Professional Documents
Culture Documents
فقه
الحديث
أ.د .العربي الدايزالفرياطي
فقه الحديث
تـــــعـــــريـــــــفه:
-1تعريفه باعتباره مركب إضافي:
الفقه :لغة :العلم :قال هللا تعالى( فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)
اآلية.
الفطنة والذكاء :ما روي عن سليمان وحذيفة رضي هللا عنهما...قال احدهما لصاحبه:
فقهت.
الفهم :قال هللا تعالى( وقالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) اآلية .وقالوا الفهم ثالث
أنواع :الفهم المطلق،والفهم الدقيق،وفهم أراد المتكلم من كالمه.
قال ابن حجر :فقه إذا فهم ،وفقُه إذا صار الفقه له سجية،وفقَه إذا سبق غيره في الفهم.
يقو ل ابن فارس(الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح يدل على إدراك الشيء والعلم به
يقول فقهت الحديث،أفقهه وكل علم شيء فهو فقه )وهنا قد فسر العلم بالفقه واإلدراك.
قوله(أصل صحيح) أي :جدر لغوي صحيح ،بمعنى ليس فيه حروف العلة.
اصطالحا:العلم باألحكام الشرعية،العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية .ويمكن إضافة:التي
طريقها االجتهاد .وكان معناه اشمل واعم عند المتقدمين،بحيث يدخل فيه السلوك
والعقائد...مثل الكتاب (الفقه األكبر ) المنسوب ألبي حنيفة.
الحديث :لغة :ضد القديم أي المحدث والجديد ،قال هللا تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم
محدث) اآلية .ويراد به الخبر قليله وكثيره.
اصطالحا :ما أضيف إلى النبي صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة
خلقية أو خلقية أو رؤيا أو سيرة ،قبل البعثة أو بعدها ..وبعض المحدثين يضيف :ما
أضيف إلى الصحابي و التابعي ،بدليل أن بعض المحدثين يذكرون أقوال الصحابة والتابعين
في كتبهم وتصانيف ،ويعاملونها معاملة الحديث.
-2تعريف فقه الحديث باعتباره مركب:
-باعتبار ذاته :فهم ومعرفة ما يتضمنه الحديث من الحكم ،واألحكام والفوائد والمقاصد
ونحوها...
-باعتباره علما:
عرفه محمد بن احمد األرنيقي (ت 855:هـ ).في كتاب (مدينة العلوم) فقال :علم باحث عن
مراد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من أحاديثه الشريفة بحسب القواعد العربية واألصول
الشرعية ،بقدر الطاقة البشرية).
شرح التعريف:
(مراد رسول هللا):يخرج ما ال يتعلق بمراد رسول هللا
(القواعد العربية):هذه القواعد مهمة للفقه،وأيما فقه ال يكون حسب القواعد العربية ال يقبل
(الطاقة البشرية) :حديث رسول هللا معطاء وغزير وفيه مجاالت بعيدة في الفقه ،وكلما
تأمل اإلنسان واجتهد ،ظهرت له معاني وفوائد لم تظهر لغيره.
(األصول الشريعة) :أي بحسب ما تقرر في الشريعة اإلسالمية ،ال يفسر الحديث بالهوى( ،
مثال فسرت حديث بما يخالف القرءان هذا ال يسمى فقها ،يجب مراعاة ما أجمعت علية
الشريعة واألمة واتفق عليه العلماء.
وعرفه أيضا الدكتور عمر بازمول في كتابه (علم شرح الحديث):مجموعة من المسائل
واألصول الكلية المتعلقة ببيان معاني وفقه الحديث النبوي الشريف.
شرح:
(مجموعة من المسائل) :أيما علم ال بد ان يكون منظومة من المسائل ،إذا كانت مسالة
واحدة فال تسمى علما.وليس هو العلم الذي ضد الجهل ،إنما هو :مجموعة من المبادئ
والقواعد الكلية المتعلقة بجهة واحدة،المتوصل إليها بأسلوب علمي(أي أنها تخدم جهة
واحدة ،مرتبطة ومتداخلة ،وال بد أن يتوصل لها بطريقة علمية متفق عليها عند العقالء
كاإلحصاء واالستنتاج .)..كاالستنباط ...مثال جمع روايات الحديث الواحد،ال يطلق عليها
علما إال من باب اإلدراك وعدم الجهل بخالف ما ذكرناه.
(الكلية):قواعد تطبق على عشرة األحاديث و آالف األحاديث
(المتعلقة...الشريف):يخرج كل ما ال يوصل إلى معاني وفقه الحديث،وال يدخل ماهو
متعلق بدراسة األسانيد وان كان مرتبط بهذا العلم،والبعض يدخله.
وهناك من عرفه فقال:الفهم الدقيق لحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المطابق ألحوال
رسول هللا وتصرفاته.
وهناك من عرفه فقال( الفهم العميق للنص النبوي بالنظر إلى طبيعة تصرف النبي وحال
المتلقي عنه في سياق الزمان وإطار المكان) احد عبد السالم .ينتقد عليه (النص ) أولىأن
تكون(الحديث)
مــوضــوعه :انه يشتغل في حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من حيث ما يستنبط
ويؤخذ منه:
-1:معرفة األلفاظ المفردة :دالالت األلفاظ أو غريب الحديث
المثال األول:حديث عائشة رضي هللا عنها الذي بلغها( أن أناسا يتناولون أبا بكر فبعثت إلى
أزفلة منهم).
أزفلة منهم :جماعة منهم.هذه ال بد من معرفتها وإال لن يفهم معنى الحديث أبدا ولن تصل
إلى المراد منه.
المثال الثاني:حديث انس (يا أبا عمير ما فعل النغير) .النغير= طائر.
المثال الثالث :حديث أبي جحيفة أن النبي صلى هللا عليه وسلم (صلى إلى عنزة) .عنزة =
العصا.
المثال الرابع :قول النبي لمعاوية(ال اشبع هللا بطنك) .ال:قد تضاف وهي زائدة المعنى.
-2معرفة األلفاظ المركبة:
المثال األول :قوله صلى هللا عليه وسلم( واظفر بذات الدين تربت يداك) .هذا التعبير
مجازي،وال يحمل على الظاهر.والمعنى ان النبي صلى هللا عليه وسلم استعمل هذه لإلنكار
بمن ال يريدون فقه،ولم يكن يقصد الدعاء عليه،إذ ذلك من عادة العرب..
المثال الثاني( :اليد العلي خير من اليد السفلى) .والمقصود اليد العلي :هي التي تنفق،
والسفلى:تسال النفقة.
المثال الثالث :ابن عباس( إن امرأتي ال ترد يد المس).أي تخالط الرجال وهي
عفيفة(مترجلة).
-3معرفة ما يتضمنه الحديث من فقه وأحكام :وهذا هو األساس والمهم والذي نحن بصدده
وهو علم دقيق.
المثال األول :حديث أبي هريرة قال :أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال(ال يبولن أحدكم في
الماء الدائم ثم يغتسل منه).
قال ابن حزم :غير هذا البائل فهو حالل له الوضوء به وشربه.وهذا جمود في الفقه.
المثال الثاني:حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى هللا عليه وسلم ( نهى عن بيع الذهب
بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إال سواء بسواء عينا
بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى).
العلماء اختلفوا في هذا الحديث :هل هو فيما ذكر في الحديث فقط،أم يقاس عليها الذي هو
جنسها؟
قال األحناف :يلحق به غيره فهو من جنس الربا .الظاهرية قالوا :الستة فقط .قال مالك:فيما
يقتات ويدخر وما سوى ذلك فال .الشافعية :كل األشياء المطعومة داخلة فيه،سواء تدخر أم
ال.
أســــــــــــمـــاؤه:
فقه الحديث :لتعلقه باستثمار واستنباط األحكام الشرعية من الحديث النبوي الشريف ،وهذه
التسمية حديثة كعلم،أما قديما فهو مصطلح موجود متداول.
علم شرح الحديث :والشرح اعم من الفقه ،من حيث انه يتضمن الفقه وزيادة ،وشرح
الحديث ينصرف أكثر إلى مناهج الشراح وليس إلى القواعد.
والمقصود بالمناهج والمصادر :أي كيف يتناول كل مصدر حديثي ويشرح بمنهج
معين،مثال :منهج ابن حجر(ت852:هــ ).في شرح صحيح البخاري الذي سماه (فتح الباري
في شرح صحيح البخاري) وغيره من الشروحات.
وسمى الدكتور عمر بازمول كتابه(علم شرح الحديث).
علم دراية الحديث :فالدراية هي الفهم،والفهم هو الفقه.
سئل أبو بكر الجعابي عن يحيى بن صاعد ،هل كان يحفظ ؟ فتبسم وقال :ال يقال ألبي محمد
يحفظ ،كان يدري ،يقول السائل :سالت عبدان عن هذه المسالة ،ما الفرق بينهما؟ قال:
الدراية فوق الحفظ.
الدراية شيء زائد عن الحفظ فهي الفقه والمعرفة واالستنباط وغير ذلك.
علم تفسير الحديث :وهذا االسم أطلقه الثوري (ت161:هــ ).لما قال (تفسير الحديث خير
من سماعه).
علم فقه السنة.
أصل هذا العلم (استمداده):
-1أصول الفقه:معظم القواعد التي يرتكز عليها فقه الحديث بحثت في أصول الفقه.
-2علوم الحديث والسنة :المسائل المرتبطة بمتن الحديث ،فقه الحديث يمثل الجانب المرتبط
بمعنى الحديث في علم الحديث مثال:جمع الروايات والطرق،هذا مذكور في مصطلح
الحديث .أيضا :غريب الحديث ،ألف فيه علماء مصطلح الحديث.والتصحيف والتحريف
أيضا ذكر عند علماء الحديث ،مثال قوله صلى هللا عليه وسلم (صبوا عليه اللبن) اللبن ليس
هو الحليب.وحديث( نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الحلق في الجمعة)،هناك من
فهم انه حلق الرأس ،ولكن الرسول نهى عن حلق العلم قبل خطبة الجمعة .أي انه يغترف
من علم الحديث
-3اللغة العربية :من باب اللحن ،أي المعرفة الدقيقة باللغة العربية
-4األئمة الشراح :يأخذ أو يستأنس بما قعده العلماء،كاإلمام ابن حجر والقاضي عياض.
والفرق بين الشرح والفقه :أن الشرح مقيد بمناهج الشارحين ومصادرهم،أما الفقه مطلق في
حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
مصــــــادره:
(-فهم السنن) للحارث المحاسبي،وهو كتاب مفقود،ومن عنوانه ربما تعرض لفقه السنة
(-فصول السنن) البن حبان ،من خالل ما نقل منه يتبين أن ابن حبان كان مهتم بهذا العلم،
ولقد تكلم عنه محمد بن عمر بارمول.
)-تأويل مختلف الحديث) البن قتيبة(ت276:هـ(
.)-شرح مشكل الحديث) للطحاوي(ت321:هــ(
وهذان األخيران من أهم المصادر.
أما الدراسات المعاصرة:
(-منهج فقه السنة دراية وتنزيل) الدكتور أبو جميل الحسن العلمي –حفظه هللا-
(-منهجية فقه السنة النبوية) لعبد هللا بن ضيف هللا الرحلي
(-علم شرح الحديث) لعمر بازمول
(-معالم منهجية في التعامل مع السنة النبوية) لتوفيق الغلبزوري
مؤتمرات ومؤلفات جماعية:
مؤتمر 2015في أكادير بعنوان :مناهج البحث في فقه الحديث النبوي.
مؤتمر 2009في السعودية بعنوان :فهم السنة النبوية،الضوابط واإلشكاالت.
ومن المقاالت( :أضواء على شرح الحديث) لفتح الدين البيانوني سنة .2007
مذكرة سعيد هالوي (فقه الحديث).و(إشكالية) للعلوني.
شروط التصدي لعلم فقه الحديث:
هذا العلم كان يتورع منه العلماء لتعمقه ودقته ،وسئل اإلمام احمد عن غريب فقال:اسألوا
أصحاب الغريب فاني أخشى أن أخطئ فيه.
نذكر شروط المفسر ونقيس عليها :العلم بالقراءات واألوجه ،وأصول الفقه،علم الفقه،
الموهبة واالستعداد،الوعي بمشكالت العصر وأزماته ،اإليمان العميق...
شـــروط التصدي لهذا العلم:
-1العلم بالروايات والطرق للحديث
-2قراءة النبي صلى هللا عليه وسلم
-3اإللمام بأصول فقه الحديث
-4التجرد من الهوى
-5التحري فيما قاله األئمة في هذا الحديث
-6شرط تكميلي :الوعي بمشكالت العصر
-7عالم بمواقع الخالف واإلجماع
-8اإليمان العميق والفكر السليم
-9الموهبة واالستعداد.
مناهج أو اتجاهات العلماء في فقه الحديث:
المنهج األول:
يعتمد على اللطائف و اإلشارات الصوفية :هذا المنهج يستفاد منه و لكن على اإلنسانأنيأخذ
منه باالحتياط ومن أفضل من تكلم في هذا :الحكيم الترمذي ( :محمد بن إسماعيل )
(285هـ ).في كتابه :نوادر األصول ..ذكر مجموعة من األصول
و الشاهد من هذا :أنا إلمام الحكيم الترمذي كانت تأتيه بعض الشطحات و يتكلم عن
الحديث ،الحديث في واد وهو في واد أخر ،ولكن بعض األحيان تقع له بعض الفوائد
الجميلة و اللطيفة.
اإلمام الكالباذي :في كتابه ( بحر الفوائد )و غيرهم ،فكالمهم ال تستطيع أن تقبله أو ترده،
وفي بعض األحيان تستطيع رده ألنه يكون واضحا.
مثل :أبو الحسن الحرالي وابن برجان ( شرح أسماء هللا الحسنى ) .ومحي الدين ابن
عربي ،ومن المتأخرين ابن عجيبة التطواني(1224هـ).
المنهج الثاني :الذي عليه جماهير أهل العلم :اتجاه يعتمد على األصول الشرعية ،والقواعد
اللغوية و على ما هو متقرر في الشريعة وما هو معلوم منها على طريق القطع.
حـــــاجــــــــتنا إلـــى هـذا الــعــلم:
منذ بدأ الوحي ظهرت الحاجة لهذا العلم ،فكما يجب فقه كالم هللا يجب فقه كالم رسول هللا
صلى هللا عليه و سلم.
اذا لم يفقه كيف يعمل بالحديث ،يمكن أن يعمل به عمال خاطئا.
كثير من األحاديث التي بينها النبي عليه الصالة و السالم للصحابة وهم العرب أهل اللغة
العربية ،مما يدل على الحاجة للتفقه في الحديث:
أمثالة:
سلَّ َم قَا َل :أَت َد ُرونَ َما
علَيه َو َ صلَّى اللَّهم َ اَّلل َسو َل َّ -1عن أبي هريرة رضي هللا عنه ((:أ َ َّن َر ُ
س من أ ُ َّمتي َيأتي يَو َم س فينَا َمن ال دره ََم لَهُ َوال َمت َا َ
ع ،فَقَا َل :إ َّن ال ُمفل َ س قَالُوا :ال ُمفل ُال ُمفل ُ
ف َهذَا َوأ َ َك َل َما َل َهذَا َو َ
سفَكَ د َ َم َهذَا شت ََم َهذَا َوقَذ َ َ
صالةٍ َوصيَ ٍام َوزَ َكاةٍ َويَأتي قَد َ القيَا َمة ب َ
ضى َما سنَاته فَإن فَنيَت َحسَنَاتُه ُ قَب َل أَن يُق َ طى َهذَا من َحسَنَاته َوهَذَا من َح َ ب َهذَا فَيُع َ
ض َر َ
َو َ
طر َح في النَّار )(مسلم) علَيه ث ُ َّم ُ
طر َحت َ علَيه أُخذَ من َخ َ
طايَاهُم فَ ُ َ
عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « :سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها
الكاذب ،ويكذب فيها الصادق ،ويؤتمن فيها الخائن ،و يخون فيها األمين ،وينطق فيها
الرويبضة» قالوا" :من الرويبضه يارسول هللا؟" قال" :التافه يتكلم في أمر العامة" .حديث
صحيح
-2عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال( :قيل :يا رسول هللا من أكرم الناس قال :أتقاهم.
قالوا ليس عن هذا نسألك قال :فيوسف نبي هللا ابن نبي هللا ابن نبي هللا ابن خليل هللا ،قالوا
ليس عن هذا نسألك قال :فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في
اإلسالم إذا فقهوا )صحيح مسلم
وغيرها من األحاديث ،والشاهد هو :أن فيها إشارة لحاجة تفسير حديث رسول هللا صلى
هللا عليه و سلم.
-بعد النبي صلى هللا عليه و سلم ظهر في الصحابة فقهاء و أئمة وأهل الفتوى ،وكذلك
التابعين و بعدهم ظهر أتباع التابعين:
كاإلمام مالك (179هـ : ).روي عنه رحمه هللا قال :ال تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن
سواهم ،من رجل سفيه معلن بالسفه ،وإن كان أروى الناس ،ومن رجل يكذب في أحاديث
الناس ،وإن كنت ال تتهمه على حديث رسول هللا ،ومن صاحب هوى يدعو الناس إلى
هواه ،ومن شيخ صاحب عبادة و فضل و صالح إذا كان ال يعرف ما يحدث به.
قال سفيان بن عيينة (198هـ : ).لو كان األمر بأيدينا لضربنا بالجريد كل محدث ال يشتغل
بالفقه ،وكل فقيه ال يشتغل بالحديث.
قال أبو عاصم النبيل ( 212هـ : ).الرياسة في الحديث بال دراية ؛ رياسة نذلة.
قال سفيان الثوري :تفسير الحديث خير من سماعه.
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :فرب حامل فقه لمن هو أفقه منه.
فليس بمعنى أ نه ال شيء له من الفقه ،وإنما له نصيب أدنى ،فالمقصود :يمكن أن يكون
فقهه و فهمه محدودان فيؤدي الحديث إلى من هو افقه منه ليستخرج من الحديث مسائل.
في القرن الثالث :ركز العلماء كثيرا على الفقه لما ظهر االنحراف عند طلبة العلم و
تدهورت العلوم ،حيث يبالغون في الروايات و الطرق و لكن من حيث الفقه مرات ،
وصاروا وباء على العلم.
وان كان العلماء لم يكونوا درجة واحدة في التفقه .مثال :اإلمام ابن معين و احمد وعلي بن
المديني ،كان اإلمام احمد أكثرهم فقها للحديث.
وكذلك اإلمام البخاري مقارنة مع غيره كان مهتما بفقه الحديث أكثر.
كان العلماء يعيبون على من ال يشتغل بالفقه وال يعرفه ،فهذا يحيى بن صاعد كان جهبذا -
في الحديث ،قال الفقيه أبو بكر األبهري :روي أن امرأة جاءته فقالت :ما تقول في بئر
سقط فيه دجاجة فماتت ،هل الماء نجس أو طاهر ؟ فقال :ويحك كيف وقعت أال غطيته.
فكان عليه أن يقول لها :إن لم يكن الماء تغير فهو طاهر .وقد كان القصد من كتاب اإلمام
الرامهرمزي والحاكم و الخطيب ؛ شق طريق للطلبة لالهتمام بدراية الحديث
وقال اإلمام علي بن المديني " التفقه في معاني الحديث نصف العلم و معرفة الرجال نصف
العلم"
وقد أدرج اإلمام الحاكم ( 405هـ ) .فقه الحديث ضمن علوم الحديث في كتابه [ معرفة
علوم الحديث ] .قال " :معرفة فقه الحديث إذ هو ثمرة هذه العلوم ،وبه قوام الشريعة"
وقد ذكر اإلمام ابن الجوزي في كتابه [ تلبيس إبليس ] أهمية الفقه السليم للحديث النبوي.
وذكر من أمثلة الفقه الجامد:
أن اإلمام إبراهيم الحربي قال :بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود وهو يحدث وبين
يديه مقدار ألف نفس ،فقالت له :حلفت بصدقة إزاري ،فقال لها :بكم اشتريته ؟ ،قالت :
باثنين وعشرين درهما ،قال :اذهبي فصومي اثنين و عشرين يوما ،فلما مرت جعل
يقول :آه آه غلطنا وهللا أمرناها بكفارة الظهار .
في عصرنا هذا :اشتدت الحاجة لهذا العلم ،و ظهرت تحديات كثيرة على المسلمين و
شبه واألقوال ،فصارت الحاجة ماسة لهذا العلم. ال ُ
في بداية القرن 20ظهرت صحوة إسالمية بالرجوع إلى الكتاب و السنة و كانت هذه
الصحوة في حاجة إلى التأني وسعة الصدر حتى تفهم هذه األحاديث على حقيقتها:
مثال كتاب احمد بن الصديق الغماري يسيء إلى الحديث " اإلقليد في تنزيل كتاب هللا على
أهل التقليد"
الشيخ احمد بن الصديق في هذا الكتاب كل أية فيها ذم ،يقول هذه خطاب من هللا للمقلدين.
سريَّةً إلَى خَثعَ ٍمسلَّ َم َ
علَيه َو َ صلَّى هللاُ َ سو ُل َّ
اَّلل َ ث َر ُ اَّلل ،قَالَ " :بَعَ َ
عن َجرير بن عَبد َّ -مثال َ :
سلَّ َم
علَيه َو َ صلَّى ُ
هللا َ ي َ س ُجود ،فَأَس َر َ
ع فيه ُم القَت َل ،قَا َل :فَبَلَ َغ ذَلكَ النَّب َّ َاس من ُهم بال ُّ فَاعت َ َ
ص َم ن ٌ
اَّلل ل َم ؟ ،قَالَ: سو َل َّفقال ( :أَنَا َبري ٌء من ُكل ُمسل ٍم يُقي ُم بَينَ أَظ ُهر ال ُمشركينَ ) ،قَالُوا َ :يا َر ُ
َارا ُه َما) رواه أبو داود ( ، ) 2645والترمذي ( . ) 1604وحكم عليه كثير ( َال ت ََرا َءى ن َ
من أهل العلم بأنه " مر سل " ؛ والمرسل أحد أنواع الحديث الضعيف ،وصححه بعض
العلماء كالشيخ األلباني في " إرواء الغليل " ( .) 30/5
هذا الحديث ال يمكن إنزاله على الذين يقيمون اآلن في الغرب ،فإنزاله عليهم فيه تعسف.
مثال أخر :النبي عليه الصالة والسالم يقول " :ال تبدؤوا اليهود والنصارى بالسالم فإذا لقيتم
أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"
فال يمكن أن ننزل هذه األحاديث في هذا العصر على ظاهرها ،كالم هللا و كالم النبي صلى
هللا عليه و سلم منزه وال ينبغي تنزيله على شخص معين ،والسيما إذا كان التنزيل فيه
تكلف.
وكذلك ما ظهر من التطاول على األحاديث،وتأويلها تأويال متعسفا وان كانت صحيحة وهذا
منهج غير مقبول،كرد محمد الغزالي لحديث لطم موسى للملك،في كتابه"السنة بين أهل الفقه
وأهل الحديث" وقع منه تعسف كبير على السنة النبوية،ورده أحاديث بسبب عدم موافقة
عقله،وكذلك اإلمام المازري.
أهمية الفقه و شروط المتفقه:
قال ابن بطال ":فمن أراد التفهم فليحضر خاطره ،ويفرغ ذهنه ،وينظر إلى نشاط الكالم،
ومخرج الخطاب ،ويتدبر اتصاله بما قبله ،وانفصاله منه ،ثم يسأل ربه أن يلهمه إلى إصابة
المعنى ،وال يتم ذلك إال لمن علم كالم العرب ،ووقف على أغراضها في تخاطبها وأُيدَ
ب َجودَة ق ريحة ،وثاقب ذهن" (شرح صحيح البخاري البن بطال )157 / 1في حديث " من
يرد هللا به خيرا يفقهه في الدين".
فوائد فقه الحديث:
-1الوقوف على حقيقة مراد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
-2االقتداء بالنبي صلى هللا عليه و سلم
-3بيان ما يتضمنه حديث النبي صلى هللا عليه و سلم من قيم و أخالق ،سواء في التعليمات
أو اآلداب أو اإلرشادات.
مثال :فقد روى البخاري ( )6290ومسلم ( )2184عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه
قال :قال النبي صلى هللا عليه وسلم ( :إذَا ُكنتُم ث َ َالثَةً فَ َال َيتَنَا َجى َر ُج َالن دُو َن اآلخَر َحتَّى
طوا بالنَّاس أَج َل أَن يُحزنَهُ). ت َخت َل ُ
مثال في اإلرشادات :فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
قال" :غطوا اإلناء ،و أوكوا السقاء ،وأغلقوا الباب ،وأطفئوا السراج .فإن الشيطان ال يحل
سقا ًء ،وال يفتح باباً ،وال يكشف إنا ًء .فإن لم يجد أحدكم إال أن يعرض على إنائه عوداً،
ويذكر اسم هللا فليفعل .فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم"
-4الرد على المبتدعة و المعطلة و نحوهم في خوضهم في حديث رسول هللا صلى هللا عليه
و سلم بغير علم.
يقول اإلمام طاش كبرى زاده(موضوعه ونفعه ظاهر ألولي األلباب من المسلمين
الموحدين،وقد طعن طائفة من المالحدة الملقبين بالقرامطة في أحاديث حضرة الرسالة،
ألوهام واهية وأكاذيب ساهية،يدل سياقها على كذبها...إال أن العلماء جزاهم هللا عنا وعن
اإلسالم والمسلمين خيرا،قد انتصبوا لدفع هذه الخرافات صونا لعقائد عوام المسلمين عن
التورط في أوهامهم الفاضحة بتقريرات كاملة،وتحريرات واضحة).
الشروط األولية أو المبدئية لفقه الحديث:
-)1:التسليم بحجية السنة
إذا جاء إنسان وال يعتقد حديث رسول هللا صلى هللا عليه و سلم وال أنه وحيا من عند هللا عز
وجل ويقول أنا أتفقه في حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ؛ فهذا متطاول على حديث
رسول هللا صلى هللا عليه و سلم وليس متفقها ،وصاحب شبهة.فاإلنسان إذا لم يكن مؤمنا
مقرا أن النبي صلى هللا عليه وسلم ال ينطق عن الهوى ،وانه يوحى إليه ،ال يسمى متفقها
وإنما يسمى :هاجم على السنة ومتطاول.قال هللا تعالى َ { :و َما َكانَ ل ُمؤم ٍن َو َال ُمؤمنَ ٍة إذَا
ض َّلسولَهُ فَقَد َ سولُهُ أَم ًرا أَن يَ ُكونَ لَ ُه ُم الخيَ َرة ُ من أَمرهم َو َمن يَعص َّ َ
اَّلل َو َر ُ اَّلل َو َر ُ
ضى َّ ُ قَ َ
ض َال ًال ُّمبينًا ( } )36األحزاب. َ
وقصة مشهورة عن اإلمام الشافعي انه جاءه احد الناس فسأله ،فأفتاه بما في حديث رسول
هللا صلى هللا عليه و سلم ،فقال له :ماذا تقول أنت يا إمام ؟ فقال اإلمام الشافعي :سبحان
هللا ،هل تراني في الكنيسة ؟! هل ترى فوقي زنار ،أقول لك :قال رسول هللا صلى هللا
عليه و سلم وتقول :ما رأيك.
سمي ٌع اَّلل َ سوله َواتَّقُوا َّ َ
اَّلل إ َّن َّ َ قال هللا تعالى َ { :يا أَيُّ َها الَّذي َن آ َمنُوا َال تُقَد ُموا َبي َن َيدَي َّ
اَّلل َو َر ُ
علي ٌم ( } )1الحجرات .والتقدم على كالم رسول هللا مثل التقدم عليه. َ
-)2ثبوت الحديث و صحته :
ال يمكن وال يصلح التفقه و االستنباط من حديث غير صحيح ،فأول ما يجب على المتفقه
أن يتأكد من صحة الحديث و قبوله و تصحيح أهل العلم ، ...فكثير من انشغل بأحاديث
غير صحيحة و أطالوا الخوض فيها.
ولقد ذكر اإلمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس :أن بعض العباد لبس عليهم إبليس فقال لهم
العمل قبل العلم ،فأعماهم ذلك فوقعوا في الجهل فأصبحوا يعملون باألحاديث الضعيفة و
الموضوعة.
وذكر العلماء كثير منها :كقيام الليل في النصف من شعبان ،فيها أحاديث موضوعة ،فتجد
البعض أخذ في شرحها وتعبد بها وهي ال تثبت عنه صلى هللا عليه وسلم.ولقد ذكر ذلك في
كتاب"أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب "هو كتاب عن بدعة شهر رجب،
ألفه الحافظ ابن دحية الكلبي ،بين المؤلف في كتابه ما ورد في شهر رجب من فضائل،
وأنها كلها ال تثبت ،وذكر البدع التي أحدثها الناس في هذا الشهر الكريم ،كصالة الرغائب،
وتخصيصه بالصيام...،
الشاهد :إن األحاديث الواردة التي هي غير صحيحة إما واهية أو موضوعة أو ضعيفة ،
واشتغل به بعض أهل العلم ،فكان األساس غير صحيح وباطل ،قال ابن الجوزي عن
المتصوفة :وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من األحاديث الموضوعة وهو ال
يدري.
وكان اإلمام الشافعي يقول ألحمد بن حنبل :إذا صح عندكم حديث ؛ فأعلمونا به لنأخذ به ،
و نترك كل قول قلناه أو قاله غيرنا ،فانتم أحفظ للحديث ونحن اعلم به.
أمثلة:
-)1حديث《 نهى النبي صلى هللا عليه و سلم عن بيع و شرط》
قال أهل العلم :هذا الحديث ال يثبت ( ضعيف ) ولم يأخذ به أهل العلم الن الشروط
ضرورية ،والحنفية اخذوا به واضطروا إلىأن يؤولوه .ورد عليهم ابن تيمية وابن القيم.
والحديث الصحيح من حديث جابر ان النبي صلى هللا عليه وسلم باع له جمله و اشترط له
ظهره إلى المدينة.
-)2حديث 《أن النبي صلى هللا عليه و سلم نهى عن البُت َيراء 》وفسروها ب :أن يصلي
الرجل ركعة واحدة يوتر بها.
هذا الحديث أخذ به الحنفية ،وأهل العلم قالوا :ال ،وأجازوا أن اإلنسان يمكن أن يوتر
بركعة واحدة
قال ابن حزم 《 :لم يصح عن النبي صلى هللا عليه و سلم نهي عن البتيراء وال في
الحديث على سقوطه بيان ما هي البتيراء).
قال ابن قطان (627هـ 《: ) .والحديث من شاذ الحديث الذي ال يعرج على روايته مالم
تقر عدالتهم》
-)3حديث 《:نهى النبي صلى هللا عليه و سلم عن الماء المشمس 》الماء الذي يوضع في
الشمس ،وهذا لم يرد من طريق صحيح ومع ذلك عمل به بعض الحنفية.
خالصة:
ال يجوز اإلقدام على فقه الحديث إال بعد التأكد من صحته و قبول أهل العلم له ،لكي يثبت
انه كالم النبي صلى هللا عليه و سلم.
-)3عدم تضعيف األحاديث الصحيحة(:التسليم ألهل العلم الراسخين في هذا العلم)
إن الذي يتطاول على األحاديث الصحيحة ويطعن فيها بغير علم،من وجوه واهية ،فالعيب
يكون في ثقافة وفهم ذلك الرجل وليس في الحديث:
مثال:1حديث (بني اإلسالم على خمس) ،ذكر الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه "كيف
التعامل مع السنة النبوية" أن بعض المعاصرين قالوا بان هذا الحديث ال يصح ألنه لم
يذكر فيه الجهاد.
لكن الحديث ليس فيه حصر،فعدم ذكر الجهاد أو غيره ال يدل على ضعف الحديث.
مثال:2حديث (جاء ملك الموت إلى موسى فقال له:اجب ربك،فقال:فلطم موسى ملك
الموت)...الحديث .فهناك من ضعف هذا الحديث كمحمد الغزالي،وقالوا كيف للنبي أن يلطم
ملك الموت.
وأجاب العلماء وقالوا أن الملك جاءه في صفة رجل،وان فَقَأ َ عينه بمعنى غلبه وظهر
عليه،وليس الحديث على ظاهره.
وكذلك كثير من المعتزلة والفالسفة،ردوا أحاديث عذاب القبر والشفاعة و المعاد...
-الفرق بين هؤالء واألئمة الكبار إذا ردوا الحديث:
العلماء الكبار إذا ردوا الحديث فإنهم يردونه من باب شبهة وقعت لهم،إما لوجود أية من
كتاب هللا تخالفه أو لم يصله الحديث...وهم معذورين لدفاعهم عن الدين وهم
مجتهدون(كمالك واحمد والشافعي،)...واألحاديث التي لم يعملوا بها قليلة.
كقول أبو حنيفة الزواج بغير ولي،ولكن بعد ثبوت الحديث رجع له بعض الحنفية.ورد اإلمام
مالك نحو22حديث عنده في الموطأ لم يعمل بها كحديث البيعان بالخيار وصيام الست من
شوال.
خالصة :إن العلماء المجتهدون عندما يعرض عن حديث يكون معذورا في ذلك،وال يخلط
بين العلماء والسفهاء،الن العلماء افنوا أعمارهم في خدمة الدين.
-)4ســـــالمــــة الـــــروايــــة:
التأكد من سالمة الرواية وأنها لم يطرأ عليها أي تصحيف أو تحريف،وأنها هكذا نقلت عن
النبي صلى هللا عليه وسلم،ألنه كما رأينا انه نشأت بعض المفاسد عند تسرع الناس في
تفسير وشرح األحاديث وهي على خالف ما نقل عن النبي.لذلك اعتنى العلماء بالمقابلة
والتصحيف ...واالعتماد على النسخ المصححة والمقروءة على كبار العلماء.
أ-مراعاة الضبط والتقييد:
من خالل الضبط والتقييد يختلف المعنى ويكون االختالف كبير.
مثال :في صحيح مسلم(زادك هللا حرصا وال{تعُد}{تعدُ}{تُعد}) فالصواب هو{تُعد} أي ال تعد
الركعة.
ولذلك العلماء ركزوا على هذه المسالة،قال ابن الصالح( فسبيل من أراد االحتجاج من
صحيح مسلم أو أشباهه أن يتلقاه من أصل به مقابل على يدي مقابلين ثقتين بأصول صحيحة
متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد
بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك األصول)".صيانة صحيح مسلم"
وقالوا(من كتب ولم يقابل فليرمه في المزابل)،وكان العلماء يركزون على مسألة المقابلة(في
مصلح الحديث)،وهي المراجعة والتصحيح.
وفي هذا قام اإلمام القاضي عياض بجهد عظيم ونبه إلى العناية بهذه وضرورة مقابلة الكتب
والتأكد من سالمتها ،وفكر رحمه هللا في ضبط جميع األحاديث النبوية فرأى أن العمر ال
يسعفه وان األمر كبير جدا،فاقتصر على ما يسميه بمصاحف السنة(الصحيحين والموطأ)
وسمى كتابه "مشارق األنوار على صحاح اآلثار".
الوقَّفي،كان متبحرا ويصلح الكتب ولقد انتقد رحمه هللا مذهب شيخه هشام بن احمد َ
باالعتماد على علمه،ولكن هذا اإلصالح يحتاج إلى تأني واللغة العربية ال يحيط بها إال
نبي ،وكذلك قبله اإلمام ابن وضاح كان يصلح الكتب وأخطأ فيما أصلح(الموطأ).
ومنهج القاضي عياض هو:انه على اإلنسان أن يترك الرواية كما وصلت إليه،ويبين في
األخير الصواب الذي ظهر له.يقول(الجسارة خسارة).
قال القاضي عياض في مقدمة مشارق األنوار( 3/1وما بعدها) « :بحسب هذا الخلل
وتظاهر هذه العلل ما كثر في المصنفات والكتب التغيير والفساد وشمل ذلك كثيرا من
المتون واإلسناد وشاع التحريف وذاع التصحيف وتعدى ذلك منشور الروايات إلى
مجموعها وعم أصول الدواوين مع فروعها حتى اعتنى صبابة أهل اإلتقان والعلم وقليل
ما هم بإقام ة أودها ومعاناة رمدها فلم يستمر على الكافة تغييرها جملة لما أخبر ♠عن
عدول خلف هذه األمة وتكلم األكياس والنقاد من الرواة في ذلك بمقدار ما أوتوه فمن بين
غال ومقصر ومشكور عليم ومتكلف هجوم فمنهم من جسر على إصالح ما خالف
الصواب عنده وغير الرواية بمنتهى علمه وقدر إدراكه وربما كان غلطه في ذلك أشد من
استدراكه ألنه متى فتح هذا الباب لم يوثق بعد بتحمل رواية وال أنس إلى االعتداد بسماع
مع أنه قد ال يسلم له ما رآه وال يوافق على ما أتاه إذ فوق كل ذي علم عليم ولهذا سد
المحققون باب الحديث على المعنى وشددوا فيه وهو الحق الذي اعتقده وال امتريه إذ باب
االحتمال مفتوح والكالم للتأويل معرض وأفهام الناس مختلفة والرأي ليس في صدر واحد
والمرء يفتن بكالمه ونظره والمغتر يعتقد الكمال في نفسه فإذا فتح هذا الباب وأوردت
األخبار على ما ينفهم للراوي منها لم يتحقق أصل المشروع ولم يكن الثاني بالحكم على
كالم األول بأولى من كالم الثالث على كالم الثاني فيندرج التأويل وتتناسخ األقاويل وكفى
بالحجة على دفع هذا الرأي الفائل دعاؤه (عليه الصالة والسالم) في الحديث المشهور
المتقدم لمن أدى ما سمعه كما سمعه بعد أن شرط عليه حفظه ووعيه ففي الحديث حجة
وكفاية و غنية في الفصول التي خضنا فيها آنفا من صحة الرواية لغير الفقيه واشتراط
الحفظ والوعي في السماع واألداء كما سمع وصحة النقل وتسليم التأويل ألهل الفقه
والمعرفة وإبانة العلة في منع نقل الخبر على المعنى ألهل العلم وغيرهم بتنبيهه على
اختالف منازل الناس في الدراية وتفاوتهم في المعرفة وحسن التأويل والصواب من هذا
كله لمن رزق فهما وأوتي علما إقرار ما سمعه كما سمعه ورواه والتنبيه على ما انتقده
في ذلك ورآه حتى يجمع األمرين ويترك لمن جاء بعد النظر في الحرفين وهذه كانت
طريق السلف فيما ظهر لهم من الخلل فيما رووه من إيراده على وجهه وتبيين الصواب
فيه أو طرح الخطأ البين واإلضراب عن ذكره في الحديث جملة أو تبييض مكانه
واالقتصار على رواية الصواب أو الكناية عنه بما يظهر ويفهم ال على طريق القطع وقد
وقع من ذلك في هذه األمهات ما سنوقف عليه ونشير في مظانه إليه وهي الطريقة
السليمة ومذاهب األئمة القويمة فأما الجسارة فخسارة فكثيرا ما رأينا من نبه بالخطأ على
الصواب فعكس الباب ومن ذهب مذهب اإلصالح والتغيير فقد سلك كل مسلك في الخطأ
وداله رأيه بغرور وقد وقفت على عجائب في الوجهين وسننبه من ذلك على ما توافيه
العبر وتحقق من تحقيقه أن الصواب مع من وقف وأحجم ال مع من صمم وجسر وتتأمل
في هذه الفصول ما تكلمنا عليه وتكلم عليه األشياخ والحفاظ فيما أصلحه أبو عبد هللا بن
وضاح في الموطأ على يحيى بن يحيى فيمن تقدم وعلى ما أصلحه القاضي أبو الوليد
الكناني على هذه الكتب فيمن تأخر وإظهار الحجج على الغلط في كثير من ذلك اإلصالح
وبيان صحة الرواية في ذلك من األحاديث الصحاح وكما وجدنا معظما من حفاظ
المتأخرين المغاربة أصال البغداديين نزال قد روي حديث جليبيب وقول المرأة جليبيب أنيه
فقيده الجليبيب االبنة لما كان الحديث في خطبة ابنة هذه المرأة وهي قائلة هذا الكالم ولم
ين فهم لمن لم يعرف معنى انيه والحاق بعض العرب هذه الزيادة األسماء في االستفهام
عند اإلنكار ظن أنه مصحف من االبنة وكذلك فعل في حديث جويرية وشك يحيى بن يحيى
في سماعه اسمها في حديثه وقوله أحسبه قال جويرية أو البتة ابنت الحارث فقيده أواليته
بفتح الهمزة وكسر الالم بعدها ياء باثنتين تحتها مخففة وظنه اسما وأن شك يحيى إنما
هو في تغيير االسم ال في إثباته أو سقوطه ويحيى إنما شك هل سمع في الحديث زيادة
اسم جويرية أو إنما سمع ابنة الحرث فقط ثم نفى الشك عن نفسه بعد قوله أحسبه قال
جويرية فقال أو البتة أي أني أحقق أنه قالها ومثل هذا في حديث يحيى بن يحيى كثير
وسنذكر منه في موضعه إن شاء هللا وكذلك روي حديث ادام أهل الجنة بالالم فقال بالالي
يعني الثور وهكذا وجدت معظما من شيوخنا قد أصلح في كتابه من مسلم في حديث أم
زرع من روايته عن الحلواني عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة في قوله وعقر
جارتها فأصلحه وعبر بالباء وضم العين اتباعا لما رواه فيه ابن األنباري وفسره
باالعتبار أو االستعبار على ما نذكره إذ لم ينفهم له ذلك في عقر والمعنيان بينان في عقر
إذ هو بمعنى الحيرة والدهش وقد يكون بمعنى الهالك وكله بمعنى قوله في الرواية
المشهورة وغيظ جارتها وسنبينه في موضعه بأشبع من هذا إن شاء هللا في أمثلة كثيرة
نذكرها في مواضعها إال قصة جليبيب فهذا اللفظ ليس في شيء من هذه األصول فبحسب
هذه اإلشكاالت واإلهماالت في بعض األمهات واتفاق بيان ما يسمح به الذكر ويقتدحه
الفكر مع األصحاب في مجالس السماع والتفقه ومسيس الحاجة إلى تحقيق ذلك ما تكرر
على السؤال في كتاب يجمع شواردها ويسدد مقاصدها ويبين مشكل معناها وينص
اختالف الروايات فيها ويظهر أحقها بالحق وأوالها فنظرت في ذلك فإذا جمع ما وقع من
ذلك في جماهير تصانيف الحديث وأمهات مسانيده ومنثورات أجزائه يطول ويكثر وتتبع
ذلك مما يشق ويعسر واالقتصار على تفاريق منها ال يرجع إلى ضبط وال يحصر فأجمعت
على تحصيل ما وقع من ذلك في األمهات الثالث الجامعة لصحيح اآلثار التي أجمع على
تقديمها في األعصار وقبلها العلماء في سائر األمصار كتب األيمة الثالثة الموطأ ألبي عبد
هللا مالك بن أنس المدني والجامع الصحيح ألبي عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاري
والمسند الصحيح ألبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري إذ هي أصول كل أصل
ومنتهى كل عمل في هذا الباب وقول وقدرة مدعي كل قوة باهلل في علم اآلثار وحول
وعليها مدار أندية السماع وبها عمارتها وهي مبادئ علوم اآلثار وغايتها ومصاحف
السنن ومذاكرتها وأحق ما صرفت إليه العناية وشغلت به الهمة ولم يؤلف في هذا الشأن
كتاب مفرد تقلد عهده ما ذكرناه على أحد هذه الكتب أو غيرها إال ما صنعه اإلمام أبو
الحسن علي بن عمر الدارقطني في تصحيف المحدثين وأكثره مما ليس في هذه الكتب
وما صنعه اإلمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف وإال نكتا مفترقة وقعت أثناء
شروحها لغير واحد لو جمعت لم تشف غليال ولم تبلغ من البغية إال قليال وإال ما جمع
الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد الغساني شيخنا رحمه هللا في كتابه المسمى
بتقييد المهمل فإنه تقصى فيه أكثر ما اشتمل عليه الصحيحان وقيده أحسن تقييد وبينه
غاية البيان وجوده نهاية التجويد لكن اقتصر على ما يتعلق باألسماء والكنى واألنساب
وألقاب الرجال دون ما في المتون من تغيير وتصحيف وأشكال وإن كان قد شذ عليه من
الكتابين أسماء واستدركت عليه فيما ذكر أشياء فاإلحاطة بيد من يعلم ما في األرض
والسماء ولما أجمع عزمي على أن أفرغ له وقتا من نهاري وليلي وأقسم له حظا من
تكاليفي وشغلي رأيت ترتيب تلك الكلمات على حروف المعجم أيسر للناظر وأقرب للطالب
فإذا وقف قارئ كتاب منها على كلمة مشكلة أو لفظة مهملة فزع إلى الحرف الذي في
أولها إن كان صحيحا وإن كان من حروف الزوائد أو العلل تركه وطلب الصحيح وإن
أشكل وكان مهمال طلب صورته في سائر األبواب التي تشبهه حتى يقع عليه هنالك فبدأت
بحرف األلف وختمت بالياء على ترتيب حروف المعجم عندنا ورتبت ثاني الكلمة وثالثها
من ذلك الحرف على ذلك الترتيب رغبة في التسهيل للراغب والتقريب وبدأت في أول كل
حرف باأللفاظ الواقعة في المتون المطابقة لبابه على الترتيب المضمون فتولينا إتقان
ضبطها بحيث ال يلحقها تصحيف يظلمها وال يبقى بها إهمال يبهمها فإن كان الحرف مما
اختلفت فيه الروايات نبهنا على ذلك وأشرنا إلى األرجح والصواب هنالك بحكم ما يوجد
في حديث آخر رافع لالختالف مزيج لألشكال مريح من حيرة اإلبهام واإلهمال أو يكون هو
المعروف في كالم العرب أو األشهر أو األليق بمساق الكالم واألظهر أو نص من سبقنا
من جها بذة العلماء وقدوة األئمة على المخطئ والمصحف فيه أو أدركناه بتحقيق النظر
وكثرة البحث على ما نتلقاه من مناهجهم ونقتفيه وترجمنا فصال في كل حرف على ما
وقع فيها من أسماء أماكن من األرض وبالد يشكل تقييدها ويقل متقن أساميها ومجيدها
ويقع فيها لكثير من الروات تصحيف يسمج ونبهنا معها على شرح أشباهها من ذلك
الشرج ثم نعطف على ما وقع في المتون في ذلك الحرف بما وقع في اإلسناد من النص
».
مثال :1حديث(أمر رسول هللا بالفرق ونهى عن السَّكينَة) هكذا حققه الشيخ محمد عوامة،
س َكينيَة)وهي نوع من تسريحة الشعر،نسبة إلى سكينة بنت الحسين. والصواب(ال ُّ
مثال:2حديث(من صلى على جنازة في المسجد فال شيء عليه)وفي رواية(فال شيء له).
-كيف نعرف الضبط والتقييد(الكتب التي اعتنت بالضبط والتقييد):
"-مشارق األنوار على صحاح اآلثار" للقاضي عياض،اعتنى بالصحيحين والموطأ.
"-مطالع األنوار" ألبي إسحاق بن قرقول الحمزي(ت567:هـ ).في 3مجلدان ،وهو تلميذ
القاضي عياض،وهذا الكتاب نفسه مشارق األنوار إال بعض اإلضافات اليسيرة.وقد اختلف
العلماء في نسبته إلى ابن قرقول،قال ابن خاتمة(ما وقفت على نسخة نسبها إليه).
"-صيانة صحيح مسلم" ألبي عمر بن الصالح.
أما األحاديث التي ال توجد في هذه الكتب ،يرجعا فيها إلى:
-كتب الغريب
--كتب الشروح
ب -السالمة من اللحن والخطأ في اإلعراب:
-اإلعراب والنحو:
أمثلة لبعض األحاديث التي يختلف معناها باختالف إعرابها:
مثال :1قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(ذكاة ُ الجنين ذكاة ُ أمه):
ذكاة :مبتدأ ،وذكاة أمه:خبر وأمه مضاف إليه.
والمعنى :إن ذكاة األم تكفي وال يذكى للجنين،وهذا رأياألئمة الثالثة.
اإلمام أبو حنيفة قرأه :ذكاة َ الجنين ذكاة َ أمه .والمعنى :ذ ُكوا الجنين كذكاة أمه(.ذكاة:مفعول)
ورث ما تركناه صدقة). مثال :2حديث( نحن معاشر األنبياء ال نُ َ
الشيعة يحرفونه فيقولون( نحن معاشر األنبياء ال نُ َّورث ما تركناه صدقة) ،ما:موصولية في
محل نصب مفعول به.
-أهمية النحو عند المحدثين أو في الحديث:
قال اإلمام شعبة(ت 160:هـ(:).من طلب الحديث فلم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه
برنس وليس له رأس).
قال حماد بن سلمة(:مثل الذي يطلب الحديث وال يعرف النحو مثل الحمار عليه مخالة وال
شعير فيها).
قال اإلمام األصمعي(ت216:هـ( :).إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو
أن يدخل في جملة قول النبي صلى هللا عليه وسلم:من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار .ألنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه).
ولقد اهتم العلماء بهذا األمر وألفوا فيه ك"تدريب الراوي" للسيوطي وغيره من العلماء
اهتموا بمسائل النحو واإلعراب غيره كاإلمام ابن شبَّة.
-إذا وقع اللحن والخطأ في الرواية هل يصلح؟(هل يجوز رواية الحديث باللحن):
القول األول:يجوز له أن يصلح الخطأ إذا كان الخطأ جليا واضحا،وكان المصحح من أهل
العلم.
القول الثاني :إذا جاءتك الرواية فيها خطا تضع عليها ضبة(هي :الصاد من كلمة
ص
).وإذابحث ووجد الكلمة الصحيح صح،توضع على الكلمة المشكوك في صحتها هكذا
صح
،زاد عليها (ح).
القول الثالث:يقول ابن دقيق العيد(ت702:هـ( :).وهو أن هذا الفظ المختل اليروى على
الصواب وال على الخطأ،أما على الصواب فألنه لم يسمعه من الشيخ كذلك،وأما على الخطأ
فأل ن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يقله كذلك).
القول الرابع :يروى اإلصالح من األساس(مثل القول األول)،سواء كان الحديث الخطأ جلي
أم ال يقول ابن حزم(:وأما اللحن في الحديث فإن كان شيئا له وجه في لغة العرب فليروه
كما سمعه وال يبدله وال يرده إلى أفصح منه وال إلى غيره وان كان شيئا ال وجه له في لغة
العرب البتة فحرام على كل مسلم إن يحدث باللحن عن النبي صلى هللا عليه وسلم فان فعل
فهو كذاب مستحق للنار في اآلخرة.)...
إذا كان الحديث محتمل للغة من لغات العرب لماذا ال يجوز تغييره؟
ألن النبي ص لى هللا عليه وسلم كان يخاطب كل قبيلة بلغتها وكل قبيلة بلهجتها،والنبي صلى
هللا عليه وسلم أفصح الناس وكان يكلم الناس بما يفهمونه ألنه من وسائل الدعوة ومقال ذلك
تكلمه مع أهل اليمن بلغتهم(ب إبدال الالم بالميم) (ليس من البر الصيام في السفر)،وهي من
معجزاته صلى هللا عليه وسلم.
أنــــواع اللــــحن:
اللحن :يقابل التصحيف،واللحن في األساس الخطأ الذي يقع من جهة اإلعراب ،او خطا في
بينة الكلمة في النحو والصرف.
واللحن نوعان:
-)1ماال يتغير به المعنى :ولكنه مع ذلك ال يجوز إغفاله ولكن اخف من غيره.
مثال :كقول بعض المحدثين(لبيك حجةً وعمرةً) والصواب(حج ٍة وعمرةٍ).
وكقول صلى هللا عليه وسلم( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)،اغلب المحدثين على
إسكان (ال ُخبث) وهو الشيء الخبيث،والمحققين على رفعها (ال ُخبُث)وهو جمع خبيث وهو
الشيطان.
-)2ما يتغير به المعنى :مثال :حديث( ذكاة الجنين ذكاة أمه) ،قال ابن األثير في النهاية
(يروى هذا الحديث بالرفع والنصب،فمن رفعه جعله خبر المبتدأ الذي هو ذكاة الجنين،
فتكون ذكاة األم هي ذكاة الجنين فال يحتاج إلى ذبح مستأنف ،ومن نصب كان التقدير ذكاة
الجنين كذكاة أمه،فلما حذف الجار نصب،أو على تقدير يذكى تذكية مثل ذكاة أمه،فحذف
المصدر وصفته وأقام إليه مقامه،فال بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيا.ومنهم من يرويه
بنصب الذكاتين:أي ذكوا الجنين ذكاة أمه).
قال ابن المنذر( :انه لم يرو عن احد من الصحابة وال من العلماء أن الجنين ال يؤكل إال
باستئناس الذكاة إال ما روي عن أبي حنيفة وال احسب أصحابه وافقوه عليه).
الكتب التي اهتمت بأهمية اإلعراب:
-1-كتاب اإلعراب :ألبي بكر بن خيثمة(ت279:هـ،).
-2-إعراب الحديث النبوي الشريف :لل ُعكبَري (ت616:هـ.).
-3-شواهد التوضيح والتصحيح لمشكالت الجامع الصحيح:ابن مالك أبو عبد هللا ،وهو
خاص بصحيح البخاري.كان أحد يقرأ الصحيح،بحضرة ابن مالك،فكان يراقب شفتيه وإذا
أخطأ يرده ابن مالك رحمه هللا،وما كان له وجه في اللغة يجيزه ،وكأنه رحمه هللا من خالل
تلك المجالس سجل تلك المسائل.
-4-فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث :ألبي عبد هللا محمد الصغير
اإلفراني(ت1155:هـ ،).يقول في مقدمته( وبعد فانه يكثر السؤال عن حكم المتصدي
للحديث مع انه ال مساس له بالعربية في القديم وال في الحديث،هل في ذلك رخصة ترتقي
سهولتها أو ليس في ذلك إال شدة فتجنب قسوتها،وقد علم أن المؤمنين ال غنى لهم عن سماع
الحديث النبوي الشريف وأقواله عليه الصالة والسالم،كالزالل العذب ال يستغني عنه مر ٍو،
فلو شرط التضلع في العربية لشغر من الحديث ناديه وقد طم غباب الجهل في حواضر
المغرب فكيف بقراه فكيف ببواديه ،ولما رأيت كثرة السؤال في ذلك ،الفت هذا الثبت لكشف
القناع عن عما هنالك،وسميته فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث،وجعلت الكالم في ذلك
منحصرا في طالعة ،وبعدها أنماط ثالثة الحقة المعة ،وعلى هللا التوكل وبه استعين).
-5-مشكالت الموطأ :لإلمام السيد البطليوسي(ت521:هـ).
-6-عقود الزبرجد في إعراب مسند احمد :للسيوطي(ت911:هـ ).مطبوع في 3مجلدات.
ج -التصحيف والتحريف:
وهذه المسالة ليست فقط في الحديث بل حتى في األدب وكذلك عند أهل الكتاب،وهللا سبحانه
وتعالى حفظ القرءان من التحريف ،وهو تحريف األلفاظ أما تحريف المعاني فتجده عند
كثير من المبتدعة.
فهذه المسالة معضلة وغالبا ما يؤدي لها هو تشابه صور الحروف ،قال اإلمام احمد (من
الذي أعرى عن الخطأ).
-تعريف التصحيف والتحريف:
التصحيف :لغة :مشتق من الصحف(،والصحفي والمصحف هو الذي يروي الخطأ على
قراءة الصحف).
التحري ف :لغة :مشتق من االنحراف والتغيير،وهو تغيير الكلمة عن أصلها ومعناها.
وهنا يطرح سؤال:لماذا كان العلماء يتحرزون من كتابة الحديث؟
ألنهم أخذوا هذه السنة أمانة وأرادوا أن يؤدوها بحقها كما سمعوها،وكانوا يقولون الدراية
مع الرواية لكي ال يقع لهم مثل أهل الكتاب ،وكانوا يتخوفون من الكتابة.وبعد ذلك رأوا
المصلحة في كتابتها وحفظ العلم.
قال أبو حيان األندلسي:
يظن الغمر أن الكــتب تهــــدي.....أخا فهم إلدراك العلــوم
وما يدري الجهول بأن فــــيها....فوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رميت العلوم بغير شـــــيخ.....ضلت عن الصراط المستقيم
وتلتبس األمور عليك حــــــتى.....تكون أضل من توما الحكيم.
التحريف والتصحيف في اصطالح المحدثين(تغيير الكلمة من الهيئة المتعارف عليها الى
غيرها) أو نقول:تغيير الكلمة من الهيئة المحفوظة إلى غيرها).
عند قولنا تغيير يخرج ما ليس بتغيير،وعندما نقول الكلمة يخرج تغيير الجملة.
واغلب العلماء ال يفرق بين التصحيف والتحريف كأنهما شيء واحد،وبعض أهل العلم
كالحافظ ابن حجر يقولون :إذا تعلق األمر بالنقط من عدمه فهو:التصحيف ،وإذا تغير
بالشكل والضبط فهو :التحريف.
مــثال:1قال النبي صلى هللا عليه وسلم (إذا دفنتم الميت صبوا عليه اللَّبن) ،رواها
البعض(الل َبن) ،فاألولى جمع لبنة و هي ما تبنى به البيوت،والثانية الحليب ،فهذا تحريف.
مثال :2حديث أبي لهيعة عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه(احتجم في المسجد النبوي) توجد
في مسند اإلمام احمد،وهذا تحريف،وإنما هو احتجر،عن النبي صلى هللا عليه وسلم(احتجر
حجرة فكان يصلي فيها).
واحتجر أي اتخذ حجرة له.واحتجم أي الحجامة.
-اإلمامأبو القاسم بن ورد(ت540:هـ ).في كتابه "األجوبة" تكلم كثيرا على مجموعة من
األحاديث سئل عليها،وذكر ما وقع فيها من تصحيف وتحريف وبين الصواب .
أمـــثــلة:
-)1حديث ( إذا أراد هللا بعبده خيرا ،عسله ،قيل :وما عسله؟ قال :يفتح هللا له عمال
صالحا قبل موته ،ثم يقبضه عليه ):
(عسله) كيف ضبط هذه اللفظة؟ أهي بالعين المعجمة أو بالعين غير المعجمة فقد قال من
قال يروى ذلك غسله من الغسل ،وقال غيره :غسله من غسل الذنوب؛أي :يفتح له عمل
صالح بين يدي موته يغسل عنه ما مضى إذ التوبة محاءة للذنوب ،وفي حديث آخر-ملء
علمك(-إذا أراد هللا بعبد خيرا استعمله) ،أي ألهمه بعمل صالح ،فأردت شرح الصحيح من
القولين منهما بذلك؟
فأجاب الرواية في لفظ الحديث المذكور إنما عسله بالعين غير المعجمة وتخفيف السين
ومعناه:
حببه إلى عباده؛ وهو في معنى ما وردمن وضع الَقبول في األرض ،وذلك إنما يكون
عسله؟ قال :فتح له عمال صالحا بالعمل الصالح ،وفي إكمـال الحديث؛ قيل يا رسول هللا ما َ َ
غسله بالعين المعجمة فـإنه تصحيف بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ،وأما َ
وتحريف ،وكالم بغير معرفة وال تحقيق ،وباهلل التوفيق.
-)2حديث (إياكم و مشارة الناس ،فإنها تدفن الغرة ،و تظهر العرة)
يقول :كيف ضبط هاتين اللفظتين؟ فقد قال قائل :إن األولى بضم العين غير المعجمة وفتح
الراء بعدها وتشديدها ،والثانية :بكسر العين غيرالمعجمة وفتح الزاي( يعني :وتذهب
الع َّزة)،وقال:إن األولى من الع َّزة،والثانية من الغُ َّرة،فتفضل بشرح الصحيح من القولين
مأجورا.
يجيب اإلمام ابن ورد:ضبط هاتين الكلمتين:ان األولى بضم العين غير المعجمة وتشديد
الراء ،ويُراد بذلك:ما يَعُ ُّر ،أي:يُشين،والثانية بضم الغين وتشديد الراء(الغُ َّرة)والمراد بذلك
ما يُزين،إذ الغر زين في األشياء المرئية فكذلك هي زين في الصفات المعنوية،ثم يقول:وما
خالف هذا الضبط لك فتصحيف،واشد التصحيف ما تعني،فان مصحفه يعتريه وهم فيه،وهذا
النوع من العلم ال ينبغي للعاقل أن يتهافت فيه حتى يأخذه عن أهله.
-)3حديث( ليس منا من رمانا بالليل):
وأما قوله(:ليس منا من رمانا بالليل)فالرواية فيه النبل ال بالليل وتفسير ذلك:ليس منا من
رمانا رميا ال يحتفظ منه وال يقدر على إمضائه إذ غير النبل من الرماح وسائر السالح قد
يتالعب بها ويمكن التحرز من فخصت النبل،إذ هي-هنا -ال يستعمله إال المحارب ال
المالعب.
هل يقدح في الراوي إذا صحف أو حرف:
الجواب :ال يخلوا المصحف أو المحرف من أن يكون متعمدا أو غير متعمد:
-1حالة العمد :إن كان متعمدا فهو كاذب عن النبي صلى هللا عليه وسلم،ويعتبر من
الوضاعين ولو حديث واحد،ويدخل في قوله صلى هللا عليه وسلم(من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار).
-2حالة غير العمد :في حالتين:
-إذا وقع بكثرة :فهذا يطعن فيه ويقدح ،ويكون في ذلك عالمة على غفلته ،وفي هذا قال
ص ُحفي،وال القرءان من ُمص َحفي ٍ). العلماء (ال تأخذوا العلم عن ُ
وروي أن احد الرواة كان يناظر إسحاق بن راهوية في مسالة (القزع)،فلما أفحمه ابن
راهوية ذهب يبحث فوجد حديث واخطأ في قراءته ،أن النبي (كان يحب القزع) ولكن
الصحيح هو (القرع)،وليس القزع.
-أما إذا كان وقع في ذلك على جهة الخطأ،وكان نادرا،فال يطعن في الراوي،ولقد وقع هذا
لكبار أهل العلم كشعبة صحف وغيره من األئمة الكبار،ولكن قليلة هذه األخطاء.
-جهــود العلماء في بيان التصحيف والتحريف:
-1إصالح غلط المحدثين" للخطابي،وهي رسالة صغيرة ومهمة جدا ومن أول ما ألف في
هذا الباب.يقول في أولها(هذه ألفاظ من الحديث يرويها،أكثر الرواة والمحدثين ملحونة
ومحرفة أصلحناها واخبرنا بصوابها،وفيها حروف تحتمل وجوها اخترنا منها أبينها و
أوضحها ،وهللا الموفق للصواب ال شريك له).
" -2التصحيف والتحريف" للدارقطني(مفقود).
" -3تصحيفات المحدثين" ألبي احمد العسكري،وينقسم إلى قسمين:قسم متعلق بالرواة
وقسم متعلق بالحديث.وله كتاب "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف"(ال يهم في هذا
الباب)
" -4التطريف في التصحيف" للسيوطي.
" -5التنبيه على األلفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطا في تفسيرها
ومعانيها في كتاب الغريبين ألبي عبيد الهروي" لمحمد بن ناصر السالمي(في
حدود557هـ).
" -5قد يكبو الجواد في بيان أربعين غلطة ألربعين من النقاد" ألبي البركات
البلفيقي(771هـ.).
" -6التصحيف وأثره في الحديث والفقه" لجمال السطيري.
-أسباب التصحيف والتحريف:
-1عد م األخذ عن الشيوخ والسماع منهم :كلما بعد طالب العلم عن العلماء سيخطئ في
أمور كثيرة.
-2تشابه الحروف في الرسم :بعض الحروف الهجائية تتشابه في رسمها بحيث يكون
االختالف في النقط فقط،أو في رسمها مع قرب التشابه بيتها مثل(ح،ج،خ)...
-3الغفلة وعدم التيقظ والضبط :وهذا ال يقع في الغالب لالئمة المتقنين الحفاظ بل يقع لمن
عرف باللين و الخطإ واالختالط. ُ
-4الجهل بالغريب وباللغة ،فاإلنسان كلما ضعف علمه باللغة كان عرضة للوقوع في
التصحيف والتحريف.
-5عدم القراءة على الشيوخ.
جـــمـــع طــــرق الحــــديــــث:
األفضل أن يقال جمع روايات الحديث ،وجمع الطرق:تعبير القدماء ،وإذا قلنا جمع
الروايات ،فهو شامل للمتون واألسانيد.
مفهومه :ويقصد به أن المتفقه في حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال يحق له ذلك
حتى يبذل أقصى جهده في جمع طرق الحديث المتعددة وألفاظه المختلفة ،وإال فانه ليس
بمأمن عن الزلل ويكون عرضة لسوء الفهم وسوء الفقه عن الرسول صلى هللا عليه وسلم.
-فإن تعمد عدم جمع الروايات فهو ضال مضل ومبتدع وقصده اإلساءة إلى الدين ،وان كان
من باب الخطأ فهو مخطئ.
كيفية جمع طرق الحديث:
عند التحدث عن جمع طرق الحديث فإننا نتكلم عن مستويين:
-)1أن تجمع روايات وألفاظ الحديث الواحد المختلفة ،حتى ترجح بينها فإن اتفقت فالحمد
هلل،وان اختلفت تأخذ باألصح واألسلم والترجيح بينهما،كحديث البسملة في الوضوء ،وهذه
الدرجة ضيقة .
مثال :نعمد لحديث جبريل في اإلسالم ومراتبه عن عمر بن الخطاب،ثم نجمع كل ألفاظ
وطرق الحديث وزيادات الرواة فيه (وأن تلد األمة ربتها،)...ثم نضيف حديث أبي هريرة
والنعمان وغيرهما.
-)2أن تجمع روايات وأل فاظ الحديث الواحد في باب معين عن مجموعة من الصحابة وهذه
دائرة أوسع من جهة :أنها (الرواية)قد تكون عن صحابة آخرين وقد تكون موافقة أو
معارضة ،كحديث النهي عن الشرب قائما وما يعارضه،وحديث البول قائما ،وغيرهما من
األحاديث.
وكثير من العلماء شرحوا حديث واحد وجمعوا طرقه:
(إيضاح السبيل من حديث جبريل) لإلمام ابن الزبير الغرناطي ،مخطوط.
كذلك اإلمام السيوطي (حديث إنما األعمال بالنيات).
لماذا جمع طرق الحديث؟ :ألن الواحد من أهل الحديث كان يدون ما وصل إليه من شيوخه
من األلفاظ التي سمعها فيتحملها كما هي أو بلفظ آخر ،وتختلف طرق التحمل :أحيانا بعض
الشيوخ والرواة يأخذ ويسمع في مجالس المذاكرة والبعض يسمع في مجالس الفتوى
والبعض يسمع في مجالس التحديث،وال شك أن العالم يروي الحديث على طرق مختلفة
أيضا،فأحيانا يختصره وأحيانا يجوده،حسب المناسبة والمتلقي.
أسباب ودواعي االختالف وتعدد الطرق واأللفاظ:
-)1االختصار :ال شك أن طرق رواية حديث تختلف حسب اختالف المكان والزمان ،فقد
كان المحدث يحدث بالحديث حسب كل مجلس:
-فان كان في مجلس فتوى:ربما اكتفى برواية موطن الشاهد فقط.
-وان كان في مجلس مذاكرة:ربما اختصره من اجل الوقت والمذاكرة.
-وان كان في مجال التحديث:ذكر الحديث كامال،وقد يزيد الفوائد وما يتعلق بالحديث.
مثال:حديث أبي هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (:إن العبد لترفع درجته في
الجنة) ،أورده ابن ماجة في السنن :عن أبي هريرة،عن النبي قال( :القنطار اثنا عشر ألف
أوقية،كل أوقية خير مما بين السماء واألرض)،وقال صلى هللا عليه وسلم ( :إن الرجل
لترفع لترفع درجته في الجنة فيقول:أنى هذا؟فيقال:باستغفار ولدك لك).
وكان كذلك العلماء المصنفون أصح اب الكتب الستة وغيرهم يختصرون الحديث ويقتصر
على ما يناسب الباب.
)2الرواية بالمعنى :كان بعض المحدثين إما ال يحفظون حفظا مطابقا وإما غير عرب،
وإما كان الحديث طويال فكانوا يروون الحديث بمعناه ،وقد يكون الراوي مع حفظه ال يرى
ضرورة االلتزام باللفظ عند مجلس معي ن ...والكالم في الرواية بالمعنى فيها عشرة أقوال
أشهرها أن تتوفر الشروط التالية :ال تكون إال للعالم ،الفقيه ،العالم باللغة العربية،وان يكون
الحديث في باب ألفاظه غير مقصودة لذاتها مثل أحاديث األذكار واألدعية ال يجوز روايتها
بالمعنى .
-)3التبويب( :تبويب األحاديث في أبواب حسب موضوعها)،أي :من األئمة الحفاظ الذين
جمعوا السنة ودونوها من كان يرتب األحاديث على أبواب فقهية،فكانوا يراعون في الباب
شطرا من الحديث فيوزعون الحديث الواحد على عدة أبواب وهذا يجر إلى التكرار،وهذا
األخير مدعاة لإلطالة والملل،ما جعلهم يختصرون الحديث أو يكتفون برواية ما يستشهد به
في الباب.
وهذا صار عليه جميع كبار أهل العلم ،فقد كان اإلمام مالك في الموطأ يفرق الحديث على
عدة أبواب كما نص على ذلك ابن عبد البر(ت463:هـ ).في التقصي انه كان يفرق بعض
الروايات على صغر الحديث،مثال ذلك :
(الرمل في
-حديث جابر في الحج فقد قسم مالك الحديث في أربعة أبواب :فذكره في باب َّ
الطواف) وفي باب (البدء بالصفا في السعي) وفي باب (جامع السعي) وفي باب (االستالم
في الطواف).
واإلمام الجهبذ والطالب النبيه إذا تأمل هذه األشرطة يدرك بال ادني شك أو شبهة أنها جزء
من حديث جابر الطو يل،وقس ذلك على عدد من األحاديث الطويلة التي تتضمن عديد من
األحكام والمواضيع،وقد يكون الحديث بمعنى واحد ولكم يصلح لعدة أبواب.
لكن اإلمام مسلم خالف هذه القاعدة ،وال يقسم الحديث.
-)4سوء الحفظ :كان بعض الرواة أحيانا يخطئ وأحيانا يشذ وينفرد أو يقلب المعنى ،فينتج
عن ذلك زيادة واختالف في األلفاظ ،ولذلك نضطر لجمع الروايات للوقف عن خطا
المخطئ وصواب المصيب.
أهــــــمــية جــمع الــطــرق:
في الحقيقة أن المتفقه في الحديث هو أشبه ما يكون بالقاضي في تتبع القرائن والحجج
والشواهد ،فالنصوص تبنى عليها أحكام شرعية لذلك ال بد من التقصي واالستقصاء.
والشواهد والقرائن هي الروايات المخالفة ،فال يصل القاضي للحقيق إال بعد جمع األدلة
كلها،كذلك المتفقه في الحديث لن يصل إلى الحكم الصواب إال بعد جمع كل الطرق
والروايات واأللفاظ كلها.
والمتفقه كالمفسر ال يمكن أن يفسر آية وهو ال يعلم بالقرءان وغير ضابط له الن بعضه
لفسر بعضا.
مثال :قال بعض العلماء أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يرد السالم على الرجل الذي أساء
صالته دليال على هجر المسيء ،لكن ابن حجر رد على هذا وقال انه وقف على رواية
أخرى تبين أن النبي رد عليه السالم،فلو أن هذا العالم تأنى وجمع طرق الحديث ما وقع في
هذه الزلة.
إذن فالمحدثون و الشراح المتفقهون في حديث رسول هللا حرصوا أوال على جمع الطرق،
للحكم على صحة الحديث،فضال على التفقه فيه.
قال ابن المديني(ت 234:هـ ":).إن الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه" .أي جمع
اإلسناد مع المتن.
وكان بعض الحفاظ يقول (كل حديث ليس عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم).
وقال ابن َمعين( 243هـ().لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه).
وقال اإلمام احمد( :الحديث إذا لم تجتمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضا).
تفهمه :تفقهه
يقول ابن حزم( تأليف(أي جمع)كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وضم بعضه إلى بعض
واألخذ بجميعه فرض ال يحل سواه).
يقول القاضي عياض في "إكمال المعلم" (الحديث يحكم بعضه على بعض ويبين ُمفَ َ
س َرهُ
ُمشكلَه).
وتكلم على هذه المسالة اإلمام أبو شامة المقدسي في كتابه (المؤمل في الرد إلى األمر
األول).
نخلص،إلى أن ما جاء في رواية قد يكون مبسوطا في غيرها،وما جاء مختصرا في رواية
قد يكون مطوال في غيرها،وما جاء مهمال في رواية قد يكون موضحا في غيرها،وما جاء
مجمال في رواية قد يكون مبينا في غيرها.
وقضية جمع الروايات مسلمة فيها ومبدئية عند جميع العلماء.
فوائد جمع طرق الحديث (بالنسبة للمتفقه):
-)1تفسير غريب األلفاظ (األلفاظ الغريبة):قد يرد في بعض األحاديث لفظ غريب يصعب
على المتفقه معرفة معناه،لذلك يجمع الطرق ،فقد تجد في رواية ذلك اللفظ الغريب واضح
ومفهوم،أوقد يأتي في رواية أخرى التفسير مثال :حديث (ابن الصياد،هل هو الدجال أم
ال)،وجاء في راية (خبأت لكم خبئا ،قيل ما هو قال :الدخ) ،فسرها الحاكم بالجماع ،لكن في
رواية أخرى استبان أمرها (الدخان) ،قال هللا تعالى ( يوم تأتي السماء بدخان مبين).
قال العراقي في األلفية:
كالدُّخٍ بالدُّ َخان البن صائد وخير ما فســـــــرته بوارد
فَسَّرهُ الج َما َ
ع وهو َواهــ ُم كذلك عند الترمذي،والحاك ُم
-)2معرفة سبب ورود الحديث وقصته:
مثال :حديث ا مسلمة في الموطأ والصحيحين أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (إنما أنا
بشر ،وإنكم تختصمون إلي ،فلعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو
مما اسمع منه ،فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فال يأخذ منه شيئا فإنما اقطع له قطعة
من النار) ،فهذا الحديث بعد جمع الطرق تكشف عن قصته فسببه هو :أن رجلين اختلفا في
ميراث لها ،وهذه القصة ذكرت في غير الصحيحين والموطأ.
-)3الكشف عن المبهمات في المتن :المبهمات هي أن يحكي عن رجل أو امرأة بصيغة
اإلبهام في المتن .مثال ( أن رجال/...أن امرأة/....أن فالنا )...فهذه ألفاظ غير معلومة،
وجمع الطرق يكشف األسماء المبهمة وذلك لمعرفة تاريخ ومكان وقوع القصة،وهذا يفيد
في معرفة الناسخ والمنسوخ،واألحكام...
أمثلة:
المثال :1حديث رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أن السعدين باعا آنية من الذهب،فباعا كل
ثالثة بأربعة أو كل أربعة بثالثة عينا،فقال لهما رسول هللا (أريتما فردَّا) ،فالسعدين لفظ مبهم
وغير معروف منهما ،لكن بعد جمع الطرق تبين أنهما سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة،
و قد قيل انه سعد بن معاذ ،لكن ال يمكن فقد مات قبل ذلك وهناك من قال أبو سعيد الخدري.
المثال :2حديث «ما أظن فالنا وفالنا يعرفان من ديننا شيئا» ،فلفظ فالن وفالن مبهم ،غير
معلومين لكن قدر عرفا بعد جمع الطرق ،وهما نوفل بن مخرمة وعيينة بن حصن ،والرواة
قاص
سن إسالمهما ،قال علي بن أبي طالب لرجل ٍ سكتوا عن تسميتها قصدا ألنهما أسلما و َح ُ
كان يتحلق عليه الناس يسألونه «أتعرف الناسخ من المنسوخ » قال :ال ،قال«:هلكت
وأهلكت» وهذا إلدراك أهمية الناسخ والمنسوخ.
-4تفسير المجمل :جمع الطرق يفيد في تفسير ما أجمل في رواية ما؛ فقد تجد رواية
أخرى تبين وتفسر ما هو مجمل في غيرها.
-5الترجيح بين المعاني في الروايات المحتملة :إذا جاءت ألفاظ شبه متعارضة ،فإنك عند
جمع الطرق تستطيع أن ترجح األقرب واألقوى ،مثل حديث :المرأة التي وهبت نفسها
للنبي فقام رجل فقال:زوجنيها ،من حديث سهيل بن سعد الساعدي.
-6الوقوف على الجزم في الرواية على الشك (:الوقوف على حقيقة الشك عند الرواية)،
مثال :يقال كذا أو كذا ،فالجمع بين الطرق يبين لمن وقع في هذا الشك ،أهو وقع للنبي
صلى هللا عليه وسلم أم لصحابي أم لمن هو دونه.
۞ هل من العلماء من قام بجمع الطرق من أجل التفقه في الحديث وشرحه؟
من الشراح من قام بهذا لكن اختلف كل حسب جهده ،و ما انتهى إليه عمله ،لذلك لم يأل -لم
يتهاونوا ولم يفرطوا -العلماء جهدا في تتبع الطرق واأللفاظ والروايات لألحاديث التي
يشرحونها ،مثال:
-اإلمام الخطابي في "معالم السنن ".
-القاضي عياض في "إكمال المعلم في فوائد مسلم" .
-النووي"شرح صحيح مسلم".
-ابن دقيق العيد "شرح عمدة األحكام".
-أما ابن حجر العسقالني فهو إمام في هذا الباب وقد بلغ الذروة ،وهي إحدى المميزات
التي تميزه في شرحه ،وهذه الميزة هي أنه وقف على كل حديث ودرسه بتمهل وتأن ،ويتبع
طرقه باستقصاء بما ال يستطيع غيره أن يصل إليه فتبوأ بذلك مكانة دون غيره ،وكشف عن
كثير من األخطاء و األوهام التي وقعت للشراح السابقين له كابن الملقن(ت804.هـــ ).في
كتابه "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" والكرماني(ت786.هــ ).في كتابه "الكواكب
الدراري في شرح صحيح البخاري" وغيرهم.
فكان يتتبع الطرق ويوظفها ويستخدمها وقد ركز على المستخرجات مما فيها من ألفاظ
وزيادات وفوائد كثيرة.
من الكتب التي اعتنت بجمع الطرق غير كتب الشروح مثل :زاد المعاد البن القيم،ـ فإنه
يتوقف عند الحديث ويدرسه ويتكلم عنه بنفس ال يكاد يبلغه غيره ،ومن الغريب أنه أملى
كتابه هذا في سفره ومن حفظه.
-جالء األفهام :تتبع الروايات في فضل الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم.
يقول ابن دقيق العيد عند حديث المسيئ صالته في كتاب"إحكام اإلحكام شرح عمدة
األحكام":
« ...إال أن على طالب التحقيق في هذا ثالث وظائف أحدها :أن يجمع طرق هذا الحديث،
ويحصي األمور المذكورة فيه ويأخذ بالزائد فالزائد .فإن األخذ بالزائد واجب.»...
۞ الكتب المساعدة (على جمع طرق) :
-1الجوامع والسنن :مثل الجامع الصحيح للبخاري والسنن األربعة وغيرهما ،أحيانا
يذكر المؤلف حديثا ثم يتبعه بحديث آخر بعده ثم بعده في نفس الباب مثال :باب ما ورد في
كذا ،فيذكر كل األحاديث في الباب ،وهذا من أجل شرحها وتقويتها لبعضها البعض ،وعلى
رأسهم البخاري ومسلم فيجمع الحديث وما يشهد له في الباب الواحد وكذلك تبعهم في ذلك
الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود ،وكذلك عند اإلمام ابن آبي شيبة في المصنف ،فهو
يعتني بأقوال الصحابة ،فيذكر الباب األول ويذكر فيه الحديث.
-2الكتب الجامعة بين الكتب(الستة) :منذ القرن الخامس والسادس بدأ العلماء إلى التأليف
بين هذه الكتب وهي على أقسام :
الجامعة بين الصحيحين –مثل:-
-كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي(ت488.هــ ،).محمد بن الفتوح،أبوعبد هللا-تلميذ
ابن حزم.-
-كتاب الجمع بين الصحيحين لعبد الحق اإلشبيلي(ت581.هـــ ).مطبوع في في 4
مجلدات.
والفرق بينهما :أن كتاب الحميدي مرتب على المسانيد وكتاب عبد الحق مرتب على
األبواب الفقهية.
وغيرهم كثير جمعت بين الصحيحين :البغوي ،والوراني . ...
* الجامعة بين الصحاح والسنن :
-تجريد الصحاح :جمع فيه الكت ب الخمسة زائد الموطأ ،لرزين بن معاوية
األندلسي(ت525:هـ).
-جامع األصول ألحاديث الرسول ،البن األثير(ت606.هـــ ).وأصله كتاب تجريد الصحاح
لإلمام رزين األندلسي(ت525.هـــ،).اضاف اليه بعض القضايا المهمة والفهارس
والترتيب.
-أنوار الصباح في الجمع بين الكتب الصحاح ،لمحمد بن عتيق األندلسي(ت636:هـ).
-3األجزاء الموضوعية والكتب المفردة في موضوع معين :وهي مهمة اليستغني عنها
طالب العلم ،ألنها تجمع جميع األحاديث في الباب ؛مثل:
-كتاب"الطهور" للقاسم بن سالم(ت224.هـــ ،).وهو كتاب جمع األحاديث في باب
الطهارة،في مجلد.
" -الوجوه المحصورة في حديث بريرة" البن يربوع اإلشبيلي.
-كتاب "صالة التسبيح" لإلمام الخطيب البغدادي(ت463.هـــــ.).
" -حديث ابن عمر في ترائي الهالل" للخطيب.
" -القراءة خلفاالمام" لإلمام للبخاري ،وكذلك اإلمام البيهقي له كتاب في نفس الموضوع.
" -المناسك" البن أبي عروبة(ت156.هـــ.).
"-ما روي في الحوض والكوثر" لإلمام بقي بن مخلد.
" -الوتــــــر وقيام الليل" و" تعظيم قدر الصالة" محمد بن نصر المروزي.
"-صفة صالة النبي" للشيخ األلباني
وقد توسع المعاصرون في هذا الباب ،وأُنجزت أطروحات ورسائل في تصنيف األحاديث
في باب واحد تحت موضوع واحد ،كاألحاديث الواردة في فضل المدينة أو في السيئة ،أو
السنة والبدعة ،وفي البيئة والحفاظ عليها،وهناك من جمع األحاديث المتعلقة بالشباب،
توجيها وأحكاما.
معرفة سبب الورود وأثره في فقه الحديث
-سبب التحديث :الدوافع المناسبة والباعثة لتحديث الصحابي بالحديث ،فسبب التحديث
متعلق بالصحابي فهو مفيد في كيفية االستدالل وفقه الراوي بذلك الحديث وتنزيله(.وهناك
من العلماء من ال يفرق بين سبب الورود وسبب التحديث).
مثاله حديث :اإليمان واإلسالم واإلحسان:
ففي هذا المثال يتبين أن الصحابي الذي ذكر الحديث وهو ابن عمر له سبب في ذلك ،فقد
أخرجه مسلم من :كهمس ،عن ابن بريدة ،عن يحيى بن يعمر ،قال :كان أول من قال في
القدر بالبصرة معبد الجهني ،فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين -أو
معتمرين -فقلنا :لو لقينا أحدا من أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فسألناه عما
يقول هؤالء في القدر ،فوفق لنا عبد هللا بن عمر بن الخطاب داخال المسجد ،فاكتنفته أنا
وصاحبي أحدنا عن يمينه ،واآلخر عن شماله ،فظننت أن صاحبي سيكل الكالم إلي ،فقلت
:أبا عب د الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ،ويتقفرون العلم ،وذكر من شأنهم،
وأنهم يزعمون أن ال قدر ،وأن األمر أنف ،قال« :فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء
منهم ،وأنهم برآء مني» ،والذي يحلف به عبد هللا بن عمر «لو أن ألحدهم مثل أحد ذهبا،
فأنفقه ما قبل هللا منه حتى يؤمن بالقدر» ثم قال :حدثني أبي عمر بن الخطاب قال :بينما
نحن عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فذكر الحديث بطوله».
أهميته :هذا العلم في غاية األهمية لكل طالب فقه ،وال يمكنه الولوج لفقه الحديث ما لم
يحط علما بأسباب ورود الحديث ألنه يعطي ويضيف الزوائد والفوائد ويفتح لك الباب
لمالبسة الحديث ،وفهمه على حقيقته .
يقول ابن حجر في النزهة شرح النخبة «:ومن المهم معرفة سبب الحديث ،وقد صنف
بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفَ َّراء الحنبلي وهو أبو حفص العكبري».
وذكره الشيخ طاهر الجزائري في كتابه "توجيه النظر إلى أصول علم األثر"«:ومن فروع
علم الحديث ،معرفة أسباب ورود الحديث ،وقد صنف فيه بعض العلماء ،وقد جرت عادة
أكثر شراح الحديث ،التعرض لذلك إذا كان للحديث سبب ووقفوا عليه».
والعلماء عندما يتكلمون عن هذا العلم جعلوه نظيرا ألسباب نزول اآليات-عندنا الحديث
وأسباب وروده ويقابله القرآن وأسباب نزوله ،-ولم يكن المفسرون يتهاونون في معرفة
أسباب النزول ،بل إنهم جعلوه شرطا في المفسر للقرآن ،كما ذكره الزركشي والسيوطي
وغيرهما .وأول من ألف في أسباب نزول القرآن هم أهل الحديث ،وأولهم اإلمام علي بن
المديني ،بعده تبعه كثير من العلماء كالواحدي ،وابن حجر في كتابه (العجاب في بيان
األسباب).
فأسباب ورود الحديث يوازي أسباب نزول اآليات بحيث إن لم ت َعرف سبب نزول اآليات،
وال متى نزلت ،وال فيمن نزلت ،وال أين نزلت ،ال تستطيع أن تفسرها وال أن تفهمها على
حقيقتها.
مثال :معرفة ابن الخطاب رضي هللا عنه ألسباب نزول آية [ :اليوم اكملت لكم دينكم]
{المائدة.}3:
النبي صلى هللا عليه وسلم كان يعالج واقعا معينا ونواز َل معينة ،فإن عرفت السبب بإمكانك
أن تفهم المراد من قوله أو فعله صلى هللا عليه وسلم ،فال بد أن يُستحضر ذلك الواقع الذي
عالجه رسول هللا وتلك األحوال التي حكى فيها والدوافع والبواعث وراء حديثه ال يُجزئ
الحديث ويأخذ بجملة أو جملتين أو ال يلقي باالً لسبب الورود ،فهو بذلك يجنى على حديث
النبي صلى هللا عليه وسلم .
من ذكره من العلماء في علوم الحديث ( :واالهتمام بهذا العلم) حقيقة؛ ال ابن الصالح وال
الحاكم وال النووي ذكر وه في علم الحديث ،في حين ذكره غيرهم ،وأول من أدرجه ضمن
علوم الحديث هو :اإلمام البلقيني في كتابه "محاسن االصطالح وتضمين كتاب ابن الصالح"
وجعله في النوع التاسع والستون ومثل بحديث «:إنما األعمال بالنيات» ،وكتابه استدراك
على مقدمة ابن الصالح .وتبعه السيوطي في "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي"
وجعله في النوع التاسع والثمانون ،وكذلك ابن حجر في"النزهة شرح النخبة" ونور الدين
عتر ،وذكره أيضا محمد أبو شهبة(ت1403.هــــ ).في كتابه "الوسيط في علوم مصطلح
الحديث" ،وأطال النفس في ذلك.
وقد أهمله من أهمله ،ولم يدرجه ضمن علوم الحديث بسبب قربه من فقه الحديث.
المؤلفات في أسباب ورود الحديث :جرت عادة العلماء أن يذكروا أن أول من ألف فيه هو
سبق في هذا بكثير. السيوطي ،لكن فالحقيقة والبحث يظهران أن اإلمام السيوطي ُ
-1ذكر الحافظ ابن حجر أن أول من ألف فيه هو اإلمام أبو حفص العكبري ،وهو :عمر
بن أحمد بن عثمان البزاز( =البزاز يبع الثوب وهي األكثر في الرواة ،والبزار يبيع البزر وهو نوع من
الحبوب ) ،شيخ القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الفقيه الحنبلي ،وتوفي أبو
حفص سنة(417هـ ،).وليس (317هـ ).كما حققها أستاذنا -حفظه هللا ،-يقول ابن حجر
-كما ذكرنا من قبل -في النزهة شرح النخبة «:وقد صنف بعض شيوخ القاضي أبي يعلى
بن الفراء الحنبلي وهو أبو حفص العكبري».
وقال أيضا في فتح الباري«:وقد أفرده أبو حفص العكبري من شيوخ أبي يعلى بن الفراء
بالتصنيف» ،فبما أنه من شيوخ أبي يعلي فال يمكن أن يتوفى في(317هـ.).
-2أبو حامد بن كُوتاه الجوباري واسمه محمد ابن الحافظ أبي عبد الجليل (ت582.هـــ،).
وكوتاه بالعربية :القصير ،وجوبار :محلة بأصبهان .وذكر الذهبي في تاريخ اإلسالم –في
ترجمته البن كوتاه-؛ قال«:وجمع كتابا في أسباب الحديث » .
-وهذان الكتابن مفقودان ال يوجدان إلى حد اآلن.
وقد توقف التأليف فيه إلى حدود القرن التاسع ،فألف في الباب السيوطي:
-3اإلمام السيوطي ،واسم كتابه "اللمع في أسباب ورود الحديث" وهو مطبوع ومتداول،
يقال أنه جمع فيه نحو 323:رواية ،وذكر أحد تالميذه أنه مات ولم يتم هذا الكتاب.
-4برهان الدين بن حمزة الحسيني الدمشقي ،واسمه إبراهيم بن محمد(ت1120.هـ،).
وسمى كتابه "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" ،وهو من أجمع الكتب
يورد الحديث ثم يذكر السبب الذي من أجله ورد ذلك الحديث ،وهو مطبوع متداول،وهو
على طريقة المتأخرين وأشهر كتاب في هذا الباب.
-ويمكن الرجوع أيضا إلى كتب المسانيد والشروحات.
فائدة معرفة المؤلفات:
سبق في التأليف. -1ليعلم المؤلف أنه قد ُ
-2أن يرجع إليها ويستفيد منها.
األمثلة :
-1حديث "جبريل" وهو الحديث الطويل ،وقد سبق ذكره.
وف رجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا» -2حديثَ « :ألن يمتلئ َج ُ
أخرجه مسلم من طريق قتيبة ،عن الليث ،عن ابن الهاد ،عن يحيى ، ،عن أبي سعيد
الخدري ،قال :بينا نحن نسير مع رسول هللا-صلى هللا عليه وسلم -بالعَرج إذ عرض شاعر
ينشد ،فقال رسول هللا « :خذوا الشيطان ،أو أمسكوا الشيطان ألن يمتلئ جوف رجل قيحا
خير له من أن يمتلئ شعرا».
فلو أخذنا الحديث على ظاهره لضاق األمر وعسر ،لكن إن رجعت لنص الحديث كما ساقه
تفهم أن السبب من هذا الكالم هو الشاعر بعينه ألن الشاعر أنشد شعرا في الهجاء ونحوه
من الشعر الذي يدعو للمجون وال يدعو إلى فضيلة وال يحذر من رذيلة.
-3حديث «:إنما األعمال بالنيات»
نقل الحافظ السيوطي عن الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن بن عن محمد بن طلحة
عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال :لما قدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المدينة
ُوعكَ فيها أصحابه وقدم رجل فتزوج امرأة مهاجرة ،فجلس رسول هللا –صلى هللا عليه
وسلم -على المنبر فقال " :يا أيها الناس إنما األعمال بالنية.ثالثا .فمن كانت هجرته
"...الحديث ،ثم رفع يديه فقال " :اللهم انقل عنا الوباء " ثالثا .فلما أصبح قال :أوتيت هذه
الليلة بالحمى ف إذا بعجوز سوداء مطيبة في يدي الذي جاء بها فقال هذه الحمى فما ترى؟
فقلت اجعلوها تحم.
الشاهد :أن هذا الحديث ورد لسبب خاص.
ور قَا َل أَخبَ َرنَا أَبُوص ٍ سعيدُ بنُ َمن ُ صةُ ُم َهاجر أُم قَي ٍس َر َواهَا َ قال ابن حجر في الفتحَ «:وق َّ
اَّلل ه َُو بن َمسعُو ٍد قَا َل َمن هَا َج َر يَبت َغي شَيئًا فَإنَّ َما لَهُ ق عَن عَبد َّ عن شَقي ٍ عن األَع َمش َ ُمعَاويَةَ َ
ي ذَلكَ هَا َج َر َر ُج ٌل ليَت َزَ َّو َج ام َرأَة ً يُقَا ُل لَ َها أ ُ ُّم قَي ٍس فَ َكانَ يُقَا ُل لَهُ ُم َهاج ُر أُم قَي ٍس َو َر َواهُ َّ
الطبَ َران ُّ
ب ام َرأَة ً ُيقَا ُل لَ َها أ ُ ُّم قَي ٍس فَأ َ َبت أَن عن األَع َمش بلَفظ َكانَ فينَا َر ُج ٌل َخ َ
ط َ ق أُخ َرى َ طري ٍ من َ
علَى صحي ٌح َ سميه ُم َهاج َر أُم قَي ٍس َو َهذَا إسنَادٌ َ تَت َزَ َّو َجهُ َحتَّى يُ َهاج َر فَ َها َج َر فَت َزَ َّو َج َها فَ ُكنَّا نُ َ
شيخَين». شَرط ال َّ
-4حديث أم سلمة في الموطأ والصحيحين أن النبي-صلى هللا عليه وسلم -قال «إنما أنا بشر
،وإنكم تختصمون إلي ،فلعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما
أسمع منه ،فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فال يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من
النار » فهذا الحديث بعد جمع الطرق تكشف عن قصته ،فسببه هو :جاء رجالن من
األنصار يختصمان إلى رسول هللا في ميراث لهما وليس بينهما بينة ،وهذه القصة ذكرت
في غير الصحيحين وموطأ.
تفـــسيــر الصـحابي للحديث
۞ هل للمتفقه في حديث رسول هللا-صلى هللا عليه وسلم -أن يتجاهل ويتجاوز تفسير
الصحابة؟
كما اختار هللا األنبياء واصطفاهم ،اختار معهم ولهم أصحابا ،فجرت عادة هللا تعالى في
األمم والملل كلما أرسل رسوال أو نبيا اختاره ،اختار له أصحابا وحواريين(= الحواري هو
الخالص) يعينونهم ويدعمونهم على نشر الدين وتبليغه ومكافحة الشرك ،لذلك فالنظر
للصحابة من هذا االتجاه ،هو أن هللا اختارهم لصحبة النبي-صلى هللا عليه وسلم -ونزل
القرآن الكريم والسنة في خطابهم أوال ،فمخاطبتنا بالشريعة كانت من خاللهم وهم الذين
خوطبوا بالتنزيل أول مرة ،ومناقبهم وفضائلهم كثيرة جدا ،والصحابة امتحنوا بأن كانوا
يعيشون مع النبي-صلى هللا عليه وسلم -والوحي ينزل فيهم.
فما كان ينبغي ألي مؤمن مسلم إال أن يتبع وينظر في كالمهم وتفسيرهم وإفهامهم ،ال أن
يزاحمهم ويدعي أنهم رجال ونحن رجال.
اَّلل-صلى هللا عليه وسلمَ -كانُوا ب َح ً
ارا سول َّ اب َر ُقال القرافي في الفروق(«:)170/4أص َح ُ
سات َوال ُعلُوم سابيَّات َوالسيَا َ شرعيَّات َوال َعقليَّات َوالح َ علَى اخت َالف أَن َواع َها من ال َّ في ال ُعلُوم َ
َّاس يَت َ َكلَّ ُم في البَاء من بسم َّ
اَّلل من عب ٍ س عند َ ابن َ عليًّا َجلَ َ الظاه َرة َحتَّى يُر َوى أ َ َّن َالبَاطنَة َو َّ
غوا من الج َهاد سوا َو َرقَةًَ ،و َال قَ َر ُءوا كت َابًاَ ،و َال تَفَ َّر ُطلَ َع الفَج ُر َم َع أَنَّ ُهم لَم يَد ُر ُ
العشَاء إلَى أَن َ
علَى هَذه ال َحالَة ب َب َر َكته صلى هللا عليه وسلم َحتَّى قَا َل َوقَتل األَعدَاء َو َم َع ذَلكَ فَإنَّ ُهم َكانُوا َ
اَّلل ُمعجزَ ة ٌ َّإال أَص َحابُهُ لَ َكفَوهُ في إثبَات نُب َُّوته». سول َّ صوليينَ لَو لَم يَ ُكن ل َر ُ ض األ ُ ُ
بَع ُ
۞ مفهومه :ماذا يقصد بتفسير الصحابي؟ :ما جاء من تفسير وشرح لكلمة أو جملة أو
تبيان بعض مقصود النبي-صلى هللا عليه وسلم -من هذا الحديث أو نحو ذلك كقول أحد
الصحابة:أراد النبي -صلى هللا عليه وسلم -بهذا الحديث كذا أو يقصد النبي -صلى هللا عليه
وسلم -بهذا الحديث كذا ،ويحترز بهذا عن أمرين:
أ -عن قول ورأي الصحابي ومذهبه ،فمذهب ورأي الصحابي ليس هو تفسيره للحديث وال
يعد كذلك أبدا ،فالرأي اجتهاد قد ال يكون تفسيرا للحديث أصال أو مخالفا له .
ب -ما له حكم الرفع من قول الصحابي وفعله ،وذكر له ابن حجر ثالثة شروط:
-1أن ال يكون للرأي فيه مجال.
-2أن ال يعرف الصحابي باألخذ عن اإلسرائيليات.
-3أن ال يكون تفسيرا لعبارة أو جملة.
-أمثلة لفتاوى بعض الصحابة:
مثال« :1إذا ولغ الكلب»
عن أبي هريرة قال:أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -قال«:إذا شرب الكلب في إناء
أحدكم فليغسله سبعا» ولمسلم«والثامنة بالتراب».
فهذا الحديث رواه أبو هريرة ومع ذلك كان يقول هو أن يغسل فقط ثالث مرات ،فهذا ليس
تفسيرا منه للحديث ،إنما هو رأي واختيار منه في هذه المسألة ،لكن يُستفاد منه فقه الحديث.
مثال«:2إطالة الغرة»
عن أبي هريرة-رضي هللا عنه -قال:قال رسول هللا-صلى هللا عليه وسلم« -إنكم تأتون يوم
القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء» ،فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل-هذا
الكالم" :فمن استطاع "...؛ مدرج من كالم أبي هريرة ، -فأبو هريرة مع روايته للحديث
إال أنه كان يطيل الغرة.
مثال :3اختيار عائشة-رضي هللا عنها -لعدد الرضعات ،مع أنها روت عدة أحاديث في
الرضعات وعددها ،فهذا مذهبها وليس تفسيرا للحديث.
۞ تنويه العلماء بتفسير الصحابة :
توافق الشراح على اإلشادة والعناية بأقوال الصحابة حينما يفسرون حديثا معينا أو رواية،
فقد ركز العلماء ودعوا طالب العلم إلى أن يلتفتوا وأن يتوقفوا عند تفسيرات الصحابة ،ألن
تفسيرهم وشر حهم مقدم على جميع التفاسير ،إال إن عارضه تفسير صحابي آخر ،وإال
فيبقى تفسير الصحابة مقدم على غيره ،لما له من الخصائص والمميزات ؛منها:
-العيان للحوادث والوقائع ،المعاينة لها من اإلدراك ما ليس للسمع ،ليس من رأى كمن
سمع،فمن شاهد القصة ليس كمن لم يشاهد ،وحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(ليس
الخبر كالمعاينة) .
-العلم باللسان :فهم يدركون مغزى الخطاب ابتداء ،ال يحتاجون إلى الرجوع إلى المعاجم
والقواميس ،فهو مجرد ما يسمع الكلمة؛ يعلم هل هي كناية؟أو مجاز؟ أو استعارة؟ فكل هذه
األمور يدركونها سليقة دون الحاجة ألي جهد.
-احتمال أنه من تفسير النبي-صلى هللا عليه وسلم :-ولذلك منهم من جعل تفسير الصحابة
وأقوالهم من السنة ،فجعلها من السنن؛ قال صالح بن كيسان«:اجتمعت أنا والزهري ونحن
نطلب العلم؛ فقلنا :نكتب السنن ،فكتبتُ ما جاء عن النبي-صلى هللا عليه وسلم ، -ثم قال -
أي الزهري : -نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة .قلت أنا :ليس بسنة فال نكتبه .قال :
فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعتُ » .
-الصحابة مخاطبون بالوحي ابتداء،وهم الجدع المؤسس،وكثير من الوقائع حدثت لهم.
-تشديد العلماء فيما جاء عن الصحابة وأهميته:
قال األوزاعي«:العلم ما جاء عن أصحاب محمد-صلى هللا عليه وسلم ، -وما لم يجئ عن
أصحاب محمد -صلى هللا عليه وسلم -فليس بعلم».
يقول ابن رجب(ت795.هـــ «: ).وفي زماننا يتعين كتابة كالم أئمة السلف المقتدى بهم إلى
زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد :وليكن اإلنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه
حدث بعدهم حوادث كثيرة» ،وابن رجب قد امتاز من بين الشراح بكونه يهتم بأقوال
الصحابة وشروحاتهم ،وهي أهم مميزاته؛ كما في فتح الباري وجامع العلوم والحكم .
قال الشافعي«:العلم طبقات :
األولى :الكتاب ،والسنة إذا ثبتت السنة .
والثانية :اإلجماع مما ليس في كتاب وال سنة .
والثالثة :أن يقول بعض أصحاب النبي ﷺ وال نعلم له مخالفا فيهم .
والرابعة :اختالف أصحاب الرسول .
والخامسة :القياس على بعض هذه الطبقات .
وال يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان ،وإنما يؤخذ العلم من أعلى ».
يقول أبو المظفر السمعاني(ت489.هـــ ).في قواطع األدلة«:وأما تفسير الراوى ألحد
محتملى الخبر يكون حجة فى تفسير الخبر ،كالذى رواه ابن عمر أن المتبايعين بالخيار ما
لم يتفرقا وفسره بالتفريق باألبدان ال باألقوال فيكون أولى ألنه قد شاهد من خطاب الرسول
-صلى هللا عليه وسلم -ما عرف به مقاصده وكان تفسيره بمنزلة نقله».
يقول أبو العباس القرطبي«:فإن كان من قول رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -فهو
المقصود ،وإن كان من كالم الصحابي فمقبول ،ألنه أعلم بالمقال وأقعد للحال».
ويقول الشاطبي(ت790.هـــ ).في الموافقات «:ولكنهم يترجح االعتماد عليهم في البيان من
وجهين:
أحدهما :معرفتهم باللسان العربي؛ فإنهم عرب فصحاء ،لم تتغير ألسنتهم ولم تنزل عن
رتبتها العليا فصاحتهم؛ فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم ،فإذا جاء عنهم قول
أو عمل واقع موقع البيان؛ صح اعتماده من هذه الجهة.
والثاني :مباشرتهم للوقائع والنوازل ،وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة؛ فهم أقعد في فهم
القرائن الحالية وأعرف بأسباب التنزيل ،ويدركون ما ال يدركه غيرهم بسبب ذلك ،والشاهد
يرى ما ال يرى الغائب».
۞ شروط األخذ بتفسير الصحابي:
-1أن يثبت تفسيره للحديث عنه ،ويصح أنه تفسيره(سندا ومتنا).
-2أن ال يخالفه صحابي آخر :فليس أحدهما أولى من اآلخر إال عند إمكان الترجيح بين
األقوى.وان اختلف الصحابة على قولين ال يجوز إحداث قول ثالث.
والعلماء الذين ألفوا المصنفات والموطآت والجوامع ،اعتمدوا على أقوال الصحابة ،ألنها
مفسرة تكشف عن حقائق أحاديث النبي-صلى هللا عليه وسلم -لذلك نرى مجموعة منهم
يحشدون أقوال الصحابة في كتبهم:كالدارمي وأبي بكر بن أبي شيبة وعبد الرزاق الصنعاني
واإلمام مالك ،وهذه اآلثار قد يكون منها ما هو تفسير ومنها ما هو أقوال ومذاهب لهم.
أمــثـــلة:
مثال :1حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنه «:بيع حبل الحبلة».
روى مالك في موطئه عن ابن عمر رضي هللا عنه أن رسول-صلى هللا عليه وسلم«-نهى
عن بيع َحبل ال َح َبلَة ،وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية ،كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج
الناقة ،ثم ت ُنت َج التي في بطنها» .
شرح الحديث :الحبل أي الحمل ،فيقولون الحبل في اآلدمية والحمل في غير اآلدمية ،فمن
فسر الحديث على ظاهره قال:بأنه بيع ما تحمله البهيمة قبل أن تلد ،وقيل :بيع حمل الحمل
،يعني أن الجنين عندما يكبر يلد جنينا آخر وهو مقصود حمل الحمل وهو قول أبي عبيد
القاسم بن سالم وأحمد بن حنبل.
أما ابن عمر ففسره ببيع األجل غير المحدد وذلك في قوله «:إلى أن تُنتج الناقة ،ثم تُنتج
التي في بطنها».
مثال«:2البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»
فسره ابن عمر بتفرق األبدان ،فكان إذا تبايع مع رجل مشى خطوات حتى تتم الصفقة وال
يبقى مجال للخيار ،وفسره بعض أهل العلم التفرق باألقوال،وهذا من األحاديث التي لم يقل
بظاهرها مالك رحمه هللا.
مثال:3حديث أبي هريرة «ال شغار في اإلسالم»
ق
الشغار أن يتزوج الرجل امرأة على أن يتزوج أخته ألخ المرأة التي سيتزوجها دون صدا ٍ
بينهما ،وهذا تفسير أبي هريرة .
مثال: 4حديث النعمان بن بشير أن أباه نحله نحال ،قال :فقالت له :أمي عمرة بنت رواحة
ائت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأشهده فأتى النبي فأشهده ،فذكر ذلك له ،فقال له :إني
نحلت ابني النعمان نحال وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك ،قال :فقال« :ألك ولد
سواه؟» قال :قلت :نعم ،قال« :فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟» قال :ال ،قال :فقال:
هذا جور فأشهد على هذا غيري» وفي رواية «أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف
سواء» قال :نعم ،قال« :فأشهد على هذا غيري» وفي رواية«إن لهم عليك من الحق أن
تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك»
إذا حملنا هذا الحديث على ظاهره كما يأخذ بعض به بعض العلماء ،فال يجوز أن يفضل
أحد أبنائه في العطية ،إال أن يعدل بينهم ،لكن لو أخذنا بعمل الخلفاء الراشدين وال سيما أبو
بكر الصديق فهو خصص هذا الحديث وقال أنه ليس على الوجوب ،وإنما هو للندب
واإلرشاد إلى ما هو أفضل ،هذا ليس تفسيرا ولكنه عمل مخصص ،أخرج مالك في الموطأ
من حديث عائشة زوج النبي صلى هللا عليه وسلم ،أنها قالت :إن أبا بكر الصديق كان
نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة ،فلما حضرته الوفاة قال « :وهللا يا بنية ما من
الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ،وال أعز علي فقرا بعدي منك ،وإني كنت نحلتك جاد
عشرين وسقا ،فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك .وإنما هو اليوم مال وارث ،وإنما هما
أخواك ،وأختاك ،فاقتسموه على كتاب هللا ،قالت عائشة ،فقلت :يا أبت ،وهللا لو كان كذا وكذا
لتركته ،إنما هي أسماء ،فمن األخرى؟ فقال أبو بكر :ذو بطن بنت خارجة ،أراها جارية ».
إذن؛ من هذا األثر نفهم أن أبا بكر الصديق فضل عائشة في العطية ،يعني :لو كان تفضيل
األوالد على بعضهم في العطية أمرا منكرا وأمرا عظيمــا ما ساغ ألبي بكر ؓأن يُخالف أمر
رسول هللا ،ولذلك قال بهذا القول جمهور العلماء.
قال الطحاوي «:وقد فضل بعض أصحاب رسول هللا بعض أوالدهم في العطايا».
۞ التصنيف فيه :لم يصنف فيه حقيقة وإنما هو موجود في كتب التفسير كابن جرير
والثعلبي وابن كثير كتب شروح الحديث كفتح الباري وكتب ابن رجب الحنبلي وكتاب
تهذيب السنن البن جرير وكتب التخريج والعلل والمصنفات والجوامع التي تهتم بأقوال
وآثار الصحابة كالدارمي وابن أبي شيبة ومصنف سعيد بن منصور وكتب الفقه كالمحلى
وغيرهم.
۞النفاق والمنافقون في زمن الصحابة،وبيان انه ال اثر لهم في رواية الحديث:
الرويثي(ص:من182الى)184 ع َّواد بن ُح َميد ُّ
كما جاء في كتاب"رواة الحديث" للدكتور َ
( لم يكن في المهاجرين منافق،وال يُعرف فيهم النفاق.وأما األنصار فكان فيهم بعض
المنافقين ولكن لم يبق أحد من األنصار; أوسي,أو خزرجي عند وفاة النبي صلي هللا عليه
وسلم إال ودخل في اإلسالم ظاهرا وباطنا ــ كما تقدم ص ( 158 :الحاشية) ــ .وأما
األعراب فمنهم المؤمنون الصادقون ,ومنهم المنافقون ; كما قسمهم القرآن والسنة صفاتهم،
وبينا أعمالهم ,وأقوالهم ،التي يُفتضحون بها ،وتدل عليهم ; كتخلفهم عن غزوة تبوك,
وبنائهم مسجد الضرار ,وقولهم( :هم الذين يقولون ال تنفقوا على من عند رسول هللا حتى
ينفضوا ] (المنافقون[ , :7وقولهم ( :إنما كنا نخوض ونلعب) ]التوبة [ 65 :وحادثة اإلفك
إلى غير ذلك في آيات كثيرة .ثم إن ال منافقين لم يتعاطوا رواية الحديث ,وال يعرف عن
أحد منهم حديث واحد يرويه عن النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يحدث عن رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم إال من عرف بالصدق واألمانة ,ولم يظهر الكذب في الحديث إال بعد وفاة
النبي صلى هللا عليه وسلم بزمن ,ولو تجرأ أحد منهم على الكذب ــ مع خوفهم على أنفسهم
أن يُ فتضحوا ــ لرد ذلك عليه الصحابة ,وال فتضح أمره.وبهذا نخلص إلى أنه ال أثر للنفاق
والمنافقين على الحديث النبوي ,ونعلم حفظ هللا لسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم ,وتهيئته
األسباب لذلك ,وحمايتها من الكذابين والمنافقين ,ومما يدل على قلة المنافقين ,وخمول
ذكرهم ,أو ذهابهم بعد وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم ما يلي :روى البخاري في "صحيفة
رقم 4658 :ـــ تحت :باب ( :فقاتلوا أئمة الكفر إنهم ال أيمان لهم ) ]التوبة [12ــ (( :
عن زيد بن وهب ,قال :كنا عند حذيفة رضي هللا عنه ,فقال :ما بقي من أصحاب هذه
اآلية إال ثالثة ,وال من المنافقين إال أربعة ,فقال أعرابي :إنكم أصحاب محمد صلى هللا عليه
وسلم ,تخبرونا فال ندري,فما بال هؤالء الذين يبقرون بيوتنا,ويسرقون أعالقنا؟ قال :أولئك
الفساق ,أجل لم يبق منهم إال أربعة,أحدهم شيخ كبير ,لو شرب الماء البارد لما وجد
برده)),وروى ــ أيضا ــ في "صحيحه" رقم (( : 7114عن حذيفة رضي هللا عنه ,قال :
إنما كان النفاق على عهد النبي صلى هللا عليه وسلم ,فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد اإليمان
)) .وروى مسلم في "صحيحه" رقم 2779:من حديث عمار ,عن حذيفة رضي هللا عنهما
قا ل :قال النبي صلى هللا عليه وسلم {:في أصحابي اثنا عشر منافقا ,فيهم ثمانية ال يدخلوا
الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ,ثمانية منهم تكفيهم الدُّبيلة وأربعة ).لم احفظ ما قال
شعبة فيهم.انتهى.قال النووي《:قوله صلى هللا عليه وسلم 《 :في أصحابي》معناه :الذين
ينسبون إلى صحبتي كما قال في الرواية الثانية《 :في أمتي》شرح مسلم 18/125و قال
المزي《 :لم يوجد قط رواية عمن لمز بالنفاق من الصحابة》.ينظر :التحبير شرح
التحرير 4/1995و شرح الكوكب المنير2/477وارشاد الفحول1/340ولما ذكر العالئي
شرف الصحبة ،وأن شرطها اإليمان به صلى هللا عليه وسلم ،قال《:فمن ليس كذلك ال
يصح انتسابه إلى صحبته،ولهذا منع هللا نسبة المنافقين إلى صحبته صلى هللا عليه وسلم،
وأن يروى عن أحد منهم شيء أصال وال يوجد ألحد منهم ذكر في شيء من كتب
الصحابة》.منيف الرتبة ص 46-47:وقال ابن تيمية《:الذين كانوا منافقين،منهم من تاب
عن نفاقه وانتهى عنه وهم الغالب ،بدليل قوله تعالى (لئن لم ينته المنافقون والذين في
قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم ال يجاورونك فيها إال قليال ملعونين
أينما ثقفوا اخذوا و قتلوا تقتيال ) [ األحزاب :اآلية ، ] 70فلما لم يغره هللا بهم ،ولم
يقتلهم تقتيال ،بل كانوا يجاورونه بالمدينة ،دل ذلك على أنهم انتهوا ،و الذين كانوا معه
بالحديبية كلهم بايعه تحت الشجرة إال الجد بن قيس ...و بالجملة :فال ريب أن المنافقين
كانوا مغمورين أذالء مقهورين ،ال سيما في آخر أيام النبي صلى هللا عليه وسلم 》 .
منهاج السنة ،45-43/2وقال -أيضا 《 : -ينبغي أن يُعرف أن المنافقين كانوا قليلين
بالنسبة إلى المؤمنين ،وأكثرهم انكشف حاله لما نزل فيهم القران ،وغير ذلك ،وان كان
النبي صلى هللا عليه وسلم ال يعرف كال منهم بعينه ،فالذين باشروا ذلك كانوا يعرفونه ،
والعلم بكون الرجل مؤمنا في الباطن ،أو يهوديا ،أو نصرانيا ،أو مشركا أمر ال يخفى مع
طول المباشرة فانه ما اسر احد سريرة إال أظهرها هللا على صفحات وجهه ،و فلتات لسانه
،وقال تعالى ( :ولو نشاء ألريناكهم فلعرفتم بسيماهم ) [ محمد ، ] 30 :وقال
( ولتعرفنهم في لحن القول ) [ محمد ، ] 30 :فال ُمضمر للكفر ال بد أن يعرف في لحن
القول ،و اما بالسيما فقد يعرف ،وقد ال يعرف ،وقال تعالى( يأيها الذين ءامنوا إذا
جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن هللا اعلم بإيمانهم فان علمتموهن مؤمنات فال
ترجعوهن إلى الكفار ) [ الممتحنة ، ] 10 :والصحابة المذكرون في الرواية عن النبي
صلى هللا عليه وسلم ،و الذين يعظمهم المسلمون على الدين ،كلهم كانوا مؤمنين به ،لم
يعظم المسلمون -وهلل الحمد -على الدين منافقا،واإليمان يعلم من الرجل كما يعلم سائر
أحوال قلبه من مواالته ومعاداته وفرحه وغضبه وجوعه وعطشه وغير ذلك ،فإن هذه
األمور لها لوازم ظاهرة .واألمور الظاهرة تستلزم أمورا باطنة وهذا أمر يعرفه الناس
فيمن جربوه وامتحنوه . ..وهو ما ذكره أحمد وغيره ،وال أعلم بين العلماء فيه نزاعا ـ :أن
المهاجرين لم يكن فيهم منافق أصال … .ولكن لما ظهر اإلسالم في قبائل األنصار صار
بعض من لم يؤمن بقلبه يحتاج إلى أن يظهر موافقة قومه ،ألن المؤمنين صار لهم سلطان
وعز ومنعة وصار معهم السيف يقتلون من كفر)منهاج السنة //8/474 .باختصار ،و قال
المعلمي تعليقا على قول كعب رضي هللا عنه في قصة تخلفه عن تبوك ( ...أحزننى أنى ال
أرى إال رجال مغموصا عليه النفاق ()..وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في
الجملة قبل تبوك ،ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم توبتهم ،ثم نزلت سورة براءة
فقشقشتهم وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاور إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى هللا عليه
وسلم فأما قول هللا عزوجل ( ال تلعمهم ،نحن نعلمهم ) فالمراد وهللا أعلم بالعلم ظاهره أي
باليقين ،وذلك ال ينفي كونهم مغموصين أي متهمين ،غاية األمر أنه يحتمل أن يكون في
المتهمين من لم يكن منافقا ً في نفس األمر ،وقد قال تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول)
(محمد . )30ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم ،وعين النبي
صلى هللا عليه وسلم جماعة منهم ،فمن المحتمل أن هللا عزوجل بعد أن قال ( ال تعلمهم )
أعلمه به كلهم ،وعلى كل حال فلم يمت النبي صلى هللا عليه وسلم إال وقد عرف أصحابه
المنافقين يقينا ً أو ظنا ً أو ته مة ،ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق .ومما يدل على
ذلك ،وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم و نفرة الناس عنهم ،أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي
صلى هللا عليه وسلم حراك ،ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن ألحد منهم مجال في أن يحدث
عن النبي صلى هللا عليه وسلم ألنه يعلم أن ذلك ال يعرضه لزيادة التهمة ويجر إليه ما يكره.
وقد سمي أهل السير والتاريخ جماعة من المنافقين ال يعرف عن أحد منهم أنه حدث عن
النبي صلى هللا عليه وسلم ،وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من
خيارهم وأما األعراب فإن هللا تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسوله صلى هللا عليه
وسلم ،فارتد المنافقون منهم ،فيتبين أنه لم يحصل لهم باالجتماع بالنبي صلى هللا عليه وسلم
ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية)األنوار ص ، 259/260:وقال أيضا ( كانوا قليال
كما يظهر من اآل يات ،و األحاديث،وكما يعلم ذلك بداللة المعقول ...والغالب على الظن أن
من بقي منهم بعد وفاة النبي صلى هللا عليه و سلم لم يتعرض أحد منهم ألن يذكر عن النبي
شيئا ،لخوفهم من المؤمنين ،وعلمهم أن أحدهم لو أخبر بشيء عن النبي صلى هللا عليه
وسلم ،فكذب فيه ،أل نكره عليه المؤمنون ،وفضحوه بما كانوا يظنونه من نفاقه ،أو
ألعلمهم بنفاقه حذيفة رضي هللا عنه ؛أو غيره ؛ مم كان قد أسر إليه النبي صلى هللا عليه
وسلم بأسماء المنافقين إلى أن قال :هذا،وقد سبق أن الظاهر :أن من بقي من المنافقين لم
:يرد عن أحد منهم شيء عن النبي صلى هللا عليه وسلم) اإلستبصار ص25-24و.26
مـــخـتــلف الحــديـث
۞ مفهومه:
ُمخت َلف(وصف للحديث) الحديث ويقال مختلَف(مصدر:يقصد به االختالف في ذاته) الحديث
ويقصد به لغة :عدم االتفاق ،واصطالحا:ورود حديثين مقبولين أو أكثر متعارضين في
ظاهرهما فيحتاج إلى الجمع بينهما.
بعض أهل العلم يقول :هو الحديث المقبول إذا عارضه مثله في الظاهر.
شرح التعريف:
قولنا( حديثين )،يخرج مشكل الحديث على مذهب من يفرق بين المشكل والمختلف.
(مقبولين ) أي :إذا كان الحديث مردود أو غير مقبول ال يدخل في مختلف الحديث.
(متعارضين) أي :إذا لم يتعارضا ال يكون مختلف الحديث ،كان يكون حديث في الطهارة
وحديث في موضوع آخر.
(في الظاهر)أي :ال يوجد أي تعارض حقيقة إنما هو تعارض ظاهر فقط ،فيستحيل أن يقع
من النبي صلى هللا عليه وسلم تعارض في كالمه.
مثال :حديث «ال عدوى وال طيرة» مع حديث« ال يوردن ُممرض على مصح» ،أما إن
كان حديثا واحدا فإنه ال يسمى مختلف الحديث بل هو من قبيل مشكل الحديث وبينهما فرق،
فكل حديث مختلف هو مشكل وليس كل مشكل مختلفا ،فالمشكل أعم والمختلف أخص.
أغلب األئمة يفرق بينهما :فمشكل الحديث هو الحديث الذي يقع فيه إشكال في نفسه أو مع
غيره سواء مع ظاهر القرآن أوالسن ة أو القواعد العلمية أو المعلوم من الدين بالضرورة أو
ما يخالف ظاهر المعقول أو كان مستحيل المعنى.
علم أن النبي صلى هللا عليه وسلم تكلم بهما فال يصحيقول اإلمام الباقالني«:وكل خبرين ُ
دخول التعارض فيهما علي وجه ،وإن كان ظاهرهما متعارضين ».
يقول أبو شهبة في الوسيط «:وهو أنه ال يعتبر الحديث من قبل المختلف وال من قبيل
المشكل ،إال إذا كان صحيحا أو حسنا يعني مقبوال يحتج به ،أما إذا كان ضعيفا أو
موضوعا فال».
من العلماء الذين اشتهروا بهذا العلم :الشافعي وأحمد والبخاري وابن خزيمة وابن حبان
الذي سبق وبرز فمن قرأ كتا ب تقاسيم األنواع له ،يظهر له مدى علم ابن حبان بهذا فقد تكلم
وال يكاد يمر على حديث إال ويبين وجه اإلشكال فيه ،كذلك ابن القيم في تهذيب سنن أبي
داود.
أمثلة :
-1حديث« :إذا بلغ الماء القلتين» وحديث«:خلق هللا الماء طهورا ال ينجسه شيء إال ما
غير طعمه أو لونه أو ريحه» ،فإن األول ظاهره طهارة القلتين تغير أم ال ،والثاني :ظاهره
طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم قل ،فخص عموم كل منهما باآلخر.
-)2قال صلى هللا عليه وسلم ( أال أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن
يسألها)
و قال (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهم قوم يشهدون قبل أن
يستشهدوا).
-3حديث« :ال يوردن ممرض على مصح» وحديث«:فر من المجذوم فرارك من
األسد»،مع حديث« :ال عدوى وال طيرة والهامةوالصفر».
قال أبو شهبة في الوسيط«وقد سلك العلماء في التوفيق بين هذه األحاديث مسالك.
أحدها :أن هذا الحديث" :ال عدوى , " ...جاء ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن
األمراض مؤثرة بنفسها ،فبين لهم النبي صلى هللا عليه وسلم أن هذه األمراض ال تعدي
بطبعها وال بذاتها ،لكن هللا تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا إلعدائه مرضه،
وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من األسباب ,وهذا المسلك هو الذي سلكه اإلمام أبو
عمرو بن الصالح في كتابه "علوم الحديث" وقد تبعه على هذا التوفيق غيره ،وقد سبقه إليه
اإلمام البيهقي.
وهذا المسلك هو أحسن المسالك وأوالها؛ ألنه ال ينفي العدوي أصالة ،ولكنه ينفي أن تكون
مؤثرة بذاتها ،وهذا ال يتنافى هو وما وصل إليه الطب الحديث من كون العدوى أصبحت
أمرا مسلما ،وفي الوقت ذاته فيه تصحيح للعقيدة ،وهو أن تأثير العدوى إنما هو بإرادة هللا
تبارك وتعالى ،وإذا لم يرد هللا تبارك وتعالى ذلك لم تحصل العدوى مع وجود االختالط
بالمريض مرضا معديا وليس أدل على أن التأثير متوقف على إرادة هللا تعالى من أن بعض
الناس يختلطون بأهليهم المرضى اختالطا يكاد يكون تاما ومع ذلك ال يتعدى إليهم المرض.
ثانيها :أن نفي العدوى باق على عمومه ،واألمر بالفرار من باب سد الذرائع لئال يتفق للذي
يخالطه شي ء من ذلك بتقدير هللا تعالى ابتداء ال بالعدوى المنفية ,فيظن أن ذلك بسبب
مخالطته ،فيعتقد صحة العدوى ،فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة ،وهذا هو الذي
اختاره الحافظ ابن حجر في شرح النخبة ،ولذلك قال السيوطي":وهذا المسلك هو الذي
اختاره شيخ اإلسالم" يعني بذلك الحافظ ابن حجر.
ثالثها :أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى فيكون معنى
قوله" :ال عدوى , " ...أي إال من الجذام ونحوه ،فكأنه قال :ال يعدي شيء شيئًا إال فيما
تقدم تبيين له أنه يعدي ،قاله ناصر السنة وقامع البدعة القاضي أبو بكر الباقالني.
رابعها :أن األمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم؛ ألنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته،
وتزداد حسرته ،ويؤيده حديث" :ال تديموا النظر إلى المجذومين" ,قال السيوطي في
"التدريب" وفيه مسالك أخرى.
أقول :وقد تكفل ببيان كل ما قيل في هذه المسالك اإلمام الحافظ ابن حجر في "الفتح" ,فقد
أفاض في ذلك بما ال مزيد عليه فليرجع إليه من شاء».
۞ كيف نتعامل مع مختلف الحديث :
-1الجمع و التوفيق :اإلنسان كلما رزق علما وفهما كلما أدرك معاني كثيرة في الحديثين،
وكلما تضلع باللغة والحديث وعلوم اآللة كلما اطلع على معاني كثيرة.
-2النسخ :وهو يصار إليه عند تعذر الجمع والنسخ معناه أن يرفع الحديث الذي ثبت أنه
متقدم بالحديث الذي ثبت أنه متأخر.
-3الترجيح :وهو تقوية أحد الدليلين ،وهو يلي النسخ إن تعذر وأوصلها العلماء إلى أكثر
من مائة وجه؛منها:
-تقديم القول على الفعل .
-تقديم العالي على النازل.
-تقديم المتواتر على اآلحاد ...إلخ.
وأوصلها العلماء إلى تلك األعداد الكبيرة حتى ال يُرد أي حديث.
-4التوقف :وهو في حال تعذر وهو إجراء نظري فقط ،فال يوجد حديث توقف فيه
العلماء ،يقول ابن حجر رحمه هللا (التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط،الن ترجيح
أحدها للمعتبر(المجتهد) في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه).
فائدة :البعض يسمي هذا العلم (علم تلفيق الحديث) و(علم دفع مطاعن الحديث)
۞ التصنيف فيه :
بما أن جانب مختلف الحديث مهم جدا لدى المحدثين ،وبما أنه علم دقيق فقد أواله جهابذة
المحدثين عناية كبيرة ،وتكمن أهميته في نفي التعارض الذي يقع في الظاهر ،وسد هذا
الباب على أهل الزيغ والبدع والضالل.
-أول من صنف فيه :
-1اإلمام الشافعي وسماه"اختالف الحديث " وبغض النظر هل هو كتاب مستقل بذاته أم تابع
لكتاب األم كما يقول اإلمام السيوطي فال يؤثر وال يترتب على ذلك كبير حاجة.
-2بعده ألف اإلمام األديب:أبو محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري(ت276.هـــ).
واسم كتابه"تأويل مختلف الحديث " ،وسبب تأليفه لهذا الكتاب هو أنه بعد تأليفه كتاب"غريب
الحديث " انتشر ووقف عليه بعض أصحابه من علماء بغداد فأعجبهم صنيع ابن قتيبة،
خاصة بَيَانه للتعارض ورده على أهل الزيغ والبدع فأرسلوا له وطلبوا منه تخصيص كتاب
في الباب ،وأن يتكلم في هذا الموضوع ويفرده فاستجاب ابن قتيبة للطلب وألف هذا الكتاب،
والعلماء قالوا أن ابن قتيبة أحسن في مواطن وأساء في مواطن لكن ىعتذر له ،فهو ليس من
ا لراسخين في هذا الفن و مما أحسن فيه أنه تكلم على النظام وشدد عليه ،وكتابه في مجلد
كبير ،ومما يالحظ عليه أنه خلط بين األحاديث المشكلة واألحاديث المختلفة ،فاإلشكال عام
ألنه يُصادم حقيقة شرعية متقررة ،أما المختلفة فأحاديث ظاهرها التضاد فيما بينها.
-3بعده ألف اإلمام أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سالمة(ت321.هـ ،).واإلمام
الطحاوي ممن جمع بين الفقه والحديث ،وهو أحد الناهضين والمحيين للمذهب الحنفي في
مصر ،وقد توسع في كتابه هذا الذي أسماه "شرح مشكل اآلثار" وأشبع الكالم ،وقع في 16
مجلدا؛ حسب طبعة مؤسسة الرسالة ،بتحقيق :األرناؤوط.
ولم يرتب كتابه على ترتيب معين ،ال على األبواب وال على الفقه وال على المسانيد وال
الحروف ،إنما يتطرق لكل حديث على حدة ،ويجعله مسألة مسألة ،وقد أخذه عليه العلماء
تكلفه أحيانا ،وقد لخصه اإلمام ابن رشد الحفيد(ت595.هـــ ).وهذبه ورتبه(المختصر من
مشكل األثر") ،ثم جاء يوسف بن موسى ال َملَطي الحنفي(ت803.هـ ).فلخصه
وسماه"المعتصر من المختصر من مشكل األثر".
-4بعد الطحاوي ألف ابن فورك-أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك األصولي المتكلم
األشعري (ت406.هـــ - ).كتابا سماه "مشكل الحديث وبيانه" ،إال أنه انحرف عن المنهج
المتبع في الباب ووظف هذا العلم لخدمة ونصرة مذهبه الكالمي ،فعمد إلى األحاديث التي
ظاهرها التشبيه أو إثبات صفات الباري فجعلها هي الهدف ،ولم يتأن ولم يراع اختالف
العلماء في هذه المسائل ،واقتصر على الجانب العقدي والكالمي.
قال أبو شهبة «وإن اإلمام محم د بن الحسن بن فورك إنما أراد بالمشكل من الحديث نوعا
آخر خالف "مختلف الحديث" ,وأنه يلتقي مع اإلمام أبي محمد بن قتيبة في بعض ما ذكره
في كتابه تأويل "مختلف الحديث" ,وهي األحاديث التي يوهم ظاهرها التشبيه والتجسيم
وغيرها مما وضعته الزنادقة بقصد الطعن في "أهل الحديث"».
-التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة للعالئي ،وهي تنبيهات على مواضع مشكلة
من المصابيح.
-اإلعالم بمشكل حديث عليه الصالة والسالم ،عبد الجليل بن موسى النضري.
-أحاديث العقيدة المشكلة في الصحيحين ،سليمان الدبيخي.
-5أبو بكر بن العربي " مشكل القرءان ومشكل الحديث"و"الكالم على مشكل السبحات
والحجام" و" حسم الداء على حديث السوداء"
-6عبد الجليل بن موسى القصري(ت608هـ ).له "تنبيه األفهام في مشكل حديث النبي
عليه الصالة والسالم"
" -7مشكالت موطأ مالك بن أنس" لعبد هللا بن السيد البطليوسي.
" -8كشف المغطى من المعاني واأللفاظ الواقعة في الموطأ" للطاهر بن عاشور
" -9الدرة الوسطى في بيان مشكل الموطأ" لمحمد بن خلف بن موسى اإللبيري.
"-10مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين" ألسامة خياط
أهمية هذا العلم:
أهمية هذا العلم تظهر في وضيفته ،والخدمة التي يقدمها للشريعة ،وهي إفحام الملحدين
والمشككين والرد عليهم ودفع المطاعن في السنة.
۞ مشكل الحديث :
المشكل مأخوذ في اللغة من :اإلشكال،ومادة شكل تدل على االشتباه وااللتباس.
اصطالحا :الفقهاء األحناف هم من اهتموا به (اللفظ أو الكالم الذي خفي المراد منه عن
السامع ألجل صيغته) بعضهم أضاف (وال يضاف إال بالعقل).
يقول أسامة خياط في تعريف األحاديث المشكل (أحاديث مروية بأسانيد مقبولة يوهم
ظاهرها معاني مستحيلة أو معارضة لقواعد شرعية ثابتة).
يمكن أن نلخص ونقول الحديث المشكل هو :كل حديث يوهم ظاهره معاني باطلة مخالفة
للقواعد الشرعية.
الفرق بين مشكل الحديث و مختلف الحديث :الفرق بينهما من جهتين:
وان كان بعض العلماء ال يفرق بينهما ،ألن الجامع بينها أن كل واحد منهما يحتاج إلى بيان
وتوضيح،وتوفيق بينه وبين غيره.كاإلمام الطحاوي وابن قتيبة...
-1من جهة مورد اإلشكال واالختالف الذي يقع في الحديث :فالمختلف يرد اإلشكال فيه
من جهة واحدة وهي السنة فقط ،فيكون االختالف فقط بين حديث وغيره ،سواء كان واحدا
أو أكثر.
أما مشكل الحديث فيرد فيه اإلشكال من عدة جهات ويكون أعم من مختلف الحديث؛
والجهات هي:
/1اإلجماع :فقد يرد اإلشكال من إجماع فيخالف الحديث.
/2مخالفة ظاهر القرآن .
/3مخالفة السنة الثابتة :وهذا هو مبحث مختلف الحديث ،فهو إذن داخل فيه.
/4الحقائق العلمية:أي أن الحديث قد يخالف حقائق علمية أو معان مستحيلة ،كحديث الذبابة،
وشرب بول اإلبل للتداوي.
/5قد يرد اإلشكال من جهة سوء الحفظ أو سوء القصد ،أو سوء العقيدة ،كما حصل لمن
طب" فصار األمر طب» قرأها "ال َح َ وقع له اإلشكال في حديث«:نهى النبي عن تشقيق ال ُخ َ
مشكال ،وكمن يكون متأثرا بالفلسفة أو الديانات السابقة ،فيرد األحاديث أو تُشكل عليه.
-2من جهة العمل والمعالجة :المختلف كما سبق يعالج بمراحل : 4الجمع ،والتوثيق ،فإن
تعذر:فالنسخ ،فإن تعذر:فالترجيح ،ثم التوقف.
أما المشكل فيعالَج:
أ/محاولة تأويله على معنى واقع يرفع اإلشكال الحاصل ،فال يبقى أي تنافر مع القواعد
والثوابت الشرعية.
ب/تضعيفه إن لم يوجد له أي تأويل ويرد:ألننا أمام حالتين:إما رد األصل الذي هو ثابت ،أو
قبول حديث فيه إشكال ومشكل.
مثال :حديث ابن عديس الذي له صحبة.
« عن ابن لهيعة قال :حدثنا يزيد بن عمر المعافري أنه سمع أبا ثور قال :قدمت على عثمان
بن عفان ؓ فبينما أنا عنده خرجت ,فإذا أنا بوفد أهل مصر ،فرجعت إلى عثمان بن عفان ؓ,
فقلت :أرى وفد أهل مصر قد رجعوا ،خمسين عليهم ابن عديس ،قال :كيف رأيتهم؟ قلت:
رأيت قوما في وجوههم الشر .قال :فطلع ابن عديس منبر رسول هللا ﷺ ,فخطب الناس
وصلى ألهل المدينة الجمعة ،وقال في خطبته :أال إن ابن مسعود حدثني أنه سمع رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم يقول« :إن عثمان بن عفان كذا وكذا» ،وتكلم بكلمة أكره ذكرها،
فدخلت على عثمان ؓ وهو محصور ,فحدثته أن ابن عديس صلى بهم .فسألني ماذا قال
لهم؟ فأخبرته ،فقال « :كذب وهللا ابن عديس ما سمعها من ابن مسعود ،وال سمعها ابن
مسعود من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قط».
فهل نأخذ بالحديث أم نرده؟
-1يرد من جهة السند فالحديث في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف قد احترقت كتبه فكثر
وهمه.
-2مستقر عند أهل السنة والجماعة أن الصحابة ال يطعن فيهم ،فيرد الحديث من هذا الباب.
وكذلك حديث« :ال يدخل الجنة ولد زنا» هذا يعرض اآلية التي تبين أنه ال تحمل الوازرة
وزر األخرى ،قال تعالى [ :وال تزر وازرة وزر أخرى ] {األنعام ، }164:فهل نأخذ
بالحديث ؟ أكيد؛ يُرد ويُضعف ،فيستحيل أن يقوله رسول هللا .
إال أن من محاذير هذا الباب:عدم التوسع والتسرع في اللجوء إلى الرد والتضعيف إال بعد
الوقوف على علة التضعيف والرد ،فهذا ما وقع فيه المعتزلة وبعض أهل العلم كالشيخ
محمد الغزالي.
ناسخ الحديث ومنـسوخـه
من أهم ما ينبغي للمتفقه أن ال يُغفل هذا الجانب ،وما أضل من أضل من الناس إال لعدم
بقاص-واعظ-ٍ مر
إتقانهم وإغفالهم لهذا العلم ،ويروى أن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه َّ
فقال له :أتعرف الناسخ من المنسوخ؛فقال:ال ،فقال:هلكت وأهلكت ،ونحوه يروى عن ابن
عباس ،ويروى عن الزهري أنه قال«:أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا الناسخ من المنسوخ
وال يتأهل لمعرفته إال األئمة الكبار الذين لهم علم بالروايات ومقدمها ومؤخرها».
وقد تكلم عليه اإلمام الحازمي في مقدمة االعتبار.
وقال الطبري «:ال يفتي إال من عرف ناسخ الحديث ومنسوخه من حديث النبي صلى هللا
عليه وسلم وصحيحه من ضعيفه».
قال ابن األثير في"مقدمة جامع األصول"(معرفة المتواتر والناسخ والمنسوخ واآلحاد ،وان
تعلقت بعلم الحديث فان المتحدث ال يفتقر إليها بل هي من وضيفة الفقه ألنه يستنبط األحكام
من األحاديث فيحتاج إلى معرفة ذلك أما وضيفة المتحدث هي أن ينقل ما سمعه من
أحاديث كما سمعه ،فان تصدى لما وراءه فزيادة في الفضل وكمال في االختيار)
۞ مفهومه:
والنسخ؛ معناه :لغة :اإلزالة والنقل .وعند األصوليين :رفع حكم الشارع المقدم بحكم مؤخر.
ونعرفه –هنا -أنه :رفع حكم ثبت بحديث سابق بحديث متأخر.
۞ بماذا يعرف النسخ؟
يعرف بـــ:
-1التصريح ،والتصريح نوعان:
أ/إما تصريح النبي صلى هللا عليه وسلم «كنت نهيتكم عن كذا وكذا».
ب/إما تصريح الصحابة كحديث جابر «كان آخر األمرين ترك الوضوء مما مست
النار»و حديث جابر أن النبي صلى هللا عليه وسلم في حجة الوداع صلى الصلوات الخمس
بوضوء واحد فهو رافع لما كان أنه يشترط الوضوء لكل صالة.
-2اإلجماع :إذا أجمعت األمة على أن هذا الحديث ناسخ أو منسوخ.
-حديث ا مسلمة رضي هللا عنها،وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( :إذا انتم أمسيتم
قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به)،
اجمعوا على عدم العمل به وقالوا انه شاذ.
-3معرفة التاريخ :وقع يوم كذا ،في كذا.
مثال :حديث شداد بن أوس رضي هللا عنه «أفطر الحاجم والمحجوم»وقد حدث به عام
الفتح مع حديث ابن عباس رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم في حجة الوداع
«احتجم وهو محرم صائم» ،والمتقدم حديث شداد والمتأخر حديث ابن عباس ،فقال
الشافعي أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد.
-مسالة :قضية الناسخ والمنسوخ اجتهادية قد يختلفوا فيها أهل العلم ،ال ينبغي لطالب العلم
ان يتسرع في ذلك ألنه قد يكون هناك من جمع بين المتقد م والمتأخر ولم يعتبر
النسخ،وآخر حكم بالنسخ.
۞ التصنيف فيه:
" -1ناسخ الحديث ومنسوخه" للحافظ أبي بكر بن محمد األثرم(ت261.هـ ،).وهو
صاحب اإلمام أحمد ،ويوجد ثالثة أجزاء لكن طبع جزء واحد فقط وبعضهم ينسب الكتاب
إلى اإلمام أحمد ،طبعه عبد هللا بن حمد المنصور ومقدمته هزيلة جدا.
" -2ناسخ الحديث ومنسوخه" للحافظ المحدث أبي حفص عمر بن أحمد؛ المعرف بابن
شاهين(ت385.هـ ،).وهو مطبوع في مجلد ونشره سمير الزهيري.
-3عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس أبو المطرف القرطبي(ت402.هـ ).علم
بالتفسير والحديث وتاريخ الرجال ،له كتاب "الناسخ والمنسوخ" والظاهر أنه في
الحديث،مفقود.
" -4اإلعتبار في الناسخ والمنسوخ من اآلثار" للحافظ أبي بكر محمد بن موسى
الحازمي(ت584.هـ. ).
-5ابن الجوزي(ت 597.هــــ ).وله في الباب كتاب سماه "إعالم العالم بعد رسوخه بناسخ
الحديث ومنسوخه"،وعنده كتاب اخر في نفس الموضوع.
-6وكذلك أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري(ت732.هـــ ، ).عنده كتاب في ناسخ
الحديث" ،رسوخ األحبار في منسوخ األخبار"
-7وكذلك ألف أحد الموريتانيين وهو أحمد بن المرابط مفتي موريتانيا وهي ألفية في ناسخ
الحديث ومنسوخه ،فيها أكثر من ()1600بيت.
مــحـكم الــحــديـــث
محكم الحديث أو األحاديث التي ال معارض لها ،ومناسبة ذكر هذا الباب ،أنه بعد ذكر ما
يشكل ال بد من ذكر ما ال يشكل ،يقصد به األحاديث السالمة من اإلشكال أو التخصيص أو
التعارض ،وسماه نور الدين عتر "األحاديث السالمة من التعارض".
۞ من ذكره من أهل العلم في علوم الحديث:
أول من ذكر هذا في علوم الحديث هو :اإلمام الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث ،وابن
عرف عنه بين أهميته الصالح لم يذكر هذا العلم ،ثم ذكر ذلك اإلمام ابن حجر ،وكما ُ
بطريقة منطقية ،قال ابن حجر في النزهة «:ثم المقبول ينقسم إلى معمول به وغير معمول
به،ألنه إن سلم من المعارضين أي لم يأت خبر يضاده فهو المحكم».
وذكره أيضا:الشيخ طاهر الجزائري ،لكونه لخص كتاب الحاكم.
أمثلة:
-1حديث« ال يقبل هللا صالة بغير طهور وال صدقة من غلول » ،والغلول :ما يُأخذ من مال
الغنائم من غير قسمة.
-2حديث «إذا ُوضع ال َعشاء وأقيمت الصالة ،فابدؤوا بال َعشاء» ،وهذه األمثلة مثل بها
الحاكم في األمثلة التي ساقها في المحكم.
-3حديث«يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم».
۞ التصنيف فيه :
لم يهتم العلماء بهذا النوع كثيرا ألنه هو األصل ،فاألخبار األصل فيها أنها محكمة وإنما
االختالف واإلشكال عارض ،فلم يهتموا باألصل ألنه هو الجزء األكبر وجمعها عسير.
صنف فيه عالم وحيد؛وهو:أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي وهو صاحب الرد على بشر
المريسي ،وسماه"األخبار التي ال معارض لها " ،وأبو سعيد هو تلميذ يحيى بن معين وهو
راوي تاريخ ابن معين.
اإلعجاز العلمي في الحديث
۞التفسير العلمي :هو توظيف النظريات والحقائق العلمية الحديثة في بيان معنى حديث
معين دون قصد أنها معجزة.
۞ اإلعجاز العلمي:
اإلعجاز لغة :االنقطاع والضعف ،واإلعجاز مشتق من المعجزة وهي األمر الخارق للعادة
المقرون بالتحدي السالم من المعارض.
واصطالحا :عرفه الدكتور زغلول النجار في كتابه "اإلعجاز العلمي في السنة" :سبق
رسول هللا-صلى هللا عليه وسلم باإلشارة إلى حقائق علمية قبل وصول العلوم المكتسبة لها
بقرون عديدة.
۞ ضوابط في التعامل مع اإلعجاز :
-اإلعجاز يكون من خالل األحاديث الصحيحة والحسنة.
-أن يُنظر في اإلعجاز إلى القرآن والسنة معاً.
-أن ال يؤدي إلى لي أعناق النصوص لتطويعها لنظرية معينة.
-أن يُحتاط على أن الحقائق العلمية ليست ثابتة والعلم في تطور مستمر.
-أن ال يحملنا هذا على الطعن في العلماء السابقين.
۞ أمثلة:
حديث النبي صلى هللا عليه وسلم « :من ظلم من األرض شيئا طوقه من سبع أرضين»،
اإلشكال-هنا -أن األرض واحدة؛ فكيف يطوق من سبع أرضين؟
أثبتت الدراسات الفزيائية أن األرض عبارة عن سبع طبقات.
ساعةُ حتَّى تعُود أ ْر ُ
ض ا ْلعرب ُم ُروجا ً وأ ْنهارا ً» ،أثبت الحفريات حديث «:ال تقُو ُم ال َّ
الجيولوجية أن جزيرة العرب كانت مروجا وأنهارا ،وأنها ستعود كما كانت.
حديث« :أمر النبي-صلى هللا عليه وسلم -للعرنيين بأن يستشفوا بأبوال اإلبل» ،توصل
العلماء أن أبوال اإلبل سبب في الشفاء من أمراض كثيرة ،ففي جامعة الجزيرة بالسودان
بكلية المختبرات أجريت التجارب العديدة على يد البروفسور أحمد عبد هللا محمداني وأكد
أنه سبب في الشفاء من أورام الكبد .
۞ المؤلفات في اإلعجاز العلمي:
-اإلعجاز العلمي في السنة النبوية لزغلول النجار.
-اإلعجاز العلمي لمحمد علي البار.
-اإلعجاز العلمي لصالح أحمد طريف.
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وآله وصحبه أجمعين.