Professional Documents
Culture Documents
الكتاب شرح ملختصراملؤلف املسمى بـ ( لب األصول) الذي اختصر فيه مجع اجلوامع
( )1/1
مقدمة
بسم اهلل الرمحن الرحيم
احلمد هلل الذي أظهر بدائع مصنوعاته على أحسن نظام ،وخص من بينها من شاء مبزيد الطول واإلنعام ،ووفقه وهداه إىل دين اإلسالم،
وأرشده إىل طريق معرفة االستنباط لقواعد األحكام ،ملباشرة احلالل وجتنب احلرام ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ذو
الغر الكرام.
اجلالل واإلكرام ،وأشهد أن سيدنا حممدا عبده ورسوله املفضلـ على مجيع األنام ،صلى اهلل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ّ
وبعد ،فهذا شرح ملختصري املسمى بـ ( لب األصول) الذي اختصرت فيه مجع اجلوامع يبني حقائقه ،ويوضح دقائقه ،ويذلل من اللفظ
صعابه ،ويكشف عن وجه املعاين نقابه ،سالكا فيه غالبا عبارة شيخنا العالمة ،احملقق الفهامة اجلالل احمللي لسالستها وحسن تأليفها،
وروما حلصول بركة مؤلفها ،ومسيته «غاية الوصول إىل شرح لب األصول» .واهلل أسأل أن ينفع به وهو حسيب ونعم الوكيل.
املتربك بذكره،
( بسم اهلل الرمحن الرحيم) أي أؤلف أو أبتدىء تأليفي ،والباء للمصاحبة ليكون ابتداء التأليف مصاحبا السم اهلل تعاىل ّ
العلو .وقيل من الوسم وهو العالمة ،واهلل علم للذات الواجب الوجود السمو وهو ّّ وقيل لالستعانة حنو كتبت بالقلم ،واالسم من
املستحق جلميع الصفاتـ اجلميلة ،والرمحن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم ،والرمحن أبلغ من الرحيم ،ألن زيادة البناء تدل على
زيادة املعىن كما يف قطع وقطع.
( احلمد هلل الذي وفقنا) أي خلق فينا قدرة( .للوصول إىل معرفة األصول) فيه براعة االستهالل ،واحلمد لغة الثناء باللسان على اجلميل
االختياري على جهة التبجيل والتعظيم ،وعرفا فعل ينىبء عن تعظيم املنعم من حيث إنه منعم على احلامد أو غريه ،وابتدأت بالبسملة
ببس ِم اهلل َّ ٍ
الرحيم» ويف رواية «باحلمد الرمحن َّ واحلمدلة اقتداء بالكتاب العزيز وعمالً خبرب أيب داود وغريه « ُك ُّل أم ٍر ذي بَال الَ يبدأ فيه ْ
أج َذ ُم» أي مقطوع الربكة ،وقدَّمت البسملة عمالً بالكتاب واإلمجاع ،واحلمد خمتص باهلل ،كما أفادته اجلملة سواء جعلت أل هلل َف ُهو ْ
(ويسر لنا سلوك) أي دخول( .مناهج) مجع منهج أي فيه لالستغراق أم للجنس أم للعهد ،كما بينت ذلك يف شرح البهجة وغريهَّ .
(قوة أودعها يف العقول) مجع عقلـ وهو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سالمة اآلالت ،وقد بسطت طرق حسنة( .بـ) سبب ّ
تضرع ودعاء( .والسالم) مبعىن الكالم عليه يف شرح آلداب البحث( .والصالة) وهي من اهلل رمحة ومن املالئكة استغفار ،ومن اآلدمي ّ
تسمى به نبينا بإهلام من اهلل تعاىل تفاؤالً بأنه يكثر محد اخللقـ له
التسليم( .على حممد) نبينا ،وحممد علم منقول من اسم مفعولـ املضعف َّ
لكثرة صفاته اجلميلة( .وآله) هم مؤمنوا بين هاشم وبين املطلب( .وصحبه) هو عند سيبويه إسم مجع لصحابة مبعىن الصحايب ،وهو كما
سيأيت من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى اهلل عليه وسلّم ،وعطف الصحب على اآلل الشاملـ لبعضهم لتشمل الصالة والسالم باقيهم ،ومجلتا
احلمد والصالة والسالم على من ذكر خربيتان لفظا إنشائيتان معىن ،إذ القصد باألوىل الثناء على اهلل بأنه مالك جلميع احلمد من اخللق،
وبالثانية إجياد الصالة والسالم ال االعالم بذلك ،وإن كان هو القصد هبما يف األصل( .الفائزين) أي الناجني والظافرين (من اهلل) متعلق
بقويل (بالقبول) ق ّدم عليه هنا وفيما يأيت رعاية للسجع،ـ وجيوز تعلقه مبا قبله.
---
( )1/2
( وبعد) يؤتى هبا لالنتقال من أسلوب إىل أسلوب آخر ،وأصلها أما بعد بدليل لزوم الفاء يف حيزها غالبا لتضمن أما معىن الشرط
واألصل مهما يكن من شيء بعد البسملة واحلمدلة والصالة والسالم على من ذكر( .فهذا) املؤلف احلاضر ذهنا (خمتصر) من
االختصار ،وهو تقليل اللفظ وتكثري املعىن( .يف األصلني) عرب به دون األصولني أي أصول الفقه وأصول الدين ،إيثارا للتخفيف
التصوف( .احتضرت فيه مجع اجلوامع للعالمة) شيخ اإلسالم عبد واالختصار( .وما معهما) من املقدمات والتقليد وآداب الفتيا وخامتة ّ
الوهاب( .التاج) ابن اإلمام شيخ اإلسالم تقي الدين( .السبكي رمحه اهلل) وتغمده بغفرانه ،وكساه ُحلِي رضوانه( .وأبدلت منه) أي من
مجع اجلوامع( .غري املعتمد والواضح هبما) أي باملعتمد والواضح( .مع زيادات حسنة) ستقف عليها إن شاء اهلل تعاىل( .ونبهت على
خالف املعتزلة) ولو مع غريهم( .بعندنا و) على خالف (غريهم) وحده( .باألصح غالبا) فيهما( .ومسيته لب األصول راجيا) أي
مرجو( .وينحصر
مؤمالً( .من اهلل) تعاىل( .القبول وأسأله النفع به) ملؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر املؤمنني( .فإنه خري مأمول) أي ّ
مقصوده) أي لب األصول( .يف مقدمات) بكسر الدال كمقدمة اجليش من قدم الالزم مبعىن تقدم ،وبفتحها على قلة كمقدمة الرجل يف
لغة من قدم املتعدي أي يف أمور متقدمة أو مقدمة على املقصود بالذات لالنتفاع هبا فيه مع توقفه على بعضها ،كتعريف احلكم
وأقسامه ،إذ يثبتها األصويل تارة وينفيها أخرى كما سيجيء( .وسبعة كتب) يف املقصود بالذات ،مخسة يف مباحث أدلة الفقه الكتاب
والسنة واإلمجاع والقياس واالستدالل .والسادس يف التعادل والرتاجيح .والسابع يف االجتهاد ،وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا وما ضم
إليه من علم الكالم املفتتح مبسألة التقليد يف أصول الدين املختتم مبا يناسبه من خامتة التصوف ،وهذا احلصر من حصر الكلي جزائه ال
الكلي يف جزئياته.
( )1/3
املقدمات
ليتصو ره طالبه مبا يضبط مسائله الكثرية ،ليكون على بصرية يف تطلبها ،إذ لو تطلبهاأي مبحثها .افتتحهتا كاألصل بتعريف أصول الفقه ّ
الفن املسمى هبذا اللقبـ املشعر مبدحه بابتغاء
قبل بطلها مل يأمن فوات ما يرجيه وصرف اهلمة إىل ما ال يعنيه فقلت (أصول الفقه) أي ّ
الفقه عليه ،إذ األصل ما يبىن عليه غريه( .أدلة الفقه اإلمجالية) أي غري املعينة كمطلقـ األمر واإلمجاع من حيث إنه يبحث عن ّأوهلما،
بأنه الوجوب حقيقة ،وعن ثانيهما بأنه حجة( .وطرق استفادة جزئياهتا) اليت هي أدلة الفقه التفصيلية املستفاد هو منها ،واملراد بالطرق
املرجحات اآليت أكثرها يف الكتاب السادس( .وحال مستفيدها) أي وصفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه اإلمجالية ،وهو اجملتهد ألنه
الذي يستفيدها باملرجحات عند تعارضها دون املقلد ،واملراد بصفاته شرائطه اآلتية يف الكتاب السابع ،ويعرب عنها بشروط االجتهاد،
وخرج بأدلة الفقه غري األدلة كالفقه ،وأدلة غري الفقه كأدلة الكالم وبعض أدلة الفقه وباإلمجالية التفصيلية وإن مل يتغاير إال باالعتبار
كأقيموا الصالة وال تقربوا الزنا ،وصالته صلى اهلل عليه وسلّم يف الكعبة ،فليست أصول الفقه ،وإمنا يذكر بعضها يف كتبه للتمثيل.
( وقيل) أصول الفقه (معرفتها) أي عرفة أدلة الفقه وما عطف عليها ،ورجح األول ألن األدلة وما عطف عليها إذا مل تعرف مل خترج
عن كوهنا أصوالً ،واألصل قال أصول الفقه دالئل الفقه اإلمجالية ،وقيل معرفتها ،مث قال واألصويل العارف هبا وبطرق استفادهتا
ومستفيدها خمالفا يف ذلك األصوليني باعرتافه ،وقرره يف منع املوانع مبا ال يشفي ،وقرره شيخنا العالمة اجلالل احمللي مبا ال مزيد عليه،
واستبعده أيضا شيخه العالمة الشمس الربماوي ،وقال ال يعرف يف املنسوب زيادة قيد من حيث النسبة على املنسوب إليه ،وعدلت عن
رد بأنه
قوله دالئل إىل قويل أدلة ،ألن املوجود هنا مجع قلة ال مجع كثرة ،وملا قيل إن فعائل مل يأت مجعا إلسم جنس بوزن فعيل ،وإن ّ
أتى نادرا كوصائد مجع وصيد.
واعلم أن لكل علم مبادىء وموضوعا ومسائل ،فمبادئه ما يتوقف عليه املقصود بالذات من تعريفه وتعريف أقسامه ،وفائدته وهي هنا
تصورها .وموضوعه أي ما يبحث يف ذلك العلمـ عن العلم بأحكام هلل وما يستمد منه ،وهو هنا علم الكالم والعربية واألحكام أي ّ
عوارضه الذاتية كأدلة الفقه هنا .ومسائله ما يطلب نسبة حمموله إىل موضوعه يف ذلك العلم ،كعلمنا هنا بأن األمر للوجوب حقيقة
والنهي للتحرمي كذلك.
تصورها ،ألنه من مبادىء أصول الفقه ،وال تصديق بثبوهتا ألنه من علم (والفقه علم حبكم) أي نسبة تامة ،فالعلم هبا تصديق بتعلقها ال ّ
الكالم( .شرعي) أي مأخوذ من الشرع املبعوث به النيب الكرمي( .عملي) أي متعلقـ بكيفية عمل قليب أو غريه ،كالعلم بوجوب النية يف
الوضوء وبندب الوتر( .مكتسب) ذلك العلم ملكتسبه( .من دليل تفصيلي) للحكم .فالعلم كاجلنس ،وخرج باحلكم العلم بالذات
كتصور اإلنسان والبياض والقيام ،وبالشرعي العلم باحلكم العقليـ واحلسي واللغوي والوضعي ،كالعلم بأن الواحد ّ والصفة والفعل
نصف االثنني ،وأن النار حمرقة ،وأن النور الضياء ،وأن الفاعل مرفوع ،وبالعملي العلم باحلكم الشرعي العلميـ أي االعتقادي ،كالعلم
يف أصول الفقه بأن اإلمجاع حجة ،والعلم يف أصول الدين بأن اهلل واحد ،وباملكتسب علم اهلل وجربيل مبا ذكر ،وكذا علم النيب به
احلاصل بوحي ،وعلمنا به بالضرورة بأن علم من الدين بالضرورة كإجياب الصالة والزكاة واحلج وحترمي الزنا والسرقة ،وبالدليل
التفصيلي العلم بذلك للمقلد ،فإنه من اجملتهد بواسطة دليل إمجايل ،وهو أن هذا احلكم أفتاه به املفيت ،وكل ما أفتاه به املفيت ،فهو حكم
اهلل يف حقه فعلمه مثالً بوجوب النية يف الوضوء كذلك ليس من الفقه ،وعربوا عن الفقه هنا بالعلم وإن كان لظنية أدلته ظنا كما عربوا
لقو ته قريب من العلم ،ونكرت العلم واحلكم وأفردهتما تبعا للعالمة الربماوي ،ألن به يف كتاب االجتهاد ،ألنه ظن اجملتهد الذي هو ّ
التحديد إمنا هو للماهية من غري اعتبار كمية أفرادها ،وألن يف تعبريي حبكم ال باألحكام الذي عرب به األصل كغريه سالمة من ورود
أن العلم جبميع األحكام ينايف قول كل من أكابر الفقهاء يف مسائل سئلوا عنها ال أدري ،وإن أجيب عنه بأهنم متهيئون للعلم بأحكامها
مبعاودة النظر وإطالق العلم على مثل هذا التهيوء شائع عرفا .يقال فالن يعلم النحو وال يراد أن مجيع مسائله حاضرة عنده مفصلة ،بل
إنه متهىيء لذلك.
( )1/4
( واحلكم خطاب اهلل) تعاىل أي كالمه النفسي األزيل املسمى يف األزل خطابا على األصح كما سيأيت( .املتعلق) إما (بفعل املكلف) أي
البالغ العاقل الذي مل ميتنع تكليفه تعلقا معنويا قبل وجوده أو بعد وجوده قبل البعثة ،وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة ،إذ ال حكم قبلها
كما سيأيت ذلك( .اقتضاء) أي طلبا للفعل وجوبا أو ندبا أو حرمة أو كراهة أو خالف األوىل( .أو ختيريا) بني الفعل وتركه أي إباحة
فيشمل ذلك الفعلـ القليب االعتقادي وغريه .والقويل وغريه والكف واملكلف الواحد كالنيب صلى اهلل عليه وسلّم يف خصائصه ،واألكثر
من الواحد( ،و) إما (بأعم) من فعلـ املكلف (وضعا وهو) اخلطاب (الوارد) بكون الشيء (سببا وشرطا ومانعا وصحيحا وفاسدا)
وسيأيت بياهنا ،فيشمل ذلك فعل املكلف كالزنا سببا لوجوب احلد ،وغري فعله كالزوال سببا لوجوب الظهر ،وإتالف غري املكلف
كالسكران سببا لوجوب الضمان ،وخطاب كاجلنس وخرج بإضافته إىل اهلل خطاب غريه ،وإمنا وجبت طاعة الرسول والسيد مثالً
بإجياب اهلل تعاىل أياها ،وبفعلـ املكلف خطاب اهلل تعاىل املتعلق بذاته وصفاته وذوات املكلفني واجلمادات ،كمدلول اهلل ال إله إال هو
خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسري اجلبال ،وباالقتضاء والتخيري والوضع مدلول وما تعملون من قوله {واهلل خلقكم وما
تعملون} فإنه متعلق بفعل املكلف ال باقتضاء وال ختيري ،وال وضع بل من حيث اإلخبار بأنه خملوق هلل ،وال يتعلق اخلطاب التكليفي
بفعل غري املكلف ووليه خماطب بأداء ما وجب يف ماله منه ،كما خياطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط يف حفظها لتنزل
الصيب كصالته املثاب عليها ليس ألنه مأمور هبا كما يف البالغ ،بل ليعتادها فال يرتكها ،ومبا تقرر
فعلها حينئذ منزلة فعله ،وصحة عبادة ّ
علم أن خطاب الوضع حكم شرعي متعارف ،وهو ما اختاره ابن احلاجب خالفا ملا جرى عليه األصل ،وذلك ألنه ال يعلم إال بوضع
الشرع كاخلطاب التكليفي ،بل قيل إنه ال حاجة لذكره ألنه داخل يف االقتضاء والتخيري ،إذ ال معىن لكون الزوال مثالً سببا لوجوب
الظهر إال إجياهبا عنده ،وال لكون الطهارة شرطا لالقدام على البيع إال إباحة االقدام عندها وحترميه عند فقدها .وقيل إنه ليس حبكم
حقيقة ألنه ليس بإنشاء بل خرب عن ترتب آثار هذه األمور عليها .قال الربماوي وليس هلذا اخلالف كبري فائدة ،بل هو خالف لفظي
وإذا ثبت أن احلكم خطاب اهلل( .فال يدرك حكم إال من اهلل) فال يدرك العقلـ شيئا مما يأيت عن املعتزلة املعرب عن بعضه باحلسن والقبح
باملعىن اآليت على األثر( .وعندنا) أيها األشاعرة (أن احلسن والقبح) لشيء (مبعىن ترتب) املدح و(الذم حاالً) والثواب (والعقاب مآالً)
كحسنـ الطاعة وقبح املعصية( .شرعيان) أي ال حيكم هبما إال الشرع املبعوث به الرسل .أي ال يدرك إال به وال يؤخذ إال منه ،أما عند
املعتزلة فعقليان .أي حيكم هبما العقلـ مبعىن أنه طريق إىل العلم هبما ميكن إدراكه به من غري ورود مسع ملا يف الفعل من مصلحةـ أو
مفسدة يتبعها حسنه أو قبحه عند اهلل .أي يدرك العقلـ ذلك إما بالضرورة كحسنـ الصدق النافع وقبح الكذب الضار ،أو بالنظر
كحسنـ الكذب النافع وقبح الصدق الضار ،وقيل العكس .والشرع يؤكذ ذلك أو بإعانة الشرع فيما خفي على العقل كحسن صوم
شوال وتركت كاألصل املدح والثواب للعلمـ هبما من ذكر مقابلهما األنسب بأصول آخر يوم من رمضان ،وقبح صوم ّأول يوم من ّ
املعتزلة ،إذ العقاب عندهم ال يتخلف وال يقبل الزيادة والثواب يقبلهما ،وإن مل يتخلف أيضا ،وخرج مبعىن ترتب ما ذكر احلسن
والقبح مبعىن مالءمة الطبع ومنافرته كحسن احللو وقبح املر ،ومبعىن صفة الكمال والنقص كحسن العلم وقبح اجلهل فعقليان ،أي حيكم
هبما العقلـ اتفاقا( .و)عندنا (أن شكر املنعم) وهو صرف العبد مجيع ما أنعم اهلل به عليه من السمع وغريه إىل ما خلق له (واجب
بالشرع) ال
---
( )1/5
بالعقل فمن مل يبلغه دعوة نيب ال يأمث برتكه خالفا للمعتزلة( .و)عندنا (أنه ال حكم) متعلقـ بفعل تعلقا تنجيزيا (قبله) أي الشرع أي
بعثة أحد من الرسل النتفاء الزمه حينئذ من ترتب الثواب والعقاب بقوله تعاىل {وما كنا معذبني حىت نبعث رسوالً}ف) أي وال
مثيبني فاغتىن عن ذكر الثواب بذكر مقابله األظهر يف حتقق معىن التكليف ،والقول بأن الرسول يف اآلية العقل وختصيص العذاب فيها
بالدنيوي خالف الظاهر( .بل) انتقالية ال إبطالية( .األمر) أي الشأن يف وجوب احلكم (موقوف إىل وروده) أي الشرع فال خمالفة بني
من عرب منا يف األفعالـ قبل البعثة بالوقف ،ومن نفى منا احلكم فيها .أما عند املعتزلة فاحلكم متعلقـ به تعلقا تنجيزيا قبل البعثة ،فإهنم
جعلوا العقلـ حاكما يف األفعالـ قبل البعثة فما قضى به يف شيء منها ضروري كالتنفس يف اهلواء أو اختياري خلصوصه بأن أدرك فيه
مصلحة أو مفسدة ،أو انتفاءمها ،فأمر قضائه فيه ظاهر ،وهو أن الضروري مقطوع بإباحته ،واالختياري خلصوصه ينقسم إىل األقسام
اخلمسة احلرام وغريه ،ألنه إن اشتمل على مفسدة فعله فحرامـ كالظلم ،أو تركه فواجب كالعدل ،وإال فإن اشتمل على مصلحة فعله
فمندوب كاإلحسان ،أو تركه فمكروه .،وإن مل يشتمل على مفسدة وال مصلحة فمباح ،فإن مل يقض العقل يف شيء منها خلصوصه
بأن مل يدرك فيه شيئا مما مر كأكل الفاكهة فاختلف يف قضائه فيه لعموم دليله على ثالثة أقوال أحدها أنه حمظور ألن الفعل تصرف يف
ملكـ اهلل تعاىل بغري إذنه إذ العامل كله ملك له تعاىل .وثانيها أنه مباح ألن اهلل تعاىل خلق العبد وما ينتفع به ،فلو مل يبح له كان خلقهما
عبثا أي خاليا عن احلكمة .وثالثها الوقف عنهما أي ال يدري أنه حمظور أو مباح مع أنه ال خيلو عن واحد منهما ،إما ممنوع منه
فمحظور أو ال فمباح ،وذلك لتعارض دليلهما ،وقد علم بطالن الثالثة مما مر من قوله تعاىل {وما كنا معذبني حىت نبعث رسوالً}.
تتمة :
أحل هلم} فإهنا تدل على سبق التحرمي واإلباحة لقوله لو وقع بعد البعثة صورة ال حكم فيها فثالثة أقوال احلظر آلية {يسألونك ماذا ّ
تعاىل {خلق لكم ما يف األرض مجيعا} والوقف لتعارض الدليلني.
( واألصح امتناع تكليف الغافل) وهو من ال يدري كالنائم والساهي ،ألن مقتضى التكليف بشيء اإلتيان به امتثاالً وذلك يتوقف على
العلم باملكلف به والغافل ال يعلم ذلك ،ومنه السكران وإن أجرى عليه حكم املكلف تغليظا عليه كما أوضحته يف حاشية شرح األصل
وغريها( .و)امتناع تكليف (امللجأ) وهو من يدري وال مندوحة له عما أجلىء إليه كالساقط من شاهق على شخص يقتله ال مندوحة له
األول واجب الوقوع ،والثاين ممتنعه وال قدرة عن الوقوع عليه القاتل له ،فيمتنع تكليفه بامللجأ إليه وبنقيضه لعدم قدرته على ذلك ،ألن ّ
ورد بأن
له على واحد منهما .وقيل جيوز تكليف الغافل وامللجأ بناء على جواز التكليف مبا ال يطاق كحمل الواحد الصحرة العظيمةّ ،
الفائدة يف التكليف بذلك من االختبار هل يأخذ يف املقدمات منتفية يف تكليف من ذكر ،وظاهر أن من ذكر ميتنع أن يتعلق به خطاب
غري وضعي بغري الواجب واحلرام أيضا ،وإن أوهم التعبري بالتكليف قصوره عليهما( .ال املكره) وهو من ال مندوحة له عما أكره عليه
إال بالصرب على ما أكره به ،فال ميتنع تكليفه باملكره عليه ،وإن خالف داعي اإلكراه داعي الشرع وال بنقيضه ،وإن وافقه على األصح
استُ ْك ِر ُهوا َعلَ ِيه» .وال الثاين مع املوافقة فيهما إلمكان الفعل ،لكن مل يقع األول مع املخالفة خلرب ِ
«رف َع َع ْن َّأميت اخلَطََأ والنِّسيا َن وما ْ
ُ ّ
األو ل ،وإمنا وقعا مع غري ذلك لقدرته على امتثال ذلك بأن يأيت باملكره عليه لداعي الشرع كمن أكره على أداء الزكاة قياسا على ّ
فنواها عند أخذها منه ،أو بنقيضه صابرا على ما أكره به ،وإن مل يكلف الصرب عليه كمن أكره على شرب مخر فامتنع منه صابرا على
العقوبة،
األول
وقيل ميتنع تكليفه بذلك لعدم قدرته على امتثاله ،إذ الفعل لإلكراه ال حيصل االمتثال به ،وال ميكن اإلتيان معه بنقيضه والقول ّ
األول آخرا وأدرج فيما صححه امتناع تكليف املكره على القتل ،فاحتاج لألشاعرة والثاين للمعتزلة وصححه األصل ورجع عنه إىل ّ
إىل اجلواب عن إمث القاتل اجملمع عليه بأنه ليس لإلكراه ،بل إليثاره نفسه بالبقاء على قتيله ،وعلى ما رجحناه ال حيتاج إىل اجلواب ،مث
ما ذكر يف تكليف املكره هو كالم األصوليني ،أما الفقهاء فاضطربت
---
( )1/6
أجوبتهم فيه حبسب قوة الدليل ،فمرة قطعوا مبا يوافق عدم تكليفه كعدم صحة عقوده وحلها وكالتلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن
األول
باإلميان ،ومرة قطعوا مبا يوافق تكليفه كإكراه احلريب واملرتد على اإلسالم وحنوه مما هو إكراه حبق ،ومرة رجحوا ما يوافق ّ
كإكراه الصائم على الفطر وإكراه من حلف على شيء فإنه ال يفطر وال حينث بفعل ذلك على الراجح ،ومرة رجحوا ما يوافق الثاين
كاالكراه على القتل فإه يأمث بالقتل إمجاعا ويلزمه الضمان قودا أو ماالً على الراجح .ال يقال التعبري بالتكليف قاصر على الوجوب
واحلرمة بناء على أن التكليف إلزام ما فيه كلفة ألنا مننع ذلك ،فإن ما عدامها الزم للتكليف ،إذ لوال وجوده مل يوجد ما عدامها أال
ترى إىل انتفائه قبل البعثة كانتفاء التكليف( .ويتعلق اخلطاب) من أمر أو غريه فهو أعم من قوله ويتعلقـ األمر (عندنا) أيها األشاعرة
(باملعدوم تعلقا معنويا) مبعىن أنه إذا وجد بصفة التكليف يكون خماطبا بذلك اخلطاب النفسي األزيل ال تعلقا تنجيزيا بأن يكون حال
عدمه خماطبا ،أما املعتزلة فنفوا التعلق املعنوي أيضا لنفيهم الكالم النفسي( ،فإن اقتضى) أي طلب اخلطاب الذي هو كالم اهلل النفسي
(فعالً غري كف) من املكلف (اقتضاء جازما) بأن مل جيز تركه (فإجياب) أي فهذا اخلطاب يسمى أجيابا (أو) اقتضاء (غري جازم) بأن
جو ز تركه (فندب أو) اقتضى (كفا) اقتضاء (جازما) بأن مل جيز فعله( .فتحرمي أو) اقتضاء (غري جازم بنهي مقصود) لشيء كالنهي يف ّ
خري الصحيحني «إذا دخل أحدكم املسجد فال جيلس حىت يصلي ركعتني (فكراهة) .أي فاخلطاب املدلول عليه باملقصود يسمى كراهة
وال خيرج عن املقصود دليل املكروه إمجاعا أو قياسا ،ألنه يف احلقيقة مستند اإلمجاع أو دليل املقيس عليه ،وذلك من املقصود وقد
جتوزا فيقولون يف يعربون عن اإلجياب والتحرمي بالوجوب واحلرمة ألهنما أثرمها ،وقد يعربون عن اخلمسة مبتعلقاهتا من األفعال كالعكس ُّ
األول احلكم إما واجب أو مندوب اخل .ويف الثاين الفعلـ إما إجياب أو ندب اخل( .أو بغري مقصود) وهو النهي عن ترك املندوبات
املستفاد من أوامرها ،إذ األمر بشيء يفيد النهي عن تركه( .فخالف األوىل) أي فاخلطاب املدلول عليه بغري املقصود يسمى خالف
األوىل كما يسماه متعلقه فعالً غري كف كان كفطر مسافر ال يتضرر بالصوم كما سيأيت ،أو كفا كرتك صالة الضحى ،والفرق بني
قسمي املقصود وغريه أن الطلب يف املقصود أش ّد منه يف غريه ،والقسم الثاين وهو واسطة بني الكراهة واإلباحة زاده مجاعة من متأخري
الفقهاء منهم إمام احلرمني على األصوليني ،وأما املتقدمون فيطلقون املكروه على القسمني ،وقد يقولون يف األول مكروه كراهة
شديدة ،كما يقال يف قسم املندوب سنة مؤكدة ،وعلى ما عليه األصوليون يقال أو غري جازم فكراهة( .أو خري) اخلطاب بني الفعل
املذكور والكف عنه (فإباحة) وتعبريي خبري سامل مما يرد على تعبريه بالتخيري من أنه يقتضي أن يف اإلباحة اقتضاء وليس كذلك ،وإن
كان عن اإليراد جواب وزدت غري كف ألسلم من مقابلة الفعل بالكف الذي عرب عنه األصل بالرتك هو ال يقابل به ،إذ الكف فعل
والرتك فعل هو كف كما سيأيت( .و)مبا ذكر (عرفت حدودها) أي حدود املذكورات من أقسام خطاب التكليف ،فحد اإلجياب مثالً
اخلطاب املقتضي لفعل غري كف اقتضاء جازما ،وأما حدود أقسام خطاب الوضع فتعرف من حده املشهور الذي قدمته وهو اخلطاب
الوارد بكون الشيء سببا اخل .فح ّد السبيب منه مثالً اخلطاب الوارد بكون الشيء سببا حلكم شيء ،وأما حدود السبب وغريه من أقسام
متعلقـ خطاب الوضع فسيأيت ،وكذا حد احلد باجلامع املانع الدافع لالعرتاض بأ ّن ما عرف رسوم ال حدود ،ألن املميز فيها خارج عن
املاهية( .واألصح ترادف) لفظي (الفرض والواجب) أي مسمامها واحد وهو كما علم من ح ّد اإلجياب الفعل غري الكف املطلوب طلبا
علي ال
علي تطلق أو فرض ّ جازما ،وال ينايف هذا ما ذكره أئمتنا من الفرق بينهما يف مسائل ،كما قالوا فيمن قال الطالق واجب ّ
تطلق ،إذ ذاك ليس للفرق بني حقيقتيهما ،بل جلريان العرف بذلك أو الصطالح آخر كما بينته مع زيادة حتقيق يف احلاشية .ونفت
احلنفية ترادفهما فقالوا هذا الفعلـ إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض كقراءة القرآن يف الصالة الثابتة بقوله تعاىل {فاقرأوا ما
ملن مَل يقرأ
صالَةَ ْ
تيسر من القرآن} أو بدليل ظين كخرب الواحد فهو الواجب كقراءة الفاحتة يف الصالة الثابتة خبرب الصحيحني «ال َ
---
( )1/7
تاب » فيأمث برتكها وال تفسد به صالته خبالف ترك القراءة( .كاملندوب) أي كما أن األصح ترادف ألفاظ املندوب بفاحِت ِة ِ
الك ِ َ
والتطوع والسنّة) واحلسن والنفل واملرغب فيه أي مسماها واحد وهو كما علم من حد الندب الفعل غري الكف املطلوب ّ (واملستحب
طلبا غري جازم ،ونفى القاضي حسني وغريه ترادفها فقالوا هذا الفعل إن واظب عليه النيب صلى اهلل عليه وسلّم فهو السنّة ،إال كأن فعله
التطوع ،ومل يتعرضوا للبقية لعمومها لألقسام
مرة أو مرتني فهو املستحب ،أو مل يفعله وهو ما ينشئه اإلنسان باختياره من األوراد فهو ّ
الثالثة( .واخللف) يف املسألتني (لفظي) أي عائد إىل اللفظ والتسمية ،إذ حاصله يف الثانية أن كالًّ من األقسام الثالثة كما يسمى باسم
والتطوع
ّ من األمساء الثالثة كما ذكر هل يسمى بغريه منها .فقال القاضي وغريه ال إذ السنة الطريقة والعادة واملستحب احملبوب
الزيادة ،واألكثر يعم ويصدق على كل من األقسام أنه طريقة وعادة يف الدين وحمبوب للشارع وزائد على الواجب .ويف األوىل أن ما
ثبت بقطعي كما يسمى فرضا هل يسمى واجبا ،وما ثبت بظين كما يسمى واجبا هل يسمى فرضا؟ فعند احلنفية ال أخذا للفرض من
قطع بعضه ،وللواجب من وجب الشيء وجبة سقط وما ثبت بظين ساقط من قسم املعلوم ،وعندنا نعم أخذا من فرض الشيء حزه أي ُ
وكل من املقدر والثابت أعم من أن يثبت بقطعي أو ظين ومأخذنا أكثر استعماالً مع أهنم فرض الشي ق ّدره ووجب الشيء وجوبا ثبت ّ
نقضوا أصلهم يف أشياء منها جعلهم مسح ربع الرأس والقعدة يف آخر الصالة والوضوء من الفصد فرضا مع أهنا مل تثبت بدليل قطعي،
وما مر من أن ترك الفاحتة من الصالة ال يفسدها عندهم أي دوننا ال يضر يف أن اخللف لفظي ،ألنه كم فقهي ال دخل له يف التسمية.
( و) األصح (أنه) أي املندوب (ال جيب) بالشروع فيه (إمتامه) ألن املندوب جيوز تركه وترك إمتامه املبطل ملا فعل منه ترك له .وقالت
«الصائم
ُ احلنفية جيب إمتامه لقوله تعاىل {وال تبطلوا أعمالكم} حىت جيب برتك الصالة والصوم منه إعادهتما وعورض يف الصوم خبرب
صام وإ ْن َشاءَ أفْطََر » رواه الرتمذي وغريه ،وصحح احلاكم إسناده ،ويقاس بالصوم الصالة فال تشملهما ِ
املتطوعُ أمريُ َن ْفسه إن شاءَ َ
ِّ
اآلية مجعا بني األدلة( .ووجب) إمتامه (يف النسك) من حج أو عمرة (ألنه كفرضه نية) فإهنا يف كل منهما قصد الدخول يف النسك أي
التلبس به (وغريها) ككفارة فإهنا جتب يف كل منهما بالوطء املفسد له وكانتفاء اخلروج بالفساد ،فإن كالًّ منهما ال حيصل اخلروج منه
املضي يف فاسده وغري النسك ليس نفله كفرضه فيما ذكر ،فالنية يف نفل الصالة والصوم غريمها يف فرضهما، بفساده ،بل جيب ّ
والكفارة يف فرض الصوم دون نفله ودون الصالة مطلقاـ وبفسادمها حيصل اخلروج منهما مطلقا ،ففارق النسك املندوب غريه من باقي
املندوب يف وجوب إمتامه ،وتعبريي بالنسك أعم من تعبريه باحلج ،مث أخذت يف بيان متعلق خطاب الوضع من سبب وغريه فقلتـ
(والسبب) الشرعي هنا (وصف)وجودي أو عدمي (ظاهر منضبط معرف للحكم) الشرعي ال مؤثر فيه بذاته ،أو بإذن اهلل أو باعث
عليه كما قال بكل قائل كما سيأيت بياهنا يف معىن العلة ،وهذا التعريف مبني ملفهوم السبب ،وبه عرف املصنف يف شرح املختصر
األول واملعرب عنه هنا بالسبب هو املعرب عنه يف القياس بالعلة ،كالزنا
كاآلمدي وعرفه يف األصل مبا يبني خاصته ،ولذلك عدلت عنه إىل ّ
لوجوب اجللد ،والزوال لوجوب الظهر ،واإلسكار حلرمة اخلمر ،ومن قال ال يسمى الوقت السبيب كالزوال علة نظر إىل اشرتاط املناسبة
املعرف وهو احلق وخرج مبعرف احلكم املانع وسيأيت.يف العلة .وسيأيت أهنا ال يشرتط فيها بناء على أهنا ّ
---
( )1/8
( )1/9
أبواب الفقه كاخللع والكتابة الصطالح آخر ،وقالت احلنفية خمالفته الشرع بأن كان منهيا عنه إن كانت لكون النهي عنه ألصله فهي
البطالن كما يف الصالة الفاقدة شرط أو ركنا ،وكما يف بيع املالقيح لفقد ركن من البيع أو لوصفه فهي الفساد كما يف صوم يوم
النحر لالعراض بصومه عن ضيافة اهلل للناس بلحوم األضاحي اليت شرعها فيه ،وكما يف بيع الدرهم بدرمهني الشتماله على الزيادة فيأمث
به ويفيد بالقبض ملكا خبيثا أي ضعيفا ولو نذر صوم يوم النحر صح نذره ،ألن اإلمث يف فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص
عن اإلمث ويفي بالنذر ،ولو صامه ويف بنذره ألنه ّأدى الصوم كما التزمه ،فقد اعت ّد بالفاسد ،أما الباطل فال يعتد به وضعف ذلك بأن
التفرقة إن كانت شرعية فأين دليلها بل يبطلها قوله تعاىل {لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا} حيث مسى اهلل تعاىل ما مل يثبت أصالً
فاسدا وإن كانت عقلية ،فالعقل ال حيتج به يف مثل ذلك (واخللف لفظي) من زياديت أي عائد إىل اللفظ والتسمية ،إذ حاصله أن خمالفة
ما ذكر الشرع بالنهي عنه ألصله كما تسمى بطالنا هل تسمى فسادا أو لوصفه .كما يسمى فسادا هل تسمى بطالنا ،فعندهم ال
وعندنا نعم( .واألصح أن األداء فعل العبادة) صوما أو صالة أو غريمها (أو) فعل (ركعة) من الصالة (يف وقتها) مع فعل البقية بعده
واجبة كانت أو مندوبة ،وتعبريي بالركعة هنا وبدوهنا يف القضاء أوىل ن تعبريه بالبعض ملا ال خيفى ،وخلرب الصحيحني «من أدرك ركعة
من الصالة فقد أدرك الصالة» أي مؤداة ،وقيل األداء فعلـ العبادة يف وقتها ففعلـ بعضها فيه ولو ركعة وبعضها بعده ال يكون أداء
حقيقة كما ال يكون قضاء ،كذلك ،بل يسمى بأحدمها جمازا بتبعية ما يف الوقت ملا بعده أو بالعكس ،وهذا ما عليه األصوليون،
واعتبار الركعة يف األداء ودوهنا يف القضاء كما سيأيت ذكره الفقهاء ،وإمنا ذكرته هنا تبعا لألصل ،واخلرب املذكور قد ال يدل على ما
املؤداة
ذكروه الحتمال أنه فيمن زال عذره كجنون وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة فيجب عليه الصالة( .وهو) أي وقت العبادات ّ
(زمن مقدر هلا شرعا) موسعا كان كزمن الصلوات املكتوبة وسننها أو مضيقا كزمنـ صوم رمضان أو األيام البيض ،فما مل يقدر له
زمن شرعا كنذر ونفل مطلقني وغريمها وإن كان فوريا كاإلميان ال يسمى فعله أداء وال قضاء اصطالحا ،وإن كان الزمن ضروريا
لفعله ،ومن ذلك ما وقته العمر كاحلج وتسمية بعضهم لوقته موسعا جماز ،إذ املوسع ما يعلم املكلف آخره وآخر العمر ال يعلمه فال
يسمى فعله أداء وال قضاء اصطالحا ،بل يسمامها جمازا أو لغة كأداء الدين وقضائه نبه على ذلك العالمة الربماوي.
( و)األصح (أن القضاء فعلها) أي العبادة (أو) فعلها (إال دون ركعة بعد وقتها) والفرق بني ذي الركعة وما دوهنا أهنا تشتمل على
معظمـ أفعال الصالة ،إذ معظم الباقي كالتكرير هلا فجعل ما بعد الوقت تابعا هلا ،خبالف ما دوهنا ،وقيل القضاء فعل العبادة أو بعضها
ولو دون ركعة بعد وقتها ،وبعض الفقهاء حقق فسمى ما يف الوقت أداء وما بعده قضاء( .تداركا) بذلك الفعل (ملا سبق لفعله مقتض)
وجوبا أو ندبا سواء كان املقتضي من املتدارك كما يف قضاء الصالة املرتوكة بال عذر أم من غريه ،كما يف قضاء النائم الصالة
واحلائض الصوم ،فإنه سبق لفعلهما مقتض من غري النائم واحلائض ال منهما ،وإن انعقد سبب الوجوب أو الندب يف حقهما وخرج
بالتدارك إعادة الصالة املؤداة يف الوقت بعده( .و)األصح (أن اإلعادة فعلها) أي العبادة (وقتها ثانيا مطلقا) سواء أكان لعذر من خلل
يف فعلها أوالً أو حصول فضيلة مل تكن يف فعلها أوالً لكون اإلمام أعلم أو أورع أو اجلمع أكثر أو املكان أشرف ،أم لغري عذر ظاهر
األول وعليه األكثر ،وقيل بالعذر الشامل للخلل وحلصول بأن استوت اجلماعتان أو زادت األوىل بفضيلة ،وقيل اإلعادة خمتصة خبلل يف ّ
األو ل ،وذكر األول أن زياديت وهو ما اختاره األصل يف شرح املختصر ،وميكن محل أول كالمه هنا عليه كما بينته فضيلة مل تكن يف ّ
يف احلاشية ،ومبا ذكر علم تعريف املؤدي واملقضي واملعاد بأن يقال على األصح املؤدي مثالً ما فعل مما مر يف األداء يف وقته ،وقس به
اآلخرين وأن اإلعادة قسم من األداء فهي أخص منه وعليه األكثر ،وقيل قسيم له وعليه مشى البيضاوي حيث قال العبادة إن وقعت يف
خمتل فأداء ،وإال فإعادة لكن كالمه يف املرصاد خيالفه ،وقد ذكرته يف احلاشية مع زيادة.
وقتها املعني ومل تسبق بأداء ّ
---
( )1/10
( واحلكم) أي الشرعي إذ الكالم فيه (إن تغري) من حيث تعلقه من صعوبة له على املكلف (إىل سهولة) كأن تغري من حرمة شيء إىل
حله (لعذر مع قيام السبب للحكم األصلي) املتخلف عنه للعذر( ،فرخصة) أي فاحلكم السهل املذكور يسمى رخصة وهي بإسكان
اخلاء أكثر من ضمها لغة السهولة( .واجبة ومندوبة ومباحة .وخالف األوىل) هذه الصفاتـ الالزمة بيان ألقسامـ الرخصة املمثل هلا على
هذا الرتتيب بقويل (كأكل ميتة ملضطر (وقصر) من مسافر بقيد زدته بقويل (بشرطه) بأن كره القصرـ أو شك يف جوازه ،وكان سفره
يبلغ ثالث مراحل فأكثر ومل خيتلف يف جواز قصره كما هو معلومـ من حمله( ،وسلم) وهو بيع موصوف يف الذمة بلفظ سلم (وفطر
مسافر) يف زمن صوم واجب أصالة أو بنذر أو قضاء ما فات بال تع ّد (ال يضره الصوم) فإن ضره فالفطر أوىل ،واملعىن أن الرخصة
كحل املذكورات من وجوب وندب وإباحة وخالف األوىل وحكمها األصلي احلرمة وأسباهبا اخلبث يف امليتة ،ودخول وقيت الصالة
والصوم يف القصر والنظر ألنه سبب لوجوب الصالة تامة والصوم والغرر يف السلم ،وهي قائمة حال احلل وأعذار احلل االضطرار
ومشقة السفر ،واحلاجة إىل مثن الغالت قبل إدراكها ،وسهولة الوجوب يف أكل امليتة ملوافقته غرض النفس يف بقائها ،وقيل إنه عزمية
لصعوبته ومن الرخصة املباحة إباحة ترك اجلماعة يف الصالة ملرض أو حنوه ،وحكمه األصلي الكراهة وسببها قائم حال اإلباحة ،وهو
االنفراد فيما يطلب فيه االجتماع من شعائر اإلسالم ،وقد بينت يف احلاشية كمية أقسام الرخصة احلاصلة باالنتقال من حكم إىل آخر،
«إن اللَّهُ حُيِ ُّ
ب َأ ْن ُتْؤ تَى ُرخصه» .وما قيل وقضية ما ذكر أن الرخصة ال تكون حمرمة وال مكروهة ،وهو كما قال العراقي ظاهره ،خرب َّ
من أهنا تكون كذلك حيث قيل إن االستنجاء بذهب أو فضة جيزىء مع أنه حرام ،وأن القصر لدون ثالث مراحل جائز مع أنه مكروه
كما قاله املاوردي .أجيب عن أوهلما بأن االستنجاء مبا ذكر جائز على
الصحيح أي يف غري ما طبع أو هىيء لذلك ،أما فيه فيجاب بأن هذه احلرمة ليست خلصوص االستنجاء حىت تكون رخصة ،بل لعموم
االستعمال .وعن ثانيهما بأن املاوردي أراد أنه مكروه كراهة غري شديدة وهي مبعىن خالف األوىل ،ولك أن تقول الرخصة إمنا مل
توصف باحلرمة لصعوبتها مطلقا ،وهذا منتف يف الكراهة كخالف األوىل ألهنما سهالن بالنسبة إىل احلرمة.
( وإال) أي وإن مل يتغري احلكم كما ذكر بأن مل يتغري كوجوب املكتوبات أو تغري إىل صعوبة كحرمة االصطياد باإلحرام بعد إباحته
قبله ،أو إىل سهولة ال لعذر كحل ترك الوضوء لصالة ثانية مثالً ملن مل حيدث بعد حرمته مبعىن أنه خالف األوىل ،أو لعذر ال مع قيام
السبب للحكم األصلي كإباحة ترك ثبات واحد منا لعشرة من الكفار يف القتال بعد حرمته ،وسببها قلتنا ومل يبق حال اإلباحة لكثرتنا
حينئذ ،وعذر اإلباحة مشقة الثبات املذكور ملا كثرنا( .فعزمية) أي فاحلكم غر املتغري أو املتغري إليه الصعبـ أو السهل املذكور آنفا
يسمى عزمية ،وهي لغة القصد املصمم من عزمت على الشيء جزمت به وصممت عليه عزما وعزما وعزميا وعزمية ألنه عزم أمره أي
قطع وحتم وصعب على املكلف أو سهل ،وظاهر كالم كثري انقسامها إىل األحكام الستة ،وبه صرح الشمس الربماوي ،لكن اإلمام
الرازي خصها بغري احلرمة ،والغزايل واآلمدي وغريمها بالوجوب ،والقرايف بالوجوب والندب ،واعرتض تعريفا الرخصة والعزمية
بوجوب ترك الصالة والصوم على احلائض ،فإنه عزمية ويصدق به تعريف الرخصة .وأجيب مبنع الصدق فإن احليض وإن كان عذرا يف
الرتك مانع من الفعل ،ومن مانعيته نشأ وجوب الرتك وتقسيم احلكم إىل الرخصة والعزمية كما ذكر أقرب إىل اللغة من تقسيم اإلمام
الرازي وغريه الفعلـ الذي هو متعلقـ احلكم إليهما( .والدليل) لغة املرشد وما به اإلرشاد واصطالحا (ما) أي شيء (ميكن التوصل) أي
الوصول بكلفة (بصحيح النظر فيه إىل مطلوبـ خربي)
---
( )1/11
بأن يكون النظر فيه من اجلهة اليت من شأهنا أن ينتقل الذهن هبا إىل ذلك املطلوب املسماة وجه الداللة بفتح الدال أفصح من كسرها،
املؤدي إىل علم أو ظن كما سيأيت
واخلربي ما خيرب به ،ومعىن الوصول إليه مبا ذكر علمه أو اعتقاده أو ظنه فالنظر هنا الفكر ال بقيد ّ
حذرا من التكرار ،والفكر حركة النفس يف املعقوالت خبالفها يف احملسوسات ،فإهنا ختييل ال فكر ،وكأهنم ضمنوا احلركة اعتبار قصدها
فيخرج احلدس وما يتوارد على النفس يف املعقوالت بال قصد كما يف النوم والنسيان ،ويطلق الفكر أيضا على حركة النفس من
املطالب إىل املبادىء ،مث الرجوع منها إليها ،ومشل التعريف الدليل القطعيـ كالعامل لوجود الصانع والظين كالنار لوجود الدخان،
وأقيموا الصالة لوجوهبا بناء على طريقة األصوليني والفقهاء من أن مطلوهبم العمل وهو ال يتوقف على العلم ،خبالف طريقة املتكلمني
واحلكماء ،فإن مطلوهبم العلم وهلذا زادوا لفظة يف التعريف ،فقالوا إىل العلم مبطلوب خربي فبالنظر الصحيح يف األدلة املذكورة أي
حبركة النفس فيما تعقله منها مما من شأنه أن ينتقل به إىل تلك املطلوبات ،كاحلدوث يف األول ،واإلحراق يف الثاين ،واألمر بالصالة يف
الثالث يصل إىل تلك املطلوبات بأن ترتب هكذا العامل حادث وكل حادث له صانع فالعامل له صانع .النار شيء حمرق وكل حمرق له
دخان فالنار هلا دخان .أقيموا الصالة أمر هبا وكل أمر بشيء لوجوبه حقيقة فأقيموا الصالة لوجوهبا حقيقة ،وقالوا ميكن التوصل دون
يتوصل ألن الشيء يكون دليالً ،وإن مل يوجد النظر املتوصل به فالدليل مفرد ،ويقال له املادة واإلمكان يكون قبل الفكر فيه ،أما بعده
فال بد من قضيتني صغرى مشتملة على موضوع املطلوب كما رأيت.
وأما الدليل عند املناطقة فقضيتان فأكثر تكون عنهما قضية أخرى فهو عندهم مركب ،ويقال له املادة والصورة ،وخرج بصحيح النظر
فاسده فال ميكن التوصل به إىل املطلوب النتفاء وجه الداللة عنه ،وإن أدى إليه بواسطة اعتقاد أو ظن كما إذا نظر يف العامل والنار من
يؤدي إىل وجودمها هذان النظران ممن اعتقد أن حيث البساطة ،فإهنما ليسا من شأهنما أن ينتقل هبما إىل وجود الصانع والدخان ،لكن ّ
ظن أن كل مسخنـ له دخان كذا قيل ،وهو ظاهر يف املطلوب االعتقادي والظين ال العلمي ملا العامل بسيط وكل بسيط له صانع ،وممن ّ
سيأيت أن العلم ال يقبل النقض ،وظاهر أن احلاصل بذلك يقبله إذا تبني فساد النظر .وباخلربي املطلوب التصوري ،فيتوصل إليه باحلد
بأن يتصور بتصوره كاحليوان الناطق حدا لإلنسان ،وسيأيت حد احلد الشامل لذلك ولغريه.
( والعلم) باملطلوب احلاصل (عندنا) أيها األشاعرة (عقبه) أي عقب صحيح النظر عادة عند األشعري وغريه فال يتخلف إال خرقا للعادة
كتخلف اإلحراق عن مماسة النار ،أو لزوما عند اإلمام الرازي وغريه ،فال ينفك أصالً كوجود اجلوهر لوجود العرض( .مكتسب)
للناظر (يف األصح) ألن حصوله عن نظره املكتسب له ،وقيل ال ألن حصوله اضطراري ال قدرة على دفعه فال خالف إال يف التسمية
وهي باملكتسب أنسب والتصحيح من زياديت ،وكالعلم فيما ذكر الظن وإن مل يكن بينه وبني أمر ما ارتباط حبيث ميتنع ختلفه عنه عقالً
أو عادة ،ألن النتيجة الزمة للقضيتني وإن كانتا ظنيتني ،وزواله بعد حصوله ال مينع حصوله لزوما أو عادة وخرج بعندنا العتزلة فقالوا
النظر يولد العلمـ كتوليد حركة اليد حلركة املفتاح عندهم ،وعلى وزانه يقال الظن احلاصل متولد عن النظر عندهم( .واحلد) لغة املنع
واصطالحا عند األصوليني( .ما مييز الشيء عن غريه) وال مييز كذلك إال ما ال خيرج عنه شيء من أفراد احملدود ،وال يدخل فيه شيء
من غريها ،واألول وهو من زياديت مبني ملفهوم احل ّد وهلذا زدته ،والثاين خلاصته وهو مبعىن قول القاضي أيب بكر الباقالين املذكور بقويل
(ويقال) احلد (اجلامع) أي ألفراد احملدود (املانع) أي من دخول غريها فيه (و)يقال أيضا احلد (املطرد) أي الذي كلما وجد وجد حملدود
فال يدخل فيه شيء من غري أفراد احملدود فيكون مانعا( .املنعكس) أي الذي كلما وجد احملدود وجد هو فال خيرج عنه شيء من أفراد
احملدود فيكون جامعا ،فمؤدى العبارتني واحد واألوىل أوضح فيصدقان باحليوان الناطق حدا لإلنسان خبالف ح ّده باحليوان الكاتب
بالفعل ،فإنه غري جامع وغري منعكس ،وباحليوان املاشي فإنه غري مانع وغري مطرد وتفسري املنعكس ،مبا ذكر املوافق للعرف واللغة حيث
يقال كل إنسان ناطق ،وبالعكس وكل إنسان حيوان ،وال عكس أظهر يف معىن اجلامع من تفسري ابن احلاجب وغريه له ،بأنه كلما
انتفى احل ّد انتفى
احملدود الالزم لذلك التفسري ،ومبا ذكر علم أنه قد يكون للشيء ح ّدان فأكثر ،كقوهلم احلركة نقلة وزوال وذهاب يف جهة وهو
املختار ،كما نقله الزركشي عن القاضي عبد الوهاب بعد نقله عن غريه خالفه.
( )1/12
( والكالم) النفسي (يف األزل يسمى خطابا) حقيقة يف األصح بتنزيل املعدوم الذي سيوجد منزلة الوجود ،وقيل ال يسماه حقيقة لعدم
من خياطب به إذ ذاك ،وإمنا يسماه حقيقة فيما ال يزال عند وجود من يفهم وإمساعه إياه ما بلفظ كالقرآن ،أو بال لفظ كما وقع ملوسى
(يتنوع) إىل أمر وهني وخرب
عليه الصالة والسالم خرقا للعادة ،وقيل مسعه بلفظ من مجيع اجلهات لذلك( .و)الكالم النفسي يف األزل ّ
يتنوع إليها فيما ال يزال عند
يتنوع إليها لعدم من تتعلقـ به هذه األشياء إذ ذاك ،وإمنا ّ
وغريها( .يف األصح) بالتنزيل السابق ،وقيل ال ّ
وجود من يتعلق به فتكون األنواع حادثة مع قدم املشرتك بينها ،وهذا يلزمه حمال وهو وجود اجلنس جمردا عن أنواعه إال أن يراد أهنا
تنوعه إليها على األول حبسب التعلقات أيضا لكونه خلوه عنها حتدث حبسب التعلقات كما أن ّ أنواع اعتبارية أي عوارض له جيوز ّ
صفة واحدة كالعلم وغريه من الصفات ،فمن حيث تعلقه يف األزل أو فيما ال يزال بشيء على وجه االقتضاء لفعله يسمى أمرا أو
لرتكه يسمى هنيا ،وعلى هذا القياس ،وأخرت كاألصل هاتني املسألتني عن الدليل ألن موضوعهما مدلوله يف اجلملة واملدلول متأخر
عن الدليل ،وإمنا قدمتا على النظر املتعلقـ بالدليل أيضا ألن موضوعهما أش ّد ارتباطا منه بالدليل ألنه مقصود من الدليل والنظر من آالت
(يؤدي) أي يوصل (إىل علم أو اعتقاد) حتصيله( (.والنظر) لغة يقال ملعان منها االعتبار والرؤية واصطالحا (فكر) .وتقدم تفسريه ّ
املؤدي إىل ذلك كأكثر
تصوري يف العلم واالعتقاد ،فخرج الفكر غري ّ ظن) مبطلوبـ خربي فيها أو ّ والتصريح به من زياديت( ،أو ّ
حديث النفس فليس بنظر ومشل التعريف النظر
يؤد ي إىل ذلك بواسطة اعتقاد أو ظن كما مر بيانه ،وإن مل يستعمل بعضهم التأدية إال فيما الصحيح من قطعي وظين ،والفاسد فإنه ّ
الظن ال إىل العلم ملا مر يف تعريف الدليل( .واإلدراك) لغة الوصول
يؤدي بنفسه كذا قيل ،وظاهر أنه خاص بتأديته إىل االعتقاد أو ّّ
واصطالحا وصول النفس إىل متام املعىن من نسبة أو غريها (بال حكم) معه من إدراك وقوع النسبة أو ال وقوعها (تصور) ساذج،
ويسمى علما أيضا كما علم مما مر ،أما وصول النفس إىل املعىن ال بتمامه فيسمى شعورا( .وبه) أي باحلكم أي واإلدراك للنسبة
(تصو ر بتصديق) أي معه كإدراك اإلنسان والكاتب وثبوت الكتابة له ،وأن النسبة واقعة أوالً يف وطرفيها مع احلكم املسبوق بذلكّ .
التصديق بأن اإلنسان كاتب أو أنه ليس بكاتب الصادقني يف اجلملة( .وهو) أي التصديق (احلكم) وهذا من زياديت وهو رأي احملققني،
وقيل التصديق التصور مع احلكم ،وعليه جرى األصل ،فالتصورات السابقة على احلكم على هذا شطر منه ،وعلى األول شرط له،
وتفسريي له بأنه إدراك وقوع النسبة أو ال وقوعها هو رأي متقدمي املناطقة .قال القطب الرازي وغريه من احملققني وهو التحقيق ،وأما
متأخروهم ففسروه بإيقاع النسبة أو انتزاعها ،وقدماؤهم قالوا اإليقاع واالنتزاع وحنومها عبارات وألفاظ أي توهم أن للنفس بعد تصور
النسبة وطرفيها فعالً وليس كذلك ،فاحلكم عندهم من مقولة االنفعال ،وعند متأخريهم من مقولة الفعل.
( وجازمه) أي احلكم أي واحلكم اجلازم (إن مل يقبل تغريا) بأن كان ملوجب من حس ولو باطنا أو عقل أو عادة ،فيكون مطابقا للواقع.
(فعلم) كاحلكم بأن به جوعا أو عطشا أو بأن زيدا متحرك ممن رآه متحركا أو بأن العامل حادث ،أو بأن اجلبل من حجر( .وإال) أي
وإن قبل التغري بأن مل يكن ملوجب مما ذكر طابق الواقع أو ال .إذ يتغري األول بالتشكيك والثاين به أو باالطالع على ما يف نفس األمر.
(فاعتقاد) وهو اعتقاد (صحيح إن طابق) الواقع كاعتقاد املقلد سنية الضحى( ،وإال) أي وإن مل يطابق الواقع (ففاسد) كاعتقاد
الفلسفي قدم العامل( ،و)احلكم (غري اجلازم ظن ووهم وشك ألنه) أي غري اجلازم إما (راجح) لرجحان احملكوم به على نقيضه فالظن،
أو مرجوح) ملرجوحية احملكوم به لنقيضه فالوهم ،أو مساو) ملساواة احملكوم به من كل من النقيضني على البدل لآلخر فالشك فهو
خبالف ما قبله حكمان ،كما قال إمام احلرمني والغزايل وغريمها الشكـ اعتقادان يتقاوم سببهما .وقال بعض احملققني ليس الوهم والشك
الرتدد يف الوقوع والالوقوع ،فما أريد مما مر من أن العقلـ
من التصديق أي بل من التصور ،إذ الوهم مالحظة الطرف املرجوح والشك ّ
حيكم باملرجوح أو املساوي عنده ممنوع على هذا ،وقد أوضحت ذلك يف احلاشية ،وقد يطلق العلم على الظن كعكسه جمازا ،فاألول
علمتموهن مؤمنات} أي ظننتموهن والثاين كقوله تعاىل {الذين يظنون أهنم مالقو رهبم} أي يعلمون ويطلق الشك
ّ كقوله تعاىل {فإن
الرتد د الشامل للظن والوهم ،ومن ذلك قول الفقهاء من تيقن طهرا أو حدثا وشك يف ض ّده عمل
جمازا كما يطلقـ لغة على مطلق ّ
بيقينه.
---
( )1/13
( فالعلم) أي القسم املسمى بالعلم التصديقي من حيث تصوره حبقيقته بقرينة السياق (حكم جازم ال يقبل تغريا فهو نظري حيد يف
األصح) .واختار اإلمام الرازي أنه ضروري أي حيصل مبجرد التفات النفس إليه من غري نظر واكتساب ،ألن علم كل أحد بأنه عامل
بأنه موجود مثالً ضروري جبميع أجزائه ،ومنها تصور العلمـ بأنه موجود باحلقيقة وهو علم تصديقي خاص ،فيكون تصور مطلقـ العلم
التصديقي باحلقيقة ضروريا وهو املدعي .وأجيب مبنع أنه يتعني أن يكون من أجزاء ذلك تصور العلمـ املذكور باحلقيقة ،بل يكفي
تصوره بوجه ،فالضروري تصور مطلقـ العلم التصديقي بالوجه ال باحلقيقة الذي النزاع فيه ،وعلى ما اختاره فال حي ّد ،إذ ال فائدة ،يف
ح ّد الضروري حلصوله بغري ح ّد قال نعم قد حي ّد الضروري إلفادة العبارة عنه أي فيكون ح ّده حينئذ ح ّدا لفظيا ال حقيقيا .وقال إمام
احلرمني هو نظري لكنه عسر أي ال حيصل إال بنظر دقيق خلفائه ومال إليه األصل حيث قال فالرأي اإلمساك عن تعريفه أي املسبوق
بذلك التصور العسر صونا للنفس عن مشقة اخلوض يف العسر .قال اإلمام ومييز عن غريه من أقسام االعتقاد بأنه اعتقاد جازم مطابق
ثابت فليس هذا حقيقته عنده ،والرتجيح من زياديت.
(قال احملققون وال يتفاوت) العلمـ (إال بكثرة املتعلقات) أي ال يتفاوت يف جزئياته فليس بعضها ولو ضروريا أقوى من بعضها ولو
نظريا ،وإمنا يتفاوت بكثرة املتعلقاتـ يف بعض جزئياته دون بعض فيتفاوت فيها كما يف العلم بثالثة أشياء والعلم بشيئني ،بناء على احتاد
العلم مع تع ّد د املعلوم ،كما هو قول بعض األشاعرة قياسا على علم اهلل تعاىل ،واألشعري وكثري من املعتزلة على تعدد العلم بتعدد
املعلوم ،وأجابوا عن القياس بأنه خال عن اجلامع ،وعلى هذا ال يقال يتفاوت مبا ذكر ،وقيل يتفاوت العلم يف جزئياته ،إذ العلمـ مثالً بأن
الواحد نصف االثنني أقوى يف اجلزم من العلم بأن العامل حادث .وأجيب بأن التفاوت يف ذلك وحنوه ليس من حيث اجلزم ،بل من
حيث غريه كإلف النفس بأحد املعلومني دون اآلخر.
( واجلهل انتفاء العلم باملقصود يف األصح) أي مبا من شأنه أن يقصد ليعلم بأن مل يدرك ويسمى اجلهل البسيط أو أدرك على خالف
هيئته يف الواقع ،ويسمى اجلهل املركب لرتكبه من جهلني جهل املدرك مبا يف الواقع ،وجهله بأنه جاهل به كاعتقاد الفلسفيـ أن العامل
قدمي ،وقيل اجلهل إدراك العلوم على خالف هيئته ،فاجلهل البسيط على األول ليس جهالً على هذا ،واستغىن بانتفاء العلم عن التقييد يف
قول بعضهم عدم العلم عما من شأنه العلم إلخراج اجلماد والبهيمة عن االتصاف باجلهل ألن انتفاء العلمـ إمنا يقال فيما من شأنه العلم
خبالف عدم العلم ،وخرج باملقصود غريه كأسفل األرض وما فيه فال يسمى انتفاء العلم به جهالً اصطالحا ،والتعبري به أحسن كما
قال الربماوي من تعبري بعضهم بالشيء ،ألن الشيء ال يطلق على املعدوم خبالف املقصود ،وألنه يشمل غري املقصود.
وعرفه الكرماين وغريه
( والسهو الغفلة عن املعلوم) احلاصل فيتنبه له بأدىن تنبيه خبالف النسيان ،فهو زوال املعلوم فيستأنف حتصيلهّ ،
القو ة احلافظة واملدركة والسهو بزواله عن احلافظة فقط ،وذلك قريب مما ذكر ،وجعلهما الربماوي من أقسام اجلهل بزوال املعلوم عن ّ
البسيط حيث قسمه إليهما وإىل غريمها ،مث فرق بينهما بأنه إن قصر زمن الزوال مسي سهوا وإال فنسيانا .قال وهذا أحسن ما فرق بيه
بينهما.
( )1/14
مسألة هي إثبات عرض ذايت للموضوع( .األصح أن احلسن ما) أي فعل (ميدح)أي يؤمر باملدح (عليه) .وهو الواجب واملندوب وفعل
اهلل تعاىل( .والقبيح ما يذم عليه) وهو احلرام( .فما ال) ميدح (وال) يذم عليه من املكروه الشامل خلالف األوىل واملباح( .واسطة)بني
احلسنـ والقبيح ،وهذا ما قاله إمام احلرمني يف املكروه صرحيا ويف املباح ،وفعل غري املكلف لزوما ،ورجحه األصل يف شرح املختصر يف
املكروه ،وتبعه الربماوي فيه ،وأحلق به املباح حبثا ،وقيل احلسن فعل املكلف املأذون فيه من واجب ومندوب ومباح ،والقبيح ما هنى عنه
مر ،فيشمل احلرام واملكروه ،وخالف األوىل وهذا ما رجحه شرعا ولو كان منهيا عنه بعموم النهي املستفاد من أوامر الندب كما ّ
األصل هنا فيهما وألصحابنا فيهما عبارات أخرى .وللمعتزلة فيهما بناء على حتكيمهم العقل عبارات أيضا منها أن احلسن ما للقادر
عليه العامل حباله أن يفعله والقبيح خبالفه فيدخل فيه احلرام فقط ،ويف احلسنـ ما سواه .ومنها أن احلسن هو الواقع على صفة توجب
املدح والقبيح هو الواقع على صفة توجب الذم ،فيدخل فيه احلرام فقط أيضا .ويف احلسن الواجب واملندوب ،فاملكروه واملباح واسطة
بني احلسن والقبيح.
(و) واألصح (أن جائز الرتك) سواء كان جائز الفعلـ أيضا أم ال( .ليس بواجب) وإال المتنع تركه والفرض أنه جائز .وقال بعض
الفقهاء جيب الصوم على احلائض واملريض واملسافر مع جواز تركهم له لقوله تعاىل {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهم شهدوه
ولوجوب القضاء عليهم بقدر ما فاهتم فكان املأيتّ به بدالً عن الفائت .وأجيب بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر ال مطلقا،
وبأن وجوب القضاء إمنا يتوقف على سبب الوجوب هو هنا شهود الشهر ،وقد وجد ال على وجوب األداء وإال ملا وجب قضاء الظهر
مثالً على من نام مجيع وقتها .وقيل جيب الصوم على املسافر دون احلائض واملريض لقدرته عليه دوهنما .وقيل جيب عليه دوهنما أحد
الشهرين احلاضر أو آخر بعده( .واخللف لفظي) أي راجع إىل اللفظ دون املعىن ألن ترك الصوم حال العذر جائز اتفاقا والقضاء بعد
زواله واجب اتفاقا( .و) األصح (أن املندوب مأمور به) أي مسمى به حقيقة كما نص عليه الشافعي وغريه ،وقيل ال .واخلالف مبين
على أن أ م ر حقيقة يف اإلجياب كصيغة افعل أو يف القدر املشرتك بينه وبني الندب أي طلب الفعل ،والرتجيح من زيادته ،وعليه جرى
اآلمدي ،أما إنه مأمور به مبعىن أنه متعلق األمر أي صيغة افعل فال نزاع فيه ،سواء أقلنا إهنا جماز يف الندب أم حقيقة فيه كاإلجياب
خالف يأيت( .و) األصح (أنه) أي املندوب (ليس مكلفا به كاملكروه) فاألصح أنه ليس مكلفاـ به ،وقيل مكلف هبما كالواجب واحلرام
ورجحوا األول( .بناء على أن التكليف) اصطالحا (إلزام ما فيه كلفة) أي مشقة من فعل أو ترك( .ال طلبه) وبه فسر القاضي أبو بكر
باألول يدخل الواجب واحلرام فقط ،وعلى تفسريه الباقالين أي ال طلب ما فيه كلفة على وجه اإللزام أو ال .فعلى تفسري التكليف ّ
بالثاين يدخل مجيع األحكام إال املباح ،لكن أدخله األستاذ أبو إسحاق االسفرايين من حيث وجوب اعتقاد إباحته تتميما لألقسام ،وإال
فغريه مثله يف ذلك وإحلاقي املكروه باملندوب هو
---
( )1/15
الوجه ال إحلاق املباح به كما سلكه األصل ،إذ ال إلزام فيه وال طلب فال يتأتى فيه القول بأنه مكلف به إال على ما سلكه األستاذ( .و)
األصح (أن املباح ليس جبنس للواجب) بل مها نوعان جلنس وهو فعل املكلف الذي تعلق به حكم شرعي ،وقيل إنه جنس له ألنه
مأذون يف فعله وحتته أنواع الواجب واملندوب واملخري فيه واملكروه الشامل خلالف األوىل ،واختص الواجب بفصل املنع من الرتك ،قلنا
واختص املباح أيضا بفصل اإلذن يف الرتك على السواء واخللف لفظي ،إذ املباح باملعىن األول أي املأذون فيه جنس للواجب اتفاقا
وباملعىن الثاين أي املخري فيه وهو املشهور غري جنس له اتفاقا( .و) األصح (أنه) أي املباح (يف ذاته غري مأمور به) فليس بواجب وال
مندوب .وقال الكعيب إنه مأمور به أي واجب إذ ما من مباح إال ويتحقق به ترك حرام ما ،فيتحققـ بالسكوت ترك القذف ،وبالسكون
ترك القتل ،وما يتحقق بالشيء ال يتم إال به وترك احلرام واجب ،وما ال يتم الواجب إال به واجب كما سيجيء ،فاملباح واجب ويأيت
ذلك يف غريه كاملكروه واخللف لفظي ،فإن الكعيب قائل بأنه غري مأمور به من حيث ذاته ومأمور به من حيث ما عرض له من حتقق
ترك احلرام به وغريه ال خيالفه فيهما ،فقويل يف ذاته قيد للقولـ بأن املباح غري مأمور به ال حملل اخلالف ،وسيأيت ماله بذلك تعلق( .و)
األصح (أن اإلباحة حكم شرعي) ألهنا التخيري بني الفعل والرتك املتوقف وجوده كبقية األحكام على الشرع كما مر .وقال بعض
املعتزلة ال ألهنا انتفاء احلرج عن الفعل والرتك وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده( .واخللف) يف املسائل الثالث (لفظي) أي
راجع إىل اللفظ دون املعىن .أما يف األوليني فلما مر ،وأما يف الثالثة فألن الدليلني مل يتواردا على حمل واحد ،فتأخريي هلذا عن الثالث
أوىل من تقدمي األصل له على األخرية.
واعلم أن ما سلكته يف مسألة الكعيب تبعت فيه هنا األكثر ،وأوىل منه ما ملكته يف احلاشية أخذا من كالم بعض احملققني من حترمي
األصح (أن
ّ الكالم فيها بوجه آخر ،ومن رد دليل الكعيب مبا يقتضي أن اخلالف معنوي وإن خالف ذلك ظاهر كالم الكعيب( .و)
الوجوب) لشيء (إذا نسخ) كأن قال الشارع نسخت وجوبه أو حرمة تركه (بقي اجلواز) له الذي كان يف ضمن وجوبه من اإلذن يف
يقو مه من اإلذن يف الرتك .وقال الغزايل ال يبقى ألن نسخ الوجوب جيعله كأن مل يكن ويرجع األمر إىل ما كان قبله من حترمي الفعلـ مبا ّ
أو إباحة أو براءة أصلية فاخللف معنوي( .وهو) أي اجلواز املذكور (عدم احلرج) يف الفعلـ والرتك من اإلباحة أو الندب أو الكراهة
باملعىن الشامل خلالف األوىل( .يف األصح) إذ ال دليل على تعيني أحدها ،وقيل هو اإلباحة فقط ،إذ بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب
فيثبت التخيري ،وقيل هو الندب فقط ،إذ املتحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب اجلازم فيثبت الطلبـ غري اجلازم .واحلاصل أنه يعترب يف
اجلواز املذكور رفع احلرج عن الفعل والرتك يف األقوال الثالثة ،لكنه مطلقـ يف األول منها ومقيد باستواء الطرفني يف الثاين ،وبرتجح
معنوي هكذا أفهم.
ّ الفعلـ يف الثالث فاخللف
---
( )1/16
مسألة يف الواجب احلرام املخريين ( األمر بأحد أشياء) معينة كما يف كفارة اليمني( .يوجبه) أي األحد (مبهما عندنا) وهو القدر
أي معني منها ألنه املأمور به ،وقيل يوجبه معينا عند اهلل تعاىل ،فإن فعل املكلف املعني فذاك أو فعل غريه منها
املشرتك بينها يف ضمن ّ
سقط بفعله الواجب ،وقيل يوجبه كذلك ،وهو ما خيتاره املكلف بأن علم اهلل منه أنه ال خيتار سواه ،وإن اختلف باختيار املكلفني.
وقيل يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب واجبات ،ويعاقب برتكها عقاب ترك واجبات ،ويسقط الكل الواجب بواحد منها ،ألن األمر
تعلق بكل منها خبصوصه على وجه االكتفاء بواحد منها .قلنا إن سلم ذلك ال يلزم منه وجوب الكل املرتب عليه ذلك والقول األخري
والثاين للمعتزلة،فهم متفقون على نفي أجياب واحد منهم كنفيهم حترميه كما سيجيء ملا قالوا من أن إجياب الشيء أو حترميه ملا يف
تركه ،أو فعله من املفسدة اليت يدركها العقل ،وإمنا يدركها يف املعني ،والثالث يسمى قول الرتاجم ،ألن كالًّ من األشاعرة واملعتزلة
تنسبه إىل األخرى فاتفق الفريقان على بطالنه( .فـ)ـعلى األصح (إن فعلها) كلها (فاملختار) أنه (إن فعلها مرتبة فالواجب) أي املثاب
لتأدى الواجب به من حيث إنه مبهم( .أو) فعلها كلها (معا عليه ثواب الواجب الذي هو كثواب سبعني مندوبا (أوهلا) وإن تفاوتت ّ
فضم غريه إليه ال ينقصه عن ذلك( .وإن تركها) كلها فأعالها) ثوابا الواجب ألنه لو اقتصر ألثيب عليه ثواب الواجب األكمل ّ
(عوقب بأدناها) عقابا إن عوقب ،ألنه لو فعله فقط من حيث إنه مبهم مل يعاقب ،فإن تساوت وفعلتـ معا أو تركت فثواب الواجب
والعقاب على واحد منها .وقيل الواجب فيما إذا تفاوتت أعالها ثوابا ،وفيما إذا تساوت أحدها وإن فعلت مرتبة فيهما ملا مر ،فإن
تركت فحكمه موافق للمختار ويثاب ثواب املندوب يف كل قول على غري ما ذكر لثواب الواجب ،وذكر حكم التساوي يف املرتبة مع
الرتجيح يف البقية من زياديت املقتضية من حيث الرتجيح إلبدال قوله يف املرتبة أعالها بقويل أوهلا ،ومبا قررته علم أن حمل ثواب الواجب
والعقاب أحدها مبهما ال من حيث خصوصه ،حىت إن الواجب ثوابا يف املرتبة أوهلا من حيث إنه مبهم ال من حيث خصوصه ،وكذا
يتأد ى به الواجب ،منها أنه يثاب عليه ثواب املندوب من حيث إنه مبهم ال من حيث خصوصه( .وجيوز يقال يف كل من الزائد على ما ّ
حترمي واحد مبهم) من أشياء معينة (عندنا) حنو ال تتناول السمك أو اللنب أو البيض ،فعلىـ املكلف تركه يف أي معني منها ،وله فعله يف
غريه ،إذ ال مانع من ذلك ومنعه املعتزلة كمنعهم إجيابه ملا مر عنهم فيهما .وزعمت طائفة منهم أنه مل ترد به اللغة ،وهذا (كـ)ـالواجب
حير مه مبهما .وقيل حيرمه معينا عند اهلل تعاىل ويسقط تركه الواجب برتكه أو ترك
(املخري) فيما مر فيه فالنهي عن واحد مبهم مما ذكر ّ
غريه منها .فالتارك لبعضها إن صادف احملرم فذاك ،وإال فقد ترك بدله ،وقيل حيرمه كذلك وهو ما خيتاره املكلف ،وقيل حيرمها كلها
فيعاقب بفعلها عقاب فعلـ حمرمات ويثاب برتكها امتثاالً ثواب ترك حمرمات ،ويسقط تركها الواجب برتك واحد منها ،فعلى األول إن
تركها كلها امتثاالً وتفاوتت ،فاملختار أنه يثاب على ترك أشدها عقابا وإن فعلها مرتبة عوقب على آخرها ،وإن تفاوتت الرتكابه
احملرم به أو فعلها معا عوقب على أخفها عقابا ،فإن تساوت وفعلت معا أو تركت فاملعترب أحدها .وقيل احملرم فيما إذا فعلتـ ولو مرتبة
أخفها عقابا.
تنبيه :
املندوب كالواجب واملكروه كاحلرام فيما ذكر.
---
( )1/17
(مسألة فرض الكفاية) املنقسم إليه وإىل فرض العني مطلقـ الفرض السابق حده (مهم يقصد) شرعا (جزما) من زياديت (حصوله من غري
نظر بالذات لفاعله) وإمنا ينظر إليه بالتبع للفعلـ ضرورة أنه ال حيصل بدون فاعل ومشل احلد الديين كصالة اجلنازة واألمر باملعروف
والدنيوي كاحلرف والصنائع ،وخرج عنه السنة إذ مل جيزم بقصد حصوهلا ،وفرض العني فإنه منظور بالذات لفاعله حيث قصد حصوله
من كل عني أي واحد من املكلفني أو من عني خمصوصة كالنيب صلى اهلل عليه وسلّم فيما خص به( .واألصح أنه دون فرض العني) أي
فرض العني أفضل منه كما نقله الشهاب ابن العماد عن الشافعي رضي اهلل عنه .قال ونقله عنه القاضي أبو الطيب ،وذلك لشدة اعتناء
الشارع به بقصد حصوله من كل مكلف يف األغلب ،ويدل له تعليل األصحاب تبعا لإلمام الشافعيـ كراهة قطع طواف الفرض لصالة
اجلنازة بأنه ال حيسن ترك فرض العني لفرض الكفاية .وقال إمام احلرمني وغريه فرض الكفاية أفضل ألنه يصان بقيام البعض به مجيع
املكلفني عن إمثهم املرتتب على تركهم له ،وفرض العني إمنا يصان بالقيام به عن اإلمث الفاعل فقط وترجيح األول من زياديت( .و)
األصح (أنه) أي فرض الكفاية (على الكل) إلمثهم برتكه كما يف فرض العني ،ولقوله تعاىل {قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل} وهذا ما
عليه اجلمهور ونص عليه الشافعيـ يف األم( .ويسقط) الفرض (بفعل البعض) ألن املقصود كما مر حصول الفعل ال ابتالء كل مكلف به
وال بعد يف سقوط الفرض عن الشخص بفعل غريه كسقوط ال ّدين عنه بأداء غريه عنه ،وقيل فرض الكفاية على البعض ال الكل
ورجحه األصل وفاقا بزعمه لإلمام الرازي لالكتفاء حبصوله من البعض وآلية ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري} وأجيب عن األول مبا
مر من أن املقصود حصول الفعل ال ابتالء كل مكلف به ،وعن الثاين بأنه يف السقوط بفعل البعض مجعا بني األدلة ،وعلى القول الثاين
فاملختار كما يف األصل البعض مبهم فمن قام به سقط الفرض بفعله،
وقيل معني عند اهلل تعاىل يسقط الفرض بفعله وبفعل غريه كسقوط الدين فيما مر ،وقيل معني كذلك وهو من قام به لسقوطه بفعله مث
مداره على الظن ،فعلى قول الكل من ظن أن غريه فعله أو يفعله سقط عنه ،ومن ال فال ،وعلى قول البعض من ظن أن غريه مل يفعله
وال يفعله وجب عليه ومن ال فال.
واعلم أن الكل لو فعلوه معا وقع فعل كل منهم فرضا أو مرتبا ،فكذلك ،وإن سقط احلرج باألولني .نعم إن حصل املقصود بتمامه
األو ل فرضا( .و) األصح (أنه) أي فرض الكفاية (ال يتعني بالشروع) فيه ألن القصد به حصوله يف اجلملة فال كغسلـ امليت مل يقع غري ّ
يتعني حصوله ممن شرع فيه( .إال جهادا وصالة جنازة وحجا وعمرة) فتتعني بالشروع فيها لشدة شبهها بالعيين ،وملا يف عدم التعيني يف
األول من كسر قلوب اجلند ،ويف الثاين من هتك حرمة امليت ،وهذا تبعت فيه الغزايل وغريه ،وقيل يتعني فرض الكفاية بالشروع فيه
أي يصري به كفرض العني يف وجوب إمتامه جبامع الفرضية ،وهذا ما صححه األصل تبعا البن الرفعة وهو بعيد ،إذ أكثر فروض
الكفايات ال تتعني بالشروع فيها كاحلرف والصنائع وصالة اجلماعة( .وسنتها) أي سنة الكفاية املنقسم إليها وإىل سنة العني مطلقـ
مهم يقصد بال جزم حصوله من غري نظر بالذات السنة السابق حده( .كفرضها) فيما مر لكن (بإبدال جزما بضده) فيصدق ذلك بأهنا ّ
لفاعله كابتداء السالم والتسمية لألكل من جهة مجاعة ،وبأهنا دون سنة العني ،وبأهنا مطلوبة من الكل ،وبأهنا ال تتعني بالشروع فيها
أي ال تصري به كسنة العني يف تأكد طلب إمتامها على األصح يف الثالث األخرية.
---
( )1/18
(مسألة :األصح أن وقت) الصالة (املكتوبة) كالظهر (جوازا وقت ألدائها) ففي أي جزء منه أوقعت ،فقد أوقعت يف وقت أدائها
الذي يسعها وغريها ،وهلذا يعرف بالواجب املوسع ،وقويل جوازا راجع إىل الوقت لبيان أن الكالم يف وقت اجلواز ال يف الزائد عليه
أيضا من وقيت الضرورة واحلرمة ،وإن كان الفعل فيهما أداء بشرطه .وقيل وقت أدائها أول الوقت فإن أخرت عنه فقضاء وإن فعل يف
الوقت حىت يأمث بالتأخري عن أوله ،وقيل هو آخر الوقت فإن قدمت عليه فتقدميها تعجيل ،وقيل هو اجلزء الذي وقعت فيه من الوقت
وإن مل تقع فيه فوقت أدائها اجلزء األخري من الوقت ،وقيل إن قدمت على آخر الوقت وقعت واجبة بشرط بقاء الفاعل مكلفا إىل آخر
الوقت فإن مل يبق كذلك وقعت نفالً .وهذه األقوال األربعة منكرة للواجب املوسع( .و) األصح (أنه) أي الشأن (جيب على املؤخر)
أي مريد التأخري عن أول الوقت الذي هو سبب الوجوب (العزم) فيه على الفعل يف الوقت كما صححه النووي يف جمموعه ،ونقله
غريه عن أصحابنا ليتميز به التأخري اجلائز عن غريه وتأخري الواجب املوسع عن املندوب يف جواز التأخري عن أول الوقت ،وقيل ال جيب
اكتفاء بالفعل ،ورجحه األصل وزعم أن األول ال يعرف إال عن القاضي أيب بكر الباقالين ومن تبعه ،وأنه من هفوات القاضي ومن
العظائم يف الدين.
فإن قلت يلزم على األول تعدد البدل واملبدل واحد .قلنا ممنوع إذ ال جيب إعادة العزم ،بل ينسحبـ على آخر الوقت كانسحاب النية
على أزاء العبادة الطويلة كما قاله إمام احلرمني وغريه.
فإن قلت العزمـ ال يصلح بدالً عن الفعل إذ بدل الشيء يقوم مقامه والعزم ليس كذلك .قلت ال خيفى أن املراد بكونه بدالً عنه أنه بدل
عن إيقاعه يف أول وقته ال عن إيقاعه مطلقا والعزم قائم مقامه يف ذلك.
(ومن أخر) الواجب املوسع بأن مل يشتغل به أول الوقت مثالً (مع ظن فوته) مبوت أو حيض أو حنومها .وهذا أعم من قوله مع ظن
املوت( .عصى) لظنه فوت الواجب بالتأخري (و) األصح (أنه إن بان خالفه) بأن تبني خالف ظنه (وفعله) يف الوقت (فأداء) فعله ألنه
يف الوقت املقدر له شرعا وقيل فعله قضاء ألنه بعد الوقت الذي تضيق بظنه وإن بان خطؤه ،ويظهر أثر اخلالف يف نية األداء أو القضاء
ويف أنه لو فرض ذلك يف اجلمعة تصلى يف الوقت على األول وتقضى ظهرا ال مجعة على الثاين( .و) األصح (أن من أخر) الواجب
املذكور (مع ظن خالفه) أي عدم فوته فبان خالف ظنه ومات مثالً يف الوقت قبل الفعل( .مل يعص) ألن التأخري جائز له والفوت ليس
باختياره ،وقيل يعصى وجواز التأخري مشروط بسالمة العاقبة ،هذا إن مل يكن عزم على الفعل ،وإن عصى برتكه العزم وإال فال يعصى
قطعا قاله اآلمدي( .خبالف ما) أي الواجب الذي (وقته العمر كحج) فإن من أخره بعد أن أمكنه فعله مع ظن عدم فوته كأن ظن
مضي وقت ميكنه فعله فيه ومات قبل فعله يعصى على األصح ،وإال مل يتحقق الوجوب ،وقيل ال يعصى جلواز سالمته من املوت إىل ّ
التأخري له وعصيانه يف احلج من آخر سين اإلمكان على األصح جلواز التأخري إليها ،وقيل من أوهلا الستقرار الوجوب حينئذ ،وقيل غري
مستند إىل سنة بعينها( .مسألة) الفعلـ (املقدور) للمكلف (الذي ال يتم) أي يوجد عنده (الواجب املطلق إال به واجب) بوجوب
الواجب (يف األصح) سببا كان أو شرطا إذ لو مل جيب جلاز ترك الواجب املتوقف عليه ،وقيل ال جيب بوجوبه ألن الدال على الواجب
ساكت عنه ،وقيل جيب إن كان سببا كالنار لإلحراق خبالف الشرط كالوضوء للصالة ألن السبب أشد ارتباطا باملسبب من الشرط
باملشروط ،وقيل جيب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء للصالة ال عقليا كرتك ضد الواجب وال عاديا كغسل جزء من الرأس بغسل
الوجه وال إن كان سببا شرعيا كصيغة االعتاق له أو عقليا كالنظر للعلمـ عند اإلمام
---
( )1/19
وغريه أو عاديا كحز الرقبة للقتل ،إذ ال وجود ملشروطه عقالً أو عادة وال ملسببه مطلقا بدونه ،فال يقصدمها الشارع بالطلبـ خبالف
الشرط الشرعي ،فإنه لوال اعتبار الشرع لوجد مشروطه بدونه وخرج باملقدور غريه كقدر اهلل وإرادته ،إذ اإلتيان بالفعلـ يتوقف عليهما
ومها غري مقدورين للمكلف ،وباملطلق املقيد وجوبه مبا يتوقف عليه كالزكاة وجوهبا متوقف على ملكـ النصاب ،فال جيب حتصيله
فاملطلق ما ال يكون مقيدا مبا يتوقف عليه وجوده وإن كان مقيدا بغريه كقوله تعاىل {أقم الصالة لدلوك الشمس} فإن وجوهبا مقيد
بالدلوك ال بالوضوء والتوجه للقبلة وحنومها( .فلو تعذر ترك حمرم إال برتك غريه) من اجلائز قيل كماء قليل وقع فيه بول( .وجب) ترك
ذلك الغري لتوقف ترك احملرم الذي هو واجب عليه( .أو اشتبهت حليلة) لرجل من زوجة أو أمة فتعبريي بذلك أوىل وأعم من قوله أو
اختلطت منكوحة (بأجنبية) منه (حرمتا) أي حرم قرباهنما عليه ،أما األجنبية فأصالة ،وأما احلليلة فألنه ال يعلم الكف عن األجنبية إال
مر .وقد يظهر احلال يف هذه واليت قبلها فرتجعبالكف عنها (وكما لو طلق معينة) من زوجتيه مثالً (مث نسيها) فإهنما حيرمان عليه ملا ّ
احلليلة وغري املطلقة إىل ما كانتا عليه من احلل فلم يتعذر فيهما ترك احملرم وحده فلم يشملهما ما قبلهما ولو مشلهما لكان األوىل إبدال
أو بكان ليكونا مثالني له.
( )1/20
( )1/21
النيب وال يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته( و) األصح (أنه) أي الشاذ (جيري جمرى) األخبار (اآلحاد) يف االحتجاج ،ألنه منقول عن ّ
انتفاء عموم خربيته ،وقيل ال حيتج به ألنه إمنا نقل قرآنا ومل تثبت قرآنيته ،وعلى األول احتجاج كثري من أئمتنا على قطع ميني السارق
بقراءة أمياهنما ،وإمنا مل يوجبوا التتابع يف صوم كفارة اليمني بقراءة متتابعات ملا صحح الدارقطين إسناده عن عائشة رضي اهلل عنها
نزلت {فصيام ثالثة أيام} متتابعات فسقطتـ متتابعات أي نسخت تالوة وحكما ،وألن الشاذ إمنا حيتج به إذا ورد لبيان حكم كما يف
أمياهنما خبالف ما إذا ورد البتداء احلكم ال حيتج به كما يف متتابعات على أنه قيل إهنا مل تثبت عن ابن مسعود( .و) األصح (أنه ال
جيوز ورود ما) أي لفظ (ال معىن له يف الكتاب والسنة) ألنه كاهلذيان فال يليق بعاقل فكيف باهلل وبرسوله ،وقالت احلشوية جيوز
وروده يف الكتاب لوجوده فيه كاحلروف املقطعة أوائل السور كطه ونون ،ويف السنة بالقياس على الكتاب .وأجيب بأن احلروف
كن نساءاملذكورة هلا معان .منها أهنا أمساء للسور واألكثرون على جواز أن يقال يف الكتاب والسنة زائد كفوق يف قوله تعاىل {فإن ّ
خيتل الكالم بدونه ال مبا ال معىن له أصالً( .و) األصح أنه
فوق اثنتني} وقوله {فاضربوا فوق األعناق} بناء على تفسري الزائد مبا ال ّ
(ال) جيوز أن يرد فيهما (ما يعين به غري ظاهره) أي معناه اخلفي ألنه بالنسبة إليه كاملهمل (إال بدليل) يبني املراد منه كما يف العام
املخصوص ،وقالت املرجئة جيوز وروده فيهما من غري دليل حيث قالوا املراد باآليات واألخبار الظاهرة يف عقاب عصاة املؤمنني
تضر مع اإلميان كما أن الكفر ال تنفع معه طاعة (و) األصح (أنه ال يبقى) فيهما (جممل الرتهيب فقط بناء على معتقدهم أن املعصية ال ّ
كلف بالعمل به) بناء على األصح اآليت من وقوعه فيهما (غري مبني) أي باقيا على إمجاله بأن مل يتضح املراد منه إىل وفاته صلى اهلل
عليه وسلّ م للحاجة إىل بيانه حذرا من التكليف مبا ال يطاق ،خبالف غري املكلف بالعمل به ،وقيل ال يبقى كذلك مطلقا ألن اهلل أكمل
الدين قبل وفاته لقوله {اليوم أكملت لكم دينكم} وقيل يبقى كذلك مطلقا قال تعاىل يف متشابه الكتاب {وما يعلم تأويله إال اهلل} إذ
الوقف هنا كما عليه مجهور العلماء ،وإذا ثبت يف الكتاب ثبت يف السنة إذ ال قائل بالفرق( .و) األصح (أن األدلة النقلية قد تفيد اليقني
بانضمام غريها) من تواتر ومشاهدة كما يف أدلة وجوب الصالة ،فإن الصحابة علموا معانيها املرادة بالقرائن املشاهدة ،وحنن علمناها
بواسطة نقل القرائن إلينا تواترا ،وقيل تفيده مطلقا وعزي للحشوية ،وقيل ال تفيده مطلقاـ النتفاء العلم باملراد منها قلنا يعلم مبا ذكر
آنفا.
( )1/22
املنطوق واملفهوم
(دل عليه اللفظ يف حمل النطق) حكما كان كتحرمي التأفيف للوالدين بقوله تعاىل {فال تقل أي هذا مبحثهما( .املنطوق ما) أي معىن ّ
أف } أو حكم كزيد يف حنو جاء زيد خبالف املفهوم فإن داللة اللفظ عليه يف حمل السكوت ال يف حمل النطق كما سيأيت( .وهو) هلما ّ
أي اللفظ الدال يف حمل النطق (إن أفاد ما) أي معىن (ال حيتمل) أي اللفظ (غريه) أي غري ذلك املعىن (كزيد) يف حنو جاء زيد فإنه مفيد
للذاتـ املشخصة من غري احتمال لغريها( .فنص) أي يسمى به (أو) أفاد (ما حيتمل بدله) معىن (مرجوحا كاألسد) يف حنو رأيت اليوم
األسد ،فإنه مفيد للحيوان املفرتس حمتمل للرجل الشجاع وهو معىن مرجوح ألنه معىن جمازى واألول حقيقي( .فظاهر) أي يسمى به
أما احملتمل ملعىن مسا ٍو لآلخر كاجلون يف حنو ثوب زيد جون فإنه حمتمل ملعنييه أي األسود واألبيض على السواء فيسمى جممالً وسيأيت.
دل على معىن كيف كان ،ولدليل واعلم أن النص يقال ملا ال حيتمل تأويالً كما هنا وملا حيتمله احتماالً مرجوحا وهو مبعىن الظاهر ،وملا ّ
دل جزؤه) الذي به تركيبه (على من كتاب أو سنة كما سيأيت يف القياس( .مث) اللفظ ينقسم باعتبار آخر إىل مركب ومفرد ألنه (إن ّ
جزء معناه فمركب) تركيبا إسناديا كزيد قائم ،أو إضافيا كغالم زيد ،أو تقييديا كاحليوان الناطق( .وإال) أي وإن مل يدل جزؤه على
جزء معناه بأن ال يكون له جزء كهمزة االستفهام أو يكون له جزء غري دال على معىن كزيد أو دال على معىن غري جزء معناه كعبد
اهلل علما( .فمفرد) وقدم على تعريفه تعريف املركب ألن التقابل بينهما تقابل العدم وامللكة واالعدام إمنا تعرف مبلكاهتا( .وداللته) أي
اللفظ (على معناه مطابقة) وتسمى داللة مطابقة ملطابقة أي موافقة الدال للمدلول( .وعلى جزئه) أي جزء معناه (تضمن) وتسمى
داللة تضمن لتضمن املعىن جلزئه املدلول( .و) على (الزمه) أي الزم معناه (الذهين) سواء ألزمه يف اخلارج أيضا أم ال (التزام) وتسمى
داللة التزام اللتزام املعىن أي استلزامه للمدلول كداللة اإلنسان على احليوان الناطق يف األول ،وعلى احليوان أو الناطق يف الثاين ،وعلى
قابل العلم يف الثالث الالزم خارجا أيضا ،وكداللة العمى أي عدم البصر عما من شأنه البصر على البصر الالزم للعمى ذهنا املنايف له
خارجا لوجود كل منهما فيه بدون اآلخر ،وداللة العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابقة ألنه يف ّقوة قضايا بعدد أفراده ،كما
سيأيت ذلك يف مبحث العلمـ فسقط ما قيل إهنا خارجة عن الدالالتـ الثالث ،وقد أوضحت ذلك يف شرح إيساغوجي ،والداللة كون
الشيء حبالة يلزم من العلم به العلمـ بآخر وخرج بإضافتها للفظ الداللة الفعلية كداللة اخلط واإلشارة بزياديت الوضعية داللة اللفظ
العقلية غري االلتزامية كداللته على حياة الفظه والطبيعية كداللة األنني على الوجع.
( واألوليان) أي داللتا املطابقة والتضمن (لفظيتان) ألهنما مبحض اللفظ وال تغاير بينهما بالذات بل باالعتبار ،إذ الفهم فيهما واحد إن
اعترب بالنسبة إىل جمموع جزأي املركب مسيت الداللة مطابقة أو إىل كل جزء من اجلزأين مسيت تضمنا( .واألخرية) أي داللة االلتزام
(عقلية) لتوقفها على انتقال الذهن من املعىن إىل الزمه وفارقت التضمينية مبا مر ،وبأن املدلول يف التضمين داخل فيما وضع له اللفظ
خبالفه يف االلتزامية ،وهذا ما عليه اآلمد ي وابن احلاجب وغريمها من احملققني ،وجرى عليه شيخنا الكمال ابن اهلمام ،واألصل تبع
صاحب احملصول وغريه يف أن املطابقة لفظية واألخريان عقليتان وتبعتهم يف شرح ايساغوجي ،وما هنا أقعدوا أكثر املناطقة على أن
الثالث لفظيات (مث هي) أي األخرية (إن توقف صدق املنطوق أو صحته) عقالً أو شرعا (على إضمار) أي تقدير فيما دل عليه،
(فداللة اقتضاء) أي فداللة اللفظ االلتزامية على معىن املضمر املقصود تسمى داللة اقتضاء يف األحوال الثالثة ،فاألول كما يف احلديث
اآليت يف مبحث اجململ «رفع عن أميت اخلطأ والنسيان» أي املؤاخذة هبما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما والثاين كما يف قوله تعاىل
{واسأل القرية} أي أهلها إذ القرية وهي األبنية اجملتمعة ال يصح سؤاهلا عقالً ،والثالث كما يف قولك ملالك عبد أعتق عبدك عين،
ففعلـ فإنه يصح عنك بتقدير ملكه يل فأعتقه عين لتوقف صحة العتق شرعا على امللك( .وإال) أي وإن مل يتوقف صدق املنطوق وال
الصحة له على إضمار( ،فإن دل) اللفظ املفيد له (على ما مل يقصد) به (فدالله إشارة) أي فداللة اللفظ على ما مل يقصد به تسمى
{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم} على صحة صوم من أصبح جنبا للزومها للمقصود به من َّ داللة إشارة كداللة قوله تعاىل
دل اللفظ على ما قصد به ومل يتوقف على إضمار (فداللة إمياء) أي فداللة
مجاعهن بالليل الصادق بآخر جزء منه( .وإال) بأن ّ
َّ جواز
اللفظ على ذلك تسمى
---
( )1/23
داللة إمياء وتسمى تنبيها ،وسيأيت بيانه مع مثاله يف القياس يف امللك الثالث من مسالكـ العلة وذكره هنا من زياديت وعلم من تعبريي هبي
دون تعبريه باملنطوق أن هذه الدالالتـ الثالث من قسم داللة االلتزام ،إذ املنطوق ينقسم إىل صريح وغريه فالصريح داللتا املطابقة
والتضمن وغريه داللة االلتزام وهي تنقسم إىل الدالالت الثالث.
فإن قلت داللة اإلنسان على قابل العلم مثالً من أي الدالالت؟ـ قلت من داللة اإلشارة فيما يظهر.
( واملفهوم ما) أي معىن (دل عليه اللفظ ال يف حمل النطق) من حكم وحمله معا كتحرمي كذا كما سيأيت (فإن وافق) املفهوم (املنطوق) به
(فموافقة) ويسمى مفهوم موافقة (ولو) كان (مساويا) للمنطوق (يف األصح مث) هو (فحوى اخلطاب) أي يسمى به (إن كان أوىل) من
املنطوق (وحلنه) أي حلن اخلطاب (إن كان مساويا) للمنطوق واملفهوم األوىل كتحرمي ضرب الوالدين الدال عليه نظرا للمعىن قوله تعاىل
{فال تقل هلما أف} فهو أوىل من حترمي التأفيف املنطوق لكونه أشد منه يف اإليذاء واملساوي كتحرمي إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا
ملعىن آية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} فهو مسا ٍو لتحرمي األكل ملساواة اإلحراق لألكل يف اإلتالف ،وقيل ال يسمى
املساوي باملوافقة وإن كان مثل األوىل يف االحتجاج به ،وعليه فمفهوم املوافق هو األوىل ويسمى األوىل بفحوى اخلطاب وبلحن
اخلطاب ،وفحوى الكالم ما يفهم منه قطعا وحلنه معناه ،ومما يطلق فيه املفهوم على حمل احلكم كاملنطوق قوهلم املفهوم ،إما أوىل من
املنطوق باحلكم أو مسا ٍو له فيه ومن املعىن املعلوم به موافقة املسكوت للمنطوق نشأ خالف يف أن الداللة على املوافقة مفهومية أو
قياسية أو لفظية وقد بينتها بقويل (فالداللة) على املوافقة (مفهومية) أي بطريق الفهم من اللفظ ال يف حمل النطق( ،على األصح)
والتصريح هبذا القول من زياديت ،وقيل قياسية أي بطريق القياس األوىل أو املساوى املسمى ذلك بالقياس اجللي كما سيأيت لصدق
تعريف القياس عليه ،والعلة يف املثال األول اإليذاء ،ويف الثاين اإلتالف ،وقيل الداللة عليه لفظية لفهمه من اللفظ من غري اعتبار قياس،
لكن ال مبجرد اللفظ بل مع السياق والقرائن فتكون الداللة عليه جمازية من إطالق األخص على األعم ،فاملراد من منع التأفيف منع
ازيذاء ومن منع أكل مال اليتيم منع إتالفه ،وقيل لفظية لكن ينقل اللفظ عرفا إىل األعم ،فتكون الداللة عليه حقيقة عرفية ،وعلى هذين
القولني حترمي
ضرب الوالدين وحترمي إحراق مال اليتيم من املنطوق ،وإن كانا بقرينة على األول منهما( .وإن خالفه) أي املفهوم أي املنطوق به
(فمخالفة) ويسمى مفهوم خمالفة ودليل خطاب قيل وحلن خطاب( .وشرطه) أي مفهوم املخالفة ليتحقق (أن ال يظهر لتخصيص
املنطوق بالذكر فائدة غري نفي حكم غريه) أي حكم السكوت( .كأم خرج) املذكور (للغالب يف األصح) كما يف قوله تعاىل
{وربائبكم الاليت يف حجوركم} إذ الغالب كون الربائب يف حجور األزواج أي تربيتهم ،وقيل ال يشرتط انتفاء موافقة الغالب ألن
املفهوم من مقتضيات اللفظ فال يسقطه موافقة الغالب وهو مندفع مبا يأيت( .أو خلوف هتمة) من ذكر املسكوت كقول قريب عهد
باإلسالم لعبده حبضور املسلمني تصدق هبذا على املسلمني ،ويريد وغريهم وتركه خوفا من هتمته بالنفاق( .أو ملوافقة الواقع) ،كما يف
قوله تعاىل؛ {ال يتخذ املؤمنون الكافرين أولياء من دون املؤمنني} نزل يف قوم من املؤمنني والو اليهود دون املؤمنني( .أو) جلواب
(سؤال) عن املذكور( .أو لـ)ـبيان حكم (حادثة) تتعلق به( ،أو جلهل خبكمه) دون حكم املسكوت( ،أو عكسه) أي أو جلهل حبكم
املسكوت دون حكم املنطوق ،وذلك كما لو سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم هل يف النعم السائمة زكاة ،أو قبل حبضرته لفالن
غنم سائمة أو خاطب من جهل حكم الغنم السائمة دون املعلوفة ،أو كان هو عاملا حبكم السائمة دون املعلوفة ،فقال «يف الغنم
السمائمة زكاة» .وإمنا مل جيعلوا جواب املسؤول واحلادثة صارفني للعام عن عمومه كنظريه هنا لقوة اللفظ فيه بالنسبة إىل مفهوم
املخالفة حىت عزى إىل الشافعي واحلنفية أن داللة العام على كل فرد من أفراده قطعية ،وإمنا اشرتطوا للمفهوم انتفاء املذكورات ألهنا
فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها ،وبذلك اندفع توجيه الوجه السابق واملقصود مما مر أنه ال مفهوم للمذكور يف األمثلة
املذكورة وحنوها ،ويعلم حكم املسكوت فيها من خارج باملخالفة كما يف الغنم
---
( )1/24
املعلوفة ملا سيأيت ،أو باملوافقة كما يف آية الربيبة للمعىن،ـ وهو أن الربيبة حرمت لئال يقع بينها وبني أمها التباغض لو أبيحت نظرا للعادة
يف مثل ذلك ،سواء أكانت يف حجر اتلزوج أم ال وتق ّد م خالف يف أن الداللة يف مفهوم املوافقة على حكم املسكوت قياسية أو ال.
وقد حكيته هنا مع ما يرتتب عليه بقويل (وال مينع) ما يقتضي ختصيص املذكور بالذكر (قياس املسكوت باملنطوق) ،بأن كان بينهما
علة جامعة لعدم معارضته له( ،فال يعمه) أي املسكوت املشتمل عى العلة (ملعروض) للمذكور من صفة أو غريها لوجود العارض ،وإمنا
يلحق به قياسا( .وقيل يعمه) إذ عارضه بالنسبة إىل املسكوت كأنه مل يذكر فيمتنع القياس ،وإمنا عربتـ كاألصل باملعروض أي اللفظ
دون املوصوف لئال يتوهم ،كما قال يف منع املانع اختصاص ذلك مبفهوم الصفة وليس كذلك( .وهو) أي مفهوم املخالفة مبعىن حمل
احلكم (صفة) أي مفهوم صفة واملراد هبا لفظ مقيد آلخر وليس بشرط وال استثناء وال غاية ال النعت فقط (كالغنم السائمة وسائمة
األو ل من يف الغنم السائمة زكاة ،ويف الثاين من يف سائمة الغنم زكاة قدم من تأخري وكل منهما يروى الغنم) أي الصفة كالسائمة يف ّ
حديثا( .وكالسائمة) من يف السائمة زكاة (يف األصح) املعز ،وللجمهور لداللته على السوم الزائد على الذات خبالف اللقب ،وقيل
مر آنفا( .واملنفي) عن حملية الزكاة (يف) املثالني (األولني
ليس من الصفة ،ورجحه األصل الختالل الكالم بدونه كاللقب ودفع مبا ّ
معلوفة الغنم على املختار) فيهما ،وهو ما رجحه اإلمام الرازي وغريه.
( ويف) املثال (الثالث معلوفة النعم) من إبل وبقر وغنم ،وقيل املنفي يف األولني معلوفة النعم ومل يرجح األصل منهما شيئا ،بل قال وهل
األولني مع ذكره يف الثالث من زياديت ،وقد بينت ما يف الثالث املنفي غري سائمتها أو غري مطلق السوائم؟ قوالن .فالرتجيح يف املنفي يف ّ
األو لني كاألصل هنا أوىل من فرقه يف منع املوانع بينهما بأن اخلالف خاص بأوهلما ،وبأن املنفي يف الثاين
وما ذكرته من اجلمع بني ّ
سائمة غري الغنم ال غري السائمة بناء على أن الصفة فيه لفظ الغنم على وزان «مطلـ الغين ظلم».
( ومنها) أي من الصفة باملعىن السابق (العلة) حنو أعط السائل حلاجته أي احملتاج دون غريه( .والظرف) زمانا أو مكانا حنو سافر غدا أي
ال يف غريه ،واجلس أمام فالن أي ال يف غريه من بقية جهائه( .واحلال) حنو أحسن إىل العبد مطيعا أي ال عاصيا( .والشرط) حنو {وإن
حتل له من بعد حىت
عليهن( .وكذا الغاية) يف األصح حنو {فإن طلقها فال ّ
ّ فغريهن ال جيب اإلنفاق
ّـ عليهن} أي
ّ كن أوالت محل فأنفقوا
ّ
تنكح زوجا غريه} أي فإذا نكحته حتل لألول بشرطه ،وقيل الغاية منطوق أي باإلشارة لتبادره إىل األذهان ،وأجاب األول بأنه ال يلزم
من ذلك أن يكون منطوقا( .وتقدمي املعمول) بقيد زدته بقويل (غالبا) يف األصح حنو {إياك نعبد} أي ال غريك ،وقيل ال يفيد احلصر،
وإمنا أفاده يف {إياك نعبد} للقرينة ،وهي العلم بأن قائليه أي املؤمنني ال يعبدون غري ذلك( .والعدد) يف األصح حنو {فاجلدوهم مثانني
جلدة} أي ال أكثر وال أقل ،وهذا ما نقله الشيخ أبو حامد وغريه عن الشافعي وإمام احلرمني عنه وعن اجلمهور ،وقيل ليس منها.
وعزاه النووي إىل مجاهري األصوليني ،لكن تعقبه ابن الرفعة وتعجب منه مع أن ما نقله معارض مبا مر عن اإلمام.
---
( )1/25
( ويفيد احلصر إمنا بالكسر يف األصح) الشتماهلا على نفي واستثناء تقديرا حنو {إمنا إهلكم اهلل} أي ال غريه واإلله املعبود حبق وحنو إمنا
زيد قائم أي ال قاعد مثالً ،وقيل ليست للحصر ألهنا إ ّن املؤكدة وما الزائدة الكافة فال نفي فيها ،وقيل للحصر منطوقا أي باإلشارة أما
أمنا بالفتح حنو {اعلموا أمنا احلياة الدنيا لعب وهلو وزينة} اآلية فليست حلصر بناء على بقاء أن فيها على مصدريتها مع كفها مبا،
واملعىن اعلموا حقارة الدنيا فال تؤثروها على اآلخرة اجلليلة ،فبقاء أن يف اآلية على املصدرية كاف يف حصول املقصود هبا من حتقري
الدنيا ،وقيل للحصر كأصلها إمنا بالكسر ،واملراد أن الدنيا ليست إال هذه األمور احملقرات أي ال القرب فإهنا من أمور اآلخرة لظهور
بويل أي ناصر. الويل أي فغريه ليس ّ
مثرهتا فيها بقويل من زياديت يف األصح راجع إىل املسائل األربع (و) حنو (ضمري الفصل)حنو فاهلل هو ّ
(و) حنو (ال وإال االستثنائية) حنو ال عامل إال زيد ،وما قام إال زيد منطوقهما نفي العلم والقيام عن غري زيد ومفهومهما إثبات العلم،
والقيام لزيد ،ومما يفيد احلصر حنو العامل زيد وصديقي زيد ،وذلك مفاد من زياديت حنو وقد يفاد أيضا من قويل كاألصل ،ومنها ورتبته
قبل الشرط( .وهو) أي األخري وهو حنو ال وإال االستثنائية (أعالها) أي أنواع مفهوم املخالفة إذ قيل إنه منطوق أي صراحة لسرعة
تبادره إىل األذهان ،وبه يعلم أن يف كون هذا من الصفة خالفا أيضا( .فما قيل) فيه إنه (منطوق) أي إشارة كنعت وحال وظرف وعلة
مناسبات (كالغاية وإمنا) والعدد (فالشرط) إذ مل يقل أحد إنه منطوق( .فصفة أخرى مناسبة) للحكم ألن بعض القائلني بالشرط خالف
يف الصفة( .و) صفة (غري مناسبة) كاملذكورات الغري املناسبة فهو سواء( .فالعدد) إلنكار كثري له دون ما قبله كما( .فتقدمي املعمول)
مر( .واملفاهيم) املخالفة (حجة لغة يف األصح)، آخر املفاهيم ألنه ال يفيد احلصر يف كل صورة كما ّ
الغين املسكوت» ظلم» إنه يدل على أن مطلـ غري الغين ليس بظلم وهم إمنا لقول كثري من أئمة اللغة هبا ،فقال مجع منهم يف خرب «مطل ّ
يقولون يف مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب ،وقيل حجة شرعا ملعرفة ذلك من موارد كالم الشارع ،وقيل حجة معىن وهو أنه لو
مل ينف املذكور احلكم عن املسكوت مل يكن لذكره فائدة ،وأنكر بعضهم مفاهيم املخالفة كلها مطلقا ،وإن قال يف املسكوت خبالف
حكم املنطوق فألمر آخر كما يف انتفاء الزكاة عن املعلوفة قال األصل عدم الزكاة وردت يف السائمة فبقيت املعلوفة على األصل،
وأنكرها بعضهم يف اخلرب حنو يف الشام الغنم السائمة ،فال ينفي املعلوفة عنها ألن اخلرب له خارجي جيوز اإلخبار ببعضه فال يتعني القيد
مر فال خارجي له فال فائدة للقيد فيه إال النفي ،وأنكرها فيه للنفي خبالف اإلنشاء حنو زكوا عن الغنم السائمة ،وما يف معناه مما ّ
بعضهم يف غري الشرع من كالم املؤلفني والواقفني لغلبة الذهول عليهم خبالفه يف الشرع من كالم اهلل تعاىل ورسوله .واعتمده السبكي
والربماوي قال وهو ظاهر املذهب وأنكر بعضهم صفة ال تناسب احلكم ،كأن يقول الشارع يف الغنم العفر الزكاة فهي كاللقب خبالف
املناسبة كالسوم خلفة مؤنة السائمة فهي كالعلة ،وظاهر أن حمل العمل مبفهومات املذكورات إذا مل يعارضه معارض أقوى وإال قدم
األقوى كخربي «إمنا الربا يف النسيئة» و«إمنا الوالء ملن أعتق» فإهنما معارضان باإلمجاع ،أما مفهوم املوافقة فاتفقوا على حجيته وإن
مر ( .وليس منها) أي من املفاهيم املخالفة (اللقب) علما كان أو اسم جنس أو اسم مجع (يف اختلفوا يف طريق الداللة عليه كما ّ
األصح) كما قال به مجاهري األصوليني ،وقيل منها حنو على زيد حج ،أي ال على غريه ،إذ ال فائدة لذكره إال نفي احلكم عن غريه.
وأجيب بأن نفي احلكم عن غريه إمنا كان للقرينة وبأن فائدة ذكره استقامة الكالم ،إذ بإسقاطه ختتل الصفة.
---
( )1/26
(مسألة من األلطاف) مجع لطف مبعىن ملطوف أي من األمور امللطوف بالناس هبا( .حدوث املوضوعات اللغوية) بإحداث هلل تعاىل،
وإن قيل واضعها غريه من العباد ألنه اخلالق ألفعاهلم وفائدهتا أن يصرب كل أحد من الناس عما يف نفسه مما حيتاجه لغريه ليعاونه عليه
لعدم استقالله به( .وهي) يف الداللة على ما يف النفس (أفيد من اإلشارة واملثال) أي الشكل ألهنا تعم املوجود واملعدوم ،ومها خيصان
املوجود احملسوس( .وأيسر) منهما أيضا ملوافقتها لألمر الطبيعي دوهنما ألهنا كيفيات تعرض للنفس الضروري (وهي ألفاظ) ،ولو مق ّدرة
أو مركبة ولو تركيبا إسناديا (دالة على معان) خرج باأللفاظ الدوال األربع ،وهي اخلطوط والعقود واإلشارات والنصب ،ومبا بعدها
األلفاظ املهملة( .و) إمنا (تعرف بالنقل) تواترا كالسماء واألرض واحلر والربد ملعانيها املعروفة أو آحادا كالقرء للحيض وللطهر.
(وباستنباط العقل منه) أي من النقل حنو اجلمع املعرف بالالم عام ،فإن العقل يستنبطه مما نقل أن هذا اجلمع يصح االستثناء منه بأن
يضم إليه ،وكل ما صح االستثناء منه مما ال حصر فيه فهو عام للزوم تناوله للمستثىن ،فعلم أهنا ال تعرف مبجرد العقل ،إذ ال جمال له يف
تصوره من الشركة فيه كمدلول زيد فجزئي ،وإن مل مينع منها كمدلول ذلك (ومدلول اللفظ) إما (معىن جزئي أو كلي) ألنه إن منع ّ
اإلنسان فكلي( ،أو لفظ مفرد) إما مستعملـ كمدلول الكلمة مبعىن ما صدقها كرجل وضرب وهل ،أو مهمل كمدلول أمساء حروف
اهلجاء كحروف جلس أي جه له سه( .أو) لفظ (مركب) إما مستعملـ كمدلول لفظ اخلرب أي ما صدقه كقام زيد أو مهمل كمدلول
لفظ اهلذيان ،وسيأيت ذلك يف مبحث األخبار مع زيادة وإطالق املدلول على املاصدق كما هنا شائع ،واألصل إطالقه على املفهوم وهو
ما وضع له اللفظ( .والوضع) الشاملـ للغوي والعريف والشرعي (جعل اللفظ دليل املعىن) فيفهمه منه العارف لوضعه له( .وإن مل يناسبه
يف األصح) ألن اللفظ عالمة للمعىن
بطريق الوضع ،وألن املوضوع للضدينـ كاجلون لألسود واألبيض ال يناسبهما ،واشرتط عباد الصيمري من املعتزلة مناسبته له ،قال وإال
فلم اختص به ،وعليه فقيل أراد أهنا حاملة على الوضع على وفقها فيحتاج إليه ،وقيل أراد أهنا كافية يف داللة اللفظ على املعىن ،فال
حيتاج إىل الوضع يدرك ذلك من خصه اهلل به كما يف القافة ويعرفه غريه منه.
حكي أن بعضهم كان يدعي أنه يعلم املسميات من األمساء فقيل له ما مسمى آدغاغ وهو من لغة الرببر؟ فقال أجد فيه يبسا شديدا
وأراه اسم احلجر وهو كذلك .قال األصفهاين والثاين هو الصحيح عن عباد( .واللفظ) الدال على معىن ذهين خارجي أي له وجود يف
الذهن باإلدراك ،ووجود يف اخلارج بالتحققـ كاإلنسان خبالف املعدوم ال وجود له يف اخلارج كبحر من زئبق( .موضوع للمعىن الذهين
على املختار) وفاقا لإلمام الرازي وغريه ،ألنا إذا رأينا جسما من بعيد وظنناه صخرة مسيناه هبا ،فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان وظنناه
طريا مسيناه به ،فإذا دنونا منه عرفنا أنه إنسان مسيناه به ،فاختلف االسم الختالف املعىن الذهين ،وذلك يدل على أن الوضع له واجلواب
بأن اختالف االسم لذلك الظن أنه يف اخلارج كذلك ،فاملوضوع له ما يف اخلارج والتعبري عنه تابع إلدراك الذهن له حسبما أدركه
مردود بأنه ال يلزم من كون االختالف لظن ما ذكر أن يكون اللفظ موضوعا للمعىن اخلارجي .وقيل موضوع للمعىن اخلارجي ألن به
تستقر األحكام ورجحه األصل ،وقيل موضوع للمعىن من حيث هو من غري تقييد بذهين أو خارجي ،واختاره السبكي .قال ابنه يف ّ
منع املوانع واخلالف يف اسم اجلنس أي يف النكرة إذ املعرفة منه ما وضع للخارجي ،ومنه ما وضع للذهين كما سيأيت .وهذا التقييد
يؤيد ما اخرتته إذ النكرة موضوعة لفرد شائع من احلقيقة وهو كلي ال يوجد مستقالً إال يف الذهن كما أوضحته يف احلاشية.
---
( )1/27
( وال جيب) هو أوىل من قوله وليس (لكل معىن لفظ بل) إمنا جيب (ملعىن حمتاج للفظ) إذ أنواع الروائح مع كثرهتا ليس هلا ألفاظ لعدم
انضباطها ،ويدل عليها بالتقييد كرائحة كذا ،فليست حمتاجة إىل األلفاظ وبل هنا انتقالية ال إبطالية( .واحملكم) من اللفظ (املتضح العىن)
نص أو ظاهر (واملتشابه) منه (غريه) أي غري املتضح املعىن ولو للراسخ يف العلم( .يف األصح) بناء على أن الوقف يف اآلية املشار
من ّ
إليها بعد على إال اهلل( .وقد يوضحه اهلل لبعض أصفيائه) معجزة أو كرامة ،وقيل هو غري متضح املعىن لغري الراسخ يف العلم بناء على أن
الوقف يف اآلية على {والراسخون يف العلم} واالصطالح املذكور مأخوذ من قوله تعاىل {منه آيات حمكمات} إىل آخره .وذكر
اخلالف من زياديت وتعريفي للمتشابه مبا ذكر أوىل من قوله واملتشابه ما استأثر اهلل بعلمه ألن ذاك تعريف بامللزوم( .واللفظ الشائع) بني
خفي عليهم ال يدركونه وإن أدركه اخلواص( .كقول اخلواص والعوام( .ال جيوز وضعه ملعىن خفي على العوام) المتناع ختاطبهم مبا هو ّ
مثبيت احلال) أي الواسطة بني املوجود واملعدوم كما سيأيت أواخر الكتاب( .احلركة معىن يوجب حترك الذات) أي اجلسم ،فإن هذا
خفي التعقل على العوام ،فال يكون معىن احلركة الشائعة بني اجلميع ومعناها الظاهر حترك الذات أو انتقاهلا.
املعىن ّ
---
( )1/28
(مسألة املختار) ما عليه اجلمهور( .أن اللغاتـ توقيفية) أي وضعها اهلل تعاىل فعربوا عن وضعه هلا بالتوقيف إلدراكه به( .علمها اهلل)
تدل من يسمعها من العبادعباده (بالوحي) إىل بعض أنبيائه وهو الظاهر ألنه املعتاد يف تعليم اهلل( .أو خبلق أصوات) يف أجسام بأن ّ
عليها( .أو) خلق (علم ضروري) يف بعض العباد هبا واحتج للقول بالتوقيف بقوله تعاىل {وعلم آدم األمساء كلها} أي األلفاظ الشاملة
لألمساء واألفعال واحلروف ،ألن كالً منها اسم أي عال مبسماه إىل الذهن أو عالمة عليه ،وختصيص االسم ببعضها عرف طرأ وتعليمه
دال على أنه الواضع دون البشر ،وقيل هي اصطالحية ال توقيفية أي وضعها البشر واحد أو أكثر وحصل عرفاهنا منه لغريه تعاىل ّ
باإلشارة والقرينة ،كالطفل ،أذ يعرف لغة أبويه هبما ،واحتج هلذا القول بقوله تعاىل {وما أرسلنا من رسول إال بلسان قومه} أي
بلغتهم فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي لتأخرت عنها ،وقيل القدر احملتاج إليه يف التعريف هبا للغري توقيفي
لدعاء احلاجة إليه وغريه حمتمل ،وقيل القدر احملتاج إليه يف التعريف اصطالحي وغري حمتمل ،واحلاجة إىل األول تندفع باالصطالح،
وتوقف كثري من العلماء عن القول بواحد من هذه األقوال لتعارض أدلتها.
( و) املختار(أن التوقيف مظنون) لظهور دليله دون دليل االصطالح ،إذ ال يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطالحية جلواز أن
النبو ة والرسالة( .وأن اللغة ال تثبت قياسا) أي به بقيد زدته بقويل (فيما يف معناه وصف)
تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بني ّ
فإذا اشتمل معىن اسم على وصف مناسب للتسمية كاخلمر أي املسكر من ماء العنب لتخمريه أي تغطيته للعقل ووجد ذلك الوصف
يف معىن اسم آخر كالنبيذ أي املسكر من غري ماء العنب مل يثبت له بالقياس ذلك االسم لغة ،فال يسمى النبيذ مخرا ،إذ ما من شيء إال
وله اسم لغة فال يثبت له اسم آخر قياسا ،كما إذا ثبت لشيء حكم بنص مل يثبت له حكم آخر قياسا ،وقيل يثبت به فيسمى النبيذ
مخرا فيجب اجتنابه بآية {إمنا اخلمر وامليسر} ال بالقياس على اخلمر ،فإن قلت ينبغي ترجيحه فقد قال به الشافعي حيث قاس النباش
بالسارق فأوجب القطع وقاس النبيذ باخلمر فأوجب احل ّد .قلنا قاس شرعا ال لغة إذ زوال العقلـ وأخذ مال الغري خفية وصف مناسب
للحكم ال أنه قاس وصف النباش ووصف النبيذ بوصف السارق ووصف اخلمر ،وقيل تثبت به احلقيقة دون اجملاز ألنه أخفض رتبة
منها ،وقيل غري ذلك والرتجيح من زياديت ومبا تقرر علم أن حمل اخلالف يف غري األعالم ،وفيما مل يثبت تعميمه باستقراء ،فاألعالم ال
قياس فيها اتفاقا ،وما ثبت تعميمه باستقراء كرفع الفاعل ونصب املفعول ال حاجة يف ثبوت ما مل يسمع منه إىل قياس حىت خيتلف يف
ثبوته ،مع أنه ال يتحقق يف جزئياته أصل وفرع ،ألن بعضها ليس أوىل من بعض بذلك ،وخرج مبا يف معناه وصف غريه فال قياس فيه
اتفاقا ال النتفاء اجلامع.
---
( )1/29
تصور معناه) أي معىن اللفظ املذكور (الشركة) فيه من(مسألة اللفظ) املفرد (واملعىن إن احتدا) بأن كان كل منهما واحدا (فإن منع ّ
تصور معناه الشركة فيه (فكلي) سواء امتنع
اثنني مثالً (فجزئي) أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا حقيقيا كزيد( .وإال) أي وإن مل مينع ّ
وجود معناه كاجلمع بني الضدين أم أمكن ومل يوجد منه كبحر زئبيق أو وجد وامتنع غريه كاإلله أي املعبود حبق ،أو أمكن ومل يوجد
كالشمس أي الكوكب النهاري املضيء ،أو وجد كاإلنسان أي احليوان الناطق ،وما مر من تسمية املدلول جزئيا وكليا هو احلقيقة،
وما هنا جماز من تسمية الدال باسم املدلول( .متواطىء) ذلك الكلي( .إن استوى) معناه يف أفراده كاإلنسان فإنه متساوي املعىن يف
أفراده من زيد وعمرو وغريمها مسي متواطئا من التواطؤ أي التوافق لتوافق أفراد معناه فيه( .وإال) فإن تفاوت معناه يف إفراده بالشدة أو
التقدم كالبياض ،فإن معناه يف الثلج أشد منه يف العاج ،وكالوجود فإن معناه يف الواجب قبله يف املمكن( ،فمشكك) مسي به لتشكيكه
الناظر فيه يف أنه متواطىء نظرا إىل جهة اشرتاك األفراد يف أصل املعىن أو غري متواطىء نظرا إىل جهة االختالف( .وإن تعددا) أي اللفظ
واملعىن كاإلنسان والفرس( .فمباين) أي كل من اللفظني لآلخر مباينا له ملباينة معىن كل منهما ملعىن اآلخر( .أو) تعدد (اللفظ فقط) أي
دون املعىن كاإلنسان والبشر( .فمرادف) كل من اللفظني لآلخر مسى مرادفا له ملرادفته له أي موافقته له يف معناه( .وعكسه) وهو أن
يتعدد املعىن دون اللفظ كأن يكون للفظ معنيان( .إن كان) أي اللفظ (حقيقة فيهما) أي يف املعنيني كالقرء للحيض والطهر.
(فمشرتك) الشرتاك املعنيني فيه( .وإال فحقيقة وجماز) كاألسد للحيوان املفرتس وللرجل الشجاع ،وإمنا مل يقولوا أو جمازان أيضا ،مع أنه
يتجو ز يف اللفظ من غري أن يكون له معىن حقيقي كما هو األصح اآليت ،كأنه ،ألن هذا القسم مل يثبت وجوده. جيوز أن ّ
( والعلم ما) أي لفظ (عني مسماه) خرج النكرة (بوضع) خرج بقية املعارف فإن كالً منها مل يعني مسماه بالوضع بل بأمر آخر ،فأنت
مثالً إمنا يعني مسماه بقرينة اخلطاب ال بوضعه ،فإنه إمنا وضع ملا يستعمل فيه من أي جزئي وما ذكرته أوىل من قوله ما وضع ملعىن ال
يتناول غريه( .فإن كان تعيينه) أي املسمى (خارجيا فعلمـ شخص) فهو ما عني مسماه يف اخلارج بوضع ،فال خيرج العلمـ العارض
االشرتاك كزيد مسي به كل من مجاعة( .وإال) بأن كان تعيينه ذهنيا( ،فعلم جنس) .فهو ما عني مسماه يف الذهن بوضع بأن يالحظ
وجوده فيه كأسامة علم للسبع أي ملاهيته احلاضرة يف الذهن .وأما اسم اجلنس ويسمى املطلق ،فهو عند مجع من احملققني ما وضع
لشائع يف جنسه ،وسيأيت إيضاحه يف حبث املطلق وعند األصل تبعا جلمع وهو املختار ما وضع للماهية املطلقة أي من غري أن تعني يف
اخلارج أو يف الذهن كأسد اسم ملاهية السبع واستعماله فيها كأن يقال أسد أجرأ من ثعلب ،كما يقال أسامة أجرأ من ثعالة ،ويدل
على اعتبار التعيني يف علم اجلنس إجراء األحكام اللفظية لعلم الشخص عليه كمنع الصرف مع تاء التأنيث ،وإيقاع احلال منه حنو هذا
أسامة مقبالً ،واستعمال علم اجلنس أو اسم اجلنس على القول الثاين معرفا أو منكرا يف الفرد املعني أو املبهم من حيث اشتماله على
املاهية حقيقي حنو هذا أسامة أو األسد أو أسد
( )1/30
( )1/31
( فاسم الفاعل) من مجلة املشتق (حقيقة يف حال التلبس) باملعىن أو جزئه األخري مطلقا( .ال) حال (النطق) باملشتق أيضا فقط خالفا
للقرايف حيث قال بالثاين ،وبىن عليه سؤاله يف آيات {الزانية والزاين فاجلدوا} {والسارق والسارقة فاقطعوا} {فاقتلوا املشركني}
وحنوها أهنا إمنا تتناول من اتصف باملعىن بعد نزوهلا الذي هو حال النطق جمازا ،واألصل عدم اجملاز قال واإلمجاع على تناوهلا له حقيقة،
وأجاب بأن املسألة حملها يف املشتق احملكوم به حنو زيد ضارب ،فإن كان حمكوما عليه كما يف هذه اآليات فحقيقة مطلقا .وقال
املعين باحلال حال التلبس باملعىن ،وإن تأخر عن النطق باملشتق ال حال النطق به الذي هو حال
السبكي وتبعه ابنه يف دفع السؤال إن ّ
التلبس باملعىن أيضا فقط .أي فاإلمجاع إمنا هو يف التناول ملن ذكره حال التلبس ال حال النطق ،فاسم الفاعل مثالً حقيقة يف من هو
متصف باملعىن حني قيامه به حاضرا عند النطق أو مستقبالً وجماز يف من سيتصف به ،وكذا فيمن اتصف به فيما مضى على الصحيح.
(وال إشعار للمشتق خبصوصية الذات) اليت دل هو عليها من كوهنا جسما أو غريه ،ألن قولك مثالً األسود جسم صحيح ولو أشعر
األسود فيه باجلسمية لكان قولك اجلسم ذو السواد جسم وهو غري صحيح لعدم إفادته.
---
( )1/32
( مسألة األصح أن) اللفظ (املرادف) آلخر (واقع) يف الكالم جوازا مطلقا كليث وأسد ،وقيل ال .وما يظن مرادفا كاإلنسان والبشر
فمباين بالصفة األول باعتبار النسيان وأنه يأنس ،والثاين باعتبار أنه بادي البشرة أي ظاهر اجللد ،وقيل ال يف األمساء الشرعية ألنه ثبت
على خالف األصل للحاجة إليه يف حنو النظم والسجع ،وذلك منتف يف كالم الشارع( .و) األصح (أن احلد واحملدود) كاحليوان الناطق
واإلنسان (وحنو حسن بسن) أي االسم وتابعه كعطشان نطشان( ،ليسا منه) أي من املرادف أما األول فألن احلد يدل على أجزاء
املاهية تفصيالً واحملدود يدل عليها إمجاالً فهما متغايران ،وألن الرتادف من عوارض املفردات ،وقيل منه بقطع النظر عن اإلمجال
والتفصيل ،وأما الثاين فألن التابع ال يفيد املعىن بدون متبوعه وقيل منه وقائله مينع ذلك( .والتابع) على األول (يفيد التقوية) للمتبوع
وإال مل يكن لذكره فائدة (و) األصح (أن كالً من املرادفني) ولو من لغتني (يقع) جوازا (مكان اآلخر) يف الكالم مطلقا ،إذ ال مانع من
ذلك ،وقيل ال ،إذ لو أيت بكلمة فارسية مكان كلمة عربية يف كالم مل يستقم لغة الكالم ،ألن ضم لغة إىل أخرى كضم مهمل
مر ،وعلى األصح إمنا امتنع ذلك فيما تعبد بلفظهومستعمل ،وإذا عقلـ ذلك يف لغتني عقل مثله يف لغة ،وقيل ال إن كانا من لغتني ملا ّ
كتكبرية اإلحرام عندنا للقادر عليها العارض شرعي ،والبحث إمنا هو لغوي فال حاجة إىل التقييد بذلك وإن قيد به األصل.
---
( )1/33
(مسألة األصح أن املشرتك) بني معنيني مثالً (واقع) يف الكالم (جوازا) كالقراء للطهر واحليض وعسعس ألقبل وأدبر والباء للتبعيض
يظن مشرتكا فهو إما حقيقة أو جماز أو متواطىء كالعني حقيقة يف الباصرة جماز يف غريها كالذهب واالستعانة وغريمها .وقيل ال ،وما ّ
لصفائه ،وكالقرء موضوع للقدر املشرتك بني الطهر واحليض ،وهو املع من قرأت املاء يف احلوض أي مجعته فيه ،والدم جيتمع يف زمن
الطهر يف اجلسد ويف زمن احليض يف الرحم ،وقيل ال يف القرآن واحلديث ألنه ولو وقع فيهما لوقع إما مبينا فيطول بال فائدة أو غري مبني
فال يفيد ،والقرآن واحلديث ينزهان عن ذلك .وأجيب باختيار الثاين ويفيد إرادة أحد معنييه الذي سيبني وإن مل يبني محل على معنييه
كما سيأيت .وقيل جيب وقوعه ألن املعاين أكثر من األلفاظ الدالة عليها .وأجيب مبنع ذلك إذ ما من مشرتك إال ولكل من معنييه مثالً
لفظ يدل عليه ،وقيل هو ممتنع إلخالله بفهم املراد املقصود من الوضع .وأجيب بأنه يفهم بالقرينة ،واملقصود من الوضع الفهم التفصيلي
أو اإلمجايل املبني بالقرينة .فإن انتفت محل على املعنيني ،وقيل ممتنع من النقيضني فقط إذ لو وضع هلما لفظ مل يفد مساعه غري الرتدد
بينهما وهو حاصل يف العقل .وأجيب بأنه قد يعقل عنهما فيستحضرمها بسماعه مث يبحث عن املراد منهما.
(و) األصح (أنه) أي املشرتك( .يصح لغة إطالقه على معنييه) مثالً (معا) بأن يراد به من متكلم واحد يف وقت واحد كقولك عندي
عني وتريد الباصرة واجلارية مثالً .وقرأت هند وتريد طهرت وحاضت( .جمازا) ألنه مل يوضع هلما معا بل لكل منهما منفردا بأن تعدد
لألو ل .وعن الشافعي أنه حقيقة نظرا لوضعه لكل منهما وأنه ظاهر فيهما عند التجرد عن القرائن، الواضع أو وضع الواحد نسيانا ّ
وعن القاضي أيب بكر الباقالين أنه حقيقة ،وأنه جممل لكن حيمل عليهما احتياطا .وقيل يصح أن يراد به املعنيان عقالً ال لغة ،وقيل يصح
ذلك يف النفي حنو ال عني عندي ،ويراد به الباصرة والذهب مثالً دون اإلثبات حنو عندي عني ألن زيادة النفي على اإلثبات معهودة،
ورد بأن النفي ال يرفع إال ما يقتضيه اإلثبات واخلالف فيما إذا أمكن اجلمع بينهما ،فإن امتنع كما يف استعمال صيغة أفعل يف طلب ّ
الفعلـ والتهديد عليه على القول اآليت إهنا مشرتكة بينهما فال يصح قطعا( .و) األصح (أن مجعه باعتبارمها) أي معنييه بناء على جواز
مجعه ،وهو ما رجحه ابن مالك كقولك عندي عيون وتريد مثالً باصرتني وجارية أو باصرة وجارية وذهبا( .مبين عليه) أي على ما
ذكر من صحة إطالق اللفظ املشرتك املفرد عليهما معا كما أن املنع مبين على املنع ،وقيل ال يبىن عليه فقط بل يأيت على القول باملنع
أيضا ،ألن اجلمع يف ّقو ة تكرير املفردات بالعطف( .و) األصح (أن ذلك) أي ما ذكر من صحة إطالق اللفظ على معنييه معا جماز إىل
آخره( .آت يف احلقيقة واجملاز) كما يف قولك رأيت األسد وتريد احليوان املفرتس والرجل الشجاع ،فيكون جمازا .وقيل حقيقة وجمازا.
ومنع القاضي ذلك على ما نقله عنه األصل ملا فيه من اجلمع بني متنافيني حيث أريد باللفظ املوضوع له أو ال وغريه معا .وأجيب مبنع
مر ،وإذا علم صحة التنايف( .و) آت (يف اجملازين) كقولك واهلل ال أشرتي وتريد السوم والشراء بالتوكيل فيه ،وقيل ال يأيت فيهما ملا ّ
إطالق اللفظ على حقيقته وجمازه( .فنحو افعلوا اخلري يعم الواجب واملندوب) محالً لصيغة افعل على احلقيقة واجملاز من الوجوب
والندب بقرينة كون متعلقهما كاخلري شامالً للواجب واملندوب ،وقيل خيتص بالواجب بناء على أنه ال يراد اجملاز مع احلقيقة .وقيل هو
للقدر املشرتك بني الواجب واملندوب أي مطلوب الفعل بناء على القول اآليت أن الصيغة حقيقة يف القدر املشرتك بني الوجوب والندب
أي طلب الفعل وإطالق احلقيقة واجملاز على املعىن كما هنا جمازي من إطالق اسم الدال على املدلول.
---
( )1/34
( احلقيقة لفظ مستعمل) خرج اللفظ املهمل وما وضع ومل يستعمل( .فيما وضع له) خرج الغلط كقولك خذ هذا القوس مشرياـ إىل
محار( .أو ال) خرج اجملاز( .وهي لغوية) بأن وضعها أهل اللغة بتوقيف أو اصطالح كاألسد للحيوان املفرتس (وعرفية) بأن وضعها أهل
يدب على األرض أو اخلاص كالفاعل لالسم املعروف عند النحاة. العرف العام كالدابة لذات احلوافر كاحلمار ،وهي لغة لكل ما ّ
(ووقعتا) أي اللغوية والعرفية خالفا لقوم يف العامة( .وشرعية) بأن وضعها الشارع كالصالة للعبادة املخصوصة فالشرعي ما مل يستفد
وضعه إال من الشرع( .واملختار وقوع الفرعية منها) أي من الشرعية كالصالة( .ال الدينية) أي املتعلقة بأصول الدين فإهنا يف الشرع
مستعملةـ يف معناها اللغوي كاإلميان فإنه كذلك ،ومعناه اللغوي تصديق القلب ،وإن اعترب الشارع يف االعتداد به التلفظ بالشهادتني من
القادر كما سيأيت .ونفي قوم إمكان الشرعية بناء على أن بني اللفظ واملعىن مناسبة مانعة من نقله إىل غريه ،وقوم وقوعها حمتجني بأن
لفظ الصالة مثالً مستعملـ يف الشرع يف معناه اللغوي أي الدعاء خبري ،لكن اعترب الشارع يف االعتداد به أمورا كالركوع وغريه ،وقال
قوم وقعت مطلقا ،وقوم وقعت إال اإلميان فإنه يف الشرع مستعملـ يف معناه اللغوي كما مر( .واجملاز) يف اإلفراد وهو املراد عند
اإلطالق (لفظ مستعمل) فيما وضع له لغة أو عرفا أو شرعا (بوضع) خرج املهمل وما مل يستعمل والغلط( .ثان) خرج احلقيقة
(لعالقة) بفتح العني وكسرها أي علقة بني ما وضع له أوالً وما وضع له ثانيا حبيث ينتقل إليه الذهن بواسطتها خرج العلمـ املنقول
كالفضل ،ويف تقييد الوضع دون االستعمال بالثاين إشارة إىل وجوب تقدم الوضع دون االستعمال وهو ما ذكرته مع زيادة بقويل
(فيجب سبق الوضع) للمعىن األول( .جزما ال) سبق (االستعمال) فيه فال جيب يف حتقيق اجملاز( .يف األصح) .إذ ال مانع من أن يتجوز
يف اللفظ قبل استعماله فيما وضع له
أوالً .فال يستلزم اجملاز للحقيقة كعكسه ،وقيل جيب سبق االستعمال يف ذلك ،وإال لعري الوضع األول عن الفائدة .وأجيب حبصوهلا
باستعماله فيما وضع له ثانيا ،وصحح األصل من عندياته أنه ال جيب ذلك إال يف مصدر اجملاز مبعىن أنه ال يتحقق يف املشتق جماز إال إذا
سبق استعمال مصدره حقيقة ،وإن مل يستعمل املشتق حقيقة كالرمحن مل يستعمل إال يف اهلل تعاىل ،ويف صحة ما صححه وقفة بينتها يف
احلاشية.
يظن جمازا حنو رأيت أسدا يرمى فحقيقة ،ونفي ( وهو) أي اجملاز (واقع) يف الكالم مطلقا (يف األصح) ونفى قوم وقوعه مطلقا قالوا وما ّ
قوم وقوعه يف الكتاب والسنة قالوا ألنه حبسبـ الظاهر كذب حنو قولك يف البليد هذا محار ،وكالم اهلل ورسوله منزه عن الكذب.
وأجيب بأنه ال كذب مع اعتبار العالقة وهي يف ذلك املشاهبة يف الصفة الظاهرة أي عدم الفهم( .و) إمنا (يعدل إليه) عن احلقيقة اليت
هي األصل (لثقل احلقيقة) على اللسان كاخلنفقيق للداهية يعدل عنه إىل املوت مثالً( .أو بشاعتها) كاخلرأة بكسر اخلاء يعدل عنها إىل
الغائط وحقيقته املكان املطمئن (أو جهلها) للمتكلم أو املخاطب دون اجملاز( .أو بالغته) حنو زيد أسد فإنه أبلغ من شجاع( .أو
شهرته) دون احلقيقة( .أو غري ذلك) كإخفاء املراد عن غري املتخاطبني اجلاهل باجملاز دون احلقيقة وكإقامة وزن وقافية وسجع به دون
احلقيقة( .واألصح أنه) أي اجملاز (ليس غالبا على احلقيقة) يف اللغات ،وقيل غالب عليها يف كل لغة ألنك تقول مثالً رأيت زيدا واملرئي
بعضه ،وهذا ال يدل على املدعي كما بينته يف احلاشية( .وال) أي وأنه ليس (معتمدا) عليه (حيث تستحيل) احلقيقة بل ال بد من قرينة
للبنوة صونا
تدل له وخالف أبو حينفة حيث قال فيمن قال لعبده الذي ال يولد مثله ملثله هذا ابين أنه يعتق عليه وإن مل ينو العتق الالزم ّ
للكالم عن اإللغاء .قلنا ال ضرورة إىل تصحيحه بذلك ،وفارق هذا ما مر من أن احلقيقة إذا جهلت يعدل إىل اجملاز بأن ذاك يف
االستعمال ،وهذا يف احلمل ،وبأن ذلك بالنظر لتعدد اللفظ واحتاد املعىن ،وهذا بالعكس أما إذا كان مثله يولد ملثله فيعتق عليه اتفاقا إن
مل يكن معروف النسب من غريه ،وإال فكذلك على األصح مؤاخذة له بالالزم وإن مل يثبت اللزوم( .وهو) أي اجملاز (والنقل) املعلوم
من ذكر كل من احلقيقة الشرعية العرفية( .خالف األصل) الراجح فإذا احتمل لفظ معناه احلقيقي واجملازي أو املنقول عنه،
---
( )1/35
وإليه فاألصل محله على احلقيقي لعدم احلاجة فيه إىل قرينة أو على املنقول عنه استصحابا للموضوع له ّأوالً مثاهلما رأيت أسدا وصليت
أي حيوانا مفرتسا ودعوت خبري أي سالمة منه ،وحيتمل الرجل الشجاع والصالة الشرعية( .و) اجملاز والنقل (أوىل من االشرتاك) فإذا
احتمل لفظ هو حقيقة يف معىن أن يكون يف آخر حقيقة وجمازا أو حقيقة ومنقوالً فحمله على اجملاز أو املنقول أوىل من محله على
احلقيقة املؤدي إىل االشرتاك ،ألن اجملاز أغلب من املشرتك واملنقول ال ميتنع العمل به إلفراد مدلوله قبل النقل وبعده ،خبالف املشرتك ال
يعمل به إال بقرينة تعني أحد معنييه مثالً إال إذا قيل حبمله عليهما ،فاألول كالنكاح حقيقة يف العقد جماز يف الوطء ،وقيل العكس ،وقيل
مشرتك بينهما فهو حقيقة يف أحدمها حمتمل للحقيقة واجملاز يف اآلخر ،والثاين كالزكاة حقيقة يف النماء أي الزيادة حمتمل فيما خيرج من
املال للحقيقة والنقل( .والتخصيص أوىل منهما) أي من اجملاز والنقل ،فإذا احتمل الكالم ختصيصا وجمازا أو ختصيصا ونقالً فحمله على
التخصيص أوىل ،أما األول فلتعني الباقي من العام بعد التخصيص خبالف اجملاز قد ال يتعني بأن يتعدد وال قرينة تعني ،وأما الثاين
فلسالمةـ التخصيص من نسخ املعىن األول خبالف النقل ،فاألول كقوله تعاىل {وال تأكلوا مما مل يذكر اسم اهلل عليه} فقال احلنفي أي
مما مل يتلفظ بالبسملة عند ذحبه وخص منه ناسيها فتحل ذبيحته وقال غريه أي مما مل يذبح تعبريا عن الذبح مبا يقارنه غالبا من التسمية،
فال حتل ذبيحة املتعمد لرتكها على األول دون الثاين ،ويف اآلية تأويل آخر ذكرته يف احلاشية ،والثاين كقوله تعاىل {وأحل اهلل البيع}
فقيل هو املبادلة مطلقاـ وخص منه الفاسد ،وقيل نقل شرعا إىل املستجمع لشروط الصحة ،ومها قوالن للشافعي ،فما شك يف استجماعه
هلا حيل ويصح على األول ،ألن األصل عدم فساده دون الثاين ،ألن األصل عدم استجماعه هلا.
(
واألصح أن االضمار أوىل من النقل) لسالمته من نسخ املعىن األول ،وقيل عكسه لعدم احتياج النقل إىل قرينة كقوله تعاىل {وحرم
الربا} فقال احلنفي أخذه وهو الزيادة يف بيع درهم بدرمهني مثالً ،فإذا أسقطت صح البيع وارتفع اإلمث ،وقال غريه نقل الربا شرعا إىل
العقد فهو فاسد ،وإن أسقطت الزيادة يف ذلك واإلمث فيه باق ،وترجيح هذا عندنا ال للنقل بل ملرجح خاص هو تنظري الربا بالبيع يف
قوله تعاىل حكاية عن الكفار {إمنا البيع مثل الربا} فإنه ظاهر يف العقد كما أوضحته يف احلاشية ،وما ذكرته من اخلالف هو ما يف
األصل مع أنه مل يصرح فيه وال فيما يأيت أثره برتجيح ،لكن قال الزركشي والعراقي املعروف تقدمي اإلضمار( .و) األصح (أن اجملاز
مسا ٍو لإلضمار) وقيل أوىل منه لكثرته ،وقيل عكسه ألن قرينة اإلضمار متصلة كقوله لعبده الذي يولد مثله ملثله أو املشهور النسب من
غريه هذا ابين أي عتيق تعبريا عن الالزم بامللزوم فيعتق ،أو مثل ابين يف الشفقة عليه فال يعتق ،وتق ّدم ترجيح األول وترجيحه ال للمجاز
مر من أن التخصيص تشو ف الشارع إىل العتق على أن املختار يف الروضة أنه ال بد يف العتق من نية ويؤخذ مما ّ
بل ألمر آخر هنا وهو ّ
أوىل من اجملاز األوىل من االشرتاك ،واملساوي لإلضمار األوىل من النقل أن التخصيص أوىل من االشرتاك واإلضمار ،وأن اإلضمار أوىل
من االشرتاك ،وأن اجملاز أوىل من النقل ،والكل صحيح ،ووجه األخري سالمة اجملاز من نسخ املعىن األول خبالف النقل ،وقد تقدم هبذه
الظن ،وقد أوضحت ذلك مع زيادة يف احلاشية. األربعة العشرة اليت ذكروها يف تعارض ما خيل بالفهم أي اليقني ال ّ
---
( )1/36
( ويكون) اجملاز من حيث العالقة (بشكل) كالفرس لصورته املنقوشة (وصفة ظاهرة) كاألسد للرجل الشجاع دون األخبر لظهور
الشجاعة دون البخر لألسد املفرتس( .واعتبار ما يكون) يف املستقبل (قطعا) حنو {إنك ميت وإهنم ميتون} (أو ظنا) كاخلمر للعصري
كاحلر للعبد ال جيوز أما باعتبار ما كان كالعبد ملن عتق فتقدم يف االشتقاق( .ومضادة) خبالف ما يكون احتماالً مرجوحا أو مساويا ّ
للرب ية املهلكة (وجماورة) .كالراوية لظرف املاء املعروف تسمية له باسم ما حيمله من مجل أو حنوه( .وزيادة) قالوا حنو {ليس كاملفازة ّ
كمثله شيء} فالكاف زائدة ،وإال فهي مبعىن مثل فيكون له تعاىل مثل وهو حمال ،والقصد هبذا الكالم نفيه ،والتحقيق أهنا ليست زائدة
جتوز أي توسع بزيادة كلمة أو نقصها وإن مل يصدق على ذلك كما بينته يف احلاشية( .ونقص) حنو {واسأل القرية} أي أهلها فقد ّ
حد اجملاز السابق ،وقيل يصدق عليه حيث استعمل مثل املثل يف املثل ،والقرية يف أهلها ،وقيد املطرزي كون كل من الزيادة والنقص
جمازا مبا إذا تغري به حكم وإال فال يكون جمازا ،فلو قلت زيد منطلق وعمرو مل يكن حذف اخلرب جمازا ألن حكم الباقي مل يتغري ،ويف
جتو ز ألنه ليس جمازا بل عالقة له( .وسبب ملسبب) حنو لألمري يد أي قدرة فهي مبعىن أثرها مسببة تسميته كالً من الزيادة والنقص جمازا ّ
عن اليد حلصوهلا هبا( .وكل لبعض) حنو {جيعلون أصابعهم يف آذاهنم} أي أناملهم( .ومتعلق) بكسر الالم (ملتعلق) بفتحها حنو هذا
خلق اهلل أي خملوقه ،وهذه تسمى عالقة التعلق( .والعكوس) للثالثة األخرية أي مسبب لسببه كاملوت للمرض الشديد ،ألنه سبب له
عادة وبعض لكل حنو فالن ملكـ ألف رأس غنم ،ومتعلق بفتح الالم ملتعلق بكسرها حنو {أيكم املفتون} أي الفتنة( .وما بالفعل على ما
بالقوة) كاملسكر للخمر يف الد ّن وما زيد على هذه العالقات كإطالق الالزم على امللزوم ،وعكسه يرجع إليها كأن يراد باجملاورة مثالً ّ
كما قال
التفتازاين ما يعم كون أحدمها يف اآلخر باجلزئية أو احللول ،وكوهنما يف حمل ،أو متالزمني يف الوجود أو العقلـ أو اخليال وغري ذلك.
( واألصح أنه) أي اجملاز أي مطلقه ال املعرف مبا مر قد( .يكون يف اإلسناد) ويسمى جمازا يف الرتكيب وجمازا عقليا وجمازا حكميا وجمازا
يف اإلثبات وإسنادا جمازيا ،سواء أكان الطرفان حقيقتني أم ال .وذلك بأن يسند الشيء لغري من هو له ملالبسة بينهم كقوله تعاىل {وإذا
تليت عليهم أياته زادهتم أميانا} أسندت الزيادة وهي فعل اهلل تعاىل إىل اآليات لكون اآليات املتلوة سببا هلا عادة ،وقيل ال يكون اجملاز
يف اإلسناد بل اجملاز فيما يذكر منه إما يف املسند أو يف املسند إليه ،فمعىن زادهتم على األول ازدادوا هبا ،وعلى الثاين زادهم اهلل إطالقا
لآليات عليه تعاىل إلسناد فعله إليها( .و) األصح أنه قد يكون يف (املشتق) حنو {ونادى أصحاب اجلنة} أي ينادي {واتبعوا ما تتلوا
الشياطني} أي تلته ،وقيل ال يكون فيه إال بالتبع للمصدر أصله فإن كان حقيقة فال جماز فيه .قلنا احلصرممنوع (و) األصح أنه أعين
اجملاز يف اإلفراد قد يكون يف (احلرف) بالذات حنو فهل ترى هلم من باقية أي ما ترى وبالتبع ملتعلقه ،وال يكون إال يف االستعارة حنو
{فالتقطه آل فرعون} اآلية شبه فيها ترتب العداوة واحلزن على االلتقاط برتتب علته الغائية عليه وهي احملبة والتبين ،مث استعمل يف
املشبه الالم املوضوعة للداللة على ترتب العلة الغائية اليت هي املشبه به فجرت االستعارة أصالة يف العلة ،وعلى هذا القول البيانيون،
وقيل ال يكون فيه إال بالتبع يف الرتكيب ال يف اإلفراد ،وعليه اإلمام الرازي ،وقيل ال يكون فيه ال بالذات وال بالتبع ألنه ال يفيد إال
بضمه إىل غريه ،فإن ضم إىل ما ينبغي ضمه إليه فهو حقيقة أو إىل ما ال ينبغي ضمه إليه فمجاز مركب .قلنا ال نسلم الشق الثاين بل
الضم فيه قرينة جماز االفراد كقوله
تعاىل {وألصلبنكم يف جذوع النخل} أي عليها( .ال) يف (العلم) أي ال يكون اجملاز فيه على األصح ألنه إن كان مرجتالً أي مل يسبق
له وضع كسعاد أو منقوالً لغري مناسبة كفضل فواضح أو ملناسبة كمن مسى ابنه مببارك ملا ظنه فيه من الربكة فلصحة اإلطالق عند
جتوز فيه بطل هذا الغرض ،وقيل يكون فيه إن ملح فيه الصفة كاحلارث ،إذ ال يراد منه زواهلا ،وألن العلم وضع للفرق بني الذوات فلو ّ
الصفة ،وقد كان قبل العلمية موضوعا هلا وهذا خالف يف التسمية وعدمها أوىل ،ألن وضع العلم شخصي ووضع اجملاز نوعي ،وألن
العلم عند األكثر ال حقيقة وال جماز ،وفيه كالم ذكرته يف احلاشية أوائل مباحث احلقيقة واجملاز.
---
( )1/37
( و) األصح (أنه يشرتط مسع يف نوعه) أي اجملاز فال يتجوز يف نوع منه كالسبب للمسبب إال إذا مسع من العرب صورة منه مثالً ،وقيل
ال يشرتط ذلك بل يكتفي بالعالقة اليت نظروا إليها فيكفي السماع يف نوع لصحة التجويز يف عكسه مثالً ،وخرج بنوعه شخصه فال
يشرتط السماع فيه إمجاعا بأن ال يستعمل إال يف الصور اليت استعملته العرب فيها( .ويعرف) اجملاز أي معناه أو لفظه ( .بتبادر غريه)
منه إىل الفهم (لوال القرينة) خبالف احلقيقة فإهنا تعرف بالتبادر بال قرينة( .وصحة النفي) للمعىن احلقيقي يف الواقع كما يف قولك للبليد
هذا محار فإنه يصح نفي احلمار عنه( .وعدم لزوم االطراد) فيما يدل عليه بأن ال يطرد كما يف {واسأل القرية} أي أهلها وال يقال
واسأل البساط أي أهله أو يطرد ال لزوما كما يف األسد للرجل الشجاع فيصح يف مجيع جزئياته من غري لزوم جلواز أن يعرب يف بعضها
باحلقيقة خبالف املعىن احلقيقي ،فيلزم املراد ما يدل عليه من احلقيقة يف مجيع جزئياته النتفاء التعبري احلقيقي بغريها( .ومجعه) أي مجع
اللفظ الدال عليه (على خالف) صيغة (مجع احلقيقة) كاألمر مبعىن الفعلـ جمازا جيمع على أمور خبالفه مبعىن القول حقيقة ،فيجمع على
أوامر ،كذا يف األصل وغريه ،وفيه اعرتاض بينته يف احلاشية( .والتزام تقييده) أي اللفظ الدال عليه كجناح الذل أي لني اجلانب ونار
احلرب أي ش ّد هتا خبالف املشرتك من احلقيقة ،فإنه يقيد من غري التزام كالعني اجلارية ،وظاهر ذلك أن إطالق اجلناح على لني اجلانب،
والنار على الشدة جماز إفراد ،وأن اإلضافة فيهما قرينة له ،وأن التزامها عالمة متيزه عن احلقيقة ،والظاهر أنه استعارة ختييلية كأظفار
املنية كما بينته يف احلاشية( .وتوقفه) يف إطالق اللفظ عليه (على املسمى اآلخر) احلقيقي ،ويسمى هذا باملشاكلة وهي التعبري عن الشيء
بلفظ غريه لوقوعه يف صحبته حتقيقا حنو {ومكروا ومكر اهلل} أي جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا على قتل عيسى
عليه الصالة والسالم أو تقديرا حنو {أفأمنوا مكر اهلل} فإطالق املكر على اجملازاة على مكرهم متوقف على وجوده حتقيقا أو تقديرا.
(واإلطالق) للفظ (على املستحيل) حنو {واسأل القرية} فإطالق املسؤول عليها مستحيل ،ألهنا األبنية اجملتمعة ،وإمنا املسؤول أهلها.
( )1/38
املعرب) بتشديد الراء (لفظ غري علم استعملته العربـ فيما) أي يف معىن (وضع له يف غري لغتهم) خرج به احلقيقة واجملاز
(مسألة ّ
العربيان ،فإن كالً منهما استعملته العرب فيما وضع له يف لغتهم (واألصح أنه) أي املعرب (ليس يف القرآن) وإال الشتمل على غري
عريب ،فال يكون كله عربيا ،وقد قال تعاىل {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} وقيل إنه فيه كاستربق فارسية للديباج الغليظ وقسطاس رومية
للكو ة اليت ال تنفذ .قلنا هذه األلفاظ وحنوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غريهم كالصابون والتنور،
للميزان ومشكاة هندية أو حبشية ّ
معربا ،بل هو من توافق اللغتني مطلقاـ أو أعجميوأما العلم األعجمي الذي استعملته العرب كابراهيم وامساعيل وعزرائيل فال يسمى ّ
األول ألصالة وضعه يف العجمة ،وهذا ما مشى عليه األصل هنا ،وكالمه حمض إن وقع يف غري القرآن فقط ،وإمنا منع من الصرف على ّ
معر با ،ومبا قررته علم أن املعرب أعجمي األصل ،وقيل إن املعرب واسطة بني العجمي والعريب، يف شرح املختصر يقتضي أنه يسمى ّ
األول نظر إىل أصله .والثاين إىل حالته الراهنة.
ويشبه أن ال خالف بأن يقال ّ
---
( )1/39
( مسألة اللفظ) املستعمل يف معىن إما (حقيقة) فقط كاألسد للحيوان املفرتس( .أو جماز) فقط كاألسد للرجل الشجاع (أو مها) أي
حقيقة وجماز (باعتبارين) كأن وضع لغة ملعىن عام ،مث خصه الشرع أو العرف العام أو اخلاص بنوع منه كالصوم يف اللغة لإلمساك
خصه الشرع باإلمساك املعروف ،والدابة يف اللغة لكل ما يدب على األرض خصها العرف العام بذات احلوافر واخلاص كأهل العراق
بالفرس ،فاستعماله بالعام حقيقة لغوية جماز شرعي أو عريف ،ويف اخلاص بالعكس ،وميتنع كونه حقيقة وجمازا باعتبار واحد للتنايف بني
الوضع ّأوالً وثانيا (ومها) أي احلقيقة واجملاز (منتفيان) عن اللفظ (قبل االستعمال) ،ألنه مأخوذ يف أحدمها فإذا انتفى انتفيا (مث هو) أي
اللفظ (حممول على عرف املخاطب) بكسر الطاء الشارع أو أهل العرف أو اللغة( .ففي) خطاب (الشرع) احملمول عليه املعىن
(الشرعي) ألنه عرف الشرع ،ألن النيب صلى اهلل عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات ،وإذا مل يكن معىن شرعي ،أو كان وصرف عنه
صارف (فـ)ـاحملمول عليه املعىن (العريف) العام أي الذي يتعارفه مجيع الناس أو اخلاص بقوم ألن الظاهر إرادته لتبادره إىل األذهان( .فـ)ـإذا
مل يكن معىن عريف أو كان وصرف عنه صارف فاحملمول عليه املعىن (اللغوي يف األصح) لتعينه حينئذ ،فعلم أن ماله مع املعىن الشرعي
معىن عريف أو معىن لغوي أو مها حيمل ّأوالً على الشرعي ،وأن ماله معىن عريف ومعىن لغوي حيمل أوالً على العريف ،وقيل فيما له معىن
شرعي ومعىن لغوي حممله يف االثبات الشرعي وفق ما مر ،ويف النهي قيل اللفظ جممل ،إذ ال ميكن محله على الشرعي لوجود النهي وال
على اللغوي ،ألن النيب بعث لبيان الشرعيات ،وقيل حممله اللغوي لتعذر الشرعي بالنهي .قلنا املراد بالشرعي ما يسمى شرعا بذلك
االسم صحيحا كان أو فاسدا .يقال صوم صحيح وصوم فاسد( .واألصح أنه إذا تعارض) يف عرف (جماز راجح وحقيقة مرجوحة)
بأن غلب استعماله عليها (تساويا) لرجحان
كل منهما من وجه ،وقيل احلقيقة أوىل باحلمل ألصالتها ،وقيل اجملاز أوىل لغلبته فلو حلف ال يشرب من هذا النهر ومل ينو شيئا،
فاحلقيقة املتعاهدة الكرع منه بفيه ،واجملاز الغالب الشرب مما يغرف به منه كإناء حنث بكل منهما على األول ،كما جزم به يف الروضة
كأصلها إعماالً للفظ يف حقيقته وجمازه ،وبالكرع دون الشربـ مما يغرتف به على الثاين ،وبالعكس على الثالث فتعبريي بالتساوي أوىل
من تعبريه باجململ املقتضي أنه ال حينث بواحد منهما على األول ،فإن هجرت احلقيقة قدم اجملاز اتفاقا كمن حلف ال يأكل من هذه
النخلة فيحنث بثمرها دون خشبها حيث ال نية ،وإن تساويا قدمت احلقيقة اتفاقا كما لو كانت غالبا.
( و) األصح (أن ثبوت حكم) بدليل كاإلمجاع (ميكن كونه) أي احلكم (مرادا من خطاب) له حقيقة وجماز( .لكن) اخلطاب يف ذلك
املراد يكون (جمازا ال يدل) ذلك الثبوت (على أنه) أي احلكم هو (املراد منه) أي من اخلطاب (فيبقى اخلطاب على حقيقته) لعدم
الصارف عنها .وقال مجاعة إنه يدل عليه فال يبقى اخلطاب على حقيقته إذ مل يظهر مستند للحكم الثابت غريه مثاله وجوب التيمم
على اجملامع الفاقد للماء إمجاعا ميكن كونه مرادا من آية {أو المستم النساء} على وجه اجملاز يف املالمسة ألهنا حقيقة يف اجلس باليد
جماز يف اجلماع ،فقالوا املراد اجلماع فتكون اآلية مستند اإلمجاع ،إذ ال مستند غريها ،وإال لذكر فال تدل على أن اللمس ينقض
الوضوء .قلنا جيوز أن يكون املستند غريها ،واستغىن عن ذكره بذكر اإلمجاع ،فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه الوضوء ،وإن
قامت قرينة يف اآلية على إرادة اجلماع أيضا فتدل على مسألة اإلمجاع أيضا ،كما قال به الشافعي فيها بناء على األصح أنه يصح أن
يراد باللفظ حقيقته وجمازه معا.
---
( )1/40
(مسألة اللفظ إن استعمل يف معناه احلقيقي) ال لذاته بل (لالنتقال) منه (إىل الزمه فـ)ـهو (كناية) حنو زيد طويل النجاد مرادا به طويل
القامة ،إذ طوهلا الزم لطول النجاد أي محائل السيف ،قال يف التلويح فيصح الكالم وإن مل يكن له جناد ،بل وإن استحال املعىن احلقيقي
كما يف قوله تعاىل {والسموات مطويات بيمينه} وقوله {الرمحن على العرش استوى} وخرج باستعماله يف معناه احلقيقي اجملاز ومبا
بعده احلقيقة الصرحية والتعريض( .فهي) أي الكناية (حقيقة) غري صرحية كما أشعر به كالم صاحب التلخيص ،وصرح به السكاكي
وغريه ،ومنهم السعد التفتازاين ،والفرق بينها وبني اجلمع بني احلقيقة واجملاز أن املعىن احلقيقي فيها مل يرد لذاته كما مر ،ويف اجلمع
املذكور أريد لذاته ،نعم قد يراد املعىن احلقيقي لذاته فيها عند السكاكي كقولك آذيتين فستعرف وأنت تريد املخاطب وغريه من
املؤذين ،ألن ذلك كالم دال على معىن يقصد به هتديد املخاطب بسبب اإليذاء ،ويلزم منه هتديد كل مؤذ ،وقد أراد به هتديدمها ،ففيه
أراد املعىن احلقيقي لذاته فيها ،فالفرق بينها وبني اجلمع بني احلقيقة ،واجملاز أن املعىن احلقيقي فيها أريد لذاته ولالنتقال يف اجلمع املذكور
مل يرد لالنتقال وال حاجة لقول األصل ،فإن مل يرد املعىن اخل للعلم به من تعريف اجملاز فيما مر( .أو) استعمل يف معناه (مطلقا) أي
احلقيقي واجملازي والكنائي( .للتلويح بغري معناه فـ)ـهو (تعريض) كما يف قوله تعاىل حكاية عن اخلليل عليه الصالة والسالم {بل فعله
كبريهم} هذا نسب الفعل إىل كبري األصنام املتخذة آهلة كأنه غضبـ أن تعبد الصغار معه والقصد بذلك التلويح لقومه العابدين هلا بأهنا
ال تصلح أن تكون آهلة ألهنم إذا نظروا بعقوهلم علموا عجز كبريها عن ذلك الفعلـ أي كسر صغارها فضالً عن غريه واإلله ال يكون
عاجزا ومسي ذلك تعريضا لفهم املعىن من عرض اللفظ أي جانبه( .فهو) أي التعريض ثالثة أقسامـ (حقيقة وجماز وكناية)
كما صرح هبا السكاكي ،واألصل جرى على أنه حقيقة أبدا ،وما ذكر من أنه حقيقة وجماز وكناية هو بالنسبة للمعىن احلقيقي أو
اجملازي أو الكنائي أما بالنسبة للمعىن التعريضي فلم يفده اللفظ ،وإمنا أفاده سياق الكالم وتعريف الكناية والتعريض مبا ذكر مأخوذ من
البيانيني ،ومها مقابالن للصريح ،وأما عند األصوليني والفقهاء ،فالكناية ما احتمل املراد وغريه كأنت خلية يف الطالق والتعريض ما
ليس صرحيا وال كناية كقوهلم يف باب القذف يا ابن احلالل .وفائدة تسمية الكناية حقيقة والتعريض حقيقة وجمازا مع علمهما من
تعريفي احلقيقة ،واجملاز دفع توهم أهنما ال يسميان بذلك مع أن بعضهم خالف يف الكناية.
( )1/41
احلروف
أي هذا مبحث احلروف اليت حيتاج الفقيه إىل معرفة معانيها ،وذكر معها أمساء ،ففي التعبري هبا تغليب لألكثر على املشهور.
أحدها (إذن) من نواصب املضارع( .للجواب واجلزاء قيل دائما وقيل غالبا) وقد تتمحض للجواب ،فإذا قلت ملن قال أزورك إذن
أكرمكـ فقد أجبته وجعلت إكرامكـ له جزاء لزيارته أي إن زرتين أكرمتك ،وإذا قلت ملن قال أحبك إذن أص ّدقك فقد أجبته فقط على
القول الثاين ،ومدخول إذن فيه مرفوع النتفاء استقباله املشرتط يف نصبها ويتكلف األول يف جعل هذا مثالً للجزاء أيضا أي إن كنت
قلت ذلك حقيقة صدقتك ،وسيأيت عدها من مسالك العلة ألن الشرط علة للجزاء.
( و) الثاين (إن) بكسر اهلمزة وسكون النون (للشرط) وهو تعليق أمر على آخر حنو إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف (وللنفي) حنو إن
الكافرون إال يف غرور إن أردنا إال احلسىن أي ما( .وللتوكيد) وهي الزائدة حنو ما إن زيد قائم ما إن رأيت زيدا.
ودع ،وقول ( و) الثالث (أو) من حروف العطف (للشك) من املتكلم حنو {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} وحنو ما أدري أسلم أو ّ
رد ه ابن هشام كما بينته يف احلاشية( .ولإلهبام) على السامع حنو {أتاها أمرنا ليالً أو هنارا} (وللتخيري) بني
احلريري إهنا فيه للتقريبّ ،
املتعاطفني سواء امتنع اجلمع بينهما حنو خذ من مايل درمها أو دينارا أم جاز حنو جالس العلماء أو الزهاد ،وقصر ابن مالك وغريه
التخيري على األول ،ومسوا الثاين باإلباحة .وقال الزركشي الظاهرأهنما قسم واحد ،ألن حقيقة اإلباحة التخيري ،وإمنا امتنع يف خذ درمها
أو دينارا للقرينة العرفية ال من مدلول اللفظ ،كما أن اجلمع بني العلماء والزهاد وصف كمال ال نقص( .وملطلقـ اجلمع) كالواو حنو
وقد زعمت ليلى بأين فاجر
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
أي وعليها( .وللتقسيم) حنو الكلمة اسم أو فعل أو حرف أي مقسمة إىل الثالثة تقسيم الكلي إىل جزئياته فتصدق على كل منها وحنو
خل أو ماء أو عسل تقسيمه إىل الثالثة تقسيم الكل إىل أجزائه فال يصدق على كل منها( .ومبعىن إىل) املساوية إلال السكنجبني ّ
فتنصب املضارع بأن مضمرة حنو أللزمنك أو تقضيين حقي ،أي إىل أن تقضينيه( .ولإلضراب) كبل حنو {وأرسلناه إىل مائة ألف أو
يزيدون} أي بل يزيدون أخرب عنهم أوالً بأهنم مائة ألف نظرا لغلط الناس ،مع علمه تعاىل بأهنم يزيدون عليها ،مث أخرب عنهم ثانيا بأهنم
يزيدون نظرا للواقع ضاربا عن غلط الناس ،وما ذكر من أن أو للمذكوراتـ هو مذهب املتأخرين ،وأما مذهب املتقدمني فهي ألحد
الشيئني أو األشياء وغريه إمنا يفهم بالقرائن .وقال ابن هشام والسعد التفتازاين إنه التحقيق.
( و) الرابع (أي بالفتح) للهمزة (والتخفيف) للياء (للتفسري) إما مبفرد حنو عندي عسجد أي ذهب ،وهو بدل أو عطف بيان أو جبملة
حنو
وترمينين بالطرف أي أنت مذنب
وتقلينين لكن إياك ال أقلي
إيل نظر مغضب ،وال يكون ذلك إال عن ذنب واسم ،لكن ضمري الشأن وخربها اجلملة فأنت مذنب تفسري ملا قبله ،إذ معناه تنظرين ّ
بعده ،وقدم مفعول أقلي لالختصاص أي ال أتركك خبالف غريك( .ولنداء البعيد) حسا أو حكما (يف األصح) .فإن نودي هبا القريب
فمجاز ،وقيل هي لنداء القريب حنو أي رب وهو قريب قال تعاىل {فإين قريب} وقيل لنداء املتوسط والرتجيح من زياديت.
علي} (ولالستفهام) حنو {أيكم زادته هذه (و) اخلامس أي بالفتح و(بالتشديد) اسم (للشرط) حنو {أميا األجلني قضيت فال عدوان ّ
{لننزعن من كل شيعة أيهم أش ّد} أي الذي هو أش ّد( .ودالة على كمال) بأن تكون صفة لنكرة أو حاالً ّ إميانا} وتأيت (موصولة) حنو
من معرفة حنو مررت برجل .أي رجل أي كامل يف صفات الرجولية ،ومررت بزيد أي رجل أي كامالً يف صفات الرجولية( .ووصلة
لنداء ما فيه أل) حنو (يا أيها اإلنسان) أما إي بالكسر وسكون الياء فحرف جواب مبعىن نعم ،وال جياب هبا إال مع القسم حنو
{ويستنبئونك أحق هو قل} إي وريب وتركت لقلة احتياج الفقيه إليها.
---
( )1/42
( و) السادس (إذ) اسم (للماضي ظرفا) وهو الغالب حنو {فقد نصره اهلل إذ أخرجه الذين كفروا} أي وقت إخراجهم له( .ومفعوالً به)
على قول األخفش وغايره إهنا خترج عن الظرفية حنو {اذكروا إذ كنتم قليالً فكثركم} أي اذكروا حالتكم هذه( .وبدالً منه) أي من
املفعول به حنو {اذكروا نعمة اهلل عليكم إذ جعل فيكم أنبياء} اآلية أي اذكروا النعمة اليت هي اجلعلـ املذكور( .ومضافا إليها اسم
زمان) حنو {ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} وحنو يومئذ( .وكذا للمستقبل) ظرفا يف األصح حنو (فسوف يعلمون إذ األغالل يف
أعناقهم} وقيل ليست للمستقبل واستعماهلا فيه يف هذه اآلية لتحقق وقوعه كاملاضي مثل {أتى أمر اهلل} (وللتعليلـ حرفا) يف األصح
كالم التعليل ،وقيل ظرفا مبعىن وقت ،والتعليلـ مستفاد من ّقو ة الكالم حنو ضربت العبد إذ أساء أي إلساءته أو وقت إسائته ،وظاهر أن
اإلساءة علة للضرب( .وللمفاجأة) بأن يكون بعد بينا أو بينما( .كذلك) أي حرفا (يف األصح) .وقيل ظرف مكان وقيل ظرف زمان
حنو بينا أو بينما أنا واقف إذ جاء زيد .أي فاجأ جميئه وقويف أو مكانه أو زمانه ،وقيل ليست للمفاجأة وهي يف ذلك ،وحنوه زائدة
لالغتناء عنها كما تركها منه كثري من العرب ،فقويل يف األصح راجع إىل الثالثة قبله ،وتصحيح احلرفية يف الثانية مع ذكرها يف األخرية
بقويل كذلك من زياديت ،ومعىن املفاجأة كما قال ابن احلاجب حضور الشيء معك يف وصف من أوصافك الفعلية.
( و) السابع (إذا للمفاجأة) بأن تكون بني اجلملتني ثانيتهما امسية( .حرفا يف األصح) ألن املفاجأة معىن من املعاين كاالستفهام والنفي،
تؤد ي باحلروف ،وقيل ظرف مكان ،وقيل ظرف زمان حنو خرجت فإذا زيد واقف أي فاجأ وقوفه خروجي أو مكانه واألصل فيها أن ّ
أو زمانه ،وهل الفاء فيها زائدة الزمة أو عاطفة أو سببية حمضة أقوال( .وللمستقبلـ ظرفا مضمنة معىن الشرط غالبا) فيجاب مبا جياب به
امحر البسر أي وقت امحراره( .وللماضي واحلال نادرا) الشرط حنو {إذا جاء نصر اهلل} اآلية ،وقد ال تضمن معىن الشرط حنو آتيك إذا ّ
حنو {وإذا رأوا جتارة} اآلية .فإهنا نزلت بعد الرؤية واالنفضاض وحنو {والليل إذا يغشى} إذ غشيانه أي طمسه آثار النهار مقارن له.
( و) الثامن (الباء لإللصاق) وهو أصل معانيها (حقيقة) حنو به داء أي ألصق به( .وجمازا) حنو مررت بزيد أي ألصقت مروري مبكان
يقرب منه املرور ،إذ املرور مل يلصق بزيد (وللتعدية) كاهلمزة يف تصيري الفاعل مفعوالً حنو {ذهب اهلل بنورهم} أي أذهبه ،وفرق
الزخمشري بينهما بأن األول أبلع ألنه يفيد أن الفعلـ أخذ النور وأمسكه ،فلم يبق منه شيء خبالف الثاين(.وللسببية) حنو {فكالً أخذنا
بذنبه} ومنها االستعانة بأن تدخل الباء على آلة الفعلـ حنو كتبت القلم ،فإدراجي هلا يف السببية كابن مالك أوىل من عدها قسما برأسه
كما فعله األصل( .وللمصاحبة) بأن تكون الباء مبعىن مع أو تغين عنها وعن مصحوهبا احلال ،وهلذا تسمى باحلال حنو {قد جاءكم
الرسول باحلق} أي مع احلق أو حمقا( .وللظرفية) املكانية أو الزمانية حنو {ولقد نصركم اهلل ببدر} و{جنيناهم بسحر} (وللبدلية) بأن
حيل حملها لفظ بدل كقول عمر رضي اهلل عنه ما يسرين أن يل هبا الدنيا أي بدهلا .قاله حني استأذن النيب صلى اهلل عليه وسلّم يف العمرة
أخي من دعائك وضمري هبا راجع ،إىل كلمة النيب املذكورة ،وأخي مصغر لتقريب املنزلة( .وللمقابلة) وهي فأذن له وقال ال تنسنا يا ّ
الداخلة على األعواض حنو اشرتيت فرسا بدرهم{ .وال تشرتوا بآيايت مثنا قليالً} (وللمجاوزة) كعن حنو {سأل سائل بعذاب واقع}
ألفعلن كذا( .وللغاية) كإىل
ّ أي عنه( .ولالستعالء) كعلي حنو (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار) أي عليه( .وللقسم) حنو باهلل
إيل ،وبعضهم ضمن أحسن معىن لطف (وللتوكيد) وهي الزائدة مع الفاعل أو املفعول أو املبتدأ أو اخلرب {كفى حنو وقد أحسن يب أي ّ
باهلل شهيدا} (وهزي إليك جبذع النخلة} وحبسبك درهم ،و{أليس اهلل بكاف عبده} (وكذا للتبعيض) كمن (يف األصح) حنو {عينا
يشرب هبا عباد اهلل} أي منها ،وقيل ليست له ،ويشرب يف اآلية مبعىن يروى أو يلتذ جمازا والباء سببية.
---
( )1/43
( و)التاسع (بل للعطف بإضراب) أي معه بأن وليها مفرد سواء أوليت موجبا أم غريه ،ففي املوجب حنو جاء زيد بل عمرو ،واضرب
زيدا بل عمرا انتقل حكم املعطوف عليه فيصري كأنه مسكوت عنه إىل املعطوف ،ويف غريه حنو ما جاء زيد بل عمرو ،وال تضرب زيدا
بل عمرا .تقرر حكم املعطوف عليه وجتعل هذه للمعطوف( .ولإلضراب فقط) أي دون العطف بأن وليها مجلة ،وقويل بإضراب مع
فقط من زياديت وهبما علم أن اإلضراب أعم من العطف ال مباين له خبالف كالم األصل .واحلاصل أن بل للعطف واإلضراب إن وليها
مفرد ولإلضراب فقط إن وليها مجلة وهي فيه حرف ابتداء ال عاطفة عند اجلمهور واإلضراب هبذا املعىن( .إما لإلبطال) ملا وليته حنو
يقولون به جنة بل جاءهم باحلق فاجلائي باحلق ال جنون به( .أو لالنتقال من غرض إىل آخر) حنو {ولدينا كتاب ينطق باحلق} اآلية فما
قبل بل فيها على حاله.
( و) العاشر (بيد) اسم مالزم للنصب واإلضافة إىل أن وصلتها( .مبعىن غري) حنو إنه كثري املال بيد أنه خبيل( .ومبعىن من أجل ومنه) خرب
أنا أفصح من نطق بالضاد( .بيد أين من قريش يف األصح) أي الذين هم أفصح من نطق هبا ،وأنا أفصحهم ،وخصها بالذكر لعسرها
على غري العرب ،واملعىن أنا أفصح العرب ،وقيل أن بيد فيه مبعىن غري ،وأنه من تأكيد املدح مبا يشبه الذم وقويل يف األصح من زياديت.
( و) احلادي عشر (مث حرف عطف للتشريك) يف اإلعراب واحلكم (واملهلة والرتتيب) املعنوي والذكري( .يف األصح) تقول جاء زيد مث
عمرو إذا شارك زيدا يف اجمليء وتراخى جميئه عن جميئه ،وقيل قد تكون زائدة فال تكون عاطفة فال تكون لشيء من ذلك كقوله تعاىل
{حىت إذا ضاقت عليهم األرض مبا رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ال ملجأ من اهلل إال إليه مث تاب عليهم} فإهنا زائدة ألن
مدخوهلا جواب إذا وقيل ال تفيد املهلة لقول الشاعر
كهز الرديين حتت العجا * ج جري يف األنابيب مث اضطر
إذ اضطراب الرمح يعقب جري اهلز يف األنابيب ،وقيل ال تفيد الرتتيب لقوله تعاىل {فإلينا مرجعهم مث اهلل شهيد على ما يفعلون{ إذ
األو ل بأن إذا فيه جملرد الظرف وبان جواهبا مقدر أي تاب عليهم ومث تاب عليهم تأمحد بن شهادة اهلل متقدمّم ة على املرجع ،وأجيب عن ّ
كيد ،أو معناه استدام التوبة ،ومعىن املقدر أنشأها ،وعن الثاين بأنه توسع يف مث بإيقاعها فيه موقع الفاء ،وعن الثالث بإهنا استعملتـ فيه
لرتتيب االخباري ،وبأنه توسع فيها بإيقاعها فيه موقع الواو.
مؤول من أن ( و)الثاين عشر (حىت النتهاء الغاية غالبا) وهي حينئذ إما جارة السم صريح حنو {سالم هي حىت مطلعـ الفجر} أو ّ
والفعل حنو {لن نربج عليه عاكفني حىت يرجع إلينا موسى} أي إىل رجوعه وأما عاطفة لرفيع أو دينء حنو مات الناس حىت األنبياء،
وقدم احلجاج حىت املشاة ،وإما ابتدائة بأن يستأنف بعدها مجلة إما إمسية حنو
فما زالت القتلى متج دماءها
بدجلة حىت ماء دجلة أشكل
أو فعلية حنو مرض فالن حىت ال يرجونه( .ولالستثناء نادرا) حنو
ليس للعطاء من الفضول مساحة
حىت جتود وما لديك قليل
أي إال أن جتود وهو استثناء منقطع( .وللتعليل) حنو أسلم حىت تدخل اجلنة أي لتدخلها.
( و) الثالث عشر (رب حرف يف األصح) هذا من زياديت ،وقيل اسم وعلى الوجهني ترد( .للتكثري) حنو {رمبا يود الذين كفروا لو
كانوا مسلمني} إذ يكثر منهم متين ذلك يوم القيامة إذا عاينوا حاهلم وحال املسلمني (وللتقليل) كقوله
رب مولود وليس له أب أال ّ
وذي ولد مل يلده أبوان
أراد عيسى وآدم عليهما الصالة والسالم ،واختار ابن مالك أن ورودها للتكثري أكثر( .وال ختتص بأحدمها يف األصح) .وقيل ختتص
بالتكثري فلم يعتد قائله هبذا البيت وحنوه .وقيل ختتص بالتقليل وقرره قائله يف اآلية بأن الكفار تدهشهم أهوال يوم القيامة فال يفيقون
حىت يتمنوا ذلك إال يف أحيان قليلة .وقيل إهنا حرف إثبات مل يوضع لتكثري وال تقليل ،وإمنا يستفاد ذلك من القرائن واختاره أبو
حيان.
( )1/44
( و) الرابع عشر (على األصح أهنا قد ترد) بقلة (امسا مبعىن فوق) بأن تدخل عليها من حنو غدوت من على السطح أي من فوقه( .و)
للعلو ) حسا حنو {كل من عليها فان} أو معىن حنو {فضلنا بعضهم على بعض} وأما على يف حنو توكلت على اهلل، ترد بكثرة (حرفا ّ
العلو اجملازي (وللمصاحبة) كمع حنو {وأتى املال على حبه} أي مع حبه (وللمجاوزة) كعنـ حنو رضيت عليه أي فجعلها الرضي من ّ
عنه( .وللتعليل) حنو {ولتكربوا اهلل على ما هداكم} أي هلدايته أياكم( .وللظرفية) كفي حنو {ودخل املدينة على حني غفلة من أهلها}
أي يف وقت غفلتهم وحنو {ما تتلو الشياطني على ملكـ سليمان} أي يف زمن ملكه وحنو اعتكفت على املسجد أي فيه( .ولالستدراك)
كال كن .حنو فالن ال يدخل اجلنة لسوء فعله على أنه ال ييأس من رمحة اهلل أي لكنه( .وللتوكيد) كخرب ال أحلف على ميني أي ميينا.
(ومبعىن الباء) حنو {حقيق علي أن ال أقول} (و) مبعىن (من) حنو {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} وهذان من زياديت .وقيل هي اسم
جر على آخر يف اللفظ بأن يقدر له جمرور حمذوف (أما اجلر عليها .وقيل هي حرف أبدا وال مانع من دخول حرف ّ أبدا لدخول حرف ّ
عال يعلو ففعل) حنو {إ ّن فرعون عال يف األرض}{ ،ولعال بعضهم على بعض} فقد استكملت على يف األصح أقسام الكلمة.
املعنوي والذكري( .وللتعقيب) يف كل شيء حبسبه تقول قام زيد فعمرو إذا أعقبـ قيامه قيام ّ (و) اخلامس عشر (الفاء العاطفة للرتتيب)
التزوج والوالدة إال مدة احلمل مع
وتزوج فالن فولد له إذا مل يكن بني ّ
زيد ،ودخلت البصرة فالكوفة إذا مل يقم بالبصرة وال بينهماّ ،
حلظة الوطء ،ومقدمته والرتتيب الذكري أن يكون ما بعد الفاء مرتبا يف الذكر دون املعىن على ما قبلها ،سواء أكان تفصيالً له حنو {إنا
أنشأناهن إنشاء} اآلية .ال حنو {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} ويسمى الرتتيب اإلخباري( .وللسببية)
ّ
ويلزمها التعقيب حنو {فوكزه موسى فقضى عليه} فخرج بالعاطفة الرابطة جلواب فقد يرتاخى عن الشرط حنو إن يسلم فالن فهو
يدخل اجلنة وقد ال يتسبب عن الشرط نظرا للظاهر حنو {إن تعذهبم فإهنم عبادك}.
( و) السادس عشر (يف الظرفية) حنو {واذكروا اهلل يف أيام معدودات} وأنتم عاكفون يف املساجد( .وللمصاحبة) حنو {قال ادخلوا يف
(وللعلو) حنو {ألصلبنكم يف جذوع النخل} أي عليها قاله
ّ أمم} أي معهم( .وللتعليل) حنو {ملسكم فيما أفضتم فيه} أي ألجل ما.
الكوفيون وابن مالك ،وأنكره غريهم وجعلها الزخمشري وغريه للظرفية اجملازية جبعل اجلذع ظرفا للمصلوب لتمكنه عليه متكن املظروف
من الظرف( .وللتوكيد) حنو {وقال اركبوا فيها) وأصله اركبوها( .وللتعويض) عن أخرى حمذوفة حنو ضربت فيمن رغبت وأصله
ضربت من رغبت فيه( .ومبعىن الباء) حنو {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} {ومن األنعام أزواجا يذرؤكم فيه} أي خيلقكم مبعىن
يكثركم بسبب هذا اجلعل بالتولد ،وجعلها الزخمشري يف هذه اآلية للظرفية اجملازية مثل {ولكم يف القصاص حياة} (و) مبعىن (إىل) حنو
{فردوا أيديهم يف أفواههم} أي إليها ليعضوا عليها من ش ّد ة الغيظ( .و) مبعىن (من) حنو هذا ذراع يف الثوب .أي منه يعين فال يعيبه
ّ
لقلته.
( و) السابع عشر (كي للتعليل) فينصب املضارع بأن مضمرة حنو جئت كي أنظرك .أي ألن أنظرك( .ومبعىن أن املصدرية) بأن تدخل
عليها الالم حنو جئت لكي تكرمين أي ألن تكرمين.
( و) الثامن عشر (كل اسم الستغراق أفراد) املضاف إليه( .املنكر) حنو {كل نفس ذائقة املوت} {كل حزب مبا لديهم فرحون} (و)
(املعر ف اجملموع) حنو كل العبيد جاءوا ،كل الدرهم صرف( .و) الستغراق (أجزاء) املضاف إليه. الستغراق أفراد املضاف إليه ّ
(املعرف املفرد) حنو كل زيد أو الرجل حسن أي كل أجزائه.
---
( )1/45
( و) التاسع عشر (الالم) بقيد زدته بقويل (اجلارة) وهي مكسورة مع كل ظاهر حنو لزيد إال مع املستغاث فتتفح ،حنو ياهلل ،ومفتوحة
مع كل مضمر حنو لنا إال مع ياء املتكلم فمكسورة( .للتعليل) حنو {وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس} أي ألجل أن تبني هلم.
{ولالستحقاق} حنو النار للمكافرين أي عذاهبا مستحقـ هلم (ولالختصاص) حنو اجلنة للمؤمنني أي نعيمها خمتص هبم( .وللملك) حنو
عدوا وخرنا} فهذا{هلل ما يف السموات وما يف األرض} واملال لزيد( .وللصريورة) أي العاقبة حنو {فالتقطة آل فرعون ليكون هلم ًّ
عاقبة التقاطهم له ال علته إذ هي تبنيه( .وللتمليك) حنو وهبت له ثوابا أي ملكته إياه( .وشبهه) أي التمليك حنو {واهلل جعل لكم من
أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنني وحفدة} (ولتوكيد النفي) حنو؛ {وما كان اهلل ليعذهبم وأنت فيهم} فهي يف هذا،
وحنوه لتوكيد نفي اخلرب الداخلة عليه املنصوب فيه املضارع بأن مضمرة( .وللتعدية) حنو ما أضرب زيدا لعمرو فضرب صار بقصد
التعجب به الزما يتع ّد ى إىل فاعله باهلمزة وإىل مفعوله بالالم .و (وللتوكيد) وهي الزائدة كإن تأيت لتقوية عامل ضعف بالتأخري حنو
{إن كنتم للرؤيا تعربون} ولكونه فرعا يف العمل حنو {إن ربك فعال ملا يريد} وأصله فعال ما( .ومبعىن إىل) حنو {فسقناه لبلد ميت}
أي إليه( .و) مبعىن (على) حنو {خيرون لألذقان سجدا} أي عليها( .و) مبعىن (يف) حنو ){ونضع املوازين القسط ليوم القيامة} أي فيه.
(و) مبعىن (عند) حنو؛ {يا ليتين ق ّد مت حليايت} أي عندها (و) مبعىن (بعد) حنو {أقم الصالة لدلوك الشمس} أي بعده .وجعل
الزخمشري الالم يف هذه اآلية للتوقيت ،فتكون مبعىن عند( .و) مبعىن (من) حنو مسعت له صراخا أي منه( .و) مبعىن (عن) حنو {وقال
الذين كفروا للذين آمنوا} أي عنهم {لو كان} أي اإلميان {خريا ما سبقونا إليه} ولو كانت الالم يف هذه اآلية للتبليغ لقيل ما
سبقتمونا .وخرج باجلارة اجلازمة
حنو {لينفق ذو سعة من سعته} وغري العاملة كالم االبتداء حنو {ألنتم أش ّد رهبة}.
واعلم أ ّن داللة حرف على معىن حرف آخر مذهبـ الكوفيني ،أما البصريون فذلك عندهم على تضمني الفعلـ املتعلق به ذلك احلرف
ما يصح معه معىن ذلك احلرف على احلقيقة ،ألن التصرف عندهم يف الفعل أسهل منه يف احلرف.
( و) العشرون (لوال) ومثلها لو ما( .حرف معناه يف) دخوله على (اجلملة االمسية امتناع جوابه لوجود شرطه) حنو لوال زيد ،أي موجود
ألهنتك امتنعت اإلهانة لوجود زيد ،فزيد الشرط وهو مبتدأ حمذوف اخلرب لزوما( .ويف) دخوله على اجلملة (املضارعية التحضيض) أي
حبث حنو {لوال تستغفرون اهلل} أي استغفروه وال بد( .والعرض) من زياديت وهو طلب بلني حنو {لوال أخرتين} أي تؤخرين الطلبـ ّ
{إىل أجل قريب} (و) يف دخوله على اجلملة (املاضية التوبيخ) حنو {لوال جاءوا عليه بأربعة شهداء} وخبهم اهلل على عدم اجمليء
بالشهداء مبا قالوه من اإلفك ،وهو يف احلقيقة حمل التوبيخ( .وال ترد للنفي وال لالستفهام يف األصح) وقيل ترد للنفي كآية {فلوال
ورد بأهنا يف اآلية للتوبيخ على ترك
كانت قرية آمنت} أي فما آمنت قرية أي أهلها عند جميء العذابـ فنفعها إمياهنا إال قوم يونسّ ،
اإلميان قبل جميء العذاب ،وكأنه قيل فلوال آمنت قرية قبل فنفعها إمياهنا واالستثناء حينئذ منقطع ،وقيل ترد لالستفهام كقوله تعاىل
ورد بأهنا فيه للتحضيضـ أي هال أنزل مبعىن ينزل ،وقويل وال لالستفهام من زياديت.
{لوال أنزل عليه ملك} ّ
---
( )1/46
( و) احلادي والعشرون (لو شرط) أي حرفه (للماضي كثريا) حنو لو جاء زيد ألكرمته ،وللمستقبلـ قليالً حنو {وليخش الذين لو تركوا
األول (هي جملردمن خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم} أي إذ تركوا وحنو أحسن لزيد ولو أساء أي وإن أساء( .مث قيل) يف معناها على ّ
الربط) للجوابـ بالشرط كان واستفادة ما يأيت من انتفائهما ،أو انتفاء الشرط فقط من خارج ،وقيل المتناع تاليها واستلزامه ما يليه
وهو ما صححه األصل( .واألصح أهنا) يف األصل (النتفاء جواهبا بانتفاء شرطها خارجا) أي يف اخلارج مثبتني أو منفيني أو خمتلفني،
األول
فاألقسامـ أربعة ،كلو جئتين أكرمتك ،لو مل جتئين ما أكرمتك ،لو جئتين ما أهنتك ،لو مل جتئين أهنتك ،فينتفي اإلكرام مثالً يف ّ
النتفاء اجمليء( .وقد ترد لعكسه) أي النتفاء شرطها بانتفاء جواهبا (علما) كان وحنوها حنو {لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا} فيعلم
انتفاء تع ّد د اآلهلة بالعلم بانتفاء الفساد ،وهذا عليه أرباب العقول أيضا ،وهو من زياديت ،واملثال الواحد يصلح له ولألول ،وخيتلف
األول أو االستدل على العلم بانتفاء الشرط بالعلم بالقصد إن قصد به الداللة على أ ّن انتفاء اجلواب يف اخلارج بانتفاء الشرط كان من ّ
األول قيلبانتفاء اجلواب كان من الثاين ،ويف األول يستثىن نقيض الشرط ،ويف الثاين نقيض اجلواب لينتج املراد ،ففي املثال إن قصد ّ
لكن ال إله فيهما غريه فلم تفسد ،أو الثاين قيل لكنهما مل تفسدا فليس فيهما إله غريه( .و) ترد (ال ثبات جواهبا) بقسميه مع انتفاء
شرطها بقسميه (إن ناسب انتفاء شرطها) إما (باألوىل كلو مل خيف مل يعص) املأخوذ مما روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلّم ،أو عن
عمر رضي اهلل عنه «نِعم العبد صهيب لو مل خيف اهلل مل يعصه» .رتب عدم العصيان على عدم اخلوف وهو باخلوف املفاد بلو أنسب،
فيرتتب عليه أيضا يف قصده ،واملعىن أنه ال يعصي اهلل أصالً ال مع اخلوف وهو ظاهر ،وال مع انتفائه إجالالً له تعاىل
عن أن يعصيه وقد اجتمع فيه اخلوف واإلجالل رضي اهلل عنه( .أو املساوي كلو مل تكن ربيبة ما حلت للرضاع) املأخوذ من قوله
جتويزهن أن ذلك
ّ صلى اهلل عليه وسلّم يف درة بضم املهملة بنت أم سلمة أي هند ملا بلغه حتدث النساء أنه يريد أن ينكحها بناء على
من خصائصه ،إهنا لو مل تكن ربيبيت يف حجري ما حلت يل ،إهنا البنة أخي من الرضاعة ،رواه الشيخان ،رتب عدم حلها على عدم
كوهنا ربيبته املبني بكوهنا ابنة أخي الرضاع املناسب هو له شرعا كمناسبته لألول ،سواء ملساواة حرمة املصاهرة حلرمة الرضاع ،واملعىن
أهنا ال حتل يل أصالً ألن هبا وصفني لو انفرد كل منهما حرمت به كوهنا ربيبته ،ووها ابنة أخي الرضاع ،وقوله يف حجري على وفق
اآلية .وتقدم الكالم فيه( .أو األدون كـ)ـقولك فيمن عرض عليك نكاحها (لو انتفت أخوة الرضاع) بيين وبينها (ما حلت) يل
بأخوهتا من النسب املناسب هو هلا شرعا ،فيرتتب (للنسب) بيين وبينها باألخوة رتب عدم حلها على عدم أخوهتا من الرضاع املبني ّ
أيضا يف قصده على أخوهتا من الرضاع املفادة بلو املناسب هو هلا شرعا ،لكن دون مناسبته لألول ألن حرمة الرضاع أدون من حرمة
أخوهتا من النسب وأخوهتا من الرضاع ،وقد جتردت حتل يل أصالً ألن هبا وصفني لو انفرد كل منهما حرمت به ّ النسب ،واملعىن أهنا ال ّ
لو فيما ذكر من األمثلة عن الزمان على خالف األصل فيها ،أما أمثلة بقية أقسام هذا القسم يف الشق األول منه فنحو لو أهنت زيدا
ألثىن عليك فيثين مع عدم اإلهانة باألوىل ،لو ترك العبد سؤال ربه ألعطاه فيعطيه مع السؤال باألوىل {ولو أن ما يف األرض من شجرة
أقالم} إىل قوله {ما نفدت كلمات اهلل} أي فال تنفد مع انتفاء ما ذكر باألوىل ،وقد استشكل قوله تعاىل }ولو علم اهلل فيهم خريا
ألمسعهم} اآلية .بأن االستدالل به على هيئة قياس اقرتاين وهو لو علم اهلل فيهم خريا ألمسعهم ولو أمسعهم لتولوا ينتج لو علم اهلل فيهم
خريا لتولوا ،وهذا حمال
ألن الذي حيصلـ منهم بتقدير أن يعلم اهلل فيهم خريا هو االنقياد ال التويل.
وأجيب جبوابني أحدمها أن الوسط خمتلف تقديره ألمسعهم إمساعا نافعا ،ولو أمسعهم إمساعا غري نافع لتولوا ،وفيه نظر الستلزامه انتفاء
االمساع عنهم مطلقا ،ألن اجلملة األوىل أفادت انتفاء االمساع النافع ،والثانية انتفاء غري النافع والالزم باطل لثبوت إمساعهم يف اجلملة
قطعا وإال فال تكليف .ثانيهما ليس املراد من اآلية االستدالل بل بيان السببية على األصل يف «لو» أي أن سبب انتفاء إمساعهم خريا هو
انتفاء العلم باخلري فيهم ،وحينئذ فالكالم قد متّ عند قوله ألمسعهم ،ويكون قوله ولو أمسعهم كالما مستأنفا أي أن التويل الزم بتقدير
االمساع ،فكيف بتقدير عدمه فهو من قبيل لو مل خيف اهلل مل يعصه.
( )1/47
يتصور وجوده منهم عند عدم إمساعهم الشيء؟ قلت بل أمسعهم الشيء وإال فال فإن قلت التويل هو اإلعراض عن الشيء فكيف ّ
تكليف ،والنفي إمنا هو إمساعهم الشيء للتفهيم ،وقد ذكرت يف احلاشية ما يؤخذ منه سبب عدويل عن تصحيح ما صححه األصل
مضمنا به قول اجلمهور إىل تصحيحي ملا قالوه من أن فيما صنعته بيان األكثر واألقل يف استعمال لو.
( و) ترد (للتمين وللتحضيض وللعرض) فينصب املضارع بعد فاء جواهبا لذلك بأن مضمرة حنو لو تأتيين فتح ّدثين لو تأمر فتطاع لو
كرة فنكون من املؤمنني} أي ليت لنا والثالثة للطلبـ لكنه يف األول ملا ال طمع يف تنزل عندي فتصيب خريا .ومن األول {فلو أ ّن لنا ّ
«ردوا السائل» أي باإلعطاء«( .ولو بظلف مر( .وللتعليل حنو) خرب النسائي وغريه ُّ
حبث ،ويف الثالث بلني كما ّ وقوعه ،ويف الثاين ّ
حمرق») أي تص ّدقوا مبا تيسر من كثري أو قليل ولو بلغ يف القلة إىل الظلف مثالً ،فإنه خري من العدمـ وهو بكسر املعجمة للبقر والغنم
الشي كما هو عادهتم فيه ألن النيبء قد ال يؤخذ وقد يرميه آخذه فال ينتفع به
كاحلافر للفرس واخلف للجمل ،وقيد باإلحراق أي ّ
خبالف املشوي .قال الزركشي واحلق أن التقليل مستفاد مما بعدها ال منها .قلت بل احلق أنه كغريه مما ذكر مستفاد منها بواسطة ما
{يود أحدهم لو يعمر} وهذا من زياديت).بعدها( .و) ترد (مصدرية) حنو ُّ
( و) الثاين والعشرون (لن حرف نفي ونصب واستقبال) للمضارع( .واألصح أهنا ال تفيد) مع ذلك (توكيد النفي وال تأييده) لقوله
تعاىل ملوسى عليه الصالة والسالم) {لن تراين} ومعلوم أنه كغريه من املؤمنني يراه يف اآلخرة ،وقيل يفيدمها كما يف قوله تعاىل {لن
خيلقوا ذبابا} وقوله {ولن خيلف اهلل وعده} .وأجيب بأن استفادة ذلك يف هذين وحنومها من خارج كما يف قوله {ولن يتمنوه أبدا}
وكون أبدا فيه للتوكيد خالف الظاهر وال تأبيد قطعا فيما إذا قيد النفي حنو {فلن أكلم اليوم إنسيا} و{لن نربح عليه عاكفني حىت
يرجع إلينا موسى} (و) األصح (أهنا) ترد بواسطة الفعل بعدها (للدعاء) وفاقا البن عصفور وغريه كقوله
لن تزالوا كذلك مث ال زلـ
ـت لكم خالدا خلود اجلبال
وابن مالك وغريه نفوا ذلك وقالوا ال حجة يف البيت الحتمال أنه خرب ،وفيه بعد ألن السياق ينافيه.
( و) الثالث والعشرون (ما ترد امسا) إما (موصولة) حنو {ما عندكم ينفد وما عند اهلل باق} أي الذي (أو نكرة موصوفة) حنو مررت مبا
وسوغ االبتداء هبا التعجب.
معجبـ لك أي بشيء( .وتامة تعجبية) حنو ما أحسن زيدا فما نكرة تعجبية .مبتدأ وما بعدها خربه ّ
(ومتييزية) وهي الالحقة لنعم وبئس حنو {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} فما نكرة منصوبة على التمييز أي نعم شيئا هي أي إبداؤها.
(ومبالغية) بفتح الالم وهي للمبالغة يف اإلخبار عن أحد بإكثار فعل كالكتابة حنو إن زيدا مما أن يكتب أي إنه من أمر كتابة أي خملوق
من أمر هو الكتابة فما نكرة مبعىن شيء للمبالغة ،وأن وصلتها يف موضع جر بدالً من ما فجعل لكثرة كتابته كأنه خلق منها كما يف
قوله {خلق اإلنسان من عجل} (واستفهامية) حنو {فما خطبكم} أي شأنكم( .وشرطية زمانية) حنو {فما استقاموا لكم فاستقيموا
هلم} أي استقيموا هلم مدة استقامتهم لكم( .وغري زمانية) حنو {وما تفعلوا من خري يعلمه اهلل} وقويل ومتييزية ومبالغية من زياديت تبعا
لألكثر،وقويل تامة أوىل من قوله للتعجبـ إلفادته أن املوصوفة ناقصة ،وأن التعجبية واملعطوفات عليها تامة ،وإمنا صرحوا به يف التعجبية
وتاليتها فقط لظهور متامها لتجردها عن معىن احلرف( .و) ترد (حرفا مصدرية لذلك) أي زمانية حنو {فاتقوا اهلل ما استطعتم} أي مدة
استطاعتكم وغري زمانية حنو {فذوقوا مبا نسيتم} أي بنسيانكم( .ونافية) عاملة حنو ما هذا بشرا وغري عاملة حنو {وما تنفقون إال ابتغاء
واجلر حنو رمبا دام الوصل.
وجه اهلل} (وزائدة كافة) عن عمل الرفع حنو قلما يدوم الوصال أو الرفع والنصب حنو إمنا اهلل إله واحدّ ،
(وغري كافة) عوضا حنو افعل هذا .إما ال أي إن كنت ال تفعل غريه فما عوض عن كنت أدغم فيها النون للتقارب وحذف املنفي للعلم
به وغري عوض للتأكيد حنو {فبما رمحة من اهلل لنت هلم} وأصله فربمحة.
---
( )1/48
( و) الرابع والعشرون (من) بكسر امليم (البتداء الغاية) مبعىن املسافة من مكان حنو من املسجد احلرام ،وزمان حنو من أول يوم وغريمها.
حنو {إنه من سليمان} (غالبا) أي ورودها هلذا املعىن أكثر منه لغريه( .والنتهائها) أي الغاية حنو قربت منه أي إليه( .وللتبعيض) حنو
{حىت تنفقوا مما حتبون} أي بعضه( .وللتبيني) بأن يصح محل مدخوهلا على املبهم قبلها حنو {ما ننسخ من آية} {فاجتنبوا الرجس من
األوثان} كأن يقال يف األول ما ننسخه آية .ويف الثاين الرجس األوثان( .وللتعليل) حنو {جيعلون أصابعهم يف آذاهنم من الصواعق} أي
ألجلها والصاعقة الصيحة اليت ميوت من يسمعها أو يغشى عليه( .وللبدل) حنو {أرضيتم باحلياة الدنيا من اآلخرة} أي بدهلا.
(ولتنصيص العموم) وهي الداخلة على نكرة ال ختتص بالنفي حنو ما يف الدار من رجل ،فهو بدون من ظاهر يف العموم حمتمل لنفي
الواحد فقط وهبا يتعني النفي للجنس( .ولتوكيده) أي تنصيص العموم وهي الداخلة على نكرة ختتص بالنفي حنو ما يف الدار من أحد،
املتضادين حنو {واهلل يعلم املفسد من املصلح} {حىت مييز اخلبيث
ّ وهذا من زياديت( .وللفصل) باملهملة أي للتمييز بأن تدخل على ثاين
من الطيب} والبن هشام فيه نظر ذكرته يف احلاشية مع جوابه( .ومبعىن الباء) حنو {ينظرون من طرف خفي} أي به (و) مبعىن (عن)
حنو {قد كنا يف غفلة من هذا} أي عنه( .و) مبعىن (يف)حنو {إذا نودي للصالة من يوم اجلمعة}أي فيه وحنو {أروين ماذا خلقوا من
األرض} أي فيها (و) مبعىن (عند) حنو {لن تغين عنهم أمواهلم وال أوالدهم من اهلل شيئا} أي عنده (و) مبعىن (على) حنو ونصرناه من
القوم} أي عليهم وقيل ضمن نصرناه معىن منعناه.
( و) اخلامس والعشرون من بفتح امليم إما (موصولة) حنو {وهلل يسجد من يف السموات واألرض} (أو نكرة موصوفة) كمررت مبن
معجبـ لك أي بإنسان (وتامة شرطية) حنو {من يعمل سوءا جيز به} (واستفهامية) حنو {فمن ربكما يا موسى} (ومتييزية) كقول
الشاعر
سر وإعالن†
ونعم من هو يف ّ
ففاعلـ نعم مسترت ومن متييز مبعىن رجالً .وقوله هو خمصوص باملدح وهو راجع إىل بشر بن مروان يف البيت قبله ،ويف سر متعلقـ بنعم،
وهذا مذهب أيب علي الفارسي وأما غريه فنفى ذلك وقال من موصولة فاعل .نعم ،وقوله هو راجع إليها مبتدأ خربه هو حمذوف راجع
إىل بشر يتعلق به يف سر لتضمنه معىن الفعلـ كما سيظهر ،واجلملة صلة من واملخصوص باملدح حمذوف أي هو وهو راجع إىل بشر
أيضا ،والتقدير نعم الذي هو املشهور يف السر والعالنية بشر ،وفيه تكلف وتعبريي مبا ذكر يف األقسام املذكورة أوىل مما عرب به إلفادته
أن الشرطية واالستفهامية نكرتان تامتان.
(و) السادس والعشرون (هل لطلبـ التصديق كثريا) إجيابا أو سلبا خالفا لألصل يف تقييده تبعا البن هشام باإلجياب سرى إليهما ذلك
منفي فيقال يف جواب هل قام زيد مثالً؟ نعم أو ال ،وإن مل تدخل على منفي أذ ال يقال هل مل يقم زيد( .و) من أن هل ال تدخل على ّ
(التصور قليالً) خالفا لألصل يف منع جميئها له خبالف اهلمزة تأيت لكل منهما كثريا ،وتدخل على املنفي فتخرج عن االستفهام ّ لطلبـ
إىل التقرير وهو محل املخاطب على اإلقرار مبا بعد النفي حنو {أمل نشرح لك صدرك} فيجاب ببلى ،وقد تبقى على االستفهام كقولك
ملن قال مل أفعل كذا أمل تفعله؟ أي أحق انتفاء فعلكـ له .فيجاب بنعم أو ال .ومنه قوله
أال اصطبار لسلمى أم هلا جلد
إذاً أالقي الذي القاه أمثايل
فيجاب مبعني منهما.
(و) السابع والعشرون (الواو) بقيد زدته بقويل (العاطفة ملطلقـ اجلمع) بني املعطوفني يف احلكم (يف األصح) ألهنا تستعمل يف اجلمع مبعية
وبغريها حنو جاء زيد وعمرو إذا جاء معه أو بعده أو قبله ،فتكون حقيقة يف القدر املشرتك بني الثالثة وهو مطلق اجلمع حذرا من
االشرتاك واجملاز واستعماهلا يف كل منها من حيث إنه مجع استعمال حقيقي ،وقيل هي للرتتيب لكثرة استعماهلا فيه فهي يف غريه جماز،
وقيل للمعية ألهنا للجمعـ واألصل فيه املعية ،فهي يف غريها جماز وخرج بالعاطفة غريها كواوي القسم واحلال ،وقد بينت يف احلاشية
وغريها أنه ال فرق هنا بني مطلقـ اجلمع واجلمع املطلق ،خالفا ملن زعم خالفه أخذا من الفرق بني مطلقـ املاء واملاء غافالً عن اختالف
اصطالحي الفقيه واللغوي.
( )1/49
األمر
أي هذا مبحثه (أ م ر) أي اللفظ املنتظم من هذه األحرف املسماة بألف ميم راء وتقرأ بصيغة املاضي مفككا (حقيقة يف القول
الدال بوضعه على اقتضاء فعل إىل آخر ما يأيت حنو {وأمر أهلك بالصالة} أي قل هلم صلوا( .جماز يف الفعلـ يف
املخصوص) أي ّ
األصح) حنو {وشاورهم يف األمر} أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ األمر إىل الذهن ،وقيل هو للقدر
املشرتك بينهما وهو مفهوم أحدمها حذرا من االشرتاك واجملاز ،وقيل هو مشرتك بينهما الستعماله فيهما ،وقيل مشرتك بينهما وبني
يسود أي لصفة من صفات الكمال ألمر يسود من ّ
الشأن والصفة والشيء الستعماله فيها أيضا حنو إمنا أمرنا لشيء أي شأننا ألمر ما ّ
مر ،وإمنا عربتما جدع قصري أنفه أي لشيء ،واألصل يف االستعمال احلقيقة .وأجيب بأنه فيها جماز ألنه خري من االشرتاك كما ّ
كغريي بالفعل القاصر عن تناوهلا ألنه املقابل للقول من حيث إهنما قسمان للمقصود ،وهو الدال على احلكم واألمر لفظي ونفسي وهو
كف)
الكف (بغري حنو ّاألصل ،فاللفظي عرف من قويل حقيقة يف كذا( .والنفسي اقتضاء) أي طلب (فعل غري كف مدلول عليه) أي ّ
فدخل فيه الطلب اجلازم وغريه ملا ليس بكف ،وملا هو كف مدلول عليه بكف أو حنوها .كاترك وذر ودع املفادة بزياديت حنو وخرج
كف أمرا ال هنيا موافقة للدال يف امسه ،وحي ّد
منه اإلباحة واملدلول عليه بغري ذلك أي ال تفعل فليس كل منهما بأمر ومسي مدلول ّ
النفسي أيضا بالقول املقتضى لفعل إىل آخره ،والقول مشرتك بني اللفظيـ والنفسي أيضا( .وال يعترب يف األمر) بقسميه حىت يعترب يف
(علو ) بأن يكون الطالب عايل الرتبة على املطلوب منه( .وال استعالء) بأن يكون الطلب بعظمة إلطالق األمر بدوهنما .قال ح ّده أيضاّ .
األوالن وإطالق
تعاىل حكاية عن فرعون {فماذا تأمرون} (وال إرادة الطلب) باللفظ إلطالق األمر بدوهنا( .يف األصح) وقيل يعترب ّ
العلو دون
األمر بدوهنما جمازي ،وقيل يعترب ّ
العلو وإرادة الطلب باللفظ فإذا مل يرده به مل يكن أمرا ألنه يستعمل يف غري الطلب كالتهديد والاالستعالء ،وقيل عكسه ،وقيل يعترب ّ
مميز غري اإلرادة .قلنا استعماله يف غري الطلبـ جمازي خبالف الطلب ،فال حاجة إىل اعتبار إرادته ،وألن األمر لو كان هو اإلرادة لوقعت
متصو ر مبجرد التفات النفس إليه بال نظر ،إذ كل عاقل يفرق بالبديهة بينه وبني غريه
املأمورات والالزم باطل( .والطلب بديهي) أي ّ
كاإلخبار وما ذاك إال لبداهته فاندفع ما قيل إن تعريف األمر مبا يشتمل عليه تعريف باألخفى بناء على أنه نظري( .و) األمر (النفسي)
املعرف باقتضاء فعل إىل آخره (غري اإلرادة) لذلك الفعل.ـ (عندنا) فإنه تعاىل أمر من علم أنه ال يؤمن كأيب هلب باإلميان ومل يرده منه
المتناعه واملمتنع غري مراد ،أما عند املعتزلة فهو عينها ألهنم ملا أنكروا الكالم النفسي ومل ميكنهم إنكار االقتضاء املعرف به األمر قالوا
إنه اإلرادة.
---
( )1/50
( مسألة األصح) على القول بإثبات الكالم النفسي( .أن صيغة أفعل) .واملراد هبا كل ما يدل ولو بواسطة على األمر من صيغه احملتملة
وصل وصه ولينفق( .خمتصة باألمر النفسي) بأن تدل عليه وضعا دون غريه ،وقيل ال فال تدل عليه إال بقرينة لغري الوجوب ،كاضرب ّ
كصل لزوما ،وعليه فقيل هو للوقف مبعىن عدم الدراية مبا وضعت له حقيقة مما وردت له من أمر وهتديد وغريمها ،وقيل لالشرتاك بني
املعاين اآلتية املشرتكة ،أما صحة التعبري عن األمر مبا يدل عليه فال خيتص هبا صيغة فعل قطعا ،بل تأيت يف غريها كألزمتك وأوجبت
عليك ،أما املنكرون للنفسي فال حقيقة لألمر وسائر أقسام الكالم عندهم إال العبارات( .وترد) صيغة افعل باملعىن السابق لستة وعشرين
معىن على ما يف األصل ،وإال فقد أوصلها بعضهم لنيف وثالثني وليميز بعضها عن بعض بالقرائن( .للوجوب) حنو أقيموا الصالة
(وللندب) حنو {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خريا} (ولإلباحة) حنو {كلوا من طيبات} أي مما يستلذ من املباحات (وللتهديد) حنو
{اعملوا ما شئتم} قيل ويصدق مع التحرمي والكراهة(.ولإلرشاد) حنو {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} واملصلحة فيه دنيوية
خبالفها يف الندب (وإلرادة االمتثال) كقولك لغري رقيقك عند العطش اسقين ماء( .ولإلذن) كقولك ملن طرق الباب ادخل وبعضهم
واألول فرق بأن األدب متعلق
أدرج هذا يف اإلباحة( .وللتأديب) كقولك لغري مكلف كل مما يليك وبعضهم أدرج هذا يف الندبّ ،
مبحاسن األخالق وإصالح العادات والندب بثواب اآلخرة أما أكل املكلف مما يليه فمندوب ،ومما يلي غريه مكروه حيث ال إيذاء وإال
فحرامـ (ولإلنذار) حنو {قل متتعوا فإن مصريكم إىل النار} ويفارق التهديد بوجوب اقرتانه بالوعيد كما يف اآلية ،وبأن التهديد التخويف
واإلنذار إبالغ املخوف منه( .ولالمتنان) حنو؛ {كلوا مما رزقكم اهلل} ويفارق اإلباحة باقرتانه بذكر ما حيتاج إليه (ولإلكرام) حنو
{ادخلوها بسالم آمنني} (وللتسخري) أي
التذليل واالمتهان حنو {كونوا قردة خاسئني} (وللتكوين) أي اإلجياد عن العدمـ بسرعة حنو {كن فيكون} (وللتعجيز) أي إظهار
العجز حنو {فأتوا بسورة من مثله} (ولإلهانة) ويعرب عنها بالتهكم حنو {ذق إنك أنت العزيز الكرمي} (وللتسوية) بني الفعلـ والرتك حنو
{فاصربوا أو ال تصربوا} وللدعاء) حنو {ربنا افتح بيننا وبني قومنا} (وللتمين) كقولك آلخركن فالنا( .ولالحتقار) حنو {ألقوا ما أنتم
ملقون} إذ ما يلقونه من السحر وإن عظم حمتقر بالنظر إىل معجزة موسى عليه الصالة والسالم ،وفرق بينه وبني اإلهانة بأن حمله القلب
شئت» أي صنعت (ولإلنعام) مبعىن تذكر النعمة حنو {كلوا من طيبات ما فاصنَ ْع ما َ
ستح ْ
وحملها الظاهر( .وللخرب) كخرب «إذا مَل تَ ِ
رد األمر إىل غريك ويسمى التحكيم والتسليم حنو {فاقض ما أنت قاض} (وللتعجب) حنو؛ {انظر كيف رزقناكم} (وللتفويض) وهو ّ
ضربوا لك األمثال} وتعبريي به أنسب بسابقه والحقه من تعبريه بالتعجب (وللتكذيب) .حنو {قل فأتوا بالتوراة قاتلوها إن كنتم
صادقني} (وللمشورة) حنو {فانظر ماذا ترى} (ولالعتبار) حنو {انظروا إىل مثره إذا أمثر} (واألصح أهنا) أي صيغة افعل باملعىن السابق.
(حقيقة يف الوجوب) فقط كما عليه الشافعي واجلمهور ،ألن األئمة كانوا يستدلون هبا جمردة عن القرائن على الوجوب ،وقد شاع من
غري إنكار يف الندب فقط ألنه املتيقن من قسمي الطلب ،وقيل حقيقة يف القدر املشرتك بني الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من
االشرتاك واجملاز ،وقيل مشرتكة بينهما ،وقيل بالوقف ،وقيل مشرتكةـ فيهما ،ويف اإلباحة ،وقيل يف الثالثة والتهديد ،وقيل أمر اهلل
للوجوب وأمر نبيه املبتدأ منه للندب خبالف املوافق ألمر اهلل أو املبني له فللوجوب أيضا ،وقيل مشرتكة بني اخلمسة األول الوجوب
والندب واإلباحة والتهديد واإلرشاد ،وقيل بني األحكام اخلمسة الثالثة األول والتحرمي والكراهة ،وعلى األصح هي حقيقة يف الوجوب
(لغة على
---
( )1/51
األصح) وهو املنقول عن الشافعي وغريه ،ألن أهل اللغة حيكمون باستحقاق خمالف أمر سيده مثالً هبا للعقاب ،وقيل شرعا ألهنا لغة
جملرد الطلب وجزمه احملقق للوجوب بأن ترتب العقاب على الرتك إمنا يستفاد من أمره أو أمر من أوجب طاعته ،وقيل عقالً ألن ما يفيد
األمر لغة من الطلب يتعني أن يكون الوجوب ألن محله على الندب يصري املعىن افعل إن شئت ،وليس هذا القدر مذكورا ،وقوبل مبثله
يف احلمل على الوجوب فإنه يصري املعىن افعل من غري جتويز ترك ،وقيل يف الطلبـ اجلازم لغة ويف التوعد على الرتك شرعا فالوجوب
مركب مهما ،وهذا ما اختاره األصل ،وقيل إلسقاط احلظر ورجوع األمر إىل ما كان قبله من وجوب أو غريه(و) األصح (أنه جيب
اعتقاد الوجوب) يف املطلوب (هبا قبل البحث) عما يصرفها عنه إن كان كما جيب على األصح اعتقاد عموم العام حىت يتمسك به قبل
البحث عن املخصص ،كما سيأيت ،وقيل ال جيب كما يف تلك( .و) األصح (أهنا إن وردت بعد حظر) ملتعلقها حنو {وإذا حللتم
فاصطادوا} (أو) بعد (استئذان) فيه كأن يقال ملن قال أفعل لك كذا افعل( .فلإلباحة) الشرعية حقيقة لتبادرها إىل الذهن يف ذلك لغلبة
استعماهلا فيها حينئذ ،وقيل للوجوب كما يف غري ذلك حنو {فإذا انسلخ األشهر احلرم فاقتلوا املشركني} وقيل بالوقف فال حنكم بشيء
منها( .و) األصح (أن صيغة النهي) أي ال تفعل الواردة( .بعد وجوب للتحرمي) كما يف غري ذلك ومن القائل به بعض القائل بأن األمر
بعد احلظر لإلباحة ،وفرق بأن مقتضى النهي وهو الرتك موافق لألصل ،وبأن النهي لدفع املفسدة واألمر لتحصيل املصلحة واعتناء
الشارع باألول أش ّد ،وقيل للكراهة على قياس أن األمر لإلباحة ،وقيل لإلباحة نظرا إىل أن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه
فيثبت التخيري فيه ،وقيل إلسقاط الوجوب ويرجع األمر إىل ما كان قبله من حترمي أو إباحة ،وقيل بالوقف ،وتعبريي بصيغة افعل
وبصيغة النهي أوىل من تعبريه باألمر والنهي ليوافق
القول باإلباحة ،إذ ال أمر وال هني فيها إال على قول الكعيب ،وظاهر أن صيغة النهي بعد االستئذان كهي بعد الوجوب.
ا.
( )1/52
(مسألة األصح أهنا) أي صيغة افعلـ (لطلب املاهية) ال لتكرار وال مرة وال لفور وال تراخ فهي للقدر املشرتك بينها حذرا من االشرتاك
اجملاز( .واملرة ضرورية) إذ ال توجد املاهية بأقل منها فيحمل عليها ،وقيل املرة ألهنا املتيقن وحتمل على التكرار على القولني بقرينة وقيل
للتكرار مطلقاـ ألنه الغالب ،وحتمل على املرة بقرينة ،وقيل للتكرار إن علقتـ بشرط أو صفة حبسب تكرار املعلق به حنو {وإن كنتم
جنبا فاطهروا} {والزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وإن مل تعلق بذلك فللمرة ،وقيل بالوقف عن املرة والتكرار
مبعىن أهنا مشرتكة بينهما أو ألحدمها وال نعرفه قوالن .فال حتمل على أحد منهما إال بقرينة ،وقيل إهنا للفور أي للمبادرة بالفعلـ عقب
ورودها ألنه أحوط ،وقيل للرتاخي أي التأخري ألنه يس ّد عن الفور خبالف العكس ،وقيل مشرتكة بينهما ألهنا مستعملة فيهما ،واألصل
يف االستعمال احلقيقة ،وقيل للفور أو العزم يف احلال على الفعل بعد ،وقيل بالوقف عن الفور والرتاخي مبعىن أهنا ألحدمها وال نعرفه.
(و) األصح (أن املبادر) بالفعل (ممتثل) حلصول الغرض ،وقيل ال بناء على أن األمر للرتاخي وجوبا.
---
( )1/53
( مسألة األصح أن األمر) بشيء مؤقت (ال يستلزم القضاء) له إذا مل يفعل يف وقته( ،بل) إمنا (جيب بأمر جديد) كاألمر يف خرب
الصحيحني «من نسي الصالة فليصلها إذا ذكرها» .والقصد من األمر األول الفعل يف الوقت ،وقيل يستلزمه إلشعار األمر بطلب
استدراكه ألن القصد منه الفعل( .و) األصح (أن اإلتيان باملأمور به) على الوجه الذي أمر به( .يستلزم االجزاء) للمأيت به ،بناء على أن
االجزاء الكفاية يف سقوط الطلب ،وهو األصح كما مر ،وألنه لو مل يستلزمه لكان األمر بعد االمتثال مقتضيا إما للمأيت به ،فيلزم
حتصيل احلاصل أو بغريه فيلزمـ عدم اإلتيان بتمام املأمور بل ببعضه ،والفرض خالفه ،وقيل ال يستلزمه بناء على أنه إسقاط القضاء جلواز
ظن طهره مث تبني له حدثه( .و) األصح (أن األمر) للمخاطب أن ال يسقط املأيت به القضاء بأن حيتاج إىل الفعلـ ثانيا كما يف صالة من ّ
(باألمر) لغريه (بشيء) حنو {وأمر أهلك بالصالة} (ليس أمرا) لذلك الغري (به) أي بالشيء وقيل هو أمر به ،وإال فال فائدة فيه لغري
املخاطب وقد تقوم قرينة على أن غري املخاطب مأمور بذلك الشيء كما يف خرب الصحيحني «أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض
فذكر ذلك عمر رضي اهلل عنه للنيب صلى اهلل عليه وسلّم فقال ُم ْره َف ْلُيَر ِاج ْعها».
قام َف ْليََت َوضََّأ»( .غري داخل فيه) أي يف ذلك اللفظ لبعد
«م ْن َ
(و) األصح أن اآلمر) باملد بلفظ يصلح له) هو أوىل من قوله يتناوله حنو َ
واألول هو املشهور وممن صححه اإلمام الرازي أن يريد اآلمر نفسه ،وهذا ما صححه يف حبث العام عكس مقابله وهو ما صححه هناّ ،
واآلمدي .ويف الروضة لو قال نساء املسلمني طوالق مل تطلق زوجته على األصح ،ألن األصح عند أصحابنا يف األصول أنه ال يدخل يف
خطابه ،وخرج باآلمر ومثله الناهي املخرب فيدخل يف خطابه على األصح كما صرح به يف حبث العام ،إذ ال يبعد أن يريد املخرب نفسه
حنو {واهلل بكل شيء عليم} وهو تعاىل عليم بذاته وصفاته ،فعلم أن يف جمموع املسألتني ثالثة أقوال ،وحملها إذا مل تقم قرينة على
دخوله أو عدم دخوله فإن قامت عمل مبقتضاها قطعا( .وجيوز عندنا عقالً النيابة يف العبادة البدنية) إذ ال مانع ومنعه املعتزلة ألن األمر
هبا إمنا هو لقهر النفس وكسرها بفعلها والنيابة تنايف ذلك .قلنا ال تنافيه ملا فيها من بذل املؤنة أو حتمل املنة ،وخرج بزياديت عقالً اجلواز
الشرعي فال جتوز شرعا النيابة يف البدنية إال يف احلج والعمرة ،ويف الصوم بعد املوت وبالبدنية املالية كالزكاة فال خالف يف جواز النيابة
فيها ،وإن اقتضى كالم األصل أن فيها خالفا ،وتعبريي مبا ذكر أوىل من تعبريه بأن األصح أن النيابة تدخل املأمور إال ملانع القتضائه أن
يف العبادة املالية خالفا وليس كذلك ،مع أن قوله إال ملانع إمنا يناسب الفقيه ال األصويل ألن كالمه يف اجلواز العقليـ ال الشرعي.
---
( )1/54
( مسألة املختار) تبعا إلمام احلرمني والغزايل والنووي يف روضته يف كتاب الطالق وغريهم (أن األمر النفسي بـ)ـشيء (معني) إجيابا أو
ندبا (ليس هنيا عن ضده وال يستلزمه) جلواز أن ال خيطر الضد بالبال حال األمر حترميا كان النهي أو كراهة ،واحدا كان الضد كضد
السكون أي التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغريه ،وقيل هني عن ضده ،وقيل يستلزمه فاألمر بالسكون مثالً أي طلبه ليس هنيا
التحر ك أي طلب الكف عنه وال مستلزما له على األول ومستلزما له على الثالث ،وعينه على الثاين مبعىن أن الطلب واحد هو عن ّ
التحر ك هني ،واحتج هلذين القولني بأنه ملا مل يتحقق املأمور به بدون الكف عن ضده كان طلبه طلبا
بالنسبة إىل السكون أمر وإىل ّ
للكف أو مستلزما له .وأجيب مبنع املالزمة جلواز أن ال خيطر الضد بالبال حال األمر كما مر ،فال يكون مطلوبـ الكف به ،وقيل
القوالن يف الوجوب دون أمر الندب ،ألن الضد فيه ال خيرج به عن أصله من اجلواز خبالفه يف أمر الوجوب القتضائه الذم على الرتك
وخرج بالنفسي األمر اللفظي فليس عني النهي اللفظي قطعا وال يستلزمه يف األصح وباملعني املبهم من أشياء فليس األمر به بالنظر إىل
ما صدقه هنيا عن ض ّد ه منها وال مستلزما له قطعا( .و) املختار (أن النهي) النفسي عن شيء معني حترميا أو كراهة (كاألمر) فيما ذكر
فيه ،فالنهي ليس أمرا بالضد وال يستلزمه ،وقيل عينه ،وقيل يستلزمه ،وقيل هذان القوالن يف هني التحرمي دون هني الكراهة ،والضد إن
كان واحدا فواضح أو أكثر فاألمر بواحد منه ،وقيل النهي أمر بضده قطعا بناء على أن املطلوب يف النهي فعل الضد ،وقيل ال قطعا
بناء على أن املطلوب يف النهي انتفاء الفعل ،والرتجيح يف هذه واليت قبلها من زياديت والنهي اللفظي يقاس باألمر اللفظي.
---
( )1/55
(مسألة األمران إن مل يتعاقبا) بأن يرتاخى ورود أحدمها عن اآلخر مبتماثلني ومل مينع من التكرار مانع أو مبتخالفني( .أو تعاقبا) لكن
(بغري متماثلني) بعطف كأقيموا الصالة وآتوا الزكاة ،أو بدونه كاضرب زيدا أعطه درمها (فغريان) فيعمل هبما جزما( .وكذا) إن تعاقبا
كصل ركعتني وصل ركعتني أو ِّ (مبتماثلني وال مانع من التكرار) يف متعلقهما من عادة أو غريها فإهنما غريان (يف األصح) مع عطف
بدونه كصل ركعتني صل ركعتني لظهور العطف يف التأسيس وأصالة التأسيس يف غري العطف ،وهذا ما نقله األصل يف شرح املختصر
كالصفي اهلندي عن األكثرين ،وقيل الثاين تأكيد فيهما لتماثل املتعلقني ،وقيل بالوقف عن التأسيس والتأكيد يف غري العطف
الحتماهلما ،والرتجيح من زياديت يف غري العطف ،وما ذكرته من اخلالف مع العطف حكاه األصل .قال الزركشي وفيه نظر فقد صرح
الصفي اهلندي وغريه بأنه ال خالف يف أنه للتأسيس ،ألن الشيء ال يعطف على نفسه ،وجياب بأن من حفظ حجة على من مل حيفظ.
(فإن كان) مثَّ (مانع) من التكرار (عادي وعارضه عطف) حنو صل ركعتني وصل الركعتني( .فالوقف) عن التأسيس والتأكيد
الحتماهلما ،وظاهر أنه إن وجد مرجح عمل به( .وإال) بأن كان مثَّ مانع عقلي حنو اقتل زيدا اقتل زيدا ،أو شرعي حنو أعتق عبدك
أعتق عبدك ،أو مل يعارضه عطف حنو اسقين ماء اسقين ماء ،صل ركعتني صل ركعتني( .فالثاين تأكيد) .وإن كان بعطف يف األولني
أما كونه تأكيدا يف األولني فظاهر ،وأما يف األخريتني فألن العادة باندفاع احلاجة مبرة يف أوهلا ،وبالتعريف يف ثانيهما ترجح التأكيد،
وقويل وإال أعم من قوله فإن رجح التأكيد بعادي قدم.
---
( )1/56
( مسألة النهي) النفسي (اقتضاء كف عن فعل ال بنحو كف) كذر ودع املفادين كنحومها بزياديت حنو فدخل فيه االقتضاء اجلازم وغريه
وخرج منه اإلباحة ،واقتضاء فعل غري كف أو كف بنحو كف فإنه أمر كما مر ،وحيد أيضا بالقول املقتضي للكف املذكور كما حيد
اللفظيـ بالقول الدال على االقتضاء املذكور ،وال يعترب يف مسمى النهي علو وال استعالء على األصح كاألمر (وقضيته الدوام) على
الكف ،ألن العلماء مل يزالوا يستدلون به على الرتك مع اختالف باألوقات ال خيصونه بشيء منها( .ما مل يقيد بغريه يف األصح) فإن قيد
به حنو ال تسافر اليوم كان الغري قضيته فيحمل عليه ،وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغري الدوام يصرفه عن قضيته ،وقويل بغريه أوىل
من قوله باملرة( .وترد صيغته) أي النهي وهي ال تفعل( .للتحرمي) حنو {وال تقربوا الزنا} (وللكراهة) حنو {وال تيمموا اخلبيث منه
تنفقون} واخلبيث فيه الرديء ال احلرام عكس ما يف قوله تعاىل {وحيرم عليهم اخلبائث} {ولإلرشاد) حنو {ال تسألوا عن أشياء إن تبد
لكم تسؤكم} (وللدعاء) حنو {ربنا ال تزغ قلوبنا} {ولبيان العاقبة} حنو {وال حتسني الذين قتلوا يف سبيل اهلل أمواتا بل أحياء} أي
عاقبة اجلهاد احلياة ال املوت (وللتقليل) بأن يتعلق باملنهى عنه حنو {وال مت ّد ّن عينيك إىل ما متعنا به{ أي فهو قليل خبالف ما عند اهلل.
(ولالحتقار) بأن يتعلق باملنهي حنو {ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم} {ولليأس) حنو {ال تعذروا اليوم} وهذا تركه الربماوي من
ألفيته ،وذكره يف شرحها مع زيادة ومثل له باآلية مث قال وقد يقال إنه راجع لالحتقار أي الحتاد آيتيهما .قلت واألوجه الفرق إذ ذكر
اليوم يف اآلية الثانية قرينة لليأس ،وتركه يف األوىل قرينة لالحتقار.
مر (يف األمر) من اخلالف ،فقيل ال تدل الصيغة على الطلب إال إذا أريد الطلبـ هبا ،واألصح أهنا تدل عليه (ويف اإلرادة والتحرمي ما) ّ
بال إرادة وأهنا حقيقة يف التحرمي لغة ،وقيل شرعا ،وقيل عقالً ،وقيل يف الطلب اجلازم لغة ،ويف التوعد على الفعل شرعا وهو مقتضى ما
اختاره األصل يف األمر ،وقيل حقيقة يف الكراهة ،وقيل فيها ويف التحرمي ،وقيل يف أحدمها وال نعرفه ،وقيل غري ذلك( .وقد يكون)
النهي (عن) شيء (واحد) وهو ظاهر( .و) عن (متعدد مجعا كاحلرام املخري) حنو ال تفعل هذا أو ذاك ،فعليه ترك أحدمها فقط فال خمالفة
يفرق بينهما) بلبس أو نزع إحدامها فقط ،فإنهفاحملرم فعلهما ال فعلـ أحدمها فقط( .وفرقا كالنعلني تلبسان أو تنزعان وال ّإال بفعلهماّ .
ميشني أحدكم يف نعل واحدة لينعلهما مجيعا أو ليخلعهما مجيعا» فهما منهي عنهما لبسا أو منهي عنه أخذا من خرب الصحيحني «ال ّ ّ
نزعا من جهة الفرق بينهما يف ذلك ال اجلمع فيه( .ومجيعا كالزنا والسرقة) فكل منهما منهي عنه فبالنظر إليهما يصدق أن النهي عن
متعدد ،وإن صدق بالنظر إىل كل منهما أنه عن واحد.
(واألصح أن مطلقـ النهي ولو تنزيها) مقتض (للفساد) يف املنهي عنه بأن ال يعت ّد به (شرعا) إذ ال يفهم ذلك من غريه ،وقيل لغة لفهم
أهلها ذلك من جمرد اللفظ ،وقيل عقالً وهو أن الشيء إمنا ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده( .يف املنهي عنه) من عبادة
وغريها كصالة نفل مطلقـ يف وقت مكروه وبيع بشرط( .إن رجع النهي) فيما ذكر (إليه) أي إىل عينه كالنهي عن صالة احلائض أو
صومها وكالنهي عن الزنا حفظا للنسب( .أو إىل جزئه) كالنهي عن بيع املالقيح النعدام املبيع وهو ركن يف البيع( .أو) إىل (الزمه)
كالنهي عن بيع درهم بدرمهني الشتماله على الزيادة الالزمة بالشرط ،وكالنهي عن الصالة يف الوقت املكروه لفساد الوقت الالزم هلا
بفعلها فيه خبالفها يف املكان املكروه ،ألنه ليس بالزم هلا بفعلها فيه جلواز ارتفاع النهي عن الصالة فيه مع بقائه حباله كجعلـ احلمام
مسجداـ فبذلك افرتقا وفرق الربماوي بأن الفعل يف الزمان يذهبه ،فالنهي منصرف إلذهابه يف املنهي عنه ،فهو وصف الزم ،إذ ال ميكن
وجود فعل إال بذهاب زمان خبالف الفعلـ يف املكان ،وتعبريي مبا ذكر هو مراد األصل مبا عرب به كما بينته يف احلاشية( .أو جهل
مرجعه) من واحد مما ذكر ،كما قاله ابن عبد السالم تغليبا ملا يقتضي الفساد على ما ال يقتضيه كالنهي عن بيع الطعام حىت جتري فيه
الصيعان ،وإمنا اقتضى النهي الفساد ملا مر أن املكروه مطلوبـ الرتك واملأمور به مطلوبـ الفعلـ فيتنافيان واستدالل األولني على فساد
املنهي عنه بالنهي عنه ،وقيل مطلق النهي للفسادـ يف العبادات فقط وفساد غريها إمنا هو ألمر خارج عن النهي كرتك ركن أو شرط
عرف من خارج عنه ،وخرج برجوع النهي إىل ما ذكر مع ما بعده النهي الراجع إىل أمر خارج عنه غري الزم ،فال يقتضي الفساد
كالوضوء مبغصوب والبيع وقت نداء اجلمعة لرجوع النهي يف األول إلتالف حال الغري تعديا ،ويف الثاين بتفويت اجلمعة وذلك حيصلـ
لغري الوضوء والبيع ،كما أهنما
---
( )1/57
( )1/58
العام
بناء على الراجح اآليت أن العموم من عوارض األلفاظ( .لفظ) ولو مستعمالً يف حقيقته أو حقيقته وجمازه أو جمازه( .يستغرق الصاحل له)
أي يتناوله دفعة خرج به ما ليس كذلك كالنكرة يف االثبات مفردة أو مثناة أو جمموعة أو اسم مجع كقوم أو اسم عدد ال من حيث
اآلحاد ،فإهنا تتناول ما يصلح هلا بدالً ال استغراقا حنو أكرم رجالً وتصدق خبمسة دراهم( .بال حصر) خرج به اسم العدد والنكرة
املثناة من حيث اآلحاد كعشرة ورجلني ،فإهنما يستغرقاهنا حبصر ويصدق احل ّد على املشرتك املستعمل يف أفراد معىن واحد ألنه مع قرينة
الواحد ال يصلح لغريه ،فال حاجة إىل زيادة بوضع واحد ،بل هي مضرة إلخراجها املشرتك املستعمل يف حقيقة مثالً( .واألصح دخول)
الصورة (النادرة وغري املقصودة) من صور العام( .فيه) فيشملهما حكمه نظرا للعموم ،وقيل ال نظرا للمقصود عادة يف مثل ذلك
والنادرة كالفيل يف خرب أيب داود وغريه «ال سبق إال يف خف أو حافر أو نصل» .فإنه ذو خف واملسابقة عليه نادرة واألصح جوازها
عليه وغري املقصودة ،كما لو وكله بشراء عبيد فالن وفيهم من يعتق عليه ومل يعلم به األصح صحة شرائه أخذا من مسألة ما لو وكله
بشراء عبد فاشرتى من يعتق عليه ،وفرق يف منع املوانع بني النادرة وغري املقصودة بأن النادرة هي اليت ال ختطر ببال املتكلم غالبا ،وغري
املقصودة قد تكون مما خيطر به .ولو غالبا ،فبينهما عموم من وجه ألن النادرة قد تقصد وقد ال تقصد ،وغري املقصودة قد تكون نادرة،
وقد ال تكون مث إن قامت قرينة على قصد النادرة دخلت قطعا أو على قصد انتفاء صورة مل تدخل قطعا( .و) األصح (أنه)أي العام
(قد يكون جمازا) بأن يستعمل يف جمازه فيصدق على العام أنه قد يكون جمازا كما يصدق على اجملاز أنه قد يكون عاما حنو جاءين
األسود الرماة إال زيدا ،وقيل ال يكون العام جمازا فال يكون اجملاز عاما ألن اجملاز ثبت على خالف األصل للحاجة إليه ،وهي تندفع يف
املستعمل يف جمازه ببعض
األفراد ،فال يراد به مجيعها إال بقرينة كما يف املثال السابق من االستثناء( .و) األصح (أنه) أي العموم (من عوارض األلفاظ فقط) أي
دون املعاين ،وقيل من عوارضهما معا .وصححه ابن احلاجب حقيقة فيكون موضوعا للقدر املشرتك بينهما ،وقييل مشرتكا لفظيا فكما
يصدق لفظ عام يصدق معىن عام حقيقة ذهنيا كان كمعىن اإلنسان أو خارجيا كمعىن املطر واخلصب ملا يقال اإلنسان يعم الرجل
واملرأة ،وعم املطر واخلصب ،فالعموم مشول أمر ملتعدد ،وقيل بعروض العموم يف املعىن الذهين حقيقة دون اخلارجي لوجود الشمول
ملتعدد فيه ،خبالف اخلارجي واملطر واخلصب مثالً يف حمل غريمها يف آخر ،فاستعمال العموم فيه جمازي وعلى األول استعماله يف الذهين
جمازي أيضا.
وخص املعىن بأفعل التفضيل ألنه أهم منّ ( ويقال)اصطالحا (للمعىن أعم) وأخص (وللفظ عام) .وخاص تفرقة بني الدال واملدلول
مر وخاص فيقال ملعىن املشرتكني عام وأعم ،وللفظه عام وملعىن زيد خاص وأخص اللفظ ،وبعضهم يقول يف املعىن عام كما علم مما ّ
وللفظه خاص.
األول يف اللفظ ،إذ احليوان يصدق باإلنسان وغريه (تنبيهان أحدمها) األخص يندرج يف األعم .وعرب بعضهم بالعكس ومجع بينهما بأن ّ
خبالف العكس ،والثاين يف املعىن إذ اإلنسان ال بد فيه من احليوانية فصار األعم مندرجا يف األخص مبعىن االستلزام .ثانيهما ليس املراد
بوصف اللفظ بالعموم وصفه به جمردا عن معناه ،فإنه ال وجه له بل املراد وصفه به باعتبار معناه ،فمعىن كونه عاما أنه يشرتك يف معناه
كثريون ،ال أنه يكون مشرتكا لفظيا فمدلوله معىن واحد مشرتك بني اجلزئيات.
( ومدلوله) أي العام يف الرتكيب من حيث احلكم عليه( .كلية أي حمكوم فيه على كل فرد) فرد (مطابقة إثباتا) خربا أو أمرا (أو سلبا)
مر
نفيا أو هنيا حنو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم وال هتنهم ،ألنه يف ّقوة قضايا بعدد أفراده أي جاء فالن وجاء فالن وهكذا فيما ّ
دال عليه مطابقة ،فقولإىل آخره ،وكل منها حمكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو يف قوهتا حمكوم فيه على كل فرد فرد ّ
القرايف إن داللة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدالالتـ الثالث املطابقة والتضمن وااللتزام مردود ،كما أوضحته يف
والكلي ،فليس مدلول العام كالً أي حمكوما فيه على جمموع األفراد من حيث هو جمموع حنو ّ احلاشية مع زيادة وخرج بالكلية الكل
كل رجل يف البلد حيمل الصخرة العظيمة أي جمموعهم ،وإال لتعذر االحتجاج به يف النهي على كل فرد ومل يزل العلماء حيتجون به
حر م اهلل} وال كليا أي حمكوما فيه على املاهية من حيث هي أي من غري نظر إىل األفراد حنو عليه كما يف حنو {وال تقتلوا النفس اليت ّ
الرجل خري من املرأة ،وكثريا ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده ،وذلك ألن النظر يف العام إىل األفراد ال إىل القدر املشرتك بينها
فاحنصر مدلوله يف الكلية وهي مقابلة للجزئية ،والكل مقابل للجزء ،والكلي مقابل للجزئي.
---
( )1/59
( وداللته) أي العام (على أصل املعىن) من الواحد يف املفرد واالثنني يف املثىن والثالثة أو االثنني يف اجلمع على ما يأيت فيه من اخلالف.
(قطعية) اتفاقا (و) داللته (على كل فرد) منه خبصوصه (ظنية يف األصح) الحتماله التخصيص ،وإن مل يظهر خمصص لكثرة التخصيص
يف العمومات ،وقيل قطعية للزوم معىن اللفظ له قطعا حىت يظهر خالفه من قرينة كتخصيص فيمتنع ختصيص الكتاب والسنة املتواترة
خبرب الواحد ،وبالقياس على هذا دون األول فإن قام دليل على انتفاء التخصيص كالعقل يف حنو {واهلل بكل شيء عليم} فداللته قطعية
اتفاقا والتصريح بالرتجيح من زياديت( .وعموم األشخاص يستلزم عموم األحوال واألزمنة واألمكنة على املختار) ألنه ال غىن
أي زمان ومكان كان ،وخص منه البعض لألشخاص عنها فقوله تعاىل {فاقتلوا املشركني} أي كل مشرك على أي حال كان يف ّ
األول مبني للمراد مبا أطلق
كالذمي ،وقيل العام يف األشخاص مطلق يف املذكورات النتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على ّ
فيه على هذا ورد هذا القول بأن التعميم هنا باالستلزام كما عرف ال بالوضع فال حيتاج إىل صيغة.
( مسألة) يف صيغ العموم( .كل) وتقدمت يف مبحث احلروف (والذي واليت) حنو أكرم الذي يأتيك واليت تأتيك أي كل آت وآتية لك.
كأي الواقعة صفة لنكرة أو(وأي وما) الشرطيتان واالستفهاميتان واملوصولتان وتقدمتا ،مث أطلقتا للعلمـ بانتفاء العموم يف غري ذلك ّ
حاالً وما الواقعة نكرة موصوفة أو تعجبية( .ومىت) للزمان املبهم استفهامية أو شرطية حنو مىت جتئين مىت جئتين أكرمتك( .وأين وحيثما)
للمكان شرطيتني نو أين أو حيثما كنت آتك ،وتزيد أين باالستفهام حنو أين كنت( .وحنوها) مما يدل على العموم لغة كجميع ،وال
أي املوصولة يف يضاف إال إىل معرفة وكجمع الذي واليت وكمن االستفهامية والشرطية واملوصولة وتقدمت ،وأما عدم عمومها وعموم ّ
حنو مررت مبن أو بأيهم قام فلقيامـ قرينة اخلصوص ،واستشكل عموم من وما بقول الفقهاء لو قال من دخل داري فله درهم ،فدخلها
مرة بعد أخرى ال يتكرر االستحقاق .وأجيب بأن العموم يف األشخاص ال يف األفعال إال أن تقتضي الصيغة التكرار حنو كلما أو حيكم
به قياسا لكون الشرط علة حنو من عمل صاحلا فلنفسه .فإن قلت فلم تكرر اجلزاء على احملرم بقتله صيدا بعد قتله آخر مع أن الصيغة
من يف قوله تعاىل {ومن قتله منكم متعمدا} اآلية؟ قلنا لتع ّد د احملل خبالفه يف مثالنا حىت لو قال من دخل داري فله درهم وله عدة دور
استحق كلما دخل دارا له درمها الختالف احملل ،وهلذا لو قال طلق من نسائي من شئت ال يطلق إال واحدة .ولو قال من شاءت طلق
كل من شاءت وكل من املذكورات( .للعموم حقيقة يف األصح) لتبادره إىل الذهن ،وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد يف املفرد،
ولالثنني يف املثىن ،وللثالثة أو االثنني يف اجلمع ،ألنه املتيقن والعموم جماز ،وقيل مشرتكة بينهما ألهنا تستعمل لكل منهما ،واألصل يف
االستعمال احلقيقة ،وقيل بالوقف أي ال يدري أهي حقيقة يف العموم أم يف اخلصوص أم فيهما (كاجلمع املعرف بالالم) حنو {قد أفلح
املؤمنون} (أو
اإلضافة) حنو {يوصيكم اهلل يف أوالدكم} فإنه للعموم حقيقة يف األصح( .ما مل يتحقق عهد) لتبادره إىل الذهن ،وقيل ليس للعموم
مطلقا بل للجنس الصادق ببعض األفراد كما يف تزوجت النساء ألنه املتيقن ما مل تقم قرينة على العموم كما يف اآليتني ،وقيل ليس
للعموم إن احتمل عهد فهو باحتماله مرتدد بني العهد والعموم حىت تقوم قرينة ،وعلى عمومه قيل أفراده مجوع واألكثر آحاد يف
اإلثبات وغريه ،وعليه أئمة التفسري يف استعمال القرآن حنو {واهلل حيب احملسنني} أي يثيب كالً منهم إن اهلل ال حيب الكافرين أي
يعاقب كالً منهم وأيد بصحة استثناء الواحد منه حنو جاء الرجال إال زيدا ،ولو كان معناه جاء كل مجع من الرجال مل يصح إالأن
يكون منقطعا ،نعم قد تقوم قرينة على إرادة اجملموع حنو رجال البلد حيملون الصخرة العظيمة أي جمموعهم واألول يقول قامت قرينة
اآلحاد يف حنو اآليتني املذكورتني.
---
( )1/60
( و) كـ(ـاملفرد كذلك) أي املعرف بالالم أو اإلضافة ما مل يتحقق عهد ،فإنه للعموم حقيقة يف األصح ملا مر قبله سواء حتقق استغراق أم
احتمله والعهد محالً له يف الثاين على االستغراق ألنه األصل لعموم فائدته حنو {وأحل اهلل البيع} أي كل بيع وخص منه الفاسد كالربا
وحنو{ .فليحذر الذين خيالفون عن أمره} أي كل أمر هلل وخص منه أمر الندب ،وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق بالبعض
كما يف لبست الثوب ولبست ثوب الناس ألنه املتيقن ما مل تقم قرينة على العموم كما يف {إن اإلنسان لفي خسر إال الذين آمنوا}
وقيل املعرف بالالم ليس للعمومـ إن مل يكن واحدة بالتاء ومتيز بالوحدة كاملاء والرجل ،إذ يقال فيهما ماء واحد ورجل واحد فهو يف
ذلك للجنس الصادق بالبعض حنو شربت املاء ،ورأيت الرجل ما مل تقم قرينة على العموم حنو الدينار خري من الدرهم أي كل دينار
خري من كل درهم ،خبالف ما إذا كان واحده بالتاء كالتمر أو مل يكن هبا ومل يتميز بالوحدة كالذهب فيعم كما يف خرب الصحيحني
«الذهب بالذهب ربا إال هاء وهاء والرب بالرب ربا إال هاء وهاء والشعري بالشعري ربا إال هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إال هاء وهاء».
املعرفة أل املوصولة هنا وفيما قبله (والنكرة
وقويل كذلك أوىل من اقتصاره على احمللى أي بالالم فإن حتقق عهد صرف إليه جزما وكأل ّ
يف سياق النفي) ويف معناه النهي (للعموم وضعا يف األصح) بأن تدل عليه باملطابقة كما مر من أن احلكم يف العام على كل فرد مطابقة،
وقيل للعموم لزوما نظرا إىل أن النفي ّأوالً للماهية ،ويلزمه نفي كل فرد فيؤثر التخصيص بالنية على األول دون الثاين يف حنو واهلل ال
أكلتـ ناويا غري التمر فيحنث بأكل التمر على الثاين دون األول وعموم النكرة يكون (نصا إن بنيت على الفتح) حنو ال رجل يف الدار.
(وظاهرا إن مل تنب) حنو ما يف الدار رجل .الحتماله نفي الواحد فقط فإن زيد فيها من كانت نصا أيضا كما مر يف احلروف والنكرة
يف
سياق االمتنان للعموم حنو {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} قاله القاضي أبو الطيب ويف سياق الشرط للعموم حنو {وإن أحد من
املشركني استجارك فأجره} أي كل واحد منهم وقد تكون للعموم البديل ال الشمويل بقرينة حنو من يأتين مبال أجازه( .وقد يعم
مر) يف املبحث املفهوم حنو {فال تقل هلمااللفظ) إما (عرفا كـ)ـاللفظ الدال على مفهوم (املوافقة) بقسميه األوىل واملساوي (على قول ّ
أف} {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} اآلية قيل نقلهما العرف إىل حترمي مجيع ازيذاءات واإلتالفات (و) حنو {حرمت عليكم
أمهاتكم} نقله العرف من حترمي العني إىل حترمي مجيع التمتعات املقصودة من النساء ،وسيأت قول إنه جممل ،وقيل العموم فيه من باب
االقتضاء الستحالة حترمي األعيان فيضمر ما يصح به الكالم .قال الزركشي وغريه وقد يرتجح هذا بقوهلم االضمار خري من النقل كما
يف قوله {وحرم الربا} وقد أجبت عنه يف احلاشية( .أو معىن) وعرب عنه األصل هنا كغريه بعقالً (كرتتيب حكم على وصف) فإنه يفيد
علية الوصف للحكم كما يأيت يف القياس ،فيفيد العموم باملعىن مبعىن أنه كلما وجدت العلة وجد املعلول حنو أكرم العامل إذا مل جتعل
الالم فيه للعموم وال عهد ،و(كـ)ـاللفظ الدال على مفهوم (املخالفة على قول مر) أن داللة اللفظ باملعىن على ما عدا املذكور خبالف
حكمه ،وهو أنه لو مل ينف املذكور واحلكم عما عداه مل يكن لذكره فائدة كما يف خرب الصحيحني «مطل الغين ظلم» أي خبالف
مطلـ غريه.
---
( )1/61
( واخلالف يف أن املفهوم) مطلقا {ال عموم له لفظي} أي عائد إىل اللفظ والتسمية أي هل يسمى عاما أو ال .بناء على أن العموم من
عوارض األلفاظ واملعاين أو األلفاظ فقط ،وأما من جهة املعىن فهو شامل جلميع صور ما عدا املذكور مبا مر من عرف وإن صار به
منطوقا أو معىن( .ومعيار العموم) أي ضابطه (االستثناء) فكل ما صح االستثناء منه مما ال حصر فيه فهو عام كاجلمع املعرف للزوم
تناوله املستثىن حنو جاء الرجال إال زيدا ،وال يصح االستثناء من اجلمع املنكر إال أن خيصص فيعم ما خيصص به حنو قام رجال كانوا يف
دارك إال زيدا منهم ،ويصح جاء رجل إال زيد بالرفع على أن إال صفة مبعىن غري كما يف {لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا}
(واألصح أن اجلمع املنكر) يف اإلثبات حنو جاء رجال أو عبيد( .ليس بعام) إن مل يتخصص فيحمل على أقل اجلمع ثالثة أو اثنني ألنه
احملقق ،وقيل إنه عام ألنه كما يصدق بذلك يصدق جبميع األفراد ومبا بينهما ،فيحمل على مجيع األفراد احتياطا إال أن مينع منه مانع
كما يف رأيت رجاالً فعلى أقل اجلمع قطعا ،واخلالف كما قال مجاعة جار يف مجع القلة والكثرة .وقال الصفي اهلندي حمله يف مجع
الكثرة( .و) األصح (أن أقل) مسمى (اجلمع) كرجال ومسلمني (ثالثة) لتبادرها إىل الذهن ،وقيل اثنان ،لقوله تعاىل {إن تتوبا إىل اهلل
فقد صغت قلوبكما} أي عائشة وحفصة وليس هلما إال قلبان .قلنا مثل ذلك جماز والداعي له يف اآلية الكرمية كراهة اجلمع بني التثنيتني
يف املضاف ومتضمنة ومها كالشيء الواحد خبالف حنو جاء عبداكما ،وينبين على اخلالف ما لو أقر أو أوصى بدراهم لزيد ،واألصح
أنه يستحق ثالثة ،لكن ما مثلوا به من مجع الكثرة خمالف الطباق النحاة على أن أقله أحد عشر .وجياب بأن أصل وضعه ذلك لكن
غلب استعماله عند األصوليني يف أقل مجع القلة ،وقد أشار إىل ذلك يف منع املوانع كما بينته يف احلاشية.
( و) األصح (أنه) أي اجلمع (يصدق بالواحد جمازا) الستعماله فيه كقول الرجل المرأته وقد برزت لرجل أتتربجني للرجال؟ الستواء
الواحد واجلمع يف كراهة التربج له ،وقيل ال يصدق به ومل يستعمل فيه واجلمع يف هذا املثال عل بابه ألن من برزت لرجل تربز لغريه
عادة( .و) األصح (تعميم عام سيق لغرض) كمدح وذم وبيان مقدار( .ومل يعارضه عام آخر) مل يسق لذلك إذ ما سيق له ال ينايف
تعميمه ،فإن عارضه العام املذكور مل يعم فيما عورض فيه مجعا بينهما كما لو عارضه خاص ،وقيل ال يعم مطلقاـ ألنه مل يسق للتعميم،
وقيل يعمه مطلقا كغريه وينظر عند املعارضة إىل مرجح مثاله وال معارض {إن األبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} ومع املعارض
{والذين هم لفروجن حافظون إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم} فإنه وقد سيق للمدحـ يعم بظاهره إباحة اجلمع بني األختني
مبلك اليمني وعارضه يف ذلك {وأن جتمعوا بني األختني} فإنه وإن مل يسق للمدح بل لبيان احلكم شامل حلرمة مجعهما مبلك اليمني،
فحملـ األول على غري ذلك بأن مل يرد تناوله ،وقويل تبعا للربماوي لغرض أوىل من قول األصل مبعىن املدح والذم ،أما إذا سيق العام
املعارض لغرض أيضا فكل منهما عام فيتعارضان فيحتاج إىل مرجح( .و) األصح (تعميم حنو ال يستوون) من قوله تعاىل {أفمن كان
مؤمنا كمن كان فاسقا ال يستوون}{ ،ال يستوي أصحاب النار وأصحاب اجلنة} فهو لنفي مجيع وجوه االستواء املمكن نفيها لتضمن
الفعلـ املنفي ملصدر منكر ،وقيل ال يعم نظرا إىل أن االستواء املنفي هو االشرتاك من بعض الوجوه ،فهو على هذا من سلب العموم،
وعلى األول من عموم السلب وعليه يستفاد من اآليتني بأن يراد بالفاسق يف األوىل الكافر بقرينة مقابلته باملؤمن أن الكافر ال يلي أمر
ولده املسلم ،وأن املسلم ال يقتل بالذمي ،وخالف يف املسألتني احلنفية ،واملراد بنحو ال يستوون كل ما دل على نفي االستواء أو حنوه
كاملساواة والتماثل واملماثلة.
---
( )1/62
( و) األصح تعميم حنو (ال أكلت) من قولك واهلل ال أكلت فهو لنفي مجيع املأكول بنفي مجيع أفراد األكل( .وإن أكلت) فزوجيت طالق
مثالً فهو للمنع من مجيع املأكوالت فيصح ختصيص بعضها يف املسألتني بالنية ويص ّدق يف إرادته .وقال أبو حنيفة ال تعميم فيها فال
يصح التخصيص بالنية ألن النفي واملنع حلقيقة األكل ،ويلزمهما النفي واملنع جلميع املأكوالت حىت حينث بواحد منها اتفاقا ،وعرب
األصل يف الثانية بقيل على خالف تسوييت تبعا البن احلاجب وغريه بينهما ،ملا فهم من أن عموم النكرة يف سياق الشرط بديل ،وليس
مر ( .ال املقتضي) بالكسر وهو ما ال يستقيم من الكالم إال بتقدير أحد كما فهم بل عمومها فيه مشويل ،وإمنا يكون بدليا بقرينة كما ّ
أمور ،ويسمى مقتضى بالفتح فال يعم مجيعها الندفاع الضرورة بأحدها ،ويكون جممالً بينها يتعني بالقرينة ،وقيل يعمها حذرا من
«ر فع عن أميت اخلطأ والنسيان» .فلوقوعهما من األمة ال يستقيم بدون تقدير املؤاخذة أو االمجال قالوا مثاله اخلرب اآليت يف مبحث اجململ ُ
الضمان أو حنو ذلك ،فقدرنا املؤاخذة لفهمها عرفا من مثله وقيل يقدر مجيعها فيكون املقتضى عاما( .واملعطوف على العام) فال يعم،
وقيل يعم لوجوب مشاركة املتعاطفني يف احلكم والصفة .قلنا يف الصفة ممنوع مثاله خرب أيب داود وغريه «ال يقتل مسلم بكافر وال ذو
عهد يف عهده» .قيل يعين بكافر وخص منه غري احلريب باإلمجاع .قلنا ال حاجة إىل ذلك بل تقدر حبريب ،وبعضهم جعل اجلملة الثانية
تامة ال حتتاج إىل تقدير ومعناها وال يقتل ذو عهد ما دام عهده ،وبعضهم جعل يف احلديث تقدميا وتأخريا واألصل وال يقتل مسلمـ وال
ذو عهد يف عهده بكافر( .والفعلـ املثبت ولو مع كان) كخرب بالل «صلى النيب صلى اهلل عليه وسلّم داخل الكعبة» .وخرب أنس «كان
النيب صلى اهلل عليه وسلّم جيمع بني الصالتني يف السفر» .فال يعم أقسامه ،وقيل يعمها فال يعم
املثال األول الفرض والنفل ،وال الثاين مجع التقدمي والتأخري ،إذ ال يشهد اللفظ بأكثر من صالة واحدة ومجع واحد ،ويستحيل وقوع
الصالة الواحدة فرضا ونفالً ،واجلمع الواحد يف الوقتني ،وقل يعمان ما ذكر حكما لصدقهما بكل من قسمي الصالة واجلمع ،وقد
تستعمل كان مع املضارع للتكرار كما يف قوله تعاىل يف قصة إمساعيل {وكان يأمر أهله بالصالة والزكاة} وعليه جرى العرف وحتقيقه
مر .وقيل يعمه لفظا مذكور يف احلاشية( .و) احلكم (املعلق لعلة) فال يعم كل حمل وجدت فيه العلة( .لفظا لكن) يعمه (معىن) كما ّ
حر مت اخلمر إلسكارها فال يعم كل مسكر لفظا ،وقيل يعمه لذكر العلة فكأنه قال حرمت املسكر( .و) األصح أن كأن يقول الشارع ّ
(ترك االستفصال) يف وقائع األحوال مع قيام االحتمال( .ينزل منزلة العموم) يف املقال كما يف خرب الشافعي وغريه أنه صلى اهلل عليه
وسلّم قال لغيالن بن سلمة الثقفي ،وقد أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن» فإنه صلى اهلل عليه وسلّم مل يستفصله
تزوجهن معا أو مرتبا ،فلوال أن احلكم يعم احلالني ملا أطلق المتناع اإلطالق يف حمل التفصيل ،وقيل ال ينزل منزلة العموم بل يكون
ّ هل
الكالم جممالً والعبارة املذكورة للشافعي وله عبارة أخرى وهي قوله وقائع األحوال إذا تطرق إليها االحتمال كساها ثوب اإلمجال
وسقط هبا االستدالل ،وظاهرمها التعارض وقد بينته مع اجلواب عنه يف احلاشية( .و) األصح (أن حنو يا أيها النيب) اتق اهلل .يا أيها املزمل
(ال يشمل األمة) من حيث احلكم الختصاص الصيغة به ،وقيل يشملهم ألن األمر للمتبوع أمر لتابعه عرفا كما يف أمر السلطان األمري
بفتح بلد .قلنا هذا فيما يتوقف املأمور به على املشاركة وما حنن فيه ليس كذلك ،وحمل اخلالف ما ميكن فيه إرادة األمة معه ومل تقم
قرينة على إرادهتم معه ،خبالف ما ال ميكن فيه ذلك حنو {يا أيها الرسول بلغ} اآلية .أو قامت قرينة على إرادهتم معه حنو {يا أيها النيب
إذا
طلقتم النساء} اآلية.
(
( )1/63
و) األصح (أن حنو يا أيها الناس يشمل الرسول) عليه الصالة والسالم( .وإن اقرتن بقل) ملساواهتم له يف احلكم ،وقيل ال يشمله مطلقا
ألنه ورد على لسانه للتبليغ لغريه ،وقيل إن اقرتن بقل مل يشمله لظهوره يف التبليغ وإال مشله( .و) األصح (أنه) أي حنو يا أيها الناس.
(يعم العبد) .وقيل ال لصرف منافعه لسيده شرعا قلنا يف غري أوقات ضيق العبادة( .و) األصح أنه (يشمل املوجودين) وقت وروده
(فقط) أي ال من بعدهم وقيل يشملهم أيضا ملساواهتم للموجودين يف حكمه إمجاعا قلنا بدليل آخر وهو مستند اإلمجاع ال منه( .و)
األصح (أن من) شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة أو موصوفة أو تامة فهو أعم من قوله إن من الشرطية( .تشمل النساء) لقوله
تعاىل {ومن يعمل من الصاحلات من ذكر أو أنثى} وقيس بالشرطية البقية ،لكن عموم األخريتني يف االثبات عموم بديل ال مشويل،
وقيل ختتص بالذكور فلو نظرت امرأة يف بيت أجنيب جاز رميها على األول خلرب مسلم «من تطلع على بيت قوم بغري إذهنم فقد حل هلم
أن يفقئوا عينيه» .وال جيوز على الثاين قيل وال على األول أيضا ألن املرأة ال يسترت منها( .و) األصح (أن مجع املذكر السامل ال
مشاركتهن للذكور يف
ّ يشملهن ظاهرا ألنه ملا كثر يف الشرع
ّ يشملهن بقرينة تغليبا للذكور ،وقيل
ّ يشملهن) أي النساء (ظاهرا) وإمنا
ّ
الدال
األحكام أشعر بأن الشارع ال يقصد خبطاب الذكور قصر األحكام عليهم وخرج مبا ذكر اسم اجلمع كقوم ،ومجع املذكر املكسر ّ
ويشملهن الثالث قطعا ،وأما الدال ال مبادته
ّـ مبادته كرجال وما يدل على مجعيته بغري ما ذكر كالناس فال يشمل األوالن النساء قطعا
كالزيود فملحق جبمع املذكر السامل( .و) األصح (أن خطاب الواحد) مثالً حبكم (ال يتعداه) إىل غريه ،وقيل يعم غريه جلريان عادة
الناس خبطاب الواحد وإرادة اجلميع فيما يشاركون فيه .قلنا جماز حيتاج إىل قرينة( .و)
األصح (أن اخلطاب بيا أهل الكتاب) وهم اليهود والنصارى حنو قوله تعاىل {يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم} (ال يشمل األمة) أي
أمة حممد صلى اهلل عليه وسلّم اخلاصة ،وقيل يشملهم فيما يتشاركون فيه ،وتقدم يف مبحث األمر الكالم على أن اآلمر بامل ّد هل يدخل
يف لفظه أو ال( .و) األصح أن (حنو خذ من أمواهلم) من كل اسم جنس مأمور بنحو األخذ منه جمموع جمرور مبن( .يقتضي األخذ)
مثالً (من كل نوع) من أنواع اجملرور ما مل خيص بدليل ،وقيل ال بل ميتثل باألخذ من نوع واحد .وتوقف اآلمدي عن ترجيح واحد
من القولني ،واألول نظرا إىل أن املعىن من مجيع األنواع ،والثاين إىل أنه من جمموعهما.
( )1/64
التخصيص
وهو مصدر خصص مبعىن خص (قصر العام) أي قصر حكمه( .على بعض أفراده) أي خيص بدليل فيخرج العام املراد به اخلصوص.
(وقابله) أي التخصيص (حكم ثبت ملتع ّد د) لفظا حنو {فاقتلوا املشركني} وخص منه الذمي وحنوه ،وعلى القول بأن العموم جيري يف
املعىن كاللفظ مثلوا له مبفهوم {فال تقل هلما أف} من سائر أنواع اإليذاء وخص منه حبس الوالد بدين الولد فإنه جائز على ما صححه
الغزايل وغريه ،واألصح أنه ال جيوز كما صححه البغوي وغريه( .واألصح جوازه) أي التخصيص (إىل واحد إن مل يكن العام مجعا)
كمن واملفرد املعرف( .و) إىل (أقل اجلمع) ثالثة أو اثنني (إن كان) مجعا كاملسلمني واملسلمات ،وقيل جيوز إىل واحد مطلقا ،وقيل ال
جيوز إىل واحد مطلقا وهو شاذ ،وقيل ال جيوز إال أن يبقى غري حمصور( .والعام املخصوص عمومه مراد تناوالً ال حكما) ألن بعض
األفراد ال يشمله احلكم نظرا للمخصص( .و) العام (املراد به اخلصوص ليس) عمومه (مرادا) تناوالً وال حكما( ،بل) هو (كلي) من
حيث إن له أفرادا حبسب أصله( .استعمل يف جزئي) أي فرد منها( ،فهو جماز قطعا) .نظرا للجزئية كقوله تعاىل {الذين قال هلم
الناس} ،أي نعيم ابن مسعود األشجعي لقيامه مقام كثري يف تثبيطه املؤمنني عن مالقاة أيب سفيان وأصحابه أم حيسدون الناس ،أي
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم جلمعه ما يف الناس من اخلصال اجلميلة ،وال خيفى أن عموم العام غري مدلوله فال ينايف التعبري يف عمومه
مر بالكلية ،مع أن الكالم هنا يف عموم العام املراد به اخلصوص ،ومث يف العام مطلقا.هنا بالكلي التعبري يف مدلوله فيما ّ
( واألصح أن األول) أي العام املخصوص (حقيقة) يف الباقي بعد التخصيص ،ألن تناوله له مع التخصيص كتناوله به بدونه ،وذلك
التناول حقيقي فكذا هذا ،وقيل حقيقة إن كان الباقي غري منحصر لبقاء خاصة العموم وإال فمجاز ،وقيل حقيقة إن خص مبا ال يستقل
خص مبستقل كعقلـ أو مسع، كصفة أو شرط أو استثناء ألن ما ال يستقل جزء من املقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط ،خبالف ما إذا ّ
وقيل حقيقة وجماز باعتبارين باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار االقتصار عليه جماز ،وقيل جماز مطلقا الستعماله يف بعض ما وضع له
ّأوالً ،وقيل جماز إن استثىن منه ألنه يتبني باالستثناء أنه أريد باملستثىن منه ما عدا املستثىن ،خبالف غري االستثناء من صفة وغريها ،فإنه
مر( .فهو) أي يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط ،وقيل جماز إن خص بغري لفظ كالعقلـ خبالف اللفظ أما الثاين فمجاز قطعا كما ّ
األول وهو العام املخصوص على القول بأنه حقيقة (حجة) جزما أخذا من منع املوانع الستدالل الصحابة به من غري نكري ،وعلى القول
خص بغري ما ظهر يشك فيما يراد منه ،فال بأنه جماز األصح أنه حجة مطلقاـ لذلك ،وقيل غري حجة مطلقا ألنه الحتمال أن يكون قد ّ
يتبني إال بقرينة ،وقيل حجة إن خص مبعني كأن يقال اقتلوا املشركني إال الذمي خبالف املبهم حنو إال بعضهم ،إذ ما من فرد إال ،وجيوز
مر من أن العموم بالنظر إليه فقط خبالف أن يكون هو املخرج قلنا يعمل به إىل أن يبقى فرد ،وقيل حجة إن خص مبتصل كالصفة ملا ّ
املنفصل ،فيجوز أن يكون قد خص منه غري ما ظهر فيشك يف الباقي ،وقيل حجة يف الباقي إن أنبأ عن الباقي العموم حنو {فاقتلوا
املشركني} فإنه ينىبء عن احلريب لتبادر الذهن إليه كالذمي املخرج خبالف ما ال ينىبء عنه العموم حنو {والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما} فإنه ال ينىبء عن السارق بقدر ربع دينار فأكثر من حرز كما ال ينىبء عن السارق لغري ذلك املخرج ،فالباقي منه يشك فيه
باحتمال اعتبار
---
( )1/65
قيد آخر ،وقيل حجة يف أقل اجلمع ألنه املتيقن بناء على القول بأنه ال جيوز مطلقا وبذلك علم أن ما ذكره األصل من هذا اخلالف إمنا
مفر ع على ضعيف ،أما الثاين فال حيتج به ،كذا قاله الشيخ أبو حامد( .ويعمل بالعام ولو بعد وفاة النيب) صلى اهلل عليه وسلّم( .قبل
هو ّ
البحث عن املخصص) ،ألن األصل عدمه وألن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب ،وقيل ال يعمل به بعد
وفاته قبل البحث الحتمال التخصيص ،وعليه يكفي يف البحث عن ذلك الظن بأن ال خمصص على األصح( .وهو) أي املخصص للعام.
(قسمان) أحدمها (متصل) أي ما ال يستقل بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام( .وهو مخسة) أحدها (االستثناء) مبعىن صيغته (وهو) أي
االستثناء نفسه (إخراج) من متع ّدد (بنحو إال) من أدوات اإلخراج وضعا كخالً وعدا وسوى واقعا ذلك اإلخراج مع املخرج منه.
(من متكلم واحد يف األصح) ،وقيل ال يشرتط وقوعه من واحد فقول القائل إال زيدا عقب قول غريه جاء الرجال استثناء على الثاين
النيب صلى اهلل عليه وسلّم إال
لغو على األول ،وهلذا لو قال يل عليك مائة فقال له إال درمها ال يكون مقرا بشيء يف األصح ،نعم لو قال ّ
الذمي عقب نزول قوله تعاىل {فاقتلوا املشركني} كان استثناء قطعا ألنه مبلغ عن اهلل وإن مل يكن ذلك قرآنا( .وجيب) أي يشرتط ّ
(اتصاله) أي االستثناء مبعىن صيغته باملستثىن منه( .عادة يف األصح) فال يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصلـ بغري ذلك كان
لغوا ،وقيل جيوز انفصاله إىل شهر ،وقيل إىل سنة ،وقيل أبدا ،وقيل غري ذلك وال بد من نية االستثناء قبل الفراغ من املستثىن منه.
( أما) االستثناء مبعىن صيغته (يف املنقطع) وهو ما ال يكون املستثىن فيه بعض املستثىن منه عكس املتصل السابق املنصرف إليه االسم عند
اإلطالق حنو ما يف الدار إنسان إال احلمار( .فمجاز) فيه (يف األصح) .لتبادره يف املتصل إىل الذهن ،وقيل حقيقة فيه كاملتصل فيكون
مشرتكا لفظيا بينهما وحي ّد باملخالفة بنحو إال بغري إخراج ،وقيل متواطىء أي موضوع للقدر املشرتك بينهما أي املخالفة بنحو إال حذرا
من االشرتاك واجملاز ،وقيل بالوقف أي ال ندري أهو حقيقة فيهما أم يف أحدمها ،أم يف القدر املشرتك بينهما ،وال يع ّد املنقطع من
املخصصاتـ والرتجيح من زياديت ،وملا كان يف الكالم االستثنائي شبه التناقض حيث يدخل املستثىن فياملستثىن منه ،مث ينفى وكان ذلك
(علي عشرة إال ثالثة
أظهر يف العدد لنصوصيته يف آحاده دفعوا ذلك فيه مبا ذكرته بقويل (واألصح أن املراد بعشرة يف) قولك لزيد ّ
العشرة باعتبار اآلحاد) مجيعها( .مث أخرجت ثالثة) بقولك إال ثالثة (مث أسند إىل الباقي) وهو سبعة(تقديرا وإن كان) اإلسناد (قبله) أي
علي الباقي من عشرة أخرج منها ثالثة ،وليس يف هذا إال إثبات وال نفي أصالً فال قبل إخراج الثالثة( .ذكرا) أي لفظا فكأنه قال له ّ
تناقض ،وقيل املراد بعشرة يف ذلك سبعة ،وقوله إال ثالثة قرينة لذلك بينت إرادة اجلزء باسم الكل جمازا ،وقيل معىن عشرة إال ثالثة
مر
األول أن فيه توفية مبا ّ
بإزاء امسني مفرد هو سبعة ومركب هو عشرة إال ثالثة وال نفي أيضا على القولني فال تناقض ،ووجه تصحيح ّ
علي عشرةمن أن االستثناء إخراج خبالف الثاين والثالث .وال يصح) استثناء (مستغرق) بأن يستغرق املستثىن املستثىن منه فلو قال له ّ
علي عشرة إال تسعة (و) استثناء (املساوي) حنو له عشرة إال إال عشرة لزمه عشرة( .واألصح صحة استثناء األكثر) من الباقي حنو له ّ
مخسة (و) استثناء (العقد الصحيح) حنو له مائة إال عشرة ،وقيل ال يصح يف األكثر ،وقيل ال يصح فيه إن كان
العدد يف املستثىن واملستثىن منه صرحيا حنو ما مر ،خبالف غريه حنو خذ الدراهم إال الزيوف وهي أكثر ،وقيل ال يصح يف املساوي أيضا،
وقيل ال يصح يف العقد الصحيح( .و) األصح (أن االستثناء من النفي إثبات وبالعكس) .وقيل ال بل املستثىن من حيث احلكم مسكوت
عنه وهو منقول عن احلنفية فنحو ما قام أحد إال زيد وقام القوم إال زيدا يدل األول على إثبات القيام لزيد ،والثاين على نفيه عنه من
حيث القيام وعدمه ،وينبين على اخلالف أن املستثىن من حيث احلكم خمرج من احملكوم به فيدخل يف نقيضه من قيام أو عدمه مثالً أو
خمرج من احلكم فيدخل يف نقيضه أي ال حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل يف نقيضه وجعلوا االثبات يف كلمة التوحيد
بعرف الشرع ،ويف االستثناء املفرغ حنو ما جاء القوم إال زيد بالعرف العام.
---
( )1/66
علي عشرة( و) االستثناءات (املتعددة إن تعاطفت فـ)ـهي عائدة (للمستثىن منه) لتعذر عود كل منها إىل ما يليه بوجود العاطف حنو له ّ
إال أربعة وإال ثالثة وإال اثنني ،فيلزمه واحد فقط وحنو له علي عشرة إال عشرة وإال ثالثة وإال اثنني فيلزمه العشرة لالستغراق( .وإال)
أي وإن مل يتعاطف (فكل) من آخرها وباقي كل من باقيها عائد (ملا يليه ما مل يستغرقه) .حنو له عشرة إال مخسة إال أربعة إال ثالثة
فيلزمه ستة ،فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل أو استغرق غري األول حنو له علي عشرة إال اثنني إال ثالثة إال أربعة عاد الكل للمستثىن
منه فيلزمه واحد فقط أو األول فقط حنو له عشرة إال عشرة إال أربعة فقيل يلزمه عشرة لبطالن األول الستغراقه ،والثاين تبعا ،وقيل
أربعة اعتبار االستثناء الثاين من األول ،وهو املوافق لألصح يف الطالق .وقال ابن الصباغ وغريه إنه األقيس وقيل ستة اعتبارا للثاين دون
األول( .واألصح أنه) أي االستثناء (يعود للمتعاطفات) أي لكل منها حيث يصلح له ألنه الظاهر بقيد زدته بقويل (بـ)ـحرف (مشرك)
كالواو والفاء مجالً كانت املتعاطفات أو مفردات كأكرم العلماء وحبس ديارك وأعتق عبيدك وكتصدق على الفقراء واملساكني
والعلماء سواء أسيقت لغرض واحد أم ال ،وسواء تقدم االستثناء عليها أم تأخر أم توسط ،فتعبريي بذلك أوىل من اقتصاره على ما إذا
تأخر ،وقيل لألخري فقط ألنه املتيقن ،وقيل إن سيق الكل لغرض واحد عاد للكل كحبستـ داري على أعمامي ،ووقفت بستاين على
أخوايل ،وسبلت سقاييت جلرياين إال أن يسافروا وإال عاد لألخري فقط ،كأكرم العلماء وحبس ديارك على أقاربك ،وأعتق عبيدك إال
الفسقةـ منهم ،وقيل إن عطف بالواو عاد للكل ،وإال فلألخري .وقيل مشرتك بني عوده للكل وعوده لألخري ،وقيل بالوقف ال ندري ما
احلقيقة منهما ،ويتبني املراد على األخريين بالقرينة وحيث وجدت فال خالف كما يف قوله تعاىل {والذين ال يدعون مع اهلل إهلا آخر}
إىل قوله
{ إال من تاب} فإنه عائد للكل بال خالف ،وقوله تعاىل {ومن قتل مؤمنا خطأ} إىل قوله {إال أن يصدقوا} فإنه عائد إىل األخري أي
الدية دون الكفارة بال خالف أما قوله {والذين يرمون احملصنات} إىل قوله {إال الذين تابوا} فإنه عائد لألخري ال لألول أي اجللد
قطعا ألنه حق آدمي فال يسقط بالتوبة ،ويف عوده للثاين أي عدم قبول الشهادة اخلالف ،فعلىـ األصح تقبل ،وعلى الثاين ال تقبل
وخرج باملشرتك غريه كبل ولكن وأو فال يعود ذلك إال لألخري.
( و) األصح (أن القران بني مجلتني لفظا) بأن تعطف إحدامها على األخرى (ال يقتضي التسوية) بينهما( .يف حكم مل يذكر) وهو معلومـ
يبولن أحدكم يف املاء
إلحدامها من خارج فيعطف واجب على مندوب أو مباح وعكسه .وقيل يقتضيها فيه مثاله خرب أيب داود «ال ّ
الدائم وال يغتسل فيه من اجلنابة» فالبول فيه ينجسه بشرطه كما هو معلوم وذلك حكمة النهي .قال بعض القائل بالثاين ،فكذا
االغتسال فيه للقران بينهما ،ومن أمثلة ذلك قوله تعاىل {فكاتبوهم} اآلية( .و) ثاين املخصصاتـ املتصلة (الشرط) .واملراد اللغوي كما
مر( .وهو) ما زدته بقويل (تعليق أمر بأمر كل منهما يف املستقبل أو ما يدل عليه) من صيغة حنو أكرم بين متيم إن جاءوا أي اجلائني
منهم( .وهو) أي الشرط املخصص (كاالستثناء) اتصاالً وعودا لكل املتعاطفات وصحة إلخراج األكثر به حنو أكرم بين متيم إن كانوا
علماء ،ويكون جهاهلم أكثر ،فيجب مع نية الشرط اتصاله وعوده للكل ،ولو تقدم أو توسط .ويصح إخراج األكثر به يف األصح،
وقيل وفاقا .وعليه جرى األصل يف الثالث لكن أجيب عنه بأنه أراد به وفاق من خالف يف االستثناء فقط( .و) ثالثها (الصفة) املعترب
مفهومها كأكرم بين متيم الفقهاء خرج بالفقهاء غريهم( .و) رابعها (الغاية) كأكرم بين متيم إىل أن يعصوا خرج حال عصياهنم فال
يكرمون فيه( .ومها) أي الصفة والغاية (كاالستثناء) اتصاالً وعودا ،وصحة إخراج األكثر هبما فيجب مع نيتهما اتصاهلما وعودمها
للكل ،ولو تقدمتا أو توسطتا ،ويصح إخراج األكثر هبما يف األصح خالفا ملا اختاره ،وتبعه عليه الربماوي من اختصاص الصفة
املتوسطة مبا وليته ،وذلك كوقفتـ على أوالدي وأوالدهم احملتاجني ،ووقفت على حمتاجي أوالدي وأوالدهم ،ووقفت على أوالدي
احملتاجني وأوالدهم ،فيعود الوصف للكل على األصل يف اشرتاك املتعاطفات ،وألن املتوسطة بالنسبة ملا وليته متأخرة وملا وليها متقدمة،
بل قيل إن عودها إليهما أوىل مما إذا تقدمتهما،
وقد أوضحت ذلك يف احلاشية واقتصاري على كاالستثناء أوىل من قوله كاالستثناء يف العود.
( )1/67
( )1/68
( و) جيوز يف األصح ختصيص (السنة) املتواترة وغريها (هبا) أي بالسنة كذلك كتخصيص خرب الصحيحني فيما سقت السماء العشر،
خبربمها ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة .وقيل ال جيوز آلية {وأنزلنا إليك الذكر} قصر بيانه على الكتاب .قلنا وقع ذلك كما رأيت
مع أنه ال مانع منه ألهنما من عند اهلل قال تعاىل {وما ينطق عن اهلوى} (و) جيوز يف األصح ختصيص (كل) من الكتاب والسنة
(باآلخر) فاألول كتخصيص آية املواريث الشاملة للولد الكافر خبرب الصحيحني «ال يرث املسلم الكافر وال الكافر املسلم» .فهذا
ختصيص خبرب الواحد فباملتواترة أوىل ،وقيل ال جيوز باملتواترة الفعلية بناء على قول يأيت وأن فعل الرسول ال خيصص ،وقيل ال جيوز خبرب
الواحد مطلقا ،وإال لرتك القطعي بالظين .قلنا حمل التخصيص داللة العام وهي ظنية والعمل بالظنيني أوىل من إلغاء أحدمها .وقيل جيوز
إن خص مبنفصل لضعف داللته حينئذ ،وقيل غري ذلك .والثاين كتخصيص خرب مسلم البكر بالبكر جلد مائة الشامل لألمة بقوله تعاىل
{فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب} وقيل ال جيوز ذلك لقوله تعاىل {لتبني للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للكتاب فال
يكون الكتاب مبينا للسنة .قلنا وقع ذلك كما رأيت مع أنه ال مانع منه ملا مر ومن السنة فعل النيب وتقريره ،فيجوز يف األصح
التخصيص هبما ،وإن مل يتأت ختصيصهماالنتفاء عمومهما كما علم مما مر .وذلك كأن يقول الوصال حرام على كل مسلم ،مث يفعله
أو يقر من فعله ،وقيل ال خيصصان بل ينسخان حكم العام ،ألن األصل تساوي الناس يف احلكم .قلنا التخصيص أوىل من النسخ ملا فيه
من إعمال الدليلني وسواء أكان مع التقرير عادة برتك بعض املأمور به أو بفعل بعض املنهى عنه أم ال .واألصل كغريه جعلها املخصصة
أقر هبا النيب أو اإلمجاع مع أن املخصص يف احلقيقة إمنا هو التقرير أو دليل اإلمجاع.
إن ّ
( و) جيوز يف األصح ختصيص كل من الكتاب والسنة( .بالقياس) املستند إىل نص خاص ولو خرب واحد كتخصيص آية الزانية والزاين
الشاملة لألمة بقوله تعاىل {فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب} وقيس باألمة العبد ،وقيل ال جيوز ذلك مطلقآـ حذرا من تقدمي
القياس على النص الذي هو أصله يف اجلملة ،وقيل ال جيوز إن كان القياس خفيا لضعفه وقيل غري ذلك .قلنا إعمال الدليلني أوىل من
إلغاء أحدمها .واخلالف يف القياس الظين ،أما القطعي فيجوز التخصيص به قطعا( .وبدليل اخلطاب) أي مفهوم املخالفة كتخصيص خرب
ابن ماجة املاء ال ينجسه شيء إال ما غلب على رحيه وطعمه ولونه .مبفهوم خربه «إذا بلغ املاء قلتني مل حيمل اخلبث» .وقيل ال خيصص
ألن داللة العام على ما دل عليه املفهوم باملنطوق وهو مقدم على املفهوم .وأجيب بأن املقدم عليه منطوق خاص ال ما هو من أفراد
العام فاملفهوم مقدم عليه ألن إعمال الدليلني أوىل من إلغاء أحدمها( .وجيوز)التخصيص (بالفحوى) أي مفهوم املوافقة ،وإن قلنا الداللة
«يل الواجد حيل عرضه وعقوبته» .أي حبسه مبفهوم {فال تقل هلما أف} فيحرم حبسهما عليه قياسية كتخصيص خرب أيب داود وغريه ّ
للوالد وهو ما نقل عن املعظم وصححه النووي.
( واألصح أن عطف العام على اخلاص) وعكسه املشهور ال خيصص العام .وقال احلنفي خيصصه أي يقصره على اخلاص لوجوب اشرتاك
املتعاطفني يف احلكم وصفته .قلنا يف الصفة ممنوع كما مر مثال العكس خرب أيب داود وغريه «ال يقتل مسلم بكافر وال ذو عهد يف
عهده» .يعين بكافر حريب لالمجاع على قتله بغري حريب ،فقال احلنفي يقدر احلريب يف املعطوف عليه لوجوب االشرتاك املذكور فال ينايف
ما قال به من قتل املسلم بالذمي ،ومثال األول أن يقال ال يقتل الذمي بكافر وال املسلم بكافر ،فاملراد بالكافر األول احلريب فيقول
احلنفي واملراد بالكافر الثاين احلريب أيضا لوجود االشرتاك املذكور ،وقد مر التمثيل باخلرب ملسألة أن املعطوف على العام ال يعم ،وما قيل
يرد مبنعه ألن ما هنا يف ختصيص احلكم املذكور يف عام ،وما هناك يف من أنه ال حاجة لذكر هذه املسألة لعلمها من مسألة القران ّ
التسوية بني مجلتني فيما مل يذكر من احلكم املعلوم إلحدامها من خارج. .
---
( )1/69
( و) األصح أن (رجوع ضمري إىل بعض) من العام ال خيصصه حذرا من خمالفة الضمري ملرجعه قلنا ال حمذور فيها لقرينة مثاله قوله تعاىل
{واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروء} مع قوله بعده {وبعولتهن أحق بردهن} فضمري وبعولتهن للرجعيات ويشمل قوله
واملطلقات معهن البوائن ،وقيل ال يشملهن ويؤخذ حكمهن من دليل آخر ،وقد يعرب يف هذه املسألة بأعم مما ذكر بأن يقال وأن يعقب
العام مبا خيتص ببعضه وال خيصصه ،سواء أكان ضمريا كما مر أم الشامل غريه كاحمللى بأل واسم اإلشارة كأن يقال بدل و بعولتهن
اخل .وبعولة املطلقاتـ أو هؤالء أحق بردهن( .و) األصح أن (مذهب الراوي) للعام خبالفه ال خيصصه ولو كان صحابيا ،وقيل خيصصه
مطلقا ،وقيل خيصصه إن كان صحابيا ألن املخالفة إمنا تصدر عن دليل .قلنا يف ظن املخالف ال يف نفس األمر وليس لغريه اتباعه ألن
اجملتهد ال يقلد جمتهدا وذلك كخرب البخاري من رواية ابن عباس «من بدل دينه فاقتلوه» مع قوله إن صح عنه أن املرتدة ال تقتل ،أما
مذهب غري الراوي للعام خبالفه فال خيصصه أيضا كما فهم باألوىل ،وقيل خيصصه إن كان صحابيا( .و) األصح أن (ذكر بعض أفراد
العام) حبكم العام (ال خيصص) العام .وقيل خيصصه مبفهومه ،إذ ال فائدة لذكره إال ذلك .قلنا مفهوم اللقب ليس حبجة ،وفائدة ذكر
البعض نفي احتمال ختصيصه من العام مثاله خرب الرتمذي «أميا إهاب دبغ فقد طهر» مع خرب مسلمـ أنه صلى اهلل عليه وسلّم مر بشاة
ميتة فقال «هال أخذمت إهاهبا فدبتغموه فانتفعتم به» فقالوا إهنا ميتة .فقال «إمنا حرم أكلها».
( و) األصح (أن العام ال يقصر على املعتاد) السابق ورود العام( .وال على ما وراءه) أي املعتاد بل جيري العام على عمومه فيهما ،وقيل
يقصر على ذلك فاألول كأن كانت عادهتم تناول الرب ،مث هني عن لبيع الطعامـ جبنسه متفاضالً فقيل يقصر الطعام على الرب املعتاد،
والثاين كأن كانت عادهتم بيع الرب بالرب متفاضالً ،مث هنى عن بيع الطعام جبنسه متفاضالً فقيل يقصر الطعام على غري الرب املعتاد واألصح
ال فيهما( .و) األصح (أن حنو) قول الصحايب إنه صلى اهلل عليه وسلّم (هنى عن بيع الغرر) كما رواه مسلم من رواية أيب هريرة( .ال
يعم) كل غرر وقيل يعمه ألن قائله عدل عارف باللغة واملعىن ،فلوال ظهور عموم احلكم مما قاله النيب صلى اهلل عليه وسلّم مل يأت هو
يف احلكاية له بلفظ عام كالغرر .قلنا ظهور عموم احلكم حبسب ظنه وال يلزمنا اتباعه يف ذلك ،إذ حيتمل أن يكون النهي عن بيع الغرر
بصفة خيتص هبا فتومهه الراوي عاما وعدلت إىل هني عن بيع الغرر عن قوله قضى بالشفعة للجار لقوله كغريه من احمل ّدثني هو لفظ ال
يعرف.
---
( )1/70
( مسألة جواب السؤال غري املستقل دونه) أي دون السؤال كنعم وبلى وغريمها مما لو ابتدىء به مل يفد (تابع له) أي للسؤال (يف
عمومه) وخصوصه ،ألن السؤال معاد يف اجلواب ،فاألول كخرب الرتمذي وغريه أهنصلى اهلل عليه وسلّم سئل عن بيع الرطب بالتمر؟
فقال «أينقص الرطب إذا يبس» قالوا نعم .قال «فال إذا» .فيعم كل بيع للرطب بالتمر صدر من السائل أو من غريه ،والثاين كقوله
تعاىل {فهل وجدمت ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} (واملستقل) دون السؤال ثالثة أقسام أخص من السؤال ومسا ٍو له وأعم .فـ(ـاألخص)
منه (جائز إن أمكنت معرفة) احلكم (املسكوت عنه) منه كأن يقول النيب صلى اهلل عليه وسلّم «من جامع يف هنار رمضان فعليه
كفارة» .كاملظاهر يف جواب من أفطر يف هنار رمضان ماذا عليه فيفهم من قوله جامع أن اإلفطار بغري مجاع ال كفارة فيه ،فإن مل ميكن
معرفة املسكوت عنه من اجلواب مل جيز لتأخري البيان عن وقت احلاجة( .واملساوي) له يف العموم واخلصوص (واضح) كأن يقال ملن
قال ما على من جامع يف هنار رمضان؟ من جامع يف هنار رمضان فعليه كفارة كالظهار ،وكأن يقال ملن قال جامعتـ يف هنار رمضان
علي ؟ عليك إن جامعت يف هنار رمضان كفارة كالظهار .واألعم منه مذكور يف قويل (واألصح أن العام) الوارد (على سبب ماذا ّ
خاص) يف سؤال أو غريه (معترب عمومه) نظرا لظاهر اللفظ ،وقيل مقصور على السبب لوروده فيه سواء أوجدت قرينة التعميم أم ال.
فاألول كقوله تعاىل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ،إذ سبب نزوله على ما قيل أن رجالً سرق رداء صفوان بن أمية ،فذكر
اخلدري قيل يا رسول اهلل أنتوضأ
ّ السارقة قرينة على أنه مل يرد بالسارق ذلك الرجل فقط ،والثاين كخرب الرتمذي وغريه عن أيب سعيد
من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها احليض وحلوم الكالب والننت؟ فقال «إن املاء طهور ال ينجسه شيء» .أي مما ذكر وغريه ،وقيل مما
ذكر وهو ساكت عن غريه وقد تقوم قرينة على االختصاص بالسبب
كالنهي عن قتل النساء ،فإن سببه أنه عليه الصالة والسالم رأى امرأة حربية يف بعض مغازيه مقتولة ،وذلك يدل على اختصاصه
باحلربيات فال يتناول املرتدة.
( و) األصح (أن صورة السبب) اليت ورد عليها العام( .قطعية الدخول) فيه لوروده فيها (فال ختص) منه (باالجتهاد) .وقيل ظنية كغريها
فيجوز إخراجها منه باالجتهاد .قال السبكي (ويقرب منها) أي من صورة السبب حىت يكون قطعيـ الدخول أو ظنية( .خاص يف
واملتلو كما يف آية {أمل تر
القرآن تاله يف الرسم) أي رسم القرآن مبعىن وضعه مواضعه ،وإن مل يتله يف النزول( .عام ملناسبة) بني التايل ّ
إىل الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون باجلبت} فإهنا إشارة إىل كعب بن األشرف وحنوه من علماء اليهود ملا قدموا مكة وشاهدوا
النيب صلى اهلل عليه وسلّم فسألوهم من أهدى سبيالً حممد وأصحابه أم حنن حرضوا املشركني على األخذ بثأرهم ،وحماربة ّ قتلى بدر ّ
النيب صلى اهلل عليه وسلّم املنطبق عليه ،وأخذ املواثيق عليهم أن ال يكتموه فكان ذلك
فقالوا أنتم مع علمهم مبا يف كتاهبم من نعت ّ
للنيب صلى اهلل عليه وسلّم ،وقد تضمنت اآلية هذا القول والتوعد عليهيؤدوها حيث قالوا للمشركني ما ذكر حسدا ّ أمانة الزمة هلم ومل ّ
النيب صلى اهلل عليه وسلّم وذلك مناسب لقوله تعاىل {إن اهلل يأمركم أن املقيد لألمر مبقابله املشتمل على أداء األمانة اليت هي بيان صفة ّ
النيب صلى اهلل عليه وسلّم مبا ذكر والعام تال
تؤد وا األمانات إىل أهلها} ،فهذا عام يف كل أمانة وذاك خاص بأمانة هي بيان صفة ّ ُّ
للخاص يف الرسم مرتاخ عنه يف النزول لست سنني مدة ما بني بدر وفتح مكة ،وإمنا قال السبكي ويقرب منه كذا ألنه مل يرد العام
بسببه خبالفها.
---
( )1/71
( مسألة األصح) أنه (إن مل يتأخر اخلاص عن) وقت (العمل) بالعام املعارض له بأن تأخر اخلاص عن ورود العام قبل دخول وقت العمل
أو تأخر العام عن اخلاص مطلقا أو تقارنا بأن عقب أحدمها اآلخر أو جهل تارخيهما( .خصص) اخلاص( .العام) .وقيل إن تقارنا
تعارضا يف قدر اخلاص ،فيحتاج العمل باخلاص إىل مرجح له قلنا اخلاص أقوى من العام يف الداللة على ذلك البعض ،ألنه جيوز أن ال
يراد من العام خبالف اخلاص فال حاجة إىل مرجح له .وقالت احلنفية وإمام احلرمني العام املتأخر عن اخلاص ناسخ له كعكسه .قلنا
الفرق أن العمل باخلاص املتأخر ال يلغي العام خبالف العكس واخلاص أقوى من العام يف الداللة فوجب تقدميه عليه .قالوا فإن جهل
التاريخ بينهما فالوقف عن العمل بواحد منهما الحتمال كل منهما عندهم ،ألن يكون منسوخا باحتمال تقدمه على اآلخر مثال العام
(فاقتلوا املشركني) واخلاص أن يقال ال تقتلوا الذمي( .وإال) بأن تأخر اخلاص عما ذكر (نسخه) أي نسخ اخلاص العام بالنسبة ملا
تعارضا فيه ،وإمنا مل جيعل ذلك ختصيصا ،ألن التخصيص بيان للمراد بالعام وتأخري البيان عن وقت العملـ ممتنع( .و) األصح أنه (إن
كان كل) من املتعارضني (عاما من وجه) خاصا من وجه( ،فالرتجيح) بينهما من خارج واجب لتعادهلما تقارنا أو تأخر أحدمها أو
جهل تارخيهما .وقالت احلنفية املتأخر ناسخ للمتقدم مثال ذلك خرب البخاري «من ب ّدل دينه فاقتلوه» .وخرب الصحيحني «أنه صلى اهلل
الردة ،والثاين خاص بالنساء عام يف احلربيات واملرتدات،
فاألول عام يف الرجال والنساء خاص بأهل ّعليه وسلّم هنى عن قتل النساء»ّ .
األول بقيام القرينة على اختصاص الثاين بسببه وهو احلربيات.
وقد ترجح ّ
( )1/72
املطلق واملقيد
(دل على املاهية بال قيد)
مر( .ما) أي لفظ ّ
أي هذا مبحثهما ،واملراد اللفظيـ املسمى هبما( .املختار أن املطلق) ويسمى اسم جنس كما ّ
من وحدة وغريها فهو كلي ،وقيل ما دل على شائع يف جنسه وقائله توهم النكرة غري العامة ،واحتج لذلك بأن األمر باملاهية كالضرب
من غري قيد أمر جبزئي من جزئياهتا كالضرب بسوط أو عصا أو غري ذلك ،ألن األحكام الشرعية إمنا تبىن غالبا على اجلزئيات ال على
ويرد بأهنا إمنا يستحيل وجودها كذلك جمردة ال مطلقا ألهنا توجد بوجود جزئي هلا املاهيات املعقولة الستحالة وجودها يف اخلارجّ ،
ألهنا جزؤه وجزء املوجود موجود ،فاألمر باملاهية أمر بإجيادها يف ضمن جزئي هلا ال أمر جبزئي هلا ،وقيل األمر هبا أمر بكل جزئي منها
إلشعار عدم التقييد بالتعميم ،وقيل هو أذن يف كل جزئي أن يفعل وخيرج عن العهدة بواحد وعلى املختار اللفظ يف املطلقـ والنكرة
مر أو مع قيد الشيوع واحد ،والفرق بينهما باالعتبار إن اعترب يف اللفظ داللته على املاهية بال قيد يسمى مطلقاـ واسم جنس أيضا كما ّ
األول يف مسمى املطلق. يسمى نكرة ،والقائل بالثاين ينكر اعتبار ّ
مر فما خيص به العام يقيد به املطلقـ وما ال فال .ألن املطلق عام من حيث املعىن فيجوز تقييد (واملطلقـ واملقيد كالعام واخلاص) فيما ّ
الكتاب به وبالسنة والسنة هبا وبالكتاب ،وتقييدمها بالقياس واملفهومني ،وفعل النيب وتقريره خبالف مذهب الراوي ،وذكر بعض
جزئيات املطلق على األصح يف غري مفهوم املوافقة. .
( و) يزيد املطلق واملقيد (أهنما يف األصح إن احتد حكمهما وسببه) أي سبب حكمهما( .وكانا مثبتني) أمرين كانا كأن يقال يف كفارة
الظهار يف حمل أعتق رقبة ،ويف آخر أعتق رقبة مؤمنة أو غريمها حنو جتزىء رقبة مؤمنة جتزىء رقبة أو أحدمها أمر ،واآلخر خرب حنو
جتزىء رقبة مؤمنة أعتق رقبة( .فإن تأخر املقيد) بأن علم تأخره (عن) وقت (العمل باملطلقـ نسخه) أي املطلق بالنسبة إىل صدقه بغري
املقيد( .وإال) بأن تأخر املقيد عن وقت اخلطاب باملطلق دون العمل أو تأخر املطلق عن املقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تارخيهما( .قيده)
أي املطلق مجعا بني لدليلني ،وقيل املقيد ينسخ املطلق إذا تأخر عن وقت اخلطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به جبامع التأخر وقيل
حيمل املقيد على املطلقـ بأن يلغى القيد ،ألن ذكر املقيد ذكر جلزئي من املطلق فال يقيده كما أن ذكر فرد من العام ال خيصصه .قلنا
مر( .وإن كان أحدمها مثبتا) أمرا أو خربا الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة خبالف مفهوم اللقبـ الذي ذكر فرد من العام منه كما ّ
(واآلخر خالفه) هنيا أو نفيا حنو أعتق رقبة ال تعتق رقبة كافرة أعتق رقبة ال جتزىء رقبة كافرة أعتق رقبة مؤمنة ال تعتق رقبة جتزىء
رقبة مؤمنة ال جتزىء رقبة( .قيد املطلق بضد الصفة) يف املقيد ليجتمعا فيقيد يف املثالني األولني باإلميان ،ويف األخريين بالكفر( .وإال)
بأن كانا منفيني أو منهيني أو أحدمها منفيا واآلخر منهيا حنو ال جيزىء عتق مكاتب ال جيزىء عتق مكاتب كافر ال تعتق مكاتبا ال تعتق
مكاتبا كافرا( .قيد) املطلق (هبا) أي بالصفة (يف األصح) من اخلالف يف حجية مفهوم املخالفة ،وقيل يعمل باملطلقـ بناء على عدم
حجية املفهوم (وهي) أي املسألة حينئذ (خاص وعام) لعموم املطلق يف سياق النفي الشامل للنهي ويكون املقيد خمصصا ال مقيدا.
وقويل إن كان إىل قويل يف األصح أعم مما عرب به( .وإن اختلف حكمهما) مع احتاد سببهما كما يف قوله تعاىل يف التيمم
---
( )1/73
{ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} ويف الوضوء {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق} ،وسببهما احلدث مع القيام إىل الصالة أو
حنوها واختالف احلكم من مسح املطلقـ وغسل املقيد باملرفق ظاهر ،إذ املسح خالف الغسل( .أو) اختلف (سببهما) مع احتاد حكمهما
(ومل يكن مث مقيد) يف حملني (مبتنافيني) كما يف قوله تعاىل يف كفارة الظهار {فتحرير رقبة} ويف كفارة القتل {فتحرير رقبة مؤمنة}
(أو) كان مث مقيد كذلك .و(كان) املطلقـ (أوىل) بالتقييد (بأحدمها) من اآلخر من حيث القياس كما يف قوله تعاىل يف كفارة اليمني
احلج وسبعة إذا رجعتم}
{فصيام ثالثة أيام} ويف كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعني} ويف صوم التمتع {فصيام ثالثة أيام يف ّ
(قيد) املطلق بالقيد أي محل عليه (قياسا يف األصح) فال بد من جامع بينهما وهو يف املثال األول موجب الطهر ،ويف الثاين حرمة
سببهما من الظهار والقتل ،ويف الثالث النهي عن اليمني والظهار ،فحمل املطلقـ فيه على كفارة الظهار يف التتابع أوىل من محله على
صوم املتمتع يف التفريق الحتادمها يف اجلامع ،والتمثيل به إمنا هو على قول قدمي ،وقيل حيمل عليه يف األوليني لفظا أي مبجرد وجود
اللفظ املقيد من غري حاجة إىل جامع ،وقيل ال حيمل عليه يف الثالثة بناء على أن احلمل لفظي .وقال احلنفي ال حيمل عليه الختالف
احلكم أو السبب فيبقى املطلق على خالفه .أما إذا كان مث مقيد يف حملني مبتنافيني ومل يكن املطلق يف ثالث أوىل بالتقييد بأحدمها من
حيث القياس كما يف قوله تعاىل يف قضاء رمضان {فعدة من أيام أخر} ويف كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعني} ويف صوم التمتع
مر .فيبقى املطلقـ على إطالقه المتناع تقييده هبما لتنافيهما وبواحد منهما النتفاء مرجحه ،فال جيب يف قضاء رمضان تتابع وال ما ّ
تفريق والرتجيح من زياديت ،ولو اختلف سببهما وحكمهما كتقييد الشاهد بالعدالة وإطالق الرقبة يف الكفارة مل حيمل املطلق على
املقيد اتفاقا ،وقيل على الراجح.
---
( )1/74
واملؤول
الظاهر ّ
أي هذا مبحثهما( .الظاهر) لغة الواضح واصطالحا( .ما دل) على املعىن (داللة ظنية) أي راجحة بوضع اللغة أو الشرع أو العرف،
حيتمل غري ذلك املعىن مرجوحا كما مر أوائل الكتاب األول كاألسد راجح يف احليوان املفرتس لغة مرجوح يف الرجل الشجاع والصالة
راجحة يف ذات الركوع والسجود شرعا مرجوحة يف الدعاء املوضوعة له لغة ،والغائط راجح يف اخلارج املستقذر عرفا مرجوح يف
املكان املطمئن املوضوع له لغة ،وخرج اجململ لتساوي الداللة فيه ،واملؤول ألنه مرجوح ،والنص كزيد ألن داللته قطعية( .والتأويل
يظن دليالً) وليس دليالً يف الواقع (ففاسد أو ال لشيء
محل الظاهر على احملتمل املرجوح فإن محل) عليه (دليل فصحيح) احلمل( .أو ملا ّ
فلعب)ـ ال تأويل.
( واألول) أي التأويل قسمان (قريب) يرتجح على الظاهر بأدىن دليل حنو {إذا قمتم إىل الصالة} أي عزمتم على القيام إليها و{إذا
قرأت القرآن} أي أردت قراءته( .وبعيد) ال يرتجح على الظاهر إال بأقوى منه( .كتأويل) احلنفية (أمسك) من قوله صلى اهلل عليه
وسلّ م لغيالن ملا أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن»( .بابتدىء) نكاح أربع منهن بقيد زدته بقويل (يف املعية) أي
فيما إذا نكحهن معا لبطالنه كاملسلم خبالف نكاحهن مرتبا فيمسكـ األربع األوائل ،ووجه بعده أن املخاطب مبحله وهو أمسك قريب
عهد باإلسالم مل يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إىل ذلك ،ومل ينقل جتديد نكاح منه وال من غريه ممن أسلم مع كثرهتم وتوفر
دواعي محلة الشرع على نقله لو وقع( .و) كتأويلهم (ستني مسكينا} من قوله تعاىل {فإطعام ستني مسكينا} (بستني مدا) بتقدير
مضاف أي طعام ستني مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه ملسكني واحد يف ستني يوما كما جيوز إعطاؤه لستني مسكينا يف يوم
واحد ،ألن القصد بإعطائه دفع احلاجة ودفع حاجة الواحد يف ستني يوما كدفع حاجة الستني يف يوم واحد ،ووجه بعده أنه اعترب فيه
ما مل يذكر من املضاف وألغى فيه ما ذكر من عدد املساكني الظاهر قصده لفضلـ اجلماعة وبركتهم وتظافر قلوهبم على الدعاء
للمحسن( .و) كتأويلهم خرب أيب داود وغريه (ال صيام ملن مل يبيت) أي الصيام من الليل( .بالقضاء والنذر) لصحة غريمها بنية من
النهار عندهم ووجه بعده أنه قصر للعام النص يف العموم على نادر لندرة القضاء والنذر( .و) كتأويل أيب حنيفة خرب ابن حبان وغريه
(ذكاة اجلنني ذكاة أمه) بالرفع والنصب (بالتشبيه) أي مثل ذكاهتا أو كذكاهتا ،فاملراد باجلنني احلي حلرمة امليت عنده وأحله صاحباه
كالشافعي ،ووجه بعده ما فيه من التقدير املستغىن عنه ووجه استغنائه عنه على رواية الرفع وهي احملفوظة أن يعرب ذكاة اجلنني خربا ملا
بعده أي ذكاة أم اجلنني ذكاة له ،وعلى رواية النصب إن
ثبتت أن جيعل على الظرفية أي ذكاة اجلنني حاصلة وقت ذكاة أمه اليت أحلتها ،فاملراد اجلنني امليت وأن ذكاة أمه أحلته تبعا هلا.
( )1/75
( )1/76
واألصح وقوعه) أي اجململ (يف الكتاب والسنة) لألمثلة السابقة منهما ومنعه داود الظاهري ،قيل وميكن أن ينفصل عنها بأن األول
ظاهر يف الزوج ألنه املالك للنكاح .والثاين مقرتن مبفسره ،والثالث ظاهر يف االبتداء ،والرابع ظاهر يف عوده إىل األحد ألنه حمط
الكالم( .و) األصح (أن املسمى الشرعي) للفظ (أوضح من) املسمى (اللغوي) له يف عرف الشرع ألن النيب بعث لبيان الشرعيات،
فيحمل على الشرعي ،وقيل ال يف النهي فقيل هو جممل ،وقيل حيمل على اللغوي ،واملراد بالشرعي ما أخذت تسميته من الشرع
مر ) ذلك يف مسألة اللفظ إما حقيقة أو جماز وذكر هنا توطئة لقويل (و)صحيحا كان أو فاسدا ال ما يكون صحيحا فقط( .وقد ّ
األصح (أنه إن تعذر) أي املسمى الشرعي للفظ( .حقيقة رد إليه بتجوز) حمافظة على الشرع ما أمكن ،وقيل هو جممل لرتدده بني اجملاز
الشرعي واملسمى اللغوي ،وقيل حيمل على اللغوي تقدميا للحقيقة على اجملاز ،والرتجيح من زياديت ،وهو ما اختاره يف شرح املختصر
بتجوز بأن
كغريه مثاله خرب الرتمذي وغريه «الطواف بالبيت صالة إال أن اهلل أحل فيه الكالم» تعذر فيه مسمى الصالة شرعا فريد إليه ّ
يقال كالصالة يف اعتبار الطهر والنية وحنومها ،وقيل حيمل على املسمى اللغوي وهو الدعاء خبري الشتمال الطواف عليه فال يعترب فيه ما
لرتد ده بني األمرين( .و) األصح (أن اللفظ املستعمل ملعىن تارة وملعنيني ليس ذلك املعىن أحدمها) تارة أخرى على
ذكر ،وقيل جممل ّ
السواء وقد أطلق (جممل) لرتدده بني املعىن واملعنيني ،وقيل يرتجح املعنيان ألنه أكثر فائدة( .فإن كان) ذلك املعىن (أحدمها عمل به)
جزما لوجوده يف االستعمالني (ووقف اآلخر) للرتدد فيه ،وقيل يعمل به أيضا
ألنه أكثر فائدة مثال األول خرب مسلم «ال ينكح احملرم وال ينكح» بناء على أن النكاح مشرتك بني العقد والوطء ،فإنه إن محل على
الوطء استفيد منه معىن واحد ،وهو أن احملرم ال يطء وال يوطىء أي ال ميكن غريه من وطئه أو على العقد استفيد منه معنيان بينهما
قدر مشرتك ،ومها أن احملرم ال يعقد لنفسه وال يعقد لغريه ،ومثال الثاين خرب مسلمـ «الثيب أحق بنفسها من وليها» أي بأن تعقد لنفسها
أو بأن تعقد كذلك أو تأذن لوليها فيعقد هلا وال جيربها ،وقد قال تعقد لنفسها أبو حنيفة ،وكذا بعض أصحابنا ،لكن إذا كان يف مكان
ويل فيه وال حاكم.
ال ّ
( )1/77
البيان
مبعىن التبيني لغة اإلظهار أو الفصلـ واصطالحا( .إخراج الشيء من حيز االشكال إىل حيز التجلي) أي اإليضاح ،فاإلتيان بالظاهر من
غري سبق إشكال ال يسمى بيانا اصطالحا( .وإمنا جيب) البيان (ملن أريد فهمه) املشكل حلاجته إليه بأن يعمل به أو يفىت به خبالف غريه.
أدل حكما ملا يأيت ،وقيل ال
(واألصح أنه) أي البيان قد (يكون بالفعل) كالقول بل أوىل ،ألنه أدل بيانا ملشاهدته ،وإن كان القول ّ
لطول زمنه فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع .قلنا ال نسلم امتناعه والبيان بالقول كقوله تعاىل {صفراء فاقع لوهنا}
بيان لقوله بقرة وبالفعل كخرب «صلوا كما رأيتموين أصلي» .ففعله بيان لقوله تعاىل {أقيموا الصالة} وقوله صلوا اخل .ليس بيانا ،وإمنا
دل على أن الفعلـ بيان ومن الفعل التقرير واإلشارة والكتابة ،وقد قال صاحب الواضح من احلنفية يف األخريين ال أعلم خالفا يف أن
البيان يقع هبما( .و) األصح أن (املظنون يبني املعلوم) .وقيل ال ألنه دونه فكيف يبينه .قلنا لوضوحه( .و) األصح أن (املتقدم) وإن
جهلنا عينه( .من القول والفعل هو البيان) أي املبني واآلخر تأكيد له وإن كان دونه ّقوة ،وقيل إن كان كذلك فهو البيان ،ألن الشيء
ال يؤكد مبا هو دونه .قلنا هذا يف التأكيد بغري املستقل أما باملستقل فال ،أال ترى أن اجلملة تؤكد جبملة دوهنا( .هذا إن اتفقا) أي القول
والفعل يف البيان كأن طاف صلى اهلل عليه وسلّم بعد نزول آية احلج املشتملة على الطواف طوافا واحدا أو أمر بطواف واحد( .وإال)
بأن زاد الفعل على مقتضى القول ،كأن طاف صلى اهلل عليه وسلّم بعد نزول آية احلج طوافني ،وأمر بواحد ،أو بأن نقص الفعلـ عن
مقتضى القول كأن طاف واحدا وأمر باثنني( .فالقول) أي فالبيان القول ألنه يدل عليه بنفسه والفعلـ يدل عليه بواسطة القول (وفعله
مندوب أو واجب) يف حقه دون أمته وإن زاد على مقتضى قوله (أو ختفيف)يف حقه أن نقص عنه سواء أكان القول
متقدما على الفعلـ أو متأخرا عنه مجعا بني الدليلني ،وقيل البيان املتقدم منهما كما لو اتفقا ،فإن كان املتقدم القول فحكم الفعلـ ما مر
أو الفعل ،فالقول ناسخ للزائد منه وطالب ملا زاده عليه .قلت عدم النسخ مبا قلناه أوىل ،والقول أقوى داللة وذكر التخفيف من زياديت.
( )1/78
اجملوزين
(مسألة تأخري البيان) جململ أو ظاهر مل يرد ظاهره بقرينة ما يأيت( .عن وقت الفعلـ غري واقع وإن جاز) وقوعه عند أئمتنا ّ
األصح سواء أكان للمبني) ببنائه للمفعول.
ّ تكليف ما ال يطاق( .و) تأخريه عن وقت اخلطاب (إىل وقته) أي الفعلـ جائز (واقع يف
ودال على حكم يبني نسخه أم ال .وهو اجململ املشرتك يبني أحد معنييه (ظاهر) وهو غري اجململ كعام يبني ختصيصه ومطلق يبني مقيده ّ
مثالً ومتواطىء يبني أحد ما صدقاته مثالً ،وقيل ميتنع تأخريه مطلقا إلخالله بفهم املراد عند اخلطاب ،وقيل ميتنع فيما له ظاهر إليقاعه
املخاطب يف فهم غري املراد خبالفه يف اجململ ،وقيل ميتنع تأخري البيان اإلمجايل دون التفصيلي فيما هو ظاهر مثل هذا العام خمصوص،
وهذا املطلق مقيد ،وهذا احلكم منسوخ لوجود احملذور قبله خبالف اجململ ،فيجوز تأخري بيانه اإلمجايل كالتفصيلي ،وقيل غري ذلك.
ومما يدل على الوقوع آية {واعلموا أمنا غنمتم من شيء} فإهنا عامة فيما يغنم خمصوصة عموما خبرب الصحيحني «من قتل قتيالً له عليه
بينة فله سلبه» .وبال عموم خبربمها أنه صلى اهلل عليه وسلّم قضى بسلبـ أيب جهل ملعاذ بن عمرو بن اجلموح ،وآية {إن اهلل يأمركم أن
تذحبوا بقرة} فإهنا مطلقةـ مث بني تقييدها مبا يف أجوبة أسئلتهم( .و) جيوز (للرسول) صلى اهلل عليه وسلّم (تأخري التبليغ) ملا أوحي إليه
من قرآن أو غريه( .إىل الوقت) أي وقت العملـ ولو على القول بامتناع تأخري البيان عن وقت اخلطاب النتفاء احملذور السابق عنه،
وألن وجوب معرفته إمنا هو للعملـ وال حاجة له قبل العمل ،وقيل ال جيوز على القول بذلك لقوله تعاىل {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل
إليك} أي فورا ألن وجوب التبليغ معلومـ بالعقل فال فائدة لألمر به إىل إال الفور .قلنا ال نسلم أن وجوبه معلوم بالعقلـ بل بالشرع ولو
سلم .قلنا ففائدته تأيد العقلـ بالنقل( .وجيوز أن ال يعلم) املكلف (املوجود) عند وجود املخصص (باملخصص) بكسر الصاد( .وال بأنه
خمصص) أي جيوز أن ال يعلم قبل وقت العمل بذات املخصص وال بوصف أنه خمصص مع علمه بذاته كأن يكون املخصص العقلـ بأن
ال يسبب اهلل العلم بذلك( .ولو على املنع) أي على القول بامتناع تأخري البيان ،وقيل ال جيوز على القول بذلك يف املخصص السمعي
ملا فيه من تأخري إعالمه بالبيان .قلنا احملذور إمنا هو تأخري البيان وهو منتف هنا وعدم علم املكلف باملخصص بأن مل يبحث عنه تقصري
منه ،أما العقليـ فاتفقوا على جواز أن يسمع اهلل املكلف العام من غري أن يعلمه بذات العقلـ بأن فقد ما خيصصه وكوال إىل نظره ،وقد
النيب صلى اهلل عليه وسلّم طلبت مرياثها مما تركه
وقع أن بعض الصحابة مل يسمع املخصص السمعي إال بعد حني منهم فاطمة بنت ّ
أبوها لعموم قوله تعاىل {يوصيكم اهلل يف أوالدكم} فاحتج عليها أبو بكر رضي اهلل عنه مبا رواه هلا من خرب الصحيحني «ال نورث ما
تركناه صدقة» .ومبا تقرر علم أن قويل ولو على املنع راجع إىل املسألتني.
( )1/79
النسخ
الظل أي أزالته والنقل مع بقاء األول كنسخت الكتاب أي نقلته واصطالحا( .رفع) تعلق (حكم شرعي) لغة اإلزالة كنسخت الشمس ّ
بفعل (بدليل شرعي) ،والقول بأنه بيان النتهاء أمد حكم شرعي يرجع إىل ذلك فال خالف يف املعىن ،وإن فرق بينهما بأنه يف األول
زال به ،ويف الثاين زال عنده وما فرق به من أن األول يشمل النسخ قبل التمكن دون الثاين مردود كما بينته مع زيادة يف احلاشية .قال
الربماوي فإن قلت سيأيت أن من أقسامـ النسخ ما ينسخ لفظه دون حكمه وال رفع فيه حلكم .قلت رفع اللفظ يتضمن رفع أحكام كثرية
ومس احملدث ومحله له وغري ذلك ،وخرج بالشرعي أي كتعبد بتالوته وإجراء حكم القرآن عليه من منع اجلنب وحنوه من قراءتهّ ،
املأخوذ من الشرع رفع الرباءة األصلية أي املأخوذة من العقل ،وبدليل شرعي الرفع باملوت واجلنون والغفلة والعقل واإلمجاع ،ألنه إمنا
النيب صلى اهلل عليه وسلّم كما سيأيت .وخمالفة اجملمعني للنص تتضمن ناسخا له وهو مستند إمجاعهم ،وأما جعل اإلمام ينعقد بعد وفاة ّ
صرح التفتازاين
الرازي رفع غسل الرجلني بالعقلـ عن قطعهما نسخا فتسمح وتعبريي بذلك يشمل الكتاب والسنة قوالً وفعالً ،وبه ّ
فهو أوىل من قول األصل خبطاب لقصوره على القول ،ومشل التعريف اإلباحة األصلية ،فإهنا عندنا ثابتة بالشرع فرفعها يكون نسخا
كما ذكره التفتازاين.
( وجيوز يف األصح نسخ بعض القرآن) تالوة وحكما أو أحدمها دون اآلخر والثالثة واقعة .روى مسلم عن عائشة رضي اهلل عنها «كان
فيما أنزل عشر رضعات معلوماتـ فنسخنـ خبمس معلومات» .فهذا منسوخ التالوة واحلكم .وروى الشافعي وغريه عن عمر رضي اهلل
عنه «لوال أن تقول الناس زاد عمر يف كتاب اهلل لكتبتها الشيخ والشيخة» .أي احملصنان« .إذا زنيا فارمجومها ألبتة فإنا قد قرأناها».
فهذا منسوخ التالوة دون احلكم ألمره صلى اهلل عليه وسلّم برجم احملصن رواه الشيخان .وعكسه كثري كقوله تعاىل {والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجا وصية} إىل آخره نسخ قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يرتبصن} إىل آخره لتأخره يف النزول عن
األول وإن تقدمه يف التالوة ،وقيل ال جيوز نسخ بعضه كما ال جيوز نسخ كله وقيل ال جيوز نسخ التالوة دون احلكم وعكسه ،ألن
احلكم مدلول اللفظ ،فإذا ق ّد ر انتفاء أحدمها لزم انتفاء اآلخر ،قلنا إمنا يلزم إذا روعي وصف الداللة وما حنن فيه مل يراع فيه ذلك.
(و) جيوز يف األصح نسخ (الفعلـ قبل التمكن) منه بأن مل يدخل وقته أو دخل ومل ميض منه ما يسعه ،وقيل ال لعدم استقرار التكليف،
قلنا يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به ،وقد وقع ذلك يف قصة الذبيح فإن اخلليل أمر بذبح ابنه عليهما الصالة والسالم لقوله
بين إين أرى يف املنام أين أذحبك} إىل آخره مث نسخ ذحبه قبل التمكن منه بقوله {وفديناه بذبح عظيم} واحتمال تعاىل حكاية عنه {يا ّ
كونه بعد التمكن خالف الظاهر من حال األنبياء يف امتثال األمر من مبادرهتم إىل فعل املأمور به.
{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىلّ (و) جيوز يف األصح (نسخ السنة بالقرآن) كنسخ خترمي مباشرة الصائم أهله ليالً بالسنة بقوله تعاىل
نسائكم} وقيل ال جيوز نسخها به لقوله تعاىل {وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للقرآن فال يكون القرآن مبينا
لسنته .قلنا ال مانع ألهنما من عند اهلل قال تعاىل {وما ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي يوحى} ويدل للجواز قوله تعاىل {ونزلنا عليك
مر التمثيل له باييت ع ّدة الوفاة وتعبريي بذلك أوىل مما عرب الكتاب تبيانا لكل شيء} (كهو) أي كما جيوز نسخ القرآن (به) جزما كما ّ
جوز نسخ بعضه( .و) جيوز يف األصح (نسخه) أي القرآن به إليهامه أن اخلالف جار يف النسخ بالقرآن لقرآن ،وليس كذلك عند من ّ
(هبا) أي بالسنة متواترة أو آحادا قال تعاىل {لتبني للناس ما نزل إليهم} وقيل ال جيوز لقوله تعاىل {قل ما يكون يل أن أب ّدله من تلقاء
نفسي} والنسخ بالسنة تبديل من تلقاء نفسه قلنا ممنوع .وما ينطق عن اهلوى ،وقيل ال جيوز نسخ القرآن باآلحاد ألن القرآن مقطوع
واآلحاد مظنون .قلنا حمل النسخ احلكم وداللة للقرآن عليه ظنية( .و) لكن نسخ القرآن بالسنة (مل يقع إال باملتواترة يف األصح) .وقيل
وقع باآلحاد كنسخ خرب الرتمذي وغريه «ال وصية لوارث» آلية {كتب عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية} .قلنا ال
نسلم عدم تواتر ذلك وحنوه للمجتهدين احلاكمني بالنسخ لقرهبم من زمن الوحي وسكت كاألصل عن نسخ السنة هبا للعلمـ به من
مر من نسخ القرآن نسخ القرآن به ،فيجوز نسخ املتواترة مبثلها واآلحاد مبثلها وباملتواترة ،وكذا املتواترة باآلحاد على األصح كما ّ
باآلحاد( .وحيث وقع) نسخ القرآن (بالسنة فمعها قرآن عاضد هلا) على النسخ يبني توافقهما لتقوم احلجة على الناس هبما معا ،ولئال
يتوهم انفراد أحدمها عن اآلخر ،إذ كل منهما من عند اهلل( .أو نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة) ب>1عاضدة له تبني توافقهما ملا
---
( )1/80
{فول وجهك شطر املسجد احلرام} مر ،كما يف نسخ التوجه يف الصالة إىل بيت املقدس الثابت بفعله صلى اهلل عليه وسلّم بقوله تعاىل ّ ّ
وقد فعله صلى اهلل عليه وسلّم.
( و) جيوز يف األصح (نسخ القياس) املوجود (يف زمن النيب) صلى اهلل عليه وسلّم (بنص أو قياس أجلي) من القياس املنسوخ به ،فاألول
الرب حرام ألنه مطعوم» .فيقاس به األرز ،مث يقول «بيعوا األرز باألرز متفاضالً» .والثاين
كأن يقول صلى اهلل عليه وسلّم «الفاضلة يف ّ
كأن يأيت بعد القياس املذكور نص جبواز بيع الذرة بالذرة متفاضالً فيقاس به بيع األرز باألرز متفاضالً ،وقيل ال جيوز نسخه ألنه مستند
إىل نص
فيدوم بدوامه .قلنا ال نسلم لزوم دوامه كما ال يلزم دوام حكم النص بأن ينسخ وخرج باألجلي غريه ،فال يكفي األدون النتفاء
املقاومة وال الساري النتفاء املرجح ،وقيل يكفيان كاألجلي.
( و) جيوز يف األصح (نسخ الفحوى) أي مفهوم املوافقة بقسميه األوىل واملساوي (دون أصله) أي املنطوق بقيد زدته بقويل (إن تعرض
لبقائه) أي بقاء أصله (وعكسه) أي أصل الفحوى دونه إن تعرض لبقائه ألهنما مدلوالن متغايران فجاز فيهما ذلك كنسخ حترمي
الضرب دون حترمي التأفيف والعكس ،وقيل ال فيهما ألن الفحوى الزم ألصله فال ينسخ أحدمها دون اآلخر ملنافاة ذلك اللزوم بينهما،
وقيل ميتنع األول المتناع بقاء امللزوم مع نفي الالزم خبالف الثاين جلواز بقاء الالزم مع نفي امللزوم ،أما نسخهما معا فيجوز اتفاقا ،فإن
مل يتعرض للبقاء فعن األكثر االمتناع بناء على أن نسخ كل منهما يستلزم نسخ اآلخر ،ألن الفحوى الزم ألصله وتابع له ،ورفع الالزم
يستلزم رفع امللزوم ،ورفع املتبوع يستلزم رفع التابع ،وقيل ال يستلزم نسخ كل منهما ذلك ،ألن رفع التابع ال يستلزم رفع امللزوم،
ورفع املتبوع ال يستلزم رفع الالزم ،وقيل نسخ الفحوى ال يستلزم خبالف عكسه ،وقيل عكسه ملا عرف مما قبلهما وتعبريي مبا ذكر
أوىل مما عرب به إليهامه التنايف ،وقد أوضحت لك مع اجلواب عنه يف احلاشية.
( و) جيوز يف األصح (النسخ به) أي بالفحوى كأصله ،وقيل ال بناء على أنه قياس وأن القياس ال يكون ناسخا ،وذكر اخلالف يف هذه
من زياديت( .ال نسخ النص بالقياس) فال جيوز يف األصح حذرا من تقدمي القياس على النص الذي هو أصل له يف اجلملة ،وعلى هذا
النص .وقال القاضي حسني إنه املذهب ،وقيل وصححه األصل جيوز الستناده إىل مجهور أصحابنا .ونقله أبو إسحاق املروزي عن ّ
اجللي دون اخلفي ،وقيل غري ذلك.
النص ،فكأنه الناسخ ،وقيل جيوز بالقياس ّ
( وجيوز نسخ) مفهوم (املخالفة دون أصلها) كنسخ مفهوم خرب «إمنا املاء من املاء» خبرب «إذا التقى اخلتانان فقد وجب الغسل» (ال
عكسه) أي ال نسخ األصل دوهنا ،فال جيوز يف األصح ألهنا تابعة له فرتتفع بارتفاعه وال يرتفع هو بارتفاعها ،وقيل جيوز وتبعيتها له من
حيث داللة اللفظ عليها معه ال من حيث ذاته أما نسخهما معا فجائز اتفاقا ،كنسخ وجوب الزكاة يف السائمة ونفيه يف املعلوفة،
ويرجع األمر فيها إىل ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام بعد الشرع من
( )1/81
مر يف مسألة إذا نسخ الوجوب بقي اجلواز( .وال) جيوز حترمي الفعل إن كان مضرة ،أو إباحته إن كان منفعة ،ويرجع يف السائمة إىل ما ّ
(النسخ هبا) أي باملخالفة (يف األصح) لضعفها عن مقاومة النص ،وقيل جيوز كاملنطوق وذكر اخلالف يف هذه من زياديت( .وجيوز نسخ
اإلنشاء) الذي الكالم فيه( .ولو) كان (بلفظ قضاء) .وقيل ال بناء على أن القضاء إمنا يستعمل فيما ال يتغري حنو {وقضى ربك أال
بأنفسهن ثالثة قروء} أي ليرتبصن نظرا للمعىن وقيل ال جيوز نظرا
ّ تعبدوا إال إياه} أي أمر( .أو بصيغة خرب) حنو {واملطلقات يرتبصن
للفظ( .أو قيد بتأبيد أو حنوه) كصوموا أبدا صوموا حتما صوموا دائما ،الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء ،وقيل ال ملنافاة النسخ
التقييد بذلك .قلنا ال نسلم ويتبني بورود الناسخ أن املراد افعلوا إىل وجوده كما يقال الزم غرميك أبدا أي إىل أن يعطي احلق.
( و) جيوز نسخ إجياب (االخبار بشيء ولو مما ال يتغري بإجياب االخبار بنقيضه) كأن يوجب االخبار بقيام زيد مث بعدم قيامه قبل االخبار
بقيامه جلواز أن يتغري حاله من القيام إىل عدمه ،ومنعت املعتزلة ذلك فيما ال يتغري كحدوث العامل ألنه تكليف بالكذب فينزه الباري
عنه لقوهلم بالتقبيح العقلي .قلنا ال نقول به وقد يدعو إىل الكذب غرض صحيح فال يكون التكليف به قبيحا بل حسنا ،كما لو طالبه
ظامل بوديعة عنده أو مبظلوم خبأه عنده فيجب عليه إنكاره ،وجيوز له احللف عنه ويكفر عن ميينه ،ولو أكره على الكذب وجب،
واإلشارة إىل هذا اخلالف بقويل ولو مما ال يتغري من زياديت( .ال) نسخ (اخلرب) أي مدلوله فال جيوز (وإن كان مما يتغري) ألنه يوهم
الكذب حيث خيرب بالشيء مث بنقيضه ،وذلك حمال على اهلل تعاىل ،وقيل جيوز يف املتغري إن كان خربا عن مستقبل بناء على القول بأن
الكذب ال يكون يف املستقبل جلواز احملو هلل فيما يق ّد ره .قال اهلل تعاىل {ميحو اهلل ما يشاء ويثبت} واالخبار يتبعه خبالف اخلرب عن
ماض ،وقيل جيوز فيه عن املاضي أيضا جلواز أن يقول اهلل لبث نوح يف قومه ألف سنة ،مث يقول لبث ألف سنة إال مخسني عاما ،وإىل
اخلالف أشرت بقويل وإن إىل آخره.
(وجيوز عندنا النسخ ببدل أثقل) كما جيوز مبسا ٍو وبأخف .وقال بعض املعتزلة ال إذ ال مصلحة يف االنتقال من سهل إىل عسر .قلنا ال
نسلم ذلك بعد تسليم رعاية املصلحة وقد وقع كنسخ وجوب الكف عن الكفار الثابت بقوله تعاىل {ودع أذاهم} بقوله اقتلوا
املشركني( .و) جيوز عندنا النسخ (بال بدل) وقال بعض املعتزلة ال إذ ال مصلحةـ يف ذلك .قلنا ال نسلم ذلك بعدما ذكر( .و) لكنه (مل
يقع يف األصح) وقيل وقع كنسخ وجوب تقدمي الصدقة على مناجاة النيب الثابت بقوله {إذا ناجيتم الرسول} اآلية .إذ ال بدل لوجوبه
فريجع األمر إىل ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من حترمي الفعلـ إن كان مضرة أو إباحته إن كان منفعة .قلنا ال نسلم أنه ال بدل
للوجوب بل بدله اجلواز الصادق هنا باإلباحة أو الندب وقويل عندنا من زياديت.
---
( )1/82
( مسألة النسخ) جائز( .واقع عند كل املسلمني) .وخالفت اليهود غري العيسوية بعضهم يف اجلواز ،وبعضهم يف الوقوع ،واعرتف هبما
العيسوية وهم أصحاب أيب عيسى األصفهاين املعرتفون ببعثة نبينا عليه الصالة والسالم إىل بين إمساعيل خاصة وهم العرب( .ومساه أبو
مسلم) األصفهاين من املعتزلة (ختصيصا) وإن كان يف الواقع نسخا ألنه قصر للحكم على بعض األزمان فهو ختصيص يف األزمان،
كالتخصيص يف األشخاص حىت قيل إن هذا منه خالف يف وقوع النسخ( .فاخللف) يف نفيه النسخ (لفظي) ألن تسميته له ختصيصا
يتضمن اعرتافه به إذ ال يليق به إنكاره كيف وشريعة نبينا خمالفة يف كثري لشريعة من قبله فعنده ما كان مغبا يف علم اهلل تعاىل ،فهو
فيسو ي بني قوله تعاىل {وأمتوا الصيام إىل الليل} وبني صوموا مطلقا مع علمه تعاىل بأنه
كاملغيا يف اللفظ ،ويسمى الكل ختصيصا ّ
سينزل ال تصوموا ليالً وعند غريه يسمى األول ختصيصا والثاين نسخا( .واملختار أن نسخ حكم أصل ال يبقى معه حكم فرعه) النتفاء
العلة اليت ثبت هبا بانتفاء حكم األصل ،وقالت احلنفية يبقى ألن القياس مظهر له ال مثبت( .و) املختار (أن كل شرعي يقبل النسخ)
فيجوز نسخ كل التكاليف وبعضها حىت وجوب معرفة اهلل تعاىل ،ومنعت املعتزلة والغزايل نسخ كل التكاليف لتوقف العلم به املقصود
منه على معرفة النسخ والناسخ ،وهي من التكاليف ال يتأتى نسخها .قلنا مسلم ذلك لكن حبصوهلا ينتهي التكليف هبا فيصدق أنه مل
يبق تكليف فال خالف يف املعىن ،ومنعت املعتزلة أيضا نسخ وجوب معرفة اهلل تعاىل ،ألهنا عندهم حسنة لذاهتا ال تتغري بتغري الزمان فال
يقبل حكمها النسخ .قلنا احلسن الذايت باطل كما مر.
(ومل يقع نسخ كل التكاليف ووجوب املعرفة) أي معرفة اهلل تعاىل( .إمجاعا) فعلمـ أن اخلالف السابق إمنا هو يف اجلواز أي العقلي (و)
املختار (أن الناسخ قبل تبليغ النيب) صلى اهلل عليه وسلّم( .األمة) له وبعد بلوغه جلربيل (ال يثبت) حكمه (يف حقهم) لعدم علمهم به،
وقيل يثبت مبعىن استقراره يف الذمة ال مبعىن االمتثال كما يف النائم ،أما بعد التبليغ فيثبت يف حق من بلغه وكذا من مل يبلغه إن متكن من
علمه ،وإال فعلى اخلالف( .و) املختار وهو ما عليه اجلمهور (أن زيادة جزء أو شرط أو صفة على النص) كزيادة ركعة أو ركوع أو
غسلـ ساق أو عضد يف الوضوء أو إميان يف رقبة الكفارة أو جلدات يف جلد ح ّد( .ليست بنسخ) للمزيد عليه ،وقالت احلنفية إهنا نسخ
ومثار اخلالف أهنا هل رفعت حكما شرعيا ،فعندنا ال ،وعندهم نعم .نظرا إىل أن األمر مبا دوهنا اقتضى تركها فهي رافعة لذلك
املقتضى .قلنا ال نسلم اقتضاء تركها بل املقتضى له غريه ،وبنوا على ذلك أنه ال يعمل بأخبار اآلحاد يف زيادهتا على القرآن كزيادة
التغريب على اجللد الثابتة خبرب الصحيحني «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» بناء على أن املتواتر ال ينسخ باآلحاد( .وكذا نقصه)
أي نقص جزء أو شرط أو صفة من مقتضى النص كنقص ركعة أو وضوء أو اإلميان يف رقبة الكفارة ،فقيل إنه نسخ هلا إىل الناقص
جلوازه أو وجوبه بعد حترميه .وقال اجلمهور ال .والنسخ إمنا هو للجزء أو الشرط أو الصفة فقط ،ألنه الذي يرتك وقبل نقص اجلزء نسخ
خبالف نقص الشرط والصفة والتصريح بذكرها من زياديت ،ومبا تقرر علم أنه ال فرق يف ذلك بني العبادة وغريها ،وخرج بزياديت أوالً
اجلزء والشرط والصفة غريها كعبادة مستقلة ،سواء أكانت جمانسة كصالة سادسة أمال .كزيادة الزكاة على الصالة فليست نسخا يف
الثانية إمجاعا وال يف األوىل عند اجلمهور.
---
( )1/83
( خامتة) للنسخ يعلم هبا الناسخ من املنسوخ (يتعني الناسخ) لشيء (بتأخره) عنه (ويعلم) تأخره (باإلمجاع) على أنه متأخر عنه أو أنه
ناسخ له (وقول النيب) صلى اهلل عليه وسلّم (هذا ناسخ) لذاك (أو) هذا ( بعد ذاك) أو سابق عليه (أو كنت هنيتـ)ـكم (عن كذا فافعلوه
أو نصه على خالف النص األول) أي أن يذكر الشيء على خالف ما ذكره فيه ّأوالً (أو قول الراوي هذا متأخر) عن ذاك أو سابق
عليه ،وهو الذي ذكره األصل ،فيكون ذاك فيه متأخرا (ال مبوافقة أحد النصني لألصل) أي الرباءة األصلية فال يعلم التأخر هبا يف
األصح ،وقيل يعلم ألن األصل خمالفة الشرع هلا ،فيكون املخالف سابقا على املوافق .قلنا مسلم لكنه ليس بالزم جلواز العكس (و) ال
(ثبوت إحدى آيتني يف املصحف) بعد األخرى ،فال يعلم التأخرية يف األصح ،وقيل يعلم ألن األصل موافقة الوضع للنزول .قلنا لكنه
غري الزم جلواز املخالفة كما مر يف آييت عدة الوفاة( .و) ال (تأخر إسالم الراوي) ملرويه عن إسالم الراوي لآلخر فال يعلم التأخر به يف
األصح ،جلواز أن يسمع متق ّد م اإلسالم بعد متأخره ،وقيل يعلم ألنه الظاهر .قلنا لكنه بتقدير تسليمه غري الزم جلواز العكس كما مر.
(و) ال (قوله) أي الراوي (هذا ناسخ) فال يكون ناسخا (يف األصح) .وقيل يكون وعليه احمل ّدثون ألنه لعدالته ال يقول ذلك إال إذا ثبت
عنده .قلنا ثبوته عنده جيوز أن يكون باجتهاد ال يوافق عليه( .ال) بقوله هذا (الناسخ) ملا علم أنه منسوخ وجهل ناسخه فيعلم به أنه
ناسخ له لضعف احتمال كونه حينئذ عن اجتهاد.
( )1/84
( )1/85
( وإذا تعارض الفعل والقول) أي ختالفا بتخالف مقتضيهما (ودل دليل على تكرر مقتضاه) أي القول( .فإن اختص) القول (به) صلى
علي صوم عاشوراء يف كل سنة ،وأفطر يف سنة بعد القول أو قبله( .فاملتأخر) من الفعل ،والقول بأن اهلل عليه وسلّم ،كأن قال جيب ّ
علم (ناسخ) للمتقدم منهما يف حقه ،فإن مل يدل دليل على تكرر ما ذكر يف هذا القسم وقسيميه االثنني ،فال نسخ لكن يف تأخر الفعلـ
املستمر ( .فإن جهل) املتأخر منهما( .فالوقف) عن ترجيح أحدمها على اآلخر يف حقه إىل تبني التاريخّ ال يف تقدمه لداللته على اجلواز
(يف األصح) الستوائهما يف احتمال تقدم كل منهما على اآلخر ،وقيل يرجح القول ،وعزى إىل اجلمهور ألنه أقوى داللة من الفعلـ
لوضعه هلا .والفعل إمنا يدل بقرينة ألن له حمامل ،وقيل يرجح الفعل ألنه أقوى بيانا بدليل أنه يبني به القول .قلنا البيان بالقول أكثر،
ولو سلم تساويهما ،لكن البيان بالقول أقوى داللة كما مر ،وألنه ال خيتص باملوجود احملسوس ،وألن داللته متفق عليها خبالف الفعلـ
اختص) القول (بنا) كأن قال جيب ّ يف ذلك( .وال تعارض) يف حقنا حيث دل دليل على تأسينا به يف الفعل لعدم تناول القول لنا( .وإن
مر( .فال تعارض فيه) أي يف حقه صلى اهلل عليه وسلّم بني الفعلـ والقول لعدم تناوله له( .وفينا عليكم صوم عاشوراء إىل آخر ما ّ
دل دليل على تأسينا) به يف الفعلـ (فإن جهل) املتأخر (عمل بالقول يف األصح) وقيل املتأخر) منهما بأن علم (ناسخ) للمتقدم( .إن ّ
مر ،وإمنا اختلف التصحيح يف املسألتني ألنا متعبدون فيما يتعلق بنا بالعلم حبكمه لنعمل به خبالف ما يتعلقـ به،بالفعل ،وقيل الوقف ملا ّ
إذ ال ضرورة إىل الرتجيح فيه ،فإن مل يدل دليل على تأسينا به يف الفعلـ فال تعارض يف حقنا لعدم ثبوت حكم الفعل يف حقنا( .وإن
مر) من أن مر( .فحكمهما) أي الفعلـ والقول( .كما ّ علي وعليكم صوم عاشوراء إىل آخر ما ّ عمنا وعمه) القول كأن قال جيب ّ
املتأخر منهما إن
دل دليل على تأسينا به يف الفعل ،وإال فال تعارض يف حقنا ،وإن جهل املتأخر فاألصح علم ناسخ للمتقدمـ يف حقه ،وكذا يف حقنا إن ّ
يف حقه الوقف ،ويف حقنا تقدم القول( .إال أن يكون) القول (العام ظاهرا فيه) صلى اهلل عليه وسلّم ال نصا ،كأن قال جيب على كل
مر ( .فالفعل خمصص) للقول يف حقه تقدم عليه أو تأخر عنه أو جهل ذلك ،وال نسخ ألن التخصيص مكلف صوم عاشوراء إىل آخر ما ّ
مر آخر التخصيص، أهون منه ملا فيه من إعمال الدليلني خبالف النسخ ،نعم لو تأخر الفعلـ عن العمل مبقتضى القول فهو ناسخ كما ّ
ولو مل يكن القول ظاهرا يف اخلصوص وال يف العموم ،كأن قال صوم عاشوراء واجب يف كل سنة ،فالظاهر أنه كالعام ألن األصل عدم
اخلصوص ،أما تعارض القولني فسيأيت يف التعادل والرتجيح ،وأما الفعالن فال يتعارضان كما جزم به ابن احلاجب وغريه جلاز أن يكون
الفعلـ يف ووقت واجبا ويف آخر خبالفه ،ألن األفعالـ ال عموم هلا.
( )1/86
الكالم يف األخبار
بفتح اهلمزة مجع خرب وهو يطلق على صيغته وعلى معناها ،وهو املعىن القائم بالنفس ،وملا كان اخلرب مما يصدق به املركب بدأت
كاألصل به تكثريا للفائدة فقلتـ (املركب) من اللفظ (إما مهمل) بأن ال يكون له معىن( .وليس موضوعا) اتفاقا( ،وهو موجود يف
األصح) ،كمدلول لفظ اهلذيان فإنه لفظ مركب مهمل كضرب من اهلوس أو غريه مما ال يقصد به الداللة على شيء ،ونفاه اإلمام
الرازي قائالً إن الرتكيب إمنا يصار إليه لإلفادة ،فحيث انتفت انتفى فمرجع خالفه إىل أن مثل ما ذكر ال يسمى مركبا( .أو مستعمل)،
بأن يكون له معىن (واملختار أنه موضوع) أي بالنوع ،وقيل ال .واملوضوع مفرداته واملركب املستعمل املفيد يعرب عنه بالكالم( .والكالم
حارة،
اللساين لفظ تضمن إسنادا مفيدا مقصودا لذاته) فخرجـ اخلط والرمز والعقد واإلشارة والنصب واملفرد كزيد وغري املفيد كالنار ّ
وتكلم رجل ورجل يتكلم ،وغري املقصود كالصادر من نائم ،واملقصود لغريه كصلة املوصول حنو جاء الذي قام أبوه ،فإهنا مفيدة
بالضم إليه مع ما معه مقصودة إليضاح معناه (و) الكالم (النفساين معىن يف النفس) أي قام هبا( .يعرب عنه باللساين) أي مبا صدقاته،
وهذا من زياديت( .واألصح عندنا أنه) أي الكالم (مشرتك) بني اللساين والنفساين ،ألن األصل يف اإلطالق احلقيقة .قال اإلمام الرازي
وعليه احملققون منا .وقيل إنه حقيقة يف النفساين جماز يف اللساين ،واختاره األصل قال األخطل
إ ّن الكالم لفي الفؤاد وإمنا
جعل اللسان على الفؤاد دليال
وقالت املعتزلة إنه حقيقة يف اللساين لتبادره إىل األذهان دون النفساين الذي أثبته األشاعرة دون املعتزلة .وجياب عما قاله األخطل بأن
مراده الكالم األصلي ،فالكالم اللساين ليس أصليا ،وإن كان حقيقة ،ودليالً على األصل ،وعما قاله املعتزلة بأن تبادر الشيء وإن كان
عالمة للحقيقة ال مبنع كون ما انتفى فيه التبادر حقيقة أيضا ،ألن العالمة ال يشرتط فيها االنعكاس ،والنفساين منسوب إىل النفس
بزيادة ألف ونون للداللة على العظمة ،كما يف قوهلم شعراين لعظيم الشعر.
( واألصويل إمنا يتكلم فيه) أي يف اللساين ألن حبثه فيه ال يف املعىن النفسي( .فإن أفاد) أي ما صدق اللساين (بالوضع طلبا فطلبـ ذكر
املاهية) أي فاللفظ املفيد لطلبـ ذكرها أي ذاتا أو صفة( .استفهام) حنو ما هذا ومن ذا أزيد أم عمرو( .و) طلب (حتصيلها أو حتصيل
الكف عنها) أي اللفظ املفيد لذلك( .أمر وهني) حنو قم وال تقم (ولو) كان حتصيل ذلك طلب (من ملتمس) أي مسا ٍو ملطلوب منه
رتبة( .وسائل)أي دون املطلوب منه رتبة فإن اللفظ املفيد لذلك منهما يسمى أمرا وهنيا ،وقيل ال بل يسمى من األول التماسا ،ومن
الثاين سؤاالً وإىل اخلالف أشرت بقويل ولو إىل آخره( .وإال) أي وإن مل يفد بالوضع طلبا( .فما ال حيتمل) منه (صدقا وكذبا) يف
لعل اهلل يعفو عين أم مل
مدلوله (تنبيه وإنشاء) أي يسمى بكل منهما سواء أفاد طلبا بالالزم كالتمين والرتجي حنو ليت الشباب يعود ّ
يفد طلبا حنو أنت طالق( .وحمتملهما) أي الصدق والكذب من حيث هو (خرب) .وقد يقطع بصدقه أو كذبه ألمور خارجة عنه كما
سيأيت ،وأىب قوم كما قاله األصل تعريف اخلرب كما أبوا تعريف العلم والوجود والعدم .قيل ألن كالً منها ضروري فال حاجة إىل
تعريفه ،وقيل لعسر تعريفه( .وقد يقال) هو للبيانيني( .اإلنشاء ما) أي كالم (حيصل به مدلوله يف اخلارج) كأنت طالق .وقم وال تقم،
فإن مدلوهلا من إيقاع الطالق وطلب القيام وعدمه حيصل به ال بغريه ،فاإلنشاء هبذا املعىن أعم منه باملعىن األول لشموله الطلبـ بأقسامه
السابقة خبالفه باملعىن األول ،فإنه قسيم للطلب بالوضع وللخرب فال يشمل االستفهام واألمر والنهي( .واخلرب خالفه) أي ما حيصل بغريه
مدلوله يف اخلارج بأن يكون له خارج صدق أو كذب حنو قام زيد فإن مدلوله أي مضمونه من قيام زيد حيصل بغريه ،وهو حمتمل ألن
يكون واقعا يف اخلارج فيكون هو صدقا وغري واقع فيكون هو كذبا( .وال خمرج له) أي للخرب من حيث مضمونه (عن الصدق
والكذب ألنه إما مطابق للخارج).
فالصدق (أوالً) فالكذب (فال واسطة) بينهما (يف األصح) وقيل هبا .ويف القول هبا أقوال منها قول عمرو بن حبر اجلاحظ اخلرب إن طابق
اخلارج مع اعتقاد املخرب املطابقة فصدق أو مل يطابقه مع اعتقاد عدمها فكذب ،وما سوامها واسطة بينهما وهو أربعة أن ينتفي اعتقاده
املطابقة يف املطابق بأن يعتقد عدمها أو مل يعتقد شيئا ،وأن ينتفي اعتقاده عدمها يف غري املطابق بأن يعتقدها أو مل يعتقد شيئا.
( )1/87
ورد
( ومدلول اخلرب) يف اإلثبات أي مدلول ما صدقه (ثبوت النسبة) يف اخلارج كقيام زيد يف قام زيد ،وهذا ما رجحه السعد التفتازاين ّ
ما عداه( .إال احلكم هبا) .وقيل هو احلكم هبا ورجحه األصل وفاقا لإلمام الرازي مع خمالفته له يف الكتاب األول ،حيث جعل مث
مدلول اللفظ املعىن اخلارجي دون املعىن الذهين خالفا لإلمام ،إال أن يقال ما ذكر مثّ يف غري لفظ اخلرب وحنوه ويقاس باخلرب يف اإلثبات
اخلرب يف النفي ،فيقال مدلوله انتفاء النسبة ال احلكم به ،مث ما ذكر ال ينايف ما حققه احملققون من أن مدلول اخلرب أي ما صدقه هو
الصدق والكذب إمنا هو احتمال عقلي( .ومورد الصدق والكذب) يف اخلرب (النسبة اليت تضمنها فقط) أي دون غريها( .كقيام زيد يف
بنوته لعمرو فيه أيضا إذ مل
بنو ته) لعمرو أيضا ،فمورد الصدق والكذب يف اخلرب املذكور النسبة ،وهي قيام زيد ال ّ قام زيد بن عمرو ال ّ
يقصد به االخبار هبا .فالشهادة بتوكيل فالن بن فالن فالنا شهادة بالتوكيل فقط) أي دون نسب املوكل كما هو قول عندنا وقال به
اإلمام مالك( .و) لكن (الراجح) عندنا أهنا شهادة (بالنسب) للموكل (ضمنا وبالتوكيل أصالً) لتضمن ثبوت التوكيل املقصود لثبوت
نسب املوكل لغيبته عن جملس احلكم.
---
( )1/88
( مسألة اخلرب) بالنظر ألمور خارجة عنه( .إما مقطوع بكذبه) إما (قطعا كاملعلوم خالفه) إما (ضرورة) حنو النقيضان جيتمعان أو
علي
للنيب صلى اهلل عليه وسلّم ألنه روى عنه أنه قال سيكذب ّ
يرتفعان( .أو استدالالً) كقول الفلسفي العامل قدمي وكبعض املنسوب ّ
فإن كان قاله فال ب ّد من وقوعه ،وإال وهو الواقع فإنه غري معروف فقد كذب به عليه ،وهذا املثال جعل فيه األصل خالفا وليس
مبعروف ،بل صرح األسنوي فيه بالقطع.
(وكل خرب) عنه صلى اهلل عليه وسلّم (أوهم باطالً) أي أوقعه يف الوهم أي الذهن( .ومل يقبل تويالً فـ)ـهو إما (موضوع) أي مكذوب
عليه صلى اهلل عليه وسلّم لعصمته كما روي أنه تعاىل خلق نفسه فهو كذب إليهامه باطالً وهو حدوثه ،وقد دل العقلـ القاطع على أنه
تعاىل منزه عن احلدوث( .أو نقص منه) من جهة راويه (ما يزيل الوهم) احلاصل بالنقصان منه كما يف خرب الصحيحني عن ابن عمر
قال صلى بنا النيب صلى اهلل عليه وسلّم صالة العشاء يف آخر حياته ،فلما سلم قام فقال «أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها
ال يبقى ممن هو اليوم على ظهر األرض أحد» .قال ابن عمر فوهل الناس يف مقالته أي غلطوا يف فهم املراد منها حيث مل يسمعوا لفظة
اليوم ،ويوافقه فيها خرب مسلمـ عن أيب سعيد ال تأيت مائة سنة وعلى األرض نفس منفوسة اليوم» .وقوله منفوسة أي موثوقة احرتز به
عن املالئكة (وسبب وضعه) أي اخلرب (نسيان) من الراوي ملرويه ،فيذكر غريه ظانا أنه مرويه( .أو تنفري) كوضع الزنادقة أخبارا ختالف
العقول تنفريا لعقالء عن شريعته املطهرة ،وقويل أو تنفري أوىل من قوله أو افرتاء ،ألن االفرتاء قسم من الوضع ال سبب له( .أو غلط)
يؤدي معناه أو يروي ما يظنه حديثا( .أو غريها) كما يف وضع يظن أنه ّمن الراوي بأن يسبق لسانه إىل غري مرويه ،أو يضع مكانه ما ّ
بعضهم أخبارا يف الرتغيب يف الطاعة والرتهيب عن املعصية( .أو) مقطوع بكذبه (يف األصح كخرب م ّدعي الرسالة)
أي أنه رسول عن اهلل إىل الناس( .بال معجزة) تبني صدقه (و) ال (تصديق الصادق) له ،ألن الرسالة عن اهلل على خالف العادة والعادة
تقضي بكذب من ي ّدعي ما خيالفها بال دليل ،وقيل ال يقطع بكذبه لتجويز العقلـ صدقه ،أما م ّدعي النبوة أي اإلحياء إليه فقط فال يقطع
بكذبه ،كما قاله إمام احلرمني ،وظاهر أن حمله قبل نزول أنه صلى اهلل عليه وسلّم خامت النبيني ،أما بعده فيقطع بكذبه لقيام الدليل
القاطع على أنه خامت النبيني ،وقويل وتصديق أوىل من قوله أو تصديق إليهامه أنه ال بد مع املعجزة من تصديق نيب له وليس كذلك.
(وخرب نقب) بضم ّأو له وتشديد ثانيه وكسره أي فتش (عنه) يف كتب احلديث (ومل يوجد عند أهله) من الرواة لقضاء العادة بكذب
ناقله ،وقيل ال يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله ،وهذا بعد استقرار األخبار ،أما قبله كما يف عصر الصحابة فألحدهم أن يروي
ما ليس عند غريه كما قاله اإلمام الرازي.
( وما نقل آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله) تواترا ،إما لغرابته كسقوط اخلطيب عن املنرب وقت اخلطبة ،أو لتعلقه بأصل ديين كالنص
على إمامة علي رضي اهلل عنه يف قوله صلى اهلل عليه وسلّم له «أنت اخلليفة من بعدي» فعدم تواتره دليل على عدم صحته .وقالت
الرافضة ال يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه( .وإما) مقطوع (بصدقه كخرب الصادق) أي اهلل تعاىل لتنزهه عن الكذب ورسوله لعصمته
عنه( .وبعض املنسوب للنيب) صلى اهلل عليه وسلّم وإن مل نعلم عينه (واملتواتر) معىن أو لفظا( .وهو) أي املتواتر (خرب مجع ميتنع) عادة
(تواطؤهم) أي توافقهم (على الكذب عن حمسوس) ال عن معقول جلواز الغلط فيه كخرب الفالسفة بقدم العامل ،فإن اتفق اجلمع املذكور
يف اللفظ ،واملعىن فهو لفظي ،وإن اختلفوا فيهما مع وجود معىن كلي فهو معنوي ،كما لو أخرب واحد عن حامت بأنه أعطى دينارا وآخر
بأنه أعطى فرسا وآخر بأنه أعطى بعريا وهكذا .فقد اتفقوا على معىن كلي وهو اإلعطاء .وعن حمسوس متعلق خبرب (وحصول العلم)
من خرب مبضمونه (آية) أي عالمة (اجتماع شرائطه) أي املتواتر يف ذلك اخلرب .أي األمور احملققة له ،وهي كما يؤخذ من تعريفه كونه
خرب مجع ،وكوهنم حبيث ميتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن حمسوس( .وال تكفي األربعة) يف عدد اجلمع املذكور الحتياجهم إىل
التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فال يفيد قوهلم العلم( .واألصح أن ما زاد عليها)(أن العلم فيه) أي يف املتواتر (ضروري) أي حيصل عند
مساعه من غري احتياج إىل نظر حلصوله ملن ال يتأتى منه النظر كالبله والصبيان ،وقيل نظري مبعىن أنه متوقف على مق ّدمات حاصلة عند
السامع ،وهي ما مر من األمور احملققة لكون اخلرب متواترا ال مبعىن االحتياج إىل النظر عقب السماع ،فال خالف يف املعىن يف أنه
ضروري ،إذ توقفه على تلك املق ّدمات ال ينايف كونه ضروريا.
---
( )1/89
( مث إن أخربوا) أي أهل اخلرب املتواتر كلهم (عن حمسوس هلم) بأن كانوا طبقة واحدة (فذاك) أي إخبارهم عن حمسوس هلم واضح يف
حصول التواتر (وإال) أي وإن مل خيربوا كلهم عن حمسوس هلم بأن كانوا طبقات فلم خيرب عن حمسوس إال الطبقة األوىل منهم (كفى)
يف حصول التواتر (ذلك) أي إخبار األوىل عن حمسوس هلا مع كون كل طبقة من غريهامجعا يؤمن تواطؤهم على الكذب كما علم مما
مر ،خبالف ما لو مل يكونوا كذلك فال يفيد خربهم التواتر ،وهبذا بان أن املتواتر يف الطبقة األوىل قد يكون آحادا فيما بعدها كما يف
القراءاتـ الشاذة ،وتعبريي بثم إىل آخره أوىل من تعبريه مبا ذكره ،كما ال خيفى على املتأمل ،وقد أوضحت ذلك يف احلاشية( .و)
األصح (أن علمه) أي املتواتر أي العلم احلاصل منه (لكثرة العدد) يف راويه (متفق) للسامعني له فيجب حصوله لكل منهم( .وللقرائن)
الزائدة على أقل العدد الصاحل له بأن تكون الزمة له من أحواله املتعلقة به أو باملخرب به أو باملخرب عنه( .قد خيتلف) فيحصل لزيد دون
غريه من السامعني ألن القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر ،أما اخلرب املفيد للعلمـ بالقرائن املنفصلة عنه فليس مبتواتر ،وقيل جيب
حصول العلم من املتواتر مطلقا ،ألن القرائن يف مثل ذلك ظاهرة ال ختفى على السامع ،وقيل ال جيب ذلك مطلقا بل قد حيصل لكل
منهم ولبعضهم فقط جلواز أن ال حيصل لبعض بكثرة العدد كالقرائن( .و) األصح (أن اإلمجاع على وفق خرب) ال يدل على صدقه يف
نفس األمر مطلقا الحتمال أن يكون لإلمجاع مستند آخر ،وقيل يدل عليه مطلقا ألن الظاهر استناد اجملمعني إليه لعدم ظهور مستند
غريه ،وقيل يدل إن تلقوه بالقبول بأن تعرضوا لالستناد إليه ،وإال فال يدل جلواز استنادهم إىل غريه( .و) األصح أن (بقاء خرب تتتوفر
الدواعي على إبطاله) بأن مل يبطله ذوو الدواعي مع مساعهم له آحادا ال يدل على صدقه ،وقل يدل عليه لالتفاق على قبوله حينئذ .قلنا
االتفاق على قبوله إمنا يدل
على ظنهم صدقه ،وال يلزم منه صدقه يف نفس األمر مثاله قوله صلى اهلل عليه وسلّم لعلي رضي اهلل عنه «أنت مين مبنزلة هارون من
موسى إال أنه ال نيب بعدي» رواه الشيخان .فإن دواعي بين أمية وقد مسعوه متوفرة على إبطاله لداللته على خالفة علي رضي اهلل عنه
كما قيل كخالفة هارون عن موسى بقوله اخلفين يف قومي وإن مات قبله ،ومل يبطلوه وأجوبة ذلك مذكورة يف كتب أصول الدين.
يدل عليه لالتفاق على قبوله حينئذ .قلنا( و) األصح أن (افرتاق العلماء) يف خرب (بني مؤول) له (وحمتج) به (ال يدل على صدقه) .وقيل ّ
جوابه ما مر آنفا( .و) األصح (أن املخرب) عن حمسوس (حبضرة عدد التواتر ومل يكذبوه وال حامل) هلم (على سكوهتم) عن تكذيبه من
حنو خوف أو طمع يف شيء منه أو عدم علم خبربه صادق فيما أخرب به ،ألن سكوهتم تصديق له عادة فيكون اخلرب صدقا .وقيل ال إذ ال
واألصح أن املخرب عن
ّ يلزم من سكوهتم تصديقه جلواز سكوهتم عن تكذيبه ال لشيء والتصريح بعدد التواتر من زياديت( .أو) أي
النيب ( .وال حامل) له (على سكوته) عن تكذيبه (صادق) فيما حمسوس (مبسمع من النيب صلى اهلل عليه وسلّم) أي مبكان يسمعه منه ّ
أخرب به دينيا كان أو دنيويا ،ألن النيب ال يقر أحدا على كذب ،وقيل ال إذ ال يدل سكوته على صدق املخرب أما يف الدين ،فلجواز أن
يكون النيب بينه أو أخر بيانه مبا خيالف ما أخرب به املخرب .وأما يف الدنيوي ،فلجواز أن ال يكون النيب يعلم حاله كما يف إلقاح النخل،
فمر هبم فقال «ما
مر بقوم يلقحون فقال «لو مل تفعلوا لصلح» .قال فخرج شيصا ّ روى مسلمـ عن أنس أنه صلى اهلل عليه وسلّم ّ
لنخلكم»؟ قالوا قلتـ كذا وكذا .قال «أنتم أعلم بأمر دنياكم» .وقيل صادق يف الدنيوي خبالف الديين ،وقيل عكسه وتوجيههما يعلم
مر .وأجيب يف الديين بأن سبق البيان أو تأخريه ال يبيح السكوت عند وقوع املنكر ملا فيه من إيهام تغري احلكم مما ّ
يف األول ،وتأخري البيان عن وقت احلاجة يف الثاين ،ويف الدنيوي أنه إذا كان كذبا ومل يعلم به النيب يعلمه اهلل به عصمة له عن أن يقر
أحدا على كذب ،أما إذا وجد حامل على ما ذكر كأن كان املخرب ممن يعاند وال ينفع فيه اإلنكار فال يكون صادقا قطعا.
( وأما مظنون الصدق فخرب الواحد وهو ما مل ينته إىل التواتر) سواء أكان راويه واحدا أم أكثر أفاد العلمـ بالقرائن املنفصلة أو ال( .ومنه)
أي خرب الواحد (املستفيض وهو الشائع) بني الناس (عن أصل) خبالف الشائع ال عن أصل (قد يسمى) املستفيض (مشهورا) فهما
مبعىن ،وقيل املشهور مبعىن املتواتر ،وقيل قسم ثالث غري املتواتر واآلحاد ،وعند احمل ّدثني هو أعم من املتواتر( .وأقله) أي املستفيض أي
أقل عدد راويه (اثنان) وهو قول الفقهاء( .وقيل ما زاد على ثالثة) وهو قول األصوليني ،وقيل ثالثة وهو قول احملدثني. ّ
---
( )1/90
(مسألة األصح أن خرب الواحد يفيد العلم بقرينة) كما يف إخبار رجل مبوت ولده املشرف على املوت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن
والنعش ،وال يشرتط يف الواحدة العدالة تعويالً على القرينة ،وقيل ال يفيد العلم مطلقا ،وعليه األكثر .واختاره صاحب األصل يف شرح
املختصر ،وقيل يفيده مطلقا بشرط العدالة ألنه حينئذ جيب العمل به كما سيأيت ،وإمنا جيب العمل مبا يفيد العلم لقوله تعاىل {وال تقف
ما ليس لك به علم}{ ،إن يتبعون إال الظن} هنى عن اتباع غري العلم وذم على اتباع الظن .قلنا ذاك فيما املطلوب فيه العلم من أصول
الدين كوحدانية اهلل تعاىل ملا ثبت من وجود العمل بالظن يف الفروع ،وقيل يفيد علما نظريا إن كان مستفيضا جعله قائله واسطة بني
املتواتر املفيد للعلم الضروري واآلحاد املفيد للظن( .وجيب العمل به) أي خبرب الواحد (يف الفتوى والشهادة) أي ما يفيت به املفيت
األصح) وإن عارضه قياس كاإلخبار ّ ويشهد به الشاهد بشرطه ،ويف معىن الفتوى احلكم (إمجاعا .ويف باقي األمور الدينية والدنيوية يف
بدخول وقت الصالة أو بتنجس املاء وكإخبار طبيب أو غريه مبضرة شيء أو نفعه ،وقيل ميتنع العمل به مطلقاـ ألنه إمنا يفيد الظن ،وقد
هنى عن اتباعه كما مر .قلنا تقدم جوابه آنفا .وقيل ميتنع العمل به يف احلدود ألهنا تدرأ بالشبهة واحتمال الكذب يف اآلحاد شبهة .قلنا
ال نسلم أنه شبهة على أنه موجود يف الشهادة أيضا ،وقيل ميتنع فيما تعم به البلوى أو خالفه راويه أو عارضه قياس ،ومل يكن راويه
فقيها وقيل غري ذلك ،وإذا قلنا بأنه جيب العمل به فيجب( .مسعا) ألنه صلى اهلل عليه وسلّم كان يبعث اآلحاد إىل القبائل والنواحي
لتبليغ األحكام ،فلوال أنه جيب العمل خبربهم مل يكن لبعثهم فائدة( .قيل وعقالً) أيضا .وهو أنه لو مل جيب العمل به لتعطلتـ وقائع
األحكام املروية باآلحاد وال سبيل إىل القول بذلك وترجيح األول من زياديت.
---
( )1/91
( مسألة املختار أن تكذيب األصل الفرع) فيما رواه عنه( .وهو جازم) به .كأن قال رويت هذا عنه .فقال ما رويته له( .ال يسقط
مرويه) عن القبول وقيل يسقطه ،ألن أحدمها كاذب ،وحيتمل أن يكون هو الفرع فال يثبت مرويه ،قلنا حيتمل نسيان األصل له بعد
ترد) ألن كالً منهما يظن أنه صادق
روايته للفرع فال يكون واحد منهما بتكذيب اآلخر له جمروحا( .ألهنما لو اجتمعا يف شهادة مل ّ
والكذب على النيب يف ذلك بتقدير إمنا يسقط العدالة إذا كان عمدا ،وإذا مل يسقط مروي الفرع بتكذيب األصل له فبشكه يف أنه رواه
له أو ظنه أنه ما رواه له أوىل ،وعليه األكثر كما صرح به األصل ،وقيل يسقط به قياسا على نظريه يف شهادة الفرع على شهادة
األصل .قلنا باب الشهادة أضيق إذ يعترب فيه احلرية والذكورة وغريمها ودخل بقيد وهو جازم ما لو جزم األصل بنفي الرواية أو ظنه أو
ظن األصل نفيها أو شك فيه .ومبا تقرر شك فيه ،وخرج به ما لو شك الفرع يف الرواية أو ظنها فيسقط مرويه إال إن ظنها الفرع مع ّ
علم أن صور اجلزم والظن والشك من األصل والفرع تسع ،وأن املروي يسقط يف أربع منها دون البقية( .وزيادة العدل) فيما رواه على
غريه من العدول (مقبولة إن مل يعلم احتاد اجمللس بأن علم تعدده) جلواز أن يكون النيب ذكرها يف جملس وسكت عنها يف آخر ،أو مل
يعلم تعدده وال احتاده ،ألن الغالب يف مثل ذلك التعدد( .وإال) أي وإن علم احتاده (فاملختار املنع) أي منع قبوهلا( .إن كان غريه) أي
بضم الفاء أشهر من فتحها( .مثلهم عن مثلها عادة أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها) وإال قبلت ،وقيل ال غري من زاد (ال يغفل) ّ
تقبل مطلقاـ جلواز خطأ من زاد فيها .وقيل تقبل مطلقا ،وهو ما اشتهر عن الشافعي ،ونقل عن مجهور الفقهاء واحملدثني جلواز غفلة من
مل يزد عنها ،وقيل إن كان غري من زاد ال يغفل مثلهم عن مثلها عادة مل تقبل وإال قبلت ،وقيل بالوقف عن
سرح بنفيها على وجه يقبل) .كأن قال قبوهلا وعدمه( .فإن كان الساكت) عنها فيما إذا علم احتاد اجمللس( .أضبط) ممن ذكرها( .أو ّ
ما مسعتها (تعارضا) أي خرب الزيادة وخرب عدمها خبالف ما إذا نفاها على وجه ال يقبل بأن حمض النفي فقال مل يقلها النيب صلى اهلل
عليه وسلّم ،.فإنه ال أثر لذلك.
( واألصح أنه لو رواها) الراوي (مرة وتركـ)ـها (أخرى أو انفرد) هبا (واحد عن واحد) فيما روياه (قبلت) .وإن علم احتاد اجمللس جلواز
السهو يف الرتك يف األوىل ،وألن مع راويها زيادة علم يف الثانية ،وقيل ال يقبل جلواز اخلطأ فيها يف األوىل وملخالفة رفيقه يف الثانية ،وقيل
بالوقف يف األوىل وقياسه يأيت يف الثانية( .و) األصح (أنه إن غريت) زيادة العدل (إعراب الباقي تعارضا) أي اخلربان الختالف املعىن
حينئذ كما لو روي يف خرب فرض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من متر نصف صاع ،وقيل تقبل الزيادة كما إذا مل
يتغري اإلعراب( .و) األصح (أن حذف بعض اخلرب جائز إال أن يتعلق به الباقي) .فال جيوز حذفه اتفاقا إلخالله باملعىن املقصود كأن
للضم فائدة تفوت
مستقل ،وقيل الحتمال أن يكون ّـ ّ يكون غاية أو مستثىن خبالف ما ال يتعلقـ به الباقي فيجوز حذفه ،ألنه كخرب
بالتفريق مثاله .قوله صلى اهلل عليه وسلّم يف البحر «هو الطهور ماؤه احلل ميتته» .إذ قوله احلل ميتته ال تعلق له مبا قبله( .ولو أسند
مر
وأرسلوا) أي أسند اخلرب إىل النيب واحد ووقف الباقون على الصحايب أو من دونه (فكالزيادة) أي فاإلسناد أو الرفع كالزيادة فيما ّ
من التفصيل واخلالف وغريمها .ومعلومـ أن التفصيل بني ما تتوفر الدواعي على نقله ،وال تتوفر ال ميكن جميئه هنا وتعدد جملس السماع
من الشيخ هنا كتعدد جملس السماع من النيب مثّ (وإذا محل صحايب مرويه على أحد حممليه محل عليه إن تنافيا) كالقرء حيمله على
الطهر أو احليض ،ألن الظاهر أنه إمنا محله
---
( )1/92
عليه لقرينة ،وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشريازي فقال فيه نظر أي الحتمال أن يكون محله ملوافقة رأيه ال لقرينة وخرج بالصحايب
غريه ،وقيل مثله التابعي ،والفرق على األصح أن ظهور القرينة للصحايب أقرب( .وإال) أي وإن مل يتنافيا (فكاملشرتك يف محله على
مر فيحمل املروي على حممليه وال خيتص حبمل الصحايب إال على القول مبنع محل املشرتك على معنييه( .فإن معنييه) وهو األصح كما ّ
محله) أي محل الصحايب مرويه فيما لو تناىف احملمالن (على غري ظاهره) كأن محل اللفظ على معناه اجملازى دون احلقيقي (محل على
ظاهره يف األصح) اعتبارا بالظاهر ،وفيه ويف أمثاله قال الشافعي كيف أترك احلديث بقول من لو عاصرته حلججته ،وقيل حيمل على
محله مطلقا ألنه مل يفعله إال لدليل .قلنا يف ظنه وليس لغريه اتباعه فيه ،وقيل حيمل عليه إن فعله لظنه أنه قصد النيب صلى اهلل عليه وسلّم
من قرينة شاهدها .قلنا ظنه ذلك ليس لغريه اتباعه فيه ألن اجملتهد ال يقلد جمتهدا فإن ذكر دليالً عمل به ،أما إذا مل يتنافيا فظاهر محله
على حقيقته وجمازه بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما.
---
( )1/93
( مسألة ال يقبل) يف الرواية (خمتل) يف عقله كجنون وإن تقطع جنونه وكمفيق من جنونه وأثر يف زمن إفاقته إذ ال ميكنه التحرز عن
اخللل ،وتعبريي مبختل أعم من تعبريه مبجنون( .و) ال (كافر) وإن علم منه التدين والتحرز عن الكذب ،إذ ال وثوق به يف اجلملة مع
صيب ) مييزه (يف األصح) .إذ ال وثوق به ألنه لعلمه بعدم تكليفه قد ال حيرتز عن الكذب ،وقيل يقبل شرف منصب الرواية عنه( .وكذا ّ
إن علم منه التحرز عنه ،أما غري املميز فال يقبل قطعا كاجملنون( .واألصح أنه يقبل صيب) مميز (حتمل فبلغ فأدى) ما حتمله النتفاء احملذور
فأدى أو فاسق فتاب فأدى قبل( .و) األصح السابق ،وقيل ال .إذ الصغر مظنة عدم الضبط ويستمر احملفوظ حباله ،ولو حتمل كافر فسلم ّ
أنه يقبل (مبتدع حيرم الكذب وليس بداعية وال يكفر ببدعته) ألمنه من الكذب مع تأويله يف االبتداع خبالف من ال حيرم الكذب أو
يكون داعية بأن يدعو الناس إىل بدعته أو يكفر ببدعته كمنكر حدوث العامل والبعث ،وعلم اهلل باملعدوم وباجلزئيات فال يقبل واحد
من الثالثة ،وممن رجحه يف الثاين ابن الصالح والنووي .وقال ابن حبان ال أعلم فيه اختالفا وقيل .يقبل ممن حيرم الكذب ،وإن كان
داعية ملا مر وهو الذي رجحه األصل ،ومراده إذا مل يكفر ببدعته ،وقيل يقبل ممن حيرم الكذب وإن كفر ببدعته ،وقيل ال يقبل مطلقاـ
البتداعه املفسق له( .و) األصح أنه يقبل (من ليس فقيها وإن خالف القياس) خالفا للحنفية فيما خيالفه ،ألن خمالفته ترجح احتمال
الكذب .قلنا ال نسلم( .و) األصح أنه يقبل (متساهل يف غري احلديث) بأن يتساهل يف حديث الناس ،ويتحرز يف احلديث النبوي ألمن
جير إىل التساهل فيه( .ويقبل
اخلللـ فيه خبالف املتساهل فيه فريد ،وقيل ال يقبل املتساهل مطلقا ألن التساهل يف غري احلديث النبوي ّ
مكثر) من الرواية (وإن ندرت خمالطته للمحدثني إن أمكن حتصيل ذلك القدر) الكثري الذي رواه (يف ذلك الزمن) الذي خالطهم فيه
فإن مل ميكن مل يقبل يف شيء مما رواه لظهور كذبه يف بعض ال نعلم عينه( .وشرط الراوي العدالة وهي) لغة التوسط وشرعا باملعىن
الشاملـ للمروءة (ملكة) أي هيئة راسخة يف النفس( .متنع اقرتاف) أي ارتكاب (الكبائر وصغائر اخلسة كسرقة لقمة) وتطفيف مترة
(والرذائل املباحة) أي اجلائزة باملعىن األعم أي املأذون يف فعلها ال مبعىن مستوية الطرفني( .كبول بطريق) وهو مكروه واألكل يف السوق
خيل باملروءة .واملعىن مينع اقرتاف كل فرد من أفراد ما ذكر فباقرتاف فرد منه تنتفي العدالة ،أما صغائر غري
لغري سوقي وغريمها .مما ّ
اخلسة ككذبة ال يتعلقـ هبا ضرر ونظرة إىل أجنبية ،فال يشرتط املنع من اقرتاف كل فرد منها .فال تنتفي العدالة باقرتاف شيء منها إال
يصر عليه ومل تغلب طاعاته ،وإذا تقرر أن العدالة شرط يف الرواية( .فال يقبل يف األصح جمهول باطنا وهو املستور ،و) ال (جمهول أن ّ
بظن حصوهلا يف األول
مطلقا) أي باطنا وظاهرا (و) ال (جمهول العني) كأن يقال عن رجل النتفاء حتقق العدالة وقيل يقبلون اكتفاء ّ
للظن باألخريين وحكاية األصل اإلمجاع على عدم قبوهلما مردودة بنقل ابن الصالح وغريه اخلالف فيهما( .فإن وصفه) أي وحتسينا ّ
األخري (حنو الشافعي) من أئمة احلديث الراوي عنه (بالثقة أو بنفي التهمة) كقوله أخربين الثقة أو من ال أهتمه( .قبل يف األصح) .وإن
األو ل رتبة وذلك ألن واصفه من أئمة احلديث ال يصفه بذلك إال وهو كذلك ،وقيل ال يقبل جلواز أن أن يكون فيه كان الثاين دون ّ
جارح ومل يطلع عليه الواصف .قلنا يبعد ذلك جدا مع كون الواصف مثل الشافعي حمتجا به على حكم يف دين اهلل( .كمن أقدم
معذورا) بنحو تأويل أو جهل خال عن التدين بالكذب أو إكراه( .على) فعلـ (مفسقـ مظنون) كشربـ نبيذ (أو مقطوع) كشربـ مخر
فيقبل يف األصح سواء اعتقد اإلباحة أم مل يعتقد شيئا لعذره ،وقيل ال يقبل الرتكابه املفسق ،وإن اعتقد اإلباحة ،وقيل يقبل يف املظنون
دون املقطوع وخرج باملعذور من أقدم
عاملا بالتحرمي باختياره أو متدينا بالكذب فال يقبل قطعا ،ومبا تقرر علم أن قويل معذورا أوىل من قوله جاهالً.
(
( )1/94
واملختار أن الكبرية ما توعد عليه) بنحو غضب أو لعن (خبصوصه) يف الكتاب أو السنة( .غالبا) .وقيل هي ما فيه ح ّد .قال الرافعي
وهم إىل ترجيح هذا أميل وألول ما يوجد ألكثرهم وهو األوفق ملا ذكروه عند تفصيل الكبائر .أي لع ّدهم منها أكل مال اليتيم
والعقوق وغريمها مما ال ح ّد فيه ،وذكر ألصل أن املختار قول إمام احلرمني إهنا كل جرمية تؤذن بقلة اكرتاث مرتكبها بالدين ورقة
الديانة ،وإمنا مل أخرته ألنه يتناول صغائر اخلسة مع أن اإلمام إمنا ضبط به ما يبطل العدالة من املعاصي مطلقا ،ال الكبرية اليت الكالم فيها
والكبائر بعد أكربها وهو الكفر كما هو معلوم( .كقتل) عمدا أو شبهه ظلما (وزنا) بالزاي آلية {والذين ال يدعون مع اهلل إهلا آخر}
(ولواط) ألنه مضيع ملاء النسل بوطئه يف فرج كالزنا( .وشرب مخر) وإن مل يسكر لقلتها وهي املشتد من ماء العنب( .ومسكر) ولو
غري مخر كاملشتد من نقيع الزبيب املسمى بالنبيذ خلرب صحيح ورد فيه ،أما شرب ما ال يسكر لقلته من غري اخلمر فصغرية حكما يف حق
من شربه معتقدا حله لقبول شهادته ،وإال فهو كبرية حقيقة إلجيابه احلد وللتوعد عليه .ويف معىن ذلك ما اختلف يف حترميه من مطبوخ
عصري العنب( .وسرقة) لربع مثقال أو ما قيمته ذلك آلية {والسارق والسارقة} ،أما سرقة ما دون ذلك فصغرية .قال احلليمي إال إن
«م ْن ظلم قيد شرب من األرض كان املسروق منه مسكينا ال غىن به عن ذلك فيكون كبرية( .وغصب) ملال أو حنوه خلرب الصحيحني َ
حمرم بزنا أو لواط آلية {إن طو قه من سبع أرضني» .وقده العبادي وغريه مبا يبلغ قيمته ربع مثقال كما يقطع به يف السرقة( .وقذف) ّ ّ
الذين يرمون احملصنات} ،نعم قال احلليمي قذف صغرية ومملوكة وحرة متهتكة صغرية ألن اإليذاء فيه دونه يف احلرة الكبرية
املسترتة ،أما القذف املباح كقذف الرجل زوجته إذا علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا فليس بكبرية وال صغرية ،وكذا جرح الراوي
والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب( .ومنيمة) وهي نقل كالم بعض الناس إىل بعض على وجه اإلفساد بينهم خلرب الصحيحني «ال
يدخل اجلنة منام» .خبالف نقل الكالم نصيحة للمنقول إليه كما يف قوله تعاىل حكاية {يا موسى إ ّن املأل يأمترون بك ليقتلوك} فإنه
وأقره الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى هبا.
واجب ،أما الغيبة وهي ذكرك إلنسان مبا تكرهه وإن كان فيه فصغريةـ قاله صاحب العدةّ ،
نعم قال القرطيب يف تفسريه إهنا كبرية بال خالف ،ويشملها تعريف األكثر الكبرية مبا توعد عليه خبصوصه قال تعاىل {أحيب أحدكم أن
يأكل حلم أخيه ميتا} قال الزركشي وقد ظفرت بنص الشافعي يف ذلك ،فالقول بأهنا صغرية ضعيف أو باطل .قلت ليس كذلك
إلمكان اجلمع حبمل النص ،وما ذكر على ما إذا أصر على الغيبة أو قرنت مبا يصريها كبرية أو اغتاب عدالً وقد أخرجتها بزياديت غالبا
وتباح الغيبة يف ستة مواضع مذكورة يف حملها ،وقد نظمتها يف بيتني فقلت
تباح غيبة ملستفت ومن
رام إعانة لرفع منكر
ومعرف متظلم متكلم ّ
يف معلن فسقا مع احملذر
---
( )1/95
قل ألنه صلى اهلل عليه وسلّم عدها يف خرب من الكبائر .ويف آخر من أكرب الكبائر روامها الشيخان( .وميني (وشهادة زور) ولو مبا ّ
فاجرة) خلرب الصحيحني «من حلف على مال امرىء مسلم بغري حقه لقي اهلل وهو عليه غضبان» .وخص املسلمـ جريا على الغالب وإال
فالكافر املعصوم كذلك( .وقطيعة رحم) خلرب الصحيحني «ال يدخل اجلنة قاطع» .قال سفيان أي ابن عيينة يف رواية يعين قاطع رحم،
والقطيعة فعيلة من القطع ضد الوصل والرحم القرابة( .وعقوق) للوالدين أو أحدمها ،ألنه صلى اهلل عليه وسلّم ع ّده يف خرب من الكبائر
ويف آخر من أكرب الكبائر روامها الشيخان .وأما خربمها «اخلالة مبنزلة األم» .وخرب البخاري «عم الرجل صنو أبيه» .أي مثله فال يدالّن
على أهنما كالولدين يف العقوق( .وفرار) من الزحف آلية {ومن يوهلم يومئذ دبره} وألنه صلى اهلل عليه وسلّم ع ّده من السبع املوبقات
أي املهلكات .رواه الشيخان .نعم جيب إذا علم أنه إذا ثبت يقتل من غري نكاية يف العدو النتفاء إعزاز الدين بثباته( .ومال يتيم) أي
أخذه بال حق وإن كان دون ربع مثقال آلية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} وقد عد أكلها صلى اهلل عليه وسلّم من السبع املوبقات
يف اخلرب السابق ،وقيس باألكل غريه وإمنا عرب به يف اآلية ،واخلرب ،ألنه أعم وجوه االنتفاع( .وخيانة) يف غري الشيء التافه بكيل أو غريه
كوزن وغلول آلية {ويل للمطففني} ولقوله تعاىل {إن اهلل ال حيب اخلائنني} والغلول اخليانة من الغنيمة أو بيت املال أو الزكاة قاله
األزهري وغريه ،وإن قصره أبو عبيد على اخليانة من الغنيمة أما يف التافه فصغرية كما مر( .وتقدمي صالة) على وقتها (وتأخريها) عنه
بال عذر كسفر قال صلى اهلل عليه وسلّم «من مجع بني صالتني من غري عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر» .رواه الرتمذي وتركها
فليتبوأ مقعده من النار» .رواه
علي متعمدا ّ أوىل بذلك( .وكذب) عمدا (على نيب) .قال صلى اهلل عليه وسلّم «من كذب َّ
الشيخان وغريه من األنبياء مثله يف ذلك كما هو ظاهر قياسا عليه ،وقد مشله تعبريي بنيب خبالف تعبريه كغريه برسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلّ م .وقد بسطت الكالم على ذلك يف احلاشية ،أما الكذب على غري نيب فصغرية إال أن يقرتن به ما يصريه كبرية كأن يعلم أنه يقتل
به قاله ابن عبد السالم ،وعليه حيمل خرب الصحيحني «إن الكذب يهدي إىل الفجور وإن الفجور يهدي إىل النار ،وال يزال الرجل
يكذب حىت يكتب عند اهلل كذابا»( .وضرب مسلم)ـ بال حق خلرب مسلمـ «صنفان من أميت من أهل النار مل أرمها قوم معهم سياط
رؤوسهن كأسنمة البخت املائلة ،ال يدخلون اجلنة وال
ّ كأذناب البقر يضربون هبا الناس ،ونساء كاسيات عاريات مائالت مميالت
جيدون رحيها وإن رحيها ليوجد من مسرية كذا وكذا» .وخرج باملسلم الكافر فليس ضربه كبرية بل صغرية ،وزعم الزركشي أنه
كبرية( .وسب صحايب) خلرب الصحيحني «ال تسبوا أصحايب فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك م ّد أحدهم
وال نصيفه» .وروى مسلم «ال تسبوا أحدا من أصحايب فإن أحدكم لو أنفق» اخل .واخلطاب للصحابة السابني نزهلم لسبهم الذي ال
سب الص ّديق بنفي الصحبة فهو كفر لتكذيب القرآن ،أما سب واحد من يليق هبم منزلة غريهم حيث علله مبا ذكره ،واستثىن من ذلك ّ
غري الصحابة فصغرية ،وخرب الصحيحني «سباب املسلم فسوق» .معناه تكرار السب فهو إصرار على صغرية فيكون كبرية.
---
( )1/96
( وكتم شهادة) .قال تعاىل {ومن يكتمها فإنه آمث قلبه} أي ممسوخ وخص بالذكر ألنه حمل اإلميان ،وألنه إذا أمث تبعه الباقي( .ورشوة)
بتثليث الراء وهي أن يبذل ماالً ليحق باطالً أو يبطل حقا خلرب الرتمذي «لعنة اهلل على الراشي واملرتشي» زاد احلاكم «والرائش الذي
يسعى بينهما» .أما بذله للمتكلم يف جائز مع سلطان مثالً فجعلة جائزة فيجوز البذل واألخذ وبذله للمتكلم يف واجب كتخليص من
حبس ظلما وتولية قضاء طلبه من تعني عليه أو سن له جائز واألخذ فيه حرام( .ودياثة) مبثلثة قبل اهلاء ،وهي استحسان الرجل على
أهله خلرب ثالثة ال يدخلون اجلنة العاق والديه والديوث ورجلة النساء .قال الذهيب إسناده صاحل( .وقيادة) قياسا على الدياثة ،واملراد هبا
استحسان الرجل على غري أهله .وقد بسطت الكالم عليه يف احلاشية( .وسعاية) وهي أن يذهب بشخص إىل ظامل ليؤذيه مبا يقوله يف
حقه خلرب الساعي مثلث أي مهلك بسعايته نفسه واملسعى به ،وإليه( .ومنع زكاة) .خلرب الصحيحني «ما من صاحب ذهب وال فضة ال
يؤدي منها حقها إال إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأمحي عليه يف نار جهنم فيكوى هبا جنبه وجبينه وظهره» .إىل
صو ب وقفه «من الكبائر اإلشراك باهلل واالياس من روح اهلل» .واملراد باليأس من رمحة اهلل
آخره( .ويأس رمحة) خلرب الدارقطين .لكنه ّ
استبعاد العفو عن الذنوب الستعظامها ال إنكار سعة رمحته للذنوب ،فإنه كفر لظاهر قوله تعاىل {إنه ال ييأس من روح اهلل إال القوم
الكافرون} إال أن حيمل اليأس فيه على االستبعاد والكفر على معناه اللغوي وهو السرت( .وأمن مكر) باالسرتسال يف املعاصي واالتكال
علي كظهر أمي قال تعاىل فيه {وإهنمعلى العفو .قال تعاىل {فال يأمن مكر اهلل إال القوم اخلاسرون} (وظهار) كقوله لزوجته أنت ّ
ليقولون منكرا من القول وزورا} أي كذبا حيث شبهوا الزوجة باألم يف التحرمي( .وحلم ميتة وخنزير) أي تناوله بال ضرورة آلية {قل
ال أجد
حمرم ا} ومبعىن اخلنزير الكلب وفرع كل منهما مع غريه( .وفطر يف رمضان) ولو يوما بال عذر خلرب من أفطر يوما من إيل ّفيما أوحي ّ
رمضان من غري رخصة وال مرض مل يقضه صيام الدهر ،وهو وإن تكلم فيه فله شواهد جتربه ،وألن صومه من أركان اإلسالم ففطره
املارين بإخافتهم آلية
يؤذن بقلة اكرتاث مرتكبه بالدين ،وتعبريي بذلك أوىل من قوله وفطر رمضان( .وحرابة) وهي قطع الطريق على ّ
{إمنا جزاء الذين حياربون اهلل ورسوله} (وسحر وربا) مبوحدة ألنه صلى اهلل عليه وسلّم عدمها من السبع املوبقات يف اخلرب السابق.
(وإدمان صغرية) أي إصرار عليها من نوع أو أنواع حبيث مل تغلب طاعاته معاصيه وليست الكبائر منحصرة يف املذكورات ،كما أفهمه
ذكر الكاف يف أوهلا ،وأما حنو خرب البخاري «الكبائر اإلشراك باهلل والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمني الغموس» .فمحمول
على بيان احملتاج إليه منها وقت ذكره ،وقد قال ابن عباس هي إىل السبعني أقرب .وسعيد بن جبري هي إىل السبعمائة أقرب يعين باعتبار
أصناف أنواعها.
---
( )1/97
(مسألة االخبار بعام) أي بشيء عام (رواية) كخصائص النيب صلى اهلل عليه وسلّم وغريه ،إذ القصد منها اعتقاد خصوصيتها مبن
اختصت به ،وهو يعم الناس ،وما يف املروي من أمر وهني وحنومها يرجع إىل اخلرب بتأويل .فتأويل أقيموا الصالة ،وال تقربوا الزنا مثالً
(خباص عند حاكم شهادة) بقيد زدته بقويل (إن كان حقا لغري املخرب على غريه) فإن كان ّ الصالة واجبة والزنا حرام( .و) االخبار
للمخرب على غريه فدعوى أو لغريه عليه وإن مل يكن عند حاكم فإقرار( .واملختار أن أشهد إنشاء تضمن إخبارا) باملشهود به نظرا إىل
وجود مضمونه يف اخلارج به ،وإىل متعلقه .وقيل حمض إخبار نظر إىل متعلقه فقط ،وقيل حمض إنشاء نظرا إىل اللفظ فقط .قال شيخنا
العالمة احمللي وهو التحقيق فلم تتوارد الثالثة على حمل واحد ،وال منافاة بني كون أشهد إنشاء وكون معىن الشهادة إخبارا ألنه صيغة
مؤدية لذلك املعىن مبتعلقه انتهى( .و) املختار (أن صيغ العقود واحللو كبعت) واشرتيت (وأعتقت إنشاء) لوجود مضموهنا يف اخلارج
هبا .وقال أبو حنيفة إهنا إخبار على أصلها بأن يقدر وجود مضموهنا يف اخلارج قبيل التلفظ هبا ،وذكر صيغ احللول مع مثاهلا من
زياديت( .و) املختار (أنه يثبت اجلرح والتعديل بواحد يف الرواية فقط) أي خبالف الشهادة ال يثبتان فيها إال بعدد رعاية للتناسب فيهما،
فإن قال الواحد يقبل يف الرواية دون الشهادة ،وقيل يثبتان إال بعدد فيهما نظرا إىل أن ذلك شهادة ،وقيل يكفي يف ثبوهتما فيهما واحد
نظرا إىل أن ذلك خرب ،والرتجيح من زياديت( .و) املختار (أنه يشرتط ذكر سبب اجلرح فيهما) أي يف الرواية والشهادة لالختالف فيه
خبالف سبب التعديل( .و) لكن (يكفي إطالقه) أي اجلرح (يف الرواية) كالتعديل كأن يقول اجلارح فالن ضعيف أو ليس بشيء (إن
عرف مذهب اجلارح) من أنه ال جيرح إال بقادح ،فعلم أنه ال يكفي اإلطالق يف الرواية إذا مل يعرف مذهب اجلارح ،وال يف الشهادة
مطلقا لتعلقـ احلق فيها باملشهود له ،نعم يكفي ذلك فيهما إلفادة التوقف عن القبول إىل أن يبحث عن ذلك كما ذكره يف الرواية،
وظاهر أنه ال فرق بينها وبني الشهادة .وقيل يشرتط ذكر سببهما يف الرواية والشهادة ولو من العامل به ،فال يكفي إطالقهما فيهما
الحتمال أن جيرح مبا ليس جبارح ،وأن يبادر إىل التعديل عمالً بالظاهر ،وقيل يكفي ذلك اكتفاء بعلم اجلارح واملعدل بسببهما ،وقيل
يشرتط ذكر سبب التعديل دون سبب اجلرح ألن مطلقـ اجلرح يبطل الثقة ومطلقـ التعديل ال حيصلها جلواز االعتماد فيه على الظاهر.
(واجلرح مقدم) عند التعارض على التعديل( .إن زاد عدد اجلارح على) عدد (املعدل) إمجاعا( .وكذا إن مل يزد عليه) بأن ساواه أو
نقص عنه( .يف األصح) الطالع اجلارح على ما مل يطلع عليه املعدل ،وقضيته أنه لو اطلع املعدل على السبب وعلم توبته منه قدم على
اجلارح وهو كذلك ،وقيل يطلب الرتجيح يف صورة عدم الزائد كما هو حاصل يف صورة الزائد بالزيادة وعلى وزانه قيل إن التعديل يف
صورة الناقص مقدم( .ومن التعديل) لشخص (حكم مشرتطـ العدالة) يف الشاهد( .بالشهادة) من ذلك الشخص ،إذ لو مل يكن عدالً
عنده ملا حكم بشهادته.
( وكذا عمل العامل) املشرتط للعدالة يف الراوي برواية شخص تعديل له يف األصح ،وإال ملا عمل بروايته وقيل ليس تعديالً ،والعمل
بروايته جيوز أن يكون احتياطا( .و) كذا (رواية من ال يروي إال عن عدل) بأن صرح بذلك أو عرف من عادته عن شخص تعديل له.
(يف األصح) كما لو قال هو عدل ،وقيل جيوز أن يرتك عادته وتأخريي يف األصح عن املسألتني قبله أوىل من توسيط األصل له بينهما.
(وليس من اجلرح) لشخص (ترك عمل مبرويه و) ال ترك (حكم مبشهوده) .جلواز أن يكون الرتك ملعارض( .وال ح ّد) له (يف شهادة
زنا) بأن مل يكمل نصاهبا ألنه النتفاء النصاب ال ملعىن يف الشاهد( .و) ال يف (حنو شرب نبيذ) من املسائل االجتهادية املختلف فيها
كنكاح املتعة جلواز أن يعتقد إباحة ذلك( .وال تدليس) فيمن روى عنه (بتسمية غري مشهورة) له حىت ال يعرف ،إذ ال خلل يف ذلك.
(قيل) أي قال ابن السمعاين (إال أن يكون حبيث لو سئل) عنه (مل يبينه) فإن صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه .وأجيب مبنع
ذلك( .وال) تدليس (بإعطاء شخص اسم آخر تشبيها كقول) صاحب (األصل) أخربنا (أبو عبد اهلل احلافظ يعين) به (الذهيب تشبيها
بالبيهقي) يف قوله أخربنا أبو عبد اهلل احلافظ (يعين) به (احلاكم) لظهور املقصود وذلك صدق يف نفس األمر (وال) تدليس (بإيهام اللقى
والرحلة) األول ،ويسمى تدليس اإلسناد كأن يقول من عاصر الزهري مثالً ومل يلقه .قال الزهري أو عن الزهري مومها أنه مسعه،
والثاين كأن يقول ح ّد ثنا فالن وراء النهر مومها جيحون ،واملراد هنر مصر كأن يكون باجليزة ألن ذلك من املعاريض ال كذب فيه( .أما
مدلس املتون) وهو من يدرج كالمه معها حبيث ال يتميزان( .فمجروح) إليقاعه غريه يف الكذب على النيب صلى اهلل عليه وسلّم.
---
( )1/98
(مسألة الصحايب) أي صاحب النيب صلى اهلل عليه وسلّم( .من اجتمع مؤمنا) مميزا (بالنيب) يف حياته (وإن مل يرو) عنه شيئا (ومل يطل)
أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم ،فخرج من اجتمع به كافرا أو غري مميز أو بعد وفاة النيب ،لكن قال الربماوي يف
غري املميز إنه صحايب وإن اختار مجاعة خالف ذلك ،وقيل يشرتط يف صدق اسم الصحايب الرواية ولو حلديث وإطالة االجتماع نظرا
يف اإلطالة إىل العرف ،ويف الرواية إىل أهنا املقصود االعظم من صحبة النيب صلى اهلل عليه وسلّم لتبليغ األحكام ،وقيل يشرتط الغزو معه
ومضى على االجتماع به ألن لصحبته شرفا عظيما فال ينال إال باجتماع طويل يظهر فيه اخللقـ املطبوع عليه الشخص كالغزو املشتمل
على السفر الذي هو قطعة من العذاب ،والعام املشتمل على الفصول األربعة اليت ختتلف فيها األمزجة ،واعرتض التعريف بأنه يصدق
مرتد ا كعبد اهلل بن خطل ،وال يسمى صحابيا خبالف من مات بعد ردته مسلما كعبد اهلل بن سرح .وأجيب بأنه كان على من مات ًّ
يسماه قبل الردة ،ويكفي ذلك يف صحة التعريف إذ ال يشرتط فيه االحرتاز عن املنايف العارض( .كالتابعي معه) أي مع الصحايب فيكفي
يف صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحايب يف حياته ،وهذا ما رجحه ابن الصالح والنووي وغريمها .وقيل ال يكفي
ذلك من غري إطالة لالجتماع به وبه جزم األصل تبعا للخطيبـ البغدادي ،وفرق بأن االجتماع بالنيب يؤثر من النور القليب أضعاف ما
يؤثره االجتماع الطويل بالصحايب وغريه من األخيار.
(واألصح أنه لو ّادعى معاصر) للنيب صلى اهلل عليه وسلّم (عدل صحبة قبل) ألن عدالته متنعه من الكذب يف ذلك ،وقيل ال يقبل
الد عائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل( .و) األصح (أن الصحابة عدول) فال يبحث عن عدالتهم يف رواية وال شهادةّ
ألهنم خري األمة لقوله تعاىل {كنتم خري أمة أخرجت للناس} وقوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} فإن املراد هبم الصحابة ،وخلرب
الصحيحني «خري أميت قرين» وقيل هم كغريهم فيبحث عن عدالتهم يف ذلك إال من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخني رضي
اهلل عنهما ،وقيل هم عدول إىل حني قتل عثمان رضي اهلل عنه فيبحث عن عدالتهم بعده لوقوع الفنت بينهم من حينئذ مع إمساك
ورد بأهنم جمتهدون يف
بعضهم عن خوضها .وقيل هم عدول إال من قاتل عليا رضي اهلل عنه فهم فسقة خلروجهم على اإلمام احلق ّ
قتاهلم له فال يأمثون وإن أخطأوا بل يؤجرون كما سيأيت على كل قول من طرأ له منهم قادح كسرقة أو زنا عمل مبقتضاه ،ألهنم وإن
كانوا عدوالً غري معصومني.
---
( )1/99
(مسألة املرسل) املشهور عند األصوليني والفقهاء وبعض احملدثني( .مرفوع غري صحايب) تابعيا كان أو من بعده (إىل النيب) صلى اهلل
عليه وسلّم مسقطا لواسطة بينه وبني النيب ،وعند أكثر احمل ّد ثني مرفوع تابعي إىل النيب ،وعندهم املعضل ما سقط منه راويان فأكثر،
واملنقطع ما سقط منه من غري الصحابة را ٍو وقيل ما سقط منه را ٍو فأكثر( .واألصح أنه ال يقبل) أي ال حيتج به للجهل بعدالة الساقط
وإن كان صحابيا الحتمال أن يكون ممن طرأ له قادح( .إال إن كان مرسله من كبار التابعني) كقيس بن أيب حازم وأيب عثمان النهدي
(وعضده كون مرسله ال يروي إال عن عدل) كأن عرف ذلك من عادته كأيب سلمة بن عبد الرمحن يروي عن أيب هريرة (وهو) حينئذ
(مسند) حكما ألن إسقاط العدل كذكره( .أو عضده قول صحايب أو فعله أو قول األكثر) من العلماء ألصحايب فيهم( .أو مسند)
األول( .أو انتشار) له من غري نكري (أو قياس أو عمل)
سواء أسنده املرسل أم غريه (أو مرسل) أن يرسله آخر يروي عن غري شوخ ّ
أهل (العصر) على وفقه (أو حنوها) ككون مرسله إذا شارك احلفاظ يف أحاديث وافقهم فيها ومل خيالفهم إال بنقص لفظ من ألفاظهم
حبيث ال خيتل به املعىن ،فإن املرسل حينئذ يقبل النتقاء احملذور ،وقيل يقبل مطلقا ألن العدل ال يسقط الواسطة إال وهو عدل عنده ،وإال
كان ذلك تلبيسا قادحا فيه ،وقيل ال مطلقاـ ملا مر ،وقيل يقبل إن كان املرسل من أئمة النقل كسعيد بن املسيب والشعيب ،خبالف من مل
يكن منهم فقد يظن من ليس بعدل عدالً فيسقطه لظنه.
( واجملموع) من املرسل وعاضده (حجة) ال جمرد املرسل وال جمرد عاضده لضعف كل منهما منفردا ،وال يلزم من ذلك ضعف اجملموع،
حيتج بالعاضد) وحده( ،وإال) بأن كان حيتج به كمسند صحيح (فـ)ـهما ألنه حيصل من اجتماع الضعيفني قوة مفيدة للظن هذا (إن مل ّ
(دليالن) ،إذ العاضد حينئذ دليل برأسه واملرسل ملا اعتضد به صار دليالً آخر فريجح هبما عند معارضة حديث واحد هلما والتقييد
بكبار التابعني من زياديت( .و) األصح (أنه) أي املرسل بقيد زدته بقويل (باعتضاده) أي مع اعتضاده (بضعيف أضعف من املسند) احملتج
به ،وقيل أقوى منه ألن العدل ال يسقط إال من جيزم بعدالته ،خبالف من يذكره فيحيل األمر فيه على غريه .قلنا ال نسلم ذلك أما إذا
اعتضد بصحيح ،فال يكون أضعف من مسند يعارضه بل هو أقوى منه ،كما علم مما مر أما مرسل صغار التابعني كالزهري فباق على
عدم قبوله مع عاضده لشدة ضعفه ،وقيد القبول بكبار التابعني ،ألن غالب رواياهتم عن الصحابة فيغلب على الظن أن الساقط صحايب،
فإذا انضم إليه عاضد كان أقرب إىل القبول وعليه ينبغي ضبط الكبري مبن أكثر رواياته عن الصحابة والصغري مبن أكثر رواياته عن
التابعني على أن ابن الصالح والنووي مل يقيدا بالكبار وهو قوي ،وهذا كله يف مرسل غري صحايب كما عرفت ،أما مرسله فمحكوم
مر( .فإن جترد) هذا املرسل عن عاضد ( وال دليل) يف بصحته على املذهب ألن أكثر رواية الصحابة عن الصحابة وكلهم عدول كما ّ
الباب (سواه) ومدلوله املنع من شيء( ،فاألصح) أنه جيب (االنكفاف) عن ذلك الشيء (ألجله) أي املرسل احتياطا ألن ذلك حيدث
شبهة توجب التوقف ،وقيل ال جيب ألنه ليس حبجة حينئذ ،أما إذا كان مث دليل سواه فيجب االنكفاف قطعا إن وافقه وإال عمل
مبقتضى الدليل.
---
( )1/100
(مسألة األصح جواز نقل احلديث باملعىن لعارف) مبعاين األلفاظ ومواقع الكالم الذي أريد به إنشاء أو خرب بأن يأيت بلفظ بدل آخر
مساو له يف املراد والفهم ،وإن مل ينس اللفظ اآلخر أو مل يرادفه ،ألن املقصود املعىن واللفظ آلة ،وقيل ال جيوز إن مل ينس لفوت
الفصاحة يف كالم النيب ،وقيل إمنا جيوز بلفظ مرادف خبالف غري املرادف ،ألنه قد ال يويف باملقصود ،وقيل ال جيوز مطلقا حذرا من
التفاوت ،وإن ظن الناقل عدمه فإن العلماء كثريا ما خيتلفون يف معىن احلديث املراد .قلنا الكالم يف املعىن الظاهر ال فيما خيتلف فيه كما
أنه ليس الكالم فيما نعبد بألفاظ كاألذان والتشهد والسالم والتكبري ،وقيل غري ذلك أما غري العارف فال جيوز له تغيري اللفظ قطعا( .و)
األصح (أنه حيتج بقول الصحايب قال النيب) صلى اهلل عليه وسلّم ،ألنه ظاهر يف مساعه منه ،وقيل ال .الحتمال أن يكون بينهما واسطة
من تابعي أو صحايب ،وقلنا نبحث عن عدالة الصحابة (فـ)ـبقوله (عنه) أي عن النيب ملا مر ،وقيل ال لظهوره يف الواسطة( .فـ)ـبقوله
(مسعته أمر وهنى) لظهوره يف صدور أمر وهني منه ،وقيل ال جلواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر وال هني تسمحا (أو) بقوله
حر م علينا أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النيب ،وقيل ال .الحتمال أن يكون اآلمر (أمرنا أو حنوه) مما بين للمفعول كنهينا أو أوجب أو ّ
والناهي بعض الوالة واإلجياب والتحرمي والرتخيص استنباط من قائله( .و) بقوله (من السنة) كذا لظهوره يف سنة النيب ،وقيل ال جلواز
إرادة سنة البلد (فكنا معاشر الناس) نفعل يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم (وكان الناس يفعلون) يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم( .فكنا
نفعل يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم) لظهوره يف تقرير النيب عليه ،وقيل ال جلواز ىن ال يعلم به( .فكان الناس يفعلون فكانوا ال يقطعون
يف) الشيء (التافه) .قالته عائشة رضي اهلل عنها لظهور ذلك يف مجيع الناس الذي هو إمجاع ،وقيل ال جلواز إرادة ناس خمصوصني
وعطف الصور بالفاء إشارة إىل أن كل صورة دون ما قبلها رتبة ،وهلذا كان تعبريي يف عنه ،ومسعته بالفاء أوىل من تعبريه فيهما بالواو،
ووجه كون األخريتني دون ما قبلهما عدم التصريح بكون ذلك يف عهده صلى اهلل عليه وسلّم ،ووجه كون األخرية دون ما قبلها عدم
التصريح مبا يعود عليه ضمري كانوا.
( )1/101
( خامتة) يف مراتب التحمل( .مستند غري الصحايب) يف الرواية إحدى عشرة (قراءة الشيخ) عليه (إمالء) من حفظه أو من كتابه.
(فتحديثا) بال إمالء( .فقراءته عليه) أي على الشيخ (فسماعه) بقراءة غريه على الشيخ ويسمى هذا والذي قبله بالعرض( .فمناولة أو
مكاتبة مع إجازة) كأن يدفع له الشيخ أصل مساعه أو فرعا مقابالً به أو يكتب شيئا من حديثه حلاضر عنده أو غائب عنه ،ويقول له
أجزت لك روايته عين( .فإجازة) بال مناولة وال مكاتبة (خلاص يف خاص) كأجزت لك رواية البخاري( .فخاص يف عام) كأجزت لك
رواية جيع مسموعايت( .فعام يف خاص) كأجزت ملن أدركين رواية مسلم.ـ (فـ)ـعام (يف عام) كأجزت ملن عاصرين رواية مجيع مرويايت.
(فلفالن ومن يوجد من نسله) تبعا له (فمناولة أو مكاتبة) بال إجازة إن قال معها هذا من مساعي (فإعالم) بال إجازة كأن يقول هذا
الكتاب من مسموعايت على فالن( .فوصية) كأن يوصي بكتاب إىل غريه لريويه عنه عند سفره أو موته( .فوجادة) كأن جيد حديثا أو
كتابا خبط شيخ معروف.
( واملختار جواز الرواية باملذكورات) التصريح هبذا من زياديت والقول بامتناع الرواية باألربعة اليت قبل الوجادة مردود بأهنا أرفع من
الوجادة والرواية هبا جائزة عند الشافعي وغريه ،فاألربعة أوىل( .ال إجازة من يوجد من نسل فالن)فال جيوز ،وقيل جتوز ،وقيل ال جتوز
الرواية باإلجازة بأقسامها ،وقيل ال جتوز يف العامة ،أما إجازة من توجد من غري قيد فممنوعة كما فهم باألوىل وصرح به األصل ،ونقل
علي حدثين قرأت عليه قرىء عليه ،وأنا
يف اإلمجاع( .وألفاظ األداء من صناعة احملدثني) فلتطلب منهم ومنها على ترتيب ما مر أملىـ ّ
إيل وجدت خبطه وقد أوضحت أمسع أخربين إجازة ومناولة أو مكاتبة أخربين إجازة أنبأين مناولة أو مكاتبة ،أخربين إعالما أوصى ّ
الكالم على ذلك مع مراتب التحمل يف شرح ألفية العراقي ،وقويل أو مكاتبة يف املوضعني مع إفادة تأخر احلديث عن اإلمالء من
زياديت.
( )1/102
( )1/103
وكذا اتفاق هؤالء) أي ذوي القولني (ال من بعدهم بعده) أي بعد استقرار اخلالف بأن طال زمنه فإنه جائز ال اتفاق من بعدهم( .يف
األصح) أما األول فلصدق حد اإلمجاع به وهذا ما صححه النووي يف شرح مسلم ،وقيل ال ألن استقرار اخلالف بينهم يتضمن اتفاقهم
على جاز األخذ بكل من شقي اخلالف باجتهاد أو تقليد ،فيمتنع اتفاقهم على أحدمها .قلنا تضمن ما ذكر مشروط بعدم االتفاق على
أحدمها فإذا وجد فال اتفاق قبله ،وقيل جيوز إال أن يكون مستندهم يف االختالف قاطعا ،فال جيوز حذرا من إلغاء القاطع واخلالف مبين
على أنه ال يشرتط انقراض العصر ،فإن اشرتط جاز االتفاق مطلقاـ قطعا والرتجيح من زياديت ،وأما الثاين فألنه لو انقدح وجه يف
سقوط اخلالف لظهر للمختلفني لطول زمنه ،وقيل جيوز جلواز ظهور سقوطه لغري املختلفني دوهنم( .و) علم (أن التمسك بأقل ما قيل)
من أقوال العلماء حيث ال دليل سواه (حق) ألنه متسك مبا أمجع عليه مع كون األصل عدم وجوب ما زاد عليه كاختالف العلماء يف
دية الذمي الكتايب ،فقيل كدية املسلم ،وقيل كنصفها ،وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي لذلك ،فإن دل دليل على وجوب األكثر أخذ به
كغسالتـ ولوغ الكلب قيل إهنا ثالث ،وقيل سبع ودل عليه خري الصحيحني فأخذ به( .و) علم (أنه) أي اإلمجاع قد (يكون يف ديين)
كصالة وزكاة (ودنيوي) كتدبري اجليوش وأمور الرعية( .وعقليـ ال تتوقف صحته) أي اإلمجاع (عليه) كحدوث العامل ووحدة الصانع،
فإن توقفت صحة اإلمجاع عليه كثبوت الباري والنبوة مل حيتج فيه باالمجاع وإال لزم الدور( .ولغوي) من زياديت ككون الفاء للتعقيب.
(و) علم (أنه) أي اإلمجاع (ال بد له من مستند) أي دليل ،وإال مل يكن لقيد االجتهاد املأخوذ
يف حده معىن( .وهو األصح) ألن القول يف األحكام بال مستند خطأ ،وقيل جيوز حصوله بغري مستند بأن يلهموا االتفاق على صواب
هذا كله يف االمجاع القويل( .أما السكويت بأن يأيت بعضهم) أي بعض اجملتهدين( .حبكم ويسكت الباقون عنه وقد علموا به وكان
السكوت جمردا عن أمارة رضا وسخط) بضم السني وإسكان اخلاء وبتفحهما خالف الرضا( .واحلكم اجتهادي تكليفي ومضى مهلة
النظر عادة فإمجاع وحجة يف األصح) ألن سكوت العلماء يف مثل ذلك يظن منه املوافقة عادة ،وقيل ليس بإمجاع وال حجة الحتمال
السكوت لغري املوافقة كاخلوف واملهابة والرتدد يف احلكم ،وعزى هذا للشافعي ،وقيل ليس بإمجاع بل حجة الختصاص مطلقـ اسم
االمجاع عند هذا القائل بالقطعي ،أي املقطوع فيه باملوافقة وإن كان هو عنده إمجاعا حقيقة كما يفيده كونه حجة عنده ،وقيل حجة
بشرط االنقراض ،وقيل حجة إن كان فتيا ال حكما ألن الفتيا يبحث فيها عادة فالسكوت عنها رضا خبالف احلكم ،وقيل عكسه
لصدور احلكم عادة بعد البحث مع العلماء واتفاقهم خبالف الفتيا ،وقيل حجة إن كان الساكتون أقل من القائلني ،وقيل غري ذلك
وخرج مبا ذكر ما لو مل يعلم الساكتون باحلكم ،فليس من حمل اإلمجاع السكويت وليس حبجة الحتمال أن ال يكون خاضوا يف
اخلالف ،وقيل حجة لعدم ظهور خالف فيه ،وقيل غري ذلك وترجيح عدم حجيته من زياديت وهو ما عليه األكثر ،وإن اقتضى كالم
األصل ترجيح حجته ،وخرج أيضا ما لو اقرتن السكوت بأمارة الرضا فإمجاع قطعا أو بأمارة السخط فليس بإمجاع قطعا ،وما لو كان
احلكم قطعيا ال اجتهاديا أو مل يكن تكليفيا حنو عمار أفضلـ من حذيفة أو عكسه فالسكوت على القول ،خبالف املعلوم يف األوىل
وعلى ما قيل يف الثانية ال يدل على شيء وما مل ميض زمن مهلة النظر عادة فال يكون ذلك إمجاعا.
---
( )1/104
(مسألة األصح إمكانه) أي اإلمجاع ،وقيل ال ميكن عادة كاإلمجاع على أكل طعام واحد ،وقول كلمة واحدة يف وقت واحد .قلنا هذا
ال جامع هلم عليه الختالف شهواهتم ودواعيهم ،خبالف احلكم الشرعي ،إذ جيمعهم عليه الدليل الذي يتفقون على مقتضاه( .و)
األصح (أنه) بعد إمكانه (حجة) شرعية (وإن نقل آحادا) قال تعاىل {ومن يشاقق الرسول) اآلية ،توعد فيها على اتباع غري سبيل
املؤمنني فيجب اتباع سبيلهم وهو قوهلم أو فعلهم فيكون حجة وقيل ال لقوله تعاىل {فإن تنازعتم يف شيء فردوه إىل اهلل والرسول}
اقتصر على الرد إىل الكتاب والسنة .قلنا وقد دل الكتاب على حجيته كما مر آنفا ،وقيل ال إال إن نقل آحادا ألنه قطعي فال يثبت خبرب
الواحد( .و) األصح (أنه) بعد حجيته (قطعي) فيها (إن اتفق املعتربون) على أنه إمجاع (ال إن اختلفوا) يف ذلك (كالسكويت) فإنه ظين،
وقيل ظين مطلقا ،إذ اجملمعون عن ظن ال ميتنع خطؤهم واإلمجاع عن قطع غري حمقق (وخرقه) أي إمجاع القطعي وكذا الظين عند من
اعتربه باملخالفة (حرام) للتوعد عليه بالتوعد على اتباع غري سبيل املؤمنني يف اآلية السابقة( .فعلم) من حرمة خرقه (حترمي إحداث) قول
(ثالث) يف مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولني (و) إحداث (تفصيل) بني مسألتني مل يفصل بينهما أهل عصر( .إن خرقاه) أي إن
خرق الثالث والتفصيل اإلمجاع بأن خالفا ما اتفق عليه أهل عصر ،خبالف ما إذا مل خيرقاه ،وقيل مها خارقان مطلقا ،ألن االختالف
على قولني يستلزم االتفاق على امتناع العدول عنهما وعدم التفصيل بني مسألتني يستلزم االتفاق على امتناعه .قلنا االستلزام ممنوع
فيهما مثال الثالث خارقا ما قيل إن األخ يسقط اجلد ،وقد اختلفتـ الصحابة فيه على قولني قيل يسقط باجلد ،وقيل يشاركه كأخ
فإسقاط اجل ّد به خارق ملا اتفق عليه القوالن من أن له نصيبا ،ومثاله غري خارق ما قيل إنه حيل مرتوك التسمية سهوآ ال عمدا ،وعليه
احلنفي ،وقيل حيل مطلقا ،وعليه الشافعي ،وقيل حيرم مطلقا ،فالفارق موافق ملن مل يفرق يف بعض ما قاله ،ومثال التفصيل خارقا ما لو
قيل بتوريث العمة دون اخلالة أو عكسه ،وقد اختلفوا يف توريثهما مع اتفاقهم على أن العلة فيه أو يف عدمه كوهنما من ذوي األرحام،
احللي املباح ،وقيل جتب
فتوريث إحدامها دون األخرى خارق لالتفاق ،ومثاله غري خارق ما .قلنا إنه جتب الزكاة يف مال الصيب دون ّ
فيهما وقيل ال جتب فيهما فاملفصل موافق ملن مل يفصل يف بعض ما قاله.
( و) علم (أنه جيوز إحداث) أي إظهار (دليل) حلكم (أو تأويل) لدليل ليوافق غريه (أو علة) حلكم غري ما ذكروه من الدليل والتأويل،
والعلة جلواز تعدد املذكورات (إن مل خيرق) ما ذكروه خبالف ما إذا خرقه بأن قالوا ال دليل وال تأويل وال علة غري ما ذكرناه ،وقيل ال
جيوز إحداث ذلك مطلقا ألنه من غري سبيل املؤمنني املتوعد على اتباعه يف اآلية .قلنا املتوعد عليه ما خالف سبيلهم ال ما مل يتعرضوا له
كما حنن فيه (و) علم (أنه ميتنع ارتداد األمة) يف عصر (مسعا) خلرقه إمجاع من قبلهم على وجوب استمرار اإلميان .وقيل ال ميتنع مسعا ال
ميتنع عقالً قطعا (ال اتفاقها) أي األمة يف عصر (على جهل ما) أي شيء (مل تكلف به) بأن مل تعلمه كالتفضيل بني عمار وحذيفة فال
ميتنع إذ ال خطأ فيه لعدم التكليف به ،وقيل ميتنع وإال لكان اجلهل سبيالً هلا فيجب اتباعها فيه وهو باطل .قلنا مينع أنه سبيل هلا إذ سبيل
الشخصـ ما خيتاره من قول أو فعل ال ما ال يعلمه أما اتفاقها على جهل ما كلفت به فممتنع قطعا (وال انقسامها) أي األمة (فرقتني) يف
كل من مسألتني متشاهبتني (كل) من الفرقتني (خيطىء يف مسألة) من املسألتني كاتفاق إحدى الفرقتني على وجوب الرتتيب يف الوضوء
وعلى عدم وجوبه يف الصالة الفائتة ،واألخرى على العكس ،فال ميتنع نظرا يف ذلك إىل أنه مل خيطىء إال بعضها بالنظر إىل كل مسألة
على حدهتا ،وقيل ميتنع نظرا إىل أهنا أخطأت يف جمموع املسألتني واخلطأ منفي عنها باخلرب السابق ،والتصحيح يف هذه العلوم مما يأيت من
زياديت (و) علم (أن اإلمجاع ال يضاد إمجاعا) أي ال جيوز انعقاده على ما يضاد ما انعقد عليه إمجاع( .قبله) الستلزامه تعارض قاطعني،
األو ل مغيا بالثاين( .وهو األصح يف الكل) أي كل من املسائل الست كما تقرر( .وال يعارضه) أي وقيل جيوز إذ ال مانع من كون ّ
قطعي( .دليل) قطعي وال ظين ،إذ ال تعارض بني قاطعني الستحالته ،إذ اإلمجاع بناء على األصح أنه ّ
---
( )1/105
التعارض بني شيئني يقتضي خطأ أحدمها ،وال بني قاطع ومظنون إللغاء املظنون يف مقابلة القاطع ،أما اإلمجاع الظين فيجوز معارضته
بظين آخر( .وموافقته) أي اإلمجاع (خربا ال تدل على أنه عنه) جلواز أن يكون عن غريه ومل ينقل لنا استغناء بنقل اإلمجاع عنه (لكنه)
أي كونه عنه هو (الظاهر إن مل يوجد غريه) مبعناه ،إذ ال بد له من مستند كما مر ،فإن وجد فال جلواز أن يكون اإلمجاع عن ذلك
الغري ،وقيل موافقته له تدل على أنه عنه قال بعضهم وحمل اخلالف يف خرب الواحد أما املتواتر فهو عنه بال خالف وفيه نظر.
( )1/106
خامتة .
(جاحد جممع عليه معلومـ من الدين ضرورة) وهو ما يعرفه منه اخلواص والعوام من غري قبول تشكيك كوجوب الصالة والصوم وحرمة
الزنا واخلمر( .كافر) قطعا (إن كان فيه نص) ألن جحده يستلزم تكذيب النيب صلى اهلل عليه وسلّم فيه وما أومهه كالم اآلمدي ،ومن
نص جادحه كافر( .يف األصح) ملا مر ،وقيل ال لعدم النص وخرج باجملمع
تبعه من أن فيه خالفا ليس مبراد هلم( .وكذا إن مل يكن) فيه ّ
عليه غريه ،وإن كان فيه نص ،وباملعلوم ضرورة غريه كفساد احلج بالوطء قبل الوقوف ،وإن كان فيه نص كاستحقاق بنت االبن
السدس مع البنت لقضاء النيب صلى اهلل عليه وسلّم به ،كما رواه البخاري وبالدين اجملمع عليه املعلوم من غريه ضرورة كوجود بغداد،
فال يكفر جاحدها وال جاحد شيء منها ،وإن اشتهر بني الناس هذا حاصل ما يف الروضة كأصلها يف باب الردة وهو املعتمد ،وإن
خالفه ما يف األصل كما أوضحته يف احلاشية.
( )1/107
( )1/108
( وأركانه) أي القياس (أربعة) مقيس عليه ومقيس ومعىن مشرتك بينهما وحكم للمقيس عليه يتع ّدى بواسطة املشرتك إىل املقيس.
(األول) وهو املقيس عليه (األصل) أي يسمى به كما يسمى املقيس بالفرع كما سيأيت ،ولكون حكم األصل غري حكم الفرع باعتبار
احملل ،وإن كان عينه باحلقيقة صح تفرع الثاين على األول باعتبار دليلهما وعلم اجملتهد هبما ال باعتبار ما يف نقس األمر ،إذ األحكام
قدمية وال تفرع يف القدمي( .واألصح أنه) أي األصل املقيس عليه (حمل احلكم املشبه به) بالرفع صفة احملل أي املقيس عليه ،وقيل هو
حكم احملل ،وقيل دليل احلكم (و) األصح (أنه ال يشرتط) يف األصل املذكور (دال) أي دليل (على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه
وال االتفاق على وجود العلة فيه) وقيل يشرتطان فعلى اشرتاط األول ال يقاس يف مسائل البيع مثالً إال إذا قام دليل على جواز القياس
فيه بنوعه أو شخصه وعلى اشرتاط الثاين ال يقاس فيما اختلف يف وجود العلة فيه ،بل ال ب ّد من االتفاق على ذلك بعد االتفاق على أن
حكم األصل معلل ،وكل منهما مردود بأنه ال دليل عليه.
---
( )1/109
(الثاين ) من أركان القياس (حكم األصل وشرطه ثبوته بغري قياس ولو إمجاعا) إذ لو ثبت بقياس كان القياس الثاين عند احتاد العلة لغو
لالستغناء عنه بقياس الفرع فيه على األصل يف األول ،وعند اختالفها غري منعقد لعدم اشرتاك األصل ،والفرع فيه يف علة احلكم،
الرب يف الربوية جبامع الطعم مث قياس السفرجلـ على التفاح ،فيما ذكر .وهو لغو لالستغناء عنه بقياس
فاالحتاد كقياس التفاح على ّ
السفرجلـ على الرب واالختالف كقياس الرتق ،وهو انسداد حمل الوطء على جب الذكر يف فسخ النكاح جبامع فوات التمتع ،مث قياس
اجلذام على الرتق فيما ذكر وهو غري منعقد ،ألن فوات التمتع غري موجود فيه ،وقيل ال يثبت بإمجاع أيضا ال أن يعلم أن مستنده نص
ورد بأنه ال دليل عليه وال يضر احتمال أن يكون اإلمجاع عن قياس ،ألن كون حكم األصل حينئذ عن قياس مانع ليستند القياس إليهّ ،
من القياس ،واألصل عدم املانع( .وكونه غري متعبد به بالقطع) أي اليقني (يف قول) ألن ما تعبد فيه باليقني إمنا يقاس على حمله ما يطلب
ورد بأنه يفيده إذا علم حكم األصل وما هو العلة فيه ووجودها يف الفرع ،وزدت يف قول فيه اليقني كالعقائد والقياس ال يفيد اليقنيّ ،
ليوافق ما رجحته كاألصل قبل من جواز القياس يف العقليات( .وكونه من جنس احلكم الفرع) فيشرتط كونه شرعيا إن كان املطلوب
إثباته حكما شرعيا وكونه عقليا إن كان املطلوب إثباته حكما عقليا وكونه لغويا إن كان املطلوب إثباته حكما لغويا (وأن ال يعدل)
أي حكم األصل (عن سنن القياس) فما عدل عن سننه أي خرج عن طريقه ال يقاس على حمله لتعذر التعدية حينئذ كشهادة خزمية بن
ثابت وحده ،فال يقاس به غريه ،وإن فاته رتبة كالصديق رضي اهلل عنه وقصة شهادته رواها ابن خزمية ،وحاصلها أن النيب صلى اهلل
علي فشهد عليه خزمية أي وحده ،فقال له النيب صلى اهلل عليهعليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرايب فجحده البيع ،وقال هلم شهيدا يشهد ّ
وسلّم ما محلك على هذا ومل
تكن حاضرا؟ فقال صدقتك مبا جئت به وعلمت أنك ال تقول إال حقا ،فقال صلى اهلل عليه وسلّم «من شهد له خزمية أو شهد عليه
فحسبه» .ورواها أبو داود أيضا وقال فجعلـ النيب صلى اهلل عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلني( .و) أن (ال يكون دليله) أي دليل حكم
األصل (شامالً حلكم الفرع) لالستغناء به حينئذ عن القياس ،مع أنه ليس جعل بعض الصور املشمولة أصالً لبعضها أوىل من العكس،
كما لو استدل على ربوية الرب خبرب مسلم «الطعام بالطعام مثالً مبثل» مث قيس عليه الذرة جبامع الطعم فإن الطعام يشمل الذرة كالرب
سواء ،وسيأيت أنه ال يشرتط يف العلة أن ال يشمل دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه يف األصح ،وفارق ما هنا مبا فهم من املعية
السابقة( .وكونه) أي حكم األصل (متفقا عليه جزما) ،وإال احتيج عند منعه إىل إثباته فينتقل إىل مسألة أخرى ،وينتشر الكالم ويفوت
املقصود ،وذلك ممنوع منه إال أن يروم املستدل إثباته فليس ممنوعا كما يعلم مما يأيت (بني اخلصمني فقط يف األصح) ألن البحث ال
يعدومها وقيل بني كل األمة حىت ال يتأتى املنع أصالً.
(
---
( )1/110
واألصح أنه ال يشرتط) مع اشرتاط اتفاق اخلصمني فقط (اختالف األمة) غريمها يف احلكم ،بل جيوز اتفاقهم عليه كهما ،وقيل يشرتط
اختالفهم فيه ليتأتى للخصمـ منعه ،إذ ال يتأتى له منع املتفق عليه ،وجياب بأنه يتأتى له منعه من حيث العلة كما هو املراد ،وإن مل يتأت
له منعه من حيث هو (فإن اتفقا عليه مع منع اخلصم أن علته كذا) كما يف قياس حلى البالغة على حلى الصبية يف عدم وجوب الزكاة،
فإن عدمه يف األصل متفق عليه بيننا وبني احلنفي ،والعلة فيه عندنا كونه حليا مباحا وعنده كونه مال صبية( .و) القياس املشتمل على
احلكم املذكور (مركب األصل) .مسي به لرتكيب احلكم فيه أي بنائه على عليت األصل بالنظر للخصمني( .أو) اتفقا عليه مع منع
اخلصم (وجودها يف األصل) كما يف قياس إن نكحت فالنة فهي طالق على فالنة اليت أنكحها طالق يف عدم وقوع الطالق بعد النكاح،
فإن عدمه يف األصل متفق عليه بيننا وبني احلنفي والعلة تعليق الطالق قبل متلكه ،واحلنفي مينع وجودها يف األصل ويقول هو تنجيز.
(فـ)ـالقياس املشتمل على احلكم املذكور (مركب الوصف) مسي به لرتكيب احلكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع اخلصم وجوده
األو ل فإن كان متفقا بينهما ،ولكن لعلتني ،ويف الثاين لعلة يوهم أن االتفاق ألجل العلتني أو العلة ،وليس
يف األصل ،وقول األصل يف ّ
األول،
مرادا فتعبريي مبا ذكر سامل من ذلك( .وال يقبالن) أي القياسان املذكوران (يف األصح) ملنع اخلصم وجود العلة يف الفرع يف ّ
ويف األصل يف الثاين ،وقيل يقبالن نظر االتفاق اخلصمني على حكم األصل( .ولو سلم) اخلصم (العلة) للمستدل أي سلم أهنا ما
ذكره )فأثبت املستدل وجودها) حيث اختلفا فيه (أو سلمه) أي سلم وجودها( .اخلصم انتهض الدليل) عليه العرتافه بوجودها يف
الثاين ،وقيام الدليل عليه يف األول( .وإن مل يتفقا) أي اخلصمان (عليه و) ال (على علته ورام املستدل إثباته) بدليل( .مث) إثبات (العلة)
بطريق( ،فاألصح قبوله) يف
ذلك ألن إثباته كاعرتاف اخلصم به ،وقيل ال يقبل بل ال بد من اتفاقهما عليهما صونا للكالم عن االنتشار (واألصح) أنه (ال يشرتط)
يف القياس (االتفاق) أي االمجاع (على أن حكم األصل معللـ أو النص على العلة) املستلزم لتعليله ،إذ ال دليل على اشرتاط ذلك بل
يكفي إثبات التعليلـ بدليل ،وقيل يشرتط ذلك ،وقد مر أنه ال يشرتط االتفاق على أن علة حكم األصل كذا على األصح ،وإمنا فرقت
كاألصل بني املسألتني ملناسبة احمللني ،وإمنا مل أستغن هبذه عن تلك مع أهنا تستلزمها لبيان املقابل لألصح فيهما ألهنا ال تستلزم املقابل يف
تلك.
---
( )1/111
( الثالث) من أركان القياس( .الفرع وهو احملل املشبه) باألصل (يف األصح) .وقيل حكمه وال يأيت قول كاألصل بأنه دليل احلكم ألن
دليله القياس( .واملختار قبول املعارضة فيه) أي يف الفرع (مبقتضى نقيض احلكم أو ضده) .وقيل ال يقبل ،وإال النقلب منصب املناظرة،
إذ يصري املعرتض مستدالً وبالعكس ،وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر املستدل يف دليله إىل غريه .قلنا القصد من املعارضة
مر .وصورهتا يف الفرع أن يقول املعرتض للمستدل ما ذكرت من الوصف ،وإن هدم دليل املستدل ال إثبات مقتضاها املؤدي إىل ما ّ
اقتضى ثبوت احلكم يف الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه أو ضده ،فالنقيض حنو املسح ركن يف الوضوء فيسن تثليثه كالوجه
النيب صلى اهلل عليه وسلّم ،فجبيسن تثليثه كمسح اخلف والضد حنو الوتر واظب عليه ّ فيقول املعارض مسح يف الوضوء ،فال ّ
كالتشهد فيقول املعارض مؤقت بوقت صالة من اخلمس فيسن كالفجر ،وخرج باملقتضى لنقيض احلكم أو ضده املعارضة باملقتضى
خلالف احلكم ،فال يقدح لعدم منافاهتا لدليل املستدل كما يقال اليمني الغموس قول يأمث قائله فال يوجب الكفارة ،كشهادة الزور،
فيقول املعارض قول مؤكد للباطل يظن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور( .و) املختار يف دفع املعارضة املذكورة زيادة على
دفعها بكل ما يعرتض به على املستدل ابتداء (دفعها بالرتجيح) لوصف املستدل على وصف املعارض مبرجح مما يأيت يف حمله لتعني
ورد بأنه
العمل بالراجح .وقيل ال تدفع به ألن املعترب فيها حصول أصل الظن ال مساواته لظن األصل ،وأصل الظن ال يندفع بالرتجيحّ .
لو صح ذلك القتضى منع قبول الرتجيح مطلقا وهو خالف االمجاع( .و) املختار بناء على األول (أنه ال جيب اإلمياء إليه) أي إىل
الرتجيح (يف الدليل) .ابتداء ألن ترجيح وصف املستدل على وصف معارضه خارج عن الدليل ،وقيل جيب ألن الدليل ال يتم بدونه دفع
املعارض .قلنا ال معارض حينئذ فال حاجة إىل دفعه قبل وجوده.
( وشرطه) أي الفرع (وجود متام العلة) اليت يف األصل (فيه) بال زيادة أو هبا كاإلسكار يف قياس النبيذ باخلمر ،واإليذاء يف قياس الضرب
بالتأفيف فيتع ّد ى احلكم إىل الفرع( .فإن كانت) أي العلة (قطعية) بأن قطع بكوهنا علة يف األصل وبوجودها يف الفرع كاإلسكار
واإليذاء فيما مر( .فقطعي) قياسها حىت كأن الفرع فيه مشله دليل األصل ،فإن كان دليله ظنيا فحكم الفرع كذلك( .أو) كانت
(ظنية) بأن ظن كوهنا علة يف األصل ،وإن قطع بوجودها يف الفرع (فظين وأدون) أي فقياسها ظين وهو قياس األدون والتصريح بأنه
(برب ) يف باب الربا (جبامع الطعم) فإنه العلة عندنا يف األصل مع احتمال ما قيل إهنا الفوت أو
ظين من زياديت (كتفاح) أي كقياسه ّ
الكيل ،وليس يف التفاح إال الطعم فثبوت احلكم فيه أدون من ثبوته يف الرب املشتمل على األوصاف الثالثة ،واألول الذي هو القطعي
مر التلويح به،
يشمل قياس األوىل واملساوي( .وأن) أي وشرط الفرع ما ذكر وأن (ال يعارض) أي معارضة ال يتأتى دفعها كما ّ
والتصريح هبذا من زياديت( .و) أن (ال يقوم القاطع على خالفه) أي خالف الفرع يف احلكم ،إذ ال صحة للقياس يف شيء مع قيام دليل
مر
قاطع على خالفه( .وكذا خرب الواحد) أي وأن ال يقوم خرب الواحد على خالفه (يف األصح) ألنه مقدم على القياس يف األصح كما ّ
يف حبث اخلرب( .إال لتجربة) أي مترين (النظر) من املستدل ،فيجوز القياس املخالف ألنه صحيح يف نفسه ومل يعمل به ملعارضة ما ذكر
له ،ويدل لصحته قوهلم إذا تعارض النص والقياس قدم النص( .و) أن (يتحد حكمه) أي الفرع (حبكم األصل) يف املعىن ،كما أنه
مر ،فإن مل يتحد به مل يصح القياس النتفاء حكم األصل عن الفرع ،وجواب عدم االحتاد يشرتط يف الفرع وجود متام العلة فيه كما ّ
فيما ذكر يكون ببيان االحتاد فيه كما يعلم مما يأيت يف حمله كأن يقيس الشافعي ظهار الذمي بظهار املسلم يف حرمة وطء الزوجة،
فيقول احلنفي احلرمة يف املسلمـ تنتهي
بالكفارة ،والكافر ليس من أهلها إذ ال ميكنه الصوم منها لفساد نيته فال تنتهي احلرمة يف حقه ،فاختلف احلكم ،فال يصح القياس فيقول
الشافعي ميكنه الصوم بأن يسلم مث يصوم ويصح إعتاقه وإطعامه مع الكفر اتفاقا ،فهو من أهل الكفارة ،فاحلكم متحد ،والقياس
صحيح.
(
( )1/112
و) أن (ال يتقدم) حكم الفرع (على حكم األصل) يف الظهور للمكلف( .حيث ال دليل له) غري القياس على املختار ،كقياس الوضوء
بالتيمم يف وجوب النية بتقدير أن ال دليل للوضوء غري القياس فإنه تعبد به قبل اهلجرة ،والتيمم إمنا تعبد به بعدها إذ لو جاز تقدم حكم
الفرع للزم ثبوته حال تقدمه بال دليل ،وهو ممتنع ألنه تكليف مبا ال يعلم ،نعم إن ذكر إلزاما للخصمـ جاز لقول الشافعي للحنفي القائل
بوجوب النية يف التيمم دون الوضوء طهارتان أىن يفرتقان الحتاد األصل والفرع يف املعىن ،فإن كان له دليل آخر جاز تقدمه النتفاء
احملذور السابق ،وبناء على جواز تع ّد د الدليل ،وقيل ال جيوز تقدمه( .ال ثبوته) أي حكم الفرع (بالنص مجلة) فال يشرتط على املختار
ورد اشرتاط
وقيل يشرتط ويطلب بالقياس تفصيله ،فلوال العلم بورود مرياث اجل ّد مجلة ملا جاز القياس يف توريثه مع اإلخوة واألخواتّ ،
علي حرام بالطلق والظهار واإليالء حبسب اختالفهم فيه ،ومل يوجد فيه نص ال مجلة وال تفصيالً( .وال ذلك بأن العلماء قاسوا أنت ّ
انتفاء نص أو إمجاع يوافق) القياس يف احلكم ،فال يشرتط ،بل جيوز القياس مع موافقتهما أو أحدمها له( .على املختار) بناء على جواز
تع ّدد الدليل ،وقيل يشرتط انتفاؤمها وإن جاز تع ّدد الدليل نظرا إىل أن احلاجة إىل القياس ،إمنا تدعو جواز تع ّدد الدليل ،وقيل يشرتط
انتفاؤمها وإن جاز تع ّد د الدليل نظرا إىل أن احلاجة إىل القياس ،إمنا تدعو عند فقد النص واإلمجاع ،قلنا أدلة القياس مطلقة عن اشرتاط
ذلك ،وعلى األول جرى األصل ،لكنه خالفه قبل يف النص فجرى فيه على
الثاين.
( )1/113
(الرابع) من أركان القياس (العلة) ويعرب عنها بالوصف اجلامع بني األصل والفرع ،ويف معناها شرعا أقوال ينبين عليها مسائل تأيت.
(األصح أهنا) أي العلة (املعرف) للحكم .فمعىن كون اإلسكار مثالً علة أنه معرف ،أي عالمة على حرمة املسكر .وقالت املعتزلة هي
املؤثر بذاته يف احلكم بناء على قاعدهتم من أنه يتبع املصلحة أو املفسدة ،وقيل هي املؤثر فيه جبعله تعاىل ال بالذات ،وقيل هي الباعث
ورد بأنه تعاىل ال يبعثه شيء ومن عرب من الفقهاء عنها بالباعث أراد كما قال السبكي أهنا باعثة للمكلف على االمتثال( .و) عليهّ ،
األصح (أن حكم األصل) على القول بأهنا املعرف (ثابت هبا) ال بالنص .وقالت احلنفية ثابت بالنص ،ألنه املفيد للحكمـ قلنا مل يفده
بقيد كون حمله أصالً يقاس به الذي الكالم فيه ،واملفيد له العلة ألهنا منشأ التعدية احملققة للقياس ،فاملراد بثبوت احلكم هبا معرفته ألهنا
معرفة له( .وقد تكون) العلة (دافعة للحكم) أي لتعلقه كالعدة فإهنا تدفع حل النكاح من غري صاحبها وال ترفعه كأن كانت عن
شبهة( .أو رافعة) له كالطالق فإنه يرفع حل التمتع وال يدفعه جلواز النكاح بعده( .أو فاعلة هلما) أي الدفع والرفع كالرضاع فإنه يدفع
حل النكاح ويرفعه وتكون العلة( .وصفا حقيقيا) وهو ما يتعقل يف نفسه من غري توقف على عرف أو غريه( .ظاهرا منضبطا) ال خفيا
أو مضطربا كالطعم يف الربوي( .أو) وصفا (عرفيا مطردا) أي ال خيتلف باختالف األوقات كالشرف واخلسة يف الكفاءة( .وكذا)
تكون (يف األصح) وصفا (لغويا) كتعليل حرمة النبيذ بتسميته مخرا بناء على ثبوت اللغة بالقياس ،وقيل ال يعلل احلكم الشرعي باألمر
اللغوي (أو حكما شرعيا) سواء أكان املعلول كذلك كتعليل جواز رهن املشاع جبواز بيعه أم أمرا حقيقيا كتعليل حياة الشعرـ حبرمته
بالطالق وحله بالنكاح كاليد ،وقيل ال تكون حكما ألن شأن احلكم أن يكون معلوالً
ورد بأن العلة مبعىن املعرف ،وال ميتنع أن يعرف حكم حكما أو غريه ،وقيل ال تكون حكما شرعيا إن كان املعلول أمرا ال علةّ ،
حقيقيا( .أو) وصفا (مركبا) كتعليل وجود القود بالقتل العمد العدوان ملكاىفء ،وقيل ال يكون علة ألن التعليل باملركب يؤدي إىل حمال
إذ بانتفاء جزء منه تنتفي عليته فبانتفاء آخر يلزم حتصيل احلاصل ،ألن انتفاء اجلزء علة لعدم العلية .قلنا إمنا يؤدي إىل ذلك يف العلل
العقلية ال املعرفات ،وكل من االنتفاءات هنا معرف لعدم العلية وال استحالة يف اجتماع معرفات على شيء واحد ،وقيل يكون علة ما
مل يزد على مخسة أجزاء.
( وشرط لالحلاق) حبكم األصل (هبا) أي بسبب العلة (أن تشتمل على حكمة) أي مصلحة مقصودة من شرع احلكم (تبعث) أي حتمل
املكلف حيث يطلع عليها (على االمتثال وتصلح شاهدا إلناطة احلكم) بالعلة كحفظ النفوس فإنه حكمة ترتب وجود القود على علته
انكف عن القتل ،وقد ال ينكف عنه توطينا لنفسه على تلفها ،وهذه احلكمة تبعث املكلف السابقة ،فإن من علم أن من قتل اقتص منه ّ
من القاتل وويل األمر على امتثال األمر الذي هو إجياب القود بأن ميكن كل منهما وارث القتيل من القود ،ويصلح شاهدا إلناطة
وجوب القود بعلته ،فيلحق حينئذ القتل مبثقل بالقتل مبحدد يف وجوب القود الشرتاكهما يف العلة املشتملة على احلكمة املذكورة،
فمعىن اشتماهلا عليها كوهنا ضابطا هلا كالسفر يف حل القصر مثالً( .ومانعها) أي العلة (وصف وجودي خيل حبكمتها) كالدين على
القول بأنه مانع من وجوب الزكاة على املدين ،فإنه وصف وجودي خيل حبكمة العلة لوجوب الزكاة املعلل مبلك النصاب وهي
االستغناء مبلكه ،إذ املدين ال يستغين مبلكه الحتياجه إىل وفاء دينه به ،وال يضر خلو املثال عن اإلحلاق الذي الكالم فيه ،وتعبريي مبا
ذكر أوىل مما عرب به ملا بينته يف احلاشية( .وال جيوز يف األصح كوهنا احلكمة إن مل تنضبط) كاملشقة يف السفر لعدم انضباطها ،فإن
انضبطت جاز كما رجحه اآلمدي وابن احلاجب وغريمها النتفاء احملذور ،وقيل جيوز مطلقا ألهنا املشروع هلا احلكم ،وقيل ال جيوز
مطلقا .وقضية كالم األصل ترجيحه ،وحمل اخلالف إذا مل حتصل احلكمة من ترتيب احلكم على الوصف يقينا أو ظنا كما سيأيت
إيضاحه يف مبحث املناسبة( .و) ال جيوز يف األصح وفاقا البن احلاجب وغريه( .كوهنا عدمية) ولو بعدمية جزئها أو بإضافتها بأن
يتوقف تعقلها على تعقل غريها كاألبوة (يف) احلكم (الثبويت) ،فال جيوز حكمت بكذا لعدم كذا أو لألبوة بناء على أن االضايف عدمي
كما سيأيت تصحيحه أواخر الكتاب ،وذلك ألن العلة مبعىن العالمة جيب أن
---
( )1/114
تكون أجلى من املعلل ،والعدمي أخفى من الثبويت ،وقيل جيوز لصحة أن يقال ضرب فالن عبده لعدم امتثاله أمره .وأجيب مبنع صحة
التعليل بذلك ،وإمنا يصح بالكف عن امتثاله وهو أمر ثبويت ،واخلالف يف العدم املضاف خبالف العدم املطلقـ ال جيوز التعليل به قطعا،
ألن نسبته إىل مجيع احملال على السواء ،فال يعقل كونه علة وجيوز وفاقا تعليل الثبويت مبثله كتعليل حرمة اخلمر باالسكار والعدمي مبثله،
كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي مبثله ،كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي بالثبويت كتعليل ذلك
باإلسراف.
( وجيوز التعليل مبا ال يطلع على حكمته) كتعليل الربوي بالطعم أو غريه( .ويثبت احلكم فيما يقطع بانتفائها فيه للمظنة يف األصح)
جلواز القصر بالسفر ملن ركب سفينة قطعتـ به مسافة القصر يف حلظة بال مشقة ،وقيل ال يثبت ،وعليه اجلدليون إذ ال عربة باملظنة عند
األو ل جيوز اإلحلاق للمظنة كإحلاق الفطر بالقصر ،فيما ذكر فما مر من أنه يشرتط يف اإلحلاق بالعلة اشتماهلا حتقق انتفاء املئنة ،وعلى ّ
على حكمة شرط يف اجلملة أو للقطعـ جبواز اإلحلاق ،مث ثبوت احلكم فيما ذكر غري مطرد ،بل قد ينتفي كمن قام من النوم متيقنا
طهارة يده فال تثبت كراهة غمسها يف ماء قليل قبل غسلها ثالثا ،بل تنتفي خالفا إلمام احلرمني والرتجيح من زياديت( .واألصح جواز
التعليل بـ(ـالعلة (القاصرة) وهي اليت ال تتعدى حمل النص (لكوهنا حمل احلكم أو جزءه) اخلاص بأن ال توجد يف غريه (أو وصفه اخلاص)
فاألو ل كتعليل حرمة الربا يف الذهب بكونه ذهبا ويف الفضة كذلك ،والثاين كتعليل نقض الوضوء يف اخلارج بأن ال يتصف به غريهّ ،
من السبيلني باخلروج منهما ،والثالث كتعليل حرمة الربا يف النقدين بكوهنما قيم األشياء .وخرج باخلاص يف الصورتني غريه فال قصور
فيه ،كتعليل احلنفية النقض فيما ذكر خبروج النجس من البدن الشامل ملا ينقض عندهم من الفصد وحنوه ،وكتعليل ربوية الرب بالطعم،
وقيل ميتنع التعليل بالقاصرة مطلقا لعدم فائدهتا ،وقيل ميتنع إن مل تكن ثابتة بنص أو إمجاع لذلك.
( و) حنن ال نسلم ذلك بل (من فوائدها معرفة املناسبة) بني احلكم وحمله فيكون أدعى للقبول( .وتقوية النص) الدال على معلوهلا بأن
يكون ظاهرا ال قطعيا( .و) األصح جواز التعليل (باسم لقب) كتعليل الشافعي جناسة بول ما يؤكل حلمه بأنه بول كبول اآلدمي ،وقيل
ال جيوز ألنا نعلم بالضرورة أنه ال أثر يف حرمة اخلمر لتسميته مخرا ،خبالف مسماه من كونه خمامرا للعقلـ فإنه تعليل بالوصف( .و)
األصح جواز التعليل (باملشتق) املأخوذ من فعل كالسارق يف قوله تعاىل {والسارق والسارقة} اآلية أو من صفة كأبيض فإنه مأخوذ
األول ،والتعليلـ بالثاين من باب الشبه الصوري كقياس اخليل على من البياض ،وقيل ميتنع فيهما .وزعم األصل االتفاق على اجلواز يف ّ
البغال يف عدم وجوب الزكاة وسيأيت اخلالف فيه( .و) األصح جواز التعليل شرعا وعقالً للحكم الواحد الشخصيـ (بعلل شرعية)
اثنتني فأكثر مطلقا ،ألهنا عالمات وال مانع من اجتماع عالمات على شيء واحد( .وهو واقع) كما يف اللمس واملس والبول املوجب
كل منها للحدث ،وقيل جيوز ذلك يف العلل املنصوصة دون املستنبطة ألن األوصاف املستنبطة الصاحل كل منها للعلية جيوز أن يكون
جمموعها العلة عند الشارع ،فال يتعني استقالل كل منها بالعلية خبالف ما نص على استقالله هبا .وأجيب بأنه يتيعن االستقالل
باالستنباط أيضا وقيل ميتنع شرعا مطلقا ،إذ لو جاز شرعا لوقع لكنه مل يقع .قلنا بتقدير تسليم اللزوم ال نسلم عدم وقوعه ملا مر من
عللـ احلدث ،وقيل ميتنع عقالً وهو الذي صححه األصل ،وقيل جيوز يف التعاقب دون املعية للزوم احملال اآليت هلا خبالف التعاقب ،ألن
األول ال عينه ،وعلى منع التع ّدد فما يذكره اجمليز من التع ّدد ،إما أن يقال فيه العلة جممع األمور أو
الذي يوجد فيه بالثانية مثالً مثل ّ
أحدها ال بعينه ،أو يقال فيه احلكم متعدد مبعىن أن احلكم املستند إىل واحد منها غري املستند إىل آخر ،وإن اتفقا نوعا كما قيل بكل من
ذلك ،أما العللـ
العقلية فيمتنع تع ّددها مطلقاـ للزوم احملال منه كاجلمع بني النقيضني ،فإن الشيء باستناده إىل كل منها يستغين عن الباقي ،فيلزم أن يكون
مستغنيا عن كل منها وغري مستغن عنه ،وذلك مجع بني النيقيضني ،ويلزم يف التعاقب حمال آخر ،وهو حتصيل احلاصل حيث يوجد مبا
عدا األوىل عني ما وجد هبا .وفارقت العلل العقلية الشرعية على األصح بأن احملال املذكور إمنا يلزم فيها إلفادهتا ،وجود املعلول خبالف
الشرعية اليت هي معرفات ،فإهنا إمنا تفيد العلمـ به سواء أفسر املعرف مبا حيصل به التعريف ،أم مبا من شأنه التعريف.
---
( )1/115
( وعكسه) وهو تعليل أحكام بعلة (جائز وواقع)) جزما بناء على األصح من تفسري العلة باملعرف (إثباتا كالسرقة) فإهنا علة لوجوب
القطع ولوجوب الغرم إن تلف املسروق( .ونفيا كاحليض) ،فإنه علة لعدم جواز الصوم والصالة وغريمها ،أما على تفسري العلة بالباعث
فكذلك على األصح ،وقيل ميتنع تعليلها بعلة بناء على اشرتاط املناسبة فيها ،ألن مناسبتها حلكم حيصل املقصود منها برتتيب احلكم
عليها ،فلو ناسبت آخر لزم حتصيل احلاصل .قلنا ال نسلم ذلك جلواز تعدد املقصود كما يف السرقة املرتب عليها القطع زجرا عنها
والغرم جربا ملا تلف من املال ،وقيل ميتنع ذلك إن تضادت األحكام كالتأبيد لصحة البيع وبطالن اإلجارة ،ألن الشيء الواحد ال
يناسب املتضادات( .و) شرط (لإلحلاق) بالعلة (أن ال يكون ثبوهتا متأخرا عن ثبوت حكم األصل يف األصح) سواء أفسرت بالباعث أم
باملعرف ،ألن الباعث على الشيء أو املعرف له ال يتأخر عنه ،وقيل جيوز تأخر ثبوهتا بناء على تفسريها باملعرف كما يقال عرق الكلب
جنس كلعابه ،ألنه مستقذر ألن استقذاره إمنا يثبت بعد ثبوت جناسته .قلنا قوله بناء على تفسريها باملعرف إمنا يتم بتفسري املعرف مبا من
باألول فتعريف املتأخر
شأنه التعريف ال بتفسريه مبا حيصل به التعريف الذي هو املراد ،لئال يلزم عليه تعريف املعرف ،وعلى تفسريه ّ
للمتق ّدمـ جائز ،وواقع إذ احلادث يعرف القدمي كالعامل لوجود الصانع تعاىل( .و) شرط اإلحلاق بالعلة (أن ال تعود على األصل) الذي
استنبطت منه (باإلبطال) حلكمه ألنه منشؤها فإبطاهلا له إبطال هلا كتعليلـ احلنفية وجوب الشاة يف الزكاة بدفع حاجة الفقري ،فإنه جموز
إلخراج قيمة الشاة مفض إىل عدم وجوهبا عينا بالتخيري بينها وبني قيمتها( .وجيوز عودها) على األصل (بالتخصيص) له (يف األصح
غالبا) .فال يشرتط عدمه كتعليل احلكم يف آية {أو المستم النساء} بأن اللمس مظنة التمتع أي التلذذ ،فإنه خيرج من النساء احملارم فال
ينقض
ملسهن الوضوء ،وقيل ال جيوز ذلك فيشرتط عدم التخصيص ،فينقض ملس احملارم الوضوء عمالً بالعموم والتصحيح من زياديت ،وخرج
بالتخصيص التعميم فيجوز العود به قطعا كتعليل احلكم يف خرب الصحيحني ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان ،بتشويش الفكر فإنه
يشمل غري الغضب أيضا وبزياديت غالبا تعليل حنو احلكم يف خرب النهي عن بيع اللحم باحليوان بأنه بيع ربوي بأصله ،فإنه يقتضي جواز
البيع بغري اجلنس من مأكول وغريه كما هو أحد قويل الشافعي ،لكن أظهرمها املنع نظرا للعموم.
( و) شرط لإلحلاق بالعلة (أن ال تكون) العلة (املستنبطة معارضة مبناف) ملقتضاها (موجود يف األصل) إذ ال عمل هلا مع وجوده إال
مبرجح ،ومثل له بقول احلنفي يف نفي وجوب التبييت يف صوم رمضان صوم عني فيتأدى بالنية قبل الزوال كالنفل فيعارضه الشافعي
بأنه صوم فرض فيحتاط فيه خبالف النفل ،وهو مثال للمعارض يف اجلملة وليس منافيا وال موجودا يف األصل ،وخرج باألصل الفرع
فال يشرتط انتفاء وجود ذلك فيه لصحة العلة ،وقيل يشرتط أيضا ومثل له بقولنا يف مسح الرأس ركن يف الوضوء ،فيسن تثليثه كغسل
الوجه فيعارضه اخلصم بقوله مسح فال يسن تثليثه كاملسح على اخلفني ،وهو مثال للمعارض يف اجلملة وليس منافيا ،وإمنا ضعف هذا
الشرط ،وإن مل يثبت احلكم يف الفرع عند انتفائه ألن الكالم يف شروط العلة ،وهذا شرط لثبوت احلكم يف الفرع ال للعلة اليت الكالم
فيها ،وإمنا قيد املعارض باملنايف ألنه قد ال يناىف كما سيأيت فال يشرتط انفاؤه ،وجيوز أن يكون هو علة أيضا بناء على جواز التعليل
بعلل( .و) شرط لالحلاق بالعلة (أن ال ختالف نصا أو إمجاعا) لتقدمهما على القياس فمخالفة النص كقول احلنفي املرأة مالكة لبضعها
فيصح نكاحها بغري إذن وليها قياسا على بيع سلعتها فإنه خمالف خلرب أيب داود وغريه «أميا امرأة نكحت نفسها بغري إذن وليها فنكاحها
باطل» .وخمالفة اإلمجاع كقياس صالة املسافر على صومه يف عدم الوجوب جبامع السفر الشاق فإنه خمالف لإلمجاع على وجوب أدائها
عليه( .و) أن (ال تتضمن) العلة (املستنبطة زيادة عليه) أي على النص أو اإلمجاع( .منافية مقتضاه) ،بأن يدل النص مثالً على علية
وصف ويزيد االستنباط قيدا فيه منافيا للنص فال يعمل باالستنباط لتق ّدم النص عليه والتقييد باملستنبطة من زياديت( .و) شرط لإلحلاق
بالعلة (أن تتعني) يف األصح ،فال تكفي املبهمة ألن العلة منشأ التعدية احملققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل أن يكون معينا،
فكذا منشأ احملقق
---
( )1/116
له ،وقيل يكفي املبهمة من أمرين فأكثر املشرتكة بني املقيس واملقيس عليه( .ال أن ال تكون) العلة (وصفا مقدرا) فال يشرتط يف األصح
كتعليل جواز التصرف بامللك الذي هو معىن مقدر شرعي يف حمل التصرف .وقيل يشرتط ذلك ورجحه األصل تبعا لإلمام الرازي.
األصح جلواز تعدد األدلة ،وقيل يشرتط ذلك لالستغناء حينئذ ّ (وال أن ال يشمل دليلها حكم الفرع لعمومه أو خصوصه) فال يشرتط يف
عام مثالً مبثل» .فإنه دال على علية الطعم ،فالعن القياس بذلك الدليل ،ورجحه األصل مثال الدليل يف العموم خرب مسلمـ «الطّعام بالطّ ِ
ُ
حاجة على هذا اقول يف إثبات ربوية التفاح مثالً إىل قياسه على الرب جبامع الطعم لالستغناء عنه بعموم اخلرب ،ومثاله يف اخلصوص خرب
«من قاء أو رعف فليتوضأ» فإنه دال على علية اخلارج النجس يف نقض الوضوء فال حاجة للحنفي إىل قياس القيء أو الرعاف على
اخلارج من السبيلني يف نقض الوضوء جبامع اخلارج النجس لالستغناء عنه خبصوص اخلرب( .وال القطعـ يف) صورة العلة (املستنبطة حبكم
األصل) بأن يكون دليله قطعيا من كتاب أو سنة متواترة أو إمجاع قطعي( .وال القطع بوجودها يف الفرع وال انتفاء خمالفتها مذهب
األصح بل يكفي الظن بذينك ألنه غاية االجتهاد فيما يقصد به العمل ،وقيل يشرتط القطع هبما ألن الظن ّ الصحايب) فال تشرتط يف
يضعف بكثرة املقدمات فرمبا يزول ،وأما مذهب الصحايب فليس حبجة فال يشرتط انتفاء خمالفة العلة له ،وقيل يشرتط ألن الظاهر
استناده إىل النص الذي استنبطت منه العلة( .وال انتفاء املعارض هلا) يف األصل فال يشرتط( .يف األصح) بناء على جواز تعدد العلل كما
هو رأي اجلمهور ،وقيل يشرتط بناء على منع ذلك وألنه ال عمل للعلةـ حينئذ إال مبرجح والتقييد باملستنبطة يف األربع من زياديت.
(
واملعارض هنا) خبالفه فيما مر حيث وصف باملنايف( .وصف صاحل للعلية كصالحية املعارض) بفتح الراء هلا (ومفض لالختالف) .بني
املتناظرين (يف الفرع كالطعم مع الكيل يف الرب) ،فكل منهما صاحل للعلية فيه مفض لالختالف بني املتناظرين (يف التفاح) مثالً فعندنا
ربوي كالرب بعلة الطعم وعند اخلصم املعارض بأن العلة الكيل ليس بربوي النتفاء الكيل فيه ،وكل منهما حيتاج إىل ترجيح وصفه على
وصف اآلخر( .واألصح) أنه (ال يلزم املعرتض نفي وصفه) أي بيان انتفائه (عن الفرع) مطلقاـ حلصول مقصوده من هدم ما جعله
املستدل العلة مبجرد املعارضة ،وقيل يلزمه ذلك مطلقا ليفيد انتفاء احلكم عن الفرع الذي هو املقصود ،وقيل يلزمه إن صرح بالفرق بن
األصل والفرع يف احلكم فقال مثالً ال ربا يف التفاح خبالف الرب وعارض علية الطعم فيه ألنه بتصرحيه بالفرق التزمه( .و)أنه (ال) يلزمه
الرب الطعم دون القوت بدليل امللح(إبداء أصل) يشهد لوصفه باالعتبار ملا مر ،وقيل يلزمه ذلك حىت تقبل معارضته كأن يقول العلة يف ّ
فالتفاح مثالً ربوي( .وللمستدل الدفع) أي دفع املعارضة بأوجه ثالثة وإن عدها األصل أربعة( .باملنع) أي منع وجوب الوصف
املعارض به يف األصل ولو بالقدح ،كأن يقول يف دفع معارضة الطعم بالكيل يف اجلوز مثالً ال نسلم أنه مكيل ألن العربة بعادة زمن النيب
صلى اهلل عليه وسلّم ،وكان إذ ذاك موزونا أو معدودا وكأن يقدح يف علية الوصف ببيان خفائه أو عدم انضباطه أو غري ذلك من
مفسدات العلة( .وببيان استقالل وصفه) أي املستدل (يف صورة ولو) كان البيان (بظاهر عام) ،كما يكون باإلمجاع أو بالنص القاطع
أو بالظاهر اخلاص (إن مل يتعرض) أي املستدل (للتعميم) كأن يبني استقالل الطعم املعارض بالكيل يف صورة خبرب مسلم الطعام بالطعام
مثالً مبثل واملستقل مقدم على غريه ،فإن تعرض للتعميم كقوله فتثبت ربوية كل مطعوم خرج عن إثبات احلكم بالقياس الذي هو بصدد
الدفع عنه إىل إثباته
بالنص وتبقى املعارضة ساملة من القدح فال يتم القياس( .وباملطالبة) للمعرتضـ (بالتأثري) لوصفه إن كان مناسبا (أو الشبه) إن كان غري
مناسب ،هذا( .إن مل يكن) دليل املستدل على العلية (سربا) بأن كان مناسبا أو شبها لتحصل معارضته مبثله ،فإن كان سربا فال مطالبة
له بذلك إذ جمرد االحتمال قادح فيه( .ولو قال) املستدل للمعرتض (ثبت احلكم) يف هذه الصورة (مع انتفاء وصفك) الذي عارضت به
وصفي عنها( ،مل يكف) يف الدفع (وإن وجد) ،ولو بفرض املتناظرين (معه) أي مع انتفاء وصف املعرتض عنها (وصفه) أي وصف
املستدل فيها الستوائهما يف انتفاء وصفيهما إن مل يوجد مع ما ذكر وصف املستدل ،وبناء على جواز تعدد العلل مطلقا .وقيل يكفي
مر ،وهذا رجحه األصل ،مث ذكر يف انتفاء وصف يف الشق الثاين بناء على امتناع تعدد العلل خبالفه يف األول ،ال يكفي الستوائها فيما ّ
املستدل زيادة على عدم االكتفاء مبنية على ما صححه من امتناع التعليل بعلتني.
ّ
( )1/117
وحاصلها مع اإليضاح أن املستدل ينقطع مبا قاله العرتافه فيه بإلغاء وصفه حيث ساوى وصف املعرتض فيما قدح هو به فيه( .ولو
املستدل ( .ما) أي وصفا (خيلف امللغى مسى) ما أبداه (تعدد الوضع) لتعدد ما وضع أي ّ أبدى املعرتض) يف الصورة اليت ألغى وصفه فيها
بىن عليه احلكم عنده من وصف بعد أخر( .وزالت) مبا أبداه (فائدة اإللغاء) وهي سالمة وصف املستدل عن القدح فيه( .ما مل يلغ
املستدل اخللف بغري دعوى قصوره أو) دعوى (ضعف معىن املظنة) املعللـ هبا أي ضعف املعىن الذي اعتربت املظنة له( .وسلم) املستدل
(أن اخللف مظنة) وذلك بأن مل يتعرض املستدل إللغاء اخللف أو تعرض له بدعوى قصوره أو بدعوى ضعف معىن املظنة فيه وسلم ما
ذكر ،خبالف ما إذا ألغاه بغري الدعوتني أو بالثانية ومل يسلم ما ذكر فال تزول فائدة إلغائه.
( وقيل دعوامها) أي القصور وضعف معىن املظنة مع التسليم (إلغاء) للخلف أيضا ينايف األوىل على امتناع التعليل بالقاصرة ،ويف الثانية
كاحلر
على تأثري ضعف املعىن يف املظنة فال تزول فيهما فائدة اإللغاء األول ،مثال تعدد الوضع ما يأيت فيما يقال يصح أمان العبد للحريب ّ
احلرية معهما فإهنا مظنة فراغ
جبامع اإلسالم والتكليف ،فإهنما مظنتا إظهار مصلحة اإلميان من بذل األمان فيعرتض احلنفي باعتبار ّ
احلر ية بثبوت األمان بدوهنا يف العبد املأذون له يف القتال اتفاقا
القلبـ للنظر خبالف الرقبة الشتغال الرقيق خبدمة سيده فيلغي الشافعي ّ
احلر ية ألنه مظنة بذل وسعه يف النظر يف مصلحة القتال واإلميان (وال يكفي) يف دفع املعارضة فيجيب احلنفي بأن اإلذن له خلف ّ
(رجحان وصف املستدل) على وصفها مبرجح ،ككونه أنسب أو أشبه من وصفها بناء على جواز تعدد العلل ،فيجوز أن يكون كل
من الوصفني علة ،وقيل يكفي بناء على منع التعدد ورجحه األصل( .وقد يعرتض) على املستدل (باختالف جنس احلكمة) يف الفرع
واألصل( .وإن احتد اجلامع) بني الفرع واألصل كما يأيت فيما يقال حي ّد الالئط كالزاين جبامع إيالج فرج يف فرج مشتهى طبعا حمرم
شرعا ،فيعرتض بأن احلكمة يف حرمة اللواط الصيانة عن رذيلته ،ويف حرمة الزنا دفع اختالط األنساب املؤدي هو إليه ومها خمتلفتان،
فيجوز أن خيتلف حكمهما بأن يقصر احلد على الزنا فيكون خصوصه معتربا يف علة احلد( .فيجاب) عن االعرتاض (حبذف خصوص
مر يف املثال ال مع خصوص الزنا األصل عن االعتبار) يف العلة بطريق من طرق إبطاهلا ،فيسلم أن العلة هي القدر املشرتك فقط كما ّ
كأبو ة القاتل املانعة من وجوب قتله بولده( ،أو انتفاء شرط) كعدم إحصان الزاين فيه( .والعلة إذا كانت وجود مانع) من احلكم ّ
املشرتط لوجوب رمجه (ال تستلزم وجود املقتضي يف األصح) .وقيل تستلزمه ،وإال كان انتفاء احلكم النتفاء املقتضي ال ملا فرض من
وجود مانع أو انتفاء شرط ،قلنا جيوز أن
يكون انتفاؤه ملا فرض أيضا جلواز تعدد العلل.
( )1/118
مسالكـ العلة
أي هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشيء.
( )1/119
(األول اإلمجاع) كاإلمجاع على أن العلة يف خرب الصحيحني «ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان» .تشويش الغضبـ للفكر فيقاس
يشو ش الفكر حنو جوع وشبع مفرطني ،وكاإلمجاع على أن العلة يف تقدمي األخ الشقيقـ يف اإلرث على األخ لألب بالغضب غريه مما ّ
اختالط النسبني فيه فيقاس به تقدميه عليه يف والية النكاح ،وصالة اجلنازة وحنومها.
---
( )1/120
(الثاين) من مسالك العلة (النص الصريح) بأن ال حيتمل غري العلة (كلعلة كذا فلسبب) كذا (فمن أجل) كذا (فنحو كي) التعليلية
(وإذن) كقوله تعاىل {من أجل ذلك كتبنا على بين إسرائيل}{ ،كي ال يكون دولة بني األغنياء منكم}{ ،إذا ألذقناك ضعف احلياة
وضعف املمات} وفيما عطف بالفاء هنا وفيما يأيت إشارة إىل أنه دون ما قبله رتبة خبالف ما عطف بالواو( .و) النص (الظاهر) بأن
حيتمل غري العلية احتماالً مرجوحا (كالالم ظاهرة) حنو {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إىل النور} (فمقدرة) حنو؛
{وال تطع كل حالف} إىل قوله {أن كان ذا مال وبنني} أي ألن (فالباء) حنو {فبما رمحة من اهلل} أي ألجلها لنت هلم( .فالفاء يف
كالم الشارع) وتكون فيه يف احلكم كقوله تعاىل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ويف الوصف كخرب الصحيحني يف احملرم الذي
وقصته ناقته «ال متسوه طيبا وال ختمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا»( .فـ)ـفي كالم (الراوي الفقيه فـ)ـفي كالم الراوي (غريه) أي
غري الفقيه ،وتكون فيهما يف احلكم فقط ،وقال بعض احملققني يف الوصف فقط ،ألن الراوي حيكي ما يف الوجود ،وذلك كقول عمران
األول أظهر معىن، بن حصني «سها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم فسجد» .رواه أبو داود وغريه وكل من القولني صحيح ،وإن كان ّ
والثاين أدق كما بينته يف احلاشية( .فإن) املكسورة املشددة كقوله تعاىل {رب ال تذر على األرض من الكافرين} اآلية .وتعبريي بالفاء
مر يف) مبحث (احلروف) ،ما يرد للتعليل غري املذكور هنا يف األخرية من زياديت( .وإذ) حنو ضربت العبد إذا أساء أي إلساءته( .وما ّ
وهو بيد وحىت وعلى ويف ومن فلرتاجع ،وإمنا مل تكن املذكورات من الصريح جمليئها لغري التعليل كالعاقبة يف الالم والتعدية يف الباء،
مر يف مبحث احلروف. وجمرد العطف يف الفاء وجمرد التأكيد يف إ ّن والبدل يف إذ كما ّ
---
( )1/121
(الثالث) من مسالك العلة (اإلمياء وهو) لغة اإلشارة اخلفية واصطالحا (اقرتان وصف ملفوظ حبكم ولو) كان احلكم (مستنبطا) كما
يكون ملفوظا (لو مل يكن للتعليل هو) أي الوصف (أو نظريه) لنظري احلكم حيث يشار بالوصف واحلكم إىل نظريمها أي لو مل يكن
ذلك من حيث اقرتانه باحلكم لتعليل احلكم به (كان) ذلك االقرتان (بعيدا) من الشارع ال يليق بفصاحته وإتيانه باأللفاظ يف حماهلا
األعرايب «واقعت أهلي يف هنار رمضان ،فقال النيب صلى اهلل عليهّـ واإلمياء (كحكمه) أي الشارع (بعد مساع وصف) كما يف خرب
وسلّ م «أعتق رقبة» .إىل آخره .رواه ابن ماجة مبعناه ،وأصله يف الصحيحني فأمره باإلعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له ،وإال
خلال السؤال عن اجلواب وذلك بعيد فيقدر السؤال يف اجلواب فكأنه قال واقعت فأعتق( .وذكره يف حكم وصفا لو مل يكن علة) له (مل
يفد) ذكره كقوله صلى اهلل عليه وسلّم «ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان» .فتقييده املنع من احلكم حبالة الغضب املشوش للفكر
يدل على أنه علة له ،وإال خلال ذكره عن الفائدة وذلك بعيد( .وتفريقه بني حكمني بصفة) إما (مع ذكرمها) كخرب الصحيحني «أنه
صلى اهلل عليه وسلّم جعل للفرس سهمني وللرجل» .أي صاحبه «سهما» ،فتفريقه بني هذين احلكمني هباتني الصفتني لو مل يكن لعلية
كل منهما لكان بعيدا( .أو) مع (ذكر أحدمها) فقط كخرب الرتمذي «القاتل ال يرث» أي خبالف غريه املعلوم إرثه فالتفريق بني عدم
اإلرث املذكور واإلرث املعلوم بصفة القتل يف األول لو مل يكن لعليته له لكان بعيدا( .أو) تفريقه بني حكمني ،إما (بشرط) كخرب
بابر والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح بامللح مثالً مبثل سواء بسواء يدا بيد ،فإذا
والرب ّ
مسلمـ «الذهب بالذهب والفضة بالفضة ّ
اختلفت هذه األجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» .فالتفريق بني منع البيع يف هذه األشياء متفاضالً وجوازه عند اختالف
اجلنس لو مل يكن لعلية االختالف للجواز
صرح به عقبه بقوله {فإذا قرباهنن كما ّ
ّ تقربوهن حىّت يطهرن} أي فإذا تطهرن فال منع منّ لكان بعيدا( .أو غاية) كقوله تعاىل {وال
قرباهنن يف احليض وجوازه يف الطهر لو مل يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا( .أو استثناء) ّ تطهرن فأتوهن} فتفريقه بني املنع من
هلن وانتفائه عند
كقوله تعاىل {فنصف ما فرضتم إال أن يعفون} أي الزوجات عن النصف فال شيء هلن فتفريقه بني ثبوت النصف ّ
عفوهن عنه لو مل يكن لعلية العفو لالنتفاء لكان بعيدا( .أو استدراك) كقوله تعاىل؛ {ال يؤاخذكم اهلل باللغو يف أميانكم} إىل آخره ّ
فتفريقه بني عدم املؤاخذة باإلميان واملؤاخذة هبا عند تعقيدها لو مل يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيدا( .وترتيب حكم على
يفوت املطلوب) وصف) كأكرم العلماء فرتتيب اإلكرام على العلمـ لو مل يكن لعلية العلمـ له لكان بعيدا (ومنعه) أي الشارع (مما قد ّ
يفوهتا لو مل يكن ملظنة تفويتها لكان بعيدا. كقوله تعاىل {فاسعوا إىل ذكر اهلل وذروا البيع} فاملنع من البيع وقت نداء اجلمعة الذي قد ّ
وهذه األمثلة أسلم ما اتفق على أنه إمياء وهو أن يكون الوصف واحلكم ملفوظني وخرج بامللفوظ أي فعالً أو ّقوة الوصف املستنبط
فليس اقرتانه باحلكم إمياء قطعا إن كان احلكم مستنبطا أيضا ،وإال فليس بإمياء يف األصح خبالف عكسه وهو الوصف امللفوظ واحلكم
األصح تنزيالً للمستنبط منزلة امللفوظ ،وفارق ما قبله باستلزام الوصف احلكم فيه خبالف ما قبله ّ املستنبط له فإنه كما علم إمياء يف
{وأحل اهلل البيع} فحله مستلزم لصحته .ومثال ما قبله تعليل حكم الربويات بالطعم أو غريه ّ جلواز كون الوصف أعم مثاله قوله تعاىل
والنزاع كما قال العضد لفظي مبين على تفسري اإلمياء ،وأما مثال النظري فكخرب الصحيحني أن امرأة قالت يا رسول اهلل .إن أمي ماتت
يؤدى ذلك عنها»؟ قالت نعم .قال «فصومي عن وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ّ
يؤد ى عنها سألته عن دين اهلل على امليت وجواز قضائه عنه فذكر هلا دين اآلدمي عليه ،وأقرها على جواز قضائه عنه أمك» أي فإنه ّ
ومها نظريان ،فلو مل يكن جواز القضاء فيهما لعلية الدين له لكان بعيدا( .وال تشرتط) يف اإلمياء (مناسبة) الوصف (املومي إليه) للحكم
األصح ) بناء على أن العلة مبعىن املعرف ،وقيل تشرتط بناء على أهنا مبعىن الباعث ،وقيل وهو خمتار ابن احلاجب تشرتط إن فهم ّ (يف
التعليل منها كقوله صلى اهلل عليه وسلّم «ال يقضي القاضي وهو غضبان» .ألن عدم املناسبة فيما شرط فيه ملناسبة تناقض ،خبالف ما
إذا مل يفهم منها ألن التعليل يفهم من غريها .قال املصنف يف شرح املختصر تبعا للعضدـ واملراد من املناسبة ظهورها،وأما نفسها فال بد
منها يف العلة الباعثة دون األمارة اجملردة ومرادمها بالعلة الباعثة العلة املشتملة على حكمه تبعث على االمتثال.
---
( )1/122
(الرابع) من مسالك العلة (السرب) وهو لغة االختبار (والتقسيم) وهو إظهار الشيء الواحد على وجوه خمتلفة( .وهو) أي ما ذكر من
السرب والتقسيم اصطالحا (حصر أوصاف األصل) املقيس عليه (وإبطال ما ال يصلح) منها للعلية (فيتعني الباقي) هلا كأن حيصر أوصاف
الرب يف قياس الذرة عليه يف الطعم وغريه ويبطل ما عدا الطعم بطريقة فيتعني الطعم للعلية (ويكفي) يف دفع منع املعرتض حصرّ
األوصاف اليت ذكرها املستدل( .قول املستدل) يف املناظرة يف حصرها (حبثت فلم أجد) غريها لعدالته مع أهلية النظر( .واألصل عدم
غريها) فيندفع عنه بذلك منع احلصر وتعبريي بأو كما يف خمتصر ابن احلاجب وبعض نسخ األصل أوىل من تعبريه يف أكثرها بالواو.
(والناظر) لنفسه (يرجع) يف حصر األوصاف (إىل ظنه) ،فيأخذ به وال يكابر نفسه( .فإن كان احلصر واإلبطال) أي كل منهما (قطعيا
فـ)ـهذا املسلك (قطعي وإال) بأن كان كل منهما ظنيا أو أحدمها قطعيا واآلخر ظنيا( .فظين وهو) أي الظين (حجة) للناظر لنفسه
األصح ) لوجوب العمل بالظن ،وقيل ليس حبجة مطلقا جلواز بطالن الباقي ،وقيل حجة هلما إن أمجع على تعليل ذلك ّ واملناظر غريه (يف
احلكم يف األصل حذرا من أداء بطالن الباقي إىل خطأ اجملمعني ،وقيل حجة للناظر دون املناظر ألن ظنه ال يقوم حجة على خصمه،
(فإن أبدى املعرتض) على احلصر الظين (وصفا زائدا) على األوصاف (مل يكلف ببيان صالحيته للتعليل) ألن بطالن احلصر بإبدائه
كاف يف االعرتاض فعلى املستدل دفعه بإبطال التعليل به( .وال ينقطع املستدل) بإبدائه (حىت يعجز عن إبطاله يف األصح) ألنه مل ي ّدع
القطع يف احلصر فغاية إبداء الوصف منع املقدمة من الدليل واملستدل ال ينقطع باملنع لكن يلزمه دفعه ليتم دليله فيلزمه إبطال الوصف
املبدى عن أن يكون علة ،فإن عجز عن إبطاله انقطع ،وقيل ينقطع بإبدائه ألنه ادعى حصرا ،وقد أظهر املعرتض بطالنه .قلنا ال يظهر
إال بالعجز عن دفعه وذكر اخلالف من زياديت.
( فإن اتفقا) أي املتناظران (على إبطال غري وصفني) من أوصاف ألصل واختلفا يف أيهما العلة( .كفاه) أي املستدل (الرتديد بينهما) من
غري احتياج إىل ضم غريمها إليهما يف الرتديد التفاقهما على إبطاله فيقول العلة إما هذا أو ذاك ال جائز أن تكون ذاك لكذا فتعني أن
تكون هذا.
( ومن طرق اإلبطال) لعلية الوصف( .بيان أن الوصف طردي) أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه إما مطلقا (كالطول) والقصر يف
األشخاص ،فإهنما مل يعتربا يف شيء من األحكام فال يعللـ هبما حكم( .و) إما مقيدا بذلك احلكم (كالذكورة) واألنوثة (يف العتق)،
فإهنما مل يعتربا فيه فال يعلل هبما شيء من أحكامه الدنيوية ،وإن اعتربا يف الشهادة والقضاء واإلرث وغهرها .ويف العتق بالنظر
ألحكامه األخروية فقد روى الرتمذي «من أعتق عبدا مسلما أعتقه اهلل من النار ،ومن أعتق أمتني مسلمتني أعتقه اهلل من النار».
وتعبريي هنا وفيما يأيت يف السادس بالطردي أوىل من تعبريه فيهما بالطرد ،ألن الطرد من مسالك العلة على رأي كما سيأيت( .و) من
املستدل عن االعتبار للحكم بعد حبثه عنها النتفاء مثبت العلية
ّ طرق اإلبطال (أن ال تظهر مناسبة) الوصف (احملذوف) أي الذي حذفه
خبالفه يف اإلمياء( .ويكفي) يف عدم ظهور مناسبته( .قول املستدل حبثت فلم أجد) فيه (موهم مناسبة) أي ما يوهم مناسبته لعدالته مع
أهلية النظر( ،فإن ّاد عى املعرتض أن) الوصف (املبقى) أي الذي بقاه املستدل (كذلك) أي مل تظهر مناسبته( .فليس للمستدلـ بيان
يؤد ي إىل االنتشار احملذور( .لكن له ترجيح سربه) على سرب املعرتض مناسبته) ألنه انتقال من طريق السرب إىل طريق املناسبة ،وذلك ّ
النايف لعلية املبقي كغريه( .مبوافقة التعدية) لسربه حيث يكون املبقى متعديا إذ تعدية احلكم حمله أفيد من قصوره عليه.
---
( )1/123
(اخلامس) من مسالك العلة (املناسبة) .وهي لغة املالمية واصطالحا مالءمة الوصف املعني للحكم أو ما يعلم من تعريف املناسب اآليت،
ويسمى هذا املسلك باإلحالة أيضا ،كما ذكره األصل مسي هبا ذلك ألن مبناسبته الوصف خيال أي يظن أن الوصف علة ويسمى
باملصلحةـ وباالستدالل وبرعاية املقاصد أيضا( .ويسمى استخراجها) أي العلة املناسبة (ختريج املناط) ألنه إبداء ما نيط به احلكم،
فاملناط من النوط وهو التعليق أما تنقيح املناط وحتقيقه فسيأتيان( .وهو) أي ختريج املناط (تعيني العلة بإبداء) أي إظهار (مناسبة) بني
العلة املعينة واحلكم (مع االقرتان بينهما كاالسكار) يف خرب مسلمـ «كل مسكر حرام» ،فهو إلزالته العقلـ املطلوب حفظه مناسب
للحرمة ،وقد اقرتن هبا وخرج بإبداء املناسبة ترتيب احلكم على الوصف الذي هو من أقسام اإلمياء وغري ذلك كاملطرد والشبه
وباالقرتان إبداء املناسبة يف املستبقي يف السرب( .وحيقق) بالبناء للمفعولـ (استقالل الوصف) املناسب يف العلية (بعدم غريه) من األوصاف
(بالسرب) ال بقول املستدل حبثت فلم أجد غريه ،واألصل عدمه خبالفه يف السرب ألنه ال طريق له مث سواه ،وألن املقصود هنا إثبات
استقالل وصف صاحل للعلية ومث نفي ما ال يصلح هلا( .واملناسب) املأخوذ من املناسبة املتقدمة (وصف) ولو حكمة (ظاهر منضبط
حيصل عقالً من ترتيب احلكم عليه ما يصلح كونه مقصودا للشارع) يف شرعية ذلك احلكم( .من حصول مصلحة أو دفع مفسدة).
والوصف فيه شامل للعلة إذا كانت حكما شرعيا ألنه وصف للفعل القائم هو به وشامل للحكمة ،فيكون للحكمة إذا عللـ هبا حكمة
كحفظ النفس ،فإنه حكمة لالنزجار الذي هو حكمة لرتتب وجوب القصاص على القتل عدوانا ،وإن جاز أن يكونا حكمتني له
وخرج بيحصل اخل ،الوصف املبقي يف السري ،واملدار يف الدوران وغريمها من األوصاف اليت تصلح للعلية وال حيصل عقالً من ترتيب
احلكم عليها ما ذكر ،وقيل هو املالئم ألفعال العقالء عادة ،واختاره
لألول ،وإمنا
األصل ،وقيل هو ما جيلب نفعا أو يدفع ضررا ،وقيل هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول .وهذه األقوال مقاربة ّ
اخرتته على ما اختاره األصل ألنه قول احملققني ،وألنه أنسب بقويل كغريي( .فإن كان الوصف خفيا أو غري منضبط اعترب مالزمه)
الذي هو ظاهر منضبط( ،وهو املظنة) له فيكون هو العلة كالوطء مظنة لشغل الرحم املرتب عليه وجوب الع ّدة يف األصل حفظا
للنسب ،لكنه ملا خفي نيط وجوهبا مبظنته وكالسفر مظنة للمشقة املرتب عليها الرتخص يف األصل ،لكنها ملا مل تنضبط نيط الرتخص
مبظنتها( .وحصول املقصود من شرع احلكم قد يكون يقينا كامللك يف البيع) ألنه املقصود من شرع البيع وحيصل منه يقينا( .و) قد
يكون (ظنا كاالنزجار يف القصاص) ألنه املقصود من شرع القصاص وحيصل منه ظنا ،فإن املمتنعني عنه أكثر من املقدمني عليه( .و)
قد يكون (حمتمالً) كاحتمال انتفائه إما (سواء كاالنزجار يف حد اخلمر) على تناوهلا ألنه املقصود من شرع احلد عليه وحصول
االنزجار منه وانتفاؤه متساويان بتساوي املمتنعني عن تناوهلا واملقدمني عليه فيما يظهر لنا( .أو مرجوحا) ألرجحية انتفائه( .كالتوالد
يف نكاح األمة) ألنه هو املقصود من شرع النكاح وانتفاؤه يف نكاحها أرجح من حصوله( .واألصح جواز التعليلـ باألخريين) من
األربعة أي باملقصود املتساوي احلصول واالنتفاء واملقصود املرجوح احلصول نظرا إىل حصوهلما يف اجلملة وقياسا على السفر يف جواز
القصر للمرتفه يف سفره املنتفي فيه املشقة اليت هي حكمة الرتخص نظرا إىل حصوهلا يف اجلملة ،وقيل ال جيوز التعليل هبما ،ألن أوهلما
مشكوك احلصول ،وثانيهما مرجوحه .أما ّأول األربعة ،وثانيها فيجوز التعليل هبما قطعا.
---
( )1/124
( فإن فات) املقصود من شرع احلكم (قطعا) يف بعض الصور (فاألصح) أنه (ال يعترب) فيه املقصود للقطع بانتفائه .وقالت احلنفية يعترب
حىت يثبت فيه احلكم وما يرتتب عليه كما سيظهر( .سواء) يف االعتبار وعدمه (ما) أي احلكم الذي (فيه تعبد كاسترباء أمة اشرتاها
بائعها) لرجل منه (يف اجمللس) أي جملس البيع فاملقصود من استرباء األمة املشرتاة من رجل وهو معرفة براءة رمحها منه املسبوقة باجلهل
هبا ثابت قطعا يف هذه الصورة النتفاء اجلهل فيها قطعا ،وقد اعتربه احلنفية فيها تقديرا حىت يثبت فيها االسترباء وغريهم مل يعتربه .وقال
باالسترباء فيها تعبدا كما يف املشرتاة من امرأة ،ألن االسترباء فيه نوع تعبد كما علم يف حمله( .وما) أي واحلكم الذي (ال) تعبد فيه
(كلحوق نسب ولد املغربية باملشرقي) عند احلنفية حيث قالوا من تزوج باملشرق امرأة وهي باملغرب ،فأتت بولد يلحقه فاملقصود من
التزويج وهو حصول النطفة يف الرحم ليحصلـ العلوق فيلحقـ النسب فائت قطعا يف هذه الصورة للقطع عادة بعدم تالقي الزوجني ،وقد
اعتربه احلنفية فيها لوجود مظنته وهو التزويج حىت يثبت اللحوق وغريهم مل يعتربه .وقال ال عربة مبظنته مع القطع بانتفائه وعدم التعبد
فيه فال حلوق( .واملناسب) من حيث شرع احلكم له ثالثة أقسام (ضروري فحاجي فتحسيين) قطعا مع ما يأيت يف أقسام الضروري
بالفاء ليفيد أن كالً منها دون ما قبله يف الرتبة( .والضروري) وهو ما تصل احلاجة إليه إىل حد الضرورة( .حفظ الدين) املشروع له
قتل الكفار( .فالنفس) أي حفظها املشروع له القود( ،فالعقل) أي حفظه املشروع له حد السكر( ،فالنسب) أي حفظه املشروع له
حد الزنا( .فاملال) أي حفظه املشروع له حد السرقة وحد قطع الطريق( .فالعرض) أي حفظه املشروع له عقوبة القذف والسب ،وهذا
زاده األصل كالطويف على اخلمسة السابقة املسماة باملقاصد والكليات اليت قالوا فيها إهنا مل تبح يف ملة من امللل ،واملراد جمموعها ،وإال
فاخلمر أبيحت يف صدر اإلسالم ،وعطفي للعرضـ بالفاء أوىل من عطف األصل كالطويف له بالواو( .ومثله) أي الضروري (مكمله)،
املفوت حلفظ العقلـ فبولغ يف حفظه باملنع من القليل واحل ّد
فيكون يف رتبته (كاحل ّد بـ)ـتناول (قليل املسكر) ،إذ قليله يدعو إىل كثريه ّ
عليه كالكثري ،وكعقوبة الداعني إىل البدع ألهنا تدعو إىل الكفر املفوت حلفظ الدين ،وكالقود يف األطراف ،ألن أزالتها تدعو إىل القتل
املفوت حلفظ النفس( .واحلاجي) وهو ما حيتاج إليه وال يصل إىل حد الضرورة( .كالبيع فاالجارة) املشروعني للملكـ احملتاج إليه وال
يفوت بفواته لو مل يشرعا شيء من الضروريات السابقة ،وعطفت االجارة بالفاء ألن احلاجة إليها دون احلاجة إىل البيع( .وقد يكون)
احلاجي (ضروريا) يف بعض صوره (كاالجارة لرتبية الطفل) ،فإن ملك املنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو مل تشرع االجارة حفظ
نفس الطفل( .و) مثل احلاجي (مكمله كخيار البيع) املشروع للرتوي كمل به البيع ليسلم عن الغنب( .والتحسيين) وهو ما استحسن
عادة من غري احتياج إليه قسمان (معارض للقواعد) الشرعية .أي لشيء منها (كالكتابة) فإهنا غري حمتاج إليها إذ لو منعت ما ضر لكنها
مستحسنة عادة للتوسل هبا إىل فك الرقبة من الرق ،وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر إذ ما حيصله
املكاتب يف قوة ملك السيد له بتعجيزه نفسه( .وغريه) أي وغري املعارض لشيء من القواعد( .كسلب العبد أهلية الشهادة) ،فإنه غري
حمتاج إليه إذ لو ثبت للعبد األهلية ما ضر لكنه مستحسنـ عادة لنقص الرقيق عن هذا املنصب الشريف امللزم للحقوق خبالف الرواية.
---
( )1/125
(مث املناسب) من حيث اعتباره وجودا وعدما أربعة أقسامـ مؤثر ومالئم وغريب ومرسل ،ألنه (إن اعترب عينه يف عني احلكم بنص أو
إمجاع فاملؤثر) .لظهور تأثريه مبا اعترب به ،واملراد بالعني النوع ال الشخصـ منه فاالعتبار بالنص كتعليل نقض الوضوء مبس الذكر ،فإنه
مستفاد من خرب الرتمذي وغريه «من مس ذكره فليتوضأ» .واالعتبار باالمجاع كتعليل والية املال على الصغري بالصغر فإنه جممع عليه.
(أو) اعترب عينه يف عني احلكم (برتتيب احلكم على وقفه) حيث ثبت احلكم معه بأن أورده الشرع على وقفه ،ال بأن نص على العلة أو
أومىء إليها وإال مل تكن العلة مستفادة من املناسبة( .فإن اعترب) بنص أو إمجاع (العني يف اجلنس أو عكسه أو اجلنس يف اجلنس) وكل
منهما أعلى مما بعده( .فاملالئم) ملالميته للحمم (وإال) أي وإن مل يعترب مبا ذكر شيء من ذلك( .فالغريب) .وهذا من زياديت تبعا البن
احلاجب ،ومثل له بتعليل توريث املبتوتة يف مرض املوت بالفعل احملرم لغرض فاسد وهو الطالق البائن لغرض عدم اإلرث قياسا على
قاتل مورثه حيث مل يرثه جبامع ارتكاب فعل حمرم ،ويف ترتيب احلكم عليه حتصيل مصلحة وهو هنيهما عن الفعل احلرام ،لكن مل يشهد
له أصل باالعتبار بنص أو إمجاع ،ومثال األول من أقسامـ املالئم تعليل والية النكاح بالصغر حيث تثبت معه ،وإن اختلف يف أهنا له أو
للبكارة أو هلما ،وقد اعترب يف جنس الوالية حيث اعترب يف والية املال باإلمجاع كما مر ،ومثال الثاين تعليل جواز اجلمع حالة املطر يف
احلضر باحلرج حيث اعترب معه ،وقد اعترب جنسه يف جوازه يف السفر بالنص إذ احلرج جامع حلرج السفر واملطر ،ومثال الثالث تعليل
القود يف القتل مبثقل بالقتل العمد العدوان حيث ثبت معه ،وقد اعترب جنسه يف جنس القود حيث اعترب يف القتل مبحدد باإلمجاع إذ
القتل العمد العدوان جامع للقتل مبثقل ،ومبحدد والقود جامع للقود باملثقل وباحملدد( ،وإن مل يعترب) أي املناسب (فإن دل دليل على
إلغائه)،
فهو ملغى (فال يعلل به) قطعا كما يف مجاع ملك هنار رمضان ،فإن حاله يناسب التكفري ابتداء بالصوم لريتدع به دون اإلعتاق ،إذ
يسهل عليه بذل املال يف شهوة الفرج ،وقد أفىت حيىي بن حيىي بن كثري الليثي املغريب املالكي ملكا باملغرب جامع يف هنار رمضان بصوم
شهرين متتابعني نظرا إىل ذلك لكن الشارع ألغاه بإجيابه اإلعتاق ابتداء من غري تفرقة بني ملكـ وغريه ،ويف احلاشية زيادة على ذلك،
ويسمى هذا القسم بالغريب لبعده عن االعتبار( .وإال) أي وإن مل يدل دليل على إلغائه كما مل يدل على اعتباره (فاملرسل) إلرساله أي
(ورده األكثر) من العلماء مطلقا
إطالقه عما يدل على اعتباره أو إلغائه ،ويعرب عنه باملصاحل املرسلة وباالستصالح وباملناسب املرسل ّ
ليقر ،وعورض بأنه قد يكون بريئا جوز ضرب املتهم بالسرقة ّ لعدم ما يدل على اعتباره وقبله اإلمام مالك مطلقا رعاية للمصلحة حىت ّ
ورد ه قوم يف العبادات إذ ال نظر فيها للمصلحة ،خبالف غريها كالبيع والنكاح واحلد،وترك الضربـ ملذنب أهون من ضرب بريءّ ،
وحمل اخلالف املذكور إذا علم اعتبار العني يف اجلنس أو عكسه أو اجلنس يف اجلنس ،وإال فهو مردود قطعا كما ذكره العضدـ تبعا البن
احلاجب( .وليس منه) أي من املناسب الرسل( .مصلحة ضرورية كلية) أي متعلقةـ بكل األمة (قطعية أو ظنية قريبة منها) لداللة الدليل
على اعتبارها( ،فهي حق كلي قطعا) واشرتطها الغزايل للقطعـ بالقول باملناسب املرسل ،ال ألصل القول به فجعلها منه مع القطع بقبوهلا
مثاهلا رمي الكفار املترتسني بأسرانا يف احلرب املؤدي إىل قتل الرتس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا من القطع بأهنم إن مل يرموا
استأصلونا بالقتل الرتس وغريه ،وبأهنم إن رموا سلم غري الرتس فيجوز رميهم حلفظ باقي األمة خبالف رمي أهل قلعة ترتسوا مبسلمني،
ألن فتحها ليس ضروريا ورمى بعضنا من سفينة يف حبر لنجاة الباقني ،ألن جناهتم ليست كليا ورمى املترتسني يف احلرب إذا مل يقطع أو
مل يظن
ظنا قريبا من القطع باستئصاهلم لنا ،فال جيوز الرمي يف شيء من الثالث ،وإن أقرع يف الثانية ألن القرعة ال أصل هلا شرعا يف ذلك.
(واملناسبة تنخرم) أي تبطل (مبفسدة تلزم) احلكم (راجحة) على مصلحته (أو مساوية هلا يف األصح) ،ألن درء املفاسد مقدم على
جلب املصاحل ،وقال اإلمام الرازي ومتابعوه ال تنخرم هبا مع موافقتهم على انتفاء احلكم فهو عندهم لوجود املانع وعلى األول النتفاء
املقتضى فاخللف لفظي.
(
---
( )1/126
السادس) من مسالكـ العلة( ،الشبه وهو مشاهبة وصف للمناسب والطردي) وهذا التفسري من زياديت( .ويسمى الوصف بالشبه أيضا
وهو منزلة) أي ذو منزلة (بني منزلتيهما) أي منزليت املناسب والطردي( .يف األصح) ألنه يشبه الطردي من حيث إنه غري مناسب
بالذات ،ويشبه املناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه يف اجلملة كالذكورة واألنوثة يف القضاء والشهادة ،وقيل هو املناسب
بالتبع كالطهارة الشرتاط النية ،فإهنا إمنا تناسبه بواسطة أهنا عبادة خبالف املناسب بالذات كاإلسكار حلرمة اخلمر( .وال يصار إليه) بأن
يصار إىل قياسه( ،إن أمكن قياس العلة) املشتمل على املناسب بالذات( .وإال) بأن تعذرت العلة بتعذر املناسب بالذات بأن مل يوجد
غري قياس الشبه( .فهو حجة يف غري) الشبه (الصوري يف األصح) ،نظرا لشبهه باملناسب وقد احتج به الشافعيـ يف مواضع منها .قوله يف
إجياب النية يف الوضوء كالتيمم طهارتان أىن تفرتقان ،وقيل مردود نظرا لشبهه بالطردي( .وأعاله) أي قياس الشبه (قياس ما) أي شبه
(له أصل واحد) كأن يقول يف إزالة اخلبث هي طهارة للصالة فيتعني املاء كطهارة احلدث ،فطهارة اخلبث تشبه الطردي من حيث
ظهور املناسبة بينها وبني تعني املاء ،وتشبه املناسب بالذات من حيث إن الشرع اعترب طهارة احلدث باملاء يف الصالة وغريها( .فـ)ـقياس
(غلبة األشباه يف احلكم والصفة) وهو إحلاق فرع مرتدد بني أصلني بأحدمها الغالب شبهه به يف احلكم والصفة على شبهه باآلخر فيهما،
باحلر فيهما ،أما احلكم
كإحلاق العبد باملاء يف إجياب القيمة بقتله بالغة ما بلغت ،ألن شبهه باملال يف احلكم والصفة أكثر من شبهه ّ
فلكونه يباع ويؤجر ويعار ويودع ويثبت عليه اليد .وأما الصفة فلتفاوت قيمته حبسب تفاوت أوصافه جودة ورادءة وتعلق الزكاة
بقيمته إذا اجتر فيه( .فـ)ـقياس غلبة األشباه يف (احلكم فـ)ـقياس غلبتها يف (الصفة) .وهذان مع األول ومع الرتجيح والتقييد بغري الصوري
من زياديت ،أما
الصوري كقياس اخليل على البغال واحلمري يف عدم وجوب الزكاة للشبه الصوري بينهما ،فليس حبجة يف األصح.
( )1/127
(السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد احلكم) أي تعلقه( .عند وجود وصف ويعدم) هو أوىل من قوله وينعدم( .عند عدمه)
والوصف يسمى مدارا واحلكم دائرا( .وهو) أي الدوران (يفيد) العلية (ظنا يف األصح) .وقيل ال يفيدها جلواز أن يكون الوصف
مالزما هلا ال نفسها كرائحة املسكر املخصوصة ،فإهنا دائرة مع اإلسكار وجودا وعدما بأن يصري املسكر خالً وليست علة ،وقيل
يفيدها قطعا وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف كاإلسكار حلرمة اخلمر( .وال يلزم املستدل به بيان انتفاء ما هو أوىل منه) بإفادة
مر يف الشبه( .ويرتجح جانبه) أي املستدل (بالتعدية) العلية بل يصح االستدالل به مع إمكان االستدالل مبا هو أوىل منه خبالف ما ّ
لوصفه على جانب املعرتض حيث يكون وصفه قاصرا (إن أبدى املعرتض وصفا آخر) أي غري املدار( .واألصح) أنه (إن تع ّدى وصفه)
أي املعرتض (إىل الفرع) املتنازع فيه بقيد زدته بقويل (واحتد مقتضى وصفيهما) أي املستدل واملعرتض( ،أو إىل فرع آخر مل يطلب
ترجيح) بناء على جواز تعدد العلل،ـ وقيل يطلب الرتجيح بناء على منعه ،وبه جزم األصل يف الثاين بناء على ما رجحه من منع تعدد
العلل ،أما إذا اختلف مقتضى وصفيهما كأن اقتضى أحدمها احلل واآلخر احلرمة فيطلب الرتجيح.
---
( )1/128
(الثامن) من مسلكـ العلة (الطرد بأن يقارن احلكم الوصف بال مناسبة) ال بالذات وال بالتبع كقول بعضهم يف اخلل مائع ال تبىن القنطرة
على جنسه فال تزال به النجاسة كالدهن أي خبالف املاء فبناء القنطرة وعدمه ال مناسبة فيهما للحكم ،وإن كان مطردا ال نقض عليه،
(ورد ه األكثر) من العلماء النتفاء املناسبة عنه .قال علماؤنا قياس املعىن مناسب
وقويل بال مناسبة من زياديت وخرج به بقية املسالك ّ
الشتماله على الوصف املناسب ،وقياس الشبه تقريب ،وقياس الطرد حتكم فال يفيد ،وقيل يفيد املناظر دون الناظر لنفسه ألن األول
دافع ،والثاين مثبت .وقيل إن قارنه فيما عدا صورة النزاع أفاد العلية فيفيد احلكم يف صورة النزاع ،وقيل تكفي مقارنته له يف صورة
واحدة غري صورة النزاع.
---
( )1/129
(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح املناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل) حلكم (بوصف فيحذف خصوصه عن االعتبار باالجتهاد
األعرايب الذي واقع زوجته يف هنار رمضان خصوص الوقاع عن ّ ويناط) احلكم (باألعم) ،كما حذف أبو حنيفة ومالك من خرب
االعتبار ،وأناطا الكفارة مبطلقـ اإلفطار( .أو) بأن (تكون) يف حمل احلكم (أوصاف فيحذف بعضها) عن االعتبار باالجتهاد (ويناط)
احلكم (بباقيها) ،كما حذف الشافعي يف اخلرب املذكور غري الوقاع من أوصاف احملل ككون الواطىء أعرابيا ،وكون املوطوءة زوجة،
مر لإلمياء ،الختالف اجلهة،
وكون الوطء يف القبل عن االعتبار ،وأناط الكفارة بالوقاع ،وال ينايف التمثيل باخلرب ملا هنا التمثيل به فيما ّ
إذ التمثيل لإلمياء بالنظر القرتان الوصف باحلكم ،وملا هنا بالنظر لالجتهاد يف احلذف( .وحتقيق املناط إثبات العلة يف صورة) خفى
وجودها فيها( .كإثبات أن النباش) وهو من ينبش القبور ويأخذ األكفان( .سارق) بأنه وجد منه أخذ املال خفية من حرز مثله وهو
(مر) بيانه يف مبحث املناسبة وقرنت كاألصل بني الثالثة كعادة اجلدليني ويعرف من السرقة فيقطع خالفا للحنفية( .وخترجيه) أي املناط ّ
تعاريفها الفرق بينها.
---
( )1/130
(العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق) بأن يبني عدم تأثريه يف الفرق بني األصل والفرع ،فيثبت احلكم ملا اشرتكا فيه سواء أكان
يبولن أحدكم يف املاء الراكد» .أم ظنيا (كإحلاق
صب البول يف املاء الراكد بالبول فيه يف الكراهة الثابتة خبرب «ال ّ
اإللغاء قطعيا كإحلاق ّ
األمة بالعبد يف السراية) الثابتة خبرب «من أعتق شركا له يف عبد فكان له مال يبلغ مثن العبد ّقوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه
حصصهم وعتق عليه العبد وإال فقد عتق عليه ما عتق» .فالفارق يف األول الصب من غري فرج ،ويف الثاين األنوثة ،وال تأثري هلما يف منع
الكراهة والسراية فتثبتان ملا يشارك فيه األصل والفرع ،وإمنا كان الثاين ظنيا ألنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع يف عتق العبد
استقالله يف جهاد ومجعة وغريمها مما ال دخل لألنثى فيه ،وقوله يف اخلرب مثن العبد أي مثن ما ال ميلكه العتق منه( .وهو) أي إلغاء الفارق
الظن يف اجلملة .وال تعني جهة(والدوران والطرد) على القول به (ترجع) ثالثتها (إىل ضرب شبه) للعلة ال علة حقيقة ألهنا حتصل ّ
املصلحة املقصودة من شرع احلكم ،ألهنا ال تدرك بواحد منها خبالف بقية املسالك.
( )1/131
( )1/132
القوادح
أي هذا مبحثها وهي ما يقدح يف الدليل علة كان الدليل أو غريها( .منها ختلف احلكم عن العلة املستنبطة) إن كان التخلف (بال مانع
أو فقد شرط يف األصح) ،بأن وجدت يف بعض صور بدون احلكم ألهنا لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ خبالف املنصوصة ،إذ ال
نقض معها كما بينته يف احلاشية،وخبالف ما إذا كان التخلف ملانع أو فقد شرط ،ألن العلة عند التخلف جتامع كالً منهما .وهذا ما
اختاره ابن احلاجب وغريه من احملققني ،وعليه حيمل إطالق الشافعيـ القدح بالتخلف ،وقيل يقدح مطلقا ،ورجحه األصل إذ لو صحت
العلية مع التخلف للزم احلكم يف صورة التخلف ضرورة استلزام العلة ملعلوهلا ،وقيل ال يقدح مطلقا .وقال به أكثر احلنفية ومسوه
ختصيص العلة ،وقيل يقدح يف العلة املستنبطة دون املنصوصة ،وقيل عكسه ،وقيل يقدح إال أن يكون ملانع أو فقد شرط وعليه أكثر
فقهائنا وقيل غري ذلك( .واخللف)يف القدح (معنوي) خالفا البن احلاجب ومن تبعه يف قوهلم إنه لفظي مبين على تفسري العلة إن فسرتـ
باملؤثر وهو ما يستلزم وجوده وجود احلكم ،فالتخلف قادح أو بالباعث أو باملعرف فال.
( ومن فروعه) أي فروع أن اخللف معنوي (االنقطاع) للمستدل فيحصل إن قدح التخلف ،وإال فال حيصل ويسمع قوله أردت العلية يف
غري ما حصل فيه التخلف( ،واخنرام املناسبة مبفسدة) فيحصلـ إن قدح التخلف وإال فال ،لكن ينتفي احلكم لوجود املانع (وغريمها)
بالرفع أي غري املذكورين كتخصيص العلة فيمتنع إن قدح التخلف وإال فال( .وجوابه) أي التخلف على القول بأنه قادح (منع وجود
العلة) فيما اعرتض به( .أو) منع (انتفاء احلكم) يف ذلك (إن مل يكن انتفاؤه مذهب املستدل) .وإال فال يتأتى اجلواب( ،أو بيان املانع
أو) بيان (فقد الشرط) مثال ذلك جيب القود بالقتل مبثقل كالقتل مبحدد ،فإن نقض بقتل األصل فرعه حيث ختلف احلكم فيه عن العلة
فجوابه منع وجود العلة يف ذلك ،إذ يعترب فيها عدم أصلية القاتل أو أن التخلف ملانع ،وهو أن األصل كان سببا إلجياد فرعه ،فال يكون
هو سببا إلعدام أصله( .وليس للمعرتض) بالتخلف (استدالل على وجود العلة) فيما اعرتض به( .عند األكثر) من النظار ،ولو بعد منع
املستدل وجودها( .النتقاله) من االعرتاض إىل االستدالل املؤدي إىل االنتشار ،وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة .وقيل له ذلك
إن مل يكن مث دليل أوىل من التخلف بالقدح ،وإال فال .وقيل له ذلك ما مل تكن العلة حكما شرعيا( .ولو دل) املستدل (على وجودها)
أي العلة فيما علل حكمه هبا (بـ)ـدليل (موجود يف حمل النقض مث منع وجودها) يف ذلك احملل( ،فقال) له املعرتض (ينتقض دليلك) الذي
أقمته على وجودها حيث وجد يف حمل النقض دوهنا على مقتضى منعكـ وجودها فيه( .مل يسمع) قول املعرتض (النتقاله من نقضها إىل
ناقض دليلها) ،واالنتقال ممتنع ،قال ابن احلاجب وفيه نظر ألن القدح يف الدليل قدح يف املدلول مبعىن أن القدح فيه حيوج إىل االنتقال
ردد بني األمرين فقال يلزمك انتقاض العلة أو انتقاض إىل إثبات املدلول بدليل آخر ،وإال كان قوالً بال دليل فال ميتنع االنتقال إليه ،فإن ّ
دليلها الدال على وجودها يف الفرع فال تثبت علتك مسع قوله اتفاقا ،إذ ال انتقال (وليس له) أي للمعرتضـ (استدالل على ختلف
احلكم) فيما اعرتض به ولو بعد منع املستدل ختلفه (يف األصح) ،ملا مر من االنتقال من االعرتاض إىل االستدالل املؤدي إىل االنتشار،
وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة ،وقيل له ذلك إن مل يكن مث طريق أوىل من التخلف بالقدح وإال فال( .وجيب االحرتاز منه)
أي من التخلف بأن يذكر يف الدليل ما خيرج حمله ليسلم من االعرتاض( ،على املناظر مطلقا) عن االستثناء اآليت( ،وعلى الناظر) لنفسه
(إال فيما اشتهر من املستثنيات) ،كالعرايا ألنه لشهرته كاملذكور ،فال جيب االحرتاز منه ،وقيل جيب عليه ذلك مطلقاـ وغري املذكور
ليس كاملذكور ،وقيل جيب عليه ذلك إال يف املستثنيات ولو كانت غري مشهورة ،فال جيب ذلك للعلم بأهنا غري مرادة ،وقيل ال جيب
مطلقا .واختاره ابن احلاجب وغريه (وإثبات صورة) معينة أو مبهمة (أو نفيها ينتقض بالنفي أو اإلثبات العامني) يعين السالبة واملوجبة
الكليتني( .وبالعكس) أي النفي العام أو اإلثبات العام ينتقض بإثبات صورة معينة أو مبهمة أو بنفيها فنحو زيد كاتب أو إنسان ما
كاتب يناقضه ال شيء من اإلنسان بكاتب وحنو زيد ليس بكاتب ،أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه كل إنسان كاتب ،أما األوىل
بشقيها فلتحققـ املناقضة بني املوجبة اجلزئية والسالبة الكلية ،وأما الثانية كذلك فلتحققـ املناقضة بني السالبة اجلزئية واملوجبة الكلية.
(
---
( )1/133
األصح) ملا يعلم من تعريفه اآليت ،وقيل ليس بقادح( ،وهو) أي الكسر ويسمى بنقض ّ ومنها) أي من القوادح (الكسر) فإنه قادح (يف
املعىن أي املعلل به( .إلغاء بعض العلة) بوجود احلكم عند انتفائه إما (مع إبداله) أي البعض بغريه (أو ال) مع إبداله (ونقض باقيها) أي
العلة والتصريح بأو ال اخل من زياديت (كما يقال يف) إثبات صالة (اخلوف) هي (صالة جيب قضاؤها) لو مل تفعل( .فيجب أداؤها
كاألمن) فإن الصالة فيه كما جيب قضاؤها لو مل تفعل جيب أداؤها( .فيعرتض) بأن خصوص الصالة ملغى بأن يقال احلج جيب أداؤه
لقضائه( .فليبدل) خصوص الصالة (بالعبادة) ليندفع االعرتاض ،وكأنه قيل عبادة اخل( .مث ينقض) هذا القول (بصوم احلائض) فإنه عبادة
جيب قضاؤها وال جيب أداؤها بل حيرم (أو ال يبدل) خصوص الصالة( .فال يبقى) للمستدلـ علة (إال) قوله (جيب قضاؤها) فيجب
أداؤها كاألمن( .مث ينقض مبا مر) ،بأن يقال ليس كل ما جيب قضاؤه يؤدي بدليل صوم احلائض ،فإنه جيب عليها قضاؤه دون أدائه.
وعرب ابن احلاجب عن هذا القادح بالنقض املكسور وعرف الكسر قبيله مبا لزم منه أن الراجح أنه ال يقدح ،ويف حمل آخر مبا يقتضي أنه
ختلف احلكم عن العلة ،فعنده أن الكسر مشرتكـ لفظي ،ومبا تقرر ّأوالً علم أن الكسر ال يكون إال يف العلة املركبة ،وأن مفاده ختلف
احلكم عن العلة فهو قسم من أقسام القادح السابق.
---
( )1/134
جموزه جلواز أن يكون ( ومنها) أي من القوادح (عدم العكس) بأن يوجد احلكم بدون العلة وإمنا يقدح( .عند مانع تعدد العلل) خبالف ّ
وجود احلكم لعلة أخرى ومثاله يعلم من القادح اآليت( .والعكس انتفاء احلكم) ال مبعىن انتفائه نفسه ،بل (مبعىن انتفاء العلم أو الظن به
النتفاء العلة) ،وإمنا عىن ذلك ألنه ال يلزم من عدم الدليل الذي من مجلته العلة عدم املدلول للقطعـ بأن اهلل تعاىل لو مل خيلق العامل الدال
على وجوده مل ينتف وجوده ،وإمنا ينتفي العلم به( .فإن ثبت مقابله) أي مقابل العكس وهو الطرد أي ثبوت احلكم لثبوت العلة أبدا،
األول عكس جلميع الصور ويف الثاين (فأبلغ) يف العكسية مما مل يثبت مقابله بأن يثبت احلكم مع انتفاء العلة يف بعض الصور ،ألنه يف ّ
لبعضها( .وشاهده) أي العكس يف صحة االستدالل بانتفاء العلة فيه على انتفاء احلكم (قوله صلى اهلل عليه وسلّم) لبعض أصحابه يف
خرب مسلم ملا عدد وجوه الرب بقوله ويف بضع أحدكم صدقة اخل( .أرأيتم لو وضعها) أي الشهوة (يف حرام أكان عليه وزر) فكأهنم
قالوا نعم ،فقال (فكذلك إذا وضعها يف احلالل كان له أجر يف جواب) قوهلم (أيأيت أحدنا شهوته وله فيها أجر) استنتج من ثبوت
احلكم أي الوزر يف الوطء احلرام انتفاءه يف الوطء احلالل الصادق حبصول األجر حيث عدل بوضع الشهوة عن احلرام إىل احلالل
لتعاكس حكميهما يف العلة ،وهو كون هذا مباحا وذاك حراما ،وهذا االستنتاج يسمى قياس العكس اآليت يف الكتاب اخلامس ،وإمنا
ذكر هنا مع العكس ،وإن كان املبحث يف القدح بعدمه أما العكس فلتوقف معرفة عدمه على معرفته ،وأما قياسه فلكونه شاهدا له.
---
( )1/135
(ومنها) أي من القوادح (عدم التأثري أي نفي مناسبة الوصف) الذاتية للحكم (فيختص) القدح به (بقياس معىن علته مستنبطة خمتلف
فيها) الشتماله على املناسب خبالف غريه كالشبه ،وقياس املعىن الذي علته منصوصة أو مستنبطة جممع عليها فال يأيت فيه ذلك( ،وهو)
األو ل عدم التأثري (يف الوصف بكونه طرديا أو شبها) .واملعىن عدم تأثريه أصالً كقول احلنفية يف الصبح صالة ال أقسام (أربعة) القسم ّ
تقصر فال يقدم أذاهنا كاملغرب فعدم القصر بالنسبة لعدم تقدمي األذان طردي ال مناسبة فيه وال شبه ،وعدم التقييد موجود فيما يقصر،
وكقول املستدل بقياس املعىن يف الوضوء طهارة تفتقر إىل النية كالتيمم فالطهارة بالنسبة الفتقار الوضوء إىل النية شبه املناسبة فيه
بالذات ،إذ املناسبة الذاتية له كون الوضوء عبادة .وحاصل هذا القسم طلب مناسبة علية الوصف وقويل أو شبهه من زياديت (و) الثاين
مرئي فال يصح
عدم التأثري (يف األصل) بإبداء علة حلكمه (على مرجوح) وهو منع تعدد العلل (مثل) أن يقال يف بيع الغائب (مبيع غري ّ
مرئي) يف األصل( .إذ العجز عن التسليم) فيه (كاف) يف عدم الصحة وعدمها كالطري يف اهلواء فيقول) املعرتض (ال أثر لكونه غري ّ
موجود مع الرؤية .وحاصله معارضته يف األصل بإبداء غري ما عللـ به وزدت على مرجوح ليوافق ما اعتمدته من جواز تع ّدد العلل( .و)
الثالث عدم التأثري (يف احلكم وهو أضرب) ثالثة أحدها (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (ال فائدة لذكره كقوهلم) أي اخلصوم
احلنفية (يف املرتدين) املتلفني مالنا بدار احلرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم يف ذلك (مشركون أتلفوا ماالً بدار احلرب فال
(طردي فال فائدة لذكره) ألن من نفي ّ (كاحلريب ) املتلف مالنا (فدار احلرب عندهم) أي اخلصوم كما هو عندنا وصف ّ ضمان) عليهم
الضمان يف إتالف املرتد مال املسلم كاحلنفية نفاه ،وإن مل يكن اإلتالف بدار احلرب ومن أثبته كالشافعية أثبته ،وإن مل يكن اإلتالف
بدار احلرب
(لألو ل) من األقسام ألن املعرتض يطالب املستدل بتأثري كون اإلتالف بدار احلرب ال بغريها( .و) الضربـ (فريجع) االعرتاض يف ذلك ّ
الثاين (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (له) أي لذكره (على األصح فائدة ضرورية كقول معترب العدد يف االستجمار) باألحجار
(عبادة متعلقة باألحجار مل يتقدمها معصية فاعترب فيها العدد كاجلمار) أي كرميها (فقوله مل يتقدمها معصية عدمي التأثري) يف حكم
األصل والفرع (لكنه) أي معترب العدد (مضطر لذكره لئال ينتقض ما عللـ به) لو مل يذكر فيه (بالرجم) للمحصن فإنه عبادة متعلقةـ
باألحجار ومل يعترب فيها العدد والضرب الثالث ما ذكرته بقويل (أو غري ضرورية) أي أو ماله على األصح فائدة غري ضرورية (مثل) أن
يقال (اجلمعة صالة مفروضة فلم تفتقر) يف إقامتها (إىل أذن اإلمام) األعظم (كالظهر ،فإن) قوهلم (مفروضة حشو إذ لو حذف) مما
عللـ به (مل ينتقض) أي الباقي منه بشيء إذ النفل كالفرض يف ذلك( .لكنه ذكر لتقريب الفرع) وهو اجلمعة (من األصل) وهو الظهر
(بتقوية الشبهة بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه) به من غريه ،وقيل عدم التأثري ال يكون قادحا فيما له فائدة بقسميها ،وقيل يكون قادحا
يف ثانيهما دون أوهلما( .و) القسم الرابع عدم التأثري (يف الفرع) على مرجوح يعلم من قويل بعد يف الفرض واألصح جوازه( ،مثل) أن
زوجها وليها له.يقال يف تزويج املرأة نفسها (زوجت نفسها غري كفء فال يصح) التزويج (كما لو زوجت) بالبناء للمفعول أي ّ
(وهو) أي الرابع (كالثاين) يف أنه إبداء علة وهي يف هذا املثال تزويج املرأة نفسها ال تزوجيها من غري كفء( ،إذ ال أثر فيه للتقييد بغري
الكفء) فإنه وإن ناسب البطالن لكنه غري مطرد يف مجيع صور املدعي وهو أن تزوجيها نفسها ال يصح مطلقا كما ال أثر للتقييد يف
مثال الثاين بكونه غري مرئي ،وإن كان نفي األثر هنا بالنسبة إىل الفرع ومث بالنسبة إىل األصل( .ويرجع) هذا القسمـ (إىل املناقشة يف
الفرض وهو) أي الفرض
(ختصيص بعض صور النزاع باحلجاج) كما فعلـ يف املثال ،إذ املدعى فيه منع تزوجيها نفسها مطلقاـ واالحتجاج على منعه من غري
كفء( .واألصح جوازه) أي الفرض مطلقا فقد ال يساعده الدليل يف كل الصور أو ال يقدر على دفع االعرتاض يف بعضها فيستفيد
بالفرض غرضا صحيحا ،وقيل ال جيوز ألن جوازه ال يدفع اعرتاض اخلصم ،وقيل جيوز بشرط بناء غري حمل الفرض على حمله كأن يقاس
جوزوا
عليه جبامع بينهما ،أو يقال ثبت احلكم يف بعض الصور فليثبت يف باقيها ،إذ ال قائل بالفرق ،وقد قال به احلنفية يف املثال حيث ّ
تزوجيها نفسها من غري كفء.
(
---
( )1/136
ومنها) أي من القوادح (القلب) وهو نوعان خاص بالقياس وعرفوه بأن يربط املعرتض خالف قول املستدل على علته إحلاقا باألصل
استدل به) املستدل،
ّ الذي جعله مقيسا عليه وعام يعرتض به على القياس وغريه من األدلة( ،وهو يف األصح دعوى) املعرتض (أن ما
(وصح) دليل (عليه) أي على املستدل وإن دل له باعتبار آخر فتعبريي بذلك أوىل من قوله عليه ال له( .يف املسألة) املتنازع فيها ال يف
مسألة أخرى ،وقول األصل على ذلك الوجه ال حاجة إليه كما بينته يف احلاشية ،وتقدميي عليه على ما بعده أوىل من تأخري األصل له
عنه( ،فـ)ـبسبب التقييد بصحة ما استدل به (ميكن معه) أي مع القلب (تسليم صحته) ،وقيل القلب تسليم صحته مطلقاـ سواء أكان ما
استدل به صحيحا أم ال .وقيل هو إفساد له مطلقا ألن الغالب من حيث جعله على املستدل مسلمـ لصحته ،وإن مل يكن صحيحا ومن
حيث مل جيعله له مفسدـ له ،وإن كان صحيحا ،وعلى كال القولني ال يذكر يف احلد قيد للصحة ،وإمنا ذكر يف األول ألن عدم ذكره فيه
خيل مبوضوعه إما مصححا ملذهب املعرتض أو مبطالً ملذهب املستدل كما سيأيت ،فهو قيد لالحرتاز عن الفاسد ،إذ ال حيصل به شيء
من ذلك ،وعلى األصح من إمكان التسليم مع القلب( .فهو) أي القلبـ (مقبول يف األصح) وهو إما (معارضة عند التسليم) لصحة
دليل املستدل ،فال يكون القلبـ حينئذ قادحا ،بل جياب عنه بالرتجيح وإما اعرتاض( .قادح عند عدمه) أي عدم تسليم الصحة ،وقيل
هو شاهد زور يشهد على الغالب وله حيث سلم فيه الدليل ،واستدل به على خالف دعوى املستدل فال يقبل( .وهو) أي القلبـ
باعتبار آخر (قسمان).
القسم (األول) القلبـ (لتصحيح مذهب املعرتض) يف املسألة (وإبطال مذهب املستدل) فيها سواء أكان مذهب املستدل مصرحا به يف
االستدالل أم ال ،فاألول (كما يقال) من جانب املستدل كالشافعي يف بيع الفضويل (عقد بال والية) عليه( .فال يصح كالشراء) أي
كشراء الفضويل فال يصح ملن مساه( .فيقال) من جانب املعرتض كاحلنفي (عقد فيصح كالشراء) أي كشراء الفضويل فيصح له ويلغو
تسميته لغريه وهو أحد وجهني عندنا ،إذا مل يشرت بعني مال من عقد له ومل يضف العقدـ إىل ذمته( .و) الثاين (مثل) أن يقول احلنفي
املشرتط للصوم يف االعتكاف (لبث فال يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة) ،فإنه قربة بضميمة اإلحرام فكذا االعتكاف يكون قربة
بضميمة عبادة إليه وهي الصوم ألنه املتنازع فيه( .فيقال) من جانب املعرتض كالشافعي االعتكاف( .لبث فال يشرتط فيه الصوم
كعرفة) ال يشرتط الصوم يف وقوفها ،ففي هذا إبطال ملذهب اخلصم الذي هو اشرتاط الصوم ومل يصرح به يف الدليل.
القسم (الثاين) القلب (إلبطال مذهب املستدل) وإبطاله إما (بصراحة) كأن يقول احلنفي يف مسح الرأس( ،عضو وضوء فال يكفي) يف
مسحه (أقل ما ينطلقـ عليه االسم كالوجه) ال يكفي يف غسله ذلك( .فيقال) من جانب املعرتض كالشافعيـ عضو ضوء( .فال يقدر
باملعوض كالنكاح)
بالربع كالوجه) ال يقدر غسله بالربع (أو بالتزام) ،كأن يقول النفي يف بيع الغائب (عقد معاوضة فيصح مع اجلهل ّ
يصح مع اجلهل بالزوجة أي عدم رؤيتها( .فيقال) من جانب املعرتض كالشافعي( ،فال يثبت) فيه (خيار الرؤية كالنكاح) فنفي الثبوت
يلزمه نفي الصحة إذ القائل هبا قائل بالثبوت ،وقويل فال يثبت أوىل من قوله فال يشرتط ألن الالزم للصحة عند القائل هبا ثبوت ما ذكر
ال اشرتاطه( ،ومنه) أي من القلبـ إلبطال مذهب املستدل بااللتزام( .قلب املساواة فيقبل يف األصح) وهو أن يكون يف جهة األصل
حكمان أحدمها منتف عن جهة الفرع باتفاق اخلصمني ،واآلخر متنازع فيه بينهما فإذا أثبته املستدل يف الفرع قياسا على األصل يقول
املعرتض فيجب التسوية بني احلكمني يف جهة الفرع كما يف جهة األصل (مثل) قول احلنفي يف الوضوء والغسل كل منهما (طهر مبائع
فال جتب فيه النية كالنجاسة) أي إزالتها ال جيب فيها النية خبالف التيمم جيب فيه النية( .فيقال) من جانب املعرتض كالشافعي (يستوي
جامده ومائعه) أي الطهر (كالنجاسة) يستوي جامد طهرها ومائعه يف مجيع أحكامها .وقد وجبت النية يف التيمم ،فتجب يف الوضوء
والغسل ،وقيل ال يقبل قلب املساواة ،ألن التسوية يف جهة الفرع غريها ،يف جهة األصل ،وأجاب األكثر بأن هذا االختالف ال يضر يف
القياس ،ألنه غري مناف ألصل االستواء يف الوصف الذي جعل جامعا وهو الطهارة.
---
( )1/137
( ومنها) أي من القوادح (القول باملوجب) بفتح اجليم أي مبا اقتضاه الدليل وال خيتص بالقياس وشاهده قوله تعاىل {وهلل العزة
ليخرجن األعز منها األذل ،احملكي عن املنافقني أي صحيح ذلك لكنهم األذل واهلل ورسوله األعز وقد أخرجهمّ ولرسوله} يف جواب
اهلل ورسوله( .وهو تسليم) مقتضي (الدليل مع بقاء النزاع) ،بأن يظهر عدم استلزام الدليل حملل النزاع وورد ذلك على ثالثة أنواع.
أحدها أن يستنتج املستدل من دليله ما يتوهم أنه حمل النزاع أو مالزم له وال يكون كذلك .والثاين أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه
مأخذ مذهب اخلصم واخلصم مينع أنه مأخذه .والثالث أن يسكت عن مقدمة صغرى غري مشهورة .فاألول (ما يقال يف) القود بقتل
(املثقل) من جانب املستدل كالشافعي (قتل مبا يقتل غالبا فال ينايف القود كاإلحراق) بالنار ال ينايف القود( ،فيقال) من جانب املعرتض
كاحلنفي (سلمنا عدم املنافاة) بني القتل باملثقل وبني القود( ،لكن مل قلت) إن القتل باملثقل (يقتضيه) أي القود وذلك حمل النزاع ومل
يستلزمه الدليل( .و) الثاين (كما يقال) يف القود بالقتل باملثقل أيضا (التفاوت يف الوسيلة) من آالت القتل وغريه (ال مينع القود
كالتوسل إليه) من قتل وقطع وغريمها ال مينع تفاوته القود (فيقال) من جانب املعرتض (مسلم) أن التفاوت يف الوسيلة ال مينع القود فال
يكون مانعا منه( ،لكن ال يلزم من إبطال مانع انتفاء املوانع ووجود الشرائط واملقتضي) وثبوت القود متوقف عل مجيعها( ،واملختار
تصديق املعرتض يف قوله) للمستدلـ (ليس هذا) الذي عنيته باستداللك تعريضا يب من منع التفاوت يف الوسيلة للقود (مأخذي) يف نفي
القود ،ألن عدالته متنعه من الكذب يف ذلك ألنه أعلم مبذهبه ،وقيل ال يصدق إال ببيان مأخذ آخر ألنه قد يعاند مبا قاله .والثالث ما
ذكرته بقويل (ورمبا سكت املستدل عن مقدمة غري مشهورة خمافة املنع) هلا لو صرح هبا (فريد) بسكوته عنها (القول باملوجب) كما
يقال يف
اشرتاط النية يف الوضوء والغسل ما هو قربة يشرتط فيه النية كالصالة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة ،فيقول
املعرتض مسلمـ أن ما هو قربة يشرتط فيه النية ،لكن ال يلزم اشرتاطها يف الوضوء والغسل ،فإن صرح املستدل بأهنما قربة ورد عليه منع
ذلك وخرج عن القول باملوجب أما املشهورة فكاملذكورة فال يتأتى فيها القول باملوجب.
( )1/138
(ومنها) أي من القوادح (القدح يف املناسبة) الوصف املعلل به احلكم( .ويف صالحية إفضاء احلكم إىل املقصود) من شرعه (ويف
االنضباط) للوصف املذكور( ،ويف الظهور) له بأن ينفي كالً من األربعة بأن يبدي يف ّأوهلا مفسدة راجحة أو مساوية ملا مر من أهنا
تنخرم بذلك ،ويبني يف ثانيها عدم الصالحية لالفضاء ،ويف ثالثها عدم االنضباط ،ويف رابعها عدم الظهور( .وجوابه) أي القدح بشيء
منها (بالبيان) له .األول بيان رجحان املصلحة على املفسدة ،كأن يقال التخلي للعبادة أفضل من النكاح ملا فيه من تزكية النفس
تفو ت أضعافها كإجياد الولد وكف النظر وكسر الشهوة ،فيجاب بأن تلك املصلحة أرجح مما ذكر ألهنا فيعرتض بأن تلك املصلحة ّ
حلفظ الدين وما ذكر حلفظ النسل ،والثاين ببيان إفضاء احلكم إىل املقصود كأن يقال حترمي احملرم باملصاهرة مؤبدا صاحل ،ألن يفضي إىل
عدم الفجور هبا املقصود من شرع التحرمي فيعرتض بأنه ليس صاحلا لذلك ،بل لالفضاء إىل الفجور ألن النفس مائلة إىل املمنوع.
فيجاب بأن حترميها املؤبد لسد باب الطمع فيها حبيث تصري غري مشتهاة كاألم ،والثالث ببيان انضباط الوصف بنفسه أو بوصف معه
يضبطه كالسفر للمشقة ،والرابع ببيان ظهوره بأن يبينه بصفة ظاهرة كأن يعلل يف القود بالرضا فيعرتض بأن الرضا أمر خفي فال يعلل
به ،فيجاب ببيان ظهوره بصفة ظاهرة تدل عليه وهي الصيغة.
---
( )1/139
( ومنها) أي من القوادح (الفرق) بني األصل والفرع (واألصح أنه معارضة بإبداء قيد يف علية) حكم (األصل أو) إبداء (مانع يف الفرع)
مينع من ثبوت حكم األصل فيه (أو هبما) أي باالبداءين معا .وقيل هو الثالث فقط مثاله على الشق األول أن يقول الشافعي جتب النية
يف الوضوء كالتيمم جبامع الطهارة عن حدث ،فيعرتض احلنفي بأن العلة يف األصل الطهارة بالرتاب ،وعلى الثاين أن يقول احلنفي يقاد
بالذمي كغري املسلم جبامع القتل العمد العدوان فيعرتض الشافعي بأن اإلسالم يف الفرع مانع من القود ،وعلى الثالث أن يعارض ّ املسلم
باالبداءين وما عرفت به الفرق أوىل من تعريف األصل له بأنه راجع إىل املعارضة يف األصل ،أو الفرع وقيل إليهما ألنه أحاله على ما
مل يذكره مع إيهام أن املعارضة باالبداءين ليست فرقا مطلقا وليس كذلك( .و)األصح (أنه) أي الفرق (قادح) وإن قيل إنه بالثالث أو
بالضعيف سؤاالن .أو قلنا جبواز تع ّدد العللـ ألنه يؤثر يف مجيع املستدل ،وألنه لو مل يقدح مل ميتنع التحكم والالزم باطل وقيل ليس
بقادح ،وقيل كذلك على القول بأنه بالثالث سؤاالن ال سؤال واحد ،إذ مجع األسئلة املختلفة غري مقبول ومعىن كونه سؤاالً واحدا
احتاد املقصود منه وهو قطع اجلمع ،ومعىن كونه سؤالني اشتماله على معارضة علة األصل بعلة وعلى معارضة الفرع بأخرى مستنبطة.
(وجوابه) أي الفرق (باملنع) كأن مينع كون املبدى يف األصل جزءا من العلة ويف الفرع مانعا من احلكم وهذا من زياديت (و) األصح
لقو ة الظن به ،وصححه ابن احلاجب وغريه وهو املوافق جلواز تعدد العلل وقيل (أنه جيوز تعدد األصول) لفرع واحد بأن يقاس عليها ّ
ميتنع تعددها ،وإن جوز تعدد العللـ النتشار البحث يف ذلك مع إمكان حصول املقصود بواحد منها وصححه األصل( .فلو فرق بني
الفرع وأصل منها كفى) يف القدح فيها (يف األصح) ألنه يبطل مجعها املقصود ،وقيل ال يكفي الستقالل كل منها وقيل يكفي إن قصد
اإلحلاق مبجموعها ،ألنه
يبطله خبالف ما إذا قصد بكل منها (يف اقتصار املستدل على جواب أصل) واحد منها ،وقد فرق املعرتض بني مجيعها( .قوالن) أحدمها
يكفي حلصول املقصود بالدفع عن واحد منها ،والثاين ال يكفي ألنه التزم اجلميع فلزمه الدفع عنه ،وهذا هو األوجه املوافق لألصح قبله.
( )1/140
(ومنها) أي من القوادح( ،فساد الوضع بأن ال يكون الدليل صاحلا لرتتيب احلكم) عليه كأن يكون صاحلا لضد ذلك احلكم أو نقيضه
(كتلقي) أي استنتاج (التخفيف من التغليظ والتوسيع من التضييق واإلثبات من النفي) .وعكسه (وثبوت اعتبار اجلامع) يف قياس
املستدل (بنص أو إمجاع يف نقيض احلكم) ،أو ضده يف ذلك القياس ،فاألول كقول احلنفية القتل عمدا جناية عظيمة ال جيب له كفارة
كالردة فعظم اجلناية يناسب تغليظ احلكم ال ختفيفه بعدم وجوب الكفارة ،والثاين كقوهلم الزكاة وجبت على وجه االرتفاق لدفع
احلاجة ،فكانت على الرتاخي كالدية على العاقلة ،فالرتاخي املوسع ال يناسب دفع احلاجة املضيق ،والثالث كأن يقال يف املعاطاة يف غري
احملقر مل يوجد فيها مع الرضا صيغة ،فينعقد هبا البيع كما يف احملقر على القول بانعقاده هبا فيه ،فعدمـ الصيغة يناسب عدم االنعقاد ال
االنعقاد ،والرابع كأن يقال يف املعاطاة يف احملقر وجد فيها الرضا فقط ،فال ينعقد هبا بيع كغري احملقر ،فالرضا الذي هو مناط البيع
يناسب االنعقاد ال عدمه .واخلامس يف اجلامع ذي النص قول احلنفية اهلرة سبع ذو ناب فسؤره جنس كالكلب ،فيقال السبعية اعتربها
الشارع علة للطهارة حيث دعي إىل دار فيها كلب فامتنع وإىل أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال السنور سبع .رواه اإلمام أمحد
وغريه ،ويف اجلامع ذي االمجاع قول الشافعية يف مسح الرأس يف الوضوء مسح فيسن تكراره كاالستجمار حيث يسن اإليتار فيه فيقال
املسح يف اخلف ال يسن تكراره إمجاعا فيما قيل( .وجوابه) أي فساد الوضع (بتقرير نفيه) عن الدليل بأن يقرر كونه صاحلا لرتتيب
احلكم عليه كأن يكون له جهتان يناسب بإحدامها التوسيع وباألخرى التضييق فينظر املستدل فيه من إحدامها ،واملعرتض من األخرى
كاالرتفاق ودفع احلاجة يف مسألة الزكاة ،وجياب على الكفارة يف القتل بأنه غلظ فيه بالقود فال يغلظ فيه بالكفارة ،وعن املعاطاة يف
الثالث بأن االنعقاد هبا مرتب على الرضا ال على عدم الصيغة ،وعن املعاطاة يف الرابع بأن عدم االنعقاد هبا مرتب على عدم الصيغة ال
على الرضا ،وعن ثبوت اعتبار اجلامع بقسميه يف نقيض احلكم بثبوت اعتباره يف ذلك احلكم ،ويكون ختلفه عنه بأن وجد مع نقيضه
ملانع يف أصل املعرتض كما يف مسح اخلف فإن تكراره يفسده كغسله.
---
( )1/141
(ومنها) أي من القوادح (فساد االعتبار بأن خيالف) الدليل (نصا) من كتاب أو سنة( ،أو إمجاعا) كأن يقال يف أداء الصوم الواجب
صوم واجب ،فال يصح نيته من النهار كقضائه ،فيعرتض بأنه خمالف لقوله تعاىل {والصائمني والصائمات} اخل فإنه رتب فيه األجر
العظيم على الصوم كغريه من غري تعرض للتبييت فيه ،وذلك مستلزم لصحته بدونه ،وكأن يقال ال يصح قرض احليوان لعدم انضباطه
ورد رباعيا .وقال «إن خيار الناس
كاملختلطات ،فيعرتض بأنه خمالف خلرب مسلم عن أيب رافع أنه صلى اهلل عليه وسلّم استسلف بكرا ّ
أحسنهم قضاء» والبكر بفتح الباء الصغري من اإلبل ،والرباعي بفتح الراء ما دخل يف السنة السابعة ،وكأن يقال ال جيوز للرجل أن
علي فاطمة رضي اهلل عنهما( ،وهو) يغسل زوجته امليتة حلرمة النظر إليها كاألجنبية ،فيعرتض بأنه خمالف لإلمجاع السكويت يف تغسيل ّ
أي فساد االعتبار (أعم من فساد الوضع) من وجه لصدقه فقط بأن يكون الدليل صاحلا لرتتيب احلكم عليه وصدق فساد الوضع فقط
بأن ال يكون الدليل كذلك ،وال يعارضه نص وال إمجاع وصدقهما معا بأن ال يكون الدليل كذلك مع معارضة نص أو إمجاع له (وله)
أي للمعرتض بفساد االعتبار (تقدميه على املنوعات) يف املقدمات (وتأخريه عنها) جملامعته هلا من غري مانع من تقدميه وتأخريه (وجوابه
كالطعنـ يف سنده) أي سند النص أو اإلمجاع بإرسال أو غريه (واملعارضة) للنص بنص آخر فيتساقطان ويسلم دليل املستدل( .ومنع
اظهور) له يف مقصد املعرتض (والتأويل) له بدليل وزدت الكاف لدفع توهم حصر اجلواب فيما ذكر ،فإنه ال ينحصر فيه إذ منه غريه
كالقول باملوجب كما بينته يف احلاشية.
---
( )1/142
(ومنها) أي من القوادح (منع علية الوصف) أي منع كونه العلة (وتسمى املطالبة) أي بتصحيح العلة املتبادر عند إطالق املطالبة.
(واألصح قبوله) وإال ألدى احلال إىل متسك املستدل مبا شاء من األوصاف ألمنه املنع ،وقيل ال يقبل ألدائه إىل االنتشار مبنع كل ما
يدعي عليته( .وجوابه بإثباهتا) أي العلية مبسلكـ من مسالك العلة املتقدمة( .ومن املنع) املطلق (منع وصف العلة) أي منع اعتباره فيها
وهو مقبول جزما( .كقولنا يف إفساد الصوم بغري مجاع) كأكل من غري كفارة (الكفارة) شرعت (للزجر عن اجلماع احملذور يف الصوم
فوجب اختصاصها به كاحلد) .فإنه شرع للزجر عن اجلماع زنا وهو خمتص بذلك( .فيقال) ال نسلم أهنا شرعت للزجر عن اجلماع
خبصوصه( ،بل عن اإلفطار احملذور فيه) أي يف الصوم جبماع أو غريه( .وجوابه ببيان اعتبار اخلصوصية) أي خصوصية الوصف يف العلة
مر( .كأن املعرتض) هبذا االعرتاض كأن يبني اعتبار اجلماع يف الكفارة بأن الشارع رتبها عليه حيث أجاب هبا من سأله عن مجاعه كما ّ
(ينقح املناط) حبذف خصوص الوصف عن اعتباره يف العلة (واملستدل حيققه) ببيان اعتبار خصوصية الوصف فيقدم لرجحان حتقيق
املناط فإنه يرفع النزاع( .و) من املنع املطلقـ (منع حكم األصل ،واألصح أنه مسموع) كمنع وصل العلة كأن يقول احلنفي اإلجارة عقد
على منفعة ،فتبطل باملوت كالنكاح فيقال له ال نسلم حكم األصل ،إذ النكاح ال يبطل باملوت بل ينتهي به ،وقيل غري مسموع ألن مل
يعرتض املقصود (و) األصح (أن املستدل ال ينقطع به) أي مبنع احلكم ألنه منع مقدمة من مقدماتـ القياس ،فله إثباته كسائر املقدمات.
وقيل ينقطع لالنتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إىل غريه ،وقيل ينقطع به إن كان ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء ،ومل يقل
املستدل يف استدالله إن سلمت حكم األصل وإال نقلت الكالم إليه خبالف ما ال يعرفه إال خواصهم ،أو قال املستدل ذلك ،وقيل غري
ذلك( .و) األصح (أنه) أي املستدل (إن
دل) أي استدل (عليه) أي على حكم األصل بدليل (مل ينقطع املعرتض) مبجرد ذلك( ،بل له أن يعرتض) ثانيا الدليل ،ألنه قد ال يكون
صحيحا ،وقيل ينقطع فليس له أن يعرتض خلروجه باعرتاضه عن املقصود( ،وقد يقال) من طرف املعرتض يف االتيان مبنوع مرتتبة (ال
نسلم حكم األصل سلمنا)( .وال نسلم أنه مما يقاس فيه) جلواز كونه مما اختلف يف جواز القياس فيه واملستدل ال يراه( .سلمنا) ذلك
(وال نسلم أنه معلل) جلواز كونه تعبديا( .سلمنا) ذلك( ،وال نسلم أن هذا الوصف علته) جلواز كوهنا غريه( .سلمنا) ذلك( ،وال نسلم
وجود فيه) أي وجود الوصف يف األصل( .سلمنا) ذلك (وال نسلم أنه) أي الوصف (متعد) جلاز كونه قاصرا( .سلمنا) ذلك( ،وال
نسلم وجوده بالفرع)؛ فهذه سبعة منوع تتعلق الثالثة األوىل منها حبكم األصل ،واألربعة الباقية بالعلة مع األصل ،والفرع يف بعضها.
وقد بينت ذلك يف احلاشية( .فيجاب) عنها (بالدفع) هلا على ترتيبها السابق (مبا عرف من الطرق) املذكورة يف دفعها إن أريد ذلك،
وإال فيكفي االقتصار على دفع األخري منها( ،فـ)ـبسبب جواز تعدد املنوع (جيوز إيراد اعرتاضات) هو أوىل من قوله معارضات (من
نوع) ،كالنقوض أو املعارضات يف األصل أو الفرع ألهنا كسؤال واحد مرتتبة كانت أو ال( ،وكذا) جيوز إيراد اعرتاضات (من أنواع
يف األصح) ،كالنقض وعدم التأثري واملعارضة( ،وإن كانت مرتتبة) أي يستدعي تاليها تسليم متلوه ،وذلك ألن تسليمه تقديري ال
ورد
حتقيقي ،وقيل ال جيوز من أنواع لالنتشار ،وقيل جيوز يف غري املرتتبة دون املرتتبة ،ألن ما قبل األخري يف املرتتبة مسلمـ فذكره ضائعّ ،
مر ،مثال النوع يف االعرتاضات املرتتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا ،ولئن تقديري ال حتقيقي كما ّ
ّ بأن تسليمه
سلم فهو منقوض بكذا ،ومثاله يف غري املرتتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا ومثال األنواع مرتتبة أن يقال ما
ذكر من الوصف غري موجود يف
األصل ،ولئن سلم فهو معارض بكذا ،ومثاهلا غري مرتتبة أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غري مؤثر لكذا.
(
( )1/143
ومنها) أي من القوادح (اختالف ضابطي األصل والفرع)؛ أي اختالف عليت حكمهما بدعوى املعرتض ،وإمنا كان اختالفهما قادحا
لعدم الثقة فيه باجلامع وجودا ومساواة ،كأن يقال يف شهود الزور بالقتل تسببوا يف القتل ،فعليهم القود كاملكره غريه على القتل،
فيعرتض بأن الضابط يف األصل اإلكراه ،ويف الفرع الشهادة ،فأين اجلامع بينهما وإن اشرتكا يف اإلفضاء إىل املقصود .فأين مساواة
ضابط الفرع لضابط األصل يف ذلك؟ (وجوابه) أي جواب االعرتاض باختالف الضابط (بأنه) أي اجلامع بينهما( .القدر املشرتك) بني
الضابطني كالتسبب يف القتل فيما مر ،وهو منضبط عرفا( .أو بأن اإلفضاء) أي إفضاء الضابط يف الفرع إىل املقصود (سواء) أي مسا ٍو
إلفضاء الضابط يف األصل إىل املقصود ،كحفظ النفس فيما مر ،وكاملساوي لذلك األرجح منه كما فهم باألوىل( .ال بإلغاء التفاوت)
بني الضابطني بأن يقال التفاوت بينهما ملغىـ يف احلكم ،فال حيل اجلواب به ألن التفاوت قد يلغى كما يف العامل يقتل باجلاهل ،وقد ال
احلر ال يقتل بالعبد.
يلغى كما يف ّ
---
( )1/144
(ومنها) أي من القوادح (التقسيم) هو راجع لالستفسار مع منع املعرتض أن أحد احتمايل اللفظ العلة( ،وهو ترديد اللفظ) املورد يف
الدليل (بني أمرين) مثالً على السواء( .أحدمها ممنوع) دون اآلخر املراد مثاله أن يقال يف مثال االستفسار لإلمجال فيما يأيت الوضوء
النظافة أو األفعالـ املخصوصة األول ممنوع أنه قربة ،والثاين مسلم أنه قربة ،لكنه ال يفيد الغرض من وجوب النية( .واملختار قبوله) لعدم
متام الدليل معه وقيل ال ألنه مل يعرتض املراد( .وجوابه أن اللفظ موضوع) يف املراد (ولو عرفا) كما يكون لغة( .أو) أنه (ظاهر) ولو
بقرينة (يف املراد) ،كما يكون ظاهرا بغريها ويبني الوضع والظهور( .واالعرتاضات) كلها (راجعة إىل املنع) قال كثري أو املعارضة ،ألن
غرض املستدل من إثبات مدعاه بدليله صحة مق ّد ماته ليصلح للشهادة له وسالمته من املعارض لتنفذ شهادته وغرض املعرتض من هدم
ذلك القدح يف صحة الدليل مبنع مقدمة منه أو معارضته مبا يقاومه ،واألصل كبعضهم رأى أن املعارضة منع للعلة عن اجلريان فاقتصر
عليه وتبعته فيه( .ومقدمها) بكسر الدال ،وجيوز فتحها كما مر أي املتقدم أو املقدم على االعرتاضات( .االستفسار) فهو طليعة هلا
كطليعة اجليش( .وهو طلب ذكر معىن اللفظ لغرابة أو إمجال) فيه (وبياهنما) أي الغرابة واالمجال (على املعرتض يف األصح) ألن األصل
عدمهما وقيل
على املستدل بيان عدمهما ليظهر دليله( .وال يكلف) املعرتض باإلمجال (بيان تساوي احملامل) احملقق لإلمجال لعسر ذلك عليه( .ويكفيه)
يف بيان ذلك إن أراد التربع به أن يقول (األصل) مبعىن الراجح (عدم تفاوهتا) أي احملامل وإن عارضه املستدل بأن األصل عدم االمجال.
(فيبني املستدل عدمهما) أي عدم الغرابة واالمجال حيث متّ االعرتاض عليه هبما بأن يبني ظهور اللفظ يف مقصوده بنقل عن لغة أو
عرف شرعي أو غريه أو بقرينة ،كما إذا اعرتض عليه يف قوله الوضوء قربة ،فلتجب فيه النية بأن الوضوء يطلق على النظافة ،وعلى
األفعالـ املخصوصة فيقول حقيقته الشرعية الثاين( .أو يفسر اللفظ مبحتمل) منه بفتح امليم الثانية( .قيل وبغريه) أي بغري حمتمل منه ،إذ
ورد بأن فيه فتح باب ال يستد( .واملختار) أنه (ال
غاية األمر أنه ناطق بلغة جديدة وال حمذور يف ذلك بناء على أن اللغة اصطالحيةّ ،
يقبل) من املستدل إذا وفق املعرتض بإمجال اللفظ على عدم ظهوره يف غري مقصده( ،دعواه الظهور) له (يف مقصده) بكسر الصاد (بال
نقل) عن لغة أو عرف( ،أو قرينة) كأن يقول يلزم ظهوره يف مقصدي ألنه غري ظاهر يف اآلخر اتفاقا ،فلو مل يكن ظاهرا يف مقصدي
لزم االمجال ،وإمنا مل تقبل ألنه ال أثر هلا بعد بيان املعرتض اإلمجال ،وقيل تقبل دفعا لالمجال الذي هو خالف األصل ،وحمله إذا مل
يشتهر اللفظ باالمجال ،فإن اشتهر به كالعني والقرء مل يقبل ذلك جزما ،وترجيح عدم القبول من زياديت ،وهو ما اعتمده شيخنا
الكمال ابن اهلمام وغريه ،وقويل بال نقل أو قرينة أظهر يف املراد من قوله دفعا لإلمجال( .مث املنع) أي االعرتاضـ مبنع أو غريه (ال يأيت يف
احلكاية) أي حكاية املستدل لألقوال يف السمألة املبحوث فيها حىت خيتار منها قوالً ويستدل عليه( .بل) يأيت (يف الدليل) إما (قبل
متامه) ،وإمنا يأيت يف مقدمة معينة منه( .أو بعده) أي بعد متامه( .واألول) وهو املنع قبل التمام (إما) منع (جمرد أو) منع
---
( )1/145
( مع السند) ،وهو ما يبىن عليه املنع واملنع مع السند( .كال نسلم كذا ومل ال يكون) األمر (كذا أو) ال يسلم كذا و(إمنا يلزم كذا لو
كان) األمر (كذا وهو) أي األول بقسميه من املنع اجملرد واملنع مع السند( .املناقضة) أي يسمى هبا ويسمى بالنقض التفصيلي (فإن
احتج) املانع (النتفاء املقدمة) اليت منعها (فغصب) أي فاحتجاجه لذلك يسمى غصبا ألنه غصب ملنصب املستدل (ال يسمعه احملققون)
من النظار الستلزامه اخلبط فال يستحق جوابا ،وقيل يسمع فيستحقه( .والثاين) وهو املنع بعد متام الدليل (إما مبنع الدليل) مبنع مقدمة
معينة أو مبهمة (لتخلف حكمه فالنقض التفصيلي) أي يسمى به إن كان املنع ملعينة كما يسمى مناقضة( .أو) النقض (اإلمجايل) أن
يسمى به إن كان ملبهمة أو جلملة الدليل كأن يقال يف صورته ما ذكر من الدليل غري صحيح لتخلف احلكم عنه يف كذا ،ووصف
باإلمجايل ألن جهة املنع فيه غري معينة خبالف التفصيلي ،وذكر التفصيلي يف الثاين من زياديت( .أو بتسليمه) أي الدليل (مع) منع املدلول
و(االستدالل مبا ينايف ثبوت املدلول فاملعارضة) أي يسمى هبا (فيقول) يف صورهتا املعرتض للمستدل( .ما ذكرت) من الدليل (وإن دل)
على ما ذكرته (فعندي ما ينفيه) أي ما ذكرته ويذكره (وينقل) املعرتض هبا (مستدالً) واملستدل معرتضا ،أما لو منع الدليل ال للتخلف
أو املدلول ،ومل يستدل مبا ينايف ثبوته فاملنع مكابرة( .وعلى املستدل الدفع) ملا اعرتض به عليه( .بدليل) ليسلم دليله األصلي وال يكفيه
مر ) من املنع قبل متام الدليل ،وبعد متامه اخل( .وهكذا) أي املنع ثالثا ورابعا مع
املنع (فإن منع) أي الدليل الثاين بأن منعه املعرتض (فكما ّ
الدفع وهلم( ،إىل إفحامه) أي املستدل بأن انقطع باملنوع( .أو إلزام املانع) بأن انتهى إىل ضروري أو يقيين مشهور من جانب املستدل.
(
---
( )1/146
خامتة) الكتاب القياس (األصح أن القياس من الدين) ألنه مأمور به لقوله تعاىل {فاعتربوا يا أويل األبصار} وقيل ليس منه ألن اسم
الدين إمنا يقع على ما هو ثابت مستمر ،والقياس ليس كذلك ،ألنه قد ال حيتاج إليه ،وقيل منه إن تعني بأن مل يكن للمسألة دليل غريه،
خبالف ما إذا مل يتعني لعدم احلاجة إليه( .و) األصح (أنه) أي القياس (من أصول الفقه) ،كما عرف من حده وقيل ليس منه وإمنا يبني
يف كتبه لتوقف غرض األصويل من إثبات حجيته املتوقف عليها الفقه على بيانه( .وحكم املقيس يقال) فيه (إنه دين اهلل) وشرعه (ال)
يقال فيه (قاله اهلل وال نبيه) ألنه مستنبط ال منصوص وقويل وال نبيه من زياديت( ،مث القياس فرض كفاية) على اجملتهدين( .ويتعني) أي
يصري فرض عني (على جمتهد احتاج إليه) بأن مل جيد غريه يف واقعة( .وهو) أي القياس بالنظر إىل ّقوته وضعفه قسمان (جلي) وهو (ما
قطع فيه بنفي الفارق) أي بإلغائه (أو) ما (قرب منه) بإن كان ثبوت الفارق أي تأثريه فيه ضعيفا بعيدا كل البعد كقياس األمة على
مر ،وكقياس العمياء على العوراء يف املنع من التضحية الثابتالعبد يف تقومي حصة الشريك على شريكه املعتق املوسر وعتقها عليه كما ّ
خبرب «أربع ال جتوز يف األضاحي العوراء البني عورها اخل( .وخفي) وهو (خبالفه) أي خبالف اجللي فهو ما كان احتمال تأثري الفارق فيه ّ
إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى منه ،وإما ضعيفا وليس بعيدا كل البعد كقياس القتل مبثقل على القتل مبحدد يف وجوب القود ،وقد
قال أبو حنيفة بعدم وجوبه يف املثقل( .وقيل فيهما) أي اجللي واخلفي (غري ذلك) قيل اجللي ما ذكر يف تعريفه ،واخلفي بالشبه،
والواضح بينهما .وقيل اجللي القياس األوىل كقياس الضرب على التأفيف يف التحرمي والواضح املساوي كقياس إحراق مال اليتيم على
أكله يف التحرمي ،واخلفي األدون كقياس التفاح علي الرب يف الربا مث اجللي على األولني يصدق باألوىل كاملساوي( .و) ينقسم القياس
باعتبار علته ثالثة أقسام (قياس العلة) وهو (ما صرح فيه هبا) بأن كان اجلامع فيه نفسها كأن يقال حيرم النبيذ كاخلمر لالسكار.
(وقياس الداللة) وهو (ما مجع فيه بالزمها فأثرها فحكمها) الضمائر للعلة ،وكل من الثالثة يدل عليها ،وكل من األخريين منها دون ما
قبله بداللة الفاء فاألول كأن يقال النبيذ حرام كاخلمر جبامع الرائحة املشتدة وهي الزمة لالسكار .والثاين كأن يقال القتل مبثقل يوجب
القود كالقتل مبحدد جبامع اإلمث وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان .والثالث كأن يقال يقطع اجلماعة بالواحد كما يقتلون به
جبامع وجوب الدية عليهم بذلك حيث كان غري عمد ،وهو حكم العلة اليت هي القطع منهم يف املقيس والقتل منهم يف املقيس عليه.
وحاصل ذلك استدالل بأحد موجيب اجلناية من القود والدية الفارق بينهما العمد على اآلخر( .والقياس يف معىن األصل) .وهو (اجلمع
بنفي الفارق) ،ويسمى باجللي كما مر ،وبإلغاء الفارق وبتنقيح املناط كقياس البول يف إناء وصبه يف املاء الراكد على البول فيه يف املنع
جبامع أن ال فارق بينهما يف مقصود املنع الثابت خبرب مسلمـ عن جابر «هنى النيب صلى اهلل عليه وسلّم عن أن يبال يف املاء الراكد.
( )1/147
( )1/148
(مسألة االستقراء باجلزئي على الكلي) بأن يتتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له (إن كان تاما) بأن كان بكل اجلزئيات إال صورة
النزاع (فـ)ـهو دليل (قطعي) يف إثبات احلكم يف صورة النزاع( .عند األكثر) من العلماء ،وقال األقل منهم ليس بقطعي الحتمال خمالفة
تلك الصورة لغريها على بعد .قلنا هو منزل منزلة العدم( ،أو) كان (ناقصا) بأن كان بأكثر اجلزئيات اخلايل عن صورة النزاع (فظين)
الظن
فيها ال قطعي الحتمال خمالفتها للمستقرإ( .ويسمى) هذا عند الفقهاء (إحلاق الفرد) النادر (باألغلب) األعم ،وخيتلف فيه ّ
باختالف اجلزئيات ،فكلما كان االستقراء فيها أكثر كان أقوى ظنا.
---
( )1/149
( مسألة) يف االستصحاب وقد اشتهر أنه حجة عندنا دون احلنفية بأقسامه اآلتية على خالف عندنا يف األخري منها ،وعند غرينا يف
األولني أيضا( .األصح أن استصحاب العدم األصلي) وهو نفي ما نفاه العقل ومل يثبته الشرع كوجوب صوم رجب( .و) استصحابـ
(العموم أو النص و) استصحاب (ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه) ،كثبوت امللك بالشراء (إىل ورود املغري) هلا من إثبات الشرع
ما نفاه العقل ،ومن خمصص أو ناسخ أو سبب عدم ما دل الشرع على ثبوته أي كل من املذكورات (حجة) مطلقا فيعمل به إىل ورود
املغري ،وقل ليس حبجة مطلقا ،وقيل األخري منها حجة يف الدفع به عما ثبت دون الرفع به ملا ثبت كاستصحاب حياة املفقود قبل احلكم
مبوته ،فإنه دافع لإلرث منه وليس برافع لعدم اإلرث من غريه للشكـ يف حياته فال يثبت استصحاهبا له ملكا جديدا ،إذ األصل عدمه،
وقيل هو حجة إن يعارضه ظاهر وإال قدم الظاهر ،وقيل فيه غري ذلك .واألصح األول فيقدم األصل على الظاهر( .إال إن عارضه ظاهر
غالب ذو سبب ظن أنه أقوى) من األصل( ،فيقدم) عليه (كبول وقع يف ماء كثري فوجد متغريا ،واحتمل تغريه به) وتغريه بغريه مما ال
يضر كطول املكث( .وقرب العهد) بعدم تغريه فإن استصحاب طهارته اليت هي األصل عارضته جناسته الظاهرة الغالبة ذات السبب اليت
ظن أهنا أقوى ،فقدمتـ على الطهارة عمالً بالظاهر ،خبالف ما مل يظن أنه أقوى بأن بعد العهد يف املثال بعدم التغري قبل وقوع البول أو ّ
ظن أنه
األولني مع التصريح بقويل ّمل يكن عهد ،وتأخريي الغاية عن املذكورات أوىل من تقدميه هلا على األخري ،وذكر اخلالف يف ّ
أقوى من زياديت( .و) األصح أنه (ال حيتج باستصحاب حال االمجاع يف حمل اخلالف) أي إذا أمجع على حكم يف حال مث اختلف فيه يف
حال آخر ،ففال حيتج باستصحاب ذلك احلال يف هذا احلال ،وقيل حيتج مثاله اخلارج النجس من غري السبيلني ال ينقض الوضوء عندنا
استحصابا ملا قبل اخلروج من بقائه اجملمع عليه.
( فاالستصحاب) الشامل لألنواع السابقة وينصرف االسم إليه( ،ثبوت أمر يف) الزمن (الثاين لثبوته يف األول لفقد ما يصلح للتغيري) من
األول إىل الثاين ،فال زكاة عندنا فيما حال عليه احلول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة باالستصحاب (أما ثبوته) أي األمر
(يف األول) لثبوته يف الثاين (فـ)ـاستصحاب (مقلوب) كأن يقال يف املكيال املوجود اآلن كان على عهده صلى اهلل عليه وسلّم
خفي حىت قال السبكي إنه مل يقل به األصحاب إال فيمن باستصحاب احلال يف املاضي ،إذ األصل موافقة املاضي للحال واالستدالل به ّ
اشرتى شيئا فادعاه غريه وأخذه حبجة مطلقة فيثبت له الرجوع بالثمن على البائع عمالً باستصحاب امللك الذي ثبت اآلن فيما قبل
ذلك ،ألن البينة ال توجد امللك ،بل تظهره ،فيجب أن يكون سابقا على إقامتها ويقدر له حلظة لطيفة ،ومن احملتمل انتقال امللك من
املشرتي إىل املدعي ،ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم االنتقال منه على أن يف هذه الصورة وجها مشهورا بعدم الرجوع ،واعتمده
البلقيين وقال إنه الصواب املتعني ،واملذهب الذي ال جيوز غريه( .وقد يقال فيه) أي يف االستصحاب املقلوب ليظهر االستدالل به
لرجوعه يف املعىن إىل االستصحاب املستقيم (لو مل يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غري ثابت) أمس ،إذ ال واسطة بني الثبوت وعدمه
(فيقضي استصحاب أمس) اخلايل عن الثبوت فيه( ،بأنه اليوم غري ثابت وليس كذلك) ،ألنه مفروض الثبوت اليوم (فدل) ذلك (علىأنه
ثابت) أمس أيضا.
(
---
( )1/150
مسألة املختار أن النايف) لشيء (يطالب بدليل) على انتفاء (إن مل يعلم النفي) أي انتفاء الشيء (ضرورة) بأن علم نظرا أو ظن ألن غري
الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه ،وقيل ال يطالب به ،وقيل يطالب به يف العقليات ال الشرعيات( .وإال) أي وإن علم انتفاؤه
الضروري ال يشتبه حىت يطلب دليله لينظر فيه ،وتعبريي مبا ذكر أوىل مما عرب به كما بينته
ّ ضرورة( ،فال) يطالب بدليل على انتفائه ألن
يف احلاشية( .و) املختار (أنه ال جيب األخذ باألخف وال باألثقل) يف شيء ،بل جيوز كل منهما ألن األصل عدم الوجوب ،وقيل جيب
األخذ باألخف لقوله تعاىل {يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر} وقيل جيب األخذ باألثقل ألنه أكثر ثوابا وأحوط ،والرتجيح
من زياديت ،وتقدم يف اإلمجاع ما يؤخذ منه أنه جيب األخذ بأقل ما قيل.
---
( )1/151
(مسألة املختار) كماقال ابن احلاجب وغريه (أنه صلى اهلل عليه وسلّم كان متعبدا) بفتح الباء وكسرها أي مكلفا ومكلفا نفسه
بالعبادة( .قبل البعثة بشرع) ،ملا يف األخبار من أنه كان يتعبد كان يصلي كان يطوف .وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد
يتصو ر من غري تعبد فإن العقل مبجرده ال حيسنه ،وقيل مل يكن متعبدا وقيل بالوقف وهو ما اختاره األصل،
موافقة أمر الشرع ،وال ّ
(و)املختار (الوقف عن تعيينه) أي تعيني الشرع بتعيني من نسب إليه ،وقيل هو آدم ،وقيل نوح ،وقيل إبراهيم ،وقيل موسى ،وقيل
لنيب ( .و) املختار (بعدها) أي بعد البعثة (املنع) من تعبده بشرع من قبله ،ألن له شرعا
عيسى ،وقيل ما ثبت أنه شرع من غري تعيني ّ
خيصه ،وقيل تعبد مبا مل ينسخ من شرع من قبله أي ومل يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة( .و) املختار بعد البعثة (أن
مينت إال باجلائر .وقال صلى
املضار التحرمي) قال تعاىل {خلق لكم ما يف األرض مجيعا} ذكره يف معرض االمتنان وال ّ أصل املنافع احلل ّ
ضَر َر وال ِضَر ار» .رواه ابن ماجة وغريه ،وزاد الطرباين «يف اإلسالم» وقيل األصل يف األشياء احلل ،وقيل األصل
اهلل عليه وسلّم «ال َ
واملضار قبل البعثة فتقدم أوائل الكتاب حيث قيل ال حكم قبل الشرع بل األمر موقوف إىل وروده.ّ فيها التحرمي ،أما حكم املنافع
---
( )1/152
(مسألة املختار أن االستحسان ليس دليالً) إذ ال دليل يدل عليه وقيل هو دليل لقوله تعاىل {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} قلنا املراد
ورد بأنه) أي هذا الدليل (إن حتقق) باألحسن األظهر واألوىل ال االستحسان( .وفسر بدليل ينقدح يف نفس اجملتهد تقصر عنه عبارته ّ
يضر قصور عبارته عنه قطعا ،وإن مل يتحقق عنده فمردود قطعا( .و) فسر أيضا (بعدول عن قياس بفتح التاء عند اجملتهد (فمعترب) ،وال ّ
إىل) قياس (أقوى) منه( ،وال خالف فيه) هبذا املعىن ،إذ أقوى القياسني مقدمـ على اآلخر قطعا( .أو) بعدول (عن الدليل إىل العادة)
ملصلحة ،كدخول احلمام بال تعيني أجرة وزمن مكث فيه وقدر ماء وكشرب املاء من السقاء بال تعيني قدره مع اختالف أحوال الناس
(ورد بأنه إن ثبت أهنا) أي العادة (حق) جلرياهنا يف زمنه صلى اهلل عليه وسلّم ،أو بعده بال إنكار وال من األئمة.يف استعمال املاءّ .
(ردت) قطعا فلم يتحقق مبا ذكر استحسان (فقد قام دليلها) من السنة أو اإلمجاع فيعمل هبا قطعا( .وإال) أي وإن مل يثبت حقيتها ّ
خمتلف فيه( .فإن حتقق استحسان خمتلف فيه فمن قال به فقد شرع) ،بالتخفيف .وقيل بالتشديد أي وضع شرعا من قتل نفسه وليس له
ذلك ألنه كفر أو كبرية( .وليس منه) أي من االستحسان املختلف فيه أن حتقق (استحسان الشافعي التحليف باملصحف واخلط يف
الكتابة) لشيء من جنومها( .وحنومها) كاستحسانه يف املتعة ثالثني درمها ،وإمنا قال ذلك ألدلة فقهية مبينة يف حماهلا ،وال ينكر التعبري به
عن حكم ثبت بدليل.
---
( )1/153
( مسألة قول الصحايب) اجملتهد (غري حجة على) صحايب (آخر وفاقا و) على (غريه) وكتابعي (يف األصح) ،ألن قول الصحايب ليس
حجة يف نفسه ،واالحتجاج به يف احلكم التعبدي من حيث إنه من قبيل املرفوع لظهور أن مستنده فيه التوقيف ال من حيث إنه قول
صحايب ،وقيل قوله على غري الصحايب حجة فوق القياس حىت يقدم عليه عند التعارض ،وقيل حجة دون القياس فيقدم القياس عليه،
وقيل حجة إن انتشر من غري ظهور خمالف له ،لكنه حينئذ إمجاع سكويت ،فاحتجاج الفقهاء به من حيث إنه إمجاع سكويت ال من
حيث إنه قول صحايب ،كما لو وقع من جمتهد غري صحايب قول باجتهاد وسكت عليه الباقون ،وقيل حجة إن خالف القياس ،وقيل
قول الشيخني أيب بكر وعمر حجة خبالف غريمها ،وقيل غري ذلك .وعلى القول بأنه حجة لو اختلف صحابيان يف مسألة فقوالمها
كدليلني فريجح أحدمها مبرجح( .واألصح) ما عليه احملققون (أنه) أي الصحايب (ال يقلد) بفتح الالم أي ليس لغريه أن يقلده ألنه ال
يدو ن خبالف مذهب غريه من األئمة األربعة وقيل يقلد بناء على جواز االنتقال يف املذاهب والتصريح بالرتجيح من يوثق مبذهبه ،إذ مل ّ
تردد (فلدليل ال تقليدا) لزيد بأن وافق اجتهاده اجتهاده.
زياديت( .أما وفاق الشافعي زيدا يف الفرائض) حىت تردد حيث ّ
( )1/154
( مسألة األصح أن اإلهلام وهو) لغة إيقاع شيء يف القلب (يطمئن له الصدر خيص به اهلل) تعاىل (بعض أصفيائه غري حجة) إن ظهر (من
غري معصوم) ،لعدم الثقة خبواطره ألنه ال يأمن دسيسة الشيطان فيها .وقيل هو حجة يف حقه فقط وقيل ألدلة ال جتدي ،أما من املعصوم
كالنيب صلى اهلل عليه وسلّم فهو حجة يف حقه وحق غريه إذا تعلقـ هبم كالوحي.
ّ
( )1/155
خامتة لالستدالل
( مبىن الفقه على) أربعة أمور ،وإن مل يرجع أكثره إليها إال بتكلف( .أن اليقني ال يرفع) من حيث استصحاب حكمه (بالشك) ،مبعىن
رد
مطلق الرتدد ،ومن مسائله من تيقن الطهر وشك يف احلدث يأخذ بالطهر( ،و) أن (الضرر يزال) وجوبا ،ومن مسائله وجوب ّ
املغصوب وضمانه بالتلف( .و) أن (املشقة جتلب التيسري) ،ومن مسائله جواز القصر واجلمع والفطر يف السفر بشرطه( .و) أن (العادة
حمكمة) بفتح الكاف املشددة ،أي املعمول هبا شرعا ،ومن مسائله أقل احليض وأكثره ،وزاد بعضهم على األربعة أن األمور مبقاصدها،
ومن مسائله وجوب النية يف الطهر ،ورجعه صاحب األصل يف قواعده إىل األول ،فإن الشيء إذا مل يقصد اليقني عدم حصوله.
( )1/156
( )1/157
( والرتجيح تقوية أحد الدليلني) بوجه من وجه الرتجيح اآليت بعضها ،فيكون راجحا وتعبريي بالدليلني أوىل من تعبريه بالطريقني.
(والعمل بالراجح واجب) .وباملرجوح ممتنع سواء أكان الرجحان قطعيا أم ظنيا (يف األصح) .وقيل ال جيب إن كان الرجحان ظنيا فال
يعمل بواحد منهما لفقد املرجح القطعي ،وقيل خيري بينهما يف العمل إن كان الرجحان ظنيا( .وال ترجيح يف القطعيات) .إذ ال تعارض
بينها ،وإال الجتمع املتنافيان كما مر ،وكذا ال ترجيح يف القطعي مع الظين غري النقليني أخذا مما مر (واملتأخر) من النصني املتعارضني
(ناسخ) للمتقدمـ منهما إن قبال النسخ آيتني كانا أو خربين أو آية وخربا( .وإن نقل) املتأخر (باآلحاد) ،فإنه ناسخ فيعمل به ألن دوامه
(واألصح أن العمل
ّ بأن ال يعارض مظنون ،ولبعضهم احتمال باملنع ،ألن اجلواز يؤدي إىل إسقاط املتواتر باآلحاد يف بعض الصور.
باملتعارضني ولو من وجه) أو كان أحدمها سنة واآلخر كتابا( .أوىل من إلغاء أحدمها) برتجيح اآلخر عليه ،وقيل ال فيصار إىل الرتجيح
مثاله خرب «أميا إهاب دبغ فقد طهر» مع خرب «ال تنتفعوا من امليتة بإهاب وال عصب» الشامل لإلهاب املدبوغ وغريه ،فحملناه على
غري املدبوغ اخلاص به عند كثري مجعا بني الدليلني ،وتقدم بيان بسط احلمل يف آخر مبحث التخصيص (و) األصح (أنه ال يقدم) يف
ذلك (الكتاب على السنة وال عكسه) أي وال السنة على الكتاب ،وقيل يقدم الكتاب خلرب معاذ املشتمل على أنه يقضي كتاب اهلل ،فإن
مل جيد فبسنة رسول اهلل ورضى رسول اهلل بذلك ،وقيل يقدم السنة لقوله تعاىل {لتبني للناس} مثاله قوله صلى اهلل عليه وسلّم يف البحر
إيل حمرما} إىل قوله {أو حلم خنزير} وكل منهما يشمل خنزير «هو الطهور ماؤه احلل ميتته» مع قوله تعاىل {قل ال أجد فيما أوحي ّ
البحر ،فحملنا اآلية على خنزير الرب املتبادر إىل األذهان مجعا بني الدليلني( .فإن تعذر العمل) باملتعارضني بأن مل ميكن بينهما مجع( ،فإن
علم املتأخر) منهما يف الواقع ومل ينس (فناسخ) للمتقدمـ منهما( ،وإال) أي وإن مل يعلم ذلك بأن تقارنا أو جهل التأخر أو املتأخر أو
علم ونسي( .رجع إىل مرجح فإن تعذر فإن مل يتقارنا وقبال النسخ طلب) الناظر (غريمها) لتعذر العمل بواحد منهما ،فإن مل جيد غريمها
توقف( ،وإال) بأن تقارنا ومل يقبال النسخ (خيري) الناظر بينهما يف العمل (إن تعذر الرتجيح) ،فإن مل يتعذر طلب مرجحا والتقييد بقبول
النسخ يف صوريت جهل املتأخر ونسيانه من زياديت.
---
( )1/158
(مسألة يرجح بكثرة األدلة و) بكثرة (الرواة يف األصح) ،ألن كثرة كل منهما تفيد القوة ،وقيل ال كالبينتني ،وفرق بأن مقصود
الشهادة فصل اخلصومة لئال تطول فضبطت بنصاب خاص خبالف الدليل ،فإن مقصوده ظن احلكم واجملتهد يف مهلة النظر ،وكلما كان
النيب صلى اهلل عليه وسلّم (وفقه
الظن أقوى كان اعتباره أوىل( .وبعلو اإلسناد) يف االخبار أي قلة الوسائط بني الراوي للمجتهد ،وبني ّ
الراوي ولغته وحنوه) لقلة احتمال اخلطأ مع واحد من األربعة بالنسبة إىل مقابالهتا( .وورعه وضبطه وفطنته وإن روى) اخلرب (املرجوح
باللفظ) والراجح بواحد مما ذكر باملعىن (ويقظته وعدم بدعته وشهرة عدالته) لشدة الوثوق به مع واحد من الستة بالنسبة إىل مقابالهتا.
(وكونه مزكى باالختبار) من اجملتهد ،فريجح على املزكى عنده باالخبار ألن العيان أقوى من اخلرب( .أو) كونه (أكثر مزكني ومعروف
النسب قيل ومشهوره) لشدة الوثوق به والشهرة زيادة يف املعرفة .واألصح ال ترجيح هبا .وقال الزركشي األقوى األول ألن من ليس
صرح بتزكيته مشهور النسب قد يشاركه ضعيف يف االسم( ،وصريح التزكية على احلكم بشهادته والعمل بروايته) ،فريجح خرب من ّ
على خرب من حكم بشهادته ،وخرب من عمل بروايته يف اجلملة ،ألن احلكم والعمل قد يبنيان على الظاهر بال تزكية( .وحفظ املروي)
فريحجح مروي احلافظ له على مروي غريه الراوي له بنحو تلقني العتناء األول مبرويه( .وذكر السبب) فريجح اخلرب املشتمل على سببه
على ما مل يشتمل عليه الهتمام راوي األول به ،وحمله يف اخلاصني بقرينة ما يأيت يف العامني( .والتعويل على احلفظ دون الكتابة)،
املعو ل على الكتابة الحتمال أن يزاد يف كتابه أو ينص منه ،واحتمال النسيان
املعول على احلفظ فيما يرويه على خرب ّفريجح خرب ّ
مر بيان طرق واالشتباه يف احلافظ كالعدم( .وظهور طريق روايته) ،كالسماع بالنسبة إىل اإلجازة ،فريجح املسموع على اجملاز ،وقد ّ
الرواية ومراتبها آخر الكتاب
الثاين( .ومساعه بال حجاب) ويرجح املسموع بال حجاب على املسموع من وراء حجاب ألمن األول من تطرق اخللل يف الثاين.
(وكونه ذكرا وحرا يف األصح) فيهما فريجح خرب كل منهما على خرب غريه ،ألن الذكر أضبط من غريه يف اجلملة واحلر لشرف منصبه
ألهنن أضبط فيها ،وقيل ال ترجيح
أحكامهنّ ،
ّ حيرتز عما ال حيرتز عنه غريه ،وقيل يرجح خرب الذكر يف غري أحكام النساء خبالف
وصو به الزركشي يف األوىل والربماوي فيهما .ونقاله عن ابن السمعاين فيهما ،ونقال عن غريه االتفاق عليه يف بالذكورية وال باحلريةّ ،
األوىل وذكر اخلالف يف الثانية من زياديت( .و) كونه (من أكابر الصحابة) أي رؤسائهم فريجح خرب أحدهم على خرب غريه لشدة
ديانتهم وقرهبم جملسا من النبيّصلى اهلل عليه وسلّم ( ،و) كونه (متأخر اإلسالم) فريجح خربه على خرب متقدمـ اإلسالم( ،يف األصح)
لظهور تأخر خربه ،وقيل عكسه ألن متقدم اإلسالم ألصالته فيه أشد حترزا من متأخره( .و) كونه (متحمالً بعد التكليف) .ولو حال
الكفر ألنه أضبط من املتحمل قبل التكليف( .وغري مدلس) ،ألن الوثوق به أقوى منه باملدلس املقبول ،وتقدم بيانه يف الكتاب الثاين.
(وغري ذي امسني) ألن صاحبهما يتطرق إليه اخلللـ بأن يشاركه ضعيف يف أحدمها( .ومباشرا) ملرويه (وصاحب الواقعة) املروية ،ألن
فاألول كخرب الرتمذي عن أيب رافع «أنه صلى اهلل عليه وسلّم تزوج ميمونة حالالً قال وكنت كالً منهما أعرف باحلال من غريهّ ،
تزوج ميمونة وهو حمرم» .والثاين كخرب أيب داود «عن الرسول بينهما» مع خرب الصحيحني عن ابن عباس «أنه صلى اهلل عليه وسلّم ّ
النيب صلى اهلل عليه وسلّم وحنن حالالن بسرف» مع خرب ابن عباس املذكور( .وراويا باللفظ) لسالمة املروي باللفظ تزوجين ّميمونة ّ
من تطرق اخلللـ يف املروي باملعىن( ،و) كون اخلرب (مل ينكره) الراوي (األصل) ،فريجح خرب الفرع الذي مل ينكره أصله بأن قال ما
رويته ألن الظن احلاصل من األول أقوى ،وتعبريي مبا
ذكر أوضح من قوله ومل ينكره راوي األصل.
(
( )1/159
و) كونه (يف الصحيحني) أو يف أحدمها ،ألنه أقوى من الصحيح يف غريمها ،وإن كان على شرطهما لتلقي األمة هلما بالقبول( .والقول
فالفعلـ فالتقرير) فريجح اخلرب الناقل ،لقول النيب على الناقل لفعله والناقل لفعله على الناقل لتقريره ،ألن القول أقوى يف الداللة على
التشريع من الفعل ألن الفعلـ حمتمل للتخصيص به صلى اهلل عليه وسلّم ،وهو أقوى من التقرير ألنه وجودي حمض ،والتقرير حمتمل ملا ال
حيتمله الفعل( .ويرجح الفصيح) على غريه لتطرق اخلللـ إىل غريه باحتمال أن يكون مرويا باملعىن( ،وكذا زائد الفصاحة) على الفصيح
(يف قول) مرجوح ،ألنه صلى اهلل عليه وسلّم أفصح العرب فيبعد نطقه بغري األفصح فيكون مرويا باملعىن فيتطرق إليه اخللل ،واألصح ال
ألنه صلى اهلل عليه وسلّم ينطق باألفصح والفصيح ،ال سيما إذا خاطب به من ال يعرف غريه ،وقد كان خياطب العرب بلغاهتم( .و)
يرجح (املشتمل على زيادة) على غريه (يف األصح) ملا فيه من زيادة العلم ،وقيل يرجح األقل ،وبه أخذ احلنفية التفاق الدليلني عليه
كخرب التكبري يف العيد سبعا مع خرب التكبري فيه أربعا روامها أبو داود .واألولىمنه عندهم لالفتتاح وذكر اخلالف يف هذه من زياديت.
(والوارد بلغة قريش) ألن الوارد بغريها حيتمل أن يكون مرويا باملعىن فيتطرق إليه اخللل( .واملدين) على املكي لتأخره عنه ،واملدين ما
بعلو شأن النيب صلى اهللورد بعد اهلجرة واملكي قبلها ،وهذا أوىل من القول بأن املدين ما نزل باملدينة ،واملكي ما نزل مبكة( .واملشعر ّ
عليه وسلّم) لتأخره عما مل يشعر بذلك ( .وما) ذكر (فيه احلكم مع العلة) على ما فيه احلكم فقط ،ألن األول أقوى يف االهتمام
باحلكم من الثاين كخرب البخاري «من ب ّدل دينه فاقتلوه» مع خرب الصحيحني «أنه صلى اهلل عليه وسلّم هنى عن قتل النساء والصبيان».
الردة
نيط احلكم يف األول بوصف ّ
املناسب وال وصف يف الثاين ،حلملنا النساء فيه على احلربيات.
( وما قدم فيه ذكرها عليه) أي ذكر العلة على احلكم على عكسه (يف األصح) ،ألنه أدل على ارتباط احلكم بالعلة من عكسه ،وقيل
عكسه ألن احلكم إذا تقدم تطلب نفس السامع العلة ،فإذا مسعتها ركنت ومل تطلب غريها ،والوصف إذا تقدم تطلب النفس احلكم فإذا
مسعته قد تكتفي يف علته بالوصف املتقدم إذا كان شديد املناسبة كما يف {والسارق} اآلية .وقد ال تكتفي به بل تطلب علة غريه كما
يف {إذا قمتم إىل الصالة فاغسلوا} اآلية .فيقال تعظيما للمعبود( .وما فيه هتديد أو تأكيد) على اخلايل عن ذلك ،فاألول كخرب
البخاري عن عمار «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى اهلل عليه وسلّم» .فريجح على األخبار املرغبة يف صوم النفل والثاين
كخرب أيب داود «أميا امرأة نكحت نفسها بغري إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل» مع خرب مسلم «األمي أحق
بنفسها من وليها»( .والعام) عموما (مطلقا على) العام (ذي السبب إال يف السبب) ،ألن الثاين باحتمال إرادة قصره على السبب كما
الشرطي) كمن
ّ القو ة إال يف صورة السبب فهو فيها أقوى ألهنا قطعية الدخول على األصح كما مر( .والعام قيل بذلك دون املطلقـ يف ّ
بقوة عمومها دونه ،ويؤخذ من وما الشرطيتني (على النكرة املنفية يف األصح) ،إلفادته التعليل دوهنا ،وقيل العكس لبعد التخصيص فيها ّ
كاملعرف بالالم أو
ذلك ترجيح النكرة الواقعة يف سياق الشرط على الواقعة يف سياق النفي( .وهي على الباقي) من صيغ العموم ّ
املعرف) بالالممر ،وهو إمنا يدل عليه بالقرينة اتفاقا( .واجلمع ّ
اإلضافة ألهنا أقوى منه يف العموم ،ألهنا تدل عليه بالوضع يف األصح كما ّ
أو اإلضافة( .على من وما) غري الشرطيتني كاالستفهاميتني ،ألنه أقوى منهما يف العموم المتناع أن خيص إىل الواحد دوهنما على
مر.األصح يف كل منهما كما ّ
---
( )1/160
( وكلها) أي اجلمع املعرف ومن وما (على اجلنس املعرف) بالالم أو اإلضافة الحتماله العهد خبالف من وما فال حيتمالنه ،وخبالف
املعر ف فيبعد احتماله له( .وما مل خيص) على ما خص لضعف الثاين باخلالف يف حجيته خبالف األول ،وألن الثاين جماز ،واألولاجلمع ّ
كالصفي اهلندي ،وعندي عكسه ألن ما خص من العام هو الغالب والغالب أوىل من غريه.
ّ حقيقة وهي مقدمةـ عليه قطعا .وقال األصل
(واألقل ختصيصا) على األكثر ختصيصا ألن الضعف يف األقل دونه يف األكثر( .واالقتضاء فاإلمياء فاإلشارة) ،ألن املدلول عليه باألول
مقصود يتوقف عليه الصدق أو الصحة ،وبالثاين مقصود ال يتوقف عليه ذلك ،وبالثالث غري مقصود كما علم ذلك من حمله ،فيكون
كل منها أقوى داللة مما بعده ،وترجيح الثاين على الثالث من زياديت( .ويرجحان) أي اإلمياء واإلشارة (على املفهومني) أي املوافقة
واملخالفة ،ألن داللة األولني يف حمل النطق خبالف املفهومني( ،وكذا املوافقة على املخالفة) يف األصح لضعف الثاين باخلالف يف حجيته
خبالف األول ،وقيل عكسه ألن الثاين يفيد تأسيسا خبالف األول( ،و) كذا (الناقل عن األصل) أي الرباءة األصلية على املقرر له يف
األصح ،ألن األول فيه زيادة على األصل خبالف الثاين ،وقيل عكسه بأن يق ّدر تأخر املقرر لألصل ليفيد تأسيسا كما أفاده الناقل
مس ذَ َكَرهُ فليتوضأ» مع خربه «أنه صلى اهلل عليه وسلّم سأله رجل مس ذكره أعليه «م ْن ّ
فيكون ناسخا له مثال ذلك خرب الرتمذي َ
مر ،وقيل عكسه ،وقيل مها سواء وقيل غري ذلك، وضوء قال ال إمنا هو بضعة منك»( .و)كذا (املثبت) على النايف (يف األصح) ،ملا ّ
(واخلرب) املتضمن للتكليف على اإلنشاء ألن الطلبـ به لتحقق وقوع معناه أقوى من اإلنشاء ،فإن اتفق الدليالن خربا أو إنشاء (فاحلظر)
على اإلجياب ألنه لدفع املفسدة واإلجياب جللب املصلحة واالعتناء بدفع املفسدة أشد( ،فاإلجياب) على الكراهة
لالحتياط( ،فالكراهة) على الندب لدفع اللوم (فالندب) على اإلباحة لالحتياط بالطلبـ (فاإلباحة يف األصح يف بعضها) وهو تقدمي كل
من احلظر واإلجياب والندب على اإلباحة ،وقيل العكس يف الثالث العتضاد اإلباحة باألصل ،وقيل مها سواء يف األوىل والقياس جميئه يف
الباقيتني ،وحيتمل خالفه ،وذكر اخلالف يف الثانية مع تقدمي اإلجياب على الكراهة من زياديت( .و) اخلرب (املعقول معناه) على ما مل يعقل
معناه ألن األول أدعى لالنقياد وأفيد بالقياس عليه( .وكذا نايف العقوبة) هو أعم من قوله ونايف احلد على املوجب هلا يف األصح ملا يف
األول من اليسر وعدم احلرج املوافق لقوله تعاىل {يريد اهلل بكم اليسر}{ ،ما جعل عليكم يف الدين من حرج} وقيل عكسه إلفادة
املوجب التأسيس خبالف النايف( .و) كذا احلكم (الوضعي) أي مثبته (على) مثبت (التكليفي يف األصح) ،ألن األول ال يتوقف على
الفهم والتمكن من الفعلـ خبالف الثاين وقيل عكسه لرتتب الثواب على التكليفي دون الوضعي( .و) الدليل (املوافق دليالً آخر) على ما
مل يوافقه ،ألن الظن يف املوافق أقوى( .وكذا) املوافق (مرسالً أو صحابيا أو أهل املدينة أو األكثر) من العلماء على ما مل يوافق واحد
مما ذكر (يف األصح) لذلك .وقيل ال يرجح بواحد من ذلك ألنه ليس حبجة ،وقيل إمنا يرجح مبوافق الصحايب إن كان الصحايب قد ميزه
نص فيما فيه املوافقة من أبواب الفقه كزيد يف الفرائض ،وقيل غري ذلك.
---
( )1/161
( ويرجح) كما قال الشافعي فيما إذا وافق كل من الدليلني صحابيا ،وقد ميز النص أحد الصحابيني فيما ذكر( .موافق زيد يف الفرائض
فعلي ) يف تلك األحكام ،فاملتعارضان يف مسألة يف الفرائض يرجح منهما املوافق
(فعلي) فيها (ومعاذ يف أحكام غري الفرائض ّ فمعاذ) فيها ّ
لعلي ،واملتعارضان يف مسألة يف غري الفرائض يرجح
لزيد ،فإن مل يكن له فيها قول فاملوافق ملعاذ ،فإن مل يكن له فيها قول فاملوافق ّ
علي»
لعلي ،وذلك خلرب «أفرضكم زيد ،وعلمكم باحلالل واحلرام معاذ ،وأقضاكم ّ منهما املوافق ملعاذ ،فإن مل يكن له فيها قول فاملوافق ّ
علي واللفظ يف معاذ
فقوله أفرضكم زيد على عمومه .وقوله وأعلمكم باحلالل واحلرام معاذ يعين يف غري الفرائض وكذا قوله وأقضاكم ّ
أصرح منه يف علي فقدم عليه مطلقا( .واإلمجاع على النص) ألنه يؤمن فيه النسخ خبالف النص( .وإمجاع السابقني) على إمجاع غريهم
فريجح إمجاع الصحابة على إمجاع من بعدهم من التابعني وغريهم ،وإمجاع التابعني على إمجاع من بعدهم ،وهكذا لشرف السابقني
لقرهبم من النيب صلى اهلل عليه وسلّم وخلرب «خري القرون قرين مث الذين يلوهنم» .وتعبريي كالربماوي بالسابقني أعم من تعبري األصل
بالصحابة( .وإمجاع الكل) الشاملـ للعوام) على ما خالف فيه العوام) ،لضعف الثاين باخلالف يف حجيته على ما حكاه اآلمدي( .و)
اإلمجاع (املنقرض عصره على غريه) لضعف الثاين باخلالف يف حجتيه( .وكذا ما) أي اإلمجاع الذي (مل يسبق خبالف) على غريه (يف
األصح) لذلك ،وقيل عكسه لزيادة اطالع اجملمعني يف الثاين على املآخذ ،وقيل مها سواء( .واألصح تساوي املتواترين من كتاب
وسنة) .وقيل يرجح الكتاب عليها ألنه أشرف منها ،وقيل ترجح السنة عليه لقوله تعاىل {لتبني للناس ما نزل إليهم} أما املتواتران من
(بقوة دليل حكم األصل) ،كأن يدل يف أحد القياسني باملنطوق، السنة فمتساويان قطعا كاآليتني( .ويرجح القياس) على قياس آخر ّ
ويف اآلخر باملفهوم ،أو
يكون يف أحدمها قطعيا ،ويف اآلخر ظنيا لقوة الظن بقوة الدليل( .وكونه) أي القياس (على سنن القياس أي فرعه من جنس أصله)
فريجح على قياس ليس كذلك ،ألن اجلنس باجلنس أشبه فقياسنا ما دون أرش املوضحة على أرشها حىت حتمله العاقلة مقدم على قياس
احلنفية له على غرامات األموال حىت ال تتحمله( .وكذا) ترجح علة (ذات أصلني) مثالً بأن علال هبا( .على ذات أصل) يف األصح،
وقيل ال كاخلالف يف الرتجيح بكثرة األدلة مثاله وجوب الضمان بيد املستام عللناه بأنه أخذ العني لغرضه بال استحقاق ،كما علل به
وجوب الضمان بيد الغاصب ويد املستعري ،وعلله احلنفية بأنه أخذها ليتملكها ومل يعلل به نظري ذلك( .و) كذا ترجح علة (ذاتية)
للمحلـ كالطعم واإلسكار( .علي) علة (حكمية) ،كاحلرمة والنجاسة يف األصح ،ألن الذاتية ألزم ،وقيل عكسه ألن احلكم باحلكم
أشبه( .و) كذا (كوهنا أقل أوصافا يف األصح) ،ألن القليلةـ أسلم وقيل عكسه ألن الكثرية أكثر شبها( .و) ترجح (املقتضية احتياطا يف
مر ،هذا مع أنفرض) ،ألهنا أنسب به مما ال تقتضيه ،وذكر الفرض ألنه حمل االحتياط ،إذ ال حيتاط يف الندب وإن احتيط به كما ّ
يسن له غسلة أخرى وإن احتمل االحتياط قد جيري يف غري الفرض ،كما إذا شك هل غسل وجهه يف الوضوء ثالثا أو اثنتني فإنه ّ
كوهنا رابعة احتياطا( .وعامة األصل) بأن يوجد يف مجيع جزئياته ،ألهنا أكثر فائدة مما ال يعم كالطعم الذي هو علة عندنا يف باب الربا،
فإنه موجود يف الرب مثالً قليله وكثريه ،خبالف القوت الذي هو علة عند احلنفية فال يوجد يف قليله ،فجوزوا بيع احلفنة منه باحلفنتني.
(و) ترجح العلة (املتفق على تعليل أصلها) املأخوذة منه لضعف مقابلها باخلالف فيه( .و) العلة (املوافقة ألصول) شرعية (على املوافقة
لواحد) ،ألن األوىل أقوى بكثرة ما يشهد هلا( .وكذا) ترجح العلة (املوافقة لعلة أخرى) يف األصح ،وقيل ال كاخلالف يف الرتجيح
بكثرة األدلة والرتجيح من زياديت (وما) أي
---
( )1/162
وكذا القياس الذي (ثبتت علته بإمجاع فنص قطعيني فظنيني) أي بإمجاع قطعي فنص قطعي فإمجاع ظين فنص ظين (يف األصح) ،ألن
النص يقبل النسخ خبالف اإلمجاع وقيل عكسه ،ألن النص أصل لإلمجاع ألن حجيته إمنا ثبتت به( .فإمياء فسرب فمناسبة فشبه فدوران
وقيل دوران فمناسبة) ،وما قبلها وما بعدها كما مر ،فكل من املعطوفاتـ دون ما قبله ،ورجحان كل من اإلمياء ،واملناسبة على ما يليه
ظاهر من تعاريفها السابقة ،ورجحان السري على املناسبة مبا فيه من إبطال ما ال يصلح للعلية والشبه على الدوران بقربه من املناسبة،
ومن رجح الدوران عليها قال ألنه يفيد اطراد العلة وانعكاسها خبالف املناسبة ،ورجحان الدوران أو الشبه على بقية املسالك يؤخذ من
تعاريفها ،وما ذكر هنا يغين عما صرح به األصل من الرتجيح بالقطع بالعلة أو الظن األغلب ،ويكون مسلكها أقوى (و) يرجح (قياس
املعىن على) قياس (الداللة) الشتمال األول على املعىن املناسب ،والثاين على الزمه أو أثره أو حكمه كما علم ذلك يف مبحث الطرد،
ويف خامتة القياس( .وكذا) يرجح (غري املركب عليه) أي على املركب (يف األصح إن قبل) أي املركب لضعفه باخلالف يف قبوله
املذكور يف مبحث حكم األصل ،وقيل عكسه لقوة املركب باتفاق اخلصمني على حكم األصل فيه( .و) يرجح (الوصف احلقيقي
فالعريف فالشرعي) ألن احلقيقي ال يتوقف على شيء خبالف العريف والعريف متفق عليه خبالف الشرعي كما مر( .الوجودي) مما ذكر.
(فالعدمي قطعا البسيط) منه (فاملركب يف األصح) لضعف العدمي واملركب باخلالف فيهما ،وقيل املركب فالبسيط ،وقيل مها سواء
وذكر اخلالف من زياديت.
(
والباعثة على األمارة) لظهور مناسبة الباعثة و(املطردة املنعكسة) على املطردة فقط لضعف الثانية باخلالف فيها( .فاملطردة) فقط (على
املنعكسة) فقط ،ألن ضعف الثانية بعدم االطراد أش ّد من ضعف األوىل بعدم االنعكاس( .وكذا) ترجح (املتعدية) على القاصرة يف
األصح ألهنا أفيد باالحلاق هبا ،وقيل عكسه ،ألن اخلطأ يف القاصرة أقل ،وقيل مها سواء لتساويهما فيما ينفردان به من االحلاق يف
املتعدية وعدمه يف القاصرة( .و) كذا يرجح (األكثر فروعا) من املتعديتني على األقل فروعا (يف األصح) .وقيل عكسه كما يف املتعدية
والقاصرة وال يأيت التساوي هنا النتفاء علته ،والرتجيح يف املسألتني من زياديت( .و) يرجح (من احلدود السمعية) أي الشرعية (األعرف
على األخفى) منها ،ألن األول أفضى إىل مقصود التعريف من الثاين( .والذايت على العرضي) ،ألن التعريف باألول يفيد كنه احلقيقة
األخص
ّ بتجوز أو اشرتاك لتطرق اخللل إىل التعريف بالثاين( .وكذا) يرجح (اَألعم) على
خبالف الثاين( .والصريح) من اللفظ على غريه ّ
مطلقا (يف األصح) ،ألن التعريف باألعم أفيد لكثرة املسمى فيه ،وقيل عكسه أخذا باحملقق يف احملدود ،وذكر خلالف من زياديت ،أما
األعم واألخص من وجه فالظاهر فيهما التساوي( .و) يرجح (موافق نقل السمع واللغة) ،ألن التعريف مبا خيالفهما إمنا يكون لنق
عنهما واألصل عدمه( .و) يرجح (ما) أي احلد الذي (طريق اكتسابه أرجح) من طريق اكتساب ح ّد آخر ،ألن الظن بصحته أقوى منه
القوة والضعف( .واملرجحات ال تنحصر) فيما ذكر هنا بصحة اآلخر ،إذ احلدود السمعية مأخوذة من النقل وطرق النقل تقبل ّ
الظن) أي ّقو ته وسبق كثري منها منه تقدمي بعض مفاهيم املخالفة على بعض وبعض ما خيل بالفهم على بعض كاجملاز على (ومثارها غلبة ّ
االشرتاك ،وتقدمي املعىن الشرعيـ على العريف ،والعريف على اللغوي يف خطاب الشارع ،ومن غريه أرجحية ما يرجح به من التقدمي
بالتزكية باحلكم بشهادة الراوي على التزكية
بالعمل بروايته ،وتقدمي من علم أنه عمل برواية نفسه على من علم أنه مل يعمل أو مل يعلم أنه عمل.
( )1/163
( )1/164
وال يعترب) ال يف االجتهاد وال يف اجملتهد (علم الكالم) إلمكان استنباط من جيزم بعقيدة اإلسالم تقليدا كما يعلم مما سيأيت( .و) ال
كن
واحلرية) جلواز أن يكون للنساء ّقوة االجتهاد وإن ّ (تفاريع الفقه) ،ألهنا إمنا متكن بعد االجتهاد فكيف تعترب فيه( .و) ال (الذكورة ّ
ناقصات عقل ،وكذا العبيد بأن ينظروا حال التفرغ من خدمة السادة( .وكذا العدالة) ال تعترب فيه (يف األصح) ،جلواز أن يكون للفاسق
ّقو ة االجتهاد ،وقيل يعترب ليعتمد على قوله وتعقب بأنه ال ختالف بني القولني إذ اعتبار العدالة العتماد .قوله ال ينايف عدم اعتبارها
الجتهاده ،إذ الفاسق يعمل باجتهاد نفسه ،وإن مل يعتمد قوله اتفاقا ،وجياب بأهنا اعتربت بالنسبة لغريه ،أما املفيت فيعترب فيه العدالة ألنه
أخص فشرطه أغلظ( .وليبحث عن املعارض) كاملخصص واملقيد والناسخ ،والقرينة الصارفة للفظ عن ظاهره ليسلم ما يستنبطه من
تطرق اخلدش إليه لو مل يبحث ،وهذا أوىل ال واجب ليوافق ما مر من أنه يتمسك بالعام قبل البحث عن املخصص على األصح ،ومن
أنه جيب اعتقاد الوجوب بصيغة افعل قبل البحث عما يصرفها عنه .وزعم الزركشي ومن تبعه أنه واجب ،وأنه ال خيالف ما مر ،ألن
ذاك يف جواز التمسك بالظاهر اجملرد عن القرائن ،والكالم هنا يف اشرتاط معرفة املعارض بعد ثبوته عنده بقرينه( .ودونه) أي دون
اجملتهد املتقدم وهو اجملتهد املطلق( ،جمتهد املذهب وهو املتمكن من ختريج الوجوه) اليت يبديها (على نصوص إمامه) يف املسائل،
(ودونه) أي دون جمتهد املذهب (جمتهد الفتيا وهو
املتبحر) يف مذهب إمامه( .املتمكن من ترجيح قول) له (على آخر) ،أطلقهما( .واألصح جواز جتزى االجتهاد) بأن حيصل لبعض الناس
قوة االجتهاد (يف بعض األبواب) ،كالفرائض بأن يعلم أدلته وينظر فيها ،وقيل ميتنع الحتمال أن يكون فيما مل يعلمه من األدلة معارض
للنيب صلى اهلل عليه وسلّم
ورد بأن هذا االحتمال فيه بعيد( .و) األصح (جواز االجتهاد ّ ملا علمه خبالف من أحاط بالكل ونظر فيه ّ
لنيب أن يكون له أسرى حىت يثخن يف األرض}{ ،عفا اهلل عنك مل أذنت هلم} عوتب على استبقاء ووقوعه) لقوله تعاىل {ما كان ّ
أسرى بدر بالفداء ،وعلى اإلذن ملن ظهر نفاقهم يف التخالف عن غزوة تبوك ،والعتاب ال يكون فيما صدر عن وحي ،فيكون عن
ورد بأن إنزال الوحي ليس يف قدرته ،وقيل جائز له وواقعاجتهاد ،وقيل غري جائز له لقدرته على اليقني بالتلقي من الوحي بأن ينتظرهّ ،
النبوة عن اخلطأ يف
يف اآلراء واحلروب دون غريمها مجعا بني األدلة السابقة (و) األصح (أن اجتهاده) هلل (ال خيطىء) تنزيها ملنصب ّ
مر يف اآليتني ،وجياب بأن التنبيه فيهما ليس على خطأ بل على ترك األوىل إذ ذاك. االجتهاد ،وقيل قد خيطىء لكن ينبه عليه سريعا ملا ّ
(و) األصح (أن االجتهاد جائز يف عصره) صلى اهلل عليه وسلّم ،وقيل ال للقدرة على اليقني يف احلكم بتلقيه منه صلى اهلل عليه وسلّم،
ورد بأنه لو كان عنده وحي يف ذلك لبلغه للناس ،وقيل جائز بإذنه ،وقيل جائز للبعيد عنه دون القريب لسهولة مراجعته ،وقيل جائز ّ
النيب صلى اهلل عليه وسلّم ،فيما وقع هلم خبالف غريهم (و)
للوالة حفظا ملنصبهم عن استنقاص الرعية هلم لو مل جيز هلم بأن يراجعوا ّ
األصح على اجلواز (أنه وقع) ،ألنه صلى اهلل عليه وسلّم حكم سعد بن معاذ يف بين قريظة فقال تقتل مقاتلتهم وتسيب ذريتهم ،فقال
صلى اهلل عليه وسلّم «لقد حكمت حبكم اهلل» .رواه الشيخان .وقيل مل يقع للحاضر يف قطره صلى اهلل عليه وسلّم خبالف غريه ،وقيل
بالوقف عن القول
بالوقوع وعدمه.
( )1/165
(مسألة املصيب) من املختلفني (يف العقلياتـ واحد) ،وهو من صادف احلق فيها لتعينه يف الواقع كحدوث العامل ووجود الباري وصفاته
وبعثة الرسل (واملخطىء) فيها (آمث) إمجاعا ،وألنه مل يصادف احلق فيها( ،بل كافر) أيضا( .إن نفى اإلسالم) كله أو بعضه كنايف بعثة
حممد صلى اهلل عليه وسلّم ،فالقول بأن كل جمتهد يف العقليات مصيب أو أن املخطىء غري آمث خارق لإلمجاع ،والتصريرح باعتماد
تأثيم املخطىء يف غري نفي اإلسالم من زياديت( .واملصيب يف نقليات فيها قاطع) من نص أو إمجاع ،واختلف فيها لعدم الوقوف عليه.
(واحد قطعا ،وقيل على اخلالف اآليت) فيما ال قاطع فيها (واألصح أنه) أي املصيب يف النقليات( .وال قاطع) فيها (واحد) وقيل كل
جمتهد فيها مصيب( .و) األصح (أن هلل فيها حكما معينا قيل االجتهاد) .وقيل حكم اهلل تعاىل تابع لظن اجملتهد فيما ظنه فيها من
احلكم ،فهو حكم اهلل يف حقه وحق مقلده ،وقيل فيها شيء لو حكم اهلل فيها مل حيكم إال بذلك الشيء ،قيل وهذا حكم على الغيب
ورمبا عرب عن هذا إذا مل يصادف اجملتهد ذلك الشيء بأنه أصاب فيه اجتهادا وابتداء وأخطأ فيه حكما وانتهاء( .و) األصح (أن عليه)
أي احلكم (أمارة) أي دليالً ظنيا ،وقيل عليه دليل قطعي ،وقيل ال وال بل هو كدفني يصادفه من شاءه اهلل( .و) األصح (أنه) أي اجملتهد
(مكلف بإصابته) أي احلكم إلمكاهنا وقيل ال لغموضه (وأن املخطىء) يف النقليات بقسميها (ال يأمث بل يؤجر) ،لبذله وسعه يف طلبه،
وقيل يأمث لعدم إصابته املكلف هبا ،وذكر األجر يف القسم األول من زياديت ويدل لذلك يف القسمني خرب «إذا اجتهد احلاكم فأصاب
فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد»( ،ومىت قصر جمتهد) يف اجتهاده (أمث) لتقصريه برتكه الواجب عليه من بذله وسعه فيه.
---
( )1/166
(مسألة ال ينقض احلكم يف االجتهاديات) ال من احلاكم به وال من غريه ،إذ لو جاز نقضه جلاز نقض النقض وهلم ،فيفوت مصلحة
نصب احلاكم من فصل اخلصومات( .فإن خالف) احلكم (نصا أو إمجاعا أو قياسا جليا) نقض ملخالفته الدليل املذكور( .أو حكم)
حاكم (خبالف اجتهاده) ،بأن قلد غريه نقض ملخالفته اجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه( ،أو) حكم حاكم (خبالف نص إمامه
ومل يقلد غريه) من األئمة( .أو) قلده و(مل جيز) ملقلد إمام تقليد غريه ،وسيأيت بيان ذلك (نقض) حكمه ملخالفته نص إمامه الذي هو يف
حقه اللتزامه تقليده كالدليل يف حق اجملتهد ،فإن قلد يف حكمه غري إمامه وجاز له تقليده مل ينقض حكمه ،ألنه لعدالته إمنا حكم به
ويل) باجتهاد منه أو
لرجحانه عنده ونقض احلكم جماز عن إظهار بطالنه ،إذ ال حكم يف احلقيقة حىت ينقض( .ولو نكح) امرأة (بغري ّ
من مقلده يصحح نكاحه (مث تغري اجتهاده أو اجتهاد مقلده) إىل بطالنه( .فاألصح حترميها) عليه لظنه أو ظن إمامه حينئذ البطالن ،وقيل
ويرد بأنه ميتنع إذا نقض من أصله وليس مرادا هنا.
يؤدي إىل نقض احلكم باالجتهاد وهو ممتنعّ ، ال حترم إذا حكم حاكم بالصحة لئال ّ
(ليكف) عن العمل إن مل يكن عمل (وال ينقض معموله) إن عمل ّ (ومن تغري يف اجتهاده) بعد إفتائه (أعلم) وجوبا (املستفىت) بتغريه
مر ( ،وال يضمن) اجملتهد (املتلف) بإفتائه بإتالفه (إن تغري) اجتهاده إىل عدم إتالفه (ال لقاطع) ،ألنه
ألن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد ملا ّ
معذور خبالف ماذا تغري لقاطع كنص قاطع فإنه ينقض معموله ويضمن متلفه املفيت لتقصريه.
---
( )1/167
نيب( .احكم مبا تشاء) يف الوقائع من غري دليل( ،فهو حق) (لنيب أو عامل) على لسان ّ
(مسألة املختار أنه جيوز أن يقال) من قبل اهلل تعاىل ّ
أي موافق حلكمي بأن يلهمه إياه ،إذ ال مانع من هذا اجلواز( .ويكون) أي هذا القول (مدركا شرعيا ويسمى التفويض) لداللته عليه،
للنيب دون العامل ألن رتبته ال تبلغ أن يقال له ذلك واملختار بعد جوازه( .أنه مل يقع) .وقيل وقع وقيل ال جيوز ذلك مطلقا .وقيل جيوز ّ
صالة» .أي ألوجبته عليهم قلنا هذا ال يدل على املدعى جلواز أن خلرب الصحيحني «لوال أن أشق على أميت ألمرهُت م بالسواك عند كال ٍ
ّ َْ ّ
يكون خري فيه أي خري يف إجياب السواك وعدمه أو يكون ذلك املقول بوحي ال من تلقاء نفسه( .وأنه جيوز تعليق األمر باختيار
املأمور) .حنو افعل كذا إن شئت أي فعله ،وقيل ال جيوز ملا بني طلب الفعلـ والتخيري فيه من التنايف .قلنا ال تنايف إذ التخيري قرينة على
أن الطلب غري جازم والرتجيح يف هذا من زياديت.
---
( )1/168
(مسألة التقليد أخذ قول الغري) مبعىن الرأي واالعتقاد الدال عليهما القول اللفظيـ أو الفعل أو التقرير (من غري معرفة دليله) فخرج أخذ
قول ال خيتص بالغري كاملعلوم من الدين بالضرورة ،وأخذ قول الغري مع معرفة دليله ،فليس بتقليد بل هو اجتهاد وافق اجتهاد القائل،
ألن معرفة الدليل من الوجه الذي باعتباره يفيد احلكم ال يكون إال للمجتهد ،وعرف ابن احلاجب وغريه التقليد بالعمل بقول الغري من
غري حجة ،وقد بينت التفاوت بني التعريفني يف احلاشية ،ومع ذلك فال مشاحة يف االصطالح( .ويلزم غري اجملتهد) املطلق عاميا كان أو
غريه ،أي يلزمه بقيد زدته بقويل (يف غري العقائد) التقليد للمجتهد (يف األصح) آلية {فاسألوا أهل الذكر} ،وقيل يلزمه بشرط أن يتبني
له صحة اجتهاد اجملتهد بأن يتبني له مستنده ليسلم من لزوم اتباعه يف اخلطأ اجلائز عليه ،وقيل ال جيوز يف القواطع ،وقيل ال جيوز للعامل
أن يقلد ألن له صالحية أخذ احلكم من الدليل خبالف العامي ،أما التقليد يف العقائد فيمتنع على املختار ،وإن صح مع اجلزم كما
سيأيت ،وقضية كالم األصل هنا لزومه فيها أيضا( .وحيرم) أي التقليد (على ظا ّن احلكم باجتهاده) ملخالفته به وجوب اتباع اجتهاده
(وكذا) حيرم (على اجملتهد) أي من هو بصفات االجتهاد التقليد فيما يقع له( .يف األصح) لتمكنه من االجتهاد فيه الذي هو أصل
للتقليد ،وال جيوز العدول عن األصل املمكن إىل بدله كما يف الوضوء والتيمم ،وقيل جيوز له التقليد فيه لعدم علمه به اآلن ،وقيل جيوز
للقاضي حلاجته إىل فصل اخلصومة املطلوب جنازه خبالف غريه ،وقيل جيوز تقليد من هو أعلم منه ،وقيل جيوز عند ضيق الوقت ملا
يسأل عنه ،وقيل جيوز له فيما خيصه دون ما يفيت به غريه.
---
( )1/169
( مسألة األصح أنه لو تكررت واقعة جملتهد مل يذكر الدليل) األول (وجب جتديد النظر) ،سواء أجتدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه
باألو ل من غري نظر لكان أخذا بشيء من غري دليل يدل له والدليل األول لعدم تذكره ال ثقة ببقاء الظن منه، فيها أم ال ،إذ لو أخذ ّ
وقيل ال جيب جتديده بناء على قوة الظن السابق ،فيعمل به ألن األصل عدم رجحان غريه أما إذا كان ذاكرا للدليل ،فال جيب جتديد
النظر ،إذ ال حاجة إليه( ،أو) أي واألصح أنه لو تكررت واقعة (لعامي استفىت عاملا) فيها (وجب إعادة االستفتاء) ،ملن أفاد (ولو كان)
العامل (مقلد ميت) بناء على جواز تقليد امليت وإفتاء املقلد كما سيأيت ،إذ لو أخد جبواب السؤال األول من غري إعادة لكان أخذا
بشيء من غري دليل ،وهو يف حقه قول املفيت ،وقوله األول ال ثقة ببقائه عليه الحتمال خمالفته له باطالعه على ما خيالفه من دليل إن
كان جمتهدا ،ونص إلمامه إن كان مقلدا ،وقيل ال جيب وذكر اخلالف يف الصورتني من زياديت ،وقول األصل يف الشق األول من األوىل
قطعا أي عند أصحابنا ال عند األصوليني ،وحمل اخلالف يف الثانية إذا عرف أن اجلواب عن رأي أو قياس أو شك ،واملفيت حي ،فإن
عرف أنه عن نص أو إمجاع ،أو مات املفيت فال حاجة للسؤال ثانيا كما جزم به الرافعي والنووي.
---
( )1/170
(مسألة املختار جواز تقليد املفضول) من اجملتهدين (ملعتقده غري مفضول) ،بأن اعتقده أفضل من غريه أو مساويا له ،خبالف من اعتقده
مفضوالً عمالً باعتقاده ومجعا بني الدليلني اآلتيني ،وقيل جيوز مطلقا .ورجحه ابن احلاجب لوقوعه يف زمن الصحابة وغريهم مشتهرا
متكررا من غري إنكار ،وقيل ال جيوز مطلقا ،ألن أقوال اجملتهدين يف حق املقلد كاألدلة يف حق اجملتهد ،فكما جيب األخذ بالراجح من
األدلة جيب األخذ بالراجح من األقوال ،والراجح منها قول الفاضل ،وإذا جاز تقليد املفضول ملن ذكر( .فال جيب البحث عن األرجح)
من اجملتهدين لعدم تعينه خبالف من مل جيوز مطلقا ومبا ذكر علم ما صرح به األصل من أن العامي إذا اعتقد رجحان واحد منهم تعني
ألن يقلده وإن كان مرجوحا يف الواقع عمالً باعتقاده (و) املختار (أن الراجح علما) يف االعتقاد (فوق الراجح ورعا) فيه ،ألن لزيادة
العلم تأثريا يف االجتهاد خبالف زيادة الورع ،وقيل العكس ،ألن لزيادة الورع تأثريا يف التثبت يف االجتهاد وغريه خبالف زيادة العلم،
وحيتمل التساوي ألن لكل مرجحا( .و) املختار جواز (تقليد امليت) لبقاء قوله ،كما قال الشافعي رضي اهلل عنه املذاهب ال متوت
مبوت أرباهبا ،وقيل ال جيوز ألنه ال بقاء لقول امليت بدليل انعقاد اإلمجاع بعد موت املخالف ،وعورض حبجية اإلمجاع بعد موت
اجملمعني ،وقيل جيوز أن فقد احلي للحاجة خبالف ما إذا مل يفقد( .و)املختار جواز (استفتاء من عرفت أهليته) لالفتاء باشتهاره بالعلم
والعدالة (أو ظنت) بانتصابه والناس مستفتون له( .ولو) كان (قاضيا) ،وقيل القاضي ال يفيت يف املعامالت لالستغناء بقضائه فيها عن
االفتاء( .فإن جهلت) أهليته علما أو عدالة( .فاملختار االكتفاء باستفاضة علمه وبظهور عدالته) .وقيل جيب البحث عنهما بأن يسأل
الناس عنهما وعليه ،فاألصح االكتفاء خبرب الواحد عنهما ،وقيل ال بد من اثنني وما اخرتته من االكتفاء باستفاضة علمه هو ما نقله يف
الروضة عن األصحاب خالف ما صححه األصل من وجوب البحث عنه( .وللعامي سؤاله) أي املفيت (عن مأخذه) ،فيما أفتاه به
(اسرتشادا) أي طلبا إلرشاد نفسه بأن يذعن للقبول ببيان املأخذ ال تعنتا( .مث عليه) أي املفيت ندبا ال وجوبا (بيانه) أي املأخذ لسائله
املذكور حتصيالً إلرشاده (إن مل خيف) عليه ،فإن خفي عليه حبيث يقصر فهمه عنه ،فال يبينه له صونا لنفسه عن التعب فيما ال يفيد
ويعتذر له خبفاء ذلك عليه.
---
( )1/171
( مسألة األصح أنه جيوز ملقلد قادر على الرتجيح) وهو جمتهد الفتوى( .اإلفتاء مبذهب إمامه) مطلقا لوقوع ذلك يف األعصار متكررا
شائعا من غري إنكار خبالف غريه فقد أنكر عليه ،وقيل ال جيوز له النتفاء وصف االجتهاد املطلقـ والتمكن من ختريج الوجوه على
نصوص إمامه عنه ،وقيل جيوز له عند عدم اجملتهد املطلق واملتمكن مما ذكر للحاجة إليه ،خبالف ما إذا وجدا أو أحدمها ،وقيل جيوز
للمقلد،ـ وإن مل يكن قادرا على الرتجيح ألنه ناقل ملا يفىت به عن إمامه ،وإن مل يصرح بنقله عنه وهذا هو الواقع يف األعصار املتأخرة،
أما القادر على التخريج وهو جمتهد املذهب فيجوز له اإلفتاء قطعا ،كما ذكره الزركشي والربماوي وغريمها تبعا للمصنف يف شرح
املختصر وهو املتجه خالفا ملا اقتضاه كالم اآلمدي ،من أن اخلالف يف جمتهد املذهب ،إذ قضية ذلك عدم جواز االفتاء جملتهد الفتوى
خلو الزمان عن جمتهد) ،بأن ال يبقى فيه جمتهد وقيل ال جيوز
وهو بعيد جدا خمالف ملا أفاده النووي يف جمموعه( .و) األصح (أنه جيوز ّ
مطلقا ،وقيل جيوز أن تداعى الزمان بتزلزل القواعد بأن أتت أشراط الساعة الكربى كطلوع الشمس من مغرهبا( .و) األصح بعد
جوازه (أنه يقع) خلرب الصحيحني «إن اهلل ال يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،حىت إذا مل يبق عامل
اختذ الناس رؤساء جهاالً فسئلوا فأفتوا بغري علم فضلوا وأضلوا» .ويف خرب مسلمـ «إن بني يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها
اجلهل» وحنوه ،خرب البخاري إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم أي يقبض أهله ويثبت اجلهل ،وقيل ال يقع خلرب الصحيحني أيضا
بطرق «ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق حىت يأيت أمر اهلل أي الساعة كما صرح هبا يف بعض الطرق قال البخاري وهم أهل
العلم .وأجيب بأن املراد بالساعة يف هذا ما قرب منها مجعا بني األدلة ،والرتجيح من زياديت ،وعبارة األصل واملختار مل يثبت وقوعه
مرتدد بني
وهو ّ
---
( )1/172
الوقوع وعدمه.
( و) األصح (أنه لو أفىت جمتهد عاميا يف حادثة فله الرجوع عنه فيها إن مل يعمل) بقوله يها( .ومث مقت آخر) ،وقيل يلزمه العمل به
مبجرد االفتاء فليه له الرجوع إىل غريه ،وقيل يلزمه العمل به بالشروع يف العمل به ،خبالف ما إذا مل يشرع ،وقيل يلزمه العمل به إن
التزمه ،وقيل يلزمه العمل به إن وقع يف نفسه صحته وخرج بقويل فيها غريها فله الرجوع عنه فيه مطلقا ،وقيل ال ،ألنه بسؤال اجملتهد
وقبول قوله التزم مذهبه ،وقيل جيوز يف عصر الصحابة والتابعني ال يف العصر الذي استقرت فيه املذاهب ،وبقويل إن مل يعمل ما إذا
عمل فليس له الرجوع جزما ،وبقويل ومث مفت آخر ما لو مل يكن مث مفت آخر فليس له الرجوع والتصريح يف هذه بالرتجيح بقيده
األخري من زياديت( .و) األصح (أنه يلزم املقلد) عاميا كان أو غريه( .التزام مذهب معني) من مذاهب اجملتهدين( .ويعتقده أرجح) من
غريه (أو مساويا) له ،وإن كان يف الواقع مرجوحا على املختار السابق( .و) لكن (األوىل) يف املساوي (السعي يف اعتقاده أرجح)
ليحسن اختياره على غريه ،وقيل ال يلزمه التزامه فله أن يأخذ فيما يقع له مبا شاء من املذاهب ،قال النووي هذا كالم األصحاب
والذي يقتضيه الدليل القول بالثاين( .و) األصح بعد لزوم التزام مذهبـ معني للمقلدـ (أن له اخلروج عنه) ،فيما مل يعمل به ألن التزام ما
ال يلزم غري ملزم .وقيل ال جيوز ألنه التزمه وإن مل يلزم التزامه ،وقيل ال جيوز يف بعض املسائل ،وجيوز يف بعض توسطا بني القولني،
والرتجيح يف هذه من زياديت( .و) األصح (أنه ميتنع تتبع الرخص) يف املذاهب ،بأن يأخذ من كل منها األهون فيما يقع من املسائل
سواء امللتزم وغريه ،ويؤخذ منه تقييد اجلواز السابق فيهما مبا مل يؤد إىل تتبع الرخص ،وقيل جيوز بناء على أنه ال يلزم التزام مذهب
معني.
---
( )1/173
( مسألة) تتعلق بأصول الدين (املختار) قول الكثري (إنه ميتنع التقليد يف أصول الدين) أي مسائل االعتقاد كحدوث العامل ووجود
الباري ،وما جيب له وميتنع عليه وغري ذلك مما سيأيت ،فيجب النظر فيه ألن املطلوب فيه اليقني .قال تعاىل لنبيه {فاعلم أنه ال إله إال
اهلل} وقد علم ذلك .وقال للناس {واتبعوه لعلكم هتتدون} ويقاس بالوحدانية غريها ،وقيل جيوز وال جيب النظر اكتفاء بالعقد اجلازم
ألنه صلى اهلل عليه وسلّم كان يكتفي يف اإلميان من األعراب وليسوا أهالً للنظر بالتلفظ بكلميت الشهادة املنىبء عن العقد اجلازم ويقاس
باإلميان غريه ،وقيل ال جيوز فيحرم النظر فيه ،ألنه مظنة الوقوع يف الشبه والضالل الختالف األذهان واألنظار ،ودليال الثاين والثالث
مدفوعان بأنا ال نسلم أن األعراب ليسوا أهالً للنظر ،وال أن النظر مظنة للوقوع يف الشبه والضالل ،إذ املعترب النظر على طريق العامة
كما أجاب األعرايب األصمعي عن سؤاله مب عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعري ،وأثر األقدام على املسري ،فسماء ذات أبراج
وأرض ذات فجاج وحبر ذو أمواج أال تدل على اللطيف اخلبري؟ وال يذعن أحد منهم أو من غريهم لإلميان إال بعد أن ينظر فيهتدى له.
أما النظر على طريق املتكلمني من حترير األدلة وتدقيقها ودفع الشكوك والشبه عنها ،ففرض كفاية يف حق املتأهلني له يكفي قيام
بعضهم هبا أما غريهم ممن خيشى عليه من اخلوض فيه الوقوع يف الشبه والضالل فليس له اخلوض فيه ،وهذا حممل هني الشافعي وغريه
من السلف عن االشتغال بعلم الكالم ،وهو العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقينية ،والرتجيح من زياديت ،بل قضية كالمه يف مسألة
التقليد ترجيح لزومه هنا ،مث حمل اخلالف يف وجوب النظر يف غري معرفة اهلل تعاىل أما النظر فيها فواجب إمجاعا.
فيصح إميان املقلد ،وقيل ال
كل من األقوال ،وإن أمث برتك النظر على األول ّ (و) املختار أنه (يصح) التقليد يف ذلك (جبزم) أي معه على ّ
يصح بل ال ب ّد لصحة اإلميان من النظر أما التقليد بال جزم بأن كان مع احتمال شك أو وهم ،فال يصح قطعا إذ ال إميان مع أدىن تردد ّ
فيه وعلى صحة التقليد اجلازم فيما ذكر (فليجزم) أي املكلف (عقده بأن العامل) وهو ما سوى اهلل تعاىل( .حادث) ،ألنه متغري أي
يعرض له التغري كما يشاهد وكل متغري حادث (وله حمدث) ضرورة أن احلادث ال ب ّد له من حمدث (وهو اهلل) أي الذات الواجب
الوجود ألن مبدىء املمكنات ال ب ّد أن يكون واجبا ،إذ لو كان ممكنا لكان من مجلة املمكنات فلم يكن مبدئا هلا( .الواحد) ،إذ لو
جاز كونه اثنني جلاز أن يريد أحدمها شيئا ،واآلخر ض ّده الذي ال ض ّد له غريه كحركة زيد وسكوته فيمتنع وقوع املرادين وعدم
وقوعهما المتناع ارتفاع الض ّد ين املذكورين واجتماعهما ،فتعني وقوع أحدمها فيكون مريده هو اإلله دون اآلخر لعجزه ،فال يكون
اإلله إال واحدا( .والواحد) الشيء (الذي ال ينقسم) بوجه (أو ال يشبه) بفتح الباء املش ّددة أي به وال بغريه أي ال يكون بينه وبني غري
شبه( .بوجه) وهذان التفسريان معنامها موجود فيه تعاىل فتعبريي بأو أوىل من تعبريه بالواو إليهامه أهنما تفسري واحد ،وموافق لقول
إمام احلرمني يف اإلرشاد الواحد معناه املتوحد املتعايل عن االنقسام ،وقيل معناه الذي ال مثل له فأفاد كالمه أهنما تفسريان ال تفسري
واحد وإن تالزم معنامها هنا( .واهلل تعاىل قدمي) أي ال ابتداء لوجوده ،إذ لو كان حادثا الحتاج إىل حمدث واحتاج حمدثه إىل حمدث
وتسلسلـ والتسلسلـ حمال ،فاحلدوث املستلزم له حمال( .حقيقته) تعاىل (خمالفة لسائر احلقائق .قال احملققون ليست معلومة اآلن) أي يف
الدنيا للناس وقال كثري إهنا معلومة هلم اآلن ألهنم مكلفون بالعلم بوحدانيته وهو متوقف على العلم حبقيقته .قلنا ال نسلم أنه متوقف
على
---
( )1/174
العلم به باحلقيقة ،وإمنا يتوقف على العلم به بوجه وهو بصفاته ،كما أجاب موسى عليه الصالة والسالم فرعون السائل عنه تعاىل كما
قص علينا ذلك بقوله تعاىل {قال فرعون وما رب العاملني} اخل( .واملختار وال ممكنة) علما (يف اآلخرة) ألن علمها يقتضي اإلحاطة به
تعاىل وهي ممتنعة ،وقيل ممكنة العلم فيها حلصول الرؤية فيها كما سيأيت .قلنا الرؤية ال تفيد احلقيقة والرتجيح من زياديت( .ليس جبسم
وال جوهر وال عرض) ،ألنه تعاىل منزه عن احلدوث وهذه الثالثة حادثة ألهنا أقسام العامل ألنه إما قائم بنفسه أو بغريه ،والثاين العرض
األول ويسمى بالعني ،وهو حمل الثاين املقوم له إما مركب وهو اجلسم أو غري مركب وهو اجلوهر وقد يقيد بالفرد( .مل يزل وحده وال
منز ه عنهما (مث أحدث هذا العامل) .املشاهد من السموات واألرض مبا فيها (بال احتياج) إليه مكان وال زمان) أي موجود قبلهما فهو ّ
(ولو شاء ما أحدثه) فهو فاعل باالختيار ال بالذات (مل حيدث به) أي بإحداثه (يف ذاته حادث) ،فليس كغريه حمالً للحوادثـ وهو كما
قال يف كتابه العزيز (فعال ملا يريد ،ليس كمثله شيء) وهو السميع البصري( .القدر) وهو هنا ما يقع من العبد مما ق ّدر يف األزل (خريه
وشره) كائن (منه) تعاىل خبلقه وإرادته( ،علمه شامل لكل معلوم) أي ما من شأنه أن يعلم ممكنا كان أو ممتنعا جزئيا أو كليا .قال تعاىل
(لكل مقدور) أي ما من شأنه أن يقدر عليه ،وهو املمكن خبالف املمتنع والواجب (ما علم {أحاط بكل شيء علما} (وقدرته) شاملة ّ
أنه يوجد أراده) أي أراد وجوده (وما ال) أي وما علم أنه ال يوجد( ،فال) يريد وجوده فاإلرادة تابعة للعلم (بقاؤه) تعاىل (غري متناه)
أي ال آخر له (مل يزل) تعاىل موجودا (بأمسائه) أي مبعانيها ،وهي هنا ما دل على الذات باعتبار صفة كالعامل واخلالق( .وصفات ذاته)
وهي (ما دل عليها فعله) .لتوقفه عليها (من قدرة) وهي صفة تؤثر يف الشيء عند تعلقها به( .وعلم) وهو صفة
أزلية تتعلق بالشيء على وجه اإلحاطة به على ما هو عليه( .وحياة) وهي صفة تقتضي صحة العلم ملوصوفها( ،وإرادة) وهي صفة
ختصص أحد طريف الشيء من الفعل والرتك بالوقوع( .أو) ما دل عليها (تنزيهه) تعاىل (عن النقص من مسع وبصر) ومها صفتان أزليتان
قائمتان بذاته تعاىل زائدتان على العلم ليستا كسمع اخللق وبصرهم( ،وكالم) وهو صفة يعرب عنها بالنظم املعروف املسمى بكالم اهلل
أيضا ،ويسميان بالقرآن أيضا( .وبقاء) وهو استمرار الوجود أما صفات األفعال كاخللق والرزق واإلحياء واإلماتة ،فليستـ أزلية خالفا
ملتأخري احلنفية ،بل هي حادثة ألهنا إضافات تعرض للقدرة وهي تعلقاهتا بوجودات املقدورات ألوقات وجوداهتا ،وال حمذور يف
اتصاف الباري تعاىل باإلضافات ،ككونه قبل العامل ومعه وبعده وأزلية أمسائه الراجعة إىل صفات األفعالـ كما مر يف مجلة األمساء من
حيث رجوعتها إىل القدرة ال الفعل ،فاخلالق مثالً من شأنه اخللق أي هو الذي بالصفة اليت هبا يصح اخللق وهو القدرة كما يقال
السيف يف الغمد قاطع أي هو بالصفة اليت هبا حيصل القطع عند مالقاته احملل ،فإن أريد باخلالق من صدر منه اخللق فليس صدوره أزليا.
(
---
( )1/175
وما صح يف الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر معناه وننزه اهلل عند مساع مشكله) كما يف قوله تعاىل {الرمحن على العرش
استوى}{ ،ويبقى وجه ربك}{ .يد اهلل فوق أيديهم} .وقوله صلى اهلل عليه وسلّم «إن قلوب بين آدم كلها بني أصبعني من أصابع
(منزهني له)
نفوض) معناه املراد إليه تعاىلّ .
أنؤول) املشكل (أم ّالرمحن كقلبـ واحد يصرفه كيف شاء» .رواه مسلم( .مث اختلف أئمتنا ّ
عن ظاهره( ،مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله ال يقدح) يف اعتقادنا املراد منه جممالً ،والتفويض مذهبـ السلف وهو أسلم ،والتأويل
فيؤول يف اآليات
مذهب اخللف وهو أعلم أي أحوج إىل مزيد علم ،وكثريا ما يقال بدل أعلم أحكم أي أكثر إحكاما أي إتقانا ّ
االستواء باالستيالء والوجه بالذات واليد بالقدرة ،واحلديث من باب التمثيل املذكور يف علم البيان حنو أراك تق ّدم رجالً وتؤخر
للمرتد د يف أمر تشبيها له مبن يفعل ذلك إلقدامه وإحجامه ،فاملراد منه والظرف فبه خري كاجلار واجملرور أن قلوب العباد
ّ أخرى ،يقال
كلها بالنسبة إىل قدرته تعاىل شيء يسري يصرفه كيف شاء ،كما يقلب الواحد من عباده اليسري بني أصبعني من أصابعه( .القرآن
النفسي) أي القائم بالنفس (غري خملوق) وهو مع ذلك أيضا (مكتوب يف مصاحفنا) ،بأشكال الكتابة وصور احلروف الدالة عليه
يصح
(حمفوظ يف صدورنا) بألفاظه املخيلة( .مقروء بألسنتنا) حبروفه امللفوظة املسموعة (على احلقيقة) ال اجملاز يف األوصاف الثالثة أي ّ
أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب حمفوظ مقروء واتصافه هبذه الثالثة ،وبأنه غري خملوق أي موجود أزالً وأبدا اتصاف له باعتبار
لكل موجود وجودا يف اخلارج ،ووجودا يف الذهن ،ووجودا يف العبارة ،ووجودا يف الكتابة فهي تدل وجودات املوجود األربعة ،فإن ّ
على العبارة وهي على ما يف الذهن وهو على ما يف اخلارج ،وخرج بالنفسي اللساين فتعبريي به أوىل من تعبريه بالكالم ،ألنه كالقرآن
مشرتك بني النفسي واللساين ،فال خيرج
اللساين( .يثيب) اهلل تعاىل عباده املكلفني (على الطاعة) فضالً (ويعاقبـ)ـهم (إال أن يعفو يغفر غري الشرك على املعصية) عدالً الخباره
بذلك قال تعاىل {فأما من طغى* وآثر احلياة الدنيا* فإن اجلحيم هي املأوي* وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى* فإن اجلنة
هي املأوي}{ .إ ّن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء} (وله) تعاىل (إثابة العاصي وتعذيب املطيع وإيالم الدواب
واألطفال) ألهنم ملكه يتصرف
مر ومل يرد إيالم األخريين يف غري قود واألصل عدمه فيهم كيف يشاء لكن ال يقع منه ذلك إلخباره بإثابة املطيع وتعذيب العاصي كما ّ
«لتؤد ّن احلقوق إىل أهلها يوم القيامة حىت يقاد للشاة اجللحاء من الشاة القرناء» .رواه مسلم.
أما يف القود فقال صلى اهلل عليه وسلّم ّ
الذرة» .رواه اإلمام أمحد بسند صحيح ،وقضية اخلربين للذرة من ّ
«يقتص للخلقـ بعضهم من بعض حىت للجماء من القرناء وحىت ّ ّ وقال
أن ال يتوقف القود يوم القيامة على التكليف ،فيقع اإليالم بالقود يف األخريين( .ويستحيل وصفه) تعاىل (بالظلم) ألنه مالك األمور
على اإلطالق يفعل ما يشاء فال ظلم يف التعذيب ،واإليالم املذكورين لو فرض وقوعهما (يراه) تعاىل (املؤمنون يف اآلخرة) قبل دخول
اجلنة وبعده ،كما ثبت يف أخبار الصحيحني املوافقة لقوله تعاىل وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة} واملخصصة لقوله تعاىل {ال تدركه
األبصار} أي ال تراه منها خرب أيب هريرة «أن الناس قالوا يا رسول اهلل هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم
تضارون
تضار ون يف القمر ليلة البدر .قالوا ال يا رسول اهلل .قال فإنكم ترونه كذلك اخل» .وفيه أن ذلك قبل دخول اجلنة ،وقوله ُّهل ّ
بتشديد الراء من الضرار وختفيفها من الضري أي الضرر ،وخرب صهيب يف مسلم أنه صلى اهلل عليه وسلّم قال «إذا دخل أهل اجلنة اجلنة
يقول اهلل تبارك وتعاىل تريدون شيئا أزيدكم فيقولون أمل تبيض وجوهنا ،أمل تدخلنا اجلنة وتنجنا من النار ،فيكشف احلجاب فما أعطوا
شيئا أحب إليهم من النظر إىل رهبم» .ويف رواية مث تال هذه اآلية {للذين أحسنوا احلسىن وزيادة} أي فاحلسىن اجلنة والزيادة النظر إليه
تعاىل ،بأن ينكشف لنا انكشافا تاما بأن يرى بنور األعني زائدا على نور العلم ،أو بأن خيلق لنا علما به عند توجه احلاسة له عادة منزها
عن املقابلة واجلهة واملكان ،أما الكفار فال يرونه لقوله تعاىل {كال إهنم عن رهبم يومئذ
---
( )1/176
حملجوبون} املوافق لقوله {ال تدرحه األبصار} (واملختار جواز رؤيته) تعاىل (يف الدنيا) يف اليقظة بالعني ،ويف املنام بالقلب أما يف
اليقظة ،فألن موسى عليه الصالة والسالم طلبها بقوله {رب أرين أنظر إليك} وهو ال جيهل ما جيوز وميتنع على ربه تعاىل ،وقيل ال
جيوز ألن قومه طلبوها فعوقبوا قال تعاىل {فقالوا أرنا اهلل جهرة فأخذهتم الصاعقة بظلمهم} قلنا عقاهبم لعنادهم وتعنتهم يف طلبها ال
المتناعها ،وأما يف املنام فنقل القاضي عياض االتفاق عليه ،وقيل ال جيوز إذ املرئي فيه خيال ومثال وذلك على القدمي حمال .قلنا ال
استحالة لذلك يف املنام والرتجيح من زياديت ،وأما وقوع الرؤية فيها فاجلمهور على عدمه يف اليقظة لقوله تعاىل {ال تدركه األبصار}
وقوله ملوسى {لن تراين} أي يف الدنيا بقرينة السياق ،وقوله صلى اهلل عليه وسلّم «لن يرى أحد منكم ربه حىت ميوت» .رواه مسلم،ـ
نعم الصحيح وقوعها للنيب صلى اهلل عليه وسلّم ليلة املعراج ،وإليه استند القائل بوقوعها لغريه ،وأما وقوعها يف املنام فهو املختار ،فقد
مر يف املنع من جوازها( .السعيد من كتب اهلل) ذكر وقوعها فيه لكثري من السلف منهم اإلمام أمحد ،وعليه املعربون للرؤيا ،وقيل ال ملا ّ
والشقي عكسه) أي من كتب اهلل يف األزل موته كافرا وتعبريي مبا ذكر أوىل مما عرب به الشتماله على ّ أي علم (يف األزل موته مؤمنا
الدور ظاهرا( .مث ال يتب ّد الن) أي املكتوبان يف األزل ،خبالف املكتوب يف غريه كاللوح احملفوظ قال تعاىل {ميحو اهلل ما يشاء ويثبت
وعنده ّأم الكتاب} أي أصله الذي ال يغري منه شيء كما قاله ابن عباس وغريه ،وإطالق بعضهم أهنما يتب ّدالن حممول على هذا
التفصيل( .وأبو بكر) رضي اهلل عنه (ما زال بعني الرضا منه) تعاىل ،وإن مل يتصف باإلميان قبل تصديقه النيب صلى اهلل عليه وسلّم ،إذ
مل يثبت عنه حالة كفر كما ثبت عن غريه ممن آمن( .واملختار أن الرضا واحملبة) من اهلل (غري املشيئة واإلرادة)
األو لني املرتادفني أخص من معىن الثانيني املرتادفني ،إذ الرضا اإلرادة بال اعرتاض واألخص غري األعم بدليل قوله تعاىل
منه ،إذ معىن ّ
{وال يرضى لعباده الكفر} مع وقوعه من بعضهم مبشيئته لقوله {ولو شاء ربك ما فعلوه} وقالت املعتزلة وقوم من األشاعرة منهم
الشيخ أبو إسحاق الرضا واحملبة نفس املشيئة واإلرادة وأجابوا عن قوله (وال يرضى لعباده الكفر) بأنه ال يرضاه دينا وشرعا بل يعاقب
عليه وبأن املراد من وفق لإلميان ،وهلذا شرفهم بإضافتهم إليه يف قوله {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله {عينا يشرب هبا
عباد اهلل} وذكر اخلالف من زياديت( ،هو الرزاق) كما قال تعاىل {إن اهلل هو الرزاق} مبعىن الرازق أي فال رازق غريه .وقالت املعتزلة
من حصل له الرزق بتعب فهو الرازق نفسه أو بغري تعب فاهلل هو الرازق له( .والرزق) مبعىن املرزوق عندنا( .ما ينتفع به) يف التغذي
وغريه( .ولو) كان (حراما) ،وقالت املعتزلة ال يكون إال حالالً الستناده إىل اهلل يف اجلملة واملسند إليه النتفاع عباده يقبح أن يكون
حراما يعاقبون عليه قلنا ال يقبح بالنسبة إليه تعاىل ،فإن له أن يفعل ما يشاء وعقاهبم على احلرام لسوء مباشرهتم أسبابه ويلزم املعتزلة أن
املتعذي باحلرام فقط طول عمره مل يرزقه اهلل وهو خمالف لقوله تعاىل {وما من دابة يف األرض إال على اهلل رزقها} ،ألنه تعاىل ال يرتك
ما أخرب بأنه عليه( .بيده) تعاىل (اهلداية واإلضالل) ومها (خلق االهتداء) ،وهو اإلميان (و) خلق (الضالل) وهو الكفر قال تعاىل {ولو
يضل من يشاء ويهدي من يشاء} { .من يشأ اهلل يضلله ومن يشأ جيعله على صراط مستقيم} شاء اهلل جلعلكمـ أمة واحدة ولكن ّ
وزعمت املعتزلة أهنما بيد العبد يهدي نفسه ويضلها بناء على قوهلم إنه خيلق أفعاله.
(
---
( )1/177
واملختار أن اللطف خلق قدرة الطاعة) أي قدرة العبد على الطاعة ،وقال األصل إنه ما يقع عنده صالح العبد آخرة أي يف آخر عمره.
(و) أن (التوفيق كذلك) أي خلق قدرة الطاعة وقيل خلق الطاعة( .واخلذالن ضده) وهو خلق قدرة املعصية وقيل خلق املعصية.
(واخلتم والطبع واألكنة واألقفال) الواردة يف القرآن حنو {ختم اهلل على قلوهبم}{ .طبع اهلل عليها بكفرهم} {جعلنا على قلوهبم أكنة
وأول املعتزلة هذه األلفاظ مبا
أن يفقهوه}{ .أم على قلوب أقفاهلا} عبارات عن معىن واحد وهو (خلق الضاللة يف القلب) كاإلضاللّ ،
ال يالئم اآليات املشتملة عليها كما بني يف املطوالت ،وذكر االقفالـ من زياديت( .واملاهيات) املمكنات أي حقائقها (جمعولة) مطلقاـ (يف
األصح) أي كل ماهية جبعلـ اجلاعل ،وقيل ال مطلقا بل كل ماهية متقررة بذاهتا ،وقيل جمعولة إن كانت مركبة خبالف البسيطة.
(واخللف لفظي) من زياديت ،ألن األول أراد جعلها متصفة بالوجود ال جعلها ذوات ،والثاين أراد أهنا يف ح ّد ذاهتا ال يتعلق هبا جعل
جاعل وتأثري مؤثر ،والثالث أراد باجلعل التأليف واملركبة مؤلفة خبالف البسيطة( .أرسل) الرب (تعاىل رسله) مؤيدين منه (باملعجزات)
(وخص حممدا صلى اهلل عليه وسلّم) منهم (بأنه خامت النبيني) كما قال تعاىل {ولكن رسول اهلل وخامت النبيني} (املبعوث إىل
ّ الباهرات
إيل
واجلن كما فسر هبما من بلغ يف قوله تعاىل {وأوحى ّ اخللقـ كافة) ،كما يف خرب مسلمـ «وأرسلت إىل اخللق كافة» ،وفسر باإلنس ّ
{نزل الفرقان على عبده ليكون للعاملني نذيرا} ،وصرح احلليمي هذا القرآن ألنذركم به} ومن بلغ أي بلغه القرآن والعاملني يف قوله ّ
والبيهقي بأنه صلى اهلل عليه وسلّم مل يرسل إىل املالئكة ،ويف تفسريي اإلمام الرازي والنسفي حكاية اإلمجاع على ذلك ،لكن نقل
بعضهم عن تفسري الرازي أنه أرسل إليهم أيضا ،وكأنه أخذه من بعض نسخه فإن نسخه خمتلفة( .املفضل عليهم) أي على اخللقـ كافة
من األنبياء
واملالئكة وغريهم فال يشركة غريه من األنبياء فيما ذكر( .مث) يفضل بعده (األنبياء مث خواص املالئكة) عليهم الصالة والسالم ،فخواص
املالئكة أفضل من البشر غري األنبياء ،وقويل خواص من زياديت( .واملعجزة) املؤيد هبا الرسل( ،أمر خارق للعادة) بأن يظهر على
خالفها كإحياء ميت وإعدام جيل وانفجار املياه من بني األصابع( ،مقرون بالتح ّدي) منهم أي بطلبهم االتيان مبثل ما أتوا به ولو
باإلشارة كدعواهم الرسالة( ،مع عدم املعارضة)
من املرسل إليهم بأن ال يظهر منهم مثل ذلك اخلارق فخرج غري اخلارق كطلوع الشمس كل يوم واخلارق بال حت ّد واخلارق املتق ّدم
على التح ّد ي واملتأخر عنه مبا خيرجه عن املقارنة العرفية والسحر والشعبذة ،فال شيء منها مبعجزة كما أوضحته مع زيادة يف احلاشية.
(واإلميان تصديق القلب) مبا علم جميء الرسول به من عند اهلل ضرورة أي اإلذعان والقبول له والتكليف بذلك مع أنه من الكيفيات
النفسانية دون األفعال االختيارية بالتكليف بأسبابه كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه احلواس( .ويعترب فيه) أي يف التصديق املذكور
أي يف اخلروج به عندنا عن عهدة التكليف باإلميان( ،تلفظ القادر) على الشهادتني (بالشهادتني) ،ألنه عالمة لنا على التصديق اخلفي
عنا حىت يكون املنافق مؤمنا عندنا كافرا عند اهلل تعاىل .قال اهلل تعاىل {إ ّن املنافقني يف الدرك األسفل من النار ولن جتد هلم نصريا}
حالة كون التلفظ بذلك (شرطا) لإلميان كما عليه مجهور احملققني يعين أنه شرط إلجراء أحكام املؤمنني يف الدنيا من توارث ومناكحة
وغريمها( .ال شطرا) منه كما قيل به فمن ص ّد ق بقلبه ومل يتلفظ بالشهادتني مع متكنه من التلفظ هبما ومع عدم مطالبته به كان مؤمنا
عند اهلل على األول دون الثاين ،كما ذكره السعد التفتازاين يف شرح املقاصد ،وهو ظاهر كالم الغزايل تبعا لظاهر كالم شيخه إمام
احلرمني ،وما نقل عن اجلمهور من أنه كافر عند اهلل كما هو كافر عندنا مفرع على الثاين ،وترجيح الشرطية من زياديت( .واإلسالم)
هو (التلفظ بذلك) وجرى األصل على أنه أعمال اجلوارح من الطاعات كالتلفظ بذلك والصالة والزكاة أخذا بظاهر اخلرب اآليت
احملمول فيه اإلسالم عند احملققني على أحكامه املشروعة أو على اإلسالم الكامل( .ويعترب فيه) أي يف اإلسالم أي يف اخلروج به عن
عهدة التكليف به( .اإلميان) أي التصديق املذكور ومل حيك أحد خالفا يف أن اإلميان شرط يف اإلسالم أو شطر( ،واإلحسان أن تعبد اهلل
كأنك تراه فإن
---
( )1/178
مل تكن تراه فإنه يراك) ،كذا يف خرب الصحيحني املشتمل على بيان اإلميان ،بأن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن
بالقدر خريه وشره وبيان اإلسالم باملعىن السابق بأن تشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل وتقيم الصالة وتؤيت الزكاة وتصوم
رمضان وحتج البيت إن استطعت إليه سبيالً( .والفسق) بأن يرتكب الكبرية (ال يزيل اإلميان) خالفا للمعتزلة يف زعمهم أنه يزيله مبعىن
أنه واسطة بني اإلميان والكفر
لزعمهم أن األعمال جزء من اإلميان لقوله تعاىل {إمنا املؤمنون الذين إذا ذكر اهلل وجلت قلوهبم} إىل قوله {حقا} وخلرب «ال يزين
الزاين حني يزين وهو مؤمن» .وأجيب مجعا بني األدلة بأن املراد باإلميان يف اآلية كماله وباخلرب التغليظ واملبالغة يف الوعيد وبأنه معارض
خبرب «وإن زىن وإن سرق»( .وامليت مؤمنا فاسقا) بأن مل يتب (حتت املشيئة) إما (يعاقب) بإدخاله النار لفسقه (مث يدخل اجلنة) ملوته
مؤمنا (أو يسامح) بأن ال يدخل النار بفضله فقط أو بفضله مع الشفاعة من النيب صلى اهلل عليه وسلّم أو ممن يشاؤه اهلل وزعمت
املعتزلة أنه خيلد يف النار وال جيوز العفو عنه وال الشفاعة فيه لقوله تعاىل {ما للظاملني من محيم وال شفيع يطاع} .قلنا هذا خمصوص
بالكفار مجعا بني األدلة( .وأول شافع وأواله) يوم القيامة (نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلّم) ،قال صلى اهلل عليه وسلّم «أنا أول شافع
وأول مشفع» رواه الشيخان ،وألنه أكرم عند اهلل من مجيع العاملني ،وله شفاعات أعظمها يف تعجيل احلساب واإلراحة من طول
وتردد بعضهم يف ذلك ،الثالثة فيمن استحق الوقوف وهي خمتصة به الثانية يف إدخال قوم اجلنة بغري حساب قال النووي وهي خمتصة به ّ
النار ،كما مر .الرابعة يف إخراج من أدخل النار من املوحدين ويشاركه فيهما األنبياء واملالئكة واملؤمنون .اخلامسة يف زيادة الدرجات
يف اجلنة ألهلها ،وجوز النووي اختصاصها به والكالم يف العامة يوم القيامة ،فال يرد حنو الشفاعة يف ختفيف عذاب القرب وال الشفاعة يف
ختفيف العذاب عن أيب طالب( .وال ميوت أحد إال بأجله) وهو الوقت الذي كتب اهلل يف األزل انتهاء حياته فيه بقتل أو غريه وذلك
ترد د ،وبأنه إذا جاء أجلهم ال يستأخرون ساعة وال يستقدمون ،وزعم كثري من املعتزلة أن القاتل
بأن اهلل قد حكم بآجال العباد بال ّ
قطع بقتله أجل املقتول ،وأنه لو مل يقتله لعاش أكثر من ذلك خلرب «من أحب أن يبسط له يف رزقه وينسأ أي يزاد له
« يف أثره فليصل رمحه» .قلنا ال نسلم أن األثر هو األجل ولو سلم ،فاخلرب ظين ألنه من اآلحاد وهو ال يعارض القطعي ،وأيضا الزيادة
فيه مؤولة بالربكة يف األوقات بأن يصرف يف الطاعات( .والروح) وهي النفس (باقية بعد موت البدن) منعمة أو معذبة( .واألصح أهنا
ال تفىن أبدا) ،ألن األصل يف بقائها بعد املوت استمراره وقيل تفىن عند النفخة األوىل كغريها( .كعجب الذنب) بفتح العني وسكون
اجليم وموحدة على األشهر ،وهو يف أسفل الصلب يشبه يف احملل حمل أصل الذنب من ذوات األربع ،فال يفىن يف األصح خلرب
الصحيحني «ليس شيء من اإلنسان إال يبلى إال عظما واحدا وهو عجب الذنب منه يركب اخللق يوم القيامة» .ويف رواية ملسلمـ «كل
ابن آدم يأكله الرتاب إال عجبـ الذنب منه خلق ومنه يركب» وقيل يفىن كغريه .وصححه املزين وتأول اخلرب املذكور بأنه ال يبلى
بالرتاب بل بال تراب كما مييت اهلل ملك املوت بال ملكـ املوت والرتجيح من زياديت( ،وحقيقتها)؛ أي الروح (مل يتكلم عليها نبينا)
حممد صلى اهلل عليه وسلّم .وقد سئل عنها لعدم نزول األمر ببياهنا قال تعاىل {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ريب}
(فنمسك) حنن (عنها) ،وال يعرب عنها بأكثر من موجود كما قال اجلنيد وغريه واخلائضون فيها اختلفوا فقال مجهور املتكلمني ،ونقله
النووي يف شرح مسلم عن تصحيح أصحابنا إهنا جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك املاء بالعود األخضر .وقال كثري منهم إهنا عرض
وهي احلياة اليت صار البدن بوجودها حيا .وقال الفالسفة وكثري من الصوفية إهنا ليست جبسم وال عرض بل جوهر جمرد قائم بنفسه
والرتدد يف
غري متحيز متعلقـ بالبدن للتدبري والتحريك غري داخل فيه وال خارج عنه ،واحتج لألول بوصفها يف األخبار باهلبوط والعروج ُّ
الربزخ.
(
---
( )1/179
وكرامات األولياء) وهم العارفون باهلل تعاىل املواظبون على الطاعات اجملتنبون للمعاصي املعرضون عن االهنماك يف اللذات والشهوات
(حق) أي جائزة وواقعة له ولو باختيارهم وطلبهم كجريان النيل بكتاب عمر ،ورؤيته وهو على املنرب باملدينة جيشه بنهاوند حىت قال
العدو مث ،ومساع سارية كالمه مع بعد املسافة وكاملشي على املاء ويف
ألمري اجليش يا سارية اجلبل اجلبل حمذرا له من وراء اجلبل ملكر ّ
اهلواء وغري ذلك مما وقع للصحابة وغريهم( ،وال ختتص) الكرامات (بغري حنو ولد بال والد) مما مشله قوهلم ما جاز أن يكون معجزة لنيب
جاز أن يكون كرامة لويل( .خالفا للقشريي) وإن تبعه األصل وغريه ،فاجلمهور على خالفه ،وأنكروا على قائله حىت ولده أبو النصر
يف كتابه املرشد ،بل قال النووي إنه غلط من قائله وإنكار للحس ،بل الصواب جرياهنا بقلب األعيان وحنوه ،وقد بسطت الكالم على
ذلك يف احلاشية ،وقيل ختتص بغري اخلوارق كإجابة دعاء وموافاة ماء مبحل ال تتوقع فيه املياه( ،وال نكفر أحدا من أهل القبلة) ببدعته
ورد بأن إنكار الصفة ليس إنكارا
كمنكري صفات اهلل وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة( ،على املختار) وكفرهم بعضّ ،
للموصوف أما من خرج ببدعته عن أهل القبلة كمنكري حدوث العامل والبعث واحلشر لألجسام والعلم باجلزئيات ،فال نزاع يف
كفرهم إلنكارهم بعض ما علم جميء الرسول به ضرورة وذكر اخلالف من زياديت( .ونرى) أي نعتقد (أن عذاب القرب) وهو للكافر
مر
يرد الروح إىل اجلسد أو ما بقي منه حق خلربي الصحيحني «عذاب القرب حق» ،وأنه صلى اهلل عليه وسلّم ّ والفاسق املراد تعذيبه بأن ّ
رد روحه إليه عن ربه ودينه ونبيه ،فيجيبهما مبا على قربين فقال «إهنما ليعذبان»( .و) أن (سؤال امللكني) منكر ونكري للمقبور بعد ّ
يوافق ما مات عليه من إميان أو كفر حق خلرب الصحيحني «إن العبد إذا وضع يف قربه وتوىل عنه أصحابه أتاه ملكان فيقعدانه فيقوالن
له ما كنت تقول يف
هذا النيب حممد؟ فأما املؤمن فيقول أشهد أنه عبد اهلل ورسوله ،وأما الكافر أو املنافق فيقول ال أدري اخل .ويف رواية أليب داود وغريه
فيقوالن له من ربك وما دينك وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول املؤمن ريب اهلل وديين اإلسالم والرجل املبعوث رسول اهلل،
ويقول الكافر يف الثالث ال أدري .ويف رواية البيهقي فيأتيه منكر ونكري( .و) أن (املعاد اجلسماين) حق قال تعاىل (وهو الذي يبدأ اخللق
مث يعيده){ ،كما بدأنا أول خلق نعيده} وأنكرت الفالسفة إعادة األجسام قالوا وإمنا تعاد األرواح مبعىن أهنا بعد موت البدن تعاد إىل
التجر د متلذذة بالكمال أو متأملة بالنقصان( .وهو) أي املعاد اجلسماين (إجياد) ألجزاء اجلسم األصلية ولعوارضه (بعد
ما كانت عليه من ّ
تفر ق) هلا مع إعادة األرواح إليها فهما قوالن( .واحلق التوقف) إذ مل يدل قاطع مسعي على تعني أحدمها ،وإن فناء) هلا (أو مجع بعد ّ
وصر ح به شارحه اجلالل احمللي ،وقد بسطت الكالم على ذلك يف احلاشية( .و) أن (احلشر) كان كالم األصل مييل إىل تصحيح األولّ ،
للخلق بأن جيمعهم اهلل للعرض واحلساب بعد إحيائهم املسبوق بفنائهم حق ففي الصحيحني أخبار «حيشر الناس حفاة مشاة عراة
مير عليه جيع اخلالئق
أدق من الشعر وأح ّد من السيف ّ غرالً» أي غري خمتتنني( .و) أن (الصراط) وهو جسر ممدود على ظهر جهنم ّ
وتزل به أقدام أهل النار حق ففي الصحيحني أخبار «يضرب الصراط بني ظهري جهنم ومرور املؤمنني عليه متفاوتني فيجوزه أهل اجلنة ّ
تزل به أقدام أهل النار فيها( .و) أن (امليزان) وهو جسم حمسوس ذو لسان وكفتني يعرف به مقادير األعمال بأن توزن وأنه مزلة» .أي ّ
به صحفها أو هي بعد جتسمها( .حق) خلرب البيهقي «يؤتى بابن آدم فيوقف بني كفيت امليزان اخل»( .واجلنة والنار خملوقتان اآلن) .يعين
وحواء يف إسكاهنما اجلنة وإخراجهماقبل يوم اجلزاء للنصوص الواردة يف ذلك حنو (أع ّدت للمتقني) (أعدت للكافرين) وقصة آدم ّ
---
( )1/180
علوا يف األرض وال فسادا}منها ،وزعم أكثر املعتزلة أهنما خيلقان يوم اجلزاء لقوله تعاىل {تلك الدار اآلخرة جنعلها للذين ال يريدون ًّ
قلنا جنعلها مبعىن نعطيها ال مبعىن ختلقها مع أنه حيتمل احلال واالستمرار( .وجيب على الناس نصب إمام) يقوم مبصاحلهم كس ّد الثغور
وجتهيز اجليوش وقهر املتغلبة واملتلصصة إلمجاع الصحابة بعد وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلّم على نصبه حىت جعلوه أهم الواجبات،
وق ّدموه على دفنه صلى اهلل عليه وسلّم ومل يزل الناس يف كل عصر على ذلك( .ولو) كان من ينصب (مفضوالً) ،فإن نصبه يكفي يف
اخلروج عن عهدة النصب ،وقيل ال بل يتعني نصب الفاضل وزعمت اخلوارج أنه ال جيب نصب إمام وبعضهم وجوبه عند ظهور الفنت
جنوز) حنن أيها األشاعرة( .اخلروج عليه) أي على اإلمام
دون وقت األمن وبعضهم عكسه واإلمامية وجوبه على اهلل تعاىل( .وال ّ
وجو زت املعتزلة اخلروج على اجلائر النعزاله باجلور عندهم( .وال جيب على اهلل) تعاىل (شيء) ألنه خالق اخللق ،فكيف جيب هلم عليه ّ
شيء ،وألنه لو وجب عليه شيء لكان ملوجب وال موجب غري اهلل ،وال جيوز أن يكون بإجيابه على نفسه ألنه غري معقولـ وأما حنو
{كتب ربكم على نفسه الرمحة} فليس من باب اإلجياب واإللزام بل من باب التفضلـ واإلحسان .وقالت املعتزلة جيب عليه أشياء منها
يقرهبم إىل الطاعة ويبعدهم عن املعصية حبيث ال ينتهوناجلزاء على الطاعة والعقابـ على املعصية ومنها اللطف بأن يفعل يف عباده ما ّ
إىل ح ّد اإلجلاء ،ومنها األصلح هلم يف الدنيا من حيث احلكمة والتدبري.
فعلي) أمراء املؤمنني (رضي اهلل
( ونرى) أن نعتقد (أن خري البشر بعد األنبياء صلى اهلل عليهم وسلم أبو بكر) خليفة نبينا (فعمر فعثمان ّ
علي ،وذكر خريية
عنهم) إلطباق السلف على خريهتم عند اهلل هبذا الرتتيب ،وقالت الشيعة ،وكثري من املعتزلة األفضل بعد األنبياء ّ
األربعة على أمم غري نبينا من زياديت( .و) نرى (براءة عائشة)رضي اهلل عنها من كل ما قذفتـ به لنزول القرآن برباءهتا قال تعاىل {إن
الذين جاءوا باإلفك} اآليات( .ومنسك عما جرى بني الصحابة) من املنازعات واحملاربات اليت قتل بسببها كثري منهم ،فتلك دماء طهر
اهلل منها أيدينا فال نلوث هبا ألسنتنا ،وألنه صلى اهلل عليه وسلّم مدحهم وحذر عن التكلم فيما جرى بينهم فقال «إياكم وما شجر بني
أصحايب ،فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ م ّد أحدهم وال نصيفه»( .ونراهم مأجورين) يف ذلك ،ألنه مبين على االجتهاد يف
مسألة ظنية للمصيب فيها أجران على اجتهاده وإصابته وللمخطىء أجر على اجتهاده كما يف خرب الصحيحني «إن احلاكم إذا اجتهد
فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»( .و) نرى (أن أئمة املذاهب) األربعة (وسائر أئمة املسلمني) أي باقيهم (كالسفيانني)
الثوري وابن عيينة واألوزاعي وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري( .على هدى من رهبم) ،يف العقائد وغريها وال التفات ملن تكلم
ذرية أب موسى األشعري الصحايب (إمام يف السة) أي الطريقة فيهم مبا هو بريئون منه( .و) نرى (أن) أبا احلسن (األشعري) وهو من ّ
املعتقدة (مق ّد م) فيها على غريه وال النفات ملن تكلم فيه مبا هو برءي منه( .و)نرى (أن طريق) الشيخ أيب القاسم (اجلنيد) سيد الصوفية
والتربي من النفس ،ومن كالمه الطريق إىل اهلل
مقوم) أي مس ّدد ألنه خال من البدع دائر على التسليم والتفويض ّ علما وعمالً (طريق ّ
تعاىل مسدود على خلقه ال على املقتفني ،آثار رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم ،وكان يتسرت بالفقه ،ويفيت على مذهب شيخه أيب ثور
وال التفات
---
( )1/181
( )1/182
األذهان( .و) األصح (أن النسب واإلضافات أمور اعتبارية) يعتربها العقلـ ال وجود هلا يف اخلارج كما هو عند أكثر املتكلمني قالوا إال
األين فموجود ومسوه كونا وجعلوا أنواعه أربعة احلركة والسكون واالجتماع واالفرتاق ،وقال أقلهم واحلكماء األعراض النسبية
موجودة يف اخلارج وهي سبعة األين وهو حصول اجلسم يف املكان واملىت وهو حصول اجلسم يف الزمان ،والوضع وهو هيئة تعرض
للجسمـ باعتبار نسبة أجزائه بعضها إىل بعض ونسبتها إىل األمور اخلارجة عنه كالقيام واالنتكاس وامللك وهو هيئة تعرض للجسم
باعتبار ما حييط به ،وينتقل بانتقاله كالتقمص والتعمم ،وأن انفعل وهو تأثري الشيء يف غريه ما دام يؤثر ،وأن ينفعلـ وهو تأثر الشيء
عن غريه ما دام يتأثر كحال املسخنـ ما دام يسخن واملتسخن ما دام يتسخن ،واإلضافة وهي نسبة تعرض للشيء بالقياس إىل نسبة
أخرى كاألبوة والبنوة وهذه السبعة من مجلة املقوالت العشرة والثالثة الباقية اجلوهر والكم والكيف وهي معروفة يف الكتب الكالمية،
ومبا تقرر علم أن قويل كغريي واإلضافات من عطف اخلاص على العام ،وإمنا مل أعرب عنها بالنسب ألن فيها كالما مر .وأحيل على
ذكرها هنا( .و) األصح (أن العرض ال يقوم بعرض) وإمنا يقوم باجلوهر الفرد أو املركب .أي اجلسم كما مر وجوز احلكماء قيامه
بالعرض ،إال أنه باآلخرة تنتهي سلسلة األعراض إىل جوهر أي جوزوا اختصاص العرض بالعرض اختصاص النعت باملنعوت كالسرعة
والبطء للحركة ،وعلى األول مها عارضان للجسم وليسا بعرضني زائدين على احلركة ،ألهنا أمر ممتد يتخلله سكنات أقل أو أكثر
باعتبارها تسمى احلركة سريعة وبطيئة.
(و) األصح أن العرض (ال يبقى زمانني) بل ينقضي ويتج ّد د مثله بإرادته تعاىل يف الزمان الثاين ،وهكذا على التوايل حىت يتوهم من
حيث املشاهدة أنه مستمر باق .وقال احلكماء إنه يبقى إال احلركة والزمان واألصوات( .و) األصح أن العرض (ال حيل حملني) وإال
ألمكن حلول اجلسم الواحد يف مكانني يف حالة واحدة وهو حمال ،وقال قدماء الفالسفة القرب وحنوه مما يتعلق بطرفني حيل حملني،
وعلى األول قرب أحد الطرفني خمالف لقرب اآلخر بالشخصـ وإن تشاركا يف احلقيقة( .و) األصح (أن) العرضني (املثلني) بأن يكونا
من نوع (ال جيتمعان) يف حمل واحد إذ لو قبلهما احملل لقبل الضدين ،إذ القابل لشيء ال خيلو عنه أو عن مثله أو عن ضده والالزم باطل
ليسود يعرض له سواد ،مث آخر فآخر إىل أن يبلغ غاية السواد
ّ وجوزت املعتزلة اجتماعهما حمتجني بأن اجلسم املغموس يف الصبغ
باملكث .قلنا عروض السواد آت له ليس على وجه االجتماع بل على وجه البدل فيزول األول وخيلفه الثاين ،وهكذا بناء على أن
العرض ال يبقى زمانني كما مر( ،كالضدين) .فإهنما ال جيتمعان كالسواد والبياض ال كالبياض واخلضرة ألهنما ليسا يف غاية اخلالف
(خبالف اخلالفني) ،ومها أعم من الضدين فإهنما جيتمعان كالسواد واحلالوة ،ويف كل من األقسامـ جيوز ارتفاع الشيئني نعم ميتنع يف
ض ّد ين ال ثالث هلما( .والنقيضان ال جيتمعان وال يرتفعان) كالقيام وعدمه ،ودليل احلصر فيما ذكر أن املعلومني إن أمكن اجتماعهما
فاخلالفان واالفان مل ميكن ارتفاعهما فالنقيضان أو الضدان اللذان ال ثالث هلما ،وإال فإن اختلفتـ حقيقتهما فالضدان اللذان هلما ثالث
وإال فاملثالن ،وفائدته أنه ال خيرج عن األربعة شيء إال ما تفرد اهلل به ألنه تعاىل ليس ضدًّا لشيء وال نقيضا وال خالفا وال مثالً.
---
( )1/183
( و) األصح (أن أحد طريف املمكن) ومها الوجود والعدم (ليس أوىل به) من اآلخر ،بل مها بالنظر إىل ذاته جوهرا كان أو عرضا على
السواء ،وقيل العدم أوىل به مطلقاـ ألنه أسهل وقوعا يف الوجود لتحققه بانتفاء شيء من أجزاء العلة التامة للوجود املفتقر يف حتققه إىل
حتقق مجيعها ،وقيل أوىل به يف األعراض السيالة كاحلركة والزمان والصوت دون غريها وقيل الوجود أوىل به عند وجود العلة وانتفاء
الشرط لوجود العلة وإن مل يوجد هو النتفاء الشرط( .و) األصح (أن) املمكن (الباقي حمتاج) يف بقائه( ،إىل مؤثر) ،كما حيتاج إليه يف
ابتداء وجوده ،وقيل ال كما ال حيتاج بقاء البناء بعد بنائه إىل فاعل( .سواء) على األول (قلنا إن علة احتياج األثر) أي املمكن يف
وجوده (إىل املؤثر) أي العلة اليت الحظها العقلـ يف ذلك( ،اإلمكان) أي استواء الطرفني بالنظر إىل الذات) (أو احلدوث) أي اخلروج
من العدم إىل الوجود( ،أو مها) على أهنما (جزآ علة أو اإلمكان بشرط احلدوث) وهي (أقوال) فيحتاج املمكن يف بقائه إىل مؤثر على
األول ،ألن اإلمكان ال ينفك عنه ،وعلى مجيع بقيتها ،ألن شرط بقاء اجلوهر العرض والعرض ال يبقى زمانني فيحتاج يف كل زمان إىل
املؤثر( .و) األصح (أن املكان) الذي ال خفاء يف أن اجلسم ينتقل عنه ،وإليه ويسكن فيه فيالقيه باملماسة أو النفوذ كما سيأيت معناه
اصطالحا( .بعد مفروض) أي مقدر (ينفذ فيه بعد اجلسم وهو) أي هذا البعد( .اخلالء واخلالء جائز عندنا واملراد به كون اجلسمني ال
يتماسان وال) يكون (بينهما ما مياسهما) ،فهذا الكون اجلائز هو اخلالء الذي هو معىن البعد املفروض الذي هو معىن املكان فيكون
خاليا عن الشاغل ،وقيل املكان السطح الباطن للحاوي املماس للسطح الظاهر من احملوى كالسطح الباطن للكوز املماس للسطح الظاهر
من املاء الكائن فيه ،وقيل هو بعد موجود ينفذ فيه بعد اجلسم حبيث ينطبق عليه ،وخرج بقيد النفوذ فيه بعد اجلسم ،والرتجيح من
زياديت،
وعلى ما رجحته مجهور املتكلمني والقوالن بعده للحكماء ّأوهلما ألرسطو وأتباعه ،وعليه بعض املتكلمني ،وثانيهما لشيخه أفالطون
خلو املكان مبعناه عندهم عن الشاغل إال بعض قائلي الثاين فجوزوه ،واحتج وأتباعه ،وخرج بزياديت عند احلكماء فمنعوا اخلالء أي ّ
جموزه بأنه لو مل يكن يف العامل خالء ،بل كان العامل كله مأل لزم من حترك بقة تدافع العامل بأسره وهو باطل ،واحتج مانعه بأن املاء إذا
صب املاء ملزامحة اهلواء له حىت يسمع هلما صوت عند تزامحهما ،أما معىن املكان لغة، صب يف إناء مشبك أعاله ،فإن اهلواء خيرج عند ّ ّ
فقال ابن جين ما حاصله ما وجد فيه سكون أو حركة.
(و) األصح (أن الزمان) معناه اصطالحا (مقارنة متج ّد د موهوم ملتجدد معلوم) إزالة لإلهبام من األول مبقارنته للثاين كما يف آتيك عند
طلوع الشمس ،وقيل هو جوهر ليس جبسم وال جسماين ،.أي داخل يف اجلسم فهو قائم بنفسه جمرد عن املادة ،وقيل فلك مع ّدل النهار
وهو جسم مسيت دائرته أي منطقة الربوج منه مبعدل النهار لتعادل الليل والنهار يف مجيع البقاع عند كون الشمس عليها ،وقيل عرض
فقيل حركة معدل النهار ،وقيل مقدارها ،والقول األصح قول املتكلمني واألقوال بعده للحكماء ،أما معناه لغة فاملدة من ليل أو هنار.
(وميتنع تداخل اجلواهر) هو أعم من قوله تداخل األجسام أي دخول بعضها يف بعض على وجه النفوذ فيه من غري زيادة يف احلجم ملا
(خلو اجلوهر) مفردا كان أو مركبا (عن كل األعراض) بأن ال يقوم به واحد منها بل فيه من مساواة الكل للجزء يف العظم( .و) ميتنع ّ
جيب أن يقوم به عند وجوده شيء منها ألنه ال يوجد بدون التشخص والتشخص ،إمنا هو باألعراض (واجلسم غري مركب منها) ألنه
يقوم بنفسه خبالفها( .وأبعاده) أي اجلسم من طول وعرض وعمق (متناهية) أي هلا حدود تنتهي إليها وزعم بعضهم أن هلا حدودا ال
هناية هلا ،وتعبريي باجلسم أوىل من تعبريه باجلوهر( ،واملعلول يعقب علته رتبة) اتفاقا.
---
( )1/184
( واألصح) ما قاله األكثر وصححه النووي يف أصل الروضة (أنه يقارهنا زمانا) عقلية كانت كحركة املفتاح حبركة اليد أو وضعية
حر ،وكقول النحاة الفاعلية علة للرفع ،وقيل يعقبها مطلقا ،واختاره
بوضع الشارع أو غريه كقولك لعبدك إن دخلت الدار فأنت ّ
األصل تبعا لوالده ،ألنه لو قال لغري موطوءة إذا طلقتك فأنت طالق ،مث قال هلا أنت طالق وقعت املنجزة دون املعلقة فلو قارن املعلول
يرد بأن عدم وقوعها لتقدم املنجزة رتبة فلم يكن احملل قابالً للطالق ،وقيل يعقبها إن كانت وضعية ال علته لوقعت املعلقة أيضا ،وقد ّ
عقلية( .و) األصح (أن اللذة) الدنيوية من حيث تعيني مسماها ،وإن كانت يف نفسها بديهية( .ارتياح) أي نشاط للنفس( .عند إدراك)
ورد بأنه قد يلتذ بشيء من غري ملا يالئم االرتياح( .فاإلدراك ملزومها) أي ملزمـ اللذة ال نفسها ،وقيل هي اخلالص من األمل بأن تدفعهّ ،
سبق أمل بضده كمن وقف على مسألة علم أو كنز مال فجأة ومن غري خطورمها بالبال وأمل الشوق إليهما ،وقيل هي إدراك املالئم
فإدراك احلالوة لذة تدرك بالذائقة ،وإدراك اجلمال لذة تدرك بالباصرة ،وإدراك حسن الصوت لذة تدرك بالسامعة .وقال اإلمام الرازي
هي يف احلقيقة ما حيصل بإدراك املعارف العقلية .قال وما يتوهم من لذة حسية كقضاء شهويت البطن والفرج أو خيالية كحب
املين ألوعيته ،ولذة
االستعالء والرياسة فهو يف احلقيقة دفع آالم بلذة األكل والشرب واجلماع دفع أمل اجلوع والعطش ودغدغة ّ
االستعالء والرياسة دفع أمل القهر والغلبة( .ويقابلها) أي اللذة (األمل) فهو على األول انقباض عند إدراك ما ال يالئم ،وعلى الثاين ما
تصوره العقل إما واجب أو ممتنع حيصل ما يؤمل ،وعلى الثالث إدراك غري املالئم ،وعلى الرابع ما حيصل عند عدم إدراك املعارف( .وما ّ
املتصو ر إما أن تقتضي وجوده يف اخلارج أو عدمه أو ال تقتضي شيئا منهما بأن يوجد تارة ،ويعدم أخرى .واألول أو ممكن) ألن ذات ّ
الواجب ،والثاين
املمتنع ،والثالث املمكن ،وكل منهما ال ينقلبـ إىل غريه ألن مقتضى الذات الزم هلا ال يعقل انفكاكه عنها.
( )1/185
التصوف
خامتة فيما يذكر من مبادىء ّ
وهو جتريد القلبـ هلل واحتقار ما سواه أي بالنسبة إىل عظمته تعاىل ،ويقال ترك االختيار ،ويقال اجلد يف السلوك إىل ملكـ امللوك،
ويقال غري ذلك كما هو مذكور يف شرحي لرسالة اإلمام العارف باهلل تعاىل أيب القاسم القشريي ،وكل منها ناظر إىل مقام قائله حبسب
التصوف عمل القلبـ واجلوارح افتتحت ما غلب عليه ،فرآه الركن األعظم فاقتصر عليه كما يف خرب «احلج عرفة» .وملا كان مرجح ّ
بأس العمل فقلت
كاألصل ّ
( ّأو ل الواجبات املعرفة) أي معرفة اهلل تعاىل( .يف األصح) ،ألهنا مبىن سائر الواجبات ،إذ ال يصح بدوهنا واجب ،بل وال مندوب ،وقيل
ّأوهلاالنظر املؤدي إىل املعرفة ألنه مقدمتها ،وقيل ّأوهلا أول النظر لتوقف النظر على ّأول أجزائه ،وقيل أوهلا القصدـ إىل النظر لتوقف النظر
على قصده ،والكل صحيح ،ورجح األول ألن املعرفة أول مقصود وما سواها مما ذكر أول وسيلة( .ومن عرف ربه) مبا يعرف به من
(تصو ر تبعيده) لعبده بإضالله (وتقريبه) له هبدايته( ،فخاف) من تبعيده عقابه (ورجا) بتقريبه ثوابه( ،فأصغى) حينئذ (إىل األمر
صفاته ّ
والنهي) منه تعاىل( ،فارتكب) مأموره( .واجتنب) منهيه (فأحبه) حينئذ (مواله فكان) ،مواله (مسعه وبصره ويده واختذه وليا إن سأله
إيل بالنوافل حىت أحبه ،فإذا أحببته كنت مسعه الذي يتقرب ّ
أعطاه وإن استعاذ به أعاذه) هذا مأخوذ من خرب البخاري «وما يزال عبدي ّ
يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده اليت يبطش هبا ،ورجله اليت ميشي هبا ،وإن سألين أعطيته ،وإن استعاذ يب ألعيذنه» .واملراد أنه
تعاىل يتوىل حمبوبه يف مجيع أحواله فحركاته وسكناته به تعاىل ،كما أن أبوي الطفل حملبتهما له يتوليان جيع أحواله ،فال يأكل إال بيد
العلو اُألخروي (يرفع نفسه) باجملاهدة (عن سفساف األمور) أي دنيئها (وعلي اهلمة) بطلبه ّ
ّ أحدمها وال ميشي إال برجله إىل غري ذلك.
من األخالق املذمومة كالكرب والغضب واحلقد واحلسد وسوء اخللق وقلة االحتمال( .إىل معاليها) من األخالق احملمودة كالتواضع
والصرب وسالمة الباطن والزهد وحسن اخللق وكثرة االحتمال ،وهذا مأخوذ من خرب البيهقي والطرباين «إن اهلل حيب معايل األمور
ويكره سفسافها»( .ودينء اهلمة) بأن ال يرفع نفسه باجملاهدة عن سفساف األمور( ،ال يبايل) مبا تدعوه نفسه إليه من املهلكات،
علي اهلمة ودنيئها( ،صالحا) لك بعملك الصاحل (أو (فيجهل) أمر دينه (وميرق من الدين فدونك) أيها املخاطب بعد أن عرفت حال ّ
فسادا) لك بعملكـ السىيء.أو سعادة) لك برضا اصلى اهلل عليه وسلّم عليك بإخالصك.
(واعرض) على نفسك (التوبة) حيث ذكرت املوت وخفت مقتـ ربك وذكرت سعة رمحته لتتوب عما فعلتـ فتقبل ويعفى عنك
فضالً منه تعاىل( .وهي الندم) على الذنب من حيث إنه ذنب ،فالندم على شرب اخلمر إلضراره بالبدن ليس بتوبة ،وال جيب استدامة
الندم كل وقت ،بل يكفي استصحابه حكما بأن ال يقع ما ينافيه( .وتتحقق) التوبة (باإلقالع) عن الذنب (وعزم أن ال يعود) إليه
(وتدارك ما ميكن تداركه) من حق نشأ عن الذنب كحق القذف فيتداركه بتمكني مستحقه من املقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يربئه
منه ،فإن مل ميكن تداركه كأن مل يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط يف توبة ذنب ال ينشأ عنه حق اآلدمي ،وكذا
يسقط اإلقالع يف توبة ذنب بعد الفراغ منه كشرب مخر ،فاملراد بتحقق التوبة هبذه الشروط أهنا ال خترج فيما تتحققـ به عنها ال أنه ال
بد منها يف كل توبة( .واألصح صحتها) أي التوبة (عن ذنب ولو نقضت) بأن عاود التائب ذنبا تاب منه فهذه املعاودة ال تبطل التوبة
السابقة ،بل هي ذنب آخر يوجب التوبة ،وقيل ال تصح التوبة السابقة (أو) كانت التوبة (مع اإلصرار على) ذنب (كبري) ،وقيل ال
تصح (و) األصح (وجوهبا عن) ذنب (صغري) ،وقيل ال جتب لتكفريه باجتناب الكبائر ،قال تعاىل {إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر
عنكم سيئاتكم}.
---
( )1/186
( وإن شككت يف اخلاطر أمأمور) به (أم منهي) عنه (فأمسك) عنه حذرا من الوقوع يف املنهى عنه( .ففي متوضىء يشك) يف (أن ما
يغسله) غسلة (ثالثة) فتكون مأمورا هبا( .أو رابعة) فتكون منهيا عنها( .قيل) أي قال الشيخ أبو حممد اجلويين( .ال يغسل) خوف
الوقوع يف املنهي عنه ،واألصح أنه يغسل ألن التثليث مأمور به ومل يتحقق قبل هذه الغسلة ويأتى هبا( .وكل واقع) يف الوجود ومنه
اخلاطر وفعله وتركه كائن( .بقدرة اهلل وإرادته فهو) تعاىل (خالق كسب العبد) أي فعله الذي هو كاسبه ال خالقه بأن (ق ّدر) اهلل (له
قدرة) هي استطاعته (تصلح للكسبـ ال لإلجياد) ،خبالف قدرة اهلل فإهنا لإلجياد ال للكسب( ،فاهلل) تعاىل (خالق ال مكتسب والعبد
بعكسه) أي مكتسب ال خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي خيلقه اهلل عقب قصده له ،وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا له خملوقا
هلل توسط بني قول املعتزلة إن العبد خالق لفعله ألنه يثاب ويعاقب عليه ،وقول اجلربية إنه ال فعل للعبد أصالً ،وهو آلة حمضة كالسكني
بيد القاطع ،وقد يقع يف كالم بعض العارفني ما يوهم اخلرب من نفيهم االختيار ،والفعل عن أنفسهم ،ومرادهم عدم املالحظة لذلك
الستغراقهم يف النظر إىل ما منه تعاىل ال إىل ما منهم.
( واألصح أن قدرته) أي العبد وهي صفة خيلقها اهلل عقب قصد الفعل بعد سالمة األسباب واآلالت( .مع الفعل) ،ألهنا عرض فال تتقدم
ورد بأن
عليه وإال لزم وقوعه بال قدرة المتناع بقاء األعراض ،وقيل قبله ألن التكليف قبله فلو مل تكن القدرة قبله لزم تكليف العاجزّ ،
صحة التكليف تعتمد القدرة مبعىن سالمة األسباب واآلالت ال باملعىن السابق ،وهذا من زياديت .وإذا كان العبد مكتسبا ال خالقا لكون
قدرته للكسب ال لإلجياد وكانت قدرته مع الفعل( ،فـ)ـنقول (هي) أي القدرة من العبد( .ال تصلح للضدين) أي التعلق هبما ،وإمنا
تصلح للتعلقـ بأحدمها وهو ما يقصده العبد ،إذ لو صلحت للتعلقـ هبما لزم اجتماعهما لوجوب مقارنتهما للقدرة املتعلقة ،بل قالوا إن
القدرة الواحدة ال تتعلقـ مبقدورين مطلقاـ سواء أكانا متضادين أم متماثلني أم خمتلفني ال معا وال على البدل ،والقول بأهنا تصلح للتعلقـ
بالضدين على البدل فتتعلقـ هبذا بدالً عن تعلقها باآلخر ،وبالعكس إمنا يستقيم تفريعه على أهنا قبل الفعل ال معه الذي الكالم فيه ،أما
على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة اهلل تعاىل ،فتوجد قبل الفعلـ وتصلح للتعلقـ بالضدين على البدل ال على اجلمع ألن
القدرة إمنا تتعلق باملمكن واجتماع الضدين ممتنع.
( و) األصح (أن العجز) من العبد (صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين) .وقيل هو عدم القدرة عما من شأنه القدرة فالتقابل
بينهما تقابل العدم وامللكة كما أن األمر كذلك على القول ،بأن العبد خالق لفعله ،فعلىـ األول يف الزمن معىن ال يوجد يف املمنوع من
الفعلـ مع اشرتاكهما يف عدم التمكن من الفعل ،وعلى الثاين ال بل الزمن ليس بقادر واملمنوع قادر أي من شأنه القدرة بطريق جري
العادة( .و) األصح (أن التفضيل بني التوكل واالكتساب خيتلف باختالف الناس) فمن يكون يف توكله ال يتسخط عند ضيق الرزق
عليه ،وال يتطلع لسؤال أحد من اخللق ،فالتوكل يف حقه أفضلـ ملا فيه من الصرب واجملاهدة للنفس ،ومن يكون يف توكله خبالف ما
ذكر ،فاالكتساب يف حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع ،وقيل األفضلـ التوكل ،وهو هنا الكف عن االكتساب واإلعراض عن
األسباب اعتمادا للقلبـ على اهلل تعاىل ،وقيل األفضلـ االكتساب وإذا اختلف التفضيل بينهما باختالف الناس( ،فإرادة التجريد) عما
يشغل عن اهلل تعاىل( .مع داعية األسباب) من اهلل يف مريد ذلك (شهوة خفية) من املريد( ،وسلوك األسباب) الشاغلة عن اهلل (مع داعية
التجريد) من اهلل يف سالك ذلك( .احنطاط) له (عن الرتبة العلية) إىل الرتبة الدنية ،فاألصلح ملن قدر اهلل فيه داعية األسباب سلوكها دون
التجريد وملن قدر اهلل فيه داعية التجريد سلوكه دون األسباب( .وقد يأيت الشيطان) لإلنسان (باطراح جانب اهلل تعاىل يف صورة
األسباب أو بالكسل يف صورة التوكل) ،كيدا منه ،كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له أصلح من تركه له إىل مىت ترتك
األسباب ،أمل تعلم أن تركها يطمع القلوب ملا يف أيدي الناس ،فاسلكها لتسلم من ذلك ،وينتظر غريك منك ما كنت تنتظره من غريك
ويقول لسالك األسباب الذي سلوكه هلا أصلح من تركه هلا لو تركتها وسلكت التجريد ،فتوكلت على اهلل لصفا قلبك ،وأتاك ما
فيؤدي تركها الذي هو
يكفيك من عند اهلل فاتركها ليحصل لك ذلكّ .
غري أصلح له إىل الطلبـ من اخللق واالهتمام بالرزق.
( واملوفق يبحث عنهما) أي عن هذين األمرين اللذين يأيت هبما الشيطان يف صورة غريمها لعله أن يسلم منهما( ،ويعلم) مع حبثه عنهما،
(أنه ال يكون إال ما يريد) اهلل كونه أي وجوده منهما أو من غريمها.
( )1/187
لب األصول( ،حبمد اهلل وعونه جعلنا اهلل به) ،ملا أملناه من كثرة االنتفاع به( ،مع الذين أنعم اهلل عليهم من النبيني
(وقد متّ الكتاب) أي ّ
والص ّد يقني} أي أفاضل أصحاب النبيني ملبالغتهم يف الصدق والتصديق( ،والشهداء) أي القتلى يف سبيل اهلل( ،والصاحلني) غري من
ذكر( ،وحسن أولئك رفيقا) أي رفقاء يف اجلنة بأن نستمتع فيها برؤيتهم وزيارهتم واحلضور معهم ،وإن كان مقرهم يف درجات عالية
بالنسبة إىل غريهم ،ومن فضل اهلل تعاىل على غريهم أنه قد رزق الرضا حباله ،وذهب عنه اعتقاد أنه مفضولـ انتفاء للحسرة يف اجلنة اليت
ختتلف املراتب فيها على قدر األعمال ،وعلى قدر فضل اهلل على من يشاء من عباده ،وصلى اهلل وسلم على سيدنا حممد وآله وصحبه
كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
---
( )1/188