You are on page 1of 4

‫احلسبة يف اإلسالم‬

‫مفهومها‪ ،‬أدلتها‪ ،‬حكمها‪ ،‬مكانتها‪ ،‬مع بيان داللة كل دليل‬


‫الفضل واآلجر‬
‫تعريف احلسبة‬
‫يف اللغة‪ :‬هي يف اللغة من العد واحلساب وتأتي مبعنى طلب األجر واملثوبة من اهلل عز وجل‪.‬‬
‫أما يف االصطالح ‪ :‬فقد عرفها مجهور الفقهاء بأنها‪:‬‬
‫والية دينية يقوم ولي األمر ‪ -‬احلاكم ‪ -‬مبقتضاها بتعيني من يتوىل مهمة األمر باملعروف إذا أظهر الناس‬
‫تركه‪ ،‬والنهي عن املنكر إذا أظهر الناس فعله‪ ،‬صيانة للمجتمع من االحنراف‪ ،‬ومحاية للدين من الضياع‪،‬‬
‫وحتقيقا ملصاحل الناس الدينية والدنيوية وفقا لشرع اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أدلة مشروعيتها‪:‬‬
‫مشروعيتها في الكتاب الكريم‪:‬‬
‫دلت نصوص عدة من القرآن الكريم على مشروعية احلسبة ‪ ،‬ونصت على ذلك بشكل واضح وصريح ‪،‬‬
‫ومن تلك النصوص الكرمية‪:‬‬
‫ف َويَنْ َه ْونَ عَنِ الْمُ ْنكَرِ‪.‬‬
‫خيْ ِر َوَي ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ُمةٌ َيدْعُونَ إِلَى الْ َ‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪ :‬وَ ْلتَ ُكنْ مِ ْن ُكمْ أ َّ‬
‫ِاللهِ‬
‫ف وَ َتنْهَ ْونَ َعنِ الْ ُم ْنكَرِ َوتُ ْؤمِنُونَ ب َّ‬
‫ُمةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ َت ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫خيْرَ أ َّ‬
‫‪ -2‬وقوله سبحانه ‪ :‬كُ ْنتُ ْم َ‬
‫ف َوَينْ َهوْنَ َعنِ الْ ُم ْنكَرِ‬
‫ضهُمْ أَوِْليَا ُء بَعْضٍ َي ْأمُرُو َن بِالْمَعْرُو ِ‬
‫‪ -3‬وقوله تعاىل ‪ :‬وَالْ ُمؤْ ِمنُو َن وَالْمُ ْؤ ِمنَاتُ َبعْ ُ‬
‫حكِيمٌ‪.‬‬
‫اللهَ عَزِيزٌ َ‬
‫سيَرْحَ ُمهُمُ اللَّهُ إِنَّ َّ‬
‫الزكَا َة َويُطِيعُونَ اللَّ َه َورَسُولَهُ أُوَلئِكَ َ‬
‫َويُقِيمُونَ الصَّلَا َة وَُي ْؤتُونَ َّ‬
‫الزكَا َة َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُوفِ وََن َهوْا‬
‫‪ -4‬وقوله عز وجل ‪ :‬الَّذِينَ ِإنْ مَكَّنَّا ُهمْ فِي ا ْل َأرْضِ َأقَامُوا الصَّلَا َة وَآ َتوُا َّ‬
‫ِلهِ عَا ِقبَةُ الْ ُأمُورِ‪.‬‬
‫َعنِ الْ ُم ْنكَ ِر وَل َّ‬
‫صبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ ِمنْ‬
‫ف وَانْهَ عَنِ الْمُ ْنكَ ِر وَا ْ‬
‫‪ -5‬وقوله تعاىل ‪ :‬يأبين أَ ِقمِ الصَّلَا َة وَ ْأمُ ْر بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫عَزْمِ ا ْلأُمُورِ‪.‬‬
‫مشروعيتها في السنة المطهرة‪:‬‬
‫جاء عدد من أحاديث املصطفى ‪ ‬تنص بشكل واضح وصريح على مشروعية احلسبة ‪ ،‬وتأمر بالقيام بها‬
‫على أفراد اجملتمع املسلم ‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫قول النيب ‪ ( :‬من رأى منكم منكرا فليغريه بيده ‪ ،‬فإن مل يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن مل يستطع فبقلبه ‪ ،‬وذلك‬
‫أضعف اإلميان )‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬ما من نيب بعثه اهلل يف أمة قبلي إال كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته‬
‫ويقتدون بأمره ثم إنها ختلف من بعدهم خلوف يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال يؤمرون ‪ ،‬فمن‬
‫جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء‬
‫ذلك من اإلميان حبة خردل )‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬إياكم واجللوس يف الطرقات ) فقالوا ‪ :‬ما لنا بد ‪ ،‬إمنا هي جمالسنا نتحدث فيها ‪ ،‬قال ‪ ( :‬فإذا‬
‫أبيتم إال اجملالس فأعطوا الطريق حقها ) قالوا ‪ :‬وما حق الطريق ؟ قال ‪ ( :‬غض البصر ‪ ،‬وكف األذى ‪،‬‬
‫ورد السالم ‪ ،‬وأمر باملعروف ونهي عن املنكر )‬
‫مشروعيتها من اإلجماع‪:‬‬
‫أمجعت األمة اإلسالمية ممثلة بعلماء السلف املعتربين على وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪،‬‬
‫استنادا منهم لنصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ومن أقوال بعض هؤالء العلماء اليت توضح إمجاع األمة على مشروعية احلسبة ووجوبها‪:‬‬
‫قول النووي رمحه اهلل ‪ ( :‬وقد تطابق على وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪ -‬الكتاب والسنة‬
‫وإمجاع األمة ‪ .) . .‬وقال ابن حزم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ( : -‬اتفقت األمة كلها على وجوب األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر بال خالف من أمحد منها ‪.) . . .‬‬
‫وبهذا يتضح أن احلسبة تقوم على أسس وركائز متينة يف اإلسالم هي كتاب اهلل وسنة رسوله صلى اهلل‬
‫عليه وسلم وإمجاع األمة ‪ ،‬وهذا كله مما يؤكد على أهميتها وفضلها‬
‫حكمها‪:‬‬

‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر واجب على كل مسلم قادر‪ ،‬وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي‬
‫سقط اإلثم عن الباقني‪ ،‬ويكون فرض عني على القادر إذا مل يقم به غريه‪ ،‬ومناط الوجوب هو القدرة‪،‬‬
‫فيجب على كل إنسان حبسب قدرته كما قال اهلل تعاىل‪ ( :‬فاتقوا اهلل ما استطعتم ) والقدرة والسلطان‬
‫والوالية‪ ،‬فذووا السلطان أقدر من غريهم؛ فعليهم من الوجوب ما ليس عل غريهم‪ ،‬والقرآن قد دل‬
‫على أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر ال جيب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية كما قال تعاىل‪:‬‬
‫( ولتكن منكم أمة يدعون اىل اخلري ويأمرون باملعروف وينهون عن املنكر) واجلهاد من متام األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فإذا مل يقم به أحد أثم كل قادر حبسب ما أوتي من قدرة‪ ،‬كما قال صلى اهلل‬

‫‪2‬‬
‫ستَطِ ْع َفبِلَسَاِنهِ‪َ ،‬فإِنْ َلمْ يَسْتَطِعْ َفبِقَلْبِ ِه وَذَلِكَ‬
‫عليه وسلم ( مَنْ َرأَى مِ ْن ُكمْ مُ ْنكَرًا فَ ْليُ َغيِّرْ ُه بَِيدِهِ‪ ،‬فَِإنْ َلمْ يَ ْ‬
‫أَضْ َعفُ الْإِميَانِ )‬

‫بيات الفضل واالجر‪:‬‬

‫لقد جاءت الشريعة اإلسالمية بتحصيل املصاحل وتكميلها ‪ ،‬وتعطيل املفاسد وتقليلها ‪ ،‬وأنها ترجح خري‬
‫اخلريين ‪ ،‬وتدفع شر الشرين ‪ ،‬وحتصل أعظم املصلحتني بتفويت أدناهما ‪ ،‬وتدفع أعظم املفسدين‬
‫باحتمال أدناهما ‪ .‬وقد أمر اهلل تعاىل عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم يف التزام األصلح فاألصلح واجتناب‬
‫األفسد فاألفسد‪ ،‬وهذا هو األساس األكرب يف التشريع اإلسالمي‪ :‬فإن مدار الشريعة على قوله تعاىل‪:‬‬
‫((فاتقوا اهلل ما استطعتم))‪ ،‬املفسر لقوله تعاىل ‪(( :‬اتقوا اهلل حق تقاته )) وعلى قول النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪( :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)‬
‫وعلى أن الواجب حتصيل املصاحل وتكميلها ‪ ،‬وتعطيل املفاسد وتقليلها ‪ ،‬فإذا تعارضت كان حتصيل‬
‫أعظم املصلحتني بتفويت أدناهما ‪ ،‬ودفع أعظم املفسدين مع احتمال أدناهما هو املشروع ‪ .‬ثم إن مقصد‬
‫الواليات الشرعية من خالفه وقضاء وحسبة وغريها‪:‬‬
‫أن يكون الدين كله هلل ‪ ،‬وأن تكون كلمة اهلل هي العليا ‪ ،‬فوالية احلسبة إمنا جعلت إلصالح دين اخللق‬
‫الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبيناُ ‪ ،‬ومل ينفعهم ما نعموا به يف الدنيا ‪ ،‬وإلصالح ما ال يقوم الدين إال‬
‫به من أمر دينهم‪.‬‬
‫والشريعة إمنا جاءت بأحكام حتفظ على الناس الكليات اخلمس أو املصاحل العليا اخلمس وهى ‪ :‬الدين‬
‫والنفس والعقل والنسل واملال‪.‬‬
‫فكل األحكام الشرعية يف هذا اخلصوص إمنا هي أوامر ونواهي للحفاظ على هذه الكليات‪ ،‬واحلسبة إمنا‬
‫تسعى للتحقق من تطبيق هذه األوامر وااللتزام بالنواهي‪.‬‬

‫بيان داللة كل دليل الفضل و اآلجر‬


‫‪ -1‬إقامة حجة اهلل على خلقه‪:‬‬
‫كما قال تعاىل‪ ( :‬رسال مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على اهلل حجة بعد الرسل) وقال تعاىل‪:‬‬
‫(يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبني لكم على فرتة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشري ونذير)‬
‫وقال تعاىل‪ ( :‬وكذلكم جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )‬
‫‪ -2‬خروج اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر من عهدة التكليف واملسئولية‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫كما قال تعالـى يف قصة أصحاب السبت عن الفرقة الناهية أنهم قالوا ملن قال هلم‪( :‬وإذا قالت أمة منهم‬
‫مل تعظون قوما اهلل مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة اىل ربكم )‬
‫وقال تعاىل‪ ( :‬فتول عنهم فما انت مبلوم ) دلت اآلية مبفهومها على أنه لو مل خيرج من العهدة ‪-‬بأمرهم‬
‫ونهيهم‪ -‬لكان ملومًا‪.‬‬
‫اللهِ؟ قَالَ‪ :‬لِلَّ ِه وَ ِلكِتَاِبهِ وَلِرَسُولِهِ‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ( الدِّينُ النَّصِيحةُ ‪-‬ثالثًا‪ ،-‬قُ ْلنَا‪ :‬لِمَنْ يَا َرسُولَ َّ‬
‫ني َوعَامَّتِ ِهمْ ) فمن أمر باملعروف ونهى عن املنكر فقد أدى النصيحة اليت هي الدين‪ ،‬بعد‬
‫وَِلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِ َ‬
‫استقامته هو على ما يأمر به وينهى عنه وامتثاله لذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬رجاء انتفاع املأمور واملنهي بتقوى اهلل تعاىل باجتناب املنهيات وفعل املأمورات‪:‬‬
‫كما قال تعاىل عن الفرقة الناهية يف قصة أصحاب السبت (معذرة اىل ربكم ولعلهم يتقون )‬
‫وقال تعاىل‪( :‬وذكر فإن الذكرى تنفع املؤمنني ) وقال تعاىل يف بيان من ينتفع ( سيذكر من خيشى)‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬احلسبة لشيخ االسالم ابن تيميه‬
‫‪ -2‬القول البني األظهر يف الدعوة إىل اهلل واألمر باملعروف والنهي عن املنكر الشيخ عبد العزيز بن عبد‬
‫اهلل الراجحي‬
‫‪ -3‬نهاية الرتبة يف طلب احلسبة لعبد الرمحن بن نصر بن عبد اهلل الشريازي الشافعي‬

‫‪4‬‬

You might also like