You are on page 1of 8

‫أصول الفقه‬

‫مباحث األمر‬
‫‪ -‬تعريف األمر ‪:‬‬
‫قال السرخسي ‪( :‬فأحق ما يبدأ به يف البيان االمر والنهى‪ ،‬الن معظم االبتالء هبما‪ ،‬ومبعرفتهما تتم معرفة‬
‫االحكام‪ ،‬ويتميز احلالل من احلرام ) ‪.‬‬
‫األمر‪ :‬قول يتضمن طلب الفعل على وجه االستعالء‪ ،‬مثل‪ :‬أقيموا الصالة وآتوا الزكاة‪.‬‬
‫فخرج بقولنا‪" :‬قول" ؛ اإلشارة فال تسمى أمراً‪ ،‬وإن أفادت معناه‪.‬‬
‫وخرج بقولنا‪" :‬طلب الفعل" ؛ النهي ألنه طلب ترك‪ ،‬واملراد بالفعل اإلجياد‪ ،‬فيشمل القول املأمور به‪.‬‬
‫وخرج بقولنا‪" :‬على وجه االستعالء" ؛ االلتماس‪ ،‬والدعاء وغريمها مما يستفاد من صيغة األمر بالقرائن‪.‬‬
‫صيغ األمر أربع‪:‬‬
‫اب}‬ ‫ك ِمن الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِ ِإ‬
‫‪ - 1‬فعل األمر‪ ،‬مثل‪{ :‬اتْ ُل َما ُأوح َي لَْي َ َ‬
‫حي على الصالة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اسم فعل األمر‪ ،‬مثل‪ّ :‬‬
‫الرقَاب}‬
‫ب ِّ‬ ‫ِإ ِ َّ ِ‬
‫ض ْر َ‬
‫ين َك َف ُروا فَ َ‬
‫‪ - 3‬املصدر النائب عن فعل األمر‪ ،‬مثل‪{ :‬فَ ذَا لَقيتُ ُم الذ َ‬
‫ِِ ‪1‬‬
‫‪ - 4‬املضارع املقرون بالم األمر‪ ،‬مثل‪{ :‬لِتُْؤ ِمنُوا بِاللَّ ِه َو َر ُسوله}‬
‫‪ – 5‬أن يأيت اخلرب مبعىن األمر ‪ :‬كقوله تعاىل ‪( :‬يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروء ) ‪.‬‬
‫عرف الباجي وابن احلاجب األمر بأنه ‪ :‬اقتضاء فعل غري كف على جهة االستعالء ‪.‬‬
‫‪ -‬يشرتط الباجي وابن احلاجب والقرايف واآلمدي يف األمر االستعالء وهو ‪ :‬أن جيعل اآلمر نفسه يف مرتبة‬
‫أعلى رتبة من غريه ‪ ،‬وإن مل يكن ذلك حاصال باعتبار الواقع ‪.‬‬
‫واجلمهور ال يشرتطون يف األمر علو وال استعالء قال صاحب املراقي ‪:‬‬
‫وليس عند جل االذكياء ‪ ...‬شرط علو فيه واستعالء‬
‫وخالف الباجي بشرط التايل ‪ ...‬وشرط ذاك رأي ذي اعتزال‬
‫أي واشرتاط العلو ‪ -‬وهو كون اآلمر يف نفسه أعلى رتبة ودرجة من املأمور ‪ -‬يف حد األمر مذهب املعتزلة ‪.‬‬
‫‪ -‬واشرتط العلو واالستعالء معا يف حد الـأمر القشريي والقاضي عبد الوهاب ‪.‬‬
‫‪ -‬عرف األسنوي األمر ‪ :‬القول الطالب للفعل ‪.‬‬
‫فاألمر ‪ :‬القول الدال باألمر على طلب الفعل ‪.‬‬

‫‪ 1‬األصول من علم األصول العثيمين‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬األمر إذا استعمل يف الفعل فهو جماز حنو قوله ( وشاورهم يف األمر ) ‪ ،‬وبعض العلماء جعل الفعل يف األمر‬
‫حقيقة ‪.‬‬
‫‪ -‬األمر ‪ :‬اسم ملطلق الصيغة الدالة على الطلب ‪.‬‬

‫‪ -‬هل صيغة األمر حقيقة في الوجوب أو الندب أو لإلباحة ؟‬


‫فيه مذاهب ‪:‬‬
‫‪ – 1‬حقيقة يف الوجوب نقله الرازي عن أكثر الفقهاء ‪ ،‬وهو قول كثري من العلماء ‪.‬‬
‫األدله ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪ :‬قوله تعاىل ‪ ( :‬وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم‬
‫فسجدوا إال إبليس مل يكن من الساجدين قال ما منعك أال تسجد إذ‬
‫أمرتك )‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أن اهلل تعاىل ملا أمر املالئكة بالسجود سارعوا إىل‬
‫ذلك وامتنع إبليس عن السجود فوخبه وذمه ‪ ،‬وأهبطه من اجلنة ؛ إذ‬
‫قوله تعاىل ‪ * :‬ما منعك * استفهام إنكاري قصد به الذم والتوبيخ ‪،‬‬

‫الدليل الثاين ‪ :‬قوله تعاىل ‪ * :‬فليحذر الذين خيالفون عن أمره‬


‫أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم‬
‫األليم‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أن اهلل حذر الذين خيالفون األمر بالفتنة والعذاب‬
‫‪ ،‬وهذا يدل على أن األمر املطلق للوجوب ؛ ألن الوجوب‬
‫‪ :‬ما توعد بالعقاب على تركه مطلقا ‪ ،‬واملخالف هنا قد توعد بالعقاب ؛ ألنه خالف أمر اهلل وأمر رسوله‬
‫وترك امتثاله ‪ ،‬فيكون األمر املطلق يقتضي الوجوب ‪.‬‬

‫الدليل الثالث ‪ :‬قوله تعاىل ‪ ( :‬وإذا قيل هلم اركعوا ال يركعون‬


‫ويل يومئذ للمكذبني *‬
‫وجه الداللة ‪ :‬أن اهلل تعاىل قد ذمهم على تركهم فعل ما قيل هلم‬
‫افعلوه ‪ ،‬وهذا يدل على أن األمر املطلق يقتضي الوجوب ؛ ألنه هو‬
‫الذي يذم على تركه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫واعرتض عليه بوجهني‬
‫أحدمها أنا ال نسلم أن الذم على ترك مقتضى األمر بل على تكذيب الرسل ويؤيده قوله ويل يومئذ‬
‫للمكذبني ‪.‬‬
‫أجاب عنه بأن الظاهر أن الذم على ترك مقتضى األمر ان رتب الذم على الرتك والرتتيب يشعر بالعلية ‪.‬‬
‫الوجه الثاين ‪ :‬سلمنا ان الذم على الرتك لكن فعل األمر اقرتنت به قرينة تقتضي إجيابه ‪.‬‬
‫أجاب عنه بأنه رتب الذم على جمرد ترك املأمور به وما ادعيتم من القرينة األصل عدمه ‪.‬‬
‫الدليل الرابع ‪ :‬أن تارك األمر خمالف له كما أن اآليت به موافق واملخالف على صدد العذاب لقوله تعاىل‪:‬‬
‫صيبهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يم}‪.‬‬ ‫ين خُيَال ُفو َن َع ْن َْأم ِر ِه َأ ْن تُص َيب ُه ْم فْتنَةٌ َْأو يُ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫اب َأل ٌ‬ ‫{ َف ْليَ ْح َذر الذ َ‬

‫الدليل اخلامس ‪ :‬قوله ﷺ ‪ « :‬لوال أن أشق على أميت ألمرهتم‬


‫«بالسواك عند كل صالة »‬
‫وجه الداللة ‪ :‬قال الزرقاين يف شرحه على موطأ مالك ‪( :‬وفيه دليل على أن األمر للوجوب من وجهني أحدمها‬
‫أنه نفي األمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب ملا جاز النفي‬
‫ثانيهما أنه جعل األمر للمشقة عليهم وإمنا يتحقق إذا كان للوجوب إذ الندب ال مشقة فيه ألنه جائز الرتك )‬
‫ت َْأم ِري} َ‬
‫{و َي ْف َعلُو َن َما يُْؤ َمُرو َن} والعاصي‬ ‫الدليل السادس ‪ :‬أن تارك املأمور به عاص لقوله تعاىل‪َ{ :‬أَف َع َ‬
‫صْي َ‬
‫ين فِ َيها َأبَ ًدا} فكل عاص يستحق‬ ‫ص اللَّه ورسولَه فَِإ َّن لَه نَار جهن ِ ِ‬
‫َّم َخالد َ‬
‫ُ َ ََ َ‬ ‫{و َم ْن َي ْع ِ َ َ َ ُ ُ‬
‫يستحق النار لقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫العقاب فتارك املأمور به يستحق العقاب وال معىن للوجوب إال ذلك ‪.‬‬
‫الدليل السابع ‪ :‬إمجاع الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬على أن‬
‫األمر يقتضي الوجوب ؛ حيث إهنم كانوا يسمعون األمر من الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬فيحملونه على الوجوب ‪ ،‬وهلذا مل يرد عنهم أهنم سألوا‬
‫النيب ﷺ عن املراد هبذا األمر ‪ ،‬بل كانوا حيملون‬
‫األوامر على الوجوب إال إذا اقرتن به قرينة تصرفه عن الوجوب ‪ ،‬ومل ينكر‬
‫بعضهم على بعض يف ذلك ‪ ،‬فكان إمجاعاً ‪.‬‬

‫‪ – 2‬األمر للندب ‪ ،‬وهو مذهب بعض الشافعية وكثري من املعتزلة منهم أبو هاشم ‪.‬‬
‫‪ 1‬قال البيضاوي يف املنهاج ‪" :‬احتج أبو هاشم بأن الفارق بني األمر والسؤال هو الرتبة والسؤال للندب‪،‬‬
‫فكذلك األمر "‬

‫‪3‬‬
‫ومعىن كالمه ‪ :‬أن أهل اللغة قالوا‪ :‬ال فارق بني السؤال واألمر إال يف الرتبة فقط أي‪ :‬إن رتبة األمر أعلى من‬
‫رتبة السائل‪ ،‬والسؤال إمنا يدل على الندب فكذلك األمر ‪.‬‬
‫وجوابه ‪ :‬أن السؤال يدل على اإلجياب أيضا؛ ألن أهل اللغة وضعوا افعل لطلب الفعل مع املنع مع الرتك عند‬
‫من يقول‪ :‬األمر لإلجياب‪ ،‬وقد استعملها السائل لكنه ال يلزم منه الوجوب‪ ,‬إذ الوجوب ال يثبت إال بالشرع‬
‫فلذلك ال يلزم املسئول القبول من السائل‪.‬‬
‫الصال َة} ويف الندب كقوله‪:‬‬
‫يموا َّ‬ ‫‪ 2‬أن الصيغة – صيغة األمر ‪ -‬قد استعملت يف الوجوب كقوله تعاىل‪ِ :‬‬
‫{وَأق ُ‬
‫َ‬
‫لكل لزم االشرتاك ‪ ،‬أو ألحدمها فقط فيلزم اجملاز‪ ،‬فتكون حقيقة يف القدر‬‫وه ْم} فإن كانت موضوعة ٍ‬ ‫ِ‬
‫{فَ َكاتبُ ُ‬
‫املشرتك وهو طلب الفعل دفعا لالشرتاك واجملاز‪.‬‬

‫‪ 3‬هناك من توقف يف املسألة ‪ ،‬وهو مذهب الباقالين والغزايل وصححه اآلمدي ‪.‬‬
‫قال الغزايل ‪( :‬وقد ذهب ذاهبون إىل أن وضعه للوجوب وقال قوم هو للندب وقال قوم يتوقف فيه مث منهم‬
‫من قال هو مشرتك كلفظ العني ومنهم من قال ال ندري أيضا أنه مشرتك أو وضع ألحدمها واستعمل يف الثاين‬
‫جمازا واملختار أنه متوقف فيه والدليل القاطع فيه أن كونه موضوعا لواحد من األقسام ال خيلو إما أن يعرف عن‬
‫عقل أو نقل ونظر العقل إما ضروري أو نظري وال جمال للعقل يف اللغات والنقل إما متواتر أو آحاد وال حجة‬
‫يف اآلحاد والتواتر يف النقل ال يعدو أربعة أقسام فإنه إما أن ينقل عن أهل اللغة عند وضعهم أهنم صرحوا بأنا‬
‫وضعناه لكذا أو أقروا به بعد الوضع وإما أن ينقل عن الشارع األخبار عن أهل اللغة بذلك أو تصديق من‬
‫ادعى ذلك وإما أن ينقل عن أهل اإلمجاع وإما أن يذكر بني يدي مجاعة ميتنع عليهم السكوت على الباطل‬
‫فهذه الوجوه األربعة هي وجوه تصحيح النقل ودعوى شيء من ذلك يف قوله إفعل أو يف قوله أمرتك بكذا أو‬
‫قول الصحايب أمرنا بكذا ال ميكن فوجب التوقف فيه وكذلك قصر داللة األمر على الفور أو الرتاخي وعلى‬
‫التكرار أو االحتاد يعرف مبثل هذه الطريق )‬

‫‪ 4‬هناك من قال أن األمر إذا جترد عن القرائن لإلباحة ‪ ،‬وهو مذهب بعض الشافعية ‪.‬‬
‫دليلهم ‪ :‬أن الوجوب والندب واإلباحة مشرتكة يف معىن واحد وهو جواز اإلقدام على الفعل ‪ ،‬فيجب محله‬
‫على اإلباحة ‪ ،‬ألهنا درجة متيقنة ‪ ،‬خبالف الوجوب والندب فإنه مشكوك فيهما ‪ ،‬وعلى هذا يكون األمر‬
‫املطلق يقتضي اإلباحة ‪.‬‬
‫‪ 5‬أن األمر مشرتك بني الوجوب والندب اشرتا ًكا لفظيًّا‪ ،‬وهو قول الشافعي يف رواية عنه‪ ،‬ألن األصل يف‬
‫الكالم احلقيقة وعدم اجملاز ‪ ،‬فيجب محله على احلقيقة يف كل واحد من الثالثة ‪ ،‬فيكون لفظا مشرتكا ‪.‬‬
‫‪ 6‬أن األمر مشرتك اشرتا ًكا لفظيًّا بني الوجوب والندب واإلباحة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ 7‬أن األمر موضوع للقدر املشرتك بني الوجوب والندب‪ ،‬وهو الطلب ‪ :‬أي ترجيح الفعل على الرتك‪ ،‬وهو‬
‫منسوب إىل أيب منصور املاتريدي ‪.‬‬
‫‪ 8‬أن األمر مشرتك بني األحكام الشرعية اخلمسة ‪.‬‬
‫املختار ‪ :‬أن األمر للوجوب ما مل تأت قرينة تصرفه عنه ملعىن آخر ‪.‬‬
‫فإذا وجدت قرينة خرج األمر من االختالف ‪ ،‬ومحل على ما دلت عليه القرينة ‪.‬‬

‫‪ -‬هل األمر يقتضي الفور أو التراخي ؟‬


‫‪ 1‬مذهب مجهور املالكية وظاهر مذهب احلنابلة ‪ :‬أن األمر املطلق يقتضي الفور‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫{سابِ ُقوا ِإىَل َم ْغ ِفَر ٍة ِم ْن‬ ‫ِإ ِ ِ‬
‫{و َسا ِرعُوا ىَل َم ْغفَر ٍة م ْن َربِّ ُك ْم } ‪َ ،‬و َق ْولُهُ َعَّز َو َج َّل ‪َ :‬‬ ‫‪َ 1‬ق ْولُهُ ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪َ :‬‬
‫َربِّ ُك ْم } ‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِل ِ ِ هِبِ‬
‫َو ْجهُ ا ْست ْداَل ل َما ‪َ :‬أنَّهُ ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ََأمَر بِالْ ُم َس َار َعة ‪َ ،‬والْ ُم َس َاب َقة ِإىَل الْ َم ْغفَر ِة ‪َ ،‬و ْامتثَال ْ‬
‫اَأْلم ِر َعلَى الْ َف ْو ِر‬
‫وب " ‪َ ،‬ك َما َسبَ َق ; َفيَ ُكو ُن الْ َف ْو ُر‬ ‫اَأْلمر لِْلوج ِ‬ ‫مسارعةً ِإىَل الْم ْغ ِفر ِة ‪َ ،‬أي ‪ِ :‬إىَل سببِها ‪ ،‬و ِهي مْأم هِب‬
‫ور َا ‪َ " ،‬و ْ ُ ُ ُ‬ ‫ََ َ َ َ َ ُ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َََُ‬
‫وب ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َواجبًا ‪َ ،‬و ُه َو الْ َمطْلُ ُ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫َأن الْ َعْب َد ِإ َذا َّ‬
‫اَأْلمَر َعلَى‬ ‫َأن ْ‬ ‫الذ َّم ‪َ ،‬ولَ ْواَل َّ‬‫استَ َح َّق َّ‬‫َأخَر َْأمَر َسيِّده الْ ُمطْلَ ِق ‪َ ،‬ز َمنًا مُيْكنُهُ الْف ْع ُل فيه ‪َ ،‬فلَ ْم َي ْف َع ْل ; ْ‬ ‫‪َّ 2‬‬
‫ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫الْ َف ْو ِر ‪ ،‬لَ َما َكا َن َك َذل َ‬
‫الز َم ُن‬‫اَأْلم ُر فِ ِيه ‪َّ ،‬‬ ‫َأي زم ٍن َكا َن بع َد اَأْلم ِر ‪ ،‬لَ ِك َّن َأوىَل ْ ِ ِ‬
‫اَأْلزمنَة بَِأ ْن مُيْتَثَ َل ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ‬
‫ِ‬ ‫َأن ْ ِإ‬
‫اَأْلمَر َو ْن َْأم َك َن ْامتثَالُهُ ‪ ،‬يِف ِّ َ َ‬ ‫‪َّ 3‬‬
‫اَأْلم ِر ‪ ،‬لَِو ْج َهنْي ِ ‪:‬‬
‫يب ْ‬
‫ِ‬
‫الذي ُه َو َعق ُ‬
‫َّ ِ‬
‫اب َعلَى التَّْأ ِخ ِري ‪.‬‬ ‫َأحو ُط ‪ ،‬اِل ْحتِم ِال الْعِ َق ِ‬
‫َ‬ ‫َأح ُدمُهَا ‪َ :‬أنَّهُ ْ َ‬
‫َ‬
‫َأخَر ‪َ ،‬كا َن خُمَْتلَ ًفا يِف ْامتِثَالِِه ‪.‬‬
‫اع ‪َ ،‬وِإ َذا َّ‬ ‫اَأْلم ِر ‪ ،‬يُ َع ُّد بِِه مُمْتَثِاًل بِاِإْل مْج َ ِ‬
‫يب ْ‬
‫الثَّايِن ‪ِ ِ َّ :‬‬
‫َأن الْف ْع َل َعق َ‬
‫‪ 2‬مذهب أكثر احلنفية والشافعية واملغاربة من املالكية كالباجي ‪ :‬أن األمر املطلق يقتضي الرتاخي‬
‫ص َد َق اللَّهُ َر ُسولَهُ الرُّْؤ يَا بِاحْلَ ِّق لَتَ ْد ُخلُ َّن الْ َم ْس ِج َد احْلََر َام )‬ ‫‪ 1‬قول اهلل تعاىل‪ { :‬لََق ْد َ‬
‫فسأل عمر بن اخلطاب‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬يف ذلك‪ ،‬فقال له فيما قال‪ :‬أفلم تكن ختربنا أنا سنأيت البيت ونطوف‬
‫به؟ قال‪" :‬بلى‪ ،‬أفأخربتك أنك تأتيه عامك هذا" قال‪ :‬ال قال‪" :‬فإنك آتيه ومطوف به"‪.‬‬
‫‪ 3‬أن األمر يدل على طلب الفعل جمردا عن تعلقه بزمان معني ‪ ،‬فيجوز التأخري على وجه ال يفوت املأمور به‪،‬‬
‫وهذا هو الصحيح عند احلنفية‪ ،‬وعزي إىل الشافعي وأصحابه‪ ،‬واختاره الرازي واآلمدي وابن احلاجب‬
‫والبيضاوي ورجحه الشوكاين ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫هل األمر المطلق يفيد التكرار أم ال ؟‬

‫‪ 1‬أن صيغة األمر موضوعة ملطلق الطلب‪ ،‬من غري إشعار بالوحدة والكثرة‪ ،‬وهذا اختاره احلنفية‪ ،‬واآلمدي‪،‬‬
‫وابن احلاجب‪ ،‬واجلويين‪ ،‬والبيضاوي ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬إال أنه ال ميكن حتصيل املأمور به بأقل من مرة فصارت املرة من ضروريات اإلتيان باملأمور به‪ ،‬ال أن‬
‫األمر يدل عليها بذاته‪.‬‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫‪ 1‬إطباق أهل العربية على أن هيئة األمر ال داللة هلا إال على الطلب يف خصوص زمان وخصوص املطلوب من‬
‫قيام وقعود‪ ،‬وغريمها إمنا هو من املادة وال داللة هلا إال على جمرد الفعل فحصل من جمموع اهليئة واملادة أن متام‬
‫مدلول الصيغة هو طلب الفعل فقط والرباءة باخلروج عن عهدة األمر حتصل بفعل املأمور به مرة واحدة لتحقق‬
‫ما هو املطلوب بإدخاله يف الوجود هبا ‪.‬‬
‫‪ 2‬أن مدلول الصيغة طلب حقيقة الفعل‪ ،‬واملرة والتكرار خارجان عن حقيقته فوجب أن حيصل االمتثال به يف‬
‫أيهما وجد وال يتقيد بأحدمها‪.‬‬
‫‪ 3‬أن املرة والتكرار من صفات الفعل‪ ،‬كالقلة والكثرة‪ ،‬و ال داللة للموصوف على الصفة املعينة منهما‪.‬‬

‫‪ 2‬أن صيغة األمر تقتضي املرة الواحدة لفظًا‪ ،‬وعزاه األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييين إىل أكثر الشافعية‪ ،‬وبه‬
‫قال أبو علي اجلبائي وأبو هاشم‪.‬‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫‪ 1‬أن تكرر املطلوب يف النهي عم األزمان ‪ ،‬فوجب التكرار يف األمر ألهنما طلب‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن هذا قياس يف اللغة وقد تقرر بطالنه‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬بالفرق بينهما ألن النهي لطلب الرتك وال يتحقق إال بالرتك‪ ،‬يف كل األوقات واألمر لطلب‬ ‫وأجيب ً‬
‫اإلتيان بالفعل وهو يتحقق بوجوده مرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬أن األمر هني عن أضداده‪ ،‬وهي كل ما ال جيتمع مع املأمور به ومنها تركه‪ ،‬ولو مل يتكرر واكتفى بفعله مرة‬
‫يف وقت واحد مل مينع من أضداده يف سائر األوقات‪.‬‬
‫‪ 3‬أن صيغة األمر تدل على التكرار املستوعب لزمان العمر مع اإلمكان‪ ،‬وبه قال أبو إسحاق الشريازي ‪،‬‬
‫ومجاعة من الفقهاء واملتكلمني‪ ،‬وإمنا قيدوه باإلمكان لتخرج أوقات ضروريات اإلنسان‪.‬‬
‫‪ 4‬أن صيغة األمر تقتضي الـمرة الواحدة ‪ ،‬وحتتمل التكرار وهذا مروي عن الشافعي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ 5‬التوقف ‪ :‬أي ال ندري أوضع للمرة أو للتكرار أو ملطلق األمر ‪ ،‬وبه قال القاضي أبو بكر الباقالين وروي‬
‫عن اجلويين‪.‬‬
‫الراجح ‪ :‬صيغة األمر موضوعة للداللة على مطلق الطلب ‪.‬‬

‫‪ -‬هل األمر بعد الحظر يقتضي اإلباحة أو الوجوب ؟‬

‫‪ 1‬يقتضي اإلباحة‬
‫مذهب كثري من العلماء منهم مالك والشافعي وأمحد ‪ ،‬ورجحه ابن احلاجب ‪.‬‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫‪ 1‬أن السيد إذا منع عبده من فعل شيء مث قال له افعله ‪ ،‬كان املعقول من اخلطاب إسقاط التحرمي دون غريه ‪.‬‬
‫ِِ‬
‫ادوا} َب ْع َد‬ ‫{وِإ َذا َحلَْلتُ ْم فَ ْ‬
‫اصطَ ُ‬ ‫‪ 2‬أن ورود األمر بعد احلظر لإلباحة غالب يف الشرع ‪ ،‬حَنْ َو َق ْوله َعَّز َو َج َّل ‪َ :‬‬
‫ضي ِ‬
‫ِ‬ ‫الصي ِد وَأْنتم حرم} ; َف ُف ِهم ِمْنه ِإباحةُ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ت‬ ‫الصْيد ‪َ ،‬و َق ْولُهُ ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪{ :‬فَِإذَا قُ َ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫َق ْوله ‪َ { :‬غْيَر حُم لِّي َّ ْ َ ُ ْ ُ ُ ٌ‬
‫احةَ ااِل نْتِ َشا ِر َب ْع َد الْ َمْن ِع ِمْنهُ ‪.‬‬ ‫ض} ‪ ،‬ا ْقتَ َ ِإ‬
‫ضى بَ َ‬
‫ِ‬
‫الصَّاَل ةُ فَا ْنتَشُروا يِف ْ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫‪ 3‬أ ورود األمر بعد احلظر لرفع التحرمي فقط ‪ ،‬فيبقى على اإلباحة ‪ ،‬وأما الوجوب والندب فهو زيادة حتتاج‬
‫إىل دليل ‪.‬‬

‫‪ 2‬يقتضي الوجوب ‪ ،‬وهو مذهب متأخري املالكية ‪ ،‬وأكثر احلنفية ‪ ،‬ورجحه الباجي ‪.‬‬
‫األدلة ‪:‬‬
‫‪ 1‬أن لفظ األمر إذا جترد عن القرائن اقتضى الوجوب ‪ ،‬وهذا لفظ األمر متجرد عن القرائن فاقتضى الوجوب‬
‫كاملبتدأ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ال خالف أن النهي بعد اإلباحة يقتضي احلظر ‪ ،‬فكذلك األمر ‪.‬‬

‫‪ 3‬يقتضي رفع احلظر السابق ورجوعه إىل ما كان عليه قبل التحرمي من إباحة أو وجوب ‪ ،‬وهو مذهب اجلويين‬
‫والغزايل ‪ ،‬ورجحه ابن كثري والشنقيطي ‪.‬‬
‫ادوا}‪ ،‬فريجع‬ ‫{وِإ َذا َحلَْلتُ ْم فَ ْ‬
‫اصطَ ُ‬ ‫فالصيد قبل اإلحرام كان جائزاً فمنع لإلحرام‪ ،‬مث أمر به بعد اإلحالل بقوله‪َ :‬‬
‫ملا كان عليه قبل التحرمي‪ ،‬وهو اجلواز ‪.‬‬
‫الدليل ‪ :‬أن االستقراء التام يف القرآن دل على هذا ‪ ،‬أن أوامر الشرع بعد احلظر دلت على رفع احلظر السابق‬
‫ورجوعه إىل ما كان عليه قبل التحرمي من إباحة أو وجوب ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫قال ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ :‬وهذا أمر بعد احلظر‪ ،‬والصحيح الذي يثبت على السرب أنه يرد احلكم إىل ما‬
‫كان عليه قبل النهي‪ ،‬فإن كان واجباً رده‪ ،‬واجباً‪ ،‬وإن كان مستحباً فمستحب‪ ،‬أو مباحاً فمباح‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like