You are on page 1of 8

‫الخالصة‬

‫في النهي و أصوله و صوارفه‬

‫اإلعداد‬

‫كمال لطفي‬
(2021.03.1786)

PRODI HUKUM KELUARGA ISLAM

SEKOLAH TINGGI IMAM AS SYAFI’I JEMBER

2023
‫املبحث األول‪:‬‬

‫تعريف النهي وأثره ومنهج الكتابة فيه وأمهيته‪.‬‬


‫نتناول يف هذا املبحث معىن النّهي لغة واصطالحاً ‪ ،‬فنوضح السرد التارخيي يف تطور تعريف النهي عند علماء األصول‪ ،‬وتناقش بعض القيود الواردة يف تعريفات‬
‫نبني منهج األصوليني يف الكتابة عن النهي وأمهيته‪ ،‬وعليه فقد قسمنا املبحث إىل أربعة مطالب املطلب األول‪ :‬لتعريف النّهي‬ ‫األصوليني للنهي‪ ،‬واملؤثرة فيها‪ ،‬ومن مث ّ‬
‫لغة واصطالحاً‪ ،‬واملطلب الثاين‪ :‬لتعريف األثر لغة واصطالحاً‪ ،‬واملطلب الثالث‪ :‬لبيان منهج األصوليني يف الكتابة عن النهي واملطلب الرابع‪ :‬لبيان أمهية النهي‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعريف النهي لغة واصطالحا‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف النهي لغةً‪.‬‬

‫الكف عنه‪ .‬جاء يف مجهرة اللغة‪ :‬هَنيت الرجل عن األمر َنياً‪ ،‬والنَّهى من العقل وهو مجع هَنية أيضاً؛ ألنه‬
‫النّهي‪ :‬هو ض ّد األمر وخالفه‪ ،‬وطلب االمتناع عن الشيء و ّ‬
‫ينهى عن اجلهل والتَّنهية ‪ ،‬واجلمع تناه‪ .‬كذلك جاء يف جممل اللغة‪" :‬النهي خالف األمر‪ ،‬والنُّهية العقل‪ ،‬واجلمع َنى؛ ألنه ينهى عن القبيح‪ ،‬ويف خمتار الصحاح‪:‬‬
‫"النّهي ضد األمر‪ ،‬وَناه عن‬

‫كف‪ ،‬و (تناهوا) عن املنكر أي‪َ :‬نى بعضهم بعضاً‪ .‬ويف لسان العرب‪ :‬النّهي خالف األمر ‪َ ،‬ناه ينهاه َنياً‪ ،‬فانتهى وتناهى‬ ‫كذا ينهاه َنياً‪ ،‬وانتهى عنه‪ ،‬وتناهى أي َّ‬
‫ِ‬
‫ُّهى [‪ :٥٤‬طه]‪ .‬وجاء هذا املعىن يف حديث الرسول ﷺ‪( :‬ليلين منكم أولو‬ ‫هوِل الن ه‬ ‫كف‪ ،‬والنَّهى العقل‪ ،‬يكون واحداً ومجعاً‪ ،‬ويف التنزيل العزيز‪( :‬إِ َّن ِيف هذل ه‬
‫ك هألهيْت هأل ِ‬ ‫َّ‬
‫الكف والزجر‪.‬‬
‫األحالم والنه ى) فقوله ‪( :‬والنهى) بضم النون أي ‪ :‬العقول‪ .‬فيكون النهي خالف األمر مبعىن املنع وطلب ّ‬

‫الفرع الثان‪ :‬تعريف النهي اصطالحاً‪.‬‬

‫من املعلوم أ ّن لكل علم اصطالح يف اللغة‪ ،‬واصطالح خيتص به يذكره علماؤه‪ ،‬يزيد عما يف اللغة أو ينقص أو يطابقه‪ ،‬حبسب ما يس ّد حاجة ذلك العلم ‪ ،‬ولذلك‬
‫ذكر األصوليون تعريفات عدة للنّهي‪ ،‬سنذكر مجلة منها‪ ،‬مث نقف على بعض القيود الواردة فيها ‪:‬‬

‫عرف القاضي أبو بكر الباقالين (‪٤٠٣‬ه ) النّهي أبنَّه‪" :‬القول املقتضى به ترك الفعل مث جاء بعده أبو احلسني البصري (‪٤٣٦‬ه ) فغايره إبضافة قيد (االستعالء) و‬
‫(كراهية (الفعل) فقال يف تعريفه‪ :‬قول القائل لغريه ال تفعل على جهة االستعالء إذا كان كارهاً للفعل‪ ،‬وغرضه أال يفعل مث بعد ذلك جاء أبو إسحاق الشريازي‬
‫(‪٤٧٦‬ه ) حيث استعمل طريقة أخرى ص ّدر تعريفه ابالستدعاء‪ ،‬ومل يشرتط االستعالء كأيب احلسني البصري‪ ،‬بل اشرتط أن يصدر ممن هو دونه فقال يف تعريفه‪:‬‬
‫"استدعاء الرتك ابلقول ممن هو دونه ‪ .‬ومثله أبو املظفر السمعاين (‪٤۸۹‬ه ) حيث ص ّدر تعريفه ابالستدعاء واشرتط أن يكون ممن هو دونه وخالفه بقوله ‪( :‬ترك‬
‫(الفعل) بدل (ترك القول) فقال هو ‪ :‬استدعاء ترك الفعل ابلقول ممن هو دونه"‪ .‬مث جاء يف بداية القرن السادس أبو الوفاء ابن عقيل ( ‪٥١٠‬ه ) فلم خيالف من‬
‫سبقه بقيد االستدعاء وابشرتاط العلو كالشريازي‬
‫والسمعاين‪ ،‬فقال يف تعريفه للنهي هو ‪ :‬استدعاء األعلى الرتك من الدون‪ ،‬أو ممن هو دونه‪.‬‬

‫مث جاء بعده عالء الدين السمرقندي (‪ ٥٢٩‬ه ) فبدأ تعريفه ابلدعاء بدل االستدعاء واشرتط االستعالء بدل العلو‪ ،‬فقال النهي هو ‪ :‬الدعاء إىل االمتناع عن الفعل‬
‫على طريق االستعالء قوالً‪.‬‬

‫وقد اشتملت تعريفات األصوليني السابقة للنهي على مجلة من القيود وهي‪ :‬القيد األول‪ :‬قوهلم‪( :‬القول) أو (قول القائل) ‪ :‬خيرج بذلك اإلشارة والكتابة‪ .‬القيد‬
‫الثاين‪ :‬قوهلم‪( :‬اقتضاء) أو (املقتضى) أو (استدعاء) أو (الدعاء)‪ :‬جنس يف الطلب‪ ،‬ويشمل طلب الفعل وهو األمر‪ ،‬وطلب الرتك وهو النهي‪ ،‬والقيود اليت بعدها‬
‫هي اليت خترج األمر‪ ،‬وممن ذكر ذلك الباقالين والشريازي وابن عقيل والسمرقندي وابن احلاجب والطويف‪ .‬القيد الثالث‪ :‬قوهلم ‪ :‬ترك) (الفعل) أو (الرتك) أو (االمتناع‬
‫(كف)‪ ،‬فهذه القيود خترج األمر من جنس الطلب‪ ،‬فتقيد التعريف ابلنهي‪ .‬القيد الرابع‪ :‬قوهلم‪( :‬االستعالء)‬
‫عن (الفعل) أو (طلب (االمتناع) أو (قول ال تفعل) أو َّ‬
‫أو ممن (دونه) أو (الدون)‪ ،‬وممن قال بذلك البصري والسمرقندي وابن احلاجب والساعايت والطويف‪ .‬ومن قال‪( :‬ممن) (دونه أو (الدون) أراد معىن (العلو)‪ ،‬وممن قال‬
‫بذلك الشريازي والسمعاين وابن عقيل‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف األثر لغة واصطالحا‪ .‬نتناول يف هذا املبحث معىن األثر لغةً واصطالحاً يف فرعني‪ .‬الفرع األول‪ :‬تعريف األثر لغة‪.‬‬

‫جاء يف جممل اللغة البن فارس أن األثر هو ‪" :‬ما بقي من رسم الشيء‪ ،‬وسنن النيب ‪ :‬آاثره‪ ،‬ويقال لضربة السيف‪ :‬أثرة‪ .‬ويف لسان العرب "األثر ‪ :‬بقية الشيء‪،‬‬
‫واجلمع آاثر ‪ ،‬وخرجت يف إثره ويف أثره أي بعده‪ ،‬واألثر ابلتحريك‪ :‬ما بقي من رسم الشيء والتأثري ‪ :‬إبقاء األثر يف الشيء‪ .‬وأثر يف الشيء ‪ :‬ترك فيه أثراً ‪ .‬والاثر ‪:‬‬
‫األعالم‪ .‬ويف القاموس احمليط‪" :‬األثر العالمة‪ ،‬وملعان السيف وأثر الشيء بقيته‪ ،‬ويتضح مما سبق أن األثر يف اللغة هو‪ :‬بقية الشيء وأثره فيه‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف األثر اصطالحاً‪.‬‬

‫ال خيرج استعمال علماء األصول ملصطلح األثر عن االستعمال اللغوي‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل استخدامهم يف كثري من املواضع منها‪ :‬فإ ّن أثر النهي ليس إال يف‬
‫عّبون مبعناه كقوهلم‪( :‬النهي‬
‫التحرمي‪ ،‬ومنها أثر النهي يف العبادات عدم براءة الذمة‪ ،‬وأثره يف املعامالت عدم إفادة امللك‪ ،‬ويف األكثر ال يصرحون مبصطلح األثر بل يه ّ‬
‫يقتضي التحرمي) أي‪ :‬أن أثر النهي هو التحرمي و (النهي يفيد التكرار)‪ ،‬أي أن أثر النهي أنه يفيد التكرار‪ ،‬فالنهي له أثر يف حكم ما بعده من حكم تكليفي أو‬
‫وضعي من كراهية وحترمي أو صحة وفساد فهو النتيجة املرتتبة على التصرف‪ ،‬ويطلق عليه بعض الفقهاء األحكام ‪ ،‬فيقولون‪ :‬أحكام النكاح مثالً ‪ ،‬يريدون آاثره‪،‬‬
‫نالحظ إذاً أن املعىن االصطالحي ال خيرج عن املعىن اللغوي‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬منهج األصوليني يف الكتابة عن النهي‪.‬‬

‫ال شك أن لكل علم طريقة ميتاز فيها عن غريه من العلوم يف البحث والكتابة ‪ ،‬ومن تلك العلوم علم األصول‪ ،‬فله منهج متميز عن غريه فيما يتضمنه من مباحث‬
‫ومنها مبحث النهي ‪ ،‬لذلك سنعرض منهج بعض األصوليني يف كتابة مبحث النهي ملعرفة موضع النهي يف علم األصول وكيف تناولوه؟ وما املسائل اليت حبثوها؟‬

‫"فأحق ما‬
‫ه‬ ‫(‪ )1‬تناول السرخسي (‪٤٩٠‬ه ) النهي يف كتابه املعروف أبصول السرخسي أبن افتتح السرخسي احلنفي كتابه بباب األمر مث النهي فقال يف مقدمة كتابه‪:‬‬
‫يهبدأ به يف البيان األمر والنّهى؛ ألن معظم االبتالء هبما‪ ،‬ومبعرفتهما تتم معرفة األحكام ‪ ،‬ويتميّز احلالل من احلرام‪ ،‬فذكر يف ابب النهي موجب النهي شرعاً ومقتضاه‪،‬‬
‫مث تطرق إىل صفة القبح يف املنهي عنه فذكر أقسامه وما يرتتب عليه من آاثر مث تطرق إىل العديد من الصور الفرعية ملسألة اقتضاء النهي للفساد‪ ،‬وآخر مسائل النهي‬
‫يبني أنه مل يهدرج النهي من‬
‫اليت ذكرها هي حكم النهي يف ضده‪ ،‬وأَنى بذلك ابب النهي‪ ،‬وبعد ذلك ذكر أسباب الشرائع‪ ،‬مث األدلة وبعدها اخلاص والعام‪ ،‬مما ّ‬
‫ضمن اخلاص‪ ،‬وع ّد النهي من طرق االستنباط‪ ،‬أي من الدالالت‪.‬‬
‫(‪ )٢‬أما الغزاِل (‪ ٥٠٥‬ه ) يف كتابه "املستصفى" فقد قسم كتابه حبسب تعبريه إىل أربعة أقطاب‪ ،‬تناول يف القطب األول‪ :‬وهو الثمرة (احلكم) وذكر فيه األحكام‬
‫التكليفية‪ ،‬واحلاكم واحملكوم عليه وفيه‪ ،‬وذكر مسألة واحدة هنا للنهي وهي النهي العائد إىل وصف هل يفسد األصل أم ال؟ مث القطب الثاين‪ :‬املثمر ذكر فيه أدلة‬
‫تطرق إىل مبحث األمر والنهي‪ ،‬غري أنَّه عرف النهي بعد تعريفه لألمر‬
‫األحكام‪ ،‬مث القطب الثالث‪ :‬يف طرق استثمار األحكام من األدلة فذكر عدداً من املسائل‪ ،‬مث ّ‬
‫أي يف ابب األمر‪ ،‬أما يف ابب النهي فقال يف مقدمته‪ :‬اعلم أن ما ذكرانه من مسائل األوامر تتضح به أحكام النواهي؛ إذ لكل مسألة وزان من النهي على العكس‬
‫فال حاجة إىل التكرار‪ ،‬ولكنّا نتعرض ملسائل ال بد من إفرادها ابلكالم‪ ،‬مث تطرق ملسألة واحدة من مسائل النهي وهي‪ :‬النهي واقتضاؤه للفساد‪ ،‬ومن املالحظ أنه‬
‫جعل مبحث األمر والنهي قبل مبحث العموم واخلصوص ونلحظ أيضاً أن الغزاِل ذكر مسألة هل النهي العائد إىل وصف يفسد األصل أم ال؟ يف القطب األول وهو‬
‫(احلكم)‪ ،‬أما بقية مسائل النهي فكل ها يف كيفية استثمار األحكام من األدلة‪ ،‬أي يف القطب الثالث‪ .‬وجعل القطب الرابع‪ :‬يف املستثمر (اجملتهد)‪.‬‬

‫يتضح مما سبق‬

‫‪ -١‬إ ّن النّهي ال يفرتق يف حبثه عن مبحث األمر ؛ ذلك أن األمر والنهي كالمها من أقسام الكالم املندرجان يف الطلب‪ ،‬فلذلك جند االقرتان بني هذين املبحثني ‪-‬‬
‫يف كتب األصول‪.‬‬

‫مال علي القاري‬


‫‪ -٢‬النهي متأخر يف مبحثه عن مبحث األمر ‪ ،‬وعلّل األصوليون هذا أب ّن األمر ؛ أشرف من النهي وأنه طلب للوجود خبالف النهي‪ ،‬كما قال ّ‬
‫(‪۱۰۱٤‬ه ) ‪" :‬وقدم األمر ألنه طلب الوجود‪ ،‬والنهي لطلب العدم‪ ،‬والوجود أشرف‪ ،‬والعدم وإن كان سابقاً على كل ممكن إال أنه الحق له أيضاً"‪ ،‬وألن األمر‬
‫مثبت‪ ،‬والنهي منفي‪ ،‬واملثبت مقدم‪ ،‬كما قال الكلوذاين‪" :‬وإمنا يق ّدم األمر على النهي؛ ألن األمر مثبت والنهي منفي ‪ ،‬واإلثبات مق ّدم على النفي‪.‬‬

‫‪ -٣‬يكتفي أكثر األصوليني مبا ذكره يف مبحث األمر من توطئة وتعريف ومسائل‪ ،‬فإذا جاء إىل مبحث النهي هُييل إىل ما ذكره يف ابب األمر ‪ ،‬وعلى سبيل املثال‬
‫ال احلصر‪ ،‬الباقالين إذ قال‪ :‬اعلموا رمح كم هللا إن أكثر ما ذكرانه يف أحكام األمر يدل إذا أتمل على أحكام نقيضه من النهي‪ ،‬فيجب التنبه عليه من أبواب األمر‪،‬‬
‫وأيضاً ذكره الغزاِل بقوله‪ :‬اعلم أن ما ذكرانه من مسائل األوامر تتضح به أحكام النواهي؛ إذ لكل مسألة وزان من النهي على العكس فال حاجة إىل التكرار‪ ،‬ولكنا‬
‫نتعرض ملسائل ال ب ّد من إفرادها ابلكالم‪ ،‬وغريمها من األصوليني‪ ،‬وهذا سبب عدم ذكر بعضهم لتعريف النهي واقتصارهم على بعض املسائل‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -٤‬عدد مسائل النهي اليت تهذكر يف كل كتاب خمتلفة عن الكتاب الخر‪ ،‬فمثالً ذكر الغزاِل يف ابب النهي مسألة واحدة وهي مسألة اقتضاء النهي للفساد‪ ،‬بينما‬
‫ذكر ابن مفلح مخس مسائل‪ ،‬وهي اقتضاء النهي للفور والتكرار‪ ،‬والنهي بعد اإلجياب‪ ،‬واقتضاؤه للفساد‪ ،‬والنهي إذا ورد للتخيري‪ ،‬وهكذا هي بقية الكتب بني مكثر‬
‫‪،‬ومقل‪ ،‬ولعل السبب يف ذلك أن منهم من نظر إىل مثرة املسألة فذكر أكثر املسائل اليت هلا مثرة يف الفروع ‪ ،‬ومنهم من اقتصر على ما ذكره يف األمر‪ ،‬ومنهم من‬
‫اقتصر على بعض املسائل ؛ ألنه يكتفي يف ترجيح ما يقارهبا‪ ،‬مثال من رجح يف اقتضاء النهي الفور‪ ،‬اكتفى عن ذكر مسألة اقتضاء النهي للتكرار ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يذكرها لتمام الفائدة وهكذا‪.‬‬

‫‪ -٥‬اختلف األصوليون يف موضع النهي هل هو مندرج حتت اخلاص أم ال؟ السرخسي‪ ،‬والغزاِل‪ ،‬والكلوذاين‪ ،‬والرازي‪ ،‬وابن مفلح‪ ،‬والشوكاين‪ ،‬مل يدرجوا النهي ضمن‬
‫اخلاص‪ ،‬بينما الكاكي وصاحب األصل وهو النسفي أدرجا النهي ضمن اخلاص‪ ،‬فمن أخرج النهي من اخلاص كان؛ بسبب منهجه يف أن اخلاص من فوائد النهي‪،‬‬
‫ومن أدرج النهي يف اخلاص كان؛ بسبب أن النهي نوع من اخلاص‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬أمهية مسائل النهي‪.‬‬

‫إن العبادة هللا تعاىل ال تتحقق إال إبتباع أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬فاألمر والنهي مها ركنا التكليف‪ ،‬ومن هنا تتضح أمهية النهي يف الشريعة؛ إذ ال ميكن أن تتحقق‬
‫مطلق العبود ية لعبد ما مل يرتك ما َني عنه "لذلك أخذ السلف الصاحل أنفسهم ابالجتهاد يف العبادة‪ ،‬والتحري يف األخذ ابلعزائم‪ ،‬وقهروها حتت مشقات التعبد ؛‬
‫فإَنم فهموا أن األوامر والنواهي واردة مقصودة من جهة األمر والناهي‪ ،‬ومما يظهر أمهية النهي يف الشرع أيضاً عدد الايت واألحاديث اليت يرد فيها النهي صرُياً أو‬
‫ضمناً‪ ،‬ومنها ما جاء يف قوله ‪( :‬دعوين ما تركتكم‪ ،‬إمنا هلك من كان قبلكم بسؤاهلم واختالفهم على أنبيائهم‪ ،‬فإذا َنيتكم عن شيء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتكم أبمر فأتوا‬
‫صرح بعض العلماء كما نقل ذلك ابن رجب (‪٧٩٥‬ه ) أن النهي بقوله‪:‬‬
‫منه ما استطعتم) والشاهد قوله‪( :‬فإذا َنيتكم) فيظهر منه عنايته جبانب املنهيات‪ ،‬لذلك ّ‬
‫"قال بعض العلماء ‪ :‬هذا يؤخذ منه أن النهي أشد من األمر ؛ ألن النهي مل يرخص يف ارتكاب شيء منه‪ ،‬وقريب من ذلك ما قاله أمحد ابن حنبل (‪٢٤١‬ه ) ‪" :‬ما‬
‫أمر به النيب عندي أسهل مما َنى عنه"‪ ،‬وتظهر أمهية النهي أيضاً؛ ألن يف اجتنابه حتقق ملصاحل العباد كما يقول الصحايب رافع بن خديج‪َ" :‬ناان رسول هللا ﷺ عن‬
‫أمر كان لنا انفعاً‪ ،‬وطواعية هللا ورسوله أنفع لنا"‪ .‬وكما ّبني اجلويين هذا املعىن ومن مل يتفطن لوقوع املقاصد يف األوامر والنواهي فليس على بصرية يف وضع الشريعة‪،‬‬
‫وكذلك صاحب املوافقات بقوله‪" :‬فقد قام الدليل على اعتبار املصاحل شرعاً‪ ،‬وأن األوامر والنواهي مشتملة عليها‪.‬‬

‫فمن هذا املنطلق كان اهتمام علماء األصول مبسائل النهي‪ ،‬فإذا نظران إىل مصنفاهتم فسنجد أَنم يذكرون أن األحكام التكليفية مخسة‪ ،‬وللنهي تعلّق ابثنتني منهما‬
‫ومها الكراهة والتحرمي‪ ،‬فيذكرون صورمها وأقسامهما ‪ ،‬ومن مث يفصلون ما يندرج حتتهما من مسائل‪ ،‬وبعد ذلك يفردون النهي يف ابب مستقل‪ ،‬وما ذلك إال ؛ ألمهيته‬
‫يف علم األصول‪ ،‬ومن ذلك أيضاً أنه أفردت مصنفات خاصة للنهي‪ ،‬مثال ذلك ما صنفه احلافظ العالئي (‪٧٦١‬ه ) (حتقيق املراد يف أن النهي يقتضي الفساد)‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من املسائل يف بطون الكتب والرسائل العلمية‪ ،‬كل ذلك وغريه يظهر أمهية مسائل النهي‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪:‬‬

‫أتصيل مسأليت النهي اجملرد وصوارف النهي وتطبيقاهتما يف األحوال الشخصية‪.‬‬

‫نتناول يف هذا املبحث النهي اجملرد وخالف العلماء فيه‪ ،‬وأثر االختالف يف التطبيقات الفقهية‪ ،‬ومن مث مسألة صوارف النهي وتطبيقاهتا يف األحوال الشخصية‪.‬‬
‫وعليه فقد قسمنا املبحث إىل مطلبني املطلب األول‪ :‬النّهي اجملرد وتطبيقاته يف األحوال الشخصية‪ .‬واملطلب الثاين‪ :‬صوارف النّهي وتطبيقاهتا يف األحوال الشخصية‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬النهي اجملرد وتطبيقاته يف األحوال الشخصية‪.‬‬

‫نتناول يف هذا املطلب صورة النهي اجملرد ‪ ،‬وحتق يق أقوال العلماء يف داللته‪ ،‬وبيان الراجح من ذلك يف الفرع األول‪ ،‬وبعد ذلك نعرض تطبيقات النهي اجملرد يف‬
‫األحوال الشخصية يف الفرع الثاين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صورة النهي اجملرد وأقوال العلماء يف داللته‪.‬‬

‫للنهي أثر على ما بعده من أحكام‪ ،‬فالنهي له داللة تدل على مراده‪ ،‬فإذا اقرتن مع صيغة النهي ما يدل على أن املراد من النهي هو التحرمي‪ ،‬فال إشكال أن أثر‬
‫الز هَن إِنَّهه هكا هن فه ِح هشةً هو هساءه هسبِيال [‪ :٣٢‬اإلسراء]‪ ،‬فقوله‪( :‬وال تقربوا) َني‪ ،‬وقوله‪( :‬فاحشةً وساء سبيال) قرينة على‬
‫﴿وهال ته ْقربهوا ِّ‬
‫النهي هو التحرمي مثل قوله تعاىل‪ :‬ه ه‬
‫التحرمي‪ ،‬وإذا اقرتن مع صيغة النهي ما يدل على أن املراد من النهي هو الكراهة فال إشكال أن أثر النهي هو الكراهة‪ ،‬مثل قول أم عطية رضي هللا عنها‪َ( :-‬نينا عن‬
‫اتباع اجلنائز ‪ ،‬ومل يهعزم علينا )‪ ،‬فقوهلا ‪َ( :‬نينا) ظاهر يف النهي‪ ،‬وقوهلا ‪ ( :‬ومل يهعزم علينا) قرينة على أن املراد الكراهة ال التحرمي وهو قول اجلمهور‪ ،‬فصورة املسألة أن‬
‫ترد صيغة النهي جمردةً عن القرائن اليت تدل على أي داللة‪ ،‬لذلك اختلف العلماء على ماذا يدل هذا النهي اجملرد ‪ ،‬وقد أشار الغزاِل (‪٥٠٥‬ه ) إىل أن اخلالف ال‬
‫جيري يف كل صيغة بل اجملردة عن القرائن وأما صيغة النهي‪ ،‬وهو قوله ‪ :‬ال تفعل فقد تكون للتحرمي وللكراهية‪ .‬وقد ذهب العلماء يف داللة صيغة النهي اجملردة إىل‬
‫مخسة آراء‪:‬‬

‫الرأي األول‪َّ :‬‬


‫أن النهي اجملرد يفيد التحرمي ‪ ،‬وممن قال بذلك مجهور العلماء‪ ،‬فقد قال الشافعي (‪٢٠٤‬ه )‪" :‬وما َنى هللا عنه فهو حمرم حىت توجد الداللة عليه أبن‬
‫النهي عنه على غري التحرمي‪ ،‬وقال املرداوي (‪ ٨٨٥‬ه )‪" :‬فإن جتردت صيغة النهي عن املعاين املذكورة والقرائن اقتضت التحرمي على الصحيح عند علماء املذاهب‬
‫األربعة‪ .‬وجاء يف حاشية العطار (‪١٢٠٥‬ه ) ‪" :‬واجلمهور على أَنا حقيقة يف التحرمي"‪.‬‬
‫الرأي الثاين‪َّ :‬‬
‫أن النهي اجملرد يفيد الكراهة‪ ،‬وممن قال بذلك بعض املعتزلة‪ ،‬وقد ذكر الزركشي (‪٧٩٤‬ه ) هذا الرأي عن بعض الشافعية‪ ،‬ونقل الكلوذاين ذلك عن‬
‫قوم ومل يسمهم‪" :‬النهي يقتضي التحرمي خالفاً ملن قال‪ :‬يقتضي التنزيه مبطلقه"‪.‬‬

‫الرأي الثالث‪ :‬التوقف يف النهي اجملرد حىت ترد القرينة الدالة على املراد‪ ،‬وممن قال بذلك الواقفة من األشاعرة‪ ،‬قال الشريازي (‪٤٧٦‬ه ) ‪" :‬وقالت األشعرية ‪ :‬ال‬
‫يقتضي لتحرمي وال غريه إال بدليل"‪ ،‬وقال السمعاين (‪٤٨٩‬ه )‪" :‬وقال أبو احلسن ومن تبعه ال يدل عليه وال على غريه إال بدليل"‪ .‬وقال الزركشي (‪٧٩٤‬ه ) ‪:‬‬
‫"ونهسب لألشعري أنه موقوف ال يقتضي التحرمي وغريه إال بدليل"‪.‬‬

‫الرأي الرابع‪َّ :‬‬


‫أن النهي اجملرد يفيد القدر املشرتك بني الكراهة والتحرمي‪ ،‬وممن قال بذلك أبو منصور املاتريدي (‪۳۳۳‬ه )‪ ،‬وعزاه إىل بعض مشايخ مسرقند من احلنفية‪،‬‬
‫فقد ذكر املرداوي (‪٨٨٥‬ه ) ‪" :‬يكون (للقدر املشرتك) بينهما‪ ،‬أعين بني التحرمي والكراهة‪ ،‬وهو مطلق الرتك"‪.‬‬

‫برتدد‬ ‫الرأي اخلامس ‪َّ :‬‬


‫أن النهي اجملرد يفيد االشرتاك اللفظي بني التحرمي والكراهة‪ ،‬قال الزركشي يف احمليط‪" :‬وقال الغزاِل‪ :‬صرح الشافعي يف كتاب أحكام القرآن ّ‬
‫األمر بني الوجوب والندب"‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬تطبيقات النهي اجملرد يف األحوال الشخصية‪.‬‬

‫إن لكل عل ٍم مثرة‪ ،‬ومثرة أصول الفقه هي األحكام الشرعية اليت تهستنبط من قواعده‪ ،‬كما ذكر القرايف (‪٦٨٤‬ه )‪" :‬أصول الفقه يثمر األحكام الشرعية‪ ،‬فإَنا منه‬
‫َّ‬
‫تؤخذ ‪ ،‬فالشريعة من أوهلا إىل آخرها مبنية على أصول الفقه"‪ ،‬واألصول إمنا تبىن على الفروع‪ ،‬فاخلالف يف األصول له أثر يتبعه يف الفروع‪ ،‬واستخراج الفروع من‬
‫األصول هو املقصود من علم أصول الفقه‪ ،‬كما أشار إىل ذلك اإلسنوي (‪۷۷۲‬ه ) يف مقدمة كتابه التمهيد‪ ،‬وهو من كتب ختريج الفروع على األصول فقال‪:‬‬
‫"استخرت هللا تعاىل يف أتليف كتاب يشتمل على غالب مسائله وعلى املقصود منه وهو كيفية استخراج الفروع"‪ .‬لذلك نبني يف هذا الفرع بعض التطبيقات الفقهية‬
‫يف األحوال الشخصية‪ ،‬اليت بهنيت غالباً على مسألة النهي اجملرد‪ ،‬وكيف َّ‬
‫أن خالفهم يف األصل له أثر يف اختالفهم يف الفرع‪ .‬مع التأكيد على أنه قد ال يكون هو‬
‫سبب االختالف الوحيد‪ ،‬فقد يرجع االختالف إىل بعض األدلة التفصيل ية اليت تبحث يف ابهبا‪ ،‬سواء كانت يف التفسري أم احلديث أم الفقه وغريها‪ ،‬ولكن االختالف‬
‫األصوِل بال شك من األسباب الرئيسة يف االختالف الفقهي‪.‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬حكم اخلطبة على خطبة الغري‪.‬‬

‫النص يف هذه املسألة هو قول النيب ‪(:‬ال يبع الرجل على بيع أخيه‪ ،‬وال خيطب على خطبة أخيه‪ ،‬إال أن أيذن له)‪ .‬وللحديث رواايت عدة أبلفاظ ‪،‬خمتلفة‪ ،‬وصيغة‬
‫النهي ظاهرة يف احلديث وهي قوله‪( :‬وال خيطب) وهي من الصيغ اجملردة عن القرائن اليت مل أيت ما يدل على املراد منها أهو التحرمي أم الكراهة‪ ،‬فلم أيت لفظ آخر‬
‫يف احلديث يرجح معىن على معىن‪ .‬ونذكر هنا ما هو خارج موضع النزاع‪:‬‬

‫‪-‬أنَّه ُيرم على اخلاطب الثاين التقدم للخطبة إن علم أن اخلاطب األول قد أجيب ابلقبول "واإلمجاع قائم على حترميه بعد اإلجابة"‪ ،‬فالنهي هنا للتحرمي‪.‬‬

‫‪-‬أنَّه إذا وقع التصريح ابلرد وعلم اخلاطب الثاين‪ ،‬فال ُيرم عليه التقدم "فلو وقع التصريح ابلرد فال حترمي"‪ .‬أي إذا رفضت املرأة من تقدم خلطبتها‪.‬‬

‫‪-‬أن اخلاطب الثاين إذا مل يكن يعلم عن خطبة األول فال شيء عليه‪ ،‬يقول الشافعي‪" :‬ومن قلت له ال جيوز له أن خيطبها ‪ ،‬فإمنا أقوله إذا علم أَنا هخطبت"‪ .‬فمحل‬
‫النزاع هو يف حال أن اخلاطب األول مل يتلق جواابً ابلرفض‪ ،‬أو القبول من املخطوبة‪ ،‬وأن اخلاطب الثاين يعلم أَنا خمطوبة‪ ،‬فقد اختلف العلماء على قولني يف املسألة‪:‬‬

‫إن النهي َني تنزيه‪ ،‬وعّب عنه بعضهم ابلتأديب‪ ،‬أي َّ‬
‫أن سبب النهي هو التأديب‪ ،‬وممن قال بذلك اخلطايب‪ ،‬وأكثر الشافعية‪ ،‬وبعض احلنابلة‪ .‬واستدلوا‬ ‫القول األول‪َّ :‬‬
‫حبديث فاطمة بنت قيس أَنا جاءت للنيب ‪" :‬قالت له أن معاوية ابن أيب سفيان‪ ،‬وأاب جهم خطباين‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ ‪ :‬أما أبو جهم‪ ،‬فال يضع عصاه عن‬
‫عاتقه‪ ،‬وأما معاوية فصعلوك ال مال له‪ ،‬انكحي أسامة بن زيد فكرهته‪ ،‬مث قال ‪ :‬انكحي أسامة فنكحته ‪ ،‬فجعل هللا فيه خرياً"‪ ،‬وإن كان استدالهلم هبذا احلديث‬
‫حمل اعرتاض‪.‬‬

‫إن النهي للتحرمي‪ ،‬وممن قال بذلك اجلمهور‪ .‬واستدلوا بنص احلديث (ال خيطب) وأجابوا عن حديث فاطمة بنت قيس‪ ،‬أَنا مل تركن إىل و ٍ‬
‫احد منهما‪،‬‬ ‫القول الثاين‪َّ :‬‬
‫لذلك جاز خطبة الغري "وأما حديث فاطمة فال حجة هلم فيه‪ ،‬فإن فيه ما يدل على أَنا مل تركن إىل واحد منهما"‪ ،‬فاحلديث خارج حمل النزاع‪.‬‬

‫والراجح هو قول اجلمهور القائل أبن النهي هُيمل على التحرمي ال التنزيه؛ ألن األصل يف حال الرتدد أن ُيمل النهي على األصل وهو التحرمي‪ .‬ولفظ (ال ُيل) يف‬
‫رواية أخرى أصرح يف الداللة أن املراد التحرمي ال الكراهة‪ ،‬وهي قوله ‪( :‬ال ُيل ألمرئ مسلم خيطب على خطبة أخيه)‪ ،‬قال ابن تيمية (‪۷۲۸‬ه ) ‪" :‬وهذا َني حترمي؛‬
‫ألنه قال مصرحاً ال ُيل ملؤمن"‪ ،‬وملا يهفضي إليه يف الغالب وهو الشحناء والبغضاء‪ ،‬ولورود االحتمال على حادثة فاطمة بنت قيس ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬وهو عدم علم‬
‫اخلاطبني‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬صوارف النهي وتطبيقاهتا يف األحوال الشخصية‪.‬‬

‫نتناول يف هذا املطلب صوارف النهي من حكم التحرمي إىل حكم الكراهة يف الفرع األول ‪ ،‬ومن مث نذكر التطبيقات الفقهية يف األحوال الشخصية يف الفرع الثاين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صوارف النهي ودالالهتا‪.‬‬

‫‪. ١‬صرف النهي من التحرمي إىل الكراهة ابلقول‪.‬‬

‫‪. ٢‬صرف النهي من التحرمي إىل الكراهة بفعل النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪. ٣‬صرف النهي من التحرمي إىل الكراهة إبقرار النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪. ٤‬صرف النهي من التحرمي إىل الكراهة بتعليل يشعر بعدم التحرمي‪.‬‬

‫‪. ٥‬صرف النهي من التحرمي إىل الكراهة ابلنظر إىل املقصد من معناه‪.‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬حكم العزل يف حق الزوجة‪.‬‬

‫العزل هو‪" :‬أن جيامع فإذا قارب اإلنزال نزع وأنزل خارج الفرج"‪ ،‬والنص يف ذلك قول النيب ﷺ عندما سئل عن العزل فقال ‪( :‬ذلك الوأد اخلفي)‪،‬‬
‫والوأد ‪ :‬دفن البنت وهي حية وكانت العرب تفعله‪ ،‬ومسي العزل ابلوأد اخلفي؛ "ألنه قطع طريق الوالدة كما يقتل املولود ابلوأد"‪ ،‬لكن الفرق بينهما أن‬
‫الوأد ظاهر ابملباشرة اجتمع فيه القصد والفعل‪ ،‬أما العزل فيتعلق ابلقصد فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا‪ ،‬واحلديث فيه داللة على التحرمي؛ إذ شبهه مبا‬
‫هو معلوم التحرمي وهو الوأد‪ ،‬لذلك اختلف العلماء يف حكم العزل حبسب الصارف املؤثر على ثالثة أقوال‪.‬‬

‫القول األول‪ :‬حترمي العزل بكل األحوال‪ ،‬وممن قال بذلك بعض الشافعية‪ ،‬وبعض احلنابلة‪.‬‬

‫ُيرم إال إذا أذنت الزوجة وهو قول اجلمهور‪ ،‬فقالوا أبنه ُيرم بغري إذَنا ؛ ألن هلا حق يف احلصول على الولد‪ ،‬وابلعزل يفوت الولد وهذا‬
‫القول الثاين‪ّ :‬‬
‫منع من حقها‪ ،‬وألَنا زوجة حرة فلها احلق يف كمال االستمتاع‪ ،‬واستدلوا إبقرار الرسول ﷺ للصحابة على ذلك‪ ،‬كما جاء يف حديث جابر كنا نعزل‬
‫على عهد النيب ﷺ والقرآن ينزل)‪ ،‬وأجيز يف حال إذَنا؛ ألَنا رضيت بفوات حقها‪ ،‬واستدلوا أيضاً بقوله عندما سئل عن العزل يف إحدى الغزوات‬
‫فقال‪( :‬ال عليكم أن ال تفعلوا ما كتب هللا خلق نسمة هي كائنة إىل يوم القيامة إال ستكون )‪ ،‬ومعناه "ما عليكم ضرر يف ترك العزل؛ ألن كل نفس‬
‫قدر هللا تعاىل خلقها البد أن خيلقها سواء عزلتم أم ال"‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إنه مكروه وال يشرتط إذن الزوجة وهو قول عند الشافعية‪ ،‬وقول عند احلنابلة‪ ،‬واستدلوا ابألدلة السابقة الدالة على جواز العزل وأبن حق‬
‫الزوجة الوطء فقط ال اإلنزال يف الفرج‪ ،‬وال دليل على إذن املرأة‪ ،‬وأنه جبمع كافة األحاديث يظهر أن األمر فقط للكراهة‪.‬‬

‫والراجح أن العزل غري حمرم بل يكره ويشرتط فيه إذن املرأة‪ ،‬وذلك للمرجحات التية‪:‬‬

‫‪-‬إقرار النيب للصحابة كما يف حديث جابر املتقدم‪.‬‬

‫‪-‬والقول بكراهة العزل قول للعديد من الصحابة كأيب بكر عمر وعلي وابن مسعود‪.‬‬

‫‪-‬أن يف ذلك مجع بني األحاديث‪ ،‬فإعمال الدليلني أوىل من إمهال أحدمها‪.‬‬

‫‪-‬وإذن املرأة ملا هلا من حق يف اإلجناب وكذلك يف االستمتاع فكل ذلك من مقاصد الزواج‪ ،‬يقول ابن عبد الّب (‪٤٦٣‬ه )‪" :‬وقد روي يف هذا الباب‬
‫حديث مرفوع يف إسناده ضعف ولكن إمجاع احلجة على القول مبعناه يقضي بصحته"‪.‬‬

‫اخلامتة‬

‫بعد العرض والدراسة توصلنا إىل جمموعة من النتائج‪ ،‬من أمهها‪:‬‬

‫‪ -١‬التعريف املختار للنهي هو ‪ :‬القول الدال ابلوضع على الرتك‪.‬‬

‫‪ -٢‬التعريف املختار لألثر هو ‪ :‬النتيجة املرتتبة على التصرف‪ ،‬ويطلق عليه بعض الفقهاء األحكام‪ ،‬فيقولون‪ :‬أحكام النكاح مثالً‪ ،‬يريدون آاثره‪.‬‬

‫‪ -٣‬تبني من خالل العرض والتحليل أن لعلماء األصول مناهج متعددة يف الكتابة عن النهي وما يتضمنه من مسائل‪.‬‬

‫‪-٤‬القول الراجح يف داللة النهي اجملرد ‪ ،‬هو قول اجلمهور القائل ‪ :‬أبن النهي اجملرد يفيد التحرمي‪.‬‬

‫‪ -٥‬للنهي اجملرد تطبيقات يف األحوال الشخصية‪ ،‬كاخلطبة على اخلطبة‪ ،‬وصوم الزوجة تطوعاً بغري إذن زوجها‪ ،‬وقد تبني أن لالختالف األصوِل أثراً يف‬
‫االختالف الفقهي‪.‬‬

‫‪ -٦‬للنهي صوارف عن داللته األصلية‪ ،‬قد تكون من ذات السياق وقد تكون من سياق آخر‪ ،‬سواء من فعل النيب ﷺ وإقراره‪ ،‬أم ابلنظر إىل املقصد‬
‫من خالل املعىن‪.‬‬

‫‪ -٧‬ولصوارف النهي تطبيقات يف األحوال الشخصية‪ ،‬كحكم العزل يف حق الزوجة‪ ،‬وخروج املعتدة‪.‬‬

‫واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪.‬‬

You might also like