You are on page 1of 52

‫مادة‬

‫فقه‬
‫الحديث‬
‫أ‪.‬د‪ .‬العربي الدايزالفرياطي‬
‫فقه الحديث‬
‫تـــــعـــــريـــــــفه‪:‬‬
‫‪-1‬تعريفه باعتباره مركب إضافي‪:‬‬
‫الفقه‪ :‬لغة‪ :‬العلم‪ :‬قال هللا تعالى( فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)‬
‫اآلية‪.‬‬
‫الفطنة والذكاء‪ :‬ما روي عن سليمان وحذيفة رضي هللا عنهما‪...‬قال احدهما لصاحبه‪:‬‬
‫فقهت‪.‬‬
‫الفهم‪ :‬قال هللا تعالى( وقالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) اآلية‪ .‬وقالوا الفهم ثالث‬
‫أنواع‪ :‬الفهم المطلق‪،‬والفهم الدقيق‪،‬وفهم أراد المتكلم من كالمه‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬فقه إذا فهم ‪،‬وفقُه إذا صار الفقه له سجية‪،‬وفقَه إذا سبق غيره في الفهم‪.‬‬
‫يقو ل ابن فارس(الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح يدل على إدراك الشيء والعلم به‬
‫يقول فقهت الحديث‪،‬أفقهه وكل علم شيء فهو فقه )وهنا قد فسر العلم بالفقه واإلدراك‪.‬‬
‫قوله(أصل صحيح) أي‪ :‬جدر لغوي صحيح ‪،‬بمعنى ليس فيه حروف العلة‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬العلم باألحكام الشرعية‪،‬العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ‪.‬ويمكن إضافة‪:‬التي‬
‫طريقها االجتهاد ‪ .‬وكان معناه اشمل واعم عند المتقدمين‪،‬بحيث يدخل فيه السلوك‬
‫والعقائد‪...‬مثل الكتاب (الفقه األكبر ) المنسوب ألبي حنيفة‪.‬‬
‫الحديث‪ :‬لغة‪ :‬ضد القديم أي المحدث والجديد‪ ،‬قال هللا تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم‬
‫محدث) اآلية‪ .‬ويراد به الخبر قليله وكثيره‪.‬‬
‫اصطالحا ‪ :‬ما أضيف إلى النبي صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة‬
‫خلقية أو خلقية أو رؤيا أو سيرة ‪،‬قبل البعثة أو بعدها ‪..‬وبعض المحدثين يضيف ‪ :‬ما‬
‫أضيف إلى الصحابي و التابعي ‪،‬بدليل أن بعض المحدثين يذكرون أقوال الصحابة والتابعين‬
‫في كتبهم وتصانيف‪ ،‬ويعاملونها معاملة الحديث‪.‬‬
‫‪-2‬تعريف فقه الحديث باعتباره مركب‪:‬‬
‫‪-‬باعتبار ذاته‪ :‬فهم ومعرفة ما يتضمنه الحديث من الحكم‪ ،‬واألحكام والفوائد والمقاصد‬
‫ونحوها‪...‬‬
‫‪-‬باعتباره علما‪:‬‬
‫عرفه محمد بن احمد األرنيقي (ت‪ 855:‬هـ‪ ).‬في كتاب (مدينة العلوم) فقال‪ :‬علم باحث عن‬
‫مراد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من أحاديثه الشريفة بحسب القواعد العربية واألصول‬
‫الشرعية ‪،‬بقدر الطاقة البشرية)‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫(مراد رسول هللا)‪:‬يخرج ما ال يتعلق بمراد رسول هللا‬
‫(القواعد العربية)‪:‬هذه القواعد مهمة للفقه‪،‬وأيما فقه ال يكون حسب القواعد العربية ال يقبل‬
‫(الطاقة البشرية)‪ :‬حديث رسول هللا معطاء وغزير وفيه مجاالت بعيدة في الفقه‪ ،‬وكلما‬
‫تأمل اإلنسان واجتهد‪ ،‬ظهرت له معاني وفوائد لم تظهر لغيره‪.‬‬
‫(األصول الشريعة)‪ :‬أي بحسب ما تقرر في الشريعة اإلسالمية ‪،‬ال يفسر الحديث بالهوى‪( ،‬‬
‫مثال فسرت حديث بما يخالف القرءان هذا ال يسمى فقها‪ ،‬يجب مراعاة ما أجمعت علية‬
‫الشريعة واألمة واتفق عليه العلماء‪.‬‬
‫وعرفه أيضا الدكتور عمر بازمول في كتابه (علم شرح الحديث)‪:‬مجموعة من المسائل‬
‫واألصول الكلية المتعلقة ببيان معاني وفقه الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫شرح‪:‬‬
‫(مجموعة من المسائل)‪ :‬أيما علم ال بد ان يكون منظومة من المسائل‪ ،‬إذا كانت مسالة‬
‫واحدة فال تسمى علما‪.‬وليس هو العلم الذي ضد الجهل‪ ،‬إنما هو‪ :‬مجموعة من المبادئ‬
‫والقواعد الكلية المتعلقة بجهة واحدة‪،‬المتوصل إليها بأسلوب علمي(أي أنها تخدم جهة‬
‫واحدة‪ ،‬مرتبطة ومتداخلة‪ ،‬وال بد أن يتوصل لها بطريقة علمية متفق عليها عند العقالء‬
‫كاإلحصاء واالستنتاج‪ .)..‬كاالستنباط‪ ...‬مثال جمع روايات الحديث الواحد‪،‬ال يطلق عليها‬
‫علما إال من باب اإلدراك وعدم الجهل بخالف ما ذكرناه‪.‬‬
‫(الكلية)‪:‬قواعد تطبق على عشرة األحاديث و آالف األحاديث‬
‫(المتعلقة‪...‬الشريف)‪:‬يخرج كل ما ال يوصل إلى معاني وفقه الحديث‪،‬وال يدخل ماهو‬
‫متعلق بدراسة األسانيد وان كان مرتبط بهذا العلم‪،‬والبعض يدخله‪.‬‬
‫وهناك من عرفه فقال‪:‬الفهم الدقيق لحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المطابق ألحوال‬
‫رسول هللا وتصرفاته‪.‬‬
‫وهناك من عرفه فقال( الفهم العميق للنص النبوي بالنظر إلى طبيعة تصرف النبي وحال‬
‫المتلقي عنه في سياق الزمان وإطار المكان) احد عبد السالم ‪.‬ينتقد عليه (النص ) أولىأن‬
‫تكون(الحديث)‬
‫مــوضــوعه‪ :‬انه يشتغل في حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من حيث ما يستنبط‬
‫ويؤخذ منه‪:‬‬
‫‪-1:‬معرفة األلفاظ المفردة‪ :‬دالالت األلفاظ أو غريب الحديث‬
‫المثال األول‪:‬حديث عائشة رضي هللا عنها الذي بلغها( أن أناسا يتناولون أبا بكر فبعثت إلى‬
‫أزفلة منهم)‪.‬‬
‫أزفلة منهم‪ :‬جماعة منهم‪.‬هذه ال بد من معرفتها وإال لن يفهم معنى الحديث أبدا ولن تصل‬
‫إلى المراد منه‪.‬‬
‫المثال الثاني‪:‬حديث انس (يا أبا عمير ما فعل النغير)‪ .‬النغير= طائر‪.‬‬
‫المثال الثالث‪ :‬حديث أبي جحيفة أن النبي صلى هللا عليه وسلم (صلى إلى عنزة)‪ .‬عنزة =‬
‫العصا‪.‬‬
‫المثال الرابع‪ :‬قول النبي لمعاوية(ال اشبع هللا بطنك)‪ .‬ال‪:‬قد تضاف وهي زائدة المعنى‪.‬‬
‫‪-2‬معرفة األلفاظ المركبة‪:‬‬
‫المثال األول‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم( واظفر بذات الدين تربت يداك)‪ .‬هذا التعبير‬
‫مجازي‪،‬وال يحمل على الظاهر‪.‬والمعنى ان النبي صلى هللا عليه وسلم استعمل هذه لإلنكار‬
‫بمن ال يريدون فقه‪،‬ولم يكن يقصد الدعاء عليه‪،‬إذ ذلك من عادة العرب‪..‬‬
‫المثال الثاني‪( :‬اليد العلي خير من اليد السفلى)‪ .‬والمقصود اليد العلي‪ :‬هي التي تنفق‪،‬‬
‫والسفلى‪:‬تسال النفقة‪.‬‬
‫المثال الثالث‪ :‬ابن عباس( إن امرأتي ال ترد يد المس)‪.‬أي تخالط الرجال وهي‬
‫عفيفة(مترجلة)‪.‬‬
‫‪-3‬معرفة ما يتضمنه الحديث من فقه وأحكام‪ :‬وهذا هو األساس والمهم والذي نحن بصدده‬
‫وهو علم دقيق‪.‬‬
‫المثال األول‪ :‬حديث أبي هريرة قال ‪:‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال(ال يبولن أحدكم في‬
‫الماء الدائم ثم يغتسل منه)‪.‬‬
‫قال ابن حزم‪ :‬غير هذا البائل فهو حالل له الوضوء به وشربه‪.‬وهذا جمود في الفقه‪.‬‬
‫المثال الثاني‪:‬حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى هللا عليه وسلم ( نهى عن بيع الذهب‬
‫بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إال سواء بسواء عينا‬
‫بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى)‪.‬‬
‫العلماء اختلفوا في هذا الحديث‪ :‬هل هو فيما ذكر في الحديث فقط‪،‬أم يقاس عليها الذي هو‬
‫جنسها؟‬
‫قال األحناف ‪ :‬يلحق به غيره فهو من جنس الربا‪ .‬الظاهرية قالوا‪ :‬الستة فقط‪ .‬قال مالك‪:‬فيما‬
‫يقتات ويدخر وما سوى ذلك فال‪ .‬الشافعية‪ :‬كل األشياء المطعومة داخلة فيه‪،‬سواء تدخر أم‬
‫ال‪.‬‬
‫أســــــــــــمـــاؤه‪:‬‬
‫فقه الحديث‪ :‬لتعلقه باستثمار واستنباط األحكام الشرعية من الحديث النبوي الشريف‪ ،‬وهذه‬
‫التسمية حديثة كعلم‪،‬أما قديما فهو مصطلح موجود متداول‪.‬‬
‫علم شرح الحديث‪ :‬والشرح اعم من الفقه‪ ،‬من حيث انه يتضمن الفقه وزيادة‪ ،‬وشرح‬
‫الحديث ينصرف أكثر إلى مناهج الشراح وليس إلى القواعد‪.‬‬
‫والمقصود بالمناهج والمصادر‪ :‬أي كيف يتناول كل مصدر حديثي ويشرح بمنهج‬
‫معين‪،‬مثال‪ :‬منهج ابن حجر(ت‪852:‬هــ‪ ).‬في شرح صحيح البخاري الذي سماه (فتح الباري‬
‫في شرح صحيح البخاري) وغيره من الشروحات‪.‬‬
‫وسمى الدكتور عمر بازمول كتابه(علم شرح الحديث)‪.‬‬
‫علم دراية الحديث‪ :‬فالدراية هي الفهم‪،‬والفهم هو الفقه‪.‬‬
‫سئل أبو بكر الجعابي عن يحيى بن صاعد‪ ،‬هل كان يحفظ ؟ فتبسم وقال‪ :‬ال يقال ألبي محمد‬
‫يحفظ ‪ ،‬كان يدري‪ ،‬يقول السائل‪ :‬سالت عبدان عن هذه المسالة‪ ،‬ما الفرق بينهما؟ قال‪:‬‬
‫الدراية فوق الحفظ‪.‬‬
‫الدراية شيء زائد عن الحفظ فهي الفقه والمعرفة واالستنباط وغير ذلك‪.‬‬
‫علم تفسير الحديث‪ :‬وهذا االسم أطلقه الثوري (ت‪161:‬هــ‪ ).‬لما قال (تفسير الحديث خير‬
‫من سماعه)‪.‬‬
‫علم فقه السنة‪.‬‬
‫أصل هذا العلم (استمداده)‪:‬‬
‫‪-1‬أصول الفقه‪:‬معظم القواعد التي يرتكز عليها فقه الحديث بحثت في أصول الفقه‪.‬‬
‫‪-2‬علوم الحديث والسنة‪ :‬المسائل المرتبطة بمتن الحديث‪ ،‬فقه الحديث يمثل الجانب المرتبط‬
‫بمعنى الحديث في علم الحديث مثال‪:‬جمع الروايات والطرق‪،‬هذا مذكور في مصطلح‬
‫الحديث‪ .‬أيضا‪ :‬غريب الحديث ‪،‬ألف فيه علماء مصطلح الحديث‪.‬والتصحيف والتحريف‬
‫أيضا ذكر عند علماء الحديث‪ ،‬مثال قوله صلى هللا عليه وسلم (صبوا عليه اللبن) اللبن ليس‬
‫هو الحليب‪.‬وحديث( نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الحلق في الجمعة)‪،‬هناك من‬
‫فهم انه حلق الرأس‪ ،‬ولكن الرسول نهى عن حلق العلم قبل خطبة الجمعة‪ .‬أي انه يغترف‬
‫من علم الحديث‬
‫‪-3‬اللغة العربية‪ :‬من باب اللحن‪ ،‬أي المعرفة الدقيقة باللغة العربية‬
‫‪-4‬األئمة الشراح‪ :‬يأخذ أو يستأنس بما قعده العلماء‪،‬كاإلمام ابن حجر والقاضي عياض‪.‬‬
‫والفرق بين الشرح والفقه‪ :‬أن الشرح مقيد بمناهج الشارحين ومصادرهم‪،‬أما الفقه مطلق في‬
‫حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫مصــــــادره‪:‬‬
‫‪(-‬فهم السنن) للحارث المحاسبي‪،‬وهو كتاب مفقود‪،‬ومن عنوانه ربما تعرض لفقه السنة‬
‫‪(-‬فصول السنن) البن حبان‪ ،‬من خالل ما نقل منه يتبين أن ابن حبان كان مهتم بهذا العلم‪،‬‬
‫ولقد تكلم عنه محمد بن عمر بارمول‪.‬‬
‫‪)-‬تأويل مختلف الحديث) البن قتيبة(ت‪276:‬هـ(‬
‫‪.)-‬شرح مشكل الحديث) للطحاوي(ت‪321:‬هــ(‬
‫وهذان األخيران من أهم المصادر‪.‬‬
‫أما الدراسات المعاصرة‪:‬‬
‫‪(-‬منهج فقه السنة دراية وتنزيل) الدكتور أبو جميل الحسن العلمي –حفظه هللا‪-‬‬
‫‪(-‬منهجية فقه السنة النبوية) لعبد هللا بن ضيف هللا الرحلي‬
‫‪(-‬علم شرح الحديث) لعمر بازمول‬
‫‪(-‬معالم منهجية في التعامل مع السنة النبوية) لتوفيق الغلبزوري‬
‫مؤتمرات ومؤلفات جماعية‪:‬‬
‫مؤتمر‪ 2015‬في أكادير بعنوان‪ :‬مناهج البحث في فقه الحديث النبوي‪.‬‬
‫مؤتمر ‪ 2009‬في السعودية بعنوان‪ :‬فهم السنة النبوية‪،‬الضوابط واإلشكاالت‪.‬‬
‫ومن المقاالت‪( :‬أضواء على شرح الحديث) لفتح الدين البيانوني سنة ‪.2007‬‬
‫مذكرة سعيد هالوي (فقه الحديث)‪.‬و(إشكالية) للعلوني‪.‬‬
‫شروط التصدي لعلم فقه الحديث‪:‬‬
‫هذا العلم كان يتورع منه العلماء لتعمقه ودقته‪ ،‬وسئل اإلمام احمد عن غريب فقال‪:‬اسألوا‬
‫أصحاب الغريب فاني أخشى أن أخطئ فيه‪.‬‬
‫نذكر شروط المفسر ونقيس عليها‪ :‬العلم بالقراءات واألوجه‪ ،‬وأصول الفقه‪،‬علم الفقه‪،‬‬
‫الموهبة واالستعداد‪،‬الوعي بمشكالت العصر وأزماته‪ ،‬اإليمان العميق‪...‬‬
‫شـــروط التصدي لهذا العلم‪:‬‬
‫‪-1‬العلم بالروايات والطرق للحديث‬
‫‪-2‬قراءة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪-3‬اإللمام بأصول فقه الحديث‬
‫‪-4‬التجرد من الهوى‬
‫‪-5‬التحري فيما قاله األئمة في هذا الحديث‬
‫‪-6‬شرط تكميلي‪ :‬الوعي بمشكالت العصر‬
‫‪-7‬عالم بمواقع الخالف واإلجماع‬
‫‪-8‬اإليمان العميق والفكر السليم‬
‫‪ -9‬الموهبة واالستعداد‪.‬‬
‫مناهج أو اتجاهات العلماء في فقه الحديث‪:‬‬
‫المنهج األول‪:‬‬
‫يعتمد على اللطائف و اإلشارات الصوفية ‪ :‬هذا المنهج يستفاد منه و لكن على اإلنسانأنيأخذ‬
‫منه باالحتياط ومن أفضل من تكلم في هذا ‪ :‬الحكيم الترمذي ‪ ( :‬محمد بن إسماعيل )‬
‫(‪285‬هـ‪ ).‬في كتابه ‪ :‬نوادر األصول ‪ ..‬ذكر مجموعة من األصول‬
‫و الشاهد من هذا ‪ :‬أنا إلمام الحكيم الترمذي كانت تأتيه بعض الشطحات و يتكلم عن‬
‫الحديث ‪ ،‬الحديث في واد وهو في واد أخر ‪ ،‬ولكن بعض األحيان تقع له بعض الفوائد‬
‫الجميلة و اللطيفة‪.‬‬
‫اإلمام الكالباذي ‪ :‬في كتابه ( بحر الفوائد )و غيرهم ‪ ،‬فكالمهم ال تستطيع أن تقبله أو ترده‪،‬‬
‫وفي بعض األحيان تستطيع رده ألنه يكون واضحا‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬أبو الحسن الحرالي وابن برجان ( شرح أسماء هللا الحسنى ) ‪ .‬ومحي الدين ابن‬
‫عربي‪ ،‬ومن المتأخرين ابن عجيبة التطواني(‪1224‬هـ‪).‬‬
‫المنهج الثاني ‪:‬الذي عليه جماهير أهل العلم ‪ :‬اتجاه يعتمد على األصول الشرعية ‪ ،‬والقواعد‬
‫اللغوية و على ما هو متقرر في الشريعة وما هو معلوم منها على طريق القطع‪.‬‬
‫حـــــاجــــــــتنا إلـــى هـذا الــعــلم‪:‬‬
‫منذ بدأ الوحي ظهرت الحاجة لهذا العلم ‪ ،‬فكما يجب فقه كالم هللا يجب فقه كالم رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬
‫اذا لم يفقه كيف يعمل بالحديث ‪ ،‬يمكن أن يعمل به عمال خاطئا‪.‬‬
‫كثير من األحاديث التي بينها النبي عليه الصالة و السالم للصحابة وهم العرب أهل اللغة‬
‫العربية‪ ،‬مما يدل على الحاجة للتفقه في الحديث‪:‬‬
‫أمثالة‪:‬‬
‫سلَّ َم قَا َل ‪ :‬أَت َد ُرونَ َما‬
‫علَيه َو َ‬ ‫صلَّى اللَّهم َ‬ ‫اَّلل َ‬‫سو َل َّ‬ ‫‪-1‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ((:‬أ َ َّن َر ُ‬
‫س من أ ُ َّمتي َيأتي يَو َم‬ ‫س فينَا َمن ال دره ََم لَهُ َوال َمت َا َ‬
‫ع ‪ ،‬فَقَا َل ‪ :‬إ َّن ال ُمفل َ‬ ‫س قَالُوا ‪ :‬ال ُمفل ُ‬‫ال ُمفل ُ‬
‫ف َهذَا َوأ َ َك َل َما َل َهذَا َو َ‬
‫سفَكَ د َ َم َهذَا‬ ‫شت ََم َهذَا َوقَذ َ َ‬
‫صالةٍ َوصيَ ٍام َوزَ َكاةٍ َويَأتي قَد َ‬ ‫القيَا َمة ب َ‬
‫ضى َما‬ ‫سنَاته فَإن فَنيَت َحسَنَاتُه ُ قَب َل أَن يُق َ‬ ‫طى َهذَا من َحسَنَاته َوهَذَا من َح َ‬ ‫ب َهذَا فَيُع َ‬
‫ض َر َ‬
‫َو َ‬
‫طر َح في النَّار )(مسلم)‬ ‫علَيه ث ُ َّم ُ‬
‫طر َحت َ‬ ‫علَيه أُخذَ من َخ َ‬
‫طايَاهُم فَ ُ‬ ‫َ‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪« :‬سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها‬
‫الكاذب‪ ،‬ويكذب فيها الصادق‪ ،‬ويؤتمن فيها الخائن ‪ ،‬و يخون فيها األمين ‪ ،‬وينطق فيها‬
‫الرويبضة» قالوا‪" :‬من الرويبضه يارسول هللا؟" قال‪" :‬التافه يتكلم في أمر العامة"‪ .‬حديث‬
‫صحيح‬
‫‪-2‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال( ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول هللا من أكرم الناس قال‪ :‬أتقاهم‪.‬‬
‫قالوا ليس عن هذا نسألك قال ‪ :‬فيوسف نبي هللا ابن نبي هللا ابن نبي هللا ابن خليل هللا‪ ،‬قالوا‬
‫ليس عن هذا نسألك قال ‪ :‬فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في‬
‫اإلسالم إذا فقهوا )صحيح مسلم‬
‫وغيرها من األحاديث ‪ ،‬والشاهد هو ‪ :‬أن فيها إشارة لحاجة تفسير حديث رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه و سلم‪.‬‬
‫‪-‬بعد النبي صلى هللا عليه و سلم ظهر في الصحابة فقهاء و أئمة وأهل الفتوى ‪ ،‬وكذلك‬
‫التابعين و بعدهم ظهر أتباع التابعين‪:‬‬
‫كاإلمام مالك (‪179‬هـ‪ : ).‬روي عنه رحمه هللا قال‪ :‬ال تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن‬
‫سواهم ‪ ،‬من رجل سفيه معلن بالسفه ‪ ،‬وإن كان أروى الناس ‪ ،‬ومن رجل يكذب في أحاديث‬
‫الناس ‪ ،‬وإن كنت ال تتهمه على حديث رسول هللا ‪ ،‬ومن صاحب هوى يدعو الناس إلى‬
‫هواه ‪ ،‬ومن شيخ صاحب عبادة و فضل و صالح إذا كان ال يعرف ما يحدث به‪.‬‬
‫قال سفيان بن عيينة (‪198‬هـ‪ : ).‬لو كان األمر بأيدينا لضربنا بالجريد كل محدث ال يشتغل‬
‫بالفقه ‪ ،‬وكل فقيه ال يشتغل بالحديث‪.‬‬
‫قال أبو عاصم النبيل (‪ 212‬هـ‪ : ).‬الرياسة في الحديث بال دراية ؛ رياسة نذلة‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ :‬تفسير الحديث خير من سماعه‪.‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬فرب حامل فقه لمن هو أفقه منه‪.‬‬
‫فليس بمعنى أ نه ال شيء له من الفقه ‪ ،‬وإنما له نصيب أدنى ‪ ،‬فالمقصود ‪ :‬يمكن أن يكون‬
‫فقهه و فهمه محدودان فيؤدي الحديث إلى من هو افقه منه ليستخرج من الحديث مسائل‪.‬‬
‫في القرن الثالث ‪ :‬ركز العلماء كثيرا على الفقه لما ظهر االنحراف عند طلبة العلم و‬
‫تدهورت العلوم ‪ ،‬حيث يبالغون في الروايات و الطرق و لكن من حيث الفقه مرات ‪،‬‬
‫وصاروا وباء على العلم‪.‬‬
‫وان كان العلماء لم يكونوا درجة واحدة في التفقه ‪ .‬مثال ‪ :‬اإلمام ابن معين و احمد وعلي بن‬
‫المديني ‪ ،‬كان اإلمام احمد أكثرهم فقها للحديث‪.‬‬
‫وكذلك اإلمام البخاري مقارنة مع غيره كان مهتما بفقه الحديث أكثر‪.‬‬
‫كان العلماء يعيبون على من ال يشتغل بالفقه وال يعرفه ‪ ،‬فهذا يحيى بن صاعد كان جهبذا ‪-‬‬
‫في الحديث ‪ ،‬قال الفقيه أبو بكر األبهري ‪ :‬روي أن امرأة جاءته فقالت ‪ :‬ما تقول في بئر‬
‫سقط فيه دجاجة فماتت ‪ ،‬هل الماء نجس أو طاهر ؟ فقال ‪ :‬ويحك كيف وقعت أال غطيته‪.‬‬
‫فكان عليه أن يقول لها ‪ :‬إن لم يكن الماء تغير فهو طاهر ‪.‬وقد كان القصد من كتاب اإلمام‬
‫الرامهرمزي والحاكم و الخطيب ؛ شق طريق للطلبة لالهتمام بدراية الحديث‬
‫وقال اإلمام علي بن المديني " التفقه في معاني الحديث نصف العلم و معرفة الرجال نصف‬
‫العلم"‬
‫وقد أدرج اإلمام الحاكم ( ‪ 405‬هـ‪ ) .‬فقه الحديث ضمن علوم الحديث في كتابه [ معرفة‬
‫علوم الحديث ] ‪ .‬قال ‪ " :‬معرفة فقه الحديث إذ هو ثمرة هذه العلوم ‪ ،‬وبه قوام الشريعة"‬
‫وقد ذكر اإلمام ابن الجوزي في كتابه [ تلبيس إبليس ] أهمية الفقه السليم للحديث النبوي‪.‬‬
‫وذكر من أمثلة الفقه الجامد‪:‬‬
‫أن اإلمام إبراهيم الحربي قال ‪ :‬بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود وهو يحدث وبين‬
‫يديه مقدار ألف نفس ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬حلفت بصدقة إزاري ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬بكم اشتريته ؟ ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫باثنين وعشرين درهما ‪ ،‬قال ‪ :‬اذهبي فصومي اثنين و عشرين يوما ‪ ،‬فلما مرت جعل‬
‫يقول ‪ :‬آه آه غلطنا وهللا أمرناها بكفارة الظهار ‪.‬‬
‫في عصرنا هذا ‪ :‬اشتدت الحاجة لهذا العلم ‪ ،‬و ظهرت تحديات كثيرة على المسلمين و‬
‫شبه واألقوال ‪ ،‬فصارت الحاجة ماسة لهذا العلم‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫في بداية القرن ‪ 20‬ظهرت صحوة إسالمية بالرجوع إلى الكتاب و السنة و كانت هذه‬
‫الصحوة في حاجة إلى التأني وسعة الصدر حتى تفهم هذه األحاديث على حقيقتها‪:‬‬
‫مثال كتاب احمد بن الصديق الغماري يسيء إلى الحديث " اإلقليد في تنزيل كتاب هللا على‬
‫أهل التقليد"‬
‫الشيخ احمد بن الصديق في هذا الكتاب كل أية فيها ذم ‪ ،‬يقول هذه خطاب من هللا للمقلدين‪.‬‬
‫سريَّةً إلَى خَثعَ ٍم‬‫سلَّ َم َ‬
‫علَيه َو َ‬ ‫صلَّى هللاُ َ‬ ‫سو ُل َّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫اَّلل ‪ ،‬قَالَ‪ " :‬بَعَ َ‬
‫عن َجرير بن عَبد َّ‬ ‫‪-‬مثال ‪َ :‬‬
‫سلَّ َم‬
‫علَيه َو َ‬ ‫صلَّى ُ‬
‫هللا َ‬ ‫ي َ‬ ‫س ُجود ‪ ،‬فَأَس َر َ‬
‫ع فيه ُم القَت َل ‪ ،‬قَا َل ‪ :‬فَبَلَ َغ ذَلكَ النَّب َّ‬ ‫َاس من ُهم بال ُّ‬ ‫فَاعت َ َ‬
‫ص َم ن ٌ‬
‫اَّلل ل َم ؟ ‪ ،‬قَالَ‪:‬‬ ‫سو َل َّ‬‫فقال ‪ ( :‬أَنَا َبري ٌء من ُكل ُمسل ٍم يُقي ُم بَينَ أَظ ُهر ال ُمشركينَ )‪ ،‬قَالُوا ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫َارا ُه َما) رواه أبو داود ( ‪ ، ) 2645‬والترمذي ( ‪ . ) 1604‬وحكم عليه كثير‬ ‫( َال ت ََرا َءى ن َ‬
‫من أهل العلم بأنه " مر سل " ؛ والمرسل أحد أنواع الحديث الضعيف ‪ ،‬وصححه بعض‬
‫العلماء كالشيخ األلباني في " إرواء الغليل " ( ‪.) 30/5‬‬
‫هذا الحديث ال يمكن إنزاله على الذين يقيمون اآلن في الغرب ‪ ،‬فإنزاله عليهم فيه تعسف‪.‬‬
‫مثال أخر ‪:‬النبي عليه الصالة والسالم يقول ‪ " :‬ال تبدؤوا اليهود والنصارى بالسالم فإذا لقيتم‬
‫أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"‬
‫فال يمكن أن ننزل هذه األحاديث في هذا العصر على ظاهرها ‪،‬كالم هللا و كالم النبي صلى‬
‫هللا عليه و سلم منزه وال ينبغي تنزيله على شخص معين ‪ ،‬والسيما إذا كان التنزيل فيه‬
‫تكلف‪.‬‬
‫وكذلك ما ظهر من التطاول على األحاديث‪،‬وتأويلها تأويال متعسفا وان كانت صحيحة وهذا‬
‫منهج غير مقبول‪،‬كرد محمد الغزالي لحديث لطم موسى للملك‪،‬في كتابه"السنة بين أهل الفقه‬
‫وأهل الحديث" وقع منه تعسف كبير على السنة النبوية‪،‬ورده أحاديث بسبب عدم موافقة‬
‫عقله‪،‬وكذلك اإلمام المازري‪.‬‬
‫أهمية الفقه و شروط المتفقه‪:‬‬
‫قال ابن بطال‪ ":‬فمن أراد التفهم فليحضر خاطره‪ ،‬ويفرغ ذهنه‪ ،‬وينظر إلى نشاط الكالم‪،‬‬
‫ومخرج الخطاب‪ ،‬ويتدبر اتصاله بما قبله‪ ،‬وانفصاله منه‪ ،‬ثم يسأل ربه أن يلهمه إلى إصابة‬
‫المعنى‪ ،‬وال يتم ذلك إال لمن علم كالم العرب‪ ،‬ووقف على أغراضها في تخاطبها وأُيدَ‬
‫ب َجودَة ق ريحة ‪ ،‬وثاقب ذهن" (شرح صحيح البخاري البن بطال ‪ )157 / 1‬في حديث " من‬
‫يرد هللا به خيرا يفقهه في الدين"‪.‬‬
‫فوائد فقه الحديث‪:‬‬
‫‪-1‬الوقوف على حقيقة مراد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -2‬االقتداء بالنبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫‪-3‬بيان ما يتضمنه حديث النبي صلى هللا عليه و سلم من قيم و أخالق ‪ ،‬سواء في التعليمات‬
‫أو اآلداب أو اإلرشادات‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬فقد روى البخاري (‪ )6290‬ومسلم (‪ )2184‬عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‬
‫قال ‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬إذَا ُكنتُم ث َ َالثَةً فَ َال َيتَنَا َجى َر ُج َالن دُو َن اآلخَر َحتَّى‬
‫طوا بالنَّاس أَج َل أَن يُحزنَهُ)‪.‬‬ ‫ت َخت َل ُ‬
‫مثال في اإلرشادات ‪ :‬فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬غطوا اإلناء‪ ،‬و أوكوا السقاء‪ ،‬وأغلقوا الباب‪ ،‬وأطفئوا السراج‪ .‬فإن الشيطان ال يحل‬
‫سقا ًء‪ ،‬وال يفتح باباً‪ ،‬وال يكشف إنا ًء‪ .‬فإن لم يجد أحدكم إال أن يعرض على إنائه عوداً‪،‬‬
‫ويذكر اسم هللا فليفعل‪ .‬فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم"‬
‫‪-4‬الرد على المبتدعة و المعطلة و نحوهم في خوضهم في حديث رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫و سلم بغير علم‪.‬‬
‫يقول اإلمام طاش كبرى زاده(موضوعه ونفعه ظاهر ألولي األلباب من المسلمين‬
‫الموحدين‪،‬وقد طعن طائفة من المالحدة الملقبين بالقرامطة في أحاديث حضرة الرسالة‪،‬‬
‫ألوهام واهية وأكاذيب ساهية‪،‬يدل سياقها على كذبها‪...‬إال أن العلماء جزاهم هللا عنا وعن‬
‫اإلسالم والمسلمين خيرا‪،‬قد انتصبوا لدفع هذه الخرافات صونا لعقائد عوام المسلمين عن‬
‫التورط في أوهامهم الفاضحة بتقريرات كاملة‪،‬وتحريرات واضحة)‪.‬‬
‫الشروط األولية أو المبدئية لفقه الحديث‪:‬‬
‫‪-)1:‬التسليم بحجية السنة‬
‫إذا جاء إنسان وال يعتقد حديث رسول هللا صلى هللا عليه و سلم وال أنه وحيا من عند هللا عز‬
‫وجل ويقول أنا أتفقه في حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ؛ فهذا متطاول على حديث‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم وليس متفقها ‪ ،‬وصاحب شبهة‪.‬فاإلنسان إذا لم يكن مؤمنا‬
‫مقرا أن النبي صلى هللا عليه وسلم ال ينطق عن الهوى ‪ ،‬وانه يوحى إليه ‪ ،‬ال يسمى متفقها‬
‫وإنما يسمى ‪ :‬هاجم على السنة ومتطاول‪.‬قال هللا تعالى ‪َ { :‬و َما َكانَ ل ُمؤم ٍن َو َال ُمؤمنَ ٍة إذَا‬
‫ض َّل‬‫سولَهُ فَقَد َ‬ ‫سولُهُ أَم ًرا أَن يَ ُكونَ لَ ُه ُم الخيَ َرة ُ من أَمرهم َو َمن يَعص َّ َ‬
‫اَّلل َو َر ُ‬ ‫اَّلل َو َر ُ‬
‫ضى َّ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫ض َال ًال ُّمبينًا (‪ } )36‬األحزاب‪.‬‬ ‫َ‬
‫وقصة مشهورة عن اإلمام الشافعي انه جاءه احد الناس فسأله ‪ ،‬فأفتاه بما في حديث رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه و سلم ‪،‬فقال له ‪ :‬ماذا تقول أنت يا إمام ؟ فقال اإلمام الشافعي ‪ :‬سبحان‬
‫هللا ‪ ،‬هل تراني في الكنيسة ؟! هل ترى فوقي زنار ‪ ،‬أقول لك ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه و سلم وتقول ‪ :‬ما رأيك‪.‬‬
‫سمي ٌع‬ ‫اَّلل َ‬ ‫سوله َواتَّقُوا َّ َ‬
‫اَّلل إ َّن َّ َ‬ ‫قال هللا تعالى ‪َ { :‬يا أَيُّ َها الَّذي َن آ َمنُوا َال تُقَد ُموا َبي َن َيدَي َّ‬
‫اَّلل َو َر ُ‬
‫علي ٌم (‪ } )1‬الحجرات‪ .‬والتقدم على كالم رسول هللا مثل التقدم عليه‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪-)2‬ثبوت الحديث و صحته ‪:‬‬
‫ال يمكن وال يصلح التفقه و االستنباط من حديث غير صحيح ‪ ،‬فأول ما يجب على المتفقه‬
‫أن يتأكد من صحة الحديث و قبوله و تصحيح أهل العلم ‪ ، ...‬فكثير من انشغل بأحاديث‬
‫غير صحيحة و أطالوا الخوض فيها‪.‬‬
‫ولقد ذكر اإلمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس ‪ :‬أن بعض العباد لبس عليهم إبليس فقال لهم‬
‫العمل قبل العلم ‪ ،‬فأعماهم ذلك فوقعوا في الجهل فأصبحوا يعملون باألحاديث الضعيفة و‬
‫الموضوعة‪.‬‬
‫وذكر العلماء كثير منها ‪ :‬كقيام الليل في النصف من شعبان ‪ ،‬فيها أحاديث موضوعة ‪ ،‬فتجد‬
‫البعض أخذ في شرحها وتعبد بها وهي ال تثبت عنه صلى هللا عليه وسلم‪.‬ولقد ذكر ذلك في‬
‫كتاب"أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب "هو كتاب عن بدعة شهر رجب‪،‬‬
‫ألفه الحافظ ابن دحية الكلبي‪ ،‬بين المؤلف في كتابه ما ورد في شهر رجب من فضائل‪،‬‬
‫وأنها كلها ال تثبت‪ ،‬وذكر البدع التي أحدثها الناس في هذا الشهر الكريم‪ ،‬كصالة الرغائب‪،‬‬
‫وتخصيصه بالصيام‪...،‬‬
‫الشاهد ‪:‬إن األحاديث الواردة التي هي غير صحيحة إما واهية أو موضوعة أو ضعيفة ‪،‬‬
‫واشتغل به بعض أهل العلم ‪ ،‬فكان األساس غير صحيح وباطل‪ ،‬قال ابن الجوزي عن‬
‫المتصوفة‪ :‬وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من األحاديث الموضوعة وهو ال‬
‫يدري‪.‬‬
‫وكان اإلمام الشافعي يقول ألحمد بن حنبل ‪ :‬إذا صح عندكم حديث ؛ فأعلمونا به لنأخذ به ‪،‬‬
‫و نترك كل قول قلناه أو قاله غيرنا ‪ ،‬فانتم أحفظ للحديث ونحن اعلم به‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫‪ -)1‬حديث《 نهى النبي صلى هللا عليه و سلم عن بيع و شرط》‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬هذا الحديث ال يثبت ( ضعيف ) ولم يأخذ به أهل العلم الن الشروط‬
‫ضرورية ‪ ،‬والحنفية اخذوا به واضطروا إلىأن يؤولوه‪ .‬ورد عليهم ابن تيمية وابن القيم‪.‬‬
‫والحديث الصحيح من حديث جابر ان النبي صلى هللا عليه وسلم باع له جمله و اشترط له‬
‫ظهره إلى المدينة‪.‬‬
‫‪-)2‬حديث 《أن النبي صلى هللا عليه و سلم نهى عن البُت َيراء 》وفسروها ب ‪ :‬أن يصلي‬
‫الرجل ركعة واحدة يوتر بها‪.‬‬
‫هذا الحديث أخذ به الحنفية ‪ ،‬وأهل العلم قالوا ‪ :‬ال ‪ ،‬وأجازوا أن اإلنسان يمكن أن يوتر‬
‫بركعة واحدة‬
‫قال ابن حزم ‪ 《 :‬لم يصح عن النبي صلى هللا عليه و سلم نهي عن البتيراء وال في‬
‫الحديث على سقوطه بيان ما هي البتيراء)‪.‬‬
‫قال ابن قطان (‪627‬هـ‪ 《: ) .‬والحديث من شاذ الحديث الذي ال يعرج على روايته مالم‬
‫تقر عدالتهم》‬
‫‪ -)3‬حديث‪ 《:‬نهى النبي صلى هللا عليه و سلم عن الماء المشمس 》الماء الذي يوضع في‬
‫الشمس ‪ ،‬وهذا لم يرد من طريق صحيح ومع ذلك عمل به بعض الحنفية‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫ال يجوز اإلقدام على فقه الحديث إال بعد التأكد من صحته و قبول أهل العلم له ‪ ،‬لكي يثبت‬
‫انه كالم النبي صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬
‫‪ -)3‬عدم تضعيف األحاديث الصحيحة‪(:‬التسليم ألهل العلم الراسخين في هذا العلم)‬
‫إن الذي يتطاول على األحاديث الصحيحة ويطعن فيها بغير علم‪،‬من وجوه واهية‪ ،‬فالعيب‬
‫يكون في ثقافة وفهم ذلك الرجل وليس في الحديث‪:‬‬
‫مثال‪:1‬حديث (بني اإلسالم على خمس)‪ ،‬ذكر الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه "كيف‬
‫التعامل مع السنة النبوية" أن بعض المعاصرين قالوا بان هذا الحديث ال يصح ألنه لم‬
‫يذكر فيه الجهاد‪.‬‬
‫لكن الحديث ليس فيه حصر‪،‬فعدم ذكر الجهاد أو غيره ال يدل على ضعف الحديث‪.‬‬
‫مثال‪:2‬حديث (جاء ملك الموت إلى موسى فقال له‪:‬اجب ربك‪،‬فقال‪:‬فلطم موسى ملك‬
‫الموت‪)...‬الحديث‪ .‬فهناك من ضعف هذا الحديث كمحمد الغزالي‪،‬وقالوا كيف للنبي أن يلطم‬
‫ملك الموت‪.‬‬
‫وأجاب العلماء وقالوا أن الملك جاءه في صفة رجل‪،‬وان فَقَأ َ عينه بمعنى غلبه وظهر‬
‫عليه‪،‬وليس الحديث على ظاهره‪.‬‬
‫وكذلك كثير من المعتزلة والفالسفة‪،‬ردوا أحاديث عذاب القبر والشفاعة و المعاد‪...‬‬
‫‪-‬الفرق بين هؤالء واألئمة الكبار إذا ردوا الحديث‪:‬‬
‫العلماء الكبار إذا ردوا الحديث فإنهم يردونه من باب شبهة وقعت لهم‪،‬إما لوجود أية من‬
‫كتاب هللا تخالفه أو لم يصله الحديث‪...‬وهم معذورين لدفاعهم عن الدين وهم‬
‫مجتهدون(كمالك واحمد والشافعي‪،)...‬واألحاديث التي لم يعملوا بها قليلة‪.‬‬
‫كقول أبو حنيفة الزواج بغير ولي‪،‬ولكن بعد ثبوت الحديث رجع له بعض الحنفية‪.‬ورد اإلمام‬
‫مالك نحو‪22‬حديث عنده في الموطأ لم يعمل بها كحديث البيعان بالخيار وصيام الست من‬
‫شوال‪.‬‬
‫خالصة‪ :‬إن العلماء المجتهدون عندما يعرض عن حديث يكون معذورا في ذلك‪،‬وال يخلط‬
‫بين العلماء والسفهاء‪،‬الن العلماء افنوا أعمارهم في خدمة الدين‪.‬‬
‫‪ -)4‬ســـــالمــــة الـــــروايــــة‪:‬‬
‫التأكد من سالمة الرواية وأنها لم يطرأ عليها أي تصحيف أو تحريف‪،‬وأنها هكذا نقلت عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬ألنه كما رأينا انه نشأت بعض المفاسد عند تسرع الناس في‬
‫تفسير وشرح األحاديث وهي على خالف ما نقل عن النبي‪.‬لذلك اعتنى العلماء بالمقابلة‬
‫والتصحيف ‪...‬واالعتماد على النسخ المصححة والمقروءة على كبار العلماء‪.‬‬
‫أ‪-‬مراعاة الضبط والتقييد‪:‬‬
‫من خالل الضبط والتقييد يختلف المعنى ويكون االختالف كبير‪.‬‬
‫مثال‪ :‬في صحيح مسلم(زادك هللا حرصا وال{تعُد}{تعدُ}{تُعد}) فالصواب هو{تُعد} أي ال تعد‬
‫الركعة‪.‬‬
‫ولذلك العلماء ركزوا على هذه المسالة‪،‬قال ابن الصالح( فسبيل من أراد االحتجاج من‬
‫صحيح مسلم أو أشباهه أن يتلقاه من أصل به مقابل على يدي مقابلين ثقتين بأصول صحيحة‬
‫متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد‬
‫بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك األصول)‪".‬صيانة صحيح مسلم"‬
‫وقالوا(من كتب ولم يقابل فليرمه في المزابل)‪،‬وكان العلماء يركزون على مسألة المقابلة(في‬
‫مصلح الحديث)‪،‬وهي المراجعة والتصحيح‪.‬‬
‫وفي هذا قام اإلمام القاضي عياض بجهد عظيم ونبه إلى العناية بهذه وضرورة مقابلة الكتب‬
‫والتأكد من سالمتها ‪،‬وفكر رحمه هللا في ضبط جميع األحاديث النبوية فرأى أن العمر ال‬
‫يسعفه وان األمر كبير جدا‪،‬فاقتصر على ما يسميه بمصاحف السنة(الصحيحين والموطأ)‬
‫وسمى كتابه "مشارق األنوار على صحاح اآلثار"‪.‬‬
‫الوقَّفي‪،‬كان متبحرا ويصلح الكتب‬ ‫ولقد انتقد رحمه هللا مذهب شيخه هشام بن احمد َ‬
‫باالعتماد على علمه‪،‬ولكن هذا اإلصالح يحتاج إلى تأني واللغة العربية ال يحيط بها إال‬
‫نبي‪ ،‬وكذلك قبله اإلمام ابن وضاح كان يصلح الكتب وأخطأ فيما أصلح(الموطأ)‪.‬‬
‫ومنهج القاضي عياض هو‪:‬انه على اإلنسان أن يترك الرواية كما وصلت إليه‪،‬ويبين في‬
‫األخير الصواب الذي ظهر له‪.‬يقول(الجسارة خسارة)‪.‬‬
‫قال القاضي عياض في مقدمة مشارق األنوار(‪ 3/1‬وما بعدها)‪ « :‬بحسب هذا الخلل‬
‫وتظاهر هذه العلل ما كثر في المصنفات والكتب التغيير والفساد وشمل ذلك كثيرا من‬
‫المتون واإلسناد وشاع التحريف وذاع التصحيف وتعدى ذلك منشور الروايات إلى‬
‫مجموعها وعم أصول الدواوين مع فروعها حتى اعتنى صبابة أهل اإلتقان والعلم وقليل‬
‫ما هم بإقام ة أودها ومعاناة رمدها فلم يستمر على الكافة تغييرها جملة لما أخبر ♠عن‬
‫عدول خلف هذه األمة وتكلم األكياس والنقاد من الرواة في ذلك بمقدار ما أوتوه فمن بين‬
‫غال ومقصر ومشكور عليم ومتكلف هجوم فمنهم من جسر على إصالح ما خالف‬
‫الصواب عنده وغير الرواية بمنتهى علمه وقدر إدراكه وربما كان غلطه في ذلك أشد من‬
‫استدراكه ألنه متى فتح هذا الباب لم يوثق بعد بتحمل رواية وال أنس إلى االعتداد بسماع‬
‫مع أنه قد ال يسلم له ما رآه وال يوافق على ما أتاه إذ فوق كل ذي علم عليم ولهذا سد‬
‫المحققون باب الحديث على المعنى وشددوا فيه وهو الحق الذي اعتقده وال امتريه إذ باب‬
‫االحتمال مفتوح والكالم للتأويل معرض وأفهام الناس مختلفة والرأي ليس في صدر واحد‬
‫والمرء يفتن بكالمه ونظره والمغتر يعتقد الكمال في نفسه فإذا فتح هذا الباب وأوردت‬
‫األخبار على ما ينفهم للراوي منها لم يتحقق أصل المشروع ولم يكن الثاني بالحكم على‬
‫كالم األول بأولى من كالم الثالث على كالم الثاني فيندرج التأويل وتتناسخ األقاويل وكفى‬
‫بالحجة على دفع هذا الرأي الفائل دعاؤه (عليه الصالة والسالم) في الحديث المشهور‬
‫المتقدم لمن أدى ما سمعه كما سمعه بعد أن شرط عليه حفظه ووعيه ففي الحديث حجة‬
‫وكفاية و غنية في الفصول التي خضنا فيها آنفا من صحة الرواية لغير الفقيه واشتراط‬
‫الحفظ والوعي في السماع واألداء كما سمع وصحة النقل وتسليم التأويل ألهل الفقه‬
‫والمعرفة وإبانة العلة في منع نقل الخبر على المعنى ألهل العلم وغيرهم بتنبيهه على‬
‫اختالف منازل الناس في الدراية وتفاوتهم في المعرفة وحسن التأويل والصواب من هذا‬
‫كله لمن رزق فهما وأوتي علما إقرار ما سمعه كما سمعه ورواه والتنبيه على ما انتقده‬
‫في ذلك ورآه حتى يجمع األمرين ويترك لمن جاء بعد النظر في الحرفين وهذه كانت‬
‫طريق السلف فيما ظهر لهم من الخلل فيما رووه من إيراده على وجهه وتبيين الصواب‬
‫فيه أو طرح الخطأ البين واإلضراب عن ذكره في الحديث جملة أو تبييض مكانه‬
‫واالقتصار على رواية الصواب أو الكناية عنه بما يظهر ويفهم ال على طريق القطع وقد‬
‫وقع من ذلك في هذه األمهات ما سنوقف عليه ونشير في مظانه إليه وهي الطريقة‬
‫السليمة ومذاهب األئمة القويمة فأما الجسارة فخسارة فكثيرا ما رأينا من نبه بالخطأ على‬
‫الصواب فعكس الباب ومن ذهب مذهب اإلصالح والتغيير فقد سلك كل مسلك في الخطأ‬
‫وداله رأيه بغرور وقد وقفت على عجائب في الوجهين وسننبه من ذلك على ما توافيه‬
‫العبر وتحقق من تحقيقه أن الصواب مع من وقف وأحجم ال مع من صمم وجسر وتتأمل‬
‫في هذه الفصول ما تكلمنا عليه وتكلم عليه األشياخ والحفاظ فيما أصلحه أبو عبد هللا بن‬
‫وضاح في الموطأ على يحيى بن يحيى فيمن تقدم وعلى ما أصلحه القاضي أبو الوليد‬
‫الكناني على هذه الكتب فيمن تأخر وإظهار الحجج على الغلط في كثير من ذلك اإلصالح‬
‫وبيان صحة الرواية في ذلك من األحاديث الصحاح وكما وجدنا معظما من حفاظ‬
‫المتأخرين المغاربة أصال البغداديين نزال قد روي حديث جليبيب وقول المرأة جليبيب أنيه‬
‫فقيده الجليبيب االبنة لما كان الحديث في خطبة ابنة هذه المرأة وهي قائلة هذا الكالم ولم‬
‫ين فهم لمن لم يعرف معنى انيه والحاق بعض العرب هذه الزيادة األسماء في االستفهام‬
‫عند اإلنكار ظن أنه مصحف من االبنة وكذلك فعل في حديث جويرية وشك يحيى بن يحيى‬
‫في سماعه اسمها في حديثه وقوله أحسبه قال جويرية أو البتة ابنت الحارث فقيده أواليته‬
‫بفتح الهمزة وكسر الالم بعدها ياء باثنتين تحتها مخففة وظنه اسما وأن شك يحيى إنما‬
‫هو في تغيير االسم ال في إثباته أو سقوطه ويحيى إنما شك هل سمع في الحديث زيادة‬
‫اسم جويرية أو إنما سمع ابنة الحرث فقط ثم نفى الشك عن نفسه بعد قوله أحسبه قال‬
‫جويرية فقال أو البتة أي أني أحقق أنه قالها ومثل هذا في حديث يحيى بن يحيى كثير‬
‫وسنذكر منه في موضعه إن شاء هللا وكذلك روي حديث ادام أهل الجنة بالالم فقال بالالي‬
‫يعني الثور وهكذا وجدت معظما من شيوخنا قد أصلح في كتابه من مسلم في حديث أم‬
‫زرع من روايته عن الحلواني عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة في قوله وعقر‬
‫جارتها فأصلحه وعبر بالباء وضم العين اتباعا لما رواه فيه ابن األنباري وفسره‬
‫باالعتبار أو االستعبار على ما نذكره إذ لم ينفهم له ذلك في عقر والمعنيان بينان في عقر‬
‫إذ هو بمعنى الحيرة والدهش وقد يكون بمعنى الهالك وكله بمعنى قوله في الرواية‬
‫المشهورة وغيظ جارتها وسنبينه في موضعه بأشبع من هذا إن شاء هللا في أمثلة كثيرة‬
‫نذكرها في مواضعها إال قصة جليبيب فهذا اللفظ ليس في شيء من هذه األصول فبحسب‬
‫هذه اإلشكاالت واإلهماالت في بعض األمهات واتفاق بيان ما يسمح به الذكر ويقتدحه‬
‫الفكر مع األصحاب في مجالس السماع والتفقه ومسيس الحاجة إلى تحقيق ذلك ما تكرر‬
‫على السؤال في كتاب يجمع شواردها ويسدد مقاصدها ويبين مشكل معناها وينص‬
‫اختالف الروايات فيها ويظهر أحقها بالحق وأوالها فنظرت في ذلك فإذا جمع ما وقع من‬
‫ذلك في جماهير تصانيف الحديث وأمهات مسانيده ومنثورات أجزائه يطول ويكثر وتتبع‬
‫ذلك مما يشق ويعسر واالقتصار على تفاريق منها ال يرجع إلى ضبط وال يحصر فأجمعت‬
‫على تحصيل ما وقع من ذلك في األمهات الثالث الجامعة لصحيح اآلثار التي أجمع على‬
‫تقديمها في األعصار وقبلها العلماء في سائر األمصار كتب األيمة الثالثة الموطأ ألبي عبد‬
‫هللا مالك بن أنس المدني والجامع الصحيح ألبي عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاري‬
‫والمسند الصحيح ألبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري إذ هي أصول كل أصل‬
‫ومنتهى كل عمل في هذا الباب وقول وقدرة مدعي كل قوة باهلل في علم اآلثار وحول‬
‫وعليها مدار أندية السماع وبها عمارتها وهي مبادئ علوم اآلثار وغايتها ومصاحف‬
‫السنن ومذاكرتها وأحق ما صرفت إليه العناية وشغلت به الهمة ولم يؤلف في هذا الشأن‬
‫كتاب مفرد تقلد عهده ما ذكرناه على أحد هذه الكتب أو غيرها إال ما صنعه اإلمام أبو‬
‫الحسن علي بن عمر الدارقطني في تصحيف المحدثين وأكثره مما ليس في هذه الكتب‬
‫وما صنعه اإلمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف وإال نكتا مفترقة وقعت أثناء‬
‫شروحها لغير واحد لو جمعت لم تشف غليال ولم تبلغ من البغية إال قليال وإال ما جمع‬
‫الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد الغساني شيخنا رحمه هللا في كتابه المسمى‬
‫بتقييد المهمل فإنه تقصى فيه أكثر ما اشتمل عليه الصحيحان وقيده أحسن تقييد وبينه‬
‫غاية البيان وجوده نهاية التجويد لكن اقتصر على ما يتعلق باألسماء والكنى واألنساب‬
‫وألقاب الرجال دون ما في المتون من تغيير وتصحيف وأشكال وإن كان قد شذ عليه من‬
‫الكتابين أسماء واستدركت عليه فيما ذكر أشياء فاإلحاطة بيد من يعلم ما في األرض‬
‫والسماء ولما أجمع عزمي على أن أفرغ له وقتا من نهاري وليلي وأقسم له حظا من‬
‫تكاليفي وشغلي رأيت ترتيب تلك الكلمات على حروف المعجم أيسر للناظر وأقرب للطالب‬
‫فإذا وقف قارئ كتاب منها على كلمة مشكلة أو لفظة مهملة فزع إلى الحرف الذي في‬
‫أولها إن كان صحيحا وإن كان من حروف الزوائد أو العلل تركه وطلب الصحيح وإن‬
‫أشكل وكان مهمال طلب صورته في سائر األبواب التي تشبهه حتى يقع عليه هنالك فبدأت‬
‫بحرف األلف وختمت بالياء على ترتيب حروف المعجم عندنا ورتبت ثاني الكلمة وثالثها‬
‫من ذلك الحرف على ذلك الترتيب رغبة في التسهيل للراغب والتقريب وبدأت في أول كل‬
‫حرف باأللفاظ الواقعة في المتون المطابقة لبابه على الترتيب المضمون فتولينا إتقان‬
‫ضبطها بحيث ال يلحقها تصحيف يظلمها وال يبقى بها إهمال يبهمها فإن كان الحرف مما‬
‫اختلفت فيه الروايات نبهنا على ذلك وأشرنا إلى األرجح والصواب هنالك بحكم ما يوجد‬
‫في حديث آخر رافع لالختالف مزيج لألشكال مريح من حيرة اإلبهام واإلهمال أو يكون هو‬
‫المعروف في كالم العرب أو األشهر أو األليق بمساق الكالم واألظهر أو نص من سبقنا‬
‫من جها بذة العلماء وقدوة األئمة على المخطئ والمصحف فيه أو أدركناه بتحقيق النظر‬
‫وكثرة البحث على ما نتلقاه من مناهجهم ونقتفيه وترجمنا فصال في كل حرف على ما‬
‫وقع فيها من أسماء أماكن من األرض وبالد يشكل تقييدها ويقل متقن أساميها ومجيدها‬
‫ويقع فيها لكثير من الروات تصحيف يسمج ونبهنا معها على شرح أشباهها من ذلك‬
‫الشرج ثم نعطف على ما وقع في المتون في ذلك الحرف بما وقع في اإلسناد من النص‬
‫»‪.‬‬
‫مثال‪ :1‬حديث(أمر رسول هللا بالفرق ونهى عن السَّكينَة) هكذا حققه الشيخ محمد عوامة‪،‬‬
‫س َكينيَة)وهي نوع من تسريحة الشعر‪،‬نسبة إلى سكينة بنت الحسين‪.‬‬ ‫والصواب(ال ُّ‬
‫مثال‪:2‬حديث(من صلى على جنازة في المسجد فال شيء عليه)وفي رواية(فال شيء له)‪.‬‬
‫‪-‬كيف نعرف الضبط والتقييد(الكتب التي اعتنت بالضبط والتقييد)‪:‬‬
‫‪"-‬مشارق األنوار على صحاح اآلثار" للقاضي عياض‪،‬اعتنى بالصحيحين والموطأ‪.‬‬
‫‪ "-‬مطالع األنوار" ألبي إسحاق بن قرقول الحمزي(ت‪567:‬هـ‪ ).‬في ‪3‬مجلدان ‪،‬وهو تلميذ‬
‫القاضي عياض‪،‬وهذا الكتاب نفسه مشارق األنوار إال بعض اإلضافات اليسيرة‪.‬وقد اختلف‬
‫العلماء في نسبته إلى ابن قرقول‪،‬قال ابن خاتمة(ما وقفت على نسخة نسبها إليه)‪.‬‬
‫‪"-‬صيانة صحيح مسلم" ألبي عمر بن الصالح‪.‬‬
‫أما األحاديث التي ال توجد في هذه الكتب‪ ،‬يرجعا فيها إلى‪:‬‬
‫‪-‬كتب الغريب‬
‫‪--‬كتب الشروح‬
‫ب‪ -‬السالمة من اللحن والخطأ في اإلعراب‪:‬‬
‫‪-‬اإلعراب والنحو‪:‬‬
‫أمثلة لبعض األحاديث التي يختلف معناها باختالف إعرابها‪:‬‬
‫مثال‪ :1‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(ذكاة ُ الجنين ذكاة ُ أمه)‪:‬‬
‫ذكاة‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وذكاة أمه‪:‬خبر وأمه مضاف إليه‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬إن ذكاة األم تكفي وال يذكى للجنين‪،‬وهذا رأياألئمة الثالثة‪.‬‬
‫اإلمام أبو حنيفة قرأه‪ :‬ذكاة َ الجنين ذكاة َ أمه‪ .‬والمعنى‪ :‬ذ ُكوا الجنين كذكاة أمه‪(.‬ذكاة‪:‬مفعول)‬
‫ورث ما تركناه صدقة)‪.‬‬ ‫مثال‪ :2‬حديث( نحن معاشر األنبياء ال نُ َ‬
‫الشيعة يحرفونه فيقولون( نحن معاشر األنبياء ال نُ َّورث ما تركناه صدقة)‪ ،‬ما‪:‬موصولية في‬
‫محل نصب مفعول به‪.‬‬
‫‪-‬أهمية النحو عند المحدثين أو في الحديث‪:‬‬
‫قال اإلمام شعبة(ت‪ 160:‬هـ‪(:).‬من طلب الحديث فلم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه‬
‫برنس وليس له رأس)‪.‬‬
‫قال حماد بن سلمة‪(:‬مثل الذي يطلب الحديث وال يعرف النحو مثل الحمار عليه مخالة وال‬
‫شعير فيها)‪.‬‬
‫قال اإلمام األصمعي(ت‪216:‬هـ‪( :).‬إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو‬
‫أن يدخل في جملة قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من‬
‫النار‪ .‬ألنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه)‪.‬‬
‫ولقد اهتم العلماء بهذا األمر وألفوا فيه ك"تدريب الراوي" للسيوطي وغيره من العلماء‬
‫اهتموا بمسائل النحو واإلعراب غيره كاإلمام ابن شبَّة‪.‬‬
‫‪-‬إذا وقع اللحن والخطأ في الرواية هل يصلح؟(هل يجوز رواية الحديث باللحن)‪:‬‬
‫القول األول‪:‬يجوز له أن يصلح الخطأ إذا كان الخطأ جليا واضحا‪،‬وكان المصحح من أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إذا جاءتك الرواية فيها خطا تضع عليها ضبة(هي‪ :‬الصاد من كلمة‬
‫ص‬
‫)‪.‬وإذابحث ووجد الكلمة الصحيح‬ ‫صح‪،‬توضع على الكلمة المشكوك في صحتها هكذا‬
‫صح‬
‫‪،‬زاد عليها (ح)‪.‬‬
‫القول الثالث‪:‬يقول ابن دقيق العيد(ت‪702:‬هـ‪( :).‬وهو أن هذا الفظ المختل اليروى على‬
‫الصواب وال على الخطأ‪،‬أما على الصواب فألنه لم يسمعه من الشيخ كذلك‪،‬وأما على الخطأ‬
‫فأل ن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يقله كذلك)‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬يروى اإلصالح من األساس(مثل القول األول)‪،‬سواء كان الحديث الخطأ جلي‬
‫أم ال يقول ابن حزم‪(:‬وأما اللحن في الحديث فإن كان شيئا له وجه في لغة العرب فليروه‬
‫كما سمعه وال يبدله وال يرده إلى أفصح منه وال إلى غيره وان كان شيئا ال وجه له في لغة‬
‫العرب البتة فحرام على كل مسلم إن يحدث باللحن عن النبي صلى هللا عليه وسلم فان فعل‬
‫فهو كذاب مستحق للنار في اآلخرة‪.)...‬‬
‫إذا كان الحديث محتمل للغة من لغات العرب لماذا ال يجوز تغييره؟‬
‫ألن النبي ص لى هللا عليه وسلم كان يخاطب كل قبيلة بلغتها وكل قبيلة بلهجتها‪،‬والنبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم أفصح الناس وكان يكلم الناس بما يفهمونه ألنه من وسائل الدعوة ومقال ذلك‬
‫تكلمه مع أهل اليمن بلغتهم(ب إبدال الالم بالميم) (ليس من البر الصيام في السفر)‪،‬وهي من‬
‫معجزاته صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫أنــــواع اللــــحن‪:‬‬
‫اللحن ‪:‬يقابل التصحيف‪،‬واللحن في األساس الخطأ الذي يقع من جهة اإلعراب ‪،‬او خطا في‬
‫بينة الكلمة في النحو والصرف‪.‬‬
‫واللحن نوعان‪:‬‬
‫‪ -)1‬ماال يتغير به المعنى‪ :‬ولكنه مع ذلك ال يجوز إغفاله ولكن اخف من غيره‪.‬‬
‫مثال‪ :‬كقول بعض المحدثين(لبيك حجةً وعمرةً) والصواب(حج ٍة وعمرةٍ)‪.‬‬
‫وكقول صلى هللا عليه وسلم( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)‪،‬اغلب المحدثين على‬
‫إسكان (ال ُخبث) وهو الشيء الخبيث‪،‬والمحققين على رفعها (ال ُخبُث)وهو جمع خبيث وهو‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫‪ -)2‬ما يتغير به المعنى ‪ :‬مثال‪ :‬حديث( ذكاة الجنين ذكاة أمه)‪ ،‬قال ابن األثير في النهاية‬
‫(يروى هذا الحديث بالرفع والنصب‪،‬فمن رفعه جعله خبر المبتدأ الذي هو ذكاة الجنين‪،‬‬
‫فتكون ذكاة األم هي ذكاة الجنين فال يحتاج إلى ذبح مستأنف‪ ،‬ومن نصب كان التقدير ذكاة‬
‫الجنين كذكاة أمه‪،‬فلما حذف الجار نصب‪،‬أو على تقدير يذكى تذكية مثل ذكاة أمه‪،‬فحذف‬
‫المصدر وصفته وأقام إليه مقامه‪،‬فال بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيا‪.‬ومنهم من يرويه‬
‫بنصب الذكاتين‪:‬أي ذكوا الجنين ذكاة أمه)‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪( :‬انه لم يرو عن احد من الصحابة وال من العلماء أن الجنين ال يؤكل إال‬
‫باستئناس الذكاة إال ما روي عن أبي حنيفة وال احسب أصحابه وافقوه عليه)‪.‬‬
‫الكتب التي اهتمت بأهمية اإلعراب‪:‬‬
‫‪ -1-‬كتاب اإلعراب‪ :‬ألبي بكر بن خيثمة(ت‪279:‬هـ‪،).‬‬
‫‪ -2-‬إعراب الحديث النبوي الشريف‪ :‬لل ُعكبَري (ت‪616:‬هـ‪.).‬‬
‫‪ -3-‬شواهد التوضيح والتصحيح لمشكالت الجامع الصحيح‪:‬ابن مالك أبو عبد هللا‪ ،‬وهو‬
‫خاص بصحيح البخاري‪.‬كان أحد يقرأ الصحيح‪،‬بحضرة ابن مالك‪،‬فكان يراقب شفتيه وإذا‬
‫أخطأ يرده ابن مالك رحمه هللا‪،‬وما كان له وجه في اللغة يجيزه ‪،‬وكأنه رحمه هللا من خالل‬
‫تلك المجالس سجل تلك المسائل‪.‬‬
‫‪ -4-‬فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث‪ :‬ألبي عبد هللا محمد الصغير‬
‫اإلفراني(ت‪1155:‬هـ‪ ،).‬يقول في مقدمته( وبعد فانه يكثر السؤال عن حكم المتصدي‬
‫للحديث مع انه ال مساس له بالعربية في القديم وال في الحديث‪،‬هل في ذلك رخصة ترتقي‬
‫سهولتها أو ليس في ذلك إال شدة فتجنب قسوتها‪،‬وقد علم أن المؤمنين ال غنى لهم عن سماع‬
‫الحديث النبوي الشريف وأقواله عليه الصالة والسالم‪،‬كالزالل العذب ال يستغني عنه مر ٍو‪،‬‬
‫فلو شرط التضلع في العربية لشغر من الحديث ناديه وقد طم غباب الجهل في حواضر‬
‫المغرب فكيف بقراه فكيف ببواديه‪ ،‬ولما رأيت كثرة السؤال في ذلك‪ ،‬الفت هذا الثبت لكشف‬
‫القناع عن عما هنالك‪،‬وسميته فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث‪،‬وجعلت الكالم في ذلك‬
‫منحصرا في طالعة‪ ،‬وبعدها أنماط ثالثة الحقة المعة‪ ،‬وعلى هللا التوكل وبه استعين)‪.‬‬
‫‪ -5-‬مشكالت الموطأ‪ :‬لإلمام السيد البطليوسي(ت‪521:‬هـ‪).‬‬
‫‪-6-‬عقود الزبرجد في إعراب مسند احمد‪ :‬للسيوطي(ت‪911:‬هـ‪ ).‬مطبوع في‪ 3‬مجلدات‪.‬‬
‫ج‪ -‬التصحيف والتحريف‪:‬‬
‫وهذه المسالة ليست فقط في الحديث بل حتى في األدب وكذلك عند أهل الكتاب‪،‬وهللا سبحانه‬
‫وتعالى حفظ القرءان من التحريف‪ ،‬وهو تحريف األلفاظ أما تحريف المعاني فتجده عند‬
‫كثير من المبتدعة‪.‬‬
‫فهذه المسالة معضلة وغالبا ما يؤدي لها هو تشابه صور الحروف‪ ،‬قال اإلمام احمد (من‬
‫الذي أعرى عن الخطأ)‪.‬‬
‫‪-‬تعريف التصحيف والتحريف‪:‬‬
‫التصحيف‪ :‬لغة‪ :‬مشتق من الصحف‪(،‬والصحفي والمصحف هو الذي يروي الخطأ على‬
‫قراءة الصحف)‪.‬‬
‫التحري ف‪ :‬لغة‪ :‬مشتق من االنحراف والتغيير‪،‬وهو تغيير الكلمة عن أصلها ومعناها‪.‬‬
‫وهنا يطرح سؤال‪:‬لماذا كان العلماء يتحرزون من كتابة الحديث؟‬
‫ألنهم أخذوا هذه السنة أمانة وأرادوا أن يؤدوها بحقها كما سمعوها‪،‬وكانوا يقولون الدراية‬
‫مع الرواية لكي ال يقع لهم مثل أهل الكتاب‪ ،‬وكانوا يتخوفون من الكتابة‪.‬وبعد ذلك رأوا‬
‫المصلحة في كتابتها وحفظ العلم‪.‬‬
‫قال أبو حيان األندلسي‪:‬‬
‫يظن الغمر أن الكــتب تهــــدي‪.....‬أخا فهم إلدراك العلــوم‬
‫وما يدري الجهول بأن فــــيها‪....‬فوامض حيرت عقل الفهيم‬
‫إذا رميت العلوم بغير شـــــيخ‪.....‬ضلت عن الصراط المستقيم‬
‫وتلتبس األمور عليك حــــــتى‪.....‬تكون أضل من توما الحكيم‪.‬‬
‫التحريف والتصحيف في اصطالح المحدثين(تغيير الكلمة من الهيئة المتعارف عليها الى‬
‫غيرها) أو نقول‪:‬تغيير الكلمة من الهيئة المحفوظة إلى غيرها)‪.‬‬
‫عند قولنا تغيير يخرج ما ليس بتغيير‪،‬وعندما نقول الكلمة يخرج تغيير الجملة‪.‬‬
‫واغلب العلماء ال يفرق بين التصحيف والتحريف كأنهما شيء واحد‪،‬وبعض أهل العلم‬
‫كالحافظ ابن حجر يقولون‪ :‬إذا تعلق األمر بالنقط من عدمه فهو‪:‬التصحيف ‪،‬وإذا تغير‬
‫بالشكل والضبط فهو‪ :‬التحريف‪.‬‬
‫مــثال‪:1‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم (إذا دفنتم الميت صبوا عليه اللَّبن)‪ ،‬رواها‬
‫البعض(الل َبن)‪ ،‬فاألولى جمع لبنة و هي ما تبنى به البيوت‪،‬والثانية الحليب‪ ،‬فهذا تحريف‪.‬‬
‫مثال‪ :2‬حديث أبي لهيعة عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه(احتجم في المسجد النبوي) توجد‬
‫في مسند اإلمام احمد‪،‬وهذا تحريف‪،‬وإنما هو احتجر‪،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم(احتجر‬
‫حجرة فكان يصلي فيها)‪.‬‬
‫واحتجر أي اتخذ حجرة له‪.‬واحتجم أي الحجامة‪.‬‬
‫‪-‬اإلمامأبو القاسم بن ورد(ت‪540:‬هـ‪ ).‬في كتابه "األجوبة" تكلم كثيرا على مجموعة من‬
‫األحاديث سئل عليها‪،‬وذكر ما وقع فيها من تصحيف وتحريف وبين الصواب ‪.‬‬
‫أمـــثــلة‪:‬‬
‫‪ -)1‬حديث ( إذا أراد هللا بعبده خيرا‪ ،‬عسله ‪ ،‬قيل‪ :‬وما عسله؟ قال‪ :‬يفتح هللا له عمال‬
‫صالحا قبل موته‪ ،‬ثم يقبضه عليه )‪:‬‬
‫(عسله) كيف ضبط هذه اللفظة؟ أهي بالعين المعجمة أو بالعين غير المعجمة فقد قال من‬
‫قال يروى ذلك غسله من الغسل‪ ،‬وقال غيره ‪ :‬غسله من غسل الذنوب؛أي ‪:‬يفتح له عمل‬
‫صالح بين يدي موته يغسل عنه ما مضى إذ التوبة محاءة للذنوب‪ ،‬وفي حديث آخر‪-‬ملء‬
‫علمك‪(-‬إذا أراد هللا بعبد خيرا استعمله)‪ ،‬أي ألهمه بعمل صالح‪ ،‬فأردت شرح الصحيح من‬
‫القولين منهما بذلك؟‬
‫فأجاب الرواية في لفظ الحديث المذكور إنما عسله بالعين غير المعجمة وتخفيف السين‬
‫ومعناه‪:‬‬
‫حببه إلى عباده؛ وهو في معنى ما وردمن وضع الَقبول في األرض‪ ،‬وذلك إنما يكون‬
‫عسله؟ قال‪ :‬فتح له عمال صالحا‬ ‫بالعمل الصالح‪ ،‬وفي إكمـال الحديث؛ قيل يا رسول هللا ما َ َ‬
‫غسله بالعين المعجمة فـإنه تصحيف‬ ‫بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله‪ ،‬وأما َ‬
‫وتحريف ‪ ،‬وكالم بغير معرفة وال تحقيق‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫‪ -)2‬حديث (إياكم و مشارة الناس ‪ ،‬فإنها تدفن الغرة ‪ ،‬و تظهر العرة)‬
‫يقول‪ :‬كيف ضبط هاتين اللفظتين؟ فقد قال قائل ‪ :‬إن األولى بضم العين غير المعجمة وفتح‬
‫الراء بعدها وتشديدها‪ ،‬والثانية‪ :‬بكسر العين غيرالمعجمة وفتح الزاي( يعني‪ :‬وتذهب‬
‫الع َّزة)‪،‬وقال‪:‬إن األولى من الع َّزة‪،‬والثانية من الغُ َّرة‪،‬فتفضل بشرح الصحيح من القولين‬
‫مأجورا‪.‬‬
‫يجيب اإلمام ابن ورد‪:‬ضبط هاتين الكلمتين‪:‬ان األولى بضم العين غير المعجمة وتشديد‬
‫الراء ‪،‬ويُراد بذلك‪:‬ما يَعُ ُّر‪ ،‬أي‪:‬يُشين‪،‬والثانية بضم الغين وتشديد الراء(الغُ َّرة)والمراد بذلك‬
‫ما يُزين‪،‬إذ الغر زين في األشياء المرئية فكذلك هي زين في الصفات المعنوية‪،‬ثم يقول‪:‬وما‬
‫خالف هذا الضبط لك فتصحيف‪،‬واشد التصحيف ما تعني‪،‬فان مصحفه يعتريه وهم فيه‪،‬وهذا‬
‫النوع من العلم ال ينبغي للعاقل أن يتهافت فيه حتى يأخذه عن أهله‪.‬‬
‫‪ -)3‬حديث( ليس منا من رمانا بالليل)‪:‬‬
‫وأما قوله‪(:‬ليس منا من رمانا بالليل)فالرواية فيه النبل ال بالليل وتفسير ذلك‪:‬ليس منا من‬
‫رمانا رميا ال يحتفظ منه وال يقدر على إمضائه إذ غير النبل من الرماح وسائر السالح قد‬
‫يتالعب بها ويمكن التحرز من فخصت النبل‪،‬إذ هي‪-‬هنا‪ -‬ال يستعمله إال المحارب ال‬
‫المالعب‪.‬‬
‫هل يقدح في الراوي إذا صحف أو حرف‪:‬‬
‫الجواب‪ :‬ال يخلوا المصحف أو المحرف من أن يكون متعمدا أو غير متعمد‪:‬‬
‫‪-1‬حالة العمد‪ :‬إن كان متعمدا فهو كاذب عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬ويعتبر من‬
‫الوضاعين ولو حديث واحد‪،‬ويدخل في قوله صلى هللا عليه وسلم(من كذب علي متعمدا‬
‫فليتبوأ مقعده من النار)‪.‬‬
‫‪ -2‬حالة غير العمد‪ :‬في حالتين‪:‬‬
‫‪-‬إذا وقع بكثرة‪ :‬فهذا يطعن فيه ويقدح‪ ،‬ويكون في ذلك عالمة على غفلته‪ ،‬وفي هذا قال‬
‫ص ُحفي‪،‬وال القرءان من ُمص َحفي ٍ)‪.‬‬ ‫العلماء (ال تأخذوا العلم عن ُ‬
‫وروي أن احد الرواة كان يناظر إسحاق بن راهوية في مسالة (القزع)‪،‬فلما أفحمه ابن‬
‫راهوية ذهب يبحث فوجد حديث واخطأ في قراءته‪ ،‬أن النبي (كان يحب القزع) ولكن‬
‫الصحيح هو (القرع)‪،‬وليس القزع‪.‬‬
‫‪-‬أما إذا كان وقع في ذلك على جهة الخطأ‪،‬وكان نادرا‪،‬فال يطعن في الراوي‪،‬ولقد وقع هذا‬
‫لكبار أهل العلم كشعبة صحف وغيره من األئمة الكبار‪،‬ولكن قليلة هذه األخطاء‪.‬‬
‫‪-‬جهــود العلماء في بيان التصحيف والتحريف‪:‬‬
‫‪ -1‬إصالح غلط المحدثين" للخطابي‪،‬وهي رسالة صغيرة ومهمة جدا ومن أول ما ألف في‬
‫هذا الباب‪.‬يقول في أولها(هذه ألفاظ من الحديث يرويها‪،‬أكثر الرواة والمحدثين ملحونة‬
‫ومحرفة أصلحناها واخبرنا بصوابها‪،‬وفيها حروف تحتمل وجوها اخترنا منها أبينها و‬
‫أوضحها ‪،‬وهللا الموفق للصواب ال شريك له)‪.‬‬
‫‪" -2‬التصحيف والتحريف" للدارقطني(مفقود)‪.‬‬
‫‪" -3‬تصحيفات المحدثين" ألبي احمد العسكري‪،‬وينقسم إلى قسمين‪:‬قسم متعلق بالرواة‬
‫وقسم متعلق بالحديث‪.‬وله كتاب "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف"(ال يهم في هذا‬
‫الباب)‬
‫‪ " -4‬التطريف في التصحيف" للسيوطي‪.‬‬
‫‪" -5‬التنبيه على األلفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطا في تفسيرها‬
‫ومعانيها في كتاب الغريبين ألبي عبيد الهروي" لمحمد بن ناصر السالمي(في‬
‫حدود‪557‬هـ‪).‬‬
‫‪" -5‬قد يكبو الجواد في بيان أربعين غلطة ألربعين من النقاد" ألبي البركات‬
‫البلفيقي(‪771‬هـ‪.).‬‬
‫‪" -6‬التصحيف وأثره في الحديث والفقه" لجمال السطيري‪.‬‬
‫‪-‬أسباب التصحيف والتحريف‪:‬‬
‫‪ -1‬عد م األخذ عن الشيوخ والسماع منهم‪ :‬كلما بعد طالب العلم عن العلماء سيخطئ في‬
‫أمور كثيرة‪.‬‬
‫‪ -2‬تشابه الحروف في الرسم‪ :‬بعض الحروف الهجائية تتشابه في رسمها بحيث يكون‬
‫االختالف في النقط فقط‪،‬أو في رسمها مع قرب التشابه بيتها مثل(ح‪،‬ج‪،‬خ)‪...‬‬
‫‪ -3‬الغفلة وعدم التيقظ والضبط‪ :‬وهذا ال يقع في الغالب لالئمة المتقنين الحفاظ بل يقع لمن‬
‫عرف باللين و الخطإ واالختالط‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -4‬الجهل بالغريب وباللغة‪ ،‬فاإلنسان كلما ضعف علمه باللغة كان عرضة للوقوع في‬
‫التصحيف والتحريف‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم القراءة على الشيوخ‪.‬‬
‫جـــمـــع طــــرق الحــــديــــث‪:‬‬

‫األفضل أن يقال جمع روايات الحديث‪ ،‬وجمع الطرق‪:‬تعبير القدماء‪ ،‬وإذا قلنا جمع‬
‫الروايات‪ ،‬فهو شامل للمتون واألسانيد‪.‬‬
‫مفهومه‪ :‬ويقصد به أن المتفقه في حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال يحق له ذلك‬
‫حتى يبذل أقصى جهده في جمع طرق الحديث المتعددة وألفاظه المختلفة‪ ،‬وإال فانه ليس‬
‫بمأمن عن الزلل ويكون عرضة لسوء الفهم وسوء الفقه عن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬فإن تعمد عدم جمع الروايات فهو ضال مضل ومبتدع وقصده اإلساءة إلى الدين‪ ،‬وان كان‬
‫من باب الخطأ فهو مخطئ‪.‬‬
‫كيفية جمع طرق الحديث‪:‬‬
‫عند التحدث عن جمع طرق الحديث فإننا نتكلم عن مستويين‪:‬‬
‫‪ -)1‬أن تجمع روايات وألفاظ الحديث الواحد المختلفة‪ ،‬حتى ترجح بينها فإن اتفقت فالحمد‬
‫هلل‪،‬وان اختلفت تأخذ باألصح واألسلم والترجيح بينهما‪،‬كحديث البسملة في الوضوء‪ ،‬وهذه‬
‫الدرجة ضيقة ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬نعمد لحديث جبريل في اإلسالم ومراتبه عن عمر بن الخطاب‪،‬ثم نجمع كل ألفاظ‬
‫وطرق الحديث وزيادات الرواة فيه (وأن تلد األمة ربتها‪،)...‬ثم نضيف حديث أبي هريرة‬
‫والنعمان وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -)2‬أن تجمع روايات وأل فاظ الحديث الواحد في باب معين عن مجموعة من الصحابة وهذه‬
‫دائرة أوسع من جهة‪ :‬أنها (الرواية)قد تكون عن صحابة آخرين وقد تكون موافقة أو‬
‫معارضة‪ ،‬كحديث النهي عن الشرب قائما وما يعارضه‪،‬وحديث البول قائما‪ ،‬وغيرهما من‬
‫األحاديث‪.‬‬
‫وكثير من العلماء شرحوا حديث واحد وجمعوا طرقه‪:‬‬
‫(إيضاح السبيل من حديث جبريل) لإلمام ابن الزبير الغرناطي‪ ،‬مخطوط‪.‬‬
‫كذلك اإلمام السيوطي (حديث إنما األعمال بالنيات)‪.‬‬
‫لماذا جمع طرق الحديث؟‪ :‬ألن الواحد من أهل الحديث كان يدون ما وصل إليه من شيوخه‬
‫من األلفاظ التي سمعها فيتحملها كما هي أو بلفظ آخر‪ ،‬وتختلف طرق التحمل‪ :‬أحيانا بعض‬
‫الشيوخ والرواة يأخذ ويسمع في مجالس المذاكرة والبعض يسمع في مجالس الفتوى‬
‫والبعض يسمع في مجالس التحديث‪،‬وال شك أن العالم يروي الحديث على طرق مختلفة‬
‫أيضا‪،‬فأحيانا يختصره وأحيانا يجوده‪،‬حسب المناسبة والمتلقي‪.‬‬
‫أسباب ودواعي االختالف وتعدد الطرق واأللفاظ‪:‬‬
‫‪ -)1‬االختصار‪ :‬ال شك أن طرق رواية حديث تختلف حسب اختالف المكان والزمان‪ ،‬فقد‬
‫كان المحدث يحدث بالحديث حسب كل مجلس‪:‬‬
‫‪-‬فان كان في مجلس فتوى‪:‬ربما اكتفى برواية موطن الشاهد فقط‪.‬‬
‫‪-‬وان كان في مجلس مذاكرة‪:‬ربما اختصره من اجل الوقت والمذاكرة‪.‬‬
‫‪ -‬وان كان في مجال التحديث‪:‬ذكر الحديث كامال‪،‬وقد يزيد الفوائد وما يتعلق بالحديث‪.‬‬
‫مثال‪:‬حديث أبي هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ (:‬إن العبد لترفع درجته في‬
‫الجنة)‪ ،‬أورده ابن ماجة في السنن‪ :‬عن أبي هريرة‪،‬عن النبي قال‪( :‬القنطار اثنا عشر ألف‬
‫أوقية‪،‬كل أوقية خير مما بين السماء واألرض)‪،‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬إن الرجل‬
‫لترفع لترفع درجته في الجنة فيقول‪:‬أنى هذا؟فيقال‪:‬باستغفار ولدك لك)‪.‬‬
‫وكان كذلك العلماء المصنفون أصح اب الكتب الستة وغيرهم يختصرون الحديث ويقتصر‬
‫على ما يناسب الباب‪.‬‬
‫‪ )2‬الرواية بالمعنى‪ :‬كان بعض المحدثين إما ال يحفظون حفظا مطابقا وإما غير عرب‪،‬‬
‫وإما كان الحديث طويال فكانوا يروون الحديث بمعناه‪ ،‬وقد يكون الراوي مع حفظه ال يرى‬
‫ضرورة االلتزام باللفظ عند مجلس معي ن ‪ ...‬والكالم في الرواية بالمعنى فيها عشرة أقوال‬
‫أشهرها أن تتوفر الشروط التالية‪ :‬ال تكون إال للعالم ‪،‬الفقيه‪ ،‬العالم باللغة العربية‪،‬وان يكون‬
‫الحديث في باب ألفاظه غير مقصودة لذاتها مثل أحاديث األذكار واألدعية ال يجوز روايتها‬
‫بالمعنى ‪.‬‬
‫‪ -)3‬التبويب‪( :‬تبويب األحاديث في أبواب حسب موضوعها)‪،‬أي‪ :‬من األئمة الحفاظ الذين‬
‫جمعوا السنة ودونوها من كان يرتب األحاديث على أبواب فقهية‪،‬فكانوا يراعون في الباب‬
‫شطرا من الحديث فيوزعون الحديث الواحد على عدة أبواب وهذا يجر إلى التكرار‪،‬وهذا‬
‫األخير مدعاة لإلطالة والملل‪،‬ما جعلهم يختصرون الحديث أو يكتفون برواية ما يستشهد به‬
‫في الباب‪.‬‬
‫وهذا صار عليه جميع كبار أهل العلم‪ ،‬فقد كان اإلمام مالك في الموطأ يفرق الحديث على‬
‫عدة أبواب كما نص على ذلك ابن عبد البر(ت‪463:‬هـ‪ ).‬في التقصي انه كان يفرق بعض‬
‫الروايات على صغر الحديث‪،‬مثال ذلك ‪:‬‬
‫(الرمل في‬
‫‪-‬حديث جابر في الحج فقد قسم مالك الحديث في أربعة أبواب‪ :‬فذكره في باب َّ‬
‫الطواف) وفي باب (البدء بالصفا في السعي) وفي باب (جامع السعي) وفي باب (االستالم‬
‫في الطواف)‪.‬‬
‫واإلمام الجهبذ والطالب النبيه إذا تأمل هذه األشرطة يدرك بال ادني شك أو شبهة أنها جزء‬
‫من حديث جابر الطو يل‪،‬وقس ذلك على عدد من األحاديث الطويلة التي تتضمن عديد من‬
‫األحكام والمواضيع‪،‬وقد يكون الحديث بمعنى واحد ولكم يصلح لعدة أبواب‪.‬‬
‫لكن اإلمام مسلم خالف هذه القاعدة ‪،‬وال يقسم الحديث‪.‬‬
‫‪ -)4‬سوء الحفظ‪ :‬كان بعض الرواة أحيانا يخطئ وأحيانا يشذ وينفرد أو يقلب المعنى‪ ،‬فينتج‬
‫عن ذلك زيادة واختالف في األلفاظ‪ ،‬ولذلك نضطر لجمع الروايات للوقف عن خطا‬
‫المخطئ وصواب المصيب‪.‬‬
‫أهــــــمــية جــمع الــطــرق‪:‬‬
‫في الحقيقة أن المتفقه في الحديث هو أشبه ما يكون بالقاضي في تتبع القرائن والحجج‬
‫والشواهد‪ ،‬فالنصوص تبنى عليها أحكام شرعية لذلك ال بد من التقصي واالستقصاء‪.‬‬
‫والشواهد والقرائن هي الروايات المخالفة‪ ،‬فال يصل القاضي للحقيق إال بعد جمع األدلة‬
‫كلها‪،‬كذلك المتفقه في الحديث لن يصل إلى الحكم الصواب إال بعد جمع كل الطرق‬
‫والروايات واأللفاظ كلها‪.‬‬
‫والمتفقه كالمفسر ال يمكن أن يفسر آية وهو ال يعلم بالقرءان وغير ضابط له الن بعضه‬
‫لفسر بعضا‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قال بعض العلماء أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يرد السالم على الرجل الذي أساء‬
‫صالته دليال على هجر المسيء‪ ،‬لكن ابن حجر رد على هذا وقال انه وقف على رواية‬
‫أخرى تبين أن النبي رد عليه السالم‪،‬فلو أن هذا العالم تأنى وجمع طرق الحديث ما وقع في‬
‫هذه الزلة‪.‬‬
‫إذن فالمحدثون و الشراح المتفقهون في حديث رسول هللا حرصوا أوال على جمع الطرق‪،‬‬
‫للحكم على صحة الحديث‪،‬فضال على التفقه فيه‪.‬‬
‫قال ابن المديني(ت‪ 234:‬هـ‪ ":).‬إن الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه"‪ .‬أي جمع‬
‫اإلسناد مع المتن‪.‬‬
‫وكان بعض الحفاظ يقول (كل حديث ليس عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم)‪.‬‬
‫وقال ابن َمعين(‪ 243‬هـ‪().‬لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه)‪.‬‬
‫وقال اإلمام احمد‪( :‬الحديث إذا لم تجتمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضا)‪.‬‬
‫تفهمه‪ :‬تفقهه‬
‫يقول ابن حزم( تأليف(أي جمع)كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وضم بعضه إلى بعض‬
‫واألخذ بجميعه فرض ال يحل سواه)‪.‬‬
‫يقول القاضي عياض في "إكمال المعلم" (الحديث يحكم بعضه على بعض ويبين ُمفَ َ‬
‫س َرهُ‬
‫ُمشكلَه)‪.‬‬
‫وتكلم على هذه المسالة اإلمام أبو شامة المقدسي في كتابه (المؤمل في الرد إلى األمر‬
‫األول)‪.‬‬
‫نخلص‪،‬إلى أن ما جاء في رواية قد يكون مبسوطا في غيرها‪،‬وما جاء مختصرا في رواية‬
‫قد يكون مطوال في غيرها‪،‬وما جاء مهمال في رواية قد يكون موضحا في غيرها‪،‬وما جاء‬
‫مجمال في رواية قد يكون مبينا في غيرها‪.‬‬
‫وقضية جمع الروايات مسلمة فيها ومبدئية عند جميع العلماء‪.‬‬
‫فوائد جمع طرق الحديث (بالنسبة للمتفقه)‪:‬‬
‫‪ -)1‬تفسير غريب األلفاظ (األلفاظ الغريبة)‪:‬قد يرد في بعض األحاديث لفظ غريب يصعب‬
‫على المتفقه معرفة معناه‪،‬لذلك يجمع الطرق‪ ،‬فقد تجد في رواية ذلك اللفظ الغريب واضح‬
‫ومفهوم‪،‬أوقد يأتي في رواية أخرى التفسير مثال‪ :‬حديث (ابن الصياد‪،‬هل هو الدجال أم‬
‫ال)‪،‬وجاء في راية (خبأت لكم خبئا‪ ،‬قيل ما هو قال‪ :‬الدخ)‪ ،‬فسرها الحاكم بالجماع‪ ،‬لكن في‬
‫رواية أخرى استبان أمرها (الدخان)‪ ،‬قال هللا تعالى ( يوم تأتي السماء بدخان مبين)‪.‬‬
‫قال العراقي في األلفية‪:‬‬
‫كالدُّخٍ بالدُّ َخان البن صائد‬ ‫وخير ما فســـــــرته بوارد‬
‫فَسَّرهُ الج َما َ‬
‫ع وهو َواهــ ُم‬ ‫كذلك عند الترمذي‪،‬والحاك ُم‬
‫‪ -)2‬معرفة سبب ورود الحديث وقصته‪:‬‬
‫مثال ‪ :‬حديث ا مسلمة في الموطأ والصحيحين أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (إنما أنا‬
‫بشر‪ ،‬وإنكم تختصمون إلي‪ ،‬فلعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو‬
‫مما اسمع منه‪ ،‬فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فال يأخذ منه شيئا فإنما اقطع له قطعة‬
‫من النار)‪ ،‬فهذا الحديث بعد جمع الطرق تكشف عن قصته فسببه هو‪ :‬أن رجلين اختلفا في‬
‫ميراث لها‪ ،‬وهذه القصة ذكرت في غير الصحيحين والموطأ‪.‬‬
‫‪ -)3‬الكشف عن المبهمات في المتن ‪ :‬المبهمات هي أن يحكي عن رجل أو امرأة بصيغة‬
‫اإلبهام في المتن‪ .‬مثال ( أن رجال‪/...‬أن امرأة‪/....‬أن فالنا‪ )...‬فهذه ألفاظ غير معلومة‪،‬‬
‫وجمع الطرق يكشف األسماء المبهمة وذلك لمعرفة تاريخ ومكان وقوع القصة‪،‬وهذا يفيد‬
‫في معرفة الناسخ والمنسوخ‪،‬واألحكام‪...‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫المثال‪ :1‬حديث رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أن السعدين باعا آنية من الذهب‪،‬فباعا كل‬
‫ثالثة بأربعة أو كل أربعة بثالثة عينا‪،‬فقال لهما رسول هللا (أريتما فردَّا)‪ ،‬فالسعدين لفظ مبهم‬
‫وغير معروف منهما‪ ،‬لكن بعد جمع الطرق تبين أنهما سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة‪،‬‬
‫و قد قيل انه سعد بن معاذ‪ ،‬لكن ال يمكن فقد مات قبل ذلك وهناك من قال أبو سعيد الخدري‪.‬‬
‫المثال‪ :2‬حديث «ما أظن فالنا وفالنا يعرفان من ديننا شيئا»‪ ،‬فلفظ فالن وفالن مبهم‪ ،‬غير‬
‫معلومين لكن قدر عرفا بعد جمع الطرق‪ ،‬وهما نوفل بن مخرمة وعيينة بن حصن‪ ،‬والرواة‬
‫قاص‬
‫سن إسالمهما‪ ،‬قال علي بن أبي طالب لرجل ٍ‬ ‫سكتوا عن تسميتها قصدا ألنهما أسلما و َح ُ‬
‫كان يتحلق عليه الناس يسألونه «أتعرف الناسخ من المنسوخ » قال ‪:‬ال‪ ،‬قال‪«:‬هلكت‬
‫وأهلكت» وهذا إلدراك أهمية الناسخ والمنسوخ‪.‬‬
‫‪ -4‬تفسير المجمل ‪ :‬جمع الطرق يفيد في تفسير ما أجمل في رواية ما؛ فقد تجد رواية‬
‫أخرى تبين وتفسر ما هو مجمل في غيرها‪.‬‬
‫‪ -5‬الترجيح بين المعاني في الروايات المحتملة ‪ :‬إذا جاءت ألفاظ شبه متعارضة‪ ،‬فإنك عند‬
‫جمع الطرق تستطيع أن ترجح األقرب واألقوى‪ ،‬مثل حديث ‪ :‬المرأة التي وهبت نفسها‬
‫للنبي فقام رجل فقال‪:‬زوجنيها‪ ،‬من حديث سهيل بن سعد الساعدي‪.‬‬
‫‪ -6‬الوقوف على الجزم في الرواية على الشك ‪(:‬الوقوف على حقيقة الشك عند الرواية)‪،‬‬
‫مثال ‪ :‬يقال كذا أو كذا ‪ ،‬فالجمع بين الطرق يبين لمن وقع في هذا الشك‪ ،‬أهو وقع للنبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم أم لصحابي أم لمن هو دونه‪.‬‬
‫۞ هل من العلماء من قام بجمع الطرق من أجل التفقه في الحديث وشرحه؟‬
‫من الشراح من قام بهذا لكن اختلف كل حسب جهده‪ ،‬و ما انتهى إليه عمله‪ ،‬لذلك لم يأل‪ -‬لم‬
‫يتهاونوا ولم يفرطوا‪ -‬العلماء جهدا في تتبع الطرق واأللفاظ والروايات لألحاديث التي‬
‫يشرحونها‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫‪ -‬اإلمام الخطابي في "معالم السنن "‪.‬‬
‫‪ -‬القاضي عياض في "إكمال المعلم في فوائد مسلم" ‪.‬‬
‫‪ -‬النووي"شرح صحيح مسلم"‪.‬‬
‫‪ -‬ابن دقيق العيد "شرح عمدة األحكام"‪.‬‬
‫‪ -‬أما ابن حجر العسقالني فهو إمام في هذا الباب وقد بلغ الذروة‪ ،‬وهي إحدى المميزات‬
‫التي تميزه في شرحه‪ ،‬وهذه الميزة هي أنه وقف على كل حديث ودرسه بتمهل وتأن‪ ،‬ويتبع‬
‫طرقه باستقصاء بما ال يستطيع غيره أن يصل إليه فتبوأ بذلك مكانة دون غيره‪ ،‬وكشف عن‬
‫كثير من األخطاء و األوهام التي وقعت للشراح السابقين له كابن الملقن(ت‪804.‬هـــ‪ ).‬في‬
‫كتابه "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" والكرماني(ت‪786.‬هــ‪ ).‬في كتابه "الكواكب‬
‫الدراري في شرح صحيح البخاري" وغيرهم‪.‬‬
‫فكان يتتبع الطرق ويوظفها ويستخدمها وقد ركز على المستخرجات مما فيها من ألفاظ‬
‫وزيادات وفوائد كثيرة‪.‬‬
‫من الكتب التي اعتنت بجمع الطرق غير كتب الشروح مثل‪ :‬زاد المعاد البن القيم‪،‬ـ فإنه‬
‫يتوقف عند الحديث ويدرسه ويتكلم عنه بنفس ال يكاد يبلغه غيره‪ ،‬ومن الغريب أنه أملى‬
‫كتابه هذا في سفره ومن حفظه‪.‬‬
‫‪ -‬جالء األفهام‪ :‬تتبع الروايات في فضل الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫يقول ابن دقيق العيد عند حديث المسيئ صالته في كتاب"إحكام اإلحكام شرح عمدة‬
‫األحكام"‪:‬‬
‫«‪ ...‬إال أن على طالب التحقيق في هذا ثالث وظائف أحدها‪ :‬أن يجمع طرق هذا الحديث‪،‬‬
‫ويحصي األمور المذكورة فيه ويأخذ بالزائد فالزائد‪ .‬فإن األخذ بالزائد واجب‪.»...‬‬
‫۞ الكتب المساعدة (على جمع طرق) ‪:‬‬
‫‪ -1‬الجوامع والسنن ‪ :‬مثل الجامع الصحيح للبخاري والسنن األربعة وغيرهما ‪ ،‬أحيانا‬
‫يذكر المؤلف حديثا ثم يتبعه بحديث آخر بعده ثم بعده في نفس الباب مثال ‪ :‬باب ما ورد في‬
‫كذا‪ ،‬فيذكر كل األحاديث في الباب‪ ،‬وهذا من أجل شرحها وتقويتها لبعضها البعض‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم البخاري ومسلم فيجمع الحديث وما يشهد له في الباب الواحد وكذلك تبعهم في ذلك‬
‫الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود‪ ،‬وكذلك عند اإلمام ابن آبي شيبة في المصنف‪ ،‬فهو‬
‫يعتني بأقوال الصحابة‪ ،‬فيذكر الباب األول ويذكر فيه الحديث‪.‬‬
‫‪ -2‬الكتب الجامعة بين الكتب(الستة) ‪ :‬منذ القرن الخامس والسادس بدأ العلماء إلى التأليف‬
‫بين هذه الكتب وهي على أقسام ‪:‬‬
‫الجامعة بين الصحيحين –مثل‪:-‬‬
‫‪ -‬كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي(ت‪488.‬هــ‪ ،).‬محمد بن الفتوح‪،‬أبوعبد هللا‪-‬تلميذ‬
‫ابن حزم‪.-‬‬
‫‪ -‬كتاب الجمع بين الصحيحين لعبد الحق اإلشبيلي(ت‪581.‬هـــ‪ ).‬مطبوع في في ‪4‬‬
‫مجلدات‪.‬‬
‫والفرق بينهما‪ :‬أن كتاب الحميدي مرتب على المسانيد وكتاب عبد الحق مرتب على‬
‫األبواب الفقهية‪.‬‬
‫وغيرهم كثير جمعت بين الصحيحين‪ :‬البغوي‪ ،‬والوراني ‪. ...‬‬
‫* الجامعة بين الصحاح والسنن ‪:‬‬
‫‪-‬تجريد الصحاح ‪ :‬جمع فيه الكت ب الخمسة زائد الموطأ ‪،‬لرزين بن معاوية‬
‫األندلسي(ت‪525:‬هـ‪).‬‬
‫‪ -‬جامع األصول ألحاديث الرسول‪ ،‬البن األثير(ت‪606.‬هـــ‪ ).‬وأصله كتاب تجريد الصحاح‬
‫لإلمام رزين األندلسي(ت‪525.‬هـــ‪،).‬اضاف اليه بعض القضايا المهمة والفهارس‬
‫والترتيب‪.‬‬
‫‪-‬أنوار الصباح في الجمع بين الكتب الصحاح‪ ،‬لمحمد بن عتيق األندلسي(ت‪636:‬هـ‪).‬‬
‫‪ -3‬األجزاء الموضوعية والكتب المفردة في موضوع معين‪ :‬وهي مهمة اليستغني عنها‬
‫طالب العلم‪ ،‬ألنها تجمع جميع األحاديث في الباب ؛مثل‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب"الطهور" للقاسم بن سالم(ت‪224.‬هـــ‪ ،).‬وهو كتاب جمع األحاديث في باب‬
‫الطهارة‪،‬في مجلد‪.‬‬
‫‪" -‬الوجوه المحصورة في حديث بريرة" البن يربوع اإلشبيلي‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب "صالة التسبيح" لإلمام الخطيب البغدادي(ت‪463.‬هـــــ‪.).‬‬
‫‪" -‬حديث ابن عمر في ترائي الهالل" للخطيب‪.‬‬
‫‪" -‬القراءة خلفاالمام" لإلمام للبخاري‪ ،‬وكذلك اإلمام البيهقي له كتاب في نفس الموضوع‪.‬‬
‫‪" -‬المناسك" البن أبي عروبة(ت‪156.‬هـــ‪.).‬‬
‫‪ "-‬ما روي في الحوض والكوثر" لإلمام بقي بن مخلد‪.‬‬
‫‪" -‬الوتــــــر وقيام الليل" و" تعظيم قدر الصالة" محمد بن نصر المروزي‪.‬‬
‫‪"-‬صفة صالة النبي" للشيخ األلباني‬
‫وقد توسع المعاصرون في هذا الباب‪ ،‬وأُنجزت أطروحات ورسائل في تصنيف األحاديث‬
‫في باب واحد تحت موضوع واحد‪ ،‬كاألحاديث الواردة في فضل المدينة أو في السيئة‪ ،‬أو‬
‫السنة والبدعة ‪ ،‬وفي البيئة والحفاظ عليها‪،‬وهناك من جمع األحاديث المتعلقة بالشباب‪،‬‬
‫توجيها وأحكاما‪.‬‬
‫معرفة سبب الورود وأثره في فقه الحديث‬

‫مفهومه ‪ :‬ال بد من التفريق بين سبب الورود وسبب التحديث‪:‬‬


‫‪ -‬سبب الورود‪ :‬قال بعض العلماء هو‪ ":‬ما ورد الحديث أيام وقوعه"‪ ،‬وال شك أن هذا‬
‫التعريف تعريف مختل –كأنه نقله على أسباب النزول‪ ،-‬وإنما يقصد به النظر في البواعث‬
‫والدوافع المالبسة لقول النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لذلك الحديث أو حكمه بذلك الحكم أو‬
‫تلفظه بتلك الكلمة‪ ،‬فيكشف العموم والخصوص والمغزى واألهداف‪ ،‬وهو متعلق به ‪-‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪.-‬‬
‫مثاله‪ :‬حديث «إنما األعمال بالنيات» سببه أن رجال هاجر من مكة إلى المدينة ال يريد بذلك‬
‫الهجرة‪ ،‬بل ليتزوج امرأة يقال لها‪ :‬أم قيس‪ ،‬فسمي مهاجر أم قيس‪ :‬ولهذا حسن في الحديث‬
‫ذكر المرأة‪ ،‬دون سائر األمور الدنيوية‪.‬‬
‫قال السيوطي ؒ‪:‬‬
‫سبَبُهُ في َما َر َووا َوقَـــــــــــــــــــالُوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫مث ُل َحديث‪ " :‬إنَّ َما األَع َما ُل "‬
‫صلَح‬‫من ث َ َّم ذك ُر ام َرأَةٍ فيه َ‬ ‫ُم َهاج ٌر ألُم قَي ٍس َكي نَ َكح‬

‫‪ -‬سبب التحديث‪ :‬الدوافع المناسبة والباعثة لتحديث الصحابي بالحديث‪ ،‬فسبب التحديث‬
‫متعلق بالصحابي فهو مفيد في كيفية االستدالل وفقه الراوي بذلك الحديث وتنزيله‪(.‬وهناك‬
‫من العلماء من ال يفرق بين سبب الورود وسبب التحديث)‪.‬‬
‫مثاله حديث ‪ :‬اإليمان واإلسالم واإلحسان‪:‬‬
‫ففي هذا المثال يتبين أن الصحابي الذي ذكر الحديث وهو ابن عمر له سبب في ذلك ‪ ،‬فقد‬
‫أخرجه مسلم من‪ :‬كهمس‪ ،‬عن ابن بريدة‪ ،‬عن يحيى بن يعمر‪ ،‬قال‪ :‬كان أول من قال في‬
‫القدر بالبصرة معبد الجهني‪ ،‬فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين ‪ -‬أو‬
‫معتمرين ‪ -‬فقلنا‪ :‬لو لقينا أحدا من أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فسألناه عما‬
‫يقول هؤالء في القدر‪ ،‬فوفق لنا عبد هللا بن عمر بن الخطاب داخال المسجد‪ ،‬فاكتنفته أنا‬
‫وصاحبي أحدنا عن يمينه‪ ،‬واآلخر عن شماله‪ ،‬فظننت أن صاحبي سيكل الكالم إلي‪ ،‬فقلت‬
‫‪:‬أبا عب د الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن‪ ،‬ويتقفرون العلم‪ ،‬وذكر من شأنهم‪،‬‬
‫وأنهم يزعمون أن ال قدر‪ ،‬وأن األمر أنف‪ ،‬قال‪« :‬فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء‬
‫منهم‪ ،‬وأنهم برآء مني»‪ ،‬والذي يحلف به عبد هللا بن عمر «لو أن ألحدهم مثل أحد ذهبا‪،‬‬
‫فأنفقه ما قبل هللا منه حتى يؤمن بالقدر» ثم قال‪ :‬حدثني أبي عمر بن الخطاب قال‪ :‬بينما‬
‫نحن عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فذكر الحديث بطوله»‪.‬‬
‫أهميته ‪ :‬هذا العلم في غاية األهمية لكل طالب فقه‪ ،‬وال يمكنه الولوج لفقه الحديث ما لم‬
‫يحط علما بأسباب ورود الحديث ألنه يعطي ويضيف الزوائد والفوائد ويفتح لك الباب‬
‫لمالبسة الحديث‪ ،‬وفهمه على حقيقته ‪.‬‬
‫يقول ابن حجر في النزهة شرح النخبة ‪«:‬ومن المهم معرفة سبب الحديث‪ ،‬وقد صنف‬
‫بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفَ َّراء الحنبلي وهو أبو حفص العكبري»‪.‬‬
‫وذكره الشيخ طاهر الجزائري في كتابه "توجيه النظر إلى أصول علم األثر"‪«:‬ومن فروع‬
‫علم الحديث‪ ،‬معرفة أسباب ورود الحديث‪ ،‬وقد صنف فيه بعض العلماء‪ ،‬وقد جرت عادة‬
‫أكثر شراح الحديث‪ ،‬التعرض لذلك إذا كان للحديث سبب ووقفوا عليه»‪.‬‬
‫والعلماء عندما يتكلمون عن هذا العلم جعلوه نظيرا ألسباب نزول اآليات‪-‬عندنا الحديث‬
‫وأسباب وروده ويقابله القرآن وأسباب نزوله‪ ،-‬ولم يكن المفسرون يتهاونون في معرفة‬
‫أسباب النزول‪ ،‬بل إنهم جعلوه شرطا في المفسر للقرآن ‪ ،‬كما ذكره الزركشي والسيوطي‬
‫وغيرهما‪ .‬وأول من ألف في أسباب نزول القرآن هم أهل الحديث‪ ،‬وأولهم اإلمام علي بن‬
‫المديني‪ ،‬بعده تبعه كثير من العلماء كالواحدي‪ ،‬وابن حجر في كتابه (العجاب في بيان‬
‫األسباب)‪.‬‬
‫فأسباب ورود الحديث يوازي أسباب نزول اآليات بحيث إن لم ت َعرف سبب نزول اآليات‪،‬‬
‫وال متى نزلت‪ ،‬وال فيمن نزلت‪ ،‬وال أين نزلت‪ ،‬ال تستطيع أن تفسرها وال أن تفهمها على‬
‫حقيقتها‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬معرفة ابن الخطاب رضي هللا عنه ألسباب نزول آية ‪[ :‬اليوم اكملت لكم دينكم]‬
‫{المائدة‪.}3:‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم كان يعالج واقعا معينا ونواز َل معينة ‪ ،‬فإن عرفت السبب بإمكانك‬
‫أن تفهم المراد من قوله أو فعله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فال بد أن يُستحضر ذلك الواقع الذي‬
‫عالجه رسول هللا وتلك األحوال التي حكى فيها والدوافع والبواعث وراء حديثه ال يُجزئ‬
‫الحديث ويأخذ بجملة أو جملتين أو ال يلقي باالً لسبب الورود‪ ،‬فهو بذلك يجنى على حديث‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫من ذكره من العلماء في علوم الحديث ‪( :‬واالهتمام بهذا العلم) حقيقة؛ ال ابن الصالح وال‬
‫الحاكم وال النووي ذكر وه في علم الحديث‪ ،‬في حين ذكره غيرهم‪ ،‬وأول من أدرجه ضمن‬
‫علوم الحديث هو‪ :‬اإلمام البلقيني في كتابه "محاسن االصطالح وتضمين كتاب ابن الصالح"‬
‫وجعله في النوع التاسع والستون ومثل بحديث‪ «:‬إنما األعمال بالنيات»‪ ،‬وكتابه استدراك‬
‫على مقدمة ابن الصالح ‪ .‬وتبعه السيوطي في "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي"‬
‫وجعله في النوع التاسع والثمانون‪ ،‬وكذلك ابن حجر في"النزهة شرح النخبة" ونور الدين‬
‫عتر‪ ،‬وذكره أيضا محمد أبو شهبة(ت‪1403.‬هــــ‪ ).‬في كتابه "الوسيط في علوم مصطلح‬
‫الحديث"‪ ،‬وأطال النفس في ذلك‪.‬‬
‫وقد أهمله من أهمله‪ ،‬ولم يدرجه ضمن علوم الحديث بسبب قربه من فقه الحديث‪.‬‬
‫المؤلفات في أسباب ورود الحديث ‪ :‬جرت عادة العلماء أن يذكروا أن أول من ألف فيه هو‬
‫سبق في هذا بكثير‪.‬‬ ‫السيوطي‪ ،‬لكن فالحقيقة والبحث يظهران أن اإلمام السيوطي ُ‬
‫‪ -1‬ذكر الحافظ ابن حجر أن أول من ألف فيه هو اإلمام أبو حفص العكبري‪ ،‬وهو ‪ :‬عمر‬
‫بن أحمد بن عثمان البزاز( =البزاز يبع الثوب وهي األكثر في الرواة‪ ،‬والبزار يبيع البزر وهو نوع من‬
‫الحبوب )‪ ،‬شيخ القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الفقيه الحنبلي‪ ،‬وتوفي أبو‬
‫حفص سنة(‪417‬هـ‪ ،).‬وليس (‪317‬هـ‪ ).‬كما حققها أستاذنا ‪-‬حفظه هللا‪ ،-‬يقول ابن حجر‬
‫‪-‬كما ذكرنا من قبل‪ -‬في النزهة شرح النخبة ‪ «:‬وقد صنف بعض شيوخ القاضي أبي يعلى‬
‫بن الفراء الحنبلي وهو أبو حفص العكبري»‪.‬‬
‫وقال أيضا في فتح الباري‪«:‬وقد أفرده أبو حفص العكبري من شيوخ أبي يعلى بن الفراء‬
‫بالتصنيف»‪ ،‬فبما أنه من شيوخ أبي يعلي فال يمكن أن يتوفى في(‪317‬هـ‪.).‬‬
‫‪ -2‬أبو حامد بن كُوتاه الجوباري واسمه محمد ابن الحافظ أبي عبد الجليل (ت‪582.‬هـــ‪،).‬‬
‫وكوتاه بالعربية‪ :‬القصير‪ ،‬وجوبار ‪:‬محلة بأصبهان‪ .‬وذكر الذهبي في تاريخ اإلسالم –في‬
‫ترجمته البن كوتاه‪-‬؛ قال‪«:‬وجمع كتابا في أسباب الحديث » ‪.‬‬
‫‪-‬وهذان الكتابن مفقودان ال يوجدان إلى حد اآلن‪.‬‬
‫وقد توقف التأليف فيه إلى حدود القرن التاسع‪ ،‬فألف في الباب السيوطي‪:‬‬
‫‪ -3‬اإلمام السيوطي‪ ،‬واسم كتابه "اللمع في أسباب ورود الحديث" وهو مطبوع ومتداول‪،‬‬
‫يقال أنه جمع فيه نحو‪ 323:‬رواية‪ ،‬وذكر أحد تالميذه أنه مات ولم يتم هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪ -4‬برهان الدين بن حمزة الحسيني الدمشقي‪ ،‬واسمه إبراهيم بن محمد(ت‪1120.‬هـ‪،).‬‬
‫وسمى كتابه "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" ‪ ،‬وهو من أجمع الكتب‬
‫يورد الحديث ثم يذكر السبب الذي من أجله ورد ذلك الحديث‪ ،‬وهو مطبوع متداول‪،‬وهو‬
‫على طريقة المتأخرين وأشهر كتاب في هذا الباب‪.‬‬
‫‪-‬ويمكن الرجوع أيضا إلى كتب المسانيد والشروحات‪.‬‬
‫فائدة معرفة المؤلفات‪:‬‬
‫سبق في التأليف‪.‬‬ ‫‪ -1‬ليعلم المؤلف أنه قد ُ‬
‫‪ -2‬أن يرجع إليها ويستفيد منها‪.‬‬
‫األمثلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث "جبريل" وهو الحديث الطويل ‪ ،‬وقد سبق ذكره‪.‬‬
‫وف رجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا»‬ ‫‪ -2‬حديث‪َ « :‬ألن يمتلئ َج ُ‬
‫أخرجه مسلم من طريق قتيبة ‪ ،‬عن الليث‪ ،‬عن ابن الهاد‪ ،‬عن يحيى‪ ، ،‬عن أبي سعيد‬
‫الخدري‪ ،‬قال‪ :‬بينا نحن نسير مع رسول هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بالعَرج إذ عرض شاعر‬
‫ينشد‪ ،‬فقال رسول هللا ‪« :‬خذوا الشيطان‪ ،‬أو أمسكوا الشيطان ألن يمتلئ جوف رجل قيحا‬
‫خير له من أن يمتلئ شعرا»‪.‬‬
‫فلو أخذنا الحديث على ظاهره لضاق األمر وعسر‪ ،‬لكن إن رجعت لنص الحديث كما ساقه‬
‫تفهم أن السبب من هذا الكالم هو الشاعر بعينه ألن الشاعر أنشد شعرا في الهجاء ونحوه‬
‫من الشعر الذي يدعو للمجون وال يدعو إلى فضيلة وال يحذر من رذيلة‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث ‪«:‬إنما األعمال بالنيات»‬
‫نقل الحافظ السيوطي عن الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن بن عن محمد بن طلحة‬
‫عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال‪ :‬لما قدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المدينة‬
‫ُوعكَ فيها أصحابه وقدم رجل فتزوج امرأة مهاجرة‪ ،‬فجلس رسول هللا –صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬على المنبر فقال‪ " :‬يا أيها الناس إنما األعمال بالنية‪.‬ثالثا‪ .‬فمن كانت هجرته‬
‫‪ "...‬الحديث‪ ،‬ثم رفع يديه فقال‪ " :‬اللهم انقل عنا الوباء " ثالثا‪ .‬فلما أصبح قال‪ :‬أوتيت هذه‬
‫الليلة بالحمى ف إذا بعجوز سوداء مطيبة في يدي الذي جاء بها فقال هذه الحمى فما ترى؟‬
‫فقلت اجعلوها تحم‪.‬‬
‫الشاهد‪ :‬أن هذا الحديث ورد لسبب خاص‪.‬‬
‫ور قَا َل أَخبَ َرنَا أَبُو‬‫ص ٍ‬ ‫سعيدُ بنُ َمن ُ‬ ‫صةُ ُم َهاجر أُم قَي ٍس َر َواهَا َ‬ ‫قال ابن حجر في الفتح‪َ «:‬وق َّ‬
‫اَّلل ه َُو بن َمسعُو ٍد قَا َل َمن هَا َج َر يَبت َغي شَيئًا فَإنَّ َما لَهُ‬ ‫ق عَن عَبد َّ‬ ‫عن شَقي ٍ‬ ‫عن األَع َمش َ‬ ‫ُمعَاويَةَ َ‬
‫ي‬ ‫ذَلكَ هَا َج َر َر ُج ٌل ليَت َزَ َّو َج ام َرأَة ً يُقَا ُل لَ َها أ ُ ُّم قَي ٍس فَ َكانَ يُقَا ُل لَهُ ُم َهاج ُر أُم قَي ٍس َو َر َواهُ َّ‬
‫الطبَ َران ُّ‬
‫ب ام َرأَة ً ُيقَا ُل لَ َها أ ُ ُّم قَي ٍس فَأ َ َبت أَن‬ ‫عن األَع َمش بلَفظ َكانَ فينَا َر ُج ٌل َخ َ‬
‫ط َ‬ ‫ق أُخ َرى َ‬ ‫طري ٍ‬ ‫من َ‬
‫علَى‬ ‫صحي ٌح َ‬ ‫سميه ُم َهاج َر أُم قَي ٍس َو َهذَا إسنَادٌ َ‬ ‫تَت َزَ َّو َجهُ َحتَّى يُ َهاج َر فَ َها َج َر فَت َزَ َّو َج َها فَ ُكنَّا نُ َ‬
‫شيخَين»‪.‬‬ ‫شَرط ال َّ‬
‫‪ -4‬حديث أم سلمة في الموطأ والصحيحين أن النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال «إنما أنا بشر‬
‫‪ ،‬وإنكم تختصمون إلي‪ ،‬فلعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما‬
‫أسمع منه‪ ،‬فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فال يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من‬
‫النار » فهذا الحديث بعد جمع الطرق تكشف عن قصته ‪ ،‬فسببه هو‪ :‬جاء رجالن من‬
‫األنصار يختصمان إلى رسول هللا في ميراث لهما وليس بينهما بينة ‪ ،‬وهذه القصة ذكرت‬
‫في غير الصحيحين وموطأ‪.‬‬
‫تفـــسيــر الصـحابي للحديث‬

‫۞ هل للمتفقه في حديث رسول هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أن يتجاهل ويتجاوز تفسير‬
‫الصحابة؟‬
‫كما اختار هللا األنبياء واصطفاهم‪ ،‬اختار معهم ولهم أصحابا‪ ،‬فجرت عادة هللا تعالى في‬
‫األمم والملل كلما أرسل رسوال أو نبيا اختاره‪ ،‬اختار له أصحابا وحواريين(= الحواري هو‬
‫الخالص) يعينونهم ويدعمونهم على نشر الدين وتبليغه ومكافحة الشرك‪ ،‬لذلك فالنظر‬
‫للصحابة من هذا االتجاه‪ ،‬هو أن هللا اختارهم لصحبة النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ونزل‬
‫القرآن الكريم والسنة في خطابهم أوال‪ ،‬فمخاطبتنا بالشريعة كانت من خاللهم وهم الذين‬
‫خوطبوا بالتنزيل أول مرة‪ ،‬ومناقبهم وفضائلهم كثيرة جدا‪ ،‬والصحابة امتحنوا بأن كانوا‬
‫يعيشون مع النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬والوحي ينزل فيهم‪.‬‬
‫فما كان ينبغي ألي مؤمن مسلم إال أن يتبع وينظر في كالمهم وتفسيرهم وإفهامهم‪ ،‬ال أن‬
‫يزاحمهم ويدعي أنهم رجال ونحن رجال‪.‬‬
‫اَّلل‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬كانُوا ب َح ً‬
‫ارا‬ ‫سول َّ‬ ‫اب َر ُ‬‫قال القرافي في الفروق(‪«:)170/4‬أص َح ُ‬
‫سات َوال ُعلُوم‬ ‫سابيَّات َوالسيَا َ‬ ‫شرعيَّات َوال َعقليَّات َوالح َ‬ ‫علَى اخت َالف أَن َواع َها من ال َّ‬ ‫في ال ُعلُوم َ‬
‫َّاس يَت َ َكلَّ ُم في البَاء من بسم َّ‬
‫اَّلل من‬ ‫عب ٍ‬ ‫س عند َ ابن َ‬ ‫عليًّا َجلَ َ‬ ‫الظاه َرة َحتَّى يُر َوى أ َ َّن َ‬‫البَاطنَة َو َّ‬
‫غوا من الج َهاد‬ ‫سوا َو َرقَةً‪َ ،‬و َال قَ َر ُءوا كت َابًا‪َ ،‬و َال تَفَ َّر ُ‬‫طلَ َع الفَج ُر َم َع أَنَّ ُهم لَم يَد ُر ُ‬
‫العشَاء إلَى أَن َ‬
‫علَى هَذه ال َحالَة ب َب َر َكته صلى هللا عليه وسلم َحتَّى قَا َل‬ ‫َوقَتل األَعدَاء َو َم َع ذَلكَ فَإنَّ ُهم َكانُوا َ‬
‫اَّلل ُمعجزَ ة ٌ َّإال أَص َحابُهُ لَ َكفَوهُ في إثبَات نُب َُّوته»‪.‬‬ ‫سول َّ‬ ‫صوليينَ لَو لَم يَ ُكن ل َر ُ‬ ‫ض األ ُ ُ‬
‫بَع ُ‬
‫۞ مفهومه‪ :‬ماذا يقصد بتفسير الصحابي؟‪ :‬ما جاء من تفسير وشرح لكلمة أو جملة أو‬
‫تبيان بعض مقصود النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬من هذا الحديث أو نحو ذلك كقول أحد‬
‫الصحابة‪:‬أراد النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بهذا الحديث كذا أو يقصد النبي ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬بهذا الحديث كذا‪ ،‬ويحترز بهذا عن أمرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن قول ورأي الصحابي ومذهبه‪ ،‬فمذهب ورأي الصحابي ليس هو تفسيره للحديث وال‬
‫يعد كذلك أبدا‪ ،‬فالرأي اجتهاد قد ال يكون تفسيرا للحديث أصال أو مخالفا له ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما له حكم الرفع من قول الصحابي وفعله‪ ،‬وذكر له ابن حجر ثالثة شروط‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال يكون للرأي فيه مجال‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال يعرف الصحابي باألخذ عن اإلسرائيليات‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال يكون تفسيرا لعبارة أو جملة‪.‬‬
‫‪-‬أمثلة لفتاوى بعض الصحابة‪:‬‬
‫مثال‪« :1‬إذا ولغ الكلب»‬
‫عن أبي هريرة قال‪:‬أن رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪«:‬إذا شرب الكلب في إناء‬
‫أحدكم فليغسله سبعا» ولمسلم«والثامنة بالتراب»‪.‬‬
‫فهذا الحديث رواه أبو هريرة ومع ذلك كان يقول هو أن يغسل فقط ثالث مرات‪ ،‬فهذا ليس‬
‫تفسيرا منه للحديث‪ ،‬إنما هو رأي واختيار منه في هذه المسألة‪ ،‬لكن يُستفاد منه فقه الحديث‪.‬‬
‫مثال‪«:2‬إطالة الغرة»‬
‫عن أبي هريرة‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪:‬قال رسول هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪« -‬إنكم تأتون يوم‬
‫القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء»‪ ،‬فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل‪-‬هذا‬
‫الكالم‪" :‬فمن استطاع‪ "...‬؛ مدرج من كالم أبي هريرة‪ ، -‬فأبو هريرة مع روايته للحديث‬
‫إال أنه كان يطيل الغرة‪.‬‬
‫مثال‪ :3‬اختيار عائشة‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬لعدد الرضعات‪ ،‬مع أنها روت عدة أحاديث في‬
‫الرضعات وعددها‪ ،‬فهذا مذهبها وليس تفسيرا للحديث‪.‬‬
‫۞ تنويه العلماء بتفسير الصحابة ‪:‬‬
‫توافق الشراح على اإلشادة والعناية بأقوال الصحابة حينما يفسرون حديثا معينا أو رواية‪،‬‬
‫فقد ركز العلماء ودعوا طالب العلم إلى أن يلتفتوا وأن يتوقفوا عند تفسيرات الصحابة‪ ،‬ألن‬
‫تفسيرهم وشر حهم مقدم على جميع التفاسير‪ ،‬إال إن عارضه تفسير صحابي آخر‪ ،‬وإال‬
‫فيبقى تفسير الصحابة مقدم على غيره‪ ،‬لما له من الخصائص والمميزات ؛منها‪:‬‬
‫‪ -‬العيان للحوادث والوقائع‪ ،‬المعاينة لها من اإلدراك ما ليس للسمع‪ ،‬ليس من رأى كمن‬
‫سمع‪،‬فمن شاهد القصة ليس كمن لم يشاهد‪ ،‬وحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(ليس‬
‫الخبر كالمعاينة) ‪.‬‬
‫‪ -‬العلم باللسان‪ :‬فهم يدركون مغزى الخطاب ابتداء‪ ،‬ال يحتاجون إلى الرجوع إلى المعاجم‬
‫والقواميس‪ ،‬فهو مجرد ما يسمع الكلمة؛ يعلم هل هي كناية؟أو مجاز؟ أو استعارة؟ فكل هذه‬
‫األمور يدركونها سليقة دون الحاجة ألي جهد‪.‬‬
‫‪ -‬احتمال أنه من تفسير النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ :-‬ولذلك منهم من جعل تفسير الصحابة‬
‫وأقوالهم من السنة‪ ،‬فجعلها من السنن؛ قال صالح بن كيسان‪«:‬اجتمعت أنا والزهري ونحن‬
‫نطلب العلم؛ فقلنا ‪ :‬نكتب السنن ‪ ،‬فكتبتُ ما جاء عن النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ، -‬ثم قال ‪-‬‬
‫أي الزهري ‪ : -‬نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة ‪ .‬قلت أنا‪ :‬ليس بسنة فال نكتبه ‪.‬قال ‪:‬‬
‫فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعتُ » ‪.‬‬
‫‪-‬الصحابة مخاطبون بالوحي ابتداء‪،‬وهم الجدع المؤسس‪،‬وكثير من الوقائع حدثت لهم‪.‬‬
‫‪-‬تشديد العلماء فيما جاء عن الصحابة وأهميته‪:‬‬
‫قال األوزاعي‪«:‬العلم ما جاء عن أصحاب محمد‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ، -‬وما لم يجئ عن‬
‫أصحاب محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فليس بعلم»‪.‬‬
‫يقول ابن رجب(ت‪795.‬هـــ‪ «: ).‬وفي زماننا يتعين كتابة كالم أئمة السلف المقتدى بهم إلى‬
‫زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد‪ :‬وليكن اإلنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه‬
‫حدث بعدهم حوادث كثيرة»‪ ،‬وابن رجب قد امتاز من بين الشراح بكونه يهتم بأقوال‬
‫الصحابة وشروحاتهم‪ ،‬وهي أهم مميزاته؛ كما في فتح الباري وجامع العلوم والحكم ‪.‬‬
‫قال الشافعي‪«:‬العلم طبقات ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة إذا ثبتت السنة ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬اإلجماع مما ليس في كتاب وال سنة ‪.‬‬
‫والثالثة ‪ :‬أن يقول بعض أصحاب النبي ﷺ وال نعلم له مخالفا فيهم ‪.‬‬
‫والرابعة ‪ :‬اختالف أصحاب الرسول ‪.‬‬
‫والخامسة ‪ :‬القياس على بعض هذه الطبقات ‪.‬‬
‫وال يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان ‪ ،‬وإنما يؤخذ العلم من أعلى »‪.‬‬
‫يقول أبو المظفر السمعاني(ت‪489.‬هـــ‪ ).‬في قواطع األدلة‪«:‬وأما تفسير الراوى ألحد‬
‫محتملى الخبر يكون حجة فى تفسير الخبر‪ ،‬كالذى رواه ابن عمر أن المتبايعين بالخيار ما‬
‫لم يتفرقا وفسره بالتفريق باألبدان ال باألقوال فيكون أولى ألنه قد شاهد من خطاب الرسول‬
‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ما عرف به مقاصده وكان تفسيره بمنزلة نقله»‪.‬‬
‫يقول أبو العباس القرطبي‪«:‬فإن كان من قول رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فهو‬
‫المقصود‪ ،‬وإن كان من كالم الصحابي فمقبول‪ ،‬ألنه أعلم بالمقال وأقعد للحال»‪.‬‬
‫ويقول الشاطبي(ت‪790.‬هـــ‪ ).‬في الموافقات‪ «:‬ولكنهم يترجح االعتماد عليهم في البيان من‬
‫وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬معرفتهم باللسان العربي؛ فإنهم عرب فصحاء‪ ،‬لم تتغير ألسنتهم ولم تنزل عن‬
‫رتبتها العليا فصاحتهم؛ فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم‪ ،‬فإذا جاء عنهم قول‬
‫أو عمل واقع موقع البيان؛ صح اعتماده من هذه الجهة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬مباشرتهم للوقائع والنوازل‪ ،‬وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة؛ فهم أقعد في فهم‬
‫القرائن الحالية وأعرف بأسباب التنزيل‪ ،‬ويدركون ما ال يدركه غيرهم بسبب ذلك‪ ،‬والشاهد‬
‫يرى ما ال يرى الغائب»‪.‬‬
‫۞ شروط األخذ بتفسير الصحابي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يثبت تفسيره للحديث عنه‪ ،‬ويصح أنه تفسيره(سندا ومتنا)‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال يخالفه صحابي آخر‪ :‬فليس أحدهما أولى من اآلخر إال عند إمكان الترجيح بين‬
‫األقوى‪.‬وان اختلف الصحابة على قولين ال يجوز إحداث قول ثالث‪.‬‬
‫والعلماء الذين ألفوا المصنفات والموطآت والجوامع‪ ،‬اعتمدوا على أقوال الصحابة‪ ،‬ألنها‬
‫مفسرة تكشف عن حقائق أحاديث النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لذلك نرى مجموعة منهم‬
‫يحشدون أقوال الصحابة في كتبهم‪:‬كالدارمي وأبي بكر بن أبي شيبة وعبد الرزاق الصنعاني‬
‫واإلمام مالك‪ ،‬وهذه اآلثار قد يكون منها ما هو تفسير ومنها ما هو أقوال ومذاهب لهم‪.‬‬
‫أمــثـــلة‪:‬‬
‫مثال‪ :1‬حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنه ‪«:‬بيع حبل الحبلة»‪.‬‬
‫روى مالك في موطئه عن ابن عمر رضي هللا عنه أن رسول‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪«-‬نهى‬
‫عن بيع َحبل ال َح َبلَة ‪ ،‬وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية‪ ،‬كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج‬
‫الناقة‪ ،‬ثم ت ُنت َج التي في بطنها» ‪.‬‬
‫شرح الحديث ‪ :‬الحبل أي الحمل‪ ،‬فيقولون الحبل في اآلدمية والحمل في غير اآلدمية‪ ،‬فمن‬
‫فسر الحديث على ظاهره قال‪:‬بأنه بيع ما تحمله البهيمة قبل أن تلد‪ ،‬وقيل‪ :‬بيع حمل الحمل‬
‫‪،‬يعني أن الجنين عندما يكبر يلد جنينا آخر وهو مقصود حمل الحمل وهو قول أبي عبيد‬
‫القاسم بن سالم وأحمد بن حنبل‪.‬‬
‫أما ابن عمر ففسره ببيع األجل غير المحدد وذلك في قوله ‪ «:‬إلى أن تُنتج الناقة‪ ،‬ثم تُنتج‬
‫التي في بطنها»‪.‬‬
‫مثال‪«:2‬البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»‬
‫فسره ابن عمر بتفرق األبدان‪ ،‬فكان إذا تبايع مع رجل مشى خطوات حتى تتم الصفقة وال‬
‫يبقى مجال للخيار ‪ ،‬وفسره بعض أهل العلم التفرق باألقوال‪،‬وهذا من األحاديث التي لم يقل‬
‫بظاهرها مالك رحمه هللا‪.‬‬
‫مثال‪:3‬حديث أبي هريرة «ال شغار في اإلسالم»‬
‫ق‬
‫الشغار أن يتزوج الرجل امرأة على أن يتزوج أخته ألخ المرأة التي سيتزوجها دون صدا ٍ‬
‫بينهما‪ ،‬وهذا تفسير أبي هريرة ‪.‬‬
‫مثال‪: 4‬حديث النعمان بن بشير أن أباه نحله نحال‪ ،‬قال‪ :‬فقالت له‪ :‬أمي عمرة بنت رواحة‬
‫ائت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأشهده فأتى النبي فأشهده‪ ،‬فذكر ذلك له‪ ،‬فقال له‪ :‬إني‬
‫نحلت ابني النعمان نحال وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪« :‬ألك ولد‬
‫سواه؟» قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟» قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪:‬‬
‫هذا جور فأشهد على هذا غيري» وفي رواية «أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف‬
‫سواء» قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فأشهد على هذا غيري» وفي رواية«إن لهم عليك من الحق أن‬
‫تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك»‬
‫إذا حملنا هذا الحديث على ظاهره كما يأخذ بعض به بعض العلماء‪ ،‬فال يجوز أن يفضل‬
‫أحد أبنائه في العطية‪ ،‬إال أن يعدل بينهم‪ ،‬لكن لو أخذنا بعمل الخلفاء الراشدين وال سيما أبو‬
‫بكر الصديق فهو خصص هذا الحديث وقال أنه ليس على الوجوب‪ ،‬وإنما هو للندب‬
‫واإلرشاد إلى ما هو أفضل‪ ،‬هذا ليس تفسيرا ولكنه عمل مخصص‪ ،‬أخرج مالك في الموطأ‬
‫من حديث عائشة زوج النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬أنها قالت‪ :‬إن أبا بكر الصديق كان‬
‫نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة‪ ،‬فلما حضرته الوفاة قال‪ « :‬وهللا يا بنية ما من‬
‫الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك‪ ،‬وال أعز علي فقرا بعدي منك‪ ،‬وإني كنت نحلتك جاد‬
‫عشرين وسقا‪ ،‬فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك‪ .‬وإنما هو اليوم مال وارث‪ ،‬وإنما هما‬
‫أخواك‪ ،‬وأختاك‪ ،‬فاقتسموه على كتاب هللا‪ ،‬قالت عائشة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبت‪ ،‬وهللا لو كان كذا وكذا‬
‫لتركته‪ ،‬إنما هي أسماء‪ ،‬فمن األخرى؟ فقال أبو بكر‪ :‬ذو بطن بنت خارجة‪ ،‬أراها جارية »‪.‬‬
‫إذن؛ من هذا األثر نفهم أن أبا بكر الصديق فضل عائشة في العطية‪ ،‬يعني‪ :‬لو كان تفضيل‬
‫األوالد على بعضهم في العطية أمرا منكرا وأمرا عظيمــا ما ساغ ألبي بكر ؓأن يُخالف أمر‬
‫رسول هللا ‪ ،‬ولذلك قال بهذا القول جمهور العلماء‪.‬‬
‫قال الطحاوي‪ «:‬وقد فضل بعض أصحاب رسول هللا بعض أوالدهم في العطايا»‪.‬‬
‫۞ التصنيف فيه‪ :‬لم يصنف فيه حقيقة وإنما هو موجود في كتب التفسير كابن جرير‬
‫والثعلبي وابن كثير كتب شروح الحديث كفتح الباري وكتب ابن رجب الحنبلي وكتاب‬
‫تهذيب السنن البن جرير وكتب التخريج والعلل والمصنفات والجوامع التي تهتم بأقوال‬
‫وآثار الصحابة كالدارمي وابن أبي شيبة ومصنف سعيد بن منصور وكتب الفقه كالمحلى‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫۞النفاق والمنافقون في زمن الصحابة‪،‬وبيان انه ال اثر لهم في رواية الحديث‪:‬‬
‫الرويثي(ص‪:‬من‪182‬الى‪)184‬‬ ‫ع َّواد بن ُح َميد ُّ‬
‫كما جاء في كتاب"رواة الحديث" للدكتور َ‬
‫( لم يكن في المهاجرين منافق‪،‬وال يُعرف فيهم النفاق‪.‬وأما األنصار فكان فيهم بعض‬
‫المنافقين ولكن لم يبق أحد من األنصار; أوسي‪,‬أو خزرجي عند وفاة النبي صلي هللا عليه‬
‫وسلم إال ودخل في اإلسالم ظاهرا وباطنا ــ كما تقدم ص ‪( 158 :‬الحاشية) ــ ‪ .‬وأما‬
‫األعراب فمنهم المؤمنون الصادقون‪ ,‬ومنهم المنافقون ; كما قسمهم القرآن والسنة صفاتهم‪،‬‬
‫وبينا أعمالهم‪ ,‬وأقوالهم‪ ،‬التي يُفتضحون بها‪ ،‬وتدل عليهم ; كتخلفهم عن غزوة تبوك‪,‬‬
‫وبنائهم مسجد الضرار‪ ,‬وقولهم‪( :‬هم الذين يقولون ال تنفقوا على من عند رسول هللا حتى‬
‫ينفضوا ] (المنافقون[ ‪ , :7‬وقولهم ‪ ( :‬إنما كنا نخوض ونلعب) ]التوبة ‪[ 65 :‬وحادثة اإلفك‬
‫إلى غير ذلك في آيات كثيرة‪ .‬ثم إن ال منافقين لم يتعاطوا رواية الحديث ‪ ,‬وال يعرف عن‬
‫أحد منهم حديث واحد يرويه عن النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يحدث عن رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم إال من عرف بالصدق واألمانة‪ ,‬ولم يظهر الكذب في الحديث إال بعد وفاة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم بزمن‪ ,‬ولو تجرأ أحد منهم على الكذب ــ مع خوفهم على أنفسهم‬
‫أن يُ فتضحوا ــ لرد ذلك عليه الصحابة‪ ,‬وال فتضح أمره‪.‬وبهذا نخلص إلى أنه ال أثر للنفاق‬
‫والمنافقين على الحديث النبوي ‪ ,‬ونعلم حفظ هللا لسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬وتهيئته‬
‫األسباب لذلك‪ ,‬وحمايتها من الكذابين والمنافقين ‪ ,‬ومما يدل على قلة المنافقين ‪ ,‬وخمول‬
‫ذكرهم ‪ ,‬أو ذهابهم بعد وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم ما يلي ‪ :‬روى البخاري في "صحيفة‬
‫رقم ‪ 4658 :‬ـــ تحت ‪ :‬باب ‪ ( :‬فقاتلوا أئمة الكفر إنهم ال أيمان لهم ) ]التوبة ‪[12‬ــ ‪(( :‬‬
‫عن زيد بن وهب‪ ,‬قال ‪ :‬كنا عند حذيفة رضي هللا عنه ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما بقي من أصحاب هذه‬
‫اآلية إال ثالثة‪ ,‬وال من المنافقين إال أربعة ‪,‬فقال أعرابي ‪:‬إنكم أصحاب محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪,‬تخبرونا فال ندري‪,‬فما بال هؤالء الذين يبقرون بيوتنا‪,‬ويسرقون أعالقنا؟ قال ‪ :‬أولئك‬
‫الفساق‪ ,‬أجل لم يبق منهم إال أربعة‪,‬أحدهم شيخ كبير ‪ ,‬لو شرب الماء البارد لما وجد‬
‫برده))‪,‬وروى ــ أيضا ــ في "صحيحه" رقم ‪(( : 7114‬عن حذيفة رضي هللا عنه ‪,‬قال ‪:‬‬
‫إنما كان النفاق على عهد النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد اإليمان‬
‫))‪ .‬وروى مسلم في "صحيحه" رقم ‪ 2779:‬من حديث عمار‪ ,‬عن حذيفة رضي هللا عنهما‬
‫قا ل ‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪{:‬في أصحابي اثنا عشر منافقا‪ ,‬فيهم ثمانية ال يدخلوا‬
‫الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط‪ ,‬ثمانية منهم تكفيهم الدُّبيلة وأربعة )‪.‬لم احفظ ما قال‬
‫شعبة فيهم‪.‬انتهى‪.‬قال النووي‪《:‬قوله صلى هللا عليه وسلم ‪《 :‬في أصحابي》معناه‪ :‬الذين‬
‫ينسبون إلى صحبتي كما قال في الرواية الثانية‪《 :‬في أمتي》شرح مسلم ‪ 18/125‬و قال‬
‫المزي‪《 :‬لم يوجد قط رواية عمن لمز بالنفاق من الصحابة》‪.‬ينظر‪ :‬التحبير شرح‬
‫التحرير ‪4/1995‬و شرح الكوكب المنير‪2/477‬وارشاد الفحول‪1/340‬ولما ذكر العالئي‬
‫شرف الصحبة ‪،‬وأن شرطها اإليمان به صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قال‪《:‬فمن ليس كذلك ال‬
‫يصح انتسابه إلى صحبته‪،‬ولهذا منع هللا نسبة المنافقين إلى صحبته صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وأن يروى عن أحد منهم شيء أصال وال يوجد ألحد منهم ذكر في شيء من كتب‬
‫الصحابة》‪.‬منيف الرتبة ص‪ 46-47:‬وقال ابن تيمية‪《:‬الذين كانوا منافقين‪،‬منهم من تاب‬
‫عن نفاقه وانتهى عنه وهم الغالب ‪،‬بدليل قوله تعالى (لئن لم ينته المنافقون والذين في‬
‫قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم ال يجاورونك فيها إال قليال ملعونين‬
‫أينما ثقفوا اخذوا و قتلوا تقتيال ) [ األحزاب ‪ :‬اآلية ‪ ، ] 70‬فلما لم يغره هللا بهم ‪ ،‬ولم‬
‫يقتلهم تقتيال ‪ ،‬بل كانوا يجاورونه بالمدينة ‪ ،‬دل ذلك على أنهم انتهوا ‪ ،‬و الذين كانوا معه‬
‫بالحديبية كلهم بايعه تحت الشجرة إال الجد بن قيس ‪ ...‬و بالجملة ‪ :‬فال ريب أن المنافقين‬
‫كانوا مغمورين أذالء مقهورين ‪ ،‬ال سيما في آخر أيام النبي صلى هللا عليه وسلم 》 ‪.‬‬
‫منهاج السنة ‪ ،45-43/2‬وقال ‪ -‬أيضا ‪ 《 : -‬ينبغي أن يُعرف أن المنافقين كانوا قليلين‬
‫بالنسبة إلى المؤمنين ‪ ،‬وأكثرهم انكشف حاله لما نزل فيهم القران ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وان كان‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ال يعرف كال منهم بعينه ‪ ،‬فالذين باشروا ذلك كانوا يعرفونه ‪،‬‬
‫والعلم بكون الرجل مؤمنا في الباطن ‪ ،‬أو يهوديا ‪ ،‬أو نصرانيا ‪ ،‬أو مشركا أمر ال يخفى مع‬
‫طول المباشرة فانه ما اسر احد سريرة إال أظهرها هللا على صفحات وجهه ‪ ،‬و فلتات لسانه‬
‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ ( :‬ولو نشاء ألريناكهم فلعرفتم بسيماهم ) [ محمد ‪ ، ] 30 :‬وقال‬
‫( ولتعرفنهم في لحن القول ) [ محمد ‪ ، ] 30 :‬فال ُمضمر للكفر ال بد أن يعرف في لحن‬
‫القول ‪ ،‬و اما بالسيما فقد يعرف ‪ ،‬وقد ال يعرف ‪ ،‬وقال تعالى( يأيها الذين ءامنوا إذا‬
‫جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن هللا اعلم بإيمانهم فان علمتموهن مؤمنات فال‬
‫ترجعوهن إلى الكفار ) [ الممتحنة ‪ ، ] 10 :‬والصحابة المذكرون في الرواية عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬و الذين يعظمهم المسلمون على الدين ‪ ،‬كلهم كانوا مؤمنين به ‪ ،‬لم‬
‫يعظم المسلمون ‪ -‬وهلل الحمد ‪ -‬على الدين منافقا‪،‬واإليمان يعلم من الرجل كما يعلم سائر‬
‫أحوال قلبه من مواالته ومعاداته وفرحه وغضبه وجوعه وعطشه وغير ذلك ‪ ،‬فإن هذه‬
‫األمور لها لوازم ظاهرة ‪ .‬واألمور الظاهرة تستلزم أمورا باطنة وهذا أمر يعرفه الناس‬
‫فيمن جربوه وامتحنوه ‪ . ..‬وهو ما ذكره أحمد وغيره ‪ ،‬وال أعلم بين العلماء فيه نزاعا ـ ‪ :‬أن‬
‫المهاجرين لم يكن فيهم منافق أصال …‪ .‬ولكن لما ظهر اإلسالم في قبائل األنصار صار‬
‫بعض من لم يؤمن بقلبه يحتاج إلى أن يظهر موافقة قومه ‪ ،‬ألن المؤمنين صار لهم سلطان‬
‫وعز ومنعة وصار معهم السيف يقتلون من كفر)منهاج السنة ‪ //8/474 .‬باختصار ‪ ،‬و قال‬
‫المعلمي تعليقا على قول كعب رضي هللا عنه في قصة تخلفه عن تبوك (‪ ...‬أحزننى أنى ال‬
‫أرى إال رجال مغموصا عليه النفاق‪ ()..‬وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في‬
‫الجملة قبل تبوك‪ ،‬ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم توبتهم‪ ،‬ثم نزلت سورة براءة‬
‫فقشقشتهم وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاور إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم فأما قول هللا عزوجل ( ال تلعمهم‪ ،‬نحن نعلمهم ) فالمراد وهللا أعلم بالعلم ظاهره أي‬
‫باليقين‪ ،‬وذلك ال ينفي كونهم مغموصين أي متهمين‪ ،‬غاية األمر أنه يحتمل أن يكون في‬
‫المتهمين من لم يكن منافقا ً في نفس األمر‪ ،‬وقد قال تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول)‬
‫(محمد ‪. )30‬ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم‪ ،‬وعين النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم جماعة منهم‪ ،‬فمن المحتمل أن هللا عزوجل بعد أن قال ( ال تعلمهم )‬
‫أعلمه به كلهم‪ ،‬وعلى كل حال فلم يمت النبي صلى هللا عليه وسلم إال وقد عرف أصحابه‬
‫المنافقين يقينا ً أو ظنا ً أو ته مة‪ ،‬ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق‪ .‬ومما يدل على‬
‫ذلك‪ ،‬وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم و نفرة الناس عنهم‪ ،‬أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم حراك‪ ،‬ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن ألحد منهم مجال في أن يحدث‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم ألنه يعلم أن ذلك ال يعرضه لزيادة التهمة ويجر إليه ما يكره‪.‬‬
‫وقد سمي أهل السير والتاريخ جماعة من المنافقين ال يعرف عن أحد منهم أنه حدث عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من‬
‫خيارهم وأما األعراب فإن هللا تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فارتد المنافقون منهم‪ ،‬فيتبين أنه لم يحصل لهم باالجتماع بالنبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية)األنوار ص‪ ، 259/260:‬وقال أيضا ( كانوا قليال‬
‫كما يظهر من اآل يات ‪ ،‬و األحاديث‪،‬وكما يعلم ذلك بداللة المعقول ‪ ...‬والغالب على الظن أن‬
‫من بقي منهم بعد وفاة النبي صلى هللا عليه و سلم لم يتعرض أحد منهم ألن يذكر عن النبي‬
‫شيئا ‪ ،‬لخوفهم من المؤمنين ‪ ،‬وعلمهم أن أحدهم لو أخبر بشيء عن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فكذب فيه ‪ ،‬أل نكره عليه المؤمنون ‪ ،‬وفضحوه بما كانوا يظنونه من نفاقه‪ ،‬أو‬
‫ألعلمهم بنفاقه حذيفة رضي هللا عنه ؛أو غيره ؛ مم كان قد أسر إليه النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم بأسماء المنافقين إلى أن قال ‪ :‬هذا‪،‬وقد سبق أن الظاهر ‪ :‬أن من بقي من المنافقين لم‬
‫‪:‬يرد عن أحد منهم شيء عن النبي صلى هللا عليه وسلم) اإلستبصار ص‪25-24‬و‪.26‬‬
‫مـــخـتــلف الحــديـث‬
‫۞ مفهومه‪:‬‬
‫ُمخت َلف(وصف للحديث) الحديث ويقال مختلَف(مصدر‪:‬يقصد به االختالف في ذاته) الحديث‬
‫ويقصد به لغة ‪ :‬عدم االتفاق‪ ،‬واصطالحا‪:‬ورود حديثين مقبولين أو أكثر متعارضين في‬
‫ظاهرهما فيحتاج إلى الجمع بينهما‪.‬‬
‫بعض أهل العلم يقول‪ :‬هو الحديث المقبول إذا عارضه مثله في الظاهر‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫قولنا( حديثين )‪،‬يخرج مشكل الحديث على مذهب من يفرق بين المشكل والمختلف‪.‬‬
‫(مقبولين ) أي‪ :‬إذا كان الحديث مردود أو غير مقبول ال يدخل في مختلف الحديث‪.‬‬
‫(متعارضين) أي‪ :‬إذا لم يتعارضا ال يكون مختلف الحديث‪ ،‬كان يكون حديث في الطهارة‬
‫وحديث في موضوع آخر‪.‬‬
‫(في الظاهر)أي‪ :‬ال يوجد أي تعارض حقيقة إنما هو تعارض ظاهر فقط‪ ،‬فيستحيل أن يقع‬
‫من النبي صلى هللا عليه وسلم تعارض في كالمه‪.‬‬
‫مثال‪ :‬حديث «ال عدوى وال طيرة» مع حديث« ال يوردن ُممرض على مصح»‪ ،‬أما إن‬
‫كان حديثا واحدا فإنه ال يسمى مختلف الحديث بل هو من قبيل مشكل الحديث وبينهما فرق‪،‬‬
‫فكل حديث مختلف هو مشكل وليس كل مشكل مختلفا‪ ،‬فالمشكل أعم والمختلف أخص‪.‬‬
‫أغلب األئمة يفرق بينهما ‪ :‬فمشكل الحديث هو الحديث الذي يقع فيه إشكال في نفسه أو مع‬
‫غيره سواء مع ظاهر القرآن أوالسن ة أو القواعد العلمية أو المعلوم من الدين بالضرورة أو‬
‫ما يخالف ظاهر المعقول أو كان مستحيل المعنى‪.‬‬
‫علم أن النبي صلى هللا عليه وسلم تكلم بهما فال يصح‬‫يقول اإلمام الباقالني‪«:‬وكل خبرين ُ‬
‫دخول التعارض فيهما علي وجه‪ ،‬وإن كان ظاهرهما متعارضين »‪.‬‬
‫يقول أبو شهبة في الوسيط‪ «:‬وهو أنه ال يعتبر الحديث من قبل المختلف وال من قبيل‬
‫المشكل‪ ،‬إال إذا كان صحيحا أو حسنا يعني مقبوال يحتج به‪ ،‬أما إذا كان ضعيفا أو‬
‫موضوعا فال»‪.‬‬
‫من العلماء الذين اشتهروا بهذا العلم ‪ :‬الشافعي وأحمد والبخاري وابن خزيمة وابن حبان‬
‫الذي سبق وبرز فمن قرأ كتا ب تقاسيم األنواع له‪ ،‬يظهر له مدى علم ابن حبان بهذا فقد تكلم‬
‫وال يكاد يمر على حديث إال ويبين وجه اإلشكال فيه‪ ،‬كذلك ابن القيم في تهذيب سنن أبي‬
‫داود‪.‬‬
‫أمثلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث‪« :‬إذا بلغ الماء القلتين» وحديث‪«:‬خلق هللا الماء طهورا ال ينجسه شيء إال ما‬
‫غير طعمه أو لونه أو ريحه» ‪ ،‬فإن األول ظاهره طهارة القلتين تغير أم ال‪ ،‬والثاني‪ :‬ظاهره‬
‫طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم قل‪ ،‬فخص عموم كل منهما باآلخر‪.‬‬
‫‪ -)2‬قال صلى هللا عليه وسلم ( أال أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن‬
‫يسألها)‬
‫و قال (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهم قوم يشهدون قبل أن‬
‫يستشهدوا)‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث‪« :‬ال يوردن ممرض على مصح» وحديث‪«:‬فر من المجذوم فرارك من‬
‫األسد»‪،‬مع حديث‪« :‬ال عدوى وال طيرة والهامةوالصفر»‪.‬‬
‫قال أبو شهبة في الوسيط«وقد سلك العلماء في التوفيق بين هذه األحاديث مسالك‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن هذا الحديث‪" :‬ال عدوى ‪ , " ...‬جاء ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن‬
‫األمراض مؤثرة بنفسها‪ ،‬فبين لهم النبي صلى هللا عليه وسلم أن هذه األمراض ال تعدي‬
‫بطبعها وال بذاتها‪ ،‬لكن هللا تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا إلعدائه مرضه‪،‬‬
‫وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من األسباب‪ ,‬وهذا المسلك هو الذي سلكه اإلمام أبو‬
‫عمرو بن الصالح في كتابه "علوم الحديث" وقد تبعه على هذا التوفيق غيره‪ ،‬وقد سبقه إليه‬
‫اإلمام البيهقي‪.‬‬
‫وهذا المسلك هو أحسن المسالك وأوالها؛ ألنه ال ينفي العدوي أصالة‪ ،‬ولكنه ينفي أن تكون‬
‫مؤثرة بذاتها‪ ،‬وهذا ال يتنافى هو وما وصل إليه الطب الحديث من كون العدوى أصبحت‬
‫أمرا مسلما‪ ،‬وفي الوقت ذاته فيه تصحيح للعقيدة‪ ،‬وهو أن تأثير العدوى إنما هو بإرادة هللا‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬وإذا لم يرد هللا تبارك وتعالى ذلك لم تحصل العدوى مع وجود االختالط‬
‫بالمريض مرضا معديا وليس أدل على أن التأثير متوقف على إرادة هللا تعالى من أن بعض‬
‫الناس يختلطون بأهليهم المرضى اختالطا يكاد يكون تاما ومع ذلك ال يتعدى إليهم المرض‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن نفي العدوى باق على عمومه‪ ،‬واألمر بالفرار من باب سد الذرائع لئال يتفق للذي‬
‫يخالطه شي ء من ذلك بتقدير هللا تعالى ابتداء ال بالعدوى المنفية‪ ,‬فيظن أن ذلك بسبب‬
‫مخالطته‪ ،‬فيعتقد صحة العدوى‪ ،‬فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة‪ ،‬وهذا هو الذي‬
‫اختاره الحافظ ابن حجر في شرح النخبة‪ ،‬ولذلك قال السيوطي‪":‬وهذا المسلك هو الذي‬
‫اختاره شيخ اإلسالم" يعني بذلك الحافظ ابن حجر‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى فيكون معنى‬
‫قوله‪" :‬ال عدوى ‪ , " ...‬أي إال من الجذام ونحوه‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬ال يعدي شيء شيئًا إال فيما‬
‫تقدم تبيين له أنه يعدي‪ ،‬قاله ناصر السنة وقامع البدعة القاضي أبو بكر الباقالني‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن األمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم؛ ألنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته‪،‬‬
‫وتزداد حسرته‪ ،‬ويؤيده حديث‪" :‬ال تديموا النظر إلى المجذومين"‪ ,‬قال السيوطي في‬
‫"التدريب" وفيه مسالك أخرى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وقد تكفل ببيان كل ما قيل في هذه المسالك اإلمام الحافظ ابن حجر في "الفتح"‪ ,‬فقد‬
‫أفاض في ذلك بما ال مزيد عليه فليرجع إليه من شاء»‪.‬‬
‫۞ كيف نتعامل مع مختلف الحديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬الجمع و التوفيق‪ :‬اإلنسان كلما رزق علما وفهما كلما أدرك معاني كثيرة في الحديثين‪،‬‬
‫وكلما تضلع باللغة والحديث وعلوم اآللة كلما اطلع على معاني كثيرة‪.‬‬
‫‪ -2‬النسخ‪ :‬وهو يصار إليه عند تعذر الجمع والنسخ معناه أن يرفع الحديث الذي ثبت أنه‬
‫متقدم بالحديث الذي ثبت أنه متأخر‪.‬‬
‫‪ -3‬الترجيح‪ :‬وهو تقوية أحد الدليلين‪ ،‬وهو يلي النسخ إن تعذر وأوصلها العلماء إلى أكثر‬
‫من مائة وجه؛منها‪:‬‬
‫‪ -‬تقديم القول على الفعل ‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم العالي على النازل‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم المتواتر على اآلحاد ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وأوصلها العلماء إلى تلك األعداد الكبيرة حتى ال يُرد أي حديث‪.‬‬
‫‪ -4‬التوقف ‪ :‬وهو في حال تعذر وهو إجراء نظري فقط‪ ،‬فال يوجد حديث توقف فيه‬
‫العلماء ‪ ،‬يقول ابن حجر رحمه هللا (التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط‪،‬الن ترجيح‬
‫أحدها للمعتبر(المجتهد) في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه)‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬البعض يسمي هذا العلم (علم تلفيق الحديث) و(علم دفع مطاعن الحديث)‬
‫۞ التصنيف فيه ‪:‬‬
‫بما أن جانب مختلف الحديث مهم جدا لدى المحدثين‪ ،‬وبما أنه علم دقيق فقد أواله جهابذة‬
‫المحدثين عناية كبيرة‪ ،‬وتكمن أهميته في نفي التعارض الذي يقع في الظاهر‪ ،‬وسد هذا‬
‫الباب على أهل الزيغ والبدع والضالل‪.‬‬
‫‪ -‬أول من صنف فيه ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلمام الشافعي وسماه"اختالف الحديث " وبغض النظر هل هو كتاب مستقل بذاته أم تابع‬
‫لكتاب األم كما يقول اإلمام السيوطي فال يؤثر وال يترتب على ذلك كبير حاجة‪.‬‬
‫‪ -2‬بعده ألف اإلمام األديب‪:‬أبو محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري(ت‪276.‬هـــ‪).‬‬
‫واسم كتابه"تأويل مختلف الحديث "‪ ،‬وسبب تأليفه لهذا الكتاب هو أنه بعد تأليفه كتاب"غريب‬
‫الحديث " انتشر ووقف عليه بعض أصحابه من علماء بغداد فأعجبهم صنيع ابن قتيبة‪،‬‬
‫خاصة بَيَانه للتعارض ورده على أهل الزيغ والبدع فأرسلوا له وطلبوا منه تخصيص كتاب‬
‫في الباب‪ ،‬وأن يتكلم في هذا الموضوع ويفرده فاستجاب ابن قتيبة للطلب وألف هذا الكتاب‪،‬‬
‫والعلماء قالوا أن ابن قتيبة أحسن في مواطن وأساء في مواطن لكن ىعتذر له‪ ،‬فهو ليس من‬
‫ا لراسخين في هذا الفن و مما أحسن فيه أنه تكلم على النظام وشدد عليه‪ ،‬وكتابه في مجلد‬
‫كبير‪ ،‬ومما يالحظ عليه أنه خلط بين األحاديث المشكلة واألحاديث المختلفة‪ ،‬فاإلشكال عام‬
‫ألنه يُصادم حقيقة شرعية متقررة‪ ،‬أما المختلفة فأحاديث ظاهرها التضاد فيما بينها‪.‬‬
‫‪ -3‬بعده ألف اإلمام أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سالمة(ت‪321.‬هـ‪ ،).‬واإلمام‬
‫الطحاوي ممن جمع بين الفقه والحديث‪ ،‬وهو أحد الناهضين والمحيين للمذهب الحنفي في‬
‫مصر‪ ،‬وقد توسع في كتابه هذا الذي أسماه "شرح مشكل اآلثار" وأشبع الكالم‪ ،‬وقع في ‪16‬‬
‫مجلدا؛ حسب طبعة مؤسسة الرسالة‪ ،‬بتحقيق‪ :‬األرناؤوط‪.‬‬
‫ولم يرتب كتابه على ترتيب معين‪ ،‬ال على األبواب وال على الفقه وال على المسانيد وال‬
‫الحروف‪ ،‬إنما يتطرق لكل حديث على حدة‪ ،‬ويجعله مسألة مسألة‪ ،‬وقد أخذه عليه العلماء‬
‫تكلفه أحيانا‪ ،‬وقد لخصه اإلمام ابن رشد الحفيد(ت‪595.‬هـــ‪ ).‬وهذبه ورتبه(المختصر من‬
‫مشكل األثر")‪ ،‬ثم جاء يوسف بن موسى ال َملَطي الحنفي(ت‪803.‬هـ‪ ).‬فلخصه‬
‫وسماه"المعتصر من المختصر من مشكل األثر"‪.‬‬
‫‪ -4‬بعد الطحاوي ألف ابن فورك‪-‬أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك األصولي المتكلم‬
‫األشعري (ت‪406.‬هـــ‪ - ).‬كتابا سماه "مشكل الحديث وبيانه"‪ ،‬إال أنه انحرف عن المنهج‬
‫المتبع في الباب ووظف هذا العلم لخدمة ونصرة مذهبه الكالمي‪ ،‬فعمد إلى األحاديث التي‬
‫ظاهرها التشبيه أو إثبات صفات الباري فجعلها هي الهدف‪ ،‬ولم يتأن ولم يراع اختالف‬
‫العلماء في هذه المسائل‪ ،‬واقتصر على الجانب العقدي والكالمي‪.‬‬
‫قال أبو شهبة «وإن اإلمام محم د بن الحسن بن فورك إنما أراد بالمشكل من الحديث نوعا‬
‫آخر خالف "مختلف الحديث"‪ ,‬وأنه يلتقي مع اإلمام أبي محمد بن قتيبة في بعض ما ذكره‬
‫في كتابه تأويل "مختلف الحديث"‪ ,‬وهي األحاديث التي يوهم ظاهرها التشبيه والتجسيم‬
‫وغيرها مما وضعته الزنادقة بقصد الطعن في "أهل الحديث"»‪.‬‬
‫‪ -‬التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة للعالئي‪ ،‬وهي تنبيهات على مواضع مشكلة‬
‫من المصابيح‪.‬‬
‫‪ -‬اإلعالم بمشكل حديث عليه الصالة والسالم‪ ،‬عبد الجليل بن موسى النضري‪.‬‬
‫‪ -‬أحاديث العقيدة المشكلة في الصحيحين‪ ،‬سليمان الدبيخي‪.‬‬
‫‪ -5‬أبو بكر بن العربي " مشكل القرءان ومشكل الحديث"و"الكالم على مشكل السبحات‬
‫والحجام" و" حسم الداء على حديث السوداء"‬
‫‪ -6‬عبد الجليل بن موسى القصري(ت‪608‬هـ‪ ).‬له "تنبيه األفهام في مشكل حديث النبي‬
‫عليه الصالة والسالم"‬
‫‪" -7‬مشكالت موطأ مالك بن أنس" لعبد هللا بن السيد البطليوسي‪.‬‬
‫‪" -8‬كشف المغطى من المعاني واأللفاظ الواقعة في الموطأ" للطاهر بن عاشور‬
‫‪" -9‬الدرة الوسطى في بيان مشكل الموطأ" لمحمد بن خلف بن موسى اإللبيري‪.‬‬
‫‪ "-10‬مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين" ألسامة خياط‬
‫أهمية هذا العلم‪:‬‬
‫أهمية هذا العلم تظهر في وضيفته ‪ ،‬والخدمة التي يقدمها للشريعة ‪،‬وهي إفحام الملحدين‬
‫والمشككين والرد عليهم ودفع المطاعن في السنة‪.‬‬
‫۞ مشكل الحديث ‪:‬‬
‫المشكل مأخوذ في اللغة من‪ :‬اإلشكال‪،‬ومادة شكل تدل على االشتباه وااللتباس‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬الفقهاء األحناف هم من اهتموا به (اللفظ أو الكالم الذي خفي المراد منه عن‬
‫السامع ألجل صيغته) بعضهم أضاف (وال يضاف إال بالعقل)‪.‬‬
‫يقول أسامة خياط في تعريف األحاديث المشكل (أحاديث مروية بأسانيد مقبولة يوهم‬
‫ظاهرها معاني مستحيلة أو معارضة لقواعد شرعية ثابتة)‪.‬‬
‫يمكن أن نلخص ونقول الحديث المشكل هو‪ :‬كل حديث يوهم ظاهره معاني باطلة مخالفة‬
‫للقواعد الشرعية‪.‬‬
‫الفرق بين مشكل الحديث و مختلف الحديث ‪ :‬الفرق بينهما من جهتين‪:‬‬
‫وان كان بعض العلماء ال يفرق بينهما‪ ،‬ألن الجامع بينها أن كل واحد منهما يحتاج إلى بيان‬
‫وتوضيح‪،‬وتوفيق بينه وبين غيره‪.‬كاإلمام الطحاوي وابن قتيبة‪...‬‬
‫‪ -1‬من جهة مورد اإلشكال واالختالف الذي يقع في الحديث‪ :‬فالمختلف يرد اإلشكال فيه‬
‫من جهة واحدة وهي السنة فقط‪ ،‬فيكون االختالف فقط بين حديث وغيره‪ ،‬سواء كان واحدا‬
‫أو أكثر‪.‬‬
‫أما مشكل الحديث فيرد فيه اإلشكال من عدة جهات ويكون أعم من مختلف الحديث؛‬
‫والجهات هي‪:‬‬
‫‪/1‬اإلجماع‪ :‬فقد يرد اإلشكال من إجماع فيخالف الحديث‪.‬‬
‫‪/2‬مخالفة ظاهر القرآن ‪.‬‬
‫‪ /3‬مخالفة السنة الثابتة‪ :‬وهذا هو مبحث مختلف الحديث‪ ،‬فهو إذن داخل فيه‪.‬‬
‫‪/4‬الحقائق العلمية‪:‬أي أن الحديث قد يخالف حقائق علمية أو معان مستحيلة‪ ،‬كحديث الذبابة‪،‬‬
‫وشرب بول اإلبل للتداوي‪.‬‬
‫‪ /5‬قد يرد اإلشكال من جهة سوء الحفظ أو سوء القصد‪ ،‬أو سوء العقيدة‪ ،‬كما حصل لمن‬
‫طب" فصار األمر‬ ‫طب» قرأها "ال َح َ‬ ‫وقع له اإلشكال في حديث‪«:‬نهى النبي عن تشقيق ال ُخ َ‬
‫مشكال‪ ،‬وكمن يكون متأثرا بالفلسفة أو الديانات السابقة‪ ،‬فيرد األحاديث أو تُشكل عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬من جهة العمل والمعالجة‪ :‬المختلف كما سبق يعالج بمراحل ‪ : 4‬الجمع‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬فإن‬
‫تعذر‪:‬فالنسخ‪ ،‬فإن تعذر‪:‬فالترجيح‪ ،‬ثم التوقف‪.‬‬
‫أما المشكل فيعالَج‪:‬‬
‫أ‪/‬محاولة تأويله على معنى واقع يرفع اإلشكال الحاصل‪ ،‬فال يبقى أي تنافر مع القواعد‬
‫والثوابت الشرعية‪.‬‬
‫ب‪/‬تضعيفه إن لم يوجد له أي تأويل ويرد‪:‬ألننا أمام حالتين‪:‬إما رد األصل الذي هو ثابت‪ ،‬أو‬
‫قبول حديث فيه إشكال ومشكل‪.‬‬
‫مثال‪ :‬حديث ابن عديس الذي له صحبة‪.‬‬
‫« عن ابن لهيعة قال‪ :‬حدثنا يزيد بن عمر المعافري أنه سمع أبا ثور قال‪ :‬قدمت على عثمان‬
‫بن عفان ؓ فبينما أنا عنده خرجت ‪ ,‬فإذا أنا بوفد أهل مصر‪ ،‬فرجعت إلى عثمان بن عفان ؓ‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬أرى وفد أهل مصر قد رجعوا‪ ،‬خمسين عليهم ابن عديس‪ ،‬قال‪ :‬كيف رأيتهم؟ قلت‪:‬‬
‫رأيت قوما في وجوههم الشر‪ .‬قال‪ :‬فطلع ابن عديس منبر رسول هللا ﷺ ‪ ,‬فخطب الناس‬
‫وصلى ألهل المدينة الجمعة‪ ،‬وقال في خطبته‪ :‬أال إن ابن مسعود حدثني أنه سمع رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪« :‬إن عثمان بن عفان كذا وكذا» ‪ ،‬وتكلم بكلمة أكره ذكرها‪،‬‬
‫فدخلت على عثمان ؓ وهو محصور ‪ ,‬فحدثته أن ابن عديس صلى بهم‪ .‬فسألني ماذا قال‬
‫لهم؟ فأخبرته‪ ،‬فقال‪ « :‬كذب وهللا ابن عديس ما سمعها من ابن مسعود‪ ،‬وال سمعها ابن‬
‫مسعود من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قط»‪.‬‬
‫فهل نأخذ بالحديث أم نرده؟‬
‫‪ -1‬يرد من جهة السند فالحديث في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف قد احترقت كتبه فكثر‬
‫وهمه‪.‬‬
‫‪ -2‬مستقر عند أهل السنة والجماعة أن الصحابة ال يطعن فيهم‪ ،‬فيرد الحديث من هذا الباب‪.‬‬
‫وكذلك حديث‪« :‬ال يدخل الجنة ولد زنا» هذا يعرض اآلية التي تبين أنه ال تحمل الوازرة‬
‫وزر األخرى‪ ،‬قال تعالى ‪[ :‬وال تزر وازرة وزر أخرى ] {األنعام‪ ، }164:‬فهل نأخذ‬
‫بالحديث ؟ أكيد؛ يُرد ويُضعف‪ ،‬فيستحيل أن يقوله رسول هللا ‪.‬‬
‫إال أن من محاذير هذا الباب‪:‬عدم التوسع والتسرع في اللجوء إلى الرد والتضعيف إال بعد‬
‫الوقوف على علة التضعيف والرد‪ ،‬فهذا ما وقع فيه المعتزلة وبعض أهل العلم كالشيخ‬
‫محمد الغزالي‪.‬‬
‫ناسخ الحديث ومنـسوخـه‬

‫من أهم ما ينبغي للمتفقه أن ال يُغفل هذا الجانب‪ ،‬وما أضل من أضل من الناس إال لعدم‬
‫بقاص‪-‬واعظ‪-‬‬‫ٍ‬ ‫مر‬
‫إتقانهم وإغفالهم لهذا العلم‪ ،‬ويروى أن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه َّ‬
‫فقال له‪ :‬أتعرف الناسخ من المنسوخ؛فقال‪:‬ال‪ ،‬فقال‪:‬هلكت وأهلكت‪ ،‬ونحوه يروى عن ابن‬
‫عباس‪ ،‬ويروى عن الزهري أنه قال‪«:‬أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا الناسخ من المنسوخ‬
‫وال يتأهل لمعرفته إال األئمة الكبار الذين لهم علم بالروايات ومقدمها ومؤخرها»‪.‬‬
‫وقد تكلم عليه اإلمام الحازمي في مقدمة االعتبار‪.‬‬
‫وقال الطبري‪ «:‬ال يفتي إال من عرف ناسخ الحديث ومنسوخه من حديث النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم وصحيحه من ضعيفه»‪.‬‬
‫قال ابن األثير في"مقدمة جامع األصول"(معرفة المتواتر والناسخ والمنسوخ واآلحاد ‪،‬وان‬
‫تعلقت بعلم الحديث فان المتحدث ال يفتقر إليها بل هي من وضيفة الفقه ألنه يستنبط األحكام‬
‫من األحاديث فيحتاج إلى معرفة ذلك أما وضيفة المتحدث هي أن ينقل ما سمعه من‬
‫أحاديث كما سمعه‪ ،‬فان تصدى لما وراءه فزيادة في الفضل وكمال في االختيار)‬
‫۞ مفهومه‪:‬‬
‫والنسخ؛ معناه‪ :‬لغة‪ :‬اإلزالة والنقل‪ .‬وعند األصوليين‪ :‬رفع حكم الشارع المقدم بحكم مؤخر‪.‬‬
‫ونعرفه –هنا‪ -‬أنه‪ :‬رفع حكم ثبت بحديث سابق بحديث متأخر‪.‬‬
‫۞ بماذا يعرف النسخ؟‬
‫يعرف بـــ‪:‬‬
‫‪ -1‬التصريح‪ ،‬والتصريح نوعان‪:‬‬
‫أ‪/‬إما تصريح النبي صلى هللا عليه وسلم «كنت نهيتكم عن كذا وكذا»‪.‬‬
‫ب‪/‬إما تصريح الصحابة كحديث جابر «كان آخر األمرين ترك الوضوء مما مست‬
‫النار»و حديث جابر أن النبي صلى هللا عليه وسلم في حجة الوداع صلى الصلوات الخمس‬
‫بوضوء واحد فهو رافع لما كان أنه يشترط الوضوء لكل صالة‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلجماع‪ :‬إذا أجمعت األمة على أن هذا الحديث ناسخ أو منسوخ‪.‬‬
‫‪ -‬حديث ا مسلمة رضي هللا عنها‪،‬وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪( :‬إذا انتم أمسيتم‬
‫قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به)‪،‬‬
‫اجمعوا على عدم العمل به وقالوا انه شاذ‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة التاريخ‪ :‬وقع يوم كذا‪ ،‬في كذا‪.‬‬
‫مثال‪ :‬حديث شداد بن أوس رضي هللا عنه «أفطر الحاجم والمحجوم»وقد حدث به عام‬
‫الفتح مع حديث ابن عباس رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم في حجة الوداع‬
‫«احتجم وهو محرم صائم»‪ ،‬والمتقدم حديث شداد والمتأخر حديث ابن عباس‪ ،‬فقال‬
‫الشافعي أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد‪.‬‬
‫‪ -‬مسالة‪ :‬قضية الناسخ والمنسوخ اجتهادية قد يختلفوا فيها أهل العلم‪ ،‬ال ينبغي لطالب العلم‬
‫ان يتسرع في ذلك ألنه قد يكون هناك من جمع بين المتقد م والمتأخر ولم يعتبر‬
‫النسخ‪،‬وآخر حكم بالنسخ‪.‬‬
‫۞ التصنيف فيه‪:‬‬
‫‪" -1‬ناسخ الحديث ومنسوخه" للحافظ أبي بكر بن محمد األثرم(ت‪261.‬هـ‪ ،).‬وهو‬
‫صاحب اإلمام أحمد‪ ،‬ويوجد ثالثة أجزاء لكن طبع جزء واحد فقط وبعضهم ينسب الكتاب‬
‫إلى اإلمام أحمد‪ ،‬طبعه عبد هللا بن حمد المنصور ومقدمته هزيلة جدا‪.‬‬
‫‪" -2‬ناسخ الحديث ومنسوخه" للحافظ المحدث أبي حفص عمر بن أحمد؛ المعرف بابن‬
‫شاهين(ت‪385.‬هـ‪ ،).‬وهو مطبوع في مجلد ونشره سمير الزهيري‪.‬‬
‫‪ -3‬عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس أبو المطرف القرطبي(ت‪402.‬هـ‪ ).‬علم‬
‫بالتفسير والحديث وتاريخ الرجال‪ ،‬له كتاب "الناسخ والمنسوخ" والظاهر أنه في‬
‫الحديث‪،‬مفقود‪.‬‬
‫‪" -4‬اإلعتبار في الناسخ والمنسوخ من اآلثار" للحافظ أبي بكر محمد بن موسى‬
‫الحازمي(ت‪584.‬هـ‪. ).‬‬
‫‪ -5‬ابن الجوزي(ت‪ 597.‬هــــ‪ ).‬وله في الباب كتاب سماه "إعالم العالم بعد رسوخه بناسخ‬
‫الحديث ومنسوخه"‪،‬وعنده كتاب اخر في نفس الموضوع‪.‬‬
‫‪ -6‬وكذلك أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري(ت‪732.‬هـــ‪ ، ).‬عنده كتاب في ناسخ‬
‫الحديث‪" ،‬رسوخ األحبار في منسوخ األخبار"‬
‫‪ -7‬وكذلك ألف أحد الموريتانيين وهو أحمد بن المرابط مفتي موريتانيا وهي ألفية في ناسخ‬
‫الحديث ومنسوخه‪ ،‬فيها أكثر من (‪)1600‬بيت‪.‬‬
‫مــحـكم الــحــديـــث‬

‫محكم الحديث أو األحاديث التي ال معارض لها‪ ،‬ومناسبة ذكر هذا الباب‪ ،‬أنه بعد ذكر ما‬
‫يشكل ال بد من ذكر ما ال يشكل‪ ،‬يقصد به األحاديث السالمة من اإلشكال أو التخصيص أو‬
‫التعارض‪ ،‬وسماه نور الدين عتر "األحاديث السالمة من التعارض"‪.‬‬
‫۞ من ذكره من أهل العلم في علوم الحديث‪:‬‬
‫أول من ذكر هذا في علوم الحديث هو ‪:‬اإلمام الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث‪ ،‬وابن‬
‫عرف عنه بين أهميته‬ ‫الصالح لم يذكر هذا العلم‪ ،‬ثم ذكر ذلك اإلمام ابن حجر‪ ،‬وكما ُ‬
‫بطريقة منطقية‪ ،‬قال ابن حجر في النزهة‪ «:‬ثم المقبول ينقسم إلى معمول به وغير معمول‬
‫به‪،‬ألنه إن سلم من المعارضين أي لم يأت خبر يضاده فهو المحكم»‪.‬‬
‫وذكره أيضا‪:‬الشيخ طاهر الجزائري‪ ،‬لكونه لخص كتاب الحاكم‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث« ال يقبل هللا صالة بغير طهور وال صدقة من غلول »‪ ،‬والغلول‪ :‬ما يُأخذ من مال‬
‫الغنائم من غير قسمة‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث «إذا ُوضع ال َعشاء وأقيمت الصالة‪ ،‬فابدؤوا بال َعشاء»‪ ،‬وهذه األمثلة مثل بها‬
‫الحاكم في األمثلة التي ساقها في المحكم‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث«يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم»‪.‬‬
‫۞ التصنيف فيه ‪:‬‬
‫لم يهتم العلماء بهذا النوع كثيرا ألنه هو األصل‪ ،‬فاألخبار األصل فيها أنها محكمة وإنما‬
‫االختالف واإلشكال عارض‪ ،‬فلم يهتموا باألصل ألنه هو الجزء األكبر وجمعها عسير‪.‬‬
‫صنف فيه عالم وحيد؛وهو‪:‬أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي وهو صاحب الرد على بشر‬
‫المريسي‪ ،‬وسماه"األخبار التي ال معارض لها "‪ ،‬وأبو سعيد هو تلميذ يحيى بن معين وهو‬
‫راوي تاريخ ابن معين‪.‬‬
‫اإلعجاز العلمي في الحديث‬
‫۞التفسير العلمي‪ :‬هو توظيف النظريات والحقائق العلمية الحديثة في بيان معنى حديث‬
‫معين دون قصد أنها معجزة‪.‬‬
‫۞ اإلعجاز العلمي‪:‬‬
‫اإلعجاز لغة ‪ :‬االنقطاع والضعف‪ ،‬واإلعجاز مشتق من المعجزة وهي األمر الخارق للعادة‬
‫المقرون بالتحدي السالم من المعارض‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬عرفه الدكتور زغلول النجار في كتابه "اإلعجاز العلمي في السنة"‪ :‬سبق‬
‫رسول هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم باإلشارة إلى حقائق علمية قبل وصول العلوم المكتسبة لها‬
‫بقرون عديدة‪.‬‬
‫۞ ضوابط في التعامل مع اإلعجاز ‪:‬‬
‫‪ -‬اإلعجاز يكون من خالل األحاديث الصحيحة والحسنة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يُنظر في اإلعجاز إلى القرآن والسنة معاً‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال يؤدي إلى لي أعناق النصوص لتطويعها لنظرية معينة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يُحتاط على أن الحقائق العلمية ليست ثابتة والعلم في تطور مستمر‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال يحملنا هذا على الطعن في العلماء السابقين‪.‬‬
‫۞ أمثلة‪:‬‬
‫حديث النبي صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬من ظلم من األرض شيئا طوقه من سبع أرضين»‪،‬‬
‫اإلشكال‪-‬هنا‪ -‬أن األرض واحدة؛ فكيف يطوق من سبع أرضين؟‬
‫أثبتت الدراسات الفزيائية أن األرض عبارة عن سبع طبقات‪.‬‬
‫ساعةُ حتَّى تعُود أ ْر ُ‬
‫ض ا ْلعرب ُم ُروجا ً وأ ْنهارا ً»‪ ،‬أثبت الحفريات‬ ‫حديث ‪«:‬ال تقُو ُم ال َّ‬
‫الجيولوجية أن جزيرة العرب كانت مروجا وأنهارا‪ ،‬وأنها ستعود كما كانت‪.‬‬
‫حديث‪« :‬أمر النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬للعرنيين بأن يستشفوا بأبوال اإلبل»‪ ،‬توصل‬
‫العلماء أن أبوال اإلبل سبب في الشفاء من أمراض كثيرة‪ ،‬ففي جامعة الجزيرة بالسودان‬
‫بكلية المختبرات أجريت التجارب العديدة على يد البروفسور أحمد عبد هللا محمداني وأكد‬
‫أنه سبب في الشفاء من أورام الكبد ‪.‬‬
‫۞ المؤلفات في اإلعجاز العلمي‪:‬‬
‫‪ -‬اإلعجاز العلمي في السنة النبوية لزغلول النجار‪.‬‬
‫‪ -‬اإلعجاز العلمي لمحمد علي البار‪.‬‬
‫‪ -‬اإلعجاز العلمي لصالح أحمد طريف‪.‬‬

‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

You might also like