Professional Documents
Culture Documents
املقدمة:
باعتباري باحثة في التاريخ العثماني من خالل املخطوطات الجزائرية املحلية فاني أعي
القيم ،والذي ُيعد ثروة وطنية جيدا القيمة البالغة لهذا النوع من االرث الحضاري ّ
وإنسانية ذات قيمة حضارية كبيرة .وقد توجهت مرارا إلى املكتبة الوطنية للعمل على هذه
املخطوطات النادرة لكني واجهت بعض الصعوبات في قراءة بعضها ألن التلف قد نال
منها لألسف ،لذا ارتأيت أن أسلط الضوء على الجهود املبذولة من طرف مسؤولي املكتبة
الوطنية للحفاظ على هذا التراث العريق ،وهو ما يعكس مدى رغبتنا كباحثين في وجود
مشروع حقيقي وبرنامج خاص يهتم بصيانة وترميم هذا االرث الحضاري وحمايته من
ُ
االندثار خاصة مع تزايد املخاطر التي تهددها وتسرع من تلفها وبالتالي فقدانها.
ُ
وأعتقد أن هناك جهودا جبارة تبذل في هذا الصدد وهذا ما يتضح لنا من خالل
الوسائل التقنية الحديثة التي أصبحت تتعامل بها املكتبة الوطنية ،والتي تهتم برقمنة
وتصوير املخطوطات بواسطة املاسح الضوئي بحيث يمكن ملئات الباحثين االطالع على
الوثيقة نفسها دون أن يلحق بها أي ضرر مادي ,لكن هل هذا كاف للحفاظ عليها؟ أم أن
هناك طرقا أخرى لذلك؟ ثم ماذا عن املخطوطات التي تلف جزء كبير منها هل يمكن
صيانتها وترميمها؟ وما هي الطرق املعتمدة لذلك بمكتبتنا الوطنية؟ وهل من برنامج
خاص ملعالجتها وإعادة الحياة إليها؟ ومن جهة أخرى هل كل من يعمل باملكتبة الوطنية
يتم تأهيله وتوعيته باملسؤولية تجاه هاته املخطوطات التي تمثل ذاكرة األمة وتعكس
هويتها العربية والقومية؟ أم أن هناك تفريط في هذا الجانب؟ وهل كل الطرق التي تحفظ
ُ
بها املخطوطات طرق تقنية حديثة أم أن هناك طرقا بدائية مازالت تستخدم أحيانا من
83
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
طرف بعض العاملين دون وعي األمر الذي يؤدي إلى التأثير على هذه األوعية املعرفية
وربما يؤدي إلى طمس املعلومات املهمة التي تحتويها؟ وعلى صعيد آخر هل من مشروع
لجمع املخطوطات األسرية الدفينة وكذا مخطوطات الزوايا العريقة باملكتبة الوطنية
وإخضاعها ملثل هاته التقنيات الحديثة؟ والى أي مدى يمكن الحفاظ على هذا االرث
الحضاري بهاته الطرق واالستفادة منه؟
ولإلجابة على هاته التساؤالت آثرت أن أتوجه مباشرة إلى املكتبة الوطنية ،وبالضبط
إلى مصلحة حفظ املخطوطات وتجليدها ،أين التقيت برئيسة املصلحة وتحدثت معها
حول آخر تقنيات الصيانة والترميم املتعامل بها مع املخطوطات الوطنية ،وقد وجدت
سهل ّ
علي مهمتي في كتابة هذا التقرير امليداني ،وال يسعني هنا إال أن استقباال جيدا ّ
أتقدم بالشكر الجزيل ملدير املكتبة الوطنية الذي سمح لي بمقابلة رئيسة مصلحة
الحفظ السيدة "عديلة حالوة" هاته األخيرة التي غمرتني بلطفها وأكرمتني هي ومن معها
من موظفي املصلحة فجزاهم هللا عني كل خير.
املخطوط وترميمه لكن دون الحفاظ على الجلد األصلي له نتيجة لجهل املوظفين بقيمته
اضافة إلى عدم فهمهم لطرق التجليد .لكن منذ سنة 2009إلى يومنا هذا أصبح
املوظفون أكثر وعيا واختصاصا بعمليتي الصيانة والترميم وأصبحت املراقبة دورية
وتخضع لشروط مناخية مخصصة ودقيقة وأصبح التدخل في املخطوط بفرعيه الجزئي
(الصيانة) والكلي (الترميم).
مفهوم املخطوط: -2
َْ ُ َُ َ ّ
لغة :املكتوب بالخ ِّط ،ال باملطبعة ،وجمعه مخطوطات واملخطوطة هي النسخة
ُ
املكتوبة باليد.1
اصطالحا :هو كل ما وصل إلينا من مؤلفات ومصنفات مكتوبة بخط مؤلفيها أو بخط
ُ
أحد النساخ قبل ظهور الطباعة بالعصر الحديث ،وقد يتسع مدلول هذه الكلمة
ليشمل كل ما كتب بخط اليد حتى لو كان رسالة أو عقد أو عهد أو صحيفة أو كناش أو
دفاتر أو كراريس ،أو غير ذلك مما كتب بخط اليد وال يستثنى حتى الرسم.2
مفهوم الصيانة: -3
يمكن تعريف الصيانة بوجه عام بأنها العمليات التي ترمي في مجموعها إلى إطالة
وجود ش يء ما بالحيلولة دون وقوع ضرر به أو بمعالجة ما يتعرض له من تدهور ،ولكي
يتسنى حفظ مخطوطات املكتبة الوطنية جيدا ال بد من تنظيم مراقبة دائمة للظروف
املحيطة بها ،وإيالء عناية خاصة لطرق التداول واالستعمال .فالتطور الذي عرفته علوم
البيولوجيا والكيمياء ،قد مكن من حصول تقدم كبير في مجال صيانة املخطوطات،3
وصيانة هذا التراث تتطلب وسائل وإمكانيات خاصة ،مثل وسائل قياس الحرارة
والرطوبة ،وتوفير الرفوف املناسبة ،وعلب الحفظ املقاومة للحموضة ،كما تتطلب
كذلك تكوين فريق مدرب في هذا املجال ،هذا باإلضافة إلى وضع مخطط دقيق وشامل
يضم التوصيات التي ينبغي تطبيقها في مجال سياسة صيانة التراث.
مفهوم الترميم: -4
1جممع اللغة العربية :املعجم الوسيط ،ط ،4مكتبة الشروق الدولية ،القاهرة ،2004 ،حرف اخلاء.
2خليل حسن الزركاين :صيانة املخطوطات العربية وترميمها ،مركز احياء الرتاث ،جامعة بغداد ،ص .4
3ادريس كرواطي :اخلط العريب واملخطوطات من خالل النشر الورقي والنشر االلكرتوين ،أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراه ،كلية اآلداب والعلوم االنسانية ،الرابط ،املغرب ،2008 ،ص .256
85
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
ً
هو عملية تكنولوجية دقيقة ذات ُعرف خاص موحد عامليا ،وهي في الوقت نفسه
عملية فنية ذوقية جمالية تحتاج إلى حس عال ومهارات فائقة ،وتتضمن عمليات تجميع
وتثبيت وتقوية وتجميل وإعادة املواد األثرية إلى شكل أقرب إلى أصلها وحقيقتها ،وهي
بتعبير آخر عملية عالج لألثر الذي تخلفه السنوات املتعاقبة في محاولة إلزالة بصمات
ً
الزمن ومظاهره املتعددة مثل الكسور ،والتشققات ،والثقوب ،وأحيانا اختفاء أجزاء
معينة تختلف في حجمها أو مساحتها ،كذلك موقعها داخل جسم األثر أو املادة املراد
معالجتها.
ويعرفه الدكتور ادريس كرواطي 1على أنه إعادة املخطوط بقدر اإلمكان إلى حالته
األصلية والحفاظ عليه بخصائصه األصلية من حيث الشكل الظاهري واملحتوى
الحضاري ،األمر الذي يحتم إنقاذ أكبر قدر ممكن من مادته بكل الوسائل واإلمكانيات
املتاحة ،ويتطلب الترميم قبل كل ش يء روحا من إنكار الذات وقدرا كبيرا من االحترام
للوثيقة ،أي االمتناع عن أي إسهام إبداعي ،واالحترام الفائق لعمل املؤلف وملا أراد أن
ينقله إلينا .كما أن الهدف األساس ي من عملية الترميم هو استعادة األوراق القديمة
للمتانة واملرونة التي فقدتها مع الزمن نتيجة لتعرضها لعوامل التلف املختلفة ،وإصالح
ما بها من تمزقات دون أن يترتب على ذلك محو أو تغيير أو تشويه أو طمس للخصائص
املادية أو املعنوية للمخطوط.
وهناك اآلن مناهج تقليدية ومناهج حديثة في ترميم املخطوطات ،وهناك طريقتان
مختلفتان من حيث التقنية ،لكنهما يلتقيان من حيث العناصر املكونة ملختلف عمليات
الترميم ،فالترميم إما أن يكون ترميما آليا أو ترميما يدويا.
أما األول (الترميم اآللي) فميزته من حيث السرعة في اإلنجاز ،غير أنه ال يصلح لترميم
جميع املخطوطات ،ذلك أن املواد املكونة للمخطوط هي التي تتحكم في اختيار
تقنية دون أخرى ،و يتعلق األمر بالخصوص بنوع املداد وقابليته أو عدم قابليته
للذوبان في املاء ،إذ أن قابلية املداد للذوبان في املاء تحتم إجراء ترميم يدوي رغم وجود
مواد مثبتة للحبر ،والتي أصبح أخصائيو الترميم يتفادون استعمالها ما أمكن ،نظرا
آلثارها الجانبية على املخطوط .ويعتبر النوع الثاني من الترميم اليدوي أكثر جودة من
الترميم اآللي ،غير أن عملياته تعتبر بطيئة باملقارنة مع الترميم اآللي.
86
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
وبالرغم من هذا التنوع في الترميم إال أن السيدة "عديلة حالوة" رئيسة مصلحة
الحفظ باملكتبة الوطنية أكدت لي أنهم استعملوا تقنية الترميم باآللة ملدة زمنية قصيرة
إثر اقتراح أعضاء مركز جمعة املاجد للثقافة والتراث باالمارات 1عند زيارتهم األولى سنة
2001م للمكتبة الوطنية الجزائرية مؤكدين لهم أن الترميم باآللة أفضل من الترميم
باليد ،لكنهم سرعان ما غيروا الطريقة خوفا من تضرر املخطوط ،خاصة وأن التقنية
غير معروفة كثيرا لدى موظفي مكتبتنا الوطنية ،كما أن الترميم باليد يكون أأمن على
املخطوط منه باآللة ,وقد تم تقديم الفكرة ألعضاء مركز جمعة املاجد للثقافة والتراث
في زيارتهم الالحقة سنة 2009م ،وهو ما يؤكد تبادل االقتراحات والخبرات بين مختلف
مراكز الحفظ ،والذي من شأنه الرقي بتقنيات الصيانة والترميم ،وبالتالي الحفاظ على
التراث العربي واالسالمي.
وفيما يلي سنحاول ادراج مراحل حفظ املخطوطات التي تعتمدها مصلحة الحفظ
باملكتبة الوطنية الجزائرية حيث يتم ذلك بطريقتين أساسيتين هما الصيانة (الوقاية)
والترميم (العالج) ،أما األولى فتقول عنها السيدة عديلة حالوة رئيسة مصلحة الحفظ
أنها عملية جزئية إلزالة الغبار وإصالح بعض التمزقات وغيرها وتتم عن طريق تهيئة
األوضاع املناسبة وتوفير الشروط الضرورية لضمان سالمة املخطوطات مع مرور
الزمن ،في حين تقول عن الترميم أنه عملية التدخل بشكل كلي في املخطوط حيث يمكن
أن يتغير املخطوط تماما ،مع مالحظة استحالة ترميم املخطوط مرتين وهو ما سنراه
بنوع من التفصيل في العنصر املوالي.
ثانيا -مراحل صيانة وترميم املخطوطات باملكتبة الوطنية:
_1مرحلة صيانة (وقاية) املخطوطات:
يعمل املختصون القائمون بوقاية املخطوطات باملكتبة الوطنية الجزائرية على:
1أتسس عام 1991م ،هدفه احملافظة على الرتاث العريب واإلسالمي والعمل على نشره .وحتتوي مكتبة املركز
على أكثر من 500ألف جملد ،وقد بلغ عدد املخطوطات اليت يقتنيها املركز ما يقارب اخلمسني ألف عنوان،
منها حوايل 8000خمطوط أصلي وأكثر من 200ألف خمطوط مصور .أنظر املوقع الرمسي ملركز مجعة املاجد
للثقافة والرتاث.
87
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
التنظيف الدوري للمخطوطات وتهويتها من حين آلخر بإمرار الهواء النقي داخل
القاعة والتخلص من الغازات السامة.
وقايتها من التلوث الجوي كغلق النوافذ واألبواب بمسؤولية تامة وكذا
االجراءات الصارمة في منع التدخين في القاعة السفلية املخصصة لحفظ املخطوطات
وتخزينها.
وألن املكتبة الوطنية الجزائرية تقع في منطقة ساحلية كالجزائر العاصمة ترتفع
فيها نسبة الرطوبة باستمرار فإن األمر يتطلب جهدا مضاعفا من قبل املوظفين ويستلزم
مراقبة دورية ،كما أنهم ملزمون دائما بغلق املخازن الخاصة بها غلقا محكما يضمن
سالمتها من آفات الرطوبة ،وكذا العمل على ضبط درجة الحرارة واألشعة الضوئية حيث
يكون مقياس درجة الحرارة بين °22-18 :أما نسبة الرطوبة فتتراوح بين % 65-45مع
مراقبة عدم التغير املفاجئ لكل منهما.
محاربة الحشرات ونفض الغبار على صفحات أوراق املخطوط ألن الغبار قد
ُ
يكون حامل للحشرات أو لبويضاتها التي ال ترى بالعين املجردة.
املراقبة املستمرة لها وباألخص مراقبة أجزائها الداخلية للتأكد من سالمتها
وعدم تعرضها للضرر .وفي حال اكتشاف اصابة إحدى املخطوطات باآلفات الضارة
كالفطريات وسائر الحشرات وجب عزلها عن بقية املخطوطات والبدء الفوري
بمعالجتها.
رقمنة املخطوط " :1"CDوهو اجراء جد ضروري ووقائي يضمن نسخة من
املخطوط األصلي في حال ما تعرض للخطر أثناء عملية الترميم ،والرقمنة بالنسبة
للمكتبة الوطنية هي وسيلة حفظ تدخل في الحفظ الوقائي للمخطوطات وكل الوثائق
الثمينة ووسيلة لتوفير املعلومة للباحث بطريقة سريعة وآنية وكبديل عن األصول.
وتهدف للحفاظ على الوثائق النادرة من املخطوطات األصلية والنسخ الهشة من
املالمسات اليومية دون حجبها عن الباحثين .كما يمكن تحسين الصورة عن طريق
املعالجة الرقمية باستعمال برامج خاصة كالفوتو شوب مثال للتمكن من الطباعة أو
الحصول على ملفات " "PDFللتعامل بها عبر شبكة اإلنترنيت.
1حفصة بن حقوقة :الرقمنة يف املكتبة الوطنية اجلزائرية واقع وآفاق ،قسم التصوير واملؤلفات النادرة ،املكتبة
الوطنية اجلزائرية ،اجلزائر.
88
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
وقد انطلقت عملية الرقمنة في املكتبة الوطنية الجزائرية سنة 2001بآلة تصوير جد
بسيطة ،لكنها كانت الوسيلة الوحيدة لحفظ املخطوطات والوثائق النادرة والحد من
االطالع على النسخ األصلية .وفي سنة 2007تمكنت املكتبة الوطنية من اقتناء ماسحات
ُ
جديدة وعصرية تتماش ى والرقمنة الحديثة كالخاصة بتصوير املخطوطات حيث تعامل
املخطوطات بطريقة مختلفة عن باقي الوثائق نظرا لقيمتها املادية والعلمية خاصة إذا
كانت نسخة هشة ،فيحاول املختصون قدر اإلمكان عدم إيذائها خالل عملية الرقمنة،
ففي بعض الحاالت يرفضون عملية التصوير ويضعون مالحظة "نسخة غير قابلة
للتصوير" وهناك بعض الحاالت يلجأون فيها ألخذ صور بآلة تصوير عادية حفاظا على
املخطوط وتلبية لطلب الباحث ألن هناك مخطوطات تكون طريقة التجليد مشدودة
نوعا ما ،فإذا حاولوا فتح املخطوط أو ضغطه بزجاجة املاسح يتحول خيط التجليد إلى
آلة حادة تقطع املخطوط وتتسبب في إتالفه.
_2مرحلة ترميم (معالجة) املخطوطات:
وهي املرحلة التي تلي مرحلة الصيانة (الوقاية) ،فإذا حدث واكتشف القائمون على
وقاية املخطوطات تعرض احداها للخطر تبدأ مرحلة املعالجة والتي بدورها تمر بعدة
خطوات منها:
تشخيص املخطوط بالعين املجردة :الرؤية بالعين املجردة صفحة تلو األخرى
كي يتم تحديد مواقع التلف ونوعية التدخل فيه ونوعية املرض وبعدها القيام بتحضير
ملف الترميم.
تصوير املخطوط في بداية املرحلة العالجية وأثنائها :حيث يجب تصوير كل
جزء من املخطوط لكي يمكن رصد كل املناطق التي يمكن التدخل فيها .وتعتبر هذه
املرحلة ضرورية جدا ليس قبل الترميم فقط بل في كل مرحلة من مراحله وذلك لتسهيل
عملية املراقبة وتتبع املخطوط في جميع املراحل حتى نهاية ترميمه.
اعداد وتحضير ملف الترميم :كل ما هو في املخطوط ُيدون في امللف حتى
مشروع الترميم حيث يحتوي ملف الترميم على كل البيانات الخاصة باملخطوط من
البطاقة البيبلوغرافية كعنوانه ومقياسه البيبلوغرافي وعدد كراريسه وناسخه ،إلى
وصف املخطوط من ناحية التجليد وهيكل املخطوط من الداخل وكذا حالة املخطوط،
89
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
ثم أخيرا مشروع الترميم والذي يحتوي على املعلومات املستخلصة من ما يمكن أن يقوم
به املرمم من أجل عملية ترميم املخطوط.
التدخل في املخطوط :حيث يكون التدخل على جانبين هل هو تصليح جزئي أم
كلي أم تلف .فإذا كانت هناك أجزاء متقطعة فيجب تجميعها واالحتفاظ بها من أجل
استعمالها الحقا في استكمال األجزاء الكلية للمخطوط وإعادتها إلى حالتها الطبيعية ،أما
فيما يخص مراحل الترميم فهي كالتالي:
ترميم التمزقات الداخلية البسيطة :ويتم ذلك في كل الصفحات باستعمال
ورق شفاف خاص والهدف من ذلك هو إعطاء صالبة ومتانة للمخطوط وذلك بإلصاق
التمزقات.
إزالة الحموضة :رغم استعمال هذه التقنية في مختلف دور الحفظ إال أن
السيدة رئيسة املصلحة أكدت لي أن هذه التقنية ال يتم استخدامها في املصلحة ألن
املخطوط لديه درجة حموضة معينة وعملية االزالة فيها مادة وقوة كيميائية عالية وال
يمكن استعمالها خشية فقدان املخطوط.
ترميم األجزاء الناقصة والثقوب املبتورة :وذلك باستعمال ورق خاص يتم
استيراده من فرنسا ويسمى بالورق الياباني حيث يقوم املختصون بلصق وتقشير
الحواف ،أما ترميم كعوب الصفحات املزدوجة فيتم بربط الصفحات املنفصلة بشريط
الصق من الجهة الخلفية مع التقيد بمساحة قياسية موحدة للكتاب .ثم يتم تكوين
املالزم من مجاميع الصفحات املزدوجة وخياطتها ثم تعزيز الكعب بالغراء السائل وتثبيت
ِّكسوة القماش به.
ً ً
تجليد املخطوط :وهو إجراء وقائي للصفحات املكتوبة ،وقد أصبح فنا قائما
بذاته وله من األسس العلمية والعملية ما يجعله مهنة عاملية وذلك باستخدام املواد
الطبيعية مع األخذ بعين االعتبار الزخارف املوجودة على سطح الغالف ،وإعادتها من
جديد بما يتناسب وتاريخ نسخ كل مخطوط.
تجهيز علب الحفظ :والهدف من استعمالها هو حفظ املخطوطات من اآلثار
املناخية املضرة ،إضافة إلى حفظها من التناثر والضياع ،وتمتاز هذه العلب بإغالقها
املحكم ،وتكوينها املادي النقي من كل الشوائب ،والخالي من الحموضة ،وهو ما يعطيها
مناعة تامة من اإلصابات الكيميائية.
90
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
وهنا تكون مهمة موظفي مصلحة الحفظ قد انتهت بعملتي الصيانة والترميم وبقي
عليهم في األخير ارسال املخطوط بعلبته الحافظة إلى مصلحة املخطوطات.
ثالثا -تكوين موظفو مصلحة الحفظ باملكتبة الوطنية الجزائرية:
تسعى إدارة املكتبة الوطنية الجزائرية إلى تكوين موظفيها تكوينا عامليا للحفاظ على
ما تملكه من تراث عريق لألجيال الالحقة ،وفي هذا الصدد أوضحت لي السيدة "عديلة
حالوة" رئيسة مصلحة حفظ التراث باملكتبة الوطنية أن موظفو املصلحة تم تكوينهم
داخل املكتبة من طرف أساتذة مختصون في الصيانة والترميم ،إضافة إلى تكوينهم
تكوينا مشرقيا وأوربيا وأمريكيا؛ وذلك عن طريق استضافة مختصون أجانب من طرف
إدارة املكتبة الوطنية لتكوين املوظفين باملصلحة ،نذكر على سبيل املثال ال الحصر كل
من الباحثان والخبيران في ترميم املخطوطات :الدكتور "بسام داغستاني" 1واألستاذ
"محمد نضال قواف" 2وكالهما سوري األصل ويعمالن في مركز جمعة املاجد للثقافة
والتراث بدولة اإلمارات العربية ،وقد حضرا في سنة 2001وأعادا الكرة في 2009م.
وتجدر اإلشارة إلى أن مركز جمعة املاجد للثقافة والتراث قد نظم الدورة التدريبية
األولى لحفظ ومعالجة وترميم املخطوطات في املكتبة الوطنية الجزائرية ،والتي شارك
فيها من املركز الوطني الجزائري بمدينة أدرار خمسة متدربين ومن املكتبة الوطنية
موظفي مختبر الترميم والبالغ عددهم 12متدربا في أسس ومبادئ حفظ وترميم
املخطوطات ،وقد تناولت الدورة ثالثة محاور هي :أسس ومبادئ الترميم اليدوي وأسس
ومبادئ الترميم اآللي ومعالجات الورق ،وأسس ومبادئ التجليد اإلسالمي.3
من جهة أخرى استضافت املكتبة الوطنية الخبير التونس ي ممثل اليونسكو األستاذ
"عبد العزيز عبيد" ملدة أسبوع من 15إلى 22جوان 2011م ،وهو استشاري مكتبات
ومعلومات وذلك الستشارته واالستفادة من خبرته في ميدان رقمنة رصيد املكتبة
الوطنية وفي ميدان الحفظ ،حيث قدم العديد من النصائح واإلرشادات من خالل
تجربته الطويلة في امليدان وإشرافه على العديد من املشاريع املتعلقة باملكتبات في
مختلف دول العالم خاصة املكتبة الرقمية العاملية ومكتبة اإلسكندرية .وفي ختام عمله
1وهو رئيس قسم احلفظ واملعاجلة والرتميم مبركز مجعة املاجد للثقافة والرتاث بديب.
2رئيس شعبة ترميم املطبوعات يف مركز مجعة املاجد.
3مقال جبريدة االمارات اليوم :نشاطات جلمعية املاجد يف اجلزائر وموريطانيا 23 ،ماي .2009
91
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
التزم بإعداد تقرير مفصل حول زيارته االستشارية واقتراح الحلول املناسبة في كل محور
من املحاور املتعلقة ببرنامج الزيارة ( الرقمنة – اإلعالم اآللي – الحفظ)
وإرساله للمديرية العامة للمكتبة الوطنية الجزائرية1.
وفي نفس السياق حضر الباحث "بول هيبورث" Paul Hepworth 2من تركيا في
وعرف بطرق املعالجةمارس 2013م ،والذي قام بتدريب املرممين في املكتبة الوطنية ّ
الحديثة للمخطوطات ،وقد أكدت لي رئيسة مصلحة الحفظ أن االستفادة كانت كبيرة
جدا ملوظفو املكتبة الوطنية ،حيث تم فيها تصحيح بعض التقنيات املعمول بها وتطوير
البعض اآلخر.
وعلى صعيد آخر هناك تكوين خارجي في سوريا واإلمارات وفرنسا والبرتغال وغيرها
من دول املشرق اإلسالمي والغرب األوربي ملوظفي املكتبة الوطنية ،وهذا التكوين قد
تكون مدته ثالثة أسابيع ،شهر ،وقد يستمر لسنة كاملة .وكانت آخر رحلة علمية ملوظفو
مصلحة حفظ وتجليد املخطوطات إلى البرتغال واستمرت ثالثة أسابيع.
رابعا -جهود املكتبة لوطنية في جمع التراث:
تحتوي املكتبة الوطنية الجزائرية على مصلحة خاصة تهدف لجمع املخطوطات سواء
كانت وطنية أو دولية ويتم تموين الرصيد الوثائقي عن طريق التبادل والهدايا والشراء
حيث ذكرت لي السيدة رئيسة مصلحة الحفظ والتجليد أن املكتبة الوطنية تبنت
مشروع تحسيس ي لتوعية مالك املخطوطات الجزائرية املحلية املتناثرة في كل واليات
الجزائر خاصة املوجودة بالزوايا واملساجد واملكتبات الخاصة بأهميتها البالغة ،مثل
الزاوية العثمانية بطولقة وزوايا غرداية وأدرار وغيرهم ،حيث بعثت لهم املكتبة
92
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
بمراسالت خاصة تهدف بالدرجة األولى إلى الحفاظ عن املخطوطات وعن إمكانية شراء
نسخ منها وحفظها باملكتبة الوطنية التي تتمتع بأحدث تقنيات الصيانة والترميم ،كما
أكدت على ضرورة تكوين موظفيهم باملكتبة الوطنية ألن الهدف األول هو املحافظة على
املخطوطات .وفعال التحق باملكتبة الوطنية عددا من املوظفين التابعين لدور
املخطوطات بمختلف الواليات الجزائرية للتكوين داخل املكتبة الوطنية وتم تسهيل
العملية بعد تلقي طلب رسمي من الجهة املعنية.
الخاتمة:
الواضح أن جهود املكتبة الوطنية الجزائرية ليست بالهينة في مجال حفظ التراث
وصيانته ،وهذا ما ظهر لنا من خالل املجهودات الجبارة التي يقوم بها مسؤولو املكتبة
الوطنية في هذا املجال ،من استخدام للتقنيات العاملية الحديثة والحرص على تكوين
موظفيها أحسن تكوين عن طريق الدورات التدريبية املخصصة لهم لفهم تقنيات
الصيانة والترميم وتبادل الخبرات من مختلف مراكز الحفظ بالعالم خاصة مركز جمعة
املاجد للثقافة والتراث الذي كان له الفضل في إقامة الدورة التدريبية األولى بالجزائر
مما فتح آفاقا جديدة تعكس روح التعاون الهادف لحفظ التراث وصيانته.
ومن جهة أخرى تسعى املكتبة الوطنية جاهدة لجمع أكبر عدد من املخطوطات
النادرة والدفينة بمختلف املكتبات األسرية ومكتبات الزوايا واملساجد وغيرها من
املخطوطات التي تمثل تاريخ الجزائر بكل ما تحمله من حقائق ومعلومات ال نظير ّ
لقيمتها
املادية واملعنوية .وفي األخير ال يسعنا إال أن ننبه الباحث التاريخي أن يثمن هذا العمل
الجبار ويحافظ هو بدوره أيضا على املخطوطات التي توفرها له املكتبة الوطنية لكي
نرقى بتراثنا العريق ونظمن سالمته ألجيال الحقة ال شك أنها ستكون بحاجة ماسة له
خاصة مع هذا التطور التكنولوجي الرهيب الذي من شأنه أن يقض ي على املخطوطات
العريقة وبالتالي على الهوية العربية والحضارة االسالمية.
املصادرواملراجع املعتمدة:
_1املصادر:
93
ISSN : 2353-0472 مجلة الحكمة للدراسات التاريخية
EISSN : 2600-6405 املجلد ،3العدد( ،5جانفي)2015
السيدة :عديلة حالوة ،رئيسة مصلحة الحفظ باملكتبة الجزائرية الوطنية .وهي املصدر
األساس ي في هذا التقرير امليداني.
_2املراجع:
-1إدريس كرواطي :الخط العربي واملخطوطات من خالل النشر الورقي والنشر
االلكتروني ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ،كلية اآلداب والعلوم االنسانية،
الرباط ،املغرب.2008 ،
-2جريدة االمارات اليوم :نشاطات لجمعية املاجد في الجزائر وموريطانيا23 ،
ماي .2009
-3حفصة بن حقوقة :الرقمنة في املكتبة الوطنية الجزائرية واقع وآفاق ،قسم
التصوير واملؤلفات النادرة ،املكتبة الوطنية الجزائرية ،الجزائر.
-4خليل حسن الزركاني :صيانة املخطوطات العربية وترميمها ،مركز احياء
التراث ،جامعة بغداد.
-5مجمع اللغة العربية :املعجم الوسيط ،ط ،4مكتبة الشروق الدولية،
القاهرة.2004 ،
-6عبد الغني بوضرة :اختتام مؤتمر املصاحف التاريخية بالدوحة ،صحيفة
العرب القطرية ،العدد ،9468 :الجمعة 25أفريل .2014
-7املوقع الرسمي للمكتبة الوطنية الجزائرية.
-8املوقع الرسمي ملركز جمعة املاجد للثقافة والتراث.
94