Professional Documents
Culture Documents
ا ألمر
.1معن ا ألمر وصيغته
عرف مجهور الأصوليني الأمر بأأنه :القول الطالب للفعل ،بال علو ،وال اس تعالء .
ورشط بعض الأصليني العلو ،وهو أأن يكون الأمر أأعىل رتبة من املأأمور .
ورشط أأبو احلسني البرصي الاس تعالء ،وهو أأن يكون الأمر مس تعليا يف أأمره بأأن يطلب الفعل بصيغة الاس تعالء ،وان
اكن أأقل رتبة من الأمور .
فالعلو :صفة املتلكم
والاس تعالء :صفة الالكم
ومما يدل عىل عدم اسرتاطهام قوهل تعاىل حاكية عن فرعون حلاشيته { :مفاذا تأأمرون } فسمى الكهمم أأمرا ،ومه أأقل منه
الرتبة ،وال شك أأهنم اكنوا يتلكمون معه بأأدب ،دون س تعالء ،لأهنم اكنوا يعتقدون فيه الألوهية ،أأو جياملونه علهيا 1.
الأمر هو اللفظ ادلال عىل طلب الفعل عىل هجة الاس تعالء .وهذا رأأي احلنفية واحلنابةل ,فهو يكون من الأعىل اىل الأدىن ,
بأأن يقول القائل ملن دونه اس تعالء :افعل .وهو حقيق يف القول الطالب للفعل .فاذا صدر من الأدىن اىل الأعىل عىل سبيل
الترضع والشفاعة ال يسمى أأمرا ,وامنا يقال هل دعاء والامتس .وقال ابن الس بيك الشافعي يف مجع اجلوامع :ال يعترب يف مسمى
الأمر علو وال اس تعالء .وكذاكل قال املالكية :ال يشرتط يف الأمر علو الآمر ,خالفا للمعزتةل .
وبعبارة أأخرى :هو ما دل عىل طلب الفعل وحتصيهل يف املس تقبل ,سواء أأاكن بصيغة الأمر مثل قوهل تعاىل { :اي أأهيا
الذلين أآمنوا اتقوا هللا حق تقاته } وقوهل { :وأأوفوا ابلعقود } وقوهل { :أأقميوا الصالة وأآتوا الزاكة } .
أأم اكن بصيغة املضارع املقرتن بالم الأمر ,كقوهل س بحانه { :لينفق ذو سعة من سعته } .وقوهل { :مفن شهد منمك الشهر
فليصمه } وقوهل { :وليوفوا نذرومه ,وليطوفوا ابلبيت العتيق } .
أأم اكن ابمجلةل اخلربية اليت يقصد مهنا الطلب ,اكما يف قوهل عز وجل { :والوادلات يرضعن أأوالدهن حولني اكملني } .
فليس املقصود منه جمرد االخبار عن ارضاع الوادلات أأوالدهن ,و امنا املقصود الأمر ابالرضاع وطلبه من الوادلات .ومثل
قوهل س بحانه { :ولن جيعل هللا للاكفرين عىل املؤمنني سبيال } يقصد به الأمر املؤمنني بأأال ميكنوا الاكفرين من التسلط
علهيم.2
ترد صيغة الأمر ملعان كثرية ،أأوصلها بعـض الأصـولني ملا يقارب الثالثني ،واتفقوا عىل أأهنا ليست حقيقة فهيا لكها ،وامنا يه
حقيقة يف بعضـها ـ علـى خـالف فيـه ـ جمـاز يف معظمها.
1
وجامهري الأصوليني عىل أأهنا حقيقة يف الوجوب ،جماز يف غريه مـن املعـاين ،مـن النـدب ،واالابحة ،واالرشـاد ،والتأأديب
وغري ذكل.
كقوهل صىل هللا عليه وسمل( :أأفشـوا السالم بينمك) ،وكقوهل تعاىل ( :لكوا من الطيبات( ،وكقولـه تعـاىل( :اذا تدايمن بدين اىل
أأجل مسمى فاكتبوه( ،وكقوهل صىل هللا عليه وسمل لعمر بن أأيب سلمة وهـو طـفـل صـغري( :كـل ممـا يليك).
فاذا وردت صيغة الأمر يف الكم الشارع محلت عىل الوجوب ،لأهنا حقيقة فيه ،وال ترصف اىل غريه من املعاين اال بعد
وجود القرينة3.
قال مجهور العلامء :ان الأمر يدل عىل وجوب املأأمور به ،وال يرصف عن الوجوب اىل غريه اال بقرينة تدل عىل ذكل؛ ألن
العرب تس تعمل الأمر للطلب اجلازم ،وهو ما جاء يف النصوص الرشعية ،فان قصد به غري ذكل فهو عىل سبيل اجملاز ،واال
فالأصل أأنه للوجوب رشعا .
ويدل الأمر عند وجود القرينة عىل أأحد الأمور التالية ،حبسب القرينة اليت ترصفه من الوجوب اىل غريه ،ويكون جمازا ،مفن
ذكل:
- ١الندب والاس تحباب ،مثل قوهل تعاىل{ :فاكتبومه ان علممت فهيم خريا} [النور ،]٣٣ :فالأمر ابملاكتبة مندوبة بقرينة أأن
املاكل حر الترصف يف ملكه.
- ٢االرشاد مثل قوهل تعاىل{ :اي أأهيا اذلين أآمنوا اذا تداينمت بدين اىل أأجل مسمى فاكتبوه} [البقرة ،]٢٨٢ :فالأمر بكتابة
ادلين يدل عىل جمرد االرشاد للأحسن ولالحتياط ،للقرينة يف الآية التالية{ :فان أأمن بعضمك بعضا فليؤد اذلي اؤمتن أأمانته}
[البقرة ،]٢٨٣ :أأي :عند الثقة ابملدين الأمني فال حاجة للكتابة؛ لأن هللا أأمره بأأداء الأمانة ولو بدون كتابة.
- ٣االابحة :مثل قوهل تعاىل{ :ولكوا وارشبوا} [البقرة ،]١٨٧ :فاهنا لالابحة بقرينة أأن الألك أأو الرشب تس تدعيه الفطرة
عند لك خملوق يح ،ومثل قوهل تعاىل{ :فاذا قضيت الصالة فانترشوا يف الأرض} [امجلعة ،]١٠ :فالأمر ابالنتشار والسعي
بأأن الأمر بعد احلظر يفيد االابحة عند بعض املذاهب ،أأو يعيد الأمر اىل ما اكن قبهل عند أآخرين ،والانتشار قبل الصالة
مباح ،مث حظر بسبب صالة امجلعة ،مث عاد اىل أأصهل ،كام س يأأيت.
- ٤التأأديب :كقوهل -صىل هللا عليه وسمل -لعمر بن أأم سلمة" :اي غالم! مس هللا ،ولك بميينك ،ولك مما يليك" ،فالأمر
هنا للتأأديب بقرينة احلال ،وسبب الورود اذلي ذكره معر ريض هللا عنه.
- ٥االنذار :مثل قوهل تعاىل{ :قل متتعوا فان مصريمك اىل النار} [ابراهي ،]٣٠ :فهذا انذار للكفار ليك يمتتعوا يف ادلنيا وليس
هلم نصيب يف الآخرة.
- ٦ادلعاء :كقوهل تعاىل{ :ربنا أآتنا يف ادلنيا حس نة ويف الآخرة حس نة وقنا عذاب النار} [البقرة ،]٢٠١ :وقوهل تعاىل{ :ربنا
اغفر لنا ذنوبنا} [أل معران ،]١٤٧ :فهذا دعاء هلل تعاىل ،وهو كثري يف القرأآن الكرمي والس نة الرشيفة. 4
2
• واخلالصة :ان االمام ابن الس بيك ذكر يف مجع اجلوامع س تة وعرشين معن للأمر ،واتبعه يف تعدادها ابن بدران
احلنبل ،واكتفى صدر الرشيعة ابن مسعود احلنفي بذكر س تة عرش معن ،ويه ما يأأيت:
الـوجـوب ،والندب ،واالبـاحـة ،والهتديد ،واالرشـاد ،والتأأديب ،واالنذار ،والامتنان ،واالكرام ،
والامهتان ،والتكوين ،والتعجزي ،واالهانة ،والتسـويـة ،والـدعـاء ،والمتين ،والاحتقار ،واخلرب ،والاعتبار
،والتعجب .والتكذيب ،واملشورة ،وارادة الامتثال ،واالذن ،واالنعام ،والتفويض .
مث قال ابن الس بيك :وامجلهور عىل أأن الأمر حقيقة يف الوجوب فقط ،لغة أأو رشعاً أأو عق ًال حبسب املذاهب .
وهذا القول هو احلق ،وهو الراحج ؛ لأن وضع الأمر يف اللغة امنا هو لطلب الفعل عىل هجة احلمت وااللزام ،فان
االجياب لغـة :االثبـات وااللزام ،والأمر الصادر من هللا تعاىل ليس اال بقصد اثباته والزام اخملاطبني به
واس تحقاق العقـاب عىل تركه .ويوحض ذكل ايراد أأدةل امجلهور عىل أأن الأمر للوجوب ،ويه من انحيتني :
أ آ ـ نـاحيـة اللغة :وهو أأن الأمر موضوع يف اللغة العربية للطلب اجلـازم وااللزام عىل سبيل احلقيقة ،فان اس تعمل
يف غريه فهو عىل سبيل اجملاز .لـذا قـال احلنفية :الأمر اذا اكن حقيقة يف الوجوب فقط ،ففي االبـاحـة والنـدب
يكون جمازاً ابلرضورة ،لتباين الأحاكم .وقال سعد ادلين التفتازاين :الأمر حقيقـة لغوية يف االجياب مبعن االلزام
وطلب الفعل وارادته جزما ،وحقيقة رشعيـة يف االجياب مبعن الطلب واحلمك ابس تحقاق تـاركـه الـذم والعقاب ،
ال مبعن ارادة وجود الفعل .
ب ـ انحية الرشع :الأمر حقيقة رشعيـة يف الـوجـوب الـذي يرتتب عىل خمالفتـه اس تحقاق االمث والعقاب ،
بـدلـيـل أأن الرشع ذم تـارك الواجب وسامه عاصياً ،ورتب عليه العقاب .وقال عليه الصالة والسالم « :لوال أأن
أأشق عىل أأميت لأمرهتم ابلسواك عند لك صالة » ولفظة « لوال » تفيد انتفاء الأمر لوجود املشقة ،والندب يف
السواك اثبت ،فدل عىل أأن الأمر ال يصدق عىل الندب ،بل ما فيه مشقة ،وذكل امنا يتحقق يف الوجوب .
ويرشد اليه قوهل تعاىل البليس ( ما منعك أأال تسجـد اذ أأمرتك ( ذمـه عىل ترك املأأمور به ،واذلم يقتيض
الوجوب ؛ لأن اذلم ال يكون اال يف ترك واجب أأو فعل حمرم .
وكذكل قوهل تعاىل ( :واذا قيل هلم اركعوا ال يركعون ( ذهمم عىل ترك الركوع اذا أأمروا به ،وهو دليل الوجوب .
ورتب هللا س بحـانـه وتعـاىل العقـاب رصاحـة عىل ترك الأمر بقـولـه ):فليحذر اذلين خيالفون عن أأمره أأن تصيهبم
فتنـة أأو عذاب أألي ( يفهم منه خوف اصابة الفتنة أأو العذاب مبخـالفـة الأمر ،وهـذا أأدل نص عىل أأن الأمر
يقتيض الوجوب .
3
ونفى احلـق تعـاىل احامتل اخليـار بـالأمر يف قوهل ( :ومـا اكن ملؤمن وال مـؤمـنـة اذا قىض هللا ورسـولـه أأمراً أأن
يكون هلم اخلرية من أأمرمه ( .والقضاء :احلمك 5.
قد حيظر الرشع أأمرا وحيرمه ،مث يأأمر به ،كتحرمي الصيد أأثناء االحرام للحج أأو للعمرة ،قال تعاىل{ :وحرم عليمك صيد الرب ما
دممت حرما} [املائدة ،]96 :وقوهل تعاىل؛ {غري حمل الصيد وأأنمت حرم} مث أأمر هللا ابالصطياد بعد التحلل ،قال تعاىل{ :واذا
حللمت فاصطادوا} [املائدة ،]2 :وحرم هللا البيع عند النداء لصالة امجلعة ،فقال تعاىل{ :اذا نودي للصالة من يوم امجلعة
فاسعوا اىل ذكر هللا وذروا البيع} [امجلعة ،]9 :مث أأمر ابالنتشار وابتغاء الرزق ،ومنه البيع بعد الصالة ،فقال تعاىل{ :فاذا
قضيت الصالة فانترشوا يف الأرض وابتغوا من فضل هللا} [امجلعة ،]10 :ومثهل قوهل -صىل هللا عليه وسمل " :-كنت هنيتمك
عن ادخار حلوم الأضايح فادخروا" .
وقد اختلف الأصوليون يف دالةل هذا الأمر بعد احلظر عىل عدة أأقوال ،أأمهها ثالثة أآراء ،ويه:
- 1ان الأمر بعد احلظر لالابحة ،بدليل أأن معظم الأوامر اليت وردت بعض احلظر ثبت لها حمك االابحة اكلأمثةل السابقة،
وهو رأأي الشافعي واحلنابةل وبعض املالكية.
- 2ان الأمر بعد احلظر للوجوب؛ لأن الأصل يف الأمر أأنه للوجوب سواء ورد بعد حظر أأم ال ،لقوهل تعاىل{ :فاذا انسلخ
الأشهر احلرم فاقتلوا املرشكني حيث وجدمتومه} [التوبة ،]5 :فالقتال واجب ابتفاق ،وهذا قول احلنفية والشافعية واملالكية،
ورد أأحصاب القول الأول أأن الوجوب هنا دلليل خاريج.
- 3ان الأمر بعد احلظر يرجع اىل احلمك اذلي اكن قبل احلظر من وجوب أأو غريه ،والأمر هنا امنا هو جملرد رفع احلظر اذلي
س بق ،بدليل أأن املتتبع ل ألوامر بعد احلظر جيدها أأهنا عادت اىل أأصل احلمك قبل ورود احلظر ،اكلبيع ،والصيد ،والادخار،
والقتال؛ لأن احلظر امنا ورد ملصلحة اقتضت ذكل ،وهو رأأي الكامل بن اهلامم.
وهذه املسأأةل نظرية ال يرتتب علهيا حمك معل ،وان الراحج هو اعتبار الأدةل اخلارجية اليت حتدد احلمك.6
اش هتر عند الفقهاء قوهلم :الأمر بعد احلظر لالابحة ،والأصوليون اختلفوا يف ذكل.
وصورة املسأأةل :أأن يرد حظر من الشارع لفعل ما ،سواء فهم هذا احلظر من هنيي رصحي ،أأم من غريه ،مث يرد أأمر بذكل الفعل.
مثال ا ألمر بعد احلظر الرصحي :قوهل« :كنت هنيتمك عن ادخار حلوم الأضايح فلكوا مهنا وادخروا» (أأخرجه أأمحد والرتمذي ومعناه يف
الصحيحني) فالهنيي عن الادخار جاء اخلرب عنه رصحياً مث أأعقبه أأمر ابالدخار.
ومثال الهنيي غري الرصحي :ما جاء يف حديث الرجل اذلي قال للنيب صىل هللا عليه وسمل :اي رسول هللا ،اين اكتتبت يف غزاة كذا وكذا،
وان امرأأيت ذهبت للحج ،فقال هل النيب صىل هللا عليه وسمل« :انطلق وجح مع امرأأتك» (أأخرجه البخاري ومسمل).
4
ففي هذا احلديث مل يرد هنيي عن ذهاب ذكل الرجل مع امرأأته ،ولكنه فهم من اكتتاب امسه يف احدى الغزوات فيكون مهنياً عن
التخلف عن الغزوة ،مث جاء أأمر الرسول صىل هللا عليه وسمل ابالنطالق مع امرأأته للحج.
وقد مثل ابن اللحام هبذا املثال ،وقد ينازع فيه.
وحمل الزناع يف هذه املسأأةل حيث مل توجد قرينة قوية تدل عىل محل الأمر عىل الوجوب أأو االابحة أأو الندب .أأما حيث وجدت قرينة
فيعمل مبقتضاها.
والأصوليون يقررون يف كثري من مسائل اخلالف أأن حمهل حني تعدم القرينة ،مع أأنه من النادر أأن تعدم القرينة ،ولكهنم يقررون املبد أأ
العام ،أأو الأصل اذلي يبن عليه احلمك عند الاختالف يف القرائن وداللهتا؛ لأن القرائن كثريا ما جيري اخلالف فهيا وكثرياً ما يدعي لك
فريق أأهنا تشهد لقوهل.
ا ألقوال
القول ا ألول :أأن الأمر بعد احلظر لالابحة .وهو قول الشافعي ،كام حاكه عنه ابن القطان ،وابن السمعاين ،والآمدي ،والأس نوي،
وغريمه.
وقال القايض عبد الوهاب ،وابن خويز منداد :انه قول ماكل .ونقهل ابن برهان عن أأكرث الفقهاء .واختاره ابن قدامه.
ويقرب من هذا القول يف التطبيق قول ابن تميية ان الأمر بعد احلظر يرفع التحرمي ،ويعود احلمك اىل ما اكن عليه قبل احلظر ،فقد يكون
مباحاً ،وقد يكون مندو ًاب ،وقد يكون واجباً .
ا ألدةل
- ١العرف الرشعي يف اس تعامل الأمر بعد احلظر هو اس تعامهل لالابحة ،ومن ذكل:
ـ ...قوهل تعاىل{َ :وا َذا َحلَ ْل م ْمت فَ ْاص َطا مدوا} [املائدة.]٢
ِ
ْ
رشوا ِيف َال ْر ِض} [امجلعة ،]١٠وليس البيع والرشاء واجبا بعد امجلعة ابتفاق. ِ َ ِ َ
ـ ...وقوهل تعاىل{ :فَاذا قمضيَ ِت َّ
الصال مة فَانْتَ م
ِ
ـ ...وقوهل تعاىل{ :فَا َذا ت ََطه َّْر َن فَأْتموه َّمن ِم ْن َح ْي مث أَ َم َر م ممك َّ م
اَّلل} [البقرة ]٢٢٢وليس اتيان النساء بعد الطهر واجباً بل مباحاً.
ِ
ـ ...ومن الس نة قوهل صىل هللا عليه وسمل« :كنت هنيتمك عن ادخار حلوم الأضايح فوق ثالث فأأمسكوا ما بدا لمك» ،ويف
رواية« :فلكوا وادخروا» (أأخرجه مسمل).
ـ ...وقوهل صىل هللا عليه وسمل« :كنت هنيتمك عن زايرة القبور فزوروها» (أأخرجه مسمل) ،ومل يقل أأحد بوجوب زايرة القبور ،وامنا
قالوا ابس تحباهبا للرجال؛ لقوهل يف أآخر احلديث« :فاهنا تذكرمك الآخرة».
٢ـ العرف اللغوي:
فان أأهل اللغة متفقون عىل أأن الس يد لو قال لعبده :ال تأألك هذا الطعام ،مث قال هل :لك ،مل يكن هذا اجيا ًاب يس تحق عىل تركه
العقوبة ،وكذكل اذا قال ملن طرق الباب :ادخل ،فانه ليس اجيا ًاب لدلخول ،وامنا هو اذن فيه.
القول الثاين :ان الأمر ال ختتلف داللته بعد احلظر عن داللته لو مل يس بق حبظر ،وهذا مذهب أأكرث الفقهاء واملتلكمني .ولكن الفقهاء
يقولون :يبقى عىل الوجوب ،وكثري من املتلكمني يقولون يبقى عىل الاس تحباب؛ بناء عىل قوهلم يف أأصل دالةل الأمر املطلق.
5
دليل هذا القول:
- ١أأن الأمر الواقع بعد احلظر يكون انخساً هل ،وقد ينسخ التحرمي ابالجياب أأو االابحة أأو الندب واذا احمتل املعاين الثالثة فالأصل
محهل عىل معناه الأصل وهو الوجوب عند امجلهور.
- ٢قياس الأمر بعد احلظر عىل الهنيي بعد الأمر فكام أأن الهنيي اذا جاء بعد الأمر حيمل عىل التحرمي اذلي هو معناه قبل س بقه ابلأمر
فكذكل الأمر بعد احلظر ،حيمل عىل الوجوب.
- ٣معوم الأدةل ادلاةل عىل أأنه للوجوب.
واعرتض القائلون ابلوجوب عىل القائلني ابالابحة وقالوا :ال يوجد عرف رشعي مس تقر ،بدليل أأن بعض الآايت جاء فهيا الأمر بعد
احلظر ،ومحلت عىل الوجوب ابتفاق .ومن ذكل قوهل تعاىل{ :فَا َذا ان ْ َسلَخَ ْ َال ْشه ممر الْ مح مر مم فَاقْ متلموا الْ مم ْ ِ
رش ِك َني} [التوبة.]٥
ِ
ً
القول الثالث :اذا ورد الأمر بصيغة( :افعل) وحنوها ،فهو لالابحة ،وان ورد مرصحا فيه بلفظ الأمر كقوهل :أأنمت مأأمورون ،أأو اين أآمرمك،
فيحمل عىل الوجوب .وهذا التفصيل اختيار ابن حزم الظاهري ،واجملد ابن تميية.
دليهل :أأن العرف الرشعي جرى يف الأمر بصيغة (افعل) وحنوها ،وأأما لفظ الأمر املرصح فيه مبادة (أأمر) فال عرف فيه فيبقى عىل
الوجوب.
وهذا الرأأي مبين عىل أأن صيغة (افعل) أأو (لتفعل) وحنوهام ،من الظاهر ،وصيغة :أأنمت مأأمورون وحنوها ،من النص الرصحي.
الرتجيح
الراحج هو القول الأول ،وهو محل الأمر بعد احلظر عىل االابحة اال أأن يقوم دليل عىل خالف ذكل.
وما ذكره أأحصاب هذا الرأأي من الاس تدالل ابلعرف الرشعي والعرف اللغوي اكف يف ادلالةل عىل املطلوب.
وأأما اعرتاض أأحصاب القول ابلوجوب بأآية{ :فَا َذا ان ْ َسلَخَ ْ َال ْشه ممر ا ْل مح مر مم فَاقْ مت ملوا ا ْل مم ْ ِ
رش ِك َني} [التوبة ،]٥فيجاب عنه بأأن هذه الآية ال تدل
ِ
عىل وجوب قتل املرشكني ،وامنا يس تفاد الوجوب من غريها .ولو مل يرد يف قتال املرشكني
اال هذه ملا اكنت داةل عىل الوجوب.
وأأما قياس الأمر عىل الهنيي فهو ضعيف؛ للفرق بيهنام من هجة أأن الهنيي يقتيض الاس مترار يف ترك املهنيى عنه ،والأمر ال يقتىض التكرار
كام تقدم .وأأيضاً فان هذا قياس يف اللغة وهو ممنوع عند الأكرث.
مث ان عرف الاس تعامل الرشعي واللغوي رصفه عن مقتضاه يف أأصل الوضع.
ومبثل هذا جياب عن متسكهم بعموم الأدةل ادلاةل عىل أأن الأمر املطلق للوجوب.
وأأما قول ابن حزم واجملد ابن تميية مفردود بعدم الفرق بني االخبار عن أأمر هللا أأو رسوهل ،والأمر من هللا أأو رسوهل بصيغه املعروفة.
فاذا سمل جراين العرف يف الثاين فالأول مثهل.
وأأما قول ش يخ االسالم ابن تميية :ان الأمر بعد احلظر يعيد الفعل اىل ما اكن عليه قبل ورود احلظر ،فقد نسب للمزين ،واختاره بعض
املتأأخرين ،وقد يفرس به قول بعض املتقدمني اكلقفال الشايش ،وهو قريب من حيث التطبيق من القول الأول ،وفيه مجع بني الآايت
رشوا ِيف ْ َال ْر ِض} [امجلعة ،]١٠والآايت اليت جاء فهيا الأمر بعد احلظراليت جاء فهيا الأمر بعد احلظر ومحلت عىل االابحة ،مثل{ :فَانْتَ ِ م
رش ِك َني} [التوبة.]٥ومحلت عىل الوجوب ،حنو{ :فَا َذا ان ْ َسلَخَ ْ َال ْشه ممر الْ مح مر مم فَاقْتملموا الْ مم ْ ِ
ِ
6
مثرة اخلالف
تظهر مثرة اخلالف يف مسائل مهنا:
- ١قوهل صىل هللا عليه وسمل« :انطلق حفج مع امرأأتك» هل ميكن أأن يس تدل به عىل الوجوب؟ فيقال :جيب عىل الرجل مرافقة
زوجته يف جح الفريضة؟ قيل :نعم؛ مع ًال بظاهر اللفظ ،والأكرث مل يوجبوا عليه ذكل؛ لكونه أأمراً بعد حظر فال يفيد الوجوب ،بل
االابحة .والندب مس تفاد من كونه من االحسان للزوجة.
- ٢قوهل تعاىل{ :فَ َاك ِتب م ْ
ومه ا ْن عَ ِل ْم م ْمت ِف ِهي ْم خ ْ ًَريا} [النور ،]٣٣هل ميكن أأن يس تدل به عىل وجوب ماكتبة العبد اذا عمل الس يد فيه
م ِ
خرياً؟.
قيل :نعم؛ أأخذا بظاهر الأمر ،وامجلهور قالوا :ال جيب؛ لأنه أأمر بعد حظر ،فال يفيد الوجوب .واحلظر هنا غري منصوص عليه ولكنه
مفهوم مما عرف عن الشارع؛ لأنه ال يوجب عىل املاكل أأن يبيع شيئاً من ماهل مؤجال .فثبوت مكل الس يد لعبده مبثابة املانع من املاكتبة.
وقال الزركيش :انه عىل خالف القياس ،فاكن اكملمنوع منه؛ اذ من حقه التحرمي لوال ورود السمع .
اَّلل} [البقرة ]٢٢٢بعد قوهل{ :فَاع َ ِلْزتموا النِ ِّ َسا َء ِيف الْ َم ِح ِيض} ،فالأمر ابعزتال النساء يف احمليض
- ٣قوهل تعاىل{ :فَأْتموه َّمن ِم ْن َح ْي مث أَ َم َر ممكم َّ م
هنيي عن امجلاع والأمر ابتياهنن أأمر ابمجلاع جاء بعد احلظر ،فهل ميكن أأن يس تدل بقوهل تعاىل{ :فَأْتموه َّمن} عىل وجوب الوطء؟
الأكرث قالوا :ال جيوز؛ لأنه أأمر جاء بعد حظر فاكن اذ ًان واابحة.
وقال بعضهم :نعم يصلح دلي ًال؛ مع ًال ابلظاهر.
وقال ابن تميية :الأمر رفع احلظر وعاد احلمك عىل ما اكن عليه قبل ذكل ،والوطء واجب عىل الرجل مع القدرة بقوهل تعاىل{َ :وعَ ِ م
ارشوه َّمن
وف} [النساء ]١٩وحنوها من الأدةل. ِابلْ َم ْع مر ِ
سبب اخلالف
اخلالف راجع اىل أأن تقدَّم احلظر عىل الأمر هل يصلح قرينة توجب رصفه عن ظاهره اىل االابحة؟ مفن قال :تقدم احلظر قرينة ،رصفه
عن الوجوب اىل االابحة ،أأو أأبطل الوجوب ،وقال :يرجع اىل ما اكن عليه قبل احلظر.
ومن قال :ال يعد قرينة صارفة ،محهل عىل الوجوب ان اكن ممن يقول ان الأمر املطلق للوجوب ،أأو عىل الندب ان اكن ممن يقول انه
للندب7.
ذهب مجهور الأصوليني اىل أأن صيغة الأمر موضوعة للطلب عىل سبيل االلزام ،وأأن الأمر املطلق ال يقتيض التكرار ،ولكنه
حيمتل التكرار اذا وجدت قرينة أأحاطت به ،فيكون التكرار مس تفادا من القرينة ،كأن يكون الأمر معلقا عىل رشط هو عةل
للمأأمور به ،كقوهل تعاىل {وان كنمت جنبا فاطهروا} [املائدة ،]6 :فيجب تكرار الطهارة لكام وقعت اجلنابة ،ومثل قوهل تعاىل:
{اي أأهيا اذلين أآمنوا اذا مقمت اىل الصالة فاغسلوا وجوهمك وأأيديمك اىل املرافق وامسحوا برءوسمك وأأرجلمك اىل الكعبني}
[املائدة ،]6 :فيتكرر الوضوء لأنه رشط للصالة املتكررة ،وقد يكون الأمر مرتبطا بثبوت وصفط هو عةل للمأأمور به ،كقوهل
تعاىل{ :أأمق الصالة دللوك الشمس} [االرساء ،]78 :فيجب تكرار الصالة لكام أأصبحت الشمس يف كبد السامء ،وقد يكون
7
الأمر مرتبطا بسبب فيتكرر لكام تكرر السبب ،كقوهل تعاىل{ :الزانية والزاين فاجدلوا لك واحد مهنام مائة جدلة} [النور،]2 :
فيتكرر اجلدل لكام تكرر سببه وهو الزان ،لأن الرشع علق احلمك عىل وجود علته أأو سببه.
فان مل توجد قرينة فال يدل الأمر عىل التكرار ،الجامع أأهل العربية عىل أأن هيئة الأمر ال تدل اال عىل جمرد الطلب يف
املس تقبل.8
حمل الزناع
اختلف العلامء يف الأمر املطلق هل يدل عىل تكرار الفعل املأأمور به حبسب االماكن؟ مبعن أأن امللكف مأأمور بتكرار ما أأمر به عىل
وجه ال يس تحيل عقال وال رشعا ،فأأما التكرار املؤدي اىل منعه من الاش تغال مبا تقوم به حياته ،أأو اىل امجلع بني الضدين فهو ممنوع
عقال ،وأأما التكرار املؤدي اىل اسقاط أأوامر هللا الأخرى وترك امتثالها فهو ممتنع رشعا.
فهذان النوعان من التكرار غري داخلني يف حمل الزناع؛ اذ ال يقول أأحد بوجوب تكرار الفعل املأأمور به يف مجيع الأوقات؛ لأنه ممتنع عقال
ورشعا.
وحمل الزناع هو يف التكرار اذلي ال يؤدي اىل مس تحيل عقال أأو رشعا ،ويف الأمر اذلي ليس مقيدا مبرة وال بتكرار وال معلقا عىل
رشط وال صفة ،وفيه قوالن مشهوران:
القول ا ألول :أأن الأمر املطلق يقتيض التكرار حبسب االماكن ،وهو منسوب لالمام أأمحد وأأكرث أأحصابه ،وحاكه ابن القصار عن ماكل،
وحاكه الغزايل عن أأيب حنيفة ،واملشهور عند احلنفية خالفه ،فقد نص عبد العزيز البخاري يف كشف الأرسار عىل أأنه ال يقتيض
التكرار.
وجه القول ابلتكرار ما يل:
- ١أأن الأمر ابالميان والتقوى ال يكفي فيه مرة واحدة ،ولو مل يكن الأمر للتكرار لكفى االنسان أأن يؤمن ساعة ويتقي هللا ساعة ،وال
خالف يف أأنه ال يكفيه ذكل ،وأأنه ال بد من الاس مترار يف ذكل.
- ٢أأن الأمر ابليشء هنيي عن ضده ،وموجب الهنيي ترك املهنيي عنه يف مجيع الأوقات ،فينبغي أأن يكون موجب الأمر فعل املأأمور به
يف مجيع الأوقات اال ما دل العقل أأو الرشع عىل اس تثنائه.
- ٣أأن الأمر يقتيض وجوب الفعل ووجوب الاعتقاد والعزم ،مث انه يف جانب الاعتقاد والعزم يفيد الاس مترار والاس تدامة فينبغي أأن
يكون كذكل يف الفعل.
القول الثاين :أأن الأمر املطلق ال يفيد التكرار ،وهو قول أأكرث الفقهاء واملتلكمني ،ورواية عن أأمحد اختارها أأبو اخلطاب وابن قدامة.
وجه هذا القول ما يل:
- ١أأن صيغة الأمر ال تعرض فهيا لعدد مرات الفعل ،وامنا وجبت املرة الواحدة رضورة دخول الفعل يف الوجود؛ اذ ال ميكن وجوده اال
بفعهل مرة واحدة.
- ٢قياس الأمر املطلق عىل الميني والنذر والواكةل واخلرب ،فلو حلف أأن يصوم أأو نذر أأن يصوم بر بصيام يوم واحد ،ولو قال
لوكيهل :طلق زوجيت ،مل يكن هل أأكرث من طلقة واحدة ،ولو أأخرب عن صيامه فقال :مصت ،صدق بصيام يوم واحد.
8
- ٣قياس استيعاب الأزمنة عىل استيعاب الأمكنة ،فكام ال جيب أأن يفعل يف لك ماكن ال جيب أأن يفعل يف لك زمان.
- ٤أأن القول ابن الأمر يقتيض التكرار يؤدي حامت اىل تعارض الأوامر حبيث يبطل بعضها بعضا وهو ممنوع رشعا.
وهذا القول هو الراحج ،وجياب عن أأدةل القول الأول مبا يل:
قوهلم :لو مل جيب التكرار لكفى املرء أأن يؤمن ساعة ،اخل ...جياب بأأن االميان يضاد الكفر ،فاذا ختىل عن االميان حلظة وقع يف الكفر،
والكفر مهنيي عنه عىل ادلوام ،وأأما اذا ذهل عن االميان ومل يقع يف قلبه ضده فال يشء عليه ويبقى حمك االميان مس تصحبا ،ولهذا فان
النامئ يسمى مؤمنا ،وال يسوى بني الأمر ابالميان والتقوى والأمر ابلفعل.
دليلهم الثاين :قياس الأمر عىل الهنيي ،وهو قياس يف اللغة فال يصح ،مث ان الأمر ضد الهنيي فكيف يقاس اليشء عىل ضده؟!.
دليلهم الثالث :التسوية بني الاعتقاد والعزم والفعل ال يصح؛ لأن الفعل حيول بينه وبني أأفعال أأخرى مأأمور هبا ،أأو حيتاج الهيا مبقتىض
العادة والطبيعة ،وأأما الاعتقاد فال يرصفه عن فعل مأأمور به وال عن فعل حيتاجه مبقتىض العادة والطبيعة.
ومن وجه أآخر فان الأفعال القلبية اكالعتقاد والعزم ،اس مترارها يتحقق بعدم وجود ما يضادها ،خبالف أأفعال اجلوارح فال تتحقق ابنتفاء
الضد ،بل ال بد من هجد زائد عىل ذكل.
أأثر اخلالف
من الفروع اليت بنوها عىل هذا الأصل ما يل:
١ـ لو قال لوكيهل :طلق زوجيت ،فهل ميكل طلقة واحدة أأو ثالاث؟ من قال :ان الأمر يفيد التكرار ،فقياس مذهبه أأنه ميكل ثالاث ،ومن
قال :ال يفيد التكرار ،مفقتىض قوهل أأن ال ميكل اال واحدة.
٢ـ الأمر ابلعمرة ،هل يفيد التكرار؟ وهذا الفرع وجدت فيه أأدةل أأخرى اكلقياس عىل احلج ،وقوهل صىل هللا عليه وسمل« :دخلت
العمرة يف احلج اىل يوم القيامة».
- ٣تكرار غسل النجاسة مما مل يرد يف تكراره نص.
- ٤تكرار الفاحتة اذا فرغ املأأموم من قراءهتا يف الصالة الرسية ومل يركع االمام.
ا ألمر املعلق عىل رشط هل يقتيض التكرار؟
اختلفوا يف الأمر املعلق عىل رشط هل يفيد التكرار بتكرر الرشط؟ ومثاهل قوهل صىل هللا عليه وسمل« :اذا دخل أأحدمك املسجد فال
جيلس حىت يصل ركعتني» (متفق عليه).
فالأمر بصالة الركعتني معلق عىل رشط دخول املسجد ،فاذا خرج مث دخل فهل يؤمر بتكرار الصالة.
ومن قال :ان الأمر املطلق يقتيض التكرار فال شك أأنه يقول كذكل يف الأمر املعلق عىل رشط من ابب أأوىل.
وأأما اذلين قالوا ان الأمراملطلق ال يقتيض التكرار فقد قال أأكرثمه كذكل يف الأمر املعلق عىل رشط.
واس تدلوا مبا ذكرته سابقا من أأن الأمر ليس فيه تعرض لعدد مرات الفعل فال يدل عل تكرار وال غريه ،وأأن ثبوت الفعل مرة واحدة امنا
هو لرضورة ادخاهل يف الوجود.
وقال بعضهم :ان الأمر املعلق عىل رشط يقتيض التكرار خبالف الأمر املطلق.
واس تدلوا بأأن تعليق الأمر عىل الرشط كتعليقه عىل العةل ،والتعليق عىل العةل يوجب التكرار.
9
والراحج ـ وهللا أأعمل ـ أأن الأمر املعلق عىل رشط يتكرر بتكرر الرشط؛ ملا ذكرته سابقا من أأن تعليق الفعل عىل رشط دليل عىل كون
هذا الرشط عةل للفعل ،واذا تكررت العةل تكرر احلمك املعلق علهيا.
ولكن قد تتداخل الأحاكم ختفيفا عىل امللكفني .وقد تقدم أأن الرشوط اللغوية أأس باب ،والأس باب يتكرر احلمك بتكررها ما مل تتداخل.
ومما ينبين عىل هذه القاعدة:
- ١اذا مسع الأذان أأكرث من مرة فهل يس تحب هل تكرار القول كام يقول املؤذن ،معال بقوهل صىل هللا عليه وسمل« :اذا مسعمت النداء
فقولوا مثل ما يقول املؤذن» احلديث.
يمت ِبتَ ِحيَّ ٍة فَ َحيُّوا ِبأَ ْح َس َن ِمهنْ َا أَ ْو مردُّوهَا} [النساء.]٨٦
- ٢اذا كرر السالم ،فهل يلزم تكرار رده ،معال بقوهل تعاىل{َ :وا َذا مح ِ ِّي م ْ
ِ
- ٣اذا تكرر دخوهل للمسجد فهل يكرر صالة حتية املسجد ،معال بقوهل صىل هللا عليه وسمل« :اذا دخل أأحدمك املسجد فال جيلس
حىت يصل ركعتني».
- ٤اذا تكرر ذكر الرسول صىل هللا عليه وسمل فهل يكرر الصالة عليه ،معال ابلأحاديث الواردة يف ذكل.
هذه املسائل اختلف الفقهاء فهيا ،فذهب بعضهم اىل وجوب التكرار اذا تكرر الرشط ،وذهب بعضهم اىل عدم التكرار ،اما لأجل أأنه
ال يرى أأن الأمر املعلق عىل رشط يقتيض التكرار بتكرر الرشط ،واما لأنه يرى التداخل مع قرب الزمن ،ولهذا قال بعضهم ـ يف الصالة
عىل الرسول صىل هللا عليه وسمل ـ تكرر اذا اختلف اجمللس ،وقال بعضهم :تكرر مع طول الفاصل9.
ان الأمر ابليشء هو هنيي عن ضده ،لأن املأأمور واجب ،والواجب ال يمت اال برتك ضده ،لأنه ال يمت الواجب اال به ،فهو
واجب ،فالأمر ابقامة الصالة هنيي عن ضدها ،وهو لك ما يتناىف مع الصالة ،فهو هنيي عن الألك ،أأو الرشب ،أأو الكم
الناس ،يف الصالة.
ويشرتط لكون الأمر هنيا عن ضده أأن يكون الأمر معينا ،فان اكن غري معني أأي خمريا ،اكلكفارة يف الميني ،فال يكون الأمر
هنيا عن ضده؛ جلواز أأن يفعل الأمر الآخر ،كام يشرتط أأن يكون وقت الأمر مضيقا ،فان اكن موسعا ،فال يكون الأمر
ابليشء هنيا عن ضده ،اكلأمر بصالة الظهر عند ادللوك ،فهو ليس هنيا عن الألك وغريه يف هذا الوقت ،فيجوز الألك
والرشب مث الصالة.10
10
ا ألقوال
القول ا ألول :ذهب مجهور العلامء اىل أأن الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن ضده أأو أأضداده ان اكن هل أأضداد كثرية.
ونقل عن بعض الأشعرية قوهلم ان الأمر ابليشء عني الهنيي عن ضده .وهذا مبين عىل أأن الالكم امس للمعن القامئ ابلنفس ،ال للفظ
املسموع .وهو ابطل كام عرف يف موضعه.
ا ألدةل
اس تدل امجلهور مبا يل:
- ١أأنه ال ميكن االتيان ابملأأمور به اال برتك ضده ،وما ال يمت فعل الواجب اال برتكه فهو حرام واحلرام مهنيي عنه.
- ٢لو مل يكن الأمر ابليشء هنيا عن ضده لاكن اترك الأمر يعاقب عىل ما مل يفعهل .وهذا ادلليل ذكره اجلصاص واملراد به :أأن العقوبة ال
تكون اال عىل فعل من امللكف ،فاذا قلنا :الأمر ابليشء هنيي عن ضده من حيث املعن حص أأن نقول ان عقوبة اترك الواجب يه عىل
تلبسه بضده فتكون العقوبة عىل فعل.
وان قلنا ان الأمر ابليشء ليس هنيا عن ضده ،فاذا ترك الواجب ال يعد فاعال لضده فعقوبته تكون عىل ما مل يفعهل ،وعداةل اخلالق
تقتيض أأن ال يعاقب االنسان عىل ما مل يفعل.
وقد جياب عن هذا بأأن الرتك فعل فيعاقب عىل فعهل.
- ٣أأن الأمر يقتيض الفورية ،ومن رضورة اقتضائه الفورية أأن يقتيض الهنيي عن التلبس بضده؛ لأن التلبس ابلضد حيول دون املبادرة
ابلفعل املأأمور به.
القول الثاين :أأن الأمر ابليشء ليس هنيا عن ضده وال يقتضيه ،وهو قول بعض املعزتةل واختاره اجلويين والغزايل.
ا ألدةل
- ١أأن الضد مسكوت عنه فمل يرد هل ذكر يف الأمر ،فال يدل عليه.
- ٢أأن الآمر قد يأأمر ابليشء وهو غافل عن ضده ،فكيف يكون انهيا عام مل خيطر عىل ابهل؟.
القول الثالث :أأن الأمر ابليشء يقتيض كراهة ضده وهو اختيار الرسخيس والزبدوي من احلنفية.
دليهل :أأن الأمر من حيث ادلالةل اللفظية ال دالةل فيه عىل الهنيي عن الضد ،ولكنه يدل عىل الهنيي بطريق الاقتضاء ،ودالةل الاقتضاء
أأضعف من دالةل النص ،فيكون الثابت هبا أأضعف من الثابت بدالةل الهنيي املنصوص عليه بصيغته ،فيثبت بدالةل الاقتضاء الكراهة.
الرتجيح
الراحج ـ وهللا أأعمل ـ هو أأن الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن ضده ،أأو يس تلزم الهنيي عن ضده اذا اكن املأأمور معينا وقد ضاق الوقت
عن غريه.
وال يقال هو عني الهنيي عن ضده كام قال بعض الأشعرية؛ لأنه من حيث الصيغة ال ميكن القول ابحتادهام ،وكذا من حيث املعن
املوضوع هل اللفظ أأصال.
وال يقال انه يقتيض الهنيي عن ضده مطلقا ،بل اذا اكن املأأمور معينا وضاق الوقت عن الفعل وما يضاده ،اقتىض الهنيي عن الضد ،واال
فال.
11
وادلليل عىل رحجان هذا التفصيل :أأن أأدةل القول الأول ال تدل عىل أأن الأمر اخملري واملوسع دالان عىل الهنيي عن الضد ،فقوهلم :ال ميكن
االتيان ابملأأمور به اال برتك ضده ال يصح اال اذا محلناه عىل الأمر املعني الواجب فعهل عىل الفور.
أأما الواجب اخملري كخصال الكفارة فيصح فعهل مع غريه ،وكذا الواجب املوسع ال حيرم عىل امللكف التلبس بضده قبل فعهل اال حني
يضيق الوقت فال يتسع اال هل وحده.
وأأما دليلهم الثاين فيجاب عنه ابن الرتك فعل فيكون عقاب مرتكب الهنيي عىل فعهل.
ومما يدل عىل أأن الرتك فعل ،قوهل تعاىل{َ :اكنموا َال يَتَنَاه َْو َن ع َْن ممنْكَ ٍر فَ َعلمو مه لَ ِب ْئ َس َما َاكنموا ي َ ْف َعلم َ
ون} [املائدة.]٧٩
وأأما الثالث فهو يؤيد ما ذكرته ،وهو أأن الأمر ابليشء عىل الفور هو اذلي يقتيض الهنيي عن الضد ،والفورية ال تتحقق يف الواجب
املوسع قبل ضيق الوقت.
وأأما أأدةل املانعني مطلقا فيجاب عهنا مبا يل:
قوهلم :الضد مسكوت عنه .جياب بأأن دالةل الأمر عىل الهنيي عن الضد يه دالةل اقتضاء ،وليست دالةل وضع ،واملقتىض مسكوت عنه،
ولكن دل عليه دليل من العقل أأو الرشع أأو العرف.
وقوهلم :ان الآمر قد يكون غافال عن الضد .جياب بأأن هذا قد يقال يف حق الآمر من البرش ،وال يقال اذا اكن الآمر هو هللا ،وأأما اذا
اكن الآمر من البرش فيجاب بأأن الأمر عندان ليس من رشطه ارادة الآمر .فداللته حتصل وتفهم سواء أأرادها الآمر من البرش أأم ال.
وأأما قول الرسخيس والزبدوي :انه يدل عىل كراهة الضد؛ فان اكن املقصود ابلكراهة كراهة التحرمي مفسمل؛ لأننا ال نقول انه يدل عىل
التحرمي قطعاً .وان اكن مرادمه الكراهة التزنهيية مفمنوع.
وقوهلم :ان دالةل الاقتضاء أأضعف من دالةل النص ،ال يدل عىل أأن مدلولها ال يصل اىل درجة التحرمي ،فان التحرمي درجات من حيث
طريق ثبوته.
مثرة اخلالف
ذكر الأصوليون بعض الفروع اليت تنبين عىل هذه القاعدة ،ومهنا:
- ١اذا قال الزوج :ان خالفت هنيي فأأنت طالق ،مث أأمرها بيشء ففعلت ضده فهل تطلق؟ عىل القول بأأن الأمر ابليشء يقتيض الهنيي
عن ضده تطلق ،وعىل القول الثاين ال تطلق ،وعىل اخملتار تطلق اال اذا اكن الأمر خمرياً أأو موسعاً.
- ٢املأأمور ابلقيام يف الصالة ،اذا جلس مث قام ،فهل حيرم عليه ذكل؟ عىل القول الأول نعم وعىل القول الثاين ال حيرم عليه ذكل وعىل
قول الرسخيس والزبدوي يكره ذكل .وال بد أأن يس تثن من هذا جلسة الاسرتاحة عند من يرى اس تحباهبا ،فاهنا عنده مندوب الهيا.
- ٣املصل مأأمور ابلسجود عىل حمل طاهر ،فان جسد عىل حمل جنس مث عىل طاهر فهل تبطل صالته؟
قال الرسخيس ان املسأأةل مبنية عىل أأن الأمر ابليشء هل يقتيض هنياً عن ضده .مفن قال يقتيض الهنيي عن ضده أأبطلها ومن ال فال.
- ٤املصل مأأمور ابالنصات لقراءة االمام لقوهل تعاىل{َ :وا َذا قمرِئَ ا ْل مق ْرأ آ من ف َْاس َت ِم معوا َ مهل َوأَن ِْص متوا} [الأعراف ،]٢٠٤والآية انزةل يف
مام فهل يأأمث؟ من قال :ان الأمر ابليشء هنيى عن ضده يؤمثه ،ومن ال فال. االنصات لقراءة االمام .فلو قرأأ املأأموم يف أأثناء قراءة اال ِ
واذا ترحج عنده ختصيص معوم الآية حبديث« :ال صالة ملن مل يقرأأ بفاحتة الكتاب» ،فال ميكن اجلزم بتأأثميه ،وان قلنا :ان الأمر ابليشء
يقتيض الهنيي عن الضد ،وامنا يؤمثه من يقول الآية نزلت يف قراءة االمام يف الصالة وصورة
السبب ال ميكن خروهجا ابلتخصيص .وقد نقل عن االمام أأمحد قوهل ان الآيه يف قراءة االمام يف الصالة ونقل االتفاق عىل ذكل.
12
سبب اخلالف
اخلالف يف قاعدة الأمر ابليشء هل يقيض الهنيي عن ضده يرجع اىل ثالثة أأس باب:
- ١قوهلم :ال تلكيف اال بفعل .فاذا سلموا هذه القاعدة وقالوا الرتك ليس فعال ،فال بد أأن يقولوا الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن الضد،
حىت تكون العقوبة عىل فعل الضد ال عىل جمرد الرتك.
- ٢اشرتاط االرادة يف الأمر والهنيي وعدم اشرتاطها ،مفن اشرتطها مل يقل ان الأمر ابليشء هنيي عن ضده؛ الحامتل غفةل الآمر عن
الضد ،ومن مل يشرتطها قال :الأمر ابليشء هنيي عن ضده ،أأو يس تلزم الهنيي عن ضده.
- ٣اقتضاء الأمر الفورية أأو عدمه ،فالقول بأأن الأمر املطلق يقتيض الفورية ،يناس به أأن يقول :الأمر ابليشء يقتيض الهنيي عن ضده،
خبالف القول بعدم الفورية ،فانه يناسب القول بأأن الأمر ابليشء ال يقتيض الهنيي عن الضد11.
ا ألول ـ انـه يقتيض التكرار من هجـة اللفظ ،أأي أأن لفـظ الأمر املعلق ابلرشط أأو الصفـة قـد وضع للتكرار .وهـو قـول
كثري من أأحصـاب مـالـك والشافعي ؛ لأن الرشوط اللغوية أأس باب ،واحلمك يتكرر بتكرر سببه ،فيجمتع أأمران لتكرار الوضع
والس ببية
الثاين ـ انه ال يقتيض التكرار ال من هجة اللفظ وال من هجة القياس ،وهذا القائل بأأن ترتيب احلمك عىل الوصف ال يدل عىل
العلية هو املاليك .أأي ان الأمر يتكرر اذا اكن الرشط أأو الصفـة علـة ؛ لأن املعلول يتكرر
الثالث ـ انه ال يقتضيه لفظاً ويقتضيه من هجة القياس ،وهو احلق عنـد احلنفية واحلنابةل ،واخملتـار عنـد الرازي والآمـدي
والبيضاوي ،وابن احلاجب ؛ بتكرر علته ،واحلمك يدور مع علته وجوداً وعدماً .وهذا هو الراحج ،فان من قال المرأأته « :
اذا دخلت ادلار فأأنت طالق » مل تطلق هبذا اللفظ اال مرة ،وان تكرر مهنا ادلخول ،ومل تطلق اال واحدة ،وان نوى أأكرث
من ذكل ؛ لأن املعلق ابلرشط عند وجود الرشط اكملنجز ،وهذه الصيغة ة الصادرة من الرجل المرأأته ال حتمتـل الـعـدد
والتكرار عنـد التنجزي ،فكذكل عنـد التعليـق بـالرشط اذا وجـد عنـد الرشط.12
املقصود من كون الأمر للفور أأن يبادر امللكف المتثال الأمر وتنفيذه دون تأأخري ،مع وجود االماكن ،فان تأأخر عن الأداء
اكن مؤاخذا .واملقصود ابلرتاخ أأنه جيوز للملكف أأن ميتثل الأمر حاال ،وجيوز هل التأأخري اىل وقت أآخر.
13
فان ورد الأمر مقيدا بوقت فيجب الالزتام ابمتثاهل يف ذكل الوقت كصيام رمضان ،وان اكن الوقت موسعا فيصح يف أأوهل
وأأوسطه وأآخره ،واذا ورد الأمر مقيدا جبواز التأأخري فهو عىل الرتاخ ابتفاق ،ولكن اختلف العلامء اذا ورد الأمر غري مقيد
بوقت معني ،فهل يدل عىل الفور أأم عىل الرتاخ؟
اختلفوا عىل ثالثة أأقوال ،وذهب امجلهور اىل أأن الأمر مبجرده ال يقتيض فورا وال تراخيا؛ لأن الأمر نفسه يدل عىل جمرد
طلب الفعل ،ومىت أأىت به امللكف عد ممتثال سواء اكن اتيانه هل فورا أأم مرتاخيا ،وان الفورية والرتاخ تعمل بدليل أآخر أأو
بقرينة ،وليس من الأمر ذاته ،كقوهل تعاىل{ :فاستبقوا اخلريات} [البقرة ،]148 :فهو رصحي يف الفورية واملبادرة اىل فعل اخلري
املطلوب ،أأما الأمر املطلق فقد ورد يف الرشع مع الفور ،وورد مع التأأخري ،ولأن الأمر نفسه يصح تقييده ابلفور وابلرتاخ،
مما يدل عىل أأنه غري دال مبطلقه عىل واحد مهنام ،فيكون الأمر حقيقة يف القدر املشرتك ،وهو طلب االتيان به .
وظهر اختالف بني الفقهاء يف التطبيق ،يف كون الأمر للفور أأو للرتاخ ،حىت يف املذهب الواحد خيتلف احلمك من فرع اىل
أآخر ،والسبب يف احلقيقة يف وجود القرائن والأدةل الأخرى اليت ترحج هذا أأو ذاك.
مفن ذكل قوهل تعاىل{ :وأأمتوا احلج والعمرة هلل} [البقرة ،]196 :فأأداء احلج عىل الفور عند املالكية واحلنابةل ،وعىل الرتاخ
عند احلنفية والشافعية ،وقوهل تعاىل{ :وأآتوا الزاكة} [البقرة ،]43 :فأأداء الزاكة عىل الفور عند املالكية والشافعية واحلنابةل،
وعىل الرتاخ عند احلنفية ،لكن جيب االرساع هبا اذا غلب عىل ظن املزيك أأنه ميوت قبل الأداء ،فيفوت الواجب عليه.13
اتفق العلامء عىل أأن الأمر اذا حصبته قرينة تدل عىل الفور حيمل عىل ذكل ،واذا حصبته قرينة تدل عىل جواز الرتاخ محل عىل ذكل،
واذا حدد هل وقت معني محل عىل ذكل.
واختلفوا يف الأمر اذلي مل تصحبه قرينة تدل عىل فور وال عىل تراخ ،ومل يوقت بوقت معني عالم حيمل؟
فذهب أأكرث احلنابةل واملالكية وبعض احلنفية والشافعية اىل أأنه يدل عىل الفور ،واس تدلوا مبا يل:
- ١قول هللا تعاىل{َ :و َسا ِر معوا ا َىل َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َ بِرِّ م ْمك} [أل معران ،]١٣٣حيث أأمر ابملسارعة اىل املغفرة ،واملقصود أأس باب املغفرة،
ِ
وامتثال أأمر هللا من أأس باب املغفرة وال شك ،واملسارعة تعين :املبادرة يف أأول أأوقات االماكن.
َات} [املائدة ،]٤٨حيث أأمر ابالستباق اىل اخلريات ،واملأأمور به خري فيدخل فامي أأمران ابالستباق اليه، - ٢قوهل تعاىل{ :ف َْاستَ ِب مقوا ا ْلخ َْري ِ
والأمر للوجوب فيكون الاستباق اىل فعهل واجبا.
- ٣قوهل تعاىل ـ البليس ـَ { :ما َمنَ َع َك أَ َّال ت َ ْس مجدَ ا ْذ أَ َم ْرت َمك} [الأعراف ،]١٢حيث ذمه عىل ترك السجود عند سامع الأمر.
ِ
ِ َ ِ ِ ِ َ
وأأجيب بأأن الأمر هنا مقيد بوقت؛ لقوهل تعاىل{ :فَاذا َس َّويْ مت مه َونَفَخ مْت فيه م ْن مر ِ
ويح فَقَ معوا مهل َساجِ د َين} [ص ،]٧٢واذا تفيد
ِ الظرفية ،والفاء يف قوهل :فقعوا ،للتعقيب.
- ٤أأن الأمر لو مل يكن للفور جلاز تأأخريه ،والتأأخري اما أأن يكون اىل أأمد حمدد أأو غري حمدد بوقت ،فان قلمت يؤخر اىل زمن حمدد اكن
التحديد حتكام ال دليل عليه ،وان قلمت يؤخر من غري حتديد بزمن معني أأدى ذكل اىل ترك الفعل ،وهو ممنوع ،فمل يبق اال أأن نقول ان
وقته هو أأول أأوقات المتكن من الفعل.
14
فان قيل جيوز هل أأن يؤخر برشط سالمة العاقبة أأي :برشط أأن يفعل قبل موته ،قلنا :وما يدريه مىت ميوت؟ فاذا اكن التأأخري جائزا فال
يصح أأن يعاقب من أأخر الفعل اىل وقت جيوز تأأخريه اليه مث مات ،اكملصل لو أأخر الصالة عن أأول وقهتا مث مات ال يأأمث اذا اكن عازما
عىل الفعل يف أآخر الوقت.
القول الثاين :أأنه للقدر املشرتك بني الفور والرتاخ وال تعرض فيه لوقت الفعل.
وهو اختيار الرازي والآمدي وابن احلاجب والبيضاوي ،مع اختالفهم يف التعبري عنه .ونسب هذا القول لالمام الشافعي.
وقد يعرب بعض الأصوليني عن هذا القول بعبارة فهيا نظر ،فيقول :قال بعض العلامء« :ان الأمر املطلق للرتاخ» ،وهذا التعبري اذا أأخذ
عىل ظاهره ال يصح وامنا هو من ابب التسامح يف العبارة؛ اذ مل يقل أأحد ان الأمر املطلق جيب الرتيث فيه وعدم املبادرة اىل امتثاهل،
وامنا خالفهم يف أأنه هل جيوز الرتاخ فيه؟ أأما املبادرة فال خيتلفون يف جوازها وفضلها ،ولهذا فال يصح التفريق بني قول الرازي ومن
تبعه ان الأمر للقدر املشرتك بني الفور والرتاخ ،وقول من قال :ان الأمر املطلق حيمل عىل الرتاخ ،اكبن السمعاين واالسفراييين وابن
برهان (، )١ولهذا قال ابن السمعاين« :واعمل أأن قولنا :انه عىل الرتاخ ،ليس معناه أأنه يؤخر عن أأول أأوقات الفعل ،لكن معناه أأنه
ليس عىل التعجيل» .
أأدةل هذا القول:
- ١أأن الزمان اكملاكن ،فالكهام ظرف للفعل املأأمور به ،فكام أأن الأمر ال دالةل فيه عىل ماكن الفعل ابتفاق ،فكذكل ينبغي أأن يقال ال
دالةل فيه عىل زمانه.
- ٢أأن الأمر يرد للفور حينا وجلواز الرتاخ حينا أآخر ،فال بد من جعهل حقيقة يف القدر املشرتك واال لزم اجملاز أأو الاشرتاك ،والكهام
خالف الأصل.
ولو أأردان ايضاح هذا ادلليل أأكرث لقلنا :ان الأمر يرد مرادا به الفور كام يف الأمر ابنقاذ الغريق فانه ال حيمتل التأأخري ،ويرد مرادا به جواز
الرتاخ كام يف الأمر جبهاد الطلب ،ولو قلنا انه للفور لزم أأن يكون اس تعامهل يف غريه جمازا أأو من ابب الاشرتاك اللفظي ،واجملاز
والاشرتاك الكهام خالف الأصل وال يلجأأ اىل محل الالكم علهيام اال عند عدم اماكن محهل عىل احلقيقة ،وهنا ميكن أأن حيمل عىل
احلقيقة فنقول :الأمر جملرد طلب الفعل من غري التفات اىل وقته ،فيكون امللكف مطالبا ابجياده يف أأي وقت ،ويكون حتديد الوقت من
دليل أآخر.
والراحج ـ وهللا أأعمل ـ أأن الأمر املطلق حيمل عىل الفور.
وقول اخملالف :ان الزمان اكملاكن مردود؛ فان الزمان الأول تتعلق به فوائد رمبا ال حتصل يف الزمان الثاين ،فاملبادرة اىل الفعل حيصل هبا
براءة اذلمة واخلروج من العهدة ،والتأأخري رمبا ترتب عليه تفويت الفعل؛ ملا قلناه من أأنه ال دليل عىل حتديد حد معني للتأأخري ،وما
ذكروه من حتديد ال يصح.
وأأما قوهلم :ان الأمر يرد للفور حينا وجلواز الرتاخ حينا اخل .فيجاب بأأن اخلالف يف اخلايل من القرينة ادلاةل عىل التوقيت ،وقد أأمقنا
ادلالةل عىل وجوب املبادرة اليه.
وقد اعرتض الرازي عىل أأدةل القائلني ابلفور ابعرتاض كرره يف كتابه وقال :انه يرد عىل أأكرث أأدلهتم وهو أأهنا تنتقض مبا لو قال الآمر:
افعل يف أأي وقت شئت.
وقد تأأملت هذا الاعرتاض فوجدته ضعيفا؛ حيث مل يوجد يف نصوص الرشع مثال هل وامنا هو افرتاض حمض ،ولكنه قد يقع من الس يد
لعبده ،والس يد ليس مربأأ من التناقض وال من الظمل والاعتداء ،فقد يعاقب عبده من غري أأن يس تحق العقوبة ،مث ان حصول هذا
الأمر من الس يد لعبده ال خيلو عن قرينة تبني احلد الأقىص للتأأخري ،كام أأن العبد ممتكن من سؤال س يده عن ذكل ،وهذا خبالف ما
حنن فيه من الالكم عن أأوامر هللا ورسوهل صىل هللا عليه وسمل.
15
مثرة اخلالف
ينبين عىل هذا اخلالف خالف يف مسائل كثرية ،ومن الفقهاء من اطرد قوهل فهيا مع قوهل يف القاعدة ،ومهنم من مل يطرد قوهل لأدةل
أأخرى أأو قرائن ظهرت هل ،ومن تكل املسائل:
- ١اخراج الزاكة ودفعها اىل مس تحقهيا ،هل جيوز التأأخر فهيا عن رأأس الس نة؟ من قال :ان الأمر عىل الفور قال حيرم التأأخري عن
رأأس احلول ،ومن قال :ال يفيد الفور مل يؤمث املؤخر اذا فعل ولو بعد حني.
- ٢الكفارات والنذور غري املؤقتة بوقت ،هل جيوز تأأخريها عن أأول أأوقات االماكن؟ من قال :ابلفور ،يقول :ال جيوز بل يأأمث ابلتأأخري،
ومن مل يقل به أأجاز التأأخري.
- ٣احلج مع الاس تطاعة هل جيوز تأأخريه؟ ومن الواحض أأن كثريا من الأصوليني تلكم يف املسأأةل الأصولية وهو يراعي مذهب امامه يف
احلج هل جيب عىل الفور؟ فقرر الراحج يف املسأأةل بناء عىل ما عرفه من مذهب امامه يف احلج أأهو عىل الفور أأم ال؟.
واخلالف يف ذكل مشهور يف كتب الفقه ال نطيل بذكره هنا ،وهل أأدةل خاصة فهيا ترصحي ابملبادرة اليه.
- ٤قضاء الفوائت هل جيوز تأأخريها؟
متأأخر؟14. - ٥أأداء النفقات اليت ال تسقط بفوات وقهتا كنفقة الزوجة هل يأأمث بتأأخريها اذا أأداها يف وقت
16
مراجع
أأصول الفقه الاساليم )ادلكتور وهبة الزحيل( دار الفكر •
الوجزي يف أأصول الفقه الاساليم )محمد مصطفى الزحيل( املكتبة الشامةل •
أأصول الفقه اذلي اليسع الفقيه هجهل )عياض السلمي( املكتبة الشامةل •
خالصة أأصول الفقه )محمد حسن هيتو( دار الضياء •
17