوظيفة الثانية جمالية ترفيهية‪ :‬ذلك أن اهلل تعالى خلق موارد البيئة مختلفة األلوان‬
‫واألشكال ؛إلدخال البهجة على نفس من استخلفه في عمارة األرض‪،‬قال تعالى‪  :‬أَلَ ْم‬
‫ات م ْختَلِ ًفا أَلْوانُ َها وِمن ال ِ‬
‫ْجبَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َن اللَّه أَنْ ز َل ِمن َّ ِ‬
‫ال ُج َد ٌد‬ ‫َ َ َ‬ ‫اء فَأَ ْخ َر ْجنَا بِه ثَ َم َر ُ‬
‫الس َماء َم ً‬ ‫تَ َر أ َّ َ َ َ‬
‫ف‬‫اب َواألنْ َع ِام ُم ْختَلِ ٌ‬ ‫يب ُسو ٌد * َوِم َن الن ِ‬
‫َّاس َو َّ‬
‫الد َو ِّ‬ ‫ِ‬
‫ف أَل َْوانُ َها َوغَ َراب ُ‬‫يض َو ُح ْم ٌر ُم ْختَلِ ٌ‬ ‫بِ ٌ‬
‫ادهِ الْعُلَ َماءُ ‪ ‬فاطر‪ ،28 ،27 :‬وهنا ال يسو شرعاً‬ ‫شى اللَّهَ ِمن ِعب ِ‬ ‫أَل َْوانُهُ َك َذلِ َ‬
‫ك إِنَّ َما يَ ْخ َ‬
‫ْ َ‬
‫االعتداء على تلك الموارد‪ ،‬لما في ذلك من تعطيل لها عن أداء وظيفتها‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪108‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫حياتية معاشية‪ :‬قوامها االنتفاع بالموارد الطبيعية في المأكل‬ ‫الوظيفة الثالثة‬


‫والمشرب‪...‬فال يجوز للفرد أن يفتئت على حقوق الغير ‪"111..‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬ما يمكن حيازته‪ :‬وذلك يشمل ما يجري عليه الملك من موارد البيئية‬
‫كامتالك العقارات ‪،‬والحيوانات ‪،‬ووسائط النقل‪،‬فهذه األشياء يجوز حيازتها في أسباب‬
‫مشروعة ترجع مآالً إلى العمل(الربح‪ :‬عائد التنظيم ‪،‬األجر‪ :‬عائد العمل‪ ،‬الريع‪ :‬عائد‬
‫األرض‪ ،)112‬وهذه تنحصر سلطة مالكها أو المنتفع بها كالمستأجر بالعناية ‪ ،‬واالمتناع‬
‫ين يُ ْؤذُو َن اللَّهَ َوَر ُسولَهُ لَ َعنَ ُه ُم اللَّهُ فِي‬ ‫َّ ِ‬
‫عن أذية الغير حاالً أو مآالً ‪ ،‬قال تعالى‪  :‬إِ َّن الذ َ‬
‫َع َّد لَ ُهم َع َذابا م ِهينًا (‪ )57‬والَّ ِذين ي ْؤذُو َن الْم ْؤِمنِين والْم ْؤِمنَ ِ‬
‫ات بِغَْي ِر َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫الدنْ يَا َواآلخ َرة َوأ َ ْ ً ُ‬
‫احتَ َملُوا بُ ْهتَانًا َوإِثْ ًما ُمبِينًا (‪  )58‬األحزاب‪.58، 57:‬‬ ‫ِ‬
‫سبُوا فَ َقد ْ‬
‫ا ْكتَ َ‬
‫وكما أن الثروات الخاصة شرع اهلل تعالى لها من أحكام التشغيل والصدقات‬
‫والميراث ما يكفل دورانها بين أفراد األمة بأسرع من أربعين سنة لكل دورة لرأس المال‬
‫مهما كان عقارات منقولة أو غير منقولة أو ثروة نقدية ؛ فإ ّن اهلل تعالى جعل تجديد‬
‫الموارد البيئية من أهم األعمال التي ينهض بها المسلم ال بل هي مقصد من مقاصد‬
‫ض ب ع َد إِ ِ‬
‫وجوده على ظهر البسيطة‪ ،‬يقول تعالى‪َ ( :‬وَال تُ ْف ِس ُدوا فِي ْاأل َْر ِ َ ْ ْ‬
‫ص َالح َها َوا ْدعُوهُ‬
‫ين (‪ )56‬األعراف‪.56:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ت اللَّ ِه قَ ِر ِ‬
‫َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا إِ َّن َر ْح َم َ‬
‫يب م َن ال ُْم ْحسن َ‬‫ٌ‬
‫إ ّن العناية بأعيان البيئة ذات الملكية الخاصة أو العامة حتى لو كانت من أمالك‬
‫األعداء‪ 113‬تأتي على شكل مغرم ال بد منه مقابل المغنم من االنتفاع بتلك األعيان ولو‬
‫مآالً أي ليست بحوزة صاحب الحق‪.‬‬

‫‪ 111‬حماية البيئة في الفقه اإلسالمي ‪،‬د‪.‬أحمد عبد الكريم سالمة ‪ ،‬مجلة األحمدية دبي العدد األول المحرم ‪1419‬ه‬
‫ص‪ 302-300‬بتصرف‪.‬‬

‫‪ 112‬االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم الطحاوي‪ ،‬السابق ‪.225/1 ،‬‬

‫ِِ‬ ‫‪ 113‬إن الحكم الوارد في مثل قوله تعالى‪ ":‬ما قَطَعتم ِمن لِين ٍة أَو تَرْكتموها قَائِمةً علَى أ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ين‬ ‫ُصول َها فَبِإ ْذن اللَّه َوليُ ْخ ِز َ‬
‫ي الْ َفاسق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ ْ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫"(الحشر‪ )5:‬هو من قبيل االستثناء من األصل ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪109‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫وال يجوز نكاية بعدو اليوم حرمان أبناء الغد إذ ال نملك الحكم عليهم رجماً بالغيب؛‬
‫اهلل أعلم بأعمالهم‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬إن العناية بالتوازن البيئي هي المقابل لحيازة اإلنسان ألعيان البيئة أو انتفاعه‬
‫بها‪ 114‬ويشهد لما نقول القاعدة الفقهية الشهيرة‪):‬الغرم بالغنم‪. (115‬‬

‫‪ -‬ركائز الحفاظ على البيئة‪:‬‬

‫اعتنت الشريعة اإلسالمية بالصحة البيئية وجعلتها من الشروط المادية لبقاء‬


‫األجناس الحية‪ ،‬والتي يعتبر اإلنسان بوصفه خليفة اهلل في أرضه مسئوال عن بقائها‬
‫واستمرارها على وجه تام من الصحة والعافية‪ ،‬تماماً كما هو مسئول عن بقائه وبقاء‬
‫أبناء جنسه‪ ،‬وفي ما يلي نقاط البد من اإلشارة إليها تحقق مقاصد الشريعة فى‬
‫ذلك‪،‬بل و تعد ركائز الحفاظ على البيئة من المنظور اإلسالمي‪:‬‬

‫‪ 1‬النظافة والتطهير‪ :‬اعتبرت الطهارة شرطاً من شروط بعض العبادات ‪ ،‬وخاصة‬


‫الصالة‪ ،‬وأوردت السنة آداباً كثيرة في النظافة واالغتسال والتطيب وحسن الهندام‪،‬‬
‫خاصة في المناسبات العامة ك صالة الجمعة و العيدين ‪ ،‬وحثت على إماطة األذى أياً‬
‫ّ‬
‫كان حجمه أو ضرره ولو صغيراً عن الطرق والسبل‪.‬‬

‫‪ 114‬حول الملك واالنتفاع يمكن التوسع عند اإلمام القرافي في الفروق وشرحه (إدرار الشروق) البن الشاط في الفرق الثمانين‬
‫بعد المائة ‪ 364/3،‬من ط‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت ‪1418‬ه ‪1998-‬م‪.‬‬

‫‪ 115‬قاعدة الغنم بالغرم‪ :‬شرح أدب القاضي للخصاف‪ ،‬للصدر الشهيد‪ ،292/2،‬خاتمة مجامع الحقائق‪ ،‬للخادمي‪47 45 ،‬‬
‫‪ ،‬حرف العين‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ، 169/2 ،‬القضاء ‪ ،‬مجلة األحكام العدلية‪ ،‬م‪ ،87/‬القواعد الفقهية‪ ،‬للندوي‪ ،305 ،‬بلفظ‪:‬‬
‫الغرم مقابل الغنم‪ ،‬و‪ ،374‬بلفظ ‪ :‬الغرم بالغنم‪ .‬والمهم ‪ :‬أن القاعدة مستنبطة من حديث))الخراج بالضمان(( وتعبر عن مفهوم‬
‫وأما ))الخراج‬ ‫المخالفة‪ ،‬ويبنى عليها كثير من األحكام ‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه شاه ولي اهلل ‪ ،‬في حجة اهلل البالغة‪.169/2 ،‬‬
‫بالضمان(( ‪ ،‬فقد أخرجه صاحب‪ :‬مسند أحمد ‪ ،49/6 ،‬رقم ‪ ، 24270‬و ‪ ،237/6‬عن عائشة ‪ ،‬ودرءاً لإلطالة أقف عند‬
‫تصحيحه في ‪ :‬سنن أبي داود ‪ ، 670/2 ،‬رقم ‪ ، 3508/2994‬وقال‪ :‬حسن ‪ ،‬صحيح ابن ماجه‪ ،22/2 ،‬رقم‬
‫‪ ،2243/1822‬وقال‪ :‬حسن‪ ،‬صحيح سنن الترمذي‪ ،25/2 ،‬رقم ‪ ، 1308/1033‬وقال‪ :‬حسن ‪ ،‬صحيح سنن النسائي‬
‫(المجتبى) ‪ ،935/3 ،‬رقم ‪ ، 4182‬وقال األلباني‪ :‬كما سبق آنفاً في كتبه ‪ :‬حسن‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪110‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ 2‬الحفاظ على صحة اإلنسان‪ :‬دعت النصوص في القرآن والسنة إلى الحفاظ على‬
‫الصحة ؛ بدءاً من الدعاء بطلب العافية ‪ ،‬إلى الوسائل التي تجلب العافية ‪ ،‬ومنها‬
‫المحافظة على نقاء البيئة لئال تنشأ بؤر تصبح مباءة لألمراض المعدية والفتاكة‪.‬‬

‫‪ 3‬التشجير والتخضير‪ :‬حضت آيات وأحاديث كثيرة على الغرس والزرع‪ ،‬ال بل إن‬
‫الزرع والشجر المثمر دخل في الوجدان الديني لألمة اإلسالمية‪ ،‬وبات الفرد الصالح‬
‫يشبه بالشجر المثمر‪ ،‬فمن ذلك ما رواه ابن عمر(ض)أ ّن النبي صلى اهلل عليه و سلم‬
‫قال ‪(:‬ما شجرة ال يسقط ورقها وهى مثل المؤمن أو قال المسلم) ‪ ،‬قال‪ :‬فوقع الناس‬
‫في شجر البوادي ‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬ووقع في نفسي أنّها النخلة‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه و سلم‪( :‬هي النخلة قال فذكرت ذلك لعمر فقال ألن تكون قلتها كان أحب‬
‫إلى من كذا وكذا‪ . )116‬ومن أعظم األدلة على هذه الرعاية اإلسالمية للغطاء األخضر‬
‫من السنة النبوية ما رواه أنس رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم‬
‫(ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إال كان له‬
‫به صدقة‪. )117‬‬

‫‪ 4‬العمارة والتثمير‪ :‬اعتبر الراغب األصفهاني(‪ 502‬ه ) في كتابه ( الذريعة إلى مكارم‬
‫الشريعة) أن عمارة األرض أحد مقاصد خلق اإلنسان ‪ ،‬لقوله (ص) فيما رواه عنه س ِع ِ‬
‫يد‬ ‫َ‬
‫س لِ ِع ْر ٍق ظَالِ ٍم َح ٌّق ‪.»118‬‬
‫ضا َم ْيتَةً فهي لَهُ َولَْي َ‬
‫ٍ‬
‫بْ ِن َزيْد « َم ْن أ ْ‬
‫َحيَا أ َْر ً‬

‫‪ 116‬أحمد‪ ،‬اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬مسند عبد اهلل بن عمر‪.‬‬

‫‪ 117‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬كتاب المزارعة‪ ،‬باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه‪ ،‬ومسلم في الصحيح‪ ،‬كتاب‪ :‬المساقاة ‪،‬‬
‫باب فضل الغرس والزرع‪.‬‬

‫‪ 118‬رواه أبو داود في سننه‪،‬كتاب الخراج‪ ،‬باب في إحياء الموات‪ ،‬وصححه األلباني‪ ،‬وأورده البخاري تعليقاً بصيغة الجزم في‬
‫كتاب المزارعة وقفاً على عمر بن الخطاب ‪ ،‬و ذكر رواية الرفع عن عمر وابن عوف بصيغة تمريض أيضاً تعليقاً‪،‬في كتاب المزارعة‬
‫‪ ،‬باب من أحيا أرضاً مواتاً‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪111‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المس بموارد األرض‬ ‫‪ 5‬المحافظة على الموارد‪ ،‬فقد نهى المولى تعالى بني البشر عن ّ‬
‫ص َال ِح َها‪‬‬ ‫المهيّأة للعمران البشري ‪ ،‬فقال جل عاله‪َ :‬وَال تُ ْف ِس ُدوا فِي ْاأل َْر ِ‬
‫ض بَ ْع َد إِ ْ‬
‫األعراف‪،56:‬واإلفساد يكون باإلتالف وتفويت المنافع ‪ ،‬أو التلويث واإلسراف ‪ ،‬أو‬
‫والشر ‪،‬ولذا نهى النبيصلى اهلل عليه وسلم رجالً أن يذبح شاة‬‫ّ‬ ‫بإشاعة الظلم والباطل‬
‫حلوباً ‪ ،‬وفي السنة إنذار لمن يقتل طيراً أو حيواناً بغير منفعة‪ ،‬أو يتخذ شيئاً فيه روح‬
‫هدفاً للتصويب عليه‪ ،119‬كما أ ّن بها حثّاً على االستفادة حتى من جلد الميتة‪.120‬‬

‫تتضمن اإلتقان والشفقة واإلكرام ‪،‬فقد كان‬


‫‪ 6‬اإلحسان إلى البيئة‪ :‬اإلحسان كلمة ّ‬
‫ضأ بفضلها‪ ،‬وكان‬
‫ثم يتو ّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يميل للقطة اإلناء حتى تشرب ّ‬
‫بعض الخلفاء مثل عمر بن عبد العزيز يكتب إلى عماله أال يحملوا اإلبل ما ال تطيق ‪،‬‬
‫وأال يضربوها بالحديد‪ ،‬وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة يقول ‪ :‬قال النبي صلى اهلل‬
‫عليه و سلم (( تأتي اإلبل على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يعط فيها حقها‬
‫تطؤه بأخفافها وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم تعط فيها حقها تطؤه‬
‫بأضالفها وتنطحه بقرونها وقال ومن حقها أن تحلب على الماء‪. )) 121‬المحافظة على‬
‫البئة من اإلتالف‪ :‬نهى اإلسالم عن إتالف أحياء البيئة أو حتى أعيانها الجامدة كالتربة‬
‫والماء الجاري والراكد‪..‬سواء كان ذلك بدافع الغضب أو العبث أو اإلهمال أو في‬
‫العمليات الحربية ‪،‬ولذا قال المؤرف الفرنسي غوستاف لوبون‪" :‬ما عرف التاريخ فاتحاً‬

‫‪ 119‬لما رواه البخاري في الصحيح عن ابن عمر رضي اهلل عنهما (أنه دخل على يحيى بن سعيد وغالم من بني يحيى رابط‬
‫دجاجة يرميها فمشى إليها ابن عمر حتى حلها ثم أقبل بها وبالغالم معه فقال ازجروا غالمكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل فإني‬
‫سمعت النبي صلى اهلل عليه و سلم نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل) ‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد ‪ ،‬باب ما يكره من المثلة‪ ،‬و‬
‫المصبورة و المجثّمة‪.‬‬

‫وح ٍة‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ‬م َّر بِ َ ٍ‬ ‫‪ 120‬الحديث رواه مسلم في كتاب الحيض باب طهارة جلود الميتة بالدبا ‪ ،‬عن ابن عباس أ َّ‬
‫شاة َمط ُْر َ‬ ‫َ‬ ‫َن َر ُس َ‬
‫َخ ُذوا إِ َهابَ َها فَ َدبَغُوهُ فَانْتَ َف ُعوا بِ ِه »‪.‬‬ ‫أُ ْع ِطيَ ْت َها َم ْوالَةٌ لِ َم ْي ُمونَةَ ِم َن َّ‬
‫الص َدقَ ِة فَ َق َ‬
‫ال النَّبِ ُّى ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « -‬أَالَّ أ َ‬

‫‪ 121‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب إثم مانع الزكاة‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪112‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫أعدل وال أرحم من العرب ‪ ".‬ومن يتابع الجرائم األمريكية في فيتنام والعراق يتأكد من‬
‫رحمة المسلمين بغيرهم وبالبيئة حتى في العمليات العسكرية والحروب‪.122‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬أسس التشريعات البيئية في ضوء المقاصد الشرعية‬

‫تقوم التشريعات البيئية على أساس عالقة اإلنسان بأعيان البيئة من حيث‬
‫الملك واالنتفاع‪:‬قال الكمال ابن الهمام (‪861‬ه ِ‬
‫)‪(:‬الملك هو قدرة يُثبتها الشارع‬
‫ابتداء على التصرف)‪.123‬ويشرح اإلمام القرافي(‪684‬ه )‪:‬التصرف والملك كل واحد‬
‫منهما أعم من اآلخر من وجه وأخص من وجه ‪،‬والعبارة الكاشفة عن حقيقة الملك ‪:‬أنه‬
‫حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه‬
‫‪124‬‬
‫بالمملوك ‪،‬والعوض عنه من حيث هو كذلك ‪.‬ثم ساق عن اإلمام المازرى(‪)536‬‬
‫(في شرح التلقين) قوله‪ :‬األعيان ال يملكها إال اهلل تعالى‪،‬ألن الملك هو التصرف ‪،‬وال‬
‫يتصرف في األعيان إال اهلل تعالى ؛باإليجاد واإلعدام واإلماتة واإلحياء ‪ ،‬ونحو ذلك‪،‬‬
‫وتصرف الخلق إنما هو في المنافع فقط بأفعالهم من األكل والشرب والمحاوالت‬
‫رد العين فهو‬
‫والحركات والسكنات‪..‬وتحقيق الملك أنه إن ورد على المنافع مع ّ‬
‫اإلجارة ‪،‬وفروعها من المساقاة والمجاعلة والقراض‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وإن ورد على‬
‫المنافع مع أنه ال يرد العين بل يبذلها لغيره بعوض أو بغير عوض ؛ فهو البيع‪ ،‬والهبة‬

‫‪ 122‬مدونة ناصر حاكمي الجزائري‪/8 ،‬سبتمبر‪2007 /‬م‪ ،‬عن محاضرة وكتاب للشيخ د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬رعاية البيئة في‬
‫شريعة اإلسالم‪ ،‬وتابعه مصطفى عاشور‪2008/8 ،‬م نادي البيئة التطوعي ‪ ،‬حماية البيئة فريضة شرعية‪.‬‬

‫‪ 123‬شرح فتح القدير‪،‬الكمال ابن الهمام الحنفي‪،‬ط‪1415 ،1‬ه ‪1995‬م‪،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان بيروت‪.230 /6 ،‬‬

‫‪ 124‬المازرى (‪ 536 453‬ه ) هو‪ :‬محمد بن علي بن عمر التميمي‪ ،‬أبو عبد اهلل ‪،‬محدث‪ ،‬من فقهاء المالكية‪ ،‬نسبته إلى مازر‬
‫بجزيرة صقلية‪ ،‬ووفاته بالمهدية‪ ،‬من مصنفاته‪ :‬المعلم بفوائد مسلم‪ ،‬في الحديث‪ ،‬والتلقين‪ ،‬في الفروع‪ ،‬وغيرها‪ ،‬األعالم للزر كلي‪:‬‬
‫‪.277/6‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪113‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫والعقد في الجميع إنما يتناول المنفعة فقد ظهر بهذه المباحث حقيقة الملك ‪،‬والفرق‬
‫بينه وبين التصرفات ‪ ،‬وما يتوهم التباسه به‪.125‬‬

‫‪،‬الملكية وخاض في حدها وقرر أن‬ ‫‪126‬‬


‫وقد درس د‪.‬عبد اهلل بن عبد العزيز المصلح‬
‫التعريف المختار‪(:‬عالقة شرعية بين اإلنسان والشيء المملوك تخول صاحبها االنتفاع‬
‫ابتداء إال لمانع)‬
‫ً‬ ‫‪،‬والتصرف وحده‬

‫نالحظ أن د‪ .‬المصلح مال في حد الملك إلى تعريف الحنفية ‪ ،‬لدقته وشموله‬


‫‪،‬وقد أقرت الدراسات الحديثة هذه النظرة إلى الملكية ‪،‬وهي في جوهرها( ٌّ‬
‫حق‬
‫بالتصرف والحيازة) ‪.‬‬

‫والذي يعنينا هنا هو األحكام التي رتبها الشريعة على المكلفين صوناً للبيئة‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪ 1‬ضبط التصرف في الملك العام والخاص بما يكفل الحفاظ على التوازن البيئي‪،‬‬
‫ال يَا قَ ْوِم‬ ‫وهو ما عبر عنه اهلل تعالى باإلصالح‪ ،‬قال تعالى على لسان نبيه شعيب‪ :‬قَ َ‬
‫ُخالَِف ُك ْم إِلَى َما‬ ‫سنًا َوَما أُ ِري ُد أَ ْن أ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫أ ََرأَيْ تُ ْم إِ ْن ُك ْن ُ‬
‫ت َعلَى بَيِّ نَة م ْن َربِّي َوَرَزقَني م ْنهُ ِرْزقًا َح َ‬
‫ْت َوإِلَْي ِه‬
‫ت َوَما تَ ْوفِ ِيقي إَِّال بِاللَّ ِه َعلَْي ِه تَ َوَّكل ُ‬
‫استَطَ ْع ُ‬‫ح َما ْ‬ ‫ص َال َ‬ ‫أَنْ َها ُك ْم َع ْنهُ إِ ْن أُ ِري ُد إَِّال ِْ‬
‫اإل ْ‬
‫ص َال ِح َها َوا ْدعُوهُ َخ ْوفًا‬ ‫ض بَ ْع َد إِ ْ‬ ‫يب ‪ ‬هود‪ ،88:‬وقال تعالى‪َ  :‬وَال تُ ْف ِس ُدوا فِي ْاأل َْر ِ‬ ‫أُن ُ‬
‫ِ‬
‫اح بُ ْش ًرا بَ ْي َن‬ ‫ين (‪َ )56‬و ُه َو الَّ ِذي يُ ْر ِس ُل ِّ‬ ‫ِِ‬ ‫ت اللَّ ِه قَ ِر ِ‬ ‫َوطَ َم ًعا إِ َّن َر ْح َم َ‬
‫الريَ َ‬ ‫يب م َن ال ُْم ْحسن َ‬ ‫ٌ‬
‫اء فَأَ ْخ َر ْجنَا بِ ِه ِم ْن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ٍ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت َس َحابًا ث َق ًاال ُس ْقنَاهُ لبَ لَد َميِّت فَأَنْ َزلْنَا به ال َْم َ‬ ‫يَ َد ْي َر ْح َمتِ ِه َحتَّى إِ َذا أَقَ لَّ ْ‬
‫ج ال َْم ْوتَى لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن (‪ )57‬األعراف‪.57 ، 56:‬‬ ‫ك نُ ْخ ِر ُ‬ ‫ات َك َذلِ َ‬‫ُك ِّل الثَّمر ِ‬
‫ََ‬
‫والقول بضبط التصرف باألعيان البيئية مأخوذ من مصدرين تشريعيين ‪:‬‬

‫‪ 125‬الفروق ‪،‬القرافي ‪،‬أبو العباس ‪،‬أحمد بن إدريس الصنهاجي ‪ ،‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت ‪1418‬ه ‪1998-‬م‪،‬الفرق‬
‫الثمانون والمائة‪ 364/3،‬و ‪.373‬‬

‫‪ 126‬عميد كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية – أبها ‪،‬كما جاء على غالف كتابه‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪114‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫محرماً لجملة من‬


‫‪ 1‬نصوص الكتاب والسنة ما كان عاماً‪ ،‬أو خاصاً موجباً أو ّ‬
‫التصرفات بأعيانها؛ كتحريم قطع الشجر بغير حاجة‪ ،‬وما يقاس على هذه التصرفات‬
‫قطعها‪ ،‬لقوله‬ ‫من أفعال تتفق معها في العلة‪ ،‬كتحريم حرق األشجار قياساً على حرمة‬
‫ِ ِ‬ ‫ُصولِ َها فَبِِإ ْذ ِن‬ ‫تعالى‪ :‬ما قَطَ ْعتُم ِمن لِينَ ٍة أَو تَ رْكتُم َ ِ‬
‫اللَّه َوليُ ْخ ِز َ‬
‫ي‬ ‫وها قَائ َمةً َعلَى أ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬
‫ين‪ ‬الحشر‪ ،5:‬قال اإلمام القرطبي(‪671‬ه ) في تفسير اآلية‪:‬نزلت اآلية بتصديق‬ ‫الْ َفاسق َ‬
‫من نهى عن القطع وتحليل من قطع من اإلثم‪ ،‬وأخبر أن قطعه وتركه بإذن اهلل‪.127‬‬

‫‪ 2‬اعتبار المآالت وهو‪":‬تحقيق مناط الحكم بالنظر في االقتضاء التبعي الذي يكون‬
‫عليه عند تنزيله؛ من حيث حصول مقصده‪ ،‬والبناء على ما يستدعيه ذلك االقتضاء ‪.‬‬
‫والمقصود بتحقيق المناط ؛ المعنى العام؛ الذي هو إجراء الحكم المتي ّقن‪ ،‬أو األصل‬
‫الكلّي في آحاد صوره؛ من خالل معرفة الغاية النوعية التي استهدفها الشارع من تشريع‬
‫الحكم‪ ،‬والكشف عن وجودها في الحادثة المعروضة على النظر وهو ما نعتمد عليه‬
‫فى التشريع البيئي‪".128‬‬

‫‪ 127‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪،‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد‪، ،‬تفسير سورة الحشر‪،،‬أعاد طبعه دار إحياء التراث‬
‫العربي‪.6/18،‬‬

‫معمر‪، 105 :،‬ط‪1429 2‬ه ‪ ،‬دار ابن الجوزي‪،‬‬


‫‪ 128‬اعتبار المآالت ومراعاة نتائج التصرف‪ ،‬السنوسي‪ ،‬عبد الرحمن بن ّ‬
‫المملكة العربية السعودية الدمام‪( .‬بتصرف يسير )‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪115‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المبحث الثالث‬

‫دور المقاصد الشرعية في تحقيق التعايش االجتماعي‬

‫توطئة‪:‬أهمية فقه االجتماع والتعايش‬

‫االجتماع والتعايش باعتباره فريضة شرعية وضرورة حياتية له أهمية قصوى حيث ينظم‬
‫العالقة بين أفراد وطوائف المجتمع ‪،‬فيعرف كل حقوقه وواجباته‪.‬أما عن فوائد‬
‫االجتماع فهي كثيرة ومهمة جدا ‪ ،‬خاصة في هذه الظروف التي تعيشها األمة من تفرق‬
‫المسلمين واختالفهم في كثير من األمور ‪ ،‬وذلك بسبب عدم تحقيق ما يريده الشارع‬
‫من االجتماع ‪ ،‬ألننا لم نفهم سبب صالتنا مجتمعين ولماذا نحج في هذا الجمع‬
‫المهيب كل ذلك ألن الشارع يريد أن يجتمع المسلمون على قلب رجل واحد ‪،‬‬
‫فمن فوائد االجتماع‪:‬‬

‫‪ -1‬أن االجتماع يساعد المجتمع على مواجهة التحديات ‪ ،‬فنحن إذا اجتمعنا نستطيع‬
‫أن نصمد أمام التحديات العصرية ‪ ،‬ولن تستطيع األمة أن تواجه هذه التحديات إال‬
‫باالجتماع‪.‬‬

‫‪-2‬أنه يساعد على إظهار عظمة اإلسالم ‪ ،‬من القوة واالتحاد‪.‬‬

‫‪ -3‬تحقيق األلفة والعدالة والمحبة والتآخي ‪ ،‬فاالجتماع سيحقق كل هذه المعاني‬


‫عندما نصلي في مسجد واحد ‪ ،‬ونقف في صف واحد ‪ ،‬نركع جميعا ‪ ،‬نسجد جميعا ‪،‬‬
‫نحج جميعا ‪ ،‬كل هذا فيه معنى الترابط والتالحم واأللفة ‪ ،‬وعدم التفريق بين‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪ -4‬القضاء على العصبية القبلية ‪ ،‬فإننا إذا اجتمعنا في المسجد صلى فيه الجميع‬
‫الكبير والصغير والشريف والوضيع والغني والفقير ‪ ،‬كلهم يخضعون ‪ ،‬يسجدون هلل –‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪116‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫سبحانه وتعالى – فالعالقة بيننا هي عالقة الدين ‪ ،‬كما قال سلمان الفارسي – رضي‬
‫اهلل عنه‪:‬‬

‫أب لي سواه ‪ ...‬إذا افتخروا ب َق ْيس أو تَ ِميم‬


‫اإلسالم ال َ‬
‫ُ‬ ‫أبي‬

‫ومن هنا جاء اإلسالم فرفع أناسا ‪ ،‬ووضع آخرين ‪ ،‬وكما جاء في الحديث ‪ ( :‬من بَطّأ‬
‫به عمله لم يسرع به نسبه) ‪.‬‬

‫‪ -5‬القضاء على ما يحاول أن يفعله المحاربون من المشركين من تفريق كلمة‬


‫المسلمين ‪ ،‬وجعلهم فرقا وأحزابا ‪ ،‬فنحن إخوة ‪ ،‬وإن كان هذا من مصر ‪ ،‬وهذا من‬
‫الشام ‪ ،‬أو العراق ‪ ،‬أو باكستان ‪ ،‬أو اليمن ‪ ،‬أو السودان ‪ ،‬أو من أي مكان طالما أنه‬
‫مسلم ‪ ،‬فالذي يجمعنا هو اإلسالم ‪ ،‬ال األماكن ‪ ،‬وال القبائل ‪ ،‬وال العصبيات ‪ ،‬وال‬
‫غير ذلك؛ فنحن ننتمي لهذا الدين قبل أن ننتمي ألي شيء ‪،‬وهذا ما فعله النبي (ص)‬
‫عندما أسقط دعوى الجاهلية ‪ ،‬ووضعها تحت قدميه ‪ ،‬وأمر بالمساواة ‪ ،‬وتصحيح‬
‫المفاهيم ‪ ،‬ومحاربة التمييز بين عرق وآخر من أجل أن يرسم منهجا لألمة إلى قيام‬
‫الساعة‪ .‬وقد طبق النبي (ص)هذا المنهج أوال على األقربين ‪ ،‬حتى يكون قدوة لجميع‬
‫المسلمين ‪ ،‬فأول ربا وضعه ربا العباس ‪،‬فقال ‪ « :‬وربا الجاهلية موضوع ‪ ،‬وأول ِربا‬
‫أضع من ِربَانا ربا العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬فإنه موضوع كله » ‪.‬وقال ‪ « :‬لو أن فاطمة‬
‫بنت محمد سرقت لقطعت يدها » ‪ .‬يريد التأكيد على أن هذا النظام ‪ ،‬أو هذا‬
‫الدستور ‪ ،‬أو هذا الدين يشمل الجميع ‪ ،‬وال يستثنى أحد لقرابة ‪ ،‬أو مكانة ‪ ،‬أو ما‬
‫شابه ذلك‪.‬‬

‫‪ -6‬تحقيق البركة ‪ ،‬فاالجتماع فيه بركة في أمور الخير كلها ‪،‬حتى في الطعام ‪ ،‬فقد‬
‫جاء بعض أصحاب النبي – صلى اهلل عليه وسلم – فقالوا ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬إنا نأكل‬
‫وال نشبع ‪ .‬قال ‪ « :‬فلعلكم تفترقون » ‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ « :‬فاجتمعوا على‬
‫طعامكم ‪ ،‬واذكروا اسم اهلل عليه يبارك لكم فيه » ‪ .‬فاالجتماع فيه بركة حتى في الطعام‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪117‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ ،‬ونحن المسلمين نجتمع على الطعام بخالف غيرنا من الغربيين والشرقيين ‪ ،‬حيث‬
‫تجد كل واحد منهم يأكل وحده ‪ ،‬وهذا صنيع البهائم ‪ ،‬حيث تحاول كل بهيمة أن‬
‫تنفرد بالطعام وحدها ‪ ،‬حتى ال يشاركها غيرها ‪ ،‬أما نحن فإن اإلسالم أمرنا أن نجتمع‬
‫حتى على الطعام ‪ ،‬وذلك لحصول البركة‪.129‬‬

‫المطلب األول ‪:‬التأصيل الشرعي لفقه االجتماع في القرآن الكريم‪.‬‬

‫الفرع األول ‪:‬االجتماع البشري في القرآن‬

‫كثيرة هي اآليات القرآنية المتعلقة باألمم وقصصها‪ ،‬واآلمرة بالسير في األرض‬


‫والتأمل في الخلق‪ ،‬نحو قوله تعالى «أفلم يسيروا في األرض فتكون لهم قلوب يعقلون‬
‫بها أو آذان يسمعون بها‪ ،‬فإنها ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب التي في‬
‫الصدور»‪ ،‬أو قوله (لكل أمة أجل)‪.‬‬

‫يشير القرآن الكريم‪ ،‬بوضوح‪ ،‬إلى أن االجتماع البشري تحكمه قواعد معينة وأنه‬
‫يسير وفق قوانين محددة‪ .‬وقد نجهل هذه القواعد‪ ،‬لكن هذا ال ينفي وجودها‪ ،‬وهذا‬
‫النظام يقوم على قوانين يسميها القرآن الكريم السنن‪ ،‬وهي تنقسم أساسا إلى سنن‬
‫اجتماعية وتاريخية ونفسية واقتصادية‪.‬‬

‫آيات القرآن الكريم كلها عبارة عن خطاب إلى نفوس وغرائز البشرية وحتى‬
‫المجتمعات واألقوام نحو اإلصالح واألخالق الفاضلة‪ ،‬وتعليمهم على كيفية تعامل‬
‫األمم واألقوام واألسر واألفراد مع الشعوب والناس واألطفال‪ ،‬من التسامح وعدم‬
‫الربا‪،‬‬
‫الكذب وعدم ظلم وقتل وغصب أموال الناس‪ ،‬وعدم الربح الفاحش وحرمة ّ‬
‫وكذلك يشجع على العمل الخير واالجتهاد وحسن التعامل مع الجيران والفقراء‬
‫ومدافعة المظلومين وحماية أموال وعرض الشعوب ونحو ذلك ومن اآليات (من قتل‬

‫‪ . 129‬مقالة على شبكة السكينة رابط الموضوع(بتصرف) ‪: http://www.assakina.com/mohadrat/16330.html#ixzz3lHp8d3x4:‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪118‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫نفسا فكأنما قتل الناس جميعا (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنّما‬
‫قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً) ‪( .‬ويؤثرون على أنفسهم ولو‬
‫كان بهم خصاصة) ‪( .‬ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها) ‪( .‬األعراب أشد كفرا‬
‫ونفاقا وأجدر أال يعلموا حدود ما أنزل اهلل على رسوله) (زين للناس حب الشهوات من‬
‫النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة واألنعام‬
‫والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا واهلل عنده حسن الثواب) (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل‬
‫اهلل قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم ال يعقلون شيئا وال‬
‫يهتدون) (آلم‪ ،‬ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقين‪ ،‬الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون‬
‫الصالة ومما رزقناهم ينفقون) ‪( .‬ولو شاء اهلل لجعلهم أمة واحدة) ‪( .‬وإن هذه أمتكم‬
‫(يأيها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم‬
‫أُمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) ‪ّ .‬‬
‫شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم) ‪ .‬وكثير من اآليات األخرى‪،‬‬
‫الرسول(ص) ‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أحاديث ّ‬
‫وكان بعض البشرية قد انتبهوا إلى وجود نظام في الطبيعة‪ ،‬أو في بعض أحوالها‪..‬‬
‫لكن أحدا قبل الكتاب الكريم لم يقرر ‪-‬بهذا الوضوح واإللحاح القرآنيين‪ -‬أن الحياة‬
‫البشرية أيضا تحكمها قواعد أخرى‪ ،‬قد ال تكون شديدة الحتمية كما هو الحال في‬
‫نظام الطبيعة‪ ،‬لكنها قوانين حقيقية‪ ،‬لذلك من الحق تماما أن نعتبر القرآن مصدرا‬
‫علميا للمناهج اإلنسانية‪ ،‬أيضا‪ ،‬وليس للمعارف الدينية فقط‪.‬‬

‫يقدم القرآن الكريم للعلوم اإلنسانية خدمة عظيمة بحسمه قضية السنن االجتماعية‬
‫والتاريخية والنفسية‪ ،‬فهو يحكم بين اختالفات هذه العلوم ويدفع ترددها في هذا‬
‫األصل الكبير الذي تقوم عليه‪ ،‬أعني أن للحياة االجتماعية والنفسية نظاما أيضا وإن‬
‫االطّالع على علم االجتماع ومشاكله المنهجية كفيل بفهم قيمة التوجيه القرآني‬
‫بالنسبة إلى هذا الموضوع‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪119‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫لقد ظن كثير من الناس‪ ،‬حينا من الدهر‪ ،‬أنه ال شأن للكتاب العزيز بعلوم‬
‫اإلنسان وإ ْن اعترف بعضهم بأن له إعجازا في العلوم الطبيعية‪ .‬ثم اكتشفنا‪ ،‬شيئا‬
‫فشيئا‪ ،‬أن هذا الكتاب‪ ،‬الذي ال تنقضي عجائبه‪ِ ،‬‬
‫معجز‪ ،‬أيضا‪ ،‬بالنظر إلى مشاكل‬
‫العلوم اإلنسانية ومناهجها وحتى بعض معارفها الجزئية‪.‬‬

‫وهنا قد يتساءل القارئ كيف لنا أن نُقحم القرآن الكريم في قضية كهذه‪ ،‬قضية تخص‬
‫العلوم اإلنسانية ‪-‬كالتاريخ واالجتماع واالقتصاد‪ -‬وليست لها عالقة بمهمة القرآن‬
‫األولى‪ ،‬التي هي إرشاد البشرية إلى العقيدة الدينية الصحيحة‪ ،‬التي بها فالحهم في‬
‫الدنيا واآلخرة الوحي مصدرا للمعرفة العلمية اإلنسانية‬

‫الجواب عن السؤال السابق أن القرآن الكريم ولو أنه لم يكن‪ ،‬أبدا كتاب بحث يعرض‬
‫لتفاصيل العلوم والمعارف‪،‬فإن فيه تنبيهات واضحة إلى بعض القضايا المنهجية‬
‫ص كثيرا من العلوم اإلنسانية‪،‬بل لست أستبعد أن يكون هذا‬ ‫تخ ّ‬
‫األساسية‪ ،‬التي ُ‬
‫الكتاب العظيم يتضمن تنبيهات أخرى تتعلق ‪-‬هذه المرة‪ -‬بالعلوم التجريبية‪..‬وهذا كله‬
‫ليس بطريقة الكالم عن قاعدة جزئية أو عالقة علمية أو معادلة‪،‬على نحو ما يرى بعض‬
‫غالة أرباب اإلعجاز العلمي في القرآن‪،‬بل المقصود أن في الكتاب الكريم إشارات‬
‫ص القواعد الكبرى‪،‬أو بتعبير أدق‪،‬تخص المنهج‪.‬وكل من اتصل‬ ‫تخ ّ‬
‫وتوجيهات ُ‬
‫بالدراسات اإلنسانية واطّلع على بعضها يعرف ‪-‬تمام المعرفة‪-‬أنها علوم نسبية‪ ،‬يقل‬
‫فيها اليقين وتكثر فيها اإلشكاالت وتتضارب فيها النظريات‪ ،‬لذلك نحن في حاجة إلى‬
‫ونطمئن إليه ونتخذه موجها عاما في طريقنا هذا‪.‬وال يوجد مصدر‬
‫ّ‬ ‫مصدر أعلى نثق فيه‬
‫أفضل وال أثبت من الوحي الكريم‪ .‬وال خوف‪ ،‬مطلقا‪ ،‬على هذه العلوم‪ ،‬إذا استفتت‬
‫الوحي في بعض القضايا المنهجية التي يحار العقل أمامها‪ .‬وقد أثبتت التجربة التاريخية‬
‫أن الحضارة التي أقامها القرآن هي التي اكتشفت المنهج التجريبي في العلوم‪ ،‬والذي‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪120‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫على أساسه قامت المدنية الحديثة‪ .‬كما بيّن ذلك علي سامي النشار في كتابه القيّم‬
‫(مناهج البحث عند مفكري اإلسالم واكتشاف المنهج العلمي في العالم اإلسالمي)‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬المقاصد القرآنية و الظاهرة اإلنسانية‬

‫تدور العلوم اإلنسانية عامة بين قطبين معرفيين‪ :‬الفهم والتفسير‪ .‬فهي إما‬
‫تعتمد طريقة التفهم )‪ (Comprehension‬فتحاول إدراك الظاهرة واستيعابها‪،‬‬
‫وإما طريقة التفسير)‪ ، (Explication‬فهنا تشرح الظاهرة‪ ،‬أي تقدم الحيثيات‬
‫واألسباب والدوافع ومختلف الظروف ذات العالقة‪ ..‬ولذلك تعرف العلوم اإلنسانية‬
‫تعددا في المدارس والنظريات واالتجاهات أوسع‪ ،‬بكثير‪ ،‬مما تعرفه العلوم التجريبية‪.‬‬
‫لكن هذا ال ينفي حقيقة وجود النظام في الظاهرة اإلنسانية‪ ،‬ألن المدارس عبارة عن‬
‫اجتهادات لتفسير هذه الظواهر‪ ،‬فهي‪ ،‬إذن‪ ،‬نظريات تحاول ذلك‪ ،‬أو هي عبارة عن‬
‫رؤى تحدد طرق دراسة الظاهرة وكيفية استيعابها‪ ،‬فهي إبستيمولوجيا للعلوم اإلنسانية‪..‬‬
‫وفي كل األحوال‪ ،‬تعمل المدارس على فهم الواقع واستكشافه وعلى إدراك منطقه‬
‫وكيفية اشتغاله‪ ،‬وعيا منها بوجود هذا المنطق‪ ،‬وهذا ال يمنع أن نقول إن الكثير من‬
‫العمل والضبط ما يزال ينتظر هذه العلوم‪ ،‬التي لم تجد بعد توازنها اإلبستيمولوجي‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫تجد العلوم اإلنسانية ‪-‬إذن‪ -‬مشروعية قيامها في حقيقة أنه قلما يشذ شيء عن‬
‫نظام عام يسكن الكون الكبير‪ .‬فحتى السلوك اإلنساني‪ ،‬المتسم بالتعقيد والذي‬
‫يصعب معرفته ‪-‬أحيانا‪ -‬أو توقع مآله‪ ..‬حتى هذا السلوك يخضع لقواعد تفسره‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يبالا بعض العلماء في وصف تفرد الظاهرة اإلنسانية وتعقدها‪،‬‬
‫حتى إن بواز‪-‬مثال‪ -‬يؤكد أنه يستحيل أن نصل إلى القوانين المسيرة للحياة البشرية‪.‬‬
‫بينما تجاوز تلميذه لوي ذلك إلى ما هو أخطر‪ ،‬حين نفى وجود هذه القوانين أصال‪،‬‬
‫على األقل بالنسبة إلى علم اإلثنولوجيا‪ .‬لكن هذا رأي أقلية من العلماء‪ ،‬إذ كما يقول‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪121‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫بواغيي‪« :‬الشك المنهجي له خصيصة اإلثارة والتنبيه‪ ،‬لكن االرتياب العام ينتهي بقتل‬
‫البحث‪ ..‬إذا لم يكن هناك أي نظام‪ ،‬فيلزمنا ‪-‬بناء على ذلك‪ -‬أال نصو أي قوانين‪،‬‬
‫بل لماذا أصال يقوم علم اإلثنولوجيا‪ ،‬وما الفائدة منه‬

‫وإذ استقرت هذه القاعدة ‪-‬أعني أن الظاهرة البشرية تسير وفق نظام ما‪-‬‬
‫فالمشكلة أنه ال يوجد علم إنساني استطاع أن يكشف هذا النظام كله بالدقة والنضج‬
‫العلميين‪ ،‬وأبرز مثال ودليل على ذلك هو علم االجتماع نفسه‪.‬‬

‫مشكلة علم االجتماع المعاصر‪:‬‬

‫إن علم االجتماع لم يبلا حتى مستوى علوم إنسانية أخرى‪ ،‬كعلوم االقتصاد والسكان‪،‬‬
‫موحد وجامع يقوم عليه‪ ،‬ما جعله يعرف نظريات كثيرة غالبا‬
‫مثال‪ ،‬ألنه يفتقر إلى أساس ّ‬
‫ما تكون متضاربة فيما بينها‪ ،‬األمر الذي ترك آثارا سلبية على نمو هذا العلم وتطوره‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫كما تعتبر غلبة االتجاه الوضعي على علماء االجتماع عامال يعيق تقدم هذا العلم‪.‬‬

‫أقول بعد هذا العرض السريع لطبيعة تصور وفهم االجتماع البشري ومنطلقاته لدي‬
‫الوضعيين الغربيين و فهمنا له في ضوء النص القرآني ‪ :‬إن القرآن الكريم بيَّن في‬
‫منظومة متكاملة من األحكام والمقاصد تفسيرا لخلق اإلنسان ووجوده ووظيفته بل‬
‫ونهايته على األرض بما ال يدع لجاحد حجة أو دليل ‪،‬فاإلنسان مستخلف مؤتمن‬
‫مبتلى ‪،‬ودوافعه ونزوعه يخضع للتفسير في ضوء هذه الرؤية الثالثية ‪.‬مستخلف (إني‬
‫جاعل في األرض خليفة ) ‪،‬مؤتمن ‪ (:‬إنا عرضا األمانة على السماوات واألرض‬
‫والجبال فأبين أن يحملنها وحملها اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال ) ‪،‬مبتلى ‪( :‬الذي‬
‫خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال )‪ .‬إن المقاصد اإلسالمية لالجتماع‬

‫‪ . 130‬مقالة إللياس بلكا ‪،‬القرآن وعلم االجتماع شبكة مغرس رابط‪:‬‬

‫‪http://www.maghress.com/almassae/139226‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪122‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫تقوم على اإليمان واإلصالح وهو ما يسمى عند المقاصديين العمران ويمكن اختصارها‬
‫فيما يلي ‪:‬‬

‫(أ) إن اهلل سبحانه وتعالى هو الخالق لهذا الكون بكل ما فيه من أشياء وظواهر وأحياء‬
‫بما فيها اإلنسان‪ .‬وهذا يعني أن الطبيعة لم تخلق نفسها ولم توجد نفسها بل اهلل هو‬
‫خالقها و موجدها وهي تسير وفق سنن مطردة ووفق نظام مترابط األجزاء ومن خلقها‬
‫هو المقدر لهذه السنن وهذا النظام ‪.‬‬

‫(ب) اإليمان بالغيب‪ ،‬حيث ينقسم العالم إلى قسمين يمكن التمييز بينهما ولكن ال‬
‫يمكن فصل أحدهما عن اآلخر هما عالم الغيب وعالم الشهادة يتصل عالم الغيب‬
‫بذات اهلل جل وعال وصفاته والحياة اآلخرة والمالئكة الجن والروح ‪.‬بينما يتصل عالم‬
‫الشهادة بكل ما على األرض كل ما في الكون من أشياء و أحداث وظواهر وعالقات‬
‫تشكل نظام الكون المادي‪ ،‬وال سبيل لمعرفة عالم الغيب سوى من خالل الوحي‬
‫و لهذا فليس العقل اإلنساني أداة وحيدة للوصول إلى الحقيقة بل هناك طريق آخر هو‬
‫الوحي‪ ،‬فالعقل أداة للوصول إلى حقائق الطبيعة وهو معرض مع ذلك للخطأ والوحي‬
‫أداة معرفة عالم الغيب ما وراء الطبيعة ‪.‬‬

‫(ج) اإليمان بأن اهلل هو المشرع لإلنسان فهو من سن للطبيعة سننها وهو أيضا من‬
‫وضع لإلنسان عن طريق الوحي مقاييس الخير والشر و حدد معالم األخالق والحقوق‬
‫الثابتة غير المتغيرة‪.‬‬

‫(د) كما تهدف الصياغة اإلسالمية لعلم االجتماع إلى اإلقرار بأن اهلل اصطفى من خلقه‬
‫من البشر من يبلا شرعه و قد تم بعث الكثير من األنبياء للبال و الهداية إلى الطريق‬
‫المستقيم الذي ال عوج فيه وبه تتحقق سعادة البشرية‪.‬‬

‫(ه ) اإليمان بأن اإلسالم هو خاتمة الرساالت وهو رسالة عالمية موجهة إلى كافة‬
‫البشر‪ ،‬كما أنه رسالة تامة ومكتملة وصالحة لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪123‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬مقاصد االجتماع وضوابطه في ضوء السنة النبوية الشريفة‪.‬‬

‫يرسم النبي (ص)معالم االجتماع اإلنساني ومقاصده ؛ كأروع ما يكون من عبقري‬


‫اجتماعي وفيلسوف رباني ملهم من خالل ترسيخ دولة القانون‪،131‬وذلك نعرفه في‬
‫السطور التالية والتي نتناول فيها الصحيفة دستور االجتماع المدني وعهد نجران‬
‫وخطبة الوداع‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ -:‬الوثيقة األولى (الصحيفة)‬

‫إذا كان الدستور يمثل " القانون األعلى " الذى ينظم " الوجبات " على الرعية‬
‫‪..‬والذى يضمن ما لها من " حقوق " وما عليها من واجبات ‪ ،‬وهو الضامن أن ال‬
‫حماية لظالم أو آثم مهما كان ‪ ،‬و الراعي الذى ارتضته األمة قائم بهذا الدستور ! فإن‬
‫دستور المدينة باعتباره أول وثيقة دستورية يعد مفخرة ‪ .‬وإذا كانت " يثرب "( المدينة )‬
‫قد مثلت وطن الدولة التى حكمها هذا الدستور فلقد قرر هذا الدستور أن هذا الوطن‬
‫حرم آمن لرعية هذه الدولة ‪ ..‬وقرر فى ذات الوقت ‪ ،‬وفى نفس النص ‪ ،‬أن ال حصانة‬
‫لظالم أو آثم ‪ ،‬حتى لو كان معتصماً " بيثرب " عضواً برعية دولة هذا الدستور ‪ ،‬وفيه‬
‫(وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة‪ ،‬إال من ظلم وأثم)‪.‬‬

‫وإذا كان تطور المجتمعات ‪ ،‬وتعقد شئون الحياة السياسية واالجتماعية‬


‫واالقتصادية ‪ ،‬قد فرض ويفرض التطور فى األفاق وفى الصياغات الالزمة للدساتير‬
‫المعاصرة ‪ ..‬فإن قراءة هذا الدستور األول للدول العربية اإلسالمية األولى من‬

‫حل كافة مشاكل المجتمع الذي‬ ‫(‪ .) 131‬علماء االجتماع‪:‬من المسلمين كثيرين منهم‪ :‬نبينا محمد (ص) (المعلم األول الذي ّ‬
‫عاش في ه ولسنين طويلة‪ ،‬ولم يكن يفرق بين المجتمعات من الناحية الدينية والطائفية وفي العدالة والمساواة وفي التعامل معهم‬
‫كإنسان له حقوق وواجبات‪ ،‬باإلضافة إلى القرآن الكريم وكان خلقه القرآن‪ ،‬فأنظر إلى أحاديثه (ص) سوف ترى كل ما قلناه‪.‬ونح‬
‫هنا ال نقارن بل نثبت للمصطفى علمه وفضله في االجتماع ‪ ،‬عبد الرحمن بن خلدون (أبو علم االجتماع عند المسلمين)‪.‬‬
‫الفارابي‪ .‬ابن سينا‪ .‬اإلمام الغزالي‪ .‬الدكتور مصطفى محمد حسنين‪ .‬األستاذ محمد المبارك‪ .‬الدكتور حليم بركات الدكتور‬
‫علي الوردي‪ .‬األستاذ عمر عودة الخطيب‪ .‬محمد تقي المدرسي‪ .‬اإلمام الشيرازي‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪124‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الضرورات النافعة لألمة ‪ ،‬رغم تجاوز واقعنا للمالبسات التى قننها ذلك الدستور ‪..‬‬
‫لقد حدد لنا – اقتداء بالقرآن الكريم – أن المرجع عند االختالف هو كتاب اهلل وسنة‬
‫رسوله ‪ ..‬ففيهما " المبادئ " و"الفلسفات " و " األطر " الحاكمة للواقع المتغير دائما‬
‫والمتطور باستمرار‪( ..‬وأنكم مهما اختلفتم فيه من شئ ‪ ،‬فإن مرده إلى اهلل وإلى‬
‫محمد) ‪ ..‬كذلك تعلمنا منه – ويجب أن نتعلم – أن أمة اقترن تأسيس دولتها‬
‫اإلسالمية األولى بالدستور ‪ " ،‬شكالً " و "فعالً " – كما يحدث حيناً – و " فعالً " –‬
‫رغم وجود " الشكل " – كما يحدث فى كثير من األحايين ‪ .‬وهذا نص الوثيقة‬
‫(الصحيفة)‪.‬‬

‫النص‪:‬‬

‫[‪ ]1‬هذا كتاب من محمد النبي(رسول اهلل)‪،‬بين المؤمنين والمسلمين من قريش‬


‫و ( أهل ) يثرب ‪ ،‬ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ‪.‬‬

‫[‪ ]2‬أنهم أمة واحدة من دون الناس ‪.‬‬

‫وهم يفدون‬ ‫(‪)133‬‬


‫‪ ،‬يتعاقلون بينهم‬ ‫(‪)132‬‬
‫[‪ ]3‬المهاجرون من قريش على ربعتهم‬
‫عانيهم(‪ )134‬بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫[‪ ]4‬وبنو عرف على ربعتهم ‪،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪ ،‬وكل طائفة تفدى عانيها‬
‫بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫(‪ )132‬أى على أمرهم الذى كانوا عليه ‪.‬‬

‫(‪ )133‬العاقلة ‪ :‬الدية ‪ :‬التى تجب على العاقلة – أى ‪ :‬عصبة القاتل – والمراد ‪ :‬دية القتل الخطأ‬

‫(‪ )134‬العانى ‪ :‬األسير ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪125‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫[‪ ]5‬وبنو الحارث(ابن الخزرج)على ربعتهم ‪،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪،‬وكل طائفة‬
‫تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫[‪ ]6‬وبنو ساعدة على ربعتهم ‪ ،‬يتعاقلون األولى ‪ ،‬وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف‬
‫والقسط بين المؤمنين‬

‫[‪ ]7‬وبنو جشم على ربعتهم ‪ ،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪ ،‬وكل طائفة تفدى عانيها‬
‫بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫[‪ ]8‬وبنو النجار على ربعتهم ‪ ،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪ ،‬وكل طائفة تفدى عانيها‬
‫بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫[‪ ]9‬وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم ‪،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪،‬وكل طائفة تفدى‬
‫عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫[‪ ]10‬وبنو النبيت على ربعتهم ‪ ،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪ ،‬وكل طائفة تفدى عانيها‬
‫بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫[‪ ]11‬وبنو األوس على ربعتهم ‪ ،‬يتعاقلون معاقلهم األولى ‪ ،‬وكل طائفة تفدى عانيها‬
‫بالمعروف والقسط بين المؤمنين ‪.‬‬

‫بينهم أن يعطوه بالمعروف فى فداء أو‬ ‫(‪)135‬‬


‫[‪ ]12‬وأن المؤمنين ال يتركون مفرحاً‬
‫عقل(‪. )136‬‬

‫[‪ ]13‬وأال يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ‪.‬‬

‫(‪ )135‬المفرح – بضم الميم وسكون الفاء وفتح الراء ‪ :‬المثقل بالدين ‪ ،‬والكثير العيال‪.‬‬

‫(‪ )136‬العقل ‪ :‬الدية ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪126‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫[‪ ]14‬وأن المؤمنين المتقين ( أيديهم ) على ( كل ) من بغى منهم ‪ ،‬أو ابتغى‬
‫دسيعة(‪ )137‬ظلما ‪ ،‬أو إثما ‪ ،‬أو عدوانا ‪ ،‬أو فساداً بين المؤمنين ‪ ،‬وأن أيديهم عليه‬
‫جميعاً ‪ ،‬ولو كان ولد أحدهم ‪.‬‬

‫[‪ ]15‬وال يقتل مؤمن مؤمناً فى كافر‪ ،‬وال ينصر كافرا على مؤمن [خارج نطاق‬
‫الصحيفة]‪.‬‬

‫[‪ ]16‬وأن ذمة اهلل واحدة ‪ ،‬يجير عليهم أدناهم وأن المؤمنين بعضهم موالى بعض‬
‫دون الناس ‪.‬‬

‫[‪ ]17‬وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر واألسوة غير مظلومين وال متناصر عليهم ‪.‬‬

‫[‪ ]18‬وأن سلم المؤمنين واحدة ‪ ،‬وال يسالم مؤمن دون مؤمن فى قتال فى سبيل اله‬
‫إال على سواء وعدل بينهم ‪.‬‬

‫[‪ ]19‬وأن كل غازية معنا يعقب بعضها بعضا‪.‬‬

‫[‪ ]20‬وأن المؤمنين يبئ(‪ )138‬بعضهم عن بعض بما نال دماءهم فى سبيل اهلل ‪.‬‬

‫[‪ ]21‬وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه ‪.‬‬

‫[‪ ]22‬وأنه ال يجبر مشرك ماال لقريش وال نفسا وال يحول دونه على مؤمن‪.‬‬

‫[‪ ]23‬وأنه من اعتبط(‪ )139‬مؤمناً قتالً عن بينة ‪ ،‬فإنه قود(‪ )140‬به ‪ ،‬إال أن يرضى ولى‬
‫المقتول [بالعقل] ‪ ،‬وأن المؤمنين عليه كافة‪ ،‬وال يحل لهم إال القيام عليه‪.‬‬

‫(‪ )137‬الدسيعة ‪ :‬العطية ‪ ،‬اى طلب ان يدفعوا له عطية على سبيل الظلم‪.‬‬

‫(‪ )138‬يبىء ‪ :‬من البواء – أى ‪ :‬المساواة‪.‬‬

‫(‪ )139‬اعتبط مؤمناً ‪ :‬أى‪ :‬قتله بال جنايه جناها‪ ،‬وال ذنب يوجب قتله‪.‬‬

‫(‪ )140‬القود ‪ :‬بفتح القاف والواو – القصاص‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪127‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫[‪ ]24‬وأنه ال يحل لمؤمن أقر بما فى هذه الصحيفة‪ ،‬وآمن باهلل واليوم اآلخر أن ينصر‬
‫أو يؤويه‪ ،‬وأن من نصره‪ ،‬أو آواه‪ ،‬فإن عليه لعنة اهلل وغضبه يوم القيامة‪،‬‬ ‫(‪)141‬‬
‫محدثاً‬
‫وال يؤخذ منه صرف وال عدل‪.‬‬

‫[‪ ]25‬وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مرده إلى اهلل والى محمد‪.‬‬

‫[‪ ]26‬وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين‪.‬‬

‫[‪ ]27‬وأن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين‪،‬لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‪ ،‬مواليهم‬
‫وأنفسهم اال من ظلم وأثم‪ ،‬فإنه ال يوتا(‪ )142‬إال نفسه وأهل بيته ‪.‬‬

‫[‪ ]28‬وأن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف‪.‬‬

‫[‪ ]29‬وأن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عوف‪.‬‬

‫[‪ ]30‬وأن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بنى عوف‪.‬‬

‫[‪ ]31‬وأن ليهود بنى جشم مثل ما ليهود بنى عوف‪.‬‬

‫[‪ ]32‬وأن ليهود بنى األوس مثل ما ليهود بنى عوف‬

‫[‪ ]33‬وأن ليهود بنى ثعلبة مثل ما ليهود بنى عوف ‪ ،‬إال من ظلم وأثم‪ ،‬فإنه ال يوتا إال‬
‫نفسه وأهل بيته‪.‬‬

‫[‪ ]34‬وأن جفنه بطن من ثعلبة كأنفسهم‪.‬‬

‫[‪ ]35‬وأن لبنى الشطيبة(‪ )143‬مثل ما ليهود بنى عوف ‪ ،‬وأن البر دون اإلثم‪.‬‬

‫[‪ ]36‬وأن موالى ثعلبة كأنفسهم‪.‬‬


‫(‪ )141‬المحدث‪ :‬مرتكب الحدث ‪ ..‬الجناية ‪ ..‬الذنب‪.‬‬

‫(‪ )142‬يوتا‪ :‬يهلك‪.‬‬

‫(‪ )143‬فى نهاية األرب – للنويرى – "الشطنة" بضم الشين مشددة وضم الطاء‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪128‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫[‪ ]37‬وأن بطانة يهود كأنفسهم‪.‬‬

‫[‪ ]38‬وأنه ال يخرج منهم أحد إال بإذن محمد‪.‬‬

‫[‪ ]39‬وأنه ال ينحجز على ثأر جرح‪ ،‬وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته‪ ،‬اال من ظلم‪،‬‬
‫وأن اهلل على أبر هذا‪.‬‬

‫[‪ ]40‬وأن على اليهود نفقتهم ‪ ،‬وعلى المسلمين نفقتهم‪ ،‬وأن بينهم النصر على من‬
‫حارب أهل هذه الصحيفة‪ ،‬وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون اإلثم‪.‬‬

‫[‪ ]41‬وأنه ال يأثم امرؤ بحيفه وأن النصر للمظلوم‪.‬‬

‫[‪ ]42‬وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‪.‬‬

‫[‪ ]43‬وأن يثرب حرام(‪ )144‬جوفها ألهل هذه الصحيفة ‪.‬‬

‫[‪ ]44‬وأن الجار كالنفس غير مضار وال آثم‪.‬‬

‫[‪ ]45‬وأنه ال تجار حرمة إال بإذن أهلها ‪.‬‬

‫[‪ ]46‬وأنه ما كان من أهل هذه الصحيفة من حدث‪ ،‬أو اشتجار يخاف فساده فإن‬
‫مرده إلى اهلل وإلى محمد رسول اهلل (ص)وأن اهلل على أتقى ما فى هذه الصحيفة وأبره‪.‬‬

‫[‪ ]47‬وأنه التجار قريش وال من نصرها‪.‬‬

‫[‪ ]48‬وأن بينهم النصر على من دهم يثرب‪.‬‬

‫[‪ ]49‬وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه ‪ ،‬وأنهم إذا‬
‫دعوا إلى مثل ذلك‪ ،‬فإنه لهم على المؤمنين إال من حارب فى الدين‪.‬‬

‫[‪ ]50‬على كل أناس حصتهم من جانبهم الذى قبلهم‪.‬‬

‫(‪ )144‬أى ‪ :‬حرام ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪129‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫[‪ ]51‬وأن يهود األوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما ألهل هذه الصحيفة مع البر‬
‫المحض من أهل هذه الصحيفة‪ ،‬وأن البر دون اإلثم‪ ،‬ال يكسب كاسب إال على نفسه‪،‬‬
‫وأن اهلل على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره‪.‬‬

‫[‪ ]52‬وأنه ال يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‪ ،‬وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن‬
‫بالمدينة ‪ ،‬إال من ظلم وأثم وأن اهلل جار لمن بر واتقى > ومحمد رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم(‪.)145‬‬

‫تعليق ‪ :‬إن هذه الوثيقة بما حوته من مواد دستورية تعد معلماً حضارياَ إنسانياً للنضج‬
‫السياسي فى تنظيم عالقة جميع الطوائف والجماعات بالمدينة‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫المهاجرين واألنصار والفصائل اليهودية‪ .‬كما تنظم الوثيقة طبيعة االتحاد للدفاع من‬
‫هذا الوطن ضد أى معتد من خارجه‪ .‬هذا االتحاد الذى بنى على العدالة والحرية‬
‫وإقرار كل فصيل على عقائده ومقدساته وحرياته حتى صارت الدولة دولة وفاقية‪.‬‬
‫رئيسها النبي(ص) ‪ ،‬ومرجعتها العليا شريعة اهلل تعالى ‪ .‬وصارت الحقوق مكفولة‬
‫والعدالة مضمونة‪.‬‬

‫لقد علق أحد المستشرقين عليها قائالً(‪":)146‬حوى هذا الدستور اثنين وخمسين‬
‫بنداً كلها من رأى رسول اهلل (ص) خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين‪،‬‬
‫وسبعة وعشرون مرتبطة بالعالقة بين المسلمين وأصحاب األديان األخرى وال سيما‬
‫اليهود وعبدة األوثان‪ ،‬وقد دون هذا الدستور بشكل يسمح ألصحاب األديان األخرى‬
‫بالعيش مع المسلمين بحرية‪ ،‬ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم‪ ،‬ومن غير أن‬
‫يتضايق أحد الفرقاء‪ ،‬وضع هذا عام‪623‬م!!‬

‫(‪[ ) 145‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخالفة الراشدة] جمعها الدكتور محمد حميد اهلل الحيدر أبادى ‪ ،‬ص‪-15‬‬
‫‪ – 21‬طبعة القاهرة – سنة ‪1956‬م ‪.‬‬

‫(‪ )146‬أقصد المستشرق‪ :‬ك‪ .‬جيورجيو‪ .‬انظر كتاب نظرة جديدة فى سيرة الرسول(ص) ص‪.192‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪130‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫لقد حوت الوثيقة أهم معالم التحضر اإلنساني الذى ينشده العالم اآلن ومن أبرز‬
‫تلك القيم الحضارية ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن األمة فوق القبيلة‪" ،‬إنهم – أى المسلمون – أمة واحدة من دون الناس"‪.‬‬
‫فاألمة فوق العصبية والقبيلة والطائفة والعائلة‪ ،‬البند [‪. ]1‬‬

‫‪ -2‬التكافل االجتماعي بين فصائل الشعب‪" ،‬المهاجرون من قريش على ربعتهم‬


‫يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين" وهكذا لألنصار‬
‫واألوس والخزرج من البند [‪. ]13-3‬‬

‫كما حوت الصحيفة الدستورية قيما سامية أخرى؛ كحرية األحالف وعقد العهود‪،‬‬
‫ووجوب نصرة المظلوم‪ ،‬وحق األمن لكل مواطن‪،‬كل هذا فى وثيقة أولية عندما توضع‬
‫فى سياقها التاريخي تعد معجزة وتحضراً لم تسطع البشرية تمثله رغم تطور وسائلها‬
‫اآلن(‪ .)147‬فهال كانت نبراساً ونحن نصنع دستورنا الجديد!!‪.‬‬

‫حرية االعتقاد ثابتة بنص الكتاب ‪":‬ال إكراه فى الدين" ووثيقة النبي (ص) ألهل‬
‫نجران من النصارى باليمن عهد وميثاق لكل من ينتحل ويتدين بالنصرانية عبر الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬وفيها قرار كامل بحقوق المواطنة وواجباتها فى إطار من التعددية القائمة‬
‫على رعاية المصلحة العامة والخاصة على السواء‪.‬‬

‫الجديد الذى أضافته هذه الوثيقة بعد عشر سنوات من صحيفة المدينة ‪ ،‬حرية‬
‫اعتقاد الزوجة الكتابية متى تزوجها المسلم وأحصنت به ‪ ،‬فلها أن تقيم شعائرها ويكفل‬
‫الزوج المسلم فى الذهاب إلى دور عبادتها‪.‬‬

‫وقد زاد التقنين جماال وجالال عندما ضمن حماية اإلسالم لتلك العقائد وحراستها‬
‫فى الفناء ولألشخاص ( العباد والرهبان)‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬وأحمى جانبهم‪،‬‬

‫(‪ )147‬راجع عيون األثر البن سيد الناس ‪ ، 261- 260/1:‬السيرة النبوية البن كثير‪.322 -321/2 :‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪131‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫وأذب عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع رهبانهم‪ ،‬ومواطن السياح‬
‫حيث كانوا ‪ ..‬وأن أحرس ملتهم أين كانوا ‪ ..‬بما أحفظ به نفسي وخاصة وأهل اإلسالم‬
‫من ملتي"‪.‬‬

‫لقد ضمنت الوثيقة صيانة دور العبادة وإقامة البيع والكنائس وترميمها فقال‪:‬‬
‫"ولهم أن احتاجوا فى مرمة بيعهم وصوامعهم أو شىء ومن مصالح أمورهم ودينهم إلى‬
‫رفد ( مساعدة) من المسلمين ‪ " ...‬كل هذه الحقوق وغيرها سجلتها الوثيقة التى‬
‫شهد عليها أبو سفيان بن حرب وغيالن بن عمرو ومالك بن عوف واألقرع بن حابس‬
‫والمغيرة بن شعبة وكتبه الصديق أبو بكر ألبى الحارث بن علقمة أسقف نجران‪.‬‬

‫(النص)‬

‫[أ] بسم اهلل الرحمن الرحيم(‪)148‬هذا ما كتب محمد النبي رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ألهل نجران ‪ :‬إذا كان عليهم حكمه فى كل ثمرة وفى كل صفراء وبيضاء ورقيق‬
‫‪ ،‬فأفضل ذلك عليهم ‪ ،‬وترك ذلك كله لهم ‪ ،‬على ألفى ُحلة من ُحلل األواقى فى كل‬
‫رجب ألف ُحلة ‪ ،‬وفى كل صفر ألف حلة مع كل حلة أوقية من الفضة‪ ،‬فما زادت على‬
‫الخراج ‪ ،‬أو نقصت عن األواقى فبالحساب وما قضوا من درع أو خيل أو ركاب ‪ ،‬أو‬
‫عروض أو أخذ منهم بالحساب ‪.‬‬

‫وعلى نجران مؤنة رسلي ‪ ،‬ومتعتهم ‪ ،‬ما بين عشرين يوما فما دون ذلك ‪ ،‬وال‬
‫تحبس رسلي فوق شهر‪.‬‬

‫وعليهم عارية‪ ،‬ثالثين فرسا ‪ ،‬وثالثين بعيرا إذا كان كيد باليمن ومعرة ‪ ،‬وما هلك‬
‫مما أعاروا رسلى ‪ ،‬من دروع ‪ ،‬أو خيل ‪ ،‬أو ركاب ‪ ،‬أو عروض ‪ ،‬فهو ضمين على‬
‫رسلى ‪ ،‬حتى يؤدوه إليهم ‪.‬‬

‫‪( ) 148‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخالفة الراشدة ) ص ‪. 112 -11‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪132‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ولنجران وحاشيتها جوار اهلل وذمة محمد النبى رسول اهلل ‪ ،‬على أموالهم وأنفسهم‬
‫‪ ،‬وما لهم ‪ ،‬وغائبهم ‪ ،‬وشاهدهم ‪ ،‬وعشيرتهم ‪ ،‬وبيعهم ‪ ،‬وكل ما تحت أيديهم من‬
‫قليل أو كثير ال يغير أسقف من أسقفيته وال راهب من رهانبته والكاهن من كهانته‬
‫وليس عليهم دنية ‪ ،‬وال دم جاهلية ‪ ،‬وال يحشرون ‪ ،‬وال يعشرون ‪ ،‬وال يطأ أرضيهم‬
‫جيش ‪ .‬ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين وال مظلومين ‪.‬‬

‫ومن أكل ربا من ذى قبل فذمتى منه بريئة ‪ ،‬وال يؤخذ رجل منهم بظلم أخر‪.‬‬

‫وعلى ما فى هذا الكتاب جوار اهلل ‪ .‬وذمة محمد رسول اهلل ‪ ،‬حتى يأتى اهلل بأمره‬
‫‪ .‬وما نصحوا وأصلحوا ما عليهم غير مثقلين بظلم ‪.‬‬

‫شهد أبو سفيان بن حرب ‪ .‬وغيالن بن عمرو ومالك بن عوف من بنى النضر‬
‫واألقرع بن حابس الحنظلى ‪ ،‬والمغيرة ابن شعبه ‪ .‬وكنت لهم هذا الكتاب ‪ ،‬عبد اهلل‬
‫بن أبى بكر ألبى الحارث بن علقمة أسقف نجران‪" :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم" (‪)149‬من‬
‫محمد النبى ‪ ،‬الى األسقف أبى الحارث ‪ ،‬وأساقفة نجران ‪ ،‬وكهنتهم ‪ ،‬ومن تبعهم ‪،‬‬
‫ورهبانهم‪ :‬أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهابنيتهم‬
‫وجوار اهلل ورسوله اليغير أسقف من أسقفيته ‪ ،‬والراهب من رهابيته وال كاهن من كهانته‬
‫واليغير حق من حقوقهم والسلطانهم وال شىء مما كانوا عليه (على ذلك جوار اهلل‬
‫ورسوله ابدا) ما نصحوا واضطلحوا فيما عليهم ‪ ،‬غير مثقلين بظلم والظالمين"‪.‬‬

‫[ب] كتاب من النبى صلى اهلل عليه وسلم ألهل نجران‪.‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫هذا كتاب أمان من اهلل ورسوله للذين أوتوا الكتاب من النصارى ‪ ،‬من كان منهم‬
‫على دين نجران ‪ ،‬أو على شىء من نحل النصرانية ‪ .‬كتبه لهم محمد بن عبد اهلل‬

‫(‪ )149‬المصدر السابق ‪" ،‬ص‪."115‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪133‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ورسوله ‪ ،‬وعهدا عهده إلى المسلمين من بعده عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به‬
‫ويحفظوه لهم ليس ألحد من الوالة وال لذى شعيبه من السلطان وغيره نقضه ‪،‬‬
‫والتعديه إلى غيره والحمل مؤونة من المؤمنين سوى الشروط المشروطة فى هذا‬
‫الكتاب ‪ .‬فمن حفظه ورعاه ووفى بما فيه فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمة رسول‬
‫اهلل ومن نكثه وخالفه إلى غيره وبدله فعليه وزره وقد خان أمان اهلل ‪ ،‬ونكث عهده‬
‫وعصاه وخالف رسوله وهو عند اهلل من الكاذبين ألن الذمة واجبة فى دين اهلل‬
‫المفترض ‪ ،‬وعهده المؤكد فمن لم يرع خالف حرمها ‪ ،‬ومن خالف حرمها فال أمانة له‬
‫وبرئ اهلل منه وصالح المؤمنين ‪.‬‬

‫فأما السبب الذى استوجب أهل النصرانية الذمة من اهلل ورسوله والمؤمنين فحق‬
‫لهم الزم لمن كان مسلما وعهد مؤكد لهم على أهل هذه الدعوة ينبغى للمسلمين‬
‫رعايته والمعونة به ‪ ،‬وحفظه والمواظبة عليه والوفاء به‪ ،‬إذا كان جميع أهل الملل ‪،‬‬
‫والكتب العتيقة أهل عدواة هلل ورسوله وإجماع بالبغضاء والحجد للصفة المنعوتة فى‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬من توكيده عليهم فى حال نبيه ‪ ،‬وذلك يؤذن عن غش صدرهم وسوء‬
‫مأخذهم وقساوة قلوبهم بأن علموا أوزارهم وحملوها وكتموا ما أكده اهلل عليهم فيها؛‬
‫بأن يظهروه واليكتموه ويعرفوه ‪ ،‬واليجحدوه ‪ ) ...‬إلخ‪.‬‬

‫تلك طبيعة الشريعة السمحاء فى رعاية حقوق المواطنة وتحقيق الوطنية التى تولد‬
‫االنتماء التام الذى اليشوبه خداع او مكر او تربص فى ظل سلطة عادلة ترعى‬
‫المصلحة وتحقيق اإلصالح ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬وثيقة حجة الوداع ‪.‬‬

‫تعد خطبة الوداع بما فيها من بيان شاف إعالناً ثورياً على كل ما هو جاهلى بقيت‬
‫آثاره رغم بلو الدعوة نحوا من ربع قرن‪ ،‬وقيام الدولة نحوا من عقد من الزمان‪ ،‬فقد‬
‫أعلنت المساواة الكاملة إذ ال فضل لعربى على عجمى إال بالتقوى ‪ .‬وحطت أعراف‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪134‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الجاهلية فى الدماء واألموال ورسمت واجبات اإلمام فى سياسة األنام‪ ،‬وأكدت حقوق‬
‫النساء على الرجال‪ ،‬والرجال على النساء فى إطار من الحقوق والواجبات ‪ ،‬وأكدت‬
‫حرمة الدماء واألعراض واألموال‪.‬‬

‫كما بنيت مرجعية األمة التى تتحاكم إليها وما يحمل هذا المعيار من مقاصد‬
‫وغايات ترنو صالح المرء وإصالح الحال والمآل فى ظل المحافظة على الشوائب‬
‫ومراعاة المتغيرات‪.‬‬

‫إنها وثيقة العقد اإلنساني الحضارى فى صورته الكاملة بعد أن أتم اهلل تعالى على‬
‫رسوله النعمة وأكمل له الدين‪.‬وهذا نص الخطبة الجامعة ‪:‬‬

‫(النص )‬

‫"أما بعد ؛ أيها الناس ‪ ..‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا‬
‫ربكم‪ ،‬كحرمة يومكم هذا‪ ،‬فى شهركم هذا‪ ،‬فى بلدكم هذا‪ .‬أال هل بلغت ‪ ..‬اللهم‬
‫فاشهد‪ .‬فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها‪ .‬وإن ربا الجاهلية موضوع‪.‬‬
‫ولكن لكم رءوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون‪ ،‬قضى اهلل أنه ال ربا وإن أول ربا‪،‬‬
‫أبدأ به‪ ،‬ربا عمى العباس بن عبد المطلب‪ .‬وإن دماء الجاهلية موضوعة‪ ،‬وإن أول دم‬
‫نبدأ به‪ ،‬دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب(‪ .)150‬وإن مآثر الجاهلية‬
‫موضوعة غير السدانة والسقاية(‪ .)151‬والعمد قود‪ .‬وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر‪،‬‬
‫وفيه مائة بعير‪ ،‬فمن زاد فهو من أهل الجاهلية‪.‬أال هل بلغت ‪ .‬اللهم فأشهد أما بعد‪،‬‬
‫أيها الناس‪:‬‬

‫(‪ )150‬كان مسترضعاً فى بنى ليث‪ ،‬فقتلته هذيل‪.‬‬

‫(‪ )151‬سدانة الكعبة‪ :‬القيام على شئونها‪ .‬والساقية ‪ :‬سقاية الحجيج‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪135‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى أرضكم هذه ولكنه قد رضى أن يطاع فيما سوى‬
‫ذلك‪ ،‬مما تحقرون من أعمالكم‪ ،‬فاحذروه على دينكم‪.‬‬

‫أيها الناس ‪:‬‬

‫إنما النسىء(‪.)152‬زيادة فى الكفر‪ ،‬يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً‪ ،‬ويحرمونه‬


‫عاماً‪ ،‬ليواطئوا عدة ما حرم اهلل‪ ،‬فيحلوا ما حرم اهلل‪ ،‬ويحرموا ما أحل اهلل‪ .‬وإن الزمان‬
‫قد استدار كهيئته يوم خلق اهلل السموات واألرض‪ ،‬إن عدة الشهور عند اهلل اثنا عشر‬
‫شهراً فى كتاب اهلل يوم خلق السموات واألرض‪ ،‬منها أربعة حرم‪ .‬ثالثة متواليات وواحد‬
‫فرد‪ ،‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم‪ ،‬ورجب مضر‪ ،‬الذى بين جمادى وشعبان أال هل‬
‫بلغت! اللهم فأشهد‪.‬‬

‫أما بعد‪ ،‬أيها الناس‪:‬‬

‫إن لنسائكم عليكم حقاً‪ ،‬ولكم عليهن حق‪ ،‬لكم عليهن أن اليوطئن فرشكم‬
‫غيركم‪ ،‬وال يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إال بإذنكم‪ ،‬وال يأتين بفاحشية‪ ،‬فإن فعلن‪،‬‬
‫فإن اهلل قد أذن لكم أن تعضلوهن ‪ .‬وتهجروهن فى المضاجع‪ ،‬وتضربوهن ضرباً‬
‫(‪)153‬‬

‫غير مبرح‪ ،‬فإن انتهين‪ ،‬وأطعنكم‪ ،‬فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‪.‬‬

‫واستوصوا بالنساء خيراً‪ ،‬فإنهن عندكم عوان(‪ ، .)154‬ال يملكن ألنفسهن شيئاً‪،‬‬
‫وأنكم إنما أخذتموهن بأمانة اهلل‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة اهلل‪ ،‬فاتقوا اهلل فى‬
‫النساء‪ ،‬واستوصوا بهن خيراً‪ ،‬أال هل بلغت اللهم فاشهد‪.‬‬

‫(‪ )152‬التأخير ‪..‬وكانوا يؤخرون االشهر الحرم كى التعوق حروب جاهليتهم ‪.‬‬

‫(‪ )153‬تمنعونهن‪.‬‬

‫(‪ )154‬عوان‪ :‬وسط وخيار ‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪136‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫أيها الناس ‪ :‬إنما المؤمنون إخوة‪ ،‬وال يحل ألمرىء مال أخيه إال عن طيب نفس‬
‫منه‪ ،‬أال هل بلغت! اللهم فاشهد‪ .‬فال ترجعن بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‪،‬‬
‫فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده‪ :‬كتاب اهلل وسنة نبيه‪ .‬أال هل‬
‫بلغت! اللهم فاشهد‪.‬‬

‫أيها الناس‪ :‬إن ربكم واحد‪ ،‬وإن أباكم واحد‪ ،‬كلكم آلدم‪ ،‬وآدم من تراب‪ ،‬أكرمكم‬
‫عند اهلل أتقاكم‪ ،‬وليس لعربي على عجمي فضل إال بالتقوى‪ .‬أال هل بلغت! اللهم‬
‫فاشهد(قالوا‪ :‬نعم) –(قال)‪" :‬فليبلا الشاهد الغائب ؛فإنه رب مبلا أسعد من‬
‫سامع"(‪. )155‬‬

‫أيها الناس ‪:‬إن اهلل قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث‪ ،‬وال يجوز لوارث وصية‪ .‬وال‬
‫يجوز وصية فى أكثر من الثلث‪.‬‬

‫والولد للفراش وللعاهر الحجر(‪ .)156‬من أدعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه‪،‬‬
‫فعليه لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين‪ ،‬ال يقبل منه صرف وال عدل‪.‬‬

‫[أيها الناس] ‪ :‬إن اهلل تعالى حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين‪،‬‬
‫وإنها لم تحل ألحد كان قبلي وإنما أحلت لى ساعة من نهار‪ ،‬وإنها ال تحل ألحد كان‬
‫بعدى‪ ،‬ال ينفر صيدها‪ ،‬وال يختلى شوكها(‪ .)157‬وال تحل ساقطتها إال لمنشد(‪.)158‬‬
‫ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين‪ :‬إما أن يفتدى وإما أن يقتل والسالم عليكم(‪.)159‬‬

‫(‪ )155‬مابين القوسين عن مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪.‬‬

‫(‪ )156‬أى‪ :‬الزانى يرجم‪.‬‬

‫(‪ )157‬عند هذا الموضع قال العباس بن عبد المطلب" إال إالذخر‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬فإنا نجعله فى قبورنا وبيوتنا"‬

‫فقال صلى اهلل عليه وسلم " ‘إال إالذخر" [وال يختلى شوكها‪ :‬أى اليجز ويقطع]‪.‬‬

‫(‪ )158‬أى‪ :‬إال لطالب ضالة‪.‬‬

‫(‪[ )159‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخالفة الراشدة] ص‪. 385 ، 384، 283- 281‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪137‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫وبعد هذا النص الساطع قد يزعم قارئ أن الوثيقة خالصة بين المسلمين‪ ،‬ولكنى‬
‫أرى ما فيها من العموم يشمل كل مواطن ينتمي إلى األمة المسلمة فى مساواة فى‬
‫الحقوق والواجبات على السواء‪ ،‬فالرب واحد واألب واحد ( أدم عليه السالم) وأكرم‬
‫الناس على األرض األتقى‪ ،‬ورب مبلا أوعى من سامع ‪ ،‬وربما كانت الوثيقة ألهل‬
‫الدعوة أرعى وأحفظ من أهل االستجابة‪ .‬فسبحان من قلوب العباد بيده!! قال فى‬
‫كتابه العزيز "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إال من تولى وكفر"‪ .‬وحرمة‬
‫اإلنسان أى إنسان واحدة ‪!!..‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪138‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفصل العشر‬
‫اإللحاق بالمقاصد الشرعية‪..‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬اإللحاق بالمقاصد ‪:‬مفهومه –خصائصه‪-‬ضوابطه‬
‫المطلب األول ‪:‬مفهوم اإللحاق بالمقاصد‬
‫أري أن اإللحاق عند األصوليين يمثل نظرية متكاملة محكمة تقوم على أسس منضبطة‬
‫في إطارها الجزئي والكلى‪.‬وأعني باإلطار الجزئي استعمال القياس الفردي للعلماء في‬
‫العصور األولى بداية من عصر النبوة والصحابة ومن بعدهم حيث كان العالم أو اإلمام‬
‫يستدل بالعلة الجزئية والدليل الجزئي لتكييف الوقائع الفردية وهذا غالب في فقه‬
‫العبادات والمعامالت في مذاهبنا الفقهية (‪.)160‬‬
‫أما اإلطار الكلي(‪)161‬فأقصد به استعمال الحكم والمقاصد والمصلحة الكلية‬
‫واالستحسان في اإللحاق واالجتهاد‪-‬وقد ظهر ذلك جليا في فتاوى سيدنا عمر‬
‫وفتاويه خاصة‪-‬باعتبارها أوسع مجاال وأرحب دليال عندما تخرج المسائل عن إطارها‬
‫الفردي أو الشخصي إلى اإلطار الكلي أو األممي أو المجال الدولى أو تدخل في‬
‫اإلطار التشابكي االجتماعي بأبعاده المختلفة اليوم‪.‬وقد وجدنا ذلك واضحا في‬
‫مؤلفات اإلمام محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية واإلمام الغزالى والرازي من‬
‫الشافعية وأكثر وضوحا عند اإلمام الشاطبي فقد كانوا أئمة في التعليل بالحكمة‬
‫والمقصد‪،‬واقتفى األثر اإلمام ابن عاشور وعالل الفاسي وكثير من المغاربة اليوم‪.‬وعليه‬

‫(‪ . )160‬التجديد في علم أصول الفقه في العصر الحديث بين النظرية والتطبيق د‪/‬محمد فتحي العتربي ط ‪11439‬ه‪-‬‬
‫‪2018‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي األردن ص ‪ 300:‬وفيه دعوات غير واحد من العلماء إلى أهمية القياس الكلي أو‬
‫القياس الموسع القائم على المقاصد والمصلحة واالستحسان والقواعد الكلية كأساس لإللحاق واالجتهاد المعاصر‪.‬وانظر‬
‫‪:‬المدخل إلى المذاهب الفقهية ‪.‬د ‪.‬على جمعة ط‪ 4‬دار السالم القاهرة ‪2012‬م ‪ .‬ص‪، 390-387‬وحديثه عن نظرية‬
‫اإللحاق بمعناها الواسع التي عمل بها الفقهاء حتى الظاهرية‪.‬‬

‫(‪ . )161‬االجتهاد المقاصدي ‪ :‬حجيته ‪ ،‬ضوابطه ‪ ،‬مجاالته ‪،‬للدكتور نور الدين بن المختار الخادمي سلسلة كتاب األمة‬
‫رقم ‪ 66‬طبعة وزارة األوقاف والشئون الدينية قطر ‪1419‬ه‪.‬ج‪2‬ص ‪58‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪139‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫يمثل اإللحاق بالمقاصد صورة جلية لالجتهاد المقاصدي القائم على اعتبار المقصد‬
‫والحكمة وصفا كافيا لقيامه‪.‬االجتهاد المقاصدي يعني إضافة االجتهاد إلى‬
‫المقاصد فيفهم منه أن هذا النظر قد تشبع بمعرفة معاني مقاصد الشريعة اإلسالمية‬
‫وأسسها ومضامينها بما في ذلك كلياتها وجزئياتها‪،‬من حيث االطالع والفهم‬
‫واالستيعاب(‪.)162‬فااللحاق المقاصدي يعني"استحضار المجتهد المقاصد واعتبارها‬
‫في كل ما يقدره أو يفسره‪ ،‬ليس في مجال الشريعة وحدها‪،‬بل في كل المجاالت‬
‫العلمية والعملية‪.‬وهو بذلك له ارتباط أصيل بفهم النصوص والوقائع‪،‬بوساطة األدوات‬
‫التي تم ّكن من دراسة البواطن والظواهر وفق رؤى تشريعية تقوم على أسس معرفية‬
‫وضوابط عقلية محكمة‪،‬تعنى بالعقل‪،‬وتقيم للنظر برهانا‪،‬وتربط النص بضوابطه‬
‫التحري‪.‬‬
‫المصلحية التي أرشد إليها التدبر والتأمل و ّ‬
‫يقول اإلمام ابن عاشور‪":‬األصل في األحكام الشرعية كلها قبول القياس ما قامت منها‬
‫معان ملحوظة للشارع‪،‬فيجب أن تكون أنواع األحكام التي تجري فيها القياس قليلة‬
‫جدا وأن أحكام الشريعة قابلة للقياس عليها بوصف العلل والمقاصد القريبة والعالية‬
‫فتكفي الفقيه مئونة االنتشار في البحث عن المعنى من أجناسه العالية بما فيها من‬
‫التمثيل والضبط وتنتقل بالمجتهد إلى المعنى الذي اشتمل عليه النظير غير المعروف‬
‫حكمه‪،‬فيلحقه في الحكم بحكم كلياته القريبة‪،‬ثم بحكم كلياته العالية؛إذ ال يعسر عليه‬
‫ذلك االنتقال حينئذ فتتجلى له المراتب الثالث‪،‬القول بحجية قياس مصلحة كلية‬
‫حادثة في األمة ال يعرف لها حكم‪،‬على كلية ثابت اعتبارها في الشريعة باستقراء أدلة‬
‫الشريعة"(‪.)163‬وفي هذا اإلطار يري الدكتور جحيش أن الفقيه اليوم لمواجهة الواقع‬
‫بفقه تنزيلي مستوعب بحاجة إلى تخصصات معرفية في مجال العلوم اإلنسانية‬

‫(‪. )162‬الفكر المقاصدي‪:‬قواعده وفوائده ‪.‬د ‪.‬أحمد الريسوني منشورات الزمن ‪.‬كتاب الجيب ‪.‬الكتاب‪.9‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة الدارالبيضاء ‪1999‬م‪ . .‬ص‪.34-36.‬‬

‫(‪)163‬ابن عاشور ‪:‬مقاصد الشريعة ص ‪.70-76:‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪140‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫واالجتماعية بجوار العلوم الشرعية كي يسهم بدور فاعل في توجيه الحياة المستقبلية‬
‫في مجاالتها االجتماعية والتربوية والتنموية واالقتصادية والسياسية وفي مواجهة حاالت‬
‫األمن والخوف يلزمه تلك النظرة الكلية للشريعة ومقاصدها وحكمها وغاياتها في‬
‫تكامل معرفي بين فقه الحكم وفقه المحل(‪.)164‬‬

‫ومعلوم أن طلب مقصد الشارع ال يتأتى إال ببذل الجهد وتوظيف القواعد الكلية‬
‫لحل‬
‫المستمدة من الكتاب والسنة‪،‬وال بد لالجتهاد أن يتنزل على واقع الناس ّ‬
‫مشكالتهم في كل مجاالت الحياة‪،‬لذلك كان من المفروض أن يُنظر إلى االجتهاد بين‬
‫العقائد‪،‬وأمهات‬
‫ّ‬ ‫النص والقصد‪،‬ذلك أن اإلسالم تتفق فيه منظومة األحكام مع مجموع‬
‫األخالق والفضائل التي جاء بها األنبياء عليهم السالم جميعا‪،‬وأصول المحرمات التي‬
‫نهوا عنها جميعا ‪،‬التي يمكن تسميتها باألحكام النظام‪-‬إال أن هناك أشياء اختلفت‬
‫فيها الشرائع حسب المراحل الزمنية والتقديرات الربانية بين أمة وأخرى‪ ،‬وهي‬
‫التشريعات الفرعية التفصيلية التي تعالج حياة الناس ومراحل تطورها‪،‬وذلك راجع إلى‬
‫اختالف األعصر واألزمان والبيئات واألجيال‪،‬كما قال اهلل تعالى‪(:‬لِ ُكل َج َعلْنَا ِم ْن ُك ْم‬
‫ِش ْر َعةً َوِم ْن َهاجاً)سورة المائدة ‪.48:‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬خصائص اإللحاق بمقاصد الشريعة‬


‫ال يختلف النظر األصولى لإللحاق بالمقاصد عن اإللحاق بالعلة الظاهرة المنضبطة‬
‫المؤثرة في الحكم إال من حيث الماهية واألثر؛فيري الباحث أن أهم ما يميز اإللحاق‬
‫بالمقاصد أربعة‪:‬الثبوت‪،‬والظهور‪،‬واالنضباط‪ ،‬واالطراد‪.‬وهذا ما قرره الطاهر ابن عاشور‬

‫(‪) 164‬التجديد في علم أصول الفقه في العصر الحديث بين النظرية والتطبيق د‪/‬محمد فتحي العتربي ط ‪1439‬ه‪-‬‬
‫‪ 2018‬م‪،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي األردن ص ‪، 301:‬وانظر ‪:‬في االجتهاد التنزيلي د‪.‬بشير بن مولود جحيش‬
‫كتاب األمة رقم ‪ 93‬نشر وزارة األوقاف القطرية ‪1424‬ه‪2003-‬م‪.‬وحديثه في الفصل األول عن تحقيق مناطات األحكام‬
‫ومراتب التحقيق ص ‪ 59-51‬وما بعدها‪ .‬واراجع ‪:‬فقه المستقبل رؤية تأصيلية تطبيقية د‪.‬محمد فتحي العتربي ط‪ 1‬دار‬
‫المطبوعات الجامعية اإلسكندرية مصر ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪141‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫في مقاصده‪:165‬‬
‫أوال ‪:‬فالثبوت‪:‬أن تكون تلك المعاني مجزوماً بتحققها أو مظنوناً ظناً غالبا‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬الظهور‪:‬الوضوح للمجتهد المتأمل‪ ،‬بحيث ال يختلف الفقهاء في تشخيص‬
‫المعنى‪،‬وال يلتبس على معظمهم بمشابهه‪،‬مثل حفظ العرض والنسب والذرية الذي هو‬
‫المقصد من مشروعية النكاح فهو معنى ظاهر وال يلتبس بحفظه الذي يحصل‬
‫بالمخادنة أو باإلالطة‪،‬وهي إلصاق المرأة البغي الحمل الذي تعلقه برجل معين ممن‬
‫ضاجعوها‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬االنضباط‪:‬أن يكون للمعنى حد معتبر ال يتجاوزه وال يقصر عنه‪،‬بحيث يكون القدر‬
‫الصالح منه ألن يعتبر مقصداً شرعياً قدراً غير مشكك فيه‪،‬مثل حفظ العقل إلى القدر‬
‫الذي يخرج به العاقل عن تصرفات العقالء الذي هو المقصد من مشروعية التعزير‬
‫بالضرب عند اإلسكار‪.‬‬
‫رابعا‪:‬االطراد‪:‬أن ال يكون المعنى مختلفاً باختالف أحوال األقطار والقبائل واألعصار‬
‫المالءمة للمعاشرة المسماة‬
‫َ‬ ‫مثل وصف اإلسالم‪،‬والقدرة على اإلنفاق في تحقيق مقصد‬
‫بالكفاءة المشروطة في النكاح في قول مالك وجماعة من الفقهاء ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬ضوابط اإللحاق بمقاصد الشريعة‬
‫إن إعمال المقاصد في اإللحاق بجميع أنواعه وصوره يحتاج إلى قوانين وضوابط‬
‫ضرورية تنفي عنه انتحال المبطلين؛وتسيب المتعالمين؛ألن المقاصد إذا لم تقيد‬
‫بضوابط الشرع‪،‬ولم تَستَ ِ‬
‫هد بنصوصه‪،‬فإنها تصير ذريعة لالنسالخ من سلطان النصوص‬
‫وهتك حرمة الدين واختالل نظامه‪.‬ولذلك تردد كثير من أهل العلم في القول باستقالل‬
‫المقاصد بإنشاء األحكام‪،‬واعتبروه من باب التشريع بمحض الرأي والتشهي‪،‬وأنه البد‬
‫أن يستند إلى دليل أصولي إجمالي يضبطه‪،‬وهذا مغزى الخالف القديم في"هل‬
‫المصالح المرسلة تعد أصال مستقال بنفسها‪،‬أم هي مردودة إلى األصول االجتهادية‬
‫األخرى المتفق عليها؟"فذهب ابن الحاجب واآلمدي وصاحب مسلم الثبوت وشارحه‬

‫(‪)165‬مقاصد الشريعة ‪ ،‬ابن عاشور ‪ :‬مرجع سابق ص ‪.165:‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪142‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫ومعظم الحنفية إلى إنكار كونها أصال مستقال برأسه‪.‬ولكن من المناسب المفيد أن تقوم‬
‫المقاصد بوظيفة ترجيحية؛بأن تكون أقوى مسالك الترجيح لقول اجتهادي مرجوح‬
‫استنادا إلى المعاني المصلحية الكلية‪،‬وهذا ما درج عليه فقهاء المالكية في فقه‬
‫المعامالت حين يراعون القول الضعيف ويختارونه من بين األقوال إذا اقتضت الضرورة‬
‫أو الحاجة ذلك‪.‬وقد ادعى بعض الباحثين أن المقاصد وسيلة إلحداث ثورة فقهية‬
‫الستبدال فقه جديد بفقه قديم عفا عليه الزمن؛وهذه دعوى عريضة‪-‬وإن كنا نؤيدها‬
‫وندعو إليها –لها محاذيرها ومخاطرها متى تصدر لها غير أهلها بدعوي التجديد أو‬
‫التطوير‪،‬فاألماني شيء وتشييد بناء العلم على أسس ثابتة وقواعد راسخة شيء‬
‫آخر‪.‬والمأمول أال تصير فتنة المقاصد كفتنة التأويل التي وصفها ابن رشد في‬
‫كتابه"الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة"عندما مثل لمن أول شيئا فزعم أن ما‬
‫أوله هو مراد الشارع حيث قال‪":‬وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويال غير‬
‫التأويل الذي تأولته الفرقة األخرى‪،‬فزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع حتى تمزق‬
‫الشرع كل ممزق‪،‬وبعُد جدا عن موضعه األول"(‪.)166‬من أجل ذلك؛حرص كثير من‬
‫العلماء على ضبط استعمال المقاصد في االجتهاد بجملة من الضوابط الدقيقة‪.‬وقد‬
‫أجاد العالمة الفقيه الشيخ عبد اهلل بن بيه تتبعها وتحريرها والتمثيل لها في عدد من‬
‫بحوثه ومؤلفاته‪،‬لعل أجمعها وأوعاها ما ذكره في كتابه النافع الماتع"مشاهد من‬
‫المقاصد"حيث أوصلها إلى ثمانية ضوابط؛ يمكن عرضها وتلخيصها كالتالي(‪:)167‬‬
‫الضابط األول؛التحقق من المقصد األصلي الذي من أجله شرع الحكم؛ ألنه بدون‬
‫التحقق من المقصد األصلي ال يمكن أن يعلل به؛إذ يمكن أن ينصرف إلى التعبد‬
‫مباشرة؛ألن األصل في المصلحة تعبدي كما يقول الشاطبي بمعنى أن الشارع هو الذي‬

‫(‪ .) 166‬راجع الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة البن رشد ‪،‬تحقيق محمد عابد الجبري طبعة مركز الوحدة العربية سلسلة‬
‫التراث الفلسفي رقم ‪ 2‬ابن رشد ‪ ،‬وراجع الشاطبي الموافقات ‪.101/4،‬‬

‫(‪ .) 167‬مشاهد من المقاصد ‪ :‬عبد اهلل بن بيه الشيخ العالمة ‪،‬ط ‪2‬دار التجديد الرياض السعودية ص ‪.182-181‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪143‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫حددها‪،‬وهي مسألة مختلف فيها‪ .‬قال إمام الحرمين‪":‬ما ال يعقل معناه على التثبت ال‬
‫يُحكم المعنى فيه" (‪.)168‬‬
‫الضابط الثاني؛أن يكون ذلك المقصد وصفا وجوديا منضبطا؛ألنه إذا لم يكن كذلك‬
‫فال يمكن التعليل به؛ فالغرر مثالً يورث البغضاء‪ ،‬والبغضاء صفة نفسية‪،‬فهو من باب‬
‫الحكمة التي قد نلجأ إليها للتعليل بها على خالف‪،‬وذلك عند تعذر االنضباط في‬
‫الوصف‪،‬قال في المراقي(‪:)169‬‬
‫وإال فحكـمـة بـ ــها ينـ ـ ـ ـ ــاط‬ ‫ومن شروط الوصف االنضباط ***‬
‫الضابط الثالث؛أن نحدد مرتبة المقصد في سلم المقاصد؛هل هو في مرتبة الضروري‬
‫أو مرتبة الحاجي أو التحسيني؛ألن التعامل معها ليس على وتيرة واحدة ووزان واحد‪،‬‬
‫وهل هو مقصد أصلي أو تبعي‪ .‬والمقصود األصلي هو المقصود باألمر أو بالنهي‬
‫ابتداء‪،‬والتبعي في الغالب قد يكون وسيلة‪،‬وقد يكون حماية لألصلي وسياجا له‪،‬كمنع‬
‫البيع وقت النداء سدا لذريعة التشاغل عن الجمعة‪.‬وقد يكون تابعا باعتبار علية‬
‫المقصد األول واهتمام الشارع به‪،‬كالتناسل بالنسبة للنكاح‪،‬مع ما يلحق به من المودة‪،‬‬
‫والسكن‪،‬واإلحصان‪،‬واالستعفاف‪،‬والتمتع بمال الزوجة‪،‬واالعتزاز بحسبها‪،‬والتعاون على‬
‫المصالح الدنيوية واألخروية؛فهذه مقاصد تابعة(‪.)170‬‬

‫(‪.) 168‬نهاية المطلب اإلمام الجويني ‪.291/4‬وانظر‪:‬الكليات األساسية للشريعة اإلسالمية‪،‬د‪.‬أحمد الريسوني ط‪ 1‬دار السالم ال‬
‫م ‪،‬ص‪.100-90 :‬‬ ‫قاهرة ‪2010‬‬

‫(‪ .) 169‬مراقي السعود لإلمام أبي السعود ‪،‬ص ‪.327‬‬

‫(‪ .) 170‬انظر‪:‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬د‪.‬طه جابر العلواني (عليه من اهلل سحائب الرحمة) طبعة (‪)1‬دار الهادي بيروت‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫راجع ‪:‬االجتهاد بين حقائق التاريخ ومتطلبات الواقع‪،‬د‪.‬أحمد بوعود ط‪1‬دار السالم القاهرة ‪2005‬م ص‪1-124:‬‬ ‫‪-23‬‬
‫‪(.26‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪144‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الضابط الرابع؛النظر في النصوص الجزئية المؤسسة للحكم(‪)171‬؛ألنه من خاللها يمكن‬


‫ضبط التصرف في ضوء تأكيد الشارع على الحكم أو عدمه للتعرف على المقصد‬
‫إلغاء أو إثباتًا لما يعارضه من الضرورات أو الحاجات‪.‬‬
‫ومكانته وضبط التعامل معه ً‬
‫الضابط الخامس؛النظر هل المقصد المعلل به منصوص أو مستنبط (‪،)172‬ففي الحالة‬
‫األولى يرتفع الحكم بزواله‪،‬وفي الثانية ال يرتفع لكنه يمكن أن يخصص كالثمنية‬
‫بالنسبة للنقدين‪.‬‬
‫الضابط السادس؛النظر في المآل الذي يفضي إليه إعمال المقصد‪.‬‬
‫الضابط السابع؛اعتبار الجزئي بالكلي‪،‬والكلي بالجزئي‪.‬قال الشاطبي‪":‬فاإلعراض عن‬
‫الجزئي من حيث هو جزئي إعراض عن الكلي نفسه في الحقيقة وذلك تناقض‪،‬وألن‬
‫اإلعراض عن الجزئي جملة يؤدي إلى الشك في الكلي من جهة أن اإلعراض عنه إنما‬
‫يكون عند مخالفته للكلي أو توهم المخالفة له وإذا خالف الكلي الجزئي مع أنا إنما‬
‫نأخذه من الجزئي دل على أن ذلك الكلي لم يتحقق العلم به إلمكان أن يتضمن ذلك‬
‫جزءا منه وإذا أمكن هذا لم يكن بد من‬
‫الجزئي جزءا من الكلي لم يأخذه المعتبر ً‬
‫الرجوع إلى الجزئي في معرفة الكلي ودل ذلك على أن الكلي ال يعتبر بإطالقه دون‬
‫اعتبار الجزئي وهذا كله يؤكد لك أن المطلوب المحافظة على قصد الشارع ألن الكلي‬
‫إنما ترجع حقيقته إلى ذلك والجزئي كذلك أيضا فالبد من اعتبارهما معا في كل‬
‫مسألة" (‪.)173‬‬

‫(‪. )171‬انظر‪:‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬د‪.‬طه جابر العلواني (عليه من اهلل سحائب الرحمة) طبعة (‪)1‬دار الهادي بيروت‪،‬ص ‪12‬‬
‫‪.4‬‬

‫(‪. )172‬انظر‪:‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬د‪.‬طه جابر العلواني (عليه من اهلل سحائب الرحمة) طبعة (‪)1‬دار الهادي بيروت‪،‬ص ‪12‬‬
‫‪.3‬‬

‫(‪ .)173‬الشاطبي الموافقات ‪.9/3،‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪145‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الضابط الثامن؛أال يكون المقصد معارضا بمقصد أولى منه باالعتبار‪،‬تبعا لما أوردناه في‬
‫الضابط الثالث(‪.)174‬‬
‫الضابط التاسع؛أال يكون المقصد خالف النص أو اإلجماع أو القياس الكلي السالم‬
‫من المعارض‪.‬‬
‫الضابط العاشر؛أن يكون المتصدي إلعمال المقاصد من أهل االرتياض على أصول‬
‫االجتهاد ومعاني الشريعة‪.‬والخالصة‪:‬إن إعمال المقاصد في اإللحاق–وهو مرادف‬
‫لالجتهاد‪-‬من أهم القضايا التي يجب أن تشغل بال الباحثين في الفقه‬
‫اإلسالمي‪،‬وذلك راجع باألساس إلى أثر تلك المقاصد في مفردات العملية االجتهادية‬
‫برمتها‪،‬إلى درجة أنها أصبحت ميزانا يعرف به صحيح االجتهاد من ضعيفه‪،‬وراجحه من‬
‫مرجوحه‪.‬وإعمال المقاصد طريقه أن تكون إطارا كليا حاكما على قواعد اإللحاق‬
‫ومعاييره ونتائجه‪،‬وبأن تكون مرحلة من مراحل صياغة الفتوى والحكم‪،‬بحيث تعرض‬
‫األدلة الجزئية على مقاصد الشريعة العامة والخاصة‪،‬وال تقبل إال إذا انسجمت‬
‫معها‪،‬وتكون هي عمدة المجتهد في المسائل المستجدة التي ال نص فيها وال نظير‬
‫لها‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪:‬عالقة اإللحاق باالستدالل الكلى والفكر المقاصدي‬
‫يرى الباحث أن منهجية اإللحاق وطيدة الصلة بالفكر المقاصدي ؛ذلك أن‬
‫اإللحاق بالمقاصد يقوم على ثالثة دعائم هي مرتكزات االستدالل الكلي القائم على‬
‫االستقراء وبيان العلل في إطار منهجي ثابت‪،‬وتلك الدعائم هي(‪:)175‬‬
‫الدعامة األولى‪:‬االستقراء‪:‬يعد االستقراء أول دعامة للنظر المقاصدي كما رسمها‬
‫اإلمام الشاطبي ونقشها في عبارته الشهيرة"المعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة‬

‫(‪ .)174‬مشاهد من المقاصد ‪ :‬عبد اهلل بن بيه الشيخ العالمة‪،‬ط ‪ 2‬دار التجديد الرياض السعودية ‪،‬ص ‪.182-181‬‬

‫(‪ .)175‬االجتهاد المقاصدي مفرداته وتطبيقاته د‪/‬محمد فتحي العتربي طبعة جامعية خاصة ‪،‬بجامعة اإلنسانية ماليزيا ‪2016‬م‪،‬ص‬
‫‪.25-22‬وقد أرسلت تلك الدراسة منذ عدة أشهر للنشر بدار الكلمة القاهرة لكن وباء ورونا تحول دون الرد بالنشر بعد‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪146‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫أنها وضعت لمصالح العباد استقراء ال ينازع فيه الرازي وال غيره"‪.‬والحديث عن مفهوم‬
‫االستقراء عند المقاصديين هو حديث عن المنهج بكل معانيه ودالالته‪،‬وفيه إضافة‬
‫يعولون في أبحاثهم على‬
‫نوعية لالجتهاد في الفكر اإلسالمي‪،‬حيث إن العلماء كانوا ّ‬
‫االستنباط والقياس قبل الشاطبي‪،‬ثم جاء هذا الفتح المنهجي الجديد ليسبر أغوار‬
‫بحار الشريعة بحثا عن مقاصدها وأهدافها وأسرارها المكنونة في صدفاتها‪.‬‬
‫إن ما يميز منهج االستقراءعند المقاصديين هو توظيفه فيما يعتبر نافعا‪،‬فقد أورد‬
‫األستاذ تميم الحلواني في بحثه عن الخصائص العامة لفكر اإلمام الشاطبي كإمام‬
‫لتوظيف هذا المنهج ‪ -‬أنه لم يعمل بهذا المنهج في مجال البدع والضالالت؛ألنها‬
‫تتصف بقابلية التجديد وتتأثر بظروف الزمان والمكان‪،‬ولذلك لجأ فيها إلى طريقة‬
‫التأصيل والتقعيد‪.‬ومما انفرد به اإلمام الشاطبي كذلك قوله بإفادة االستقراء التام‬
‫والناقص القطع‪ ،‬وبهذا خالف الحجية المتعارف عليه بين علماء األصول‪.‬بل إن‬
‫الدكتور مجدي عاشور أكد في بحثه عن الثابت والمتغير في فكر اإلمام الشاطبي على‬
‫أنه أخذ باالستقراء المعنوي في منهجه فجمع بذلك بين منهجين‪:‬األول‪:‬منهج أهل‬
‫الحديث وكذا أهل األصول القائلين بالتواتر المعنوي والمقرين بإفادته العلم‬
‫عندهم‪.‬والثاني‪:‬منهج أهل المنطق في استداللهم باالستقراء في إثبات حجية‬
‫الدليل‪،‬ولكنه خالفهم في أخذه باالستقراء الناقص‪.‬بهذا يبرز دور االستقراء كمنهجية‬
‫أولية للبحث المقاصدي وال ريب (‪.)176‬‬

‫(‪ .) 176‬يعتبر المنهج االستقرائي من المناهج المشتركة بين العلوم الطبيعية و العلوم اإلنسانية‪.‬وإن كان في الغالب يوظف في مجا‬
‫ل دراسة العلوم الطبيعية‪.‬و يعتمد منهج االستقراء العلمي في مجال دراسة العلوم الطبيعية على«المالحظة العلمية» في مجال الطبي‬
‫عة و االنتقال من مالحظة قضايا جزئية تشير إلى ما نالحظه إلى نتائج كلية تتضمن وقائع أو ظواهر أخرى سوف تحدث في الم‬
‫ستقبل و لم تالحظ بعد‪ ،‬وهذا يعني أن مقدماته تمثل الجزئيات التي تم استقراءها في الواقع عن طريق المالحظة و التجربة‪ .‬أما نت‬
‫=الجزئيات التي شاهدناها‪ ،‬بحيث يمكن القول أننا نصل إلى تعميم ما جا‬ ‫يجته فتعبر عن القانون العام الذي تندرج تحته =‬
‫ءت به النتيجة من خالل االستدالل االستقرائي و لكنه ال يمثل ما شاهدناه فحسب‪،‬وإنما يعبر أيضا عن الوقائع التي سترد علينا ف‬
‫ي المستقبل‪.‬ويمر الباحث في إعماله للمنهج االستقرائي من ثالث مراحل بحثية‪:‬أوال‪ :‬مرحلة البحث‪ :‬و يستخدم فيها المالحظة‬
‫و التجربة للوقوف على ما بين األشياء من أوجه شبه و اختالف‪.‬ثانيا‪:‬مرحلة االخ تراع واالكتشاف‪:‬وهي مرحلة وضع الفروض الت‬
‫البرهان و هي مرحلة تحقي‬ ‫فسيرية التي توضح العالقة بين الظواهر المشاهدة أو التي أُجري عليها التجارب‪.‬ثالث ا‪ :‬مرح لة‬
‫ق الفروض من خالل الرجوع للواقع‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪147‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الدعامة الثانية‪:‬التعليل(‪:)177‬قدم الشيخ مصطفى شلبي في منتصف القرن الماضي‬


‫دراسة معاصرة رائدة في تعليل األحكام خرج بها عن المعهود في كثير من األوساط‬
‫العلمية التى سارت بالشريعة منحى التعبد والتوقف وحسب مع أن الكثير من العلماء‬
‫من قرر تعليل األحكام‪،‬ويلفت النظرعند الشاطبي مثال قوله بالتعليل في الشريعة‬
‫مجملها ومفصلها‪.‬وقد ذكر الدكتور أحمد الريسوني في كتابه "نظرية المقاصد"بأن‬
‫اإلمام ال ينكر أن العبادات معللة في أصلها وجملتها‪،‬وإن كان يرى أن التفاصيل يغلب‬
‫فيها عدم التعليل‪.‬ثم استدرك على هذا فأتى بالتعليل التفصيلي للشاطبي للصالة‪،‬ثم‬
‫علق عليه بالقول بأن هذا توسع ظاهر يقدم عليه الشاطبي في تعليل تفاصيل أكثر‬
‫العبادات تعبدية وهي الصالة‪،‬فكيف يقال‪-‬رغم هذا‪-‬إن المناسب في العبادات مما ال‬
‫نظير له‪،‬وأن األصل في العبادات عدم التعليل؟ويجدر القول إن اإلمام الشاطبي بقوله‬
‫بالتعليل يخالف مذهبه العقدي والكالمي باعتباره أحد أعالم األشاعرة‪،‬بل إننا نجده‬
‫يقارع ألد خصوم التعليل في زمانه اإلمام الرازي‪،‬وهذا األمر يعيد طرح أشعرية اإلمام‬
‫الشاطبي من جديد في ميزان علم الكالم؛ ألن من كان على شاكلة اإلمام الرازي وغيره‬
‫من علماء األشاعرة لن يسلم لإلمام الشاطبي نظره التعليلي أيا كانت أسبابه‬
‫ومقاصده‪.‬ولعل اإلمام الشاطبي قد علم بفطنته وذكائه أن الدخول إلى عالم المقاصد‬
‫يمر حتما عبر بوابة التعليل‪،‬فاقتحمها بحذر شديد دون إثارة انتباه األشاعرة‪،‬وذلك من‬
‫خالل موافقتهم في آرائهم الكالمية‪،‬من ذلك قضية التحسين والتقبيح وغيرها‪،‬ثم ترك‬
‫لنفسه هامشا واسعا لنصوص كثيرة استثمرها لربط جسور التواصل بين آرائه وآراء‬
‫علماء السلف من قبله‪ ،‬للتأكيد على أن نظريته المقاصدية ليست بدعا من االجتهاد‬
‫والفكر‪،‬مما حذا بعدد من الباحثين مثل األستاذ عالل الفاسي إلى اعتباره من األئمة‬
‫السلفيين إلى جانب اإلمامين ابن تيمية وابن القيم‪.‬‬

‫(‪ .)177‬راج ع‪ :‬تعليل األحكام ‪..‬عرض وتحليل‪،‬للشيخ محمد مصطفى شلبي طبعة األزهر ‪1947‬م القاهرة ‪،‬و التعليم الـ ـ ـ ــديني بي‬
‫ن التج ــدي ــد والتجميد د‪.‬طه جابر العلواني ‪،‬طبعة ‪1‬دار السالم ‪2009‬مالقاهرة ‪،‬ص ‪.156‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪148‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الدعامة الثالثة‪:‬المذهبية الفقهية‪:‬أرى أن يتحصن المقاصدي بحصن المذهبية حتى ال‬


‫ينفرط العقد المنهجي عنه‪،‬والناظر إلي الشاطبي فيما يخص الدعامة الثالثة التي تحمل‬
‫صرح النظر المقاصدي عنده يجده يتعلق بمذهبه الفقهي ؛حيث انتشار للمذهب‬
‫المالكي‪،‬خاصة ما عرفته حقبة بني األحمر في األندلس‪،‬وهذا ما جعل من اإلمام‬
‫الشاطبي يستفيد من فقه اإلمام مالك الذي يتميز بالنظر العميق في روح الشريعة‬
‫اإلسالمية وكلياتها‪ ،‬كذا الجري على مقتضاها بما يوافق مقصود الشارع‪،‬ثم تعدد أصوله‬
‫جزء من الواقع المعيش‪.‬ولهذا‬
‫وتنوع قواعده‪،‬إضافة إلى تطور االجتهاد فيه حتى أصبح ً‬
‫اختار اإلمام الشاطبي السير على منوال المذهب المالكي حتى اشتهر عنه قوله "مالك‬
‫هو إمام االقتداء"‪،‬ثم إذا ما سئل أجاب في أغلب الفتاوى بقوله‪" :‬إن مذهب‬
‫مالك‪"..‬أو"إن قاعدة مذهب مالك‪"..‬أو"سئل مالك بن أنس‪ "..‬أو ما شابه ذلك‪.‬ومن‬
‫هنا نفهم لماذا لم يكن اإلمام الشاطبي مجتهدا مستقال رغم أنه صاحب نظرية رائدة‬
‫في مقاصد الشريعة‪،‬واقتصر في أحسن أحواله على االجتهاد داخل المذهب‬
‫المالكي‪،‬ولعل هذا كله من شأنه أن ييسر له أمرين‪:‬أولهما التمكين المعرفي لنظريته‬
‫المقاصدية وانتشارها بشكل واسع بين العلماء وطلبة العلم‪ ،‬وهذا ما حصل‬
‫بالفعل‪.‬وثانيهما اجتناب الدخول في خصام ونقاش مع فقهاء المالكية الذي من نتائجه‬
‫تقويض اجتهاده وجلب متاعب جمة هو في غنى عنها‪،‬خاصة إذا علمنا أن فقهاء زمانه‬
‫ال يرون فقيها بديال عن اإلمام مالك‪.‬وأيما كانت دوافع التمسك بالمذهب عند‬
‫الشاطبي فما أراه أن المذهبية‪-‬غير المتعصبة‪-‬سياج يحفظ للفقيه مزيته ومنهجيته‬
‫العلمية بل وقبوله وسط العامة والخاصة بما يحقق له القبول فيما يقوله ويطرحه ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬تطبيقات نظرية اإللحاق بمقاصد الشريعة‬
‫(‪)178‬‬
‫المطلب األول ‪:‬تطبيقات المقاصد العليا‬

‫(‪. )178‬انظر‪ :‬التوحيد –التزكية –العمران‪ .‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬د‪.‬طه جابر العلواني (عليه من اهلل سحائب الرحمة) طبعة (‪1‬‬
‫الهادي بيروت‪،‬ص‪ -،138 -135‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة د‪.‬جمال عطية طبعة المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ودار‬ ‫)دار‬
‫الفكر دمشق ‪2001‬م ص ‪-،122-111:‬الفكر المقاصدي وتطبيقاته في السياسة الشرعية د‪.‬عبد الرحمن العضراوي ط‪ 1‬الكوي‬
‫ت وزارة األوقاف ‪2010‬م‪.‬ص‪( 374-366:‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪149‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫التوحيد والتزكية والعمران؛هذه المقاصد الثالثة يراها الدكتور العلواني–في إطار‬


‫محددات قرآنية منهاجية–كليات قطعية حاكمة مطلقة تنحصر مصدريتها في المصدر‬
‫األوحد المنشئ لألحكام وهو القرآن المجيد في انطالقته للتشابك مع الكون جمعا‬
‫بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون‪.‬هذا بالتساوي مع دائرة بيان السنة الثابتة‬
‫الصحيحة للقرآن المجيد في إطار العالقة الوثيقة بينهما وهي عالقة البيان‬
‫بالمبين؛فالسنة والسيرة العطرة تبدوان تطبيقا عمليا للقرآن في مقاصده العليا‬
‫الحاكمة‪..‬ذلك أن من شأن المقاصد العليا الحاكمة –على حد تعبير العلواني‪-‬أن‬
‫تكون قادرة على ضبط األحكام الجزئية وتوليدها–عند الحاجة‪ -‬في سائر أنواع الفعل‬
‫اإلنساني؛القلبي مننا والعقلي‪،‬الوجاني والبدني ليتحقق ربط الجزئيات بالكليات‬
‫ولتهتدي الكينونة اإلنسانية بكليتها بهداية اهلل‪.‬ويكمل العلواني توصيفه للمقاصد العليا‬
‫معتبرا إيها كالمبادئ الدستورية فيما يتعلق بالجانب التشريعي من حيث قدرتها على‬
‫توليد المواد القانونية وقواعدها التأسيسية‪.‬وهي بذلك لن تكون دليال من األدلة أو‬
‫أصال من أصول الفقه يختلف عليه أو يتفق عليه ؛بل ستكون المنطلق األساس إلعادة‬
‫بناء قواعد أصول الفقه وتجديدها وبناء الفقه األكبر ووسيلة لغربلة التراث الفقهي‬
‫وتنقيته‪..‬وإخضاعه لتصديق الكتاب وهيمنته‪..‬إلخ مايراه العلواني من ثمار وآثار‬
‫وخصائص تشغيل المقاصد العليا(‪.)179‬وفي اإلطار التطبيقي يبين العلواني أن منظومة‬
‫المقاصد العليا تحقق التوحيد الخالص وهو يختص به تعالى‪،‬باعتباره حقا له على‬
‫عباده‪،‬والتزكية ويختص بهااإلنسان‪،‬والعمران وهو نصيب الكون في هذه المنظومة التى‬
‫وإن بدا عليها التعدد فإنها واحدة‪.‬‬
‫وقد فصل الدكتور العضراوي في دراسته التطبيقية للمقاصد في السياسة الشرعية هذا‬
‫الترابط الوظيفي بين المحددات المقاصدية كقوالب مؤسساتية تصو المبادئ الحاكمة‬
‫لتنزيل المقاصد في الواقع؛ومتىتحققت تلك المحددات الوظيفية اكتملت الخطوة‬

‫(‪. )179‬انظر‪ :‬مقاصد الشريعة‪،‬العلواني ‪،‬السابق نفسه ص‪..151-139:‬الفكر المقاصدي وتطبيقاته في السياسة الشرعية د‪.‬عبد ا‬
‫العضراوي ط‪ 1‬الكويت وزارة األوقاف ‪2010‬م‪.‬ص‪( 374-366:‬بتصرف)‪.‬‬ ‫ل ـ ـ ــرحمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪150‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المنهجية الالزمة للكشف عن دور المقاصد وإخراجها إلى حيز الفعلية‬


‫والممارسة‪.‬ويمثل للتطبيق بالتنشئة السياسية لتحقيق مقصد االستخالف وتنظيم‬
‫االجتماع وربطه بالعمران البشري ؛فقوام التنشئة السياسية ؛العقيدة السمحة واإلدراك‬
‫المعرفي العميق القائم على الشرعية والمشاركة والمحافظة على شخصية األمة‬
‫وهويتها‪.‬فالتنشئة السياسية في إطارها التطبيقي عمل تربوي محض له اتصاله الوثيق‬
‫بالنظر المقاصدي القائم على العلم بالمقاصد(‪.)180‬إن وحدة األمة في أدق صورها‬
‫مظهر من مظاهر التوحيد؛تلك الوحدة ليست مقصدا عظيما فحسب بل ركيزة أساسية‬
‫من ركائز النمو والعمران ومن ثم الشهود الحضاري الغائب منذ أن انتقضت عروة‬
‫اض المبني على التوريث واالستبداد(‪. )181‬‬
‫الحكم الراشد بواسطة الملك الع ّ‬
‫المطلب الثاني ‪:‬تطبيقات المقاصد الكلية‬
‫تعد دراسة الدكتور جمال الدين عطية(نحو تفعيل مقاصد الشريعة)طرحا تطبيقا عمليا‬
‫في مجال المقاصد الكلية والخاصة والجزئية؛فالضروريات الخمس أو الكليات‬
‫الخمس‪:‬حفظ الدين و النفس والعقل و العرض (النسب أوالنسل)والمال‪-‬وحول‬
‫ترتيب هذه الكليات تعددت الرؤى االعتبارية ولم تختلف في إطارها التطبيقي الوجوبي‬
‫عبر منظومة تطبيق اإلسالم عقيدة وشريعة وأخالقا داخل ديار اإلسالم وخارجها‬
‫(‪.)182‬حيث يرى الدكتور عطية أن مراتب هذه الكليات خمسة‪:‬الضروري وما دون‬

‫(‪. )180‬انظر‪ :‬مقاصد الشريعة‪،‬العلواني ‪،‬السابق نفسه ص‪.148:‬الفكر المقاصدي وتطبيقاته في السياسة الشرعية د‪.‬عبد الرحمن‬
‫العضـ ـ ـ ـ ـ ــراوي السابق نفسه ‪:‬ص‪.365-326 :‬ص‪( 374-366:‬بتصرف)‪.‬‬

‫(‪. )181‬انظر‪ :‬مقاصد الشريعة‪،‬العلواني ‪،‬السابق نفسه ص‪.148:‬الفكر المقاصدي وتطبيقاته في السياسة الشرعية د‪.‬عبد الرحمن ا‬
‫السابق نفسه ‪:‬ص‪.365-326 :‬ص‪( 374-366:‬بتصرف)‪.‬النظر المقاصدي رؤية تنزيلية د‪/‬محماد بن محمد ر‬ ‫لعضـ ـ ـ ـ ـ ــراوي‬
‫القاهرة ‪ 2010‬م ص‪( .52-48:‬بتصرف)‪.‬‬ ‫فيع ط‪ 1‬دار السالم‬

‫(‪ . )182‬وانظر ‪:‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة د‪.‬جمال الدين عطية ط‪ 1‬دار الفكر دمشق –بيروت مع المعهد العالمي للفكر‬
‫ذاهب‬ ‫اإلسالمي ‪2001‬م ص‪ 107-28 :‬وتصوره الجديد للمقاصد وترتيبها‪،‬ومثله ما ذكر في كتاب‪:‬المدخل إلى الم‬
‫الفقهية ‪،‬د ‪.‬على جمعة ط‪ 4‬دار الس الم القاهرة ‪2012‬م ‪.‬ص‪، 399-393‬وحديث ه عن مدخل حول ترتيب الكليات‬
‫الخمس ومنطقية هذا الترتيب لمالءمته للتغيرات المعاصرةومنطلقات التعامل باإلسالم مع الداخل والخارج وكالمه له وجاهته‬
‫المعتبرة وإن خالفت الترتيب الموروث منذ الغزالى‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪151‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الضروري والحاجي والتحسيني وما وراء التحسيني‪،‬وفي اإلطار التطبيقي لتفعيل‬


‫المقاصد حصرها في مجاالت أربعة ‪:‬الفرد واألسرة واألمة واإلنسانية ووضع تصوراته‬
‫التفعيلية لكل مجال بشكل يحقق الكليات الخمس‪.‬وفي إطار تفعيل المقاصد‬
‫وتطبيقها في مجال االجتماع البشري يضع الدكتور عطية أمثلة تطبيقية لما يمكن‬
‫تطبيقه وقياسه عمليا (‪.)183‬أقول‪ :‬من وجهة نظر الباحث المجال التطبيقي له شقان‬
‫أولهما‪ :‬الشق التطبيقي األكاديمي بتنشئة جيل مفكر تمثل المقاصد بؤرة تفكيره‬
‫وتصوره وهو ما يمكن تسميته ببناء المنهج الفكري؛ومن ثم يتولد النموذج التطبيقي‬
‫الواقعي وهو الشق الثاني‪.‬‬
‫وقد رسم أبعاد هذا الشق التطبيقي األكاديمي رواد المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪-‬‬
‫الفاروقي وأبو سليمان والعلواني والطالب ومنى أبو الفضل والمسيري وآخرون‪-‬في‬
‫أعمال مؤسسية وأكاديمية فكان إنشاء المعهد‪-‬في فريجينا بأمريكا‪-‬ولجانه وفروعه ثم‬
‫تفاعله العلمي واألكاديمي بالبحوث والدراسات‪،‬كما مثلت الجامعة اإلسالمية العالمية‬
‫في كوااللمبور التي نشأت في الثمانينيات‪-‬بإشراف األستاذ أنور إبراهيم في وزارة‬
‫مهاتير محمد‪-‬تطبيقا أكاديميا لتفعيل المقاصد الشرعية في الشق األكاديمي التعليمي‬
‫والتي مازالت تؤتي ثمارها إلى اليوم (‪..)184‬ومع مايعيشه عالمنا العربي واإلسالمي من‬
‫تغييب لتفعيل المقاصد الشرعية بمراتبها ومستوياتها التنزيلية ؛فإن الباحث يأمل أن‬
‫يزيد الضغط الشعبي على األنظمة الحاكمة للعودة باألمة إلى المسار الصحيح الذي‬
‫يخرجها من دوائر التبعية المذلة واالستالب الحضاري المقيت؛ألن العالم بحاجة‬

‫(‪ . )183‬وانظر ‪:‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة د‪.‬جمال الدين عطية السابق نفسه ص‪. 175-142 :‬وفيه الكفاية التطبيقية ‪.‬‬

‫(‪. )184‬راجع‪ :‬اإلصالح اإلسالمي المعاصر ‪،‬د‪.‬عبد الحميد أبوسليمان ط‪1‬دار السالم‪2006‬م القاهرة ص‪.82-47:‬مقاصد الشر‬
‫يعة‪،‬د‪.‬طه العلواني ‪،‬السابق نفسه ص‪ :‬وما بعدها ‪.152‬والتعليم الديني بين التجديد والتجميد ط‪ 1‬دار السالم ‪ 2009‬القاهرة‬
‫ص ‪ 59-58‬وم ـ ــا بعده ‪،‬الفكر المقاصدي وتطبيقاته في السياسة الشرعية د‪.‬عبد الرحمن العضـ ـ ـ ـ ـ ــراوي السابق نفسه ‪:‬ص‪3 :‬‬
‫‪.365-26‬ص‪ 374-326:‬النظر المقاصدي رؤية تنزيلية د‪/‬محماد بن محمد رفيع ط‪ 1‬دار السالم القاهرة ‪ 2010‬م ص‪26:‬‬
‫‪( .27-‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪152‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫لذلك ليبصر النور‪،‬وأمتنا بحاجة لذلك لإلعذار إلى اهلل تعالى قبل أال مفر‪..‬والت حين‬
‫مناص!نسأل اهلل تعالى العون‪..‬‬
‫المطلب الثالث ‪:‬نماذج من تطبيقات المقاصد الخاصة و الجزئية‬
‫أرى اتفاق النُّظار على أن غائية أبواب الفقه وما تستوعبه من األحكام الشرعية‬
‫وعللها تمثل دائرة المقاصد الخاصة والجزئية على الترتيب؛فلكل باب من أبواب‬
‫الفقه مقاصده وغايته ولكل حكم شرعي حكمة وغاية أوقل‪:‬له علة ومقصد‪،‬فالعبادات‬
‫بأنواعها تقصد التزكية والتعبد والتطهير عقال وجسدا ونفسا وروحاوأسرة ومجتمعا ونظم‬
‫حياة؛حتى إن اإلمام ابن خزيمة نص على أن من أقسم بأنه ليس في الشريعة اإلسالمية‬
‫حكم واحد ال علة له فإنه ال يحنث في يمينه‪،‬وأبرز من اهتموا ببيان المقاصد الخاصة‬
‫والمقصد الجزئي أبو حامد الغزالى في اإلحياء ومن المعاصرين ولى اهلل الدهلوي في‬
‫حجة اهلل البالغة وتبعهم اإلمام ابن عاشور(‪!)185‬‬
‫ولعل المتعامل مع المقاصد يدرك أن هذا الفن عندما يتعلق بإنتاج األحكام الشرعية‬
‫ليس ترفا ذهنيا‪،‬إنما هو استنباط منضبط ومنهج مخصوص الستفادة األحكام‬
‫واستثمارها من أدلتها ؛هذا ما نراه جليا في تراثنا الفقهي وخصوصا في فقه النوازل من‬
‫خالل الكثير من األمثلة المعبرة عن هذا النهج‪،‬ومن خالل المحاوالت التنزيلية‬
‫والتشغيلية للمقاصد في دائرة األحكام والفتاوى الشرعية المعاصرة وما يتعلق بتنقيح‬
‫المناط ووسائل البحث عن العلل واألوصاف في األحكام حيث أنتج لنا البحث‬
‫العديد من الدراسات العلمية المعنية ببيان المقاصد الخاصة والجزئية للعبادات‬
‫أوالمعامالت أو األحوال الشخصية أوالحدود والعقوبات أو الميراث‬
‫واألوقاف‪،‬ويكفيك أن تُ ِ‬
‫عمل محرك البحث على شبكة اإلنترنت لتجدها ماثلة أمامك‬
‫سواء أكانت الدراسة في المقاصد أوتابعة لباب القياس ومنه اإللحاق بنفي الفارق‪،‬وما‬

‫(‪ .)185‬راجع‪ :‬التعليم الديني بين التجديد والتمديد دطه جابر العلواني ‪،‬طبعة ‪1‬دار السالم ‪2009‬مالقاهرة ‪،‬ص ‪.156‬نحو تفعي‬
‫ل مقاصد الشريعة د‪.‬جمال عطية السابق نفسه ص‪(138-137:‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪153‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫يخصنا ما في دائرة المقاصد موضوع بحثنا‪.‬وفي السطور القادمة‪-‬من خالل فرعين‪-‬‬


‫نقدم نماذج لتلك التطبيقات والدراسات (‪.)186‬‬
‫الفرع األول تطبيقات المقاصد الخاصة‬
‫المقاصد الخاصة هي‪:‬المعاني التي لوحظت في باب معين من أبواب التشريع‬
‫المخصوص‪،‬مثل‪ :‬مقصد الردع في باب العقوبات‪،‬ومقصد منع الضرر في باب‬
‫المعامالت المالية‪،‬ومقصد عدم اإلضرار بالمرأة في باب األسرة(‪.)187‬فهي مقاصد‬
‫متجانسة من الشريعة‪،‬أو مجموعة متجانسة من أحكامها‪،‬وكذلك الخاصة بالعلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية والكونية لضبطها بموازين الشريعة(‪.)188‬ومن العلماء الذين كتبوا‬
‫الخاصة‪،‬قديما وحديثًا‪،‬سواء أكان ذلك في كتب خاصة‪،‬أم أبواب‬
‫ً‬ ‫في مقاصد الشريعة‬
‫ضمن كتبهم‪،‬ومن أشهر من كتب وألف في المقاصد الخاصة "الحكيم الترمذي"في‬
‫القرن الثالث الهجري في كتابه‪":‬الصالة ومقاصدها وأسرارها"‪،‬وصدوق بن‬
‫بابويه(‪381‬ه )في كتابه‪":‬علل الشرائع"‪،‬والغزالي في كتابه‪:‬إحياء علوم الدين‪،‬فقد عُني‬
‫بأسرار الشريعة في العبادات والعادات والمعامالت‪،‬وولي اهلل الدهلوي في كتابه"حجة‬
‫اهلل البالغة"‪،‬ود‪.‬جمال الدين عطية في كتابه"مقاصد االقتصاد"‪،‬ود‪.‬فتح الباب‬
‫عبدالحليم في كتابه مقاصد التربية‪،‬ود‪.‬عمر سليمان األشقر في كتابه‪":‬مقاصد‬
‫المكلفين"‪،‬ود‪.‬عبدالوهاب أبو سليمان في كتابه‪" :‬المقاصد في المناسك"‪.‬إلخ‪.‬ومن‬

‫(‪ )186‬راجع‪:‬التجديد في علم أصول الفقه في العصر الحديث بين النظرية والتطبيق د‪.‬محمد فتحي العتربي السابق‬
‫‪،‬ص‪، 302:‬وانظر ‪:‬في االجتهاد التنزيلي د‪.‬بشير بن مولود جحيش كتاب األمة رقم ‪ 93‬نشر وزارة األوقاف القطرية‬
‫‪1424‬ه‪2003-‬م‪.‬وحديثه في الفصل األول عن تحقيق مناطات األحكام ومراتب التحقيق ص ‪ 59-51‬وما بعدها‪.‬‬
‫واراجع ‪:‬فقه المستقبل رؤية تأصيلية تطبيقية د‪.‬محمد فتحي العتربي ط‪ 1‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية مصر‬
‫‪2012‬م‪.‬‬

‫(‪.)187‬مقاصد الشريعة اإلسالمية دراسات في قضايا المنهج والتطبيق ص‪ ،80 :‬االجتهاد المقاصدي ‪،‬الخادمي السابق نفسه‬
‫(بتصرف)‪.‬‬ ‫ص‪138 :‬‬

‫(‪ .)188‬راجع‪ :‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة د‪ .‬جمال الدين عطية السابق نفسه‪،‬ص‪( .136-131:‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪154‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫النماذج التطبيقية للمقاصد الخاصة ما يلي‪:‬في باب اإلمامة أوالسياسة الشرعية بصفة‬
‫عامة‪:‬فمقصد إقامة اإلمام حفظ الحوزة أو بيضة الدين‪،‬ورعاية الرعية‪،‬كف االختالف‬
‫الظلم‪،‬واالنتصاف للمظلومين‪،‬استيفاء الحقوق من المتنعمين(‪.)189‬ومن واجبات الدولة‬
‫أوال‪:‬واجبات الدولة‬
‫في مجال التوزيع على مستوى المجال الفردي والمعيشة العام‪ً :‬‬
‫على مستوى المجال الفردي‪:‬حماية الملكية الخاصة‪،‬ومجابهة كل اعتداء على هذا‬
‫القطاع‪،‬وتدخل في هذا الباب أحكام الغصب والسرقة وأمثالها‪.‬مراقبة قيامها بواجبها‬
‫االجتماعي من حيث اعتبارها حاكمة‪،‬من هنا وضع الشارع قوانين لحماية‬
‫ذلك‪،‬مثل‪(:‬الحجر‪،‬الكسب المحرم‪،‬ال ضرر وال ضرار)من هذه القوانين التي وضعها‬
‫اإلسالم للحفاظ على الملكية الخاصة االستهالك أوالتبادل الالمعقول عبر الحجر‬
‫على السفيه والمريض المورث والمدين وغير ذلك‪.‬و التبادل الالمشروع للملكية بما ال‬
‫ينسجم مع القيم الالأخالقية واالقتصادية التي يؤمن بها اإلسالم عبر أحاديث منع‬
‫الكسب الحرام‪،‬ومنع االعتداء على حقوق األفراد اآلخرين‪،‬وحقوق المجتمع العليا عبر‬
‫أحاديث منع الضرر‪،‬الفرار من أداء الوظائف االجتماعية الكبرى عبر النصوص التي‬
‫تفرض الزكاة والضرائب المالية األخرى‪،‬وتحري االمتناع عنها‪.‬ومن ثم نستطيع القول‬
‫بأن‪:‬أكبر وظيفة للدولة في مجال الملكية الخاصة هي حمايتها من جهة السيطرة‬
‫عليها؛لتقوم بواجبها االجتماعي من جهة أخرى ‪.‬‬

‫ثانيًا‪:‬واجبات الدولة‪:‬توفير مستوى المعيشة المناسب‪:‬وذلك من خالل التكامل‬


‫والتعادل‪:‬التكافل ونعني به أن يكون كل فرد في المجتمع اإلسالمي ضامنًا ألمرين‬
‫واجبين ال تخلُّف فيهما‪ ،‬وهما‪:‬التكافل الفردي‪:‬الحاجيات األساسية الضرورية الفورية‬
‫لكل فرد في المجتمع اإلسالمي ‪.‬الحاجيات األساسية الضرورية لمجمل المجتمع‬
‫اإلسالمي‪،‬والتي ال يمكن أن يتم قوامه بدونها‪.‬التكامل االجتماعي‪:‬ونعني به أن تكون‬

‫(‪ .)189‬راجع‪ :‬نظرية المقاصد عند الجويني ص‪( .142:‬بتصرف)‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪155‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الدولة ضامنًا لتحقيق األمرين التاليين ‪:‬توفير الحاجات العرفية لألفراد حتى يصلوا إلى‬
‫المستوى ال ِغني ‪.‬تأمين أفضل الحاالت الممكنة للحياة االجتماعية‪.‬تحقيق‬
‫التعادل‪،‬والمراد به التقارب الطبيعي بين هذه المستويات–بالقضاء على الطبقية‬
‫المفرطة‪-‬بامتالك الحد الطبيعي الذي يمكن الفرد من معيشة متوسطة عرفًا(‪.)190‬‬

‫الفرع الثاني تطبيقات المقاصد الجزئية‬

‫للمقاصد الجزئية تطبيقات تشغيليةكثيرة في ثراثناوواقعنا؛وإن كان الطرح يفرض علينا‬


‫االكتفاء بالتطبيقات المعاصرة إذ هي ألصق بالواقع لكن أذكر منها من القديم ما له‬
‫تأثير بواقعنا وتفسيرا لبعض مشكالته الواقعية كما في التعزيرات المالية أو ما يسمى‬
‫بالعقوبات المالية ؛نذكر منها ما أورده الونشريسي في معياره عن القاضي أبي عمر بن‬
‫منظور المالقي المالكي(توفي ‪735‬ه)الذي أجاب في مسألة مدى جواز ما يفرضه‬
‫السلطان من توظيفات مالية على الرعية إذا احتاج بيت المال لذلك‪.‬فقال‪":‬إن األصل‬
‫أن ال يطالب المسلمون بمغارم غير واجبة بالشرع‪،‬وإنما يطالبون بالزكاة وما أوجبه‬
‫القرآن والسنة‪،‬كالفيء والركاز‪،‬وإرث من يرثه بيت المال‪.‬وهذا ما أمكن به حمل الوطن‬
‫وما يحتاج له من جند ومصالح المسلمين وسد ثُـلَ ِم اإلسالم‪.‬فإذا عجز بيت المال عن‬
‫أرزاق الجند وما يحتاج إليه من آلة حرب وعدة‪،‬فيوزع على الناس ما يحتاج إليه من‬
‫ذلك‪،‬وعند ذلك يقال‪:‬يُخرج هذا الحكم‪ ،‬ويستنبط من قوله تعالى‪﴿ :‬قَالُوا يَا َذا‬
‫ك َخ ْرجاً‪(﴾...‬الكهف‪:‬‬ ‫وج ُم ْف ِس ُدو َن فِي ْاالَ ْر ِ‬
‫ض فَـ َه ْل نَ ْج َع ُل لَ َ‬ ‫اج َ‬
‫وج َوَم ُ‬ ‫الْ َق ْرنَـ ْي ِن إِ َّن يَ ُ‬
‫اج َ‬
‫‪.)90‬لكن ال يجوز هذا إال بشروط‪:‬األول؛أن تتعين الحاجة‪،‬فلو كان في بيت المال ما‬
‫س َعلَى‬
‫يقوم به‪ ،‬لم يجز أن يُفرض عليهم شيء‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪":‬لَْي َ‬
‫ب م ْكس"وهذا‬ ‫المسلِمين ِجزيةٌ" وقال صلى اهلل عليه وسلم‪":‬ال ي ْد ُخل الجنَّة ِ‬
‫صاح ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُْ‬
‫يرجع إلى إغرام المال ظلما‪.‬الثاني؛أن يتصرف فيه بالعدل‪،‬وال يجوز أن يستأثر به دون‬
‫المسلمين‪،‬وال أن ينفقه في سرف‪،‬وال أن يعطي من ال يستحق‪،‬وال يعطي أحداً أكثر مما‬

‫(‪ .)190‬راجع‪ :‬الشريعة اإلسالمية‪-‬دراسات في قضايا المنهج والتطبيق ‪( .175-169‬بتصرف)‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪156‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫يستحق‪.‬الثالث؛أن يصرف َمصرفه بحسب المصلحة والحاجة ال بحسب‬


‫رم على من كان قادراً من غير ضرر وال إجحاف‪،‬ومن ال‬ ‫الغرض‪.‬الرابع؛أن يكون الغُ ُ‬
‫شيء له‪،‬أو له شيء قليل فال يغرم شيئاً‪.‬الخامس؛أن يتفقد هذا في كل وقت‪،‬فربما جاء‬
‫وقت ال يفتقر فيه لزيادة على ما في بيت المال فال يوزع وكما يتعين المال في‬
‫التوزيع‪،‬فكذلك إذا تعينت الضرورة للمعونة باألبدان‪،‬ولم يكف المال‪،‬فإن الناس‬
‫يُ ْجبَرون على التعاون على األمر الداعي للمعونة‪،‬بشرط القدرة وتعين المصلحة‬
‫واالفتقار إلى ذلك(‪.)191‬‬
‫وفي السياق نفسه كتب القاضي الفقيه أبو العباس أحمد الشماع الهنتاتي(‪833‬ه)في‬
‫مسألة ما يعاقب به الجاني ارتكب جرحا أو قطعا أو هروبا بامرأة‪ ،‬أو أخذ ماال بسرقة‬
‫أو خيانة‪،‬أو بحرابة أو نحو ذلك من التعدي والغصب‪،‬وهي مسألة مشهورة بإفريقية‬
‫بالعقوبة بالمال في هذه الجنايات‪،‬فقال في كتابه‪":‬مطالع التمام ونصائح األنام ومنجاة‬
‫الخواص والعوام في رد القول بإباحة إغرام ذوي الجنايات واإلجرام زيادة على ما شرع‬
‫اهلل من الحدود واألحكام"‪":‬قال؛(يعني الفقيه البرزلي التونسي)‪:‬هذه المسألة ينبغي أن‬
‫تجري على حكم المصالح المرسلة‪،‬وهو الوصف المناسب الذي لم يشهد له الشرع‬
‫بإهدار وال باعتبار‪.‬أقول‪ :‬هذا الكالم فاسد‪،‬وقول عن سبيل الحق حائد‪،‬وذلك من‬
‫وجوه‪:‬األول؛أن الكالم مفروض على ما حكاه أول كالمه فيما يعاقب به الجاني إذا‬
‫ارتكب جرحا‪،‬أو قطعا‪،‬أو قتال‪،‬أو هروبا بامرأة‪،‬أو أخذ ماال بسرقة‪،‬أو خيانة‪،‬أو بحرابة‬
‫أو نحو ذلك من التعدي والغصب‪،‬هذا نصه وعين لفظه‪.‬وإذا كان هذا فرض المسائل‬
‫المسؤول عنها‪،‬فأحكامها من الكتاب والسنة وإجماع األمة قطعا على وجه من‬
‫التنصيص‪،‬ال يحتمل التأويل‪،‬وليس إلى تبديله والزيادة عليه أو النقص منه من‬
‫سبيل‪،‬ومن قواعده التي أشار إلى أن غيره لم يتضلع فيها‪،‬وهو وحده من تضلع فيها‪،‬أنه‬
‫ال يحل االجتهاد وال يصح‪،‬بل ال يعقد إال فيما لم يعلم حكمه من كتاب وال سنة‬
‫نصا‪،‬وال من اإلجماع‪.‬ثم إن المصالح المرسلة‪،‬من أغمض طرق االجتهاد‪،‬ثم هي على‬

‫(‪ .) 191‬الونشريسي ‪،‬المعيار ‪ 127/11،‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪157‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫القول بداللتها‪،‬من أضعف األدلة‪،‬ولذلك اتفقت الشافعية والحنفية وأكثر الفقهاء على‬
‫امتناع التمسك بها(‪.)192‬واالجتهاد في العقوبة الرادعة لهذه الجنايات‪،‬فضال عن بنائها‬
‫على المصالح المرسلة‪،‬مع القطع بأحكامها من الكتاب والسنة‪،‬خارج عن‬
‫المعقول‪،‬مخالف إلجماع أهل الفروع واألصول‪،‬سيما في مسائل الحدود‪،‬لدخول التعبد‬
‫في مقدارها‪،‬والتشديد الوارد في الشريعة في حق من لم يلزم أحكامها في إيرادها‬
‫وإصدارها‪.‬والدليل على ما قلناه من كتاب اهلل‪،‬قوله تعالى‪﴿:‬وما كان لمومن وال مومنة‬
‫اِذا قضى اهلل ورسوله أمرا اَن تكون لهم الخيرة من اَمرهم‪،‬ومن يعص اهلل ورسوله فقد‬
‫ضل ضالال مبينا﴾(األحزاب‪.)36 :‬وقد دل على حرمة االجتهاد فيه نص اهلل وقضاء‬
‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬وأما الذي يريد أن يجتهد ليشرع أخذ المال في‬
‫الجنايات‪،‬فيفضي به االجتهاد إلى ما علم تحريمه بالضرورة من الشرائع؛وهو أكل‬
‫المال بالباطل‪.‬فإن قال‪ :‬ما قلت بتعطيل الحد الواجب‪،‬كما فعله بنو إسرائيل؛ألن‬
‫الحدود إذا وجبت لم يكن غيرها‪،‬وال يحل إغرام المال فيها‪،‬بل يجب على من واله اهلل‬
‫إقامتها‪.‬وإنما أقول بذلك فيما لم يجب فيه الحد‪،‬لعدم ثبوت ما يجب به‪.‬أو قال‪:‬إنما‬
‫نقول بالمال زيادة على الحد المشروع‪.‬فالجواب‪:‬إنه إن أراد ذلك‪،‬وجب عليه أن يبين‬
‫الموضع الذي يريد أن يشرع بالمصلحة فيه الردع‪،‬وال يطلق في موضع التقييد‪ ،‬وال‬
‫يعمم في محل التخصيص‪.‬فإن قيل‪:‬اعتمد في التقييد على المتعارف المعتاد‪.‬قلت‪:‬هو‬
‫يعلم وغيره أن المعتاد بذلك غير منضبط‪،‬بل األمر عندنا من يباشر ذلك في ازدياد‪،‬ال‬
‫يقال‪:‬اعتمد على ما عرف في الشريعة من أن تعطيل الحدود غير جائز‪.‬قلنا‪ :‬واقعات‬
‫الوجود الخارجي ال تتغير بتعارف من الشريعة‪ ،‬وهو قد أجرى على المصلحة المرسلة‬
‫العقوبة بالمال المشتهرة بقوله في مفتتح كالمه‪:‬مال يعاقب به الجاني‪ ،‬وهي مسألة‬
‫مشهورة بالعقوبة بالمال‪.‬وفي آخره قال‪:‬ينبغي أن يجري على المصالح المرسلة‪.‬فهذا‬
‫ممن أنصف واتقى‪،‬إال تصريح باالجتهاد في األمر الخارجي المعتاد‪.‬‬

‫(‪ .)192‬راجع المستصفى للغزالى ‪284/1:‬وما بعده‪-‬وشفاء الغليل ‪126‬و‪– 266‬واإلحكام لآلمدي ‪-216/4‬تخريج الفروع‬
‫على األصول للزنجاني ‪، 173-170‬االعتصام للشاطبي ‪.112-111/2‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪158‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫قال‪:‬إباحته من المصلحة‪.‬ثم هذا ليس بالذي ينجيه‪،‬فإن الجهة التي تعلق الذم‬
‫بها‪،‬االجتهاد في موضع النص‪،‬وهذا قدر مشترك‪،‬سواء جعل أخذ المال من الجناة‬
‫زائدا على الحد أو بدل‪،‬مع أن الزيادة فيها تعد لحدود اهلل‪﴿،‬ومن يتع ّد حدود اهلل‬
‫فأولئك هم الظالمون﴾(البقرة‪.)227 :‬فإن قال‪:‬أنا ال أقول بإغرام المال إذا ثبت‬
‫موجب الحد بوجه‪،‬وإنما أقول به إذا لم يثبت‪،‬وأرجع عما اقتضى ظاهر الكالم؛ألن‬
‫الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل‪.‬قلنا‪:‬وهذا أيضا ال ينجيك‪،‬حتى ترجع‬
‫عن المقالة بأسرها‪،‬فإن حرمة أكل المال بالباطل معلومة باألدلة القاطعة من الشريعة‪،‬بل‬
‫بالضرورة الدينية‪،‬لم تختلف فيها ملة من الملل‪ ،‬وال قال بخالف ذلك أحد من أهل‬
‫النحل‪..‬وما لم يثبت من هذه الجنايات على صاحبه‪،‬أخذ المال فيه أيضا أكل للمال‬
‫بالباطل؛ألن الباطل ما ليس بحق‪،‬وكل مالم يثبت فليس بحق؛ألن الحق عبارة عن‬
‫الثابت باتفاق علماء اللسان والشريعة‪.‬فنقول‪:‬إن أخذ المال فيمالم يثبت من الجنايات‬
‫أخذ له بما ليس بحق‪،‬وكل أكل للمال بما ليس بحق فهو أكل للمال بالباطل‪،‬وكل‬
‫أكل للمال بالباطل فهو محرم قطعا وضرورة‪،‬وكل من أحل ما هو محرم قطعا وضرورة‬
‫فقد كفر‪.‬فمن أحل أخذ مال الجاني الذي لم تثبت جنايته فقد كفر‪.‬ولذلك حكم اهلل‬
‫على بني إسرائيل بالكفر والفسق والظلم‪،‬حيث اجتهدوا فيما يعاقبون به الجاني غير ما‬
‫شرع اهلل لهم‪.‬وقد تبين لك ما سبق أن اجتهادهم أقرب من اجتهاد من أراد أن يشرع‬
‫الزجر بالمال‪.‬وهذه جزئية ما اشتمل عليه قوله صلى اهلل عليه وسلم‪":‬لتتبعن سنن من‬
‫قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا‪،‬حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"‪.‬فصلى اهلل على‬
‫هذا النبي الشريف‪،‬الذي ال تنقطع على مدى الدهر معجزاته‪ ،‬وال تنقضي آياته‬
‫(‪.")193‬أقول‪:‬هذا النقل على طوله يبين كيف كان إعمال المقاصد فيما يخص المكلف‬
‫وعدم إلزامه بما لم يلزمه اهلل به بداعى المصالح المرسلة والرد من العلماء األثبات‬
‫ببطالن ذلك واعتباره أكال ألموال الناس بالباطل‪،‬وقد ذكرتها ألنها التزال إلى اليوم‬
‫مثار جدل من بعض علماء السلطان فيحتجون بالمصالح المرسلة في تجوز فرض‬

‫‪ . 193‬مطالع التمام ونصائح األنام ألبي عباس الشماع‪،‬تحقيق عبد الخالق أحمدون ‪،‬طبعة وزارة األوقاف المغربية ‪2005‬م ص‬
‫‪84:‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪159‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫غرامات أو رسوم مالية يريدها السلطان ويعتبرون هذا التجويز كائن بالمصالح المرسلة‬
‫مع أن يخالف النظر المقاصدي لطبيعة حفظ المال‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬من تطبيقات المقاصد الجزئية من الواقع المعاصر‬
‫تعد الفتاوى والتحقيقات الرقمية من التطبيقات المعبرة عن إعمال المقاصد‬
‫الجزئية في الواقع المعاصر‪،‬حيث يسيجها الفقيه أوالمفتي بسياج من الضوابط‬
‫المحكمة المانعة ألي استغالل سيء بذريعة ما هو قائم في الواقع من أوضاع أوما‬
‫تقتضيه السياسات‪.‬لذلك أضحى ضرورة علمية إبراز جملة من القواعد والضوابط في‬
‫استعمال المقاصد في االجتهاد الفردي أو المجمعي أو الفتوى‪.‬وفي السطور القادمة‬
‫نطرح بعض المسائل‪:‬‬
‫مسألة ‪:‬صالة الفريضة حال المشي خشية خروج الوقت(‪:)194‬ردا على سؤال هل يجوز‬
‫صالة الفريضة ماشيا باإللحاق كما يجوز الصالة للراكب في األحيان جاء في‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية‪(:‬مذهب أبي حنيفة‪،‬ومالك‪،‬وإحدى الروايتين عن أحمد‪،‬وهو‬
‫كالم الخرقي من الحنابلة‪:‬أنه ال يباح للمسافر الماشي الصالة في حال مشيه؛ألن‬
‫النص إنما ورد في الراكب‪،‬فال يصح قياس الماشي عليه؛ألنه يحتاج إلى عمل‬
‫كثير‪،‬ومشي متتابع ينافي الصالة‪،‬فلم يصح اإللحاق‪.‬ومذهب عطاء‪،‬والشافعي‪،‬وهو‬
‫ا؛قياسا‬
‫ثانية الروايتين عن أحمد‪ ،‬اختارها القاضي من الحنابلة‪:‬أن له أن يصلي ماشيً ً‬
‫على الراكب؛ألن المشي إحدى حالتي سير المسافر‪،‬وألنهما استويا في صالة‬
‫الخوف‪،‬فكذا في النافلة‪.‬والمعنى فيه‪:‬أن الناس محتاجون إلى األسفار‪،‬فلو شرطنا فيها‬
‫للتنفل؛ألدى إلى ترك أورادهم‪،‬أو مصالح معايشهم‪.‬ومذهب الحنابلة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االستقبال‬
‫واألصح عند الشافعية‪:‬أن عليه أن يستقبل القبلة الفتتاح الصالة‪،‬ثم ينحرف إلى جهة‬

‫(‪ )54‬موقع إسالم ويب رقم الفتوى‪427618 :‬‬


‫‪https://www.islamweb.net/ar/fatwa/427618/?searchKey=0bq06B9OxnbnagAp5gd8&wheretosearch=0&order=&Re‬‬
‫=‪cID=9&srchwords=%C7%E1%C5%E1%CD%C7%DE&R1=0&R2=0&hIndex‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪160‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫سيره‪،‬قال الشافعية‪:‬وال يلزمه االستقبال في السالم على القولين‪.‬اه ‪.‬ففي هذه الفتوى‬
‫امتنع اإللحاق آلن الصالة ال تكون إال مع السكينة والوقار وهما منتفيان للماشي‬
‫فبطل اإللحاق النتفاء المقصد الجزئي وهو الخشوع‪.‬‬
‫مسألة‪:‬مذاهب العلماء فيمن وكل غيره ببيع سلعة فباعها نسيئة‪:‬قالوا‪:‬إن كان قد أطلق‬
‫فلم يأذن ولم يمنع فقد اختلف الفقهاء فيما إذا أطلق الموكل فهل للوكيل أن يبيع‬
‫بنسيئة فمذهب مالك والشافعي وأحمد عدم جواز بيع الوكيل نسيئة‪،‬خالفا ألبي‬
‫حنيفة‪،‬ففي الفتاوى الهندية من كتب الحنفية‪:‬الوكيل بالبيع المطلق إذا باع بأجل‬
‫متعارف فيما بين التجار في تلك السلعة جاز عند علمائنا‪،‬وإن باع بأجل غير متعارف‬
‫فيما بين التجار بأن باع مثال إلى خمسين سنة أو ما أشبه ذلك فعلى قول أبي حنيفة‪-‬‬
‫رحمه اهلل تعالى‪-‬يجوز‪،‬وعلى قول أبي يوسف ومحمد‪-‬رحمهما اهلل تعالى‪-‬ال يجوز‪،‬قال‬
‫مشايخنا‪:‬وإنما يجوز البيع بالنسيئة إذا لم يكن في لفظه ما يدل على البيع بالنقد‪،‬وإذا‬
‫كان في لفظه ما يدل على البيع بالنقد ال يجوز البيع بالنسيئة وذلك نحو أن يقول‪:‬بع‬
‫هذا العبد واقض ديني‪،‬أو قال‪:‬بع فإن الغرماء يالزمونني‪،‬أو قال‪:‬بع فإني أحتاج إلى‬
‫نفقة عيالي‪،‬ففي هذه الصور ليس له أن يبيع بالنسيئة‪،‬كذا في المحيط‪.‬‬

‫وفي المدونة‪:‬قلت‪:‬أرأيت رجال وكلته يبيع لي سلعة أيجوز أن يبيعها بنسيئة‬


‫فقال‪:‬ال‪،‬قلت‪:‬وهذا قول مالك قال‪:‬نعم ألن المقارض يدفع إليه المال قراضا فال‬
‫يجوز له أن يبيع نسيئة فكذلك الموكل ال يجوز له ذلك إال أن يكون قد أمره‬
‫بذلك‪.‬وفي األم للشافعي‪:‬وإذا دفع الرجل إلى الرجل سلعة فقال‪:‬بعها ولم يقل بنقد وال‬
‫بنسيئة وال بما رأيت من نقد أو نسيئة‪،‬فالبيع على النقد‪،‬فإن باعها بنسيئة كان له نقض‬
‫البيع بعد أن يحلف باهلل ما وكل أن يبيع إال بنقد‪،‬فإن فاتت فالبائع ضامن لقيمتها‪،‬فإن‬
‫شاء أن يضمن المشتري ضمنه‪،‬فإن ضمن البائع لم يرجع البائع على المشتري‪،‬وإن‬
‫ضمن المشتري رجع المشتري على البائع بالفضل مما أخذ رب السلعة عما ابتاعها‬
‫به‪،‬ألنه لم يؤخذ منه إال ما لزمه من قيمة السلعة التي أتلفها إذا كان البيع فيها لم‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪161‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫يتم‪.‬وفي المغني البن قدامة الحنبلي‪:‬وإن عين له الشراء بنقد أو حاال لم تجز‬
‫مخالفته‪،‬وإن أذن له في النسيئة والبيع بأي نقد شاء جاز‪،‬وإن أطلق لم يبع إال حاال‬
‫بنقد البلد‪،‬ألن األصل في البيع الحلول وإطالق النقد ينصرف إلى نقد البلد‪،‬ولهذا لو‬
‫باع عبده بعشرة دراهم وأطلق حمل على الحلول بنقد البلد‪،‬وإن كان في البلد نقدان‬
‫باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما‪،‬وبهذا قال الشافعي‪،‬وقال أبو حنيفة‬
‫وصاحباه‪:‬له البيع نساء‪،‬ألنه معتاد فأشبه الحال‪،‬ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية‬
‫في المضارب وقد ذكرناها‪،‬واألول أولى‪،‬ألنه لو أطلق البيع حمل على الحلول فكذلك‬
‫إذا أطلق الوكالة فيه وال نسلم تساوي العادة فيهما فإن بيع الحال أكثر ويفارق‬
‫المضاربة لوجهين‪:‬أحدهما‪:‬أن المقصود من المضاربة الربح ال دفع الحاجة بالثمن في‬
‫الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة ناجزة تفوت بتأخير الثمن‪.‬والثاني‪:‬أن‬
‫استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر التأخير في التقاضي عليه وها‬
‫هنا بخالفه فال يرضى به الموكل وألن الضرر في توى الثمن على المضارب ألنه‬
‫يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس المال وها هنا يعود على الموكل فانقطع‬
‫اإللحاق‪(.‬معنى توى‪:‬ذهاب المال)(‪.)195‬ومدار اآلراء‪-‬مع نفي الفارق‪-‬على دفع الضرر‬
‫وضمان الحق وهو مقصد جزئي في المعامالت‪.‬‬

‫مسألة‪:‬هل يلحق ولد الزنا بالزاني(‪ :)196‬ذهب جمهور أهل العلم إلى أن ماء الزنا هدر ال يثبت به‬
‫نسب‪،‬وعليه فإن ولد الزنا ال يلحق بأبيه وال ينسب إليه‪،‬واستدلوا على ذلك بأدلة منها ما ورد في‬
‫الصحيحين من قول النبي‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪:‬الولد للفراش وللعاهر الحجر‪.‬ومنها ما ورد في‬

‫(‪ )55‬موقع إسالم ويب رقم الفتوى‪.224416 :‬رابط‬


‫‪https://www.islamweb.net/ar/fatwa/224416/?searchKey=0bq06B9OxnbnagAp5gd8&wheretosearch=0&order=&Re‬‬
‫=‪cID=6&srchwords=%C7%E1%C5%E1%CD%C7%DE&R1=0&R2=0&hIndex‬‬

‫(‪ )56‬إسالم ويب رقم الفتوى‪135872 :‬‬


‫‪ttps://www.islamweb.net/ar/fatwa/135872/?searchKey=0bq06B9OxnbnagAp5gd8&wheretosearch=0&order=&RecID‬‬

‫‪==3&srchwords=%C7%E1%C5%E1%CD%C7%DE&R1=0&R2=0&hIndex‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪162‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫قضائه صلى اهلل عليه وسلم في استلحاق ولد الزنا‪:‬أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى‬
‫له ادعاه ورثته‪،‬فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه‪،‬وليس له‬
‫مما قسم قبله من الميراث شيء‪،‬وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه‪،‬وال يلحق إذا كان أبوه‬
‫الذي يدعى له أنكره وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه ال يلحق به وال‬
‫يرث‪،‬وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة‪.‬رواه أحمد وأبوداود وابن‬
‫ماجه والدارمي‪.‬وخالف في ذلك بعض أهل العلم قال إن نسب ولد الزنا يثبت إذا استلحقه الزاني‬
‫ولم ينازعه فيه أحد؛ألن مورد قول النبي صلى اهلل عليه وسلم‪(:‬الولد للفراش)‪،‬كان في التنازع‬
‫حول نسب مولود ولدته أمه وقد كانت فراشا شرعيا لسيدها‪،‬وتنازع فيه الزاني وصاحب الفراش‬
‫فقضى النبي صلى اهلل عليه وسلم أن الولد لصاحب الفراش‪.‬أما إذا لم تكن أمه فراشا شرعيا ألحد‬
‫فقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدعيه‬
‫به‪،‬وأول قول النبي صلى اهلل عليه وسلم (الولد للفراش)على أنه حكم‬
‫ّ‬ ‫صاحبه‪،‬وادعاه الزاني ألحق‬
‫بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش‪.‬أقول‪:‬ومدار الفتوى حفظ النسب وعدم اختالطه أو‬
‫التنازع فيه وهو مقصد ضروري‪.‬‬

‫مسألة‪:‬ضمان الصانع(‪:‬ماذا لو ادعى الصانع ضياع المصنوع ثم يوجد قالوا‪:‬على اعتبار‬


‫ما انكشف عنه الغيب يأخذ المصنوع ربه ويرد للصانع القيمة وعلى اعتبار وقت‬
‫وجدانه فقط يبقى المصنوع للصانع والترد له القيمة‪.‬ومثله أيضا‪:‬مال المفقود إذا‬
‫رجع‪:‬ماذا لو رجع المفقود بعد قسمة ماله على الورثة قالوا المعتبر ما انكشف عنه‬
‫الغيب من كونه حياً حين اقتسام ماله ترد القسمة‪،‬ويرد إليه الورثة ما اقتسموا وأنفقوا‬
‫على أنفسهم من ماله وهو مذهب مالك‪.‬وغيرها كثير من تطبيقات االنعطاف‬
‫واالنكشاف والنظر في المآل‪.‬أقول‪:‬ومرد الفتوى حفظ المال لصاحبه وهو مقصد‬
‫ضروري‪.‬وهكذا يمكن تشغيل المقاصد في الفتاوي بشكل تطبيقي يحقق غايات‬
‫التشريع من إيرادها وإناطة األحكام بها سواء أكان المقصد للشارع أم للمكلف‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪163‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الخاتمة وأبرز النتائج‬

‫بعد هذا التجوال بين مصادر ومراجع المقاصد يتبين لن ا أن عل م المقاص د الش رعية م ن‬
‫أجل العلوم وأنفعها‪ ،‬إذ به يتضح ع دل الش ريعة وس ماحتها وحكمته ا ف ي تش ريعها الع ام‬
‫والخ اص‪ ،‬وأنه ا م ن عن د اهلل العل يم الخبي ر خ الق اإلنس ان‪ ،‬وض ع فيه ا م ن المص الح‬
‫والفوائد م ا يص لح أح وال الن اس ف ي ك ل زم ان ومك ان‪ ،‬مم ا جع ل ه ذه الش ريعة راس خة‬
‫صامدة ثابتة شامخة عل ى م ر العص ور بم ا حوت ه م ن الخي ر واله دى والن ور والبيان‪.‬ولق د‬
‫كانت مقاص د الش ريعة مح ل دراس ة الفقه اء والمحقق ين ومح ط نظ ر العلم اء الم دققين‬
‫الذين فهموا النصوص واستوعبوا دالالتها فال يزالون يغوصون ف ي أس رارها ويس تخرجون‬
‫مكنون كنوزها كما هو واضح من خ الل تفس يرهم اآلي ات وش رحهم للس نة النبوي ة وبي ان‬
‫أحكام الدين‪.‬فهو من العلوم التي أسس العلماء بنيانه ا ووط دوا أركانه ا‪ ،‬ال س يما علم اء‬
‫األص ول م ن خ الل كالمه م عل ى المناس بة والمص الح المرس لة‪.‬وجدير بعل م كه ذا أن‬
‫يعتني به طالب العلم ويتدارسوه ويدققوا فيه النظر ليتضح أكثر وأكثر‪.‬‬

‫ولعل هذا المختصر يكون معيناً على فهم المقاصد والتعرف عليها نظريا وتطبيقي ا‪ ،‬وق د‬
‫جمع ت ه ذا المختص ر م ن بع ض الكت ب والرس ائل العلمي ة الحديث ة حي ث اس تفدت‬
‫جملت ه مم ا كتب ه ال دكتور محم د الي وبي‪ ،‬وأض فت إلي ه بع ض الفوائ د م ن بع ض المراج ع‬
‫األخ رى مث ل كت اب المقاص د الب ن عاش ور‪ ،‬ومقاص د الش ريعة عن د ش يخ اإلس الم اب ن‬
‫تيمي ة لل دكتور يوس ف أحم د الب دوي‪ ،‬و ط رق الكش ف ع ن مقاص د الش ريعة لل دكتور‬
‫نعم ان جغ يم‪ ،‬ورس الة أهمي ة المقاص د وأثره ا ف ي اس تنباط األحك ام لل دكتور س ميح‬
‫الجندي‪ ،‬والمختصر في مقاصد الشريعة للقرني‪ ،‬و معالم وض وابط االجته اد عن د ش يخ‬
‫اإلسالم للدكتور عالء الدين حسين رحال‪..‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪164‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫بعد هذا االستقراء الجزئي لمقوالت العلماء حول المقاصد ودورها في اإللحاق وما‬
‫يتعلق بها من قواعد المآالت وعالقتها بالفقه وفروعه توصل البحث فيما يتعلق‬
‫بتفعيل وتشغيل المقاصد تحت ما يمكن تسميته بنظرية اإللحاق إلى عدة نتائج هي‪:‬‬

‫أوالَ‪:‬أن اإللحاق بالمقاصد الشرعية مستوى رفيع من مستويات تشغيل المقاصد في‬
‫الوقائع واألحوال ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬االلحاق المقاصدي يعني‪:‬استحضار المجتهد للمقاصد واعتبارها في كل ما يقدره‬


‫أو يفسره‪،‬ليس في مجال الشريعة وحدها‪،‬بل في كل المجاالت العلمية والعملية في‬
‫إطار أخالقي يوفق بين النص والواقع‪.‬‬

‫ثالثاً‪:‬أن اإللحق بالمقاصد له خصائصه المميزة وهي الظهور والثبوت واالنضباط‬


‫واالطراد‪.‬‬

‫رابعاً‪:‬أن اإللحاق بالمقاصد له ضوابطه وقواعده الحاكمة التى تؤطره وتصونه من دواعي‬
‫التسيب واالنفالت من سلطان النص الشرعي فهما وتنزيال ؛فالتحقق من وجود‬
‫المقصد وانضباطه وتحديد مرتبته ومورده ومآله جمعا بين الجزئي والكلى عبر منظومة‬
‫العالقات الداللية والواقعية التى ترفع المخالفة والتعارض مع االطمئنان إلى ان‬
‫الإللحاق من ذوي االرتياض واالختصاص؛كل ذلك يؤكد سالمة اإللحاق وقوته‪.‬‬

‫خامساً‪:‬أن اإللحاق بالمقاصد سبيله االستدالل الكلي بدعائم ثالث؛االستقراء والتعليل‬


‫والمنهجية الفقهية المحددة‪.‬‬

‫سادسا‪:‬أن أوسع مجاالت اإللحاق بالمقاصد هو اإللحاق بالمقاصد العليا لما فيها من‬
‫معايرة واسعة مستوعبة لألفعال والتصرفات والتوجهات وتأطير السياسات العامة‬
‫واالتفاقيات األممية إذ ال يليق بأمتنا في عصر العلم أن تقيدها األيديولوجيات وحسب‬
‫بعيدا عن النظر الكلي !لذا أري أن عصر األيديولوجيات في عالمنا العربي واإلسالمي‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪165‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫يجب أن ينتهي كما انتهي عند غيرنا ال لننسلخ بل لنعود إلى مصادرنا بإطالقاتها‬
‫وخصائصها العالمية األممية‪.‬فعندئد تستوعب حضارتنا العالمين ونخرج من دوائر‬
‫التأزيم ‪.‬‬

‫سابعا‪:‬أن تطبيقات اإللحاق بالمقاصد الكلية والخاصة والجزئية بكافة مراتبها‬


‫ومجاالتها –على نحو ما وقف البحث –تؤكد قدرة الشريعة وصيروريتها التفعيلية‬
‫والتشغيلية للنهوض بدورها في إنقاذ العالم المعاصر من أزماته الفكرية والعملية‬
‫وحمايته من دواعي اآثرة والنانية واالستبداد ‪.‬‬

‫ثامنا‪:‬أن قواعد المآالت–كمرتكز من مرتكزات الفكر المقاصدي‪-‬تعين على تحري‬


‫المقصد الذي من أجله ُشرع الحكم الشرعي في الواقعة المراد النظر فيها‪،‬فإذا تبين‬
‫عدم تحقق المقصد عُدل بالحكم األصلي إلى غيره‪.‬وأن هناك العديد من المفاهيم‬
‫والمصطلحات–ومنها المآالت‪-‬في تراثنا األصولي والفقهي تعين فى استجالء الواقع‬
‫وفهمه‪،‬ولها دور كبير فى استلهام الماضى وعبره‪،‬واستشراف المستقبل واالنشغال‬
‫وآماله‪.‬التحري في أيلولة الواقعة المراد النظر فيها‪:‬هل سيتحقق المقصد‬
‫ِّ‬ ‫بقضاياه‬
‫الشرعي من الحكم الشرعي عند تطبيقه على هذه الواقعة أم ال فعلى الفقيه بعد دراسة‬
‫يتحرى فيما ستؤول إليه هذه األحكام عند‬
‫األحكام الشرعية ومعرفة مقاصدها أن َّ‬
‫تطبيقها‪.‬وأحكام الشريعة في الغالب تؤول إلى تحقيق مقاصدها عند تطبيقها على‬
‫األفعال‪،‬وقد تتخلف أحيانًا ألسباب ومؤثرات عدة‪،‬وعلى الفقيه أن يكون على بصيرة‬
‫بها‪،‬وأن القرآن الكريم اهتم بالسنن الكونية واالجتماعية باعتبارها إرهاصات للمآالت‬
‫ومعنيات على تصورها‪،‬كما اهتم بالزمن بكل أجزائه الماضى والحاضر والمستقبل كى‬
‫يكون المسلم على بنية من أمره فى حركته وسكنته وأسبابه ونتائجه‪.‬كما اهتمت السنة‬
‫بالمآالت فوضعت الرخص واهتمت بالزمان والمكان كأوعية للفعل اإلنسانى اليمكن‬
‫أن ينخلع المكلف منهما ومن خصائصهما‪،‬واهتمت أيضا بموارد الخير وأسباب الفتن‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪166‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫والشر فبصرت الناس كيف يعملون وماذا يتقون وإلم يقبلون وعم يحجمون ليهلك من‬
‫هلك عن بنية ويحيى من حى عن بنية ‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬على علماء األمة دور كبير في خدمة تراثنا ومصادرنا ألنه إذاكان التراث‬
‫الفقهى واألصولى والمقاصدى زاخر بالرؤية المستقبلية وفقه المآالت وقواعد سد‬
‫الذرائع وابطال الحيل واالستحسان واالنعطاف واالنكشاف وغير ذلك مما يؤكد أصالة‬
‫تلك الرؤية المستقبلية وأنها وليدة هذه األمة نظرياً وتطبيقياَ فى القديم والحديث‬
‫سياسة شرعية حكيمة تهدف إلى خير اإلنسان وصالحه فى معاشه ومعاده‪.‬فمن العبث‬
‫االلتفات إلى غيره لتلمس سبل الهداية‪.‬وعلى األمة ممثلة في قادتها وعلمائها استلهام‬
‫قواعد المقاصد والنظر في االمآالت في تصرفاتهم وأفعالهم بما يحقق مصلحة الرعية‬
‫في الدنيا واآلخرة‪..‬واهلل الموفق‪،،‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪167‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .1‬االجتهاد بين حقائق التاريخ ومتطلبات الواقع‪،‬د‪.‬أحمد بوعود ط‪1‬دار‬


‫السالم القاهرة ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬االجتهاد المقاصدي‪:‬حجيته‪،‬ضوابطه‪،‬مجاالته ‪،‬للدكتور نور الدين بن‬
‫المختار الخادمي سلسلة كتاب األمة رقم ‪ 66‬طبعة وزارة األوقاف‬
‫والشئون الدينية قطر ‪1419‬ه‪.‬‬
‫‪ .3‬االجتهاد المقاصدي مفرداته وتطبيقاته د‪.‬محمد فتحي العتربي طبعة‬
‫جامعية خاصة ‪،‬بجامعة اإلنسانية ماليزيا ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلحكام في أصول األحكام‪ :‬لسيف الدين علي بن محمد‬
‫اآلمدي(ت‪631:‬ه ) تحقيق‪:‬د‪ /‬السيد الجميلي‪ ،‬ط‪1‬دار الكتاب العربي‬
‫‪1404‬ه ‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام لشهاب الدين أبو العباس أحمد‬
‫بن إدريس القرافي (ت‪682:‬ه ) تحقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غده‪ ،‬ط‪ 2‬دار‬
‫البشائر اإلسالمية–بيروت– لبنان ‪1416‬ه ‪.‬‬
‫‪ .6‬اإلصالح اإلسالمي المعاصر‪،‬د‪.‬عبد الحميد أبوسليمان ط‪1‬دار‬
‫السالم‪2006‬م القاهرة‪.‬‬
‫‪ .7‬اعتبار المآالت ومراعاة نتائج التصرفات د‪.‬عبد الرحمن معمر السنوسى‬
‫ط(‪)1‬دار ابن الجوزى الدمام ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ .8‬االعتصام لإلمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي‬
‫الشاطبي‪(،‬ت‪790:‬ه )‪،‬ط دار المعرفة –بيروت– لبنان‪،‬الناشر‪:‬المكتبة‬
‫التجارية الكبرى –مصر‪.-‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪168‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .9‬إعالم الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين محمد بن أبي بكر‬


‫المعروف بابن القيم(ت‪651 :‬ه ) تحقيق‪ :‬مشهور حسن آل سلمان ط‬
‫دار ابن الجوزي ‪1423‬ه ‪.‬‬
‫‪ .10‬األم‪،‬لإلمام الشافعي تحقيق‪:‬د‪.‬رفعت فوزي‪،‬ط‪ 1‬دار الوفاء المنصورة‬
‫مصر ‪1422‬ه ‪.‬‬
‫‪ .11‬تعليل األحكام ‪..‬عرض وتحليل‪،‬للشيخ محمد مصطفى شلبي طبعة‬
‫األزهر ‪1947‬م القاهرة‪.‬‬
‫‪ .12‬التعليم الـ ـ ـ ــديني بين التج ــدي ــد والتجميد د‪.‬طه جابر العلواني‪،‬طبعة‬
‫‪1‬دار السالم ‪2009‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .13‬الرسالة لإلمام محمد بن إدريس الشافعي‪،‬تحقيق أحمد محمد‬
‫شاكر‪،‬المكتبة العلمية بيروت–لبنان‪.‬‬
‫‪ .14‬التجديد في علم أصول الفقه في العصر الحديث بين النظرية‬
‫والتطبيق د‪.‬محمد فتحي العتربي ط ‪1439‬ه‪2018-‬المعهد العالمي‬
‫للفكر اإلسالمي األردن ‪.‬‬
‫‪ .15‬تخريج الفروع على األصول ألبي المناقب شهاب الدين‬
‫الزنجاني(ت‪656:‬ه )‪،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬محمد أديب الصالح‪ ،‬ط‪1‬مكتبة‬
‫العبيكان ‪1420‬ه ‪.‬‬
‫‪ .16‬سر صناعة اإلعراب‪،‬ابن جني‪،‬تحقيق حسن هنداوي دار القلم دمشق‬
‫‪.1985‬‬
‫‪ .17‬شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل البن‬
‫القيم(ت‪751:‬ه )تحقيق‪:‬مصطفى أبو النصر الشلبي الناشر‪:‬مكتبة‬
‫السوادي – جده ط‪1412، 1‬ه ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪169‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .18‬الصحاح إلسماعيل بن حماد الجوهري‪،‬تحقيق أحمد عبد الغفور‬


‫ط‪ 2‬دار العلم للماليين ‪1399‬ه ‪.‬‬
‫‪ .19‬صحيح البخاري=الجامع الصحيح‪:‬لإلمام أبي عبد اهلل محمد بن‬
‫إسماعيل البخاري الجعفي (ت‪256‬ه )‪،‬تحقيق‪:‬د‪ /‬مصطفى ديب البغا‬
‫ط‪،3‬دار ابن كثير‪-‬اليمامة‪-‬بيروت‪1407 -‬ه ‪.‬‬
‫‪ .20‬صحيح أبي داود‪:‬تأليف الشيخ العالمة محمد ناصر الدين األلباني‬
‫اختصر أسانيده وعلق عليه وفهرسه زهير الشاويش ط‪ 1‬مكتب التربية‬
‫العربي لدول الخليج ‪1409‬ه ‪.‬‬
‫‪ .21‬صحيح مسلم‪:‬لإلمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري‬
‫النيسابوري(ت‪261 :‬ه ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء‬
‫التراث بيروت‪.‬‬
‫‪ .22‬علم الداللة عند العرب‪،‬عادل فاخوري‪:‬ط‪1‬دار الطليعة‪1985،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .23‬فتاوى واقضية عمر بن الخطاب أ‪ /‬محمد عبد العزيز الهالوى مكتبة‬
‫القرآن القاهرة ‪1985‬م ‪.‬‬
‫‪ .24‬الفكر المقاصدي وتطبيقاته في السياسة الشرعية د‪.‬عبد الرحمن‬
‫العضراوي ط‪ 1‬وزارة األوقاف ‪2010‬م الكويت‪.‬‬
‫‪ .25‬في االجتهاد التنزيلي د‪.‬بشير بن مولود جحيش‪،‬كتاب األمة رقم ‪93‬‬
‫نشر وزارة األوقاف القطرية ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬فقه المستقبل رؤية تأصيلية تطبيقية د‪.‬محمد فتحي العتربي ط‪1‬دار‬
‫المطبوعات الجامعية اإلسكندرية ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬القاموس الفقهى سعدى أبو جيب دمشق ‪ 1982‬م نسخة مصورة فى‬
‫‪2003‬م ‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪170‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .28‬القواعد‪ :‬ألبي عبد اهلل محمد بن محمد بن أحمد المقري (ت‪:‬‬


‫‪758‬ه ) تحقيق أحمد بن عبد اهلل بن حميد جامعة أم القرى معهد‬
‫البحوث العلمية والثراث اإلسالمي مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ .29‬قواعد األحكام في إصالح األنام للعز بن عبد السالم‬
‫السلمي(ت‪660:‬ه )‪،‬تحقيق‪:‬د‪.‬نزيه حماد‪،‬ود‪.‬عثمان جمعة‪،‬ط‪ 1‬دار‬
‫القلم‪1421‬ه ‪.‬‬
‫‪ .30‬القواعد األصولية بين النظرية والتطبيق رؤية جديدة د‪.‬محمدفتحي‬
‫العتربي‪،‬ط‪1‬دارالمطبوعت الجامعية اإلسكندرية ‪.2014‬‬
‫‪ .31‬الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة البن رشد ‪،‬تحقيق محمد‬
‫عابد الجبري طبعة مركز الوحدة العربية سلسلة التراث الفلسفي رقم ‪2‬‬
‫ابن رشد‪.‬‬
‫‪ .32‬كيف نتعامل مع القرآن الشيخ محمد الغزالى ط(‪ )3‬دار الوفاء‬
‫والمعهد العالمى للفكر االسالمى فى القاهرة ‪1413‬هـ – ‪1992‬م ‪.‬‬
‫‪ .33‬الكليات األساسية للشريعة اإلسالمية‪،‬د‪.‬أحمد الريسوني ط‪ 1‬دار‬
‫السالم القاهرة ‪. 2010‬‬
‫‪ .34‬لسان العرب لإلمام أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن‬
‫منظور اإلفريقي المصري(ت‪711:‬ه )تحقيق‪:‬أمين عبد الوهاب ‪،‬ومحمد‬
‫الصادق العبيدي ‪،‬ط إحياء التراث العربي ‪1418‬ه ‪.‬‬
‫‪ .35‬مختار الصحاح لزين الدين الرازي(ت‪666:‬ه ) ط المكتبة العصرية‪-‬‬
‫بيروت–لبنان ‪1418‬ه ‪.‬‬
‫‪ .36‬المدخل إلى المذاهب الفقهية‪ ،‬د‪ .‬على جمعة‪ ،‬ط‪ 4‬دار السالم‬
‫القاهرة ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪171‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .37‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي تحقيق محمد جاد وأبو‬


‫الفضل إبراهيم على البجاوي ‪،‬ط‪ 1‬المكتبة العصرية ‪1998‬م ‪.‬‬
‫‪ .38‬معجم لغة الفقهاء دكتور محمد رواس قلعه وآخرون ط‪،1‬دار النفائس‬
‫بيروت ‪1996‬م ‪.‬‬
‫‪ .39‬مفاهيم محورية فى المنهج والمنهجية‪،‬د‪.‬منى أبو الفضل و د‪.‬طه‬
‫جابر العلوانى دار السالم القاهرة ‪2009‬م ‪.‬‬
‫‪ .40‬مقاصد الشريعة محمدالطاهر ابن عاشور تحقيق محمد الطاهر‬
‫الميساوي ط‪1‬دار البصائر ‪1998‬م تونس‪.‬‬
‫‪ .41‬مقاصد الشريعة ومكارمها الشيخ عالل الفاسي طبعة مكتبة الوحدة‬
‫الدار البيضاء المغرب ‪1963‬م‪.‬‬
‫الريسوني منشورات‬ ‫وفوائده ‪.‬د أحمد‬ ‫‪ .42‬الفكرالمقاصدي‪:‬قواعده‬
‫الزمن كتاب الجيب ‪.‬الكتاب‪.9‬مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ .43‬مشاهد من المقاصد‪،‬الشيخ العالمة عبد اهلل بن بيه ‪،‬ط ‪2‬دار‬
‫التجديد الرياض السعودية ‪.‬‬
‫‪ .44‬مقاصد الشريعة اإلسالمية دراسات في قضايا المنهج ومجاالت‬
‫التطبيق (مجموعة مساهمين)تحرير د‪.‬محمد سليم العوا ط‪ 1‬مؤسسة‬
‫الفرقان لندن‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ .45‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪،‬د‪.‬طه جابر العلواني(عليه من اهلل سحائب‬
‫الرحمة) طبعة (‪)1‬دار الهادي بيروت ‪.2001‬‬
‫‪ .46‬مقاصد الشريعة ‪،‬عبد الرحمن بن على إسماعيل مقالة على اإلنترنت‬
‫بدون طبعة أو تاريخ ‪.‬موقع عين الجامعة‪.‬‬
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪172‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫‪ .47‬الموافقات لإلمام الشاطبي تحقيق د‪.‬عبد اهلل دراز طبعة دار المعرفة‬
‫بيروت (دت)‪.‬‬
‫‪ .48‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة د‪.‬جمال عطية (عليه من اهلل سحائب‬
‫الرحمة)طبعة المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ودار الفكر‬
‫دمشق‪2001‬م ‪.‬‬
‫‪ .49‬النظر المقاصدي رؤية تنزيلية د‪/‬محماد بن محمد رفيع ط‪ 1‬دار‬
‫السالم القاهرة ‪ 2010‬م‪.‬‬
‫‪ .50‬نظرية المقاصد عند اإلمام الجويني دراسة أصولية د‪.‬خالد عبد الكريم‬
‫رسالة دكتوراه بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ‪.2008‬‬
‫‪ .51‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي د‪.‬أحمد الريسوني ط‪ 2‬الدار‬
‫العالمية للكتاب اإلسالمي‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ .52‬المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية واألندلس‬
‫والمغرب‪،‬أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي طبعة وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية للمملكة المغربية‪-‬ودار الغرب اإلسالمي ‪1981‬م‪.‬‬
‫‪ .53‬المستصفى من علم األصول‪:‬ألبي حامد محمد بن محمد بن‬
‫الغزالي(ت‪505:‬ه )تحقيق د‪.‬حمزة بن زهير حافظ شركة المدينة المنورة‬
‫للطباعة والنشر بجدة‪.‬‬
‫‪ .54‬مطالع التمام ونصائح األنام ألبي عباس الشماع‪،‬تحقيق عبد الخالق‬
‫أحمدون‪،‬طبعة وزارة األوقاف المغربية ‪2005‬م‪.‬‬
‫األمين‬ ‫السعود‪:‬لمحمد‬ ‫مراقي‬ ‫على‬ ‫الورود‬ ‫‪ .55‬نثر‬
‫الشنقيطي(ت‪1393:‬ه ) تحقيق وإكمال تلميذه الدكتور‪.‬محمد ولد‬
‫سيدي‪ ،‬الطبعة األولى دار المنارة للنشر والتوزيع جدة ‪1420‬ه ‪.‬‬
2022 ‫ محمد فتحي العتربي‬.‫د‬ 173 ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫عبدا لعظيم‬/‫د‬.‫أ‬:‫ نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني تحقيق‬.56


. ‫ه‬1428 ‫قطر‬-‫ط وزارة األوقاف‬،‫الديب‬
‫ط دار عالم‬،‫ نيل السول على مرتقى الوصول لمحمد يحي الوالتي‬.57
. ‫ه‬1412 ‫السعودية–الرياض‬-‫الكتب‬
:‫روابط مقاالت وفتاوى رقمية موقع إسالم ويب‬
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/427618/?searchKey=0bq06B9OxnbnagAp5gd8&wheretosearch=0&order=&RecID=9&src
hwords=%C7%E1%C5%E1%CD%C7%DE&R1=0&R2=0&hIndex=

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/224416/?searchKey=0bq06B9OxnbnagAp5gd8&wheretosearch=0&order=&RecID=6&src
hwords=%C7%E1%C5%E1%CD%C7%DE&R1=0&R2=0&hIndex=

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/135872/?searchKey=0bq06B9OxnbnagAp5gd8&wheretosearch=0&order=&RecID=3&srch
words=%C7%E1%C5%E1%CD%C7%DE&R1=0&R2=0&hIndex=
‫‪2022‬‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي العتربي‬ ‫‪174‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫الفهرس‬

‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫‪3-2‬‬ ‫المقدمة ‪:‬‬

‫‪9-4‬‬ ‫التمهيد ‪.:‬‬

‫‪9-4‬‬ ‫مداخل أولية لعلم المقاصد‬

‫‪12-10‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬تعريف علم المقاصد‪.‬‬

‫‪17-13‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬تاريخ علم المقاصد‪.‬‬

‫‪20-18‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬أهمية المقاصد وفوائدها‪.‬‬

‫‪25-21‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬إثبات مقاصد الشريعة‪ :‬األدلة النقلية والعقلية ‪.‬‬

‫‪38-26‬‬ ‫الفصل الخامس ‪ :‬طرق معرفة المقاصد‬

‫‪69-39‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬أقسام المقاصد‪:‬‬

‫‪82-70‬‬ ‫الفصل السابع ‪ :‬خصائص المقاصد‪.‬‬

‫‪97-83‬‬ ‫الفصل الثامن ‪ :‬عالقة المقاصد باألدلة‪.‬‬

‫‪137-98‬‬ ‫الفصل التاسع ‪ :‬عالقة المقاصد بالسياسة الشرعية‪.‬‬

‫‪162-138‬‬ ‫الفصل العاشر ‪:‬اإللحاق بالمقاصد الشرعية‬

‫‪166-163‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪173-167‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪174‬‬ ‫الفهرست‬

‫‪175‬‬ ‫تعريف بالمؤلف‬

‫‪176‬‬ ‫هذا الكتاب‬


2022 ‫ محمد فتحي العتربي‬.‫د‬ 175 ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

:‫تعريف بالمؤلف‬

DR. MAHAMED FATHY MOHAMED ELETREBI


Dr.Muḥammad Fatḥī Muḥammad al-‘Itribī al-Ṭanṭāwī (nisbah kepada Tanta,
Mesir) al-Ṣanādīdī, al-Qārī`, al-Uṣūlī, al-Ḥanafī.Pensyarah Knan(Asst. Profesor)
Fikah Dan Usul.Bekas Ketua Jabatan Usul Fikah dan Maqasid Syariah-
Kulliyyah Syariah dan Undang-Undang, UniSHAMS.Bekas anggota Majlis
Tertinggi Hal Ehwal Islam,( Bekas ahli Jawatankuasa Ensiklopedia
Perundangan Islam) Mesir.Berkelulusan dari Fakuti Dar al-Ulum, Universiti
Kaherah dalam Ijazah Sarjana Muda pada tahun 1993M, Sarjana Fikah pada
tahun 2005M, dan Doktor Falsafah Usul Fikah pada tahun 2010M.Beliau
memulakan kerjaya di Universiti Al-Madinah Antarabangsa (MEDIU),,
Universiti Islam Antarabangsa Sultan Abdul Halim Mu'adzam Shah
(UniSHAMS). Beliau menyertai banyak kursus ilmiah dalam bidang fikah, usul
fikah, maqasid, ekonomi, dan perbankan Islam. Beliau juga mengambil
bahagian dalam lebih daripada tiga puluh seminar dan persidangan ilmiah
antarabangsa. Beliau menulis dua ensiklopedia ilmiah Aḥkām al-Mar`ah Wa al-
Fiqh al-Ibāḍī dan Mausū’aṯ al-Fiqh al-Islāmī ketika di Mesir, dan mempunyai
lebih dari empat puluh kajian ilmiah yang kukuh dan rapi yang diterbitkan
dalam furuk syariah dan undang-undang. Lebih dari dua puluh bukunya dalam
fikah, usul fikah, maqasid, politik Islam, dan al-thaqāfah al-Islāmiyyah telah
dicetak; termasuk: Al-Tajdīd Fī ‘Ilm Uṣūl al-Fiqh Fī al’Aṣr al-Ḥadīth.Al-
Qawā’id al-Uṣūliyyah.Naẓariyyaṯ al-Dilālah.)Perunding antarabangsa dan
penimbang tara untuk institusi global(.
2022 ‫ محمد فتحي العتربي‬.‫د‬ 176 ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية بين النظرية والتطبيق‬

‫هذا الكتاب‬

‫يمثل الكتاب مدخال لعلم المقاصد الشرعية يجمع بين النظرية المشتملة لمداخل علم المقاصد من حيث‬
‫النشأة والتأسيس والبحث عن هذه المقاصد في النص الشرعي من حيث األهمية والتقسيمات والخصائص‬
‫وبين التطبيق بمعنى البحث في تطبيقات العلماء لتشغيل المقاصد وتفعيلها في مجال اإللحاق‬، ‫عند األصوليين‬
‫الواسع وعمليات االستنباط الفقهي؛ لذا تجد الكتاب قد اهتم بعلم المقاصد وطرق إثباتها النقلية والعقلية‬
‫واتجاهات تقسيماتها وعالقتها باألدلة الشرعية المتفق عليها من حيث العالقة التأسيسية ؛واألدلة االجتهادية‬
‫آمين‬.. ‫ واهلل أسأل أن يمدنا بالعون والتوفيق‬. ‫المختلف فيها من حيث العالقة التطبيقية‬

‫المؤلف‬
Sinopsis
Buku ini adalah sebagai pengantar kepada ilmu maqasid yang menghimpunkan antara
teori yang merangkumi pengenalan ilmu maqasid dari sudut asal, penemuan, dan
kajian tentang maqasid ini dalam nas syarii yang berhubungan dengan kepentingan,
pembahagian dan ciri-ciri di sisi ulama usul, dan antara aplikasi dalam erti kata
meneliti pengaplikasian ulama untuk menggunakan maqasid di tempat ilḥāq
(sandaran) yang luas dan proses istinbat fiqah; justeru anda akan mendapati bahawa
buku ini memperhatikan tentang ilmu maqasid, kaedah pengisbatannya,
pembahagiannya, dan hubungannya dengan dalil-dalil syarii yang dipersetujui dari
segi hubungan pengasasan, dan dalil-dalil ijtihad yang berbeza dari segi hubungan
pengaplikasian. Saya memohon kepada Allah untuk memberikan kita pertolongan dan
kejayaan.. Amin
Penulis

You might also like