You are on page 1of 152

‫غاية الوصول يف شرح لب األصول‬

‫لشيخ اإلسالم زكريا األنصارى‬

‫الكتاب شرح ملختصراملؤلف املسمى بـ ( لب األصول) الذي اختصر فيه مجع اجلوامع‬

‫( ‪)1/1‬‬

‫مقدمة‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل الذي أظهر بدائع مصنوعاته على أحسن نظام‪ ،‬وخص من بينها من شاء مبزيد الطول واإلنعام‪ ،‬ووفقه وهداه إىل دين اإلسالم‪،‬‬
‫وأرشده إىل طريق معرفة االستنباط لقواعد األحكام‪ ،‬ملباشرة احلالل وجتنب احلرام‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ذو‬
‫الغر الكرام‪.‬‬
‫اجلالل واإلكرام‪ ،‬وأشهد أن سيدنا حممدا عبده ورسوله املفضلـ على مجيع األنام‪ ،‬صلى اهلل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ّ‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا شرح ملختصري املسمى بـ ( لب األصول) الذي اختصرت فيه مجع اجلوامع يبني حقائقه‪ ،‬ويوضح دقائقه‪ ،‬ويذلل من اللفظ‬
‫صعابه‪ ،‬ويكشف عن وجه املعاين نقابه‪ ،‬سالكا فيه غالبا عبارة شيخنا العالمة‪ ،‬احملقق الفهامة اجلالل احمللي لسالستها وحسن تأليفها‪،‬‬
‫وروما حلصول بركة مؤلفها‪ ،‬ومسيته «غاية الوصول إىل شرح لب األصول»‪ .‬واهلل أسأل أن ينفع به وهو حسيب ونعم الوكيل‪.‬‬
‫املتربك بذكره‪،‬‬
‫( بسم اهلل الرمحن الرحيم) أي أؤلف أو أبتدىء تأليفي‪ ،‬والباء للمصاحبة ليكون ابتداء التأليف مصاحبا السم اهلل تعاىل ّ‬
‫العلو ‪ .‬وقيل من الوسم وهو العالمة‪ ،‬واهلل علم للذات الواجب الوجود‬ ‫السمو وهو ّ‬‫ّ‬ ‫وقيل لالستعانة حنو كتبت بالقلم‪ ،‬واالسم من‬
‫املستحق جلميع الصفاتـ اجلميلة‪ ،‬والرمحن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم‪ ،‬والرمحن أبلغ من الرحيم‪ ،‬ألن زيادة البناء تدل على‬
‫زيادة املعىن كما يف قطع وقطع‪.‬‬
‫( احلمد هلل الذي وفقنا) أي خلق فينا قدرة‪( .‬للوصول إىل معرفة األصول) فيه براعة االستهالل‪ ،‬واحلمد لغة الثناء باللسان على اجلميل‬
‫االختياري على جهة التبجيل والتعظيم‪ ،‬وعرفا فعل ينىبء عن تعظيم املنعم من حيث إنه منعم على احلامد أو غريه‪ ،‬وابتدأت بالبسملة‬
‫ببس ِم اهلل َّ‬ ‫ٍ‬
‫الرحيم» ويف رواية «باحلمد‬ ‫الرمحن َّ‬ ‫واحلمدلة اقتداء بالكتاب العزيز وعمالً خبرب أيب داود وغريه « ُك ُّل أم ٍر ذي بَال الَ يبدأ فيه ْ‬
‫أج َذ ُم» أي مقطوع الربكة‪ ،‬وقدَّمت البسملة عمالً بالكتاب واإلمجاع‪ ،‬واحلمد خمتص باهلل‪ ،‬كما أفادته اجلملة سواء جعلت أل‬ ‫هلل َف ُهو ْ‬
‫(ويسر لنا سلوك) أي دخول‪( .‬مناهج) مجع منهج أي‬ ‫فيه لالستغراق أم للجنس أم للعهد‪ ،‬كما بينت ذلك يف شرح البهجة وغريه‪َّ .‬‬
‫(قوة أودعها يف العقول) مجع عقلـ وهو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سالمة اآلالت‪ ،‬وقد بسطت‬ ‫طرق حسنة‪( .‬بـ) سبب ّ‬
‫تضرع ودعاء‪( .‬والسالم) مبعىن‬ ‫الكالم عليه يف شرح آلداب البحث‪( .‬والصالة) وهي من اهلل رمحة ومن املالئكة استغفار‪ ،‬ومن اآلدمي ّ‬
‫تسمى به نبينا بإهلام من اهلل تعاىل تفاؤالً بأنه يكثر محد اخللقـ له‬
‫التسليم‪( .‬على حممد) نبينا‪ ،‬وحممد علم منقول من اسم مفعولـ املضعف َّ‬
‫لكثرة صفاته اجلميلة‪( .‬وآله) هم مؤمنوا بين هاشم وبين املطلب‪( .‬وصحبه) هو عند سيبويه إسم مجع لصحابة مبعىن الصحايب‪ ،‬وهو كما‬
‫سيأيت من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وعطف الصحب على اآلل الشاملـ لبعضهم لتشمل الصالة والسالم باقيهم‪ ،‬ومجلتا‬
‫احلمد والصالة والسالم على من ذكر خربيتان لفظا إنشائيتان معىن‪ ،‬إذ القصد باألوىل الثناء على اهلل بأنه مالك جلميع احلمد من اخللق‪،‬‬
‫وبالثانية إجياد الصالة والسالم ال االعالم بذلك‪ ،‬وإن كان هو القصد هبما يف األصل‪( .‬الفائزين) أي الناجني والظافرين (من اهلل) متعلق‬
‫بقويل (بالقبول) ق ّدم عليه هنا وفيما يأيت رعاية للسجع‪،‬ـ وجيوز تعلقه مبا قبله‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/2‬‬

‫( وبعد) يؤتى هبا لالنتقال من أسلوب إىل أسلوب آخر‪ ،‬وأصلها أما بعد بدليل لزوم الفاء يف حيزها غالبا لتضمن أما معىن الشرط‬
‫واألصل مهما يكن من شيء بعد البسملة واحلمدلة والصالة والسالم على من ذكر‪( .‬فهذا) املؤلف احلاضر ذهنا (خمتصر) من‬
‫االختصار‪ ،‬وهو تقليل اللفظ وتكثري املعىن‪( .‬يف األصلني) عرب به دون األصولني أي أصول الفقه وأصول الدين‪ ،‬إيثارا للتخفيف‬
‫التصوف‪( .‬احتضرت فيه مجع اجلوامع للعالمة) شيخ اإلسالم عبد‬ ‫واالختصار‪( .‬وما معهما) من املقدمات والتقليد وآداب الفتيا وخامتة ّ‬
‫الوهاب‪( .‬التاج) ابن اإلمام شيخ اإلسالم تقي الدين‪( .‬السبكي رمحه اهلل) وتغمده بغفرانه‪ ،‬وكساه ُحلِي رضوانه‪( .‬وأبدلت منه) أي من‬
‫مجع اجلوامع‪( .‬غري املعتمد والواضح هبما) أي باملعتمد والواضح‪( .‬مع زيادات حسنة) ستقف عليها إن شاء اهلل تعاىل‪( .‬ونبهت على‬
‫خالف املعتزلة) ولو مع غريهم‪( .‬بعندنا و) على خالف (غريهم) وحده‪( .‬باألصح غالبا) فيهما‪( .‬ومسيته لب األصول راجيا) أي‬
‫مرجو‪( .‬وينحصر‬
‫مؤمالً‪( .‬من اهلل) تعاىل‪( .‬القبول وأسأله النفع به) ملؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر املؤمنني‪( .‬فإنه خري مأمول) أي ّ‬
‫مقصوده) أي لب األصول‪( .‬يف مقدمات) بكسر الدال كمقدمة اجليش من قدم الالزم مبعىن تقدم‪ ،‬وبفتحها على قلة كمقدمة الرجل يف‬
‫لغة من قدم املتعدي أي يف أمور متقدمة أو مقدمة على املقصود بالذات لالنتفاع هبا فيه مع توقفه على بعضها‪ ،‬كتعريف احلكم‬
‫وأقسامه‪ ،‬إذ يثبتها األصويل تارة وينفيها أخرى كما سيجيء‪( .‬وسبعة كتب) يف املقصود بالذات‪ ،‬مخسة يف مباحث أدلة الفقه الكتاب‬
‫والسنة واإلمجاع والقياس واالستدالل‪ .‬والسادس يف التعادل والرتاجيح‪ .‬والسابع يف االجتهاد‪ ،‬وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا وما ضم‬
‫إليه من علم الكالم املفتتح مبسألة التقليد يف أصول الدين املختتم مبا يناسبه من خامتة التصوف‪ ،‬وهذا احلصر من حصر الكلي جزائه ال‬
‫الكلي يف جزئياته‪.‬‬

‫( ‪)1/3‬‬

‫املقدمات‬
‫ليتصو ره طالبه مبا يضبط مسائله الكثرية‪ ،‬ليكون على بصرية يف تطلبها‪ ،‬إذ لو تطلبها‬‫أي مبحثها‪ .‬افتتحهتا كاألصل بتعريف أصول الفقه ّ‬
‫الفن املسمى هبذا اللقبـ املشعر مبدحه بابتغاء‬
‫قبل بطلها مل يأمن فوات ما يرجيه وصرف اهلمة إىل ما ال يعنيه فقلت (أصول الفقه) أي ّ‬
‫الفقه عليه‪ ،‬إذ األصل ما يبىن عليه غريه‪( .‬أدلة الفقه اإلمجالية) أي غري املعينة كمطلقـ األمر واإلمجاع من حيث إنه يبحث عن ّأوهلما‪،‬‬
‫بأنه الوجوب حقيقة‪ ،‬وعن ثانيهما بأنه حجة‪( .‬وطرق استفادة جزئياهتا) اليت هي أدلة الفقه التفصيلية املستفاد هو منها‪ ،‬واملراد بالطرق‬
‫املرجحات اآليت أكثرها يف الكتاب السادس‪( .‬وحال مستفيدها) أي وصفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه اإلمجالية‪ ،‬وهو اجملتهد ألنه‬
‫الذي يستفيدها باملرجحات عند تعارضها دون املقلد‪ ،‬واملراد بصفاته شرائطه اآلتية يف الكتاب السابع‪ ،‬ويعرب عنها بشروط االجتهاد‪،‬‬
‫وخرج بأدلة الفقه غري األدلة كالفقه‪ ،‬وأدلة غري الفقه كأدلة الكالم وبعض أدلة الفقه وباإلمجالية التفصيلية وإن مل يتغاير إال باالعتبار‬
‫كأقيموا الصالة وال تقربوا الزنا‪ ،‬وصالته صلى اهلل عليه وسلّم يف الكعبة‪ ،‬فليست أصول الفقه‪ ،‬وإمنا يذكر بعضها يف كتبه للتمثيل‪.‬‬
‫( وقيل) أصول الفقه (معرفتها) أي عرفة أدلة الفقه وما عطف عليها‪ ،‬ورجح األول ألن األدلة وما عطف عليها إذا مل تعرف مل خترج‬
‫عن كوهنا أصوالً‪ ،‬واألصل قال أصول الفقه دالئل الفقه اإلمجالية‪ ،‬وقيل معرفتها‪ ،‬مث قال واألصويل العارف هبا وبطرق استفادهتا‬
‫ومستفيدها خمالفا يف ذلك األصوليني باعرتافه‪ ،‬وقرره يف منع املوانع مبا ال يشفي‪ ،‬وقرره شيخنا العالمة اجلالل احمللي مبا ال مزيد عليه‪،‬‬
‫واستبعده أيضا شيخه العالمة الشمس الربماوي‪ ،‬وقال ال يعرف يف املنسوب زيادة قيد من حيث النسبة على املنسوب إليه‪ ،‬وعدلت عن‬
‫رد بأنه‬
‫قوله دالئل إىل قويل أدلة‪ ،‬ألن املوجود هنا مجع قلة ال مجع كثرة‪ ،‬وملا قيل إن فعائل مل يأت مجعا إلسم جنس بوزن فعيل‪ ،‬وإن ّ‬
‫أتى نادرا كوصائد مجع وصيد‪.‬‬
‫واعلم أن لكل علم مبادىء وموضوعا ومسائل‪ ،‬فمبادئه ما يتوقف عليه املقصود بالذات من تعريفه وتعريف أقسامه‪ ،‬وفائدته وهي هنا‬
‫تصورها‪ .‬وموضوعه أي ما يبحث يف ذلك العلمـ عن‬ ‫العلم بأحكام هلل وما يستمد منه‪ ،‬وهو هنا علم الكالم والعربية واألحكام أي ّ‬
‫عوارضه الذاتية كأدلة الفقه هنا‪ .‬ومسائله ما يطلب نسبة حمموله إىل موضوعه يف ذلك العلم‪ ،‬كعلمنا هنا بأن األمر للوجوب حقيقة‬
‫والنهي للتحرمي كذلك‪.‬‬
‫تصورها‪ ،‬ألنه من مبادىء أصول الفقه‪ ،‬وال تصديق بثبوهتا ألنه من علم‬ ‫(والفقه علم حبكم) أي نسبة تامة‪ ،‬فالعلم هبا تصديق بتعلقها ال ّ‬
‫الكالم‪( .‬شرعي) أي مأخوذ من الشرع املبعوث به النيب الكرمي‪( .‬عملي) أي متعلقـ بكيفية عمل قليب أو غريه‪ ،‬كالعلم بوجوب النية يف‬
‫الوضوء وبندب الوتر‪( .‬مكتسب) ذلك العلم ملكتسبه‪( .‬من دليل تفصيلي) للحكم‪ .‬فالعلم كاجلنس‪ ،‬وخرج باحلكم العلم بالذات‬
‫كتصور اإلنسان والبياض والقيام‪ ،‬وبالشرعي العلم باحلكم العقليـ واحلسي واللغوي والوضعي‪ ،‬كالعلم بأن الواحد‬ ‫ّ‬ ‫والصفة والفعل‬
‫نصف االثنني‪ ،‬وأن النار حمرقة‪ ،‬وأن النور الضياء‪ ،‬وأن الفاعل مرفوع‪ ،‬وبالعملي العلم باحلكم الشرعي العلميـ أي االعتقادي‪ ،‬كالعلم‬
‫يف أصول الفقه بأن اإلمجاع حجة‪ ،‬والعلم يف أصول الدين بأن اهلل واحد‪ ،‬وباملكتسب علم اهلل وجربيل مبا ذكر‪ ،‬وكذا علم النيب به‬
‫احلاصل بوحي‪ ،‬وعلمنا به بالضرورة بأن علم من الدين بالضرورة كإجياب الصالة والزكاة واحلج وحترمي الزنا والسرقة‪ ،‬وبالدليل‬
‫التفصيلي العلم بذلك للمقلد‪ ،‬فإنه من اجملتهد بواسطة دليل إمجايل‪ ،‬وهو أن هذا احلكم أفتاه به املفيت‪ ،‬وكل ما أفتاه به املفيت‪ ،‬فهو حكم‬
‫اهلل يف حقه فعلمه مثالً بوجوب النية يف الوضوء كذلك ليس من الفقه‪ ،‬وعربوا عن الفقه هنا بالعلم وإن كان لظنية أدلته ظنا كما عربوا‬
‫لقو ته قريب من العلم‪ ،‬ونكرت العلم واحلكم وأفردهتما تبعا للعالمة الربماوي‪ ،‬ألن‬ ‫به يف كتاب االجتهاد‪ ،‬ألنه ظن اجملتهد الذي هو ّ‬
‫التحديد إمنا هو للماهية من غري اعتبار كمية أفرادها‪ ،‬وألن يف تعبريي حبكم ال باألحكام الذي عرب به األصل كغريه سالمة من ورود‬
‫أن العلم جبميع األحكام ينايف قول كل من أكابر الفقهاء يف مسائل سئلوا عنها ال أدري‪ ،‬وإن أجيب عنه بأهنم متهيئون للعلم بأحكامها‬
‫مبعاودة النظر وإطالق العلم على مثل هذا التهيوء شائع عرفا‪ .‬يقال فالن يعلم النحو وال يراد أن مجيع مسائله حاضرة عنده مفصلة‪ ،‬بل‬
‫إنه متهىيء لذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/4‬‬

‫( واحلكم خطاب اهلل) تعاىل أي كالمه النفسي األزيل املسمى يف األزل خطابا على األصح كما سيأيت‪( .‬املتعلق) إما (بفعل املكلف) أي‬
‫البالغ العاقل الذي مل ميتنع تكليفه تعلقا معنويا قبل وجوده أو بعد وجوده قبل البعثة‪ ،‬وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة‪ ،‬إذ ال حكم قبلها‬
‫كما سيأيت ذلك‪( .‬اقتضاء) أي طلبا للفعل وجوبا أو ندبا أو حرمة أو كراهة أو خالف األوىل‪( .‬أو ختيريا) بني الفعل وتركه أي إباحة‬
‫فيشمل ذلك الفعلـ القليب االعتقادي وغريه‪ .‬والقويل وغريه والكف واملكلف الواحد كالنيب صلى اهلل عليه وسلّم يف خصائصه‪ ،‬واألكثر‬
‫من الواحد‪( ،‬و) إما (بأعم) من فعلـ املكلف (وضعا وهو) اخلطاب (الوارد) بكون الشيء (سببا وشرطا ومانعا وصحيحا وفاسدا)‬
‫وسيأيت بياهنا‪ ،‬فيشمل ذلك فعل املكلف كالزنا سببا لوجوب احلد‪ ،‬وغري فعله كالزوال سببا لوجوب الظهر‪ ،‬وإتالف غري املكلف‬
‫كالسكران سببا لوجوب الضمان‪ ،‬وخطاب كاجلنس وخرج بإضافته إىل اهلل خطاب غريه‪ ،‬وإمنا وجبت طاعة الرسول والسيد مثالً‬
‫بإجياب اهلل تعاىل أياها‪ ،‬وبفعلـ املكلف خطاب اهلل تعاىل املتعلق بذاته وصفاته وذوات املكلفني واجلمادات‪ ،‬كمدلول اهلل ال إله إال هو‬
‫خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسري اجلبال‪ ،‬وباالقتضاء والتخيري والوضع مدلول وما تعملون من قوله {واهلل خلقكم وما‬
‫تعملون} فإنه متعلق بفعل املكلف ال باقتضاء وال ختيري‪ ،‬وال وضع بل من حيث اإلخبار بأنه خملوق هلل‪ ،‬وال يتعلق اخلطاب التكليفي‬
‫بفعل غري املكلف ووليه خماطب بأداء ما وجب يف ماله منه‪ ،‬كما خياطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط يف حفظها لتنزل‬
‫الصيب كصالته املثاب عليها ليس ألنه مأمور هبا كما يف البالغ‪ ،‬بل ليعتادها فال يرتكها‪ ،‬ومبا تقرر‬
‫فعلها حينئذ منزلة فعله‪ ،‬وصحة عبادة ّ‬
‫علم أن خطاب الوضع حكم شرعي متعارف‪ ،‬وهو ما اختاره ابن احلاجب خالفا ملا جرى عليه األصل‪ ،‬وذلك ألنه ال يعلم إال بوضع‬
‫الشرع كاخلطاب التكليفي‪ ،‬بل قيل إنه ال حاجة لذكره ألنه داخل يف االقتضاء والتخيري‪ ،‬إذ ال معىن لكون الزوال مثالً سببا لوجوب‬
‫الظهر إال إجياهبا عنده‪ ،‬وال لكون الطهارة شرطا لالقدام على البيع إال إباحة االقدام عندها وحترميه عند فقدها‪ .‬وقيل إنه ليس حبكم‬
‫حقيقة ألنه ليس بإنشاء بل خرب عن ترتب آثار هذه األمور عليها‪ .‬قال الربماوي وليس هلذا اخلالف كبري فائدة‪ ،‬بل هو خالف لفظي‬
‫وإذا ثبت أن احلكم خطاب اهلل‪( .‬فال يدرك حكم إال من اهلل) فال يدرك العقلـ شيئا مما يأيت عن املعتزلة املعرب عن بعضه باحلسن والقبح‬
‫باملعىن اآليت على األثر‪( .‬وعندنا) أيها األشاعرة (أن احلسن والقبح) لشيء (مبعىن ترتب) املدح و(الذم حاالً) والثواب (والعقاب مآالً)‬
‫كحسنـ الطاعة وقبح املعصية‪( .‬شرعيان) أي ال حيكم هبما إال الشرع املبعوث به الرسل‪ .‬أي ال يدرك إال به وال يؤخذ إال منه‪ ،‬أما عند‬
‫املعتزلة فعقليان‪ .‬أي حيكم هبما العقلـ مبعىن أنه طريق إىل العلم هبما ميكن إدراكه به من غري ورود مسع ملا يف الفعل من مصلحةـ أو‬
‫مفسدة يتبعها حسنه أو قبحه عند اهلل‪ .‬أي يدرك العقلـ ذلك إما بالضرورة كحسنـ الصدق النافع وقبح الكذب الضار‪ ،‬أو بالنظر‬
‫كحسنـ الكذب النافع وقبح الصدق الضار‪ ،‬وقيل العكس‪ .‬والشرع يؤكذ ذلك أو بإعانة الشرع فيما خفي على العقل كحسن صوم‬
‫شوال وتركت كاألصل املدح والثواب للعلمـ هبما من ذكر مقابلهما األنسب بأصول‬ ‫آخر يوم من رمضان‪ ،‬وقبح صوم ّأول يوم من ّ‬
‫املعتزلة‪ ،‬إذ العقاب عندهم ال يتخلف وال يقبل الزيادة والثواب يقبلهما‪ ،‬وإن مل يتخلف أيضا‪ ،‬وخرج مبعىن ترتب ما ذكر احلسن‬
‫والقبح مبعىن مالءمة الطبع ومنافرته كحسن احللو وقبح املر‪ ،‬ومبعىن صفة الكمال والنقص كحسن العلم وقبح اجلهل فعقليان‪ ،‬أي حيكم‬
‫هبما العقلـ اتفاقا‪( .‬و)عندنا (أن شكر املنعم) وهو صرف العبد مجيع ما أنعم اهلل به عليه من السمع وغريه إىل ما خلق له (واجب‬
‫بالشرع) ال‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/5‬‬

‫بالعقل فمن مل يبلغه دعوة نيب ال يأمث برتكه خالفا للمعتزلة‪( .‬و)عندنا (أنه ال حكم) متعلقـ بفعل تعلقا تنجيزيا (قبله) أي الشرع أي‬
‫بعثة أحد من الرسل النتفاء الزمه حينئذ من ترتب الثواب والعقاب بقوله تعاىل {وما كنا معذبني حىت نبعث رسوالً}ف) أي وال‬
‫مثيبني فاغتىن عن ذكر الثواب بذكر مقابله األظهر يف حتقق معىن التكليف‪ ،‬والقول بأن الرسول يف اآلية العقل وختصيص العذاب فيها‬
‫بالدنيوي خالف الظاهر‪( .‬بل) انتقالية ال إبطالية‪( .‬األمر) أي الشأن يف وجوب احلكم (موقوف إىل وروده) أي الشرع فال خمالفة بني‬
‫من عرب منا يف األفعالـ قبل البعثة بالوقف‪ ،‬ومن نفى منا احلكم فيها‪ .‬أما عند املعتزلة فاحلكم متعلقـ به تعلقا تنجيزيا قبل البعثة‪ ،‬فإهنم‬
‫جعلوا العقلـ حاكما يف األفعالـ قبل البعثة فما قضى به يف شيء منها ضروري كالتنفس يف اهلواء أو اختياري خلصوصه بأن أدرك فيه‬
‫مصلحة أو مفسدة‪ ،‬أو انتفاءمها‪ ،‬فأمر قضائه فيه ظاهر‪ ،‬وهو أن الضروري مقطوع بإباحته‪ ،‬واالختياري خلصوصه ينقسم إىل األقسام‬
‫اخلمسة احلرام وغريه‪ ،‬ألنه إن اشتمل على مفسدة فعله فحرامـ كالظلم‪ ،‬أو تركه فواجب كالعدل‪ ،‬وإال فإن اشتمل على مصلحة فعله‬
‫فمندوب كاإلحسان‪ ،‬أو تركه فمكروه‪ .،‬وإن مل يشتمل على مفسدة وال مصلحة فمباح‪ ،‬فإن مل يقض العقل يف شيء منها خلصوصه‬
‫بأن مل يدرك فيه شيئا مما مر كأكل الفاكهة فاختلف يف قضائه فيه لعموم دليله على ثالثة أقوال أحدها أنه حمظور ألن الفعل تصرف يف‬
‫ملكـ اهلل تعاىل بغري إذنه إذ العامل كله ملك له تعاىل‪ .‬وثانيها أنه مباح ألن اهلل تعاىل خلق العبد وما ينتفع به‪ ،‬فلو مل يبح له كان خلقهما‬
‫عبثا أي خاليا عن احلكمة‪ .‬وثالثها الوقف عنهما أي ال يدري أنه حمظور أو مباح مع أنه ال خيلو عن واحد منهما‪ ،‬إما ممنوع منه‬
‫فمحظور أو ال فمباح‪ ،‬وذلك لتعارض دليلهما‪ ،‬وقد علم بطالن الثالثة مما مر من قوله تعاىل {وما كنا معذبني حىت نبعث رسوالً}‪.‬‬
‫تتمة ‪:‬‬
‫أحل هلم} فإهنا تدل على سبق التحرمي واإلباحة لقوله‬ ‫لو وقع بعد البعثة صورة ال حكم فيها فثالثة أقوال احلظر آلية {يسألونك ماذا ّ‬
‫تعاىل {خلق لكم ما يف األرض مجيعا} والوقف لتعارض الدليلني‪.‬‬
‫( واألصح امتناع تكليف الغافل) وهو من ال يدري كالنائم والساهي‪ ،‬ألن مقتضى التكليف بشيء اإلتيان به امتثاالً وذلك يتوقف على‬
‫العلم باملكلف به والغافل ال يعلم ذلك‪ ،‬ومنه السكران وإن أجرى عليه حكم املكلف تغليظا عليه كما أوضحته يف حاشية شرح األصل‬
‫وغريها‪( .‬و)امتناع تكليف (امللجأ) وهو من يدري وال مندوحة له عما أجلىء إليه كالساقط من شاهق على شخص يقتله ال مندوحة له‬
‫األول واجب الوقوع‪ ،‬والثاين ممتنعه وال قدرة‬ ‫عن الوقوع عليه القاتل له‪ ،‬فيمتنع تكليفه بامللجأ إليه وبنقيضه لعدم قدرته على ذلك‪ ،‬ألن ّ‬
‫ورد بأن‬
‫له على واحد منهما‪ .‬وقيل جيوز تكليف الغافل وامللجأ بناء على جواز التكليف مبا ال يطاق كحمل الواحد الصحرة العظيمة‪ّ ،‬‬
‫الفائدة يف التكليف بذلك من االختبار هل يأخذ يف املقدمات منتفية يف تكليف من ذكر‪ ،‬وظاهر أن من ذكر ميتنع أن يتعلق به خطاب‬
‫غري وضعي بغري الواجب واحلرام أيضا‪ ،‬وإن أوهم التعبري بالتكليف قصوره عليهما‪( .‬ال املكره) وهو من ال مندوحة له عما أكره عليه‬
‫إال بالصرب على ما أكره به‪ ،‬فال ميتنع تكليفه باملكره عليه‪ ،‬وإن خالف داعي اإلكراه داعي الشرع وال بنقيضه‪ ،‬وإن وافقه على األصح‬
‫استُ ْك ِر ُهوا َعلَ ِيه»‪ .‬وال الثاين مع املوافقة‬ ‫فيهما إلمكان الفعل‪ ،‬لكن مل يقع األول مع املخالفة خلرب ِ‬
‫«رف َع َع ْن َّأميت اخلَطََأ والنِّسيا َن وما ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫األو ل‪ ،‬وإمنا وقعا مع غري ذلك لقدرته على امتثال ذلك بأن يأيت باملكره عليه لداعي الشرع كمن أكره على أداء الزكاة‬ ‫قياسا على ّ‬
‫فنواها عند أخذها منه‪ ،‬أو بنقيضه صابرا على ما أكره به‪ ،‬وإن مل يكلف الصرب عليه كمن أكره على شرب مخر فامتنع منه صابرا على‬
‫العقوبة‪،‬‬
‫األول‬
‫وقيل ميتنع تكليفه بذلك لعدم قدرته على امتثاله‪ ،‬إذ الفعل لإلكراه ال حيصل االمتثال به‪ ،‬وال ميكن اإلتيان معه بنقيضه والقول ّ‬
‫األول آخرا وأدرج فيما صححه امتناع تكليف املكره على القتل‪ ،‬فاحتاج‬ ‫لألشاعرة والثاين للمعتزلة وصححه األصل ورجع عنه إىل ّ‬
‫إىل اجلواب عن إمث القاتل اجملمع عليه بأنه ليس لإلكراه‪ ،‬بل إليثاره نفسه بالبقاء على قتيله‪ ،‬وعلى ما رجحناه ال حيتاج إىل اجلواب‪ ،‬مث‬
‫ما ذكر يف تكليف املكره هو كالم األصوليني‪ ،‬أما الفقهاء فاضطربت‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/6‬‬

‫أجوبتهم فيه حبسب قوة الدليل‪ ،‬فمرة قطعوا مبا يوافق عدم تكليفه كعدم صحة عقوده وحلها وكالتلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن‬
‫األول‬
‫باإلميان‪ ،‬ومرة قطعوا مبا يوافق تكليفه كإكراه احلريب واملرتد على اإلسالم وحنوه مما هو إكراه حبق‪ ،‬ومرة رجحوا ما يوافق ّ‬
‫كإكراه الصائم على الفطر وإكراه من حلف على شيء فإنه ال يفطر وال حينث بفعل ذلك على الراجح‪ ،‬ومرة رجحوا ما يوافق الثاين‬
‫كاالكراه على القتل فإه يأمث بالقتل إمجاعا ويلزمه الضمان قودا أو ماالً على الراجح‪ .‬ال يقال التعبري بالتكليف قاصر على الوجوب‬
‫واحلرمة بناء على أن التكليف إلزام ما فيه كلفة ألنا مننع ذلك‪ ،‬فإن ما عدامها الزم للتكليف‪ ،‬إذ لوال وجوده مل يوجد ما عدامها أال‬
‫ترى إىل انتفائه قبل البعثة كانتفاء التكليف‪( .‬ويتعلق اخلطاب) من أمر أو غريه فهو أعم من قوله ويتعلقـ األمر (عندنا) أيها األشاعرة‬
‫(باملعدوم تعلقا معنويا) مبعىن أنه إذا وجد بصفة التكليف يكون خماطبا بذلك اخلطاب النفسي األزيل ال تعلقا تنجيزيا بأن يكون حال‬
‫عدمه خماطبا‪ ،‬أما املعتزلة فنفوا التعلق املعنوي أيضا لنفيهم الكالم النفسي‪( ،‬فإن اقتضى) أي طلب اخلطاب الذي هو كالم اهلل النفسي‬
‫(فعالً غري كف) من املكلف (اقتضاء جازما) بأن مل جيز تركه (فإجياب) أي فهذا اخلطاب يسمى أجيابا (أو) اقتضاء (غري جازم) بأن‬
‫جو ز تركه (فندب أو) اقتضى (كفا) اقتضاء (جازما) بأن مل جيز فعله‪( .‬فتحرمي أو) اقتضاء (غري جازم بنهي مقصود) لشيء كالنهي يف‬ ‫ّ‬
‫خري الصحيحني «إذا دخل أحدكم املسجد فال جيلس حىت يصلي ركعتني (فكراهة)‪ .‬أي فاخلطاب املدلول عليه باملقصود يسمى كراهة‬
‫وال خيرج عن املقصود دليل املكروه إمجاعا أو قياسا‪ ،‬ألنه يف احلقيقة مستند اإلمجاع أو دليل املقيس عليه‪ ،‬وذلك من املقصود وقد‬
‫جتوزا فيقولون يف‬ ‫يعربون عن اإلجياب والتحرمي بالوجوب واحلرمة ألهنما أثرمها‪ ،‬وقد يعربون عن اخلمسة مبتعلقاهتا من األفعال كالعكس ُّ‬
‫األول احلكم إما واجب أو مندوب اخل‪ .‬ويف الثاين الفعلـ إما إجياب أو ندب اخل‪( .‬أو بغري مقصود) وهو النهي عن ترك املندوبات‬
‫املستفاد من أوامرها‪ ،‬إذ األمر بشيء يفيد النهي عن تركه‪( .‬فخالف األوىل) أي فاخلطاب املدلول عليه بغري املقصود يسمى خالف‬
‫األوىل كما يسماه متعلقه فعالً غري كف كان كفطر مسافر ال يتضرر بالصوم كما سيأيت‪ ،‬أو كفا كرتك صالة الضحى‪ ،‬والفرق بني‬
‫قسمي املقصود وغريه أن الطلب يف املقصود أش ّد منه يف غريه‪ ،‬والقسم الثاين وهو واسطة بني الكراهة واإلباحة زاده مجاعة من متأخري‬
‫الفقهاء منهم إمام احلرمني على األصوليني‪ ،‬وأما املتقدمون فيطلقون املكروه على القسمني‪ ،‬وقد يقولون يف األول مكروه كراهة‬
‫شديدة‪ ،‬كما يقال يف قسم املندوب سنة مؤكدة‪ ،‬وعلى ما عليه األصوليون يقال أو غري جازم فكراهة‪( .‬أو خري) اخلطاب بني الفعل‬
‫املذكور والكف عنه (فإباحة) وتعبريي خبري سامل مما يرد على تعبريه بالتخيري من أنه يقتضي أن يف اإلباحة اقتضاء وليس كذلك‪ ،‬وإن‬
‫كان عن اإليراد جواب وزدت غري كف ألسلم من مقابلة الفعل بالكف الذي عرب عنه األصل بالرتك هو ال يقابل به‪ ،‬إذ الكف فعل‬
‫والرتك فعل هو كف كما سيأيت‪( .‬و)مبا ذكر (عرفت حدودها) أي حدود املذكورات من أقسام خطاب التكليف‪ ،‬فحد اإلجياب مثالً‬
‫اخلطاب املقتضي لفعل غري كف اقتضاء جازما‪ ،‬وأما حدود أقسام خطاب الوضع فتعرف من حده املشهور الذي قدمته وهو اخلطاب‬
‫الوارد بكون الشيء سببا اخل‪ .‬فح ّد السبيب منه مثالً اخلطاب الوارد بكون الشيء سببا حلكم شيء‪ ،‬وأما حدود السبب وغريه من أقسام‬
‫متعلقـ خطاب الوضع فسيأيت‪ ،‬وكذا حد احلد باجلامع املانع الدافع لالعرتاض بأ ّن ما عرف رسوم ال حدود‪ ،‬ألن املميز فيها خارج عن‬
‫املاهية‪( .‬واألصح ترادف) لفظي (الفرض والواجب) أي مسمامها واحد وهو كما علم من ح ّد اإلجياب الفعل غري الكف املطلوب طلبا‬
‫علي ال‬
‫علي تطلق أو فرض ّ‬ ‫جازما‪ ،‬وال ينايف هذا ما ذكره أئمتنا من الفرق بينهما يف مسائل‪ ،‬كما قالوا فيمن قال الطالق واجب ّ‬
‫تطلق‪ ،‬إذ ذاك ليس للفرق بني حقيقتيهما‪ ،‬بل جلريان العرف بذلك أو الصطالح آخر كما بينته مع زيادة حتقيق يف احلاشية‪ .‬ونفت‬
‫احلنفية ترادفهما فقالوا هذا الفعلـ إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض كقراءة القرآن يف الصالة الثابتة بقوله تعاىل {فاقرأوا ما‬
‫ملن مَل يقرأ‬
‫صالَةَ ْ‬
‫تيسر من القرآن} أو بدليل ظين كخرب الواحد فهو الواجب كقراءة الفاحتة يف الصالة الثابتة خبرب الصحيحني «ال َ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/7‬‬
‫تاب » فيأمث برتكها وال تفسد به صالته خبالف ترك القراءة‪( .‬كاملندوب) أي كما أن األصح ترادف ألفاظ املندوب‬ ‫بفاحِت ِة ِ‬
‫الك ِ‬ ‫َ‬
‫والتطوع والسنّة) واحلسن والنفل واملرغب فيه أي مسماها واحد وهو كما علم من حد الندب الفعل غري الكف املطلوب‬ ‫ّ‬ ‫(واملستحب‬
‫طلبا غري جازم‪ ،‬ونفى القاضي حسني وغريه ترادفها فقالوا هذا الفعل إن واظب عليه النيب صلى اهلل عليه وسلّم فهو السنّة‪ ،‬إال كأن فعله‬
‫التطوع‪ ،‬ومل يتعرضوا للبقية لعمومها لألقسام‬
‫مرة أو مرتني فهو املستحب‪ ،‬أو مل يفعله وهو ما ينشئه اإلنسان باختياره من األوراد فهو ّ‬
‫الثالثة‪( .‬واخللف) يف املسألتني (لفظي) أي عائد إىل اللفظ والتسمية‪ ،‬إذ حاصله يف الثانية أن كالًّ من األقسام الثالثة كما يسمى باسم‬
‫والتطوع‬
‫ّ‬ ‫من األمساء الثالثة كما ذكر هل يسمى بغريه منها‪ .‬فقال القاضي وغريه ال إذ السنة الطريقة والعادة واملستحب احملبوب‬
‫الزيادة‪ ،‬واألكثر يعم ويصدق على كل من األقسام أنه طريقة وعادة يف الدين وحمبوب للشارع وزائد على الواجب‪ .‬ويف األوىل أن ما‬
‫ثبت بقطعي كما يسمى فرضا هل يسمى واجبا‪ ،‬وما ثبت بظين كما يسمى واجبا هل يسمى فرضا؟ فعند احلنفية ال أخذا للفرض من‬
‫قطع بعضه‪ ،‬وللواجب من وجب الشيء وجبة سقط وما ثبت بظين ساقط من قسم املعلوم‪ ،‬وعندنا نعم أخذا من‬ ‫فرض الشيء حزه أي ُ‬
‫وكل من املقدر والثابت أعم من أن يثبت بقطعي أو ظين ومأخذنا أكثر استعماالً مع أهنم‬ ‫فرض الشي ق ّدره ووجب الشيء وجوبا ثبت ّ‬
‫نقضوا أصلهم يف أشياء منها جعلهم مسح ربع الرأس والقعدة يف آخر الصالة والوضوء من الفصد فرضا مع أهنا مل تثبت بدليل قطعي‪،‬‬
‫وما مر من أن ترك الفاحتة من الصالة ال يفسدها عندهم أي دوننا ال يضر يف أن اخللف لفظي‪ ،‬ألنه كم فقهي ال دخل له يف التسمية‪.‬‬
‫( و) األصح (أنه) أي املندوب (ال جيب) بالشروع فيه (إمتامه) ألن املندوب جيوز تركه وترك إمتامه املبطل ملا فعل منه ترك له‪ .‬وقالت‬
‫«الصائم‬
‫ُ‬ ‫احلنفية جيب إمتامه لقوله تعاىل {وال تبطلوا أعمالكم} حىت جيب برتك الصالة والصوم منه إعادهتما وعورض يف الصوم خبرب‬
‫صام وإ ْن َشاءَ أفْطََر » رواه الرتمذي وغريه‪ ،‬وصحح احلاكم إسناده‪ ،‬ويقاس بالصوم الصالة فال تشملهما‬ ‫ِ‬
‫املتطوعُ أمريُ َن ْفسه إن شاءَ َ‬
‫ِّ‬
‫اآلية مجعا بني األدلة‪( .‬ووجب) إمتامه (يف النسك) من حج أو عمرة (ألنه كفرضه نية) فإهنا يف كل منهما قصد الدخول يف النسك أي‬
‫التلبس به (وغريها) ككفارة فإهنا جتب يف كل منهما بالوطء املفسد له وكانتفاء اخلروج بالفساد‪ ،‬فإن كالًّ منهما ال حيصل اخلروج منه‬
‫املضي يف فاسده وغري النسك ليس نفله كفرضه فيما ذكر‪ ،‬فالنية يف نفل الصالة والصوم غريمها يف فرضهما‪،‬‬ ‫بفساده‪ ،‬بل جيب ّ‬
‫والكفارة يف فرض الصوم دون نفله ودون الصالة مطلقاـ وبفسادمها حيصل اخلروج منهما مطلقا‪ ،‬ففارق النسك املندوب غريه من باقي‬
‫املندوب يف وجوب إمتامه‪ ،‬وتعبريي بالنسك أعم من تعبريه باحلج‪ ،‬مث أخذت يف بيان متعلق خطاب الوضع من سبب وغريه فقلتـ‬
‫(والسبب) الشرعي هنا (وصف)وجودي أو عدمي (ظاهر منضبط معرف للحكم) الشرعي ال مؤثر فيه بذاته‪ ،‬أو بإذن اهلل أو باعث‬
‫عليه كما قال بكل قائل كما سيأيت بياهنا يف معىن العلة‪ ،‬وهذا التعريف مبني ملفهوم السبب‪ ،‬وبه عرف املصنف يف شرح املختصر‬
‫األول واملعرب عنه هنا بالسبب هو املعرب عنه يف القياس بالعلة‪ ،‬كالزنا‬
‫كاآلمدي وعرفه يف األصل مبا يبني خاصته‪ ،‬ولذلك عدلت عنه إىل ّ‬
‫لوجوب اجللد‪ ،‬والزوال لوجوب الظهر‪ ،‬واإلسكار حلرمة اخلمر‪ ،‬ومن قال ال يسمى الوقت السبيب كالزوال علة نظر إىل اشرتاط املناسبة‬
‫املعرف وهو احلق وخرج مبعرف احلكم املانع وسيأيت‪.‬‬‫يف العلة‪ .‬وسيأيت أهنا ال يشرتط فيها بناء على أهنا ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/8‬‬

‫املانع إذ ال يلزم من عدمه‬


‫األول َ‬‫( والشرط ما يلزم من عدمه العدم) للمشروط (وال يلزم من وجوده وجود وال عدم) له خرج القيد ّ‬
‫شيء‪ ،‬وبالثاين السبب‪ ،‬إذ يلزم من وجوده الوجود وزاد األصل ككثري يف تعريفه لذاته ليدخل الشرط املقارن للسبب‪ ،‬فيلزم الوجود‬
‫كوجود احلول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب‪ ،‬واملقارن للمانع كالدين على القول بأنه مانع من‬
‫وجوب الزكاة فيلزم العدم فلزوم الوجود والعدم يف ذلك لوجود السبب واملانع ال لذات الشرط وحذفه لعدم االحتياج إليه فيما ذكر‪،‬‬
‫إذ املقتضي للزوم الوجود والعدم إمنا هو السبب واملانع ال الشرط‪ ،‬مث هو عقلي كاحلياة للعلم‪،‬ـ وشرعي كالطهارة للصالة‪ ،‬وعادي‬
‫كنصب السلم لصعود السطح‪ ،‬ولغوي كما يف أكرم فالنا إن جاء أي اجلائي‪ ،‬وسيأيت يف مبحث التخصيص‪ ،‬وتعريفي هنا للشرط مبا‬
‫ذكر وإن مشل اللغوي أنسب من تأخري األصل له إىل مبحث املخصصـ (واملانع) املراد عند االطالق كما هنا وهو مانع احلكم‪( .‬وصف‬
‫وجودي) ال عدمي (ظاهر) ال خفي (منضبط) ال مضطربـ (معرف نقيض احلكم) أي حكم السب (كالقتل يف) باب (اإلرث) فإنه‬
‫مانع من وجود اإلرث املسبب عن القرابة أو غريها حلكمة‪ ،‬وهي عدم استعجال الوارث موت مورثه بقتله أما مانع السبب والعلة وال‬
‫يذكر إال مقيدا بأحدمها‪ ،‬فسيأيت يف مبحث العلة (والصحة) الشاملة لصحة العبادة وصحة غريها من عقد وغريه (موافقة) الفعل (ذي‬
‫الوجهني) وقوعا (الشرع يف األصح)‪ .‬والوجهان موافقة الشرع وخمالفته أي الفعل الذي يقع تارة موافقا للشرع‪ ،‬وتارة خمالفا له عبادة‬
‫كان كصالة أو غريها كبيع صحته موافقته الشرع‪ ،‬خبالف ما ال يقع إال موافقا له كمعرفة اهلل تعاىل‪ ،‬إذ لو وقعت خمالفة له أيضا لكان‬
‫الواقع جهالً ال معرفة فال يسمى املوافق له صحيحا فصحة العبادة أخذا مما ذكر موافقة العبادة ذات الوجهني وقوعا الشرع‪ ،‬وإن مل‬
‫يسقط قضاؤها‪ ،‬وهذا منسوب للمتكلمني‪ ،‬وقيل صحتها سقوط قضائها وهذا منسوب للفقهاء فما وافق منها الشرع ومل يسقط‬
‫األول نظرا إىل ظن املكلف دون الثاين نظرا إىل ما يف نفس‬
‫القضاء كصالة من ظن أنه متطهر مث تبني له حدثه يسمى صحيحا على ّ‬
‫األمر‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد ويف هذا البناء نظر ألنه إن أريد مبوافقة األمر األمر األصلي فلم يسقط‪ ،‬أو األمر بالعمل بالظن‪ ،‬فقد بان فساد الظن‪،‬‬
‫فيلزم أن ال يكون صحيحا بالتقديرين‪ ،‬واستظهره الربماوي وجياب بأن تبني فساد الظن وإن اقتضى عدم تسمية ذلك صحيحا بالنظر‬
‫الظن ‪ ،‬وللسبكي وغريه هنا كالم ذكرته يف احلاشية‪( .‬وبصحة العبادة) خرب لقويل‬
‫إىل نفس األمر ال مينع تسميته صحيحا بالنظر إىل ّ‬
‫(إجزاؤها أي كفايتها يف سقوط التعبد) أي الطلبـ وإن مل يسقط القضاء (يف األصح) وقيل إجزاؤها سقوط قضائها كصحتها على‬
‫القول املرجوح‪ ،‬فالصحة منشأ االجزاء على القول الراجح فيهما ومرادفة له على املرجوح فيهما‪( .‬و)بصحة (غريها) اليت هي أخذا مما‬
‫مر موافقته الشرع (ترتب أثره) أي أثر غريها وهو ما شرع الغري له كحل االنتفاع يف البيع والتمتع يف النكاح‪ ،‬فالصحة منشأ الرتتب ال‬
‫نفس الرتتب‪ ،‬كما زعمه اآلمدي وغريه مبعىن أنه حيثما وجدت فهو ناشىء عنها ال مبعىن أهنا حيثما وجدت نشأ عنها حىت يرد البيع‬
‫(وخيتص اإلجزاء باملطلوب) من واجب‬
‫ّ‬ ‫قبل انقضاء اخليار‪ ،‬فإنه صحيح ومل يرتتب عليه أثره وتعبريي بغريها أعم من تعبريه بالعقد‪.‬‬
‫األصح ) وقيل خيتص بالواجب ال يتجاوزه إىل غريه من املندوب وغريه‪ ،‬ومنشأ‬‫ّ‬ ‫ومندوب ال يتجاوزمها إىل غريمها من عقد وغريه (يف‬
‫اخلالف خرب ابن ماجة وغريه أربع ال جتزىء يف األضحى فاستعمل األجزاء يف األضحية وهي مندوبة عندنا واجبة عند غرينا كأيب‬
‫حنيفة‪( .‬ويقابلها) أي الصحة (البطالن) فهو خمالفة الفعل ذي الوجهني الشرع‪ .‬وقيل يف العبادة عدم إسقاطها القضاء (وهو) أي‬
‫البطالن (الفساد يف األصح) فكل منهما خمالفة ما ذكر الشرع وإن اختلفا يف بعض‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/9‬‬

‫أبواب الفقه كاخللع والكتابة الصطالح آخر‪ ،‬وقالت احلنفية خمالفته الشرع بأن كان منهيا عنه إن كانت لكون النهي عنه ألصله فهي‬
‫البطالن كما يف الصالة الفاقدة شرط أو ركنا‪ ،‬وكما يف بيع املالقيح لفقد ركن من البيع أو لوصفه فهي الفساد كما يف صوم يوم‬
‫النحر لالعراض بصومه عن ضيافة اهلل للناس بلحوم األضاحي اليت شرعها فيه‪ ،‬وكما يف بيع الدرهم بدرمهني الشتماله على الزيادة فيأمث‬
‫به ويفيد بالقبض ملكا خبيثا أي ضعيفا ولو نذر صوم يوم النحر صح نذره‪ ،‬ألن اإلمث يف فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص‬
‫عن اإلمث ويفي بالنذر‪ ،‬ولو صامه ويف بنذره ألنه ّأدى الصوم كما التزمه‪ ،‬فقد اعت ّد بالفاسد‪ ،‬أما الباطل فال يعتد به وضعف ذلك بأن‬
‫التفرقة إن كانت شرعية فأين دليلها بل يبطلها قوله تعاىل {لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا} حيث مسى اهلل تعاىل ما مل يثبت أصالً‬
‫فاسدا وإن كانت عقلية‪ ،‬فالعقل ال حيتج به يف مثل ذلك (واخللف لفظي) من زياديت أي عائد إىل اللفظ والتسمية‪ ،‬إذ حاصله أن خمالفة‬
‫ما ذكر الشرع بالنهي عنه ألصله كما تسمى بطالنا هل تسمى فسادا أو لوصفه‪ .‬كما يسمى فسادا هل تسمى بطالنا‪ ،‬فعندهم ال‬
‫وعندنا نعم‪( .‬واألصح أن األداء فعل العبادة) صوما أو صالة أو غريمها (أو) فعل (ركعة) من الصالة (يف وقتها) مع فعل البقية بعده‬
‫واجبة كانت أو مندوبة‪ ،‬وتعبريي بالركعة هنا وبدوهنا يف القضاء أوىل ن تعبريه بالبعض ملا ال خيفى‪ ،‬وخلرب الصحيحني «من أدرك ركعة‬
‫من الصالة فقد أدرك الصالة» أي مؤداة‪ ،‬وقيل األداء فعلـ العبادة يف وقتها ففعلـ بعضها فيه ولو ركعة وبعضها بعده ال يكون أداء‬
‫حقيقة كما ال يكون قضاء‪ ،‬كذلك‪ ،‬بل يسمى بأحدمها جمازا بتبعية ما يف الوقت ملا بعده أو بالعكس‪ ،‬وهذا ما عليه األصوليون‪،‬‬
‫واعتبار الركعة يف األداء ودوهنا يف القضاء كما سيأيت ذكره الفقهاء‪ ،‬وإمنا ذكرته هنا تبعا لألصل‪ ،‬واخلرب املذكور قد ال يدل على ما‬
‫املؤداة‬
‫ذكروه الحتمال أنه فيمن زال عذره كجنون وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة فيجب عليه الصالة‪( .‬وهو) أي وقت العبادات ّ‬
‫(زمن مقدر هلا شرعا) موسعا كان كزمن الصلوات املكتوبة وسننها أو مضيقا كزمنـ صوم رمضان أو األيام البيض‪ ،‬فما مل يقدر له‬
‫زمن شرعا كنذر ونفل مطلقني وغريمها وإن كان فوريا كاإلميان ال يسمى فعله أداء وال قضاء اصطالحا‪ ،‬وإن كان الزمن ضروريا‬
‫لفعله‪ ،‬ومن ذلك ما وقته العمر كاحلج وتسمية بعضهم لوقته موسعا جماز‪ ،‬إذ املوسع ما يعلم املكلف آخره وآخر العمر ال يعلمه فال‬
‫يسمى فعله أداء وال قضاء اصطالحا‪ ،‬بل يسمامها جمازا أو لغة كأداء الدين وقضائه نبه على ذلك العالمة الربماوي‪.‬‬
‫( و)األصح (أن القضاء فعلها) أي العبادة (أو) فعلها (إال دون ركعة بعد وقتها) والفرق بني ذي الركعة وما دوهنا أهنا تشتمل على‬
‫معظمـ أفعال الصالة‪ ،‬إذ معظم الباقي كالتكرير هلا فجعل ما بعد الوقت تابعا هلا‪ ،‬خبالف ما دوهنا‪ ،‬وقيل القضاء فعل العبادة أو بعضها‬
‫ولو دون ركعة بعد وقتها‪ ،‬وبعض الفقهاء حقق فسمى ما يف الوقت أداء وما بعده قضاء‪( .‬تداركا) بذلك الفعل (ملا سبق لفعله مقتض)‬
‫وجوبا أو ندبا سواء كان املقتضي من املتدارك كما يف قضاء الصالة املرتوكة بال عذر أم من غريه‪ ،‬كما يف قضاء النائم الصالة‬
‫واحلائض الصوم‪ ،‬فإنه سبق لفعلهما مقتض من غري النائم واحلائض ال منهما‪ ،‬وإن انعقد سبب الوجوب أو الندب يف حقهما وخرج‬
‫بالتدارك إعادة الصالة املؤداة يف الوقت بعده‪( .‬و)األصح (أن اإلعادة فعلها) أي العبادة (وقتها ثانيا مطلقا) سواء أكان لعذر من خلل‬
‫يف فعلها أوالً أو حصول فضيلة مل تكن يف فعلها أوالً لكون اإلمام أعلم أو أورع أو اجلمع أكثر أو املكان أشرف‪ ،‬أم لغري عذر ظاهر‬
‫األول وعليه األكثر‪ ،‬وقيل بالعذر الشامل للخلل وحلصول‬ ‫بأن استوت اجلماعتان أو زادت األوىل بفضيلة‪ ،‬وقيل اإلعادة خمتصة خبلل يف ّ‬
‫األو ل‪ ،‬وذكر األول أن زياديت وهو ما اختاره األصل يف شرح املختصر‪ ،‬وميكن محل أول كالمه هنا عليه كما بينته‬ ‫فضيلة مل تكن يف ّ‬
‫يف احلاشية‪ ،‬ومبا ذكر علم تعريف املؤدي واملقضي واملعاد بأن يقال على األصح املؤدي مثالً ما فعل مما مر يف األداء يف وقته‪ ،‬وقس به‬
‫اآلخرين وأن اإلعادة قسم من األداء فهي أخص منه وعليه األكثر‪ ،‬وقيل قسيم له وعليه مشى البيضاوي حيث قال العبادة إن وقعت يف‬
‫خمتل فأداء‪ ،‬وإال فإعادة لكن كالمه يف املرصاد خيالفه‪ ،‬وقد ذكرته يف احلاشية مع زيادة‪.‬‬
‫وقتها املعني ومل تسبق بأداء ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/10‬‬
‫( واحلكم) أي الشرعي إذ الكالم فيه (إن تغري) من حيث تعلقه من صعوبة له على املكلف (إىل سهولة) كأن تغري من حرمة شيء إىل‬
‫حله (لعذر مع قيام السبب للحكم األصلي) املتخلف عنه للعذر‪( ،‬فرخصة) أي فاحلكم السهل املذكور يسمى رخصة وهي بإسكان‬
‫اخلاء أكثر من ضمها لغة السهولة‪( .‬واجبة ومندوبة ومباحة‪ .‬وخالف األوىل) هذه الصفاتـ الالزمة بيان ألقسامـ الرخصة املمثل هلا على‬
‫هذا الرتتيب بقويل (كأكل ميتة ملضطر (وقصر) من مسافر بقيد زدته بقويل (بشرطه) بأن كره القصرـ أو شك يف جوازه‪ ،‬وكان سفره‬
‫يبلغ ثالث مراحل فأكثر ومل خيتلف يف جواز قصره كما هو معلومـ من حمله‪( ،‬وسلم) وهو بيع موصوف يف الذمة بلفظ سلم (وفطر‬
‫مسافر) يف زمن صوم واجب أصالة أو بنذر أو قضاء ما فات بال تع ّد (ال يضره الصوم) فإن ضره فالفطر أوىل‪ ،‬واملعىن أن الرخصة‬
‫كحل املذكورات من وجوب وندب وإباحة وخالف األوىل وحكمها األصلي احلرمة وأسباهبا اخلبث يف امليتة‪ ،‬ودخول وقيت الصالة‬
‫والصوم يف القصر والنظر ألنه سبب لوجوب الصالة تامة والصوم والغرر يف السلم‪ ،‬وهي قائمة حال احلل وأعذار احلل االضطرار‬
‫ومشقة السفر‪ ،‬واحلاجة إىل مثن الغالت قبل إدراكها‪ ،‬وسهولة الوجوب يف أكل امليتة ملوافقته غرض النفس يف بقائها‪ ،‬وقيل إنه عزمية‬
‫لصعوبته ومن الرخصة املباحة إباحة ترك اجلماعة يف الصالة ملرض أو حنوه‪ ،‬وحكمه األصلي الكراهة وسببها قائم حال اإلباحة‪ ،‬وهو‬
‫االنفراد فيما يطلب فيه االجتماع من شعائر اإلسالم‪ ،‬وقد بينت يف احلاشية كمية أقسام الرخصة احلاصلة باالنتقال من حكم إىل آخر‪،‬‬
‫«إن اللَّهُ حُيِ ُّ‬
‫ب َأ ْن ُتْؤ تَى ُرخصه»‪ .‬وما قيل‬ ‫وقضية ما ذكر أن الرخصة ال تكون حمرمة وال مكروهة‪ ،‬وهو كما قال العراقي ظاهره‪ ،‬خرب َّ‬
‫من أهنا تكون كذلك حيث قيل إن االستنجاء بذهب أو فضة جيزىء مع أنه حرام‪ ،‬وأن القصر لدون ثالث مراحل جائز مع أنه مكروه‬
‫كما قاله املاوردي‪ .‬أجيب عن أوهلما بأن االستنجاء مبا ذكر جائز على‬
‫الصحيح أي يف غري ما طبع أو هىيء لذلك‪ ،‬أما فيه فيجاب بأن هذه احلرمة ليست خلصوص االستنجاء حىت تكون رخصة‪ ،‬بل لعموم‬
‫االستعمال‪ .‬وعن ثانيهما بأن املاوردي أراد أنه مكروه كراهة غري شديدة وهي مبعىن خالف األوىل‪ ،‬ولك أن تقول الرخصة إمنا مل‬
‫توصف باحلرمة لصعوبتها مطلقا‪ ،‬وهذا منتف يف الكراهة كخالف األوىل ألهنما سهالن بالنسبة إىل احلرمة‪.‬‬
‫( وإال) أي وإن مل يتغري احلكم كما ذكر بأن مل يتغري كوجوب املكتوبات أو تغري إىل صعوبة كحرمة االصطياد باإلحرام بعد إباحته‬
‫قبله‪ ،‬أو إىل سهولة ال لعذر كحل ترك الوضوء لصالة ثانية مثالً ملن مل حيدث بعد حرمته مبعىن أنه خالف األوىل‪ ،‬أو لعذر ال مع قيام‬
‫السبب للحكم األصلي كإباحة ترك ثبات واحد منا لعشرة من الكفار يف القتال بعد حرمته‪ ،‬وسببها قلتنا ومل يبق حال اإلباحة لكثرتنا‬
‫حينئذ‪ ،‬وعذر اإلباحة مشقة الثبات املذكور ملا كثرنا‪( .‬فعزمية) أي فاحلكم غر املتغري أو املتغري إليه الصعبـ أو السهل املذكور آنفا‬
‫يسمى عزمية‪ ،‬وهي لغة القصد املصمم من عزمت على الشيء جزمت به وصممت عليه عزما وعزما وعزميا وعزمية ألنه عزم أمره أي‬
‫قطع وحتم وصعب على املكلف أو سهل‪ ،‬وظاهر كالم كثري انقسامها إىل األحكام الستة‪ ،‬وبه صرح الشمس الربماوي‪ ،‬لكن اإلمام‬
‫الرازي خصها بغري احلرمة‪ ،‬والغزايل واآلمدي وغريمها بالوجوب‪ ،‬والقرايف بالوجوب والندب‪ ،‬واعرتض تعريفا الرخصة والعزمية‬
‫بوجوب ترك الصالة والصوم على احلائض‪ ،‬فإنه عزمية ويصدق به تعريف الرخصة‪ .‬وأجيب مبنع الصدق فإن احليض وإن كان عذرا يف‬
‫الرتك مانع من الفعل‪ ،‬ومن مانعيته نشأ وجوب الرتك وتقسيم احلكم إىل الرخصة والعزمية كما ذكر أقرب إىل اللغة من تقسيم اإلمام‬
‫الرازي وغريه الفعلـ الذي هو متعلقـ احلكم إليهما‪( .‬والدليل) لغة املرشد وما به اإلرشاد واصطالحا (ما) أي شيء (ميكن التوصل) أي‬
‫الوصول بكلفة (بصحيح النظر فيه إىل مطلوبـ خربي)‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/11‬‬
‫بأن يكون النظر فيه من اجلهة اليت من شأهنا أن ينتقل الذهن هبا إىل ذلك املطلوب املسماة وجه الداللة بفتح الدال أفصح من كسرها‪،‬‬
‫املؤدي إىل علم أو ظن كما سيأيت‬
‫واخلربي ما خيرب به‪ ،‬ومعىن الوصول إليه مبا ذكر علمه أو اعتقاده أو ظنه فالنظر هنا الفكر ال بقيد ّ‬
‫حذرا من التكرار‪ ،‬والفكر حركة النفس يف املعقوالت خبالفها يف احملسوسات‪ ،‬فإهنا ختييل ال فكر‪ ،‬وكأهنم ضمنوا احلركة اعتبار قصدها‬
‫فيخرج احلدس وما يتوارد على النفس يف املعقوالت بال قصد كما يف النوم والنسيان‪ ،‬ويطلق الفكر أيضا على حركة النفس من‬
‫املطالب إىل املبادىء‪ ،‬مث الرجوع منها إليها‪ ،‬ومشل التعريف الدليل القطعيـ كالعامل لوجود الصانع والظين كالنار لوجود الدخان‪،‬‬
‫وأقيموا الصالة لوجوهبا بناء على طريقة األصوليني والفقهاء من أن مطلوهبم العمل وهو ال يتوقف على العلم‪ ،‬خبالف طريقة املتكلمني‬
‫واحلكماء‪ ،‬فإن مطلوهبم العلم وهلذا زادوا لفظة يف التعريف‪ ،‬فقالوا إىل العلم مبطلوب خربي فبالنظر الصحيح يف األدلة املذكورة أي‬
‫حبركة النفس فيما تعقله منها مما من شأنه أن ينتقل به إىل تلك املطلوبات‪ ،‬كاحلدوث يف األول‪ ،‬واإلحراق يف الثاين‪ ،‬واألمر بالصالة يف‬
‫الثالث يصل إىل تلك املطلوبات بأن ترتب هكذا العامل حادث وكل حادث له صانع فالعامل له صانع‪ .‬النار شيء حمرق وكل حمرق له‬
‫دخان فالنار هلا دخان‪ .‬أقيموا الصالة أمر هبا وكل أمر بشيء لوجوبه حقيقة فأقيموا الصالة لوجوهبا حقيقة‪ ،‬وقالوا ميكن التوصل دون‬
‫يتوصل ألن الشيء يكون دليالً‪ ،‬وإن مل يوجد النظر املتوصل به فالدليل مفرد‪ ،‬ويقال له املادة واإلمكان يكون قبل الفكر فيه‪ ،‬أما بعده‬
‫فال بد من قضيتني صغرى مشتملة على موضوع املطلوب كما رأيت‪.‬‬
‫وأما الدليل عند املناطقة فقضيتان فأكثر تكون عنهما قضية أخرى فهو عندهم مركب‪ ،‬ويقال له املادة والصورة‪ ،‬وخرج بصحيح النظر‬
‫فاسده فال ميكن التوصل به إىل املطلوب النتفاء وجه الداللة عنه‪ ،‬وإن أدى إليه بواسطة اعتقاد أو ظن كما إذا نظر يف العامل والنار من‬
‫يؤدي إىل وجودمها هذان النظران ممن اعتقد أن‬ ‫حيث البساطة‪ ،‬فإهنما ليسا من شأهنما أن ينتقل هبما إىل وجود الصانع والدخان‪ ،‬لكن ّ‬
‫ظن أن كل مسخنـ له دخان كذا قيل‪ ،‬وهو ظاهر يف املطلوب االعتقادي والظين ال العلمي ملا‬ ‫العامل بسيط وكل بسيط له صانع‪ ،‬وممن ّ‬
‫سيأيت أن العلم ال يقبل النقض‪ ،‬وظاهر أن احلاصل بذلك يقبله إذا تبني فساد النظر‪ .‬وباخلربي املطلوب التصوري‪ ،‬فيتوصل إليه باحلد‬
‫بأن يتصور بتصوره كاحليوان الناطق حدا لإلنسان‪ ،‬وسيأيت حد احلد الشامل لذلك ولغريه‪.‬‬
‫( والعلم) باملطلوب احلاصل (عندنا) أيها األشاعرة (عقبه) أي عقب صحيح النظر عادة عند األشعري وغريه فال يتخلف إال خرقا للعادة‬
‫كتخلف اإلحراق عن مماسة النار‪ ،‬أو لزوما عند اإلمام الرازي وغريه‪ ،‬فال ينفك أصالً كوجود اجلوهر لوجود العرض‪( .‬مكتسب)‬
‫للناظر (يف األصح) ألن حصوله عن نظره املكتسب له‪ ،‬وقيل ال ألن حصوله اضطراري ال قدرة على دفعه فال خالف إال يف التسمية‬
‫وهي باملكتسب أنسب والتصحيح من زياديت‪ ،‬وكالعلم فيما ذكر الظن وإن مل يكن بينه وبني أمر ما ارتباط حبيث ميتنع ختلفه عنه عقالً‬
‫أو عادة‪ ،‬ألن النتيجة الزمة للقضيتني وإن كانتا ظنيتني‪ ،‬وزواله بعد حصوله ال مينع حصوله لزوما أو عادة وخرج بعندنا العتزلة فقالوا‬
‫النظر يولد العلمـ كتوليد حركة اليد حلركة املفتاح عندهم‪ ،‬وعلى وزانه يقال الظن احلاصل متولد عن النظر عندهم‪( .‬واحلد) لغة املنع‬
‫واصطالحا عند األصوليني‪( .‬ما مييز الشيء عن غريه) وال مييز كذلك إال ما ال خيرج عنه شيء من أفراد احملدود‪ ،‬وال يدخل فيه شيء‬
‫من غريها‪ ،‬واألول وهو من زياديت مبني ملفهوم احل ّد وهلذا زدته‪ ،‬والثاين خلاصته وهو مبعىن قول القاضي أيب بكر الباقالين املذكور بقويل‬
‫(ويقال) احلد (اجلامع) أي ألفراد احملدود (املانع) أي من دخول غريها فيه (و)يقال أيضا احلد (املطرد) أي الذي كلما وجد وجد حملدود‬
‫فال يدخل فيه شيء من غري أفراد احملدود فيكون مانعا‪( .‬املنعكس) أي الذي كلما وجد احملدود وجد هو فال خيرج عنه شيء من أفراد‬
‫احملدود فيكون جامعا‪ ،‬فمؤدى العبارتني واحد واألوىل أوضح فيصدقان باحليوان الناطق حدا لإلنسان خبالف ح ّده باحليوان الكاتب‬
‫بالفعل‪ ،‬فإنه غري جامع وغري منعكس‪ ،‬وباحليوان املاشي فإنه غري مانع وغري مطرد وتفسري املنعكس‪ ،‬مبا ذكر املوافق للعرف واللغة حيث‬
‫يقال كل إنسان ناطق‪ ،‬وبالعكس وكل إنسان حيوان‪ ،‬وال عكس أظهر يف معىن اجلامع من تفسري ابن احلاجب وغريه له‪ ،‬بأنه كلما‬
‫انتفى احل ّد انتفى‬
‫احملدود الالزم لذلك التفسري‪ ،‬ومبا ذكر علم أنه قد يكون للشيء ح ّدان فأكثر‪ ،‬كقوهلم احلركة نقلة وزوال وذهاب يف جهة وهو‬
‫املختار‪ ،‬كما نقله الزركشي عن القاضي عبد الوهاب بعد نقله عن غريه خالفه‪.‬‬

‫( ‪)1/12‬‬

‫( والكالم) النفسي (يف األزل يسمى خطابا) حقيقة يف األصح بتنزيل املعدوم الذي سيوجد منزلة الوجود‪ ،‬وقيل ال يسماه حقيقة لعدم‬
‫من خياطب به إذ ذاك‪ ،‬وإمنا يسماه حقيقة فيما ال يزال عند وجود من يفهم وإمساعه إياه ما بلفظ كالقرآن‪ ،‬أو بال لفظ كما وقع ملوسى‬
‫(يتنوع) إىل أمر وهني وخرب‬
‫عليه الصالة والسالم خرقا للعادة‪ ،‬وقيل مسعه بلفظ من مجيع اجلهات لذلك‪( .‬و)الكالم النفسي يف األزل ّ‬
‫يتنوع إليها فيما ال يزال عند‬
‫يتنوع إليها لعدم من تتعلقـ به هذه األشياء إذ ذاك‪ ،‬وإمنا ّ‬
‫وغريها‪( .‬يف األصح) بالتنزيل السابق‪ ،‬وقيل ال ّ‬
‫وجود من يتعلق به فتكون األنواع حادثة مع قدم املشرتك بينها‪ ،‬وهذا يلزمه حمال وهو وجود اجلنس جمردا عن أنواعه إال أن يراد أهنا‬
‫تنوعه إليها على األول حبسب التعلقات أيضا لكونه‬ ‫خلوه عنها حتدث حبسب التعلقات كما أن ّ‬ ‫أنواع اعتبارية أي عوارض له جيوز ّ‬
‫صفة واحدة كالعلم وغريه من الصفات‪ ،‬فمن حيث تعلقه يف األزل أو فيما ال يزال بشيء على وجه االقتضاء لفعله يسمى أمرا أو‬
‫لرتكه يسمى هنيا‪ ،‬وعلى هذا القياس‪ ،‬وأخرت كاألصل هاتني املسألتني عن الدليل ألن موضوعهما مدلوله يف اجلملة واملدلول متأخر‬
‫عن الدليل‪ ،‬وإمنا قدمتا على النظر املتعلقـ بالدليل أيضا ألن موضوعهما أش ّد ارتباطا منه بالدليل ألنه مقصود من الدليل والنظر من آالت‬
‫(يؤدي) أي يوصل (إىل علم أو اعتقاد)‬ ‫حتصيله‪( (.‬والنظر) لغة يقال ملعان منها االعتبار والرؤية واصطالحا (فكر)‪ .‬وتقدم تفسريه ّ‬
‫املؤدي إىل ذلك كأكثر‬
‫تصوري يف العلم واالعتقاد‪ ،‬فخرج الفكر غري ّ‬ ‫ظن) مبطلوبـ خربي فيها أو ّ‬ ‫والتصريح به من زياديت‪( ،‬أو ّ‬
‫حديث النفس فليس بنظر ومشل التعريف النظر‬
‫يؤد ي إىل ذلك بواسطة اعتقاد أو ظن كما مر بيانه‪ ،‬وإن مل يستعمل بعضهم التأدية إال فيما‬ ‫الصحيح من قطعي وظين‪ ،‬والفاسد فإنه ّ‬
‫الظن ال إىل العلم ملا مر يف تعريف الدليل‪( .‬واإلدراك) لغة الوصول‬
‫يؤدي بنفسه كذا قيل‪ ،‬وظاهر أنه خاص بتأديته إىل االعتقاد أو ّ‬‫ّ‬
‫واصطالحا وصول النفس إىل متام املعىن من نسبة أو غريها (بال حكم) معه من إدراك وقوع النسبة أو ال وقوعها (تصور) ساذج‪،‬‬
‫ويسمى علما أيضا كما علم مما مر‪ ،‬أما وصول النفس إىل املعىن ال بتمامه فيسمى شعورا‪( .‬وبه) أي باحلكم أي واإلدراك للنسبة‬
‫(تصو ر بتصديق) أي معه كإدراك اإلنسان والكاتب وثبوت الكتابة له‪ ،‬وأن النسبة واقعة أوالً يف‬ ‫وطرفيها مع احلكم املسبوق بذلك‪ّ .‬‬
‫التصديق بأن اإلنسان كاتب أو أنه ليس بكاتب الصادقني يف اجلملة‪( .‬وهو) أي التصديق (احلكم) وهذا من زياديت وهو رأي احملققني‪،‬‬
‫وقيل التصديق التصور مع احلكم‪ ،‬وعليه جرى األصل‪ ،‬فالتصورات السابقة على احلكم على هذا شطر منه‪ ،‬وعلى األول شرط له‪،‬‬
‫وتفسريي له بأنه إدراك وقوع النسبة أو ال وقوعها هو رأي متقدمي املناطقة‪ .‬قال القطب الرازي وغريه من احملققني وهو التحقيق‪ ،‬وأما‬
‫متأخروهم ففسروه بإيقاع النسبة أو انتزاعها‪ ،‬وقدماؤهم قالوا اإليقاع واالنتزاع وحنومها عبارات وألفاظ أي توهم أن للنفس بعد تصور‬
‫النسبة وطرفيها فعالً وليس كذلك‪ ،‬فاحلكم عندهم من مقولة االنفعال‪ ،‬وعند متأخريهم من مقولة الفعل‪.‬‬
‫( وجازمه) أي احلكم أي واحلكم اجلازم (إن مل يقبل تغريا) بأن كان ملوجب من حس ولو باطنا أو عقل أو عادة‪ ،‬فيكون مطابقا للواقع‪.‬‬
‫(فعلم) كاحلكم بأن به جوعا أو عطشا أو بأن زيدا متحرك ممن رآه متحركا أو بأن العامل حادث‪ ،‬أو بأن اجلبل من حجر‪( .‬وإال) أي‬
‫وإن قبل التغري بأن مل يكن ملوجب مما ذكر طابق الواقع أو ال‪ .‬إذ يتغري األول بالتشكيك والثاين به أو باالطالع على ما يف نفس األمر‪.‬‬
‫(فاعتقاد) وهو اعتقاد (صحيح إن طابق) الواقع كاعتقاد املقلد سنية الضحى‪( ،‬وإال) أي وإن مل يطابق الواقع (ففاسد) كاعتقاد‬
‫الفلسفي قدم العامل‪( ،‬و)احلكم (غري اجلازم ظن ووهم وشك ألنه) أي غري اجلازم إما (راجح) لرجحان احملكوم به على نقيضه فالظن‪،‬‬
‫أو مرجوح) ملرجوحية احملكوم به لنقيضه فالوهم‪ ،‬أو مساو) ملساواة احملكوم به من كل من النقيضني على البدل لآلخر فالشك فهو‬
‫خبالف ما قبله حكمان‪ ،‬كما قال إمام احلرمني والغزايل وغريمها الشكـ اعتقادان يتقاوم سببهما‪ .‬وقال بعض احملققني ليس الوهم والشك‬
‫الرتدد يف الوقوع والالوقوع‪ ،‬فما أريد مما مر من أن العقلـ‬
‫من التصديق أي بل من التصور‪ ،‬إذ الوهم مالحظة الطرف املرجوح والشك ّ‬
‫حيكم باملرجوح أو املساوي عنده ممنوع على هذا‪ ،‬وقد أوضحت ذلك يف احلاشية‪ ،‬وقد يطلق العلم على الظن كعكسه جمازا‪ ،‬فاألول‬
‫علمتموهن مؤمنات} أي ظننتموهن والثاين كقوله تعاىل {الذين يظنون أهنم مالقو رهبم} أي يعلمون ويطلق الشك‬
‫ّ‬ ‫كقوله تعاىل {فإن‬
‫الرتد د الشامل للظن والوهم‪ ،‬ومن ذلك قول الفقهاء من تيقن طهرا أو حدثا وشك يف ض ّده عمل‬
‫جمازا كما يطلقـ لغة على مطلق ّ‬
‫بيقينه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/13‬‬

‫( فالعلم) أي القسم املسمى بالعلم التصديقي من حيث تصوره حبقيقته بقرينة السياق (حكم جازم ال يقبل تغريا فهو نظري حيد يف‬
‫األصح)‪ .‬واختار اإلمام الرازي أنه ضروري أي حيصل مبجرد التفات النفس إليه من غري نظر واكتساب‪ ،‬ألن علم كل أحد بأنه عامل‬
‫بأنه موجود مثالً ضروري جبميع أجزائه‪ ،‬ومنها تصور العلمـ بأنه موجود باحلقيقة وهو علم تصديقي خاص‪ ،‬فيكون تصور مطلقـ العلم‬
‫التصديقي باحلقيقة ضروريا وهو املدعي‪ .‬وأجيب مبنع أنه يتعني أن يكون من أجزاء ذلك تصور العلمـ املذكور باحلقيقة‪ ،‬بل يكفي‬
‫تصوره بوجه‪ ،‬فالضروري تصور مطلقـ العلم التصديقي بالوجه ال باحلقيقة الذي النزاع فيه‪ ،‬وعلى ما اختاره فال حي ّد‪ ،‬إذ ال فائدة‪ ،‬يف‬
‫ح ّد الضروري حلصوله بغري ح ّد قال نعم قد حي ّد الضروري إلفادة العبارة عنه أي فيكون ح ّده حينئذ ح ّدا لفظيا ال حقيقيا‪ .‬وقال إمام‬
‫احلرمني هو نظري لكنه عسر أي ال حيصل إال بنظر دقيق خلفائه ومال إليه األصل حيث قال فالرأي اإلمساك عن تعريفه أي املسبوق‬
‫بذلك التصور العسر صونا للنفس عن مشقة اخلوض يف العسر‪ .‬قال اإلمام ومييز عن غريه من أقسام االعتقاد بأنه اعتقاد جازم مطابق‬
‫ثابت فليس هذا حقيقته عنده‪ ،‬والرتجيح من زياديت‪.‬‬
‫(قال احملققون وال يتفاوت) العلمـ (إال بكثرة املتعلقات) أي ال يتفاوت يف جزئياته فليس بعضها ولو ضروريا أقوى من بعضها ولو‬
‫نظريا‪ ،‬وإمنا يتفاوت بكثرة املتعلقاتـ يف بعض جزئياته دون بعض فيتفاوت فيها كما يف العلم بثالثة أشياء والعلم بشيئني‪ ،‬بناء على احتاد‬
‫العلم مع تع ّد د املعلوم‪ ،‬كما هو قول بعض األشاعرة قياسا على علم اهلل تعاىل‪ ،‬واألشعري وكثري من املعتزلة على تعدد العلم بتعدد‬
‫املعلوم‪ ،‬وأجابوا عن القياس بأنه خال عن اجلامع‪ ،‬وعلى هذا ال يقال يتفاوت مبا ذكر‪ ،‬وقيل يتفاوت العلم يف جزئياته‪ ،‬إذ العلمـ مثالً بأن‬
‫الواحد نصف االثنني أقوى يف اجلزم من العلم بأن العامل حادث‪ .‬وأجيب بأن التفاوت يف ذلك وحنوه ليس من حيث اجلزم‪ ،‬بل من‬
‫حيث غريه كإلف النفس بأحد املعلومني دون اآلخر‪.‬‬
‫( واجلهل انتفاء العلم باملقصود يف األصح) أي مبا من شأنه أن يقصد ليعلم بأن مل يدرك ويسمى اجلهل البسيط أو أدرك على خالف‬
‫هيئته يف الواقع‪ ،‬ويسمى اجلهل املركب لرتكبه من جهلني جهل املدرك مبا يف الواقع‪ ،‬وجهله بأنه جاهل به كاعتقاد الفلسفيـ أن العامل‬
‫قدمي‪ ،‬وقيل اجلهل إدراك العلوم على خالف هيئته‪ ،‬فاجلهل البسيط على األول ليس جهالً على هذا‪ ،‬واستغىن بانتفاء العلم عن التقييد يف‬
‫قول بعضهم عدم العلم عما من شأنه العلم إلخراج اجلماد والبهيمة عن االتصاف باجلهل ألن انتفاء العلمـ إمنا يقال فيما من شأنه العلم‬
‫خبالف عدم العلم‪ ،‬وخرج باملقصود غريه كأسفل األرض وما فيه فال يسمى انتفاء العلم به جهالً اصطالحا‪ ،‬والتعبري به أحسن كما‬
‫قال الربماوي من تعبري بعضهم بالشيء‪ ،‬ألن الشيء ال يطلق على املعدوم خبالف املقصود‪ ،‬وألنه يشمل غري املقصود‪.‬‬
‫وعرفه الكرماين وغريه‬
‫( والسهو الغفلة عن املعلوم) احلاصل فيتنبه له بأدىن تنبيه خبالف النسيان‪ ،‬فهو زوال املعلوم فيستأنف حتصيله‪ّ ،‬‬
‫القو ة احلافظة واملدركة والسهو بزواله عن احلافظة فقط‪ ،‬وذلك قريب مما ذكر‪ ،‬وجعلهما الربماوي من أقسام اجلهل‬ ‫بزوال املعلوم عن ّ‬
‫البسيط حيث قسمه إليهما وإىل غريمها‪ ،‬مث فرق بينهما بأنه إن قصر زمن الزوال مسي سهوا وإال فنسيانا‪ .‬قال وهذا أحسن ما فرق بيه‬
‫بينهما‪.‬‬

‫( ‪)1/14‬‬

‫مسألة هي إثبات عرض ذايت للموضوع‪( .‬األصح أن احلسن ما) أي فعل (ميدح)أي يؤمر باملدح (عليه)‪ .‬وهو الواجب واملندوب وفعل‬
‫اهلل تعاىل‪( .‬والقبيح ما يذم عليه) وهو احلرام‪( .‬فما ال) ميدح (وال) يذم عليه من املكروه الشامل خلالف األوىل واملباح‪( .‬واسطة)بني‬
‫احلسنـ والقبيح‪ ،‬وهذا ما قاله إمام احلرمني يف املكروه صرحيا ويف املباح‪ ،‬وفعل غري املكلف لزوما‪ ،‬ورجحه األصل يف شرح املختصر يف‬
‫املكروه‪ ،‬وتبعه الربماوي فيه‪ ،‬وأحلق به املباح حبثا‪ ،‬وقيل احلسن فعل املكلف املأذون فيه من واجب ومندوب ومباح‪ ،‬والقبيح ما هنى عنه‬
‫مر‪ ،‬فيشمل احلرام واملكروه‪ ،‬وخالف األوىل وهذا ما رجحه‬ ‫شرعا ولو كان منهيا عنه بعموم النهي املستفاد من أوامر الندب كما ّ‬
‫األصل هنا فيهما وألصحابنا فيهما عبارات أخرى‪ .‬وللمعتزلة فيهما بناء على حتكيمهم العقل عبارات أيضا منها أن احلسن ما للقادر‬
‫عليه العامل حباله أن يفعله والقبيح خبالفه فيدخل فيه احلرام فقط‪ ،‬ويف احلسنـ ما سواه‪ .‬ومنها أن احلسن هو الواقع على صفة توجب‬
‫املدح والقبيح هو الواقع على صفة توجب الذم‪ ،‬فيدخل فيه احلرام فقط أيضا‪ .‬ويف احلسن الواجب واملندوب‪ ،‬فاملكروه واملباح واسطة‬
‫بني احلسن والقبيح‪.‬‬
‫(و) واألصح (أن جائز الرتك) سواء كان جائز الفعلـ أيضا أم ال‪( .‬ليس بواجب) وإال المتنع تركه والفرض أنه جائز‪ .‬وقال بعض‬
‫الفقهاء جيب الصوم على احلائض واملريض واملسافر مع جواز تركهم له لقوله تعاىل {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهم شهدوه‬
‫ولوجوب القضاء عليهم بقدر ما فاهتم فكان املأيتّ به بدالً عن الفائت‪ .‬وأجيب بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر ال مطلقا‪،‬‬
‫وبأن وجوب القضاء إمنا يتوقف على سبب الوجوب هو هنا شهود الشهر‪ ،‬وقد وجد ال على وجوب األداء وإال ملا وجب قضاء الظهر‬
‫مثالً على من نام مجيع وقتها‪ .‬وقيل جيب الصوم على املسافر دون احلائض واملريض لقدرته عليه دوهنما‪ .‬وقيل جيب عليه دوهنما أحد‬
‫الشهرين احلاضر أو آخر بعده‪( .‬واخللف لفظي) أي راجع إىل اللفظ دون املعىن ألن ترك الصوم حال العذر جائز اتفاقا والقضاء بعد‬
‫زواله واجب اتفاقا‪( .‬و) األصح (أن املندوب مأمور به) أي مسمى به حقيقة كما نص عليه الشافعي وغريه‪ ،‬وقيل ال‪ .‬واخلالف مبين‬
‫على أن أ م ر حقيقة يف اإلجياب كصيغة افعل أو يف القدر املشرتك بينه وبني الندب أي طلب الفعل‪ ،‬والرتجيح من زيادته‪ ،‬وعليه جرى‬
‫اآلمدي‪ ،‬أما إنه مأمور به مبعىن أنه متعلق األمر أي صيغة افعل فال نزاع فيه‪ ،‬سواء أقلنا إهنا جماز يف الندب أم حقيقة فيه كاإلجياب‬
‫خالف يأيت‪( .‬و) األصح (أنه) أي املندوب (ليس مكلفا به كاملكروه) فاألصح أنه ليس مكلفاـ به‪ ،‬وقيل مكلف هبما كالواجب واحلرام‬
‫ورجحوا األول‪( .‬بناء على أن التكليف) اصطالحا (إلزام ما فيه كلفة) أي مشقة من فعل أو ترك‪( .‬ال طلبه) وبه فسر القاضي أبو بكر‬
‫باألول يدخل الواجب واحلرام فقط‪ ،‬وعلى تفسريه‬ ‫الباقالين أي ال طلب ما فيه كلفة على وجه اإللزام أو ال‪ .‬فعلى تفسري التكليف ّ‬
‫بالثاين يدخل مجيع األحكام إال املباح‪ ،‬لكن أدخله األستاذ أبو إسحاق االسفرايين من حيث وجوب اعتقاد إباحته تتميما لألقسام‪ ،‬وإال‬
‫فغريه مثله يف ذلك وإحلاقي املكروه باملندوب هو‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/15‬‬

‫الوجه ال إحلاق املباح به كما سلكه األصل‪ ،‬إذ ال إلزام فيه وال طلب فال يتأتى فيه القول بأنه مكلف به إال على ما سلكه األستاذ‪( .‬و)‬
‫األصح (أن املباح ليس جبنس للواجب) بل مها نوعان جلنس وهو فعل املكلف الذي تعلق به حكم شرعي‪ ،‬وقيل إنه جنس له ألنه‬
‫مأذون يف فعله وحتته أنواع الواجب واملندوب واملخري فيه واملكروه الشامل خلالف األوىل‪ ،‬واختص الواجب بفصل املنع من الرتك‪ ،‬قلنا‬
‫واختص املباح أيضا بفصل اإلذن يف الرتك على السواء واخللف لفظي‪ ،‬إذ املباح باملعىن األول أي املأذون فيه جنس للواجب اتفاقا‬
‫وباملعىن الثاين أي املخري فيه وهو املشهور غري جنس له اتفاقا‪( .‬و) األصح (أنه) أي املباح (يف ذاته غري مأمور به) فليس بواجب وال‬
‫مندوب‪ .‬وقال الكعيب إنه مأمور به أي واجب إذ ما من مباح إال ويتحقق به ترك حرام ما‪ ،‬فيتحققـ بالسكوت ترك القذف‪ ،‬وبالسكون‬
‫ترك القتل‪ ،‬وما يتحقق بالشيء ال يتم إال به وترك احلرام واجب‪ ،‬وما ال يتم الواجب إال به واجب كما سيجيء‪ ،‬فاملباح واجب ويأيت‬
‫ذلك يف غريه كاملكروه واخللف لفظي‪ ،‬فإن الكعيب قائل بأنه غري مأمور به من حيث ذاته ومأمور به من حيث ما عرض له من حتقق‬
‫ترك احلرام به وغريه ال خيالفه فيهما‪ ،‬فقويل يف ذاته قيد للقولـ بأن املباح غري مأمور به ال حملل اخلالف‪ ،‬وسيأيت ماله بذلك تعلق‪( .‬و)‬
‫األصح (أن اإلباحة حكم شرعي) ألهنا التخيري بني الفعل والرتك املتوقف وجوده كبقية األحكام على الشرع كما مر‪ .‬وقال بعض‬
‫املعتزلة ال ألهنا انتفاء احلرج عن الفعل والرتك وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده‪( .‬واخللف) يف املسائل الثالث (لفظي) أي‬
‫راجع إىل اللفظ دون املعىن‪ .‬أما يف األوليني فلما مر‪ ،‬وأما يف الثالثة فألن الدليلني مل يتواردا على حمل واحد‪ ،‬فتأخريي هلذا عن الثالث‬
‫أوىل من تقدمي األصل له على األخرية‪.‬‬
‫واعلم أن ما سلكته يف مسألة الكعيب تبعت فيه هنا األكثر‪ ،‬وأوىل منه ما ملكته يف احلاشية أخذا من كالم بعض احملققني من حترمي‬
‫األصح (أن‬
‫ّ‬ ‫الكالم فيها بوجه آخر‪ ،‬ومن رد دليل الكعيب مبا يقتضي أن اخلالف معنوي وإن خالف ذلك ظاهر كالم الكعيب‪( .‬و)‬
‫الوجوب) لشيء (إذا نسخ) كأن قال الشارع نسخت وجوبه أو حرمة تركه (بقي اجلواز) له الذي كان يف ضمن وجوبه من اإلذن يف‬
‫يقو مه من اإلذن يف الرتك‪ .‬وقال الغزايل ال يبقى ألن نسخ الوجوب جيعله كأن مل يكن ويرجع األمر إىل ما كان قبله من حترمي‬ ‫الفعلـ مبا ّ‬
‫أو إباحة أو براءة أصلية فاخللف معنوي‪( .‬وهو) أي اجلواز املذكور (عدم احلرج) يف الفعلـ والرتك من اإلباحة أو الندب أو الكراهة‬
‫باملعىن الشامل خلالف األوىل‪( .‬يف األصح) إذ ال دليل على تعيني أحدها‪ ،‬وقيل هو اإلباحة فقط‪ ،‬إذ بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب‬
‫فيثبت التخيري‪ ،‬وقيل هو الندب فقط‪ ،‬إذ املتحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب اجلازم فيثبت الطلبـ غري اجلازم‪ .‬واحلاصل أنه يعترب يف‬
‫اجلواز املذكور رفع احلرج عن الفعل والرتك يف األقوال الثالثة‪ ،‬لكنه مطلقـ يف األول منها ومقيد باستواء الطرفني يف الثاين‪ ،‬وبرتجح‬
‫معنوي هكذا أفهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفعلـ يف الثالث فاخللف‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/16‬‬

‫مسألة يف الواجب احلرام املخريين ( األمر بأحد أشياء) معينة كما يف كفارة اليمني‪( .‬يوجبه) أي األحد (مبهما عندنا) وهو القدر‬
‫أي معني منها ألنه املأمور به‪ ،‬وقيل يوجبه معينا عند اهلل تعاىل‪ ،‬فإن فعل املكلف املعني فذاك أو فعل غريه منها‬
‫املشرتك بينها يف ضمن ّ‬
‫سقط بفعله الواجب‪ ،‬وقيل يوجبه كذلك‪ ،‬وهو ما خيتاره املكلف بأن علم اهلل منه أنه ال خيتار سواه‪ ،‬وإن اختلف باختيار املكلفني‪.‬‬
‫وقيل يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب واجبات‪ ،‬ويعاقب برتكها عقاب ترك واجبات‪ ،‬ويسقط الكل الواجب بواحد منها‪ ،‬ألن األمر‬
‫تعلق بكل منها خبصوصه على وجه االكتفاء بواحد منها‪ .‬قلنا إن سلم ذلك ال يلزم منه وجوب الكل املرتب عليه ذلك والقول األخري‬
‫والثاين للمعتزلة‪،‬فهم متفقون على نفي أجياب واحد منهم كنفيهم حترميه كما سيجيء ملا قالوا من أن إجياب الشيء أو حترميه ملا يف‬
‫تركه‪ ،‬أو فعله من املفسدة اليت يدركها العقل‪ ،‬وإمنا يدركها يف املعني‪ ،‬والثالث يسمى قول الرتاجم‪ ،‬ألن كالًّ من األشاعرة واملعتزلة‬
‫تنسبه إىل األخرى فاتفق الفريقان على بطالنه‪( .‬فـ)ـعلى األصح (إن فعلها) كلها (فاملختار) أنه (إن فعلها مرتبة فالواجب) أي املثاب‬
‫لتأدى الواجب به من حيث إنه مبهم‪( .‬أو) فعلها كلها (معا‬ ‫عليه ثواب الواجب الذي هو كثواب سبعني مندوبا (أوهلا) وإن تفاوتت ّ‬
‫فضم غريه إليه ال ينقصه عن ذلك‪( .‬وإن تركها) كلها‬ ‫فأعالها) ثوابا الواجب ألنه لو اقتصر ألثيب عليه ثواب الواجب األكمل ّ‬
‫(عوقب بأدناها) عقابا إن عوقب‪ ،‬ألنه لو فعله فقط من حيث إنه مبهم مل يعاقب‪ ،‬فإن تساوت وفعلتـ معا أو تركت فثواب الواجب‬
‫والعقاب على واحد منها‪ .‬وقيل الواجب فيما إذا تفاوتت أعالها ثوابا‪ ،‬وفيما إذا تساوت أحدها وإن فعلت مرتبة فيهما ملا مر‪ ،‬فإن‬
‫تركت فحكمه موافق للمختار ويثاب ثواب املندوب يف كل قول على غري ما ذكر لثواب الواجب‪ ،‬وذكر حكم التساوي يف املرتبة مع‬
‫الرتجيح يف البقية من زياديت املقتضية من حيث الرتجيح إلبدال قوله يف املرتبة أعالها بقويل أوهلا‪ ،‬ومبا قررته علم أن حمل ثواب الواجب‬
‫والعقاب أحدها مبهما ال من حيث خصوصه‪ ،‬حىت إن الواجب ثوابا يف املرتبة أوهلا من حيث إنه مبهم ال من حيث خصوصه‪ ،‬وكذا‬
‫يتأد ى به الواجب‪ ،‬منها أنه يثاب عليه ثواب املندوب من حيث إنه مبهم ال من حيث خصوصه‪( .‬وجيوز‬ ‫يقال يف كل من الزائد على ما ّ‬
‫حترمي واحد مبهم) من أشياء معينة (عندنا) حنو ال تتناول السمك أو اللنب أو البيض‪ ،‬فعلىـ املكلف تركه يف أي معني منها‪ ،‬وله فعله يف‬
‫غريه‪ ،‬إذ ال مانع من ذلك ومنعه املعتزلة كمنعهم إجيابه ملا مر عنهم فيهما‪ .‬وزعمت طائفة منهم أنه مل ترد به اللغة‪ ،‬وهذا (كـ)ـالواجب‬
‫حير مه مبهما‪ .‬وقيل حيرمه معينا عند اهلل تعاىل ويسقط تركه الواجب برتكه أو ترك‬
‫(املخري) فيما مر فيه فالنهي عن واحد مبهم مما ذكر ّ‬
‫غريه منها‪ .‬فالتارك لبعضها إن صادف احملرم فذاك‪ ،‬وإال فقد ترك بدله‪ ،‬وقيل حيرمه كذلك وهو ما خيتاره املكلف‪ ،‬وقيل حيرمها كلها‬
‫فيعاقب بفعلها عقاب فعلـ حمرمات ويثاب برتكها امتثاالً ثواب ترك حمرمات‪ ،‬ويسقط تركها الواجب برتك واحد منها‪ ،‬فعلى األول إن‬
‫تركها كلها امتثاالً وتفاوتت‪ ،‬فاملختار أنه يثاب على ترك أشدها عقابا وإن فعلها مرتبة عوقب على آخرها‪ ،‬وإن تفاوتت الرتكابه‬
‫احملرم به أو فعلها معا عوقب على أخفها عقابا‪ ،‬فإن تساوت وفعلت معا أو تركت فاملعترب أحدها‪ .‬وقيل احملرم فيما إذا فعلتـ ولو مرتبة‬
‫أخفها عقابا‪.‬‬
‫تنبيه ‪:‬‬
‫املندوب كالواجب واملكروه كاحلرام فيما ذكر‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/17‬‬

‫(مسألة فرض الكفاية) املنقسم إليه وإىل فرض العني مطلقـ الفرض السابق حده (مهم يقصد) شرعا (جزما) من زياديت (حصوله من غري‬
‫نظر بالذات لفاعله) وإمنا ينظر إليه بالتبع للفعلـ ضرورة أنه ال حيصل بدون فاعل ومشل احلد الديين كصالة اجلنازة واألمر باملعروف‬
‫والدنيوي كاحلرف والصنائع‪ ،‬وخرج عنه السنة إذ مل جيزم بقصد حصوهلا‪ ،‬وفرض العني فإنه منظور بالذات لفاعله حيث قصد حصوله‬
‫من كل عني أي واحد من املكلفني أو من عني خمصوصة كالنيب صلى اهلل عليه وسلّم فيما خص به‪( .‬واألصح أنه دون فرض العني) أي‬
‫فرض العني أفضل منه كما نقله الشهاب ابن العماد عن الشافعي رضي اهلل عنه‪ .‬قال ونقله عنه القاضي أبو الطيب‪ ،‬وذلك لشدة اعتناء‬
‫الشارع به بقصد حصوله من كل مكلف يف األغلب‪ ،‬ويدل له تعليل األصحاب تبعا لإلمام الشافعيـ كراهة قطع طواف الفرض لصالة‬
‫اجلنازة بأنه ال حيسن ترك فرض العني لفرض الكفاية‪ .‬وقال إمام احلرمني وغريه فرض الكفاية أفضل ألنه يصان بقيام البعض به مجيع‬
‫املكلفني عن إمثهم املرتتب على تركهم له‪ ،‬وفرض العني إمنا يصان بالقيام به عن اإلمث الفاعل فقط وترجيح األول من زياديت‪( .‬و)‬
‫األصح (أنه) أي فرض الكفاية (على الكل) إلمثهم برتكه كما يف فرض العني‪ ،‬ولقوله تعاىل {قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل} وهذا ما‬
‫عليه اجلمهور ونص عليه الشافعيـ يف األم‪( .‬ويسقط) الفرض (بفعل البعض) ألن املقصود كما مر حصول الفعل ال ابتالء كل مكلف به‬
‫وال بعد يف سقوط الفرض عن الشخص بفعل غريه كسقوط ال ّدين عنه بأداء غريه عنه‪ ،‬وقيل فرض الكفاية على البعض ال الكل‬
‫ورجحه األصل وفاقا بزعمه لإلمام الرازي لالكتفاء حبصوله من البعض وآلية ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري} وأجيب عن األول مبا‬
‫مر من أن املقصود حصول الفعل ال ابتالء كل مكلف به‪ ،‬وعن الثاين بأنه يف السقوط بفعل البعض مجعا بني األدلة‪ ،‬وعلى القول الثاين‬
‫فاملختار كما يف األصل البعض مبهم فمن قام به سقط الفرض بفعله‪،‬‬
‫وقيل معني عند اهلل تعاىل يسقط الفرض بفعله وبفعل غريه كسقوط الدين فيما مر‪ ،‬وقيل معني كذلك وهو من قام به لسقوطه بفعله مث‬
‫مداره على الظن‪ ،‬فعلى قول الكل من ظن أن غريه فعله أو يفعله سقط عنه‪ ،‬ومن ال فال‪ ،‬وعلى قول البعض من ظن أن غريه مل يفعله‬
‫وال يفعله وجب عليه ومن ال فال‪.‬‬
‫واعلم أن الكل لو فعلوه معا وقع فعل كل منهم فرضا أو مرتبا‪ ،‬فكذلك‪ ،‬وإن سقط احلرج باألولني‪ .‬نعم إن حصل املقصود بتمامه‬
‫األو ل فرضا‪( .‬و) األصح (أنه) أي فرض الكفاية (ال يتعني بالشروع) فيه ألن القصد به حصوله يف اجلملة فال‬ ‫كغسلـ امليت مل يقع غري ّ‬
‫يتعني حصوله ممن شرع فيه‪( .‬إال جهادا وصالة جنازة وحجا وعمرة) فتتعني بالشروع فيها لشدة شبهها بالعيين‪ ،‬وملا يف عدم التعيني يف‬
‫األول من كسر قلوب اجلند‪ ،‬ويف الثاين من هتك حرمة امليت‪ ،‬وهذا تبعت فيه الغزايل وغريه‪ ،‬وقيل يتعني فرض الكفاية بالشروع فيه‬
‫أي يصري به كفرض العني يف وجوب إمتامه جبامع الفرضية‪ ،‬وهذا ما صححه األصل تبعا البن الرفعة وهو بعيد‪ ،‬إذ أكثر فروض‬
‫الكفايات ال تتعني بالشروع فيها كاحلرف والصنائع وصالة اجلماعة‪( .‬وسنتها) أي سنة الكفاية املنقسم إليها وإىل سنة العني مطلقـ‬
‫مهم يقصد بال جزم حصوله من غري نظر بالذات‬ ‫السنة السابق حده‪( .‬كفرضها) فيما مر لكن (بإبدال جزما بضده) فيصدق ذلك بأهنا ّ‬
‫لفاعله كابتداء السالم والتسمية لألكل من جهة مجاعة‪ ،‬وبأهنا دون سنة العني‪ ،‬وبأهنا مطلوبة من الكل‪ ،‬وبأهنا ال تتعني بالشروع فيها‬
‫أي ال تصري به كسنة العني يف تأكد طلب إمتامها على األصح يف الثالث األخرية‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/18‬‬

‫(مسألة ‪ :‬األصح أن وقت) الصالة (املكتوبة) كالظهر (جوازا وقت ألدائها) ففي أي جزء منه أوقعت‪ ،‬فقد أوقعت يف وقت أدائها‬
‫الذي يسعها وغريها‪ ،‬وهلذا يعرف بالواجب املوسع‪ ،‬وقويل جوازا راجع إىل الوقت لبيان أن الكالم يف وقت اجلواز ال يف الزائد عليه‬
‫أيضا من وقيت الضرورة واحلرمة‪ ،‬وإن كان الفعل فيهما أداء بشرطه‪ .‬وقيل وقت أدائها أول الوقت فإن أخرت عنه فقضاء وإن فعل يف‬
‫الوقت حىت يأمث بالتأخري عن أوله‪ ،‬وقيل هو آخر الوقت فإن قدمت عليه فتقدميها تعجيل‪ ،‬وقيل هو اجلزء الذي وقعت فيه من الوقت‬
‫وإن مل تقع فيه فوقت أدائها اجلزء األخري من الوقت‪ ،‬وقيل إن قدمت على آخر الوقت وقعت واجبة بشرط بقاء الفاعل مكلفا إىل آخر‬
‫الوقت فإن مل يبق كذلك وقعت نفالً‪ .‬وهذه األقوال األربعة منكرة للواجب املوسع‪( .‬و) األصح (أنه) أي الشأن (جيب على املؤخر)‬
‫أي مريد التأخري عن أول الوقت الذي هو سبب الوجوب (العزم) فيه على الفعل يف الوقت كما صححه النووي يف جمموعه‪ ،‬ونقله‬
‫غريه عن أصحابنا ليتميز به التأخري اجلائز عن غريه وتأخري الواجب املوسع عن املندوب يف جواز التأخري عن أول الوقت‪ ،‬وقيل ال جيب‬
‫اكتفاء بالفعل‪ ،‬ورجحه األصل وزعم أن األول ال يعرف إال عن القاضي أيب بكر الباقالين ومن تبعه‪ ،‬وأنه من هفوات القاضي ومن‬
‫العظائم يف الدين‪.‬‬
‫فإن قلت يلزم على األول تعدد البدل واملبدل واحد‪ .‬قلنا ممنوع إذ ال جيب إعادة العزم‪ ،‬بل ينسحبـ على آخر الوقت كانسحاب النية‬
‫على أزاء العبادة الطويلة كما قاله إمام احلرمني وغريه‪.‬‬
‫فإن قلت العزمـ ال يصلح بدالً عن الفعل إذ بدل الشيء يقوم مقامه والعزم ليس كذلك‪ .‬قلت ال خيفى أن املراد بكونه بدالً عنه أنه بدل‬
‫عن إيقاعه يف أول وقته ال عن إيقاعه مطلقا والعزم قائم مقامه يف ذلك‪.‬‬
‫(ومن أخر) الواجب املوسع بأن مل يشتغل به أول الوقت مثالً (مع ظن فوته) مبوت أو حيض أو حنومها‪ .‬وهذا أعم من قوله مع ظن‬
‫املوت‪( .‬عصى) لظنه فوت الواجب بالتأخري (و) األصح (أنه إن بان خالفه) بأن تبني خالف ظنه (وفعله) يف الوقت (فأداء) فعله ألنه‬
‫يف الوقت املقدر له شرعا وقيل فعله قضاء ألنه بعد الوقت الذي تضيق بظنه وإن بان خطؤه‪ ،‬ويظهر أثر اخلالف يف نية األداء أو القضاء‬
‫ويف أنه لو فرض ذلك يف اجلمعة تصلى يف الوقت على األول وتقضى ظهرا ال مجعة على الثاين‪( .‬و) األصح (أن من أخر) الواجب‬
‫املذكور (مع ظن خالفه) أي عدم فوته فبان خالف ظنه ومات مثالً يف الوقت قبل الفعل‪( .‬مل يعص) ألن التأخري جائز له والفوت ليس‬
‫باختياره‪ ،‬وقيل يعصى وجواز التأخري مشروط بسالمة العاقبة‪ ،‬هذا إن مل يكن عزم على الفعل‪ ،‬وإن عصى برتكه العزم وإال فال يعصى‬
‫قطعا قاله اآلمدي‪( .‬خبالف ما) أي الواجب الذي (وقته العمر كحج) فإن من أخره بعد أن أمكنه فعله مع ظن عدم فوته كأن ظن‬
‫مضي وقت ميكنه فعله فيه ومات قبل فعله يعصى على األصح‪ ،‬وإال مل يتحقق الوجوب‪ ،‬وقيل ال يعصى جلواز‬ ‫سالمته من املوت إىل ّ‬
‫التأخري له وعصيانه يف احلج من آخر سين اإلمكان على األصح جلواز التأخري إليها‪ ،‬وقيل من أوهلا الستقرار الوجوب حينئذ‪ ،‬وقيل غري‬
‫مستند إىل سنة بعينها‪( .‬مسألة) الفعلـ (املقدور) للمكلف (الذي ال يتم) أي يوجد عنده (الواجب املطلق إال به واجب) بوجوب‬
‫الواجب (يف األصح) سببا كان أو شرطا إذ لو مل جيب جلاز ترك الواجب املتوقف عليه‪ ،‬وقيل ال جيب بوجوبه ألن الدال على الواجب‬
‫ساكت عنه‪ ،‬وقيل جيب إن كان سببا كالنار لإلحراق خبالف الشرط كالوضوء للصالة ألن السبب أشد ارتباطا باملسبب من الشرط‬
‫باملشروط‪ ،‬وقيل جيب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء للصالة ال عقليا كرتك ضد الواجب وال عاديا كغسل جزء من الرأس بغسل‬
‫الوجه وال إن كان سببا شرعيا كصيغة االعتاق له أو عقليا كالنظر للعلمـ عند اإلمام‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/19‬‬

‫وغريه أو عاديا كحز الرقبة للقتل‪ ،‬إذ ال وجود ملشروطه عقالً أو عادة وال ملسببه مطلقا بدونه‪ ،‬فال يقصدمها الشارع بالطلبـ خبالف‬
‫الشرط الشرعي‪ ،‬فإنه لوال اعتبار الشرع لوجد مشروطه بدونه وخرج باملقدور غريه كقدر اهلل وإرادته‪ ،‬إذ اإلتيان بالفعلـ يتوقف عليهما‬
‫ومها غري مقدورين للمكلف‪ ،‬وباملطلق املقيد وجوبه مبا يتوقف عليه كالزكاة وجوهبا متوقف على ملكـ النصاب‪ ،‬فال جيب حتصيله‬
‫فاملطلق ما ال يكون مقيدا مبا يتوقف عليه وجوده وإن كان مقيدا بغريه كقوله تعاىل {أقم الصالة لدلوك الشمس} فإن وجوهبا مقيد‬
‫بالدلوك ال بالوضوء والتوجه للقبلة وحنومها‪( .‬فلو تعذر ترك حمرم إال برتك غريه) من اجلائز قيل كماء قليل وقع فيه بول‪( .‬وجب) ترك‬
‫ذلك الغري لتوقف ترك احملرم الذي هو واجب عليه‪( .‬أو اشتبهت حليلة) لرجل من زوجة أو أمة فتعبريي بذلك أوىل وأعم من قوله أو‬
‫اختلطت منكوحة (بأجنبية) منه (حرمتا) أي حرم قرباهنما عليه ‪ ،‬أما األجنبية فأصالة‪ ،‬وأما احلليلة فألنه ال يعلم الكف عن األجنبية إال‬
‫مر‪ .‬وقد يظهر احلال يف هذه واليت قبلها فرتجع‬‫بالكف عنها (وكما لو طلق معينة) من زوجتيه مثالً (مث نسيها) فإهنما حيرمان عليه ملا ّ‬
‫احلليلة وغري املطلقة إىل ما كانتا عليه من احلل فلم يتعذر فيهما ترك احملرم وحده فلم يشملهما ما قبلهما ولو مشلهما لكان األوىل إبدال‬
‫أو بكان ليكونا مثالني له‪.‬‬

‫( ‪)1/20‬‬

‫(مسألة مطلقـ األمر)‬


‫مبا بعض جزئياته مكروهة كراهة حترمي أو تنزيه (ال يتناول املكروه) منها الذي له جهة أو جهتان بينهما لزوم (يف األصح)‪ .‬وقيل‬
‫يتناوله‪ ،‬وعزى للحنفية لنا لو تناوله لكان الشيء الواحد مطلوب الفعل والرتك من جهة واحدة وذلك تناقض (فال تصح الصالة يف‬
‫األوقات املكروهة) أي اليت كرهت فيها صالة النفل املطلقـ بشرطه كعند طلوع الشمس حىت ترتفع كرمح وعند اصفرارها حىت تغرب‪.‬‬
‫(ولو) قلنا إن كراهتها فيها (كراهة تنزيه يف األصح)‬
‫( ومنه) أي القرآن (البسملة أول كل سورة يف األصح) ألهنا مكتوبة كذلك خبط السور يف مصاحف الصحابة مع مبالغتهم يف أن ال‬
‫يكتب فيها ما ليس منه‪ ،‬وقيل ليست منه مطلقا عند غرينا ويف غري الفاحتة عندنا‪ ،‬وإمنا هي يف الفاحتة البتداء الكتاب على عادة اهلل تعاىل‬
‫يف كتبه‪ ،‬ويف غريها للفصلـ بني السور وهي منه يف أثناء سورة النمل إمجاعا‪( .‬غري) أول سورة (براءة) أما أوهلا فليستـ البسملة من‬
‫القرآن فيه جزما لنزوهلا بالقتال الذي ال تناسبه البسملة املناسبة للرمحة والرفق‪ ،‬وحيث قلنا إهنا أول السور من القرآن فهي على‬
‫الصحيح قرآن حكما ال قطعا مبعىن أن السورة ال تتم إال بقراءهتا ّأوهلا حىت ال تصح الصالة برتكها أول الفاحتة‪ ،‬وإمنا مل نكفر جاحدها‬
‫للخالف فيها‪( .‬ال الشاذ) وهو ما نقل قرآنا آحادا ومل يصل إىل رتبة القراءة الصحيحة اآليت بياهنا كأمياهنما يف قراءة والسارق والسارقة‬
‫فاقطعوا أمياهنما‪ ،‬فإنه ليس من القرآن‪( .‬يف األصح) ألنه مل يتواتر وال هو يف معىن املتواتر‪ ،‬وقيل إنه منه محالً على أنه كان متواترا يف‬
‫العصر األول لعدالة ناقله‪( .‬و) القراءات (السبع) املروية عن القراء السبعة أيب عمرو ونافع وابين كثري وعامر وعاصم ومحزة والكسائي‬
‫(متواترة) من النيب إلينا نقلها عنه مجع ميتنع عادة تواطؤهم على الكذب ملثلهم وهلم‪ ،‬واملراد كما قال اإلمامان أبو شامة وابن اجلزري‬
‫التواتر فيما اتفقت الطرق على نقله عن السبعة دون ما اختلفت فيه مبعىن أنه نفيت نسبته إليهم يف بعض الطرق (ولو فيما هو من قبيل‬
‫األداء) بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدوهنا (كاملد) الزائد على امل ّد الطبيعي املعروف أنواعه يف حمله‪ ،‬وكاإلمالة حمضة كانت أو بني بني‬
‫وكتخفيف اهلمزة بنقل أو إبدال أو تسهيل أو إسقاط وكاملش ّدد يف حنو {إياك نعبد} بزيادة على أقل التشديد من مبالغة أو توسط‬
‫خالفا البن احلاجب يف إنكاره تواتر ما هو من قبيل األداء‪ ،‬فقد قال عمدة القراء واحملدثني الشمس ابن اجلزري‬
‫ال نعلم أحدا تقدم ابن احلاجب يف ذلك‪ .‬قال وقد نص أئمة األصول على تواتر ذلك كله‪ ،‬وكالم األصل مييل إليه لكنه وافق يف منع‬
‫املوانع ابن احلاجب على عدم تواتر امل ّد أي مطلقه‪ ،‬وتردد يف تواتر اإلمالة وجزم بتواتر ختفيف اهلمزة واستظهره يف غري ذلك مما هو من‬
‫مر‪.‬‬
‫قبيل األداء أيضا كاملشدد يف حنو {إياك نعبد} مبا ّ‬
‫مر‪ ،‬وتبطل الصالة به إن غري معىن أو زاد حرفا أو نقصه‬ ‫(وحترم القراءة بالشاذ) يف الصالة وخارجها ألنه ليس بقرآن على األصح كما ّ‬
‫وكان عامدا عاملا بالتحرمي‪ ،‬كما قاله النووي‪( .‬واألصح)وفاقا للقراء ومجاعة من الفقهاء ومنهم البغوي (أنه) أي الشاذ (ما وراء العشر)‬
‫أي السبع السابقة وقراءات يعقوب وأيب جعفر وخلف‪ ،‬وقيل ما وراء السبع وهو ما عليه األصوليون ومجاعة من الفقهاء‪ ،‬ومنهم‬
‫األو ل هي كالسبع جيوز القراءة هبا لصدق تعريف القراءة الصحيحة اآليت‬ ‫النووي فالثالثة الزائدة على هذا حترم القراءة هبا‪ ،‬وعلى ّ‬
‫عليها‪ ،‬وألهنا متواترة على ما قاله يف منع املوانع ووافقه تلميذه اإلمام ابن اجلزري يف موضع‪ ،‬وقال يف آخر املقروء به عن القراء العشرة‬
‫قسمان متواتر وصحيح مستفيض متلقى بالقبول‪ ،‬والقطع حاصل هبما إذ العدل الضابط إذا انفرد بشيء حتتمله العربية والرسم‬
‫مر‬
‫واستفاض وتلقى بالقبول قطع به وحصل به العلم‪ ،‬وعلى هذا فالقراءة متواترة وصحيحة وشاذة‪ ،‬وقد بينها ابن اجلزري بأبسط مما ّ‬
‫فقال فاملتواترة ما وافقت العربية ورسم أحد املصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها‪ ،‬ومعىن ولو تقديرا ما حيتمله الرسم كمالك يوم‬
‫الدين فإنه رسم بال ألف يف مجيع املصاحف فيحتمل حذف ألفه اختصارا كما فعل يف مثله من اسم الفاعل كقادم وصاحل‪ ،‬فهو موافق‬
‫للرسم تقديرا‪ ،‬والصحيحة ما صح سنده بنقل عدل ضابط عن مثله إىل منتهاه‪ ،‬ووافق العربية والرسم واستفاض نقله وتلقته األئمة‬
‫بالقبول وإن مل يتواتر‪ ،‬فهذه كاملتواترة يف جواز‬
‫القراءة والصالة هبا والقطع بأن املقروء هبا قرآن‪ ،‬وإن مل يبلغ مبلغها والشاذة ما وراء العشرة وهو ما نقل قرآنا ومل تتلقه األئمة بالقبول‬
‫صح سنده عن أيب الدرداء وابن مسعود وغريمها‪ ،‬وقراءة‬ ‫ومل يستفض أو مل يوافق الرسم‪ ،‬فهذا ال جتوز القراءة وال الصالة به‪ ،‬وإن ّ‬
‫صح سنده كانت قبل إمجاع من يعت ّد به على املنع من القراءة بالشاذ مطلقا انتهى ملخصا وعليه فظاهر أن‬ ‫بعض الصحابة هبا فيما ّ‬
‫مراده بالصحيحة قراءة الثالثة الزائدة على السبع‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/21‬‬

‫النيب وال يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته‬‫( و) األصح (أنه) أي الشاذ (جيري جمرى) األخبار (اآلحاد) يف االحتجاج‪ ،‬ألنه منقول عن ّ‬
‫انتفاء عموم خربيته‪ ،‬وقيل ال حيتج به ألنه إمنا نقل قرآنا ومل تثبت قرآنيته‪ ،‬وعلى األول احتجاج كثري من أئمتنا على قطع ميني السارق‬
‫بقراءة أمياهنما‪ ،‬وإمنا مل يوجبوا التتابع يف صوم كفارة اليمني بقراءة متتابعات ملا صحح الدارقطين إسناده عن عائشة رضي اهلل عنها‬
‫نزلت {فصيام ثالثة أيام} متتابعات فسقطتـ متتابعات أي نسخت تالوة وحكما‪ ،‬وألن الشاذ إمنا حيتج به إذا ورد لبيان حكم كما يف‬
‫أمياهنما خبالف ما إذا ورد البتداء احلكم ال حيتج به كما يف متتابعات على أنه قيل إهنا مل تثبت عن ابن مسعود‪( .‬و) األصح (أنه ال‬
‫جيوز ورود ما) أي لفظ (ال معىن له يف الكتاب والسنة) ألنه كاهلذيان فال يليق بعاقل فكيف باهلل وبرسوله‪ ،‬وقالت احلشوية جيوز‬
‫وروده يف الكتاب لوجوده فيه كاحلروف املقطعة أوائل السور كطه ونون‪ ،‬ويف السنة بالقياس على الكتاب‪ .‬وأجيب بأن احلروف‬
‫كن نساء‬‫املذكورة هلا معان‪ .‬منها أهنا أمساء للسور واألكثرون على جواز أن يقال يف الكتاب والسنة زائد كفوق يف قوله تعاىل {فإن ّ‬
‫خيتل الكالم بدونه ال مبا ال معىن له أصالً‪( .‬و) األصح أنه‬
‫فوق اثنتني} وقوله {فاضربوا فوق األعناق} بناء على تفسري الزائد مبا ال ّ‬
‫(ال) جيوز أن يرد فيهما (ما يعين به غري ظاهره) أي معناه اخلفي ألنه بالنسبة إليه كاملهمل (إال بدليل) يبني املراد منه كما يف العام‬
‫املخصوص‪ ،‬وقالت املرجئة جيوز وروده فيهما من غري دليل حيث قالوا املراد باآليات واألخبار الظاهرة يف عقاب عصاة املؤمنني‬
‫تضر مع اإلميان كما أن الكفر ال تنفع معه طاعة (و) األصح (أنه ال يبقى) فيهما (جممل‬ ‫الرتهيب فقط بناء على معتقدهم أن املعصية ال ّ‬
‫كلف بالعمل به) بناء على األصح اآليت من وقوعه فيهما (غري مبني) أي باقيا على إمجاله بأن مل يتضح املراد منه إىل وفاته صلى اهلل‬
‫عليه وسلّ م للحاجة إىل بيانه حذرا من التكليف مبا ال يطاق‪ ،‬خبالف غري املكلف بالعمل به‪ ،‬وقيل ال يبقى كذلك مطلقا ألن اهلل أكمل‬
‫الدين قبل وفاته لقوله {اليوم أكملت لكم دينكم} وقيل يبقى كذلك مطلقا قال تعاىل يف متشابه الكتاب {وما يعلم تأويله إال اهلل} إذ‬
‫الوقف هنا كما عليه مجهور العلماء‪ ،‬وإذا ثبت يف الكتاب ثبت يف السنة إذ ال قائل بالفرق‪( .‬و) األصح (أن األدلة النقلية قد تفيد اليقني‬
‫بانضمام غريها) من تواتر ومشاهدة كما يف أدلة وجوب الصالة‪ ،‬فإن الصحابة علموا معانيها املرادة بالقرائن املشاهدة‪ ،‬وحنن علمناها‬
‫بواسطة نقل القرائن إلينا تواترا‪ ،‬وقيل تفيده مطلقا وعزي للحشوية‪ ،‬وقيل ال تفيده مطلقاـ النتفاء العلم باملراد منها قلنا يعلم مبا ذكر‬
‫آنفا‪.‬‬

‫( ‪)1/22‬‬

‫املنطوق واملفهوم‬
‫(دل عليه اللفظ يف حمل النطق) حكما كان كتحرمي التأفيف للوالدين بقوله تعاىل {فال تقل‬ ‫أي هذا مبحثهما‪( .‬املنطوق ما) أي معىن ّ‬
‫أف } أو حكم كزيد يف حنو جاء زيد خبالف املفهوم فإن داللة اللفظ عليه يف حمل السكوت ال يف حمل النطق كما سيأيت‪( .‬وهو)‬ ‫هلما ّ‬
‫أي اللفظ الدال يف حمل النطق (إن أفاد ما) أي معىن (ال حيتمل) أي اللفظ (غريه) أي غري ذلك املعىن (كزيد) يف حنو جاء زيد فإنه مفيد‬
‫للذاتـ املشخصة من غري احتمال لغريها‪( .‬فنص) أي يسمى به (أو) أفاد (ما حيتمل بدله) معىن (مرجوحا كاألسد) يف حنو رأيت اليوم‬
‫األسد‪ ،‬فإنه مفيد للحيوان املفرتس حمتمل للرجل الشجاع وهو معىن مرجوح ألنه معىن جمازى واألول حقيقي‪( .‬فظاهر) أي يسمى به‬
‫أما احملتمل ملعىن مسا ٍو لآلخر كاجلون يف حنو ثوب زيد جون فإنه حمتمل ملعنييه أي األسود واألبيض على السواء فيسمى جممالً وسيأيت‪.‬‬
‫دل على معىن كيف كان‪ ،‬ولدليل‬ ‫واعلم أن النص يقال ملا ال حيتمل تأويالً كما هنا وملا حيتمله احتماالً مرجوحا وهو مبعىن الظاهر‪ ،‬وملا ّ‬
‫دل جزؤه) الذي به تركيبه (على‬ ‫من كتاب أو سنة كما سيأيت يف القياس‪( .‬مث) اللفظ ينقسم باعتبار آخر إىل مركب ومفرد ألنه (إن ّ‬
‫جزء معناه فمركب) تركيبا إسناديا كزيد قائم‪ ،‬أو إضافيا كغالم زيد‪ ،‬أو تقييديا كاحليوان الناطق‪( .‬وإال) أي وإن مل يدل جزؤه على‬
‫جزء معناه بأن ال يكون له جزء كهمزة االستفهام أو يكون له جزء غري دال على معىن كزيد أو دال على معىن غري جزء معناه كعبد‬
‫اهلل علما‪( .‬فمفرد) وقدم على تعريفه تعريف املركب ألن التقابل بينهما تقابل العدم وامللكة واالعدام إمنا تعرف مبلكاهتا‪( .‬وداللته) أي‬
‫اللفظ (على معناه مطابقة) وتسمى داللة مطابقة ملطابقة أي موافقة الدال للمدلول‪( .‬وعلى جزئه) أي جزء معناه (تضمن) وتسمى‬
‫داللة تضمن لتضمن املعىن جلزئه املدلول‪( .‬و) على (الزمه) أي الزم معناه (الذهين) سواء ألزمه يف اخلارج أيضا أم ال (التزام) وتسمى‬
‫داللة التزام اللتزام املعىن أي استلزامه للمدلول كداللة اإلنسان على احليوان الناطق يف األول‪ ،‬وعلى احليوان أو الناطق يف الثاين‪ ،‬وعلى‬
‫قابل العلم يف الثالث الالزم خارجا أيضا‪ ،‬وكداللة العمى أي عدم البصر عما من شأنه البصر على البصر الالزم للعمى ذهنا املنايف له‬
‫خارجا لوجود كل منهما فيه بدون اآلخر‪ ،‬وداللة العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابقة ألنه يف ّقوة قضايا بعدد أفراده‪ ،‬كما‬
‫سيأيت ذلك يف مبحث العلمـ فسقط ما قيل إهنا خارجة عن الدالالتـ الثالث‪ ،‬وقد أوضحت ذلك يف شرح إيساغوجي‪ ،‬والداللة كون‬
‫الشيء حبالة يلزم من العلم به العلمـ بآخر وخرج بإضافتها للفظ الداللة الفعلية كداللة اخلط واإلشارة بزياديت الوضعية داللة اللفظ‬
‫العقلية غري االلتزامية كداللته على حياة الفظه والطبيعية كداللة األنني على الوجع‪.‬‬
‫( واألوليان) أي داللتا املطابقة والتضمن (لفظيتان) ألهنما مبحض اللفظ وال تغاير بينهما بالذات بل باالعتبار‪ ،‬إذ الفهم فيهما واحد إن‬
‫اعترب بالنسبة إىل جمموع جزأي املركب مسيت الداللة مطابقة أو إىل كل جزء من اجلزأين مسيت تضمنا‪( .‬واألخرية) أي داللة االلتزام‬
‫(عقلية) لتوقفها على انتقال الذهن من املعىن إىل الزمه وفارقت التضمينية مبا مر‪ ،‬وبأن املدلول يف التضمين داخل فيما وضع له اللفظ‬
‫خبالفه يف االلتزامية‪ ،‬وهذا ما عليه اآلمد ي وابن احلاجب وغريمها من احملققني‪ ،‬وجرى عليه شيخنا الكمال ابن اهلمام‪ ،‬واألصل تبع‬
‫صاحب احملصول وغريه يف أن املطابقة لفظية واألخريان عقليتان وتبعتهم يف شرح ايساغوجي‪ ،‬وما هنا أقعدوا أكثر املناطقة على أن‬
‫الثالث لفظيات (مث هي) أي األخرية (إن توقف صدق املنطوق أو صحته) عقالً أو شرعا (على إضمار) أي تقدير فيما دل عليه‪،‬‬
‫(فداللة اقتضاء) أي فداللة اللفظ االلتزامية على معىن املضمر املقصود تسمى داللة اقتضاء يف األحوال الثالثة‪ ،‬فاألول كما يف احلديث‬
‫اآليت يف مبحث اجململ «رفع عن أميت اخلطأ والنسيان» أي املؤاخذة هبما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما والثاين كما يف قوله تعاىل‬
‫{واسأل القرية} أي أهلها إذ القرية وهي األبنية اجملتمعة ال يصح سؤاهلا عقالً‪ ،‬والثالث كما يف قولك ملالك عبد أعتق عبدك عين‪،‬‬
‫ففعلـ فإنه يصح عنك بتقدير ملكه يل فأعتقه عين لتوقف صحة العتق شرعا على امللك‪( .‬وإال) أي وإن مل يتوقف صدق املنطوق وال‬
‫الصحة له على إضمار‪( ،‬فإن دل) اللفظ املفيد له (على ما مل يقصد) به (فدالله إشارة) أي فداللة اللفظ على ما مل يقصد به تسمى‬
‫{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم} على صحة صوم من أصبح جنبا للزومها للمقصود به من‬ ‫َّ‬ ‫داللة إشارة كداللة قوله تعاىل‬
‫دل اللفظ على ما قصد به ومل يتوقف على إضمار (فداللة إمياء) أي فداللة‬
‫مجاعهن بالليل الصادق بآخر جزء منه‪( .‬وإال) بأن ّ‬
‫َّ‬ ‫جواز‬
‫اللفظ على ذلك تسمى‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/23‬‬

‫داللة إمياء وتسمى تنبيها‪ ،‬وسيأيت بيانه مع مثاله يف القياس يف امللك الثالث من مسالكـ العلة وذكره هنا من زياديت وعلم من تعبريي هبي‬
‫دون تعبريه باملنطوق أن هذه الدالالتـ الثالث من قسم داللة االلتزام‪ ،‬إذ املنطوق ينقسم إىل صريح وغريه فالصريح داللتا املطابقة‬
‫والتضمن وغريه داللة االلتزام وهي تنقسم إىل الدالالت الثالث‪.‬‬
‫فإن قلت داللة اإلنسان على قابل العلم مثالً من أي الدالالت؟ـ قلت من داللة اإلشارة فيما يظهر‪.‬‬
‫( واملفهوم ما) أي معىن (دل عليه اللفظ ال يف حمل النطق) من حكم وحمله معا كتحرمي كذا كما سيأيت (فإن وافق) املفهوم (املنطوق) به‬
‫(فموافقة) ويسمى مفهوم موافقة (ولو) كان (مساويا) للمنطوق (يف األصح مث) هو (فحوى اخلطاب) أي يسمى به (إن كان أوىل) من‬
‫املنطوق (وحلنه) أي حلن اخلطاب (إن كان مساويا) للمنطوق واملفهوم األوىل كتحرمي ضرب الوالدين الدال عليه نظرا للمعىن قوله تعاىل‬
‫{فال تقل هلما أف} فهو أوىل من حترمي التأفيف املنطوق لكونه أشد منه يف اإليذاء واملساوي كتحرمي إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا‬
‫ملعىن آية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} فهو مسا ٍو لتحرمي األكل ملساواة اإلحراق لألكل يف اإلتالف‪ ،‬وقيل ال يسمى‬
‫املساوي باملوافقة وإن كان مثل األوىل يف االحتجاج به‪ ،‬وعليه فمفهوم املوافق هو األوىل ويسمى األوىل بفحوى اخلطاب وبلحن‬
‫اخلطاب‪ ،‬وفحوى الكالم ما يفهم منه قطعا وحلنه معناه‪ ،‬ومما يطلق فيه املفهوم على حمل احلكم كاملنطوق قوهلم املفهوم‪ ،‬إما أوىل من‬
‫املنطوق باحلكم أو مسا ٍو له فيه ومن املعىن املعلوم به موافقة املسكوت للمنطوق نشأ خالف يف أن الداللة على املوافقة مفهومية أو‬
‫قياسية أو لفظية وقد بينتها بقويل (فالداللة) على املوافقة (مفهومية) أي بطريق الفهم من اللفظ ال يف حمل النطق‪( ،‬على األصح)‬
‫والتصريح هبذا القول من زياديت‪ ،‬وقيل قياسية أي بطريق القياس األوىل أو املساوى املسمى ذلك بالقياس اجللي كما سيأيت لصدق‬
‫تعريف القياس عليه‪ ،‬والعلة يف املثال األول اإليذاء‪ ،‬ويف الثاين اإلتالف‪ ،‬وقيل الداللة عليه لفظية لفهمه من اللفظ من غري اعتبار قياس‪،‬‬
‫لكن ال مبجرد اللفظ بل مع السياق والقرائن فتكون الداللة عليه جمازية من إطالق األخص على األعم‪ ،‬فاملراد من منع التأفيف منع‬
‫ازيذاء ومن منع أكل مال اليتيم منع إتالفه‪ ،‬وقيل لفظية لكن ينقل اللفظ عرفا إىل األعم‪ ،‬فتكون الداللة عليه حقيقة عرفية‪ ،‬وعلى هذين‬
‫القولني حترمي‬
‫ضرب الوالدين وحترمي إحراق مال اليتيم من املنطوق‪ ،‬وإن كانا بقرينة على األول منهما‪( .‬وإن خالفه) أي املفهوم أي املنطوق به‬
‫(فمخالفة) ويسمى مفهوم خمالفة ودليل خطاب قيل وحلن خطاب‪( .‬وشرطه) أي مفهوم املخالفة ليتحقق (أن ال يظهر لتخصيص‬
‫املنطوق بالذكر فائدة غري نفي حكم غريه) أي حكم السكوت‪( .‬كأم خرج) املذكور (للغالب يف األصح) كما يف قوله تعاىل‬
‫{وربائبكم الاليت يف حجوركم} إذ الغالب كون الربائب يف حجور األزواج أي تربيتهم‪ ،‬وقيل ال يشرتط انتفاء موافقة الغالب ألن‬
‫املفهوم من مقتضيات اللفظ فال يسقطه موافقة الغالب وهو مندفع مبا يأيت‪( .‬أو خلوف هتمة) من ذكر املسكوت كقول قريب عهد‬
‫باإلسالم لعبده حبضور املسلمني تصدق هبذا على املسلمني‪ ،‬ويريد وغريهم وتركه خوفا من هتمته بالنفاق‪( .‬أو ملوافقة الواقع)‪ ،‬كما يف‬
‫قوله تعاىل؛ {ال يتخذ املؤمنون الكافرين أولياء من دون املؤمنني} نزل يف قوم من املؤمنني والو اليهود دون املؤمنني‪( .‬أو) جلواب‬
‫(سؤال) عن املذكور‪( .‬أو لـ)ـبيان حكم (حادثة) تتعلق به‪( ،‬أو جلهل خبكمه) دون حكم املسكوت‪( ،‬أو عكسه) أي أو جلهل حبكم‬
‫املسكوت دون حكم املنطوق‪ ،‬وذلك كما لو سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم هل يف النعم السائمة زكاة‪ ،‬أو قبل حبضرته لفالن‬
‫غنم سائمة أو خاطب من جهل حكم الغنم السائمة دون املعلوفة‪ ،‬أو كان هو عاملا حبكم السائمة دون املعلوفة‪ ،‬فقال «يف الغنم‬
‫السمائمة زكاة»‪ .‬وإمنا مل جيعلوا جواب املسؤول واحلادثة صارفني للعام عن عمومه كنظريه هنا لقوة اللفظ فيه بالنسبة إىل مفهوم‬
‫املخالفة حىت عزى إىل الشافعي واحلنفية أن داللة العام على كل فرد من أفراده قطعية‪ ،‬وإمنا اشرتطوا للمفهوم انتفاء املذكورات ألهنا‬
‫فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها‪ ،‬وبذلك اندفع توجيه الوجه السابق واملقصود مما مر أنه ال مفهوم للمذكور يف األمثلة‬
‫املذكورة وحنوها‪ ،‬ويعلم حكم املسكوت فيها من خارج باملخالفة كما يف الغنم‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/24‬‬

‫املعلوفة ملا سيأيت‪ ،‬أو باملوافقة كما يف آية الربيبة للمعىن‪،‬ـ وهو أن الربيبة حرمت لئال يقع بينها وبني أمها التباغض لو أبيحت نظرا للعادة‬
‫يف مثل ذلك‪ ،‬سواء أكانت يف حجر اتلزوج أم ال وتق ّد م خالف يف أن الداللة يف مفهوم املوافقة على حكم املسكوت قياسية أو ال‪.‬‬
‫وقد حكيته هنا مع ما يرتتب عليه بقويل (وال مينع) ما يقتضي ختصيص املذكور بالذكر (قياس املسكوت باملنطوق)‪ ،‬بأن كان بينهما‬
‫علة جامعة لعدم معارضته له‪( ،‬فال يعمه) أي املسكوت املشتمل عى العلة (ملعروض) للمذكور من صفة أو غريها لوجود العارض‪ ،‬وإمنا‬
‫يلحق به قياسا‪( .‬وقيل يعمه) إذ عارضه بالنسبة إىل املسكوت كأنه مل يذكر فيمتنع القياس‪ ،‬وإمنا عربتـ كاألصل باملعروض أي اللفظ‬
‫دون املوصوف لئال يتوهم‪ ،‬كما قال يف منع املانع اختصاص ذلك مبفهوم الصفة وليس كذلك‪( .‬وهو) أي مفهوم املخالفة مبعىن حمل‬
‫احلكم (صفة) أي مفهوم صفة واملراد هبا لفظ مقيد آلخر وليس بشرط وال استثناء وال غاية ال النعت فقط (كالغنم السائمة وسائمة‬
‫األو ل من يف الغنم السائمة زكاة‪ ،‬ويف الثاين من يف سائمة الغنم زكاة قدم من تأخري وكل منهما يروى‬ ‫الغنم) أي الصفة كالسائمة يف ّ‬
‫حديثا‪( .‬وكالسائمة) من يف السائمة زكاة (يف األصح) املعز‪ ،‬وللجمهور لداللته على السوم الزائد على الذات خبالف اللقب‪ ،‬وقيل‬
‫مر آنفا‪( .‬واملنفي) عن حملية الزكاة (يف) املثالني (األولني‬
‫ليس من الصفة‪ ،‬ورجحه األصل الختالل الكالم بدونه كاللقب ودفع مبا ّ‬
‫معلوفة الغنم على املختار) فيهما‪ ،‬وهو ما رجحه اإلمام الرازي وغريه‪.‬‬
‫( ويف) املثال (الثالث معلوفة النعم) من إبل وبقر وغنم‪ ،‬وقيل املنفي يف األولني معلوفة النعم ومل يرجح األصل منهما شيئا‪ ،‬بل قال وهل‬
‫األولني مع ذكره يف الثالث من زياديت‪ ،‬وقد بينت ما يف الثالث‬ ‫املنفي غري سائمتها أو غري مطلق السوائم؟ قوالن‪ .‬فالرتجيح يف املنفي يف ّ‬
‫األو لني كاألصل هنا أوىل من فرقه يف منع املوانع بينهما بأن اخلالف خاص بأوهلما‪ ،‬وبأن املنفي يف الثاين‬
‫وما ذكرته من اجلمع بني ّ‬
‫سائمة غري الغنم ال غري السائمة بناء على أن الصفة فيه لفظ الغنم على وزان «مطلـ الغين ظلم»‪.‬‬
‫( ومنها) أي من الصفة باملعىن السابق (العلة) حنو أعط السائل حلاجته أي احملتاج دون غريه‪( .‬والظرف) زمانا أو مكانا حنو سافر غدا أي‬
‫ال يف غريه‪ ،‬واجلس أمام فالن أي ال يف غريه من بقية جهائه‪( .‬واحلال) حنو أحسن إىل العبد مطيعا أي ال عاصيا‪( .‬والشرط) حنو {وإن‬
‫حتل له من بعد حىت‬
‫عليهن‪( .‬وكذا الغاية) يف األصح حنو {فإن طلقها فال ّ‬
‫ّ‬ ‫فغريهن ال جيب اإلنفاق‬
‫ّـ‬ ‫عليهن} أي‬
‫ّ‬ ‫كن أوالت محل فأنفقوا‬
‫ّ‬
‫تنكح زوجا غريه} أي فإذا نكحته حتل لألول بشرطه‪ ،‬وقيل الغاية منطوق أي باإلشارة لتبادره إىل األذهان‪ ،‬وأجاب األول بأنه ال يلزم‬
‫من ذلك أن يكون منطوقا‪( .‬وتقدمي املعمول) بقيد زدته بقويل (غالبا) يف األصح حنو {إياك نعبد} أي ال غريك‪ ،‬وقيل ال يفيد احلصر‪،‬‬
‫وإمنا أفاده يف {إياك نعبد} للقرينة‪ ،‬وهي العلم بأن قائليه أي املؤمنني ال يعبدون غري ذلك‪( .‬والعدد) يف األصح حنو {فاجلدوهم مثانني‬
‫جلدة} أي ال أكثر وال أقل‪ ،‬وهذا ما نقله الشيخ أبو حامد وغريه عن الشافعي وإمام احلرمني عنه وعن اجلمهور‪ ،‬وقيل ليس منها‪.‬‬
‫وعزاه النووي إىل مجاهري األصوليني‪ ،‬لكن تعقبه ابن الرفعة وتعجب منه مع أن ما نقله معارض مبا مر عن اإلمام‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/25‬‬

‫( ويفيد احلصر إمنا بالكسر يف األصح) الشتماهلا على نفي واستثناء تقديرا حنو {إمنا إهلكم اهلل} أي ال غريه واإلله املعبود حبق وحنو إمنا‬
‫زيد قائم أي ال قاعد مثالً‪ ،‬وقيل ليست للحصر ألهنا إ ّن املؤكدة وما الزائدة الكافة فال نفي فيها‪ ،‬وقيل للحصر منطوقا أي باإلشارة أما‬
‫أمنا بالفتح حنو {اعلموا أمنا احلياة الدنيا لعب وهلو وزينة} اآلية فليست حلصر بناء على بقاء أن فيها على مصدريتها مع كفها مبا‪،‬‬
‫واملعىن اعلموا حقارة الدنيا فال تؤثروها على اآلخرة اجلليلة‪ ،‬فبقاء أن يف اآلية على املصدرية كاف يف حصول املقصود هبا من حتقري‬
‫الدنيا‪ ،‬وقيل للحصر كأصلها إمنا بالكسر‪ ،‬واملراد أن الدنيا ليست إال هذه األمور احملقرات أي ال القرب فإهنا من أمور اآلخرة لظهور‬
‫بويل أي ناصر‪.‬‬ ‫الويل أي فغريه ليس ّ‬
‫مثرهتا فيها بقويل من زياديت يف األصح راجع إىل املسائل األربع (و) حنو (ضمري الفصل)حنو فاهلل هو ّ‬
‫(و) حنو (ال وإال االستثنائية) حنو ال عامل إال زيد‪ ،‬وما قام إال زيد منطوقهما نفي العلم والقيام عن غري زيد ومفهومهما إثبات العلم‪،‬‬
‫والقيام لزيد‪ ،‬ومما يفيد احلصر حنو العامل زيد وصديقي زيد‪ ،‬وذلك مفاد من زياديت حنو وقد يفاد أيضا من قويل كاألصل‪ ،‬ومنها ورتبته‬
‫قبل الشرط‪( .‬وهو) أي األخري وهو حنو ال وإال االستثنائية (أعالها) أي أنواع مفهوم املخالفة إذ قيل إنه منطوق أي صراحة لسرعة‬
‫تبادره إىل األذهان‪ ،‬وبه يعلم أن يف كون هذا من الصفة خالفا أيضا‪( .‬فما قيل) فيه إنه (منطوق) أي إشارة كنعت وحال وظرف وعلة‬
‫مناسبات (كالغاية وإمنا) والعدد (فالشرط) إذ مل يقل أحد إنه منطوق‪( .‬فصفة أخرى مناسبة) للحكم ألن بعض القائلني بالشرط خالف‬
‫يف الصفة‪( .‬و) صفة (غري مناسبة) كاملذكورات الغري املناسبة فهو سواء‪( .‬فالعدد) إلنكار كثري له دون ما قبله كما‪( .‬فتقدمي املعمول)‬
‫مر‪( .‬واملفاهيم) املخالفة (حجة لغة يف األصح)‪،‬‬ ‫آخر املفاهيم ألنه ال يفيد احلصر يف كل صورة كما ّ‬
‫الغين املسكوت» ظلم» إنه يدل على أن مطلـ غري الغين ليس بظلم وهم إمنا‬ ‫لقول كثري من أئمة اللغة هبا‪ ،‬فقال مجع منهم يف خرب «مطل ّ‬
‫يقولون يف مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب‪ ،‬وقيل حجة شرعا ملعرفة ذلك من موارد كالم الشارع‪ ،‬وقيل حجة معىن وهو أنه لو‬
‫مل ينف املذكور احلكم عن املسكوت مل يكن لذكره فائدة‪ ،‬وأنكر بعضهم مفاهيم املخالفة كلها مطلقا‪ ،‬وإن قال يف املسكوت خبالف‬
‫حكم املنطوق فألمر آخر كما يف انتفاء الزكاة عن املعلوفة قال األصل عدم الزكاة وردت يف السائمة فبقيت املعلوفة على األصل‪،‬‬
‫وأنكرها بعضهم يف اخلرب حنو يف الشام الغنم السائمة‪ ،‬فال ينفي املعلوفة عنها ألن اخلرب له خارجي جيوز اإلخبار ببعضه فال يتعني القيد‬
‫مر فال خارجي له فال فائدة للقيد فيه إال النفي‪ ،‬وأنكرها‬ ‫فيه للنفي خبالف اإلنشاء حنو زكوا عن الغنم السائمة‪ ،‬وما يف معناه مما ّ‬
‫بعضهم يف غري الشرع من كالم املؤلفني والواقفني لغلبة الذهول عليهم خبالفه يف الشرع من كالم اهلل تعاىل ورسوله‪ .‬واعتمده السبكي‬
‫والربماوي قال وهو ظاهر املذهب وأنكر بعضهم صفة ال تناسب احلكم‪ ،‬كأن يقول الشارع يف الغنم العفر الزكاة فهي كاللقب خبالف‬
‫املناسبة كالسوم خلفة مؤنة السائمة فهي كالعلة‪ ،‬وظاهر أن حمل العمل مبفهومات املذكورات إذا مل يعارضه معارض أقوى وإال قدم‬
‫األقوى كخربي «إمنا الربا يف النسيئة» و«إمنا الوالء ملن أعتق» فإهنما معارضان باإلمجاع‪ ،‬أما مفهوم املوافقة فاتفقوا على حجيته وإن‬
‫مر ‪( .‬وليس منها) أي من املفاهيم املخالفة (اللقب) علما كان أو اسم جنس أو اسم مجع (يف‬ ‫اختلفوا يف طريق الداللة عليه كما ّ‬
‫األصح) كما قال به مجاهري األصوليني‪ ،‬وقيل منها حنو على زيد حج‪ ،‬أي ال على غريه‪ ،‬إذ ال فائدة لذكره إال نفي احلكم عن غريه‪.‬‬
‫وأجيب بأن نفي احلكم عن غريه إمنا كان للقرينة وبأن فائدة ذكره استقامة الكالم‪ ،‬إذ بإسقاطه ختتل الصفة‪.‬‬

‫‪---‬‬

‫( ‪)1/26‬‬

‫(مسألة من األلطاف) مجع لطف مبعىن ملطوف أي من األمور امللطوف بالناس هبا‪( .‬حدوث املوضوعات اللغوية) بإحداث هلل تعاىل‪،‬‬
‫وإن قيل واضعها غريه من العباد ألنه اخلالق ألفعاهلم وفائدهتا أن يصرب كل أحد من الناس عما يف نفسه مما حيتاجه لغريه ليعاونه عليه‬
‫لعدم استقالله به‪( .‬وهي) يف الداللة على ما يف النفس (أفيد من اإلشارة واملثال) أي الشكل ألهنا تعم املوجود واملعدوم‪ ،‬ومها خيصان‬
‫املوجود احملسوس‪( .‬وأيسر) منهما أيضا ملوافقتها لألمر الطبيعي دوهنما ألهنا كيفيات تعرض للنفس الضروري (وهي ألفاظ)‪ ،‬ولو مق ّدرة‬
‫أو مركبة ولو تركيبا إسناديا (دالة على معان) خرج باأللفاظ الدوال األربع‪ ،‬وهي اخلطوط والعقود واإلشارات والنصب‪ ،‬ومبا بعدها‬
‫األلفاظ املهملة‪( .‬و) إمنا (تعرف بالنقل) تواترا كالسماء واألرض واحلر والربد ملعانيها املعروفة أو آحادا كالقرء للحيض وللطهر‪.‬‬
‫(وباستنباط العقل منه) أي من النقل حنو اجلمع املعرف بالالم عام‪ ،‬فإن العقل يستنبطه مما نقل أن هذا اجلمع يصح االستثناء منه بأن‬
‫يضم إليه‪ ،‬وكل ما صح االستثناء منه مما ال حصر فيه فهو عام للزوم تناوله للمستثىن‪ ،‬فعلم أهنا ال تعرف مبجرد العقل‪ ،‬إذ ال جمال له يف‬
‫تصوره من الشركة فيه كمدلول زيد فجزئي‪ ،‬وإن مل مينع منها كمدلول‬ ‫ذلك (ومدلول اللفظ) إما (معىن جزئي أو كلي) ألنه إن منع ّ‬
‫اإلنسان فكلي‪( ،‬أو لفظ مفرد) إما مستعملـ كمدلول الكلمة مبعىن ما صدقها كرجل وضرب وهل‪ ،‬أو مهمل كمدلول أمساء حروف‬
‫اهلجاء كحروف جلس أي جه له سه‪( .‬أو) لفظ (مركب) إما مستعملـ كمدلول لفظ اخلرب أي ما صدقه كقام زيد أو مهمل كمدلول‬
‫لفظ اهلذيان‪ ،‬وسيأيت ذلك يف مبحث األخبار مع زيادة وإطالق املدلول على املاصدق كما هنا شائع‪ ،‬واألصل إطالقه على املفهوم وهو‬
‫ما وضع له اللفظ‪( .‬والوضع) الشاملـ للغوي والعريف والشرعي (جعل اللفظ دليل املعىن) فيفهمه منه العارف لوضعه له‪( .‬وإن مل يناسبه‬
‫يف األصح) ألن اللفظ عالمة للمعىن‬
‫بطريق الوضع‪ ،‬وألن املوضوع للضدينـ كاجلون لألسود واألبيض ال يناسبهما‪ ،‬واشرتط عباد الصيمري من املعتزلة مناسبته له‪ ،‬قال وإال‬
‫فلم اختص به‪ ،‬وعليه فقيل أراد أهنا حاملة على الوضع على وفقها فيحتاج إليه‪ ،‬وقيل أراد أهنا كافية يف داللة اللفظ على املعىن‪ ،‬فال‬
‫حيتاج إىل الوضع يدرك ذلك من خصه اهلل به كما يف القافة ويعرفه غريه منه‪.‬‬
‫حكي أن بعضهم كان يدعي أنه يعلم املسميات من األمساء فقيل له ما مسمى آدغاغ وهو من لغة الرببر؟ فقال أجد فيه يبسا شديدا‬
‫وأراه اسم احلجر وهو كذلك‪ .‬قال األصفهاين والثاين هو الصحيح عن عباد‪( .‬واللفظ) الدال على معىن ذهين خارجي أي له وجود يف‬
‫الذهن باإلدراك‪ ،‬ووجود يف اخلارج بالتحققـ كاإلنسان خبالف املعدوم ال وجود له يف اخلارج كبحر من زئبق‪( .‬موضوع للمعىن الذهين‬
‫على املختار) وفاقا لإلمام الرازي وغريه‪ ،‬ألنا إذا رأينا جسما من بعيد وظنناه صخرة مسيناه هبا‪ ،‬فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان وظنناه‬
‫طريا مسيناه به‪ ،‬فإذا دنونا منه عرفنا أنه إنسان مسيناه به‪ ،‬فاختلف االسم الختالف املعىن الذهين‪ ،‬وذلك يدل على أن الوضع له واجلواب‬
‫بأن اختالف االسم لذلك الظن أنه يف اخلارج كذلك‪ ،‬فاملوضوع له ما يف اخلارج والتعبري عنه تابع إلدراك الذهن له حسبما أدركه‬
‫مردود بأنه ال يلزم من كون االختالف لظن ما ذكر أن يكون اللفظ موضوعا للمعىن اخلارجي‪ .‬وقيل موضوع للمعىن اخلارجي ألن به‬
‫تستقر األحكام ورجحه األصل‪ ،‬وقيل موضوع للمعىن من حيث هو من غري تقييد بذهين أو خارجي‪ ،‬واختاره السبكي‪ .‬قال ابنه يف‬ ‫ّ‬
‫منع املوانع واخلالف يف اسم اجلنس أي يف النكرة إذ املعرفة منه ما وضع للخارجي‪ ،‬ومنه ما وضع للذهين كما سيأيت‪ .‬وهذا التقييد‬
‫يؤيد ما اخرتته إذ النكرة موضوعة لفرد شائع من احلقيقة وهو كلي ال يوجد مستقالً إال يف الذهن كما أوضحته يف احلاشية‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/27‬‬

‫( وال جيب) هو أوىل من قوله وليس (لكل معىن لفظ بل) إمنا جيب (ملعىن حمتاج للفظ) إذ أنواع الروائح مع كثرهتا ليس هلا ألفاظ لعدم‬
‫انضباطها‪ ،‬ويدل عليها بالتقييد كرائحة كذا‪ ،‬فليست حمتاجة إىل األلفاظ وبل هنا انتقالية ال إبطالية‪( .‬واحملكم) من اللفظ (املتضح العىن)‬
‫نص أو ظاهر (واملتشابه) منه (غريه) أي غري املتضح املعىن ولو للراسخ يف العلم‪( .‬يف األصح) بناء على أن الوقف يف اآلية املشار‬
‫من ّ‬
‫إليها بعد على إال اهلل‪( .‬وقد يوضحه اهلل لبعض أصفيائه) معجزة أو كرامة‪ ،‬وقيل هو غري متضح املعىن لغري الراسخ يف العلم بناء على أن‬
‫الوقف يف اآلية على {والراسخون يف العلم} واالصطالح املذكور مأخوذ من قوله تعاىل {منه آيات حمكمات} إىل آخره‪ .‬وذكر‬
‫اخلالف من زياديت وتعريفي للمتشابه مبا ذكر أوىل من قوله واملتشابه ما استأثر اهلل بعلمه ألن ذاك تعريف بامللزوم‪( .‬واللفظ الشائع) بني‬
‫خفي عليهم ال يدركونه وإن أدركه اخلواص‪( .‬كقول‬ ‫اخلواص والعوام‪( .‬ال جيوز وضعه ملعىن خفي على العوام) المتناع ختاطبهم مبا هو ّ‬
‫مثبيت احلال) أي الواسطة بني املوجود واملعدوم كما سيأيت أواخر الكتاب‪( .‬احلركة معىن يوجب حترك الذات) أي اجلسم‪ ،‬فإن هذا‬
‫خفي التعقل على العوام‪ ،‬فال يكون معىن احلركة الشائعة بني اجلميع ومعناها الظاهر حترك الذات أو انتقاهلا‪.‬‬
‫املعىن ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/28‬‬

‫(مسألة املختار) ما عليه اجلمهور‪( .‬أن اللغاتـ توقيفية) أي وضعها اهلل تعاىل فعربوا عن وضعه هلا بالتوقيف إلدراكه به‪( .‬علمها اهلل)‬
‫تدل من يسمعها من العباد‬‫عباده (بالوحي) إىل بعض أنبيائه وهو الظاهر ألنه املعتاد يف تعليم اهلل‪( .‬أو خبلق أصوات) يف أجسام بأن ّ‬
‫عليها‪( .‬أو) خلق (علم ضروري) يف بعض العباد هبا واحتج للقول بالتوقيف بقوله تعاىل {وعلم آدم األمساء كلها} أي األلفاظ الشاملة‬
‫لألمساء واألفعال واحلروف‪ ،‬ألن كالً منها اسم أي عال مبسماه إىل الذهن أو عالمة عليه‪ ،‬وختصيص االسم ببعضها عرف طرأ وتعليمه‬
‫دال على أنه الواضع دون البشر‪ ،‬وقيل هي اصطالحية ال توقيفية أي وضعها البشر واحد أو أكثر وحصل عرفاهنا منه لغريه‬ ‫تعاىل ّ‬
‫باإلشارة والقرينة‪ ،‬كالطفل‪ ،‬أذ يعرف لغة أبويه هبما‪ ،‬واحتج هلذا القول بقوله تعاىل {وما أرسلنا من رسول إال بلسان قومه} أي‬
‫بلغتهم فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي لتأخرت عنها‪ ،‬وقيل القدر احملتاج إليه يف التعريف هبا للغري توقيفي‬
‫لدعاء احلاجة إليه وغريه حمتمل‪ ،‬وقيل القدر احملتاج إليه يف التعريف اصطالحي وغري حمتمل‪ ،‬واحلاجة إىل األول تندفع باالصطالح‪،‬‬
‫وتوقف كثري من العلماء عن القول بواحد من هذه األقوال لتعارض أدلتها‪.‬‬
‫( و) املختار(أن التوقيف مظنون) لظهور دليله دون دليل االصطالح‪ ،‬إذ ال يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطالحية جلواز أن‬
‫النبو ة والرسالة‪( .‬وأن اللغة ال تثبت قياسا) أي به بقيد زدته بقويل (فيما يف معناه وصف)‬
‫تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بني ّ‬
‫فإذا اشتمل معىن اسم على وصف مناسب للتسمية كاخلمر أي املسكر من ماء العنب لتخمريه أي تغطيته للعقل ووجد ذلك الوصف‬
‫يف معىن اسم آخر كالنبيذ أي املسكر من غري ماء العنب مل يثبت له بالقياس ذلك االسم لغة‪ ،‬فال يسمى النبيذ مخرا‪ ،‬إذ ما من شيء إال‬
‫وله اسم لغة فال يثبت له اسم آخر قياسا‪ ،‬كما إذا ثبت لشيء حكم بنص مل يثبت له حكم آخر قياسا‪ ،‬وقيل يثبت به فيسمى النبيذ‬
‫مخرا فيجب اجتنابه بآية {إمنا اخلمر وامليسر} ال بالقياس على اخلمر‪ ،‬فإن قلت ينبغي ترجيحه فقد قال به الشافعي حيث قاس النباش‬
‫بالسارق فأوجب القطع وقاس النبيذ باخلمر فأوجب احل ّد‪ .‬قلنا قاس شرعا ال لغة إذ زوال العقلـ وأخذ مال الغري خفية وصف مناسب‬
‫للحكم ال أنه قاس وصف النباش ووصف النبيذ بوصف السارق ووصف اخلمر‪ ،‬وقيل تثبت به احلقيقة دون اجملاز ألنه أخفض رتبة‬
‫منها‪ ،‬وقيل غري ذلك والرتجيح من زياديت ومبا تقرر علم أن حمل اخلالف يف غري األعالم‪ ،‬وفيما مل يثبت تعميمه باستقراء‪ ،‬فاألعالم ال‬
‫قياس فيها اتفاقا‪ ،‬وما ثبت تعميمه باستقراء كرفع الفاعل ونصب املفعول ال حاجة يف ثبوت ما مل يسمع منه إىل قياس حىت خيتلف يف‬
‫ثبوته‪ ،‬مع أنه ال يتحقق يف جزئياته أصل وفرع‪ ،‬ألن بعضها ليس أوىل من بعض بذلك‪ ،‬وخرج مبا يف معناه وصف غريه فال قياس فيه‬
‫اتفاقا ال النتفاء اجلامع‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/29‬‬

‫تصور معناه) أي معىن اللفظ املذكور (الشركة) فيه من‬‫(مسألة اللفظ) املفرد (واملعىن إن احتدا) بأن كان كل منهما واحدا (فإن منع ّ‬
‫تصور معناه الشركة فيه (فكلي) سواء امتنع‬
‫اثنني مثالً (فجزئي) أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا حقيقيا كزيد‪( .‬وإال) أي وإن مل مينع ّ‬
‫وجود معناه كاجلمع بني الضدين أم أمكن ومل يوجد منه كبحر زئبيق أو وجد وامتنع غريه كاإلله أي املعبود حبق‪ ،‬أو أمكن ومل يوجد‬
‫كالشمس أي الكوكب النهاري املضيء‪ ،‬أو وجد كاإلنسان أي احليوان الناطق‪ ،‬وما مر من تسمية املدلول جزئيا وكليا هو احلقيقة‪،‬‬
‫وما هنا جماز من تسمية الدال باسم املدلول‪( .‬متواطىء) ذلك الكلي‪( .‬إن استوى) معناه يف أفراده كاإلنسان فإنه متساوي املعىن يف‬
‫أفراده من زيد وعمرو وغريمها مسي متواطئا من التواطؤ أي التوافق لتوافق أفراد معناه فيه‪( .‬وإال) فإن تفاوت معناه يف إفراده بالشدة أو‬
‫التقدم كالبياض‪ ،‬فإن معناه يف الثلج أشد منه يف العاج‪ ،‬وكالوجود فإن معناه يف الواجب قبله يف املمكن‪( ،‬فمشكك) مسي به لتشكيكه‬
‫الناظر فيه يف أنه متواطىء نظرا إىل جهة اشرتاك األفراد يف أصل املعىن أو غري متواطىء نظرا إىل جهة االختالف‪( .‬وإن تعددا) أي اللفظ‬
‫واملعىن كاإلنسان والفرس‪( .‬فمباين) أي كل من اللفظني لآلخر مباينا له ملباينة معىن كل منهما ملعىن اآلخر‪( .‬أو) تعدد (اللفظ فقط) أي‬
‫دون املعىن كاإلنسان والبشر‪( .‬فمرادف) كل من اللفظني لآلخر مسى مرادفا له ملرادفته له أي موافقته له يف معناه‪( .‬وعكسه) وهو أن‬
‫يتعدد املعىن دون اللفظ كأن يكون للفظ معنيان‪( .‬إن كان) أي اللفظ (حقيقة فيهما) أي يف املعنيني كالقرء للحيض والطهر‪.‬‬
‫(فمشرتك) الشرتاك املعنيني فيه‪( .‬وإال فحقيقة وجماز) كاألسد للحيوان املفرتس وللرجل الشجاع‪ ،‬وإمنا مل يقولوا أو جمازان أيضا‪ ،‬مع أنه‬
‫يتجو ز يف اللفظ من غري أن يكون له معىن حقيقي كما هو األصح اآليت‪ ،‬كأنه‪ ،‬ألن هذا القسم مل يثبت وجوده‪.‬‬ ‫جيوز أن ّ‬
‫( والعلم ما) أي لفظ (عني مسماه) خرج النكرة (بوضع) خرج بقية املعارف فإن كالً منها مل يعني مسماه بالوضع بل بأمر آخر‪ ،‬فأنت‬
‫مثالً إمنا يعني مسماه بقرينة اخلطاب ال بوضعه‪ ،‬فإنه إمنا وضع ملا يستعمل فيه من أي جزئي وما ذكرته أوىل من قوله ما وضع ملعىن ال‬
‫يتناول غريه‪( .‬فإن كان تعيينه) أي املسمى (خارجيا فعلمـ شخص) فهو ما عني مسماه يف اخلارج بوضع‪ ،‬فال خيرج العلمـ العارض‬
‫االشرتاك كزيد مسي به كل من مجاعة‪( .‬وإال) بأن كان تعيينه ذهنيا‪( ،‬فعلم جنس)‪ .‬فهو ما عني مسماه يف الذهن بوضع بأن يالحظ‬
‫وجوده فيه كأسامة علم للسبع أي ملاهيته احلاضرة يف الذهن‪ .‬وأما اسم اجلنس ويسمى املطلق‪ ،‬فهو عند مجع من احملققني ما وضع‬
‫لشائع يف جنسه‪ ،‬وسيأيت إيضاحه يف حبث املطلق وعند األصل تبعا جلمع وهو املختار ما وضع للماهية املطلقة أي من غري أن تعني يف‬
‫اخلارج أو يف الذهن كأسد اسم ملاهية السبع واستعماله فيها كأن يقال أسد أجرأ من ثعلب‪ ،‬كما يقال أسامة أجرأ من ثعالة‪ ،‬ويدل‬
‫على اعتبار التعيني يف علم اجلنس إجراء األحكام اللفظية لعلم الشخص عليه كمنع الصرف مع تاء التأنيث‪ ،‬وإيقاع احلال منه حنو هذا‬
‫أسامة مقبالً‪ ،‬واستعمال علم اجلنس أو اسم اجلنس على القول الثاين معرفا أو منكرا يف الفرد املعني أو املبهم من حيث اشتماله على‬
‫املاهية حقيقي حنو هذا أسامة أو األسد أو أسد‬

‫( ‪)1/30‬‬

‫أو إن رأيت أسامة أو األسد أو أسدا ففر منه‪.‬‬


‫(مسألة االشتقاق) هو لغة االقطاع‪ ،‬واصطالحا من حيث قيامه بالفاعل‪( .‬رد لفظ إىل) لفظ (آخر)‪ .‬وإن كان اآلخر جمازا (ملناسبة‬
‫بينهما يف املعىن) بأن يكون معىن الثاين يف األول‪( .‬و) يف (احلروف األصلية) بأن تكون فيهما على ترتيب واحد كما يف الناطق من‬
‫النطق مبعىن التكلم حقيقة‪ ،‬ومبعىن الداللة جمازا كما يف قولك احلال ناطقة بكذا أي دالة عليه‪ ،‬وقد ال يشتق من اجملاز كما يف األمر مبعىن‬
‫الفعلـ جمازا كما سيأيت‪،‬‬
‫وقضية الرد ما صرح به األصل أنه ال بد يف حتقيق االشرتاك من تغيري بني اللفظني حتقيقا كما يف ضرب من الضرب‪ ،‬أو تقديرا كما يف‬
‫طلب من الطلب وحلب من احللب‪ .‬فتقدر فتحة الالم يف الفعلـ غريها يف املصدر كما قدروا ضم النون يف جنب مجعا غريها فيه مفردا‪،‬‬
‫مث ما ذكر تعريف لالشتقاق املراد عند اإلطالق وهو الصغري‪ ،‬أما الكبري فليس فيه الرتتيب كما يف اجلبذ واجلذب‪ ،‬واألكرب ليس فيه مجيع‬
‫األصول كما يف الثلم والثلب‪ ،‬ويقال فيها أيضا أصغر وصغري وكبري وأصغر وأوسط وأكرب‪( .‬وقد يطرد) املشتق كاسم (الفاعل) حنو‬
‫ضارب لكل من وقع منه الضرب (وقد خيتص) بشيء (كالقارورة) من القرار للزجاجة املعروفة دون غريها مما هو مقر للمائع ككوز‪.‬‬
‫يشتق منه) أي من الوصف أي لفظه‪( .‬اسم عندنا) خالفا للمعتزلة يف جتويزهم‬ ‫(ومن مل يقم) أي يتعلق (به) من األشياء (وصف مل ّ‬
‫ذلك حيث نفوا عن اهلل تعاىل صفاته الذاتية اجملموعة يف قول القائل‬
‫حياة وعلم قدرة وإرادة‬
‫ومسع وأبصار كالم مع البقا‬
‫ووافقوا على أنه عامل قادر مريد مثالً‪ ،‬لكن قالوا بذاته ال بصفات زائدة عليها متكلم‪ ،‬لكن مبعىن أنه خالق الكالم يف جسم كالشجرة‬
‫اليت مسع منها موسى عليه السالم بناء على أن الكالم عندهم ليس إال باحلروف واألصوات املمتنع اتصافه تعاىل هبا‪ ،‬ففي احلقيقة مل‬
‫خيالفوا فيها هنا‪ ،‬ألن صفة الكالم مبعىن خلقه ثابتة له تعاىل‪ ،‬وكذا بقية الصفات الذاتية‪ ،‬وإمنا ينفون زيادهتا على الذات ويزعمون أهنا‬
‫نفس الذات فرارا بذلك من تعدد القدماء على أن تعددها‪ ،‬إمنا هو حمذور يف ذوات ال يف ذات وصفات‪ ،‬وبنوا على جتويزهم املذكور ما‬
‫أمر‬
‫ذكره األصل هنا وغريه يف املسألة النسخ قبل الفعل من اتفاقهم على أن إبراهيم ذبح ابنه إمساعيل عليه الصالة والسالم‪ ،‬حيث ّ‬
‫عندهم آلة الذبح على حمله منه‪ ،‬واختالفهم هل إمساعيل مذبوح أو ال؟ فقيل نعم والتأم ما قطع منه‪ ،‬وقيل ال‪ .‬فالقائل هبذا أطلق الذابح‬
‫على من مل يقم به الذبح‪ ،‬لكن مبعىن أنه ممر آلته على حمله فما خالف يف احلقيقة‪ ،‬وعندنا مل ميرها عليه لنسخ الذبح قبل التمكن منه‬
‫لقوله تعاىل {وفديناه بذبح عظيم}‪.‬‬
‫( فإن قام به) أي بالشيء (ما) أي وصف (له اسم جواب)‪ .‬االشتقاق لغة من ذلك االسم ملن قام به الوصف كاشتقاق العامل من العلم‬
‫ملن قام به معناه‪( .‬وإال) أي وإن مل يقم به ذلك بأن قام به ما ليس له اسم كأنواع الروائح إذ مل يوضع هلا أمساء استغناء عنها بالتقييد‬
‫مر ‪( .‬مل جيز) أي االشتقاق الستحالته وهذا أوىل من قوله مل جيب‪( .‬واألصح أنه يشرتط بقاء) معىن (املشتق منه) يف‬ ‫كرائحة كذا كما ّ‬
‫احملل (يف كون املشتق) املطلق عليه (حقيقة إن أمكن) بقاء ذلك املعىن كالقيام‪( .‬وإال فآخر جزء) أي وإن مل ميكن بقاؤه كالتكلم‪ ،‬ألنه‬
‫بأصوات تنقضي شيئا فشيئا‪ ،‬فاملشرتط بقاء آخر جزء منه‪ ،‬فإذا مل يبق املعىن أو جزؤه األخري يف احملل يكون املشتق املطلق عليه جمازا‬
‫كاملطلق قبل وجود املعىن حنو {إنك ميت وإهنم ميتون} وقيل ال يشرتط ما ذكر فيكون املشتق املطلقـ بعد انقضائه حقيقة استصحابا‬
‫لإلطالق‪ ،‬وقيل بالوقف عن االشرتاط وعدمه لتعارض دليلهما‪ ،‬وإمنا عربتـ كاألصل بالبقاء الذي هو استمرار الوجود الكايف يف‬
‫مر‪ ،‬وقيل ما‬‫االشرتاط ليتأتى حكاية مقابله‪ ،‬وإمنا اعترب يف الشق الين آخر جزء لتمام املعىن به ويف التعبري فيه بالبقاء تسمح احتمل ملا ّ‬
‫حاصله حمل اخلالف إذا مل يطرأ على احملل وصف يضاد األول‪ ،‬فإن طرأ عليه ذلك كالسواد بعد البياض والقيام بعد القعود مل يسم احملل‬
‫رد ه دليل القول بعدم اشرتاط البقاء الذي ال يلتزم الراد فيه مذهبنا‪،‬‬
‫باألول حقيقة إمجاعا‪ ،‬وهذا القول مأخوذ من كالم اآلمدي يف ّ‬
‫واألصح جريان اخلالف‪ ،‬وقد بينت ما يف كالم اآلمدي يف احلاشية‪ ،‬وعلى اشرتاط ما ذكر بل وعلى عدمه أيضا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/31‬‬

‫( فاسم الفاعل) من مجلة املشتق (حقيقة يف حال التلبس) باملعىن أو جزئه األخري مطلقا‪( .‬ال) حال (النطق) باملشتق أيضا فقط خالفا‬
‫للقرايف حيث قال بالثاين‪ ،‬وبىن عليه سؤاله يف آيات {الزانية والزاين فاجلدوا} {والسارق والسارقة فاقطعوا} {فاقتلوا املشركني}‬
‫وحنوها أهنا إمنا تتناول من اتصف باملعىن بعد نزوهلا الذي هو حال النطق جمازا‪ ،‬واألصل عدم اجملاز قال واإلمجاع على تناوهلا له حقيقة‪،‬‬
‫وأجاب بأن املسألة حملها يف املشتق احملكوم به حنو زيد ضارب‪ ،‬فإن كان حمكوما عليه كما يف هذه اآليات فحقيقة مطلقا‪ .‬وقال‬
‫املعين باحلال حال التلبس باملعىن‪ ،‬وإن تأخر عن النطق باملشتق ال حال النطق به الذي هو حال‬
‫السبكي وتبعه ابنه يف دفع السؤال إن ّ‬
‫التلبس باملعىن أيضا فقط‪ .‬أي فاإلمجاع إمنا هو يف التناول ملن ذكره حال التلبس ال حال النطق‪ ،‬فاسم الفاعل مثالً حقيقة يف من هو‬
‫متصف باملعىن حني قيامه به حاضرا عند النطق أو مستقبالً وجماز يف من سيتصف به‪ ،‬وكذا فيمن اتصف به فيما مضى على الصحيح‪.‬‬
‫(وال إشعار للمشتق خبصوصية الذات) اليت دل هو عليها من كوهنا جسما أو غريه‪ ،‬ألن قولك مثالً األسود جسم صحيح ولو أشعر‬
‫األسود فيه باجلسمية لكان قولك اجلسم ذو السواد جسم وهو غري صحيح لعدم إفادته‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/32‬‬

‫( مسألة األصح أن) اللفظ (املرادف) آلخر (واقع) يف الكالم جوازا مطلقا كليث وأسد‪ ،‬وقيل ال‪ .‬وما يظن مرادفا كاإلنسان والبشر‬
‫فمباين بالصفة األول باعتبار النسيان وأنه يأنس‪ ،‬والثاين باعتبار أنه بادي البشرة أي ظاهر اجللد‪ ،‬وقيل ال يف األمساء الشرعية ألنه ثبت‬
‫على خالف األصل للحاجة إليه يف حنو النظم والسجع‪ ،‬وذلك منتف يف كالم الشارع‪( .‬و) األصح (أن احلد واحملدود) كاحليوان الناطق‬
‫واإلنسان (وحنو حسن بسن) أي االسم وتابعه كعطشان نطشان‪( ،‬ليسا منه) أي من املرادف أما األول فألن احلد يدل على أجزاء‬
‫املاهية تفصيالً واحملدود يدل عليها إمجاالً فهما متغايران‪ ،‬وألن الرتادف من عوارض املفردات‪ ،‬وقيل منه بقطع النظر عن اإلمجال‬
‫والتفصيل‪ ،‬وأما الثاين فألن التابع ال يفيد املعىن بدون متبوعه وقيل منه وقائله مينع ذلك‪( .‬والتابع) على األول (يفيد التقوية) للمتبوع‬
‫وإال مل يكن لذكره فائدة (و) األصح (أن كالً من املرادفني) ولو من لغتني (يقع) جوازا (مكان اآلخر) يف الكالم مطلقا‪ ،‬إذ ال مانع من‬
‫ذلك‪ ،‬وقيل ال‪ ،‬إذ لو أيت بكلمة فارسية مكان كلمة عربية يف كالم مل يستقم لغة الكالم‪ ،‬ألن ضم لغة إىل أخرى كضم مهمل‬
‫مر‪ ،‬وعلى األصح إمنا امتنع ذلك فيما تعبد بلفظه‬‫ومستعمل‪ ،‬وإذا عقلـ ذلك يف لغتني عقل مثله يف لغة‪ ،‬وقيل ال إن كانا من لغتني ملا ّ‬
‫كتكبرية اإلحرام عندنا للقادر عليها العارض شرعي‪ ،‬والبحث إمنا هو لغوي فال حاجة إىل التقييد بذلك وإن قيد به األصل‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/33‬‬

‫(مسألة األصح أن املشرتك) بني معنيني مثالً (واقع) يف الكالم (جوازا) كالقراء للطهر واحليض وعسعس ألقبل وأدبر والباء للتبعيض‬
‫يظن مشرتكا فهو إما حقيقة أو جماز أو متواطىء كالعني حقيقة يف الباصرة جماز يف غريها كالذهب‬ ‫واالستعانة وغريمها‪ .‬وقيل ال‪ ،‬وما ّ‬
‫لصفائه‪ ،‬وكالقرء موضوع للقدر املشرتك بني الطهر واحليض‪ ،‬وهو املع من قرأت املاء يف احلوض أي مجعته فيه‪ ،‬والدم جيتمع يف زمن‬
‫الطهر يف اجلسد ويف زمن احليض يف الرحم‪ ،‬وقيل ال يف القرآن واحلديث ألنه ولو وقع فيهما لوقع إما مبينا فيطول بال فائدة أو غري مبني‬
‫فال يفيد‪ ،‬والقرآن واحلديث ينزهان عن ذلك‪ .‬وأجيب باختيار الثاين ويفيد إرادة أحد معنييه الذي سيبني وإن مل يبني محل على معنييه‬
‫كما سيأيت‪ .‬وقيل جيب وقوعه ألن املعاين أكثر من األلفاظ الدالة عليها‪ .‬وأجيب مبنع ذلك إذ ما من مشرتك إال ولكل من معنييه مثالً‬
‫لفظ يدل عليه‪ ،‬وقيل هو ممتنع إلخالله بفهم املراد املقصود من الوضع‪ .‬وأجيب بأنه يفهم بالقرينة‪ ،‬واملقصود من الوضع الفهم التفصيلي‬
‫أو اإلمجايل املبني بالقرينة‪ .‬فإن انتفت محل على املعنيني‪ ،‬وقيل ممتنع من النقيضني فقط إذ لو وضع هلما لفظ مل يفد مساعه غري الرتدد‬
‫بينهما وهو حاصل يف العقل‪ .‬وأجيب بأنه قد يعقل عنهما فيستحضرمها بسماعه مث يبحث عن املراد منهما‪.‬‬
‫(و) األصح (أنه) أي املشرتك‪( .‬يصح لغة إطالقه على معنييه) مثالً (معا) بأن يراد به من متكلم واحد يف وقت واحد كقولك عندي‬
‫عني وتريد الباصرة واجلارية مثالً‪ .‬وقرأت هند وتريد طهرت وحاضت‪( .‬جمازا) ألنه مل يوضع هلما معا بل لكل منهما منفردا بأن تعدد‬
‫لألو ل ‪ .‬وعن الشافعي أنه حقيقة نظرا لوضعه لكل منهما وأنه ظاهر فيهما عند التجرد عن القرائن‪،‬‬ ‫الواضع أو وضع الواحد نسيانا ّ‬
‫وعن القاضي أيب بكر الباقالين أنه حقيقة‪ ،‬وأنه جممل لكن حيمل عليهما احتياطا‪ .‬وقيل يصح أن يراد به املعنيان عقالً ال لغة‪ ،‬وقيل يصح‬
‫ذلك يف النفي حنو ال عني عندي‪ ،‬ويراد به الباصرة والذهب مثالً دون اإلثبات حنو عندي عني ألن زيادة النفي على اإلثبات معهودة‪،‬‬
‫ورد بأن النفي ال يرفع إال ما يقتضيه اإلثبات واخلالف فيما إذا أمكن اجلمع بينهما‪ ،‬فإن امتنع كما يف استعمال صيغة أفعل يف طلب‬ ‫ّ‬
‫الفعلـ والتهديد عليه على القول اآليت إهنا مشرتكة بينهما فال يصح قطعا‪( .‬و) األصح (أن مجعه باعتبارمها) أي معنييه بناء على جواز‬
‫مجعه‪ ،‬وهو ما رجحه ابن مالك كقولك عندي عيون وتريد مثالً باصرتني وجارية أو باصرة وجارية وذهبا‪( .‬مبين عليه) أي على ما‬
‫ذكر من صحة إطالق اللفظ املشرتك املفرد عليهما معا كما أن املنع مبين على املنع‪ ،‬وقيل ال يبىن عليه فقط بل يأيت على القول باملنع‬
‫أيضا‪ ،‬ألن اجلمع يف ّقو ة تكرير املفردات بالعطف‪( .‬و) األصح (أن ذلك) أي ما ذكر من صحة إطالق اللفظ على معنييه معا جماز إىل‬
‫آخره‪( .‬آت يف احلقيقة واجملاز) كما يف قولك رأيت األسد وتريد احليوان املفرتس والرجل الشجاع‪ ،‬فيكون جمازا‪ .‬وقيل حقيقة وجمازا‪.‬‬
‫ومنع القاضي ذلك على ما نقله عنه األصل ملا فيه من اجلمع بني متنافيني حيث أريد باللفظ املوضوع له أو ال وغريه معا‪ .‬وأجيب مبنع‬
‫مر‪ ،‬وإذا علم صحة‬ ‫التنايف‪( .‬و) آت (يف اجملازين) كقولك واهلل ال أشرتي وتريد السوم والشراء بالتوكيل فيه‪ ،‬وقيل ال يأيت فيهما ملا ّ‬
‫إطالق اللفظ على حقيقته وجمازه‪( .‬فنحو افعلوا اخلري يعم الواجب واملندوب) محالً لصيغة افعل على احلقيقة واجملاز من الوجوب‬
‫والندب بقرينة كون متعلقهما كاخلري شامالً للواجب واملندوب‪ ،‬وقيل خيتص بالواجب بناء على أنه ال يراد اجملاز مع احلقيقة‪ .‬وقيل هو‬
‫للقدر املشرتك بني الواجب واملندوب أي مطلوب الفعل بناء على القول اآليت أن الصيغة حقيقة يف القدر املشرتك بني الوجوب والندب‬
‫أي طلب الفعل وإطالق احلقيقة واجملاز على املعىن كما هنا جمازي من إطالق اسم الدال على املدلول‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/34‬‬

‫( احلقيقة لفظ مستعمل) خرج اللفظ املهمل وما وضع ومل يستعمل‪( .‬فيما وضع له) خرج الغلط كقولك خذ هذا القوس مشرياـ إىل‬
‫محار‪( .‬أو ال) خرج اجملاز‪( .‬وهي لغوية) بأن وضعها أهل اللغة بتوقيف أو اصطالح كاألسد للحيوان املفرتس (وعرفية) بأن وضعها أهل‬
‫يدب على األرض أو اخلاص كالفاعل لالسم املعروف عند النحاة‪.‬‬ ‫العرف العام كالدابة لذات احلوافر كاحلمار‪ ،‬وهي لغة لكل ما ّ‬
‫(ووقعتا) أي اللغوية والعرفية خالفا لقوم يف العامة‪( .‬وشرعية) بأن وضعها الشارع كالصالة للعبادة املخصوصة فالشرعي ما مل يستفد‬
‫وضعه إال من الشرع‪( .‬واملختار وقوع الفرعية منها) أي من الشرعية كالصالة‪( .‬ال الدينية) أي املتعلقة بأصول الدين فإهنا يف الشرع‬
‫مستعملةـ يف معناها اللغوي كاإلميان فإنه كذلك‪ ،‬ومعناه اللغوي تصديق القلب‪ ،‬وإن اعترب الشارع يف االعتداد به التلفظ بالشهادتني من‬
‫القادر كما سيأيت‪ .‬ونفي قوم إمكان الشرعية بناء على أن بني اللفظ واملعىن مناسبة مانعة من نقله إىل غريه‪ ،‬وقوم وقوعها حمتجني بأن‬
‫لفظ الصالة مثالً مستعملـ يف الشرع يف معناه اللغوي أي الدعاء خبري‪ ،‬لكن اعترب الشارع يف االعتداد به أمورا كالركوع وغريه‪ ،‬وقال‬
‫قوم وقعت مطلقا‪ ،‬وقوم وقعت إال اإلميان فإنه يف الشرع مستعملـ يف معناه اللغوي كما مر‪( .‬واجملاز) يف اإلفراد وهو املراد عند‬
‫اإلطالق (لفظ مستعمل) فيما وضع له لغة أو عرفا أو شرعا (بوضع) خرج املهمل وما مل يستعمل والغلط‪( .‬ثان) خرج احلقيقة‬
‫(لعالقة) بفتح العني وكسرها أي علقة بني ما وضع له أوالً وما وضع له ثانيا حبيث ينتقل إليه الذهن بواسطتها خرج العلمـ املنقول‬
‫كالفضل‪ ،‬ويف تقييد الوضع دون االستعمال بالثاين إشارة إىل وجوب تقدم الوضع دون االستعمال وهو ما ذكرته مع زيادة بقويل‬
‫(فيجب سبق الوضع) للمعىن األول‪( .‬جزما ال) سبق (االستعمال) فيه فال جيب يف حتقيق اجملاز‪( .‬يف األصح)‪ .‬إذ ال مانع من أن يتجوز‬
‫يف اللفظ قبل استعماله فيما وضع له‬
‫أوالً‪ .‬فال يستلزم اجملاز للحقيقة كعكسه‪ ،‬وقيل جيب سبق االستعمال يف ذلك‪ ،‬وإال لعري الوضع األول عن الفائدة‪ .‬وأجيب حبصوهلا‬
‫باستعماله فيما وضع له ثانيا‪ ،‬وصحح األصل من عندياته أنه ال جيب ذلك إال يف مصدر اجملاز مبعىن أنه ال يتحقق يف املشتق جماز إال إذا‬
‫سبق استعمال مصدره حقيقة‪ ،‬وإن مل يستعمل املشتق حقيقة كالرمحن مل يستعمل إال يف اهلل تعاىل‪ ،‬ويف صحة ما صححه وقفة بينتها يف‬
‫احلاشية‪.‬‬
‫يظن جمازا حنو رأيت أسدا يرمى فحقيقة‪ ،‬ونفي‬ ‫( وهو) أي اجملاز (واقع) يف الكالم مطلقا (يف األصح) ونفى قوم وقوعه مطلقا قالوا وما ّ‬
‫قوم وقوعه يف الكتاب والسنة قالوا ألنه حبسبـ الظاهر كذب حنو قولك يف البليد هذا محار‪ ،‬وكالم اهلل ورسوله منزه عن الكذب‪.‬‬
‫وأجيب بأنه ال كذب مع اعتبار العالقة وهي يف ذلك املشاهبة يف الصفة الظاهرة أي عدم الفهم‪( .‬و) إمنا (يعدل إليه) عن احلقيقة اليت‬
‫هي األصل (لثقل احلقيقة) على اللسان كاخلنفقيق للداهية يعدل عنه إىل املوت مثالً‪( .‬أو بشاعتها) كاخلرأة بكسر اخلاء يعدل عنها إىل‬
‫الغائط وحقيقته املكان املطمئن (أو جهلها) للمتكلم أو املخاطب دون اجملاز‪( .‬أو بالغته) حنو زيد أسد فإنه أبلغ من شجاع‪( .‬أو‬
‫شهرته) دون احلقيقة‪( .‬أو غري ذلك) كإخفاء املراد عن غري املتخاطبني اجلاهل باجملاز دون احلقيقة وكإقامة وزن وقافية وسجع به دون‬
‫احلقيقة‪( .‬واألصح أنه) أي اجملاز (ليس غالبا على احلقيقة) يف اللغات‪ ،‬وقيل غالب عليها يف كل لغة ألنك تقول مثالً رأيت زيدا واملرئي‬
‫بعضه‪ ،‬وهذا ال يدل على املدعي كما بينته يف احلاشية‪( .‬وال) أي وأنه ليس (معتمدا) عليه (حيث تستحيل) احلقيقة بل ال بد من قرينة‬
‫للبنوة صونا‬
‫تدل له وخالف أبو حينفة حيث قال فيمن قال لعبده الذي ال يولد مثله ملثله هذا ابين أنه يعتق عليه وإن مل ينو العتق الالزم ّ‬
‫للكالم عن اإللغاء‪ .‬قلنا ال ضرورة إىل تصحيحه بذلك‪ ،‬وفارق هذا ما مر من أن احلقيقة إذا جهلت يعدل إىل اجملاز بأن ذاك يف‬
‫االستعمال‪ ،‬وهذا يف احلمل‪ ،‬وبأن ذلك بالنظر لتعدد اللفظ واحتاد املعىن‪ ،‬وهذا بالعكس أما إذا كان مثله يولد ملثله فيعتق عليه اتفاقا إن‬
‫مل يكن معروف النسب من غريه‪ ،‬وإال فكذلك على األصح مؤاخذة له بالالزم وإن مل يثبت اللزوم‪( .‬وهو) أي اجملاز (والنقل) املعلوم‬
‫من ذكر كل من احلقيقة الشرعية العرفية‪( .‬خالف األصل) الراجح فإذا احتمل لفظ معناه احلقيقي واجملازي أو املنقول عنه‪،‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/35‬‬

‫وإليه فاألصل محله على احلقيقي لعدم احلاجة فيه إىل قرينة أو على املنقول عنه استصحابا للموضوع له ّأوالً مثاهلما رأيت أسدا وصليت‬
‫أي حيوانا مفرتسا ودعوت خبري أي سالمة منه‪ ،‬وحيتمل الرجل الشجاع والصالة الشرعية‪( .‬و) اجملاز والنقل (أوىل من االشرتاك) فإذا‬
‫احتمل لفظ هو حقيقة يف معىن أن يكون يف آخر حقيقة وجمازا أو حقيقة ومنقوالً فحمله على اجملاز أو املنقول أوىل من محله على‬
‫احلقيقة املؤدي إىل االشرتاك‪ ،‬ألن اجملاز أغلب من املشرتك واملنقول ال ميتنع العمل به إلفراد مدلوله قبل النقل وبعده‪ ،‬خبالف املشرتك ال‬
‫يعمل به إال بقرينة تعني أحد معنييه مثالً إال إذا قيل حبمله عليهما‪ ،‬فاألول كالنكاح حقيقة يف العقد جماز يف الوطء‪ ،‬وقيل العكس‪ ،‬وقيل‬
‫مشرتك بينهما فهو حقيقة يف أحدمها حمتمل للحقيقة واجملاز يف اآلخر‪ ،‬والثاين كالزكاة حقيقة يف النماء أي الزيادة حمتمل فيما خيرج من‬
‫املال للحقيقة والنقل‪( .‬والتخصيص أوىل منهما) أي من اجملاز والنقل‪ ،‬فإذا احتمل الكالم ختصيصا وجمازا أو ختصيصا ونقالً فحمله على‬
‫التخصيص أوىل‪ ،‬أما األول فلتعني الباقي من العام بعد التخصيص خبالف اجملاز قد ال يتعني بأن يتعدد وال قرينة تعني‪ ،‬وأما الثاين‬
‫فلسالمةـ التخصيص من نسخ املعىن األول خبالف النقل‪ ،‬فاألول كقوله تعاىل {وال تأكلوا مما مل يذكر اسم اهلل عليه} فقال احلنفي أي‬
‫مما مل يتلفظ بالبسملة عند ذحبه وخص منه ناسيها فتحل ذبيحته وقال غريه أي مما مل يذبح تعبريا عن الذبح مبا يقارنه غالبا من التسمية‪،‬‬
‫فال حتل ذبيحة املتعمد لرتكها على األول دون الثاين‪ ،‬ويف اآلية تأويل آخر ذكرته يف احلاشية‪ ،‬والثاين كقوله تعاىل {وأحل اهلل البيع}‬
‫فقيل هو املبادلة مطلقاـ وخص منه الفاسد‪ ،‬وقيل نقل شرعا إىل املستجمع لشروط الصحة‪ ،‬ومها قوالن للشافعي‪ ،‬فما شك يف استجماعه‬
‫هلا حيل ويصح على األول‪ ،‬ألن األصل عدم فساده دون الثاين‪ ،‬ألن األصل عدم استجماعه هلا‪.‬‬
‫(‬
‫واألصح أن االضمار أوىل من النقل) لسالمته من نسخ املعىن األول‪ ،‬وقيل عكسه لعدم احتياج النقل إىل قرينة كقوله تعاىل {وحرم‬
‫الربا} فقال احلنفي أخذه وهو الزيادة يف بيع درهم بدرمهني مثالً‪ ،‬فإذا أسقطت صح البيع وارتفع اإلمث‪ ،‬وقال غريه نقل الربا شرعا إىل‬
‫العقد فهو فاسد‪ ،‬وإن أسقطت الزيادة يف ذلك واإلمث فيه باق‪ ،‬وترجيح هذا عندنا ال للنقل بل ملرجح خاص هو تنظري الربا بالبيع يف‬
‫قوله تعاىل حكاية عن الكفار {إمنا البيع مثل الربا} فإنه ظاهر يف العقد كما أوضحته يف احلاشية‪ ،‬وما ذكرته من اخلالف هو ما يف‬
‫األصل مع أنه مل يصرح فيه وال فيما يأيت أثره برتجيح‪ ،‬لكن قال الزركشي والعراقي املعروف تقدمي اإلضمار‪( .‬و) األصح (أن اجملاز‬
‫مسا ٍو لإلضمار) وقيل أوىل منه لكثرته‪ ،‬وقيل عكسه ألن قرينة اإلضمار متصلة كقوله لعبده الذي يولد مثله ملثله أو املشهور النسب من‬
‫غريه هذا ابين أي عتيق تعبريا عن الالزم بامللزوم فيعتق‪ ،‬أو مثل ابين يف الشفقة عليه فال يعتق‪ ،‬وتق ّدم ترجيح األول وترجيحه ال للمجاز‬
‫مر من أن التخصيص‬ ‫تشو ف الشارع إىل العتق على أن املختار يف الروضة أنه ال بد يف العتق من نية ويؤخذ مما ّ‬
‫بل ألمر آخر هنا وهو ّ‬
‫أوىل من اجملاز األوىل من االشرتاك‪ ،‬واملساوي لإلضمار األوىل من النقل أن التخصيص أوىل من االشرتاك واإلضمار‪ ،‬وأن اإلضمار أوىل‬
‫من االشرتاك‪ ،‬وأن اجملاز أوىل من النقل‪ ،‬والكل صحيح‪ ،‬ووجه األخري سالمة اجملاز من نسخ املعىن األول خبالف النقل‪ ،‬وقد تقدم هبذه‬
‫الظن‪ ،‬وقد أوضحت ذلك مع زيادة يف احلاشية‪.‬‬ ‫األربعة العشرة اليت ذكروها يف تعارض ما خيل بالفهم أي اليقني ال ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/36‬‬

‫( ويكون) اجملاز من حيث العالقة (بشكل) كالفرس لصورته املنقوشة (وصفة ظاهرة) كاألسد للرجل الشجاع دون األخبر لظهور‬
‫الشجاعة دون البخر لألسد املفرتس‪( .‬واعتبار ما يكون) يف املستقبل (قطعا) حنو {إنك ميت وإهنم ميتون} (أو ظنا) كاخلمر للعصري‬
‫كاحلر للعبد ال جيوز أما باعتبار ما كان كالعبد ملن عتق فتقدم يف االشتقاق‪( .‬ومضادة)‬ ‫خبالف ما يكون احتماالً مرجوحا أو مساويا ّ‬
‫للرب ية املهلكة (وجماورة)‪ .‬كالراوية لظرف املاء املعروف تسمية له باسم ما حيمله من مجل أو حنوه‪( .‬وزيادة) قالوا حنو {ليس‬ ‫كاملفازة ّ‬
‫كمثله شيء} فالكاف زائدة‪ ،‬وإال فهي مبعىن مثل فيكون له تعاىل مثل وهو حمال‪ ،‬والقصد هبذا الكالم نفيه‪ ،‬والتحقيق أهنا ليست زائدة‬
‫جتوز أي توسع بزيادة كلمة أو نقصها وإن مل يصدق على ذلك‬ ‫كما بينته يف احلاشية‪( .‬ونقص) حنو {واسأل القرية} أي أهلها فقد ّ‬
‫حد اجملاز السابق‪ ،‬وقيل يصدق عليه حيث استعمل مثل املثل يف املثل‪ ،‬والقرية يف أهلها‪ ،‬وقيد املطرزي كون كل من الزيادة والنقص‬
‫جمازا مبا إذا تغري به حكم وإال فال يكون جمازا‪ ،‬فلو قلت زيد منطلق وعمرو مل يكن حذف اخلرب جمازا ألن حكم الباقي مل يتغري‪ ،‬ويف‬
‫جتو ز ألنه ليس جمازا بل عالقة له‪( .‬وسبب ملسبب) حنو لألمري يد أي قدرة فهي مبعىن أثرها مسببة‬ ‫تسميته كالً من الزيادة والنقص جمازا ّ‬
‫عن اليد حلصوهلا هبا‪( .‬وكل لبعض) حنو {جيعلون أصابعهم يف آذاهنم} أي أناملهم‪( .‬ومتعلق) بكسر الالم (ملتعلق) بفتحها حنو هذا‬
‫خلق اهلل أي خملوقه‪ ،‬وهذه تسمى عالقة التعلق‪( .‬والعكوس) للثالثة األخرية أي مسبب لسببه كاملوت للمرض الشديد‪ ،‬ألنه سبب له‬
‫عادة وبعض لكل حنو فالن ملكـ ألف رأس غنم‪ ،‬ومتعلق بفتح الالم ملتعلق بكسرها حنو {أيكم املفتون} أي الفتنة‪( .‬وما بالفعل على ما‬
‫بالقوة) كاملسكر للخمر يف الد ّن وما زيد على هذه العالقات كإطالق الالزم على امللزوم‪ ،‬وعكسه يرجع إليها كأن يراد باجملاورة مثالً‬ ‫ّ‬
‫كما قال‬
‫التفتازاين ما يعم كون أحدمها يف اآلخر باجلزئية أو احللول‪ ،‬وكوهنما يف حمل‪ ،‬أو متالزمني يف الوجود أو العقلـ أو اخليال وغري ذلك‪.‬‬
‫( واألصح أنه) أي اجملاز أي مطلقه ال املعرف مبا مر قد‪( .‬يكون يف اإلسناد) ويسمى جمازا يف الرتكيب وجمازا عقليا وجمازا حكميا وجمازا‬
‫يف اإلثبات وإسنادا جمازيا‪ ،‬سواء أكان الطرفان حقيقتني أم ال‪ .‬وذلك بأن يسند الشيء لغري من هو له ملالبسة بينهم كقوله تعاىل {وإذا‬
‫تليت عليهم أياته زادهتم أميانا} أسندت الزيادة وهي فعل اهلل تعاىل إىل اآليات لكون اآليات املتلوة سببا هلا عادة‪ ،‬وقيل ال يكون اجملاز‬
‫يف اإلسناد بل اجملاز فيما يذكر منه إما يف املسند أو يف املسند إليه‪ ،‬فمعىن زادهتم على األول ازدادوا هبا‪ ،‬وعلى الثاين زادهم اهلل إطالقا‬
‫لآليات عليه تعاىل إلسناد فعله إليها‪( .‬و) األصح أنه قد يكون يف (املشتق) حنو {ونادى أصحاب اجلنة} أي ينادي {واتبعوا ما تتلوا‬
‫الشياطني} أي تلته‪ ،‬وقيل ال يكون فيه إال بالتبع للمصدر أصله فإن كان حقيقة فال جماز فيه‪ .‬قلنا احلصرممنوع (و) األصح أنه أعين‬
‫اجملاز يف اإلفراد قد يكون يف (احلرف) بالذات حنو فهل ترى هلم من باقية أي ما ترى وبالتبع ملتعلقه‪ ،‬وال يكون إال يف االستعارة حنو‬
‫{فالتقطه آل فرعون} اآلية شبه فيها ترتب العداوة واحلزن على االلتقاط برتتب علته الغائية عليه وهي احملبة والتبين‪ ،‬مث استعمل يف‬
‫املشبه الالم املوضوعة للداللة على ترتب العلة الغائية اليت هي املشبه به فجرت االستعارة أصالة يف العلة‪ ،‬وعلى هذا القول البيانيون‪،‬‬
‫وقيل ال يكون فيه إال بالتبع يف الرتكيب ال يف اإلفراد‪ ،‬وعليه اإلمام الرازي‪ ،‬وقيل ال يكون فيه ال بالذات وال بالتبع ألنه ال يفيد إال‬
‫بضمه إىل غريه‪ ،‬فإن ضم إىل ما ينبغي ضمه إليه فهو حقيقة أو إىل ما ال ينبغي ضمه إليه فمجاز مركب‪ .‬قلنا ال نسلم الشق الثاين بل‬
‫الضم فيه قرينة جماز االفراد كقوله‬
‫تعاىل {وألصلبنكم يف جذوع النخل} أي عليها‪( .‬ال) يف (العلم) أي ال يكون اجملاز فيه على األصح ألنه إن كان مرجتالً أي مل يسبق‬
‫له وضع كسعاد أو منقوالً لغري مناسبة كفضل فواضح أو ملناسبة كمن مسى ابنه مببارك ملا ظنه فيه من الربكة فلصحة اإلطالق عند‬
‫جتوز فيه بطل هذا الغرض‪ ،‬وقيل يكون فيه إن ملح فيه الصفة كاحلارث‪ ،‬إذ ال يراد منه‬ ‫زواهلا‪ ،‬وألن العلم وضع للفرق بني الذوات فلو ّ‬
‫الصفة‪ ،‬وقد كان قبل العلمية موضوعا هلا وهذا خالف يف التسمية وعدمها أوىل‪ ،‬ألن وضع العلم شخصي ووضع اجملاز نوعي‪ ،‬وألن‬
‫العلم عند األكثر ال حقيقة وال جماز‪ ،‬وفيه كالم ذكرته يف احلاشية أوائل مباحث احلقيقة واجملاز‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/37‬‬

‫( و) األصح (أنه يشرتط مسع يف نوعه) أي اجملاز فال يتجوز يف نوع منه كالسبب للمسبب إال إذا مسع من العرب صورة منه مثالً‪ ،‬وقيل‬
‫ال يشرتط ذلك بل يكتفي بالعالقة اليت نظروا إليها فيكفي السماع يف نوع لصحة التجويز يف عكسه مثالً‪ ،‬وخرج بنوعه شخصه فال‬
‫يشرتط السماع فيه إمجاعا بأن ال يستعمل إال يف الصور اليت استعملته العرب فيها‪( .‬ويعرف) اجملاز أي معناه أو لفظه ‪( .‬بتبادر غريه)‬
‫منه إىل الفهم (لوال القرينة) خبالف احلقيقة فإهنا تعرف بالتبادر بال قرينة‪( .‬وصحة النفي) للمعىن احلقيقي يف الواقع كما يف قولك للبليد‬
‫هذا محار فإنه يصح نفي احلمار عنه‪( .‬وعدم لزوم االطراد) فيما يدل عليه بأن ال يطرد كما يف {واسأل القرية} أي أهلها وال يقال‬
‫واسأل البساط أي أهله أو يطرد ال لزوما كما يف األسد للرجل الشجاع فيصح يف مجيع جزئياته من غري لزوم جلواز أن يعرب يف بعضها‬
‫باحلقيقة خبالف املعىن احلقيقي‪ ،‬فيلزم املراد ما يدل عليه من احلقيقة يف مجيع جزئياته النتفاء التعبري احلقيقي بغريها‪( .‬ومجعه) أي مجع‬
‫اللفظ الدال عليه (على خالف) صيغة (مجع احلقيقة) كاألمر مبعىن الفعلـ جمازا جيمع على أمور خبالفه مبعىن القول حقيقة‪ ،‬فيجمع على‬
‫أوامر‪ ،‬كذا يف األصل وغريه‪ ،‬وفيه اعرتاض بينته يف احلاشية‪( .‬والتزام تقييده) أي اللفظ الدال عليه كجناح الذل أي لني اجلانب ونار‬
‫احلرب أي ش ّد هتا خبالف املشرتك من احلقيقة‪ ،‬فإنه يقيد من غري التزام كالعني اجلارية‪ ،‬وظاهر ذلك أن إطالق اجلناح على لني اجلانب‪،‬‬
‫والنار على الشدة جماز إفراد‪ ،‬وأن اإلضافة فيهما قرينة له‪ ،‬وأن التزامها عالمة متيزه عن احلقيقة‪ ،‬والظاهر أنه استعارة ختييلية كأظفار‬
‫املنية كما بينته يف احلاشية‪( .‬وتوقفه) يف إطالق اللفظ عليه (على املسمى اآلخر) احلقيقي‪ ،‬ويسمى هذا باملشاكلة وهي التعبري عن الشيء‬
‫بلفظ غريه لوقوعه يف صحبته حتقيقا حنو {ومكروا ومكر اهلل} أي جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا على قتل عيسى‬
‫عليه الصالة والسالم أو تقديرا حنو {أفأمنوا مكر اهلل} فإطالق املكر على اجملازاة على مكرهم متوقف على وجوده حتقيقا أو تقديرا‪.‬‬
‫(واإلطالق) للفظ (على املستحيل) حنو {واسأل القرية} فإطالق املسؤول عليها مستحيل‪ ،‬ألهنا األبنية اجملتمعة‪ ،‬وإمنا املسؤول أهلها‪.‬‬

‫( ‪)1/38‬‬
‫املعرب) بتشديد الراء (لفظ غري علم استعملته العربـ فيما) أي يف معىن (وضع له يف غري لغتهم) خرج به احلقيقة واجملاز‬
‫(مسألة ّ‬
‫العربيان‪ ،‬فإن كالً منهما استعملته العرب فيما وضع له يف لغتهم (واألصح أنه) أي املعرب (ليس يف القرآن) وإال الشتمل على غري‬
‫عريب‪ ،‬فال يكون كله عربيا‪ ،‬وقد قال تعاىل {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} وقيل إنه فيه كاستربق فارسية للديباج الغليظ وقسطاس رومية‬
‫للكو ة اليت ال تنفذ‪ .‬قلنا هذه األلفاظ وحنوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غريهم كالصابون والتنور‪،‬‬
‫للميزان ومشكاة هندية أو حبشية ّ‬
‫معربا‪ ،‬بل هو من توافق اللغتني مطلقاـ أو أعجمي‬‫وأما العلم األعجمي الذي استعملته العرب كابراهيم وامساعيل وعزرائيل فال يسمى ّ‬
‫األول ألصالة وضعه يف العجمة‪ ،‬وهذا ما مشى عليه األصل هنا‪ ،‬وكالمه‬ ‫حمض إن وقع يف غري القرآن فقط‪ ،‬وإمنا منع من الصرف على ّ‬
‫معر با‪ ،‬ومبا قررته علم أن املعرب أعجمي األصل‪ ،‬وقيل إن املعرب واسطة بني العجمي والعريب‪،‬‬ ‫يف شرح املختصر يقتضي أنه يسمى ّ‬
‫األول نظر إىل أصله‪ .‬والثاين إىل حالته الراهنة‪.‬‬
‫ويشبه أن ال خالف بأن يقال ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/39‬‬

‫( مسألة اللفظ) املستعمل يف معىن إما (حقيقة) فقط كاألسد للحيوان املفرتس‪( .‬أو جماز) فقط كاألسد للرجل الشجاع (أو مها) أي‬
‫حقيقة وجماز (باعتبارين) كأن وضع لغة ملعىن عام‪ ،‬مث خصه الشرع أو العرف العام أو اخلاص بنوع منه كالصوم يف اللغة لإلمساك‬
‫خصه الشرع باإلمساك املعروف‪ ،‬والدابة يف اللغة لكل ما يدب على األرض خصها العرف العام بذات احلوافر واخلاص كأهل العراق‬
‫بالفرس‪ ،‬فاستعماله بالعام حقيقة لغوية جماز شرعي أو عريف‪ ،‬ويف اخلاص بالعكس‪ ،‬وميتنع كونه حقيقة وجمازا باعتبار واحد للتنايف بني‬
‫الوضع ّأوالً وثانيا (ومها) أي احلقيقة واجملاز (منتفيان) عن اللفظ (قبل االستعمال)‪ ،‬ألنه مأخوذ يف أحدمها فإذا انتفى انتفيا (مث هو) أي‬
‫اللفظ (حممول على عرف املخاطب) بكسر الطاء الشارع أو أهل العرف أو اللغة‪( .‬ففي) خطاب (الشرع) احملمول عليه املعىن‬
‫(الشرعي) ألنه عرف الشرع‪ ،‬ألن النيب صلى اهلل عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات‪ ،‬وإذا مل يكن معىن شرعي‪ ،‬أو كان وصرف عنه‬
‫صارف (فـ)ـاحملمول عليه املعىن (العريف) العام أي الذي يتعارفه مجيع الناس أو اخلاص بقوم ألن الظاهر إرادته لتبادره إىل األذهان‪( .‬فـ)ـإذا‬
‫مل يكن معىن عريف أو كان وصرف عنه صارف فاحملمول عليه املعىن (اللغوي يف األصح) لتعينه حينئذ‪ ،‬فعلم أن ماله مع املعىن الشرعي‬
‫معىن عريف أو معىن لغوي أو مها حيمل ّأوالً على الشرعي‪ ،‬وأن ماله معىن عريف ومعىن لغوي حيمل أوالً على العريف‪ ،‬وقيل فيما له معىن‬
‫شرعي ومعىن لغوي حممله يف االثبات الشرعي وفق ما مر‪ ،‬ويف النهي قيل اللفظ جممل‪ ،‬إذ ال ميكن محله على الشرعي لوجود النهي وال‬
‫على اللغوي‪ ،‬ألن النيب بعث لبيان الشرعيات‪ ،‬وقيل حممله اللغوي لتعذر الشرعي بالنهي‪ .‬قلنا املراد بالشرعي ما يسمى شرعا بذلك‬
‫االسم صحيحا كان أو فاسدا‪ .‬يقال صوم صحيح وصوم فاسد‪( .‬واألصح أنه إذا تعارض) يف عرف (جماز راجح وحقيقة مرجوحة)‬
‫بأن غلب استعماله عليها (تساويا) لرجحان‬
‫كل منهما من وجه‪ ،‬وقيل احلقيقة أوىل باحلمل ألصالتها‪ ،‬وقيل اجملاز أوىل لغلبته فلو حلف ال يشرب من هذا النهر ومل ينو شيئا‪،‬‬
‫فاحلقيقة املتعاهدة الكرع منه بفيه‪ ،‬واجملاز الغالب الشرب مما يغرف به منه كإناء حنث بكل منهما على األول‪ ،‬كما جزم به يف الروضة‬
‫كأصلها إعماالً للفظ يف حقيقته وجمازه‪ ،‬وبالكرع دون الشربـ مما يغرتف به على الثاين‪ ،‬وبالعكس على الثالث فتعبريي بالتساوي أوىل‬
‫من تعبريه باجململ املقتضي أنه ال حينث بواحد منهما على األول‪ ،‬فإن هجرت احلقيقة قدم اجملاز اتفاقا كمن حلف ال يأكل من هذه‬
‫النخلة فيحنث بثمرها دون خشبها حيث ال نية‪ ،‬وإن تساويا قدمت احلقيقة اتفاقا كما لو كانت غالبا‪.‬‬
‫( و) األصح (أن ثبوت حكم) بدليل كاإلمجاع (ميكن كونه) أي احلكم (مرادا من خطاب) له حقيقة وجماز‪( .‬لكن) اخلطاب يف ذلك‬
‫املراد يكون (جمازا ال يدل) ذلك الثبوت (على أنه) أي احلكم هو (املراد منه) أي من اخلطاب (فيبقى اخلطاب على حقيقته) لعدم‬
‫الصارف عنها‪ .‬وقال مجاعة إنه يدل عليه فال يبقى اخلطاب على حقيقته إذ مل يظهر مستند للحكم الثابت غريه مثاله وجوب التيمم‬
‫على اجملامع الفاقد للماء إمجاعا ميكن كونه مرادا من آية {أو المستم النساء} على وجه اجملاز يف املالمسة ألهنا حقيقة يف اجلس باليد‬
‫جماز يف اجلماع‪ ،‬فقالوا املراد اجلماع فتكون اآلية مستند اإلمجاع‪ ،‬إذ ال مستند غريها‪ ،‬وإال لذكر فال تدل على أن اللمس ينقض‬
‫الوضوء‪ .‬قلنا جيوز أن يكون املستند غريها‪ ،‬واستغىن عن ذكره بذكر اإلمجاع‪ ،‬فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه الوضوء‪ ،‬وإن‬
‫قامت قرينة يف اآلية على إرادة اجلماع أيضا فتدل على مسألة اإلمجاع أيضا‪ ،‬كما قال به الشافعي فيها بناء على األصح أنه يصح أن‬
‫يراد باللفظ حقيقته وجمازه معا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/40‬‬

‫(مسألة اللفظ إن استعمل يف معناه احلقيقي) ال لذاته بل (لالنتقال) منه (إىل الزمه فـ)ـهو (كناية) حنو زيد طويل النجاد مرادا به طويل‬
‫القامة‪ ،‬إذ طوهلا الزم لطول النجاد أي محائل السيف‪ ،‬قال يف التلويح فيصح الكالم وإن مل يكن له جناد‪ ،‬بل وإن استحال املعىن احلقيقي‬
‫كما يف قوله تعاىل {والسموات مطويات بيمينه} وقوله {الرمحن على العرش استوى} وخرج باستعماله يف معناه احلقيقي اجملاز ومبا‬
‫بعده احلقيقة الصرحية والتعريض‪( .‬فهي) أي الكناية (حقيقة) غري صرحية كما أشعر به كالم صاحب التلخيص‪ ،‬وصرح به السكاكي‬
‫وغريه‪ ،‬ومنهم السعد التفتازاين‪ ،‬والفرق بينها وبني اجلمع بني احلقيقة واجملاز أن املعىن احلقيقي فيها مل يرد لذاته كما مر‪ ،‬ويف اجلمع‬
‫املذكور أريد لذاته‪ ،‬نعم قد يراد املعىن احلقيقي لذاته فيها عند السكاكي كقولك آذيتين فستعرف وأنت تريد املخاطب وغريه من‬
‫املؤذين‪ ،‬ألن ذلك كالم دال على معىن يقصد به هتديد املخاطب بسبب اإليذاء‪ ،‬ويلزم منه هتديد كل مؤذ‪ ،‬وقد أراد به هتديدمها‪ ،‬ففيه‬
‫أراد املعىن احلقيقي لذاته فيها‪ ،‬فالفرق بينها وبني اجلمع بني احلقيقة‪ ،‬واجملاز أن املعىن احلقيقي فيها أريد لذاته ولالنتقال يف اجلمع املذكور‬
‫مل يرد لالنتقال وال حاجة لقول األصل‪ ،‬فإن مل يرد املعىن اخل للعلم به من تعريف اجملاز فيما مر‪( .‬أو) استعمل يف معناه (مطلقا) أي‬
‫احلقيقي واجملازي والكنائي‪( .‬للتلويح بغري معناه فـ)ـهو (تعريض) كما يف قوله تعاىل حكاية عن اخلليل عليه الصالة والسالم {بل فعله‬
‫كبريهم} هذا نسب الفعل إىل كبري األصنام املتخذة آهلة كأنه غضبـ أن تعبد الصغار معه والقصد بذلك التلويح لقومه العابدين هلا بأهنا‬
‫ال تصلح أن تكون آهلة ألهنم إذا نظروا بعقوهلم علموا عجز كبريها عن ذلك الفعلـ أي كسر صغارها فضالً عن غريه واإلله ال يكون‬
‫عاجزا ومسي ذلك تعريضا لفهم املعىن من عرض اللفظ أي جانبه‪( .‬فهو) أي التعريض ثالثة أقسامـ (حقيقة وجماز وكناية)‬
‫كما صرح هبا السكاكي‪ ،‬واألصل جرى على أنه حقيقة أبدا‪ ،‬وما ذكر من أنه حقيقة وجماز وكناية هو بالنسبة للمعىن احلقيقي أو‬
‫اجملازي أو الكنائي أما بالنسبة للمعىن التعريضي فلم يفده اللفظ‪ ،‬وإمنا أفاده سياق الكالم وتعريف الكناية والتعريض مبا ذكر مأخوذ من‬
‫البيانيني‪ ،‬ومها مقابالن للصريح‪ ،‬وأما عند األصوليني والفقهاء‪ ،‬فالكناية ما احتمل املراد وغريه كأنت خلية يف الطالق والتعريض ما‬
‫ليس صرحيا وال كناية كقوهلم يف باب القذف يا ابن احلالل‪ .‬وفائدة تسمية الكناية حقيقة والتعريض حقيقة وجمازا مع علمهما من‬
‫تعريفي احلقيقة‪ ،‬واجملاز دفع توهم أهنما ال يسميان بذلك مع أن بعضهم خالف يف الكناية‪.‬‬

‫( ‪)1/41‬‬
‫احلروف‬
‫أي هذا مبحث احلروف اليت حيتاج الفقيه إىل معرفة معانيها‪ ،‬وذكر معها أمساء‪ ،‬ففي التعبري هبا تغليب لألكثر على املشهور‪.‬‬
‫أحدها (إذن) من نواصب املضارع‪( .‬للجواب واجلزاء قيل دائما وقيل غالبا) وقد تتمحض للجواب‪ ،‬فإذا قلت ملن قال أزورك إذن‬
‫أكرمكـ فقد أجبته وجعلت إكرامكـ له جزاء لزيارته أي إن زرتين أكرمتك‪ ،‬وإذا قلت ملن قال أحبك إذن أص ّدقك فقد أجبته فقط على‬
‫القول الثاين‪ ،‬ومدخول إذن فيه مرفوع النتفاء استقباله املشرتط يف نصبها ويتكلف األول يف جعل هذا مثالً للجزاء أيضا أي إن كنت‬
‫قلت ذلك حقيقة صدقتك‪ ،‬وسيأيت عدها من مسالك العلة ألن الشرط علة للجزاء‪.‬‬
‫( و) الثاين (إن) بكسر اهلمزة وسكون النون (للشرط) وهو تعليق أمر على آخر حنو إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف (وللنفي) حنو إن‬
‫الكافرون إال يف غرور إن أردنا إال احلسىن أي ما‪( .‬وللتوكيد) وهي الزائدة حنو ما إن زيد قائم ما إن رأيت زيدا‪.‬‬
‫ودع‪ ،‬وقول‬ ‫( و) الثالث (أو) من حروف العطف (للشك) من املتكلم حنو {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} وحنو ما أدري أسلم أو ّ‬
‫رد ه ابن هشام كما بينته يف احلاشية‪( .‬ولإلهبام) على السامع حنو {أتاها أمرنا ليالً أو هنارا} (وللتخيري) بني‬
‫احلريري إهنا فيه للتقريب‪ّ ،‬‬
‫املتعاطفني سواء امتنع اجلمع بينهما حنو خذ من مايل درمها أو دينارا أم جاز حنو جالس العلماء أو الزهاد‪ ،‬وقصر ابن مالك وغريه‬
‫التخيري على األول‪ ،‬ومسوا الثاين باإلباحة‪ .‬وقال الزركشي الظاهرأهنما قسم واحد‪ ،‬ألن حقيقة اإلباحة التخيري‪ ،‬وإمنا امتنع يف خذ درمها‬
‫أو دينارا للقرينة العرفية ال من مدلول اللفظ‪ ،‬كما أن اجلمع بني العلماء والزهاد وصف كمال ال نقص‪( .‬وملطلقـ اجلمع) كالواو حنو‬
‫وقد زعمت ليلى بأين فاجر‬
‫لنفسي تقاها أو عليها فجورها‬
‫أي وعليها‪( .‬وللتقسيم) حنو الكلمة اسم أو فعل أو حرف أي مقسمة إىل الثالثة تقسيم الكلي إىل جزئياته فتصدق على كل منها وحنو‬
‫خل أو ماء أو عسل تقسيمه إىل الثالثة تقسيم الكل إىل أجزائه فال يصدق على كل منها‪( .‬ومبعىن إىل) املساوية إلال‬ ‫السكنجبني ّ‬
‫فتنصب املضارع بأن مضمرة حنو أللزمنك أو تقضيين حقي‪ ،‬أي إىل أن تقضينيه‪( .‬ولإلضراب) كبل حنو {وأرسلناه إىل مائة ألف أو‬
‫يزيدون} أي بل يزيدون أخرب عنهم أوالً بأهنم مائة ألف نظرا لغلط الناس‪ ،‬مع علمه تعاىل بأهنم يزيدون عليها‪ ،‬مث أخرب عنهم ثانيا بأهنم‬
‫يزيدون نظرا للواقع ضاربا عن غلط الناس‪ ،‬وما ذكر من أن أو للمذكوراتـ هو مذهب املتأخرين‪ ،‬وأما مذهب املتقدمني فهي ألحد‬
‫الشيئني أو األشياء وغريه إمنا يفهم بالقرائن‪ .‬وقال ابن هشام والسعد التفتازاين إنه التحقيق‪.‬‬
‫( و) الرابع (أي بالفتح) للهمزة (والتخفيف) للياء (للتفسري) إما مبفرد حنو عندي عسجد أي ذهب‪ ،‬وهو بدل أو عطف بيان أو جبملة‬
‫حنو‬
‫وترمينين بالطرف أي أنت مذنب‬
‫وتقلينين لكن إياك ال أقلي‬
‫إيل نظر مغضب‪ ،‬وال يكون ذلك إال عن ذنب واسم‪ ،‬لكن ضمري الشأن وخربها اجلملة‬ ‫فأنت مذنب تفسري ملا قبله‪ ،‬إذ معناه تنظرين ّ‬
‫بعده‪ ،‬وقدم مفعول أقلي لالختصاص أي ال أتركك خبالف غريك‪( .‬ولنداء البعيد) حسا أو حكما (يف األصح)‪ .‬فإن نودي هبا القريب‬
‫فمجاز‪ ،‬وقيل هي لنداء القريب حنو أي رب وهو قريب قال تعاىل {فإين قريب} وقيل لنداء املتوسط والرتجيح من زياديت‪.‬‬
‫علي} (ولالستفهام) حنو {أيكم زادته هذه‬ ‫(و) اخلامس أي بالفتح و(بالتشديد) اسم (للشرط) حنو {أميا األجلني قضيت فال عدوان ّ‬
‫{لننزعن من كل شيعة أيهم أش ّد} أي الذي هو أش ّد‪( .‬ودالة على كمال) بأن تكون صفة لنكرة أو حاالً‬ ‫ّ‬ ‫إميانا} وتأيت (موصولة) حنو‬
‫من معرفة حنو مررت برجل‪ .‬أي رجل أي كامل يف صفات الرجولية‪ ،‬ومررت بزيد أي رجل أي كامالً يف صفات الرجولية‪( .‬ووصلة‬
‫لنداء ما فيه أل) حنو (يا أيها اإلنسان) أما إي بالكسر وسكون الياء فحرف جواب مبعىن نعم‪ ،‬وال جياب هبا إال مع القسم حنو‬
‫{ويستنبئونك أحق هو قل} إي وريب وتركت لقلة احتياج الفقيه إليها‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/42‬‬

‫( و) السادس (إذ) اسم (للماضي ظرفا) وهو الغالب حنو {فقد نصره اهلل إذ أخرجه الذين كفروا} أي وقت إخراجهم له‪( .‬ومفعوالً به)‬
‫على قول األخفش وغايره إهنا خترج عن الظرفية حنو {اذكروا إذ كنتم قليالً فكثركم} أي اذكروا حالتكم هذه‪( .‬وبدالً منه) أي من‬
‫املفعول به حنو {اذكروا نعمة اهلل عليكم إذ جعل فيكم أنبياء} اآلية أي اذكروا النعمة اليت هي اجلعلـ املذكور‪( .‬ومضافا إليها اسم‬
‫زمان) حنو {ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} وحنو يومئذ‪( .‬وكذا للمستقبل) ظرفا يف األصح حنو (فسوف يعلمون إذ األغالل يف‬
‫أعناقهم} وقيل ليست للمستقبل واستعماهلا فيه يف هذه اآلية لتحقق وقوعه كاملاضي مثل {أتى أمر اهلل} (وللتعليلـ حرفا) يف األصح‬
‫كالم التعليل‪ ،‬وقيل ظرفا مبعىن وقت‪ ،‬والتعليلـ مستفاد من ّقو ة الكالم حنو ضربت العبد إذ أساء أي إلساءته أو وقت إسائته‪ ،‬وظاهر أن‬
‫اإلساءة علة للضرب‪( .‬وللمفاجأة) بأن يكون بعد بينا أو بينما‪( .‬كذلك) أي حرفا (يف األصح)‪ .‬وقيل ظرف مكان وقيل ظرف زمان‬
‫حنو بينا أو بينما أنا واقف إذ جاء زيد‪ .‬أي فاجأ جميئه وقويف أو مكانه أو زمانه‪ ،‬وقيل ليست للمفاجأة وهي يف ذلك‪ ،‬وحنوه زائدة‬
‫لالغتناء عنها كما تركها منه كثري من العرب‪ ،‬فقويل يف األصح راجع إىل الثالثة قبله‪ ،‬وتصحيح احلرفية يف الثانية مع ذكرها يف األخرية‬
‫بقويل كذلك من زياديت‪ ،‬ومعىن املفاجأة كما قال ابن احلاجب حضور الشيء معك يف وصف من أوصافك الفعلية‪.‬‬
‫( و) السابع (إذا للمفاجأة) بأن تكون بني اجلملتني ثانيتهما امسية‪( .‬حرفا يف األصح) ألن املفاجأة معىن من املعاين كاالستفهام والنفي‪،‬‬
‫تؤد ي باحلروف‪ ،‬وقيل ظرف مكان‪ ،‬وقيل ظرف زمان حنو خرجت فإذا زيد واقف أي فاجأ وقوفه خروجي أو مكانه‬ ‫واألصل فيها أن ّ‬
‫أو زمانه‪ ،‬وهل الفاء فيها زائدة الزمة أو عاطفة أو سببية حمضة أقوال‪( .‬وللمستقبلـ ظرفا مضمنة معىن الشرط غالبا) فيجاب مبا جياب به‬
‫امحر البسر أي وقت امحراره‪( .‬وللماضي واحلال نادرا)‬ ‫الشرط حنو {إذا جاء نصر اهلل} اآلية‪ ،‬وقد ال تضمن معىن الشرط حنو آتيك إذا ّ‬
‫حنو {وإذا رأوا جتارة} اآلية‪ .‬فإهنا نزلت بعد الرؤية واالنفضاض وحنو {والليل إذا يغشى} إذ غشيانه أي طمسه آثار النهار مقارن له‪.‬‬
‫( و) الثامن (الباء لإللصاق) وهو أصل معانيها (حقيقة) حنو به داء أي ألصق به‪( .‬وجمازا) حنو مررت بزيد أي ألصقت مروري مبكان‬
‫يقرب منه املرور‪ ،‬إذ املرور مل يلصق بزيد (وللتعدية) كاهلمزة يف تصيري الفاعل مفعوالً حنو {ذهب اهلل بنورهم} أي أذهبه‪ ،‬وفرق‬
‫الزخمشري بينهما بأن األول أبلع ألنه يفيد أن الفعلـ أخذ النور وأمسكه‪ ،‬فلم يبق منه شيء خبالف الثاين‪(.‬وللسببية) حنو {فكالً أخذنا‬
‫بذنبه} ومنها االستعانة بأن تدخل الباء على آلة الفعلـ حنو كتبت القلم‪ ،‬فإدراجي هلا يف السببية كابن مالك أوىل من عدها قسما برأسه‬
‫كما فعله األصل‪( .‬وللمصاحبة) بأن تكون الباء مبعىن مع أو تغين عنها وعن مصحوهبا احلال‪ ،‬وهلذا تسمى باحلال حنو {قد جاءكم‬
‫الرسول باحلق} أي مع احلق أو حمقا‪( .‬وللظرفية) املكانية أو الزمانية حنو {ولقد نصركم اهلل ببدر} و{جنيناهم بسحر} (وللبدلية) بأن‬
‫حيل حملها لفظ بدل كقول عمر رضي اهلل عنه ما يسرين أن يل هبا الدنيا أي بدهلا‪ .‬قاله حني استأذن النيب صلى اهلل عليه وسلّم يف العمرة‬
‫أخي من دعائك وضمري هبا راجع‪ ،‬إىل كلمة النيب املذكورة‪ ،‬وأخي مصغر لتقريب املنزلة‪( .‬وللمقابلة) وهي‬ ‫فأذن له وقال ال تنسنا يا ّ‬
‫الداخلة على األعواض حنو اشرتيت فرسا بدرهم‪{ .‬وال تشرتوا بآيايت مثنا قليالً} (وللمجاوزة) كعن حنو {سأل سائل بعذاب واقع}‬
‫ألفعلن كذا‪( .‬وللغاية) كإىل‬
‫ّ‬ ‫أي عنه‪( .‬ولالستعالء) كعلي حنو (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار) أي عليه‪( .‬وللقسم) حنو باهلل‬
‫إيل ‪ ،‬وبعضهم ضمن أحسن معىن لطف (وللتوكيد) وهي الزائدة مع الفاعل أو املفعول أو املبتدأ أو اخلرب {كفى‬ ‫حنو وقد أحسن يب أي ّ‬
‫باهلل شهيدا} (وهزي إليك جبذع النخلة} وحبسبك درهم‪ ،‬و{أليس اهلل بكاف عبده} (وكذا للتبعيض) كمن (يف األصح) حنو {عينا‬
‫يشرب هبا عباد اهلل} أي منها‪ ،‬وقيل ليست له‪ ،‬ويشرب يف اآلية مبعىن يروى أو يلتذ جمازا والباء سببية‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/43‬‬

‫( و)التاسع (بل للعطف بإضراب) أي معه بأن وليها مفرد سواء أوليت موجبا أم غريه‪ ،‬ففي املوجب حنو جاء زيد بل عمرو‪ ،‬واضرب‬
‫زيدا بل عمرا انتقل حكم املعطوف عليه فيصري كأنه مسكوت عنه إىل املعطوف‪ ،‬ويف غريه حنو ما جاء زيد بل عمرو‪ ،‬وال تضرب زيدا‬
‫بل عمرا‪ .‬تقرر حكم املعطوف عليه وجتعل هذه للمعطوف‪( .‬ولإلضراب فقط) أي دون العطف بأن وليها مجلة‪ ،‬وقويل بإضراب مع‬
‫فقط من زياديت وهبما علم أن اإلضراب أعم من العطف ال مباين له خبالف كالم األصل‪ .‬واحلاصل أن بل للعطف واإلضراب إن وليها‬
‫مفرد ولإلضراب فقط إن وليها مجلة وهي فيه حرف ابتداء ال عاطفة عند اجلمهور واإلضراب هبذا املعىن‪( .‬إما لإلبطال) ملا وليته حنو‬
‫يقولون به جنة بل جاءهم باحلق فاجلائي باحلق ال جنون به‪( .‬أو لالنتقال من غرض إىل آخر) حنو {ولدينا كتاب ينطق باحلق} اآلية فما‬
‫قبل بل فيها على حاله‪.‬‬
‫( و) العاشر (بيد) اسم مالزم للنصب واإلضافة إىل أن وصلتها‪( .‬مبعىن غري) حنو إنه كثري املال بيد أنه خبيل‪( .‬ومبعىن من أجل ومنه) خرب‬
‫أنا أفصح من نطق بالضاد‪( .‬بيد أين من قريش يف األصح) أي الذين هم أفصح من نطق هبا‪ ،‬وأنا أفصحهم‪ ،‬وخصها بالذكر لعسرها‬
‫على غري العرب‪ ،‬واملعىن أنا أفصح العرب‪ ،‬وقيل أن بيد فيه مبعىن غري‪ ،‬وأنه من تأكيد املدح مبا يشبه الذم وقويل يف األصح من زياديت‪.‬‬
‫( و) احلادي عشر (مث حرف عطف للتشريك) يف اإلعراب واحلكم (واملهلة والرتتيب) املعنوي والذكري‪( .‬يف األصح) تقول جاء زيد مث‬
‫عمرو إذا شارك زيدا يف اجمليء وتراخى جميئه عن جميئه‪ ،‬وقيل قد تكون زائدة فال تكون عاطفة فال تكون لشيء من ذلك كقوله تعاىل‬
‫{حىت إذا ضاقت عليهم األرض مبا رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ال ملجأ من اهلل إال إليه مث تاب عليهم} فإهنا زائدة ألن‬
‫مدخوهلا جواب إذا وقيل ال تفيد املهلة لقول الشاعر‬
‫كهز الرديين حتت العجا * ج جري يف األنابيب مث اضطر‬
‫إذ اضطراب الرمح يعقب جري اهلز يف األنابيب‪ ،‬وقيل ال تفيد الرتتيب لقوله تعاىل {فإلينا مرجعهم مث اهلل شهيد على ما يفعلون{ إذ‬
‫األو ل بأن إذا فيه جملرد الظرف وبان جواهبا مقدر أي تاب عليهم ومث تاب عليهم تأمحد بن‬ ‫شهادة اهلل متقدمّم ة على املرجع‪ ،‬وأجيب عن ّ‬
‫كيد‪ ،‬أو معناه استدام التوبة‪ ،‬ومعىن املقدر أنشأها‪ ،‬وعن الثاين بأنه توسع يف مث بإيقاعها فيه موقع الفاء‪ ،‬وعن الثالث بإهنا استعملتـ فيه‬
‫لرتتيب االخباري‪ ،‬وبأنه توسع فيها بإيقاعها فيه موقع الواو‪.‬‬
‫مؤول من أن‬ ‫( و)الثاين عشر (حىت النتهاء الغاية غالبا) وهي حينئذ إما جارة السم صريح حنو {سالم هي حىت مطلعـ الفجر} أو ّ‬
‫والفعل حنو {لن نربج عليه عاكفني حىت يرجع إلينا موسى} أي إىل رجوعه وأما عاطفة لرفيع أو دينء حنو مات الناس حىت األنبياء‪،‬‬
‫وقدم احلجاج حىت املشاة‪ ،‬وإما ابتدائة بأن يستأنف بعدها مجلة إما إمسية حنو‬
‫فما زالت القتلى متج دماءها‬
‫بدجلة حىت ماء دجلة أشكل‬
‫أو فعلية حنو مرض فالن حىت ال يرجونه‪( .‬ولالستثناء نادرا) حنو‬
‫ليس للعطاء من الفضول مساحة‬
‫حىت جتود وما لديك قليل‬
‫أي إال أن جتود وهو استثناء منقطع‪( .‬وللتعليل) حنو أسلم حىت تدخل اجلنة أي لتدخلها‪.‬‬
‫( و) الثالث عشر (رب حرف يف األصح) هذا من زياديت‪ ،‬وقيل اسم وعلى الوجهني ترد‪( .‬للتكثري) حنو {رمبا يود الذين كفروا لو‬
‫كانوا مسلمني} إذ يكثر منهم متين ذلك يوم القيامة إذا عاينوا حاهلم وحال املسلمني (وللتقليل) كقوله‬
‫رب مولود وليس له أب‬ ‫أال ّ‬
‫وذي ولد مل يلده أبوان‬
‫أراد عيسى وآدم عليهما الصالة والسالم‪ ،‬واختار ابن مالك أن ورودها للتكثري أكثر‪( .‬وال ختتص بأحدمها يف األصح)‪ .‬وقيل ختتص‬
‫بالتكثري فلم يعتد قائله هبذا البيت وحنوه‪ .‬وقيل ختتص بالتقليل وقرره قائله يف اآلية بأن الكفار تدهشهم أهوال يوم القيامة فال يفيقون‬
‫حىت يتمنوا ذلك إال يف أحيان قليلة‪ .‬وقيل إهنا حرف إثبات مل يوضع لتكثري وال تقليل‪ ،‬وإمنا يستفاد ذلك من القرائن واختاره أبو‬
‫حيان‪.‬‬

‫( ‪)1/44‬‬

‫( و) الرابع عشر (على األصح أهنا قد ترد) بقلة (امسا مبعىن فوق) بأن تدخل عليها من حنو غدوت من على السطح أي من فوقه‪( .‬و)‬
‫للعلو ) حسا حنو {كل من عليها فان} أو معىن حنو {فضلنا بعضهم على بعض} وأما على يف حنو توكلت على اهلل‪،‬‬ ‫ترد بكثرة (حرفا ّ‬
‫العلو اجملازي (وللمصاحبة) كمع حنو {وأتى املال على حبه} أي مع حبه (وللمجاوزة) كعنـ حنو رضيت عليه أي‬ ‫فجعلها الرضي من ّ‬
‫عنه‪( .‬وللتعليل) حنو {ولتكربوا اهلل على ما هداكم} أي هلدايته أياكم‪( .‬وللظرفية) كفي حنو {ودخل املدينة على حني غفلة من أهلها}‬
‫أي يف وقت غفلتهم وحنو {ما تتلو الشياطني على ملكـ سليمان} أي يف زمن ملكه وحنو اعتكفت على املسجد أي فيه‪( .‬ولالستدراك)‬
‫كال كن‪ .‬حنو فالن ال يدخل اجلنة لسوء فعله على أنه ال ييأس من رمحة اهلل أي لكنه‪( .‬وللتوكيد) كخرب ال أحلف على ميني أي ميينا‪.‬‬
‫(ومبعىن الباء) حنو {حقيق علي أن ال أقول} (و) مبعىن (من) حنو {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} وهذان من زياديت‪ .‬وقيل هي اسم‬
‫جر على آخر يف اللفظ بأن يقدر له جمرور حمذوف (أما‬ ‫اجلر عليها‪ .‬وقيل هي حرف أبدا وال مانع من دخول حرف ّ‬ ‫أبدا لدخول حرف ّ‬
‫عال يعلو ففعل) حنو {إ ّن فرعون عال يف األرض}‪{ ،‬ولعال بعضهم على بعض} فقد استكملت على يف األصح أقسام الكلمة‪.‬‬
‫املعنوي والذكري‪( .‬وللتعقيب) يف كل شيء حبسبه تقول قام زيد فعمرو إذا أعقبـ قيامه قيام‬ ‫ّ‬ ‫(و) اخلامس عشر (الفاء العاطفة للرتتيب)‬
‫التزوج والوالدة إال مدة احلمل مع‬
‫وتزوج فالن فولد له إذا مل يكن بني ّ‬
‫زيد‪ ،‬ودخلت البصرة فالكوفة إذا مل يقم بالبصرة وال بينهما‪ّ ،‬‬
‫حلظة الوطء‪ ،‬ومقدمته والرتتيب الذكري أن يكون ما بعد الفاء مرتبا يف الذكر دون املعىن على ما قبلها‪ ،‬سواء أكان تفصيالً له حنو {إنا‬
‫أنشأناهن إنشاء} اآلية‪ .‬ال حنو {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} ويسمى الرتتيب اإلخباري‪( .‬وللسببية)‬
‫ّ‬
‫ويلزمها التعقيب حنو {فوكزه موسى فقضى عليه} فخرج بالعاطفة الرابطة جلواب فقد يرتاخى عن الشرط حنو إن يسلم فالن فهو‬
‫يدخل اجلنة وقد ال يتسبب عن الشرط نظرا للظاهر حنو {إن تعذهبم فإهنم عبادك}‪.‬‬
‫( و) السادس عشر (يف الظرفية) حنو {واذكروا اهلل يف أيام معدودات} وأنتم عاكفون يف املساجد‪( .‬وللمصاحبة) حنو {قال ادخلوا يف‬
‫(وللعلو) حنو {ألصلبنكم يف جذوع النخل} أي عليها قاله‬
‫ّ‬ ‫أمم} أي معهم‪( .‬وللتعليل) حنو {ملسكم فيما أفضتم فيه} أي ألجل ما‪.‬‬
‫الكوفيون وابن مالك‪ ،‬وأنكره غريهم وجعلها الزخمشري وغريه للظرفية اجملازية جبعل اجلذع ظرفا للمصلوب لتمكنه عليه متكن املظروف‬
‫من الظرف‪( .‬وللتوكيد) حنو {وقال اركبوا فيها) وأصله اركبوها‪( .‬وللتعويض) عن أخرى حمذوفة حنو ضربت فيمن رغبت وأصله‬
‫ضربت من رغبت فيه‪( .‬ومبعىن الباء) حنو {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} {ومن األنعام أزواجا يذرؤكم فيه} أي خيلقكم مبعىن‬
‫يكثركم بسبب هذا اجلعل بالتولد‪ ،‬وجعلها الزخمشري يف هذه اآلية للظرفية اجملازية مثل {ولكم يف القصاص حياة} (و) مبعىن (إىل) حنو‬
‫{فردوا أيديهم يف أفواههم} أي إليها ليعضوا عليها من ش ّد ة الغيظ‪( .‬و) مبعىن (من) حنو هذا ذراع يف الثوب‪ .‬أي منه يعين فال يعيبه‬
‫ّ‬
‫لقلته‪.‬‬
‫( و) السابع عشر (كي للتعليل) فينصب املضارع بأن مضمرة حنو جئت كي أنظرك‪ .‬أي ألن أنظرك‪( .‬ومبعىن أن املصدرية) بأن تدخل‬
‫عليها الالم حنو جئت لكي تكرمين أي ألن تكرمين‪.‬‬
‫( و) الثامن عشر (كل اسم الستغراق أفراد) املضاف إليه‪( .‬املنكر) حنو {كل نفس ذائقة املوت} {كل حزب مبا لديهم فرحون} (و)‬
‫(املعر ف اجملموع) حنو كل العبيد جاءوا‪ ،‬كل الدرهم صرف‪( .‬و) الستغراق (أجزاء) املضاف إليه‪.‬‬ ‫الستغراق أفراد املضاف إليه ّ‬
‫(املعرف املفرد) حنو كل زيد أو الرجل حسن أي كل أجزائه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/45‬‬

‫( و) التاسع عشر (الالم) بقيد زدته بقويل (اجلارة) وهي مكسورة مع كل ظاهر حنو لزيد إال مع املستغاث فتتفح‪ ،‬حنو ياهلل‪ ،‬ومفتوحة‬
‫مع كل مضمر حنو لنا إال مع ياء املتكلم فمكسورة‪( .‬للتعليل) حنو {وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس} أي ألجل أن تبني هلم‪.‬‬
‫{ولالستحقاق} حنو النار للمكافرين أي عذاهبا مستحقـ هلم (ولالختصاص) حنو اجلنة للمؤمنني أي نعيمها خمتص هبم‪( .‬وللملك) حنو‬
‫عدوا وخرنا} فهذا‬‫{هلل ما يف السموات وما يف األرض} واملال لزيد‪( .‬وللصريورة) أي العاقبة حنو {فالتقطة آل فرعون ليكون هلم ًّ‬
‫عاقبة التقاطهم له ال علته إذ هي تبنيه‪( .‬وللتمليك) حنو وهبت له ثوابا أي ملكته إياه‪( .‬وشبهه) أي التمليك حنو {واهلل جعل لكم من‬
‫أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنني وحفدة} (ولتوكيد النفي) حنو؛ {وما كان اهلل ليعذهبم وأنت فيهم} فهي يف هذا‪،‬‬
‫وحنوه لتوكيد نفي اخلرب الداخلة عليه املنصوب فيه املضارع بأن مضمرة‪( .‬وللتعدية) حنو ما أضرب زيدا لعمرو فضرب صار بقصد‬
‫التعجب به الزما يتع ّد ى إىل فاعله باهلمزة وإىل مفعوله بالالم‪ .‬و (وللتوكيد) وهي الزائدة كإن تأيت لتقوية عامل ضعف بالتأخري حنو‬
‫{إن كنتم للرؤيا تعربون} ولكونه فرعا يف العمل حنو {إن ربك فعال ملا يريد} وأصله فعال ما‪( .‬ومبعىن إىل) حنو {فسقناه لبلد ميت}‬
‫أي إليه‪( .‬و) مبعىن (على) حنو {خيرون لألذقان سجدا} أي عليها‪( .‬و) مبعىن (يف) حنو ){ونضع املوازين القسط ليوم القيامة} أي فيه‪.‬‬
‫(و) مبعىن (عند) حنو؛ {يا ليتين ق ّد مت حليايت} أي عندها (و) مبعىن (بعد) حنو {أقم الصالة لدلوك الشمس} أي بعده‪ .‬وجعل‬
‫الزخمشري الالم يف هذه اآلية للتوقيت‪ ،‬فتكون مبعىن عند‪( .‬و) مبعىن (من) حنو مسعت له صراخا أي منه‪( .‬و) مبعىن (عن) حنو {وقال‬
‫الذين كفروا للذين آمنوا} أي عنهم {لو كان} أي اإلميان {خريا ما سبقونا إليه} ولو كانت الالم يف هذه اآلية للتبليغ لقيل ما‬
‫سبقتمونا‪ .‬وخرج باجلارة اجلازمة‬
‫حنو {لينفق ذو سعة من سعته} وغري العاملة كالم االبتداء حنو {ألنتم أش ّد رهبة}‪.‬‬
‫واعلم أ ّن داللة حرف على معىن حرف آخر مذهبـ الكوفيني‪ ،‬أما البصريون فذلك عندهم على تضمني الفعلـ املتعلق به ذلك احلرف‬
‫ما يصح معه معىن ذلك احلرف على احلقيقة‪ ،‬ألن التصرف عندهم يف الفعل أسهل منه يف احلرف‪.‬‬
‫( و) العشرون (لوال) ومثلها لو ما‪( .‬حرف معناه يف) دخوله على (اجلملة االمسية امتناع جوابه لوجود شرطه) حنو لوال زيد‪ ،‬أي موجود‬
‫ألهنتك امتنعت اإلهانة لوجود زيد‪ ،‬فزيد الشرط وهو مبتدأ حمذوف اخلرب لزوما‪( .‬ويف) دخوله على اجلملة (املضارعية التحضيض) أي‬
‫حبث حنو {لوال تستغفرون اهلل} أي استغفروه وال بد‪( .‬والعرض) من زياديت وهو طلب بلني حنو {لوال أخرتين} أي تؤخرين‬ ‫الطلبـ ّ‬
‫{إىل أجل قريب} (و) يف دخوله على اجلملة (املاضية التوبيخ) حنو {لوال جاءوا عليه بأربعة شهداء} وخبهم اهلل على عدم اجمليء‬
‫بالشهداء مبا قالوه من اإلفك‪ ،‬وهو يف احلقيقة حمل التوبيخ‪( .‬وال ترد للنفي وال لالستفهام يف األصح) وقيل ترد للنفي كآية {فلوال‬
‫ورد بأهنا يف اآلية للتوبيخ على ترك‬
‫كانت قرية آمنت} أي فما آمنت قرية أي أهلها عند جميء العذابـ فنفعها إمياهنا إال قوم يونس‪ّ ،‬‬
‫اإلميان قبل جميء العذاب‪ ،‬وكأنه قيل فلوال آمنت قرية قبل فنفعها إمياهنا واالستثناء حينئذ منقطع‪ ،‬وقيل ترد لالستفهام كقوله تعاىل‬
‫ورد بأهنا فيه للتحضيضـ أي هال أنزل مبعىن ينزل‪ ،‬وقويل وال لالستفهام من زياديت‪.‬‬
‫{لوال أنزل عليه ملك} ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/46‬‬

‫( و) احلادي والعشرون (لو شرط) أي حرفه (للماضي كثريا) حنو لو جاء زيد ألكرمته‪ ،‬وللمستقبلـ قليالً حنو {وليخش الذين لو تركوا‬
‫األول (هي جملرد‬‫من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم} أي إذ تركوا وحنو أحسن لزيد ولو أساء أي وإن أساء‪( .‬مث قيل) يف معناها على ّ‬
‫الربط) للجوابـ بالشرط كان واستفادة ما يأيت من انتفائهما‪ ،‬أو انتفاء الشرط فقط من خارج‪ ،‬وقيل المتناع تاليها واستلزامه ما يليه‬
‫وهو ما صححه األصل‪( .‬واألصح أهنا) يف األصل (النتفاء جواهبا بانتفاء شرطها خارجا) أي يف اخلارج مثبتني أو منفيني أو خمتلفني‪،‬‬
‫األول‬
‫فاألقسامـ أربعة‪ ،‬كلو جئتين أكرمتك‪ ،‬لو مل جتئين ما أكرمتك‪ ،‬لو جئتين ما أهنتك‪ ،‬لو مل جتئين أهنتك‪ ،‬فينتفي اإلكرام مثالً يف ّ‬
‫النتفاء اجمليء‪( .‬وقد ترد لعكسه) أي النتفاء شرطها بانتفاء جواهبا (علما) كان وحنوها حنو {لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا} فيعلم‬
‫انتفاء تع ّد د اآلهلة بالعلم بانتفاء الفساد‪ ،‬وهذا عليه أرباب العقول أيضا‪ ،‬وهو من زياديت‪ ،‬واملثال الواحد يصلح له ولألول‪ ،‬وخيتلف‬
‫األول أو االستدل على العلم بانتفاء الشرط بالعلم‬ ‫بالقصد إن قصد به الداللة على أ ّن انتفاء اجلواب يف اخلارج بانتفاء الشرط كان من ّ‬
‫األول قيل‬‫بانتفاء اجلواب كان من الثاين‪ ،‬ويف األول يستثىن نقيض الشرط‪ ،‬ويف الثاين نقيض اجلواب لينتج املراد‪ ،‬ففي املثال إن قصد ّ‬
‫لكن ال إله فيهما غريه فلم تفسد‪ ،‬أو الثاين قيل لكنهما مل تفسدا فليس فيهما إله غريه‪( .‬و) ترد (ال ثبات جواهبا) بقسميه مع انتفاء‬
‫شرطها بقسميه (إن ناسب انتفاء شرطها) إما (باألوىل كلو مل خيف مل يعص) املأخوذ مما روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬أو عن‬
‫عمر رضي اهلل عنه «نِعم العبد صهيب لو مل خيف اهلل مل يعصه»‪ .‬رتب عدم العصيان على عدم اخلوف وهو باخلوف املفاد بلو أنسب‪،‬‬
‫فيرتتب عليه أيضا يف قصده‪ ،‬واملعىن أنه ال يعصي اهلل أصالً ال مع اخلوف وهو ظاهر‪ ،‬وال مع انتفائه إجالالً له تعاىل‬
‫عن أن يعصيه وقد اجتمع فيه اخلوف واإلجالل رضي اهلل عنه‪( .‬أو املساوي كلو مل تكن ربيبة ما حلت للرضاع) املأخوذ من قوله‬
‫جتويزهن أن ذلك‬
‫ّ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلّم يف درة بضم املهملة بنت أم سلمة أي هند ملا بلغه حتدث النساء أنه يريد أن ينكحها بناء على‬
‫من خصائصه‪ ،‬إهنا لو مل تكن ربيبيت يف حجري ما حلت يل‪ ،‬إهنا البنة أخي من الرضاعة‪ ،‬رواه الشيخان‪ ،‬رتب عدم حلها على عدم‬
‫كوهنا ربيبته املبني بكوهنا ابنة أخي الرضاع املناسب هو له شرعا كمناسبته لألول‪ ،‬سواء ملساواة حرمة املصاهرة حلرمة الرضاع‪ ،‬واملعىن‬
‫أهنا ال حتل يل أصالً ألن هبا وصفني لو انفرد كل منهما حرمت به كوهنا ربيبته‪ ،‬ووها ابنة أخي الرضاع‪ ،‬وقوله يف حجري على وفق‬
‫اآلية‪ .‬وتقدم الكالم فيه‪( .‬أو األدون كـ)ـقولك فيمن عرض عليك نكاحها (لو انتفت أخوة الرضاع) بيين وبينها (ما حلت) يل‬
‫بأخوهتا من النسب املناسب هو هلا شرعا‪ ،‬فيرتتب‬ ‫(للنسب) بيين وبينها باألخوة رتب عدم حلها على عدم أخوهتا من الرضاع املبني ّ‬
‫أيضا يف قصده على أخوهتا من الرضاع املفادة بلو املناسب هو هلا شرعا‪ ،‬لكن دون مناسبته لألول ألن حرمة الرضاع أدون من حرمة‬
‫أخوهتا من النسب وأخوهتا من الرضاع‪ ،‬وقد جتردت‬ ‫حتل يل أصالً ألن هبا وصفني لو انفرد كل منهما حرمت به ّ‬ ‫النسب‪ ،‬واملعىن أهنا ال ّ‬
‫لو فيما ذكر من األمثلة عن الزمان على خالف األصل فيها‪ ،‬أما أمثلة بقية أقسام هذا القسم يف الشق األول منه فنحو لو أهنت زيدا‬
‫ألثىن عليك فيثين مع عدم اإلهانة باألوىل‪ ،‬لو ترك العبد سؤال ربه ألعطاه فيعطيه مع السؤال باألوىل {ولو أن ما يف األرض من شجرة‬
‫أقالم} إىل قوله {ما نفدت كلمات اهلل} أي فال تنفد مع انتفاء ما ذكر باألوىل‪ ،‬وقد استشكل قوله تعاىل }ولو علم اهلل فيهم خريا‬
‫ألمسعهم} اآلية‪ .‬بأن االستدالل به على هيئة قياس اقرتاين وهو لو علم اهلل فيهم خريا ألمسعهم ولو أمسعهم لتولوا ينتج لو علم اهلل فيهم‬
‫خريا لتولوا‪ ،‬وهذا حمال‬
‫ألن الذي حيصلـ منهم بتقدير أن يعلم اهلل فيهم خريا هو االنقياد ال التويل‪.‬‬
‫وأجيب جبوابني أحدمها أن الوسط خمتلف تقديره ألمسعهم إمساعا نافعا‪ ،‬ولو أمسعهم إمساعا غري نافع لتولوا‪ ،‬وفيه نظر الستلزامه انتفاء‬
‫االمساع عنهم مطلقا‪ ،‬ألن اجلملة األوىل أفادت انتفاء االمساع النافع‪ ،‬والثانية انتفاء غري النافع والالزم باطل لثبوت إمساعهم يف اجلملة‬
‫قطعا وإال فال تكليف‪ .‬ثانيهما ليس املراد من اآلية االستدالل بل بيان السببية على األصل يف «لو» أي أن سبب انتفاء إمساعهم خريا هو‬
‫انتفاء العلم باخلري فيهم‪ ،‬وحينئذ فالكالم قد متّ عند قوله ألمسعهم‪ ،‬ويكون قوله ولو أمسعهم كالما مستأنفا أي أن التويل الزم بتقدير‬
‫االمساع‪ ،‬فكيف بتقدير عدمه فهو من قبيل لو مل خيف اهلل مل يعصه‪.‬‬

‫( ‪)1/47‬‬

‫يتصور وجوده منهم عند عدم إمساعهم الشيء؟ قلت بل أمسعهم الشيء وإال فال‬ ‫فإن قلت التويل هو اإلعراض عن الشيء فكيف ّ‬
‫تكليف‪ ،‬والنفي إمنا هو إمساعهم الشيء للتفهيم‪ ،‬وقد ذكرت يف احلاشية ما يؤخذ منه سبب عدويل عن تصحيح ما صححه األصل‬
‫مضمنا به قول اجلمهور إىل تصحيحي ملا قالوه من أن فيما صنعته بيان األكثر واألقل يف استعمال لو‪.‬‬
‫( و) ترد (للتمين وللتحضيض وللعرض) فينصب املضارع بعد فاء جواهبا لذلك بأن مضمرة حنو لو تأتيين فتح ّدثين لو تأمر فتطاع لو‬
‫كرة فنكون من املؤمنني} أي ليت لنا والثالثة للطلبـ لكنه يف األول ملا ال طمع يف‬ ‫تنزل عندي فتصيب خريا‪ .‬ومن األول {فلو أ ّن لنا ّ‬
‫«ردوا السائل» أي باإلعطاء‪«( .‬ولو بظلف‬ ‫مر‪( .‬وللتعليل حنو) خرب النسائي وغريه ُّ‬
‫حبث‪ ،‬ويف الثالث بلني كما ّ‬ ‫وقوعه‪ ،‬ويف الثاين ّ‬
‫حمرق») أي تص ّدقوا مبا تيسر من كثري أو قليل ولو بلغ يف القلة إىل الظلف مثالً‪ ،‬فإنه خري من العدمـ وهو بكسر املعجمة للبقر والغنم‬
‫الشي كما هو عادهتم فيه ألن النيبء قد ال يؤخذ وقد يرميه آخذه فال ينتفع به‬
‫كاحلافر للفرس واخلف للجمل‪ ،‬وقيد باإلحراق أي ّ‬
‫خبالف املشوي‪ .‬قال الزركشي واحلق أن التقليل مستفاد مما بعدها ال منها‪ .‬قلت بل احلق أنه كغريه مما ذكر مستفاد منها بواسطة ما‬
‫{يود أحدهم لو يعمر} وهذا من زياديت)‪.‬‬‫بعدها‪( .‬و) ترد (مصدرية) حنو ُّ‬
‫( و) الثاين والعشرون (لن حرف نفي ونصب واستقبال) للمضارع‪( .‬واألصح أهنا ال تفيد) مع ذلك (توكيد النفي وال تأييده) لقوله‬
‫تعاىل ملوسى عليه الصالة والسالم) {لن تراين} ومعلوم أنه كغريه من املؤمنني يراه يف اآلخرة‪ ،‬وقيل يفيدمها كما يف قوله تعاىل {لن‬
‫خيلقوا ذبابا} وقوله {ولن خيلف اهلل وعده}‪ .‬وأجيب بأن استفادة ذلك يف هذين وحنومها من خارج كما يف قوله {ولن يتمنوه أبدا}‬
‫وكون أبدا فيه للتوكيد خالف الظاهر وال تأبيد قطعا فيما إذا قيد النفي حنو {فلن أكلم اليوم إنسيا} و{لن نربح عليه عاكفني حىت‬
‫يرجع إلينا موسى} (و) األصح (أهنا) ترد بواسطة الفعل بعدها (للدعاء) وفاقا البن عصفور وغريه كقوله‬
‫لن تزالوا كذلك مث ال زلـ‬
‫ـت لكم خالدا خلود اجلبال‬
‫وابن مالك وغريه نفوا ذلك وقالوا ال حجة يف البيت الحتمال أنه خرب‪ ،‬وفيه بعد ألن السياق ينافيه‪.‬‬
‫( و) الثالث والعشرون (ما ترد امسا) إما (موصولة) حنو {ما عندكم ينفد وما عند اهلل باق} أي الذي (أو نكرة موصوفة) حنو مررت مبا‬
‫وسوغ االبتداء هبا التعجب‪.‬‬
‫معجبـ لك أي بشيء‪( .‬وتامة تعجبية) حنو ما أحسن زيدا فما نكرة تعجبية‪ .‬مبتدأ وما بعدها خربه ّ‬
‫(ومتييزية) وهي الالحقة لنعم وبئس حنو {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} فما نكرة منصوبة على التمييز أي نعم شيئا هي أي إبداؤها‪.‬‬
‫(ومبالغية) بفتح الالم وهي للمبالغة يف اإلخبار عن أحد بإكثار فعل كالكتابة حنو إن زيدا مما أن يكتب أي إنه من أمر كتابة أي خملوق‬
‫من أمر هو الكتابة فما نكرة مبعىن شيء للمبالغة‪ ،‬وأن وصلتها يف موضع جر بدالً من ما فجعل لكثرة كتابته كأنه خلق منها كما يف‬
‫قوله {خلق اإلنسان من عجل} (واستفهامية) حنو {فما خطبكم} أي شأنكم‪( .‬وشرطية زمانية) حنو {فما استقاموا لكم فاستقيموا‬
‫هلم} أي استقيموا هلم مدة استقامتهم لكم‪( .‬وغري زمانية) حنو {وما تفعلوا من خري يعلمه اهلل} وقويل ومتييزية ومبالغية من زياديت تبعا‬
‫لألكثر‪،‬وقويل تامة أوىل من قوله للتعجبـ إلفادته أن املوصوفة ناقصة‪ ،‬وأن التعجبية واملعطوفات عليها تامة‪ ،‬وإمنا صرحوا به يف التعجبية‬
‫وتاليتها فقط لظهور متامها لتجردها عن معىن احلرف‪( .‬و) ترد (حرفا مصدرية لذلك) أي زمانية حنو {فاتقوا اهلل ما استطعتم} أي مدة‬
‫استطاعتكم وغري زمانية حنو {فذوقوا مبا نسيتم} أي بنسيانكم‪( .‬ونافية) عاملة حنو ما هذا بشرا وغري عاملة حنو {وما تنفقون إال ابتغاء‬
‫واجلر حنو رمبا دام الوصل‪.‬‬
‫وجه اهلل} (وزائدة كافة) عن عمل الرفع حنو قلما يدوم الوصال أو الرفع والنصب حنو إمنا اهلل إله واحد‪ّ ،‬‬
‫(وغري كافة) عوضا حنو افعل هذا‪ .‬إما ال أي إن كنت ال تفعل غريه فما عوض عن كنت أدغم فيها النون للتقارب وحذف املنفي للعلم‬
‫به وغري عوض للتأكيد حنو {فبما رمحة من اهلل لنت هلم} وأصله فربمحة‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/48‬‬

‫( و) الرابع والعشرون (من) بكسر امليم (البتداء الغاية) مبعىن املسافة من مكان حنو من املسجد احلرام‪ ،‬وزمان حنو من أول يوم وغريمها‪.‬‬
‫حنو {إنه من سليمان} (غالبا) أي ورودها هلذا املعىن أكثر منه لغريه‪( .‬والنتهائها) أي الغاية حنو قربت منه أي إليه‪( .‬وللتبعيض) حنو‬
‫{حىت تنفقوا مما حتبون} أي بعضه‪( .‬وللتبيني) بأن يصح محل مدخوهلا على املبهم قبلها حنو {ما ننسخ من آية} {فاجتنبوا الرجس من‬
‫األوثان} كأن يقال يف األول ما ننسخه آية‪ .‬ويف الثاين الرجس األوثان‪( .‬وللتعليل) حنو {جيعلون أصابعهم يف آذاهنم من الصواعق} أي‬
‫ألجلها والصاعقة الصيحة اليت ميوت من يسمعها أو يغشى عليه‪( .‬وللبدل) حنو {أرضيتم باحلياة الدنيا من اآلخرة} أي بدهلا‪.‬‬
‫(ولتنصيص العموم) وهي الداخلة على نكرة ال ختتص بالنفي حنو ما يف الدار من رجل‪ ،‬فهو بدون من ظاهر يف العموم حمتمل لنفي‬
‫الواحد فقط وهبا يتعني النفي للجنس‪( .‬ولتوكيده) أي تنصيص العموم وهي الداخلة على نكرة ختتص بالنفي حنو ما يف الدار من أحد‪،‬‬
‫املتضادين حنو {واهلل يعلم املفسد من املصلح} {حىت مييز اخلبيث‬
‫ّ‬ ‫وهذا من زياديت‪( .‬وللفصل) باملهملة أي للتمييز بأن تدخل على ثاين‬
‫من الطيب} والبن هشام فيه نظر ذكرته يف احلاشية مع جوابه‪( .‬ومبعىن الباء) حنو {ينظرون من طرف خفي} أي به (و) مبعىن (عن)‬
‫حنو {قد كنا يف غفلة من هذا} أي عنه‪( .‬و) مبعىن (يف)حنو {إذا نودي للصالة من يوم اجلمعة}أي فيه وحنو {أروين ماذا خلقوا من‬
‫األرض} أي فيها (و) مبعىن (عند) حنو {لن تغين عنهم أمواهلم وال أوالدهم من اهلل شيئا} أي عنده (و) مبعىن (على) حنو ونصرناه من‬
‫القوم} أي عليهم وقيل ضمن نصرناه معىن منعناه‪.‬‬
‫( و) اخلامس والعشرون من بفتح امليم إما (موصولة) حنو {وهلل يسجد من يف السموات واألرض} (أو نكرة موصوفة) كمررت مبن‬
‫معجبـ لك أي بإنسان (وتامة شرطية) حنو {من يعمل سوءا جيز به} (واستفهامية) حنو {فمن ربكما يا موسى} (ومتييزية) كقول‬
‫الشاعر‬
‫سر وإعالن†‬
‫ونعم من هو يف ّ‬
‫ففاعلـ نعم مسترت ومن متييز مبعىن رجالً‪ .‬وقوله هو خمصوص باملدح وهو راجع إىل بشر بن مروان يف البيت قبله‪ ،‬ويف سر متعلقـ بنعم‪،‬‬
‫وهذا مذهب أيب علي الفارسي وأما غريه فنفى ذلك وقال من موصولة فاعل‪ .‬نعم‪ ،‬وقوله هو راجع إليها مبتدأ خربه هو حمذوف راجع‬
‫إىل بشر يتعلق به يف سر لتضمنه معىن الفعلـ كما سيظهر‪ ،‬واجلملة صلة من واملخصوص باملدح حمذوف أي هو وهو راجع إىل بشر‬
‫أيضا‪ ،‬والتقدير نعم الذي هو املشهور يف السر والعالنية بشر‪ ،‬وفيه تكلف وتعبريي مبا ذكر يف األقسام املذكورة أوىل مما عرب به إلفادته‬
‫أن الشرطية واالستفهامية نكرتان تامتان‪.‬‬
‫(و) السادس والعشرون (هل لطلبـ التصديق كثريا) إجيابا أو سلبا خالفا لألصل يف تقييده تبعا البن هشام باإلجياب سرى إليهما ذلك‬
‫منفي فيقال يف جواب هل قام زيد مثالً؟ نعم أو ال‪ ،‬وإن مل تدخل على منفي أذ ال يقال هل مل يقم زيد‪( .‬و)‬ ‫من أن هل ال تدخل على ّ‬
‫(التصور قليالً) خالفا لألصل يف منع جميئها له خبالف اهلمزة تأيت لكل منهما كثريا‪ ،‬وتدخل على املنفي فتخرج عن االستفهام‬ ‫ّ‬ ‫لطلبـ‬
‫إىل التقرير وهو محل املخاطب على اإلقرار مبا بعد النفي حنو {أمل نشرح لك صدرك} فيجاب ببلى‪ ،‬وقد تبقى على االستفهام كقولك‬
‫ملن قال مل أفعل كذا أمل تفعله؟ أي أحق انتفاء فعلكـ له‪ .‬فيجاب بنعم أو ال‪ .‬ومنه قوله‬
‫أال اصطبار لسلمى أم هلا جلد‬
‫إذاً أالقي الذي القاه أمثايل‬
‫فيجاب مبعني منهما‪.‬‬
‫(و) السابع والعشرون (الواو) بقيد زدته بقويل (العاطفة ملطلقـ اجلمع) بني املعطوفني يف احلكم (يف األصح) ألهنا تستعمل يف اجلمع مبعية‬
‫وبغريها حنو جاء زيد وعمرو إذا جاء معه أو بعده أو قبله‪ ،‬فتكون حقيقة يف القدر املشرتك بني الثالثة وهو مطلق اجلمع حذرا من‬
‫االشرتاك واجملاز واستعماهلا يف كل منها من حيث إنه مجع استعمال حقيقي‪ ،‬وقيل هي للرتتيب لكثرة استعماهلا فيه فهي يف غريه جماز‪،‬‬
‫وقيل للمعية ألهنا للجمعـ واألصل فيه املعية‪ ،‬فهي يف غريها جماز وخرج بالعاطفة غريها كواوي القسم واحلال‪ ،‬وقد بينت يف احلاشية‬
‫وغريها أنه ال فرق هنا بني مطلقـ اجلمع واجلمع املطلق‪ ،‬خالفا ملن زعم خالفه أخذا من الفرق بني مطلقـ املاء واملاء غافالً عن اختالف‬
‫اصطالحي الفقيه واللغوي‪.‬‬

‫( ‪)1/49‬‬

‫األمر‬
‫أي هذا مبحثه (أ م ر) أي اللفظ املنتظم من هذه األحرف املسماة بألف ميم راء وتقرأ بصيغة املاضي مفككا (حقيقة يف القول‬
‫الدال بوضعه على اقتضاء فعل إىل آخر ما يأيت حنو {وأمر أهلك بالصالة} أي قل هلم صلوا‪( .‬جماز يف الفعلـ يف‬
‫املخصوص) أي ّ‬
‫األصح) حنو {وشاورهم يف األمر} أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ األمر إىل الذهن‪ ،‬وقيل هو للقدر‬
‫املشرتك بينهما وهو مفهوم أحدمها حذرا من االشرتاك واجملاز‪ ،‬وقيل هو مشرتك بينهما الستعماله فيهما‪ ،‬وقيل مشرتك بينهما وبني‬
‫يسود أي لصفة من صفات الكمال ألمر‬ ‫يسود من ّ‬
‫الشأن والصفة والشيء الستعماله فيها أيضا حنو إمنا أمرنا لشيء أي شأننا ألمر ما ّ‬
‫مر‪ ،‬وإمنا عربت‬‫ما جدع قصري أنفه أي لشيء‪ ،‬واألصل يف االستعمال احلقيقة‪ .‬وأجيب بأنه فيها جماز ألنه خري من االشرتاك كما ّ‬
‫كغريي بالفعل القاصر عن تناوهلا ألنه املقابل للقول من حيث إهنما قسمان للمقصود‪ ،‬وهو الدال على احلكم واألمر لفظي ونفسي وهو‬
‫كف)‬
‫الكف (بغري حنو ّ‬‫األصل‪ ،‬فاللفظي عرف من قويل حقيقة يف كذا‪( .‬والنفسي اقتضاء) أي طلب (فعل غري كف مدلول عليه) أي ّ‬
‫فدخل فيه الطلب اجلازم وغريه ملا ليس بكف‪ ،‬وملا هو كف مدلول عليه بكف أو حنوها‪ .‬كاترك وذر ودع املفادة بزياديت حنو وخرج‬
‫كف أمرا ال هنيا موافقة للدال يف امسه‪ ،‬وحي ّد‬
‫منه اإلباحة واملدلول عليه بغري ذلك أي ال تفعل فليس كل منهما بأمر ومسي مدلول ّ‬
‫النفسي أيضا بالقول املقتضى لفعل إىل آخره‪ ،‬والقول مشرتك بني اللفظيـ والنفسي أيضا‪( .‬وال يعترب يف األمر) بقسميه حىت يعترب يف‬
‫(علو ) بأن يكون الطالب عايل الرتبة على املطلوب منه‪( .‬وال استعالء) بأن يكون الطلب بعظمة إلطالق األمر بدوهنما‪ .‬قال‬ ‫ح ّده أيضا‪ّ .‬‬
‫األوالن وإطالق‬
‫تعاىل حكاية عن فرعون {فماذا تأمرون} (وال إرادة الطلب) باللفظ إلطالق األمر بدوهنا‪( .‬يف األصح) وقيل يعترب ّ‬
‫العلو دون‬
‫األمر بدوهنما جمازي‪ ،‬وقيل يعترب ّ‬
‫العلو وإرادة الطلب باللفظ فإذا مل يرده به مل يكن أمرا ألنه يستعمل يف غري الطلب كالتهديد وال‬‫االستعالء‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬وقيل يعترب ّ‬
‫مميز غري اإلرادة‪ .‬قلنا استعماله يف غري الطلبـ جمازي خبالف الطلب‪ ،‬فال حاجة إىل اعتبار إرادته‪ ،‬وألن األمر لو كان هو اإلرادة لوقعت‬
‫متصو ر مبجرد التفات النفس إليه بال نظر‪ ،‬إذ كل عاقل يفرق بالبديهة بينه وبني غريه‬
‫املأمورات والالزم باطل‪( .‬والطلب بديهي) أي ّ‬
‫كاإلخبار وما ذاك إال لبداهته فاندفع ما قيل إن تعريف األمر مبا يشتمل عليه تعريف باألخفى بناء على أنه نظري‪( .‬و) األمر (النفسي)‬
‫املعرف باقتضاء فعل إىل آخره (غري اإلرادة) لذلك الفعل‪.‬ـ (عندنا) فإنه تعاىل أمر من علم أنه ال يؤمن كأيب هلب باإلميان ومل يرده منه‬
‫المتناعه واملمتنع غري مراد‪ ،‬أما عند املعتزلة فهو عينها ألهنم ملا أنكروا الكالم النفسي ومل ميكنهم إنكار االقتضاء املعرف به األمر قالوا‬
‫إنه اإلرادة‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/50‬‬

‫( مسألة األصح) على القول بإثبات الكالم النفسي‪( .‬أن صيغة أفعل)‪ .‬واملراد هبا كل ما يدل ولو بواسطة على األمر من صيغه احملتملة‬
‫وصل وصه ولينفق‪( .‬خمتصة باألمر النفسي) بأن تدل عليه وضعا دون غريه‪ ،‬وقيل ال فال تدل عليه إال بقرينة‬ ‫لغري الوجوب‪ ،‬كاضرب ّ‬
‫كصل لزوما‪ ،‬وعليه فقيل هو للوقف مبعىن عدم الدراية مبا وضعت له حقيقة مما وردت له من أمر وهتديد وغريمها‪ ،‬وقيل لالشرتاك بني‬
‫املعاين اآلتية املشرتكة‪ ،‬أما صحة التعبري عن األمر مبا يدل عليه فال خيتص هبا صيغة فعل قطعا‪ ،‬بل تأيت يف غريها كألزمتك وأوجبت‬
‫عليك‪ ،‬أما املنكرون للنفسي فال حقيقة لألمر وسائر أقسام الكالم عندهم إال العبارات‪( .‬وترد) صيغة افعل باملعىن السابق لستة وعشرين‬
‫معىن على ما يف األصل‪ ،‬وإال فقد أوصلها بعضهم لنيف وثالثني وليميز بعضها عن بعض بالقرائن‪( .‬للوجوب) حنو أقيموا الصالة‬
‫(وللندب) حنو {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خريا} (ولإلباحة) حنو {كلوا من طيبات} أي مما يستلذ من املباحات (وللتهديد) حنو‬
‫{اعملوا ما شئتم} قيل ويصدق مع التحرمي والكراهة‪(.‬ولإلرشاد) حنو {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} واملصلحة فيه دنيوية‬
‫خبالفها يف الندب (وإلرادة االمتثال) كقولك لغري رقيقك عند العطش اسقين ماء‪( .‬ولإلذن) كقولك ملن طرق الباب ادخل وبعضهم‬
‫واألول فرق بأن األدب متعلق‬
‫أدرج هذا يف اإلباحة‪( .‬وللتأديب) كقولك لغري مكلف كل مما يليك وبعضهم أدرج هذا يف الندب‪ّ ،‬‬
‫مبحاسن األخالق وإصالح العادات والندب بثواب اآلخرة أما أكل املكلف مما يليه فمندوب‪ ،‬ومما يلي غريه مكروه حيث ال إيذاء وإال‬
‫فحرامـ (ولإلنذار) حنو {قل متتعوا فإن مصريكم إىل النار} ويفارق التهديد بوجوب اقرتانه بالوعيد كما يف اآلية‪ ،‬وبأن التهديد التخويف‬
‫واإلنذار إبالغ املخوف منه‪( .‬ولالمتنان) حنو؛ {كلوا مما رزقكم اهلل} ويفارق اإلباحة باقرتانه بذكر ما حيتاج إليه (ولإلكرام) حنو‬
‫{ادخلوها بسالم آمنني} (وللتسخري) أي‬
‫التذليل واالمتهان حنو {كونوا قردة خاسئني} (وللتكوين) أي اإلجياد عن العدمـ بسرعة حنو {كن فيكون} (وللتعجيز) أي إظهار‬
‫العجز حنو {فأتوا بسورة من مثله} (ولإلهانة) ويعرب عنها بالتهكم حنو {ذق إنك أنت العزيز الكرمي} (وللتسوية) بني الفعلـ والرتك حنو‬
‫{فاصربوا أو ال تصربوا} وللدعاء) حنو {ربنا افتح بيننا وبني قومنا} (وللتمين) كقولك آلخركن فالنا‪( .‬ولالحتقار) حنو {ألقوا ما أنتم‬
‫ملقون} إذ ما يلقونه من السحر وإن عظم حمتقر بالنظر إىل معجزة موسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬وفرق بينه وبني اإلهانة بأن حمله القلب‬
‫شئت» أي صنعت (ولإلنعام) مبعىن تذكر النعمة حنو {كلوا من طيبات ما‬ ‫فاصنَ ْع ما َ‬
‫ستح ْ‬
‫وحملها الظاهر‪( .‬وللخرب) كخرب «إذا مَل تَ ِ‬
‫رد األمر إىل غريك ويسمى التحكيم والتسليم حنو {فاقض ما أنت قاض} (وللتعجب) حنو؛ {انظر كيف‬ ‫رزقناكم} (وللتفويض) وهو ّ‬
‫ضربوا لك األمثال} وتعبريي به أنسب بسابقه والحقه من تعبريه بالتعجب (وللتكذيب)‪ .‬حنو {قل فأتوا بالتوراة قاتلوها إن كنتم‬
‫صادقني} (وللمشورة) حنو {فانظر ماذا ترى} (ولالعتبار) حنو {انظروا إىل مثره إذا أمثر} (واألصح أهنا) أي صيغة افعل باملعىن السابق‪.‬‬
‫(حقيقة يف الوجوب) فقط كما عليه الشافعي واجلمهور‪ ،‬ألن األئمة كانوا يستدلون هبا جمردة عن القرائن على الوجوب‪ ،‬وقد شاع من‬
‫غري إنكار يف الندب فقط ألنه املتيقن من قسمي الطلب‪ ،‬وقيل حقيقة يف القدر املشرتك بني الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من‬
‫االشرتاك واجملاز‪ ،‬وقيل مشرتكة بينهما‪ ،‬وقيل بالوقف‪ ،‬وقيل مشرتكةـ فيهما‪ ،‬ويف اإلباحة‪ ،‬وقيل يف الثالثة والتهديد‪ ،‬وقيل أمر اهلل‬
‫للوجوب وأمر نبيه املبتدأ منه للندب خبالف املوافق ألمر اهلل أو املبني له فللوجوب أيضا‪ ،‬وقيل مشرتكة بني اخلمسة األول الوجوب‬
‫والندب واإلباحة والتهديد واإلرشاد‪ ،‬وقيل بني األحكام اخلمسة الثالثة األول والتحرمي والكراهة‪ ،‬وعلى األصح هي حقيقة يف الوجوب‬
‫(لغة على‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/51‬‬

‫األصح) وهو املنقول عن الشافعي وغريه‪ ،‬ألن أهل اللغة حيكمون باستحقاق خمالف أمر سيده مثالً هبا للعقاب‪ ،‬وقيل شرعا ألهنا لغة‬
‫جملرد الطلب وجزمه احملقق للوجوب بأن ترتب العقاب على الرتك إمنا يستفاد من أمره أو أمر من أوجب طاعته‪ ،‬وقيل عقالً ألن ما يفيد‬
‫األمر لغة من الطلب يتعني أن يكون الوجوب ألن محله على الندب يصري املعىن افعل إن شئت‪ ،‬وليس هذا القدر مذكورا‪ ،‬وقوبل مبثله‬
‫يف احلمل على الوجوب فإنه يصري املعىن افعل من غري جتويز ترك‪ ،‬وقيل يف الطلبـ اجلازم لغة ويف التوعد على الرتك شرعا فالوجوب‬
‫مركب مهما‪ ،‬وهذا ما اختاره األصل‪ ،‬وقيل إلسقاط احلظر ورجوع األمر إىل ما كان قبله من وجوب أو غريه(و) األصح (أنه جيب‬
‫اعتقاد الوجوب) يف املطلوب (هبا قبل البحث) عما يصرفها عنه إن كان كما جيب على األصح اعتقاد عموم العام حىت يتمسك به قبل‬
‫البحث عن املخصص‪ ،‬كما سيأيت‪ ،‬وقيل ال جيب كما يف تلك‪( .‬و) األصح (أهنا إن وردت بعد حظر) ملتعلقها حنو {وإذا حللتم‬
‫فاصطادوا} (أو) بعد (استئذان) فيه كأن يقال ملن قال أفعل لك كذا افعل‪( .‬فلإلباحة) الشرعية حقيقة لتبادرها إىل الذهن يف ذلك لغلبة‬
‫استعماهلا فيها حينئذ‪ ،‬وقيل للوجوب كما يف غري ذلك حنو {فإذا انسلخ األشهر احلرم فاقتلوا املشركني} وقيل بالوقف فال حنكم بشيء‬
‫منها‪( .‬و) األصح (أن صيغة النهي) أي ال تفعل الواردة‪( .‬بعد وجوب للتحرمي) كما يف غري ذلك ومن القائل به بعض القائل بأن األمر‬
‫بعد احلظر لإلباحة‪ ،‬وفرق بأن مقتضى النهي وهو الرتك موافق لألصل‪ ،‬وبأن النهي لدفع املفسدة واألمر لتحصيل املصلحة واعتناء‬
‫الشارع باألول أش ّد ‪ ،‬وقيل للكراهة على قياس أن األمر لإلباحة‪ ،‬وقيل لإلباحة نظرا إىل أن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه‬
‫فيثبت التخيري فيه‪ ،‬وقيل إلسقاط الوجوب ويرجع األمر إىل ما كان قبله من حترمي أو إباحة‪ ،‬وقيل بالوقف‪ ،‬وتعبريي بصيغة افعل‬
‫وبصيغة النهي أوىل من تعبريه باألمر والنهي ليوافق‬
‫القول باإلباحة‪ ،‬إذ ال أمر وال هني فيها إال على قول الكعيب‪ ،‬وظاهر أن صيغة النهي بعد االستئذان كهي بعد الوجوب‪.‬‬
‫ا‪.‬‬
‫( ‪)1/52‬‬

‫(مسألة األصح أهنا) أي صيغة افعلـ (لطلب املاهية) ال لتكرار وال مرة وال لفور وال تراخ فهي للقدر املشرتك بينها حذرا من االشرتاك‬
‫اجملاز‪( .‬واملرة ضرورية) إذ ال توجد املاهية بأقل منها فيحمل عليها‪ ،‬وقيل املرة ألهنا املتيقن وحتمل على التكرار على القولني بقرينة وقيل‬
‫للتكرار مطلقاـ ألنه الغالب‪ ،‬وحتمل على املرة بقرينة‪ ،‬وقيل للتكرار إن علقتـ بشرط أو صفة حبسب تكرار املعلق به حنو {وإن كنتم‬
‫جنبا فاطهروا} {والزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وإن مل تعلق بذلك فللمرة‪ ،‬وقيل بالوقف عن املرة والتكرار‬
‫مبعىن أهنا مشرتكة بينهما أو ألحدمها وال نعرفه قوالن‪ .‬فال حتمل على أحد منهما إال بقرينة‪ ،‬وقيل إهنا للفور أي للمبادرة بالفعلـ عقب‬
‫ورودها ألنه أحوط‪ ،‬وقيل للرتاخي أي التأخري ألنه يس ّد عن الفور خبالف العكس‪ ،‬وقيل مشرتكة بينهما ألهنا مستعملة فيهما‪ ،‬واألصل‬
‫يف االستعمال احلقيقة‪ ،‬وقيل للفور أو العزم يف احلال على الفعل بعد‪ ،‬وقيل بالوقف عن الفور والرتاخي مبعىن أهنا ألحدمها وال نعرفه‪.‬‬
‫(و) األصح (أن املبادر) بالفعل (ممتثل) حلصول الغرض‪ ،‬وقيل ال بناء على أن األمر للرتاخي وجوبا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/53‬‬

‫( مسألة األصح أن األمر) بشيء مؤقت (ال يستلزم القضاء) له إذا مل يفعل يف وقته‪( ،‬بل) إمنا (جيب بأمر جديد) كاألمر يف خرب‬
‫الصحيحني «من نسي الصالة فليصلها إذا ذكرها»‪ .‬والقصد من األمر األول الفعل يف الوقت‪ ،‬وقيل يستلزمه إلشعار األمر بطلب‬
‫استدراكه ألن القصد منه الفعل‪( .‬و) األصح (أن اإلتيان باملأمور به) على الوجه الذي أمر به‪( .‬يستلزم االجزاء) للمأيت به‪ ،‬بناء على أن‬
‫االجزاء الكفاية يف سقوط الطلب‪ ،‬وهو األصح كما مر‪ ،‬وألنه لو مل يستلزمه لكان األمر بعد االمتثال مقتضيا إما للمأيت به‪ ،‬فيلزم‬
‫حتصيل احلاصل أو بغريه فيلزمـ عدم اإلتيان بتمام املأمور بل ببعضه‪ ،‬والفرض خالفه‪ ،‬وقيل ال يستلزمه بناء على أنه إسقاط القضاء جلواز‬
‫ظن طهره مث تبني له حدثه‪( .‬و) األصح (أن األمر) للمخاطب‬ ‫أن ال يسقط املأيت به القضاء بأن حيتاج إىل الفعلـ ثانيا كما يف صالة من ّ‬
‫(باألمر) لغريه (بشيء) حنو {وأمر أهلك بالصالة} (ليس أمرا) لذلك الغري (به) أي بالشيء وقيل هو أمر به‪ ،‬وإال فال فائدة فيه لغري‬
‫املخاطب وقد تقوم قرينة على أن غري املخاطب مأمور بذلك الشيء كما يف خرب الصحيحني «أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض‬
‫فذكر ذلك عمر رضي اهلل عنه للنيب صلى اهلل عليه وسلّم فقال ُم ْره َف ْلُيَر ِاج ْعها»‪.‬‬
‫قام َف ْليََت َوضََّأ»‪( .‬غري داخل فيه) أي يف ذلك اللفظ لبعد‬
‫«م ْن َ‬
‫(و) األصح أن اآلمر) باملد بلفظ يصلح له) هو أوىل من قوله يتناوله حنو َ‬
‫واألول هو املشهور وممن صححه اإلمام الرازي‬ ‫أن يريد اآلمر نفسه‪ ،‬وهذا ما صححه يف حبث العام عكس مقابله وهو ما صححه هنا‪ّ ،‬‬
‫واآلمدي‪ .‬ويف الروضة لو قال نساء املسلمني طوالق مل تطلق زوجته على األصح‪ ،‬ألن األصح عند أصحابنا يف األصول أنه ال يدخل يف‬
‫خطابه‪ ،‬وخرج باآلمر ومثله الناهي املخرب فيدخل يف خطابه على األصح كما صرح به يف حبث العام‪ ،‬إذ ال يبعد أن يريد املخرب نفسه‬
‫حنو {واهلل بكل شيء عليم} وهو تعاىل عليم بذاته وصفاته‪ ،‬فعلم أن يف جمموع املسألتني ثالثة أقوال‪ ،‬وحملها إذا مل تقم قرينة على‬
‫دخوله أو عدم دخوله فإن قامت عمل مبقتضاها قطعا‪( .‬وجيوز عندنا عقالً النيابة يف العبادة البدنية) إذ ال مانع ومنعه املعتزلة ألن األمر‬
‫هبا إمنا هو لقهر النفس وكسرها بفعلها والنيابة تنايف ذلك‪ .‬قلنا ال تنافيه ملا فيها من بذل املؤنة أو حتمل املنة‪ ،‬وخرج بزياديت عقالً اجلواز‬
‫الشرعي فال جتوز شرعا النيابة يف البدنية إال يف احلج والعمرة‪ ،‬ويف الصوم بعد املوت وبالبدنية املالية كالزكاة فال خالف يف جواز النيابة‬
‫فيها‪ ،‬وإن اقتضى كالم األصل أن فيها خالفا‪ ،‬وتعبريي مبا ذكر أوىل من تعبريه بأن األصح أن النيابة تدخل املأمور إال ملانع القتضائه أن‬
‫يف العبادة املالية خالفا وليس كذلك‪ ،‬مع أن قوله إال ملانع إمنا يناسب الفقيه ال األصويل ألن كالمه يف اجلواز العقليـ ال الشرعي‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/54‬‬

‫( مسألة املختار) تبعا إلمام احلرمني والغزايل والنووي يف روضته يف كتاب الطالق وغريهم (أن األمر النفسي بـ)ـشيء (معني) إجيابا أو‬
‫ندبا (ليس هنيا عن ضده وال يستلزمه) جلواز أن ال خيطر الضد بالبال حال األمر حترميا كان النهي أو كراهة‪ ،‬واحدا كان الضد كضد‬
‫السكون أي التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغريه‪ ،‬وقيل هني عن ضده‪ ،‬وقيل يستلزمه فاألمر بالسكون مثالً أي طلبه ليس هنيا‬
‫التحر ك أي طلب الكف عنه وال مستلزما له على األول ومستلزما له على الثالث‪ ،‬وعينه على الثاين مبعىن أن الطلب واحد هو‬ ‫عن ّ‬
‫التحر ك هني‪ ،‬واحتج هلذين القولني بأنه ملا مل يتحقق املأمور به بدون الكف عن ضده كان طلبه طلبا‬
‫بالنسبة إىل السكون أمر وإىل ّ‬
‫للكف أو مستلزما له‪ .‬وأجيب مبنع املالزمة جلواز أن ال خيطر الضد بالبال حال األمر كما مر‪ ،‬فال يكون مطلوبـ الكف به‪ ،‬وقيل‬
‫القوالن يف الوجوب دون أمر الندب‪ ،‬ألن الضد فيه ال خيرج به عن أصله من اجلواز خبالفه يف أمر الوجوب القتضائه الذم على الرتك‬
‫وخرج بالنفسي األمر اللفظي فليس عني النهي اللفظي قطعا وال يستلزمه يف األصح وباملعني املبهم من أشياء فليس األمر به بالنظر إىل‬
‫ما صدقه هنيا عن ض ّد ه منها وال مستلزما له قطعا‪( .‬و) املختار (أن النهي) النفسي عن شيء معني حترميا أو كراهة (كاألمر) فيما ذكر‬
‫فيه‪ ،‬فالنهي ليس أمرا بالضد وال يستلزمه‪ ،‬وقيل عينه‪ ،‬وقيل يستلزمه‪ ،‬وقيل هذان القوالن يف هني التحرمي دون هني الكراهة‪ ،‬والضد إن‬
‫كان واحدا فواضح أو أكثر فاألمر بواحد منه‪ ،‬وقيل النهي أمر بضده قطعا بناء على أن املطلوب يف النهي فعل الضد‪ ،‬وقيل ال قطعا‬
‫بناء على أن املطلوب يف النهي انتفاء الفعل‪ ،‬والرتجيح يف هذه واليت قبلها من زياديت والنهي اللفظي يقاس باألمر اللفظي‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/55‬‬

‫(مسألة األمران إن مل يتعاقبا) بأن يرتاخى ورود أحدمها عن اآلخر مبتماثلني ومل مينع من التكرار مانع أو مبتخالفني‪( .‬أو تعاقبا) لكن‬
‫(بغري متماثلني) بعطف كأقيموا الصالة وآتوا الزكاة‪ ،‬أو بدونه كاضرب زيدا أعطه درمها (فغريان) فيعمل هبما جزما‪( .‬وكذا) إن تعاقبا‬
‫كصل ركعتني وصل ركعتني أو‬ ‫ِّ‬ ‫(مبتماثلني وال مانع من التكرار) يف متعلقهما من عادة أو غريها فإهنما غريان (يف األصح) مع عطف‬
‫بدونه كصل ركعتني صل ركعتني لظهور العطف يف التأسيس وأصالة التأسيس يف غري العطف‪ ،‬وهذا ما نقله األصل يف شرح املختصر‬
‫كالصفي اهلندي عن األكثرين‪ ،‬وقيل الثاين تأكيد فيهما لتماثل املتعلقني‪ ،‬وقيل بالوقف عن التأسيس والتأكيد يف غري العطف‬
‫الحتماهلما‪ ،‬والرتجيح من زياديت يف غري العطف‪ ،‬وما ذكرته من اخلالف مع العطف حكاه األصل‪ .‬قال الزركشي وفيه نظر فقد صرح‬
‫الصفي اهلندي وغريه بأنه ال خالف يف أنه للتأسيس‪ ،‬ألن الشيء ال يعطف على نفسه‪ ،‬وجياب بأن من حفظ حجة على من مل حيفظ‪.‬‬
‫(فإن كان) مثَّ (مانع) من التكرار (عادي وعارضه عطف) حنو صل ركعتني وصل الركعتني‪( .‬فالوقف) عن التأسيس والتأكيد‬
‫الحتماهلما‪ ،‬وظاهر أنه إن وجد مرجح عمل به‪( .‬وإال) بأن كان مثَّ مانع عقلي حنو اقتل زيدا اقتل زيدا‪ ،‬أو شرعي حنو أعتق عبدك‬
‫أعتق عبدك‪ ،‬أو مل يعارضه عطف حنو اسقين ماء اسقين ماء‪ ،‬صل ركعتني صل ركعتني‪( .‬فالثاين تأكيد)‪ .‬وإن كان بعطف يف األولني‬
‫أما كونه تأكيدا يف األولني فظاهر‪ ،‬وأما يف األخريتني فألن العادة باندفاع احلاجة مبرة يف أوهلا‪ ،‬وبالتعريف يف ثانيهما ترجح التأكيد‪،‬‬
‫وقويل وإال أعم من قوله فإن رجح التأكيد بعادي قدم‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/56‬‬

‫( مسألة النهي) النفسي (اقتضاء كف عن فعل ال بنحو كف) كذر ودع املفادين كنحومها بزياديت حنو فدخل فيه االقتضاء اجلازم وغريه‬
‫وخرج منه اإلباحة‪ ،‬واقتضاء فعل غري كف أو كف بنحو كف فإنه أمر كما مر‪ ،‬وحيد أيضا بالقول املقتضي للكف املذكور كما حيد‬
‫اللفظيـ بالقول الدال على االقتضاء املذكور‪ ،‬وال يعترب يف مسمى النهي علو وال استعالء على األصح كاألمر (وقضيته الدوام) على‬
‫الكف‪ ،‬ألن العلماء مل يزالوا يستدلون به على الرتك مع اختالف باألوقات ال خيصونه بشيء منها‪( .‬ما مل يقيد بغريه يف األصح) فإن قيد‬
‫به حنو ال تسافر اليوم كان الغري قضيته فيحمل عليه‪ ،‬وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغري الدوام يصرفه عن قضيته‪ ،‬وقويل بغريه أوىل‬
‫من قوله باملرة‪( .‬وترد صيغته) أي النهي وهي ال تفعل‪( .‬للتحرمي) حنو {وال تقربوا الزنا} (وللكراهة) حنو {وال تيمموا اخلبيث منه‬
‫تنفقون} واخلبيث فيه الرديء ال احلرام عكس ما يف قوله تعاىل {وحيرم عليهم اخلبائث} {ولإلرشاد) حنو {ال تسألوا عن أشياء إن تبد‬
‫لكم تسؤكم} (وللدعاء) حنو {ربنا ال تزغ قلوبنا} {ولبيان العاقبة} حنو {وال حتسني الذين قتلوا يف سبيل اهلل أمواتا بل أحياء} أي‬
‫عاقبة اجلهاد احلياة ال املوت (وللتقليل) بأن يتعلق باملنهى عنه حنو {وال مت ّد ّن عينيك إىل ما متعنا به{ أي فهو قليل خبالف ما عند اهلل‪.‬‬
‫(ولالحتقار) بأن يتعلق باملنهي حنو {ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم} {ولليأس) حنو {ال تعذروا اليوم} وهذا تركه الربماوي من‬
‫ألفيته‪ ،‬وذكره يف شرحها مع زيادة ومثل له باآلية مث قال وقد يقال إنه راجع لالحتقار أي الحتاد آيتيهما‪ .‬قلت واألوجه الفرق إذ ذكر‬
‫اليوم يف اآلية الثانية قرينة لليأس‪ ،‬وتركه يف األوىل قرينة لالحتقار‪.‬‬
‫مر (يف األمر) من اخلالف‪ ،‬فقيل ال تدل الصيغة على الطلب إال إذا أريد الطلبـ هبا‪ ،‬واألصح أهنا تدل عليه‬ ‫(ويف اإلرادة والتحرمي ما) ّ‬
‫بال إرادة وأهنا حقيقة يف التحرمي لغة‪ ،‬وقيل شرعا‪ ،‬وقيل عقالً‪ ،‬وقيل يف الطلب اجلازم لغة‪ ،‬ويف التوعد على الفعل شرعا وهو مقتضى ما‬
‫اختاره األصل يف األمر‪ ،‬وقيل حقيقة يف الكراهة‪ ،‬وقيل فيها ويف التحرمي‪ ،‬وقيل يف أحدمها وال نعرفه‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬وقد يكون)‬
‫النهي (عن) شيء (واحد) وهو ظاهر‪( .‬و) عن (متعدد مجعا كاحلرام املخري) حنو ال تفعل هذا أو ذاك‪ ،‬فعليه ترك أحدمها فقط فال خمالفة‬
‫يفرق بينهما) بلبس أو نزع إحدامها فقط‪ ،‬فإنه‬‫فاحملرم فعلهما ال فعلـ أحدمها فقط‪( .‬وفرقا كالنعلني تلبسان أو تنزعان وال ّ‬‫إال بفعلهما‪ّ .‬‬
‫ميشني أحدكم يف نعل واحدة لينعلهما مجيعا أو ليخلعهما مجيعا» فهما منهي عنهما لبسا أو‬ ‫منهي عنه أخذا من خرب الصحيحني «ال ّ‬ ‫ّ‬
‫نزعا من جهة الفرق بينهما يف ذلك ال اجلمع فيه‪( .‬ومجيعا كالزنا والسرقة) فكل منهما منهي عنه فبالنظر إليهما يصدق أن النهي عن‬
‫متعدد‪ ،‬وإن صدق بالنظر إىل كل منهما أنه عن واحد‪.‬‬
‫(واألصح أن مطلقـ النهي ولو تنزيها) مقتض (للفساد) يف املنهي عنه بأن ال يعت ّد به (شرعا) إذ ال يفهم ذلك من غريه‪ ،‬وقيل لغة لفهم‬
‫أهلها ذلك من جمرد اللفظ‪ ،‬وقيل عقالً وهو أن الشيء إمنا ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده‪( .‬يف املنهي عنه) من عبادة‬
‫وغريها كصالة نفل مطلقـ يف وقت مكروه وبيع بشرط‪( .‬إن رجع النهي) فيما ذكر (إليه) أي إىل عينه كالنهي عن صالة احلائض أو‬
‫صومها وكالنهي عن الزنا حفظا للنسب‪( .‬أو إىل جزئه) كالنهي عن بيع املالقيح النعدام املبيع وهو ركن يف البيع‪( .‬أو) إىل (الزمه)‬
‫كالنهي عن بيع درهم بدرمهني الشتماله على الزيادة الالزمة بالشرط‪ ،‬وكالنهي عن الصالة يف الوقت املكروه لفساد الوقت الالزم هلا‬
‫بفعلها فيه خبالفها يف املكان املكروه‪ ،‬ألنه ليس بالزم هلا بفعلها فيه جلواز ارتفاع النهي عن الصالة فيه مع بقائه حباله كجعلـ احلمام‬
‫مسجداـ فبذلك افرتقا وفرق الربماوي بأن الفعل يف الزمان يذهبه‪ ،‬فالنهي منصرف إلذهابه يف املنهي عنه‪ ،‬فهو وصف الزم‪ ،‬إذ ال ميكن‬
‫وجود فعل إال بذهاب زمان خبالف الفعلـ يف املكان‪ ،‬وتعبريي مبا ذكر هو مراد األصل مبا عرب به كما بينته يف احلاشية‪( .‬أو جهل‬
‫مرجعه) من واحد مما ذكر‪ ،‬كما قاله ابن عبد السالم تغليبا ملا يقتضي الفساد على ما ال يقتضيه كالنهي عن بيع الطعام حىت جتري فيه‬
‫الصيعان‪ ،‬وإمنا اقتضى النهي الفساد ملا مر أن املكروه مطلوبـ الرتك واملأمور به مطلوبـ الفعلـ فيتنافيان واستدالل األولني على فساد‬
‫املنهي عنه بالنهي عنه‪ ،‬وقيل مطلق النهي للفسادـ يف العبادات فقط وفساد غريها إمنا هو ألمر خارج عن النهي كرتك ركن أو شرط‬
‫عرف من خارج عنه‪ ،‬وخرج برجوع النهي إىل ما ذكر مع ما بعده النهي الراجع إىل أمر خارج عنه غري الزم‪ ،‬فال يقتضي الفساد‬
‫كالوضوء مبغصوب والبيع وقت نداء اجلمعة لرجوع النهي يف األول إلتالف حال الغري تعديا‪ ،‬ويف الثاين بتفويت اجلمعة وذلك حيصلـ‬
‫لغري الوضوء والبيع‪ ،‬كما أهنما‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/57‬‬

‫مر‪ ،‬وقيل مطلق النهي للفسادـ وإن‬


‫حيصالن بدونه فاملنهي عنه يف احلقيقة ذلك اخلارج وكالصالة يف املكان املكروه أو املغصوب كما ّ‬
‫كان اخلارج‪ ،‬وقيل ال مطلقا ولقائله تفاريع ال حاجة بنا إىل ذكرها وخرج مبطلقـ النهي املقيد مبا يدل للفسادـ أو لعدمه فيعمل به يف‬
‫ذلك اتفاقا‪.‬‬
‫( أما نفي القبول) عن شيء كقوله تعاىل {فلن يقبل من أحدهم ملء األرض ذهبا} لن تقبل منهم نفقاهتم‪( .‬فقيل دليل الصحة) له‬
‫لظهور النفي يف عدم الثواب دون االعتداد كما محل عليه حنو خرب مسلمـ «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه مل تقبل له صالة‬
‫أربعني يوما»‪( .‬وقيل) دليل (الفساد) لظهور النفي يف عدم االعتداد‪ ،‬وألن القبول والصحة متالزمان فإذا نفى أحدمها نفى اآلخر‪.‬‬
‫(ومثله) أي نفي القبول (نفي اإلجزاء) يف أنه دليل الصحة أو الفساد قوالن‪ .‬بناء لألول على أن االجزاء إسقاط القضاء‪ ،‬فإن ما ال‬
‫يسقطه قد يصح كصالة فاقد الطهورين‪ ،‬وللثاين على أنه الكفاية يف سقوط الطلبـ وهو األصح‪( .‬وقيل) هو (أوىل بالفساد) من نفي‬
‫القبول لتبادر عدم االعتداد منه إىل الذهن‪ ،‬وعلى الفساد يف نفي القبول خرب الصحيحني «ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حىت‬
‫يتوضا»‪ .‬ويف نفي االجزاء خرب الدارقطين وغريه «ال جتزىء صالة ال يقرأ الرجل فيها بأم القرآن»‪.‬‬

‫( ‪)1/58‬‬

‫العام‬
‫بناء على الراجح اآليت أن العموم من عوارض األلفاظ‪( .‬لفظ) ولو مستعمالً يف حقيقته أو حقيقته وجمازه أو جمازه‪( .‬يستغرق الصاحل له)‬
‫أي يتناوله دفعة خرج به ما ليس كذلك كالنكرة يف االثبات مفردة أو مثناة أو جمموعة أو اسم مجع كقوم أو اسم عدد ال من حيث‬
‫اآلحاد‪ ،‬فإهنا تتناول ما يصلح هلا بدالً ال استغراقا حنو أكرم رجالً وتصدق خبمسة دراهم‪( .‬بال حصر) خرج به اسم العدد والنكرة‬
‫املثناة من حيث اآلحاد كعشرة ورجلني‪ ،‬فإهنما يستغرقاهنا حبصر ويصدق احل ّد على املشرتك املستعمل يف أفراد معىن واحد ألنه مع قرينة‬
‫الواحد ال يصلح لغريه‪ ،‬فال حاجة إىل زيادة بوضع واحد‪ ،‬بل هي مضرة إلخراجها املشرتك املستعمل يف حقيقة مثالً‪( .‬واألصح دخول)‬
‫الصورة (النادرة وغري املقصودة) من صور العام‪( .‬فيه) فيشملهما حكمه نظرا للعموم‪ ،‬وقيل ال نظرا للمقصود عادة يف مثل ذلك‬
‫والنادرة كالفيل يف خرب أيب داود وغريه «ال سبق إال يف خف أو حافر أو نصل»‪ .‬فإنه ذو خف واملسابقة عليه نادرة واألصح جوازها‬
‫عليه وغري املقصودة‪ ،‬كما لو وكله بشراء عبيد فالن وفيهم من يعتق عليه ومل يعلم به األصح صحة شرائه أخذا من مسألة ما لو وكله‬
‫بشراء عبد فاشرتى من يعتق عليه‪ ،‬وفرق يف منع املوانع بني النادرة وغري املقصودة بأن النادرة هي اليت ال ختطر ببال املتكلم غالبا‪ ،‬وغري‬
‫املقصودة قد تكون مما خيطر به‪ .‬ولو غالبا‪ ،‬فبينهما عموم من وجه ألن النادرة قد تقصد وقد ال تقصد‪ ،‬وغري املقصودة قد تكون نادرة‪،‬‬
‫وقد ال تكون مث إن قامت قرينة على قصد النادرة دخلت قطعا أو على قصد انتفاء صورة مل تدخل قطعا‪( .‬و) األصح (أنه)أي العام‬
‫(قد يكون جمازا) بأن يستعمل يف جمازه فيصدق على العام أنه قد يكون جمازا كما يصدق على اجملاز أنه قد يكون عاما حنو جاءين‬
‫األسود الرماة إال زيدا‪ ،‬وقيل ال يكون العام جمازا فال يكون اجملاز عاما ألن اجملاز ثبت على خالف األصل للحاجة إليه‪ ،‬وهي تندفع يف‬
‫املستعمل يف جمازه ببعض‬
‫األفراد‪ ،‬فال يراد به مجيعها إال بقرينة كما يف املثال السابق من االستثناء‪( .‬و) األصح (أنه) أي العموم (من عوارض األلفاظ فقط) أي‬
‫دون املعاين‪ ،‬وقيل من عوارضهما معا‪ .‬وصححه ابن احلاجب حقيقة فيكون موضوعا للقدر املشرتك بينهما‪ ،‬وقييل مشرتكا لفظيا فكما‬
‫يصدق لفظ عام يصدق معىن عام حقيقة ذهنيا كان كمعىن اإلنسان أو خارجيا كمعىن املطر واخلصب ملا يقال اإلنسان يعم الرجل‬
‫واملرأة‪ ،‬وعم املطر واخلصب‪ ،‬فالعموم مشول أمر ملتعدد‪ ،‬وقيل بعروض العموم يف املعىن الذهين حقيقة دون اخلارجي لوجود الشمول‬
‫ملتعدد فيه‪ ،‬خبالف اخلارجي واملطر واخلصب مثالً يف حمل غريمها يف آخر‪ ،‬فاستعمال العموم فيه جمازي وعلى األول استعماله يف الذهين‬
‫جمازي أيضا‪.‬‬
‫وخص املعىن بأفعل التفضيل ألنه أهم من‬‫ّ‬ ‫( ويقال)اصطالحا (للمعىن أعم) وأخص (وللفظ عام)‪ .‬وخاص تفرقة بني الدال واملدلول‬
‫مر وخاص فيقال ملعىن املشرتكني عام وأعم‪ ،‬وللفظه عام وملعىن زيد خاص وأخص‬ ‫اللفظ‪ ،‬وبعضهم يقول يف املعىن عام كما علم مما ّ‬
‫وللفظه خاص‪.‬‬
‫األول يف اللفظ‪ ،‬إذ احليوان يصدق باإلنسان وغريه‬ ‫(تنبيهان أحدمها) األخص يندرج يف األعم‪ .‬وعرب بعضهم بالعكس ومجع بينهما بأن ّ‬
‫خبالف العكس‪ ،‬والثاين يف املعىن إذ اإلنسان ال بد فيه من احليوانية فصار األعم مندرجا يف األخص مبعىن االستلزام‪ .‬ثانيهما ليس املراد‬
‫بوصف اللفظ بالعموم وصفه به جمردا عن معناه‪ ،‬فإنه ال وجه له بل املراد وصفه به باعتبار معناه‪ ،‬فمعىن كونه عاما أنه يشرتك يف معناه‬
‫كثريون‪ ،‬ال أنه يكون مشرتكا لفظيا فمدلوله معىن واحد مشرتك بني اجلزئيات‪.‬‬
‫( ومدلوله) أي العام يف الرتكيب من حيث احلكم عليه‪( .‬كلية أي حمكوم فيه على كل فرد) فرد (مطابقة إثباتا) خربا أو أمرا (أو سلبا)‬
‫مر‬
‫نفيا أو هنيا حنو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم وال هتنهم‪ ،‬ألنه يف ّقوة قضايا بعدد أفراده أي جاء فالن وجاء فالن وهكذا فيما ّ‬
‫دال عليه مطابقة‪ ،‬فقول‬‫إىل آخره‪ ،‬وكل منها حمكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو يف قوهتا حمكوم فيه على كل فرد فرد ّ‬
‫القرايف إن داللة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدالالتـ الثالث املطابقة والتضمن وااللتزام مردود‪ ،‬كما أوضحته يف‬
‫والكلي‪ ،‬فليس مدلول العام كالً أي حمكوما فيه على جمموع األفراد من حيث هو جمموع حنو‬ ‫ّ‬ ‫احلاشية مع زيادة وخرج بالكلية الكل‬
‫كل رجل يف البلد حيمل الصخرة العظيمة أي جمموعهم‪ ،‬وإال لتعذر االحتجاج به يف النهي على كل فرد ومل يزل العلماء حيتجون به‬
‫حر م اهلل} وال كليا أي حمكوما فيه على املاهية من حيث هي أي من غري نظر إىل األفراد حنو‬ ‫عليه كما يف حنو {وال تقتلوا النفس اليت ّ‬
‫الرجل خري من املرأة‪ ،‬وكثريا ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده‪ ،‬وذلك ألن النظر يف العام إىل األفراد ال إىل القدر املشرتك بينها‬
‫فاحنصر مدلوله يف الكلية وهي مقابلة للجزئية‪ ،‬والكل مقابل للجزء‪ ،‬والكلي مقابل للجزئي‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/59‬‬

‫( وداللته) أي العام (على أصل املعىن) من الواحد يف املفرد واالثنني يف املثىن والثالثة أو االثنني يف اجلمع على ما يأيت فيه من اخلالف‪.‬‬
‫(قطعية) اتفاقا (و) داللته (على كل فرد) منه خبصوصه (ظنية يف األصح) الحتماله التخصيص‪ ،‬وإن مل يظهر خمصص لكثرة التخصيص‬
‫يف العمومات‪ ،‬وقيل قطعية للزوم معىن اللفظ له قطعا حىت يظهر خالفه من قرينة كتخصيص فيمتنع ختصيص الكتاب والسنة املتواترة‬
‫خبرب الواحد‪ ،‬وبالقياس على هذا دون األول فإن قام دليل على انتفاء التخصيص كالعقل يف حنو {واهلل بكل شيء عليم} فداللته قطعية‬
‫اتفاقا والتصريح بالرتجيح من زياديت‪( .‬وعموم األشخاص يستلزم عموم األحوال واألزمنة واألمكنة على املختار) ألنه ال غىن‬
‫أي زمان ومكان كان‪ ،‬وخص منه البعض‬ ‫لألشخاص عنها فقوله تعاىل {فاقتلوا املشركني} أي كل مشرك على أي حال كان يف ّ‬
‫األول مبني للمراد مبا أطلق‬
‫كالذمي‪ ،‬وقيل العام يف األشخاص مطلق يف املذكورات النتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على ّ‬
‫فيه على هذا ورد هذا القول بأن التعميم هنا باالستلزام كما عرف ال بالوضع فال حيتاج إىل صيغة‪.‬‬
‫( مسألة) يف صيغ العموم‪( .‬كل) وتقدمت يف مبحث احلروف (والذي واليت) حنو أكرم الذي يأتيك واليت تأتيك أي كل آت وآتية لك‪.‬‬
‫كأي الواقعة صفة لنكرة أو‬‫(وأي وما) الشرطيتان واالستفهاميتان واملوصولتان وتقدمتا‪ ،‬مث أطلقتا للعلمـ بانتفاء العموم يف غري ذلك ّ‬
‫حاالً وما الواقعة نكرة موصوفة أو تعجبية‪( .‬ومىت) للزمان املبهم استفهامية أو شرطية حنو مىت جتئين مىت جئتين أكرمتك‪( .‬وأين وحيثما)‬
‫للمكان شرطيتني نو أين أو حيثما كنت آتك‪ ،‬وتزيد أين باالستفهام حنو أين كنت‪( .‬وحنوها) مما يدل على العموم لغة كجميع‪ ،‬وال‬
‫أي املوصولة يف‬ ‫يضاف إال إىل معرفة وكجمع الذي واليت وكمن االستفهامية والشرطية واملوصولة وتقدمت‪ ،‬وأما عدم عمومها وعموم ّ‬
‫حنو مررت مبن أو بأيهم قام فلقيامـ قرينة اخلصوص‪ ،‬واستشكل عموم من وما بقول الفقهاء لو قال من دخل داري فله درهم‪ ،‬فدخلها‬
‫مرة بعد أخرى ال يتكرر االستحقاق‪ .‬وأجيب بأن العموم يف األشخاص ال يف األفعال إال أن تقتضي الصيغة التكرار حنو كلما أو حيكم‬
‫به قياسا لكون الشرط علة حنو من عمل صاحلا فلنفسه‪ .‬فإن قلت فلم تكرر اجلزاء على احملرم بقتله صيدا بعد قتله آخر مع أن الصيغة‬
‫من يف قوله تعاىل {ومن قتله منكم متعمدا} اآلية؟ قلنا لتع ّد د احملل خبالفه يف مثالنا حىت لو قال من دخل داري فله درهم وله عدة دور‬
‫استحق كلما دخل دارا له درمها الختالف احملل‪ ،‬وهلذا لو قال طلق من نسائي من شئت ال يطلق إال واحدة‪ .‬ولو قال من شاءت طلق‬
‫كل من شاءت وكل من املذكورات‪( .‬للعموم حقيقة يف األصح) لتبادره إىل الذهن‪ ،‬وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد يف املفرد‪،‬‬
‫ولالثنني يف املثىن‪ ،‬وللثالثة أو االثنني يف اجلمع‪ ،‬ألنه املتيقن والعموم جماز‪ ،‬وقيل مشرتكة بينهما ألهنا تستعمل لكل منهما‪ ،‬واألصل يف‬
‫االستعمال احلقيقة‪ ،‬وقيل بالوقف أي ال يدري أهي حقيقة يف العموم أم يف اخلصوص أم فيهما (كاجلمع املعرف بالالم) حنو {قد أفلح‬
‫املؤمنون} (أو‬
‫اإلضافة) حنو {يوصيكم اهلل يف أوالدكم} فإنه للعموم حقيقة يف األصح‪( .‬ما مل يتحقق عهد) لتبادره إىل الذهن‪ ،‬وقيل ليس للعموم‬
‫مطلقا بل للجنس الصادق ببعض األفراد كما يف تزوجت النساء ألنه املتيقن ما مل تقم قرينة على العموم كما يف اآليتني‪ ،‬وقيل ليس‬
‫للعموم إن احتمل عهد فهو باحتماله مرتدد بني العهد والعموم حىت تقوم قرينة‪ ،‬وعلى عمومه قيل أفراده مجوع واألكثر آحاد يف‬
‫اإلثبات وغريه‪ ،‬وعليه أئمة التفسري يف استعمال القرآن حنو {واهلل حيب احملسنني} أي يثيب كالً منهم إن اهلل ال حيب الكافرين أي‬
‫يعاقب كالً منهم وأيد بصحة استثناء الواحد منه حنو جاء الرجال إال زيدا‪ ،‬ولو كان معناه جاء كل مجع من الرجال مل يصح إالأن‬
‫يكون منقطعا‪ ،‬نعم قد تقوم قرينة على إرادة اجملموع حنو رجال البلد حيملون الصخرة العظيمة أي جمموعهم واألول يقول قامت قرينة‬
‫اآلحاد يف حنو اآليتني املذكورتني‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/60‬‬

‫( و) كـ(ـاملفرد كذلك) أي املعرف بالالم أو اإلضافة ما مل يتحقق عهد‪ ،‬فإنه للعموم حقيقة يف األصح ملا مر قبله سواء حتقق استغراق أم‬
‫احتمله والعهد محالً له يف الثاين على االستغراق ألنه األصل لعموم فائدته حنو {وأحل اهلل البيع} أي كل بيع وخص منه الفاسد كالربا‬
‫وحنو‪{ .‬فليحذر الذين خيالفون عن أمره} أي كل أمر هلل وخص منه أمر الندب‪ ،‬وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق بالبعض‬
‫كما يف لبست الثوب ولبست ثوب الناس ألنه املتيقن ما مل تقم قرينة على العموم كما يف {إن اإلنسان لفي خسر إال الذين آمنوا}‬
‫وقيل املعرف بالالم ليس للعمومـ إن مل يكن واحدة بالتاء ومتيز بالوحدة كاملاء والرجل‪ ،‬إذ يقال فيهما ماء واحد ورجل واحد فهو يف‬
‫ذلك للجنس الصادق بالبعض حنو شربت املاء‪ ،‬ورأيت الرجل ما مل تقم قرينة على العموم حنو الدينار خري من الدرهم أي كل دينار‬
‫خري من كل درهم‪ ،‬خبالف ما إذا كان واحده بالتاء كالتمر أو مل يكن هبا ومل يتميز بالوحدة كالذهب فيعم كما يف خرب الصحيحني‬
‫«الذهب بالذهب ربا إال هاء وهاء والرب بالرب ربا إال هاء وهاء والشعري بالشعري ربا إال هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إال هاء وهاء»‪.‬‬
‫املعرفة أل املوصولة هنا وفيما قبله (والنكرة‬
‫وقويل كذلك أوىل من اقتصاره على احمللى أي بالالم فإن حتقق عهد صرف إليه جزما وكأل ّ‬
‫يف سياق النفي) ويف معناه النهي (للعموم وضعا يف األصح) بأن تدل عليه باملطابقة كما مر من أن احلكم يف العام على كل فرد مطابقة‪،‬‬
‫وقيل للعموم لزوما نظرا إىل أن النفي ّأوالً للماهية‪ ،‬ويلزمه نفي كل فرد فيؤثر التخصيص بالنية على األول دون الثاين يف حنو واهلل ال‬
‫أكلتـ ناويا غري التمر فيحنث بأكل التمر على الثاين دون األول وعموم النكرة يكون (نصا إن بنيت على الفتح) حنو ال رجل يف الدار‪.‬‬
‫(وظاهرا إن مل تنب) حنو ما يف الدار رجل‪ .‬الحتماله نفي الواحد فقط فإن زيد فيها من كانت نصا أيضا كما مر يف احلروف والنكرة‬
‫يف‬
‫سياق االمتنان للعموم حنو {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} قاله القاضي أبو الطيب ويف سياق الشرط للعموم حنو {وإن أحد من‬
‫املشركني استجارك فأجره} أي كل واحد منهم وقد تكون للعموم البديل ال الشمويل بقرينة حنو من يأتين مبال أجازه‪( .‬وقد يعم‬
‫مر) يف املبحث املفهوم حنو {فال تقل هلما‬‫اللفظ) إما (عرفا كـ)ـاللفظ الدال على مفهوم (املوافقة) بقسميه األوىل واملساوي (على قول ّ‬
‫أف} {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} اآلية قيل نقلهما العرف إىل حترمي مجيع ازيذاءات واإلتالفات (و) حنو {حرمت عليكم‬
‫أمهاتكم} نقله العرف من حترمي العني إىل حترمي مجيع التمتعات املقصودة من النساء‪ ،‬وسيأت قول إنه جممل‪ ،‬وقيل العموم فيه من باب‬
‫االقتضاء الستحالة حترمي األعيان فيضمر ما يصح به الكالم‪ .‬قال الزركشي وغريه وقد يرتجح هذا بقوهلم االضمار خري من النقل كما‬
‫يف قوله {وحرم الربا} وقد أجبت عنه يف احلاشية‪( .‬أو معىن) وعرب عنه األصل هنا كغريه بعقالً (كرتتيب حكم على وصف) فإنه يفيد‬
‫علية الوصف للحكم كما يأيت يف القياس‪ ،‬فيفيد العموم باملعىن مبعىن أنه كلما وجدت العلة وجد املعلول حنو أكرم العامل إذا مل جتعل‬
‫الالم فيه للعموم وال عهد‪ ،‬و(كـ)ـاللفظ الدال على مفهوم (املخالفة على قول مر) أن داللة اللفظ باملعىن على ما عدا املذكور خبالف‬
‫حكمه‪ ،‬وهو أنه لو مل ينف املذكور واحلكم عما عداه مل يكن لذكره فائدة كما يف خرب الصحيحني «مطل الغين ظلم» أي خبالف‬
‫مطلـ غريه‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/61‬‬

‫( واخلالف يف أن املفهوم) مطلقا {ال عموم له لفظي} أي عائد إىل اللفظ والتسمية أي هل يسمى عاما أو ال‪ .‬بناء على أن العموم من‬
‫عوارض األلفاظ واملعاين أو األلفاظ فقط‪ ،‬وأما من جهة املعىن فهو شامل جلميع صور ما عدا املذكور مبا مر من عرف وإن صار به‬
‫منطوقا أو معىن‪( .‬ومعيار العموم) أي ضابطه (االستثناء) فكل ما صح االستثناء منه مما ال حصر فيه فهو عام كاجلمع املعرف للزوم‬
‫تناوله املستثىن حنو جاء الرجال إال زيدا‪ ،‬وال يصح االستثناء من اجلمع املنكر إال أن خيصص فيعم ما خيصص به حنو قام رجال كانوا يف‬
‫دارك إال زيدا منهم‪ ،‬ويصح جاء رجل إال زيد بالرفع على أن إال صفة مبعىن غري كما يف {لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا}‬
‫(واألصح أن اجلمع املنكر) يف اإلثبات حنو جاء رجال أو عبيد‪( .‬ليس بعام) إن مل يتخصص فيحمل على أقل اجلمع ثالثة أو اثنني ألنه‬
‫احملقق‪ ،‬وقيل إنه عام ألنه كما يصدق بذلك يصدق جبميع األفراد ومبا بينهما‪ ،‬فيحمل على مجيع األفراد احتياطا إال أن مينع منه مانع‬
‫كما يف رأيت رجاالً فعلى أقل اجلمع قطعا‪ ،‬واخلالف كما قال مجاعة جار يف مجع القلة والكثرة‪ .‬وقال الصفي اهلندي حمله يف مجع‬
‫الكثرة‪( .‬و) األصح (أن أقل) مسمى (اجلمع) كرجال ومسلمني (ثالثة) لتبادرها إىل الذهن‪ ،‬وقيل اثنان‪ ،‬لقوله تعاىل {إن تتوبا إىل اهلل‬
‫فقد صغت قلوبكما} أي عائشة وحفصة وليس هلما إال قلبان‪ .‬قلنا مثل ذلك جماز والداعي له يف اآلية الكرمية كراهة اجلمع بني التثنيتني‬
‫يف املضاف ومتضمنة ومها كالشيء الواحد خبالف حنو جاء عبداكما‪ ،‬وينبين على اخلالف ما لو أقر أو أوصى بدراهم لزيد‪ ،‬واألصح‬
‫أنه يستحق ثالثة‪ ،‬لكن ما مثلوا به من مجع الكثرة خمالف الطباق النحاة على أن أقله أحد عشر‪ .‬وجياب بأن أصل وضعه ذلك لكن‬
‫غلب استعماله عند األصوليني يف أقل مجع القلة‪ ،‬وقد أشار إىل ذلك يف منع املوانع كما بينته يف احلاشية‪.‬‬
‫( و) األصح (أنه) أي اجلمع (يصدق بالواحد جمازا) الستعماله فيه كقول الرجل المرأته وقد برزت لرجل أتتربجني للرجال؟ الستواء‬
‫الواحد واجلمع يف كراهة التربج له‪ ،‬وقيل ال يصدق به ومل يستعمل فيه واجلمع يف هذا املثال عل بابه ألن من برزت لرجل تربز لغريه‬
‫عادة‪( .‬و) األصح (تعميم عام سيق لغرض) كمدح وذم وبيان مقدار‪( .‬ومل يعارضه عام آخر) مل يسق لذلك إذ ما سيق له ال ينايف‬
‫تعميمه‪ ،‬فإن عارضه العام املذكور مل يعم فيما عورض فيه مجعا بينهما كما لو عارضه خاص‪ ،‬وقيل ال يعم مطلقاـ ألنه مل يسق للتعميم‪،‬‬
‫وقيل يعمه مطلقا كغريه وينظر عند املعارضة إىل مرجح مثاله وال معارض {إن األبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} ومع املعارض‬
‫{والذين هم لفروجن حافظون إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم} فإنه وقد سيق للمدحـ يعم بظاهره إباحة اجلمع بني األختني‬
‫مبلك اليمني وعارضه يف ذلك {وأن جتمعوا بني األختني} فإنه وإن مل يسق للمدح بل لبيان احلكم شامل حلرمة مجعهما مبلك اليمني‪،‬‬
‫فحملـ األول على غري ذلك بأن مل يرد تناوله‪ ،‬وقويل تبعا للربماوي لغرض أوىل من قول األصل مبعىن املدح والذم‪ ،‬أما إذا سيق العام‬
‫املعارض لغرض أيضا فكل منهما عام فيتعارضان فيحتاج إىل مرجح‪( .‬و) األصح (تعميم حنو ال يستوون) من قوله تعاىل {أفمن كان‬
‫مؤمنا كمن كان فاسقا ال يستوون}‪{ ،‬ال يستوي أصحاب النار وأصحاب اجلنة} فهو لنفي مجيع وجوه االستواء املمكن نفيها لتضمن‬
‫الفعلـ املنفي ملصدر منكر‪ ،‬وقيل ال يعم نظرا إىل أن االستواء املنفي هو االشرتاك من بعض الوجوه‪ ،‬فهو على هذا من سلب العموم‪،‬‬
‫وعلى األول من عموم السلب وعليه يستفاد من اآليتني بأن يراد بالفاسق يف األوىل الكافر بقرينة مقابلته باملؤمن أن الكافر ال يلي أمر‬
‫ولده املسلم‪ ،‬وأن املسلم ال يقتل بالذمي‪ ،‬وخالف يف املسألتني احلنفية‪ ،‬واملراد بنحو ال يستوون كل ما دل على نفي االستواء أو حنوه‬
‫كاملساواة والتماثل واملماثلة‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/62‬‬
‫( و) األصح تعميم حنو (ال أكلت) من قولك واهلل ال أكلت فهو لنفي مجيع املأكول بنفي مجيع أفراد األكل‪( .‬وإن أكلت) فزوجيت طالق‬
‫مثالً فهو للمنع من مجيع املأكوالت فيصح ختصيص بعضها يف املسألتني بالنية ويص ّدق يف إرادته‪ .‬وقال أبو حنيفة ال تعميم فيها فال‬
‫يصح التخصيص بالنية ألن النفي واملنع حلقيقة األكل‪ ،‬ويلزمهما النفي واملنع جلميع املأكوالت حىت حينث بواحد منها اتفاقا‪ ،‬وعرب‬
‫األصل يف الثانية بقيل على خالف تسوييت تبعا البن احلاجب وغريه بينهما‪ ،‬ملا فهم من أن عموم النكرة يف سياق الشرط بديل‪ ،‬وليس‬
‫مر ‪( .‬ال املقتضي) بالكسر وهو ما ال يستقيم من الكالم إال بتقدير أحد‬ ‫كما فهم بل عمومها فيه مشويل‪ ،‬وإمنا يكون بدليا بقرينة كما ّ‬
‫أمور‪ ،‬ويسمى مقتضى بالفتح فال يعم مجيعها الندفاع الضرورة بأحدها‪ ،‬ويكون جممالً بينها يتعني بالقرينة‪ ،‬وقيل يعمها حذرا من‬
‫«ر فع عن أميت اخلطأ والنسيان»‪ .‬فلوقوعهما من األمة ال يستقيم بدون تقدير املؤاخذة أو‬ ‫االمجال قالوا مثاله اخلرب اآليت يف مبحث اجململ ُ‬
‫الضمان أو حنو ذلك‪ ،‬فقدرنا املؤاخذة لفهمها عرفا من مثله وقيل يقدر مجيعها فيكون املقتضى عاما‪( .‬واملعطوف على العام) فال يعم‪،‬‬
‫وقيل يعم لوجوب مشاركة املتعاطفني يف احلكم والصفة‪ .‬قلنا يف الصفة ممنوع مثاله خرب أيب داود وغريه «ال يقتل مسلم بكافر وال ذو‬
‫عهد يف عهده»‪ .‬قيل يعين بكافر وخص منه غري احلريب باإلمجاع‪ .‬قلنا ال حاجة إىل ذلك بل تقدر حبريب‪ ،‬وبعضهم جعل اجلملة الثانية‬
‫تامة ال حتتاج إىل تقدير ومعناها وال يقتل ذو عهد ما دام عهده‪ ،‬وبعضهم جعل يف احلديث تقدميا وتأخريا واألصل وال يقتل مسلمـ وال‬
‫ذو عهد يف عهده بكافر‪( .‬والفعلـ املثبت ولو مع كان) كخرب بالل «صلى النيب صلى اهلل عليه وسلّم داخل الكعبة»‪ .‬وخرب أنس «كان‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم جيمع بني الصالتني يف السفر»‪ .‬فال يعم أقسامه‪ ،‬وقيل يعمها فال يعم‬
‫املثال األول الفرض والنفل‪ ،‬وال الثاين مجع التقدمي والتأخري‪ ،‬إذ ال يشهد اللفظ بأكثر من صالة واحدة ومجع واحد‪ ،‬ويستحيل وقوع‬
‫الصالة الواحدة فرضا ونفالً‪ ،‬واجلمع الواحد يف الوقتني‪ ،‬وقل يعمان ما ذكر حكما لصدقهما بكل من قسمي الصالة واجلمع‪ ،‬وقد‬
‫تستعمل كان مع املضارع للتكرار كما يف قوله تعاىل يف قصة إمساعيل {وكان يأمر أهله بالصالة والزكاة} وعليه جرى العرف وحتقيقه‬
‫مر‪ .‬وقيل يعمه لفظا‬ ‫مذكور يف احلاشية‪( .‬و) احلكم (املعلق لعلة) فال يعم كل حمل وجدت فيه العلة‪( .‬لفظا لكن) يعمه (معىن) كما ّ‬
‫حر مت اخلمر إلسكارها فال يعم كل مسكر لفظا‪ ،‬وقيل يعمه لذكر العلة فكأنه قال حرمت املسكر‪( .‬و) األصح أن‬ ‫كأن يقول الشارع ّ‬
‫(ترك االستفصال) يف وقائع األحوال مع قيام االحتمال‪( .‬ينزل منزلة العموم) يف املقال كما يف خرب الشافعي وغريه أنه صلى اهلل عليه‬
‫وسلّم قال لغيالن بن سلمة الثقفي‪ ،‬وقد أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن» فإنه صلى اهلل عليه وسلّم مل يستفصله‬
‫تزوجهن معا أو مرتبا‪ ،‬فلوال أن احلكم يعم احلالني ملا أطلق المتناع اإلطالق يف حمل التفصيل‪ ،‬وقيل ال ينزل منزلة العموم بل يكون‬
‫ّ‬ ‫هل‬
‫الكالم جممالً والعبارة املذكورة للشافعي وله عبارة أخرى وهي قوله وقائع األحوال إذا تطرق إليها االحتمال كساها ثوب اإلمجال‬
‫وسقط هبا االستدالل‪ ،‬وظاهرمها التعارض وقد بينته مع اجلواب عنه يف احلاشية‪( .‬و) األصح (أن حنو يا أيها النيب) اتق اهلل‪ .‬يا أيها املزمل‬
‫(ال يشمل األمة) من حيث احلكم الختصاص الصيغة به‪ ،‬وقيل يشملهم ألن األمر للمتبوع أمر لتابعه عرفا كما يف أمر السلطان األمري‬
‫بفتح بلد‪ .‬قلنا هذا فيما يتوقف املأمور به على املشاركة وما حنن فيه ليس كذلك‪ ،‬وحمل اخلالف ما ميكن فيه إرادة األمة معه ومل تقم‬
‫قرينة على إرادهتم معه‪ ،‬خبالف ما ال ميكن فيه ذلك حنو {يا أيها الرسول بلغ} اآلية‪ .‬أو قامت قرينة على إرادهتم معه حنو {يا أيها النيب‬
‫إذا‬
‫طلقتم النساء} اآلية‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/63‬‬
‫و) األصح (أن حنو يا أيها الناس يشمل الرسول) عليه الصالة والسالم‪( .‬وإن اقرتن بقل) ملساواهتم له يف احلكم‪ ،‬وقيل ال يشمله مطلقا‬
‫ألنه ورد على لسانه للتبليغ لغريه‪ ،‬وقيل إن اقرتن بقل مل يشمله لظهوره يف التبليغ وإال مشله‪( .‬و) األصح (أنه) أي حنو يا أيها الناس‪.‬‬
‫(يعم العبد)‪ .‬وقيل ال لصرف منافعه لسيده شرعا قلنا يف غري أوقات ضيق العبادة‪( .‬و) األصح أنه (يشمل املوجودين) وقت وروده‬
‫(فقط) أي ال من بعدهم وقيل يشملهم أيضا ملساواهتم للموجودين يف حكمه إمجاعا قلنا بدليل آخر وهو مستند اإلمجاع ال منه‪( .‬و)‬
‫األصح (أن من) شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة أو موصوفة أو تامة فهو أعم من قوله إن من الشرطية‪( .‬تشمل النساء) لقوله‬
‫تعاىل {ومن يعمل من الصاحلات من ذكر أو أنثى} وقيس بالشرطية البقية‪ ،‬لكن عموم األخريتني يف االثبات عموم بديل ال مشويل‪،‬‬
‫وقيل ختتص بالذكور فلو نظرت امرأة يف بيت أجنيب جاز رميها على األول خلرب مسلم «من تطلع على بيت قوم بغري إذهنم فقد حل هلم‬
‫أن يفقئوا عينيه»‪ .‬وال جيوز على الثاين قيل وال على األول أيضا ألن املرأة ال يسترت منها‪( .‬و) األصح (أن مجع املذكر السامل ال‬
‫مشاركتهن للذكور يف‬
‫ّ‬ ‫يشملهن ظاهرا ألنه ملا كثر يف الشرع‬
‫ّ‬ ‫يشملهن بقرينة تغليبا للذكور‪ ،‬وقيل‬
‫ّ‬ ‫يشملهن) أي النساء (ظاهرا) وإمنا‬
‫ّ‬
‫الدال‬
‫األحكام أشعر بأن الشارع ال يقصد خبطاب الذكور قصر األحكام عليهم وخرج مبا ذكر اسم اجلمع كقوم‪ ،‬ومجع املذكر املكسر ّ‬
‫ويشملهن الثالث قطعا‪ ،‬وأما الدال ال مبادته‬
‫ّـ‬ ‫مبادته كرجال وما يدل على مجعيته بغري ما ذكر كالناس فال يشمل األوالن النساء قطعا‬
‫كالزيود فملحق جبمع املذكر السامل‪( .‬و) األصح (أن خطاب الواحد) مثالً حبكم (ال يتعداه) إىل غريه‪ ،‬وقيل يعم غريه جلريان عادة‬
‫الناس خبطاب الواحد وإرادة اجلميع فيما يشاركون فيه‪ .‬قلنا جماز حيتاج إىل قرينة‪( .‬و)‬
‫األصح (أن اخلطاب بيا أهل الكتاب) وهم اليهود والنصارى حنو قوله تعاىل {يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم} (ال يشمل األمة) أي‬
‫أمة حممد صلى اهلل عليه وسلّم اخلاصة‪ ،‬وقيل يشملهم فيما يتشاركون فيه‪ ،‬وتقدم يف مبحث األمر الكالم على أن اآلمر بامل ّد هل يدخل‬
‫يف لفظه أو ال‪( .‬و) األصح أن (حنو خذ من أمواهلم) من كل اسم جنس مأمور بنحو األخذ منه جمموع جمرور مبن‪( .‬يقتضي األخذ)‬
‫مثالً (من كل نوع) من أنواع اجملرور ما مل خيص بدليل‪ ،‬وقيل ال بل ميتثل باألخذ من نوع واحد‪ .‬وتوقف اآلمدي عن ترجيح واحد‬
‫من القولني‪ ،‬واألول نظرا إىل أن املعىن من مجيع األنواع‪ ،‬والثاين إىل أنه من جمموعهما‪.‬‬

‫( ‪)1/64‬‬

‫التخصيص‬
‫وهو مصدر خصص مبعىن خص (قصر العام) أي قصر حكمه‪( .‬على بعض أفراده) أي خيص بدليل فيخرج العام املراد به اخلصوص‪.‬‬
‫(وقابله) أي التخصيص (حكم ثبت ملتع ّد د) لفظا حنو {فاقتلوا املشركني} وخص منه الذمي وحنوه‪ ،‬وعلى القول بأن العموم جيري يف‬
‫املعىن كاللفظ مثلوا له مبفهوم {فال تقل هلما أف} من سائر أنواع اإليذاء وخص منه حبس الوالد بدين الولد فإنه جائز على ما صححه‬
‫الغزايل وغريه‪ ،‬واألصح أنه ال جيوز كما صححه البغوي وغريه‪( .‬واألصح جوازه) أي التخصيص (إىل واحد إن مل يكن العام مجعا)‬
‫كمن واملفرد املعرف‪( .‬و) إىل (أقل اجلمع) ثالثة أو اثنني (إن كان) مجعا كاملسلمني واملسلمات‪ ،‬وقيل جيوز إىل واحد مطلقا‪ ،‬وقيل ال‬
‫جيوز إىل واحد مطلقا وهو شاذ‪ ،‬وقيل ال جيوز إال أن يبقى غري حمصور‪( .‬والعام املخصوص عمومه مراد تناوالً ال حكما) ألن بعض‬
‫األفراد ال يشمله احلكم نظرا للمخصص‪( .‬و) العام (املراد به اخلصوص ليس) عمومه (مرادا) تناوالً وال حكما‪( ،‬بل) هو (كلي) من‬
‫حيث إن له أفرادا حبسب أصله‪( .‬استعمل يف جزئي) أي فرد منها‪( ،‬فهو جماز قطعا)‪ .‬نظرا للجزئية كقوله تعاىل {الذين قال هلم‬
‫الناس}‪ ،‬أي نعيم ابن مسعود األشجعي لقيامه مقام كثري يف تثبيطه املؤمنني عن مالقاة أيب سفيان وأصحابه أم حيسدون الناس‪ ،‬أي‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم جلمعه ما يف الناس من اخلصال اجلميلة‪ ،‬وال خيفى أن عموم العام غري مدلوله فال ينايف التعبري يف عمومه‬
‫مر بالكلية‪ ،‬مع أن الكالم هنا يف عموم العام املراد به اخلصوص‪ ،‬ومث يف العام مطلقا‪.‬‬‫هنا بالكلي التعبري يف مدلوله فيما ّ‬
‫( واألصح أن األول) أي العام املخصوص (حقيقة) يف الباقي بعد التخصيص‪ ،‬ألن تناوله له مع التخصيص كتناوله به بدونه‪ ،‬وذلك‬
‫التناول حقيقي فكذا هذا‪ ،‬وقيل حقيقة إن كان الباقي غري منحصر لبقاء خاصة العموم وإال فمجاز‪ ،‬وقيل حقيقة إن خص مبا ال يستقل‬
‫خص مبستقل كعقلـ أو مسع‪،‬‬ ‫كصفة أو شرط أو استثناء ألن ما ال يستقل جزء من املقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط‪ ،‬خبالف ما إذا ّ‬
‫وقيل حقيقة وجماز باعتبارين باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار االقتصار عليه جماز‪ ،‬وقيل جماز مطلقا الستعماله يف بعض ما وضع له‬
‫ّأوالً‪ ،‬وقيل جماز إن استثىن منه ألنه يتبني باالستثناء أنه أريد باملستثىن منه ما عدا املستثىن‪ ،‬خبالف غري االستثناء من صفة وغريها‪ ،‬فإنه‬
‫مر‪( .‬فهو) أي‬ ‫يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط‪ ،‬وقيل جماز إن خص بغري لفظ كالعقلـ خبالف اللفظ أما الثاين فمجاز قطعا كما ّ‬
‫األول وهو العام املخصوص على القول بأنه حقيقة (حجة) جزما أخذا من منع املوانع الستدالل الصحابة به من غري نكري‪ ،‬وعلى القول‬
‫خص بغري ما ظهر يشك فيما يراد منه‪ ،‬فال‬ ‫بأنه جماز األصح أنه حجة مطلقاـ لذلك‪ ،‬وقيل غري حجة مطلقا ألنه الحتمال أن يكون قد ّ‬
‫يتبني إال بقرينة‪ ،‬وقيل حجة إن خص مبعني كأن يقال اقتلوا املشركني إال الذمي خبالف املبهم حنو إال بعضهم‪ ،‬إذ ما من فرد إال‪ ،‬وجيوز‬
‫مر من أن العموم بالنظر إليه فقط خبالف‬ ‫أن يكون هو املخرج قلنا يعمل به إىل أن يبقى فرد‪ ،‬وقيل حجة إن خص مبتصل كالصفة ملا ّ‬
‫املنفصل‪ ،‬فيجوز أن يكون قد خص منه غري ما ظهر فيشك يف الباقي‪ ،‬وقيل حجة يف الباقي إن أنبأ عن الباقي العموم حنو {فاقتلوا‬
‫املشركني} فإنه ينىبء عن احلريب لتبادر الذهن إليه كالذمي املخرج خبالف ما ال ينىبء عنه العموم حنو {والسارق والسارقة فاقطعوا‬
‫أيديهما} فإنه ال ينىبء عن السارق بقدر ربع دينار فأكثر من حرز كما ال ينىبء عن السارق لغري ذلك املخرج‪ ،‬فالباقي منه يشك فيه‬
‫باحتمال اعتبار‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/65‬‬

‫قيد آخر‪ ،‬وقيل حجة يف أقل اجلمع ألنه املتيقن بناء على القول بأنه ال جيوز مطلقا وبذلك علم أن ما ذكره األصل من هذا اخلالف إمنا‬
‫مفر ع على ضعيف‪ ،‬أما الثاين فال حيتج به‪ ،‬كذا قاله الشيخ أبو حامد‪( .‬ويعمل بالعام ولو بعد وفاة النيب) صلى اهلل عليه وسلّم‪( .‬قبل‬
‫هو ّ‬
‫البحث عن املخصص)‪ ،‬ألن األصل عدمه وألن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب‪ ،‬وقيل ال يعمل به بعد‬
‫وفاته قبل البحث الحتمال التخصيص‪ ،‬وعليه يكفي يف البحث عن ذلك الظن بأن ال خمصص على األصح‪( .‬وهو) أي املخصص للعام‪.‬‬
‫(قسمان) أحدمها (متصل) أي ما ال يستقل بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام‪( .‬وهو مخسة) أحدها (االستثناء) مبعىن صيغته (وهو) أي‬
‫االستثناء نفسه (إخراج) من متع ّدد (بنحو إال) من أدوات اإلخراج وضعا كخالً وعدا وسوى واقعا ذلك اإلخراج مع املخرج منه‪.‬‬
‫(من متكلم واحد يف األصح)‪ ،‬وقيل ال يشرتط وقوعه من واحد فقول القائل إال زيدا عقب قول غريه جاء الرجال استثناء على الثاين‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم إال‬
‫لغو على األول‪ ،‬وهلذا لو قال يل عليك مائة فقال له إال درمها ال يكون مقرا بشيء يف األصح‪ ،‬نعم لو قال ّ‬
‫الذمي عقب نزول قوله تعاىل {فاقتلوا املشركني} كان استثناء قطعا ألنه مبلغ عن اهلل وإن مل يكن ذلك قرآنا‪( .‬وجيب) أي يشرتط‬ ‫ّ‬
‫(اتصاله) أي االستثناء مبعىن صيغته باملستثىن منه‪( .‬عادة يف األصح) فال يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصلـ بغري ذلك كان‬
‫لغوا‪ ،‬وقيل جيوز انفصاله إىل شهر‪ ،‬وقيل إىل سنة‪ ،‬وقيل أبدا‪ ،‬وقيل غري ذلك وال بد من نية االستثناء قبل الفراغ من املستثىن منه‪.‬‬
‫( أما) االستثناء مبعىن صيغته (يف املنقطع) وهو ما ال يكون املستثىن فيه بعض املستثىن منه عكس املتصل السابق املنصرف إليه االسم عند‬
‫اإلطالق حنو ما يف الدار إنسان إال احلمار‪( .‬فمجاز) فيه (يف األصح)‪ .‬لتبادره يف املتصل إىل الذهن‪ ،‬وقيل حقيقة فيه كاملتصل فيكون‬
‫مشرتكا لفظيا بينهما وحي ّد باملخالفة بنحو إال بغري إخراج‪ ،‬وقيل متواطىء أي موضوع للقدر املشرتك بينهما أي املخالفة بنحو إال حذرا‬
‫من االشرتاك واجملاز‪ ،‬وقيل بالوقف أي ال ندري أهو حقيقة فيهما أم يف أحدمها‪ ،‬أم يف القدر املشرتك بينهما‪ ،‬وال يع ّد املنقطع من‬
‫املخصصاتـ والرتجيح من زياديت‪ ،‬وملا كان يف الكالم االستثنائي شبه التناقض حيث يدخل املستثىن فياملستثىن منه‪ ،‬مث ينفى وكان ذلك‬
‫(علي عشرة إال ثالثة‬
‫أظهر يف العدد لنصوصيته يف آحاده دفعوا ذلك فيه مبا ذكرته بقويل (واألصح أن املراد بعشرة يف) قولك لزيد ّ‬
‫العشرة باعتبار اآلحاد) مجيعها‪( .‬مث أخرجت ثالثة) بقولك إال ثالثة (مث أسند إىل الباقي) وهو سبعة(تقديرا وإن كان) اإلسناد (قبله) أي‬
‫علي الباقي من عشرة أخرج منها ثالثة‪ ،‬وليس يف هذا إال إثبات وال نفي أصالً فال‬ ‫قبل إخراج الثالثة‪( .‬ذكرا) أي لفظا فكأنه قال له ّ‬
‫تناقض‪ ،‬وقيل املراد بعشرة يف ذلك سبعة‪ ،‬وقوله إال ثالثة قرينة لذلك بينت إرادة اجلزء باسم الكل جمازا‪ ،‬وقيل معىن عشرة إال ثالثة‬
‫مر‬
‫األول أن فيه توفية مبا ّ‬
‫بإزاء امسني مفرد هو سبعة ومركب هو عشرة إال ثالثة وال نفي أيضا على القولني فال تناقض‪ ،‬ووجه تصحيح ّ‬
‫علي عشرة‬‫من أن االستثناء إخراج خبالف الثاين والثالث‪ .‬وال يصح) استثناء (مستغرق) بأن يستغرق املستثىن املستثىن منه فلو قال له ّ‬
‫علي عشرة إال تسعة (و) استثناء (املساوي) حنو له عشرة إال‬ ‫إال عشرة لزمه عشرة‪( .‬واألصح صحة استثناء األكثر) من الباقي حنو له ّ‬
‫مخسة (و) استثناء (العقد الصحيح) حنو له مائة إال عشرة‪ ،‬وقيل ال يصح يف األكثر‪ ،‬وقيل ال يصح فيه إن كان‬
‫العدد يف املستثىن واملستثىن منه صرحيا حنو ما مر‪ ،‬خبالف غريه حنو خذ الدراهم إال الزيوف وهي أكثر‪ ،‬وقيل ال يصح يف املساوي أيضا‪،‬‬
‫وقيل ال يصح يف العقد الصحيح‪( .‬و) األصح (أن االستثناء من النفي إثبات وبالعكس)‪ .‬وقيل ال بل املستثىن من حيث احلكم مسكوت‬
‫عنه وهو منقول عن احلنفية فنحو ما قام أحد إال زيد وقام القوم إال زيدا يدل األول على إثبات القيام لزيد‪ ،‬والثاين على نفيه عنه من‬
‫حيث القيام وعدمه‪ ،‬وينبين على اخلالف أن املستثىن من حيث احلكم خمرج من احملكوم به فيدخل يف نقيضه من قيام أو عدمه مثالً أو‬
‫خمرج من احلكم فيدخل يف نقيضه أي ال حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل يف نقيضه وجعلوا االثبات يف كلمة التوحيد‬
‫بعرف الشرع‪ ،‬ويف االستثناء املفرغ حنو ما جاء القوم إال زيد بالعرف العام‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/66‬‬

‫علي عشرة‬‫( و) االستثناءات (املتعددة إن تعاطفت فـ)ـهي عائدة (للمستثىن منه) لتعذر عود كل منها إىل ما يليه بوجود العاطف حنو له ّ‬
‫إال أربعة وإال ثالثة وإال اثنني‪ ،‬فيلزمه واحد فقط وحنو له علي عشرة إال عشرة وإال ثالثة وإال اثنني فيلزمه العشرة لالستغراق‪( .‬وإال)‬
‫أي وإن مل يتعاطف (فكل) من آخرها وباقي كل من باقيها عائد (ملا يليه ما مل يستغرقه)‪ .‬حنو له عشرة إال مخسة إال أربعة إال ثالثة‬
‫فيلزمه ستة‪ ،‬فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل أو استغرق غري األول حنو له علي عشرة إال اثنني إال ثالثة إال أربعة عاد الكل للمستثىن‬
‫منه فيلزمه واحد فقط أو األول فقط حنو له عشرة إال عشرة إال أربعة فقيل يلزمه عشرة لبطالن األول الستغراقه‪ ،‬والثاين تبعا‪ ،‬وقيل‬
‫أربعة اعتبار االستثناء الثاين من األول‪ ،‬وهو املوافق لألصح يف الطالق‪ .‬وقال ابن الصباغ وغريه إنه األقيس وقيل ستة اعتبارا للثاين دون‬
‫األول‪( .‬واألصح أنه) أي االستثناء (يعود للمتعاطفات) أي لكل منها حيث يصلح له ألنه الظاهر بقيد زدته بقويل (بـ)ـحرف (مشرك)‬
‫كالواو والفاء مجالً كانت املتعاطفات أو مفردات كأكرم العلماء وحبس ديارك وأعتق عبيدك وكتصدق على الفقراء واملساكني‬
‫والعلماء سواء أسيقت لغرض واحد أم ال‪ ،‬وسواء تقدم االستثناء عليها أم تأخر أم توسط‪ ،‬فتعبريي بذلك أوىل من اقتصاره على ما إذا‬
‫تأخر‪ ،‬وقيل لألخري فقط ألنه املتيقن‪ ،‬وقيل إن سيق الكل لغرض واحد عاد للكل كحبستـ داري على أعمامي‪ ،‬ووقفت بستاين على‬
‫أخوايل‪ ،‬وسبلت سقاييت جلرياين إال أن يسافروا وإال عاد لألخري فقط‪ ،‬كأكرم العلماء وحبس ديارك على أقاربك‪ ،‬وأعتق عبيدك إال‬
‫الفسقةـ منهم‪ ،‬وقيل إن عطف بالواو عاد للكل‪ ،‬وإال فلألخري‪ .‬وقيل مشرتك بني عوده للكل وعوده لألخري‪ ،‬وقيل بالوقف ال ندري ما‬
‫احلقيقة منهما‪ ،‬ويتبني املراد على األخريين بالقرينة وحيث وجدت فال خالف كما يف قوله تعاىل {والذين ال يدعون مع اهلل إهلا آخر}‬
‫إىل قوله‬
‫{ إال من تاب} فإنه عائد للكل بال خالف‪ ،‬وقوله تعاىل {ومن قتل مؤمنا خطأ} إىل قوله {إال أن يصدقوا} فإنه عائد إىل األخري أي‬
‫الدية دون الكفارة بال خالف أما قوله {والذين يرمون احملصنات} إىل قوله {إال الذين تابوا} فإنه عائد لألخري ال لألول أي اجللد‬
‫قطعا ألنه حق آدمي فال يسقط بالتوبة‪ ،‬ويف عوده للثاين أي عدم قبول الشهادة اخلالف‪ ،‬فعلىـ األصح تقبل‪ ،‬وعلى الثاين ال تقبل‬
‫وخرج باملشرتك غريه كبل ولكن وأو فال يعود ذلك إال لألخري‪.‬‬
‫( و) األصح (أن القران بني مجلتني لفظا) بأن تعطف إحدامها على األخرى (ال يقتضي التسوية) بينهما‪( .‬يف حكم مل يذكر) وهو معلومـ‬
‫يبولن أحدكم يف املاء‬
‫إلحدامها من خارج فيعطف واجب على مندوب أو مباح وعكسه‪ .‬وقيل يقتضيها فيه مثاله خرب أيب داود «ال ّ‬
‫الدائم وال يغتسل فيه من اجلنابة» فالبول فيه ينجسه بشرطه كما هو معلوم وذلك حكمة النهي‪ .‬قال بعض القائل بالثاين‪ ،‬فكذا‬
‫االغتسال فيه للقران بينهما‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله تعاىل {فكاتبوهم} اآلية‪( .‬و) ثاين املخصصاتـ املتصلة (الشرط)‪ .‬واملراد اللغوي كما‬
‫مر‪( .‬وهو) ما زدته بقويل (تعليق أمر بأمر كل منهما يف املستقبل أو ما يدل عليه) من صيغة حنو أكرم بين متيم إن جاءوا أي اجلائني‬
‫منهم‪( .‬وهو) أي الشرط املخصص (كاالستثناء) اتصاالً وعودا لكل املتعاطفات وصحة إلخراج األكثر به حنو أكرم بين متيم إن كانوا‬
‫علماء‪ ،‬ويكون جهاهلم أكثر‪ ،‬فيجب مع نية الشرط اتصاله وعوده للكل‪ ،‬ولو تقدم أو توسط‪ .‬ويصح إخراج األكثر به يف األصح‪،‬‬
‫وقيل وفاقا‪ .‬وعليه جرى األصل يف الثالث لكن أجيب عنه بأنه أراد به وفاق من خالف يف االستثناء فقط‪( .‬و) ثالثها (الصفة) املعترب‬
‫مفهومها كأكرم بين متيم الفقهاء خرج بالفقهاء غريهم‪( .‬و) رابعها (الغاية) كأكرم بين متيم إىل أن يعصوا خرج حال عصياهنم فال‬
‫يكرمون فيه‪( .‬ومها) أي الصفة والغاية (كاالستثناء) اتصاالً وعودا‪ ،‬وصحة إخراج األكثر هبما فيجب مع نيتهما اتصاهلما وعودمها‬
‫للكل‪ ،‬ولو تقدمتا أو توسطتا‪ ،‬ويصح إخراج األكثر هبما يف األصح خالفا ملا اختاره‪ ،‬وتبعه عليه الربماوي من اختصاص الصفة‬
‫املتوسطة مبا وليته‪ ،‬وذلك كوقفتـ على أوالدي وأوالدهم احملتاجني‪ ،‬ووقفت على حمتاجي أوالدي وأوالدهم‪ ،‬ووقفت على أوالدي‬
‫احملتاجني وأوالدهم‪ ،‬فيعود الوصف للكل على األصل يف اشرتاك املتعاطفات‪ ،‬وألن املتوسطة بالنسبة ملا وليته متأخرة وملا وليها متقدمة‪،‬‬
‫بل قيل إن عودها إليهما أوىل مما إذا تقدمتهما‪،‬‬
‫وقد أوضحت ذلك يف احلاشية واقتصاري على كاالستثناء أوىل من قوله كاالستثناء يف العود‪.‬‬

‫( ‪)1/67‬‬

‫مر‪ ،‬ومثل قوله تعاىل‬


‫( واملراد) بالغاية (غاية صحبها عموم يشملها) ظاهرا لو مل تأت بقيد زدته بقويل (ومل يرد هبا حتقيقه مثل) ما ّ‬
‫{قاتلوا الذين ال يؤمنون} إىل قوله {حىت يعطوا اجلزية} فإهنا لو مل تأت لقاتلناهم أعطوا اجلزية أم ال‪( .‬وأما مثل) قوله تعاىل {سالم‬
‫هي حىت مطلع الفجر} من غاية مل يشملها عموم صحبها‪ ،‬إذ طلوع الفجر ليس من الليلة حىت تشمله‪( .‬و) مثل قوهلم (قطعت أصابعه‬
‫من اخلنصر) بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه (إىل اإلهبام) من غاية مشلها عموم لو مل تذكر وأريد هبا حتقيقه‪( .‬فلتحقيق) أي فالغاية‬
‫فيه لتحقيق (العموم)‪ .‬فيما قبلها ال لتخصيصه فتحقيق العموم يف األول أن الليلة سالم يف مجيع أجزائها‪ ،‬ويف الثاين أن األصابع قطعتـ‬
‫كلها‪ ،‬والغاية يف الثاين من املغيا خبالفها يف األول‪ ،‬وقويل إىل اإلهبام أوضح من قوله إىل البنصر‪( .‬و) خامسها (بدل بعض) من كل كما‬
‫ذكره ابن احلاجب كـ{ـلَّله على الناس حج البيت من استطاع} (أو) بدل (اشتمال) كما نقله مع ما قبله الربماوي عن أيب حيان عن‬
‫جتوزا‪( .‬ومل يذكره) أي البدل بشقيه (األكثر)‪ ،‬بل أنكره‬‫الشافعي كأعجبين زيد علمه وهو من زياديت إال أن يقال إنه يرجع إىل ما قبله ّ‬
‫وصو ب عدم ذكره السبكي كما نقله عنه ابنه يف األصل ألن املبدل منه يف نية الطرح‪ ،‬فال حمل خيرج‬ ‫مجاعة منهم الشمس األصفهاين‪ّ ،‬‬
‫منه فال ختصيص به‪ .‬وأجاب عنه الربماوي بأن كونه يف نية الطرح قول واألكثر على خالفه‪ ،‬قال السريايف والنحويون مل يريدوا إلغاءه‬
‫وإمنا أرادوا أن البدل قائم بنفسه وليس مبينا لألول كتبيني النعت للمنعوت‪.‬‬
‫( و) القسم الثاين من املخصص (منفصل) أي ما يستقل بنفسه من لفظ أو غريه (فيجوز يف األصح التخصيص بالعقل) سواء أكان‬
‫بواسطة احلس من مشاهدة وغريها من احلواس الظاهرة أم بدوهنا فاألول كقوله تعاىل يف الريح املرسلة على عاد تدمر كل شيء أي‬
‫هتلكه‪ ،‬فإن العقل يدرك بواسطة احلس أي املشاهدة ما ال تدمري فيه كالسماء‪ ،‬والثاين كقوله تعاىل {خالق كل شيء} فإن العقل يدرك‬
‫بالضرورة أنه تعاىل ليس خالقا لنفسه وال لصفاته الذاتية‪ ،‬وكقوله تعاىل {وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيالً} فإن العقل‬
‫يدرك بالنظر أن الطفلـ واجملنون ال يدخالن لعدم اخلطاب‪ ،‬وقيل ال جيوز ذلك ألن ما نفي العقلـ حكم العام عنه مل يشمله العام إذ ال‬
‫تصح إرادته‪ ،‬وذكر األصل أن اخللف لفظي‪ ،‬وفيه حبث ذكرته يف احلاشية‪ ،‬وهلذا تركته هنا‪ ،‬ومبا تقرر علم أن التخصيص بالعقل شامل‬
‫للحس كما سلكه ابن احلاجب‪ ،‬ألن احلاكم فيه إمنا هو العقل فال حاجة إىل إفراده بالذكر خالفا ملا سلكه األصل‪( .‬و) جيوز يف األصح‬
‫بأنفسهن ثالثة‬
‫ّ‬ ‫(ختصيص الكتاب به) أي بالكتاب وهو من ختصيص قطعي املنت بقطعيه كتخصيص قوله تعاىل {واملطلقات يرتبصن‬
‫محلهن} وبقوله {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم‬
‫ّ‬ ‫أجلهن أن يضعن‬
‫ّ‬ ‫هبن بقوله {وأوالت األمحال‬
‫قروء} الشامل للحوامل ولغري املدخول ّ‬
‫عليهن من عدة تعتدوهنا} وقيل ال جيوز ذلك لقوله تعاىل {وأنزلنا إليك الذكر‬
‫ّ‬ ‫متسوهن فما لكم‬
‫ّ‬ ‫طلقتموهن من قبل أن‬
‫ّ‬ ‫املؤمنات مث‬
‫لتبني للناس ما نزل إليهم} ّفو ض البيان إىل رسوله والتخصيص بيان فال حيصل إال بقوله قلنا وقع ذلك كما رأيت‪.‬‬
‫فإن قلت حيتمل التخصيص بغري ذلك من السنة‪ .‬قلنا األصل عدمه وبيان الرسول يصدق ببيان ما نزل عليه من الكتاب‪ ،‬وقد قال تعاىل‬
‫{ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/68‬‬

‫( و) جيوز يف األصح ختصيص (السنة) املتواترة وغريها (هبا) أي بالسنة كذلك كتخصيص خرب الصحيحني فيما سقت السماء العشر‪،‬‬
‫خبربمها ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة‪ .‬وقيل ال جيوز آلية {وأنزلنا إليك الذكر} قصر بيانه على الكتاب‪ .‬قلنا وقع ذلك كما رأيت‬
‫مع أنه ال مانع منه ألهنما من عند اهلل قال تعاىل {وما ينطق عن اهلوى} (و) جيوز يف األصح ختصيص (كل) من الكتاب والسنة‬
‫(باآلخر) فاألول كتخصيص آية املواريث الشاملة للولد الكافر خبرب الصحيحني «ال يرث املسلم الكافر وال الكافر املسلم»‪ .‬فهذا‬
‫ختصيص خبرب الواحد فباملتواترة أوىل‪ ،‬وقيل ال جيوز باملتواترة الفعلية بناء على قول يأيت وأن فعل الرسول ال خيصص‪ ،‬وقيل ال جيوز خبرب‬
‫الواحد مطلقا‪ ،‬وإال لرتك القطعي بالظين‪ .‬قلنا حمل التخصيص داللة العام وهي ظنية والعمل بالظنيني أوىل من إلغاء أحدمها‪ .‬وقيل جيوز‬
‫إن خص مبنفصل لضعف داللته حينئذ‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬والثاين كتخصيص خرب مسلم البكر بالبكر جلد مائة الشامل لألمة بقوله تعاىل‬
‫{فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب} وقيل ال جيوز ذلك لقوله تعاىل {لتبني للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للكتاب فال‬
‫يكون الكتاب مبينا للسنة‪ .‬قلنا وقع ذلك كما رأيت مع أنه ال مانع منه ملا مر ومن السنة فعل النيب وتقريره‪ ،‬فيجوز يف األصح‬
‫التخصيص هبما‪ ،‬وإن مل يتأت ختصيصهماالنتفاء عمومهما كما علم مما مر‪ .‬وذلك كأن يقول الوصال حرام على كل مسلم‪ ،‬مث يفعله‬
‫أو يقر من فعله‪ ،‬وقيل ال خيصصان بل ينسخان حكم العام‪ ،‬ألن األصل تساوي الناس يف احلكم‪ .‬قلنا التخصيص أوىل من النسخ ملا فيه‬
‫من إعمال الدليلني وسواء أكان مع التقرير عادة برتك بعض املأمور به أو بفعل بعض املنهى عنه أم ال‪ .‬واألصل كغريه جعلها املخصصة‬
‫أقر هبا النيب أو اإلمجاع مع أن املخصص يف احلقيقة إمنا هو التقرير أو دليل اإلمجاع‪.‬‬
‫إن ّ‬
‫( و) جيوز يف األصح ختصيص كل من الكتاب والسنة‪( .‬بالقياس) املستند إىل نص خاص ولو خرب واحد كتخصيص آية الزانية والزاين‬
‫الشاملة لألمة بقوله تعاىل {فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب} وقيس باألمة العبد‪ ،‬وقيل ال جيوز ذلك مطلقآـ حذرا من تقدمي‬
‫القياس على النص الذي هو أصله يف اجلملة‪ ،‬وقيل ال جيوز إن كان القياس خفيا لضعفه وقيل غري ذلك‪ .‬قلنا إعمال الدليلني أوىل من‬
‫إلغاء أحدمها‪ .‬واخلالف يف القياس الظين‪ ،‬أما القطعي فيجوز التخصيص به قطعا‪( .‬وبدليل اخلطاب) أي مفهوم املخالفة كتخصيص خرب‬
‫ابن ماجة املاء ال ينجسه شيء إال ما غلب على رحيه وطعمه ولونه‪ .‬مبفهوم خربه «إذا بلغ املاء قلتني مل حيمل اخلبث»‪ .‬وقيل ال خيصص‬
‫ألن داللة العام على ما دل عليه املفهوم باملنطوق وهو مقدم على املفهوم‪ .‬وأجيب بأن املقدم عليه منطوق خاص ال ما هو من أفراد‬
‫العام فاملفهوم مقدم عليه ألن إعمال الدليلني أوىل من إلغاء أحدمها‪( .‬وجيوز)التخصيص (بالفحوى) أي مفهوم املوافقة‪ ،‬وإن قلنا الداللة‬
‫«يل الواجد حيل عرضه وعقوبته»‪ .‬أي حبسه مبفهوم {فال تقل هلما أف} فيحرم حبسهما‬ ‫عليه قياسية كتخصيص خرب أيب داود وغريه ّ‬
‫للوالد وهو ما نقل عن املعظم وصححه النووي‪.‬‬
‫( واألصح أن عطف العام على اخلاص) وعكسه املشهور ال خيصص العام‪ .‬وقال احلنفي خيصصه أي يقصره على اخلاص لوجوب اشرتاك‬
‫املتعاطفني يف احلكم وصفته‪ .‬قلنا يف الصفة ممنوع كما مر مثال العكس خرب أيب داود وغريه «ال يقتل مسلم بكافر وال ذو عهد يف‬
‫عهده»‪ .‬يعين بكافر حريب لالمجاع على قتله بغري حريب‪ ،‬فقال احلنفي يقدر احلريب يف املعطوف عليه لوجوب االشرتاك املذكور فال ينايف‬
‫ما قال به من قتل املسلم بالذمي‪ ،‬ومثال األول أن يقال ال يقتل الذمي بكافر وال املسلم بكافر‪ ،‬فاملراد بالكافر األول احلريب فيقول‬
‫احلنفي واملراد بالكافر الثاين احلريب أيضا لوجود االشرتاك املذكور‪ ،‬وقد مر التمثيل باخلرب ملسألة أن املعطوف على العام ال يعم‪ ،‬وما قيل‬
‫يرد مبنعه ألن ما هنا يف ختصيص احلكم املذكور يف عام‪ ،‬وما هناك يف‬ ‫من أنه ال حاجة لذكر هذه املسألة لعلمها من مسألة القران ّ‬
‫التسوية بني مجلتني فيما مل يذكر من احلكم املعلوم إلحدامها من خارج‪. .‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/69‬‬

‫( و) األصح أن (رجوع ضمري إىل بعض) من العام ال خيصصه حذرا من خمالفة الضمري ملرجعه قلنا ال حمذور فيها لقرينة مثاله قوله تعاىل‬
‫{واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروء} مع قوله بعده {وبعولتهن أحق بردهن} فضمري وبعولتهن للرجعيات ويشمل قوله‬
‫واملطلقات معهن البوائن‪ ،‬وقيل ال يشملهن ويؤخذ حكمهن من دليل آخر‪ ،‬وقد يعرب يف هذه املسألة بأعم مما ذكر بأن يقال وأن يعقب‬
‫العام مبا خيتص ببعضه وال خيصصه‪ ،‬سواء أكان ضمريا كما مر أم الشامل غريه كاحمللى بأل واسم اإلشارة كأن يقال بدل و بعولتهن‬
‫اخل‪ .‬وبعولة املطلقاتـ أو هؤالء أحق بردهن‪( .‬و) األصح أن (مذهب الراوي) للعام خبالفه ال خيصصه ولو كان صحابيا‪ ،‬وقيل خيصصه‬
‫مطلقا‪ ،‬وقيل خيصصه إن كان صحابيا ألن املخالفة إمنا تصدر عن دليل‪ .‬قلنا يف ظن املخالف ال يف نفس األمر وليس لغريه اتباعه ألن‬
‫اجملتهد ال يقلد جمتهدا وذلك كخرب البخاري من رواية ابن عباس «من بدل دينه فاقتلوه» مع قوله إن صح عنه أن املرتدة ال تقتل‪ ،‬أما‬
‫مذهب غري الراوي للعام خبالفه فال خيصصه أيضا كما فهم باألوىل‪ ،‬وقيل خيصصه إن كان صحابيا‪( .‬و) األصح أن (ذكر بعض أفراد‬
‫العام) حبكم العام (ال خيصص) العام‪ .‬وقيل خيصصه مبفهومه‪ ،‬إذ ال فائدة لذكره إال ذلك‪ .‬قلنا مفهوم اللقب ليس حبجة‪ ،‬وفائدة ذكر‬
‫البعض نفي احتمال ختصيصه من العام مثاله خرب الرتمذي «أميا إهاب دبغ فقد طهر» مع خرب مسلمـ أنه صلى اهلل عليه وسلّم مر بشاة‬
‫ميتة فقال «هال أخذمت إهاهبا فدبتغموه فانتفعتم به» فقالوا إهنا ميتة‪ .‬فقال «إمنا حرم أكلها»‪.‬‬
‫( و) األصح (أن العام ال يقصر على املعتاد) السابق ورود العام‪( .‬وال على ما وراءه) أي املعتاد بل جيري العام على عمومه فيهما‪ ،‬وقيل‬
‫يقصر على ذلك فاألول كأن كانت عادهتم تناول الرب‪ ،‬مث هني عن لبيع الطعامـ جبنسه متفاضالً فقيل يقصر الطعام على الرب املعتاد‪،‬‬
‫والثاين كأن كانت عادهتم بيع الرب بالرب متفاضالً‪ ،‬مث هنى عن بيع الطعام جبنسه متفاضالً فقيل يقصر الطعام على غري الرب املعتاد واألصح‬
‫ال فيهما‪( .‬و) األصح (أن حنو) قول الصحايب إنه صلى اهلل عليه وسلّم (هنى عن بيع الغرر) كما رواه مسلم من رواية أيب هريرة‪( .‬ال‬
‫يعم) كل غرر وقيل يعمه ألن قائله عدل عارف باللغة واملعىن‪ ،‬فلوال ظهور عموم احلكم مما قاله النيب صلى اهلل عليه وسلّم مل يأت هو‬
‫يف احلكاية له بلفظ عام كالغرر‪ .‬قلنا ظهور عموم احلكم حبسب ظنه وال يلزمنا اتباعه يف ذلك‪ ،‬إذ حيتمل أن يكون النهي عن بيع الغرر‬
‫بصفة خيتص هبا فتومهه الراوي عاما وعدلت إىل هني عن بيع الغرر عن قوله قضى بالشفعة للجار لقوله كغريه من احمل ّدثني هو لفظ ال‬
‫يعرف‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/70‬‬

‫( مسألة جواب السؤال غري املستقل دونه) أي دون السؤال كنعم وبلى وغريمها مما لو ابتدىء به مل يفد (تابع له) أي للسؤال (يف‬
‫عمومه) وخصوصه‪ ،‬ألن السؤال معاد يف اجلواب‪ ،‬فاألول كخرب الرتمذي وغريه أهنصلى اهلل عليه وسلّم سئل عن بيع الرطب بالتمر؟‬
‫فقال «أينقص الرطب إذا يبس» قالوا نعم‪ .‬قال «فال إذا»‪ .‬فيعم كل بيع للرطب بالتمر صدر من السائل أو من غريه‪ ،‬والثاين كقوله‬
‫تعاىل {فهل وجدمت ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} (واملستقل) دون السؤال ثالثة أقسام أخص من السؤال ومسا ٍو له وأعم‪ .‬فـ(ـاألخص)‬
‫منه (جائز إن أمكنت معرفة) احلكم (املسكوت عنه) منه كأن يقول النيب صلى اهلل عليه وسلّم «من جامع يف هنار رمضان فعليه‬
‫كفارة»‪ .‬كاملظاهر يف جواب من أفطر يف هنار رمضان ماذا عليه فيفهم من قوله جامع أن اإلفطار بغري مجاع ال كفارة فيه‪ ،‬فإن مل ميكن‬
‫معرفة املسكوت عنه من اجلواب مل جيز لتأخري البيان عن وقت احلاجة‪( .‬واملساوي) له يف العموم واخلصوص (واضح) كأن يقال ملن‬
‫قال ما على من جامع يف هنار رمضان؟ من جامع يف هنار رمضان فعليه كفارة كالظهار‪ ،‬وكأن يقال ملن قال جامعتـ يف هنار رمضان‬
‫علي ؟ عليك إن جامعت يف هنار رمضان كفارة كالظهار‪ .‬واألعم منه مذكور يف قويل (واألصح أن العام) الوارد (على سبب‬ ‫ماذا ّ‬
‫خاص) يف سؤال أو غريه (معترب عمومه) نظرا لظاهر اللفظ‪ ،‬وقيل مقصور على السبب لوروده فيه سواء أوجدت قرينة التعميم أم ال‪.‬‬
‫فاألول كقوله تعاىل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}‪ ،‬إذ سبب نزوله على ما قيل أن رجالً سرق رداء صفوان بن أمية‪ ،‬فذكر‬
‫اخلدري قيل يا رسول اهلل أنتوضأ‬
‫ّ‬ ‫السارقة قرينة على أنه مل يرد بالسارق ذلك الرجل فقط‪ ،‬والثاين كخرب الرتمذي وغريه عن أيب سعيد‬
‫من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها احليض وحلوم الكالب والننت؟ فقال «إن املاء طهور ال ينجسه شيء»‪ .‬أي مما ذكر وغريه‪ ،‬وقيل مما‬
‫ذكر وهو ساكت عن غريه وقد تقوم قرينة على االختصاص بالسبب‬
‫كالنهي عن قتل النساء‪ ،‬فإن سببه أنه عليه الصالة والسالم رأى امرأة حربية يف بعض مغازيه مقتولة‪ ،‬وذلك يدل على اختصاصه‬
‫باحلربيات فال يتناول املرتدة‪.‬‬
‫( و) األصح (أن صورة السبب) اليت ورد عليها العام‪( .‬قطعية الدخول) فيه لوروده فيها (فال ختص) منه (باالجتهاد)‪ .‬وقيل ظنية كغريها‬
‫فيجوز إخراجها منه باالجتهاد‪ .‬قال السبكي (ويقرب منها) أي من صورة السبب حىت يكون قطعيـ الدخول أو ظنية‪( .‬خاص يف‬
‫واملتلو كما يف آية {أمل تر‬
‫القرآن تاله يف الرسم) أي رسم القرآن مبعىن وضعه مواضعه‪ ،‬وإن مل يتله يف النزول‪( .‬عام ملناسبة) بني التايل ّ‬
‫إىل الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون باجلبت} فإهنا إشارة إىل كعب بن األشرف وحنوه من علماء اليهود ملا قدموا مكة وشاهدوا‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم فسألوهم من أهدى سبيالً حممد وأصحابه أم حنن‬ ‫حرضوا املشركني على األخذ بثأرهم‪ ،‬وحماربة ّ‬ ‫قتلى بدر ّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم املنطبق عليه‪ ،‬وأخذ املواثيق عليهم أن ال يكتموه فكان ذلك‬
‫فقالوا أنتم مع علمهم مبا يف كتاهبم من نعت ّ‬
‫للنيب صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وقد تضمنت اآلية هذا القول والتوعد عليه‬‫يؤدوها حيث قالوا للمشركني ما ذكر حسدا ّ‬ ‫أمانة الزمة هلم ومل ّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم وذلك مناسب لقوله تعاىل {إن اهلل يأمركم أن‬ ‫املقيد لألمر مبقابله املشتمل على أداء األمانة اليت هي بيان صفة ّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم مبا ذكر والعام تال‬
‫تؤد وا األمانات إىل أهلها}‪ ،‬فهذا عام يف كل أمانة وذاك خاص بأمانة هي بيان صفة ّ‬ ‫ُّ‬
‫للخاص يف الرسم مرتاخ عنه يف النزول لست سنني مدة ما بني بدر وفتح مكة‪ ،‬وإمنا قال السبكي ويقرب منه كذا ألنه مل يرد العام‬
‫بسببه خبالفها‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/71‬‬

‫( مسألة األصح) أنه (إن مل يتأخر اخلاص عن) وقت (العمل) بالعام املعارض له بأن تأخر اخلاص عن ورود العام قبل دخول وقت العمل‬
‫أو تأخر العام عن اخلاص مطلقا أو تقارنا بأن عقب أحدمها اآلخر أو جهل تارخيهما‪( .‬خصص) اخلاص‪( .‬العام)‪ .‬وقيل إن تقارنا‬
‫تعارضا يف قدر اخلاص‪ ،‬فيحتاج العمل باخلاص إىل مرجح له قلنا اخلاص أقوى من العام يف الداللة على ذلك البعض‪ ،‬ألنه جيوز أن ال‬
‫يراد من العام خبالف اخلاص فال حاجة إىل مرجح له‪ .‬وقالت احلنفية وإمام احلرمني العام املتأخر عن اخلاص ناسخ له كعكسه‪ .‬قلنا‬
‫الفرق أن العمل باخلاص املتأخر ال يلغي العام خبالف العكس واخلاص أقوى من العام يف الداللة فوجب تقدميه عليه‪ .‬قالوا فإن جهل‬
‫التاريخ بينهما فالوقف عن العمل بواحد منهما الحتمال كل منهما عندهم‪ ،‬ألن يكون منسوخا باحتمال تقدمه على اآلخر مثال العام‬
‫(فاقتلوا املشركني) واخلاص أن يقال ال تقتلوا الذمي‪( .‬وإال) بأن تأخر اخلاص عما ذكر (نسخه) أي نسخ اخلاص العام بالنسبة ملا‬
‫تعارضا فيه‪ ،‬وإمنا مل جيعل ذلك ختصيصا‪ ،‬ألن التخصيص بيان للمراد بالعام وتأخري البيان عن وقت العملـ ممتنع‪( .‬و) األصح أنه (إن‬
‫كان كل) من املتعارضني (عاما من وجه) خاصا من وجه‪( ،‬فالرتجيح) بينهما من خارج واجب لتعادهلما تقارنا أو تأخر أحدمها أو‬
‫جهل تارخيهما‪ .‬وقالت احلنفية املتأخر ناسخ للمتقدم مثال ذلك خرب البخاري «من ب ّدل دينه فاقتلوه»‪ .‬وخرب الصحيحني «أنه صلى اهلل‬
‫الردة‪ ،‬والثاين خاص بالنساء عام يف احلربيات واملرتدات‪،‬‬
‫فاألول عام يف الرجال والنساء خاص بأهل ّ‬‫عليه وسلّم هنى عن قتل النساء»‪ّ .‬‬
‫األول بقيام القرينة على اختصاص الثاين بسببه وهو احلربيات‪.‬‬
‫وقد ترجح ّ‬

‫( ‪)1/72‬‬

‫املطلق واملقيد‬
‫(دل على املاهية بال قيد)‬
‫مر‪( .‬ما) أي لفظ ّ‬
‫أي هذا مبحثهما‪ ،‬واملراد اللفظيـ املسمى هبما‪( .‬املختار أن املطلق) ويسمى اسم جنس كما ّ‬
‫من وحدة وغريها فهو كلي‪ ،‬وقيل ما دل على شائع يف جنسه وقائله توهم النكرة غري العامة‪ ،‬واحتج لذلك بأن األمر باملاهية كالضرب‬
‫من غري قيد أمر جبزئي من جزئياهتا كالضرب بسوط أو عصا أو غري ذلك‪ ،‬ألن األحكام الشرعية إمنا تبىن غالبا على اجلزئيات ال على‬
‫ويرد بأهنا إمنا يستحيل وجودها كذلك جمردة ال مطلقا ألهنا توجد بوجود جزئي هلا‬ ‫املاهيات املعقولة الستحالة وجودها يف اخلارج‪ّ ،‬‬
‫ألهنا جزؤه وجزء املوجود موجود‪ ،‬فاألمر باملاهية أمر بإجيادها يف ضمن جزئي هلا ال أمر جبزئي هلا‪ ،‬وقيل األمر هبا أمر بكل جزئي منها‬
‫إلشعار عدم التقييد بالتعميم‪ ،‬وقيل هو أذن يف كل جزئي أن يفعل وخيرج عن العهدة بواحد وعلى املختار اللفظ يف املطلقـ والنكرة‬
‫مر أو مع قيد الشيوع‬ ‫واحد‪ ،‬والفرق بينهما باالعتبار إن اعترب يف اللفظ داللته على املاهية بال قيد يسمى مطلقاـ واسم جنس أيضا كما ّ‬
‫األول يف مسمى املطلق‪.‬‬ ‫يسمى نكرة‪ ،‬والقائل بالثاين ينكر اعتبار ّ‬
‫مر فما خيص به العام يقيد به املطلقـ وما ال فال‪ .‬ألن املطلق عام من حيث املعىن فيجوز تقييد‬ ‫(واملطلقـ واملقيد كالعام واخلاص) فيما ّ‬
‫الكتاب به وبالسنة والسنة هبا وبالكتاب‪ ،‬وتقييدمها بالقياس واملفهومني‪ ،‬وفعل النيب وتقريره خبالف مذهب الراوي‪ ،‬وذكر بعض‬
‫جزئيات املطلق على األصح يف غري مفهوم املوافقة‪. .‬‬
‫( و) يزيد املطلق واملقيد (أهنما يف األصح إن احتد حكمهما وسببه) أي سبب حكمهما‪( .‬وكانا مثبتني) أمرين كانا كأن يقال يف كفارة‬
‫الظهار يف حمل أعتق رقبة‪ ،‬ويف آخر أعتق رقبة مؤمنة أو غريمها حنو جتزىء رقبة مؤمنة جتزىء رقبة أو أحدمها أمر‪ ،‬واآلخر خرب حنو‬
‫جتزىء رقبة مؤمنة أعتق رقبة‪( .‬فإن تأخر املقيد) بأن علم تأخره (عن) وقت (العمل باملطلقـ نسخه) أي املطلق بالنسبة إىل صدقه بغري‬
‫املقيد‪( .‬وإال) بأن تأخر املقيد عن وقت اخلطاب باملطلق دون العمل أو تأخر املطلق عن املقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تارخيهما‪( .‬قيده)‬
‫أي املطلق مجعا بني لدليلني‪ ،‬وقيل املقيد ينسخ املطلق إذا تأخر عن وقت اخلطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به جبامع التأخر وقيل‬
‫حيمل املقيد على املطلقـ بأن يلغى القيد‪ ،‬ألن ذكر املقيد ذكر جلزئي من املطلق فال يقيده كما أن ذكر فرد من العام ال خيصصه‪ .‬قلنا‬
‫مر‪( .‬وإن كان أحدمها مثبتا) أمرا أو خربا‬ ‫الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة خبالف مفهوم اللقبـ الذي ذكر فرد من العام منه كما ّ‬
‫(واآلخر خالفه) هنيا أو نفيا حنو أعتق رقبة ال تعتق رقبة كافرة أعتق رقبة ال جتزىء رقبة كافرة أعتق رقبة مؤمنة ال تعتق رقبة جتزىء‬
‫رقبة مؤمنة ال جتزىء رقبة‪( .‬قيد املطلق بضد الصفة) يف املقيد ليجتمعا فيقيد يف املثالني األولني باإلميان‪ ،‬ويف األخريين بالكفر‪( .‬وإال)‬
‫بأن كانا منفيني أو منهيني أو أحدمها منفيا واآلخر منهيا حنو ال جيزىء عتق مكاتب ال جيزىء عتق مكاتب كافر ال تعتق مكاتبا ال تعتق‬
‫مكاتبا كافرا‪( .‬قيد) املطلق (هبا) أي بالصفة (يف األصح) من اخلالف يف حجية مفهوم املخالفة‪ ،‬وقيل يعمل باملطلقـ بناء على عدم‬
‫حجية املفهوم (وهي) أي املسألة حينئذ (خاص وعام) لعموم املطلق يف سياق النفي الشامل للنهي ويكون املقيد خمصصا ال مقيدا‪.‬‬
‫وقويل إن كان إىل قويل يف األصح أعم مما عرب به‪( .‬وإن اختلف حكمهما) مع احتاد سببهما كما يف قوله تعاىل يف التيمم‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/73‬‬

‫{ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} ويف الوضوء {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق}‪ ،‬وسببهما احلدث مع القيام إىل الصالة أو‬
‫حنوها واختالف احلكم من مسح املطلقـ وغسل املقيد باملرفق ظاهر‪ ،‬إذ املسح خالف الغسل‪( .‬أو) اختلف (سببهما) مع احتاد حكمهما‬
‫(ومل يكن مث مقيد) يف حملني (مبتنافيني) كما يف قوله تعاىل يف كفارة الظهار {فتحرير رقبة} ويف كفارة القتل {فتحرير رقبة مؤمنة}‬
‫(أو) كان مث مقيد كذلك‪ .‬و(كان) املطلقـ (أوىل) بالتقييد (بأحدمها) من اآلخر من حيث القياس كما يف قوله تعاىل يف كفارة اليمني‬
‫احلج وسبعة إذا رجعتم}‬
‫{فصيام ثالثة أيام} ويف كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعني} ويف صوم التمتع {فصيام ثالثة أيام يف ّ‬
‫(قيد) املطلق بالقيد أي محل عليه (قياسا يف األصح) فال بد من جامع بينهما وهو يف املثال األول موجب الطهر‪ ،‬ويف الثاين حرمة‬
‫سببهما من الظهار والقتل‪ ،‬ويف الثالث النهي عن اليمني والظهار‪ ،‬فحمل املطلقـ فيه على كفارة الظهار يف التتابع أوىل من محله على‬
‫صوم املتمتع يف التفريق الحتادمها يف اجلامع‪ ،‬والتمثيل به إمنا هو على قول قدمي‪ ،‬وقيل حيمل عليه يف األوليني لفظا أي مبجرد وجود‬
‫اللفظ املقيد من غري حاجة إىل جامع‪ ،‬وقيل ال حيمل عليه يف الثالثة بناء على أن احلمل لفظي‪ .‬وقال احلنفي ال حيمل عليه الختالف‬
‫احلكم أو السبب فيبقى املطلق على خالفه‪ .‬أما إذا كان مث مقيد يف حملني مبتنافيني ومل يكن املطلق يف ثالث أوىل بالتقييد بأحدمها من‬
‫حيث القياس كما يف قوله تعاىل يف قضاء رمضان {فعدة من أيام أخر} ويف كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعني} ويف صوم التمتع‬
‫مر‪ .‬فيبقى املطلقـ على إطالقه المتناع تقييده هبما لتنافيهما وبواحد منهما النتفاء مرجحه‪ ،‬فال جيب يف قضاء رمضان تتابع وال‬ ‫ما ّ‬
‫تفريق والرتجيح من زياديت‪ ،‬ولو اختلف سببهما وحكمهما كتقييد الشاهد بالعدالة وإطالق الرقبة يف الكفارة مل حيمل املطلق على‬
‫املقيد اتفاقا‪ ،‬وقيل على الراجح‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/74‬‬

‫واملؤول‬
‫الظاهر ّ‬
‫أي هذا مبحثهما‪( .‬الظاهر) لغة الواضح واصطالحا‪( .‬ما دل) على املعىن (داللة ظنية) أي راجحة بوضع اللغة أو الشرع أو العرف‪،‬‬
‫حيتمل غري ذلك املعىن مرجوحا كما مر أوائل الكتاب األول كاألسد راجح يف احليوان املفرتس لغة مرجوح يف الرجل الشجاع والصالة‬
‫راجحة يف ذات الركوع والسجود شرعا مرجوحة يف الدعاء املوضوعة له لغة‪ ،‬والغائط راجح يف اخلارج املستقذر عرفا مرجوح يف‬
‫املكان املطمئن املوضوع له لغة‪ ،‬وخرج اجململ لتساوي الداللة فيه‪ ،‬واملؤول ألنه مرجوح‪ ،‬والنص كزيد ألن داللته قطعية‪( .‬والتأويل‬
‫يظن دليالً) وليس دليالً يف الواقع (ففاسد أو ال لشيء‬
‫محل الظاهر على احملتمل املرجوح فإن محل) عليه (دليل فصحيح) احلمل‪( .‬أو ملا ّ‬
‫فلعب)ـ ال تأويل‪.‬‬
‫( واألول) أي التأويل قسمان (قريب) يرتجح على الظاهر بأدىن دليل حنو {إذا قمتم إىل الصالة} أي عزمتم على القيام إليها و{إذا‬
‫قرأت القرآن} أي أردت قراءته‪( .‬وبعيد) ال يرتجح على الظاهر إال بأقوى منه‪( .‬كتأويل) احلنفية (أمسك) من قوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلّ م لغيالن ملا أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن»‪( .‬بابتدىء) نكاح أربع منهن بقيد زدته بقويل (يف املعية) أي‬
‫فيما إذا نكحهن معا لبطالنه كاملسلم خبالف نكاحهن مرتبا فيمسكـ األربع األوائل‪ ،‬ووجه بعده أن املخاطب مبحله وهو أمسك قريب‬
‫عهد باإلسالم مل يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إىل ذلك‪ ،‬ومل ينقل جتديد نكاح منه وال من غريه ممن أسلم مع كثرهتم وتوفر‬
‫دواعي محلة الشرع على نقله لو وقع‪( .‬و) كتأويلهم (ستني مسكينا} من قوله تعاىل {فإطعام ستني مسكينا} (بستني مدا) بتقدير‬
‫مضاف أي طعام ستني مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه ملسكني واحد يف ستني يوما كما جيوز إعطاؤه لستني مسكينا يف يوم‬
‫واحد‪ ،‬ألن القصد بإعطائه دفع احلاجة ودفع حاجة الواحد يف ستني يوما كدفع حاجة الستني يف يوم واحد‪ ،‬ووجه بعده أنه اعترب فيه‬
‫ما مل يذكر من املضاف وألغى فيه ما ذكر من عدد املساكني الظاهر قصده لفضلـ اجلماعة وبركتهم وتظافر قلوهبم على الدعاء‬
‫للمحسن‪( .‬و) كتأويلهم خرب أيب داود وغريه (ال صيام ملن مل يبيت) أي الصيام من الليل‪( .‬بالقضاء والنذر) لصحة غريمها بنية من‬
‫النهار عندهم ووجه بعده أنه قصر للعام النص يف العموم على نادر لندرة القضاء والنذر‪( .‬و) كتأويل أيب حنيفة خرب ابن حبان وغريه‬
‫(ذكاة اجلنني ذكاة أمه) بالرفع والنصب (بالتشبيه) أي مثل ذكاهتا أو كذكاهتا‪ ،‬فاملراد باجلنني احلي حلرمة امليت عنده وأحله صاحباه‬
‫كالشافعي‪ ،‬ووجه بعده ما فيه من التقدير املستغىن عنه ووجه استغنائه عنه على رواية الرفع وهي احملفوظة أن يعرب ذكاة اجلنني خربا ملا‬
‫بعده أي ذكاة أم اجلنني ذكاة له‪ ،‬وعلى رواية النصب إن‬
‫ثبتت أن جيعل على الظرفية أي ذكاة اجلنني حاصلة وقت ذكاة أمه اليت أحلتها‪ ،‬فاملراد اجلنني امليت وأن ذكاة أمه أحلته تبعا هلا‪.‬‬

‫( ‪)1/75‬‬

‫اجململ ما مل تتضح داللته‬


‫من قول أو فعل كقيامه صلى اهلل عليه وسلّم من الركعة الثانية بال تشهد الحتماله العمد والسهو‪ ،‬وخرج املهمل إذ ال داللة له واملبني‬
‫األصح يف آية السرقة) وهي {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ال يف اليد وال يف القطع‪ ،‬وقيل جمملة‬ ‫ّ‬ ‫إليضاح داللته‪( .‬فال إمجال يف‬
‫فيهما ألن اليد تطلق على العضو إىل الكوع وإىل املرفق وإىل املنكب‪ ،‬والقطع يطلق على اإلبانة وعلى اجلرح‪ ،‬وال ظهور لواحد من‬
‫ذلك وإبانة الشارع من الكوع مبينة‪ ،‬لذلك قلنا ال نسلم عدم ظهور واحد‪ ،‬ألن اليد ظاهرة يف العضو إىل املنكب والقطع ظاهر يف‬
‫اإلبانة‪ ،‬وإبانة الشارع من الكوع دليل على أن املراد من الكل البعض‪( .‬و) ال يف حنو {حرمت عليكم امليتة} كحرمت عليكم‬
‫أمهاتكم‪ ،‬وقيل جممل‪ .‬إذ ال يصح إسناد التحرمي إىل العني ألنه إمنا يتعلق بالفعل فال بد من تقديره‪ ،‬وهو حمتمل ألمور ال حاجة إىل‬
‫مجيعها وال مرجح لبعضها فكان جممالً‪ .‬قلنا املرجح موجود وهو العرف فإنه قاض‪ ،‬بأن املراد يف األول حترمي األكل وحنوه‪ ،‬ويف الثاين‬
‫حترمي التمتع بوطء وحنوه (و) ال يف قوله تعاىل {وامسحواـ برؤوسكم} وقيل جممل لرتدده بني مسح الكل والبعض ومسح الشارع‬
‫بأقل ما ينطلق عليه االسم وبغريه ومسح الشارع‬‫الناصية مبني لذلك‪ .‬قلنا ال نسلم تردده بني ذلك‪ ،‬وإمنا هو ملطلقـ املسح الصادق ّ‬
‫الناصية من ذلك‪( .‬و) ال يف خرب البيهقي وغريه «رفع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»‪ .‬وقيل جممل‪ ،‬إذ ال يصح رفعها مع‬
‫وجودها حسا فال بد من تقدير شيء وهو مرتدد بني أمور ال حاجة إىل مجيعها وال مرجح لبعضها فكان جممالً‪ .‬قلنا املرجح موجود‬
‫وهو العرف فإنه قاض بأن املراد منه رفع املؤاخذة‪( .‬و) ال يف خرب الرتمذي وغريه «ال نكاح إال بويل»‪ .‬وقيل جممل‪ ،‬إذ ال يصح النفي‬
‫لنكاح بال ويل مع وجوده حسا فال بد من تقدير شيء وهو مرتدد بني الصحة والكمال وال مرجح لواحد منهما‪ ،‬فكان جممالً‪ .‬قلنا‬
‫بتقدير تسليم ذلك املرجح لنفي الصحة موجود وهو قربه من نفي الذات إذ ما انتفت صحته ال يعتد به‪ ،‬فيكون كاملعدوم خبالف ما‬
‫مر بيانه فال إمجال يف شيء منه (بل) اإلمجال (ويف مثل القرء) لرتدده بني الطهر واحليض‬
‫الكل) كما ّ‬
‫انتفى كماله (لوضوح داللة ّ‬
‫الشرتاكه بينهما‪ ،‬ومحله الشافعي على الطهر‪ ،‬واحلنفي على احليض ملا قام عندمها‪( .‬و) مثل (النور) ألنه صاحل للعقل ونور الشمس مثالً‬
‫لتشاهبهما يف االهتداء بكل منهما‪( .‬و) مثل (اجلسم) ألنه صاحل للسماء واألرض مثالً لتماثلهما سعة وعددا‪( .‬و) مثل (املختار) كمنقاد‬
‫لرتدده بني اسم الفاعل واملفعول بإعالله بقلب يائه املسكورة أو املفتوحة ألفا‪( .‬و) مثل قوله تعاىل (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)‬
‫لرتدده بني الزوج والويل ومحله الشافعي على الزوج ومالك على الويل ملا قام عندمها (و) مثل قوله تعاىل (إال ما يتلى عليكم) للجهل‬
‫مبعناه قبل نزول مبينه وهو {حرمت عليكم امليتة} اخل ويسري اإلمجال إىل املستثىن منه وهو {أحلت لكم هبيمة األنعام} (و) مثل قوله‬
‫تعاىل (الراسخون) من قوله {وما يعلم تأويله إال اهلل والراسخون يف العلم يقولون آمنا به} لرتدده بني العطف واالبتداء ومحله اجلمهور‬
‫على االبتداء ملا قام عندهم‪( .‬و) مثل (قوله عليه الصالة والسالم) يف خرب الصحيحني وغريمها (ال مينع أحدكم جاره أن يضع خشبه يف‬
‫جداره) لرتدد ضمري جداره بني عوده إىل اجلار أو إىل األحد‪ .‬وتردد الشافعي يف املنع لذلك واجلديد املنع خلرب احلاكم بإسناد صحيح يف‬
‫خطبة حجة الوداع «ال حيل المرىء من مال أخيه إال ما أعطاه عن طيب نفس‪ .‬وخشبه بلفظ اجلمع واإلضافة للضمري وروى خشبة‬
‫باإلفراد والتنوين‪( .‬و) مثل (قولك زيد طبيب ماهر) لرتدد ماهر بني رجوعه إىل طبيب وإىل زيد‬
‫( و) مثل قولك (الثالثة زوج وفرد) لرتدد الثالثة فيه بني اتصافها بصفتيها واتصاف أجزائها هبما‪ ،‬وإن تعني الثاين نظرا إىل صدق املتكلم‬
‫به‪ ،‬إذ محله على األول يوجب كذبه‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/76‬‬

‫واألصح وقوعه) أي اجململ (يف الكتاب والسنة) لألمثلة السابقة منهما ومنعه داود الظاهري‪ ،‬قيل وميكن أن ينفصل عنها بأن األول‬
‫ظاهر يف الزوج ألنه املالك للنكاح‪ .‬والثاين مقرتن مبفسره‪ ،‬والثالث ظاهر يف االبتداء‪ ،‬والرابع ظاهر يف عوده إىل األحد ألنه حمط‬
‫الكالم‪( .‬و) األصح (أن املسمى الشرعي) للفظ (أوضح من) املسمى (اللغوي) له يف عرف الشرع ألن النيب بعث لبيان الشرعيات‪،‬‬
‫فيحمل على الشرعي‪ ،‬وقيل ال يف النهي فقيل هو جممل‪ ،‬وقيل حيمل على اللغوي‪ ،‬واملراد بالشرعي ما أخذت تسميته من الشرع‬
‫مر ) ذلك يف مسألة اللفظ إما حقيقة أو جماز وذكر هنا توطئة لقويل (و)‬‫صحيحا كان أو فاسدا ال ما يكون صحيحا فقط‪( .‬وقد ّ‬
‫األصح (أنه إن تعذر) أي املسمى الشرعي للفظ‪( .‬حقيقة رد إليه بتجوز) حمافظة على الشرع ما أمكن‪ ،‬وقيل هو جممل لرتدده بني اجملاز‬
‫الشرعي واملسمى اللغوي‪ ،‬وقيل حيمل على اللغوي تقدميا للحقيقة على اجملاز‪ ،‬والرتجيح من زياديت‪ ،‬وهو ما اختاره يف شرح املختصر‬
‫بتجوز بأن‬
‫كغريه مثاله خرب الرتمذي وغريه «الطواف بالبيت صالة إال أن اهلل أحل فيه الكالم» تعذر فيه مسمى الصالة شرعا فريد إليه ّ‬
‫يقال كالصالة يف اعتبار الطهر والنية وحنومها‪ ،‬وقيل حيمل على املسمى اللغوي وهو الدعاء خبري الشتمال الطواف عليه فال يعترب فيه ما‬
‫لرتد ده بني األمرين‪( .‬و) األصح (أن اللفظ املستعمل ملعىن تارة وملعنيني ليس ذلك املعىن أحدمها) تارة أخرى على‬
‫ذكر‪ ،‬وقيل جممل ّ‬
‫السواء وقد أطلق (جممل) لرتدده بني املعىن واملعنيني‪ ،‬وقيل يرتجح املعنيان ألنه أكثر فائدة‪( .‬فإن كان) ذلك املعىن (أحدمها عمل به)‬
‫جزما لوجوده يف االستعمالني (ووقف اآلخر) للرتدد فيه‪ ،‬وقيل يعمل به أيضا‬
‫ألنه أكثر فائدة مثال األول خرب مسلم «ال ينكح احملرم وال ينكح» بناء على أن النكاح مشرتك بني العقد والوطء‪ ،‬فإنه إن محل على‬
‫الوطء استفيد منه معىن واحد‪ ،‬وهو أن احملرم ال يطء وال يوطىء أي ال ميكن غريه من وطئه أو على العقد استفيد منه معنيان بينهما‬
‫قدر مشرتك‪ ،‬ومها أن احملرم ال يعقد لنفسه وال يعقد لغريه‪ ،‬ومثال الثاين خرب مسلمـ «الثيب أحق بنفسها من وليها» أي بأن تعقد لنفسها‬
‫أو بأن تعقد كذلك أو تأذن لوليها فيعقد هلا وال جيربها‪ ،‬وقد قال تعقد لنفسها أبو حنيفة‪ ،‬وكذا بعض أصحابنا‪ ،‬لكن إذا كان يف مكان‬
‫ويل فيه وال حاكم‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫( ‪)1/77‬‬

‫البيان‬
‫مبعىن التبيني لغة اإلظهار أو الفصلـ واصطالحا‪( .‬إخراج الشيء من حيز االشكال إىل حيز التجلي) أي اإليضاح‪ ،‬فاإلتيان بالظاهر من‬
‫غري سبق إشكال ال يسمى بيانا اصطالحا‪( .‬وإمنا جيب) البيان (ملن أريد فهمه) املشكل حلاجته إليه بأن يعمل به أو يفىت به خبالف غريه‪.‬‬
‫أدل حكما ملا يأيت‪ ،‬وقيل ال‬
‫(واألصح أنه) أي البيان قد (يكون بالفعل) كالقول بل أوىل‪ ،‬ألنه أدل بيانا ملشاهدته‪ ،‬وإن كان القول ّ‬
‫لطول زمنه فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع‪ .‬قلنا ال نسلم امتناعه والبيان بالقول كقوله تعاىل {صفراء فاقع لوهنا}‬
‫بيان لقوله بقرة وبالفعل كخرب «صلوا كما رأيتموين أصلي»‪ .‬ففعله بيان لقوله تعاىل {أقيموا الصالة} وقوله صلوا اخل‪ .‬ليس بيانا‪ ،‬وإمنا‬
‫دل على أن الفعلـ بيان ومن الفعل التقرير واإلشارة والكتابة‪ ،‬وقد قال صاحب الواضح من احلنفية يف األخريين ال أعلم خالفا يف أن‬
‫البيان يقع هبما‪( .‬و) األصح أن (املظنون يبني املعلوم)‪ .‬وقيل ال ألنه دونه فكيف يبينه‪ .‬قلنا لوضوحه‪( .‬و) األصح أن (املتقدم) وإن‬
‫جهلنا عينه‪( .‬من القول والفعل هو البيان) أي املبني واآلخر تأكيد له وإن كان دونه ّقوة‪ ،‬وقيل إن كان كذلك فهو البيان‪ ،‬ألن الشيء‬
‫ال يؤكد مبا هو دونه‪ .‬قلنا هذا يف التأكيد بغري املستقل أما باملستقل فال‪ ،‬أال ترى أن اجلملة تؤكد جبملة دوهنا‪( .‬هذا إن اتفقا) أي القول‬
‫والفعل يف البيان كأن طاف صلى اهلل عليه وسلّم بعد نزول آية احلج املشتملة على الطواف طوافا واحدا أو أمر بطواف واحد‪( .‬وإال)‬
‫بأن زاد الفعل على مقتضى القول‪ ،‬كأن طاف صلى اهلل عليه وسلّم بعد نزول آية احلج طوافني‪ ،‬وأمر بواحد‪ ،‬أو بأن نقص الفعلـ عن‬
‫مقتضى القول كأن طاف واحدا وأمر باثنني‪( .‬فالقول) أي فالبيان القول ألنه يدل عليه بنفسه والفعلـ يدل عليه بواسطة القول (وفعله‬
‫مندوب أو واجب) يف حقه دون أمته وإن زاد على مقتضى قوله (أو ختفيف)يف حقه أن نقص عنه سواء أكان القول‬
‫متقدما على الفعلـ أو متأخرا عنه مجعا بني الدليلني‪ ،‬وقيل البيان املتقدم منهما كما لو اتفقا‪ ،‬فإن كان املتقدم القول فحكم الفعلـ ما مر‬
‫أو الفعل‪ ،‬فالقول ناسخ للزائد منه وطالب ملا زاده عليه‪ .‬قلت عدم النسخ مبا قلناه أوىل‪ ،‬والقول أقوى داللة وذكر التخفيف من زياديت‪.‬‬

‫( ‪)1/78‬‬

‫اجملوزين‬
‫(مسألة تأخري البيان) جململ أو ظاهر مل يرد ظاهره بقرينة ما يأيت‪( .‬عن وقت الفعلـ غري واقع وإن جاز) وقوعه عند أئمتنا ّ‬
‫األصح سواء أكان للمبني) ببنائه للمفعول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تكليف ما ال يطاق‪( .‬و) تأخريه عن وقت اخلطاب (إىل وقته) أي الفعلـ جائز (واقع يف‬
‫ودال على حكم يبني نسخه أم ال‪ .‬وهو اجململ املشرتك يبني أحد معنييه‬ ‫(ظاهر) وهو غري اجململ كعام يبني ختصيصه ومطلق يبني مقيده ّ‬
‫مثالً ومتواطىء يبني أحد ما صدقاته مثالً‪ ،‬وقيل ميتنع تأخريه مطلقا إلخالله بفهم املراد عند اخلطاب‪ ،‬وقيل ميتنع فيما له ظاهر إليقاعه‬
‫املخاطب يف فهم غري املراد خبالفه يف اجململ‪ ،‬وقيل ميتنع تأخري البيان اإلمجايل دون التفصيلي فيما هو ظاهر مثل هذا العام خمصوص‪،‬‬
‫وهذا املطلق مقيد‪ ،‬وهذا احلكم منسوخ لوجود احملذور قبله خبالف اجململ‪ ،‬فيجوز تأخري بيانه اإلمجايل كالتفصيلي‪ ،‬وقيل غري ذلك‪.‬‬
‫ومما يدل على الوقوع آية {واعلموا أمنا غنمتم من شيء} فإهنا عامة فيما يغنم خمصوصة عموما خبرب الصحيحني «من قتل قتيالً له عليه‬
‫بينة فله سلبه»‪ .‬وبال عموم خبربمها أنه صلى اهلل عليه وسلّم قضى بسلبـ أيب جهل ملعاذ بن عمرو بن اجلموح‪ ،‬وآية {إن اهلل يأمركم أن‬
‫تذحبوا بقرة} فإهنا مطلقةـ مث بني تقييدها مبا يف أجوبة أسئلتهم‪( .‬و) جيوز (للرسول) صلى اهلل عليه وسلّم (تأخري التبليغ) ملا أوحي إليه‬
‫من قرآن أو غريه‪( .‬إىل الوقت) أي وقت العملـ ولو على القول بامتناع تأخري البيان عن وقت اخلطاب النتفاء احملذور السابق عنه‪،‬‬
‫وألن وجوب معرفته إمنا هو للعملـ وال حاجة له قبل العمل‪ ،‬وقيل ال جيوز على القول بذلك لقوله تعاىل {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل‬
‫إليك} أي فورا ألن وجوب التبليغ معلومـ بالعقل فال فائدة لألمر به إىل إال الفور‪ .‬قلنا ال نسلم أن وجوبه معلوم بالعقلـ بل بالشرع ولو‬
‫سلم‪ .‬قلنا ففائدته تأيد العقلـ بالنقل‪( .‬وجيوز أن ال يعلم) املكلف (املوجود) عند وجود املخصص (باملخصص) بكسر الصاد‪( .‬وال بأنه‬
‫خمصص) أي جيوز أن ال يعلم قبل وقت العمل بذات املخصص وال بوصف أنه خمصص مع علمه بذاته كأن يكون املخصص العقلـ بأن‬
‫ال يسبب اهلل العلم بذلك‪( .‬ولو على املنع) أي على القول بامتناع تأخري البيان‪ ،‬وقيل ال جيوز على القول بذلك يف املخصص السمعي‬
‫ملا فيه من تأخري إعالمه بالبيان‪ .‬قلنا احملذور إمنا هو تأخري البيان وهو منتف هنا وعدم علم املكلف باملخصص بأن مل يبحث عنه تقصري‬
‫منه‪ ،‬أما العقليـ فاتفقوا على جواز أن يسمع اهلل املكلف العام من غري أن يعلمه بذات العقلـ بأن فقد ما خيصصه وكوال إىل نظره‪ ،‬وقد‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم طلبت مرياثها مما تركه‬
‫وقع أن بعض الصحابة مل يسمع املخصص السمعي إال بعد حني منهم فاطمة بنت ّ‬
‫أبوها لعموم قوله تعاىل {يوصيكم اهلل يف أوالدكم} فاحتج عليها أبو بكر رضي اهلل عنه مبا رواه هلا من خرب الصحيحني «ال نورث ما‬
‫تركناه صدقة»‪ .‬ومبا تقرر علم أن قويل ولو على املنع راجع إىل املسألتني‪.‬‬

‫( ‪)1/79‬‬

‫النسخ‬
‫الظل أي أزالته والنقل مع بقاء األول كنسخت الكتاب أي نقلته واصطالحا‪( .‬رفع) تعلق (حكم شرعي)‬ ‫لغة اإلزالة كنسخت الشمس ّ‬
‫بفعل (بدليل شرعي)‪ ،‬والقول بأنه بيان النتهاء أمد حكم شرعي يرجع إىل ذلك فال خالف يف املعىن‪ ،‬وإن فرق بينهما بأنه يف األول‬
‫زال به‪ ،‬ويف الثاين زال عنده وما فرق به من أن األول يشمل النسخ قبل التمكن دون الثاين مردود كما بينته مع زيادة يف احلاشية‪ .‬قال‬
‫الربماوي فإن قلت سيأيت أن من أقسامـ النسخ ما ينسخ لفظه دون حكمه وال رفع فيه حلكم‪ .‬قلت رفع اللفظ يتضمن رفع أحكام كثرية‬
‫ومس احملدث ومحله له وغري ذلك‪ ،‬وخرج بالشرعي أي‬ ‫كتعبد بتالوته وإجراء حكم القرآن عليه من منع اجلنب وحنوه من قراءته‪ّ ،‬‬
‫املأخوذ من الشرع رفع الرباءة األصلية أي املأخوذة من العقل‪ ،‬وبدليل شرعي الرفع باملوت واجلنون والغفلة والعقل واإلمجاع‪ ،‬ألنه إمنا‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم كما سيأيت‪ .‬وخمالفة اجملمعني للنص تتضمن ناسخا له وهو مستند إمجاعهم‪ ،‬وأما جعل اإلمام‬ ‫ينعقد بعد وفاة ّ‬
‫صرح التفتازاين‬
‫الرازي رفع غسل الرجلني بالعقلـ عن قطعهما نسخا فتسمح وتعبريي بذلك يشمل الكتاب والسنة قوالً وفعالً‪ ،‬وبه ّ‬
‫فهو أوىل من قول األصل خبطاب لقصوره على القول‪ ،‬ومشل التعريف اإلباحة األصلية‪ ،‬فإهنا عندنا ثابتة بالشرع فرفعها يكون نسخا‬
‫كما ذكره التفتازاين‪.‬‬
‫( وجيوز يف األصح نسخ بعض القرآن) تالوة وحكما أو أحدمها دون اآلخر والثالثة واقعة‪ .‬روى مسلم عن عائشة رضي اهلل عنها «كان‬
‫فيما أنزل عشر رضعات معلوماتـ فنسخنـ خبمس معلومات»‪ .‬فهذا منسوخ التالوة واحلكم‪ .‬وروى الشافعي وغريه عن عمر رضي اهلل‬
‫عنه «لوال أن تقول الناس زاد عمر يف كتاب اهلل لكتبتها الشيخ والشيخة»‪ .‬أي احملصنان‪« .‬إذا زنيا فارمجومها ألبتة فإنا قد قرأناها»‪.‬‬
‫فهذا منسوخ التالوة دون احلكم ألمره صلى اهلل عليه وسلّم برجم احملصن رواه الشيخان‪ .‬وعكسه كثري كقوله تعاىل {والذين يتوفون‬
‫منكم ويذرون أزواجا وصية} إىل آخره نسخ قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يرتبصن} إىل آخره لتأخره يف النزول عن‬
‫األول وإن تقدمه يف التالوة‪ ،‬وقيل ال جيوز نسخ بعضه كما ال جيوز نسخ كله وقيل ال جيوز نسخ التالوة دون احلكم وعكسه‪ ،‬ألن‬
‫احلكم مدلول اللفظ‪ ،‬فإذا ق ّد ر انتفاء أحدمها لزم انتفاء اآلخر‪ ،‬قلنا إمنا يلزم إذا روعي وصف الداللة وما حنن فيه مل يراع فيه ذلك‪.‬‬
‫(و) جيوز يف األصح نسخ (الفعلـ قبل التمكن) منه بأن مل يدخل وقته أو دخل ومل ميض منه ما يسعه‪ ،‬وقيل ال لعدم استقرار التكليف‪،‬‬
‫قلنا يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به‪ ،‬وقد وقع ذلك يف قصة الذبيح فإن اخلليل أمر بذبح ابنه عليهما الصالة والسالم لقوله‬
‫بين إين أرى يف املنام أين أذحبك} إىل آخره مث نسخ ذحبه قبل التمكن منه بقوله {وفديناه بذبح عظيم} واحتمال‬ ‫تعاىل حكاية عنه {يا ّ‬
‫كونه بعد التمكن خالف الظاهر من حال األنبياء يف امتثال األمر من مبادرهتم إىل فعل املأمور به‪.‬‬
‫{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل‬‫ّ‬ ‫(و) جيوز يف األصح (نسخ السنة بالقرآن) كنسخ خترمي مباشرة الصائم أهله ليالً بالسنة بقوله تعاىل‬
‫نسائكم} وقيل ال جيوز نسخها به لقوله تعاىل {وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للقرآن فال يكون القرآن مبينا‬
‫لسنته‪ .‬قلنا ال مانع ألهنما من عند اهلل قال تعاىل {وما ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي يوحى} ويدل للجواز قوله تعاىل {ونزلنا عليك‬
‫مر التمثيل له باييت ع ّدة الوفاة وتعبريي بذلك أوىل مما عرب‬ ‫الكتاب تبيانا لكل شيء} (كهو) أي كما جيوز نسخ القرآن (به) جزما كما ّ‬
‫جوز نسخ بعضه‪( .‬و) جيوز يف األصح (نسخه) أي القرآن‬ ‫به إليهامه أن اخلالف جار يف النسخ بالقرآن لقرآن‪ ،‬وليس كذلك عند من ّ‬
‫(هبا) أي بالسنة متواترة أو آحادا قال تعاىل {لتبني للناس ما نزل إليهم} وقيل ال جيوز لقوله تعاىل {قل ما يكون يل أن أب ّدله من تلقاء‬
‫نفسي} والنسخ بالسنة تبديل من تلقاء نفسه قلنا ممنوع‪ .‬وما ينطق عن اهلوى‪ ،‬وقيل ال جيوز نسخ القرآن باآلحاد ألن القرآن مقطوع‬
‫واآلحاد مظنون‪ .‬قلنا حمل النسخ احلكم وداللة للقرآن عليه ظنية‪( .‬و) لكن نسخ القرآن بالسنة (مل يقع إال باملتواترة يف األصح)‪ .‬وقيل‬
‫وقع باآلحاد كنسخ خرب الرتمذي وغريه «ال وصية لوارث» آلية {كتب عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية}‪ .‬قلنا ال‬
‫نسلم عدم تواتر ذلك وحنوه للمجتهدين احلاكمني بالنسخ لقرهبم من زمن الوحي وسكت كاألصل عن نسخ السنة هبا للعلمـ به من‬
‫مر من نسخ القرآن‬ ‫نسخ القرآن به‪ ،‬فيجوز نسخ املتواترة مبثلها واآلحاد مبثلها وباملتواترة‪ ،‬وكذا املتواترة باآلحاد على األصح كما ّ‬
‫باآلحاد‪( .‬وحيث وقع) نسخ القرآن (بالسنة فمعها قرآن عاضد هلا) على النسخ يبني توافقهما لتقوم احلجة على الناس هبما معا‪ ،‬ولئال‬
‫يتوهم انفراد أحدمها عن اآلخر‪ ،‬إذ كل منهما من عند اهلل‪( .‬أو نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة) ب‪>1‬عاضدة له تبني توافقهما ملا‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/80‬‬

‫{فول وجهك شطر املسجد احلرام}‬ ‫مر ‪ ،‬كما يف نسخ التوجه يف الصالة إىل بيت املقدس الثابت بفعله صلى اهلل عليه وسلّم بقوله تعاىل ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد فعله صلى اهلل عليه وسلّم‪.‬‬
‫( و) جيوز يف األصح (نسخ القياس) املوجود (يف زمن النيب) صلى اهلل عليه وسلّم (بنص أو قياس أجلي) من القياس املنسوخ به‪ ،‬فاألول‬
‫الرب حرام ألنه مطعوم»‪ .‬فيقاس به األرز‪ ،‬مث يقول «بيعوا األرز باألرز متفاضالً»‪ .‬والثاين‬
‫كأن يقول صلى اهلل عليه وسلّم «الفاضلة يف ّ‬
‫كأن يأيت بعد القياس املذكور نص جبواز بيع الذرة بالذرة متفاضالً فيقاس به بيع األرز باألرز متفاضالً‪ ،‬وقيل ال جيوز نسخه ألنه مستند‬
‫إىل نص‬
‫فيدوم بدوامه‪ .‬قلنا ال نسلم لزوم دوامه كما ال يلزم دوام حكم النص بأن ينسخ وخرج باألجلي غريه‪ ،‬فال يكفي األدون النتفاء‬
‫املقاومة وال الساري النتفاء املرجح‪ ،‬وقيل يكفيان كاألجلي‪.‬‬
‫( و) جيوز يف األصح (نسخ الفحوى) أي مفهوم املوافقة بقسميه األوىل واملساوي (دون أصله) أي املنطوق بقيد زدته بقويل (إن تعرض‬
‫لبقائه) أي بقاء أصله (وعكسه) أي أصل الفحوى دونه إن تعرض لبقائه ألهنما مدلوالن متغايران فجاز فيهما ذلك كنسخ حترمي‬
‫الضرب دون حترمي التأفيف والعكس‪ ،‬وقيل ال فيهما ألن الفحوى الزم ألصله فال ينسخ أحدمها دون اآلخر ملنافاة ذلك اللزوم بينهما‪،‬‬
‫وقيل ميتنع األول المتناع بقاء امللزوم مع نفي الالزم خبالف الثاين جلواز بقاء الالزم مع نفي امللزوم‪ ،‬أما نسخهما معا فيجوز اتفاقا‪ ،‬فإن‬
‫مل يتعرض للبقاء فعن األكثر االمتناع بناء على أن نسخ كل منهما يستلزم نسخ اآلخر‪ ،‬ألن الفحوى الزم ألصله وتابع له‪ ،‬ورفع الالزم‬
‫يستلزم رفع امللزوم‪ ،‬ورفع املتبوع يستلزم رفع التابع‪ ،‬وقيل ال يستلزم نسخ كل منهما ذلك‪ ،‬ألن رفع التابع ال يستلزم رفع امللزوم‪،‬‬
‫ورفع املتبوع ال يستلزم رفع الالزم‪ ،‬وقيل نسخ الفحوى ال يستلزم خبالف عكسه‪ ،‬وقيل عكسه ملا عرف مما قبلهما وتعبريي مبا ذكر‬
‫أوىل مما عرب به إليهامه التنايف‪ ،‬وقد أوضحت لك مع اجلواب عنه يف احلاشية‪.‬‬
‫( و) جيوز يف األصح (النسخ به) أي بالفحوى كأصله‪ ،‬وقيل ال بناء على أنه قياس وأن القياس ال يكون ناسخا‪ ،‬وذكر اخلالف يف هذه‬
‫من زياديت‪( .‬ال نسخ النص بالقياس) فال جيوز يف األصح حذرا من تقدمي القياس على النص الذي هو أصل له يف اجلملة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫النص ‪ .‬وقال القاضي حسني إنه املذهب‪ ،‬وقيل وصححه األصل جيوز الستناده إىل‬ ‫مجهور أصحابنا‪ .‬ونقله أبو إسحاق املروزي عن ّ‬
‫اجللي دون اخلفي‪ ،‬وقيل غري ذلك‪.‬‬
‫النص‪ ،‬فكأنه الناسخ‪ ،‬وقيل جيوز بالقياس ّ‬
‫( وجيوز نسخ) مفهوم (املخالفة دون أصلها) كنسخ مفهوم خرب «إمنا املاء من املاء» خبرب «إذا التقى اخلتانان فقد وجب الغسل» (ال‬
‫عكسه) أي ال نسخ األصل دوهنا‪ ،‬فال جيوز يف األصح ألهنا تابعة له فرتتفع بارتفاعه وال يرتفع هو بارتفاعها‪ ،‬وقيل جيوز وتبعيتها له من‬
‫حيث داللة اللفظ عليها معه ال من حيث ذاته أما نسخهما معا فجائز اتفاقا‪ ،‬كنسخ وجوب الزكاة يف السائمة ونفيه يف املعلوفة‪،‬‬
‫ويرجع األمر فيها إىل ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام بعد الشرع من‬

‫( ‪)1/81‬‬

‫مر يف مسألة إذا نسخ الوجوب بقي اجلواز‪( .‬وال) جيوز‬ ‫حترمي الفعل إن كان مضرة‪ ،‬أو إباحته إن كان منفعة‪ ،‬ويرجع يف السائمة إىل ما ّ‬
‫(النسخ هبا) أي باملخالفة (يف األصح) لضعفها عن مقاومة النص‪ ،‬وقيل جيوز كاملنطوق وذكر اخلالف يف هذه من زياديت‪( .‬وجيوز نسخ‬
‫اإلنشاء) الذي الكالم فيه‪( .‬ولو) كان (بلفظ قضاء)‪ .‬وقيل ال بناء على أن القضاء إمنا يستعمل فيما ال يتغري حنو {وقضى ربك أال‬
‫بأنفسهن ثالثة قروء} أي ليرتبصن نظرا للمعىن وقيل ال جيوز نظرا‬
‫ّ‬ ‫تعبدوا إال إياه} أي أمر‪( .‬أو بصيغة خرب) حنو {واملطلقات يرتبصن‬
‫للفظ‪( .‬أو قيد بتأبيد أو حنوه) كصوموا أبدا صوموا حتما صوموا دائما‪ ،‬الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء‪ ،‬وقيل ال ملنافاة النسخ‬
‫التقييد بذلك‪ .‬قلنا ال نسلم ويتبني بورود الناسخ أن املراد افعلوا إىل وجوده كما يقال الزم غرميك أبدا أي إىل أن يعطي احلق‪.‬‬
‫( و) جيوز نسخ إجياب (االخبار بشيء ولو مما ال يتغري بإجياب االخبار بنقيضه) كأن يوجب االخبار بقيام زيد مث بعدم قيامه قبل االخبار‬
‫بقيامه جلواز أن يتغري حاله من القيام إىل عدمه‪ ،‬ومنعت املعتزلة ذلك فيما ال يتغري كحدوث العامل ألنه تكليف بالكذب فينزه الباري‬
‫عنه لقوهلم بالتقبيح العقلي‪ .‬قلنا ال نقول به وقد يدعو إىل الكذب غرض صحيح فال يكون التكليف به قبيحا بل حسنا‪ ،‬كما لو طالبه‬
‫ظامل بوديعة عنده أو مبظلوم خبأه عنده فيجب عليه إنكاره‪ ،‬وجيوز له احللف عنه ويكفر عن ميينه‪ ،‬ولو أكره على الكذب وجب‪،‬‬
‫واإلشارة إىل هذا اخلالف بقويل ولو مما ال يتغري من زياديت‪( .‬ال) نسخ (اخلرب) أي مدلوله فال جيوز (وإن كان مما يتغري) ألنه يوهم‬
‫الكذب حيث خيرب بالشيء مث بنقيضه‪ ،‬وذلك حمال على اهلل تعاىل‪ ،‬وقيل جيوز يف املتغري إن كان خربا عن مستقبل بناء على القول بأن‬
‫الكذب ال يكون يف املستقبل جلواز احملو هلل فيما يق ّد ره‪ .‬قال اهلل تعاىل {ميحو اهلل ما يشاء ويثبت} واالخبار يتبعه خبالف اخلرب عن‬
‫ماض‪ ،‬وقيل جيوز فيه عن املاضي أيضا جلواز أن يقول اهلل لبث نوح يف قومه ألف سنة‪ ،‬مث يقول لبث ألف سنة إال مخسني عاما‪ ،‬وإىل‬
‫اخلالف أشرت بقويل وإن إىل آخره‪.‬‬
‫(وجيوز عندنا النسخ ببدل أثقل) كما جيوز مبسا ٍو وبأخف‪ .‬وقال بعض املعتزلة ال إذ ال مصلحة يف االنتقال من سهل إىل عسر‪ .‬قلنا ال‬
‫نسلم ذلك بعد تسليم رعاية املصلحة وقد وقع كنسخ وجوب الكف عن الكفار الثابت بقوله تعاىل {ودع أذاهم} بقوله اقتلوا‬
‫املشركني‪( .‬و) جيوز عندنا النسخ (بال بدل) وقال بعض املعتزلة ال إذ ال مصلحةـ يف ذلك‪ .‬قلنا ال نسلم ذلك بعدما ذكر‪( .‬و) لكنه (مل‬
‫يقع يف األصح) وقيل وقع كنسخ وجوب تقدمي الصدقة على مناجاة النيب الثابت بقوله {إذا ناجيتم الرسول} اآلية‪ .‬إذ ال بدل لوجوبه‬
‫فريجع األمر إىل ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من حترمي الفعلـ إن كان مضرة أو إباحته إن كان منفعة‪ .‬قلنا ال نسلم أنه ال بدل‬
‫للوجوب بل بدله اجلواز الصادق هنا باإلباحة أو الندب وقويل عندنا من زياديت‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/82‬‬
‫( مسألة النسخ) جائز‪( .‬واقع عند كل املسلمني)‪ .‬وخالفت اليهود غري العيسوية بعضهم يف اجلواز‪ ،‬وبعضهم يف الوقوع‪ ،‬واعرتف هبما‬
‫العيسوية وهم أصحاب أيب عيسى األصفهاين املعرتفون ببعثة نبينا عليه الصالة والسالم إىل بين إمساعيل خاصة وهم العرب‪( .‬ومساه أبو‬
‫مسلم) األصفهاين من املعتزلة (ختصيصا) وإن كان يف الواقع نسخا ألنه قصر للحكم على بعض األزمان فهو ختصيص يف األزمان‪،‬‬
‫كالتخصيص يف األشخاص حىت قيل إن هذا منه خالف يف وقوع النسخ‪( .‬فاخللف) يف نفيه النسخ (لفظي) ألن تسميته له ختصيصا‬
‫يتضمن اعرتافه به إذ ال يليق به إنكاره كيف وشريعة نبينا خمالفة يف كثري لشريعة من قبله فعنده ما كان مغبا يف علم اهلل تعاىل‪ ،‬فهو‬
‫فيسو ي بني قوله تعاىل {وأمتوا الصيام إىل الليل} وبني صوموا مطلقا مع علمه تعاىل بأنه‬
‫كاملغيا يف اللفظ‪ ،‬ويسمى الكل ختصيصا ّ‬
‫سينزل ال تصوموا ليالً وعند غريه يسمى األول ختصيصا والثاين نسخا‪( .‬واملختار أن نسخ حكم أصل ال يبقى معه حكم فرعه) النتفاء‬
‫العلة اليت ثبت هبا بانتفاء حكم األصل‪ ،‬وقالت احلنفية يبقى ألن القياس مظهر له ال مثبت‪( .‬و) املختار (أن كل شرعي يقبل النسخ)‬
‫فيجوز نسخ كل التكاليف وبعضها حىت وجوب معرفة اهلل تعاىل‪ ،‬ومنعت املعتزلة والغزايل نسخ كل التكاليف لتوقف العلم به املقصود‬
‫منه على معرفة النسخ والناسخ‪ ،‬وهي من التكاليف ال يتأتى نسخها‪ .‬قلنا مسلم ذلك لكن حبصوهلا ينتهي التكليف هبا فيصدق أنه مل‬
‫يبق تكليف فال خالف يف املعىن‪ ،‬ومنعت املعتزلة أيضا نسخ وجوب معرفة اهلل تعاىل‪ ،‬ألهنا عندهم حسنة لذاهتا ال تتغري بتغري الزمان فال‬
‫يقبل حكمها النسخ‪ .‬قلنا احلسن الذايت باطل كما مر‪.‬‬
‫(ومل يقع نسخ كل التكاليف ووجوب املعرفة) أي معرفة اهلل تعاىل‪( .‬إمجاعا) فعلمـ أن اخلالف السابق إمنا هو يف اجلواز أي العقلي (و)‬
‫املختار (أن الناسخ قبل تبليغ النيب) صلى اهلل عليه وسلّم‪( .‬األمة) له وبعد بلوغه جلربيل (ال يثبت) حكمه (يف حقهم) لعدم علمهم به‪،‬‬
‫وقيل يثبت مبعىن استقراره يف الذمة ال مبعىن االمتثال كما يف النائم‪ ،‬أما بعد التبليغ فيثبت يف حق من بلغه وكذا من مل يبلغه إن متكن من‬
‫علمه‪ ،‬وإال فعلى اخلالف‪( .‬و) املختار وهو ما عليه اجلمهور (أن زيادة جزء أو شرط أو صفة على النص) كزيادة ركعة أو ركوع أو‬
‫غسلـ ساق أو عضد يف الوضوء أو إميان يف رقبة الكفارة أو جلدات يف جلد ح ّد‪( .‬ليست بنسخ) للمزيد عليه‪ ،‬وقالت احلنفية إهنا نسخ‬
‫ومثار اخلالف أهنا هل رفعت حكما شرعيا‪ ،‬فعندنا ال‪ ،‬وعندهم نعم‪ .‬نظرا إىل أن األمر مبا دوهنا اقتضى تركها فهي رافعة لذلك‬
‫املقتضى‪ .‬قلنا ال نسلم اقتضاء تركها بل املقتضى له غريه‪ ،‬وبنوا على ذلك أنه ال يعمل بأخبار اآلحاد يف زيادهتا على القرآن كزيادة‬
‫التغريب على اجللد الثابتة خبرب الصحيحني «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» بناء على أن املتواتر ال ينسخ باآلحاد‪( .‬وكذا نقصه)‬
‫أي نقص جزء أو شرط أو صفة من مقتضى النص كنقص ركعة أو وضوء أو اإلميان يف رقبة الكفارة‪ ،‬فقيل إنه نسخ هلا إىل الناقص‬
‫جلوازه أو وجوبه بعد حترميه‪ .‬وقال اجلمهور ال‪ .‬والنسخ إمنا هو للجزء أو الشرط أو الصفة فقط‪ ،‬ألنه الذي يرتك وقبل نقص اجلزء نسخ‬
‫خبالف نقص الشرط والصفة والتصريح بذكرها من زياديت‪ ،‬ومبا تقرر علم أنه ال فرق يف ذلك بني العبادة وغريها‪ ،‬وخرج بزياديت أوالً‬
‫اجلزء والشرط والصفة غريها كعبادة مستقلة‪ ،‬سواء أكانت جمانسة كصالة سادسة أمال‪ .‬كزيادة الزكاة على الصالة فليست نسخا يف‬
‫الثانية إمجاعا وال يف األوىل عند اجلمهور‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/83‬‬

‫( خامتة) للنسخ يعلم هبا الناسخ من املنسوخ (يتعني الناسخ) لشيء (بتأخره) عنه (ويعلم) تأخره (باإلمجاع) على أنه متأخر عنه أو أنه‬
‫ناسخ له (وقول النيب) صلى اهلل عليه وسلّم (هذا ناسخ) لذاك (أو) هذا ( بعد ذاك) أو سابق عليه (أو كنت هنيتـ)ـكم (عن كذا فافعلوه‬
‫أو نصه على خالف النص األول) أي أن يذكر الشيء على خالف ما ذكره فيه ّأوالً (أو قول الراوي هذا متأخر) عن ذاك أو سابق‬
‫عليه‪ ،‬وهو الذي ذكره األصل‪ ،‬فيكون ذاك فيه متأخرا (ال مبوافقة أحد النصني لألصل) أي الرباءة األصلية فال يعلم التأخر هبا يف‬
‫األصح‪ ،‬وقيل يعلم ألن األصل خمالفة الشرع هلا‪ ،‬فيكون املخالف سابقا على املوافق‪ .‬قلنا مسلم لكنه ليس بالزم جلواز العكس (و) ال‬
‫(ثبوت إحدى آيتني يف املصحف) بعد األخرى‪ ،‬فال يعلم التأخرية يف األصح‪ ،‬وقيل يعلم ألن األصل موافقة الوضع للنزول‪ .‬قلنا لكنه‬
‫غري الزم جلواز املخالفة كما مر يف آييت عدة الوفاة‪( .‬و) ال (تأخر إسالم الراوي) ملرويه عن إسالم الراوي لآلخر فال يعلم التأخر به يف‬
‫األصح‪ ،‬جلواز أن يسمع متق ّد م اإلسالم بعد متأخره‪ ،‬وقيل يعلم ألنه الظاهر‪ .‬قلنا لكنه بتقدير تسليمه غري الزم جلواز العكس كما مر‪.‬‬
‫(و) ال (قوله) أي الراوي (هذا ناسخ) فال يكون ناسخا (يف األصح)‪ .‬وقيل يكون وعليه احمل ّدثون ألنه لعدالته ال يقول ذلك إال إذا ثبت‬
‫عنده‪ .‬قلنا ثبوته عنده جيوز أن يكون باجتهاد ال يوافق عليه‪( .‬ال) بقوله هذا (الناسخ) ملا علم أنه منسوخ وجهل ناسخه فيعلم به أنه‬
‫ناسخ له لضعف احتمال كونه حينئذ عن اجتهاد‪.‬‬

‫( ‪)1/84‬‬

‫الكتاب الثاين يف السنة‬


‫(وهي أقوال النيب) صلى اهلل عليه وسلّم (وأفعاله) ومنها تقريره ألنه كف عن اإلنكار والكف فعل كما مر‪ ،‬وتقدمت مباحث األقوال‬
‫اليت تشرك فيها السنة الكتاب‪ ،‬من األمر والنهي وغريمها‪ ،‬والكالم هنا يف غري ذلك ولتوقف حجية السنة على عصمة النيب بدأت‬
‫كاألصل هبا مع عصمة سائر األنبياء زيادة للفائدة فقلت (األنبياء) عليهم الصالة والسالم (معصومون حىت عن صغرية سهوا) فال يصدر‬
‫عنهم ذنب ال كبرية وال صغرية ال عمدا وال سهوا‪.‬‬
‫فإن قلت يشكل بأنه صلى اهلل عليه وسلّم سها يف صالته حيث نسي فصلى الظهر مخسا وسلم يف الظهر أو العصر عن ركعتني وتكلم‪.‬‬
‫قلت ال إشكال على قول األكثر اآليت‪ ،‬ويدل له خرب البخاري «إين أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروين» وأما على القول املذكور‪،‬‬
‫فيجاب عنه بأن املنع من السهو معناه املنع من استدامته ال من ابتدائه‪ ،‬وبأن حمله يف القول مطلقا‪ .‬ويف الفعلـ إذا مل يرتتب عليه حكم‬
‫شرعي بدليل اخلرب املذكور‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات‪ ،‬مث رأيت القاضي عياضا ذكر حاصل ذلك‪ ،‬مث قال إن‬
‫مضاد للمعجزة وال قادح يف التصديق‪ ،‬واألكثر على جواز صدور الصغرية عنهم‬ ‫السهو يف الفعل يف حقه صلى اهلل عليه وسلّم غري ّ‬
‫سهوا‪ ،‬إال الدالة على اخلسة كسرقة لقمة والتطفيف بتمرة‪ ،‬وينبهون عليها لو صدرت‪ ،‬وإذا تقرر أن نبينا معصومـ كغريه من األنبياء‪.‬‬
‫(فال يقر نبينا) حممد صلى اهلل عليه وسلّم (أحدا على باطن فسكوته ولو غري مستبشر على الفعلـ مطلقا) بأن علم به يف األصح وقيل إال‬
‫فعل من يغريه اإلنكار بناء على سقوط اإلنكار عليه‪ ،‬وقيل إال الكافر بناء على أنه غري مكلف بالفروع‪ ،‬وقيل إال الكافر غري املنافق‪.‬‬
‫(دليل اجلواز للفاعل)ـ مبعىن اإلذن له فيه‪ ،‬ألن سكوته صلى اهلل عليه وسلّم على الفعلـ تقرير له‪( .‬ولغريه يف األصح)‪ .‬وقيل ال ألن‬
‫يعم‪ .‬قلنا هو كاخلطاب فيعم‪( .‬وفعله) صلى اهلل عليه وسلّم (غري مكروه) باملعىن الشامل للمحرم وخلالف‬ ‫السكوت ليس خبطاب حىت ّ‬
‫األوىل لعصمته‪ ،‬ولقلة وقوع املكروه وخالف األوىل من التقى من أمته‪ ،‬فكيف يقع منه وال ينافيه وقوع املكروه لنا منه بيانا جلوازه‪،‬‬
‫ألنه ليس مكروها حينئذ‪ ،‬بل واجب‪( .‬وما كان) من أفعاله (جبليا) أي واقعا جبهة جبلة البشر أي خلقتهم كقيامه وقعوده وأكله‬
‫وشربه‪( .‬أو مرتددا) بني اجلبلي والشرعي كحجه راكبا وجلسته لالسرتاحة‪( .‬أو بيانا) كقطعة السارق من الكوع بيانا حملل القطع يف‬
‫آية السرقة (أو خمصصا به) كزيادته يف النكاح على أربع نسوة (فواضح) أن الرابع لسنا متعبدين به على الوجه الذي تعبد هو به وأن‬
‫غريه دليل يف حقنا‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات فيباح لنا يف األول‪ ،‬وقيل يندب ويندب يف الثاين‪ ،‬وقيل يباح‬
‫ويندب أو جيب أو يباح حبسب املبني يف الثالث‪( .‬وما سواه) أي سوى ما ذكر يف فعله‪( .‬إن علمتـ صفته) من وجوب أو ندب أو‬
‫إباحة (فأمته مثله) يف ذلك‪( .‬يف األصح) عبادة كان أوال‪ .‬وقيل مثله يف العبادة فقط‪ ،‬وقيل ال مطلقا بل كمجهول الصفة وسيأيت‪.‬‬
‫(وتعلم) صفة فعله أي من حيث هو ال بقيد كونه سوى ما ذكر‪ ،‬فال يشكل بذكر البيان هنا مع ذكره قبل‪( .‬بنص) عليها كقوله هذا‬
‫واجب مثالً‪( .‬وتسوية مبعلوم اجلهة) كقوله هذا الفعل مسا ٍو لكذا يف حكمه وقد علمت جهته‪( .‬ووقوعه بيانا أو امتثاالً لدال على‬
‫وجوب أو ندب أو إباحة) فيكون حكمه‬
‫حكم املبني أو املمتثل‪( .‬وخيص الوجوب) عن غريه (أمارته كالصالة بأذان) ألنه ثبت باستقراء الشريعة أن ما يؤذن هلا واجبة خبالف‬
‫غريها‪ ،‬كصالة العيد واخلسوف‪( .‬وكونه) أي الفعلـ (ممنوعا) منه‪( ،‬لو مل جيب كاحل ّد)‪ ،‬واخلتان إذ كل منهما عقوبة وقد يتخلف‬
‫الوجوب عن هذه األمارة لدليل كما يف سجودي السهو والتالوة يف الصالة (و) خيص (الندب) عن غريه (جمرد قصد القربة) بأن تدل‬
‫قرينة على قصدها بذلك الفعلـ جمردا عن قيد الوجوب‪ ،‬والفعلـ اجملرد قصدها كما صرح به األصل كثري من صالة وصوم وقراءة‬
‫وحنوها من التطوعات (وإن جهلت) صفته‪( ،‬فللوجوب يف األصح) يف حقه وحقنا‪ ،‬ألنه األحوط‪ ،‬وقيل للندب ألنه املتحقق بعد‬
‫الطلب‪ ،‬وقيل لإلباحة ألن األصل عدم الطلب‪ ،‬وقيل بالوقف يف الكل لتعارض األدلة‪ ،‬وقيل يف األولني فقط مطلقا‪ ،‬ألهنما الغالب من‬
‫فعل النيب‪ ،‬وقيل فيهما إن ظهر قصد القربة‪ ،‬وإال فلإلباحة‪ .‬وسواء على غري هذا القول أظهر قصد القربة أم ال‪ .‬وجمامعة القربة لإلباحة‬
‫بأن يقصد بفعل املباح بيان اجلواز لألمة فيثاب على هذا القصد‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/85‬‬

‫( وإذا تعارض الفعل والقول) أي ختالفا بتخالف مقتضيهما (ودل دليل على تكرر مقتضاه) أي القول‪( .‬فإن اختص) القول (به) صلى‬
‫علي صوم عاشوراء يف كل سنة‪ ،‬وأفطر يف سنة بعد القول أو قبله‪( .‬فاملتأخر) من الفعل‪ ،‬والقول بأن‬ ‫اهلل عليه وسلّم‪ ،‬كأن قال جيب ّ‬
‫علم (ناسخ) للمتقدم منهما يف حقه‪ ،‬فإن مل يدل دليل على تكرر ما ذكر يف هذا القسم وقسيميه االثنني‪ ،‬فال نسخ لكن يف تأخر الفعلـ‬
‫املستمر ‪( .‬فإن جهل) املتأخر منهما‪( .‬فالوقف) عن ترجيح أحدمها على اآلخر يف حقه إىل تبني التاريخ‬‫ّ‬ ‫ال يف تقدمه لداللته على اجلواز‬
‫(يف األصح) الستوائهما يف احتمال تقدم كل منهما على اآلخر‪ ،‬وقيل يرجح القول‪ ،‬وعزى إىل اجلمهور ألنه أقوى داللة من الفعلـ‬
‫لوضعه هلا‪ .‬والفعل إمنا يدل بقرينة ألن له حمامل‪ ،‬وقيل يرجح الفعل ألنه أقوى بيانا بدليل أنه يبني به القول‪ .‬قلنا البيان بالقول أكثر‪،‬‬
‫ولو سلم تساويهما‪ ،‬لكن البيان بالقول أقوى داللة كما مر‪ ،‬وألنه ال خيتص باملوجود احملسوس‪ ،‬وألن داللته متفق عليها خبالف الفعلـ‬
‫اختص) القول (بنا) كأن قال جيب‬ ‫ّ‬ ‫يف ذلك‪( .‬وال تعارض) يف حقنا حيث دل دليل على تأسينا به يف الفعل لعدم تناول القول لنا‪( .‬وإن‬
‫مر‪( .‬فال تعارض فيه) أي يف حقه صلى اهلل عليه وسلّم بني الفعلـ والقول لعدم تناوله له‪( .‬وفينا‬ ‫عليكم صوم عاشوراء إىل آخر ما ّ‬
‫دل دليل على تأسينا) به يف الفعلـ (فإن جهل) املتأخر (عمل بالقول يف األصح) وقيل‬ ‫املتأخر) منهما بأن علم (ناسخ) للمتقدم‪( .‬إن ّ‬
‫مر ‪ ،‬وإمنا اختلف التصحيح يف املسألتني ألنا متعبدون فيما يتعلق بنا بالعلم حبكمه لنعمل به خبالف ما يتعلقـ به‪،‬‬‫بالفعل‪ ،‬وقيل الوقف ملا ّ‬
‫إذ ال ضرورة إىل الرتجيح فيه‪ ،‬فإن مل يدل دليل على تأسينا به يف الفعلـ فال تعارض يف حقنا لعدم ثبوت حكم الفعل يف حقنا‪( .‬وإن‬
‫مر) من أن‬ ‫مر‪( .‬فحكمهما) أي الفعلـ والقول‪( .‬كما ّ‬ ‫علي وعليكم صوم عاشوراء إىل آخر ما ّ‬ ‫عمنا وعمه) القول كأن قال جيب ّ‬
‫املتأخر منهما إن‬
‫دل دليل على تأسينا به يف الفعل‪ ،‬وإال فال تعارض يف حقنا‪ ،‬وإن جهل املتأخر فاألصح‬ ‫علم ناسخ للمتقدمـ يف حقه‪ ،‬وكذا يف حقنا إن ّ‬
‫يف حقه الوقف‪ ،‬ويف حقنا تقدم القول‪( .‬إال أن يكون) القول (العام ظاهرا فيه) صلى اهلل عليه وسلّم ال نصا‪ ،‬كأن قال جيب على كل‬
‫مر ‪( .‬فالفعل خمصص) للقول يف حقه تقدم عليه أو تأخر عنه أو جهل ذلك‪ ،‬وال نسخ ألن التخصيص‬ ‫مكلف صوم عاشوراء إىل آخر ما ّ‬
‫مر آخر التخصيص‪،‬‬ ‫أهون منه ملا فيه من إعمال الدليلني خبالف النسخ‪ ،‬نعم لو تأخر الفعلـ عن العمل مبقتضى القول فهو ناسخ كما ّ‬
‫ولو مل يكن القول ظاهرا يف اخلصوص وال يف العموم‪ ،‬كأن قال صوم عاشوراء واجب يف كل سنة‪ ،‬فالظاهر أنه كالعام ألن األصل عدم‬
‫اخلصوص‪ ،‬أما تعارض القولني فسيأيت يف التعادل والرتجيح‪ ،‬وأما الفعالن فال يتعارضان كما جزم به ابن احلاجب وغريه جلاز أن يكون‬
‫الفعلـ يف ووقت واجبا ويف آخر خبالفه‪ ،‬ألن األفعالـ ال عموم هلا‪.‬‬

‫( ‪)1/86‬‬

‫الكالم يف األخبار‬
‫بفتح اهلمزة مجع خرب وهو يطلق على صيغته وعلى معناها‪ ،‬وهو املعىن القائم بالنفس‪ ،‬وملا كان اخلرب مما يصدق به املركب بدأت‬
‫كاألصل به تكثريا للفائدة فقلتـ (املركب) من اللفظ (إما مهمل) بأن ال يكون له معىن‪( .‬وليس موضوعا) اتفاقا‪( ،‬وهو موجود يف‬
‫األصح)‪ ،‬كمدلول لفظ اهلذيان فإنه لفظ مركب مهمل كضرب من اهلوس أو غريه مما ال يقصد به الداللة على شيء‪ ،‬ونفاه اإلمام‬
‫الرازي قائالً إن الرتكيب إمنا يصار إليه لإلفادة‪ ،‬فحيث انتفت انتفى فمرجع خالفه إىل أن مثل ما ذكر ال يسمى مركبا‪( .‬أو مستعمل)‪،‬‬
‫بأن يكون له معىن (واملختار أنه موضوع) أي بالنوع‪ ،‬وقيل ال‪ .‬واملوضوع مفرداته واملركب املستعمل املفيد يعرب عنه بالكالم‪( .‬والكالم‬
‫حارة‪،‬‬
‫اللساين لفظ تضمن إسنادا مفيدا مقصودا لذاته) فخرجـ اخلط والرمز والعقد واإلشارة والنصب واملفرد كزيد وغري املفيد كالنار ّ‬
‫وتكلم رجل ورجل يتكلم‪ ،‬وغري املقصود كالصادر من نائم‪ ،‬واملقصود لغريه كصلة املوصول حنو جاء الذي قام أبوه‪ ،‬فإهنا مفيدة‬
‫بالضم إليه مع ما معه مقصودة إليضاح معناه (و) الكالم (النفساين معىن يف النفس) أي قام هبا‪( .‬يعرب عنه باللساين) أي مبا صدقاته‪،‬‬
‫وهذا من زياديت‪( .‬واألصح عندنا أنه) أي الكالم (مشرتك) بني اللساين والنفساين‪ ،‬ألن األصل يف اإلطالق احلقيقة‪ .‬قال اإلمام الرازي‬
‫وعليه احملققون منا‪ .‬وقيل إنه حقيقة يف النفساين جماز يف اللساين‪ ،‬واختاره األصل قال األخطل‬
‫إ ّن الكالم لفي الفؤاد وإمنا‬
‫جعل اللسان على الفؤاد دليال‬
‫وقالت املعتزلة إنه حقيقة يف اللساين لتبادره إىل األذهان دون النفساين الذي أثبته األشاعرة دون املعتزلة‪ .‬وجياب عما قاله األخطل بأن‬
‫مراده الكالم األصلي‪ ،‬فالكالم اللساين ليس أصليا‪ ،‬وإن كان حقيقة‪ ،‬ودليالً على األصل‪ ،‬وعما قاله املعتزلة بأن تبادر الشيء وإن كان‬
‫عالمة للحقيقة ال مبنع كون ما انتفى فيه التبادر حقيقة أيضا‪ ،‬ألن العالمة ال يشرتط فيها االنعكاس‪ ،‬والنفساين منسوب إىل النفس‬
‫بزيادة ألف ونون للداللة على العظمة‪ ،‬كما يف قوهلم شعراين لعظيم الشعر‪.‬‬
‫( واألصويل إمنا يتكلم فيه) أي يف اللساين ألن حبثه فيه ال يف املعىن النفسي‪( .‬فإن أفاد) أي ما صدق اللساين (بالوضع طلبا فطلبـ ذكر‬
‫املاهية) أي فاللفظ املفيد لطلبـ ذكرها أي ذاتا أو صفة‪( .‬استفهام) حنو ما هذا ومن ذا أزيد أم عمرو‪( .‬و) طلب (حتصيلها أو حتصيل‬
‫الكف عنها) أي اللفظ املفيد لذلك‪( .‬أمر وهني) حنو قم وال تقم (ولو) كان حتصيل ذلك طلب (من ملتمس) أي مسا ٍو ملطلوب منه‬
‫رتبة‪( .‬وسائل)أي دون املطلوب منه رتبة فإن اللفظ املفيد لذلك منهما يسمى أمرا وهنيا‪ ،‬وقيل ال بل يسمى من األول التماسا‪ ،‬ومن‬
‫الثاين سؤاالً وإىل اخلالف أشرت بقويل ولو إىل آخره‪( .‬وإال) أي وإن مل يفد بالوضع طلبا‪( .‬فما ال حيتمل) منه (صدقا وكذبا) يف‬
‫لعل اهلل يعفو عين أم مل‬
‫مدلوله (تنبيه وإنشاء) أي يسمى بكل منهما سواء أفاد طلبا بالالزم كالتمين والرتجي حنو ليت الشباب يعود ّ‬
‫يفد طلبا حنو أنت طالق‪( .‬وحمتملهما) أي الصدق والكذب من حيث هو (خرب)‪ .‬وقد يقطع بصدقه أو كذبه ألمور خارجة عنه كما‬
‫سيأيت‪ ،‬وأىب قوم كما قاله األصل تعريف اخلرب كما أبوا تعريف العلم والوجود والعدم‪ .‬قيل ألن كالً منها ضروري فال حاجة إىل‬
‫تعريفه‪ ،‬وقيل لعسر تعريفه‪( .‬وقد يقال) هو للبيانيني‪( .‬اإلنشاء ما) أي كالم (حيصل به مدلوله يف اخلارج) كأنت طالق‪ .‬وقم وال تقم‪،‬‬
‫فإن مدلوهلا من إيقاع الطالق وطلب القيام وعدمه حيصل به ال بغريه‪ ،‬فاإلنشاء هبذا املعىن أعم منه باملعىن األول لشموله الطلبـ بأقسامه‬
‫السابقة خبالفه باملعىن األول‪ ،‬فإنه قسيم للطلب بالوضع وللخرب فال يشمل االستفهام واألمر والنهي‪( .‬واخلرب خالفه) أي ما حيصل بغريه‬
‫مدلوله يف اخلارج بأن يكون له خارج صدق أو كذب حنو قام زيد فإن مدلوله أي مضمونه من قيام زيد حيصل بغريه‪ ،‬وهو حمتمل ألن‬
‫يكون واقعا يف اخلارج فيكون هو صدقا وغري واقع فيكون هو كذبا‪( .‬وال خمرج له) أي للخرب من حيث مضمونه (عن الصدق‬
‫والكذب ألنه إما مطابق للخارج)‪.‬‬
‫فالصدق (أوالً) فالكذب (فال واسطة) بينهما (يف األصح) وقيل هبا‪ .‬ويف القول هبا أقوال منها قول عمرو بن حبر اجلاحظ اخلرب إن طابق‬
‫اخلارج مع اعتقاد املخرب املطابقة فصدق أو مل يطابقه مع اعتقاد عدمها فكذب‪ ،‬وما سوامها واسطة بينهما وهو أربعة أن ينتفي اعتقاده‬
‫املطابقة يف املطابق بأن يعتقد عدمها أو مل يعتقد شيئا‪ ،‬وأن ينتفي اعتقاده عدمها يف غري املطابق بأن يعتقدها أو مل يعتقد شيئا‪.‬‬

‫( ‪)1/87‬‬

‫ورد‬
‫( ومدلول اخلرب) يف اإلثبات أي مدلول ما صدقه (ثبوت النسبة) يف اخلارج كقيام زيد يف قام زيد‪ ،‬وهذا ما رجحه السعد التفتازاين ّ‬
‫ما عداه‪( .‬إال احلكم هبا)‪ .‬وقيل هو احلكم هبا ورجحه األصل وفاقا لإلمام الرازي مع خمالفته له يف الكتاب األول‪ ،‬حيث جعل مث‬
‫مدلول اللفظ املعىن اخلارجي دون املعىن الذهين خالفا لإلمام‪ ،‬إال أن يقال ما ذكر مثّ يف غري لفظ اخلرب وحنوه ويقاس باخلرب يف اإلثبات‬
‫اخلرب يف النفي‪ ،‬فيقال مدلوله انتفاء النسبة ال احلكم به‪ ،‬مث ما ذكر ال ينايف ما حققه احملققون من أن مدلول اخلرب أي ما صدقه هو‬
‫الصدق والكذب إمنا هو احتمال عقلي‪( .‬ومورد الصدق والكذب) يف اخلرب (النسبة اليت تضمنها فقط) أي دون غريها‪( .‬كقيام زيد يف‬
‫بنوته لعمرو فيه أيضا إذ مل‬
‫بنو ته) لعمرو أيضا‪ ،‬فمورد الصدق والكذب يف اخلرب املذكور النسبة‪ ،‬وهي قيام زيد ال ّ‬ ‫قام زيد بن عمرو ال ّ‬
‫يقصد به االخبار هبا‪ .‬فالشهادة بتوكيل فالن بن فالن فالنا شهادة بالتوكيل فقط) أي دون نسب املوكل كما هو قول عندنا وقال به‬
‫اإلمام مالك‪( .‬و) لكن (الراجح) عندنا أهنا شهادة (بالنسب) للموكل (ضمنا وبالتوكيل أصالً) لتضمن ثبوت التوكيل املقصود لثبوت‬
‫نسب املوكل لغيبته عن جملس احلكم‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/88‬‬

‫( مسألة اخلرب) بالنظر ألمور خارجة عنه‪( .‬إما مقطوع بكذبه) إما (قطعا كاملعلوم خالفه) إما (ضرورة) حنو النقيضان جيتمعان أو‬
‫علي‬
‫للنيب صلى اهلل عليه وسلّم ألنه روى عنه أنه قال سيكذب ّ‬
‫يرتفعان‪( .‬أو استدالالً) كقول الفلسفي العامل قدمي وكبعض املنسوب ّ‬
‫فإن كان قاله فال ب ّد من وقوعه‪ ،‬وإال وهو الواقع فإنه غري معروف فقد كذب به عليه‪ ،‬وهذا املثال جعل فيه األصل خالفا وليس‬
‫مبعروف‪ ،‬بل صرح األسنوي فيه بالقطع‪.‬‬
‫(وكل خرب) عنه صلى اهلل عليه وسلّم (أوهم باطالً) أي أوقعه يف الوهم أي الذهن‪( .‬ومل يقبل تويالً فـ)ـهو إما (موضوع) أي مكذوب‬
‫عليه صلى اهلل عليه وسلّم لعصمته كما روي أنه تعاىل خلق نفسه فهو كذب إليهامه باطالً وهو حدوثه‪ ،‬وقد دل العقلـ القاطع على أنه‬
‫تعاىل منزه عن احلدوث‪( .‬أو نقص منه) من جهة راويه (ما يزيل الوهم) احلاصل بالنقصان منه كما يف خرب الصحيحني عن ابن عمر‬
‫قال صلى بنا النيب صلى اهلل عليه وسلّم صالة العشاء يف آخر حياته‪ ،‬فلما سلم قام فقال «أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها‬
‫ال يبقى ممن هو اليوم على ظهر األرض أحد»‪ .‬قال ابن عمر فوهل الناس يف مقالته أي غلطوا يف فهم املراد منها حيث مل يسمعوا لفظة‬
‫اليوم‪ ،‬ويوافقه فيها خرب مسلمـ عن أيب سعيد ال تأيت مائة سنة وعلى األرض نفس منفوسة اليوم»‪ .‬وقوله منفوسة أي موثوقة احرتز به‬
‫عن املالئكة (وسبب وضعه) أي اخلرب (نسيان) من الراوي ملرويه‪ ،‬فيذكر غريه ظانا أنه مرويه‪( .‬أو تنفري) كوضع الزنادقة أخبارا ختالف‬
‫العقول تنفريا لعقالء عن شريعته املطهرة‪ ،‬وقويل أو تنفري أوىل من قوله أو افرتاء‪ ،‬ألن االفرتاء قسم من الوضع ال سبب له‪( .‬أو غلط)‬
‫يؤدي معناه أو يروي ما يظنه حديثا‪( .‬أو غريها) كما يف وضع‬ ‫يظن أنه ّ‬‫من الراوي بأن يسبق لسانه إىل غري مرويه‪ ،‬أو يضع مكانه ما ّ‬
‫بعضهم أخبارا يف الرتغيب يف الطاعة والرتهيب عن املعصية‪( .‬أو) مقطوع بكذبه (يف األصح كخرب م ّدعي الرسالة)‬
‫أي أنه رسول عن اهلل إىل الناس‪( .‬بال معجزة) تبني صدقه (و) ال (تصديق الصادق) له‪ ،‬ألن الرسالة عن اهلل على خالف العادة والعادة‬
‫تقضي بكذب من ي ّدعي ما خيالفها بال دليل‪ ،‬وقيل ال يقطع بكذبه لتجويز العقلـ صدقه‪ ،‬أما م ّدعي النبوة أي اإلحياء إليه فقط فال يقطع‬
‫بكذبه‪ ،‬كما قاله إمام احلرمني‪ ،‬وظاهر أن حمله قبل نزول أنه صلى اهلل عليه وسلّم خامت النبيني‪ ،‬أما بعده فيقطع بكذبه لقيام الدليل‬
‫القاطع على أنه خامت النبيني‪ ،‬وقويل وتصديق أوىل من قوله أو تصديق إليهامه أنه ال بد مع املعجزة من تصديق نيب له وليس كذلك‪.‬‬
‫(وخرب نقب) بضم ّأو له وتشديد ثانيه وكسره أي فتش (عنه) يف كتب احلديث (ومل يوجد عند أهله) من الرواة لقضاء العادة بكذب‬
‫ناقله‪ ،‬وقيل ال يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله‪ ،‬وهذا بعد استقرار األخبار‪ ،‬أما قبله كما يف عصر الصحابة فألحدهم أن يروي‬
‫ما ليس عند غريه كما قاله اإلمام الرازي‪.‬‬
‫( وما نقل آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله) تواترا‪ ،‬إما لغرابته كسقوط اخلطيب عن املنرب وقت اخلطبة‪ ،‬أو لتعلقه بأصل ديين كالنص‬
‫على إمامة علي رضي اهلل عنه يف قوله صلى اهلل عليه وسلّم له «أنت اخلليفة من بعدي» فعدم تواتره دليل على عدم صحته‪ .‬وقالت‬
‫الرافضة ال يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه‪( .‬وإما) مقطوع (بصدقه كخرب الصادق) أي اهلل تعاىل لتنزهه عن الكذب ورسوله لعصمته‬
‫عنه‪( .‬وبعض املنسوب للنيب) صلى اهلل عليه وسلّم وإن مل نعلم عينه (واملتواتر) معىن أو لفظا‪( .‬وهو) أي املتواتر (خرب مجع ميتنع) عادة‬
‫(تواطؤهم) أي توافقهم (على الكذب عن حمسوس) ال عن معقول جلواز الغلط فيه كخرب الفالسفة بقدم العامل‪ ،‬فإن اتفق اجلمع املذكور‬
‫يف اللفظ‪ ،‬واملعىن فهو لفظي‪ ،‬وإن اختلفوا فيهما مع وجود معىن كلي فهو معنوي‪ ،‬كما لو أخرب واحد عن حامت بأنه أعطى دينارا وآخر‬
‫بأنه أعطى فرسا وآخر بأنه أعطى بعريا وهكذا‪ .‬فقد اتفقوا على معىن كلي وهو اإلعطاء‪ .‬وعن حمسوس متعلق خبرب (وحصول العلم)‬
‫من خرب مبضمونه (آية) أي عالمة (اجتماع شرائطه) أي املتواتر يف ذلك اخلرب‪ .‬أي األمور احملققة له‪ ،‬وهي كما يؤخذ من تعريفه كونه‬
‫خرب مجع‪ ،‬وكوهنم حبيث ميتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن حمسوس‪( .‬وال تكفي األربعة) يف عدد اجلمع املذكور الحتياجهم إىل‬
‫التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فال يفيد قوهلم العلم‪( .‬واألصح أن ما زاد عليها)(أن العلم فيه) أي يف املتواتر (ضروري) أي حيصل عند‬
‫مساعه من غري احتياج إىل نظر حلصوله ملن ال يتأتى منه النظر كالبله والصبيان‪ ،‬وقيل نظري مبعىن أنه متوقف على مق ّدمات حاصلة عند‬
‫السامع‪ ،‬وهي ما مر من األمور احملققة لكون اخلرب متواترا ال مبعىن االحتياج إىل النظر عقب السماع‪ ،‬فال خالف يف املعىن يف أنه‬
‫ضروري‪ ،‬إذ توقفه على تلك املق ّدمات ال ينايف كونه ضروريا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/89‬‬
‫( مث إن أخربوا) أي أهل اخلرب املتواتر كلهم (عن حمسوس هلم) بأن كانوا طبقة واحدة (فذاك) أي إخبارهم عن حمسوس هلم واضح يف‬
‫حصول التواتر (وإال) أي وإن مل خيربوا كلهم عن حمسوس هلم بأن كانوا طبقات فلم خيرب عن حمسوس إال الطبقة األوىل منهم (كفى)‬
‫يف حصول التواتر (ذلك) أي إخبار األوىل عن حمسوس هلا مع كون كل طبقة من غريهامجعا يؤمن تواطؤهم على الكذب كما علم مما‬
‫مر‪ ،‬خبالف ما لو مل يكونوا كذلك فال يفيد خربهم التواتر‪ ،‬وهبذا بان أن املتواتر يف الطبقة األوىل قد يكون آحادا فيما بعدها كما يف‬
‫القراءاتـ الشاذة‪ ،‬وتعبريي بثم إىل آخره أوىل من تعبريه مبا ذكره‪ ،‬كما ال خيفى على املتأمل‪ ،‬وقد أوضحت ذلك يف احلاشية‪( .‬و)‬
‫األصح (أن علمه) أي املتواتر أي العلم احلاصل منه (لكثرة العدد) يف راويه (متفق) للسامعني له فيجب حصوله لكل منهم‪( .‬وللقرائن)‬
‫الزائدة على أقل العدد الصاحل له بأن تكون الزمة له من أحواله املتعلقة به أو باملخرب به أو باملخرب عنه‪( .‬قد خيتلف) فيحصل لزيد دون‬
‫غريه من السامعني ألن القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر‪ ،‬أما اخلرب املفيد للعلمـ بالقرائن املنفصلة عنه فليس مبتواتر‪ ،‬وقيل جيب‬
‫حصول العلم من املتواتر مطلقا‪ ،‬ألن القرائن يف مثل ذلك ظاهرة ال ختفى على السامع‪ ،‬وقيل ال جيب ذلك مطلقا بل قد حيصل لكل‬
‫منهم ولبعضهم فقط جلواز أن ال حيصل لبعض بكثرة العدد كالقرائن‪( .‬و) األصح (أن اإلمجاع على وفق خرب) ال يدل على صدقه يف‬
‫نفس األمر مطلقا الحتمال أن يكون لإلمجاع مستند آخر‪ ،‬وقيل يدل عليه مطلقا ألن الظاهر استناد اجملمعني إليه لعدم ظهور مستند‬
‫غريه‪ ،‬وقيل يدل إن تلقوه بالقبول بأن تعرضوا لالستناد إليه‪ ،‬وإال فال يدل جلواز استنادهم إىل غريه‪( .‬و) األصح أن (بقاء خرب تتتوفر‬
‫الدواعي على إبطاله) بأن مل يبطله ذوو الدواعي مع مساعهم له آحادا ال يدل على صدقه‪ ،‬وقل يدل عليه لالتفاق على قبوله حينئذ‪ .‬قلنا‬
‫االتفاق على قبوله إمنا يدل‬
‫على ظنهم صدقه‪ ،‬وال يلزم منه صدقه يف نفس األمر مثاله قوله صلى اهلل عليه وسلّم لعلي رضي اهلل عنه «أنت مين مبنزلة هارون من‬
‫موسى إال أنه ال نيب بعدي» رواه الشيخان‪ .‬فإن دواعي بين أمية وقد مسعوه متوفرة على إبطاله لداللته على خالفة علي رضي اهلل عنه‬
‫كما قيل كخالفة هارون عن موسى بقوله اخلفين يف قومي وإن مات قبله‪ ،‬ومل يبطلوه وأجوبة ذلك مذكورة يف كتب أصول الدين‪.‬‬
‫يدل عليه لالتفاق على قبوله حينئذ‪ .‬قلنا‬‫( و) األصح أن (افرتاق العلماء) يف خرب (بني مؤول) له (وحمتج) به (ال يدل على صدقه)‪ .‬وقيل ّ‬
‫جوابه ما مر آنفا‪( .‬و) األصح (أن املخرب) عن حمسوس (حبضرة عدد التواتر ومل يكذبوه وال حامل) هلم (على سكوهتم) عن تكذيبه من‬
‫حنو خوف أو طمع يف شيء منه أو عدم علم خبربه صادق فيما أخرب به‪ ،‬ألن سكوهتم تصديق له عادة فيكون اخلرب صدقا‪ .‬وقيل ال إذ ال‬
‫واألصح أن املخرب عن‬
‫ّ‬ ‫يلزم من سكوهتم تصديقه جلواز سكوهتم عن تكذيبه ال لشيء والتصريح بعدد التواتر من زياديت‪( .‬أو) أي‬
‫النيب ‪( .‬وال حامل) له (على سكوته) عن تكذيبه (صادق) فيما‬ ‫حمسوس (مبسمع من النيب صلى اهلل عليه وسلّم) أي مبكان يسمعه منه ّ‬
‫أخرب به دينيا كان أو دنيويا‪ ،‬ألن النيب ال يقر أحدا على كذب‪ ،‬وقيل ال إذ ال يدل سكوته على صدق املخرب أما يف الدين‪ ،‬فلجواز أن‬
‫يكون النيب بينه أو أخر بيانه مبا خيالف ما أخرب به املخرب‪ .‬وأما يف الدنيوي‪ ،‬فلجواز أن ال يكون النيب يعلم حاله كما يف إلقاح النخل‪،‬‬
‫فمر هبم فقال «ما‬
‫مر بقوم يلقحون فقال «لو مل تفعلوا لصلح»‪ .‬قال فخرج شيصا ّ‬ ‫روى مسلمـ عن أنس أنه صلى اهلل عليه وسلّم ّ‬
‫لنخلكم»؟ قالوا قلتـ كذا وكذا‪ .‬قال «أنتم أعلم بأمر دنياكم»‪ .‬وقيل صادق يف الدنيوي خبالف الديين‪ ،‬وقيل عكسه وتوجيههما يعلم‬
‫مر ‪ .‬وأجيب يف الديين بأن سبق البيان أو تأخريه ال يبيح السكوت عند وقوع املنكر ملا فيه من إيهام تغري احلكم‬ ‫مما ّ‬
‫يف األول‪ ،‬وتأخري البيان عن وقت احلاجة يف الثاين‪ ،‬ويف الدنيوي أنه إذا كان كذبا ومل يعلم به النيب يعلمه اهلل به عصمة له عن أن يقر‬
‫أحدا على كذب‪ ،‬أما إذا وجد حامل على ما ذكر كأن كان املخرب ممن يعاند وال ينفع فيه اإلنكار فال يكون صادقا قطعا‪.‬‬
‫( وأما مظنون الصدق فخرب الواحد وهو ما مل ينته إىل التواتر) سواء أكان راويه واحدا أم أكثر أفاد العلمـ بالقرائن املنفصلة أو ال‪( .‬ومنه)‬
‫أي خرب الواحد (املستفيض وهو الشائع) بني الناس (عن أصل) خبالف الشائع ال عن أصل (قد يسمى) املستفيض (مشهورا) فهما‬
‫مبعىن‪ ،‬وقيل املشهور مبعىن املتواتر‪ ،‬وقيل قسم ثالث غري املتواتر واآلحاد‪ ،‬وعند احمل ّدثني هو أعم من املتواتر‪( .‬وأقله) أي املستفيض أي‬
‫أقل عدد راويه (اثنان) وهو قول الفقهاء‪( .‬وقيل ما زاد على ثالثة) وهو قول األصوليني‪ ،‬وقيل ثالثة وهو قول احملدثني‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/90‬‬

‫(مسألة األصح أن خرب الواحد يفيد العلم بقرينة) كما يف إخبار رجل مبوت ولده املشرف على املوت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن‬
‫والنعش‪ ،‬وال يشرتط يف الواحدة العدالة تعويالً على القرينة‪ ،‬وقيل ال يفيد العلم مطلقا‪ ،‬وعليه األكثر‪ .‬واختاره صاحب األصل يف شرح‬
‫املختصر‪ ،‬وقيل يفيده مطلقا بشرط العدالة ألنه حينئذ جيب العمل به كما سيأيت‪ ،‬وإمنا جيب العمل مبا يفيد العلم لقوله تعاىل {وال تقف‬
‫ما ليس لك به علم}‪{ ،‬إن يتبعون إال الظن} هنى عن اتباع غري العلم وذم على اتباع الظن‪ .‬قلنا ذاك فيما املطلوب فيه العلم من أصول‬
‫الدين كوحدانية اهلل تعاىل ملا ثبت من وجود العمل بالظن يف الفروع‪ ،‬وقيل يفيد علما نظريا إن كان مستفيضا جعله قائله واسطة بني‬
‫املتواتر املفيد للعلم الضروري واآلحاد املفيد للظن‪( .‬وجيب العمل به) أي خبرب الواحد (يف الفتوى والشهادة) أي ما يفيت به املفيت‬
‫األصح) وإن عارضه قياس كاإلخبار‬ ‫ّ‬ ‫ويشهد به الشاهد بشرطه‪ ،‬ويف معىن الفتوى احلكم (إمجاعا‪ .‬ويف باقي األمور الدينية والدنيوية يف‬
‫بدخول وقت الصالة أو بتنجس املاء وكإخبار طبيب أو غريه مبضرة شيء أو نفعه‪ ،‬وقيل ميتنع العمل به مطلقاـ ألنه إمنا يفيد الظن‪ ،‬وقد‬
‫هنى عن اتباعه كما مر‪ .‬قلنا تقدم جوابه آنفا‪ .‬وقيل ميتنع العمل به يف احلدود ألهنا تدرأ بالشبهة واحتمال الكذب يف اآلحاد شبهة‪ .‬قلنا‬
‫ال نسلم أنه شبهة على أنه موجود يف الشهادة أيضا‪ ،‬وقيل ميتنع فيما تعم به البلوى أو خالفه راويه أو عارضه قياس‪ ،‬ومل يكن راويه‬
‫فقيها وقيل غري ذلك‪ ،‬وإذا قلنا بأنه جيب العمل به فيجب‪( .‬مسعا) ألنه صلى اهلل عليه وسلّم كان يبعث اآلحاد إىل القبائل والنواحي‬
‫لتبليغ األحكام‪ ،‬فلوال أنه جيب العمل خبربهم مل يكن لبعثهم فائدة‪( .‬قيل وعقالً) أيضا‪ .‬وهو أنه لو مل جيب العمل به لتعطلتـ وقائع‬
‫األحكام املروية باآلحاد وال سبيل إىل القول بذلك وترجيح األول من زياديت‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/91‬‬

‫( مسألة املختار أن تكذيب األصل الفرع) فيما رواه عنه‪( .‬وهو جازم) به‪ .‬كأن قال رويت هذا عنه‪ .‬فقال ما رويته له‪( .‬ال يسقط‬
‫مرويه) عن القبول وقيل يسقطه‪ ،‬ألن أحدمها كاذب‪ ،‬وحيتمل أن يكون هو الفرع فال يثبت مرويه‪ ،‬قلنا حيتمل نسيان األصل له بعد‬
‫ترد) ألن كالً منهما يظن أنه صادق‬
‫روايته للفرع فال يكون واحد منهما بتكذيب اآلخر له جمروحا‪( .‬ألهنما لو اجتمعا يف شهادة مل ّ‬
‫والكذب على النيب يف ذلك بتقدير إمنا يسقط العدالة إذا كان عمدا‪ ،‬وإذا مل يسقط مروي الفرع بتكذيب األصل له فبشكه يف أنه رواه‬
‫له أو ظنه أنه ما رواه له أوىل‪ ،‬وعليه األكثر كما صرح به األصل‪ ،‬وقيل يسقط به قياسا على نظريه يف شهادة الفرع على شهادة‬
‫األصل‪ .‬قلنا باب الشهادة أضيق إذ يعترب فيه احلرية والذكورة وغريمها ودخل بقيد وهو جازم ما لو جزم األصل بنفي الرواية أو ظنه أو‬
‫ظن األصل نفيها أو شك فيه‪ .‬ومبا تقرر‬ ‫شك فيه‪ ،‬وخرج به ما لو شك الفرع يف الرواية أو ظنها فيسقط مرويه إال إن ظنها الفرع مع ّ‬
‫علم أن صور اجلزم والظن والشك من األصل والفرع تسع‪ ،‬وأن املروي يسقط يف أربع منها دون البقية‪( .‬وزيادة العدل) فيما رواه على‬
‫غريه من العدول (مقبولة إن مل يعلم احتاد اجمللس بأن علم تعدده) جلواز أن يكون النيب ذكرها يف جملس وسكت عنها يف آخر‪ ،‬أو مل‬
‫يعلم تعدده وال احتاده‪ ،‬ألن الغالب يف مثل ذلك التعدد‪( .‬وإال) أي وإن علم احتاده (فاملختار املنع) أي منع قبوهلا‪( .‬إن كان غريه) أي‬
‫بضم الفاء أشهر من فتحها‪( .‬مثلهم عن مثلها عادة أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها) وإال قبلت‪ ،‬وقيل ال‬ ‫غري من زاد (ال يغفل) ّ‬
‫تقبل مطلقاـ جلواز خطأ من زاد فيها‪ .‬وقيل تقبل مطلقا‪ ،‬وهو ما اشتهر عن الشافعي‪ ،‬ونقل عن مجهور الفقهاء واحملدثني جلواز غفلة من‬
‫مل يزد عنها‪ ،‬وقيل إن كان غري من زاد ال يغفل مثلهم عن مثلها عادة مل تقبل وإال قبلت‪ ،‬وقيل بالوقف عن‬
‫سرح بنفيها على وجه يقبل)‪ .‬كأن قال‬ ‫قبوهلا وعدمه‪( .‬فإن كان الساكت) عنها فيما إذا علم احتاد اجمللس‪( .‬أضبط) ممن ذكرها‪( .‬أو ّ‬
‫ما مسعتها (تعارضا) أي خرب الزيادة وخرب عدمها خبالف ما إذا نفاها على وجه ال يقبل بأن حمض النفي فقال مل يقلها النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلّم‪ ،.‬فإنه ال أثر لذلك‪.‬‬
‫( واألصح أنه لو رواها) الراوي (مرة وتركـ)ـها (أخرى أو انفرد) هبا (واحد عن واحد) فيما روياه (قبلت)‪ .‬وإن علم احتاد اجمللس جلواز‬
‫السهو يف الرتك يف األوىل‪ ،‬وألن مع راويها زيادة علم يف الثانية‪ ،‬وقيل ال يقبل جلواز اخلطأ فيها يف األوىل وملخالفة رفيقه يف الثانية‪ ،‬وقيل‬
‫بالوقف يف األوىل وقياسه يأيت يف الثانية‪( .‬و) األصح (أنه إن غريت) زيادة العدل (إعراب الباقي تعارضا) أي اخلربان الختالف املعىن‬
‫حينئذ كما لو روي يف خرب فرض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من متر نصف صاع‪ ،‬وقيل تقبل الزيادة كما إذا مل‬
‫يتغري اإلعراب‪( .‬و) األصح (أن حذف بعض اخلرب جائز إال أن يتعلق به الباقي)‪ .‬فال جيوز حذفه اتفاقا إلخالله باملعىن املقصود كأن‬
‫للضم فائدة تفوت‬
‫مستقل‪ ،‬وقيل الحتمال أن يكون ّـ‬ ‫ّ‬ ‫يكون غاية أو مستثىن خبالف ما ال يتعلقـ به الباقي فيجوز حذفه‪ ،‬ألنه كخرب‬
‫بالتفريق مثاله‪ .‬قوله صلى اهلل عليه وسلّم يف البحر «هو الطهور ماؤه احلل ميتته»‪ .‬إذ قوله احلل ميتته ال تعلق له مبا قبله‪( .‬ولو أسند‬
‫مر‬
‫وأرسلوا) أي أسند اخلرب إىل النيب واحد ووقف الباقون على الصحايب أو من دونه (فكالزيادة) أي فاإلسناد أو الرفع كالزيادة فيما ّ‬
‫من التفصيل واخلالف وغريمها‪ .‬ومعلومـ أن التفصيل بني ما تتوفر الدواعي على نقله‪ ،‬وال تتوفر ال ميكن جميئه هنا وتعدد جملس السماع‬
‫من الشيخ هنا كتعدد جملس السماع من النيب مثّ (وإذا محل صحايب مرويه على أحد حممليه محل عليه إن تنافيا) كالقرء حيمله على‬
‫الطهر أو احليض‪ ،‬ألن الظاهر أنه إمنا محله‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/92‬‬

‫عليه لقرينة‪ ،‬وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشريازي فقال فيه نظر أي الحتمال أن يكون محله ملوافقة رأيه ال لقرينة وخرج بالصحايب‬
‫غريه‪ ،‬وقيل مثله التابعي‪ ،‬والفرق على األصح أن ظهور القرينة للصحايب أقرب‪( .‬وإال) أي وإن مل يتنافيا (فكاملشرتك يف محله على‬
‫مر فيحمل املروي على حممليه وال خيتص حبمل الصحايب إال على القول مبنع محل املشرتك على معنييه‪( .‬فإن‬ ‫معنييه) وهو األصح كما ّ‬
‫محله) أي محل الصحايب مرويه فيما لو تناىف احملمالن (على غري ظاهره) كأن محل اللفظ على معناه اجملازى دون احلقيقي (محل على‬
‫ظاهره يف األصح) اعتبارا بالظاهر‪ ،‬وفيه ويف أمثاله قال الشافعي كيف أترك احلديث بقول من لو عاصرته حلججته‪ ،‬وقيل حيمل على‬
‫محله مطلقا ألنه مل يفعله إال لدليل‪ .‬قلنا يف ظنه وليس لغريه اتباعه فيه‪ ،‬وقيل حيمل عليه إن فعله لظنه أنه قصد النيب صلى اهلل عليه وسلّم‬
‫من قرينة شاهدها‪ .‬قلنا ظنه ذلك ليس لغريه اتباعه فيه ألن اجملتهد ال يقلد جمتهدا فإن ذكر دليالً عمل به‪ ،‬أما إذا مل يتنافيا فظاهر محله‬
‫على حقيقته وجمازه بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/93‬‬

‫( مسألة ال يقبل) يف الرواية (خمتل) يف عقله كجنون وإن تقطع جنونه وكمفيق من جنونه وأثر يف زمن إفاقته إذ ال ميكنه التحرز عن‬
‫اخللل‪ ،‬وتعبريي مبختل أعم من تعبريه مبجنون‪( .‬و) ال (كافر) وإن علم منه التدين والتحرز عن الكذب‪ ،‬إذ ال وثوق به يف اجلملة مع‬
‫صيب ) مييزه (يف األصح)‪ .‬إذ ال وثوق به ألنه لعلمه بعدم تكليفه قد ال حيرتز عن الكذب‪ ،‬وقيل يقبل‬ ‫شرف منصب الرواية عنه‪( .‬وكذا ّ‬
‫إن علم منه التحرز عنه‪ ،‬أما غري املميز فال يقبل قطعا كاجملنون‪( .‬واألصح أنه يقبل صيب) مميز (حتمل فبلغ فأدى) ما حتمله النتفاء احملذور‬
‫فأدى أو فاسق فتاب فأدى قبل‪( .‬و) األصح‬ ‫السابق‪ ،‬وقيل ال‪ .‬إذ الصغر مظنة عدم الضبط ويستمر احملفوظ حباله‪ ،‬ولو حتمل كافر فسلم ّ‬
‫أنه يقبل (مبتدع حيرم الكذب وليس بداعية وال يكفر ببدعته) ألمنه من الكذب مع تأويله يف االبتداع خبالف من ال حيرم الكذب أو‬
‫يكون داعية بأن يدعو الناس إىل بدعته أو يكفر ببدعته كمنكر حدوث العامل والبعث‪ ،‬وعلم اهلل باملعدوم وباجلزئيات فال يقبل واحد‬
‫من الثالثة‪ ،‬وممن رجحه يف الثاين ابن الصالح والنووي‪ .‬وقال ابن حبان ال أعلم فيه اختالفا وقيل‪ .‬يقبل ممن حيرم الكذب‪ ،‬وإن كان‬
‫داعية ملا مر وهو الذي رجحه األصل‪ ،‬ومراده إذا مل يكفر ببدعته‪ ،‬وقيل يقبل ممن حيرم الكذب وإن كفر ببدعته‪ ،‬وقيل ال يقبل مطلقاـ‬
‫البتداعه املفسق له‪( .‬و) األصح أنه يقبل (من ليس فقيها وإن خالف القياس) خالفا للحنفية فيما خيالفه‪ ،‬ألن خمالفته ترجح احتمال‬
‫الكذب‪ .‬قلنا ال نسلم‪( .‬و) األصح أنه يقبل (متساهل يف غري احلديث) بأن يتساهل يف حديث الناس‪ ،‬ويتحرز يف احلديث النبوي ألمن‬
‫جير إىل التساهل فيه‪( .‬ويقبل‬
‫اخلللـ فيه خبالف املتساهل فيه فريد‪ ،‬وقيل ال يقبل املتساهل مطلقا ألن التساهل يف غري احلديث النبوي ّ‬
‫مكثر) من الرواية (وإن ندرت خمالطته للمحدثني إن أمكن حتصيل ذلك القدر) الكثري الذي رواه (يف ذلك الزمن) الذي خالطهم فيه‬
‫فإن مل ميكن مل يقبل يف شيء مما رواه لظهور كذبه يف بعض ال نعلم عينه‪( .‬وشرط الراوي العدالة وهي) لغة التوسط وشرعا باملعىن‬
‫الشاملـ للمروءة (ملكة) أي هيئة راسخة يف النفس‪( .‬متنع اقرتاف) أي ارتكاب (الكبائر وصغائر اخلسة كسرقة لقمة) وتطفيف مترة‬
‫(والرذائل املباحة) أي اجلائزة باملعىن األعم أي املأذون يف فعلها ال مبعىن مستوية الطرفني‪( .‬كبول بطريق) وهو مكروه واألكل يف السوق‬
‫خيل باملروءة‪ .‬واملعىن مينع اقرتاف كل فرد من أفراد ما ذكر فباقرتاف فرد منه تنتفي العدالة‪ ،‬أما صغائر غري‬
‫لغري سوقي وغريمها‪ .‬مما ّ‬
‫اخلسة ككذبة ال يتعلقـ هبا ضرر ونظرة إىل أجنبية‪ ،‬فال يشرتط املنع من اقرتاف كل فرد منها‪ .‬فال تنتفي العدالة باقرتاف شيء منها إال‬
‫يصر عليه ومل تغلب طاعاته‪ ،‬وإذا تقرر أن العدالة شرط يف الرواية‪( .‬فال يقبل يف األصح جمهول باطنا وهو املستور‪ ،‬و) ال (جمهول‬ ‫أن ّ‬
‫بظن حصوهلا يف األول‬
‫مطلقا) أي باطنا وظاهرا (و) ال (جمهول العني) كأن يقال عن رجل النتفاء حتقق العدالة وقيل يقبلون اكتفاء ّ‬
‫للظن باألخريين وحكاية األصل اإلمجاع على عدم قبوهلما مردودة بنقل ابن الصالح وغريه اخلالف فيهما‪( .‬فإن وصفه) أي‬ ‫وحتسينا ّ‬
‫األخري (حنو الشافعي) من أئمة احلديث الراوي عنه (بالثقة أو بنفي التهمة) كقوله أخربين الثقة أو من ال أهتمه‪( .‬قبل يف األصح)‪ .‬وإن‬
‫األو ل رتبة وذلك ألن واصفه من أئمة احلديث ال يصفه بذلك إال وهو كذلك‪ ،‬وقيل ال يقبل جلواز أن أن يكون فيه‬ ‫كان الثاين دون ّ‬
‫جارح ومل يطلع عليه الواصف‪ .‬قلنا يبعد ذلك جدا مع كون الواصف مثل الشافعي حمتجا به على حكم يف دين اهلل‪( .‬كمن أقدم‬
‫معذورا) بنحو تأويل أو جهل خال عن التدين بالكذب أو إكراه‪( .‬على) فعلـ (مفسقـ مظنون) كشربـ نبيذ (أو مقطوع) كشربـ مخر‬
‫فيقبل يف األصح سواء اعتقد اإلباحة أم مل يعتقد شيئا لعذره‪ ،‬وقيل ال يقبل الرتكابه املفسق‪ ،‬وإن اعتقد اإلباحة‪ ،‬وقيل يقبل يف املظنون‬
‫دون املقطوع وخرج باملعذور من أقدم‬
‫عاملا بالتحرمي باختياره أو متدينا بالكذب فال يقبل قطعا‪ ،‬ومبا تقرر علم أن قويل معذورا أوىل من قوله جاهالً‪.‬‬
‫(‬
‫( ‪)1/94‬‬

‫واملختار أن الكبرية ما توعد عليه) بنحو غضب أو لعن (خبصوصه) يف الكتاب أو السنة‪( .‬غالبا)‪ .‬وقيل هي ما فيه ح ّد‪ .‬قال الرافعي‬
‫وهم إىل ترجيح هذا أميل وألول ما يوجد ألكثرهم وهو األوفق ملا ذكروه عند تفصيل الكبائر‪ .‬أي لع ّدهم منها أكل مال اليتيم‬
‫والعقوق وغريمها مما ال ح ّد فيه‪ ،‬وذكر ألصل أن املختار قول إمام احلرمني إهنا كل جرمية تؤذن بقلة اكرتاث مرتكبها بالدين ورقة‬
‫الديانة‪ ،‬وإمنا مل أخرته ألنه يتناول صغائر اخلسة مع أن اإلمام إمنا ضبط به ما يبطل العدالة من املعاصي مطلقا‪ ،‬ال الكبرية اليت الكالم فيها‬
‫والكبائر بعد أكربها وهو الكفر كما هو معلوم‪( .‬كقتل) عمدا أو شبهه ظلما (وزنا) بالزاي آلية {والذين ال يدعون مع اهلل إهلا آخر}‬
‫(ولواط) ألنه مضيع ملاء النسل بوطئه يف فرج كالزنا‪( .‬وشرب مخر) وإن مل يسكر لقلتها وهي املشتد من ماء العنب‪( .‬ومسكر) ولو‬
‫غري مخر كاملشتد من نقيع الزبيب املسمى بالنبيذ خلرب صحيح ورد فيه‪ ،‬أما شرب ما ال يسكر لقلته من غري اخلمر فصغرية حكما يف حق‬
‫من شربه معتقدا حله لقبول شهادته‪ ،‬وإال فهو كبرية حقيقة إلجيابه احلد وللتوعد عليه‪ .‬ويف معىن ذلك ما اختلف يف حترميه من مطبوخ‬
‫عصري العنب‪( .‬وسرقة) لربع مثقال أو ما قيمته ذلك آلية {والسارق والسارقة}‪ ،‬أما سرقة ما دون ذلك فصغرية‪ .‬قال احلليمي إال إن‬
‫«م ْن ظلم قيد شرب من األرض‬ ‫كان املسروق منه مسكينا ال غىن به عن ذلك فيكون كبرية‪( .‬وغصب) ملال أو حنوه خلرب الصحيحني َ‬
‫حمرم بزنا أو لواط آلية {إن‬ ‫طو قه من سبع أرضني»‪ .‬وقده العبادي وغريه مبا يبلغ قيمته ربع مثقال كما يقطع به يف السرقة‪( .‬وقذف) ّ‬ ‫ّ‬
‫الذين يرمون احملصنات}‪ ،‬نعم قال احلليمي قذف صغرية ومملوكة وحرة متهتكة صغرية ألن اإليذاء فيه دونه يف احلرة الكبرية‬
‫املسترتة‪ ،‬أما القذف املباح كقذف الرجل زوجته إذا علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا فليس بكبرية وال صغرية‪ ،‬وكذا جرح الراوي‬
‫والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب‪( .‬ومنيمة) وهي نقل كالم بعض الناس إىل بعض على وجه اإلفساد بينهم خلرب الصحيحني «ال‬
‫يدخل اجلنة منام»‪ .‬خبالف نقل الكالم نصيحة للمنقول إليه كما يف قوله تعاىل حكاية {يا موسى إ ّن املأل يأمترون بك ليقتلوك} فإنه‬
‫وأقره الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى هبا‪.‬‬
‫واجب‪ ،‬أما الغيبة وهي ذكرك إلنسان مبا تكرهه وإن كان فيه فصغريةـ قاله صاحب العدة‪ّ ،‬‬
‫نعم قال القرطيب يف تفسريه إهنا كبرية بال خالف‪ ،‬ويشملها تعريف األكثر الكبرية مبا توعد عليه خبصوصه قال تعاىل {أحيب أحدكم أن‬
‫يأكل حلم أخيه ميتا} قال الزركشي وقد ظفرت بنص الشافعي يف ذلك‪ ،‬فالقول بأهنا صغرية ضعيف أو باطل‪ .‬قلت ليس كذلك‬
‫إلمكان اجلمع حبمل النص‪ ،‬وما ذكر على ما إذا أصر على الغيبة أو قرنت مبا يصريها كبرية أو اغتاب عدالً وقد أخرجتها بزياديت غالبا‬
‫وتباح الغيبة يف ستة مواضع مذكورة يف حملها‪ ،‬وقد نظمتها يف بيتني فقلت‬
‫تباح غيبة ملستفت ومن‬
‫رام إعانة لرفع منكر‬
‫ومعرف متظلم متكلم‬ ‫ّ‬
‫يف معلن فسقا مع احملذر‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/95‬‬
‫قل ألنه صلى اهلل عليه وسلّم عدها يف خرب من الكبائر‪ .‬ويف آخر من أكرب الكبائر روامها الشيخان‪( .‬وميني‬ ‫(وشهادة زور) ولو مبا ّ‬
‫فاجرة) خلرب الصحيحني «من حلف على مال امرىء مسلم بغري حقه لقي اهلل وهو عليه غضبان»‪ .‬وخص املسلمـ جريا على الغالب وإال‬
‫فالكافر املعصوم كذلك‪( .‬وقطيعة رحم) خلرب الصحيحني «ال يدخل اجلنة قاطع»‪ .‬قال سفيان أي ابن عيينة يف رواية يعين قاطع رحم‪،‬‬
‫والقطيعة فعيلة من القطع ضد الوصل والرحم القرابة‪( .‬وعقوق) للوالدين أو أحدمها‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه وسلّم ع ّده يف خرب من الكبائر‬
‫ويف آخر من أكرب الكبائر روامها الشيخان‪ .‬وأما خربمها «اخلالة مبنزلة األم»‪ .‬وخرب البخاري «عم الرجل صنو أبيه»‪ .‬أي مثله فال يدالّن‬
‫على أهنما كالولدين يف العقوق‪( .‬وفرار) من الزحف آلية {ومن يوهلم يومئذ دبره} وألنه صلى اهلل عليه وسلّم ع ّده من السبع املوبقات‬
‫أي املهلكات‪ .‬رواه الشيخان‪ .‬نعم جيب إذا علم أنه إذا ثبت يقتل من غري نكاية يف العدو النتفاء إعزاز الدين بثباته‪( .‬ومال يتيم) أي‬
‫أخذه بال حق وإن كان دون ربع مثقال آلية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} وقد عد أكلها صلى اهلل عليه وسلّم من السبع املوبقات‬
‫يف اخلرب السابق‪ ،‬وقيس باألكل غريه وإمنا عرب به يف اآلية‪ ،‬واخلرب‪ ،‬ألنه أعم وجوه االنتفاع‪( .‬وخيانة) يف غري الشيء التافه بكيل أو غريه‬
‫كوزن وغلول آلية {ويل للمطففني} ولقوله تعاىل {إن اهلل ال حيب اخلائنني} والغلول اخليانة من الغنيمة أو بيت املال أو الزكاة قاله‬
‫األزهري وغريه‪ ،‬وإن قصره أبو عبيد على اخليانة من الغنيمة أما يف التافه فصغرية كما مر‪( .‬وتقدمي صالة) على وقتها (وتأخريها) عنه‬
‫بال عذر كسفر قال صلى اهلل عليه وسلّم «من مجع بني صالتني من غري عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر»‪ .‬رواه الرتمذي وتركها‬
‫فليتبوأ مقعده من النار»‪ .‬رواه‬
‫علي متعمدا ّ‬ ‫أوىل بذلك‪( .‬وكذب) عمدا (على نيب)‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلّم «من كذب َّ‬
‫الشيخان وغريه من األنبياء مثله يف ذلك كما هو ظاهر قياسا عليه‪ ،‬وقد مشله تعبريي بنيب خبالف تعبريه كغريه برسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلّ م‪ .‬وقد بسطت الكالم على ذلك يف احلاشية‪ ،‬أما الكذب على غري نيب فصغرية إال أن يقرتن به ما يصريه كبرية كأن يعلم أنه يقتل‬
‫به قاله ابن عبد السالم‪ ،‬وعليه حيمل خرب الصحيحني «إن الكذب يهدي إىل الفجور وإن الفجور يهدي إىل النار‪ ،‬وال يزال الرجل‬
‫يكذب حىت يكتب عند اهلل كذابا»‪( .‬وضرب مسلم)ـ بال حق خلرب مسلمـ «صنفان من أميت من أهل النار مل أرمها قوم معهم سياط‬
‫رؤوسهن كأسنمة البخت املائلة‪ ،‬ال يدخلون اجلنة وال‬
‫ّ‬ ‫كأذناب البقر يضربون هبا الناس‪ ،‬ونساء كاسيات عاريات مائالت مميالت‬
‫جيدون رحيها وإن رحيها ليوجد من مسرية كذا وكذا»‪ .‬وخرج باملسلم الكافر فليس ضربه كبرية بل صغرية‪ ،‬وزعم الزركشي أنه‬
‫كبرية‪( .‬وسب صحايب) خلرب الصحيحني «ال تسبوا أصحايب فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك م ّد أحدهم‬
‫وال نصيفه»‪ .‬وروى مسلم «ال تسبوا أحدا من أصحايب فإن أحدكم لو أنفق» اخل‪ .‬واخلطاب للصحابة السابني نزهلم لسبهم الذي ال‬
‫سب الص ّديق بنفي الصحبة فهو كفر لتكذيب القرآن‪ ،‬أما سب واحد من‬ ‫يليق هبم منزلة غريهم حيث علله مبا ذكره‪ ،‬واستثىن من ذلك ّ‬
‫غري الصحابة فصغرية‪ ،‬وخرب الصحيحني «سباب املسلم فسوق»‪ .‬معناه تكرار السب فهو إصرار على صغرية فيكون كبرية‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/96‬‬

‫( وكتم شهادة)‪ .‬قال تعاىل {ومن يكتمها فإنه آمث قلبه} أي ممسوخ وخص بالذكر ألنه حمل اإلميان‪ ،‬وألنه إذا أمث تبعه الباقي‪( .‬ورشوة)‬
‫بتثليث الراء وهي أن يبذل ماالً ليحق باطالً أو يبطل حقا خلرب الرتمذي «لعنة اهلل على الراشي واملرتشي» زاد احلاكم «والرائش الذي‬
‫يسعى بينهما»‪ .‬أما بذله للمتكلم يف جائز مع سلطان مثالً فجعلة جائزة فيجوز البذل واألخذ وبذله للمتكلم يف واجب كتخليص من‬
‫حبس ظلما وتولية قضاء طلبه من تعني عليه أو سن له جائز واألخذ فيه حرام‪( .‬ودياثة) مبثلثة قبل اهلاء‪ ،‬وهي استحسان الرجل على‬
‫أهله خلرب ثالثة ال يدخلون اجلنة العاق والديه والديوث ورجلة النساء‪ .‬قال الذهيب إسناده صاحل‪( .‬وقيادة) قياسا على الدياثة‪ ،‬واملراد هبا‬
‫استحسان الرجل على غري أهله‪ .‬وقد بسطت الكالم عليه يف احلاشية‪( .‬وسعاية) وهي أن يذهب بشخص إىل ظامل ليؤذيه مبا يقوله يف‬
‫حقه خلرب الساعي مثلث أي مهلك بسعايته نفسه واملسعى به‪ ،‬وإليه‪( .‬ومنع زكاة)‪ .‬خلرب الصحيحني «ما من صاحب ذهب وال فضة ال‬
‫يؤدي منها حقها إال إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأمحي عليه يف نار جهنم فيكوى هبا جنبه وجبينه وظهره»‪ .‬إىل‬
‫صو ب وقفه «من الكبائر اإلشراك باهلل واالياس من روح اهلل»‪ .‬واملراد باليأس من رمحة اهلل‬
‫آخره‪( .‬ويأس رمحة) خلرب الدارقطين‪ .‬لكنه ّ‬
‫استبعاد العفو عن الذنوب الستعظامها ال إنكار سعة رمحته للذنوب‪ ،‬فإنه كفر لظاهر قوله تعاىل {إنه ال ييأس من روح اهلل إال القوم‬
‫الكافرون} إال أن حيمل اليأس فيه على االستبعاد والكفر على معناه اللغوي وهو السرت‪( .‬وأمن مكر) باالسرتسال يف املعاصي واالتكال‬
‫علي كظهر أمي قال تعاىل فيه {وإهنم‬‫على العفو‪ .‬قال تعاىل {فال يأمن مكر اهلل إال القوم اخلاسرون} (وظهار) كقوله لزوجته أنت ّ‬
‫ليقولون منكرا من القول وزورا} أي كذبا حيث شبهوا الزوجة باألم يف التحرمي‪( .‬وحلم ميتة وخنزير) أي تناوله بال ضرورة آلية {قل‬
‫ال أجد‬
‫حمرم ا} ومبعىن اخلنزير الكلب وفرع كل منهما مع غريه‪( .‬وفطر يف رمضان) ولو يوما بال عذر خلرب من أفطر يوما من‬ ‫إيل ّ‬‫فيما أوحي ّ‬
‫رمضان من غري رخصة وال مرض مل يقضه صيام الدهر‪ ،‬وهو وإن تكلم فيه فله شواهد جتربه‪ ،‬وألن صومه من أركان اإلسالم ففطره‬
‫املارين بإخافتهم آلية‬
‫يؤذن بقلة اكرتاث مرتكبه بالدين‪ ،‬وتعبريي بذلك أوىل من قوله وفطر رمضان‪( .‬وحرابة) وهي قطع الطريق على ّ‬
‫{إمنا جزاء الذين حياربون اهلل ورسوله} (وسحر وربا) مبوحدة ألنه صلى اهلل عليه وسلّم عدمها من السبع املوبقات يف اخلرب السابق‪.‬‬
‫(وإدمان صغرية) أي إصرار عليها من نوع أو أنواع حبيث مل تغلب طاعاته معاصيه وليست الكبائر منحصرة يف املذكورات‪ ،‬كما أفهمه‬
‫ذكر الكاف يف أوهلا‪ ،‬وأما حنو خرب البخاري «الكبائر اإلشراك باهلل والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمني الغموس»‪ .‬فمحمول‬
‫على بيان احملتاج إليه منها وقت ذكره‪ ،‬وقد قال ابن عباس هي إىل السبعني أقرب‪ .‬وسعيد بن جبري هي إىل السبعمائة أقرب يعين باعتبار‬
‫أصناف أنواعها‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/97‬‬

‫(مسألة االخبار بعام) أي بشيء عام (رواية) كخصائص النيب صلى اهلل عليه وسلّم وغريه‪ ،‬إذ القصد منها اعتقاد خصوصيتها مبن‬
‫اختصت به‪ ،‬وهو يعم الناس‪ ،‬وما يف املروي من أمر وهني وحنومها يرجع إىل اخلرب بتأويل‪ .‬فتأويل أقيموا الصالة‪ ،‬وال تقربوا الزنا مثالً‬
‫(خباص عند حاكم شهادة) بقيد زدته بقويل (إن كان حقا لغري املخرب على غريه) فإن كان‬ ‫ّ‬ ‫الصالة واجبة والزنا حرام‪( .‬و) االخبار‬
‫للمخرب على غريه فدعوى أو لغريه عليه وإن مل يكن عند حاكم فإقرار‪( .‬واملختار أن أشهد إنشاء تضمن إخبارا) باملشهود به نظرا إىل‬
‫وجود مضمونه يف اخلارج به‪ ،‬وإىل متعلقه‪ .‬وقيل حمض إخبار نظر إىل متعلقه فقط‪ ،‬وقيل حمض إنشاء نظرا إىل اللفظ فقط‪ .‬قال شيخنا‬
‫العالمة احمللي وهو التحقيق فلم تتوارد الثالثة على حمل واحد‪ ،‬وال منافاة بني كون أشهد إنشاء وكون معىن الشهادة إخبارا ألنه صيغة‬
‫مؤدية لذلك املعىن مبتعلقه انتهى‪( .‬و) املختار (أن صيغ العقود واحللو كبعت) واشرتيت (وأعتقت إنشاء) لوجود مضموهنا يف اخلارج‬
‫هبا‪ .‬وقال أبو حنيفة إهنا إخبار على أصلها بأن يقدر وجود مضموهنا يف اخلارج قبيل التلفظ هبا‪ ،‬وذكر صيغ احللول مع مثاهلا من‬
‫زياديت‪( .‬و) املختار (أنه يثبت اجلرح والتعديل بواحد يف الرواية فقط) أي خبالف الشهادة ال يثبتان فيها إال بعدد رعاية للتناسب فيهما‪،‬‬
‫فإن قال الواحد يقبل يف الرواية دون الشهادة‪ ،‬وقيل يثبتان إال بعدد فيهما نظرا إىل أن ذلك شهادة‪ ،‬وقيل يكفي يف ثبوهتما فيهما واحد‬
‫نظرا إىل أن ذلك خرب‪ ،‬والرتجيح من زياديت‪( .‬و) املختار (أنه يشرتط ذكر سبب اجلرح فيهما) أي يف الرواية والشهادة لالختالف فيه‬
‫خبالف سبب التعديل‪( .‬و) لكن (يكفي إطالقه) أي اجلرح (يف الرواية) كالتعديل كأن يقول اجلارح فالن ضعيف أو ليس بشيء (إن‬
‫عرف مذهب اجلارح) من أنه ال جيرح إال بقادح‪ ،‬فعلم أنه ال يكفي اإلطالق يف الرواية إذا مل يعرف مذهب اجلارح‪ ،‬وال يف الشهادة‬
‫مطلقا لتعلقـ احلق فيها باملشهود له‪ ،‬نعم يكفي ذلك فيهما إلفادة التوقف عن القبول إىل أن يبحث عن ذلك كما ذكره يف الرواية‪،‬‬
‫وظاهر أنه ال فرق بينها وبني الشهادة‪ .‬وقيل يشرتط ذكر سببهما يف الرواية والشهادة ولو من العامل به‪ ،‬فال يكفي إطالقهما فيهما‬
‫الحتمال أن جيرح مبا ليس جبارح‪ ،‬وأن يبادر إىل التعديل عمالً بالظاهر‪ ،‬وقيل يكفي ذلك اكتفاء بعلم اجلارح واملعدل بسببهما‪ ،‬وقيل‬
‫يشرتط ذكر سبب التعديل دون سبب اجلرح ألن مطلقـ اجلرح يبطل الثقة ومطلقـ التعديل ال حيصلها جلواز االعتماد فيه على الظاهر‪.‬‬
‫(واجلرح مقدم) عند التعارض على التعديل‪( .‬إن زاد عدد اجلارح على) عدد (املعدل) إمجاعا‪( .‬وكذا إن مل يزد عليه) بأن ساواه أو‬
‫نقص عنه‪( .‬يف األصح) الطالع اجلارح على ما مل يطلع عليه املعدل‪ ،‬وقضيته أنه لو اطلع املعدل على السبب وعلم توبته منه قدم على‬
‫اجلارح وهو كذلك‪ ،‬وقيل يطلب الرتجيح يف صورة عدم الزائد كما هو حاصل يف صورة الزائد بالزيادة وعلى وزانه قيل إن التعديل يف‬
‫صورة الناقص مقدم‪( .‬ومن التعديل) لشخص (حكم مشرتطـ العدالة) يف الشاهد‪( .‬بالشهادة) من ذلك الشخص‪ ،‬إذ لو مل يكن عدالً‬
‫عنده ملا حكم بشهادته‪.‬‬
‫( وكذا عمل العامل) املشرتط للعدالة يف الراوي برواية شخص تعديل له يف األصح‪ ،‬وإال ملا عمل بروايته وقيل ليس تعديالً‪ ،‬والعمل‬
‫بروايته جيوز أن يكون احتياطا‪( .‬و) كذا (رواية من ال يروي إال عن عدل) بأن صرح بذلك أو عرف من عادته عن شخص تعديل له‪.‬‬
‫(يف األصح) كما لو قال هو عدل‪ ،‬وقيل جيوز أن يرتك عادته وتأخريي يف األصح عن املسألتني قبله أوىل من توسيط األصل له بينهما‪.‬‬
‫(وليس من اجلرح) لشخص (ترك عمل مبرويه و) ال ترك (حكم مبشهوده)‪ .‬جلواز أن يكون الرتك ملعارض‪( .‬وال ح ّد) له (يف شهادة‬
‫زنا) بأن مل يكمل نصاهبا ألنه النتفاء النصاب ال ملعىن يف الشاهد‪( .‬و) ال يف (حنو شرب نبيذ) من املسائل االجتهادية املختلف فيها‬
‫كنكاح املتعة جلواز أن يعتقد إباحة ذلك‪( .‬وال تدليس) فيمن روى عنه (بتسمية غري مشهورة) له حىت ال يعرف‪ ،‬إذ ال خلل يف ذلك‪.‬‬
‫(قيل) أي قال ابن السمعاين (إال أن يكون حبيث لو سئل) عنه (مل يبينه) فإن صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه‪ .‬وأجيب مبنع‬
‫ذلك‪( .‬وال) تدليس (بإعطاء شخص اسم آخر تشبيها كقول) صاحب (األصل) أخربنا (أبو عبد اهلل احلافظ يعين) به (الذهيب تشبيها‬
‫بالبيهقي) يف قوله أخربنا أبو عبد اهلل احلافظ (يعين) به (احلاكم) لظهور املقصود وذلك صدق يف نفس األمر (وال) تدليس (بإيهام اللقى‬
‫والرحلة) األول‪ ،‬ويسمى تدليس اإلسناد كأن يقول من عاصر الزهري مثالً ومل يلقه‪ .‬قال الزهري أو عن الزهري مومها أنه مسعه‪،‬‬
‫والثاين كأن يقول ح ّد ثنا فالن وراء النهر مومها جيحون‪ ،‬واملراد هنر مصر كأن يكون باجليزة ألن ذلك من املعاريض ال كذب فيه‪( .‬أما‬
‫مدلس املتون) وهو من يدرج كالمه معها حبيث ال يتميزان‪( .‬فمجروح) إليقاعه غريه يف الكذب على النيب صلى اهلل عليه وسلّم‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/98‬‬

‫(مسألة الصحايب) أي صاحب النيب صلى اهلل عليه وسلّم‪( .‬من اجتمع مؤمنا) مميزا (بالنيب) يف حياته (وإن مل يرو) عنه شيئا (ومل يطل)‬
‫أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم‪ ،‬فخرج من اجتمع به كافرا أو غري مميز أو بعد وفاة النيب‪ ،‬لكن قال الربماوي يف‬
‫غري املميز إنه صحايب وإن اختار مجاعة خالف ذلك‪ ،‬وقيل يشرتط يف صدق اسم الصحايب الرواية ولو حلديث وإطالة االجتماع نظرا‬
‫يف اإلطالة إىل العرف‪ ،‬ويف الرواية إىل أهنا املقصود االعظم من صحبة النيب صلى اهلل عليه وسلّم لتبليغ األحكام‪ ،‬وقيل يشرتط الغزو معه‬
‫ومضى على االجتماع به ألن لصحبته شرفا عظيما فال ينال إال باجتماع طويل يظهر فيه اخللقـ املطبوع عليه الشخص كالغزو املشتمل‬
‫على السفر الذي هو قطعة من العذاب‪ ،‬والعام املشتمل على الفصول األربعة اليت ختتلف فيها األمزجة‪ ،‬واعرتض التعريف بأنه يصدق‬
‫مرتد ا كعبد اهلل بن خطل‪ ،‬وال يسمى صحابيا خبالف من مات بعد ردته مسلما كعبد اهلل بن سرح‪ .‬وأجيب بأنه كان‬ ‫على من مات ًّ‬
‫يسماه قبل الردة‪ ،‬ويكفي ذلك يف صحة التعريف إذ ال يشرتط فيه االحرتاز عن املنايف العارض‪( .‬كالتابعي معه) أي مع الصحايب فيكفي‬
‫يف صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحايب يف حياته‪ ،‬وهذا ما رجحه ابن الصالح والنووي وغريمها‪ .‬وقيل ال يكفي‬
‫ذلك من غري إطالة لالجتماع به وبه جزم األصل تبعا للخطيبـ البغدادي‪ ،‬وفرق بأن االجتماع بالنيب يؤثر من النور القليب أضعاف ما‬
‫يؤثره االجتماع الطويل بالصحايب وغريه من األخيار‪.‬‬
‫(واألصح أنه لو ّادعى معاصر) للنيب صلى اهلل عليه وسلّم (عدل صحبة قبل) ألن عدالته متنعه من الكذب يف ذلك‪ ،‬وقيل ال يقبل‬
‫الد عائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل‪( .‬و) األصح (أن الصحابة عدول) فال يبحث عن عدالتهم يف رواية وال شهادة‬‫ّ‬
‫ألهنم خري األمة لقوله تعاىل {كنتم خري أمة أخرجت للناس} وقوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} فإن املراد هبم الصحابة‪ ،‬وخلرب‬
‫الصحيحني «خري أميت قرين» وقيل هم كغريهم فيبحث عن عدالتهم يف ذلك إال من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخني رضي‬
‫اهلل عنهما‪ ،‬وقيل هم عدول إىل حني قتل عثمان رضي اهلل عنه فيبحث عن عدالتهم بعده لوقوع الفنت بينهم من حينئذ مع إمساك‬
‫ورد بأهنم جمتهدون يف‬
‫بعضهم عن خوضها‪ .‬وقيل هم عدول إال من قاتل عليا رضي اهلل عنه فهم فسقة خلروجهم على اإلمام احلق ّ‬
‫قتاهلم له فال يأمثون وإن أخطأوا بل يؤجرون كما سيأيت على كل قول من طرأ له منهم قادح كسرقة أو زنا عمل مبقتضاه‪ ،‬ألهنم وإن‬
‫كانوا عدوالً غري معصومني‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/99‬‬

‫(مسألة املرسل) املشهور عند األصوليني والفقهاء وبعض احملدثني‪( .‬مرفوع غري صحايب) تابعيا كان أو من بعده (إىل النيب) صلى اهلل‬
‫عليه وسلّم مسقطا لواسطة بينه وبني النيب‪ ،‬وعند أكثر احمل ّد ثني مرفوع تابعي إىل النيب‪ ،‬وعندهم املعضل ما سقط منه راويان فأكثر‪،‬‬
‫واملنقطع ما سقط منه من غري الصحابة را ٍو وقيل ما سقط منه را ٍو فأكثر‪( .‬واألصح أنه ال يقبل) أي ال حيتج به للجهل بعدالة الساقط‬
‫وإن كان صحابيا الحتمال أن يكون ممن طرأ له قادح‪( .‬إال إن كان مرسله من كبار التابعني) كقيس بن أيب حازم وأيب عثمان النهدي‬
‫(وعضده كون مرسله ال يروي إال عن عدل) كأن عرف ذلك من عادته كأيب سلمة بن عبد الرمحن يروي عن أيب هريرة (وهو) حينئذ‬
‫(مسند) حكما ألن إسقاط العدل كذكره‪( .‬أو عضده قول صحايب أو فعله أو قول األكثر) من العلماء ألصحايب فيهم‪( .‬أو مسند)‬
‫األول‪( .‬أو انتشار) له من غري نكري (أو قياس أو عمل)‬
‫سواء أسنده املرسل أم غريه (أو مرسل) أن يرسله آخر يروي عن غري شوخ ّ‬
‫أهل (العصر) على وفقه (أو حنوها) ككون مرسله إذا شارك احلفاظ يف أحاديث وافقهم فيها ومل خيالفهم إال بنقص لفظ من ألفاظهم‬
‫حبيث ال خيتل به املعىن‪ ،‬فإن املرسل حينئذ يقبل النتقاء احملذور‪ ،‬وقيل يقبل مطلقا ألن العدل ال يسقط الواسطة إال وهو عدل عنده‪ ،‬وإال‬
‫كان ذلك تلبيسا قادحا فيه‪ ،‬وقيل ال مطلقاـ ملا مر‪ ،‬وقيل يقبل إن كان املرسل من أئمة النقل كسعيد بن املسيب والشعيب‪ ،‬خبالف من مل‬
‫يكن منهم فقد يظن من ليس بعدل عدالً فيسقطه لظنه‪.‬‬
‫( واجملموع) من املرسل وعاضده (حجة) ال جمرد املرسل وال جمرد عاضده لضعف كل منهما منفردا‪ ،‬وال يلزم من ذلك ضعف اجملموع‪،‬‬
‫حيتج بالعاضد) وحده‪( ،‬وإال) بأن كان حيتج به كمسند صحيح (فـ)ـهما‬ ‫ألنه حيصل من اجتماع الضعيفني قوة مفيدة للظن هذا (إن مل ّ‬
‫(دليالن)‪ ،‬إذ العاضد حينئذ دليل برأسه واملرسل ملا اعتضد به صار دليالً آخر فريجح هبما عند معارضة حديث واحد هلما والتقييد‬
‫بكبار التابعني من زياديت‪( .‬و) األصح (أنه) أي املرسل بقيد زدته بقويل (باعتضاده) أي مع اعتضاده (بضعيف أضعف من املسند) احملتج‬
‫به‪ ،‬وقيل أقوى منه ألن العدل ال يسقط إال من جيزم بعدالته‪ ،‬خبالف من يذكره فيحيل األمر فيه على غريه‪ .‬قلنا ال نسلم ذلك أما إذا‬
‫اعتضد بصحيح‪ ،‬فال يكون أضعف من مسند يعارضه بل هو أقوى منه‪ ،‬كما علم مما مر أما مرسل صغار التابعني كالزهري فباق على‬
‫عدم قبوله مع عاضده لشدة ضعفه‪ ،‬وقيد القبول بكبار التابعني‪ ،‬ألن غالب رواياهتم عن الصحابة فيغلب على الظن أن الساقط صحايب‪،‬‬
‫فإذا انضم إليه عاضد كان أقرب إىل القبول وعليه ينبغي ضبط الكبري مبن أكثر رواياته عن الصحابة والصغري مبن أكثر رواياته عن‬
‫التابعني على أن ابن الصالح والنووي مل يقيدا بالكبار وهو قوي‪ ،‬وهذا كله يف مرسل غري صحايب كما عرفت‪ ،‬أما مرسله فمحكوم‬
‫مر‪( .‬فإن جترد) هذا املرسل عن عاضد ( وال دليل) يف‬ ‫بصحته على املذهب ألن أكثر رواية الصحابة عن الصحابة وكلهم عدول كما ّ‬
‫الباب (سواه) ومدلوله املنع من شيء‪( ،‬فاألصح) أنه جيب (االنكفاف) عن ذلك الشيء (ألجله) أي املرسل احتياطا ألن ذلك حيدث‬
‫شبهة توجب التوقف‪ ،‬وقيل ال جيب ألنه ليس حبجة حينئذ‪ ،‬أما إذا كان مث دليل سواه فيجب االنكفاف قطعا إن وافقه وإال عمل‬
‫مبقتضى الدليل‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/100‬‬

‫(مسألة األصح جواز نقل احلديث باملعىن لعارف) مبعاين األلفاظ ومواقع الكالم الذي أريد به إنشاء أو خرب بأن يأيت بلفظ بدل آخر‬
‫مساو له يف املراد والفهم‪ ،‬وإن مل ينس اللفظ اآلخر أو مل يرادفه‪ ،‬ألن املقصود املعىن واللفظ آلة‪ ،‬وقيل ال جيوز إن مل ينس لفوت‬
‫الفصاحة يف كالم النيب‪ ،‬وقيل إمنا جيوز بلفظ مرادف خبالف غري املرادف‪ ،‬ألنه قد ال يويف باملقصود‪ ،‬وقيل ال جيوز مطلقا حذرا من‬
‫التفاوت‪ ،‬وإن ظن الناقل عدمه فإن العلماء كثريا ما خيتلفون يف معىن احلديث املراد‪ .‬قلنا الكالم يف املعىن الظاهر ال فيما خيتلف فيه كما‬
‫أنه ليس الكالم فيما نعبد بألفاظ كاألذان والتشهد والسالم والتكبري‪ ،‬وقيل غري ذلك أما غري العارف فال جيوز له تغيري اللفظ قطعا‪( .‬و)‬
‫األصح (أنه حيتج بقول الصحايب قال النيب) صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬ألنه ظاهر يف مساعه منه‪ ،‬وقيل ال‪ .‬الحتمال أن يكون بينهما واسطة‬
‫من تابعي أو صحايب‪ ،‬وقلنا نبحث عن عدالة الصحابة (فـ)ـبقوله (عنه) أي عن النيب ملا مر‪ ،‬وقيل ال لظهوره يف الواسطة‪( .‬فـ)ـبقوله‬
‫(مسعته أمر وهنى) لظهوره يف صدور أمر وهني منه‪ ،‬وقيل ال جلواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر وال هني تسمحا (أو) بقوله‬
‫حر م علينا أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النيب‪ ،‬وقيل ال‪ .‬الحتمال أن يكون اآلمر‬ ‫(أمرنا أو حنوه) مما بين للمفعول كنهينا أو أوجب أو ّ‬
‫والناهي بعض الوالة واإلجياب والتحرمي والرتخيص استنباط من قائله‪( .‬و) بقوله (من السنة) كذا لظهوره يف سنة النيب‪ ،‬وقيل ال جلواز‬
‫إرادة سنة البلد (فكنا معاشر الناس) نفعل يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم (وكان الناس يفعلون) يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم‪( .‬فكنا‬
‫نفعل يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم) لظهوره يف تقرير النيب عليه‪ ،‬وقيل ال جلواز ىن ال يعلم به‪( .‬فكان الناس يفعلون فكانوا ال يقطعون‬
‫يف) الشيء (التافه)‪ .‬قالته عائشة رضي اهلل عنها لظهور ذلك يف مجيع الناس الذي هو إمجاع‪ ،‬وقيل ال جلواز إرادة ناس خمصوصني‬
‫وعطف الصور بالفاء إشارة إىل أن كل صورة دون ما قبلها رتبة‪ ،‬وهلذا كان تعبريي يف عنه‪ ،‬ومسعته بالفاء أوىل من تعبريه فيهما بالواو‪،‬‬
‫ووجه كون األخريتني دون ما قبلهما عدم التصريح بكون ذلك يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬ووجه كون األخرية دون ما قبلها عدم‬
‫التصريح مبا يعود عليه ضمري كانوا‪.‬‬

‫( ‪)1/101‬‬
‫( خامتة) يف مراتب التحمل‪( .‬مستند غري الصحايب) يف الرواية إحدى عشرة (قراءة الشيخ) عليه (إمالء) من حفظه أو من كتابه‪.‬‬
‫(فتحديثا) بال إمالء‪( .‬فقراءته عليه) أي على الشيخ (فسماعه) بقراءة غريه على الشيخ ويسمى هذا والذي قبله بالعرض‪( .‬فمناولة أو‬
‫مكاتبة مع إجازة) كأن يدفع له الشيخ أصل مساعه أو فرعا مقابالً به أو يكتب شيئا من حديثه حلاضر عنده أو غائب عنه‪ ،‬ويقول له‬
‫أجزت لك روايته عين‪( .‬فإجازة) بال مناولة وال مكاتبة (خلاص يف خاص) كأجزت لك رواية البخاري‪( .‬فخاص يف عام) كأجزت لك‬
‫رواية جيع مسموعايت‪( .‬فعام يف خاص) كأجزت ملن أدركين رواية مسلم‪.‬ـ (فـ)ـعام (يف عام) كأجزت ملن عاصرين رواية مجيع مرويايت‪.‬‬
‫(فلفالن ومن يوجد من نسله) تبعا له (فمناولة أو مكاتبة) بال إجازة إن قال معها هذا من مساعي (فإعالم) بال إجازة كأن يقول هذا‬
‫الكتاب من مسموعايت على فالن‪( .‬فوصية) كأن يوصي بكتاب إىل غريه لريويه عنه عند سفره أو موته‪( .‬فوجادة) كأن جيد حديثا أو‬
‫كتابا خبط شيخ معروف‪.‬‬
‫( واملختار جواز الرواية باملذكورات) التصريح هبذا من زياديت والقول بامتناع الرواية باألربعة اليت قبل الوجادة مردود بأهنا أرفع من‬
‫الوجادة والرواية هبا جائزة عند الشافعي وغريه‪ ،‬فاألربعة أوىل‪( .‬ال إجازة من يوجد من نسل فالن)فال جيوز‪ ،‬وقيل جتوز‪ ،‬وقيل ال جتوز‬
‫الرواية باإلجازة بأقسامها‪ ،‬وقيل ال جتوز يف العامة‪ ،‬أما إجازة من توجد من غري قيد فممنوعة كما فهم باألوىل وصرح به األصل‪ ،‬ونقل‬
‫علي حدثين قرأت عليه قرىء عليه‪ ،‬وأنا‬
‫يف اإلمجاع‪( .‬وألفاظ األداء من صناعة احملدثني) فلتطلب منهم ومنها على ترتيب ما مر أملىـ ّ‬
‫إيل وجدت خبطه وقد أوضحت‬ ‫أمسع أخربين إجازة ومناولة أو مكاتبة أخربين إجازة أنبأين مناولة أو مكاتبة‪ ،‬أخربين إعالما أوصى ّ‬
‫الكالم على ذلك مع مراتب التحمل يف شرح ألفية العراقي‪ ،‬وقويل أو مكاتبة يف املوضعني مع إفادة تأخر احلديث عن اإلمالء من‬
‫زياديت‪.‬‬

‫( ‪)1/102‬‬

‫الكتاب الثالث يف اإلمجاع ‪:‬‬


‫وهو اتفاق جمتهدي األمة بالقول أو الفعلـ أو التقرير‪( .‬بعد وفاة حممد) صلى اهلل عليه وسلّم (يف عصر على أي أمر) كان من ديين‬
‫ودنيوي وعقلي ولغوي كما سيأيت بيانه‪( .‬ولو بال إمام معصوم)‪ .‬وقالت الروافض ال بد منه وال خيلو الزمان عنه وإن مل تعلم عينه‬
‫واحلجة يف قوله فقط وغريه تبع له‪( .‬أو) بال (بلوغ عدد تواتر) لصدق جمتهد األمة بدونه‪ ،‬وقيل يشرتط نظرا للعادة‪( .‬أو) بال (عدول)‬
‫بناء على أن العدالة ليست ركنا يف اجملتهد وهو األصح‪ ،‬وقيل يعتربون بناء على أهنا ركن فيه فعليه ال يعترب وفاق الفاسق‪ ،‬وقيل يعترب يف‬
‫حق نفسه دون غريه‪ ،‬وقيل يعترب إن بني مأخذه يف خمالفته‪ ،‬خبالف ما إذا مل يبينه إذ ليس عنده ما مينعه أن يقول شيئا من غري دليل‪.‬‬
‫خيتص اإلمجاع بالصحابة لصدق جمتهدي األمة يف عصر بغريهم‪ .‬وقالت الظاهرية خيتص هبم لكثرة‬ ‫(أو) كان اجملتهد (غري صحايب) فال ّ‬
‫غريهم كثرة ال تنضبط فيبعد اتفاقهم على شيء‪( .‬أو قصر الزمن) كأن مات اجملمعون عقب إمجاعهم خبرور سقف عليهم‪ ،‬وقيل يشرتط‬
‫طوله يف اإلمجاع الظين خبالف القطعي‪( .‬فعلم) من احلد زيادة على ما مر‪( .‬اختصاصه) أي اإلمجاع (باجملتهدين) بأن ال يتجاوزهم إىل‬
‫اخلفي كدقائق الفقه‪،‬‬
‫غريهم‪( .‬فال عربة باتفاق غريهم قطعا وال بوفاقه هلم يف األصح)‪ .‬وقيل يعترب مطلقا‪ ،‬وقيل يعترب يف املشهور دون ّ‬
‫وقيل يعترب وفاق األصويل هلم يف الفروع لتوقف استنباطها على األصول‪ .‬قلنا هو غري جمتهد بالنسبة إليها‪( .‬و) علم اختصاصه‬
‫(باملسلمني) ألن اإلسالم شرط يف اجملتهد املأخوذ يف حده فال عربة بوفاق الكافر ولو ببدعة وال خبالفه‪( .‬و) علم (أنه ال بد من الكل)‬
‫أي وفاقهم ألن إضافة جمتهد إىل األمة تفيد العموم (وهو األصح) فيضر خمالفة الواحد ولو تابعيا بأن كان جمتهدا وقت اتفاق الصحابة‪،‬‬
‫وقيل يضر خمالفة االثنني دون الواحد‪ ،‬وقيل خمالفة الثالثة دون األقل منهم‪ ،‬وقيل من بلغ عدد التواتر دون من مل يبلغه إذا كان غريهم‬
‫أكثر منه‪ ،‬وقيل يكفي اتفاق كل‬
‫من أهل مكة وأهل املدينة وأهل احلرمني‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬فعلمـ أن اتفاق كل من هؤالء ليس حبجة يف األصح وهو ما صرح به األصل‪،‬‬
‫ألنه اتفاق بعض جمتهدي األمة ال كلهم‪( .‬و) علم (عدم انعقاده يف حياة حممد) صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬ألنه إن وافقهم فاحلجة يف قوله‬
‫وإال فال اعتبار بقوهلم دونه‪( .‬و) علم (أنه لو مل يكن) يف العصر (إال) جمتهد (واحد مل يكن قوله إمجاعا) إذ أقل ما يصدق به اتفاق‬
‫جمتهد األمة اثنان‪( .‬وليس) قوله (حجة على املختار) النتفاء اإلمجاع عن الواحد‪ ،‬وقيل حجة وإن مل يكن إمجاعا الحنصار االجتهاد فيه‪.‬‬
‫(و) علم (أن انقراض) أهل (العصر) مبوهتم (ال يشرتط) يف انعقاد اإلمجاع لصدق حده مع بقاء اجملمعني ومعاصريهم وهو األصح كما‬
‫سيأيت‪ ،‬وقيل يشرتط انقراضهم‪ ،‬وقيل غالبهم‪ ،‬وقيل علماؤهم‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬و) علم (أنه) أي اإلمجاع (قد يكون عن قياس) ألن‬
‫االجتهاد املأخوذ يف حد ال ب ّد له من مستند كما سيأيت‪ ،‬والقياس من مجلته‪( .‬وهو األصح)‪ .‬وقيل ال جيوز أن يكون عن قياس‪ ،‬وقيل‬
‫جيوز يف اجللي دون اخلفي‪ ،‬وقيل جيوز لكنه مل يقع‪ ،‬وذلك ألن القياس لكونه ظنيا يف األغلبـ جيوز خمالفته ألرجح منه‪ ،‬فلو جاز‬
‫اإلمجاع عنه جلاز خمالفة اإلمجاع‪ .‬قلنا إمنا جيوز خمالفة القياس إذا مل جيمع على ما ثبت به‪ ،‬وقد أمجع على حترمي أكل شحم اخلنزير قياسا‬
‫على حلمه‪( .‬فيهما) أي ما ذكر هو األصح يف املسألتني كما تقرر‪( .‬و) علم (أن اتفاق) األمم (السابقني) على أمة حممد صلى اهلل عليه‬
‫وسلّ م (غري إمجاع وليس حجة) يف ملته (يف األصح) الختصاص دليل حجية اإلمجاع بأمته خلرب ابن ماجة وغريه «إن أميت ال جتتمع على‬
‫ضاللة»‪ .‬وقيل إنه حجة بناء على أن شرعهم شرع لنا وسيأيت بيانه‪( .‬و)علم (أن اتفاقهم) أي اجملتهدين يف عصر‪( .‬على أحد قولني)‬
‫هلم (قبل استقرار اخلالف) بينهم بأن قصر الزمن بني االختالف واالتفاق (جائز ولو) كان االتفاق (من احلادث بعد ذوي القولني) بأن‬
‫ماتوا ونشأ غريهم لصدق‬
‫حد اإلمجاع بكل من االتفاقني‪ ،‬وجلواز أن يظهر مستند جلى جيتمعون عليه‪ ،‬وقد أمجعت الصحابة على دفنه صلى اهلل عليه وسلّم يف‬
‫بيت عائشة بعد اختالفهم الذي مل يستقر‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/103‬‬

‫وكذا اتفاق هؤالء) أي ذوي القولني (ال من بعدهم بعده) أي بعد استقرار اخلالف بأن طال زمنه فإنه جائز ال اتفاق من بعدهم‪( .‬يف‬
‫األصح) أما األول فلصدق حد اإلمجاع به وهذا ما صححه النووي يف شرح مسلم‪ ،‬وقيل ال ألن استقرار اخلالف بينهم يتضمن اتفاقهم‬
‫على جاز األخذ بكل من شقي اخلالف باجتهاد أو تقليد‪ ،‬فيمتنع اتفاقهم على أحدمها‪ .‬قلنا تضمن ما ذكر مشروط بعدم االتفاق على‬
‫أحدمها فإذا وجد فال اتفاق قبله‪ ،‬وقيل جيوز إال أن يكون مستندهم يف االختالف قاطعا‪ ،‬فال جيوز حذرا من إلغاء القاطع واخلالف مبين‬
‫على أنه ال يشرتط انقراض العصر‪ ،‬فإن اشرتط جاز االتفاق مطلقاـ قطعا والرتجيح من زياديت‪ ،‬وأما الثاين فألنه لو انقدح وجه يف‬
‫سقوط اخلالف لظهر للمختلفني لطول زمنه‪ ،‬وقيل جيوز جلواز ظهور سقوطه لغري املختلفني دوهنم‪( .‬و) علم (أن التمسك بأقل ما قيل)‬
‫من أقوال العلماء حيث ال دليل سواه (حق) ألنه متسك مبا أمجع عليه مع كون األصل عدم وجوب ما زاد عليه كاختالف العلماء يف‬
‫دية الذمي الكتايب‪ ،‬فقيل كدية املسلم‪ ،‬وقيل كنصفها‪ ،‬وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي لذلك‪ ،‬فإن دل دليل على وجوب األكثر أخذ به‬
‫كغسالتـ ولوغ الكلب قيل إهنا ثالث‪ ،‬وقيل سبع ودل عليه خري الصحيحني فأخذ به‪( .‬و) علم (أنه) أي اإلمجاع قد (يكون يف ديين)‬
‫كصالة وزكاة (ودنيوي) كتدبري اجليوش وأمور الرعية‪( .‬وعقليـ ال تتوقف صحته) أي اإلمجاع (عليه) كحدوث العامل ووحدة الصانع‪،‬‬
‫فإن توقفت صحة اإلمجاع عليه كثبوت الباري والنبوة مل حيتج فيه باالمجاع وإال لزم الدور‪( .‬ولغوي) من زياديت ككون الفاء للتعقيب‪.‬‬
‫(و) علم (أنه) أي اإلمجاع (ال بد له من مستند) أي دليل‪ ،‬وإال مل يكن لقيد االجتهاد املأخوذ‬
‫يف حده معىن‪( .‬وهو األصح) ألن القول يف األحكام بال مستند خطأ‪ ،‬وقيل جيوز حصوله بغري مستند بأن يلهموا االتفاق على صواب‬
‫هذا كله يف االمجاع القويل‪( .‬أما السكويت بأن يأيت بعضهم) أي بعض اجملتهدين‪( .‬حبكم ويسكت الباقون عنه وقد علموا به وكان‬
‫السكوت جمردا عن أمارة رضا وسخط) بضم السني وإسكان اخلاء وبتفحهما خالف الرضا‪( .‬واحلكم اجتهادي تكليفي ومضى مهلة‬
‫النظر عادة فإمجاع وحجة يف األصح) ألن سكوت العلماء يف مثل ذلك يظن منه املوافقة عادة‪ ،‬وقيل ليس بإمجاع وال حجة الحتمال‬
‫السكوت لغري املوافقة كاخلوف واملهابة والرتدد يف احلكم‪ ،‬وعزى هذا للشافعي‪ ،‬وقيل ليس بإمجاع بل حجة الختصاص مطلقـ اسم‬
‫االمجاع عند هذا القائل بالقطعي‪ ،‬أي املقطوع فيه باملوافقة وإن كان هو عنده إمجاعا حقيقة كما يفيده كونه حجة عنده‪ ،‬وقيل حجة‬
‫بشرط االنقراض‪ ،‬وقيل حجة إن كان فتيا ال حكما ألن الفتيا يبحث فيها عادة فالسكوت عنها رضا خبالف احلكم‪ ،‬وقيل عكسه‬
‫لصدور احلكم عادة بعد البحث مع العلماء واتفاقهم خبالف الفتيا‪ ،‬وقيل حجة إن كان الساكتون أقل من القائلني‪ ،‬وقيل غري ذلك‬
‫وخرج مبا ذكر ما لو مل يعلم الساكتون باحلكم‪ ،‬فليس من حمل اإلمجاع السكويت وليس حبجة الحتمال أن ال يكون خاضوا يف‬
‫اخلالف‪ ،‬وقيل حجة لعدم ظهور خالف فيه‪ ،‬وقيل غري ذلك وترجيح عدم حجيته من زياديت وهو ما عليه األكثر‪ ،‬وإن اقتضى كالم‬
‫األصل ترجيح حجته‪ ،‬وخرج أيضا ما لو اقرتن السكوت بأمارة الرضا فإمجاع قطعا أو بأمارة السخط فليس بإمجاع قطعا‪ ،‬وما لو كان‬
‫احلكم قطعيا ال اجتهاديا أو مل يكن تكليفيا حنو عمار أفضلـ من حذيفة أو عكسه فالسكوت على القول‪ ،‬خبالف املعلوم يف األوىل‬
‫وعلى ما قيل يف الثانية ال يدل على شيء وما مل ميض زمن مهلة النظر عادة فال يكون ذلك إمجاعا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/104‬‬

‫(مسألة األصح إمكانه) أي اإلمجاع‪ ،‬وقيل ال ميكن عادة كاإلمجاع على أكل طعام واحد‪ ،‬وقول كلمة واحدة يف وقت واحد‪ .‬قلنا هذا‬
‫ال جامع هلم عليه الختالف شهواهتم ودواعيهم‪ ،‬خبالف احلكم الشرعي‪ ،‬إذ جيمعهم عليه الدليل الذي يتفقون على مقتضاه‪( .‬و)‬
‫األصح (أنه) بعد إمكانه (حجة) شرعية (وإن نقل آحادا) قال تعاىل {ومن يشاقق الرسول) اآلية‪ ،‬توعد فيها على اتباع غري سبيل‬
‫املؤمنني فيجب اتباع سبيلهم وهو قوهلم أو فعلهم فيكون حجة وقيل ال لقوله تعاىل {فإن تنازعتم يف شيء فردوه إىل اهلل والرسول}‬
‫اقتصر على الرد إىل الكتاب والسنة‪ .‬قلنا وقد دل الكتاب على حجيته كما مر آنفا‪ ،‬وقيل ال إال إن نقل آحادا ألنه قطعي فال يثبت خبرب‬
‫الواحد‪( .‬و) األصح (أنه) بعد حجيته (قطعي) فيها (إن اتفق املعتربون) على أنه إمجاع (ال إن اختلفوا) يف ذلك (كالسكويت) فإنه ظين‪،‬‬
‫وقيل ظين مطلقا‪ ،‬إذ اجملمعون عن ظن ال ميتنع خطؤهم واإلمجاع عن قطع غري حمقق (وخرقه) أي إمجاع القطعي وكذا الظين عند من‬
‫اعتربه باملخالفة (حرام) للتوعد عليه بالتوعد على اتباع غري سبيل املؤمنني يف اآلية السابقة‪( .‬فعلم) من حرمة خرقه (حترمي إحداث) قول‬
‫(ثالث) يف مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولني (و) إحداث (تفصيل) بني مسألتني مل يفصل بينهما أهل عصر‪( .‬إن خرقاه) أي إن‬
‫خرق الثالث والتفصيل اإلمجاع بأن خالفا ما اتفق عليه أهل عصر‪ ،‬خبالف ما إذا مل خيرقاه‪ ،‬وقيل مها خارقان مطلقا‪ ،‬ألن االختالف‬
‫على قولني يستلزم االتفاق على امتناع العدول عنهما وعدم التفصيل بني مسألتني يستلزم االتفاق على امتناعه‪ .‬قلنا االستلزام ممنوع‬
‫فيهما مثال الثالث خارقا ما قيل إن األخ يسقط اجلد‪ ،‬وقد اختلفتـ الصحابة فيه على قولني قيل يسقط باجلد‪ ،‬وقيل يشاركه كأخ‬
‫فإسقاط اجل ّد به خارق ملا اتفق عليه القوالن من أن له نصيبا‪ ،‬ومثاله غري خارق ما قيل إنه حيل مرتوك التسمية سهوآ ال عمدا‪ ،‬وعليه‬
‫احلنفي‪ ،‬وقيل حيل مطلقا‪ ،‬وعليه الشافعي‪ ،‬وقيل حيرم مطلقا‪ ،‬فالفارق موافق ملن مل يفرق يف بعض ما قاله‪ ،‬ومثال التفصيل خارقا ما لو‬
‫قيل بتوريث العمة دون اخلالة أو عكسه‪ ،‬وقد اختلفوا يف توريثهما مع اتفاقهم على أن العلة فيه أو يف عدمه كوهنما من ذوي األرحام‪،‬‬
‫احللي املباح‪ ،‬وقيل جتب‬
‫فتوريث إحدامها دون األخرى خارق لالتفاق‪ ،‬ومثاله غري خارق ما‪ .‬قلنا إنه جتب الزكاة يف مال الصيب دون ّ‬
‫فيهما وقيل ال جتب فيهما فاملفصل موافق ملن مل يفصل يف بعض ما قاله‪.‬‬
‫( و) علم (أنه جيوز إحداث) أي إظهار (دليل) حلكم (أو تأويل) لدليل ليوافق غريه (أو علة) حلكم غري ما ذكروه من الدليل والتأويل‪،‬‬
‫والعلة جلواز تعدد املذكورات (إن مل خيرق) ما ذكروه خبالف ما إذا خرقه بأن قالوا ال دليل وال تأويل وال علة غري ما ذكرناه‪ ،‬وقيل ال‬
‫جيوز إحداث ذلك مطلقا ألنه من غري سبيل املؤمنني املتوعد على اتباعه يف اآلية‪ .‬قلنا املتوعد عليه ما خالف سبيلهم ال ما مل يتعرضوا له‬
‫كما حنن فيه (و) علم (أنه ميتنع ارتداد األمة) يف عصر (مسعا) خلرقه إمجاع من قبلهم على وجوب استمرار اإلميان‪ .‬وقيل ال ميتنع مسعا ال‬
‫ميتنع عقالً قطعا (ال اتفاقها) أي األمة يف عصر (على جهل ما) أي شيء (مل تكلف به) بأن مل تعلمه كالتفضيل بني عمار وحذيفة فال‬
‫ميتنع إذ ال خطأ فيه لعدم التكليف به‪ ،‬وقيل ميتنع وإال لكان اجلهل سبيالً هلا فيجب اتباعها فيه وهو باطل‪ .‬قلنا مينع أنه سبيل هلا إذ سبيل‬
‫الشخصـ ما خيتاره من قول أو فعل ال ما ال يعلمه أما اتفاقها على جهل ما كلفت به فممتنع قطعا (وال انقسامها) أي األمة (فرقتني) يف‬
‫كل من مسألتني متشاهبتني (كل) من الفرقتني (خيطىء يف مسألة) من املسألتني كاتفاق إحدى الفرقتني على وجوب الرتتيب يف الوضوء‬
‫وعلى عدم وجوبه يف الصالة الفائتة‪ ،‬واألخرى على العكس‪ ،‬فال ميتنع نظرا يف ذلك إىل أنه مل خيطىء إال بعضها بالنظر إىل كل مسألة‬
‫على حدهتا‪ ،‬وقيل ميتنع نظرا إىل أهنا أخطأت يف جمموع املسألتني واخلطأ منفي عنها باخلرب السابق‪ ،‬والتصحيح يف هذه العلوم مما يأيت من‬
‫زياديت (و) علم (أن اإلمجاع ال يضاد إمجاعا) أي ال جيوز انعقاده على ما يضاد ما انعقد عليه إمجاع‪( .‬قبله) الستلزامه تعارض قاطعني‪،‬‬
‫األو ل مغيا بالثاين‪( .‬وهو األصح يف الكل) أي كل من املسائل الست كما تقرر‪( .‬وال يعارضه) أي‬ ‫وقيل جيوز إذ ال مانع من كون ّ‬
‫قطعي‪( .‬دليل) قطعي وال ظين‪ ،‬إذ ال تعارض بني قاطعني الستحالته‪ ،‬إذ‬ ‫اإلمجاع بناء على األصح أنه ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/105‬‬

‫التعارض بني شيئني يقتضي خطأ أحدمها‪ ،‬وال بني قاطع ومظنون إللغاء املظنون يف مقابلة القاطع‪ ،‬أما اإلمجاع الظين فيجوز معارضته‬
‫بظين آخر‪( .‬وموافقته) أي اإلمجاع (خربا ال تدل على أنه عنه) جلواز أن يكون عن غريه ومل ينقل لنا استغناء بنقل اإلمجاع عنه (لكنه)‬
‫أي كونه عنه هو (الظاهر إن مل يوجد غريه) مبعناه‪ ،‬إذ ال بد له من مستند كما مر‪ ،‬فإن وجد فال جلواز أن يكون اإلمجاع عن ذلك‬
‫الغري‪ ،‬وقيل موافقته له تدل على أنه عنه قال بعضهم وحمل اخلالف يف خرب الواحد أما املتواتر فهو عنه بال خالف وفيه نظر‪.‬‬

‫( ‪)1/106‬‬

‫خامتة ‪.‬‬
‫(جاحد جممع عليه معلومـ من الدين ضرورة) وهو ما يعرفه منه اخلواص والعوام من غري قبول تشكيك كوجوب الصالة والصوم وحرمة‬
‫الزنا واخلمر‪( .‬كافر) قطعا (إن كان فيه نص) ألن جحده يستلزم تكذيب النيب صلى اهلل عليه وسلّم فيه وما أومهه كالم اآلمدي‪ ،‬ومن‬
‫نص جادحه كافر‪( .‬يف األصح) ملا مر‪ ،‬وقيل ال لعدم النص وخرج باجملمع‬
‫تبعه من أن فيه خالفا ليس مبراد هلم‪( .‬وكذا إن مل يكن) فيه ّ‬
‫عليه غريه‪ ،‬وإن كان فيه نص‪ ،‬وباملعلوم ضرورة غريه كفساد احلج بالوطء قبل الوقوف‪ ،‬وإن كان فيه نص كاستحقاق بنت االبن‬
‫السدس مع البنت لقضاء النيب صلى اهلل عليه وسلّم به‪ ،‬كما رواه البخاري وبالدين اجملمع عليه املعلوم من غريه ضرورة كوجود بغداد‪،‬‬
‫فال يكفر جاحدها وال جاحد شيء منها‪ ،‬وإن اشتهر بني الناس هذا حاصل ما يف الروضة كأصلها يف باب الردة وهو املعتمد‪ ،‬وإن‬
‫خالفه ما يف األصل كما أوضحته يف احلاشية‪.‬‬

‫( ‪)1/107‬‬

‫الكتاب الرابع يف القياس‬


‫متصور أي إحلاقه به يف حكمه‪( .‬ملساواته)‬
‫من األدلة الشرعية‪( .‬وهو) لغة التقدير واملساواة‪ .‬واصطالحا‪( .‬محل معلومـ على معلوم) مبعىن ّ‬
‫له (يف علة حكمه) بأن توجد بتمامها يف احملمول (عند احلامل) وهو اجملتهد مطلقا أو مقيدا وافق ما يف نفس األمر أو ال‪ ،‬بأن ظهر‬
‫غلطه‪ ،‬فتناول احلد القياس الفاسد كالصحيح‪( .‬وإن خص) احملدود (بالصحيح حذف) من احل ّد (األخري) وهو عند احلامل فال يتناول‬
‫حينئذ إال الصحيح النصراف املساواة املطلقةـ إىل ما يف نفس األمر والفاسد قبل ظهور فساده معمول به كالصحيح‪ .‬وح ّد شيخنا‬
‫األول‬
‫الكمال ابن اهلمام القياس بأنه مساواة حمل آلخر يف علة حكم شرعي له‪ ،‬وهو ال يشمل غري الشرعي‪ ،‬لكنه أخصر من احل ّد ّ‬
‫األول من أن احلمل فعل اجملتهد فيكون القياس فعله مع أنه دليل‬‫مر بيانه وسامل مما أورد على ّ‬
‫وأقرب إىل مدلول القياس اللغوي الذي ّ‬
‫نصبه الشرع نظر فيه اجملتهد أو ال‪ ،‬كالنص لكن جواب اإليراد أنه ال تنايف بني كونه فعل اجملتهد ونصب الشارع إياه دليالً‪( .‬وهو) أي‬
‫القياس (حجة يف األمور الدنيوية) كاألغذية‪( .‬وكذا يف غريها) كالشرعية (يف األصح) لعمل كثري من الصحابة به متكررا شائعا مع‬
‫سكوت الباقني الذي هو يف مثل ذلك من األصول العامة وفاق عادة‪ ،‬ولقوله تعاىل {فاعتربوا} واالعتبار قياس الشيء بالشيء فيجوز‬
‫جلي‪ ،‬وقيل ميتنع يف احلدود والكفارات والرخص‬ ‫القياس يف ذلك‪ ،‬وقيل ميتنع فيه عقالً‪ ،‬وقيل شرعا‪ ،‬وقيل ميتنع فيه إن كان غري ّ‬
‫األو ل فو جائز فيما ذكر‪( .‬إال يف العادية واخللقية) أي اليت ترجع إىل العادة واخللقة كأقل احليض‬
‫والتقديرات‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬واألصح ّ‬
‫أو النفاس أو احلمل وأكثره فيمتنع ثبوهتا بالقياس يف األصح‪ ،‬ألهنا ال يدرك املعىن فيها‪ ،‬بل يرجع فيها إىل قول من يوثق به‪ ،‬وقيل جيوز‬
‫ألنه قد يدرك املعىن فيها‪( .‬وإال يف كل األحكام) فيمتنع ثبوهتا بالقياس يف األصح‪ ،‬ألن منها ما ال يدرك معناه كوجوب الدية على‬
‫العاقلة‪ ،‬وقيل جيوز‬
‫حىت إن كالً من األحكام صاحل ألن يثبت بالقياس بأن يدرك معناه ووجوب الدية على العاقلة له معىن يدرك‪ ،‬وهو إعانة اجلاين فيما هو‬
‫معذور فيه‪ ،‬كما يعان الغارم ألصالح ذات البني مبا يصرف إليه من الزكاة‪.‬‬
‫( وإال القياس على منسوخ فيمتنع) فيه‪( .‬يف األصح) الكتفاء اعتبار اجلامع بالنسخ وقيل جيوز فيه‪ ،‬ألن القياس مظهر حلكم الفرع‬
‫الكمني ونسخ األصل ليس نسخا للفرع‪ ،‬وقويل من زياديت فيمتنع تنبيه على أن اخلالف‪ ،‬إمنا هو يف امتناع القياس ال يف عدم حجيته‪.‬‬
‫(وليس النص عل العلة) حلكم ولو يف جانب الكف‪( .‬أمرا بالقياس) أي ليس أمرا به (يف األصح) ال يف جانب الفعل غري الكف كأكرم‬
‫زيدا لعلمه‪ ،‬وال يف جانب الكف حنو اخلمر حرام إلسكارها‪ ،‬وقيل إنه أمر به يف اجلانبني‪ ،‬إذ ال فائدة لذكر العلة إال ذلك‪ .‬قلنا ال نسلم‬
‫احلصر جلواز كون الفائدة بيان مدرك احلكم ليكون أوقع يف النفس‪ ،‬وقيل إنه أمر به يف جانب الكف دون غريه ألن العلة يف الكف‬
‫املفسدة‪ ،‬وإمنا حيصل الغرض من انعدامها بالكف عن كل فرد مما تصدق عليه العلة والعلة يف غريه املصلحة‪ ،‬وحيصل الغرض من‬
‫حصوهلا بفرد‪ .‬قلنا قوله عن كل فرد إىل آخره ممنوع‪ ،‬بل يكفي الكف عن كل فرد مما يصدق عليه حمل املعلل‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/108‬‬

‫( وأركانه) أي القياس (أربعة) مقيس عليه ومقيس ومعىن مشرتك بينهما وحكم للمقيس عليه يتع ّدى بواسطة املشرتك إىل املقيس‪.‬‬
‫(األول) وهو املقيس عليه (األصل) أي يسمى به كما يسمى املقيس بالفرع كما سيأيت‪ ،‬ولكون حكم األصل غري حكم الفرع باعتبار‬
‫احملل‪ ،‬وإن كان عينه باحلقيقة صح تفرع الثاين على األول باعتبار دليلهما وعلم اجملتهد هبما ال باعتبار ما يف نقس األمر‪ ،‬إذ األحكام‬
‫قدمية وال تفرع يف القدمي‪( .‬واألصح أنه) أي األصل املقيس عليه (حمل احلكم املشبه به) بالرفع صفة احملل أي املقيس عليه‪ ،‬وقيل هو‬
‫حكم احملل‪ ،‬وقيل دليل احلكم (و) األصح (أنه ال يشرتط) يف األصل املذكور (دال) أي دليل (على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه‬
‫وال االتفاق على وجود العلة فيه) وقيل يشرتطان فعلى اشرتاط األول ال يقاس يف مسائل البيع مثالً إال إذا قام دليل على جواز القياس‬
‫فيه بنوعه أو شخصه وعلى اشرتاط الثاين ال يقاس فيما اختلف يف وجود العلة فيه‪ ،‬بل ال ب ّد من االتفاق على ذلك بعد االتفاق على أن‬
‫حكم األصل معلل‪ ،‬وكل منهما مردود بأنه ال دليل عليه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/109‬‬

‫(الثاين ) من أركان القياس (حكم األصل وشرطه ثبوته بغري قياس ولو إمجاعا) إذ لو ثبت بقياس كان القياس الثاين عند احتاد العلة لغو‬
‫لالستغناء عنه بقياس الفرع فيه على األصل يف األول‪ ،‬وعند اختالفها غري منعقد لعدم اشرتاك األصل‪ ،‬والفرع فيه يف علة احلكم‪،‬‬
‫الرب يف الربوية جبامع الطعم مث قياس السفرجلـ على التفاح‪ ،‬فيما ذكر‪ .‬وهو لغو لالستغناء عنه بقياس‬
‫فاالحتاد كقياس التفاح على ّ‬
‫السفرجلـ على الرب واالختالف كقياس الرتق‪ ،‬وهو انسداد حمل الوطء على جب الذكر يف فسخ النكاح جبامع فوات التمتع‪ ،‬مث قياس‬
‫اجلذام على الرتق فيما ذكر وهو غري منعقد‪ ،‬ألن فوات التمتع غري موجود فيه‪ ،‬وقيل ال يثبت بإمجاع أيضا ال أن يعلم أن مستنده نص‬
‫ورد بأنه ال دليل عليه وال يضر احتمال أن يكون اإلمجاع عن قياس‪ ،‬ألن كون حكم األصل حينئذ عن قياس مانع‬ ‫ليستند القياس إليه‪ّ ،‬‬
‫من القياس‪ ،‬واألصل عدم املانع‪( .‬وكونه غري متعبد به بالقطع) أي اليقني (يف قول) ألن ما تعبد فيه باليقني إمنا يقاس على حمله ما يطلب‬
‫ورد بأنه يفيده إذا علم حكم األصل وما هو العلة فيه ووجودها يف الفرع‪ ،‬وزدت يف قول‬ ‫فيه اليقني كالعقائد والقياس ال يفيد اليقني‪ّ ،‬‬
‫ليوافق ما رجحته كاألصل قبل من جواز القياس يف العقليات‪( .‬وكونه من جنس احلكم الفرع) فيشرتط كونه شرعيا إن كان املطلوب‬
‫إثباته حكما شرعيا وكونه عقليا إن كان املطلوب إثباته حكما عقليا وكونه لغويا إن كان املطلوب إثباته حكما لغويا (وأن ال يعدل)‬
‫أي حكم األصل (عن سنن القياس) فما عدل عن سننه أي خرج عن طريقه ال يقاس على حمله لتعذر التعدية حينئذ كشهادة خزمية بن‬
‫ثابت وحده‪ ،‬فال يقاس به غريه‪ ،‬وإن فاته رتبة كالصديق رضي اهلل عنه وقصة شهادته رواها ابن خزمية‪ ،‬وحاصلها أن النيب صلى اهلل‬
‫علي فشهد عليه خزمية أي وحده‪ ،‬فقال له النيب صلى اهلل عليه‬‫عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرايب فجحده البيع‪ ،‬وقال هلم شهيدا يشهد ّ‬
‫وسلّم ما محلك على هذا ومل‬
‫تكن حاضرا؟ فقال صدقتك مبا جئت به وعلمت أنك ال تقول إال حقا‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلّم «من شهد له خزمية أو شهد عليه‬
‫فحسبه»‪ .‬ورواها أبو داود أيضا وقال فجعلـ النيب صلى اهلل عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلني‪( .‬و) أن (ال يكون دليله) أي دليل حكم‬
‫األصل (شامالً حلكم الفرع) لالستغناء به حينئذ عن القياس‪ ،‬مع أنه ليس جعل بعض الصور املشمولة أصالً لبعضها أوىل من العكس‪،‬‬
‫كما لو استدل على ربوية الرب خبرب مسلم «الطعام بالطعام مثالً مبثل» مث قيس عليه الذرة جبامع الطعم فإن الطعام يشمل الذرة كالرب‬
‫سواء‪ ،‬وسيأيت أنه ال يشرتط يف العلة أن ال يشمل دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه يف األصح‪ ،‬وفارق ما هنا مبا فهم من املعية‬
‫السابقة‪( .‬وكونه) أي حكم األصل (متفقا عليه جزما)‪ ،‬وإال احتيج عند منعه إىل إثباته فينتقل إىل مسألة أخرى‪ ،‬وينتشر الكالم ويفوت‬
‫املقصود‪ ،‬وذلك ممنوع منه إال أن يروم املستدل إثباته فليس ممنوعا كما يعلم مما يأيت (بني اخلصمني فقط يف األصح) ألن البحث ال‬
‫يعدومها وقيل بني كل األمة حىت ال يتأتى املنع أصالً‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/110‬‬

‫واألصح أنه ال يشرتط) مع اشرتاط اتفاق اخلصمني فقط (اختالف األمة) غريمها يف احلكم‪ ،‬بل جيوز اتفاقهم عليه كهما‪ ،‬وقيل يشرتط‬
‫اختالفهم فيه ليتأتى للخصمـ منعه‪ ،‬إذ ال يتأتى له منع املتفق عليه‪ ،‬وجياب بأنه يتأتى له منعه من حيث العلة كما هو املراد‪ ،‬وإن مل يتأت‬
‫له منعه من حيث هو (فإن اتفقا عليه مع منع اخلصم أن علته كذا) كما يف قياس حلى البالغة على حلى الصبية يف عدم وجوب الزكاة‪،‬‬
‫فإن عدمه يف األصل متفق عليه بيننا وبني احلنفي‪ ،‬والعلة فيه عندنا كونه حليا مباحا وعنده كونه مال صبية‪( .‬و) القياس املشتمل على‬
‫احلكم املذكور (مركب األصل)‪ .‬مسي به لرتكيب احلكم فيه أي بنائه على عليت األصل بالنظر للخصمني‪( .‬أو) اتفقا عليه مع منع‬
‫اخلصم (وجودها يف األصل) كما يف قياس إن نكحت فالنة فهي طالق على فالنة اليت أنكحها طالق يف عدم وقوع الطالق بعد النكاح‪،‬‬
‫فإن عدمه يف األصل متفق عليه بيننا وبني احلنفي والعلة تعليق الطالق قبل متلكه‪ ،‬واحلنفي مينع وجودها يف األصل ويقول هو تنجيز‪.‬‬
‫(فـ)ـالقياس املشتمل على احلكم املذكور (مركب الوصف) مسي به لرتكيب احلكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع اخلصم وجوده‬
‫األو ل فإن كان متفقا بينهما‪ ،‬ولكن لعلتني‪ ،‬ويف الثاين لعلة يوهم أن االتفاق ألجل العلتني أو العلة‪ ،‬وليس‬
‫يف األصل‪ ،‬وقول األصل يف ّ‬
‫األول‪،‬‬
‫مرادا فتعبريي مبا ذكر سامل من ذلك‪( .‬وال يقبالن) أي القياسان املذكوران (يف األصح) ملنع اخلصم وجود العلة يف الفرع يف ّ‬
‫ويف األصل يف الثاين‪ ،‬وقيل يقبالن نظر االتفاق اخلصمني على حكم األصل‪( .‬ولو سلم) اخلصم (العلة) للمستدل أي سلم أهنا ما‬
‫ذكره )فأثبت املستدل وجودها) حيث اختلفا فيه (أو سلمه) أي سلم وجودها‪( .‬اخلصم انتهض الدليل) عليه العرتافه بوجودها يف‬
‫الثاين‪ ،‬وقيام الدليل عليه يف األول‪( .‬وإن مل يتفقا) أي اخلصمان (عليه و) ال (على علته ورام املستدل إثباته) بدليل‪( .‬مث) إثبات (العلة)‬
‫بطريق‪( ،‬فاألصح قبوله) يف‬
‫ذلك ألن إثباته كاعرتاف اخلصم به‪ ،‬وقيل ال يقبل بل ال بد من اتفاقهما عليهما صونا للكالم عن االنتشار (واألصح) أنه (ال يشرتط)‬
‫يف القياس (االتفاق) أي االمجاع (على أن حكم األصل معللـ أو النص على العلة) املستلزم لتعليله‪ ،‬إذ ال دليل على اشرتاط ذلك بل‬
‫يكفي إثبات التعليلـ بدليل‪ ،‬وقيل يشرتط ذلك‪ ،‬وقد مر أنه ال يشرتط االتفاق على أن علة حكم األصل كذا على األصح‪ ،‬وإمنا فرقت‬
‫كاألصل بني املسألتني ملناسبة احمللني‪ ،‬وإمنا مل أستغن هبذه عن تلك مع أهنا تستلزمها لبيان املقابل لألصح فيهما ألهنا ال تستلزم املقابل يف‬
‫تلك‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/111‬‬

‫( الثالث) من أركان القياس‪( .‬الفرع وهو احملل املشبه) باألصل (يف األصح)‪ .‬وقيل حكمه وال يأيت قول كاألصل بأنه دليل احلكم ألن‬
‫دليله القياس‪( .‬واملختار قبول املعارضة فيه) أي يف الفرع (مبقتضى نقيض احلكم أو ضده)‪ .‬وقيل ال يقبل‪ ،‬وإال النقلب منصب املناظرة‪،‬‬
‫إذ يصري املعرتض مستدالً وبالعكس‪ ،‬وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر املستدل يف دليله إىل غريه‪ .‬قلنا القصد من املعارضة‬
‫مر ‪ .‬وصورهتا يف الفرع أن يقول املعرتض للمستدل ما ذكرت من الوصف‪ ،‬وإن‬ ‫هدم دليل املستدل ال إثبات مقتضاها املؤدي إىل ما ّ‬
‫اقتضى ثبوت احلكم يف الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه أو ضده‪ ،‬فالنقيض حنو املسح ركن يف الوضوء فيسن تثليثه كالوجه‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬فجب‬‫يسن تثليثه كمسح اخلف والضد حنو الوتر واظب عليه ّ‬ ‫فيقول املعارض مسح يف الوضوء‪ ،‬فال ّ‬
‫كالتشهد فيقول املعارض مؤقت بوقت صالة من اخلمس فيسن كالفجر‪ ،‬وخرج باملقتضى لنقيض احلكم أو ضده املعارضة باملقتضى‬
‫خلالف احلكم‪ ،‬فال يقدح لعدم منافاهتا لدليل املستدل كما يقال اليمني الغموس قول يأمث قائله فال يوجب الكفارة‪ ،‬كشهادة الزور‪،‬‬
‫فيقول املعارض قول مؤكد للباطل يظن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور‪( .‬و) املختار يف دفع املعارضة املذكورة زيادة على‬
‫دفعها بكل ما يعرتض به على املستدل ابتداء (دفعها بالرتجيح) لوصف املستدل على وصف املعارض مبرجح مما يأيت يف حمله لتعني‬
‫ورد بأنه‬
‫العمل بالراجح‪ .‬وقيل ال تدفع به ألن املعترب فيها حصول أصل الظن ال مساواته لظن األصل‪ ،‬وأصل الظن ال يندفع بالرتجيح‪ّ .‬‬
‫لو صح ذلك القتضى منع قبول الرتجيح مطلقا وهو خالف االمجاع‪( .‬و) املختار بناء على األول (أنه ال جيب اإلمياء إليه) أي إىل‬
‫الرتجيح (يف الدليل)‪ .‬ابتداء ألن ترجيح وصف املستدل على وصف معارضه خارج عن الدليل‪ ،‬وقيل جيب ألن الدليل ال يتم بدونه دفع‬
‫املعارض‪ .‬قلنا ال معارض حينئذ فال حاجة إىل دفعه قبل وجوده‪.‬‬
‫( وشرطه) أي الفرع (وجود متام العلة) اليت يف األصل (فيه) بال زيادة أو هبا كاإلسكار يف قياس النبيذ باخلمر‪ ،‬واإليذاء يف قياس الضرب‬
‫بالتأفيف فيتع ّد ى احلكم إىل الفرع‪( .‬فإن كانت) أي العلة (قطعية) بأن قطع بكوهنا علة يف األصل وبوجودها يف الفرع كاإلسكار‬
‫واإليذاء فيما مر‪( .‬فقطعي) قياسها حىت كأن الفرع فيه مشله دليل األصل‪ ،‬فإن كان دليله ظنيا فحكم الفرع كذلك‪( .‬أو) كانت‬
‫(ظنية) بأن ظن كوهنا علة يف األصل‪ ،‬وإن قطع بوجودها يف الفرع (فظين وأدون) أي فقياسها ظين وهو قياس األدون والتصريح بأنه‬
‫(برب ) يف باب الربا (جبامع الطعم) فإنه العلة عندنا يف األصل مع احتمال ما قيل إهنا الفوت أو‬
‫ظين من زياديت (كتفاح) أي كقياسه ّ‬
‫الكيل‪ ،‬وليس يف التفاح إال الطعم فثبوت احلكم فيه أدون من ثبوته يف الرب املشتمل على األوصاف الثالثة‪ ،‬واألول الذي هو القطعي‬
‫مر التلويح به‪،‬‬
‫يشمل قياس األوىل واملساوي‪( .‬وأن) أي وشرط الفرع ما ذكر وأن (ال يعارض) أي معارضة ال يتأتى دفعها كما ّ‬
‫والتصريح هبذا من زياديت‪( .‬و) أن (ال يقوم القاطع على خالفه) أي خالف الفرع يف احلكم‪ ،‬إذ ال صحة للقياس يف شيء مع قيام دليل‬
‫مر‬
‫قاطع على خالفه‪( .‬وكذا خرب الواحد) أي وأن ال يقوم خرب الواحد على خالفه (يف األصح) ألنه مقدم على القياس يف األصح كما ّ‬
‫يف حبث اخلرب‪( .‬إال لتجربة) أي مترين (النظر) من املستدل‪ ،‬فيجوز القياس املخالف ألنه صحيح يف نفسه ومل يعمل به ملعارضة ما ذكر‬
‫له‪ ،‬ويدل لصحته قوهلم إذا تعارض النص والقياس قدم النص‪( .‬و) أن (يتحد حكمه) أي الفرع (حبكم األصل) يف املعىن‪ ،‬كما أنه‬
‫مر ‪ ،‬فإن مل يتحد به مل يصح القياس النتفاء حكم األصل عن الفرع‪ ،‬وجواب عدم االحتاد‬ ‫يشرتط يف الفرع وجود متام العلة فيه كما ّ‬
‫فيما ذكر يكون ببيان االحتاد فيه كما يعلم مما يأيت يف حمله كأن يقيس الشافعي ظهار الذمي بظهار املسلم يف حرمة وطء الزوجة‪،‬‬
‫فيقول احلنفي احلرمة يف املسلمـ تنتهي‬
‫بالكفارة‪ ،‬والكافر ليس من أهلها إذ ال ميكنه الصوم منها لفساد نيته فال تنتهي احلرمة يف حقه‪ ،‬فاختلف احلكم‪ ،‬فال يصح القياس فيقول‬
‫الشافعي ميكنه الصوم بأن يسلم مث يصوم ويصح إعتاقه وإطعامه مع الكفر اتفاقا‪ ،‬فهو من أهل الكفارة‪ ،‬فاحلكم متحد‪ ،‬والقياس‬
‫صحيح‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/112‬‬

‫و) أن (ال يتقدم) حكم الفرع (على حكم األصل) يف الظهور للمكلف‪( .‬حيث ال دليل له) غري القياس على املختار‪ ،‬كقياس الوضوء‬
‫بالتيمم يف وجوب النية بتقدير أن ال دليل للوضوء غري القياس فإنه تعبد به قبل اهلجرة‪ ،‬والتيمم إمنا تعبد به بعدها إذ لو جاز تقدم حكم‬
‫الفرع للزم ثبوته حال تقدمه بال دليل‪ ،‬وهو ممتنع ألنه تكليف مبا ال يعلم‪ ،‬نعم إن ذكر إلزاما للخصمـ جاز لقول الشافعي للحنفي القائل‬
‫بوجوب النية يف التيمم دون الوضوء طهارتان أىن يفرتقان الحتاد األصل والفرع يف املعىن‪ ،‬فإن كان له دليل آخر جاز تقدمه النتفاء‬
‫احملذور السابق‪ ،‬وبناء على جواز تع ّد د الدليل‪ ،‬وقيل ال جيوز تقدمه‪( .‬ال ثبوته) أي حكم الفرع (بالنص مجلة) فال يشرتط على املختار‬
‫ورد اشرتاط‬
‫وقيل يشرتط ويطلب بالقياس تفصيله‪ ،‬فلوال العلم بورود مرياث اجل ّد مجلة ملا جاز القياس يف توريثه مع اإلخوة واألخوات‪ّ ،‬‬
‫علي حرام بالطلق والظهار واإليالء حبسب اختالفهم فيه‪ ،‬ومل يوجد فيه نص ال مجلة وال تفصيالً‪( .‬وال‬ ‫ذلك بأن العلماء قاسوا أنت ّ‬
‫انتفاء نص أو إمجاع يوافق) القياس يف احلكم‪ ،‬فال يشرتط‪ ،‬بل جيوز القياس مع موافقتهما أو أحدمها له‪( .‬على املختار) بناء على جواز‬
‫تع ّدد الدليل‪ ،‬وقيل يشرتط انتفاؤمها وإن جاز تع ّدد الدليل نظرا إىل أن احلاجة إىل القياس‪ ،‬إمنا تدعو جواز تع ّدد الدليل‪ ،‬وقيل يشرتط‬
‫انتفاؤمها وإن جاز تع ّد د الدليل نظرا إىل أن احلاجة إىل القياس‪ ،‬إمنا تدعو عند فقد النص واإلمجاع‪ ،‬قلنا أدلة القياس مطلقة عن اشرتاط‬
‫ذلك‪ ،‬وعلى األول جرى األصل‪ ،‬لكنه خالفه قبل يف النص فجرى فيه على‬
‫الثاين‪.‬‬

‫( ‪)1/113‬‬

‫(الرابع) من أركان القياس (العلة) ويعرب عنها بالوصف اجلامع بني األصل والفرع‪ ،‬ويف معناها شرعا أقوال ينبين عليها مسائل تأيت‪.‬‬
‫(األصح أهنا) أي العلة (املعرف) للحكم‪ .‬فمعىن كون اإلسكار مثالً علة أنه معرف‪ ،‬أي عالمة على حرمة املسكر‪ .‬وقالت املعتزلة هي‬
‫املؤثر بذاته يف احلكم بناء على قاعدهتم من أنه يتبع املصلحة أو املفسدة‪ ،‬وقيل هي املؤثر فيه جبعله تعاىل ال بالذات‪ ،‬وقيل هي الباعث‬
‫ورد بأنه تعاىل ال يبعثه شيء ومن عرب من الفقهاء عنها بالباعث أراد كما قال السبكي أهنا باعثة للمكلف على االمتثال‪( .‬و)‬ ‫عليه‪ّ ،‬‬
‫األصح (أن حكم األصل) على القول بأهنا املعرف (ثابت هبا) ال بالنص‪ .‬وقالت احلنفية ثابت بالنص‪ ،‬ألنه املفيد للحكمـ قلنا مل يفده‬
‫بقيد كون حمله أصالً يقاس به الذي الكالم فيه‪ ،‬واملفيد له العلة ألهنا منشأ التعدية احملققة للقياس‪ ،‬فاملراد بثبوت احلكم هبا معرفته ألهنا‬
‫معرفة له‪( .‬وقد تكون) العلة (دافعة للحكم) أي لتعلقه كالعدة فإهنا تدفع حل النكاح من غري صاحبها وال ترفعه كأن كانت عن‬
‫شبهة‪( .‬أو رافعة) له كالطالق فإنه يرفع حل التمتع وال يدفعه جلواز النكاح بعده‪( .‬أو فاعلة هلما) أي الدفع والرفع كالرضاع فإنه يدفع‬
‫حل النكاح ويرفعه وتكون العلة‪( .‬وصفا حقيقيا) وهو ما يتعقل يف نفسه من غري توقف على عرف أو غريه‪( .‬ظاهرا منضبطا) ال خفيا‬
‫أو مضطربا كالطعم يف الربوي‪( .‬أو) وصفا (عرفيا مطردا) أي ال خيتلف باختالف األوقات كالشرف واخلسة يف الكفاءة‪( .‬وكذا)‬
‫تكون (يف األصح) وصفا (لغويا) كتعليل حرمة النبيذ بتسميته مخرا بناء على ثبوت اللغة بالقياس‪ ،‬وقيل ال يعلل احلكم الشرعي باألمر‬
‫اللغوي (أو حكما شرعيا) سواء أكان املعلول كذلك كتعليل جواز رهن املشاع جبواز بيعه أم أمرا حقيقيا كتعليل حياة الشعرـ حبرمته‬
‫بالطالق وحله بالنكاح كاليد‪ ،‬وقيل ال تكون حكما ألن شأن احلكم أن يكون معلوالً‬
‫ورد بأن العلة مبعىن املعرف‪ ،‬وال ميتنع أن يعرف حكم حكما أو غريه‪ ،‬وقيل ال تكون حكما شرعيا إن كان املعلول أمرا‬ ‫ال علة‪ّ ،‬‬
‫حقيقيا‪( .‬أو) وصفا (مركبا) كتعليل وجود القود بالقتل العمد العدوان ملكاىفء‪ ،‬وقيل ال يكون علة ألن التعليل باملركب يؤدي إىل حمال‬
‫إذ بانتفاء جزء منه تنتفي عليته فبانتفاء آخر يلزم حتصيل احلاصل‪ ،‬ألن انتفاء اجلزء علة لعدم العلية‪ .‬قلنا إمنا يؤدي إىل ذلك يف العلل‬
‫العقلية ال املعرفات‪ ،‬وكل من االنتفاءات هنا معرف لعدم العلية وال استحالة يف اجتماع معرفات على شيء واحد‪ ،‬وقيل يكون علة ما‬
‫مل يزد على مخسة أجزاء‪.‬‬
‫( وشرط لالحلاق) حبكم األصل (هبا) أي بسبب العلة (أن تشتمل على حكمة) أي مصلحة مقصودة من شرع احلكم (تبعث) أي حتمل‬
‫املكلف حيث يطلع عليها (على االمتثال وتصلح شاهدا إلناطة احلكم) بالعلة كحفظ النفوس فإنه حكمة ترتب وجود القود على علته‬
‫انكف عن القتل‪ ،‬وقد ال ينكف عنه توطينا لنفسه على تلفها‪ ،‬وهذه احلكمة تبعث املكلف‬ ‫السابقة‪ ،‬فإن من علم أن من قتل اقتص منه ّ‬
‫من القاتل وويل األمر على امتثال األمر الذي هو إجياب القود بأن ميكن كل منهما وارث القتيل من القود‪ ،‬ويصلح شاهدا إلناطة‬
‫وجوب القود بعلته‪ ،‬فيلحق حينئذ القتل مبثقل بالقتل مبحدد يف وجوب القود الشرتاكهما يف العلة املشتملة على احلكمة املذكورة‪،‬‬
‫فمعىن اشتماهلا عليها كوهنا ضابطا هلا كالسفر يف حل القصر مثالً‪( .‬ومانعها) أي العلة (وصف وجودي خيل حبكمتها) كالدين على‬
‫القول بأنه مانع من وجوب الزكاة على املدين‪ ،‬فإنه وصف وجودي خيل حبكمة العلة لوجوب الزكاة املعلل مبلك النصاب وهي‬
‫االستغناء مبلكه‪ ،‬إذ املدين ال يستغين مبلكه الحتياجه إىل وفاء دينه به‪ ،‬وال يضر خلو املثال عن اإلحلاق الذي الكالم فيه‪ ،‬وتعبريي مبا‬
‫ذكر أوىل مما عرب به ملا بينته يف احلاشية‪( .‬وال جيوز يف األصح كوهنا احلكمة إن مل تنضبط) كاملشقة يف السفر لعدم انضباطها‪ ،‬فإن‬
‫انضبطت جاز كما رجحه اآلمدي وابن احلاجب وغريمها النتفاء احملذور‪ ،‬وقيل جيوز مطلقا ألهنا املشروع هلا احلكم‪ ،‬وقيل ال جيوز‬
‫مطلقا‪ .‬وقضية كالم األصل ترجيحه‪ ،‬وحمل اخلالف إذا مل حتصل احلكمة من ترتيب احلكم على الوصف يقينا أو ظنا كما سيأيت‬
‫إيضاحه يف مبحث املناسبة‪( .‬و) ال جيوز يف األصح وفاقا البن احلاجب وغريه‪( .‬كوهنا عدمية) ولو بعدمية جزئها أو بإضافتها بأن‬
‫يتوقف تعقلها على تعقل غريها كاألبوة (يف) احلكم (الثبويت)‪ ،‬فال جيوز حكمت بكذا لعدم كذا أو لألبوة بناء على أن االضايف عدمي‬
‫كما سيأيت تصحيحه أواخر الكتاب‪ ،‬وذلك ألن العلة مبعىن العالمة جيب أن‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/114‬‬

‫تكون أجلى من املعلل‪ ،‬والعدمي أخفى من الثبويت‪ ،‬وقيل جيوز لصحة أن يقال ضرب فالن عبده لعدم امتثاله أمره‪ .‬وأجيب مبنع صحة‬
‫التعليل بذلك‪ ،‬وإمنا يصح بالكف عن امتثاله وهو أمر ثبويت‪ ،‬واخلالف يف العدم املضاف خبالف العدم املطلقـ ال جيوز التعليل به قطعا‪،‬‬
‫ألن نسبته إىل مجيع احملال على السواء‪ ،‬فال يعقل كونه علة وجيوز وفاقا تعليل الثبويت مبثله كتعليل حرمة اخلمر باالسكار والعدمي مبثله‪،‬‬
‫كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي مبثله‪ ،‬كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي بالثبويت كتعليل ذلك‬
‫باإلسراف‪.‬‬
‫( وجيوز التعليل مبا ال يطلع على حكمته) كتعليل الربوي بالطعم أو غريه‪( .‬ويثبت احلكم فيما يقطع بانتفائها فيه للمظنة يف األصح)‬
‫جلواز القصر بالسفر ملن ركب سفينة قطعتـ به مسافة القصر يف حلظة بال مشقة‪ ،‬وقيل ال يثبت‪ ،‬وعليه اجلدليون إذ ال عربة باملظنة عند‬
‫األو ل جيوز اإلحلاق للمظنة كإحلاق الفطر بالقصر‪ ،‬فيما ذكر فما مر من أنه يشرتط يف اإلحلاق بالعلة اشتماهلا‬ ‫حتقق انتفاء املئنة‪ ،‬وعلى ّ‬
‫على حكمة شرط يف اجلملة أو للقطعـ جبواز اإلحلاق‪ ،‬مث ثبوت احلكم فيما ذكر غري مطرد‪ ،‬بل قد ينتفي كمن قام من النوم متيقنا‬
‫طهارة يده فال تثبت كراهة غمسها يف ماء قليل قبل غسلها ثالثا‪ ،‬بل تنتفي خالفا إلمام احلرمني والرتجيح من زياديت‪( .‬واألصح جواز‬
‫التعليل بـ(ـالعلة (القاصرة) وهي اليت ال تتعدى حمل النص (لكوهنا حمل احلكم أو جزءه) اخلاص بأن ال توجد يف غريه (أو وصفه اخلاص)‬
‫فاألو ل كتعليل حرمة الربا يف الذهب بكونه ذهبا ويف الفضة كذلك‪ ،‬والثاين كتعليل نقض الوضوء يف اخلارج‬ ‫بأن ال يتصف به غريه‪ّ ،‬‬
‫من السبيلني باخلروج منهما‪ ،‬والثالث كتعليل حرمة الربا يف النقدين بكوهنما قيم األشياء‪ .‬وخرج باخلاص يف الصورتني غريه فال قصور‬
‫فيه‪ ،‬كتعليل احلنفية النقض فيما ذكر خبروج النجس من البدن الشامل ملا ينقض عندهم من الفصد وحنوه‪ ،‬وكتعليل ربوية الرب بالطعم‪،‬‬
‫وقيل ميتنع التعليل بالقاصرة مطلقا لعدم فائدهتا‪ ،‬وقيل ميتنع إن مل تكن ثابتة بنص أو إمجاع لذلك‪.‬‬
‫( و) حنن ال نسلم ذلك بل (من فوائدها معرفة املناسبة) بني احلكم وحمله فيكون أدعى للقبول‪( .‬وتقوية النص) الدال على معلوهلا بأن‬
‫يكون ظاهرا ال قطعيا‪( .‬و) األصح جواز التعليل (باسم لقب) كتعليل الشافعي جناسة بول ما يؤكل حلمه بأنه بول كبول اآلدمي‪ ،‬وقيل‬
‫ال جيوز ألنا نعلم بالضرورة أنه ال أثر يف حرمة اخلمر لتسميته مخرا‪ ،‬خبالف مسماه من كونه خمامرا للعقلـ فإنه تعليل بالوصف‪( .‬و)‬
‫األصح جواز التعليل (باملشتق) املأخوذ من فعل كالسارق يف قوله تعاىل {والسارق والسارقة} اآلية أو من صفة كأبيض فإنه مأخوذ‬
‫األول‪ ،‬والتعليلـ بالثاين من باب الشبه الصوري كقياس اخليل على‬ ‫من البياض‪ ،‬وقيل ميتنع فيهما‪ .‬وزعم األصل االتفاق على اجلواز يف ّ‬
‫البغال يف عدم وجوب الزكاة وسيأيت اخلالف فيه‪( .‬و) األصح جواز التعليل شرعا وعقالً للحكم الواحد الشخصيـ (بعلل شرعية)‬
‫اثنتني فأكثر مطلقا‪ ،‬ألهنا عالمات وال مانع من اجتماع عالمات على شيء واحد‪( .‬وهو واقع) كما يف اللمس واملس والبول املوجب‬
‫كل منها للحدث‪ ،‬وقيل جيوز ذلك يف العلل املنصوصة دون املستنبطة ألن األوصاف املستنبطة الصاحل كل منها للعلية جيوز أن يكون‬
‫جمموعها العلة عند الشارع‪ ،‬فال يتعني استقالل كل منها بالعلية خبالف ما نص على استقالله هبا‪ .‬وأجيب بأنه يتيعن االستقالل‬
‫باالستنباط أيضا وقيل ميتنع شرعا مطلقا‪ ،‬إذ لو جاز شرعا لوقع لكنه مل يقع‪ .‬قلنا بتقدير تسليم اللزوم ال نسلم عدم وقوعه ملا مر من‬
‫عللـ احلدث‪ ،‬وقيل ميتنع عقالً وهو الذي صححه األصل‪ ،‬وقيل جيوز يف التعاقب دون املعية للزوم احملال اآليت هلا خبالف التعاقب‪ ،‬ألن‬
‫األول ال عينه‪ ،‬وعلى منع التع ّدد فما يذكره اجمليز من التع ّدد‪ ،‬إما أن يقال فيه العلة جممع األمور أو‬
‫الذي يوجد فيه بالثانية مثالً مثل ّ‬
‫أحدها ال بعينه‪ ،‬أو يقال فيه احلكم متعدد مبعىن أن احلكم املستند إىل واحد منها غري املستند إىل آخر‪ ،‬وإن اتفقا نوعا كما قيل بكل من‬
‫ذلك‪ ،‬أما العللـ‬
‫العقلية فيمتنع تع ّددها مطلقاـ للزوم احملال منه كاجلمع بني النقيضني‪ ،‬فإن الشيء باستناده إىل كل منها يستغين عن الباقي‪ ،‬فيلزم أن يكون‬
‫مستغنيا عن كل منها وغري مستغن عنه‪ ،‬وذلك مجع بني النيقيضني‪ ،‬ويلزم يف التعاقب حمال آخر‪ ،‬وهو حتصيل احلاصل حيث يوجد مبا‬
‫عدا األوىل عني ما وجد هبا‪ .‬وفارقت العلل العقلية الشرعية على األصح بأن احملال املذكور إمنا يلزم فيها إلفادهتا‪ ،‬وجود املعلول خبالف‬
‫الشرعية اليت هي معرفات‪ ،‬فإهنا إمنا تفيد العلمـ به سواء أفسر املعرف مبا حيصل به التعريف‪ ،‬أم مبا من شأنه التعريف‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/115‬‬
‫( وعكسه) وهو تعليل أحكام بعلة (جائز وواقع)) جزما بناء على األصح من تفسري العلة باملعرف (إثباتا كالسرقة) فإهنا علة لوجوب‬
‫القطع ولوجوب الغرم إن تلف املسروق‪( .‬ونفيا كاحليض)‪ ،‬فإنه علة لعدم جواز الصوم والصالة وغريمها‪ ،‬أما على تفسري العلة بالباعث‬
‫فكذلك على األصح‪ ،‬وقيل ميتنع تعليلها بعلة بناء على اشرتاط املناسبة فيها‪ ،‬ألن مناسبتها حلكم حيصل املقصود منها برتتيب احلكم‬
‫عليها‪ ،‬فلو ناسبت آخر لزم حتصيل احلاصل‪ .‬قلنا ال نسلم ذلك جلواز تعدد املقصود كما يف السرقة املرتب عليها القطع زجرا عنها‬
‫والغرم جربا ملا تلف من املال‪ ،‬وقيل ميتنع ذلك إن تضادت األحكام كالتأبيد لصحة البيع وبطالن اإلجارة‪ ،‬ألن الشيء الواحد ال‬
‫يناسب املتضادات‪( .‬و) شرط (لإلحلاق) بالعلة (أن ال يكون ثبوهتا متأخرا عن ثبوت حكم األصل يف األصح) سواء أفسرت بالباعث أم‬
‫باملعرف‪ ،‬ألن الباعث على الشيء أو املعرف له ال يتأخر عنه‪ ،‬وقيل جيوز تأخر ثبوهتا بناء على تفسريها باملعرف كما يقال عرق الكلب‬
‫جنس كلعابه‪ ،‬ألنه مستقذر ألن استقذاره إمنا يثبت بعد ثبوت جناسته‪ .‬قلنا قوله بناء على تفسريها باملعرف إمنا يتم بتفسري املعرف مبا من‬
‫باألول فتعريف املتأخر‬
‫شأنه التعريف ال بتفسريه مبا حيصل به التعريف الذي هو املراد‪ ،‬لئال يلزم عليه تعريف املعرف‪ ،‬وعلى تفسريه ّ‬
‫للمتق ّدمـ جائز‪ ،‬وواقع إذ احلادث يعرف القدمي كالعامل لوجود الصانع تعاىل‪( .‬و) شرط اإلحلاق بالعلة (أن ال تعود على األصل) الذي‬
‫استنبطت منه (باإلبطال) حلكمه ألنه منشؤها فإبطاهلا له إبطال هلا كتعليلـ احلنفية وجوب الشاة يف الزكاة بدفع حاجة الفقري‪ ،‬فإنه جموز‬
‫إلخراج قيمة الشاة مفض إىل عدم وجوهبا عينا بالتخيري بينها وبني قيمتها‪( .‬وجيوز عودها) على األصل (بالتخصيص) له (يف األصح‬
‫غالبا)‪ .‬فال يشرتط عدمه كتعليل احلكم يف آية {أو المستم النساء} بأن اللمس مظنة التمتع أي التلذذ‪ ،‬فإنه خيرج من النساء احملارم فال‬
‫ينقض‬
‫ملسهن الوضوء‪ ،‬وقيل ال جيوز ذلك فيشرتط عدم التخصيص‪ ،‬فينقض ملس احملارم الوضوء عمالً بالعموم والتصحيح من زياديت‪ ،‬وخرج‬
‫بالتخصيص التعميم فيجوز العود به قطعا كتعليل احلكم يف خرب الصحيحني ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان‪ ،‬بتشويش الفكر فإنه‬
‫يشمل غري الغضب أيضا وبزياديت غالبا تعليل حنو احلكم يف خرب النهي عن بيع اللحم باحليوان بأنه بيع ربوي بأصله‪ ،‬فإنه يقتضي جواز‬
‫البيع بغري اجلنس من مأكول وغريه كما هو أحد قويل الشافعي‪ ،‬لكن أظهرمها املنع نظرا للعموم‪.‬‬
‫( و) شرط لإلحلاق بالعلة (أن ال تكون) العلة (املستنبطة معارضة مبناف) ملقتضاها (موجود يف األصل) إذ ال عمل هلا مع وجوده إال‬
‫مبرجح‪ ،‬ومثل له بقول احلنفي يف نفي وجوب التبييت يف صوم رمضان صوم عني فيتأدى بالنية قبل الزوال كالنفل فيعارضه الشافعي‬
‫بأنه صوم فرض فيحتاط فيه خبالف النفل‪ ،‬وهو مثال للمعارض يف اجلملة وليس منافيا وال موجودا يف األصل‪ ،‬وخرج باألصل الفرع‬
‫فال يشرتط انتفاء وجود ذلك فيه لصحة العلة‪ ،‬وقيل يشرتط أيضا ومثل له بقولنا يف مسح الرأس ركن يف الوضوء‪ ،‬فيسن تثليثه كغسل‬
‫الوجه فيعارضه اخلصم بقوله مسح فال يسن تثليثه كاملسح على اخلفني‪ ،‬وهو مثال للمعارض يف اجلملة وليس منافيا‪ ،‬وإمنا ضعف هذا‬
‫الشرط‪ ،‬وإن مل يثبت احلكم يف الفرع عند انتفائه ألن الكالم يف شروط العلة‪ ،‬وهذا شرط لثبوت احلكم يف الفرع ال للعلة اليت الكالم‬
‫فيها‪ ،‬وإمنا قيد املعارض باملنايف ألنه قد ال يناىف كما سيأيت فال يشرتط انفاؤه‪ ،‬وجيوز أن يكون هو علة أيضا بناء على جواز التعليل‬
‫بعلل‪( .‬و) شرط لالحلاق بالعلة (أن ال ختالف نصا أو إمجاعا) لتقدمهما على القياس فمخالفة النص كقول احلنفي املرأة مالكة لبضعها‬
‫فيصح نكاحها بغري إذن وليها قياسا على بيع سلعتها فإنه خمالف خلرب أيب داود وغريه «أميا امرأة نكحت نفسها بغري إذن وليها فنكاحها‬
‫باطل»‪ .‬وخمالفة اإلمجاع كقياس صالة املسافر على صومه يف عدم الوجوب جبامع السفر الشاق فإنه خمالف لإلمجاع على وجوب أدائها‬
‫عليه‪( .‬و) أن (ال تتضمن) العلة (املستنبطة زيادة عليه) أي على النص أو اإلمجاع‪( .‬منافية مقتضاه)‪ ،‬بأن يدل النص مثالً على علية‬
‫وصف ويزيد االستنباط قيدا فيه منافيا للنص فال يعمل باالستنباط لتق ّدم النص عليه والتقييد باملستنبطة من زياديت‪( .‬و) شرط لإلحلاق‬
‫بالعلة (أن تتعني) يف األصح‪ ،‬فال تكفي املبهمة ألن العلة منشأ التعدية احملققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل أن يكون معينا‪،‬‬
‫فكذا منشأ احملقق‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/116‬‬

‫له‪ ،‬وقيل يكفي املبهمة من أمرين فأكثر املشرتكة بني املقيس واملقيس عليه‪( .‬ال أن ال تكون) العلة (وصفا مقدرا) فال يشرتط يف األصح‬
‫كتعليل جواز التصرف بامللك الذي هو معىن مقدر شرعي يف حمل التصرف‪ .‬وقيل يشرتط ذلك ورجحه األصل تبعا لإلمام الرازي‪.‬‬
‫األصح جلواز تعدد األدلة‪ ،‬وقيل يشرتط ذلك لالستغناء حينئذ‬ ‫ّ‬ ‫(وال أن ال يشمل دليلها حكم الفرع لعمومه أو خصوصه) فال يشرتط يف‬
‫عام مثالً مبثل»‪ .‬فإنه دال على علية الطعم‪ ،‬فال‬‫عن القياس بذلك الدليل‪ ،‬ورجحه األصل مثال الدليل يف العموم خرب مسلمـ «الطّعام بالطّ ِ‬
‫ُ‬
‫حاجة على هذا اقول يف إثبات ربوية التفاح مثالً إىل قياسه على الرب جبامع الطعم لالستغناء عنه بعموم اخلرب‪ ،‬ومثاله يف اخلصوص خرب‬
‫«من قاء أو رعف فليتوضأ» فإنه دال على علية اخلارج النجس يف نقض الوضوء فال حاجة للحنفي إىل قياس القيء أو الرعاف على‬
‫اخلارج من السبيلني يف نقض الوضوء جبامع اخلارج النجس لالستغناء عنه خبصوص اخلرب‪( .‬وال القطعـ يف) صورة العلة (املستنبطة حبكم‬
‫األصل) بأن يكون دليله قطعيا من كتاب أو سنة متواترة أو إمجاع قطعي‪( .‬وال القطع بوجودها يف الفرع وال انتفاء خمالفتها مذهب‬
‫األصح بل يكفي الظن بذينك ألنه غاية االجتهاد فيما يقصد به العمل‪ ،‬وقيل يشرتط القطع هبما ألن الظن‬ ‫ّ‬ ‫الصحايب) فال تشرتط يف‬
‫يضعف بكثرة املقدمات فرمبا يزول‪ ،‬وأما مذهب الصحايب فليس حبجة فال يشرتط انتفاء خمالفة العلة له‪ ،‬وقيل يشرتط ألن الظاهر‬
‫استناده إىل النص الذي استنبطت منه العلة‪( .‬وال انتفاء املعارض هلا) يف األصل فال يشرتط‪( .‬يف األصح) بناء على جواز تعدد العلل كما‬
‫هو رأي اجلمهور‪ ،‬وقيل يشرتط بناء على منع ذلك وألنه ال عمل للعلةـ حينئذ إال مبرجح والتقييد باملستنبطة يف األربع من زياديت‪.‬‬
‫(‬
‫واملعارض هنا) خبالفه فيما مر حيث وصف باملنايف‪( .‬وصف صاحل للعلية كصالحية املعارض) بفتح الراء هلا (ومفض لالختالف)‪ .‬بني‬
‫املتناظرين (يف الفرع كالطعم مع الكيل يف الرب)‪ ،‬فكل منهما صاحل للعلية فيه مفض لالختالف بني املتناظرين (يف التفاح) مثالً فعندنا‬
‫ربوي كالرب بعلة الطعم وعند اخلصم املعارض بأن العلة الكيل ليس بربوي النتفاء الكيل فيه‪ ،‬وكل منهما حيتاج إىل ترجيح وصفه على‬
‫وصف اآلخر‪( .‬واألصح) أنه (ال يلزم املعرتض نفي وصفه) أي بيان انتفائه (عن الفرع) مطلقاـ حلصول مقصوده من هدم ما جعله‬
‫املستدل العلة مبجرد املعارضة‪ ،‬وقيل يلزمه ذلك مطلقا ليفيد انتفاء احلكم عن الفرع الذي هو املقصود‪ ،‬وقيل يلزمه إن صرح بالفرق بن‬
‫األصل والفرع يف احلكم فقال مثالً ال ربا يف التفاح خبالف الرب وعارض علية الطعم فيه ألنه بتصرحيه بالفرق التزمه‪( .‬و)أنه (ال) يلزمه‬
‫الرب الطعم دون القوت بدليل امللح‬‫(إبداء أصل) يشهد لوصفه باالعتبار ملا مر‪ ،‬وقيل يلزمه ذلك حىت تقبل معارضته كأن يقول العلة يف ّ‬
‫فالتفاح مثالً ربوي‪( .‬وللمستدل الدفع) أي دفع املعارضة بأوجه ثالثة وإن عدها األصل أربعة‪( .‬باملنع) أي منع وجوب الوصف‬
‫املعارض به يف األصل ولو بالقدح‪ ،‬كأن يقول يف دفع معارضة الطعم بالكيل يف اجلوز مثالً ال نسلم أنه مكيل ألن العربة بعادة زمن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وكان إذ ذاك موزونا أو معدودا وكأن يقدح يف علية الوصف ببيان خفائه أو عدم انضباطه أو غري ذلك من‬
‫مفسدات العلة‪( .‬وببيان استقالل وصفه) أي املستدل (يف صورة ولو) كان البيان (بظاهر عام)‪ ،‬كما يكون باإلمجاع أو بالنص القاطع‬
‫أو بالظاهر اخلاص (إن مل يتعرض) أي املستدل (للتعميم) كأن يبني استقالل الطعم املعارض بالكيل يف صورة خبرب مسلم الطعام بالطعام‬
‫مثالً مبثل واملستقل مقدم على غريه‪ ،‬فإن تعرض للتعميم كقوله فتثبت ربوية كل مطعوم خرج عن إثبات احلكم بالقياس الذي هو بصدد‬
‫الدفع عنه إىل إثباته‬
‫بالنص وتبقى املعارضة ساملة من القدح فال يتم القياس‪( .‬وباملطالبة) للمعرتضـ (بالتأثري) لوصفه إن كان مناسبا (أو الشبه) إن كان غري‬
‫مناسب‪ ،‬هذا‪( .‬إن مل يكن) دليل املستدل على العلية (سربا) بأن كان مناسبا أو شبها لتحصل معارضته مبثله‪ ،‬فإن كان سربا فال مطالبة‬
‫له بذلك إذ جمرد االحتمال قادح فيه‪( .‬ولو قال) املستدل للمعرتض (ثبت احلكم) يف هذه الصورة (مع انتفاء وصفك) الذي عارضت به‬
‫وصفي عنها‪( ،‬مل يكف) يف الدفع (وإن وجد)‪ ،‬ولو بفرض املتناظرين (معه) أي مع انتفاء وصف املعرتض عنها (وصفه) أي وصف‬
‫املستدل فيها الستوائهما يف انتفاء وصفيهما إن مل يوجد مع ما ذكر وصف املستدل‪ ،‬وبناء على جواز تعدد العلل مطلقا‪ .‬وقيل يكفي‬
‫مر‪ ،‬وهذا رجحه األصل‪ ،‬مث ذكر يف انتفاء وصف‬ ‫يف الشق الثاين بناء على امتناع تعدد العلل خبالفه يف األول‪ ،‬ال يكفي الستوائها فيما ّ‬
‫املستدل زيادة على عدم االكتفاء مبنية على ما صححه من امتناع التعليل بعلتني‪.‬‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/117‬‬

‫وحاصلها مع اإليضاح أن املستدل ينقطع مبا قاله العرتافه فيه بإلغاء وصفه حيث ساوى وصف املعرتض فيما قدح هو به فيه‪( .‬ولو‬
‫املستدل ‪( .‬ما) أي وصفا (خيلف امللغى مسى) ما أبداه (تعدد الوضع) لتعدد ما وضع أي‬ ‫ّ‬ ‫أبدى املعرتض) يف الصورة اليت ألغى وصفه فيها‬
‫بىن عليه احلكم عنده من وصف بعد أخر‪( .‬وزالت) مبا أبداه (فائدة اإللغاء) وهي سالمة وصف املستدل عن القدح فيه‪( .‬ما مل يلغ‬
‫املستدل اخللف بغري دعوى قصوره أو) دعوى (ضعف معىن املظنة) املعللـ هبا أي ضعف املعىن الذي اعتربت املظنة له‪( .‬وسلم) املستدل‬
‫(أن اخللف مظنة) وذلك بأن مل يتعرض املستدل إللغاء اخللف أو تعرض له بدعوى قصوره أو بدعوى ضعف معىن املظنة فيه وسلم ما‬
‫ذكر‪ ،‬خبالف ما إذا ألغاه بغري الدعوتني أو بالثانية ومل يسلم ما ذكر فال تزول فائدة إلغائه‪.‬‬
‫( وقيل دعوامها) أي القصور وضعف معىن املظنة مع التسليم (إلغاء) للخلف أيضا ينايف األوىل على امتناع التعليل بالقاصرة‪ ،‬ويف الثانية‬
‫كاحلر‬
‫على تأثري ضعف املعىن يف املظنة فال تزول فيهما فائدة اإللغاء األول‪ ،‬مثال تعدد الوضع ما يأيت فيما يقال يصح أمان العبد للحريب ّ‬
‫احلرية معهما فإهنا مظنة فراغ‬
‫جبامع اإلسالم والتكليف‪ ،‬فإهنما مظنتا إظهار مصلحة اإلميان من بذل األمان فيعرتض احلنفي باعتبار ّ‬
‫احلر ية بثبوت األمان بدوهنا يف العبد املأذون له يف القتال اتفاقا‬
‫القلبـ للنظر خبالف الرقبة الشتغال الرقيق خبدمة سيده فيلغي الشافعي ّ‬
‫احلر ية ألنه مظنة بذل وسعه يف النظر يف مصلحة القتال واإلميان (وال يكفي) يف دفع املعارضة‬ ‫فيجيب احلنفي بأن اإلذن له خلف ّ‬
‫(رجحان وصف املستدل) على وصفها مبرجح‪ ،‬ككونه أنسب أو أشبه من وصفها بناء على جواز تعدد العلل‪ ،‬فيجوز أن يكون كل‬
‫من الوصفني علة‪ ،‬وقيل يكفي بناء على منع التعدد ورجحه األصل‪( .‬وقد يعرتض) على املستدل (باختالف جنس احلكمة) يف الفرع‬
‫واألصل‪( .‬وإن احتد اجلامع) بني الفرع واألصل كما يأيت فيما يقال حي ّد الالئط كالزاين جبامع إيالج فرج يف فرج مشتهى طبعا حمرم‬
‫شرعا‪ ،‬فيعرتض بأن احلكمة يف حرمة اللواط الصيانة عن رذيلته‪ ،‬ويف حرمة الزنا دفع اختالط األنساب املؤدي هو إليه ومها خمتلفتان‪،‬‬
‫فيجوز أن خيتلف حكمهما بأن يقصر احلد على الزنا فيكون خصوصه معتربا يف علة احلد‪( .‬فيجاب) عن االعرتاض (حبذف خصوص‬
‫مر يف املثال ال مع خصوص الزنا‬ ‫األصل عن االعتبار) يف العلة بطريق من طرق إبطاهلا‪ ،‬فيسلم أن العلة هي القدر املشرتك فقط كما ّ‬
‫كأبو ة القاتل املانعة من وجوب قتله بولده‪( ،‬أو انتفاء شرط) كعدم إحصان الزاين‬ ‫فيه‪( .‬والعلة إذا كانت وجود مانع) من احلكم ّ‬
‫املشرتط لوجوب رمجه (ال تستلزم وجود املقتضي يف األصح)‪ .‬وقيل تستلزمه‪ ،‬وإال كان انتفاء احلكم النتفاء املقتضي ال ملا فرض من‬
‫وجود مانع أو انتفاء شرط‪ ،‬قلنا جيوز أن‬
‫يكون انتفاؤه ملا فرض أيضا جلواز تعدد العلل‪.‬‬
‫( ‪)1/118‬‬

‫مسالكـ العلة‬
‫أي هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشيء‪.‬‬

‫( ‪)1/119‬‬

‫(األول اإلمجاع) كاإلمجاع على أن العلة يف خرب الصحيحني «ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان»‪ .‬تشويش الغضبـ للفكر فيقاس‬
‫يشو ش الفكر حنو جوع وشبع مفرطني‪ ،‬وكاإلمجاع على أن العلة يف تقدمي األخ الشقيقـ يف اإلرث على األخ لألب‬ ‫بالغضب غريه مما ّ‬
‫اختالط النسبني فيه فيقاس به تقدميه عليه يف والية النكاح‪ ،‬وصالة اجلنازة وحنومها‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/120‬‬

‫(الثاين) من مسالك العلة (النص الصريح) بأن ال حيتمل غري العلة (كلعلة كذا فلسبب) كذا (فمن أجل) كذا (فنحو كي) التعليلية‬
‫(وإذن) كقوله تعاىل {من أجل ذلك كتبنا على بين إسرائيل}‪{ ،‬كي ال يكون دولة بني األغنياء منكم}‪{ ،‬إذا ألذقناك ضعف احلياة‬
‫وضعف املمات} وفيما عطف بالفاء هنا وفيما يأيت إشارة إىل أنه دون ما قبله رتبة خبالف ما عطف بالواو‪( .‬و) النص (الظاهر) بأن‬
‫حيتمل غري العلية احتماالً مرجوحا (كالالم ظاهرة) حنو {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إىل النور} (فمقدرة) حنو؛‬
‫{وال تطع كل حالف} إىل قوله {أن كان ذا مال وبنني} أي ألن (فالباء) حنو {فبما رمحة من اهلل} أي ألجلها لنت هلم‪( .‬فالفاء يف‬
‫كالم الشارع) وتكون فيه يف احلكم كقوله تعاىل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ويف الوصف كخرب الصحيحني يف احملرم الذي‬
‫وقصته ناقته «ال متسوه طيبا وال ختمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا»‪( .‬فـ)ـفي كالم (الراوي الفقيه فـ)ـفي كالم الراوي (غريه) أي‬
‫غري الفقيه‪ ،‬وتكون فيهما يف احلكم فقط‪ ،‬وقال بعض احملققني يف الوصف فقط‪ ،‬ألن الراوي حيكي ما يف الوجود‪ ،‬وذلك كقول عمران‬
‫األول أظهر معىن‪،‬‬ ‫بن حصني «سها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم فسجد»‪ .‬رواه أبو داود وغريه وكل من القولني صحيح‪ ،‬وإن كان ّ‬
‫والثاين أدق كما بينته يف احلاشية‪( .‬فإن) املكسورة املشددة كقوله تعاىل {رب ال تذر على األرض من الكافرين} اآلية‪ .‬وتعبريي بالفاء‬
‫مر يف) مبحث (احلروف)‪ ،‬ما يرد للتعليل غري املذكور هنا‬ ‫يف األخرية من زياديت‪( .‬وإذ) حنو ضربت العبد إذا أساء أي إلساءته‪( .‬وما ّ‬
‫وهو بيد وحىت وعلى ويف ومن فلرتاجع‪ ،‬وإمنا مل تكن املذكورات من الصريح جمليئها لغري التعليل كالعاقبة يف الالم والتعدية يف الباء‪،‬‬
‫مر يف مبحث احلروف‪.‬‬ ‫وجمرد العطف يف الفاء وجمرد التأكيد يف إ ّن والبدل يف إذ كما ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/121‬‬
‫(الثالث) من مسالك العلة (اإلمياء وهو) لغة اإلشارة اخلفية واصطالحا (اقرتان وصف ملفوظ حبكم ولو) كان احلكم (مستنبطا) كما‬
‫يكون ملفوظا (لو مل يكن للتعليل هو) أي الوصف (أو نظريه) لنظري احلكم حيث يشار بالوصف واحلكم إىل نظريمها أي لو مل يكن‬
‫ذلك من حيث اقرتانه باحلكم لتعليل احلكم به (كان) ذلك االقرتان (بعيدا) من الشارع ال يليق بفصاحته وإتيانه باأللفاظ يف حماهلا‬
‫األعرايب «واقعت أهلي يف هنار رمضان‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه‬‫ّـ‬ ‫واإلمياء (كحكمه) أي الشارع (بعد مساع وصف) كما يف خرب‬
‫وسلّ م «أعتق رقبة»‪ .‬إىل آخره‪ .‬رواه ابن ماجة مبعناه‪ ،‬وأصله يف الصحيحني فأمره باإلعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له‪ ،‬وإال‬
‫خلال السؤال عن اجلواب وذلك بعيد فيقدر السؤال يف اجلواب فكأنه قال واقعت فأعتق‪( .‬وذكره يف حكم وصفا لو مل يكن علة) له (مل‬
‫يفد) ذكره كقوله صلى اهلل عليه وسلّم «ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان»‪ .‬فتقييده املنع من احلكم حبالة الغضب املشوش للفكر‬
‫يدل على أنه علة له‪ ،‬وإال خلال ذكره عن الفائدة وذلك بعيد‪( .‬وتفريقه بني حكمني بصفة) إما (مع ذكرمها) كخرب الصحيحني «أنه‬
‫صلى اهلل عليه وسلّم جعل للفرس سهمني وللرجل»‪ .‬أي صاحبه «سهما»‪ ،‬فتفريقه بني هذين احلكمني هباتني الصفتني لو مل يكن لعلية‬
‫كل منهما لكان بعيدا‪( .‬أو) مع (ذكر أحدمها) فقط كخرب الرتمذي «القاتل ال يرث» أي خبالف غريه املعلوم إرثه فالتفريق بني عدم‬
‫اإلرث املذكور واإلرث املعلوم بصفة القتل يف األول لو مل يكن لعليته له لكان بعيدا‪( .‬أو) تفريقه بني حكمني‪ ،‬إما (بشرط) كخرب‬
‫بابر والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح بامللح مثالً مبثل سواء بسواء يدا بيد‪ ،‬فإذا‬
‫والرب ّ‬
‫مسلمـ «الذهب بالذهب والفضة بالفضة ّ‬
‫اختلفت هذه األجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد»‪ .‬فالتفريق بني منع البيع يف هذه األشياء متفاضالً وجوازه عند اختالف‬
‫اجلنس لو مل يكن لعلية االختالف للجواز‬
‫صرح به عقبه بقوله {فإذا‬ ‫قرباهنن كما ّ‬
‫ّ‬ ‫تقربوهن حىّت يطهرن} أي فإذا تطهرن فال منع من‬‫ّ‬ ‫لكان بعيدا‪( .‬أو غاية) كقوله تعاىل {وال‬
‫قرباهنن يف احليض وجوازه يف الطهر لو مل يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا‪( .‬أو استثناء)‬ ‫ّ‬ ‫تطهرن فأتوهن} فتفريقه بني املنع من‬
‫هلن وانتفائه عند‬
‫كقوله تعاىل {فنصف ما فرضتم إال أن يعفون} أي الزوجات عن النصف فال شيء هلن فتفريقه بني ثبوت النصف ّ‬
‫عفوهن عنه لو مل يكن لعلية العفو لالنتفاء لكان بعيدا‪( .‬أو استدراك) كقوله تعاىل؛ {ال يؤاخذكم اهلل باللغو يف أميانكم} إىل آخره‬ ‫ّ‬
‫فتفريقه بني عدم املؤاخذة باإلميان واملؤاخذة هبا عند تعقيدها لو مل يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيدا‪( .‬وترتيب حكم على‬
‫يفوت املطلوب)‬ ‫وصف) كأكرم العلماء فرتتيب اإلكرام على العلمـ لو مل يكن لعلية العلمـ له لكان بعيدا (ومنعه) أي الشارع (مما قد ّ‬
‫يفوهتا لو مل يكن ملظنة تفويتها لكان بعيدا‪.‬‬ ‫كقوله تعاىل {فاسعوا إىل ذكر اهلل وذروا البيع} فاملنع من البيع وقت نداء اجلمعة الذي قد ّ‬
‫وهذه األمثلة أسلم ما اتفق على أنه إمياء وهو أن يكون الوصف واحلكم ملفوظني وخرج بامللفوظ أي فعالً أو ّقوة الوصف املستنبط‬
‫فليس اقرتانه باحلكم إمياء قطعا إن كان احلكم مستنبطا أيضا‪ ،‬وإال فليس بإمياء يف األصح خبالف عكسه وهو الوصف امللفوظ واحلكم‬
‫األصح تنزيالً للمستنبط منزلة امللفوظ‪ ،‬وفارق ما قبله باستلزام الوصف احلكم فيه خبالف ما قبله‬ ‫ّ‬ ‫املستنبط له فإنه كما علم إمياء يف‬
‫{وأحل اهلل البيع} فحله مستلزم لصحته‪ .‬ومثال ما قبله تعليل حكم الربويات بالطعم أو غريه‬ ‫ّ‬ ‫جلواز كون الوصف أعم مثاله قوله تعاىل‬
‫والنزاع كما قال العضد لفظي مبين على تفسري اإلمياء‪ ،‬وأما مثال النظري فكخرب الصحيحني أن امرأة قالت يا رسول اهلل‪ .‬إن أمي ماتت‬
‫يؤدى ذلك عنها»؟ قالت نعم‪ .‬قال «فصومي عن‬ ‫وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ّ‬
‫يؤد ى عنها سألته عن دين اهلل على امليت وجواز قضائه عنه فذكر هلا دين اآلدمي عليه‪ ،‬وأقرها على جواز قضائه عنه‬ ‫أمك» أي فإنه ّ‬
‫ومها نظريان‪ ،‬فلو مل يكن جواز القضاء فيهما لعلية الدين له لكان بعيدا‪( .‬وال تشرتط) يف اإلمياء (مناسبة) الوصف (املومي إليه) للحكم‬
‫األصح ) بناء على أن العلة مبعىن املعرف‪ ،‬وقيل تشرتط بناء على أهنا مبعىن الباعث‪ ،‬وقيل وهو خمتار ابن احلاجب تشرتط إن فهم‬ ‫ّ‬ ‫(يف‬
‫التعليل منها كقوله صلى اهلل عليه وسلّم «ال يقضي القاضي وهو غضبان»‪ .‬ألن عدم املناسبة فيما شرط فيه ملناسبة تناقض‪ ،‬خبالف ما‬
‫إذا مل يفهم منها ألن التعليل يفهم من غريها‪ .‬قال املصنف يف شرح املختصر تبعا للعضدـ واملراد من املناسبة ظهورها‪،‬وأما نفسها فال بد‬
‫منها يف العلة الباعثة دون األمارة اجملردة ومرادمها بالعلة الباعثة العلة املشتملة على حكمه تبعث على االمتثال‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/122‬‬

‫(الرابع) من مسالك العلة (السرب) وهو لغة االختبار (والتقسيم) وهو إظهار الشيء الواحد على وجوه خمتلفة‪( .‬وهو) أي ما ذكر من‬
‫السرب والتقسيم اصطالحا (حصر أوصاف األصل) املقيس عليه (وإبطال ما ال يصلح) منها للعلية (فيتعني الباقي) هلا كأن حيصر أوصاف‬
‫الرب يف قياس الذرة عليه يف الطعم وغريه ويبطل ما عدا الطعم بطريقة فيتعني الطعم للعلية (ويكفي) يف دفع منع املعرتض حصر‬‫ّ‬
‫األوصاف اليت ذكرها املستدل‪( .‬قول املستدل) يف املناظرة يف حصرها (حبثت فلم أجد) غريها لعدالته مع أهلية النظر‪( .‬واألصل عدم‬
‫غريها) فيندفع عنه بذلك منع احلصر وتعبريي بأو كما يف خمتصر ابن احلاجب وبعض نسخ األصل أوىل من تعبريه يف أكثرها بالواو‪.‬‬
‫(والناظر) لنفسه (يرجع) يف حصر األوصاف (إىل ظنه)‪ ،‬فيأخذ به وال يكابر نفسه‪( .‬فإن كان احلصر واإلبطال) أي كل منهما (قطعيا‬
‫فـ)ـهذا املسلك (قطعي وإال) بأن كان كل منهما ظنيا أو أحدمها قطعيا واآلخر ظنيا‪( .‬فظين وهو) أي الظين (حجة) للناظر لنفسه‬
‫األصح ) لوجوب العمل بالظن‪ ،‬وقيل ليس حبجة مطلقا جلواز بطالن الباقي‪ ،‬وقيل حجة هلما إن أمجع على تعليل ذلك‬ ‫ّ‬ ‫واملناظر غريه (يف‬
‫احلكم يف األصل حذرا من أداء بطالن الباقي إىل خطأ اجملمعني‪ ،‬وقيل حجة للناظر دون املناظر ألن ظنه ال يقوم حجة على خصمه‪،‬‬
‫(فإن أبدى املعرتض) على احلصر الظين (وصفا زائدا) على األوصاف (مل يكلف ببيان صالحيته للتعليل) ألن بطالن احلصر بإبدائه‬
‫كاف يف االعرتاض فعلى املستدل دفعه بإبطال التعليل به‪( .‬وال ينقطع املستدل) بإبدائه (حىت يعجز عن إبطاله يف األصح) ألنه مل ي ّدع‬
‫القطع يف احلصر فغاية إبداء الوصف منع املقدمة من الدليل واملستدل ال ينقطع باملنع لكن يلزمه دفعه ليتم دليله فيلزمه إبطال الوصف‬
‫املبدى عن أن يكون علة‪ ،‬فإن عجز عن إبطاله انقطع‪ ،‬وقيل ينقطع بإبدائه ألنه ادعى حصرا‪ ،‬وقد أظهر املعرتض بطالنه‪ .‬قلنا ال يظهر‬
‫إال بالعجز عن دفعه وذكر اخلالف من زياديت‪.‬‬
‫( فإن اتفقا) أي املتناظران (على إبطال غري وصفني) من أوصاف ألصل واختلفا يف أيهما العلة‪( .‬كفاه) أي املستدل (الرتديد بينهما) من‬
‫غري احتياج إىل ضم غريمها إليهما يف الرتديد التفاقهما على إبطاله فيقول العلة إما هذا أو ذاك ال جائز أن تكون ذاك لكذا فتعني أن‬
‫تكون هذا‪.‬‬
‫( ومن طرق اإلبطال) لعلية الوصف‪( .‬بيان أن الوصف طردي) أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه إما مطلقا (كالطول) والقصر يف‬
‫األشخاص‪ ،‬فإهنما مل يعتربا يف شيء من األحكام فال يعللـ هبما حكم‪( .‬و) إما مقيدا بذلك احلكم (كالذكورة) واألنوثة (يف العتق)‪،‬‬
‫فإهنما مل يعتربا فيه فال يعلل هبما شيء من أحكامه الدنيوية‪ ،‬وإن اعتربا يف الشهادة والقضاء واإلرث وغهرها‪ .‬ويف العتق بالنظر‬
‫ألحكامه األخروية فقد روى الرتمذي «من أعتق عبدا مسلما أعتقه اهلل من النار‪ ،‬ومن أعتق أمتني مسلمتني أعتقه اهلل من النار»‪.‬‬
‫وتعبريي هنا وفيما يأيت يف السادس بالطردي أوىل من تعبريه فيهما بالطرد‪ ،‬ألن الطرد من مسالك العلة على رأي كما سيأيت‪( .‬و) من‬
‫املستدل عن االعتبار للحكم بعد حبثه عنها النتفاء مثبت العلية‬
‫ّ‬ ‫طرق اإلبطال (أن ال تظهر مناسبة) الوصف (احملذوف) أي الذي حذفه‬
‫خبالفه يف اإلمياء‪( .‬ويكفي) يف عدم ظهور مناسبته‪( .‬قول املستدل حبثت فلم أجد) فيه (موهم مناسبة) أي ما يوهم مناسبته لعدالته مع‬
‫أهلية النظر‪( ،‬فإن ّاد عى املعرتض أن) الوصف (املبقى) أي الذي بقاه املستدل (كذلك) أي مل تظهر مناسبته‪( .‬فليس للمستدلـ بيان‬
‫يؤد ي إىل االنتشار احملذور‪( .‬لكن له ترجيح سربه) على سرب املعرتض‬ ‫مناسبته) ألنه انتقال من طريق السرب إىل طريق املناسبة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫النايف لعلية املبقي كغريه‪( .‬مبوافقة التعدية) لسربه حيث يكون املبقى متعديا إذ تعدية احلكم حمله أفيد من قصوره عليه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/123‬‬

‫(اخلامس) من مسالك العلة (املناسبة)‪ .‬وهي لغة املالمية واصطالحا مالءمة الوصف املعني للحكم أو ما يعلم من تعريف املناسب اآليت‪،‬‬
‫ويسمى هذا املسلك باإلحالة أيضا‪ ،‬كما ذكره األصل مسي هبا ذلك ألن مبناسبته الوصف خيال أي يظن أن الوصف علة ويسمى‬
‫باملصلحةـ وباالستدالل وبرعاية املقاصد أيضا‪( .‬ويسمى استخراجها) أي العلة املناسبة (ختريج املناط) ألنه إبداء ما نيط به احلكم‪،‬‬
‫فاملناط من النوط وهو التعليق أما تنقيح املناط وحتقيقه فسيأتيان‪( .‬وهو) أي ختريج املناط (تعيني العلة بإبداء) أي إظهار (مناسبة) بني‬
‫العلة املعينة واحلكم (مع االقرتان بينهما كاالسكار) يف خرب مسلمـ «كل مسكر حرام»‪ ،‬فهو إلزالته العقلـ املطلوب حفظه مناسب‬
‫للحرمة‪ ،‬وقد اقرتن هبا وخرج بإبداء املناسبة ترتيب احلكم على الوصف الذي هو من أقسام اإلمياء وغري ذلك كاملطرد والشبه‬
‫وباالقرتان إبداء املناسبة يف املستبقي يف السرب‪( .‬وحيقق) بالبناء للمفعولـ (استقالل الوصف) املناسب يف العلية (بعدم غريه) من األوصاف‬
‫(بالسرب) ال بقول املستدل حبثت فلم أجد غريه‪ ،‬واألصل عدمه خبالفه يف السرب ألنه ال طريق له مث سواه‪ ،‬وألن املقصود هنا إثبات‬
‫استقالل وصف صاحل للعلية ومث نفي ما ال يصلح هلا‪( .‬واملناسب) املأخوذ من املناسبة املتقدمة (وصف) ولو حكمة (ظاهر منضبط‬
‫حيصل عقالً من ترتيب احلكم عليه ما يصلح كونه مقصودا للشارع) يف شرعية ذلك احلكم‪( .‬من حصول مصلحة أو دفع مفسدة)‪.‬‬
‫والوصف فيه شامل للعلة إذا كانت حكما شرعيا ألنه وصف للفعل القائم هو به وشامل للحكمة‪ ،‬فيكون للحكمة إذا عللـ هبا حكمة‬
‫كحفظ النفس‪ ،‬فإنه حكمة لالنزجار الذي هو حكمة لرتتب وجوب القصاص على القتل عدوانا‪ ،‬وإن جاز أن يكونا حكمتني له‬
‫وخرج بيحصل اخل‪ ،‬الوصف املبقي يف السري‪ ،‬واملدار يف الدوران وغريمها من األوصاف اليت تصلح للعلية وال حيصل عقالً من ترتيب‬
‫احلكم عليها ما ذكر‪ ،‬وقيل هو املالئم ألفعال العقالء عادة‪ ،‬واختاره‬
‫لألول‪ ،‬وإمنا‬
‫األصل‪ ،‬وقيل هو ما جيلب نفعا أو يدفع ضررا‪ ،‬وقيل هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول‪ .‬وهذه األقوال مقاربة ّ‬
‫اخرتته على ما اختاره األصل ألنه قول احملققني‪ ،‬وألنه أنسب بقويل كغريي‪( .‬فإن كان الوصف خفيا أو غري منضبط اعترب مالزمه)‬
‫الذي هو ظاهر منضبط‪( ،‬وهو املظنة) له فيكون هو العلة كالوطء مظنة لشغل الرحم املرتب عليه وجوب الع ّدة يف األصل حفظا‬
‫للنسب‪ ،‬لكنه ملا خفي نيط وجوهبا مبظنته وكالسفر مظنة للمشقة املرتب عليها الرتخص يف األصل‪ ،‬لكنها ملا مل تنضبط نيط الرتخص‬
‫مبظنتها‪( .‬وحصول املقصود من شرع احلكم قد يكون يقينا كامللك يف البيع) ألنه املقصود من شرع البيع وحيصل منه يقينا‪( .‬و) قد‬
‫يكون (ظنا كاالنزجار يف القصاص) ألنه املقصود من شرع القصاص وحيصل منه ظنا‪ ،‬فإن املمتنعني عنه أكثر من املقدمني عليه‪( .‬و)‬
‫قد يكون (حمتمالً) كاحتمال انتفائه إما (سواء كاالنزجار يف حد اخلمر) على تناوهلا ألنه املقصود من شرع احلد عليه وحصول‬
‫االنزجار منه وانتفاؤه متساويان بتساوي املمتنعني عن تناوهلا واملقدمني عليه فيما يظهر لنا‪( .‬أو مرجوحا) ألرجحية انتفائه‪( .‬كالتوالد‬
‫يف نكاح األمة) ألنه هو املقصود من شرع النكاح وانتفاؤه يف نكاحها أرجح من حصوله‪( .‬واألصح جواز التعليلـ باألخريين) من‬
‫األربعة أي باملقصود املتساوي احلصول واالنتفاء واملقصود املرجوح احلصول نظرا إىل حصوهلما يف اجلملة وقياسا على السفر يف جواز‬
‫القصر للمرتفه يف سفره املنتفي فيه املشقة اليت هي حكمة الرتخص نظرا إىل حصوهلا يف اجلملة‪ ،‬وقيل ال جيوز التعليل هبما‪ ،‬ألن أوهلما‬
‫مشكوك احلصول‪ ،‬وثانيهما مرجوحه‪ .‬أما ّأول األربعة‪ ،‬وثانيها فيجوز التعليل هبما قطعا‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/124‬‬

‫( فإن فات) املقصود من شرع احلكم (قطعا) يف بعض الصور (فاألصح) أنه (ال يعترب) فيه املقصود للقطع بانتفائه‪ .‬وقالت احلنفية يعترب‬
‫حىت يثبت فيه احلكم وما يرتتب عليه كما سيظهر‪( .‬سواء) يف االعتبار وعدمه (ما) أي احلكم الذي (فيه تعبد كاسترباء أمة اشرتاها‬
‫بائعها) لرجل منه (يف اجمللس) أي جملس البيع فاملقصود من استرباء األمة املشرتاة من رجل وهو معرفة براءة رمحها منه املسبوقة باجلهل‬
‫هبا ثابت قطعا يف هذه الصورة النتفاء اجلهل فيها قطعا‪ ،‬وقد اعتربه احلنفية فيها تقديرا حىت يثبت فيها االسترباء وغريهم مل يعتربه‪ .‬وقال‬
‫باالسترباء فيها تعبدا كما يف املشرتاة من امرأة‪ ،‬ألن االسترباء فيه نوع تعبد كما علم يف حمله‪( .‬وما) أي واحلكم الذي (ال) تعبد فيه‬
‫(كلحوق نسب ولد املغربية باملشرقي) عند احلنفية حيث قالوا من تزوج باملشرق امرأة وهي باملغرب‪ ،‬فأتت بولد يلحقه فاملقصود من‬
‫التزويج وهو حصول النطفة يف الرحم ليحصلـ العلوق فيلحقـ النسب فائت قطعا يف هذه الصورة للقطع عادة بعدم تالقي الزوجني‪ ،‬وقد‬
‫اعتربه احلنفية فيها لوجود مظنته وهو التزويج حىت يثبت اللحوق وغريهم مل يعتربه‪ .‬وقال ال عربة مبظنته مع القطع بانتفائه وعدم التعبد‬
‫فيه فال حلوق‪( .‬واملناسب) من حيث شرع احلكم له ثالثة أقسام (ضروري فحاجي فتحسيين) قطعا مع ما يأيت يف أقسام الضروري‬
‫بالفاء ليفيد أن كالً منها دون ما قبله يف الرتبة‪( .‬والضروري) وهو ما تصل احلاجة إليه إىل حد الضرورة‪( .‬حفظ الدين) املشروع له‬
‫قتل الكفار‪( .‬فالنفس) أي حفظها املشروع له القود‪( ،‬فالعقل) أي حفظه املشروع له حد السكر‪( ،‬فالنسب) أي حفظه املشروع له‬
‫حد الزنا‪( .‬فاملال) أي حفظه املشروع له حد السرقة وحد قطع الطريق‪( .‬فالعرض) أي حفظه املشروع له عقوبة القذف والسب‪ ،‬وهذا‬
‫زاده األصل كالطويف على اخلمسة السابقة املسماة باملقاصد والكليات اليت قالوا فيها إهنا مل تبح يف ملة من امللل‪ ،‬واملراد جمموعها‪ ،‬وإال‬
‫فاخلمر أبيحت يف صدر اإلسالم‪ ،‬وعطفي للعرضـ بالفاء أوىل من عطف األصل كالطويف له بالواو‪( .‬ومثله) أي الضروري (مكمله)‪،‬‬
‫املفوت حلفظ العقلـ فبولغ يف حفظه باملنع من القليل واحل ّد‬
‫فيكون يف رتبته (كاحل ّد بـ)ـتناول (قليل املسكر)‪ ،‬إذ قليله يدعو إىل كثريه ّ‬
‫عليه كالكثري‪ ،‬وكعقوبة الداعني إىل البدع ألهنا تدعو إىل الكفر املفوت حلفظ الدين‪ ،‬وكالقود يف األطراف‪ ،‬ألن أزالتها تدعو إىل القتل‬
‫املفوت حلفظ النفس‪( .‬واحلاجي) وهو ما حيتاج إليه وال يصل إىل حد الضرورة‪( .‬كالبيع فاالجارة) املشروعني للملكـ احملتاج إليه وال‬
‫يفوت بفواته لو مل يشرعا شيء من الضروريات السابقة‪ ،‬وعطفت االجارة بالفاء ألن احلاجة إليها دون احلاجة إىل البيع‪( .‬وقد يكون)‬
‫احلاجي (ضروريا) يف بعض صوره (كاالجارة لرتبية الطفل)‪ ،‬فإن ملك املنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو مل تشرع االجارة حفظ‬
‫نفس الطفل‪( .‬و) مثل احلاجي (مكمله كخيار البيع) املشروع للرتوي كمل به البيع ليسلم عن الغنب‪( .‬والتحسيين) وهو ما استحسن‬
‫عادة من غري احتياج إليه قسمان (معارض للقواعد) الشرعية‪ .‬أي لشيء منها (كالكتابة) فإهنا غري حمتاج إليها إذ لو منعت ما ضر لكنها‬
‫مستحسنة عادة للتوسل هبا إىل فك الرقبة من الرق‪ ،‬وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر إذ ما حيصله‬
‫املكاتب يف قوة ملك السيد له بتعجيزه نفسه‪( .‬وغريه) أي وغري املعارض لشيء من القواعد‪( .‬كسلب العبد أهلية الشهادة)‪ ،‬فإنه غري‬
‫حمتاج إليه إذ لو ثبت للعبد األهلية ما ضر لكنه مستحسنـ عادة لنقص الرقيق عن هذا املنصب الشريف امللزم للحقوق خبالف الرواية‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/125‬‬
‫(مث املناسب) من حيث اعتباره وجودا وعدما أربعة أقسامـ مؤثر ومالئم وغريب ومرسل‪ ،‬ألنه (إن اعترب عينه يف عني احلكم بنص أو‬
‫إمجاع فاملؤثر)‪ .‬لظهور تأثريه مبا اعترب به‪ ،‬واملراد بالعني النوع ال الشخصـ منه فاالعتبار بالنص كتعليل نقض الوضوء مبس الذكر‪ ،‬فإنه‬
‫مستفاد من خرب الرتمذي وغريه «من مس ذكره فليتوضأ»‪ .‬واالعتبار باالمجاع كتعليل والية املال على الصغري بالصغر فإنه جممع عليه‪.‬‬
‫(أو) اعترب عينه يف عني احلكم (برتتيب احلكم على وقفه) حيث ثبت احلكم معه بأن أورده الشرع على وقفه‪ ،‬ال بأن نص على العلة أو‬
‫أومىء إليها وإال مل تكن العلة مستفادة من املناسبة‪( .‬فإن اعترب) بنص أو إمجاع (العني يف اجلنس أو عكسه أو اجلنس يف اجلنس) وكل‬
‫منهما أعلى مما بعده‪( .‬فاملالئم) ملالميته للحمم (وإال) أي وإن مل يعترب مبا ذكر شيء من ذلك‪( .‬فالغريب)‪ .‬وهذا من زياديت تبعا البن‬
‫احلاجب‪ ،‬ومثل له بتعليل توريث املبتوتة يف مرض املوت بالفعل احملرم لغرض فاسد وهو الطالق البائن لغرض عدم اإلرث قياسا على‬
‫قاتل مورثه حيث مل يرثه جبامع ارتكاب فعل حمرم‪ ،‬ويف ترتيب احلكم عليه حتصيل مصلحة وهو هنيهما عن الفعل احلرام‪ ،‬لكن مل يشهد‬
‫له أصل باالعتبار بنص أو إمجاع‪ ،‬ومثال األول من أقسامـ املالئم تعليل والية النكاح بالصغر حيث تثبت معه‪ ،‬وإن اختلف يف أهنا له أو‬
‫للبكارة أو هلما‪ ،‬وقد اعترب يف جنس الوالية حيث اعترب يف والية املال باإلمجاع كما مر‪ ،‬ومثال الثاين تعليل جواز اجلمع حالة املطر يف‬
‫احلضر باحلرج حيث اعترب معه‪ ،‬وقد اعترب جنسه يف جوازه يف السفر بالنص إذ احلرج جامع حلرج السفر واملطر‪ ،‬ومثال الثالث تعليل‬
‫القود يف القتل مبثقل بالقتل العمد العدوان حيث ثبت معه‪ ،‬وقد اعترب جنسه يف جنس القود حيث اعترب يف القتل مبحدد باإلمجاع إذ‬
‫القتل العمد العدوان جامع للقتل مبثقل‪ ،‬ومبحدد والقود جامع للقود باملثقل وباحملدد‪( ،‬وإن مل يعترب) أي املناسب (فإن دل دليل على‬
‫إلغائه)‪،‬‬
‫فهو ملغى (فال يعلل به) قطعا كما يف مجاع ملك هنار رمضان‪ ،‬فإن حاله يناسب التكفري ابتداء بالصوم لريتدع به دون اإلعتاق‪ ،‬إذ‬
‫يسهل عليه بذل املال يف شهوة الفرج‪ ،‬وقد أفىت حيىي بن حيىي بن كثري الليثي املغريب املالكي ملكا باملغرب جامع يف هنار رمضان بصوم‬
‫شهرين متتابعني نظرا إىل ذلك لكن الشارع ألغاه بإجيابه اإلعتاق ابتداء من غري تفرقة بني ملكـ وغريه‪ ،‬ويف احلاشية زيادة على ذلك‪،‬‬
‫ويسمى هذا القسم بالغريب لبعده عن االعتبار‪( .‬وإال) أي وإن مل يدل دليل على إلغائه كما مل يدل على اعتباره (فاملرسل) إلرساله أي‬
‫(ورده األكثر) من العلماء مطلقا‬
‫إطالقه عما يدل على اعتباره أو إلغائه‪ ،‬ويعرب عنه باملصاحل املرسلة وباالستصالح وباملناسب املرسل ّ‬
‫ليقر‪ ،‬وعورض بأنه قد يكون بريئا‬ ‫جوز ضرب املتهم بالسرقة ّ‬ ‫لعدم ما يدل على اعتباره وقبله اإلمام مالك مطلقا رعاية للمصلحة حىت ّ‬
‫ورد ه قوم يف العبادات إذ ال نظر فيها للمصلحة‪ ،‬خبالف غريها كالبيع والنكاح واحلد‪،‬‬‫وترك الضربـ ملذنب أهون من ضرب بريء‪ّ ،‬‬
‫وحمل اخلالف املذكور إذا علم اعتبار العني يف اجلنس أو عكسه أو اجلنس يف اجلنس‪ ،‬وإال فهو مردود قطعا كما ذكره العضدـ تبعا البن‬
‫احلاجب‪( .‬وليس منه) أي من املناسب الرسل‪( .‬مصلحة ضرورية كلية) أي متعلقةـ بكل األمة (قطعية أو ظنية قريبة منها) لداللة الدليل‬
‫على اعتبارها‪( ،‬فهي حق كلي قطعا) واشرتطها الغزايل للقطعـ بالقول باملناسب املرسل‪ ،‬ال ألصل القول به فجعلها منه مع القطع بقبوهلا‬
‫مثاهلا رمي الكفار املترتسني بأسرانا يف احلرب املؤدي إىل قتل الرتس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا من القطع بأهنم إن مل يرموا‬
‫استأصلونا بالقتل الرتس وغريه‪ ،‬وبأهنم إن رموا سلم غري الرتس فيجوز رميهم حلفظ باقي األمة خبالف رمي أهل قلعة ترتسوا مبسلمني‪،‬‬
‫ألن فتحها ليس ضروريا ورمى بعضنا من سفينة يف حبر لنجاة الباقني‪ ،‬ألن جناهتم ليست كليا ورمى املترتسني يف احلرب إذا مل يقطع أو‬
‫مل يظن‬
‫ظنا قريبا من القطع باستئصاهلم لنا‪ ،‬فال جيوز الرمي يف شيء من الثالث‪ ،‬وإن أقرع يف الثانية ألن القرعة ال أصل هلا شرعا يف ذلك‪.‬‬
‫(واملناسبة تنخرم) أي تبطل (مبفسدة تلزم) احلكم (راجحة) على مصلحته (أو مساوية هلا يف األصح)‪ ،‬ألن درء املفاسد مقدم على‬
‫جلب املصاحل‪ ،‬وقال اإلمام الرازي ومتابعوه ال تنخرم هبا مع موافقتهم على انتفاء احلكم فهو عندهم لوجود املانع وعلى األول النتفاء‬
‫املقتضى فاخللف لفظي‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/126‬‬

‫السادس) من مسالكـ العلة‪( ،‬الشبه وهو مشاهبة وصف للمناسب والطردي) وهذا التفسري من زياديت‪( .‬ويسمى الوصف بالشبه أيضا‬
‫وهو منزلة) أي ذو منزلة (بني منزلتيهما) أي منزليت املناسب والطردي‪( .‬يف األصح) ألنه يشبه الطردي من حيث إنه غري مناسب‬
‫بالذات‪ ،‬ويشبه املناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه يف اجلملة كالذكورة واألنوثة يف القضاء والشهادة‪ ،‬وقيل هو املناسب‬
‫بالتبع كالطهارة الشرتاط النية‪ ،‬فإهنا إمنا تناسبه بواسطة أهنا عبادة خبالف املناسب بالذات كاإلسكار حلرمة اخلمر‪( .‬وال يصار إليه) بأن‬
‫يصار إىل قياسه‪( ،‬إن أمكن قياس العلة) املشتمل على املناسب بالذات‪( .‬وإال) بأن تعذرت العلة بتعذر املناسب بالذات بأن مل يوجد‬
‫غري قياس الشبه‪( .‬فهو حجة يف غري) الشبه (الصوري يف األصح)‪ ،‬نظرا لشبهه باملناسب وقد احتج به الشافعيـ يف مواضع منها‪ .‬قوله يف‬
‫إجياب النية يف الوضوء كالتيمم طهارتان أىن تفرتقان‪ ،‬وقيل مردود نظرا لشبهه بالطردي‪( .‬وأعاله) أي قياس الشبه (قياس ما) أي شبه‬
‫(له أصل واحد) كأن يقول يف إزالة اخلبث هي طهارة للصالة فيتعني املاء كطهارة احلدث‪ ،‬فطهارة اخلبث تشبه الطردي من حيث‬
‫ظهور املناسبة بينها وبني تعني املاء‪ ،‬وتشبه املناسب بالذات من حيث إن الشرع اعترب طهارة احلدث باملاء يف الصالة وغريها‪( .‬فـ)ـقياس‬
‫(غلبة األشباه يف احلكم والصفة) وهو إحلاق فرع مرتدد بني أصلني بأحدمها الغالب شبهه به يف احلكم والصفة على شبهه باآلخر فيهما‪،‬‬
‫باحلر فيهما‪ ،‬أما احلكم‬
‫كإحلاق العبد باملاء يف إجياب القيمة بقتله بالغة ما بلغت‪ ،‬ألن شبهه باملال يف احلكم والصفة أكثر من شبهه ّ‬
‫فلكونه يباع ويؤجر ويعار ويودع ويثبت عليه اليد‪ .‬وأما الصفة فلتفاوت قيمته حبسب تفاوت أوصافه جودة ورادءة وتعلق الزكاة‬
‫بقيمته إذا اجتر فيه‪( .‬فـ)ـقياس غلبة األشباه يف (احلكم فـ)ـقياس غلبتها يف (الصفة)‪ .‬وهذان مع األول ومع الرتجيح والتقييد بغري الصوري‬
‫من زياديت‪ ،‬أما‬
‫الصوري كقياس اخليل على البغال واحلمري يف عدم وجوب الزكاة للشبه الصوري بينهما‪ ،‬فليس حبجة يف األصح‪.‬‬

‫( ‪)1/127‬‬

‫(السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد احلكم) أي تعلقه‪( .‬عند وجود وصف ويعدم) هو أوىل من قوله وينعدم‪( .‬عند عدمه)‬
‫والوصف يسمى مدارا واحلكم دائرا‪( .‬وهو) أي الدوران (يفيد) العلية (ظنا يف األصح)‪ .‬وقيل ال يفيدها جلواز أن يكون الوصف‬
‫مالزما هلا ال نفسها كرائحة املسكر املخصوصة‪ ،‬فإهنا دائرة مع اإلسكار وجودا وعدما بأن يصري املسكر خالً وليست علة‪ ،‬وقيل‬
‫يفيدها قطعا وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف كاإلسكار حلرمة اخلمر‪( .‬وال يلزم املستدل به بيان انتفاء ما هو أوىل منه) بإفادة‬
‫مر يف الشبه‪( .‬ويرتجح جانبه) أي املستدل (بالتعدية)‬ ‫العلية بل يصح االستدالل به مع إمكان االستدالل مبا هو أوىل منه خبالف ما ّ‬
‫لوصفه على جانب املعرتض حيث يكون وصفه قاصرا (إن أبدى املعرتض وصفا آخر) أي غري املدار‪( .‬واألصح) أنه (إن تع ّدى وصفه)‬
‫أي املعرتض (إىل الفرع) املتنازع فيه بقيد زدته بقويل (واحتد مقتضى وصفيهما) أي املستدل واملعرتض‪( ،‬أو إىل فرع آخر مل يطلب‬
‫ترجيح) بناء على جواز تعدد العلل‪،‬ـ وقيل يطلب الرتجيح بناء على منعه‪ ،‬وبه جزم األصل يف الثاين بناء على ما رجحه من منع تعدد‬
‫العلل‪ ،‬أما إذا اختلف مقتضى وصفيهما كأن اقتضى أحدمها احلل واآلخر احلرمة فيطلب الرتجيح‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/128‬‬

‫(الثامن) من مسلكـ العلة (الطرد بأن يقارن احلكم الوصف بال مناسبة) ال بالذات وال بالتبع كقول بعضهم يف اخلل مائع ال تبىن القنطرة‬
‫على جنسه فال تزال به النجاسة كالدهن أي خبالف املاء فبناء القنطرة وعدمه ال مناسبة فيهما للحكم‪ ،‬وإن كان مطردا ال نقض عليه‪،‬‬
‫(ورد ه األكثر) من العلماء النتفاء املناسبة عنه‪ .‬قال علماؤنا قياس املعىن مناسب‬
‫وقويل بال مناسبة من زياديت وخرج به بقية املسالك ّ‬
‫الشتماله على الوصف املناسب‪ ،‬وقياس الشبه تقريب‪ ،‬وقياس الطرد حتكم فال يفيد‪ ،‬وقيل يفيد املناظر دون الناظر لنفسه ألن األول‬
‫دافع‪ ،‬والثاين مثبت‪ .‬وقيل إن قارنه فيما عدا صورة النزاع أفاد العلية فيفيد احلكم يف صورة النزاع‪ ،‬وقيل تكفي مقارنته له يف صورة‬
‫واحدة غري صورة النزاع‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/129‬‬

‫(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح املناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل) حلكم (بوصف فيحذف خصوصه عن االعتبار باالجتهاد‬
‫األعرايب الذي واقع زوجته يف هنار رمضان خصوص الوقاع عن‬ ‫ّ‬ ‫ويناط) احلكم (باألعم)‪ ،‬كما حذف أبو حنيفة ومالك من خرب‬
‫االعتبار‪ ،‬وأناطا الكفارة مبطلقـ اإلفطار‪( .‬أو) بأن (تكون) يف حمل احلكم (أوصاف فيحذف بعضها) عن االعتبار باالجتهاد (ويناط)‬
‫احلكم (بباقيها)‪ ،‬كما حذف الشافعي يف اخلرب املذكور غري الوقاع من أوصاف احملل ككون الواطىء أعرابيا‪ ،‬وكون املوطوءة زوجة‪،‬‬
‫مر لإلمياء‪ ،‬الختالف اجلهة‪،‬‬
‫وكون الوطء يف القبل عن االعتبار‪ ،‬وأناط الكفارة بالوقاع‪ ،‬وال ينايف التمثيل باخلرب ملا هنا التمثيل به فيما ّ‬
‫إذ التمثيل لإلمياء بالنظر القرتان الوصف باحلكم‪ ،‬وملا هنا بالنظر لالجتهاد يف احلذف‪( .‬وحتقيق املناط إثبات العلة يف صورة) خفى‬
‫وجودها فيها‪( .‬كإثبات أن النباش) وهو من ينبش القبور ويأخذ األكفان‪( .‬سارق) بأنه وجد منه أخذ املال خفية من حرز مثله وهو‬
‫(مر) بيانه يف مبحث املناسبة وقرنت كاألصل بني الثالثة كعادة اجلدليني ويعرف من‬ ‫السرقة فيقطع خالفا للحنفية‪( .‬وخترجيه) أي املناط ّ‬
‫تعاريفها الفرق بينها‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/130‬‬

‫(العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق) بأن يبني عدم تأثريه يف الفرق بني األصل والفرع‪ ،‬فيثبت احلكم ملا اشرتكا فيه سواء أكان‬
‫يبولن أحدكم يف املاء الراكد»‪ .‬أم ظنيا (كإحلاق‬
‫صب البول يف املاء الراكد بالبول فيه يف الكراهة الثابتة خبرب «ال ّ‬
‫اإللغاء قطعيا كإحلاق ّ‬
‫األمة بالعبد يف السراية) الثابتة خبرب «من أعتق شركا له يف عبد فكان له مال يبلغ مثن العبد ّقوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه‬
‫حصصهم وعتق عليه العبد وإال فقد عتق عليه ما عتق»‪ .‬فالفارق يف األول الصب من غري فرج‪ ،‬ويف الثاين األنوثة‪ ،‬وال تأثري هلما يف منع‬
‫الكراهة والسراية فتثبتان ملا يشارك فيه األصل والفرع‪ ،‬وإمنا كان الثاين ظنيا ألنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع يف عتق العبد‬
‫استقالله يف جهاد ومجعة وغريمها مما ال دخل لألنثى فيه‪ ،‬وقوله يف اخلرب مثن العبد أي مثن ما ال ميلكه العتق منه‪( .‬وهو) أي إلغاء الفارق‬
‫الظن يف اجلملة‪ .‬وال تعني جهة‬‫(والدوران والطرد) على القول به (ترجع) ثالثتها (إىل ضرب شبه) للعلة ال علة حقيقة ألهنا حتصل ّ‬
‫املصلحة املقصودة من شرع احلكم‪ ،‬ألهنا ال تدرك بواحد منها خبالف بقية املسالك‪.‬‬

‫( ‪)1/131‬‬

‫األصح) فيهما‪ .‬وقيل نعم فيهما‪ ،‬أما‬


‫ّ‬ ‫(خامتة) يف نفي مسلكني ضعيفني‪( .‬ليس تأيت القياس بعلية وصف وال العجز عن إفساده دليلها يف‬
‫األول فألن القياس مأمور به بقوله تعاىل {فاعتربوا} وبتقدير علية الوصف خيرج بقياسه عن عهدة األمر فيكون الوصف علة‪ .‬قلنا إمنا‬
‫يتعني عليته لو مل خيرج عن عهدة األمر إال بقياسه وليس كذلك‪ ،‬وأما الثاين فكما يف املعجزة فإهنا إمنا دلت على صدق الرسول للعجزـ‬
‫عن معارضتها‪ .‬قلنا الفرق أن العجزـ مث من اخللق وهنا من اخلصم‪.‬‬

‫( ‪)1/132‬‬

‫القوادح‬
‫أي هذا مبحثها وهي ما يقدح يف الدليل علة كان الدليل أو غريها‪( .‬منها ختلف احلكم عن العلة املستنبطة) إن كان التخلف (بال مانع‬
‫أو فقد شرط يف األصح)‪ ،‬بأن وجدت يف بعض صور بدون احلكم ألهنا لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ خبالف املنصوصة‪ ،‬إذ ال‬
‫نقض معها كما بينته يف احلاشية‪،‬وخبالف ما إذا كان التخلف ملانع أو فقد شرط‪ ،‬ألن العلة عند التخلف جتامع كالً منهما‪ .‬وهذا ما‬
‫اختاره ابن احلاجب وغريه من احملققني‪ ،‬وعليه حيمل إطالق الشافعيـ القدح بالتخلف‪ ،‬وقيل يقدح مطلقا‪ ،‬ورجحه األصل إذ لو صحت‬
‫العلية مع التخلف للزم احلكم يف صورة التخلف ضرورة استلزام العلة ملعلوهلا‪ ،‬وقيل ال يقدح مطلقا‪ .‬وقال به أكثر احلنفية ومسوه‬
‫ختصيص العلة‪ ،‬وقيل يقدح يف العلة املستنبطة دون املنصوصة‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬وقيل يقدح إال أن يكون ملانع أو فقد شرط وعليه أكثر‬
‫فقهائنا وقيل غري ذلك‪( .‬واخللف)يف القدح (معنوي) خالفا البن احلاجب ومن تبعه يف قوهلم إنه لفظي مبين على تفسري العلة إن فسرتـ‬
‫باملؤثر وهو ما يستلزم وجوده وجود احلكم‪ ،‬فالتخلف قادح أو بالباعث أو باملعرف فال‪.‬‬
‫( ومن فروعه) أي فروع أن اخللف معنوي (االنقطاع) للمستدل فيحصل إن قدح التخلف‪ ،‬وإال فال حيصل ويسمع قوله أردت العلية يف‬
‫غري ما حصل فيه التخلف‪( ،‬واخنرام املناسبة مبفسدة) فيحصلـ إن قدح التخلف وإال فال‪ ،‬لكن ينتفي احلكم لوجود املانع (وغريمها)‬
‫بالرفع أي غري املذكورين كتخصيص العلة فيمتنع إن قدح التخلف وإال فال‪( .‬وجوابه) أي التخلف على القول بأنه قادح (منع وجود‬
‫العلة) فيما اعرتض به‪( .‬أو) منع (انتفاء احلكم) يف ذلك (إن مل يكن انتفاؤه مذهب املستدل)‪ .‬وإال فال يتأتى اجلواب‪( ،‬أو بيان املانع‬
‫أو) بيان (فقد الشرط) مثال ذلك جيب القود بالقتل مبثقل كالقتل مبحدد‪ ،‬فإن نقض بقتل األصل فرعه حيث ختلف احلكم فيه عن العلة‬
‫فجوابه منع وجود العلة يف ذلك‪ ،‬إذ يعترب فيها عدم أصلية القاتل أو أن التخلف ملانع‪ ،‬وهو أن األصل كان سببا إلجياد فرعه‪ ،‬فال يكون‬
‫هو سببا إلعدام أصله‪( .‬وليس للمعرتض) بالتخلف (استدالل على وجود العلة) فيما اعرتض به‪( .‬عند األكثر) من النظار‪ ،‬ولو بعد منع‬
‫املستدل وجودها‪( .‬النتقاله) من االعرتاض إىل االستدالل املؤدي إىل االنتشار‪ ،‬وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة‪ .‬وقيل له ذلك‬
‫إن مل يكن مث دليل أوىل من التخلف بالقدح‪ ،‬وإال فال‪ .‬وقيل له ذلك ما مل تكن العلة حكما شرعيا‪( .‬ولو دل) املستدل (على وجودها)‬
‫أي العلة فيما علل حكمه هبا (بـ)ـدليل (موجود يف حمل النقض مث منع وجودها) يف ذلك احملل‪( ،‬فقال) له املعرتض (ينتقض دليلك) الذي‬
‫أقمته على وجودها حيث وجد يف حمل النقض دوهنا على مقتضى منعكـ وجودها فيه‪( .‬مل يسمع) قول املعرتض (النتقاله من نقضها إىل‬
‫ناقض دليلها)‪ ،‬واالنتقال ممتنع‪ ،‬قال ابن احلاجب وفيه نظر ألن القدح يف الدليل قدح يف املدلول مبعىن أن القدح فيه حيوج إىل االنتقال‬
‫ردد بني األمرين فقال يلزمك انتقاض العلة أو انتقاض‬ ‫إىل إثبات املدلول بدليل آخر‪ ،‬وإال كان قوالً بال دليل فال ميتنع االنتقال إليه‪ ،‬فإن ّ‬
‫دليلها الدال على وجودها يف الفرع فال تثبت علتك مسع قوله اتفاقا‪ ،‬إذ ال انتقال (وليس له) أي للمعرتضـ (استدالل على ختلف‬
‫احلكم) فيما اعرتض به ولو بعد منع املستدل ختلفه (يف األصح)‪ ،‬ملا مر من االنتقال من االعرتاض إىل االستدالل املؤدي إىل االنتشار‪،‬‬
‫وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة‪ ،‬وقيل له ذلك إن مل يكن مث طريق أوىل من التخلف بالقدح وإال فال‪( .‬وجيب االحرتاز منه)‬
‫أي من التخلف بأن يذكر يف الدليل ما خيرج حمله ليسلم من االعرتاض‪( ،‬على املناظر مطلقا) عن االستثناء اآليت‪( ،‬وعلى الناظر) لنفسه‬
‫(إال فيما اشتهر من املستثنيات)‪ ،‬كالعرايا ألنه لشهرته كاملذكور‪ ،‬فال جيب االحرتاز منه‪ ،‬وقيل جيب عليه ذلك مطلقاـ وغري املذكور‬
‫ليس كاملذكور‪ ،‬وقيل جيب عليه ذلك إال يف املستثنيات ولو كانت غري مشهورة‪ ،‬فال جيب ذلك للعلم بأهنا غري مرادة‪ ،‬وقيل ال جيب‬
‫مطلقا‪ .‬واختاره ابن احلاجب وغريه (وإثبات صورة) معينة أو مبهمة (أو نفيها ينتقض بالنفي أو اإلثبات العامني) يعين السالبة واملوجبة‬
‫الكليتني‪( .‬وبالعكس) أي النفي العام أو اإلثبات العام ينتقض بإثبات صورة معينة أو مبهمة أو بنفيها فنحو زيد كاتب أو إنسان ما‬
‫كاتب يناقضه ال شيء من اإلنسان بكاتب وحنو زيد ليس بكاتب‪ ،‬أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه كل إنسان كاتب‪ ،‬أما األوىل‬
‫بشقيها فلتحققـ املناقضة بني املوجبة اجلزئية والسالبة الكلية‪ ،‬وأما الثانية كذلك فلتحققـ املناقضة بني السالبة اجلزئية واملوجبة الكلية‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/133‬‬

‫األصح) ملا يعلم من تعريفه اآليت‪ ،‬وقيل ليس بقادح‪( ،‬وهو) أي الكسر ويسمى بنقض‬ ‫ّ‬ ‫ومنها) أي من القوادح (الكسر) فإنه قادح (يف‬
‫املعىن أي املعلل به‪( .‬إلغاء بعض العلة) بوجود احلكم عند انتفائه إما (مع إبداله) أي البعض بغريه (أو ال) مع إبداله (ونقض باقيها) أي‬
‫العلة والتصريح بأو ال اخل من زياديت (كما يقال يف) إثبات صالة (اخلوف) هي (صالة جيب قضاؤها) لو مل تفعل‪( .‬فيجب أداؤها‬
‫كاألمن) فإن الصالة فيه كما جيب قضاؤها لو مل تفعل جيب أداؤها‪( .‬فيعرتض) بأن خصوص الصالة ملغى بأن يقال احلج جيب أداؤه‬
‫لقضائه‪( .‬فليبدل) خصوص الصالة (بالعبادة) ليندفع االعرتاض‪ ،‬وكأنه قيل عبادة اخل‪( .‬مث ينقض) هذا القول (بصوم احلائض) فإنه عبادة‬
‫جيب قضاؤها وال جيب أداؤها بل حيرم (أو ال يبدل) خصوص الصالة‪( .‬فال يبقى) للمستدلـ علة (إال) قوله (جيب قضاؤها) فيجب‬
‫أداؤها كاألمن‪( .‬مث ينقض مبا مر)‪ ،‬بأن يقال ليس كل ما جيب قضاؤه يؤدي بدليل صوم احلائض‪ ،‬فإنه جيب عليها قضاؤه دون أدائه‪.‬‬
‫وعرب ابن احلاجب عن هذا القادح بالنقض املكسور وعرف الكسر قبيله مبا لزم منه أن الراجح أنه ال يقدح‪ ،‬ويف حمل آخر مبا يقتضي أنه‬
‫ختلف احلكم عن العلة‪ ،‬فعنده أن الكسر مشرتكـ لفظي‪ ،‬ومبا تقرر ّأوالً علم أن الكسر ال يكون إال يف العلة املركبة‪ ،‬وأن مفاده ختلف‬
‫احلكم عن العلة فهو قسم من أقسام القادح السابق‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/134‬‬

‫جموزه جلواز أن يكون‬ ‫( ومنها) أي من القوادح (عدم العكس) بأن يوجد احلكم بدون العلة وإمنا يقدح‪( .‬عند مانع تعدد العلل) خبالف ّ‬
‫وجود احلكم لعلة أخرى ومثاله يعلم من القادح اآليت‪( .‬والعكس انتفاء احلكم) ال مبعىن انتفائه نفسه‪ ،‬بل (مبعىن انتفاء العلم أو الظن به‬
‫النتفاء العلة)‪ ،‬وإمنا عىن ذلك ألنه ال يلزم من عدم الدليل الذي من مجلته العلة عدم املدلول للقطعـ بأن اهلل تعاىل لو مل خيلق العامل الدال‬
‫على وجوده مل ينتف وجوده‪ ،‬وإمنا ينتفي العلم به‪( .‬فإن ثبت مقابله) أي مقابل العكس وهو الطرد أي ثبوت احلكم لثبوت العلة أبدا‪،‬‬
‫األول عكس جلميع الصور ويف الثاين‬ ‫(فأبلغ) يف العكسية مما مل يثبت مقابله بأن يثبت احلكم مع انتفاء العلة يف بعض الصور‪ ،‬ألنه يف ّ‬
‫لبعضها‪( .‬وشاهده) أي العكس يف صحة االستدالل بانتفاء العلة فيه على انتفاء احلكم (قوله صلى اهلل عليه وسلّم) لبعض أصحابه يف‬
‫خرب مسلم ملا عدد وجوه الرب بقوله ويف بضع أحدكم صدقة اخل‪( .‬أرأيتم لو وضعها) أي الشهوة (يف حرام أكان عليه وزر) فكأهنم‬
‫قالوا نعم‪ ،‬فقال (فكذلك إذا وضعها يف احلالل كان له أجر يف جواب) قوهلم (أيأيت أحدنا شهوته وله فيها أجر) استنتج من ثبوت‬
‫احلكم أي الوزر يف الوطء احلرام انتفاءه يف الوطء احلالل الصادق حبصول األجر حيث عدل بوضع الشهوة عن احلرام إىل احلالل‬
‫لتعاكس حكميهما يف العلة‪ ،‬وهو كون هذا مباحا وذاك حراما‪ ،‬وهذا االستنتاج يسمى قياس العكس اآليت يف الكتاب اخلامس‪ ،‬وإمنا‬
‫ذكر هنا مع العكس‪ ،‬وإن كان املبحث يف القدح بعدمه أما العكس فلتوقف معرفة عدمه على معرفته‪ ،‬وأما قياسه فلكونه شاهدا له‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/135‬‬

‫(ومنها) أي من القوادح (عدم التأثري أي نفي مناسبة الوصف) الذاتية للحكم (فيختص) القدح به (بقياس معىن علته مستنبطة خمتلف‬
‫فيها) الشتماله على املناسب خبالف غريه كالشبه‪ ،‬وقياس املعىن الذي علته منصوصة أو مستنبطة جممع عليها فال يأيت فيه ذلك‪( ،‬وهو)‬
‫األو ل عدم التأثري (يف الوصف بكونه طرديا أو شبها)‪ .‬واملعىن عدم تأثريه أصالً كقول احلنفية يف الصبح صالة ال‬ ‫أقسام (أربعة) القسم ّ‬
‫تقصر فال يقدم أذاهنا كاملغرب فعدم القصر بالنسبة لعدم تقدمي األذان طردي ال مناسبة فيه وال شبه‪ ،‬وعدم التقييد موجود فيما يقصر‪،‬‬
‫وكقول املستدل بقياس املعىن يف الوضوء طهارة تفتقر إىل النية كالتيمم فالطهارة بالنسبة الفتقار الوضوء إىل النية شبه املناسبة فيه‬
‫بالذات‪ ،‬إذ املناسبة الذاتية له كون الوضوء عبادة‪ .‬وحاصل هذا القسم طلب مناسبة علية الوصف وقويل أو شبهه من زياديت (و) الثاين‬
‫مرئي فال يصح‬
‫عدم التأثري (يف األصل) بإبداء علة حلكمه (على مرجوح) وهو منع تعدد العلل (مثل) أن يقال يف بيع الغائب (مبيع غري ّ‬
‫مرئي) يف األصل‪( .‬إذ العجز عن التسليم) فيه (كاف) يف عدم الصحة وعدمها‬ ‫كالطري يف اهلواء فيقول) املعرتض (ال أثر لكونه غري ّ‬
‫موجود مع الرؤية‪ .‬وحاصله معارضته يف األصل بإبداء غري ما عللـ به وزدت على مرجوح ليوافق ما اعتمدته من جواز تع ّدد العلل‪( .‬و)‬
‫الثالث عدم التأثري (يف احلكم وهو أضرب) ثالثة أحدها (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (ال فائدة لذكره كقوهلم) أي اخلصوم‬
‫احلنفية (يف املرتدين) املتلفني مالنا بدار احلرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم يف ذلك (مشركون أتلفوا ماالً بدار احلرب فال‬
‫(طردي فال فائدة لذكره) ألن من نفي‬ ‫ّ‬ ‫(كاحلريب ) املتلف مالنا (فدار احلرب عندهم) أي اخلصوم كما هو عندنا وصف‬ ‫ّ‬ ‫ضمان) عليهم‬
‫الضمان يف إتالف املرتد مال املسلم كاحلنفية نفاه‪ ،‬وإن مل يكن اإلتالف بدار احلرب ومن أثبته كالشافعية أثبته‪ ،‬وإن مل يكن اإلتالف‬
‫بدار احلرب‬
‫(لألو ل) من األقسام ألن املعرتض يطالب املستدل بتأثري كون اإلتالف بدار احلرب ال بغريها‪( .‬و) الضربـ‬ ‫(فريجع) االعرتاض يف ذلك ّ‬
‫الثاين (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (له) أي لذكره (على األصح فائدة ضرورية كقول معترب العدد يف االستجمار) باألحجار‬
‫(عبادة متعلقة باألحجار مل يتقدمها معصية فاعترب فيها العدد كاجلمار) أي كرميها (فقوله مل يتقدمها معصية عدمي التأثري) يف حكم‬
‫األصل والفرع (لكنه) أي معترب العدد (مضطر لذكره لئال ينتقض ما عللـ به) لو مل يذكر فيه (بالرجم) للمحصن فإنه عبادة متعلقةـ‬
‫باألحجار ومل يعترب فيها العدد والضرب الثالث ما ذكرته بقويل (أو غري ضرورية) أي أو ماله على األصح فائدة غري ضرورية (مثل) أن‬
‫يقال (اجلمعة صالة مفروضة فلم تفتقر) يف إقامتها (إىل أذن اإلمام) األعظم (كالظهر‪ ،‬فإن) قوهلم (مفروضة حشو إذ لو حذف) مما‬
‫عللـ به (مل ينتقض) أي الباقي منه بشيء إذ النفل كالفرض يف ذلك‪( .‬لكنه ذكر لتقريب الفرع) وهو اجلمعة (من األصل) وهو الظهر‬
‫(بتقوية الشبهة بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه) به من غريه‪ ،‬وقيل عدم التأثري ال يكون قادحا فيما له فائدة بقسميها‪ ،‬وقيل يكون قادحا‬
‫يف ثانيهما دون أوهلما‪( .‬و) القسم الرابع عدم التأثري (يف الفرع) على مرجوح يعلم من قويل بعد يف الفرض واألصح جوازه‪( ،‬مثل) أن‬
‫زوجها وليها له‪.‬‬‫يقال يف تزويج املرأة نفسها (زوجت نفسها غري كفء فال يصح) التزويج (كما لو زوجت) بالبناء للمفعول أي ّ‬
‫(وهو) أي الرابع (كالثاين) يف أنه إبداء علة وهي يف هذا املثال تزويج املرأة نفسها ال تزوجيها من غري كفء‪( ،‬إذ ال أثر فيه للتقييد بغري‬
‫الكفء) فإنه وإن ناسب البطالن لكنه غري مطرد يف مجيع صور املدعي وهو أن تزوجيها نفسها ال يصح مطلقا كما ال أثر للتقييد يف‬
‫مثال الثاين بكونه غري مرئي‪ ،‬وإن كان نفي األثر هنا بالنسبة إىل الفرع ومث بالنسبة إىل األصل‪( .‬ويرجع) هذا القسمـ (إىل املناقشة يف‬
‫الفرض وهو) أي الفرض‬
‫(ختصيص بعض صور النزاع باحلجاج) كما فعلـ يف املثال‪ ،‬إذ املدعى فيه منع تزوجيها نفسها مطلقاـ واالحتجاج على منعه من غري‬
‫كفء‪( .‬واألصح جوازه) أي الفرض مطلقا فقد ال يساعده الدليل يف كل الصور أو ال يقدر على دفع االعرتاض يف بعضها فيستفيد‬
‫بالفرض غرضا صحيحا‪ ،‬وقيل ال جيوز ألن جوازه ال يدفع اعرتاض اخلصم‪ ،‬وقيل جيوز بشرط بناء غري حمل الفرض على حمله كأن يقاس‬
‫جوزوا‬
‫عليه جبامع بينهما‪ ،‬أو يقال ثبت احلكم يف بعض الصور فليثبت يف باقيها‪ ،‬إذ ال قائل بالفرق‪ ،‬وقد قال به احلنفية يف املثال حيث ّ‬
‫تزوجيها نفسها من غري كفء‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/136‬‬

‫ومنها) أي من القوادح (القلب) وهو نوعان خاص بالقياس وعرفوه بأن يربط املعرتض خالف قول املستدل على علته إحلاقا باألصل‬
‫استدل به) املستدل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الذي جعله مقيسا عليه وعام يعرتض به على القياس وغريه من األدلة‪( ،‬وهو يف األصح دعوى) املعرتض (أن ما‬
‫(وصح) دليل (عليه) أي على املستدل وإن دل له باعتبار آخر فتعبريي بذلك أوىل من قوله عليه ال له‪( .‬يف املسألة) املتنازع فيها ال يف‬
‫مسألة أخرى‪ ،‬وقول األصل على ذلك الوجه ال حاجة إليه كما بينته يف احلاشية‪ ،‬وتقدميي عليه على ما بعده أوىل من تأخري األصل له‬
‫عنه‪( ،‬فـ)ـبسبب التقييد بصحة ما استدل به (ميكن معه) أي مع القلب (تسليم صحته)‪ ،‬وقيل القلب تسليم صحته مطلقاـ سواء أكان ما‬
‫استدل به صحيحا أم ال‪ .‬وقيل هو إفساد له مطلقا ألن الغالب من حيث جعله على املستدل مسلمـ لصحته‪ ،‬وإن مل يكن صحيحا ومن‬
‫حيث مل جيعله له مفسدـ له‪ ،‬وإن كان صحيحا‪ ،‬وعلى كال القولني ال يذكر يف احلد قيد للصحة‪ ،‬وإمنا ذكر يف األول ألن عدم ذكره فيه‬
‫خيل مبوضوعه إما مصححا ملذهب املعرتض أو مبطالً ملذهب املستدل كما سيأيت‪ ،‬فهو قيد لالحرتاز عن الفاسد‪ ،‬إذ ال حيصل به شيء‬
‫من ذلك‪ ،‬وعلى األصح من إمكان التسليم مع القلب‪( .‬فهو) أي القلبـ (مقبول يف األصح) وهو إما (معارضة عند التسليم) لصحة‬
‫دليل املستدل‪ ،‬فال يكون القلبـ حينئذ قادحا‪ ،‬بل جياب عنه بالرتجيح وإما اعرتاض‪( .‬قادح عند عدمه) أي عدم تسليم الصحة‪ ،‬وقيل‬
‫هو شاهد زور يشهد على الغالب وله حيث سلم فيه الدليل‪ ،‬واستدل به على خالف دعوى املستدل فال يقبل‪( .‬وهو) أي القلبـ‬
‫باعتبار آخر (قسمان)‪.‬‬
‫القسم (األول) القلبـ (لتصحيح مذهب املعرتض) يف املسألة (وإبطال مذهب املستدل) فيها سواء أكان مذهب املستدل مصرحا به يف‬
‫االستدالل أم ال‪ ،‬فاألول (كما يقال) من جانب املستدل كالشافعي يف بيع الفضويل (عقد بال والية) عليه‪( .‬فال يصح كالشراء) أي‬
‫كشراء الفضويل فال يصح ملن مساه‪( .‬فيقال) من جانب املعرتض كاحلنفي (عقد فيصح كالشراء) أي كشراء الفضويل فيصح له ويلغو‬
‫تسميته لغريه وهو أحد وجهني عندنا‪ ،‬إذا مل يشرت بعني مال من عقد له ومل يضف العقدـ إىل ذمته‪( .‬و) الثاين (مثل) أن يقول احلنفي‬
‫املشرتط للصوم يف االعتكاف (لبث فال يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة)‪ ،‬فإنه قربة بضميمة اإلحرام فكذا االعتكاف يكون قربة‬
‫بضميمة عبادة إليه وهي الصوم ألنه املتنازع فيه‪( .‬فيقال) من جانب املعرتض كالشافعي االعتكاف‪( .‬لبث فال يشرتط فيه الصوم‬
‫كعرفة) ال يشرتط الصوم يف وقوفها‪ ،‬ففي هذا إبطال ملذهب اخلصم الذي هو اشرتاط الصوم ومل يصرح به يف الدليل‪.‬‬
‫القسم (الثاين) القلب (إلبطال مذهب املستدل) وإبطاله إما (بصراحة) كأن يقول احلنفي يف مسح الرأس‪( ،‬عضو وضوء فال يكفي) يف‬
‫مسحه (أقل ما ينطلقـ عليه االسم كالوجه) ال يكفي يف غسله ذلك‪( .‬فيقال) من جانب املعرتض كالشافعيـ عضو ضوء‪( .‬فال يقدر‬
‫باملعوض كالنكاح)‬
‫بالربع كالوجه) ال يقدر غسله بالربع (أو بالتزام)‪ ،‬كأن يقول النفي يف بيع الغائب (عقد معاوضة فيصح مع اجلهل ّ‬
‫يصح مع اجلهل بالزوجة أي عدم رؤيتها‪( .‬فيقال) من جانب املعرتض كالشافعي‪( ،‬فال يثبت) فيه (خيار الرؤية كالنكاح) فنفي الثبوت‬
‫يلزمه نفي الصحة إذ القائل هبا قائل بالثبوت‪ ،‬وقويل فال يثبت أوىل من قوله فال يشرتط ألن الالزم للصحة عند القائل هبا ثبوت ما ذكر‬
‫ال اشرتاطه‪( ،‬ومنه) أي من القلبـ إلبطال مذهب املستدل بااللتزام‪( .‬قلب املساواة فيقبل يف األصح) وهو أن يكون يف جهة األصل‬
‫حكمان أحدمها منتف عن جهة الفرع باتفاق اخلصمني‪ ،‬واآلخر متنازع فيه بينهما فإذا أثبته املستدل يف الفرع قياسا على األصل يقول‬
‫املعرتض فيجب التسوية بني احلكمني يف جهة الفرع كما يف جهة األصل (مثل) قول احلنفي يف الوضوء والغسل كل منهما (طهر مبائع‬
‫فال جتب فيه النية كالنجاسة) أي إزالتها ال جيب فيها النية خبالف التيمم جيب فيه النية‪( .‬فيقال) من جانب املعرتض كالشافعي (يستوي‬
‫جامده ومائعه) أي الطهر (كالنجاسة) يستوي جامد طهرها ومائعه يف مجيع أحكامها‪ .‬وقد وجبت النية يف التيمم‪ ،‬فتجب يف الوضوء‬
‫والغسل‪ ،‬وقيل ال يقبل قلب املساواة‪ ،‬ألن التسوية يف جهة الفرع غريها‪ ،‬يف جهة األصل‪ ،‬وأجاب األكثر بأن هذا االختالف ال يضر يف‬
‫القياس‪ ،‬ألنه غري مناف ألصل االستواء يف الوصف الذي جعل جامعا وهو الطهارة‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/137‬‬

‫( ومنها) أي من القوادح (القول باملوجب) بفتح اجليم أي مبا اقتضاه الدليل وال خيتص بالقياس وشاهده قوله تعاىل {وهلل العزة‬
‫ليخرجن األعز منها األذل‪ ،‬احملكي عن املنافقني أي صحيح ذلك لكنهم األذل واهلل ورسوله األعز وقد أخرجهم‬‫ّ‬ ‫ولرسوله} يف جواب‬
‫اهلل ورسوله‪( .‬وهو تسليم) مقتضي (الدليل مع بقاء النزاع)‪ ،‬بأن يظهر عدم استلزام الدليل حملل النزاع وورد ذلك على ثالثة أنواع‪.‬‬
‫أحدها أن يستنتج املستدل من دليله ما يتوهم أنه حمل النزاع أو مالزم له وال يكون كذلك‪ .‬والثاين أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه‬
‫مأخذ مذهب اخلصم واخلصم مينع أنه مأخذه‪ .‬والثالث أن يسكت عن مقدمة صغرى غري مشهورة‪ .‬فاألول (ما يقال يف) القود بقتل‬
‫(املثقل) من جانب املستدل كالشافعي (قتل مبا يقتل غالبا فال ينايف القود كاإلحراق) بالنار ال ينايف القود‪( ،‬فيقال) من جانب املعرتض‬
‫كاحلنفي (سلمنا عدم املنافاة) بني القتل باملثقل وبني القود‪( ،‬لكن مل قلت) إن القتل باملثقل (يقتضيه) أي القود وذلك حمل النزاع ومل‬
‫يستلزمه الدليل‪( .‬و) الثاين (كما يقال) يف القود بالقتل باملثقل أيضا (التفاوت يف الوسيلة) من آالت القتل وغريه (ال مينع القود‬
‫كالتوسل إليه) من قتل وقطع وغريمها ال مينع تفاوته القود (فيقال) من جانب املعرتض (مسلم) أن التفاوت يف الوسيلة ال مينع القود فال‬
‫يكون مانعا منه‪( ،‬لكن ال يلزم من إبطال مانع انتفاء املوانع ووجود الشرائط واملقتضي) وثبوت القود متوقف عل مجيعها‪( ،‬واملختار‬
‫تصديق املعرتض يف قوله) للمستدلـ (ليس هذا) الذي عنيته باستداللك تعريضا يب من منع التفاوت يف الوسيلة للقود (مأخذي) يف نفي‬
‫القود‪ ،‬ألن عدالته متنعه من الكذب يف ذلك ألنه أعلم مبذهبه‪ ،‬وقيل ال يصدق إال ببيان مأخذ آخر ألنه قد يعاند مبا قاله‪ .‬والثالث ما‬
‫ذكرته بقويل (ورمبا سكت املستدل عن مقدمة غري مشهورة خمافة املنع) هلا لو صرح هبا (فريد) بسكوته عنها (القول باملوجب) كما‬
‫يقال يف‬
‫اشرتاط النية يف الوضوء والغسل ما هو قربة يشرتط فيه النية كالصالة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة‪ ،‬فيقول‬
‫املعرتض مسلمـ أن ما هو قربة يشرتط فيه النية‪ ،‬لكن ال يلزم اشرتاطها يف الوضوء والغسل‪ ،‬فإن صرح املستدل بأهنما قربة ورد عليه منع‬
‫ذلك وخرج عن القول باملوجب أما املشهورة فكاملذكورة فال يتأتى فيها القول باملوجب‪.‬‬

‫( ‪)1/138‬‬

‫(ومنها) أي من القوادح (القدح يف املناسبة) الوصف املعلل به احلكم‪( .‬ويف صالحية إفضاء احلكم إىل املقصود) من شرعه (ويف‬
‫االنضباط) للوصف املذكور‪( ،‬ويف الظهور) له بأن ينفي كالً من األربعة بأن يبدي يف ّأوهلا مفسدة راجحة أو مساوية ملا مر من أهنا‬
‫تنخرم بذلك‪ ،‬ويبني يف ثانيها عدم الصالحية لالفضاء‪ ،‬ويف ثالثها عدم االنضباط‪ ،‬ويف رابعها عدم الظهور‪( .‬وجوابه) أي القدح بشيء‬
‫منها (بالبيان) له‪ .‬األول بيان رجحان املصلحة على املفسدة‪ ،‬كأن يقال التخلي للعبادة أفضل من النكاح ملا فيه من تزكية النفس‬
‫تفو ت أضعافها كإجياد الولد وكف النظر وكسر الشهوة‪ ،‬فيجاب بأن تلك املصلحة أرجح مما ذكر ألهنا‬ ‫فيعرتض بأن تلك املصلحة ّ‬
‫حلفظ الدين وما ذكر حلفظ النسل‪ ،‬والثاين ببيان إفضاء احلكم إىل املقصود كأن يقال حترمي احملرم باملصاهرة مؤبدا صاحل‪ ،‬ألن يفضي إىل‬
‫عدم الفجور هبا املقصود من شرع التحرمي فيعرتض بأنه ليس صاحلا لذلك‪ ،‬بل لالفضاء إىل الفجور ألن النفس مائلة إىل املمنوع‪.‬‬
‫فيجاب بأن حترميها املؤبد لسد باب الطمع فيها حبيث تصري غري مشتهاة كاألم‪ ،‬والثالث ببيان انضباط الوصف بنفسه أو بوصف معه‬
‫يضبطه كالسفر للمشقة‪ ،‬والرابع ببيان ظهوره بأن يبينه بصفة ظاهرة كأن يعلل يف القود بالرضا فيعرتض بأن الرضا أمر خفي فال يعلل‬
‫به‪ ،‬فيجاب ببيان ظهوره بصفة ظاهرة تدل عليه وهي الصيغة‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/139‬‬

‫( ومنها) أي من القوادح (الفرق) بني األصل والفرع (واألصح أنه معارضة بإبداء قيد يف علية) حكم (األصل أو) إبداء (مانع يف الفرع)‬
‫مينع من ثبوت حكم األصل فيه (أو هبما) أي باالبداءين معا‪ .‬وقيل هو الثالث فقط مثاله على الشق األول أن يقول الشافعي جتب النية‬
‫يف الوضوء كالتيمم جبامع الطهارة عن حدث‪ ،‬فيعرتض احلنفي بأن العلة يف األصل الطهارة بالرتاب‪ ،‬وعلى الثاين أن يقول احلنفي يقاد‬
‫بالذمي كغري املسلم جبامع القتل العمد العدوان فيعرتض الشافعي بأن اإلسالم يف الفرع مانع من القود‪ ،‬وعلى الثالث أن يعارض‬ ‫ّ‬ ‫املسلم‬
‫باالبداءين وما عرفت به الفرق أوىل من تعريف األصل له بأنه راجع إىل املعارضة يف األصل‪ ،‬أو الفرع وقيل إليهما ألنه أحاله على ما‬
‫مل يذكره مع إيهام أن املعارضة باالبداءين ليست فرقا مطلقا وليس كذلك‪( .‬و)األصح (أنه) أي الفرق (قادح) وإن قيل إنه بالثالث أو‬
‫بالضعيف سؤاالن‪ .‬أو قلنا جبواز تع ّدد العللـ ألنه يؤثر يف مجيع املستدل‪ ،‬وألنه لو مل يقدح مل ميتنع التحكم والالزم باطل وقيل ليس‬
‫بقادح‪ ،‬وقيل كذلك على القول بأنه بالثالث سؤاالن ال سؤال واحد‪ ،‬إذ مجع األسئلة املختلفة غري مقبول ومعىن كونه سؤاالً واحدا‬
‫احتاد املقصود منه وهو قطع اجلمع‪ ،‬ومعىن كونه سؤالني اشتماله على معارضة علة األصل بعلة وعلى معارضة الفرع بأخرى مستنبطة‪.‬‬
‫(وجوابه) أي الفرق (باملنع) كأن مينع كون املبدى يف األصل جزءا من العلة ويف الفرع مانعا من احلكم وهذا من زياديت (و) األصح‬
‫لقو ة الظن به‪ ،‬وصححه ابن احلاجب وغريه وهو املوافق جلواز تعدد العلل وقيل‬ ‫(أنه جيوز تعدد األصول) لفرع واحد بأن يقاس عليها ّ‬
‫ميتنع تعددها‪ ،‬وإن جوز تعدد العللـ النتشار البحث يف ذلك مع إمكان حصول املقصود بواحد منها وصححه األصل‪( .‬فلو فرق بني‬
‫الفرع وأصل منها كفى) يف القدح فيها (يف األصح) ألنه يبطل مجعها املقصود‪ ،‬وقيل ال يكفي الستقالل كل منها وقيل يكفي إن قصد‬
‫اإلحلاق مبجموعها‪ ،‬ألنه‬
‫يبطله خبالف ما إذا قصد بكل منها (يف اقتصار املستدل على جواب أصل) واحد منها‪ ،‬وقد فرق املعرتض بني مجيعها‪( .‬قوالن) أحدمها‬
‫يكفي حلصول املقصود بالدفع عن واحد منها‪ ،‬والثاين ال يكفي ألنه التزم اجلميع فلزمه الدفع عنه‪ ،‬وهذا هو األوجه املوافق لألصح قبله‪.‬‬

‫( ‪)1/140‬‬

‫(ومنها) أي من القوادح‪( ،‬فساد الوضع بأن ال يكون الدليل صاحلا لرتتيب احلكم) عليه كأن يكون صاحلا لضد ذلك احلكم أو نقيضه‬
‫(كتلقي) أي استنتاج (التخفيف من التغليظ والتوسيع من التضييق واإلثبات من النفي)‪ .‬وعكسه (وثبوت اعتبار اجلامع) يف قياس‬
‫املستدل (بنص أو إمجاع يف نقيض احلكم)‪ ،‬أو ضده يف ذلك القياس‪ ،‬فاألول كقول احلنفية القتل عمدا جناية عظيمة ال جيب له كفارة‬
‫كالردة فعظم اجلناية يناسب تغليظ احلكم ال ختفيفه بعدم وجوب الكفارة‪ ،‬والثاين كقوهلم الزكاة وجبت على وجه االرتفاق لدفع‬
‫احلاجة‪ ،‬فكانت على الرتاخي كالدية على العاقلة‪ ،‬فالرتاخي املوسع ال يناسب دفع احلاجة املضيق‪ ،‬والثالث كأن يقال يف املعاطاة يف غري‬
‫احملقر مل يوجد فيها مع الرضا صيغة‪ ،‬فينعقد هبا البيع كما يف احملقر على القول بانعقاده هبا فيه‪ ،‬فعدمـ الصيغة يناسب عدم االنعقاد ال‬
‫االنعقاد‪ ،‬والرابع كأن يقال يف املعاطاة يف احملقر وجد فيها الرضا فقط‪ ،‬فال ينعقد هبا بيع كغري احملقر‪ ،‬فالرضا الذي هو مناط البيع‬
‫يناسب االنعقاد ال عدمه‪ .‬واخلامس يف اجلامع ذي النص قول احلنفية اهلرة سبع ذو ناب فسؤره جنس كالكلب‪ ،‬فيقال السبعية اعتربها‬
‫الشارع علة للطهارة حيث دعي إىل دار فيها كلب فامتنع وإىل أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال السنور سبع‪ .‬رواه اإلمام أمحد‬
‫وغريه‪ ،‬ويف اجلامع ذي االمجاع قول الشافعية يف مسح الرأس يف الوضوء مسح فيسن تكراره كاالستجمار حيث يسن اإليتار فيه فيقال‬
‫املسح يف اخلف ال يسن تكراره إمجاعا فيما قيل‪( .‬وجوابه) أي فساد الوضع (بتقرير نفيه) عن الدليل بأن يقرر كونه صاحلا لرتتيب‬
‫احلكم عليه كأن يكون له جهتان يناسب بإحدامها التوسيع وباألخرى التضييق فينظر املستدل فيه من إحدامها‪ ،‬واملعرتض من األخرى‬
‫كاالرتفاق ودفع احلاجة يف مسألة الزكاة‪ ،‬وجياب على الكفارة يف القتل بأنه غلظ فيه بالقود فال يغلظ فيه بالكفارة‪ ،‬وعن املعاطاة يف‬
‫الثالث بأن االنعقاد هبا مرتب على الرضا ال على عدم الصيغة‪ ،‬وعن املعاطاة يف الرابع بأن عدم االنعقاد هبا مرتب على عدم الصيغة ال‬
‫على الرضا‪ ،‬وعن ثبوت اعتبار اجلامع بقسميه يف نقيض احلكم بثبوت اعتباره يف ذلك احلكم‪ ،‬ويكون ختلفه عنه بأن وجد مع نقيضه‬
‫ملانع يف أصل املعرتض كما يف مسح اخلف فإن تكراره يفسده كغسله‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/141‬‬

‫(ومنها) أي من القوادح (فساد االعتبار بأن خيالف) الدليل (نصا) من كتاب أو سنة‪( ،‬أو إمجاعا) كأن يقال يف أداء الصوم الواجب‬
‫صوم واجب‪ ،‬فال يصح نيته من النهار كقضائه‪ ،‬فيعرتض بأنه خمالف لقوله تعاىل {والصائمني والصائمات} اخل فإنه رتب فيه األجر‬
‫العظيم على الصوم كغريه من غري تعرض للتبييت فيه‪ ،‬وذلك مستلزم لصحته بدونه‪ ،‬وكأن يقال ال يصح قرض احليوان لعدم انضباطه‬
‫ورد رباعيا‪ .‬وقال «إن خيار الناس‬
‫كاملختلطات‪ ،‬فيعرتض بأنه خمالف خلرب مسلم عن أيب رافع أنه صلى اهلل عليه وسلّم استسلف بكرا ّ‬
‫أحسنهم قضاء» والبكر بفتح الباء الصغري من اإلبل‪ ،‬والرباعي بفتح الراء ما دخل يف السنة السابعة‪ ،‬وكأن يقال ال جيوز للرجل أن‬
‫علي فاطمة رضي اهلل عنهما‪( ،‬وهو)‬ ‫يغسل زوجته امليتة حلرمة النظر إليها كاألجنبية‪ ،‬فيعرتض بأنه خمالف لإلمجاع السكويت يف تغسيل ّ‬
‫أي فساد االعتبار (أعم من فساد الوضع) من وجه لصدقه فقط بأن يكون الدليل صاحلا لرتتيب احلكم عليه وصدق فساد الوضع فقط‬
‫بأن ال يكون الدليل كذلك‪ ،‬وال يعارضه نص وال إمجاع وصدقهما معا بأن ال يكون الدليل كذلك مع معارضة نص أو إمجاع له (وله)‬
‫أي للمعرتض بفساد االعتبار (تقدميه على املنوعات) يف املقدمات (وتأخريه عنها) جملامعته هلا من غري مانع من تقدميه وتأخريه (وجوابه‬
‫كالطعنـ يف سنده) أي سند النص أو اإلمجاع بإرسال أو غريه (واملعارضة) للنص بنص آخر فيتساقطان ويسلم دليل املستدل‪( .‬ومنع‬
‫اظهور) له يف مقصد املعرتض (والتأويل) له بدليل وزدت الكاف لدفع توهم حصر اجلواب فيما ذكر‪ ،‬فإنه ال ينحصر فيه إذ منه غريه‬
‫كالقول باملوجب كما بينته يف احلاشية‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/142‬‬

‫(ومنها) أي من القوادح (منع علية الوصف) أي منع كونه العلة (وتسمى املطالبة) أي بتصحيح العلة املتبادر عند إطالق املطالبة‪.‬‬
‫(واألصح قبوله) وإال ألدى احلال إىل متسك املستدل مبا شاء من األوصاف ألمنه املنع‪ ،‬وقيل ال يقبل ألدائه إىل االنتشار مبنع كل ما‬
‫يدعي عليته‪( .‬وجوابه بإثباهتا) أي العلية مبسلكـ من مسالك العلة املتقدمة‪( .‬ومن املنع) املطلق (منع وصف العلة) أي منع اعتباره فيها‬
‫وهو مقبول جزما‪( .‬كقولنا يف إفساد الصوم بغري مجاع) كأكل من غري كفارة (الكفارة) شرعت (للزجر عن اجلماع احملذور يف الصوم‬
‫فوجب اختصاصها به كاحلد)‪ .‬فإنه شرع للزجر عن اجلماع زنا وهو خمتص بذلك‪( .‬فيقال) ال نسلم أهنا شرعت للزجر عن اجلماع‬
‫خبصوصه‪( ،‬بل عن اإلفطار احملذور فيه) أي يف الصوم جبماع أو غريه‪( .‬وجوابه ببيان اعتبار اخلصوصية) أي خصوصية الوصف يف العلة‬
‫مر‪( .‬كأن املعرتض) هبذا االعرتاض‬ ‫كأن يبني اعتبار اجلماع يف الكفارة بأن الشارع رتبها عليه حيث أجاب هبا من سأله عن مجاعه كما ّ‬
‫(ينقح املناط) حبذف خصوص الوصف عن اعتباره يف العلة (واملستدل حيققه) ببيان اعتبار خصوصية الوصف فيقدم لرجحان حتقيق‬
‫املناط فإنه يرفع النزاع‪( .‬و) من املنع املطلقـ (منع حكم األصل‪ ،‬واألصح أنه مسموع) كمنع وصل العلة كأن يقول احلنفي اإلجارة عقد‬
‫على منفعة‪ ،‬فتبطل باملوت كالنكاح فيقال له ال نسلم حكم األصل‪ ،‬إذ النكاح ال يبطل باملوت بل ينتهي به‪ ،‬وقيل غري مسموع ألن مل‬
‫يعرتض املقصود (و) األصح (أن املستدل ال ينقطع به) أي مبنع احلكم ألنه منع مقدمة من مقدماتـ القياس‪ ،‬فله إثباته كسائر املقدمات‪.‬‬
‫وقيل ينقطع لالنتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إىل غريه‪ ،‬وقيل ينقطع به إن كان ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء‪ ،‬ومل يقل‬
‫املستدل يف استدالله إن سلمت حكم األصل وإال نقلت الكالم إليه خبالف ما ال يعرفه إال خواصهم‪ ،‬أو قال املستدل ذلك‪ ،‬وقيل غري‬
‫ذلك‪( .‬و) األصح (أنه) أي املستدل (إن‬
‫دل) أي استدل (عليه) أي على حكم األصل بدليل (مل ينقطع املعرتض) مبجرد ذلك‪( ،‬بل له أن يعرتض) ثانيا الدليل‪ ،‬ألنه قد ال يكون‬
‫صحيحا‪ ،‬وقيل ينقطع فليس له أن يعرتض خلروجه باعرتاضه عن املقصود‪( ،‬وقد يقال) من طرف املعرتض يف االتيان مبنوع مرتتبة (ال‬
‫نسلم حكم األصل سلمنا)‪( .‬وال نسلم أنه مما يقاس فيه) جلواز كونه مما اختلف يف جواز القياس فيه واملستدل ال يراه‪( .‬سلمنا) ذلك‬
‫(وال نسلم أنه معلل) جلواز كونه تعبديا‪( .‬سلمنا) ذلك‪( ،‬وال نسلم أن هذا الوصف علته) جلواز كوهنا غريه‪( .‬سلمنا) ذلك‪( ،‬وال نسلم‬
‫وجود فيه) أي وجود الوصف يف األصل‪( .‬سلمنا) ذلك (وال نسلم أنه) أي الوصف (متعد) جلاز كونه قاصرا‪( .‬سلمنا) ذلك‪( ،‬وال‬
‫نسلم وجوده بالفرع)؛ فهذه سبعة منوع تتعلق الثالثة األوىل منها حبكم األصل‪ ،‬واألربعة الباقية بالعلة مع األصل‪ ،‬والفرع يف بعضها‪.‬‬
‫وقد بينت ذلك يف احلاشية‪( .‬فيجاب) عنها (بالدفع) هلا على ترتيبها السابق (مبا عرف من الطرق) املذكورة يف دفعها إن أريد ذلك‪،‬‬
‫وإال فيكفي االقتصار على دفع األخري منها‪( ،‬فـ)ـبسبب جواز تعدد املنوع (جيوز إيراد اعرتاضات) هو أوىل من قوله معارضات (من‬
‫نوع)‪ ،‬كالنقوض أو املعارضات يف األصل أو الفرع ألهنا كسؤال واحد مرتتبة كانت أو ال‪( ،‬وكذا) جيوز إيراد اعرتاضات (من أنواع‬
‫يف األصح)‪ ،‬كالنقض وعدم التأثري واملعارضة‪( ،‬وإن كانت مرتتبة) أي يستدعي تاليها تسليم متلوه‪ ،‬وذلك ألن تسليمه تقديري ال‬
‫ورد‬
‫حتقيقي‪ ،‬وقيل ال جيوز من أنواع لالنتشار‪ ،‬وقيل جيوز يف غري املرتتبة دون املرتتبة‪ ،‬ألن ما قبل األخري يف املرتتبة مسلمـ فذكره ضائع‪ّ ،‬‬
‫مر ‪ ،‬مثال النوع يف االعرتاضات املرتتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا‪ ،‬ولئن‬ ‫تقديري ال حتقيقي كما ّ‬
‫ّ‬ ‫بأن تسليمه‬
‫سلم فهو منقوض بكذا‪ ،‬ومثاله يف غري املرتتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا ومثال األنواع مرتتبة أن يقال ما‬
‫ذكر من الوصف غري موجود يف‬
‫األصل‪ ،‬ولئن سلم فهو معارض بكذا‪ ،‬ومثاهلا غري مرتتبة أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غري مؤثر لكذا‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/143‬‬

‫ومنها) أي من القوادح (اختالف ضابطي األصل والفرع)؛ أي اختالف عليت حكمهما بدعوى املعرتض‪ ،‬وإمنا كان اختالفهما قادحا‬
‫لعدم الثقة فيه باجلامع وجودا ومساواة‪ ،‬كأن يقال يف شهود الزور بالقتل تسببوا يف القتل‪ ،‬فعليهم القود كاملكره غريه على القتل‪،‬‬
‫فيعرتض بأن الضابط يف األصل اإلكراه‪ ،‬ويف الفرع الشهادة‪ ،‬فأين اجلامع بينهما وإن اشرتكا يف اإلفضاء إىل املقصود‪ .‬فأين مساواة‬
‫ضابط الفرع لضابط األصل يف ذلك؟ (وجوابه) أي جواب االعرتاض باختالف الضابط (بأنه) أي اجلامع بينهما‪( .‬القدر املشرتك) بني‬
‫الضابطني كالتسبب يف القتل فيما مر‪ ،‬وهو منضبط عرفا‪( .‬أو بأن اإلفضاء) أي إفضاء الضابط يف الفرع إىل املقصود (سواء) أي مسا ٍو‬
‫إلفضاء الضابط يف األصل إىل املقصود‪ ،‬كحفظ النفس فيما مر‪ ،‬وكاملساوي لذلك األرجح منه كما فهم باألوىل‪( .‬ال بإلغاء التفاوت)‬
‫بني الضابطني بأن يقال التفاوت بينهما ملغىـ يف احلكم‪ ،‬فال حيل اجلواب به ألن التفاوت قد يلغى كما يف العامل يقتل باجلاهل‪ ،‬وقد ال‬
‫احلر ال يقتل بالعبد‪.‬‬
‫يلغى كما يف ّ‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/144‬‬

‫(ومنها) أي من القوادح (التقسيم) هو راجع لالستفسار مع منع املعرتض أن أحد احتمايل اللفظ العلة‪( ،‬وهو ترديد اللفظ) املورد يف‬
‫الدليل (بني أمرين) مثالً على السواء‪( .‬أحدمها ممنوع) دون اآلخر املراد مثاله أن يقال يف مثال االستفسار لإلمجال فيما يأيت الوضوء‬
‫النظافة أو األفعالـ املخصوصة األول ممنوع أنه قربة‪ ،‬والثاين مسلم أنه قربة‪ ،‬لكنه ال يفيد الغرض من وجوب النية‪( .‬واملختار قبوله) لعدم‬
‫متام الدليل معه وقيل ال ألنه مل يعرتض املراد‪( .‬وجوابه أن اللفظ موضوع) يف املراد (ولو عرفا) كما يكون لغة‪( .‬أو) أنه (ظاهر) ولو‬
‫بقرينة (يف املراد)‪ ،‬كما يكون ظاهرا بغريها ويبني الوضع والظهور‪( .‬واالعرتاضات) كلها (راجعة إىل املنع) قال كثري أو املعارضة‪ ،‬ألن‬
‫غرض املستدل من إثبات مدعاه بدليله صحة مق ّد ماته ليصلح للشهادة له وسالمته من املعارض لتنفذ شهادته وغرض املعرتض من هدم‬
‫ذلك القدح يف صحة الدليل مبنع مقدمة منه أو معارضته مبا يقاومه‪ ،‬واألصل كبعضهم رأى أن املعارضة منع للعلة عن اجلريان فاقتصر‬
‫عليه وتبعته فيه‪( .‬ومقدمها) بكسر الدال‪ ،‬وجيوز فتحها كما مر أي املتقدم أو املقدم على االعرتاضات‪( .‬االستفسار) فهو طليعة هلا‬
‫كطليعة اجليش‪( .‬وهو طلب ذكر معىن اللفظ لغرابة أو إمجال) فيه (وبياهنما) أي الغرابة واالمجال (على املعرتض يف األصح) ألن األصل‬
‫عدمهما وقيل‬
‫على املستدل بيان عدمهما ليظهر دليله‪( .‬وال يكلف) املعرتض باإلمجال (بيان تساوي احملامل) احملقق لإلمجال لعسر ذلك عليه‪( .‬ويكفيه)‬
‫يف بيان ذلك إن أراد التربع به أن يقول (األصل) مبعىن الراجح (عدم تفاوهتا) أي احملامل وإن عارضه املستدل بأن األصل عدم االمجال‪.‬‬
‫(فيبني املستدل عدمهما) أي عدم الغرابة واالمجال حيث متّ االعرتاض عليه هبما بأن يبني ظهور اللفظ يف مقصوده بنقل عن لغة أو‬
‫عرف شرعي أو غريه أو بقرينة‪ ،‬كما إذا اعرتض عليه يف قوله الوضوء قربة‪ ،‬فلتجب فيه النية بأن الوضوء يطلق على النظافة‪ ،‬وعلى‬
‫األفعالـ املخصوصة فيقول حقيقته الشرعية الثاين‪( .‬أو يفسر اللفظ مبحتمل) منه بفتح امليم الثانية‪( .‬قيل وبغريه) أي بغري حمتمل منه‪ ،‬إذ‬
‫ورد بأن فيه فتح باب ال يستد‪( .‬واملختار) أنه (ال‬
‫غاية األمر أنه ناطق بلغة جديدة وال حمذور يف ذلك بناء على أن اللغة اصطالحية‪ّ ،‬‬
‫يقبل) من املستدل إذا وفق املعرتض بإمجال اللفظ على عدم ظهوره يف غري مقصده‪( ،‬دعواه الظهور) له (يف مقصده) بكسر الصاد (بال‬
‫نقل) عن لغة أو عرف‪( ،‬أو قرينة) كأن يقول يلزم ظهوره يف مقصدي ألنه غري ظاهر يف اآلخر اتفاقا‪ ،‬فلو مل يكن ظاهرا يف مقصدي‬
‫لزم االمجال‪ ،‬وإمنا مل تقبل ألنه ال أثر هلا بعد بيان املعرتض اإلمجال‪ ،‬وقيل تقبل دفعا لالمجال الذي هو خالف األصل‪ ،‬وحمله إذا مل‬
‫يشتهر اللفظ باالمجال‪ ،‬فإن اشتهر به كالعني والقرء مل يقبل ذلك جزما‪ ،‬وترجيح عدم القبول من زياديت‪ ،‬وهو ما اعتمده شيخنا‬
‫الكمال ابن اهلمام وغريه‪ ،‬وقويل بال نقل أو قرينة أظهر يف املراد من قوله دفعا لإلمجال‪( .‬مث املنع) أي االعرتاضـ مبنع أو غريه (ال يأيت يف‬
‫احلكاية) أي حكاية املستدل لألقوال يف السمألة املبحوث فيها حىت خيتار منها قوالً ويستدل عليه‪( .‬بل) يأيت (يف الدليل) إما (قبل‬
‫متامه)‪ ،‬وإمنا يأيت يف مقدمة معينة منه‪( .‬أو بعده) أي بعد متامه‪( .‬واألول) وهو املنع قبل التمام (إما) منع (جمرد أو) منع‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/145‬‬

‫( مع السند)‪ ،‬وهو ما يبىن عليه املنع واملنع مع السند‪( .‬كال نسلم كذا ومل ال يكون) األمر (كذا أو) ال يسلم كذا و(إمنا يلزم كذا لو‬
‫كان) األمر (كذا وهو) أي األول بقسميه من املنع اجملرد واملنع مع السند‪( .‬املناقضة) أي يسمى هبا ويسمى بالنقض التفصيلي (فإن‬
‫احتج) املانع (النتفاء املقدمة) اليت منعها (فغصب) أي فاحتجاجه لذلك يسمى غصبا ألنه غصب ملنصب املستدل (ال يسمعه احملققون)‬
‫من النظار الستلزامه اخلبط فال يستحق جوابا‪ ،‬وقيل يسمع فيستحقه‪( .‬والثاين) وهو املنع بعد متام الدليل (إما مبنع الدليل) مبنع مقدمة‬
‫معينة أو مبهمة (لتخلف حكمه فالنقض التفصيلي) أي يسمى به إن كان املنع ملعينة كما يسمى مناقضة‪( .‬أو) النقض (اإلمجايل) أن‬
‫يسمى به إن كان ملبهمة أو جلملة الدليل كأن يقال يف صورته ما ذكر من الدليل غري صحيح لتخلف احلكم عنه يف كذا‪ ،‬ووصف‬
‫باإلمجايل ألن جهة املنع فيه غري معينة خبالف التفصيلي‪ ،‬وذكر التفصيلي يف الثاين من زياديت‪( .‬أو بتسليمه) أي الدليل (مع) منع املدلول‬
‫و(االستدالل مبا ينايف ثبوت املدلول فاملعارضة) أي يسمى هبا (فيقول) يف صورهتا املعرتض للمستدل‪( .‬ما ذكرت) من الدليل (وإن دل)‬
‫على ما ذكرته (فعندي ما ينفيه) أي ما ذكرته ويذكره (وينقل) املعرتض هبا (مستدالً) واملستدل معرتضا‪ ،‬أما لو منع الدليل ال للتخلف‬
‫أو املدلول‪ ،‬ومل يستدل مبا ينايف ثبوته فاملنع مكابرة‪( .‬وعلى املستدل الدفع) ملا اعرتض به عليه‪( .‬بدليل) ليسلم دليله األصلي وال يكفيه‬
‫مر ) من املنع قبل متام الدليل‪ ،‬وبعد متامه اخل‪( .‬وهكذا) أي املنع ثالثا ورابعا مع‬
‫املنع (فإن منع) أي الدليل الثاين بأن منعه املعرتض (فكما ّ‬
‫الدفع وهلم‪( ،‬إىل إفحامه) أي املستدل بأن انقطع باملنوع‪( .‬أو إلزام املانع) بأن انتهى إىل ضروري أو يقيين مشهور من جانب املستدل‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/146‬‬

‫خامتة) الكتاب القياس (األصح أن القياس من الدين) ألنه مأمور به لقوله تعاىل {فاعتربوا يا أويل األبصار} وقيل ليس منه ألن اسم‬
‫الدين إمنا يقع على ما هو ثابت مستمر‪ ،‬والقياس ليس كذلك‪ ،‬ألنه قد ال حيتاج إليه‪ ،‬وقيل منه إن تعني بأن مل يكن للمسألة دليل غريه‪،‬‬
‫خبالف ما إذا مل يتعني لعدم احلاجة إليه‪( .‬و) األصح (أنه) أي القياس (من أصول الفقه)‪ ،‬كما عرف من حده وقيل ليس منه وإمنا يبني‬
‫يف كتبه لتوقف غرض األصويل من إثبات حجيته املتوقف عليها الفقه على بيانه‪( .‬وحكم املقيس يقال) فيه (إنه دين اهلل) وشرعه (ال)‬
‫يقال فيه (قاله اهلل وال نبيه) ألنه مستنبط ال منصوص وقويل وال نبيه من زياديت‪( ،‬مث القياس فرض كفاية) على اجملتهدين‪( .‬ويتعني) أي‬
‫يصري فرض عني (على جمتهد احتاج إليه) بأن مل جيد غريه يف واقعة‪( .‬وهو) أي القياس بالنظر إىل ّقوته وضعفه قسمان (جلي) وهو (ما‬
‫قطع فيه بنفي الفارق) أي بإلغائه (أو) ما (قرب منه) بإن كان ثبوت الفارق أي تأثريه فيه ضعيفا بعيدا كل البعد كقياس األمة على‬
‫مر ‪ ،‬وكقياس العمياء على العوراء يف املنع من التضحية الثابت‬‫العبد يف تقومي حصة الشريك على شريكه املعتق املوسر وعتقها عليه كما ّ‬
‫خبرب «أربع ال جتوز يف األضاحي العوراء البني عورها اخل‪( .‬وخفي) وهو (خبالفه) أي خبالف اجللي فهو ما كان احتمال تأثري الفارق فيه‬ ‫ّ‬
‫إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى منه‪ ،‬وإما ضعيفا وليس بعيدا كل البعد كقياس القتل مبثقل على القتل مبحدد يف وجوب القود‪ ،‬وقد‬
‫قال أبو حنيفة بعدم وجوبه يف املثقل‪( .‬وقيل فيهما) أي اجللي واخلفي (غري ذلك) قيل اجللي ما ذكر يف تعريفه‪ ،‬واخلفي بالشبه‪،‬‬
‫والواضح بينهما‪ .‬وقيل اجللي القياس األوىل كقياس الضرب على التأفيف يف التحرمي والواضح املساوي كقياس إحراق مال اليتيم على‬
‫أكله يف التحرمي‪ ،‬واخلفي األدون كقياس التفاح علي الرب يف الربا مث اجللي على األولني يصدق باألوىل كاملساوي‪( .‬و) ينقسم القياس‬
‫باعتبار علته ثالثة أقسام (قياس العلة) وهو (ما صرح فيه هبا) بأن كان اجلامع فيه نفسها كأن يقال حيرم النبيذ كاخلمر لالسكار‪.‬‬
‫(وقياس الداللة) وهو (ما مجع فيه بالزمها فأثرها فحكمها) الضمائر للعلة‪ ،‬وكل من الثالثة يدل عليها‪ ،‬وكل من األخريين منها دون ما‬
‫قبله بداللة الفاء فاألول كأن يقال النبيذ حرام كاخلمر جبامع الرائحة املشتدة وهي الزمة لالسكار‪ .‬والثاين كأن يقال القتل مبثقل يوجب‬
‫القود كالقتل مبحدد جبامع اإلمث وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان‪ .‬والثالث كأن يقال يقطع اجلماعة بالواحد كما يقتلون به‬
‫جبامع وجوب الدية عليهم بذلك حيث كان غري عمد‪ ،‬وهو حكم العلة اليت هي القطع منهم يف املقيس والقتل منهم يف املقيس عليه‪.‬‬
‫وحاصل ذلك استدالل بأحد موجيب اجلناية من القود والدية الفارق بينهما العمد على اآلخر‪( .‬والقياس يف معىن األصل)‪ .‬وهو (اجلمع‬
‫بنفي الفارق)‪ ،‬ويسمى باجللي كما مر‪ ،‬وبإلغاء الفارق وبتنقيح املناط كقياس البول يف إناء وصبه يف املاء الراكد على البول فيه يف املنع‬
‫جبامع أن ال فارق بينهما يف مقصود املنع الثابت خبرب مسلمـ عن جابر «هنى النيب صلى اهلل عليه وسلّم عن أن يبال يف املاء الراكد‪.‬‬

‫( ‪)1/147‬‬

‫الكتاب اخلامس يف االستدالل‬


‫( وهو دليل ليس بنص) من كتاب أو سنة‪( .‬وال إمجاع وال قياس شرعي)‪ .‬وقد تقدمت فال يقال التعريف املشتمل عليها تعريف‬
‫باجملهول‪( .‬فدخل) فيه (قطعا) القياس (االقرتاين و) القياس (االستثنائي) ومها نوعا القياس املنطقي وهو قول مؤلف من قضايا مىت‬
‫سلمت لزم عنه لذاته قول آخر وهو النتيجة فإن كان الالزم أو نقيضه مذكورا فيه بالفعلـ فهو االستثنائي وإال فاالقرتاين فاالستثنائي حنو‬
‫إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام‪ ،‬لكنه مسكر ينتج فهو حرام‪ ،‬أو إن كان النبيذ مباحا فهو ليس مبسكر لكنه مسكر ينتج فهو ليس‬
‫مبباح‪ ،‬واالفرتاين حنو كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام‪ ،‬ينتج كل نبيذ حرام وهو مذكور فيه بالقوة ال بالفعل ومسي القياس استثنائيا‬
‫الشتماله على حرف االستثناء لغة وهو لكن واقرتانيا القرتان أجزائه‪( .‬و) دخل فيه قطعا (قوهلم) أي العلماء (الدليل يقتضي أن ال‬
‫يكون) األمر (كذا خولف) الدليل (يف كذا) أي يف صورة مثالً‪( ،‬ملعىن مفقود يف صورة النزاع فتبقى) هي (على األصل) الذي اقتضاه‬
‫الدليل كأن يقال الدليل يقتضي امتناع تزويج املرأة مطلقا وهو ما فيه من إذالهلا بالوطء وغريه الذي تأباه اإلنسانية لشرفها‪ ،‬خولف‬
‫هذا الدليل يف تزويج الويل هلا فجاز لكمال عقله وهذا املعىن مفقود فيها‪ ،‬فيبقى تزوجيها نفسها الذي هو حمل النزاع على ما اقتضاه‬
‫الدليل من االمتناع‪( .‬و) دخل فيه (يف األصح قياس العكس) وهو إثبات عكس حكم شيء ملثله لتعاكسهما يف العلة كما مر يف خرب‬
‫أيأيت أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال «أرأيتم لو وضعها يف حرام أكان عليه وزر» وقيل ليس بدليل كما حكي عن أصحابنا‪ ،‬وذكر‬
‫اخلالف يف هذا من زياديت‪( .‬و) دخل فيه يف األصح (عدم وجدان دليل احلكم) هو أوىل من قوله انتفاء احلكم النتفاء مدركه‪ ،‬وذلك‬
‫بأن مل جيد الدليل اجملتهد بعد الفحص الشديد‪ ،‬فهو دليل على انتفاء احلكم‪ ،‬وقيل ليس بدليل‪ ،‬إذ ال يلزم من عدم وجدان الدليل عدمه‪،‬‬
‫وذلك (كقولنا) للخصمـ يف إبطال احلكم‬
‫الذي ذكره يف مسألة (احلكم يستدعي دليالً وإال لزم تكليف الغافل) حيث وجد احلكم بدون دليل مفيد له‪( ،‬وال دليل) على حكمك‬
‫(بالسرب) فإنا سربنا األدلة فلم جند ما يدل عليه‪( .‬أو األصل) فإن األصل املستصحب عدم الدليل عليه فينتفي هو أيضا‪ ،‬ودخل فيه‬
‫االستقراء واالستصحاب واالستحسان‪ ،‬وقول الصحايب واالهلام اآلتية‪ ،‬وإمنا أفرد كل منها بالرتمجة مبسألة ملا فيه من التفصيل وقوة‬
‫اخلالف مع طول بعضه‪( .‬ال لقوهلم) أي الفقهاء (وجد املقتضي أو املانع أو فقد الشرط)‪ ،‬فال يدخل يف االستدالل حالة كونه (جممالً)‬
‫يف األصح‪ ،‬وال يكون دليالً بل دعوى دليل‪ ،‬وإمنا يكون دليالً إذا عني املقتضى واملانع والشرط‪ .‬وبني وجود األولني وال حاجة إىل بيان‬
‫فقد الثالث ألنه على وفق األصل‪ ،‬وقيل يدخل يف االستدالل‪ ،‬ورجحه األصل فيكون دليالً على وجود احلكم بالنسبة إىل املقتضي‬
‫وعلى انتفائه بالنسبة إىل اآلخرين‪ ،‬وقيل دليل وليس باستدالل إن ثبت بنص أو إمجاع أو قياس‪ ،‬وإال فهو استدالل‪ .‬وقد بينت ما فيه يف‬
‫احلاشية‪ .‬وخرج بزياديت جممالً ما لو كان معينا فيكون استدالالً ودليالً كما علم مما مر‪.‬‬

‫( ‪)1/148‬‬
‫(مسألة االستقراء باجلزئي على الكلي) بأن يتتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له (إن كان تاما) بأن كان بكل اجلزئيات إال صورة‬
‫النزاع (فـ)ـهو دليل (قطعي) يف إثبات احلكم يف صورة النزاع‪( .‬عند األكثر) من العلماء‪ ،‬وقال األقل منهم ليس بقطعي الحتمال خمالفة‬
‫تلك الصورة لغريها على بعد‪ .‬قلنا هو منزل منزلة العدم‪( ،‬أو) كان (ناقصا) بأن كان بأكثر اجلزئيات اخلايل عن صورة النزاع (فظين)‬
‫الظن‬
‫فيها ال قطعي الحتمال خمالفتها للمستقرإ‪( .‬ويسمى) هذا عند الفقهاء (إحلاق الفرد) النادر (باألغلب) األعم‪ ،‬وخيتلف فيه ّ‬
‫باختالف اجلزئيات‪ ،‬فكلما كان االستقراء فيها أكثر كان أقوى ظنا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/149‬‬

‫( مسألة) يف االستصحاب وقد اشتهر أنه حجة عندنا دون احلنفية بأقسامه اآلتية على خالف عندنا يف األخري منها‪ ،‬وعند غرينا يف‬
‫األولني أيضا‪( .‬األصح أن استصحاب العدم األصلي) وهو نفي ما نفاه العقل ومل يثبته الشرع كوجوب صوم رجب‪( .‬و) استصحابـ‬
‫(العموم أو النص و) استصحاب (ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه)‪ ،‬كثبوت امللك بالشراء (إىل ورود املغري) هلا من إثبات الشرع‬
‫ما نفاه العقل‪ ،‬ومن خمصص أو ناسخ أو سبب عدم ما دل الشرع على ثبوته أي كل من املذكورات (حجة) مطلقا فيعمل به إىل ورود‬
‫املغري‪ ،‬وقل ليس حبجة مطلقا‪ ،‬وقيل األخري منها حجة يف الدفع به عما ثبت دون الرفع به ملا ثبت كاستصحاب حياة املفقود قبل احلكم‬
‫مبوته‪ ،‬فإنه دافع لإلرث منه وليس برافع لعدم اإلرث من غريه للشكـ يف حياته فال يثبت استصحاهبا له ملكا جديدا‪ ،‬إذ األصل عدمه‪،‬‬
‫وقيل هو حجة إن يعارضه ظاهر وإال قدم الظاهر‪ ،‬وقيل فيه غري ذلك‪ .‬واألصح األول فيقدم األصل على الظاهر‪( .‬إال إن عارضه ظاهر‬
‫غالب ذو سبب ظن أنه أقوى) من األصل‪( ،‬فيقدم) عليه (كبول وقع يف ماء كثري فوجد متغريا‪ ،‬واحتمل تغريه به) وتغريه بغريه مما ال‬
‫يضر كطول املكث‪( .‬وقرب العهد) بعدم تغريه فإن استصحاب طهارته اليت هي األصل عارضته جناسته الظاهرة الغالبة ذات السبب اليت‬
‫ظن أهنا أقوى‪ ،‬فقدمتـ على الطهارة عمالً بالظاهر‪ ،‬خبالف ما مل يظن أنه أقوى بأن بعد العهد يف املثال بعدم التغري قبل وقوع البول أو‬ ‫ّ‬
‫ظن أنه‬
‫األولني مع التصريح بقويل ّ‬‫مل يكن عهد‪ ،‬وتأخريي الغاية عن املذكورات أوىل من تقدميه هلا على األخري‪ ،‬وذكر اخلالف يف ّ‬
‫أقوى من زياديت‪( .‬و) األصح أنه (ال حيتج باستصحاب حال االمجاع يف حمل اخلالف) أي إذا أمجع على حكم يف حال مث اختلف فيه يف‬
‫حال آخر‪ ،‬ففال حيتج باستصحاب ذلك احلال يف هذا احلال‪ ،‬وقيل حيتج مثاله اخلارج النجس من غري السبيلني ال ينقض الوضوء عندنا‬
‫استحصابا ملا قبل اخلروج من بقائه اجملمع عليه‪.‬‬
‫( فاالستصحاب) الشامل لألنواع السابقة وينصرف االسم إليه‪( ،‬ثبوت أمر يف) الزمن (الثاين لثبوته يف األول لفقد ما يصلح للتغيري) من‬
‫األول إىل الثاين‪ ،‬فال زكاة عندنا فيما حال عليه احلول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة باالستصحاب (أما ثبوته) أي األمر‬
‫(يف األول) لثبوته يف الثاين (فـ)ـاستصحاب (مقلوب) كأن يقال يف املكيال املوجود اآلن كان على عهده صلى اهلل عليه وسلّم‬
‫خفي حىت قال السبكي إنه مل يقل به األصحاب إال فيمن‬ ‫باستصحاب احلال يف املاضي‪ ،‬إذ األصل موافقة املاضي للحال واالستدالل به ّ‬
‫اشرتى شيئا فادعاه غريه وأخذه حبجة مطلقة فيثبت له الرجوع بالثمن على البائع عمالً باستصحاب امللك الذي ثبت اآلن فيما قبل‬
‫ذلك‪ ،‬ألن البينة ال توجد امللك‪ ،‬بل تظهره‪ ،‬فيجب أن يكون سابقا على إقامتها ويقدر له حلظة لطيفة‪ ،‬ومن احملتمل انتقال امللك من‬
‫املشرتي إىل املدعي‪ ،‬ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم االنتقال منه على أن يف هذه الصورة وجها مشهورا بعدم الرجوع‪ ،‬واعتمده‬
‫البلقيين وقال إنه الصواب املتعني‪ ،‬واملذهب الذي ال جيوز غريه‪( .‬وقد يقال فيه) أي يف االستصحاب املقلوب ليظهر االستدالل به‬
‫لرجوعه يف املعىن إىل االستصحاب املستقيم (لو مل يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غري ثابت) أمس‪ ،‬إذ ال واسطة بني الثبوت وعدمه‬
‫(فيقضي استصحاب أمس) اخلايل عن الثبوت فيه‪( ،‬بأنه اليوم غري ثابت وليس كذلك)‪ ،‬ألنه مفروض الثبوت اليوم (فدل) ذلك (علىأنه‬
‫ثابت) أمس أيضا‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/150‬‬

‫مسألة املختار أن النايف) لشيء (يطالب بدليل) على انتفاء (إن مل يعلم النفي) أي انتفاء الشيء (ضرورة) بأن علم نظرا أو ظن ألن غري‬
‫الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه‪ ،‬وقيل ال يطالب به‪ ،‬وقيل يطالب به يف العقليات ال الشرعيات‪( .‬وإال) أي وإن علم انتفاؤه‬
‫الضروري ال يشتبه حىت يطلب دليله لينظر فيه‪ ،‬وتعبريي مبا ذكر أوىل مما عرب به كما بينته‬
‫ّ‬ ‫ضرورة‪( ،‬فال) يطالب بدليل على انتفائه ألن‬
‫يف احلاشية‪( .‬و) املختار (أنه ال جيب األخذ باألخف وال باألثقل) يف شيء‪ ،‬بل جيوز كل منهما ألن األصل عدم الوجوب‪ ،‬وقيل جيب‬
‫األخذ باألخف لقوله تعاىل {يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر} وقيل جيب األخذ باألثقل ألنه أكثر ثوابا وأحوط‪ ،‬والرتجيح‬
‫من زياديت‪ ،‬وتقدم يف اإلمجاع ما يؤخذ منه أنه جيب األخذ بأقل ما قيل‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/151‬‬

‫(مسألة املختار) كماقال ابن احلاجب وغريه (أنه صلى اهلل عليه وسلّم كان متعبدا) بفتح الباء وكسرها أي مكلفا ومكلفا نفسه‬
‫بالعبادة‪( .‬قبل البعثة بشرع)‪ ،‬ملا يف األخبار من أنه كان يتعبد كان يصلي كان يطوف‪ .‬وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد‬
‫يتصو ر من غري تعبد فإن العقل مبجرده ال حيسنه‪ ،‬وقيل مل يكن متعبدا وقيل بالوقف وهو ما اختاره األصل‪،‬‬
‫موافقة أمر الشرع‪ ،‬وال ّ‬
‫(و)املختار (الوقف عن تعيينه) أي تعيني الشرع بتعيني من نسب إليه‪ ،‬وقيل هو آدم‪ ،‬وقيل نوح‪ ،‬وقيل إبراهيم‪ ،‬وقيل موسى‪ ،‬وقيل‬
‫لنيب ‪( .‬و) املختار (بعدها) أي بعد البعثة (املنع) من تعبده بشرع من قبله‪ ،‬ألن له شرعا‬
‫عيسى‪ ،‬وقيل ما ثبت أنه شرع من غري تعيني ّ‬
‫خيصه‪ ،‬وقيل تعبد مبا مل ينسخ من شرع من قبله أي ومل يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة‪( .‬و) املختار بعد البعثة (أن‬
‫مينت إال باجلائر‪ .‬وقال صلى‬
‫املضار التحرمي) قال تعاىل {خلق لكم ما يف األرض مجيعا} ذكره يف معرض االمتنان وال ّ‬ ‫أصل املنافع احلل ّ‬
‫ضَر َر وال ِضَر ار»‪ .‬رواه ابن ماجة وغريه‪ ،‬وزاد الطرباين «يف اإلسالم» وقيل األصل يف األشياء احلل‪ ،‬وقيل األصل‬
‫اهلل عليه وسلّم «ال َ‬
‫واملضار قبل البعثة فتقدم أوائل الكتاب حيث قيل ال حكم قبل الشرع بل األمر موقوف إىل وروده‪.‬‬‫ّ‬ ‫فيها التحرمي‪ ،‬أما حكم املنافع‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/152‬‬
‫(مسألة املختار أن االستحسان ليس دليالً) إذ ال دليل يدل عليه وقيل هو دليل لقوله تعاىل {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} قلنا املراد‬
‫ورد بأنه) أي هذا الدليل (إن حتقق)‬ ‫باألحسن األظهر واألوىل ال االستحسان‪( .‬وفسر بدليل ينقدح يف نفس اجملتهد تقصر عنه عبارته ّ‬
‫يضر قصور عبارته عنه قطعا‪ ،‬وإن مل يتحقق عنده فمردود قطعا‪( .‬و) فسر أيضا (بعدول عن قياس‬ ‫بفتح التاء عند اجملتهد (فمعترب)‪ ،‬وال ّ‬
‫إىل) قياس (أقوى) منه‪( ،‬وال خالف فيه) هبذا املعىن‪ ،‬إذ أقوى القياسني مقدمـ على اآلخر قطعا‪( .‬أو) بعدول (عن الدليل إىل العادة)‬
‫ملصلحة‪ ،‬كدخول احلمام بال تعيني أجرة وزمن مكث فيه وقدر ماء وكشرب املاء من السقاء بال تعيني قدره مع اختالف أحوال الناس‬
‫(ورد بأنه إن ثبت أهنا) أي العادة (حق) جلرياهنا يف زمنه صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬أو بعده بال إنكار وال من األئمة‪.‬‬‫يف استعمال املاء‪ّ .‬‬
‫(ردت) قطعا فلم يتحقق مبا ذكر استحسان‬ ‫(فقد قام دليلها) من السنة أو اإلمجاع فيعمل هبا قطعا‪( .‬وإال) أي وإن مل يثبت حقيتها ّ‬
‫خمتلف فيه‪( .‬فإن حتقق استحسان خمتلف فيه فمن قال به فقد شرع)‪ ،‬بالتخفيف‪ .‬وقيل بالتشديد أي وضع شرعا من قتل نفسه وليس له‬
‫ذلك ألنه كفر أو كبرية‪( .‬وليس منه) أي من االستحسان املختلف فيه أن حتقق (استحسان الشافعي التحليف باملصحف واخلط يف‬
‫الكتابة) لشيء من جنومها‪( .‬وحنومها) كاستحسانه يف املتعة ثالثني درمها‪ ،‬وإمنا قال ذلك ألدلة فقهية مبينة يف حماهلا‪ ،‬وال ينكر التعبري به‬
‫عن حكم ثبت بدليل‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/153‬‬

‫( مسألة قول الصحايب) اجملتهد (غري حجة على) صحايب (آخر وفاقا و) على (غريه) وكتابعي (يف األصح)‪ ،‬ألن قول الصحايب ليس‬
‫حجة يف نفسه‪ ،‬واالحتجاج به يف احلكم التعبدي من حيث إنه من قبيل املرفوع لظهور أن مستنده فيه التوقيف ال من حيث إنه قول‬
‫صحايب‪ ،‬وقيل قوله على غري الصحايب حجة فوق القياس حىت يقدم عليه عند التعارض‪ ،‬وقيل حجة دون القياس فيقدم القياس عليه‪،‬‬
‫وقيل حجة إن انتشر من غري ظهور خمالف له‪ ،‬لكنه حينئذ إمجاع سكويت‪ ،‬فاحتجاج الفقهاء به من حيث إنه إمجاع سكويت ال من‬
‫حيث إنه قول صحايب‪ ،‬كما لو وقع من جمتهد غري صحايب قول باجتهاد وسكت عليه الباقون‪ ،‬وقيل حجة إن خالف القياس‪ ،‬وقيل‬
‫قول الشيخني أيب بكر وعمر حجة خبالف غريمها‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬وعلى القول بأنه حجة لو اختلف صحابيان يف مسألة فقوالمها‬
‫كدليلني فريجح أحدمها مبرجح‪( .‬واألصح) ما عليه احملققون (أنه) أي الصحايب (ال يقلد) بفتح الالم أي ليس لغريه أن يقلده ألنه ال‬
‫يدو ن خبالف مذهب غريه من األئمة األربعة وقيل يقلد بناء على جواز االنتقال يف املذاهب والتصريح بالرتجيح من‬ ‫يوثق مبذهبه‪ ،‬إذ مل ّ‬
‫تردد (فلدليل ال تقليدا) لزيد بأن وافق اجتهاده اجتهاده‪.‬‬
‫زياديت‪( .‬أما وفاق الشافعي زيدا يف الفرائض) حىت تردد حيث ّ‬

‫( ‪)1/154‬‬

‫( مسألة األصح أن اإلهلام وهو) لغة إيقاع شيء يف القلب (يطمئن له الصدر خيص به اهلل) تعاىل (بعض أصفيائه غري حجة) إن ظهر (من‬
‫غري معصوم)‪ ،‬لعدم الثقة خبواطره ألنه ال يأمن دسيسة الشيطان فيها‪ .‬وقيل هو حجة يف حقه فقط وقيل ألدلة ال جتدي‪ ،‬أما من املعصوم‬
‫كالنيب صلى اهلل عليه وسلّم فهو حجة يف حقه وحق غريه إذا تعلقـ هبم كالوحي‪.‬‬
‫ّ‬
‫( ‪)1/155‬‬
‫خامتة لالستدالل‬
‫( مبىن الفقه على) أربعة أمور‪ ،‬وإن مل يرجع أكثره إليها إال بتكلف‪( .‬أن اليقني ال يرفع) من حيث استصحاب حكمه (بالشك)‪ ،‬مبعىن‬
‫رد‬
‫مطلق الرتدد‪ ،‬ومن مسائله من تيقن الطهر وشك يف احلدث يأخذ بالطهر‪( ،‬و) أن (الضرر يزال) وجوبا‪ ،‬ومن مسائله وجوب ّ‬
‫املغصوب وضمانه بالتلف‪( .‬و) أن (املشقة جتلب التيسري)‪ ،‬ومن مسائله جواز القصر واجلمع والفطر يف السفر بشرطه‪( .‬و) أن (العادة‬
‫حمكمة) بفتح الكاف املشددة‪ ،‬أي املعمول هبا شرعا‪ ،‬ومن مسائله أقل احليض وأكثره‪ ،‬وزاد بعضهم على األربعة أن األمور مبقاصدها‪،‬‬
‫ومن مسائله وجوب النية يف الطهر‪ ،‬ورجعه صاحب األصل يف قواعده إىل األول‪ ،‬فإن الشيء إذا مل يقصد اليقني عدم حصوله‪.‬‬

‫( ‪)1/156‬‬

‫الكتاب السادس يف التعادل والرتاجيح‬


‫بني األدلة عند تعارضها وسيأيت بياهنما‪( ،‬ميتنع تعادل قاطعني) أي تقابلهما بأن يدل كل منهما على منايف ما يدل عليه اآلخر إذ لو جاز‬
‫ذلك لثبت مدلوهلما‪ ،‬فيجتمع املتنافيات فال وجود لقاطعني متنافيني عقليني أو نقليني أو عقليـ ونقلي‪ ،‬والكالم يف النقليني حيث ال‬
‫نسخ كما يعلم مما سيأيت‪( .‬ال) تعادل (قطعي وظين نقليني)‪ .‬فال ميتنع لبقاء داللتيهما‪ ،‬وإن انتفى الظن عند القطع بالنقيض لتقدم‬
‫القطعيـ حينئذ‪ ،‬وخرج بالنقليني غريمها‪ ،‬كأن ظن أن زيدا يف الدار لكون مركبه وخدمه بباهبا مث شوهد خارجها‪ ،‬فيمتنع تعادهلما‬
‫النتفاء داللة الظين حينئذ‪ ،‬وعليه حيمل قول ابن احلاجب ال تعارض بني قطعي وظين‪( .‬وكذا أمارتان) ال ميتنع تعادهلما ولو بال مرجح‬
‫إلحدامها‪( .‬يف الواقع يف األصح) إذ لو امتنع لكان لدليل واألصل عدمه‪ ،‬وهذا ما عليه ابن احلاجب تبعا للجمهور‪ ،‬وإن مل يصرحوا بقيد‬
‫الواقع‪ ،‬وقيل ميتنع بال مرجح ورجحه األصل حذرا من التعارض يف كالم الشارع‪ ،‬وأجاب األول بأنه ال حمذور يف ذلك‪ ،‬أما تعارضهما‬
‫ترد ده‪ ،‬وعلى األول (فإن تعادلتا) وال مرجح (فاملختار التساقط)‪ ،‬كما يف تعارض البينتني‪ ،‬وقيل‬ ‫يف ذهن اجملتهد فواقع قطعا وهو منشأ ّ‬
‫خيري بينهما يف العمل‪ ،‬وقيل يوقف عن العمل بواحدة منهما‪ ،‬وقيل خيري بينهما يف الواجبات ويتساقطان يف غريها‪ ،‬والرتجيح من زياديت‪.‬‬
‫(وإن نقل عن جمتهد قوالن فإن تعاقبا فاملتأخر) منهما (قوله) املستمر واملتقدم مرجوع عنه‪( .‬وإال) أي وإن مل يتعاقبا بأن قاهلما معا‪،‬‬
‫(فما) أي فقوله املستمر منهما ما (ذكر فيه) اجملتهد (مشعرا برتجيحه) على اآلخر كقوله هذا أشبه وكتفريعه عليه‪( ،‬وإال) أي وإن مل‬
‫مرتد د) بينهما فال ينسب إليه ترجيح أحدمها‪ ،‬ويف معىن ذلك ما لو جهل تعاقبهما أو علم وجهل املتأخر أو نسي‪.‬‬ ‫يذكر ذلك (فهو ّ‬
‫(ووقع) هذا الرتدد (للشافعي) رضي اهلل عنه (يف بضعة عشر مكانا) ستة عشر أو سبعة عشر‪ ،‬كما تردد فيه القاضي أبو حامد‬
‫املروروذي‪.‬‬
‫( مث قيل) أي قال الشيخ أبو حامد االسفرايين يف ترجيح أحد قويل الشافعي املرتدد بينهما‪( .‬خمالف أيب حنيفة) منهما (أرجح من‬
‫ورد‬
‫لقوته بتعدد قائله‪ّ ،‬‬ ‫موافقة)‪ ،‬فإن الشافعي إما خالفه لدليل‪( .‬وقيل عكسه) أي موافقه أرجح وهو قول القفال‪ ،‬وصححه النووي ّ‬
‫بأن القوة إمنا تنشأ من الدليل فلذلكـ قلت كاألصل‪( .‬واألصح الرتجيح بالنظر) فما اقتضى ترجيحه منهما فهو الراجح‪( ،‬فإن وقف) عن‬
‫الرتجيح (فالوقف) عن احلكم برجحان واحد منهما‪( ،‬وإن مل يعرف للمجتهد قول يف مسألة لكن) يعرف له قول (يف نظريها فهو) أي‬
‫األصح) أي خرجه األصحاب فيها إحلاقا هلا بنظريها‪ ،‬وقيل ليس قوالً له فيها الحتمال أن يذكر‬ ‫ّ‬ ‫قوله يف نظريها‪( .‬قوله املخرج فيها يف‬
‫فرقا بني املسألتني لو روجع يف ذلك‪( .‬واألصح) على األول (ال ينسب) القول فيها (إليه مطلقا بل) ينسب إليه (مقيدا) بأنه خمرج حىت‬
‫لنص يف نظري املسألة (تنشأ الطرق)‬ ‫نص آخر للنظري) أي ّ‬‫ال يلتبس باملنصوص‪ ،‬وقيل ال حاجة إىل تقييده ألنه جعل قوله (ومن معارضة ّ‬
‫يقرر النصني فيهما‪ ،‬ويفرق بينهما‪ ،‬ومنهم من خيرج نص كل منهما‬
‫وهي اختالف األصحاب يف نقل املذهب يف املسألتني‪ ،‬فمنهم من ّ‬
‫يف األخرى فيحكي يف كل قولني منصوصا وخمرجا‪ ،‬وعلى هذا فتارة يرجح يف كل منهما نصها ويفرق بينهما‪ ،‬وتارة يرجح يف أحدمها‬
‫نصها‪ ،‬ويف األخرى املخرج‪ ،‬ويذكر ما يرجحه على نصها‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/157‬‬

‫( والرتجيح تقوية أحد الدليلني) بوجه من وجه الرتجيح اآليت بعضها‪ ،‬فيكون راجحا وتعبريي بالدليلني أوىل من تعبريه بالطريقني‪.‬‬
‫(والعمل بالراجح واجب)‪ .‬وباملرجوح ممتنع سواء أكان الرجحان قطعيا أم ظنيا (يف األصح)‪ .‬وقيل ال جيب إن كان الرجحان ظنيا فال‬
‫يعمل بواحد منهما لفقد املرجح القطعي‪ ،‬وقيل خيري بينهما يف العمل إن كان الرجحان ظنيا‪( .‬وال ترجيح يف القطعيات)‪ .‬إذ ال تعارض‬
‫بينها‪ ،‬وإال الجتمع املتنافيان كما مر‪ ،‬وكذا ال ترجيح يف القطعي مع الظين غري النقليني أخذا مما مر (واملتأخر) من النصني املتعارضني‬
‫(ناسخ) للمتقدمـ منهما إن قبال النسخ آيتني كانا أو خربين أو آية وخربا‪( .‬وإن نقل) املتأخر (باآلحاد)‪ ،‬فإنه ناسخ فيعمل به ألن دوامه‬
‫(واألصح أن العمل‬
‫ّ‬ ‫بأن ال يعارض مظنون‪ ،‬ولبعضهم احتمال باملنع‪ ،‬ألن اجلواز يؤدي إىل إسقاط املتواتر باآلحاد يف بعض الصور‪.‬‬
‫باملتعارضني ولو من وجه) أو كان أحدمها سنة واآلخر كتابا‪( .‬أوىل من إلغاء أحدمها) برتجيح اآلخر عليه‪ ،‬وقيل ال فيصار إىل الرتجيح‬
‫مثاله خرب «أميا إهاب دبغ فقد طهر» مع خرب «ال تنتفعوا من امليتة بإهاب وال عصب» الشامل لإلهاب املدبوغ وغريه‪ ،‬فحملناه على‬
‫غري املدبوغ اخلاص به عند كثري مجعا بني الدليلني‪ ،‬وتقدم بيان بسط احلمل يف آخر مبحث التخصيص (و) األصح (أنه ال يقدم) يف‬
‫ذلك (الكتاب على السنة وال عكسه) أي وال السنة على الكتاب‪ ،‬وقيل يقدم الكتاب خلرب معاذ املشتمل على أنه يقضي كتاب اهلل‪ ،‬فإن‬
‫مل جيد فبسنة رسول اهلل ورضى رسول اهلل بذلك‪ ،‬وقيل يقدم السنة لقوله تعاىل {لتبني للناس} مثاله قوله صلى اهلل عليه وسلّم يف البحر‬
‫إيل حمرما} إىل قوله {أو حلم خنزير} وكل منهما يشمل خنزير‬ ‫«هو الطهور ماؤه احلل ميتته» مع قوله تعاىل {قل ال أجد فيما أوحي ّ‬
‫البحر‪ ،‬فحملنا اآلية على خنزير الرب املتبادر إىل األذهان مجعا بني الدليلني‪( .‬فإن تعذر العمل) باملتعارضني بأن مل ميكن بينهما مجع‪( ،‬فإن‬
‫علم املتأخر) منهما يف الواقع ومل ينس (فناسخ) للمتقدمـ منهما‪( ،‬وإال) أي وإن مل يعلم ذلك بأن تقارنا أو جهل التأخر أو املتأخر أو‬
‫علم ونسي‪( .‬رجع إىل مرجح فإن تعذر فإن مل يتقارنا وقبال النسخ طلب) الناظر (غريمها) لتعذر العمل بواحد منهما‪ ،‬فإن مل جيد غريمها‬
‫توقف‪( ،‬وإال) بأن تقارنا ومل يقبال النسخ (خيري) الناظر بينهما يف العمل (إن تعذر الرتجيح)‪ ،‬فإن مل يتعذر طلب مرجحا والتقييد بقبول‬
‫النسخ يف صوريت جهل املتأخر ونسيانه من زياديت‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/158‬‬

‫(مسألة يرجح بكثرة األدلة و) بكثرة (الرواة يف األصح)‪ ،‬ألن كثرة كل منهما تفيد القوة‪ ،‬وقيل ال كالبينتني‪ ،‬وفرق بأن مقصود‬
‫الشهادة فصل اخلصومة لئال تطول فضبطت بنصاب خاص خبالف الدليل‪ ،‬فإن مقصوده ظن احلكم واجملتهد يف مهلة النظر‪ ،‬وكلما كان‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم (وفقه‬
‫الظن أقوى كان اعتباره أوىل‪( .‬وبعلو اإلسناد) يف االخبار أي قلة الوسائط بني الراوي للمجتهد‪ ،‬وبني ّ‬
‫الراوي ولغته وحنوه) لقلة احتمال اخلطأ مع واحد من األربعة بالنسبة إىل مقابالهتا‪( .‬وورعه وضبطه وفطنته وإن روى) اخلرب (املرجوح‬
‫باللفظ) والراجح بواحد مما ذكر باملعىن (ويقظته وعدم بدعته وشهرة عدالته) لشدة الوثوق به مع واحد من الستة بالنسبة إىل مقابالهتا‪.‬‬
‫(وكونه مزكى باالختبار) من اجملتهد‪ ،‬فريجح على املزكى عنده باالخبار ألن العيان أقوى من اخلرب‪( .‬أو) كونه (أكثر مزكني ومعروف‬
‫النسب قيل ومشهوره) لشدة الوثوق به والشهرة زيادة يف املعرفة‪ .‬واألصح ال ترجيح هبا‪ .‬وقال الزركشي األقوى األول ألن من ليس‬
‫صرح بتزكيته‬ ‫مشهور النسب قد يشاركه ضعيف يف االسم‪( ،‬وصريح التزكية على احلكم بشهادته والعمل بروايته)‪ ،‬فريجح خرب من ّ‬
‫على خرب من حكم بشهادته‪ ،‬وخرب من عمل بروايته يف اجلملة‪ ،‬ألن احلكم والعمل قد يبنيان على الظاهر بال تزكية‪( .‬وحفظ املروي)‬
‫فريحجح مروي احلافظ له على مروي غريه الراوي له بنحو تلقني العتناء األول مبرويه‪( .‬وذكر السبب) فريجح اخلرب املشتمل على سببه‬
‫على ما مل يشتمل عليه الهتمام راوي األول به‪ ،‬وحمله يف اخلاصني بقرينة ما يأيت يف العامني‪( .‬والتعويل على احلفظ دون الكتابة)‪،‬‬
‫املعو ل على الكتابة الحتمال أن يزاد يف كتابه أو ينص منه‪ ،‬واحتمال النسيان‬
‫املعول على احلفظ فيما يرويه على خرب ّ‬‫فريجح خرب ّ‬
‫مر بيان طرق‬ ‫واالشتباه يف احلافظ كالعدم‪( .‬وظهور طريق روايته)‪ ،‬كالسماع بالنسبة إىل اإلجازة‪ ،‬فريجح املسموع على اجملاز‪ ،‬وقد ّ‬
‫الرواية ومراتبها آخر الكتاب‬
‫الثاين‪( .‬ومساعه بال حجاب) ويرجح املسموع بال حجاب على املسموع من وراء حجاب ألمن األول من تطرق اخللل يف الثاين‪.‬‬
‫(وكونه ذكرا وحرا يف األصح) فيهما فريجح خرب كل منهما على خرب غريه‪ ،‬ألن الذكر أضبط من غريه يف اجلملة واحلر لشرف منصبه‬
‫ألهنن أضبط فيها‪ ،‬وقيل ال ترجيح‬
‫أحكامهن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫حيرتز عما ال حيرتز عنه غريه‪ ،‬وقيل يرجح خرب الذكر يف غري أحكام النساء خبالف‬
‫وصو به الزركشي يف األوىل والربماوي فيهما‪ .‬ونقاله عن ابن السمعاين فيهما‪ ،‬ونقال عن غريه االتفاق عليه يف‬ ‫بالذكورية وال باحلرية‪ّ ،‬‬
‫األوىل وذكر اخلالف يف الثانية من زياديت‪( .‬و) كونه (من أكابر الصحابة) أي رؤسائهم فريجح خرب أحدهم على خرب غريه لشدة‬
‫ديانتهم وقرهبم جملسا من النبيّصلى اهلل عليه وسلّم ‪( ،‬و) كونه (متأخر اإلسالم) فريجح خربه على خرب متقدمـ اإلسالم‪( ،‬يف األصح)‬
‫لظهور تأخر خربه‪ ،‬وقيل عكسه ألن متقدم اإلسالم ألصالته فيه أشد حترزا من متأخره‪( .‬و) كونه (متحمالً بعد التكليف)‪ .‬ولو حال‬
‫الكفر ألنه أضبط من املتحمل قبل التكليف‪( .‬وغري مدلس)‪ ،‬ألن الوثوق به أقوى منه باملدلس املقبول‪ ،‬وتقدم بيانه يف الكتاب الثاين‪.‬‬
‫(وغري ذي امسني) ألن صاحبهما يتطرق إليه اخلللـ بأن يشاركه ضعيف يف أحدمها‪( .‬ومباشرا) ملرويه (وصاحب الواقعة) املروية‪ ،‬ألن‬
‫فاألول كخرب الرتمذي عن أيب رافع «أنه صلى اهلل عليه وسلّم تزوج ميمونة حالالً قال وكنت‬ ‫كالً منهما أعرف باحلال من غريه‪ّ ،‬‬
‫تزوج ميمونة وهو حمرم»‪ .‬والثاين كخرب أيب داود «عن‬ ‫الرسول بينهما» مع خرب الصحيحني عن ابن عباس «أنه صلى اهلل عليه وسلّم ّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم وحنن حالالن بسرف» مع خرب ابن عباس املذكور‪( .‬وراويا باللفظ) لسالمة املروي باللفظ‬ ‫تزوجين ّ‬‫ميمونة ّ‬
‫من تطرق اخلللـ يف املروي باملعىن‪( ،‬و) كون اخلرب (مل ينكره) الراوي (األصل)‪ ،‬فريجح خرب الفرع الذي مل ينكره أصله بأن قال ما‬
‫رويته ألن الظن احلاصل من األول أقوى‪ ،‬وتعبريي مبا‬
‫ذكر أوضح من قوله ومل ينكره راوي األصل‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/159‬‬

‫و) كونه (يف الصحيحني) أو يف أحدمها‪ ،‬ألنه أقوى من الصحيح يف غريمها‪ ،‬وإن كان على شرطهما لتلقي األمة هلما بالقبول‪( .‬والقول‬
‫فالفعلـ فالتقرير) فريجح اخلرب الناقل‪ ،‬لقول النيب على الناقل لفعله والناقل لفعله على الناقل لتقريره‪ ،‬ألن القول أقوى يف الداللة على‬
‫التشريع من الفعل ألن الفعلـ حمتمل للتخصيص به صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وهو أقوى من التقرير ألنه وجودي حمض‪ ،‬والتقرير حمتمل ملا ال‬
‫حيتمله الفعل‪( .‬ويرجح الفصيح) على غريه لتطرق اخلللـ إىل غريه باحتمال أن يكون مرويا باملعىن‪( ،‬وكذا زائد الفصاحة) على الفصيح‬
‫(يف قول) مرجوح‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه وسلّم أفصح العرب فيبعد نطقه بغري األفصح فيكون مرويا باملعىن فيتطرق إليه اخللل‪ ،‬واألصح ال‬
‫ألنه صلى اهلل عليه وسلّم ينطق باألفصح والفصيح‪ ،‬ال سيما إذا خاطب به من ال يعرف غريه‪ ،‬وقد كان خياطب العرب بلغاهتم‪( .‬و)‬
‫يرجح (املشتمل على زيادة) على غريه (يف األصح) ملا فيه من زيادة العلم‪ ،‬وقيل يرجح األقل‪ ،‬وبه أخذ احلنفية التفاق الدليلني عليه‬
‫كخرب التكبري يف العيد سبعا مع خرب التكبري فيه أربعا روامها أبو داود‪ .‬واألولىمنه عندهم لالفتتاح وذكر اخلالف يف هذه من زياديت‪.‬‬
‫(والوارد بلغة قريش) ألن الوارد بغريها حيتمل أن يكون مرويا باملعىن فيتطرق إليه اخللل‪( .‬واملدين) على املكي لتأخره عنه‪ ،‬واملدين ما‬
‫بعلو شأن النيب صلى اهلل‬‫ورد بعد اهلجرة واملكي قبلها‪ ،‬وهذا أوىل من القول بأن املدين ما نزل باملدينة‪ ،‬واملكي ما نزل مبكة‪( .‬واملشعر ّ‬
‫عليه وسلّم) لتأخره عما مل يشعر بذلك ‪( .‬وما) ذكر (فيه احلكم مع العلة) على ما فيه احلكم فقط‪ ،‬ألن األول أقوى يف االهتمام‬
‫باحلكم من الثاين كخرب البخاري «من ب ّدل دينه فاقتلوه» مع خرب الصحيحني «أنه صلى اهلل عليه وسلّم هنى عن قتل النساء والصبيان»‪.‬‬
‫الردة‬
‫نيط احلكم يف األول بوصف ّ‬
‫املناسب وال وصف يف الثاين‪ ،‬حلملنا النساء فيه على احلربيات‪.‬‬
‫( وما قدم فيه ذكرها عليه) أي ذكر العلة على احلكم على عكسه (يف األصح)‪ ،‬ألنه أدل على ارتباط احلكم بالعلة من عكسه‪ ،‬وقيل‬
‫عكسه ألن احلكم إذا تقدم تطلب نفس السامع العلة‪ ،‬فإذا مسعتها ركنت ومل تطلب غريها‪ ،‬والوصف إذا تقدم تطلب النفس احلكم فإذا‬
‫مسعته قد تكتفي يف علته بالوصف املتقدم إذا كان شديد املناسبة كما يف {والسارق} اآلية‪ .‬وقد ال تكتفي به بل تطلب علة غريه كما‬
‫يف {إذا قمتم إىل الصالة فاغسلوا} اآلية‪ .‬فيقال تعظيما للمعبود‪( .‬وما فيه هتديد أو تأكيد) على اخلايل عن ذلك‪ ،‬فاألول كخرب‬
‫البخاري عن عمار «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى اهلل عليه وسلّم»‪ .‬فريجح على األخبار املرغبة يف صوم النفل والثاين‬
‫كخرب أيب داود «أميا امرأة نكحت نفسها بغري إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل» مع خرب مسلم «األمي أحق‬
‫بنفسها من وليها»‪( .‬والعام) عموما (مطلقا على) العام (ذي السبب إال يف السبب)‪ ،‬ألن الثاين باحتمال إرادة قصره على السبب كما‬
‫الشرطي) كمن‬
‫ّ‬ ‫القو ة إال يف صورة السبب فهو فيها أقوى ألهنا قطعية الدخول على األصح كما مر‪( .‬والعام‬ ‫قيل بذلك دون املطلقـ يف ّ‬
‫بقوة عمومها دونه‪ ،‬ويؤخذ من‬ ‫وما الشرطيتني (على النكرة املنفية يف األصح)‪ ،‬إلفادته التعليل دوهنا‪ ،‬وقيل العكس لبعد التخصيص فيها ّ‬
‫كاملعرف بالالم أو‬
‫ذلك ترجيح النكرة الواقعة يف سياق الشرط على الواقعة يف سياق النفي‪( .‬وهي على الباقي) من صيغ العموم ّ‬
‫املعرف) بالالم‬‫مر‪ ،‬وهو إمنا يدل عليه بالقرينة اتفاقا‪( .‬واجلمع ّ‬
‫اإلضافة ألهنا أقوى منه يف العموم‪ ،‬ألهنا تدل عليه بالوضع يف األصح كما ّ‬
‫أو اإلضافة‪( .‬على من وما) غري الشرطيتني كاالستفهاميتني‪ ،‬ألنه أقوى منهما يف العموم المتناع أن خيص إىل الواحد دوهنما على‬
‫مر‪.‬‬‫األصح يف كل منهما كما ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/160‬‬

‫( وكلها) أي اجلمع املعرف ومن وما (على اجلنس املعرف) بالالم أو اإلضافة الحتماله العهد خبالف من وما فال حيتمالنه‪ ،‬وخبالف‬
‫املعر ف فيبعد احتماله له‪( .‬وما مل خيص) على ما خص لضعف الثاين باخلالف يف حجيته خبالف األول‪ ،‬وألن الثاين جماز‪ ،‬واألول‬‫اجلمع ّ‬
‫كالصفي اهلندي‪ ،‬وعندي عكسه ألن ما خص من العام هو الغالب والغالب أوىل من غريه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حقيقة وهي مقدمةـ عليه قطعا‪ .‬وقال األصل‬
‫(واألقل ختصيصا) على األكثر ختصيصا ألن الضعف يف األقل دونه يف األكثر‪( .‬واالقتضاء فاإلمياء فاإلشارة)‪ ،‬ألن املدلول عليه باألول‬
‫مقصود يتوقف عليه الصدق أو الصحة‪ ،‬وبالثاين مقصود ال يتوقف عليه ذلك‪ ،‬وبالثالث غري مقصود كما علم ذلك من حمله‪ ،‬فيكون‬
‫كل منها أقوى داللة مما بعده‪ ،‬وترجيح الثاين على الثالث من زياديت‪( .‬ويرجحان) أي اإلمياء واإلشارة (على املفهومني) أي املوافقة‬
‫واملخالفة‪ ،‬ألن داللة األولني يف حمل النطق خبالف املفهومني‪( ،‬وكذا املوافقة على املخالفة) يف األصح لضعف الثاين باخلالف يف حجيته‬
‫خبالف األول‪ ،‬وقيل عكسه ألن الثاين يفيد تأسيسا خبالف األول‪( ،‬و) كذا (الناقل عن األصل) أي الرباءة األصلية على املقرر له يف‬
‫األصح‪ ،‬ألن األول فيه زيادة على األصل خبالف الثاين‪ ،‬وقيل عكسه بأن يق ّدر تأخر املقرر لألصل ليفيد تأسيسا كما أفاده الناقل‬
‫مس ذَ َكَرهُ فليتوضأ» مع خربه «أنه صلى اهلل عليه وسلّم سأله رجل مس ذكره أعليه‬ ‫«م ْن ّ‬
‫فيكون ناسخا له مثال ذلك خرب الرتمذي َ‬
‫مر‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬وقيل مها سواء وقيل غري ذلك‪،‬‬ ‫وضوء قال ال إمنا هو بضعة منك»‪( .‬و)كذا (املثبت) على النايف (يف األصح)‪ ،‬ملا ّ‬
‫(واخلرب) املتضمن للتكليف على اإلنشاء ألن الطلبـ به لتحقق وقوع معناه أقوى من اإلنشاء‪ ،‬فإن اتفق الدليالن خربا أو إنشاء (فاحلظر)‬
‫على اإلجياب ألنه لدفع املفسدة واإلجياب جللب املصلحة واالعتناء بدفع املفسدة أشد‪( ،‬فاإلجياب) على الكراهة‬
‫لالحتياط‪( ،‬فالكراهة) على الندب لدفع اللوم (فالندب) على اإلباحة لالحتياط بالطلبـ (فاإلباحة يف األصح يف بعضها) وهو تقدمي كل‬
‫من احلظر واإلجياب والندب على اإلباحة‪ ،‬وقيل العكس يف الثالث العتضاد اإلباحة باألصل‪ ،‬وقيل مها سواء يف األوىل والقياس جميئه يف‬
‫الباقيتني‪ ،‬وحيتمل خالفه‪ ،‬وذكر اخلالف يف الثانية مع تقدمي اإلجياب على الكراهة من زياديت‪( .‬و) اخلرب (املعقول معناه) على ما مل يعقل‬
‫معناه ألن األول أدعى لالنقياد وأفيد بالقياس عليه‪( .‬وكذا نايف العقوبة) هو أعم من قوله ونايف احلد على املوجب هلا يف األصح ملا يف‬
‫األول من اليسر وعدم احلرج املوافق لقوله تعاىل {يريد اهلل بكم اليسر}‪{ ،‬ما جعل عليكم يف الدين من حرج} وقيل عكسه إلفادة‬
‫املوجب التأسيس خبالف النايف‪( .‬و) كذا احلكم (الوضعي) أي مثبته (على) مثبت (التكليفي يف األصح)‪ ،‬ألن األول ال يتوقف على‬
‫الفهم والتمكن من الفعلـ خبالف الثاين وقيل عكسه لرتتب الثواب على التكليفي دون الوضعي‪( .‬و) الدليل (املوافق دليالً آخر) على ما‬
‫مل يوافقه‪ ،‬ألن الظن يف املوافق أقوى‪( .‬وكذا) املوافق (مرسالً أو صحابيا أو أهل املدينة أو األكثر) من العلماء على ما مل يوافق واحد‬
‫مما ذكر (يف األصح) لذلك‪ .‬وقيل ال يرجح بواحد من ذلك ألنه ليس حبجة‪ ،‬وقيل إمنا يرجح مبوافق الصحايب إن كان الصحايب قد ميزه‬
‫نص فيما فيه املوافقة من أبواب الفقه كزيد يف الفرائض‪ ،‬وقيل غري ذلك‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/161‬‬

‫( ويرجح) كما قال الشافعي فيما إذا وافق كل من الدليلني صحابيا‪ ،‬وقد ميز النص أحد الصحابيني فيما ذكر‪( .‬موافق زيد يف الفرائض‬
‫فعلي ) يف تلك األحكام‪ ،‬فاملتعارضان يف مسألة يف الفرائض يرجح منهما املوافق‬
‫(فعلي) فيها (ومعاذ يف أحكام غري الفرائض ّ‬ ‫فمعاذ) فيها ّ‬
‫لعلي‪ ،‬واملتعارضان يف مسألة يف غري الفرائض يرجح‬
‫لزيد‪ ،‬فإن مل يكن له فيها قول فاملوافق ملعاذ‪ ،‬فإن مل يكن له فيها قول فاملوافق ّ‬
‫علي»‬
‫لعلي‪ ،‬وذلك خلرب «أفرضكم زيد‪ ،‬وعلمكم باحلالل واحلرام معاذ‪ ،‬وأقضاكم ّ‬ ‫منهما املوافق ملعاذ‪ ،‬فإن مل يكن له فيها قول فاملوافق ّ‬
‫علي واللفظ يف معاذ‬
‫فقوله أفرضكم زيد على عمومه‪ .‬وقوله وأعلمكم باحلالل واحلرام معاذ يعين يف غري الفرائض وكذا قوله وأقضاكم ّ‬
‫أصرح منه يف علي فقدم عليه مطلقا‪( .‬واإلمجاع على النص) ألنه يؤمن فيه النسخ خبالف النص‪( .‬وإمجاع السابقني) على إمجاع غريهم‬
‫فريجح إمجاع الصحابة على إمجاع من بعدهم من التابعني وغريهم‪ ،‬وإمجاع التابعني على إمجاع من بعدهم‪ ،‬وهكذا لشرف السابقني‬
‫لقرهبم من النيب صلى اهلل عليه وسلّم وخلرب «خري القرون قرين مث الذين يلوهنم»‪ .‬وتعبريي كالربماوي بالسابقني أعم من تعبري األصل‬
‫بالصحابة‪( .‬وإمجاع الكل) الشاملـ للعوام) على ما خالف فيه العوام)‪ ،‬لضعف الثاين باخلالف يف حجيته على ما حكاه اآلمدي‪( .‬و)‬
‫اإلمجاع (املنقرض عصره على غريه) لضعف الثاين باخلالف يف حجتيه‪( .‬وكذا ما) أي اإلمجاع الذي (مل يسبق خبالف) على غريه (يف‬
‫األصح) لذلك‪ ،‬وقيل عكسه لزيادة اطالع اجملمعني يف الثاين على املآخذ‪ ،‬وقيل مها سواء‪( .‬واألصح تساوي املتواترين من كتاب‬
‫وسنة)‪ .‬وقيل يرجح الكتاب عليها ألنه أشرف منها‪ ،‬وقيل ترجح السنة عليه لقوله تعاىل {لتبني للناس ما نزل إليهم} أما املتواتران من‬
‫(بقوة دليل حكم األصل)‪ ،‬كأن يدل يف أحد القياسني باملنطوق‪،‬‬ ‫السنة فمتساويان قطعا كاآليتني‪( .‬ويرجح القياس) على قياس آخر ّ‬
‫ويف اآلخر باملفهوم‪ ،‬أو‬
‫يكون يف أحدمها قطعيا‪ ،‬ويف اآلخر ظنيا لقوة الظن بقوة الدليل‪( .‬وكونه) أي القياس (على سنن القياس أي فرعه من جنس أصله)‬
‫فريجح على قياس ليس كذلك‪ ،‬ألن اجلنس باجلنس أشبه فقياسنا ما دون أرش املوضحة على أرشها حىت حتمله العاقلة مقدم على قياس‬
‫احلنفية له على غرامات األموال حىت ال تتحمله‪( .‬وكذا) ترجح علة (ذات أصلني) مثالً بأن علال هبا‪( .‬على ذات أصل) يف األصح‪،‬‬
‫وقيل ال كاخلالف يف الرتجيح بكثرة األدلة مثاله وجوب الضمان بيد املستام عللناه بأنه أخذ العني لغرضه بال استحقاق‪ ،‬كما علل به‬
‫وجوب الضمان بيد الغاصب ويد املستعري‪ ،‬وعلله احلنفية بأنه أخذها ليتملكها ومل يعلل به نظري ذلك‪( .‬و) كذا ترجح علة (ذاتية)‬
‫للمحلـ كالطعم واإلسكار‪( .‬علي) علة (حكمية)‪ ،‬كاحلرمة والنجاسة يف األصح‪ ،‬ألن الذاتية ألزم‪ ،‬وقيل عكسه ألن احلكم باحلكم‬
‫أشبه‪( .‬و) كذا (كوهنا أقل أوصافا يف األصح)‪ ،‬ألن القليلةـ أسلم وقيل عكسه ألن الكثرية أكثر شبها‪( .‬و) ترجح (املقتضية احتياطا يف‬
‫مر‪ ،‬هذا مع أن‬‫فرض)‪ ،‬ألهنا أنسب به مما ال تقتضيه‪ ،‬وذكر الفرض ألنه حمل االحتياط‪ ،‬إذ ال حيتاط يف الندب وإن احتيط به كما ّ‬
‫يسن له غسلة أخرى وإن احتمل‬ ‫االحتياط قد جيري يف غري الفرض‪ ،‬كما إذا شك هل غسل وجهه يف الوضوء ثالثا أو اثنتني فإنه ّ‬
‫كوهنا رابعة احتياطا‪( .‬وعامة األصل) بأن يوجد يف مجيع جزئياته‪ ،‬ألهنا أكثر فائدة مما ال يعم كالطعم الذي هو علة عندنا يف باب الربا‪،‬‬
‫فإنه موجود يف الرب مثالً قليله وكثريه‪ ،‬خبالف القوت الذي هو علة عند احلنفية فال يوجد يف قليله‪ ،‬فجوزوا بيع احلفنة منه باحلفنتني‪.‬‬
‫(و) ترجح العلة (املتفق على تعليل أصلها) املأخوذة منه لضعف مقابلها باخلالف فيه‪( .‬و) العلة (املوافقة ألصول) شرعية (على املوافقة‬
‫لواحد)‪ ،‬ألن األوىل أقوى بكثرة ما يشهد هلا‪( .‬وكذا) ترجح العلة (املوافقة لعلة أخرى) يف األصح‪ ،‬وقيل ال كاخلالف يف الرتجيح‬
‫بكثرة األدلة والرتجيح من زياديت (وما) أي‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/162‬‬

‫وكذا القياس الذي (ثبتت علته بإمجاع فنص قطعيني فظنيني) أي بإمجاع قطعي فنص قطعي فإمجاع ظين فنص ظين (يف األصح)‪ ،‬ألن‬
‫النص يقبل النسخ خبالف اإلمجاع وقيل عكسه‪ ،‬ألن النص أصل لإلمجاع ألن حجيته إمنا ثبتت به‪( .‬فإمياء فسرب فمناسبة فشبه فدوران‬
‫وقيل دوران فمناسبة)‪ ،‬وما قبلها وما بعدها كما مر‪ ،‬فكل من املعطوفاتـ دون ما قبله‪ ،‬ورجحان كل من اإلمياء‪ ،‬واملناسبة على ما يليه‬
‫ظاهر من تعاريفها السابقة‪ ،‬ورجحان السري على املناسبة مبا فيه من إبطال ما ال يصلح للعلية والشبه على الدوران بقربه من املناسبة‪،‬‬
‫ومن رجح الدوران عليها قال ألنه يفيد اطراد العلة وانعكاسها خبالف املناسبة‪ ،‬ورجحان الدوران أو الشبه على بقية املسالك يؤخذ من‬
‫تعاريفها‪ ،‬وما ذكر هنا يغين عما صرح به األصل من الرتجيح بالقطع بالعلة أو الظن األغلب‪ ،‬ويكون مسلكها أقوى (و) يرجح (قياس‬
‫املعىن على) قياس (الداللة) الشتمال األول على املعىن املناسب‪ ،‬والثاين على الزمه أو أثره أو حكمه كما علم ذلك يف مبحث الطرد‪،‬‬
‫ويف خامتة القياس‪( .‬وكذا) يرجح (غري املركب عليه) أي على املركب (يف األصح إن قبل) أي املركب لضعفه باخلالف يف قبوله‬
‫املذكور يف مبحث حكم األصل‪ ،‬وقيل عكسه لقوة املركب باتفاق اخلصمني على حكم األصل فيه‪( .‬و) يرجح (الوصف احلقيقي‬
‫فالعريف فالشرعي) ألن احلقيقي ال يتوقف على شيء خبالف العريف والعريف متفق عليه خبالف الشرعي كما مر‪( .‬الوجودي) مما ذكر‪.‬‬
‫(فالعدمي قطعا البسيط) منه (فاملركب يف األصح) لضعف العدمي واملركب باخلالف فيهما‪ ،‬وقيل املركب فالبسيط‪ ،‬وقيل مها سواء‬
‫وذكر اخلالف من زياديت‪.‬‬
‫(‬
‫والباعثة على األمارة) لظهور مناسبة الباعثة و(املطردة املنعكسة) على املطردة فقط لضعف الثانية باخلالف فيها‪( .‬فاملطردة) فقط (على‬
‫املنعكسة) فقط‪ ،‬ألن ضعف الثانية بعدم االطراد أش ّد من ضعف األوىل بعدم االنعكاس‪( .‬وكذا) ترجح (املتعدية) على القاصرة يف‬
‫األصح ألهنا أفيد باالحلاق هبا‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬ألن اخلطأ يف القاصرة أقل‪ ،‬وقيل مها سواء لتساويهما فيما ينفردان به من االحلاق يف‬
‫املتعدية وعدمه يف القاصرة‪( .‬و) كذا يرجح (األكثر فروعا) من املتعديتني على األقل فروعا (يف األصح)‪ .‬وقيل عكسه كما يف املتعدية‬
‫والقاصرة وال يأيت التساوي هنا النتفاء علته‪ ،‬والرتجيح يف املسألتني من زياديت‪( .‬و) يرجح (من احلدود السمعية) أي الشرعية (األعرف‬
‫على األخفى) منها‪ ،‬ألن األول أفضى إىل مقصود التعريف من الثاين‪( .‬والذايت على العرضي)‪ ،‬ألن التعريف باألول يفيد كنه احلقيقة‬
‫األخص‬
‫ّ‬ ‫بتجوز أو اشرتاك لتطرق اخللل إىل التعريف بالثاين‪( .‬وكذا) يرجح (اَألعم) على‬
‫خبالف الثاين‪( .‬والصريح) من اللفظ على غريه ّ‬
‫مطلقا (يف األصح)‪ ،‬ألن التعريف باألعم أفيد لكثرة املسمى فيه‪ ،‬وقيل عكسه أخذا باحملقق يف احملدود‪ ،‬وذكر خلالف من زياديت‪ ،‬أما‬
‫األعم واألخص من وجه فالظاهر فيهما التساوي‪( .‬و) يرجح (موافق نقل السمع واللغة)‪ ،‬ألن التعريف مبا خيالفهما إمنا يكون لنق‬
‫عنهما واألصل عدمه‪( .‬و) يرجح (ما) أي احلد الذي (طريق اكتسابه أرجح) من طريق اكتساب ح ّد آخر‪ ،‬ألن الظن بصحته أقوى منه‬
‫القوة والضعف‪( .‬واملرجحات ال تنحصر) فيما ذكر هنا‬ ‫بصحة اآلخر‪ ،‬إذ احلدود السمعية مأخوذة من النقل وطرق النقل تقبل ّ‬
‫الظن) أي ّقو ته وسبق كثري منها منه تقدمي بعض مفاهيم املخالفة على بعض وبعض ما خيل بالفهم على بعض كاجملاز على‬ ‫(ومثارها غلبة ّ‬
‫االشرتاك‪ ،‬وتقدمي املعىن الشرعيـ على العريف‪ ،‬والعريف على اللغوي يف خطاب الشارع‪ ،‬ومن غريه أرجحية ما يرجح به من التقدمي‬
‫بالتزكية باحلكم بشهادة الراوي على التزكية‬
‫بالعمل بروايته‪ ،‬وتقدمي من علم أنه عمل برواية نفسه على من علم أنه مل يعمل أو مل يعلم أنه عمل‪.‬‬

‫( ‪)1/163‬‬

‫الكتاب السابع يف االجتهاد‬


‫املراد عند اإلطالق أعين االجتهاد يف الفروع‪( .‬وما معه) من التقليد وأدب الفتيا وعلم الكالم املفتتح مبسألة التقليد يف أصول الدين‬
‫التصو ف‪( ،‬االجتهاد) لغة افتعال من اجلهد بالفتح والضم وهو الطاقة واملشقة واصطالحا‪( .‬استفراغ الفقيه‬‫املختتم مبا يناسبه من خامتة ّ‬
‫الظن باحلكم) أي من حيث إنه فقيه فال حاجة إىل قول ابن احلاجب شرعي‪،‬‬ ‫الوسع)‪ ،‬بأن يبذل متام طاقته يف نظره يف األدلة‪( .‬لتحصيل ّ‬
‫فخرجـ استفراغ غري الفقيه واستفراغ الفقيه لتحصيل قطع حبكم عقلي‪ ،‬والفقيه يف احلد مبعىن املتهىيء للفقه جمازا شائعا‪ ،‬ويكون مبا‬
‫حيصله فقيها حقيقة‪ ،‬ولذا قلت كاألصل‪( .‬واجملتهد الفقيه)‪ ،‬كما قالوا الفقيه اجملتهد ألن ما صدقهما واحد (وهو) أي اجملتهد أو الفقيه‬
‫الصادق به (البالغ)د ألن غريه مل يكمل عقله حىت يعترب قوله (العاقل)‪ ،‬ألن غريه ال متييز له يهتدى به ملا يقوله حىت يعترب (أي ذو ملكة)‬
‫أي هيئة راسخة يف النفس‪( .‬يدرك هبا املعلوم) أي ما من شأنه أن يعلم‪( .‬فالعقل) هو هذه (امللكة يف األصح)‪ .‬وقيل هو نفس العلمـ أي‬
‫اإلدراك ضروريا كان أو نطريا‪ ،‬وقيل هو العلم الضروري فقط‪ ،‬وبعضهم عرب ببعض العلوم الضرورية وهو األوىل‪ ،‬لئال يلزم أن من فقد‬
‫العلم مبدرك لعدم اإلدراك غري عاقل‪( .‬فقيه النفس) أي شديد الفهم بالطبع ملقاصد الكالم‪ ،‬ألن غريه ال يتأتى منه االستنباط املقصود‬
‫اجللي فيخرج بإنكاره‬ ‫باالجتهاد‪( .‬وإن أنكر القياس)‪ ،‬فال خيرج بإنكاره عن فقاهة النفس‪ ،‬وقيل خيرج فال يعترب قوله‪ ،‬وقيل ال خيرج إال ّ‬
‫لظهور مجوده‪( .‬العارف بالدليل العقلي)ـ أي الرباءة األصلية والتكليف به يف احلجية‪ ،‬كما مر أن استصحاب العدم األصلي حجة‬
‫فيتمسك به إىل أن يصرف عنه دليل شرعي (ذو الدرجة الوسطى عربية) من لغة وحنو‬
‫املطول أعانين اهلل على إكماهلا‪( .‬وأصوالً) للفقه‪.‬‬
‫وصرف ومعان وبيان‪ ،‬وإن كان أقسام العربية أكثر من ذلك كما بينتها يف حاشية ّ‬
‫(ومتعلقا لألحكام)‪ ،‬بفتح الالم أي ما تتعلق هي به بداللته عليها‪( .‬من كتاب وسنة وإن مل حيفظ) أي املتوسط يف هذه العلوم‪( .‬متنا‬
‫هلا)‪ .‬وذلك ليتأتى له االستنباط املقصود باالجتهاد‪ ،‬أما علمه بآيات األحكام وأخبارها أي مواقعها وإن مل حيفظها فألهنا املستنبط منه‪،‬‬
‫وأما علمه باألصل فألنه يعرف به كيفية االستنباط وغريها مما حيتاج إليه فيه‪ ،‬وأما علمه بالباقي فألنه ال يفهم املراد من املستنبط منه إال‬
‫به‪ ،‬ألنه عريب بليغ‪ ،‬وبالغ التقي السبكي فلم يكتف بالتوسط يف تلك العلوم حيث قال كما نقله األصل عنه اجملتهد من هذه العلوم‬
‫ملكة له‪ ،‬وأحاط مبعظم قواعد الشرع ومارسها حبيث اكتسب ّقو ة يفهم هبا مقصود الشارع‪( .‬ويعترب لالجتهاد) ال ليكون صفة‬
‫مر ال عربة به‪ ،‬وال يشرتط حفظ مواقعه‪ ،‬بل يكفي‬ ‫للمجتهد‪( ،‬كونه خبريا مبواقع اإلمجاع)‪ ،‬وإال فقد خيرقه مبخالفته وخرقه حرام كما ّ‬
‫أن يعرف أن ما استنبطه ليس خمالفا لإلمجاع بأن يعلم موافقته لعامل أو يظن أن واقعته حادثة مل يسبق فيها ألحد من العلماء كالم‪.‬‬
‫(والناسخ واملنسوخ) لتقدم األول على الثاين ألنه إذا مل يكن خبريا هبما قد يعكس‪( .‬وأسباب النزول)‪ ،‬إذ اخلربة هبا ترشد إىل فهم املراد‬
‫(واملتواتر واآلحاد)‪ ،‬لتقدم األول على الثاين‪ ،‬ألنه إذا مل يكن خبريا هبما قد يعكس‪ ،‬وتعبريي بذلك أوىل من قوله وشرط املتواتر‬
‫واآلحاد كما بينته يف احلاشية‪( .‬والصحيح وغريه) من حسن وضعيف ليقدم كالً من األولني على ما بعده‪ ،‬ألنه إذا مل يكن خبريا بذلك‬
‫قد يعكس‪( .‬وحال الرواة) يف القبول‪ ،‬والرد ليقدم كالً من األولني على ما بعده‪ ،‬ألنه ءذا مل يكن خبريا بذلك قد يعكس‪( .‬وحال‬
‫الرواة) يف اقبلو‪ ،‬والرد ليقدم املقبول على املردود مطلقا‪ ،‬واألكرب واألعلم من الصحابة على غريمها يف متعارضني‪ ،‬ألنه إذا مل يكن‬
‫خبريا بذلك قد يعكس‪( .‬ويكفي) يف اخلربة حبال الرواة (يف زمننا الرجوع ألئمة ذلك) من احملدثني كاإلمام أمحد والبخاري ومسلم‪،‬‬
‫فيعتمد عليهم يف التعديل والتجريح لتعذرمها يف زمننا إال بواسطة‪ ،‬وهم أوىل من غريهم‪ ،‬واملراد خبربته باملذكورات خربته هبا يف الواقعة‬
‫اجملتهد فيها ال يف مجيع الوقائع‪.‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/164‬‬

‫وال يعترب) ال يف االجتهاد وال يف اجملتهد (علم الكالم) إلمكان استنباط من جيزم بعقيدة اإلسالم تقليدا كما يعلم مما سيأيت‪( .‬و) ال‬
‫كن‬
‫واحلرية) جلواز أن يكون للنساء ّقوة االجتهاد وإن ّ‬ ‫(تفاريع الفقه)‪ ،‬ألهنا إمنا متكن بعد االجتهاد فكيف تعترب فيه‪( .‬و) ال (الذكورة ّ‬
‫ناقصات عقل‪ ،‬وكذا العبيد بأن ينظروا حال التفرغ من خدمة السادة‪( .‬وكذا العدالة) ال تعترب فيه (يف األصح)‪ ،‬جلواز أن يكون للفاسق‬
‫ّقو ة االجتهاد‪ ،‬وقيل يعترب ليعتمد على قوله وتعقب بأنه ال ختالف بني القولني إذ اعتبار العدالة العتماد‪ .‬قوله ال ينايف عدم اعتبارها‬
‫الجتهاده‪ ،‬إذ الفاسق يعمل باجتهاد نفسه‪ ،‬وإن مل يعتمد قوله اتفاقا‪ ،‬وجياب بأهنا اعتربت بالنسبة لغريه‪ ،‬أما املفيت فيعترب فيه العدالة ألنه‬
‫أخص فشرطه أغلظ‪( .‬وليبحث عن املعارض) كاملخصص واملقيد والناسخ‪ ،‬والقرينة الصارفة للفظ عن ظاهره ليسلم ما يستنبطه من‬
‫تطرق اخلدش إليه لو مل يبحث‪ ،‬وهذا أوىل ال واجب ليوافق ما مر من أنه يتمسك بالعام قبل البحث عن املخصص على األصح‪ ،‬ومن‬
‫أنه جيب اعتقاد الوجوب بصيغة افعل قبل البحث عما يصرفها عنه‪ .‬وزعم الزركشي ومن تبعه أنه واجب‪ ،‬وأنه ال خيالف ما مر‪ ،‬ألن‬
‫ذاك يف جواز التمسك بالظاهر اجملرد عن القرائن‪ ،‬والكالم هنا يف اشرتاط معرفة املعارض بعد ثبوته عنده بقرينه‪( .‬ودونه) أي دون‬
‫اجملتهد املتقدم وهو اجملتهد املطلق‪( ،‬جمتهد املذهب وهو املتمكن من ختريج الوجوه) اليت يبديها (على نصوص إمامه) يف املسائل‪،‬‬
‫(ودونه) أي دون جمتهد املذهب (جمتهد الفتيا وهو‬
‫املتبحر) يف مذهب إمامه‪( .‬املتمكن من ترجيح قول) له (على آخر)‪ ،‬أطلقهما‪( .‬واألصح جواز جتزى االجتهاد) بأن حيصل لبعض الناس‬
‫قوة االجتهاد (يف بعض األبواب)‪ ،‬كالفرائض بأن يعلم أدلته وينظر فيها‪ ،‬وقيل ميتنع الحتمال أن يكون فيما مل يعلمه من األدلة معارض‬
‫للنيب صلى اهلل عليه وسلّم‬
‫ورد بأن هذا االحتمال فيه بعيد‪( .‬و) األصح (جواز االجتهاد ّ‬ ‫ملا علمه خبالف من أحاط بالكل ونظر فيه ّ‬
‫لنيب أن يكون له أسرى حىت يثخن يف األرض}‪{ ،‬عفا اهلل عنك مل أذنت هلم} عوتب على استبقاء‬ ‫ووقوعه) لقوله تعاىل {ما كان ّ‬
‫أسرى بدر بالفداء‪ ،‬وعلى اإلذن ملن ظهر نفاقهم يف التخالف عن غزوة تبوك‪ ،‬والعتاب ال يكون فيما صدر عن وحي‪ ،‬فيكون عن‬
‫ورد بأن إنزال الوحي ليس يف قدرته‪ ،‬وقيل جائز له وواقع‬‫اجتهاد‪ ،‬وقيل غري جائز له لقدرته على اليقني بالتلقي من الوحي بأن ينتظره‪ّ ،‬‬
‫النبوة عن اخلطأ يف‬
‫يف اآلراء واحلروب دون غريمها مجعا بني األدلة السابقة (و) األصح (أن اجتهاده) هلل (ال خيطىء) تنزيها ملنصب ّ‬
‫مر يف اآليتني‪ ،‬وجياب بأن التنبيه فيهما ليس على خطأ بل على ترك األوىل إذ ذاك‪.‬‬ ‫االجتهاد‪ ،‬وقيل قد خيطىء لكن ينبه عليه سريعا ملا ّ‬
‫(و) األصح (أن االجتهاد جائز يف عصره) صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وقيل ال للقدرة على اليقني يف احلكم بتلقيه منه صلى اهلل عليه وسلّم‪،‬‬
‫ورد بأنه لو كان عنده وحي يف ذلك لبلغه للناس‪ ،‬وقيل جائز بإذنه‪ ،‬وقيل جائز للبعيد عنه دون القريب لسهولة مراجعته‪ ،‬وقيل جائز‬ ‫ّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬فيما وقع هلم خبالف غريهم (و)‬
‫للوالة حفظا ملنصبهم عن استنقاص الرعية هلم لو مل جيز هلم بأن يراجعوا ّ‬
‫األصح على اجلواز (أنه وقع)‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه وسلّم حكم سعد بن معاذ يف بين قريظة فقال تقتل مقاتلتهم وتسيب ذريتهم‪ ،‬فقال‬
‫صلى اهلل عليه وسلّم «لقد حكمت حبكم اهلل»‪ .‬رواه الشيخان‪ .‬وقيل مل يقع للحاضر يف قطره صلى اهلل عليه وسلّم خبالف غريه‪ ،‬وقيل‬
‫بالوقف عن القول‬
‫بالوقوع وعدمه‪.‬‬

‫( ‪)1/165‬‬

‫(مسألة املصيب) من املختلفني (يف العقلياتـ واحد)‪ ،‬وهو من صادف احلق فيها لتعينه يف الواقع كحدوث العامل ووجود الباري وصفاته‬
‫وبعثة الرسل (واملخطىء) فيها (آمث) إمجاعا‪ ،‬وألنه مل يصادف احلق فيها‪( ،‬بل كافر) أيضا‪( .‬إن نفى اإلسالم) كله أو بعضه كنايف بعثة‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬فالقول بأن كل جمتهد يف العقليات مصيب أو أن املخطىء غري آمث خارق لإلمجاع‪ ،‬والتصريرح باعتماد‬
‫تأثيم املخطىء يف غري نفي اإلسالم من زياديت‪( .‬واملصيب يف نقليات فيها قاطع) من نص أو إمجاع‪ ،‬واختلف فيها لعدم الوقوف عليه‪.‬‬
‫(واحد قطعا‪ ،‬وقيل على اخلالف اآليت) فيما ال قاطع فيها (واألصح أنه) أي املصيب يف النقليات‪( .‬وال قاطع) فيها (واحد) وقيل كل‬
‫جمتهد فيها مصيب‪( .‬و) األصح (أن هلل فيها حكما معينا قيل االجتهاد)‪ .‬وقيل حكم اهلل تعاىل تابع لظن اجملتهد فيما ظنه فيها من‬
‫احلكم‪ ،‬فهو حكم اهلل يف حقه وحق مقلده‪ ،‬وقيل فيها شيء لو حكم اهلل فيها مل حيكم إال بذلك الشيء‪ ،‬قيل وهذا حكم على الغيب‬
‫ورمبا عرب عن هذا إذا مل يصادف اجملتهد ذلك الشيء بأنه أصاب فيه اجتهادا وابتداء وأخطأ فيه حكما وانتهاء‪( .‬و) األصح (أن عليه)‬
‫أي احلكم (أمارة) أي دليالً ظنيا‪ ،‬وقيل عليه دليل قطعي‪ ،‬وقيل ال وال بل هو كدفني يصادفه من شاءه اهلل‪( .‬و) األصح (أنه) أي اجملتهد‬
‫(مكلف بإصابته) أي احلكم إلمكاهنا وقيل ال لغموضه (وأن املخطىء) يف النقليات بقسميها (ال يأمث بل يؤجر)‪ ،‬لبذله وسعه يف طلبه‪،‬‬
‫وقيل يأمث لعدم إصابته املكلف هبا‪ ،‬وذكر األجر يف القسم األول من زياديت ويدل لذلك يف القسمني خرب «إذا اجتهد احلاكم فأصاب‬
‫فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد»‪( ،‬ومىت قصر جمتهد) يف اجتهاده (أمث) لتقصريه برتكه الواجب عليه من بذله وسعه فيه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/166‬‬

‫(مسألة ال ينقض احلكم يف االجتهاديات) ال من احلاكم به وال من غريه‪ ،‬إذ لو جاز نقضه جلاز نقض النقض وهلم‪ ،‬فيفوت مصلحة‬
‫نصب احلاكم من فصل اخلصومات‪( .‬فإن خالف) احلكم (نصا أو إمجاعا أو قياسا جليا) نقض ملخالفته الدليل املذكور‪( .‬أو حكم)‬
‫حاكم (خبالف اجتهاده)‪ ،‬بأن قلد غريه نقض ملخالفته اجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه‪( ،‬أو) حكم حاكم (خبالف نص إمامه‬
‫ومل يقلد غريه) من األئمة‪( .‬أو) قلده و(مل جيز) ملقلد إمام تقليد غريه‪ ،‬وسيأيت بيان ذلك (نقض) حكمه ملخالفته نص إمامه الذي هو يف‬
‫حقه اللتزامه تقليده كالدليل يف حق اجملتهد‪ ،‬فإن قلد يف حكمه غري إمامه وجاز له تقليده مل ينقض حكمه‪ ،‬ألنه لعدالته إمنا حكم به‬
‫ويل) باجتهاد منه أو‬
‫لرجحانه عنده ونقض احلكم جماز عن إظهار بطالنه‪ ،‬إذ ال حكم يف احلقيقة حىت ينقض‪( .‬ولو نكح) امرأة (بغري ّ‬
‫من مقلده يصحح نكاحه (مث تغري اجتهاده أو اجتهاد مقلده) إىل بطالنه‪( .‬فاألصح حترميها) عليه لظنه أو ظن إمامه حينئذ البطالن‪ ،‬وقيل‬
‫ويرد بأنه ميتنع إذا نقض من أصله وليس مرادا هنا‪.‬‬
‫يؤدي إىل نقض احلكم باالجتهاد وهو ممتنع‪ّ ،‬‬ ‫ال حترم إذا حكم حاكم بالصحة لئال ّ‬
‫(ليكف) عن العمل إن مل يكن عمل (وال ينقض معموله) إن عمل‬ ‫ّ‬ ‫(ومن تغري يف اجتهاده) بعد إفتائه (أعلم) وجوبا (املستفىت) بتغريه‬
‫مر ‪( ،‬وال يضمن) اجملتهد (املتلف) بإفتائه بإتالفه (إن تغري) اجتهاده إىل عدم إتالفه (ال لقاطع)‪ ،‬ألنه‬
‫ألن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد ملا ّ‬
‫معذور خبالف ماذا تغري لقاطع كنص قاطع فإنه ينقض معموله ويضمن متلفه املفيت لتقصريه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/167‬‬

‫نيب‪( .‬احكم مبا تشاء) يف الوقائع من غري دليل‪( ،‬فهو حق)‬ ‫(لنيب أو عامل) على لسان ّ‬
‫(مسألة املختار أنه جيوز أن يقال) من قبل اهلل تعاىل ّ‬
‫أي موافق حلكمي بأن يلهمه إياه‪ ،‬إذ ال مانع من هذا اجلواز‪( .‬ويكون) أي هذا القول (مدركا شرعيا ويسمى التفويض) لداللته عليه‪،‬‬
‫للنيب دون العامل ألن رتبته ال تبلغ أن يقال له ذلك واملختار بعد جوازه‪( .‬أنه مل يقع)‪ .‬وقيل وقع‬ ‫وقيل ال جيوز ذلك مطلقا‪ .‬وقيل جيوز ّ‬
‫صالة»‪ .‬أي ألوجبته عليهم قلنا هذا ال يدل على املدعى جلواز أن‬ ‫خلرب الصحيحني «لوال أن أشق على أميت ألمرهُت م بالسواك عند كال ٍ‬
‫ّ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬
‫يكون خري فيه أي خري يف إجياب السواك وعدمه أو يكون ذلك املقول بوحي ال من تلقاء نفسه‪( .‬وأنه جيوز تعليق األمر باختيار‬
‫املأمور)‪ .‬حنو افعل كذا إن شئت أي فعله‪ ،‬وقيل ال جيوز ملا بني طلب الفعلـ والتخيري فيه من التنايف‪ .‬قلنا ال تنايف إذ التخيري قرينة على‬
‫أن الطلب غري جازم والرتجيح يف هذا من زياديت‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/168‬‬
‫(مسألة التقليد أخذ قول الغري) مبعىن الرأي واالعتقاد الدال عليهما القول اللفظيـ أو الفعل أو التقرير (من غري معرفة دليله) فخرج أخذ‬
‫قول ال خيتص بالغري كاملعلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬وأخذ قول الغري مع معرفة دليله‪ ،‬فليس بتقليد بل هو اجتهاد وافق اجتهاد القائل‪،‬‬
‫ألن معرفة الدليل من الوجه الذي باعتباره يفيد احلكم ال يكون إال للمجتهد‪ ،‬وعرف ابن احلاجب وغريه التقليد بالعمل بقول الغري من‬
‫غري حجة‪ ،‬وقد بينت التفاوت بني التعريفني يف احلاشية‪ ،‬ومع ذلك فال مشاحة يف االصطالح‪( .‬ويلزم غري اجملتهد) املطلق عاميا كان أو‬
‫غريه‪ ،‬أي يلزمه بقيد زدته بقويل (يف غري العقائد) التقليد للمجتهد (يف األصح) آلية {فاسألوا أهل الذكر}‪ ،‬وقيل يلزمه بشرط أن يتبني‬
‫له صحة اجتهاد اجملتهد بأن يتبني له مستنده ليسلم من لزوم اتباعه يف اخلطأ اجلائز عليه‪ ،‬وقيل ال جيوز يف القواطع‪ ،‬وقيل ال جيوز للعامل‬
‫أن يقلد ألن له صالحية أخذ احلكم من الدليل خبالف العامي‪ ،‬أما التقليد يف العقائد فيمتنع على املختار‪ ،‬وإن صح مع اجلزم كما‬
‫سيأيت‪ ،‬وقضية كالم األصل هنا لزومه فيها أيضا‪( .‬وحيرم) أي التقليد (على ظا ّن احلكم باجتهاده) ملخالفته به وجوب اتباع اجتهاده‬
‫(وكذا) حيرم (على اجملتهد) أي من هو بصفات االجتهاد التقليد فيما يقع له‪( .‬يف األصح) لتمكنه من االجتهاد فيه الذي هو أصل‬
‫للتقليد‪ ،‬وال جيوز العدول عن األصل املمكن إىل بدله كما يف الوضوء والتيمم‪ ،‬وقيل جيوز له التقليد فيه لعدم علمه به اآلن‪ ،‬وقيل جيوز‬
‫للقاضي حلاجته إىل فصل اخلصومة املطلوب جنازه خبالف غريه‪ ،‬وقيل جيوز تقليد من هو أعلم منه‪ ،‬وقيل جيوز عند ضيق الوقت ملا‬
‫يسأل عنه‪ ،‬وقيل جيوز له فيما خيصه دون ما يفيت به غريه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/169‬‬

‫( مسألة األصح أنه لو تكررت واقعة جملتهد مل يذكر الدليل) األول (وجب جتديد النظر)‪ ،‬سواء أجتدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه‬
‫باألو ل من غري نظر لكان أخذا بشيء من غري دليل يدل له والدليل األول لعدم تذكره ال ثقة ببقاء الظن منه‪،‬‬ ‫فيها أم ال‪ ،‬إذ لو أخذ ّ‬
‫وقيل ال جيب جتديده بناء على قوة الظن السابق‪ ،‬فيعمل به ألن األصل عدم رجحان غريه أما إذا كان ذاكرا للدليل‪ ،‬فال جيب جتديد‬
‫النظر‪ ،‬إذ ال حاجة إليه‪( ،‬أو) أي واألصح أنه لو تكررت واقعة (لعامي استفىت عاملا) فيها (وجب إعادة االستفتاء)‪ ،‬ملن أفاد (ولو كان)‬
‫العامل (مقلد ميت) بناء على جواز تقليد امليت وإفتاء املقلد كما سيأيت‪ ،‬إذ لو أخد جبواب السؤال األول من غري إعادة لكان أخذا‬
‫بشيء من غري دليل‪ ،‬وهو يف حقه قول املفيت‪ ،‬وقوله األول ال ثقة ببقائه عليه الحتمال خمالفته له باطالعه على ما خيالفه من دليل إن‬
‫كان جمتهدا‪ ،‬ونص إلمامه إن كان مقلدا‪ ،‬وقيل ال جيب وذكر اخلالف يف الصورتني من زياديت‪ ،‬وقول األصل يف الشق األول من األوىل‬
‫قطعا أي عند أصحابنا ال عند األصوليني‪ ،‬وحمل اخلالف يف الثانية إذا عرف أن اجلواب عن رأي أو قياس أو شك‪ ،‬واملفيت حي‪ ،‬فإن‬
‫عرف أنه عن نص أو إمجاع‪ ،‬أو مات املفيت فال حاجة للسؤال ثانيا كما جزم به الرافعي والنووي‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/170‬‬

‫(مسألة املختار جواز تقليد املفضول) من اجملتهدين (ملعتقده غري مفضول)‪ ،‬بأن اعتقده أفضل من غريه أو مساويا له‪ ،‬خبالف من اعتقده‬
‫مفضوالً عمالً باعتقاده ومجعا بني الدليلني اآلتيني‪ ،‬وقيل جيوز مطلقا‪ .‬ورجحه ابن احلاجب لوقوعه يف زمن الصحابة وغريهم مشتهرا‬
‫متكررا من غري إنكار‪ ،‬وقيل ال جيوز مطلقا‪ ،‬ألن أقوال اجملتهدين يف حق املقلد كاألدلة يف حق اجملتهد‪ ،‬فكما جيب األخذ بالراجح من‬
‫األدلة جيب األخذ بالراجح من األقوال‪ ،‬والراجح منها قول الفاضل‪ ،‬وإذا جاز تقليد املفضول ملن ذكر‪( .‬فال جيب البحث عن األرجح)‬
‫من اجملتهدين لعدم تعينه خبالف من مل جيوز مطلقا ومبا ذكر علم ما صرح به األصل من أن العامي إذا اعتقد رجحان واحد منهم تعني‬
‫ألن يقلده وإن كان مرجوحا يف الواقع عمالً باعتقاده (و) املختار (أن الراجح علما) يف االعتقاد (فوق الراجح ورعا) فيه‪ ،‬ألن لزيادة‬
‫العلم تأثريا يف االجتهاد خبالف زيادة الورع‪ ،‬وقيل العكس‪ ،‬ألن لزيادة الورع تأثريا يف التثبت يف االجتهاد وغريه خبالف زيادة العلم‪،‬‬
‫وحيتمل التساوي ألن لكل مرجحا‪( .‬و) املختار جواز (تقليد امليت) لبقاء قوله‪ ،‬كما قال الشافعي رضي اهلل عنه املذاهب ال متوت‬
‫مبوت أرباهبا‪ ،‬وقيل ال جيوز ألنه ال بقاء لقول امليت بدليل انعقاد اإلمجاع بعد موت املخالف‪ ،‬وعورض حبجية اإلمجاع بعد موت‬
‫اجملمعني‪ ،‬وقيل جيوز أن فقد احلي للحاجة خبالف ما إذا مل يفقد‪( .‬و)املختار جواز (استفتاء من عرفت أهليته) لالفتاء باشتهاره بالعلم‬
‫والعدالة (أو ظنت) بانتصابه والناس مستفتون له‪( .‬ولو) كان (قاضيا)‪ ،‬وقيل القاضي ال يفيت يف املعامالت لالستغناء بقضائه فيها عن‬
‫االفتاء‪( .‬فإن جهلت) أهليته علما أو عدالة‪( .‬فاملختار االكتفاء باستفاضة علمه وبظهور عدالته)‪ .‬وقيل جيب البحث عنهما بأن يسأل‬
‫الناس عنهما وعليه‪ ،‬فاألصح االكتفاء خبرب الواحد عنهما‪ ،‬وقيل ال بد من اثنني وما اخرتته من االكتفاء باستفاضة علمه هو ما نقله يف‬
‫الروضة عن األصحاب خالف ما صححه األصل من وجوب البحث عنه‪( .‬وللعامي سؤاله) أي املفيت (عن مأخذه)‪ ،‬فيما أفتاه به‬
‫(اسرتشادا) أي طلبا إلرشاد نفسه بأن يذعن للقبول ببيان املأخذ ال تعنتا‪( .‬مث عليه) أي املفيت ندبا ال وجوبا (بيانه) أي املأخذ لسائله‬
‫املذكور حتصيالً إلرشاده (إن مل خيف) عليه‪ ،‬فإن خفي عليه حبيث يقصر فهمه عنه‪ ،‬فال يبينه له صونا لنفسه عن التعب فيما ال يفيد‬
‫ويعتذر له خبفاء ذلك عليه‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/171‬‬

‫( مسألة األصح أنه جيوز ملقلد قادر على الرتجيح) وهو جمتهد الفتوى‪( .‬اإلفتاء مبذهب إمامه) مطلقا لوقوع ذلك يف األعصار متكررا‬
‫شائعا من غري إنكار خبالف غريه فقد أنكر عليه‪ ،‬وقيل ال جيوز له النتفاء وصف االجتهاد املطلقـ والتمكن من ختريج الوجوه على‬
‫نصوص إمامه عنه‪ ،‬وقيل جيوز له عند عدم اجملتهد املطلق واملتمكن مما ذكر للحاجة إليه‪ ،‬خبالف ما إذا وجدا أو أحدمها‪ ،‬وقيل جيوز‬
‫للمقلد‪،‬ـ وإن مل يكن قادرا على الرتجيح ألنه ناقل ملا يفىت به عن إمامه‪ ،‬وإن مل يصرح بنقله عنه وهذا هو الواقع يف األعصار املتأخرة‪،‬‬
‫أما القادر على التخريج وهو جمتهد املذهب فيجوز له اإلفتاء قطعا‪ ،‬كما ذكره الزركشي والربماوي وغريمها تبعا للمصنف يف شرح‬
‫املختصر وهو املتجه خالفا ملا اقتضاه كالم اآلمدي‪ ،‬من أن اخلالف يف جمتهد املذهب‪ ،‬إذ قضية ذلك عدم جواز االفتاء جملتهد الفتوى‬
‫خلو الزمان عن جمتهد)‪ ،‬بأن ال يبقى فيه جمتهد وقيل ال جيوز‬
‫وهو بعيد جدا خمالف ملا أفاده النووي يف جمموعه‪( .‬و) األصح (أنه جيوز ّ‬
‫مطلقا‪ ،‬وقيل جيوز أن تداعى الزمان بتزلزل القواعد بأن أتت أشراط الساعة الكربى كطلوع الشمس من مغرهبا‪( .‬و) األصح بعد‬
‫جوازه (أنه يقع) خلرب الصحيحني «إن اهلل ال يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حىت إذا مل يبق عامل‬
‫اختذ الناس رؤساء جهاالً فسئلوا فأفتوا بغري علم فضلوا وأضلوا»‪ .‬ويف خرب مسلمـ «إن بني يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها‬
‫اجلهل» وحنوه‪ ،‬خرب البخاري إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم أي يقبض أهله ويثبت اجلهل‪ ،‬وقيل ال يقع خلرب الصحيحني أيضا‬
‫بطرق «ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق حىت يأيت أمر اهلل أي الساعة كما صرح هبا يف بعض الطرق قال البخاري وهم أهل‬
‫العلم‪ .‬وأجيب بأن املراد بالساعة يف هذا ما قرب منها مجعا بني األدلة‪ ،‬والرتجيح من زياديت‪ ،‬وعبارة األصل واملختار مل يثبت وقوعه‬
‫مرتدد بني‬
‫وهو ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/172‬‬

‫الوقوع وعدمه‪.‬‬
‫( و) األصح (أنه لو أفىت جمتهد عاميا يف حادثة فله الرجوع عنه فيها إن مل يعمل) بقوله يها‪( .‬ومث مقت آخر)‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به‬
‫مبجرد االفتاء فليه له الرجوع إىل غريه‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به بالشروع يف العمل به‪ ،‬خبالف ما إذا مل يشرع‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به إن‬
‫التزمه‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به إن وقع يف نفسه صحته وخرج بقويل فيها غريها فله الرجوع عنه فيه مطلقا‪ ،‬وقيل ال‪ ،‬ألنه بسؤال اجملتهد‬
‫وقبول قوله التزم مذهبه‪ ،‬وقيل جيوز يف عصر الصحابة والتابعني ال يف العصر الذي استقرت فيه املذاهب‪ ،‬وبقويل إن مل يعمل ما إذا‬
‫عمل فليس له الرجوع جزما‪ ،‬وبقويل ومث مفت آخر ما لو مل يكن مث مفت آخر فليس له الرجوع والتصريح يف هذه بالرتجيح بقيده‬
‫األخري من زياديت‪( .‬و) األصح (أنه يلزم املقلد) عاميا كان أو غريه‪( .‬التزام مذهب معني) من مذاهب اجملتهدين‪( .‬ويعتقده أرجح) من‬
‫غريه (أو مساويا) له‪ ،‬وإن كان يف الواقع مرجوحا على املختار السابق‪( .‬و) لكن (األوىل) يف املساوي (السعي يف اعتقاده أرجح)‬
‫ليحسن اختياره على غريه‪ ،‬وقيل ال يلزمه التزامه فله أن يأخذ فيما يقع له مبا شاء من املذاهب‪ ،‬قال النووي هذا كالم األصحاب‬
‫والذي يقتضيه الدليل القول بالثاين‪( .‬و) األصح بعد لزوم التزام مذهبـ معني للمقلدـ (أن له اخلروج عنه)‪ ،‬فيما مل يعمل به ألن التزام ما‬
‫ال يلزم غري ملزم‪ .‬وقيل ال جيوز ألنه التزمه وإن مل يلزم التزامه‪ ،‬وقيل ال جيوز يف بعض املسائل‪ ،‬وجيوز يف بعض توسطا بني القولني‪،‬‬
‫والرتجيح يف هذه من زياديت‪( .‬و) األصح (أنه ميتنع تتبع الرخص) يف املذاهب‪ ،‬بأن يأخذ من كل منها األهون فيما يقع من املسائل‬
‫سواء امللتزم وغريه‪ ،‬ويؤخذ منه تقييد اجلواز السابق فيهما مبا مل يؤد إىل تتبع الرخص‪ ،‬وقيل جيوز بناء على أنه ال يلزم التزام مذهب‬
‫معني‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/173‬‬

‫( مسألة) تتعلق بأصول الدين (املختار) قول الكثري (إنه ميتنع التقليد يف أصول الدين) أي مسائل االعتقاد كحدوث العامل ووجود‬
‫الباري‪ ،‬وما جيب له وميتنع عليه وغري ذلك مما سيأيت‪ ،‬فيجب النظر فيه ألن املطلوب فيه اليقني‪ .‬قال تعاىل لنبيه {فاعلم أنه ال إله إال‬
‫اهلل} وقد علم ذلك‪ .‬وقال للناس {واتبعوه لعلكم هتتدون} ويقاس بالوحدانية غريها‪ ،‬وقيل جيوز وال جيب النظر اكتفاء بالعقد اجلازم‬
‫ألنه صلى اهلل عليه وسلّم كان يكتفي يف اإلميان من األعراب وليسوا أهالً للنظر بالتلفظ بكلميت الشهادة املنىبء عن العقد اجلازم ويقاس‬
‫باإلميان غريه‪ ،‬وقيل ال جيوز فيحرم النظر فيه‪ ،‬ألنه مظنة الوقوع يف الشبه والضالل الختالف األذهان واألنظار‪ ،‬ودليال الثاين والثالث‬
‫مدفوعان بأنا ال نسلم أن األعراب ليسوا أهالً للنظر‪ ،‬وال أن النظر مظنة للوقوع يف الشبه والضالل‪ ،‬إذ املعترب النظر على طريق العامة‬
‫كما أجاب األعرايب األصمعي عن سؤاله مب عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعري‪ ،‬وأثر األقدام على املسري‪ ،‬فسماء ذات أبراج‬
‫وأرض ذات فجاج وحبر ذو أمواج أال تدل على اللطيف اخلبري؟ وال يذعن أحد منهم أو من غريهم لإلميان إال بعد أن ينظر فيهتدى له‪.‬‬
‫أما النظر على طريق املتكلمني من حترير األدلة وتدقيقها ودفع الشكوك والشبه عنها‪ ،‬ففرض كفاية يف حق املتأهلني له يكفي قيام‬
‫بعضهم هبا أما غريهم ممن خيشى عليه من اخلوض فيه الوقوع يف الشبه والضالل فليس له اخلوض فيه‪ ،‬وهذا حممل هني الشافعي وغريه‬
‫من السلف عن االشتغال بعلم الكالم‪ ،‬وهو العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقينية‪ ،‬والرتجيح من زياديت‪ ،‬بل قضية كالمه يف مسألة‬
‫التقليد ترجيح لزومه هنا‪ ،‬مث حمل اخلالف يف وجوب النظر يف غري معرفة اهلل تعاىل أما النظر فيها فواجب إمجاعا‪.‬‬
‫فيصح إميان املقلد‪ ،‬وقيل ال‬
‫كل من األقوال‪ ،‬وإن أمث برتك النظر على األول ّ‬ ‫(و) املختار أنه (يصح) التقليد يف ذلك (جبزم) أي معه على ّ‬
‫يصح بل ال ب ّد لصحة اإلميان من النظر أما التقليد بال جزم بأن كان مع احتمال شك أو وهم‪ ،‬فال يصح قطعا إذ ال إميان مع أدىن تردد‬ ‫ّ‬
‫فيه وعلى صحة التقليد اجلازم فيما ذكر (فليجزم) أي املكلف (عقده بأن العامل) وهو ما سوى اهلل تعاىل‪( .‬حادث)‪ ،‬ألنه متغري أي‬
‫يعرض له التغري كما يشاهد وكل متغري حادث (وله حمدث) ضرورة أن احلادث ال ب ّد له من حمدث (وهو اهلل) أي الذات الواجب‬
‫الوجود ألن مبدىء املمكنات ال ب ّد أن يكون واجبا‪ ،‬إذ لو كان ممكنا لكان من مجلة املمكنات فلم يكن مبدئا هلا‪( .‬الواحد)‪ ،‬إذ لو‬
‫جاز كونه اثنني جلاز أن يريد أحدمها شيئا‪ ،‬واآلخر ض ّده الذي ال ض ّد له غريه كحركة زيد وسكوته فيمتنع وقوع املرادين وعدم‬
‫وقوعهما المتناع ارتفاع الض ّد ين املذكورين واجتماعهما‪ ،‬فتعني وقوع أحدمها فيكون مريده هو اإلله دون اآلخر لعجزه‪ ،‬فال يكون‬
‫اإلله إال واحدا‪( .‬والواحد) الشيء (الذي ال ينقسم) بوجه (أو ال يشبه) بفتح الباء املش ّددة أي به وال بغريه أي ال يكون بينه وبني غري‬
‫شبه‪( .‬بوجه) وهذان التفسريان معنامها موجود فيه تعاىل فتعبريي بأو أوىل من تعبريه بالواو إليهامه أهنما تفسري واحد‪ ،‬وموافق لقول‬
‫إمام احلرمني يف اإلرشاد الواحد معناه املتوحد املتعايل عن االنقسام‪ ،‬وقيل معناه الذي ال مثل له فأفاد كالمه أهنما تفسريان ال تفسري‬
‫واحد وإن تالزم معنامها هنا‪( .‬واهلل تعاىل قدمي) أي ال ابتداء لوجوده‪ ،‬إذ لو كان حادثا الحتاج إىل حمدث واحتاج حمدثه إىل حمدث‬
‫وتسلسلـ والتسلسلـ حمال‪ ،‬فاحلدوث املستلزم له حمال‪( .‬حقيقته) تعاىل (خمالفة لسائر احلقائق‪ .‬قال احملققون ليست معلومة اآلن) أي يف‬
‫الدنيا للناس وقال كثري إهنا معلومة هلم اآلن ألهنم مكلفون بالعلم بوحدانيته وهو متوقف على العلم حبقيقته‪ .‬قلنا ال نسلم أنه متوقف‬
‫على‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/174‬‬

‫العلم به باحلقيقة‪ ،‬وإمنا يتوقف على العلم به بوجه وهو بصفاته‪ ،‬كما أجاب موسى عليه الصالة والسالم فرعون السائل عنه تعاىل كما‬
‫قص علينا ذلك بقوله تعاىل {قال فرعون وما رب العاملني} اخل‪( .‬واملختار وال ممكنة) علما (يف اآلخرة) ألن علمها يقتضي اإلحاطة به‬
‫تعاىل وهي ممتنعة‪ ،‬وقيل ممكنة العلم فيها حلصول الرؤية فيها كما سيأيت‪ .‬قلنا الرؤية ال تفيد احلقيقة والرتجيح من زياديت‪( .‬ليس جبسم‬
‫وال جوهر وال عرض)‪ ،‬ألنه تعاىل منزه عن احلدوث وهذه الثالثة حادثة ألهنا أقسام العامل ألنه إما قائم بنفسه أو بغريه‪ ،‬والثاين العرض‬
‫األول ويسمى بالعني‪ ،‬وهو حمل الثاين املقوم له إما مركب وهو اجلسم أو غري مركب وهو اجلوهر وقد يقيد بالفرد‪( .‬مل يزل وحده وال‬
‫منز ه عنهما (مث أحدث هذا العامل)‪ .‬املشاهد من السموات واألرض مبا فيها (بال احتياج) إليه‬ ‫مكان وال زمان) أي موجود قبلهما فهو ّ‬
‫(ولو شاء ما أحدثه) فهو فاعل باالختيار ال بالذات (مل حيدث به) أي بإحداثه (يف ذاته حادث)‪ ،‬فليس كغريه حمالً للحوادثـ وهو كما‬
‫قال يف كتابه العزيز (فعال ملا يريد‪ ،‬ليس كمثله شيء) وهو السميع البصري‪( .‬القدر) وهو هنا ما يقع من العبد مما ق ّدر يف األزل (خريه‬
‫وشره) كائن (منه) تعاىل خبلقه وإرادته‪( ،‬علمه شامل لكل معلوم) أي ما من شأنه أن يعلم ممكنا كان أو ممتنعا جزئيا أو كليا‪ .‬قال تعاىل‬
‫(لكل مقدور) أي ما من شأنه أن يقدر عليه‪ ،‬وهو املمكن خبالف املمتنع والواجب (ما علم‬ ‫{أحاط بكل شيء علما} (وقدرته) شاملة ّ‬
‫أنه يوجد أراده) أي أراد وجوده (وما ال) أي وما علم أنه ال يوجد‪( ،‬فال) يريد وجوده فاإلرادة تابعة للعلم (بقاؤه) تعاىل (غري متناه)‬
‫أي ال آخر له (مل يزل) تعاىل موجودا (بأمسائه) أي مبعانيها‪ ،‬وهي هنا ما دل على الذات باعتبار صفة كالعامل واخلالق‪( .‬وصفات ذاته)‬
‫وهي (ما دل عليها فعله)‪ .‬لتوقفه عليها (من قدرة) وهي صفة تؤثر يف الشيء عند تعلقها به‪( .‬وعلم) وهو صفة‬
‫أزلية تتعلق بالشيء على وجه اإلحاطة به على ما هو عليه‪( .‬وحياة) وهي صفة تقتضي صحة العلم ملوصوفها‪( ،‬وإرادة) وهي صفة‬
‫ختصص أحد طريف الشيء من الفعل والرتك بالوقوع‪( .‬أو) ما دل عليها (تنزيهه) تعاىل (عن النقص من مسع وبصر) ومها صفتان أزليتان‬
‫قائمتان بذاته تعاىل زائدتان على العلم ليستا كسمع اخللق وبصرهم‪( ،‬وكالم) وهو صفة يعرب عنها بالنظم املعروف املسمى بكالم اهلل‬
‫أيضا‪ ،‬ويسميان بالقرآن أيضا‪( .‬وبقاء) وهو استمرار الوجود أما صفات األفعال كاخللق والرزق واإلحياء واإلماتة‪ ،‬فليستـ أزلية خالفا‬
‫ملتأخري احلنفية‪ ،‬بل هي حادثة ألهنا إضافات تعرض للقدرة وهي تعلقاهتا بوجودات املقدورات ألوقات وجوداهتا‪ ،‬وال حمذور يف‬
‫اتصاف الباري تعاىل باإلضافات‪ ،‬ككونه قبل العامل ومعه وبعده وأزلية أمسائه الراجعة إىل صفات األفعالـ كما مر يف مجلة األمساء من‬
‫حيث رجوعتها إىل القدرة ال الفعل‪ ،‬فاخلالق مثالً من شأنه اخللق أي هو الذي بالصفة اليت هبا يصح اخللق وهو القدرة كما يقال‬
‫السيف يف الغمد قاطع أي هو بالصفة اليت هبا حيصل القطع عند مالقاته احملل‪ ،‬فإن أريد باخلالق من صدر منه اخللق فليس صدوره أزليا‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/175‬‬

‫وما صح يف الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر معناه وننزه اهلل عند مساع مشكله) كما يف قوله تعاىل {الرمحن على العرش‬
‫استوى}‪{ ،‬ويبقى وجه ربك}‪{ .‬يد اهلل فوق أيديهم}‪ .‬وقوله صلى اهلل عليه وسلّم «إن قلوب بين آدم كلها بني أصبعني من أصابع‬
‫(منزهني له)‬
‫نفوض) معناه املراد إليه تعاىل‪ّ .‬‬
‫أنؤول) املشكل (أم ّ‬‫الرمحن كقلبـ واحد يصرفه كيف شاء»‪ .‬رواه مسلم‪( .‬مث اختلف أئمتنا ّ‬
‫عن ظاهره‪( ،‬مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله ال يقدح) يف اعتقادنا املراد منه جممالً‪ ،‬والتفويض مذهبـ السلف وهو أسلم‪ ،‬والتأويل‬
‫فيؤول يف اآليات‬
‫مذهب اخللف وهو أعلم أي أحوج إىل مزيد علم‪ ،‬وكثريا ما يقال بدل أعلم أحكم أي أكثر إحكاما أي إتقانا ّ‬
‫االستواء باالستيالء والوجه بالذات واليد بالقدرة‪ ،‬واحلديث من باب التمثيل املذكور يف علم البيان حنو أراك تق ّدم رجالً وتؤخر‬
‫للمرتد د يف أمر تشبيها له مبن يفعل ذلك إلقدامه وإحجامه‪ ،‬فاملراد منه والظرف فبه خري كاجلار واجملرور أن قلوب العباد‬
‫ّ‬ ‫أخرى‪ ،‬يقال‬
‫كلها بالنسبة إىل قدرته تعاىل شيء يسري يصرفه كيف شاء‪ ،‬كما يقلب الواحد من عباده اليسري بني أصبعني من أصابعه‪( .‬القرآن‬
‫النفسي) أي القائم بالنفس (غري خملوق) وهو مع ذلك أيضا (مكتوب يف مصاحفنا)‪ ،‬بأشكال الكتابة وصور احلروف الدالة عليه‬
‫يصح‬
‫(حمفوظ يف صدورنا) بألفاظه املخيلة‪( .‬مقروء بألسنتنا) حبروفه امللفوظة املسموعة (على احلقيقة) ال اجملاز يف األوصاف الثالثة أي ّ‬
‫أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب حمفوظ مقروء واتصافه هبذه الثالثة‪ ،‬وبأنه غري خملوق أي موجود أزالً وأبدا اتصاف له باعتبار‬
‫لكل موجود وجودا يف اخلارج‪ ،‬ووجودا يف الذهن‪ ،‬ووجودا يف العبارة‪ ،‬ووجودا يف الكتابة فهي تدل‬ ‫وجودات املوجود األربعة‪ ،‬فإن ّ‬
‫على العبارة وهي على ما يف الذهن وهو على ما يف اخلارج‪ ،‬وخرج بالنفسي اللساين فتعبريي به أوىل من تعبريه بالكالم‪ ،‬ألنه كالقرآن‬
‫مشرتك بني النفسي واللساين‪ ،‬فال خيرج‬
‫اللساين‪( .‬يثيب) اهلل تعاىل عباده املكلفني (على الطاعة) فضالً (ويعاقبـ)ـهم (إال أن يعفو يغفر غري الشرك على املعصية) عدالً الخباره‬
‫بذلك قال تعاىل {فأما من طغى* وآثر احلياة الدنيا* فإن اجلحيم هي املأوي* وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى* فإن اجلنة‬
‫هي املأوي}‪{ .‬إ ّن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء} (وله) تعاىل (إثابة العاصي وتعذيب املطيع وإيالم الدواب‬
‫واألطفال) ألهنم ملكه يتصرف‬
‫مر ومل يرد إيالم األخريين يف غري قود واألصل عدمه‬ ‫فيهم كيف يشاء لكن ال يقع منه ذلك إلخباره بإثابة املطيع وتعذيب العاصي كما ّ‬
‫«لتؤد ّن احلقوق إىل أهلها يوم القيامة حىت يقاد للشاة اجللحاء من الشاة القرناء»‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫أما يف القود فقال صلى اهلل عليه وسلّم ّ‬
‫الذرة»‪ .‬رواه اإلمام أمحد بسند صحيح‪ ،‬وقضية اخلربين‬ ‫للذرة من ّ‬
‫«يقتص للخلقـ بعضهم من بعض حىت للجماء من القرناء وحىت ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقال‬
‫أن ال يتوقف القود يوم القيامة على التكليف‪ ،‬فيقع اإليالم بالقود يف األخريين‪( .‬ويستحيل وصفه) تعاىل (بالظلم) ألنه مالك األمور‬
‫على اإلطالق يفعل ما يشاء فال ظلم يف التعذيب‪ ،‬واإليالم املذكورين لو فرض وقوعهما (يراه) تعاىل (املؤمنون يف اآلخرة) قبل دخول‬
‫اجلنة وبعده‪ ،‬كما ثبت يف أخبار الصحيحني املوافقة لقوله تعاىل وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة} واملخصصة لقوله تعاىل {ال تدركه‬
‫األبصار} أي ال تراه منها خرب أيب هريرة «أن الناس قالوا يا رسول اهلل هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم‬
‫تضارون‬
‫تضار ون يف القمر ليلة البدر‪ .‬قالوا ال يا رسول اهلل‪ .‬قال فإنكم ترونه كذلك اخل»‪ .‬وفيه أن ذلك قبل دخول اجلنة‪ ،‬وقوله ُّ‬‫هل ّ‬
‫بتشديد الراء من الضرار وختفيفها من الضري أي الضرر‪ ،‬وخرب صهيب يف مسلم أنه صلى اهلل عليه وسلّم قال «إذا دخل أهل اجلنة اجلنة‬
‫يقول اهلل تبارك وتعاىل تريدون شيئا أزيدكم فيقولون أمل تبيض وجوهنا‪ ،‬أمل تدخلنا اجلنة وتنجنا من النار‪ ،‬فيكشف احلجاب فما أعطوا‬
‫شيئا أحب إليهم من النظر إىل رهبم»‪ .‬ويف رواية مث تال هذه اآلية {للذين أحسنوا احلسىن وزيادة} أي فاحلسىن اجلنة والزيادة النظر إليه‬
‫تعاىل‪ ،‬بأن ينكشف لنا انكشافا تاما بأن يرى بنور األعني زائدا على نور العلم‪ ،‬أو بأن خيلق لنا علما به عند توجه احلاسة له عادة منزها‬
‫عن املقابلة واجلهة واملكان‪ ،‬أما الكفار فال يرونه لقوله تعاىل {كال إهنم عن رهبم يومئذ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/176‬‬

‫حملجوبون} املوافق لقوله {ال تدرحه األبصار} (واملختار جواز رؤيته) تعاىل (يف الدنيا) يف اليقظة بالعني‪ ،‬ويف املنام بالقلب أما يف‬
‫اليقظة‪ ،‬فألن موسى عليه الصالة والسالم طلبها بقوله {رب أرين أنظر إليك} وهو ال جيهل ما جيوز وميتنع على ربه تعاىل‪ ،‬وقيل ال‬
‫جيوز ألن قومه طلبوها فعوقبوا قال تعاىل {فقالوا أرنا اهلل جهرة فأخذهتم الصاعقة بظلمهم} قلنا عقاهبم لعنادهم وتعنتهم يف طلبها ال‬
‫المتناعها‪ ،‬وأما يف املنام فنقل القاضي عياض االتفاق عليه‪ ،‬وقيل ال جيوز إذ املرئي فيه خيال ومثال وذلك على القدمي حمال‪ .‬قلنا ال‬
‫استحالة لذلك يف املنام والرتجيح من زياديت‪ ،‬وأما وقوع الرؤية فيها فاجلمهور على عدمه يف اليقظة لقوله تعاىل {ال تدركه األبصار}‬
‫وقوله ملوسى {لن تراين} أي يف الدنيا بقرينة السياق‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه وسلّم «لن يرى أحد منكم ربه حىت ميوت»‪ .‬رواه مسلم‪،‬ـ‬
‫نعم الصحيح وقوعها للنيب صلى اهلل عليه وسلّم ليلة املعراج‪ ،‬وإليه استند القائل بوقوعها لغريه‪ ،‬وأما وقوعها يف املنام فهو املختار‪ ،‬فقد‬
‫مر يف املنع من جوازها‪( .‬السعيد من كتب اهلل)‬ ‫ذكر وقوعها فيه لكثري من السلف منهم اإلمام أمحد‪ ،‬وعليه املعربون للرؤيا‪ ،‬وقيل ال ملا ّ‬
‫والشقي عكسه) أي من كتب اهلل يف األزل موته كافرا وتعبريي مبا ذكر أوىل مما عرب به الشتماله على‬ ‫ّ‬ ‫أي علم (يف األزل موته مؤمنا‬
‫الدور ظاهرا‪( .‬مث ال يتب ّد الن) أي املكتوبان يف األزل‪ ،‬خبالف املكتوب يف غريه كاللوح احملفوظ قال تعاىل {ميحو اهلل ما يشاء ويثبت‬
‫وعنده ّأم الكتاب} أي أصله الذي ال يغري منه شيء كما قاله ابن عباس وغريه‪ ،‬وإطالق بعضهم أهنما يتب ّدالن حممول على هذا‬
‫التفصيل‪( .‬وأبو بكر) رضي اهلل عنه (ما زال بعني الرضا منه) تعاىل‪ ،‬وإن مل يتصف باإلميان قبل تصديقه النيب صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬إذ‬
‫مل يثبت عنه حالة كفر كما ثبت عن غريه ممن آمن‪( .‬واملختار أن الرضا واحملبة) من اهلل (غري املشيئة واإلرادة)‬
‫األو لني املرتادفني أخص من معىن الثانيني املرتادفني‪ ،‬إذ الرضا اإلرادة بال اعرتاض واألخص غري األعم بدليل قوله تعاىل‬
‫منه‪ ،‬إذ معىن ّ‬
‫{وال يرضى لعباده الكفر} مع وقوعه من بعضهم مبشيئته لقوله {ولو شاء ربك ما فعلوه} وقالت املعتزلة وقوم من األشاعرة منهم‬
‫الشيخ أبو إسحاق الرضا واحملبة نفس املشيئة واإلرادة وأجابوا عن قوله (وال يرضى لعباده الكفر) بأنه ال يرضاه دينا وشرعا بل يعاقب‬
‫عليه وبأن املراد من وفق لإلميان‪ ،‬وهلذا شرفهم بإضافتهم إليه يف قوله {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله {عينا يشرب هبا‬
‫عباد اهلل} وذكر اخلالف من زياديت‪( ،‬هو الرزاق) كما قال تعاىل {إن اهلل هو الرزاق} مبعىن الرازق أي فال رازق غريه‪ .‬وقالت املعتزلة‬
‫من حصل له الرزق بتعب فهو الرازق نفسه أو بغري تعب فاهلل هو الرازق له‪( .‬والرزق) مبعىن املرزوق عندنا‪( .‬ما ينتفع به) يف التغذي‬
‫وغريه‪( .‬ولو) كان (حراما)‪ ،‬وقالت املعتزلة ال يكون إال حالالً الستناده إىل اهلل يف اجلملة واملسند إليه النتفاع عباده يقبح أن يكون‬
‫حراما يعاقبون عليه قلنا ال يقبح بالنسبة إليه تعاىل‪ ،‬فإن له أن يفعل ما يشاء وعقاهبم على احلرام لسوء مباشرهتم أسبابه ويلزم املعتزلة أن‬
‫املتعذي باحلرام فقط طول عمره مل يرزقه اهلل وهو خمالف لقوله تعاىل {وما من دابة يف األرض إال على اهلل رزقها}‪ ،‬ألنه تعاىل ال يرتك‬
‫ما أخرب بأنه عليه‪( .‬بيده) تعاىل (اهلداية واإلضالل) ومها (خلق االهتداء)‪ ،‬وهو اإلميان (و) خلق (الضالل) وهو الكفر قال تعاىل {ولو‬
‫يضل من يشاء ويهدي من يشاء}‪ { .‬من يشأ اهلل يضلله ومن يشأ جيعله على صراط مستقيم}‬ ‫شاء اهلل جلعلكمـ أمة واحدة ولكن ّ‬
‫وزعمت املعتزلة أهنما بيد العبد يهدي نفسه ويضلها بناء على قوهلم إنه خيلق أفعاله‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/177‬‬

‫واملختار أن اللطف خلق قدرة الطاعة) أي قدرة العبد على الطاعة‪ ،‬وقال األصل إنه ما يقع عنده صالح العبد آخرة أي يف آخر عمره‪.‬‬
‫(و) أن (التوفيق كذلك) أي خلق قدرة الطاعة وقيل خلق الطاعة‪( .‬واخلذالن ضده) وهو خلق قدرة املعصية وقيل خلق املعصية‪.‬‬
‫(واخلتم والطبع واألكنة واألقفال) الواردة يف القرآن حنو {ختم اهلل على قلوهبم}‪{ .‬طبع اهلل عليها بكفرهم} {جعلنا على قلوهبم أكنة‬
‫وأول املعتزلة هذه األلفاظ مبا‬
‫أن يفقهوه}‪{ .‬أم على قلوب أقفاهلا} عبارات عن معىن واحد وهو (خلق الضاللة يف القلب) كاإلضالل‪ّ ،‬‬
‫ال يالئم اآليات املشتملة عليها كما بني يف املطوالت‪ ،‬وذكر االقفالـ من زياديت‪( .‬واملاهيات) املمكنات أي حقائقها (جمعولة) مطلقاـ (يف‬
‫األصح) أي كل ماهية جبعلـ اجلاعل‪ ،‬وقيل ال مطلقا بل كل ماهية متقررة بذاهتا‪ ،‬وقيل جمعولة إن كانت مركبة خبالف البسيطة‪.‬‬
‫(واخللف لفظي) من زياديت‪ ،‬ألن األول أراد جعلها متصفة بالوجود ال جعلها ذوات‪ ،‬والثاين أراد أهنا يف ح ّد ذاهتا ال يتعلق هبا جعل‬
‫جاعل وتأثري مؤثر‪ ،‬والثالث أراد باجلعل التأليف واملركبة مؤلفة خبالف البسيطة‪( .‬أرسل) الرب (تعاىل رسله) مؤيدين منه (باملعجزات)‬
‫(وخص حممدا صلى اهلل عليه وسلّم) منهم (بأنه خامت النبيني) كما قال تعاىل {ولكن رسول اهلل وخامت النبيني} (املبعوث إىل‬
‫ّ‬ ‫الباهرات‬
‫إيل‬
‫واجلن كما فسر هبما من بلغ يف قوله تعاىل {وأوحى ّ‬ ‫اخللقـ كافة)‪ ،‬كما يف خرب مسلمـ «وأرسلت إىل اخللق كافة»‪ ،‬وفسر باإلنس ّ‬
‫{نزل الفرقان على عبده ليكون للعاملني نذيرا}‪ ،‬وصرح احلليمي‬ ‫هذا القرآن ألنذركم به} ومن بلغ أي بلغه القرآن والعاملني يف قوله ّ‬
‫والبيهقي بأنه صلى اهلل عليه وسلّم مل يرسل إىل املالئكة‪ ،‬ويف تفسريي اإلمام الرازي والنسفي حكاية اإلمجاع على ذلك‪ ،‬لكن نقل‬
‫بعضهم عن تفسري الرازي أنه أرسل إليهم أيضا‪ ،‬وكأنه أخذه من بعض نسخه فإن نسخه خمتلفة‪( .‬املفضل عليهم) أي على اخللقـ كافة‬
‫من األنبياء‬
‫واملالئكة وغريهم فال يشركة غريه من األنبياء فيما ذكر‪( .‬مث) يفضل بعده (األنبياء مث خواص املالئكة) عليهم الصالة والسالم‪ ،‬فخواص‬
‫املالئكة أفضل من البشر غري األنبياء‪ ،‬وقويل خواص من زياديت‪( .‬واملعجزة) املؤيد هبا الرسل‪( ،‬أمر خارق للعادة) بأن يظهر على‬
‫خالفها كإحياء ميت وإعدام جيل وانفجار املياه من بني األصابع‪( ،‬مقرون بالتح ّدي) منهم أي بطلبهم االتيان مبثل ما أتوا به ولو‬
‫باإلشارة كدعواهم الرسالة‪( ،‬مع عدم املعارضة)‬
‫من املرسل إليهم بأن ال يظهر منهم مثل ذلك اخلارق فخرج غري اخلارق كطلوع الشمس كل يوم واخلارق بال حت ّد واخلارق املتق ّدم‬
‫على التح ّد ي واملتأخر عنه مبا خيرجه عن املقارنة العرفية والسحر والشعبذة‪ ،‬فال شيء منها مبعجزة كما أوضحته مع زيادة يف احلاشية‪.‬‬
‫(واإلميان تصديق القلب) مبا علم جميء الرسول به من عند اهلل ضرورة أي اإلذعان والقبول له والتكليف بذلك مع أنه من الكيفيات‬
‫النفسانية دون األفعال االختيارية بالتكليف بأسبابه كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه احلواس‪( .‬ويعترب فيه) أي يف التصديق املذكور‬
‫أي يف اخلروج به عندنا عن عهدة التكليف باإلميان‪( ،‬تلفظ القادر) على الشهادتني (بالشهادتني)‪ ،‬ألنه عالمة لنا على التصديق اخلفي‬
‫عنا حىت يكون املنافق مؤمنا عندنا كافرا عند اهلل تعاىل‪ .‬قال اهلل تعاىل {إ ّن املنافقني يف الدرك األسفل من النار ولن جتد هلم نصريا}‬
‫حالة كون التلفظ بذلك (شرطا) لإلميان كما عليه مجهور احملققني يعين أنه شرط إلجراء أحكام املؤمنني يف الدنيا من توارث ومناكحة‬
‫وغريمها‪( .‬ال شطرا) منه كما قيل به فمن ص ّد ق بقلبه ومل يتلفظ بالشهادتني مع متكنه من التلفظ هبما ومع عدم مطالبته به كان مؤمنا‬
‫عند اهلل على األول دون الثاين‪ ،‬كما ذكره السعد التفتازاين يف شرح املقاصد‪ ،‬وهو ظاهر كالم الغزايل تبعا لظاهر كالم شيخه إمام‬
‫احلرمني‪ ،‬وما نقل عن اجلمهور من أنه كافر عند اهلل كما هو كافر عندنا مفرع على الثاين‪ ،‬وترجيح الشرطية من زياديت‪( .‬واإلسالم)‬
‫هو (التلفظ بذلك) وجرى األصل على أنه أعمال اجلوارح من الطاعات كالتلفظ بذلك والصالة والزكاة أخذا بظاهر اخلرب اآليت‬
‫احملمول فيه اإلسالم عند احملققني على أحكامه املشروعة أو على اإلسالم الكامل‪( .‬ويعترب فيه) أي يف اإلسالم أي يف اخلروج به عن‬
‫عهدة التكليف به‪( .‬اإلميان) أي التصديق املذكور ومل حيك أحد خالفا يف أن اإلميان شرط يف اإلسالم أو شطر‪( ،‬واإلحسان أن تعبد اهلل‬
‫كأنك تراه فإن‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/178‬‬

‫مل تكن تراه فإنه يراك)‪ ،‬كذا يف خرب الصحيحني املشتمل على بيان اإلميان‪ ،‬بأن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن‬
‫بالقدر خريه وشره وبيان اإلسالم باملعىن السابق بأن تشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل وتقيم الصالة وتؤيت الزكاة وتصوم‬
‫رمضان وحتج البيت إن استطعت إليه سبيالً‪( .‬والفسق) بأن يرتكب الكبرية (ال يزيل اإلميان) خالفا للمعتزلة يف زعمهم أنه يزيله مبعىن‬
‫أنه واسطة بني اإلميان والكفر‬
‫لزعمهم أن األعمال جزء من اإلميان لقوله تعاىل {إمنا املؤمنون الذين إذا ذكر اهلل وجلت قلوهبم} إىل قوله {حقا} وخلرب «ال يزين‬
‫الزاين حني يزين وهو مؤمن»‪ .‬وأجيب مجعا بني األدلة بأن املراد باإلميان يف اآلية كماله وباخلرب التغليظ واملبالغة يف الوعيد وبأنه معارض‬
‫خبرب «وإن زىن وإن سرق»‪( .‬وامليت مؤمنا فاسقا) بأن مل يتب (حتت املشيئة) إما (يعاقب) بإدخاله النار لفسقه (مث يدخل اجلنة) ملوته‬
‫مؤمنا (أو يسامح) بأن ال يدخل النار بفضله فقط أو بفضله مع الشفاعة من النيب صلى اهلل عليه وسلّم أو ممن يشاؤه اهلل وزعمت‬
‫املعتزلة أنه خيلد يف النار وال جيوز العفو عنه وال الشفاعة فيه لقوله تعاىل {ما للظاملني من محيم وال شفيع يطاع}‪ .‬قلنا هذا خمصوص‬
‫بالكفار مجعا بني األدلة‪( .‬وأول شافع وأواله) يوم القيامة (نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلّم)‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلّم «أنا أول شافع‬
‫وأول مشفع» رواه الشيخان‪ ،‬وألنه أكرم عند اهلل من مجيع العاملني‪ ،‬وله شفاعات أعظمها يف تعجيل احلساب واإلراحة من طول‬
‫وتردد بعضهم يف ذلك‪ ،‬الثالثة فيمن استحق‬ ‫الوقوف وهي خمتصة به الثانية يف إدخال قوم اجلنة بغري حساب قال النووي وهي خمتصة به ّ‬
‫النار‪ ،‬كما مر‪ .‬الرابعة يف إخراج من أدخل النار من املوحدين ويشاركه فيهما األنبياء واملالئكة واملؤمنون‪ .‬اخلامسة يف زيادة الدرجات‬
‫يف اجلنة ألهلها‪ ،‬وجوز النووي اختصاصها به والكالم يف العامة يوم القيامة‪ ،‬فال يرد حنو الشفاعة يف ختفيف عذاب القرب وال الشفاعة يف‬
‫ختفيف العذاب عن أيب طالب‪( .‬وال ميوت أحد إال بأجله) وهو الوقت الذي كتب اهلل يف األزل انتهاء حياته فيه بقتل أو غريه وذلك‬
‫ترد د‪ ،‬وبأنه إذا جاء أجلهم ال يستأخرون ساعة وال يستقدمون‪ ،‬وزعم كثري من املعتزلة أن القاتل‬
‫بأن اهلل قد حكم بآجال العباد بال ّ‬
‫قطع بقتله أجل املقتول‪ ،‬وأنه لو مل يقتله لعاش أكثر من ذلك خلرب «من أحب أن يبسط له يف رزقه وينسأ أي يزاد له‬
‫« يف أثره فليصل رمحه»‪ .‬قلنا ال نسلم أن األثر هو األجل ولو سلم‪ ،‬فاخلرب ظين ألنه من اآلحاد وهو ال يعارض القطعي‪ ،‬وأيضا الزيادة‬
‫فيه مؤولة بالربكة يف األوقات بأن يصرف يف الطاعات‪( .‬والروح) وهي النفس (باقية بعد موت البدن) منعمة أو معذبة‪( .‬واألصح أهنا‬
‫ال تفىن أبدا)‪ ،‬ألن األصل يف بقائها بعد املوت استمراره وقيل تفىن عند النفخة األوىل كغريها‪( .‬كعجب الذنب) بفتح العني وسكون‬
‫اجليم وموحدة على األشهر‪ ،‬وهو يف أسفل الصلب يشبه يف احملل حمل أصل الذنب من ذوات األربع‪ ،‬فال يفىن يف األصح خلرب‬
‫الصحيحني «ليس شيء من اإلنسان إال يبلى إال عظما واحدا وهو عجب الذنب منه يركب اخللق يوم القيامة»‪ .‬ويف رواية ملسلمـ «كل‬
‫ابن آدم يأكله الرتاب إال عجبـ الذنب منه خلق ومنه يركب» وقيل يفىن كغريه‪ .‬وصححه املزين وتأول اخلرب املذكور بأنه ال يبلى‬
‫بالرتاب بل بال تراب كما مييت اهلل ملك املوت بال ملكـ املوت والرتجيح من زياديت‪( ،‬وحقيقتها)؛ أي الروح (مل يتكلم عليها نبينا)‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلّم‪ .‬وقد سئل عنها لعدم نزول األمر ببياهنا قال تعاىل {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ريب}‬
‫(فنمسك) حنن (عنها)‪ ،‬وال يعرب عنها بأكثر من موجود كما قال اجلنيد وغريه واخلائضون فيها اختلفوا فقال مجهور املتكلمني‪ ،‬ونقله‬
‫النووي يف شرح مسلم عن تصحيح أصحابنا إهنا جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك املاء بالعود األخضر‪ .‬وقال كثري منهم إهنا عرض‬
‫وهي احلياة اليت صار البدن بوجودها حيا‪ .‬وقال الفالسفة وكثري من الصوفية إهنا ليست جبسم وال عرض بل جوهر جمرد قائم بنفسه‬
‫والرتدد يف‬
‫غري متحيز متعلقـ بالبدن للتدبري والتحريك غري داخل فيه وال خارج عنه‪ ،‬واحتج لألول بوصفها يف األخبار باهلبوط والعروج ُّ‬
‫الربزخ‪.‬‬
‫(‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/179‬‬

‫وكرامات األولياء) وهم العارفون باهلل تعاىل املواظبون على الطاعات اجملتنبون للمعاصي املعرضون عن االهنماك يف اللذات والشهوات‬
‫(حق) أي جائزة وواقعة له ولو باختيارهم وطلبهم كجريان النيل بكتاب عمر‪ ،‬ورؤيته وهو على املنرب باملدينة جيشه بنهاوند حىت قال‬
‫العدو مث‪ ،‬ومساع سارية كالمه مع بعد املسافة وكاملشي على املاء ويف‬
‫ألمري اجليش يا سارية اجلبل اجلبل حمذرا له من وراء اجلبل ملكر ّ‬
‫اهلواء وغري ذلك مما وقع للصحابة وغريهم‪( ،‬وال ختتص) الكرامات (بغري حنو ولد بال والد) مما مشله قوهلم ما جاز أن يكون معجزة لنيب‬
‫جاز أن يكون كرامة لويل‪( .‬خالفا للقشريي) وإن تبعه األصل وغريه‪ ،‬فاجلمهور على خالفه‪ ،‬وأنكروا على قائله حىت ولده أبو النصر‬
‫يف كتابه املرشد‪ ،‬بل قال النووي إنه غلط من قائله وإنكار للحس‪ ،‬بل الصواب جرياهنا بقلب األعيان وحنوه‪ ،‬وقد بسطت الكالم على‬
‫ذلك يف احلاشية‪ ،‬وقيل ختتص بغري اخلوارق كإجابة دعاء وموافاة ماء مبحل ال تتوقع فيه املياه‪( ،‬وال نكفر أحدا من أهل القبلة) ببدعته‬
‫ورد بأن إنكار الصفة ليس إنكارا‬
‫كمنكري صفات اهلل وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة‪( ،‬على املختار) وكفرهم بعض‪ّ ،‬‬
‫للموصوف أما من خرج ببدعته عن أهل القبلة كمنكري حدوث العامل والبعث واحلشر لألجسام والعلم باجلزئيات‪ ،‬فال نزاع يف‬
‫كفرهم إلنكارهم بعض ما علم جميء الرسول به ضرورة وذكر اخلالف من زياديت‪( .‬ونرى) أي نعتقد (أن عذاب القرب) وهو للكافر‬
‫مر‬
‫يرد الروح إىل اجلسد أو ما بقي منه حق خلربي الصحيحني «عذاب القرب حق»‪ ،‬وأنه صلى اهلل عليه وسلّم ّ‬ ‫والفاسق املراد تعذيبه بأن ّ‬
‫رد روحه إليه عن ربه ودينه ونبيه‪ ،‬فيجيبهما مبا‬ ‫على قربين فقال «إهنما ليعذبان»‪( .‬و) أن (سؤال امللكني) منكر ونكري للمقبور بعد ّ‬
‫يوافق ما مات عليه من إميان أو كفر حق خلرب الصحيحني «إن العبد إذا وضع يف قربه وتوىل عنه أصحابه أتاه ملكان فيقعدانه فيقوالن‬
‫له ما كنت تقول يف‬
‫هذا النيب حممد؟ فأما املؤمن فيقول أشهد أنه عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وأما الكافر أو املنافق فيقول ال أدري اخل‪ .‬ويف رواية أليب داود وغريه‬
‫فيقوالن له من ربك وما دينك وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول املؤمن ريب اهلل وديين اإلسالم والرجل املبعوث رسول اهلل‪،‬‬
‫ويقول الكافر يف الثالث ال أدري‪ .‬ويف رواية البيهقي فيأتيه منكر ونكري‪( .‬و) أن (املعاد اجلسماين) حق قال تعاىل (وهو الذي يبدأ اخللق‬
‫مث يعيده)‪{ ،‬كما بدأنا أول خلق نعيده} وأنكرت الفالسفة إعادة األجسام قالوا وإمنا تعاد األرواح مبعىن أهنا بعد موت البدن تعاد إىل‬
‫التجر د متلذذة بالكمال أو متأملة بالنقصان‪( .‬وهو) أي املعاد اجلسماين (إجياد) ألجزاء اجلسم األصلية ولعوارضه (بعد‬
‫ما كانت عليه من ّ‬
‫تفر ق) هلا مع إعادة األرواح إليها فهما قوالن‪( .‬واحلق التوقف) إذ مل يدل قاطع مسعي على تعني أحدمها‪ ،‬وإن‬ ‫فناء) هلا (أو مجع بعد ّ‬
‫وصر ح به شارحه اجلالل احمللي‪ ،‬وقد بسطت الكالم على ذلك يف احلاشية‪( .‬و) أن (احلشر)‬ ‫كان كالم األصل مييل إىل تصحيح األول‪ّ ،‬‬
‫للخلق بأن جيمعهم اهلل للعرض واحلساب بعد إحيائهم املسبوق بفنائهم حق ففي الصحيحني أخبار «حيشر الناس حفاة مشاة عراة‬
‫مير عليه جيع اخلالئق‬
‫أدق من الشعر وأح ّد من السيف ّ‬ ‫غرالً» أي غري خمتتنني‪( .‬و) أن (الصراط) وهو جسر ممدود على ظهر جهنم ّ‬
‫وتزل به أقدام أهل النار حق ففي الصحيحني أخبار «يضرب الصراط بني ظهري جهنم ومرور املؤمنني عليه متفاوتني‬ ‫فيجوزه أهل اجلنة ّ‬
‫تزل به أقدام أهل النار فيها‪( .‬و) أن (امليزان) وهو جسم حمسوس ذو لسان وكفتني يعرف به مقادير األعمال بأن توزن‬ ‫وأنه مزلة»‪ .‬أي ّ‬
‫به صحفها أو هي بعد جتسمها‪( .‬حق) خلرب البيهقي «يؤتى بابن آدم فيوقف بني كفيت امليزان اخل»‪( .‬واجلنة والنار خملوقتان اآلن)‪ .‬يعين‬
‫وحواء يف إسكاهنما اجلنة وإخراجهما‬‫قبل يوم اجلزاء للنصوص الواردة يف ذلك حنو (أع ّدت للمتقني) (أعدت للكافرين) وقصة آدم ّ‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/180‬‬

‫علوا يف األرض وال فسادا}‬‫منها‪ ،‬وزعم أكثر املعتزلة أهنما خيلقان يوم اجلزاء لقوله تعاىل {تلك الدار اآلخرة جنعلها للذين ال يريدون ًّ‬
‫قلنا جنعلها مبعىن نعطيها ال مبعىن ختلقها مع أنه حيتمل احلال واالستمرار‪( .‬وجيب على الناس نصب إمام) يقوم مبصاحلهم كس ّد الثغور‬
‫وجتهيز اجليوش وقهر املتغلبة واملتلصصة إلمجاع الصحابة بعد وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلّم على نصبه حىت جعلوه أهم الواجبات‪،‬‬
‫وق ّدموه على دفنه صلى اهلل عليه وسلّم ومل يزل الناس يف كل عصر على ذلك‪( .‬ولو) كان من ينصب (مفضوالً)‪ ،‬فإن نصبه يكفي يف‬
‫اخلروج عن عهدة النصب‪ ،‬وقيل ال بل يتعني نصب الفاضل وزعمت اخلوارج أنه ال جيب نصب إمام وبعضهم وجوبه عند ظهور الفنت‬
‫جنوز) حنن أيها األشاعرة‪( .‬اخلروج عليه) أي على اإلمام‬
‫دون وقت األمن وبعضهم عكسه واإلمامية وجوبه على اهلل تعاىل‪( .‬وال ّ‬
‫وجو زت املعتزلة اخلروج على اجلائر النعزاله باجلور عندهم‪( .‬وال جيب على اهلل) تعاىل (شيء) ألنه خالق اخللق‪ ،‬فكيف جيب هلم عليه‬ ‫ّ‬
‫شيء‪ ،‬وألنه لو وجب عليه شيء لكان ملوجب وال موجب غري اهلل‪ ،‬وال جيوز أن يكون بإجيابه على نفسه ألنه غري معقولـ وأما حنو‬
‫{كتب ربكم على نفسه الرمحة} فليس من باب اإلجياب واإللزام بل من باب التفضلـ واإلحسان‪ .‬وقالت املعتزلة جيب عليه أشياء منها‬
‫يقرهبم إىل الطاعة ويبعدهم عن املعصية حبيث ال ينتهون‬‫اجلزاء على الطاعة والعقابـ على املعصية ومنها اللطف بأن يفعل يف عباده ما ّ‬
‫إىل ح ّد اإلجلاء‪ ،‬ومنها األصلح هلم يف الدنيا من حيث احلكمة والتدبري‪.‬‬
‫فعلي) أمراء املؤمنني (رضي اهلل‬
‫( ونرى) أن نعتقد (أن خري البشر بعد األنبياء صلى اهلل عليهم وسلم أبو بكر) خليفة نبينا (فعمر فعثمان ّ‬
‫علي‪ ،‬وذكر خريية‬
‫عنهم) إلطباق السلف على خريهتم عند اهلل هبذا الرتتيب‪ ،‬وقالت الشيعة‪ ،‬وكثري من املعتزلة األفضل بعد األنبياء ّ‬
‫األربعة على أمم غري نبينا من زياديت‪( .‬و) نرى (براءة عائشة)رضي اهلل عنها من كل ما قذفتـ به لنزول القرآن برباءهتا قال تعاىل {إن‬
‫الذين جاءوا باإلفك} اآليات‪( .‬ومنسك عما جرى بني الصحابة) من املنازعات واحملاربات اليت قتل بسببها كثري منهم‪ ،‬فتلك دماء طهر‬
‫اهلل منها أيدينا فال نلوث هبا ألسنتنا‪ ،‬وألنه صلى اهلل عليه وسلّم مدحهم وحذر عن التكلم فيما جرى بينهم فقال «إياكم وما شجر بني‬
‫أصحايب‪ ،‬فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ م ّد أحدهم وال نصيفه»‪( .‬ونراهم مأجورين) يف ذلك‪ ،‬ألنه مبين على االجتهاد يف‬
‫مسألة ظنية للمصيب فيها أجران على اجتهاده وإصابته وللمخطىء أجر على اجتهاده كما يف خرب الصحيحني «إن احلاكم إذا اجتهد‬
‫فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»‪( .‬و) نرى (أن أئمة املذاهب) األربعة (وسائر أئمة املسلمني) أي باقيهم (كالسفيانني)‬
‫الثوري وابن عيينة واألوزاعي وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري‪( .‬على هدى من رهبم)‪ ،‬يف العقائد وغريها وال التفات ملن تكلم‬
‫ذرية أب موسى األشعري الصحايب (إمام يف السة) أي الطريقة‬ ‫فيهم مبا هو بريئون منه‪( .‬و) نرى (أن) أبا احلسن (األشعري) وهو من ّ‬
‫املعتقدة (مق ّد م) فيها على غريه وال النفات ملن تكلم فيه مبا هو برءي منه‪( .‬و)نرى (أن طريق) الشيخ أيب القاسم (اجلنيد) سيد الصوفية‬
‫والتربي من النفس‪ ،‬ومن كالمه الطريق إىل اهلل‬
‫مقوم) أي مس ّدد ألنه خال من البدع دائر على التسليم والتفويض ّ‬ ‫علما وعمالً (طريق ّ‬
‫تعاىل مسدود على خلقه ال على املقتفني‪ ،‬آثار رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وكان يتسرت بالفقه‪ ،‬ويفيت على مذهب شيخه أيب ثور‬
‫وال التفات‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/181‬‬

‫يضر جهله) يف العقيدة خبالف ما قبله يف اجلملة‪،‬‬


‫ملن رماه وأتباعه بالزندقة عند اخلليفة السلطان أيب الفضل جعفر املقتدر‪( .‬ومما ال ّ‬
‫(وتنفع معرفته) فيها ما يذكر إىل اخلامتة‪ ،‬وهو (األصح أن وجود الشيء) يف اخلارج واجبا كان أو ممكنا‪( .‬عينه) أي ليس زائدا عليه‬
‫وقيل غريه أي زائدا عليه بأن يقوم به من حيث هو أي من غري اعتبار الوجود والعدم وإن مل خيل عنهما وقيل عينه يف الواجب وغريه يف‬
‫املمكن‪ ،‬وعلى األصح‪( .‬فاملعدوم) املمكن الوجود (ليس) يف اخلارج (بشيء وال ذات وال ثابت) أي ال حقيقة له يف اخلارج‪ ،‬وإمنا‬
‫يتحقق بوجوده فيه (و) األصح (أنه) أي املعدوم املذكور (كذلك) أي ليس يف اخلارج بشيء وال ذات وال ثابت (على املرجوح)‪.‬‬
‫متقر رة‪( .‬و) األصح (أن االسم) هو (املسمى)‪ ،‬وقيل غريه كما هو املتبادر فلفظ النار مثالً‬ ‫وقالت طائفة من املعتزلة إنه شيء أي حقيقة ّ‬
‫غريها‪ ،‬واملراد باألول املنقول عن األشعري يف اسم اهلل وعن غريه مطلقا أن االسم املدلول واملسمى يف اجلامد الذات من حيث هي‪ ،‬ويف‬
‫املشتق عند األشعري الذات باعتبار الصفة وعند غريه مها معا‪ ،‬فاإلسالم يف اجلامد عند األشعري وغريه هو املسمى‪ ،‬فال يفهم من اسم‬
‫اهلل مثالً سواه‪ ،‬ويف املشتق عنده غريه إن كان صفة فعلـ كاخلالق وال عينه وال غريه إن كان صفة ذات كالعامل وعند غريه هو املسمى‬
‫كما يف اجلامد‪ ،‬وال خيفى أن اخلالف فيما ذكر لفظي‪( .‬و) األصح (أن أمساء اهلل توقيفية) أي ال يطلق عليه اسم إال بتوقيف من‬
‫املشر ع‪ .‬وقالت املعتزلة ومن وافقهم جيوز أن يطلق عليه األمساء االئق معناها به‪ ،‬وإن مل يرد هبا الشرع‪.‬‬
‫ّ‬
‫( و) األصح (أن للمرء أن يقول أنا مؤمن إن شاء اهلل) وإن اشتمل على التعليق خوفا من سوء اخلامتة اجملهولة وهو املوت على الكفر‬
‫تأد با وإحالة لألمور على مشيئة اهلل تعاىل‪ ،‬فهو أعم من قوله يقول‬
‫والعياذ باهلل تعاىل‪ ،‬ودفعا لتزكية النفس أو تربكا بذكر اهلل تعاىل‪ ،‬أو ّ‬
‫أنا مؤمن إن شاء اهلل خوفا من سوء اخلامتة‪( .‬ال شكا يف احلال) يف اإلميان‪ ،‬فإنه يف احلال متحقق له جازم باستمراره عليه إىل اخلامتة اليت‬
‫ويرد بأن إيهام الشك ال يقتضي منع ذلك وإمنا يقتضي أنه‬ ‫يرجو حسنها ومنع أبو حنيفة وغريه أن يقول ذلك إليهامه الشك املذكور‪ّ ،‬‬
‫خالف األوىل وهو كذلك‪ ،‬إذ األوىل اجلزم كما جزم به السعد التفتازاين كغايره أما إذا قاله شكا يف إميانه فهو كافر‪( .‬و) األصح (أن‬
‫متتيع الكافر) أي متتيع اهلل له مبتاع الدنيا‪( .‬استدراج) من اهلل له حيث ميتعه مع علمه بإصراره على الكفر إىل املوت فهو نقمة عليه يزداد‬
‫هبا عذابه كالعسل املسموم‪ .‬وقالت املعتزلة إنه نعمة يرتتب عليها الشكر وتعبريي بتمتيع أوىل من تعبريه مبالذ لسالمته من التجوز يف‬
‫إطالق االستدراج على املالذ ألنه معىن وهي أعيان‪( ،‬و) األصح (أن املشار إليه بأنا اهليكل املخصوص) املشتمل على النفس‪ ،‬ألن كل‬
‫عاقل إذا قيل له ما اإلنسان يشري إىل هذه البنية املخصوصة‪ ،‬وألن اخلطاب متوجه إليها‪ .‬وقال أكثر املعتزلة وغريهم هو النفس ألهنا‬
‫املدبرة‪ ،‬وقيل جمموع اهليكل والنفس كما أن الكالم اسم جملموع اللفظ واملعىن‪( ،‬و) األصح (أن اجلوهر الفرد وهو اجلزء الذي ال يتجزأ‬
‫ثابت) يف اخلارج‪ ،‬وإن مل ير عادة إال بانضمامه إىل غريه ونفاه احلكماء (و) األصح (أنه ال حال أي ال واسطة بني املوجود واملعدوم)‪،‬‬
‫وقيل إهنا ثابتة كالعاملية واللونية للسواد مثالً‪ ،‬وعلى األول ذلك وحنوه من املعدوم‪ ،‬ألنه أمر اعتباري والقائل بالثاين عرفها بأهنا صفة‬
‫ملوجود ال توصف بوجود وال عدم‪ ،‬أي أهنا غري موجودة يف األعيان وال معدومة يف‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/182‬‬

‫األذهان‪( .‬و) األصح (أن النسب واإلضافات أمور اعتبارية) يعتربها العقلـ ال وجود هلا يف اخلارج كما هو عند أكثر املتكلمني قالوا إال‬
‫األين فموجود ومسوه كونا وجعلوا أنواعه أربعة احلركة والسكون واالجتماع واالفرتاق‪ ،‬وقال أقلهم واحلكماء األعراض النسبية‬
‫موجودة يف اخلارج وهي سبعة األين وهو حصول اجلسم يف املكان واملىت وهو حصول اجلسم يف الزمان‪ ،‬والوضع وهو هيئة تعرض‬
‫للجسمـ باعتبار نسبة أجزائه بعضها إىل بعض ونسبتها إىل األمور اخلارجة عنه كالقيام واالنتكاس وامللك وهو هيئة تعرض للجسم‬
‫باعتبار ما حييط به‪ ،‬وينتقل بانتقاله كالتقمص والتعمم‪ ،‬وأن انفعل وهو تأثري الشيء يف غريه ما دام يؤثر‪ ،‬وأن ينفعلـ وهو تأثر الشيء‬
‫عن غريه ما دام يتأثر كحال املسخنـ ما دام يسخن واملتسخن ما دام يتسخن‪ ،‬واإلضافة وهي نسبة تعرض للشيء بالقياس إىل نسبة‬
‫أخرى كاألبوة والبنوة وهذه السبعة من مجلة املقوالت العشرة والثالثة الباقية اجلوهر والكم والكيف وهي معروفة يف الكتب الكالمية‪،‬‬
‫ومبا تقرر علم أن قويل كغريي واإلضافات من عطف اخلاص على العام‪ ،‬وإمنا مل أعرب عنها بالنسب ألن فيها كالما مر‪ .‬وأحيل على‬
‫ذكرها هنا‪( .‬و) األصح (أن العرض ال يقوم بعرض) وإمنا يقوم باجلوهر الفرد أو املركب‪ .‬أي اجلسم كما مر وجوز احلكماء قيامه‬
‫بالعرض‪ ،‬إال أنه باآلخرة تنتهي سلسلة األعراض إىل جوهر أي جوزوا اختصاص العرض بالعرض اختصاص النعت باملنعوت كالسرعة‬
‫والبطء للحركة‪ ،‬وعلى األول مها عارضان للجسم وليسا بعرضني زائدين على احلركة‪ ،‬ألهنا أمر ممتد يتخلله سكنات أقل أو أكثر‬
‫باعتبارها تسمى احلركة سريعة وبطيئة‪.‬‬
‫(و) األصح أن العرض (ال يبقى زمانني) بل ينقضي ويتج ّد د مثله بإرادته تعاىل يف الزمان الثاين‪ ،‬وهكذا على التوايل حىت يتوهم من‬
‫حيث املشاهدة أنه مستمر باق‪ .‬وقال احلكماء إنه يبقى إال احلركة والزمان واألصوات‪( .‬و) األصح أن العرض (ال حيل حملني) وإال‬
‫ألمكن حلول اجلسم الواحد يف مكانني يف حالة واحدة وهو حمال‪ ،‬وقال قدماء الفالسفة القرب وحنوه مما يتعلق بطرفني حيل حملني‪،‬‬
‫وعلى األول قرب أحد الطرفني خمالف لقرب اآلخر بالشخصـ وإن تشاركا يف احلقيقة‪( .‬و) األصح (أن) العرضني (املثلني) بأن يكونا‬
‫من نوع (ال جيتمعان) يف حمل واحد إذ لو قبلهما احملل لقبل الضدين‪ ،‬إذ القابل لشيء ال خيلو عنه أو عن مثله أو عن ضده والالزم باطل‬
‫ليسود يعرض له سواد‪ ،‬مث آخر فآخر إىل أن يبلغ غاية السواد‬
‫ّ‬ ‫وجوزت املعتزلة اجتماعهما حمتجني بأن اجلسم املغموس يف الصبغ‬
‫باملكث‪ .‬قلنا عروض السواد آت له ليس على وجه االجتماع بل على وجه البدل فيزول األول وخيلفه الثاين‪ ،‬وهكذا بناء على أن‬
‫العرض ال يبقى زمانني كما مر‪( ،‬كالضدين)‪ .‬فإهنما ال جيتمعان كالسواد والبياض ال كالبياض واخلضرة ألهنما ليسا يف غاية اخلالف‬
‫(خبالف اخلالفني)‪ ،‬ومها أعم من الضدين فإهنما جيتمعان كالسواد واحلالوة‪ ،‬ويف كل من األقسامـ جيوز ارتفاع الشيئني نعم ميتنع يف‬
‫ض ّد ين ال ثالث هلما‪( .‬والنقيضان ال جيتمعان وال يرتفعان) كالقيام وعدمه‪ ،‬ودليل احلصر فيما ذكر أن املعلومني إن أمكن اجتماعهما‬
‫فاخلالفان واالفان مل ميكن ارتفاعهما فالنقيضان أو الضدان اللذان ال ثالث هلما‪ ،‬وإال فإن اختلفتـ حقيقتهما فالضدان اللذان هلما ثالث‬
‫وإال فاملثالن‪ ،‬وفائدته أنه ال خيرج عن األربعة شيء إال ما تفرد اهلل به ألنه تعاىل ليس ضدًّا لشيء وال نقيضا وال خالفا وال مثالً‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/183‬‬

‫( و) األصح (أن أحد طريف املمكن) ومها الوجود والعدم (ليس أوىل به) من اآلخر‪ ،‬بل مها بالنظر إىل ذاته جوهرا كان أو عرضا على‬
‫السواء‪ ،‬وقيل العدم أوىل به مطلقاـ ألنه أسهل وقوعا يف الوجود لتحققه بانتفاء شيء من أجزاء العلة التامة للوجود املفتقر يف حتققه إىل‬
‫حتقق مجيعها‪ ،‬وقيل أوىل به يف األعراض السيالة كاحلركة والزمان والصوت دون غريها وقيل الوجود أوىل به عند وجود العلة وانتفاء‬
‫الشرط لوجود العلة وإن مل يوجد هو النتفاء الشرط‪( .‬و) األصح (أن) املمكن (الباقي حمتاج) يف بقائه‪( ،‬إىل مؤثر)‪ ،‬كما حيتاج إليه يف‬
‫ابتداء وجوده‪ ،‬وقيل ال كما ال حيتاج بقاء البناء بعد بنائه إىل فاعل‪( .‬سواء) على األول (قلنا إن علة احتياج األثر) أي املمكن يف‬
‫وجوده (إىل املؤثر) أي العلة اليت الحظها العقلـ يف ذلك‪( ،‬اإلمكان) أي استواء الطرفني بالنظر إىل الذات) (أو احلدوث) أي اخلروج‬
‫من العدم إىل الوجود‪( ،‬أو مها) على أهنما (جزآ علة أو اإلمكان بشرط احلدوث) وهي (أقوال) فيحتاج املمكن يف بقائه إىل مؤثر على‬
‫األول‪ ،‬ألن اإلمكان ال ينفك عنه‪ ،‬وعلى مجيع بقيتها‪ ،‬ألن شرط بقاء اجلوهر العرض والعرض ال يبقى زمانني فيحتاج يف كل زمان إىل‬
‫املؤثر‪( .‬و) األصح (أن املكان) الذي ال خفاء يف أن اجلسم ينتقل عنه‪ ،‬وإليه ويسكن فيه فيالقيه باملماسة أو النفوذ كما سيأيت معناه‬
‫اصطالحا‪( .‬بعد مفروض) أي مقدر (ينفذ فيه بعد اجلسم وهو) أي هذا البعد‪( .‬اخلالء واخلالء جائز عندنا واملراد به كون اجلسمني ال‬
‫يتماسان وال) يكون (بينهما ما مياسهما)‪ ،‬فهذا الكون اجلائز هو اخلالء الذي هو معىن البعد املفروض الذي هو معىن املكان فيكون‬
‫خاليا عن الشاغل‪ ،‬وقيل املكان السطح الباطن للحاوي املماس للسطح الظاهر من احملوى كالسطح الباطن للكوز املماس للسطح الظاهر‬
‫من املاء الكائن فيه‪ ،‬وقيل هو بعد موجود ينفذ فيه بعد اجلسم حبيث ينطبق عليه‪ ،‬وخرج بقيد النفوذ فيه بعد اجلسم‪ ،‬والرتجيح من‬
‫زياديت‪،‬‬
‫وعلى ما رجحته مجهور املتكلمني والقوالن بعده للحكماء ّأوهلما ألرسطو وأتباعه‪ ،‬وعليه بعض املتكلمني‪ ،‬وثانيهما لشيخه أفالطون‬
‫خلو املكان مبعناه عندهم عن الشاغل إال بعض قائلي الثاين فجوزوه‪ ،‬واحتج‬ ‫وأتباعه‪ ،‬وخرج بزياديت عند احلكماء فمنعوا اخلالء أي ّ‬
‫جموزه بأنه لو مل يكن يف العامل خالء‪ ،‬بل كان العامل كله مأل لزم من حترك بقة تدافع العامل بأسره وهو باطل‪ ،‬واحتج مانعه بأن املاء إذا‬
‫صب املاء ملزامحة اهلواء له حىت يسمع هلما صوت عند تزامحهما‪ ،‬أما معىن املكان لغة‪،‬‬ ‫صب يف إناء مشبك أعاله‪ ،‬فإن اهلواء خيرج عند ّ‬ ‫ّ‬
‫فقال ابن جين ما حاصله ما وجد فيه سكون أو حركة‪.‬‬
‫(و) األصح (أن الزمان) معناه اصطالحا (مقارنة متج ّد د موهوم ملتجدد معلوم) إزالة لإلهبام من األول مبقارنته للثاين كما يف آتيك عند‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬وقيل هو جوهر ليس جبسم وال جسماين‪ ،.‬أي داخل يف اجلسم فهو قائم بنفسه جمرد عن املادة‪ ،‬وقيل فلك مع ّدل النهار‬
‫وهو جسم مسيت دائرته أي منطقة الربوج منه مبعدل النهار لتعادل الليل والنهار يف مجيع البقاع عند كون الشمس عليها‪ ،‬وقيل عرض‬
‫فقيل حركة معدل النهار‪ ،‬وقيل مقدارها‪ ،‬والقول األصح قول املتكلمني واألقوال بعده للحكماء‪ ،‬أما معناه لغة فاملدة من ليل أو هنار‪.‬‬
‫(وميتنع تداخل اجلواهر) هو أعم من قوله تداخل األجسام أي دخول بعضها يف بعض على وجه النفوذ فيه من غري زيادة يف احلجم ملا‬
‫(خلو اجلوهر) مفردا كان أو مركبا (عن كل األعراض) بأن ال يقوم به واحد منها بل‬ ‫فيه من مساواة الكل للجزء يف العظم‪( .‬و) ميتنع ّ‬
‫جيب أن يقوم به عند وجوده شيء منها ألنه ال يوجد بدون التشخص والتشخص‪ ،‬إمنا هو باألعراض (واجلسم غري مركب منها) ألنه‬
‫يقوم بنفسه خبالفها‪( .‬وأبعاده) أي اجلسم من طول وعرض وعمق (متناهية) أي هلا حدود تنتهي إليها وزعم بعضهم أن هلا حدودا ال‬
‫هناية هلا‪ ،‬وتعبريي باجلسم أوىل من تعبريه باجلوهر‪( ،‬واملعلول يعقب علته رتبة) اتفاقا‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/184‬‬

‫( واألصح) ما قاله األكثر وصححه النووي يف أصل الروضة (أنه يقارهنا زمانا) عقلية كانت كحركة املفتاح حبركة اليد أو وضعية‬
‫حر ‪ ،‬وكقول النحاة الفاعلية علة للرفع‪ ،‬وقيل يعقبها مطلقا‪ ،‬واختاره‬
‫بوضع الشارع أو غريه كقولك لعبدك إن دخلت الدار فأنت ّ‬
‫األصل تبعا لوالده‪ ،‬ألنه لو قال لغري موطوءة إذا طلقتك فأنت طالق‪ ،‬مث قال هلا أنت طالق وقعت املنجزة دون املعلقة فلو قارن املعلول‬
‫يرد بأن عدم وقوعها لتقدم املنجزة رتبة فلم يكن احملل قابالً للطالق‪ ،‬وقيل يعقبها إن كانت وضعية ال‬ ‫علته لوقعت املعلقة أيضا‪ ،‬وقد ّ‬
‫عقلية‪( .‬و) األصح (أن اللذة) الدنيوية من حيث تعيني مسماها‪ ،‬وإن كانت يف نفسها بديهية‪( .‬ارتياح) أي نشاط للنفس‪( .‬عند إدراك)‬
‫ورد بأنه قد يلتذ بشيء من غري‬ ‫ملا يالئم االرتياح‪( .‬فاإلدراك ملزومها) أي ملزمـ اللذة ال نفسها‪ ،‬وقيل هي اخلالص من األمل بأن تدفعه‪ّ ،‬‬
‫سبق أمل بضده كمن وقف على مسألة علم أو كنز مال فجأة ومن غري خطورمها بالبال وأمل الشوق إليهما‪ ،‬وقيل هي إدراك املالئم‬
‫فإدراك احلالوة لذة تدرك بالذائقة‪ ،‬وإدراك اجلمال لذة تدرك بالباصرة‪ ،‬وإدراك حسن الصوت لذة تدرك بالسامعة‪ .‬وقال اإلمام الرازي‬
‫هي يف احلقيقة ما حيصل بإدراك املعارف العقلية‪ .‬قال وما يتوهم من لذة حسية كقضاء شهويت البطن والفرج أو خيالية كحب‬
‫املين ألوعيته‪ ،‬ولذة‬
‫االستعالء والرياسة فهو يف احلقيقة دفع آالم بلذة األكل والشرب واجلماع دفع أمل اجلوع والعطش ودغدغة ّ‬
‫االستعالء والرياسة دفع أمل القهر والغلبة‪( .‬ويقابلها) أي اللذة (األمل) فهو على األول انقباض عند إدراك ما ال يالئم‪ ،‬وعلى الثاين ما‬
‫تصوره العقل إما واجب أو ممتنع‬ ‫حيصل ما يؤمل‪ ،‬وعلى الثالث إدراك غري املالئم‪ ،‬وعلى الرابع ما حيصل عند عدم إدراك املعارف‪( .‬وما ّ‬
‫املتصو ر إما أن تقتضي وجوده يف اخلارج أو عدمه أو ال تقتضي شيئا منهما بأن يوجد تارة‪ ،‬ويعدم أخرى‪ .‬واألول‬ ‫أو ممكن) ألن ذات ّ‬
‫الواجب‪ ،‬والثاين‬
‫املمتنع‪ ،‬والثالث املمكن‪ ،‬وكل منهما ال ينقلبـ إىل غريه ألن مقتضى الذات الزم هلا ال يعقل انفكاكه عنها‪.‬‬

‫( ‪)1/185‬‬
‫التصوف‬
‫خامتة فيما يذكر من مبادىء ّ‬
‫وهو جتريد القلبـ هلل واحتقار ما سواه أي بالنسبة إىل عظمته تعاىل‪ ،‬ويقال ترك االختيار‪ ،‬ويقال اجلد يف السلوك إىل ملكـ امللوك‪،‬‬
‫ويقال غري ذلك كما هو مذكور يف شرحي لرسالة اإلمام العارف باهلل تعاىل أيب القاسم القشريي‪ ،‬وكل منها ناظر إىل مقام قائله حبسب‬
‫التصوف عمل القلبـ واجلوارح افتتحت‬ ‫ما غلب عليه‪ ،‬فرآه الركن األعظم فاقتصر عليه كما يف خرب «احلج عرفة»‪ .‬وملا كان مرجح ّ‬
‫بأس العمل فقلت‬
‫كاألصل ّ‬
‫( ّأو ل الواجبات املعرفة) أي معرفة اهلل تعاىل‪( .‬يف األصح)‪ ،‬ألهنا مبىن سائر الواجبات‪ ،‬إذ ال يصح بدوهنا واجب‪ ،‬بل وال مندوب‪ ،‬وقيل‬
‫ّأوهلاالنظر املؤدي إىل املعرفة ألنه مقدمتها‪ ،‬وقيل ّأوهلا أول النظر لتوقف النظر على ّأول أجزائه‪ ،‬وقيل أوهلا القصدـ إىل النظر لتوقف النظر‬
‫على قصده‪ ،‬والكل صحيح‪ ،‬ورجح األول ألن املعرفة أول مقصود وما سواها مما ذكر أول وسيلة‪( .‬ومن عرف ربه) مبا يعرف به من‬
‫(تصو ر تبعيده) لعبده بإضالله (وتقريبه) له هبدايته‪( ،‬فخاف) من تبعيده عقابه (ورجا) بتقريبه ثوابه‪( ،‬فأصغى) حينئذ (إىل األمر‬
‫صفاته ّ‬
‫والنهي) منه تعاىل‪( ،‬فارتكب) مأموره‪( .‬واجتنب) منهيه (فأحبه) حينئذ (مواله فكان)‪ ،‬مواله (مسعه وبصره ويده واختذه وليا إن سأله‬
‫إيل بالنوافل حىت أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت مسعه الذي‬ ‫يتقرب ّ‬
‫أعطاه وإن استعاذ به أعاذه) هذا مأخوذ من خرب البخاري «وما يزال عبدي ّ‬
‫يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده اليت يبطش هبا‪ ،‬ورجله اليت ميشي هبا‪ ،‬وإن سألين أعطيته‪ ،‬وإن استعاذ يب ألعيذنه»‪ .‬واملراد أنه‬
‫تعاىل يتوىل حمبوبه يف مجيع أحواله فحركاته وسكناته به تعاىل‪ ،‬كما أن أبوي الطفل حملبتهما له يتوليان جيع أحواله‪ ،‬فال يأكل إال بيد‬
‫العلو اُألخروي (يرفع نفسه) باجملاهدة (عن سفساف األمور) أي دنيئها‬ ‫(وعلي اهلمة) بطلبه ّ‬
‫ّ‬ ‫أحدمها وال ميشي إال برجله إىل غري ذلك‪.‬‬
‫من األخالق املذمومة كالكرب والغضب واحلقد واحلسد وسوء اخللق وقلة االحتمال‪( .‬إىل معاليها) من األخالق احملمودة كالتواضع‬
‫والصرب وسالمة الباطن والزهد وحسن اخللق وكثرة االحتمال‪ ،‬وهذا مأخوذ من خرب البيهقي والطرباين «إن اهلل حيب معايل األمور‬
‫ويكره سفسافها»‪( .‬ودينء اهلمة) بأن ال يرفع نفسه باجملاهدة عن سفساف األمور‪( ،‬ال يبايل) مبا تدعوه نفسه إليه من املهلكات‪،‬‬
‫علي اهلمة ودنيئها‪( ،‬صالحا) لك بعملك الصاحل (أو‬ ‫(فيجهل) أمر دينه (وميرق من الدين فدونك) أيها املخاطب بعد أن عرفت حال ّ‬
‫فسادا) لك بعملكـ السىيء‪.‬أو سعادة) لك برضا اصلى اهلل عليه وسلّم عليك بإخالصك‪.‬‬
‫(واعرض) على نفسك (التوبة) حيث ذكرت املوت وخفت مقتـ ربك وذكرت سعة رمحته لتتوب عما فعلتـ فتقبل ويعفى عنك‬
‫فضالً منه تعاىل‪( .‬وهي الندم) على الذنب من حيث إنه ذنب‪ ،‬فالندم على شرب اخلمر إلضراره بالبدن ليس بتوبة‪ ،‬وال جيب استدامة‬
‫الندم كل وقت‪ ،‬بل يكفي استصحابه حكما بأن ال يقع ما ينافيه‪( .‬وتتحقق) التوبة (باإلقالع) عن الذنب (وعزم أن ال يعود) إليه‬
‫(وتدارك ما ميكن تداركه) من حق نشأ عن الذنب كحق القذف فيتداركه بتمكني مستحقه من املقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يربئه‬
‫منه‪ ،‬فإن مل ميكن تداركه كأن مل يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط يف توبة ذنب ال ينشأ عنه حق اآلدمي‪ ،‬وكذا‬
‫يسقط اإلقالع يف توبة ذنب بعد الفراغ منه كشرب مخر‪ ،‬فاملراد بتحقق التوبة هبذه الشروط أهنا ال خترج فيما تتحققـ به عنها ال أنه ال‬
‫بد منها يف كل توبة‪( .‬واألصح صحتها) أي التوبة (عن ذنب ولو نقضت) بأن عاود التائب ذنبا تاب منه فهذه املعاودة ال تبطل التوبة‬
‫السابقة‪ ،‬بل هي ذنب آخر يوجب التوبة‪ ،‬وقيل ال تصح التوبة السابقة (أو) كانت التوبة (مع اإلصرار على) ذنب (كبري)‪ ،‬وقيل ال‬
‫تصح (و) األصح (وجوهبا عن) ذنب (صغري)‪ ،‬وقيل ال جتب لتكفريه باجتناب الكبائر‪ ،‬قال تعاىل {إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر‬
‫عنكم سيئاتكم}‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/186‬‬
‫( وإن شككت يف اخلاطر أمأمور) به (أم منهي) عنه (فأمسك) عنه حذرا من الوقوع يف املنهى عنه‪( .‬ففي متوضىء يشك) يف (أن ما‬
‫يغسله) غسلة (ثالثة) فتكون مأمورا هبا‪( .‬أو رابعة) فتكون منهيا عنها‪( .‬قيل) أي قال الشيخ أبو حممد اجلويين‪( .‬ال يغسل) خوف‬
‫الوقوع يف املنهي عنه‪ ،‬واألصح أنه يغسل ألن التثليث مأمور به ومل يتحقق قبل هذه الغسلة ويأتى هبا‪( .‬وكل واقع) يف الوجود ومنه‬
‫اخلاطر وفعله وتركه كائن‪( .‬بقدرة اهلل وإرادته فهو) تعاىل (خالق كسب العبد) أي فعله الذي هو كاسبه ال خالقه بأن (ق ّدر) اهلل (له‬
‫قدرة) هي استطاعته (تصلح للكسبـ ال لإلجياد)‪ ،‬خبالف قدرة اهلل فإهنا لإلجياد ال للكسب‪( ،‬فاهلل) تعاىل (خالق ال مكتسب والعبد‬
‫بعكسه) أي مكتسب ال خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي خيلقه اهلل عقب قصده له‪ ،‬وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا له خملوقا‬
‫هلل توسط بني قول املعتزلة إن العبد خالق لفعله ألنه يثاب ويعاقب عليه‪ ،‬وقول اجلربية إنه ال فعل للعبد أصالً‪ ،‬وهو آلة حمضة كالسكني‬
‫بيد القاطع‪ ،‬وقد يقع يف كالم بعض العارفني ما يوهم اخلرب من نفيهم االختيار‪ ،‬والفعل عن أنفسهم‪ ،‬ومرادهم عدم املالحظة لذلك‬
‫الستغراقهم يف النظر إىل ما منه تعاىل ال إىل ما منهم‪.‬‬
‫( واألصح أن قدرته) أي العبد وهي صفة خيلقها اهلل عقب قصد الفعل بعد سالمة األسباب واآلالت‪( .‬مع الفعل)‪ ،‬ألهنا عرض فال تتقدم‬
‫ورد بأن‬
‫عليه وإال لزم وقوعه بال قدرة المتناع بقاء األعراض‪ ،‬وقيل قبله ألن التكليف قبله فلو مل تكن القدرة قبله لزم تكليف العاجز‪ّ ،‬‬
‫صحة التكليف تعتمد القدرة مبعىن سالمة األسباب واآلالت ال باملعىن السابق‪ ،‬وهذا من زياديت‪ .‬وإذا كان العبد مكتسبا ال خالقا لكون‬
‫قدرته للكسب ال لإلجياد وكانت قدرته مع الفعل‪( ،‬فـ)ـنقول (هي) أي القدرة من العبد‪( .‬ال تصلح للضدين) أي التعلق هبما‪ ،‬وإمنا‬
‫تصلح للتعلقـ بأحدمها وهو ما يقصده العبد‪ ،‬إذ لو صلحت للتعلقـ هبما لزم اجتماعهما لوجوب مقارنتهما للقدرة املتعلقة‪ ،‬بل قالوا إن‬
‫القدرة الواحدة ال تتعلقـ مبقدورين مطلقاـ سواء أكانا متضادين أم متماثلني أم خمتلفني ال معا وال على البدل‪ ،‬والقول بأهنا تصلح للتعلقـ‬
‫بالضدين على البدل فتتعلقـ هبذا بدالً عن تعلقها باآلخر‪ ،‬وبالعكس إمنا يستقيم تفريعه على أهنا قبل الفعل ال معه الذي الكالم فيه‪ ،‬أما‬
‫على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة اهلل تعاىل‪ ،‬فتوجد قبل الفعلـ وتصلح للتعلقـ بالضدين على البدل ال على اجلمع ألن‬
‫القدرة إمنا تتعلق باملمكن واجتماع الضدين ممتنع‪.‬‬
‫( و) األصح (أن العجز) من العبد (صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين)‪ .‬وقيل هو عدم القدرة عما من شأنه القدرة فالتقابل‬
‫بينهما تقابل العدم وامللكة كما أن األمر كذلك على القول‪ ،‬بأن العبد خالق لفعله‪ ،‬فعلىـ األول يف الزمن معىن ال يوجد يف املمنوع من‬
‫الفعلـ مع اشرتاكهما يف عدم التمكن من الفعل‪ ،‬وعلى الثاين ال بل الزمن ليس بقادر واملمنوع قادر أي من شأنه القدرة بطريق جري‬
‫العادة‪( .‬و) األصح (أن التفضيل بني التوكل واالكتساب خيتلف باختالف الناس) فمن يكون يف توكله ال يتسخط عند ضيق الرزق‬
‫عليه‪ ،‬وال يتطلع لسؤال أحد من اخللق‪ ،‬فالتوكل يف حقه أفضلـ ملا فيه من الصرب واجملاهدة للنفس‪ ،‬ومن يكون يف توكله خبالف ما‬
‫ذكر‪ ،‬فاالكتساب يف حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع‪ ،‬وقيل األفضلـ التوكل‪ ،‬وهو هنا الكف عن االكتساب واإلعراض عن‬
‫األسباب اعتمادا للقلبـ على اهلل تعاىل‪ ،‬وقيل األفضلـ االكتساب وإذا اختلف التفضيل بينهما باختالف الناس‪( ،‬فإرادة التجريد) عما‬
‫يشغل عن اهلل تعاىل‪( .‬مع داعية األسباب) من اهلل يف مريد ذلك (شهوة خفية) من املريد‪( ،‬وسلوك األسباب) الشاغلة عن اهلل (مع داعية‬
‫التجريد) من اهلل يف سالك ذلك‪( .‬احنطاط) له (عن الرتبة العلية) إىل الرتبة الدنية‪ ،‬فاألصلح ملن قدر اهلل فيه داعية األسباب سلوكها دون‬
‫التجريد وملن قدر اهلل فيه داعية التجريد سلوكه دون األسباب‪( .‬وقد يأيت الشيطان) لإلنسان (باطراح جانب اهلل تعاىل يف صورة‬
‫األسباب أو بالكسل يف صورة التوكل)‪ ،‬كيدا منه‪ ،‬كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له أصلح من تركه له إىل مىت ترتك‬
‫األسباب‪ ،‬أمل تعلم أن تركها يطمع القلوب ملا يف أيدي الناس‪ ،‬فاسلكها لتسلم من ذلك‪ ،‬وينتظر غريك منك ما كنت تنتظره من غريك‬
‫ويقول لسالك األسباب الذي سلوكه هلا أصلح من تركه هلا لو تركتها وسلكت التجريد‪ ،‬فتوكلت على اهلل لصفا قلبك‪ ،‬وأتاك ما‬
‫فيؤدي تركها الذي هو‬
‫يكفيك من عند اهلل فاتركها ليحصل لك ذلك‪ّ .‬‬
‫غري أصلح له إىل الطلبـ من اخللق واالهتمام بالرزق‪.‬‬
‫( واملوفق يبحث عنهما) أي عن هذين األمرين اللذين يأيت هبما الشيطان يف صورة غريمها لعله أن يسلم منهما‪( ،‬ويعلم) مع حبثه عنهما‪،‬‬
‫(أنه ال يكون إال ما يريد) اهلل كونه أي وجوده منهما أو من غريمها‪.‬‬

‫( ‪)1/187‬‬

‫لب األصول‪( ،‬حبمد اهلل وعونه جعلنا اهلل به)‪ ،‬ملا أملناه من كثرة االنتفاع به‪( ،‬مع الذين أنعم اهلل عليهم من النبيني‬
‫(وقد متّ الكتاب) أي ّ‬
‫والص ّد يقني} أي أفاضل أصحاب النبيني ملبالغتهم يف الصدق والتصديق‪( ،‬والشهداء) أي القتلى يف سبيل اهلل‪( ،‬والصاحلني) غري من‬
‫ذكر‪( ،‬وحسن أولئك رفيقا) أي رفقاء يف اجلنة بأن نستمتع فيها برؤيتهم وزيارهتم واحلضور معهم‪ ،‬وإن كان مقرهم يف درجات عالية‬
‫بالنسبة إىل غريهم‪ ،‬ومن فضل اهلل تعاىل على غريهم أنه قد رزق الرضا حباله‪ ،‬وذهب عنه اعتقاد أنه مفضولـ انتفاء للحسرة يف اجلنة اليت‬
‫ختتلف املراتب فيها على قدر األعمال‪ ،‬وعلى قدر فضل اهلل على من يشاء من عباده‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على سيدنا حممد وآله وصحبه‬
‫كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/188‬‬

You might also like