Professional Documents
Culture Documents
مباحث األمر
-تعريف األمر :
قال السرخسي ( :فأحق ما يبدأ به يف البيان االمر والنهى ،الن معظم االبتالء هبما ،ومبعرفتهما تتم معرفة
االحكام ،ويتميز احلالل من احلرام ) .
األمر :قول يتضمن طلب الفعل على وجه االستعالء ،مثل :أقيموا الصالة وآتوا الزكاة.
فخرج بقولنا" :قول" ؛ اإلشارة فال تسمى أمراً ،وإن أفادت معناه.
وخرج بقولنا" :طلب الفعل" ؛ النهي ألنه طلب ترك ،واملراد بالفعل اإلجياد ،فيشمل القول املأمور به.
وخرج بقولنا" :على وجه االستعالء" ؛ االلتماس ،والدعاء وغريمها مما يستفاد من صيغة األمر بالقرائن.
صيغ األمر أربع:
اب} ك ِمن الْ ِكتَ ِ ِ ِإ
- 1فعل األمر ،مثل{ :اتْ ُل َما ُأوح َي لَْي َ َ
حي على الصالة. - 2اسم فعل األمر ،مثلّ :
الرقَاب}
ب ِّ ِإ ِ َّ ِ
ض ْر َ
ين َك َف ُروا فَ َ
- 3املصدر النائب عن فعل األمر ،مثل{ :فَ ذَا لَقيتُ ُم الذ َ
ِِ 1
- 4املضارع املقرون بالم األمر ،مثل{ :لِتُْؤ ِمنُوا بِاللَّ ِه َو َر ُسوله}
– 5أن يأيت اخلرب مبعىن األمر :كقوله تعاىل ( :يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروء ) .
عرف الباجي وابن احلاجب األمر بأنه :اقتضاء فعل غري كف على جهة االستعالء .
-يشرتط الباجي وابن احلاجب والقرايف واآلمدي يف األمر االستعالء وهو :أن جيعل اآلمر نفسه يف مرتبة
أعلى رتبة من غريه ،وإن مل يكن ذلك حاصال باعتبار الواقع .
واجلمهور ال يشرتطون يف األمر علو وال استعالء قال صاحب املراقي :
وليس عند جل االذكياء ...شرط علو فيه واستعالء
وخالف الباجي بشرط التايل ...وشرط ذاك رأي ذي اعتزال
أي واشرتاط العلو -وهو كون اآلمر يف نفسه أعلى رتبة ودرجة من املأمور -يف حد األمر مذهب املعتزلة .
-واشرتط العلو واالستعالء معا يف حد الـأمر القشريي والقاضي عبد الوهاب .
-عرف األسنوي األمر :القول الطالب للفعل .
فاألمر :القول الدال باألمر على طلب الفعل .
1
-األمر إذا استعمل يف الفعل فهو جماز حنو قوله ( وشاورهم يف األمر ) ،وبعض العلماء جعل الفعل يف األمر
حقيقة .
-األمر :اسم ملطلق الصيغة الدالة على الطلب .
– 2األمر للندب ،وهو مذهب بعض الشافعية وكثري من املعتزلة منهم أبو هاشم .
1قال البيضاوي يف املنهاج " :احتج أبو هاشم بأن الفارق بني األمر والسؤال هو الرتبة والسؤال للندب،
فكذلك األمر "
3
ومعىن كالمه :أن أهل اللغة قالوا :ال فارق بني السؤال واألمر إال يف الرتبة فقط أي :إن رتبة األمر أعلى من
رتبة السائل ،والسؤال إمنا يدل على الندب فكذلك األمر .
وجوابه :أن السؤال يدل على اإلجياب أيضا؛ ألن أهل اللغة وضعوا افعل لطلب الفعل مع املنع مع الرتك عند
من يقول :األمر لإلجياب ،وقد استعملها السائل لكنه ال يلزم منه الوجوب ,إذ الوجوب ال يثبت إال بالشرع
فلذلك ال يلزم املسئول القبول من السائل.
الصال َة} ويف الندب كقوله:
يموا َّ 2أن الصيغة – صيغة األمر -قد استعملت يف الوجوب كقوله تعاىلِ :
{وَأق ُ
َ
لكل لزم االشرتاك ،أو ألحدمها فقط فيلزم اجملاز ،فتكون حقيقة يف القدروه ْم} فإن كانت موضوعة ٍ ِ
{فَ َكاتبُ ُ
املشرتك وهو طلب الفعل دفعا لالشرتاك واجملاز.
3هناك من توقف يف املسألة ،وهو مذهب الباقالين والغزايل وصححه اآلمدي .
قال الغزايل ( :وقد ذهب ذاهبون إىل أن وضعه للوجوب وقال قوم هو للندب وقال قوم يتوقف فيه مث منهم
من قال هو مشرتك كلفظ العني ومنهم من قال ال ندري أيضا أنه مشرتك أو وضع ألحدمها واستعمل يف الثاين
جمازا واملختار أنه متوقف فيه والدليل القاطع فيه أن كونه موضوعا لواحد من األقسام ال خيلو إما أن يعرف عن
عقل أو نقل ونظر العقل إما ضروري أو نظري وال جمال للعقل يف اللغات والنقل إما متواتر أو آحاد وال حجة
يف اآلحاد والتواتر يف النقل ال يعدو أربعة أقسام فإنه إما أن ينقل عن أهل اللغة عند وضعهم أهنم صرحوا بأنا
وضعناه لكذا أو أقروا به بعد الوضع وإما أن ينقل عن الشارع األخبار عن أهل اللغة بذلك أو تصديق من
ادعى ذلك وإما أن ينقل عن أهل اإلمجاع وإما أن يذكر بني يدي مجاعة ميتنع عليهم السكوت على الباطل
فهذه الوجوه األربعة هي وجوه تصحيح النقل ودعوى شيء من ذلك يف قوله إفعل أو يف قوله أمرتك بكذا أو
قول الصحايب أمرنا بكذا ال ميكن فوجب التوقف فيه وكذلك قصر داللة األمر على الفور أو الرتاخي وعلى
التكرار أو االحتاد يعرف مبثل هذه الطريق )
4هناك من قال أن األمر إذا جترد عن القرائن لإلباحة ،وهو مذهب بعض الشافعية .
دليلهم :أن الوجوب والندب واإلباحة مشرتكة يف معىن واحد وهو جواز اإلقدام على الفعل ،فيجب محله
على اإلباحة ،ألهنا درجة متيقنة ،خبالف الوجوب والندب فإنه مشكوك فيهما ،وعلى هذا يكون األمر
املطلق يقتضي اإلباحة .
5أن األمر مشرتك بني الوجوب والندب اشرتا ًكا لفظيًّا ،وهو قول الشافعي يف رواية عنه ،ألن األصل يف
الكالم احلقيقة وعدم اجملاز ،فيجب محله على احلقيقة يف كل واحد من الثالثة ،فيكون لفظا مشرتكا .
6أن األمر مشرتك اشرتا ًكا لفظيًّا بني الوجوب والندب واإلباحة.
4
7أن األمر موضوع للقدر املشرتك بني الوجوب والندب ،وهو الطلب :أي ترجيح الفعل على الرتك ،وهو
منسوب إىل أيب منصور املاتريدي .
8أن األمر مشرتك بني األحكام الشرعية اخلمسة .
املختار :أن األمر للوجوب ما مل تأت قرينة تصرفه عنه ملعىن آخر .
فإذا وجدت قرينة خرج األمر من االختالف ،ومحل على ما دلت عليه القرينة .
5
هل األمر المطلق يفيد التكرار أم ال ؟
1أن صيغة األمر موضوعة ملطلق الطلب ،من غري إشعار بالوحدة والكثرة ،وهذا اختاره احلنفية ،واآلمدي،
وابن احلاجب ،واجلويين ،والبيضاوي .
قالوا :إال أنه ال ميكن حتصيل املأمور به بأقل من مرة فصارت املرة من ضروريات اإلتيان باملأمور به ،ال أن
األمر يدل عليها بذاته.
األدلة :
1إطباق أهل العربية على أن هيئة األمر ال داللة هلا إال على الطلب يف خصوص زمان وخصوص املطلوب من
قيام وقعود ،وغريمها إمنا هو من املادة وال داللة هلا إال على جمرد الفعل فحصل من جمموع اهليئة واملادة أن متام
مدلول الصيغة هو طلب الفعل فقط والرباءة باخلروج عن عهدة األمر حتصل بفعل املأمور به مرة واحدة لتحقق
ما هو املطلوب بإدخاله يف الوجود هبا .
2أن مدلول الصيغة طلب حقيقة الفعل ،واملرة والتكرار خارجان عن حقيقته فوجب أن حيصل االمتثال به يف
أيهما وجد وال يتقيد بأحدمها.
3أن املرة والتكرار من صفات الفعل ،كالقلة والكثرة ،و ال داللة للموصوف على الصفة املعينة منهما.
2أن صيغة األمر تقتضي املرة الواحدة لفظًا ،وعزاه األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييين إىل أكثر الشافعية ،وبه
قال أبو علي اجلبائي وأبو هاشم.
األدلة :
1أن تكرر املطلوب يف النهي عم األزمان ،فوجب التكرار يف األمر ألهنما طلب.
وأجيب :بأن هذا قياس يف اللغة وقد تقرر بطالنه.
أيضا :بالفرق بينهما ألن النهي لطلب الرتك وال يتحقق إال بالرتك ،يف كل األوقات واألمر لطلب وأجيب ً
اإلتيان بالفعل وهو يتحقق بوجوده مرة .
2أن األمر هني عن أضداده ،وهي كل ما ال جيتمع مع املأمور به ومنها تركه ،ولو مل يتكرر واكتفى بفعله مرة
يف وقت واحد مل مينع من أضداده يف سائر األوقات.
3أن صيغة األمر تدل على التكرار املستوعب لزمان العمر مع اإلمكان ،وبه قال أبو إسحاق الشريازي ،
ومجاعة من الفقهاء واملتكلمني ،وإمنا قيدوه باإلمكان لتخرج أوقات ضروريات اإلنسان.
4أن صيغة األمر تقتضي الـمرة الواحدة ،وحتتمل التكرار وهذا مروي عن الشافعي.
6
5التوقف :أي ال ندري أوضع للمرة أو للتكرار أو ملطلق األمر ،وبه قال القاضي أبو بكر الباقالين وروي
عن اجلويين.
الراجح :صيغة األمر موضوعة للداللة على مطلق الطلب .
1يقتضي اإلباحة
مذهب كثري من العلماء منهم مالك والشافعي وأمحد ،ورجحه ابن احلاجب .
األدلة :
1أن السيد إذا منع عبده من فعل شيء مث قال له افعله ،كان املعقول من اخلطاب إسقاط التحرمي دون غريه .
ِِ
ادوا} َب ْع َد {وِإ َذا َحلَْلتُ ْم فَ ْ
اصطَ ُ 2أن ورود األمر بعد احلظر لإلباحة غالب يف الشرع ،حَنْ َو َق ْوله َعَّز َو َج َّل َ :
ضي ِ
ِ الصي ِد وَأْنتم حرم} ; َف ُف ِهم ِمْنه ِإباحةُ َّ ِ ِ ِِ
ت الصْيد َ ،و َق ْولُهُ ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل { :فَِإذَا قُ َ َ ُ ََ َق ْوله َ { :غْيَر حُم لِّي َّ ْ َ ُ ْ ُ ُ ٌ
احةَ ااِل نْتِ َشا ِر َب ْع َد الْ َمْن ِع ِمْنهُ . ض} ،ا ْقتَ َ ِإ
ضى بَ َ
ِ
الصَّاَل ةُ فَا ْنتَشُروا يِف ْ
اَأْلر ِ
3أ ورود األمر بعد احلظر لرفع التحرمي فقط ،فيبقى على اإلباحة ،وأما الوجوب والندب فهو زيادة حتتاج
إىل دليل .
2يقتضي الوجوب ،وهو مذهب متأخري املالكية ،وأكثر احلنفية ،ورجحه الباجي .
األدلة :
1أن لفظ األمر إذا جترد عن القرائن اقتضى الوجوب ،وهذا لفظ األمر متجرد عن القرائن فاقتضى الوجوب
كاملبتدأ .
2ال خالف أن النهي بعد اإلباحة يقتضي احلظر ،فكذلك األمر .
3يقتضي رفع احلظر السابق ورجوعه إىل ما كان عليه قبل التحرمي من إباحة أو وجوب ،وهو مذهب اجلويين
والغزايل ،ورجحه ابن كثري والشنقيطي .
ادوا} ،فريجع {وِإ َذا َحلَْلتُ ْم فَ ْ
اصطَ ُ فالصيد قبل اإلحرام كان جائزاً فمنع لإلحرام ،مث أمر به بعد اإلحالل بقولهَ :
ملا كان عليه قبل التحرمي ،وهو اجلواز .
الدليل :أن االستقراء التام يف القرآن دل على هذا ،أن أوامر الشرع بعد احلظر دلت على رفع احلظر السابق
ورجوعه إىل ما كان عليه قبل التحرمي من إباحة أو وجوب .
7
قال ابن كثري يف تفسري هذه اآلية :وهذا أمر بعد احلظر ،والصحيح الذي يثبت على السرب أنه يرد احلكم إىل ما
كان عليه قبل النهي ،فإن كان واجباً رده ،واجباً ،وإن كان مستحباً فمستحب ،أو مباحاً فمباح.
8