You are on page 1of 17

‫بسم هللا الرمحن الرحي‬

‫ا ألمر‬
‫‪ .1‬معن ا ألمر وصيغته‬

‫عرف مجهور الأصوليني الأمر بأأنه ‪ :‬القول الطالب للفعل ‪ ،‬بال علو ‪ ،‬وال اس تعالء ‪.‬‬
‫ورشط بعض الأصليني العلو ‪ ،‬وهو أأن يكون الأمر أأعىل رتبة من املأأمور ‪.‬‬
‫ورشط أأبو احلسني البرصي الاس تعالء ‪ ،‬وهو أأن يكون الأمر مس تعليا يف أأمره بأأن يطلب الفعل بصيغة الاس تعالء ‪ ،‬وان‬
‫اكن أأقل رتبة من الأمور ‪.‬‬
‫فالعلو ‪ :‬صفة املتلكم‬
‫والاس تعالء ‪ :‬صفة الالكم‬
‫ومما يدل عىل عدم اسرتاطهام قوهل تعاىل حاكية عن فرعون حلاشيته ‪ { :‬مفاذا تأأمرون } فسمى الكهمم أأمرا ‪ ،‬ومه أأقل منه‬
‫الرتبة ‪ ،‬وال شك أأهنم اكنوا يتلكمون معه بأأدب ‪ ،‬دون س تعالء ‪ ،‬لأهنم اكنوا يعتقدون فيه الألوهية ‪ ،‬أأو جياملونه علهيا ‪1.‬‬

‫الأمر هو اللفظ ادلال عىل طلب الفعل عىل هجة الاس تعالء‪ .‬وهذا رأأي احلنفية واحلنابةل ‪ ,‬فهو يكون من الأعىل اىل الأدىن ‪,‬‬
‫بأأن يقول القائل ملن دونه اس تعالء ‪ :‬افعل ‪ .‬وهو حقيق يف القول الطالب للفعل‪ .‬فاذا صدر من الأدىن اىل الأعىل عىل سبيل‬
‫الترضع والشفاعة ال يسمى أأمرا ‪ ,‬وامنا يقال هل دعاء والامتس ‪ .‬وقال ابن الس بيك الشافعي يف مجع اجلوامع ‪ :‬ال يعترب يف مسمى‬
‫الأمر علو وال اس تعالء ‪ .‬وكذاكل قال املالكية ‪ :‬ال يشرتط يف الأمر علو الآمر ‪ ,‬خالفا للمعزتةل ‪.‬‬

‫وبعبارة أأخرى ‪ :‬هو ما دل عىل طلب الفعل وحتصيهل يف املس تقبل ‪ ,‬سواء أأاكن بصيغة الأمر مثل قوهل تعاىل ‪ { :‬اي أأهيا‬
‫الذلين أآمنوا اتقوا هللا حق تقاته } وقوهل ‪ { :‬وأأوفوا ابلعقود } وقوهل ‪ { :‬أأقميوا الصالة وأآتوا الزاكة } ‪.‬‬

‫أأم اكن بصيغة املضارع املقرتن بالم الأمر ‪ ,‬كقوهل س بحانه ‪ { :‬لينفق ذو سعة من سعته } ‪ .‬وقوهل ‪ { :‬مفن شهد منمك الشهر‬
‫فليصمه } وقوهل ‪ { :‬وليوفوا نذرومه ‪ ,‬وليطوفوا ابلبيت العتيق } ‪.‬‬

‫أأم اكن ابمجلةل اخلربية اليت يقصد مهنا الطلب ‪ ,‬اكما يف قوهل عز وجل ‪ { :‬والوادلات يرضعن أأوالدهن حولني اكملني } ‪.‬‬
‫فليس املقصود منه جمرد االخبار عن ارضاع الوادلات أأوالدهن ‪ ,‬و امنا املقصود الأمر ابالرضاع وطلبه من الوادلات ‪ .‬ومثل‬
‫قوهل س بحانه ‪ { :‬ولن جيعل هللا للاكفرين عىل املؤمنني سبيال } يقصد به الأمر املؤمنني بأأال ميكنوا الاكفرين من التسلط‬
‫علهيم‪.2‬‬

‫‪ .2‬دالةل صيغة ا ألمر‬

‫ترد صيغة الأمر ملعان كثرية‪ ،‬أأوصلها بعـض الأصـولني ملا يقارب الثالثني‪ ،‬واتفقوا عىل أأهنا ليست حقيقة فهيا لكها‪ ،‬وامنا يه‬
‫حقيقة يف بعضـها ـ علـى خـالف فيـه ـ جمـاز يف معظمها‪.‬‬

‫‪ . 1‬خالصة أأصول الفقه )محمد حسن هيتو ( ص)‪(٤٩‬‬


‫‪ . 2‬أأصول الفقه الاساليم )ادلكتور وهبة الزحيل( ج )‪ (١‬ص )‪(٢١٨‬‬

‫‪1‬‬
‫وجامهري الأصوليني عىل أأهنا حقيقة يف الوجوب‪ ،‬جماز يف غريه مـن املعـاين‪ ،‬مـن النـدب‪ ،‬واالابحة‪ ،‬واالرشـاد ‪ ،‬والتأأديب‬
‫وغري ذكل‪.‬‬

‫كقوهل صىل هللا عليه وسمل‪( :‬أأفشـوا السالم بينمك)‪ ،‬وكقوهل تعاىل‪ ( :‬لكوا من الطيبات(‪ ،‬وكقولـه تعـاىل‪( :‬اذا تدايمن بدين اىل‬
‫أأجل مسمى فاكتبوه(‪ ،‬وكقوهل صىل هللا عليه وسمل لعمر بن أأيب سلمة وهـو طـفـل صـغري‪( :‬كـل ممـا يليك)‪.‬‬

‫فاذا وردت صيغة الأمر يف الكم الشارع محلت عىل الوجوب‪ ،‬لأهنا حقيقة فيه‪ ،‬وال ترصف اىل غريه من املعاين اال بعد‬
‫وجود القرينة‪3.‬‬

‫قال مجهور العلامء‪ :‬ان الأمر يدل عىل وجوب املأأمور به‪ ،‬وال يرصف عن الوجوب اىل غريه اال بقرينة تدل عىل ذكل؛ ألن‬
‫العرب تس تعمل الأمر للطلب اجلازم‪ ،‬وهو ما جاء يف النصوص الرشعية‪ ،‬فان قصد به غري ذكل فهو عىل سبيل اجملاز‪ ،‬واال‬
‫فالأصل أأنه للوجوب رشعا ‪.‬‬
‫ويدل الأمر عند وجود القرينة عىل أأحد الأمور التالية‪ ،‬حبسب القرينة اليت ترصفه من الوجوب اىل غريه‪ ،‬ويكون جمازا‪ ،‬مفن‬
‫ذكل‪:‬‬

‫‪ - ١‬الندب والاس تحباب‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪{ :‬فاكتبومه ان علممت فهيم خريا} [النور‪ ،]٣٣ :‬فالأمر ابملاكتبة مندوبة بقرينة أأن‬
‫املاكل حر الترصف يف ملكه‪.‬‬

‫‪ - ٢‬االرشاد مثل قوهل تعاىل‪{ :‬اي أأهيا اذلين أآمنوا اذا تداينمت بدين اىل أأجل مسمى فاكتبوه} [البقرة‪ ،]٢٨٢ :‬فالأمر بكتابة‬
‫ادلين يدل عىل جمرد االرشاد للأحسن ولالحتياط‪ ،‬للقرينة يف الآية التالية‪{ :‬فان أأمن بعضمك بعضا فليؤد اذلي اؤمتن أأمانته}‬
‫[البقرة‪ ،]٢٨٣ :‬أأي‪ :‬عند الثقة ابملدين الأمني فال حاجة للكتابة؛ لأن هللا أأمره بأأداء الأمانة ولو بدون كتابة‪.‬‬

‫‪ - ٣‬االابحة‪ :‬مثل قوهل تعاىل‪{ :‬ولكوا وارشبوا} [البقرة‪ ،]١٨٧ :‬فاهنا لالابحة بقرينة أأن الألك أأو الرشب تس تدعيه الفطرة‬
‫عند لك خملوق يح‪ ،‬ومثل قوهل تعاىل‪{ :‬فاذا قضيت الصالة فانترشوا يف الأرض} [امجلعة‪ ،]١٠ :‬فالأمر ابالنتشار والسعي‬
‫بأأن الأمر بعد احلظر يفيد االابحة عند بعض املذاهب‪ ،‬أأو يعيد الأمر اىل ما اكن قبهل عند أآخرين‪ ،‬والانتشار قبل الصالة‬
‫مباح‪ ،‬مث حظر بسبب صالة امجلعة‪ ،‬مث عاد اىل أأصهل‪ ،‬كام س يأأيت‪.‬‬

‫‪ - ٤‬التأأديب‪ :‬كقوهل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬لعمر بن أأم سلمة‪" :‬اي غالم! مس هللا‪ ،‬ولك بميينك‪ ،‬ولك مما يليك" ‪ ،‬فالأمر‬
‫هنا للتأأديب بقرينة احلال‪ ،‬وسبب الورود اذلي ذكره معر ريض هللا عنه‪.‬‬

‫‪ - ٥‬االنذار‪ :‬مثل قوهل تعاىل‪{ :‬قل متتعوا فان مصريمك اىل النار} [ابراهي‪ ،]٣٠ :‬فهذا انذار للكفار ليك يمتتعوا يف ادلنيا وليس‬
‫هلم نصيب يف الآخرة‪.‬‬

‫‪ - ٦‬ادلعاء‪ :‬كقوهل تعاىل‪{ :‬ربنا أآتنا يف ادلنيا حس نة ويف الآخرة حس نة وقنا عذاب النار} [البقرة‪ ،]٢٠١ :‬وقوهل تعاىل‪{ :‬ربنا‬
‫اغفر لنا ذنوبنا} [أل معران‪ ،]١٤٧ :‬فهذا دعاء هلل تعاىل‪ ،‬وهو كثري يف القرأآن الكرمي والس نة الرشيفة‪. 4‬‬

‫‪ . 3‬خالصة أأصول الفقه )محمد حسن هيتو ( ص )‪(٥١‬‬


‫‪ . 4‬الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل( ج )‪ (٢‬ص )‪(٢٣‬‬

‫‪2‬‬
‫• واخلالصة ‪ :‬ان االمام ابن الس بيك ذكر يف مجع اجلوامع س تة وعرشين معن للأمر ‪ ،‬واتبعه يف تعدادها ابن بدران‬
‫احلنبل ‪ ،‬واكتفى صدر الرشيعة ابن مسعود احلنفي بذكر س تة عرش معن ‪ ،‬ويه ما يأأيت‪:‬‬

‫الـوجـوب ‪ ،‬والندب ‪ ،‬واالبـاحـة ‪ ،‬والهتديد ‪ ،‬واالرشـاد ‪ ،‬والتأأديب ‪ ،‬واالنذار ‪ ،‬والامتنان ‪ ،‬واالكرام ‪،‬‬
‫والامهتان ‪ ،‬والتكوين ‪ ،‬والتعجزي ‪ ،‬واالهانة ‪ ،‬والتسـويـة ‪ ،‬والـدعـاء ‪ ،‬والمتين ‪ ،‬والاحتقار ‪ ،‬واخلرب ‪ ،‬والاعتبار‬
‫‪ ،‬والتعجب ‪ .‬والتكذيب ‪ ،‬واملشورة ‪ ،‬وارادة الامتثال ‪ ،‬واالذن ‪ ،‬واالنعام ‪ ،‬والتفويض ‪.‬‬

‫مث قال ابن الس بيك ‪ :‬وامجلهور عىل أأن الأمر حقيقة يف الوجوب فقط ‪ ،‬لغة أأو رشعاً أأو عق ًال حبسب املذاهب ‪.‬‬

‫وهذا القول هو احلق ‪ ،‬وهو الراحج ؛ لأن وضع الأمر يف اللغة امنا هو لطلب الفعل عىل هجة احلمت وااللزام ‪ ،‬فان‬
‫االجياب لغـة ‪ :‬االثبـات وااللزام ‪ ،‬والأمر الصادر من هللا تعاىل ليس اال بقصد اثباته والزام اخملاطبني به‬
‫واس تحقاق العقـاب عىل تركه ‪ .‬ويوحض ذكل ايراد أأدةل امجلهور عىل أأن الأمر للوجوب ‪ ،‬ويه من انحيتني ‪:‬‬

‫أ آ ـ نـاحيـة اللغة ‪ :‬وهو أأن الأمر موضوع يف اللغة العربية للطلب اجلـازم وااللزام عىل سبيل احلقيقة ‪ ،‬فان اس تعمل‬
‫يف غريه فهو عىل سبيل اجملاز ‪ .‬لـذا قـال احلنفية ‪ :‬الأمر اذا اكن حقيقة يف الوجوب فقط ‪ ،‬ففي االبـاحـة والنـدب‬
‫يكون جمازاً ابلرضورة ‪ ،‬لتباين الأحاكم ‪ .‬وقال سعد ادلين التفتازاين ‪ :‬الأمر حقيقـة لغوية يف االجياب مبعن االلزام‬
‫وطلب الفعل وارادته جزما ‪ ،‬وحقيقة رشعيـة يف االجياب مبعن الطلب واحلمك ابس تحقاق تـاركـه الـذم والعقاب ‪،‬‬
‫ال مبعن ارادة وجود الفعل ‪.‬‬

‫ب ـ انحية الرشع ‪ :‬الأمر حقيقة رشعيـة يف الـوجـوب الـذي يرتتب عىل خمالفتـه اس تحقاق االمث والعقاب ‪،‬‬
‫بـدلـيـل أأن الرشع ذم تـارك الواجب وسامه عاصياً ‪ ،‬ورتب عليه العقاب ‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم ‪ « :‬لوال أأن‬
‫أأشق عىل أأميت لأمرهتم ابلسواك عند لك صالة » ولفظة « لوال » تفيد انتفاء الأمر لوجود املشقة ‪ ،‬والندب يف‬
‫السواك اثبت ‪ ،‬فدل عىل أأن الأمر ال يصدق عىل الندب ‪ ،‬بل ما فيه مشقة ‪ ،‬وذكل امنا يتحقق يف الوجوب ‪.‬‬

‫ويرشد اليه قوهل تعاىل البليس ( ما منعك أأال تسجـد اذ أأمرتك ( ذمـه عىل ترك املأأمور به ‪ ،‬واذلم يقتيض‬
‫الوجوب ؛ لأن اذلم ال يكون اال يف ترك واجب أأو فعل حمرم ‪.‬‬

‫وكذكل قوهل تعاىل ‪ ( :‬واذا قيل هلم اركعوا ال يركعون ( ذهمم عىل ترك الركوع اذا أأمروا به ‪ ،‬وهو دليل الوجوب ‪.‬‬

‫ورتب هللا س بحـانـه وتعـاىل العقـاب رصاحـة عىل ترك الأمر بقـولـه ‪ ):‬فليحذر اذلين خيالفون عن أأمره أأن تصيهبم‬
‫فتنـة أأو عذاب أألي ( يفهم منه خوف اصابة الفتنة أأو العذاب مبخـالفـة الأمر ‪ ،‬وهـذا أأدل نص عىل أأن الأمر‬
‫يقتيض الوجوب ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ونفى احلـق تعـاىل احامتل اخليـار بـالأمر يف قوهل ‪ ( :‬ومـا اكن ملؤمن وال مـؤمـنـة اذا قىض هللا ورسـولـه أأمراً أأن‬
‫يكون هلم اخلرية من أأمرمه ( ‪ .‬والقضاء ‪ :‬احلمك ‪5.‬‬

‫‪ .3‬ا ألمر بعد احلظر أأو التحرمي‬

‫قد حيظر الرشع أأمرا وحيرمه‪ ،‬مث يأأمر به‪ ،‬كتحرمي الصيد أأثناء االحرام للحج أأو للعمرة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وحرم عليمك صيد الرب ما‬
‫دممت حرما} [املائدة‪ ،]96 :‬وقوهل تعاىل؛ {غري حمل الصيد وأأنمت حرم} مث أأمر هللا ابالصطياد بعد التحلل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬واذا‬
‫حللمت فاصطادوا} [املائدة‪ ،]2 :‬وحرم هللا البيع عند النداء لصالة امجلعة‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬اذا نودي للصالة من يوم امجلعة‬
‫فاسعوا اىل ذكر هللا وذروا البيع} [امجلعة‪ ،]9 :‬مث أأمر ابالنتشار وابتغاء الرزق‪ ،‬ومنه البيع بعد الصالة‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬فاذا‬
‫قضيت الصالة فانترشوا يف الأرض وابتغوا من فضل هللا} [امجلعة‪ ،]10 :‬ومثهل قوهل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪" :-‬كنت هنيتمك‬
‫عن ادخار حلوم الأضايح فادخروا" ‪.‬‬

‫وقد اختلف الأصوليون يف دالةل هذا الأمر بعد احلظر عىل عدة أأقوال‪ ،‬أأمهها ثالثة أآراء‪ ،‬ويه‪:‬‬

‫‪ - 1‬ان الأمر بعد احلظر لالابحة‪ ،‬بدليل أأن معظم الأوامر اليت وردت بعض احلظر ثبت لها حمك االابحة اكلأمثةل السابقة‪،‬‬
‫وهو رأأي الشافعي واحلنابةل وبعض املالكية‪.‬‬

‫‪ - 2‬ان الأمر بعد احلظر للوجوب؛ لأن الأصل يف الأمر أأنه للوجوب سواء ورد بعد حظر أأم ال‪ ،‬لقوهل تعاىل‪{ :‬فاذا انسلخ‬
‫الأشهر احلرم فاقتلوا املرشكني حيث وجدمتومه} [التوبة‪ ،]5 :‬فالقتال واجب ابتفاق‪ ،‬وهذا قول احلنفية والشافعية واملالكية‪،‬‬
‫ورد أأحصاب القول الأول أأن الوجوب هنا دلليل خاريج‪.‬‬

‫‪ - 3‬ان الأمر بعد احلظر يرجع اىل احلمك اذلي اكن قبل احلظر من وجوب أأو غريه‪ ،‬والأمر هنا امنا هو جملرد رفع احلظر اذلي‬
‫س بق‪ ،‬بدليل أأن املتتبع ل ألوامر بعد احلظر جيدها أأهنا عادت اىل أأصل احلمك قبل ورود احلظر‪ ،‬اكلبيع‪ ،‬والصيد‪ ،‬والادخار‪،‬‬
‫والقتال؛ لأن احلظر امنا ورد ملصلحة اقتضت ذكل‪ ،‬وهو رأأي الكامل بن اهلامم‪.‬‬

‫وهذه املسأأةل نظرية ال يرتتب علهيا حمك معل‪ ،‬وان الراحج هو اعتبار الأدةل اخلارجية اليت حتدد احلمك‪.6‬‬

‫اش هتر عند الفقهاء قوهلم‪ :‬الأمر بعد احلظر لالابحة‪ ،‬والأصوليون اختلفوا يف ذكل‪.‬‬
‫وصورة املسأأةل‪ :‬أأن يرد حظر من الشارع لفعل ما‪ ،‬سواء فهم هذا احلظر من هنيي رصحي‪ ،‬أأم من غريه‪ ،‬مث يرد أأمر بذكل الفعل‪.‬‬
‫مثال ا ألمر بعد احلظر الرصحي‪ :‬قوهل‪« :‬كنت هنيتمك عن ادخار حلوم الأضايح فلكوا مهنا وادخروا» (أأخرجه أأمحد والرتمذي ومعناه يف‬
‫الصحيحني) فالهنيي عن الادخار جاء اخلرب عنه رصحياً مث أأعقبه أأمر ابالدخار‪.‬‬
‫ومثال الهنيي غري الرصحي‪ :‬ما جاء يف حديث الرجل اذلي قال للنيب صىل هللا عليه وسمل‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬اين اكتتبت يف غزاة كذا وكذا‪،‬‬
‫وان امرأأيت ذهبت للحج‪ ،‬فقال هل النيب صىل هللا عليه وسمل‪« :‬انطلق وجح مع امرأأتك» (أأخرجه البخاري ومسمل)‪.‬‬

‫‪ . 5‬أأصول الفقه االساليم )ادلكتور وهبة الزحيل( ج )‪ (١‬ص )‪(٢٢٠‬‬


‫‪ . 6‬الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل ( ج )‪ (٢‬ص )‪(٢٨‬‬

‫‪4‬‬
‫ففي هذا احلديث مل يرد هنيي عن ذهاب ذكل الرجل مع امرأأته‪ ،‬ولكنه فهم من اكتتاب امسه يف احدى الغزوات فيكون مهنياً عن‬
‫التخلف عن الغزوة‪ ،‬مث جاء أأمر الرسول صىل هللا عليه وسمل ابالنطالق مع امرأأته للحج‪.‬‬
‫وقد مثل ابن اللحام هبذا املثال‪ ،‬وقد ينازع فيه‪.‬‬
‫وحمل الزناع يف هذه املسأأةل حيث مل توجد قرينة قوية تدل عىل محل الأمر عىل الوجوب أأو االابحة أأو الندب‪ .‬أأما حيث وجدت قرينة‬
‫فيعمل مبقتضاها‪.‬‬
‫والأصوليون يقررون يف كثري من مسائل اخلالف أأن حمهل حني تعدم القرينة‪ ،‬مع أأنه من النادر أأن تعدم القرينة‪ ،‬ولكهنم يقررون املبد أأ‬
‫العام‪ ،‬أأو الأصل اذلي يبن عليه احلمك عند الاختالف يف القرائن وداللهتا؛ لأن القرائن كثريا ما جيري اخلالف فهيا وكثرياً ما يدعي لك‬
‫فريق أأهنا تشهد لقوهل‪.‬‬
‫ا ألقوال‬
‫القول ا ألول‪ :‬أأن الأمر بعد احلظر لالابحة‪ .‬وهو قول الشافعي‪ ،‬كام حاكه عنه ابن القطان‪ ،‬وابن السمعاين‪ ،‬والآمدي‪ ،‬والأس نوي‪،‬‬
‫وغريمه‪.‬‬
‫وقال القايض عبد الوهاب‪ ،‬وابن خويز منداد‪ :‬انه قول ماكل‪ .‬ونقهل ابن برهان عن أأكرث الفقهاء‪ .‬واختاره ابن قدامه‪.‬‬
‫ويقرب من هذا القول يف التطبيق قول ابن تميية ان الأمر بعد احلظر يرفع التحرمي‪ ،‬ويعود احلمك اىل ما اكن عليه قبل احلظر‪ ،‬فقد يكون‬
‫مباحاً‪ ،‬وقد يكون مندو ًاب‪ ،‬وقد يكون واجباً ‪.‬‬
‫ا ألدةل‬
‫‪ - ١‬العرف الرشعي يف اس تعامل الأمر بعد احلظر هو اس تعامهل لالابحة‪ ،‬ومن ذكل‪:‬‬
‫ـ ‪ ...‬قوهل تعاىل‪{َ :‬وا َذا َحلَ ْل م ْمت فَ ْاص َطا مدوا} [املائدة‪.]٢‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫رشوا ِيف َال ْر ِض} [امجلعة‪ ،]١٠‬وليس البيع والرشاء واجبا بعد امجلعة ابتفاق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ـ ‪ ...‬وقوهل تعاىل‪{ :‬فَاذا قمضيَ ِت َّ‬
‫الصال مة فَانْتَ م‬
‫ِ‬
‫ـ ‪ ...‬وقوهل تعاىل‪{ :‬فَا َذا ت ََطه َّْر َن فَأْتموه َّمن ِم ْن َح ْي مث أَ َم َر م ممك َّ م‬
‫اَّلل} [البقرة‪ ]٢٢٢‬وليس اتيان النساء بعد الطهر واجباً بل مباحاً‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـ ‪ ...‬ومن الس نة قوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬كنت هنيتمك عن ادخار حلوم الأضايح فوق ثالث فأأمسكوا ما بدا لمك» ‪،‬ويف‬
‫رواية‪« :‬فلكوا وادخروا» (أأخرجه مسمل)‪.‬‬
‫ـ ‪ ...‬وقوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬كنت هنيتمك عن زايرة القبور فزوروها» (أأخرجه مسمل)‪ ،‬ومل يقل أأحد بوجوب زايرة القبور‪ ،‬وامنا‬
‫قالوا ابس تحباهبا للرجال؛ لقوهل يف أآخر احلديث‪« :‬فاهنا تذكرمك الآخرة»‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ العرف اللغوي‪:‬‬
‫فان أأهل اللغة متفقون عىل أأن الس يد لو قال لعبده‪ :‬ال تأألك هذا الطعام‪ ،‬مث قال هل‪ :‬لك‪ ،‬مل يكن هذا اجيا ًاب يس تحق عىل تركه‬
‫العقوبة‪ ،‬وكذكل اذا قال ملن طرق الباب‪ :‬ادخل‪ ،‬فانه ليس اجيا ًاب لدلخول‪ ،‬وامنا هو اذن فيه‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ان الأمر ال ختتلف داللته بعد احلظر عن داللته لو مل يس بق حبظر‪ ،‬وهذا مذهب أأكرث الفقهاء واملتلكمني ‪ .‬ولكن الفقهاء‬
‫يقولون‪ :‬يبقى عىل الوجوب‪ ،‬وكثري من املتلكمني يقولون يبقى عىل الاس تحباب؛ بناء عىل قوهلم يف أأصل دالةل الأمر املطلق‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫دليل هذا القول‪:‬‬
‫‪ - ١‬أأن الأمر الواقع بعد احلظر يكون انخساً هل‪ ،‬وقد ينسخ التحرمي ابالجياب أأو االابحة أأو الندب واذا احمتل املعاين الثالثة فالأصل‬
‫محهل عىل معناه الأصل وهو الوجوب عند امجلهور‪.‬‬
‫‪ - ٢‬قياس الأمر بعد احلظر عىل الهنيي بعد الأمر فكام أأن الهنيي اذا جاء بعد الأمر حيمل عىل التحرمي اذلي هو معناه قبل س بقه ابلأمر‬
‫فكذكل الأمر بعد احلظر‪ ،‬حيمل عىل الوجوب‪.‬‬
‫‪ - ٣‬معوم الأدةل ادلاةل عىل أأنه للوجوب‪.‬‬
‫واعرتض القائلون ابلوجوب عىل القائلني ابالابحة وقالوا‪ :‬ال يوجد عرف رشعي مس تقر‪ ،‬بدليل أأن بعض الآايت جاء فهيا الأمر بعد‬
‫احلظر‪ ،‬ومحلت عىل الوجوب ابتفاق‪ .‬ومن ذكل قوهل تعاىل‪{ :‬فَا َذا ان ْ َسلَخَ ْ َال ْشه ممر الْ مح مر مم فَاقْ متلموا الْ مم ْ ِ‬
‫رش ِك َني} [التوبة‪.]٥‬‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫القول الثالث‪ :‬اذا ورد الأمر بصيغة‪( :‬افعل) وحنوها‪ ،‬فهو لالابحة‪ ،‬وان ورد مرصحا فيه بلفظ الأمر كقوهل‪ :‬أأنمت مأأمورون‪ ،‬أأو اين أآمرمك‪،‬‬
‫فيحمل عىل الوجوب‪ .‬وهذا التفصيل اختيار ابن حزم الظاهري‪ ،‬واجملد ابن تميية‪.‬‬
‫دليهل‪ :‬أأن العرف الرشعي جرى يف الأمر بصيغة (افعل) وحنوها‪ ،‬وأأما لفظ الأمر املرصح فيه مبادة (أأمر) فال عرف فيه فيبقى عىل‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫وهذا الرأأي مبين عىل أأن صيغة (افعل) أأو (لتفعل) وحنوهام‪ ،‬من الظاهر‪ ،‬وصيغة‪ :‬أأنمت مأأمورون وحنوها‪ ،‬من النص الرصحي‪.‬‬
‫الرتجيح‬
‫الراحج هو القول الأول‪ ،‬وهو محل الأمر بعد احلظر عىل االابحة اال أأن يقوم دليل عىل خالف ذكل‪.‬‬
‫وما ذكره أأحصاب هذا الرأأي من الاس تدالل ابلعرف الرشعي والعرف اللغوي اكف يف ادلالةل عىل املطلوب‪.‬‬
‫وأأما اعرتاض أأحصاب القول ابلوجوب بأآية‪{ :‬فَا َذا ان ْ َسلَخَ ْ َال ْشه ممر ا ْل مح مر مم فَاقْ مت ملوا ا ْل مم ْ ِ‬
‫رش ِك َني} [التوبة‪ ،]٥‬فيجاب عنه بأأن هذه الآية ال تدل‬
‫ِ‬
‫عىل وجوب قتل املرشكني‪ ،‬وامنا يس تفاد الوجوب من غريها‪ .‬ولو مل يرد يف قتال املرشكني‬
‫اال هذه ملا اكنت داةل عىل الوجوب‪.‬‬
‫وأأما قياس الأمر عىل الهنيي فهو ضعيف؛ للفرق بيهنام من هجة أأن الهنيي يقتيض الاس مترار يف ترك املهنيى عنه‪ ،‬والأمر ال يقتىض التكرار‬
‫كام تقدم‪ .‬وأأيضاً فان هذا قياس يف اللغة وهو ممنوع عند الأكرث‪.‬‬
‫مث ان عرف الاس تعامل الرشعي واللغوي رصفه عن مقتضاه يف أأصل الوضع‪.‬‬
‫ومبثل هذا جياب عن متسكهم بعموم الأدةل ادلاةل عىل أأن الأمر املطلق للوجوب‪.‬‬
‫وأأما قول ابن حزم واجملد ابن تميية مفردود بعدم الفرق بني االخبار عن أأمر هللا أأو رسوهل‪ ،‬والأمر من هللا أأو رسوهل بصيغه املعروفة‪.‬‬
‫فاذا سمل جراين العرف يف الثاين فالأول مثهل‪.‬‬
‫وأأما قول ش يخ االسالم ابن تميية‪ :‬ان الأمر بعد احلظر يعيد الفعل اىل ما اكن عليه قبل ورود احلظر‪ ،‬فقد نسب للمزين‪ ،‬واختاره بعض‬
‫املتأأخرين‪ ،‬وقد يفرس به قول بعض املتقدمني اكلقفال الشايش‪ ،‬وهو قريب من حيث التطبيق من القول الأول‪ ،‬وفيه مجع بني الآايت‬
‫رشوا ِيف ْ َال ْر ِض} [امجلعة‪ ،]١٠‬والآايت اليت جاء فهيا الأمر بعد احلظر‬‫اليت جاء فهيا الأمر بعد احلظر ومحلت عىل االابحة‪ ،‬مثل‪{ :‬فَانْتَ ِ م‬
‫رش ِك َني} [التوبة‪.]٥‬‬‫ومحلت عىل الوجوب‪ ،‬حنو‪{ :‬فَا َذا ان ْ َسلَخَ ْ َال ْشه ممر الْ مح مر مم فَاقْتملموا الْ مم ْ ِ‬
‫ِ‬

‫‪6‬‬
‫مثرة اخلالف‬
‫تظهر مثرة اخلالف يف مسائل مهنا‪:‬‬
‫‪ - ١‬قوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬انطلق حفج مع امرأأتك» هل ميكن أأن يس تدل به عىل الوجوب؟ فيقال‪ :‬جيب عىل الرجل مرافقة‬
‫زوجته يف جح الفريضة؟ قيل‪ :‬نعم؛ مع ًال بظاهر اللفظ‪ ،‬والأكرث مل يوجبوا عليه ذكل؛ لكونه أأمراً بعد حظر فال يفيد الوجوب‪ ،‬بل‬
‫االابحة‪ .‬والندب مس تفاد من كونه من االحسان للزوجة‪.‬‬
‫‪ - ٢‬قوهل تعاىل‪{ :‬فَ َاك ِتب م ْ‬
‫ومه ا ْن عَ ِل ْم م ْمت ِف ِهي ْم خ ْ ًَريا} [النور‪ ،]٣٣‬هل ميكن أأن يس تدل به عىل وجوب ماكتبة العبد اذا عمل الس يد فيه‬
‫م ِ‬
‫خرياً؟‪.‬‬
‫قيل‪ :‬نعم؛ أأخذا بظاهر الأمر‪ ،‬وامجلهور قالوا‪ :‬ال جيب؛ لأنه أأمر بعد حظر‪ ،‬فال يفيد الوجوب‪ .‬واحلظر هنا غري منصوص عليه ولكنه‬
‫مفهوم مما عرف عن الشارع؛ لأنه ال يوجب عىل املاكل أأن يبيع شيئاً من ماهل مؤجال‪ .‬فثبوت مكل الس يد لعبده مبثابة املانع من املاكتبة‪.‬‬
‫وقال الزركيش‪ :‬انه عىل خالف القياس‪ ،‬فاكن اكملمنوع منه؛ اذ من حقه التحرمي لوال ورود السمع ‪.‬‬
‫اَّلل} [البقرة‪ ]٢٢٢‬بعد قوهل‪{ :‬فَاع َ ِلْزتموا النِ ِّ َسا َء ِيف الْ َم ِح ِيض}‪ ،‬فالأمر ابعزتال النساء يف احمليض‬
‫‪ - ٣‬قوهل تعاىل‪{ :‬فَأْتموه َّمن ِم ْن َح ْي مث أَ َم َر ممكم َّ م‬
‫هنيي عن امجلاع والأمر ابتياهنن أأمر ابمجلاع جاء بعد احلظر‪ ،‬فهل ميكن أأن يس تدل بقوهل تعاىل‪{ :‬فَأْتموه َّمن} عىل وجوب الوطء؟‬
‫الأكرث قالوا‪ :‬ال جيوز؛ لأنه أأمر جاء بعد حظر فاكن اذ ًان واابحة‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬نعم يصلح دلي ًال؛ مع ًال ابلظاهر‪.‬‬
‫وقال ابن تميية‪ :‬الأمر رفع احلظر وعاد احلمك عىل ما اكن عليه قبل ذكل‪ ،‬والوطء واجب عىل الرجل مع القدرة بقوهل تعاىل‪{َ :‬وعَ ِ م‬
‫ارشوه َّمن‬
‫وف} [النساء‪ ]١٩‬وحنوها من الأدةل‪.‬‬ ‫ِابلْ َم ْع مر ِ‬
‫سبب اخلالف‬
‫اخلالف راجع اىل أأن تقدَّم احلظر عىل الأمر هل يصلح قرينة توجب رصفه عن ظاهره اىل االابحة؟ مفن قال‪ :‬تقدم احلظر قرينة‪ ،‬رصفه‬
‫عن الوجوب اىل االابحة‪ ،‬أأو أأبطل الوجوب‪ ،‬وقال‪ :‬يرجع اىل ما اكن عليه قبل احلظر‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬ال يعد قرينة صارفة‪ ،‬محهل عىل الوجوب ان اكن ممن يقول ان الأمر املطلق للوجوب‪ ،‬أأو عىل الندب ان اكن ممن يقول انه‬
‫للندب‪7.‬‬

‫‪ .4‬دالةل ا ألمر عىل التكرار أأو الوحدة‬

‫ذهب مجهور الأصوليني اىل أأن صيغة الأمر موضوعة للطلب عىل سبيل االلزام‪ ،‬وأأن الأمر املطلق ال يقتيض التكرار‪ ،‬ولكنه‬
‫حيمتل التكرار اذا وجدت قرينة أأحاطت به‪ ،‬فيكون التكرار مس تفادا من القرينة‪ ،‬كأن يكون الأمر معلقا عىل رشط هو عةل‬
‫للمأأمور به‪ ،‬كقوهل تعاىل {وان كنمت جنبا فاطهروا} [املائدة‪ ،]6 :‬فيجب تكرار الطهارة لكام وقعت اجلنابة‪ ،‬ومثل قوهل تعاىل‪:‬‬
‫{اي أأهيا اذلين أآمنوا اذا مقمت اىل الصالة فاغسلوا وجوهمك وأأيديمك اىل املرافق وامسحوا برءوسمك وأأرجلمك اىل الكعبني}‬
‫[املائدة‪ ،]6 :‬فيتكرر الوضوء لأنه رشط للصالة املتكررة‪ ،‬وقد يكون الأمر مرتبطا بثبوت وصفط هو عةل للمأأمور به‪ ،‬كقوهل‬
‫تعاىل‪{ :‬أأمق الصالة دللوك الشمس} [االرساء‪ ،]78 :‬فيجب تكرار الصالة لكام أأصبحت الشمس يف كبد السامء‪ ،‬وقد يكون‬

‫‪ . 7‬أأصول الفقه اذلي ال يسع الفقيه هجهل )عياض السلمي ( ص )‪(٢٥٩‬‬

‫‪7‬‬
‫الأمر مرتبطا بسبب فيتكرر لكام تكرر السبب‪ ،‬كقوهل تعاىل‪{ :‬الزانية والزاين فاجدلوا لك واحد مهنام مائة جدلة} [النور‪،]2 :‬‬
‫فيتكرر اجلدل لكام تكرر سببه وهو الزان‪ ،‬لأن الرشع علق احلمك عىل وجود علته أأو سببه‪.‬‬

‫فان مل توجد قرينة فال يدل الأمر عىل التكرار‪ ،‬الجامع أأهل العربية عىل أأن هيئة الأمر ال تدل اال عىل جمرد الطلب يف‬
‫املس تقبل‪.8‬‬
‫حمل الزناع‬
‫اختلف العلامء يف الأمر املطلق هل يدل عىل تكرار الفعل املأأمور به حبسب االماكن؟ مبعن أأن امللكف مأأمور بتكرار ما أأمر به عىل‬
‫وجه ال يس تحيل عقال وال رشعا‪ ،‬فأأما التكرار املؤدي اىل منعه من الاش تغال مبا تقوم به حياته‪ ،‬أأو اىل امجلع بني الضدين فهو ممنوع‬
‫عقال‪ ،‬وأأما التكرار املؤدي اىل اسقاط أأوامر هللا الأخرى وترك امتثالها فهو ممتنع رشعا‪.‬‬
‫فهذان النوعان من التكرار غري داخلني يف حمل الزناع؛ اذ ال يقول أأحد بوجوب تكرار الفعل املأأمور به يف مجيع الأوقات؛ لأنه ممتنع عقال‬
‫ورشعا‪.‬‬
‫وحمل الزناع هو يف التكرار اذلي ال يؤدي اىل مس تحيل عقال أأو رشعا‪ ،‬ويف الأمر اذلي ليس مقيدا مبرة وال بتكرار وال معلقا عىل‬
‫رشط وال صفة‪ ،‬وفيه قوالن مشهوران‪:‬‬
‫القول ا ألول‪ :‬أأن الأمر املطلق يقتيض التكرار حبسب االماكن‪ ،‬وهو منسوب لالمام أأمحد وأأكرث أأحصابه‪ ،‬وحاكه ابن القصار عن ماكل‪،‬‬
‫وحاكه الغزايل عن أأيب حنيفة‪ ،‬واملشهور عند احلنفية خالفه‪ ،‬فقد نص عبد العزيز البخاري يف كشف الأرسار عىل أأنه ال يقتيض‬
‫التكرار‪.‬‬
‫وجه القول ابلتكرار ما يل‪:‬‬
‫‪ - ١‬أأن الأمر ابالميان والتقوى ال يكفي فيه مرة واحدة‪ ،‬ولو مل يكن الأمر للتكرار لكفى االنسان أأن يؤمن ساعة ويتقي هللا ساعة‪ ،‬وال‬
‫خالف يف أأنه ال يكفيه ذكل‪ ،‬وأأنه ال بد من الاس مترار يف ذكل‪.‬‬
‫‪ - ٢‬أأن الأمر ابليشء هنيي عن ضده‪ ،‬وموجب الهنيي ترك املهنيي عنه يف مجيع الأوقات‪ ،‬فينبغي أأن يكون موجب الأمر فعل املأأمور به‬
‫يف مجيع الأوقات اال ما دل العقل أأو الرشع عىل اس تثنائه‪.‬‬
‫‪ - ٣‬أأن الأمر يقتيض وجوب الفعل ووجوب الاعتقاد والعزم‪ ،‬مث انه يف جانب الاعتقاد والعزم يفيد الاس مترار والاس تدامة فينبغي أأن‬
‫يكون كذكل يف الفعل‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أأن الأمر املطلق ال يفيد التكرار‪ ،‬وهو قول أأكرث الفقهاء واملتلكمني‪ ،‬ورواية عن أأمحد اختارها أأبو اخلطاب وابن قدامة‪.‬‬
‫وجه هذا القول ما يل‪:‬‬
‫‪ - ١‬أأن صيغة الأمر ال تعرض فهيا لعدد مرات الفعل‪ ،‬وامنا وجبت املرة الواحدة رضورة دخول الفعل يف الوجود؛ اذ ال ميكن وجوده اال‬
‫بفعهل مرة واحدة‪.‬‬
‫‪ - ٢‬قياس الأمر املطلق عىل الميني والنذر والواكةل واخلرب‪ ،‬فلو حلف أأن يصوم أأو نذر أأن يصوم بر بصيام يوم واحد‪ ،‬ولو قال‬
‫لوكيهل‪ :‬طلق زوجيت‪ ،‬مل يكن هل أأكرث من طلقة واحدة‪ ،‬ولو أأخرب عن صيامه فقال‪ :‬مصت‪ ،‬صدق بصيام يوم واحد‪.‬‬

‫‪ . 8‬الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل ( ج )‪ (٢‬ص )‪(٢٤‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ - ٣‬قياس استيعاب الأزمنة عىل استيعاب الأمكنة‪ ،‬فكام ال جيب أأن يفعل يف لك ماكن ال جيب أأن يفعل يف لك زمان‪.‬‬
‫‪ - ٤‬أأن القول ابن الأمر يقتيض التكرار يؤدي حامت اىل تعارض الأوامر حبيث يبطل بعضها بعضا وهو ممنوع رشعا‪.‬‬
‫وهذا القول هو الراحج‪ ،‬وجياب عن أأدةل القول الأول مبا يل‪:‬‬
‫قوهلم‪ :‬لو مل جيب التكرار لكفى املرء أأن يؤمن ساعة‪ ،‬اخل ‪ ...‬جياب بأأن االميان يضاد الكفر‪ ،‬فاذا ختىل عن االميان حلظة وقع يف الكفر‪،‬‬
‫والكفر مهنيي عنه عىل ادلوام‪ ،‬وأأما اذا ذهل عن االميان ومل يقع يف قلبه ضده فال يشء عليه ويبقى حمك االميان مس تصحبا‪ ،‬ولهذا فان‬
‫النامئ يسمى مؤمنا‪ ،‬وال يسوى بني الأمر ابالميان والتقوى والأمر ابلفعل‪.‬‬
‫دليلهم الثاين‪ :‬قياس الأمر عىل الهنيي‪ ،‬وهو قياس يف اللغة فال يصح‪ ،‬مث ان الأمر ضد الهنيي فكيف يقاس اليشء عىل ضده؟!‪.‬‬
‫دليلهم الثالث‪ :‬التسوية بني الاعتقاد والعزم والفعل ال يصح؛ لأن الفعل حيول بينه وبني أأفعال أأخرى مأأمور هبا‪ ،‬أأو حيتاج الهيا مبقتىض‬
‫العادة والطبيعة‪ ،‬وأأما الاعتقاد فال يرصفه عن فعل مأأمور به وال عن فعل حيتاجه مبقتىض العادة والطبيعة‪.‬‬
‫ومن وجه أآخر فان الأفعال القلبية اكالعتقاد والعزم‪ ،‬اس مترارها يتحقق بعدم وجود ما يضادها‪ ،‬خبالف أأفعال اجلوارح فال تتحقق ابنتفاء‬
‫الضد‪ ،‬بل ال بد من هجد زائد عىل ذكل‪.‬‬
‫أأثر اخلالف‬
‫من الفروع اليت بنوها عىل هذا الأصل ما يل‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ لو قال لوكيهل‪ :‬طلق زوجيت‪ ،‬فهل ميكل طلقة واحدة أأو ثالاث؟ من قال‪ :‬ان الأمر يفيد التكرار‪ ،‬فقياس مذهبه أأنه ميكل ثالاث‪ ،‬ومن‬
‫قال‪ :‬ال يفيد التكرار‪ ،‬مفقتىض قوهل أأن ال ميكل اال واحدة‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ الأمر ابلعمرة‪ ،‬هل يفيد التكرار؟ وهذا الفرع وجدت فيه أأدةل أأخرى اكلقياس عىل احلج‪ ،‬وقوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬دخلت‬
‫العمرة يف احلج اىل يوم القيامة»‪.‬‬
‫‪ - ٣‬تكرار غسل النجاسة مما مل يرد يف تكراره نص‪.‬‬
‫‪ - ٤‬تكرار الفاحتة اذا فرغ املأأموم من قراءهتا يف الصالة الرسية ومل يركع االمام‪.‬‬
‫ا ألمر املعلق عىل رشط هل يقتيض التكرار؟‬
‫اختلفوا يف الأمر املعلق عىل رشط هل يفيد التكرار بتكرر الرشط؟ ومثاهل قوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬اذا دخل أأحدمك املسجد فال‬
‫جيلس حىت يصل ركعتني» (متفق عليه)‪.‬‬
‫فالأمر بصالة الركعتني معلق عىل رشط دخول املسجد‪ ،‬فاذا خرج مث دخل فهل يؤمر بتكرار الصالة‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬ان الأمر املطلق يقتيض التكرار فال شك أأنه يقول كذكل يف الأمر املعلق عىل رشط من ابب أأوىل‪.‬‬
‫وأأما اذلين قالوا ان الأمراملطلق ال يقتيض التكرار فقد قال أأكرثمه كذكل يف الأمر املعلق عىل رشط‪.‬‬
‫واس تدلوا مبا ذكرته سابقا من أأن الأمر ليس فيه تعرض لعدد مرات الفعل فال يدل عل تكرار وال غريه‪ ،‬وأأن ثبوت الفعل مرة واحدة امنا‬
‫هو لرضورة ادخاهل يف الوجود‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ان الأمر املعلق عىل رشط يقتيض التكرار خبالف الأمر املطلق‪.‬‬
‫واس تدلوا بأأن تعليق الأمر عىل الرشط كتعليقه عىل العةل‪ ،‬والتعليق عىل العةل يوجب التكرار‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫والراحج ـ وهللا أأعمل ـ أأن الأمر املعلق عىل رشط يتكرر بتكرر الرشط؛ ملا ذكرته سابقا من أأن تعليق الفعل عىل رشط دليل عىل كون‬
‫هذا الرشط عةل للفعل‪ ،‬واذا تكررت العةل تكرر احلمك املعلق علهيا‪.‬‬
‫ولكن قد تتداخل الأحاكم ختفيفا عىل امللكفني‪ .‬وقد تقدم أأن الرشوط اللغوية أأس باب‪ ،‬والأس باب يتكرر احلمك بتكررها ما مل تتداخل‪.‬‬
‫ومما ينبين عىل هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ - ١‬اذا مسع الأذان أأكرث من مرة فهل يس تحب هل تكرار القول كام يقول املؤذن‪ ،‬معال بقوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬اذا مسعمت النداء‬
‫فقولوا مثل ما يقول املؤذن» احلديث‪.‬‬
‫يمت ِبتَ ِحيَّ ٍة فَ َحيُّوا ِبأَ ْح َس َن ِمهنْ َا أَ ْو مردُّوهَا} [النساء‪.]٨٦‬‬
‫‪ - ٢‬اذا كرر السالم‪ ،‬فهل يلزم تكرار رده‪ ،‬معال بقوهل تعاىل‪{َ :‬وا َذا مح ِ ِّي م ْ‬
‫ِ‬
‫‪ - ٣‬اذا تكرر دخوهل للمسجد فهل يكرر صالة حتية املسجد‪ ،‬معال بقوهل صىل هللا عليه وسمل‪« :‬اذا دخل أأحدمك املسجد فال جيلس‬
‫حىت يصل ركعتني»‪.‬‬
‫‪ - ٤‬اذا تكرر ذكر الرسول صىل هللا عليه وسمل فهل يكرر الصالة عليه‪ ،‬معال ابلأحاديث الواردة يف ذكل‪.‬‬
‫هذه املسائل اختلف الفقهاء فهيا‪ ،‬فذهب بعضهم اىل وجوب التكرار اذا تكرر الرشط‪ ،‬وذهب بعضهم اىل عدم التكرار‪ ،‬اما لأجل أأنه‬
‫ال يرى أأن الأمر املعلق عىل رشط يقتيض التكرار بتكرر الرشط‪ ،‬واما لأنه يرى التداخل مع قرب الزمن‪ ،‬ولهذا قال بعضهم ـ يف الصالة‬
‫عىل الرسول صىل هللا عليه وسمل ـ تكرر اذا اختلف اجمللس‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬تكرر مع طول الفاصل‪9.‬‬

‫‪ .5‬ا ألمر ابليشء هنيي عن ضدده‬

‫ان الأمر ابليشء هو هنيي عن ضده‪ ،‬لأن املأأمور واجب‪ ،‬والواجب ال يمت اال برتك ضده‪ ،‬لأنه ال يمت الواجب اال به‪ ،‬فهو‬
‫واجب‪ ،‬فالأمر ابقامة الصالة هنيي عن ضدها‪ ،‬وهو لك ما يتناىف مع الصالة‪ ،‬فهو هنيي عن الألك‪ ،‬أأو الرشب‪ ،‬أأو الكم‬
‫الناس‪ ،‬يف الصالة‪.‬‬

‫ويشرتط لكون الأمر هنيا عن ضده أأن يكون الأمر معينا‪ ،‬فان اكن غري معني أأي خمريا‪ ،‬اكلكفارة يف الميني‪ ،‬فال يكون الأمر‬
‫هنيا عن ضده؛ جلواز أأن يفعل الأمر الآخر‪ ،‬كام يشرتط أأن يكون وقت الأمر مضيقا‪ ،‬فان اكن موسعا‪ ،‬فال يكون الأمر‬
‫ابليشء هنيا عن ضده‪ ،‬اكلأمر بصالة الظهر عند ادللوك‪ ،‬فهو ليس هنيا عن الألك وغريه يف هذا الوقت‪ ،‬فيجوز الألك‬
‫والرشب مث الصالة‪.10‬‬

‫حترير حمل الزناع‬


‫اختلف العلامء يف الأمر بيشء هل يعد هنيا عن فعل ضده أأو أأضداده من حيث املعن؟‬
‫أأما من حيث الصياغة واللفظ فال خيتلفون يف أأن الأمر ابليشء ليس عني الهنيي عن الضد‪.‬‬

‫‪ . 9‬أأصول الفقه اذلي ال يسع الفقيه هجهل )عياض السلمي( ص )‪(٢٣١‬‬


‫‪ . 10‬الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل( ج )‪ (٢‬ص )‪(٢٦‬‬

‫‪10‬‬
‫ا ألقوال‬
‫القول ا ألول‪ :‬ذهب مجهور العلامء اىل أأن الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن ضده أأو أأضداده ان اكن هل أأضداد كثرية‪.‬‬
‫ونقل عن بعض الأشعرية قوهلم ان الأمر ابليشء عني الهنيي عن ضده‪ .‬وهذا مبين عىل أأن الالكم امس للمعن القامئ ابلنفس‪ ،‬ال للفظ‬
‫املسموع‪ .‬وهو ابطل كام عرف يف موضعه‪.‬‬
‫ا ألدةل‬
‫اس تدل امجلهور مبا يل‪:‬‬
‫‪ - ١‬أأنه ال ميكن االتيان ابملأأمور به اال برتك ضده‪ ،‬وما ال يمت فعل الواجب اال برتكه فهو حرام واحلرام مهنيي عنه‪.‬‬
‫‪ - ٢‬لو مل يكن الأمر ابليشء هنيا عن ضده لاكن اترك الأمر يعاقب عىل ما مل يفعهل‪ .‬وهذا ادلليل ذكره اجلصاص واملراد به‪ :‬أأن العقوبة ال‬
‫تكون اال عىل فعل من امللكف‪ ،‬فاذا قلنا‪ :‬الأمر ابليشء هنيي عن ضده من حيث املعن حص أأن نقول ان عقوبة اترك الواجب يه عىل‬
‫تلبسه بضده فتكون العقوبة عىل فعل‪.‬‬
‫وان قلنا ان الأمر ابليشء ليس هنيا عن ضده‪ ،‬فاذا ترك الواجب ال يعد فاعال لضده فعقوبته تكون عىل ما مل يفعهل‪ ،‬وعداةل اخلالق‬
‫تقتيض أأن ال يعاقب االنسان عىل ما مل يفعل‪.‬‬
‫وقد جياب عن هذا بأأن الرتك فعل فيعاقب عىل فعهل‪.‬‬
‫‪ - ٣‬أأن الأمر يقتيض الفورية‪ ،‬ومن رضورة اقتضائه الفورية أأن يقتيض الهنيي عن التلبس بضده؛ لأن التلبس ابلضد حيول دون املبادرة‬
‫ابلفعل املأأمور به‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أأن الأمر ابليشء ليس هنيا عن ضده وال يقتضيه‪ ،‬وهو قول بعض املعزتةل واختاره اجلويين والغزايل‪.‬‬
‫ا ألدةل‬
‫‪ - ١‬أأن الضد مسكوت عنه فمل يرد هل ذكر يف الأمر‪ ،‬فال يدل عليه‪.‬‬
‫‪ - ٢‬أأن الآمر قد يأأمر ابليشء وهو غافل عن ضده‪ ،‬فكيف يكون انهيا عام مل خيطر عىل ابهل؟‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أأن الأمر ابليشء يقتيض كراهة ضده وهو اختيار الرسخيس والزبدوي من احلنفية‪.‬‬
‫دليهل‪ :‬أأن الأمر من حيث ادلالةل اللفظية ال دالةل فيه عىل الهنيي عن الضد‪ ،‬ولكنه يدل عىل الهنيي بطريق الاقتضاء‪ ،‬ودالةل الاقتضاء‬
‫أأضعف من دالةل النص‪ ،‬فيكون الثابت هبا أأضعف من الثابت بدالةل الهنيي املنصوص عليه بصيغته‪ ،‬فيثبت بدالةل الاقتضاء الكراهة‪.‬‬
‫الرتجيح‬
‫الراحج ـ وهللا أأعمل ـ هو أأن الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن ضده‪ ،‬أأو يس تلزم الهنيي عن ضده اذا اكن املأأمور معينا وقد ضاق الوقت‬
‫عن غريه‪.‬‬
‫وال يقال هو عني الهنيي عن ضده كام قال بعض الأشعرية؛ لأنه من حيث الصيغة ال ميكن القول ابحتادهام‪ ،‬وكذا من حيث املعن‬
‫املوضوع هل اللفظ أأصال‪.‬‬
‫وال يقال انه يقتيض الهنيي عن ضده مطلقا‪ ،‬بل اذا اكن املأأمور معينا وضاق الوقت عن الفعل وما يضاده‪ ،‬اقتىض الهنيي عن الضد‪ ،‬واال‬
‫فال‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وادلليل عىل رحجان هذا التفصيل‪ :‬أأن أأدةل القول الأول ال تدل عىل أأن الأمر اخملري واملوسع دالان عىل الهنيي عن الضد‪ ،‬فقوهلم‪ :‬ال ميكن‬
‫االتيان ابملأأمور به اال برتك ضده ال يصح اال اذا محلناه عىل الأمر املعني الواجب فعهل عىل الفور‪.‬‬
‫أأما الواجب اخملري كخصال الكفارة فيصح فعهل مع غريه‪ ،‬وكذا الواجب املوسع ال حيرم عىل امللكف التلبس بضده قبل فعهل اال حني‬
‫يضيق الوقت فال يتسع اال هل وحده‪.‬‬
‫وأأما دليلهم الثاين فيجاب عنه ابن الرتك فعل فيكون عقاب مرتكب الهنيي عىل فعهل‪.‬‬
‫ومما يدل عىل أأن الرتك فعل‪ ،‬قوهل تعاىل‪{َ :‬اكنموا َال يَتَنَاه َْو َن ع َْن ممنْكَ ٍر فَ َعلمو مه لَ ِب ْئ َس َما َاكنموا ي َ ْف َعلم َ‬
‫ون} [املائدة‪.]٧٩‬‬
‫وأأما الثالث فهو يؤيد ما ذكرته‪ ،‬وهو أأن الأمر ابليشء عىل الفور هو اذلي يقتيض الهنيي عن الضد‪ ،‬والفورية ال تتحقق يف الواجب‬
‫املوسع قبل ضيق الوقت‪.‬‬
‫وأأما أأدةل املانعني مطلقا فيجاب عهنا مبا يل‪:‬‬
‫قوهلم‪ :‬الضد مسكوت عنه‪ .‬جياب بأأن دالةل الأمر عىل الهنيي عن الضد يه دالةل اقتضاء‪ ،‬وليست دالةل وضع‪ ،‬واملقتىض مسكوت عنه‪،‬‬
‫ولكن دل عليه دليل من العقل أأو الرشع أأو العرف‪.‬‬
‫وقوهلم‪ :‬ان الآمر قد يكون غافال عن الضد‪ .‬جياب بأأن هذا قد يقال يف حق الآمر من البرش‪ ،‬وال يقال اذا اكن الآمر هو هللا‪ ،‬وأأما اذا‬
‫اكن الآمر من البرش فيجاب بأأن الأمر عندان ليس من رشطه ارادة الآمر‪ .‬فداللته حتصل وتفهم سواء أأرادها الآمر من البرش أأم ال‪.‬‬
‫وأأما قول الرسخيس والزبدوي‪ :‬انه يدل عىل كراهة الضد؛ فان اكن املقصود ابلكراهة كراهة التحرمي مفسمل؛ لأننا ال نقول انه يدل عىل‬
‫التحرمي قطعاً‪ .‬وان اكن مرادمه الكراهة التزنهيية مفمنوع‪.‬‬
‫وقوهلم‪ :‬ان دالةل الاقتضاء أأضعف من دالةل النص‪ ،‬ال يدل عىل أأن مدلولها ال يصل اىل درجة التحرمي‪ ،‬فان التحرمي درجات من حيث‬
‫طريق ثبوته‪.‬‬
‫مثرة اخلالف‬
‫ذكر الأصوليون بعض الفروع اليت تنبين عىل هذه القاعدة‪ ،‬ومهنا‪:‬‬
‫‪ - ١‬اذا قال الزوج‪ :‬ان خالفت هنيي فأأنت طالق‪ ،‬مث أأمرها بيشء ففعلت ضده فهل تطلق؟ عىل القول بأأن الأمر ابليشء يقتيض الهنيي‬
‫عن ضده تطلق‪ ،‬وعىل القول الثاين ال تطلق‪ ،‬وعىل اخملتار تطلق اال اذا اكن الأمر خمرياً أأو موسعاً‪.‬‬
‫‪ - ٢‬املأأمور ابلقيام يف الصالة‪ ،‬اذا جلس مث قام‪ ،‬فهل حيرم عليه ذكل؟ عىل القول الأول نعم وعىل القول الثاين ال حيرم عليه ذكل وعىل‬
‫قول الرسخيس والزبدوي يكره ذكل‪ .‬وال بد أأن يس تثن من هذا جلسة الاسرتاحة عند من يرى اس تحباهبا‪ ،‬فاهنا عنده مندوب الهيا‪.‬‬
‫‪ - ٣‬املصل مأأمور ابلسجود عىل حمل طاهر‪ ،‬فان جسد عىل حمل جنس مث عىل طاهر فهل تبطل صالته؟‬
‫قال الرسخيس ان املسأأةل مبنية عىل أأن الأمر ابليشء هل يقتيض هنياً عن ضده‪ .‬مفن قال يقتيض الهنيي عن ضده أأبطلها ومن ال فال‪.‬‬
‫‪ - ٤‬املصل مأأمور ابالنصات لقراءة االمام لقوهل تعاىل‪{َ :‬وا َذا قمرِئَ ا ْل مق ْرأ آ من ف َْاس َت ِم معوا َ مهل َوأَن ِْص متوا} [الأعراف‪ ،]٢٠٤‬والآية انزةل يف‬
‫مام فهل يأأمث؟ من قال‪ :‬ان الأمر ابليشء هنيى عن ضده يؤمثه‪ ،‬ومن ال فال‪.‬‬ ‫االنصات لقراءة االمام‪ .‬فلو قرأأ املأأموم يف أأثناء قراءة اال ِ‬
‫واذا ترحج عنده ختصيص معوم الآية حبديث‪« :‬ال صالة ملن مل يقرأأ بفاحتة الكتاب»‪ ،‬فال ميكن اجلزم بتأأثميه‪ ،‬وان قلنا‪ :‬ان الأمر ابليشء‬
‫يقتيض الهنيي عن الضد‪ ،‬وامنا يؤمثه من يقول الآية نزلت يف قراءة االمام يف الصالة وصورة‬
‫السبب ال ميكن خروهجا ابلتخصيص‪ .‬وقد نقل عن االمام أأمحد قوهل ان الآيه يف قراءة االمام يف الصالة ونقل االتفاق عىل ذكل‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫سبب اخلالف‬
‫اخلالف يف قاعدة الأمر ابليشء هل يقيض الهنيي عن ضده يرجع اىل ثالثة أأس باب‪:‬‬
‫‪ - ١‬قوهلم‪ :‬ال تلكيف اال بفعل‪ .‬فاذا سلموا هذه القاعدة وقالوا الرتك ليس فعال‪ ،‬فال بد أأن يقولوا الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن الضد‪،‬‬
‫حىت تكون العقوبة عىل فعل الضد ال عىل جمرد الرتك‪.‬‬
‫‪ - ٢‬اشرتاط االرادة يف الأمر والهنيي وعدم اشرتاطها‪ ،‬مفن اشرتطها مل يقل ان الأمر ابليشء هنيي عن ضده؛ الحامتل غفةل الآمر عن‬
‫الضد‪ ،‬ومن مل يشرتطها قال‪ :‬الأمر ابليشء هنيي عن ضده‪ ،‬أأو يس تلزم الهنيي عن ضده‪.‬‬
‫‪ - ٣‬اقتضاء الأمر الفورية أأو عدمه‪ ،‬فالقول بأأن الأمر املطلق يقتيض الفورية‪ ،‬يناس به أأن يقول‪ :‬الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن ضده‪،‬‬
‫خبالف القول بعدم الفورية‪ ،‬فانه يناسب القول بأأن الأمر ابليشء ال يقتيض الهنيي عن الضد‪11.‬‬

‫‪ .6‬ا ألمر معلق برشط أأو صفة‬


‫اذا علق الأمر برشط أأو صفة ‪ ،‬مثل الأول ‪ ( :‬وان كنمت جنباً فاطهروا » ومثل الثاين ‪ « :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أأيدهيا‬
‫» هل يقتيض التكرار أأو ال ؟ ‪ .‬اختلف العلامء عىل ثالثة مذاهب‪.‬‬

‫ا ألول ـ انـه يقتيض التكرار من هجـة اللفظ ‪ ،‬أأي أأن لفـظ الأمر املعلق ابلرشط أأو الصفـة قـد وضع للتكرار ‪ .‬وهـو قـول‬
‫كثري من أأحصـاب مـالـك والشافعي ؛ لأن الرشوط اللغوية أأس باب ‪ ،‬واحلمك يتكرر بتكرر سببه ‪ ،‬فيجمتع أأمران لتكرار الوضع‬
‫والس ببية‬

‫الثاين ـ انه ال يقتيض التكرار ال من هجة اللفظ وال من هجة القياس ‪ ،‬وهذا القائل بأأن ترتيب احلمك عىل الوصف ال يدل عىل‬
‫العلية هو املاليك ‪ .‬أأي ان الأمر يتكرر اذا اكن الرشط أأو الصفـة علـة ؛ لأن املعلول يتكرر‬

‫الثالث ـ انه ال يقتضيه لفظاً ويقتضيه من هجة القياس ‪ ،‬وهو احلق عنـد احلنفية واحلنابةل ‪ ،‬واخملتـار عنـد الرازي والآمـدي‬
‫والبيضاوي ‪ ،‬وابن احلاجب ؛ بتكرر علته ‪ ،‬واحلمك يدور مع علته وجوداً وعدماً ‪ .‬وهذا هو الراحج ‪ ،‬فان من قال المرأأته ‪« :‬‬
‫اذا دخلت ادلار فأأنت طالق » مل تطلق هبذا اللفظ اال مرة ‪ ،‬وان تكرر مهنا ادلخول ‪ ،‬ومل تطلق اال واحدة ‪ ،‬وان نوى أأكرث‬
‫من ذكل ؛ لأن املعلق ابلرشط عند وجود الرشط اكملنجز ‪ ،‬وهذه الصيغة ة الصادرة من الرجل المرأأته ال حتمتـل الـعـدد‬
‫والتكرار عنـد التنجزي ‪ ،‬فكذكل عنـد التعليـق بـالرشط اذا وجـد عنـد الرشط‪.12‬‬

‫‪ .7‬دالةل ا ألمر عل الفور أأو الرتاخ‬

‫املقصود من كون الأمر للفور أأن يبادر امللكف المتثال الأمر وتنفيذه دون تأأخري‪ ،‬مع وجود االماكن‪ ،‬فان تأأخر عن الأداء‬
‫اكن مؤاخذا ‪ .‬واملقصود ابلرتاخ أأنه جيوز للملكف أأن ميتثل الأمر حاال‪ ،‬وجيوز هل التأأخري اىل وقت أآخر‪.‬‬

‫‪ . 11‬أأصول الفقه اذلي ال يسع الفقيه هجهل )عياض السلمي( ص )‪(٢٥٣‬‬


‫‪ . 12‬أأصول الفقه االساليم )ادلكتور وهبة الزحيل( ج )‪ (١‬ص )‪(٢٢٩‬‬

‫‪13‬‬
‫فان ورد الأمر مقيدا بوقت فيجب الالزتام ابمتثاهل يف ذكل الوقت كصيام رمضان‪ ،‬وان اكن الوقت موسعا فيصح يف أأوهل‬
‫وأأوسطه وأآخره‪ ،‬واذا ورد الأمر مقيدا جبواز التأأخري فهو عىل الرتاخ ابتفاق‪ ،‬ولكن اختلف العلامء اذا ورد الأمر غري مقيد‬
‫بوقت معني‪ ،‬فهل يدل عىل الفور أأم عىل الرتاخ؟‬

‫اختلفوا عىل ثالثة أأقوال‪ ،‬وذهب امجلهور اىل أأن الأمر مبجرده ال يقتيض فورا وال تراخيا؛ لأن الأمر نفسه يدل عىل جمرد‬
‫طلب الفعل‪ ،‬ومىت أأىت به امللكف عد ممتثال سواء اكن اتيانه هل فورا أأم مرتاخيا‪ ،‬وان الفورية والرتاخ تعمل بدليل أآخر أأو‬
‫بقرينة‪ ،‬وليس من الأمر ذاته‪ ،‬كقوهل تعاىل‪{ :‬فاستبقوا اخلريات} [البقرة‪ ،]148 :‬فهو رصحي يف الفورية واملبادرة اىل فعل اخلري‬
‫املطلوب‪ ،‬أأما الأمر املطلق فقد ورد يف الرشع مع الفور‪ ،‬وورد مع التأأخري‪ ،‬ولأن الأمر نفسه يصح تقييده ابلفور وابلرتاخ‪،‬‬
‫مما يدل عىل أأنه غري دال مبطلقه عىل واحد مهنام‪ ،‬فيكون الأمر حقيقة يف القدر املشرتك‪ ،‬وهو طلب االتيان به ‪.‬‬

‫وظهر اختالف بني الفقهاء يف التطبيق‪ ،‬يف كون الأمر للفور أأو للرتاخ‪ ،‬حىت يف املذهب الواحد خيتلف احلمك من فرع اىل‬
‫أآخر‪ ،‬والسبب يف احلقيقة يف وجود القرائن والأدةل الأخرى اليت ترحج هذا أأو ذاك‪.‬‬

‫مفن ذكل قوهل تعاىل‪{ :‬وأأمتوا احلج والعمرة هلل} [البقرة‪ ،]196 :‬فأأداء احلج عىل الفور عند املالكية واحلنابةل‪ ،‬وعىل الرتاخ‬
‫عند احلنفية والشافعية‪ ،‬وقوهل تعاىل‪{ :‬وأآتوا الزاكة} [البقرة‪ ،]43 :‬فأأداء الزاكة عىل الفور عند املالكية والشافعية واحلنابةل‪،‬‬
‫وعىل الرتاخ عند احلنفية‪ ،‬لكن جيب االرساع هبا اذا غلب عىل ظن املزيك أأنه ميوت قبل الأداء‪ ،‬فيفوت الواجب عليه‪.13‬‬

‫اتفق العلامء عىل أأن الأمر اذا حصبته قرينة تدل عىل الفور حيمل عىل ذكل‪ ،‬واذا حصبته قرينة تدل عىل جواز الرتاخ محل عىل ذكل‪،‬‬
‫واذا حدد هل وقت معني محل عىل ذكل‪.‬‬
‫واختلفوا يف الأمر اذلي مل تصحبه قرينة تدل عىل فور وال عىل تراخ‪ ،‬ومل يوقت بوقت معني عالم حيمل؟‬
‫فذهب أأكرث احلنابةل واملالكية وبعض احلنفية والشافعية اىل أأنه يدل عىل الفور‪ ،‬واس تدلوا مبا يل‪:‬‬
‫‪ - ١‬قول هللا تعاىل‪{َ :‬و َسا ِر معوا ا َىل َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َ بِرِّ م ْمك} [أل معران‪ ،]١٣٣‬حيث أأمر ابملسارعة اىل املغفرة‪ ،‬واملقصود أأس باب املغفرة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وامتثال أأمر هللا من أأس باب املغفرة وال شك‪ ،‬واملسارعة تعين‪ :‬املبادرة يف أأول أأوقات االماكن‪.‬‬
‫َات} [املائدة‪ ،]٤٨‬حيث أأمر ابالستباق اىل اخلريات‪ ،‬واملأأمور به خري فيدخل فامي أأمران ابالستباق اليه‪،‬‬ ‫‪ - ٢‬قوهل تعاىل‪{ :‬ف َْاستَ ِب مقوا ا ْلخ َْري ِ‬
‫والأمر للوجوب فيكون الاستباق اىل فعهل واجبا‪.‬‬
‫‪ - ٣‬قوهل تعاىل ـ البليس ـ‪َ { :‬ما َمنَ َع َك أَ َّال ت َ ْس مجدَ ا ْذ أَ َم ْرت َمك} [الأعراف‪ ،]١٢‬حيث ذمه عىل ترك السجود عند سامع الأمر‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وأأجيب بأأن الأمر هنا مقيد بوقت؛ لقوهل تعاىل‪{ :‬فَاذا َس َّويْ مت مه َونَفَخ مْت فيه م ْن مر ِ‬
‫ويح فَقَ معوا مهل َساجِ د َين} [ص ‪ ،]٧٢‬واذا تفيد‬
‫ِ‬ ‫الظرفية‪ ،‬والفاء يف قوهل‪ :‬فقعوا‪ ،‬للتعقيب‪.‬‬
‫‪ - ٤‬أأن الأمر لو مل يكن للفور جلاز تأأخريه‪ ،‬والتأأخري اما أأن يكون اىل أأمد حمدد أأو غري حمدد بوقت‪ ،‬فان قلمت يؤخر اىل زمن حمدد اكن‬
‫التحديد حتكام ال دليل عليه‪ ،‬وان قلمت يؤخر من غري حتديد بزمن معني أأدى ذكل اىل ترك الفعل‪ ،‬وهو ممنوع‪ ،‬فمل يبق اال أأن نقول ان‬
‫وقته هو أأول أأوقات المتكن من الفعل‪.‬‬

‫‪ . 13‬الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل( ج )‪ (٢‬ص )‪(٢٥‬‬

‫‪14‬‬
‫فان قيل جيوز هل أأن يؤخر برشط سالمة العاقبة أأي‪ :‬برشط أأن يفعل قبل موته‪ ،‬قلنا‪ :‬وما يدريه مىت ميوت؟ فاذا اكن التأأخري جائزا فال‬
‫يصح أأن يعاقب من أأخر الفعل اىل وقت جيوز تأأخريه اليه مث مات‪ ،‬اكملصل لو أأخر الصالة عن أأول وقهتا مث مات ال يأأمث اذا اكن عازما‬
‫عىل الفعل يف أآخر الوقت‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أأنه للقدر املشرتك بني الفور والرتاخ وال تعرض فيه لوقت الفعل‪.‬‬
‫وهو اختيار الرازي والآمدي وابن احلاجب والبيضاوي‪ ،‬مع اختالفهم يف التعبري عنه‪ .‬ونسب هذا القول لالمام الشافعي‪.‬‬
‫وقد يعرب بعض الأصوليني عن هذا القول بعبارة فهيا نظر‪ ،‬فيقول‪ :‬قال بعض العلامء‪« :‬ان الأمر املطلق للرتاخ» ‪ ،‬وهذا التعبري اذا أأخذ‬
‫عىل ظاهره ال يصح وامنا هو من ابب التسامح يف العبارة؛ اذ مل يقل أأحد ان الأمر املطلق جيب الرتيث فيه وعدم املبادرة اىل امتثاهل‪،‬‬
‫وامنا خالفهم يف أأنه هل جيوز الرتاخ فيه؟ أأما املبادرة فال خيتلفون يف جوازها وفضلها‪ ،‬ولهذا فال يصح التفريق بني قول الرازي ومن‬
‫تبعه ان الأمر للقدر املشرتك بني الفور والرتاخ‪ ،‬وقول من قال‪ :‬ان الأمر املطلق حيمل عىل الرتاخ‪ ،‬اكبن السمعاين واالسفراييين وابن‬
‫برهان (‪، )١‬ولهذا قال ابن السمعاين‪« :‬واعمل أأن قولنا‪ :‬انه عىل الرتاخ‪ ،‬ليس معناه أأنه يؤخر عن أأول أأوقات الفعل‪ ،‬لكن معناه أأنه‬
‫ليس عىل التعجيل» ‪.‬‬
‫أأدةل هذا القول‪:‬‬
‫‪ - ١‬أأن الزمان اكملاكن‪ ،‬فالكهام ظرف للفعل املأأمور به‪ ،‬فكام أأن الأمر ال دالةل فيه عىل ماكن الفعل ابتفاق‪ ،‬فكذكل ينبغي أأن يقال ال‬
‫دالةل فيه عىل زمانه‪.‬‬
‫‪ - ٢‬أأن الأمر يرد للفور حينا وجلواز الرتاخ حينا أآخر‪ ،‬فال بد من جعهل حقيقة يف القدر املشرتك واال لزم اجملاز أأو الاشرتاك‪ ،‬والكهام‬
‫خالف الأصل‪.‬‬
‫ولو أأردان ايضاح هذا ادلليل أأكرث لقلنا‪ :‬ان الأمر يرد مرادا به الفور كام يف الأمر ابنقاذ الغريق فانه ال حيمتل التأأخري‪ ،‬ويرد مرادا به جواز‬
‫الرتاخ كام يف الأمر جبهاد الطلب‪ ،‬ولو قلنا انه للفور لزم أأن يكون اس تعامهل يف غريه جمازا أأو من ابب الاشرتاك اللفظي‪ ،‬واجملاز‬
‫والاشرتاك الكهام خالف الأصل وال يلجأأ اىل محل الالكم علهيام اال عند عدم اماكن محهل عىل احلقيقة‪ ،‬وهنا ميكن أأن حيمل عىل‬
‫احلقيقة فنقول‪ :‬الأمر جملرد طلب الفعل من غري التفات اىل وقته‪ ،‬فيكون امللكف مطالبا ابجياده يف أأي وقت‪ ،‬ويكون حتديد الوقت من‬
‫دليل أآخر‪.‬‬
‫والراحج ـ وهللا أأعمل ـ أأن الأمر املطلق حيمل عىل الفور‪.‬‬
‫وقول اخملالف‪ :‬ان الزمان اكملاكن مردود؛ فان الزمان الأول تتعلق به فوائد رمبا ال حتصل يف الزمان الثاين‪ ،‬فاملبادرة اىل الفعل حيصل هبا‬
‫براءة اذلمة واخلروج من العهدة‪ ،‬والتأأخري رمبا ترتب عليه تفويت الفعل؛ ملا قلناه من أأنه ال دليل عىل حتديد حد معني للتأأخري‪ ،‬وما‬
‫ذكروه من حتديد ال يصح‪.‬‬
‫وأأما قوهلم‪ :‬ان الأمر يرد للفور حينا وجلواز الرتاخ حينا اخل‪ .‬فيجاب بأأن اخلالف يف اخلايل من القرينة ادلاةل عىل التوقيت‪ ،‬وقد أأمقنا‬
‫ادلالةل عىل وجوب املبادرة اليه‪.‬‬
‫وقد اعرتض الرازي عىل أأدةل القائلني ابلفور ابعرتاض كرره يف كتابه وقال‪ :‬انه يرد عىل أأكرث أأدلهتم وهو أأهنا تنتقض مبا لو قال الآمر‪:‬‬
‫افعل يف أأي وقت شئت‪.‬‬
‫وقد تأأملت هذا الاعرتاض فوجدته ضعيفا؛ حيث مل يوجد يف نصوص الرشع مثال هل وامنا هو افرتاض حمض‪ ،‬ولكنه قد يقع من الس يد‬
‫لعبده‪ ،‬والس يد ليس مربأأ من التناقض وال من الظمل والاعتداء‪ ،‬فقد يعاقب عبده من غري أأن يس تحق العقوبة‪ ،‬مث ان حصول هذا‬
‫الأمر من الس يد لعبده ال خيلو عن قرينة تبني احلد الأقىص للتأأخري‪ ،‬كام أأن العبد ممتكن من سؤال س يده عن ذكل‪ ،‬وهذا خبالف ما‬
‫حنن فيه من الالكم عن أأوامر هللا ورسوهل صىل هللا عليه وسمل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مثرة اخلالف‬
‫ينبين عىل هذا اخلالف خالف يف مسائل كثرية‪ ،‬ومن الفقهاء من اطرد قوهل فهيا مع قوهل يف القاعدة‪ ،‬ومهنم من مل يطرد قوهل لأدةل‬
‫أأخرى أأو قرائن ظهرت هل‪ ،‬ومن تكل املسائل‪:‬‬
‫‪ - ١‬اخراج الزاكة ودفعها اىل مس تحقهيا‪ ،‬هل جيوز التأأخر فهيا عن رأأس الس نة؟ من قال‪ :‬ان الأمر عىل الفور قال حيرم التأأخري عن‬
‫رأأس احلول‪ ،‬ومن قال‪ :‬ال يفيد الفور مل يؤمث املؤخر اذا فعل ولو بعد حني‪.‬‬
‫‪ - ٢‬الكفارات والنذور غري املؤقتة بوقت‪ ،‬هل جيوز تأأخريها عن أأول أأوقات االماكن؟ من قال‪ :‬ابلفور‪ ،‬يقول‪ :‬ال جيوز بل يأأمث ابلتأأخري‪،‬‬
‫ومن مل يقل به أأجاز التأأخري‪.‬‬
‫‪ - ٣‬احلج مع الاس تطاعة هل جيوز تأأخريه؟ ومن الواحض أأن كثريا من الأصوليني تلكم يف املسأأةل الأصولية وهو يراعي مذهب امامه يف‬
‫احلج هل جيب عىل الفور؟ فقرر الراحج يف املسأأةل بناء عىل ما عرفه من مذهب امامه يف احلج أأهو عىل الفور أأم ال؟‪.‬‬
‫واخلالف يف ذكل مشهور يف كتب الفقه ال نطيل بذكره هنا‪ ،‬وهل أأدةل خاصة فهيا ترصحي ابملبادرة اليه‪.‬‬
‫‪ - ٤‬قضاء الفوائت هل جيوز تأأخريها؟‬
‫متأأخر؟‪14.‬‬ ‫‪ - ٥‬أأداء النفقات اليت ال تسقط بفوات وقهتا كنفقة الزوجة هل يأأمث بتأأخريها اذا أأداها يف وقت‬

‫‪ . 14‬أأصول الفقه اذلي اليسع الفقيه هجهل )عياض السلمي( ص )‪(٢٢٦‬‬

‫‪16‬‬
‫مراجع‬
‫أأصول الفقه الاساليم )ادلكتور وهبة الزحيل( دار الفكر‬ ‫•‬
‫الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل( املكتبة الشامةل‬ ‫•‬
‫أأصول الفقه اذلي اليسع الفقيه هجهل )عياض السلمي( املكتبة الشامةل‬ ‫•‬
‫خالصة أأصول الفقه )محمد حسن هيتو( دار الضياء‬ ‫•‬

‫‪17‬‬

You might also like