Professional Documents
Culture Documents
ليبيا-زليتن
٢٠٢٤التكليفي
باب األول
مقدمة
الحمد هلل ال ذي ن َّز ل الفرق ان على عب ده ليك ون للع المين ن ذيًر ا ،والص الة والس الم على
رسول هللا ،المبعوث رحمة للعالمين ،ال ذي أدى األمان ة ،وبّل غ الرس الة ،وَن َص َح األم ة،
وجاهد في هللا حق جهاده ،وترك أمته على بيضاء نقية ،ليلها كنهاره ا ال يزي ُغ عنه ا إال
هالك.
وبعد:
فقد عشت مع علم أصول الفقه أكثر من أربعين سنة ،فدَر ْسته في الثانوية الشرعية ،وفي
كلية الشريعة وكلية الحقوق بجامعة دمشق ،وفي جامعة القاهرة وجامعة األزهر ،ثم
ومارست كتبه في التأليف والتحقيق ،ولمست أهميته وفائدته النظرية والعملية ،وأحببت
أن أكتب فيه كتاًبا مبسًطا يغطي مباحثه؛ ألن دراسة علم األصول تصقل الذهن ،وتشحذ
العقل ،وتفتح الدماغ ،وتنير الطريق ،وتكِّو ن الملكة الفقهية ،وترشد اإلنسان إلى ينابيع
المعرفة ،ومصادر الخير ،وتضع اليد على الموازين السليمة ،والمعايير الدقيقة،
والضوابط الحكيمة ،إلدراك األحكام الشرعية ،وبيان مدى االلتزام بشرع هللا ودينه
القويم ،ليكون المؤمن على المحَّج ِة البيضاء ،ويقف اإلنسان لمامة على محاسبة نفسه قبل
أن يحاسب.
باب الثاني
البحث
تعريفه
هو خطاب هَّللا تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييًر ا ،وسبق شرح هذا التعريف،
وما يدخل فيه وما يخرج منه مع األمثلة ،واختلف العلماء في تقسيم الحكم التكليفي إلى
األول :اإليجاب :وهو ما طلب الشارع فعله طلًبا جازًم ا ،أو هو طلب الفعل مع المنع من
الترك لترتب العقاب على التارك ،ويكون أثره الوجوب ،والفعل المطلوب هو الواجب،
الثاني :الندب :هو ما طلب الشارع فعله طلًبا غير جازم ،أو هو طلب الفعل مع عدم المنع من
الثالث :اإلباحة :وهو التخيير بين الفعل والترك ،وأثره اإلباحة والفعل المخير بين فعله
وتركه هو المباح
الرابع :الكراهة :وهو ما طلب الشارع تركه طلًبا غير جازم ،أو هو طلب الترك مع عدم
الخامس :التحريم :وهو ما طلب الشارع تركه طلًبا جازًم ا ،أو هو طلب الترك مع المنع عن
الفعل ،لترتب العقاب على الفاعل ،وأثره الحرمة ،والمطلوب تركه والكف عن فعله هو
الحرام
تعريف الواجب
الواجب لغة :من َو َجَب بمعنى ثبت أو سقط أو رجف ،يقال :وجب البيع والحق :ثبت ولزم،
وفي االصطالح :عرفه علماء األصول تعريفات كثيرة ،نختار منها تعريفين ،األول :من
حيث طلب الفعل وعدم الترك ،والثاني :من حيث الثواب والعقاب.
يثبت الواجب بخطاب هَّللا تعالى باالتفاق ،ولكن الشارع الكريم استعمل عدة أساليب ،يدل
- ١فعل األمر ،مثل قوله تعالىَ{ :و َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة} [البقرة ،]١١٠وقوله
تعالىَ{ :فَم ا اْسَتْم َتْع ُتْم ِبِه ِم ْنُهَّن َفآُتوُهَّن ُأُجوَر ُهَّن َفِريَض ًة} [النساء.]٢٤ :
- ٢المصدر النائب عن الفعل ،مثل قوله تعالىَ{ :فِإَذ ا َلِقيُتُم اَّلِذ يَن َك َفُروا َفَض ْر َب
الِّر َقاِب} [محمد ،]٤ :فلفظ ضرب مصدر ناب عن فعل الضرب.
- ٣الفعل المضارع المقترن بالم األمر ،مثل قوله تعالىِ{ :لُيْنِفْق ُذ و َسَعٍة ِم ْن
الزموا أنفسكم ،وقوله -صلى هللا عليه وسلم َ" :-م ْه ،عليكم من األعمال ما تطيقون ،فإن
- ٥التصريح بلفظ األمر ،مثل قوله تعالىِ{ :إَّن َهَّللا َيْأُم ُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإْل ْح َس اِن } [النحل:
،]٩٠وقوله تعالىِ{ :إَّن َهَّللا َيْأُم ُر ُك ْم َأْن ُتَؤ ُّد وا اَأْلَم اَناِت ِإَلى َأْهِلَها} [النساء.]٥٨ :
- ٦أساليب اللغة العربية األخرى التي تستعمل للداللة على الطلب الجازم مجاًز ا ،مثل
قوله تعالىَ{ :يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُك ِتَب َع َلْيُك ُم الِّص َياُم } [البقرة ،]١٨٣ :وقوله تعالىَ{ :و ِهَّلِل
َع َلى الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت} [آل عمران.]٩٧ :
- ٧ترتيب العقوبة من هَّللا على تارك الفعل ،أو التهديد بها أو الوعيد الشديد على تاركه،
سواء كانت العقوبة في الدنيا أو في اآلخرة ،أو في الدنيا واآلخرة ،مثل قوله -صلى هللا
عليه وسلم " :-من وجَد َسَع ًة ولم يضح فال يقرب مسجدنا" ( ،)١فهذا الوعيد ال يكون إال
- ٨التصريح بلفظ وجب ويجب ،وفرض ،مثل قوله -صلى هللا عليه وسلم -عن
فاإليجاب إما أن يكون بفعل األمر أو طلب األمر ،وإما أن يكون بصيغة الطلب التي تدل
على التحتيم ،وإما أن يكون بالعقوبة أو بالتهديد بها على التارك ،ويكون فعل المكلف في
فاإليجاب إما أن يكون بفعل األمر أو طلب األمر ،وإما أن يكون بصيغة الطلب التي تدل
على التحتيم ،وإما أن يكون بالعقوبة أو بالتهديد بها على التارك ،ويكون فعل المكلف في
تعريف المندوب
المندوب أصله المندوب إليه ،وحذف الجار والمجرور تخفيًفا وتسهياًل ،والمندوب في
اللغة :المدعو إليه والمستحب ،والندب :الدعاء إلى أمر مهم ( ،)١ومنه قول الشاعر:
ال يسألون أخاهم حين يندبهم ...في النائبات على ما قال برهانا
وفي االصطالح :نذكر تعريفين له -كما فعلنا في الواجب -أحدهما :يتعلق بالماهية في
دليل الحكم ،والثاني :يتعلق في أثر الخطاب بالمدح والذم أو بالثواب والعقاب.
- ١التعبير الصريح بلفظ يندب أو يسن ،مثل قوله -صلى هللا عليه وسلم -في
- ٢الطلب غير الجازم ،وذلك بأسلوب األمر السابق المقترن بقرينة لفظية تصرف األمر
عن الوجوب إلى الندب ،وقد تكون القرينة قاعدة شرعية عامة ،مثل قوله تعالىَ{ :يا َأُّيَها
اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َتَد اَيْنُتْم ِبَد ْيٍن ِإَلى َأَج ٍل ُمَس ًّم ى َفاْك ُتُبوُه} فلفظ {اكتبوه} أمر يقتضي
الوجوب ،وصرف من الوجوب إلى الندب بقرينة الحقة في اآلية بقوله تعالىَ{ :فِإْن َأِم َن
َبْعُض ُك ْم َبْعًضا َفْلُيَؤ ِّد اَّلِذ ي اْؤ ُتِم َن َأَم اَنَتُه} [البقرة ،]٢٨٣ :فكتابة الَّد ْين مندوب ،ألن الدائن
إن وثق بمدينه فال حاجة لكتابة الدين عليه ،ومثل قوله تعالىَ{ :و اَّلِذ يَن َيْبَتُغ وَن اْلِكَتاَب ِمَّم ا
َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم َفَك اِتُبوُهْم ِإْن َع ِلْم ُتْم ِفيِهْم َخ ْيًرا} [النور ،]٣٣ :فلفظ كاتبوهم أمر بمكاتبة
[تعريف الحرام]
الحرام لغة :الممتنع فعله ،من حرم من بابي قرب وتعب ،وُس ِم ع :أحرمته بمعنى حرمته،
وفي االصطالح نذكر تعريفين له ،أحدهما :بالحد وبيان الماهية ،والثاني :بالرسم وبيان
الصفات
األساليب التي تفيد التحريم في الكتاب الكريم والسنة الشريفة كثيرة ( ،)٣أهمها:
- ١أن يرد الخطاب صريًح ا بلفظ التحريم ،وما يشتق منه ،مثل قوله تعالىُ{ :حِّر َم ْت
َع َلْيُك ْم ُأَّمَهاُتُك ْم } [النساء ،]٢٣ :وقوله تعالىَ{ :و َأَح َّل ُهَّللا اْلَبْيَع َو َح َّر َم الِّر َبا} [البقرة:
،]٢٧٥وقوله تعالىَ{ :و ُحِّر َم َع َلْيُك ْم َص ْيُد اْلَبِّر َم ا ُد ْم ُتْم ُحُر ًم ا} [المائدة ،]٩٦ :وقوله
تعالىُ{ :قْل اَل َأِج ُد ِفي َم ا ُأوِح َي ِإَلَّي ُمَح َّر ًم ا َع َلى َطاِعٍم َيْطَعُم ُه إال َأْن َيُك وَن َم ْيَتًة َأْو َد ًم ا
َم ْس ُفوًح ا} [األنعام ،]١٤٥ :ومثل قوله -صلى هللا عليه وسلم " :-كُّل المسلم على المسلم
َو اَل َتْقَر ُبوا اْلَفَو اِح َش َم ا َظَهَر ِم ْنَها َو َم ا َبَطَن َو اَل َتْقُتُلوا الَّنْفَس }[األنعام ،]١٥١ :وقوله
تعالىَ{ :و اَل َتْقَر ُبوا َم اَل اْلَيِتيِم إال ِباَّلِتي ِهَي َأْح َس ُن } [األنعام ،]١٥٢ :ومن ذلك ما ورد
ْأ
بلفظ النهي مثل قوله تعالىِ{ :إَّن َهَّللا َي ُم ُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإْل ْح َس اِن َو ِإيَتاِء ِذ ي اْلُقْر َبى َو َيْنَهى َع ِن
اْلَفْح َش اِء َو اْلُم ْنَك ِر َو اْلَبْغ ِي } [النحل ،]٩٠ :وهذا القسم أكثر األساليب استعمااًل للداللة على
التحريم.
- ٣طلب اجتناب الفعل ،مثل قوله تعالىَ{ :يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَّنَم ا اْلَخ ْم ُر َو اْلَم ْيِس ُر
َو اَأْلْنَص اُب َو اَأْلْز اَل ُم ِرْج ٌس ِم ْن َع َم ِل الَّش ْيَطاِن َفاْج َتِنُبوُه َلَع َّلُك ْم ُتْفِلُحوَن ([ })٩٠المائدة:
،]٩٠وقوله -صلى هللا عليه وسلم " :-اجتنبوا السبع الموبقات" (.)١
وهذا أمر يفيد وجوب الترك من حيث اللفظ ،ويفيد تحريم الفعل من حيث المعنى.
- ٤استعمال لفظ "ال يحل" ،مثل قوله تعالىَ{ :فِإْن َطَّلَقَها َفاَل َتِح ُّل َلُه ِم ْن َبْعُد َح َّتى َتْنِكَح
َز ْو ًج ا َغْيَرُه} [البقرة ،]٢٣٠ :وقوله تعالىَ{ :يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َيِح ُّل َلُك ْم َأْن َتِرُثوا
الِّنَس اَء َك ْر ًها} [النساء ،]١٩ :وقوله -صلى هللا عليه وسلم " :-ال يحل مال امرئ مسلم إال
- ٥ترتيب العقوبة على الفعِل سواء كانت في الدنيا أم في اآلخرة أم فيهما ،مثل قوله
تعالى {َو اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن اْلُم ْح َص َناِت ُثَّم َلْم َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َهَد اَء َفاْج ِلُد وُهْم َثَم اِنيَن َج ْلَد ًة َو اَل
َتْقَبُلوا َلُهْم َش َهاَد ًة َأَبًدا َو ُأوَلِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن ([ })٤النور]٤ :
[تعريف المكروه]
المكروه لغة :القبيح ،من كره األمر مثل قبح ،وزًنا ومعنى ،وهو ضد المحبوب ،والكريهة
والصفة.
- ١اللفظ الصريح بالكراهة ،وما أشبهها من األلفاظ التي تصرح بعدم االستحسان ،مثل
قوله -صلى هللا عليه وسلم " :-إن هَّللا كره لكم قيل وقال ،وكثرة السؤال ،وإضاعة
المال" ( ،)٣وقوله -صلى هللا عليه وسلم " :-أبغض الحالل إلى هَّللا الطالق" (.)٤
- ٢أن ينهى الشارع عنه نهًيا مقترًنا بما يدل على صرفه إلى الكراهة ،مثل قوله تعالى
في كراهة السؤال عن المباح خشية أن يحرم على المؤمنين{ :اَل َتْس َأُلوا َع ْن َأْش َياَء ِإْن ُتْبَد
َلُك ْم َتُس ْؤ ُك ْم } [المائدة ،]١٠١ :والقرينة التي صرفت النهي عن التحريم إلى الكراهة هي
قوله تعالىَ{ :و ِإْن َتْس َأُلوا َع ْنَها ِح يَن ُيَنَّز ُل اْلُقْر آُن ُتْبَد َلُك ْم َع َفا ُهَّللا َع ْنَها} [المائدة.]١٠١ :
- ٣أن يطلب الشارع اجتنابه وتركه مع القرينة التي تدل على الكراهة دون التحريم ،مثل
قوله تعالى في كراهة البيع وقت النداء لصالة الجمعةَ{ :يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُنوِدَي
ِللَّص اَل ِة ِم ْن َيْو ِم اْلُج ُمَعِة َفاْس َع ْو ا ِإَلى ِذ ْك ِر ِهَّللا َو َذ ُروا اْلَبْيَع } [الجمعة ]٩ :قال الحنفية:
القرينة على صرف الطلب من التحريم إلى الكراهة أن البيع مشروع ومباح في أصله،
[تعريف المباح]
المباح لغة :المأذون والمعلن ،من باح الشيء ظهر ،وأباحه أظهره ،واإلباحة بمعنى
اإلظهار وبمعنى اإلطالق واإلذن ،وأباح لك ماله :أذن في األخذ والترك ،وجعله مطلق
وفي االصطالح نذكر تعريفين للمباح -كما أسلفنا في غيره -صع البيان أن المعنى
- ١النص الصريح على إباحة الفعل أو التخيير فيه ،مثل :افعلوا إن شئتم ،أو اتركوا إن
شئتم ،كقوله -صلى هللا عليه وسلم -في الصوم في السفر" :إن شئت فصم وإن شئت
فأفطر".
- ٢النص على عدم اإلثم على الفعل أو ما في معناه ،كعدم الجناح ونفي الحرج ،قال
تعالى في إباحة الخلع على مال بين زوجينَ{ :فِإْن ِخ ْفُتْم َأاَّل ُيِقيَم ا ُح ُد وَد ِهَّللا َفاَل ُج َناَح
َع َلْيِهَم ا ِفيَم ا اْفَتَد ْت ِبِه} [البقرة ،]٢٢٩ :وقال تعالى في إباحة التعريض بالخطبة للمتوفى
عنها زوجها في أثناء العدةَ{ :و اَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِفيَم ا َع َّرْض ُتْم ِبِه ِم ْن ِخ ْطَبِة الِّنَس اِء } [البقرة:
،]٢٣٥وقال تعالى في إباحة ترك الجهاد على األعمى وإباحة األكل من بيت المرء وبيت
أبيه وأمهَ{ :لْيَس َع َلى اَأْلْع َم ى َحَر ٌج َو اَل َع َلى اَأْلْع َر ِج َح َر ٌج َو اَل َع َلى اْلَم ِريِض َح َر ٌج َو اَل
َع َلى َأْنُفِس ُك ْم َأْن َتْأُك ُلوا ِم ْن ُبُيوِتُك ْم َأْو ُبُيوِت آَباِئُك ْم َأْو ُبُيوِت ُأَّمَهاِتُك ْم } [النور.]٦١ :
- ٣األمر بالفعل مع القرينة الدالة على أن األمر لإلباحة وليس للوجوب أو الندب ،مثل
قوله تعالىَ{ :و ُك ُلوا َو اْش َر ُبوا} [األعراف .]٣١ :وقوله تعالى {َفِإَذ ا ُقِضَيِت الَّص اَل ُة
البد وجود علم الذي يتوصل بها الى استنباط األحكام حتى يكون فهما صحيحا،فهناك نشأ
علم األصول الفقفألول من دون هذا العلم ،هو اإلمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى
سنةٌ 204ها
باب الثالث
الخالصة
قائمة المرجع