You are on page 1of 612

‫تَألِيفُ‬

‫شيْخِ العَلّمةِ‬
‫فَضَيلةِ ال ّ‬
‫صلَ بِنَ عَبدِ ال َعزِيزِ آل ُمبَارَك‬
‫َفيْ َ‬
‫ت ‪1376‬هـ رَ ِح َمهُ الُ‬

‫الزء الول‬
‫من سورة الفاتة إل سورة النساء آية ‪147‬‬

‫مقدمة الؤلف‬
‫ــ‬
‫الزء الول‬ ‫‪2‬‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫المـد ل الذي أنزل على عبده لكتاب تبيان ًا لكـل شيـء ‪ ،‬وهدى‬
‫ورحة وبشرى للمسلمي ‪ ،‬وفصّله قرآنًا عربيًا لقوم يعلمون ‪.‬‬
‫وربـ‬
‫ّ‬ ‫وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له ربّ السـماوات‬
‫الرض ر بّ العال ي ‪ .‬وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله ال صادق الم ي ‪،‬‬
‫صلّى ال عليه وعلى آله الطاهرين ‪ ،‬وأصحابه الكرمي ‪ ،‬وسلم تسليمًا ‪.‬‬
‫أمّا بعد ‪:‬‬
‫فإن تفسـي القرآن أشرف علوم الديـن ‪ ،‬وقـد صـنف فيـه الئمـة مـا‬
‫يشفي ويكفي ‪ ،‬ما بي متصر ومطول ‪ ،‬ولكن ل بد من تفسيه للناس‬
‫بلسانم ‪ ،‬وتبيي معانيه على قدر أفهامهم ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا أَرْ َس ْلنَا مِن رّ سُولٍ إِل بِلِ سَانِ َق ْومِ هِ ِليَُبيّ نَ َلهُ مْ‬
‫حكِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫َفُيضِلّ اللّ ُه مَن يَشَا ُء َوَيهْدِي مَن يَشَا ُء َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫وأك ثر ما ف هذا الكتاب نقل ته من تف سي ا بن جر ير ‪ ،‬وا بن كث ي ‪،‬‬
‫والبغوي رح هم ال تعال ‪ ،‬ف ما كان بلف ظه عزوته ‪ ،‬وما ت صرفت ف يه ل‬
‫أعزه ‪.‬‬
‫اللهم اعصمنا من القول عليك بل علم ‪ ،‬واهدنا لا اختلف فيه من الق‬
‫بإذنك ‪ ،‬إنك تدي من تشاء إل صراط مستقيم ‪.‬‬
‫قال صاحب ( الفوز ال كبي ف أ صول التف سي ) رح ه ال تعال ‪:‬‬
‫( معا ن القرآن النطو قة ل ترج عن خ سة علوم ‪ :‬علم الحكام ‪ ،‬وعلم‬
‫الخاصــمة والرد على الفرق الضالة ‪ ،‬وعلم التذكيــ بآلء ال ‪ ،‬وعلم‬
‫التذكي بأيام ال ‪ ،‬وعلم التذكي بالوت وما بعده ‪ ،‬فوجود العقائد الباطلة‬
‫‪3‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سـبب لنول آيات لخاصـمة ‪ ،‬ووجود العمال الفاسـدة وجريان الظال‬


‫في ما بين هم سبب لنول آيات الحكام ‪ ،‬وعدم تيقظ هم بآلء ال ‪ ،‬وأيام‬
‫ال ‪ ،‬ووقائع الوت وما بعده سبب لنول آيات التذكي ‪.‬‬
‫قال ب عض العارف ي ‪ :‬إن الناس ل ا حفظوا قوا عد التجو يد شغلوا عن‬
‫الشوع ف التلوة ‪ .‬ولا ساق الفسرون الوجوه البعيدة ف التفسي ‪ ،‬صار‬
‫علم التفسي نادرًا كالعدوم ‪.‬‬
‫ومن الواضع الصعبة ف فن التفسي معرفة الناسخ والنسوخ ‪ ،‬فمعن‬
‫الن سخ ع ند التقدم ي ‪ :‬إزالة ب عض الو صاف من ال ية بآ ية أخرى ‪ ،‬إ ما‬
‫بانتهاء مدة الع مل ‪ ،‬أو ب صرف الكلم عن الع ن التبادر ‪ ،‬أو بيان كون‬
‫قيد من القيود اتفاقيًا ‪ ،‬أو تصيص عام ‪ ،‬أو بيان الفارق بي النصوص ‪،‬‬
‫وما قيس عليه ظاهرًا ‪ ،‬أو إزالة عدة الاهلية أو الشريعة السابقة ‪ ،‬فاتسع‬
‫باب النسـخ عندهـم ‪ ،‬وكثـر جولن العقـل هنالك ‪ ،‬واتسـعت دائرة‬
‫الختلف ‪.‬‬
‫والن سوخ با صطلح التأخر ين عدد قل يل قريبًا من عشر ين آ ية ‪ ،‬و ف‬
‫أكثرها نظر ‪ ،‬ول يتعي النسخ إل ف خس آيات ‪ :‬الول ‪ ،‬قوله تعال ‪:‬‬
‫صّيةُ لِ ْلوَالِ َديْ ِن‬
‫ب عََليْكُ مْ إِذَا َحضَرَ أَ َحدَكُ مُ الْ َموْ تُ إِن تَرَ كَ َخيْرا اْلوَ ِ‬
‫﴿ ُكتِ َ‬
‫ـ َحقّا عَلَى الْ ُمّتقِيَـ ﴾ منسـوخة بقوله تعال ‪:‬‬ ‫وَالقْ َربِيَـ بِالْ َمعْرُوف ِ‬
‫ُمـ ) اليات ‪ .‬الثانيـة ‪ :‬قوله تعال ‪﴿ :‬‬
‫ّهـ فِي َأوْلَدِك ْ‬
‫ُوصـكُمُ الل ُ‬
‫﴿ ي ِي‬
‫حوْ ِل‬
‫صّيةً لَ ْزوَا ِجهِم ّمتَاعا إِلَى الْ َ‬‫وَالّذِي نَ ُيَتوَّفوْ َن مِنكُ ْم َويَذَرُو نَ أَ ْزوَاجا وَ ِ‬
‫ِينـ‬
‫َاجـ ﴾ اليـة منسـوخة عنـد المهور بقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬ ‫غَيْرَ إِخْر ٍ‬
‫سهِنّ أَ ْرَب َعةَ َأ ْشهُ ٍر َوعَشْرا ﴾‬
‫ُيتَوَّفوْ نَ مِنكُ ْم َويَذَرُو نَ أَ ْزوَاجا َيتَ َربّ صْنَ بِأَنفُ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪4‬‬

‫الثال ثة ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن يَكُن مّنكُ ْم عِشْرُو نَ صَابِرُونَ َيغِْلبُواْ ِمَئتَيْ نِ ﴾‬
‫ال ية من سوخة بال ية ال ت بعد ها ‪ ،‬و هي قوله تعال ‪ ﴿ :‬ال نَ َخفّ فَ اللّ هُ‬
‫ضعْفا فَإِن يَكُن مّنكُم مَّئةٌ صَابِ َرٌة َيغِْلبُوْا ِمَئتَيْ ِن َوإِن‬
‫عَنكُ ْم َوعَلِ مَ َأنّ فِيكُ مْ َ‬
‫ف َيغِْلبُواْ أَْلفَيْ ِن بِإِ ْذنِ اللّ ِه وَاللّ ُه مَ َع الصّابِرِينَ ﴾ الرابعة ‪ :‬قوله‬
‫يَكُن مّنكُمْ أَلْ ٌ‬
‫ج وََلوْ‬ ‫ك النّ سَاء مِن َبعْ ُد وَل أَن َتبَدّ َل ِبهِنّ مِ نْ أَ ْزوَا ٍ‬
‫حلّ لَ َ‬ ‫تعال ‪ ﴿ :‬ل يَ ِ‬
‫سُنهُنّ إِل مَا مََل َكتْ يَمِينُكَ ﴾ منسوخة بقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا‬ ‫جبَكَ حُ ْ‬ ‫َأعْ َ‬
‫ت يَمِينُكَ مِمّا‬ ‫الّنِبيّ ِإنّا أَحَْل ْلنَا لَكَ أَ ْزوَاجَكَ اللّاتِي آتَيْتَ أُجُو َرهُنّ َومَا َمَلكَ ْ‬
‫ك َوبَنَاتِ خَالِكَ َوبَنَاتِ خَالَاتِكَ‬ ‫ك َوبَنَاتِ عَمّاتِ َ‬
‫أَفَاء اللّ ُه عََليْكَ َوَبنَاتِ عَمّ َ‬
‫اللّاتِي هَاجَرْ نَ َمعَ كَ ﴾ ال ية ‪ .‬الام سة ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ‬
‫صـدََقةً ﴾ اليـة‬ ‫ُمـ َ‬‫جوَاك ْ‬ ‫َيـ َن ْ‬
‫ْنـ يَد ْ‬ ‫ُمـ الرّسـُولَ َفقَ ّدمُوا بَي َ‬‫آ َمنُوا إِذَا نَا َجيْت ُ‬
‫جوَاكُ مْ‬ ‫ي نَ ْ‬
‫من سوخة بال ية ال ت بعد ها ‪َ ﴿ :‬أَأ ْشفَ ْقتُ مْ أَن ُتقَ ّدمُوا َبيْ َن يَدَ ْ‬
‫ُمـ َفأَقِيمُوا الصـّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَ‬‫ّهـ عََلْيك ْ‬ ‫َابـ الل ُ‬
‫َمـ َت ْفعَلُوا َوت َ‬
‫صـدَقَاتٍ فَإِذْ ل ْ‬ ‫َ‬
‫َوأَطِيعُوا اللّ َه وَرَ سُولَهُ وَاللّ هُ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُو نَ ﴾ ‪ .‬انتهى ملخ صًا مع تقدي‬
‫وتأخي ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والتفق عليه من المس ثلث آيات ‪ :‬آية الوصية ‪ ،‬وآية القتال ‪،‬‬
‫وآية النجوى ‪.‬‬
‫صبْرا َجمِيلً ﴾ ‪ ( :‬قال‬ ‫وقال ا بن جر ير على قوله تعال ‪ ﴿ :‬فَا ْ‬
‫صِبرْ َ‬
‫ابن زيد ‪ :‬ونسخ هذا لا أمر بالهاد ‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬هذا قول ل وجه‬
‫له ؛ لنه ل يزل صابرًا على ما يلقى منهم حت توفاه ال قبل أن يأذن‬
‫ال بربم وبعده ) انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال صاحب الفوز أيضًا ‪ ( :‬و من الوا ضع ال صعبة ‪ :‬معر فة أ سباب‬


‫النول ‪ ،‬والذي يظهـر مـن اسـتقراء كلم الصـحابة والتابعيـ ‪ ،‬أنمـ ل‬
‫يستعملون نزلت ف كذا لحض قصة ف زمنه وهي سبب نزول الية ‪،‬‬
‫بل ربا يذكرون بعض ما صدقت عليه الية ما كان ف زمنه أو بعده‬
‫‪ ،‬ويقولون نزلت ف كذا ‪ ،‬ول يلزم هناك انطباق جيع القيود ؛ بل يكفي‬
‫انطباق أ صل ال كم ف قط ‪ ،‬و قد يقررون حاد ثة تق قت ف تلك اليام‬
‫الباركة ‪ ،‬واستنبط حكمها من آية ‪ ،‬وتلها ف ذلك الباب ‪ ،‬ويقولون‬
‫نزلت ف كذا ‪ ،‬وربا يقولون ف هذه السورة ‪ .‬فأنزل ال قوله كذا فكأنه‬
‫أشار إل أن استنباطه وإلقاؤها ف تلك الساعة باطره البارك أيضًا نوع‬
‫مـن الوحـي ‪ ،‬والنفـث فـ الروع ‪ ،‬فلذلك يكـن أن يقال ‪ :‬فأنزلت ‪.‬‬
‫ويكن أيضًا أن يعب ف هذه الصورة بتكرار النول ) ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪ ( :‬وما ينبغي أن يعلم أن قصص النبياء السابقي ل تذكر ف‬
‫الديـث ‪ ،‬إلّ على سـبيل القلة ‪ ،‬فالقصـص الطويلة العريضـة التـ تكلّف‬
‫الفسـرون روايتهـا كلهـا منقولة عـن علماء أهـل الكتاب إلّ مـا شاء ال‬
‫تعال ‪ ،‬وقد جاء ف صحيح البخاري مرفوعًا ‪ « :‬ل تصدقوا أهل الكتاب‬
‫ول تكذبوهم » ‪ . ) .‬إل أن قال ‪ ( :‬وسبب النول على قسمي ‪:‬‬
‫القسـم الول ‪ :‬أن تقـع حادثـة يظهـر منهـا إيان الؤمنيـ ‪ ،‬ونفاق‬
‫ـ وقـع فـ أ حد ‪ ،‬والحزاب ‪ ،‬أنزل ال تعال مدح هؤلء‬ ‫النافقيـ ‪ ،‬كم ا‬
‫وذم أولئك ؛ ليكون في صلً ب ي الفريق ي ‪ ،‬ورب ا ي قع ف م ثل هذا من‬
‫التعريض بصوصيات الادثة ما يبلغ حد الكثرة ‪ ،‬فيجب أن يذكر شرح‬
‫الادثة بكلم متصر ليتضح سوق الكلم على القارئ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪6‬‬

‫القسم الثان ‪ :‬أن يتم معن الية بعمومها ‪ ،‬ومن غي احتياج إل العلم‬
‫بالادثـة التـ هـي سـبب النول والكـم ؛ لعموم اللفـظ ل لصـوص‬
‫ال سبب ‪ ،‬و قد ذ كر قدماء الف سرين تلك الاد ثة بق صد الحا طة بالثار‬
‫النا سبة لل ية ‪ ،‬أو بق صد بيان ما صدق عل يه العموم ‪ ،‬ول يس ذ كر هذا‬
‫القسم من الضروريات ‪ ،‬وقد تققتُ أن الصحابة والتابعي كثيًا ما كانوا‬
‫يقولون ‪ :‬نزلت الية ف كذا ‪ ،‬وكذا ‪ ،‬وكان غرضهم تصوير ما صدقت‬
‫عليـه اليـة ‪ ،‬وذكـر بعـض الوادث التـ تشملهـا اليـة بعمومهـا سـواء‬
‫تقدمـت القصـة أو تأخرت ‪ ،‬إسـرائيليًا كان ذلك ‪ ،‬أو جاهليًـا ‪ ،‬أو‬
‫إ سلميًا ‪ ،‬ا ستوعبت ج يع قيود ال ية أو بعض ها ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬فعلم من‬
‫هذا التحقيـق أن للجتهاد فـ هذا القسـم مدخلً ‪ ،‬وللقصـص التعددة‬
‫هنالك سعة ‪ ،‬فمن ا ستحضر هذه النكتة يتم كن من حل ما اختلف من‬
‫سبب النول بأدن عناية ) ‪ .‬انتهى ملخصًا وبال التوفيق ‪.‬‬
‫وقال ابـن كثيـ رحهـ ال تعال ‪ ( :‬فإن قال قائل ‪ :‬فمـا أحسـن طرق‬
‫التف سي ؟ فالواب ‪ :‬إن أ صح طر يق ف ذلك أن يف سر القرآن بالقرآن ‪،‬‬
‫فما أجل فما كان فإنه قد بسط ف موضع آخر ‪ ،‬فإن أعياك ذلك فعليك‬
‫بالسنّة ؛ فإنا شارحة للقرآن موضحة له ‪ ،‬بل قد قال المام أبو عبد ال‬
‫ممد بن إدريس الشافعي رحه ال تعال ‪ :‬كل ما حكم به رسول ال‬
‫فهو ما فهمه من القرآن ‪.‬‬
‫حكُ َم َبيْ َن النّا سِ‬ ‫قال ال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا أَنزَلْنَا إَِليْ َ‬
‫ك الْ ِكتَا بَ بِالْحَقّ ِلتَ ْ‬
‫بِمَا أَرَا كَ اللّ ُه وَ َل َتكُن لّلْخَآِئنِيَ خَ صِيما ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا أَنزَْلنَا‬
‫ْمـ‬
‫ِيهـ َوهُدًى وَرَ ْح َمةً ّل َقو ٍ‬
‫ُمـ الّذِي ا ْختََلفُواْ ف ِ‬
‫ّنـ َله ُ‬
‫َابـ إِل ِلُتبَي َ‬
‫ْكـ اْلكِت َ‬
‫عََلي َ‬
‫‪7‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُيؤْ ِمنُونَـ ﴾ ‪ ،‬وقال ‪َ ﴿ :‬وأَنزَلْنَا إِلَيْكَـ الذّكْرَ ِلُتبَيّنَـلِلنّاسِـ مَا نُزّلَ إَِلْيهِم ْـ‬
‫وََلعَّلهُ ْم َيتَ َفكّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬ولذا قال ر سول ال ‪ « :‬إل إ ن أوت يت القرآن‬
‫ومثله معه » ‪ ،‬يعن ‪ :‬السنّة ) ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪ ( :‬والغرض أ نك تطلب تف سي القرآن م نه ‪ ،‬فإن ل تده‬
‫ف من ال سنّة ؛ ك ما قال ر سول ال لعاذ ح ي بع ثه إل الي من ‪ « :‬ف بم‬
‫تكم » ؟ قال ‪ :‬بكتاب ال ‪ .‬قال ‪ « :‬فإن ل تد » ؟ قال ‪ :‬بسنة رسول‬
‫ال ‪ .‬قال ‪ « :‬فإن ل تد » ؟ قال ‪ :‬أجتهد رأيي ‪ .‬فضرب رسول ال‬
‫ف صدره وقال ‪ « :‬ال مد ل الذي و فق ر سولَ ر سولِ ال ل ا ير ضي‬
‫رسول ال » ‪ .‬وهذا الديث ف السند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر‬
‫ف موضعه ‪.‬‬
‫وحينئذٍ إذا ل ند التفسي ف القرآن ‪ ،‬ول ف السنّة رجعنا ف ذلك إل‬
‫أقوال الصحابة ‪ ،‬فإنم أدرى بذلك لا شاهدوا من القرائن والحوال الت‬
‫اختصوا با ‪ ،‬ولا لم من الفهم التام والعلم الصحيح ‪ ،‬والعمل الصال ؛‬
‫لسيما علماءهم وكباءهم ) ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪ ( :‬ف سل إذا ل ت د التف سي ف القرآن ‪ ،‬ول ف ال سنّة ‪ ،‬ول‬
‫وجد ته عن الصـحابة ‪ ،‬فقـد ر جع كثيـ مـن الئ مة ف ذلك إل أقوال‬
‫التابعي ‪ :‬كمجاهد بن جب ‪ ،‬فإنه كان آية ف التفسي ‪ ،‬كما قال ممد‬
‫ا بن إ سحاق ‪ :‬حدث نا أبان بن صال عن ما هد قال ‪ :‬عر ضت ال صحف‬
‫على ابن عباس ثلث عرضات من فاتته إل خاتته ‪ ،‬أوقفه عند كل آية‬
‫منه ‪ ،‬وأسأله عنها ) ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪8‬‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬أنبأنا أبو كريب ‪ :‬أنبأنا طلق بن غنام ‪ ،‬عن عثمان‬
‫الكي ‪ ،‬عن ابن مليكة ‪ ،‬قال ‪ :‬رأيت ماهدًا سأل ابن عباس عن تفسي‬
‫القرآن ومعه الواحة ‪ .‬قال ‪ :‬فيقول له ابن عباس ‪ :‬أكتب ‪ .‬حت سأله عن‬
‫التفسـي كله ‪ .‬ولذا كان سـفيان الثوري يقول ‪ :‬إذا جاءك التفسـي عـن‬
‫ماهـد فحسـبك بـه ‪ .‬وكسـعيد بـن جـبي ‪ ،‬وعكرمـة مول ابـن عباس ‪،‬‬
‫وعطاء بن أب رباح ‪ ،‬والسن البصري ‪ ،‬ومسروق بن الجدع ‪ ،‬وسعيد‬
‫ا بن ال سيب ‪ ،‬وأ ب العال ية ‪ ،‬والرب يع بن أ نس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك بن‬
‫مزاحم ‪ ،‬وغيهم من التابعي ‪ ،‬وتابعيهم ‪ ،‬ومن بعدهم فتذكر أقوالم ف‬
‫الية ‪ ،‬فيقع ف عباراتم تباين ف اللفاظ يسبها من ل علم عنده اختلفًا‬
‫فيحكيها أقوالً ‪ ،‬وليس كذلك ‪ .‬فإن منهم من يعبّر عن الشيء بلزمه أو‬
‫بنظيه ‪ ،‬ومنهم من ينص على الشيء بعينه ‪ ،‬والكل بعن واحد ف أكثر‬
‫الماكن ‪ ،‬فليتفطن اللبيب لذلك ‪ ،‬وال الادي ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال ابـن عباس ‪ :‬التفسـي على أربعـة أوجـه ‪ :‬تفسـي ل يعذر أ حد‬
‫بهالته ‪ ،‬وتفسي تعرفه العرب من كلمها ‪ ،‬وتفسي ل يعلمه إلّ العلماء ‪،‬‬
‫وتفسي ل يعلمه إلّ ال ‪ ،‬من ادعى علمه فهو كاذب ‪.‬‬
‫ت نبيه ‪ :‬ل أبيّن التف سي ف ب عض الوا ضع ؛ ل نه يظ هر للعال من سياق‬
‫اليات وكلم العرب الوجودين ‪ ،‬خصوصًا من نشأ ف بلدهم ‪ ،‬وتول‬
‫في ها ‪ ،‬فإ نه يكاد يف سر القرآن ولو ل ي سمع الثار ﴿ يَكَادُ َزْيتُهَا ُيضِيءُ‬
‫وََلوْ َل ْم تَمْ سَسْ ُه نَارٌ ﴾ ‪ .‬و قد ك نت ف صغري أهاب سؤال العلماء ف‬
‫ب عض ما يش كل عل يّ من القرآن ‪ ،‬فأ سع الكل مة من ب عض العراب ‪،‬‬
‫شرُ َأعْدَاء‬
‫فتزيل عن ما أشكل ‪ ،‬فكنت أسع قول ال تعال ‪َ ﴿ :‬ويَوْمَ يُحْ َ‬
‫‪9‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اللّ هِ إِلَى النّارِ َفهُ ْم يُو َزعُو نَ * َحتّ ى إِذَا مَا جَاؤُوهَا َشهِ َد عََلْيهِ مْ سَ ْم ُعهُ ْم‬
‫ُونـ ﴾ فجاءنـ أعرابـ وأنـا مـع‬ ‫ُمـ بِمَا كَانُوا َيعْمَل َ‬
‫َوأَبْصـَا ُرهُمْ َوجُلُو ُده ْ‬
‫الغلمان ‪ ،‬فقال ل ‪ :‬أين ع مك ؟ قلت له ‪ :‬ما هو ف البيت ‪ .‬فقال ل ‪:‬‬
‫إذا جاء فقل له يقول حود القحطان ‪ :‬إذا ما جاء بي العشاوين جيت ‪.‬‬
‫فعرفت معن الية ‪.‬‬
‫وسعت أعرابيًا يقول ‪ ( :‬طلعت عليّا اليل تتبع الربْع تترا ) ‪ .‬فعرفت‬
‫ُسـَلنَا َتتْرَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يتبـع بعضهـم‬ ‫ْسـْلنَا ر ُ‬‫معنـ قول ال تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَر َ‬
‫بعضًا ‪.‬‬
‫و قد نشأت ‪ -‬ول ال مد ‪ -‬ف أ صل العرب ‪ ،‬و سرت ف بلد هم‬
‫بن جد ‪ ،‬والجاز ‪ ،‬وتا مة ‪ ،‬والي من ‪ ،‬والبحر ين ‪ ،‬و سعت كلم الباد ية‬
‫والاضرة ‪ ،‬وكان بعضهـم ‪ -‬وهـو أبـ ‪ -‬إذا سـع القرآن عرف معناه‬
‫بجرد التلوة ‪.‬‬
‫ضبْحا * فَالْمُو ِريَا تِ قَدْحا *‬ ‫و سع أعرا ب رجلً يقرأ ‪ ﴿ :‬وَاْلعَا ِديَا تِ َ‬
‫صبْحا * َفَأثَرْ نَ بِ هِ َنقْعا * َفوَ سَطْ َن بِ هِ َجمْعا ﴾ فقال العراب ‪:‬‬ ‫فَالْ ُمغِيَا تِ ُ‬
‫اليل اليل ‪.‬‬
‫الصـَلوَاتِ‬ ‫وسـعت أعرابيـة رجلً يقرأ هذه اليـة ‪ ﴿ :‬حَافِظُواْ عَلَى ّ‬
‫ل ِة الْوُ سْطَى وَقُومُواْ لِلّ هِ قَاِنتِيَ ﴾ فقالت ‪ :‬ويش الصلة الوسطى ؟‬ ‫وال صّ َ‬
‫قال ‪ :‬صلة العصر ‪ .‬فقالت ‪ :‬على شان وقتها ضيّق ‪.‬‬
‫وتادل رجلن فيما يفعله الهال عند القبور من دعاء الوتى ‪ ،‬وطلب‬
‫الاجات منهــم ‪ ،‬فقال أحدهاــ ‪ :‬هذا شرك ؛ لن ال تعال يقول ‪:‬‬
‫﴿ َوأَنّ الْمَ سَاجِدَ لِلّ هِ فَل تَ ْدعُوا مَ عَ اللّ هِ أَحَدا ﴾ ‪ ،‬فقال ال خر ‪ :‬ما‬
‫الزء الول‬ ‫‪10‬‬

‫يوز لثلي ومثلك أن يفسر القرآن ‪ .‬فسكت الرجل ‪ ،‬وكان حليمًا وهو‬
‫ف بيت الخر ‪ ،‬فخرجت عليهم جارية جيلة فقال ‪ :‬يا فلن من هذه ؟‬
‫قال ‪ :‬بنت ‪ .‬فقال ‪ :‬لو تزوجتها ‪ .‬فضحك به وقال ‪ :‬أتزوج بنت ! فقال‬
‫الرجل ‪ :‬هل ف ذلك بأس ‪ .‬فقال ‪ :‬ما تسمع قول ال تعال ‪ُ ﴿ :‬ح ّرمَ تْ‬
‫عََليْكُ مْ ُأ ّمهَاُتكُ مْ َوَبنَاتُكُ مْ ﴾ فقال ‪ :‬إ نك تقول ما يوز لثلي ومثلك أن‬
‫يفسر القرآن ‪.‬‬
‫والقصود ‪ :‬أن من كان لسانه عربيًا ‪ ،‬وفطرته مستقيمة ‪ ،‬يعرف معن‬
‫القرآن بجرد سـاعه وكثيًا مـا يسـألن العراب ‪ ،‬وغيهـم عـن مسـائل‬
‫َنـ‬
‫َسـأَلُونَكَ ع ِ‬ ‫غامضـة فـ اليتام ‪ ،‬فأتلوا عليهـم قول ال تعال ‪َ ﴿ :‬وي ْ‬
‫صلَحٌ ّلهُمْ َخيْ ٌر َوإِنْ ُتخَالِطُوهُمْ فَِإ ْخوَاُنكُ ْم وَاللّهُ يَعَْل ُم الْ ُمفْسِدَ‬
‫الَْيتَامَى قُلْ إِ ْ‬
‫مِ َن الْمُ صْلِحِ ﴾ ‪ ،‬فيعرفون الواب بجرد التلوة ‪ ،‬ويقنعون ‪ ،‬فإذا ان ضم‬
‫إل العربية والفطرة السليمة معرفة سية النب كان ذلك نورًا على نور‬
‫‪ ،‬وال الادي والوافق للصواب ‪.‬‬

‫***‬
‫‪11‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فصل‬
‫ف فضائل القرآن‬
‫ت اْلكِتَا بِ الْ ُمبِيِ * ِإنّ ا أَنزَْلنَا هُ ُقرْآنا‬ ‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬الر تِلْ َ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫صصِ بِمَا َأوْ َحْينَا إَِليْكَ‬
‫عَ َرِبيّا ّلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ * نَحْ ُن َنقُصّ عََليْكَ أَحْسَ َن اْلقَ َ‬
‫ت مِن َقبْلِهِ َلمِ َن اْلغَافِلِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫هَـذَا اْلقُرْآ َن َوإِن كُن َ‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وُننَزّ ُل مِ َن اْلقُرْآ ِن مَا هُ َو ِشفَاء وَرَحْ َمةٌ لّلْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَلَ‬
‫يَزِيدُ الظّالِمِيَ إَل خَسَارا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬طه * مَا أَنزَْلنَا عََليْكَ الْقُرْآنَ ِلتَ ْ‬
‫شقَى * إِل تَذْكِ َرةً لّمَن‬
‫َنـ عَلَى‬
‫ت اْلعُلَى * الرّحْم ُ‬ ‫َالسـمَاوَا ِ‬
‫ْضـ و ّ‬ ‫َقـ الَر َ‬ ‫ّنـ خَل َ‬ ‫ل مّم ْ‬ ‫يَخْشَى* تَنِي ً‬
‫ض وَمَا َبْيَنهُمَا وَمَا‬
‫ت وَمَا فِي الَرْ ِ‬ ‫ش ا ْسَتوَى * لَ ُه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬ ‫الْعَرْ ِ‬
‫جهَ ْر بِاْل َقوْلِ فَِإنّ ُه َيعْلَ ُم ال سّ ّر َوأَ ْخفَى * اللّ هُ ل إِلَ هَ إِل‬
‫ت الثّرَى * َوإِن َت ْ‬
‫تَحْ َ‬
‫سنَى ﴾ ‪ .‬وقال عز و جل ‪َ ﴿ :‬لوْ أَنزَلْنَا هَذَا اْلقُرْآ نَ‬
‫ُهوَ لَ ُه الَ سْمَاء الْحُ ْ‬
‫ك ا َل ْمثَا ُل َنضْ ِربُهَا‬
‫شَيةِ اللّ ِه َوتِلْ َ‬
‫عَلَى َجبَلٍ لّ َرَأْيتَ هُ خَاشِعا ّمتَ صَدّعا مّ نْ خَ ْ‬
‫لِلنّاسِ َلعَّلهُ ْم َيَتفَكّرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال جلّ وعل ‪ِ ﴿ :‬إنّ هُ َلقُرْآ نٌ كَ ِريٌ * فِي ِكتَا بٍ ّم ْكنُو نٍ * ل يَمَ سّهُ‬
‫ب الْعَالَ ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫إِلّا الْمُ َطهّرُونَ * تَنِي ٌل مّن رّ ّ‬
‫شعِرّ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬اللّ ُه نَزّلَ أَحْ سَ َن الْ َ‬
‫حدِي ثِ ِكتَابا ّمتَشَابِها ّمثَانِ يَ َتقْ َ‬
‫ش ْونَ َرّبهُ ْم ثُ ّم تَِليُ جُلُو ُدهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ِمنْهُ جُلُو ُد الّذِي َن يَخْ َ‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬حم * تَنِي ٌل مّ نَ الرّ ْحمَ نِ الرّحِي مِ * ِكتَا بٌ فُ صَّلتْ‬
‫آيَاتُ هُ ُقرْآنا عَ َرِبيّا ّل َقوْ مٍ َيعْلَمُو نَ * بَشِيا َونَذِيرا َفأَعْرَ ضَ أَ ْكثَ ُرهُ مْ َفهُ مْ لَا‬
‫يَسْ َمعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪12‬‬

‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬قُل ّلئِ نِ ا ْجتَ َمعَ تِ الِن ُ‬


‫س وَالْجِنّ عَلَى أَن يَ ْأتُوْا بِ ِمثْلِ‬
‫صرّ ْفنَا‬
‫ض َظهِيا * وََلقَدْ َ‬
‫ضهُمْ ِلبَ ْع ٍ‬‫هَـذَا اْلقُرْآنِ َل يَ ْأتُو َن بِ ِمثْلِ ِه وََلوْ كَانَ َب ْع ُ‬
‫لِلنّاسِ فِي هَـذَا اْلقُرْآنِ مِن كُ ّل َمثَلٍ َفأَبَى أَ ْكثَ ُر النّاسِ إِل ُكفُورا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَقُرْآنا فَرَ ْقنَا هُ ِلتَقْ َرأَ ُه عَلَى النّا ِ‬
‫س عَلَى مُكْ ثٍ َونَزّْلنَا هُ‬
‫تَنِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ أَيّ َشيْءٍ أَ ْكبَ ُر َشهَادةً قُلِ اللّ ِه َشهِي ٌد ِبْينِي َوبَْيَنكُ مْ‬
‫َوأُو ِحيَ إَِليّ هَذَا اْلقُرْآنُ لُنذِرَكُم بِهِ َومَن بََلغَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّا نَحْ ُن َنزّْلنَا الذّكْرَ َوإِنّا لَهُ لَحَاِفظُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫س مِ نَ الظُّلمَا تِ‬
‫ج النّا َ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬الَر ِكتَا بٌ أَنزَْلنَا هُ إَِليْ كَ ِلتُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫حمِيدِ ﴾ ‪.‬‬
‫ط اْلعَزِي ِز الْ َ‬
‫إِلَى النّورِ بِِإ ْذنِ َرّبهِمْ إِلَى صِرَا ِ‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِكَ َأوْ َحْينَا إَِليْكَ رُوحا مّنْ َأمْ ِرنَا مَا كُنتَ تَدْرِي‬
‫مَا الْ ِكتَا بُ وَل الْإِيَا ُن وَلَكِن َجعَ ْلنَا ُه نُورا ّنهْدِي بِ ِه مَ ْن نّشَاء مِ ْن ِعبَادِنَا‬
‫ستَقِيمٍ ﴾ ‪.‬‬ ‫ط مّ ْ‬
‫صرَا ٍ‬
‫َوإِنّكَ َلَتهْدِي إِلَى ِ‬
‫وقال تعال ‪ُ ﴿ :‬ق ْل ِبفَضْلِ اللّ ِه َوبِرَ ْح َمتِهِ َفبِذَلِكَ َف ْلَيفْرَحُوْا ُهوَ َخْي ٌر مّمّا‬
‫يَجْ َمعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ـ‬
‫ـتُواْ َلعَّلكُم ْ‬
‫ـ َوأَنص ِ‬
‫ـتَ ِمعُواْ لَه ُ‬
‫ـ فَاس ْ‬ ‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُقرِ َ‬
‫ئ الْقُرْآن ُ‬
‫تُرْ َحمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنْ َأحَ ٌد مّ َن الْمُشْرِ ِكيَ اسْتَجَا َركَ َفأَ ِجرْهُ َحتّى يَسْمَعَ‬
‫ك ِبَأنّهُمْ َق ْو ٌم ل َيعْلَمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫لمَ اللّ ِه ثُمّ َأبِْلغْ ُه َمأْ َمنَهُ ذَلِ َ‬
‫َك َ‬
‫حكَمَا تٌ‬ ‫وقال تعال ‪ُ ﴿ :‬ه َو الّذِ يَ أَنزَلَ عََليْ َ‬
‫ك الْ ِكتَا بَ ِمنْ هُ آيَا تٌ مّ ْ‬
‫ب َوأُ َخ ُر ُمتَشَاِبهَا تٌ َفَأمّ ا الّذِي نَ ف قُلُوِبهِ مْ َزيْ غٌ َفَيّتبِعُو نَ مَا‬
‫هُنّ أُمّ اْلكِتَا ِ‬
‫‪13‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تَشَابَ هَ ِمنْ هُ اْبِتغَاء الْ ِفْتَنةِ وَابِْتغَاء َتأْوِيلِ ِه َومَا َيعْلَ ُم َت ْأوِيلَ هُ إِل اللّ ُه وَالرّا سِخُونَ‬
‫فِي اْلعِلْ ِم َيقُولُونَ آ َمنّا بِهِ كُ ّل مّنْ عِندِ َرّبنَا َومَا يَذّكّرُ إِل ُأوْلُوْا اللْبَابِ ﴾‪.‬‬
‫ْسـنُ إِل‬
‫ِيـ أَح َ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَل تُجَادِلُوا َأهْ َل الْ ِكت ِ‬
‫َابـ إِل بِالّتِي ه َ‬
‫ُمـ َوإِلَهُن َا‬
‫ُمـ وَقُولُوا آ َمنّاـ بِالّذِي أُنزِلَ إَِليْن َا َوأُنزِلَ إَِلْيك ْ‬
‫ِينـ ظَلَمُوا ِمْنه ْ‬ ‫الّذ َ‬
‫َوإَِلهُكُ مْ وَا ِح ٌد َونَحْ نُ لَ ُه مُ سْلِمُونَ * وَكَذَلِ كَ أَنزَْلنَا إَِليْ كَ اْل ِكتَا بَ فَالّذِي نَ‬
‫جحَ ُد بِآيَاِتنَا إِل‬‫ب ُيؤْ ِمنُو َن بِ ِه َومِ ْن َهؤُلَاء مَن ُي ْؤمِ ُن بِ هِ َومَا يَ ْ‬
‫آتَْينَاهُ ُم الْ ِكتَا َ‬
‫ب وَل َتخُطّ ُه ِبيَمِينِ كَ إِذا‬ ‫ت َتتْلُو مِن َقبْلِ ِه مِن ِكتَا ٍ‬ ‫الْكَافِرُو نَ * وَمَا كُن َ‬
‫ب الْ ُمبْطِلُو نَ * بَلْ هُ َو آيَا تٌ َبّينَا تٌ فِي صُدُو ِر الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم َومَا‬ ‫ل ْرتَا َ‬
‫ح ُد بِآيَاِتنَا إِل الظّالِمُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫يَجْ َ‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ أُوحِ يَ إِلَيّ َأنّ هُ ا ْستَمَ َع َنفَ ٌر مّ َن الْجِنّ َفقَالُوا ِإنّاـ‬
‫ِكـ ِب َربّنَا أَحَدا‬
‫ِهـ وَلَن نّشْر َ‬
‫سـِم ْعنَا ُقرْآنا عَجَبا * َيهْدِي إِلَى ال ّرشْدِ فَآ َمنّاـ ب ِ‬
‫َ‬
‫﴾‪.‬‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ صَرَ ْفنَا إَِليْكَ َنفَرا مّ َن الْجِنّ يَ ْ‬
‫ستَ ِمعُو َن اْلقُرْآنَ فَلَمّا‬
‫ض َي وَّلوْا إِلَى َق ْو ِمهِم مّنذِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫َحضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا َفلَمّا ُق ِ‬
‫وقال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ أُوتُواْ اْلعِلْ َم مِن َقبْلِ هِ إِذَا ُيتْلَى عََلْيهِ ْم يَخِرّو نَ‬
‫ِللَذْقَانِ سُجّدا ﴾ ‪.‬‬
‫ْآنـ ل‬
‫ِمـ اْلقُر ُ‬
‫ئ عََلْيه ُ‬
‫ُونـ * َوِإذَا ُقرِ َ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬فَمَا َله ْ‬
‫ُمـ ل ُي ْؤمِن َ‬
‫يَسْجُدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ومِنْهُم مّ ن يَ ْ‬
‫ستَمِعُ إَِليْ كَ َحتّ ى إِذَا َخرَجُوا مِ ْن عِندِ كَ‬
‫قَالُوا ِللّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم مَاذَا قَا َل آنِفا ُأوْلَئِ كَ الّذِي َن طَبَ عَ اللّ ُه عَلَى قُلُوِبهِ مْ‬
‫وَاّتَبعُوا َأهْوَاءهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪14‬‬

‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬أَفَل َيتَ َدبّرُو َن اْلقُرْآنَ َأ ْم عَلَى قُلُوبٍ أَ ْقفَاُلهَا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬كَل بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوِبهِم مّا كَانُوا َيكْ ِ‬
‫سبُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَنْ أَصْ َد ُ‬
‫ق مِنَ اللّهِ حَدِيثا ﴾ ‪.‬‬
‫ـ وَل‬
‫حكُون َ‬
‫ـ * َوَتضْ َ‬
‫جبُون َ‬
‫ـ َتعْ َ‬
‫حدِيث ِ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬أَفَمِن ْ‬
‫ـ هَذَا الْ َ‬
‫َتبْكُونَ * َوأَنتُ ْم سَامِدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا سِ مَن يَ ْ‬
‫شتَرِي َل ْه َو الْحَدِي ثِ ِلُيضِلّ عَن َسبِيلِ‬
‫خذَهَا هُزُوا أُوَلئِ كَ َلهُ ْم عَذَا بٌ ّمهِيٌ * َوإِذَا ُتتْلَى عََليْ ِه‬ ‫اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْ ٍم َويَتّ ِ‬
‫سَتكْبِرا َكأَن لّ ْم يَ سْ َم ْعهَا كَأَنّ فِي أُ ُذَنيْ هِ وَقْرا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَا بٍ‬‫آيَاتُنَا وَلّى مُ ْ‬
‫أَلِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي َن َيتْلُونَ ِكتَابَ اللّ ِه َوأَقَامُوا الصّلَا َة َوأَنفَقُوا مِمّا‬
‫رَزَ ْقنَاهُ مْ سِرّا َوعَلَاِنَيةً َيرْجُو نَ ِتجَا َرةً لّن َتبُورَ * ِلُيوَفَّيهُ مْ أُجُو َرهُ ْم َويَزِي َدهُم‬
‫مّن َفضْلِهِ ِإنّهُ َغفُو ٌر َشكُورٌ ﴾ ‪ ،‬واليات ف البواب كثية ‪.‬‬
‫و عن عثمان ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬خي كم من‬
‫تعلم القرآن وعلمه » ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه قال ‪ :‬خرج رسول ال ونن ف‬
‫صفّة ‪ ،‬فقال ‪ « :‬أيّ كم ي ب أن يغدو كل يوم إل بطحان أو العق يق ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫فيأت بناقتي كوماوين ف غي إث ول قطع رحم » ؟ فقلنا ‪ :‬يا رسول ال‬
‫كلنا نب ذلك ‪ .‬قال ‪ « :‬أفل يغدو أحدكم إل السجد ‪ ،‬فيعلم أو يقرأ‬
‫آيتي من كتاب ال خي له من ناقتي ‪ ،‬وثلث خي له من ثلث ‪ ،‬وأربع‬
‫خي له من أربع ‪ ،‬ومن أعدادهن من البل » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعـن أبـ هريرة رضـي ال عنـه قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬أيبـ‬


‫أحدكم إذا رجع إل أهله أن يد فيه ثلث خَلِفات عظام سان » ؟ قلنا ‪:‬‬
‫ن عم ‪ .‬قال ‪ « :‬فثلث آيات يقرأ ب ن أحد كم ف صلته ‪ ،‬خ ي له من‬
‫ثلث خلفات عظام سان » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعـن عائشـة رضـي ال عنهـا قالت ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬الاهـر‬
‫بالقرآن مع ال سفرة الكرام البرة ‪ ،‬والذي يقرأ القرآن وَيتَعْتَع ف يه ‪ ،‬و هو‬
‫عليه شاق له أجران » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ل حسد‬
‫إل على اثنت ي ر جل آتاه ال القرآن ف هو يقوم به آناء الل يل وآناء النهار ‪،‬‬
‫ورجل آتاه ال ما ًل فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار » متفق عليه ‪.‬‬
‫و عن أ ب مو سى الشعري قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬م ثل الؤ من‬
‫الذي يقرأ القرآن مثل الُترجّة ريها طيب وطعمها طيب ‪ ،‬ومثل الؤمن‬
‫الذي ل يقرأ القرآن م ثل التمرة ل ر يح ل ا وطعم ها حلو ‪ ،‬وم ثل النا فق‬
‫الذي ل يقرأ القرآن كمثـل النظلة ليـس لاـ ريـح وطعمهـا مـر ‪ ،‬ومثـل‬
‫النا فق الذي يقرأ القرآن م ثل الريانة ريها طيب وطعمها مر » ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وعن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إ نّ‬
‫ال يرفع بذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين » رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعن عبد الرحن بن عوف رضي ال عنه قال ‪ ( :‬ثلثة تت العرش‬
‫يوم القيامـة ‪ :‬القرآن ياج العباد له ظهـر وبطـن ‪ ،‬والمانـة ‪ ،‬والرحـم‬
‫الزء الول‬ ‫‪16‬‬

‫تنادي ‪ :‬أل من وصلن وصله ال ومن قطعن قطعه ال ) ‪ .‬رواه [البغوي]‬


‫ف شرح السنّة ‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫يقال ل صاحب القرآن اقرأ وار تق ور تل ك ما ك نت تر تل ف الدن يا فإن‬
‫منلك ع ند آ خر آ ية تقرؤ ها » ‪ .‬رواه أح د ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وأ بو داود ‪،‬‬
‫والنسائي ‪.‬‬
‫وعـن ابـن عباس رضـي ال عنهمـا قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬إن‬
‫الذي ل يس ف جو فه ش يء من القرآن كالب يت الرب » ‪ .‬رواه الترمذي‬
‫والدرامي ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث صحيح ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬يقول الربّ‬
‫تبارك وتعال من شغله القرآن عن ذكري أعطيته أفضل ما أعطي السائلي‬
‫‪ ،‬وفضـل كلم ال على سـائر الكلم كفضـل ال على خلقـه » ‪ .‬رواه‬
‫الترمذي ‪ ،‬والدرامي ‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬ف ( شعب اليان ) ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫هذا حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫وعن ابن م سعود ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬من قرأ‬
‫حرفًا مـن كتاب ال فله بـه حسـنة ‪ ،‬والسـنة بعشـر أمثالاـ ‪ ،‬ل أقول‬
‫﴿ آل ﴾ حرف ‪ ،‬ولكـن ألف حرف ‪ ،‬ولم حرف ‪ ،‬وميـم حرف »‬
‫‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬والدرامي ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‬
‫غريب إسنادًا ‪.‬‬
‫وعـن الارث العور قال ‪ ( :‬مررت فـ السـجد فإذا الناس يوضون‬
‫ف الحاد يث ‪ ،‬فدخلت على عل يّ ر ضي ال ع نه فأ خبته فقال ‪ :‬أو قد‬
‫‪17‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فعلو ها ؟ قلت ‪ :‬ن عم ‪ .‬قال ‪ :‬أ ما إ ن سعت ر سول ال يقول ‪ « :‬أل‬


‫إناـ سـتكون فتنـة » ‪ .‬قلت ‪ :‬مـا الخرج منهـا يـا رسـول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫« كتاب ال ‪ ،‬فيه نبأ ما قبلكم ‪ ،‬وخب ما بعدكم ‪ ،‬وحكم ما بينكم ‪،‬‬
‫هو الفصل ليس بالزل ‪ ،‬من تركه من جبار قصمه ال ‪ ،‬ومن ابتغى الدى‬
‫فـ غيه أضله ال ‪ ،‬وهـو ح بل ال التيـ ‪ ،‬وهـو الذكـر الكيـم ‪ ،‬وهـو‬
‫ال صراط ال ستقيم ‪ ،‬هو الذي ل تز يغ به الهواء ول تلت بس به الل سنة ‪،‬‬
‫ول يش بع م نه العلماء ‪ ،‬ول يلق عن كثرة الرد ‪ ،‬ول تنق ضي عجائ به ‪،‬‬
‫وهو الذي ل تنته الن إذا سعته حت قالوا ‪ِ ﴿ :‬إنّا سَ ِم ْعنَا قُرْآنا عَجَبا *‬
‫َيهْدِي إِلَى ال ّرشْدِ فَآ َمنّ ا بِ هِ ﴾ من قال به صدق ‪ ،‬و من ع مل به ُأ جر ‪،‬‬
‫و من ح كم به عدل ‪ ،‬و من د عا إل يه هدي إل صراط م ستقيم » ‪ .‬رواه‬
‫الدرامي ‪.‬‬
‫و عن معاذ الهن رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬من قرأ‬
‫القرآن وع مل با ف يه ‪ ،‬ألبس والداه تاجًا يوم القيامة ‪ ،‬ضوءه أحسن من‬
‫ضوء الشمس ف بيوت الدنيا ‪ ،‬لو كانت فيكم ‪ .‬فما ظنكم بالذي عمل‬
‫بذا » ؟ ‪ .‬رواه أحد ‪ ،‬وأبو داود ‪.‬‬
‫و عن علي ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬من قرأ القرآن‬
‫فاستظهره ‪ ،‬فأحل حلله وحرم حرامه ‪ ،‬أدخله ال النة وشفّعه ف عشرة‬
‫من أ هل بي ته كل هم قد وج بت له النار » ‪ .‬رواه أح د ‪ ،‬وا بن ما جة ‪،‬‬
‫والدرامي ‪ .‬قوله ‪ :‬فاستظهره ‪ ،‬أي ‪ :‬حفظه عن ظهر قلبه ‪.‬‬
‫وعـن أبـ هريرة رضـي ال عنـه قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬تعلموا‬
‫القرآن واقرؤوه ‪ ،‬فإن م ثل القرآن ل ن تعلم فقرأ وقام به ‪ ،‬كم ثل جراب‬
‫الزء الول‬ ‫‪18‬‬

‫م شو م سكًا تفوح ري ه ف كل مكان ‪ .‬وم ثل من تعل مه فر قد و هو ف‬


‫جوفه ‪ ،‬كمثل جراب أوكى على مسك » ‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪.‬‬
‫وعـن أبـ هريرة رضـي ال عنـه قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬أعربوا‬
‫القرآن وابتغوا غرائبه ‪ ،‬وغرائبه فرائضه وحدوده » ‪.‬‬
‫وعـن عائشـة رضـي ال عنهـا أن النـب قال ‪ « :‬قراءة القرآن فـ‬
‫ال صلة أف ضل من قراءة القرآن ف غ ي ال صلة ‪ ،‬وقراءة القرآن ف غ ي‬
‫الصـلة أفضـل مـن التسـبيح والتكـبي ‪ ،‬والتسـبيح أفضـل مـن الصـدقة ‪،‬‬
‫والصدقة أفضل من الصوم ‪ ،‬والصوم ُجنّة من النار » ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي ال عنه ما قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن هذه‬
‫القلوب تصدأ كما يصدأ الديد إذا أصابه الاء ‪ .‬قيل يا رسول ال ‪ :‬وما‬
‫جلؤهـا ؟ قال ‪ « :‬كثرة ذكـر الوت ‪ ،‬وتلوة القرآن » ‪ .‬روى البيهقـي‬
‫الحاديث الثلثة ف شعب اليان ‪.‬‬
‫و عن ال سن مر سلً أن ال نب قال ‪ « :‬من قرأ ف ليلة مائة آ ية ل‬
‫ياجه القرآن تك الليلة ‪ ،‬ومن قرأ ف ليلة مائت آية كتب له قنوت ليلة ‪،‬‬
‫ومـن قرأ فـ ليلة خسـمائة إل اللف أصـبح وله قنطار مـن الجـر » ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وما القنطار ؟ قال ‪ « :‬اثنا عشر ألفًا » ‪ .‬رواه الدرامي ‪.‬‬
‫وعن أب موسى الشعري رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫تعاهدوا القرآن ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أشد تفصيًا من الِبل ف عقلها‬
‫» ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬بئس ما‬
‫لحدهـم أن يقول نسـيت آيـة كيـت وكيـت ‪ ،‬بـل نُسـّي ‪ .‬واسـتذكروا‬
‫القرآن فإنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن عمر رضي ال عنه أن النب قال ‪ « :‬إنا مثل صاحب القرآن‬
‫كمثـل صـاحب الِبـل العلقـة إن عاهـد عليهـا أمسـكها ‪ ،‬وإن أطلقهـا‬
‫ذهبت » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن جندب بن عبد ال رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫اقرؤوا القرآن ما ائتلف عليه قلوبكم ‪ ،‬فإذا اختلفتم فقوموا عنه » ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وعن قتادة قال ‪ :‬سئل أنس كيف كانت قراءة رسول ال ؟ فقال‬
‫‪ ( :‬كانت مدًا مدًا ) ‪ .‬ث قرأ ‪ ﴿ :‬بِ سْمِ الِ الرّحْم نِ الرّحِي مِ ﴾ يد ببسم‬
‫ال ‪ ،‬ويد بالرحن ‪ ،‬ويد بالرحيم ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬ما أذن ال‬
‫لشيء ما أذن لنب يتغن بالقرآن » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬ما أذن ال لش يء ما أذن ل نب ح سن‬
‫الصوت بالقرآن يهر به » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬ل يس م نا من ل يت غن بالقرآن » ‪.‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬قال ل رسول ال وهو على النب‬
‫‪ « :‬اقرأ عليّ » ‪ .‬قلت ‪ ( :‬آأقرأ عليك وعليك أنزل !؟ ) قال ‪ « :‬إن‬
‫أحب أن أسعه من غيي » ‪ ( .‬فقرأت سورة النساء حت أتيت إل هذه‬
‫الزء الول‬ ‫‪20‬‬

‫ك عَلَى هَ ـؤُلء‬ ‫شهِي ٍد وَ ِجئْنَا بِ َ‬


‫ال ية ‪َ ﴿ :‬فكَيْ فَ إِذَا ِجئْنَا مِن كُ ّل أ ّمةٍ بِ َ‬
‫َشهِيدا ﴾ ) ‪ ،‬قال ‪ « :‬ح سبك الن » ؟ ( فالت فت إل يه فإذا عيناه تذرفان‬
‫) ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال لُبّ بن كعب ‪« :‬‬
‫إن ال أمرني أن أقرأ عليك القرآن » ‪ .‬قال ‪ :‬ال سّان لك ؟ قال ‪« :‬‬
‫ب العال ي ؟ قال ‪ « :‬ن عم » فذر فت‬ ‫ن عم » ‪ .‬قال ‪ :‬و قد ذكرت ع ند ر ّ‬
‫عيناه ‪ .‬و ف روا ية ‪ « :‬إن ال أمر ن أن أقرأ عل يك ‪ ﴿ :‬لَ ْم يَكُ ِن الّذِي نَ‬
‫َكفَرُوا ﴾ » ‪ .‬قال ‪ :‬وسّان ؟ قال ‪ « :‬نعم » ‪ .‬فبكى ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫و عن أ ب سعيد الدري ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬جل ست ف عصابة من‬
‫ضعفاء الهاجر ين ‪ ،‬وإن بعض هم لي ستتر بب عض من العرى ‪ ،‬وقارئ يقرأ‬
‫علي نا إذ جاء ر سول ال ‪ ،‬فقام علي نا ‪ ،‬فلمّا قام ر سول ال سكت‬
‫القارئ ‪ ،‬فسلّم ‪ ،‬ث قال ‪ « :‬ما كنتم تصنعون » ؟ قلنا ‪ :‬كنا نستمع إل‬
‫كتاب ال ‪ .‬فقال ‪ « :‬ال مد ل الذي ج عل من أم ت من أمرت أن أ صب‬
‫نف سي مع هم » ‪ .‬قال ‪ :‬فجلس و سطنا ليعدل بنف سه في نا ‪ ،‬ث قال بيده‬
‫ـر‬‫ـا معشـ‬ ‫ـم له ‪ ،‬فقال ‪ « :‬أبشروا يـ‬ ‫هكذا ‪ ،‬فتحلقوا وبرزت وجوههـ‬
‫صـعاليك الهاجريـن بالنور التام يوم القيامـة ‪ ،‬تدخلون النـة قبـل أغنياء‬
‫الناس بنصف يوم ‪ ،‬وذلك خسمائة عام » ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫وعـن الباء بـن عازب رضـي ال عنـه قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬زينوا‬
‫القرآن بأصواتكم » ‪ .‬رواه أحد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬وابن ماجة ‪ ،‬والدرامي ‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعن سعد بن عبادة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ما من‬
‫امرئ يقرأ القرآن ثـ ينسـاه إل لقـي ال يوم القيامـة أجذم » ‪ .‬رواه أبـو‬
‫داود ‪ ،‬والدرامي ‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما أن رسول ال قال ‪ « :‬ل يفقه‬
‫مـن قرأ القرآن فـ أقـل مـن ثلث » ‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬وأبـو داود ‪،‬‬
‫والدارمي ‪.‬‬
‫«‬ ‫وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫الا هر بالقرآن كالا هر بال صدقة ‪ ،‬وال سر بالقرآن كال سر بال صدقة » ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬وأبـو داود ‪ ،‬والنسـائي ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديـث‬
‫حسن غريب ‪.‬‬
‫وعـن صـهيب رضـي ال عنـه قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬مـا آمـن‬
‫بالقرآن من استحل مارمه » ‪ .‬رواه الترمذي ‪ .‬وقال ‪ :‬هذا حديث ليس‬
‫إسناده بالقوي ‪.‬‬
‫و عن الل يث بن سعد عن ا بن أ ب ملي كة عن يعلى بن ملك ‪ ( :‬أ نه‬
‫سأل أم سلمة عن قراءة النب ‪ ،‬فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا‬
‫) ‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪.‬‬
‫وعن جابر رضي ال عنه قال ‪ ( :‬خرج علينا رسول ال ونن نقرأ‬
‫القرآن ‪ ،‬وفينـا العرابـ والعجمـي ) ‪ ،‬فقال ‪ « :‬اقرؤوا فكـل حسـن ‪،‬‬
‫وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ول يتأجلونه » ‪ .‬رواه‬
‫أبو داود ‪ ،‬والبيهقي ف شعب اليان ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪22‬‬

‫يتعجلونه ‪ :‬أي ‪ :‬يطلبون ثوابه ف الدنيا ‪ ،‬ول يتأجلونه بطلب ال جر‬


‫ف الخرة ؛ بل يؤثرون العاجلة على الجلة ‪.‬‬
‫وعن حذيفة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬اقرءوا القرآن‬
‫بلحون العرب وأصـواتا ‪ ،‬وإياكـم ولون أهـل العشـق ‪ ،‬ولون أهـل‬
‫الكتاب ‪ ،‬وسـيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن تر جع الغناء والنوح ‪ ،‬ل‬
‫ياوز حناجرهـم مفتونـة قلوبمـ وقلوب الذي يعجبهـم شأنمـ » ‪ .‬رواه‬
‫البيهقي ف شعب الِيان ‪ ،‬ورزين ف كتابه ‪.‬‬
‫وعن الباء بن عازب رضي ال عنه قال ‪ :‬سعت رسول ال يقول‬
‫‪ « :‬حسنوا القرآن بأصواتكم ‪ ،‬فإن الصوت السن يزيد القرآن حسنًا »‬
‫‪ .‬رواه الدرامي ‪.‬‬
‫و عن طاووس مر سلً قال ‪ ( :‬سئل ر سول ال ‪ ،‬أي الناس أح سن‬
‫صوتًا للقرآن وأحسن قراءة ؟ قال ‪ « :‬من إذا سعته يقرأ أريت أنه يشى‬
‫ال » ‪ .‬قال طاووس ‪ :‬وكان طلق كذلك ‪ .‬رواه الدرامي ‪.‬‬
‫و عن عبيدة اللي كي ‪ ،‬وكا نت له صحبة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪:‬‬
‫« يا أهل القرآن ل تتوسدوا القرآن ‪ ،‬واتلوه حق تلوته ‪ ،‬وأفشوه وتغنوه‬
‫وتدبروا ما ف يه لعل كم تفلحون ‪ ،‬ول تعجلوا ثوا به فإن له ثوابًا » ‪ .‬رواه‬
‫البيهقي ف شعب الِيان ‪.‬‬
‫و عن ع مر ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬إن هذا القرآن‬
‫أنزل على سبعة أحرف ‪ ،‬فاقرؤوا ما تيسر منه » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن أبّ بن كعب رضي ال عنه ‪ ( :‬أن النب قال له ‪ « :‬يا أُبّ ‪،‬‬
‫أر سل إلّ أن أقرأ القرآن على حرف ‪ ،‬فرددت إل يه أن هوّن على أم ت ‪،‬‬
‫‪23‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فرد إلّ الثانية ‪ :‬اقرأه على حرفي ‪ ،‬فرددت إليه أن هوّن على أمت ‪ ،‬فرد‬
‫إلّ الثالثـة ‪ :‬اقرأه على سـبعة أحرف ‪ ،‬ولك بكـل ردة رددتكهـا مسـألة‬
‫تسألينها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اللهم اغفر لمت ‪ ،‬اللهم اغفر لمت ‪ ،‬وأخرت الثالثة‬
‫ليوم يرغب إلّ اللق كلهم حت إبراهيم عليه السلم » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وع نه قال ‪ ( :‬ل قي ر سول ال جبائ يل فقال ‪ « :‬يا جبائ يل إ ن‬
‫بعثـت إل أمـة أمييـ ‪ ،‬منهـم العجوز والشيـخ الكـبي والغلم والاريـة‬
‫والر جل الذي ل يقرأ كتابًا قـط » ‪ .‬قال ‪ ( :‬يـا م مد ‪ ،‬إن القرآن أنزل‬
‫على سبعة أحرف ) ‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬وف رواية لحد ‪ ،‬وأب داود قال‬
‫‪ ( :‬ليس منها إل شافٍ كافٍ ) ‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصي رضي ال عنه أنه مرّ على قاص يقرأ ث يسأل‬
‫فاسترجع ث قال ‪ :‬سعت رسول ال يقول ‪ « :‬من قرأ القرآن فليسأل‬
‫ال بـه ‪ ،‬فإنـه سـيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسـألون بـه الناس » ‪ .‬رواه‬
‫أحد ‪ ،‬والترمذي ‪.‬‬
‫وعن بريدة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬من قرأ القرآن‬
‫يتأكل به الناس ‪ ،‬جاء يوم القيامة ووجهه عظيم ليس عليه لم » ‪ .‬رواه‬
‫البيهقي ف شعب الِيان ‪.‬‬
‫و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه عن ال نب قال ‪ « :‬من نفّ س عن‬
‫مؤمن كربة من كرب الدنيا ‪ ،‬نفس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ‪،‬‬
‫ومن ي سّر على معسر ي سّر ال عليه ف الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن ستر مسلمًا‬
‫ستره ال ف الدن يا والخرة ‪ ،‬وال ف عون الع بد ما كان الع بد ف عون‬
‫أخيه ‪ ،‬ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سَهل ال لديه طريقًا إل النة ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪24‬‬

‫ومـا اجتمـع قوم فـ بيـت مـن بيوت ال يتلون كتاب ال ويتدارسـونه‬


‫بينهم ‪ ،‬إل نزلت عليهم السكينة ‪ ،‬وغشيتهم الرحة ‪ ،‬وحفتهم اللئكة ‪،‬‬
‫وذكرهم ال فيمن عنده ‪ ،‬ومن بطّأ به عمله ل يسرع به نسبه » ‪ .‬رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وما أحسن ما قاله المي ممد بن إساعيل الصنعان رحه ال تعال ‪:‬‬
‫وقــد وافقتــه ســنة وكتاب‬ ‫فللع مل الِخلص شرط إذا أ تى‬
‫(‬
‫(‬

‫وقـد طبـق الفاق منـه عباب‬ ‫وقد صي عن كل ابتداع وكيف ذا‬


‫(‬

‫(‬

‫إل أن قال ‪:‬‬


‫سوى عزلة في ها الل يس كتاب‬ ‫فلم يب قى للرا جي سلمة دي نه‬
‫(‬ ‫(‬

‫حواه من العلم الشر يف صواب‬ ‫كتاب حوى كل العلوم وكل ما‬


‫(‬

‫(‬

‫ترى آدمًـا إذ كان وهـو تراب‬ ‫فإن رمت تاريًا رأيت عجائبًا‬
‫(‬ ‫(‬

‫يواريــه لاــ أن أراه غراب‬ ‫ل قتيـل شقيقـه‬


‫ولقيـت هابي ً‬
‫(‬ ‫(‬

‫على الرض من ماء ال سحاب عباب‬ ‫وتنظر نوحًا وهو ف الفلك إذ طغى‬
‫(‬
‫(‬

‫ومـا قال كـل منهـم وأجابوا‬ ‫وإن شئت كل ال نبياء وقوم هم‬
‫(‬
‫(‬

‫ـد كذبوه وخابوا‬


‫ـم قـ‬
‫وأكثرهـ‬ ‫ترى كل من توى من القوم مؤ من‬
‫(‬

‫(‬

‫وناد باــ للمســرفي عذاب‬ ‫وجنات عدن حورها ونعيمها‬


‫(‬ ‫(‬

‫لكـل شقـي قـد حواه عقاب‬ ‫فتلك ل صحاب الت قى ث هذه‬


‫(‬ ‫(‬
‫‪25‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ـه جواب‬
‫فإن دموع العي ـ عنـ‬ ‫وإن ترد الو عظ الذي إن عقلتـه‬
‫(‬
‫(‬

‫فللروح منــه مطعــم وشراب‬ ‫تده و ما تواه من كل مشرب‬


‫(‬
‫(‬

‫تريـد فمـا تدعـو إليـه تاب‬ ‫وإن ر مت إبراز الدلة ف الذي‬


‫(‬
‫(‬

‫باـ قطعـت للملحديـن رقاب‬ ‫تدل على التوح يد ف يه قوا طع‬


‫(‬ ‫(‬

‫فوال مــا عنــه ينوب كتاب‬ ‫وفيه الدوا مكن كل داء فثق به‬
‫(‬
‫(‬

‫وليـس عليـه للذكـي حجاب‬ ‫ـه دليله‬


‫ـا مطلب إل وفيـ‬
‫ومـ‬
‫(‬ ‫(‬

‫إل أن قال ‪:‬‬


‫تدر عليكــم بالعلوم ســحاب‬ ‫أطيلوا على السبع الطوال وقوفكم‬
‫(‬

‫(‬

‫ألوفًا ت د ما ضاق ع نه ح ساب‬ ‫وكم من ألوف ف الئي فكن با‬


‫(‬

‫(‬

‫يطيـب باـ نشـر ويفتـح باب‬ ‫وفـ طـي أثناء الثانـ نفائس‬
‫(‬ ‫(‬

‫ـي إياب‬
‫ـا للذكـ‬ ‫وكم من فصول ف الفصل قد حوت أصـ‬
‫ـولً إليهـ‬ ‫(‬

‫(‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪26‬‬

‫فصل‬
‫و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال قال ‪ « :‬أنزل القرآن‬
‫على سبعة أحرف فاقرؤوا ول حرج ‪ ،‬ولكن ل تتموا ذكر رحة بعذاب‬
‫ول ذكر عذاب برحة » ‪ .‬وف رواية ‪ « :‬أنزل القرآن على سبعة أحرف‬
‫عليم ‪ ،‬حكيم ‪ ،‬غفور ‪ ،‬رحيم » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫وعن العمش قال ‪ :‬قرأ أنس هذه الية ‪ ﴿ :‬إِن ناشَِئةَ اللّيلِ هي أَشدّ‬
‫وَطْءا وأصـوب قِيلً ﴾ ‪ ،‬فقال له بعـض القوم ‪ :‬يـا أبـا حزة ‪ ،‬إناـ هـي‬
‫﴿ أَ ْق َومُ ﴾ فقال ‪ :‬أقوم وأصوب واحد ‪.‬‬
‫وعن ابن سيين قال ‪ ( :‬نبئت أن جبائيل وميكائيل أتيا النب فقال‬
‫له جبائيـل ‪ :‬اقرأ القرآن على حرفيـ ‪ .‬فقال ‪ :‬له ميكائيـل ‪ :‬اسـتزده ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬اقرأ القرآن على ثلثـة أحرف ‪ .‬فقال له ميكائيـل ‪ :‬اسـتزده ‪ .‬قال‬
‫حتـ بلغ سـبعة أحرف ) ‪ .‬قال ممـد ‪ :‬ل تتلف فـ حلل ول حرام ‪،‬‬
‫وهو كقولك ‪ :‬تعال ‪ ،‬وهلم ‪ ،‬وأقبل ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ ( :‬معنـ قول النـب ‪ « :‬نزل القرآن على سـبعة‬
‫أحرف » ‪ .‬أي ‪ :‬سـبع لغات ‪ ،‬كقول القائل ‪ :‬هلم ‪ ،‬وأقبـل ‪ ،‬وتعال ‪،‬‬
‫وإلّ ‪ ،‬وق صدي ‪ ،‬ونوي ‪ ،‬وقر ب ‪ ،‬ون و ذلك م ا تتلف ف يه اللفاظ ‪،‬‬
‫وتتفق فيه العان ) ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وعـن أبـ قلبـة قال ‪ :‬لاـ كان فـ خلفـة عثمان جعـل العلم يعلم قراءة‬
‫الرجل ‪ ،‬والعلم يعلم قراءة الرجل ‪ ،‬فجعل الغلمان يلتفون فيختلفون حت‬
‫ارتفع ذلك إل العلمي حت كفر بعضهم بقراءة بعض ‪ ،‬فبلغ ذلك عثمان‬
‫فقام خطيبًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أن تم عندي تتلفون ف يه وتلحنون ‪ ،‬ف من نأى ع ن‬
‫‪27‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫من أهل المصار أشد فيه اختلفًا وأشد لنًا ‪ ،‬اجتمعوا يا أصحاب ممد‬
‫فاكتبوا للناس إمامًا ‪ .‬قال ابـن جريـر ‪ ( :‬فاسـتوثقت له المـة بالطاعـة‬
‫فتركـت القراءة بالحرف السـتة ‪ ،‬فل سـبيل لحـد اليوم إل القراءة باـ‬
‫لدثورها وتتابع السلمي على رفض القراءة با من غي جحود صحتها ‪.‬‬
‫فأمـا اختلف القراءة فـ رفـع حرف وجره ‪ ،‬ونصـبه وتسـكي حرف‬
‫وتريكه ‪ ،‬ون قل حرف إل آ خر مع اتفاق الصور فبمعزل من معن قول‬
‫ـى‬‫ـبعة أحرف » ‪ . ) .‬انتهـ‬ ‫ـب ‪ « :‬أمرت أن أقرأ القرآن على سـ‬ ‫النـ‬
‫ملخصًا ‪.‬‬
‫وقال بعض الفسرين ‪ :‬ذكر الروف الت كتب بعضها على خلف‬
‫بعض ف الصحف وهي ف الصل واحدة ‪ :‬فأول ﴿ بِ سْمِ الِ ﴾ كتب‬
‫بذف اللف الت قبل السي ‪ ،‬وكتب ﴿ اقْ َرْأ بِا سْمِ َربّ كَ ﴾ ‪ ،‬و ﴿ َسبّحِ‬
‫س الِ سْ ُم اْلفُ سُوقُ ﴾ باللف ‪ .‬والصل ف‬ ‫ا سْمَ َربّ كَ اْلَأعْلَى ﴾ ‪ ،‬و ﴿ ِبئْ َ‬
‫ِسـمِ‬ ‫ذلك كله واحـد ‪ ،‬وهـو أن يكتـب اللف ‪ ،‬وإناـ حذفـت مـن ﴿ ب ْ‬
‫الِ ﴾ فقط لنا ألف وصل ساقطة من اللفظ كثيًا ‪ .‬قد كثر استعمال‬
‫الناس إياها فأمنوا أن يهل القارئ معناها ‪ .‬وكتب ﴿ فِيمَا ﴾ موصولً ف‬
‫كل القرآن إل ف البقرة ‪ ﴿ :‬فِي مَا َف َعلْنَ ﴾ ‪ ،‬وفيها ‪ ﴿ :‬فِي مَا َفعَلْنَ فِيَ‬
‫حرّما‬ ‫سهِ ّن مِن ّمعْرُو فٍ ﴾ ‪ ،‬وف النعام ‪ ﴿ :‬فِي مَا ُأوْحِ يَ إَِليّ مُ َ‬ ‫أَنفُ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬وفيها ‪ّ ﴿ :‬ليَبُْلوَكُ مْ فِي مَا آتَاكُم ﴾ ‪ ،‬وف النفال ‪ ﴿ :‬فِيمَا َأخَ ْذتُ مْ‬
‫سهُمْ ﴾ ‪ ،‬و ف النور ‪ ﴿ :‬فِي مَا‬ ‫﴾ و ف النعام ‪ ﴿ :‬فِي مَا ا ْشَتهَ تْ أَنفُ ُ‬
‫أََفضْتُ مْ ﴾ ‪ ،‬و ف الشعراء ‪ ﴿ :‬فِي مَا هَاهُنَا ﴾ ‪ ،‬و ف الروم ‪ ﴿ :‬فِي مَا‬
‫رَزَ ْقنَاكُمْ ﴾ ‪ ،‬وف الزمر ‪ ﴿ :‬فِي مَا هُمْ فِيهِ ﴾ وفيها ‪ ﴿ :‬فِي مَا كَانُوا فِيهِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪28‬‬

‫ختَِلفُو نَ ﴾ ‪ ،‬و ف الواق عة ‪ ﴿ :‬فِي مَا لَا َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬فذل كن اث نا ع شر‬


‫يَ ْ‬
‫حرفًا وما سوى ذلك موصول ) ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪ ( :‬وك تب ﴿ ِلكَ يْ لَ ﴾ مقطو عة ف كل القرآن إل ف‬
‫ثلث مواضع ‪ :‬ف الج ﴿ ِلكَيْلَا َيعَْلمَ ﴾ وف الحزاب ‪ِ ﴿ :‬لكَيْلَا يَكُونَ‬
‫عََليْ كَ َحرَ جٌ ﴾ ‪ ،‬و ف الد يد ‪ِ ﴿ :‬ل َكيْلَا تَأْ سَوْا ﴾ ‪ ،‬وك تب ف هود ‪:‬‬
‫ستَجِيبُواْ َلكُ ْم } ‪ ،‬مو صولً مدغمًا ‪ ،‬و ف الق صص ‪َ ﴿ :‬فإِن لّ مْ‬ ‫{ فَإلْ يَ ْ‬
‫ستَجِيبُوا لَ كَ ﴾ مقطوعًا ‪ .‬وك تب ﴿ كُلّمَا ﴾ مو صولً ‪ .‬إل خ سة‬ ‫يَ ْ‬
‫مواضع ‪ ،‬وكتبت ﴿ الرّحْ َمةَ ﴾ بالاء ‪ ،‬إل سبعة مواضع ‪ ،‬و ﴿ الّنعْ َمةِ ﴾‬
‫بالاء إل أحـد عشـر موضعًـا ﴿ وَامْ َرَأةً ﴾ بالاء إل سـبعة مواضـع ‪،‬‬
‫و ﴿ سـنة ﴾ بالاء ‪ ،‬إل خسـة مواضـع ‪ ،‬و ( معصـية ) بالاء إل فـ‬
‫موضعيـ ‪ .‬وكتـب ﴿ الْ َملُ ﴾ باللف إل أربعـة مواضـع ‪ ،‬فإناـ تكتـب‬
‫جنُو نٌ ﴾ باللف ‪ ،‬وما سواه‬ ‫بالواو ‪ .‬وكتب ف الذاريات ﴿ سَا ِحرٌ َأ ْو مَ ْ‬
‫بغي ألف ‪ .‬وكتب جيع ما ف القرآن من ذكر اليدي بياء واحدة إل ف‬
‫الذاريات ﴿ وَالسّمَاء َبنَْينَاهَا ِبأَيْدٍ ﴾ فإنا كتبت بياءين والصل كتبه بياء‬
‫واحدة ‪ ،‬وكتب ف حم السجدة ﴿ سَمَاوَات ﴾ باللف وما سواه كتبت‬
‫ّهـ اْلبَاطِلَ ﴾ بغيـ واو ‪،‬‬ ‫ْحـ الل ُ‬
‫{ سـوات } بغيـ ألف ‪ .‬وكتـب ﴿ َويَم ُ‬
‫{ يَمْحُوا اللّ ُه مَا يَشَا ُء } بالواو واللف ‪ .‬وك تب { الربوا } بواو بعد ها‬
‫ألف ف كل القرآن إل قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا آَتيْتُم مّ ن رّبا ﴾ ‪ ،‬فإ نه بغ ي واو ‪،‬‬
‫ـ ) و ( َتفْتَؤا تَذْ ُكرُ )‬
‫ـ } و ( يََت َفيّؤا ِظلَلُه ُ‬‫ـ امْ ُرؤٌا هَلَك َ‬
‫وكتـب { إِن ِ‬
‫( َويَدْرَؤا َعنْهَا ) و ما أشبه ها بواو وألف ‪ ،‬ولو ك تب بالواو وحد ها أو‬
‫باللف وحدها لاز ) ‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إل أن قال ‪ ( :‬وإنا كتبت هذه الروف بعضها على خلف بعض ‪،‬‬
‫وف الصل واحدة ؛ لن الكتابة بالوجهي كانت جائزة عندهم ‪ ،‬فكتبوا‬
‫بعضها على وجه ‪ ،‬وبعضها على وجه آخر جعًا بي الذهبي ‪ ،‬على أنم‬
‫كتبوا أكثر ها على ال صل ‪ ،‬و كل ما ك تب ف ال صحف على أ صل ل‬
‫يقاس عليـه غيه مـن الكلم ؛ لن القرآن يلزمـه لكثرة السـتعمال مـا ل‬
‫يلزم غيه ‪ ،‬واتباع الصحف ف هجائه واجب ‪.‬‬
‫وقال جا عة من الئ مة ‪ :‬إن الوا جب على القرّاء ‪ ،‬والعلماء ‪ ،‬وأ هل‬
‫الكتاب أن يتبعوا هذا الرسـم فـ خـط الصـحف ‪ ،‬فإنـه رسـم زيـد بـن‬
‫ثا بت ‪ ،‬وكان أم ي ر سول ال ‪ ،‬وكا تب وح يه ‪ ،‬وعلم من هذا العلم‬
‫بدعوة ال نب ما ل يعلم غيه ‪ ،‬ف ما ك تب شيئًا من ذلك إل ِلعِّلةٍ لطي فة‬
‫وحكمة بليغة وإن قصر عنه رأينا ‪ ،‬أل ترى أنه لو كتب على ( صلوتم )‬
‫( وأن صلوتك ) باللف بعد الواو ‪ ،‬وباللف من غي واو لا دل ذلك إل‬
‫على وجه واحد ‪ ،‬وقراءة واحدة ‪ ،‬وال تعال أعلم ) ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء ‪:‬‬
‫وحائد عــن مقتضــى القياس‬ ‫ـز للناس‬
‫ـه معجـ‬
‫والطـ فيـ‬
‫(‬ ‫(‬

‫ول توم حوله العقول‬ ‫ل تتدي لســـره الفحول‬


‫(‬ ‫(‬

‫دون جيــع الكتــب النلة‬ ‫قــد خصــه ال بتلك النلة‬


‫(‬ ‫(‬

‫منـه كمـا فـ لفظـه النظوم‬ ‫ليظهـر الِعجاز فـ الرسـوم‬


‫(‬ ‫(‬

‫اللهم لك المد على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة ‪ ،‬وآلئك‬


‫السيمة ‪ ،‬حيث أنزلت علينا خي كتبك ‪ ،‬وأرسلت إلينا أفضل رسلك ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪30‬‬

‫وشرّعت لنا أفضل شرائع دينك ‪ ،‬وجعلتنا من خي أمة أخرجت للناس ‪،‬‬
‫وهديت نا لعال دي نك الذي ارتضي ته لنف سك ‪ ،‬وبني ته على خ س ‪ :‬شهادة‬
‫أن ل إله إل ال وأن ممدًا رسـول ال ‪ ،‬وإقام الصـلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪،‬‬
‫و صوم رمضان ‪ ،‬و حج الب يت الرام ‪ ،‬ولك ال مد على ما ي سّرته من‬
‫تف سي كتا بك العز يز الذي ل يأت يه البا طل من ب ي يد يه ول من خل فه ‪،‬‬
‫تن يل من حك يم ح يد ‪ ،‬الل هم صلّ على م مد وعلى آل م مد ‪ ،‬ك ما‬
‫صليت على إبراه يم وعلى آل إبراه يم ‪ ،‬إ نك ح يد م يد ‪ ،‬وبارك على‬
‫ممـد ‪ ،‬وعلى آل م مد كمـا باركـت على إبراهيـم وعلى آل إبراهيـم ‪،‬‬
‫إ نك ح يد م يد ‪ .‬الل هم إ نا عبيدك ‪ ،‬بنو عبيدك ‪ ،‬ب نو إمائك ‪ ،‬نوا صينا‬
‫بيدك ‪ ،‬ماض فينا حكمك ‪ ،‬عدل فينا قضاؤك ‪ ،‬نسألك اللهم بكل اسم‬
‫هو لك ‪ ،‬سيت به نف سك ‪ ،‬أو أنزل ته ف كتا بك ‪ ،‬أو علم ته أحدًا من‬
‫خل قك ‪ ،‬أو ا ستأثرت به ف علم الغ يب عندك ‪ ،‬أن ت عل القرآن العظ يم‬
‫ربيع قلوبنا ‪ ،‬ونور أبصارنا ‪ ،‬وشفاء صدورنا ‪ ،‬وجلء أحزاننا ‪ ،‬وذهاب‬
‫هوم نا وغموم نا ‪ ،‬الل هم ذكر نا م نه ما ن سينا ‪ ،‬وعلّم نا م نه ما جهل نا ‪،‬‬
‫وارزقنـا تلوتـه آناء الليـل والنهار على الوجـه الذي يرضيـك عنـا ‪،‬‬
‫الل هم اجعل نا م ن ي ل حلله ‪ ،‬ويرم حرا مه ‪ ،‬ويع مل بحك مه ‪ ،‬ويؤ من‬
‫بتشابه ‪ ،‬ويتلوه حق تلوته ‪ ،‬اللهم اجعلنا من يقيم حدوده ‪ ،‬ول تعلنا‬
‫من يقيم حروفه ‪ ،‬ويضيع حدوده ‪ ،‬اللهم اجعلنا من اتبع القرآن فقاده إل‬
‫رضوانـك والنـة ‪ ،‬ول تعلنـا منـ اتبعـه القرآن فزخ فـ قفاه إل النار ‪،‬‬
‫واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالي ‪ ،‬ول‬
‫حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫و قد ف صلّته ثلثائة وثل ثة ع شر در سًا ‪ ،‬وال الو فق ‪ ،‬و هو ح سبنا‬


‫ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪32‬‬

‫الدرس الول‬
‫[ سورة الفاتة ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي سبع آيات‬
‫أعوذ بال السميع العليم من الشيْطان الرجِيم‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ك َيوْ مِ‬
‫﴿ الْحَ ْم ُد للّ هِ َربّ اْلعَالَمِيَ (‪ )2‬ال ّرحْمـنِ ال ّرحِي مِ (‪ )3‬مَالِ ِ‬
‫الصـرَاطَ‬
‫َسـتَعِيُ (‪ )5‬اهدِنَـــــا ّ‬
‫ّاكـ ن ْ‬
‫ّاكـ نَعُْب ُد وإِي َ‬
‫ّينـ (‪ِ )4‬إي َ‬
‫الد ِ‬
‫ي الَغضُو بِ عَلَيهِ ْم وَلَ‬
‫ط اّلذِي َن أَنعَم تَ عَلَيهِ مْ غَ ِ‬
‫صرَا َ‬
‫الُ سَتقِيمَ (‪ِ )6‬‬
‫الضّالّيَ (‪. ﴾ )7‬‬

‫***‬
‫‪33‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سورة الفات ة ل ا ثل ثة أ ساء ‪ :‬فات ة الكتاب ‪ ،‬وأم القرآن ‪ ،‬وال سبع‬


‫الثان ‪.‬‬
‫وروى البخاري وغيه عـن سـعيد بـن العلى رضـي ال عنـه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫كنت أصلي فدعان رسول ال فلم أجبه حت صليت ‪ ،‬قال ‪ :‬فأتيته ‪،‬‬
‫فقال ‪ « :‬ما من عك أن تأتي ن » ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا ر سول ال إ ن ك نت‬
‫أ صلي ‪ ،‬قال ‪ « :‬أل ي قل ال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُواْ ا ْستَجِيبُواْ لِلّ هِ‬
‫حيِيكُ مْ ﴾ ؟ ث قال ‪ « :‬لعلمنك أعظم سورة‬ ‫وَلِلرّ سُولِ ِإذَا َدعَاكُم لِمَا يُ ْ‬
‫ف القرآن قبل أن ترج من السجد » ‪ .‬قال ‪ :‬فأخذ بيدي ‪ ،‬فلما أراد أن‬
‫يرج من السجد قلت ‪ :‬يا رسول ال إنك قلت ‪ :‬لعلمنّك أعظم سورة‬
‫فـ القرآن قال ‪ « :‬نعـم ‪ ،‬المـد ل رب العاليـ ‪ ،‬هـي ‪ :‬السـبع الثانـ‬
‫والقرآن العظيم الذي أوتيته » ‪.‬‬
‫وعن أب هريرة رضي ال عنه عن النب قال ‪ « :‬من صلى صلة ل‬
‫يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ‪ -‬ثلثًا ‪ -‬غي تام » ‪ .‬فقيل لب هريرة‬
‫‪ :‬إ نا نكون خلف المام فقال ‪ :‬اقرأ ب ا ف نف سك ‪ ،‬فإ ن سعت ر سول‬
‫ال يقول ‪ « :‬قال ال عـز وجـل ‪ :‬قسـّمت الصـلة بينـ وبيـ عبدي‬
‫نصفي ‪ ،‬ولعبدي ما سأل ؛ فإذا قال ‪ ﴿ :‬الْحَمْدُ للّهِ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ قال‬
‫ال ‪ :‬حد ن عبدي ‪ .‬وإذا قال ‪ ﴿ :‬الرّحْم نِ الرّحِي مِ ﴾ ‪ ،‬قال ال ‪ :‬أث ن‬
‫ك َيوْمِ الدّينِ ﴾ قال ال ‪ :‬مّدن عبدي ‪-‬‬ ‫عليّ عبدي ؛ فإذا قال ‪ ﴿ :‬مَالِ ِ‬
‫سَتعِيُ ﴾‬ ‫وقال مرة ‪ :‬فوّض إلّ عبدي ‪ -‬فإذا قال ‪ِ ﴿ :‬إيّا َك َنعْبُ ُد وِإيّا َك نَ ْ‬
‫قال ‪ :‬هذا بينـ وبيـ عبدي ‪ ،‬ولعبدي مـا سـأل ‪ ،‬فإذا قال ‪ ﴿ :‬اهدِن َا‬
‫ب عَلَيهِ ْم وَلَ‬ ‫ت عَلَيهِ ْم غَيِ الَغضُو ِ‬ ‫ط الّذِي نَ أَنعَم َ‬
‫صرَا َ‬
‫ط الُستَقِيمَ * ِ‬ ‫ال صّرَا َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪34‬‬

‫الضّالّي َ ﴾ ‪ ،‬قال ال ‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي مـا سـأل » ‪ .‬رواه مسـلم‬


‫وغيه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬بِسْمِ الِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ (‪. ﴾ )1‬‬
‫روى أبو داود وغيه عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن رسول ال‬
‫كان ل يعرف فصـل السـورة حتـ ينْزِ َل عليـه ( بسـم ال الرحنـ‬
‫الرحيم ) ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬وابن أب حات عن ابن عباس قال ‪ :‬إن أول ما نزل‬
‫به جبيل على ممد قال ‪ :‬يا ممد قل ‪ :‬أستعيذ بال السميع العليم من‬
‫الشيطان الرج يم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬قل ب سم ال الرح ن الرح يم ‪ ،‬قال ‪ :‬قال له‬
‫جب يل ‪ ( :‬ب سم ال يا م مد ‪ ،‬يقول ‪ :‬اقرأ بذ كر ال ر بك ‪ ،‬و قم واق عد‬
‫بذكر ال تعال ) ‪.‬‬
‫واختلف العلماء ف مشروعية قراءة البسملة ف الصلة ‪.‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬ل يقرأ با سرًا ول جهرًا ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬يقرأ با جهرًا ف الهرية ‪ ،‬وسرًا ف السرية ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬يقرأ با سرًا ف الهرية ‪ .‬هذا القول هو الراجح وعليه‬
‫تدل الحاديـث الصـحيحة ؛ ويشرع الهـر باـ فـ بعـض الحيان ‪،‬‬
‫وت ستحب الب سملة ف ابتداء كل ع مل ‪ ،‬تبكًا با سم ال تعال وا ستعانة‬
‫به ‪ ،‬وف الديث ‪ « :‬كل أمر ذي بال ل يُبدأ فيه بسم ال الرحن الرحيم‬
‫فهـو أجذم » ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪ :‬ال ذو اللوهيـة والعبوديـة على خلقـه‬
‫أجعي ‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬الْحَمْدُ للّهِ رَ ّ‬


‫ب اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير رحه ال تعال ‪ ( :‬المد ل ثناء أثن به على نفسه ‪،‬‬
‫و ف ضمنه أ مر عباده أن يثنوا عليه ) ‪ .‬انت هى ‪ ،‬قال أ بو ن صر الوهري ‪:‬‬
‫( وال مد أ عم من الش كر ‪ ،‬وأ ما الدح ف هو أ عم من ال مد ‪ ،‬وقال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬المـد ل كلمـة الشكـر ‪ ،‬وإذا قال العبـد ‪ :‬المـد ل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫شكرن عبدي ) ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬رحهـ ال تعال ‪ ( :‬والمـد يكون بعنـ الشكـر على‬
‫النعمة ‪ ،‬ويكون بعن الثناء عليه با فيه من الصال الميدة ‪ ،‬والشكر ل‬
‫يكون إل على النعمة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬للّ هِ ﴾ ‪ ،‬اللم للستحقاق ‪ ،‬واللف واللم ف المد‬
‫لستغراق جيع أجناس المد وأنواعه ل تعال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬الرب ‪ :‬هـو الالك التصـرف ‪،‬‬
‫والعالي ‪ :‬جع عالَم بفتح اللم ‪ ،‬وهو كل موجود سوى ال عز وجل ؛‬
‫ّهـ رَبّـ‬ ‫حمْدُ لل ِ‬ ‫والعوال أصـناف الخلوقات ‪ ،‬وعـن ابـن عباس ‪ ﴿ :‬الْ َ‬
‫الْعَالَ ِميَ ﴾ المد ل الذي له اللق كله ‪ ،‬السماوات والرض وما فيهن‬
‫وما بينهن ‪ ،‬ما نعلم وما ل نعلم ‪ .‬وعن سعيد بن السيب قال ‪ :‬ل ألف‬
‫عال ‪ :‬سـتمائة فـ البحـر ‪ ،‬وأربعمائة فـ الب ‪ .‬وقال كعـب الحبار ‪ :‬ل‬
‫يصي عدد العالي أحدٌ إل ال ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا َيعْلَ مُ ُجنُودَ َربّ كَ‬
‫إِل ُهوَ ﴾ ‪ ،‬وقال الزجاج ‪ :‬العال كل ما خلق ال ف الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫قال القرطب ‪ :‬والعال مشتق من العلمة ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪36‬‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬لنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته ‪،‬‬
‫كما قال ابن العتز ‪:‬‬
‫ـد‬
‫ـف يحده الاحـ‬
‫أم كيـ‬ ‫فيا عجبًا كيف يعصي الِله‬
‫(‬ ‫(‬

‫ــد‬
‫ــه واحـ‬
‫تدل على أنـ‬ ‫وفـ كـل شيـء له آيـة‬
‫(‬ ‫(‬

‫ت نبيه ‪ :‬العروف ع ند ب عض القراء أ نه ل ي قف على ﴿ الْعَالَمِيَ ﴾ ‪،‬‬


‫ول على ﴿ الرّحِي مِ ﴾ ‪ ،‬لت صال ال صفة بالو صوف ‪ ،‬ول ما نع من ذلك‬
‫لن العن ظاهر ‪ ،‬والصل هو الوقوف على رؤوس الي ‪ ،‬ويشهد لذلك‬
‫ما رواه الترمذي عن أم سلمة ر ضي ال عن ها قال ‪ :‬كان ر سول ال‬
‫يق طع قراء ته يقول ‪ ﴿ :‬الْحَمْدُ للّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ث ي قف ‪ ،‬ث يقول‬
‫‪ ﴿ :‬الرّحْم نِ الرّحِي مِ ﴾ ث ي قف ‪ ،‬فالف صل والو صل جائزان ‪ :‬وي سن‬
‫الفصل مع الترتيل والوصل مع الذ وف الديث ‪ « :‬يقال لصاحب القرآن‬
‫‪ :‬اقرأ وا صعد ف درج ال نة ‪ ،‬ور تل ك ما ك نت تر تل ف الدن يا ‪ ،‬فإن‬
‫منلتك عند آخر أية تقرؤها » ‪ ،‬فهو ف صعود ما دام يقرأ ‪ ،‬هذّا كان أو‬
‫ترتيلً ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬الرّحْمنِ الرّحِيمِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬اسان مشتقان من الرحة على وجه البالغة ‪ ،‬ورحن‬
‫أ شد مبال غة من رح يم ‪ ،‬و ف ال ثر عن عي سى عل يه ال سلم أ نه قال ‪:‬‬
‫( الرحنـ رحنـ الدنيـا والخرة ‪ ،‬والرحيـم رحيـم الخرة ) ‪ ،‬وقال ابـن‬
‫عباس ‪ ( :‬ها اسان رقيقان ‪ ،‬أحدها أرق من الخر ) ‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ابن جرير ‪ ( :‬حدثنا السري بن يي التميمي ‪ ،‬حدثنا عثمان بن‬


‫ِيمـ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الرحنـ‬
‫ْمنـ الرّح ِ‬
‫زفـر ‪ ،‬سـعت العزرمـي يقول ‪ ﴿ :‬الرّح ِ‬
‫لميع اللق ‪ ،‬الرحيم ‪ ،‬قال ‪ :‬بالؤمني ‪.‬‬
‫قال القرطـب ‪ :‬إناـ وصـف نفسـه بالرحنـ الرحيـم بعـد قوله‬
‫﴿ اْلعَالَمِيَ﴾ ‪ ،‬ليكون من باب قرب الترغ يب ب عد التره يب ‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعال ‪ ﴿ :‬نَّب ْئ عِبَادِي َأنّي َأنَا اْل َغفُورُ الرّحِي ُم َوأَنّ عَذَابِي ُهوَ اْلعَذَا بُ‬
‫الَلِيمَ ﴾ ‪.‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مَالِكِ َي ْومِ الدّينِ ﴾ ‪.‬‬


‫قال ابن كثي ‪ :‬وتصيص اللك بيوم الدين ل ينفيه عما عاداه ‪ ،‬لنه قد‬
‫تقدم الخبار بأنه رب العالي وذلك عام ف الدنيا والخرة ‪ .‬وإنا أضيف‬
‫إل يوم الد ين ل نه ل يد عي أ حد هنالك شيئًا ‪ ،‬ول يتكلم أحدًا إل بإذ نه‬
‫صفّا لّا َيَتكَلّمُو نَ إِلّا مَ نْ‬
‫ح وَالْمَلَاِئ َكةُ َ‬
‫ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ مَ َيقُو مُ الرّو ُ‬
‫صوَاتُ‬ ‫صوَابا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَخَشَعَت اْلأَ ْ‬ ‫أَذِ نَ لَ هُ الرحْمَ ُن وَقَالَ َ‬
‫لِلرّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلّا هَمْسا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ َم َيأْتِ َل َتكَلّ ُم َنفْسٌ‬
‫َسـعِيدٌ ﴾ ‪ ،‬وقال الضحاك عـن ابـن عباس ‪:‬‬ ‫ُمـ َشقِي ّ و َ‬ ‫ِهـ َف ِمْنه ْ‬
‫إِل بِِإ ْذن ِ‬
‫ك َيوْ مِ الدّي نِ ﴾ يقول ‪ :‬ل يلك أحد معه ف ذلك اليوم حكمًا‬ ‫﴿ مَالِ ِ‬
‫كملكهم ف الدنيا قال ‪ :‬و ﴿ َيوْ مِ الدّي ِن ﴾ يوم الساب للخلئق ‪ ،‬وهو‬
‫يوم القيامة يدينهم بأعمالم إن خيًا فخي ‪ ،‬وإن شرًا فشر ‪ ،‬إل من عفا‬
‫عنه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِيّا َك َنعْبُ ُد وِإيّاكَ نَ ْ‬
‫سَتعِيُ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪38‬‬

‫أي ‪ :‬ل نع بد إل إياك ‪ ،‬ول نتو كل إل عل يك ‪ ،‬قال ب عض ال سلف ‪:‬‬


‫سَتعِيُ ﴾‬
‫الفاتة سر القرآن ‪ ،‬وسرها هذه الكلمة ‪ِ ﴿ :‬إيّا َك َنعْبُ ُد وِإيّا َك نَ ْ‬
‫فالول ‪ :‬تبؤ من الشرك ‪ ،‬والثا ن ‪ :‬تبؤ من الول والقوة ‪ ،‬وتفو يض‬
‫إل ال عز وجل ‪ ،‬وهذا كثي ف القرآن ‪ ،‬قال تعال ‪ ﴿ :‬فَاعْبُدْ هُ َوَتوَكّ ْل‬
‫ك ِبغَافِلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ُ ﴿ :‬هوَ الرّ ْحمَ نُ آ َمنّا‬ ‫عََليْ ِه َومَا َربّ َ‬
‫ق وَالْ َمغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ‬
‫ب الْمَشْ ِر ِ‬
‫بِهِ َوعََليْ ِه َتوَكّ ْلنَا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬رَ ّ‬
‫فَاتّخِذْ ُه وَكِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ِ ﴿ :‬إيّا كَ نَ ْعبُدُ ﴾ ‪ ،‬يع ن إياك نو حد‬
‫وناف ‪ ،‬ونرجوك يا ربنا ل غيك ‪ ﴿ .‬وإِيّا كَ نَ سَْتعِيُ ﴾ ‪ ،‬على طاعتك‬
‫ـع التذلل‬ ‫ـة مـ‬ ‫ـا ‪ .‬قال البغوي ‪ ( :‬والعبادة الطاعـ‬ ‫ـا كلهـ‬ ‫وعلى أمورنـ‬
‫والضوع ‪ ،‬وسي العبد عبدًا لذلته وانقياده ) ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اه ِدنَا الصّرَاطَ الُسَتقِيمَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬لّا تقدم الثناء على السئول تبارك وتعال ‪ ،‬ناسب أن‬
‫يعقـب بالسـؤال كمـا قال ‪ ( :‬فنصـفها ل ونصـفها لعبدي ‪ ،‬ولعبدي م ا‬
‫ـ‬
‫سأل ) ‪ ،‬وهذا أكمل أحوال السؤال ‪ ،‬أن يدح مسئوله ‪ ،‬ث يسأل حاجته‬
‫وحاجة إخوانه الؤمني ‪ ،‬والداية ها هنا ‪ :‬الرشاد والتوفيق ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬وهذا الدعاء من الؤمن ي ‪ ،‬مع كون م على الدا ية ‪،‬‬
‫بعن التثبيت ‪ ،‬وبعن طلب مزيد الداية ‪ ،‬لن اللطاف والدايات من ال‬
‫ل تتناهى ‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ا بن جر ير ‪ :‬أج عت ال مة من أ هل التأو يل ‪ ،‬على أن ال صراط‬


‫السـتقيم هـو الطريـق الواضـح ‪ ،‬الذي ل اعوجاج فيـه ‪ ،‬وقال ماهـد ‪:‬‬
‫ط الُستَقِيمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الق ‪.‬‬
‫﴿ اه ِدنَا الصّرَا َ‬
‫وروى الِمام أح د وغيه عن النواس بن سعان ‪ ،‬عن ر سول ال‬
‫قال ‪ « :‬ضرب ال مثلً صراطًا م ستقيمًا ‪ ،‬وعلى جا نب ال صراط سوران‬
‫فيه ما أبواب مفت حة ‪ ،‬وعلى البواب ستور مرخاة ‪ ،‬وعلى باب ال صراط‬
‫داع يقول ‪ :‬يا أيها الناس ادخلوا الصراط جيعًا ول تعوجوا ؛ وداع يدعو‬
‫مـن فوق الصـراط ‪ ،‬فإذا أراد الِنسـان أن يفتـح شيئًا مـن تلك البواب‬
‫قال ‪ :‬وي ك ل تفت حه ‪ ،‬فإ نك إن فتح ته تل جه ‪ .‬فال صراط ‪ :‬الِ سلم ‪،‬‬
‫والسـوران ‪ :‬حدود ال ‪ ،‬والبواب الفتحـة ‪ :‬مارم ال ‪ ،‬وذلك الداعـي‬
‫على رأس ال صراط ‪ :‬كتاب ال ‪ ،‬والدا عي فوق ال صراط ‪ :‬وا عظ ال ف‬
‫قلب كل مسلم » ‪.‬‬
‫ت عَلَيهِمْ ﴾ ‪.‬‬ ‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬صِرَا َ‬
‫ط الّذِينَ أَنعَم َ‬
‫أي ‪ :‬من نت علي هم بالدا ية والتوف يق لليان ‪ ،‬وال ستقامة عل يه من‬
‫ط الّذِي نَ أَنعَم تَ‬‫صرَا َ‬
‫النبيي والؤمني ‪ ،‬قال الضحاك عن ابن عباس ‪ِ ﴿ :‬‬
‫عَلَيهِ مْ ﴾ ‪ ،‬بطاعتك ‪ ،‬وعبادتك من ملئكتك وأنبيائك ‪ ،‬وال صديقي ‪،‬‬
‫والشهداء ‪ ،‬والصالي ؛ وذلك نظي ما قال ربنا تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يُطِعِ اللّهَ‬
‫ك مَ َع الّذِي نَ َأنْعَ مَ اللّ ُه عََليْهِم مّ َن الّنبِيّيَ وَال صّدّيقِيَ‬
‫وَالرّ سُولَ َفُأوْلَ ـئِ َ‬
‫ي وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقا ﴾ ‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫وَالشّهَدَاء وَالصّالِ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬غَ ِي الَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَ َل الضّالّيَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪40‬‬

‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬والعنـ ‪ :‬اهدنـا الصـراط السـتقيم ‪ ،‬صـراط الذيـن‬


‫أنع مت علي هم م ن تقدم و صفهم ونعت هم ‪ ،‬و هم أ هل الدا ية وال ستقامة‬
‫والطا عة ل ور سله ‪ ،‬وامتثال أوامره وترك نواه يه وزواجره ‪ ،‬غ ي صراط‬
‫الغضوب عليهم ‪ ،‬وهم الذين فسدت إرادتم ‪ ،‬فعلموا الق وعدلوا عنه ‪،‬‬
‫ول صراط الضال ي و هم الذ ين فقدوا العلم ف هم هائمون ف الضللة ل‬
‫يهتدون إل الق ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروى المام أحدـ وغيه عـن عدي بـن حاتـ قال ‪ :‬جاءت خيـل‬
‫رسـول ال ‪ ،‬فأخذوا عمتـ وناسـًا ‪ ،‬فلمـا أتوا بمـ إل رسـول ال‬
‫صفوا له ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال نأى الوافد ‪ ،‬وانقطع الولد ‪ ،‬وأنا عجوز‬
‫كبية ما ب من خد مة َفمُنّ عل يّ مَنّ ال عل يك ‪ ،‬قال ‪ « :‬و من وافدك‬
‫» ؟ قالت ‪ :‬عدي بن حات ‪ ،‬قال ‪ « :‬الذي فر من ال ورسوله » ؟ قالت‬
‫‪ :‬فم نّ عل يّ ‪ .‬فل ما ر جع ور جل إل جن به ترى أ نه عل يّ ‪ ،‬قال ‪ :‬سليه‬
‫حلنًا ‪ ،‬ف سألته فأ مر له ‪ ،‬قال ‪ :‬فأتت ن فقالت ‪ :‬إ نك فعلت فعلة ما كان‬
‫أبوك يفعل ها ‪ ،‬فإ نه قد أتاه فلن فأ صاب م نه ‪ ،‬وأتاه فلن فأ صاب م نه ‪،‬‬
‫فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيّان ‪ -‬وذكر قربم من النب ‪ -‬قال ‪ :‬فعرفت‬
‫إنه ليس بلك كسرى ول قيصر ‪ ،‬فقال ‪ « :‬يا عدي ما أَفَرّ كَ ؟ أن يقال‬
‫ل إله إل ال ؟ فهـل مـن إله إل ال ؟ مـا أفرّك أن يقال ال أكـب ؟ فهـل‬
‫شيء أكب من ال عز وجل » قال ‪ :‬فأسلمت ‪ ،‬فرأيت وجهه استبشر ‪،‬‬
‫وقال ‪ « :‬إن الغضوب عليهـم اليهود ‪ ،‬وإن الضاليـ النصـارى » ‪...‬‬
‫وذكر الديث ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬م سألة ‪ ،‬وال صحيح من مذا هب العلماء ‪ ،‬أ نه يغت فر‬
‫الِخلل بتحرير ما بي الضاد والظاء لقرب مرجيهما ل ن ل ي يز ذلك ؛‬
‫وأما حديث ‪ « :‬أنا أفصح من نطق بالضاد » فل أصل له ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫انت هى ملخ صًا ‪ ،‬قال ا بن مفلح ف الفروع ‪ ( :‬وإن قرأ ‪ :‬غ ي الغضوب‬
‫علي هم ول الضال ي بظاء ‪ ،‬فالو جه الثالث ي صح مع ال هل ) ‪ .‬قال ف‬
‫ت صحيح الفروع ‪ ( :‬أحد ها ل تب طل ال صلة ‪ ،‬اختاره القا ضي ‪ ،‬والش يخ‬
‫ت قي الد ين ‪ ،‬وقد مه ف الغ ن والشرح و هو ال صواب ) انت هى ‪ .‬يع ن ‪:‬‬
‫تصح الصلة ولو كان ييز الضاد والظاء ‪ ،‬والحوط للِمام القراءة بالضاد‬
‫إذا كان ييز ذلك ‪.‬‬
‫وقال ابـن كث ي ‪ :‬اشتملت هذه ال سورة الكري ة و هي سبع آيات ‪،‬‬
‫على حد ال وتجيده والثناء عليه ‪ ،‬بذكر أسائه السن الستلزمة لصفاته‬
‫العليـا ‪ ،‬وعلى ذكـر العاد وهـو ‪ :‬يوم الديـن ‪ ،‬وعلى إرشاده عـبيده إل‬
‫سؤاله والتضرع إليه ‪ ،‬والتبؤ من حولم وقوتم ‪ ،‬وإل إخلص العبادة له‬
‫وتوحيده باللوهية تبارك وتعال ‪ ،‬وتنيهه أن يكون له شريك أو نظي أو‬
‫ماثل ‪ ،‬وإل سؤالم إياه الداية إل الصراط الستقيم ‪ ،‬وهو الدين القوي ‪،‬‬
‫وتثبيتهم عليه حت يفضي بم ذلك إل جواز الصراط السي يوم القيامة ‪،‬‬
‫الفضي بم إل جنات النعيم ف جوار النبيي ‪ ،‬والصديقي ‪ ،‬والشهداء ‪،‬‬
‫والصالي ‪.‬‬
‫واشتملت على الترغيب ف العمال الصالة ‪ ،‬ليكونوا مع أهلها يوم‬
‫القيامـة ‪ ،‬والتحذيـر مـن مسـالك الباطـل لئل يشروا مـع سـالكيها يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وهم الغضوب عليهم والضالون ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪42‬‬

‫ويسـتحب لنـ يقرأ الفاتةـ أن يقول بعدهـا ‪ ( :‬آميـ ) فـ الصـلة‬


‫وغي ها ‪ .‬ومعنا ها ‪ :‬الل هم ا ستجب ل نا ‪ .‬ل ا رواه المام أح د وغيه عن‬
‫وائل بن حجر رضي ال عنه قال ‪ :‬سعت النب قرأ ‪ ﴿ :‬غَيِ الَغضُو بِ‬
‫عَلَيهِ ْم وَ َل الضّالّيَ ﴾ ‪ ،‬فقال ‪ « :‬آم ي » مد ب ا صوته ‪ .‬ول ب داود ‪:‬‬
‫( رفع با صوته ) ‪.‬‬
‫وعن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ ( :‬كان رسول ال إذا تل ﴿‬
‫غَيِ الَغضُو بِ عَلَيهِ ْم وَلَ الضّالّيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ « :‬آمي » ‪ ،‬حت يسمع من‬
‫يليـه مـن الصـف الول ) ‪ .‬رواه أبـو داود وابـن ماجـة وزاد فيـه ‪:‬‬
‫( فيتج با السجد ) ‪.‬‬
‫وف الصحيحي أن رسول ال قال ‪ « :‬إذا أمنّ المام فأمّنوا ‪ ،‬فإنه من‬
‫وافق تأمينه تأمي اللئكة غفر له ما تقدم من ذنبه » ‪.‬‬
‫وعـن ابـن عباس رضـي ال عنهمـا أن رسـول ال قال ‪ « :‬مـا‬
‫ح سدتكم اليهود على ش يء ما ح سدتكم على قول آم ي ‪ ،‬فأكثروا من‬
‫قول آمي » ‪ .‬رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫وعنه قال ‪ ( :‬بينا رسول ال وعنده جبائيل ‪ ،‬إذ سع نقيقًا فوقه ‪،‬‬
‫فرفع جبيل بصره إل السماء فقال ‪ :‬هذا باب قد فتح من السماء ما فتح‬
‫قـط ‪ ،‬قال ‪ :‬فنل منـه ملك ‪ ،‬فأتـى النـب فقال ‪ :‬أبشـر بنوريـن قـد‬
‫أوتيتهما ل يؤتما نب قبلك ‪ :‬فاتة الكتاب ‪ ،‬وخواتيم سورة البقرة ‪ ،‬ل‬
‫تقرأ حرفًا منها إل أوتيته ) ‪ .‬رواه مسلم ‪ ،‬والنسائي وهذا لفظه ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه قال ‪ ( :‬كنا ف مسي لنا فنلنا‬
‫فجاءت جارية فقالت ‪ :‬إن سيد الي سليم ‪ ،‬وإ ّن َنفَرَنا غُيّ بٌ فهل منكم‬
‫‪43‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقيه فرقاه فبئ فأمر له بثلثي شاة ‪،‬‬
‫و سقانا لبنًا ‪ ،‬فل ما ر جع قل نا له ‪ :‬أك نت ت سن رق ية ‪ ،‬أو ك نت تر قي ؟‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ما رق يت إل بأم الكتاب ‪ ،‬قل نا ‪ :‬ل تدثوا شيئًا ح ت نأ ت أو‬
‫ن سأل ر سول ال ‪ ،‬فل ما قدم نا الدي نة ‪ ،‬ذكرناه لل نب فقال ‪ « :‬و ما‬
‫كان يدريـه أناـ رقيـة ؟ اقسـموا واضربوا ل بسـهم » ‪ .‬رواه البخاري‬
‫ومسلم ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪44‬‬

‫الدرس الثان‬
‫[ سورة البقرة ]‬
‫مدنية ‪ ،‬وهي مائتان وثانون وست أو سبع آيات‬
‫عن مع قل بن ي سار ر ضي ال ع نه أن ر سول ال قال ‪ « :‬البقرة‬
‫ـا ثانون ملكًـا‬‫ـة منهـ‬ ‫ـل آيـ‬ ‫ـع كـ‬ ‫ـه ‪ ،‬نزل مـ‬ ‫ـنام القرآن وذروتـ‬ ‫سـ‬
‫حيّ الْ َقيّو مُ ﴾ من تت العرش ‪،‬‬
‫واستخرجت ﴿ اللّ هُ لَ إِلَـهَ إِل هُ َو الْ َ‬
‫فو صلت ب ا ‪ ،‬أو ف صلت ب سورة البقرة ‪ .‬و يس قلب القرآن ‪ ،‬ل يقرؤ ها‬
‫رجـل يريـد ال والدار الخرة إل غفـر له ‪ ،‬واقرءوهـا على موتاكـم » ‪.‬‬
‫رواه أحد ‪.‬‬
‫وروى مسلم وغيه عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال قال‬
‫‪ « :‬ل تعلوا بيوت كم قبورًا ‪ ،‬فإن الب يت الذي ل تقرأ ف يه سورة البقرة ل‬
‫يدخله الشيطان » ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ ( :‬من قرأ عشر آيات من سورة‬
‫البقرة ف ليلة ‪ ،‬ل يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة ؛ أربع من أولا ‪،‬‬
‫وآية الكرسي ‪ ،‬وآيتان بعدها ‪ ،‬وثلث آيات من آخرها ) ‪ .‬وف رواية ‪:‬‬
‫( ل يقربه ول أهله يومئذٍ شيطان ‪ ،‬ول شيء يكرهه ‪ ،‬ول يقرآن على‬
‫منون إل أفاق ) ‪ .‬رواه الدرامي ‪.‬‬
‫و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬ب عث ر سول ال بعثًا ‪ ،‬و هم‬
‫ذوو عدد ‪ ،‬فا ستقرأهم كل وا حد من هم ما م عه من القرآن ‪ ،‬فأ تى على‬
‫رجل من أحدثهم سنًا ‪ ،‬فقال ‪ « :‬ما معك يا فلن » ‪ ،‬فقال معي كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬وسـورة البقرة فقال ‪ « :‬أمعـك سـورة البقرة » ‪ ،‬قال ‪ :‬نعـم ‪،‬‬
‫‪45‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ‪ « :‬اذهب فأنت أميهم » ‪ .‬فقال رجل من أشرافهم ‪ :‬وال ما منعن‬


‫أن أتعلم سـورة البقرة ‪ ،‬إل إنـ خشيـت أل أقوم باـ ‪ .‬فقال رسـول ال‬
‫‪ « :‬تعلموا القرآن واقرءوه ‪ ،‬فإن مثل القرآن لن تعلمه ‪ ،‬فقرأ وقام به‬
‫‪ ،‬كمثل جراب مشو مسكًا يفوح ريه ف كل مكان ‪ ،‬ومثل من تعلمه‬
‫فيقد وهو ف جوفه ‪ ،‬كمثل جراب أوكى على مسك » ‪ .‬رواه الترمذي‬
‫وغيه ‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬وقال الليث حدثن يزيد بن الاد عن ممد بن إبراهيم‬
‫عن أسيد بن حضي رضي ال عنه قال ‪ ( :‬بينما هو يقرأ من الليل سورة‬
‫البقرة وفرسـه مربوط عنده إذ جالت الفرس ‪ ،‬فسـكت فسـكنت فقرأ‬
‫فجالت الفرس ‪ ،‬فسـكت فسـكنت ‪ ،‬ثـ قرأ فجالت الفرس فانصـرف ‪.‬‬
‫وكان ابنه يي قريبًا منها ‪ ،‬فأشفق أن تصيبه ‪ ،‬فلما أخذه رفع رأسه إل‬
‫ال سماء ح ت ما يرا ها ‪ ،‬فل ما أ صبح حدث ال نب فقال ‪ « :‬اقرأ يا ا بن‬
‫حضي » ‪ .‬قال ‪ :‬قد أشفقت يا رسول ال على يي ‪ ،‬وكان منها قريبًا ‪،‬‬
‫فرفعت رأسي وانصرفت إليه ‪ ،‬فرفعت رأسي إل السماء ‪ ،‬فإذا مثل الظلة‬
‫فيهـا أمثال الصـابيح ‪ ،‬فخرجـت حتـ ل أراهـا ‪ .‬قال ‪ « :‬وتدري مـا‬
‫ذاك » ؟ قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ « :‬تلك اللئكـة دنـت لصـوتك ‪ ،‬ولو قرأت‬
‫ل صبحت ين ظر الناس إلي ها ل تتوارى من هم » ‪ .‬ول سلم ‪ « :‬عر جت ف‬
‫الو » ‪.‬‬
‫وذكر الافظ ابن حجر أن ف الديث اختصارًا ‪ ،‬أصله كما رواه أبو‬
‫عبيد ‪ ( :‬رفع رأسه إل السماء ‪ ،‬فإذا هو بثل الظلة ‪ ،‬فيها أمثال الصابيح‬
‫عرجت إل السماء حت ما يراها ) ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪46‬‬

‫وعن عبد ال بن بريدة عن أبيه رضي ال عنه قال ‪ :‬كنت جالسًا عند‬
‫النـب فسـمعته يقول ‪ « :‬تعلموا سـورة البقرة ‪ ،‬فإن أخذهـا بركـة ‪،‬‬
‫وتركها حسرة ‪ ،‬ول يستطيعها البطلة » ‪ .‬قال ‪ :‬ث سكت ساعة ث قال ‪:‬‬
‫« تعلموا سورة البقرة وآل عمران ‪ ،‬فإن ما الزهراوان ‪ ،‬يظلن صاحبهما‬
‫يوم القيامـة ‪ ،‬كأنمـا غمامتان أو غيابتان ‪ ،‬أو فرقان مـن طيـ صـواف ‪،‬‬
‫وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حي ينشق عنه قب كالرجل الشاحب‬
‫فيقول له ‪ :‬هـل تعرفنـ ؟ فيقول ‪ :‬مـا أعرفـك ‪ .‬فيقول أنـا صـاحبك‬
‫القرآن ‪ ،‬الذي أظمأ تك ف الوا جر وأ سهرت ليلك ‪ ،‬وإن كل تارة من‬
‫وراء تارته ‪ ،‬وإنك اليوم من وراء كل تارة فيعطى اللك بيمينه ‪ ،‬واللد‬
‫بشماله ‪ ،‬ويو ضع على رأ سه تاج الوقار ‪ ،‬ويك سى والد يه حلتان ل يقوم‬
‫لما أهل الدنيا ‪ ،‬فيقولن ب كُسينا هذا ؟ فيقال ‪ :‬بأخذ ولدكما القرآن ‪.‬‬
‫ث يقال ‪ :‬اقرأ واصعد ف درج النة وغرفها ‪ ،‬فهو ف صعود ما دام يقرأ ‪،‬‬
‫هذّا كان أو ترتيلً » ‪ .‬رواه الِمام أحد ‪.‬‬
‫قال ابـن العربـ فـ ( أحكام القرآن ) ‪ ( :‬اعلموا وفقكـم ال أن‬
‫علماء نا قالوا ‪ :‬إن هذه ال سورة من أع ظم سور القرآن ‪ .‬سعت ب عض‬
‫أشيا خي يقول ‪ :‬في ها ألف أ مر ‪ ،‬وألف ن ي ‪ ،‬وألف ح كم ‪ ،‬وألف خب‬
‫ولعظيم فقهها أقام عبد ال بن عمر ثان سني ف تعلمها ) ‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫ِينـ‬
‫ِيهـ هُدًى لّلْمُّتقِيَ (‪ )2‬الّذ َ‬
‫ْبـ ف ِ‬
‫َابـ لَ َري َ‬
‫ِكـ الْكِت ُ‬
‫﴿ ال (‪َ )1‬ذل َ‬
‫ب وَُيقِيمُو َن ال صّل َة وَمِمّ ا رَ َزقْنَاهُ مْ يُن ِفقُو نَ (‪ )3‬والّذِي نَ‬
‫يُ ْؤمِنُو نَ بِاْلغَيْ ِ‬
‫ك وَبِال ِخ َرةِ هُ مْ يُوقِنُو نَ (‪)4‬‬
‫يُ ْؤمِنُو َن بِمَا أُنزِ َل ِإلَيْ كَ وَمَا أُنزِ َل مِن قَبْلِ َ‬
‫ك هُ ُم الْ ُمفْلِحُو نَ (‪ )5‬إِنّ اّلذِي نَ‬
‫أُ ْولَـِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِ مْ َوُأوْلَـِئ َ‬
‫َك َفرُواْ َسوَاءٌ عَلَ ْيهِ ْم َأأَنذَ ْرَتهُ مْ أَ ْم لَ ْم تُنذِ ْرهُ مْ َل ُيؤْمِنُو نَ (‪ )6‬خَتَ َم اللّ هُ‬
‫عَلَى قُلُوبِه ْم وَعَلَى سَ ْم ِعهِ ْم وَعَلَى َأبْ صَارِ ِهمْ ِغشَا َو ٌة َولَهُ مْ َعذَا بٌ عظِي مٌ‬
‫س مَن َيقُولُ آ َمنّا بِال ّلهِ َوبِالَْيوْ ِم الخِ ِر َومَا هُم بِ ُم ْؤمِنِيَ (‪)8‬‬
‫(‪ )7‬وَ ِمنَ النّا ِ‬
‫ش ُعرُو نَ (‬
‫خدَعُو نَ إِل أَنفُ سَهُم وَمَا َي ْ‬
‫يُخَادِعُو َن اللّ هَ وَاّلذِي نَ آمَنُوا وَمَا يَ ْ‬
‫‪ )9‬فِي قُلُوبِهِم ّمرَ ضٌ َفزَادَهُ مُ اللّ ُه َمرَضا َولَهُم َعذَا بٌ َألِي مٌ بِمَا كَانُوا‬
‫سدُواْ فِي الَرْ ضِ قَالُوْا ِإنّمَا نَحْ نُ‬
‫يَ ْك ِذبُو نَ (‪َ )10‬وِإذَا قِي َل َلهُ ْم لَ ُتفْ ِ‬
‫شعُرُو نَ (‪)12‬‬
‫مُ صْلِحُونَ (‪ )11‬أَل ِإّنهُ ْم هُ مُ الْ ُمفْ سِدُو َن َولَ ـكِن ل َي ْ‬
‫س قَالُواْ َأُن ْؤمِ نُ كَمَا آمَ َن ال سّ َفهَاء أَل‬
‫وَِإذَا قِي َل َلهُ مْ آمِنُواْ كَمَا آمَ َن النّا ُ‬
‫ِإنّ ُهمْ هُ ُم السّ َفهَاء وَلَـكِن ل َيعْلَمُونَ (‪ )13‬وَِإذَا َلقُواْ اّلذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ‬
‫آمَنّ ا وَِإذَا خَ َل ْواْ ِإلَى شَيَاطِيِنهِ مْ قَالُوْا ِإنّ ا َمعَكْ ْم إِنّمَا نَحْ ُن مُ سَْت ْهزِئُونَ (‬
‫ئ ِبهِ ْم وَيَ ُم ّدهُ ْم فِي ُطغْيَانِهِ ْم َيعْ َمهُو نَ (‪ )15‬أُ ْولَـئِكَ‬
‫‪ )14‬اللّ هُ يَ سَْتهْزِ ُ‬
‫لَلةَ بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت تّجَا َرُتهُ ْم وَمَا كَانُوْا ُمهَْتدِينَ (‬
‫الّذِينَ اشَْت ُروُْا الضّ َ‬
‫ب اللّ هُ‬
‫ت مَا حَ ْولَ هُ ذَهَ َ‬
‫‪ )16‬مَثَ ُلهُ مْ كَمََث ِل الّذِي ا سَْت ْوقَ َد نَارا فَلَمّا أَضَاء ْ‬
‫ص ّم بُكْ مٌ عُمْ ٌي َفهُ ْم لَ‬
‫صرُونَ (‪ُ )17‬‬
‫ت ل يُبْ ِ‬
‫بِنُورِهِ ْم َوَترَكَهُ مْ فِي ُظلُمَا ٍ‬
‫ْقـ‬
‫َاتـ وَرَ ْعدٌ َوَبر ٌ‬
‫ِيهـ ظُ ُلم ٌ‬
‫السـمَا ِء ف ِ‬
‫ّنـ ّ‬‫بم َ‬
‫َصـيّ ٍ‬
‫ُونـ (‪َ )18‬أوْ ك َ‬
‫َيرْ ِجع َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪48‬‬

‫جعَلُو َن أَ صْاِب َعهُ ْم فِي آذَانِهِم مّ نَ ال صّوَا ِعقِ حَذَ َر الْ َموْ تِ واللّ هُ مُحِي طٌ‬
‫يَ ْ‬
‫شوْاْ‬
‫ف َأبْ صَا َر ُهمْ كُلّمَا أَضَاء لَهُم ّم َ‬
‫بِالْكا ِفرِي نَ (‪َ )19‬يكَا ُد الَْبرْ قُ يَخْطَ ُ‬
‫ب بِسَ ْم ِع ِهمْ َوَأبْصَا ِرهِ ْم إِنّ‬
‫فِي ِه َوإِذَا أَظْلَمَ عَلَ ْيهِمْ قَامُوْا َولَ ْو شَاء اللّهُ َل َذهَ َ‬
‫اللّه عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪. ﴾ )20‬‬

‫***‬
‫‪49‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب فِي ِه هُدًى لّلْمُّتقِيَ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬ال (‪َ )1‬ذلِ كَ اْلكِتَا بُ لَ َريْ َ‬
‫ب َوُيقِيمُو نَ ال صّل َة َومِمّا رَ َزقْنَاهُ ْم يُنفِقُو نَ (‪)3‬‬
‫(‪ )2‬الّذِي نَ ُي ْؤمِنُو َن بِالْغَيْ ِ‬
‫ك وَبِال ِخ َرةِ هُ ْم يُوقِنُونَ‬
‫ك َومَا أُنزِ َل مِن قَبْلِ َ‬
‫واّلذِي َن ُيؤْمِنُو َن بِمَا أُنزِ َل ِإلَيْ َ‬
‫ك هُ ُم الْ ُمفْلِحُونَ (‪. ﴾ )5‬‬
‫(‪ )4‬أُ ْولَـِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّرّب ِهمْ َوُأوْلَـِئ َ‬
‫قال الشعـب وغيه ‪ ﴿ :‬آل ﴾ ‪ .‬وسـائر حروف الجاء فـ أوائل‬
‫القرآن ‪ ،‬من التشا به الذي ا ستأثر ال بعل مه ‪ ،‬و هي سر القرآن ‪ ،‬فن حن‬
‫نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إل ال تعال ‪ .‬قال أبو بكر الصديق ‪ :‬ف‬
‫كل كتاب سر ‪ ،‬وسر ال ف القرآن ‪ ،‬وأوائل السور ‪ .‬وعن ابن عباس أنه‬
‫قال ‪ :‬مع ن ﴿ آل ﴾ ‪ :‬أ نا ال أعلم ‪ ،‬ومع ن ﴿ آل ص ﴾ ‪ :‬أ نا ال أعلم‬
‫وأفصل ‪ .‬ومعن ﴿ آلر ﴾ ‪ :‬أنا ال أرى ‪ .‬ومعن ﴿ آلر ﴾ ‪ :‬أنا ال أعلم‬
‫وأرى ‪ .‬وقال ماهـد ‪ :‬هذه الروف أسـاء السـور ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬إناـ‬
‫ذكرت هذه الروف ف أوائل ال سور ‪ ،‬بيانًا لِعجاز القرآن ‪ ،‬وأن اللق‬
‫عاجزون عن معارضته بثله ؛ وإليه ذهب شيخ السلم ابن تيمية ‪.‬‬
‫قال الزمشري ‪ ( :‬ول ترد كلهـا مموعـة فـ أول القرآن ‪ ،‬وإناـ‬
‫كررت ليكون أبلغ ف التحدي والتبك يت ‪ ،‬ك ما كررت ق صص كثية ‪،‬‬
‫وكرر التحدي بالصريح ف أماكن ) ‪ .‬انتهى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك اْلكِتَا بُ لَ َريْ بَ فِي هِ هُدًى لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫تعال ‪ :‬هذا الكتاب وهو القرآن ‪ ،‬لشك فيه أنه من عند ال تعال ‪ ،‬وأنه‬
‫الق والصدق ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬آل * تَنِيلُ اْل ِكتَا بِ ل َريْ بَ فِي ِه مِن‬
‫ب اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫رّ ّ‬
‫الزء الول‬ ‫‪50‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هُدًى لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬رشـد وبيان لهـل التقوى‬
‫خا صة ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬قُ ْل ُهوَ ِللّذِي نَ آ َمنُوا هُدًى َو ِشفَاء وَالّذِي نَ لَا‬
‫ُيؤْ ِمنُونَ فِي آذَاِنهِ ْم وَقْرٌ وَ ُه َو عََلْيهِ ْم عَمًى ُأوَْلئِكَ ُينَا َدوْ َن مِن مّكَا ٍن َبعِيدٍ﴾‪.‬‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وُننَزّ ُل مِ َن اْلقُرْآ ِن مَا ُه َو ِشفَاء وَ َرحْ َمةٌ لّ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ وَ َل يَزِيدُ‬
‫الظّالِمِيَ إَل خَ سَارا ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬التق يّ من يتق يّ الشرك والكبائر‬
‫والفواحش ‪ .‬وأنشد أبو الدرداء ‪:‬‬
‫ويأبــ ال إل مــا أراد‬ ‫ـى مُناه‬
‫ـد الرء أن يؤتـ‬
‫يريـ‬
‫(‬ ‫(‬

‫وتقوى ال أفضل ما استفادا‬ ‫يقول الرء ‪ :‬فائدتــ ومال‬


‫(‬ ‫(‬

‫والتقوى ‪ :‬هي ‪ :‬طاعة ال بامتثال أمره واجتناب نيه ‪.‬‬


‫ُونـ الصـّلةَ َومِمّاـ‬
‫ْبـ َوُيقِيم َ‬
‫ُونـ بِاْلغَي ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذ َ‬
‫ِينـ ُي ْؤمِن َ‬
‫رَزَ ْقنَاهُ مْ يُن ِفقُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الذين يصدقون با غاب عنهم ‪ ،‬ما أخب ال‬
‫به من أمور الخرة والقدر وغ ي ذلك ‪ .‬قال أ بو العال ية ‪ :‬يؤمنون بال ‪،‬‬
‫وملئكتـه ‪ ،‬وكتبـه ‪ ،‬ورسـله ‪ ،‬واليوم الخـر ‪ ،‬وجنتـه وناره ‪ ،‬ولقائه ‪،‬‬
‫ويؤمنون بالياة ب عد الوت وبالب عث ‪ ،‬فهذا غي بٌ كله ‪ .‬و عن أ ب ج عة‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬تغدينا مع رسول ال ‪ ،‬ومعنا أبو عبيدة بن الراح‬
‫فقال ‪ :‬يا ر سول ال هل أ حد خ ي م نا ؟ أ سلمنا م عك وجاهد نا م عك‬
‫قال ‪ « :‬نعم قومٌ من بعدكم يؤمنون ب ول يرون » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويُقِيمُو َن ال صّلةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يديونا ويافظون عليها‬
‫ف مواقيت ها ‪ ،‬بدودها وأركان ا وهيآت ا ‪ ،‬والراد ب ا ال صلوات ال مس ‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬إقامة الصلة إتام الركوع والسجود ‪ ،‬والتلوة والشوع‬
‫والِقبال عليه فيها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف جيع ما يلزمهم‬
‫من الزكاة وغي ها ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬هذه الموال َعوَا ٍر وودائع عندك يا ا بن‬
‫آدم ‪ ،‬يوشك أن تفارقها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬والّذِي َن ُي ْؤ ِمنُو نَ بِمَا أُنزِلَ إَِليْ كَ وَمَا أُنزِ َل مِن َقْبلِ كَ‬
‫َوبِالخِ َر ِة هُ ْم يُوقِنُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ ﴿ :‬والّذِي َن ُي ْؤ ِمنُو نَ بِمَا أُنزِ َل‬
‫ك َومَا أُنزِ َل مِن َقبْلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يصدقون با جئت به من ال ‪ ،‬وما‬ ‫إَِليْ َ‬
‫جاء به من قبلك من الرسلي ‪ ،‬ل يفرقون بينهم ول يحدون ما جاءوهم‬
‫به من ربم ﴿ َوبِالخِ َرةِ هُ ْم يُوِقنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالبعث والقيامة ‪ ،‬والنة‬
‫والنار ‪ ،‬وال ساب واليزان ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وبِالخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫بالدار الخرة ‪ .‬سـيت الدنيـا دنيـا لدنوّهـا مـن الخرة ‪ ،‬وسـيت الخرة‬
‫آخرة لتأخرها وكونا بعد الدنيا ﴿ هُ ْم يُوقِنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يستيقنون أنا‬
‫كائنة ‪.‬‬
‫ـ‬ ‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَــئِكَ عَلَى هُدًى مّنـ ّرّبهِم ْ‬
‫ـ َوأُوْلَــئِكَ هُم ُ‬
‫الْ ُمفْلِحُونَ ﴾ ‪ .‬يقول ال تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَـئِكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬التصفون بالِيان‬
‫وإقام الصلة والِنفاق ما أعطاهم ال ﴿ عَلَى هُدًى مّن ّرّبهِ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫على نور وبيان وب صية ﴿ َوأُوْلَ ـئِكَ هُ ُم الْ ُمفْلِحُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الناجون‬
‫الفائزون ‪ ،‬فازوا بالنة ونوا من النار ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪52‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َك َفرُواْ َسوَاءٌ عَلَ ْيهِ ْم َأأَنذَ ْرَتهُ مْ أَ ْم لَ مْ‬
‫تُنذِرْهُم ْـ َل يُ ْؤمِنُونَـ (‪ )6‬خَتَمَـ اللّهُـ عَلَى قُلُوبِهم ْـ وَعَلَى سَـْم ِعهِ ْم وَعَلَى‬
‫َأبْصَا ِر ِهمْ ِغشَا َو ٌة وََل ُهمْ َعذَابٌ عظِيمٌ (‪. ﴾ )7‬‬
‫يقول ال تعال ‪ :‬إن الذين كفروا من أهل الكتاب والشركي ‪ ،‬سواء‬
‫علي هم إنذارك وعد مه ‪ ،‬فإن م ل يؤمنون ب ا جئت هم به ‪ ،‬ك ما قال تعال‬
‫ت عََلْيهِ مْ كَِلمَ تُ َربّ كَ َل ُي ْؤ ِمنُو نَ * وََلوْ جَاءْتهُ مْ كُلّ‬
‫‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ َحقّ ْ‬
‫ب الَلِيمَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ ( :‬والكفر على أربعة أناء‬
‫آَيةٍ َحتّى َي َر ُواْ اْلعَذَا َ‬
‫‪ :‬كفر إنكار ‪ ،‬وكفر جحود ‪ ،‬وكفر عناد ‪ ،‬وكفر نفاق ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ختَ مَ اللّ ُه عَلَى قُلُوبِه ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طبع‬
‫ال على قلوب م ‪ ،‬فل ت عي خيًا ول تفه مه ‪ ،‬وعلى سعهم فل ي سمعون‬
‫الق ول ينتفعون به ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ َشرّ ال ّدوَابّ عِندَ اللّ ِه ال صّمّ‬
‫الُْبكْ ُم الّذِي نَ َل َيعْقِلُو نَ * وََل ْو عَلِ مَ اللّ هُ فِيهِ مْ َخيْرا لّأ سْ َم َعهُ ْم وََلوْ أَ سْ َم َعهُمْ‬
‫َلَتوَلّواْ وّهُم ّمعْرِضُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ِيمـ ﴾ ‪.‬‬
‫َابـ عظ ٌ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَلَى َأبْصـَا ِرهِ ْم غِشَاوَ ٌة وََله ْ‬
‫ُمـ عَذ ٌ‬
‫يقول تعال ‪ :‬وعلى أبصارهم غطاء ‪ ،‬فل يرون الق ‪ ،‬ولم عذاب عظيم‬
‫فـ الخرة ‪ ،‬فالتـم على القلب والسـمع ‪ ،‬والغشاوة على البصـر ‪ ،‬كمـا‬
‫ضلّ هُ اللّ ُه عَلَى عِ ْل ٍم وَ َختَ مَ‬
‫قال تعال ‪ ﴿ :‬أَفَ َرَأيْ تَ مَ ِن اتّخَذَ إَِلهَ هُ َهوَا هُ َوأَ َ‬
‫عَلَى سَ ْمعِ ِه وََق ْلبِ هِ وَ َجعَلَ عَلَى بَ صَ ِر ِه غِشَاوَةً فَمَن َيهْدِي هِ مِن َبعْدِ اللّ هِ أَفَل‬
‫ج َهنّمَ َكثِيا مّ َن الْجِنّ وَالِن سِ‬ ‫تَذَكّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ ذَ َرْأنَا لِ َ‬
‫ب ل َي ْف َقهُو نَ بِهَا وََلهُ مْ َأ ْعيُ نٌ ل ُيبْ صِرُونَ بِهَا وََلهُ مْ آذَا نٌ ل‬ ‫َلهُ مْ قُلُو ٌ‬
‫ك هُ ُم اْلغَافِلُو نَ ﴾ ‪،‬‬ ‫يَ سْ َمعُونَ ِبهَا ُأوْلَـئِكَ كَا َلْنعَا ِم بَ ْل هُ مْ أَضَلّ ُأوْلَـئِ َ‬
‫‪53‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعن أ ب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن الؤمن إذا‬
‫أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء ف قلبه ‪ ،‬فإن تاب ونزع واستعتب صقل‬
‫قلبـه ‪ ،‬وإن زادت زاد حتـ تعلو قلبـه ‪ ،‬فذلك الران الذي قال ال تعال‬
‫سبُونَ ﴾ » ‪ .‬رواه ابن جرير‬
‫‪ ﴿ :‬كَل بَلْ رَا َن عَلَى ُقلُوِبهِم مّا كَانُوا يَكْ ِ‬
‫وغيه ‪ .‬وقال الترمذي ‪ ( :‬حسن صحيح ) ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬الران أيسر من‬
‫الطبع ‪ ،‬والطبع أيسر من الِقفال ‪ ،‬والِقفال أشد من ذلك كله ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ومِ نَ النّا سِ مَن َيقُولُ آمَنّ ا بِاللّ هِ َوبِالَْيوْ ِم ال ِخرِ‬
‫خدَعُو نَ إِل‬
‫وَمَا هُم بِ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )8‬يُخَادِعُو َن اللّ َه وَاّلذِي نَ آمَنُوا وَمَا يَ ْ‬
‫شعُرُو نَ (‪ )9‬فِي قُلُوبِهِم ّمرَ ضٌ َفزَادَهُ مُ اللّ ُه َمرَضا َوَلهُم‬
‫أَنفُ سَهُم وَمَا َي ْ‬
‫ْسـدُواْ فِي‬
‫ُمـ لَ ُتف ِ‬
‫ُونـ (‪َ )10‬وِإذَا قِيلَ لَه ْ‬
‫ِيمـ بِمَا كَانُوا يَ ْك ِذب َ‬
‫َابـ َأل ٌ‬
‫َعذ ٌ‬
‫ْسـدُونَ‬
‫ُمـ الْ ُمف ِ‬
‫ُمـ ه ُ‬
‫ُصـلِحُونَ (‪ )11‬أَل ِإّنه ْ‬
‫ْنـ م ْ‬
‫ْضـ قَالُوْا ِإنّم َا نَح ُ‬
‫الَر ِ‬
‫شعُرُونَ (‪. ﴾ )12‬‬
‫وَلَـكِن ل َي ْ‬
‫هذه اليات نزلت ف النافق ي ‪ :‬ع بد ال بن أ ب ‪ ،‬وأ صحابه وغيهم‬
‫م ن أظ هر كل مة الِ سلم واعت قد خلف ها ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬النفاق هو‬
‫إظهار اليـ وإسـرار الشـر ‪ ،‬وهـو أنواع ‪ :‬اعتقادي وهـو ‪ :‬الذي يلد‬
‫صاحبه ف النار ‪ ،‬وعملي و هو ‪ :‬من أ كب الذنوب ‪ .‬قال ا بن جر يج ‪:‬‬
‫النافـق يالف قوله فعله ‪ ،‬وسـره علنيتـه ‪ ،‬ومدخله مرجـه ‪ ،‬ومشهده‬
‫مغيبه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا هُم بِ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ كذبم ال تعال ف قولم ‪ :‬آمنا‬
‫بال وباليوم الخر ‪ ،‬لنم يقولون بألسنتهم ما ليس ف قلوبم ‪ ،‬كما قال‬
‫شهَدُ ِإنّ كَ لَرَ سُولُ اللّ ِه وَاللّ ُه َيعْلَ مُ‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬إِذَا جَاء كَ الْ ُمنَاِفقُو نَ قَالُوا نَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪54‬‬

‫خذُوا َأيْمَاَنهُ مْ ُجّنةً‬ ‫شهَدُ إِنّ الْ ُمنَاِفقِيَ َلكَا ِذبُو نَ * اتّ َ‬
‫ِإنّ كَ لَرَ سُولُهُ وَاللّ هُ يَ ْ‬
‫فَ صَدّوا عَن َسبِيلِ اللّ هِ إِّنهُ مْ سَاء مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ * ذَلِ كَ بَِأّنهُ مْ آ َمنُوا ثُمّ‬
‫َكفَرُوا َف ُطبِ َع عَلَى ُقلُوِبهِمْ َف ُهمْ لَا َيفْ َقهُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُخَا ِدعُونَ اللّ َه وَالّذِينَ آ َمنُوا َومَا يَخْ َدعُونَ إِل أَنفُ َ‬
‫سهُم‬
‫شعُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪ :‬يادعون ال والذ ين آمنوا بإظهار الِيان‬ ‫وَمَا يَ ْ‬
‫وإبطانم الكفر ‪ ،‬ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند ال كنفعهم عند بعض‬
‫حِلفُو نَ لَ هُ كَمَا‬
‫الؤمن ي ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ َم َيبْ َعُثهُ مُ اللّ هُ جَمِيعا َفيَ ْ‬
‫سبُونَ َأّنهُ ْم عَلَى َشيْءٍ أَل ِإّنهُمْ هُمُ الْكَا ِذبُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫يَحِْلفُونَ َلكُ ْم َويَحْ َ‬
‫ـهُم ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لن وبال‬
‫ـ إِل أَنفُس َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَـا يَ ْ‬
‫خ َدعُون َ‬
‫خداعهم راجع عليهم ‪ ،‬بفضيحتهم ف الدنيا وعقابم ف الخرة ‪َ ﴿ ،‬ومَا‬
‫شعُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يدرون أنم يدعون أنفسهم ‪ ،‬وإن وبال خداعهم‬‫يَ ْ‬
‫يعود عليهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فِي قُلُوبِهِم مّرَ ضٌ فَزَا َدهُ مُ اللّ هُ مَرَضا وَلَهُم عَذَا بٌ‬
‫أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا يَكْ ِذبُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪ ﴿ :‬فِي قُلُوِبهِم مّرَضٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫شك ونفاق ‪َ ﴿ ،‬فزَا َدهُ مُ اللّ ُه مَرَضا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شكًا ونفاقًا ‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا مَا أُنزِلَ تْ سُو َرةٌ َف ِمْنهُم مّن َيقُولُ َأّيكُ مْ زَا َدتْ ُه هَـ ِذهِ إِيَانا‬
‫سَتبْشِرُونَ * َوأَمّا الّذِي نَ فِي قُلُوِبهِم‬ ‫َفَأمّا الّذِي نَ آ َمنُواْ فَزَا َدْتهُ مْ ِإيَانا َوهُ ْم يَ ْ‬
‫سهِ ْم َومَاتُوْا َوهُمْ كَافِرُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫مّ َرضٌ فَزَا َدْتهُمْ رِجْسا إِلَى رِجْ ِ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلهُم عَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا َيكْ ِذبُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ولم‬
‫عذاب مؤل موجع ‪ ،‬يلص حده إل قلوبم ‪ ﴿ ،‬بِمَا كَانُوا يَكْ ِذبُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬بكذبم ف دعواهم الِيان بال وباليوم الخر ‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ َلهُ مْ َل ُتفْ سِدُواْ فِي الَرْ ضِ قَالُواْ ِإنّمَا نَحْ نُ‬
‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫شعُر َ‬ ‫ْسـدُونَ وَلَــكِن ل يَ ْ‬ ‫ُمـ الْ ُمف ِ‬
‫ُمـ ه ُ‬
‫ُصـِلحُونَ * أَل ِإّنه ْ‬
‫م ْ‬
‫تعال ‪ :‬وإذا قيـل لمـ ل تفسـدوا فـ الرض بالكفـر وتعويـق الناس عـن‬
‫الِيان ‪ ﴿ ،‬قَالُواْ ِإنّمَا نَحْ ُن مُ صْلِحُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن ا نر يد الِ صلح ب ي‬
‫الفريقي من الؤمني وأهل الكتاب ‪ ﴿ ،‬أَل ِإّنهُ مْ هُ مُ الْ ُمفْ سِدُو َن وَلَـكِن‬
‫ُونـ ﴾ بكونـه فسـادًا ‪ .‬قال أبـو العاليـة ‪ :‬وكان فسـادهم ذلك‬ ‫شعُر َ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫معصية ال ‪ ،‬لنه من عصى ال ف الرض أو أمر بعصيته فقد أفسد ف‬
‫الرض ‪ ،‬لن صلح الرض والسماء بالطاعة ‪.‬‬
‫س قَالُوْا َأنُ ْؤمِنُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا قِي َل َلهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النّا ُ‬
‫سفَهَاء أَل ِإّنهُ ْم هُمُ السّ َفهَاء َولَـكِن ل يَعْلَمُونَ (‪ )13‬وَِإذَا‬
‫كَمَا آمَ َن ال ّ‬
‫َلقُواْ اّلذِينَ آ َمنُوْا قَالُواْ آمَنّا وَِإذَا خَ َل ْواْ ِإلَى شَيَاطِيِن ِهمْ قَالُواْ إِنّا َمعَ ْكمْ ِإنّمَا‬
‫ئ ِبهِمْ َويَ ُمدّهُ ْم فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ‬
‫نَحْ ُن مُسْتَ ْه ِزئُونَ (‪ )14‬اللّ ُه يَسَْتهْزِ ُ‬
‫لَلةَ بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت تّجَا َرُتهُ ْم َومَا‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ ُر ُواْ الضّ َ‬
‫(‪ )15‬أُ ْولَـئِ َ‬
‫كَانُواْ مُهَْتدِينَ (‪. ﴾ )16‬‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ ﴾ للمنافق ي ‪ :‬آمنوا بح مد وب ا جاء به‬
‫كما آمن الناس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ يعنون أصحاب ممد‬
‫‪ ﴿ ،‬أَل ِإّنهُ مْ هُ مُ ال سّ َفهَاء ﴾ الهال ف الدين الضعفاء الرأي ‪﴿ ،‬‬
‫وَلَـكِن ل َيعَْلمُونَ ﴾ ‪ .‬ذلك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َلقُواْ الّذِينــَ آ َمنُواْ قَالُواْ آمَنّاــ َوإِذَا َخَل ْواْ إِلَى‬
‫سَتهْ ِزئُونَ ﴾ يقول تعال ‪ :‬وإذا لقي‬
‫َشيَاطِينِهِ مْ قَالُواْ ِإنّا َم َعكْ مْ ِإنّمَا نَحْ ُن مُ ْ‬
‫هؤلء النافقون الؤمنون قالوا ‪ :‬آم نا كإيان كم م صانعة وتق ية ‪ ،‬وإذا خلوا‬
‫الزء الول‬ ‫‪56‬‬

‫ان صرفوا ﴿ إِلَى َشيَاطِيِنهِ مْ ﴾ رؤ سائهم ‪ ،‬قالوا ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا َمعَكْ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫سَتهْ ِزئُونَ ﴾ بحمد وأصحابه نلعب بم ‪.‬‬ ‫على دينكم ﴿ إِنّمَا َنحْ ُن مُ ْ‬
‫ئ ِبهِ ْم َويَمُ ّدهُ مْ فِي طُ ْغيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُو نَ ﴾ قال‬ ‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫سَتهْزِ ُ‬
‫ئ ِبهِمْ ﴾ قال ‪ :‬يسخر بم للنقمة‬ ‫ابن عباس ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬اللّ ُه يَسَْتهْزِ ُ‬
‫من هم ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويَمُ ّدهُ مْ فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يلي‬
‫لم ف ضللتهم يترددون متحيين ‪.‬‬
‫ضلََل َة بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت‬ ‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَ ـئِ َ‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ ُر ُوْا ال ّ‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ ُر ُوْا‬
‫تّجَا َرُتهُ ْم َومَا كَانُوْا ُم ْهتَدِي نَ ﴾ قال ابن عباس ‪ُ ﴿ :‬أوْلَـئِ َ‬
‫ضلََلةَ بِاْلهُدَى ﴾ أخذوا الضللة وتركوا الدى ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَـا‬ ‫ال ّ‬
‫َربِحَت تّجَا َرُتهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما ربوا ف تارت م لن م ا ستبدلوا الك فر‬
‫باليان ‪َ ﴿ ،‬ومَا كَانُوْا ُمهْتَدِي نَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬قد وال رأيتموهم ‪ ،‬من‬
‫خرجوا من الدى إل الضلل ‪ ،‬ومن الماعة إل الفرقة ‪ ،‬ومن المن إل‬
‫الوف ‪ ،‬ومن السنة إل البدعة ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مَثَ ُلهُ مْ كَمََث ِل اّلذِي ا سْتَ ْو َقدَ نَارا فَلَمّا أَضَاء تْ مَا‬
‫صمّ‬
‫صرُونَ (‪ُ )17‬‬
‫ت ل يُبْ ِ‬
‫ب اللّ ُه بِنُو ِرهِ ْم َوتَرَ َكهُ مْ فِي ظُ ُلمَا ٍ‬
‫حَ ْولَ هُ َذهَ َ‬
‫ب مّ َن ال سّمَا ِء فِي هِ ظُ ُلمَا تٌ‬
‫بُكْ مٌ ُعمْ ٌي َفهُ ْم لَ َي ْرجِعُو نَ (‪َ )18‬أوْ كَ صَيّ ٍ‬
‫صوَا ِع ِق َحذَرَ الْ َموْ تِ‬
‫جعَلُو َن أَ صْابِ َع ُهمْ فِي آذَانِهِم مّ َن ال ّ‬
‫ق يَ ْ‬
‫وَرَ ْعدٌ وََبرْ ٌ‬
‫ف َأبْ صَا َرهُمْ كُلّمَا أَضَاء‬
‫ق يَخْطَ ُ‬
‫ط بِالْكافِرِي نَ (‪َ )19‬يكَا ُد الَْبرْ ُ‬
‫واللّ ُه مُحِي ٌ‬
‫ش ْواْ فِي هِ َوِإذَا أَظْلَ مَ عَلَ ْيهِ ْم قَامُواْ َوَلوْ شَاء اللّ ُه لَ َذهَ بَ بِ سَ ْم ِعهِمْ‬
‫لَهُم ّم َ‬
‫وََأبْصَا ِرهِ ْم إِ ّن اللّه عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪. ﴾ )20‬‬
‫‪57‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬نزلت ف النافقي ‪ ،‬يقول ‪ :‬مثلهم ف نفاق هم كمثل‬


‫رجل أوقد نارًا ف ليلة مظلمة ف مفازة ‪ ،‬فاستدفأ ورأى ما حوله ‪ ،‬فاتقى‬
‫ماـ ياف ‪ ،‬فبينـا هـو كذلك إذ طفئت ناره ‪ ،‬فبقـي فـ ظلمـة خائف ًا‬
‫متحيًا ‪ ،‬فكذلك النافقون بإظهار كلمــة الِيان أمنوا على أموالمــ‬
‫وأولد هم ‪ ،‬وناكحوا الؤمن ي ‪ ،‬ووارثو هم ‪ ،‬وقا سوهم الغنائم ‪ ،‬فلذلك‬
‫نورهم ‪ ،‬فإذا ماتوا عادوا إل الظلمة والوف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬صُ ّم ُبكْ ٌم عُمْ يٌ َفهُ مْ لَ َيرْ ِجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هم صم‬
‫عن ال ق ل يقبلو نه ‪ ،‬ب كم خرس عن ال ق ل يقولو نه ‪ ،‬ع مي ل ب صائر‬
‫لم ‪ ،‬فهم ل يرجعون عن الضللة إل الق ‪.‬‬
‫ْقـ‬
‫َاتـ وَ َرعْ ٌد َوبَر ٌ‬
‫ِيهـ ظُلُم ٌ‬
‫السـمَاءِ ف ِ‬
‫ّنـ ّ‬‫بم َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوْ ك َيّ‬
‫َصـ ٍ‬
‫صوَاعِقِ حَذَ َر الْ َموْ تِ واللّ ُه مُحِي ٌ‬
‫ط‬ ‫جعَلُو نَ أَ صْاِب َعهُمْ فِي آذَانِهِم مّ َن ال ّ‬ ‫يَ ْ‬
‫ش ْواْ فِي هِ َوإِذَا‬
‫خطَ فُ َأبْ صَارَهُمْ ُكلّمَا أَضَاء َلهُم مّ َ‬ ‫ق يَ ْ‬
‫بِالْكاِفرِي نَ * َيكَا ُد الْبَرْ ُ‬
‫أَظَْل َم عََلْيهِ مْ قَامُوْا وََل ْو شَاء اللّ هُ لَ َذهَ بَ بِ سَ ْم ِعهِ ْم َوَأبْ صَارِهِمْ إِنّ اللّه عَلَى‬
‫كُ ّل َشيْءٍ َقدِي ٌر ﴾ هذا مثـل آخـر ضربـه ال تعال لصـنف آخـر مـن‬
‫النافق ي ‪ ،‬و هم قوم يظ هر ل م ال ق تارة ويشكون أخرى ‪ .‬وال صيّب ‪:‬‬
‫الطـر ‪ ،‬مـن صـاب يصـوب ‪ ،‬أي ‪ :‬نزل مـن السـماء ‪ ،‬أي ‪ :‬مـن‬
‫ت َو َرعْدٌ َوبَرْ قٌ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬الر عد ‪:‬‬ ‫ال سحاب ‪ ﴿ ،‬فِي ِه ظُلُمَا ٌ‬
‫اسم ملك يسوق السحاب ‪ ،‬والبق ‪ :‬لعان سوط من نور يزجر به اللك‬
‫السحاب ‪ .‬وعن أب كثي قال ‪ :‬كنت عند أب اللد إذ جاء رسول ابن‬
‫عباس بكتاب إل يه ‪ ،‬فك تب إل يه ‪ :‬كثيًا ت سألن عن الر عد ‪ ،‬فالر عد ‪:‬‬
‫الريـح ‪ ،‬والبق مـن الاء ‪ .‬قال السـخاوي ‪ :‬إن سـبب الرعـد اضطراب‬
‫الزء الول‬ ‫‪58‬‬

‫أجرام ال سحاب وا صطكاكها إذا ساقها الر يح من الرتعاد ‪ .‬قال ب عض‬


‫الف سرين ‪ :‬وإن أطلق الر عد على اللك أيضًا ف هو مشترك ب ي ال صوت‬
‫الذكور واللك الثابت ف الحاديث ‪.‬‬
‫ـِب َعهُمْ فِي آذَانِهِم مّنَـ الصّـوَاعِقِ حَ َذرَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫ج َعلُونَـأَص ْا‬
‫ْتـ ﴾ مافـة اللك ؛ فهذا الثـل ضربـه ال للقرآن وصـنيع النافقيـ‬ ‫الْ َمو ِ‬
‫معـه ‪ ،‬فإن مـن شأنمـ الوف الشديـد والفزع ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫ح ٍة عََلْيهِمْ ﴾ ‪.‬‬
‫صيْ َ‬
‫سبُونَ كُلّ َ‬
‫يَحْ َ‬
‫ِينـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عال بمـ ‪ .‬قال‬
‫ِيطـ بِالْكافِر َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬والل ُ‬
‫ّهـ ُمح ٌ‬
‫ماهد ‪ :‬يمعهم فيعذبم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَكَا ُد اْلبَرْ قُ َيخْطَ فُ َأبْ صَا َرهُمْ كُلّمَا أَضَاء َلهُم مّ َ‬
‫ش ْواْ‬
‫ِمـ قَامُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وقفوا ‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫َمـ عََلْيه ْ‬
‫ِيهـ َوإِذَا أَظْل َ‬
‫ف ِ‬
‫يعرفون القـ ويتكلمون بـه ‪ ،‬فهـم مـن قولمـ بـه على اسـتقامة ‪ ،‬فإذا‬
‫ارتكسوا منه إل الكفر قاموا ‪ ،‬أي ‪ :‬متحيين ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ شَاء اللّ هُ لَ َذهَ َ‬
‫ب بِ سَ ْم ِعهِ ْم َوأَبْ صَا ِرهِمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫لذ هب بأ ساعهم وأب صارهم الظاهرة ‪ ،‬ك ما ذ هب بأ ساعهم وأب صارهم‬
‫الباطنـة ‪ ﴿ ،‬إِنّ اللّه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فصـار الناس ثلثـة أقسـام ‪:‬‬
‫ـيجازى بعمله ‪ .‬قال ال تعال‬ ‫ـل سـ‬ ‫مؤمنون ‪ ،‬وكفار ‪ ،‬ومنافقون ‪ ،‬وكـ‬
‫‪ ﴿ :‬مَن ذَا الّذِي ُيقْرِ ضُ اللّ هَ َقرْضا حَ سَنا َفُيضَا ِعفَ هُ لَ ُه وَلَ هُ أَجْرٌ َك ِريٌ *‬
‫ِمـ َوبَِأيْمَانِهِم‬
‫ْنـ أَيْدِيه ْ‬
‫َسـعَى نُورُهُم َبي َ‬ ‫َاتـ ي ْ‬
‫ْمـ تَرَى الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫َيو َ‬
‫ك ُه َو اْلفَوْزُ‬‫حِتهَا اْلأَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَلِ َ‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫بُشْرَاكُ ُم اْلَيوْمَ َجنّا ٌ‬
‫الْعَظِيمُ * َيوْ َم َيقُو ُل الْ ُمنَافِقُو َن وَالْ ُمنَاِفقَاتُ لِلّذِينَ آ َمنُوا ان ُظرُونَا َنقَْتبِسْ مِن‬
‫‪59‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫نّورِكُ مْ قِيلَ ارْ ِجعُوا وَرَاءكُ مْ فَاْلتَمِ سُوا نُورا َفضُرِ بَ بَْينَهُم بِ سُورٍ لّ ُه بَا بٌ‬
‫بَا ِطنُ هُ فِي هِ الرّحْ َم ُة َوظَاهِرُ هُ مِن ِقبَلِ هِ الْعَذَا بُ * ُينَادُوَنهُ مْ أَلَ ْم نَكُن ّم َعكُ مْ‬
‫صتُ ْم وَا ْرتَْبتُ مْ وَغَ ّرْتكُ ُم الَْأمَانِيّ َحتّى‬
‫قَالُوا بَلَى وََلكِّنكُ مْ َفتَنتُ مْ أَنفُ سَكُ ْم َوتَ َربّ ْ‬
‫جَاء َأمْرُ اللّ ِه َوغَرّكُم بِاللّ ِه الْغَرُورُ * فَاْلَيوْ مَ لَا ُيؤْخَذُ مِنكُ مْ فِ ْدَي ٌة وَلَا مِ نَ‬
‫س الْمَ صِيُ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال‬ ‫الّذِي نَ َكفَرُوا َم ْأوَاكُ ُم النّا ُر هِ َي َموْلَاكُ ْم َوبِئْ َ‬
‫‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا تُوبُوا إِلَى اللّ ِه َت ْوَبةً نّ صُوحا عَ سَى َرّبكُ مْ أَن ُي َكفّرَ‬
‫حِتهَا اْلَأنْهَا ُر َيوْ َم ل يُخْزِي‬ ‫عَنكُ مْ َسّيئَاِتكُ ْم َويُدْخَِلكُ مْ َجنّا تٍ تَجْرِي مِن َت ْ‬
‫سعَى َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ َوِبَأيْمَاِنهِ ْم َيقُولُو نَ‬
‫اللّ ُه الّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا َمعَ هُ نُو ُرهُ مْ يَ ْ‬
‫َرّبنَا َأتْ ِممْ َلنَا نُو َرنَا وَا ْغفِرْ َلنَا ِإنّكَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابـن مسـعود ‪ :‬نورهـم يسـعى بيـ أيديهـم على قدر أعمالمـ ‪،‬‬
‫يرون على ال صراط ‪ ،‬من هم مَ ْن نورُه م ثل ال بل ‪ ،‬ومن هم مَ ْن نوُره م ثل‬
‫النخلة ‪ ،‬وأدناهم نورًا مَ ْن نوُره ف إبامه يتّقد مرة ويُطفأ أخرى ‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬ل يس أ حد من أ هل التوح يد إل يع طى نورًا يوم القيا مة ‪ ،‬فأ ما‬
‫النافق فيطفأ نوره ‪ ،‬فالؤمن مشفق ما يرى من إطفاء نور النافقي ‪ ،‬فهم‬
‫يقولون ‪َ ﴿ :‬رّبنَا َأتْ ِممْ َلنَا نُو َرنَا ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪60‬‬

‫الدرس الثالث‬

‫﴿ يَا َأيّهَا النّا سُ اعُْبدُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خَ َلقَكُ مْ وَاّلذِي نَ مِن قَبْ ِلكُ مْ‬
‫ض ِفرَاشا وَالسّمَاء بِنَاء َوأَن َزلَ‬
‫َلعَلّكُمْ تَّتقُونَ (‪ )21‬الّذِي جَ َع َل لَكُمُ الَرْ َ‬
‫جعَلُوْا لِلّ ِه أَندَادا‬
‫ل تَ ْ‬
‫ج بِ ِه مِ َن الثّ َمرَاتِ ِرزْقا ّلكُمْ فَ َ‬
‫مِ َن السّمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخرَ َ‬
‫ب مّمّ ا َن ّزلْنَا عَلَى عَ ْبدِنَا َف ْأتُواْ‬
‫وَأَنتُ مْ َتعْلَمُو نَ (‪َ )22‬وإِن كُنتُ ْم فِي َريْ ٍ‬
‫بِ سُو َر ٍة مّ ن مّثْلِ ِه وَادْعُوْا شُ َهدَاءكُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه إِ نْ كُنْتُ مْ صَا ِدقِيَ (‬
‫ـ َتفْعَلُواْ َولَن َت ْفعَلُوْا فَاّتقُوْا النّا َر الّتِـي َوقُودُهَـا النّاسـُ‬
‫‪َ )23‬فإِن لّم ْ‬
‫شرِ اّلذِيــن آمَنُوْا وَعَمِلُواْ‬
‫وَالْحِجَا َر ُة أُ ِعدّتــْ لِلْكَافِرِينــَ (‪ )24‬وََب ّ‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ كُلّمَا رُ ِزقُواْ مِ ْنهَا مِن‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫الصّالِحَاتِ أَ ّن َل ُهمْ جَنّا ٍ‬
‫ثَ َم َرةٍ رّزْقا قَالُوْا هَـذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِن قَ ْب ُل َوأُتُواْ بِ هِ مَُتشَابِها َولَهُ ْم فِيهَا‬
‫ضرِ بَ‬
‫ج مّ َط ّه َرةٌ َوهُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ (‪ )25‬إِنّ اللّ َه لَ يَ سْتَحْيِي أَن يَ ْ‬
‫أَ ْزوَا ٌ‬
‫حقّ مِن ّرّبهِ مْ‬
‫ض ًة فَمَا َف ْو َقهَا َفَأمّا اّلذِي نَ آمَنُواْ فََيعْلَمُو نَ َأنّ ُه الْ َ‬
‫ل مّا َبعُو َ‬
‫مَثَ ً‬
‫ض ّل بِ هِ كَثِيا‬
‫ل يُ ِ‬
‫وََأمّ ا الّذِي نَ َك َفرُوْا فََيقُولُو َن مَاذَا أَرَا َد اللّ ُه ِبهَ ـذَا مَثَ ً‬
‫ض ّل بِ هِ إِل الْفَا ِسقِيَ (‪ )26‬الّذِي َن يَنقُضُو نَ َع ْهدَ‬
‫وََي ْهدِي بِ هِ َكثِيا وَمَا يُ ِ‬
‫سدُونَ فِي‬
‫صلَ وَُيفْ ِ‬
‫اللّ هِ مِن َب ْعدِ مِيثَاقِ ِه َويَقْ َطعُو َن مَا َأ َمرَ اللّ ُه بِ ِه أَن يُو َ‬
‫ك هُ مُ الْخَا ِسرُونَ (‪ )27‬كَيْ فَ تَ ْك ُفرُو َن بِاللّ ِه وَكُنتُ مْ‬
‫ض أُولَ ـئِ َ‬
‫الَرْ ِ‬
‫َأمْوَاتا َفأَحْيَاكُ ْم ُثمّ يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ ِإلَيْهِ ُت ْرجَعُونَ (‪ُ )28‬هوَ اّلذِي‬
‫سوّا ُهنّ سَبْعَ‬
‫ض جَمِيعا ُثمّ ا سَْتوَى إِلَى ال سّمَاء فَ َ‬
‫خَلَ َق لَكُم مّا فِي الَرْ ِ‬
‫ت َوهُ َو ِبكُ ّل شَيْءٍ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )29‬‬
‫سَمَاوَا ٍ‬
‫‪61‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّاسُ اعُْبدُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خَ َلقَ ُكمْ وَالّذِينَ‬
‫ض ِفرَاشا وَالسّمَاء‬
‫مِن قَبْ ِلكُمْ َلعَ ّلكُمْ تَتّقُونَ (‪ )21‬اّلذِي َج َعلَ َلكُ مُ الَرْ َ‬
‫ُمـ فَلَ‬
‫َاتـ رِزْقا ّلك ْ‬
‫ِنـ الثّ َمر ِ‬
‫ِهـ م َ‬
‫َجـ ب ِ‬
‫السـمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخر َ‬
‫ِنـ ّ‬‫بِنَاء وَأَنزَ َل م َ‬
‫جعَلُوْا لِ ّلهِ أَندَادا وَأَنُتمْ َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )22‬‬
‫تَ ْ‬
‫يقول تعال ‪ :‬يا أيها الناس وحدوا ربكم الذي خلقكم ‪ ،‬وخلق الذين‬
‫من قبلكم ‪ ،‬لعلكم تتقون ‪ :‬لكي تنجوا من العذاب ‪.‬‬
‫وقال بعض الفسرين ‪ :‬لعلكم تتقون ‪ :‬حال من الضمي ف اعبدوا ؛‬
‫كأنـه قال ‪ :‬اعبدوا ربكـم راجيـ أن تدخلوا فـ سـلك التقيـ الفائزيـن‬
‫بالدى والفلح ‪ ،‬السترجي لوار ال تعال ‪ ،‬ولعل ف الصل للترجي ‪،‬‬
‫وهي ف كلم ال تعال للتحقيق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لعل هنا للطماع كقوله تعال‬
‫‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا تُوبُوا إِلَى اللّ ِه َت ْوَبةً نّ صُوحا عَ سَى َرّبكُ مْ أَن ُي َكفّرَ‬
‫حِتهَا ا َلْنهَارُ ﴾ ‪.‬‬
‫عَنكُ ْم َسّيئَاِتكُ ْم َويُدْخَِلكُمْ َجنّاتٍ تَجْرِي مِن َت ْ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬معن ذلك ‪ :‬اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من‬
‫قبلكم ؛ لتتقوه بطاعته ‪ ،‬وتوحيده ‪ ،‬وإفراده بالربوبية والعبادة ‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس ‪ :‬كل ما ورد ف القرآن من العبادة فمعناها التوحيد ‪.‬‬
‫ض ِفرَاشا وَالسّمَاء بِنَاء َوأَن َزلَ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬اّلذِي جَ َعلَ لَكُ ُم الَرْ َ‬
‫جعَلُوْا لِلّ ِه أَندَادا‬
‫ل تَ ْ‬
‫ج بِ ِه مِ َن الثّ َمرَاتِ ِرزْقا ّلكُمْ فَ َ‬
‫مِ َن السّمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخرَ َ‬
‫وَأَنُتمْ َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )22‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬اعبدوا ربكم خالقكم ‪ ،‬وخالق من قبلكم ‪ ،‬الّذِي َجعَ َل‬
‫َلكُ ُم الَرْ ضَ ِفرَاشا ‪ ،‬أي ‪ :‬ب ساطًا وَال سّمَاء ِبنَاء ‪َ ،‬سقْفا مرفوعا ‪ ،‬وأنزل‬
‫الزء الول‬ ‫‪62‬‬

‫من السماء ‪ ،‬أي ‪ :‬من السحاب ‪ ،‬ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم ‪،‬‬
‫طعامًا ل كم وعلفًا لدواب كم ‪ ،‬فل تعلوا ل أندادا ‪ ،‬أي ‪ :‬أمثا ًل تعبدون ا‬
‫كعبادة ال ‪ ،‬وأنتم تعلمون أنه واحد ل خالق معه ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فل‬
‫تعلوا ل أندادًا وأنتم تعلمون ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تشركوا بال غيه من النداد الت‬
‫ل تن فع ول ت ضر ‪ ،‬وأن تم تعملون أ نه ل رب ل كم يرزق كم غيه ‪ ،‬و قد‬
‫علمتم أن الذي يدعوكم إليه رسول ال من التوحيد ‪ ،‬هو الق الذي‬
‫ل شك فيه ؟‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬الالق لذه الشياء هو الستحق للعبادة ‪.‬‬
‫ب مّمّ ا َن ّزلْنَا عَلَى عَ ْبدِنَا فَ ْأتُواْ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِن كُنتُ مْ فِي َريْ ٍ‬
‫بِ سُو َر ٍة مّ ن مّثْلِ ِه وَادْعُوْا شُ َهدَاءكُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه إِ نْ كُنْتُ مْ صَا ِدقِيَ (‬
‫ـ َتفْعَلُواْ َولَن َت ْفعَلُوْا فَاّتقُوْا النّا َر الّتِـي َوقُودُهَـا النّاسـُ‬
‫‪َ )23‬فإِن لّم ْ‬
‫وَالْحِجَا َر ُة أُ ِع ّدتْ لِلْكَافِرِينَ (‪. ﴾ )24‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬وإن كن تم ف ر يب ‪ ،‬أي ‪ :‬شك م ا نزل نا على عبد نا‬
‫ممـد فأتوا بسـورة مـن مثله ‪ ،‬أي ‪ :‬مثـل القرآن ‪ ،‬وادعوا شهداءكـم‬
‫وا ستعينوا بآلت كم ال ت تعبدون ا من دون ال إن كن تم صادقي أن ممدا‬
‫تقوله من تلقاء نفسه ‪ .‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬أَمْ َيقُولُونَ تَ َقوّلَهُ بَل لّا ُي ْؤمِنُونَ‬
‫ِنـ‬
‫ِهـإِن كَانُوا صـَادِِقيَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬قُل ّلئ ِ‬ ‫ِيثـ ّمثْل ِ‬‫* فَ ْلَي ْأتُوا بِحَد ٍ‬
‫ا ْجتَ َمعَ تِ الِن سُ وَالْجِنّ عَلَى أَن َيأْتُواْ بِ ِمثْ ِل هَ ـذَا اْلقُرْآ نِ َل َي ْأتُو َن بِ ِمثْلِ هِ‬
‫ض َظهِيا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬أَ مْ َيقُولُو نَ ا ْفتَرَا هُ قُلْ‬ ‫ضهُ مْ ِلَبعْ ٍ‬ ‫وََلوْ كَا نَ َب ْع ُ‬
‫ت وَا ْدعُوْا مَ ِن اسْتَ َط ْعتُم مّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ‬ ‫َفأْتُواْ ِبعَشْرِ ُسوَ ٍر ّمثْلِ ِه ُم ْفتَ َريَا ٍ‬
‫صَادِِقيَ ﴾ ‪ .‬ث تدّاهم بسورة واحدة فعجزوا ‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن ل ْ‬


‫ّمـ َت ْفعَلُواْ وَلَن َت ْفعَلُواْ فَاتّقُواْ النّا َر الّت ِي وَقُودُه َا‬
‫حجَا َرةُ ُأعِدّ تْ لِ ْلكَاِفرِي نَ ﴾ يقول تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن لّ ْم َت ْفعَلُواْ ﴾ ‪،‬‬ ‫النّا سُ وَالْ ِ‬
‫ـى ‪ ،‬ولن تفعلوا أبدا ‪ ،‬وهذه معجزة أخرى ‪ ﴿ ،‬فَاّتقُواْ‬ ‫ـا مضـ‬ ‫أي ‪ :‬فيمـ‬
‫النّارَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فآمنوا واتركوا العاصي لتنجوا من النار ‪ ﴿ ،‬الّتِي وَقُو ُدهَا‬
‫حجَا َرةُ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس يعن ‪ :‬حجارة الكبيت ؛ لنا أكثر‬ ‫النّا سُ وَالْ ِ‬
‫ت ﴾ ‪ :‬هيئت ‪ ﴿ ،‬لِ ْلكَاِفرِي نَ ﴾ ‪ :‬الذ ين هم أهل ها ك ما‬ ‫التهابا ‪ُ ﴿ ،‬أعِدّ ْ‬
‫ـ حَطَبا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال‬ ‫ج َهنّم َ‬
‫ـطُونَ َفكَانُوا لِ َ‬
‫قال تعال ‪َ ﴿ :‬وأَمّاـ الْقَاس ِ‬
‫صبُ َج َهنّ مَ أَنتُ مْ لَهَا وَارِدُو نَ‬ ‫‪ِ ﴿ :‬إّنكُ ْم وَمَا َت ْعبُدُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ حَ َ‬
‫﴾ و عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬سعنا وج بة فقل نا ‪ :‬ما هذه ؟‬
‫فقال ر سول ال ‪ « :‬هذا ح جر أل قي به من شف ي جه نم م نذ سبعي‬
‫سنة ‪ ،‬الن وصل إل قعرها » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَبشّ ِر اّلذِ ين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ أَنّ لَهُ مْ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلْنهَارُ كُلّمَا رُ ِزقُوْا مِنْهَا مِن ثَ َم َرةٍ رّزْقا قَالُواْ‬
‫جَنّا تٍ تَ ْ‬
‫هَ ـذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِن قَ ْب ُل َوأُتُواْ بِ هِ مَُتشَابِها َولَهُ ْم فِيهَا أَ ْزوَا جٌ مّ َط ّه َرةٌ‬
‫وَ ُه ْم فِيهَا خَاِلدُونَ (‪. ﴾ )25‬‬
‫لاـ ذكـر تعال مـا أعده لعدائه الكافريـن عطـف بذكـر حال أوليائه‬
‫ـه ‪،‬‬‫ـن آ َمنُواْ ﴾ بال ‪ ،‬وملئكتـ‬‫الؤمني ـ ‪ ،‬فقال تعال ‪َ ﴿ :‬وبَشّ ِر الّذِيـ‬
‫وكتبـه ‪ ،‬ورسـله ‪َ ﴿ ،‬وعَمِلُواْ الصـّالِحَاتِ ﴾ مـن الفعال والقوال ‪ .‬قال‬
‫معاذ ‪ :‬الع مل ال صال الذي ف يه أرب عة أشياء ‪ :‬العلم ‪ ،‬والن ية ‪ ،‬وال صب ‪،‬‬
‫والخلص ‪ ﴿ ،‬أَنّ َل ُه مْ َجنّا تٍ ﴾ ج ع ج نة وال نة الب ستان الذي ف يه‬
‫حتِهَـا ا َلْنهَارُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مـن تتـ‬ ‫أشجار مثمرة ‪َ ﴿ ،‬تجْرِي مِـن تَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪64‬‬

‫أشجار ها ‪ ،‬وم ساكنها ‪ .‬و ف الد يث ‪ « :‬إن أنار ال نة تري ف غ ي‬


‫أخدود » ‪ ﴿ ،‬كُلّمَا رُزِقُوْا ِمنْهَا مِن ثَ َم َرةٍ رّزْقا قَالُوْا هَ ـذَا الّذِي رُزِقْنَا‬
‫مِن َقبْلُ ﴾ قال ا بن عباس وغيه ‪ :‬إن م أتوا بالثمرة ف ال نة فل ما نظروا‬
‫إليها قالوا ‪ :‬هذا الذي رزقنا من قبل الدنيا ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬معناه ‪ ،‬مثل‬
‫الذي كان بالمـس ‪ .‬وقال ماهـد ‪ :‬يقولون ‪ :‬مـا أشبهـه بـه ‪ ،‬وأتوا بـه‬
‫متشابًا ‪ .‬قال ا بن عباس وغيه ‪ :‬متشابًا ف اللوان متلفًا ف الطعوم ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ليس ف الدنيا ما ف النة إل السامي ‪ .‬وقال يي بن‬
‫أبـ كثيـ ‪ :‬عشـب النـة الزعفران ‪ ،‬وكثباناـ السـك ‪ ،‬ويطوف عليهـم‬
‫الولدان بالفوا كه فيأكلون ا ‪ ،‬ث يؤتون بثل ها فيقول ل م أ هل ال نة ‪ :‬هذا‬
‫الذي آتيتمونا آنفًا به ؟ فتقول لم الولدان ‪ :‬كلوا ‪ ،‬فاللون واحد والطعم‬
‫متلف ‪ .‬وهو قول ال تعال ‪َ ﴿ :‬وُأتُوْا بِ ِه ُمتَشَابِها ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلهُمــْ فِيهَـ‬
‫ـا أَ ْزوَاجــٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مــن الور‬
‫والدميات ﴿ مّ َطهّ َرةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من الغائط والبول ‪ ،‬وال يض والنفاس ‪،‬‬
‫والبصـاق والخاط ‪ ،‬والنـ والولد ‪ ،‬وكـل قذر ‪ .‬قال السـن ‪ :‬هنّـ‬
‫عجائزكم الغمص العمش ‪ ،‬طهرن من قذرات الدنيا ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫إن أول زمرة تد خل ال نة يوم القيامة صورة وجوه هم م ثل صورة الق مر‬
‫ليلة البدر ‪ ،‬والزمرة الثانيـة على لون أحسـن الكواكـب ف السـماء لكـل‬
‫رجل منهم زوجتان ‪ ،‬على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهن دون‬
‫لومها ودمائها وحللها » ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وهُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬دائمون ل يوتون فيها‬


‫ول يرجون منها ‪ :‬وعن أسامة بن زيد رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال ‪ « :‬أل هل من مشمر للجنة ؟ وأن النة ل خطر لا ‪ ،‬وهي ورب‬
‫الكعبـة نور يتلل ‪ ،‬وريانـه تتـز ‪ ،‬وقصـر مشيـد ‪ ،‬ونرـ مطرد ‪ ،‬وثرة‬
‫نضيجة ‪ ،‬وزوجة حسناء جيلة ‪،‬وحلل كثية ‪ ،‬ومقام أبد ف دار سليمة ‪،‬‬
‫وفاك هة وخضرة ‪ ،‬و حبة ونع مة ف ملة عال ية ب ية » ‪ .‬قالوا ‪ :‬ن عم يا‬
‫رسول ال نن الشمرون لا ‪ .‬قال ‪ « :‬قولوا إن شاء ال » ‪ .‬قال القوم ‪:‬‬
‫إن شاء ال ‪.‬‬
‫ضةً‬
‫ل مّ ا َبعُو َ‬
‫ب مَثَ ً‬
‫ضرِ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ َل يَ سْتَحْيِي أَن يَ ْ‬
‫فَمَا فَ ْوقَهَا َفَأمّ ا الّذِي نَ آمَنُوْا فََيعْلَمُو َن َأنّ ُه الْحَقّ مِن ّرّبهِ مْ َوَأمّ ا الّذِي نَ‬
‫ِهـ‬
‫ِهـ كَثِيا َويَ ْهدِي ب ِ‬
‫ضلّ ب ِ‬
‫ل يُ ِ‬
‫ّهـ بِهَــذَا مََث ً‬
‫ُونـ مَاذَا أَرَادَ الل ُ‬
‫َك َفرُوْا فََيقُول َ‬
‫ض ّل بِ ِه إِل اْلفَا ِسقِيَ (‪ )26‬اّلذِي نَ يَنقُضُو نَ َع ْه َد اللّ هِ مِن بَ ْعدِ‬
‫كَثِيا َومَا يُ ِ‬
‫ْضـ‬
‫ْسـدُونَ فِي الَر ِ‬
‫ُوصـ َل َويُف ِ‬
‫ِهـ أَن ي َ‬
‫ّهـ ب ِ‬
‫ُونـ مَا َأ َمرَ الل ُ‬
‫ِهـ َوَيقْطَع َ‬
‫مِيثَاق ِ‬
‫أُولَـِئكَ ُه ُم الْخَا ِسرُونَ (‪. ﴾ )27‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬إن ال ل يستحي من الق أن يذكر شيئًا ما قل أو كثر ‪،‬‬
‫وإن ال ح ي ذ كر ف كتا به الذباب والعنكبوت ‪ ،‬قال أ هل الضللة ‪ :‬ما‬
‫حيِي أَن َيضْرِبَ مََثلً‬ ‫أراد ال من ذكر هذا ؟ فأنزل ال ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّهَ َل يَسْتَ ْ‬
‫ضةً فَمَا َفوْقَهَا َفَأمّ ا الّذِي نَ آ َمنُواْ ﴾ بح مد والقرآن ‪َ ﴿ ،‬فَيعْلَمُو نَ‬
‫مّ ا َبعُو َ‬
‫َأنّ هُ ﴾ يعن الثل هو ﴿ الْحَقّ ﴾ الصدق ﴿ مِن ّرّبهِ ْم َوَأمّا الّذِي نَ َك َفرُواْ‬
‫َفَيقُولُونَ مَاذَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شيء ﴿ أَرَادَ اللّ ُه ِبهَـذَا ﴾ الثل ﴿ َمَثلً ﴾ وعن‬
‫ا بن عباس وغيه ‪ :‬ل ا ضرب ال هذ ين الثل ي للمنافق ي يع ن قوله تعال‬
‫الزء الول‬ ‫‪66‬‬

‫ّنـ‬
‫بم َ‬‫َصـّي ٍ‬
‫اسـَتوْقَ َد نَارا ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬أوْ ك َ‬
‫ُمـ كَ َمثَ ِل الّذِي ْ‬
‫‪َ ﴿ :‬مثَُله ْ‬
‫ال سّمَاءِ ﴾ اليات الثلث ‪ ،‬قال النافقون ‪ :‬ال أعلى وأجل من أن يضرب‬
‫هذه المثال ‪ .‬فأنزل ال هذه الية إل قوله تعال ‪ ﴿ :‬هُ ُم الْخَا ِسرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ِهـ إِل‬
‫ِهـ َكثِيا وَم َا ُيضِ ّل ب ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُضِ ّل ب ِ‬
‫ِهـ َكثِيا َوَيهْدِي ب ِ‬
‫الْفَا ِسقِيَ ﴾ أجاب م ال ف قول م ‪ :‬ماذا أراد ال بذا مثلً ‪ ،‬فقال ‪ :‬ي ضل‬
‫به كثيًا من الكفار ‪ ،‬وذلك أن م يكذبو نه فيزدادون ضللً ‪ ،‬ويهدي به‬
‫كثيًا مـن الؤمنيـ ‪ ،‬فيصـدقونه فيزيدهـم هدى إل هداهـم ‪ ،‬وإيانًا إل‬
‫ب النّارِ إِل مَلَاِئ َك ًة وَمَا‬‫َصـحَا َ‬ ‫إيانمـ ‪ :‬كمـا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا َج َعلْنَا أ ْ‬
‫ب َويَزْدَادَ‬
‫سَتيْقِ َن الّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا َ‬
‫َجعَلْنَا عِ ّدتَهُ مْ إِل ِفتَْنةً لّلّذِي نَ َكفَرُوا ِليَ ْ‬
‫ب وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ وَِلَيقُولَ الّذِي نَ‬
‫الّذِي نَ آمَنُوا ِإيَانا وَلَا َي ْرتَا بَ الّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا َ‬
‫ك يُضِلّ اللّ ُه مَن‬‫ض وَاْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّ ُه ِبهَذَا َمَثلً َكذَلِ َ‬ ‫فِي ُقلُوِبهِم مّرَ ٌ‬
‫يَشَاءُ َويَهْدِي مَن يَشَا ُء وَمَا َيعْلَ مُ ُجنُودَ َربّ كَ إِل ُه َو وَمَا هِ يَ إِل ذِكْرَى‬
‫لِ ْلبَشَرِ ﴾ وكذلك قال ها ه نا ‪ ﴿ :‬يُضِ ّل بِ هِ َكثِيا َوَيهْدِي بِ هِ َكثِيا وَمَا‬
‫ُيضِلّ بِهِ إِل اْلفَا ِسقِيَ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يعن ‪ :‬النافقي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ يَن ُقضُو نَ عَهْدَ اللّ ِه مِن َبعْ ِد مِيثَاقِ هِ َويَقْ َطعُو نَ مَا‬
‫َأمَرَ اللّ ُه بِ هِ أَن يُو صَ َل َوُيفْ سِدُونَ فِي الَرْ ضِ أُولَ ـئِكَ هُ ُم الْخَا ِسرُونَ‬
‫﴾ هذا وصـف مـن ال تعال للفاسـقي الذكوريـن هـا هنـا بأنمـ الذيـن‬
‫ينقضون‪ ،‬أي ‪ :‬يالفون ويتركون ع هد ال ‪ ،‬أ مر ال الذي عهد إليهم ف‬
‫كتبه وعلى ألسنة رسله من بعد ميثاقه توكيده ‪ ،‬ويقطعون ما أمر ال به‬
‫أن يوصـل مـن الرحام وغيهـا ‪ ،‬ويفسـدون فـ الرض بالكفـر والظلم‬
‫والعا صي أولئك هم الا سرون بأعياض هم الف ساد عن ال صلح والعقاب‬
‫‪67‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن الثواب ‪ .‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬أُولَـئِكَ الّذِي َن اشْتَ َر ُوْا الضّلََل َة بِاْلهُدَى‬
‫صبَ َرهُ ْم عَلَى النّارِ ﴾ ‪.‬‬
‫ب بِالْ َم ْغفِ َرةِ َفمَا أَ ْ‬
‫وَالْعَذَا َ‬
‫ف تَ ْك ُفرُو َن بِاللّ ِه وَكُنتُ مْ أَ ْموَاتا فََأحْيَاكُ مْ ُثمّ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬كيْ َ‬
‫يُمِيُتكُ مْ ُثمّ يُحْيِيكُ ْم ُثمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪ )28‬هُ َو الّذِي خَلَ قَ َلكُم مّا فِي‬
‫ت وَ ُهوَ بِ ُكلّ‬
‫سوّا ُهنّ سَبْعَ سَمَاوَا ٍ‬
‫ض جَمِيعا ُثمّ اسَْتوَى ِإلَى السّمَاء فَ َ‬
‫الَرْ ِ‬
‫شَيْءٍ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )29‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬ك يف تكفرون بال وتعبدون م عه غيه ! وكن تم أمواتًا‬
‫ف أ صلب آبائ كم ‪ ،‬فأحيا كم ‪ ،‬ث ييت كم ع ند انقضاء آجال كم ‪ ،‬ث‬
‫يييكـم للبعـث ‪ ،‬ث إل يه ترجعون ‪ ،‬فيجازي كم بأعمال كم ‪ .‬وهذه اليـة‬
‫كقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالُوا َرّبنَا َأ َمّتنَا اثَْنَتيْ ِن َوأَ ْحَييَْتنَا اْثنََتيْ نِ ﴾ ‪ .‬وكقوله تعال‪:‬‬
‫َيبـ‬
‫ْمـ اْلقِيَا َمةِ ل ر َ‬
‫ُمـإِلَى َيو ِ‬
‫ُمـ ثُمّ يَجْ َم ُعك ْ‬ ‫ُمـثُمّ يُمِيُتك ْ‬ ‫حيِيك ْ‬
‫ّهـيُ ْ‬
‫﴿ قُلِ الل ُ‬
‫فِيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هُ َو الّذِي َخلَقَ َلكُم مّا فِي الَرْضِ جَمِيعا ثُمّ اسَْتوَى‬
‫ت َو ُهوَ ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِي مٌ ﴾ يقول تعال ‪:‬‬ ‫سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَا ٍ‬ ‫إِلَى ال سّمَاء فَ َ‬
‫هـو ال ربكـم الذي خلق لكـم مـا فـ الرض جيعًا ؛ لكـي تنتفعوا ‪،‬‬
‫فاعبدوه وحده ل شر يك له ‪ .‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َك ّرمْنَا بَنِي آدَ مَ‬
‫ح ِر وَرَزَ ْقنَاهُم مّ نَ ال ّطّيبَا تِ وََفضّ ْلنَاهُ ْم عَلَى َكثِيٍ‬
‫وَحَ َم ْلنَاهُ مْ فِي اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫مّمّنْ َخَل ْقنَا َت ْفضِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ ا ْسَتوَى إِلَى ال سّمَاء ﴾ قال ابن عباس وغيه ‪ :‬أي‬
‫سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ ‪ :‬خلقهن مستويات ل فطور فيها ‪،‬‬
‫ارتفع ‪ ﴿ ،‬فَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪68‬‬

‫ـ ﴾ ‪ ،‬فإن بالعلم يصـح اللق ‪،‬‬


‫ول صـدوع ‪َ ﴿ ،‬و ُه َو ِبكُلّ َشيْ ٍء عَلِيم ٌ‬
‫ويكم الفعل ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قرأ أبـو جعفـر ‪ ،‬وأبـو عمرو ‪ ،‬والكسـائي ‪ ،‬وقالون ‪،‬‬
‫( وهو ‪ ،‬وهي ) بسكون الاء إذا كان قبل الاء ‪ :‬واوٌ ‪ ،‬أو فاء ‪ ،‬أو لم ‪.‬‬
‫زاد الكسائي وقالون ‪ ( :‬ث هو ) ‪ .‬وقالون ‪ ( :‬أن ي ّل هو ) ‪.‬‬
‫وهذه الية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ َأِئنّكُ مْ َلَتكْفُرُو نَ بِالّذِي خَلَ َق الَرْ ضَ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ * وَ َجعَلَ فِيهَا َروَا ِسيَ مِن‬ ‫جعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَ ّ‬ ‫فِي َي ْو َميْ ِن َوتَ ْ‬
‫َفوْقِهَا َوبَارَ كَ فِيهَا وَقَدّرَ فِيهَا أَ ْقوَاتَهَا فِي أَ ْرَب َعةِ َأيّا مٍ َسوَاء لّل سّائِِليَ * ثُمّ‬
‫ا ْسَتوَى إِلَى ال سّمَاء َوهِ يَ دُخَا نٌ َفقَالَ لَهَا وَلِ ْلأَرْ ضِ اِْئتِيَا َطوْعا َأوْ َكرْها‬
‫قَالَتَا أََتيْنَا طَاِئعِيَ * َف َقضَاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي َي ْومَيْ ِن َوَأوْحَى فِي كُلّ‬
‫ِكـ َتقْدِي ُر اْلعَزِيزِ‬
‫السـمَاء ال ّدنْيَا بِمَصـَابِي َح وَ ِحفْظا ذَل َ‬ ‫سـمَاء َأمْرَهَا وَ َزّينّاـ ّ‬ ‫َ‬
‫الْعَلِي مِ ﴾ ‪ ،‬وقال ما هد ف قوله تعال ‪ُ ﴿ :‬ه َو الّذِي َخلَ قَ لَكُم مّ ا فِي‬
‫الَرْ ضِ جَمِيعا ﴾ قال ‪ :‬خلق ال الرض قبل السماء ‪ ،‬فلما خلق الرض‬
‫ـوَى إِلَى السّـمَاء َوهِيَـ‬ ‫ثار منهـا دخان ‪ ،‬فلذلك حيـ يقول ‪ ﴿ :‬ثُمّ اس َْت‬
‫سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ قال ‪ :‬بعضهن فوق بعض ‪ ،‬وسبع‬ ‫ُدخَانٌ ﴾ ﴿ فَ َ‬
‫أرضي ‪ ،‬يعن ‪ :‬بعضها تت بعض ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪69‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الرابع‬

‫ـ خَلِي َفةً قَالُواْ‬


‫لِئ َكةِ ِإنّيـ جَا ِعلٌ فِـي الَرْض ِ‬
‫ـ لِلْمَ َ‬
‫﴿ َوِإذْ قَالَ َربّك َ‬
‫ِكـ‬
‫ح ْمد َ‬
‫ح بِ َ‬
‫ُسـبّ ُ‬
‫ْنـ ن َ‬
‫ك ال ّدمَاء وَنَح ُ‬
‫َسـفِ ُ‬
‫ْسـدُ فِيهَا َوي ْ‬
‫جعَ ُل فِيهَا مَن ُيف ِ‬
‫َأتَ ْ‬
‫س لَ كَ قَالَ إِنّ ي أَعْلَ مُ مَا َل َتعْلَمُو نَ (‪ )30‬وَعَلّ مَ آدَ مَ الَ سْمَاء‬
‫وَُن َقدّ ُ‬
‫لِئ َكةِ َفقَا َل أَنبِئُونِي ِبأَ سْمَاء هَـؤُلء إِن كُنتُ مْ‬
‫ضهُ مْ عَلَى الْمَ َ‬
‫كُ ّلهَا ُثمّ َعرَ َ‬
‫ت اْلعَلِي مُ‬
‫ك أَن َ‬
‫ك لَ عِلْمَ لَنَا إِل مَا عَلّمْتَنَا إِنّ َ‬
‫صَا ِدقِيَ (‪ )31‬قَالُواْ سُبْحَانَ َ‬
‫الْحَكِي مُ (‪ )32‬قَا َل يَا آ َد ُم أَنبِ ْئهُم ِبأَ سْمَآِئهِ ْم فَلَمّا أَنبََأهُ مْ ِبأَ سْمَآِئ ِهمْ قَالَ‬
‫ض وَأَعْلَ ُم مَا تُبْدُو نَ َومَا‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫ب ال سّمَاوَا ِ‬
‫َألَ مْ َأقُل ّلكُ مْ ِإنّي أَعْلَ مُ غَيْ َ‬
‫جدُوْا إِل‬
‫َسـ َ‬
‫َمـ ف َ‬
‫جدُوْا لد َ‬
‫اسـ ُ‬
‫لِئكَ ِة ْ‬
‫ُونـ (‪َ )33‬وِإذْ قُلْنَا لِ ْلمَ َ‬
‫ُمـ َتكْتُم َ‬
‫كُنت ْ‬
‫ِإبْلِيسَ َأبَى وَاسْتَكَْب َر وَكَانَ مِ َن الْكَافِرِينَ (‪َ )34‬وقُلْنَا يَا آدَ ُم اسْ ُكنْ أَنتَ‬
‫ج َرةَ‬
‫ل مِ ْنهَا َرغَدا حَيْ ثُ شِئْتُمَا وَ َل َت ْقرَبَا هَـ ِذ ِه الشّ َ‬
‫وَ َزوْجُ كَ الْجَّن َة وَكُ َ‬
‫فََتكُونَا مِ نَ الْظّالِمِيَ (‪َ )35‬فأَزَّلهُمَا الشّيْطَا نُ َع ْنهَا فََأ ْخرَ َجهُمَا مِمّا كَانَا‬
‫ض مُ سَْتقَ ّر َومَتَا عٌ‬
‫ضكُ مْ لِبَعْ ضٍ َع ُدوّ َوَلكُ مْ فِي الَرْ ِ‬
‫فِي ِه َوقُلْنَا اهْبِطُواْ َبعْ ُ‬
‫ت فَتَا بَ عَلَيْ هِ ِإنّ ُه ُهوَ الّتوّا بُ‬
‫ِإلَى حِيٍ (‪ )36‬فَتَ َلقّى آدَ مُ مِن ّربّ هِ كَلِمَا ٍ‬
‫ال ّرحِي مُ (‪ )37‬قُلْنَا اهْبِطُوْا مِ ْنهَا جَمِيعا َفإِمّا َي ْأتِيَنّكُم مّنّي ُهدًى فَمَن تَبِ عَ‬
‫ح َزنُونَ (‪ )38‬وَاّلذِينَ َكفَرواْ وَ َك ّذبُواْ‬
‫ل َخوْفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَ َل هُ ْم يَ ْ‬
‫هُدَايَ فَ َ‬
‫بِآيَاتِنَا أُولَـِئكَ أَصْحَابُ النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪. ﴾ )39‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪70‬‬

‫لئِ َك ِة ِإنّ ي جَا ِعلٌ فِي الَرْ ضِ‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَالَ َربّ كَ لِلْ َم َ‬
‫س ُد فِيهَا وَيَ سْ ِفكُ ال ّدمَاء َونَحْ ُن نُ سَبّحُ‬
‫ج َعلُ فِيهَا مَن ُيفْ ِ‬
‫خَلِيفَ ًة قَالُواْ َأتَ ْ‬
‫ك قَا َل ِإنّي أَعْ َل ُم مَا َل َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )30‬‬
‫س لَ َ‬
‫بِحَ ْمدِ َك َوُنقَدّ ُ‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكر يا ممد ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَالَ َربّ كَ لِ ْل َم َ‬
‫لئِ َكةِ ِإنّي جَاعِلٌ‬
‫فِي الَرْ ضِ َخلِيفَةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قومًا يلف بعضهم بعضًا ‪ ،‬كما قال تعال ‪:‬‬
‫جعَلُ فِيهَا مَن ُيفْسِدُ‬
‫ف الَرْضِ ﴾ ‪ ﴿ .‬قَالُواْ َأتَ ْ‬ ‫لئِ َ‬
‫﴿ َو ُهوَ الّذِي َجعََلكُمْ َخ َ‬
‫ـ ُح بِحَ ْمدِكَـ‬
‫فِيهَا َويَس ْـفِكُ ال ّدمَاء ﴾ ‪ ،‬كمـا فعـل النـ ؟ ﴿ َونَحْنُـنُسَبّ‬
‫َكـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نثنـ عليـك وننهـك عمـا ل يليـق بعظمتـك‬ ‫ّسـ ل َ‬
‫َونُقَد ُ‬
‫وجللك ‪.‬‬
‫﴿ قَالَ ِإنّ ي َأعْلَ ُم مَا َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فكان ف علم ال ‪،‬‬
‫أنه سيكون ف تلك الليفة أنبياء ورسل وقوم صالون وساكنو النة ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬إن أول من سكن الرض الن ‪ ،‬فأفسدوا فيها وسفكوا‬
‫فيها الدماء ‪ ،‬وقتل بعضهم بعضًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبعث ال إليهم إبليس ‪ ،‬فقتلهم‬
‫إبل يس و من م عه ‪ ،‬ح ت ألق هم بزائر البحور وأطراف البال ‪ ،‬ث خلق‬
‫آدم فأ سكنه إيا ها ‪ ،‬فلذلك قال ‪ ﴿ :‬إِنّ ي جَاعِلٌ فِي الَرْ ضِ خَلِي َفةً ﴾ ‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن عمر ‪ :‬وكان الن بنو الان ف الرض قبل أن يلق آدم‬
‫بأل في سنة ‪ ،‬فأف سدوا ف الرض و سفكوا الدماء في ها ‪ ،‬فب عث ال جندًا‬
‫من اللئ كة ‪ ،‬فضربو هم ح ت ألقوا بزائر البحور ‪ ،‬فقال ال للملئ كة‬
‫ْسـدُ فِيه َا‬
‫جعَلُ فِيه َا م َن ُيف ِ‬ ‫ْضـ خَلِي َفةً قَالُواْ َأتَ ْ‬
‫‪ِ ﴿ :‬إنّيـ جَاعِلٌ ف ِي الَر ِ‬
‫َويَ سْفِكُ ال ّدمَاء ﴾ ‪ ﴿ ،‬قَالَ ِإنّي َأعْلَ ُم مَا َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫‪71‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ :‬يقول ‪ :‬إن قد اطلعت من قلب إبليس على ما ل تطلعوا عليه من كبه‬


‫واغتراره ‪.‬‬
‫ضهُم ْـ عَلَى‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَعَلّمَـ آدَمَـ الَس ْـمَاء كُلّهَا ثُمّ َعرَ َ‬
‫لئِ َك ِة َفقَالَ أَنبِئُونِي ِبأَ سْمَاء هَ ـؤُلء إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪ )31‬قَالُواْ‬
‫الْمَ َ‬
‫ت الْعَلِي ُم الْحَكِي مُ (‪ )32‬قَالَ‬
‫ك لَ عِلْ مَ لَنَا إِل مَا عَلّمْتَنَا ِإنّ كَ أَن َ‬
‫سُبْحَانَ َ‬
‫يَا آدَ ُم أَنبِئْهُم ِبأَ سْمَآِئهِ ْم فَلَمّ ا أَنَبأَهُ مْ ِبأَ سْمَآئِ ِه ْم قَا َل أَلَ مْ أَقُل ّلكُ مْ ِإنّ ي‬
‫ب ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ وَأَعْلَ ُم مَا تُ ْبدُو َن وَمَا كُنتُ ْم تَكْتُمُو نَ (‬
‫أَعْلَ مُ غَيْ َ‬
‫‪. ﴾ )33‬‬
‫قال ابن عباس ‪َ ﴿ :‬وعَلّ مَ آدَ َم الَ سْمَاء كُّلهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عل مه أ ساء‬
‫ولده إنسانًا ‪ ،‬إنسانًا ‪ ،‬والدواب ‪ ،‬فقيل ‪ :‬هذا المار ‪ ،‬هذا المل ‪ ،‬هذا‬
‫الفرس ‪.‬‬
‫وقال أيض ًا ‪ :‬هـي هذه السـاء التـ يتعارف الناس باـ ‪ :‬إنسـان ‪،‬‬
‫ودواب ‪ ،‬وسـاء ‪ ،‬وأرض ‪ ،‬وسـهل ‪ ،‬وبرـ ‪ ،‬وخيـل ‪ ،‬وحار ‪ ،‬وأشباه‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ضه ْ‬ ‫ذلك مـن المـم ‪ ،‬وغيهـا ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُم ّ عَرَ َ‬
‫ـمَاء‬ ‫السـميات ‪ ﴿ ،‬عَلَى الْ َملَِئ َكةِ َفقَالَ أَنِبئُونِـي ﴾ أخـبون ‪ ﴿ ،‬بِأَس ْ‬
‫هَ ـؤُلء إِن كُنتُ مْ صَادِِقيَ ﴾ أ ن ل أخلق خلقًا إل وكن تم أف ضل وأعلم‬
‫ِيمـ‬
‫َنتـ اْلعَل ُ‬
‫ّكـ أ َ‬
‫ْمـ لَنَا إِل مَا عَلّ ْمتَنَا ِإن َ‬ ‫سـبْحَانَكَ َل عِل َ‬
‫منـه ‪ ﴿ ،‬قَالُوْا ُ‬
‫حكِي مُ ﴾ ف أمرك ‪ ﴿ ،‬قَا َل يَا آدَ مُ أَنِبئْهُم ِبأَ سْمَآِئهِمْ‬ ‫﴾ بل قك ‪ ﴿ ،‬الْ َ‬
‫﴾ فسمى آدم كل شيء ‪َ ﴿ ،‬فلَمّا أَنبََأهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ مْ أَقُل‬
‫ب ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ ﴾ الظاهر والفي ما كان وما‬ ‫ّلكُ مْ ِإنّي َأعْلَ ُم َغيْ َ‬
‫جهَ ْر بِاْل َقوْلِ فَِإنّ ُه َيعْلَمُ السّ ّر َوأَ ْخفَى ﴾ ‪.‬‬
‫يكون كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن تَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪72‬‬

‫﴿ َوَأعْلَ ُم مَا ُتبْدُو َن َومَا كُنتُ ْم َت ْكتُمُونَ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬مرّ إبليس‬
‫على جسد آدم وهو ملقى بي مكة والطائف ل روح فيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لمر‬
‫مـا خلق هذا ! ثـ دخـل فـ فيـه وخرج مـن دبره ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنـه خلق ل‬
‫يتما سك ؛ ل نه أجوف ‪ .‬ث قال للملئ كة الذ ين م عه ‪ :‬أرأي تم إن فضّ ل‬
‫هذا علي كم ‪ ،‬وأمر ت بطاع ته ‪ ،‬ماذا ت صنعون ؟ قالوا ‪ :‬نط يع أ مر رب نا ‪.‬‬
‫فقال إبليس ف نفسه ‪ :‬وال لئن سلطت عليه لهلكته ‪ ،‬ولئن سلط عل يّ‬
‫لعينه ‪ ،‬فقال ال تعال ‪َ ﴿ :‬وَأعْلَ ُم مَا ُتبْدُونَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ما يبديه اللئكة‬
‫من الطاعة ﴿ َومَا كُنتُ ْم َتكْتُمُونَ ﴾ يعن ‪ :‬ما يكتمه إبليس من العصية ‪.‬‬
‫جدُوْا إِل‬
‫جدُوْا لدَ َم فَ سَ َ‬
‫لِئكَ ِة ا سْ ُ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قُلْنَا لِلْمَ َ‬
‫ِإبْلِيسَ َأبَى وَاسْتَكَْب َر وَكَانَ ِم َن الْكَافِرِينَ (‪. ﴾ )34‬‬
‫هذه كرامـة عظيمـة أيضًا لدم وذريتـه ‪ ،‬حيـث أمـر ال اللئكـة أن‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬‫جدُواْ لدَم َ‬
‫ـُ‬‫لِئ َكةِ اس ْ‬
‫يسـجدوا له ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قُلْنَـا لِلْ َم َ‬
‫سجود تعظ يم وت ية ‪ ،‬ك ما سجد إخوة يو سف له ‪ ،‬ل سجود عبادة ‪،‬‬
‫وقـد كانـت المـم السـالفة تفعـل ذلك بدل التسـليم ‪ ،‬وحرّم ذلك فـ‬
‫شريعتنا فسجدوا طاعة ل ‪ ،‬وتعظيمًا لدم ‪ ،‬إل إبليس أب واستكب عن‬
‫ال سجود لدم وكان من الكافر ين ف سابق علم ال ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ح سد‬
‫عدو ال إبل يس آدم عل يه ال سلم على ما أعطاه ال من الكرا مة ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫أنـا ناري وهذا طينـ ‪ .‬وكان بدء الذنوب ال ِكبْر ‪ .‬اسـتكبوا عدو ال أن‬
‫يسجد لدم عليه السلم ‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت وَ َزوْجُ كَ الْجَّن َة وَكُلَ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقُلْنَا يَا آ َد مُ ا ْس ُكنْ أَن َ‬
‫ج َرةَ فََتكُونَا مِنَ الْظّالِمِيَ (‬
‫ث شِئْتُمَا َولَ َت ْقرَبَا هَـذِ ِه الشّ َ‬
‫مِ ْنهَا رَغَدا حَيْ ُ‬
‫‪. ﴾ )35‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬لا فرغ ال من معاتبة إبليس أقبل على آدم وعلمه‬
‫ال ساء كل ها ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬يَا آدَ مُ أَنِبئْهُم ِبأَ سْمَآِئهِمْ ﴾ إل قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ َ‬
‫ك‬
‫حكِي مُ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬ث أُلقيت ال سّنة على آدم ‪ -‬فيما بلغنا عن‬ ‫ت اْلعَلِي مُ الْ َ‬
‫أَن َ‬
‫أ هل الكتاب من أ هل التوراة ‪ ،‬وغي هم من أ هل العلم ‪ ،‬عن ا بن عباس‬
‫وغيه ‪ -‬ث أخذ ضلعًا من أضلعه من شقه اليسر ‪ ،‬ولم مكانه لمًا ‪،‬‬
‫وآدم نائم ل يهبّ من نومه ‪ ،‬حت خلق ال من ضلعه تلك زوجته حواء ‪،‬‬
‫فسواها امرأة ليسكن إليها ‪ ،‬فلما كُشف عنه السّنة ‪ ،‬وهبّ من نومه رآها‬
‫امرأة إل جنبـه ‪ ،‬فقال ‪ -‬فيمـا يزعمون ‪ ،‬وال أعلم ‪ : -‬لمـي ودمـي‬
‫وزوجت ‪ .‬فسكن إليها ‪ ،‬فلما زوّجه ال وجعل له سكنًا من نفسه ‪ ،‬قال‬
‫جّن َة وَ ُكلَ ِمنْهَا َرغَدا َحيْ ثُ ِشْئتُمَا‬
‫ك الْ َ‬
‫له قبيلً ‪ ﴿ :‬ا ْسكُنْ أَن تَ وَ َزوْجُ َ‬
‫وَلَ َتقْ َربَا هَـ ِذهِ الشّجَ َرةَ َفَتكُونَا مِ َن الْظّالِ ِميَ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ْثـ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ ُك َ‬
‫ل ِمنْهَا َرغَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬واسـعًا كثيًا ﴿ َحي ُ‬
‫ِشئْتُمَا ﴾ كيف شئتما ‪ ،‬ومت شئتما ‪ ،‬وأين شئتما ‪ ﴿ ،‬وَ َل َتقْ َربَا هَـ ِذهِ‬
‫الشّجَ َرةَ َفَتكُونَا مِ َن الْظّالِمِيَ ﴾ أنفسكما بالعصية ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فأَ َزّلهُمَا الشّيْطَا نُ عَ ْنهَا َفَأخْ َر َجهُمَا مِمّا كَانَا فِي هِ‬
‫ع ِإلَى‬
‫ض مُ سْتَ َق ّر َومَتَا ٌ‬
‫ضكُ مْ لَِبعْ ضٍ َع ُدوّ َولَكُ مْ فِي الَرْ ِ‬
‫َوقُلْنَا اهْبِطُواْ َبعْ ُ‬
‫حِيٍ (‪. ﴾ )36‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪74‬‬

‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬فأَزَّلهُمَـا ﴾ اســتزل الشيطان آدم وحواء ‪ ،‬أي ‪:‬‬


‫دعاها إل الزلة ‪ ،‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬عنْهَا ﴾ أي ‪ :‬عن النة ﴿ َفأَ ْخرَ َجهُمَا‬
‫ِيهـ ﴾ أي ‪ :‬مـن اللباس ‪ ،‬والنل الرحـب ‪ ،‬والرزق النـ ‪،‬‬ ‫مِمّاـ كَان َا ف ِ‬
‫ل طوالً‬ ‫والرا حة ‪ ،‬و عن أبّ بن ك عب مرفوعًا ‪ « :‬إن ال خلق آدم رج ً‬
‫كثي شعر الرأس كأنه نلة سحوق ‪ ،‬فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ‪،‬‬
‫فأول ما بدا م نه عور ته ‪ ،‬فل ما ن ظر إل عور ته ج عل يش تد ف ال نة ‪،‬‬
‫فأخذت شعره شجرة فنازع ها ‪ ،‬فناداه الرح ن ‪ :‬يا آدم م ن ت فر ؟ فل ما‬
‫سع كلم الرحن قال ‪ :‬يا رب ل ‪ ،‬ولكن استحياء » ‪.‬‬
‫وفـ روايـة ‪ « :‬لاـ ذاق آدم مـن الشجرة ف ّر هاربًا ‪ ،‬فتعلقـت شجرة‬
‫بشعره ‪ ،‬فنودي ‪ :‬يا آدم أفرارًا من ؟ قال ‪ :‬بل حياء منك ‪ .‬قال ‪ :‬يا آدم‬
‫اخرج من جواري ‪ ،‬فبعز ت ل ي ساكنن في ها من ع صان ‪ ،‬ولو خل قت‬
‫مثلك ملء الرض خلقًا ‪ ،‬ث ع صون ل سكننهم دار العا صي » ‪ .‬رواه‬
‫ابن أب حات ‪.‬‬
‫ض عَ ُدوّ ﴾ ‪.‬‬ ‫ضكُمْ ِلَبعْ ٍ‬
‫﴿ وَُق ْلنَا ا ْهبِطُواْ ﴾ ‪ :‬انزلوا إل الرض ﴿ َبعْ ُ‬
‫قال البغوي ‪ :‬أراد العداوة الت بي ذرية آدم ‪ ،‬والية ‪ ،‬وبي الؤمني‬
‫شيْطَآ نَ َلكُمَا عَ ُد ّو‬
‫من ذرية آدم ‪ ،‬وب ي إبل يس ‪ ،‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ ال ّ‬
‫ـا جَمِيعا‬ ‫ّمبِيٌـ ﴾ ‪ ،‬وقال الســدي ‪ :‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬ا ْهبِطُوْا ِمنْهَـ‬
‫﴾ فهبطوا ونزل آدم بالند ‪ ،‬ونزل معه الجر السود ‪ ،‬وقبضة من ورق‬
‫النة ‪ ،‬فبثه بالند فنبتت شجرة الطيب ‪ ،‬فإنا أصل ما ياء به من الطيب‬
‫من الند من قبضة الورق الت هبط با آدم ‪ ،‬وإنا قبضها أسفًا على النة‬
‫حي أخرج منها ‪ .‬وعن السن البصري قال ‪ :‬أهبط آدم بالند ‪ ،‬وحواء‬
‫‪75‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بدة ‪ ،‬وإبليـس بدسـتميسان مـن البصـرة على أميال ‪ ،‬وأهبطـت اليـة‬


‫بأ صبهان ‪ ،‬و عن أ ب مو سى قال ‪ :‬إن ال ح ي أه بط آدم من ال نة إل‬
‫الرض ‪ ،‬عل مه صنعة كل ش يء ‪ ،‬وزوّده من أثار ال نة ‪ ،‬فثمار كم هذه‬
‫مـن ثار النـة غيـ أن هذه تتغيـ ‪ ،‬وتلك ل تتغيـ ‪ .‬وروى مسـلم ‪،‬‬
‫والنسائي عن أ ب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬خ ي‬
‫يوم طل عت ف يه الش مس يوم الم عة ‪ .‬ف يه خلق آدم ‪ ،‬وفيه أد خل ال نة ‪،‬‬
‫وفيه أخرج منها » ‪.‬‬
‫قال بعض العارفي ‪ :‬كنا قومًا من أهل النة فسبانا إبليس إل الدنيا ‪،‬‬
‫فليـس لنـا إل المـ والزن حتـ نرد إل الدار التـ أخرجنـا منهـا ‪ ،‬وقال‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫ومشاهدًا للمـر غيـ مشاهـد‬ ‫يـا ناظرًا يرنـو بعينـ راقـد‬
‫(‬ ‫(‬

‫درج النان ونيـل فوز العابـد‬ ‫تصل الذنوب إل الذنوب وترتي‬


‫(‬
‫(‬

‫منهـا إل الدنيـا بذنـب واحـد‬ ‫أن سيت ر بك ح ي أخرج آدمًا‬


‫(‬ ‫(‬

‫وقال بعضهم ‪:‬‬


‫ـلم‬
‫ـا ونسـ‬
‫نعود إل أوطاننـ‬ ‫ولكننا سب العدو فهل ترى‬
‫(‬ ‫(‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَكُ مْ فِي الَرْ ضِ مُ ْ‬


‫سَتقَرّ ﴾ ‪ :‬مواضع قرار ‪ ،‬ومتاع‬
‫بلغة مستمتع ﴿ إِلَى ِحيٍ ﴾ إل انقضاء آجالكم ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَتَ َلقّى آ َد ُم مِن ّربّ هِ كَ ِلمَا تٍ فَتَا بَ َعلَيْ ِه ِإنّ هُ ُهوَ‬
‫ب الرّحِيمُ (‪. ﴾ )37‬‬
‫التّوّا ُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪76‬‬

‫سنَا‬
‫قال سعيد بن جيب وغيه ‪ :‬الكلمات هي قوله ‪َ ﴿ :‬رّبنَا ظَلَ ْمنَا أَنفُ َ‬
‫َوإِن لّ ْم َت ْغفِرْ َلنَا َوتَرْحَ ْمنَا َلَنكُونَ ّن مِ َن الْخَا ِسرِينَ ﴾ ‪ ،‬وقال ماهد عن عبيد‬
‫ابن عمي أنه قال ‪ :‬قال آدم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬خطيئت الت أخطأت شيء كتبته‬
‫علي ق بل أن تلق ن ؟ أو ش يء ابتدع ته من ق بل نف سي ؟ قال ‪ :‬بل ش يء‬
‫كتبته عليك قبل أن أخلقك ‪ .‬قال ‪ :‬فكما كتبته عل يّ فاغفر ل ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ب عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬و عن‬ ‫فذلك قوله تعال ‪َ ﴿ :‬فتََلقّ ى آدَ ُم مِن ّربّ هِ كَِلمَا تٍ َفتَا َ‬
‫َاتـ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬قال آدم عليـه‬ ‫ّهـ كَِلم ٍ‬ ‫َمـ مِن ّرب ِ‬
‫ابـن عباس ‪َ ﴿ :‬فتََلقّىـ آد ُ‬
‫السلم ‪ :‬يا رب أل تلقن بيدك ؟ قال له ‪ :‬بلى ونفخت فّ من روحك ؟‬
‫ق يل له ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬أرأ يت إن ت بت هل أ نت راج عي إل ال نة ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فتَا بَ عََليْ هِ ﴾ تاوز عنه ‪ِ ﴿ ،‬إنّ ُه ُهوَ الّتوّا بُ ﴾ على‬
‫عباده ‪ ﴿ ،‬الرّحِي مُ ﴾ بل قه ‪ .‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬و ُه َو الّذِي َيقْبَ ُل الّتوَْب َة‬
‫سّيئَاتِ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن َيعْمَلْ سُوءا َأوْ‬ ‫عَ ْن ِعبَادِ ِه َوَي ْعفُو عَ ِن ال ّ‬
‫سَتغْفِرِ اللّ َه َيجِدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫يَظْلِ ْم َنفْسَ ُه ثُ ّم يَ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قُلْنَا اهْبِطُوْا مِ ْنهَا جَمِيعا َفِإمّا َي ْأتِيَنّكُم مّنّي ُهدًى‬
‫ح َزنُونَ (‪ )38‬وَالّذِينَ َكفَرواْ‬
‫ل َخوْفٌ عَلَ ْيهِمْ َو َل هُ ْم يَ ْ‬
‫ي فَ َ‬
‫فَمَن تَبِ َع ُهدَا َ‬
‫ك أَصْحَابُ النّا ِر ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪. ﴾ )39‬‬
‫وَ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِ َ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال م با ع ما أنذر به آدم وزوج ته وإبل يس‬
‫ح ي أهبط هم من ال نة ‪ ،‬والراد الذر ية ‪ :‬أ نه سينل الك تب ‪ ،‬ويب عث‬
‫النبياء والرسل ؛ كما قال أبو العالية ‪ :‬الُدَى النبياء والرسل والبينات ‪،‬‬
‫والبيان ‪ ﴿ .‬فَمَن َتبِ َع هُدَا يَ ﴾ ‪ ،‬من أق بل على ما أنزلت به الك تب ‪،‬‬
‫‪77‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ف عََلْيهِ مْ ﴾ أي ‪ :‬فيما يستقبلونه من أمر‬


‫وأرسلت به الرسل ﴿ َفلَ َخوْ ٌ‬
‫ح َزنُونَ ﴾ على ما فاتم من أمور الدنيا ‪.‬‬ ‫الخرة ‪ ﴿ ،‬وَ َل هُ ْم يَ ْ‬
‫َصـحَابُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ِينـ َكفَرواْ وَكَ ّذبُواْ بِآيَاتِن َا أُولَــئِكَ أ ْ‬
‫ُونـ ﴾ ل يرجون منهـا ‪ ،‬ول‬
‫ُمـ فِيه َا خَالِد َ‬
‫النّارِ ﴾ يوم القيامـة ‪ ﴿ ،‬ه ْ‬
‫يوتون ‪ ،‬فيها فنعوذ بال من حالم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪78‬‬

‫الدرس الامس‬

‫﴿ يَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل اذْ ُكرُواْ ِنعْمَتِيَ الّتِي َأنْعَمْتُ عَلَ ْيكُمْ َوأَ ْوفُوْا ِب َعهْدِي‬
‫صدّقا لّمَا‬
‫ت مُ َ‬
‫ي فَا ْرهَبُو نِ (‪ )40‬وَآمِنُوْا بِمَا أَنزَلْ ُ‬
‫ف ِبعَ ْهدِكُ ْم َوإِيّا َ‬
‫أُو ِ‬
‫ّايـ‬
‫ل َوإِي َ‬
‫ِهـ وَ َل َتشَْترُوْا بِآيَات ِي ثَمَنا قَلِي ً‬
‫ُمـ َولَ َتكُونُواْ َأوّلَ كَا ِفرٍ ب ِ‬
‫َمعَك ْ‬
‫حقّ َوأَنتُمْ َتعْلَمُونَ (‬
‫حقّ بِالْبَا ِطلِ َوَتكْتُمُوْا الْ َ‬
‫فَاّتقُو نِ (‪ )41‬وَ َل تَلْبِ سُواْ الْ َ‬
‫ـ الرّا ِكعِيَـ (‪)43‬‬
‫ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْ َكعُوْا مَع َ‬
‫‪ )42‬وََأقِيمُواْ الص ـّ َ‬
‫ل َت ْعقِلُونَ‬
‫سكُ ْم َوأَنتُمْ تَتْلُونَ اْلكِتَابَ َأفَ َ‬
‫سوْنَ أَنفُ َ‬
‫س بِالْبِ ّر َوتَن َ‬
‫َأتَ ْأ ُمرُونَ النّا َ‬
‫ي ٌة إِل عَلَى الْخَاشِعِيَ (‬
‫ل ِة َوِإنّهَا لَكَبِ َ‬
‫َالصـ َ‬
‫ِالصـْب ِر و ّ‬
‫َاسـَتعِينُوْا ب ّ‬
‫(‪ )44‬و ْ‬
‫لقُوا َرّب ِهمْ َوَأنّ ُه ْم ِإلَيْهِ رَاجِعُونَ (‪. ﴾ )46‬‬
‫‪ )45‬الّذِينَ يَظُنّو َن َأّنهُم مّ َ‬

‫***‬
‫‪79‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا بَنِي إِ سْرَائِي َل اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ َي الّتِي َأْنعَمْ تُ‬
‫ي فَا ْرهَبُو نِ (‪ )40‬وَآمِنُواْ بِمَا‬
‫ف ِبعَ ْهدِكُ ْم َوإِيّا َ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َوأَ ْوفُوْا ِبعَ ْهدِي أُو ِ‬
‫صدّقا لّمَا َمعَكُ ْم َولَ َتكُونُوْا َأوّلَ كَا ِفرٍ بِ هِ َولَ َتشَْترُوْا بِآيَاتِي‬
‫ت مُ َ‬
‫أَن َزلْ ُ‬
‫ُونـ (‪َ )41‬ولَ تَلْبِسـُوْا الْحَق ّ بِالْبَا ِط ِل َوتَكْتُمُواْ‬
‫ّايـ فَاتّق ِ‬
‫ل َوإِي َ‬
‫ثَمَنا قَلِي ً‬
‫ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْ َكعُوْا مَ عَ‬
‫الْحَقّ َوأَنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (‪ )42‬وََأقِيمُواْ ال صّ َ‬
‫الرّا ِكعِيَ (‪. ﴾ )43‬‬
‫يقول تعال آمرًا ب ن إ سرائيل بالدخول ف الِسلم ومتابعة م مد ‪:‬‬
‫يا بن إسرائيل ‪ ،‬يا أولد يعقوب ‪ ،‬اذكروا نعمت الت أنعمت عليكم على‬
‫أجدادكم وأسلفكم ‪ ،‬وقال السن ‪ :‬ذكر النعمة شكرها ‪ ،‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫هي النعم الت خصت با بنو إسرائيل ‪ :‬فلق البحر ‪ ،‬وإناؤهم من فرعون‬
‫بإغرا قه ‪ ،‬وتظل يل الغمام علي هم ف الت يه ‪ ،‬وإنزال ال ن وال سلوى ‪ ،‬وإنزال‬
‫التوراة ف نعم كثية ل تصى ﴿ َوأَوْفُواْ ِب َعهْدِي ﴾ بامتثال أمري ﴿ أُوفِ‬
‫ـ ﴾ بالقبول والثواب ‪ ،‬وقال أبـو العاليـة ‪َ ﴿ :‬وَأوْفُواْ بِ َعهْدِي‬
‫ِبعَهْدِكُم ْ‬
‫﴾ قال ‪ :‬عهده إل عباده ديـن الِسـلم ‪ ،‬وأن يتبعوه ‪ ،‬وقال الضحاك ‪،‬‬
‫ف ِب َعهْدِكُ مْ ﴾ قال ‪ :‬أرضَى عن كم ‪ ،‬وأدخل كم‬ ‫عن ا بن عباس ‪ ﴿ :‬أُو ِ‬
‫النة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِيّا يَ فَا ْر َهبُو نِ ﴾ أي ‪ :‬خافون ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪:‬‬
‫ف قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِيّا يَ فَا ْر َهبُو نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن أنزل بكم ما أنزلت بن‬
‫كان قبل كم من آبائ كم من النقمات ال ت قد عرف تم من ال سخ وغيه ‪،‬‬
‫ُمـ وَ َل َتكُونُواْ َأوّلَ‬
‫ُصـدّقا لّمَا َم َعك ْ‬
‫ْتـ م َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَآ ِمنُواْ بِمَا أَنزَل ُ‬
‫ُونـ ﴾ ‪ .‬يقول تعال‬ ‫ّايـ فَاّتق ِ‬
‫شتَرُوْا بِآيَاتِـي ثَمَنا قَلِيلً َوِإي َ‬
‫ِهـ وَ َل تَ ْ‬
‫كَافِ ٍر ب ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪80‬‬

‫‪ ﴿ :‬وَآ ِمنُوْا بِمَا أَنزَلْ تُ ﴾ يع ن ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ .‬مُ صَدّقا لّمَا َم َعكُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬موافقا لا معكم من التوراة ف التوحيد ‪ ،‬والنبوة والخبار ‪ ،‬ونعت‬
‫النـب ‪ ،‬ول تكونوا أول كافـر بـه ‪ ،‬أي ‪ :‬القرآن فتتابعكـم اليهود على‬
‫ذلك ‪ ،‬قال أبـو العاليـة ‪ :‬يقول ‪ :‬ول تكونوا أول مـن كفـر بحمـد ‪،‬‬
‫يعن ‪ :‬من جنسكم أهل الكتاب بعد ساعكم ببعثه ؟‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ تَ ْ‬
‫شتَرُوْا بِآيَاتِـــي ثَمَنا َقلِيلً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ول‬
‫تعتاضوا عن اليان بآيا ت وت صديق ر سول بالدن يا وشهوات ا ؛ فإن ا قليلة‬
‫فانية ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬وذلك أن رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لم مأكلة‬
‫يصيبونا من سفلتهم وجهالم ‪ ،‬يأخذون كل عام منهم شيئًا معلومًا من‬
‫ذروعهم وضروعهم ونقودهم ‪ ،‬فخافوا إن هم بينوا صفة ممد وتابعوه‬
‫أن تفوتمـ تلك الأكلة ‪ ،‬فغيّروا نعتـه وكتموا اسـه فاختاروا الدنيـا على‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِيّايــَ فَاّتقُونــِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فاخشون ‪ ،‬ل فوات‬
‫الرياسـة ‪ ،‬قال طلق بـن حـبيب ‪ :‬التقوى ‪ :‬أن تعمـل بطاعـة ال ‪ ،‬رجاء‬
‫رحةـ ال ‪ ،‬على نور مـن ال ‪ ،‬وأن تترك معصـية ال على نور مـن ال ‪،‬‬
‫تاف عقاب ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ تَ ْلبِسـُوْا الْحَقّـ بِاْلبَاطِ ِل َوَتكْتُمُوْا الْحَقّـ َوأَنتُم ْ‬
‫ـ‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل تَ ْلبِسـُوْا الْحَقّـ بِالْبَاطِلِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫َتعْلَمُون َ‬
‫تلطوا الق بالباطل ‪ ،‬والصدق بالكذب ‪ ،‬وتكتموا الق وأنتم تعملون ‪،‬‬
‫قال مقاتـل ‪ :‬إن اليهود أقروا ببعـض صـفة ممـد ‪ ،‬وكتموا بعضهـا‬
‫ليصدقوا ف ذلك ‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َعـ الرّا ِكعِي َ‬ ‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَقِيمُواْ ّ‬


‫الصـلَ َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْ َكعُوْا م َ‬
‫لةَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الصلوات المس بواقيتها‬‫﴾ قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وأَقِيمُوْا الصّ َ‬
‫ـة‬
‫ـم الفروضـ‬ ‫ـا ‪ ﴿ :‬وَآتُواْ الزّكَاةَ ﴾ ‪ ،‬وأدوا زكاة أموالكـ‬
‫‪ ،‬وحدودهـ‬
‫﴿ وَارْ َكعُوْا مَ عَ الرّا ِكعِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صلوا مع الصلي ممد وأصحابه‬
‫وذكر ها بل فظ الركوع لن الركوع ر كن من أركان ال صلة ‪ ،‬قال ا بن‬
‫كثي ‪ :‬وقد استدل كثي من العلماء بذه الية على وجوب الماعة ‪.‬‬
‫س بِالِْب ّر وَتَن سَوْ َن أَنفُ سَ ُك ْم وَأَنتُ مْ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬أَتأْ ُمرُو َن النّا َ‬
‫ل ِة َوِإنّهَا‬
‫ل َت ْعقِلُو نَ (‪ )44‬وَا سَْتعِينُوْا بِال صّ ْبرِ وَال صّ َ‬
‫تَتْلُو َن الْكِتَا بَ أَفَ َ‬
‫لقُوا َرّبهِ مْ َوَأنّهُ مْ‬
‫ي ٌة إِل عَلَى الْخَا ِشعِيَ (‪ )45‬الّذِي َن يَظُنّو َن َأّنهُم مّ َ‬
‫لَكَبِ َ‬
‫ِإلَيْهِ رَاجِعُونَ (‪. ﴾ )46‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة ال وبتقواه وبالب ‪،‬‬
‫ويالفون فعيّرهم ال عز وجل ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬أتأمرون الناس‬
‫بالدخول ف دين ممد ‪ ،‬وغي ذلك ما أمرت به وتنسون أنفسكم ؟ أي‬
‫ل َت ْعقِلُو نَ ﴾ ‪ ،‬وهذا كما‬ ‫‪ :‬تتركون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ؟ ﴿ أََف َ‬
‫قال شعيب عليه السلم ‪َ ﴿ :‬ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَاِل َفكُمْ إِلَى مَا َأْنهَاكُ ْم َعنْهُ إِنْ‬
‫ت وَمَا َتوْفِيقِي إِل بِاللّ ِه عََليْ ِه َتوَكّلْ تُ َوإَِليْ هِ‬
‫ح مَا ا ْستَ َطعْ ُ‬
‫صلَ َ‬
‫أُرِيدُ إِل الِ ْ‬
‫ُأنِيبُ ﴾ ‪ ،‬وف الديث ‪ « :‬مثل العال الذي يعلم الناس الي ول يعمل به‬
‫كمثل السراج يضيء للناس ويرق نفسه » ‪.‬‬
‫وفـ الديـث الخـر ‪ « :‬مررت ليلة أسـري بـ على قوم تقرض‬
‫شفاههـم بقاريـض مـن نار ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬مـن هؤلء ؟ قالوا ‪ :‬خطباء‬
‫أم تك من أ هل الدن يا ‪ ،‬م ن كانوا يأمرون الناس بالب وين سون أنف سهم ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪82‬‬

‫و هم يتلون الكتاب ‪ ،‬أفل يعقلون » ؟ ‪ .‬رواه أح د وغيه ‪ ،‬و عن أ سامة‬


‫ابـن زيـد رضـي ال عنهمـا قال ‪ :‬سـعت رسـول ال يقول ‪ « :‬ياء‬
‫بالرجل يوم القيامة فيلقى ف النار ‪ ،‬فتندلق أقتابه فيدور ب ا ف النار كما‬
‫يدور المار برحاه ‪ ،‬فيجت مع أ هل النار عل يه ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أي ‪ :‬فلن ما‬
‫شأ نك ؟ أل يس ك نت تأمر نا بالعروف وتنها نا عن الن كر ؟ قال ‪ :‬ك نت‬
‫آمركم بالعروف ول آتيه ‪ ،‬وأناكم عن النكر وآتيه » ‪ .‬رواه البخاري ‪،‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬وغيها ‪.‬‬
‫َالصـلَ ِة َوِإنّه َا َل َكبِيَةٌ إِل عَلَى‬
‫ِالصـبْرِ و ّ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬و ْ‬
‫َاسـَتعِينُوْا ب ّ‬
‫الْخَا ِشعِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪ :‬واستعينوا على أمور دينكم ودنياكم بالصب‬
‫والصلة ‪ .‬قال عمر بن الطاب رضي ال عنه ‪ :‬الصب صبان ‪ :‬صب عند‬
‫الصيبة حسن ‪ ،‬وأحسن منه الصب عن مارم ال ‪.‬‬
‫و عن حذي فة بن اليمان ر ضي ال ع نه قال ‪ ( :‬كان ر سول ال إذا‬
‫حزبه أمر صلى ) ‪ .‬رواه أبو داود ‪ .‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ ،‬أنه‬
‫نُ عي إل يه أخوه ق ثم و هو ف سفر ‪ ،‬فا سترجع ‪ ،‬ث تن حى عن الطر يق ‪،‬‬
‫فأناخ فصلى ركعتي أطال فيهما السجود ‪ ،‬ث قام يشي إل راحلته وهو‬
‫ل ِة َوإِّنهَا َل َكبِيَةٌ إِل عَلَى الْخَا ِشعِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫صبْ ِر وَالصّ َ‬‫يقول ‪ ﴿ :‬وَا ْستَعِينُوْا بِال ّ‬
‫صلَةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إنما معينتان‬ ‫صبْ ِر وَال ّ‬ ‫وقال ابن جريج ‪ ﴿ :‬وَا ْسَتعِينُوْا بِال ّ‬
‫على رحةـ ال ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإنّهَـا َلكَبِ َيةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ثقيلة ‪ ﴿ ،‬إِل‬
‫عَلَى الْخَا ِشعِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬التواضعي ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬الؤمني حقا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي َن يَ ُظنّو نَ ﴾ يستيقنون ﴿ َأّنهُم ّملَقُوا َرّبهِ مْ ﴾ ‪:‬‬
‫ُونـ‬
‫ْهـ رَا ِجع َ‬
‫ُمـإِلَي ِ‬
‫مشورون إليـه يوم القيامـة ‪ ،‬معروضون عليـه ‪َ ﴿ ،‬وأَّنه ْ‬
‫‪83‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴾ فيجزيهـم بأعمالمـ ؛ والظـن مـن الضداد ‪ ،‬يكون شكا ‪ ،‬ويكون‬


‫يقينا ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َرأَى الْ ُمجْ ِرمُونَـ النّارَ َف َظنّوا َأنّهُم ّموَاقِعُوهَا‬
‫وَلَ ْم َيجِدُوا َعْنهَا مَ صْرِفا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬كل ظن ف القرآن يقي ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬ظننت ‪ ،‬وظنوا ‪ ،‬يعن قوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّي َظنَنتُ َأنّي ُملَاقٍ حِسَابِيهْ ﴾ ‪،‬‬
‫ُونـ النّارَ فَ َظنّوا أَنّه ُم ّموَاِقعُوه َا ﴾ ونوـ ذلك ‪ ،‬وفـ‬ ‫ج ِرم َ‬‫﴿ وَ َرأَى الْمُ ْ‬
‫الصـحيح ‪ « :‬أن ال تعال يقول للعبـد يوم القيامـة ‪ :‬أل أزوجـك ؟ أل‬
‫أكر مك ؟ أل أ سخر لك ال يل وال بل ‪ ،‬وأذرك ترأس وتر بع ؟ فيقول ‪:‬‬
‫بلى ‪ .‬فيقول ال تعال ‪ :‬أظننـت أنـك ملقـي ؟ فيقول ‪ :‬ل ‪ ،‬فيقول ال‬
‫تعال ‪ :‬اليوم أنساك كما نسيتن » ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪84‬‬

‫الدرس السادس‬

‫﴿ يَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل اذْ ُكرُواْ نِعْمَتِ َي الّتِي َأنْعَمْتُ عَلَ ْيكُمْ َوَأنّي فَضّلُْتكُمْ‬
‫ْسـ شَيْئا َولَ‬
‫ْسـ ع َن ّنف ٍ‬
‫جزِي َنف ٌ‬
‫عَلَى الْعَالَمِي َ (‪ )47‬وَاتّقُواْ َيوْما ل تَ ْ‬
‫ُنصـرُونَ (‪ )48‬وَِإذْ‬
‫ُمـ ي َ‬
‫ُيقْبَ ُل مِنْه َا َشفَا َعةٌ َولَ ُي ْؤخَ ُذ مِنْه َا َع ْد ٌل وَ َل ه ْ‬
‫نَجّيْنَاكُم مّ نْ آ ِل ِفرْ َعوْ َن يَ سُومُوَنكُمْ ُسوَ َء اْلعَذَا بِ ُي َذبّحُو َن َأبْنَاءكُ مْ‬
‫وَيَ سْتَحْيُو َن نِ سَاء ُك ْم َوفِي َذِلكُم بَل ٌء مّن ّرّبكُ مْ عَظِي مٌ (‪ )49‬وَِإ ْذ َف َرقْنَا‬
‫ُونـ (‪َ )50‬وِإذْ‬
‫ُمـ تَن ُظر َ‬
‫ْنـ َوأَنت ْ‬
‫ُمـ وَأَ ْغ َرقْنَا آ َل ِفرْ َعو َ‬
‫ح َر َفأَنَيْنَاك ْ‬
‫ُمـ الْبَ ْ‬
‫بِك ُ‬
‫جلَ مِن َب ْعدِ ِه َوأَنتُ مْ ظَالِمُو نَ (‬
‫خ ْذتُ مُ اْلعِ ْ‬
‫وَا َع ْدنَا مُو سَى أَ ْربَعِيَ لَيْ َل ًة ُثمّ اتّ َ‬
‫شكُرُو نَ (‪ )52‬وَِإذْ آتَيْنَا‬
‫ك َلعَلّكُ ْم َت ْ‬
‫‪ )51‬ثُمّ َع َفوْنَا عَنكُ مِ مّ ن َب ْعدِ َذلِ َ‬
‫مُوسَى اْلكِتَابَ وَالْ ُف ْرقَا َن َلعَلّكُ ْم َتهَْتدُونَ (‪َ )53‬وِإذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِ ِه يَا‬
‫ج َل فَتُوبُواْ ِإلَى بَا ِرئِكُ ْم فَاقْتُلُواْ‬
‫سكُ ْم بِاتّخَاذِكُ مُ اْلعِ ْ‬
‫َقوْ مِ إِّنكُ مْ ظَلَمْتُ ْم أَنفُ َ‬
‫أَنفُ سَ ُكمْ َذِلكُ مْ خَ ْي ٌر ّلكُ مْ عِندَ بَا ِرِئكُ مْ فَتَابَـ عَلَ ْيكُ مْ ِإنّهُـ هُ َو الّتوّابُـ‬
‫ال ّرحِي مُ (‪َ )54‬وِإذْ قُلْتُ ْم يَا مُو سَى لَن ّن ْؤمِ َن لَ كَ حَتّ ى َنرَى اللّ َه َجهْ َرةً‬
‫َفأَ َخذَْتكُ ُم ال صّا ِعقَ ُة َوأَنتُ مْ تَن ُظرُو نَ (‪ )55‬ثُمّ َبعَثْنَاكُم مّ ن َبعْ ِد َموِْتكُ مْ‬
‫ش ُكرُونَـ (‪ )56‬وَظَلّلْنَا عَلَ ْيكُمُـ اْلغَمَامَـ َوأَن َزلْنَا َعلَ ْيكُمُـ الْمَنّ‬
‫َلعَلّكُم ْـَت ْ‬
‫وَال سّ ْلوَى كُلُواْ مِن طَيّبَا تِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَ ـكِن كَانُواْ‬
‫سهُ ْم يَظْلِمُونَ (‪. ﴾ )57‬‬
‫أَن ُف َ‬
‫***‬
‫‪85‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ يَ الّتِي َأْنعَمْ تُ‬
‫جزِي َنفْ سٌ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َوأَنّ ي فَضّلُْتكُ مْ عَلَى الْعَالَمِيَ (‪ )47‬وَاتّقُواْ َيوْما ل تَ ْ‬
‫ُمـ‬
‫ْسـ شَيْئا وَ َل ُيقَْبلُ مِنْه َا شَفَا َعةٌ َو َل يُ ْؤ َخذُ مِنْه َا َعدْ ٌل َولَ ه ْ‬
‫ع َن ّنف ٍ‬
‫صرُونَ (‪. ﴾ )48‬‬
‫يُن َ‬
‫يُذكّر تعال بن إسرائيل بنعمه على آبائهم ‪ ،‬وما كان فضلهم به على‬
‫سائر ال مم من أ هل زمان م ‪ ،‬من إر سال الر سل من هم ‪ ،‬وإنزال الك تب‬
‫علي هم ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَالَ مُو سَى ِل َق ْومِ ِه يَا َقوْ مِ اذْ ُكرُواْ ِنعْ َمةَ‬
‫اللّ ِه عََلْيكُمْ ِإذْ َجعَلَ فِيكُمْ أَنِبيَاء وَ َج َعَلكُم مّلُوكا وَآتَاكُم مّا لَ ْم ُيؤْتِ أَحَدا‬
‫ُمـ عَلَى اْلعَالَمِيَ‬ ‫مّنـ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ .‬والراد بقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَنّيـ َفضّ ْلُتك ْ‬
‫﴾ أي ‪ :‬عال ي زمان م ‪ ،‬فإن هذه ال مة أف ضل من هم ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪:‬‬
‫ف َوتَْن َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَرِ‬
‫﴿ كُنتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ َت ْأمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫َوُتؤْ ِمنُو َن بِاللّ هِ ﴾ ‪ ،‬وقال النب ‪ « :‬أنتم توفون سبعي أمة ‪ ،‬أنتم خيها‬
‫وأكرمها على ال » ‪ .‬رواه أهل السنن ‪ .‬وقد قال ال تعال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِ كَ‬
‫س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ مْ‬ ‫َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّمةً وَ سَطا ّلتَكُونُوْا ُشهَدَاء عَلَى النّا ِ‬
‫َشهِيدا ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ َيوْما ل تَجْزِي َنفْ سٌ عَن ّنفْ ٍ‬
‫س َشيْئا وَ َل ُيقْبَلُ‬
‫ُنصـرُونَ ﴾ ‪ :‬يقول تعال ‪:‬‬ ‫ُمـ ي َ‬ ‫ِمنْه َا َشفَا َعةٌ وَ َل ُيؤْخَ ُذ ِمنْه َا عَدْ ٌل وَ َل ه ْ‬
‫جزِي ﴾ ل تقضي‬ ‫﴿ وَاّتقُوْا َيوْما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اخشوا عقاب يوم ﴿ ل تَ ْ‬
‫ن فس عن ن فس شيئا ‪ ،‬حقا لزم ها ‪ ،‬ول ين فع ف يه أحدٌ أحدا ‪ ،‬ك ما قال‬
‫جزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ‬ ‫شوْا َيوْما لّا يَ ْ‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا النّاسُ اّتقُوا َرّبكُ ْم وَاخْ َ‬
‫حيَاةُ‬
‫وَلَا َموْلُودٌ هُوَ جَا ٍز عَن وَالِدِ ِه َشيْئا إِنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ فَلَا َتغُ ّرّنكُ ُم الْ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪86‬‬

‫ـ الْغَرُورُ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا تَزِ ُر وَازِ َرٌة‬ ‫ال ّدنْيَـا وَلَا َيغُ ّرنّكُـم بِاللّه ِ‬
‫َانـ ذَا‬
‫ْهـ َشيْءٌ وََلوْ ك َ‬ ‫ْعـ ُمْثقََلةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْ َم ْل ِمن ُ‬
‫وِزْرَ أُ ْخرَى َوإِن تَد ُ‬
‫قُ ْربَى ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ُي ْقبَ ُل ِمنْهَا َشفَا َعةٌ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬من الكافرين ‪ ،‬فل‬
‫يقبل من كافر شفاعة ‪ ،‬ول تقبل فيه شفاعة ‪ ،‬قال تعال ‪ ﴿ :‬فَمَا تَن َف ُعهُ ْم‬
‫َشفَا َعةُ الشّاِفعِيَـ ﴾ ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل ُيؤْخَ ُذ ِمنْهَـا عَدْلٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫فداء ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َكفَرُواْ َلوْ أَنّ لَهُم مّ ا فِي الَرْ ضِ‬
‫جَمِيعا َو ِمثْلَ ُه َمعَ هُ ِلَي ْفتَدُوْا بِ ِه مِ ْن عَذَا بِ َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ مَا ُت ُقبّ َل ِمْنهُ مْ وََلهُ مْ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ هُ ْم يُنصَرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ناصر لم‬
‫ول مانع ينعهم من عذاب ال ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ نَجّيْنَاكُم مّ نْ آ ِل ِفرْ َعوْ َن يَ سُومُونَ ُكمْ ُسوَءَ‬
‫ب يُ َذبّحُو َن َأبْنَاءكُ مْ َويَ سْتَحْيُو َن نِ سَاء ُكمْ وَفِي َذلِكُم بَل ٌء مّ ن‬
‫الْ َعذَا ِ‬
‫ّرّبكُمْ عَظِيمٌ (‪. ﴾ )49‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا يا بن إسرائيل نعمت عليكم إذ نيناكم ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أسلفكم وأجدادكم ‪ ،‬لنم نوا بنجاتم من آل فرعون أتباعه وأهل دينه‬
‫َابـ ﴾ أشـد‬
‫سـوَ َء اْلعَذ ِ‬
‫‪ ﴿ .‬يَسـُومُونَكُمْ ﴾ يكلفونكـم ويذيقونكـم ﴿ ُ‬
‫حيُو َن نِ سَاءكُمْ ﴾ ‪ .‬قال ا بن‬
‫ستَ ْ‬
‫العذاب وأسوأه ‪ ﴿ ،‬يُ َذبّحُو نَ أَْبنَاءكُ مْ َويَ ْ‬
‫إسـحاق ‪:‬كان فرعون يعذب بنـ إسـرائيل فيجعلهـم خدما وخولً ‪،‬‬
‫و صنفهم ف أعماله ‪ :‬ف صنف يبنون و صنف يزرعون له ف هم ف أعماله ‪،‬‬
‫ومن ل يكن منهم ف صنعة من عمله فعليه الزية فسامهم ‪ ،‬كما قال ال‬
‫‪87‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عز وجل ‪ُ ﴿ :‬سوَ َء اْلعَذَا بِ ﴾ ‪ .‬وقال ‪ :‬الذي جعلهم ف العمال القذرة‬


‫وجعل يقتل أبناءهم ‪ ،‬ويستحي نساءهم ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ‪ :‬تذا كر فرعون وجل ساؤه ما كان ال و عد إبراه يم‬
‫خليله ‪ ،‬أن ي عل ف ذري ته أ نبياء وملوكا ‪ ،‬وائتمروا وأجعوا أمر هم على‬
‫أن يبعث رجالً معهم الشفار يطوفون ف بن إسرائيل ‪ ،‬فل يدون مولودا‬
‫ذكـر إل ذبوه ‪ ،‬ففعلوا ‪ ،‬فلمـا رأوا أن الكبار مـن بنـ إسـرائيل يوتون‬
‫بآجال م ‪ ،‬وأن ال صغار يذبون ‪ ،‬قال ‪ :‬توشكون أن تفنوا ب ن إ سرائيل ‪،‬‬
‫فتصيوا إل أن تباشروا من العمال والدمة ما كانوا يكفونكم ‪ ،‬فاقتلوا‬
‫عاما كل مولود ذكر ‪ ،‬فتقتل أبناؤهم ‪ ،‬ودعوا عاما ‪ ،‬فحملت أم موسى‬
‫بارون ف العام الذي ل يذبح فيه الغلمان ‪ ،‬فولدته علنية ‪ ،‬حت إذا كان‬
‫القابل حلت بوسى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَفِي ذَلِكُم بَل ٌء مّ ن ّرّبكُ ْم عَظِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نع مة‬
‫عظيمة ‪ ،‬حيث أناكم منهم ‪ .‬وأصل البلء الختبار ‪ ،‬وقد يكون بالي‬
‫خيْرِ ِفْتَنةً ﴾ وقال تعال‬
‫والشـر ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وَنبْلُوكُم بِالشّ ّر وَالْ َ‬
‫سّيئَاتِ َل َعّلهُ ْم يَرْ ِجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت وَال ّ‬
‫سنَا ِ‬
‫‪َ ﴿ :‬وبََل ْونَاهُ ْم بِالْحَ َ‬
‫ُمـ َوأَ ْغ َرقْنَا آلَ‬
‫ح َر َفأَنَيْنَاك ْ‬
‫ُمـ الْبَ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َف َرقْنَا ِبك ُ‬
‫ِفرْ َعوْنَ َوأَنُتمْ تَن ُظرُونَ (‪. ﴾ )50‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا نعمتـ عليكـم يـا بنـ إسـرائيل إذ فرقنـا بكـم‬
‫البحر فأنيناكم من آل فرعون ومن الغرق ‪ ،‬وأغرقنا آل فرعون ﴿ َوأَنتُ ْم‬
‫تَنظُرُو نَ ﴾ ليكون ذلك أشفى لصدوركم ‪ ،‬وأبلغ ف إهانة عدوكم ‪ .‬قال‬
‫الزء الول‬ ‫‪88‬‬

‫ُهـ َبغْيا‬
‫ْنـ َو ُجنُود ُ‬
‫ُمـ ِف ْر َعو ُ‬
‫حرَ َفَأتَْب َعه ْ‬‫ِسـرَائِي َل الْبَ ْ‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬وَجَا َوزْنَا ِببَنِي إ ْ‬
‫َوعَدْوا ﴾ ‪.‬‬
‫ـ أتـى موسـى البحـر ‪ ،‬قال له ر جل مـن‬ ‫قال عمرو بـن ميمون ‪ :‬فلم ا‬
‫أصحابه ‪ ،‬يقال له يوشع بن نون ‪ :‬أين أمر ربك ؟ قال ‪ :‬أمامك يشي إل‬
‫البحر ‪ ،‬فأقحم يوشع فرسه ف البحر حت بلغ الغمر ‪ ،‬فذهب به الغمر ‪،‬‬
‫ث رجع ‪ ،‬فقال ‪ :‬أين أمر ربك يا موسى ؟ فوال ما كذبت ول كذبت ‪،‬‬
‫فعل ذلك ثلث مرات ‪ .‬ث أوحى ال إل موسى أن اضرب بعصاك البحر‬
‫فضربه فانفلق ‪ ،‬فكان كل فرق كالطود العظيم يقول ‪ :‬مثل البل ث سار‬
‫مو سى و من م عه ‪ ،‬وأتبع هم فرعون ف طريق هم ‪ ،‬ح ت إذا تتاموا ف يه ‪،‬‬
‫أطبقه ال عليهم ‪ ،‬فلذلك قال ‪َ ﴿ :‬وَأغْرَ ْقنَا آلَ فِ ْر َع ْونَ َوأَنتُ ْم تَنظُرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫جلَ‬
‫خ ْذتُمُ اْلعِ ْ‬
‫ي لَيْ َلةً ُثمّ اتّ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ وَا َع ْدنَا مُوسَى أَ ْرَبعِ َ‬
‫مِن َب ْعدِ هِ َوأَنتُ مْ ظَالِمُو نَ (‪ )51‬ثُمّ َع َفوْنَا عَنكُ ِم مّ ن َب ْعدِ َذلِ كَ َلعَ ّلكُ مْ‬
‫َتشْ ُكرُو نَ (‪َ )52‬وِإذْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا بَ وَالْ ُف ْرقَا َن َلعَلّكُ ْم َتهَْتدُو نَ (‬
‫‪. ﴾ )53‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا نعم ت علي كم ‪ ،‬ف عفوي عن كم ‪ ،‬ل ا عبد ت‬
‫العجل بعد ذهاب موسى ليقات ربه ‪ ،‬عند انقضاء أمد الواعدة ‪ ،‬وكان‬
‫ذلك بعد إنائهم من البحر ‪.‬‬
‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لكـي تشكروا عفوي عنكـم‬‫شكُر َ‬‫ُمـ تَ ْ‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬لعَّلك ْ‬
‫وصنيعي إليكم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ آَتيْنَا مُو سَى اْل ِكتَا بَ وَاْلفُرْقَا نَ َلعَّلكُ ْم َتهْتَدُو نَ‬
‫﴾ الكتاب ‪ :‬هو التوراة ‪ ،‬والفرقان ‪ :‬ما يفرق بي الق والباطل ‪ .‬قال أبو‬
‫‪89‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫العاليـة قوله ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ وَاعَدْن َا مُوسـَى أَ ْرَبعِي َ َليَْلةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يعنـ ‪ :‬ذا‬
‫القعدة وعشرا مـن ذي الجـة ‪ ،‬وذلك حيـ خلف موسـى أصـحابه ‪،‬‬
‫وا ستخلف علي هم هارون ‪ ،‬فم كث على الطور أربع ي ليلة ‪ ،‬وأنزل عل يه‬
‫التوراة فـ اللواح ‪ ،‬وكانـت اللواح مـن برد ‪ ،‬فقرّبـه الرب إليـه نيا ‪،‬‬
‫وكل مه و سع صرير القلم ‪ .‬وبلغ نا أ نه ل يُحْدث حدثا ف الربع ي ليلة‬
‫حت هبط من الطور ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ ظَ َلمْت ْ‬
‫ْمـِإنّك ْ‬
‫ِهـ يَا قَو ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ قَا َل مُوسـَى ِلقَ ْوم ِ‬
‫ُمـ‬
‫ُسـ ُكمْ َذِلك ْ‬
‫ُمـ فَاقْتُلُوْا أَنف َ‬
‫ج َل فَتُوبُواْ ِإلَى بَا ِرئِك ْ‬
‫ُمـ اْلعِ ْ‬
‫ُسـ ُكمْ بِاتّخَاذِك ُ‬
‫أَنف َ‬
‫ب الرّحِيمُ (‪. ﴾ )54‬‬
‫خَ ْيرٌ ّلكُمْ عِن َد بَا ِرئِ ُك ْم فَتَابَ عَلَ ْي ُكمْ ِإّنهُ هُ َو التّوّا ُ‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَا َل مُو سَى ِل َقوْمِ هِ ﴾ ‪ :‬الذين عبدوا العجل ﴿ يَا‬
‫ـ اْلعِجْلَ ﴾ إلا ﴿ َفتُوبُواْ إِلَى‬ ‫ـكُ ْم بِاتّخَاذِكُم ُ‬
‫ـ أَنفُس َ‬
‫ـ ظَلَ ْمتُم ْ‬
‫ـ ِإّنكُم ْ‬
‫َقوْم ِ‬
‫سكُمْ ﴾‬ ‫بَا ِرئِكُمْ ﴾ ‪ :‬خالقكم ‪ .‬قالوا ‪ :‬كيف نتوب ؟ قال ‪ ﴿ :‬فَا ْقتُلُواْ أَنفُ َ‬
‫‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬أ مر مو سى قو مه عن أ مر ر به عز و جل ‪ ،‬أن يقتلوا‬
‫أنفسـهم ‪ ،‬قال ‪ :‬وأخـب الذيـن عبدوا العجـل ‪ ،‬فجلسـوا وقام الذيـن ل‬
‫يعكفوا على الع جل فأخذوا النا جر بأيدي هم ‪ ،‬وأ صابتهم ظل مة شديدة ‪،‬‬
‫فجعل يقتل بعضهم بعضا ‪ ،‬فانلت الظلمة عنهم ‪ ،‬وقد جلوا عن سبعي‬
‫ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أمـر القوم بتشديـد مـن المـر ‪ ،‬فقاموا يتناحرون بالشفار ‪،‬‬
‫يقتل بعضهم بعضا حت بلغ ال فيهم نعمته فسقطت الشفار من أيديهم ‪،‬‬
‫فأمسك ال عنهم القتل ‪ ،‬فجعل ليهم توبة ‪ ،‬وللمقتول شهادة ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪90‬‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فتَا َ‬


‫ب عََلْيكُ مْ ﴾ تاوز عنكم ﴿ ِإنّ هُ ُه َو الّتوّا بُ ﴾ ‪:‬‬
‫القابل التوبة ﴿ الرّحِيمُ ﴾ ‪ :‬بعبادة الؤمني ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قُلْتُ ْم يَا مُو سَى لَن ّن ْؤمِ َن لَ كَ حَتّى َنرَى اللّ هَ‬
‫جَ ْه َر ًة َفأَ َخذَْتكُمُـ الصـّا ِعقَ ُة َوأَنتُم ْـ تَن ُظرُونَـ (‪ )55‬ثُمّ َبعَثْنَاكُم مّنـَبعْدِ‬
‫مَ ْوِتكُ ْم َلعَلّ ُكمْ َتشْ ُكرُونَ (‪. ﴾ )56‬‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿:‬وإِذْ قُ ْلتُ ْم يَا مُوسَى لَن ّن ْؤمِنَ لَكَ ﴾ لن نقرّ لك ﴿ َحتّى‬
‫نَرَى اللّهَـ َج ْه َرةً ﴾ ‪ :‬عيانًا ‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬علنيـة ‪ .‬وقال الربيـع بـن‬
‫أنس ‪ :‬هم السبعون الذين اختارهم موسى ‪ ،‬فساروا معه ‪ ،‬قال ‪ :‬فسمعوا‬
‫ـ َجهْ َرةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ـ َحتّىـ نَرَى اللّه َ‬ ‫ـ لَك َ‬
‫كلما ‪ ،‬فقالوا ‪ ﴿ :‬لَن ّن ْؤمِن َ‬
‫فسـمعوا صـوتا ‪ ،‬فصـعقوا ‪ ،‬يقول ‪ :‬ماتوا ‪ .‬قال السـدي ‪ :‬فقام موسـى‬
‫يب كي ويد عو ال ويقول ‪ :‬ر ب ماذا أقول لب ن إ سرائيل إذا أتيت هم ‪ ،‬و قد‬
‫أهل كت خيار هم ؟ لو شئت أهلكت هم من ق بل وإياي ‪ ،‬أتلك نا ب ا ف عل‬
‫السـفهاء منـا ‪ .‬فأوحـى ال إل موسـى ‪ :‬أن هؤلء السـبعي منـ اتذوا‬
‫الع جل ‪ ،‬ث إ نه أحيا هم فقاموا وعاشوا رجلً رجلً ‪ ،‬ين ظر بعض هم إل‬
‫ب عض ك يف ييون ‪ ،‬فذلك قوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َب َعْثنَاكُم مّ ن بَعْ ِد َم ْوِتكُ مْ‬
‫شكُرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫ُمـ الْمَنّ‬
‫َامـ َوأَنزَلْنَا عَلَ ْيك ُ‬
‫ُمـ الْغَم َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَظَلّلْنَا َعلَ ْيك ُ‬
‫وَال سّ ْلوَى كُلُواْ مِن طَيّبَا تِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَ ـكِن كَانُواْ‬
‫سهُ ْم يَظْلِمُونَ (‪. ﴾ )57‬‬
‫أَن ُف َ‬
‫لا ذكر تعال ما دفعه عنهم من النقم ‪ ،‬شرع يذكرهم أيضا با أسبغ‬
‫عليهم من النعم ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬وظَلّ ْلنَا عََليْكُ ُم اْلغَمَا مَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬السحاب ‪،‬‬
‫‪91‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ف التيه يقيكم حر الشمس ‪َ ﴿ ،‬وأَنزَْلنَا عََلْيكُ ُم الْمَنّ وَال سّ ْلوَى ﴾ ‪ ،‬قال‬


‫ا بن عباس ‪ :‬كان ال ن ينل علي هم على الشجار ‪ ،‬فيغدون إل يه فيأكلون‬
‫م نه ما شاءوا ‪ .‬وقال الش عب ‪ :‬ع سلكم هذا جزء من سبعي جزءا من‬
‫الن ‪ .‬وف الديث الصحيح ‪ « :‬الكمأة من الن ‪ ،‬وماؤها شفاء للعي »‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬السلوى طائر يشبه السمّان ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كُلُوْا مِن‬
‫طَّيبَا تِ مَا رَزَ ْقنَاكُ ْم ﴾ واشكرون ول تكفرون فخالفوا ف حل ب م عقا به‬
‫سهُ ْم يَظِْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪:‬‬ ‫‪ ﴿ .‬وَمَا ظَلَمُونَا وَلَ ـكِن كَانُواْ أَنفُ َ‬
‫ضبِي َومَن‬ ‫ح ّل عََليْكُ ْم َغ َ‬
‫ت مَا رَزَ ْقنَاكُ ْم وَلَا تَ ْط َغوْا فِي هِ َفيَ ِ‬
‫﴿ كُلُوا مِن َطيّبَا ِ‬
‫ب وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا‬ ‫يَحِْل ْل عََليْ ِه َغضَبِي َفقَ ْد َهوَى * َوِإنّي َل َغفّارٌ لّمَن تَا َ‬
‫ثُمّ ا ْهتَدَى ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪92‬‬

‫الدرس السابع‬

‫ُمـ رَغَدا‬
‫ْثـ شِئْت ْ‬
‫﴿ َوِإذْ قُلْن َا ا ْدخُلُوْا هَــ ِذ ِه الْ َق ْريَ َة َفكُلُواْ مِنْه َا حَي ُ‬
‫ـَنزِيدُ‬
‫ـ وَس َ‬
‫ُمـ خَطَايَاكُم ْ‬
‫ـجّدا وَقُولُواْ حِطّ ٌة ّنغْ ِف ْر لَك ْ‬
‫ـس ُ‬
‫وَا ْدخُلُواْ الْبَاب َ‬
‫الْمُحْ سِِنيَ (‪ )58‬فََبدّ َل الّذِي نَ ظَ َلمُوْا َقوْلً غَ ْي َر اّلذِي قِي َل َلهُ مْ َفأَنزَلْنَا‬
‫ْسـقُونَ (‪َ )59‬وِإذِ‬
‫السـمَاء بِمَا كَانُواْ َيف ُ‬
‫ّنـ ّ‬‫ِينـ ظَلَمُواْ ِرجْزا م َ‬
‫عَلَى الّذ َ‬
‫جرَ تْ مِنْ هُ اثْنَتَا‬
‫ج َر فَانفَ َ‬
‫ضرِب ّبعَ صَا َك الْحَ َ‬
‫ا سَْتسْقَى مُو سَى ِل َقوْمِ هِ َفقُلْنَا ا ْ‬
‫ق اللّ هِ وَلَ‬
‫ش َرةَ عَيْنا َقدْ عَلِ مَ ُك ّل أُنَا سٍ ّمشْ َرَبهُ مْ كُلُواْ وَا ْشرَبُوْا مِن رّزْ ِ‬
‫َع ْ‬
‫سدِينَ (‪َ )60‬وِإذْ قُلُْت ْم يَا مُوسَى لَن نّصِْبرَ عَ َلىَ َطعَامٍ‬
‫ض ُم ْف ِ‬
‫َتعْثَ ْواْ فِي الَرْ ِ‬
‫ض مِن َبقْلِهَا َوقِثّآئِهَا‬
‫ت الَرْ ُ‬
‫ج لَنَا مِمّ ا تُنبِ ُ‬
‫خرِ ْ‬
‫ك يُ ْ‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫وَا ِحدٍ فَادْ ُ‬
‫َوفُو ِمهَا وَ َعدَ ِسهَا َوبَصَ ِلهَا قَالَ َأتَسْتَ ْبدِلُو َن الّذِي هُ َو َأ ْدنَى بِاّلذِي ُه َو خَيْرٌ‬
‫ض ِربَت ْـ َعلَ ْيهِمُـ ال ّذلّ ُة وَالْمَس ْـكَنَةُ‬
‫اهْبِطُواْ مِصـْرا َفإِنّ لَكُم مّاـ سَـَألْتُ ْم وَ ُ‬
‫ت اللّ هِ َوَيقْتُلُو نَ‬
‫ك ِبأَّنهُ مْ كَانُواْ َي ْكفُرُو َن بِآيَا ِ‬
‫ب مّ َن اللّ ِه َذلِ َ‬
‫وَبَآؤُ ْواْ بِغَضَ ٍ‬
‫ك بِمَا عَ صَواْ وّكَانُوْا يَعَْتدُو نَ (‪ )61‬إِنّ اّلذِي نَ‬
‫النّبِيّيَ ِبغَ ْيرِ الْحَقّ َذلِ َ‬
‫ي مَ نْ آمَ نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الخِرِ‬
‫آمَنُواْ وَالّذِي َن هَادُواْ وَالنّ صَارَى وَال صّابِئِ َ‬
‫ُمـ‬
‫ِمـ َولَ ه ْ‬
‫ْفـ عَلَ ْيه ْ‬
‫ِمـ وَ َل خَو ٌ‬
‫ُمـ عِندَ َرّبه ْ‬
‫ُمـ َأجْ ُره ْ‬
‫وَعَ ِملَ صـَالِحا فَ َله ْ‬
‫ح َزنُو نَ (‪ )62‬وَِإ ْذ أَ َخذْنَا مِيثَا َقكُ مْ وَ َرفَعْنَا َف ْوقَكُ ُم الطّو َر ُخذُوْا مَا‬
‫يَ ْ‬
‫آتَيْنَاكُم بِ ُق ّوةٍ وَاذْ ُكرُوْا مَا فِي ِه َلعَلّكُ مْ تَّتقُو نَ (‪ )63‬ثُمّ تَ َولّيْتُم مّ ن َبعْدِ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَ َرحْمَتُ ُه لَكُنتُم مّنَ الْخَاسِرِينَ (‪ )64‬وََل َقدْ‬
‫ك فَ َلوْ َل فَ ْ‬
‫َذلِ َ‬
‫ت َفقُلْنَا َلهُ مْ كُونُواْ ِقرَ َد ًة خَا سِِئيَ (‬
‫عَلِ ْمتُ ُم الّذِي نَ اعَْتدَوْا مِنكُ مْ فِي ال سّبْ ِ‬
‫‪93‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جعَلْنَاهَا نَكَالً لّمَا بَيْ نَ َي َدْيهَا َومَا خَ ْلفَهَا وَ َموْعِ َظ ًة لّلْمُّتقِيَ ( ‪)66‬‬
‫‪ )65‬فَ َ‬
‫﴾‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪94‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوْا هَـ ِذهِ اْل َقرَْي َة فَكُلُواْ مِ ْنهَا حَيْ ثُ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ خَطَايَاك ْ‬
‫سـجّدا َوقُولُواْ حِ ّط ٌة ّنغْ ِف ْر لَك ْ‬
‫َابـ ُ‬
‫ُمـ رَغَدا وَا ْدخُلُواْ الْب َ‬
‫شِئْت ْ‬
‫وَ سََنزِيدُ الْ ُمحْ سِِنيَ (‪ )58‬فََبدّ َل الّذِي نَ ظَ َلمُوْا َقوْلً غَ ْي َر اّلذِي قِي َل َلهُ مْ‬
‫سقُونَ (‪.﴾)59‬‬
‫َفأَن َزلْنَا عَلَى اّلذِينَ ظَلَمُواْ ِرجْزا ّمنَ السّمَاء بِمَا كَانُوْا يَ ْف ُ‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬يقول تعال لئما لمـ على نكولمـ عـن الهاد ‪،‬‬
‫ودخول م الرض القد سة ‪ ،‬ل ا قدموا من بلد م صر صحبة مو سى عل يه‬
‫ال سلم ‪ ،‬فأمروا بدخول الرض القد سة ال ت هي مياث ل م عن أبي هم‬
‫إسـرائيل ‪ ،‬وقتال مـن فيهـا مـن العماليـق الكفرة ‪ ،‬فنكلوا عـن قتالمـ‬
‫وضعفوا ‪ ،‬واستحسروا ‪ ،‬فرماهم ال ف التيه عقوبة لم ‪ ،‬كما ذكره تعال‬
‫فـ سـورة الائدة ‪ .‬ولذا كان أصـح القوليـ ‪ :‬أن هذه البلدة هـي بيـت‬
‫القدس ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكُلُواْ ِمْنهَا َحيْثُ ِشْئتُمْ َرغَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هنيئا واسعا‬
‫‪ ﴿ .‬وَادْ ُخلُواْ اْلبَا بَ سُجّدا ﴾ ‪ :‬شكرًا ل تعال ‪ .‬قال ا بن عباس ف قوله‬
‫‪ ﴿ :‬وَادْ ُخلُواْ اْلبَا بَ سُجّدا ﴾ قال ‪ :‬ركعا من باب صغي ‪ .‬وقال ماهد‬
‫‪ :‬وهو باب الطة ‪ ،‬من باب إيلياء بيت القدس ‪.‬‬
‫ـ ﴾ قال ابـن عباس ‪ :‬مغفرة ‪،‬‬‫ـ خَطَايَاكُم ْ‬
‫﴿ وَقُولُواْ حِ ّط ٌة ّن ْغفِرْ َلكُم ْ‬
‫حطـ عنـا خطايانـا ‪ ،‬أمروا بالسـتغفار ‪﴿ .‬‬‫اسـتغفروا ‪ .‬وقال قتادة ‪ّ :‬‬
‫ي ﴾ ثوابا من فضلنا ‪.‬‬ ‫سنِ َ‬‫َوسَنَزِيدُ الْمُحْ ِ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فبَدّلَ الّذِينَـ ظََلمُواْ َقوْ ًل َغيْ َر الّذِي قِيلَ َلهُم ْـ ﴾ روى‬
‫أبو هريرة رضي ال عنه عن النب قال ‪ « :‬قيل لبن إسرائيل ‪ :‬ادخلوا‬
‫‪95‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الباب سجدًا ‪ ،‬وقولوا ح طة ‪ ،‬فدخلوا يزحفون على أ ستاههم ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬


‫ح بة ف شعية » ‪ .‬أخر جه البخاري وغيه ‪ ،‬و ف حد يث الباء ‪ « :‬ق يل‬
‫لمـ ‪ :‬ادخلوا الباب سـجدا ‪ ،‬قال ‪ :‬ركعا وقولوا ‪ :‬حطـة ‪ ،‬أي ‪ :‬مغفرة‬
‫فدخلوا على أستاههم وجعلوا يقولون ‪ :‬حنطة حراء وفيها شعية ‪ .‬فأنزل‬
‫ال ‪ ﴿ :‬فبدل الذين ظلموا قو ًل غي الذي قيل لم ﴾ » ‪.‬‬
‫ـة ‪ ،‬فقالوا‬ ‫وقال البغوي ‪ :‬وذلك أنم ـ بدلوا قول ‪ :‬الطـ‬
‫ـة بالنطـ‬
‫بلسانم ‪ :‬حطانا سقانا ‪ ،‬أي ‪ :‬حنطة حراء ‪ ،‬استخفافا بأمر ال تعال ‪.‬‬
‫السـمَاء بِمَا كَانُواْ‬
‫ّنـ ّ‬‫ِينـ ظَلَمُواْ رِجْزا م َ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَنزَلْنَا عَلَى الّذ َ‬
‫َيفْ سُقُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يعصون ويرجون عن أمر ال ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬كل‬
‫شيء ف كتاب ال من الرجز ‪ ،‬يعن به ‪ :‬العذاب ‪ .‬وقال سعيد بن جبي ‪:‬‬
‫هو الطاعون ‪.‬‬
‫ضرِب ّبعَ صَاكَ‬
‫سقَى مُوسَى ِلقَ ْومِ ِه َفقُلْنَا ا ْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذِ اسْتَ ْ‬
‫ش َربَهُ مْ كُلُواْ‬
‫ش َرةَ عَيْنا َقدْ َعلِ مَ ُك ّل ُأنَا سٍ ّم ْ‬
‫ت مِنْ ُه اثْنَتَا َع ْ‬
‫جرَ ْ‬
‫ج َر فَانفَ َ‬
‫الْحَ َ‬
‫سدِينَ (‪. ﴾ )60‬‬
‫ض مُ ْف ِ‬
‫وَا ْشرَبُواْ مِن رّزْقِ ال ّل ِه وَ َل َتعْثَ ْوْا فِي الَرْ ِ‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا نعمتـ عليكـم ‪ ،‬إذ اسـتسقى موسـى ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫حجَ َر‬
‫طلب السقيل لقومه حي عطشوا ف التيه ﴿ َف ُق ْلنَا اضْرِب ّبعَ صَاكَ الْ َ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬وجعل بي ظهرانيهم حجر مربع ‪ ،‬وأمر موسى عليه‬
‫ت ِمنْ هُ اْثَنتَا عَشْ َر َة عَيْنا ﴾ ‪ ،‬ف كل‬
‫السلم ‪ ،‬فضربه بعصاه ‪ ﴿ ،‬فَانفَجَرَ ْ‬
‫ناحيـة منـه ثلث عيون ‪ ،‬وأعلم كـل سـبط عينهـم يشربون منهـا ‪ ،‬ل‬
‫يرتلون من منقله إل وجدوا ذلك معهم ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪96‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كُلُوْا وَاشْ َربُوْا مِن رّزْ قِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كلوا من الن‬
‫والسـلوى ‪ ،‬واشربوا مـن الاء ‪ ،‬فهذا كله مـن رزق ال الذي يأتيكـم بل‬
‫مشقة ‪.‬‬
‫ْسـدِينَ ﴾ ‪ ،‬العثـي ‪ :‬أشـد الفسـاد ‪ .‬قال‬ ‫ْضـ ُمف ِ‬
‫﴿ وَ َل َت ْعَثوْاْ فِي الَر ِ‬
‫السدي ‪ :‬لا دخل بنو إسرائيل التيه قالوا لوسى عليه السلم ‪ :‬كيف لنا با‬
‫هـا هنـا ‪ ،‬أيـن الطعام ؟ فأنزل ال عليهـم النـ ‪ ،‬فكان ينل على شجـر‬
‫الزنب يل ‪ .‬وال سلوى و هو ‪ :‬طائر يش به ال سمّان أ كب م نه ‪ ،‬فكان يأ ت‬
‫أحدهم فينظر إل الطي ‪ ،‬فإن كان سينًا ذبه وإل أرسله ‪ ،‬فإذا سن أتاه ‪،‬‬
‫فقالوا هذا الطعام فأيـن الشراب ؟ فأمـر موسـى فضرب بعصـاه الجـر‬
‫ت ِمنْ هُ اْثنَتَا عَشْ َر َة َعيْنا ﴾ فشرب كل سبط من ع ي ‪،‬‬ ‫جرَ ْ‬ ‫﴿ فَانفَ َ‬
‫فقالوا ‪ :‬هذا الشراب فأيـن الظـل ؟ فظلل عليهـم الغمام ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا‬
‫الظل فأين اللباس ؟ فكانت ثيابم تطول معهم كما تطول الصبيان ‪ ،‬ول‬
‫يتخرق ل م ثوب ‪ ،‬فلذلك قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وظَلّلْنَا عََلْيكُ ُم اْلغَمَا َم َوأَنزَلْنَا‬
‫سقَى مُو سَى ِل َق ْومِ هِ َفقُلْنَا‬ ‫عََليْكُ ُم الْمَنّ وَال سّ ْلوَى ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِ ِذ ا سْتَ ْ‬
‫ت ِمنْ هُ اْثنَتَا عَشْ َرةَ َعيْنا َق ْد عَلِ مَ كُلّ ُأنَا سٍ‬
‫جرَ ْ‬‫حجَرَ فَانفَ َ‬
‫اضْرِب ّبعَ صَاكَ الْ َ‬
‫مّشْ َرَبهُمْ كُلُوْا وَاشْ َربُواْ مِن رّ ْزقِ اللّ ِه وَ َل َتعَْث ْواْ فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قُلْتُ مْ يَا مُو سَى لَن نّ صِْبرَ عَ َلىَ َطعَا ٍم وَا ِحدٍ‬
‫ض مِن َبقْ ِلهَا َوقِثّآِئهَا وَفُومِهَا‬
‫ت الَرْ ُ‬
‫ج لَنَا مِمّا تُنبِ ُ‬
‫خرِ ْ‬
‫ك يُ ْ‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫فَادْ ُ‬
‫وَ َعدَ ِسهَا َوبَ صَ ِلهَا قَالَ َأتَ سْتَ ْب ِدلُو َن اّلذِي ُهوَ َأ ْدنَى بِاّلذِي ُهوَ خَيْ ٌر اهْبِطُواْ‬
‫ضرِبَت ْـ عَلَ ْيهِمُـ الذّّل ُة وَالْمَس ْـكََنةُ َوبَآ ُؤوْاْ‬
‫مِصـْرا َفإِنّ لَكُم مّاـ سَـأَلُْت ْم وَ ُ‬
‫‪97‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب مّ َن اللّ ِه َذلِ كَ ِبَأنّهُ مْ كَانُوْا َيكْ ُفرُو َن بِآيَا تِ اللّ هِ َوَيقْتُلُو َن النّبِيّيَ‬
‫ِبغَضَ ٍ‬
‫ح ّق ذَِلكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ َيعَْتدُونَ (‪. ﴾ )61‬‬
‫ِبغَيْ ِر الْ َ‬
‫َامـ‬ ‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا إذا قلتـم ‪ ﴿ :‬يَا مُوسـَى لَن ن ْب‬
‫ّصـِرَ عََلىَ َطع ٍ‬
‫خرِ جْ َلنَا مِمّا‬
‫ك يُ ْ‬
‫وَاحِدٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مأكل واحد ل يتبدل ‪ ﴿ :‬فَادْعُ َلنَا َربّ َ‬
‫ض مِن َبقِْلهَا وَِقثّآِئهَا وَفُو ِمهَا َوعَ َد ِسهَا َوَبصَِلهَا ﴾ ‪.‬‬
‫تُنِبتُ الَ ْر ُ‬
‫اختلف الفسرون ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَفُو ِمهَا ﴾ فقيل ‪ :‬الثوم ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫النطة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كل حب يتبز ‪ ،‬وقيل ‪ :‬البوب الت تؤكل كلها فوم ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫َسـَتبْدِلُو َن الّذِي ُهوَ َأدْنَى ﴾ ‪:‬‬ ‫قال لمـ موسـى عليـه السـلم ‪َ ﴿ :‬أت ْ‬
‫أحسـن ‪ ،‬وأراد ﴿ بِالّذِي ُهوَ َخيْرٌ ﴾ ‪ :‬أشرف وأفضـل ﴿ ا ْهبِطُوْا مِصـْرا‬
‫﴾ من المصار ‪ ﴿ ،‬فَِإنّ َلكُم مّا َسأَْلتُمْ ﴾ ‪ :‬فأ يّ بلد دخلتموها وجدت‬
‫ذلك فيها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَضُ ِربَ تْ عََلْيهِ مُ الذّّل ُة وَالْمَ ْ‬
‫سكََن ُة َوبَآ ُؤوْْا ِبغَضَ بٍ مّ نَ‬
‫حقّ ذَلِ َ‬
‫ك‬ ‫ك ِبَأنّهُمْ كَانُواْ َي ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه َوَيقْتُلُو َن الّنِبيّيَ ِبغَيْ ِر الْ َ‬
‫اللّهِ ذَلِ َ‬
‫ِمـ الذّّلةُ‬
‫َتـ عََلْيه ُ‬‫ض ِرب ْ‬ ‫ُونـ ﴾ يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَ ُ‬ ‫بِم َا عَصـَوْا وّكَانُواْ يَ ْعتَد َ‬
‫َسـ َكَنةُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وضعـت عليهـم وألزموهـا شرعًا وقدرًا ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬ ‫وَالْم ْ‬
‫يزالون مستذلي ‪ ،‬من وجدهم استذلم وأهانم وضرب عليهم الزية ‪.‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬قال أبـو عـبيدة ‪:‬‬
‫ـ اللّه ِ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وبَآ ُؤوْْا ِب َغضَب ٍ‬
‫ـ مّن َ‬
‫واحتملوا وأقروا به ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬استحقوا الغضب من ال ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪98‬‬

‫ك ِبَأّنهُ مْ كَانُواْ َي ْكفُرُو نَ بِآيَا تِ اللّ ِه َوَيقْتُلُو نَ الّنبِيّيَ ِبغَيْ ِر الْحَقّ‬


‫﴿ ذَلِ َ‬
‫ك بِمَا عَ صَواْ وّكَانُوْا َي ْعتَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فيجاوزون أ مر ال ويرتكبون‬ ‫ذَلِ َ‬
‫مارمه ‪ ،‬فغضب ال عليهم ‪.‬‬
‫ي مَ نْ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي نَ آمَنُواْ وَالّذِي نَ هَادُواْ وَالنّ صَارَى وَال صّابِئِ َ‬
‫ُمـ أَ ْج ُرهُم ْـ عِندَ َرّبهِم ْـ وَلَ‬
‫ْمـ ال ِخرِ وَعَ ِملَ صـَالِحا فَ َله ْ‬
‫ّهـ وَالَْيو ِ‬
‫َنـبِالل ِ‬
‫آم َ‬
‫ح َزنُونَ (‪. ﴾ )62‬‬
‫خَوْفٌ َعلَ ْي ِهمْ َولَ ُه ْم يَ ْ‬
‫يب تعال أن من أحسن من المم السالفة وأطاع ‪ ،‬فإن ال ل يضيع‬
‫عمله ‪ ،‬كما ف حديث سلمان ‪ .‬سألت النب عن أهل دين كنت معهم‬
‫ِينـ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ وَالّذ َ‬
‫‪ ،‬فذكرت فـ صـلتم وعبادتمـ ‪ ،‬فنلت ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذ َ‬
‫ي مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالَْيوْمِ ال ِخرِ ﴾ الية ‪ .‬رواه ابن‬
‫هَادُواْ وَالنّصَارَى وَالصّابِئِ َ‬
‫أ ب حا ت ‪ .‬قال ما هد ‪ :‬ال صّاِبئِونَ قوم ب ي الجوس واليهود والن صارى ‪،‬‬
‫ليس لم دين ‪ .‬وسئل وهب بن منبه عن الصابئي فقال ‪ :‬الذي يعرف ال‬
‫وحده ‪ ،‬وليست له شريعة يعمل با ‪ ،‬ول يدث كفرًا ‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ آ َمنُواْ وَالّذِي َن هَادُواْ وَالنّ صَارَى وَال صّاِبئِيَ‬
‫مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َوعَمِلَ صَالِحا ﴾ ‪ ،‬الية ‪ ،‬نزلت ف أصحاب‬
‫سلمان الفارسي ‪ ( :‬بينما هو يدث النب ‪ ،‬إذ ذكر أصحابه ‪ ،‬فأخبه‬
‫خـبهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬كانوا يصـلّون ويصـومون ‪ ،‬ويؤمنون بـك ‪ ،‬ويشهدون‬
‫أنك ستبعث نبيًا ‪ ،‬فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم ‪ ،‬قال له نب ال ‪:‬‬
‫« يا سلمان هم من أهل النار » ‪ .‬فاشتد ذلك على سلمان فأنزل ال هذه‬
‫الية ) ‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فكان إيان اليهود ‪ ،‬أنه من تسك بالتوراة و سنّة مو سى عليه ال سلم‬


‫ح ت جاء عي سى ‪ ،‬فل ما جاء عي سى ‪ ،‬كان من ت سك بالتوراة ‪ ،‬وأ خذ‬
‫بسنّة موسى فلم يدعها ‪ ،‬ول يتبع عيسى ‪ ،‬كان هالكًا وإيان النصارى ‪،‬‬
‫أن من ت سك بالِن يل من هم وشرائع عي سى عل يه ال سلم ‪ ،‬كان مؤمنًا‬
‫مقبو ًل منه ‪ ،‬حت جاء ممد ‪ ،‬فمن ل يتبع ممدًا منهم ‪ ،‬ويدع ما‬
‫كان عليه من سنّة عيسى والِنيل كان هالكًا ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬إِنّ‬
‫ْمـ‬
‫ّهـ وَاْلَيو ِ‬
‫َنـ بِالل ِ‬
‫َنـ آم َ‬ ‫يم ْ‬ ‫ِينـ هَادُوْا وَالنّصـَارَى وَالصـّاِبئِ َ‬
‫ِينـ آ َمنُوْا وَالّذ َ‬ ‫الّذ َ‬
‫الخِرِ ﴾ ‪ ،‬الية ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنزل ال ب عد ذلك ‪ ﴿ :‬وَمَن َيْبتَ غِ َغيْ َر الِ ْسلَمِ‬
‫دِينا فَلَن ُي ْقبَ َل ِمنْهُ َو ُهوَ فِي ال ِخ َرةِ مِ َن الْخَا ِسرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫ح َزن َ‬
‫ُمـ يَ ْ‬
‫ِمـ وَ َل ه ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َخو ٌ‬
‫ْفـ عََلْيه ْ‬
‫خوف علي هم في ما ي ستقبلونه ‪ ،‬ول هم يزنون على ما يتركو نه ‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْستَقَامُوا َتَتنَزّ ُل عََلْيهِ مُ الْ َملَاِئكَةُ‬
‫ـ‬
‫جّن ِة الّتِـي كُنتُمـْ تُوعَدُونـَ * نَحْن ُ‬ ‫ح َزنُوا َوَأبْشِرُوا بِالْ َ‬
‫أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَ ْ‬
‫شتَهِي أَنفُ سُكُمْ‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآخِ َر ِة وََلكُ مْ فِيهَا مَا تَ ْ‬ ‫َأوْلِيَاؤُكُ مْ فِي الْ َ‬
‫وََلكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ * ُنزُلً مّنْ غَفُورٍ رّحِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَاقَكُ مْ وَ َر َفعْنَا فَ ْو َقكُ مُ الطّو َر خُذُواْ‬
‫مَا آتَيْنَاكُم ِبقُ ّو ٍة وَاذْ ُكرُواْ مَا فِي هِ َلعَ ّلكُ ْم تَّتقُو نَ (‪ُ )63‬ثمّ تَ َولّيْتُم مّن َبعْدِ‬
‫ضلُ ال ّلهِ عَلَ ْي ُكمْ وَ َرحْمَُت ُه لَكُنتُم ّمنَ الْخَاسِرِينَ (‪. ﴾ )64‬‬
‫ك فَ َلوْ َل فَ ْ‬
‫َذلِ َ‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا يا معشر يهود ‪ ،‬إذ أخذنا ميثاقكم ‪ :‬عهدكم ‪،‬‬
‫﴿ وَرََف ْعنَا َفوَْقكُ مُ الطّورَ ﴾ ‪ :‬البل ‪ُ ﴿ ،‬خذُواْ مَا آتَْينَاكُم ِب ُق ّوةٍ ﴾ ‪ :‬بد‬
‫ومواظبة ‪ ﴿ ،‬وَاذْ ُكرُوْا مَا فِي هِ ﴾ ‪ :‬ادرسوا واعملوا به ﴿ َلعَّلكُ ْم َتّتقُو نَ ﴾‬
‫الزء الول‬ ‫‪100‬‬

‫لكي تنجوا من اللك ف الدنيا والعذاب ف الخرة كما قال تعال ﴿ َوإِذ‬
‫جبَلَ َفوَْقهُ مْ َكأَنّ ُه ظُّل ٌة َوظَنّواْ َأنّ ُه وَاقِ ٌع ِبهِ مْ خُذُوْا مَا آتَْينَاكُم ِب ُقوّةٍ‬
‫َنتَقْنَا الْ َ‬
‫وَاذْكُرُواْ مَا فِي هِ َلعَّلكُ ْم َتّتقُو نَ ﴾ ‪ .‬قال السدي ‪ :‬فلما أبوا أن يسجدوا ‪،‬‬
‫أم ال البل أن يقع عليهم ‪ ،‬فنظروا إليه وقد غشيهم ‪ ،‬فسقطوا سجدًا ‪،‬‬
‫فسجدوا على شق ونظروا بالشق الخر ‪ ،‬فرحهم ال ‪ ،‬فكشف عنهم ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬وال ما سجدة أحب إل ال من سجدة كشف با العذاب عنهم‬
‫فهم يسجدون كذلك وذلك قول ال تعال ‪ ﴿ :‬وَرََف ْعنَا َفوَْقكُمُ الطّورَ ﴾‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ث سار بم موسى عليه السلم إل الرض القدسة‬
‫ـ سـكت عنـه الغضـب ‪ ،‬وأمرهـم بالذي أمـر ال أن‬ ‫وأخـذ اللواح بعدم ا‬
‫يبلغهـم مـن الوظائف ‪ ،‬فثقلت عليهـم وأبوا أن يقرّوا باـ ‪ ،‬حتـ نتـق ال‬
‫البل فوقهم كأنه ظلة ‪ ،‬قال ‪ :‬رفعته اللئكة فوق رؤوسهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َتوَلّيْتُم مّ ن َبعْدِ ذَلِ كَ ﴾ ‪ :‬أعرض تم من ب عد ما‬
‫ُهـ ﴾ ‪ :‬بتأخيـ العذاب‬‫ُمـ وَرَحْ َمت ُ‬
‫ّهـ عََلْيك ْ‬
‫قبلتـم التوراة ‪ ﴿ ،‬فََلوْلَ َفضْلُ الل ِ‬
‫َاسـرِي َن ﴾ بتعجيـل‬
‫ّنـ الْخ ِ‬
‫عنكـم ‪ ،‬وإرسـال النـبيي إليكـم ‪َ ﴿ ،‬كُنتُم م َ‬
‫عقوبتكم على نقضكم اليثاق ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَلقَدْ عَ ِلمْتُ ُم اّلذِي نَ اعَْتدَواْ مِنكُ ْم فِي ال سّبْتِ‬
‫جعَلْنَاهَا نَكَالً لّمَا بَيْ نَ َي َدْيهَا َومَا‬
‫َفقُلْنَا َلهُ مْ كُونُوْا ِق َر َدةً خَا سِئِيَ (‪ )65‬فَ َ‬
‫خَلْ َفهَا َو َموْعِ َظةً لّلْمُّتقِيَ (‪. ﴾ )66‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ عَِل ْمتُمُ ﴾ يا معشر اليهود ﴿ وََلقَ ْد عَلِ ْمتُ ُم الّذِي نَ‬
‫سْبتِ ﴾ حي عصوا أمر ال ‪ ،‬فمسخهم وأخزاهم ‪.‬‬
‫ا ْعتَدَواْ مِنكُمْ فِي ال ّ‬
‫قال البغوي ‪ :‬كانوا ف زمن داود عليه السلم بأرض يقال لا أيلة ‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد عَِل ْمتُ مُ ﴾ يا مع شر اليهود ما‬


‫حل من البأس بأهل القرية الت عصت أمر ال ‪ ،‬وخالفوا عهده وميثاقه ‪،‬‬
‫فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت ‪ ،‬والقيام بأمره ‪ ،‬إذ كان مشروعًا لم‬
‫‪ ،‬فتحيّلوا على اصطياد اليتان ف يوم السبت ‪ ،‬با وضعوا لا من البائل‬
‫والبك ‪ ،‬ق بل يوم ال سبت ‪ ،‬على عادت ا ف الكثرة ‪ ،‬فنش بت بتلك البائل‬
‫واليـل ‪ ،‬فلم تلص منهـا يومهـا ذلك ‪ ،‬فلمـا كان الليـل أخذوهـا بعـد‬
‫انقضاء السبت فلما فعلوا ذلك مسخهم ال إل صورة القردة ‪ ،‬وهي أشبه‬
‫ش يء بالنا سيّ ‪ ،‬ف الش كل الظا هر ‪ ،‬ولي ست بإن سان حقي قة ‪ ،‬فكذلك‬
‫أعمال هؤلء وحيلتهم ‪ ،‬لا كانت مشابة للحق ف الظاهر ‪ ،‬ومالفة له ف‬
‫البا طن ‪ ،‬كان جزاؤ هم من ج نس عمل هم ‪ .‬وهذه الق صة مب سوطة ف‬
‫سورة العراف ‪ ،‬حيث يقول تعال ‪ ﴿ :‬واَ ْسأَلْهُ ْم عَ ِن اْلقَ ْرَي ِة الّتِي كَانَ تْ‬
‫حرِ إِ ْذ َيعْدُو نَ فِي ال سّْبتِ إِ ْذ َتأْتِيهِ مْ حِيتَاُنهُ مْ َيوْ مَ َسبِْتهِ ْم شُرّعا‬
‫ض َرةَ اْلبَ ْ‬
‫حَا ِ‬
‫سقُونَ ﴾ ‪ .‬القصة‬ ‫ك َنبْلُوهُم بِمَا كَانُوا َيفْ ُ‬ ‫سبِتُونَ َل َت ْأتِيهِ مْ كَذَلِ َ‬
‫َوَيوْ مَ َل يَ ْ‬
‫بكمالا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫جعَ ْلنَاهَا َنكَالً لّمَا َبيْ َن يَ َديْهَا وَمَا َخ ْلفَهَا َو َموْعِ َظةً‬
‫لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يعن ‪َ :‬جعَ ْلنَاهَا با أحللنا با من العقوبة ‪،‬‬
‫عبة ل ا حول ا من القرى ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َأهَْلكْنَا مَا َحوْلَكُم‬
‫مّ َن اْلقُرَى وَصَرّ ْفنَا الْآيَاتِ َلعَّل ُه ْم يَرْ ِجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و َموْعِ َظةً لّ ْل ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الذيـن مـن بعدهـم إل يوم‬
‫القيامة ‪ .‬وال الستعان ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪102‬‬

‫الدرس الثامن‬

‫َنـ َتذْبَحُوْا بَ َق َر ًة قَالُواْ‬


‫ُمـ أ ْ‬
‫ّهـ َي ْأ ُمرُك ْ‬
‫ِهـ إِنّ الل َ‬
‫﴿ َوِإذْ قَالَ مُوسـَى ِل َقوْم ِ‬
‫خذُنَا ُهزُوا قَا َل أَعُوذُ بِاللّ هِ أَ ْن أَكُو َن مِ نَ الْجَاهِلِيَ (‪ )67‬قَالُواْ ادْ عُ‬
‫َأتَتّ ِ‬
‫ض وَ َل ِبكْرٌ َعوَانٌ‬
‫ك يُبَيّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ ِإنّ ُه َيقُولُ ِإّنهَا َبقَ َر ٌة ل فَارِ ٌ‬
‫لَنَا َربّ َ‬
‫ك يُبَيّن لّنَا مَا َلوُْنهَا‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫بَيْ َن َذلِكَ فَا ْفعَلُواْ مَا ُت ْؤمَرونَ (‪ )68‬قَالُوْا ادْ ُ‬
‫سرّ النّا ِظرِي نَ (‪ )69‬قَالُواْ‬
‫صفْرَاء فَاقِـ ٌع ّلوُْنهَا تَ ُ‬
‫قَا َل ِإنّ ُه َيقُولُ ِإّنهَا َب َق َرةٌ َ‬
‫ع لَنَا َربّ كَ يُبَيّ ن لّنَا مَا هِ يَ إِنّ الَب َقرَ َتشَابَ هَ عَلَيْنَا َوإِنّ ا إِن شَاء اللّ هُ‬
‫ادْ ُ‬
‫ض وَ َل تَسْقِي‬
‫ي الَرْ َ‬
‫لَ ُمهَْتدُونَ (‪ )70‬قَالَ ِإنّهُ َيقُو ُل ِإنّهَا بَ َق َر ٌة ل َذلُو ٌل تُثِ ُ‬
‫حرْثَـ مُسَـلّ َمةٌ ل شَِيةَ فِيهَا قَالُواْ النَـ جِئْتَـ بِالْحَقّ َفذَبَحُوهَا وَمَا‬
‫الْ َ‬
‫ج مّ ا‬
‫خرِ ٌ‬
‫كَادُوْا يَ ْفعَلُو نَ (‪َ )71‬وِإذْ قَتَلْتُ ْم َنفْ سا فَادّا َرْأتُ ْم فِيهَا وَاللّ هُ مُ ْ‬
‫ض ِربُو ُه بَِبعْضِهَا َك َذلِ كَ يُحْيِي اللّ ُه الْ َموْتَى‬
‫كُنتُ ْم تَكْتُمُو نَ (‪َ )72‬فقُلْنَا ا ْ‬
‫ت قُلُوبُكُم مّن َبعْ ِد َذلِكَ َفهِيَ‬
‫وَُيرِي ُكمْ آيَاتِ ِه َلعَلّكُ ْم َتعْقِلُونَ (‪ُ )73‬ثمّ قَسَ ْ‬
‫ج ُر مِنْ هُ ا َلنْهَا ُر وَإِنّ‬
‫س َوةً َوإِنّ مِ نَ الْحِجَا َر ِة لَمَا يََتفَ ّ‬
‫كَالْحِجَا َر ِة َأوْ َأ َشدّ قَ ْ‬
‫ط مِنْ َخشَْيةِ اللّهِ َومَا‬
‫ج مِنْ ُه الْمَاء َوإِنّ مِ ْنهَا لَمَا َيهْبِ ُ‬
‫خرُ ُ‬
‫مِ ْنهَا لَمَا َيشّقّقُ فَيَ ْ‬
‫اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُونَ (‪. ﴾ )74‬‬

‫***‬
‫‪103‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َنـ‬
‫ُمـ أ ْ‬
‫ّهـ َي ْأمُرُك ْ‬
‫ِهـ إِنّ الل َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَالَ مُوسـَى ِلقَ ْوم ِ‬
‫خ ُذنَا ُهزُوا قَالَ أَعُو ُذ بِاللّ ِه أَ ْن أَكُو نَ مِ َن الْجَاهِلِيَ‬
‫َتذْبَحُواْ َب َق َرةً قَالُوْا َأتَتّ ِ‬
‫(‪. ﴾ )67‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكروا ‪ :‬إذ قال موسـى لقومـه إن اللّه يأمركـم أن‬
‫تذبوا بقرة ‪ ،‬قال أبو العالية ‪ :‬كان رجل من بن إسرائيل ‪ ،‬وكان غنيًا ‪،‬‬
‫ول ي كن له ولد ‪ ،‬وكان له قر يب ‪ ،‬وكان وار ثه ‪ ،‬فقتله لي ثه ‪ ،‬ث ألقاه‬
‫على ممع الطريق ‪ ،‬وأتى موسى عليه السلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إنه قريب قتل ‪،‬‬
‫وإن إل أمر عظيم ‪ ،‬وإن ل أجد أحدًا يبي ل من قتله غيك يا نب ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فنادى موسى ف الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنشد ال ‪ ،‬من كان عنده من هذا‬
‫علم إل يبيّنه لنا ‪ .‬فلم يكن عندهم علم ‪ ،‬فأقبل القاتل على موسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أنت نب ال ‪ ،‬فسل لنا ربك أن يبيّن لنا ‪ .‬فسأل ربه ‪،‬‬
‫فأو حى ال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه َي ْأمُرُكُ مْ أَ نْ تَ ْذبَحُوْا َبقَ َرةً ﴾ فعجبوا من ذلك ‪،‬‬
‫فقالوا ‪َ ﴿ :‬أَتتّخِ ُذنَا هُزُوا ﴾ ؟ ﴿ قَالَ َأعُو ُذ بِاللّهِ أَنْ أَكُو َن مِنَ الْجَاهِلِيَ *‬
‫قَالُواْ ادْ عُ َلنَا َربّ كَ ُيَبيّن ّلنَا مَا هِ يَ قَالَ ِإنّ ُه َيقُولُ ِإنّهَا بَقَ َرةٌ ل فَارِ ضٌ ﴾ ‪،‬‬
‫يعن ‪ :‬ل هرمة ﴿ وَ َل بِكْرٌ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ول صغية ﴿ َعوَانٌ بَيْ نَ ذَلِكَ ﴾‬
‫أي ‪ :‬نَ صَفٌ ب ي الب كر والر مة ‪ ﴿ .‬فَا ْفعَلُواْ مَا ُت ْؤمَرو نَ * قَالُواْ ادْ عُ لَنَا‬
‫صفْرَاء فَاقِـعٌ ّل ْوُنهَا ﴾ ‪،‬‬ ‫ك ُيبَيّن ّلنَا مَا َل ْونُهَا قَالَ إِنّ ُه َيقُولُ ِإنّهَا َبقَ َرةٌ َ‬
‫َربّ َ‬
‫ِينـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تعجـب الناظريـن ‪.‬‬ ‫َسـّر النّاظِر َ‬‫أي ‪ :‬صـاف لوناـ ‪ ﴿ ،‬ت ُ‬
‫ك ُيَبيّن ّلنَا مَا هِيَ ِإنّ الَبقَ َر تَشَابَ َه عََليْنَا َوإِنّا إِن شَاء‬
‫﴿ قَالُواْ ادْعُ َلنَا َربّ َ‬
‫اللّ هُ لَ ُم ْهتَدُو نَ * قَالَ ِإنّ هُ َيقُولُ ِإّنهَا َبقَ َرةٌ ل ذَلُولٌ تُثِ ُي الَرْ ضَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫حرْ ثَ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ولي ست بذلول تث ي‬ ‫سقِي الْ َ‬ ‫يذلل ها الع مل ‪ ﴿ .‬وَ َل تَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪104‬‬

‫سلّ َمةٌ ﴾ ‪،‬‬


‫الرض ول تسقي الرث ‪ ،‬يعن ‪ :‬ول تعمل ف الرث ‪ ﴿ .‬مُ َ‬
‫يعن ‪ :‬مسلمة من العيوب ‪ ﴿ .‬ل شَِيةَ فِيهَا ﴾ يقول ‪ :‬ل بياض فيها ‪.‬‬
‫ت بِالْحَقّ فَ َذبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ َي ْفعَلُو نَ ﴾ ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫﴿ قَالُوْا ال نَ ِجئْ َ‬
‫ولو أن القوم حي أمروا بذبح بقرة ‪ ،‬استعرضوا بقرة من البقر فذبوها ‪،‬‬
‫لكانت إياها ‪ ،‬ولكن شددوا على أنفسهم ‪ ،‬فشدد ال عليهم ‪ ،‬ولول أن‬
‫القوم استثنوا فقالوا ‪َ ﴿ :‬وإِنّا إِن شَاء اللّهُ َل ُم ْهتَدُونَ ﴾ ‪ ،‬لا هُدوا إليها أبدًا‬
‫‪ ،‬فبلغ نا أن م ل يدوا البقرة ال ت نع تت ل م ‪ ،‬إل ع ند عجوز ‪ ،‬وعند ها‬
‫يتامى وهي القيّمة عليهم ‪ ،‬فلما علمت أنه ل يزكوا لم غيها ‪ ،‬أضعفت‬
‫علي هم الث من ‪ ،‬فأتوا مو سى فأ خبوه أن م ل يدوا هذا الن عت إل ع ند‬
‫فلنـة ‪ ،‬وأناـ سـألت أضعاف ثنهـا ‪ ،‬فقال موسـى ‪ :‬إن ال قـد خفـف‬
‫عليكـم فشددتـ على أنفسـكم فأعطوهـا رضاهـا وحكمهـا ‪ ،‬ففعلوا ‪،‬‬
‫واشتروها ‪ ،‬فذبوها ‪ ،‬فأمرهم موسى عليه السلم أن يأخذوا عظمًا منها‬
‫فيضربوا به القتيل ‪ ،‬ففعلوا ‪ ،‬فرجع إليه روحه ‪ ،‬فسمى لم قاتله ‪ ،‬ث عاد‬
‫ميتًا ك ما كان ‪ ،‬فأ خذ قاتله ‪ ،‬و هو الذي كان أ تى مو سى عل يه ال سلم‬
‫فشكا إليه فقتله ال على أسوأ عمله ‪.‬‬
‫ك يُبَيّن لّنَا مَا هِ َي قَا َل ِإنّهُ َيقُو ُل ِإنّهَا‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالُوْا ادْ ُ‬
‫ك فَافْعَلُواْ مَا تُ ْؤمَرونَ (‪. ﴾ )68‬‬
‫ض َولَ ِب ْكرٌ َعوَانٌ بَ ْي َن َذلِ َ‬
‫َبقَ َر ٌة ل فَارِ ٌ‬
‫يسألوه عن سنها فأخبهم أنا َنصَفٌ بي الصغية والرمة ‪.‬‬
‫ك يُبَيّن لّنَا مَا لَ ْوُنهَا قَا َل إِنّ هُ َيقُولُ‬
‫ع لَنَا َربّ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالُواْ ادْ ُ‬
‫ص ْفرَاء فَاقِـ ٌع ّل ْونُهَا َتسُ ّر النّا ِظرِينَ (‪. ﴾ )69‬‬
‫ِإنّهَا بَ َق َرةٌ َ‬
‫‪105‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬فَاقِـعٌ ّل ْوُنهَا ﴾ شديد الصفرة تكاد من صفرتا‬


‫َتبَْيضّ ‪.‬‬
‫ع لَنَا َربّ كَ يُبَيّ ن لّنَا مَا هِ يَ إِنّ الَب َقرَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَالُوْا ادْ ُ‬
‫َتشَابَهَ عَلَيْنَا وَِإنّا إِن شَاء اللّ ُه لَ ُمهَْتدُونَ (‪ )70‬قَا َل ِإنّهُ َيقُو ُل ِإنّهَا َب َق َرةٌ ل‬
‫حرْ ثَ مُ سَلّ َم ٌة ل شَِي َة فِيهَا قَالُوْا ال نَ‬
‫سقِي الْ َ‬
‫ي الَرْ ضَ وَ َل تَ ْ‬
‫َذلُولٌ تُثِ ُ‬
‫ح ّق َفذَبَحُوهَا َومَا كَادُواْ َي ْفعَلُونَ (‪. ﴾ )71‬‬
‫ت بِالْ َ‬
‫جِئْ َ‬
‫قال ماهد ‪ :‬ل شية فيها ‪ :‬ل بياض ول سواد ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا‬
‫ُونـ ﴾ ‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬كادوا أل يفعلوا ‪ ،‬ول يكـن ذلك‬
‫كَادُوْا َيفْعَل َ‬
‫الذي أرادوا ‪ ،‬لنم أرادوا أل يذبوها ‪.‬‬
‫ج مّا‬
‫خرِ ٌ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَتَلْتُ ْم نَفْسا فَادّا َرْأتُ ْم فِيهَا وَاللّ ُه مُ ْ‬
‫ض ِربُو ُه بَِبعْضِهَا َك َذلِ كَ يُحْيِي اللّ ُه الْ َموْتَى‬
‫كُنتُ ْم تَكْتُمُو نَ (‪َ )72‬فقُلْنَا ا ْ‬
‫وَُيرِي ُكمْ آيَاتِ ِه َلعَلّ ُكمْ َت ْعقِلُونَ (‪. ﴾ )73‬‬
‫قال ماهـد ‪ ﴿ :‬فَادّا َرأْتُ مْ فِيهَا ﴾ اختلف تم ‪ .‬وقال ا بن جر يج ‪ :‬قال‬
‫بعضهـم ‪ :‬أنتـم قتلتموه ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬بـل أنتـم قتلتموه ‪ .‬وقوله تعال‬
‫ج مّا كُنتُ ْم َتكْتُمُو نَ ﴾ ‪ ،‬عن السيب بن رافع ‪ ،‬قال ‪ :‬ما‬
‫خرِ ٌ‬
‫‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه مُ ْ‬
‫عمل رجل حسنة ف سبعة أبيات إل أظهرها ال ‪ ،‬وما عمل رجل سيئة‬
‫ف سبعة أبيات إل أظهر ها ال ‪ ،‬وت صديق ذلك ف كلم ال ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ‬
‫ج مّا كُنتُمْ تَ ْكتُمُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫مُخْ ِر ٌ‬
‫ّهـ الْ َموْتَى‬
‫ِكـُيحْيِي الل ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فقُلْنَا اضْ ِرب ُ‬
‫ُوهـ بَِب ْعضِهَا كَذَل َ‬
‫َويُرِيكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فضربوه فحي ‪ ،‬وقال ‪ :‬قتلن فلن‬
‫الزء الول‬ ‫‪106‬‬

‫ثـ مات ‪ .‬وفـ ذلك دليـل على كمال قدرتـه ‪ ،‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬مّاـ‬
‫خَ ْل ُقكُ ْم وَلَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكَن ْفسٍ وَاحِ َدةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ت قُلُوُبكُم مّن َب ْعدِ ذَلِ كَ َفهِ يَ كَالْحِجَا َرةِ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ثمّ قَ سَ ْ‬
‫جرُ مِنْ ُه الَْنهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا‬
‫س َوةً َوإِنّ مِ نَ الْحِجَا َر ِة لَمَا يََتفَ ّ‬
‫أَ ْو َأشَ ّد قَ ْ‬
‫ط مِ نْ َخشَْيةِ اللّ هِ وَمَا اللّ هُ‬
‫ج مِنْ ُه الْمَاء َوإِنّ مِنْهَا لَمَا َيهْبِ ُ‬
‫خرُ ُ‬
‫َيشّقّ قُ فَيَ ْ‬
‫ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُونَ (‪. ﴾ )74‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ قَ َ‬
‫ستْ ُقلُوبُكُم مّ ن َبعْدِ ذَلِ كَ ﴾ كله ‪َ ﴿ ،‬فهِ يَ‬
‫س َوةً ﴾ أي ‪ :‬بل هي أ شد‬ ‫حجَا َرةِ ﴾ ال ت ل ا تل ي أبدًا ‪َ ﴿ ،‬أوْ َأشَدّ قَ ْ‬ ‫كَالْ ِ‬
‫قسوة من الجارة ‪.‬‬
‫ّقـ‬
‫شق ُ‬‫ْهـ ا َلْنهَارُ َوإِنّ ِمنْهَا لَمَا يَ ّ‬
‫ِنـ الْحِجَا َرةِ لَمَا َيَتفَجّ ُر ِمن ُ‬
‫﴿ َوإِنّ م َ‬
‫ج ِمنْ هُ الْمَاء ﴾ وإن ل يكن جاريًا ‪َ ﴿ ،‬وإِنّ ِمْنهَا َلمَا َيهْبِ طُ ﴾ ينل‬ ‫َفيَخْ ُر ُ‬
‫شَيةِ ﴾ وقلوبكم ل تلي ول تشع ‪.‬‬ ‫من أعلى البل إل أسفله ‪ ﴿ ،‬مِنْ خَ ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ ﴾ ‪ ،‬وعيد وتديد ‪ .‬وقد‬
‫ش عَ قُلُوُبهُ مْ لِذِكْرِ اللّ ِه وَمَا‬ ‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َيأْ نِ ِللّذِي نَ آ َمنُوا أَن تَخْ َ‬
‫ب مِن َقبْلُ فَطَا َل عََلْيهِ ُم اْلَأمَدُ‬
‫نَزَ َل مِ َن الْحَ ّق وَلَا يَكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا اْلكِتَا َ‬
‫ستْ قُلُوُبهُ ْم وَ َكثِيٌ مّْنهُمْ فَا ِسقُونَ ﴾ ‪ .‬وروى البزار عن أنس مرفوعًا ‪:‬‬ ‫َفقَ َ‬
‫« أربـع مـن الشقاء ‪ :‬جود العيـ ‪ ،‬وقسـاوة القلب ‪ ،‬وطول المـل ‪،‬‬
‫والرص على الدنيا » ‪ .‬وال الستعان ‪.‬‬

‫***‬
‫‪107‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع‬
‫ل مَ‬
‫﴿ َأفَتَطْ َمعُو َن أَن يُ ْؤمِنُوْا َلكُ ْم َوقَدْ كَا َن َفرِي قٌ مّ ْنهُ مْ يَ سْ َمعُونَ كَ َ‬
‫ح ّرفُونَ هُ مِن َب ْعدِ مَا َعقَلُو هُ وَهُ ْم َيعْلَمُو نَ (‪ )75‬وَِإذَا َلقُواْ اّلذِي نَ‬
‫اللّ هِ ُثمّ يُ َ‬
‫ح ّدثُونَهُم بِمَا فَتَ حَ‬
‫ض قَالُوْا َأتُ َ‬
‫ضهُ مْ ِإَلىَ َبعْ ٍ‬
‫ل َبعْ ُ‬
‫آمَنُواْ قَالُواْ آمَنّ ا وَِإذَا خَ َ‬
‫اللّ هُ عَلَ ْيكُ ْم لِيُحَآجّوكُم بِ هِ عِندَ َرّبكُ ْم َأفَلَ تَ ْعقِلُو نَ (‪َ )76‬أوَ َل َيعْلَمُو نَ‬
‫سرّونَ وَمَا ُيعْلِنُو نَ (‪َ )77‬ومِ ْنهُ ْم ُأمّيّو نَ َل َيعْلَمُو نَ‬
‫أَنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يُ ِ‬
‫ُونـ‬
‫ِينـ َيكْتُب َ‬
‫ّونـ (‪َ )78‬ف َويْ ٌل لّ ّلذ َ‬
‫ُمـ إِل يَظُن َ‬
‫ِنـ ه ْ‬
‫َابـ إِل َأمَانِي ّ َوإ ْ‬
‫الْكِت َ‬
‫ب ِبأَْيدِيهِ ْم ثُمّ َيقُولُو نَ هَ ـذَا مِ نْ عِندِ اللّ هِ لَِيشَْترُواْ بِ ِه ثَمَنا قَلِيلً‬
‫الْكِتَا َ‬
‫ت أَْيدِيهِ مْ َو َويْ ٌل ّلهُ ْم مّمّا َيكْ سِبُونَ (‪َ )79‬وقَالُوْا لَن‬
‫َفوَْيلٌ لّهُم مّمّا كَتَبَ ْ‬
‫ف اللّهُ‬
‫خ ْذتُمْ عِندَ اللّهِ َعهْدا فَلَن يُخْلِ َ‬
‫تَمَسّنَا النّا ُر إِل َأيّاما ّم ْعدُو َد ًة ُقلْ َأتّ َ‬
‫َع ْهدَ ُه أَ ْم تَقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ مَا َل َتعْلَمُو نَ (‪ )80‬بَلَى مَن كَ سَبَ سَيَّئةً‬
‫ت ِبهِ خَطِيـئَُتهُ فَُأ ْولَـِئكَ أَصْحَابُ النّا ِر هُ ْم فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)81‬‬
‫وََأحَاطَ ْ‬
‫ب الْجَّنةِ هُم ْـ فِيهَا‬
‫ك أَص ْـحَا ُ‬
‫وَاّلذِينَـ آمَنُواْ وَ َعمِلُوْا الصـّالِحَاتِ أُولَــئِ َ‬
‫ّهـ‬
‫ُونـ إِل الل َ‬
‫ِسـرَائِي َل َل تَعُْبد َ‬
‫َاقـ بَن ِي إ ْ‬
‫ُونـ (‪َ )82‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِيث َ‬
‫خَاِلد َ‬
‫ي َوقُولُوْا لِلنّاسِـ‬
‫وَبِالْوَالِ َديْنِـِإحْسـَانا َوذِي الْ ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسـَاكِ ِ‬
‫ُمـ َوأَنتُم‬
‫ل مّنك ْ‬
‫ُمـ إِل قَلِي ً‬
‫ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ ثُمّ َت َولّيْت ْ‬
‫الصـ َ‬
‫حُسـْنا َوَأقِيمُواْ ّ‬
‫خ ِرجُو نَ‬
‫سفِكُو َن ِدمَاءكُ ْم َولَ تُ ْ‬
‫ّمعْرِضُو نَ (‪ )83‬وَِإ ْذ أَ َخ ْذنَا مِيثَاقَكُ مْ لَ تَ ْ‬
‫ش َهدُو نَ (‪ُ )84‬ثمّ أَنتُ مْ هَـؤُلء‬
‫سكُم مّن ِديَارِكُ مْ ُثمّ َأ ْقرَرْتُ ْم وَأَنتُ مْ َت ْ‬
‫أَنفُ َ‬
‫خ ِرجُو نَ َفرِيقا مّنكُم مّ ن ِديَا ِرهِ مْ تَظَا َهرُو نَ عَلَيْهِم‬
‫س ُكمْ َوتُ ْ‬
‫َتقْتُلُو نَ أَنفُ َ‬
‫ُمـ‬
‫ّمـ عَلَ ْيك ْ‬
‫حر ٌ‬‫ُمـ َوهُ َو مُ َ‬
‫ُمـ أُسـَارَى ُتفَادُوه ْ‬
‫َانـ وَإِن يَأتُوك ْ‬
‫ْمـ وَاْلعُ ْدو ِ‬
‫بِا ِلث ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪108‬‬

‫إِ ْخرَا ُجهُم ْـَأفَتُ ْؤمِنُونَـبَِبعْضِـ الْكِتَابِـ وََت ْكفُرُونَـبَِبعْضٍـ فَمَا جَزَاء مَن‬
‫ّونـ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة ُي َرد َ‬
‫ْيـ ف ِي الْحَيَا ِة ال ّدنْي َا َوَيو َ‬
‫ُمـ إِل ِخز ٌ‬
‫ِكـ مِنك ْ‬
‫َيفْ َعلُ ذَل َ‬
‫ـ (‪ )85‬أُولَــِئكَ‬
‫ـ بِغَا ِفلٍ عَمّاـ تَعْمَلُون َ‬
‫ـ وَمَـا اللّه ُ‬
‫ِإلَى أَ َشدّ اْل َعذَاب ِ‬
‫ب َولَ هُ مْ‬
‫خفّ فُ عَ ْنهُ مُ اْل َعذَا ُ‬
‫ل يُ َ‬
‫الّذِي نَ اشَْت َروُْا الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا بِالَ ِخ َر ِة فَ َ‬
‫صرُونَ (‪. ﴾ )86‬‬
‫يُن َ‬

‫***‬
‫‪109‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ـ‬
‫ـ َفرِيق ٌ‬
‫ـ َو َقدْ كَان َ‬
‫ـ أَن يُ ْؤمِنُوْا َلكُم ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أفَتَطْ َمعُون َ‬
‫ُمـ‬
‫ُوهـ َوه ْ‬
‫َهـ م ِن َب ْعدِ م َا َعقَل ُ‬
‫ح ّرفُون ُ‬
‫ّهـ ثُم ّ يُ َ‬
‫َمـ الل ِ‬
‫َسـ َمعُونَ َكل َ‬
‫ُمـ ي ْ‬
‫مّ ْنه ْ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )75‬‬
‫ُمـ ﴾‬ ‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬أَفَتَ ْط َمع َ‬
‫ُونـ ﴾ أيهـا الؤمنون ‪ ﴿ ،‬أَن ُيؤْ ِمنُواْ َلك ْ‬
‫ي صدقوكم ويطيعوكم ‪ ﴿ ،‬وَقَدْ كَا نَ َفرِي ٌق ّمْنهُ ْم يَ سْ َمعُونَ َكلَ مَ اللّ ِه ثُمّ‬
‫يُحَرّفُونَهُـ مِن َبعْ ِد مَا َعقَلُوهُـ َوهُم ْـَيعْلَمُونَـ ﴾ أنمـ كاذبون ‪ ،‬ومـع هذا‬
‫ضهِم مّيثَاَقهُ مْ لَعنّاهُ مْ َو َجعَ ْلنَا‬
‫يالفونه عمدًا ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬فبِمَا َن ْق ِ‬
‫ضعِ هِ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ ﴿ :‬وَقَدْ‬ ‫قُلُوَبهُ مْ قَا ِسَيةً ُيحَرّفُو َن اْلكَلِ َم عَن ّموَا ِ‬
‫كَا نَ َفرِي ٌق ّمنْهُ ْم يَ سْ َمعُونَ َكلَ مَ اللّ هِ ﴾ هم الذين سألوا موسى رؤية ربم‬
‫فأخذتم الصاعقة ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬هي التوراة حرّفوها ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وهذا الذي ذكره السدي أعم ما ذكره ابن عباس ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ ﴿ :‬يَ سْ َمعُونَ َكلَ مَ اللّ ِه ثُمّ ُيحَرّفُونَ هُ ﴾ ‪ .‬قال التوراة‬
‫الت أنزلا ال عليهم ‪ ،‬يرفونا ‪ ،‬يعلون اللل فيها حرامًا ‪ ،‬والرام فيها‬
‫ل ‪ ،‬والباطـل فيهـا حق ًا ؛ إذا جاءهـم الحـق‬ ‫حللً ‪ ،‬والقـ فيهـا باط ً‬
‫برشوة ‪ ،‬أخرجوا له كتاب ال ‪ ،‬وإذا جاءهـم البطـل برشوة ‪ ،‬أخرجوا له‬
‫ذلك الكتاب ‪ ،‬ف هو ف يه م ق ‪ ،‬وإذا جاء هم أ حد ي سألم شيئًا ‪ ،‬ل يس ف يه‬
‫ُونـ‬
‫حـق ول رشوة ول شيـء ‪ ،‬أمروه بالقـ ‪ ،‬فقال ال لمـ ‪َ ﴿ :‬أَت ْأمُر َ‬
‫ل َتعْقِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫سكُ ْم َوأَنتُ ْم َتتْلُونَ اْلكِتَابَ أََف َ‬
‫س بِاْلبِ ّر َوتَنسَ ْونَ أَنفُ َ‬
‫النّا َ‬
‫ـ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنّاـ َوِإذَا خَلَ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا َلقُوْا الّذِين َ‬
‫ح اللّ هُ عَلَ ْيكُ ْم لِيُحَآجّوكُم بِ هِ‬
‫ح ّدثُوَنهُم بِمَا فَتَ َ‬
‫ض قَالُواْ َأتُ َ‬
‫َبعْضُهُ مْ ِإلَ َى َبعْ ٍ‬
‫الزء الول‬ ‫‪110‬‬

‫سرّونَ َومَا‬
‫ل َت ْعقِلُو نَ (‪َ )76‬أوَ َل َيعْلَمُو َن أَنّ اللّهَ َيعْلَ ُم مَا يُ ِ‬
‫عِندَ َرّبكُمْ َأفَ َ‬
‫ُيعْلِنُو نَ (‪ )77‬وَمِ ْنهُ مْ أُمّيّو َن لَ َيعْلَمُو َن الْكِتَا بَ إِل َأمَانِيّ وَإِ ْن هُ مْ إِل‬
‫يَظُنّونَ (‪. ﴾ )78‬‬
‫قال ابـن عباس ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َلقُوْا الّذ َ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ قَالُواْ آ َمنّاـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن‬
‫ضهُ مْ إِلَ َى‬‫ل َب ْع ُ‬‫صاحبكم ر سول ال ‪ ،‬ولك نه إلي كم خا صة ‪َ ﴿ .‬وإِذَا َخ َ‬
‫َبعْ ضٍ قَالُواْ ﴾ ‪ :‬ل تدثوا العرب بذا ‪ ،‬فإن كم قد كن تم ت ستفتحون به‬
‫عليهم ‪ ،‬فكان منهم ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َلقُوْا الّذِي نَ آ َمنُواْ قَالُواْ آ َمنّا َوإِذَا‬
‫ضهُمْ إَِلىَ بَ ْعضٍ قَالُواْ َأتُحَ ّدثُوَنهُم بِمَا َفتَحَ اللّ ُه عََلْيكُمْ ِليُحَآجّوكُم بِهِ‬
‫ل َبعْ ُ‬
‫َخ َ‬
‫عِندَ َربّكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تقرّون بأنه نب ‪ ،‬وقد علمتم أنه قد أخذ له اليثاق‬
‫عليكم باتباعه ‪ ،‬وهو يبهم أنه النب الذي كنا ننتظر وند ف كتابنا ‪،‬‬
‫اجحدوه ول تقرّوا به ‪.‬‬
‫يقول ال تعال ‪َ ﴿:‬أوَ َل َيعْلَمُونَ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يُسِرّونَ َومَا ُيعِْلنُونَ ﴾‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬هؤلء ناس من اليهود آمنوا ث نافقوا ‪ .‬وقال أبو العالية ‪:‬‬
‫﴿ َأتُحَ ّدثُوَنهُم بِمَا َفتَحَ اللّ ُه عََليْكُمْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬با أنزل عليكم ف كتابكم‬
‫من بعث ممد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و ِمْنهُ مْ ُأ ّميّو نَ َل َيعْلَمُو نَ اْل ِكتَا بَ إِل َأمَاِنيّ َوإِ نْ هُ مْ‬
‫إِل يَ ُظنّونَ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪َ ﴿ :‬و ِمْنهُمْ ُأ ّميّونَ ﴾ أي ‪ :‬من اليهود أميون ‪،‬‬
‫ل يسنون القراءة والكتابة ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬المي الذي ل يسن الكتابة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ل َيعْلَمُو نَ اْلكِتَا بَ إِل َأمَانِيّ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪:‬‬
‫يعن ‪ :‬غي عارفي بعان الكتاب ‪َ ﴿ .‬وإِ ْن هُ مْ إِل يَ ُظنّو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ول‬
‫يدرون ما ف يه ‪ .‬وقال ما هد ‪َ ﴿ :‬و ِمْنهُ مْ ُأمّيّو نَ َل َيعْلَمُو َن الْ ِكتَا بَ إِل‬
‫‪111‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َأمَانِيّ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬أناس مـن اليهود ل يكونوا يعلمون مـن الكتاب شيئًا ‪،‬‬
‫وكانوا يتكلمون بالظن بغي ما ف كتاب ال ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ف َوْيلٌ لّ ّلذِي َن َيكْتُبُو َن اْلكِتَا بَ ِبَأْيدِيهِ مْ ُثمّ يَقُولُو نَ‬
‫ت َأيْدِيهِ مْ‬
‫ل َف َويْ ٌل ّلهُم مّمّا كَتَبَ ْ‬
‫هَـذَا مِ نْ عِندِ اللّ هِ لَِيشَْترُوْا بِ ِه ثَمَنا قَلِي ً‬
‫وَ َوْيلٌ ّل ُهمْ مّمّا َي ْكسِبُونَ (‪. ﴾ )79‬‬
‫قال الزجاج ‪َ ﴿ :‬ويْلٌ ﴾ كل مة تقول ا العرب ل كل وا قع ف هل كة ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬هؤلء صنف آ خر من اليهود ‪ ،‬و هم الدعاة إل الضلل‬
‫بالزور والكذب على ال ‪ ،‬وأ كل أموال الناس بالبا طل ‪ .‬قال ا بن عباس ‪:‬‬
‫﴿ َف َويْلٌ لّهُم ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬فالعذاب علي هم من الذ ين كتبوا بأيدي هم من‬
‫ْسـبُونَ ﴾ يقول ‪ :‬ماـ يأكلون بـه‬
‫ُمـ مّمّاـ َيك ِ‬
‫ذلك الكتاب ‪َ ﴿ ،‬و َويْلٌ ّله ْ‬
‫أموال الناس ‪.‬‬
‫ـنَا النّا ُر إِل َأيّاما ّم ْعدُو َد ًة ُقلْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالُواْ لَن تَمَس ّ‬
‫ف اللّهُ َع ْهدَهُ أَ ْم َتقُولُونَ عَلَى اللّ ِه مَا لَ‬
‫خذْتُمْ عِن َد اللّهِ َعهْدا فَلَن يُخْلِ َ‬
‫َأتّ َ‬
‫ت بِ ِه خَطِيـئَُت ُه َفأُ ْولَـئِكَ‬
‫َتعْلَمُو نَ (‪ )80‬بَلَى مَن كَ سَبَ سَيَّئةً َوَأحَاطَ ْ‬
‫ـ آمَنُوْا وَعَمِلُواْ‬
‫ـ (‪ )81‬وَاّلذِين َ‬
‫ـ فِيهَـا خَاِلدُون َ‬
‫ب النّا ِر هُم ْ‬
‫ـحَا ُ‬
‫أَص ْ‬
‫ك أَصْحَابُ الْجَّن ِة ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪. ﴾ )82‬‬
‫الصّالِحَاتِ أُولَـئِ َ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اليهود ‪ ﴿ ،‬لَن تَمَ ّ‬
‫سنَا النّارُ إِل َأيّاما‬
‫ّمعْدُو َدةً ﴾ قال ا بن عباس ‪ :‬اليهود قالوا ‪ :‬لن ت سنا النار إل أربع ي ليلة ‪،‬‬
‫و هي مدة عبادت م الع جل ‪ .‬و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ ( :‬ل ا‬
‫فتحت خيب أهديت لرسول ال شاة فيها سم ‪ ،‬فقال رسول ال ‪« :‬‬
‫اجعوا إلّ من كان من اليهود ها ه نا » ‪ ،‬فقال ل م ر سول ال ‪« :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪112‬‬

‫من أبوكم » ؟ قالوا ‪ :‬فلن ‪ .‬قال ‪ « :‬كذبتم ‪ ،‬بل أبوكم فلن » فقالوا‬
‫صدقت وبررت ‪ .‬ث قال لم ‪ « :‬هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم‬
‫عنه » ؟ قالوا ‪ :‬نعم يا أبا القاسم ‪ ،‬وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته‬
‫ف أبي نا ‪ .‬فقال ل م ر سول ال ‪ « :‬من أ هل النار » ؟ فقالوا ‪ :‬نكون‬
‫فيها يسيًا ث تلفونا فيها ‪ .‬فقال لم رسول ال ‪ « :‬اخسئوا ‪ ،‬وال ل‬
‫نلفكم فيها أبدًا » ‪ .‬ث قال لم رسول ال ‪ « :‬هل أنتم صادقيّ عن‬
‫شيء إن سألتكم عنه » ؟ قالوا ‪ :‬نعم يا أبا القاسم ‪ .‬قال ‪ « :‬هل جعلتم‬
‫ف هذه الشاة سًا » ؟ فقالوا ‪ :‬نعم ؟ قال ‪ « :‬فما حلكم على ذلك » ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬أردنـا إن كنـت كاذب ًا أن نسـتريح منـك ‪ ،‬وإن كنـت نبي ًا ل‬
‫يضرك ) ‪ .‬رواه البخاري بنحو وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ أَتّ َ‬
‫خ ْذتُ ْم عِندَ اللّ هِ عَهْدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن ل يعذب كم‬
‫َهـ ﴾ ؟ قال ابـن مسـعود ‪ :‬عهدًا‬ ‫ّهـ َعهْد ُ‬
‫ِفـ الل ُ‬
‫خل َ‬ ‫إل هذه الدة ‪َ ﴿ ،‬فلَن يُ ْ‬
‫بالتوح يد ‪ ﴿ .‬أَ ْم َتقُولُو َن عَلَى اللّ ِه مَا لَ َتعَْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بل تكذبون‬
‫على ال وتفترون ؟ ث قال ‪ ﴿ :‬بَلَى ﴾ ‪ :‬إثبات لا ذكر من خلود النار ‪.‬‬
‫ب النّارِ هُ مْ‬
‫صحَا ُ‬‫ت بِ هِ خَطِيـَئتُهُ َفُأوْلَـئِكَ أَ ْ‬‫سبَ َسّيَئةً َوأَحَاطَ ْ‬ ‫﴿ مَن كَ َ‬
‫فِيهَا خَاِلدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يس ال مر ك ما تني تم ‪ ،‬بل ال مر أ نه ‪ ﴿ :‬مَ نْ‬
‫ت بِ هِ خَطِي ـَئتُهُ ﴾ مات ول‬ ‫عَمِلَ َسّيَئةً ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الشرك ‪َ ﴿ .‬وأَحَاطَ ْ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ‬
‫ُونـ * وَالّذ َ‬
‫ُمـ فِيهَا خَالِد َ‬ ‫ب النّا ِر ه ْ‬
‫َصـحَا ُ‬
‫ـكَ أ ْ‬ ‫يتـب ‪َ ﴿ ،‬فُأوْلَـ ئِ‬
‫جّن ِة هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ ﴾ ‪ ،‬وهذا‬ ‫ب الْ َ‬
‫َوعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَ صْحَا ُ‬
‫ُمـ وَل َأمَانِيّ َأهْ ِل الْ ِكتَابِـ مَن‬
‫ْسـِبَأمَاِنّيك ْ‬
‫القام شـبيه بقوله تعال ‪ّ ﴿ :‬لي َ‬
‫َيعْمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِ ِه وَ َل يَجِدْ لَ ُه مِن دُونِ اللّ ِه وَِليّا وَلَ نَصِيا * َومَن َيعْمَلْ‬
‫‪113‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جّن َة وَلَ‬
‫ت مِن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ َفُأوْلَـئِكَ يَ ْدخُلُو نَ الْ َ‬
‫مِ َن ال صّالِحَا َ‬
‫يُظْلَمُو َن َنقِيا ﴾ ‪.‬‬
‫وعـن ابـن مسـعود رضـي ال عنـه أن رسـول ال قال ‪ « :‬إياكـم‬
‫ومقرات الذنوب ‪ ،‬فإننـ يتمعـن على الرجـل حتـ يهلكنـه » ‪ .‬وإن‬
‫رسـول ال ضرب لمـ مثلً ‪ « :‬كمثـل قوم نزلوا بأرض فلة فحضـر‬
‫صنيع القوم ‪ ،‬فجعل الرجل ينطلق ‪ ،‬فيجيء بالعود والرجل ييء بالعود ‪،‬‬
‫ح ت جعوا سوادًا وأججوا نارًا ‪ ،‬فأنضجوا ما قذفوا في ها » ‪ .‬رواه المام‬
‫أحد ‪.‬‬
‫ق بَنِي ِإسْرَائِيلَ َل َتعْبُدُو َن إِل اللّهَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَا َ‬
‫ي َوقُولُوْا لِلنّاسِـ‬
‫وَبِالْوَالِ َديْنِـِإحْسـَانا َوذِي الْ ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسـَاكِ ِ‬
‫ُمـ َوأَنتُم‬
‫ل مّنك ْ‬
‫ُمـ إِل قَلِي ً‬
‫ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ ثُمّ َت َولّيْت ْ‬
‫الصـ َ‬
‫حُسـْنا َوَأقِيمُواْ ّ‬
‫ّمعْرِضُونَ (‪. ﴾ )83‬‬
‫ّهـ‬
‫ُونـإِل الل َ‬
‫ِسـرَائِيلَ َل َت ْعبُد َ‬ ‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ أَخَذْنَا مِيث َ‬
‫َاقـ بَنِي إ ْ‬
‫ـ وَ َل‬ ‫ـا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَا ْعبُدُواْ اللّه َ‬ ‫ـوا له العبادة ‪ ،‬كمـ‬ ‫﴾ أي ‪ :‬أخلصـ‬
‫ْنـ ِإحْسـَانا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وصـيناهم بـب‬ ‫ِهـ َشيْئا ﴾ ‪َ ﴿ ،‬وبِاْلوَالِ َدي ِ‬
‫تُشْرِكُواْ ب ِ‬
‫ي وَقُولُواْ‬
‫الوالدين ‪ ،‬والحسان إليهما ‪ ﴿ .‬وَذِي اْلقُ ْربَى وَاْلَيتَامَى وَالْمَسَا ِك ِ‬
‫لِلنّاسِ حُسْنا ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أمرهم أيضًا بعد هذا اللق ‪ ،‬أن يقولوا‬
‫‪ ﴿ :‬لِلنّاسِ حُسْنا ﴾ ‪ :‬أن يأمروا بل إله إل ال ‪ ،‬من يقلها ورغب عنها‬
‫‪ ،‬ح ت يقولو ها ك ما قالو ها ‪ ،‬فإن ذلك قر بة من ال جل ثناؤه ‪ .‬وقال‬
‫ال سن الب صري ‪ :‬فال سن من القول ‪ :‬أن يأ مر بالعروف ‪ ،‬وين هى عن‬
‫الزء الول‬ ‫‪114‬‬

‫الن كر ‪ ،‬وي صلح ويعفوا وي صفح ‪ ،‬وقال ال سن أيضًا ‪ :‬ل ي القول من‬
‫الدب السن الميل ‪ ،‬واللق الكري ‪ ،‬وهو ما ارتضاه ال وأحبه ‪.‬‬
‫ل مّنكُمْ‬
‫لةَ وَآتُواْ الزّكَا َة ثُمّ َتوَّلْيتُمْ إِل قَلِي ً‬
‫صَ‬‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَقِيمُواْ ال ّ‬
‫َوأَنتُم ّمعْرِضُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهذا خب من ال جل ثناؤه عن يهود بن إسرائيل ‪،‬‬
‫أنم نكثوا عهده ‪ ،‬ونقضوا ميثاقه ‪ ،‬بعد ما أخذ ال ميثاقهم على الوفاء له‬
‫بأن ل يعبدوا غيه ‪ ،‬وأن يسنوا إل الباء والمهات ‪ ،‬ويصلوا الرحام ‪،‬‬
‫ويتعطفوا على اليتام ‪ ،‬ويؤدوا حقوق أ هل ال سكنة إلي هم ‪ ،‬ويأمروا عباد‬
‫ال ب ا أمر هم ال به ‪ ،‬ويثّو هم على طاع ته ‪ ،‬ويقيموا ال صلة بدود ها‬
‫وفرائضها ‪ ،‬ويؤتوا زكاة أموالم ‪ ،‬فخالفوا أمره ف ذلك كله ‪ ،‬وتولوا عنه‬
‫معرضي ‪ ،‬إل من عصمه ال منهم ‪ ،‬فوف ال بعهده وميثاقه ‪.‬‬
‫سفِكُو َن ِدمَاءكُ ْم وَلَ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَاقَكُ مْ َل تَ ْ‬
‫سكُم مّن ِديَارِكُ ْم ثُمّ َأ ْقرَ ْرتُ ْم َوأَنتُمْ َتشْ َهدُونَ (‪ُ )84‬ثمّ أَنتُمْ‬
‫خ ِرجُو َن أَنفُ َ‬
‫تُ ْ‬
‫خ ِرجُو َن َفرِيقا مّنكُم مّن ِديَا ِرهِ ْم تَظَا َهرُو نَ‬
‫هَـؤُلء َتقْتُلُو نَ أَنفُ سَ ُكمْ َوتُ ْ‬
‫ّمـ‬
‫حر ٌ‬‫ُمـ َو ُهوَ مُ َ‬
‫ُمـ أُسـَارَى ُتفَادُوه ْ‬
‫َانـ وَإِن يَأتُوك ْ‬
‫ْمـ وَاْل ُعدْو ِ‬
‫عَلَيْهِم بِا ِلث ِ‬
‫ض فَمَا َجزَاء‬
‫عَلَ ْيكُ مْ ِإ ْخرَا ُجهُ ْم َأفَُتؤْمِنُو َن بَِبعْ ضِ اْلكِتَا بِ َوَتكْ ُفرُو نَ بَِبعْ ٍ‬
‫ك مِنكُ ْم إِل ِخزْيٌ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا َويَوْ َم اْلقِيَا َمةِ ُي َردّونَ ِإلَى‬
‫مَن َي ْفعَ ُل َذلِ َ‬
‫ِينـ‬
‫ك الّذ َ‬
‫ُونـ (‪ )85‬أُولَــئِ َ‬
‫ّهـ ِبغَا ِفلٍ عَمّاـ َتعْمَل َ‬
‫َابـ وَمَا الل ُ‬
‫أَ َشدّ اْل َعذ ِ‬
‫ـ‬
‫ـ َولَ هُم ْ‬
‫ـ اْل َعذَاب ُ‬
‫ـ عَ ْنهُم ُ‬
‫خفّف ُ‬
‫ل يُ َ‬
‫اشَْت َروُْا الْحَيَاةَ ال ّدنْيَـا بِالَ ِخ َر ِة فَ َ‬
‫صرُونَ (‪. ﴾ )86‬‬
‫يُن َ‬
‫‪115‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ َأخَذْنَا مِيثَاَقكُ مْ َل تَ ْ‬


‫سفِكُونَ ِدمَاءكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ل يسفك بعضكم دم بعض ‪ ﴿ ،‬وَلَ تُخْ ِرجُو نَ أَنفُ سَكُم مّن ِديَارِكُ مْ ﴾ ‪:‬‬
‫ل يرج بعضكم بعضًا من داره ‪ ﴿ ،‬ثُمّ أَقْرَ ْرتُ مْ ﴾ بذا العهد ‪َ ﴿ ،‬وأَنتُ مْ‬
‫شهَدُو نَ ﴾ ‪ :‬على ذلك يا معشر اليهود ‪ ﴿ .‬ثُمّ أَنتُ ْم هَـؤُلء ﴾ يعن ‪:‬‬ ‫تَ ْ‬
‫ِمـ‬
‫ُونـ َفرِيقا مّنك ُم مّنـ ِديَا ِره ْ‬
‫خرِج َ‬ ‫ُسـكُ ْم َوتُ ْ‬
‫ُونـ أَنف َ‬
‫يـا هؤلء ‪َ ﴿ ،‬ت ْقتُل َ‬
‫تَظَاهَرُونَ عََلْيهِم بِا ِلثْ ِم وَالْعُ ْدوَانِ ﴾ بالعصية والظلم ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ إِ ْخرَا ُجه ْ‬
‫ّمـ عََلْيك ْ‬
‫حر ٌ‬‫ُمـ َو ُهوَ مُ َ‬
‫ُمـ أُسـَارَى ُتفَادُوه ْ‬
‫﴿ َوإِن يَأتُوك ْ‬
‫ب َوَتكْفُرُو نَ ِبَبعْ ضٍ ﴾ ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثن‬
‫ض الْ ِكتَا ِ‬
‫أََفتُ ْؤ ِمنُو نَ ِبَبعْ ِ‬
‫ممد بن أب ممد عن سعيد بن جبي ‪ ،‬أو عكرمة عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬ثُمّ‬
‫سكُ ْم َوتُخْ ِرجُونَ َفرِيقا مّنكُم مّن ِديَا ِرهِمْ ﴾ الية‪،‬‬
‫أَنتُ ْم هَـؤُلء َتقْتُلُونَ أَنفُ َ‬
‫قال ‪ :‬أنبأ هم ال بذلك من فعل هم ‪ ،‬و قد حرم علي هم ف التوراة سفك‬
‫دمائهم ‪ ،‬وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ‪ ،‬فكانوا فريقي ‪ :‬طائفة منهم‬
‫ب نو قينقاع و هم حلفاء الزرج ‪ ،‬والنض ي وقري ظة و هم حلفاء الوس ‪،‬‬
‫فكانوا إذا كا نت ب ي الوس والزرج حرب ‪ ،‬خرجـت بنـو قينقاع مـع‬
‫الزرج ‪ ،‬وخر جت النض ي وقري ظة مع الوس ‪ ،‬يظا هر كل وا حد من‬
‫الفريق ي حلفاءه على إخوا نه ‪ ،‬ح ت ت سافكوا دماء هم بين هم ‪ ،‬وبأيدي هم‬
‫التوراة يعرفون فيهـا مـا عليهـم ومـا لمـ ‪ ،‬والوس والزرج أهـل شرك‬
‫يعبدون الوثان ‪ ،‬ول يعرفون جنةً ول نارًا ‪ ،‬ول بعثًــا ول قيامةً ‪ ،‬ول‬
‫كتابًـا ول حللً ول حرامًـا ‪ ،‬فإذا وضعـت الرب أوزارهـا ‪ ،‬افتدوا‬
‫أسراهم تصديقًا لا ف التوراة ‪ ،‬وأخذًا به بعضهم من بعض ‪ ،‬يفتدي بنو‬
‫قينقاع ما كان من أسراهم ف أيدي الوس ‪ ،‬ويفتدي النضي وقريظة ما‬
‫الزء الول‬ ‫‪116‬‬

‫كان ف أيدي الزرج منهم ‪ ،‬ويطلبون ما أصابوا من دمائهم ‪ ،‬وقتلوا من‬


‫قتلوا منهـم فيمـا بينهـم ‪ ،‬مظاهرة لهـل الشرك عليهـم ‪ .‬يقول ال تعال‬
‫ُونـ‬
‫َابـ َوَتكْفُر َ‬
‫ْضـ الْ ِكت ِ‬
‫ُونـ ِبَبع ِ‬
‫ذِكره ‪ ،‬حيـث أنبأهـم بذلك ‪ ﴿ :‬أََفُتؤْ ِمن َ‬
‫ِببَعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تفادونم بكم التوراة وتقتلون م ؟ وف حكم التوراة ‪:‬‬
‫أل يقتـل ‪ ،‬ول يرج مـن داره ‪ ،‬ول يظاهـر عليـه مـن يشرك بال ويعبـد‬
‫الوثان من دو نه ‪ ،‬ابتغاء عرض الدن يا ‪ ،‬ف في ذلك من فعل هم مع الوس‬
‫والزرج ‪ ،‬فلما بلغن ‪ ،‬نزلت هذه القصة ‪.‬‬
‫وقال ما هد ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬أََفُت ْؤمِنُو نَ ِبَبعْ ضِ اْلكِتَا ِ‬
‫ب َوَتكْفُرُو نَ‬
‫ْضـ ﴾ يقول ‪ :‬إن وجدتـه فـ يـد غيك فديتـه ‪ ،‬وأنـت تقتله بيدك ‪.‬‬ ‫ِببَع ٍ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا ﴾ ‪ ،‬فكان‬ ‫ك مِنكُ مْ إِل ِخزْ يٌ فِي الْ َ‬ ‫﴿ فَمَا جَزَاء مَن َي ْفعَلُ ذَلِ َ‬
‫خزي ب ن قري ظة الق تل وال سب ‪ ،‬وخزي ب ن النض ي اللء والن في من‬
‫منازلم ‪.‬‬
‫ّهـ‬
‫َابـ ﴾ فـ النار ‪ ﴿ .‬وَمَا الل ُ‬ ‫ّونـ إِلَى َأشَ ّد الْعَذ ِ‬
‫ْمـ اْلقِيَا َم ِة يُرَد َ‬
‫﴿ َوَيو َ‬
‫حيَاةَ ال ّدنْيَا بِالَخِ َرةِ َفلَ‬
‫ِينـ اشْتَ َر ُوْا الْ َ‬
‫ُونـ * أُولَــئِكَ الّذ َ‬
‫ِبغَافِلٍ عَمّاـ َتعْمَل َ‬
‫ف َعْنهُ ُم اْلعَذَا بُ ﴾ السرمدي ﴿ وَلَ هُ ْم يُن صَرُونَ ﴾ نعوذ بال من‬ ‫خفّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫***‬
‫‪117‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس العاشر‬

‫ب َوقَفّيْنَا مِن َب ْعدِ ِه بِالرّ ُسلِ وَآتَيْنَا عِي سَى‬


‫﴿ َوَلقَدْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا َ‬
‫ح اْلقُدُ سِ َأ َفكُلّمَا جَاءكُ مْ رَ سُولٌ بِمَا لَ‬
‫ت َوأَّي ْدنَا هُ ِبرُو ِ‬
‫ابْ نَ َم ْريَ َم الْبَيّنَا ِ‬
‫سكُمُ ا سَْتكَْب ْرتُ ْم َففَرِيقا َك ّذبْتُ مْ َو َفرِيقا تَقْتُلُو نَ (‪َ )87‬وقَالُواْ‬
‫َتهْوَى أَنفُ ُ‬
‫ُونـ (‪َ )88‬ولَمّاـ‬
‫ل مّاـ ُي ْؤمِن َ‬
‫ِمـ َفقَلِي ً‬
‫ُمـ اللّه بِ ُك ْفرِه ْ‬
‫ْفـ بَل لّعََنه ُ‬
‫قُلُوبُنَا غُل ٌ‬
‫ُمـ وَكَانُواْ م ِن قَ ْبلُ‬
‫ق لّم َا مَ َعه ْ‬
‫ُصـدّ ٌ‬
‫ّهـ م َ‬
‫ّنـ عِندِ الل ِ‬
‫َابـ م ْ‬
‫ُمـ كِت ٌ‬
‫جَاءه ْ‬
‫َيسْتَفْتِحُونَ عَلَى اّلذِينَ َك َفرُوْا فَلَمّا جَاءهُم مّا َع َرفُواْ َك َفرُوْا ِبهِ فَ َلعَْن ُة اللّه‬
‫سهُ ْم أَن َيكْ ُفرُوْا بِمَا أَن َزلَ اللّهُ‬
‫عَلَى الْكَا ِفرِينَ (‪ )89‬بِئْسَمَا اشْتَ َر ْواْ بِ ِه أَنفُ َ‬
‫َبغْيا أَن يَُنزّ ُل اللّ هُ مِن فَضْلِ هِ عَلَى مَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ ِه فَبَآؤُواْ ِبغَضَ بٍ‬
‫ب َولِ ْلكَا ِفرِي نَ َعذَا بٌ ّمهِيٌ (‪ )90‬وَِإذَا قِي َل َلهُ مْ آمِنُوْا بِمَا‬
‫عَلَى غَضَ ٍ‬
‫أَن َزلَ اللّ هُ قَالُوْا ُنؤْمِ ُن بِمَا أُن ِزلَ َعلَيْنَا َوَيكْفُرو نَ بِمَا وَرَاء ُه َوهُ َو الْحَقّ‬
‫صدّقا لّمَا َم َعهُ ْم ُقلْ فَلِ مَ َتقْتُلُو َن أَنبِيَا َء اللّ هِ مِن قَ ْبلُ إِن كُنتُم مّ ْؤمِنِيَ (‬
‫مُ َ‬
‫ج َل مِن َبعْدِ هِ َوأَنتُ مْ‬
‫خ ْذتُ مُ اْلعِ ْ‬
‫‪ )91‬وََل َقدْ جَاءكُم مّو سَى بِالْبَيّنَا تِ ُثمّ اتّ َ‬
‫ظَالِمُو نَ (‪ )92‬وَِإ ْذ أَ َخذْنَا مِيثَاقَكُ مْ وَ َرفَعْنَا فَ ْو َقكُ ُم الطّو َر ُخذُوْا مَا‬
‫جلَ‬
‫آتَيْنَاكُم ِبقُ ّو ٍة وَا سْ َمعُواْ قَالُواْ سَ ِمعْنَا وَعَ صَيْنَا َوأُ ْش ِربُوْا فِي قُلُوِبهِ مُ اْلعِ ْ‬
‫بِ ُك ْفرِهِ مْ ُق ْل بِئْ سَمَا َيأْ ُمرُكُ ْم بِ ِه إِيَانُكُ ْم إِن كُنتُ مْ ّم ْؤمِنِيَ (‪ُ )93‬قلْ إِن‬
‫ّاسـ فَتَمَّن ُواْ‬
‫ُونـ الن ِ‬
‫ِصـًة مّنـ د ِ‬
‫ّهـ خَال َ‬
‫ُمـ الدّارُ ا َلخِ َرةُ عِن َد الل ِ‬
‫َتـ لَك ُ‬
‫كَان ْ‬
‫ت إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪َ )94‬ولَن يَتَمَّنوْ هُ أَبَدا بِمَا قَ ّدمَ تْ َأْيدِيهِ مْ‬
‫الْمَوْ َ‬
‫ج َدّنهُ ْم أَ ْحرَ صَ النّا سِ عَلَى حَيَا ٍة َومِ نَ‬
‫وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِالظّالِميَ (‪َ )95‬ولَتَ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪118‬‬

‫الّذِي نَ َأ ْشرَكُوْا يَ َو ّد أَ َح ُدهُ ْم َلوْ ُيعَ ّم ُر َألْ فَ سََنةٍ وَمَا ُه َو بِ ُمزَ ْح ِزحِ ِه مِ نَ‬
‫ي بِمَا يَعْمَلُونَ (‪. ﴾ )96‬‬
‫ب أَن يُعَ ّم َر وَال ّل ُه بَصِ ٌ‬
‫الْ َعذَا ِ‬

‫***‬
‫‪119‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِهـ‬
‫َابـ َوقَفّيْنَا مِن َب ْعد ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسـَى اْلكِت َ‬
‫س َأفَكُلّمَا‬
‫ح اْلقُدُ ِ‬
‫ت َوأَّي ْدنَا ُه ِبرُو ِ‬
‫بِالرّ ُس ِل وَآتَيْنَا عِي سَى ابْ نَ َم ْريَ مَ الْبَيّنَا ِ‬
‫جَاءكُ مْ رَ سُو ٌل بِمَا َل َتهْوَى أَنفُ سُ ُكمُ ا سْتَكَْب ْرتُ ْم َف َفرِيقا َك ّذبْتُ ْم َو َفرِيقا‬
‫َتقْتُلُونَ (‪. ﴾ )87‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿:‬وََلقَ ْد آَتيْنَا مُو سَى اْلكِتَا بَ ﴾ أعطيناه التوراة ﴿ وََق ّفيْنَا﴾‬
‫أتبع نا ‪ ﴿ ،‬مِن َبعْدِ ِه بِالرّ سُلِ وَآَتيْنَا عِي سَى ابْ نَ َم ْريَ َم اْلَبيّنَا تِ ﴾ و هي ‪:‬‬
‫ح الْقُدُسِ ﴾ وهو ‪ :‬جبيل عليه‬ ‫العجزات ‪َ ﴿ ،‬وأَيّ ْدنَاهُ ﴾ قويناه ‪ ﴿ ،‬بِرُو ِ‬
‫السلم ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِيسى ابْ َن مَ ْريَ مَ اذْكُرْ نِعْ َمتِي‬
‫ّاسـ فِي الْ َمهْدِ‬
‫ّمـ الن َ‬ ‫ُسـ ُتكَل ُ‬
‫ُوحـ اْلقُد ِ‬
‫ّكـ بِر ِ‬ ‫ِكـِإذْ َأيّدت َ‬
‫ْكـ َوعَلَى وَالِ َدت َ‬ ‫عََلي َ‬
‫ِنـ‬
‫ُقـ م َ‬ ‫حكْ َم َة وَالّتوْرَاةَ وَالِنِيلَ َوإِذْ تَخْل ُ‬
‫َابـ وَالْ ِ‬
‫ُكـ الْ ِكت َ‬
‫ل َوإِ ْذ عَلّ ْمت َ‬ ‫وَ َكهْ ً‬
‫ئ الَكْمَ هَ‬ ‫الطّيِ َك َهْيَئةِ ال ّطيْ ِر بِِإذْنِي َفتَنفُ خُ فِيهَا َفتَكُو ُن َطيْرا بِإِذْنِي َوتُبْرِ ُ‬
‫ج الْمَوتَى بِإِ ْذنِي َوإِذْ َكفَ ْفتُ بَنِي ِإسْرَائِي َل عَنكَ إِذْ‬
‫ص بِإِ ْذنِي َوإِذْ تُخْ ِر ُ‬ ‫وَا َلبْ َر َ‬
‫ِجْئَتهُ ْم بِالَْبّينَاتِ َفقَا َل الّذِينَ َك َفرُوْا ِمْنهُمْ إِ ْن هَـذَا إِل ِسحْ ٌر ّمبِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وتأييد عيسى ببيل عليه السلم ‪ ،‬أنه أمر أن يسي معه‬
‫حيث سار ‪ ،‬حت صعد به إل السماء ‪ ﴿ .‬أََفكُلّمَا جَاء ُك مْ ﴾ يا معشر‬
‫اسـكْبَ ْرتُمْ ﴾ عـن اليان بـه‬
‫ُسـكُمُ َْت‬
‫اليهود ‪ ﴿ ،‬رَسـُو ٌل بِمَا َل َت ْهوَى أَنف ُ‬
‫‪َ ﴿ ،‬ف َفرِيقا كَ ّذْبتُ مْ ﴾ م ثل عي سى ‪ ،‬وم مد عليه ما ال صلة وال سلم‬
‫‪ ﴿ ،‬وََفرِيقا َت ْقتُلُو نَ ﴾ م ثل زكر يا ‪ ،‬وي ي وغيه ا من ال نبياء علي هم‬
‫السلم ؟ وقد حاولوا قتل النب ممد ‪.‬‬
‫ِمـ‬
‫ُمـ اللّه ِب ُكفْ ِره ْ‬
‫ْفـ بَل ّلعَنَه ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالُواْ قُلُوبُنَا غُل ٌ‬
‫ل مّا ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )88‬‬
‫َفقَلِي ً‬
‫الزء الول‬ ‫‪120‬‬

‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُواْ قُلُوُبنَا غُلْ فٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف أكنة ‪ ،‬فل تعي ول‬
‫تفقه ما جئت به يا ممد ‪ ﴿ .‬بَل ّل َعَنهُ مُ اللّه ِب ُكفْ ِرهِ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طردهم‬
‫ل مّ ا ُيؤْ ِمنُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬معناه ل‬ ‫وأبعد هم من كل خ ي ‪َ ﴿ ،‬فقَلِي ً‬
‫يؤمن منهم إل قليل ‪ .‬وقد قال تعال ‪َ ﴿ :‬فبِمَا َن ْقضِهِم مّيثَاَقهُ ْم وَ ُكفْ ِرهِم‬
‫ف بَ ْل طَبَعَ اللّ ُه عََلْيهَا‬
‫بَآيَاتِ اللّ ِه وََقتِْلهِ ُم الَْنِبيَاءَ ِب َغيْرِ َحقّ وََقوِْلهِمْ قُلُوُبنَا غُلْ ٌ‬
‫ل ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً ﴾ ‪.‬‬ ‫بِ ُكفْ ِرهِمْ َف َ‬
‫ق لّمَا‬
‫صدّ ٌ‬
‫ب مّ نْ عِن ِد اللّ ِه مُ َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَمّ ا جَاءهُ مْ كِتَا ٌ‬
‫َمعَهُ مْ وَكَانُوْا مِن قَ ْب ُل يَ سَْتفْتِحُونَ عَلَى الّذِي نَ َك َفرُواْ فَلَمّ ا جَاءهُم مّ ا‬
‫َع َرفُواْ َك َفرُوْا ِبهِ فَ َلعَْنةُ اللّه عَلَى الْكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )89‬‬
‫يقول ‪ ﴿ :‬وَلَمّاـ جَاءهُم ْـ ﴾ يعنـ ‪ :‬اليهود ‪ِ ﴿ ،‬كتَابٌـ مّن ْـ عِندِ اللّهِـ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪:‬‬ ‫ُصـّدقٌ ﴾ موافـق ‪ ﴿ ،‬لّم َا َم َعه ْ‬ ‫﴾ وهـو ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬م َ‬
‫ستَ ْفتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وقد‬ ‫التوراة ‪ ﴿ .‬وَكَانُوْا مِن َقبْ ُل يَ ْ‬
‫كانوا من ق بل م يء هذا الر سول بذا الكتاب ‪ ،‬ي ستنصرون بجيئه على‬
‫أعدائهم ‪.‬‬
‫قال ممد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة النصاري ‪ ،‬عن‬
‫أشياخ من هم ‪ ،‬قال ‪ :‬في نا وال وفي هم ‪ -‬يع ن ‪ :‬ف الن صار و ف اليهود‬
‫الذين كانوا جيانم ‪ -‬نزلت هذه القصة ‪ ،‬يعن ‪ ﴿ :‬وَلَمّا جَاءهُ مْ ِكتَا بٌ‬
‫ستَ ْفتِحُونَ عَلَى الّذِي نَ‬
‫مّ ْن عِندِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ لّمَا َم َعهُ ْم وَكَانُوْا مِن َقبْ ُل يَ ْ‬
‫َكفَرُواْ َفلَمّا جَاءهُم مّا عَرَفُواْ َكفَرُواْ بِ هِ ﴾ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬كنا قد علوناهم قهرًا‬
‫دهرًا ف الاهل ية ‪ ،‬ون ن أ هل شرك ‪ ،‬و هم أ هل كتاب ‪ ،‬و هم يقولون ‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إن نبيًا سيبعث الن نتبعه ‪ ،‬قد ظل زمانه ‪ ،‬فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ‪،‬‬
‫فلمـا بعـث ال رسـوله مـن قريـش واتبعناه ‪ ،‬كفروا بـه ‪ .‬يقول ال تعال‬
‫‪َ ﴿ :‬فلَمّا جَاءهُم مّا َعرَفُواْ َكفَرُوْا بِهِ َفَل ْعَنةُ اللّه عَلَى الْكَاِفرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫سهُ ْم أَن َيكْ ُفرُوْا بِمَا أَن َزلَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬بِئْ سَمَا اشْتَ َر ْواْ بِ ِه أَنفُ َ‬
‫اللّهُ َبغْيا أَن يَُن ّزلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن َيشَا ُء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُوْا ِبغَضَبٍ‬
‫ب َولِ ْلكَا ِفرِينَ َعذَابٌ ّمهِيٌ (‪. ﴾ )90‬‬
‫عَلَى غَضَ ٍ‬
‫ُسـهُمْ ﴾ ‪ ،‬يهود شروا القـ‬
‫ِهـ أَنف َ‬ ‫قال ماهـد ‪ ﴿ :‬بِئ َ‬
‫ْسـمَا اشْتَ َر ْوْا ب ِ‬
‫بالباطل ‪ ،‬وكتمان ما جاء به ممد بأن يبينوه ‪ .‬وقال السدي ‪﴿ :‬‬
‫ُسـهُمْ ﴾ يقول ‪ :‬باعوا أنفسـهم ‪ .‬يقول ‪ :‬بئسـما‬ ‫ِهـ أَنف َ‬
‫ْسـمَا ا ْشتَ َروْْا ب ِ‬
‫ِبئ َ‬
‫اعتاضوا لنفسهم ‪ ،‬فرضوا به ‪ ،‬وعدلوا إليه ‪ ،‬من الكفر با أنزل ال على‬
‫ممد ‪ ،‬عن تصديقه ومؤازرته ونصرته ‪ ،‬وإنا حلهم على ذلك البغي‬
‫والسد والكراهية ‪ ﴿ ،‬أَن ُينَزّلُ اللّ ُه مِن َفضْلِ ِه عَلَى مَن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِهِ ﴾‬
‫ول ح سد أع ظم من هذا ‪ .‬وقال ا بن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬فبَآؤُوْا ِب َغضَ بٍ‬
‫َبـ ﴾ فغضـب ال عليهـم فيمـا كانوا ضيعوا مـن التوراة وهـي‬ ‫عَلَى َغض ٍ‬
‫معهم ‪ ،‬وغضب ال عليهم بكفرهم بذا النب الذي بعث ال إليهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِ ْلكَافِرِي َن عَذَابٌ ّمهِيٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬لا كان‬
‫كفرهـم سـببه البغـي والسـد ‪ ،‬ومنشـأ ذلك التكـب ‪ ،‬قوبلوا بالهانـة‬
‫ستَ ْكبِرُونَ عَنْ‬
‫والصغار ف الدنيا والخرة ‪ ،‬كما قال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي َن يَ ْ‬
‫عِبَا َدتِي َسيَدْخُلُونَ َج َهنّمَ دَاخِرِينَ ﴾ أي ‪ :‬صاغرين ذليلي ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪122‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا قِي َل َلهُمْ آ ِمنُوْا بِمَا أَنزَ َل اللّهُ قَالُوْا ُنؤْ ِمنُ بِمَا‬
‫صدّقا لّمَا َمعَهُ مْ ُق ْل فَلِ مَ‬
‫أُن ِزلَ عَلَيْنَا َويَ ْكفُرو َن بِمَا وَرَاء ُه َو ُهوَ الْحَقّ مُ َ‬
‫َتقْتُلُو َن أَنبِيَا َء اللّ ِه مِن قَ ْب ُل إِن كُنتُم ّمؤْمِِنيَ (‪. ﴾ )91‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪:‬‬ ‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ َلهُم ْ‬
‫ـ آ ِمنُوْا بِمَـا أَن َزلَ اللّه ُ‬
‫القرآن ﴿ قَالُوْا ُن ْؤمِ ُن بِمَا أُن ِز َل عََليْنَا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬التوراة ‪َ ﴿ ،‬ويَ ْكفُرو نَ‬
‫بِمَا وَرَاء هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ب ا سواه من الك تب ﴿ َو ُهوَ الْحَقّ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪:‬‬
‫القرآن ﴿ مُصَدّقا لّمَا َمعَهُمْ ﴾ ‪ ،‬من التوراة ‪ ﴿ .‬قُلْ ﴾ لم يا ممد ‪﴿ :‬‬
‫فَلِ َم َت ْقتُلُو نَ أَنِبيَاءَ اللّ ِه مِن َقبْلُ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ ﴾ بالتوراة وقد نيتم فيها‬
‫عن قتل النبياء عليهم السلم ؟ ‪.‬‬
‫جلَ‬
‫خ ْذتُ مُ اْلعِ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ جَاءكُم مّو سَى بِالْبَيّنَاتِ ُثمّ اتّ َ‬
‫مِن َب ْع ِدهِ َوأَنتُمْ ظَالِمُونَ (‪. ﴾ )92‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ جَاءكُم ﴾ يا معشر اليهود ﴿ مّو سَى بِاْلَبّينَا تِ ﴾‬
‫ج َل‬ ‫ـ الْعِ ْ‬‫خ ْذتُم ُ‬‫أي ‪ :‬باليات الواضحات والدلئل القاطعات ‪ ﴿ ،‬ثُمّـ اتّ َ‬
‫﴾ معبودًا من دون ال ﴿ مِن بَعْدِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من ب عد ذها به إل الطور‬
‫لناجاة ال عزّ وجل ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَاتّخَذَ َق ْومُ مُوسَى مِن بَعْ ِدهِ مِنْ‬
‫جلً جَ سَدا لّ هُ ُخوَارٌ أَلَ ْم يَ َر ْواْ َأنّ هُ َل ُيكَلّ ُمهُ ْم وَ َل َيهْدِيهِ مْ َسبِيلً‬
‫حُِلّيهِ ْم عِ ْ‬
‫خذُو ُه وَكَانُوْا ظَالِمِيَ وَلَمّا ُسقِطَ فَي َأيْدِيهِ ْم وَ َرَأ ْواْ َأّنهُ مْ َقدْ ضَلّواْ قَالُواْ‬ ‫اتّ َ‬
‫َلئِن لّ ْم يَرْ َح ْمنَا َرّبنَا َوَي ْغفِرْ َلنَا َلنَكُونَ ّن مِ َن الْخَاسِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَا َق ُكمْ وَ َر َفعْنَا َف ْوقَ ُكمُ الطّو َر ُخذُواْ‬
‫مَا آتَيْنَاكُم ِبقُ ّو ٍة وَا سْ َمعُواْ قَالُواْ سَ ِمعْنَا وَعَ صَيْنَا َوأُ ْش ِربُوْا فِي قُلُوِبهِ مُ‬
‫‪123‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّمؤْمِنِيَ (‪)93‬‬ ‫ج َل ِبكُ ْف ِرهِ ْم ُقلْ بِئْسَمَا َي ْأمُرُكُ ْم بِهِ إِيَانُكُ ْم إِن كُنتُمْ‬
‫الْعِ ْ‬
‫﴾‪.‬‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُم ْـ وَرََفعْنَا َفوَْقكُمُـ الطّورَ ﴾ البـل‬
‫‪ ﴿ ،‬خُذُواْ مَا آَتْينَاكُم ِبقُ ّوةٍ وَا سْ َمعُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬استجيبوا وأطيعوا ‪﴿ ،‬‬
‫صْينَا َوُأشْ ِربُواْ فِي قُلُوِبهِ ُم اْلعِجْ َل ِب ُكفْ ِرهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوعَ َ‬
‫أشربوا حبه حت خلص ذلك إل قلوبم ‪.‬‬
‫ُمـ ﴾ أن تعبدوا العجـل مـن دون ال‬ ‫ِهـإِيَاُنك ْ‬‫ُمـ ب ِ‬
‫ْسـمَا َي ْأمُرُك ْ‬
‫﴿ ُق ْل ِبئ َ‬
‫‪ ﴿ ،‬إِن كُنتُ ْم ّم ْؤمِنِيَ ﴾ بزعمكم ‪ ،‬وقد فعلتم هذه الفاعيل القبيحة ‪،‬‬
‫من نقضكم الواثيق ‪ ،‬وكفركم بآيات ال ‪ ،‬وقتلكم النبياء ‪ ،‬وعبادتكم‬
‫الع جل ‪ .‬و ف الد يث عن ال نب ‪ « :‬ح بك الش يء يع مي وي صمّ » ‪.‬‬
‫رواه أحد ‪.‬‬
‫ت لَ ُكمُ الدّارُ ا َلخِ َرةُ عِن َد ال ّلهِ خَالِصَةً‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل إِن كَانَ ْ‬
‫مّن دُو ِن النّا سِ فََتمَّنوُْا الْ َموْ تَ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ (‪َ )94‬ولَن يَتَمَّنوْ هُ أَبَدا‬
‫ص النّاسِ‬
‫ج َدّنهُمْ َأ ْحرَ َ‬
‫ت َأيْدِيهِ ْم وَاللّهُ عَلِي ٌم بِالظّالِميَ (‪ )95‬وَلَتَ ِ‬
‫بِمَا َق ّدمَ ْ‬
‫عَلَى حَيَا ٍة َومِ نَ اّلذِي نَ أَ ْشرَكُوْا َيوَ ّد َأحَ ُدهُ ْم لَ ْو ُيعَ ّمرُ أَلْ فَ سََنةٍ وَمَا هُوَ‬
‫ي بِمَا َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )96‬‬
‫بِ ُمزَ ْح ِزحِ ِه ِمنَ اْل َعذَابِ أَن ُيعَ ّم َر وَال ّلهُ بَصِ ٌ‬
‫ُمـ‬ ‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ﴾ يـا ممـد لؤلء اليهود ‪ ﴿ :‬إِن كَان ْ‬
‫َتـ َلك ُ‬
‫ِصـةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬خاصـة‬ ‫ّهـ خَال َ‬
‫الدّارُ الَ ِخ َرةُ ﴾ يعنـ ‪ :‬النـة ‪ ﴿ ،‬عِندَ الل ِ‬
‫﴿ مّن دُونِ النّاسِ َفتَ َمّنوُْا الْ َموْتَ إِن كُنتُمْ صَادِِقيَ ﴾ ف قولكم ‪ .‬قال‬
‫ا بن عباس ‪ :‬لو تنوا الوت ل غص كل إن سان من هم بري قه ﴿ وَلَن َيتَ َمنّوْ هُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪124‬‬

‫َأبَدا بِمَا قَ ّدمَ تْ َأيْدِيهِ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من العمال ال سيئة ‪ ﴿ .‬وَاللّ ُه عَلِي ٌم‬
‫بِالظّالِميَ ﴾ وهذا ك ما د عا ر سول ال و فد نران من الن صارى إل‬
‫الباهلة ‪ ،‬فقال علماؤهـم ‪ :‬وال لئن باهلتـم هذا النـب ل يبقـى منكـم‬
‫عيـ تطرف ‪ ,‬فعنـد ذلك جنحوا للسـلم ‪ ،‬وبذلوا الزيـة عـن يـد وهـم‬
‫صاغرون ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلتَجِ َدّنهُ مْ أَ ْحرَ صَ النّا ِ‬
‫س عَلَى َحيَاةٍ َومِ َن الّذِي نَ َأشْرَكُواْ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وأحرص من الذين أشركوا ‪َ ﴿ ،‬يوَدّ أَحَ ُدهُمْ َل ْو ُيعَمّرُ أَلْفَ َسَن ٍة‬
‫﴾ ‪ ،‬قال السـن البصـري ‪ :‬النافـق أحرص الناس ‪ ،‬وأحرص مـن الشرك‬
‫َابـ أَن ُيعَمّرَ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن‬ ‫ِنـ الْعَذ ِ‬‫ِهـ م َ‬
‫على حياة ‪ ﴿ .‬وَم َا ُه َو بِمُ َزحْزِح ِ‬
‫عباس ‪ :‬أي ‪ :‬ومـا هـو بنجيـه مـن العذاب ‪ ،‬وذلك أن الشرك ل يرجوا‬
‫بعثًا بعد الوت ‪ ،‬فهو يب طول الياة ‪ ،‬وأن اليهودي قد عرف ما له ف‬
‫الخرة من الزي ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬يهود أحرص على الياة من هؤلء ‪،‬‬
‫وقـد و ّد هؤلء لو يعمـر أحدهـم ألف سـنة ‪ ،‬وليـس ذلك بزحزحـه مـن‬
‫العذاب لو عُمّر كما عُمّر إبليس ل ينفعه إذ كان كافرًا ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِمَا َيعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬و سيجازي كل‬
‫عامل بعمله ‪ ،‬وقد قال تعال ‪ ﴿ :‬أَفَ َرَأيْ تَ إِن ّمّتعْنَاهُ مْ ِسنِيَ * ثُمّ جَاءهُم‬
‫مّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا َأغْنَى َعْنهُم مّا كَانُوا يُ َمّتعُونَ ﴾ ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫***‬
‫‪125‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الادي عشر‬

‫صدّقا‬
‫﴿ ُق ْل مَن كَانَ َع ُدوّا لّجِ ْبرِيلَ َفِإنّهُ َن ّزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِِإذْ ِن اللّ ِه مُ َ‬
‫ّهـ‬
‫َانـ َع ُدوّا لّل ِ‬
‫ْهـ َو ُهدًى َوُبشْرَى لِلْ ُم ْؤمِنِي َ (‪ )97‬م َن ك َ‬
‫ْنـ َي َدي ِ‬
‫لّم َا بَي َ‬
‫وَمَلئِكَتِ ِه وَرُ سُ ِل ِه وَجِ ْبرِي َل َومِيكَالَ َفإِنّ اللّ هَ َع ُد ّو لّلْكَا ِفرِي نَ (‪َ )98‬وَلقَدْ‬
‫ت وَمَا يَ ْك ُفرُ بِهَا إِل الْفَا ِسقُونَ (‪ )99‬أَوَكُلّمَا‬
‫ت بَيّنَا ٍ‬
‫أَن َزلْنَا ِإلَيْ كَ آيَا ٍ‬
‫ُونـ (‪َ )100‬ولَمّاـ‬
‫ُمـ لَ يُ ْؤمِن َ‬
‫ِيقـ مّنْهُم َب ْل أَكَْث ُره ْ‬
‫َهـ َفر ٌ‬
‫عَاهَدُواْ َعهْدا نَّبذ ُ‬
‫ق لّمَا َم َعهُ ْم نََبذَ َفرِي قٌ مّ َن الّذِي نَ أُوتُواْ‬
‫صدّ ٌ‬
‫جَاءهُ مْ رَ سُولٌ مّ نْ عِن ِد اللّ هِ مُ َ‬
‫الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ُظهُورِهِمْ َكَأنّهُ ْم لَ َيعْلَمُونَ (‪ )101‬وَاتَّبعُوْا مَا‬
‫تَتْلُوْا الشّيَا ِطيُ عَلَى مُلْ كِ سُلَيْمَا َن َومَا َك َفرَ سُلَيْمَا ُن وَلَـ ِكنّ الشّيْاطِيَ‬
‫ح َر وَمَا أُن ِزلَ عَلَى الْمَ َلكَيْنِـبِبَاِبلَ هَارُوتَـ‬
‫َك َفرُوْا يُعَلّمُونَـ النّاسَـ السّـ ْ‬
‫ل َت ْك ُفرْ‬
‫ْنـ فِتَْنةٌ فَ َ‬
‫ِنـ َأحَ ٍد حَتّىـ َيقُولَ ِإنّمَا نَح ُ‬
‫َانـ م ْ‬
‫ُوتـ وَمَا ُيعَلّم ِ‬
‫وَمَار َ‬
‫فَيََتعَلّمُو َن مِ ْنهُمَا مَا ُي َفرّقُو َن بِهِ بَيْنَ الْ َمرْ ِء وَ َزوْجِهِ َومَا هُم بِضَآرّينَ بِ ِه مِنْ‬
‫ض ّرهُ مْ َولَ يَن َف ُعهُ ْم وََل َقدْ عَلِمُواْ لَمَ نِ‬
‫أَ َح ٍد إِل ِبإِذْ ِن اللّ هِ َويََتعَلّمُو َن مَا يَ ُ‬
‫س ُهمْ َلوْ كَانُواْ‬
‫س مَا َشرَ ْواْ بِهِ أَنفُ َ‬
‫ق َولَبِئْ َ‬
‫اشَْترَا ُه مَا لَ ُه فِي الخِ َر ِة مِ ْن خَلَ ٍ‬
‫ـ عِن ِد اللّه خَ ْي ٌر لّوْ‬
‫ـ آمَنُوْا واّت َقوْا لَمَثُوبَ ٌة مّن ْ‬
‫ـ (‪َ )102‬وَلوْ َأّنهُم ْ‬
‫َيعْلَمُون َ‬
‫كَانُواْ يَعْلَمُونَ (‪. ﴾ )103‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪126‬‬

‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل مَن كَا نَ َع ُدوّا لّجِ ْبرِيلَ َفِإنّ هُ نَ ّزلَ هُ عَلَى قَلْبِ كَ‬
‫صدّقا لّمَا بَيْنَ َي َديْهِ َو ُهدًى َوُبشْرَى لِلْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )97‬مَن كَانَ‬
‫ِبإِذْ ِن اللّهِ مُ َ‬
‫َع ُدوّا لّلّ هِ وَمَلئِكَتِ هِ وَرُ سُ ِلهِ َوجِ ْبرِي َل َومِيكَا َل َفإِنّ اللّ هَ َع ُدوّ لّ ْلكَافِرِي نَ (‬
‫‪ )98‬وََل َقدْ أَن َزلْنَا ِإلَيْ كَ آيَا تٍ بَيّنَا تٍ َومَا َي ْكفُ ُر ِبهَا إِل اْلفَا ِسقُونَ (‪)99‬‬
‫أَوَكُلّمَا عَا َهدُواْ َعهْدا نَّبذَ ُه َفرِي ٌق مّنْهُم َبلْ أَكَْثرُهُ مْ لَ ُي ْؤمِنُو نَ (‪)100‬‬
‫صدّقٌ لّمَا َم َعهُ مْ نََب َذ َفرِي ٌق مّ نَ اّلذِي نَ‬
‫وَلَمّا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ نْ عِندِ اللّ ِه مُ َ‬
‫أُوتُوْا الْكِتَا بَ كِتَا بَ اللّ هِ وَرَاء ُظهُو ِرهِ مْ َكَأّنهُ مْ َل َيعْلَمُو نَ (‪)101‬‬
‫﴾‪.‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ ( :‬حضرت ع صابة من اليهود ر سول ال فقالوا ‪:‬‬
‫يا أ با القا سم حدث نا عن خلل ن سألك عن هن ل يعلم هن إل نب ؟ فقال‬
‫أخذ‬ ‫رسول ال ‪ « :‬سلوا ما شئتم ‪ ،‬ولكن اجعلوا ل ذمة ‪ ،‬وما‬
‫يعقوب على بنيـه ‪ ،‬لئن أنـا حدثتكـم عـن شيـء فعرفتموه لتتابعننـ على‬
‫السلم » ؟ فقالوا ‪ :‬لك ذلك ‪ .‬فقال رسول ال ‪ « :‬سلوا عما شئتم‬
‫» ‪ .‬قالوا ‪ :‬أخبنا عن أربع خلل نسألك عنهن ‪ :‬أخبنا أ يّ الطعام حرم‬
‫إ سرائيل على نف سه من ق بل أن تنل التوراة ؟ وأخبنا ك يف ماء الرأة ‪،‬‬
‫وماء الرجـل ‪ .‬وكيـف يكون الذكـر منـه والنثـى ؟؟ وأخبنـا بذا النـب‬
‫المي ف التوراة ومن وليه من اللئكة ؟ فقال النب ‪ « :‬عهد ال لئن‬
‫أنبأت كم لتتابعن ن » ؟ فأعطوه ما شاء من ع هد وميثاق ‪ .‬فقال ‪« :‬‬
‫نشدت كم بالذي أنزل التوراة على مو سى هل تعلمون أن إ سرائيل يعقوب‬
‫مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه ‪ ،‬فنذر ل نذرًا لئن عافاه ال من مر ضه‬
‫‪127‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّمنـ أحـب الطعام والشراب إليـه ‪ ،‬فكان أحـب الطعام إليـه لوم‬ ‫ليحر ّ‬
‫البل ‪ ،‬وأحب الشراب إليه ألبانا » ؟ فقالوا ‪ :‬اللهم نعم !! فقال رسول‬
‫ال ‪ « :‬الل هم اش هد علي هم ‪ ،‬وأنشد كم بال الذي ل إله إل هو الذي‬
‫أنزل التوراة على مو سى ‪ ،‬هل تعلمون أن ماء الر جل غل يظ أب يض ‪ ،‬وأن‬
‫ماء الرأة رقيـق أصـفر ‪ ،‬فأيّهمـا عل كان له الولد والشبـه بإذن ال عـز‬
‫وجـل ؟ وإذا عل ماء الرجـل ماء الرأة كان الولد ذكرًا بإذن ال ؟ وإذا‬
‫عل ماء الرأة ماء الرجـل كان الولد أنثـى بإذن ال عـز وجـل » ؟ قالوا ‪:‬‬
‫اللهـم نعـم !! قال ‪ « :‬اللهـم اشهـد ‪ .‬وأنشدكـم بال الذي أنزل التوراة‬
‫على موسى ‪ ،‬هل تعلمون أن هذا النب الم يّ تنام عيناه ول ينام قلبه » ؟‬
‫قالوا ‪ :‬اللهم نعم !! قال ‪ « :‬اللهم اشهد » ‪ .‬قالوا ‪ :‬أنت الن ‪ ،‬فحدثنا‬
‫من وليك من اللئكة ؟ فعندها نامعك أو نفارقك ؟؟ قال ‪ « :‬فإن ول‬
‫جبيل ‪ ،‬ول يبعث ال نبيًا قط إل وهو وليه » ‪ .‬قالوا ‪ :‬فعندها نفارقك ‪،‬‬
‫ولو كان وليك سواه من اللئكة تابعناك وصدّقناك ‪ .‬قال ‪ « :‬فما ينعكم‬
‫أن تصدقوه » ؟ قالو ‪ :‬إنه عدونا ‪ .‬فأنزل ال عز وجل ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَن كَا نَ‬
‫ك بِإِذْ نِ اللّ ِه مُ صَدّقا لّمَا َبيْ َن يَ َديْ هِ ﴾ إل‬
‫جبْرِيلَ فَِإنّ ُه نَزّلَ ُه عَلَى قَ ْلبِ َ‬
‫عَ ُدوّا لّ ِ‬
‫قوله ‪ّ ﴿ :‬لوْ كَانُوْا َيعْلَمُو نَ ﴾ فعندها باءوا بغضب على غضب ) ‪ .‬رواه‬
‫ابن جرير ‪.‬‬
‫زاد ا بن إ سحاق ‪ ( :‬قالوا ‪ :‬فأخب نا عن الروح ؟ قال ‪ « :‬فأنشد كم‬
‫بال وبأيامـه عنـد بنـ إسـرائيل ‪ ،‬هـل تعلمون أنـه جبيـل ‪ ،‬وهـو الذي‬
‫يأتين » ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬ولكنه عدو لنا ‪ ،‬وهو ملك إنا يأت بالشدة‬
‫الزء الول‬ ‫‪128‬‬

‫وسـفك الدماء ‪ ،‬فلول ذلك اتبعناك ‪ .‬فأنزل ال تعال فيهـم ‪ُ ﴿ :‬ق ْل مَن‬
‫جْبرِيلَ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬ل َيعْلَمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫كَانَ عَ ُدوّا لّ ِ‬
‫َاتـ وَمَا َيكْفُ ُر بِهَا إِل‬
‫َاتـ َبيّن ٍ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أَنزَلْنَا إَِلي َ‬
‫ْكـ آي ٍ‬
‫الْفَا ِسقُونَ * َأوَكُلّمَا عَاهَدُوْا َعهْدا ّنبَذَ هُ فَرِي ٌق ّمْنهُم بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ مْ َل ُيؤْ ِمنُو َن‬
‫﴾ ‪ .‬يقول تعال ‪ :‬ولقد أنزلنا إليك يا ممد آيات بينات واضحات ‪ ،‬وما‬
‫يكفر با إل الفاسقون الارجون عن أمر ال ‪َ ﴿ ،‬أوَكُلّمَا عَاهَدُواْ َعهْدا‬
‫ّنبَذَهُ َفرِيقٌ مّْنهُم ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أو كلمـا واو العطـف دخلت عليهـا ألف السـتفهام ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬قال ابن صوريا لرسول ال ‪ :‬يا ممد ما جئتنا بشيء‬
‫نعرفه ‪ ،‬وما أنزل ال عليك من آية بينة فنتبعك ‪ ،‬فأنزل ال ف ذلك من‬
‫ت َومَا َي ْكفُ ُر ِبهَا إِل الْفَا سِقُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫ك آيَا تٍ َبّينَا ٍ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أَنزَْلنَا إَِليْ َ‬
‫وقال أيضًا ‪ ( :‬قال مالك بن الصيف حي بعث رسول ال وذكر لم‬
‫ما أخذ ال عليهم من اليثاق ‪ ،‬وما عهد إليهم ف ممد ‪ :‬وال ما عهد‬
‫إلينـا فـ ممـد ‪ ،‬ومـا أخـذ علينًا ميثاقًا ‪ .‬فأنزل ال تعال ‪َ ﴿ :‬أوَكُلّمَا‬
‫عَاهَدُوْا َعهْدا نّبَ َذهُ فَرِي ٌق ّمْنهُم ﴾ ‪.‬‬
‫وقال ال سن الب صري ف قوله ‪ ﴿ :‬بَلْ أَكْثَ ُرهُ مْ َل ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ قال ‪:‬‬
‫ن عم ل يس ف الرض ع هد يعاهدون عل يه إل نقضوه ‪ ،‬ونبذوه ‪ .‬يعاهدون‬
‫اليوم وينقضون غدًا ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬ل يؤمنون با جاء به ممد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَمّا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ ْن عِندِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ لّمَا َم َعهُ ْم َنبَذَ‬
‫فَرِي ٌق مّ َن الّذِي نَ أُوتُواْ اْل ِكتَا بَ ِكتَا بَ اللّ ِه َورَاء ُظهُو ِرهِ مْ َكَأّنهُ مْ َل َيعْلَمُو َن‬
‫﴾ يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَلَمّ ا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ ْن عِندِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ممدًا‬
‫‪129‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ ﴿ ،‬مُ صَ ّدقٌ لّمَا َم َعهُ مْ ﴾ من التوراة ‪َ ﴿ ،‬نبَذَ فَرِي قٌ مّ َن الّذِي نَ أُوتُواْ‬


‫الْ ِكتَا بَ ِكتَا بَ اللّ ِه وَرَاء ُظهُو ِرهِ مْ َكَأّنهُ مْ َل َيعْلَمُو نَ ﴾ ما فيها من صفة‬
‫م مد ‪ ،‬ك ما قال تعال ف الؤمن ي من هم ‪ ﴿ :‬الّذِي َن يَّتِبعُو نَ الرّ سُولَ‬
‫جدُونَ ُه مَ ْكتُوبا عِن َدهُ مْ فِي الّتوْرَا ِة وَالِنْجِي ِل َي ْأمُرُهُم‬ ‫الّنبِيّ الُمّيّ الّذِي يَ ِ‬
‫ِمـ‬
‫ّمـ عََلْيه ُ‬
‫حر ُ‬ ‫َاتـ َويُ َ‬
‫ُمـ ال ّطّيب ِ‬ ‫َنـ الْمُنكَ ِر َويُحِلّ َله ُ‬ ‫ُمـ ع ِ‬‫ُوفـ َوَيْنهَاه ْ‬
‫بِالْ َمعْر ِ‬
‫خبَآئِ ثَ َوَيضَ ُع َعْنهُ مْ إِ صْ َرهُ ْم وَالَ ْغلَ َل اّلتِي كَانَ تْ عََلْيهِ مْ فَالّذِي نَ آ َمنُواْ‬
‫الْ َ‬
‫ـ‬ ‫ك هُم ُ‬ ‫ـ ُأوْلَــئِ َ‬ ‫ـ أُنزِ َل َمعَه ُ‬
‫ـرُوهُ وَاّتبَعُواْ النّو َر الّذِي َ‬‫ـ َونَص َ‬‫ـ َوعَزّرُوه ُ‬‫بِه ِ‬
‫الْ ُمفْلِحُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ُونـ ﴾ قال ‪ :‬إن القوم كانوا‬ ‫قال قتادة فـ قوله ‪َ ﴿ :‬كَأنّه ْ‬
‫ُمـ َل َيعْلَم َ‬
‫يعلمون ‪ ،‬لكنهـم نبذوا علمهـم وكتموه وجحدوا بـه ‪ .‬وقال الشعـب ‪:‬‬
‫كانوا يقرءون التوراة ول يعملون ب ا ‪ ،‬وقال سفيان بن عيينة ‪ :‬أدرجوها‬
‫ف الرير ‪ ،‬والديباج ‪ ،‬وحلوها بالذهب والفضة ‪ ،‬ول يعملوا با فلذلك‬
‫نبذهم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَاتّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشّيَاطِيُ عَلَى مُلْ كِ سُلَيْمَانَ‬
‫حرَ َومَا‬
‫وَمَا َك َفرَ سُلَيْمَا ُن َولَـ ِكنّ الشّيْاطِيَ َك َفرُوْا ُيعَلّمُو َن النّا سَ ال سّ ْ‬
‫ت َومَارُو تَ وَمَا ُيعَلّمَا ِن مِ نْ َأ َحدٍ حَتّ ى‬
‫أُن ِزلَ عَلَى الْمَ َلكَيْ نِ بِبَاِبلَ هَارُو َ‬
‫ل َت ْك ُفرْ فَيََتعَلّمُو َن مِ ْنهُمَا مَا ُي َفرّقُو َن بِ ِه بَيْ نَ الْ َمرْءِ‬
‫َيقُول ِإنّمَا نَحْ نُ فِتَْنةٌ فَ َ‬
‫ض ّرهُ مْ‬
‫وَ َزوْجِ ِه َومَا هُم بِضَآرّي َن بِ ِه مِ ْن أَ َحدٍ إِل ِبإِذْ نِ اللّ هِ َويََتعَلّمُو َن مَا يَ ُ‬
‫ق َولَبِئْ سَ‬
‫لٍ‬‫وَل يَنفَ ُعهُ ْم َولَ َقدْ عَلِمُوْا لَمَ ِن اشَْترَاهُ مَا لَ ُه فِي ال ِخ َرةِ مِنْ خَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪130‬‬

‫سهُ ْم َلوْ كَانُواْ َيعْلَمُو نَ (‪ )102‬وََل ْو أَّنهُ مْ آمَنُواْ واّتقَوْا‬


‫مَا شَ َر ْواْ بِ هِ أَنفُ َ‬
‫لَمَثُوبَ ٌة ّمنْ عِندِ اللّه خَيْ ٌر ّلوْ كَانُواْ َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )103‬‬
‫قال ابن عباس ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتبَعُواْ مَا َتتْلُواْ الشّيَاطِيُ ﴾ الية ‪،‬‬
‫وكان حيـ ذهـب ملك سـليمان ارتـد فئام مـن النـ والنـس ‪ ،‬واتبعوا‬
‫الشهوات ‪ ،‬فلما أرجع ال إل سليمان ملكه ‪ ،‬وقام الناس على الدين كما‬
‫كان ‪ ،‬وأن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تت كرسيه ‪ ،‬وتوف سليمان‬
‫عل يه ال سلم حدثان ذلك ‪ ،‬فظ هر النـس والنـ على الك تب ب عد وفاة‬
‫سـليمان ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هذا كتاب مـن ال نزل على سـليمان فأخفاه عنـا ‪،‬‬
‫فأخذوا به فجعلوه دينًا جديدًا ‪ ،‬فقال تعال ‪ ﴿ :‬وََلمّا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ نْ‬
‫عِندِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ لّمَا َم َعهُ مْ ﴾ ال ية ‪ ،‬واتبعوا الشهوات ال ت كا نت تتلوا‬
‫الشياطي ‪ ،‬وهي العازف واللعب ‪ ،‬وكل شيء يصد عن ذكر ال ‪.‬‬
‫وقال أيضًـا ‪ :‬كان آصـف كاتـب سـليمان ‪ ،‬وكان يعلم السـم‬
‫العظم ‪ ،‬وكان يكتب كل شيء يأمر سليمان ويدفنه تت كرسيه ‪ ،‬فلما‬
‫مات سليمان أخرج ته الشياط ي فكتبوا ب ي كل سطرين سحرًا وكفرًا ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬هذا الذي كان سـليمان يعمـل باـ ‪ .‬قال ‪ :‬وكفره جهال الناس‬
‫وسـبوه ‪ ،‬ووقـف علماء الناس ‪ ،‬فلم يزل جهال الناس يسـبونه حتـ أنزل‬
‫شيَاطِيُ عَلَى مُلْ كِ سَُليْمَانَ وَمَا‬
‫ال على م مد ‪ ﴿ :‬وَاتَّبعُواْ مَا تَتْلُواْ ال ّ‬
‫َكفَ َر سَُليْمَا ُن وَلَـكِنّ الشّيْاطِيَ َكفَرُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُعَلّمُو َن النّا سَ ال سّحْرَ وَمَا أُنزِ َل عَلَى الْمََل َكيْ ِن ِببَابِلَ‬
‫ُوتـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ويعلمون الذي أنزل على اللكيـ ‪ ،‬أي ‪:‬‬‫ُوتـ َومَار َ‬
‫هَار َ‬
‫إلامًا وعلمًا ‪ ،‬فالنزال هنا بعن ‪ :‬الِلام والتعليم ‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وروى ا بن أ ب حات عن ابن عباس رضي ال عنه ما قال ‪ ( :‬لا وقع‬


‫الناس من بعد آدم عليه السلم فيما وقعوا فيه من العاصي والكفر بال ‪،‬‬
‫قالت اللئ كة ف ال سماء ‪ :‬يا رب هذا العال الذي إن ا خلقت هم لعباد تك‬
‫وطاعتك ‪ ،‬قد وقعوا فيما وقعوا فيه ‪ ،‬وركبوا الكفر وقتل النفس ‪ ،‬وأكل‬
‫الال الرام ‪ ،‬والزنـا ‪ ،‬والسـرقة ‪ ،‬وشرب المـر ‪ ،‬فجعلوا يدعون عليهـم‬
‫ول يعذرونم ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنم ف غيب فلم يعذروهم ‪ ،‬فقيل لم ‪ :‬اختاروا‬
‫من أفضلكم ملكي آمرها وأناها ‪ ،‬فاختاروا هاروت وماروت ‪ ،‬فأهبطا‬
‫إل الرض وجعـل لمـا شهوات بنـ آدم ‪ ،‬وأمرهاـ ال أن يعبداه ول‬
‫يشركا به شيئًا ‪ ،‬ونيا عن ‪ :‬قتل النفس الرام ‪ ،‬وأكل الال الرام ‪ ،‬وعن‬
‫الزنا ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬وشرب المر ‪ ،‬فلبثا ف الرض زمانًا يكمان بي الناس‬
‫بالقـ ‪ ،‬وذلك فـ زمان إدريـس عليـه السـلم ‪ ،‬وفـ ذلك الزمان امرأة‬
‫حسنها ف النساء كحسن الزهرة على سائر الكواكب ‪ ،‬وأنما أت لا ‪،‬‬
‫فخض عا ل ا ف القول ‪ ،‬وأراد ها على نف سها ‪ ،‬فأ بت إل أن يكو نا على‬
‫أمرها وعلى دينها ‪ ،‬فسألها عن دينها ‪ ،‬فأخرجت لا صنمًا ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫هذا أعبده ‪ :‬فقال ‪ :‬ل حاجة لنا ف عبادة هذا ‪ ،‬فذهبا فعبا ما شاء ال ‪،‬‬
‫ث أت يا علي ها فأراد ها على نف سها ‪ ،‬ففعلت م ثل ذلك ‪ ،‬فذه بت ث أت يا‬
‫علي ها ‪ ،‬فأراد ها على نف سها ‪ ،‬فل ما رأت أن ما قد أب يا أن يعبدا ال صنم ‪،‬‬
‫قالت ل ما ‪ :‬اختارا أ حد اللل الثلث ‪ :‬إ ما أن تعبدا هذا ال صنم ‪ ،‬وإ ما‬
‫أن تقتل هذه النفـس ‪ ،‬وإمـا أن تشربـا هذه المـر ‪ ،‬فقال ‪ :‬كـل هذا ل‬
‫ينب غي ‪ ،‬وأهون هذا شرب ال مر ‪ ،‬فشر با ال مر فأخذت فيه ما ‪ ،‬فواق عا‬
‫الرأة ‪ ،‬فخشيا أن يب النسان عنهما ‪ ،‬فقتله فلما ذهب عنهما السكر ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪132‬‬

‫وعلما ما وقعا فيه من الطيئة أراد أن يصعدا إل السماء ‪ ،‬فلم يستطيعا ‪،‬‬
‫وحيل بينهم وبي ذلك ‪ ،‬وكشف الغطاء فيما بينهما وبي أهل السماء ‪،‬‬
‫فنظرت اللئ كة إل ما وق عا ف يه ‪ ،‬فعجبوا كل الع جب ‪ ،‬وعرفوا أ نه من‬
‫كان فـ غيـب فهـو أقـل خشيـة ‪ ،‬فجعلوا بعـد ذلك يسـتغفرون لنـ فـ‬
‫سبّحُو َن بِحَمْدِ َرّبهِ ْم َويَ سَْت ْغفِرُونَ‬
‫الرض ‪ ،‬فنل ف ذلك ‪ ﴿ :‬وَالْمَلَاِئ َكةُ يُ َ‬
‫لِمَن فِي اْلأَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬فقيل لما ‪ :‬اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الخرة ‪،‬‬
‫ـ فإنـه ينقطـع ويذهـب ‪ ،‬وأمـا عذاب الخرة فل‬ ‫ـ عذاب الدني ا‬
‫فقال ‪ :‬أم ا‬
‫انقطاع له ‪ .‬فاختارا عذاب الدنيا فجعل ببابل فهما يعذبان ) ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬فهذا أقرب ما روي ف شأن الزهرة ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا ُيعَلّمَا نِ مِ نْ أَحَدٍ َحتّ ى َيقُولَ إِنّمَا نَحْ نُ ِفْتَنةٌ َفلَ‬
‫تَ ْكفُرْ ﴾ قال ابن عباس ‪ :‬فإذا أتاها الت يريد السحر نياه أشد النهي ‪،‬‬
‫وقال له ‪ :‬إنا نن فتنة فل تكفر ‪ ،‬وذلك أنما علما الي والشر ‪ ،‬والكفر‬
‫واليان ‪ ،‬فعر فا أن ال سحر من الك فر ‪ .‬قال ‪ :‬فإذا أ ب عليه ما أمراه أن‬
‫يأت مكان كذا وكذا ‪ ،‬فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه فإذا تعلمه خرج منه‬
‫النور ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فيََتعَلّمُو نَ ِمْنهُمَا مَا ُيفَرّقُو َن بِ ِه َبيْ َن الْ َمرْ ِء وَ َزوْجِ ِه َومَا‬
‫هُم ِبضَآرّي َن بِ ِه مِ نْ أَ َحدٍ إِل بِِإذْ نِ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬قال سفيان الثوري ‪ :‬معناه إل‬
‫بقضائه وقدرته ومشيئته ‪ .‬وقال السن ‪ :‬من شاء ال سلطهم عليه ‪ ،‬ومن‬
‫ل يشأ ال ل يسلط ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويََتعَلّمُو نَ مَا يَضُ ّرهُ ْم وَ َل يَن َف ُعهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يضرهم‬
‫ف دينهم ‪ ،‬وليس له نفع يوزاي ضرره ‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِنـ‬
‫َهـ ف ِي الخِ َر ِة م ْ‬
‫َاهـ م َا ل ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد عَلِمُواْ لَم ِ‬
‫َنـ ا ْشتَر ُ‬
‫َخلَ قٍ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬من ن صيب ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ول قد علم أ هل‬
‫الكتاب فيما عهد ال إليهم ‪ :‬أن الساحر ل خلق له ف الخرة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلِبئْ سَ مَا شَ َر ْوْا بِ هِ أَنفُ َ‬
‫سهُمْ َلوْ كَانُوْا َيعْلَمُو نَ * وََلوْ‬
‫َأنّهُ مْ آ َمنُواْ واّتقَوْا لَ َمثُوَب ٌة مّ ْن عِندِ اللّه َخيْرٌ ّلوْ كَانُواْ َيعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن‬
‫كثي ‪ :‬يقول تعال ‪ :‬ولبئس البديل ما استبدلوا به من السحر عوضًا عن‬
‫اليان ومتابعة الرسول ‪ ،‬لو كان لم علم با وعظوا به ﴿ وََلوْ َأنّهُ مْ آ َمنُواْ‬
‫ـ عِندِ اللّه َخيْرٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ولو أنمـ آمنوا بال ورسـله‬ ‫واّت َقوْا لَ َمثُوَبةٌ مّن ْ‬
‫واتقوا الحارم لكانت مثوبة ال على ذلك خيًا لم ما اختاروا لنفسهم ‪،‬‬
‫ورضوا به ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم َويَْلكُ ْم َثوَا بُ اللّ هِ‬
‫َنـ َوعَمِلَ صـَالِحا وَلَا يَُلقّاه َا إِلّا الصـّابِرُونَ ﴾ ‪ ،‬وروي أن‬ ‫َنـ آم َ‬ ‫َخيْرٌ لّم ْ‬
‫الول يد بن عق بة كان عنده ساحر يل عب ب ي يد يه ‪ ،‬فكان يضرب رأس‬
‫الرجل ث يصيح به فيد إليه رأسه ‪ ،‬فقال الناس سبحان ال يي الوتى ‪.‬‬
‫ل على سيفه‬ ‫ورآه رجل من صالي الهاجرين ‪ ،‬فلما كان الغد جاء مشتم ً‬
‫وذ هب يل عب لع به ذلك ‪ ،‬فاخترط الر جل سيفه فضرب ع نق ال ساحر ‪،‬‬
‫ـ‬
‫فقال ‪ :‬إن كان صـادقًا فليحيـي نفسـه ‪ ،‬وتل قوله تعال ‪ ﴿ :‬أََفتَ ْأتُون َ‬
‫ح َر َوأَنتُ ْم تُبْصِرُونَ ﴾ ‪ ،‬فغضب الوليد إذ ل يستأذنه ف ذلك ‪ ،‬فسجنه‬ ‫السّ ْ‬
‫ث أطل قه ‪ .‬وروى البزار عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال ‪ ( :‬من أ تى‬
‫كاهنًا أو ساحرًا فصدق با يقول فقد كفر با أنزل على ممد ) ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪134‬‬

‫الدرس الثان عشر‬

‫َاسـَمعُوا ْ‬
‫ِينـ آمَنُوْا لَ َتقُولُواْ رَاعِنَا َوقُولُواْ ان ُظرْنَا و ْ‬
‫﴿ يَا َأيّهَا الّذ َ‬
‫وَلِلكَا ِفرِي نَ َعذَا بٌ َألِي مٌ (‪ )104‬مّ ا َي َودّ اّلذِي نَ َك َفرُواْ مِ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ‬
‫ص ِبرَحْمَتِهِ‬
‫شرِكِيَ أَن يَُن ّزلَ عَلَ ْيكُم مّ ْن خَيْ ٍر مّن ّرّبكُ ْم وَاللّ ُه يَخْتَ ّ‬
‫وَ َل الْ ُم ْ‬
‫سهَا‬
‫خ مِ نْ آَي ٍة َأوْ نُن ِ‬
‫مَن َيشَا ُء وَاللّ ُه ذُو اْلفَضْ ِل الْعَظِي مِ (‪ )105‬مَا نَن سَ ْ‬
‫َنأْ تِ بِخَ ْي ٍر مّ ْنهَا َأوْ مِثْ ِلهَا َألَ ْم تَعْلَ مْ أَنّ اللّ هَ عَ َلىَ ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪)106‬‬
‫ض َومَا َلكُم مّن دُو ِن ال ّلهِ مِن‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫ك السّمَاوَا ِ‬
‫َألَ ْم َتعْلَ ْم أَ ّن اللّ َه َلهُ مُ ْل ُ‬
‫سَألُواْ رَسُولَ ُكمْ كَمَا سُِئلَ مُوسَى‬
‫وَِليّ وَ َل نَصِيٍ (‪ )107‬أَ ْم ُترِيدُونَ أَن تَ ْ‬
‫ضلّ سَوَاء ال سّبِيلِ (‪َ )108‬ودّ‬
‫مِن قَ ْبلُ وَمَن يَتََبدّ ِل الْ ُك ْفرَ بِالِيَا ِن َفقَدْ َ‬
‫ب َلوْ َي ُردّونَكُم مّ ن بَ ْع ِد إِيَاِنكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مّ نْ‬
‫ي مّ ْن َأهْ ِل الْكِتَا ِ‬
‫كَثِ ٌ‬
‫صفَحُوْا حَتّى يَ ْأتِيَ اللّهُ‬
‫حقّ فَا ْعفُواْ وَا ْ‬
‫عِن ِد أَنفُسِهِم مّن َبعْ ِد مَا تَبَيّ َن َلهُمُ الْ َ‬
‫ل َة وَآتُواْ‬
‫ـَ‬‫ـ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )109‬وََأقِيمُواْ الص ّ‬
‫ـ إِنّـ اللّه َ‬
‫ِبأَ ْمرِه ِ‬
‫جدُوهُـ عِن َد اللّهِـ إِنّ اللّهَـ بِمَا‬
‫الزّكَا َة وَمَا تُ َق ّدمُوْا لَنفُسِـكُم مّن ْـ خَ ْيرٍ َت ِ‬
‫َانـ هُودا َأوْ‬
‫َصـيٌ (‪َ )110‬وقَالُواْ لَن َيدْ ُخلَ الْجَّن َة إِل م َن ك َ‬
‫ُونـ ب ِ‬
‫َتعْمَل َ‬
‫ك أَمَانِّيهُ مْ ُق ْل هَاتُواْ ُب ْرهَاَنكُ مْ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ (‪ )111‬بَلَى‬
‫نَ صَارَى تِلْ َ‬
‫سنٌ فَلَ هُ َأ ْجرُ هُ عِندَ َربّ هِ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ مْ‬
‫مَ ْن أَ سْ َلمَ َو ْجهَ هُ لِلّ هِ َو ُهوَ مُحْ ِ‬
‫ت النّصـَارَى عَ َلىَ شَيْءٍ‬
‫ْسـ ِ‬
‫َتـ الْيَهُودُ لَي َ‬
‫ُونـ (‪َ )112‬وقَال ِ‬
‫ح َزن َ‬
‫ُمـ يَ ْ‬
‫وَ َل ه ْ‬
‫ت الَْيهُودُ عَلَى شَيْ ٍء َوهُ ْم يَتْلُو نَ اْلكِتَا بَ َك َذلِ كَ‬
‫ت النّ صَارَى لَيْ سَ ِ‬
‫َوقَالَ ِ‬
‫حكُ ُم بَيَْنهُ ْم َيوْ َم الْقِيَامَ ِة فِيمَا‬
‫قَا َل الّذِي نَ َل َيعْلَمُو نَ مِ ْث َل َقوِْلهِ مْ فَاللّ هُ يَ ْ‬
‫كَانُواْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ (‪. ﴾ )113‬‬
‫‪135‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِينـ آ َمنُوْا لَ َتقُولُواْ رَاعِنَا َوقُولُواْ‬


‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّه َا اّلذ َ‬
‫انظُ ْرنَا وَاسْ َمعُوا َولِلكَا ِفرِينَ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪. ﴾ )104‬‬
‫خاطب ال تعال الؤمن ي ف ثانية وثان ي موضعًا من القرآن ‪ ،‬وهذا‬
‫نيـ مـن ال تعال للمؤمنيـ أن يتشبهوا باليهود فـ قولمـ ‪ ﴿ :‬رَاعِن َا‬
‫﴾ وذلك أن السلمي كانوا يقولون ‪ :‬راعنا يا رسول ال ‪ ،‬من الراعاة ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬أرعنا سعك ‪ ،‬وكانت هذه اللفظة من الرعونة بلغة اليهود ‪ ،‬يسبون‬
‫حرّفُو نَ اْلكَلِ َم عَن‬ ‫ب ا ال نب ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬مّ َن الّذِي نَ هَادُواْ يُ َ‬
‫سنَِتهِمْ‬
‫صْينَا وَا سْمَ ْع َغيْ َر مُ سْ َم ٍع وَرَا ِعنَا َليّا ِبأَلْ ِ‬
‫ضعِ ِه َوَيقُولُو نَ سَ ِم ْعنَا َوعَ َ‬‫ّموَا ِ‬
‫َوطَعْنا فِي الدّي ِن وََلوْ َأنّهُ مْ قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا وَا سْمَ ْع وَانظُ ْرنَا َلكَا نَ َخيْرا‬
‫ُونـ إِل قَلِيلً ﴾ وفـ‬ ‫ل ُيؤْ ِمن َ‬ ‫ِمـ َف َ‬‫ّهـ ِب ُكفْ ِره ْ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫َمـ وَلَك ِن ّل َعنَه ُ‬ ‫ُمـ َوأَ ْقو َ‬
‫ّله ْ‬
‫الديث ‪ « :‬من تشبه بقوم فهو منهم » ‪.‬‬
‫ـه ‪ ،‬وأطيعوا‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاس ـْ َمعُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مـ‬
‫ـا تؤمرون بـ‬
‫﴿ وَلِلكَافِرِي َن عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫َابـ َولَ‬
‫ِنـ َأ ْهلِ اْلكِت ِ‬
‫ِينـ َك َفرُواْ م ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬مّاـ َي َودّ اّلذ َ‬
‫ص ِبرَحْمَتِ ِه مَن‬
‫الْ ُمشْرِ ِكيَ أَن يَُنزّلَ عَلَ ْيكُم مّ ْن خَ ْيرٍ مّن ّرّبكُ ْم وَاللّ ُه يَخْتَ ّ‬
‫ضلِ اْلعَظِيمِ (‪. ﴾ )105‬‬
‫َيشَا ُء وَال ّلهُ ذُو اْلفَ ْ‬
‫يبي تعال عداوة الكافر ين وح سدهم للمؤمن ي ؛ ليق طع الودة بي نه‬
‫وبينهم ‪.‬‬
‫ص بِرَ ْح َمتِ ِه مَن يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م ن علم‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه يَ ْ‬
‫ختَ ّ‬
‫فيهم خيًا ‪ ﴿ .‬وَاللّهُ ذُو اْل َفضْلِ اْلعَظِيمِ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪136‬‬

‫سهَا نَأْ تِ ِبخَ ْيرٍ مّنْهَا أَوْ‬


‫خ مِ نْ آَي ٍة َأوْ نُن ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬مَا نَن سَ ْ‬
‫مِثْ ِلهَا َألَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَ َلىَ ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪َ )106‬ألَ ْم َتعْلَ ْم أَنّ اللّ َه لَهُ‬
‫ض َومَا َلكُم مّن دُو ِن اللّ هِ مِن َوِليّ وَ َل نَ صِيٍ (‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫مُلْ كُ ال سّمَاوَا ِ‬
‫سأَلُواْ رَ سُولَ ُكمْ كَمَا سُِئلَ مُو سَى مِن قَ ْب ُل َومَن‬
‫‪ )107‬أَ ْم ُترِيدُو نَ أَن تَ ْ‬
‫ضلّ َسوَاء السّبِيلِ (‪. ﴾ )108‬‬
‫يَتََبدّ ِل الْ ُك ْفرَ بِالِيَا ِن َف َقدْ َ‬
‫قال ا بن عباس ‪ ﴿ :‬مَا نَن سَ ْخ مِ ْن آَيةٍ ﴾ ‪ ،‬ما نبدل من آ ية ‪ .‬وقال‬
‫قتادة ‪ :‬كان ال عز وجل ُينْسي نبيه ما يشاء ‪ ،‬وينسخ ما يشاء ‪.‬‬
‫خيْ ٍر ّمْنهَا َأوْ ِمثِْلهَا ﴾ قال ابن عباس ‪ :‬يقول ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬نَأْ ِ‬
‫ت بِ َ‬
‫خ ي ل كم ف النف عة وأر فق ب كم ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬آ ية في ها تف يف ‪ ،‬في ها‬
‫رخصة ‪ ،‬فيها أمر ‪ ،‬فيها ني ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َتعْلَ مْ َأنّ اللّ َه عََلىَ كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫النســخ وغيه ‪ ،‬ل معقّـب لكمــه ول را ّد لقضائه ‪ .‬قال البغوي ‪:‬‬
‫( والنسخ على وجوه ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يثبت الط وينسخ الكم ‪ ،‬مثل آية‬
‫الو صية للقارب ‪ ،‬وآ ية عدة الوفاة بالول ‪ ،‬وآ ية التخف يف ف الق تل ‪,‬‬
‫وآية المتحنة ‪ ،‬ونوها ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن ير فع أ صلً عن ال صحف و عن القلوب ‪ ،‬ث من ن سخ‬
‫الكم ما يرفع ويقام غيه مقامه ‪ ،‬كما أن القبلة نسخت من بيت القدس‬
‫إل الكعبة ‪ ،‬والوصية للقارب نسخت بالياث ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ما ير فع ول يقام غيه مقا مه كامتحان الن ساء ‪ ،‬والن سخ إن ا‬
‫يعترض على الوامر والنواهي ‪ ،‬دون الخبار ) ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َتعْلَ مْ أَنّ اللّ هَ لَ ُه مُلْ ُ‬


‫ك ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ وَمَا‬
‫لَكُم مّ ن دُو نِ اللّ ِه مِن وَلِيّ وَ َل نَ صِيٍ ﴾ ي ب تعال أن ملك ال سماوات‬
‫والرض ومن فيهما بيده ‪ ،‬يفعل ما يشاء ف ملكه ‪ ،‬ويكم ما يريد ‪ ،‬أل‬
‫له اللق والمر ل يسئل عما يفعل ‪ ،‬وهم يسألون ‪ ،‬وال يكم ل معقب‬
‫لك مه‪ ،‬و هو سريع ال ساب ‪ ،‬و قد قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا بَدّلْنَا آَي ًة ّمكَا نَ‬
‫آَيةٍ وَاللّ هُ َأعْلَ ُم بِمَا ُينَزّلُ قَالُواْ ِإنّمَا أَن تَ ُم ْفتَ ٍر بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ مْ لَ يَعَْلمُو نَ * ُقلْ‬
‫ت الّذِي نَ آ َمنُوْا َوهُدًى َوبُشْرَى‬ ‫ك بِالْحَقّ ِلُيثَبّ َ‬ ‫نَزّلَ هُ رُو حُ الْقُدُ سِ مِن ّربّ َ‬
‫سلِ ِميَ ﴾ ‪.‬‬ ‫لِلْمُ ْ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَ ْم تُرِيدُو نَ أَن تَ سْأَلُواْ رَ سُولَكُمْ كَمَا ُسئِ َل مُو سَى مِن‬
‫سبِيلِ ﴾ ‪.‬‬
‫َقبْ ُل َومَن يََتبَدّ ِل اْل ُكفْ َر بِالِيَانِ َف َقدْ ضَ ّل َسوَاء ال ّ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬نى ال تعال الؤمني ف هذه الية الكرية عن كثرة‬
‫سؤال النب عن الشياء قبل كونا ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي َن‬
‫سأَلُواْ َعْنهَا حِيَ يُنَزّلُ‬ ‫سؤْكُ ْم َوإِن تَ ْ‬ ‫سأَلُوْا عَ نْ َأ ْشيَاء إِن ُتبْدَ َلكُ ْم تَ ُ‬
‫آ َمنُواْ لَ تَ ْ‬
‫الْقُرْآنُ ُتبْدَ َلكُ ْم عَفَا اللّ ُه َعْنهَا وَاللّ ُه َغفُورٌ حَلِيمٌ * َقدْ َسأََلهَا َقوْ ٌم مّن َقبِْلكُمْ‬
‫صبَحُواْ ِبهَا كَافِرِي نَ ﴾ وعن ابن عباس قال ‪ ( :‬قال رافع بن حريلة ‪،‬‬ ‫ثُمّ أَ ْ‬
‫وو هب بن ز يد ‪ :‬يا م مد ‪ ،‬ائت نا بكتاب تنله علي نا من ال سماء نقرؤه ‪،‬‬
‫وفجّر لنا أنارًا نتبعك ونصدقك ‪ ،‬فأنزل ال من قولم ‪ ﴿ :‬أَ ْم تُرِيدُونَ أَن‬
‫سأَلُواْ رَ سُولَكُمْ كَمَا ُسئِ َل مُو سَى مِن َقبْ ُل َومَن َيتَبَدّ ِل اْل ُكفْ َر بِالِيَا نِ َفقَدْ‬ ‫تَ ْ‬
‫سبِيلِ ﴾ ‪.‬‬ ‫ضَ ّل َسوَاء ال ّ‬
‫ب َلوْ َي ُردّونَكُم مّ ن بَ ْعدِ‬
‫ي مّ ْن َأهْ ِل الْكِتَا ِ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ودّ كَثِ ٌ‬
‫حقّ فَا ْعفُواْ‬
‫سهِم مّن َب ْعدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمُ الْ َ‬
‫إِيَاِنكُمْ ُكفّارا حَسَدا مّنْ عِندِ أَنفُ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪138‬‬

‫صفَحُواْ حَتّ ى َيأْتِ َي اللّ ُه بَِأ ْمرِ ِه إِنّ اللّ هَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪)109‬‬
‫وَا ْ‬
‫جدُوهُ عِندَ‬
‫ل َة وَآتُوْا الزّكَا َة وَمَا ُت َقدّمُواْ لَنفُسِكُم مّ ْن خَيْ ٍر تَ ِ‬
‫وََأقِيمُواْ الصّ َ‬
‫اللّ ِه إِ ّن اللّ َه بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪. ﴾ )110‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَدّ َكثِيٌ مّ نْ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ َل ْو يَ ُردّونَكُم ﴾ يا مع شر‬
‫ـ ُكفّارا حَسـَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يسـدونكم‬ ‫الؤمنيـ ‪ ﴿ ،‬مّنـ َبعْدِ إِيَاِنكُم ْ‬
‫سهِم ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من تلقاء أنف سهم ‪ ﴿ ،‬مّ ن َبعْدِ‬ ‫ح سدًا ‪ ﴿ ،‬مّ ْن عِندِ أَنفُ ِ‬
‫مَا َتَبيّ نَ َلهُ ُم الْحَقّ ﴾ ف التوراة ‪ ،‬أن قول م مد صدق ‪ ،‬ودي نه حق ‪،‬‬
‫صفَحُواْ ﴾ ‪ ،‬اتركوا وتازوا ‪َ ﴿ ،‬حتّى يَ ْأتِ يَ اللّ ُه ِبَأمْرِ هِ ﴾‬ ‫﴿ فَا ْعفُواْ وَا ْ‬
‫‪ ،‬بعذابه ‪ ،‬أي ‪ :‬القتل والسب لبن قريظة ‪ ،‬واللء والنفي لبن النضي ‪.‬‬
‫قال ابـن عباس ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّهَـ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪ ،‬فإن شاء هدا هم ‪،‬‬
‫وإن شاء انتقم منهم ‪.‬‬
‫ُسـكُم‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَقِيمُواْ ّ‬
‫الصـلَ َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَمَا ُتقَ ّدمُواْ لَنف ِ‬
‫مّ نْ َخيْ ٍر َتجِدُو هُ عِندَ اللّ هِ إِنّ اللّ َه بِمَا تَعْ َملُو نَ بَ صِيٌ ﴾ ي ث تعال عباده‬
‫الؤمن ي على إقام ال صلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬ويرغب هم ف العمال ال صالة ‪،‬‬
‫ويبـهم أناـ مدخرة لمـ عنـد ربمـ ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا ُتقَ ّدمُوا‬
‫جدُوهُ عِندَ اللّ ِه ُهوَ َخيْرا َوَأعْظَمَ أَجْرا ﴾ وقال تعال ‪:‬‬ ‫سكُم مّنْ َخيْ ٍر تَ ِ‬ ‫ِلأَنفُ ِ‬
‫﴿ فَمَن َيعْمَ ْل ِمثْقَالَ ذَ ّرةٍ َخيْرا يَ َرهُ ﴾ ‪.‬‬
‫َانـ هُودا َأوْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالُواْ لَن يَ ْد ُخلَ الْجَّن َة إِل م َن ك َ‬
‫ك أَمَانِّيهُ مْ ُق ْل هَاتُواْ ُب ْرهَاَنكُ مْ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ (‪ )111‬بَلَى‬
‫نَ صَارَى تِلْ َ‬
‫‪139‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سنٌ فَلَ هُ َأ ْجرُ هُ عِندَ َربّ هِ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ مْ‬
‫مَ ْن أَ سْ َلمَ َو ْجهَ هُ لِلّ هِ َو ُهوَ مُحْ ِ‬
‫ح َزنُونَ (‪. ﴾ )112‬‬
‫وَ َل ُهمْ يَ ْ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أ هل الكتاب من اليهود والن صارى‬
‫جّنةَ إِل مَن كَا َن هُودا َأوْ نَ صَارَى ﴾ ادعت كل طائفة أنه‬
‫﴿ لَن يَ ْدخُ َل الْ َ‬
‫ُمـ ﴾ قال أبـو‬
‫ْكـَأمَاِنّيه ْ‬
‫لن يدخـل النـة إل مـن كان على ملتهـا ‪ ﴿ ،‬تِل َ‬
‫العاليـة ‪ :‬أمانـ تنوهـا على ال بغيـ حـق ‪ ،‬وهذا القام كقوله تعال ‪﴿ :‬‬
‫ب مَن َيعْمَلْ سُوءا يُجْ َز بِ هِ ﴾ ‪ .‬وقوله‬
‫ّليْ سَ ِبَأمَانِّيكُ ْم وَل َأمَاِنيّ َأهْ ِل اْلكِتَا ِ‬
‫‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِ‬
‫ت الَْيهُو ُد وَالنّ صَارَى نَحْ نُ َأبْنَاء اللّ هِ َوأَ ِحبّاؤُ هُ قُلْ فَلِ َم ُيعَ ّذبُكُم‬
‫ب مَن يَشَا ُء وَلِلّ هِ‬
‫ش ٌر مّمّ نْ َخلَ َق َي ْغفِرُ لِمَن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ‬
‫بِ ُذنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَ َ‬
‫ض َومَا َبْيَنهُمَا َوإِلَيْ ِه الْ َمصِيُ ﴾ ‪.‬‬
‫مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫قال تعال ‪ :‬قل يا ممد ‪ ﴿ :‬هَاتُواْ بُ ْرهَاَنكُمْ ﴾ ‪ :‬حجتكم ﴿ إِن كُنتُمْ‬
‫صَادِقِيَ ﴾ فيما تدعون ‪ ،‬ث قال ردًا عليهم ‪ ﴿ :‬بَلَى مَ نْ أَ سْلَ َم وَ ْجهَ هُ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ليس كما قالوا ‪ ،‬بل الكم للسلم ‪ ،‬وإنا يدخل النة من أسلم‬
‫وج هه ل ‪ ،‬أي ‪ :‬أخلص دي نه ل ‪َ ﴿ ،‬وهُ َو مُحْ سِنٌ ﴾ ف عمله ‪ ﴿ ،‬فَلَ هُ‬
‫ح َزنُونَ ﴾ قال سعيد بن جبي ‪:‬‬ ‫ف عََلْيهِ ْم وَلَ هُ ْم يَ ْ‬
‫أَجْرُهُ عِندَ َربّ ِه وَلَ َخوْ ٌ‬
‫فل خوف عليهم ‪ ،‬يعن ‪ :‬ف الخرة ‪ ،‬ول هم يزنون ‪ ،‬يعن ‪ :‬ل يزنون‬
‫للموت ‪.‬‬
‫ت النّصـَارَى َع َلىَ َشيْءٍ‬
‫ْسـ ِ‬
‫َتـ الَْيهُو ُد لَي َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَال ِ‬
‫ت الَْيهُودُ عَلَى شَيْ ٍء َوهُ ْم يَتْلُو نَ اْلكِتَا بَ َك َذلِ كَ‬
‫ت النّ صَارَى لَيْ سَ ِ‬
‫َوقَالَ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪140‬‬

‫حكُ ُم بَيَْنهُ ْم َيوْ َم الْقِيَامَ ِة فِيمَا‬


‫قَا َل الّذِي نَ َل َيعْلَمُو نَ مِ ْث َل َقوِْلهِ مْ فَاللّ هُ يَ ْ‬
‫كَانُواْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ (‪. ﴾ )113‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثن ممد بن أب ممد ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬أو سعيد‬
‫بن جبي عن ا بن عباس قال ‪ ( :‬ل ا قدم أ هل نران من الن صارى على‬
‫رسول ال أتتهم أحبار يهود ‪ ،‬فتنازعوا عند رسول ال ‪ ،‬فقال رافع‬
‫بن حرملة ‪ :‬ما أنتم على شيء ‪ .‬وكفر بعيسى وبالنيل ‪ .‬وقال رجل من‬
‫أهل نران من النصارى لليهود ‪ :‬ما أنتم على شيء ‪ .‬وجحد بنبوة موسى‬
‫ستِ‬ ‫ت اْليَهُودُ َليْ َ‬ ‫وك فر بالتوراة ‪ ،‬فأنزل ال ف ذلك من قول ما ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِ‬
‫ستِ اْلَيهُو ُد عَلَى َشيْ ٍء َوهُ مْ يَتْلُو نَ‬
‫ت النّ صَارَى َليْ َ‬
‫النّ صَارَى عََل َى َشيْءٍ وَقَالَ ِ‬
‫الْ ِكتَا بَ ﴾ قال ‪ :‬إن كل يتلوا ف كتا به ت صديق من ك فر به ‪ ،‬أن يك فر‬
‫اليهود بعيسى ؛ وعندهم التوراة فيها ما أخذ ال عليهم على لسان موسى‬
‫بالتصديق بعيسى ‪ ،‬وف النيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى ‪ ،‬وما‬
‫جاء من التوراة من عند ال ‪ ،‬وكل يكفر با ف يد صاحبه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كَذَلِ كَ قَا َل الّذِي نَ َل َيعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الهال من‬
‫حكُ ُم َبْينَهُ ْم َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ ﴾ يقضي بي الحق‬ ‫المم ‪ِ ﴿ ،‬مثْلَ َقوِْلهِ مْ فَاللّ ُه َي ْ‬
‫ختَِلفُو نَ ﴾ ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ‬ ‫والب طل ‪ ﴿ ،‬فِيمَا كَانُواْ فِي ِه يَ ْ‬
‫س وَالّذِي نَ َأشْرَكُوا إِنّ‬
‫ي وَالنّ صَارَى وَالْ َمجُو َ‬ ‫آ َمنُوا وَالّذِي َن هَادُوا وَال صّاِبئِ َ‬
‫اللّ َه َيفْ صِ ُل َبْينَهُ ْم َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ اللّ َه عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدٌ ﴾ وقال تعال ‪:‬‬
‫ح الْعَلِي مُ ﴾ ‪ .‬وبال‬ ‫حقّ َو ُه َو الْ َفتّا ُ‬
‫﴿ قُ ْل َيجْمَ ُع َبيَْننَا َرّبنَا ثُمّ َي ْفتَ ُح َبيَْننَا بِالْ َ‬
‫التوفيق ‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪142‬‬

‫الدرس الثالث عشر‬

‫﴿ َومَ نْ أَظْلَ مُ مِمّن مّنَ عَ مَ سَاجِ َد اللّ هِ أَن ُيذْ َكرَ فِيهَا ا سْ ُم ُه وَ سَعَى فِي‬
‫خَرَابِهَا ُأوْلَ ـِئكَ مَا كَا َن َلهُ مْ أَن َيدْخُلُوهَا إِل خَآِئفِيَ لُ ْم فِي الدّنْيَا‬
‫ق وَالْ َم ْغرِ بُ‬
‫شرِ ُ‬
‫ي َولَهُ ْم فِي ال ِخ َرةِ َعذَا بٌ عَظِي مٌ (‪َ )114‬ولِلّ هِ الْ َم ْ‬
‫خِزْ ٌ‬
‫خذَ اللّ هُ‬
‫َفأَيْنَمَا ُتوَلّواْ فََثمّ وَجْ هُ اللّ ِه إِنّ اللّ َه وَا سِعٌ َعلِي مٌ (‪َ )115‬وقَالُوْا اتّ َ‬
‫وَلَدا سُبْحَاَنهُ بَل لّ هُ مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ ُكلّ لّ ُه قَانِتُو نَ (‪)116‬‬
‫ض َوِإذَا قَضَى أَمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ لَ هُ كُن فَيَكُو نُ (‬
‫َبدِي ُع ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫‪َ )117‬وقَالَ اّلذِي نَ َل َيعْلَمُو َن َلوْ َل يُكَلّمُنَا اللّ هُ َأ ْو َتأْتِينَا آَيةٌ َك َذلِ كَ قَالَ‬
‫الّذِينَـ مِن قَبْلِهِم مّ ْث َل َقوِْلهِم ْـَتشَابَهَت ْـ قُلُوبُهُم ْـ َقدْ بَيّنّاـ اليَاتِـِلقَوْمٍـ‬
‫َنـ‬
‫ُسـأَلُ ع ْ‬
‫ْسـلْنَا َك بِالْحَق ّ َبشِيا وََنذِيرا وَ َل ت ْ‬
‫ُونـ (‪ِ )118‬إنّاـ أَر َ‬
‫يُوقِن َ‬
‫جحِي مِ (‪ )119‬وَلَن َترْضَى عَن كَ الَْيهُو ُد وَ َل النّ صَارَى حَتّى‬
‫أَ صْحَابِ الْ َ‬
‫ت َأهْوَاءهُم َب ْعدَ اّلذِي‬
‫تَتّبِ َع مِلَّتهُمْ ُق ْل إِنّ ُهدَى اللّهِ ُهوَ اْل ُهدَى َولَئِنِ اتَّبعْ َ‬
‫جَاء َك مِ نَ اْلعِلْ مِ مَا لَ كَ مِ نَ اللّ ِه مِن َولِيّ َولَ نَ صِيٍ (‪ )120‬اّلذِي نَ‬
‫ك ُيؤْمِنُو َن بِ هِ وَ من َي ْكفُ ْر بِ هِ‬
‫ل َوتِ هِ ُأ ْولَ ـئِ َ‬
‫آتَيْنَاهُ ُم الْكِتَا بَ يَتْلُونَ ُه حَقّ تِ َ‬
‫ك هُ مُ الْخَا ِسرُونَ (‪ )121‬يَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ يَ الّتِي‬
‫َفأُ ْولَـِئ َ‬
‫ُمـ عَلَى الْعَالَمِيَ (‪ )122‬وَاّتقُوْا يَوْما ل‬
‫ُمـ َوَأنّيـ فَضّلُْتك ْ‬
‫ْتـ عَلَ ْيك ْ‬
‫َأنْعَم ُ‬
‫جزِي نَفْ سٌ عَن ّنفْ سٍ شَيْئا وَ َل ُيقَْبلُ مِنْهَا َع ْدلٌ وَ َل تَنفَعُهَا شَفَا َع ٌة وَلَ‬
‫تَ ْ‬
‫صرُونَ (‪. ﴾ )123‬‬
‫هُ ْم يُن َ‬

‫***‬
‫‪143‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ أَظْلَ ُم مِمّن مّنَ َع مَ سَا ِجدَ اللّ ِه أَن ُيذْكَ َر فِيهَا‬
‫ا سْ ُم ُه وَ سَعَى فِي خَرَابِهَا أُ ْولَـِئكَ مَا كَا َن َلهُ ْم أَن َيدْخُلُوهَا إِل خَآِئفِيَ‬
‫ُلمْ فِي ال ّدنْيَا ِخزْيٌ َوَلهُ ْم فِي الخِ َرةِ َعذَابٌ َعظِيمٌ (‪. ﴾ )114‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬أولئك أعداء ال الن صارى ‪ ،‬حل هم ب غض اليهود على أن‬
‫أعانوا بتنصر البابلي الجوسي على تريب بيت القدس ‪ .‬وقال ابن زيد ‪:‬‬
‫هؤلء الشركون الذ ين حالوا ب ي ر سول ال وأ صحابه يوم الديب ية ‪،‬‬
‫وبي أن يدخلوا مكة حت نر هديه بذي طوى وهادنم ‪ ،‬وقال لم ‪ :‬ما‬
‫كان أحد يصد عن هذا البيت ‪ ،‬وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه‬
‫فل يصده ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق ‪.‬‬
‫و ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َسعَى فِي َخرَابِهَا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬إذ قطعوا من يعمد ها‬
‫بذكره ‪ ،‬ويأتيها للحج والعمرة ‪ .‬والية عامة ف كل من سعى ف خراب‬
‫الساجد بنع العبادة فيها ‪ ،‬أو بدمها ‪.‬‬
‫ُمـ أَن يَدْخُلُوهَا إِل خَآِئفِيَ‬ ‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَــئِكَ مَا ك َ‬
‫َانـ َله ْ‬
‫﴾ خب معناه الطلب ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تكنوا هؤلء إذا قدرت عليهم من دخولا‬
‫إل تت الدنة ‪ ،‬أو الزية ﴿ لُ مْ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ يٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قتادة هي ‪:‬‬
‫ب عَظِيمٌ ﴾ وهو ‪:‬‬
‫القتل للحرب والزية للذمي ‪ ﴿ .‬وََلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ عَذَا ٌ‬
‫النار ‪ .‬وف الدعاء الأثور عن النب ‪ « :‬اللهم أحسن عاقبتنا ف المور‬
‫كلها ‪ ،‬وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الخرة » ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬
‫ب َفأَيْنَمَا تُ َولّوْا فََثمّ َوجْ هُ‬
‫ق وَالْ َمغْرِ ُ‬
‫شرِ ُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولِلّ ِه الْ َم ْ‬
‫اللّ ِه إِ ّن اللّ َه وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )115‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪144‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬أول ما نسخ من القرآن ‪ -‬فيما ذكر لنا ‪ ،‬وال أعلم‬
‫ق وَالْ َم ْغرِ بُ َفَأْينَمَا ُتوَلّوا‬
‫‪ ، -‬شأن القبلة ‪ .‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه الْمَشْرِ ُ‬
‫َفثَمّ وَجْ هُ ﴾ فاستقبل رسول ال فصلى نو بيت القدس ‪ ،‬وترك البيت‬
‫العتيق ‪ ،‬ث صرفه إل بيته العتيق ونسخها ‪ .‬فقال ‪َ ﴿ :‬ومِنْ َحيْثُ َخرَجْتَ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َفوَلّوا وُجُوهَك ْ‬ ‫َامـ وَ َحْيثُم َا ُكْنت ْ‬‫حر ِ‬ ‫َسـجِ ِد الْ َ‬
‫َكـ شَ ْط َر الْم ْ‬
‫َفوَ ّل وَ ْجه َ‬
‫شَطْرَ هُ ﴾ ‪ ،‬وعن ابن عمر ‪ ( :‬أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته‬
‫ويذكر أن رسول كان يفعل ذلك ) ويتأول هذه الية ‪َ ﴿ :‬فَأيْنَمَا ُتوَلّوا‬
‫َفثَمّ وَجْ هُ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪ ،‬وهذا ف التطوع ‪ .‬وعن ابن عباس‬
‫قال ‪ ( :‬خرج نفـر مـن أصـحاب رسـول ال قبـل تويـل القبلة إل‬
‫الكعبة ‪ ،‬فأصابم الضباب وحضرت الصلة ‪ ،‬فتحروا القبلة وصلّوا ‪ ،‬فلما‬
‫ذ هب الضباب ا ستبان ل م أن م ل ي صيبوا ‪ ،‬فل ما قدموا سألوا ر سول ال‬
‫عن ذلك ‪ ،‬فنلت هذه الية ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فَأْينَمَا ُتوَلّواْ َفثَ ّم وَجْهُ اللّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الكل ب ‪ :‬فثمّ ال يعلم ويرى ﴿ إِنّ اللّ َه وَا سِ ٌع عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫وا سع الرح ة ‪ ،‬عليـم بالعمال والنيات ‪ ،‬ك ما قالت اللئ كة ‪َ ﴿ :‬ربّنَا‬
‫ك وَِقهِم ْـ‬
‫ـِيلَ َ‬
‫وَسِـعْتَ كُ ّل َشيْءٍ رّحْ َم ًة َوعِلْما فَاغْفِرْ ِللّذِينَـتَابُوا وَاتَّبعُوا سَب‬
‫صلَ َح مِنْ‬
‫ت عَدْ ٍن الّتِي َوعَدّتهُم َومَن َ‬ ‫ب الْجَحِيمِ * َرّبنَا َوَأدْخِ ْلهُمْ َجنّا ِ‬ ‫عَذَا َ‬
‫سيّئَاتِ‬
‫حكِي مُ * وَِقهِ مُ ال ّ‬ ‫آبَائِهِ ْم َوأَ ْزوَا ِجهِ ْم وَ ُذ ّريّاتِهِ مْ ِإنّ كَ أَن تَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ك ُه َو الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ ﴾ ‪.‬‬‫ت َيوْ َمئِذٍ َفقَدْ َرحِ ْمتَ ُه وَذَلِ َ‬
‫َومَن تَقِ السّّيئَا ِ‬
‫‪145‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خ َذ اللّ هُ َولَدا سُبْحَاَن ُه بَل لّ ُه مَا فِي‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وقَالُواْ اتّ َ‬
‫ت وَالَرْ ضِ‬
‫ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ ُك ّل لّ ُه قَانِتُو نَ (‪َ )116‬بدِي ُع ال سّمَاوَا ِ‬
‫وَِإذَا قَضَى َأمْرا َفإِنّمَا َيقُولُ َلهُ كُن فََيكُونُ (‪. ﴾ )117‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اليهود والنصــارى غيه مــن‬
‫َتـ اْلَيهُودُ عُ َزيْ ٌر‬
‫ّهـ وَلَدا ﴾ ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَقَال ِ‬ ‫الكفرة ﴿ اتّخَذَ الل ُ‬
‫ت النّصَارَى الْمَسِي ُح ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ َقوُْلهُم ِبأَ ْفوَا ِههِ ْم يُضَا ِهؤُونَ‬‫ابْنُ اللّ ِه وَقَالَ ْ‬
‫َقوْ َل الّذِينَ َكفَرُواْ مِن َقبْلُ قَاَتَلهُمُ اللّهُ َأنّى ُيؤْفَكُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬س ُ‬
‫ـبْحَانَهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تعال وتنه وتقدس عـن ذلك‬
‫ت وَالَرْ ضِ ﴾ ملكًا وعبيدًا ﴿ كُ ّل‬ ‫علوًا كبيًا ‪ ﴿ ،‬بَل لّ ُه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫خذَ الرّحْ َم ُن وَلَدا * َلقَدْ ِجئْتُمْ‬ ‫لّهُ قَاِنتُونَ ﴾ ‪ .‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا اتّ َ‬
‫جبَالُ هَدّا‬ ‫ض َوتَخِ ّر الْ ِ‬‫َشيْئا إِدّا * َتكَا ُد ال سّمَاوَاتُ َيَتفَطّرْ نَ ِمنْ هُ َوتَنشَقّ اْلأَرْ ُ‬
‫خ َذ وَلَدا * إِن كُلّ‬ ‫* أَن َد َعوْا لِلرّحْمَنِـ وَلَدا * وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمَنِـأَن يَتّ ِ‬
‫مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ إِلّا آتِي الرّحْمَ ِن َعبْدا * َلقَدْ أَحْ صَاهُ ْم َوعَ ّدهُ مْ‬
‫ّهـ‬
‫ْمـ اْلقِيَا َمةِ فَرْدا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلُواْ لِل ِ‬ ‫ِيهـ َيو َ‬
‫ُمـ آت ِ‬ ‫عَدّا * وَكُّله ْ‬
‫ت ِبغَيْ ِر عِ ْل مٍ ُسبْحَانَهُ َوتَعَالَى‬
‫شُرَكَاء الْجِنّ وَخََل َقهُ ْم وَ َخرَقُواْ لَ هُ بَنِيَ َوَبنَا ٍ‬
‫عَمّا يَ صِفُونَ * بَدِي ُع ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َأنّى يَكُو نُ لَ ُه وَلَ ٌد وَلَ ْم َتكُن لّ هُ‬
‫صَا ِحَبةٌ َوخَلَ قَ كُ ّل َشيْءٍ و ُه َو بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬وعن ابن عباس رضي‬
‫ال عنهما عن النب قال ‪ « :‬قال ال تعال ‪ :‬كذبن ابن آدم ول يكن له‬
‫ذلك ‪ ،‬وشتم ن ول ي كن له ذلك ‪ ،‬فأ ما تكذي به إياي فيز عم أ ن ل أقدر‬
‫أن أعيده ك ما كان ‪ ،‬وأ ما شت مه إياي فقوله ‪ :‬إن ل ولدًا ‪ ،‬ف سبحان أن‬
‫أتذ صاحبة أو ولدًا » ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬وللترمذي ‪ « :‬وأما شتمه إياي‬
‫الزء الول‬ ‫‪146‬‬

‫فقوله ‪ :‬اتذ ال ‪ ،‬ولدًا ‪ ،‬وأنا ال الحد الصمد ل يلد ول يولد ول يكن‬


‫له كفوًا أحد » ‪.‬‬
‫و ف ال صحيحي ‪ « :‬ل أ حد أ صب على أذى سعه من ال يعلون له‬
‫ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم » ‪.‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مبدعهمـا‬
‫ت وَالَرْض ِ‬
‫ـمَاوَا ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَدِيع ُ‬
‫ـ الس ّ‬
‫ومنشئهما من غي مثال سبق ﴿ َوِإذَا َقضَى َأمْرا فَِإنّمَا َيقُولُ لَهُ كُن َفيَكُونُ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا قدّر أمرًا وأراد كونه كان ب كن ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا‬
‫َأمْرُ هُ إِذَا أَرَا َد َشيْئا أَ ْن َيقُولَ لَ هُ كُ نْ َفيَكُو نُ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ َمثَلَ‬
‫عِيسَى عِندَ اللّهِ كَ َمثَلِ آ َدمَ خََلقَ ُه مِن ُترَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن َفَيكُونُ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَا َل الّذِي َن لَ َيعْلَمُونَ لَ ْولَ ُيكَلّمُنَا اللّ ُه َأوْ َت ْأتِينَا‬
‫ت قُلُوبُهُ مْ َق ْد بَيّنّ ا‬
‫آَيةٌ َك َذلِ كَ قَالَ اّلذِي نَ مِن قَبْلِهِم مّ ْث َل قَ ْوِلهِ ْم َتشَاَبهَ ْ‬
‫ت ِلقَوْ ٍم يُوقِنُونَ (‪. ﴾ )118‬‬
‫اليَا ِ‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬قال را فع بن حريلة لر سول ال ‪ :‬يا م مد ‪ ،‬إن‬
‫ك نت ر سولً من ال ك ما تقول ‪ ،‬ف قل ل فيكلم نا ح ت ن سمع كل مه ‪،‬‬
‫فأنزل ال ف ذلك من قوله ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذِينَ َل َيعَْلمُونَ َلوْ َل يُكَلّ ُمنَا اللّهُ َأوْ‬
‫تَ ْأتِينَا آَيةٌ ﴾ ‪ ،‬وقال أبو العالية وغيه ‪ :‬هذا قول كفار العرب ‪ ﴿ .‬كَذَلِكَ‬
‫قَا َل الّذِي َن مِن َقبْلِهِم ّمثْلَ َقوِْلهِ مْ ﴾ ‪ .‬قال ‪ ( :‬هم اليهود والن صارى ) ‪.‬‬
‫و قد قال تعال ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذِي نَ لَا يَ ْرجُو نَ ِلقَاءنَا َلوْلَا أُن ِز َل عََليْنَا الْمَلَاِئ َكةُ‬
‫سهِ ْم َوعََت ْو ُعتُوّا َكبِيا ﴾ ‪.‬‬ ‫َأوْ َنرَى َرّبنَا َلقَدِ ا ْسَتكْبَرُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫‪147‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فـ الكفـر والقسـوة‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تَشَاَبه ْ‬


‫َتـ ُقلُوبُه ْ‬
‫والعناد كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬كذَلِ كَ مَا َأتَى الّذِي نَ مِن َقْبِلهِم مّن رّ سُولٍ إِلّا‬
‫صوْا بِهِ بَ ْل هُمْ َق ْو ٌم طَاغُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫جنُونٌ * َأَتوَا َ‬
‫قَالُوا سَا ِحرٌ َأ ْو مَ ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ق ْد بَّينّ ا اليَا تِ ِل َقوْ مٍ يُوِقنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد أوضح نا‬
‫الدللت على صدق الر سل ل ن أي قن و صدق ‪ ،‬وأ ما من خ تم ال على‬
‫قل به وات بع هواه ‪ ،‬فل تن فع ف يه الوع ظة ‪ .‬ك ما قال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ‬
‫َحقّ تْ عََلْيهِ مْ َكلِمَ تُ َربّ كَ لَ ُيؤْ ِمنُو نَ * وََلوْ جَاءْتهُ مْ كُ ّل آَيةٍ َحتّ ى يَ َر ُواْ‬
‫ب الَلِيمَ ﴾ ‪.‬‬ ‫الْعَذَا َ‬
‫سأَلُ عَ نْ‬
‫حقّ َبشِيا وََنذِيرا وَ َل تُ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّا أَرْ سَلْنَا َك بِالْ َ‬
‫جحِيمِ (‪. ﴾ )119‬‬
‫أَصْحَابِ الْ َ‬
‫يقول تعال ‪ :‬إنـا أرسـلناك ( يـا ممـد ) بالقـ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالصـدق ﴿‬
‫بَشِيا َونَذِيرا ﴾ أي ‪ :‬مبشرًا للمؤمنيـ بالنـة ‪ ،‬ومنذرًا للعاصـي ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫موفهم من النار ‪.‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫جحِيم ِ‬
‫ب الْ َ‬
‫ـحَا ِ‬
‫ـ أَص ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل تُس ْ‬
‫ـأَ ُل عَن ْ‬
‫نسألك عن كفر ‪ ،‬فإنا عليك البلغ وعلينا الساب ‪.‬‬
‫وقوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَن َترْضَى عَن كَ الَْيهُو ُد وَ َل النّ صَارَى حَتّ ى‬
‫ت َأهْوَاءهُم َب ْعدَ اّلذِي‬
‫تَتّبِ َع مِلَّتهُمْ ُق ْل إِنّ ُهدَى اللّهِ ُهوَ اْل ُهدَى َولَئِنِ اتَّبعْ َ‬
‫ك ِمنَ ال ّلهِ مِن َولِ ّي وَ َل نَصِيٍ (‪. ﴾ )120‬‬
‫جَاء َك ِمنَ اْلعِلْ ِم مَا َل َ‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬هذا فـ القبلة ‪ ،‬وذلك أن يهود الدينـة ونصـارى‬
‫نران كانوا يرجون النب حي كان يصلي إل قبلتهم ‪ ،‬فلما صرف ال‬
‫الزء الول‬ ‫‪148‬‬

‫القبلة إل الكعبة أيسوا منه ف أن يوافقهم على دينهم فأنزل ال تعال ‪﴿ :‬‬
‫ـ اْلَيهُودُ ﴾ إل باليهوديـة ‪ ﴿ ،‬وَل النّصـَارَى ﴾ إل‬
‫ـ تَرْضَـى عَنْك َ‬
‫وَلَن ْ‬
‫بالنصرانية ‪ .‬واللة ‪ :‬الطريقة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ إِنّ هُدَى اللّ ِه ُهوَ اْلهُدَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن هدى ال‬
‫الذي بعثن به هو الدين الصحيح ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِ ِن اتَّبعْ تَ َأ ْهوَاءهُم َبعْ َد الّذِي جَاء َك مِ َن اْلعِلْ ِم مَا‬
‫ك مِ نَ اللّ ِه مِن وَِليّ وَلَ نَ صِيٍ ﴾ فيه تديد ووعيد شديد لن اتبع طرائق‬
‫لَ َ‬
‫اليهود والن صارى من هذه ال مة ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬و قد ا ستدل كث ي من‬
‫الفقهاء بقوله حت تتبع ملتهم على أن الكفر كله ملة واحدة ‪ ،‬فيث كل‬
‫منهم قريبه ‪ .‬وال أعلم ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫ِهـ‬
‫ل َوت ِ‬
‫َهـ حَقّ تِ َ‬
‫َابـ يَتْلُون ُ‬
‫ُمـ الْكِت َ‬
‫ِينـ آتَ ْينَاه ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬اّلذ َ‬
‫أُ ْولَـِئكَ ُي ْؤمِنُو َن ِب ِه وَمن يَ ْك ُفرْ ِب ِه َفأُ ْولَـِئكَ ُهمُ الْخَا ِسرُونَ (‪.﴾)121‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ :‬والذي نفسي بيده إن حق تلوته أن يل حلله ‪،‬‬
‫ويرم حرامـه ‪ ،‬ويقرأه كمـا أنزل ال ‪ ،‬ول يرف الكلم عـن مواضعـه ‪،‬‬
‫ول يتأول منـه شيئًا على غيـ تأويله ‪ .‬وقال السـن ‪ :‬يعملون بحكمـه ‪،‬‬
‫ويؤمنون بتشابه ‪ ،‬ويكلون ما أشكل عليهم إل عاله ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَ ـئِكَ ُي ْؤ ِمنُو َن بِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من أقام كتا به آ من‬
‫ستُ ْم عَلَى َشيْءٍ َحتّىَ‬
‫بالقرآن ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ُ ﴿ :‬ق ْل يَا أَهْ َل اْل ِكتَا بِ لَ ْ‬
‫ُتقِيمُوْا الّتوْرَاةَ وَالِنِي َل َومَا أُنزِلَ إَِلْيكُم مّن ّرّبكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ من َي ْكفُ ْر بِ هِ َفُأوْلَ ـئِ َ‬


‫ك هُ ُم الْخَا سِرُونَ ﴾ ‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يَ ْكفُ ْر بِ ِه مِ َن الَحْزَا بِ فَالنّا ُر َم ْوعِدُ هُ ﴾ وف الصحيح‬
‫عن ال نب ‪ « :‬والذي نف سي بيده ل ي سمع ب أحد كم من هذه ال مة‬
‫يهودي ول نصران ‪ ،‬ث ل يؤمن ب إل دخل النار » ‪.‬‬
‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ يَ الّتِي َأْنعَمْ تُ‬
‫جزِي َنفْسٌ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َوأَنّي فَضّلُْتكُمْ عَلَى الْعَالَمِيَ (‪ )122‬وَاتّقُواْ َيوْما ل تَ ْ‬
‫صرُونَ‬
‫عَن ّنفْ سٍ شَيْئا وَ َل ُيقَْبلُ مِ ْنهَا َع ْدلٌ َولَ تَن َف ُعهَا َشفَا َع ٌة وَ َل هُ مْ يُن َ‬
‫(‪. ﴾ )123‬‬
‫قد تقدم نظ ي هذه ال ية ف أول ال سورة ‪ ،‬وكررت ها ه نا للتأك يد‬
‫والث على إتباع الرسول ممد ‪ ،‬والتحذير من السد وكتمان العلم‬
‫‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪150‬‬

‫الدرس الرابع عشر‬

‫ت َفأَتَ ّم ُهنّ قَالَ ِإنّي جَاعِلُ كَ لِلنّا سِ‬


‫﴿ َوِإذِ ابْتَلَى إِْبرَاهِي مَ َربّ هُ ِبكَلِمَا ٍ‬
‫ِإمَاما قَالَ وَمِن ذُ ّريّتِي قَالَ َل يَنَالُ َع ْهدِي الظّالِمِيَ (‪ )124‬وَِإ ْذ جَعَلْنَا‬
‫خذُوْا مِن ّمقَا ِم ِإْبرَاهِي مَ مُ صَلّى وَ َعهِ ْدنَا ِإلَى‬
‫س َوأَمْنا وَاتّ ِ‬
‫الْبَيْ تَ مَثَاَبةً لّلنّا ِ‬
‫ِإبْرَاهِي مَ َوإِ سْمَاعِي َل أَن َط ّهرَا بَيْتِ يَ لِلطّاِئفِيَ وَالْعَا ِكفِيَ وَالرّكّ ِع ال سّجُودِ‬
‫ق أَهْلَ ُه مِ نَ‬
‫(‪ )125‬وَِإ ْذ قَا َل ِإبْرَاهِي مُ رَبّ ا ْج َعلْ هَ ـذَا بَلَدا آمِنا وَارْ ُز ْ‬
‫الثّ َمرَا تِ مَ نْ آمَ َن مِ ْنهُم بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخرِ قَالَ وَمَن َك َفرَ َفُأمَّتعُ ُه قَلِيلً‬
‫صيُ (‪ )126‬وَِإ ْذ َيرْفَ ُع ِإْبرَاهِي مُ‬
‫س الْمَ ِ‬
‫ب النّا ِر َوبِئْ َ‬
‫ثُمّ أَضْ َطرّ ُه ِإلَى َعذَا ِ‬
‫ت ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (‬
‫ك أَن َ‬
‫ت َوإِ سْمَاعِيلُ َربّنَا َتقَّبلْ مِنّا ِإنّ َ‬
‫الْ َقوَا ِع َد مِ َن الْبَيْ ِ‬
‫ك وَمِن ذُ ّريّتِنَا ُأ ّمةً مّ سْلِ َم ًة لّ كَ َوأَرِنَا‬
‫‪َ )127‬ربّنَا وَا ْجعَلْنَا مُ سْلِمَ ْي ِن لَ َ‬
‫ث فِيهِمْ‬
‫ب ال ّرحِيمُ (‪َ )128‬ربّنَا وَاْبعَ ْ‬
‫ت التّوّا ُ‬
‫ك أَن َ‬
‫مَنَاسِكَنَا َوتُبْ عَلَيْنَا ِإنّ َ‬
‫حكْ َمةَ َوُيزَكّيهِ مْ‬
‫رَ سُو ًل مّ ْنهُ ْم يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِ كَ َوُيعَلّ ُمهُ مُ اْلكِتَا بَ وَالْ ِ‬
‫لكِيمُ (‪. ﴾ )129‬‬
‫ت ال َعزِيزُ ا َ‬
‫ك أَن َ‬
‫ِإنّ َ‬

‫***‬
‫‪151‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َفَأتَ ّمهُنّ قَا َل ِإنّي‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذِ ابْتَلَى ِإْبرَاهِي مَ َربّ هُ ِبكَلِمَا ٍ‬
‫ّاسـ ِإمَاما قَا َل وَمِن ذُ ّريّتِي قَالَ َل يَنَالُ َع ْهدِي الظّالِمِيَ (‬
‫ُكـلِلن ِ‬
‫جَاعِل َ‬
‫‪. ﴾ )124‬‬
‫يقول تعال ‪ :‬واذكر يا ممد ‪ :‬إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتهن‬
‫أي ‪ :‬قام بم يع ما كل فه ال به من الوا مر والنوا هي ‪ ،‬ك ما قال تعال‬
‫‪َ ﴿ :‬وِإبْرَاهِي َم الّذِي وَفّى ﴾ ‪.‬‬
‫قال ‪ِ ﴿ :‬إنّ ي جَاعِلُ كَ لِلنّا سِ ِإمَاما ﴾ يقتدى بك ف ال ي جزاء على‬
‫صبَرُوا‬
‫ما فعل ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ ْلنَا ِمْنهُ مْ َأئِ ّم ًة َيهْدُو َن ِبأَمْ ِرنَا لَمّا َ‬
‫وَكَانُوا بِآيَاِتنَا يُوقِنُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪َ ﴿ :‬ومِن ذُ ّرّيتِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ومن أولدي‬
‫أيضًا فاجعل منهم أئمة يقتدى بم ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬لَ يَنَا ُل َعهْدِي الظّالِ ِميَ ﴾ أي ‪ :‬ل يصيب عهدي‬
‫من كان من هم ظالًَا ‪ ،‬ومع ن ال ية ‪ :‬ل ينال ما عهدت إل يك من النبوة‬
‫والِمامة من كان ظالًا من ولدك ‪ ،‬وأنه سيكون ف ذريتك ظالون ‪ ،‬كما‬
‫ِيمـ َو َجعَلْنَا فِي ذُ ّرّيِتهِمَا الّنُبوّةَ‬
‫ْسـْلنَا نُوحا َوِإبْرَاه َ‬
‫قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أَر َ‬
‫وَالْ ِكتَابَ َف ِمْنهُم ّمهْتَ ٍد وَ َكثِ ٌي ّمنْهُمْ فَا ِسقُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫خذُوْا مِن‬
‫س وََأمْنا وَاتّ ِ‬
‫ت مَثَاَبةً لّلنّا ِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َجعَلْنَا الْبَيْ َ‬
‫ِيـ‬
‫ِسـمَاعِي َل أَن َط ّهرَا بَيْت َ‬
‫ِيمـ وَإ ْ‬
‫ُصـلّى وَ َع ِهدْنَا إِلَى ِإْبرَاه َ‬
‫ِيمـ م َ‬
‫َامـ ِإْبرَاه َ‬
‫ّمق ِ‬
‫ي وَالرّكّ ِع السّجُودِ (‪. ﴾ )125‬‬
‫ي وَالْعَا ِكفِ َ‬
‫لِلطّاِئفِ َ‬
‫ّاسـ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل‬ ‫قال ابـن عباس ‪َ ﴿ :‬وإِذْ َجعَلْن َا اْلبَي َ‬
‫ْتـ َمثَاَبةً لّلن ِ‬
‫يقضون منه وطرًا يأتونه ‪ ،‬ث يرجعون إل أهليهم ‪ ،‬ث يعودون إليه ‪ .‬وقال‬
‫الزء الول‬ ‫‪152‬‬

‫قتادة ‪َ ﴿ :‬مثَاَبةً لّلنّا سِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ممعًا للناس ‪ .‬وقال أبو العالية ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ‬
‫َجعَ ْلنَا الَْبيْ تَ مَثَاَبةً لّلنّا سِ َوَأمْنا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وأمنا من العدو أن يمل فيه‬
‫السلح ‪ ،‬وقد كانوا ف الاهلية يتخطف الناس من حولم وهم آمنون ‪.‬‬
‫و ف ال صحيحي عن ال نب أ نه قال يوم ف تح م كة ‪ « :‬إن هذا البلد‬
‫حرمـه ال يوم خلق السـماوات والرض ‪ ،‬فهـو حرام برمـة ال إل يوم‬
‫القيا مة ‪ ،‬ل يع ضد شو كه ‪ ،‬ول ين فر صيده ‪ ،‬ول يلت قط لقط ته إل من‬
‫عرفهـا ‪ ،‬ول يتلي خله » ‪ ،‬فقال العباس ‪ :‬يـا رسـول ال إل الذخـر ‪،‬‬
‫فإنه لقينهم وبيوتم ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ « :‬إل الذخر » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاتّخِذُوْا مِن ّمقَا مِ ِإبْرَاهِي َم مُ صَلّى ﴾ ‪ ،‬القام ‪ :‬هو‬
‫ال جر الذي كان إبراه يم عل يه ال سلم يقوم عل يه ف بناء الكع بة ‪ ،‬و ف‬
‫الديث الصحيح عن عمر ‪ ( :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ! لو اتذت من مقام‬
‫إبراهيم مصلى ‪ ،‬فنلت ‪ ﴿ :‬وَاتّخِذُوْا مِن ّمقَامِ ِإبْرَاهِي َم مُ صَلّى ﴾ ) ‪ ،‬وف‬
‫حديث جابر ‪ ( :‬استلم رسول ال الركن ‪ ،‬فرمل ثلثًا ومشى أربعًا ‪،‬‬
‫ث نفذ إل مقام إبراهيم فقرأ ‪ ﴿ « :‬وَاتّخِذُوْا مِن ّمقَامِ ِإبْرَاهِي َم مُصَلّى ﴾»‬
‫فجعل القام بينه وبي البيت ‪ ،‬فصلى ركعتي ) ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬إنا أمروا‬
‫أن ي صلوا عنده ‪ ،‬ول يؤمروا ب سحه ‪ ،‬وروى البيه قي عن عائ شة ر ضي‬
‫ال عنهـا ‪ :‬أن القام كان زمان رسـول ال وزمان أبـ بكـر ملتصـقًا‬
‫بالبيت ‪ ،‬ث أخره عمر بن الطاب ‪.‬‬
‫ـ‬
‫ـمَاعِيلَ أَن َطهّرَا َبيْتِي َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و َعهِدْنَـا إِلَى ِإبْرَاهِيم َ‬
‫ـ َوإِس ْ‬
‫لِلطّاِئفِيَ وَالْعَا ِكفِيَ وَالرّكّعِـ السّـجُودِ ﴾ ‪ .‬قال السـن ‪ :‬أمرهاـ ال أن‬
‫يطهراه من الذى والن جس ‪ ،‬ول ي صيبه من ذلك ش يء ‪ .‬وقال ما هد ‪:‬‬
‫‪153‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫من الوثان والر فث ‪ ،‬وقول الزور والر جس ‪ ،‬وقال ا بن عباس ‪ :‬إذا كان‬
‫جالسًا فهو من العاكفي ‪.‬‬
‫وقال ابن أب حات ‪ :‬أخبنا أب ‪ ،‬أخبنا موسى بن إساعيل ‪ ،‬أخبنا‬
‫حاد بن سلمة ‪ ،‬أخبنا ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬قلنا لعبد ال بن عبيد بن عمي ‪ :‬ما‬
‫أرانـ إل مكلم الميـ أن أمنـع الذيـن ينامون فـ السـجد الرام ‪ ،‬فإنمـ‬
‫يُجنبون ويدثون ‪ ،‬قال ‪ :‬ل تف عل ‪ ،‬فإن ا بن ع مر سئل عن هم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫هم العاكفون ‪ ،‬وقد قال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ َك َفرُوا َويَ صُدّونَ عَن َسبِيلِ‬
‫حرَا ِم الّذِي َجعَ ْلنَا هُ لِلنّا سِ َسوَاء الْعَاكِ فُ فِي ِه وَالْبَا ِد َومَن‬ ‫اللّ ِه وَالْمَ سْجِ ِد الْ َ‬
‫يُرِدْ فِي ِه بِإِلْحَا ٍد بِظُ ْل ٍم نُذِقْ ُه مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ * َوإِ ْذ َب ّوأْنَا لِِإبْرَاهِي َم َمكَانَ اْلَبيْتِ‬
‫ي وَالرّكّعِ السّجُودِ ﴾ ‪.‬‬ ‫ي وَاْلقَائِمِ َ‬ ‫أَن لّا تُشْ ِر ْك بِي َشيْئا َو َطهّ ْر َبْيتِيَ لِلطّائِفِ َ‬
‫ِيمـ رَبّ ا ْجعَ ْل هَــذَا بَلَدا آمِنا‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَالَ ِإْبرَاه ُ‬
‫ق َأهْلَ ُه مِ نَ الثّ َمرَا تِ مَ نْ آمَ نَ مِنْهُم بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ ال ِخرِ قَالَ وَمَن‬
‫وَارْ ُز ْ‬
‫س الْمَصِيُ (‪.﴾)126‬‬
‫ب النّا ِر َوبِئْ َ‬
‫ل ُث ّم أَضْ َط ّر ُه ِإلَى َعذَا ِ‬
‫َك َفرَ َفُأمَّتعُ ُه قَلِي ً‬
‫روى البخاري وغيه عـن النـب قال ‪ « :‬إن إبراهيـم حرم مكـة‬
‫ودعوت ل ا ‪ ،‬وحر مت الدي نة ك ما حرم إبراه يم م كة ودعوت ل ا ‪ ،‬ف‬
‫مد ها و صاعها م ثل ما د عا إبراه يم ل كة » ‪ .‬ول سلم ‪ « :‬ب ثل ما د عا‬
‫إبراهيم لهل مكة » ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ل منافاة ب ي الحاد يث الدالة على أن ال حرم م كة‬
‫يوم خلق السـماوات والرض ‪ ،‬وبيـ الحاديـث الدالة على أن إبراهيـم‬
‫عليه السلم حرمها ؛ لن إبراهيم بلغ عن ال حكمه فيها وتريه إياها ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪154‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَارْزُ قْ َأهْلَ ُه مِ َن الثّمَرَا تِ مَ نْ آمَ َن ِمنْهُم بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ‬
‫ْسـ‬
‫َابـ النّا ِر َوِبئ َ‬
‫ّهـ إِلَى عَذ ِ‬ ‫ُهـ َقلِيلً ثُم ّ أَضْ َطر ُ‬
‫الخِرِ قَا َل وَم َن َكفَرَ َفأُ َمّتع ُ‬
‫ل ثُمّ‬
‫الْمَصِـيُ ﴾ ‪ ،‬عـن أُبّ بـن كعـب ‪ ،‬قال ‪ ﴿ :‬وَمَن َكفَرَ َفُأ َمتّعُهُـ قَلِي ً‬
‫س الْمَ صِيُ ﴾ ‪ ،‬قال هو قول ال تعال ‪ .‬وقال‬ ‫ب النّارِ َوِبئْ َ‬ ‫أَضْطَرّ هُ إِلَى عَذَا ِ‬
‫ا بن عباس ‪ :‬كان إبراه يم يجر ها على الؤمن ي دون الناس ‪ ،‬فأنزل ال ‪:‬‬
‫ومن كفر أيضًا أرزقهم كما أرزق الؤمني ‪ ،‬أأخلق خلقًا ل أرزقهم ! ؟‬
‫أمتع هم قليلً ث اضطر هم إل عذاب النار وبئس ال صي ث قرأ ا بن عباس‬
‫ك وَمَا كَا نَ عَطَاء َربّ كَ‬ ‫ل نّمِ ّد هَ ـؤُلء َوهَ ـؤُلء مِ ْن عَطَاء َربّ َ‬ ‫‪ُ ﴿ :‬ك ّ‬
‫مَحْظُورا ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَضْطَرّهُ إِلَى عَذَا ِ‬
‫ب النّارِ َوبِئْسَ الْمَصِيُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ث ألئه ب عد متا عه ف الدن يا وب سطنا عل يه إل عذاب النار ‪َ ﴿ ,‬وبِئْ َ‬
‫س‬
‫الْمَ صِيُ ﴾‪ ،‬أي ‪ :‬الر جع ي صي إل يه ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ َك َفرُوا‬
‫َيتَ َمتّعُونَ َوَيأْكُلُونَ كَمَا َتأْكُ ُل الَْأْنعَامُ وَالنّارُ مَْثوًى ّلهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ت وَإِ سْمَاعِيلُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َي ْرفَ ُع ِإبْرَاهِي ُم اْلقَوَا ِعدَ مِ َن الْبَيْ ِ‬
‫ت ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (‪َ )127‬ربّنَا وَاجْعَلْنَا مُ سْلِمَ ْينِ‬
‫َربّنَا َتقَّبلْ مِنّا ِإنّ كَ أَن َ‬
‫ك َوأَرِنَا مَنَا ِسكَنَا َوتُ بْ عَلَيْنَا ِإنّ كَ أَن تَ‬
‫لَ كَ وَمِن ذُ ّريّتِنَا ُأ ّمةً مّ سْلِ َمةً لّ َ‬
‫ث فِيهِ مْ رَ سُو ًل مّ ْنهُ ْم يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ‬
‫التّوّا بُ ال ّرحِي مُ (‪َ )128‬ربّنَا وَابْعَ ْ‬
‫لكِي مُ (‬
‫ت ال َعزِيزُ ا َ‬
‫حكْ َم َة وَُيزَكّيهِ مْ ِإنّ كَ أَن َ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫ك وَُيعَلّ ُمهُ مُ اْلكِتَا َ‬
‫آيَاتِ َ‬
‫‪. ﴾ )129‬‬
‫‪155‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يقول تعال ‪ :‬واذكـر يـا ممـد بناء إبراهيـم وإسـاعيل البيـت ‪ ،‬وهاـ‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ .‬والقواعـد ‪:‬‬
‫السـمِي ُع اْلعَل ُ‬
‫َنتـ ّ‬
‫ّكـ أ َ‬
‫يقولن ‪َ ﴿ :‬ربّنَا تَ َقبّ ْل ِمنّاـ إِن َ‬
‫الساس ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ‪ ( :‬ل ا كان ب ي إبراه يم وب ي‬
‫أهله مـا كان ‪ ،‬خرج إسـاعيل وأم إسـاعيل ‪ ،‬ومعهـم شنـة فيهـا ماء ‪،‬‬
‫فجعلت أم إ ساعيل تشرب من الش نة ‪ ،‬فيدر لبن ها على صبيها ح ت قدم‬
‫مكة ‪ ،‬فوضعها تت دوحة ث رجع إبراهيم إل أهله ‪ ،‬فاتبعته أم إساعيل‬
‫ح ت بلغوا كداء فناد ته من ورائه ‪ :‬يا إبراه يم إل من تترك نا ؟ قال ‪ :‬إل‬
‫ال ‪ :‬قالت ‪ :‬رض يت بال ‪ ،‬قال ‪ :‬فرج عت ‪ ،‬فجعلت تشرب من الش نة‬
‫ويدر لبن ها على صبيها ح ت ل ا ف ن الاء قالت ‪ :‬لو ذه بت فنظرت لعلي‬
‫أ حس أحدًا ‪ ،‬فذه بت ف صعدت ال صفا ‪ ،‬فنظرت هل ت س أحدًا ‪ ،‬فلم‬
‫ت س أحدًا ‪ ،‬فل ما بل غت الوادي سعت ح ت أ تت الروة ‪ ،‬وفعلت ذلك‬
‫أشواطًا ح ت أتت سبعًا ‪ ،‬ث قالت ‪ :‬لو ذهبت فنظرت ما ف عل ال صب ‪،‬‬
‫فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله ‪ ،‬كأنه ينشع الوت ‪ ،‬فلم تقرها نفسها‬
‫‪ ،‬فقالت ‪ :‬لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدًا ‪ ،‬فذهبت فصعدت الصفا‬
‫فنظرت ونظرت ‪ ،‬فلم تس أحدًا حت أتت سبعًا ‪ ،‬ث قالت ‪ :‬لو ذهبت‬
‫فنظرت ما فعل ‪ ،‬فإذا هي بصوت ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أغ ثْ إن كان عندك خي ‪،‬‬
‫فإذا جبيـل عليـه السـلم قال ‪ :‬فقال بعقبـه هكذا ‪ ،‬وغمـز عقبـه على‬
‫الرض ‪ ،‬قال ‪ :‬فانبثق الاء ‪ ،‬فدهشت أم إساعيل ‪ ،‬فجعلت تفر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال أبـو القاسـم ‪ « :‬لو تركتـه لكان الاء ظاهرًا » ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فجعلت تشرب مـن الاء ويدر لبنهـا على صـبيها ‪ ،‬قال ‪ :‬فمـر ناس مـن‬
‫الزء الول‬ ‫‪156‬‬

‫جرهـم ببطـن الوادي ‪ ،‬فإذا هـم بطيـ كأنمـ أنكروا ذلك ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬مـا‬
‫يكون هذا الط ي إل على ماء ‪ ،‬فبعثوا ر سولم فن ظر فإذا هو بالاء فأتا هم‬
‫فأ خبهم فأتوا إلي ها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا أم إ ساعيل أتأذن ي ل نا أن نكون م عك‬
‫ونسكن معك ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فبلغ ابنها ونكح منهم امرأة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ث إنه بدا لِبراهيم ‪ ،‬فقال لهله ‪ :‬إ ن مطلع ترك ت ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فجاء فسـلّم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيـن إسـاعيل ؟ قالت امرأتـه ‪ :‬ذهـب يصـيد ‪ ،‬قال‬
‫قول له إذا جاء غيّر عتبة بابك ‪ ،‬فلما أخبته قال ‪ :‬أنت ذاك ‪ ،‬فاذهب إل‬
‫أهلك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثـ إنـه بدا لِبراهيـم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنـ مطلع تركتـ ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاء‬
‫فقال ‪ :‬أيـن إسـاعيل ؟ فقالت امرأتـه ‪ :‬ذهـب يصـيد ‪ ،‬وقالت ‪ :‬أل تنل‬
‫فتطعـم وتشرب ‪ ،‬فقال ‪ :‬مـا طعامكـم ومـا شرابكـم ؟ قالت ‪ :‬طعامنـا‬
‫اللحم ‪ ،‬وشرابنا الاء ‪ ،‬قال ‪ :‬اللهم بارك لم ف طعامهم وشرابم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال أبو القاسم ‪ « :‬بركة بدعوة إبراهيم » ‪.‬‬
‫‪ ،‬فقال لهله ‪ :‬إ ن مطلع ترك ت ‪ ،‬فجاء‬ ‫قال ‪ :‬ث إ نه بدا لِبراه يم‬
‫فوافـق إسـاعيل مـن وراء زمزم يصـلح نبلً له ‪ ،‬فقال ‪ :‬يـا إسـاعيل ‪ ،‬إن‬
‫ربك عز وجل أمرن أن أبن له بيتًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أطع ربك عز وجل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫إنه قد أمرن أن تعينن عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذَن أفعل ‪ ،‬أو كما قال ‪ :‬قال فقام‬
‫فجعل إبراهيم يبن وإساعيل يناوله الجارة ‪ ،‬ويقولن ‪َ ﴿ :‬رّبنَا َت َقبّلْ ِمنّا‬
‫ِإنّكَ أَنتَ السّمِي ُع الْعَلِيمُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حت ارتفع البناء ‪ ،‬وضعف الشيخ عن‬
‫نقـل الجارة ‪ ،‬فقام على حجـر القام ‪ ،‬فجعـل يناوله الجارة ويقولن‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ .‬رواه البخاري فـ‬ ‫السـمِيعُ اْلعَل ُ‬
‫َنتـ ّ‬
‫ّكـ أ َ‬
‫‪َ ﴿ :‬ربّنَا َت َقبّلْ ِمنّاـ ِإن َ‬
‫‪157‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أحاديث النبياء كذلك ‪ ،‬ورواه أيضًا من وجه آخر بسياق أبسط من هذا‬
‫‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال قال ‪ « :‬أل تري أن قومك‬
‫حي بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم » ؟ فقلت ‪ :‬يا رسول ال أل‬
‫تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال ‪ « :‬لول حدثان قومك بالكفر » ‪ .‬فقال‬
‫ع بد ال بن ع مر ‪ :‬لئن كا نت عائ شة سعت هذا من ال نب ‪ ،‬ما أرى‬
‫رسـول ال ترك اسـتلم الركنيـ اللذيـن يليان الجـر إل أن البيـت ل‬
‫يتمم على قواعد إبراهيم عليه السلم ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫وف رواية لسلم ‪ « :‬لول قومك حديثو ع هد بشرك لدمت الكعبة‬
‫فألزقتها بالرض ‪ ،‬ولعلت لا بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا ‪ ،‬وزدت فيها ستة‬
‫أذرع من الجر ‪ ،‬فإن قريشًا اقتصرتا حيث بنت الكعبة » ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت الكعبة على عهد النب ثانية عشر ذراعًا‬
‫القباطيـ ‪ ،‬ثـ كسـيت بعدُ البود وأول مـن كسـاها‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬وكانـت تكسـي‬
‫الديباج الجاج بن يوسف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ :‬حكايـة لدعاء إبراهيـم ‪ ،‬وإسـاعيل عليهمـا السـلم ‪:‬‬
‫ّكـ َوأَرِنَا‬
‫ّسـِل َمةً ل َ‬
‫َكـ وَمِن ُذ ّريّتِنَا ُأ ّم ًة م ْ‬
‫ُسـلِ َميْنِ ل َ‬
‫﴿ َربّنَا وَا ْجعَلْنَا م ْ‬
‫ُسـِ َميْنِ ﴾ ‪،‬‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ ﴿ ،‬م ْل‬ ‫ّابـ الرّح ُ‬ ‫َنتـ الّتو ُ‬
‫ّكـ أ َ‬‫ُبـ عََليْنَا ِإن َ‬‫َاسـ َكنَا َوت ْ‬ ‫َمن ِ‬
‫ملصي ‪ ،‬قال سلم بن أب مطيع ‪ :‬كانا مسلمي ولكنهما سأله الثبات ‪.‬‬
‫وقال عكرمـة ‪َ ﴿ :‬ربّنَا وَا ْجعَلْنَا مُس ْـِل َميْنِ لَكَـ ﴾ ‪ ،‬قال ال ‪ :‬قـد فعلت‬
‫سلِ َمةً لّكَ ﴾ ‪ ،‬قال ال ‪ :‬قد فعلت ‪.‬‬ ‫‪َ ﴿ .‬ومِن ذُ ّرّيتِنَا ُأ ّمةً مّ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪158‬‬

‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وأَرِنَا َمنَا ِس َكنَا ﴾ ‪ ،‬قال عطاء ‪ :‬أخرج ها ل نا ‪ ،‬علّمنا ها ‪،‬‬


‫وقال ما هد ‪ :‬قال إبراه يم ‪ (( :‬أر نا منا سكنا )) ‪ ،‬فأتاه جب يل فأ تى به‬
‫الب يت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ار فع القوا عد ‪ ،‬فر فع القوا عد وأ ت البنيان ؛ ث أ خذ بيده‬
‫فأخرجه فانطلق به إل الصفا ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا من شعائر ال ؛ ث انطلق به إل‬
‫الروة ‪ ،‬فقال ‪ :‬وهذا من شعائر ال ؛ ث انطلق به ن و م ن ‪ ،‬فل ما كان‬
‫عند العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة فقال ‪ :‬كبّر وارمه ‪ ،‬فكبّر ورماه ‪،‬‬
‫ثـ انطلق إبليـس ‪ ،‬فقام عنـد المرة الوسـطى ‪ ،‬فلمـا جاز بـه جبيـل‬
‫وإبراه يم ‪ ،‬قال له ‪ :‬كبّر وار مه ‪ ،‬فكبّر ورماه ‪ ،‬فذ هب ال بيث إبل يس ‪،‬‬
‫وكان البيث أراد أن يدخل ف الج شيئًا فلم يستطع ‪ ،‬فأخذ بيد إبراهيم‬
‫حت أتى به الشعر الرام ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا الشعر الرام ‪ ،‬فأخذ بيد إبراهيم‬
‫حت أتى به عرفات ‪ ،‬قال قد عرفت ما أريتك ؟ ‪ -‬قالا ثلث مرات ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وتُ ْ‬
‫ب عََليْنَا ِإنّ كَ أَن تَ الّتوّا بُ الرّحِي مُ ﴾ ‪ ،‬طلبًا من ال‬
‫التوبة والرحة ؛ لنه ل يدخل النة أحد بعمله إل أن يتغمده ال برحته ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ربّنَا وَابْعَ ثْ فِيهِ مْ رَ سُولً ّمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ كَ‬
‫ت العَزِي ُز الَكِي مُ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫حكْ َم َة َويُزَكّيهِ مْ ِإنّ كَ أَن َ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫َويُعَلّ ُمهُ ُم اْلكِتَا َ‬
‫تعال إخبارًا عن تام دعوة إبراه يم وإ ساعيل أن ما قال ‪َ ﴿ :‬ربّنَا وَاْبعَ ثْ‬
‫فِيهِ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف ال مة ال سلمة ﴿ رَ سُو ًل ّمْنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ممدًا ‪،‬‬
‫وروى أحد وغيه عن العرباض بن سارية قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫إ ن ع ند ال لا ت ال نبيي ‪ ،‬وإن آدم لنجدل ف طين ته ‪ ،‬و سأنبئكم بأول‬
‫ذلك ‪ ،‬دعوة أ ب إبراه يم ‪ ،‬وبشارة عي سى ب ‪ ،‬ورؤ يا أ مي ال ت رأت ‪،‬‬
‫‪159‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وكذلك أمهات النبيي يرين » ‪ .‬وف حديث أب أمامة ‪ « :‬ورأت أمي أنه‬
‫خرج منها نور أضاءت له قصور الشام » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ كَ َوُيعَلّ ُمهُ ُم اْل ِكتَا بَ وَالْ ِ‬
‫حكْ َمةَ ﴾ ‪،‬‬
‫قال السـن وغيه ‪ :‬الكتاب ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والكمـة ‪ :‬السـنة ‪ ،‬وقيـل ‪:‬‬
‫الكمة الفهم ف الدين ‪ ،‬ول منافاة ‪.‬‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ ﴿ :‬العَزِيزُ ﴾ ‪،‬‬
‫َنتـ العَزِي ُز الَك ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إن َ‬
‫ّكـ أ َ‬
‫لكِي مُ ﴾ ‪ ،‬ف أفعاله وأقواله‬
‫الذي ل يس مثله أ حد ول يعجزه ش يء ‪ ﴿ ،‬ا َ‬
‫فيضع ‪ ،‬الشياء ف ملها ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪160‬‬

‫الدرس الامس عشر‬

‫﴿ وَمَن يَرْ َغ بُ عَن مّ ّلةِ ِإْبرَاهِي مَ إِل مَن َس ِفهَ َنفْ سَ ُه َولَ َق ِد ا صْ َطفَيْنَاهُ‬
‫فِي الدّنْيَا وَِإنّ هُ فِي الخِ َر ِة لَمِ َن ال صّالِحِيَ (‪ِ )130‬إ ْذ قَا َل لَ هُ َربّ ُه أَ سْ ِلمْ‬
‫ب يَا‬
‫ت ِلرَبّ اْلعَالَ ِميَ (‪َ )131‬ووَصّى ِبهَا ِإْبرَاهِي ُم بَنِيهِ َوَيعْقُو ُ‬
‫قَا َل أَسْلَ ْم ُ‬
‫ل تَمُوُتنّ إَل َوأَنتُم مّ سْلِمُونَ (‪)132‬‬
‫بَنِيّ إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَى لَكُ ُم الدّي َن فَ َ‬
‫ت ِإذْ قَالَ لِبَنِي ِه مَا تَعُْبدُو َن مِن‬
‫أَ مْ كُنتُ ْم ُشهَدَاء ِإذْ حَضَ َر َيعْقُو بَ الْ َموْ ُ‬
‫َبعْدِي قَالُواْ َنعُْبدُ ِإلَ ـ َهكَ وَِإلَ ـهَ آبَائِ كَ ِإْبرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْحَاقَ‬
‫ِإلَ ـها وَاحِدا َونَحْ نُ لَ هُ مُ سْلِمُونَ (‪ )133‬تِلْ كَ أُ ّم ٌة َقدْ خَلَ تْ لَهَا مَا‬
‫ت وََلكُم مّا كَسَبُْت ْم َولَ تُسَْألُونَ عَمّا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪َ )134‬وقَالُواْ‬
‫كَسََب ْ‬
‫كُونُواْ هُودا َأوْ نَ صَارَى َتهَْتدُواْ ُقلْ َب ْل مِ ّلةَ ِإْبرَاهِي مَ حَنِيفا وَمَا كَا نَ مِ نَ‬
‫الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪ )135‬قُولُواْ آمَنّا بِاللّهِ َومَا أُن ِزلَ ِإلَيْنَا َومَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإْبرَاهِيمَ‬
‫ط َومَا أُوتِ يَ مُو سَى وَعِي سَى َومَا‬
‫ب وَال سْبَا ِ‬
‫ق َويَ ْعقُو َ‬
‫وَإِ سْمَاعِي َل وَإِ سْحَا َ‬
‫ق بَيْ نَ َأ َحدٍ مّ ْنهُ ْم َونَحْ ُن لَ ُه مُ سْلِمُونَ (‬
‫أُوتِ َي النّبِيّو َن مِن ّرّبهِ مْ َل ُن َفرّ ُ‬
‫‪َ )136‬فإِ نْ آ َمنُوْا بِمِ ْث ِل مَا آمَنتُم بِ ِه َفقَ ِد اهْتَدَواْ ّوإِن تَ َوّلوْْا َفإِنّمَا هُ مْ فِي‬
‫شِقَا قٍ فَ سََيكْفِي َكهُ ُم اللّ ُه وَ ُهوَ ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (‪ )137‬صِ ْب َغةَ اللّ هِ َومَ نْ‬
‫سنُ مِ َن اللّ هِ صِ ْبغَ ًة َونَحْ نُ لَ هُ عَابِدو نَ (‪ُ )138‬قلْ َأتُحَآجّونَنَا فِي اللّ هِ‬
‫أَحْ َ‬
‫وَ ُهوَ َربّنَا وَ َرّبكُ ْم َولَنَا أَعْمَالُنَا َوَلكُ ْم أَعْمَاُلكُ ْم َونَحْ نُ لَ ُه مُخْلِ صُونَ (‬
‫ب وَال سْبَاطَ‬
‫ق وََي ْعقُو َ‬
‫‪ )139‬أَ ْم َتقُولُو نَ إِنّ ِإبْرَاهِي مَ َوإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَا َ‬
‫كَانُواْ هُودا َأوْ نَ صَارَى ُق ْل َأأَنتُ مْ أَعْلَ مُ أَ مِ اللّ ُه وَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّ ن كَتَ مَ‬
‫ك ُأ ّمةٌ َقدْ‬
‫شَهَا َدةً عِندَ ُه مِ َن اللّ ِه وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ (‪ )140‬تِلْ َ‬
‫‪161‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت وََلكُم مّا كَسَبُْت ْم َولَ تُسَْألُونَ عَمّا كَانُوْا َيعْمَلُونَ (‬


‫ت َلهَا مَا كَسََب ْ‬
‫خَلَ ْ‬
‫‪. ﴾ )141‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪162‬‬

‫سهُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَن َيرْغَ بُ عَن مّ ّلةِ ِإْبرَاهِي مَ إِل مَن َسفِ َه َنفْ َ‬
‫وََل َقدِ ا صْ َطفَيْنَاهُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّ هُ فِي الخِ َر ِة لَمِ َن ال صّالِحِيَ (‪ِ )130‬إذْ‬
‫ت ِلرَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )131‬وَوَصـّى بِهَا‬
‫َسـلَ ْم ُ‬
‫َسـِل ْم قَا َل أ ْ‬
‫ّهـ أ ْ‬
‫َهـ َرب ُ‬
‫قَا َل ل ُ‬
‫ل تَمُوُتنّ إَل‬
‫ب يَا بَنِيّ إِنّ اللّ هَ ا صْ َطفَى َلكُ ُم الدّي َن فَ َ‬
‫ِإبْرَاهِي مُ بَنِي هِ َوَي ْعقُو ُ‬
‫وَأَنتُم ّمسْلِمُونَ (‪. ﴾ )132‬‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْرغَ ُ‬
‫ب عَن مّّلةِ ِإبْرَاهِي مَ إِل مَن َسفِهَ َنفْ سَهُ ﴾ ‪،‬‬
‫أي‪ :‬ما يرغب عن ملة إبراهيم النيفية إل سفيه ظال لنفسه ‪ .‬قال الربيع ‪:‬‬
‫رغ بت اليهود والن صارى عن ملة إبراه يم ‪ ،‬وابتدعوا اليهود ية والن صرانية‬
‫ولي ست من ال ‪ ،‬وتركوا ملة إبراه يم الِ سلم ‪ ،‬ويش هد لذا قوله تعال‬
‫‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ إِبْرَاهِي ُم َيهُو ِديّا وَ َل نَ صْرَانِيّا وَلَكِن كَا نَ َحنِيفا مّ سْلِما وَمَا‬
‫س بِِإبْرَاهِي مَ َللّذِي َن اتَّبعُو هُ َوهَـذَا الّنِبيّ‬
‫شرِكِيَ * ِإنّ َأوْلَى النّا ِ‬ ‫كَا نَ مِ َن الْمُ ْ‬
‫وَالّذِينَ آ َمنُواْ وَاللّ ُه وَِليّ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَ ِد ْ‬
‫اصـ َطفَْينَاهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اخترناه فـ الدنيـا خليلً ﴿‬
‫َوإِنّهُ فِي الخِ َرةِ لَمِ َن الصّالِحِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مع النبياء ف النة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِذْ قَالَ لَ هُ َربّ هُ أَ سْلِمْ قَالَ أَ سْلَ ْمتُ لِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬أمره ال تعال بالخلص له والسـتسلم والنقياد ‪ ،‬فأجاب إل ذلك ‪.‬‬
‫ب يَا َبنِيّ ِإنّ اللّ َه ا صْ َطفَى‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ووَ صّى ِبهَا ِإبْرَاهِي ُم بَنِي هِ َوَي ْعقُو ُ‬
‫ل تَمُوتُنّ إَل َوأَنتُم مّ سْلِمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬و صى إبراه يم بن يه‬ ‫َلكُ مُ الدّي نَ َف َ‬
‫بكلمة الِخلص ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وهي اللة النيفية ‪ ،‬وكذلك وصى با‬
‫يعقوب بن يه ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِي مُ ِلَأبِي ِه وََق ْومِ هِ ِإنّنِي بَرَاء‬
‫‪163‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مّمّ ا َت ْعبُدُو نَ * إِلّا الّذِي فَ َطرَنِي فَِإنّ هُ َسَيهْدِينِ * وَ َج َعلَهَا كَِل َم ًة بَاِقَيةً فِي‬
‫َعقِبِهِ َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ ا صْ َطفَى َلكُ مُ الدّي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اختار ل كم‬
‫دين السلم ‪ ﴿ ،‬فَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُ ْم مُ سْلِمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬استقيموا عليه‬
‫ح ت توتوا ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا سَْتقَامُوا‬
‫ُمـ‬
‫جّن ِة الّت ِي ُكْنت ْ‬
‫ح َزنُوا َوَأبْشِرُوا بِالْ َ‬
‫ِمـ الْمَلئِ َكةُ أَلّا تَخَافُوا وَل تَ ْ‬
‫َتتَنَزّلُ عََلْيه ُ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآخِ َر ِة وَلَكُ مْ فِيهَا مَا‬
‫تُوعَدُو نَ * َنحْ نُ َأوِْليَاؤُكُ مْ فِي الْ َ‬
‫سكُ ْم وََلكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ * ُنزُلً مِ ْن َغفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ ‪ .‬وروى‬ ‫شتَهِي َأْنفُ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫مسلم وغيه عن جابر رضي ال عنه قال ‪ :‬سعت رسول ال قبل موته‬
‫بثلثة أيام يقول ‪ « :‬ل يوتن أحدكم إل وهو يسن الظن بال » ‪.‬‬
‫ضرَ يَ ْعقُوبَ الْ َموْتُ إِ ْذ قَالَ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَمْ كُنتُمْ شُ َهدَاء ِإذْ حَ َ‬
‫لِبَنِي هِ مَا َتعْبُدُو َن مِن َب ْعدِي قَالُوْا نَعُْب ُد ِإلَ ـ َهكَ وَِإلَ ـهَ آبَائِ كَ ِإْبرَاهِي مَ‬
‫ح ُن لَ ُه ُمسْلِمُونَ (‪. ﴾ )133‬‬
‫ق ِإلَـها وَاحِدا َونَ ْ‬
‫وَِإسْمَاعِي َل وَِإسْحَا َ‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ ﴿ :‬أَ مْ كُنتُ ْم ُشهَدَاء ﴾ أكن تم ؟‬
‫ولكنه استفهم بأم ‪ ،‬إذ كان استفهامًا مستأنفًا على كلم قد سبقه ‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ ﴿ :‬ال * تَنِي ُل اْل ِكتَا بِ لَا َريْ بَ فِي ِه مِن رّبّ اْلعَالَمِيَ * أَ ْم َيقُولُو نَ‬
‫افْتَرَا هُ ﴾ ‪ ،‬وكذلك تف عل العرب ف كل ا ستفهام ابتدأ ته ب عد كلم قد‬
‫سبقه ‪ ،‬تستفهم فيه بأم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِذْ َحضَ َر َي ْعقُو بَ الْ َموْ تُ ﴾ ق يل ‪ :‬نزلت ف اليهود‬
‫حيـ قالوا للنـب ‪ ( :‬ألسـت تعلم أن يعقوب يوم مات وصـى بنيـه‬
‫باليهودية ؟ ) وقال الكلب ‪ :‬لا دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الوثان‬
‫الزء الول‬ ‫‪164‬‬

‫والنيان ‪ ،‬فجمـع ولده وخاف عليهـم ذلك ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالُواْ َن ْعبُ ُد‬
‫ك َوإِلَـ َه آبَائِ كَ ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَاقَ إِلَـها وَاحِدا َونَحْ نُ‬
‫إِلَـهَ َ‬
‫لَ ُه مُسْلِمُونَ ﴾ ‪ ،‬إساعيل عم يعقوب ‪ ،‬والعرب تسمي العم أبًا ‪ .‬قال ابن‬
‫زيد ‪ :‬يقال ‪ :‬بدأ بإساعيل لنه الكب ‪ ،‬واستدل بالية من جعل ال ّد أبًا‬
‫وحجب به الخوة ‪ ،‬كما هو قول الصديق ‪ ،‬وهو مذهب أب حنيفة وغي‬
‫واحد من السلف واللف ‪.‬‬
‫ُسـِلمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬موحدون مطيعون‬
‫َهـ م ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ونَح ُ‬
‫ْنـ ل ُ‬
‫خاضعون ‪.‬‬
‫ت وَلَكُم مّ ا‬
‫ت لَهَا مَا كَ سََب ْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ ُأ ّمةٌ َق ْد خَلَ ْ‬
‫َكسَبُْت ْم وَ َل ُتسَْألُونَ عَمّا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )134‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ ُأ ّمةٌ قَدْ خَلَ تْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م ضت ﴿ لَهَا مَا كَ َ‬
‫سَبتْ‬
‫سأَلُو َن عَمّا‬
‫سْبتُمْ ﴾ من خي أو شر ﴿ وَلَ تُ ْ‬ ‫﴾ من العمل ﴿ وََلكُم مّا كَ َ‬
‫سبُ كُ ّل َنفْ سٍ إِل عََليْهَا‬ ‫كَانُوا َيعْمَلُو نَ ﴾ ‪ .‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتكْ ِ‬
‫وَلَ َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُ ْخرَى ثُمّ إِلَى َربّكُم مّ ْر ِجعُكُ مْ َفُيَنّبئُكُم بِمَا كُنتُ مْ فِي هِ‬
‫ختَِلفُو نَ ﴾ وف الديث ‪ « :‬من بطّأ به عمله ل يسرع به نسبه » ‪ .‬قال‬ ‫تَ ْ‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬إبراهيـم ‪ ،‬وإسـاعيل ‪،‬‬ ‫ـ ُأ ّمةٌ َقدْ خَلَت ْ‬ ‫قتادة ‪ ﴿ :‬تِلْك َ‬
‫وإسحاق ‪ ،‬ويعقوب ‪ ،‬والسباط ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالُواْ كُونُوْا هُودا أَ ْو نَصـَارَى َتهَْتدُوْا ُقلْ بَلْ‬
‫شرِكِيَ (‪. ﴾ )135‬‬
‫مِ ّلةَ ِإْبرَاهِيمَ حَنِيفا َومَا كَانَ مِ َن الْ ُم ْ‬
‫‪165‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن عباس ‪ :‬قال ع بد ال بن صوريا العور لر سول ال ‪ :‬ما‬


‫الدى إل ما نن عليه فاتبعنا يا ممد تتد ‪ .‬وقالت النصارى مثل ذلك ‪،‬‬
‫فأنزل ال عز وجل ‪ ﴿ :‬وَقَالُواْ كُونُواْ هُودا َأ ْو َنصَارَى َتهْتَدُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ بَلْ مِّلةَ ِإبْرَاهِي مَ َحنِيفا َومَا كَانَ مِ َن الْمُشْرِكِيَ ﴾‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬قل يا ممد ‪ :‬ل نريد ما دعوتونا إليه ‪ ،‬بل نتبع ‪ ﴿ :‬مِّلةَ ِإبْرَاهِي مَ‬
‫َحنِيفا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ ،‬ملصـًا مسـتقيمًا ‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬النيـف الائل عـن‬
‫الديان كلها إل دين السلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول ل ي كن م ن يد ين بعبادة الوثان وال صنام ‪،‬‬
‫ول كان من اليهود ول النصارى ‪ ،‬بل كان حنيفًا مسلمًا ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قُولُواْ آمَنّ ا بِاللّ ِه وَمَا أُنزِ َل إِلَيْنَا وَمَا أُن ِزلَ إِلَى‬
‫ِيـ مُوسـَى‬
‫ط وَمَا أُوت َ‬
‫َالسـبَا ِ‬
‫ُوبـ و ْ‬
‫ق َوَيعْق َ‬
‫ِسـحَا َ‬
‫ِسـمَاعِي َل َوإ ْ‬
‫ِيمـ َوإ ْ‬
‫ِإبْرَاه َ‬
‫وَعِي سَى وَمَا أُوتِ يَ النّبِيّو َن مِن ّرّبهِ ْم لَ ُن َفرّ قُ بَيْ َن أَ َحدٍ مّ ْنهُ مْ َونَحْ نُ لَ هُ‬
‫ُمسْلِمُونَ (‪. ﴾ )136‬‬
‫روى البخاري عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬كان أ هل الكتاب‬
‫يقرءون التوراة بالعبانية ويفسرونا بالعربية لهل السلم فقال رسول ال‬
‫‪ « :‬ل تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم ‪ ،‬وقولوا ‪ ﴿ :‬آ َمنّا بِاللّ ِه َومَا‬
‫أُنزِلَ إَِليْنَا ﴾ » الية ‪ .‬وروى مسلم وغيه عن ابن عباس رضي ال عنهما‬
‫قال ‪ ( :‬كان رسول ال أكثر ما يصلي الركعتي اللتي قبل الفجر بـ‬
‫‪ ﴿ :‬آ َمنّاـبِاللّهِـ وَمَا أُنزِلَ إَِليْنَا ﴾ اليـة ‪ ،‬والخرى بــ ‪ ﴿ :‬آ َمنّاـبِاللّهِـ‬
‫وَا ْشهَ ْد ِبَأنّ ا مُ سِْلمُونَ ﴾ ) ‪ .‬و ف روا ية ‪ ( :‬يقرأ ف ركع ت الف جر ‪﴿ :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪166‬‬

‫قُولُواْ آ َمنّ ا بِاللّ ِه وَمَا أُن ِزلَ إِلَيْنَا ﴾ ‪ ،‬وال ت ف آل عمران ‪َ ﴿ :‬تعَاَلوْا إِلَى‬
‫كَلَ َم ٍة َسوَاء بَْيَننَا َوَبْينَكُمْ ﴾ ) ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬السـباط ‪ :‬بنـو يعقوب اثن ا‬
‫ـ عشـر رجلً ولد كـل رجـل‬
‫من هم أ مة من الناس ف سموا ال سباط ‪ .‬وقال البخاري ‪ :‬ال سباط ‪ :‬قبائل‬
‫بن إسرائيل ‪.‬‬
‫قال القر طب ‪ :‬وال سبط ‪ :‬الما عة ‪ .‬وال قبيلة ‪ :‬الراجعون إل أ صل‬
‫وا حد ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬أ مر ال الؤمن ي أن يؤمنوا به وي صدقوا بكت به كل ها‬
‫ورسله ‪ .‬وف الديث عن النب ‪ « :‬آمنوا بالتوراة ‪ ،‬والزبور ‪ ،‬والنيل‬
‫‪ ،‬وليسعكم القرآن » ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬فإِ نْ آمَنُوْا بِمِ ْث ِل مَا آمَنتُم بِ ِه َف َقدِ اهَْتدَواْ وّإِن‬
‫ق فَسََيكْفِي َكهُ ُم اللّهُ َوهُ َو السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)137‬‬
‫تَ َوّلوْْا َفِإنّمَا هُمْ فِي شِقَا ٍ‬
‫ح ُن لَهُ عَابِدونَ (‪. ﴾ )138‬‬
‫س ُن ِمنَ ال ّلهِ صِ ْب َغةً َونَ ْ‬
‫صِ ْب َغةَ ال ّل ِه وَ َم ْن أَ ْح َ‬
‫يقول تعال ‪ :‬فإن آ من الكفار من اليهود والن صارى وغي هم ﴿ بِ ِمثْلِ‬
‫مَا آمَنتُم بِهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بميع كتب ال ورسله ‪ ،‬ول يفرقوا بي أحد منهم‬
‫﴿ َفقَ ِد ا ْهتَدَوا ﴾ إل ال ق ﴿ ّوإِن َتوَّل ْواْ ﴾ عن ذلك ‪ ﴿ ،‬فَِإنّمَا هُ مْ فِي‬
‫سَي ْكفِي َكهُمُ‬
‫ِشقَا قٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف خلف ومناز عة ‪ ،‬قاله ا بن عباس ‪ ﴿ .‬فَ َ‬
‫السـمِيعُ‬
‫ّهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فسـيكفيك شرهـم وينصـرك عليهـم ﴿ َو ُهوَ ّ‬ ‫الل ُ‬
‫الْعَلِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬‬
‫صْب َغةَ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬دين ال ‪ ،‬ساه صبغة لنه يظهر‬
‫أثـر الديـن على التديـن ‪ ،‬كمـا يظهـر أثـر الصـبغ على الثوب ‪َ ﴿ .‬ومَن ْـ‬
‫صْب َغةً ﴾ ‪.‬‬
‫أَحْسَ ُن مِنَ اللّهِ ِ‬
‫‪167‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال قتادة ‪ :‬إن اليهود ت صبغ أبناء ها يهودًا ‪ ،‬والن صارى ت صبغ أبناء ها‬
‫نصـارى ‪ ،‬وإن صـبغة ال السـلم ‪ ،‬فل صـبغة أحسـن مـن السـلم ول‬
‫أطهر ‪ ،‬وهو دين ال الذي بعث به نوحًا والنبياء بعده ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل َأتُحَآجّونَنَا فِي اللّ ِه َوهُوَ َربّنَا وَ َربّكُ ْم َولَنَا‬
‫أَعْمَالُنَا َولَكُ ْم أَعْمَالُكُ ْم وَنَحْ ُن لَ هُ مُخْلِ صُونَ (‪ )139‬أَ ْم َتقُولُو نَ إِنّ‬
‫ب وَالسْبَاطَ كَانُواْ هُودا َأوْ نَصَارَى‬
‫ق وََي ْعقُو َ‬
‫ِإبْرَاهِيمَ َوإِسْمَاعِي َل َوإِسْحَا َ‬
‫ُقلْ َأأَنتُ ْم أَعْلَ ُم أَ مِ اللّ هُ َومَ ْن أَظْلَ مُ مِمّن كَتَ َم َشهَا َدةً عِندَ هُ مِ نَ اللّ ِه َومَا‬
‫ت َولَكُم‬
‫ت َلهَا مَا كَسَبَ ْ‬
‫اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُونَ (‪ )140‬تِلْكَ أُ ّم ٌة َقدْ خَلَ ْ‬
‫سَألُونَ َعمّا كَانُواْ َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )141‬‬
‫مّا َكسَبُْت ْم َولَ ُت ْ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ﴾ يا م مد لؤلء العاند ين ‪َ ﴿ :‬أتُحَآجّونَنَا فِي‬
‫اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف توح يد ال ؟ ﴿ َوهُوَ َربّنَا وَ َرّبكُ مْ وَلَنَا َأعْمَالُنَا وَلَكُ ْم‬
‫َأعْمَالُكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لكل جزاء عمله ‪ ،‬فكيف تدعون أنكم أول بال ﴿‬
‫خلِصـُو َن ﴾ ‪ ،‬وأنتـم بـه مشركون ؟ قال سـعيد بـن جـبي ‪:‬‬ ‫َهـ مُ ْ‬
‫ْنـ ل ُ‬
‫َونَح ُ‬
‫الخلص أن يلص العبد دينه وعمله ‪ ،‬فل يشرك به ف دينه ‪ .‬ول يرائي‬
‫بعمله ‪.‬‬
‫ب وَال سْبَاطَ‬ ‫ق َوَي ْعقُو َ‬ ‫﴿ أَ ْم َتقُولُو نَ إِنّ ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْحَا َ‬
‫كَانُوْا هُودا َأوْ نَ صَارَى قُلْ َأأَنتُ مْ َأعْلَ مُ أَ مِ اللّ هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ُ ﴿ :‬قلْ ﴾ يا ممد‬
‫‪ :‬أأنتم أعلم بدينهم أم ال ؟ وقد أخب ال تعال ‪ :‬أن إبراهيم ل يكن‬
‫يهوديًا ول نصرانيًا ‪ ،‬ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من الشركي ‪،‬‬
‫وإن أول الناس به ممد والؤمنون ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪168‬‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ أَظَْل ُم مِمّن َكتَ مَ َشهَا َدةً عِندَ هُ مِ نَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ال سن ‪ :‬كانوا يقرءون ف كتاب ال الذي أتا هم ‪ :‬أن الد ين ال سلم ‪،‬‬
‫ـحاق ‪،‬‬ ‫ـاعيل ‪ ،‬وإسـ‬ ‫ـم ‪ ،‬وإسـ‬ ‫ـول ال ‪ ،‬وأن ‪ :‬إبراهيـ‬ ‫وأن ممدًا رسـ‬
‫ويعقوب ‪ ،‬والسـباط كانوا برءاء مـن اليهوديـة والنصـرانية ‪ ،‬فشهدوا ل‬
‫بذلك ‪ ،‬وأقروا على أنفسهم ‪ ،‬فكتموا شهادة ال عندهم من ذلك ‪ .‬وعن‬
‫قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ ن َكتَ َم َشهَا َد ًة عِندَ ُه مِ نَ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫الشهادة النب مكتوب عندهم ‪ ،‬وهو الذي كتموا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّ ا َتعْمَلُو نَ ﴾ تد يد ووع يد ‪﴿ .‬‬
‫سْبتُ ْم‬
‫ت وََلكُم مّا كَ َ‬ ‫سبَ ْ‬‫تِلْ كَ ُأ ّمةٌ قَدْ خَلَ تْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مضت ﴿ َلهَا مَا كَ َ‬
‫سأَلُو َن عَمّا كَانُوْا َيعْمَلُو نَ‬‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لم أعمالم ولكم أعمالكم ﴿ وَ َل تُ ْ‬
‫﴾ ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬مَ ْن عَ ِملَ صَالِحا َفِلَنفْ سِهِ َومَ نْ أَ سَاء َفعََليْهَا ثُمّ‬
‫إِلَى َرّبكُ ْم تُرْ َجعُونَ ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪169‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السادس عشر‬

‫س مَا وَلهُمْ عَن قِبْلَِتهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَ ْيهَا‬


‫س َفهَاء ِمنَ النّا ِ‬
‫﴿ سََيقُولُ ال ّ‬
‫ط مّسْتَقِيمٍ (‪)142‬‬
‫صرَا ٍ‬
‫ب َيهْدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ‬
‫شرِ قُ وَالْ َم ْغرِ ُ‬
‫قُل لّلّ ِه الْ َم ْ‬
‫ـ‬
‫ّاسـ َوَيكُون َ‬
‫ُمـ ُأ ّمةً وَسـَطا لَّتكُونُوْا شُ َهدَاء عَلَى الن ِ‬
‫ِكـ َجعَلْنَاك ْ‬
‫وَ َكذَل َ‬
‫الرّ سُولُ عَلَ ْيكُ مْ َشهِيدا َومَا َجعَلْنَا اْلقِبْلَ َة الّتِي كُن تَ عَلَ ْيهَا إِل لَِنعْلَ َم مَن‬
‫ي ًة إِل عَلَى اّلذِي نَ‬
‫ت لَكَبِ َ‬
‫يَتّبِ عُ الرّ سُو َل مِمّن يَنقَلِ بُ عَلَى َعقِبَيْ ِه َوإِن كَانَ ْ‬
‫هَدَى اللّ ُه وَمَا كَا َن اللّ هُ لِيُضِي َع إِيَانَكُ مْ إِنّ اللّ هَ بِالنّا سِ لَ َرؤُو فٌ ّرحِي مٌ (‬
‫ك فِي ال سّمَاء فَلَُنوَلّيَنّ كَ قِبْ َل ًة َترْضَاهَا َفوَلّ‬
‫ب وَ ْجهِ َ‬
‫‪َ )143‬قدْ َنرَى تَقَلّ َ‬
‫حرَا ِم َوحَيْ ثُ مَا كُنتُ ْم َفوَلّواْ ُوجُ ِو َهكُ ْم شَ ْطرَ هُ‬
‫جدِ الْ َ‬
‫سِ‬‫وَ ْجهَ كَ شَ ْطرَ الْمَ ْ‬
‫ب لََيعْلَمُو َن َأنّ هُ الْحَقّ مِن ّرّبهِ مْ وَمَا اللّ هُ ِبغَافِلٍ‬
‫وَإِنّ الّذِي َن أُ ْوتُوْا الْكِتَا َ‬
‫عَمّا يَعْمَلُو نَ (‪ )144‬وَلَئِ نْ َأتَيْ تَ اّلذِي َن أُ ْوتُوْا الْكِتَا بَ بِ ُكلّ آَيةٍ مّا تَِبعُواْ‬
‫ضهُم بِتَابِ عٍ قِبْ َلةَ َبعْ ضٍ َولَئِ ِن اتّبَعْ تَ‬
‫ك َومَا أَن تَ بِتَابِ عٍ قِبْلََتهُ مْ وَمَا َبعْ ُ‬
‫قِبْلَتَ َ‬
‫ك ِإذَا لّمِ َن الظّالِمِيَ (‪)145‬‬
‫أَ ْهوَاءهُم مّ ن َب ْعدِ مَا جَاء َك مِ َن الْعِلْ مِ ِإنّ َ‬
‫ب يَ ْع ِرفُونَ هُ كَمَا َيعْ ِرفُو نَ َأبْنَاءهُ مْ َوإِنّ َفرِيقا مّ ْنهُ مْ‬
‫الّذِي نَ آتَيْنَاهُ مُ اْلكِتَا َ‬
‫ل َتكُونَنّ مِ نَ‬
‫لَيَكْتُمُو َن الْحَقّ وَهُ ْم َيعْلَمُو نَ (‪ )146‬الْحَقّ مِن ّربّ كَ فَ َ‬
‫الْمُمَْترِي نَ (‪َ )147‬ولِ ُك ّل وِ ْج َهةٌ ُه َو مُ َولّيهَا فَا سْتَبِقُواْ الْخَ ْيرَا تِ أَيْ نَ مَا‬
‫ت ِبكُ مُ اللّ ُه جَمِيعا إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )148‬وَمِ نْ‬
‫تَكُونُواْ َيأْ ِ‬
‫حقّ مِن ّربّ كَ‬
‫حرَا ِم َوِإنّ هُ لَلْ َ‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫ت َفوَ ّل وَ ْجهَكَ شَطْ َر الْمَ سْ ِ‬
‫ث َخرَجْ َ‬
‫حَيْ ُ‬
‫ت َفوَ ّل وَ ْجهَ كَ‬
‫ث َخرَجْ َ‬
‫وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ (‪َ )149‬ومِ ْن حَيْ ُ‬
‫حرَامِـ وَحَيْثُـ مَا كُنتُم ْـ فَ َولّوْا وُجُوهَكُم ْـ شَ ْطرَهُـلِئَل‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫شَ ْطرَ الْمَس ْـ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪170‬‬

‫ُمـ‬
‫ش ْوه ْ‬
‫خَ‬‫ل تَ ْ‬
‫ُمـ فَ َ‬
‫ـ ظَلَمُواْ مِ ْنه ْ‬
‫ج ٌة إِل الّذِين َ‬
‫ُمـ حُ ّ‬
‫ـ عَلَ ْيك ْ‬
‫ُونـ لِلنّاس ِ‬
‫يَك َ‬
‫وَا ْخشَوْنِي َولُتِمّ نِعْمَتِي عَلَ ْيكُ ْم وََلعَ ّلكُ ْم َتهَْتدُو نَ (‪ )150‬كَمَا أَرْ سَلْنَا‬
‫فِيكُم ْـ رَسـُو ًل مّنكُم ْـيَتْلُو عَلَ ْيكُم ْـ آيَاتِنَا وَُيزَكّيكُم ْـ وَُيعَلّ ُمكُمُـ الْكِتَابَـ‬
‫حكْ َم َة وَُيعَلّ ُمكُم مّا لَ ْم َتكُونُوْا َتعْلَمُو نَ (‪ )151‬فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْكُ مْ‬
‫وَالْ ِ‬
‫وَاشْ ُكرُوْا لِي َولَ َت ْك ُفرُو نِ (‪ )152‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُوْا ا سْتَعِينُواْ بِال صّ ْبرِ‬
‫ل ِة إِنّ اللّ َه مَ َع ال صّاِبرِينَ (‪ )153‬وَ َل َتقُولُوْا لِمَ ْن ُيقَْتلُ فِي سَبيلِ‬
‫وَال صّ َ‬
‫شيْ ٍء مّ نَ‬
‫ش ُعرُو نَ (‪َ )154‬ولَنَبْ ُلوَّنكُ مْ ِب َ‬
‫ت َبلْ أَحْيَاء َولَكِن ل َت ْ‬
‫اللّ ِه َأمْوَا ٌ‬
‫شرِ‬
‫َاتـ وََب ّ‬
‫ُسـ وَالثّ َمر ِ‬
‫ّنـ ا َلمَوَا ِل وَالنف ِ‬
‫ْصـ م َ‬
‫ُوعـ َونَق ٍ‬
‫َوفـ وَالْج ِ‬
‫الْخ ْ‬
‫ال صّاِبرِينَ (‪ )155‬اّلذِي نَ ِإذَا أَ صَابَ ْتهُم مّ صِيَب ٌة قَالُواْ ِإنّ ا لِلّ ِه َوإِنّ ـا ِإلَيْ هِ‬
‫رَاجِعو نَ (‪ )156‬أُولَـئِكَ عَلَ ْيهِ مْ صَ َلوَاتٌ مّن ّرّبهِ ْم وَ َرحْ َمةٌ َوأُولَـئِكَ‬
‫هُ ُم الْ ُمهَْتدُونَ (‪. ﴾ )157‬‬

‫***‬
‫‪171‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س مَا وَلهُمْ عَن قِبْلَِتهِمُ‬


‫س َفهَاء مِنَ النّا ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬سَيَقُو ُل ال ّ‬
‫صرَاطٍ‬
‫ب َيهْدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ‬
‫ق وَالْ َم ْغرِ ُ‬
‫شرِ ُ‬
‫الّتِي كَانُواْ عَلَ ْيهَا قُل لّلّهِ الْ َم ْ‬
‫ّمسْتَقِيمٍ (‪. ﴾ )142‬‬
‫السـفَهَاء ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الهال وهـم ‪ :‬اليهود‬ ‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬‬
‫سـَيقُولُ ّ‬
‫أيـ ‪ :‬شيـء صـرفهم وحوّلمـ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ّ ،‬‬‫ّاسـ مَا وَله ْ‬ ‫ِنـ الن ِ‬ ‫والنافقون ﴿ م َ‬
‫﴿ عَن ِقبَْلِتهِ ُم اّلتِي كَانُواْ عََلْيهَا ﴾ يعن ‪ :‬بيت القدس ‪.‬‬
‫قال ابـن عباس ‪ ( :‬لاـ هاجـر رسـول ال إل الدينـة أمره ال أن‬
‫ي ستقبل ب يت القدس ‪ ،‬ففر حت اليهود ‪ ،‬فا ستقبلها ر سول ال بض عة‬
‫عشـر شهرًا ‪ ،‬وكان رسـول ال يبـ قبلة إبراهيـم ‪ ،‬فكان يدعوا ال‬
‫َهـ‬
‫ُمـ شَطْر ُ‬‫وينظـر إل السـماء ‪ ،‬فأنزل ال عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬فوَلّوْا وُ ُج ِوهَك ْ‬
‫﴾ فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ‪ ﴿ :‬مَا وَلهُ ْم عَن ِقْبَلِتهِ ُم الّتِي كَانُواْ‬
‫ب َيهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى‬ ‫عََلْيهَا ﴾ ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬قُل لّلّ ِه الْمَشْرِ قُ وَالْ َمغْرِ ُ‬
‫سَتقِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ط مّ ْ‬
‫صِرَا ٍ‬
‫وروى المام أحدـ مـن حديـث عائشـة رضـي ال عنهـا قالت ‪ :‬قال‬
‫رسول ال يعن ف أهل الكتاب ‪ « :‬إنم ل يسدونا على شيء كما‬
‫يسدونا على يوم المعة الت هدانا ال لا وضلوا عنها ‪ ،‬وعلى القبلة الت‬
‫هدانا ال لا وضلوا عنها ‪ ،‬وعلى قولنا خلف المام ‪ :‬آمي » ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَ َك َذلِكَـ جَعَلْنَاكُم ْـُأمّ ًة وَسـَطا لَّتكُونُوْا شُ َهدَاء‬
‫عَلَى النّا سِ َوَيكُو نَ الرّ سُولُ عَلَ ْيكُ ْم َشهِيدا وَمَا َجعَلْنَا الْقِبْ َلةَ الّتِي كُن تَ‬
‫عَلَيْهَا إِل لَِنعْلَ مَ مَن يَتّبِ ُع الرّ سُولَ مِمّ ن يَنقَلِ بُ عَلَى َعقِبَيْ هِ َوإِن كَانَ تْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪172‬‬

‫ي ًة إِل عَلَى اّلذِي َن َهدَى اللّ هُ وَمَا كَا نَ اللّ ُه لِيُضِي َع إِيَانَكُ مْ إِنّ اللّ هَ‬
‫لَكَبِ َ‬
‫بِالنّاسِ َل َرؤُوفٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )143‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِك َ‬
‫ـ ﴾ كمـا هديناكـم صـراطًا مسـتقيمًا‬
‫﴿ َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّمةً َوسَطا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عدلً خيارًا ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬كُنتُ ْم‬
‫ف َوتَْن َهوْ َن عَ ِن الْمُنكَ ِر َوُتؤْ ِمنُو نَ‬
‫َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ تَ ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫بِاللّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ّ ﴿ :‬لَتكُونُواْ ُشهَدَاء عَلَى النّاس ِ‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬على المـم‬
‫بتبليغ رسلهم ‪ .‬وروى المام أحد وغيه عن أب سعيد رضي ال عنه قال‬
‫‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬يد عى نوح يوم القيا مة فيقال له ‪ :‬هل بلّ غت ؟‬
‫فيقول نعم ‪ ،‬فيدعى قومه فيقال لم ‪ :‬هل بلّغكم ‪ .‬فيقولون ‪ :‬ما أتانا من‬
‫نذير ‪ ،‬وما أتانا من أحد ‪ ،‬فيقال لنوح ‪ :‬من يشهد لك ؟ فيقول ‪ :‬ممد‬
‫وأمته ‪ .‬قال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ﴾ قال ‪ :‬والوسط العدل ‪.‬‬
‫فتدعون فتشهدون له بالبلغ ث أشهد عليكم » ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫و ف روا ية لح د ‪ « :‬ي يء ال نب يوم القيا مة وم عه الرجلن ‪ ،‬وأك ثر‬
‫مـن ذلك ‪ ،‬فيدعـى قومـه فيقال لمـ ‪ :‬هـل بلّغكـم هذا ؟ فيقولون ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫فيقال له ‪ :‬هـل بلّغـت قومـك ؟ فيقول نعـم ‪ ،‬فيقال ‪ :‬مـن يشهـد لك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬ممد وأمته ‪ ،‬فيدعى ممد وأمته فيقال لم ‪ :‬هل بلغ هذا قومه ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬نعم ‪ ،‬فيقال ‪ :‬وما أعلمكم ؟ فيقولون ‪ :‬جاءنا نبينا فأخبنا أن‬
‫ُمـ ُأ ّمةً‬
‫ِكـ َجعَ ْلنَاك ْ‬
‫الرسـل قـد بلغوا ‪ ،‬فذلك قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَكَذَل َ‬
‫ُونـ الرّسـُولُ‬
‫ّاسـ َوَيك َ‬
‫وَسـَطا ﴾ قال ‪ :‬عدلً ‪ّ ﴿ ،‬لتَكُونُوْا ُشهَدَاء عَلَى الن ِ‬
‫عََليْكُ ْم َشهِيدًا ﴾ ‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وروى أح د وغيه عن ال نب ‪ « :‬يو شك أن تعلموا خيار كم من‬


‫شرار كم » ‪ .‬قالوا ‪ :‬ب يا ر سول ال ؟ قال ‪ « :‬بالثناء ال سن ‪ ،‬والثناء‬
‫السيّء ‪ ،‬أنتم شهداء ال ف الرض » ‪.‬‬
‫وف الديث الخر ‪ « :‬أيا مسلم شهد له أربعة بي ‪ ،‬أدخله ال النة »‬
‫ـ ‪ :‬وثلثـة ؟ قال ‪ :‬فقال ‪ « :‬وثلثـة » قال ‪ :‬فقلنـا ‪ :‬واثنان ؟‬
‫قال ‪ :‬فقلن ا‬
‫قال ‪ « :‬واثنان » ‪ .‬ث ل نسأله عن الواحد ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا ﴾ ‪،‬ك ما قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫ك عَلَى هَ ـؤُلء َشهِيدا *‬ ‫شهِي ٍد وَ ِجئْنَا بِ َ‬
‫َفكَيْ فَ إِذَا ِجئْنَا مِن كُ ّل أ ّمةٍ بِ َ‬
‫ْضـ وَلَ‬
‫ِمـ الَر ُ‬ ‫ُسـوّى ِبه ُ‬‫َصـُواْ الرّسـُولَ َل ْو ت َ‬
‫ِينـ َكفَرُواْ وَع َ‬
‫َيوْ َمئِ ٍذ َيوَ ّد الّذ َ‬
‫يَ ْكتُمُو نَ اللّ هَ حَدِيثا ﴾ قال قتادة ‪ّ ﴿ :‬لتَكُونُوْا ُشهَدَاء عَلَى النّا سِ ﴾ أي ‪:‬‬
‫أن ر سلهم قد بل غت قوم ها عن رب ا ﴿ َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا‬
‫﴾ على أنه قد بلغ رسالت ربه إل أمته ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا َجعَ ْلنَا اْل ِقبَْل َة الّتِي كُن َ‬
‫ت عََلْيهَا إِل ِلَنعْلَ َم مَن َيّتبِ عُ‬
‫ب عَلَى َع ِقَبيْ ِه َوإِن كَانَ تْ َلكَبِ َيةً إِل عَلَى الّذِي َن هَدَى‬
‫الرّ سُو َل مِمّ ن يَنقَلِ ُ‬
‫اللّهُ ﴾ قال ابن كثي ‪ ( :‬يقول تعال ‪ :‬إنا شرعنا لك يا ممد التوجه أولً‬
‫إل ب يت القدس ‪ ،‬ث صرفناك عن ها إل الكع بة ‪ ،‬ليظ هر حال من يتب عك‬
‫ويطيعك ‪ ،‬ويستقبل معك حيثما توجهت ﴿ مِمّن يَنقَلِبُ عَلَى َع ِقبَيْهِ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬مرتدًا عن دي نه ‪َ ﴿ ،‬وإِن كَانَ تْ َل َكبِيَةً ﴾ أي ‪ :‬هذه الفعلة ‪ ،‬و هو‬
‫صرف التو جه عن ب يت القدس إل الكع بة ‪ ،‬أي ‪ :‬وإن كان هذا ال مر‬
‫عظيمًا ف النفوس ‪ ﴿ ،‬إِل عَلَى الّذِي َن هَدَى اللّهُ ﴾ قلوبم وأيقنوا بتصديق‬
‫الرسول ‪ ،‬وإن كل ما جاء به فهو الق الذي ل مرية فيه ‪ ،‬وأن ال يفعل‬
‫الزء الول‬ ‫‪174‬‬

‫ما يشاء ‪ ،‬ويكم ما يريد ‪ ،‬فله أن يكلف عباده با شاء وينسخ ما يشاء ‪،‬‬
‫وله الكمة التامة والجة البالغة ف جيع ذلك ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كَا نَ اللّ هُ ِلُيضِي عَ إِيَاَنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صلتكم إل‬
‫بيت القدس ‪ .‬كما ف الصحيح عن الباء قال ‪ ( :‬مات قوم كانوا يصلون‬
‫ن و بيت القدس ‪ ،‬فقال الناس ‪ :‬ما حال م ف ذلك ؟ فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَمَا‬
‫كَانَ اللّهُ ِلُيضِيعَ إِيَاَنكُمْ ﴾ ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ بِالنّا سِ لَ َرؤُو فٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فل يض يع‬
‫أجورهم ‪ ،‬فإن ال أرحم بم من والديهم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ق ْد َنرَى َتقَلّ بَ َو ْجهِ كَ فِي ال سّمَاء فَلَُن َولّيَنّ كَ‬
‫ث مَا كُنتُ مْ َف َولّواْ‬
‫حرَا ِم َوحَيْ ُ‬
‫جدِ الْ َ‬
‫قِبْ َلةً َترْضَاهَا َفوَ ّل َوجْهَ كَ شَ ْط َر الْمَ سْ ِ‬
‫حقّ مِن ّربّهِ مْ‬
‫وُ ُجوِ َهكُ ْم شَ ْطرَ ُه وَإِنّ اّلذِي َن أُ ْوتُوْا الْكِتَا بَ لَيَعْلَمُو َن َأنّ هُ الْ َ‬
‫وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )144‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثن إساعيل بن أب خالد عن أب إسحاق عن‬
‫الباء قال ‪ ( :‬كان ر سول ال ي صلي ن و ب يت القدس ‪ ،‬ويك ثر الن ظر‬
‫ب وَ ْجهِ كَ فِي‬ ‫إل ال سماء ‪ ،‬ين ظر أ مر ال ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬قَ ْد نَرَى تَقَلّ َ‬
‫حرَا مِ ﴾ فقال‬ ‫سجِ ِد الْ َ‬
‫ك شَ ْط َر الْمَ ْ‬
‫ال سّمَاء َفَلُنوَلَّينّ كَ ِقبَْل ًة تَرْضَاهَا َفوَ ّل وَ ْجهَ َ‬
‫رجال من ال سلمي ‪ :‬ودد نا لو علم نا من مات م نا ق بل أن ن صرف إل‬
‫القبلة ‪ ،‬وك يف ب صلتنا ن و ب يت القدس ؟ فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَمَا كَا نَ اللّ هُ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ .‬وقال السـفهاء مـن الناس ‪ ،‬وهـم مـن أهـل الكتاب‬ ‫ِيعـإِيَاَنك ْ‬ ‫ِليُض َ‬
‫‪175‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ ﴿ :‬مَا وَلهُ ْم عَن ِقبَْلِتهِ ُم الّتِي كَانُوْا عََليْهَا ﴾ فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬سَيقُولُ‬


‫السّ َفهَاء مِ َن النّاسِ ﴾ إل آخر الية ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ ( :‬كان النب إذا انصرف من صلته إل بيت‬
‫القدس ‪ ،‬ر فع رأ سه إل ال سماء ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬فَلُنوَلَّينّ كَ ِقبَْل ًة تَرْضَاهَا‬
‫حرَا مِ ﴾ إل الكع بة ‪ ،‬إل اليزاب ‪ ،‬يؤم به‬ ‫َفوَ ّل وَ ْجهَ كَ شَ ْط َر الْمَ سْجِ ِد الْ َ‬
‫جبيل عليه السلم ) ‪ .‬وعن علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪َ ﴿ :‬فوَلّ‬
‫ـ ﴾ قال ‪ :‬شطره قبله ‪ ،‬وفـ الديـث‬ ‫حرَام ِ‬
‫ـجِ ِد الْ َ‬
‫ـ شَ ْط َر الْمَس ْ‬
‫وَ ْجهَك َ‬
‫الصحيح ‪ « :‬ما بي الشرق والغرب قبلة » ‪ ،‬يعن ‪ :‬لهل الدينة ومن ف‬
‫ستها ‪ ،‬فعلى من كان مشاهدًا للكع بة ا ستقبالا ‪ ،‬وغ ي الشا هد ي ستقبل‬
‫الهة بعد التحري ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنّ الّذِينَ ُأوْتُواْ اْل ِكتَابَ َلَيعْلَمُونَ َأنّهُ الْ َ‬
‫حقّ مِن ّرّبهِمْ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ا ستقبالكم الكع بة ‪ ،‬ولكن هم يكتمون ذلك ﴿ وَمَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّ ا‬
‫َيعْمَلُونَ ﴾ تديد ووعيد ‪.‬‬
‫ت اّلذِي َن أُ ْوتُوْا الْكِتَا بَ ِب ُكلّ آَي ٍة مّ ا‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَئِ نْ َأتَيْ َ‬
‫ض َولَئِ نِ‬
‫ت بِتَابِ ٍع قِبْلََتهُ مْ وَمَا َبعْضُهُم بِتَابِ ٍع قِبْ َل َة َبعْ ٍ‬
‫تَِبعُواْ قِبْلَتَ كَ وَمَا أَن َ‬
‫ت أَ ْهوَاءهُم مّ ن َب ْعدِ مَا جَاء َك مِ َن الْعِلْ مِ ِإنّ كَ إِذَا لّمِ َن الظّالِمِيَ (‬
‫اتّبَعْ َ‬
‫‪. ﴾ )145‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِ نْ َأَتيْ تَ الّذِي نَ ُأ ْوتُوْا الْ ِكتَا بَ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬اليهود‬
‫والنصارى ﴿ ِبكُلّ آَيةٍ ﴾ معجزة ﴿ مّا َتبِعُواْ ِقبَْلتَكَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الكعبة ﴿‬
‫ضهُم ِبتَابِ عٍ ِقبَْل َة َبعْ ضٍ ﴾ لن اليهود تستقبل‬
‫َومَا أَن تَ بِتَابِ عٍ ِقبَْلَتهُ ْم َومَا َب ْع ُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪176‬‬

‫ب يت القدس و هو الغرب ‪ ،‬والن صارى ت ستقبل الشرق ‪ ،‬وقبلة ال سلمي‬


‫الكعبة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِ ِن اتَّبعْ تَ َأ ْهوَاءهُم مّ ن َبعْ ِد مَا جَاء َك مِ َن اْلعِلْ مِ‬
‫ِإنّ كَ إِذَا لّمِ نَ الظّالِ ِميَ ﴾ فيه ‪ :‬تذير المة من مالفة الق واتباع الوى‬
‫‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ آتَيْنَاهُ مُ اْلكِتَا بَ َي ْع ِرفُونَ هُ كَمَا َي ْع ِرفُو نَ‬
‫حقّ مِن‬
‫حقّ َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪ )146‬الْ َ‬
‫َأبْنَاءهُ ْم َوإِنّ َفرِيقا مّ ْنهُمْ لََيكْتُمُونَ الْ َ‬
‫ل َتكُوَن ّن ِمنَ الْمُمَْترِينَ (‪. ﴾ )147‬‬
‫ّرّبكَ فَ َ‬
‫يبـ ال تعال أن علماء أهـل الكتاب يعرفون ممدًا كمـا يعرفون‬
‫أبناءهم ‪ ،‬وأن ما جاء به هو الق ‪ ،‬ولكنهم يكتمون ذلك ‪ ،‬وهم يعلمون‬
‫ث قال تعال ‪ ﴿ :‬الْحَقّ مِن ّربّ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا الق من ال ل شك فيه‬
‫ل تَكُونَنّ مِ َن الْمُ ْمتَرِي نَ ﴾ الشّاك ي ‪ .‬قال الرب يع ‪ :‬ل ت كن ف شك‬
‫﴿ َف َ‬
‫فإنا قبلتك وقبلة النبياء قبلك ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬هذا من الكلم الذي تر جه العرب مرج ال مر أو‬
‫النهي للمخاطب به ‪ ،‬والراد به غيه ‪.‬‬
‫ت أَيْ نَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِلكُ ّل وِ ْج َهةٌ ُه َو مُ َولّيهَا فَا سْتَبِقُواْ الْخَ ْيرَا ِ‬
‫ت بِ ُك ُم اللّ ُه جَمِيعا إِ ّن ال ّلهَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪.﴾)148‬‬
‫مَا َتكُونُوْا َيأْ ِ‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬يع ن بذلك ‪ :‬أ هل الديان ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل كل قبيلة قبلة‬
‫يرضونا ‪ ،‬ووجهة ال حيث توجه الؤمنون ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬لكن أمر كل‬
‫قوم أن يصلوا إل الكعبة ‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خيْرَاتِـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بادروا بالطاعـة أينمـا‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَاس َْت‬


‫ـِبقُوْا الْ َ‬
‫ّهـ جَمِيعا ﴾ يوم القيامـة‬ ‫ُمـ الل ُ‬
‫ْتـ ِبك ُ‬‫تكونوا أنتـم وأهـل الكتاب ‪َ ﴿ ،‬يأ ِ‬
‫ّهـ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪ ،‬وهذه اليـة‬ ‫فيجزيكـم بأعمالكـم ‪ ﴿ ،‬إِنّ الل َ‬
‫ب بِالْحَقّ مُ صَدّقا لّمَا َبيْ نَ يَ َديْ هِ مِ نَ‬ ‫كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَنزَلْنَا إَِليْ كَ اْلكِتَا َ‬
‫ب َو ُم َهيْمِنا عََليْ هِ فَا ْحكُم َبْيَنهُم بِمَا أَنزَلَ اللّ ُه وَلَ َتّتبِ عْ َأ ْهوَاءهُ مْ عَمّا‬
‫الْ ِكتَا ِ‬
‫جعََلكُ مْ‬
‫جَاء كَ مِ َن الْحَقّ ِلكُلّ َجعَ ْلنَا مِنكُ ْم ِش ْر َعةً َو ِمْنهَاجا وََلوْ شَاء اللّ هُ لَ َ‬
‫َاتـإِلَى ال‬ ‫ليْر ِ‬ ‫َاسـبِقُوا ا َ‬
‫ُمـ فِي مَا آتَاكُم ف َْت‬ ‫ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة وَلَــكِن ّلَيبُْلوَك ْ‬
‫ختَِلفُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫مَرْ ِج ُعكُمْ َجمِيعا َفُيَنبُّئكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ َت ْ‬
‫جدِ‬
‫ك شَ ْطرَ الْمَسْ ِ‬
‫ث َخ َرجْتَ َف َولّ َو ْجهَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومِنْ حَيْ ُ‬
‫ك َومَا اللّ هُ ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ (‪َ )149‬ومِ نْ‬
‫حقّ مِن ّربّ َ‬
‫حرَا ِم َوِإنّ ُه لَلْ َ‬
‫الْ َ‬
‫ث مَا كُنتُ مْ‬
‫حرَا ِم وَحَيْ ُ‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫ك شَ ْطرَ الْمَ سْ ِ‬
‫ت َفوَ ّل وَ ْجهَ َ‬
‫ث خَ َرجْ َ‬
‫حَيْ ُ‬
‫ج ٌة إِل اّلذِي نَ ظَ َلمُواْ‬
‫َفوَلّوْا ُوجُوهَكُ مْ شَطْرَ ُه لِئَل َيكُو َن لِلنّا سِ عَلَ ْيكُ مْ حُ ّ‬
‫شوْنِي َو ُلتِمّ ِنعْمَتِي عَلَ ْيكُ ْم َولَعَ ّلكُ مْ َتهَْتدُو نَ (‬
‫ش ْوهُ ْم وَا ْخ َ‬
‫خَ‬‫ل تَ ْ‬
‫مِ ْنهُ ْم فَ َ‬
‫‪. ﴾ )150‬‬
‫قيل ‪ :‬إنا كرر المر باستقبال القبلة لتأكيد النسخ ‪ ،‬لنه أول ناسخ‬
‫وقع ف السلم ‪.‬‬
‫جةٌ إِل الّذِي َن ظَلَمُوْا ِمنْهُمْ َفلَ‬ ‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬لئَل َيكُونَ لِلنّا ِ‬
‫س عََلْيكُمْ ُح ّ‬
‫شوْنِي ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ ( :‬وقوله ‪ِ ﴿ :‬لئَل َيكُو نَ لِلنّا سِ‬
‫ش ْوهُ ْم وَاخْ َ‬
‫تَخْ َ‬
‫جةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أهل الكتاب ‪ ،‬فإنم يعلمون من صفة هذه المة‬ ‫عََليْكُ مْ حُ ّ‬
‫التوجـه إل الكعبـة ‪ ،‬فإذا فقدوا ذلك مـن صـفتها رباـ احتجوا باـ على‬
‫الزء الول‬ ‫‪178‬‬

‫السلمي ‪ ،‬ولئل يتجوا بوافقة السلمي إياهم ف التوجه إل بيت القدس‬


‫س عََلْيكُ مْ‬
‫) ‪ .‬انت هى ‪ .‬و عن ما هد ‪ ،‬وقتادة ف قوله ‪ِ ﴿ :‬لئَل َيكُو نَ لِلنّا ِ‬
‫ُمـ ﴾ قال ‪ :‬هـم مشركـو العرب ‪ ،‬قالوا حيـ‬ ‫ِينـ ظَلَمُوْا ِمْنه ْ‬
‫جةٌ إِل الّذ َ‬
‫ُح ّ‬
‫صرفت القبلة إل الكع بة ‪ :‬قد ر جع إل قبلت كم ‪ ،‬فيو شك أن ير جع إل‬
‫شوْنِي ﴾ ‪.‬‬ ‫ش ْوهُ ْم وَاخْ َ‬
‫ل تَخْ َ‬
‫دينكم ‪ .‬قال ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ ُلتِمّ ِنعْمَتِي عََلْيكُم ْـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بدايتـ إياكـم إل‬
‫قبلة إبراهيم ‪ .‬قال علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪ ( :‬تام النعمة الوت‬
‫على السلم ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلعَّلكُ ْم َت ْهتَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل كي تتدوا من الضللة‬
‫‪ .‬ولعل وعسى من ال واجب ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬كَمَا أَرْ سَلْنَا فِيكُ مْ رَ سُولً مّنكُ مْ يَتْلُو عَلَ ْيكُ مْ‬
‫حكْ َمةَ َوُيعَلّمُكُم مّ ا لَ ْم َتكُونُواْ‬
‫آيَاتِنَا َوُيزَكّيكُ مْ َوُيعَلّ ُمكُ مُ اْلكِتَا بَ وَالْ ِ‬
‫َتعْلَمُونَ (‪ )151‬فَاذْ ُكرُونِي َأذْكُرْ ُكمْ وَاشْ ُكرُوْا لِي َولَ َتكْ ُفرُونِ (‪)152‬‬
‫﴾‪.‬‬
‫قيل معناه ‪ :‬ولت نعمت عليكم ﴿ كَمَا أَرْسَ ْلنَا فِيكُمْ رَسُولً مّنكُمْ ﴾‪.‬‬
‫وقال ما هد ‪ :‬يقول ‪ :‬كما فعلت ﴿ فَاذْ ُكرُونِي ﴾ ‪ .‬قال ال سن وغيه ‪:‬‬
‫إن ال يذ كر من ذكره ‪ ،‬ويز يد مـن شكره ‪ ،‬ويعذب مـن كفره ‪ .‬وقال‬
‫سـعيد بـن جـبي ‪ :‬اذكرونـ بطاعتـ أذكركـم بغفرتـ ‪ .‬وفـ الديـث‬
‫الصحيح ‪ « :‬من ذكرن ف نفسه ذكرته ف نفسي ‪ ،‬ومن ذكرن ف مل‬
‫ذكرته ف مل خي منه » ‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل ِة إِنّ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوْا اسَْتعِينُوْا بِالصّ ْبرِ وَالصّ َ‬
‫اللّ َه مَ َع ال صّاِبرِينَ (‪ )153‬وَ َل َتقُولُوْا لِمَ ْن يُقَْت ُل فِي سَبي ِل اللّ ِه َأمْوَا تٌ‬
‫َبلْ َأحْيَاء وََلكِن ل َتشْ ُعرُونَ (‪. ﴾ )154‬‬
‫الصـب ثلثـة أنواع ‪ :‬صـب على طاعـة ال ‪ ،‬وصـب عـن مارم ال ‪،‬‬
‫وصب على أقدار ال ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬الصب ف بابي ‪ :‬الصب ل با أحب‬
‫وإن ث قل على الن فس والبدان ‪ ،‬وال صب ل ع ما كره وإن ناز عت إل يه‬
‫الهواء ‪ ،‬فمن كان هكذا فهو من الصابرين ‪.‬‬
‫َاتـ ﴾ ‪،‬‬
‫ّهـ َأ ْمو ٌ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتقُولُواْ لِم ْ‬
‫َنـ ُي ْقتَلُ ف ِي سـَبيلِ الل ِ‬
‫شعُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬كما‬ ‫نزلت ف قتلى بدر من السلمي ﴿ بَلْ أَ ْحيَاء وََلكِن ل تَ ْ‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُواْ فِي َسبِيلِ اللّهِ َأمْوَاتا‬
‫قال تعال ف شهداء أحد ‪ ﴿ :‬وَ َل تَحْ َ‬
‫ُونـ ﴾ ‪ .‬وفـ صـحيح مسـلم ‪ « :‬إن أرواح‬ ‫ِمـ يُرْزَق َ‬
‫بَلْ أَ ْحيَاء عِندَ َرّبه ْ‬
‫الشهداء ف حواصل طي خضر ت سرح ف النة حيث شاءت ‪ ،‬ث تأوي‬
‫إل قناد يل معل قة ت ت العرش ‪ ،‬فاطلع علي هم ر بك اطل عة فقال ‪ :‬ماذا‬
‫تبغون ؟ فقالوا ‪ :‬يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما ل تعط أحدًا من‬
‫خلقك ؟ ث عاد عليهم بثل هذا ‪ ،‬فلما رأوا أنم ل يتركون من أن يَسألوا‬
‫‪ ،‬قالوا ‪ :‬نريد أن تردنا إل الدار الدنيا ‪ ،‬فنقاتل ف سبيلك حت نقتل مرة‬
‫أخرى ‪ .‬لاـ يرون مـن ثواب الشهادة ‪ .‬فيقول الرب جـل جلله ‪ :‬إنـ‬
‫كتبت أنم إليها ل يرجعون » ‪.‬‬
‫وروى المام أح د عن المام الشاف عي عن المام مالك عن الزهري‬
‫عن عبد الرحن بن كعب بن مالك عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪180‬‬

‫ن سمة الؤ من طائر تعلق ف ش جر ال نة ‪ ،‬ح ت يرج عه ال إل ج سده يوم‬


‫يبعثه » ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬ففيه دللة لعموم الؤمني أيضًا ‪.‬‬
‫ع َوَنقْ صٍ‬
‫ف وَالْجُو ِ‬
‫شيْ ٍء مّ نَ الْخَو ْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَنَبْ ُل َونّكُ مْ ِب َ‬
‫ِينـ ِإذَا‬
‫َاتـ َوَبشّ ِر الصـّابِرِينَ (‪ )155‬اّلذ َ‬
‫ُسـ وَالثّ َمر ِ‬
‫ّنـ ا َل َموَالِ وَالنف ِ‬
‫م َ‬
‫أَ صَابَتْهُم مّ صِيَبةٌ قَالُوْا ِإنّ ا لِلّ هِ َوِإنّ ـا ِإلَيْ هِ رَاجِعو نَ (‪ )156‬أُولَ ـِئكَ‬
‫ت مّن ّرّبهِ ْم وَ َرحْ َمةٌ َوأُولَـِئكَ ُه ُم الْ ُمهْتَدُونَ (‪.﴾ )157‬‬
‫عَلَ ْي ِهمْ صَ َلوَا ٌ‬
‫ّنـ‬
‫شيْءٍ م َ‬ ‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلَنبُْل َونّك ْ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ولنختـبنكم ‪ ﴿ ،‬بِ َ‬
‫ص مّ َن ا َل َموَا ِل وَالنفُ سِ وَالثّمَرَا تِ ﴾ ‪ ،‬ك ما قال‬ ‫ف وَالْجُو عِ َوَنقْ ٍ‬ ‫الْخَو ْ‬
‫جّن َة وَلَمّ ا َي ْأتِكُم ّمثَ ُل الّذِي نَ َخَل ْواْ مِن‬
‫سْبتُمْ أَن تَدْ ُخلُوْا الْ َ‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬أَ مْ حَ ِ‬
‫ـهُمُ اْلَبأْسـَاء وَالضّرّاء وَزُلْزِلُواْ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وََلنَبُْل َوّنكُم ْـ‬ ‫َقبْلِكُم مّسّْت‬
‫َحتّى َنعَْل َم الْمُجَاهِدِي َن مِنكُ ْم وَال صّابِرِي َن َونَبُْلوَ أَ ْخبَارَكُ مْ ﴾ ‪ .‬وف الديث‬
‫الصحيح ‪ « :‬عجبًا لمر الؤمن إن أمره كله خي ‪ ،‬وليس ذلك لحد إل‬
‫للمؤ من ‪ ،‬إن أ صابته ضراء صب فكان خيًا له ‪ ،‬وإن أ صابته سراء ش كر‬
‫فكان خيًا له » ‪ .‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وبَشّ ِر الصــّابِرِينَ * الّذِينــَ ِإذَا‬
‫أَصَابَْتهُم ّمصِيَبةٌ قَالُواْ ِإنّا لِلّ ِه َوِإنّـا إَِليْهِ رَاجِعونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وف صحيح مسلم عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪ :‬سعت رسول‬
‫ال يقول ‪ « :‬ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول ‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون‬
‫‪ ،‬اللهم أجرن ف مصيبت واخلف ل خيًا منها ‪ ،‬إل آجره ال ف مصيبته‬
‫‪181‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وأخلف له خيا من ها » ‪ .‬قالت ‪ :‬فل ما تو ف أ بو سلمة قلت ك ما أمر ن‬


‫رسول ال فأخلف ال خيًا منه رسول ال ‪.‬‬
‫ت مّ ن ّرّبهِ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ثناء‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أُولَ ـئِكَ عََلْيهِ مْ َ‬
‫صَلوَا ٌ‬
‫ال علي هم ورح ته ‪ .‬قال ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه ‪ :‬ن عم العدلن‬
‫ِمـ وَرَ ْح َمةٌ ﴾ ‪،‬‬
‫صـَلوَاتٌ مّنـ ّرّبه ْ‬
‫ِمـ َ‬
‫ك عََلْيه ْ‬
‫ـ َ‬
‫ونعمـت العلوة ‪ ﴿ :‬أُولَـ ئِ‬
‫فهذان العدلن ﴿ َوأُولَـئِكَ هُمُ الْ ُمهْتَدُونَ ﴾ ‪ ،‬فهذه العلوة ‪.‬‬
‫وروى أحد وغيه عن أب موسى رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ « :‬قال ال ‪ :‬يا ملك الوت ‪ ،‬قب ضت ولد عبدي ؟ قب ضت قرة عي نه‬
‫وثرة فؤاده ؟ قال ‪ :‬ن عم ‪ .‬قال ‪ :‬ف ما قال ؟ قال ‪ :‬حدك وا سترجع ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬ابنوا له بيتًا ف النة وسوه بيت المد » ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪182‬‬

‫الدرس السابع عشر‬

‫ت َأوِ اعَْت َم َر فَلَ‬


‫﴿ إِنّ ال صّفَا وَالْ َم ْر َوةَ مِن شَعَآِئرِ اللّ هِ فَمَ ْن حَجّ الْبَيْ َ‬
‫ع خَيْرا َفإِنّ اللّ هَ شَا ِكرٌ عَلِي مٌ (‬
‫ف ِبهِمَا وَمَن تَ َطوّ َ‬
‫جُنَا حَ عَلَيْ هِ أَن يَ ّطوّ َ‬
‫ت وَاْل ُهدَى مِن َبعْ ِد مَا بَيّنّاهُ‬
‫‪ )158‬إِنّ اّلذِينَ َيكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِ َن الْبَيّنَا ِ‬
‫ب أُولَـِئكَ يَلعَُنهُ مُ اللّ هُ وَيَ ْلعَُنهُ مُ اللّاعِنُو نَ (‪ )159‬إِل‬
‫لِلنّا سِ فِي اْلكِتَا ِ‬
‫ّابـ‬
‫ِمـ َوأَنَا الّتو ُ‬
‫ُوبـ عَلَ ْيه ْ‬
‫ك أَت ُ‬
‫َصـَلحُوْا َوبَيّنُوْا َفأُ ْولَــِئ َ‬
‫ِينـ تَابُوْا َوأ ْ‬
‫الّذ َ‬
‫ال ّرحِي مُ (‪ )160‬إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا َومَاتُوا َوهُ مْ ُكفّا ٌر أُولَئِ كَ عَلَ ْيهِ ْم َلعْنَةُ‬
‫خفّ فُ عَ ْنهُ مُ‬
‫اللّ هِ وَالْمَلِئ َكةِ وَالنّا سِ َأجْ َمعِيَ (‪ )161‬خَالِدِي َن فِيهَا لَ يُ َ‬
‫الْ َعذَابُـ وَ َل هُم ْـيُن َظرُونَـ (‪ )162‬وَِإلَــهُ ُك ْم ِإلَهٌـ وَا ِحدٌ ل ِإلَهَـإِل ُهوَ‬
‫ل فِ‬
‫ض وَاخْتِ َ‬
‫ال ّرحْمَ ُن الرّحِي مُ (‪ )163‬إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫ح ِر بِمَا يَنفَ ُع النّا سَ وَمَا أَن َزلَ‬
‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫ك الّتِي تَ ْ‬
‫اللّيْ ِل وَالّنهَا ِر وَاْلفُلْ ِ‬
‫ض َب ْعدَ َم ْوتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن ُكلّ‬
‫اللّ ُه مِ نَ ال سّمَا ِء مِن مّاء َفَأحْيَا بِ هِ الرْ َ‬
‫ض ليَا تٍ‬
‫خ ِر بَيْ نَ ال سّمَاء وَالَرْ ِ‬
‫ح وَال سّحَابِ الْمُ سَ ّ‬
‫صرِيفِ الرّيَا ِ‬
‫دَآّبةٍ َوتَ ْ‬
‫ّهـ أَندَادا‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫خذُ مِن د ِ‬
‫ّاسـ مَن يَتّ ِ‬
‫ِنـ الن ِ‬
‫ُونـ (‪َ )164‬وم َ‬
‫ْمـ يَ ْعقِل َ‬
‫ّلقَو ٍ‬
‫يُحِبّونَهُ مْ كَحُبّ اللّ ِه وَاّلذِي نَ آمَنُواْ َأ َشدّ حُبّا لّلّ ِه َولَ ْو َيرَى اّلذِي نَ ظَ َلمُواْ‬
‫ِإذْ َي َروْ َن الْ َعذَا بَ أَنّ الْ ُق ّوةَ لِلّ هِ جَمِيعا وَأَنّ اللّ هَ َشدِي ُد الْ َعذَا بِ (‪)165‬‬
‫ِمـ‬
‫َتـ ِبه ُ‬
‫َابـ َوَتقَ ّطع ْ‬
‫ِينـ اتّبَعُواْ وَ َرَأوُْا اْلعَذ َ‬
‫ِنـ الّذ َ‬
‫ِينـ اتِّبعُوْا م َ‬
‫ِإذْ تََب ّرأَ اّلذ َ‬
‫الَ سْبَابُ (‪َ )166‬وقَالَ اّلذِي َن اتّبَعُواْ َلوْ أَنّ لَنَا َك ّر ًة فَنَتََب ّرأَ مِ ْنهُ مْ كَمَا‬
‫ِمـ وَمَا هُم‬
‫َسـرَاتٍ عَلَ ْيه ْ‬
‫ُمـ ح َ‬
‫ّهـ أَ ْعمَالَه ْ‬
‫ِمـ الل ُ‬
‫ِكـ ُيرِيه ُ‬
‫تََبرّؤُواْ مِنّاـ َك َذل َ‬
‫ي ِمنَ النّارِ (‪. ﴾ )167‬‬
‫بِخَا ِرجِ َ‬
‫‪183‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صفَا وَالْ َم ْر َو َة مِن شَعَآئِ ِر اللّ ِه فَمَ ْن حَجّ‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ ال ّ‬
‫ع خَيْرا َفإِنّ‬
‫ف ِبهِمَا َومَن تَ َطوّ َ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَيْ ِه أَن يَ ّطوّ َ‬
‫الْبَيْ تَ أَوِ اعْتَ َم َر فَ َ‬
‫اللّ َه شَاكِرٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )158‬‬
‫﴿ َشعَآئِرِ اللّ هِ ﴾ ‪ :‬معال دي نه ‪ ،‬والراد به ه نا ‪ :‬النا سك ال ت جعل ها‬
‫أعلمًا لطاعته وموضعًا لعبادته ‪ .‬روى البخاري عن أنس قال ‪ :‬كنا نرى‬
‫أن الصفا والروة من أمر الاهلية ‪ ،‬فلماجاء السلم أمسكنا عنها ‪ ،‬فأنزل‬
‫صفَا وَالْ َم ْروَ َة مِن َشعَآئِرِ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬وقال الش عب ‪:‬‬
‫ال عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ ال ّ‬
‫كان أ ساف على ال صفا ‪ ،‬وكا نت نائلة على الروة ‪ ،‬وكانوا ي ستلمونا ‪،‬‬
‫فتحرجوا بعد السلم من الطواف بينهما ‪ ،‬فنلت هذه الية ‪ .‬وذكر ابن‬
‫إسحاق أن أسافًا ونائلة كانا بشرين فزينا داخل الكعبة فمسخا حجرين ‪،‬‬
‫فنصبتهما قريش تاه الكعبة ليعتب بما الناس ‪ ،‬فلما طال عهدها عُبدا ‪،‬‬
‫ث حول إل الصفا والروة فنصبا هنالك ‪ ،‬فكان من طاف بالصفا والروة‬
‫يستلمهما ‪.‬‬
‫و ف صحيح م سلم من حد يث جابر الطو يل ‪ ( :‬أن ر سول ال ل ا‬
‫فرغ من طوافه بالبيت عاد إل الركن فاستلمه ‪ ،‬ث خرج من باب الصفا‬
‫وهـو يقول ‪ ﴿ « :‬إِنّ الصّـفَا وَالْمَ ْر َو َة مِن َشعَآئِرِ اللّهِـ ﴾ ‪ -‬ثـ قال ‪: -‬‬
‫« أبدأ با بدأ ال به » ‪ .‬وف رواية النسائي ‪ « :‬ابدءوا با بدأ ال به » ‪.‬‬
‫وف الديث الخر ‪ «:‬اسعوا فإن ال كتب عليكم السعي » ‪ .‬رواه أحد‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن تَ َطوّعَ َخيْرا فَِإنّ اللّ َه شَاكِ ٌر عَلِيمٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫تطوع بالجـ والعمرة بعـد أداء الواجـب فإن ال ماز لعبده بميـع علمـه‬
‫عليم بنيته ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪184‬‬

‫ت وَاْل ُهدَى‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن يَكْتُمُو َن مَا أَن َزلْنَا مِ نَ الْبَيّنَا ِ‬
‫ك يَلعَُنهُ ُم اللّ ُه َويَ ْلعَنُهُ مُ‬
‫س فِي الْكِتَا بِ أُولَ ـئِ َ‬
‫مِن َب ْعدِ مَا بَيّنّا هُ لِلنّا ِ‬
‫ُوبـ‬
‫َصـلَحُوْا وَبَيّنُواْ َفُأ ْولَــِئكَ َأت ُ‬
‫ِينـ تَابُوْا َوأ ْ‬
‫ُونـ (‪ )159‬إِل اّلذ َ‬
‫اللّاعِن َ‬
‫عَلَ ْي ِه ْم وََأنَا الّتوّابُ ال ّرحِيمُ (‪. ﴾ )160‬‬
‫قال قتادة ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن َيكْتُمُو نَ مَا أَنزَلْنَا مِ َن اْلبَّينَا ِ‬
‫ت وَالْهُدَى مِن‬
‫َبعْدِ مَا َبّينّا هُ لِلنّا سِ فِي اْلكِتَا بِ ﴾ ‪ ،‬أولئك ‪ :‬أهل الكتاب كتموا السلم‬
‫و هو د ين ال ‪ ،‬وكتموا ممدًا و هم يدو نه مكتوبًا عند هم ف التوراة‬
‫والن يل ‪ .‬و ف الد يث عن ال نب قال ‪ « :‬من سئل عن علم فكت مه‬
‫ألم يوم القيامة بلجام من نار » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أُولَ ـئِكَ يَل َعُنهُ مُ اللّ ُه َويَ ْل َعُنهُ مُ اللّا ِعنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أ صل‬
‫الل عن الطرد ‪ ،‬والبعاد ‪ .‬قال ما هد ‪ :‬إذا أجد بت الرض قالت البهائم ‪:‬‬
‫هذا من أجل عصاة بن آدم ‪ ،‬لعن ال عصاة بن آدم ‪.‬‬
‫ـلَحُوْا َوبَّينُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬رجعوا‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِل الّذِين َ‬
‫ـ تَابُواْ َوأَص ْ‬
‫عما كانوا عليه من العاصي وأصلحوا أعمالم ‪ ،‬وبينوا للناس ما كتموا ﴿‬
‫َفُأوْلَـئِكَ َأتُوبُ عََلْيهِ ْم َوَأنَا الّتوّابُ الرّحِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِ ّن الّذِينَ َك َفرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ ُكفّا ٌر أُولَئِكَ عَلَ ْي ِهمْ‬
‫خفّ فُ‬
‫َلعْنَ ُة اللّ هِ وَالْمَلئِ َكةِ وَالنّا سِ َأجْ َمعِيَ (‪ )161‬خَاِلدِي نَ فِيهَا َل يُ َ‬
‫عَ ْن ُهمُ اْل َعذَابُ وَ َل هُ ْم يُن َظرُونَ (‪. ﴾ )162‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه ال ‪ ،‬ث تلعنه اللئكة‬
‫ث يلعنه الناس أجعون ‪.‬‬
‫‪185‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬خَالِد َ‬


‫ِينـ فِيهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فـ نار جهنـم ‪ ،‬كمـا قال‬
‫حيَا ِة‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِإنّمَا اتّخَذْتُم مّ ن دُو نِ اللّ هِ َأ ْوثَانا ّموَ ّد َة َبيِْنكُ مْ فِي الْ َ‬
‫ضكُم َبعْضا َو َمأْوَاكُ مُ‬ ‫ض َويَ ْلعَ ُن َبعْ ُ‬‫ضكُم ِببَعْ ٍ‬ ‫ال ّدنْيَا ثُمّ َيوْ مَ اْل ِقيَا َمةِ َي ْكفُ ُر َبعْ ُ‬
‫النّا ُر َومَا َلكُم مّن نّاصِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ب وَ َل هُ ْم يُنظَرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ف َعْنهُ ُم اْلعَذَا ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ل يُ َ‬
‫خفّ ُ‬
‫ل يهلون ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬لوْ َيعَْل ُم الّذِي نَ َكفَرُوا ِحيَ لَا يَ ُكفّو نَ عَن‬
‫وُجُو ِههِ مُ النّا َر وَلَا عَن ُظهُورِهِ ْم وَلَا هُ ْم يُن صَرُونَ بَ ْل َت ْأتِيهِم َب ْغَتةً َفَتْبهَُتهُ مْ‬
‫ستَطِيعُونَ رَ ّدهَا وَلَا هُ ْم يُنظَرُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫فَلَا يَ ْ‬
‫قال أبـو العاليـة ‪ :‬ل ينظرون فيعتذروا ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا ُيؤْذ ُ‬
‫َنـ‬
‫َلهُمْ َفَيعْتَ ِذرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫َنـ‬
‫َهـ إِل ُهوَ ال ّرحْم ُ‬
‫َهـ وَاحِ ٌد ل ِإل َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإلَــُهكُ ْم ِإل ٌ‬
‫َفـ اللّيْلِ‬
‫ْضـ وَاخْتِل ِ‬
‫ت وَالَر ِ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫ْقـ ّ‬‫ِيمـ (‪ )163‬إِنّ فِي خَل ِ‬
‫ال ّرح ُ‬
‫حرِ بِمَا يَنفَ ُع النّاسَ َومَا أَنزَ َل اللّ ُه مِنَ‬
‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫وَالّنهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَ ْ‬
‫ال سّمَا ِء مِن مّاء َفأَحْيَا بِ ِه الرْ ضَ بَ ْع َد مَ ْوتِهَا َوبَثّ فِيهَا مِن ُكلّ دَآبّةٍ‬
‫ض ليَاتٍ ّل َقوْ مٍ‬
‫خرِ بَيْنَ السّمَاء وَالَرْ ِ‬
‫سّ‬‫ح وَالسّحَابِ الْمُ َ‬
‫ف الرّيَا ِ‬
‫صرِي ِ‬
‫وَتَ ْ‬
‫َيعْقِلُونَ (‪. ﴾ )164‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬سبب نزول هذه ال ية أن كفار قر يش قالوا ‪ :‬يا م مد‬
‫صف ل نا ربك وان سبه ‪ .‬فأنزل ال تعال هذه الية ‪ ،‬وسورة الِخلص ‪.‬‬
‫والواحـد ‪ :‬الذي ل نظيـ له ول شريـك له ‪ .‬وذكـر حديـث شهـر بـن‬
‫حوشب عن أساء بنت يزيد أنا قالت ‪ :‬سعت رسول ال يقول ‪« :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪186‬‬

‫إن ف هات ي اليت ي اسم ال الع ظم ‪َ ﴿ :‬وإِلَ ـهُكُمْ إِلَ هٌ وَا ِحدٌ ل إِلَ هَ إِل‬
‫حيّ اْل َقيّومُ ﴾ »‬ ‫ُهوَ الرّحْمَنُ الرّحِيمُ ﴾ ‪ ،‬و ﴿ ال * اللّهُ لَ إِلَـهَ إِل ُهوَ الْ َ‬
‫‪ .‬قال أبو الضحى ‪ ( :‬لا نزلت هذه الية قال الشركون ‪ :‬إن ممدًا يقول‬
‫‪ :‬إن إلكم إله واحد ‪ ،‬فليأتنا بآية إن كان من ال صادقي ‪ ،‬فأنزل ال عز‬
‫ت وَالَرْضِـ ﴾ اليـة ) ‪ .‬قال عطاء ‪:‬‬ ‫السـمَاوَا ِ‬
‫وجـل ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي َخلْقِـ ّ‬
‫نزلت على النب بالدينة ‪َ ﴿ :‬وإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَا ِحدٌ ل إِلَهَ إِل ُهوَ الرّ ْحمَنُ‬
‫الرّحِيمُ ﴾ ‪ ،‬فقال كفار قريش بكة ‪ :‬كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل‬
‫ت وَالَرْ ضِ وَا ْخِتلَ فِ الّليْلِ وَالّنهَارِ‬ ‫ال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ح ِر بِمَا يَنفَعُ النّاسَ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬ليَاتٍ‬ ‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫ك اّلتِي تَ ْ‬
‫وَالْفُلْ ِ‬
‫ّل َقوْ مٍ يَ ْعقِلُو نَ ﴾ ‪ ،‬فبهذا يعلمون أنه إله واحد ‪ ،‬وأنه إله كل شيء وخالق‬
‫كل شيء ‪.‬‬
‫ّهـ أَندَادا‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫خ ُذ مِن د ِ‬
‫ّاسـ مَن يَتّ ِ‬
‫ِنـ الن ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وم َ‬
‫يُحِبّونَهُ مْ كَحُبّ اللّ ِه وَاّلذِي نَ آمَنُواْ َأ َشدّ حُبّا لّلّ ِه َولَ ْو َيرَى اّلذِي نَ ظَ َلمُواْ‬
‫ِإذْ َي َروْ َن الْ َعذَا بَ أَنّ الْ ُق ّوةَ لِلّ هِ جَمِيعا وَأَنّ اللّ هَ َشدِي ُد الْ َعذَا بِ (‪)165‬‬
‫ِمـ‬
‫َتـ ِبه ُ‬
‫َابـ َوَتقَ ّطع ْ‬
‫ِينـ اتّبَعُواْ وَ َرَأوُْا اْلعَذ َ‬
‫ِنـ الّذ َ‬
‫ِينـ اتِّبعُوْا م َ‬
‫ِإذْ تََب ّرأَ اّلذ َ‬
‫الَ سْبَابُ (‪َ )166‬وقَالَ اّلذِي َن اتّبَعُواْ َلوْ أَنّ لَنَا َك ّر ًة فَنَتََب ّرأَ مِ ْنهُ مْ كَمَا‬
‫ِمـ وَمَا هُم‬
‫َسـرَاتٍ عَلَ ْيه ْ‬
‫ُمـ ح َ‬
‫ّهـ أَ ْعمَالَه ْ‬
‫ِمـ الل ُ‬
‫ِكـ ُيرِيه ُ‬
‫تََبرّؤُواْ مِنّاـ َك َذل َ‬
‫ي ِمنَ النّارِ (‪. ﴾ )167‬‬
‫بِخَا ِرجِ َ‬
‫يذ كر تعال حال الشرك ي به ف الدن يا و ما ل م ف الخرة ‪ ،‬ح يث‬
‫جعلوا له ﴿ أَندَادا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أمثالً ونظراء ‪ ،‬يعبدونمـ معـه ويبونمـ‬
‫‪187‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫كح به ‪ ،‬و هو ال ل إله إل هو ل شر يك له ول ند له ‪ ،‬فقال تعال ‪﴿ :‬‬


‫حبّوَنهُ مْ َكحُبّ اللّ ِه وَالّذِي نَ‬
‫خ ُذ مِن دُو نِ اللّ هِ أَندَادا يُ ِ‬
‫س مَن يَتّ ِ‬
‫َومِ َن النّا ِ‬
‫آ َمنُواْ َأشَدّ ُحبّا لّلّ هِ ﴾ ‪ .‬قال الرب يع ‪ :‬هي الل ة ال ت تع بد من دون ال ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬يبون أوثانم كحب ال ﴿ وَالّذِي نَ آ َمنُواْ َأشَدّ ُحبّا لّلّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫حبّوَنهُ مْ كَحُبّ اللّ ِه ﴾ مباهاة‬ ‫من الكفار لوثان م ‪ .‬وقال ما هد ‪ ﴿ :‬يُ ِ‬
‫ّهـ ﴾ مـن الكفار‬ ‫ِينـ آ َمنُواْ َأشَدّ ُحبّا لّل ِ‬
‫ومضاهاة للحـق بالنداد ‪ ﴿ ،‬وَالّذ َ‬
‫لوثانم ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ آ َمنُواْ َأشَدّ ُحبّا لّلّ هِ ﴾ ولب هم ل‬
‫وتام معرفت هم به ‪ ،‬وتوقي هم وتوحيد هم له ‪ ،‬ل يشركون به شيئًا ‪ ،‬بل‬
‫يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ‪ ،‬ويلجأون ف جيع أمورهم إليه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََل ْو يَرَى الّذِي َن ظَلَمُواْ إِ ْذ يَ َروْ َن الْعَذَا بَ َأنّ اْل ُقوّةَ لِلّ هِ‬
‫َابـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ولو يعلم الذيـن ظلموا باتاذ‬ ‫ّهـ شَدِي ُد اْلعَذ ِ‬ ‫جَمِيعا َوأَنّ الل َ‬
‫ّهـ‬
‫َابـ ﴾ عاينوه يوم القيامـة ‪ ﴿ ،‬أَن ّ الْ ُق ّوةَ ِلل ِ‬ ‫ْنـ الْعَذ َ‬ ‫النداد ‪ ﴿ ،‬إِ ْذ يَ َرو َ‬
‫جَمِيعا َوأَنّ اللّ َه شَدِي ُد اْلعَذَابِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لو يعلمون أن القدرة ل جيعًا ‪،‬‬
‫ـ ﴾ يوم القيامـة لندموا أشـد‬ ‫ـ اْلعَذَاب َ‬ ‫ل قدرة لندادهـم ‪ ﴿ ،‬إِذْ يَ َروْن َ‬
‫الندا مة ﴿ ِإ ْذ َتبَ ّرأَ الّذِي نَ اّتِبعُواْ ﴾ ‪ ،‬وهم ‪ :‬القادة ﴿ مِ َن الّذِي نَ اّتَبعُواْ ﴾ ‪،‬‬
‫ـبَابُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ـ الَس ْ‬‫ـ ِبهِم ُ‬
‫ـ َوَتقَ ّطعَت ْ‬ ‫أي ‪ :‬التباع ‪ ﴿ ،‬وَ َرَأ ُواْ اْلعَذَاب َ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ أَن ِفقُوْا مِمّاـ‬
‫أسـباب اللص ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذ َ‬
‫رَزَ ْقنَاكُم مّن َقبْلِ أَن يَ ْأتِ يَ َيوْ ٌم ل بَيْ عٌ فِي ِه وَلَ ُخّلةٌ وَلَ َشفَا َعةٌ وَاْلكَافِرُو نَ‬
‫هُمُ الظّالِمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪188‬‬

‫ُمـ كَمَا‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذ َ‬


‫ِينـ اّتبَعُواْ َلوْ أَنّ لَنَا َك ّرةً َفَنَتبَ ّرَأ ِمنْه ْ‬
‫ت عََلْيهِ مْ َومَا هُم بِخَارِ ِجيَ‬ ‫ك يُرِيهِ مُ اللّ هُ َأعْمَاَلهُ مْ حَ سَرَا ٍ‬ ‫َتبَ ّرؤُوْا ِمنّا كَذَلِ َ‬
‫ض عَ ُدوّ إِلّا‬ ‫ضهُ مْ ِلَبعْ ٍ‬ ‫مِ َن النّارِ ﴾ ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬اْلأَخِلّاء َي ْومَئِ ٍذ َب ْع ُ‬
‫الْ ُمتّقِيَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ تَرَى إِذِ الظّالِمُو نَ َموْقُوفُو نَ عِندَ َرّبهِ مْ‬
‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ ا ْسَتكْبَرُوا َلوْلَا‬ ‫ضهُمْ إِلَى َبعْضٍ اْل َقوْ َل َيقُولُ الّذِي َن ا ْستُ ْ‬ ‫يَرْ ِج ُع َبعْ ُ‬
‫أَنتُمْ َل ُكنّا ُمؤْ ِمنِيَ * قَا َل الّذِينَ ا ْسَتكْبَرُوا لِلّذِينَ ا ْسُتضْ ِعفُوا َأنَحْنُ صَدَ ْدنَاكُمْ‬
‫ض ِعفُوا‬ ‫ـ ْ‬ ‫عَنِـ اْلهُدَى َبعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مّجْ ِرمِيَ * وَقَا َل الّذِينَـ اس ْتُ‬
‫جعَلَ لَهُ‬‫لِلّذِي َن ا ْستَ ْكبَرُوا بَ ْل مَكْرُ الّليْلِ وَالّنهَارِ إِ ْذ َت ْأمُرُونَنَا أَن نّ ْكفُ َر بِاللّ ِه َونَ ْ‬
‫ض َعفَاء ِللّذِي نَ‬ ‫أَندَادا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َيتَحَاجّو نَ فِي النّارِ َفَيقُولُ ال ّ‬
‫ا سَْتكْبَرُوا ِإنّ ا ُكنّ ا َلكُ ْم َتبَعا َفهَلْ أَنتُم ّم ْغنُو نَ عَنّ ا نَ صِيبا مّ َن النّارِ * قَالَ‬
‫الّذِي نَ ا ْسَتكْبَرُوا ِإنّ ا كُلّ فِيهَا إِنّ اللّ هَ قَدْ َحكَ َم َبيْ َن اْلعِبَادِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن‬
‫ت عََلْيهِ ْم ﴾ أنم أشركوا‬ ‫ك ُيرِيهِ مُ اللّ هُ أَعْمَاَلهُ مْ حَ سَرَا ٍ‬ ‫كيسان ‪ ﴿ :‬كَذَلِ َ‬
‫بال الوثان ‪ ،‬برجاء أن تقربمـ إل ال عـز وجـل ‪ ،‬فلمـا عذبوا على مـا‬
‫كانوا يرجون ثوابه ‪ ،‬تسروا وندموا ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫***‬
‫‪189‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن عشر‬

‫للً طَيّبا َولَ تَتِّبعُواْ‬


‫ْضـ حَ َ‬
‫ّاسـ ُكلُوْا مِمّاـ ف ِي الَر ِ‬
‫﴿ ي َا َأيّه َا الن ُ‬
‫خُطُوَا تِ الشّيْطَا نِ إِنّ ُه لَكُ مْ َع ُدوّ مّبِيٌ (‪ِ )168‬إنّمَا َي ْأمُرُكُ ْم بِال سّوءِ‬
‫ُمـ‬
‫ُونـ (‪ )169‬وَِإذَا قِي َل َله ُ‬
‫ّهـ مَا لَ َتعْلَم َ‬
‫حشَاء وَأَن َتقُولُواْ َعلَى الل ِ‬
‫وَاْلفَ ْ‬
‫اتّبِعُوا مَا أَنزَ َل اللّ هُ قَالُوْا َبلْ نَتِّب ُع مَا َأْلفَيْنَا عَلَيْ هِ آبَاءنَا َأ َولَوْ كَا نَ آبَا ُؤهُ مْ‬
‫ِينـ َكفَرُواْ َكمََث ِل الّذِي‬
‫ُونـ (‪ )170‬وَمََث ُل الّذ َ‬
‫ُونـ شَيْئا وَ َل َيهْتَد َ‬
‫لَ َي ْعقِل َ‬
‫صمّ ُبكْ مٌ عُمْ يٌ َفهُ ْم لَ َي ْعقِلُو نَ (‬
‫يَ ْنعِ ُق بِمَا لَ يَ سْ َم ُع إِل دُعَاء َوِندَاء ُ‬
‫ت مَا َر َزقْنَاكُ ْم وَا ْش ُكرُواْ لِلّ هِ‬
‫‪ )171‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن َطيّبَا ِ‬
‫إِن كُنتُ ْم ِإيّا ُه َتعْبُدُو نَ (‪ِ )172‬إنّمَا َحرّ مَ عَلَ ْيكُ مُ الْمَيَْت َة وَالدّ َم َولَحْ مَ‬
‫غ َولَ عَادٍ فَل ِإثْمَ عَلَيْهِ‬
‫الْخِنِيرِ َومَا ُأ ِهلّ بِ ِه ِلغَيْ ِر اللّهِ فَمَنِ اضْ ُطرّ غَ ْي َر بَا ٍ‬
‫إِنّ اللّهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪ )173‬إِنّ اّلذِينَ َيكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّ ُه مِنَ اْلكِتَابِ‬
‫ك مَا َيأْكُلُو َن فِي بُطُونِهِ مْ إِل النّا َر َولَ‬
‫ل أُولَ ـئِ َ‬
‫وََيشَْترُو نَ بِ ِه ثَمَنا قَلِي ً‬
‫ِيمـ (‪)174‬‬
‫َابـ َأل ٌ‬
‫ُمـ َعذ ٌ‬
‫ِمـ َوَله ْ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة وَ َل ُيزَكّيه ْ‬
‫ّهـ َيو َ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫يُكَلّ ُمه ُ‬
‫ب بِالْ َم ْغ ِف َرةِ فَمَا أَصَْب َر ُهمْ‬
‫لَلةَ بِاْلهُدَى وَاْل َعذَا َ‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ َر ُواْ الضّ َ‬
‫أُولَـئِ َ‬
‫ِينـ‬
‫َابـ بِالْحَق ّ َوإِن ّ اّلذ َ‬
‫ّهـ َنزّ َل الْكِت َ‬
‫ِكـ ِبأَن ّ الل َ‬
‫عَلَى النّارِ (‪َ )175‬ذل َ‬
‫ق َبعِيدٍ (‪. ﴾ )176‬‬
‫اخْتَ َلفُوْا فِي اْلكِتَابِ لَفِي ِشقَا ٍ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪190‬‬

‫للً طَيّبا‬
‫ض حَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا النّا سُ كُلُوْا مِمّا فِي الَرْ ِ‬
‫ت الشّيْطَا نِ إِنّ هُ َلكُ مْ َع ُدوّ مّبِيٌ (‪ِ )168‬إنّمَا َي ْأمُرُكُ مْ‬
‫وَ َل تَتِّبعُوْا خُطُوَا ِ‬
‫حشَاء وَأَن َتقُولُواْ عَلَى ال ّلهِ مَا لَ َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )169‬‬
‫بِالسّو ِء وَاْلفَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬نزلت ف ‪ :‬ثق يف ‪ ،‬وخزا عة ‪ ،‬وعا مر بن صعصعة ‪،‬‬
‫وبنـ مدل ‪ ،‬فيمـا حرموا على أنفسـهم مـن الرث والنعام ‪ ،‬والبحية‬
‫والسائبة ‪ ،‬والوصيلة ‪ ،‬والام ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وف صحيح مسلم عن رسول ال أنه قال ‪ « :‬يقول ال تعال ‪ :‬إن‬
‫كـل مال منحتـه عبادي فهـو لمـ حلل ‪ ،‬وإنـ خلقـت عبادي حنفاء ‪،‬‬
‫فجاءت م الشياط ي فاجتالت هم عن دين هم ‪ ،‬وحر مت علي هم ما أحللت‬
‫لم » ‪ .‬وف الديث الخر ‪ « :‬اللل ما أحل ال ‪ ،‬والرام ما حرم ال‬
‫وما سكت عنه فهو عفو ‪ ،‬فاقبلوا من ال عافيته » ‪.‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طرائقـه‬
‫شيْطَان ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتتِّبعُواْ خُ ُطوَات ِ‬
‫ـ ال ّ‬
‫وأوامره ﴿ ِإنّهُ َلكُ ْم عَ ُد ّو ّمبِيٌ ﴾ بيّن العداوة ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َبنِي‬
‫جّنةِ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال‬ ‫شيْطَا نُ كَمَا أَخْ َر جَ َأَبوَيْكُم مّ َن الْ َ‬ ‫آدَ مَ َل َيفِْتَننّكُ مُ ال ّ‬
‫‪ ﴿ :‬أََفَتتّخِذُونَ هُ وَ ُذ ّرّيتَ هُ َأوْلِيَاء مِن دُونِي َوهُ مْ َلكُ مْ عَ ُد ّو ِبئْ سَ لِلظّالِمِيَ‬
‫ُوهـ عَ ُدوّا ِإنّمَا‬
‫خذ ُ‬ ‫ُمـ عَ ُدوّ فَاتّ ِ‬
‫َانـ َلك ْ‬
‫شيْط َ‬ ‫بَدَلً ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ ال ّ‬
‫يَ ْدعُو حِ ْزبَهُ ِليَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السّعِيِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كـل معصـية ل فهـي مـن خطوات الشيطان ‪ .‬وقال ابـن‬
‫عباس ‪ :‬ما كان من يي أو نذر ف غضب ‪ ،‬فهو من خطوات الشيطان ‪،‬‬
‫وكفارته كفارة يي ‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّمَـا َي ْأمُرُكُم ْ‬


‫ـ بِالسـّوءِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الفعال السـيئة‬
‫والفحشاء ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬الفحشاء من العا صي ما ي ب ف يه ال د ‪،‬‬
‫والسوء من الذنوب ما ل حد فيه ﴿ َوأَن َتقُولُواْ عَلَى اللّ ِه مَا َل َتعْلَمُونَ ﴾‬
‫من اتاذ النداد ‪ ،‬وتري اللل ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا قِيلَ لَهُ مُ اتِّبعُوا مَا أَن َزلَ اللّ ُه قَالُواْ َب ْل نَتّبِ عُ‬
‫مَا أَْلفَيْنَا عَ َليْ هِ آبَاءنَا َأوََلوْ كَا نَ آبَاؤُهُ مْ َل َيعْقِلُو َن شَيْئا وَ َل َيهْتَدُو نَ (‬
‫َسـ َم ُع إِل دُعَاء‬
‫ِقـ بِم َا لَ ي ْ‬
‫ِينـ َكفَرُواْ َكمََث ِل الّذِي يَ ْنع ُ‬
‫‪ )170‬وَمََث ُل الّذ َ‬
‫ص ّم ُبكْمٌ عُ ْم ٌي َف ُهمْ َل َيعْقِلُونَ (‪. ﴾ )171‬‬
‫وَِندَاء ُ‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ ﴾ لؤلء الكفرة ‪ ﴿ :‬اّتِبعُوا مَـا أَنزَلَ اللّه ُ‬
‫ـ‬
‫﴾ على رسوله واتركوا ما أنتم عليه من الضلل ﴿ قَالُوْا بَ ْل َنتّبِ ُع مَا أَْل َفيْنَا‬
‫عََليْهِ آبَاءنَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما وجدناهم عليه ف العقائد والحكام ﴿ َأوََلوْ كَانَ‬
‫آبَاؤُهُمْ َل َي ْعقِلُونَ َشيْئا وَ َل َي ْهتَدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬أوََلوْ كَا َن آبَاؤُهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ك يف يتبعون آباء هم‬
‫ل يعقلون شيئًا ؟ الواو فـ ﴿ َأوََلوْ ﴾ واو العطـف ‪ ،‬ويقال لاـ ‪ :‬واو‬
‫التعجب ‪ ،‬دخلت عليها ألف الستفهام للتوبيخ ‪ .‬والعن ‪ :‬أيتبعون آباءهم‬
‫وإن كانوا جهالً ل يعقلون شيئًا ؟ لف ظه عام ومعناه ال صوص ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫يعقلون شيئًا من أمور الدين ‪ ،‬لنم كانوا يعقلون أمر الدنيا ول يهتدون ‪.‬‬
‫ث ضرب ل م مثلً فقال جل ذكره ‪َ ﴿ :‬ومَثَ ُل الّذِي نَ َكفَرُواْ كَ َمثَ ِل الّذِي‬
‫َينْعِ ُق بِمَا َل يَسْ َمعُ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ومَثَ ُل الّذِي نَ َكفَرُواْ كَ َمثَ ِل الّذِي َينْعِ ُق بِمَا‬
‫ـمَعُ إِل ُدعَاء َونِدَاء ﴾ ‪ ،‬كمثـل ‪ :‬البعيـ ‪ ،‬والمار ‪ ،‬والشاة ‪ .‬إن‬
‫َل يَس ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪192‬‬

‫قلت لبعض ها ‪ :‬كلٌ ل يعلم ما تقول ‪ ،‬غ ي أ نه ي سمع صوتك ‪ ،‬وكذلك‬


‫الكافر إن أمرته بي أو نيته عن شر أو وعظته ‪ ،‬ل يعقل ما تقول ‪ ،‬غي‬
‫أنه يسمع صوتك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬صُ ّم ُبكْ ٌم عُمْ يٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صمٌ عن ساع ال ق ‪،‬‬
‫بك ٌم ل يتكملون به ‪ ،‬عم يٌ عن رؤية طريقه ومسلكه ﴿ َفهُ مْ َل َي ْعقِلُو نَ‬
‫جنّ وَالِن سِ َلهُ مْ‬ ‫ج َهنّ مَ َكثِيا مّ َن الْ ِ‬
‫﴾ ‪ .‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ ذَ َرْأنَا لِ َ‬
‫قُلُو بٌ ل َي ْف َقهُو نَ ِبهَا وََلهُ مْ َأ ْعيُ ٌن ل ُيبْ صِرُونَ ِبهَا وََلهُ مْ آذَا ٌن ل يَ سْ َمعُونَ‬
‫ِبهَا ُأوْلَـئِكَ كَا َلنْعَا ِم بَ ْل هُمْ أَضَلّ ُأوْلَـئِكَ هُ ُم اْلغَافِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت مَا رَ َزقْنَاكُمْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَا ِ‬
‫وَاشْ ُكرُوْا لِلّ هِ إِن كُنتُ مْ إِيّا هُ تَعُْبدُو نَ (‪ِ )172‬إنّمَا حَرّ مَ عَلَ ْيكُ مُ الْمَيَْتةَ‬
‫غ وَلَ عَادٍ‬
‫وَالدّ َم َولَحْمَ الْخِنِي ِر وَمَا أُ ِه ّل بِهِ ِلغَ ْيرِ اللّ ِه فَمَنِ اضْ ُطرّ غَ ْي َر بَا ٍ‬
‫فَل ِإثْمَ عَ َل ْيهِ إِ ّن ال ّلهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )173‬‬
‫الطيبات ‪ :‬اللل ‪ .‬و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول‬
‫ال ‪ « :‬إن ال طيب ل يقبل إل طيبًا ‪ ،‬وإن ال أمر الؤمني با أمر به‬
‫َاتـ وَاعْمَلُوا‬
‫ِنـ ال ّطّيب ِ‬
‫ّسـلُ كُلُوا م َ‬
‫الرسـلي ‪ ،‬فقال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الر ُ‬
‫َاتـ مَا‬
‫ِينـ آمَنُواْ ُكلُواْ مِن طَّيب ِ‬
‫صـَالِحا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذ َ‬
‫رَزَ ْقنَاكُ مْ ﴾ ‪ .‬ث ذ كر الر جل يط يل ال سفر ‪ ،‬أش عث أ غب ‪ ،‬ي د يد يه إل‬
‫ال سماء ‪ :‬يا رب يا رب ‪ ،‬ومطع مه حرام ومشر به حرام وملب سه حرام ‪،‬‬
‫وغذّي بالرام ‪ ،‬فأن يستجاب لذلك » ؟ ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا َح ّر َم عََلْيكُمُ الْ َمْيَت َة وَال ّد َم وَلَ ْ‬
‫ح َم الْخِنِي ِر َومَا أُهِلّ‬
‫بِ هِ ِل َغيْرِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬وهذه ال ية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُل ل َأجِدُ فِي مَا ُأوْحِ يَ‬
‫‪193‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سفُوحا َأوْ لَحْ مَ‬


‫إِلَيّ مُحَرّما عَلَى طَاعِ ٍم يَ ْطعَمُ هُ إِل أَن َيكُو َن َميَْتةً َأوْ دَما مّ ْ‬
‫خِنِيرٍ فَِإنّهُ ِر ْجسٌ َأوْ فِسْقا ُأهِلّ ِل َغيْرِ اللّ ِه بِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ولمـ النيـر أراد بـه جيـع أجزائه ‪ ،‬فعـب عـن ذلك‬
‫بالل حم ل نه معظ مه ﴿ وَمَا أُهِ ّل بِ هِ ِل َغيْرِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما ذ بح لل صنام‬
‫والطواغيت ‪ .‬وقال الربيع بن أنس ‪ :‬ما ذكر عليه اسم غي ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَ ِن اضْ ُط ّر غَيْرَ بَا غٍ وَ َل عَادٍ فَل ِإثْ َم عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫فـ أكـل ذلك فـ غيـ بغـي ول عدوان ‪ ،‬وهـو ماوزة الدـ ‪ .‬قال قتادة‬
‫غ وَ َل عَادٍ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬غ ي باغ ف الي تة ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫‪َ ﴿ :‬فمَ ِن اضْطُ ّر َغيْ َر بَا ٍ‬
‫فـ أكله أن يتعدى حللً إل حرام ‪ ،‬وهـو يدـ عنـه مندوحـة ‪ .‬وقال‬
‫السدي ‪ :‬أما باغ فيبغي فيه شهوته ‪ ،‬وأما العادي فيتعدى ف أكله ‪ ،‬يأكل‬
‫ح ت يش بع ‪ ،‬ول كن ليأ كل م نه قوتًا ما ي سك به نف سه ‪ ،‬ح ت يبلغ به‬
‫حاجته ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّـ اللّه َ‬
‫ـ غَفُورٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لنـ أكـل فـ حال‬
‫ِيمـ ﴾ حيـث رخـص للعباد فـ ذلك ‪ .‬وعـن عباد بـن‬ ‫الضطرار ﴿ رّح ٌ‬
‫شُرَحب يل الغُبَري قال ‪ ( :‬أ صابتنا عامًا مم صة ‪ ،‬فأت يت الدي نة ‪ ،‬فأت يت‬
‫حائطًا فأخذت سـنبلً ففرك ته وأكل ته ‪ ،‬وجعل ته م نه ف ك سائي فجاء‬
‫صاحب الائط فضربن وأخذ ثوب ‪ ،‬فأتيت رسول ال فأخبته فقال‬
‫للرجـل ‪ « :‬مـا أطعمتـه إذ كان جائعًا ‪ ،‬ول علمتـه إذ كان جاهلً » ‪.‬‬
‫فأمره فرد إليه ثوبه وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق ) ‪ .‬رواه ابن‬
‫ما جة ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬إ سناده صحيح قوي ج يد ‪ ،‬وله شوا هد كثية ‪،‬‬
‫من ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ :‬سئل رسول ال‬
‫الزء الول‬ ‫‪194‬‬

‫عن الثمر العلق فقال ‪ « :‬من أصاب منه من ذي حاجة بفيه ‪ ،‬غي متخذ‬
‫خبنة فل شيء عليه » ‪ .‬الديث ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن يَكْتُمُو َن مَا أَن َزلَ اللّ ُه مِ َن الْكِتَا بِ‬
‫ك مَا َيأْكُلُو َن فِي بُطُونِهِ مْ إِل النّا َر َولَ‬
‫ل أُولَ ـئِ َ‬
‫وََيشَْترُو نَ بِ ِه ثَمَنا قَلِي ً‬
‫ِيمـ (‪)174‬‬
‫َابـ َأل ٌ‬
‫ُمـ َعذ ٌ‬
‫ِمـ َوَله ْ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة وَ َل ُيزَكّيه ْ‬
‫ّهـ َيو َ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫يُكَلّ ُمه ُ‬
‫ب بِالْ َم ْغ ِف َرةِ فَمَا أَصَْب َر ُهمْ‬
‫لَلةَ بِاْلهُدَى وَاْل َعذَا َ‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ َر ُواْ الضّ َ‬
‫أُولَـئِ َ‬
‫ِينـ‬
‫َابـ بِالْحَق ّ َوإِن ّ اّلذ َ‬
‫ّهـ َنزّ َل الْكِت َ‬
‫ِكـ ِبأَن ّ الل َ‬
‫عَلَى النّارِ (‪َ )175‬ذل َ‬
‫ق َبعِيدٍ (‪. ﴾ )176‬‬
‫اخْتَ َلفُوْا فِي اْلكِتَابِ لَفِي ِشقَا ٍ‬
‫نزلت ف رؤ ساء اليهود وعلمائ هم ‪ ،‬كتموا صفة م مد الثاب تة ف‬
‫كتبهم ‪ ،‬لئل تذهب برياستهم ومآكلهم ‪ ،‬والية عامة ف كل من كتم‬
‫العلم لجل ذلك ﴿ أُولَـئِكَ مَا َيأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِمْ إِل النّارَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫إل ما يؤديهم إل النار ‪ ،‬وهو ‪ :‬الرشوة ‪ ،‬والرام ‪ ،‬وثن الدين ‪ ،‬كما قال‬
‫تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ َيأْكُلُو نَ َأ ْموَالَ الَْيتَامَى ظُلْما ِإنّمَا َيأْكُلُو نَ فِي بُطُونِهِ مْ‬
‫نَارا وَ َسَيصَْلوْنَ َسعِيا ﴾ ‪ .‬وف الديث الصحيح عن النب ‪ « :‬إنكم‬
‫تتصمون إلّ ‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون أبلغ بجته من بعض ‪ ،‬فأقضي له‬
‫بنحوٍ ما أسع ‪ ،‬فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنا أقطع له قطعة‬
‫من النار ‪ ،‬فليأخذها أو يدعها » ‪ .‬وف الديث الخر ‪ « :‬الذي يشرب‬
‫ف إناء الذهب والفضة ‪ ،‬إنا يرجر ف بطنه نار جهنم » ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ِمـ وََله ْ‬
‫ْمـ اْلقِيَا َم ِة وَلَ يُزَكّيه ْ‬
‫ّهـ َيو َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل ُيكَلّ ُمه ُ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وذلك ل نه تعال غضبان علي هم ‪ ،‬لن م كتموا و قد‬


‫علموا ‪ ،‬فا ستحقوا الغ ضب ‪ ( ،‬فل ين ظر إلي هم ) ‪ ﴿ ،‬وَلَ ُيزَكّيهِ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬يثن عليهم ويدحهم ‪ ،‬بل يعذبم عذابًا أليمًا ‪ .‬ث ذكر حديث أب‬
‫هريرة عـن رسـول ال ‪ « :‬ثلثـة ل يكلمهـم ال ول ينظـر إليهـم ول‬
‫يزكيهم ولم عذاب أليم ‪ :‬شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكب » ‪.‬‬
‫َابـ‬
‫ضلََلةَ بِاْلهُدَى وَاْلعَذ َ‬
‫ِينـ ا ْشتَ َر ُواْ ال ّ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أُولَــئِ َ‬
‫ك الّذ َ‬
‫صبَ َرهُ ْم عَلَى النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اعتاضوا عن الدى بالضللة ‪،‬‬ ‫بِالْ َم ْغفِ َرةِ َفمَا أَ ْ‬
‫وهـي ‪ :‬كتمان مـا أنزل ال ‪ ،‬واعتاضوا عـن الغفرة بالعذاب ‪ ،‬وهـو مـا‬
‫صبَ َرهُ ْم عَلَى النّارِ ﴾ ‪ ،‬قال ال سن ‪ ،‬وقتادة ‪:‬‬
‫تعاطوه من أ سبابه ﴿ فَمَا أَ ْ‬
‫وال ما لم عليها من صب ‪ ،‬ولكن ما أجرأهم على العمل الذي يقربم‬
‫إل النار ‪.‬‬
‫َابـ بِاْلحَق ّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إناـ‬
‫ّهـ نَزّلَ الْ ِكت َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫ِكـ ِبأَن ّ الل َ‬
‫اسـتحقوا هذا العذاب الشديـد ‪ ،‬لن ال نزل الكتاب بتحقيـق القـ ‪،‬‬
‫وإبطال الباطـل ‪ ،‬وهؤلء اتذوا آيات ال هزوًا ‪ ،‬واختلفوا مـن بعـد مـا‬
‫جاءتم البينات بغيًا بينهم فهدى ال الذين آمنوا لا اختلفوا فيه من الق‬
‫بإذنه وال يهدي من يشاء إل صراط مستقيم ‪َ ﴿ .‬وِإنّ الّذِي نَ ا ْختََلفُواْ فِي‬
‫َاقـ ﴾ خلف‬ ‫َابـ ﴾ فآمنوا ببعـض وكفروا ببعـض ‪ ﴿ ،‬لَف ِي ِشق ٍ‬ ‫الْ ِكت ِ‬
‫وضلل ‪َ ﴿ ،‬بعِيدٍ ﴾ ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪196‬‬

‫الدرس التاسع عشر‬

‫ب َولَ ـكِنّ‬
‫ق وَالْ َمغْرِ ِ‬
‫شرِ ِ‬
‫س الْبِ ّر أَن ُتوَلّواْ ُوجُوهَكُ مْ قَِب َل الْ َم ْ‬
‫﴿ لّيْ َ‬
‫ب وَالنّبِيّيَ وَآتَى‬
‫الْبِ ّر مَ نْ آمَ نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخ ِر وَالْمَلئِ َكةِ وَالْكِتَا ِ‬
‫السـبِيلِ‬
‫ْنـ ّ‬‫ي وَاب َ‬
‫ّهـ َذوِي الْ ُقرْب َى وَالْيَتَام َى وَالْمَسـَاكِ َ‬
‫الْمَالَ عَلَى حُب ِ‬
‫ي َوفِي ال ّرقَا بِ َوَأقَا مَ ال صّل َة وَآتَى الزّكَا َة وَالْمُوفُو َن ِب َعهْ ِدهِ مْ‬
‫وَال سّآئِلِ َ‬
‫ْسـ أُولَــِئكَ‬
‫ضرّاء وَحِيَ الْبَأ ِ‬
‫ِإذَا عَا َهدُواْ وَالصـّاِبرِينَ فِي الَْبأْسـَاء وال ّ‬
‫ك هُ ُم الْمُّتقُونَ (‪ )177‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ‬
‫صدَقُوا َوأُولَـئِ َ‬
‫الّذِينَ َ‬
‫ح ّر وَاْلعَ ْبدُ بِالْعَ ْب ِد وَالُنثَى بِالُنثَى‬
‫ح ّر بِالْ ُ‬
‫ص فِي اْلقَتْلَى الْ ُ‬
‫عَلَ ْيكُ مُ اْلقِ صَا ُ‬
‫ف وََأدَاء ِإلَيْ ِه ِبإِحْ سَانٍ ذَلِ كَ‬
‫ع بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫فَمَ نْ ُعفِ يَ لَ ُه مِ نْ َأخِي هِ َشيْ ٌء فَاتّبَا ٌ‬
‫ف مّ ن ّرّبكُ مْ وَ َرحْ َمةٌ فَمَ نِ ا ْعَتدَى َب ْعدَ َذلِ كَ فَلَ هُ َعذَا بٌ َألِي مٌ (‬
‫خفِي ٌ‬
‫تَ ْ‬
‫ب َلعَلّكُ ْم تَّتقُونَ (‪)179‬‬
‫‪ )178‬وََلكُ ْم فِي اْلقِصَاصِ حَيَا ٌة َياْ أُولِيْ ا َللْبَا ِ‬
‫ض َر أَ َحدَكُ ُم الْ َموْ تُ إِن َترَ كَ خَيْرا اْلوَ صِّي ُة لِ ْلوَاِل َديْ نِ‬
‫كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ْم ِإذَا حَ َ‬
‫ف َحقّا عَلَى الْمُّتقِيَ (‪ )180‬فَمَن َب ّدلَ ُه َبعْ َد مَا سَ ِم َعهُ‬
‫وَالقْ َربِيَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫َفإِنّمَا ِإثْمُ هُ عَلَى اّلذِي َن يَُبدّلُونَ ُه إِنّ اللّ هَ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‪ )181‬فَمَ ْن خَا فَ‬
‫ل ِإثْ مَ عَلَيْ ِه إِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ‬
‫ح بَيَْنهُ ْم فَ َ‬
‫مِن مّو صٍ جَنَفا َأوْ إِثْما َفأَ صْلَ َ‬
‫(‪. ﴾ )182‬‬

‫***‬
‫‪197‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِقـ‬
‫ُمـ قَِب َل الْ َمشْر ِ‬
‫ْسـ الِْبرّ أَن ُت َولّواْ وُجُو َهك ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬لّي َ‬
‫وَالْ َم ْغرِبِ َولَـ ِكنّ الِْب ّر مَنْ آمَ َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخ ِر وَالْمَلئِ َكةِ وَالْكِتَابِ‬
‫ي وَابْ نَ‬
‫وَالنّبِيّيَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبّ ِه َذوِي اْل ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ َ‬
‫ب وََأقَا َم ال صّل َة وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُو نَ‬
‫ي وَفِي الرّقَا ِ‬
‫ال سّبِيلِ وَال سّآئِ ِل َ‬
‫ْسـ‬
‫ِمـ ِإذَا عَا َهدُواْ وَالصـّاِبرِينَ ف ِي الَْبأْسـَاء والضّرّاء َوحِي َ الْبَأ ِ‬
‫ِبعَ ْه ِده ْ‬
‫ص َدقُوا َوأُولَـِئكَ ُهمُ الْمُّتقُونَ (‪. ﴾ )177‬‬
‫أُولَـِئكَ اّلذِينَ َ‬
‫الب ‪ :‬كـل عمـل خيـ يفضـي بصـاحبه إل النـة ‪ .‬قال أبـو العاليـة ‪:‬‬
‫كا نت اليهود تق بل ق بل الغرب ‪ ،‬وكا نت الن صارى تق بل ق بل الشرق ‪،‬‬
‫فقال ال تعال ‪ّ ﴿ :‬ليْســَ اْلبِرّ أَن ُتوَلّواْ وُجُو َهكُمــْ ِقبَ َل الْمَشْرِقــِ‬
‫وَالْ َمغْرِ بِ ﴾ ‪ .‬يقول ‪ :‬هذا كلم اليان وحقي قة الع مل ‪ .‬وقال ما هد ‪:‬‬
‫ول كن الب ما ث بت ف القلوب من طا عة ال عز و جل ‪ .‬وقال الثوري‬
‫‪ ﴿ :‬وَلَ ـكِ ّن الْبِ ّر مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَاْليَوْ مِ ال ِخرِ ﴾ ‪ ،‬ال ية ‪ ،‬قال ‪ :‬هذه‬
‫أنواع الب كلها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَـكِ ّن اْلبِ ّر مَ نْ آمَ َن بِاللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بأنه ل إله إل‬
‫هو ول رب سواه ‪ ،‬وآ من باليوم بال خر ‪ :‬و هو يوم القيا مة ‪ ،‬و صدق‬
‫بوجود اللئكة الذين هم عباد الرحن ‪ ،‬وصدق بالكتاب أي ‪ :‬القرآن ‪،‬‬
‫وج يع الك تب النلة من ال سماء على ال نبياء ‪ ،‬وآ من بال نبيي كل هم ‪.‬‬
‫ّهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أعطاه وهـو مبـ له ﴿ َذوِي‬ ‫﴿ وَآت َى الْمَا َل عَلَى ُحب ِ‬
‫سبِي ِل وَال سّآئِلِيَ وَفِي الرّقَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫الْقُ ْربَى وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِيَ وَابْ نَ ال ّ‬
‫‪ :‬فكها من الرق ‪ ،‬وهي عامة ف الكاتبي وف العتق وف فداء السي ﴿‬
‫َوأَقَا مَ ال صّلةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وأت ها ف أوقات ا على الو جه الر ضي ﴿ وَآتَى‬
‫الزء الول‬ ‫‪198‬‬

‫الزّكَاةَ ﴾ أعطى زكاة ماله ﴿ وَالْمُوفُو َن ِب َعهْدِهِ مْ ﴾ فيما بينهم وب ي ال‬


‫عز و جل ‪ ،‬وفي ما بين هم وب ي الناس ﴿ وَال صّابِرِينَ فِي اْلَبأْ سَاء والضّرّاء‬
‫وَحِيَ اْلَبأْ سِ ﴾ أي ‪ :‬ف حالة الف قر والرض و ف القتال ‪ ﴿ ،‬أُولَ ـئِكَ‬
‫ك هُ ُم الْ ُمّتقُونَ ﴾ بتركهم الحارم‬ ‫الّذِينَ صَدَقُوا ﴾ ف إيانم ‪َ ﴿ ،‬وأُولَـئِ َ‬
‫وفعلهم الطاعات ‪.‬‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَال صّابِرِينَ ﴾ ‪ .‬قال أبو عبيدة ‪ :‬نصبها على تطاول الكلم‬
‫ومـن شأن العرب أن تغيـ العراب إذا طال الكلم ‪ ،‬ومثله فـ سـورة‬
‫صلَةَ ﴾ ‪ ،‬و ف سورة الائدة ‪ ﴿ :‬وَال صّاِبؤُونَ‬
‫الن ساء ‪ ﴿ :‬وَالْ ُمقِيمِيَ ال ّ‬
‫﴾ ‪ .‬وقال الليل ‪ :‬نصب على الدح ‪.‬‬
‫وعن علي رضي ال عنه قال ‪ ( :‬كنا إذا احر البأس ولقي القوم القوم‬
‫اتقينا برسول ال ‪ ،‬فما يكون أحد منا أقرب إل العدو منه ‪ ،‬يعن ‪ :‬إذا‬
‫اشتد الرب ) ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ كُتِ بَ َعلَ ْيكُ ُم الْقِ صَاصُ فِي‬
‫حرّ وَالْعَ ْب ُد بِاْلعَ ْبدِ وَالُنثَى بِالُنثَى َفمَ نْ ُعفِ َي لَ هُ مِ ْن َأخِي هِ‬
‫ح ّر بِالْ ُ‬
‫الْقَتْلَى الْ ُ‬
‫ف مّ ن ّرّبكُ مْ‬
‫خفِي ٌ‬
‫ك تَ ْ‬
‫ف َوَأدَاء ِإلَيْ ِه ِبإِحْ سَا ٍن َذلِ َ‬
‫ع بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫شَيْ ٌء فَاتّبَا ٌ‬
‫ُمـ فِي‬
‫ِيمـ (‪ )178‬وََلك ْ‬
‫َابـ أَل ٌ‬
‫َهـ َعذ ٌ‬
‫ِكـ فَل ُ‬
‫َنـ اعَْتدَى َبعْ َد َذل َ‬
‫وَرَحْ َم ٌة فَم ِ‬
‫الْقِصَاصِ حَيَاةٌ َي ْا أُوِليْ ا َللْبَابِ لَعَ ّل ُكمْ تَّتقُونَ (‪. ﴾ )179‬‬
‫قال الشعـب وغيه ‪ :‬نزلت هذه اليـة فـ حييـ مـن أحياء العرب ‪،‬‬
‫اقتتلوا ف الاهلية قبيل السلم بقليل ‪ ،‬وكانت بينهما قتلى وجراحات ‪،‬‬
‫ل يأخذ ها بعض هم من ب عض ‪ ،‬ح ت جاء ال سلم ‪ ،‬وكان ل حد الي ي‬
‫‪199‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫على الخـر طول فـ الكثرة والشرف ‪ ،‬وكانوا ينكحون نسـاءهم بغيـ‬


‫مهور ‪ ،‬فأقسـموا ‪ :‬لنقتلن بالعبـد منـا الرـ منهـم ‪ ،‬وبالرأة منـا الرجـل‬
‫منهم ‪ ،‬وبالرجل منا الرجلي منهم ‪ ،‬وجعلوا جراحاتم ضعفي جراحات‬
‫أولئك ‪ ،‬فرفعوا أمرهـم إل النـب ‪ ،‬فأنزل ال تعال هذه اليـة ‪ ،‬وأمـر‬
‫بالساواة ‪ ،‬فرضوا وأسلموا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬كتِ َ‬
‫ب عََلْيكُ مُ اْلقِ صَاصُ فِي اْلقَتْلَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فرض‬
‫عليكـم القصـاص وهـو السـاواة والماثلة فـ الراحات والديات ‪ :‬الرـ‬
‫بال ر ‪ ،‬والع بد بالع بد ‪ ،‬والن ثى بالن ثى ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬كان أ هل الاهل ية‬
‫فيهم بغي وطاعة للشيطان ‪ ،‬فكان الي إذا كان فيهم عدة ومنعة ‪ ،‬فقتل‬
‫عبد قوم آخرين عبدًا لم قالوا ‪ :‬ل تقتل به إل حرًا ‪ ،‬تعزيزًا لفضلهم على‬
‫غيهم ف أنفسهم ‪ ،‬وإذا قتلت لم امرأة ‪ ،‬قتلتها امرأة قوم آخرين قالوا ‪:‬‬
‫ل نق تل ب ا إل رجلً ‪ ،‬فأنزل ال هذه اليـة ‪ ،‬ي بهم أن الع بد بالع بد ‪،‬‬
‫والن ثى بالن ثى ‪ ،‬فنها هم عن الب غي ‪ .‬ث أنزل ال تعال ذكره ف سورة‬
‫الائدة ب عد ذلك فقال ‪ ﴿ :‬وَكََتبْنَا عََلْيهِ مْ فِيهَا أَنّ الّنفْ سَ بِالّنفْ سِ وَاْل َعيْ نَ‬
‫جرُوحَ ِقصَاصٌ ﴾‪.‬‬ ‫ف وَالُ ُذنَ بِالُ ُذ ِن وَالسّنّ بِالسّ ّن وَالْ ُ‬
‫بِاْلعَيْ ِن وَالَنفَ بِالَن ِ‬
‫وقد اختلف العلماء ف قتل الر بالعبد ‪ ،‬فذهب أبو حنيفة إل أن الر‬
‫يقتل بالعبد لعموم آية الائدة ‪ ،‬وذهب المهور إل أنه ل يقتل الر بالعبد‬
‫وقالوا ‪ :‬ل يق تل ال سلم بالكا فر لقوله ‪ « :‬ل يق تل م سلم بكا فر » ‪.‬‬
‫رواه البخاري ‪ .‬وقال أبـو حنيفـة ‪ :‬يقتـل لعموم اليـة ‪ .‬وقال السـن‬
‫وعطاء ‪ :‬ل يقتل الرجل بالرأة لذه الية ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪200‬‬

‫وخالفهـم المهور ليـة الائدة ‪ ،‬ولقوله ‪ « :‬السـلمون تتكافـأ‬


‫دماؤهم » ‪.‬‬
‫وذهب الئمة الربعة والمهور إل أن الماعة يقتلون بالواحد ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ( :‬ويري القصاص ف الطراف كما يري ف النفوس ‪،‬‬
‫إل ف شيء واحد وهو ‪ :‬أن الصحيح السوي يقتل بالريض والزمن ‪ ،‬وف‬
‫الطراف لو قطـع يدًا شلء أو ناقصـة ل تقطـع باـ الصـحيحة الكاملة )‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫وف الصحيحي عن أنس بن مالك رضي ال عنه ‪ ( :‬أن الرّبيّع بنت‬
‫الن ضر عم ته ‪ ،‬ك سرت ثن ية جار ية ‪ ،‬فطلبوا إلي ها الع فو فأبوا ‪ ،‬فعرضوا‬
‫الرش فأبوا ‪ ،‬فأتوا رسـول ال فأبوا إل القصـاص فأمـر رسـول ال‬
‫بالق صاص فقال أ نس بن الن ضر ‪ :‬يا ر سول ال أتك سر ثن ية الرّبيّع ؟ ل‬
‫والذي بعثك بالق ل تكسر ثنيت ها ‪ .‬فقال رسول ‪ « :‬يا أنس كتاب‬
‫ال الق صاص » ‪ .‬فر ضي القوم فعفوا فقال ر سول ال ‪ « :‬إن من عباد‬
‫ال من لو أقسم على ال لبره » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فمَ ْن ُعفِ يَ لَ ُه مِ نْ أَخِي ِه َشيْءٌ فَاّتبَا عٌ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ف َوأَدَاء‬
‫إَِليْ ِه بِإِحْ سَانٍ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬فَمَ ْن ُعفِ يَ لَ ُه مِ نْ أَخِي ِه َشيْءٌ ﴾ ‪،‬‬
‫يع ن ‪ :‬ف من ترك له من أخ يه ش يء ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أ خذ الد ية ب عد ا ستحقاق‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬فعلى الطالب‬ ‫َاعـ بِالْ َم ْعرُوف ِ‬
‫الدم ‪ ،‬وذلك العفـو ‪ ﴿ .‬فَاّتب ٌ‬
‫ْهـ بِإِحْسـَانٍ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬مـن‬ ‫اتباع بالعروف إذا قبـل الديـة ‪َ ﴿ ،‬وأَدَاء إَِلي ِ‬
‫القا تل من غ ي ضرر ول م عك ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الداف عة ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ كَ‬
‫ف مّن ّرّبكُ ْم وَرَ ْح َمةٌ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬أخذ الدية ف العمد ‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫خفِي ٌ‬
‫تَ ْ‬
‫‪201‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ر حم ال هذه ال مة وأطعم هم الد ية ‪ ،‬ول ت ل ل حد قبل هم ‪ ،‬فكان أ هل‬


‫التوراة إنا هو والقصاص وعفو ليس بينهم أرش ‪ ،‬وكان أهل النيل إنا‬
‫هو عفو أمروا به ‪ ،‬وجعل لذه المة ‪ :‬القصاص ‪ ،‬والعفو ‪ ،‬والرش ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فمَ ِن ا ْعتَدَى َبعْدَ ذَلِ كَ فَلَ هُ عَذَا بٌ أَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫قتل بعد أخذ الدية فله عذاب أليم ‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬يتحتم قتله حت ل‬
‫يقبل العفو ‪ .‬وقال سعيد بن عروبة عن قتادة عن السن عن سرة قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال ‪ « :‬ل أعاف رجلً قتل بعد أخذ الدية » ‪ .‬وروى أحد‬
‫عن أب شريح الزاعي أن النب قال ‪ « :‬من أصيب بقتل أو خبل فإنه‬
‫يتار إحدى ثلث ‪ :‬إما أن يقتص ‪ ،‬وإما أن يعفو ‪ ،‬وإما أن يأخذ الدية ‪،‬‬
‫وإن أراد الراب عة فخذوا على يد يه ‪ ،‬و من اعتدى ب عد ذلك فله نار جه نم‬
‫خالدًا فيها » ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫َابـَلعَّلك ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلكُم ْـ فِي الْقِصـَاصِ َحيَاةٌ يَاْ أُول ْ‬
‫ِيـ الَْلب ِ‬
‫َتتّقُو نَ ﴾ ‪ .‬يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلكُ مْ فِي اْلقِ صَاصِ َحيَاةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بقاء قال‬
‫أبو العالية ‪ :‬جعل ال القصاص حياة ‪ ،‬فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه‬
‫ما فة أن يق تل ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ج عل ال هذا الق صاص حياة ونكالً وع ظة‬
‫لهل السفه والهل من الناس ‪ ،‬وكم من جاهل قد هم بداهية لول مافة‬
‫القصاص لوقع با ‪ ،‬ولكن ال حجز بالقصاص بعضهم عن بعض ‪ ،‬وما‬
‫أمر ال بأمر قط إل وهو أمر صلح ف الدنيا والخرة ‪ ،‬ول نى عن أمر‬
‫قط إل و هو أ مر ف ساد ف الدن يا والد ين ‪ ،‬وال كان أعلم بالذي ي صلح‬
‫خلقه ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪202‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَاْ أُولِيـ ْ‬


‫ـ الَلْبَابــِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العقول والفهام ‪.‬‬
‫﴿ َلعَّلكُ ْم َتّتقُونَ ﴾ ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬والتقوى اسم جامع لفعل الطاعات وترك النكرات ‪.‬‬
‫ْتـ إِن‬
‫ُمـ الْ َمو ُ‬
‫ُمـ ِإذَا حَضَ َر َأحَدَك ُ‬
‫ِبـ عَلَ ْيك ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬كُت َ‬
‫ف َحقّا عَلَى الْمُّتقِيَ (‬
‫َترَ َك خَيْرا الْوَ صِّي ُة لِلْوَالِ َديْ ِن وَال ْقرَبِيَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫‪. ﴾ )180‬‬
‫كانت الوصية فريضة ف ابتداء السلم للوالدين ‪ ،‬والقربي على من‬
‫مات وله مال ‪ ،‬ث نسخت بآية الياث ‪ .‬وف السنن وغيها عن عمرو بن‬
‫خارجـة قال ‪ :‬سـعت رسـول ال يطـب وهـو يقول ‪ « :‬إن ال قـد‬
‫أعطـى كـل ذي حـق حقـه فل وصـية لوارث » ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪:‬‬
‫َصـّيةُ‬
‫َكـ َخيْرا اْلو ِ‬
‫ْتـ إِن َتر َ‬
‫ُمـ الْ َمو ُ‬
‫ضرَ أَحَدَك ُ‬
‫ُمـ إِذَا َح َ‬
‫ِبـ عََليْك ْ‬
‫﴿ ُكت َ‬
‫لِ ْلوَالِ َديْ ِن وَالقْ َربِيَ ﴾ ‪ ،‬فجعلت الو صية للوالد ين والقرب ي ‪ ،‬ث ن سخ‬
‫ذلك بعـد ذلك فجعـل لمـا نصـيب مفروض ‪ ،‬فصـارت الوصـية لذوي‬
‫القرابة الذين ل يرثون ‪ ،‬وجعل للوالدين نصيب معلوم ‪ ،‬ول توز وصية‬
‫لوارث ‪.‬‬
‫وف الصحيحي عن ابن ع مر رضي ال عنه ما قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ « :‬ما حق امرئ م سلم له ش يء يو صي ف يه يبيت ليلت ي إل وو صيته‬
‫مكتوبة عنده » ‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬ما مرت عليّ ليلة منذ سعت رسول ال‬
‫يقول ذلك إل وو صيت عندي ‪ .‬وروى ا بن أ ب حا ت عن علي ر ضي‬
‫ال ع نه أ نه د خل على ر جل من قو مه يعوده ‪ ،‬فقال له أو صن ‪ ،‬فقال له‬
‫‪203‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صّيةُ ﴾ ‪ ،‬إنا تركت شيئًا يسيًا‬


‫علي ‪ :‬إنا قال ال ‪ ﴿ :‬إِن تَرَ كَ َخيْرا الْوَ ِ‬
‫فاتركه لولدك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بِالْ َمعْرُو فِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن جر ير ‪ ( :‬و هو ما أذن ال‬
‫فيه وأجازه ف الوصية ‪ ،‬ما يوز الثلث ‪ ،‬ول يتعمد الوصي ظلم ورثته )‬
‫‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وعن حنظلة بن حِ ْذيَم بن حنيفة أن جده حنيفة أوصى ليتيم ف حجره‬
‫بائة من الِ بل ‪ ،‬ف شق ذلك على بن يه ‪ ،‬فارتفعوا إل ر سول ال فقال‬
‫حني فة ‪ :‬إ ن أو صيت ليت يم ل بائة من الِ بل ك نا ن سميها الط ية ‪ ،‬فقال‬
‫النـب ‪ « :‬ل ‪ ،‬ل ‪ ،‬ل ‪ ،‬الصـدقة خسـ ‪ ،‬وإل فعشـر ‪ ،‬وإل فخمـس‬
‫ــس وعشرون ‪ ،‬وإل فثلثون ‪ ،‬وإل‬ ‫عشرة ‪ ،‬وإل فعشرون ‪ ،‬وإل فخمـ‬
‫فخمس وثلثون ‪ ،‬فإن كثرت فأربعون » ‪ .‬الديث رواه أحد ‪.‬‬
‫وقال ابـن عباس ‪ :‬لو أن الناس غضوا مـن الثلث إل الربـع ‪ ،‬فإن‬
‫رسول ال قال ‪ « :‬الثلث ‪ ،‬والثلث كثي » ‪ .‬وقال الشعب ‪ :‬إنا كانوا‬
‫يوصون بالمس أو الربع ‪ .‬وقال السن البصري ‪ :‬يوصي بالسدس ‪ ،‬أو‬
‫ال مس ‪ ،‬أو الر بع ‪ .‬و عن نا فع أن ا بن ع مر ل يوص ‪ ،‬وقال ‪ :‬أ ما مال‬
‫فال أعلم ما كنت أصنع فيه ف الياة ‪ ،‬وأما رباعي فما أحب أن يشرك‬
‫ولدي فيها أحد ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَمَن َب ّدلَ ُه َبعْ َد مَا سَ ِم َعهُ َفِإنّمَا ِإثْمُ هُ عَلَى اّلذِي نَ‬
‫ص جَنَفا أَوْ‬
‫ف مِن مّو ٍ‬
‫يَُبدّلُونَ هُ إِنّ اللّ هَ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‪ )181‬فَمَ ْن خَا َ‬
‫ل ِإْثمَ َعلَ ْيهِ إِ ّن ال ّلهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )182‬‬
‫ح بَيَْن ُه ْم فَ َ‬
‫ِإثْما َفأَصْلَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪204‬‬

‫يقول تعال ‪ :‬فمن بدل الوصية فزاد فيها أو نقص ﴿ فَِإنّمَا ِإثْمُ ُه عَلَى‬
‫الّذِي نَ يُبَدّلُونَ ُه ﴾ ‪ ،‬واليت بريء منه ‪ ،‬وقد وقع أجره على ال ﴿ ِإنّ اللّ َه‬
‫سَمِي ٌع عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد اطلع على ما أو صى به ال يت وعلى ما غيه‬
‫البدل ‪ ،‬ل تفى عليه خافية ‪.‬‬
‫ـ َجنَفا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جورًا‬
‫ـ مِـن مّوص ٍ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فمَن ْ‬
‫ـ خَاف َ‬
‫وعدولً عن ال ق ‪ ،‬أي ‪ :‬ظلمًا ‪ .‬قال ال سدي وغيه ‪ :‬ال نف ‪ :‬ال طأ ‪،‬‬
‫والث ‪ :‬العمد ﴿ َفأَ صْلَ َح َبْيَنهُ مْ َفلَ إِثْ َم عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬معن الية‬
‫‪ :‬أن الرجـل إذا حضـر مريضًا وهـو يوصـي فرآه ييـل إمـا بتقصـي أو‬
‫إ سراف ‪ ،‬أو و ضع الو صية ف غ ي موضع ها ‪ ،‬فل حرج على من حضره‬
‫أن يأمره بالعدل وينهاه عن ال نف ‪ ،‬فين ظر للمو صى له والور ثة ‪ .‬وقال‬
‫ف مِن مّو صٍ َجنَفا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬إثًا ‪،‬‬ ‫ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬فَمَ نْ خَا َ‬
‫يقول ‪ :‬إذا أخطـأ اليـت فـ وصـيته أو حاف فيهـا ‪ ،‬فليـس على الولياء‬
‫حرج أن يردوا خطأه إل ال صواب ‪ .‬وقال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬فَمَ نْ خَا فَ‬
‫مِن مّو صٍ َجنَفا َأوْ إِثْما ﴾ قال ‪ :‬هو الرجل يوصي فيحيف ف وصيته ‪،‬‬
‫فيدها الوال إل الق والعدل ‪ .‬وقال أيضًا ‪ :‬من أوصى بور أو جنف ف‬
‫و صيته ‪ ،‬فرد ها وال التو ف إل كتاب ال وإل العدل ‪ ،‬فذاك له ‪ ،‬أو إمام‬
‫من أئمة السلمي ‪ .‬وعن شهر بن حوشب عن أب هريرة رضي ال عنه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن الرجل ليعمل بعمل أهل الي سبعي سنة‬
‫‪ ،‬فإذا أو صى حاف ف و صيته فيخ تم له ب شر عمله فيد خل النار ‪ ،‬وإن‬
‫الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعي سنة ‪ ،‬فيعدل ف وصيته ‪ ،‬فيختم له‬
‫ب ي عمله فيد خل ال نة » ‪ .‬قال أ بو هريرة ‪ :‬اقرءوا إن شئ تم ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ‬
‫‪205‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حُدُودُ اللّ هِ ﴾ الية ‪ ،‬رواه عبد الرزاق ‪ .‬يشي إل قوله تعال ‪ ﴿ :‬مِن َبعْ ِد‬
‫صّي ًة مّ نَ اللّ ِه وَاللّ ُه عَلِي مٌ َحلِي مٌ *‬‫صّي ٍة يُو صَى بِهَا َأوْ َديْ ٍن َغيْ َر ُمضَآ ّر وَ ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫حِتهَا‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫تِلْ كَ حُدُودُ اللّ ِه وَمَن يُ ِط عِ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه يُدْ ِخلْ هُ َجنّا ٍ‬
‫ك اْل َفوْ ُز الْعَظِي مُ * َومَن َيعْ صِ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه َويََتعَدّ‬ ‫الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا َوذَلِ َ‬
‫ب ّمهِيٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫حُدُو َدهُ يُ ْدخِلْ ُه نَارا خَالِدا فِيهَا وَلَهُ عَذَا ٌ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ غَفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ف يه ‪ :‬ال ث على ترك ال ث‬
‫واليل ‪ ،‬وفعل الصلح ‪ ،‬ليحصل الغفران والرحة ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪206‬‬

‫الدرس العشرون‬

‫﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ كُتِ بَ َعلَ ْيكُ ُم ال صّيَامُ كَمَا كُتِ بَ عَلَى اّلذِي نَ‬
‫مِن قَبْ ِلكُ مْ َلعَ ّلكُ مْ تَتّقُو نَ (‪َ )183‬أيّاما مّ ْعدُودَاتٍـ فَمَن كَا َن مِنكُم‬
‫ّمرِيضا أَوْ عَلَى َسفَ ٍر َف ِعدّ ٌة مّ نْ أَيّا ٍم ُأخَ َر وَعَلَى اّلذِي نَ يُطِيقُونَ ُه ِفدَْيةٌ َطعَا مُ‬
‫ع خَيْرا َف ُهوَ خَ ْي ٌر لّ هُ َوأَن تَ صُومُوْا خَ ْيرٌ ّلكُ مْ إِن كُنتُ مْ‬
‫ي فَمَن تَ َطوّ َ‬
‫مِ سْكِ ٍ‬
‫َتعْلَمُو نَ (‪َ )184‬ش ْهرُ َرمَضَا نَ اّلذِ يَ أُنزِ َل فِي ِه الْ ُقرْآ ُن ُهدًى لّلنّا سِ‬
‫ص ْمهُ َومَن كَا نَ‬
‫ش ْهرَ فَلْيَ ُ‬
‫وَبَيّنَا تٍ مّ َن الْ ُهدَى وَاْلفُ ْرقَا ِن فَمَن شَ ِهدَ مِنكُ مُ ال ّ‬
‫َمرِيضا أَوْ عَلَى َسفَ ٍر َف ِعدّ ٌة مّ نْ أَيّا ٍم ُأخَ َر ُيرِي ُد اللّ ُه ِبكُ ُم الْيُ سْ َر َولَ ُيرِيدُ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َوَلعَلّك ْ‬
‫ّهـ عَلَى مَا َهدَاك ْ‬
‫ُسـرَ َولُِتكْمِلُوْا الْ ِع ّدةَ وَلُِتكَّبرُواْ الل َ‬
‫ُمـ اْلع ْ‬
‫بِك ُ‬
‫َتشْ ُكرُو نَ (‪َ )185‬وِإذَا َسَألَكَ عِبَادِي عَنّ ي َفِإنّ ي َقرِي بٌ ُأجِي بُ َد ْع َوةَ‬
‫ع ِإذَا دَعَا ِن فَلْيَ سْتَجِيبُوْا لِي َولْيُ ْؤمِنُوْا بِي َلعَ ّلهُ مْ َي ْرشُدُو نَ (‪)186‬‬
‫الدّا ِ‬
‫س ّلكُ ْم َوأَنتُ مْ لِبَا سٌ‬
‫ث ِإلَى نِ سَآِئكُ ْم هُنّ لِبَا ٌ‬
‫أُ ِح ّل لَكُ ْم لَيْ َلةَ ال صّيَا ِم ال ّرفَ ُ‬
‫سكُ ْم فَتَا بَ عَلَ ْيكُ ْم وَ َعفَا عَنكُ مْ‬
‫ّلهُنّ عَلِ َم اللّ ُه َأنّكُ مْ كُنتُ مْ َتخْتانُو نَ أَنفُ َ‬
‫ب اللّ هُ َلكُ مْ وَكُلُوْا وَا ْشرَبُواْ حَتّ ى يَتَبَيّ نَ‬
‫فَال نَ بَاشِرُوهُنّ وَابَْتغُواْ مَا كَتَ َ‬
‫جرِ ُثمّ َأتِمّواْ ال صّيَا َم ِإلَى‬
‫ض مِ نَ الْخَ ْي طِ الَ ْس َودِ مِ نَ اْلفَ ْ‬
‫ط الَبْيَ ُ‬
‫لَكُ مُ الْخَيْ ُ‬
‫الّليْ ِل َولَ تُبَاشِرُوهُنّ َوأَنتُ مْ عَا ِكفُو نَ فِي الْمَ سَاجِ ِد تِلْ كَ ُحدُو ُد اللّ هِ فَلَ‬
‫س َلعَ ّلهُ مْ يَّتقُو نَ (‪ )187‬وَ َل َتأْكُلُواْ‬
‫َتقْ َربُوهَا َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ اللّ هُ آيَاتِ ِه لِلنّا ِ‬
‫حكّا ِم لَِتأْكُلُوْا َفرِيقا مّ ْن َأمْوَالِ‬
‫َأمْوَاَلكُم بَيَْنكُم بِالْبَا ِطلِ َوُتدْلُواْ ِبهَا ِإلَى الْ ُ‬
‫س بِا ِلثْ ِم َوأَنُت ْم َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )188‬‬
‫النّا ِ‬
‫***‬
‫‪207‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ كُتِ بَ عَ َل ْيكُ مُ ال صّيَامُ كَمَا‬


‫كُتِبَ عَلَى الّذِي َن مِن قَبْ ِلكُمْ َلعَ ّلكُ ْم تَّتقُونَ (‪َ )183‬أيّاما ّم ْعدُودَاتٍ فَمَن‬
‫كَا َن مِنكُم ّمرِيضا أَوْ عَلَى َسفَ ٍر َف ِع ّدةٌ مّ ْن أَيّا ٍم ُأ َخرَ وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ‬
‫ع خَيْرا َف ُهوَ خَ ْي ٌر لّ ُه َوأَن تَصُومُواْ خَ ْيرٌ لّكُمْ‬
‫ي فَمَن تَ َطوّ َ‬
‫ِفدَْيةٌ َطعَا ُم مِسْكِ ٍ‬
‫إِن كُنُت ْم َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )184‬‬
‫صيَامُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُواْ ُكتِ َ‬
‫ب عََليْكُ ُم ال ّ‬
‫ب عَلَى الّذِي َن مِن َقبِْلكُ مْ ﴾ من النبياء والمم ‪.‬‬
‫فرض عليكم ﴿ كَمَا ُكتِ َ‬
‫قال سعيد بن جبي ‪ :‬كان صوم من قبلنا من العتمة إل الليلة القابلة ‪ ،‬كما‬
‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لن‬‫ُمـ َتتّق َ‬
‫كان فـ ابتداء السـلم ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لعَّلك ْ‬
‫الصوم وسيلة إل التقوى ‪ ،‬لا فيه من قهر النفس وكسر الشهوات ‪ .‬كما‬
‫ث بت ف ال صحيحي ‪ « :‬يا مع شر الشباب ‪ ،‬من ا ستطاع من كم الباءة‬
‫فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ‪ ،‬ومن ل يستطع فعليه بالصوم‬
‫فإنه له وجاء » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أيّاما ّمعْدُود ٍ‬
‫َاتـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ثلثيـ يوم ًا أو تسـعة‬
‫وعشرين يومًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن كَا نَ مِنكُم مّرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َفعِ ّدٌة مّ نْ َأيّا مٍ‬
‫أُخَرَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا أفطر الريض ف حال مرضه ‪ ،‬والسافر ف حال سفره‬
‫صاما عدد ما أفطراه بعد رمضان ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَلَى الّذِي نَ يُطِيقُونَ هُ ِف ْدَيةٌ َطعَا ُم مِ سْكِيٍ َفمَن تَ َطوّ عَ‬
‫َخيْرا َف ُهوَ َخيْرٌ لّ ُه َوأَن تَ صُومُواْ َخْيرٌ ّلكُ مْ إِن كُنتُ مْ تَعَْلمُو نَ ﴾ ‪ .‬روى ابن‬
‫الزء الول‬ ‫‪208‬‬

‫جر ير عن معاذ بن ج بل قال ‪ ( :‬إن ر سول ال قدم الدي نة ف صام يوم‬


‫عاشوراء وثلثـة أيام مـن كـل شهـر ‪ ،‬ثـ إن ال عـز وجـل فرض شهـر‬
‫ُمـ‬
‫ِبـ عََلْيك ُ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ ُكت َ‬
‫رمضان ‪ ،‬فأنزل ال تعال ذكره ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذ َ‬
‫سكِيٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫صيَامُ ﴾ ح ت بلغ ‪َ ﴿ :‬وعَلَى الّذِي َن يُطِيقُونَ هُ فِ ْدَي ٌة َطعَا ُم مِ ْ‬
‫ال ّ‬
‫فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا ‪ ،‬ث إن ال عز وجل‬
‫أوجـب الصـيام على الصـحيح القيـم ‪ ،‬وثبـت الِطعام للكـبي الذي ل‬
‫شهْرَ‬
‫ُمـ ال ّ‬
‫يسـتطيع الصـوم ‪ ،‬فأنزل ال عـز وجـل ‪ ﴿ :‬فَم َن َشهِ َد مِنك ُ‬
‫فَ ْلَيصُمْ ُه َومَن كَانَ َمرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَرٍ ﴾ إل آخر الية ) ‪.‬‬
‫ّهـ‬ ‫وقال ابـن عباس فـ قوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن تَ َطو َ‬
‫ّعـ َخيْرا َف ُهوَ َخيْرٌ ل ُ‬
‫﴾ ‪َ ﴿ ،‬فمَن تَ َطوّ عَ َخيْرا ﴾ ‪ ،‬فزاد إطعام مسكي آخر ﴿ َف ُهوَ َخيْرٌ لّ هُ ﴾‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬وقال ابـن شهاب ‪َ ﴿ :‬وأَن تَصـُومُواْ‬ ‫‪َ ﴿ ،‬وأَن تَصـُومُواْ َخيْرٌ ّلك ْ‬
‫َخيْرٌ ّلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن الصيام خي لكم من الفدية ‪ .‬وعن الشعب قال‬
‫َامـ‬
‫َهـ ِف ْدَيةٌ َطع ُ‬ ‫ِينـ يُطِيقُون ُ‬‫‪ :‬نزلت هذه اليـة للناس عامـة ‪َ ﴿ :‬وعَلَى الّذ َ‬
‫سكِيٍ ﴾ ‪ ،‬وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكي ‪ ،‬ث نزلت‬ ‫مِ ْ‬
‫هذه الية ‪َ ﴿ :‬فمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َفعِ ّدٌة مّ نْ َأيّامٍ أُ َخرَ ﴾‬
‫قال ‪ :‬فلم تنل الرخ صة إل للمر يض وال سافر ‪ .‬وقال قتادة ف قوله ‪﴿ :‬‬
‫ِسـكِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان فيهـا رخصـة‬ ‫َامـ م ْ‬
‫َهـ فِ ْدَي ٌة َطع ُ‬
‫ِينـيُطِيقُون ُ‬
‫َوعَلَى الّذ َ‬
‫للشيخ الكبي ‪ ،‬والعجوز الكبية وها يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل‬
‫يوم مسـكينًا ويفطرا ‪ ،‬ثـ نسـخ ذلك باليـة التـ بعدهـا فقال ‪َ ﴿ :‬شهْرُ‬
‫َر َمضَانَ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬فعِ ّدٌة مّنْ َأيّامٍ أُ َخرَ ﴾ فنسختها هذه الية ‪ ،‬فكان‬
‫أهـل العلم يرون ويرجون الرخصـة تثبـت للشيـخ الكـبي ‪ ،‬والعجوز‬
‫‪209‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الكـبية ‪ ،‬إذا ل يطيقـا الصـوم أن يفطرا ويطعمـا كـل يوم مسـكينًا ‪،‬‬
‫وللحبلى إذا خش يت على ما ف بطن ها ‪ ،‬وللمر ضع إذا ما خش يت على‬
‫ولدها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ .‬قال ا بن جر ير ‪ :‬يع ن ‪ :‬إن‬
‫ـ الذيـن آمنوا مـن الفطار والفديـة‬
‫كنتـم تعلمون خيـ المريـن لكـم أيه ا‬
‫والصوم على ما أمركم ال به ‪.‬‬
‫ْآنـ ُهدًى‬
‫ِيهـ الْ ُقر ُ‬
‫ِيـ أُنزِ َل ف ِ‬
‫َانـ الّذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ش ْهرُ َرمَض َ‬
‫ص ْمهُ‬
‫ت مّ َن الْ ُهدَى وَاْلفُ ْرقَا ِن فَمَن شَ ِهدَ مِنكُ ُم الشّ ْه َر فَلْيَ ُ‬
‫س وَبَيّنَا ٍ‬
‫لّلنّا ِ‬
‫سرَ‬
‫وَمَن كَا َن َمرِيضا َأوْ َعلَى َس َفرٍ َف ِع ّدةٌ مّ ْن َأيّا ٍم ُأ َخرَ ُيرِي ُد اللّ هُ ِبكُ مُ الْيُ ْ‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ عَلَى مَا َهدَاك ْ‬
‫ُسـرَ َولُِتكْمِلُوْا الْ ِع ّدةَ وَلُِتكَّبرُواْ الل َ‬
‫ُمـ اْلع ْ‬
‫وَ َل ُيرِي ُد بِك ُ‬
‫وََلعَ ّلكُ ْم َتشْ ُكرُونَ (‪. ﴾ )185‬‬
‫يدح تعال هذا الشهـر ؛ لنـه أنزل فيـه القرآن ‪ ،‬وفرض صـيامه على‬
‫السلمي ‪ .‬وروى المام أحد عن واثلة بن السقع أن رسول ال قال‬
‫‪ « :‬أنزلت صـحف إبراهيـم فـ أول ليلة مـن رمضان ‪ ،‬وأنزلت التوراة‬
‫لسـت مضيـ مـن رمضان ‪ ،‬والنيـل لثلث عشرة خلت مـن رمضان ‪،‬‬
‫وأنزل ال القرآن لربع وعشرين خلت من رمضان » ‪ .‬وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫نزل القرآن فـ شهـر رمضان فـ ليلة القدر إل هذه السـماء الدنيـا جلة‬
‫واحدة ‪ ،‬وكان ال يدث لنـبيه مـا يشاء ‪ ،‬ول ييـء الشركون بثـل‬
‫يا صمون به إل جاء هم ال بوا به ‪ ،‬وذلك قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذِي نَ‬
‫َكفَرُوا َلوْلَا نُزّ َل عََليْ هِ اْلقُرْآ نُ جُ ْمَل ًة وَاحِ َدةً َكذَلِ كَ ِلنَُثبّ تَ بِ هِ ُفؤَادَ كَ وَ َرتّ ْلنَا هُ‬
‫ح ّق َوأَحْسَ َن َتفْسِيا ﴾ ‪.‬‬ ‫ك بِ َمثَلٍ إِلّا ِجْئنَاكَ بِالْ َ‬
‫تَ ْرتِيلً * وَلَا َي ْأتُونَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪210‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هُدًى لّلنّا سِ َوَبّينَا تٍ مّ نَ الْهُدَى وَاْلفُرْقَا نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬


‫إرشادًا للناس إل سبيل الق ﴿ َوبَّينَا تٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬واضحات من الدى ‪،‬‬
‫يعن ‪ :‬من البينات الدالة على حدود ال وفرائضه وحلله وحرامه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَاْلفُرْقَا نِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬والف صل ب ي ال ق والبا طل ‪ .‬وقوله‬
‫شهْرَ َف ْليَصُمْ ُه َومَن كَانَ َمرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَ ٍر‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬فمَن َشهِ َد مِنكُ مُ ال ّ‬
‫شهْرَ‬ ‫َفعِ ّدةٌ مّ نْ أَيّا مٍ أُخَرَ ﴾ قال ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬فَمَن َشهِ َد مِنكُ مُ ال ّ‬
‫فَ ْلَيصُمْهُ ﴾ قال ‪ :‬هو إهلله بالدار ‪ ،‬يريد إذا ه ّل وهو مقيم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن كَا َن مَرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َفعِ ّدٌة مّ نْ أَيّا مٍ أُ َخرَ ﴾‬
‫‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أباح الفطـر لعذر الرض ‪ ،‬والسـفر ‪ ،‬وأعاد هذا الكلم‬
‫ليعلم أن هذا الكم ثابت ف النسخ ثبوته ف النسوخ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُرِيدُ اللّ ُه ِبكُ ُم اْليُ سْ َر وَ َل يُرِي ُد ِبكُ مُ الْعُ سْرَ ﴾ ‪ ،‬عن‬
‫أبـ حزة قال ‪ :‬سـألت ابـن عباس عـن الصـوم فـ السـفر فقال ‪ :‬يسـر‬
‫وعسر ‪ ،‬فخذ بيسر ال ‪ .‬وف الصحيحي من حديث أنس رضي ال عنه‬
‫‪ ( :‬كنا نسافر مع النب فلم يعب الصائم على الفطر ‪ ،‬ول الفطر على‬
‫الصائم ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَِلُتكْمِلُواْ اْلعِ ّد َة وَِلتُ َكبّرُواْ اللّ َه عَلَى مَا هَدَاكُ ْم وََلعَّلكُمْ‬
‫تَشْكُرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إنا أرخص لكم ف الفطار للمرض والسفر ‪ ،‬لرادته‬
‫بكم اليسر ‪ ،‬وإنا أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم ‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ولتذكروا‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَِلُتكَبّرُواْ الل َ‬


‫ّهـ عَلَى مَا هَدَاك ْ‬
‫َاسـ َككُمْ‬
‫ضيْتُم ّمن ِ‬
‫ال عنـد انقضاء عبادتكـم ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا َق َ‬
‫فَاذْ ُكرُواْ اللّهَ كَذِ ْكرِكُ ْم آبَاءكُمْ َأوْ َأشَدّ ذِكْرا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَِلُتكَبّرُواْ اللّ هَ ﴾ ‪ ،‬ولتعظموا ال ﴿ عَلَى مَا هَدَاكُ مْ‬
‫﴾ أرشدكم إل ما رضي به من صوم شهر رمضان ‪ ،‬وخصكم به دون‬
‫سائر أ هل اللل ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬هو ت كبيات ليلة الف طر ﴿ وََلعَّلكُ مْ‬
‫تَشْكُرُونَ ﴾ ال على نعمه ‪.‬‬
‫ِيبـ‬
‫ِيبـُأج ُ‬
‫سـَألَكَ عِبَادِي عَنّيـ َفِإنّيـ َقر ٌ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا َ‬
‫ع ِإذَا دَعَا ِن فَلْيَ سْتَجِيبُوْا لِي َولُْيؤْمِنُواْ بِي َلعَ ّلهُ مْ َي ْرشُدُو نَ (‬
‫دَ ْع َوةَ الدّا ِ‬
‫‪. ﴾ )186‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬روى الكل ب عن أ ب صال عن ا بن عباس قال ‪ :‬قالت‬
‫يهود أهل الدينة ‪ :‬يا ممد كيف يسمع ربنا دعاءنا ؟ وأنت تزعم أن بيننا‬
‫وبي السماء مسية خسمائة عام ؟ وأن غلظ كل ساء مثل ذلك ؟ فنلت‬
‫هذه الية ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬سأل بعض الصحابة النب فقالوا ‪ :‬أقريب‬
‫ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل ال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َسأَلَكَ ِعبَادِي َعنّي‬
‫فَِإنّ ي َقرِي بٌ ﴾ ‪ .‬وف يه إضمار ‪ ،‬كأ نه قال ‪ :‬فقلت ل م ‪ِ ﴿ :‬إنّ ي قَرِي بٌ‬
‫﴾ منهم بالعلم ل يفى عليّ شيء ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬ونَحْنُ أَقْرَبُ إَِليْهِ‬
‫مِ نْ َحبْ ِل الْوَرِيدِ ﴾ ‪ .‬ث ساق سنده عن أب موسى الشعري قال ‪ ( :‬لا‬
‫غزا رسـول ال خيـبًا وتوجـه رسـول ال إل خيـب ‪ ،‬أشرف الناس‬
‫على واد فرفعوا أ صواتم بالت كبي ‪ :‬ال أ كب ‪ ،‬ال أ كب ‪ ،‬ل إله إل ال ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪212‬‬

‫فقال ر سول ال ‪ « :‬أربعوا على أنف سكم ‪ ،‬إن كم ل تدعون أ صم ول‬


‫غائبًا ‪ ،‬إنكم تدعون سيعًا قريبًا ‪ ،‬وهو معكم » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أُجِي بُ َد ْع َوةَ الدّا عِ ِإذَا َدعَا نِ ﴾ ‪ ،‬روى المام أح د‬
‫عن أب سعيد رضي ال عنه ‪ :‬أن النب قال ‪ « :‬ما من مسلم يدعو ال‬
‫ع ّز وجل بدعوة ليس فيها إث ول قطيعة رحم ‪ ،‬إل أعطاه ال با إحدى‬
‫ثلث خصال ‪ :‬إما أن يعجّل له دعوته ‪ ،‬وإما أن يدخرها له ف الخرى ‪،‬‬
‫وإ ما أن ي صرف ع نه من ال سوء بثل ها » ‪ .‬قالوا ‪ :‬إذًا نك ثر قال ‪ « :‬ال‬
‫أكثر » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف ْليَسْتَجِيبُواْ لِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فليجيبوا ل بالطاعة أجبهم‬
‫بالعطاء ‪ .‬وف الصحيحي من حديث أب هريرة ‪ :‬أن رسول ال قال ‪:‬‬
‫« يستجاب لحدكم ما ل يعجل ‪ ،‬يقول دعوت فلم يستجب ل » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَْلُي ْؤمِنُواْ بِي َلعَّلهُ ْم يَ ْرشُدُونَ ﴾ أي ‪ :‬لكي يهتدوا ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬أ ِحلّ َلكُ ْم لَيْ َلةَ ال صّيَا ِم ال ّرفَ ثُ ِإلَى نِ سَآئِ ُكمْ هُنّ‬
‫سكُ ْم فَتَابَ‬
‫لِبَاسٌ ّلكُ ْم َوأَنتُ ْم لِبَاسٌ ّل ُهنّ عَلِمَ اللّ ُه َأنّكُمْ كُنتُمْ َتخْتانُو َن أَنفُ َ‬
‫ب اللّ هُ َلكُ ْم وَكُلُواْ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم وَعَفَا عَنكُ ْم فَال َن بَا ِشرُوهُنّ وَابَْتغُوْا مَا كَتَ َ‬
‫جرِ‬
‫ط الَ سْ َودِ مِ نَ اْلفَ ْ‬
‫ض مِ َن الْخَيْ ِ‬
‫ط ا َلبْيَ ُ‬
‫وَا ْشرَبُواْ حَتّى يَتَبَيّ َن َلكُ مُ الْخَ ْي ُ‬
‫ُثمّ َأتِمّواْ ال صّيَا َم ِإلَى الّليْ ِل َولَ تُبَاشِرُوهُنّ َوأَنتُ مْ عَا ِكفُو نَ فِي الْمَ سَاجِدِ‬
‫ك يُبَيّ نُ اللّ هُ آيَاتِ ِه لِلنّا سِ َلعَ ّلهُ مْ يَّتقُو نَ‬
‫ل َت ْقرَبُوهَا َك َذلِ َ‬
‫ك ُحدُودُ اللّ ِه فَ َ‬
‫تِلْ َ‬
‫(‪. ﴾ )187‬‬
‫‪213‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الرفث ‪ :‬كناية عن جاع ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬إن ال حيي كري يكن‬
‫كـل مـا ذكـر فـ القرآن مـن الباشرة واللمسـة ‪ ،‬والفضاء والدخول‬
‫والر فث ‪ ،‬فإن ا ع ن به الماع ‪ ،‬وقال أيضًا ‪ :‬كان ال سلمون ف ش هر‬
‫رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إل مثلها من القابلة ‪،‬‬
‫ث إن أنا سًا من السلمي أصابوا من النساء والطعام ف شهر رمضان بعد‬
‫العشاء ‪ ،‬منهم عمر بن الطاب ‪ ،‬فشكوا ذلك إل رسول ال ‪ ،‬فأنزل‬
‫ب عََلْيكُ مْ َو َعفَا‬
‫سكُمْ َفتَا َ‬
‫ال تعال ‪ ﴿ :‬عَِل مَ اللّ هُ َأنّكُ مْ كُنتُ ْم تَخْتانُو نَ أَنفُ َ‬
‫عَنكُمْ فَالنَ بَاشِرُوهُنّ ﴾ الية ‪.‬‬
‫وعن عبد الرحن بن أب ليلى قال ‪ ( :‬قام عمر بن الطاب رضي ال‬
‫ع نه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ر سول ال إ ن أردت أهلي البار حة على ما ير يد الر جل‬
‫أهله ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إناـ قـد نامـت ‪ .‬فظننتهـا تعتـل ‪ ،‬فواقعتهـا ‪ ،‬فنل فـ‬
‫عمر ﴿ أُحِلّ َلكُمْ َليَْل َة الصّيَامِ الرَّفثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هُنّ ِلبَاسٌـّلكُم ْـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سـكن لكـم ‪َ ﴿ .‬وأَنتُم ْـ‬
‫سكُنَ إَِليْهَا ﴾ ‪،‬‬
‫ِلبَاسٌ ّلهُنّ ﴾ ‪ .‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ َل ِمْنهَا َزوْ َجهَا ِليَ ْ‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬و َجعَلْنَا الّليْلَ ِلبَا سا ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي َجعَلَ‬
‫َلكُ مُ الّليْلَ ِلتَ سْ ُكنُوا فِي هِ ﴾ ‪ ،‬وقال الربيع بن أنس ‪ :‬هنّ فراش لكم وأنتم‬
‫لاف لنّ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَالنَ بَاشِرُوهُنّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جامعوهن ‪ ﴿ .‬وَاْبتَغُواْ مَا‬
‫َكتَبَ اللّهُ َلكُمْ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وابتغوا الرخصة الت كتب ال كم بإباحة‬
‫الكل والشرب والماع ف اللوح الحفوظ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪214‬‬

‫ط ا َلبْيَ ضُ مِ نَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكُلُوْا وَاشْ َربُواْ َحتّ ى َيَتبَيّ نَ َلكُ ُم الْ َ‬
‫خيْ ُ‬
‫خيْ طِ الَ ْسوَ ِد مِ َن اْلفَجْرِ ثُمّ َأتِمّوْا ال صّيَامَ إِلَى الّليْلِ ﴾ ‪ ،‬ف ال صحيحي‬
‫الْ َ‬
‫عن عدي بن حات قال ‪ ( :‬لا نزلت هذه الية ‪ ﴿ :‬وَكُلُواْ وَاشْ َربُواْ َحتّى‬
‫ط الَ ْسوَدِ ﴾ ‪ .‬عمدت إل عقال ي‬ ‫خيْ ِ‬
‫ض مِ نَ الْ َ‬
‫ط ا َلبْيَ ُ‬‫خيْ ُ‬
‫َيتََبيّ نَ َلكُ ُم الْ َ‬
‫أحده ا أ سود ‪ ،‬وال خر أب يض ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعلته ما ت ت و سادت ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فجعلت أن ظر إليه ما فل ما تبي ل الب يض من ال سود أم سكت ‪ ،‬فل ما‬
‫أ صبحت غدوت إل ر سول ال فأ خبته بالذي صنعت ‪ ،‬فقال ‪ « :‬إن‬
‫و سادك إذًا لعر يض ‪ .‬إن ا ذلك بياض النهار من سواد الل يل » ‪ .‬وروى‬
‫مسلم وغيه عن سرة بن جندب قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ل ينعكم‬
‫من سحوركم أذان بلل ‪ ،‬ول الفجر الستطيل ‪ ،‬ولكن الفجر الستطيل‬
‫ف الفق » ‪ .‬ولحد ‪ ،‬والترمذي عن طلق أن رسول ال قال ‪ « :‬كلوا‬
‫واشربوا ول يهدينكم الساطع الصعد ‪ ،‬فكلوا واشربوا حت يعترض لكم‬
‫الح ر » ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬ه ا فجران ‪ ،‬فأ ما الذي ي سطع ف ال سماء‬
‫فل يس ي ل ول يرم شيئًا ‪ ،‬ول كن الف جر الذي ي ستني على رؤوس البال‬
‫هو الذي يرم الشراب ‪ .‬رواه عبد الرزاق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأتِمّوْا ال ّ‬
‫صيَامَ إِلَى الّليْلِ ﴾ ‪ ،‬ف ال صحيحي عن‬
‫عمر بن الطاب رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إذا أقبل الليل‬
‫من ها هنا ‪ ،‬وأدبر النهار من ها هنا ‪ ،‬فقد أفطر الصائم » ‪ .‬ولسلم ‪« :‬‬
‫وغابت الشمس » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل ُتبَاشِرُوهُنّ َوأَنتُ ْم عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ا بن عباس ‪ :‬هذا ف الر جل يعت كف ف ال سجد ف رمضان ‪ ،‬أو ف غ ي‬
‫‪215‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫رمضان ‪ ،‬فحرّم ال عليـه أن ينكـح النسـاء ليلً أو نارًا حتـ يقضـي‬


‫اعتكافه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ حُدُودُ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الت ناكم عنها ‪َ ﴿ .‬فلَ‬
‫ك ُيَبيّ نُ اللّ ُه آيَاتِ هِ لِلنّا سِ َلعَّلهُ ْم َيّتقُو َن ﴾ فينجو من العذاب ‪،‬‬
‫َتقْ َربُوهَا كَذَلِ َ‬
‫كما قال تعال ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِي ُينَزّ ُل عَلَى َعبْدِ هِ آيَا تٍ َبّينَا تٍ ِلُيخْرِ َجكُم مّ نَ‬
‫الظّلُمَاتِ إِلَى النّو ِر َوِإنّ اللّ َه ِبكُمْ لَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َتأْكُلُواْ َأ ْموَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَا ِط ِل َوتُ ْدلُوْا بِهَا‬
‫ُونـ (‬
‫ُمـ َتعْلَم َ‬
‫ْمـ وَأَنت ْ‬
‫ّاسـ بِالِث ِ‬
‫ّنـ َأ ْموَالِ الن ِ‬
‫ّامـ لَِتأْكُلُوْا َفرِيقا م ْ‬
‫حك ِ‬ ‫ِإلَى الْ ُ‬
‫‪. ﴾ )188‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هذا ف الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بيّنة ‪،‬‬
‫فيجحد الال ‪ ،‬وياصم إل الكام وهو يعرف أن الق عليه ‪ ،‬وهو يعلم‬
‫أ نه آ ث آ كل الرام ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬ل تا صم وأ نت ظال ‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫ل تدل بال أخيك إل الاكم وأنت تعلم أنك ظال ؛ فإن قضاءه ل يل‬
‫حرامًا ‪ .‬وف الصحيحي عن أم سلمة رضي ال عنها ‪ :‬أن رسول ال‬
‫قال ‪ « :‬أل إنا أنا بشر ‪ ،‬وإنا يأتين الصم فلعل بعضكم أن يكون ألن‬
‫بجته من بعض ‪ ،‬فأقضي له بنحو ما أسع ‪ ،‬فمن قضيت له بق مسلم‬
‫فإنا هي قطعة من نار ‪ ،‬فليحملها أو يذرها » ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ ( :‬اعلم يا ا بن آدم أن قضاء القا ضي ل ي ل لك حرامًا ‪،‬‬
‫ول يق لك باطلً وإنا يقضي القاضي بنحو ما يرى ‪ ،‬وتشهد به الشهود‬
‫‪ ،‬والقاضـي بشـر يطـئ ويصـيب ‪ ،‬واعلموا أن مـن قضـي له بباطـل أن‬
‫الزء الول‬ ‫‪216‬‬

‫خصومته ل تنقض حت يمع ال بينهما يوم القيامة ‪ ،‬فيقضي على البطل‬


‫للحق بأجود ما قضي به للمبطل على الحق ف الدنيا ) ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الادي والعشرين‬

‫س الِْبرّ‬
‫﴿ يَ سَْألُوَنكَ عَ ِن الهِ ّل ِة ُقلْ هِ َي َموَاقِي تُ لِلنّا سِ وَالْحَجّ َولَيْ َ‬
‫ت مِ نْ‬
‫ِبأَ نْ َت ْأتُ ْواْ الْبُيُو تَ مِن ُظهُو ِرهَا َولَـ ِك ّن الْبِ ّر مَ نِ اّتقَى َوأْتُواْ الْبُيُو َ‬
‫َأبْوَاِبهَا وَاّتقُوْا اللّ هَ لَعَ ّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ (‪َ )189‬وقَاتِلُوْا فِي سَبِيلِ اللّ هِ اّلذِي نَ‬
‫ُمـ‬
‫ِينـ (‪ )190‬وَاقْتُلُوه ْ‬
‫ّهـ لَ يُحِبّ الْ ُمعَْتد َ‬
‫ُمـ َولَ َتعَْتدُواْ إِنّ الل َ‬
‫ُيقَاتِلُوَنك ْ‬
‫حَيْثُـَث ِقفْتُمُوهُم ْـ َوأَ ْخرِجُوهُم مّن ْـ حَيْثُـأَ ْخ َرجُوكُم ْـ وَالْفِتَْن ُة أَ َش ّد مِنَـ‬
‫ِيهـ َفإِن‬
‫ُمـ ف ِ‬
‫َامـ حَتّىـ ُيقَاتِلُوك ْ‬
‫حر ِ‬ ‫جدِ الْ َ‬
‫َسـ ِ‬
‫ُمـ عِن َد الْم ْ‬
‫الْقَ ْت ِل وَ َل ُتقَاتِلُوه ْ‬
‫قَاتَلُوكُ ْم فَاقْتُلُوهُ مْ َك َذلِ كَ َجزَاء اْلكَا ِفرِي نَ (‪َ )191‬فإِ ِن انَتهَ ْواْ َفإِنّ اللّ هَ‬
‫َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪َ )192‬وقَاتِلُوهُ مْ حَتّ ى َل تَكُو َن فِتَْن ٌة َويَكُو َن الدّي ُن لِلّ هِ‬
‫ش ْهرِ‬
‫حرَا ُم بِال ّ‬
‫ش ْهرُ الْ َ‬
‫َفإِ نِ انَتهَوْا فَلَ ُع ْدوَا َن إِل عَلَى الظّالِ ِميَ (‪ )193‬ال ّ‬
‫ح ُرمَا تُ قِ صَاصٌ فَمَ نِ اعَْتدَى عَلَ ْيكُ مْ فَاعَْتدُواْ عَلَيْ ِه بِمِ ْث ِل مَا‬
‫حرَا ِم وَالْ ُ‬
‫الْ َ‬
‫اعَْتدَى عَلَ ْيكُ ْم وَاّتقُواْ اللّ هَ وَاعْلَمُوْا أَنّ اللّ َه مَ َع الْمُّتقِيَ (‪َ )194‬وأَن ِفقُواْ‬
‫فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَ َل تُ ْلقُوْا بَِأْيدِيكُ مْ ِإلَى الّتهْلُ َك ِة وََأحْ سِنُ َوْا إِنّ اللّ َه يُحِبّ‬
‫حسِنِيَ (‪. ﴾ )195‬‬
‫الْمُ ْ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪218‬‬

‫ت لِلنّا سِ‬
‫سأَلُوَنكَ عَ نِ الهِ ّلةِ ُق ْل هِ َي َموَاقِي ُ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫ت مِن ُظهُورِهَا وَلَـ ِكنّ الِْب ّر مَ نِ اّتقَى‬
‫س الِْبرّ ِبأَ ْن َتأُْت ْواْ الْبُيُو َ‬
‫وَالْحَجّ وَلَيْ َ‬
‫ت ِمنْ َأْبوَاِبهَا وَاّتقُوْا اللّ َه َلعَلّ ُك ْم تُفْلِحُونَ (‪. ﴾ )189‬‬
‫وَْأتُوْا الْبُيُو َ‬
‫عن الهلة ‪،‬‬ ‫قال العوف عن ابن عباس ‪ ( :‬سأل الناس رسول ال‬
‫ّاسـ‬
‫ِيتـ لِلن ِ‬
‫ِيـ َموَاق ُ‬
‫َنـ الهِّلةِ ُق ْل ه َ‬
‫كع ِ‬‫َسـأَلُونَ َ‬
‫فنلت هذه اليـة ‪ ﴿ :‬ي ْ‬
‫﴾ يعلمون با حل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم ) ‪.‬‬
‫و عن ا بن ع مر قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬ج عل ال الهلة مواق يت‬
‫للناس ف صوموا لرؤي ته ‪ ،‬وأفطروا لرؤي ته ‪ ،‬فإن غ مّ علي كم فعدوا ثلث ي‬
‫يومًا » ‪ .‬رواه عبد الرزاق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََليْ َ‬
‫س الْبِ ّر ِبأَ نْ َت ْأتُ ْوْا الُْبيُو تَ مِن ُظهُورِهَا ﴾ روى‬
‫البخاري عـن الباء قال ‪ :‬كانوا إذا أحرموا فـ الاهليـة أتوا البيـت مـن‬
‫ظهره ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وََليْ سَ اْلبِ ّر ِبأَ ْن َتأُْت ْواْ اْلُبيُو تَ مِن ُظهُو ِرهَا وَلَـكِنّ‬
‫ت مِنْ َأْبوَاِبهَا ﴾ ‪.‬‬ ‫الْبِ ّر مَنِ اّتقَى َوْأتُوْا اْلبُيُو َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّ هَ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ ﴾ أي ‪ :‬اتقوا ال فافعلوا‬
‫ما أمركم به واتركوا ما ناكم عنه لتفوزوا غدًا إذا وقفتم بي يديه ‪.‬‬
‫ُمـ َولَ‬
‫ِينـُيقَاتِلُوَنك ْ‬
‫ّهـ الّذ َ‬
‫سـبِي ِل الل ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُواْ فِي َ‬
‫ب الْ ُمعَْتدِينَ (‪. ﴾ )190‬‬
‫َتعْتَدُواْ إِ ّن ال ّلهَ َل يُحِ ّ‬
‫قال عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه ‪ :‬إن ذلك ف النساء والذرية ‪،‬‬
‫ومـن ل ينصـب لك الرب منهـم ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬ل تقتلوا‬
‫النساء ول الصبيان ول الشيخ الكبي ‪ ،‬ول من ألقى إليكم السلم وكف‬
‫‪219‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يده ‪ ،‬فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم ‪ .‬وقال الرب يع ‪ :‬هذه أول آ ية نزلت ف‬
‫القتال بالدي نة ‪ ،‬فل ما نزلت كان ر سول ال يقا تل من يقاتله ‪ ،‬ويك فّ‬
‫ف عنه حت نزلت براءة ‪.‬‬‫عم ك ّ‬
‫ث َث ِقفْتُمُو ُه ْم وََأ ْخرِجُوهُم مّ ْن حَيْثُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاقْتُلُو ُهمْ حَيْ ُ‬
‫حرَا مِ‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫أَ ْخ َرجُوكُ ْم وَاْلفِتَْنةُ َأشَ ّد مِ نَ اْلقَ ْتلِ َو َل تُقَاتِلُوهُ مْ عِندَ الْمَ سْ ِ‬
‫حَتّىـُيقَاتِلُوكُم ْـ فِيهِـ َفإِن قَاتَلُوكُم ْـ فَاقْتُلُوهُم ْـ َك َذلِكَـ َجزَاء الْكَافِرِينَـ (‬
‫‪َ )191‬فإِنِ انَت َهوْْا َفإِنّ ال ّلهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )192‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أ صل الثقا فة ال ّذ والب صر بال مر ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬واقتلو هم‬
‫حيـث أبصـرت مقاتلتهـم وتكنتـم مـن قتلهـم ‪ ،‬وأخرجوهـم مـن حيـث‬
‫أخرجو كم ‪ ،‬وذلك أن م أخرجوا ال سلمي من م كة ‪ .‬فقال ‪ :‬أخرجو هم‬
‫من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاْلفِْتَنةُ َأشَ ّد مِ َن اْل َقتْلِ ﴾ قال ما هد وغيه ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫الشرك أشد من القتل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل ُتقَاتِلُوهُ ْم عِندَ الْمَ سْ ِ‬
‫ج ِد الْحَرَا مِ َحتّ ى ُيقَاتِلُوكُ مْ‬
‫فِي هِ َفإِن قَاتَلُوكُ مْ فَا ْقُتلُوهُ مْ َكذَلِ كَ جَزَاء اْلكَافِرِي نَ * فَإِ نِ انَت َهوْاْ فَإِنّ اللّ هَ‬
‫َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَ َل ُتقَاتِلُوهُ مْ عِن َد الْمَ سْجِ ِد الْ َ‬
‫حرَا مِ ﴾ ك ما‬
‫جاء فـ الصـحيحي ‪ « :‬إن هذا البلد حرمـه ال يوم خلق السـماوات‬
‫والرض ‪ ،‬فهو حرام برمة ال إل يوم القيامة ‪ ،‬ول يل ل إل ساعة من‬
‫نار ‪ ،‬وإناـ سـاعت هذه حرام برمـة ال إل يوم القيامـة ‪ ،‬ل يعضـد‬
‫الزء الول‬ ‫‪220‬‬

‫شجره ‪ ،‬ول يتلى خله ‪ ،‬فإن أحد ترخص بقتال رسول ال ‪ ،‬فقولوا‬
‫‪ :‬إن ال أذن لر سوله ول يأذن ل كم » ‪ ،‬يع ن بذلك صلوات ال و سلمه‬
‫عليه ‪ :‬قتاله أهله يوم فتح مكة ‪ ،‬فإنه فتحها عنوة وقتلت رجال منهم عند‬
‫الندمة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬صلحًا ؛ لقوله ‪ « :‬من أغلق بابه فهو آمن ‪ ،‬ومن دخل‬
‫السجد فهو آمن ‪ ،‬ومن دخل دار أب سفيان فهو آمن » ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬حتّ ى ُيقَاتِلُوكُ مْ فِي هِ فَإِن قَاتَلُوكُ مْ فَا ْقتُلُوهُ مْ كَذَلِ كَ جَزَاء‬
‫سجِ ِد الْحَرَا مِ ﴾ إل‬ ‫الْكَافِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل ُتقَاتِلُوهُ ْم عِن َد الْمَ ْ‬
‫أن يبدءوكم بالقتال فيه ‪ ،‬فلكم حينئ ٍذ قتالم وقتلهم دفعًا للصائل ‪ ،‬كما‬
‫با يع ال نب أ صحابه يوم الديب ية ت ت الشجرة على القتال ؛ ل ا تأل بت‬
‫عليه بطون قريش ‪ ،‬ومن والهم من أحياء ثقيف ‪ ،‬والحابيش عامئذ ‪ ،‬ث‬
‫كفّ ال القتال بينهم ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ الّذِي كَفّ َأيْ ِدَيهُ ْم عَنكُ ْم َوَأيْ ِديَكُمْ‬
‫﴿ وََلوْلَا‬ ‫عَنْهُم ِببَطْ ِن َم ّكةَ مِن َبعْدِ أَ نْ أَ ْظفَرَكُ ْم عََلْيهِ مْ ﴾ ‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫رِجَا ٌل ّم ْؤمِنُو نَ َونِ سَاء ّم ْؤمِنَا تٌ لّ ْم َتعْلَمُوهُ مْ أَن تَ َطؤُوهُ مْ َفتُ صِيَبكُم ّمنْهُم‬
‫ّمعَ ّرةٌ ِب َغيْ ِر عِلْ مٍ ِليُدْخِلَ اللّ هُ فِي َرحْ َمتِ هِ مَن يَشَاءُ َل ْو تَ َزيّلُوا َلعَ ّذبْنَا الّذِي نَ‬
‫َكفَرُوا ِمْنهُ ْم عَذَابا أَلِيما ﴾ ‪.‬‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فإن تركوا‬
‫ّهـ َغفُورٌ رّح ٌ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬فَإ ِ‬
‫ِنـ انتَ َه ْواْ َفإِن ّ الل َ‬
‫القتال ف الرام ‪ ،‬وأنابوا إل الِسلم والتوبة ؛ فإن ال يغفر ذنوبم ؛ ولو‬
‫كانوا قد قتلوا السلمي ف حرم ال ‪ ،‬فإنه تعال ل يتعاظمه ذنب أن يغفره‬
‫لن تاب منه إليه ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُوهُ ْم حَتّى َل تَكُو َن فِتَْنةٌ َوَيكُو َن الدّي نُ لِلّ هِ‬
‫َفإِنِ انَتهَوْا فَلَ ُع ْدوَا َن إِل عَلَى الظّالِ ِميَ (‪. ﴾ )193‬‬
‫‪221‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪ :‬وقاتلهم ‪ ،‬يعن ‪ :‬الشركي ‪َ ﴿ ،‬حتّى َل َتكُو نَ ِفْتَنةٌ ﴾‬


‫أي ‪ :‬شرك ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬قاتلوهـم حتـ يسـلموا ‪ ،‬فل يقبـل مـن الوثنـ إل‬
‫الِ سلم ‪ ،‬فإن أ ب قُ تل ‪َ ﴿ .‬وَيكُو نَ الدّي نُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الطا عة والعبادة ل‬
‫وحده ‪ ،‬فل يعبد شيء دونه ‪ .‬قال نافع ‪ :‬جاء رجل إل ابن عمر ف فتنة‬
‫ابن الزبي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما ينعك أن ترج ؟ قال ‪ :‬ينعن أن ال حرم دم أخي‬
‫قال ‪ :‬أل ت سمع ما ذكره ال عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِن طَاِئفَتَا نِ مِ نَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ‬
‫اقَْتتَلُوا ﴾ فقال ‪ :‬ا بن أ خي ‪ ،‬ولن أعتب بذه الية ول أقا تل ‪ ،‬أح بّ إلّ‬
‫من أن أعتب بالية الت يقول ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَن َيقْتُ ْل ُم ْؤمِنا ّمَتعَمّدا‬
‫﴾ قال ‪ :‬أل يقل ال ‪ ﴿ :‬وَقَاتِلُوهُ مْ َحتّى َل َتكُو نَ ِفْتَنةٌ ﴾ قال ‪ :‬قد فعلنا‬
‫على عهد رسول ال إذ كان السلم قليلً وكان الرجل يفت ف دينه‬
‫إما يقتلونه أو يعذبونه ‪ ،‬حت كثر الِسلم فلم تكن فتنة ‪ ،‬وكان الدين ل‬
‫‪ ،‬وأن تم تريدون أن تقاتلو هم ح ت تكون فت نة ‪ ،‬ويكون الد ين لغ ي ال ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫َانـ إِل عَلَى الظّالِمِي َ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ل عُ ْدو َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإ ِ‬
‫ِنـ انَتهَواْ َف َ‬
‫ل عُ ْدوَا نَ إِل عَلَى‬
‫الرب يع ‪ :‬هم الشركون ‪ .‬وقال ما هد ‪ ﴿ :‬فَإِ ِن انَتهَواْ َف َ‬
‫الظّالِمِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل تقاتلوا إل من قاتلكم ‪.‬‬
‫َاتـ‬
‫ح ُرم ُ‬
‫َامـ وَالْ ُ‬
‫حر ِ‬ ‫ش ْهرِ الْ َ‬
‫َامـ بِال ّ‬
‫حر ُ‬ ‫شهْ ُر الْ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬ال ّ‬
‫ص فَمَنِ اعَْتدَى عَلَ ْيكُمْ فَاعَْتدُواْ عَلَيْهِ بِ ِم ْثلِ مَا اعَْتدَى عَلَ ْيكُمْ وَاتّقُواْ‬
‫قِصَا ٌ‬
‫اللّ َه وَاعْلَمُواْ أَ ّن ال ّلهَ مَ َع الْمُّتقِيَ (‪. ﴾ )194‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪222‬‬

‫قال ا بن عباس وغيه ‪ ( :‬ل ا سار ر سول ال معتمرًا ف ست من‬


‫الجرة ‪ ،‬وحب سه الشركون عن الدخول والو صول إل الب يت ‪ ،‬و صدوه‬
‫بن معه من السلمي ف ذي القعدة ‪ ،‬وهو شهر حرام ‪ ،‬حت قاضهم على‬
‫الدخول من قابل ‪ ،‬فدخلها ف السنة التية هو ومن كان معه من السلمي‬
‫شهْرِ‬
‫‪ ،‬وأقصه ال منهم ‪ ،‬فنلت ف ذلك هذه الية ‪ ﴿ :‬الشّهْرُ الْحَرَا مُ بِال ّ‬
‫ح ُرمَا تُ قِ صَاصٌ ﴾ و عن جابر بن ع بد ال قال ‪ ( :‬ل ي كن‬ ‫الْحَرَا ِم وَالْ ُ‬
‫رسول ال يغزو ف الشهر الرام إل أن يغزي ونغزو ‪ ،‬فإذا حضره أقام‬
‫حت ينسلخ ) ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬
‫ْهـ بِ ِمثْ ِل مَا ا ْعتَدَى‬
‫ُمـ فَا ْعتَدُوْا عََلي ِ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فم ِ‬
‫َنـ اعْتَدَى عََلْيك ْ‬
‫ـَئةٍ‬
‫عََليْكُم ْـ ﴾ سـي الزاء باسـم البتداء ‪ ،‬كمـا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وجَزَاء سَّي‬
‫َسيَّئ ٌة ّمثُْلهَا ﴾ قال ابن كثي ‪ :‬أمر تعال بالعدل حت ف الشركي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّ َه وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه مَ َع الْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أمر لم‬
‫بطا عة ال وتقواه ‪ ،‬وإخبار بأ نه تعال مع الذ ين اتقوا بالن صر والتأي يد ف‬
‫الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وأَن ِفقُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ َولَ تُلْقُواْ ِبَأيْدِيكُ مْ ِإلَى‬
‫حسِنِيَ (‪. ﴾ )195‬‬
‫ب الْمُ ْ‬
‫ح ّ‬
‫التّهْ ُل َكةِ َوأَ ْحسُِن َواْ إِ ّن ال ّلهَ يُ ِ‬
‫قال ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬وأَنفِقُواْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَ َل تُ ْلقُواْ ِبَأيْدِيكُ مْ‬
‫إِلَى الّتهُْلكَةِ ﴾ ‪ :‬ليس ذلك ف القتال إنا هو ف النفقة أن تسك بيدك عن‬
‫النفقة ف سبيل ال ‪ ،‬ول تلق بيدك إل التهلكة ‪.‬‬
‫‪223‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وروى أ بو داود وغيه عن أ سلم بن عمران قال ‪ ( :‬ح ل ر جل من‬


‫الهاجر ين بالق سطنطينية على صفّ العدو ح ت خر قه ‪ ،‬ومع نا أ بو أيوب‬
‫الن صاريّ ‪ ،‬فقال ناس ‪ :‬أل قى بيده إل التهل كة ‪ ،‬فقال أ بو أيوب ‪ :‬ن ن‬
‫أعلم بذه ال ية من كم ‪ ،‬إن ا نزلت في نا ‪ .‬صحبنا ر سول ال ‪ ،‬وشهد نا‬
‫معه الشاهد ‪ ،‬ونصرناه ‪ ،‬فلما فشا السلم وظهر اجتمعنا معشر النصار‬
‫نيًا ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬قد أكرمنا ال بصحبة نبيه ‪ ،‬ونصره حت فشا السلم ‪،‬‬
‫وكثر أهله ‪ ،‬وكنا قد آثرنا على الهلي والموال والولد ‪ ،‬وقد وضعت‬
‫الرب أوزار ها ‪ ،‬فنر جع إل أهلي نا وأولد نا فنق يم في هم ‪ ،‬فنل في نا ‪﴿ :‬‬
‫َوأَن ِفقُواْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَلَ تُ ْلقُوْا بَِأيْدِيكُ مْ إِلَى الّتهُْل َكةِ ﴾ ‪ ،‬فكانت التهلكة‬
‫ف القامة ف الهل والال وترك الهاد ) ‪.‬‬
‫وروى ابـن مردويـه عـن النعمان بـن بشيـ فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَ َل تُ ْلقُواْ‬
‫بَِأيْدِيكُ مْ إِلَى الّتهُْل َكةِ ﴾ ‪ ،‬أن يذ نب الر جل الذ نب فيقول ‪ :‬ل يغ فر ل ‪،‬‬
‫ّهـ يُحِبّ‬ ‫ْسـُنوَاْ إِنّ الل َ‬
‫ُمـ إِلَى الّتهُْل َك ِة َوأَح ِ‬
‫فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَ َل تُ ْلقُواْ ِبَأيْدِيك ْ‬
‫سنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫الْمُحْ ِ‬
‫قال الافظ ابن حجر ف فتح الباري ‪ :‬والول أظهر ‪ ،‬لتصديره الية‬
‫بذكر النفقة ‪ ،‬فهو العتمد ف نزولا ‪ .‬وأما قصرها عليه ففيه نظر ؛ لن‬
‫العمدة بعموم اللفـظ إل أن قال ‪ :‬وأمـا مسـألة حلـ الواحـد على العدد‬
‫الكثي من العدو ‪ ،‬فصرح المهور بأنه إن كان لفرط شجاعته ‪ ،‬وظنه أنه‬
‫يرهب العدو بذلك ‪ ،‬أو يرئ السلمي عليهم ‪ ،‬أو نو ذلك من القاصد‬
‫الصـحيحة ‪ ،‬فهـو حسـن ‪ .‬ومتـ كان مرد تور فممنوع ‪ ،‬ولسـيما إن‬
‫ترتب على ذلك وهن ف السلمي وال أعلم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪224‬‬

‫***‬
‫‪225‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثان والعشرون‬

‫سرَ مِ نَ اْلهَدْ يِ‬


‫﴿ َوَأتِمّوْا الْحَجّ وَاْلعُ ْم َرةَ لِلّ هِ َفإِ نْ ُأحْ صِ ْرُتمْ فَمَا ا سْتَ ْي َ‬
‫حلّ هُ فَمَن كَا َن مِنكُم ّمرِيضا‬
‫وَ َل تَحْ ِلقُواْ ُرؤُو َس ُكمْ حَتّى يَبْ ُل غَ اْل َهدْ يُ مَ ِ‬
‫سكٍ َفِإذَا َأمِنتُمْ َفمَن‬
‫ص َدقَ ٍة َأوْ نُ ُ‬
‫أَ ْو بِهِ َأذًى مّن ّرأْ ِسهِ َف ِف ْديَ ٌة مّن صِيَا ٍم َأوْ َ‬
‫جدْ فَ صِيَامُ‬
‫تَمَتّ َع بِالْعُ ْم َر ِة ِإلَى الْحَجّ فَمَا ا سْتَ ْيسَ َر مِ نَ اْل َهدْ يِ فَمَن لّ ْم يَ ِ‬
‫ش َرةٌ كَامِ َل ٌة َذلِ كَ لِمَن لّ مْ‬
‫ثَلَثةِ َأيّا ٍم فِي الْحَجّ وَ سَ ْبعَ ٍة ِإذَا َر َجعْتُ ْم تِلْ كَ َع َ‬
‫حرَا ِم وَاتّقُواْ اللّ َه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ َشدِيدُ‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫ضرِي الْمَ سْ ِ‬
‫يَكُ نْ َأهْلُ ُه حَا ِ‬
‫ج فَلَ َرفَثَ‬
‫ت فَمَن َفرَضَ فِي ِه ّن الْحَ ّ‬
‫ج َأشْ ُه ٌر ّمعْلُومَا ٌ‬
‫الْ ِعقَابِ (‪ )196‬الْحَ ّ‬
‫حجّ َومَا َتفْعَلُواْ مِنْ خَ ْيرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ َوَتزَ ّودُواْ‬
‫ق َولَ ِجدَا َل فِي الْ َ‬
‫وَ َل فُسُو َ‬
‫َفإِنّ خَ ْيرَ الزّا ِد التّ ْقوَى وَاّتقُو نِ يَا ُأ ْولِي الَلْبَا بِ (‪ )197‬لَيْ سَ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫ت فَاذْ ُكرُواْ اللّ هَ‬
‫ل مّ ن ّرّبكُ مْ َفِإذَا َأفَضْتُم مّ نْ َع َرفَا ٍ‬
‫ضً‬‫ح أَن تَبَْتغُواْ فَ ْ‬
‫جُنَا ٌ‬
‫حرَا ِم وَاذْكُرُو هُ كَمَا َهدَاكُ مْ َوإِن كُنتُم مّ ن قَبْلِ هِ لَمِ نَ‬
‫شعَ ِر الْ َ‬
‫عِن َد الْ َم ْ‬
‫س وَا سْتَ ْغ ِفرُوْا اللّ هَ إِنّ‬
‫الضّآلّيَ (‪ُ )198‬ثمّ َأفِيضُوْا مِ ْن حَيْ ثُ َأفَا ضَ النّا ُ‬
‫اللّهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪َ )199‬فِإذَا قَضَيْتُم مّنَا ِسكَ ُكمْ فَاذْ ُكرُوْا اللّهَ َكذِ ْكرِكُمْ‬
‫آبَاءكُ ْم َأوْ َأشَ ّد ذِكْرا َفمِ نَ النّا سِ مَن َيقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ‬
‫فِي الخِ َر ِة مِ ْن خَلَ قٍ (‪ )200‬وِمِنْهُم مّ ن َيقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا‬
‫ُمـ‬
‫ك َله ْ‬
‫َابـ النّارِ (‪ )201‬أُولَــئِ َ‬
‫َسـنَ ًة َوقِنَا َعذ َ‬
‫َسـَنةً وَفِي ال ِخ َرةِ ح َ‬
‫ح َ‬
‫ب مّمّا كَسَبُوْا وَاللّهُ َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪ )202‬وَاذْ ُكرُواْ اللّ َه فِي َأيّامٍ‬
‫نَصِي ٌ‬
‫ل ِإثْ مَ عَلَيْ هِ وَمَن تََأ ّخرَ فَل إِثْ مَ عَلَيْ هِ‬
‫ج َل فِي َي ْومَيْ ِن فَ َ‬
‫ّمعْدُودَا تٍ فَمَن َتعَ ّ‬
‫شرُونَ (‪. ﴾ )203‬‬
‫حَ‬‫لِ َمنِ اّتقَى وَاتّقُوْا ال ّلهَ وَاعْلَمُوا أَّن ُكمْ ِإلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪226‬‬

‫ص ْرُتمْ فَمَا‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَأتِمّوْا الْحَجّ وَاْلعُ ْم َرةَ لِلّ هِ َفإِ نْ ُأحْ ِ‬
‫ي مَحِلّ هُ فَمَن‬
‫ي َولَ تَحْ ِلقُواْ ُرؤُو سَ ُكمْ حَتّى يَبْلُ َغ الْ َهدْ ُ‬
‫س َر مِ نَ اْلهَدْ ِ‬
‫ا سْتَ ْي َ‬
‫ص َدقَ ٍة َأوْ‬
‫كَا َن مِنكُم ّمرِيضا أَ ْو بِ ِه َأذًى مّ ن ّرأْ سِ ِه َف ِفدَْيةٌ مّ ن صِيَامٍ أَوْ َ‬
‫ُنسُكٍ ﴾ ‪.‬‬
‫لاـ ذكـر تعال أحكام الصـيام وعطـف بذكـر الهاد ‪ ،‬شرع فـ بيان‬
‫الناسـك فقال ‪َ ﴿ :‬وأَتِمّوْا الْحَجّ وَاْلعُمْ َرةَ لِلّهِـ ﴾ ‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬مـن‬
‫أحرم ب ج أو عمرة فل يس له أن ي ل ح ت يتم ها ‪ .‬تام ال ج يوم الن حر ‪،‬‬
‫إذا رمى جرة العقبة وزار البيت ‪ ،‬فقد حل من إحرامه كله ‪ ،‬وتام العمرة‬
‫إذا طاف بالبيت وبالصفا والروة ‪ ،‬فقد حل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِنْ أُحْ ِ‬
‫ص ْرتُمْ فَمَا ا ْستَيْسَ َر مِنَ الْهَدْيِ ﴾ ‪ .‬قال ماهد‪:‬‬
‫الصر البس ‪ ،‬كأنه يقول ‪ :‬أيا رجل اعترض له ف حجته وعمرته فإنه‬
‫يبعث بديه من حيث يبس ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هو الوف والرض والابس‬
‫إذا أ صابه ذلك ب عث بد يه ‪ ،‬فإذا بلغ الدي مله حل ‪ .‬و عن هشام بن‬
‫عروة عن أب يه قال ‪ :‬كل ش يء ح بس الحرم ف هو إح صار ‪ .‬وقال ا بن‬
‫ي شاة ‪.‬‬
‫عباس ‪ :‬مَا ا ْستَيْسَ َر مِ َن اْلهَدْ ِ‬
‫حلّ هُ ﴾ ‪،‬‬
‫ي مَ ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل تَ ْ‬
‫حِلقُواْ ُرؤُو َسكُمْ َحتّ ى َيبْلُ َغ اْلهَدْ ُ‬
‫أي ‪ :‬الرم ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ ( :‬إن النب وأصحابه عام الديبية لا حصرهم كفار‬
‫قر يش عن الدخول إل الرم ‪ ،‬حلقوا وذبوا هدي هم خارج الرم ‪ .‬فأ ما‬
‫فـ حال المـن والوصـول إل الرم ‪ ،‬فل يوز اللق ‪ ،‬حتـ يبلغ الدي‬
‫‪227‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مله ‪ ،‬ويفرغ النا سك من أفعال ال ج والعمرة ‪ ،‬إن كان قارنًا ‪ ،‬أو من‬
‫ف عل أحده ا إن كان مفردًا أو متمتعًا ‪ ،‬ك ما ث بت ف ال صحيحي عن‬
‫حفصة أنا قالت ‪ :‬يا رسول ال ما شأن الناس أحلّوا من العمرة ول تل‬
‫أ نت من عمر تك ؟ فقال ‪ « :‬إ ن لبدت رأ سي وقلدت هد يي فل أ حل‬
‫حت أنر » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن كَا َن مِنكُم مّرِيضا َأوْ بِ هِ َأذًى مّ ن ّرأْ سِهِ َففِ ْدَيةٌ‬
‫صدََقةٍ َأوْ نُ سُكٍ ﴾ ‪ ،‬عن كعب بن عجرة قال ‪ ( :‬حلت إل‬
‫صيَامٍ َأوْ َ‬
‫مّن ِ‬
‫النب والقمل يتناثر على وجهي فقال ‪ « :‬ما كنت أرى أن الهل بلغ‬
‫بك هذا ‪ ،‬أما تد شاة » ؟ قلت ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ « :‬صم ثلثة أيام ‪ ،‬وأطعم‬
‫ستة م ساكي ل كل م سكي ن صف صاع من طعام ‪ ،‬واحلق رأ سك » ‪.‬‬
‫فنلت فّ خاصة وهي لكم عامة ) ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫و ف روا ية لح د وغيه ‪ « :‬يؤذ يك هوام رأ سك » ؟ قلت ‪ :‬ن عم ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬فاحل قه و صم ثلثـة أيام ‪ ،‬أو أط عم سـتة م ساكي ‪ ،‬أو ان سك‬
‫نسيكة » ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬فِإذَا َأمِنتُ مْ فَمَن تَمَتّ َع بِاْلعُ ْم َرةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا‬
‫حجّ وَ سَ ْب َعةٍ ِإذَا‬
‫ج ْد فَ صِيَا ُم ثَلَث ِة َأيّا ٍم فِي الْ َ‬
‫سرَ مِ نَ اْلهَدْ يِ َفمَن لّ ْم يَ ِ‬
‫ا سْتَ ْي َ‬
‫جدِ‬
‫ضرِي الْمَ سْ ِ‬
‫ك لِمَن لّ مْ َيكُ ْن أَهْلُ هُ حَا ِ‬
‫ش َرةٌ كَامِ َلةٌ َذلِ َ‬
‫َر َجعْتُ مْ تِلْ كَ َع َ‬
‫حرَا ِم وَاتّقُواْ ال ّلهَ وَاعْلَمُوْا أَ ّن اللّ َه َشدِيدُ اْل ِعقَابِ (‪. ﴾ )196‬‬
‫الْ َ‬
‫قال ابن كثي ‪ ( :‬وقوله ‪ ﴿ :‬فَِإذَا َأمِنتُ مْ فَمَن تَ َمتّ َع بِاْلعُمْ َرةِ إِلَى الْحَجّ‬
‫فَمَا ا ْستَيْسَ َر مِ نَ الْهَدْ يِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فإذا تكن تم من أداء النا سك ‪ ،‬ف من‬
‫الزء الول‬ ‫‪228‬‬

‫كان منكم متمتعًا بالعمرة إل الج ‪ ،‬وهو يشمل من أحرم بما أو أحرم‬
‫بالعمرة أولً ‪ ،‬فلما فرغ منها أحرم بالج ‪ ،‬وهذا هو التمتع الاص وهو‬
‫العروف ف كلم الفقهاء ‪ .‬والتمتع العام يشمل القسمي كما دلت عليه‬
‫الحاديث الصحاح ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَا ا سَْتيْسَ َر مِ نَ الْهَدْ يِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فليذ بح ما تي سر‬
‫صيَامُ ثَلَثةِ َأيّا مٍ فِي الْحَجّ ﴾ ‪،‬‬
‫جدْ فَ ِ‬
‫من الدي وأقله شاة ‪ ﴿ .‬فَمَن لّ ْم يَ ِ‬
‫أي ‪ :‬فـ أيام الناسـك ‪ .‬قال عطاء وغيه ‪ :‬الول أن يصـومها قبـل يوم‬
‫عرفة ف العشر ‪ ،‬أو من حي يرم ‪ ،‬قاله ابن عباس وغيه ‪ .‬وقال العوف‬
‫عن ا بن عباس ‪ :‬إذا ل ي د هديًا فعل يه صيام ثل ثة أيام ف ال ج ق بل يوم‬
‫عر فة ‪ ،‬فإذا كان يوم عر فة الثالث ف قد تّ صومه ‪ ،‬و سبعة إذا ر جع إل‬
‫أهله ‪.‬‬
‫وهل يوز صيامها أيام التشريق ؟ فيه قولن للعلماء والراجح الواز ‪،‬‬
‫لاـ روى البخاري عـن ابـن عمـر وعائشـة قال ‪ ( :‬ل يرخـص فـ أيام‬
‫التشريق أن يصمن إل لن ل يد الدي ) ‪.‬‬
‫سجِ ِد الْحَرَامِ ﴾‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِكَ لِمَن لّ ْم َيكُ نْ َأهْلُهُ حَا ِ‬
‫ضرِي الْمَ ْ‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬هـم أهـل الرم ‪ .‬وقال طاوس ‪ :‬التعـة للناس ل لهـل‬
‫مكـة ‪ ،‬مـن لنـ يكـن أهله مـن الرم ‪ .‬وقال مكحول فـ قوله ذلك ‪:‬‬
‫ج ِد الْحَرَا مِ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬من كان‬
‫ضرِي الْمَ سْ ِ‬
‫﴿ لِمَن لّ ْم َيكُ نْ َأهْلُ هُ حَا ِ‬
‫دون اليقات ‪ .‬واختار ا بن جر ير ‪ :‬أن م أ هل الرم ‪ ،‬و من كان م نه على‬
‫مسافة ل يقصر فيها الصلة ‪.‬‬
‫‪229‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّه َ‬


‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فيمـا أمركـم وناكـم ‪﴿ ،‬‬
‫وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ ﴾ ‪ ،‬لن خالف أمره وارتكب نيه ‪.‬‬
‫حجّ‬
‫ض فِيهِنّ الْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬الْحَجّ أَ ْش ُهرٌ ّمعْلُومَا تٌ فَمَن َفرَ َ‬
‫ق َولَ ِجدَا َل فِي الْحَجّ وَمَا َتفْعَلُواْ مِ نْ خَ ْيرٍ يَعْلَمْ هُ‬
‫ث وَ َل فُ سُو َ‬
‫فَلَ َرفَ َ‬
‫اللّ ُه َوتَ َز ّودُواْ فَإِ ّن خَ ْيرَ الزّادِ الّتقْوَى وَاّتقُونِ يَا أُ ْولِي ا َللْبَابِ(‪.﴾)197‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬ل ينب غي ل حد أن يرم بال ج إل ف شهور ال ج ‪،‬‬
‫من أجل قول ال تعال ‪ ﴿ :‬الْحَجّ َأ ْشهُ ٌر ّمعْلُومَا تٌ ﴾ ‪ .‬وقال ابن عمر ‪:‬‬
‫هي ‪ :‬شوال ‪ ،‬وذو القعدة ‪ ،‬وع شر من ذي ال جة ‪ .‬قال ا بن جر ير ‪:‬‬
‫وصح إطلق المع على شهرين وبعض الثالث للتغليب ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن فَرَضَـ فِيهِنّ الْحَجّ َفلَ رَفَثَـ وَلَ فُسـُو َ‬
‫ق وَلَ‬
‫حجّ ﴾ قال علي بن أب طلحة عن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬فمَن فَرَضَ‬‫جِدَالَ فِي الْ َ‬
‫فِيهِ ّن الْحَجّ ﴾ يقول ‪ :‬من أحرم بج أو عمرة ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬فلَ رَف َ‬
‫َثـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مـن أحرم بجـ أو عمرة فليجتنـب‬
‫الرفـث وهـو الماع ‪ .‬وكان ابـن عمـر يقول ‪ :‬الرفـث ‪ :‬إتيان النسـاء ‪،‬‬
‫والتكلم بذلك للرجال والنسـاء ‪ ،‬إذا ذكروا ذلك بأفواههـم ‪ .‬وقال ابـن‬
‫عباس ‪ :‬الرفث ‪ :‬التعريض بذكر الماع ‪ ،‬وهي العرابة ف كلم العرب ‪،‬‬
‫وهو أدن الرفث ‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬الرفث الماع وما دونه من قول الفحش‬
‫‪ .‬وقال طاوس ‪ :‬هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪230‬‬

‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَلَ فُسـُوقَ ﴾ ‪ .‬قال ابـن عباس وغيه ‪ :‬هـي العاصـي ‪.‬‬
‫وف الصحيحي عن النب ‪ « :‬من حج هذا البيت فلم يرفث ول يفسق‬
‫‪ ،‬خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ِجدَالَ فِي الْحَجّ ﴾ ‪ .‬قال ما هد ‪ :‬قد ب ي ال‬
‫أشهر الج ‪ ،‬فليس فيه جدال بي الناس ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَلَ ِجدَالَ‬
‫حجّ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬الراء ف الج ‪ .‬وقال ابن مسعود ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ‬ ‫فِي الْ َ‬
‫جِدَالَ فِي الْحَجّ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬أن تاري صاحبك ح ت تغض به ‪ ،‬وكذا قال‬
‫ا بن عباس وغيه ‪ ،‬وقال ا بن ع مر ‪ :‬الدال ف ال ج ال سباب والناز عة ‪،‬‬
‫وعـن جابر بـن عبـد ال قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬مـن قضـى نسـكه‬
‫وسلم السلمون من لسانه ويده ‪ ،‬غفر له ما تقد من ذنبه » ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا َت ْفعَلُوْا مِ نْ َخيْ ٍر َيعْلَمْ هُ اللّ هُ ﴾ ‪ ،‬لّا نا هم عن‬
‫إتيان القب يح حث هم على ف عل الم يل ‪ ،‬وأ خبهم أ نه عال به و سيجزيهم‬
‫عليه أوفر الزاء يوم القيامة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتَ َزوّدُواْ فَإِنّـ َخيْرَ الزّا ِد التّ ْقوَى ﴾ ‪ .‬روى البخاري‬
‫وغيه عـن ابـن عباس قال ‪ :‬كان أهـل اليمـن يجون ول يتزوجون ‪،‬‬
‫ــ التوكلون فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬وتَ َزوّدُواْ فَإِنّــ َخيْرَ الزّادِ‬
‫ويقولون ‪ :‬ننـ‬
‫الّت ْقوَى ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإنّ َخيْرَ الزّادِ الّت ْقوَى ﴾ ‪ ،‬لّا أمرهم بالزاد للسفر ف‬
‫الدن يا ‪ ،‬أرشد هم إل زاد الخرة ‪ ،‬و هو ا ستصحاب التقوى ‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬يَا بَنِي آدَمَـ َقدْ أَنزَلْنَا عََلْيكُم ْـِلبَاسـا ُيوَارِي سَـوْءَاِتكُ ْم وَرِيشا‬
‫ـ َخيْرٌ ﴾ ‪ .‬وقال مقاتـل ‪ :‬لاـ نزلت هذه اليـة ‪:‬‬ ‫ـ الّت ْقوَىَ ذَلِك َ‬
‫وَِلبَاس ُ‬
‫‪231‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴿ َوتَ َزوّدُواْ ﴾ قام ر جل من فقراء ال سلمي فقال ‪ :‬يا ر سول ال ما‬


‫ن د ما نتزوده ‪ ،‬فقال ر سول ال ‪ « :‬تزود ما ت كف به وج هك عن‬
‫الناس ‪ ،‬وخي ما تزودت التقوى » ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪.‬‬
‫َابـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العقول ‪ ،‬والفهام ‪،‬‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَاّتق ِ‬
‫ُونـ ي َا ُأوْلِي الَلْب ِ‬
‫أي ‪ :‬احذروا عقاب وعذاب لن خالفن وعصان ‪.‬‬
‫ل مّ ن ّرّبكُ مْ‬
‫ح أَن تَبَْتغُوْا فَضْ ً‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬لَيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ‬
‫حرَامِـ وَاذْ ُكرُوهُـ‬
‫ش َعرِ الْ َ‬
‫َفإِذَا َأفَضْتُم مّن ْـ َع َرفَاتٍـ فَاذْ ُكرُوْا اللّهَـ عِندَ الْ َم ْ‬
‫كَمَا َهدَاكُ ْم َوإِن كُنتُم مّ ن قَبْلِ هِ لَمِ نَ الضّآلّيَ (‪ )198‬ثُمّ َأفِيضُواْ مِ نْ‬
‫ض النّاسُ وَاسَْت ْغ ِفرُواْ ال ّلهَ إِنّ ال ّلهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )199‬‬
‫ث َأفَا َ‬
‫حَيْ ُ‬
‫روى البخاري وغيه عـن ابـن عباس قال ‪ ( :‬كانـت عكاظ ومنـة‬
‫وذوى الجاز أسواقًا ف الاهلية ‪ ،‬فتأثوا أن يتّجروا ف الوسم فنلت ‪﴿ :‬‬
‫ل مّن ّرّبكُمْ ﴾ ف مواسم الج ) ‪ .‬وقال‬ ‫ضً‬‫َليْسَ عََلْيكُمْ ُجنَا حٌ أَن َتبَْتغُواْ َف ْ‬
‫علي بن أ ب طل حة عن ا بن عباس ف هذه ال ية ‪ :‬ل حرج علي كم ف‬
‫الشراء والبيـع قبـل الحرام وبعده ‪ .‬وروى أحدـ وغيه عـن أبـ أمامـة‬
‫التيمي قال ‪ :‬قلت لبن عمر ‪ :‬إنا نكري فهل لنا من حج ؟ قال ‪ :‬أليس‬
‫تطوفون بالبيت ‪ ،‬وتأتون بالعروف ‪ ،‬وترمون المار ‪ ،‬وتلقون رءوسكم‬
‫؟ قال ‪ :‬قل نا ‪ :‬بلى ‪ .‬فقال ا بن ع مر ‪ :‬جاء ر جل إل ال نب ف سأله عن‬
‫س عََليْكُ مْ‬
‫الذي سألتن فلم ي به ح ت نزل عل يه جب يل بذه ال ية ‪َ ﴿ :‬ليْ َ‬
‫ل مّن ّرّبكُمْ ﴾ فدعاه النب فقال ‪ « :‬أنتم حجاج‬ ‫ضً‬ ‫ُجنَاحٌ أَن َتْبتَغُواْ َف ْ‬
‫»‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪232‬‬

‫شعَرِ‬
‫ّهـ عِن َد الْمَ ْ‬
‫َاتـ فَاذْ ُكرُواْ الل َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِذَا أََفضْتُم م ْ‬
‫ّنـ َعرَف ٍ‬
‫الْحَرَا مِ ﴾ ‪ .‬روى أح د وأ هل ال سنن عن ع بد الرح ن بن يع مر الديلي‬
‫قال ‪ :‬سـعت رسـول ال يقول ‪ « :‬الجـ عرفات ‪ - ،‬ثلثًا ‪ -‬فمـن‬
‫أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك » ‪ .‬الديث ‪.‬‬
‫و ف حد يث جابر الطو يل ‪ ( :‬فلم يزل واقفًا ‪ -‬يع ن ‪ :‬بعر فة ‪ -‬ح ت‬
‫غابت الشمس وبدت الصفرة قليلً ‪ ،‬حت غاب القرص ‪ ،‬وأردف أسامة‬
‫خل فه ‪ .‬ود فع ر سول ال و قد ش نق للق صواء الزمام ‪ ،‬ح ت إن رأ سها‬
‫ليصـيب مورك رحله ‪ ،‬ويقول بيده اليمنـ ‪ « :‬أيهـا الناس السـكينة‬
‫ـ أتـى جبلً أرخـى لاـ قليلً حتـ تصـعد ‪ ،‬حتـ أتـى‬ ‫السـكينة » ‪ .‬كلم ا‬
‫الزدلفة فصلى با الغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتي ول يسبح بينهما‬
‫شيئًا ‪ ،‬ث اضط جع ح ت طلع الف جر ف صلى الف جر ح ي تبي له ال صبح‬
‫صوَاءَ حت أتى الشعر الرام فاستقبل القبلة ‪،‬‬
‫بأذان وإقامة ‪ ،‬ث ركب الْقَ ْ‬
‫فدعا ال وكبه وهلله ووحده ‪ ،‬فلم يزل واقفًا حت أسفر جدًا فدفع قبل‬
‫أن تطلع الشمس ) ‪ .‬الديث رواه مسلم ‪.‬‬
‫وروى أح د عن جبي بن مط عم عن ال نب قال ‪ « :‬كل عرفات‬
‫موقف وادفعوا عن عرفة ‪ ،‬وكل مزدلفة موقف وادفعوا عن مسر ‪ ،‬وكل‬
‫فجاج مكة منحر ‪ ،‬وكل أيام التشريق ذبح » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاذْكُرُو هُ كَمَا هَدَاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬واذكروه بالتوحيد‬
‫والتعظيم كما هداكم لدينه ‪ ،‬ومناسك حجه ‪َ ﴿ .‬وإِن كُنتُم مّن َقبْلِهِ لَمِ َن‬
‫الضّآلّيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬و قد كن تم من ق بل هذا الدى ل ن الضال ي الاهل ي‬
‫بدينهم ‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَفِيضُوْا مِ نْ َحيْ ثُ أَفَا ضَ النّا ُ‬


‫س وَا ْسَتغْفِرُواْ اللّ هَ ِإنّ‬
‫اللّ َه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال أ هل التف سي ‪ :‬كا نت قر يش وحلفاؤ ها و من‬
‫دان بدينهـا وهـم المـس ‪ ،‬يقفون بالزدلفـة ويقولون ‪ :‬ننـ أهـل ال ‪،‬‬
‫وقطان حرمه ‪ ،‬فل نلف الرم ‪ ،‬ول نرج منه ‪ ،‬ويتعظمون أن يقفوا مع‬
‫سـائر العرب بعرفات ‪ ،‬فإذا أفاض الناس مـن عرفات أفاض المـس مـن‬
‫الزذلفة ‪ ،‬فأمرهم ال أن يقفوا بعرفات ‪ ،‬ويفيضوا منها إل جع مع سائر‬
‫َاضـ‬
‫ْثـ أَف َ‬
‫ِنـ َحي ُ‬
‫الناس ‪ .‬وقال الضحاك بـن مزاحـم ‪ ﴿ :‬ثُم ّ أَفِيضُوْا م ْ‬
‫النّا سُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو إبراهيم ‪ .‬وروى عن ابن عباس ما يقتضي أن الراد‬
‫بالفا ضة ها ه نا هي ‪ :‬الِفا ضة من الزدل فة إل م ن لر مي المار ‪ .‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَا ْسَت ْغفِرُواْ اللّ هَ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ ،‬كثيًا ما‬
‫يأ مر ال بذكره وا ستغفاره ب عد قضاء العبادات ‪ ،‬ك ما ورد ذلك ف أدبار‬
‫الصلوات وغيها ‪ ،‬ومن ذلك ‪ « :‬اللهم إن ظلمت نفسي ظلمًا كثيًا ول‬
‫يغ فر الذنوب إل أ نت ‪ ،‬فاغ فر ل مغفرة من عندك ‪ ،‬وارح ن إ نك أ نت‬
‫الغور الرح يم » ‪ .‬وكان ي ستغفر ب عد ال سلم ثلثًا ؛ وفائدة ال ستغفار‬
‫الذل والنكسار بي يدي البار ‪ ،‬كما ف سيد الستغفار ‪ « :‬اللهم أنت‬
‫رب ل إل أنت خلقتن وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ‪،‬‬
‫أعوذ بك من شر ما صنعت ‪ ،‬أبوء لك بنعمتك عل ّي ‪ ،‬وأبوء بذنب فاغفر‬
‫ل ‪ ،‬فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت » ‪ .‬قال رسول ال ‪ « :‬من قالا ف‬
‫ليلة فمات ف ليلته دخل النة ‪ ،‬ومن قالا ف يومه فمات دخل النة » ‪.‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪234‬‬

‫ُمـ‬
‫ّهـ َكذِ ْكرِك ْ‬
‫َاسـ َك ُكمْ فَاذْ ُكرُواْ الل َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬فإِذَا قَضَيْتُم مّن ِ‬
‫آبَاءكُ ْم َأوْ َأشَ ّد ذِكْرا َفمِ نَ النّا سِ مَن َيقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ‬
‫فِي الخِ َر ِة مِ ْن خَلَ قٍ (‪ )200‬وِمِنْهُم مّ ن َيقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا‬
‫ُمـ‬
‫ك َله ْ‬
‫َابـ النّارِ (‪ )201‬أُولَــئِ َ‬
‫َسـنَ ًة َوقِنَا َعذ َ‬
‫َسـَنةً وَفِي ال ِخ َرةِ ح َ‬
‫ح َ‬
‫ب مّمّا كَسَبُوْا وَاللّهُ َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪ )202‬وَاذْ ُكرُوْا اللّهَ فِي َأيّامٍ‬
‫نَصِي ٌ‬
‫ل ِإثْ مَ عَلَيْ هِ وَمَن تََأ ّخرَ فَل إِثْ مَ عَلَيْ هِ‬
‫ج َل فِي َي ْومَيْ ِن فَ َ‬
‫ّمعْدُودَا تٍ فَمَن َتعَ ّ‬
‫شرُونَ (‪. ﴾ )203‬‬
‫حَ‬‫لِ َمنِ اّتقَى وَاتّقُوْا ال ّلهَ وَاعْلَمُوا أَّن ُكمْ ِإلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫يأ مر تعال بذكره دائمًا والكثار منه بعد قضاء الناسك ‪ .‬قال سعيد‬
‫ا بن جبي عن ا بن عباس ‪ :‬كان أ هل الاهل ية يقفون ف الو سم فيقول‬
‫الرجل منهم ‪ :‬كان أب يطعم ويمل المالت وي مل الديات ليس لم‬
‫ـ‬
‫ذكـر غيـ فعال آبائهـم ‪ ،‬فأنزل ال على ممـد ‪ ﴿ :‬فَاذْ ُكرُواْ اللّه َ‬
‫كَذِكْرِكُ ْم آبَاءكُمْ َأوْ َأشَدّ ذِكْرا ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فمِ َن النّا سِ مَن َيقُولُ َرّبنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ فِي‬
‫الخِ َر ِة مِ نْ َخلَ قٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حظ ون صيب ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬كان قوم‬
‫من العراب ييئون إل الو قف فيقولون ‪ :‬الل هم اجعله عام غ يث ‪ ،‬وعام‬
‫خصب ‪ ،‬وعام ولد حسن ‪ ،‬ل يذكرون من أمر الخرة شيئًا ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫س مَن َيقُولُ َرّبنَا آِتنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ فِي ال ِخ َرةِ مِ نْ‬
‫فيهم ‪ ﴿ :‬فَ ِم َن النّا ِ‬
‫َخلَقٍ ﴾ ‪ ،‬وكان ييء بعدهم آخرون من الؤمني فيقولون ‪ :‬ربنا آتنا ف‬
‫ـا عذاب النار ‪ ،‬فأنزل ال ‪:‬‬ ‫ـنة وقنـ‬ ‫ـنة وفـ الخرة حسـ‬ ‫ـا حسـ‬ ‫الدنيـ‬
‫سبُوْا وَاللّ ُه سَرِي ُع الْحِسَابِ ﴾ ‪.‬‬ ‫ب مّمّا كَ َ‬ ‫﴿ أُولَـئِكَ َلهُ ْم َنصِي ٌ‬
‫‪235‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاذْكُرُواْ اللّ هَ فِي َأيّا مٍ ّمعْدُودَا تٍ ﴾‪ .‬قال ابن عباس ‪:‬‬
‫اليام العدودات ‪ :‬أيام التشريـق ‪ ،‬واليام العلومات ‪ :‬أيام العشـر ‪ .‬وفـ‬
‫الديث عن النب ‪ « :‬ل تصوموا هذه اليام ‪ -‬يعن ‪ :‬أيام من ‪ -‬فإنا‬
‫أيام أكـل وشرب وذكـر ل عـز وجـل » ‪ .‬رواه ابـن جريـر ‪ .‬وقال ابـن‬
‫عباس وغيه ‪ :‬اليام العدودات أربعة أيام ‪ :‬يوم النحر ‪ ،‬وثلثة بعده ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فمَن َتعَجّلَ فِي َي ْومَيْنِ َفلَ ِإثْ َم عََليْ ِه َومَن َتأَخّرَ فَل ِإثْمَ‬
‫عََليْ هِ ِلمَ ِن اّتقَى ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬فَمَن َتعَجّلَ فِي َي ْو َميْ نِ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬من أيام التشر يق ﴿ َفلَ ِإثْ َم عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬و من أدر كه الل يل ب ن من اليوم‬
‫الثان من قبل أن ينفر ‪ ،‬فل نفر له حت تزول الشمس من الغد ‪َ ﴿ ،‬ومَن‬
‫ْهـ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ومـن تأخـر إل اليوم الثالث مـن أيام‬ ‫ْمـ عََلي ِ‬
‫تَأَخّرَ فَل ِإث َ‬
‫التشريق ﴿ فَل إِثْ َم عََليْ هِ ﴾ ‪ .‬قال ابن مسعود ‪ ﴿ :‬فَمَن تَعَجّلَ فِي َي ْو َميْ نِ‬
‫َفلَ إِثْ َم عََليْهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬غفر له ‪َ ﴿ .‬ومَن َتأَخّرَ فَل ِإثْ َم عََليْهِ ﴾ قال ‪ :‬غفر‬
‫له ‪ .‬وقال أبو العالية ‪ ﴿ :‬فَمَن َتعَجّلَ فِي َي ْو َميْ نِ َفلَ ِإثْ َم عََليْ ِه وَمَن َتأَخّرَ‬
‫فَل إِثْ َم عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ذهب إثه كله إن اتقى فيما بقي ‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول ‪ :‬من اتقى ف حجه غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه ‪ ,‬أو ما سلف من ذنوبه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّ هَ وَاعْلَمُوا َأنّكُ مْ إَِليْ ِه تُحْشَرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫اتقوا ال بف عل ما أمر كم به وترك ما نا كم ع نه ‪ ﴿ ،‬وَاعْلَمُوا َأّنكُ مْ إَِليْ هِ‬
‫تُحْشَرُونَ ﴾ فيجزيكم بأعمالكم ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪236‬‬

‫الدرس الثالث والعشرون‬

‫ش ِهدُ اللّ هَ عَلَى‬


‫س مَن ُيعْجِبُ كَ قَ ْولُ هُ فِي الْحَيَا ِة الدّنْيَا وَُي ْ‬
‫﴿ َومِ نَ النّا ِ‬
‫ْضـ‬
‫سـعَى فِي الَر ِ‬
‫ِهـ َوهُ َو َألَ ّد الْخِصـَامِ (‪َ )204‬وِإذَا َتوَلّى َ‬
‫مَا فِي قَلْب ِ‬
‫سلَ وَاللّ هُ َل يُحِبّ الفَ سَادَ (‪)205‬‬
‫ث وَالنّ ْ‬
‫حرْ َ‬
‫ك الْ َ‬
‫س َد فِيِهَا َوُيهْلِ َ‬
‫لُِيفْ ِ‬
‫س الْ ِمهَادُ (‬
‫وَِإذَا قِي َل لَ هُ اتّ ِق اللّ َه َأخَ َذتْ هُ اْلعِ ّز ُة بِا ِلثْ مِ فَحَ سُْب ُه َجهَنّ ُم َولَبِئْ َ‬
‫سهُ ابِْتغَاء َمرْضَا تِ اللّ ِه وَاللّ هُ َرؤُو فٌ‬
‫شرِي َنفْ َ‬
‫س مَن َي ْ‬
‫‪ )206‬وَمِ نَ النّا ِ‬
‫بِاْلعِبَادِ (‪ )207‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا ادْخُلُواْ فِي ال سّ ْلمِ كَآفّ ًة َولَ تَتِّبعُواْ‬
‫خُطُوَا تِ الشّيْطَا نِ إِنّ ُه لَكُ مْ َع ُدوّ مّبِيٌ (‪َ )208‬فإِن َزلَلْتُ ْم مّ ن َب ْعدِ مَا‬
‫ت فَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ َعزِيزٌ َحكِي مٌ (‪َ )209‬ه ْل يَن ُظرُو َن إِل‬
‫جَاءْتكُ مُ الْبَيّنَا ُ‬
‫أَن يَ ْأتَِيهُ مُ اللّ هُ فِي ظُ َل ٍل مّ نَ اْلغَمَا ِم وَالْمَلِئكَ ُة َوقُضِ يَ ا َل ْمرُ َوِإلَى اللّ هِ‬
‫ُترْجَ ُع المُورُ (‪ )210‬سَ ْل بَنِي إِ ْسرَائِيلَ كَ مْ آتَيْنَاهُم مّ نْ آَي ٍة بَيَّن ٍة وَمَن‬
‫يَُبدّ ْل ِنعْ َمةَ اللّ ِه مِن َبعْ ِد مَا جَاءتْ هُ َفإِنّ اللّ هَ َشدِي ُد الْ ِعقَا بِ (‪ُ )211‬زيّ نَ‬
‫خرُو َن مِ نَ اّلذِي نَ آمَنُواْ وَالّذِي نَ اّتقَواْ‬
‫لِ ّلذِي نَ َك َفرُواْ الْحَيَا ُة الدّنْيَا وَيَ سْ َ‬
‫ق مَن َيشَا ُء ِبغَيْ ِر حِسـَابٍ (‪ )212‬كَانَـ‬
‫َفوْ َقهُم ْـَيوْمَـ اْلقِيَا َمةِ وَاللّ هُ َيرْزُ ُ‬
‫شرِينَـ َومُنذِرِينَـ َوأَن َزلَ َم َعهُمُـ‬
‫النّاسُـُأ ّمةً وَاحِ َد ًة فََبعَثَـ اللّهُـ النّبِيّيَ مَُب ّ‬
‫ف فِي ِه إِل‬
‫س فِيمَا اخْتَ َلفُواْ فِي هِ وَمَا اخْتَلَ َ‬
‫حكُ َم بَيْ نَ النّا ِ‬
‫حقّ لِيَ ْ‬
‫الْكِتَا بَ بِالْ َ‬
‫الّذِي نَ أُوتُو ُه مِن َب ْعدِ مَا جَاءْتهُ مُ الْبَيّنَا تُ َبغْيا بَيَْنهُ ْم َفهَدَى اللّ هُ اّلذِي نَ‬
‫صرَاطٍ‬
‫حقّ ِبِإذْنِ ِه وَاللّ هُ َي ْهدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ‬
‫آمَنُواْ لِمَا اخْتَ َلفُوْا فِي ِه مِ َن الْ َ‬
‫مّ سَْتقِيمٍ (‪ )213‬أَ ْم حَ سِبُْت ْم أَن تَ ْدخُلُوْا الْجَّنةَ َولَمّ ا َي ْأتِكُم مَّثلُ اّلذِي نَ‬
‫‪237‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خَلَ ْوْا مِن قَبْلِكُم مّ سّ ْت ُهمُ الَْبأْ سَاء وَالضّرّاء وَ ُزْلزِلُواْ حَتّ ى َيقُو َل الرّ سُولُ‬
‫صرَ ال ّلهِ َقرِيبٌ (‪. ﴾ )214‬‬
‫صرُ ال ّلهِ أَل إِ ّن نَ ْ‬
‫وَاّلذِينَ آمَنُواْ َم َعهُ مَتَى نَ ْ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪238‬‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا سِ مَن ُيعْجِبُ كَ َق ْولُ ُه فِي الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا‬


‫ش ِهدُ اللّ هَ عَلَى مَا فِي قَلْبِ ِه َوهُ َو َألَ ّد الْخِ صَامِ (‪ )204‬وَِإذَا َت َولّى َسعَى‬
‫وَُي ْ‬
‫ث وَالنّ سْ َل وَاللّ هُ َل يُحِبّ الفَ سَادَ‬
‫حرْ َ‬
‫سدَ فِِيهَا َوُيهْلِ كَ الْ َ‬
‫ض لُِيفْ ِ‬
‫فِي الَرْ ِ‬
‫(‪ )205‬وَِإذَا قِي َل لَ هُ اتّ ِق اللّ َه َأخَ َذتْ هُ اْلعِ ّز ُة بِا ِلثْ مِ فَحَ سُْب ُه َجهَنّ ُم َولَبِئْ سَ‬
‫الْ ِمهَادُ (‪. ﴾ )206‬‬
‫قال السدي ‪ :‬نزلت ف الخنس بن شريق الثقفي ‪ ،‬وهو حليف لبن‬
‫زهرة وأقبل إل النب بالدينة فأظهر له السلم ‪ ،‬فأعجب النب ذلك‬
‫م نه وقال ‪ :‬إن ا جئت أر يد ال سلم وال يعلم أ ن صادق ‪ ،‬وذلك قوله‬
‫شهِدُ اللّ َه عَلَى مَا فِي َق ْلبِ هِ ﴾ ‪ ،‬ث خرج من ع ند ال نب ‪ ،‬ف مر‬ ‫‪َ ﴿ :‬ويُ ْ‬
‫بزرع لقوم من ال سلمي وح ر ‪ ،‬فأحرق الزرع وع قر ال مر ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫حرْ ثَ‬
‫ك الْ َ‬
‫ع ّز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َتوَلّى َسعَى فِي الَرْ ضِ ِلُيفْ سِدَ ِفيِهَا َوُيهْلِ َ‬
‫وَالنّسْلَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال أبو معشر ‪ :‬سعت سعيدًا القبي يذاكر ممد بن كعب فقال‬
‫سعيد ‪ :‬إن ف بعض الكتب أن ل عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبم‬
‫أمـر من الصـب ‪ ،‬لبسـوا للناس م سوك الضأن من الل ي ‪ ،‬يترون الدن يا‬
‫أعليـ يترئون وبـ يفترون ؟ فبعزتـ‬ ‫ّ‬ ‫بالديـن ‪ .‬قال ال تبارك وتعال ‪:‬‬
‫لبعثن عليهم فتنة تترك الليم منهم حيانًا ‪ .‬فقال ممد بن كعب ‪ :‬هذا‬
‫ف كتاب ال جل ثناؤه ‪ .‬فقال سعيد ‪ :‬وأ ين هو من كتاب ال ؟ قال ‪:‬‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا‬
‫جبُ كَ َقوْلُ هُ فِي الْ َ‬
‫قول ال عز و جل ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا سِ مَن ُيعْ ِ‬
‫سـعَى فِي‬ ‫ِهـ َو ُهوَ أَلَ ّد الْخِصـَامِ * َوإِذَا َتوَلّى َ‬
‫ّهـ عَلَى مَا فِي قَ ْلب ِ‬ ‫شهِدُ الل َ‬
‫َويُ ْ‬
‫ث وَالنّ سْلَ وَاللّ هُ َل يُحِبّ الفَ سَادَ ﴾ ‪،‬‬ ‫حرْ َ‬ ‫ك الْ َ‬
‫الَرْ ضِ ِلُيفْ سِدَ ِفيِهَا َويُهْلِ َ‬
‫‪239‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فقال سعيد ‪ :‬قد عرفت فيم أنزلت هذه الية ؟ فقال ممد بن كعب ‪ :‬إن‬
‫الية تنل ف الرجل ث تكون عامة بعد ‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َتوَلّى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ملك المـر وصـار واليًـا‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬قال ماهـد ‪ :‬إذا ول يعمـل بالعدوان‬
‫ـعَى فِـي الَرْض ِ‬
‫‪﴿ ،‬سَ‬
‫والظلم ‪ ،‬فأمسك ال الطر وأهلكم الرث والنسل ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَ ُهوَ أَلَ ّد الْخِ صَامِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬شد يد الق سوة‬
‫فـ معصـية ال ‪ ،‬جدّال بالباطـل ‪ ،‬وإذا شئت رأيتـه عال اللسـان جاهـل‬
‫العمل ‪ ،‬يتكلم بالكمة ويعمل بالطيئة ‪ .‬وف الديث عن النب ‪« :‬‬
‫إن أبغض الرجال إل ال اللد الصم » ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ لَ ُه اتّقِ اللّهَ أَخَ َذتْ ُه الْعِ ّز ُة بِا ِلثْمِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا‬
‫سبُ ُه‬
‫و عظ هذا الفا جر حل ته العزة والغ ضب على الف عل بالِ ث ‪َ ﴿ ،‬فحَ ْ‬
‫س الْ ِمهَادُ ﴾ الفراش ‪ .‬وهذه ال ية شبي هة‬ ‫َج َهنّ مُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كاف ية ﴿ وََلِبئْ َ‬
‫ت َتعْرِ فُ فِي وُجُو هِ الّذِي نَ‬ ‫بقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاتُنَا َبيّنَا ٍ‬
‫َكفَرُوا الْمُنكَ َر َيكَادُو نَ يَ سْطُونَ بِالّذِي نَ يَتْلُو َن عََلْيهِ ْم آيَاتِنَا قُلْ أََفُأنَّبئُكُم‬
‫بِشَ ّر مّن ذَِلكُ مُ النّا ُر َوعَ َدهَا اللّ هُ الّذِي نَ َكفَرُوا َوِبئْ سَ الْمَ صِيُ ﴾ ‪ .‬قال ابن‬
‫مسعود ‪ :‬إن من أكب الذنب عند ال أن يقال للعبد ‪ :‬اتق ال ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫عليك بنفسك ‪.‬‬
‫سهُ ابِْتغَاء َمرْضَاتِ اللّهِ‬
‫شرِي َنفْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومِنَ النّاسِ مَن َي ْ‬
‫ف بِالْعِبَادِ (‪. ﴾ )207‬‬
‫وَال ّلهُ َرؤُو ٌ‬
‫الزء الول‬ ‫‪240‬‬

‫قال ا بن عباس وغيه ‪ :‬نزلت ف صهيب بن سنان الرو مي ‪ ،‬وذلك‬


‫وذلك أ نه ل ا أ سلم ب كة وأراد الجرة من عه الناس أن يها جر باله ‪ ،‬وإن‬
‫أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل ‪ ،‬فتخلص منهم وأعطاهم ماله ‪ ،‬فأنزل‬
‫ال فيه هذه الية ‪ ،‬فتلقاه عمر بن الطاب وجاعة إل طرف الرة فقالوا‬
‫له ‪ :‬ربـح البيـع ‪ ،‬فقال ‪ :‬وأنتـم فل أخسـر ال تارتكـم ‪ ،‬ومـا ذاك ؟‬
‫فأخبوه أن ال أنزل فيه هذه الية ‪.‬‬
‫و عن صهيب قال ‪ :‬ل ا أردت الجرة من م كة إل ال نب قالت ل‬
‫قريش ‪ :‬يا صهيب قدمت إلينا ول مال لك ‪ ،‬وترج أنت ومالك ؟ وال‬
‫ل يكون ذلك أبدًا فقلت ‪ :‬أرأيتـم إن دفعـت إليكـم مال تلون عنـ ؟‬
‫قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬فدفعت إليهم مال فخلوا عن فخرجت حت قدمت الدينة ‪،‬‬
‫فبلغ ذلك النب فقال ‪ « :‬ربح صهيب ‪ ،‬ربح صهيب » ‪ .‬مرتي ‪ .‬رواه‬
‫ابن مردويه ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ‪ :‬نزلت ف سرية الرج يع ‪ .‬و عن الغية قال ‪ :‬ب عث‬
‫ع مر جيشًا فحاصروا أهل الصن ‪ ،‬فتقدم رجل من بيلة فقاتل فقتل ‪،‬‬
‫فأكثـر الناس يقولون فيـه ‪ :‬ألقـى بيده إل التهلكـة ‪ .‬قال ‪ :‬فبلغ ذلك‬
‫ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه فقال ‪ :‬كذبوا أل يس ال عز و جل يقول‬
‫ُوفـ‬
‫ّهـ َرؤ ٌ‬
‫ّهـ وَالل ُ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ْسـهُ اْبتِغَاء مَرْض ِ‬
‫ّاسـ مَن يَشْرِي َنف َ‬
‫ِنـ الن ِ‬
‫‪َ ﴿ :‬وم َ‬
‫بِاْلعِبَادِ ﴾ ؟ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وأ ما الكثرون فحملوا ذلك على أن ا نزلت ف كل‬
‫ما هد ف سبيل ال ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه ا ْشتَرَى مِ َن الْ ُم ْؤمِنِيَ‬
‫لنّ َة ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َفَي ْقتُلُو نَ َويُ ْقتَلُو نَ‬
‫سهُ ْم َوأَ ْموَاَلهُم ِبأَنّ َلهُ ُم ا َ‬
‫أَنفُ َ‬
‫‪241‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َوعْدا عََليْ هِ َحقّا فِي الّتوْرَاةِ وَالِنِي ِل وَاْلقُرْآ نِ َومَ نْ َأوْفَى ِب َعهْدِ هِ مِ نَ اللّ هِ‬
‫ك ُهوَ اْل َفوْ ُز اْلعَظِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫فَا ْستَبْشِرُوْا ِببَْي ِعكُ ُم الّذِي بَايَ ْعتُم بِ ِه وَذَلِ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬هي عامة ف كل من باع نفسه ف طاعة ال ‪ ،‬وإن‬
‫كان نزولا بسبب من السباب ‪ ،‬هذا معن كلمه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا ادْخُلُواْ فِي ال سّ ْلمِ كَآفّ ًة َولَ‬
‫تَتِّبعُواْ خُطُوَا تِ الشّيْطَا نِ ِإنّ ُه َلكُ مْ َعدُ ّو مّبِيٌ (‪َ )208‬فإِن َزلَلْتُ مْ مّن َب ْعدِ‬
‫مَا جَاءتْ ُكمُ الْبَيّنَاتُ فَاعْ َلمُوْا أَ ّن اللّهَ َعزِي ٌز حَكِيمٌ (‪. ﴾ )209‬‬
‫قال ابـن عباس وغيه ‪ ﴿ :‬ا ْدخُلُواْ فِـي الس ّ‬
‫ـلْمِ ﴾ يعنـ ‪ :‬السـلم ‪.‬‬
‫﴿ كَآّفةً ﴾ جيعًا ‪.‬‬
‫وقال ماهد ‪ :‬أي ‪ :‬اعملوا بميع العمال ووجوه الب ‪ ﴿ ،‬وَ َل َتتِّبعُواْ‬
‫خُ ُطوَاتِ الشّيْطَانِ ﴾ فيما يأمركم به ‪ِ ﴿ ،‬إنّهُ َلكُ ْم عَ ُد ّو مّبِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن زَلَ ْلتُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ضلل تم ﴿ مّ ن َبعْ ِد مَا جَاءتْكُ مُ‬
‫ِيمـ‬
‫ّهـ عَزِيزٌ َحك ٌ‬
‫َاتـ ﴾ أي ‪ :‬الدللت الواضحات ﴿ فَاعَْلمُواْ أَن ّ الل َ‬
‫الَْبّين ُ‬
‫﴾ قال قتادة ‪ :‬عزيز ف نقمته ‪ ،‬حكيم ف أمره ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬هلْ يَن ُظرُونَـإِل أَن َيأْتَِيهُمُـ اللّهُـ فِي ظُ َل ٍل مّنَـ‬
‫الْغَمَا ِم وَالْمَلِئكَ ُة َوقُضِ َي الَ ْم ُر وَِإلَى ال ّلهِ ُت ْرجَعُ المُورُ (‪. ﴾ )210‬‬
‫ّهـ‬
‫ُمـ الل ُ‬ ‫يقول تعال مهددًا للكافريـن ‪ ﴿ :‬هَ ْل يَنظُر َ‬
‫ُونـ إِل أَن يَ ْأِتيَه ُ‬
‫﴾ يوم القيا مة ﴿ فِي ظُلَ ٍل مّ َن اْلغَمَا مِ ﴾ لف صل القضاء واللئ كة ‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعال ‪ ﴿ :‬هَلْ يَن ُظرُو نَ إِل أَن َتأْتِيهُ ُم الْمَلئِ َكةُ َأوْ يَ ْأتِ يَ َربّ كَ َأ ْو َيأْتِ يَ‬
‫ض آيَاتِ َربّكَ َل يَنفَ ُع َنفْسا ِإيَاُنهَا َل ْم تَكُنْ‬ ‫ك َيوْ َم َيأْتِي بَعْ ُ‬
‫ض آيَاتِ َربّ َ‬
‫َبعْ ُ‬
‫سَبتْ فِي ِإيَانِهَا َخيْرا قُ ِل انتَظِرُواْ ِإنّ ا مُنتَ ِظرُو نَ ﴾ ‪،‬‬ ‫ت مِن َقبْلُ َأوْ كَ َ‬ ‫آ َمنَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪242‬‬

‫َكـ‬
‫ّكـ وَالْمَل ُ‬
‫ْضـ دَكّا دَكّا * وَجَاء َرب َ‬
‫ّتـ اْلأَر ُ‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬كلّا إِذَا دُك ِ‬
‫صفّا ﴾ ‪ .‬وف حديث الصور ‪ « :‬وينل البار عز وجل ف ظلل من‬ ‫صفّا َ‬
‫َ‬
‫الغمام واللئ كة ‪ ،‬ول م ز جل من ت سبيحهم يقولون ‪ :‬سبحان ذي اللك‬
‫واللكوت ‪ ،‬سبحان ذي العزة والبوت ‪ ،‬سبحان الي الذي ل يوت ‪،‬‬
‫سـبحان الذي ييـت اللئق ول يوت ‪ ،‬سـبوح قدوس رب اللئكـة‬
‫والروح ‪ ،‬سـبوح قدوس ‪ ،‬سـبحان ربنـا العلى ‪ ،‬سـبحان ذي السـلطان‬
‫والعظمة ‪ ،‬سبحانه سبحانه أبدًا أبدًا » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫قال سفيان بن عيينة ‪ :‬كل ما وصف ال به نفسه ف كتابه فتفسيه ‪:‬‬
‫قراءته والسكوت عليه ‪ ،‬ليس لحد أن يفسره إل ال تعال ورسوله ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَُقضِيَ ا َلمْ ُر َوإِلَى اللّ ِه تُ ْرجَ ُع المُورُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فصل‬
‫ال القضاء ب ي اللق ‪ ،‬وجزي كلٌ بعمله ‪ ،‬ود خل كلٌ منله ‪ :‬فر يق ف‬
‫ال نة وفر يق ف ال سعي ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬وتَرَى الْ َملَائِ َكةَ حَافّيَ مِ نْ‬
‫حمْدِ َرّبهِ ْم وَُقضِ يَ َبْينَهُم بِالْحَقّ وَقِي َل الْحَ ْمدُ لِلّ هِ‬
‫سبّحُو َن بِ َ‬
‫ش يُ َ‬
‫َحوْ ِل اْلعَرْ ِ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫رَ ّ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬سلْ بَنِي إِ ْسرَائِيلَ كَ مْ آتَيْنَاهُم مّ نْ آَي ٍة بَيَّنةٍ َومَن‬
‫يَُبدّ ْل ِنعْ َمةَ ال ّلهِ مِن َبعْ ِد مَا جَاءْتهُ َفإِ ّن ال ّلهَ َشدِي ُد الْ ِعقَابِ (‪. ﴾ )211‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬سَلْ ﴾ يا ممد ‪َ ﴿ ،‬بنِي إِسْرَائِيلَ كَ ْم آَتْينَاهُم مّ ْن آَيةٍ‬
‫َبيَّنةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ح جة قاط عة ب صدق مو سى في ما جاء هم به ‪ ،‬كال يد ‪،‬‬
‫والعصا ‪ ،‬وفلق البحر ‪ ،‬وضرب الجر ‪ ،‬وتظليل الغمام ‪ ،‬وغي ذلك من‬
‫اليات ‪ ،‬ومع هذا أعرض كثي منهم وبدلوا وكذبوا النبياء ‪ ،‬ولذا قال ‪:‬‬
‫﴿ َومَن ُيبَدّ ْل ِنعْ َمةَ اللّ ِه مِن َبعْ ِد مَا جَاءتْهُ فَِإنّ اللّ َه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ ﴾ ‪ ،‬كما‬
‫‪243‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي َن بَدّلُواْ نِعْ َمةَ اللّ هِ ُكفْرا َوأَ َحلّواْ َق ْو َمهُ مْ دَارَ‬
‫س الْقَرَارُ ﴾ ‪.‬‬ ‫الَْبوَارِ * َج َهنّ َم َيصَْل ْوَنهَا َوِبْئ َ‬
‫خرُو َن مِ نَ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬زيّ َن لِ ّلذِي نَ َك َفرُوْا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َويَ سْ َ‬
‫ق مَن َيشَا ُء بِغَ ْيرِ‬
‫الّذِي نَ آمَنُوْا وَاّلذِي َن اتّقَواْ َف ْوقَهُ ْم يَوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَاللّ هُ َيرْزُ ُ‬
‫ِحسَابٍ (‪. ﴾ )212‬‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَـا ﴾ فآثروهـا على‬
‫ِينـ َك َفرُوْا الْ َ‬ ‫يقول تعال ‪ُ ﴿ :‬زي َ‬
‫ّنـ ِللّذ َ‬
‫الخرة ‪َ ﴿ ،‬ويَ سْخَرُونَ مِ َن الّذِي نَ آ َمنُواْ ﴾ ح يث آثروا الخرة وأعرضوا‬
‫عما يشغلهم عنها ‪ ﴿ .‬وَالّذِي َن اّتقَواْ َفوَْقهُ ْم َيوْ مَ اْل ِقيَا َمةِ ﴾ كما قال تعال‬
‫حكُو نَ * َوإِذَا مَرّوْا ِبهِ مْ‬ ‫‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ أَ ْج َرمُوا كَانُواْ مِ َن الّذِي نَ آ َمنُوا َيضْ َ‬
‫َيتَغَامَزُو نَ * َوإِذَا انقََلبُواْ إِلَى َأهِْلهِ مُ انقََلبُواْ َف ِكهِيَ * َوإِذَا َرَأ ْوهُ مْ قَالُوا إِنّ‬
‫َهؤُلَاء َلضَالّو نَ * وَمَا أُرْ سِلُوا عََلْيهِ مْ حَاِفظِيَ * فَاْلَيوْ َم الّذِي نَ آ َمنُوْا مِ نَ‬
‫ب الْ ُكفّارُ مَا كَانُوا‬ ‫حكُو َن * عَلَى الْأَرَائِ كِ يَن ُظرُو َن * هَ ْل ُثوّ َ‬ ‫الْ ُكفّا ِر َيضْ َ‬
‫َيفْعَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه َيرْزُ ُ‬
‫ق مَن يَشَاءُ بِ َغيْرِ حِ سَابٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يعطي‬
‫من يشاء من خل قه عطاء كثيًا بل ح صر ف الدن يا والخرة ‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬انظُرْ َكيْ فَ َفضّلْنَا َب ْعضَهُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ وَلَل ِخ َرةُ أَ ْكبَرُ دَرَجَا تٍ‬
‫َوأَكْبَ ُر َت ْفضِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫ّهـ النّبِيّي َ‬
‫َثـ الل ُ‬
‫ّاسـ ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة فََبع َ‬
‫َانـ الن ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬ك َ‬
‫س فِيمَا‬
‫حكُ مَ بَيْ نَ النّا ِ‬
‫حقّ لِيَ ْ‬
‫شرِي َن َومُنذِرِي نَ َوأَن َزلَ َم َعهُ ُم الْكِتَا بَ بِالْ َ‬
‫مَُب ّ‬
‫اخْتَ َلفُوْا فِيهِ َومَا اخْتَلَفَ فِي ِه إِل الّذِي َن أُوتُو ُه مِن َبعْ ِد مَا جَاءتْهُمُ الْبَيّنَاتُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪244‬‬

‫حقّ ِبِإ ْذنِ ِه وَاللّهُ‬


‫َبغْيا بَيَْنهُمْ َف َهدَى اللّهُ اّلذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَ َلفُوْا فِيهِ مِ َن الْ َ‬
‫ط ّمسْتَقِيمٍ (‪. ﴾ )213‬‬
‫صرَا ٍ‬
‫َيهْدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬كان ب ي نوح وآدم عشرة قرون كل هم على شري عة‬
‫من الق فاختلفوا فبعث ال النبيي مبشرين ومنذرين ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَن َز َل َم َعهُ مُ اْل ِكتَا بَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الك تب بال ق ‪ ،‬أي‬
‫حكُ َم َبيْ َن النّا سِ فِيمَا ا ْختََلفُواْ فِي هِ ﴾ من أمور‬ ‫‪ :‬ال صدق والعدل ‪ِ ﴿ ،‬ليَ ْ‬
‫دين هم ودنيا هم ‪ ﴿ .‬وَمَا ا ْختَلَ فَ فِي هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الكتاب ‪ ﴿ ،‬إِل الّذِي نَ‬
‫أُوتُو هُ مِن بَعْ ِد مَا جَاءْتهُ ُم الَْبّينَا تُ َبغْيا َبْيَنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫صْينَا بِ هِ‬
‫شَرَ عَ َلكُم مّ نَ الدّي ِن مَا وَ صّى بِ ِه نُوحا وَالّذِي َأوْ َحيْنَا إَِليْ كَ َومَا وَ ّ‬
‫ِإبْرَاهِي َم َومُوسَى َوعِيسَى َأنْ أَقِيمُوا الدّي َن وَلَا َتتَفَرّقُوا فِيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الربيع بن أنس ف قوله ‪َ ﴿ :‬فهَدَى اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُواْ لِمَا ا ْختََلفُواْ‬
‫فِي هِ مِ نَ الْحَقّ بِإِ ْذنِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عند الختلف ‪ ،‬أنم كانوا على ما جاءت‬
‫بـه الرسـل قبـل الختلف ‪ ،‬أقاموا على الخلص ل عز و جل وعباد ته‬
‫وحده ل شريـك له ‪ ،‬وإقام الصـلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬فأقاموا على المـر‬
‫الول الذي كان قبــل الختلف ‪ ،‬واعتزلوا الختلف ‪ ،‬وكانوا شهداء‬
‫على الناس يوم القيامة ‪.‬‬
‫ستَقِيمٍ ﴾ ‪ .‬قال‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ َيهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَا ٍ‬
‫ط مّ ْ‬
‫أ بو العال ية ف هذه ال ية الخرج من الشبهات ‪ ،‬والضللت ‪ ،‬والف ت ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬إن رسول ال كان إذا قام من الليل يقول‬
‫‪ « :‬اللهـم رب جبائيـل ‪ ،‬وميكائيـل ‪ ،‬وإسـرافيل ‪ ،‬فاطـر السـماوات‬
‫والرض ‪ ،‬عال الغ يب والشهادة ‪ ،‬أ نت ت كم ب ي عبادك في ما كانوا ف يه‬
‫‪245‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يتلفون ‪ ،‬اهدن لا اختلف فيه من الق بإذنك ‪ ،‬إنك تدي من تشاء إل‬
‫صراط مستقيم » ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬ومسلم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬أَ ْم حَ سِبُْت ْم أَن تَ ْدخُلُوْا الْجَّنةَ َولَمّ ا َي ْأتِكُم مَّثلُ‬
‫ِينـ خَلَ ْوْا مِن قَبْلِكُم مّسّـْتهُ ُم الْبَأْسـَاء وَالضّرّاء وَ ُزْلزِلُواْ حَتّىـَيقُولَ‬
‫الّذ َ‬
‫ص َر اللّ هِ َقرِي بٌ (‬
‫ص ُر اللّ هِ أَل إِنّ نَ ْ‬
‫الرّ سُولُ وَاّلذِي نَ آمَنُوْا َمعَ هُ مَتَى نَ ْ‬
‫‪. ﴾ )214‬‬
‫قال عطاء ‪ :‬ل ا د خل ر سول ال وأ صحابه الدي نة ‪ ،‬اش تد علي هم‬
‫الضر لنم خرجوا بل مال ‪ ،‬وتركوا ديارهم وأموالم بأيدي الشركي ‪،‬‬
‫ـول ال ‪،‬‬ ‫ـوله ‪ ،‬وأظهرت اليهود العداوة لرسـ‬ ‫وآثروا مرضاة ال ورسـ‬
‫َسـْبتُمْ أَن‬
‫َمـ ح ِ‬ ‫وأسـّر قوم النفاق ‪ ،‬فأنزل ال تعال تطييب ًا لقلوبمـ ‪ ﴿ :‬أ ْ‬
‫ّسـهُمُ اْلَبأْسـَاء‬
‫ِينـ َخَل ْواْ مِن َقبْلِكُم م ّْت‬ ‫جّن َة وَلَمّاـ َي ْأتِكُم ّمثَلُ الّذ َ‬
‫تَدْخُلُوْا الْ َ‬
‫وَالضّرّاء وَزُلْزِلُواْ ﴾ ‪ .‬قال ماهــد وغيه ‪ ﴿ :‬اْلبَأْســَاء ﴾ ‪ :‬الفقــر ‪،‬‬
‫﴿ وَالضّرّاء ﴾ ‪ :‬السـقم ‪ ﴿ ،‬وَزُْلزِلُواْ ﴾ ‪ :‬خوفوا مـن العداء ‪﴿ .‬‬
‫َحتّ ى َيقُولَ الرّ سُو ُل وَالّذِي نَ آمَنُواْ َمعَ ُه مَتَى نَ صْرُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما زال البلء‬
‫بم حت استبطئوا النصر ‪ .‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬أَل ِإنّ نَ صْرَ اللّ هِ َقرِي بٌ ﴾ ‪،‬‬
‫ب النّاسُ أَن ُيتْرَكُوا أَن َيقُولُوا آ َمنّا‬ ‫س َ‬ ‫وهذه الية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬ال * أَحَ ِ‬
‫َوهُ مْ لَا ُي ْفتَنُو نَ * وََلقَدْ َفَتنّ ا الّذِي نَ مِن َقبِْلهِ مْ فََلَيعْلَمَنّ اللّ ُه الّذِي نَ صَدَقُوا‬
‫وََليَعَْلمَنّ اْلكَا ِذبِيَ ﴾ ‪ .‬و ف الد يث ال صحيح ‪ « :‬واعلم أن الن صر مع‬
‫الصب ‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب ‪ ،‬وأن مع العسر يسرًا » ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪246‬‬

‫الدرس الرابع والعشرون‬

‫﴿ يَسَْألُوَنكَ مَاذَا يُن ِفقُو َن ُقلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَ ْي ٍر فَلِ ْلوَاِلدَيْنِ وَا َل ْق َربِيَ‬
‫ي وَابْ نِ ال سّبِيلِ َومَا تَ ْفعَلُوْا مِ ْن خَ ْيرٍ َفإِنّ اللّ هَ بِ هِ عَلِي مٌ‬
‫وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫(‪ )215‬كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ُم اْلقِتَالُ َو ُهوَ ُكرْ ٌه لّكُ ْم وَعَ سَى أَن تَ ْك َرهُوْا شَيْئا‬
‫وَ ُهوَ خَيْ ٌر ّلكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبّوْا شَيْئا َوهُ َو َشرّ ّلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَمُ وَأَنتُ ْم لَ‬
‫حرَا ِم قِتَا ٍل فِي هِ ُق ْل قِتَا ٌل فِي هِ‬
‫َتعْلَمُو نَ (‪ )216‬يَ سَْألُوَنكَ عَ ِن الشّ ْه ِر الْ َ‬
‫ج َأهْلِهِ مِنْهُ‬
‫حرَا ِم َوإِ ْخرَا ُ‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫صدّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَ ُكفْ ٌر بِ ِه وَالْمَسْ ِ‬
‫ي وَ َ‬
‫كَبِ ٌ‬
‫ـ حَّتىَ‬
‫ـ ُيقَاتِلُوَنكُم ْ‬
‫ـ اْلقَ ْتلِ َو َل َيزَالُون َ‬
‫ـ وَالْفِتَْن ُة أَكَْبرُ مِن َ‬
‫أَكَْبرُ عِندَ اللّه ِ‬
‫َيرُدّوكُ مْ عَن دِيِنكُ ْم إِ ِن ا سْتَطَاعُواْ وَمَن َي ْرتَ ِد ْد مِنكُ مْ عَن دِينِ هِ فَيَمُ تْ‬
‫ت أَ ْعمَالُهُ ْم فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ َوُأوْلَ ـِئكَ‬
‫وَ ُهوَ كَافِ ٌر َفأُ ْولَ ـِئكَ حَبِطَ ْ‬
‫ِينـ‬
‫ِينـ آمَنُواْ وَالّذ َ‬
‫ُونـ (‪ )217‬إِنّ اّلذ َ‬
‫ُمـ فِيهَا خَالِد َ‬
‫َصـحَابُ النّا ِر ه ْ‬
‫أ ْ‬
‫هَا َجرُواْ وَجَا َهدُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ ُأ ْولَ ـِئكَ يَ ْرجُو نَ َرحْمَ تَ اللّ هِ وَاللّ هُ‬
‫سرِ ُق ْل فِيهِمَا ِإثْ مٌ كَبِيٌ‬
‫خ ْمرِ وَالْمَيْ ِ‬
‫َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪ )218‬يَ سَْألُوَنكَ عَ نِ الْ َ‬
‫ك مَاذَا يُنفِقُو َن ُقلِ‬
‫سَألُونَ َ‬
‫وَمَنَافِ ُع لِلنّا سِ َوِإثْ ُمهُمَا أَكَْب ُر مِن ّنفْ ِعهِمَا َويَ ْ‬
‫ك يُبّي ُن اللّ هُ َلكُ ُم اليَا تِ َلعَ ّلكُ ْم تََتفَ ّكرُو نَ (‪ )219‬فِي ال ّدنْيَا‬
‫الْ َعفْوَ َك َذلِ َ‬
‫ح ّلهُ ْم خَ ْيرٌ َوإِ ْن تُخَالِطُوهُ مْ‬
‫صلَ ٌ‬
‫سَألُونَكَ عَ ِن الْيَتَامَى ُقلْ إِ ْ‬
‫وَال ِخ َر ِة وَيَ ْ‬
‫ح َوَلوْ شَاء اللّ هُ لعْنََتكُ مْ إِنّ‬
‫س َد مِ نَ الْمُ صْلِ ِ‬
‫َفإِ ْخوَاُنكُ ْم وَاللّ هُ يَعْلَ ُم الْ ُمفْ ِ‬
‫اللّهَ َعزِيزٌ َحكِيمٌ (‪. ﴾ )220‬‬

‫***‬
‫‪247‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَ سَْألُوَنكَ مَاذَا يُن ِفقُو َن ُقلْ مَا أَنفَقْتُم مّ نْ خَ ْيرٍ‬
‫ي وَابْ ِن ال سّبِي ِل وَمَا َت ْفعَلُواْ مِ نْ‬
‫فَلِ ْلوَاِلدَيْ نِ وَا َل ْق َربِيَ وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَا ِك ِ‬
‫خَ ْيرٍ َفإِ ّن اللّ َه ِبهِ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )215‬‬
‫قال مقا تل ‪ :‬هذه ال ية ف نف قة التطوع ‪ ،‬ومع ن ال ية ‪ :‬ي سألونك‬
‫ّنـ َخيْ ٍر‬
‫كيـف ينفقون ؟ فـبي لمـ تعال ذلك قال ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَا أَن َفقْتُم م ْ‬
‫ي وَابْ ِن ال سّبِيلِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اصرفوا‬ ‫فَِل ْلوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َرِبيَ وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫نفقتكـم فـ هذه الوجوه ‪ ،‬كمـا فـ الديـث ‪ « :‬أمـك وأباك وأختـك‬
‫وأخاك ‪ ،‬ث أدناك أدناك » ‪ ،‬قال ميمون بن مهران ‪ :‬هذه مواضع النفقة ‪،‬‬
‫ما ذكر فيها طبل ول مزمار ‪ ،‬ول تصاوير الشب ول كسوة اليطان ‪.‬‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ِهـ عَل ٌ‬
‫ّهـ ب ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا َت ْفعَلُواْ م ْ‬
‫ِنـ َخْيرٍ فَإِنّ الل َ‬
‫فيجازيكم عليه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬كتِ بَ عَلَ ْيكُ مُ اْلقِتَا ُل َوهُوَ ُكرْ ٌه لّكُ ْم وَعَ سَى أَن‬
‫حبّوْا شَيْئا َو ُهوَ َشرّ ّلكُ ْم وَاللّ هُ‬
‫تَ ْك َرهُواْ شَيْئا َوهُ َو خَ ْيرٌ ّلكُ ْم وَعَ سَى أَن تُ ِ‬
‫َيعْلَ ُم َوأَنُت ْم لَ َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )216‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬الهاد وا جب على كل أ حد غزا أو ق عد ‪ ،‬فالقا عد‬
‫عليه إذا استعي أن يعي ‪ ،‬وإذا استغيث أن يغيث ‪ ،‬وإذا استنفر أن ينفر ‪،‬‬
‫وإن ل يتج إليه قعد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وهُوَ كُرْهٌ ّلكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شديد عليكم ‪ ﴿ ،‬وَعَسَى‬
‫أَن َتكْ َرهُوْا َشيْئا َو ُهوَ َخيْرٌ ّلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬لن ف الغزو إحدى ال سنيي ‪ :‬إ ما‬
‫حبّواْ َشيْئا َو ُه َو شَرّ‬
‫الظفر والغنيمة ‪ ،‬وإما الشهادة والنة ‪َ ﴿ .‬وعَسَى أَن تُ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪248‬‬

‫ّلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬فإن الذل ف القعود ‪ ﴿ ،‬وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوأَنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫هو أعلم بعواقب المور منكم ‪ ،‬وأخب با فيه صلحكم ‪.‬‬
‫حرَا ِم قِتَالٍ فِي هِ ُق ْل قِتَالٌ‬
‫شهْ ِر الْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَ سَْألُوَنكَ عَ ِن ال ّ‬
‫ج َأهْلِهِ‬
‫حرَا ِم َوإِ ْخرَا ُ‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫صدّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَ ُك ْفرٌ بِ ِه وَالْمَسْ ِ‬
‫ي وَ َ‬
‫فِيهِ كَبِ ٌ‬
‫مِنْ ُه أَكَْبرُ عِندَ اللّ هِ وَالْفِتَْن ُة أَكَْبرُ مِ نَ اْلقَ ْتلِ َو َل َيزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُ مْ حَّتىَ‬
‫َيرُدّوكُ مْ عَن دِيِنكُ ْم إِ ِن ا سْتَطَاعُواْ وَمَن َي ْرتَ ِد ْد مِنكُ مْ عَن دِينِ هِ فَيَمُ تْ‬
‫ت أَ ْعمَالُهُ ْم فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ َوُأوْلَ ـِئكَ‬
‫وَ ُهوَ كَافِ ٌر َفأُ ْولَ ـِئكَ حَبِطَ ْ‬
‫ِينـ‬
‫ِينـ آمَنُواْ وَالّذ َ‬
‫ُونـ (‪ )217‬إِن ّ اّلذ َ‬
‫ُمـ فِيه َا خَالِد َ‬
‫َصـحَابُ النّا ِر ه ْ‬
‫أ ْ‬
‫هَا َجرُواْ وَجَا َهدُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ ُأ ْولَ ـِئكَ يَ ْرجُو نَ َرحْمَ تَ اللّ هِ وَاللّ هُ‬
‫َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )218‬‬
‫سبب نزول هذه الية ‪ ( :‬أن رسول ال بعث عبد ال بن جحش‬
‫ف جادي الخرة ‪ ،‬ق بل وق عة بدر ‪ ،‬ونفرًا م عه سرية ‪ ،‬فلقوا عمرو بن‬
‫الضرمي وهو مقبل من الطائف ف آخر ليلة ‪ ،‬من جادي ‪ ،‬وكانت أول‬
‫رجب ‪ ،‬ول يشعروا ‪ ،‬فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه ) ‪ .‬قال ابن‬
‫ـه بذلك ‪ ،‬فقال ال تعال ‪﴿ :‬‬ ‫ـلوا يعيونـ‬ ‫عباس ‪ :‬وإن الشركي ـ أرسـ‬
‫حرَامِ ِقتَالٍ فِيهِ قُلْ ِقتَالٌ فِيهِ َكبِ ٌي وَصَ ّد عَن َسبِيلِ اللّهِ‬
‫شهْ ِر الْ َ‬
‫يَسْأَلُونَكَ عَنِ ال ّ‬
‫سجِ ِد الْحَرا ِم َوإِخْرَا جُ أَهْلِ ِه ِمنْ هُ أَ ْكبَ ُر عِندَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬إخراج‬ ‫وَ ُكفْ ٌر بِ هِ وَالْمَ ْ‬
‫أهل السجد الرام أكب من الذي أصاب ممد ‪ ،‬والشرك أشد منه ‪.‬‬
‫وقال ا بن إ سحاق ‪ ﴿ :‬الْ ِفْتَنةُ أَ ْكبَ ُر مِ َن الْ َقتْلِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد كانوا يفتنون‬
‫السلم ف دينه حت يردوه إل الكفر بعد إيانه ‪ ،‬فذلك أكب عند ال من‬
‫‪249‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫القتل ‪ ﴿ ،‬وَ َل يَزَالُونَ ُيقَاتِلُونَكُمْ َحتّ َى يَ ُردّوكُ ْم عَن دِيِنكُمْ ِإ ِن اسْتَطَاعُواْ ﴾‬


‫أي ‪ :‬ث هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ‪ ،‬غي تائبي ول نازعي ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ِقتَالٌ فِي هِ َكبِيٌ ﴾ عظ يم ‪ ،‬ت الكلم ها‬
‫ص ّد عَن َسبِيلِ اللّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫هنا ‪ ،‬ث ابتدأ فقال ‪ ﴿ :‬وَ َ‬
‫ِهـ‬
‫ّهـ وَ ُكفْ ٌر ب ِ‬
‫سـِيلِ الل ِ‬ ‫قال ابـن جريـر فـ قوله تعال ‪ ﴿ :‬و َ‬
‫َصـدّ عَن َب‬
‫ِنـ‬
‫ّهـ وَاْل ِفْتنَةُ أَ ْكبَ ُر م َ‬
‫ْهـ أَ ْكبَ ُر عِندَ الل ِ‬
‫ِهـ ِمن ُ‬
‫َاجـ َأهْل ِ‬
‫َرامـ َوإِ ْخر ُ‬
‫َسـجِ ِد الْح ِ‬
‫وَالْم ْ‬
‫الْ َقتْ ِل ﴾ ‪ ( ،‬وتأويل الكلم ‪ :‬وصد عن سبيل ال وكفر به وعن السجد‬
‫الرام ‪ ،‬وإخراج أ هل ال سجد الرام ‪ ،‬و هم أهله وول ته ‪ ،‬أ كب ع ند ال‬
‫من القتال ف الشهر الرام ‪ ،‬فالصد عن سبيل ال مرفوع بقوله ‪ ﴿ :‬أَ ْكبَرُ‬
‫عِندَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِ ْخرَا جُ َأهْلِ ِه ِمنْ هُ ﴾ ‪ ،‬ع طف على ال صد ‪ ،‬ث‬
‫ابتدأ ال ب عن الفتنة فقال ‪ ﴿ :‬وَاْلفِْتَنةُ أَكْبَ ُر مِ َن اْل َقتْلِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الشرك‬
‫أعظم وأكب من القتل ‪ ،‬يعن ‪ :‬مِ نْ َقتْلِ ابن الضرمي الذي استنكرت قتله‬
‫ف الشهر الرام ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقال عبد ال بن جحش ‪:‬‬
‫وأعظم منه لو يرى الرشد راشد‬ ‫تعدون قتلي فـ الرام عظيمـة‬
‫(‬
‫(‬

‫وكفـر بـه ول راء وشاهـد‬ ‫صـدودكم عمـا يقول ممـد‬


‫(‬ ‫(‬

‫لئل يرى ل فـ البيـت سـاجد‬ ‫وإخراجكم من مسجد ال أهله‬


‫(‬ ‫(‬

‫وروى ابن جرير عن جندب بن عبد ال قال ‪ :‬لا كان من أمر عبد‬
‫ال بـن جحـش وأصـحابه ‪ ،‬وأمـر ابـن الضرمـي مـا كان ‪ ،‬قال بعـض‬
‫السلمي ‪ :‬إن ل يكن أصابوا ف سفرهم ‪ ،‬أظنه قال ‪ :‬وزرًا ‪ ،‬فليس لم‬
‫الزء الول‬ ‫‪250‬‬

‫ف يه أ جر ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوْا وَالّذِي نَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي‬


‫ك يَ ْرجُو نَ رَحْمَ تَ اللّ ِه وَاللّ ُه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة‬
‫َسبِيلِ اللّ هِ ُأوْلَـئِ َ‬
‫‪ :‬أثنـ ال على أصـحاب نـبيه ممـد أحسـن الثناء ‪ ،‬هؤلء خيار هذه‬
‫ال مة ‪ ،‬ث جعل هم ال أ هل رجاء ك ما ت سمعون ‪ ،‬وأ نه من ر جا طلب ‪،‬‬
‫ومن خاف هرب ‪.‬‬
‫ك عَ ِن الْخَ ْم ِر وَالْ َميْ سِرِ قُلْ فِيهِمَا ِإثْ مٌ َكبِيٌ‬ ‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫سأَلُونَ َ‬
‫س َوإِثْ ُمهُمَا أَكْبَ ُر مِن ّن ْف ِعهِمَا ﴾ ‪.‬‬
‫َومَنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫المر ‪ :‬ما خامر العقل ‪ ،‬واليسر ‪ :‬القمار ‪ .‬وقال القاسم بن ممد ‪:‬‬
‫كل ما ألى عن ذكر ال وعن صلته فهو ميسر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ َكبِ ٌي َو َمنَافِعُ لِلنّاسِ ﴾‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ ( :‬أما إثهما فهو ف الدين ‪ ،‬وأما النافع فدنيوية ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإثْ ُمهُمَا أَكْبَ ُر مِن ّن ْف ِعهِمَا ﴾ ‪ ،‬قال ابن جرير ‪ :‬يعن‬
‫بذلك عز ذكره ‪ :‬والث بشرب هذه ‪ ،‬والقمار بذا ‪ ،‬أَعظم وأكب مضرة‬
‫عليهم من النفع الذي يتناولون بما ؛ وإنا كان ذلك كذلك لنم كانوا‬
‫إذا سكروا وثب بعضهم على بعض ‪ ،‬وقاتل بعضهم بعضًا ‪ ،‬وإذا ياسروا‬
‫وقع بينهم فيه بسببه ال شر ‪ ،‬فأداهم ذلك إل ما يأثون به ‪ ،‬ونزلت هذه‬
‫الية ف المر قبل أن يصرح بتحريها ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروى المام أحد وغيه عن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال ‪ :‬لا‬
‫نزلت تري المر قال ‪ :‬اللهم بيّن لنا ف المر بيانًا شافيًا ‪ ،‬فنلت هذه‬
‫ْسـرِ ُقلْ فِيهِمَا ِإثْمٌـ‬
‫َنـ الْخَ ْم ِر وَالْ َمي ِ‬
‫كع ِ‬‫اليـة التـ فـ البقرة ‪ ﴿ :‬يَس ْـأَلُونَ َ‬
‫َكبِيٌ ﴾ فد عي ع مر ‪ ،‬فقرئت عل يه فقال ‪ :‬الل هم بيّ ن ل نا ف ال مر بيانًا‬
‫‪251‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شافيًا ‪ ،‬فنلت اليـة التـ فـ النسـاء ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِينَـ آ َمنُواْ َل َتقْ َربُواْ‬
‫سـكَارَى ﴾ ‪ ،‬فكان منادي رسـول ال إذا أقام الصـلة‬ ‫ُمـ ُ‬
‫لةَ َوأَنت ْ‬
‫الصـ َ‬
‫ّ‬
‫نادى ‪ :‬أن ل يقر بن ال صلة سكران ‪ ،‬فد عي ع مر فقرئت عل يه فقال ‪:‬‬
‫الل هم بيّ ن ل نا ف ال مر بيانًا شافيًا ‪ ،‬فنلت ال ية ال ت ف الائدة ‪ ،‬فد عي‬
‫عمر فقرئت عليه ‪ ،‬فلما بلغ ﴿ َفهَلْ أَنتُم مّنتَهُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬انتهينا‬
‫انتهينا ‪ ،‬وزاد ابن أب حات ‪ ( :‬أنا تذهب الال وتذهب العقل ) ‪.‬‬
‫سأَلُوَنكَ مَاذَا يُن ِفقُو نَ ُق ِل الْ َع ْفوَ َك َذلِ كَ يُبّينُ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫ت َلعَلّ ُكمْ تَتَ َف ّكرُونَ (‪ )219‬فِي الدّنْيَا وَال ِخ َرةِ ﴾ ‪.‬‬
‫اللّ ُه َلكُمُ اليَا ِ‬
‫قال ا بن عباس وغيه ‪ :‬الع فو ما يف ضل عن أهلك ‪ ،‬و ف الد يث‬
‫الصحيح ‪ « :‬خ ي الصدقة ما كان عن ظ هر غن ‪ ،‬وال يد العل يا خي من‬
‫اليد السفلى ‪ ،‬وابدأ بن تعول » ‪ ،‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬كذَلِ كَ يُبيّنُ اللّ هُ َلكُ مُ‬
‫اليَا تِ َلعَّلكُ ْم َتَتفَكّرُو نَ * فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كما فصل لكم‬
‫هذه الحكام وبينها ‪ ،‬كذلك يبي ل كم سائر اليات ف أحكامه ووعده‬
‫ووعيده ‪َ ﴿ .‬لعَّلكُ ْم َتَتفَكّرُونَ فِي ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف زوال الدنيا‬
‫وبقاء الخرة فتعملوا لا ‪.‬‬
‫ح ّلهُمْ خَيْ ٌر َوإِنْ‬
‫سأَلُوَنكَ عَ ِن الْيَتَامَى ُق ْل إِصْلَ ٌ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫ح َوَلوْ شَاء اللّ هُ‬
‫س َد مِ نَ الْمُ صْلِ ِ‬
‫تُخَالِطُوهُ ْم َفإِ ْخوَاُنكُ مْ وَاللّ هُ يَعْلَ مُ الْ ُمفْ ِ‬
‫لعْنََتكُ ْم إِ ّن اللّهَ َعزِي ٌز حَكِيمٌ (‪. ﴾ )220‬‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬لاـ نزلت ‪ ﴿ :‬وَ َل َتقْ َربُوْا مَا َل اْلَيتِيمِـإِل بِالّتِي هِيَـ‬
‫أَحْ سَنُ ﴾ ‪ ،‬و ﴿ ِإنّ الّذِي َن َيأْكُلُو نَ َأ ْموَا َل اْليَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُو نَ فِي‬
‫الزء الول‬ ‫‪252‬‬

‫بُطُونِهِ ْم نَارا وَ َسَيصَْل ْونَ َسعِيا ﴾ ‪ ،‬انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه‬
‫من طعامه وشرابه من شرابه ‪ ،‬فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس‬
‫له ح ت يأكله أو يف سد ‪ ،‬فاش تد ذلك علي هم ‪ ،‬فذكروا ذلك لر سول ال‬
‫ِنـ‬
‫ُمـ َخيْ ٌر َوإ ْ‬
‫ِصـلَحٌ ّله ْ‬
‫َنـ اْليَتَام َى قُلْ إ ْ‬
‫َسـأَلُونَكَ ع ِ‬
‫فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬وي ْ‬
‫تُخَالِطُوهُ مْ َفإِ ْخوَاُنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬رواه ا بن جر ير وغيه ‪ .‬وقال الرب يع ‪ :‬للول‬
‫الذي يلي أمرهم فل بأس عليه ف ركوب الدابة أو شرب اللب أو يدمه‬
‫الادم ‪ ،‬وقال ال سدي ‪ :‬كان العرب يشددون ف اليت يم ‪ ،‬ح ت ل يأكلوا‬
‫م عه ف ق صعة واحدة ‪ ،‬ول يركبوا له بعيًا ‪ ،‬ول ي ستخدموا له خادمًا ‪،‬‬
‫صلَحٌ ّلهُمْ َخيْرٌ ﴾ ‪ ،‬يصلح‬‫فجاءوا إل النب فسألوه عنه فقال ‪ ﴿ :‬قُلْ إِ ْ‬
‫له ماله وأمره له خي ‪ ،‬وأن يالطه فيأكل معه ويطعمه ‪ ،‬ويركب راحلته‬
‫ويمله ‪ ،‬ويستخدم خادمه ويدمه ‪ ،‬فهو أجود ‪.‬‬
‫﴿ وَاللّ ُه َيعْلَ ُم الْ ُمفْ سِ َد مِ نَ الْمُ صْلِحِ ﴾ ‪ ،‬فقال ا بن ز يد ‪ :‬وال يعلم‬
‫حي تلط مالك باله ‪ ،‬أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغي حق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََل ْو شَاء اللّهـُ‬
‫ـ ل ْعَنتَكُمــْ ﴾ ‪ ،‬قال ابــن عباس ‪:‬‬
‫لخرجكم فضيّق عليكم ولكنه و سّع وي سّر ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬ومَن كَا نَ َغِنيّا‬
‫ف َومَن كَانَ َفقِيا َف ْليَأْكُ ْل بِالْ َمعْرُوفِ ﴾ ‪.‬‬
‫سَتعْفِ ْ‬
‫فَ ْليَ ْ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ عَزِيزٌ َحكِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عز يز ف سلطانه ‪،‬‬
‫حكيم فيما صنع من تدبيه وترك العنات ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله ﴿ وََل ْو شَاء اللّ ُه لعَْنَتكُمْ إِنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ولو شاء ال لضيّق عليكم وأحرجكم ‪ ،‬ولكنه و سّع عليكم وخفف‬
‫عنكم ‪ ،‬وأباح لكم مالطتهم بالت هي أحسن ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫‪253‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس والعشرون‬

‫ـ حَتّىـ ُي ْؤمِنّـ َولَ َمةٌ مّ ْؤمَِنةٌ خَ ْي ٌر مّنـ‬


‫شرِكَات ِ‬
‫﴿ َولَ تَنكِحُواْ الْ ُم ْ‬
‫شرِكِيَ حَتّى ُيؤْمِنُواْ َوَلعَبْ ٌد ّمؤْمِ نٌ‬
‫ّمشْرِ َك ٍة َولَ ْو أَعْجَبَ ْتكُ ْم وَ َل تُنكِحُوْا الْ ُم ِ‬
‫خَ ْيرٌ مّن ّمشْرِ ٍك َوَلوْ أَ ْعجََبكُ ْم ُأوْلَـِئكَ يَدْعُو َن ِإلَى النّارِ وَاللّ ُه َيدْ ُعوَ ِإلَى‬
‫ُونـ (‪)221‬‬
‫ُمـ يََتذَ ّكر َ‬
‫ّاسـ َلعَ ّله ْ‬
‫ِهـ لِلن ِ‬
‫ّنـ آيَات ِ‬
‫ِهـ وَيُبَي ُ‬
‫الْجَّنةِ وَالْ َمغْ ِف َر ِة بِِإ ْذن ِ‬
‫ض َولَ‬
‫ض ُقلْ هُ َو َأذًى فَاعَْت ِزلُوْا النّ سَاء فِي الْ َمحِي ِ‬
‫وَيَ سَْألُوَنكَ عَ ِن الْمَحِي ِ‬
‫ث َأ َمرَكُ ُم اللّهُ إِنّ اللّهَ‬
‫َتقْ َربُو ُهنّ حَّتىَ يَ ْط ُهرْ َن َفِإذَا تَ َط ّهرْ َن َف ْأتُو ُهنّ مِ ْن حَيْ ُ‬
‫يُحِبّ الّتوّابِيَ َويُحِبّ الْمُتَ َط ّهرِي نَ (‪ )222‬نِ سَآؤُ ُكمْ َحرْ ثٌ ّلكُ مْ َف ْأتُواْ‬
‫لقُو هُ‬
‫س ُكمْ وَاتّقُوْا اللّ َه وَاعْ َلمُوْا َأنّكُم مّ َ‬
‫حَ ْرَثكُ مْ َأنّ ى شِئْتُ ْم َوقَ ّدمُوْا لَنفُ ِ‬
‫ـ أَن تََبرّواْ‬
‫ض ًة ّلأَيْمَاِنكُم ْ‬
‫ـ ُعرْ َ‬
‫جعَلُواْ اللّه َ‬
‫شرِ الْ ُم ْؤمِنِيَـ (‪َ )223‬ولَ تَ ْ‬
‫وََب ّ‬
‫س وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )224‬ل ُيؤَاخِذُكُ ُم اللّهُ‬
‫وَتَّتقُوْا َوتُصْلِحُواْ بَيْ َن النّا ِ‬
‫ت قُلُوُبكُ ْم وَاللّ هُ َغفُورٌ‬
‫بِال ّل ْغوِ فِ يَ َأيْمَانِكُ ْم وَلَكِن ُيؤَا ِخذُكُم بِمَا كَ سَبَ ْ‬
‫ص أَ ْرَبعَ ِة َأشْ ُه ٍر َفإِ نْ فَآؤُوا‬
‫حَلِي مٌ (‪ )225‬لّ ّلذِي نَ ُي ْؤلُو َن مِن نّ سَآئِ ِه ْم َترَبّ ُ‬
‫ق َفإِنّ اللّ هَ سَمِيعٌ عَلِي مٌ‬
‫لَ‬‫َفإِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪َ )226‬وإِ نْ َعزَمُواْ الطّ َ‬
‫(‪. ﴾ )227‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪254‬‬

‫شرِكَاتِ حَتّى ُي ْؤمِنّ َولَ َمةٌ مّ ْؤمَِنةٌ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ تَنكِحُواْ الْ ُم ْ‬
‫ُمـ وَ َل تُنكِحُوْا الْ ُمشِرِكِي َ حَتّىـ ُيؤْمِنُواْ‬
‫خَ ْيرٌ مّنـ ّمشْرِ َك ٍة َولَ ْو أَعْجَبَ ْتك ْ‬
‫ك َيدْعُو نَ إِلَى النّارِ‬
‫شرِ ٍك وََل ْو أَعْجََبكُ مْ ُأ ْولَ ـئِ َ‬
‫وََلعَ ْبدٌ ّم ْؤمِ نٌ خَ ْي ٌر مّ ن ّم ْ‬
‫ـ‬
‫ـ لَعَ ّلهُم ْ‬
‫ـ لِلنّاس ِ‬
‫ـ آيَاتِه ِ‬
‫ـ َويُبَيّن ُ‬
‫ـ َيدْ ُعوَ ِإلَى الْجَّن ِة وَالْ َم ْغ ِف َرةِ ِبِإذْنِه ِ‬
‫وَاللّه ُ‬
‫يََتذَ ّكرُونَ (‪. ﴾ )221‬‬
‫قال علي بن أ ب طل حة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َل تَنكِحُوْا الْمُشْرِكَا تِ َحتّ ى‬
‫ُيؤْمِنّ ﴾ ‪ :‬استثن ال من ذلك نساء أهل الكتاب ‪.‬‬
‫ـ﴾‪،‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َم ٌة ّم ْؤمَِنةٌ َخيْرٌ مّنـ مّشْرِ َك ٍة وََلوْ َأعْ َ‬
‫جَبتْكُم ْ‬
‫قال السدي ‪ :‬نزلت ف عبد ال بن رواحة ‪ ،‬كانت له أمة سوداء فغضب‬
‫عليها فلطمها ‪ ،‬ث فزع فأتى رسول ال فأخبه خبها ‪ ،‬فقال له ‪« :‬‬
‫ما هي » ؟ قال ‪ :‬ت صوم وت صلي وت سن الوضوء ‪ ،‬وتش هد أن ل إله إل‬
‫ال وأنـك رسـول ال ‪ ،‬فقال ‪ « :‬يـا عبـد ال هذه مؤمنـة » ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫والذي بع ثك بال ق لعتقن ها ولتزوجن ها ‪ ،‬فف عل فط عن عل يه ناس من‬
‫السـلمي وقالوا ‪ :‬نكـح أمتـه ‪ ،‬وكانوا يريدون أن ينكحوا إل الشركيـ‬
‫وينكحوهـم رغبـة فـ أحسـابم ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَ َل َمةٌ ّم ْؤ ِمَنةٌ َخيْ ٌر مّنـ‬
‫ِنـ‬
‫ُمـ وَ َل تُنكِحُوْا الْمُشِرِكِيَ َحتّىـُي ْؤ ِمنُواْ وََلعَبْ ٌد ّم ْؤم ٌ‬
‫جَبْتك ْ‬ ‫مّشْرِ َك ٍة وََلوْ َأعْ َ‬
‫جَبكُمْ ﴾ ‪.‬‬ ‫ش ِركٍ وََلوْ َأعْ َ‬
‫َخيْ ٌر مّن مّ ْ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل تُنكِحُوْا الْمُشِرِكِيَ َحتّى ُي ْؤ ِمنُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬هذا إجاع ل يوز للمسلمة أن تنكح الشرك ‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَـــئِكَ يَ ْدعُونــَ إِلَى النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬معاشرتمــ‬


‫ومالطت هم تب عث على إيثار الدن يا على الخرة ‪ ،‬و هو مو جب للنار ‪﴿ .‬‬
‫ِهـ‬
‫ّنـ آيَات ِ‬
‫ِهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بأمره ‪َ ﴿ ،‬وُيَبي ُ‬
‫جّن ِة وَالْ َم ْغفِ َرةِ بِِإ ْذن ِ‬
‫ّهـ يَ ْدعُوَ إِلَى الْ َ‬
‫وَالل ُ‬
‫لِلنّا سِ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬وف الصحيحي عن أب هريرة عن النب ‪:‬‬
‫« تنكـح الرأة لربـع ‪ :‬لالاـ ‪ ،‬ولسـبها ‪ ،‬ولمالاـ ‪ ،‬ولدينهـا ‪ ،‬فاظفـر‬
‫بذات الدين تربت يداك » ‪.‬‬
‫سَألُونَكَ عَ ِن الْمَحِي ضِ ُقلْ ُهوَ َأذًى فَاعَْت ِزلُواْ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫ض وَ َل َت ْقرَبُو ُهنّ حَتّ َى يَ ْط ُهرْ نَ َفِإذَا تَ َط ّهرْ َن َف ْأتُوهُنّ مِ نْ‬
‫النّ سَاء فِي الْ َمحِي ِ‬
‫ب الْمُتَ َط ّهرِينَ (‪﴾ )222‬‬
‫ي َويُحِ ّ‬
‫ب الّتوّابِ َ‬
‫ث أَ َمرَ ُكمُ ال ّل ُه إِ ّن اللّ َه يُحِ ّ‬
‫حَيْ ُ‬
‫روى مسلم وغيه عن أنس ‪ :‬أن اليهود كانوا إذا حاضت الرأة منهم‬
‫ل يؤاكلوها ‪ ،‬فقال النب ‪ « :‬اصنعوا كل شيء إل النكاح » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَا ْعتَزِلُوْا النّ سَاء فِي الْمَحِي ضِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الفرج ‪ ،‬قاله‬
‫ابـن عباس وغيه ‪ ،‬وروى الِمام أحدـ وغيه عـن عبـد ال بـن سـعد‬
‫النصاري أنه سأل رسول ال ‪ :‬ما يل ل من امرأت وهي حائض ؟‬
‫ــا فوق الِزار » ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َتقْ َربُوهُنّــ َحتّىَ‬ ‫قال ‪ « :‬مـ‬
‫يَ ْطهُرْنَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تامعوهن حت يطهرن من اليض ﴿ َفإِذَا تَ َطهّرْنَ ﴾‬
‫أي ‪ :‬اغت سلن ‪َ ﴿ ،‬ف ْأتُوهُنّ مِ نْ َحيْ ثُ َأمَرَ ُك مُ اللّ هُ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪:‬‬
‫حبّ الّتوّابِيَ ﴾ ‪ ،‬من‬ ‫طؤهن ف الفروج ول تعدوه إل غيه ‪ ﴿ .‬إِنّ اللّ َه يُ ِ‬
‫حبّ الْ ُمتَ َطهّرِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬التنهي عن القذار والذى ‪،‬‬ ‫الذنب ‪َ ﴿ ،‬ويُ ِ‬
‫ومن ذلك إتيان الائض ‪ ،‬والوطء ف الدبر ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪256‬‬

‫ث لّكُ مْ َف ْأتُوْا حَ ْرَثكُ مْ َأنّ ى شِئْتُ مْ‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬نِ سَآؤُ ُكمْ َحرْ ٌ‬
‫لقُو ُه َوَبشّ ِر الْ ُمؤْمِنِيَ (‬
‫س ُكمْ وَاتّقُوْا اللّ َه وَاعْ َلمُوْا َأنّكُم مّ َ‬
‫َوقَ ّدمُوْا لَنفُ ِ‬
‫‪. ﴾ )223‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الرث موضع الولد ﴿ َف ْأتُواْ َح ْرَثكُ مْ أَنّى ِشئْتُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬كيف شئتم مقبلة ومدبرة ف صمام واحد ‪ .‬وروى مسلم عن جابر‬
‫رضـي ال عنـه قال ‪ :‬كانـت اليهود تقول ‪ :‬إذا جامـع الرجـل امرأتـه فـ‬
‫دبرها ف قبلها كان الولد أحول ‪ .‬فنلت ‪ ﴿ :‬نِ سَآؤُكُمْ َحرْ ثٌ ّلكُ مْ َفأْتُواْ‬
‫َح ْرثَكُمْ َأنّى ِشْئتُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وروى المام أحد عن ابن عباس قال ‪ :‬نزلت هذه الية ف أناس من‬
‫النصار ‪ ،‬أتوا النب فسألوه فقال النب ‪ « :‬ائتها على كل حال ‪ ،‬إذا‬
‫كان ف الفرج » ‪ ،‬وف حديث آخر ‪ « :‬أقبل وأدبر واتق الدبر واليضة‬
‫» ‪ ،‬وروى المام أحد وغيه عن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫ملعون من أتى امرأته ف دبرها » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَ ّدمُواْ لَنف ِ‬
‫ُسـكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال السـدي ‪ :‬يعنـ ‪ :‬اليـ‬
‫ْعـ ‪ ،‬وفـ‬‫والعمـل الصـال ‪ .‬وقال ماهـد ‪ :‬يعنـ ‪ :‬إذا أتـى أهله فليد ُ‬
‫الصحيحي عن النب قال ‪ « :‬لو أن أحدكم إذا أراد أن يأت أهله قال ‪:‬‬
‫ب سم ال ‪ ،‬الل هم جنب نا الشيطان ‪ ،‬وج نب الشيطان ما رزقت نا ‪ ،‬فإ نه إن‬
‫يقدر بينهما ولد ف ذلك ل يضره الشيطان أبدًا » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬خافوا ال فل ترتكبوا ما ناكم‬
‫ُوهـ ﴾ ‪ ،‬فيجازيكـم بأعمالكـم ‪َ ﴿ .‬وبَشّرِ‬
‫عنـه ‪ ﴿ .‬وَاعَْلمُواْ َأنّك ُم ّملَق ُ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ ،‬الطيعي بزيل ثواب ال لم ‪.‬‬
‫‪257‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض ًة ّلأَيْمَاِنكُ ْم أَن تََبرّوْا وَتَّتقُواْ‬


‫جعَلُواْ ال ّلهَ ُعرْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َت ْ‬
‫وَتُصْ ِلحُوْا بَيْنَ النّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )224‬ل ُيؤَاخِذُكُ ُم اللّ ُه بِال ّل ْغوِ‬
‫ت قُلُوبُكُ مْ وَاللّ هُ َغفُو ٌر حَلِي مٌ (‬
‫فِ َي َأيْمَانِكُ مْ َوَلكِن ُيؤَاخِذُكُم بِمَا كَ سَبَ ْ‬
‫‪. ﴾ )225‬‬
‫ضةً َليْمَانِكُمْ ﴾ ‪:‬‬ ‫قال ابن عباس ف قوله تعال ﴿ وَلَ تَ ْ‬
‫ج َعلُواْ اللّ َه عُرْ َ‬
‫ل تعلن ال عرضة ليمينك أل تصنع الي ‪ ،‬ولكن كفر عن يينك واصنع‬
‫الي ‪ ،‬وف الصحيحي عن أب موسى رضي ال عنه أن رسول ال قال‬
‫‪ « :‬إ ن وال إن شاء ال ل أحلف على ي ي ‪ ،‬فأرى غي ها خيًا من ها ‪،‬‬
‫إل أتيت الذي هو خي وتللتها » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ل ُيؤَاخِذُكُمُ اللّ ُه بِالّل ْغوِ فِيَ َأيْمَاِنكُ ْم وََلكِن ُيؤَاخِذُكُم‬
‫سبَتْ قُلُوُبكُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ حَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬عن عائشة مرفوعًا ‪ « :‬اللغو‬
‫بِمَا كَ َ‬
‫ف اليم ي هو كلم الر جل ف بيته ‪ :‬كل وال ‪ ،‬وبلى وال » ‪ .‬رواه أ بو‬
‫داود ‪ ،‬وعنها قالت ‪ ( :‬هم القوم يتدارءون ف المر فيقول هذا ل وال ‪،‬‬
‫وبلى وال ‪ ،‬وكل وال يتدارءون فـ المـر ‪ ،‬ل تعقـد عليـه قلوبمـ ) ‪،‬‬
‫وقالت أيضًا ‪ ( :‬إنا اللغو ف الزاحة والزل ‪ ،‬وهو قول الرجل ‪ :‬ل وال ‪،‬‬
‫وبلى وال ‪ .‬فذاك ل كفارة فيه ‪ ،‬إنا الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله‬
‫ث ل يفعله ) ‪ .‬و عن ال سن بن أ ب ال سن ‪ ( :‬مر ر سول ال بقوم‬
‫ينتضلون ‪ ،‬يع ن ‪ :‬يرمون ‪ ،‬و مع ر سول ال ر جل من أ صحابه ‪ ،‬فقام‬
‫رجـل مـن القوم فقال ‪ :‬أصـبت وال ‪ ،‬وأخطأت وال ‪ ،‬فقال الذي مـع‬
‫النـب للنـب ‪ :‬حنـث الرجـل يـا رسـول ال ‪ ،‬قال ‪ « :‬كل ‪ ،‬أيان‬
‫الرماة لغو ل كفارة فيها ول عقوبة » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪258‬‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬وهذا مرسل حسن ‪ .‬عن السن وعن سعيد بن السيب‬
‫أن أخوين من النصار كان بينهما مياث ‪ ،‬فسأل أحدها صاحبه القسمة‬
‫فقال ‪ :‬إن عدت تسألن عن القسمة فكل مال ف رتاج الكعبة ‪ ،‬فقال له‬
‫عمر ‪ :‬إن الكعبة غنية عن مالك ‪ ،‬كفّر عن يينك وكلم أخاك ‪ ،‬سعت‬
‫رسـول ال يقول ‪ « :‬ل ييـ عليـك ول نذر فـ معصـية الرب عـز‬
‫وجل ‪ ،‬ول ف قطيعة الرحم ‪ ،‬ول فيما ل تلك » ‪.‬‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَكِن ُيؤَاخِذُكُم بِمَا ك ََب‬
‫َسـتْ قُلُوُبك ْ‬
‫عزمتم عليه ‪ ،‬وقصدت به اليمي كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَـكِن ُيؤَاخِذُكُم‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬غفور لذلت‬ ‫ّهـ َغفُورٌ َحل ٌ‬
‫َانـ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَالل ُ‬
‫ّمـ الَيْم َ‬
‫بِمَا َعقّدت ُ‬
‫عباده حليم عليهم ‪.‬‬
‫ص أَ ْرَبعَ ِة أَ ْش ُهرٍ فَإِنْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬لّ ّلذِي َن ُيؤْلُو َن مِن نّسَآئِ ِه ْم َترَبّ ُ‬
‫ق َفإِنّ اللّ هَ سَمِيعٌ‬
‫فَآؤُوا َفإِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪ )226‬وَإِ نْ َع َزمُوْا الطّلَ َ‬
‫عَلِيمٌ (‪. ﴾ )227‬‬
‫اليلء هو ‪ :‬أن يلف من ج يع ن سائه أو بعض هن ل يقرب ن ‪ ،‬فإن‬
‫وقّت بدون أربعة أشهر اعتزل حت ينقضي ما وقّت به ‪ ،‬وإن وقّت بأكثر‬
‫منها خيّر بعد مضيها بي أن يفيء أو يطلق ‪.‬‬
‫ُونـ مِن نّسـَآئِهِمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يلفون على‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لّلّذ َ‬
‫ِينـ ُيؤْل َ‬
‫ترك جاعهن ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬تَ َربّصُ أَ ْرَب َعةِ َأشْهُرٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ينتظر الزوج أربعة أشهر من‬
‫ح ي اللف ‪ ،‬ث يو قف ويطالب بالفيئة أو الطلق ‪ ،‬فإن أ ب طلق عل يه‬
‫الاكم ‪.‬‬
‫‪259‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِ نْ فَآؤُوا فَإِنّ اللّ َه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ ،‬ا ستدل بذلك‬
‫على أ نه ل كفارة عل يه إذا فاء ب عد الرب عة الش هر ‪ ،‬والمهور أن عل يه‬
‫التكفي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ عَ َزمُواْ ال ّطلَ قَ فَإِنّ اللّ هَ سَمِي ٌع عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫سعيد بن السيب ‪ :‬إذا مضت أربعة أشهر فإما أن يفيء ‪ ،‬وإما أن يطلق ‪،‬‬
‫فإن جاوز فقد عصى ال ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪260‬‬

‫الدرس السادس والعشرون‬

‫ح ّل َلهُنّـ أَن‬
‫لثَ َة ُق ُروَ ٍء وَ َل يَ ِ‬
‫ـ ِه ّن ثَ َ‬
‫ـنَ ِبأَنفُس ِ‬
‫ـ يََت َربّص ْ‬
‫﴿ وَالْمُطَ ّلقَات ُ‬
‫يَكْتُمْ َن مَا خَلَ َق اللّ هُ فِي أَ ْرحَامِهِنّ إِن كُنّ يُ ْؤمِنّ بِاللّ هِ وَالْيَوْ ِم ال ِخرِ‬
‫صلَحا َوَلهُنّ مِ ْث ُل اّلذِي‬
‫ك إِ ْن أَرَادُوْا إِ ْ‬
‫وَُبعُولَُتهُنّ َأحَقّ بِ َر ّدهِنّ فِي َذلِ َ‬
‫عَلَ ْيهِنّ بِالْ َم ْعرُو فِ َولِل ّرجَالِ عَلَ ْيهِنّ دَ َر َجةٌ وَاللّ هُ َعزِي ٌز حَكُي مٌ (‪)228‬‬
‫ح ّل لَكُ مْ أَن‬
‫ح بِِإحْ سَا ٍن وَ َل يَ ِ‬
‫سرِي ٌ‬
‫ق َمرّتَا ِن َفِإمْ سَاكٌ بِ َمعْرُو فٍ َأ ْو تَ ْ‬
‫الطّلَ ُ‬
‫َتأْ ُخذُواْ مِمّا آتَيْتُمُو ُهنّ شَيْئا إِل أَن َيخَافَا أَل ُيقِيمَا ُحدُو َد اللّ ِه َفإِ ْن ِخفْتُمْ‬
‫ك حُدُودُ اللّ هِ‬
‫ت بِ هِ تِلْ َ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْي ِهمَا فِيمَا افَْتدَ ْ‬
‫أَل ُيقِيمَا ُحدُو َد اللّ هِ فَ َ‬
‫ل َتعَْتدُوهَا َومَن يََت َعدّ ُحدُو َد اللّ هِ َفُأ ْولَـِئكَ هُ مُ الظّالِمُو نَ (‪َ )229‬فإِن‬
‫فَ َ‬
‫ل جُنَا حَ‬
‫ح ّل لَ ُه مِن َبعْ ُد حَّتىَ تَنكِ حَ َزوْجا غَ ْيرَ ُه َفإِن طَ ّل َقهَا فَ َ‬
‫ل تَ ِ‬
‫طَ ّل َقهَا فَ َ‬
‫عَلَ ْيهِمَا أَن يََترَا َجعَا إِن ظَنّا أَن ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ َوتِلْ كَ ُحدُو ُد اللّ ِه يُبَيُّنهَا‬
‫ِلقَوْ ٍم يَعْلَمُو نَ (‪َ )230‬وِإذَا طَ ّلقْتُ مُ النّ سَاء فَبَ َلغْ نَ َأجَ َلهُنّ َفأَمْ سِكُو ُهنّ‬
‫ضرَارا لَّتعْتَدُواْ وَمَن‬
‫ف َأوْ َس ّرحُو ُهنّ بِ َم ْعرُو فٍ َو َل تُمْ سِكُوهُنّ ِ‬
‫بِ َم ْعرُو ٍ‬
‫خ ُذ َواْ آيَاتِ اللّ ِه ُهزُوا وَاذْ ُكرُوْا نِعْ َمتَ‬
‫َيفْ َعلْ ذَلِكَ فَ َقدْ ظَلَ َم َنفْسَ ُه وَ َل تَتّ ِ‬
‫حكْ َم ِة يَعِظُكُم بِ ِه وَاّتقُواْ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫اللّ هِ عَلَ ْيكُ ْم وَمَا أَنزَلَ عَلَ ْيكُ ْم مّ َن الْكِتَا ِ‬
‫اللّهَ وَاعْلَمُوْا أَنّ اللّ َه بِ ُك ّل شَيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )231‬وَِإذَا طَ ّلقْتُ ُم النّسَاء فَبَ َلغْنَ‬
‫ضوْْا بَيَْنهُم بِالْ َمعْرُوفِ‬
‫ل َتعْضُلُو ُهنّ أَن يَنكِحْ َن أَ ْزوَا َجهُنّ ِإذَا َترَا َ‬
‫أَجَ َل ُهنّ فَ َ‬
‫ظ بِ هِ مَن كَا َن مِنكُ ْم ُيؤْمِ ُن بِاللّ هِ وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َذلِكُ ْم أَزْكَى‬
‫ك يُو َع ُ‬
‫َذلِ َ‬
‫ضعْ نَ‬
‫لَكُ ْم وَأَ ْط َه ُر وَاللّ ُه يَعْلَ ُم َوأَنتُ مْ لَ َتعْلَمُو نَ (‪ )232‬وَاْلوَاِلدَا تُ ُيرْ ِ‬
‫أَ ْو َلدَهُنّ َحوْلَيْ نِ كَامِلَيْ نِ لِمَ ْن أَرَا َد أَن يُتِمّ الرّضَا َع َة وَعلَى الْ َم ْولُو ِد لَ هُ‬
‫‪261‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س إِل وُ سْ َعهَا َل تُضَآ ّر وَاِل َدةٌ‬


‫س َوتُ ُه ّن بِالْ َم ْعرُو فِ َل ُتكَلّ فُ َنفْ ٌ‬
‫رِ ْز ُق ُهنّ وَكِ ْ‬
‫ث مِ ْث ُل َذلِ كَ َفإِ نْ أَرَادَا فِ صَالً‬
‫بِ َوَلدِهَا َولَ َم ْولُو ٌد لّ هُ بِ َوَلدِ ِه وَعَلَى اْلوَارِ ِ‬
‫ضعُواْ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيهِمَا َوإِ ْن أَرَدتّ مْ أَن تَ سَْترْ ِ‬
‫ض مّ ْنهُمَا َوَتشَاوُ ٍر فَ َ‬
‫عَن َترَا ٍ‬
‫ف وَاتّقُوْا اللّ هَ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ ِإذَا سَلّمْتُم مّ ا آتَيْتُم بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫أَ ْو َلدَكُ ْم فَ َ‬
‫وَاعْ َلمُوْا أَ ّن ال ّلهَ بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪. ﴾ )233‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪262‬‬

‫لَث َة ُقرُوَ ٍء َولَ‬


‫س ِهنّ ثَ َ‬
‫ص َن ِبأَنفُ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَالْمُطَ ّلقَا تُ يََت َربّ ْ‬
‫ح ّل َلهُنّ أَن َيكْتُمْ َن مَا خَلَ َق اللّ ُه فِي أَرْحَامِهِنّ إِن كُنّ يُ ْؤمِنّ بِاللّ هِ‬
‫يَ ِ‬
‫ك إِ ْن أَرَادُواْ إِ صْلَحا َوَلهُنّ‬
‫وَالَْيوْ مِ ال ِخرِ َوُبعُولَُت ُهنّ َأ َحقّ ِب َردّ ِهنّ فِي َذلِ َ‬
‫ف َولِلرّجَالِ عَلَ ْي ِهنّ دَ َر َج ٌة وَاللّ هُ َعزِيزٌ َحكُي مٌ‬
‫مِ ْثلُ اّلذِي عَلَ ْي ِهنّ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫(‪. ﴾ )228‬‬
‫القرء ‪ :‬يطلق ف الل غة على ال يض والط هر ‪ ،‬و قد اختلف أ هل العلم‬
‫لَثةَ ُق ُروَءٍ ﴾ ‪ .‬فذ هب‬
‫ت َيتَ َربّ صْنَ ِبأَنفُ سِهِ ّن َث َ‬
‫ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْ ُمطَّلقَا ُ‬
‫جاعة إل أنا الطهار ‪ ،‬وهو قول ‪ :‬الفقهاء السبعة ‪ ،‬ومالك والشافعي ‪،‬‬
‫وذهب جاعة إل أنا اليض ‪ ،‬وهو قول ‪ :‬اللفاء الربعة ‪ ،‬وابن عباس ‪،‬‬
‫وماهد ‪ ،‬وأب حنيفة ‪ ،‬والمام أحد ‪ ،‬وأكثر أئمة الديث وهو الراجح ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل يَحِلّ َلهُنّ أَن َيكْتُمْ َن مَا خَلَ قَ اللّ هُ فِي أَرْحَا ِمهِنّ‬
‫إِن كُنّ ُيؤْمِنّ بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِرِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يل للمرأة كتمان ما خلق‬
‫ال ف رحها من اليض والمل ‪ ،‬لتبطل حق الزوج من الرجعة والولد ‪،‬‬
‫أو استعجالً لنقضاء عدتا ‪ ،‬أو رغبة ف تطويلها ‪ ،‬بل تب بالق من غي‬
‫زيادة ول نقصان ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿:‬وُبعُولَُتهُنّ أَحَقّ ِبرَ ّدهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِ ْ‬
‫صلَحا ﴾‬
‫أي ‪ :‬أزواج هن أ حق برجعت هن ف حال العدة ‪ ﴿ ،‬إِ نْ أَرَادُواْ ﴾ بالرج عة‬
‫الصلح وحسن العشرة ل الضرار بالرأة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلهُنّ ِمثْلُ الّذِي عََلْيهِنّ بِالْ َمعْرُو فِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ول ن‬
‫على الرجال من الق مثل ما للرجال عليهن ‪ ،‬فليؤد كل واحد منهما إل‬
‫ال خر ما ي ب عل يه بالعروف ‪ ،‬ك ما قال ر سول ال ‪ ،‬ف خطب ته ف‬
‫‪263‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حجـة الوداع ‪ « :‬فاتقوا ال فـ النسـاء ‪ ،‬فإنكـم أخذتوهـن بأمانـة ال ‪،‬‬


‫وا ستحللتم فروج هن بكل مة ال ‪ ،‬ول كم علي هن أل يوطئن فرش كم أحدًا‬
‫تكرهو نه ‪ ،‬فإن فعلن ذلك فاضربو هن ضربًا غ ي مبح ‪ ،‬ول ن رزق هن‬
‫وكسوتن بالعروف » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلرّجَا ِل عََلْيهِنّــ َدرَ َجةٌ ﴾ كمـ‬
‫ــا قال تعال ‪:‬‬
‫ض َوبِمَا‬
‫ضهُ ْم عَلَى َبعْ ٍ‬
‫﴿ الرّجَالُ َقوّامُو نَ عَلَى النّ سَاء بِمَا َفضّلَ اللّ ُه َبعْ َ‬
‫أَن َفقُواْ مِ نْ َأ ْموَالِهِمْ ﴾ ‪ ،‬وقال النب ‪ « :‬لو أمرت أحدًا أن يسجد لحد‬
‫لمرت الرأة أن ت سجد لزوج ها » ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه عَزِيزٌ َحكُي مٌ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عز يز ف انتقا مه م ن ع صاه وخالف أمره ‪ ،‬حك يم في ما شرع‬
‫وقدر ‪.‬‬
‫سرِيحٌ‬
‫ف َأوْ تَ ْ‬
‫ق َمرّتَا ِن َفإِمْ سَا ٌك بِ َم ْعرُو ٍ‬
‫ل ُ‬
‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬الطّ َ‬
‫حلّ َلكُ مْ أَن َت ْأخُذُوْا مِمّا آتَيْتُمُو ُهنّ شَيْئا إِل أَن يَخَافَا أَل‬
‫ِبإِحْ سَانٍ َولَ َي ِ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيهِمَا فِيمَا‬
‫ُيقِيمَا ُحدُو َد اللّ ِه َفإِ ْن خِفْتُ ْم أَل ُيقِيمَا ُحدُو َد اللّ هِ فَ َ‬
‫ل َتعَْتدُوهَا وَمَن يََت َعدّ ُحدُو َد اللّ ِه َفأُ ْولَـِئكَ‬
‫ك حُدُودُ اللّ ِه فَ َ‬
‫ت بِ ِه تِلْ َ‬
‫افْتَدَ ْ‬
‫هُ ُم الظّالِمُونَ (‪. ﴾ )229‬‬
‫روى ابن أب حات وغيه عن عروة بن الزبي ‪ ( :‬أن رجلً قال لمرأته‬
‫ل أطلقك أبدًا ‪ ،‬ول آويك أبدًا ‪ ،‬قالت ‪ :‬وكيف ذاك ؟ قال ‪ :‬أطلق حت‬
‫إذا د نا أجلك راجعتك ‪ ،‬فأ تت ر سول ال فذكرت له ‪ ،‬فأنزل ال عز‬
‫ق مَ ّرتَا نِ فَِإمْ سَاكٌ بِ َمعْرُو فٍ َأ ْو تَ سْرِي ٌح بِإِحْ سَانٍ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫وجل ‪ ﴿ :‬ال ّطلَ ُ‬
‫ابن عباس ‪ :‬إذا طلق الرجل امرأته تطليقتي فليتق ال ف ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬ف‬
‫الزء الول‬ ‫‪264‬‬

‫الثالثة ‪ ،‬فإما أن يسكها بعروف فيحسن صحابتها ‪ ،‬أو يسرحها بإحسان‬


‫فل يظلمها من حقها شيئًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل يَحِلّ َلكُ مْ أَن َتأْخُذُوْا مِمّا آَتْيتُمُوهُنّ َشيْئا إِل أَن‬
‫ّهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يلـ لكـم أن تأخذوا شيئًا ماـ‬ ‫يَخَافَا أَل ُيقِيمَا حُدُودَ الل ِ‬
‫أعطيتمو هن إل ف حال الشقاق ‪ ﴿ ،‬فَإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَل ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ َفلَ‬
‫ت بِ هِ ﴾ ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ ( :‬أن امرأة ثابت بن‬ ‫ح عََلْيهِمَا فِيمَا افْتَدَ ْ‬
‫ُجنَا َ‬
‫قيس بن شاس أتت النب فقالت ‪ :‬يا رسول ال ما أعيب عليه ف خلق‬
‫ول دين ولكن أكره الكفر ف السلم ‪ .‬فقال رسول ال ‪ « :‬أتردين‬
‫عليـه حديقتـه » ؟ قالت ‪ :‬نعـم ‪ .‬قال رسـول ال ‪ « :‬اقبـل الديقـة‬
‫وطلق ها تطلي قة » ‪ .‬و ف روا ية ‪ ( :‬قالت ‪ :‬ل أطي قه ‪ ،‬يع ن ‪ :‬بغضًا ) ‪.‬‬
‫رواه البخاري ‪ .‬وعند المام أحد ‪ ( :‬فأمره النب أن يأخذ ما ساق ول‬
‫يزداد ) وعند ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪:‬‬
‫( فردت عليه حديقته ‪ .‬قال ‪ :‬ففرق بينهما رسول ال ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ حُدُودُ اللّ هِ َف َ‬
‫ل َتعْتَدُوهَا وَمَن يََتعَدّ ُحدُودَ اللّ هِ‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذه أوامـر ال ونواهيـه ‪ ،‬فل‬ ‫ـ الظّالِمُون َ‬
‫ك هُم ُ‬
‫َفُأوْلَــئِ َ‬
‫تتجاوزو ها ‪ .‬وا ستدل بذه ال ية على أن ج ع الثلث التطليقات بكل مة‬
‫واحدة حرام ‪ .‬وروى الن سائي عن ممود بن لب يد قال ‪ :‬أ خب ر سول ال‬
‫عن ر جل طلق امرأ ته ثلث تطليقات جيعًا ‪ ،‬فقام غضبانًا فقال ‪« :‬‬
‫أيلعب بكتاب ال وأنا بي أظهركم » ؟ الديث ‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِحـ‬
‫َهـ مِن َبعْ ُد حَتّ َى تَنك َ‬
‫ح ّل ل ُ‬
‫ل تَ ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬فإِن طَ ّلقَهَا فَ َ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيهِمَا أَن يََترَاجَعَا إِن ظَنّ ا أَن ُيقِيمَا‬
‫َزوْجا غَ ْيرَ هُ َفإِن َط ّلقَهَا فَ َ‬
‫حُدُودَ ال ّلهِ َوتِ ْلكَ ُحدُو ُد ال ّلهِ يُبَيُّنهَا لِ َقوْ ٍم َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )230‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن طَّل َقهَا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الطلقة الثالثة ‪َ ﴿ ،‬فلَ َتحِلّ لَهُ‬
‫مِن َبعْدُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من بعد الطلقة الثالثة ‪َ ﴿ ،‬حّتىَ تَنكِحَ َزوْجا غَيْرَهُ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬غيـ الطلق فيجامعهـا ‪ ﴿ ،‬فَإِن طَّلقَه َا ﴾ ‪ ،‬أي الزوج الثانـ بعـد‬
‫ـ عََلْيهِمَـا أَن يَتَرَاجَعَـا ﴾ أي ‪ :‬الرأة والزوج‬ ‫الماع ‪َ ﴿ ،‬فلَ ُجنَاحـَ‬
‫الول ‪ ﴿ ،‬إِن َظنّ ا أَن ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يكون بينه ما ال صلح‬
‫وحسن الصحبة ‪ .‬وعن ابن عمر قال ‪ ( :‬سئل النب عن الرجل يطلق‬
‫ـ قبـل أن‬ ‫امرأتـه فيتزوجهـا آخـر ‪ ،‬فيغلق الباب ويرخـي السـتر ثـ يطلقه ا‬
‫يدخل با ‪ ،‬هل تل للول ؟ قال ‪ « :‬حت تذوق العسيلة » ‪ .‬رواه أحد‬
‫وغيه ‪ .‬وروى البخاري ومسلم عن عائشة ‪ ( :‬أن رجلً طلق امرأته ثلثًا‬
‫‪ ،‬فتزو جت زوجًا فطلق ها ق بل أن ي سها ‪ ،‬ف سئل ر سول ال ‪ :‬أت ل‬
‫للول ؟ فقال ‪ « :‬ل حت يذوق من عسيلتها كما ذاق الول » ‪ .‬وروى‬
‫المام أحدـ وغيه عـن ابـن مسـعود قال ‪ ( :‬لعـن رسـول ال الواشةـ‬
‫والسـتوشة ‪ ،‬والواصـلة والسـتوصلة ‪ ،‬والحلّل والحلّل له ‪ ،‬وآكـل الربـا‬
‫وموكله ) ‪.‬‬
‫سكُو ُهنّ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا َط ّلقْتُ ُم النّ سَاء فَبَ َلغْ َن َأجَلَهُنّ َفأَمْ ِ‬
‫ضرَارا لَّتعْتَدُواْ وَمَن‬
‫ف َأوْ َس ّرحُو ُهنّ بِ َم ْعرُو فٍ َو َل تُمْ سِكُوهُنّ ِ‬
‫بِ َم ْعرُو ٍ‬
‫خ ُذ َواْ آيَاتِ اللّ ِه ُهزُوا وَاذْ ُكرُوْا نِعْ َمتَ‬
‫َيفْ َعلْ ذَلِكَ فَ َقدْ ظَلَ َم َنفْسَ ُه وَ َل تَتّ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪266‬‬

‫حكْ َم ِة يَعِظُكُم بِ ِه وَاّتقُواْ‬


‫ب وَالْ ِ‬
‫اللّ هِ عَلَ ْيكُ ْم وَمَا أَنزَلَ عَلَ ْيكُ ْم مّ َن الْكِتَا ِ‬
‫اللّ َه وَاعْلَمُواْ أَ ّن ال ّلهَ ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )231‬‬
‫قال ا بن عباس وغيه ‪ :‬كان الر جل يطلق الرأة ‪ ،‬فإذا قار بت انقضاء‬
‫العدة راجعهـا ضرارًا ‪ ،‬لئل تذهـب إل غيه ‪ ،‬ثـ يطلقهـا فتعتـد ‪ ،‬فإذا‬
‫شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة ‪ ،‬فنهاهم ال عن ذلك‬
‫وتوعدهم عليه فقال ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْفعَلْ ذَلِكَ َفقَ ْد ظََل َم َنفْسَهُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتتّخِ ُذ َوْا آيَاتِ اللّ ِه هُزُوا ﴾ ‪ ،‬روى ابن جرير عن‬
‫أ ب مو سى ‪ ( :‬أن ر سول ال غ ضب على الشعري ي ‪ ،‬فأتاه أ بو مو سى‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول ال غضبت على الشعريي ؟ فقال ‪ « :‬يقول أحدكم ‪:‬‬
‫قد طلقت ‪ ،‬قد راجعت ‪ ،‬ليس هذا طلق السلمي ‪ ،‬طلقوا الرأة ف ُقبُل‬
‫عدت ا » ‪ .‬وقال ال سن وغيه ‪ :‬هو الرجل يطلق ويقول ‪ :‬كنت لعبًا ‪،‬‬
‫أو يع تق أو ين كح ويقول ‪ :‬ك نت لعبًا فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتتّخِ ُذ َوْا آيَا تِ‬
‫ّهـ هُزُوا ﴾ فألزم ال بذلك ‪ .‬وروى أبـو داود وغيه مـن حديـث أبـ‬ ‫الل ِ‬
‫هريرة عن ال نب قال ‪ « :‬ثلث جدّ هن جدّ ‪ ،‬وهزل ن جد ‪ :‬النكاح ‪،‬‬
‫والطلق ‪ ،‬والرجعة » ‪.‬‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فـ إرسـاله‬
‫ّهـ عََلْيك ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاذْكُرُوْا ِنعْم َ‬
‫َتـ الل ِ‬
‫حكْ َمةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬السنة‬‫ب وَالْ ِ‬‫الرسول إليكم ﴿ َومَا أَنزَ َل عََلْيكُ ْم مّ َن اْلكِتَا ِ‬
‫ـ تأتون ومـا‬‫﴿ َيعِظُكُم بِهِـ ﴾ يأمركـم وينهاكـم ‪ ﴿ ،‬وَاّتقُواْ اللّهَـ ﴾ فيم ا‬
‫تذرون ‪ ﴿ ،‬وَاعَْلمُواْ أَنّ اللّ َه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فل يفـى عل يه‬
‫شيء من أموركم وسيجازيكم على أعمالكم ‪ ،‬إن خيًا فخي ‪ ،‬وإن شرًا‬
‫فشر ‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل َتعْضُلُو ُهنّ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا َط ّلقْتُ مُ النّ سَاء فَبَ َلغْ نَ َأجَ َل ُهنّ فَ َ‬
‫ظ بِ ِه مَن‬
‫ف َذلِ كَ يُوعَ ُ‬
‫ض ْواْ بَيْنَهُم بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫أَن يَنكِحْ َن أَ ْزوَا َجهُنّ ِإذَا َترَا َ‬
‫كَا َن مِنكُ ْم ُيؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْ ِم الخِ ِر َذلِكُ ْم أَزْكَى َلكُمْ َوأَ ْط َهرُ وَاللّهُ َيعْلَمُ‬
‫وَأَنُتمْ َل َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )232‬‬
‫روى أبو داود وغيه عن السن ‪ ( :‬أن أخت معقل بن يسار طلقها‬
‫زوجهـا ‪ ،‬فتركهـا حتـ انقضـت عدتاـ ‪ ،‬فخطبهـا فأبـ معقـل ‪ ،‬فنلت‬
‫ل َت ْعضُلُوهُنّ أَن يَنكِحْنَ أَ ْزوَا َجهُنّ ﴾ ‪.‬‬
‫‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِذَا تَرَا َ‬
‫ض ْواْ َبْينَهُم بِالْ َمعْرُو فِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بع قد حلل‬
‫ظ بِ هِ مَن كَا َن مِنكُ ْم ُي ْؤمِ ُن بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر‬
‫ك يُوعَ ُ‬
‫ومهر جائز ‪ ﴿ ،‬ذَلِ َ‬
‫ذَِلكُ مْ أَزْكَى َلكُ مْ َوأَ ْطهَرُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ردهن إل أزواجهن ‪ ﴿ .‬أَزْكَى َلكُ مْ‬
‫َوأَ ْطهَرُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ردهن إل أزواجهن خي لكم وأطهر لقلوبكم ﴿ وَاللّهُ‬
‫َيعْلَ ُم َوأَنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه‬
‫مـا ل تعلمون أنتـم ‪ ،‬فاتبعوا أمـر ال واتركوا الميـة ‪ ،‬فإنـه تعال أعلم‬
‫بصال خلقه من أنفسهم ‪.‬‬
‫ضعْ نَ َأ ْولَ َدهُنّ حَ ْولَيْ نِ كَامِلَيْ نِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَالْوَالِدَا تُ يُرْ ِ‬
‫ـوَُت ُهنّ‬
‫ـ ِر ْز ُقهُنّـ وَكِس ْ‬
‫ـ أَرَادَ أَن يُتِمّـ الرّضَا َعةَ وَعلَى الْ َموْلُودِ لَه ُ‬
‫لِمَن ْ‬
‫ف لَ ُتكَلّ فُ َنفْ سٌ إِل وُ سْ َعهَا َل تُضَآ ّر وَاِل َدةٌ ِب َولَ ِدهَا وَ َل َموْلُودٌ‬
‫بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫لّ ُه بِ َوَلدِ ِه وَعَلَى اْلوَارِ ثِ مِ ْث ُل َذلِ كَ َفإِ نْ أَرَادَا فِ صَالً عَن َترَا ضٍ مّ ْنهُمَا‬
‫ل جُنَاحَ‬
‫ضعُواْ َأ ْولَدَكُ ْم فَ َ‬
‫وََتشَاوُرٍ فَلَ جُنَاحَ عَ َل ْيهِمَا َوإِ ْن أَرَدتّ ْم أَن تَسَْترْ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪268‬‬

‫ف وَاّتقُوْا اللّ هَ وَاعْ َلمُوْا أَنّ اللّ َه بِمَا‬


‫عَلَ ْيكُ ْم ِإذَا سَلّمْتُم مّا آتَ ْيتُم بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪. ﴾ )233‬‬
‫ضعْ نَ َأوْلَ َدهُنّ ﴾ أي ‪:‬‬ ‫قال البغوي ‪ ( :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاْلوَالِدَا ُ‬
‫ت يُرْ ِ‬
‫ْنـ ﴾ ‪ ،‬خـب بعنـ‬ ‫ضع َ‬
‫الطلقات اللتـ لنـ أولد مـن أزواجهـن ‪ ﴿ ،‬يُرْ ِ‬
‫المر ‪ ،‬وهو أمر استحباب ل أمر إياب ‪ ،‬لنه ل يب عليهن الرضاع‬
‫إذا كان يو جد من ير ضع الولد ‪ ،‬لقوله تعال ف سورة الطلق ‪ ﴿ :‬فَإِ نْ‬
‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ ﴾ ‪ ،‬فإن رغبت الم ف الرضاع فهي أول‬
‫أَرْ َ‬
‫من غي ها ) ‪ .‬انت هى ‪ .‬و عن أم سلمة قالت ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬ل‬
‫يرم من الرضاع إل ما فتق المعاء ف الثدي وكان قبل الفطام » ‪ .‬رواه‬
‫الترمذي ‪ .‬وعـن ابـن عباس قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬ل يرم مـن‬
‫الرضاع إل مـا كان فـ الوليـ » ‪ .‬رواه الدار قطنـ وغيه ‪ .‬قيـل ‪ :‬إن‬
‫الرضاعة بعد الولي ربا ضرت الولد ‪ ،‬إما ف بدنه أو عقله ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَعلَى الْ َموْلُودِ لَ هُ ِرزُْقهُنّ وَكِ ْ‬
‫سوَُتهُ ّن بِالْ َمعْرُو فِ لَ‬
‫ُسـَعهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وعلى والد الطفـل نفقـة الوالدات‬ ‫ْسـ إِل و ْ‬ ‫ّفـ َنف ٌ‬ ‫تُكَل ُ‬
‫وكسوتن ‪ ،‬با جرت به عادة أمثالن بسب قدرته ‪ ،‬كما قال تعال ﴿‬
‫ِليُنفِقْ ذُو َس َع ٍة مّن َس َعتِهِ َومَن ُقدِ َر عََليْهِ رِزْقُهُ َف ْليُنفِ ْق مِمّا آتَاهُ اللّ ُه ل يُكَلّفُ‬
‫جعَلُ اللّ ُه َبعْ َد عُسْ ٍر يُسْرا ﴾ ‪ .‬قال الضحاك ‪ :‬إذا‬ ‫اللّ ُه َنفْسا إِل مَا آتَاهَا َسيَ ْ‬
‫طلق زوج ته وله من ها ولد فأرض عت له ولده ‪ ،‬و جب على الوالد نفقت ها‬
‫وكسوتا بالعروف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لَ تُضَآ ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَدِهَا وَ َل َموْلُودٌ لّ ُه ِبوَلَدِ هِ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ما هد ‪ ﴿ :‬لَ ُتضَآ ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَدِهَا ﴾ ل تأ ب أن ترض عه لي شق ذلك على‬
‫‪269‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أبيه ( ول يضار ) الوالد بولده فيم نع أمه أن ترضعه ليحزن ا ‪ .‬وقال ا بن‬
‫ز يد ‪ :‬ل ينتز عه من ها و هي ت ب أن ترض عه فيضار ها ‪ ،‬ول تطر حه عل يه‬
‫وهو ل يد من يرضعه ول يد ما يسترضعه به ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَلَى اْلوَارِ ثِ ِمثْلُ ذَلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وارث ال صب ‪.‬‬
‫قال السن ‪ :‬إذا تو ف الرجل وامرأته حامل فنفقتها من نصيبها ‪ ،‬ونفقة‬
‫ولد ها من ن صيبه من ماله ‪ ،‬إن كان له مال ‪ ،‬فإن ل ي كن له مال فنفق ته‬
‫على ع صبته ‪ .‬واختار ش يخ ال سلم ا بن تيم ية أن نف قة الا مل من مال‬
‫المل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِ نْ أَرَادَا فِ صَالً عَن تَرَا ٍ‬
‫ض ّمْنهُمَا َوتَشَاوُرٍ َفلَ ُجنَا حَ‬
‫عََلْيهِمَا ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬التشاور فيما دون الولي ‪ ،‬ليس لا أن تفطمه‬
‫إل أن يرضى ‪ ،‬وليس له أن يفطمه إل أن ترضى ‪ ،‬فإن ل يتمعا فليس لا‬
‫أن تفطمه دون الولي ‪.‬‬
‫ح عََلْيكُ مْ‬
‫ضعُواْ َأوْلَدَ ُك مْ َفلَ ُجنَا َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ أَرَدتّ مْ أَن تَ ْ‬
‫ستَرْ ِ‬
‫ّمـ أَن‬
‫ِنـ أَرَدت ْ‬
‫ُوفـ ﴾ ‪ .‬قال ماهـد ‪َ ﴿ :‬وإ ْ‬ ‫سـلّ ْمتُم مّاـ آَتيْت ُم بِالْ َم ْعر ِ‬ ‫إِذَا َ‬
‫ح عََلْيكُمْ إِذَا‬
‫ضعُواْ َأوْلَدَكُمْ ﴾ خيفة الضيعة على الصب ‪َ ﴿ ،‬فلَ ُجنَا َ‬ ‫ستَرْ ِ‬‫تَ ْ‬
‫سَلّ ْمتُم مّا آَتْيتُم بِالْ َمعْرُوفِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حساب ما أرضع به الصب ‪ ،‬وهذه‬
‫ضعْ نَ‬ ‫الية كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن كُنّ أُولَا تِ حَمْلٍ َفأَنفِقُوا عََلْيهِنّ َحتّى َي َ‬
‫ف َوإِن‬ ‫ضعْ نَ َلكُ مْ فَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ َوْأتَمِرُوا َبيَْنكُم بِ َمعْرُو ٍ‬
‫حَ ْمَلهُنّ فَإِ نْ أَرْ َ‬
‫ستُرْضِعُ لَهُ أُ ْخرَى ﴾ ‪.‬‬ ‫َتعَاسَ ْرتُمْ فَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪270‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّ َه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ َه بِمَا َتعْمَلُو نَ بَ صِيٌ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬واتقوا ال ف ج يع أحوال كم وأقوال كم ‪ ﴿ ،‬وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ َه بِمَا‬
‫َتعْمَلُونَ َبصِيٌ ﴾ فل يفى عليه شيء ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪271‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والعشرون‬

‫ص َن بِأَنفُ سِ ِه ّن أَ ْربَ َعةَ‬


‫﴿ وَالّذِي نَ يَُت َوّفوْ نَ مِنكُ مْ َوَيذَرُو َن أَ ْزوَاجا يََترَبّ ْ‬
‫س ِهنّ‬
‫ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ فِيمَا َفعَلْنَ فِي أَنفُ ِ‬
‫أَ ْش ُهرٍ وَ َعشْرا َفإِذَا بَ َلغْنَ َأجَ َل ُهنّ فَ َ‬
‫ُمـ فِيمَا‬
‫َاحـ عَلَ ْيك ْ‬
‫ُونـ خَبِيٌ (‪ )234‬وَ َل جُن َ‬
‫ّهـ بِمَا َتعْمَل َ‬
‫ُوفـ وَالل ُ‬
‫بِالْ َم ْعر ِ‬
‫َعرّضْتُم بِ هِ مِ ْن خِطَْبةِ النّ سَاء َأوْ أَكْنَنتُ ْم فِي أَنفُ سِ ُكمْ عَلِ مَ اللّ ُه َأنّكُ مْ‬
‫سََتذْ ُكرُوَن ُهنّ َولَـكِن ل ُتوَا ِعدُوهُنّ ِسرّا إِل أَن َتقُولُوْا َقوْ ًل ّمعْرُوفا َولَ‬
‫ب َأجَلَ ُه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ َيعْلَ مُ مَا‬
‫َتعْ ِزمُواْ ُع ْق َدةَ الّنكَا حِ حَّتىَ يَبْ ُل َغ الْكِتَا ُ‬
‫س ُكمْ فَاحْذَرُو هُ وَاعْلَمُوْا أَنّ اللّ هَ َغفُو ٌر حَلِي مٌ (‪ )235‬ل جُنَا حَ‬
‫فِي أَنفُ ِ‬
‫ضةً‬
‫َمـ تَمَسـّو ُهنّ َأ ْو َتفْرِضُواْ لَهُن ّ َفرِي َ‬
‫ُمـ النّسـَاء م َا ل ْ‬
‫ُمـ إِن طَ ّلقْت ُ‬
‫عَلَ ْيك ْ‬
‫ف حَقّا‬
‫وَمَّتعُو ُهنّ عَلَى الْمُو سِ ِع َقدَرُ ُه وَعَلَى الْ ُمقِْت ِر َقدْرُ ُه مَتَاعا بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫ْسـنِيَ (‪َ )236‬وإِن طَ ّلقْتُمُوهُن ّ م ِن قَ ْبلِ أَن تَمَسـّو ُهنّ َو َقدْ‬
‫عَلَى الْمُح ِ‬
‫ف مَا َفرَضْتُ ْم إَل أَن َيعْفُو َن أَ ْو َي ْعفُ َو الّذِي بَِيدِ هِ‬
‫ض ًة فَنِ صْ ُ‬
‫َفرَضْتُ مْ َل ُهنّ َفرِي َ‬
‫ض َل بَيَْنكُ ْم إِنّ اللّ هَ‬
‫سوُْا الْفَ ْ‬
‫ب لِلّتقْوَى وَ َل تَن َ‬
‫ح َوأَن َتعْفُوْا َأ ْقرَ ُ‬
‫ُع ْق َدةُ الّنكَا ِ‬
‫ل ِة اْلوُ سْطَى‬
‫بِمَا َتعْمَلُو َن بَ صِيٌ (‪ )237‬حَافِظُواْ عَلَى ال صّ َلوَاتِ وال صّ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َف ِرجَا ًل أَوْ رُكْبَانا َفِإذَا َأمِنت ْ‬
‫َإنـ ِخفْت ْ‬
‫ّهـ قَانِتِي َ (‪ )238‬ف ْ‬
‫َوقُومُوْا لِل ِ‬
‫ِينـ‬
‫ُونـ (‪ )239‬وَاّلذ َ‬
‫َمـ َتكُونُوْا تَعْلَم َ‬
‫ّهـ كَمَا عَلّمَكُم مّاـ ل ْ‬
‫فَاذْ ُكرُواْ الل َ‬
‫ح ْولِ غَ ْيرَ‬
‫يَُتوَ ّفوْ َن مِنكُ ْم وََيذَرُو َن أَ ْزوَاجا وَ صِّي ًة لّأَ ْزوَاجِهِم مّتَاعا ِإلَى الْ َ‬
‫س ِهنّ مِن‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ فِي مَا َفعَلْ نَ فِ َي أَنفُ ِ‬
‫إِ ْخرَا جٍ فَإِ ْن َخرَجْ َن فَ َ‬
‫ف حَقّا‬
‫ع بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫ت مَتَا ٌ‬
‫ف وَاللّ هُ َعزِي ٌز َحكِي مٌ (‪ )240‬وَلِلْ ُمطَ ّلقَا ِ‬
‫ّمعْرُو ٍ‬
‫الزء الول‬ ‫‪272‬‬

‫ك يُبَيّ ُن اللّ ُه لَكُ مْ آيَاتِ ِه َلعَلّكُ ْم َتعْقِلُو نَ (‬


‫عَلَى الْمُّتقِيَ (‪َ )241‬ك َذلِ َ‬
‫‪. ﴾ )242‬‬
‫***‬
‫‪273‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صنَ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن يَُتوَ ّفوْ نَ مِنكُ ْم َويَذَرُو َن أَ ْزوَاجا يََترَبّ ْ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ ْم فِيمَا‬
‫س ِهنّ أَ ْرَب َعةَ َأ ْشهُ ٍر وَ َعشْرا َفِإذَا بَ َلغْ َن َأجَلَهُنّ فَ َ‬
‫ِبأَنفُ ِ‬
‫َفعَلْ َن فِي أَن ُفسِ ِه ّن بِالْ َم ْعرُوفِ وَال ّلهُ بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيٌ (‪. ﴾ )234‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬هذه عدة التو ف عنها زوج ها إل أن تكون حاملً ‪،‬‬
‫فعدتا أن تضع ما ف بطنها ‪ .‬وف الصحيحي عن أم سلمة ‪ ( :‬أن امرأة‬
‫تو ف عن ها زوج ها واشت كت عين ها ‪ ،‬فأ تت ال نب ت ستفتيه ف الك حل‬
‫فقال ‪ « :‬لقـد كانـت إحداكـن تكون فـ الاهليـة فـ شـر أحلسـها ‪،‬‬
‫فتمكث ف بيتها حولً إذا توف عنها زوجها ‪ ،‬فيمر عليها الكلب فترميه‬
‫بالبعرة ‪ ،‬أفل أرب عة أش هر وعشرًا » ؟ ‪ .‬وقال الرب يع عن أ ب العال ية ف‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن يَُتوَّفوْ نَ مِنكُ ْم َويَذَرُو نَ أَ ْزوَاجا َيتَ َربّ صْنَ ِبأَنفُ سِهِنّ أَ ْرَب َعةَ‬
‫َأ ْشهُ ٍر َوعَشْرا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ل صـارت هذه العشـر مـع الشهـر‬
‫الربعة ؟ قال ‪ :‬لنه ينفخ فيه الروح ف العشر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِذَا بََلغْ نَ َأجََلهُنّ َفلَ ُجنَا َ‬
‫ح عََليْكُ مْ فِيمَا َف َعلْ نَ فِي‬
‫سهِ ّن بِالْ َمعْرُو فِ ﴾ ‪ .‬قال ما هد ‪ :‬هو النكاح اللل الط يب ‪ .‬وقال‬
‫أَنفُ ِ‬
‫ا بن عباس ‪ :‬إذا طل قت الرأة أو مات عن ها زوج ها ‪ ،‬فإذا انق ضت عدت ا‬
‫فل جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ‪ ،‬فذلك العروف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه بِمَا تَعْ َملُو نَ َخبِيٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فل تعضلوهن من‬
‫أردن نكاحه بالعروف ‪ ،‬فإنه ل يفى عليه شيء من أعمالكم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ جُنَا حَ عَلَ ْيكُ ْم فِيمَا َعرّضْتُم بِ ِه مِ ْن خِطَْبةِ‬
‫النّ سَاء أَ ْو أَكْنَنتُ مْ فِي أَنفُ سِ ُكمْ عَلِ مَ اللّ ُه َأنّكُ مْ سَتَذْ ُكرُونَ ُه ّن وَلَـكِن ل‬
‫الزء الول‬ ‫‪274‬‬

‫َاحـ‬
‫سـرّا إِل أَن َتقُولُوْا َقوْ ًل مّ ْعرُوفا وَ َل َت ْعزِمُواْ ُع ْق َد َة النّك ِ‬
‫تُوَا ِعدُوهُن ّ ِ‬
‫حَتّ َى يَبْلُ َغ الْكِتَا بُ َأجَلَ ُه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ َيعْلَ ُم مَا فِي أَنفُ سِ ُكمْ فَاحْذَرُو هُ‬
‫وَاعْ َلمُوْا أَ ّن ال ّلهَ َغفُو ٌر حَلِيمٌ (‪. ﴾ )235‬‬
‫قال ا بن عباس وغيه التعر يض ‪ :‬أن يقول إن أر يد التزو يج ‪ ،‬وإ ن‬
‫أ حب امرأة من أمر ها و من أمر ها ‪ ،‬يعرض ل ا بالقول العروف ‪ ،‬وقال‬
‫ما هد ‪ :‬يعرض للمرأة ف عدت ا فيقول ‪ :‬وال إ نك لميلة ‪ ،‬وإن الن ساء‬
‫لن حاجت ‪ ،‬وإنك إل خي إن شاء ال ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬أوْ أَكْنَنتُ مْ فِي أَنفُ ِ‬
‫سكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أضمر ت نكاح هن ب عد‬
‫العدة ‪ ﴿ .‬عَِل مَ اللّ هُ َأنّكُ مْ َستَذْكُرُوَنهُنّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف أنفسكم وبألسنتكم‬
‫﴿ وَلَـكِن ل ُتوَاعِدُوهُنّ سِرّا ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬ل تقل لا ‪:‬‬
‫إ ن عاشق وعاهدي ن أل تتزوجي غيي ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬ل يأخذ ميثاقها‬
‫ف عدتا أن ل تتزوج غيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِل أَن تَقُولُواْ َقوْ ًل ّمعْرُوفا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬التعريـــض‬
‫بالطبة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتعْ ِزمُوْا ُعقْ َدةَ الّنكَا حِ َحتّ َى َيبْلُ غَ الْ ِكتَا بُ أَجَلَ هُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ماهد ‪ :‬حت تنقضي العدة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َتعْ ِزمُواْ ُعقْ َد َة الّنكَاحِ َحتّ َى َيبْلُ َغ اْلكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾‪،‬‬
‫قال ماهد ‪ :‬حت تنقضي العدة ‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي أَنفُ سِكُمْ فَاحْذَرُو هُ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬فخافوا ال ول تضمروا إل الي ﴿ وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه َغفُورٌ حَلِي مٌ ﴾‪،‬‬
‫ل يعجل بالعقوبة ‪.‬‬
‫َمـ‬
‫ُمـ النّسـَاء مَا ل ْ‬
‫ُمـ إِن َط ّلقْت ُ‬
‫َاحـ عَلَ ْيك ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬ل جُن َ‬
‫تَمَ سّوهُ ّن َأوْ َت ْفرِضُواْ َلهُنّ َفرِيضَ ًة َومَتّعُوهُنّ عَلَى الْمُو سِ ِع َقدَرُ هُ وَعَلَى‬
‫حسِنِيَ (‪. ﴾ )236‬‬
‫ف حَقّا عَلَى الْ ُم ْ‬
‫الْ ُمقْتِ ِر َقدْ ُرهُ مَتَاعا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الس ‪ :‬الماع ‪ ،‬ولكن ال يكن ما يشاء با شاء ‪،‬‬
‫والفريضة الصداق ‪.‬‬
‫ُهـ‬
‫ُهـ َوعَلَى الْ ُمقْتِرِ َقدْر ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَّتعُوهُن ّ عَلَى الْم ِ‬
‫ُوسـعِ قَدَر ُ‬
‫سنِيَ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬فهذا الر جل‬‫َمتَاعا بِالْ َمعْرُو فِ َحقّا عَلَى الْمُحْ ِ‬
‫يتزوج الرأة ول يسم لا صداقًا ‪ ،‬ث يطلقها من قبل أن ينكحها ‪ ،‬فأمر ال‬
‫سبحانه أن يتع ها على قدر ع سره وي سره ‪ ،‬فإن كان مو سرًا متّع ها بادم‬
‫أو شبه ذلك ‪ ،‬وإن كان معسرًا متعها بثلثة أثواب أو نو ذلك ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وإِن طَ ّلقْتُمُوهُن ّ م ِن قَ ْبلِ أَن تَمَسـّو ُهنّ َو َقدْ‬
‫ف مَا َفرَضْتُ ْم إَل أَن َيعْفُو َن أَ ْو َي ْعفُ َو الّذِي بَِيدِ هِ‬
‫ض ًة فَنِ صْ ُ‬
‫َفرَضْتُ مْ َل ُهنّ َفرِي َ‬
‫ض َل بَيَْنكُ ْم إِنّ اللّ هَ‬
‫سوُْا الْفَ ْ‬
‫ب لِلّتقْوَى وَ َل تَن َ‬
‫ح َوأَن َتعْفُوْا َأ ْقرَ ُ‬
‫ُع ْق َدةُ الّنكَا ِ‬
‫بِمَا َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (‪. ﴾ )237‬‬
‫قال ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬وإِن طَّل ْقتُمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن تَمَسّوهُ ّن وَقَدْ‬
‫ضتُ مْ ﴾ ‪ ،‬فهذا الرجل يتزوج الرأة وقد‬
‫ضةً َفنِ صْفُ مَا فَرَ ْ‬
‫ضتُ مْ َلهُنّ َفرِي َ‬
‫فَرَ ْ‬
‫سى لا صداقًا ث يطلقها من قبل أن يسها ‪ ،‬فلها نصف صداقها ليس لا‬
‫الزء الول‬ ‫‪276‬‬

‫أكثر من ذلك ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬إذا طلقها قبل أن يسها وقد فرض لا ‪،‬‬
‫فنصف الفريضة لا عليه ‪ ،‬إل أن تعفو عنه فتتركه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أ ْو َي ْعفُ َو الّذِي ِبيَدِ ِه ُعقْ َدةُ النّكَا حِ ﴾ قال ابن عباس ‪:‬‬
‫هو أبو الارية البكر جعل ال سبحانه العفو إليه ‪ ،‬ليس لا معه أمر ‪ ،‬إذا‬
‫طلقت ما كانت ف حجره ‪ .‬وف رواية ‪ :‬هو الزوج ‪ .‬وكذا قال ماهد ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وأَن َتعْفُواْ أَ ْقر ُ‬
‫َبـلِلّت ْقوَى ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪:‬‬
‫أقربمــا للتقوى الذي يعفوا ‪ :‬وقال الشعــب ‪َ ﴿ :‬وأَن َت ْعفُواْ أَقْرَبــُ‬
‫لِلّت ْقوَى ﴾ ‪ ،‬وأن يعفوا هو أقرب للتقوى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿:‬وَ َل تَن َ‬
‫سوُْا اْلفَضْ َل َبْينَكُمْ ِإنّ اللّ َه بِمَا تَعْ َملُونَ بَصِيٌ ﴾‪.‬‬
‫قال ماهد ‪ :‬ول تنسوا الفضل بينكم ف هذا وف غيه ‪ .‬وعن سعيد بن‬
‫جبي بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه أنه دخل على سعد بن أب وقاص فعرض عليه‬
‫ابنة له فتزوجها ‪ ،‬فلما خرج طلقها ‪ ،‬وبعث إليها بالصداق ‪ ،‬قال ‪ :‬قيل ‪:‬‬
‫له ‪ :‬فلم تزوجتها ؟ قال ‪ :‬عرضها عل يّ فكرهت ردها ‪ ،‬قال ‪ :‬فلم تبعث‬
‫َنسـوُْا اْلفَضْلَ‬
‫بالصـداق ؟ قال ‪ :‬فأيـن الفضـل ؟ وعـن ماهـد ‪ ﴿ :‬وَ َل ت َ‬
‫َبيَْنكُمْ ﴾ قال ‪ :‬إتام الزوج الصداق ‪ ،‬أو ترك الرأة الشطر ‪.‬‬
‫ُسـطَى‬
‫ل ِة اْلو ْ‬
‫والصـ َ‬
‫ّ‬ ‫الصـَلوَاتِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬حَافِظُواْ عَلَى ّ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َف ِرجَا ًل أَوْ رُكْبَانا َفِإذَا َأمِنت ْ‬
‫َإنـ ِخفْت ْ‬
‫ّهـ قَانِتِي َ (‪ )238‬ف ْ‬
‫َوقُومُوْا لِل ِ‬
‫فَاذْ ُكرُواْ ال ّلهَ َكمَا عَلّ َمكُم مّا َلمْ َتكُونُواْ َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )239‬‬
‫قال بعـض العلماء ‪ :‬ذكـر الحافظـة على الصـلوات هنـا لئل يشتغلوا‬
‫ُمـ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ل تُ ْل ِهك ْ‬
‫بالنسـاء فيغفلوا عنهـا ‪ .‬قال تعال ‪ ﴿ :‬ي َا َأيّه َا الّذ َ‬
‫‪277‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ِكـ َفُأوَْلئ َ‬
‫ّهـ وَم َن َي ْفعَلْ ذَل َ‬
‫ُمـ ع َن ذِكْرِ الل ِ‬
‫ُمـ وَل َأوْلدُك ْ‬
‫َأ ْموَاُلك ْ‬
‫الْخَا سِرُونَ ﴾ ‪ .‬وقال م سروق ‪ :‬الحاف ظة على ال صلوات الحاف ظة على‬
‫وقتها وعدم السهو عنها ‪.‬‬
‫لةِ اْلوُسْطَى ﴾ ‪ .‬قال علي بن أب طالب وغيه‪:‬‬
‫صَ‬‫وقوله تعال ‪ ﴿:‬وال ّ‬
‫قال يوم الندق ‪« :‬‬ ‫هـي صلة العصـر ‪ .‬وفـ ال صحيحي ‪ :‬إن ال نب‬
‫شغلونا عن الصلة الوسطى صلة العصر » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقُومُواْ لِلّهِ قَاِنتِيَ ﴾ ‪ .‬قال الشعب وغيه ‪ :‬مطيعي ‪.‬‬
‫وعن زيد بن أرقم قال ‪ ( :‬إنا كنا لنتكلم ف الصلة على عهد النب ‪،‬‬
‫الصـَلوَاتِ‬
‫يكلم أحدنـا صـاحبه باجتـه ‪ ،‬حتـ نزل ‪ ﴿ :‬حَافِظُواْ عَلَى ّ‬
‫لةِ اْلوُ سْطَى وَقُومُواْ لِلّ هِ قَانِتِيَ ﴾ ‪ ،‬فأمر نا بال سكوت وني نا عن‬
‫صَ‬‫وال ّ‬
‫الكلم ) ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وقال ماهد ‪ ﴿ :‬وَقُومُواْ لِلّ هِ قَاِنتِيَ ﴾ ‪ ،‬فمن القنوت طول الركوع ‪،‬‬
‫و غض الب صر ‪ ،‬وخ فض الناح ‪ ،‬والشوع من ره بة ال ‪ .‬كان العلماء‬
‫إذا قام أحد هم ي صلي يهاب الرح ن أن يلت فت أو أن يقلب ال صى ‪ ،‬أو‬
‫يعبث بشيء ‪ ،‬أو يدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إل ناسيًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإ نْ ِخ ْفتُ مْ َفرِجَالً َأوْ رُ ْكبَانا ﴾ ‪ ،‬قال إبراهيم ‪ :‬عند‬
‫الطاردة يصـلي حيـث كان وجهـه راكب ًا أو راجلً ‪ ،‬ويعـل السـجود‬
‫أخ فض من الركوع ‪ ،‬وي صلي ركعت ي يو مئ إياء ‪ .‬وقال قتادة أ حل ال‬
‫لك إذا ك نت خائفًا ع ند القتال ‪ ،‬أن ت صلي وأ نت را كب ‪ ،‬وأن ت سعى‬
‫تومـئ برأسـك مـن حيـث كان وجهـك ‪ ،‬إن قدرت على ركعتيـ وإل‬
‫فواحدة ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪278‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا َأمِنتُ مْ فَاذْ ُكرُواْ اللّ هَ كَمَا عَلّمَكُم مّ ا لَ ْم َتكُونُواْ‬
‫لةَ‬
‫صَ‬ ‫لةَ إِنّ ال ّ‬
‫َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا اطْ َم ْأنَنتُ مْ َفأَقِيمُواْ ال صّ َ‬
‫ت عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ ِكتَابا ّموْقُوتا ﴾ ‪ ،‬وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬فَِإذَا‬ ‫كَانَ ْ‬
‫َأمِنتُ مْ فَاذْكُرُواْ اللّ هَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا أمن تم ف صلوا ال صلة ك ما افترض ال‬
‫عليكم ‪ ،‬إذا جاء الوف كانت لم رخصة ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ يَُت َوّفوْ نَ مِنكُ مْ َوَيذَرُو َن أَ ْزوَاجا وَ صِّيةً‬
‫ج َفإِ ْن خَ َرجْ نَ فَلَ جُنَا حَ عَ َل ْيكُ مْ‬
‫حوْلِ غَ ْي َر ِإ ْخرَا ٍ‬
‫لَزْوَاجِهِم مّتَاعا ِإلَى الْ َ‬
‫ف وَال ّلهُ َعزِيزٌ َحكِيمٌ (‪. ﴾ )240‬‬
‫س ِه ّن مِن ّم ْعرُو ٍ‬
‫فِي مَا َفعَ ْل َن ِفيَ أَنفُ ِ‬
‫قال قتادة ‪ :‬كانت الرأة إذا توف عنها زوجها كان لا السكن والنفقة‬
‫حولً ف مال زوج ها ما ل ترج ‪ ،‬ث ن سخ ذلك ب عد ف سورة الن ساء‬
‫فجعل لا فريضة معلومة الثمن إن كان له ولد ‪ ،‬والربع إن ل يكن له ولد‬
‫‪ ،‬وعدتا أربعة أشهر وعشر ‪ .‬فقال تعال ذكره ‪ ﴿ :‬وَالّذِينَ يَُتوَّفوْنَ مِنكُمْ‬
‫سهِنّ أَ ْرَب َعةَ َأ ْشهُ ٍر َوعَشْرا ﴾ ‪ ،‬فنسخت هذه‬
‫َويَذَرُو نَ أَ ْزوَاجا يَتَ َربّ صْنَ بِأَنفُ ِ‬
‫الية ما كان قبلها ف أمر الول ‪.‬‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬يـا أولياء اليـت‬
‫َاحـ عََلْيك ْ‬
‫ْنـ َفلَ ُجن َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإ ْ‬
‫ِنـ َخرَج َ‬
‫سهِنّ مِن ّمعْرُو فٍ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬التزين للنكاح ‪،‬‬
‫﴿ فِي مَا َفعَلْ نَ فِ يَ أَنفُ ِ‬
‫خيّرها ال تعال بي أن تقيم حو ًل ولا النفقة والسكن ‪ ،‬وبي أن ترج ‪،‬‬
‫فل نفقة ول سكن ‪ ،‬إل أن نسخه بأربعة أشهر وعشر ‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه عَزِيزٌ َحكِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عز يز ف انتقا مه م ن‬


‫خالف أمره ونيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء ‪ ،‬حكيم ف أقضيته‬
‫وقدره ‪.‬‬
‫ف حَقّا عَلَى الْمُّت ِقيَ‬
‫ع بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولِلْمُطَ ّلقَا تِ مَتَا ٌ‬
‫ك يُبَّينُ ال ّل ُه لَ ُكمْ آيَاِت ِه َلعَلّ ُكمْ َت ْعقِلُونَ (‪. ﴾ )242‬‬
‫(‪َ )241‬ك َذلِ َ‬
‫ـ َحقّا عَلَى‬
‫ـ بِالْ َمعْرُوف ِ‬ ‫قال عطاء فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَلِلْمُ َطّلقَات ِ‬
‫ـ َمتَاع ٌ‬
‫الْ ُمتّقِيَ ﴾ قال ‪ :‬الرأة الث يب يتع ها زوج ها إذا جامع ها بالعروف ‪ .‬وقال‬
‫سعيد بن جبي ‪ :‬لكل مطلقة متاع بالعروف حقًا على التقي ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬إنا أعاد ذكر التعة ها هنا لزيادة معن ‪ ،‬وذلك أن ف‬
‫غيها بيان حكم المسوسة ‪ ،‬وف هذه الية بيان حكم جيع الطلقات ف‬
‫التعة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كَذَلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م ثل أحكام الطلق والعدة وغ ي‬
‫ذلك ﴿ يَُبيّنُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ ﴾ ‪ ،‬ف إحلله وتريه ‪َ ﴿ ،‬لعَّلكُ ْم َتعْقِلُونَ ﴾‬
‫تفهمون وتدّبرون ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪280‬‬

‫الدرس الثامن والعشرون‬

‫ف حَذَ َر الْ َموْ تِ‬


‫﴿ َألَ ْم َترَ إِلَى اّلذِي نَ َخ َرجُواْ مِن دِيَا ِرهِ ْم وَهُ ْم ُألُو ٌ‬
‫ضلٍ عَلَى النّا سِ َولَـ ِكنّ‬
‫َفقَالَ َلهُ مُ اللّ ُه مُوتُوْا ُثمّ َأحْيَاهُ ْم إِنّ اللّ َه َلذُو فَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪َ )243‬وقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُوْا أَنّ اللّهَ‬
‫أَكَْثرَ النّاسِ لَ َي ْ‬
‫سَمِيعٌ َعلِي مٌ (‪ )244‬مّن ذَا اّلذِي ُي ْقرِ ضُ اللّ َه َقرْضا حَ سَنا فَيُضَا ِعفَ ُه لَ هُ‬
‫ط وَِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪َ )245‬ألَ ْم َترَ ِإلَى‬
‫ي ًة وَاللّ هُ َيقْبِ ضُ َويَبْ سُ ُ‬
‫ضعَافا كَثِ َ‬
‫أَ ْ‬
‫ث لَنَا مَلِكا‬
‫ل مِن بَنِي إِ ْسرَائِي َل مِن َب ْعدِ مُو سَى ِإذْ قَالُوْا لِنَِبيّ ّلهُ مُ اْبعَ ْ‬
‫الْمَ ِ‬
‫ّنقَاِتلْ فِي سَبِي ِل اللّ ِه قَا َل َهلْ عَ سَيُْت ْم إِن كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ُم الْقِتَالُ أَل تُقَاتِلُواْ‬
‫قَالُواْ َومَا لَنَا أَل ُنقَاِتلَ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ َو َقدْ ُأ ْخرِجْنَا مِن ِديَا ِرنَا َوأَبْنَآئِنَا فَلَمّا‬
‫كُتِ بَ عَلَ ْيهِ مُ اْلقِتَا ُل تَ َوّلوْْا إِل قَلِيلً مّ ْنهُ ْم وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِالظّالِمِيَ (‪)246‬‬
‫ت مَلِكا قَاُل َواْ َأنّى َيكُو ُن لَ هُ‬
‫ث َلكُ مْ طَالُو َ‬
‫َوقَالَ َلهُ مْ نَبِّيهُ ْم إِنّ اللّ َه َقدْ َبعَ َ‬
‫ك مِنْ هُ َولَ مْ ُيؤْ تَ َس َعةً مّ نَ الْمَالِ قَالَ إِنّ‬
‫الْمُلْ كُ عَ َليْنَا َونَحْ ُن َأحَقّ بِالْمُلْ ِ‬
‫س ِم وَاللّ ُه ُيؤْتِي مُ ْلكَ هُ‬
‫اللّ هَ ا صْ َطفَاهُ عَلَ ْيكُ ْم وَزَادَ هُ بَ سْ َطةً فِي اْلعِلْ مِ وَالْجِ ْ‬
‫مَن َيشَا ُء وَاللّ ُه وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‪َ )247‬وقَالَ َلهُ مْ نِبِّيهُ ْم إِنّ آَيةَ مُلْكِ هِ أَن‬
‫ت فِي هِ سَكِيَنةٌ مّ ن ّرّبكُ ْم َوبَقِّي ٌة مّمّ ا تَرَ كَ آ ُل مُو سَى وَآلُ‬
‫َيأْتَِيكُ ُم التّابُو ُ‬
‫ك لَيةً لّكُمْ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (‪)248‬‬
‫هَارُو َن تَحْمِلُ ُه الْمَلئِ َكةُ إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ت بِالْجُنُو ِد قَا َل إِنّ اللّ َه مُبْتَلِيكُم بَِن َه ٍر فَمَن َشرِ بَ مِنْ هُ‬
‫صلَ طَالُو ُ‬
‫فَلَمّا فَ َ‬
‫ش ِربُواْ‬
‫س مِنّي َومَن لّ ْم يَ ْطعَمْ ُه َفإِنّ هُ مِنّي إِل مَ نِ اغَْترَ فَ ُغ ْر َفةً بَِيدِ هِ َف َ‬
‫فَلَيْ َ‬
‫ل مّ ْنهُ مْ فَلَمّ ا جَاوَزَ ُه ُهوَ وَالّذِي نَ آمَنُواْ َمعَ ُه قَالُواْ لَ طَا َقةَ لَنَا‬
‫مِنْ ُه إِل قَلِي ً‬
‫لقُو اللّ هِ كَم مّن فَِئةٍ‬
‫ت وَجُنودِ ِه قَا َل الّذِي َن يَظُنّو َن َأّنهُم مّ َ‬
‫الْيَوْ َم بِجَالُو َ‬
‫‪281‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ي ًة ِبِإذْ ِن اللّ ِه وَاللّ ُه مَ َع الصّاِبرِينَ (‪َ )249‬ولَمّا بَرَزُواْ‬


‫ت فَِئةً كَثِ َ‬
‫قَلِي َلةٍ غَلَبَ ْ‬
‫ت َأ ْقدَامَنَا وَان صُ ْرنَا‬
‫ت وَجُنُودِ ِه قَالُواْ َربّنَا َأ ْفرِ غْ عَلَيْنَا صَبْرا َوثَبّ ْ‬
‫لِجَالُو َ‬
‫عَلَى الْ َقوْ ِم الْكَافِرِي نَ (‪َ )250‬فهَ َزمُوهُم بِِإذْ ِن اللّ ِه َوقََتلَ دَاوُو ُد جَالُو تَ‬
‫حكْ َمةَ وَعَلّمَ هُ مِمّ ا َيشَا ُء َولَ ْولَ َدفْ ُع اللّ هِ النّا سَ‬
‫وَآتَا ُه اللّ هُ الْمُلْ كَ وَالْ ِ‬
‫ضلٍ عَلَى اْلعَالَمِيَ (‬
‫ض َولَـ ِكنّ اللّ هَ ذُو فَ ْ‬
‫س َدتِ الَرْ ُ‬
‫َبعْضَهُ مْ بَِبعْ ضٍ ّلفَ َ‬
‫‪ )251‬تِلْ كَ آيَا تُ اللّ هِ نَتْلُوهَا عَلَيْ كَ بِالْحَقّ وَِإنّ كَ لَمِ َن الْ ُمرْ سَلِيَ (‬
‫‪. ﴾ )252‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪282‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَمْ َت َر ِإلَى الّذِينَ َخ َرجُواْ مِن ِديَا ِرهِمْ َوهُمْ ُألُوفٌ‬
‫ضلٍ َعلَى‬
‫حَذَ َر الْ َموْ تِ َفقَالَ َلهُ ُم اللّ هُ مُوتُوْا ثُمّ أَحْيَاهُ مْ إِنّ اللّ هَ َلذُو فَ ْ‬
‫س َولَـ ِكنّ أَكَْث َر النّاسِ َل َيشْ ُكرُونَ (‪. ﴾ )243‬‬
‫النّا ِ‬
‫ـي‬ ‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَم ْ‬
‫ـ تَرَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أل تعلم بإعلمـ‬
‫إياك ‪ ،‬و هو من رؤ ية القلب ‪ ،‬وقال أ هل العال ‪ :‬هو تعج يب ‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫هل رأي تم مثل هم ؟ ك ما تقول ‪ :‬أل تر إل ما ي صنع فلن ؟ و كل ما ف‬
‫القرآن أل تر ‪ ،‬ول يعاينه النب ‪ ،‬فهذا وجهه ‪.‬‬
‫قال أكثر أهل التفسي ‪ :‬كانت قرية يقال لا داوردان من ِقبَل واسط‬
‫با وقع الطاعون ‪ ،‬فخرجت طائفة منها ‪ ،‬وبقيت طائفة ‪ ،‬فهلك أكثر من‬
‫بقـي فـ القريـة ‪ ،‬وسـلم الذيـن خرجوا ‪ ،‬فلمـا ارتفـع الطاعون رجعوا‬
‫سالي ‪ ،‬فقال الذين بقوا ‪ :‬أصحابنا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا‬
‫لبقينـا ‪ ،‬ولئن وقـع الطاعون ثانيـة لنخرجـن إل أرض ل وباء باـ ‪ .‬فوقـع‬
‫الطاعون من قا بل ‪ ،‬فهرب عا مة أهل ها وخرجوا ح ت نزلوا واديًا أفْيَح ‪،‬‬
‫فلما نزلوا الكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي ‪،‬‬
‫وآخر من أعله ‪ :‬أن موتوا ‪ .‬فماتوا جيعًا ‪.‬‬
‫و ساق ب سنده أن ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه خرج إل الشام ‪،‬‬
‫فل ما جاء سرغ بل غه أن الوباء قد و قع بالشام ‪ ،‬فأ خبه ع بد الرح ن بن‬
‫عوف ‪ :‬أن ر سول ال قال ‪ « :‬إذا سعتم به بأرض فل تقدموا عل يه ‪،‬‬
‫وإذا وقع بأرض وأنتم با فل ترجوا فرارًا منه فرجع عمر من سرغ » ‪.‬‬
‫والديث ف الصحيحي ‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪ :‬وأول القاويـل قول مـن قال ‪ :‬كانوا زيادة على عشرة‬
‫آلف ؛ لن ال تعال قال ‪َ ﴿ :‬وهُ مْ أُلُو فٌ ﴾ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ف مر علي هم نب‬
‫يقال له ‪ :‬حزقيل فجعل يتفكر فيهم متعجبًا ‪ ،‬فأوحى ال تعال إليه ‪ :‬تريد‬
‫أن أريك آية ؟ قال ‪ :‬نعم فأحياهم ال ‪ ﴿ ،‬إِنّ اللّ هَ لَذُو َفضْ ٍل عَلَى النّا سِ‬
‫وَلَـكِنّ أَكْثَ َر النّاسِ َل يَشْكُرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ سَمِيعٌ‬
‫عَلِيمٌ (‪. ﴾ )244‬‬

‫يقول تعال ‪ :‬وقاتلوا ف سبيل ال عدوي وعدوكم من الشركي ‪ ،‬ول‬


‫تقعدوا عن الهاد خوف الق تل ‪ ،‬فإ نه ل م فر عن الوت ول يغ ن حذر‬
‫ت وََلوْ كُنتُ مْ‬
‫عن قدر ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬أيْنَمَا تَكُونُوْا يُدْرِككّ مُ الْ َموْ ُ‬
‫شيّ َدةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ج مّ َ‬
‫فِي ُبرُو ٍ‬
‫ض اللّ هَ َقرْضا حَ سَنا فَيُضَا ِعفَ هُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مّن ذَا الّذِي ُيقْرِ ُ‬
‫ض َويَبْسُطُ وَِإلَ ْيهِ ُت ْرجَعُونَ (‪. ﴾ )245‬‬
‫ي ًة وَال ّلهُ َيقْبِ ُ‬
‫ضعَافا كَثِ َ‬
‫َلهُ أَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬القرض ا سم ل كل ما يعط يه الن سان ليجازى عل يه ‪،‬‬
‫فسـمى ال تعال عمـل الؤمنيـ له على رجاء مـا أعـد لمـ مـن الثواب‬
‫قرضًا ؛ لن م يعملون لطلب ثوا به ‪ .‬قال الك سائي ‪ :‬القرض ما أ سلفت‬
‫من عمل صال أو سيء ‪ .‬وروى ابن أب حات عن ابن مسعود قال ‪ ( :‬لا‬
‫نزلت ‪ ﴿ :‬مّن ذَا الّذِي ُيقْرِ ضُ اللّ هَ قَرْضا حَ سَنا َفيُضَا ِعفَ هُ لَ هُ ﴾ ‪ .‬قال أبو‬
‫الدحداح النصـاري ‪ :‬يـا رسـول ال ‪ ،‬وإن ال عـز وجـل لييـد منـا‬
‫القرض ؟ قال ‪ « :‬نعم يا أبا الدحداح » ‪ .‬قال ‪ :‬أرن يدك يا رسول ال‬
‫الزء الول‬ ‫‪284‬‬

‫‪ .‬قال ‪ :‬فناوله يده قال ‪ :‬فإن قد أقرضت رب عز وجل حائطي ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وحائط له ف يه ستمائة نلة ‪ ،‬وأم الدحداح ف يه وعيال ا ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاء أ بو‬
‫الدحداح فناد ها ‪ :‬يا أم الدحداح ‪ .‬قالت ‪ :‬لب يك ‪ .‬قال ‪ :‬اخر جي ف قد‬
‫أقرضته رب عز وجل ) ‪.‬‬
‫ط َوإِلَيْ هِ ُترْ َجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬روى ا بن‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ يَ ْقبِ ُ‬
‫ض َوَيبْ سُ ُ‬
‫جرير وغيه عن أنس بن مالك قال ‪ :‬غل السعر على عهد رسول ال‬
‫فقالوا ‪ :‬يا رسول ال غل السعر ‪ ،‬فسعّر لنا ؟ فقال رسول ال ‪ « :‬إن‬
‫ال البا سط القا بض الرازق ‪ ،‬وإ ن لر جو أن أل قى ال ل يس أ حد يطلب ن‬
‫بظلمة ف نفس ومال » ‪.‬‬
‫ل مِن بَنِي إِ ْسرَائِي َل مِن َب ْعدِ مُوسَى‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَمْ َت َر ِإلَى الْمَ ِ‬
‫ث لَنَا مَلِكا ّنقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه قَا َل َهلْ عَ سَيُْتمْ‬
‫ِإذْ قَالُوْا لِنَبِيّ لّهُ مُ اْبعَ ْ‬
‫إِن كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ُم الْقِتَالُ أَل تُقَاتِلُوْا قَالُوْا َومَا لَنَا أَل ُنقَاِتلَ فِي سَبِيلِ اللّ هِ‬
‫َوقَ ْد أُ ْخ ِرجْنَا مِن دِيَا ِرنَا َوَأبْنَآئِنَا فَ َلمّا ُكتِ بَ عَلَ ْيهِ ُم الْقِتَالُ َت َولّ ْواْ إِل قَلِيلً‬
‫مّ ْنهُ ْم وَال ّلهُ عَلِي ٌم بِالظّالِمِيَ (‪. ﴾ )246‬‬
‫قال وهب بن منبه وغيه ‪ :‬كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلم‬
‫على طريق الستقامة مدة من الزمان ‪ ،‬ث أحدثوا الحداث وعبد بعضهم‬
‫الصنام ‪ ،‬ول يزل بي أظهرهم من النبياء من يأمرهم بالعروف وينهاهم‬
‫عن النكر ‪ ،‬ويقيمهم على منهج التوراة إل أن فعلوا ما فعلوا ‪ ،‬فسلّط ال‬
‫عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ‪ ،‬وأسروا منهم خلقًا عظيمًا ‪،‬‬
‫وأخذوا منهـم بلدًا كثية ‪ ،‬واسـتلبوا منهـم التابوت الذي كان موروث ًا‬
‫للفهم عن سلفهم ‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إل أن قال ‪ :‬فأوحـى ال إل شويـل وأمره بالدعوة إليـه وتوحيده ‪،‬‬


‫فد عا ب ن إ سرائيل فطلبوا م نه أن يق يم ل م ملكًا يقاتلون م عه أعداء هم ‪،‬‬
‫وكان اللك قد باد في هم ‪ ،‬فقال ل م النب ‪ :‬فهل عسيتم إن أقام ال لكم‬
‫ملكًا أن ل تقاتلوا وتفوا ب ا التزم تم من القتال م عه ؟ قالوا ‪ :‬و ما ل نا أل‬
‫نقاتل ف سبيل ال وقد أخرجنا من ديارنا وأبناءنا ‪ ،‬أي ‪ :‬وقد أخذت منا‬
‫البلد وسبيت الولد ‪.‬‬
‫ل ّمْنهُ ْم وَاللّ هُ‬ ‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬فَلَمّا ُكتِ َ‬
‫ب عََلْيهِ ُم اْل ِقتَالُ َتوَّل ْواْ إِل َقلِي ً‬
‫عَلِي ٌم بِالظّالِمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما وفوا با وعدوا بل نكل عن الهاد أكثرهم‬
‫وال عليم بم ‪.‬‬
‫ث لَكُ مْ طَالُو تَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَا َل َلهُ ْم نَبِّيهُ مْ إِنّ اللّ هَ َق ْد َبعَ َ‬
‫ك مِنْهُ َولَمْ ُيؤْتَ‬
‫مَلِكا قَاُل َواْ َأنّى َيكُو ُن لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا َونَحْ ُن أَ َحقّ بِالْمُلْ ِ‬
‫سَ َع ًة مّ نَ الْمَا ِل قَا َل إِنّ اللّ هَ ا صْ َطفَاهُ عَلَ ْيكُ مْ وَزَادَ هُ بَ سْطَ ًة فِي اْلعِلْ مِ‬
‫س ِم وَال ّلهُ ُي ْؤتِي مُ ْلكَ ُه مَن َيشَا ُء وَال ّل ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )247‬‬
‫جْ‬‫وَالْ ِ‬
‫قال قتادة ‪ :‬بعث ال طالوت ملكًا ‪ ،‬وكان من سبط بنيامي سبط ل‬
‫يكن فيهم ملكة ول نبوة ‪ ،‬وكان ف بن إسرائيل سبطان ‪ :‬سبط نبوة ‪،‬‬
‫وسبط ملكة ‪ ،‬وكان سبط النبوة سبط لوى إليه موسى ‪ ،‬وسبط الملكة‬
‫يهوذا إليه داود وسليمان ‪ ،‬فلما بعث من غي النبوة والملكة أنكروا ذلك‬
‫‪ ،‬وعجبوا م نه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أ ن يكون له اللك علي نا ! ؟ ول يس من سبط‬
‫النبوة ول من سبط المل كة ؟ فقال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَا ُه عََلْيكُ ْم وَزَادَ هُ‬
‫س ِم وَاللّ ُه ُي ْؤتِي مُ ْلكَ ُه مَن يَشَا ُء وَاللّ ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫بَسْ َطةً فِي اْلعِلْ ِم وَالْجِ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪286‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَا َل َلهُ ْم نِبِّيهُمْ إِنّ آَي َة مُ ْلكِهِ أَن َي ْأتِيَكُمُ التّابُوتُ‬
‫حمِلُ هُ‬
‫فِي هِ َسكِيَنةٌ مّ ن ّرّبكُ ْم َوبَقِّيةٌ مّمّ ا َترَ كَ آ ُل مُو سَى وَآلُ هَارُو َن تَ ْ‬
‫الْمَلِئكَ ُة إِ ّن فِي َذِلكَ ليَ ًة ّلكُ ْم إِن كُنتُم ّمؤْمِنِيَ (‪. ﴾ )248‬‬
‫قال قتادة ‪ ﴿ :‬فِي هِ َسكِيَنةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وقار ‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬ما تعرفون‬
‫من آيات ال فتسكنون إليه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَب ِقّيةٌ مّمّا َترَ كَ آ ُل مُو سَى وَآلُ هَارُو نَ ﴾ ‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬عصا موسى ورضاض اللواح ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬جاءت اللئكة‬
‫تمـل التابوت بيـ السـماء والرض ‪ ،‬حتـ وضعتـه بيـ يدي طالوت‬
‫والناس ينظرون ‪.‬‬
‫ت بِالْجُنُو ِد قَا َل إِنّ اللّ َه مُبْتَلِيكُم‬
‫صلَ طَالُو ُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَلَمّا فَ َ‬
‫س مِنّي َومَن لّ ْم يَ ْطعَمْ ُه َفإِنّهُ مِنّي إِل مَنِ اغَْترَفَ‬
‫ب مِنْ ُه فَلَيْ َ‬
‫بَِنهَ ٍر فَمَن َشرِ َ‬
‫ل مّ ْنهُ ْم فَلَمّا جَاوَزَ ُه هُ َو وَاّلذِي نَ آمَنُواْ َمعَ هُ‬
‫ش ِربُواْ مِنْ هُ إِل قَلِي ً‬
‫ُغ ْر َفةً بَِيدِ هِ َف َ‬
‫لقُو‬
‫قَالُواْ لَ طَا َقةَ لَنَا الَْيوْ َم بِجَالُو تَ َوجُنودِ هِ قَالَ اّلذِي نَ يَظُنّو َن أَّنهُم مّ َ‬
‫يةً بِِإذْ نِ اللّ ِه وَاللّ هُ مَ َع ال صّابِرِينَ (‬
‫ت فَِئةً كَِث َ‬
‫اللّ هِ كَم مّن فَِئةٍ قَلِي َلةٍ َغلَبَ ْ‬
‫‪. ﴾ )249‬‬
‫روى البخاري عن الباء بن عازب قال ‪ ( :‬كنا نتحدث أن أصحاب‬
‫ممد الذين كانوا معه يوم بدر ثلثائة وبضعة عشر على عدة أصحاب‬
‫طالوت الذ ين جاوزوا م عه الن هر ‪ ،‬و ما جازه م عه إل مؤ من ) ‪ .‬قال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬فل ما ف صل طالوت بالنود غازيًا إل جالوت ‪ ،‬قال طالوت لب ن‬
‫‪287‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إسرائيل ‪ :‬إن ال مبتليكم بنهر ‪ ،‬قال ‪ :‬هو نر بي الردن وفلسطي ‪ ،‬نر‬


‫عذب الاء طيبه ‪.‬‬
‫س ِمنّي َومَن لّ مْ يَ ْطعَمْ هُ فَِإنّ هُ ِمنّي‬ ‫وقال قتادة ‪ ﴿ :‬فَمَن َشرِ َ‬
‫ب ِمنْ هُ َفَليْ َ‬
‫ِهـ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬كان الكفار يشربون فل يروون ‪،‬‬ ‫َفـ غُرَْف ًة ِبيَد ِ‬
‫َنـ اغْتَر َ‬
‫إِل م ِ‬
‫وكان السـلمون يغترفون غرفـة فتجزيهـم ذلك ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬لاـ‬
‫جاوزه هـو والذيـن آمنوا معـه ‪ ،‬قال الذيـن شربوا ‪ :‬ل طاقـة لنـا اليوم‬
‫بالوت وجنوده ‪ .‬وقال ال سدي ‪ :‬عب مع طالوت الن هر من بن إسرائيل‬
‫أربعـة آلف ‪ ،‬فلمـا جاوزه هـو والذيـن آمنوا معـه فنظروا إل جالوت‬
‫رجعوا أيضًا ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ل طاقـة لنـا اليوم بالوت وجنوده ‪ .‬فرجـع عنـه‬
‫أيضًا ثل ثة آلف و ستمائة وبض عة وثانون ‪ .‬وخلص ف ثلثائة وبض عة‬
‫عشر عدة أهل بدر ‪.‬‬
‫وقال بعض هم ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬فََلمّ ا جَاوَزَ ُه ُه َو وَالّذِي نَ آ َمنُوْا َمعَ هُ‬
‫ت وَجُنودِ هِ قَا َل الّذِي َن يَ ُظنّو نَ َأّنهُم ّملَقُو اللّ ِه‬‫قَالُواْ َل طَاَقةَ َلنَا اْليَوْ مَ بِجَالُو َ‬
‫﴾ ‪ ،‬هم العلماء من القل يل ‪ ﴿ :‬كَم مّ ن ِفَئةٍ َقلِيَل ٍة غََلبَ تْ ِفَئةً َكثِيَ ًة بِإِذْ نِ‬
‫اللّ ِه وَاللّهُ مَ َع الصّابِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَمّ ا َبرَزُوْا لِجَالُو تَ َوجُنُودِ هِ قَالُواْ َربّنَا َأفْرِ غْ‬
‫ِينـ (‪)250‬‬
‫ْمـ الْكَا ِفر َ‬
‫َانصـرْنَا عَلَى اْل َقو ِ‬
‫ّتـ َأ ْقدَامَن َا و ُ‬
‫صـبْرا َوثَب ْ‬
‫عَلَيْن َا َ‬
‫حكْ َمةَ‬
‫ك وَالْ ِ‬
‫ت وَآتَا هُ اللّ هُ الْمُلْ َ‬
‫َفهَ َزمُوهُم ِبِإذْ ِن اللّ هِ وَقََت َل دَاوُودُ جَالُو َ‬
‫سدَتِ الَرْ ضُ‬
‫ض ّلفَ َ‬
‫ضهُ ْم بَِبعْ ٍ‬
‫وَعَلّمَ هُ مِمّا َيشَا ُء َوَلوْ َل َدفْ ُع اللّ ِه النّا سَ َبعْ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪288‬‬

‫ضلٍ عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪ )251‬تِلْ كَ آيَا تُ اللّ هِ نَتْلُوهَا‬


‫وَلَ ـ ِكنّ اللّ هَ ذُو فَ ْ‬
‫ح ّق َوإِّنكَ لَ ِمنَ الْ ُم ْرسَلِيَ (‪. ﴾ )252‬‬
‫ك بِالْ َ‬
‫عَلَ ْي َ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَلَمّا بَ َرزُواْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬طالوت ومن معه من الؤمني‬
‫صبْرا َوَثبّ تْ أَقْدَامَنَا وَان صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ مِ‬
‫غ عََليْنَا َ‬
‫للعدو ﴿ قَالُواْ َربّنَا أَفْرِ ْ‬
‫ـ وََقتَلَ دَاوُودُ‬‫ـ اللّه ِ‬ ‫ـ * َفهَ َزمُوهُـم ﴾ ‪ ،‬كسـروهم ‪ ﴿ ،‬بِإِذْن ِ‬ ‫الْكَافِرِين َ‬
‫ـ ﴾ وكان طالوت وعده أن يزوجـه ابنتـه إن قتـل جالوت ‪،‬‬ ‫جَالُوت َ‬
‫ويشر كه ف أمره ‪ ،‬في ما قال و هب ‪ .‬فآل اللك إل داود ‪ ﴿ ،‬وَآتَا هُ اللّ هُ‬
‫حكْ َمةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬النبوة بعـد‬ ‫الْمُلْكَـ ﴾ ‪ ،‬الذي كان بيـد طالوت ‪ ﴿ ،‬وَالْ ِ‬
‫َهـ مِمّاـ يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬مـن صـنعة الدروع وغيـ ذلك ‪،‬‬ ‫شويـل ‪َ ﴿ ،‬وعَلّم ُ‬
‫ت الَرْضُ ﴾ ‪ ،‬كما قال‬
‫ضهُمْ ِبَبعْضٍ ّلفَسَدَ ِ‬
‫س َبعْ َ‬
‫﴿ وََلوْلَ دَ ْفعُ اللّ ِه النّا َ‬
‫صوَامِ ُع َوبِيَ ٌع‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْل دَفْ عُ اللّهِـ النّا سَ َب ْعضَهُم ِبَبعْ ضٍ ّل ُه ّدمَ تْ َ‬
‫وَصََلوَاتٌ َومَسَاجِ ُد يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ َكثِيا وََليَنصُ َرنّ اللّ ُه مَن يَنصُ ُرهُ ِإنّ‬
‫اللّهَ َل َقوِيّ عَزِيزٌ * الّذِينَ إِن ّم ّكنّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصّل َة وَآَتوُا الزّكَاةَ‬
‫ف َوَن َهوْا عَ ِن الْمُنكَ ِر وَلِلّ ِه عَاِقَبةُ ا ُلمُورِ ﴾ ‪.‬‬‫َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫و عن ما هد ‪ :‬ولول دفاع ال بالب عن الفا جر ‪ ،‬وببق ية أخلق الناس‬
‫بعضهم عن بعض ؛ للك أهلها ‪ .‬وقال علي رضي ال عنه ‪ :‬لول بقية من‬
‫ال سلمي في كم للك تم ‪ .‬و عن ا بن ع مر قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬إن‬
‫ال ليد فع بالؤ من ال صال عن مائة ب يت من جيا نه البلء » ‪ ،‬ث قرأ ا بن‬
‫ت الَ ْرضُ ﴾ ‪.‬‬ ‫ضهُ ْم ِببَ ْعضٍ ّلفَسَدَ ِ‬‫عمر ‪ ﴿ :‬وََلوْلَ دَفْعُ اللّ ِه النّاسَ َب ْع َ‬
‫ي أن ا عا مة ف يه‬ ‫وأك ثر كلم الف سرين على أن ال ية ف الهاد ‪ ،‬ولد ّ‬
‫و ف غيه ‪ ،‬وأ سند للش يخ ع بد الرح ن أن ا عا مة ‪ ،‬وهذا نص كل مه ‪،‬‬
‫‪289‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ‪ ( :‬و من ذلك ما ذكرت ف آ ية البقرة ‪ ﴿ :‬وََلوْلَ دَ ْف عُ اللّ ِه النّا َ‬


‫س‬
‫ت الَرْضُ ﴾ ‪ ،‬وأن كلم الفسرين يدور على الهاد‬ ‫ضهُ ْم ِبَبعْضٍ ّلفَسَدَ ِ‬
‫َبعْ َ‬
‫ف قط ‪ ،‬وظن كم أن ا عا مة ‪ ،‬ف هو ك ما ظنن تم ؛ لن ال عبة بعموم الل فظ ‪،‬‬
‫وعموم الع ن ل ب صوص ال سبب ‪ ،‬والهاد جزء من أمور كثية ي صل‬
‫فيها دفع الناس بعضهم ببعض ‪ .‬وإذا نزلتها على الواقع السابق واللحق ‪،‬‬
‫ورأيت السباب التعددة الت حصل با عن العباد مدافعات كثية ووقيات‬
‫من شرور ب صدد أن ت قع لول تلك ال سباب ‪ ،‬ل ت ضح لك أن ا عا مة ‪،‬‬
‫وأنا من أكب نعم ال على عباده وتام وقياته ‪ .‬وف الديث الصحيح ‪:‬‬
‫« إن ال ليؤيد هذا الرجل بالرجل الفاجر ‪ ،‬وبأقوام ل خلق لم » ‪ .‬عام‬
‫ف الهاد وغيه ‪ ،‬ونر جو ال تعال أن يل طف بال سلمي وأن يقي هم شر‬
‫الشرور الت يترقبها اللق كل ساعة ‪ ،‬ويقدر من ألطافه ما يدفع به عن‬
‫عباده الؤمني ‪ ،‬إنه جواد كري ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫فالظا هر أن الراد بقوله تعال ف هذه ال ية ‪ ﴿ :‬وََلوْلَ دَفْ عُ اللّ ِه النّا سَ‬
‫ت الَرْ ضُ ﴾ ‪ ،‬أ نه عام ف ج يع الناس م سلمهم‬ ‫ضهُ مْ بَِبعْ ضٍ ّلفَ سَدَ ِ‬
‫َبعْ َ‬
‫وكافرهم ‪ ،‬وأن دفع ال شر بعضهم ببعض من نعمه السابقة على خلقه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَـكِنّ اللّ هَ ذُو َفضْ ٍل عَلَى اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بدفع‬
‫بعضهم عن بعض ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تِلْكَـ آيَاتُـ اللّهِـَنتْلُوهَا عََليْكَـبِالْحَقّ َوِإنّكَـَلمِنَـ‬
‫الْمُرْ سَِليَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬تلك آيات ال الت اقتص فيها قصص من مضى ‪،‬‬
‫نتلوها عليك بالق اليقي ‪ ،‬وإنك يا ممد لن الرسلي ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪290‬‬

‫الدرس التاسع والعشرون‬

‫ض مّ ْنهُم مّن كَلّ َم اللّ ُه وَ َرفَ عَ‬


‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ٍ‬
‫﴿ تِلْ كَ الرّ ُسلُ فَضّلْنَا َبعْ َ‬
‫ح الْ ُقدُ سِ‬
‫َبعْضَهُ ْم دَ َرجَا تٍ وَآتَيْنَا عِي سَى ابْ َن َمرْيَ َم الْبَيّنَا تِ وََأّيدْنَا هُ ِبرُو ِ‬
‫وََل ْو شَاء اللّ ُه مَا اقْتََتلَ اّلذِي نَ مِن َب ْعدِهِم مّ ن َب ْعدِ مَا جَاءْتهُ مُ الْبَيّنَا تُ‬
‫وَلَـ ِكنِ اخْتَ َلفُوْا فَمِ ْنهُم ّمنْ آ َم َن َومِنْهُم مّن َك َف َر َولَ ْو شَاء ال ّلهُ مَا اقْتَتَلُواْ‬
‫ِينـ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ مِمّاـ‬
‫ّهـ يَ ْف َعلُ مَا ُيرِيدُ (‪ )253‬يَا أَيّهَا اّلذ َ‬
‫وَلَــ ِكنّ الل َ‬
‫رَ َزقْنَاكُم مّن قَ ْب ِل أَن يَ ْأتِ َي يَوْ ٌم ل بَ ْي ٌع فِيهِ َولَ خُ ّل ٌة وَ َل َشفَا َع ٌة وَاْلكَا ِفرُونَ‬
‫حيّ اْلقَيّو ُم لَ َت ْأخُذُ هُ سِنَةٌ‬
‫هُ ُم الظّالِمُو نَ (‪ )254‬اللّ ُه لَ ِإلَـ َه إِل ُهوَ الْ َ‬
‫شفَ عُ عِ ْندَ هُ‬
‫ض مَن ذَا اّلذِي َي ْ‬
‫وَ َل َنوْ ٌم لّ ُه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫إِل ِبِإذْنِ هِ َيعْلَ ُم مَا بَيْ َن أَْيدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُ مْ وَ َل يُحِيطُو َن ِبشَيْ ٍء مّ نْ عِ ْلمِ هِ‬
‫ض َو َل يَؤُودُ هُ ِحفْ ُظهُمَا َو ُهوَ‬
‫إِل بِمَا شَاء وَ سِعَ ُكرْ سِّيهُ ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ َ‬
‫الْعَ ِليّ اْلعَظِي مُ (‪ )255‬لَ إِ ْكرَا هَ فِي الدّي نِ قَد تّبَيّ نَ ال ّرشْ ُد مِ نَ اْلغَيّ فَمَ نْ‬
‫ك بِالْ ُع ْروَ ِة الْ ُوْثقَ َى لَ انفِ صَامَ‬
‫يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُو تِ َوُيؤْمِن بِاللّ هِ َف َقدِ ا سْتَ ْمسَ َ‬
‫خ ِرجُهُم مّ نَ‬
‫لَهَا وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‪ )256‬اللّ ُه َولِيّ الّذِي نَ آمَنُوْا يُ ْ‬
‫خ ِرجُوَنهُم مّ نَ‬
‫ت ِإلَى النّوُ ِر وَاّلذِي نَ َك َفرُوْا َأوْلِيَآؤُهُ مُ الطّاغُو تُ يُ ْ‬
‫الظّلُمَا ِ‬
‫ب النّا ِر هُ ْم فِيهَا خَاِلدُو نَ (‪)257‬‬
‫صحَا ُ‬
‫ك أَ ْ‬
‫النّو ِر ِإلَى الظّلُمَا تِ أُ ْولَ ـِئ َ‬
‫﴾‪.‬‬
‫***‬
‫‪291‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض مّ ْنهُم مّن‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ٍ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ الرّ سُ ُل فَضّلْنَا َبعْ َ‬
‫ت وََأّيدْنَاهُ‬
‫ضهُ ْم دَ َرجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْ َن َم ْريَ َم الْبَيّنَا ِ‬
‫كَلّ َم اللّ ُه وَ َرفَ َع َبعْ َ‬
‫ِينـ مِن َب ْعدِهِم مّنـ َب ْعدِ مَا‬
‫ّهـ مَا اقْتََتلَ اّلذ َ‬
‫ُسـ وََلوْ شَاء الل ُ‬
‫ُوحـ اْل ُقد ِ‬
‫ِبر ِ‬
‫جَاءْتهُ ُم الْبَيّنَا تُ َولَـ ِكنِ اخْتَ َلفُوْا فَمِ ْنهُم مّ نْ آمَ نَ َومِ ْنهُم مّن َك َفرَ َوَلوْ‬
‫شَاء ال ّلهُ مَا اقْتَتَلُوْا َولَـ ِكنّ ال ّل َه َيفْ َع ُل مَا ُيرِيدُ (‪. ﴾ )253‬‬
‫قال ما هد ‪ :‬ف قول ال تعال ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ الرّ سُلُ َفضّلْنَا َب ْع َ‬
‫ضهُ ْم عَلَى‬
‫ضهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ قال ‪ :‬يقول ‪ :‬منهم من‬
‫ض ّمْنهُم مّن كَلّمَ اللّ ُه وَرََف َع َبعْ َ‬
‫َبعْ ٍ‬
‫كلم ال ورفـع بعضهـم على بعـض درجات ‪ .‬يقول ‪ :‬كلم ال موسـى ‪،‬‬
‫وأرسل ممدًا إل الناس كافّة ‪.‬‬
‫ُوحـ‬
‫َاهـ ِبر ِ‬
‫َاتـ َوَأيّ ْدن ُ‬
‫َمـ الَْبّين ِ‬ ‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَآَتيْن َا عِيسـَى اب َ‬
‫ْنـ َم ْري َ‬
‫الْقُدُ سِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وآتينا عيسى بن مري الجج ‪ ،‬والدلة على نبوته من‬
‫إبراء الكمه ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬وإحياء الوتى ‪ ،‬وما أشبه ذلك مع النيل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَيّ ْدنَا ُه بِرُو ِ‬
‫ح اْلقُدُسِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬وقويناه بروح ال ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬جبيل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ شَاء اللّ ُه مَا ا ْقتَتَ َل الّذِي َن مِن َبعْدِهِم مّ ن َبعْ ِد مَا‬
‫جَاءْتهُ ُم اْلبَّينَاتُ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬من بعد موسى وعيسى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَـكِنِ ا ْختََلفُواْ فَ ِمْنهُم مّنْ آمَ َن َو ِمْنهُم مّن َكفَ َر وََلوْ‬
‫شَاء اللّ ُه مَا اقَْتتَلُواْ وَلَ ـكِنّ اللّ َه َي ْفعَ ُل مَا يُرِيدُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يو فق من يشاء‬
‫بفضله ورحتـه ‪ ،‬ويذل مـن يشاء بعدله وحكمتـه ‪ ،‬وله الجـة البالغـة‬
‫جعَ َل النّاسَ‬
‫والكمة التامة ‪ ،‬وهذه الية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََل ْو شَاء َربّكَ لَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪292‬‬

‫ك وَلِذَلِ كَ خََل َقهُ ْم َوتَمّ تْ‬


‫ختَِلفِيَ إِل مَن رّحِ مَ َربّ َ‬
‫ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة وَ َل يَزَالُو َن مُ ْ‬
‫جّنةِ وَالنّاسِ أَ ْج َمعِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫كَلِ َمةُ َربّكَ َلمْلنّ َج َهنّمَ مِنَ الْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ مِمّا َر َزقْنَاكُم مّن قَ ْبلِ‬
‫أَن يَ ْأتِ يَ َيوْ ٌم ل بَيْ ٌع فِي هِ َولَ خُلّ ٌة وَ َل َشفَا َع ٌة وَاْلكَا ِفرُو نَ هُ ُم الظّالِمُو نَ (‬
‫‪. ﴾ )254‬‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُوْا مِمّا َرزَ ْقنَاكُم ﴾‬
‫قال ‪ :‬من الزكاة والتطوع ‪ ﴿ ،‬مّ ن َقبْلِ أَن يَ ْأتِ يَ َيوْ مٌ ل َبيْ عٌ فِي ِه وَلَ خُّل ٌة‬
‫وَلَ َشفَا َعةٌ ﴾ قال قتادة ‪ :‬قد علم ال أن ناسًا يتحابون ف الدنيا ‪ ،‬ويشفع‬
‫بعضهم لبعض ‪ ،‬فأما يوم القيامة فل خلة إل خلة التقي ‪.‬‬
‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لنمـ وضعوا‬
‫ُمـ الظّاِلم َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاْلكَافِر َ‬
‫ُونـ ه ُ‬
‫العبادة ف غي موضعها ‪ .‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الشّرْ كَ لَظُلْ مٌ عَظِي مٌ ﴾ ‪،‬‬
‫ـ هُم ـُ‬
‫ـد ل الذي قال ‪ ﴿ :‬وَالْكَاِفرُون َ‬ ‫ـن دينار ‪ :‬المـ‬‫قال عطاء ‪ :‬بـ‬
‫الظّالِمُونَ ﴾ ول يقل والظالون هم الكافرون ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اللّ ُه لَ إِلَـهَ إِل ُه َو الْحَيّ اْلقَيّو ُم َل َتأْ ُخذُ هُ سَِنةٌ‬
‫شفَ عُ عِ ْندَ هُ‬
‫ض مَن ذَا اّلذِي َي ْ‬
‫وَ َل َنوْ ٌم لّ ُه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫إِل ِبِإذْنِ هِ َيعْلَ ُم مَا بَيْ َن أَْيدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُ مْ وَ َل يُحِيطُو َن ِبشَيْ ٍء مّ نْ عِ ْلمِ هِ‬
‫ض َو َل يَؤُودُ هُ ِحفْ ُظهُمَا َو ُهوَ‬
‫إِل بِمَا شَاء وَ سِعَ ُكرْ سِّيهُ ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ َ‬
‫الْعَ ِليّ اْلعَظِيمُ (‪. ﴾ )255‬‬
‫عن أب بن كعب ‪ ( :‬أن النب سأله ‪ « :‬أي آية ف كتاب ال أعظم‬
‫» ؟ قال ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ .‬فرددها مرارًا ث قال ‪ :‬أبّ ‪ :‬آية الكرسي ‪.‬‬
‫‪293‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ‪ « :‬ليه نك العلم أ با النذر » ‪ .‬رواه م سلم وغيه ‪ .‬و ف حد يث أ ب‬


‫هريرة عنـد البخاري فـ قصـة الشيطان الذي سـرق مـن الصـدقة قال ‪:‬‬
‫( فرصدته الثالثة ‪ ،‬فجاء يثو من الطعام ‪ ،‬فأخذته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لرفعنك إل‬
‫رسول ال ‪ ،‬وهذا آخر ثلث مرات إنك تزعم أنك ل تعود ث تعود ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬دعن أعلمك كلمات ينفعك ال با ‪ .‬قلت ‪ :‬وما هي ؟ قال إذا‬
‫حيّ اْل َقيّومُ‬
‫أويت إل فراشك فاقرأ آية الكرسي ‪ ﴿ :‬اللّهُ لَ إِلَـهَ إِل ُهوَ الْ َ‬
‫﴾ ح ت ت تم ال ية ‪ ،‬فإ نك لن يزال عل يك من ال حا فظ ‪ ،‬ول يقر بك‬
‫شيطان حت تصبح ‪ ،‬فخليّت سبيله ‪ ،‬فأصبحت فقال ل رسول ال ‪:‬‬
‫« ما ف عل أ سيك البار حة » ؟ قلت ‪ :‬يا ر سول ال إ نه ز عم أ نه يعلم ن‬
‫كلمات ينفع ن ال ب ا ‪ ،‬فخل يت سبيله ‪ ،‬قال ‪ « :‬ما هي » ؟ قال ‪ :‬قال‬
‫ل ‪ :‬إذا أويت إل فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولا حت تتم الية ‪﴿ :‬‬
‫ّومـ ﴾ وقال ل ‪ :‬لن يزال عليـك مـن ال‬ ‫ّهـ لَ إِلَــهَ إِل ُه َو الْحَيّ اْلقَي ُ‬
‫الل ُ‬
‫حافظ ول يقربك شيطان حت تصبح ‪ .‬فقال النب ‪ « :‬أما إنه صدقك‬
‫وهو كذوب » ‪ .‬وروى أبو داود وغيه عن أساء بنت يزيد بن السكن‬
‫قالت ‪ :‬سعت رسول ال يقول ف هاتي اليتي ‪ ﴿ :‬اللّ هُ لَ إِلَـهَ إِل‬
‫حيّ اْل َقيّومُ ﴾ ‪ « :‬إن‬ ‫حيّ اْلقَيّومُ ﴾ و ﴿ ال * اللّهُ لَ إِلَـهَ إِل ُهوَ الْ َ‬ ‫ُهوَ الْ َ‬
‫فيها اسم ال العظم » ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وهذه الية مشتملة على عشر جل مستقلة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬اللّهُ لَ إِلَـهَ إِل ُهوَ الْ َ‬
‫حيّ اْل َقيّومُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير يقول ‪ :‬ال الذي له عبادة اللق ‪ ،‬الي القيوم ‪ ،‬ل إله‬
‫سواه ‪ :‬ل معبود سواه ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ول تعبدوا شيئًا سواه ‪ ﴿ ،‬الْحَيّ اْل َقيّو مُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪294‬‬

‫﴾ الذي ل تأ خذ سنة ول نوم ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ال يّ حي ل يوت ‪ .‬وقال‬


‫ماهد ‪ :‬القيوم القائم على كل شيء ‪ .‬وقال الربيع ‪ :‬القوم قيم كل شيء‬
‫يكلؤه ويرزقه ويفظه ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬الي القيوم ‪ :‬القائم الدائم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لَ َتأْخُذُ هُ ِسَنةٌ وَ َل َنوْ مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬ال ّ‬
‫سنَة ‪:‬‬
‫النعاس ‪ .‬والنوم هو ‪ :‬النوم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لّ ُه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ‬
‫ض مَن ذَا الّذِي‬
‫شفَ ُع ِعنْدَهُ إِل بِِإ ْذنِهِ ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكَم مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل ُتغْنِي َشفَا َعُتهُمْ َشيْئا إِل مِن َبعْدِ أَن يَأْ َذنَ اللّهُ لِمَن يَشَا ُء َويَرْضَى ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَعَْل ُم مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ مْ وَلَ يُحِيطُو نَ بِ َ‬
‫شيْءٍ‬
‫مّ ْن عِ ْلمِ هِ إِل بِمَا شَاء ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يعلم من بي أيديهم ما مضى من‬
‫الدن يا ‪ ،‬و ما خلف هم من الخرة ‪ .‬وقال الكل ب ‪ ﴿ :‬مَا َبيْ نَ أَيْدِيهِ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫يع ن ‪ :‬الخرة ‪ ،‬لن م يقدمون علي ها ‪ ﴿ .‬وَمَا خَ ْل َفهُ مْ ﴾ ‪ ،‬من الدن يا ‪،‬‬
‫شيْءٍ مّن ْـ عِلْمِهِـ ﴾ ‪،‬‬ ‫لنمـ يلفوناـ ‪ .‬وقال السـدي ‪ ﴿ :‬وَ َل يُحِيطُونَـبِ َ‬
‫يقول ‪ :‬ل يعلمون بشيء من علمه إل با شاء هو أن يعلمهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ سِعَ كُرْ ِسيّهُ ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضَ ﴾ ‪ ،‬اختلفوا ف‬
‫الكر سي ‪ ،‬فقال ال سن ‪ :‬هو العرش نف سه ‪ .‬وقال أ بو هريرة ر ضي ال‬
‫عنه ‪ :‬الكرسي موضوع أمام العرش ‪ .‬وف بعض الخبار ‪ :‬أن السماوات‬
‫والرض ف جنب الكرسي كحلقة ف فلة ‪ .‬والكرسي ف جنب العرش‬
‫كحلقة ف فلة ‪ .‬ويُروى عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن السماوات‬
‫السبع والرضي السبع ف الكرسي كدراهم سبعة ألقيت ف ترس ‪ .‬وقوله‬
‫‪295‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َيؤُودُ هُ ِحفْ ُظهُمَا ﴾ قال ا بن عباس ‪ :‬ل يث قل عل يه ‪ .‬وقال‬


‫قتادة ‪ :‬ل يهده حفظهما ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ ُه َو اْلعَِليّ اْلعَظِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ اْلعَلِي ّ ﴾ ‪ :‬الرفيـع فوق خلقـه والتعال عـن‬
‫الشباه والنداد ‪ .‬وق يل ‪ :‬العلي باللك وال سلطنة ‪ ،‬العظ يم ال كبي ‪ :‬الذي‬
‫ِيمـ‬
‫ل شيـء أعظـم منـه ‪ .‬وقال ابـن كثيـ ‪ :‬فقوله ‪َ ﴿ :‬و ُه َو اْلعَلِيّ الْعَظ ُ‬
‫﴾ كقوله ‪ ﴿ :‬الْ َكبِيُ الْ ُمتَعَالِ ﴾ ‪ ،‬وهذه اليات ومـا فـ معناهـا مـن‬
‫الحاد يث ال صحاح الجود في ها طري قة ال سلف ال صال ‪ :‬إمرار ها ك ما‬
‫جاءت من غي تكييف ول تشبيه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ل إِ ْكرَاهَ فِي الدّي ِن قَد تّبَيّ َن الرّ ْشدُ مِ َن الْ َغيّ فَمَنْ‬
‫ك بِالْ ُع ْروَ ِة الْ ُوْثقَ َى لَ انفِ صَامَ‬
‫يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُو تِ َوُيؤْمِن بِاللّ هِ َف َقدِ ا سْتَ ْمسَ َ‬
‫َلهَا وَال ّل ُه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )256‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬كا نت الرأة تكون مقلة ‪ ،‬فتج عل على نف سها إن‬
‫عاش لاـ ولد أن تودّه ‪ .‬فلمـا أجليـت بنـ النضيـ كان فيهـم مـن أبناء‬
‫َاهـ ف ِي‬
‫النصـار ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل ندع أبناءنـا ‪ .‬فأنزل ال تعال ‪ ﴿ :‬لَ إِكْر َ‬
‫الدّي نِ قَد ّتبَيّ نَ ال ّرشْ ُد مِ نَ الْ َغيّ ﴾ ‪ .‬وقال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬لَ إِكْرَا هَ فِي‬
‫الدّينِـ ﴾ قال ‪ :‬هـو هذا اليـ مـن العرب ‪ ،‬أكرهوا على الديـن ل يقبـل‬
‫منهـم إل القتـل ‪ ،‬أو السـلم ‪ .‬وأهـل الكتاب قبلت منهـم الزيـة ‪ ،‬ول‬
‫يقتلوا ‪ .‬وقال الضحاك ‪ ( :‬أ مر ر سول ال أن يقا تل جزيرة العرب من‬
‫أ هل الوثان ‪ ،‬فلم يق بل من هم إل ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬أو ال سيف ‪ .‬ث أ مر‬
‫الزء الول‬ ‫‪296‬‬

‫في من سواهم بأن يق بل من هم الز ية ‪ .‬فقال ‪ ﴿ :‬لَ إِكْرَا هَ فِي الدّي نِ قَد‬
‫ّتبَيّنَ ال ّرشْ ُد مِ َن اْل َغيّ ﴾‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فمَن ْـَي ْكفُ ْر بِالطّاغُوتِـ َوُيؤْمِن بِاللّهِـ َفقَ ِد اس ْتَ‬
‫ـمْسَكَ‬
‫بِاْلعُ ْر َوةِ اْل ُوثْ َقىَ لَ انفِ صَامَ لَهَا وَاللّ هُ سَمِي ٌع عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد وغيه ‪:‬‬
‫الطاغوت ‪ :‬الشيطان ‪ .‬وقال أبو العالية ‪ :‬الطاغوت ‪ :‬الساحر ‪ .‬وقال أبو‬
‫الزبيـ ‪ :‬سـئل جابر بـن عبـد ال عـن الطواغيـت التـ كانوا يتحاكمون‬
‫إلي ها ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان ف جهي نة وا حد ‪ ،‬و ف أ سلم وا حد ‪ ،‬و ف كل حي‬
‫واحد ‪ ،‬وهي كهان ينل عليها الشيطان ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬والصـواب أنـه كـل ذي طغيان على ال فعبـد مـن‬
‫دو نه ‪ ،‬إ ما بق هر م نه ل ن عبده ‪ ،‬وإ ما لطا عة م ن عبده إن سانًا كان ذلك‬
‫العبود ‪ ،‬أو شيطانًا ‪ ،‬أو وثنًا ‪ ،‬أو صنمًا ‪ ،‬أو كائنًا ما كان من شيء ‪.‬‬
‫ك بِاْلعُ ْروَ ِة اْل ُوثْ َقىَ‬ ‫وقال سـعيد بـن جـبي فـ قوله ‪َ ﴿ :‬فقَ ِد ْ‬
‫اسـتَمْسَ َ‬
‫﴾ قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ .‬وقال السدي ‪َ ﴿ :‬ل انفِصَامَ َلهَا ﴾ ل انقطاع لا‬
‫‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬ل غي ال ما بقوم حت يغيوا ما بأنفسهم ‪.‬‬
‫خ ِرجُهُم مّ نَ الظّ ُلمَا تِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اللّ هُ َولِيّ اّلذِي نَ آمَنُواْ يُ ْ‬
‫خ ِرجُونَهُم مّ َن النّو ِر ِإلَى‬
‫ِإلَى الّنوُ ِر وَاّلذِي نَ َك َفرُوْا َأوْلِيَآؤُهُ مُ الطّاغُو تُ يُ ْ‬
‫ت ُأوْلَـِئكَ أَصْحَابُ النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪. ﴾ )257‬‬
‫الظّلُمَا ِ‬
‫ّنـ‬
‫ِينـ آ َمنُوْا يُخْ ِرجُه ُم م َ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬الل ُ‬
‫ّهـ وَلِي ّ الّذ َ‬
‫الظّلُمَاتِ إِلَى الّنوُرِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬من الضللة إل الدى ‪ ﴿ ،‬وَالّذِينَ َكفَرُوْا‬
‫خرِجُوَنهُم مّ َن النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ‬
‫َأوْلِيَآ ُؤهُمُ الطّاغُوتُ ﴾ ‪ ،‬الشيطان ‪ ﴿ ،‬يُ ْ‬
‫‪297‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬مـن الدى إل الضللة ‪ .‬قال الضحاك ‪ :‬والظلمات ‪ :‬الكفـر‬


‫‪ .‬والنور ‪ :‬اليان ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪298‬‬

‫الدرس الثلثون‬

‫﴿ َألَ ْم َترَ إِلَى اّلذِي حَآجّ ِإْبرَاهِي َم فِي ِربّ ِه أَنْ آتَاهُ ال ّلهُ الْمُ ْلكَ ِإ ْذ قَالَ‬
‫ت قَالَ َأنَا ُأحْيِـي َوُأمِيتُ قَالَ ِإْبرَاهِيمُ‬
‫ِإبْرَاهِيمُ َربّيَ اّلذِي يُحْيِـي َويُمِي ُ‬
‫ق َفأْ تِ ِبهَا مِ َن الْ َم ْغرِ بِ فَُبهِ تَ اّلذِي‬
‫شرِ ِ‬
‫َفإِنّ اللّ هَ يَ ْأتِي بِالشّمْ سِ مِ نَ الْ َم ْ‬
‫ْمـ الظّالِمِي َ (‪ )258‬أَوْ كَاّلذِي َمرّ عَلَى َقرَْيةٍ‬
‫ّهـ َل َيهْدِي الْ َقو َ‬
‫َك َفرَ وَالل ُ‬
‫وَهِ َي خَا ِوَيةٌ َعلَى ُعرُو ِشهَا قَالَ َأّنىَ يُحْيِـي هَـ ِذهِ اللّ ُه َب ْعدَ َم ْوتِهَا َفَأمَاتَهُ‬
‫ت َيوْما َأوْ َبعْضَ َيوْ ٍم قَالَ بَل‬
‫اللّهُ مَِئةَ عَا ٍم ُثمّ َبعَثَهُ قَالَ كَ ْم لَبِثْ تَ قَالَ لَبِثْ ُ‬
‫ك لَ ْم يَتَ سَّنهْ وَان ُظرْ ِإلَى حِمَارِ كَ‬
‫ك وَ َشرَابِ َ‬
‫ت مَِئةَ عَا ٍم فَان ُظ ْر ِإلَى َطعَامِ َ‬
‫لّبِثْ َ‬
‫ف نُنشِ ُزهَا ُثمّ نَكْسُوهَا لَحْما‬
‫جعَلَكَ آَي ًة لّلنّاسِ وَانظُ ْر ِإلَى العِظَا مِ َكيْ َ‬
‫وَلِنَ ْ‬
‫فَلَمّ ا تَبَيّ نَ لَ ُه قَا َل أَعْلَ مُ أَنّ اللّ هَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )259‬وَِإ ْذ قَالَ‬
‫َمـ تُؤْمِن قَا َل بَلَى‬
‫ْفـ تُحْيِــي الْ َموْتَى قَالَ َأ َول ْ‬
‫ِيمـ رَبّ أَرِنِي كَي َ‬
‫ِإبْرَاه ُ‬
‫ك ُثمّ ا ْجعَلْ‬
‫صرْ ُه ّن ِإلَيْ َ‬
‫خ ْذ أَ ْرَبعَ ًة مّنَ الطّ ْي ِر فَ ُ‬
‫وَلَـكِن لّيَ ْطمَِئنّ قَلْبِي قَا َل فَ ُ‬
‫عَلَى ُك ّل جََبلٍ مّ ْن ُهنّ ُجزْءا ُثمّ ادْ ُع ُهنّ يَ ْأتِينَ كَ َسعْيا وَاعْلَ ْم أَنّ اللّ هَ َعزِيزٌ‬
‫حَكِيمٌ (‪. ﴾ )260‬‬
‫***‬
‫‪299‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي حَآجّ ِإْبرَاهِي َم فِي ِربّ ِه أَ نْ آتَا هُ‬
‫ت قَالَ َأنَا ُأحْيِـي‬
‫اللّ ُه الْمُلْ كَ ِإ ْذ قَا َل ِإبْرَاهِي مُ َربّ يَ اّلذِي يُحْيِـي َويُمِي ُ‬
‫ت ِبهَا مِ نَ‬
‫ق َفأْ ِ‬
‫شرِ ِ‬
‫س مِ َن الْ َم ْ‬
‫وَُأمِي تُ قَالَ إِْبرَاهِي مُ َفإِنّ اللّ َه َي ْأتِي بِالشّمْ ِ‬
‫ت اّلذِي َك َف َر وَال ّل ُه لَ َي ْهدِي اْلقَوْ َم الظّالِمِيَ (‪. ﴾ )258‬‬
‫الْ َمغْ ِربِ فَُبهِ َ‬
‫قال ما هد ف قول ال تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ ِإبْرَاهِي مَ فِي‬
‫ِربّهِ أَ ْن آتَاهُ اللّ ُه الْ ُملْكَ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬هو نرود بن كنعان ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وهو‬
‫أول ملك تب ف الرض ‪ ،‬وهو صاحب الصرح ببابل ‪.‬‬
‫حيِــي‬
‫ّيـ الّذِي يُ ْ‬ ‫وقال قتادة فـ قوله تعال ‪ ﴿ :‬إِذْ قَالَ ِإبْرَاه ُ‬
‫ِيمـ َرب َ‬
‫َويُمِي تُ قَالَ أَنَا أُ ْحيِ ـي َوُأمِي تُ ﴾ ‪ ،‬وذ كر ل نا أ نه د عا برجل ي فق تل‬
‫أحدهاـ ‪ ،‬واسـتحيا الخـر ‪ .‬فقال ‪ :‬أنـا أحيـي هذا ‪ ،‬أنـا أسـتحيي مـن‬
‫ّهـ يَأْتِي‬
‫شئت ‪ ،‬وأقتـل مـن شئت ‪ .‬قال إبراهيـم عنـد ذلك ‪ ﴿ :‬فَإِنّ الل َ‬
‫ت الّذِي َكفَ َر وَاللّ هُ لَ‬
‫ت بِهَا مِ َن الْ َمغْرِ بِ َفُبهِ َ‬
‫س مِ َن الْمَشْرِ قِ َفأْ ِ‬
‫بِالشّمْ ِ‬
‫َيهْدِي الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ ( :‬فُبهِتــَ الّذِي َكفَرَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تيــ ودهــش‬
‫وانقط عت حج ته وقال ا بن إ سحاق ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ َل َيهْدِي اْل َقوْ مَ الظّالِمِيَ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يهديهم ف الجة عند الصومة لا هم عليه من الضلل ) ‪.‬‬
‫ّهـ مِن َبعْ ِد مَا‬
‫ّونـ فِي الل ِ‬
‫ِينـ يُحَاج َ‬ ‫انتهـى ‪ .‬وهـو كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ض ٌة عِندَ َرّبهِم ْـ َوعََلْيهِ مْ َغضَبٌـ وََلهُم ْـ عَذَا بٌ‬
‫جُتهُ مْ دَا ِح َ‬
‫ـجِيبَ لَ هُ حُ ّ‬
‫اس ْتُ‬
‫شَدِيدٌ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪300‬‬

‫وقال السـدي ‪ :‬لاـ خرج إبراهيـم مـن النار أدخلوه على اللك ‪ ،‬ول‬
‫يكن قبل ذلك دخل عليه فكل مه وقال له ‪ :‬من ربك ؟ قال ‪ :‬ر ب الذي‬
‫ييـ وييـت ‪ .‬قال نرود ‪ :‬أنـا أحـي وأميـت ‪ .‬أنـا أدخـل أربعـة نفـر ‪،‬‬
‫فأدخل هم بيتًا فل يطعمون ول ي سقون ح ت هلكوا من الوع ‪ ،‬أطع مت‬
‫اثني وسقيتمهما فعاشا ‪ ،‬وتركت اثني فماتا ‪ .‬فعرف إبراهيم أن له قدرة‬
‫بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك ‪ .‬قال له إبراهيم ‪ :‬فإن رب الذي يأت‬
‫بالش مس من الشرق فأت ب ا من الغرب ‪ ،‬فب هت الذي ك فر ‪ .‬وقال إن‬
‫هذا إنسـان منون فأخرجوه أل ترون أنـه مـن جنونـه اجترأ على آلتكـم‬
‫فكسـرها ‪ ،‬وإن النار ل تأكله ‪ ،‬وخشـي أن يفتضـح فـ قومـه ‪ ،‬أعنـ‬
‫جتُنَا آتَْينَاهَا ِإبْرَاهِي َم عَلَى‬
‫نرود ‪ ،‬و هو قول ال تعال ذكره ‪َ ﴿ :‬وتِلْ كَ ُح ّ‬
‫َق ْومِ هِ ﴾ فكان يز عم أ نه رب ‪ ،‬وأ مر بإبراه يم فأخرج ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪:‬‬
‫فب عث ال عل يه بعو ضة فدخلت ف منخره فم كث أربعمائة سنة تضرب‬
‫رأ سه بالطارق ‪ ،‬وأر حم الناس به من ج ع يد يه ‪ ،‬وضرب با ما رأ سه‬
‫وكان جبارًا أربعمائة عام ‪ ،‬فعذبه ال أربعمائة سنة كملكه وأماته ال ‪.‬‬
‫ـ خَا ِوَيةٌ َعلَى‬
‫ـل ‪َ ﴿ :‬أوْ كَالّذِي َمرّ عَلَى َق ْرَيةٍ َوهِي َ‬
‫ـز وجـ‬
‫قوله عـ‬
‫ُعرُو ِشهَا قَالَ َأّنىَ يُحْيِـي هَـ ِذهِ اللّ ُه بَ ْع َد مَ ْوِتهَا َفَأمَاتَ هُ اللّ هُ مَِئةَ عَا ٍم ُثمّ‬
‫ت مَِئةَ عَا مٍ‬
‫ض يَوْ ٍم قَالَ بَل لّبِثْ َ‬
‫ت َيوْما َأوْ َبعْ َ‬
‫ت قَا َل لَبِثْ ُ‬
‫َبعَثَ ُه قَالَ كَ ْم لَبِثْ َ‬
‫جعَلَ كَ آَيةً‬
‫فَان ُظ ْر ِإلَى َطعَامِ كَ َو َشرَابِ كَ لَ مْ يَتَ سَّنهْ وَان ُظرْ ِإلَى حِمَارِ َك وَلِنَ ْ‬
‫ش ُزهَا ُثمّ َنكْ سُوهَا لَحْما فَلَمّا تَبَيّ نَ لَ هُ‬
‫ف نُن ِ‬
‫س وَان ُظ ْر إِلَى العِظَا مِ كَيْ َ‬
‫لّلنّا ِ‬
‫قَا َل أَعْ َلمُ أَنّ ال ّلهَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪. ﴾ )259‬‬
‫‪301‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوْ كَالّذِي مَ ّر عَلَى َق ْرَيةٍ ﴾ ‪ ،‬وهذه‬


‫الية مسوقة على الية الول ‪ .‬تقديره ‪ :‬أل تر إل الذي حاج إبراهيم ف‬
‫ر به ؟ و هل رأ يت كالذي مر على قر ية ؟ وق يل ‪ :‬تقديره ‪ :‬هل رأ يت‬
‫كالذي حاجّ إبراهيم ف ربه ؟ وهل رأيت كالذي مر على قرية ؟‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬تقدم قوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ ِإبْرَاهِي مَ‬
‫فِي ِربّهِ ﴾ وهو ف قوة ‪ ،‬قوله ‪ :‬هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم ف ربه‬
‫‪ .‬ولذا ع طف عل يه بقوله ‪َ ﴿ :‬أوْ كَالّذِي مَ ّر عَلَى قَ ْرَي ٍة َوهِ يَ خَا ِوَي ٌة عَلَى‬
‫عُرُو ِشهَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنه عزير ‪ ،‬وقال عكرمة ‪ :‬القرية ‪ :‬بيت القدس‬
‫مر ب ا عز ير ب عد إذ خربّ ها بتن صر ‪ .‬وقال ا بن جر يج ‪ :‬بلغ نا أن عزيرًا‬
‫خرج فوقف على بيت القدس ‪ ،‬وقد خربه بنتصر ‪ ،‬فوقف فقال ‪ :‬أبعد‬
‫ما كان لك من القدس والقالة والال ما كان فحزن ‪.‬‬
‫وقال السـدي ‪َ ﴿ :‬وهِيَـ خَا ِوَيةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬سـاقطة‬
‫على سـقفها ‪ ،‬وذلك أن عزيرًا مـر جائيًا مـن الشام على حار له ‪ ،‬معـه‬
‫ع صي وع نب وت ي ‪ ،‬فل ما مر بالقر ية فرآ ها و قف علي ها ‪ ،‬وقلّب يده‬
‫وقال ‪ :‬كيف ييي هذه ال بعد موتا ؟ ليس تكذيبًا منه وشكًا ‪ ،‬فأماته‬
‫ال وأمات حاره ‪ ،‬فهل كا و مر عليه ما مائة سنة ‪ ،‬ث إن ال أح يا عزيرًا‬
‫فقال له ‪ :‬كم لبثت ؟ قال ‪ :‬لبثت يومًا أو بعض يوم ‪ .‬قيل له ‪ :‬بل لبثت‬
‫مائة عام فانظر ‪ :‬إل طعامك من التي والعنب ‪ ،‬وشرابك من العصي ل‬
‫يتسنه الية ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنه مات ضحى ‪ ،‬ث بعثه قبل غيبوبة‬
‫الشمس ‪ ،‬فقال ‪ :‬كم لبثت ؟ قال ‪ :‬لبثت يومًا ث التفت ‪ ،‬فرأى بقية من‬
‫الزء الول‬ ‫‪302‬‬

‫الشمـس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أو بعـض يوم ‪ .‬فقال ‪ :‬بـل لبثـت مائة عام ‪ .‬وقال‬
‫ك َوشَرَابِ كَ َل ْم َيتَ سَنّهْ ﴾ يقول ‪ :‬ل‬
‫الضحاك ف قوله ‪ ﴿ :‬فَانظُرْ إِلَى َطعَامِ َ‬
‫يتغي ‪ .‬وقد أتى عليه مائة عام ‪.‬‬
‫ف نُنشِزُهَا ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪:‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَانظُرْ إِلَى العِظَا مِ َكيْ َ‬
‫أي ‪ :‬نرفعها من الرض ‪ ،‬ونردها إل مكانا ونركب بعضها على بعض ‪.‬‬
‫وقال السـدي وغيه ‪ :‬تفرقـت عظام حاره حوله يينًا وشا ًل فن ظر إليهـا‬
‫و هي تلوح من بياض ها ‪ ،‬فب عث ال ريًا فجمعته ما من كل مو ضع من‬
‫تلك الحلة ‪ ،‬ث ر كب كل ع ظم ف موض عه ح ت صار حارًا قائمًا من‬
‫عظام ل لم عليها ‪ ،‬ث كساها ال لمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا ‪ ،‬وبعث‬
‫ال ملكًا فنفخ ف منخاري المار ‪ ،‬فنهق بإذن ال عز وجل ‪ .‬وذلك كله‬
‫برأى من العز ير ‪ ،‬فع ند ذلك ل ا تبي له هذا كله قال ‪ :‬أعلم أن ال على‬
‫كل شيء قدير ‪ .‬وقال الضحاك وغيه ‪ :‬إنه عاد إل قريته شابًا وأولده ‪،‬‬
‫وأولد أولده شيوخ وعجائز ‪ ،‬وهو أسود الرأس واللحية ‪.‬‬
‫ْفـ تُحْيِــي‬
‫ِيمـ رَبّ أَرِنِي كَي َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَالَ ِإْبرَاه ُ‬
‫خ ْذ أَ ْرَب َعةً‬
‫الْمَوْتَى قَالَ َأ َولَ ْم ُتؤْمِن قَا َل بَلَى َولَ ـكِن لّيَطْمَِئنّ قَلْبِي قَالَ فَ ُ‬
‫صرْ ُه ّن إِلَيْ كَ ُثمّ اجْ َعلْ عَلَى ُك ّل جََبلٍ مّ ْن ُهنّ ُجزْءا ُثمّ ادْ ُع ُهنّ‬
‫مّ َن الطّ ْيرِ فَ ُ‬
‫َيأْتِيَنكَ َسعْيا وَاعْ َل ْم أَ ّن اللّهَ َعزِيزٌ حَكِيمٌ (‪. ﴾ )260‬‬
‫قال ممد بن إسحاق ‪ :‬لا جرى بي إبراهيم وبي قومه ما جرى ما‬
‫ق صه ال ف سورة ال نبياء ‪ ،‬قال نرود فيه ما يذكرون لبراه يم ‪ :‬أرأ يت‬
‫إلك هذا الذي تعبد وتدعو إل عبادته ‪ ،‬وتذكر من قدرته الت تعظمه با‬
‫‪303‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫على غي ما هو ؟ قال له إبراهيم ‪ :‬ر ب الذي ييي وي يت ‪ .‬قال نرود ‪:‬‬


‫أنا أحيي وأميت ‪ .‬فقال له إبراهيم ‪ :‬كيف تيي وتيت ؟ ث ذكر ما قص‬
‫ال من ماج ته إياه قال ‪ :‬فقال إبراه يم ع ند ذلك ‪ ﴿ :‬رَبّ أَرِنِي َكيْ فَ‬
‫حيِـي الْ َم ْوتَى قَالَ َأوَلَ ْم ُتؤْمِن قَا َل بَلَى وَلَـكِن ّليَطْ َمئِنّ َق ْلبِي ﴾ من غي‬
‫تُ ْ‬
‫شك ف ال تعال ‪ ،‬ول ف قدرته ولكنه أحب أن يعلم ذلك ‪ ،‬وتاق إليه‬
‫قلبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ليطمئن قلب ‪ ،‬أي ‪ :‬ما تاق إليه إذ هو علمه ‪ .‬وقال سعيد‬
‫ابن جبي ‪ :‬ليطمئن قلب ‪ ،‬ليزداد يقين ‪.‬‬
‫ْكـ ثُمّ ا ْجعَلْ‬
‫َصـْرهُنّ إِلَي َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالَ َفخُذْ أَ ْرَب َعةً م َ‬
‫ّنـ الطّيْرِ ف ُ‬
‫عَلَى كُلّ َجبَ ٍل ّمْنهُنّ ُجزْءا ثُمّ ا ْد ُعهُنّ يَ ْأتِينَ كَ َسعْيا وَاعْلَ مْ أَنّ اللّ َه عَزِي ٌز‬
‫َحكِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬ف صرهنّ ‪ :‬قطعه نّ ‪ .‬وقال ما هد ‪ ﴿ :‬ثُمّ‬
‫ـل‬ ‫ـن أجزاء على كـ‬ ‫ا ْجعَ ْل عَلَى كُلّ َجبَ ٍل ّمْنهُنّـ جُزْءا ﴾ ‪ :‬ثـ بددهـ‬
‫ج بل ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ا ْد ُعهُنّ َيأْتِينَ كَ َسعْيا ﴾ كذلك ي ي ال الو تى ‪ .‬وقال ا بن‬
‫جريج ‪ :‬فجعلهن سبعة أجزاء ‪ ،‬وأمسك رؤوسهن عنده ‪ ،‬ث دعاهن بإذن‬
‫ال فنظر إل كل قطرة من دم تطي إل القطرة الخرى ‪ ،‬وكل ريش تطي‬
‫إل الري شة الخرى ‪ ،‬و كل بض عة و كل ع ظم يط ي بع ضه إل ب عض من‬
‫رؤوس البال ح ت لق يت كل ج ثة بعض ها بعضًا ف ال سماء ‪ ،‬ث أقبلن‬
‫ي سعي ح ت و صلت رأ سها ‪ .‬و عن ا بن النكدر قال ‪ :‬الت قى ع بد ال بن‬
‫عباس ‪ ،‬وعبد ال بن عمرو بن العاص فقال ابن عباس لبن عمرو ‪ :‬أي‬
‫آية ف القرآن أرجى عندك ؟ فقال عبد ال بن عمرو ‪ :‬قول ال عز وجل‬
‫سهِمْ لَا َت ْقنَطُوا مِن رّحْ َمةِ اللّ هِ‬
‫ي الّذِي نَ أَ سْرَفُوا عَلَى أَنفُ ِ‬‫‪ُ ﴿ :‬ق ْل يَا عِبَا ِد َ‬
‫﴾ ال ية ‪ .‬فقال ا بن عباس ‪ :‬ل كن أ نا أقول ‪ :‬قول ال عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِذْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪304‬‬

‫حيِ ـي الْ َموْتَى قَالَ َأوَلَ ْم ُتؤْمِن قَا َل بَلَى‬


‫ف تُ ْ‬
‫قَالَ ِإبْرَاهِي مُ رَبّ أَرِنِي َكيْ َ‬
‫﴾ فرضـي مـن إبراهيـم قوله ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فهذا لاـ يعترض فـ النفوس‬
‫ويوسوس به الشيطان ‪ .‬رواه ابن أب حات وغيه ‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ ( :‬باب وإذ قال إبراهيـم رب أرنـ كيـف تيـي‬
‫الوتـى ‪ .‬فصـرهن ‪ :‬قطعهـن ‪ .‬وذكـر حديـث أبـ هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫ر سول ال ‪ « :‬ن ن أ حق بال شك من إبراه يم إذ قال ‪ ﴿ :‬رَبّ أَرِنِي‬
‫َمـ ُتؤْم ِن قَا َل بَلَى وَلَــكِن ّليَطْ َمئِن ّ‬
‫حيِــي الْ َموْت َى قَالَ َأوَل ْ‬
‫ْفـ تُ ْ‬
‫َكي َ‬
‫قَ ْلبِي ﴾ » ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال إساعيل بن يي الزن ‪ :‬ل يشك النب ‪ ،‬ول إبراهيم ف أن ال‬
‫قادر على أن ييي الوتى ‪ ،‬وإنا شكّا ف أنه هل ييبهما إل ما سأل ؟‬
‫قال ف ف تح الباري ‪ ( :‬وقال عياض ‪ :‬ل ي شك إبراهيم بأن ال ي يي‬
‫الوتـى ولكـن أراد طمأنينـة القلب ‪ ،‬وترك النازعـة لشاهدة الحياء ‪،‬‬
‫فح صل له العلم الول بوقو عه ‪ ،‬وأراد العلم الثا ن بكيفي ته ومشاهد ته ‪،‬‬
‫ويت مل أنه سأل زيادة اليق ي ‪ ،‬وإن ل ي كن ف الول شك ‪ ،‬لن العلوم‬
‫قد تتفاوت ف قوت ا فأراد التر قي من علم اليق ي إل ع ي اليق ي ‪ .‬وال‬
‫أعلم ) ‪.‬‬

‫***‬
‫‪305‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الادي والثلثون‬

‫﴿ مَّث ُل اّلذِي نَ يُن ِفقُو نَ َأ ْموَاَلهُ مْ فِي سَبِي ِل اللّ هِ َكمََث ِل حَبّ ٍة أَنبَتَ تْ سَبْعَ‬
‫ف لِمَن َيشَا ُء وَاللّ ُه وَا سِعٌ‬
‫سَنَاِبلَ فِي ُكلّ سُنبُ َلةٍ مَّئ ُة حَّبةٍ وَاللّ ُه يُضَاعِ ُ‬
‫عَلِي مٌ (‪ )261‬اّلذِي نَ يُن ِفقُو َن أَ ْموَاَلهُ ْم فِي سَبِي ِل اللّ هِ ثُمّ َل يُتِْبعُو َن مَا‬
‫أَن َفقُوُا مَنّا َولَ َأذًى ّلهُ مْ َأ ْجرُهُ مْ عِندَ َربّهِ مْ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ ْم وَ َل هُ مْ‬
‫ص َدقَ ٍة يَتَْب ُعهَا َأذًى وَاللّهُ‬
‫ف َو َمغْ ِف َرةٌ خَ ْي ٌر مّن َ‬
‫ح َزنُونَ (‪َ )262‬ق ْولٌ ّم ْعرُو ٌ‬
‫يَ ْ‬
‫صـَدقَاِتكُم بِالْمَنّ‬
‫ِينـ آمَنُوْا لَ تُبْطِلُواْ َ‬
‫ِيمـ (‪ )263‬يَا َأيّهَا الّذ َ‬
‫غَنِيّ حَل ٌ‬
‫وَالذَى كَاّلذِي يُن ِف ُق مَاَلهُ ِرئَاء النّاسِ َو َل يُ ْؤ ِمنُ بِال ّلهِ وَالْيَوْ ِم ال ِخ ِر فَمَثَ ُلهُ‬
‫ص ْفوَانٍ عَلَيْ ِه ُترَا بٌ فَأَ صَاَبهُ وَاِبلٌ فََترَكَ هُ صَلْدا ل َي ْقدِرُو نَ عَلَى‬
‫كَمََثلِ َ‬
‫شَيْ ٍء مّمّ ا كَ سَبُواْ وَاللّ هُ َل َيهْدِي الْ َقوْ َم الْكَافِرِي نَ (‪ )264‬وَمََث ُل الّذِي نَ‬
‫ُسـهِمْ كَ َمَثلِ جَّنةٍ‬
‫ّنـ أَنف ِ‬
‫ّهـ َوتَثْبِيتا م ْ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ُمـ ابِْتغَاء َمرْض ِ‬
‫ُونـ أَ ْموَاَله ُ‬
‫يُنفِق َ‬
‫ضعْفَيْ نِ َفإِن لّ ْم يُ صِ ْبهَا وَاِبلٌ فَ َطلّ وَاللّ هُ‬
‫ِبرَْب َوةٍ أَ صَابَهَا وَاِبلٌ فَآتَ تْ أُكُ َلهَا ِ‬
‫بِمَا َتعْمَلُو َن بَ صِيٌ (‪َ )265‬أَيوَ ّد َأحَدُكُ ْم أَن تَكُو َن لَ ُه جَّنةٌ مّ ن نّخِيلٍ‬
‫ت وَأَ صَابَهُ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْنهَا ُر لَ هُ فِيهَا مِن ُكلّ الثّ َمرَا ِ‬
‫وَأَعْنَا بٍ تَ ْ‬
‫ضعَفَاء َفأَ صَاَبهَا إِعْ صَا ٌر فِي ِه نَارٌ فَاحَْترَقَ تْ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ‬
‫الْكَِبرُ َولَ ُه ذُ ّرّيةٌ ُ‬
‫ت َلعَلّ ُكمْ تَتَ َف ّكرُونَ (‪. ﴾ )266‬‬
‫اللّ ُه َلكُمُ اليَا ِ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪306‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مَّث ُل الّذِي نَ يُن ِفقُو نَ َأ ْموَاَلهُ ْم فِي سَبِي ِل اللّ هِ َكمََثلِ‬
‫حَبّ ٍة أَنبَتَ تْ سَبْعَ سَنَاِبلَ فِي ُكلّ سُنبُلَ ٍة مَّئةُ حَبّ ٍة وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن َيشَاءُ‬
‫وَال ّلهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )261‬‬
‫قال سعيد بن جبي ف قوله تعال ‪ّ ﴿ :‬مثَلُ الّذِي نَ يُن ِفقُو نَ َأمْوَاَلهُ مْ فِي‬
‫ـِيلِ اللّهِـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬فـ طاعـة ال ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬الهاد والجـ‬
‫سَب‬
‫يضعف الدرهم فيهما إل سبعمائة ضعف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه ُيضَاعِ فُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بسب إخلصه‬
‫ف عمله ‪ ﴿ ،‬وَاللّ ُه وَا سِ ٌع عَلِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال ابن زيد ‪ ﴿ :‬وَا سِعٌ ﴾ أن يزيد‬
‫من سعته ‪ ﴿ ،‬عَلِي مٌ ﴾ عال بن يزيده ‪ .‬وف الصحيحي عن النب ‪« :‬‬
‫كل عمل ابن آدم يضاعف له ‪ ،‬السنة بعشر أمثالا ‪ ،‬إل سبعمائة ضعف‬
‫‪ ،‬إل أضعاف كثية ‪ .‬قال ال تعال ‪ :‬إل ال صوم فإ نه ل وأ نا أجزي به ‪،‬‬
‫إنه ترك شهوته ‪ ،‬وطعامه ‪ ،‬وشرابه ‪ ،‬من أجلي » ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اّلذِي نَ يُن ِفقُو نَ أَ ْموَاَلهُ ْم فِي سَبِيلِ اللّ هِ ثُمّ لَ‬
‫يُتِْبعُو َن مَا أَن َفقُواُ مَنّا َولَ َأذًى لّهُ ْم أَ ْج ُرهُ مْ عِندَ َرّبهِ مْ َو َل خَوْ فٌ عَ َل ْيهِ مْ‬
‫ص َد َقةٍ يَتَْبعُهَا‬
‫ف وَ َم ْغفِ َر ٌة خَ ْيرٌ مّ ن َ‬
‫ح َزنُو نَ (‪َ )262‬ق ْولٌ ّم ْعرُو ٌ‬
‫وَ َل هُ ْم يَ ْ‬
‫َأذًى وَاللّهُ غَِن ّي حَلِيمٌ (‪. ﴾ )263‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬علم ال أن ناسـًا ينون بعطيتهـم ‪ ،‬فكره ذلك وقدم فيـه‬
‫فقال ‪َ ﴿ :‬قوْ ٌل ّمعْرُوفٌـ َومَ ْغفِ َرةٌ َخيْ ٌر مّنـ صَـدََق ٍة َيتَْبعُهَا أَذًى وَاللّهُـ َغنِيّ‬
‫صدََق ٍة يَْتَب ُعهَا‬
‫ف َو َم ْغفِ َرةٌ َخيْ ٌر مّن َ‬
‫حَلِيمٌ ﴾ ‪ .‬وقال الضحاك ‪َ ﴿ :‬قوْ ٌل ّمعْرُو ٌ‬
‫أَذًى ﴾ يقول ‪ :‬أن يسك ماله خي من أن ينفق ماله ث يتبعه منًا وأذى ‪.‬‬
‫‪307‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وفـ صـحيح مسـلم عـن أبـ ذر قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬ثلثـة ل‬


‫يكلم هم ال يوم القيا مة ول ين ظر إلي هم ول يزكي هم ول م عذاب أل يم ‪:‬‬
‫النان باـ أعطـى ‪ ،‬والسـبل إزاره ‪ ،‬والنفـق سـلعته باللف والكاذب » ‪.‬‬
‫و عن ا بن ع مر قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬ثل ثة ل ين ظر ال إلي هم يوم‬
‫القيامة ‪ :‬العاق لوالديه ‪ ،‬ومدمن المر ‪ ،‬والنان با أعطى » ‪ .‬رواه أحد‬
‫وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه َغنِيّ َحلِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬الغ ن الذي‬
‫كمل ف غناه ‪ ،‬والليم الذي قد كمل ف حلمه ‪.‬‬
‫ص َدقَاِتكُم بِالْمَنّ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ لَ تُبْطِلُواْ َ‬
‫وَالذَى كَاّلذِي يُن ِف ُق مَاَلهُ ِرئَاء النّاسِ َو َل يُ ْؤ ِمنُ بِال ّلهِ وَالْيَوْ ِم ال ِخ ِر فَمَثَ ُلهُ‬
‫ص ْفوَانٍ عَلَيْ ِه ُترَا بٌ فَأَ صَاَبهُ وَاِبلٌ فََترَكَ هُ صَلْدا ل َي ْقدِرُو نَ عَلَى‬
‫كَمََثلِ َ‬
‫شَيْ ٍء مّمّا َكسَبُواْ وَال ّلهُ َل َيهْدِي الْ َقوْ َم الْكَافِرِينَ (‪. ﴾ )264‬‬
‫قال عمرو بن حريث ‪ :‬إن الرجل يغزو [ و ] ل يسرق ول يزن ول‬
‫يغـل ‪ ،‬ل يرجـع بالكفاف ‪ ،‬فقيـل له ‪ :‬ل ذاك ؟ قال ‪ :‬فإن الرجـل‬
‫ليخرج ‪ ،‬فإذا أصابه من بلء [ ال ] الذي حكم عليه ‪ ،‬سبّ ولعن إمامه‬
‫ولعن ساعة غزا ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل أعود لغزوة معه أبدًا ‪ .‬فهذا عليه ‪ ،‬وليس له‬
‫مثل النفقة ف سبيل ال يتبعها م نّ وأذى ‪ ،‬فقد ضرب ال مثلها ف القرآن‬
‫‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ لَ تُبْ ِطلُواْ صَدَقَاِتكُم بِالْمَنّ وَالذَى ﴾ حت ختم‬
‫الية ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪308‬‬

‫وقال قتادة ‪ :‬فهذا مثل ضربه ال لعمال الكفار يوم القيامة ‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫سبُواْ ﴾ يومئذٍ كما ترك هذا الطر الصفا‬ ‫﴿ ل َيقْدِرُو َن عَلَى شَيْ ٍء مّمّا كَ َ‬
‫الجر ‪ ،‬ليس عليه شيء أنقى ما كان عليه ‪ .‬وقال السدي ‪َ ﴿ :‬ل تُبْ ِطلُواْ‬
‫سبُواْ ﴾ ‪ ،‬أما‬ ‫صدَقَاتِكُم بِالْ َمنّ وَالذَى ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬عَلَى َشيْءٍ مّمّا كَ َ‬ ‫َ‬
‫ال صفوان الذي عل يه تراب ‪ ،‬فأ صابه ال طر فذ هب ترا به فتر كه صلدًا ‪،‬‬
‫فكذا هذا الذي ين فق ماله رياء الناس ‪ ،‬ذ هب الرياء بنفق ته ‪ ،‬ك ما ذ هب‬
‫هذا ال طر بتراب هذا ال صفا فتر كه نقيًا ‪ ،‬فكذلك تر كه الرياء ‪ ،‬ل يقدر‬
‫صـدَقَاِتكُم بِالْمَن ّ‬
‫على شيـء ماـ قدم ‪ ،‬فقال للمؤمنيـ ‪ ﴿ :‬لَ ُتبْطِلُواْ َ‬
‫وَالذَى ﴾ ‪ ،‬فتبطل كما بطلت صدقة الرياء ‪.‬‬
‫ت اللّ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومََثلُ اّلذِي َن يُن ِفقُو َن َأمْوَالَهُ مُ ابِْتغَاء َمرْضَا ِ‬
‫ضعْفَيْ نِ‬
‫ت أُكُ َلهَا ِ‬
‫سهِمْ كَمََث ِل جَّن ٍة ِبرَْب َوةٍ أَ صَابَهَا وَاِبلٌ فَآتَ ْ‬
‫وَتَثْبِيتا مّ ْن أَنفُ ِ‬
‫َفإِن ّل ْم يُصِ ْبهَا وَابِ ٌل فَ َط ّل وَال ّلهُ بِمَا َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (‪. ﴾ )265‬‬
‫ُسـهِمْ ﴾ ‪ :‬تصـديقًا‬ ‫قال الشعـب فـ قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتَْثبِيتا م ْ‬
‫ّنـ أَنف ِ‬
‫وتيقينًا ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬يثبتون أين يضعون أموالم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كَ َمثَلِ َجّنةٍ ِب َرْبوَةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ( :‬وهي الكان الرتفع الستوى الذي تري فيه النار ‪،‬‬
‫فل يعلوه الاء ‪ ،‬ول يعلو عن الاء ) ‪ .‬انتهى ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ﴿ :‬كَ َمثَلِ‬
‫َجّن ٍة بِ َرْبوَ ٍة ﴾ ‪ ،‬الكان الرتفع الذي ل تري فيه النار ‪.‬‬
‫صبْهَا وَابِلٌ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَصَاَبهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكَُلهَا ِ‬
‫ض ْع َفيْنِ فَإِن لّ ْم يُ ِ‬
‫فَطَلّ ﴾ ‪ .‬قال السـدي ‪ :‬أمـا الطـل فالندى ‪ ،‬يقول ‪ :‬كمـا أضعفـت ثرة‬
‫‪309‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تلك النـة ‪ ،‬فكذلك يضاعـف ثرة هذا النفـق ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هذا مثـل‬
‫ضربه ال لعمل الؤمن ‪ ،‬يقول ‪ :‬ليس كخيه خلف ‪ ،‬كما ليس الي هذه‬
‫النة ‪ ،‬خلف على أي حال ‪ ،‬إما وابل ‪ ،‬وإما طل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه بِمَا تَعْ َملُو َن بَ صِيٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يفى عليه من‬
‫أعمال عباده شيء ‪.‬‬
‫َهـ جَنّ ٌة مّنـ نّخِيلٍ‬
‫ُونـ ل ُ‬
‫ُمـ أَن َتك َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أَيوَ ّد َأحَدُك ْ‬
‫ت وَأَ صَابَهُ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْنهَا ُر لَ هُ فِيهَا مِن ُكلّ الثّ َمرَا ِ‬
‫وَأَعْنَا بٍ تَ ْ‬
‫ضعَفَاء َفأَ صَاَبهَا إِعْ صَا ٌر فِي ِه نَارٌ فَاحَْترَقَ تْ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ‬
‫الْكَِبرُ َولَ ُه ذُ ّرّيةٌ ُ‬
‫ت َلعَلّ ُكمْ تَتَ َف ّكرُونَ (‪. ﴾ )266‬‬
‫اللّ ُه َلكُمُ اليَا ِ‬
‫قال ال سدي ‪ :‬هذا م ثل آ خر لنف قة الرياء ‪ ،‬أ نه ين فق ماله يرائي الناس‬
‫بـه ‪ ،‬فيذهـب ماله منـه وهـو يرائي ‪ ،‬فل يأجره ال فيـه ‪ ،‬فإذا كان يوم‬
‫القيامة واحتاج إل نفقته ‪ ،‬وجدها قد أحرقها الرياء فذهبت ‪ ،‬كما أنفق‬
‫هذا الر جل على جن ته ‪ ،‬ح ت إذا بل غت وك ثر عياله واحتاج إل جن ته ‪،‬‬
‫جاءت ريـح فيهـا سـوم فأحرقـت جنتـه ‪ ،‬فلم يدـ منهـا شيئًا ‪ ،‬فكذلك‬
‫النفق رياء ‪ .‬قال ماهد ف قول ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬أيَوَدّ َأحَدُكُ مْ أَن َتكُو نَ‬
‫لَهُ َجّن ٌة مّن نّخِي ٍل َوَأعْنَابٍ ﴾ كمثل الفرط ف طاعة ال حت يوت ‪ .‬وقال‬
‫عمر بن الطاب ‪ :‬هذا مثل ضربه ال للنسان يعمل عملً صالًا ‪ ،‬حت‬
‫إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه ‪ ،‬عمِل عمَل السوء ‪ .‬وقال‬
‫ب تَجْرِي‬‫قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬أَيوَدّ أَحَدُكُمْ أَن َتكُونَ لَهُ َجّنةٌ مّن نّخِي ٍل َوأَ ْعنَا ٍ‬
‫حتِهَا الَْنهَا ُر ﴾ اليـة ‪ ،‬يقول ‪ :‬أصـابا ريـح فيهـا سـوم شديـد ‪.‬‬ ‫مِن تَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪310‬‬

‫ُونـ ﴾ فهذا مثـل ‪،‬‬ ‫ُمـَتَتفَكّر َ‬


‫َاتـَلعَّلك ْ‬
‫ُمـ الي ِ‬
‫ّهـَلك ُ‬
‫ّنـ الل ُ‬
‫ِكـيَُبي ُ‬
‫﴿ َكذَل َ‬
‫فاعقلوه عن ال عـز و جل أمثاله ‪ ،‬فإنـه قال ‪َ ﴿ :‬وتِلْكَـ اْلَأمْثَا ُل َنضْ ِربُهَا‬
‫لِلنّاسِ َومَا َيعْقُِلهَا إِلّا الْعَالِمُونَ ﴾ ‪ .‬هذا رجل كبت سنه ‪ ،‬ودق عظمه ‪،‬‬
‫وك ثر عياله ‪ ،‬ث احتر قت جن ته على بق ية ذلك كأحوج ما يكون إل يه ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬أيب أحدكم أن يضل عنه عمله يوم القيامة ‪ ،‬كأحوج ما يكون‬
‫إليه ؟‬
‫َهـ َجّن ٌة مّنـ‬
‫ُونـ ل ُ‬ ‫وقال البخاري باب قوله ‪َ ﴿ :‬أيَوَدّ َأحَدُك ْ‬
‫ُمـ أَن َتك َ‬
‫نّخِي ٍل َوَأعْنَا بٍ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬لعَّلكُ ْم َتتَ َفكّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬وذكر حديث عمر‬
‫‪ :‬أ نه قال يومًا ل صحاب ال نب ‪ :‬ف يم ترون هذه ال ية نزلت ‪َ ﴿ :‬أَيوَدّ‬
‫َهـ َجّنةٌ ﴾ ؟ قالوا ‪ :‬ال أعلم ‪ ،‬فغضـب عمـر فقال ‪:‬‬ ‫ُونـ ل ُ‬
‫ُمـأَن تَك َ‬
‫أَحَدُك ْ‬
‫قولوا ‪ :‬نعلم أو ل نعلم ‪ .‬فقال ا بن عباس ‪ :‬ف نف سي من ها ش يء يا أم ي‬
‫الؤمني ‪ .‬قال عمر ‪ :‬يا ابن أخي قل ول تقر نفسك ‪ .‬قال ابن عباس ‪:‬‬
‫ي عمل ؟ قال ابن عباس ‪ :‬بعمل ‪ .‬قال‬ ‫ضربت مثلً لعمل ‪ .‬قال عمر ‪ :‬أ ّ‬
‫عمر ‪ :‬لرجل غن يعمل بطاعة ال عز وجل ‪ ،‬ث بعث ال له الشيطان ‪،‬‬
‫فعمل بالعاصي حت أغرق أعماله ‪ .‬انتهى وال الستعان ‪.‬‬

‫***‬
‫‪311‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثان والثلثون‬

‫ت مَا كَ سَبُْت ْم َومِمّ ا أَ ْخرَجْنَا‬


‫﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ مِن َطيّبَا ِ‬
‫ث مِنْ هُ تُن ِفقُو نَ َولَ سْتُم بِآخِذِي هِ إِل أَن‬
‫ض وَ َل تَيَمّمُوْا الْخَبِي َ‬
‫لَكُم مّ نَ الَرْ ِ‬
‫ُتغْمِضُوْا فِي ِه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ غَِنيّ حَمِيدٌ (‪ )267‬الشّيْطَانُ يَ ِعدُكُ ُم الْ َف ْقرَ‬
‫ل وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‬
‫حشَاء وَاللّ ُه َيعِدُكُم ّم ْغفِ َر ًة مّنْ ُه َوفَضْ ً‬
‫وََي ْأ ُمرُكُم بِاْلفَ ْ‬
‫ِيـ خَيْرا‬
‫حكْ َم َة َف َقدْ أُوت َ‬
‫ْتـ الْ ِ‬
‫حكْ َمةَ م َن َيشَا ُء وَمَن ُيؤ َ‬
‫‪ )268‬يُؤت ِي الْ ِ‬
‫كَثِيا َومَا َيذّ ّك ُر إِل ُأوْلُواْ ا َللْبَابِ (‪ )269‬وَمَا أَنفَقْتُم مّن ّن َفقَ ٍة َأوْ َنذَ ْرتُم‬
‫ِنـ أَنصـَارٍ (‪ )270‬إِن تُ ْبدُواْ‬
‫ُهـ وَمَا لِلظّالِمِيَ م ْ‬
‫ّهـ يَعْلَم ُ‬
‫مّنـّنذْ ٍر َفإِنّ الل َ‬
‫خفُوهَا وَُت ْؤتُوهَا اْل ُف َقرَاء َف ُهوَ خَ ْي ٌر لّكُمْ َويُ َك ّفرُ‬
‫ص َدقَاتِ فَِنعِمّا هِ َي َوإِن تُ ْ‬
‫ال ّ‬
‫عَنكُم مّن سَيّئَاِت ُكمْ وَاللّ ُه بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيٌ (‪ )271‬لّيْ سَ عَلَيْ كَ ُهدَاهُ مْ‬
‫وَلَـ ِكنّ اللّهَ يَ ْهدِي مَن َيشَا ُء َومَا تُنفِقُواْ مِ ْن خَ ْيرٍ فَلنفُسِ ُك ْم وَمَا تُنفِقُونَ‬
‫إِل ابِْتغَاء َوجْ هِ اللّ هِ َومَا تُنفِقُواْ مِ نْ خَ ْيرٍ يُوَفّ إِلَ ْيكُ ْم َوأَنتُ ْم َل تُظْلَمُو نَ (‬
‫ضرْبا فِي‬
‫صرُواْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َل يَ سْتَطِيعُونَ َ‬
‫‪ )272‬لِ ْلفُ َقرَاء الّذِي َن أُح ِ‬
‫ّفـ َت ْع ِرفُه ُم بِسـِيمَا ُه ْم لَ‬
‫ِنـ الّت َعف ِ‬
‫ْسـُب ُه ُم الْجَا ِه ُل أَغْنِيَاء م َ‬
‫ْضـ يَح َ‬
‫الَر ِ‬
‫يَ سَْألُونَ النّا سَ ِإلْحَافا وَمَا تُن ِفقُوْا مِ نْ خَ ْي ٍر َفإِنّ اللّ هَ بِ هِ عَلِي مٌ (‪)273‬‬
‫لنَِيةً فَ َلهُ مْ َأ ْجرُهُ مْ عِندَ‬
‫الّذِي َن يُنفِقُو َن َأ ْموَالَهُم بِاللّ ْيلِ وَالّنهَارِ سِرّا وَعَ َ‬
‫ح َزنُونَ (‪. ﴾ )274‬‬
‫َرّبهِ ْم َولَ َخوْفٌ عَلَ ْي ِه ْم وَ َل ُهمْ يَ ْ‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪312‬‬

‫ت مَا كَ سَبُْتمْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ مِن َطيّبَا ِ‬
‫ض َولَ تَيَمّمُواْ الْخَبِي ثَ مِنْ ُه تُن ِفقُو َن َولَ سْتُم‬
‫وَمِمّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّ نَ الَرْ ِ‬
‫بِآ ِخذِي ِه إِل أَن ُتغْمِضُوْا فِيهِ وَاعْلَمُوْا أَ ّن اللّهَ غَِن ّي حَمِيدٌ (‪. ﴾ )267‬‬
‫سبْتُمْ ﴾ يقول ‪ :‬تصدقوا ‪.‬‬ ‫قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬أَن ِفقُواْ مِن َطيّبَا ِ‬
‫ت مَا كَ َ‬
‫َسـْبتُمْ ﴾ قال ‪ :‬مـن‬ ‫َاتـ مَا ك َ‬ ‫وقال ماهـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬أَن ِفقُواْ مِن َطّيب ِ‬
‫التجارة ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬من أط يب أموال كم وأنف سه ‪ .‬و عن‬
‫عبيدة قال ‪ :‬سألت عليًا عن قول ال عز و جل ‪َ ﴿ :‬ومِمّ ا أَ ْخرَجْنَا لَكُم‬
‫مّ َن الَرْ ضِ ﴾ قال ‪ :‬يعن ‪ :‬من الب والثمر ‪ ،‬وكل شيء عليه زكاة ‪.‬‬
‫وعن الباء بن عازب ف قول ال عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ‬
‫سبْتُ ْم َومِمّا أَخْ َر ْجنَا َلكُم مّ َن الَرْ ضِ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬أنّ‬ ‫ت مَا كَ َ‬
‫مِن َطّيبَا ِ‬
‫اللّ َه َغِنيّ حَمِيدٌ ﴾ قال ‪ :‬نزلت ف النصار ‪ ،‬كانت النصار إذا كان أيام‬
‫جذاذ الن خل أخر جت من حيطان ا أقناء الب سر ‪ ،‬فعلقوه على ح بل ب ي‬
‫السـطوانتي فـ مسـجد رسـول ال ‪ ،‬فيأكـل فقراء الهاجريـن منـه ‪،‬‬
‫فيعمد الرجل منهم إل الشف فيدخله مع أقناء البسر يظن أن ذلك جائز‬
‫خبِيثَ ِمنْ ُه تُن ِفقُونَ‬ ‫‪ ،‬فأنزل ال عز وجل فيمن فعل ذلك ‪ ﴿ :‬وَ َل َتيَمّمُواْ الْ َ‬
‫﴾ ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ ﴿ :‬وَلَ َتيَمّمُواْ ﴾ ‪ ،‬ل تعمدوا ‪ .‬وعـن الباء ‪ ﴿ :‬وَل ْ‬
‫َسـتُم‬
‫بِآخِذِيهِـإِل أَن ُتغْ ِمضُواْ فِيهِـ ﴾ يقول ‪ :‬لو كان لرجـل على رجـل فأعطاه‬
‫ذلك ل يأخذه ‪ ،‬إل أنه يرى أنه قد نقصه من حقه ‪ .‬وعن ابن سيين قال‬
‫‪ :‬سألت عبيدة عن هذه الية ﴿ يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ أَنفِقُواْ مِن َطيّبَا تِ مَا‬
‫ث ِمنْ هُ تُن ِفقُو نَ‬
‫خبِي َ‬
‫ض وَلَ َتيَمّمُوْا الْ َ‬‫سبْتُ ْم َومِمّ ا أَ ْخرَجْنَا لَكُم مّ َن الَرْ ِ‬
‫كَ َ‬
‫‪313‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِيهـ ﴾ ‪ .‬فقال عـبيدة ‪ :‬إناـ هذا فـ الواجـب ‪ ،‬ول بأس أن‬


‫َسـُم بِآخِذ ِ‬
‫وَل ْت‬
‫يتطوع الرجل بالتمرة ‪ ،‬والدرهم الزائف خي من التمرة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاعْلَمُواْ أَن ّ الل َ‬
‫ّهـ َغنِيّ حَمِيدٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬غنـ عـن‬
‫صـدقاتكم ‪ ،‬حيـد ‪ :‬بقبولاـ منكـم ‪ ،‬وإثباتكـم على أعمالكـم ‪ ،‬وهـو‬
‫الحدود ف جيع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره ‪.‬‬
‫حشَاء وَاللّهُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬الشّيْطَا ُن َي ِعدُكُمُ اْل َفقْ َر َويَ ْأ ُمرُكُم بِاْلفَ ْ‬
‫ل وَال ّلهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )268‬‬
‫َيعِدُكُم مّ ْغ ِف َرةً مّ ْن ُه َوفَضْ ً‬

‫عن ا بن م سعود قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬إن للشيطان ل ة من ا بن‬


‫آدم ‪ ،‬وللملك لة ‪ ،‬فأما لة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالق ‪ ،‬وأما‬
‫لة اللك فإيعاد بالي وتصديق بالق ‪ ،‬فمن وجد ذلك فليعلم أنه من ال‬
‫وليحمـد ال ‪ ،‬ومـن وجـد الخرى فليتعوذ بال مـن الشيطان » ثـ قرأ ‪:‬‬
‫« ﴿ الشّيْطَا نُ َيعِدُكُ ُم اْلفَقْ َر َوَي ْأمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ﴾ » ‪ .‬رواه ا بن جر ير‬
‫وغيه ‪.‬‬
‫حكْ َمةَ فَ َقدْ‬
‫حكْ َم َة مَن َيشَا ُء َومَن ُيؤْ تَ الْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يُؤتِي الْ ِ‬
‫أُوِتيَ خَيْرا َكثِيا وَمَا يَذّ ّك ُر إِل ُأ ْولُواْ ا َللْبَابِ (‪. ﴾ )269‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬الكمة ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والفقه ف القرآن ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا يَذّكّرُ إِل ُأوْلُواْ الَْلبَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العقول ‪ .‬قال‬
‫ال سن ‪ :‬من أع طى القرآن فكأن ا أدر جت النبوة ب ي ج نبيه ‪ ،‬إل أ نه ل‬
‫يوح إليه ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪314‬‬

‫وقال ابن كثي ‪ :‬جاء ف بعض الحاديث ‪ « :‬من حفظ القرآن فقد‬
‫أدرجت النبوة بي كتفيه ‪ ،‬غي أنه ل يوحى إليه » ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَا أَن َفقْتُم مّن ّنفَ َقةٍ أَ ْو َنذَ ْرتُم مّن ّنذْ ٍر َفإِنّ اللّ هَ‬
‫ي ِم ْن أَنصَارٍ (‪. ﴾ )270‬‬
‫َيعْلَ ُمهُ َومَا لِلظّالِمِ َ‬
‫قال ما هد ف قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا أَن َفقْتُم مّ ن ّنفَ َقةٍ َأوْ نَذَرْتُم مّ ن‬
‫نّذْرٍ فَِإنّ اللّ َه َيعْلَمُ هُ ﴾ ويصيه ‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬ث أوعد جل ثناؤه من‬
‫ِنـ‬
‫كانـت نفقتـه رياء ونذوره طاعـة للشيطان فقال ‪ ﴿ :‬وَمَا لِلظّالِمِيَ م ْ‬
‫أَنصَارٍ ﴾ ‪.‬‬
‫خفُوهَا‬
‫ِيـ َوإِن تُ ْ‬
‫ت فَِنعِمّاـ ه َ‬
‫الصـدَقَا ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِن تُ ْبدُوْا ّ‬
‫وَُت ْؤتُوهَا اْلفُ َقرَاء َفهُ َو خَ ْيرٌ ّلكُ مْ َويُ َك ّفرُ عَنكُم مّ ن سَيّئَاِتكُ ْم وَاللّ ُه بِمَا‬
‫َتعْمَلُونَ خَبِيٌ (‪. ﴾ )271‬‬
‫ِيـ ﴾ ‪،‬‬ ‫قال البغوي ‪ ( :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن ُتبْدُوْا ّ‬
‫الصـدَقَاتِ َفِنعِمّاـ ه َ‬
‫أي ‪ :‬نعمت الصلة هي ‪ ،‬وما ف مل الرفع وهي ف مل النصب ‪ ،‬كما‬
‫تقول ‪ :‬نعـم الرجـل رجلً ‪ ،‬فإذا عرفـت رفعـت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬نعـم الرجـل‬
‫زيد ‪ ،‬وأصله ‪ :‬نعم ما ‪ ،‬فوصلت ) ‪ .‬انتهى ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬كل مقبول إذا‬
‫كانت النية صادقة ‪ ،‬وصدقة السر أفضل ‪ ،‬وذكر لنا ‪ ( :‬أن الصدقة تطفئ‬
‫الطيئة كما يطفئ الاء النار ) ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ﴿ :‬إِن ُتبْدُوْا ال صّدَقَاتِ‬
‫خفُوهَا َوُت ْؤتُوهَا اْل ُفقَرَاء َف ُهوَ َخْيرٌ ّلكُمْ ﴾ فجعل ال صدقة‬
‫َفِنعِمّا هِ َي َوإِن تُ ْ‬
‫ال سر ف التطوع تف ضل علني ها ب سبعي ضعفًا ‪ ،‬وج عل صدقة الفري ضة‬
‫‪315‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫علنيتها أفضل من سرها ‪ ،‬يقال بمسة وعشرين ضعفًا ‪ ،‬وكذلك جع‬


‫الفرائض والنوافل والشياء كلها ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬لّيْ سَ عَلَيْ كَ ُهدَاهُ مْ َولَ ـ ِكنّ اللّ َه َي ْهدِي مَن‬
‫سكُ ْم َومَا تُن ِفقُو َن إِل ابِْتغَاء َوجْهِ اللّهِ َومَا‬
‫َيشَا ُء َومَا تُنفِقُواْ مِنْ خَ ْي ٍر فَلنفُ ِ‬
‫تُنفِقُواْ مِ ْن خَيْ ٍر ُيوَفّ إِلَ ْيكُ مْ َوأَنتُ ْم َل تُظْلَمُو نَ (‪ )272‬لِ ْلفُ َقرَاء الّذِي نَ‬
‫ْسـُبهُمُ‬
‫ْضـ َيح َ‬
‫ضرْبا فِي الَر ِ‬
‫َسـتَطِيعُونَ َ‬
‫ّهـ َل ي ْ‬
‫سـبِي ِل الل ِ‬
‫ُحصـرُوْا فِي َ‬
‫أ ِ‬
‫س ِإلْحَافا‬
‫الْجَا ِهلُ أَغْنِيَاء مِ َن التّ َعفّ فِ َت ْع ِرفُهُم بِ سِيمَا ُهمْ َل يَ سَْألُو َن النّا َ‬
‫وَمَا تُنفِقُواْ ِم ْن خَيْ ٍر َفإِ ّن اللّ َه ِبهِ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )273‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ( :‬عن النب أنه كان يأمر بأل يتصدق إل على أهل‬
‫ك هُدَاهُ مْ ﴾ إل آخرها ‪،‬‬ ‫س عََليْ َ‬ ‫السلم ‪ ،‬حت نزلت هذه الية ‪ّ ﴿ :‬ليْ َ‬
‫فأ مر بال صدقة بعد ها على كل من سألك من كل د ين ) رواه ا بن أ ب‬
‫حات ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪ُ ﴿ :‬يوَفّ إَِليْكُ ْم َوأَنتُمْ َل تُظْلَمُونَ ﴾ قال ‪:‬‬
‫هو مردود عل يك فمالك ولذا تؤذ يه وت ن عل يه ‪ ،‬إن ا نفق تك لنف سك‬
‫ْكـ‬
‫ْسـ عََلي َ‬
‫وابتغاء وجـه ال وال يزيـك ‪ .‬وقال السـدي ‪ :‬قوله ‪ّ ﴿ :‬لي َ‬
‫ُسـكُمْ‬
‫ِنـ َخْيرٍ فَلنف ِ‬
‫ّهـ َيهْدِي مَن يَشَا ُء وَمَا تُن ِفقُواْ م ْ‬
‫ُمـ وَلَــكِنّ الل َ‬‫هُدَاه ْ‬
‫س عََليْ كَ هُدَاهُ مْ ﴾ ‪ ،‬فيعن ‪ :‬الشركي ‪ ،‬وأما النفقة فبي‬ ‫﴾ أمّا ‪ّ ﴿ :‬ليْ َ‬
‫أهلها ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬لِ ْل ُفقَرَاء الّذِي نَ أُح صِرُواْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫أح صروا أنف سهم ف سبيل ال للغزو ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬كا نت الرض‬
‫كلها كفرًا ل يستطيع أحد أن يرج يبتغي من فضل ال ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪316‬‬

‫ف َتعْرُِفهُم‬ ‫وقال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬يَحْ َ‬


‫سُبهُ ُم الْجَاهِلُ َأ ْغنِيَاء مِ نَ الّت َعفّ ِ‬
‫بِ سِيمَاهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬التخ شع ‪ .‬وقال الربيع ‪ :‬تعرف ف وجوههم ال هد‬
‫سأَلُو َن النّا سَ إِلْحَافا ﴾ ‪ ،‬ل‬
‫من الا جة ‪ .‬وقال ال سدي ف قوله ‪َ ﴿ :‬ل يَ ْ‬
‫يلحفون ف السألة ‪ .‬وف الصحيحي واللفظ لسلم عن النب قال ‪« :‬‬
‫ليــس الســكي بذا الطوّاف الذي ترده التمرة والتمرتان ‪ ،‬واللقمــة‬
‫واللقمتان ‪ ،‬ولكن السكي الذي ل يد غن يغنيه ‪ ،‬ول يفطن له فيتصدق‬
‫عليـه ‪ ،‬ول يقوم فيسـأل الناس » ‪ .‬وللبخاري ‪ « :‬إناـ السـكي الذي‬
‫يتعفف » ‪ .‬وعن أب سعيد الدري قال ‪ :‬سرحتن أمي إل رسول ال‬
‫أ سأله ‪ ،‬فأتي ته فقعدت قال ‪ :‬فا ستقبلن فقال ‪ « :‬من ا ستغن أغناه ال ‪،‬‬
‫و من ا ستعف أع فه ال ‪ ،‬و من ا ستكف كفاه ال ‪ ،‬و من سأل وله قي مة‬
‫أوقية فقد ألف » ‪ .‬قال فقلت ‪ :‬ناقت الياقوتة خي من أوقية ‪ ،‬فرجعت‬
‫فلم أسأله ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪ ،‬وعن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫« من سأل الناس أموالم تكثرًا فإنا يسأل جرًا ‪ ،‬فليستقل أو ليستكثر »‬
‫‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫سـرّا‬
‫ُونـ َأمْوَالَه ُم بِاللّ ْي ِل وَالّنهَا ِر ِ‬
‫ِينـ يُن ِفق َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬اّلذ َ‬
‫ح َزنُو نَ (‬
‫لنَِيةً فَ َلهُ مْ َأ ْجرُهُ مْ عِندَ َرّبهِ مْ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ ْم وَ َل هُ ْم يَ ْ‬
‫وَعَ َ‬
‫‪. ﴾ )274‬‬
‫كان يقول ‪« :‬‬ ‫قال قتادة ‪ :‬هؤلء أهل النة ‪ ،‬ذكر لنا أن نب ال‬
‫الكثرون هـم القلون » ‪ .‬قالوا ‪ :‬يـا نـب ال إل مـن ؟ ‪ -‬حتـ خشوا أن‬
‫تكون قد م ضت فل يس ل ا رد ‪ -‬ح ت قال ‪ « :‬إل من قال بالال هكذا‬
‫‪317‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وهكذا عن يي نه و عن شاله ‪ ،‬وهكذا ب ي يد يه ‪ ،‬وهكذا خل فه ‪ ،‬وقل يل‬


‫ماهـم ‪ ،‬هؤلء قوم أنفقوا فـ سـبيل ال التـ افترض ‪ ،‬وارتضـى فـ غيـ‬
‫سرف ول إملق ‪ ،‬ول تبذير ول فساد » ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪318‬‬

‫الدرس الثالث والثلثون‬

‫ُهـ‬
‫ُومـ الّذِي يَتَخَبّط ُ‬
‫ُونـ إِل كَمَا َيق ُ‬
‫ُونـ الرّبَا لَ َيقُوم َ‬
‫ِينـ َيأْكُل َ‬
‫﴿ اّلذ َ‬
‫س َذلِ كَ ِبَأّنهُ ْم قَالُواْ ِإنّمَا الْبَيْ ُع مِ ْثلُ الرّبَا َوأَ َحلّ اللّ هُ‬
‫الشّيْطَا ُن مِ نَ الْمَ ّ‬
‫ف َوأَ ْمرُ هُ‬
‫الْبَيْ َع وَ َحرّ َم الرّبَا فَمَن جَاء ُه َموْعِ َظةٌ مّن ّربّ ِه فَانَت َهىَ فَلَ ُه مَا سَلَ َ‬
‫ب النّا ِر هُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ (‪)275‬‬
‫صحَا ُ‬
‫ِإلَى اللّ ِه َومَ نْ عَا َد َفأُ ْولَ ـِئكَ أَ ْ‬
‫حبّ ُكلّ َكفّا ٍر َأثِيمٍ (‪)276‬‬
‫ص َدقَاتِ وَاللّ ُه لَ يُ ِ‬
‫حقُ ال ّلهُ اْلرّبَا َوُيرْبِي ال ّ‬
‫يَمْ َ‬
‫ل َة وَآَت ُواْ الزّكَاةَ َلهُ مْ‬
‫إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوْا وَعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ َوَأقَامُوْا ال صّ َ‬
‫ح َزنُو نَ (‪ )277‬يَا َأيّهَا‬
‫أَ ْج ُرهُ مْ عِندَ َرّبهِ مْ َو َل خَوْ فٌ عَ َل ْيهِ ْم َولَ هُ مْ يَ ْ‬
‫الّذِي نَ آمَنُوْا اتّقُوْا اللّ هَ َوذَرُوْا مَا َبقِ يَ مِ َن ال ّربَا إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (‪)278‬‬
‫ب مّ َن اللّ هِ وَرَ سُوِلهِ َوإِن تُبْتُ ْم فَ َلكُ مْ ُرؤُو سُ‬
‫حرْ ٍ‬
‫َفإِن لّ مْ َت ْفعَلُوْا َفأْ َذنُوْا بِ َ‬
‫س َرةٍ فَنَ ِظ َرةٌ‬
‫َأمْوَاِلكُ مْ َل تَظْلِمُو َن وَ َل تُظْلَمُو نَ (‪َ )279‬وإِن كَا َن ذُو عُ ْ‬
‫ُونـ (‪ )280‬وَاّتقُواْ‬
‫ُمـ َتعْلَم َ‬
‫ُمـ إِن كُنت ْ‬
‫َصـّدقُوْا خَ ْيرٌ ّلك ْ‬
‫ْسـَرةٍ َوأَن ت َ‬
‫ِإلَى مَي َ‬
‫ُمـ لَ‬
‫ت َوه ْ‬
‫َسـبَ ْ‬
‫ْسـ مّاـ ك َ‬
‫ّهـ ثُمّ ُتوَفّىـ ُكلّ َنف ٍ‬
‫ِيهـ ِإلَى الل ِ‬
‫ُونـ ف ِ‬
‫يَوْما ُت ْرجَع َ‬
‫يُظْلَمُونَ (‪. ﴾ )281‬‬
‫***‬
‫‪319‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اّلذِي نَ َيأْكُلُو َن الرّبَا َل َيقُومُو َن إِل كَمَا َيقُو مُ‬


‫ك بَِأّنهُ مْ قَالُواْ إِنّمَا الْبَيْ ُع مِ ْثلُ ال ّربَا‬
‫س َذلِ َ‬
‫الّذِي يَتَخَبّطُ ُه الشّيْطَا ُن مِ َن الْمَ ّ‬
‫وََأ َحلّ اللّ هُ الْبَيْ َع َو َحرّ َم الرّبَا فَمَن جَاء ُه َموْعِ َظةٌ مّ ن ّربّ هِ فَانَتهَ َى فَلَ هُ مَا‬
‫ُمـ فِيهَا‬
‫َصـحَابُ النّارِ ه ْ‬
‫َنـ عَا َد َفُأوْلَــِئكَ أ ْ‬
‫ّهـ َوم ْ‬
‫ُهـ ِإلَى الل ِ‬
‫سـلَفَ َوَأ ْمر ُ‬
‫َ‬
‫خَاِلدُونَ (‪. ﴾ )275‬‬
‫قال ماهـد فـ الربـا الذي نىـ ال عنـه ‪ :‬كانوا فـ الاهليـة يكون‬
‫للر جل على الر جل الد ين فيقول ‪ :‬لك كذا وكذا وتؤ خر ع ن ‪ ،‬فيؤ خر‬
‫عنه ‪.‬‬
‫وقال ف قول ال عز و جل ‪ ﴿ :‬الّذِي َن َيأْكُلُو نَ الرّبَا َل َيقُومُو نَ إِل‬
‫س ﴾ يوم القيامة ف آكل الربا ف‬
‫شيْطَا ُن مِ َن الْ َم ّ‬
‫خبّطُهُ ال ّ‬
‫كَمَا َيقُومُ الّذِي َيتَ َ‬
‫الدن يا ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬ذلك ح ي يب عث من قبه ‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫جبي ‪ :‬يبعث آكل الربا يوم القيامة منونًا ينق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك بَِأّنهُمْ قَالُواْ ِإنّمَا اْلَبيْعُ مِثْلُ ال ّربَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ( :‬أي ‪ :‬ذلك الذي نزل بمـ لقولمـ هذا واسـتحللم‬
‫إياه ‪ ،‬وذلك أن أهـل الاهليـة كان أحدهـم إذا حـل ماله على غريهـ‬
‫فطال به ‪ ،‬فيقول الغر ي ل صاحب ال ق ‪ :‬زد ن ف ال جل ح ت أزيدك ف‬
‫الال ‪ ،‬فيفعلن ذلك ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬سواء علي نا الزيادة ف أول البيع بالر بح‬
‫أو عند الحل لجل التأخي ‪ ،‬فكذبم ال تعال وقال ‪َ ﴿ :‬وأَحَلّ اللّ ُه الَْبيْعَ‬
‫وَحَ ّرمَ ال ّربَا ﴾ ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪320‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن جَاء ُه َموْعِ َظ ٌة مّ ن ّربّ هِ فَانَت َهىَ َفلَ ُه مَا سَلَفَ َوأَمْرُ هُ‬
‫إِلَى اللّهِ ﴾‬
‫قال السدي ‪ :‬أما الوعظة ‪ :‬القرآن ‪ ،‬وأما ما سلف ‪ :‬فله ما أكل من الربا‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعال ﴿ َومَنْ عَادَ َفُأوْلَـئِكَ أَصْحَا ُ‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾‬
‫فيه تديد أكيد ووعيد شديد ‪ ،‬كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يَ ْقتُ ْل ُم ْؤمِنا ّمَتعَمّدا‬
‫َهـ عَذَابا‬
‫َهـ َوَأعَدّ ل ُ‬‫ْهـ وََل َعن ُ‬
‫ّهـ عََلي ِ‬
‫ِبـ الل ُ‬
‫ّمـ خَالِدا فِيه َا َو َغض َ‬
‫ُهـ َج َهن ُ‬
‫جزَآؤ ُ‬
‫فَ َ‬
‫عَظِيما ﴾ ‪ .‬و ف الد يث عن ال نب ‪ « :‬ل عن ال آ كل الر با وموكله ‪،‬‬
‫وكاتبه وشاهديه » ‪ .‬وقال ‪ « :‬هم سواء » ‪ .‬متفق عليه واللفظ لسلم ‪.‬‬
‫و عن عبادة بن ال صامت قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬الذ هب بالذ هب ‪،‬‬
‫والف ضة بالف ضة ‪ ،‬والب بالب ‪ ،‬والشع ي بالشع ي ‪ ،‬والت مر بالت مر ‪ ،‬واللح‬
‫باللح ‪ ،‬مثلً ب ثل ‪ ،‬سواء ب سواء ‪ ،‬يدًا ب يد ‪ ،‬فإذا اختل فت هذه الصناف‬
‫فبيعوا كيف شئتم ‪ ،‬إذا كان يدًا بيد » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫ت وَاللّهُ َل يُحِبّ‬
‫صدَقَا ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَ ْمحَ ُق اللّ ُه الْ ّربَا وَُي ْربِي ال ّ‬
‫ُكلّ َكفّارٍ َأثِيمٍ (‪. ﴾ )276‬‬
‫عن ابن مسعود عن النب قال ‪ « :‬إن الربا وإن أكثر ‪ ،‬فإن عاقبته‬
‫تصي إل قل » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويُرْبِي ال صّدَقَاتِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يبارك في ها ف الدن يا ‪،‬‬
‫ويضاعـف أجرهـا فـ الخرة ‪ .‬وروى البخاري ومسـلم عـن أبـ هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬من تصدق بعدل ترة من كسب طيب ‪ ،‬ول‬
‫‪321‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يقبل ال إل الطيب ‪ ،‬فإن ال يتقبلها بيمينه ث يربيها لصاحبها ‪ ،‬كما يرب‬


‫أحدكم فلوّه ‪ ،‬حت تكون مثل البل » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّهُ َل يُ ِ‬
‫حبّ كُلّ َكفّارٍ َأثِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ل يب كفور القلب ‪ ،‬أثيم القول والفعل ‪.‬‬
‫ِينـ آمَنُواْ وَعَ ِملُوْا الصـّالِحَاتِ َوَأقَامُواْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذ َ‬
‫ل َة وَآَتوُْا الزّكَا َة َلهُ ْم أَ ْج ُرهُ مْ عِندَ َرّبهِ مْ َولَ خَوْ فٌ عَلَ ْيهِ ْم َولَ هُ مْ‬
‫ال صّ َ‬
‫ح َزنُونَ (‪. ﴾ )277‬‬
‫يَ ْ‬
‫هذا مدح مـن ال تعال للمؤمنيـ الطيعيـ لمره ‪ ،‬الحسـني إل‬
‫خلقه ‪ ،‬وإخبار عما أعد لم من الكرامة يوم القيامة ‪.‬‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ اّتقُوْا اللّ َه َوذَرُوْا مَا َبقِ يَ مِ نَ ال ّربَا إِن‬
‫حرْبٍ مّنَ اللّ ِه وَرَسُوِل ِه وَإِن‬
‫كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (‪َ )278‬فإِن لّ ْم َتفْعَلُواْ َف ْأ َذنُواْ بِ َ‬
‫س َأمْوَاِل ُكمْ َل تَظْلِمُو َن وَ َل تُظْلَمُونَ (‪. ﴾ )279‬‬
‫تُبُْتمْ فَ َل ُكمْ ُرؤُو ُ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقد ذكر زيد بن أسلم وابن جريج ومقاتل بن حيان‬
‫والسدي ‪ ( :‬أن هذا السياق نزل ف بن عمرو بن عمي من ثقيف ‪ ،‬وبن‬
‫الغية من ب ن مزوم ‪ ،‬كان بين هم ر با ف الاهل ية ‪ ،‬فل ما جاء ال سلم‬
‫ودخلوا فيـه ‪ ،‬طلبـت ثقيـف أن تأخذه منهـم فتشاوروا ‪ ،‬وقالت بنـو‬
‫الغية ‪ :‬ل نؤدي الربـا فـ السـلم بكسـب السـلم ‪ ،‬فكتـب فـ ذلك‬
‫عتاب بن أسيد نائب مكة إل رسول ال فنلت هذه الية ‪ ،‬فكتب با‬
‫رسول ال إليه ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ اّتقُواْ اللّهَ وَذَرُوْا مَا َبقِ َي مِنَ ال ّربَا‬
‫حرْ بٍ مّ نَ اللّ ِه وَرَ سُولِهِ ﴾ فقالوا‬ ‫إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ * َفإِن لّ ْم َت ْفعَلُواْ َفأْ َذنُواْ بِ َ‬
‫‪ :‬نتوب إل ال ونذر ما بقي من الربا ‪ ،‬فتركوا كلهم ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪322‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬فمن كان مقيمًا على الربا ل ينع عنه ‪ ،‬فحق على‬
‫إمام السلمي أن يستتيبه ‪ ،‬فإن نزع وإل ضرب عنقه ‪ ،‬وقال أيضًا يقال ‪:‬‬
‫يوم القيامة لكل الربا ‪ :‬خذ سلحك للحرب ‪.‬‬
‫ُونـ وَلَ‬
‫ُمـ َل تَظِْلم َ‬
‫ُوسـ َأ ْموَالِك ْ‬
‫ُمـ ُرؤ ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن ُتْبت ْ‬
‫ُمـ فََلك ْ‬
‫تُظْلَمُونَ ﴾ ‪ .‬قال الضحاك ‪ :‬وضع ال الربا ‪ ،‬وجعل لم رؤوس أموالم ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذ كر ل نا أن ال نب قال ف خطب ته ‪ « :‬أل إن ر با الاهل ية‬
‫موضوع كله ‪ ،‬أول ربا ابتدء به ربا العباس بن عبد الطلب » ‪ .‬وقال ابن‬
‫زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬فََلكُ مْ ُرؤُو سُ َأ ْموَالِكُ مْ َل تَظِْلمُو نَ وَ َل تُظَْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬ل‬
‫تنقصون من أموالكم ‪ ،‬ول تأخذون باطلً ل يل لكم ‪.‬‬
‫ص ّدقُواْ‬
‫س َرةٍ َوأَن تَ َ‬
‫س َر ٍة فَنَ ِظ َرةٌ ِإلَى مَيْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِن كَا َن ذُو عُ ْ‬
‫خَ ْيرٌ ّلكُ ْم إِن كُنُت ْم َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )280‬‬
‫قال الضحاك ‪ :‬مـن كان ذا عسـرة فنظرة إل ميسـرة ‪ ،‬وأن تصـدقوا‬
‫خي لكم ‪ ،‬قال ‪ :‬وكذلك كل دين على مسلم ‪ ،‬وف الديث عن النب‬
‫قال ‪ « :‬مـن نفّس عـن غريهـ أو ماـ عنـه ‪ ،‬كان فـ ظـل العرش يوم‬
‫القيامة » ‪ .‬و ف الد يث ال خر عن ال نب ‪ « :‬أ تى ال بع بد من عبيده‬
‫يوم القيا مة ‪ ،‬قال ‪ :‬ما ذا عملت ل ف الدن يا ؟ فقال ‪ :‬ما عملت لك يا‬
‫رب مثقال ذرة ف الدنيا أرجوك با ؟ قالا ثلث مرات ‪ .‬قال العبد عند‬
‫ل أبايـع‬
‫آخرهـا ‪ :‬يـا رب إنـك كنـت أعطيتنـ فضـل مال ‪ ،‬وكنـت رج ً‬
‫الناس ‪ ،‬وكان من خلِقي الواز ‪ ،‬فكنت أيسر على الوسر وأُنظر العسر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيقول ال عز وجل ‪ :‬أنا أحق من يي سّر ‪ ،‬ادخل النة » ‪ .‬أخرجه‬
‫أبو يعلى الوصلي ونوه ف البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫‪323‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاتّقُواْ َيوْما ُترْ َجعُو َن فِي ِه ِإلَى اللّ هِ ُثمّ ُت َوفّى ُكلّ‬
‫ت َوهُ ْم َل يُظْلَمُونَ (‪. ﴾ )281‬‬
‫َنفْسٍ مّا َكسَبَ ْ‬
‫قال ا بن عباس ‪ ( :‬هذه آ خر آ ية نزلت على ر سول ال ‪ ،‬فقال له‬
‫جبيـل عليـه السـلم ‪ :‬ضعهـا على رأس مائتيـ وثانيـ آيـة مـن سـورة‬
‫البقرة ‪ ،‬وعاش بعدها رسول ال إحدى وعشرين يومًا ) ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪324‬‬

‫الدرس الرابع والثلثون‬

‫﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ ِإذَا َتدَايَنتُم ِبدَيْ ٍن ِإلَى أَ َج ٍل مّ سَمّى فَاكْتُبُو هُ‬
‫ب أَ ْن يَكْتُبَ كَمَا عَلّمَهُ اللّهُ‬
‫وَلَْيكْتُب بّيَْنكُمْ كَاتِبٌ بِاْلعَ ْدلِ َولَ َيأْبَ كَاتِ ٌ‬
‫س مِنْ ُه شَيْئا‬
‫حقّ َولْيَتّ قِ اللّ هَ َربّ ُه َولَ يَبْخَ ْ‬
‫ب َولْيُمْ ِللِ اّلذِي عَلَيْ هِ الْ َ‬
‫فَلَْيكْتُ ْ‬
‫ضعِيفا َأوْ َل يَ سْتَطِي ُع أَن يُ ِملّ ُهوَ‬
‫فَإن كَا َن الّذِي عَلَيْ ِه الْحَقّ َسفِيها َأوْ َ‬
‫شهِدُواْ َشهِيدَيْ نِ من ّرجَالِكُ ْم َفإِن لّ ْم يَكُونَا‬
‫فَلْيُمْ ِل ْل َولِيّ هُ بِاْلعَ ْدلِ وَا سَْت ْ‬
‫ض ّل إْ ْحدَاهُمَا‬
‫ش َهدَاء أَن تَ ِ‬
‫ضوْ نَ مِ نَ ال ّ‬
‫َرجُلَيْ ِن َفرَ ُج ٌل وَا ْم َرأَتَا ِن مِمّ ن َترْ َ‬
‫ب الشّ َهدَاء ِإذَا مَا دُعُواْ َولَ تَ سَْأ ُموْْا أَن‬
‫فَُتذَ ّكرَ ِإ ْحدَاهُمَا الُ ْخرَى َولَ َيأْ َ‬
‫صغِيا أَو كَبِيا ِإلَى َأجَلِ ِه َذلِكُ ْم َأقْ سَطُ عِندَ اللّ ِه َوأَقْو مُ لِلشّهَا َدةِ‬
‫تَكْتُُبوْ هُ َ‬
‫ض َرةً ُتدِيرُونَهَا بَيَْنكُم ْـ فَلَيْسَـ‬
‫وََأدْنَى أَل َت ْرتَابُوْا إِل أَن َتكُونَـ تِجَا َر ًة حَا ِ‬
‫ِبـ َولَ‬
‫ُمـ وَ َل يُضَآرّ كَات ٌ‬
‫َاحـ أَل َتكْتُبُوهَا َوَأشْ ِه ُدوْْا ِإذَا تَبَايَعْت ْ‬
‫ُمـ جُن ٌ‬
‫عَلَ ْيك ْ‬
‫ق ِبكُ مْ وَاتّقُوْا اللّ هَ َوُيعَلّ ُمكُ ُم اللّ ُه وَاللّ ُه بِ ُكلّ‬
‫شَهِي ٌد َوإِن َت ْفعَلُوْا َفإِنّ هُ فُ سُو ٌ‬
‫َانـ‬
‫جدُواْ كَاتِبا َف ِره ٌ‬
‫َمـ تَ ِ‬
‫سـَفرٍ َول ْ‬
‫ُمـ عَلَى َ‬
‫ِيمـ (‪ )282‬وَإِن كُنت ْ‬
‫شَيْءٍ عَل ٌ‬
‫ضكُم َبعْضا فَلُْي َؤ ّد الّذِي اؤْتُمِ َن َأمَانَتَهُ َولْيَتّقِ اللّهَ َربّهُ‬
‫ض ٌة َفإِنْ َأمِ َن بَعْ ُ‬
‫ّمقْبُو َ‬
‫شهَا َدةَ َومَن َيكْتُ ْمهَا َفِإنّ هُ آثِ ٌم قَلْبُ ُه وَاللّ هُ بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ‬
‫وَ َل َتكْتُمُوْا ال ّ‬
‫(‪. ﴾ )283‬‬
‫***‬
‫‪325‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُوْا ِإذَا َتدَايَنتُم ِب َديْ نٍ ِإلَى َأ َجلٍ‬
‫ب أَ ْن َيكْتُبَ‬
‫ب بِالْ َعدْ ِل َولَ َيأْبَ كَاتِ ٌ‬
‫مّسَمّى فَاكْتُبُوهُ َولَْيكْتُب بّيَْنكُمْ كَاتِ ٌ‬
‫كَمَا عَلّمَ هُ اللّ هُ فَلَْيكْتُ بْ َولْيُمْ ِل ِل اّلذِي عَ َليْ ِه الْحَقّ َولْيَتّ قِ اللّ هَ َربّ هُ َولَ‬
‫ضعِيفا َأوْ لَ‬
‫سـفِيها َأوْ َ‬
‫ْهـ الْحَقّ َ‬
‫َانـ اّلذِي عَلَي ِ‬
‫ْهـ شَيْئا فَإن ك َ‬
‫َسـ مِن ُ‬
‫يَبْخ ْ‬
‫َيسْتَطِي ُع أَن يُ ِم ّل هُ َو فَلْيُمْ ِل ْل َولِّيهُ بِالْ َع ْدلِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِ َديْ نٍ‬
‫ُوهـ ﴾ أنزلت فـ السـلم إل أجـل معلوم ‪ .‬وقال‬ ‫ّسـمّى فَا ْكتُب ُ‬
‫إِلَى أَجَ ٍل م َ‬
‫الضحاك ‪ :‬من باع إل أ جل م سمى أ مر أن يك تب صغيًا كان أو كبيًا‬
‫إل أجـل مسـمى ‪ .‬قال الربيـع فكان هذا واجب ًا ‪ ،‬ثـ قامـت الرخصـة‬
‫والسعة ‪ ،‬قال ‪ ﴿ :‬فَإِ نْ َأمِ َن َب ْعضُكُم َبعْضا َف ْلُيؤَ ّد الّذِي ا ْؤتُمِ نَ َأمَاَنتَ ُه وَْليَتّ قِ‬
‫اللّهَ َربّهُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَْلَيكْتُب ّبيَْنكُ مْ كَاتِ بٌ بِاْلعَدْلِ ﴾ ات قى ال‬
‫كاتب ف كتابه ‪ ،‬فل يدعن منه حقًا ‪ ،‬ول يزيدن فيه باطلً ‪.‬‬
‫وعن ماهد ف قول ال عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َل َيأْبَ كَاتِبٌ أَنْ َي ْكتُبَ َكمَا‬
‫عَلّمَهُ اللّهُ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬واجب على الكاتب أن يكتب ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬وَلَ‬
‫يَأْبَ كَاِتبٌ َأ ْن يَ ْكُتبَ إن كان فارغًا ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَْليُمْلِلِ الّذِي عََليْ هِ الْ َ‬
‫حقّ وَْليَتّ قِ اللّ هَ‬
‫س ِمنْهُ َشيْئا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬ل ينقص من حق هذا الرجل شيئًا إذا‬
‫َربّ ُه وَ َل َيبْخَ ْ‬
‫أملى ‪.‬‬
‫ضعِيفا َأوْ لَ‬
‫سـفِيها َأوْ َ‬
‫ْهـ الْحَقّ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإن ك َ‬
‫َانـ الّذِي عََلي ِ‬
‫ّهـ بِاْلعَدْلِ ﴾ ‪ .‬قال ماهـد ‪ :‬أمـا السـفيه‬
‫َسـتَطِيعُ أَن يُمِ ّل ُهوَ فَ ْليُمِْل ْل وَِلي ُ‬
‫ي ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪326‬‬

‫فالاهل بالملء والمور ‪ ،‬وقال أيضًا ‪ :‬أما الضعيف فالحق ‪ .‬وقال ابن‬
‫ستَطِيعُ أَن‬
‫ضعِيفا َأوْ لَ يَ ْ‬
‫عباس ‪ ﴿ :‬فَإن كَا نَ الّذِي عََليْ هِ الْحَقّ َسفِيها َأوْ َ‬
‫ـ بِاْلعَدْلِ ﴾ ‪ ،‬يقول إن عجـز عـن ذلك أملى ولّـ‬ ‫يُمِ ّل ُهوَ فَ ْليُمِْل ْل وَِليّه ُ‬
‫صاحب الد ين بالعدل ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬أ مر ول ال سفيه والضع يف أن‬
‫يل بالعدل ‪.‬‬
‫ش ِهدُوْا شَهِي َديْ نِ من ّرجَاِلكُ ْم َفإِن لّ ْم َيكُونَا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَا سْتَ ْ‬
‫ض ّل إْ ْحدَاهُمَا‬
‫ش َهدَاء أَن تَ ِ‬
‫ضوْ نَ مِ نَ ال ّ‬
‫َرجُلَيْ ِن َفرَ ُج ٌل وَا ْم َرأَتَا ِن مِمّ ن َترْ َ‬
‫ب الشّ َهدَاء ِإذَا مَا دُعُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫فَُتذَ ّكرَ ِإ ْحدَاهُمَا ا ُلخْرَى وَ َل َيأْ َ‬
‫قال ماهد ‪ ﴿ :‬وَاسْتَ ْ‬
‫شهِدُوْا َشهِي َديْ نِ من رّجَاِلكُمْ ﴾ قال ‪ :‬الحرار ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ ( :‬يعنـ ‪ :‬الحرار السـلمي دون العبيـد والصـبيان ‪ ،‬وهـو‬
‫قول أكثر أهل العلم ‪ .‬وأجاز شريح وابن سيين شهادة العبيد ) ‪ .‬انتهى‬
‫شهِدُواْ َشهِي َديْنِ من رّجَاِلكُمْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫‪ .‬وقال الربيع ف قوله ‪ ﴿ :‬وَا ْستَ ْ‬
‫ف الدّ ين ﴿ َفإِن لّ ْم َيكُونَا رَجَُليْ نِ َفرَجُلٌ وَامْ َرَأتَا نِ ﴾ وذلك ف الد ين‬
‫شهَدَاء ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬عدول ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬علم‬ ‫ضوْ نَ مِ نَ ال ّ‬
‫‪ ﴿ .‬مِمّ ن تَرْ َ‬
‫ال أن ستكون حقوق ‪ ،‬فأخذ لبعضهم من بعض الثقة ‪ ،‬فخذوا بثقة ال ‪،‬‬
‫فإنـه أطوع لربكـم وأدرك لموالكـم ‪ ،‬ولعمري لئن كان تقيّاـ ل يزيـد‬
‫ـ أن يؤدي إذا علم أن عليـه‬ ‫الكتاب إل خيًا ‪ ،‬وإن كان فاجرًا فبالري ّ‬
‫شهودًا ‪.‬‬
‫وقال الربيـع ‪ ﴿ :‬أَن َتضِلّ إْحْدَاهُم َا َفتُذَكّرَ إِحْدَاهُم َا الُخْرَى ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬أن تنسى إحداها فتذكرها الخرى ‪.‬‬
‫‪327‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال قتادة ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َيأْ بَ الشّهَدَاء إِذَا مَا ُدعُواْ ﴾ قال ‪:‬‬
‫ل تأب أن تشهد إذا ما دعيت إل شهادة ‪ .‬وكان السن يقول ف قوله ‪:‬‬
‫شهَدَاء ِإذَا مَا ُدعُواْ ﴾ ‪ .‬ج عت أمر ين ‪ :‬ل تأب إذا كا نت‬
‫﴿ وَ َل َيأْ بَ ال ّ‬
‫عندك شهادة أن تشهد ‪ ،‬ول تأب إذا دعيت إل شهادة ‪.‬‬
‫صغِيا أَو َكبِيا إِلَى َأجَلِ هِ‬
‫سأَ ُم ْواْ أَن َتكْتُبُوْهُ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ تَ ْ‬
‫َذلِكُ مْ َأقْ سَطُ عِندَ اللّ هِ وََأقْو ُم لِلشّهَا َدةِ َوَأدْنَى أَل َترْتَابُوْا إِل أَن تَكُو نَ‬
‫َاحـ أَل تَكْتُبُوه َا‬
‫ُمـ جُن ٌ‬
‫ْسـ َعلَ ْيك ْ‬
‫ُمـ فَلَي َ‬
‫ض َر ًة ُتدِيرُونَه َا بَيَْنك ْ‬
‫تِجَا َر ًة حَا ِ‬
‫ب وَ َل َشهِي ٌد َوإِن َت ْفعَلُوْا َفإِنّ ُه فُ سُوقٌ‬
‫وََأ ْشهِ ُد ْواْ ِإذَا تَبَاَيعْتُ ْم َولَ يُضَآرّ كَاتِ ٌ‬
‫بِ ُك ْم وَاّتقُواْ ال ّل َه وَُيعَلّ ُم ُكمُ ال ّلهُ وَال ّلهُ ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )282‬‬
‫صغِيا أَو َكبِيا إِلَى أَجَلِ هِ ﴾ ‪.‬‬ ‫قال ماهد ‪ ﴿ :‬وَ َل تَ ْ‬
‫سأَ ُم ْواْ أَن تَ ْكُتُبوْ هُ َ‬
‫قال ‪ :‬هو الدّين ‪.‬‬
‫وقال ال سدي ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬ذَِلكُ مْ أَقْ سَ ُ‬
‫ط عِندَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أعدل‬
‫عند ال ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬ذَِلكُمـْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الكتاب ‪ ﴿ ،‬أَقْسـَطُ ﴾ أعدل‬
‫ـ ﴾ لنـه أمـر بـه واتباع أمره أعدل مـن تركـه وأقوم‬‫‪ ﴿ ،‬عِندَ اللّه ِ‬
‫للشهادة ‪ ،‬لن الكتابـة تذكـر الشهود ‪َ ﴿ ،‬وأَدْنَـى ﴾ وأحرى وأقرب‬
‫إل ﴿ أَل تَ ْرتَابُواْ ﴾ ‪ ،‬تشكوا ف الشهادة ‪.‬‬
‫وقال السـدي ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬إِل أَن تَكُون َ‬
‫ـ تِجَا َرةً حَاضِ َر ًة تُدِيرُونَهَـا‬
‫َبيَْنكُمْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬معكم بالبلد ترونا فتؤخذ وتعطى ‪ ،‬فليس على هؤلء‬
‫جناح أل يكتبوهـا ‪ .‬وقال الربيـع ‪ :‬قلت للحسـن ‪ :‬أرأيـت قول ال عـز‬
‫الزء الول‬ ‫‪328‬‬

‫ُمـ ﴾ ؟ قال ‪ :‬إن أشهدت عليـه فهـو ثقـة‬


‫وجـل ‪َ ﴿ :‬وَأ ْشهِ ُد ْواْ إِذَا َتبَايَ ْعت ْ‬
‫للذي لك ‪ ،‬وإن ل تشهـد عليـه فل بأس ‪ .‬قال ابـن كثيـ ‪ :‬وهذا المـر‬
‫ممول عند المهور على الرشاد والندب ‪ ،‬ل على الوجوب ‪.‬‬
‫وقال ماهد ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ُيضَآرّ كَاتِ ٌ‬
‫ب وَلَ َشهِيدٌ ﴾ ‪ .‬يقول‬
‫‪ :‬ل يأتـ الرجـل فيقول ‪ :‬انطلق فاكتـب ل واشهـد ل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إن ل‬
‫حا جة فالت مس غيي ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ا تق ال فإ نك قد أمرت أن تك تب ل ‪،‬‬
‫فهذه الضارة ‪ .‬ويقول ‪ :‬دعه والتمس غيه ‪ ،‬والشاهد بتلك النلة ‪ .‬وقال‬
‫ـه يكون‬ ‫ـ وَلَ َشهِيدٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إنـ‬‫ـن عباس ‪ ﴿ :‬وَلَ ُيضَآرّ كَاتِب ٌ‬ ‫ابـ‬
‫للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد فيقول ‪ :‬خلوا سبيله ‪ .‬وقال أيضًا ‪:‬‬
‫والضرار أن يقول الر جل للر جل و هو ع نه غ ن ‪ :‬إن ال قد أمرك أن ل‬
‫تأ ب إذا دع يت ‪ ،‬فيضاره بذلك و هو مك تف بغيه ‪ ،‬فنهاه ال عز و جل‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬والفسـوق‬‫ّهـ فُسـُوقٌ بِك ْ‬
‫عـن ذلك وقال ‪َ ﴿ :‬وإِن َت ْفعَلُواْ فَِإن ُ‬
‫العصية ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ اللّ هَ َويُعَلّ ُمكُ مُ اللّ هُ وَاللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِي مٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الضحاك ‪ :‬هذا تعليم علمكموه فخذوا به ‪.‬‬
‫جدُواْ كَاتِبا َفرِهَا نٌ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِن كُنتُ مْ عَلَى َسفَ ٍر َولَ مْ تَ ِ‬
‫ضكُم َبعْضا فَلُْي َؤ ّد الّذِي اؤْتُمِ َن َأمَانَتَهُ َولْيَتّقِ اللّهَ َربّهُ‬
‫ض ٌة َفإِنْ َأمِ َن بَعْ ُ‬
‫ّمقْبُو َ‬
‫شهَا َدةَ َومَن َيكْتُ ْمهَا َفِإنّ هُ آثِ ٌم قَلْبُ ُه وَاللّ هُ بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ‬
‫وَ َل َتكْتُمُوْا ال ّ‬
‫(‪. ﴾ )283‬‬
‫‪329‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال الرب يع ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وإِن كُنتُ ْم عَلَى َسفَ ٍر وَلَ ْم تَجِدُواْ كَاتِبا ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫ضةٌ ﴾ ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬ما كان من‬ ‫كاتبًا يكتب لكم ‪َ ﴿ ،‬ف ِرهَا ٌن ّمقْبُو َ‬
‫بيع إل أجل فأمر ال عز وجل ‪ :‬أن يكتب وليشهد عليه ‪ ،‬وذلك ف القام‬
‫‪ ،‬فإن كان قوم على سفر تبايعوا إل أجل فلم يدوا فرهان مقبوضة ‪.‬‬
‫َهـ‬
‫ِنـَأمَاَنت ُ‬
‫ِنـ َبعْضُكُم َبعْضا فَ ْلُيؤَ ّد الّذِي ا ْؤتُم َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإ ْ‬
‫ِنـَأم َ‬
‫وَْليَتّقِ اللّهَ َربّهُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ( :‬فإن كان الذي عليه الق أمينًا عند صاحب الق فلم‬
‫يرت ن م نه شيئًا ل سن ظ نه به ‪ ﴿ ،‬فَ ْلُيؤَدّ الّذِي ا ْؤتُمِ نَ َأمَاَنتَ هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫فليقضه على المانة ‪ ﴿ ،‬وَْلَيتّقِ اللّهَ َربّهُ ﴾ ف أداء الق ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل َتكْتُمُواْ ال ّ‬
‫شهَا َدةَ َومَن َي ْكتُ ْمهَا َفِإنّ هُ آثِ مٌ َق ْلبُ هُ وَاللّ هُ‬
‫بِمَا َتعْ َملُو نَ عَلِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال السدي ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْكتُ ْمهَا فَِإنّ هُ آثِ مٌ قَ ْلبُ هُ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬فاجـر قلبـه ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬إذا كانـت عندك شهادة فسـألك‬
‫عنها فأخبه با ‪ ،‬ول تقل ‪ :‬أخب با عند المي ‪ :‬أخبه با لعله يراجع أو‬
‫يرعوي ‪ .‬انتهى ‪ .‬وقد قال ال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ كُونُواْ َقوّامِيَ‬
‫سكُمْ َأوِ اْلوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َربِيَ إِن َيكُ نْ َغِنيّا‬‫بِاْلقِ سْطِ ُشهَدَاء لِلّ ِه وََل ْو عَلَى أَنفُ ِ‬
‫َأوْ َفقَيا فَاللّ هُ َأوْلَى ِبهِمَا َفلَ َتّتِبعُوْا اْلهَوَى أَن َتعْدِلُواْ َوإِن تَ ْلوُواْ َأ ْو ُتعْرِضُواْ‬
‫فَِإنّ اللّهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيا ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪330‬‬

‫الدرس الامس والثلثون‬

‫سكُمْ‬
‫ض َوإِن تُ ْبدُواْ مَا فِي أَنفُ ِ‬
‫ت وَمَا فِي الَرْ ِ‬
‫﴿ لّلّ هِ ما فِي ال سّمَاوا ِ‬
‫خفُو ُه يُحَا سِ ْبكُم بِ ِه اللّ هُ فََيغْ ِفرُ لِمَن َيشَاءُ وَُي َعذّ بُ مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ‬
‫أَ ْو تُ ْ‬
‫ّهـ‬
‫ْهـ م ِن ّرب ِ‬
‫َنـ الرّسـُو ُل بِم َا أُنزِ َل ِإلَي ِ‬
‫عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )284‬آم َ‬
‫ق بَيْنَ َأ َحدٍ مّن‬
‫وَالْ ُم ْؤمِنُونَ ُكلّ آمَ َن بِاللّهِ َومَلِئكَتِ ِه وَكُتُبِ ِه وَرُسُ ِلهِ َل ُن َفرّ ُ‬
‫صيُ (‪ )285‬لَ‬
‫رّ سُ ِلهِ َوقَالُواْ سَ ِمعْنَا وَأَ َطعْنَا ُغ ْفرَانَ كَ َربّنَا َوإِلَيْ كَ الْمَ ِ‬
‫ت وَعَلَ ْيهَا مَا اكْتَ سَبَتْ َربّنَا لَ‬
‫ف اللّ هُ َنفْسا إِل وُ ْسعَهَا َلهَا مَا كَ سََب ْ‬
‫يُكَلّ ُ‬
‫ح ِملْ عَلَيْنَا إِ صْرا كَمَا حَمَلْتَ هُ‬
‫تُؤَاخِذْنَا إِن نّ سِينَا أَ ْو َأخْطَأْنَا َربّنَا َولَ تَ ْ‬
‫حمّلْنَا مَا لَ طَا َقةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَا ْغفِرْ‬
‫عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا َربّنَا َولَ تُ َ‬
‫صرْنَا عَلَى اْل َقوْمِ اْلكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )286‬‬
‫ت َموْ َلنَا فَان ُ‬
‫لَنَا وَا ْرحَمْنَا أَن َ‬

‫***‬
‫‪331‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض َوإِن تُ ْبدُواْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬لّلّهِ ما فِي السّمَاواتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫خفُوهُ يُحَاسِ ْبكُم بِهِ اللّ ُه فََي ْغفِ ُر لِمَن َيشَا ُء َويُ َعذّبُ مَن‬
‫سكُ ْم َأوْ تُ ْ‬
‫مَا فِي أَنفُ ِ‬
‫َيشَا ُء وَال ّلهُ َعلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪. ﴾ )284‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬لّلّ هِ ما فِي ال سّمَاوا ِ‬
‫ت َومَا فِي الَرْ ضِ ﴾ خلفًا وملكًا‬
‫خفُو هُ يُحَا ِسْبكُم بِ هِ اللّ هُ َفَي ْغفِ ُر‬‫سكُمْ َأ ْو تُ ْ‬
‫وعبيدًا ‪َ ﴿ .‬وإِن تُبْدُوْا مَا فِي أَنفُ ِ‬
‫ب مَن يَشَا ُء وَاللّ هُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪ .‬روى المام‬ ‫لِمَن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ‬
‫أحد وغيه عن أب هريرة قال ‪ ( :‬لا نزلت على رسول ال ‪ ﴿ :‬لّلّهِ ما‬
‫خفُوهُـ‬ ‫ت وَمَا فِي الَرْضِـ َوإِن ُتبْدُوْا مَا فِي أَنفُسِـكُمْ َأوْ ُت ْ‬ ‫فِي السّـمَاوا ِ‬
‫يُحَا ِسْبكُم بِ هِ اللّ هُ َفَيغْفِرُ ِلمَن يَشَا ُء َوُيعَذّ بُ مَن يَشَا ُء وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ‬
‫قَدِيرٌ ﴾ اشتـد ذلك على أصـحاب رسـول ال فأتوا رسـول ال ثـ‬
‫جثوا على الر كب وقالوا ‪ :‬يا ر سول ال كلّف نا من العمال ما نط يق ‪:‬‬
‫الصلة ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬والهاد ‪ ،‬والصدقة ‪ ،‬وقد أنزلت عليك هذه الية ول‬
‫نطيقهـا ‪ :‬فقال رسـول ال ‪ « :‬أتريدون أن تقولوا كمـا قال أهـل‬
‫الكتابي من قبلكم سعنا وعصينا ؟ بل قولوا ‪ :‬سعنا وأطعنا غفرانك ربنا‬
‫وإليك الصي » ‪ ،‬فلما أق ّر با القوم وذلّت با ألسنتهم أنزل ال ف أثرها ‪:‬‬
‫﴿ آمَ نَ الرّ سُو ُل بِمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِن ّربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ كُلّ آمَ َن بِاللّ هِ َومَلِئكَتِ هِ‬
‫ق َبيْ نَ َأحَ ٍد مّن رّ سُلِهِ وَقَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا ُغفْرَانَ كَ‬
‫وَ ُكتُبِ ِه وَرُ سُلِهِ َل ُنفَرّ ُ‬
‫َصـيُ ﴾ ‪ ،‬فلمـا فعلوا ذلك نسـخها ال فأنزل ال ‪ ﴿ :‬لَ‬ ‫ْكـ الْم ِ‬‫َربّنَا َوإَِلي َ‬
‫سبَتْ َربّنَا لَ‬ ‫ت َوعََليْهَا مَا ا ْكتَ َ‬‫سَب ْ‬ ‫يُكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سا إِل وُ ْسعَهَا لَهَا مَا كَ َ‬
‫ُتؤَاخِ ْذنَا إِن نّسِينَا َأوْ َأخْ َط ْأنَا ﴾ ) ‪ .‬إل آخره ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪332‬‬

‫ول سلم ‪ ( :‬ول ا فعلوا ذلك ن سخها ال فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬ل يُكَلّ فُ اللّ هُ‬
‫سبَتْ َربّنَا َل ُتؤَاخِذْنَا إِن‬ ‫سَبتْ َوعََليْهَا مَا اكْتَ َ‬
‫َنفْ سا إِل وُ ْس َعهَا لَهَا مَا كَ َ‬
‫نّ سِينَا َأوْ أَخْ َطأْنَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ « :‬ن عم رب نا » ‪ ﴿ ،‬وَلَ َتحْمِ ْل عََليْنَا إِ صْرا‬
‫كَمَا َحمَ ْلتَ ُه عَلَى الّذِي نَ مِن َقْبِلنَا ﴾ قال ‪ « :‬نعم ربنا » ‪ ﴿ ،‬وَلَ ُتحَمّ ْلنَا‬
‫ف َعنّ ا وَا ْغفِرْ لَنَا وَارْ َحمْنَا‬
‫مَا َل طَاَقةَ لَنَا بِ هِ ﴾ قال ‪ « :‬ن عم » ‪ ﴿ ،‬وَاعْ ُ‬
‫ت َموْلَنَا فَانصُ ْرنَا عَلَى اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ ﴾ قال ‪ « :‬نعم » ‪.‬‬ ‫أَن َ‬
‫وف رواية له من حديث ابن عباس ‪ :‬قال ‪ ( :‬قد فعلت ) ‪.‬‬
‫قال ا بن ح جر ف ( ف تح الباري ) ‪ ( :‬والراد بقوله ‪ :‬ن سختها أي ‪:‬‬
‫أزالت ما تضمنته من الشدة ‪ ،‬وبينت أنه وإن وقعت الحاسبة به ‪ ،‬لكنها‬
‫ل تقـع الؤاخذة بـه ؛ أشار إل ذلك الطـبي ‪ ،‬فرارًا مـن إثبات دخول‬
‫الن سخ ف الخبار ‪ ،‬وأج يب بأ نه وإن كان خبًا لك نه يتض من حكمًا ‪،‬‬
‫ومهمـا كان مـن الخبار يتضمـن الحكام ‪ ،‬أمكـن دخول النسـخ فيـه‬
‫كسائر الحكام ‪ ،‬وإنا الذي ل يدخله النسخ من الخبار ‪ ،‬ما كان خبًا‬
‫مضًا ل يتض من حكمًا ‪ ،‬كالخبار عما مضى من أحاديث المم ونو‬
‫ذلك ؛ ويتمـل أن يكون الراد بالنسـخ فـ الديـث ‪ :‬التخصـيص ‪ ،‬فإن‬
‫التقدميـ يطلقون لفـظ النسـخ عليـه كثيًا ‪ ،‬والراد بالحاسـبة باـ يفـي‬
‫النسان ما يصمم عليه ويشرع فيه ‪ ،‬دون ما يطر ول يستمر عليه ‪ .‬وال‬
‫أعلم ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروى الماعـة مـن حديـث أبـ هريرة عـن النـب قال ‪ « :‬إن ال‬
‫تاوز ل عن أمت ما حدثت به أنفسها ‪ ،‬ما ل تكلم أو تعمل » ‪.‬‬
‫‪333‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬آمَ َن الرّ سُو ُل بِمَا أُن ِزلَ ِإلَيْ هِ مِن ّربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ‬
‫ق بَيْ نَ َأ َحدٍ مّ ن رّ سُ ِلهِ‬
‫ُكلّ آمَ َن بِاللّ هِ َومَلِئكَتِ ِه وَكُتُبِ ِه وَرُ سُ ِلهِ لَ ُن َفرّ ُ‬
‫َوقَالُوْا سَ ِمعْنَا َوأَ َطعْنَا ُغفْرَانَكَ َربّنَا وَِإلَ ْيكَ الْمَصِيُ (‪. ﴾ )285‬‬
‫قال ابن زيد ‪ ﴿ :‬لَ نُفَرّ ُ‬
‫ق َبيْ نَ أَحَ ٍد مّن رّ سُلِهِ ﴾ ‪ ،‬كما صنع القوم‬
‫يع ن ‪ :‬ب ن إ سرائيل قالوا ‪ :‬فلن نب وفلن ل يس نبيًا ‪ ،‬وفلن نؤ من به‬
‫وفلن ل نؤمن به ‪ .‬وعن حكيم بن جابر قال ‪ ( :‬لا أنزلت على رسول‬
‫ال ﴿ آمَ نَ الرّ سُو ُل بِمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِن ّربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ كُلّ آمَ َن بِاللّ هِ‬
‫ق َبيْ نَ أَحَ ٍد مّن رّ سُلِ ِه وَقَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا‬
‫َومَلِئ َكتِ هِ وَ ُكُتبِ هِ وَرُ ُسلِهِ لَ نُفَرّ ُ‬
‫ك الْمَصِيُ ﴾ ‪ .‬قال جبيل ‪ :‬إن ال عز وجل قد أحسن‬ ‫ُغفْرَانَكَ َرّبنَا َوإِلَيْ َ‬
‫الثناء عل يك وعلى أمتك ‪ ،‬ف سل تع طه ‪ .‬ف سأل ‪َ ﴿ :‬ل ُيكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سا‬
‫إِل ُو ْس َعهَا ) ﴾ ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫ف اللّ هُ َنفْسا إِل وُ ْس َعهَا لَهَا مَا كَ سَبَتْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ل ُيكَلّ ُ‬
‫وَعَلَ ْيهَا مَا اكْتَ سَبَتْ َربّنَا لَ ُتؤَا ِخذْنَا إِن نّ سِينَا َأوْ َأخْ َطأْنَا َربّنَا َولَ تَحْ ِملْ‬
‫حمّلْنَا مَا لَ طَاقَةَ‬
‫عَلَيْنَا إِ صْرا كَمَا حَمَلْتَ هُ عَلَى اّلذِي نَ مِن قَبْلِنَا َربّنَا َولَ تُ َ‬
‫ت َموْلَنَا فَان صُ ْرنَا عَلَى اْلقَوْ مِ‬
‫لَنَا بِ ِه وَاعْ فُ عَنّ ا وَا ْغ ِفرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَن َ‬
‫الْكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )286‬‬
‫قال السدي ‪َ ﴿ :‬ل ُيكَلّفُ اللّ ُه َنفْسا إِل وُ ْس َعهَا ﴾ طاقتها ‪ ،‬وحديث‬
‫الن فس م ا ل يطيقون ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬هم الؤمنون ‪ ،‬و سع ال علي هم‬
‫أمـر دينهـم ‪ ،‬فقال ال جـل ثناؤه ‪ ﴿ :‬وَمَا َجعَ َل عََلْيكُم ْـ فِي الدّينِـ مِن ْـ‬
‫الزء الول‬ ‫‪334‬‬

‫َحرَجٍ ﴾ وقال ‪ ﴿ :‬يُرِيدُ اللّ ُه ِبكُ ُم اْليُسْ َر وَلَ يُرِي ُد ِبكُمُ اْلعُسْرَ ﴾ ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫﴿ فَاّتقُوا اللّ َه مَا اسْتَ َط ْعتُمْ ﴾ ‪ .‬وقال ‪ :‬قتادة ‪:‬‬
‫سَبتْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬ ‫قوله ‪َ ﴿ :‬ل ُيكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سا إِل وُ ْس َعهَا لَهَا مَا كَ َ‬
‫سَبتْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من شر ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬ربّنَا لَ‬ ‫خ ي ‪َ ﴿ ،‬وعََليْهَا مَا اكْتَ َ‬
‫ُتؤَاخِ ْذنَا إِن نّ سِينَا َأوْ َأخْ َط ْأنَا ﴾ قال ابن زيد ‪ :‬إن نسينا شيئًا ما افترضته‬
‫علي نا ‪ ،‬أو أخطأنا شيئًا م ا حرمته علينا ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬بلغن أن ال نب‬
‫قال ‪ « :‬إن ال تاوز لذه ال مة عن ن سيانا و ما حد ثت ب ا أنف سها » ‪.‬‬
‫وروى ابن ماجة وغيه من حديث ابن عباس عن النب قال ‪ « :‬إن ال‬
‫تعال وضع عن أمت الطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ربّنَا وَ َل تَ ْ‬
‫حمِ ْل عََليْنَا إِ صْرا كَمَا حَ َم ْلتَ ُه عَلَى الّذِي نَ‬
‫مِن َقبْلِنَا ﴾ ‪ .‬قال ماهـد ‪ ﴿ :‬إِصـْرا ﴾ ‪ ،‬عهدًا ‪ .‬وقال ابـن زيـد ‪َ :‬ل‬
‫تَحْمِلْ عََليْنَا ذنبًا ل يس ف يه تو بة ول كفارة ‪ .‬وقال مالك ‪ :‬ال صر ال مر‬
‫الغليط ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬ربّنَا وَلَ تُحَمّلْنَا مَا َل طَاَقةَ لَنَا بِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ز يد ‪ :‬ل‬
‫ف َعنّ ا‬
‫تفترض علي نا من الد ين ما ل طا قة ل نا به ‪ ،‬فنع جز ع نه ‪ ﴿ ،‬وَاعْ ُ‬
‫﴾ إن ق صرنا عن ش يء من أمرك م ا أمرت نا به ‪ ﴿ ،‬وَاغْفِرْ لَنَا ﴾ ‪ ،‬إن‬
‫انتهكنا شيئًا ما نيتنا عنه ‪ ﴿ ،‬وَارْحَ ْمنَا ﴾ يقول ‪ :‬لننا ل نعمل با أمرتنا‬
‫به ‪ ،‬ول نترك ما نيتنا عنه إل برحتك ‪ .‬قال ‪ :‬ول ينج أحد إل برحتك‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَن َ‬
‫ت َموْلَنَا فَان صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ مِ اْلكَافِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬ورد‬
‫ف بعض الثار ‪ ( :‬قال ال ‪ :‬قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحتكم ‪،‬‬
‫‪335‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ونصرتكم على القوم الكافرين ) ‪ .‬وكان معاذ رضي ال عنه إذا فرغ من‬
‫هذه السورة قال ‪ ( :‬آمي ) ‪ .‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه إذا فرغ من‬
‫هذه السورة قال ‪ ( :‬آمي ) ‪ .‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال ‪ « :‬من قرأ باليتي من آخر سورة البقرة ف ليلة كفتاه »‪.‬‬
‫«‬ ‫متفق عليه ‪ .‬وعن أب ذر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫أعطيت خواتيم سورة البقرة من كن تت العرش ل يعطهن نب قبلي»‪.‬‬
‫رواه أح د ‪ .‬و عن علي ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬ل أرى أحدًا ع قل ال سلم‬
‫ينام ح ت يقرأ آ ية الكر سي وخوات يم سورة البقرة ‪ ،‬فإن ا من ك ن أعط يه‬
‫نبيكم من تت العرش ‪ .‬رواه ابن مردويه ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪336‬‬

‫الدرس السادس والثلثون‬


‫[ سورة آل عمران ]‬
‫مدنية ‪ ،‬وهي مائتا آية‬
‫روى م سلم عن أ ب أما مة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬سعت ر سول ال‬
‫يقول ‪ « :‬اقرءوا القرآن فإنـه يأتـ يوم القيامـة شفيع ًا لصـحابه اقرءوا‬
‫الزهراويـن ‪ :‬البقرة وسـورة آل عمران فإنمـا تأتيان يوم القيامـة كأنمـا‬
‫غمامتان أو غيايتان أو فرقان مـن طيـ صـواف تاجان عـن أصـحابما‬
‫اقرءوا سـورة البقرة فإن أخذهـا بركـة وتركهـا حسـرة ول يسـتطيعها‬
‫البطلة » ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫حيّ الْقَيّومُ (‪َ )2‬نزّلَ عَلَ ْيكَ اْلكِتَابَ‬
‫﴿ ال (‪ )1‬اللّهُ ل ِإلَـ َه إِل ُهوَ الْ َ‬
‫صدّقا لّمَا بَيْ نَ َي َديْ ِه َوأَن َزلَ الّتوْرَا َة وَالِنِيلَ (‪ )3‬مِن قَ ْبلُ ُهدًى‬
‫حقّ مُ َ‬
‫بِالْ َ‬
‫ب َشدِيدٌ‬
‫لّلنّا سِ َوأَن َزلَ اْل ُفرْقَا َن إِنّ الّذِي نَ َك َفرُواْ بِآيَا تِ اللّ ِه َلهُ مْ َعذَا ٌ‬
‫ض َولَ‬
‫خ َفىَ عَلَيْ هِ َشيْ ٌء فِي الَرْ ِ‬
‫وَاللّ هُ َعزِي ٌز ذُو انِتقَا مٍ (‪ )4‬إِنّ اللّ هَ َل يَ ْ‬
‫صوّرُ ُك ْم فِي الَ ْرحَامِ كَيْفَ َيشَا ُء َل ِإلَـ َه إِل‬
‫فِي السّمَاء (‪ُ )5‬هوَ اّلذِي يُ َ‬
‫َاتـ‬
‫ْهـ آي ٌ‬
‫َابـ مِن ُ‬
‫ْكـ اْلكِت َ‬
‫ِيـ أَن َزلَ َعلَي َ‬
‫ِيمـ (‪ُ )6‬هوَ اّلذ َ‬
‫حك ُ‬ ‫هُ َو الْ َعزِيزُ الْ َ‬
‫ب وَُأ َخرُ مَُتشَابِهَا تٌ َفَأمّا الّذِي نَ ف قُلُوبِهِ مْ َزيْ غٌ‬
‫ت ُهنّ أُمّ اْلكِتَا ِ‬
‫حكَمَا ٌ‬
‫مّ ْ‬
‫فَيَتِّبعُو َن مَا َتشَابَ َه مِنْ ُه ابْتِغَاء الْفِتَْن ِة وَابِْتغَاء َتأْوِيلِ ِه وَمَا َيعْلَ ُم َتأْوِيلَ ُه إِل اللّهُ‬
‫وَالرّا سِخُو َن فِي اْلعِلْ ِم َيقُولُو نَ آ َمنّ ا بِ هِ ُك ّل مّ نْ عِندِ َربّنَا وَمَا َيذّ ّكرُ إِل‬
‫ب لَنَا مِن ّلدُنكَ‬
‫غ قُلُوبَنَا َبعْ َد ِإذْ َه َديْتَنَا َوهَ ْ‬
‫أُ ْولُوْا اللْبَابِ (‪َ )7‬ربّنَا َل ُتزِ ْ‬
‫‪337‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب فِي هِ‬
‫س لَِيوْ مٍ ل َريْ َ‬
‫ت الْ َوهّا بُ (‪َ )8‬ربّنَا ِإنّ كَ جَامِ ُع النّا ِ‬
‫ك أَن َ‬
‫َرحْ َمةً ِإنّ َ‬
‫خلِفُ الْمِيعَادَ (‪. ﴾ )9‬‬
‫إِنّ ال ّل َه لَ يُ ْ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪338‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ال (‪ )1‬اللّ ُه ل ِإلَ ـ َه إِل ُهوَ الْحَيّ اْلقَيّو مُ (‪)2‬‬


‫صدّقا لّمَا بَيْ نَ َي َديْ ِه وَأَنزَ َل التّوْرَا َة وَالِنِيلَ‬
‫حقّ مُ َ‬
‫ب بِالْ َ‬
‫َنزّلَ عَلَيْ كَ اْلكِتَا َ‬
‫ت اللّ هِ‬
‫س وَأَنزَ َل الْ ُف ْرقَا نَ إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوْا بِآيَا ِ‬
‫(‪ )3‬مِن قَ ْب ُل ُهدًى لّلنّا ِ‬
‫خ َفىَ عَلَيْهِـ‬
‫َلهُ مْ َعذَا بٌ َشدِي ٌد وَاللّهُـ َعزِيزٌ ذُو انِتقَا مٍ (‪ )4‬إِنّ اللّ هَ َل يَ ْ‬
‫صوّرُ ُكمْ فِي الَ ْرحَا مِ‬
‫ض َولَ فِي ال سّمَاء (‪ )5‬هُ َو الّذِي يُ َ‬
‫شَيْ ٌء فِي الَرْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪. ﴾ )6‬‬
‫ف َيشَا ُء لَ ِإلَـهَ إِل هُ َو الْ َعزِيزُ الْ َ‬
‫كَيْ َ‬
‫قال ابـن إسـحاق ‪ :‬قَدم على رسـول ال وفـد نَجْران ‪ ،‬سـتون‬
‫راكبًا ‪ ،‬فيهم أربعة عَشرَ رجلً من أشرافهم ‪ ،‬ف الربعة عشر ثلثة نفر‬
‫إليهم يؤول أمرهم ‪ :‬العاقب أمي القوم ‪ ،‬وذو رأيهم وصاحب مشورتم ‪،‬‬
‫والذي ل ي صدرون إل عن رأ يه ‪ ،‬وا سه ع بد ال سيح ‪ .‬وال سيد ‪ ،‬ثال م‬
‫وهو صاحب رحلهم ومتمعهم ‪ ،‬واسه الْيهَم ‪ .‬وأبو حارثة بن علقمة‬
‫أحد بن بكر بن وائل ‪ ،‬أسقفهم وحبهم وإمامهم وصاحب مدارسهم ‪.‬‬
‫قدموا على ر سول ال الدي نة ‪ ،‬فدخلوا عل يه ف م سجده ح ي صلى‬
‫العصر عليهم ف ثياب البات ‪ ،‬وقد حانت صلتم ‪ ،‬فقاموا يصلون ف‬
‫مسـجد رسـول ال ‪ ،‬فقال رسـول ال ‪ « :‬دعوهـم » ‪ .‬فصـلوا إل‬
‫الشرق قال ‪ :‬فكلم منهم رسول ال أبو حارثة ‪ ،‬والعاقب ‪ ،‬واليهم ‪،‬‬
‫وهو من النصرانية على دين اللك ‪ ،‬مع اختلف أمرهم يقولون ‪ :‬السيح‬
‫هو ‪ :‬ال ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬هو ‪ :‬ولد ال ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬هو ‪ :‬ثالث ثل ثة ‪ ،‬إل‬
‫أن قال ‪ :‬فأنزل ال ف ذلك من قول م واختلف أمر هم صدر سورة آل‬
‫عمران إل بضع وثاني آية ‪.‬‬
‫‪339‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حيّ الْ َقيّو مُ ﴾ إ نّ‬


‫وقال الربيع ف قوله ‪ ﴿ :‬ال * اللّ هُ لَ إِلَـهَ إِل ُهوَ الْ َ‬
‫النصارى أتوا رسول ال فخاصموه ف عيسى ابن مري ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬من‬
‫ب والبهتا نَ ‪ ،‬ل إله إل هو ل يتخذ صاحبة‬ ‫أبوه ؟ وقالوا له على ال الكذ َ‬
‫ول ولدًا ‪ .‬فقال لمـ النـب ‪ « :‬كنتـم تعملون أنـه ل يكون له ولدًا إل‬
‫و هو يش به أباه » ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ « :‬أل ستم تعلمون أن ربّ نا ح يّ ل‬
‫وأنـ عيسـى يأتـ عليـه الفناء » ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ « :‬ألسـتم‬
‫يوت ‪ّ ،‬‬
‫تعلمون أن ربنا َقيّ ٌم على كل شيء يكلؤه ويفظه ويرزقه » ؟ قالوا ‪ :‬بلى‬
‫! قال ‪ « :‬فهـل يلك عيسـى مـن ذلك شيئًا » ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪« :‬‬
‫أفل ستم تعلمون أن ال عز و جل ل ي فى عل يه ش يء ف الرض ول ف‬
‫ال سماء » ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ « :‬ف هل يعلم عي سى من ذلك شيئًا إل ما‬
‫عُلّم » ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ « :‬فإ نّ ربنا صوّر عيسى ف الرحم كيف شاء‬
‫» ‪ .‬قال ‪ « :‬ألسـتم تعلمون أن ربنـا ل يأكـل الطعام ول يشرب الشراب‬
‫ول يُحدِث الدَث » ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ « :‬ألسـتم تعلمون أن عيسـى‬
‫حلته امرأة كما تمل الرأة ‪ ،‬ث وضعته كما تضع الرأة ولدها ‪ ،‬ث غُذّي‬
‫الشرابـ ويُحدث‬
‫َ‬ ‫ب ‪ ،‬ثـ كان يَطعـم الطعام ‪ ،‬ويشرب‬ ‫كمـا يغذّى الصـ ّ‬
‫الدَث » ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ « :‬فكيـف يكون هذا كمـا زعمتـم » ؟‬
‫قال ‪ :‬فعرفوا ‪ ،‬ث أبوا إل جحودًا ‪ .‬فأنزل ال عز و جل ‪ ﴿ :‬ال * اللّ هُ لَ‬
‫حيّ اْل َقيّومُ ﴾ ‪.‬‬
‫إِلَـهَ إِل ُه َو الْ َ‬
‫ْنـ يَ َديْهِـ‬
‫ُصـدّقا لّمَا َبي َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬نَزّ َل عََليْكَـ اْل ِكت َ‬
‫َابـ بِالْحَقّ م َ‬
‫﴾ قال ماهد ‪ :‬لا قبله من كتاب أو رسول ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪340‬‬

‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَنزَ َل الّتوْرَا َة وَالِنِيلَ * مِن َقبْ ُل هُدًى لّلنّاسِـ ﴾ قال‬
‫قتادة ‪ :‬ه ا كتابان أنزل ما ال فيه ما بيان من ال وع صمة ل ن أ خذ به ‪،‬‬
‫وصدق به ‪ ،‬وعمل با فيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَن َز َل الْفُرْق َ‬
‫َانـ ﴾ قال ابـن إسـحاق عـن ممـد بـن‬
‫جع فر ‪َ ﴿ :‬وأَن َز َل الْفُرْقَا نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الف صل ب ي ال ق والبا طل ‪ ،‬في ما‬
‫اختلف فيه الحزاب من أمر عيسى وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َكفَرُواْ بِآيَا تِ اللّ هِ َلهُ مْ عَذَا ٌ‬
‫ب شَدِي ٌد وَاللّ هُ‬
‫عَزِيزٌ ذُو انِتقَامٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن ال منتقم من كفر بآياته وجحد با ‪.‬‬
‫ْضـ وَلَ فِي‬
‫ْهـ َشيْءٌ فِي الَر ِ‬
‫خ َفىَ عََلي ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الل َ‬
‫ّهـ َل يَ ْ‬
‫ْفـيَشَاءُ لَ إِلَــهَ إِل ُهوَ‬
‫ُصـوّرُكُمْ فِي الَرْحَامِـ َكي َ‬
‫السـمَاء * هُ َو الّذِي ي َ‬
‫ّ‬
‫حكِيمُ ﴾ ‪.‬‬ ‫الْعَزِي ُز الْ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬قادرٌ وال ربُ نا أن ي صور عباده ف الرحام ك يف يشاء ‪،‬‬
‫من ذكر ‪ ،‬أو أنثى ‪ ،‬أو أسود أو أحر ‪ ،‬تام خلقه وغي تام ‪.‬‬
‫َاتـ‬
‫ْهـ آي ٌ‬
‫َابـ مِن ُ‬
‫ْكـ اْلكِت َ‬
‫ِيـ أَن َزلَ عَلَي َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ُ ﴿ :‬هوَ اّلذ َ‬
‫ب وَُأ َخرُ مَُتشَابِهَا تٌ َفَأمّا الّذِي نَ ف قُلُوبِهِ مْ َزيْ غٌ‬
‫ت ُهنّ أُمّ اْلكِتَا ِ‬
‫حكَمَا ٌ‬
‫مّ ْ‬
‫فَيَتِّبعُو َن مَا َتشَابَ َه مِنْ ُه ابْتِغَاء الْفِتَْن ِة وَابِْتغَاء َتأْوِيلِ ِه وَمَا َيعْلَ ُم َتأْوِيلَ ُه إِل اللّهُ‬
‫وَالرّا سِخُو َن فِي اْلعِلْ ِم َيقُولُو نَ آ َمنّ ا بِ هِ ُك ّل مّ نْ عِندِ َربّنَا وَمَا َيذّ ّكرُ إِل‬
‫ب لَنَا مِن ّلدُنكَ‬
‫غ قُلُوبَنَا َبعْ َد ِإذْ َه َديْتَنَا َوهَ ْ‬
‫أُ ْولُوْا اللْبَابِ (‪َ )7‬ربّنَا َل ُتزِ ْ‬
‫ب فِي هِ‬
‫س لَِيوْ مٍ ل َريْ َ‬
‫ت الْ َوهّا بُ (‪َ )8‬ربّنَا ِإنّ كَ جَامِ ُع النّا ِ‬
‫ك أَن َ‬
‫َرحْ َمةً ِإنّ َ‬
‫خلِفُ الْمِيعَادَ (‪. ﴾ )9‬‬
‫إِنّ ال ّل َه لَ يُ ْ‬
‫‪341‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس ف قوله ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِ يَ أَنزَ َل عََليْ كَ الْ ِكتَا َ‬
‫ب ِمنْ ُه آيَا تٌ‬
‫ـ ﴾ ‪ :‬الحكمات ‪ :‬ناسـخه ‪ ،‬وحلله ‪،‬‬ ‫ـ هُنّـ أُمّـ الْ ِكتَاب ِ‬
‫حكَمَات ٌ‬ ‫مّ ْ‬
‫وحرا مه ‪ ،‬وحدوده ‪ ،‬وفرائ ضه و ما يؤ من به ويع مل به ‪ .‬قال ‪َ ﴿ :‬وأُخَرُ‬
‫ت ﴾ والتشابات من سوخة ومقد مة ومؤخرة وأمثاله وأق سامه ‪،‬‬ ‫ُمتَشَاِبهَا ٌ‬
‫وما يؤمن به ول يعمل به ‪ .‬وقيل ‪ :‬التشابات ‪ :‬فواتح السور ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ( :‬فإن قيل ‪ :‬كيف فرق ها هنا بي الحكم والتشابه وقد‬
‫َابـ‬
‫جعـل ال كـل القرآن مكمًا فـ مواضـع أخـر ‪ .‬فقال ‪ ﴿ :‬الَر ِكت ٌ‬
‫س َن الْحَدِي ثِ‬
‫أُ ْحكِمَ تْ آيَاتُ هُ ﴾ وجعله كله متشابًا فقال ال ‪ ﴿ :‬نَزّلَ أَحْ َ‬
‫ِكتَابا ّمتَشَابِها ﴾ ‪ .‬قيل ‪ :‬حيث جعل الكل مكمًا أراد أن الكل حق ليس‬
‫فيه عبث ول هزل ‪ ،‬وحيث جعل الكل متشابًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا‬
‫ف الق والصدق وف السن ‪ ،‬وجعل ها هنا بعضه مكمًا وبعضه متشابًا‬
‫) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫َاتـ هُنّ أُمّ‬
‫حكَم ٌ‬
‫َاتـ مّ ْ‬ ‫وقال ابـن زيـد فـ قوله تعال ‪ِ ﴿ :‬من ُ‬
‫ْهـ آي ٌ‬
‫الْ ِكتَابِ ﴾ قال ‪ :‬هن جاع الكتاب ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬أصله الذي يرجع إليه عند الشتباه ‪.‬‬
‫ْغـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ميـل عـن‬
‫ِمـ َزي ٌ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَمّاـ الّذ َ‬
‫ِينـ فـ قُلُوِبه ْ‬
‫الدى ‪َ ﴿ :‬فَيّتبِعُو َن مَا تَشَابَهَ ِمنْهُ ﴾ قال ابن جريج ‪ :‬هم النافقون ‪ .‬وعن‬
‫عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قرأ رسول ال ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِيَ أَنزَ َل عََليْكَ‬
‫ب َوأُخَ ُر ُمتَشَاِبهَا تٌ ﴾ إل قوله‬
‫ت هُنّ ُأمّ الْ ِكتَا ِ‬
‫حكَمَا ٌ‬
‫ت مّ ْ‬
‫ب ِمنْ هُ آيَا ٌ‬
‫الْ ِكتَا َ‬
‫‪ُ ﴿ :‬أوْلُواْ الْلبَا بِ ﴾ فقال ‪ « :‬إذا رأي تم الذ ين يادلون ف يه ف هم الذ ين‬
‫عنـ ال فاحذروهـم » ‪ .‬رواه أحدـ وفـ روايـة البخاري ‪ « :‬فإذا رأيتـم‬
‫الزء الول‬ ‫‪342‬‬

‫الذ ين يتبعون ما تشا به م نه فأولئك الذ ين سى ال فاحذرو هم » ‪ .‬وقال‬


‫ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪َ ﴿ :‬فيَّتِبعُو َن مَا تَشَابَ هَ ِمنْ هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما‬
‫ترف منه وتصرف ؛ ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا ‪ ،‬ليكون لم حجة‬
‫على ما قالوا وشبهة ‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ ﴿ :‬اْبتِغَاء اْلفِْتَنةِ ﴾ قال ‪ :‬إرادة الشرك ‪ .‬وقال ماهد ‪:‬‬
‫الشبهات با أَهلكوا وأُهلكوا ‪ .‬وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‬
‫قال ‪ :‬سـع رسـول ال قوم ًا يتدارءون فقال ‪ « :‬إناـ هلك مـن كان‬
‫قبلكم بذا ‪ ،‬ضربوا كتاب ال بعضه ببعض ‪ ،‬إنا أنزل كتاب ال ليصدق‬
‫بعضه بعضًا ‪ ،‬فل تكذبوا بعضه ببعض ‪ ،‬فما علمتم منه فقولوا به ‪ ،‬وما‬
‫جهلتم فكِلوه إل عالِ مه » ‪ .‬رواه أح د ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ ﴿ :‬وَمَا َيعْلَ مُ‬
‫تَ ْأوِيلَ هُ إِل اللّ هُ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬تأويله يوم القيا مة إل ال ‪ .‬وقالت عائ شة ف‬
‫ِهـ ﴾ كان مـن‬ ‫ُونـ آ َمنّاـ ب ِ‬
‫ْمـ َيقُول َ‬‫ّاسـخُونَ ف ِي اْلعِل ِ‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالر ِ‬
‫رسخوهم ف العلم ‪ ،‬أن آمنوا بحكمه ومتشابه ول يعلموا تأويله ‪ .‬وقال‬
‫ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪َ ﴿ :‬ومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ ﴾ الذي أراد ما أراد‬
‫‪ ﴿ ،‬إِل اللّهُـ وَالرّاسِـخُونَ فِي اْلعِلْمِـَيقُولُونَـ آ َمنّاـبِهِـ ﴾ ثـ ردوا تأويـل‬
‫التشا به على ما عرفوا من تأو يل الحك مة ال ت ل تأو يل ل حد في ها إل‬
‫تأويل واحد ‪ ،‬فاتسق بقولم الكتاب ‪ ،‬وصدق بعضه بعضًا ‪ ،‬فنفذت به‬
‫ال جة وظ هر به الغدر ‪ ،‬وزاح به البا طل ود مغ به الك فر ‪ .‬وروى ا بن‬
‫جرير وغيه ‪ :‬أن رسول ال سئل من الراسخ ف العلم ؟ قال ‪ « :‬من‬
‫برت يينه ‪ ،‬وصدق لسانه ‪ ،‬واستقام قلبه ‪ ،‬وعف بطنه وفر جه ‪ ،‬فذلك‬
‫الراسخ ف العلم » ‪.‬‬
‫‪343‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪َ ﴿ :‬رّبنَا َل تُزِ غْ ُقلُوَبنَا َبعْدَ إِذْ‬
‫هَ َديَْتنَا ﴾ أي ‪ :‬ل تل قلوبنا وإن ملنا بأجداثنا ‪َ ﴿ :‬وهَ بْ َلنَا مِن لّدُن كَ‬
‫رَ ْح َمةً ﴾ ‪ ،‬وعن أم سلمة رضي ال عنها ‪ :‬أن رسول ال كان يكثر ف‬
‫ب القلوب َثبّ تْ قلب على دينك » قالت‬ ‫دعائه أن يقول ‪ « :‬اللهم يا ُمقَلّ َ‬
‫قلت ‪ :‬يـا رسـول ال ‪ ،‬وإن القلب ليتقلب ؟ قال ‪ « :‬نعـم ‪ ،‬مـا خلق ال‬
‫من بشر من بن آدم إل وقلبه بي أصبعي من أصابعه ‪ ،‬فإن شاء أقامه ‪،‬‬
‫وإن شاء أزاغه » ‪ .‬فنسأل ال ربنا أل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ‪ ،‬ونسأله‬
‫أن يهب لنا من لدنه رحة ‪ ،‬إنه هو الوهاب ‪ .‬قالت قلت ‪ :‬يا رسول ال‬
‫أل تعلم ن دعوة أد عو ب ا لنف سي ؟ قال ‪ « :‬بلى قول ‪ :‬الل هم رب ال نب‬
‫ممد اغفر ل ذنب ‪ ،‬وأذهب غيظ قلب ‪ ،‬وأجرن من مضلت الفت » ‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وغيه ‪ .‬وعن أب عبد ال الصنابي أنه صلى وراء أب بكر‬
‫الصديق الغرب قال ‪ :‬فدنوت منه حت أن ثياب لتكاد تس ثيابه ‪ ،‬فسمعته‬
‫يقرأ بأم القرآن وهذه الية ف الركعة الثالثة ‪ .‬رواه عبد الرزاق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ربّنَا ِإنّ كَ جَامِ ُع النّا سِ ِلَيوْ مٍ ل َريْ بَ فِي هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ف الْمِيعَادَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فاغ فر ل نا وا عف ع نا‬ ‫يوم القيا مة ﴿ إِنّ اللّ هَ َل يُخِْل ُ‬
‫وارح نا ‪ ،‬وثبت نا ف الدن يا على الد ين ‪ ،‬و ف الخرة على ال صراط ‪ .‬و قد‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا‬
‫قال ال تعال ‪ُ ﴿ :‬يثَبّ تُ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُواْ بِاْل َقوْ ِل الثّابِ تِ فِي الْ َ‬
‫وَفِي الخِ َرةِ ﴾ ‪.‬وال الوفق ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪344‬‬

‫الدرس السابع والثلثون‬

‫﴿ إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوْا لَن ُتغْنِ يَ عَ ْنهُ مْ َأ ْموَاُلهُ ْم َولَ َأوْ َلدُهُم مّ نَ اللّ هِ‬
‫ك هُ ْم َوقُودُ النّارِ (‪َ )10‬ك َدأْ بِ آ ِل ِفرْ َعوْ نَ وَاّلذِي َن مِن‬
‫شَيْئا َوأُولَ ـئِ َ‬
‫قَبْ ِلهِمْ َك ّذبُواْ بِآيَاتِنَا َفَأخَ َذهُمُ ال ّلهُ ِب ُذنُوِبهِمْ وَاللّ ُه شَدِيدُ اْلعِقَابِ (‪ )11‬قُل‬
‫س الْ ِمهَادُ (‪َ )12‬قدْ‬
‫شرُو نَ ِإلَى َجهَنّ َم َوبِئْ َ‬
‫حَ‬‫لّ ّلذِي نَ َك َفرُواْ سَتُغْلَبُو َن َوتُ ْ‬
‫كَا َن لَكُ مْ آَيةٌ فِي فِئَتَيْ ِن الْتَقَتَا فَِئةٌ ُتقَاِت ُل فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَُأ ْخرَى كَا ِف َرةٌ‬
‫ص ِر ِه مَن َيشَا ُء إِنّ فِي َذلِ كَ‬
‫َيرَ ْونَهُم مّثْلَ ْيهِ مْ َرأْ يَ اْلعَيْ ِن وَاللّ هُ ُي َؤيّ ُد بِنَ ْ‬
‫ِنـ النّسـَاء‬
‫َاتـ م َ‬
‫شهَو ِ‬
‫ّاسـ حُبّ ال ّ‬
‫ّنـ لِلن ِ‬
‫َلعِبْ َر ًة ّلأُ ْولِي الَبْصـَارِ (‪ُ )13‬زي َ‬
‫ـ ّو َمةِ‬
‫ض ِة وَالْخَ ْي ِل الْمُس َ‬
‫ـ وَالْفِ ّ‬
‫ـ الذّهَب ِ‬
‫ي الْ ُمقَن َط َر ِة مِن َ‬
‫وَالْبَنِيَـ وَالْقَنَاطِ ِ‬
‫سنُ الْمَآ بِ (‬
‫ث َذلِ كَ مَتَا عُ الْحَيَا ِة الدّنْيَا وَاللّ هُ عِندَ ُه حُ ْ‬
‫حرْ ِ‬
‫وَا َلنْعَا ِم وَالْ َ‬
‫جرِي‬
‫‪ُ )14‬قلْ َأ ُؤنَبّئُكُم بِخَ ْي ٍر مّن َذِلكُ مْ لِ ّلذِي َن اتّ َقوْا عِندَ َرّبهِ ْم جَنّا تٌ تَ ْ‬
‫ضوَا نٌ مّ َن اللّ هِ وَاللّ هُ‬
‫ج مّ َطهّ َر ٌة وَرِ ْ‬
‫مِن تَحِْتهَا الَْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا وَأَ ْزوَا ٌ‬
‫ي بِالْعِبَادِ (‪ )15‬الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا ِإنّنَا آمَنّ ا فَا ْغ ِفرْ لَنَا ُذنُوبَنَا َوقِنَا‬
‫بَ صِ ٌ‬
‫ي وَاْلقَانِتِيَـ وَالْمُن ِفقِيَـ‬
‫َعذَابـَ النّارِ (‪ )16‬الصـّاِبرِينَ وَالصـّادِقِ َ‬
‫وَالْ ُمسَْت ْغفِرِينَ بِالَسْحَارِ (‪. ﴾ )17‬‬

‫***‬
‫‪345‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َك َفرُوْا لَن ُتغْنِ يَ عَ ْنهُ ْم َأمْوَاُلهُ مْ َولَ‬


‫ْبـ آلِ‬
‫ُمـ َوقُودُ النّارِ (‪َ )10‬ك َدأ ِ‬
‫كه ْ‬‫ّهـ شَيْئا َوأُولَــئِ َ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫أَ ْو َلدُهُم م َ‬
‫ِفرْ َعوْ َن وَاّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا َفأَ َخ َذهُ مُ اللّ ُه ِبذُنُوبِهِ مْ وَاللّ هُ‬
‫شَدِيدُ اْلعِقَابِ (‪. ﴾ )11‬‬
‫يبـ تعال أن أموال الكفار وأولدهـم ل تنفعهـم يوم القيامـة ‪ ،‬ول‬
‫تنجيهم من عذاب ال ‪ ،‬وأنم حطب النار الذي توقد به ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كَ َدأْبِ آلِ فِ ْر َعوْنَ وَالّذِي َن مِن َقبِْلهِمْ َك ّذبُوْا بِآيَاِتنَا ﴾‬
‫قال ا بن عباس ر ضي ال عنه ما ‪ :‬كف عل آل فرعون و صنيعهم ف الك فر‬
‫والتكذيب ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَخَ َذهُ مُ اللّ ُه بِ ُذنُوبِهِ ْم وَاللّ ُه شَدِي ُد اْل ِعقَا بِ ﴾ أي ‪:‬‬
‫شديد الخذ ‪ ،‬أليم العذاب ل يتنع منه أحد ‪.‬‬
‫شرُو َن ِإلَى َجهَنّمَ‬
‫حَ‬‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قُل لّ ّلذِينَ َك َفرُواْ سَتُغْلَبُو َن َوتُ ْ‬
‫وَبِئْسَـ الْ ِمهَادُ (‪َ )12‬قدْ كَانَـلَكُم ْـ آَيةٌ فِي فِئَتَيْنِـ الْتَقَتَا فَِئةٌ ُتقَاِت ُل فِي‬
‫ص ِرهِ‬
‫سَبِيلِ اللّ هِ َوُأخْرَى كَا ِف َرةٌ َي َروَْنهُم مّثْلَ ْيهِ مْ َرأْ يَ اْلعَيْ نِ وَاللّ هُ ُي َؤيّ ُد بِنَ ْ‬
‫مَن َيشَا ُء إِ ّن فِي َذِلكَ َلعِ ْب َرةً ّلُأوْلِي ا َلبْصَارِ (‪. ﴾ )13‬‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬لا أصاب رسول ال قريشًا يوم بدر فقدم الدينة‬
‫جع يهود ف سوق بن قينقاع فقال ‪ « :‬يا معشر اليهود أسلموا قبل أن‬
‫يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا » ‪ .‬فقالوا ‪ :‬يا ممد ل تغرنك نفسك أنك‬
‫قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا ل يعرفون القتال ‪ ،‬إنك وال لو قاتلتنا‬
‫لعرفت أنا نن الناس ‪ ،‬وأنك ل تأت مثلنا ‪ .‬فأنزل ال عز وجل ف ذلك‬
‫الزء الول‬ ‫‪346‬‬

‫من قول م ‪ ﴿ :‬قُل لّلّذِي نَ َكفَرُواْ َسُتغَْلبُو َن َوتُحْشَرُو نَ إِلَى َج َهنّ مَ َوِبئْ سَ‬
‫الْ ِمهَادُ ﴾ ‪ ،‬إل قوله ‪ُ ﴿ :‬لوْلِي ا َلْبصَارِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ ﴿ :‬قَدْ كَانَ َلكُ ْم آَيةٌ ﴾ ‪ ،‬عبة وتفكر ‪ .‬وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫﴿ قَدْ كَا نَ َلكُ ْم آَيةٌ فِي ِفئََتيْ نِ اْلَت َقتَا ِفَئةٌ ُتقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أصحاب‬
‫رسـول ال ببدر ﴿ َوأُ ْخرَى كَافِ َرةٌ ﴾ فئة قريـش الكفار ‪ ،‬وقال الربيـع‬
‫ف قوله ‪ ﴿ :‬قَدْ كَا نَ َلكُ ْم آَيةٌ فِي ِفئََتيْ ِن اْلتَقَتَا ِفَئةٌ ُتقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّ هِ‬
‫ي الْ َعيْ نِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان ذلك يوم بدر ‪،‬‬ ‫َوأُخْرَى كَاِف َرةٌ َي َر ْونَهُم ّمثَْلْيهِ مْ َرأْ َ‬
‫وكان الشركون تسـعمائة وخسـي ‪ ،‬وكان أصـحاب ممـد ثلثائة‬
‫وثلثة عشر ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ ( :‬فإن قال ل نا قائل ‪ :‬فك يف ق يل ‪ :‬يرون م مثلي هم‬
‫رأي العي ‪ ،‬وقد علمتم أن الشركي كانوا يومئ ٍذ ثلثة أمثال السلمي ؟‬
‫قلنا لم كما يقول القائل ‪ -‬وعنده عبد احتاج إل مثله ‪ : -‬أنا متاج إليه‬
‫وإل مثله ‪ ،‬ث يقول ‪ :‬أحتاج إل مثليه ‪ ،‬فيكون ذلك خبًا عن حاجته إل‬
‫مثله ‪ ،‬وإل مثلي ذلك الثل ) إل آخر كلمه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ َل ِعبْ َر ًة لوْلِي البْ صَارِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫لقـد كان لمـ فـ هؤلء عـبة وتفكيـ ‪ ،‬وأيدهـم ال ونصـرهم على‬
‫عدوهم ‪.‬‬
‫ت مِ نَ النّ سَاء وَالْبَنِيَ‬
‫شهَوَا ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬زيّ َن لِلنّا سِ حُبّ ال ّ‬
‫َامـ‬
‫ُسـ ّو َمةِ وَا َلْنع ِ‬
‫َبـ وَاْلفِضّ ِة وَالْخَ ْي ِل الْم َ‬
‫ِنـ الذّه ِ‬
‫ي الْ ُمقَن َط َرةِ م َ‬
‫وَاْلقَنَاطِ ِ‬
‫سنُ الْمَآ بِ (‪ُ )14‬قلْ‬
‫ع الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَاللّ هُ عِندَ ُه حُ ْ‬
‫حرْ ثِ َذلِ كَ مَتَا ُ‬
‫وَالْ َ‬
‫‪347‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جرِي مِن تَحِْتهَا‬


‫ت تَ ْ‬
‫أَ ُؤنَبُّئكُم بِخَ ْي ٍر مّن ذَِلكُمْ لِ ّلذِينَ اّتقَوْا عِندَ َرّبهِ ْم جَنّا ٌ‬
‫ضوَانٌـ مّنَـ اللّهِـ وَاللّهُـبَصِـيٌ‬
‫ا َلْنهَا ُر خَالِدِينَـ فِيهَا وَأَ ْزوَاجٌـ مّ َط ّه َرةٌ وَرِ ْ‬
‫بِاْلعِبَادِ (‪ )15‬اّلذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا ِإنّنَا آمَنّا فَا ْغ ِفرْ لَنَا ُذنُوبَنَا َوقِنَا َعذَا بَ‬
‫ُسـَتغْ ِفرِينَ‬
‫ي وَاْلقَانِتِيَ وَالْمُن ِفقِيَ وَالْم ْ‬
‫النّارِ (‪ )16‬الصـّاِبرِي َن وَالصـّادِقِ َ‬
‫بِا َلسْحَارِ (‪. ﴾ )17‬‬
‫قال عمر بن الطاب رضي ال عنه ‪ ( :‬لا نزلت ﴿ ُزيّ نَ لِلنّاسِ ُحبّ‬
‫َاتـ ﴾ ‪ ،‬قلت ‪ :‬الن يـا رب حيـ زينتهـا لنـا ؟ فنلت ‪ ﴿ :‬قُ ْل‬ ‫شهَو ِ‬ ‫ال ّ‬
‫حتِهَا‬
‫خيْ ٍر مّ ن ذَِلكُ مْ لِلّذِي َن اتّ َقوْا عِندَ َرّبهِ مْ َجنّا تٌ َتجْرِي مِن تَ ْ‬
‫َأؤَُنّبئُكُم بِ َ‬
‫الَْنهَارُ ‪ ) ﴾ ...‬الية ‪ .‬رواه ا بن جرير ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬القنطار ‪ :‬ألف‬
‫ومائتا دينار ‪ ،‬ومن الفضة ألف ومائتا مثقال ‪ .‬وقال ابن عمر ‪ :‬القنطار ‪:‬‬
‫ألف ومائتا أوقية ‪.‬‬
‫س ّو َمةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الطه مة‬ ‫وقال ما هد ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْ َ‬
‫خيْ ِل الْمُ َ‬
‫السان ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬يعن ‪ :‬العلمة ‪.‬‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَاللّ ُه عِندَهُ حُسْ ُن الْمَآبِ ﴾‪،‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك َمتَاعُ الْ َ‬
‫قال السدي يقول ‪ :‬حسن النقلب ‪ .‬وهي ‪ :‬النة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ َأ ُؤنَّبئُكُم بِ َ‬
‫خيْ ٍر مّ ن ذَِلكُ مْ ِللّذِي َن اّتقَوْا عِندَ َرّبهِ مْ‬
‫ضوَا ٌن مّ َن‬
‫ج مّ َطهّ َرٌة وَرِ ْ‬
‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َوأَ ْزوَا ٌ‬
‫َجنّاتٌ َتجْرِي مِن تَ ْ‬
‫اللّ ِه وَاللّ هُ بَ صِ ٌي بِاْلعِبَادِ ﴾ ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال ‪:‬‬
‫إذا دخل أهل النة النة قال ال تبارك وتعال ‪ :‬أعطيكم أفضل من هذا ؟‬
‫ي شيء أفضل من هذا ؟ قال ‪ :‬رضوان ‪.‬‬ ‫فيقولون ‪ :‬أيْ ربنا أ ّ‬
‫الزء الول‬ ‫‪348‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي َن َيقُولُو نَ َرّبنَا ِإّننَا آمَنّا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَِقنَا عَذَا بَ‬
‫سَتغْفِرِي َن بِالَ سْحَا ِر‬
‫ي وَاْلقَاِنتِيَ وَالْمُن ِفقِيَ وَالْمُ ْ‬
‫النّارِ * ال صّابِرِينَ وَال صّادِقِ َ‬
‫﴾ ‪ ،‬هذا و صف عباد ال التق ي الذ ين وعد هم ال نة ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬قوله‬
‫ي وَاْلقَاِنتِيَ وَالْمُن ِفقِيَ ﴾ ‪ ،‬الصادقي يوم صدقت‬ ‫‪ ﴿ :‬ال صّابِرِينَ وَال صّادِِق َ‬
‫أفواه هم ‪ ،‬وا ستقامت قلوب م وأل سنتهم ‪ ،‬و صدقوا ف ال سر والعلن ية ‪،‬‬
‫والصابرين يوم صبوا على طاعة ال ‪ ،‬وصبوا عن مارمه ‪ ،‬والقانتون ‪:‬‬
‫هم الطيعون ل ‪.‬‬
‫قال ‪ ﴿ :‬وَالْمُ ْ‬
‫سَتغْفِرِي َن بِالَ سْحَارِ ﴾ هم ‪ :‬أهل الصلة ‪ ،‬وقال جعفر‬
‫ابن ممد ‪ :‬من صلى من الليل ث استغفر ف آخر الليل سبعي مرة ‪ ،‬كتب‬
‫من ال ستغفرين بال سحار ‪ ،‬و ف ال صحيحي وغيه ا ‪ ،‬أن ر سول ال‬
‫قال ‪ « :‬ينل ال تبارك وتعال ف كل ليلة إل السماء الدنيا ‪ ،‬حي يبقى‬
‫ع فأستجيب‬
‫ثلث الليل الخي فيقول ‪ :‬هل من سائلٍ فأعطيه ؟ هل من دا ٍ‬
‫له ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ » ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪349‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن والثلثون‬

‫ـ قَآئِمَا‬
‫لِئكَ ُة َوأُ ْولُوْا الْعِلْم ِ‬
‫ـ لَ ِإلَــَه إِل ُهوَ وَالْمَ َ‬
‫ـ َأنّه ُ‬
‫﴿ َش ِهدَ اللّه ُ‬
‫ّهـ‬
‫ّينـ عِن َد الل ِ‬
‫ِيمـ (‪ )18‬إِن ّ الد َ‬
‫حك ُ‬ ‫ط َل ِإلَــهَ إِل هُ َو اْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ِسـ ِ‬
‫بِاْلق ْ‬
‫ف اّلذِي نَ ُأ ْوتُواْ اْلكِتَا بَ إِل مِن َب ْعدِ مَا جَاءهُ ُم الْعِلْ مُ‬
‫ل ُم وَمَا اخْتَلَ َ‬
‫الِ سْ َ‬
‫ت اللّ هِ َفإِنّ اللّ هِ سَرِي ُع الْحِ سَابِ (‪ )19‬فَإ نْ‬
‫َبغْيا بَيَْنهُ ْم وَمَن َي ْكفُ ْر بِآيَا ِ‬
‫ت َو ْجهِ يَ لِلّ هِ َومَ ِن اتَّبعَ نِ َوقُل لّ ّلذِي نَ ُأ ْوتُوْا الْكِتَا بَ‬
‫حَآجّو َك َفقُ ْل أَ سْلَمْ ُ‬
‫ك الْبَلَغُ‬
‫وَا ُلمّيّيَ َأأَسْلَمُْت ْم َفإِنْ أَسْلَمُواْ َف َقدِ اهَْتدَوْا ّوإِن َت َولّ ْوْا َفإِنّمَا عَلَيْ َ‬
‫وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِاْلعِبَادِ (‪ )20‬إِنّ اّلذِي َن يَ ْك ُفرُو نَ بِآيَا تِ اللّ ِه َويَقْتُلُو نَ النّبِيّيَ‬
‫شرْهُم ِبعَذَا بٍ‬
‫س فََب ّ‬
‫ط مِ َن النّا ِ‬
‫ِبغَيْ ِر حَقّ َوَيقْتُلُو َن اّلذِي َن َيأْ ُمرُو نَ بِالْقِ سْ ِ‬
‫ت أَ ْعمَالُهُمْ فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُم‬
‫ك الّذِي َن حَبِطَ ْ‬
‫َألِيمٍ (‪ )21‬أُولَـئِ َ‬
‫ب ُيدْ َعوْ نَ‬
‫صرِينَ (‪َ )22‬ألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي َن أُ ْوتُوْا نَ صِيبا مّ نَ الْكِتَا ِ‬
‫مّ ن نّا ِ‬
‫حكُ َم بَيَْنهُ ْم ُثمّ يََت َولّى َفرِي ٌق مّ ْنهُمْ َوهُم ّم ْعرِضُونَ (‪)23‬‬
‫ِإلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَ ْ‬
‫ك ِبأَّنهُ مْ قَالُوْا لَن تَمَ سّنَا النّا ُر إِل َأيّاما ّمعْدُودَا تٍ وَ َغ ّرهُ مْ فِي دِينِهِم‬
‫َذلِ َ‬
‫ب فِي هِ وَ ُوفّيَ تْ‬
‫ف ِإذَا جَ َمعْنَاهُ مْ لَِيوْ مٍ ل َريْ َ‬
‫مّا كَانُوْا َيفَْترُو نَ (‪َ )24‬فكَيْ َ‬
‫ك الْمُلْ كِ‬
‫ت َوهُ ْم َل يُظْلَمُو نَ (‪ُ )25‬قلِ ال ّلهُمّ مَالِ َ‬
‫ُك ّل َنفْ سٍ مّ ا كَ سَبَ ْ‬
‫ك مِمّ ن َتشَاء وَُت ِعزّ مَن َتشَاء َوُتذِلّ‬
‫ع الْمُلْ َ‬
‫ن ُ‬
‫تُؤْتِي الْمُلْ كَ مَن َتشَاء وَتَ ِ‬
‫ج اللّ ْيلَ فِي‬
‫مَن َتشَاء بَِيدِ كَ الْخَ ْي ُر ِإنّ كَ عَ َلىَ ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )26‬تُولِ ُ‬
‫ج الَمَيّ تَ‬
‫خرِ ُ‬
‫ت َوتُ ْ‬
‫حيّ مِ َن الْمَيّ ِ‬
‫ج الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫ج النّهَا َر فِي اللّ ْيلِ وَتُ ْ‬
‫الْنّهَا ِر َوتُولِ ُ‬
‫ُونـ‬
‫خ ِذ الْمُ ْؤمِن َ‬
‫ُقـ مَن َتشَاء ِبغَ ْي ِر حِسـَابٍ (‪ )27‬ل يَتّ ِ‬
‫ِنـ الْحَيّ وََترْز ُ‬
‫م َ‬
‫س مِ نَ اللّ ِه فِي‬
‫ك فَلَيْ َ‬
‫الْكَا ِفرِي نَ َأ ْولِيَاء مِن ُدوْ نِ الْ ُم ْؤمِنِيَ َومَن َي ْفعَ ْل َذلِ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪350‬‬

‫صيُ (‬
‫حذّرُكُ ُم اللّ ُه َنفْ سَ ُه َوإِلَى اللّ هِ الْمَ ِ‬
‫شَيْ ٍء إِل أَن تَّتقُواْ مِ ْنهُ مْ ُتقَاةً َويُ َ‬
‫صدُورِ ُكمْ َأوْ تُبْدُو ُه َيعْلَمْ ُه اللّ ُه وََيعْلَ ُم مَا فِي‬
‫خفُواْ مَا فِي ُ‬
‫‪ُ )28‬قلْ إِن تُ ْ‬
‫جدُ‬
‫ض وَاللّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪َ )29‬يوْ َم َت ِ‬
‫ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الرْ ِ‬
‫ت مِن ُسوَءٍ تَ َو ّد لَ ْو أَنّ‬
‫ت مِ نْ خَ ْي ٍر مّحْضَرا وَمَا َعمِلَ ْ‬
‫س مّ ا عَمِ َل ْ‬
‫ُك ّل َنفْ ٍ‬
‫ف بِالْعِبَادِ (‪)30‬‬
‫حذّرُكُ ُم اللّ هُ َنفْ سَ ُه وَاللّ هُ َرؤُو ُ‬
‫بَيَْنهَا وَبَيْنَ هُ َأمَدا َبعِيدا َويُ َ‬
‫ُقلْ إِن كُنتُ ْم تُحِبّو َن اللّ َه فَاتّبِعُونِي يُحْبِ ْب ُكمُ اللّ ُه َويَ ْغ ِفرْ َلكُ ْم ُذنُوبَكُ ْم وَال ّلهُ‬
‫ّهـ لَ‬
‫ّهـ وَالرّسـُولَ فإِن َت َولّ ْواْ َفإِن ّ الل َ‬
‫ِيمـ (‪ُ )31‬ق ْل أَطِيعُوْا الل َ‬
‫َغفُورٌ ّرح ٌ‬
‫ب الْكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )32‬‬
‫يُحِ ّ‬
‫***‬
‫‪351‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫لِئ َكةُ َوُأوْلُواْ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ش ِهدَ اللّ هُ َأنّ هُ لَ ِإلَـهَ إِل هُ َو وَالْمَ َ‬
‫حكِيمُ (‪. ﴾ )18‬‬
‫ط لَ ِإلَـهَ إِل هُ َو اْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫الْعِ ْلمِ قَآئِمَا بِاْل ِقسْ ِ‬
‫قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪َ ﴿ :‬شهِدَ اللّ هُ َأنّ هُ لَ إِلَـهَ إِل‬
‫لئِ َك ُة َوُأوْلُوْا الْعِ ْلمِ ﴾ ‪ ،‬بلف ما قال وفد نران من النصارى ‪.‬‬
‫ُهوَ وَالْ َم َ‬
‫ِسـطِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالعدل ‪ .‬قال ابـن كثيـ ‪ :‬قرن شهادة‬
‫﴿ قَآئِمَا بِاْلق ْ‬
‫ملئك ته وأول العلم بشهاد ته ‪ ،‬وهذه خ صوصية عظي مة للعلماء ف هذا‬
‫القام ‪.‬‬
‫ِيمـ‬
‫حك ُ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬لَ إِلَــهَ إِل ُهوَ ﴾ تأكيـد لاـ سـبق ‪ ﴿ .‬اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ِيمـ‬
‫حك ُ‬ ‫﴾ أي ‪ ﴿ :‬اْلعَزِيزُ ﴾ الذي ل يرام جنابـه عظمـة وكـبياء ‪ ﴿ .‬الْ َ‬
‫﴾ ف قوله وأفعاله وشرعه وقدره ‪.‬‬
‫ف اّلذِي نَ‬
‫ل ُم وَمَا اخْتَلَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الدّي نَ عِن َد اللّ هِ الِ سْ َ‬
‫أُ ْوتُوْا الْكِتَا بَ إِل مِن َبعْ ِد مَا جَاءهُ مُ اْلعِلْ مُ َبغْيا بَيَْنهُ ْم وَمَن يَ ْك ُفرْ بِآيَا تِ‬
‫ت وَ ْجهِ يَ‬
‫اللّ هِ َفإِنّ اللّ هِ سَرِي ُع الْحِ سَابِ (‪ )19‬فَإ ْن حَآجّو َك َف ُقلْ أَ سْلَ ْم ُ‬
‫ب وَا ُلمّيّيَ َأأَ سْلَمُْت ْم َفإِ نْ أَ سْلَمُواْ‬
‫لِلّ هِ َومَ نِ اتَّبعَ نِ َوقُل لّ ّلذِي نَ ُأ ْوتُواْ اْلكِتَا َ‬
‫ي بِاْلعِبَادِ (‪.﴾ )20‬‬
‫َفقَ ِد اهْتَدَواْ ّوإِن تَ َوّلوْْا َفِإنّمَا َعلَ ْيكَ الْبَلَغُ وَال ّلهُ بَصِ ٌ‬
‫ّهـ‬ ‫قال ابـن إسـحاق عـن ممـد بـن جعفـر ‪ ﴿ :‬إِنّ الد َ‬
‫ّينـ عِندَ الل ِ‬
‫لمُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما أ نت عل يه يا م مد من التوح يد للرب والت صديق‬ ‫الِ ْس َ‬
‫للر سل ‪ .‬وقال أ بو العال ية ‪ :‬ال سلم ‪ :‬الخلص ل وحده ‪ ،‬وعباد ته ل‬
‫شريك له ‪ ،‬وإقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وسائر الفرائض لذا تبع ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪352‬‬

‫َابـ إِل مِن َبعْ ِد مَا‬


‫ِينـ ُأ ْوتُواْ اْلكِت َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا ا ْختَل َ‬
‫َفـ الّذ َ‬
‫جَاءهُ ُم الْعِ ْل ُم َبغْيا َبْيَنهُمْ ﴾ ‪ .‬قال أبو العالية ‪ :‬يقول بغيًا على الدنيا وطلب‬
‫ملكها وسلطانا ‪ ،‬فقتل بعضهم بعضًا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء‬
‫الناس ‪.‬‬
‫وقال ماهد ف قول ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْكفُ ْر بِآيَاتِ اللّهِ فَِإنّ اللّهِ‬
‫سَرِي ُع الْحِ سَابِ ﴾ قال ‪ :‬إح صاؤه علي هم ‪ .‬وقال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬فإن‬
‫ال سـيجازيك على ذلك ‪ ،‬وياسـبه على تكذيبـه ‪ ،‬ويعاقبـه على مالفتـه‬
‫كتابه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإ نْ حَآجّو كَ َفقُلْ أَ سْلَ ْم ُ‬
‫ت وَ ْجهِ يَ لِلّ ِه َومَ نِ اّتَبعَ نِ ﴾‬
‫يقول تعال ‪ :‬فإن جادلوك ف الدين فقل ‪ ﴿ :‬أَسَْل ْمتُ وَ ْجهِيَ ِللّهِ ﴾ أي ‪:‬‬
‫أخل صت عباد ت ل وحده ل شر يك له ‪ ،‬و من اتبع ن على دي ن ‪ ،‬يقول‬
‫كمقالت ‪ .‬قال البغوي ‪َ ﴿ :‬فقُلْ أَسْلَ ْم ُ‬
‫ت وَ ْج ِهيَ ِللّهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬انقدت ل‬
‫وحده بقلبـ ولسـان وجيـع جوارحـي ؛ وإناـ خـص الوجـه لنـه أكرم‬
‫الوارح للِن سان وف يه باؤه ‪ ،‬فإذا خ ضع وج هه للش يء ‪ ،‬ف قد خ ضع له‬
‫جيع جوارحه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقُل لّلّذِي نَ ُأ ْوتُوْا الْ ِكتَا َ‬
‫ب وَا ُل ّميّيَ َأأَ سْلَ ْمتُمْ فَإِ نْ أَ سْلَمُواْ‬
‫غ وَاللّ ُه بَ صِ ٌي بِاْل ِعبَادِ ﴾ ‪ .‬قال ابن‬
‫ك الَْبلَ ُ‬
‫َفقَ ِد اهْتَدَواْ ّوإِن َتوَلّ ْواْ فَِإنّمَا عََليْ َ‬
‫إسحاق عن ممد بن جعفر ‪ :‬الميون الذين ل كتاب لم ‪ .‬وقال البغوي‬
‫‪ ﴿ :‬وَقُل لّلّذِينَ ُأ ْوتُوْا الْ ِكتَا َ‬
‫ب وَا ُل ّميّيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العرب ‪َ ﴿ ،‬أأَسْلَ ْمتُمْ ﴾‬
‫لفظـة اسـتفهام ومعناه أمـر ‪ ،‬أي ‪ :‬أسـلموا ‪ ،‬كمـا قال ‪َ ﴿ :‬فهَلْ أَنت ُم‬
‫مّنَتهُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬انتهوا ‪ ﴿ .‬فَإِ نْ أَ سْلَمُواْ َفقَدِ ا ْهتَدَواْ ﴾ فقرأ ر سول ال‬
‫‪353‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫هذه ال ية فقال أهل الكتاب ‪ :‬أ سلمنا ‪ ،‬فقال لليهود ‪ « :‬أتشهدون أن‬
‫عزيرًا عبده ورسـوله » ؟ ‪ .‬فقالوا ‪ :‬معاذ ال أن يكون عزيـر ‪ -‬عليـه‬
‫السلم ‪ -‬عبدًا ‪.‬‬
‫وقال للنصارى ‪ « :‬أتشهدون أن عيسى كلمة ال وعبده ورسوله » ؟‬
‫‪ .‬قالوا ‪ :‬معاذ ال أن يكون عيسـى عبدًا ‪ .‬فقال ال عـز وجـل ‪ّ ﴿ :‬وإِن‬
‫ك الَْبلَ غُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تبل يغ الر سالة ول يس عل يك الدا ية‬ ‫َتوَلّ ْواْ فَِإنّمَا عََليْ َ‬
‫﴿ وَاللّ ُه َبصِيٌ بِاْل ِعبَادِ ﴾ عال بَ ْن ُيؤْمن وبِمَ ْن ل ُي ْؤمِن ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن يَ ْك ُفرُو َن بِآيَا تِ اللّ ِه َويَقْتُلُو نَ النّبِيّيَ‬
‫شرْهُم ِبعَذَا بٍ‬
‫س فََب ّ‬
‫ط مِ َن النّا ِ‬
‫ِبغَيْ ِر حَقّ َوَيقْتُلُو َن اّلذِي َن َيأْ ُمرُو نَ بِالْقِ سْ ِ‬
‫ت أَ ْعمَالُهُمْ فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُم‬
‫ك الّذِي َن حَبِطَ ْ‬
‫َألِيمٍ (‪ )21‬أُولَـئِ َ‬
‫صرِينَ (‪. ﴾ )22‬‬
‫مّن نّا ِ‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬كان الوحي يأت على أنبياء من بن إسرائيل ‪ ،‬ول‬
‫يكن يأتيهم كتاب ‪ ،‬فيذكرون قومهم فيقتلون أنبياءهم ‪ ،‬فيقوم رجال من‬
‫تبع هم و صدقهم ‪ ،‬فيذكرون قوم هم فيقتلون أيضًا الذ ين يأمرون بالق سط‬
‫من الناس وف الديث ‪ « :‬أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتل نبيًا ‪،‬‬
‫أو من أمر بالعروف ونى عن النكر » ‪ .‬رواه ابن جريج وغيه ‪.‬‬
‫َابـ‬
‫ّنـ الْكِت ِ‬
‫ِينـ ُأ ْوتُواْ نَصـِيبا م َ‬
‫َمـ َت َر ِإلَى الّذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أل ْ‬
‫ُمـ وَهُم‬
‫ِيقـ مّ ْنه ْ‬
‫ُمـ ثُمّ يََتوَلّى َفر ٌ‬
‫ُمـ بَيَْنه ْ‬
‫حك َ‬‫ّهـ لِيَ ْ‬
‫َابـ الل ِ‬
‫ْنـ ِإلَى كِت ِ‬
‫ُيدْعَو َ‬
‫ـَا النّا ُر إِل َأيّاما ّمعْدُودَاتٍـ‬
‫ّمعْرِضُونَـ (‪َ )23‬ذلِكَـِبأَّنهُم ْـ قَالُوْا لَن تَمَسّن‬
‫الزء الول‬ ‫‪354‬‬

‫ف ِإذَا جَ َمعْنَاهُ ْم لَِيوْ ٍم ل‬


‫وَ َغرّهُ مْ فِي دِيِنهِم مّا كَانُواْ َيفَْترُو نَ (‪ )24‬فَكَيْ َ‬
‫ت َو ُهمْ َل يُظْلَمُونَ (‪. ﴾ )25‬‬
‫ب فِيهِ َو ُوفّيَتْ ُك ّل َنفْسٍ مّا َكسَبَ ْ‬
‫َريْ َ‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬دخـل رسـول ال بيـت الدراس على جاعـة مـن‬
‫يهود ‪ ،‬فدعاهـم إل ال ‪ ،‬فقال له نعيـم بـن عمرو ‪ ،‬والارث بـن زيـد ‪:‬‬
‫على أي دين أنت يا ممد ؟ فقال ‪ « :‬على ملة إبراهيم ودينه » ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫فإن إبراه يم كان يهوديًا ‪ .‬قال ل ما ر سول ال ‪ « :‬فهلموا إل التوراة‬
‫ف هي بين نا وبين كم » ‪ ،‬فأب يا عل يه ‪ ،‬فأنزل ال عز و جل ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى‬
‫حكُ َم َبْينَهُ ْم ثُمّ‬
‫ب يُ ْد َعوْ نَ إِلَى ِكتَا بِ اللّ هِ ِليَ ْ‬
‫الّذِي نَ ُأوْتُواْ نَ صِيبا مّ َن اْلكِتَا ِ‬
‫َيتَوَلّى َفرِي ٌق ّمْنهُ ْم َوهُم ّمعْ ِرضُونَ ﴾ ‪ ،‬إل قوله ‪ ﴿ :‬مّا كَانُوْا َي ْفتَرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫سنَا النّارُ إِل َأيّاما ّمعْدُودَا تٍ ﴾ ‪.‬‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك ِبَأنّهُ مْ قَالُواْ لَن تَمَ ّ‬
‫قال قتادة ‪ :‬قالوا ‪ :‬لن تسنا النار إل تلة القسم الت نصبنا فيها العجل ‪،‬‬
‫ث ينقطع القسم والعذاب عنا ‪ .‬قال ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬وغَ ّرهُ مْ فِي دِيِنهِم‬
‫مّا كَانُوْا َيفْتَرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قالوا ‪ :‬نن أبناء ال وأحباؤه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكَيْ فَ إِذَا َج َم ْعنَاهُ مْ ِلَيوْ مٍ ل َريْ بَ فِي هِ ﴾ ‪ ،‬و هو ‪:‬‬
‫ت َوهُ مْ َل يُظْلَمُو نَ ﴾ فكيف‬
‫سبَ ْ‬
‫س مّا كَ َ‬
‫يوم القيامة ‪َ ﴿ ،‬ووُّفيَ تْ كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫حالم حينئذٍ ‪.‬‬
‫ك مَن َتشَاء‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ق ِل ال ّلهُمّ مَالِ كَ الْمُلْ كِ ُتؤْتِي الْمُلْ َ‬
‫ك مِمّ ن َتشَاء وَُت ِعزّ مَن َتشَاء َوُتذِ ّل مَن َتشَاء بَِيدِ َك الْخَ ْيرُ‬
‫ع الْمُلْ َ‬
‫ن ُ‬
‫وَتَ ِ‬
‫ج الّنهَارَ فِي‬
‫ِإنّ كَ َع َلىَ ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )26‬تُولِ جُ اللّ ْي َل فِي الْنّهَا ِر َوتُولِ ُ‬
‫‪355‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ق مَن‬
‫حيّ َوَترْزُ ُ‬
‫ت مِ نَ الْ َ‬
‫ج الَمَيّ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫ت وَتُ ْ‬
‫حيّ مِ َن الْمَيّ ِ‬
‫ج الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫اللّيْ ِل َوتُ ْ‬
‫َتشَاء ِبغَ ْي ِر حِسَابٍ (‪. ﴾ )27‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ ( :‬ل ا ف تح ر سول ال م كة و عد أم ته ملك فارس‬
‫والروم ‪ ،‬قالت النافقون واليهود ‪ :‬هيهات هيهات ‪ ،‬من أ ين لح مد ملك‬
‫فارس والروم و هم أ عز وأم نع من ذلك ؟ أل ي كف ممدًا م كة والدي نة‬
‫حت طمع ف ملك فارس والروم ؟ فأنزل ال هذه الية ) ‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪ :‬قوله ‪ُ ﴿ :‬تؤْتِي الْ ُملْ َ‬
‫ك مَن‬
‫ّكـ عََلىَ كُ ّل َشيْءٍ‬
‫تَشَاء ﴾ اليـة ‪ ،‬أي ‪ :‬أن ذلك بيدك ل إل غيك ﴿ ِإن َ‬
‫قَدِيرٌ ﴾ ل يقدر هذا غيك بسلطانك وقدرتك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تُولِجُ الّليْلَ فِي الّْنهَا ِر َوتُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْلِ ﴾ ‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬ما نقص من النهار يعله ف الليل ‪ ،‬وما نقص من الليل يعله ف‬
‫النهار ‪.‬‬
‫ِنـ‬
‫ّتـ م َ‬
‫ِجـ الَ َمي َ‬
‫ّتـ َوتُخْر ُ‬
‫ِنـ الْ َمي ِ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتُخْر ُ‬
‫ِجـ الْحَي ّ م َ‬
‫الْحَيّ ﴾ ‪ .‬قال ماهـد ‪ :‬الناس الحياء من الن طف ‪ ،‬والن طف ميتـة مـن‬
‫الناس الحياء ومن النعام والنبات كذلك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتَرْز ُ‬
‫ُقـ م َن تَشَاء ِبغَيْرِ حِسـَابٍ ﴾ ‪ .‬قال الربيـع ‪:‬‬
‫يرج الرزق من عنده بغ ي ح ساب ‪ ،‬ل ياف أن ين قص ما عنده تبارك‬
‫وتعال ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪356‬‬

‫خذِ الْ ُم ْؤمِنُونَـ اْلكَا ِفرِينَـَأوْلِيَاء مِن ُدوْنِـ‬


‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬ل يَتّ ِ‬
‫س مِ َن اللّ ِه فِي َشيْ ٍء إِل أَن تَّتقُوْا مِ ْنهُ مْ‬
‫الْمُ ْؤمِنِيَ وَمَن َي ْف َعلْ َذلِ كَ فَلَيْ َ‬
‫سهُ َوِإلَى اللّ ِه الْمَصِيُ (‪. ﴾ )28‬‬
‫حذّرُ ُك ُم ال ّلهُ َن ْف َ‬
‫ُتقَا ًة وَيُ َ‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬نىـ ال سـبحانه الؤمنيـ أن يلطفوا الكفار ‪ ،‬أو‬
‫يتخذوهم وليجة من دون الؤمني ‪ ،‬إل أن يكون الكفار عليهم ظاهرين ‪،‬‬
‫فيظهروا ل م الل طف ويالفو هم ف الد ين ‪ ،‬وذلك قوله ‪ ﴿ :‬إِل أَن َتّتقُواْ‬
‫ِمنْهُ ْم ُتقَاةً ﴾ وقال أيضًا ‪ :‬التقاة التكلم باللسان ‪ ،‬وقلبه مطمئن باليان ‪.‬‬
‫ـهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوفكـم ال‬
‫ـ َنفْس َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويُحَذّرُكُم ُ‬
‫ـ اللّه ُ‬
‫عقوبته ﴿ َوإِلَى اللّ ِه الْ َمصِيُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الرجع والنقلب ‪.‬‬
‫صدُورِ ُكمْ َأ ْو تُ ْبدُو هُ َيعْلَمْ هُ‬
‫خفُواْ مَا فِي ُ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬قلْ إِن ُت ْ‬
‫ض وَاللّ هُ َعلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ‬
‫اللّ ُه َويَعْلَ ُم مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الرْ ِ‬
‫(‪. ﴾ )29‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬قُلْ إِن ْـتُ ْ‬
‫خفُوا مَا فِي صُـدُورِكُمْ ﴾ ‪ ،‬قلوبكـم مـن‬
‫ّهـ‬
‫ُوهـ ﴾ ‪ ،‬موالتمـ قو ًل وفعلً ‪َ ﴿ ،‬يعْلَم ْه الل ُ‬ ‫مودة الكفار ‪َ ﴿ ،‬أوْ ُتبْد ُ‬
‫ت َومَا فِي الرْضِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬إذا كان ل يفى عليه‬ ‫َويَعَْل ُم مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫شيء ف السماوات ول ف الرض ‪ ،‬فكيف تفى عليه موالتكم الكفار ‪،‬‬
‫وميل كم إلي هم بالقلب ؟ ﴿ وَاللّه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ﴾ ‪ .‬وقال الكل ب ‪:‬‬
‫إن ت سروا ما ف قلوب كم لر سول ال من التكذ يب أو تظهروه بر به‬
‫وقتاله ‪ ،‬يعلمه ال ويفظه عليكم حت يازيكم به ‪.‬‬
‫‪357‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت مِ نْ خَ ْيرٍ مّحْضَرا‬
‫س مّا عَمِ َل ْ‬
‫جدُ ُك ّل نَفْ ٍ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬يوْ َم تَ ِ‬
‫حذّرُكُ ُم اللّ هُ‬
‫ت مِن ُسوَ ٍء َتوَ ّد َلوْ أَنّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ُه َأمَدا َبعِيدا َويُ َ‬
‫وَمَا عَمِ َل ْ‬
‫ف بِالْعِبَادِ (‪. ﴾ )30‬‬
‫س ُه وَال ّلهُ َرؤُو ُ‬
‫َنفْ َ‬
‫ـ َخيْرٍ‬
‫ـ مِن ْ‬
‫ـ مّاـ عَ ِملَت ْ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬يوْم َ‬
‫ـ َتجِدُ كُ ّل َنفْس ٍ‬
‫حضَرا ﴾ ‪ ،‬يقول موفرًا ‪.‬‬
‫مّ ْ‬
‫وقال السدي ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا عَ ِملَ ْ‬
‫ت مِن ُسوَءٍ َتوَدّ َلوْ َأنّ َبْيَنهَا َوبَْينَ هُ‬
‫َأمَدا بَعِيدا ﴾ ‪ ،‬مكانًا بعيدًا ‪ .‬و عن ال سن ف قوله ‪َ ﴿ :‬ويُحَذّرُكُ مُ اللّ هُ‬
‫ف بِاْل ِعبَادِ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬من رأفته بم أن حذرهم نفسه ‪.‬‬‫َنفْسَهُ وَاللّهُ َرؤُو ُ‬
‫حبّو َن اللّ هَ فَاتِّبعُونِي يُحْبِ ْبكُ ُم اللّ هُ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل إِن كُنتُ مْ تُ ِ‬
‫وََي ْغ ِفرْ َلكُ ْم ُذنُوَبكُ ْم وَال ّلهُ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )31‬‬
‫قال ال سن ‪ :‬قال قوم على ع هد نبيهم ‪ :‬يا م مد إنا ن ب رب نا ‪،‬‬
‫حِببْكُ مُ اللّ ُه‬
‫حبّو نَ اللّ هَ فَاتِّبعُونِي يُ ْ‬
‫فأنزل ال عز و جل ‪ ﴿ :‬قُلْ إِن كُنتُ ْم تُ ِ‬
‫َويَ ْغفِرْ َلكُ مْ ُذنُوَبكُ مْ ﴾ فجعل إتباع نبيه ممد علمًا لبه ‪ ،‬وعذاب من‬
‫خالفه ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬هذه ال ية الكري ة حاك مة على كل من اد عى م بة‬
‫ال ‪ ،‬ول يس هو على الطري قة الحمد ية فإ نه كاذب ف دعواه ف ن فس‬
‫المر ‪ ،‬حت يتبع الشرع الحمدي والدين النبوي ف جيع أقواله وأفعاله ‪،‬‬
‫كما ثبت ف الصحيح عن رسول ال أنه قال ‪ « :‬من عمل عملً ليس‬
‫حبّو نَ اللّ هَ فَاّتبِعُونِي‬
‫عل يه أمر نا ف هو رد » ولذا قال ‪ُ ﴿ :‬قلْ إِ نْ ُكْنتُ مْ تُ ِ‬
‫ّهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يصـل لكـم فوق مـا طلبتـم مـن مبتكـم إياه ‪،‬‬ ‫حِببْكُمُـ الل ُ‬
‫يُ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪358‬‬

‫و هو ‪ :‬مب ته إيا كم ‪ ،‬و هو أع ظم من الول ‪ ،‬ك ما قال ب عض الكماء‬


‫حبّ ‪.‬‬‫حبّ ‪ ،‬إنا الشأن أن تُ َ‬
‫العلماء ‪ :‬ليس الشأن أن تُ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل أَطِيعُوْا اللّ َه وَالرّ سُولَ فإِن َت َولّ ْواْ َفإِنّ اللّ هَ لَ‬
‫ب الْكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )32‬‬
‫يُحِ ّ‬
‫قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪ ﴿ :‬قُلْ َأطِيعُواْ اللّ َه وَالرّسُولَ ﴾‬
‫فأن تم تعرفو نه ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الو فد من ن صارى نران ‪ ،‬وتدو نه ف كتاب كم‬
‫‪ ﴿ ،‬فإِن َتوَّلوْاْ ﴾ على كفرهـم ‪ ﴿ ،‬فَإِنّ اللّهَـ َل يُحِبّ الْكَافِرِينَـ ﴾ ‪.‬‬
‫وف الديث الصحيح عن النب قال ‪ « :‬كل أمت يدخلون النة إل من‬
‫أب » ‪ .‬قالوا ومن يأب ؟ قال ‪ « :‬من أطاعن دخل النة ‪ ،‬ومن عصان‬
‫فقد أب » ‪ .‬وال الوفق ‪.‬‬
‫***‬
‫‪359‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والثلثون‬

‫َانـ عَلَى‬
‫ِيمـ وَآلَ ِع ْمر َ‬
‫َمـ وَنُوحا وَآلَ ِإْبرَاه َ‬
‫اصـ َطفَى آد َ‬
‫ّهـ ْ‬
‫﴿ إِنّ الل َ‬
‫ض وَاللّهُ سَمِيعٌ َعلِيمٌ (‪ِ )34‬إ ْذ قَالَتِ‬
‫ضهَا مِن َبعْ ٍ‬
‫الْعَالَمِيَ (‪ )33‬ذُ ّريّ ًة َبعْ ُ‬
‫حرّرا فََتقَّبلْ مِنّي إِنّ كَ‬
‫ك مَا فِي بَطْنِي مُ َ‬
‫امْ َرَأةُ عِ ْمرَا نَ َربّ إِنّي َنذَرْ تُ لَ َ‬
‫ضعُْتهَا أُنثَى‬
‫ضعَ ْتهَا قَالَ تْ َربّ ِإنّي وَ َ‬
‫ت ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (‪ )35‬فَلَمّا وَ َ‬
‫أَن َ‬
‫س الذّكَرُ كَالُنثَى َوِإنّي سَمّيُْتهَا َم ْريَ مَ وِِإنّي‬
‫ت َولَيْ َ‬
‫ضعَ ْ‬
‫وَاللّ ُه أَعْلَ مُ بِمَا وَ َ‬
‫ك َوذُ ّريّتَهَا مِ نَ الشّيْطَا ِن الرّجِي مِ (‪ )36‬فََتقَبّلَهَا َربّهَا ِبقَبُولٍ‬
‫أُعِيذُهَا بِ َ‬
‫َسـ ٍن َوأَنبَتَهَا نَبَاتا حَسـَنا وَ َكفّلَهَا زَ َك ِريّاـ كُلّمَا َد َخلَ عَلَيْهَا زَ َك ِريّاـ‬
‫ح َ‬
‫ت هُ َو مِ نْ‬
‫حرَا بَ َو َجدَ عِندَهَا رِزْقا قَا َل يَا َمرْيَ مُ َأنّى لَ كِ هَـذَا قَالَ ْ‬
‫الْمِ ْ‬
‫ق مَن َيشَا ُء ِبغَ ْي ِر حِ سَابٍ (‪ )37‬هُنَالِ كَ دَعَا زَ َك ِريّا‬
‫عِن ِد اللّ هِ إنّ اللّ هَ َيرْزُ ُ‬
‫ك ذُ ّرّيةً طَيَّبةً ِإنّ كَ سَمِي ُع الدّعَاء (‪)38‬‬
‫َربّ ُه قَالَ رَبّ هَ بْ لِي مِن ّلدُنْ َ‬
‫حرَابِ أَنّ اللّ َه يَُبشّرُ َك بِيَحْيَـى‬
‫فَنَا َدتْ ُه الْمَلِئكَ ُة َوهُ َو قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمِ ْ‬
‫حيَ (‪ )39‬قَالَ‬
‫صدّقا ِبكَلِ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ وَ سَيّدا َوحَ صُورا َونَبِيّا مّ نَ ال صّالِ ِ‬
‫مُ َ‬
‫ك اللّهُ‬
‫ل ٌم َوقَ ْد بَ َلغَنِ َي الْكَِب ُر وَا ْم َرأَتِي عَاقِ ٌر قَالَ َك َذلِ َ‬
‫َربّ َأّنىَ َيكُونُ لِي غُ َ‬
‫َيفْ َعلُ مَا َيشَاءُ (‪ )40‬قَالَ َربّ اجْعَل لّ يَ آَي ًة قَالَ آيَتُ كَ أَل تُكَلّ َم النّا سَ‬
‫ح بِاْل َعشِيّ وَا ِلْبكَارِ (‪﴾ )41‬‬
‫لَثةَ َأيّا ٍم إِل َرمْزا وَاذْكُر ّربّكَ كَثِيا وَسَبّ ْ‬
‫ثَ َ‬
‫‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪360‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَى آدَ َم َونُوحا وَآ َل ِإبْرَاهِي َم وَآلَ‬
‫ضهَا مِن َبعْ ضٍ وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‬
‫عِ ْمرَا نَ عَلَى اْلعَالَ ِميَ (‪ )33‬ذُ ّريّ ًة َبعْ ُ‬
‫‪. ﴾ )34‬‬
‫قال قتادة ف قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّ َه ا صْ َطفَى آدَ َم َونُوحا وَآلَ ِإبْرَاهِي َم وَآلَ‬
‫َانـ عَلَى اْلعَالَمِي َ ﴾ ‪ :‬ذكـر ال أهـل بيتيـ صـالي ‪ ،‬ورجليـ‬
‫عِمْر َ‬
‫صـالي ‪ ،‬ففضلهـم على العاليـ ‪ ،‬فكان ممـد مـن آل إبراهيـم ‪ .‬وقال‬
‫السن ‪ :‬فضلهم على العالي بالنبوة على الناس كلهم ‪ ،‬كانوا هم النبياء‬
‫التقياء الصطفي لربم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذُ ّرّي ًة َب ْعضُهَا مِن َبع ٍ‬
‫ْضـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مـن ولد بعـض‬
‫ضهَا مِن بَعْضٍ‬
‫‪ ﴿ ،‬وَاللّهُ سَمِي ٌع عَلِيمٌ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬قوله ‪ُ ﴿ :‬ذ ّرّيةً َب ْع ُ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬ف النية ‪ ،‬والعمل ‪ ،‬والخلص ‪ ،‬والتوحيد له ‪ .‬وقال ف جامع‬
‫البيان ‪ ﴿ :‬ذُ ّرّي ًة َب ْعضُهَا مِن َبعْضٍـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أنمـ ذر ية واحدة متشبعـة‬
‫بعضها من بعض ‪ .‬انتهى ‪ .‬ول منافاة بي القولي ‪.‬‬
‫ت لَ كَ مَا‬
‫ت ا ْمرََأةُ ِع ْمرَا نَ َربّ ِإنّ ي َنذَرْ ُ‬
‫قوله عز و جل ‪ِ ﴿ :‬إ ْذ قَالَ ِ‬
‫ِيمـ (‪ )35‬فَلَمّاـ‬
‫السـمِي ُع الْعَل ُ‬
‫َنتـ ّ‬
‫ّكـ أ َ‬
‫حرّرا فََتقَّب ْل مِنّيـ إِن َ‬
‫فِي بَطْنِي مُ َ‬
‫ت َولَيْ سَ‬
‫ضعَ ْ‬
‫ضعْتُهَا أُنثَى وَاللّ هُ أَعْلَ ُم بِمَا وَ َ‬
‫ضعَتْهَا قَالَ تْ رَبّ إِنّ ي وَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ِنـ‬
‫ِكـ وَذُ ّريّتَهَا م َ‬
‫َمـ ِوِإنّيـ أُعِيذُهَا ب َ‬
‫سـمّيُْتهَا َمرْي َ‬
‫الذّ َكرُ كَالُنثَى َوإِنّيـ َ‬
‫الشّيْطَا ِن الرّجِيمِ (‪. ﴾ )36‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬تزوج زكريا وعمران أختي ‪ ،‬فكانت أم يي عند‬
‫زكريا وكانت أم مري عند عمران ‪ ،‬فهلك عمران وأم مري حامل بري ‪،‬‬
‫‪361‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فهي جني ف بطنها ‪ .‬قال ‪ :‬وكانت فيما يزعمون قد أمسك عنها الولد‬
‫حت أسنّت ‪ ،‬وكانوا أهل بيت من ال جل ثناؤه بكان ‪ ،‬فبينا هي ف ظل‬
‫شجرة نظرت إل طائر يط عم فرخ له ‪ ،‬فتحر كت نف سها للولد ‪ ،‬فد عت‬
‫ال أن ي هب ل ا ولدًا فحملت بر ي ‪ ،‬وهلك عمران ‪ ،‬فل ما عر فت أن ف‬
‫بطنهـا جنينًا جعلتـه ل نذيرة ‪ ،‬والنذيرة ‪ :‬أن تعبده ل فتجعله حبسـًا فـ‬
‫الكني سة ‪ ،‬ل ينت فع به بش يء من أمور الدن يا ‪ .‬قال الش عب ف قوله ‪﴿ :‬‬
‫حرّرا ﴾ جعلته ف الكنيسة وفرغته للعبادة ‪.‬‬
‫ك مَا فِي بَ ْطنِي مُ َ‬
‫ِإنّي نَذَرْتُ لَ َ‬
‫وقال الكلب ‪ :‬قالت ‪ :‬اللهم لك عل يّ إن رزقتن ولدًا أن أتصدق به على‬
‫بيت القدس ‪ ،‬فيكون من سدنته وخدمته ‪.‬‬
‫وقال الربيع ‪ :‬كانت امرأة عمران حررت ل ما ف بطنها ‪ ،‬وكانت‬
‫على رجاء أن يهب لا غلمًا ‪ ،‬لن الرأة ل تستطيع ذلك ‪ -‬يعن ‪ :‬القيام‬
‫على الكنيسـة ‪ ،‬ل تبحهـا وتكنسـها ‪ -‬لاـ يصـيبها مـن الذى ‪ .‬وقال‬
‫ال سدي ‪ :‬ظ نت أن ما ف بطنها غلمًا فوهب ته ل ‪ ،‬فل ما وض عت إذ هي‬
‫جارية فقالت تعتذر إل ال ‪ :‬رب إن وضعتها أنثى وليس الذكر كالنثى‬
‫َتـ ﴾ ‪،‬‬
‫ضع ْ‬‫َمـ بِم َا وَ َ‬
‫ّهـ َأعْل ُ‬
‫‪ .‬تقول ‪ :‬إناـ يرر الغلمان بقول ال ﴿ وَالل ُ‬
‫فقالت ‪ :‬إ ن سيتها مري ‪ .‬و ف الد يث عن ال نب ‪ « :‬كل مولود من‬
‫ولد آدم له طع نة من الشيطان وب ا ي ستهل ال صب ‪ ،‬إل ما كان من مر ي‬
‫ابنـة عمران وولدهـا ‪ ،‬فإن أمهـا قالت حيـ وضعتهـا ‪ :‬إنـ أعيذهـا‬
‫بـك وذريتهـا مـن الشيطان الرجيـم ‪ ،‬فضرب دوناـ حجاب فطعـن فـ‬
‫الجاب » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪362‬‬

‫سنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتا حَ سَنا‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فََتقَبّلَهَا َربّهَا ِبقَبُولٍ حَ َ‬
‫حرَابَ َوجَدَ عِن َدهَا رِزْقا قَالَ‬
‫وَ َكفّلَهَا َز َكرِيّا كُلّمَا َد َخلَ َعلَ ْيهَا زَ َك ِريّا الْ ِم ْ‬
‫ق مَن َيشَاءُ‬
‫ت هُ َو مِ نْ عِن ِد اللّ هِ إنّ اللّ َه َيرْزُ ُ‬
‫يَا َمرْيَ ُم َأنّى لَ كِ هَـذَا قَالَ ْ‬
‫ِبغَيْ ِر ِحسَابٍ (‪. ﴾ )37‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬قال ال عز و جل ‪َ ﴿ :‬فَتقَبّلَهَا َربّهَا ِب َقبُولٍ حَ َ‬
‫سنٍ‬
‫َوأَنَبَتهَا َنبَاتا حَ سَنا ﴾ تقبل ال من أمها ما أرادت با للكنيسة ‪ ،‬وآجرَها‬
‫فيها وأنبتها ‪ ،‬قال ‪ :‬نبتت ف غذاء ال ‪ .‬وقال السديّ ‪ :‬قال ال عز وجل‬
‫‪َ ﴿ :‬فَتقَبَّلهَا َرّبهَا ِب َقبُولٍ حَ سَ ٍن َوأَنبََتهَا َنبَاتا حَ سَنا ﴾ ‪ ،‬فانطلقت با أمها‬
‫ف ِخرَقها حي ولدتا إل الحراب وكان الذين يكتبون التوراةَ إذا جاءوا‬
‫إليهـم بإنسـان يرّبونـه اقترعوا عليـه أيهـم يأخذه فيعلمـه ‪ .‬وكان زكريـا‬
‫أفضلهـم يومئ ٍذ وكان بينهـم ‪ ،‬وكانـت خالة مريـ تتـه ‪ .‬فلمـا أتوا باـ‬
‫اقترعوا علي ها ‪ ،‬وقال ل م زكر يا ‪ :‬أ نا أحق كم ب ا ‪ ،‬ت ت خالت ها ‪ ،‬فأبوا‬
‫فخرجوا إل ن ر الرد نّ ‪ ،‬فألقوا أقلمهم الت يكتبون با أيهم يقوم قلمه‬
‫فيكفلها ‪ .‬فجرت القلم ‪ ،‬وقام قلم زكريا على قرنته كأنه ف طي فأخذ‬
‫الارية ‪ .‬وذلك قول ال عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َكفَّلهَا زَكَ ِريّا ﴾ ‪ ،‬فجعلها زكريا‬
‫معه ف بيته ‪ ،‬وهو ‪ :‬الحراب ‪.‬‬
‫َابـ وَ َج َد عِندَه َا‬
‫حر َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كُلّم َا َدخَ َل عََليْه َا زَ َك ِريّاـ الْمِ ْ‬
‫رِزْقا ﴾ ‪ ،‬قال الربيـع ‪ :‬جعـل زكريـا دوناـ سـبعة أبواب ‪ ،‬فكان يدخـل‬
‫عليها فيجد عندها فاكهة الشتاء ف الصيف ‪ ،‬وفاكهة الصيف ف الشتاء ‪.‬‬
‫‪363‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَا َل يَا مَ ْريَ مُ َأنّ ى لَ ِ‬


‫ك هَ ـذَا قَالَ تْ ُه َو مِ ْن عِندِ اللّ ِه إنّ‬
‫ق مَن يَشَا ُء ِبغَيْرِ حِ سَابٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بغ ي إح صاء ول عد ‪ ،‬لن‬
‫اللّ َه يَرْزُ ُ‬
‫فضله واسع خزائنه ل تغيض ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬هُنَالِ كَ دَعَا زَ َك ِريّ ا َربّ ُه قَالَ رَبّ هَ بْ لِي مِن‬
‫ك ذُ ّرّيةً طَيَّبةً ِإنّ كَ سَمِي ُع الدّعَاء (‪ )38‬فَنَا َدتْ ُه الْمَلِئكَ ُة َوهُ َو قَائِ مٌ‬
‫ّلدُنْ َ‬
‫صدّقا ِبكَلِ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ‬
‫حيَـى مُ َ‬
‫شرُ َك بِيَ ْ‬
‫ب أَنّ اللّ هَ يَُب ّ‬
‫حرَا ِ‬
‫يُ صَلّي فِي الْ ِم ْ‬
‫وَسَيّدا َوحَصُورا َونَبِيّا ّمنَ الصّالِحِيَ (‪. ﴾ )39‬‬
‫قال السدي ‪ :‬فلما رأى زكريا من حالا ذلك يعن ‪ :‬فاكهة الصيف‬
‫ف الشتاء ‪ ،‬وفاك هة الشتاء ف ال صيف قال ‪ :‬إن ربًا أعطا ها هذا ف غ ي‬
‫حينه لقادر على أن يرزقن ذرية طيبة ‪ .‬ورغب ف الولد ‪ ،‬فقام فصلّى ‪ ،‬ث‬
‫س َشْيبًا وََلمْ‬‫دعا ربه سرّا فقال ‪ ﴿ :‬رَبّ ِإنّي َوهَنَ اْلعَظْ ُم ِمنّي وَا ْشَتعَلَ ال ّرأْ ُ‬
‫أَكُ ْن بِ ُدعَائِ كَ رَبّ َش ِقيّا َوإِنّي ِخفْ تُ الْ َموَالِ يَ مِ ْن وَرَائِي وَكَانَ تِ امْ َرَأتِي‬
‫ب وَا ْجعَلْ هُ رَبّ‬ ‫ك وَِليّا يَ ِرُثنِي َويَرِ ثُ مِ نْ آ ِل َي ْعقُو َ‬ ‫عَاقِرًا َفهَ بْ لِي مِ نْ لَ ُدنْ َ‬
‫سـمِيعُ‬ ‫ّكـ َ‬ ‫َبـلِي مِن ْـلَ ُدنْكَـ ذُ ّرّي ًة َطيَّبةً ِإن َ‬
‫ضيّاـ ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪ ﴿ :‬رَبّ ه ْ‬ ‫رَ ِ‬
‫ال ّدعَاءِ ﴾ وقال ‪ ﴿ :‬رَبّ ل تَذَرْنِي فَ ْردًا َوَأنْتَـ َخيْ ُر اْلوَا ِرثِيَ ﴾ ‪ .‬وقال‬
‫عكر مة ‪ :‬فد خل الحراب وغلق البواب ونا جى ر به فقال ‪ ﴿ :‬رَبّ ِإنّ ي‬
‫ضيّا‬ ‫ـ َشيْبا ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬رَبّـ رَ ِ‬ ‫ـ ِمنّيـ وَا ْشَتعَلَ ال ّرأْس ُ‬ ‫ـ اْلعَظْم ُ‬
‫َوهَن َ‬
‫﴾ ﴿ َفنَا َدتْ ُه الْمَلئِ َك ُة َو ُهوَ قَائِ ٌم يُ صَلّي فِي الْ ِمحْرَا بِ َأنّ اللّ َه ُيبَشّرُ كَ‬
‫حيَـى مُ صَدّقا ِبكَلِ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ ﴾ الية ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬إنا سي يي لن‬ ‫ِبيَ ْ‬
‫ال أحياه باليان ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪364‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مُ صَدّقا ِبكَلِ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ ﴾ قال ما هد ‪ :‬قالت امرأة‬


‫زكريا ‪ :‬يا مري إن أجد الذي ف بطن يتحرك للذي ف بطنك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فوضعت امرأة زكريا يي ‪ ،‬ومري عيسى ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬مُ صَدّقا ِبكَلِ َمةٍ‬
‫مّ نَ اللّ هِ ﴾ قال ‪ :‬ي ي م صدقًا بعي سى ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬كان ي ي أول‬
‫من صدق بعيسى وشهد أنه كلمة من ال ‪ ،‬وكان يي ابن خالة عيسى ‪،‬‬
‫وكان أكب من عيسى ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ سَيّدا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬إي والِ ‪ ،‬سيد ف العبادة ‪،‬‬
‫واللم ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والورع ‪.‬‬
‫حيَ ﴾ قال ماهـد ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَحَصـُورا َوَنِبيّا مّن َ‬
‫ـ الصـّالِ ِ‬
‫ال صور الذي ل يأ ت الن ساء ‪ -‬قال ب عض الف سرين ‪ :‬وفيه دل يل على أن‬
‫ترك النكاح كان أفضل ف تلك الشريعة ‪. -‬‬
‫وقال الشيخ ابن سعدي ‪ ﴿ :‬وَسَيّدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عظيمًا عند ال وعند‬
‫اللق ‪ ،‬ل ا جبله ال عل يه من الخلق الميدة والعلوم العظي مة والعمال‬
‫الصالة ﴿ وَحَ صُورا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬منوعًا بعصمة ال وحفظه ووقايته ‪ ،‬من‬
‫مواقعـة العاصـي ‪ ،‬فوصـفه ال بالتوفيـق لميـع اليات والمايـة مـن‬
‫السيئات والزلت ‪ ،‬وهذا غاية كمال العبد ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَالَ رَبّ َأّنىَ َيكُو ُن لِي ُغلَ ٌم َوقَ ْد بَ َلغَنِ يَ اْلكَِبرُ‬
‫ك اللّ هُ َي ْفعَ ُل مَا َيشَاءُ (‪ )40‬قَالَ َربّ ا ْجعَل لّ يَ‬
‫وَا ْم َرأَتِي عَاقِ ٌر قَالَ َك َذلِ َ‬
‫لَث َة أَيّا ٍم إِل َرمْزا وَاذْكُر ّربّ كَ كَثِيا‬
‫ك أَل ُتكَلّ مَ النّا سَ ثَ َ‬
‫آَيةً قَالَ آيَتُ َ‬
‫شيّ وَالِْبكَارِ (‪. ﴾ )41‬‬
‫ح بِاْلعَ ِ‬
‫وَسَبّ ْ‬
‫‪365‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬فلما تقق زكريا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هذه البشارة أخذ‬
‫يتع جب من وجود الولد م نه ب عد ال كب ‪ ،‬قال ‪ ﴿ :‬رَبّ َأنّ ى يَكُو نُ لِي‬
‫غُل مٌ وََق ْد بََل َغنِ يَ اْل ِكبَ ُر وَامْ َرأَتِي عَاقِرٌ قَالَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اللك ﴿ كَذَلِ كَ اللّ هُ‬
‫َيفْعَلُ مَـا يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هكذا أمـر ال عظيـم ‪ ،‬ل يعجزه شيـء ول‬
‫يتعاظ مه أ مر ‪ ﴿ .‬قَالَ رَبّ ا ْجعَلْ لِي آَيةً ﴾ أي ‪ :‬عل مة أ ستدل ب ا على‬
‫س ثَلَثةَ َأيّا مٍ إِل َرمْزًا ﴾ ‪ ،‬أي‬ ‫وجود الولد من ﴿ قَا َل آَيتُ كَ أَل تُكَلّ َم النّا َ‬
‫‪ :‬إشارة ل ت ستطيع الن طق ‪ ،‬مع أ نك سويٌ صحيح ‪ ،‬ك ما ف قوله ‪﴿ :‬‬
‫ثَلثَ َليَالٍ َس ِويّا ﴾ ‪ ،‬ث أمر بكثرة الذكر والتكبي والتسبيح ف هذه الال‬
‫ـبّ ْح بِاْلعَشِيّـ وَالْبكَارِ ﴾ ) ‪.‬‬ ‫ـ َكثِيًا وَس َ‬ ‫‪ ،‬فقال تعال ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُكرْ َربّك َ‬
‫س َثلََثةَ َأيّا مٍ إِل‬
‫انتهى ‪ .‬وقال السن ف قوله ‪ ﴿ :‬قَا َل آَيتُ كَ أَل ُتكَلّ َم النّا َ‬
‫َرمْزا ﴾ قال ‪ :‬أمسك بلسانه ‪ ،‬فجع يومئ بيده إل قومه أن سبحوا بكرة‬
‫وعشيّا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪366‬‬

‫الدرس الربعون‬

‫لئِ َكةُ يَا َم ْريَ ُم إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَا ِك وَ َط ّهرَ كِ وَا صْ َطفَاكِ‬
‫﴿ َوِإذْ قَالَ تِ الْ َم َ‬
‫جدِي وَارْ َكعِي َم عَ‬
‫ك وَا سْ ُ‬
‫عَلَى نِ سَاء الْعَالَمِيَ (‪ )42‬يَا َمرْيَ ُم اقْنُتِي ِلرَبّ ِ‬
‫ت َل َدْيهِ مْ ِإذْ‬
‫ك َومَا كُن َ‬
‫ب نُوحِي هِ ِإلَي َ‬
‫ك مِ ْن أَنبَاء اْلغَيْ ِ‬
‫الرّا ِكعِيَ (‪َ )43‬ذلِ َ‬
‫ت َل َدْيهِ مْ ِإ ْذ يَخْتَ صِمُونَ (‪)44‬‬
‫ل َمهُ مْ َأّيهُ ْم يَ ْك ُفلُ َم ْريَ َم َومَا كُن َ‬
‫يُ ْلقُون َأقْ َ‬
‫شرُ ِك بِكَلِ َم ٍة مّنْ هُ ا سْ ُم ُه الْمَ سِيحُ‬
‫ِإذْ قَالَ تِ الْمَلِئكَ ُة يَا َم ْريَ ُم إِنّ اللّ هَ يَُب ّ‬
‫عِي سَى ابْ ُن َمرْيَ َم َوجِيها فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ وَمِ نَ الْ ُم َقرّبِيَ (‪َ )45‬ويُكَلّ مُ‬
‫ل َومِ َن الصّالِحِيَ (‪ )46‬قَالَتْ َربّ َأنّى َيكُو ُن لِي‬
‫النّاسَ فِي الْ َم ْهدِ وَ َكهْ ً‬
‫شرٌ قَالَ َكذَلِ كِ اللّ ُه يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء ِإذَا قَضَى َأمْرا‬
‫سسْنِي َب َ‬
‫وََل ٌد وَلَ ْم يَمْ َ‬
‫حكْ َمةَ وَالتّوْرَاةَ‬
‫َفإِنّمَا َيقُو ُل لَ هُ كُن فََيكُو نُ (‪َ )47‬وُيعَلّمُ ُه الْكِتَا بَ وَالْ ِ‬
‫وَالِنِيلَ (‪ )48‬وَرَ سُو ًل إِلَى بَنِي إِ سْرَائِي َل َأنّي َقدْ جِئُْتكُم بِآَيةٍ مّن ّربّكُ مْ‬
‫خ فِي هِ فََيكُو نُ طَيْرا ِبِإذْ ِن اللّ هِ‬
‫َأنّي أَخْلُ ُق لَكُم مّ نَ الطّيِ َكهَيَْئ ِة الطّ ْيرِ َفأَنفُ ُ‬
‫ّهـ َوُأنَبّئُكُم بِمَا‬
‫ْنـ الل ِ‬
‫َصـ وَُأحْيِــي الْ َموْتَى ِبإِذ ِ‬
‫َهـ وا َلبْر َ‬
‫وَُأْبرِئُ الكْم َ‬
‫َتأْكُلُو َن َومَا َتدّ ِخرُونَ فِي بُيُوِتكُمْ إِنّ فِي َذلِكَ لَيةً ّلكُمْ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ‬
‫ض الّذِي ُحرّ مَ‬
‫صدّقا لّمَا بَيْ نَ يَدَيّ مِ نَ الّتوْرَاةِ َوِلأُ ِحلّ َلكُم َبعْ َ‬
‫(‪ )49‬وَمُ َ‬
‫عَلَ ْيكُ مْ َوجِئُْتكُم بِآَي ٍة مّن ّرّبكُ مْ فَاّتقُواْ اللّ هَ وَأَطِيعُو نِ (‪ )50‬إِنّ اللّ هَ َربّي‬
‫صرَاطٌ ّمسَْتقِيمٌ (‪. ﴾ )51‬‬
‫وَ َربّ ُكمْ فَاعُْبدُوهُ هَـذَا ِ‬

‫***‬
‫‪367‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫لِئكَ ُة يَا َم ْريَ ُم إِنّ اللّ هَ ا صْ َطفَاكِ‬


‫ت الْمَ َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَالَ ِ‬
‫وَ َط ّهرَكِـ وَاص ْـ َطفَاكِ عَلَى نِسـَاء اْلعَالَمِيَ (‪ )42‬يَا َمرْيَمُـ اقْنُتِي ِلرَبّكِـ‬
‫جدِي وَارْ َكعِي مَعَ الرّا ِكعِيَ (‪. ﴾ )43‬‬
‫وَاسْ ُ‬
‫ف ال صحيحي عن علي بن أ ب طالب ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬سعت‬
‫ر سول ال يقول ‪ « :‬خ ي ن سائها مر ي ب نت عمران ‪ ،‬وخ ي ن سائها‬
‫خدية بنت خويلد » ‪ .‬وعن أنس رضي ال عنه أن رسول ال قال ‪:‬‬
‫« ح سبك من ن ساء العال ي مر ي ب نت عمران ‪ ،‬وخدي ة ب نت خويلد ‪،‬‬
‫وفاط مة ب نت م مد ‪ ،‬وآ سية امرأة فرعون » ‪ .‬رواه الترمذي و صححه ‪.‬‬
‫وعـن أبـ موسـى الشعري رضـي ال عنـه قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪« :‬‬
‫ك مل من الرجال كث ي ‪ ،‬ول يك مل من الن ساء إل مر ي ب نت عمران ‪،‬‬
‫وآ سية امرأة فرعون ‪ .‬وإن ف ضل عائ شة على الن ساء كف ضل الثر يد على‬
‫سائر الطعام » ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫َعـ‬
‫َاسـجُدِي وَارْكَع ِي م َ‬
‫ّكـ و ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ي َا َم ْري ُ‬
‫َمـ اقْنُت ِي ِل َرب ِ‬
‫الرّاكِعِيَ ﴾ قال ما هد ‪ :‬ل ا ق يل ل ا ‪ ﴿ :‬يَا مَ ْريَ ُم ا ْقنُتِي لِ َربّ كِ ﴾ قا مت‬
‫حت ورمت قدماها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَا سْجُدِي وَارْكَعِي مَ عَ الرّا ِكعِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كو ن‬
‫منهم ‪.‬‬
‫ت َل َدْيهِ مْ‬
‫ك َومَا كُن َ‬
‫ب نُوحِي ِه ِإلَي َ‬
‫ك مِ نْ أَنبَاء الْغَيْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ذلِ َ‬
‫ختَ صِمُونَ (‬
‫ت َلدَْيهِ ْم ِإذْ يَ ْ‬
‫ل َمهُ ْم َأّيهُ مْ َي ْكفُ ُل َم ْريَ مَ وَمَا كُن َ‬
‫ِإذْ يُ ْلقُون َأقْ َ‬
‫‪. ﴾ )44‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪368‬‬

‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِك َ‬


‫ـ ﴾ الذي ذكرت مـن حديـث امرأة عمران ‪،‬‬
‫وزكر يا ‪ ،‬وي ي ‪ ،‬ومر ي ‪ ،‬وعي سى ‪ ﴿ :‬مِ نْ أَنبَاء اْل َغيْ بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫أخبار الغيب ‪ ﴿ :‬نُوحِيهِ إِلَيكَ ﴾ وهذا من أعظم الباهي على نبوة ممد‬
‫‪ ،‬لنه أخبه با وهو أميّ ل يكتب ول يقرأ ‪ ،‬كما قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫ت وَلَ َق ْومُ كَ مِن‬
‫ت َتعْلَ ُمهَا أَن َ‬
‫ك مَا كُن َ‬
‫ب نُوحِيهَا إَِليْ َ‬ ‫ك مِ نْ أَنبَاء اْل َغيْ ِ‬
‫تِلْ َ‬
‫صبِرْ ِإنّ اْلعَاِقَبةَ ِللْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫َقبْ ِل هَـذَا فَا ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كُن تَ لَ َدْيهِ مْ إِ ْذ يُ ْلقُون أَ ْق َ‬
‫ل َمهُ مْ َأّيهُ مْ يَ ْكفُ ُل مَ ْريَ مَ‬
‫َصـمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فـ كفالتهـا ‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬
‫خت ِ‬‫ِمـ ِإ ْذ يَ ْ‬
‫ُنتـ لَ َدْيه ْ‬
‫وَم َا ك َ‬
‫تساهوا على مري أيهم يكفلها فقرعهم زكريا ‪.‬‬
‫شرُكِـ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ِ ﴿ :‬إ ْذ قَالَتِـ الْمَلِئكَ ُة يَا َمرْيَمُـ إِنّ اللّهَـ يَُب ّ‬
‫بِكَلِ َم ٍة مّنْ هُ ا سْ ُم ُه الْمَ سِيحُ عِي سَى ابْ ُن َمرْيَ َم وَجِيها فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ‬
‫ل َومِ َن ال صّالِحِيَ (‬
‫وَمِ نَ الْ ُم َق ّربِيَ (‪ )45‬وَُيكَلّ ُم النّا سَ فِي الْ َم ْهدِ وَ َكهْ ً‬
‫‪. ﴾ )46‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬يعنـ بقوله جـل ثناؤه ‪ ﴿ :‬إِذْ قَالَت ِ‬
‫ـ الْمَلِئكَةُ‬
‫خَتصِمُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا كُنتَ لَ َدْيهِ ْم ﴾ أيضًا‬ ‫﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا كُنتَ َل َدْيهِمْ إِ ْذ يَ ْ‬
‫‪ِ ﴿ :‬إذْ قَالَ تِ الْمَلِئ َكةُ يَا مَ ْريَ مُ إِنّ اللّ َه ُيبَشّرُ كِ ِبكَلِ َم ٍة ّمنْ هُ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪:‬‬
‫بر سالة من ال ‪ .‬و عن قتادة قوله ‪ِ ﴿ :‬بكَلِ َم ٍة ّمنْ هُ ﴾ قال ‪ :‬قوله ‪ :‬كُ نْ ‪،‬‬
‫فسماه ال عز وجل كلمة ‪ ،‬لنه كان عن كلمته ‪ ،‬كما يقال لا قدّر ال‬
‫من ش يء ‪ :‬هذا قدر ال وقضاؤه ‪ .‬وق يل ‪ :‬إن ا سي ال سيح ل نه م سح‬
‫بالبكة ‪.‬‬
‫‪369‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪ ﴿ :‬إِذْ قَالَ تِ الْمَلِئ َكةُ يَا َم ْريَ مُ‬
‫إِنّ اللّ َه ُيبَشّرُكِ بِكَِل َمةٍ مّنْ ُه اسْمُ ُه الْمَسِي ُح عِيسَى ابْ ُن مَ ْريَمَ وَجِيها فِي ال ّدْنيَا‬
‫وَال ِخ َرةِ َومِ َن الْ ُمقَ ّربِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هكذا كان أمره ‪ ،‬ل ما يقولون فيه ﴿‬
‫وَجِيها ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬وجيهًا ف الدنيا والخرة عند ال ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪:‬‬
‫﴿ َومِ َن الْ ُمقَ ّربِيَ ﴾ يقول ‪ :‬من القربي عند ال يوم القيامة ‪.‬‬
‫حيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويُكَلّ ُم النّا سَ فِي الْ َمهْدِ وَ َكهْ ً‬
‫ل َومِ َن ال صّالِ ِ‬
‫قال ابن عباس ‪َ ﴿ :‬وُيكَلّ ُم النّا سَ فِي الْ َمهْدِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مضجع الصب ف‬
‫رضاعـه ‪ .‬وقال ماهـد ‪ :‬الكهـل الليـم ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬يكلمهـم صـغيًا‬
‫و كبيًا ‪ .‬وقال ا بن إ سحاق عن م مد بن جع فر ‪ :‬ي بهم بال ته ال ت‬
‫يتقلب ب ا ف عمله ‪ ،‬كتقلب ب ن آدم ف أعمال م صغارًا وكبارًا ‪ ،‬إل أن‬
‫ال خ صه بالكلم ف مهده آ ية لنبو ته وتعريفًا للعباد مو قع قدر ته ‪ .‬وقال‬
‫ابن زيد ‪ :‬قد كلمهم عيسى ف الهد ‪ ،‬وسيكلمهم إذا قتل الدجال ‪ ،‬وهو‬
‫يومئذٍ كهل ‪.‬‬
‫سسْنِي‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَالَ تْ رَبّ َأنّ ى َيكُو نُ لِي وََل ٌد وَلَ مْ يَمْ َ‬
‫َبشَ ٌر قَالَ َك َذلِ كِ اللّ هُ يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء ِإذَا قَضَى َأمْرا َفِإنّمَا َيقُولُ لَ هُ كُن‬
‫فََيكُونُ (‪. ﴾ )47‬‬
‫قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪ ﴿ :‬قَالَ تْ رَبّ َأنّى َيكُو نُ لِي‬
‫خلُ ُق مَا يَشَاءُ ﴾ ي صنع ما أراد‬ ‫شرٌ قَالَ كَذَلِ كِ اللّ ُه يَ ْ‬
‫سنِي بَ َ‬
‫وَلَ ٌد وَلَ مْ يَمْ سَ ْ‬
‫ويلق ما يشاء من بشر أو غي بشر ‪ ،‬أي ‪ ﴿ :‬إِذَا َقضَى َأمْرا فَِإنّمَا َيقُولُ‬
‫لَهُ كُن َفَيكُونُ ﴾ ما يشاء وكيف يشاء ‪ ،‬فيكون ما أراد ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪370‬‬

‫حكْ َمةَ وَالّتوْرَا َة وَالِنِيلَ (‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وُيعَلّمُ ُه الْكِتَا بَ وَالْ ِ‬
‫‪ )48‬وَرَسُو ًل إِلَى بَنِي إِسْرَائِي َل َأنّي َق ْد جِئُْتكُم بِآَيةٍ مّن ّرّبكُ ْم َأنّي َأخْلُ قُ‬
‫خ فِي هِ فََيكُو نُ طَيْرا ِبِإذْ ِن اللّ ِه َوأُْبرِئُ‬
‫لَكُم مّ نَ الطّيِ َكهَيَْئ ِة الطّ ْيرِ َفأَنفُ ُ‬
‫ص َوأُحْيِـي الْ َموْتَى ِبِإذْ ِن اللّ هِ وَُأنَبُّئكُم بِمَا تَأْكُلُو نَ وَمَا‬
‫الكْمَ هَ وا َلبْرَ َ‬
‫ك ليَ ًة ّلكُ مْ إِن كُنتُم ّمؤْمِنِيَ (‪)49‬‬
‫َتدّ ِخرُو َن فِي بُيُوتِكُ مْ إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫صدّقا لّمَا بَيْ َن َيدَيّ مِ َن التّوْرَا ِة وَِلُأحِ ّل َلكُم َبعْ ضَ اّلذِي ُحرّ مَ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫وَمُ َ‬
‫وَجِئُْتكُم بِآيَ ٍة مّن ّربّكُ مْ فَاّتقُواْ اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‪ )50‬إِنّ اللّ هَ َربّي وَ َربّكُ مْ‬
‫ط ّمسْتَقِيمٌ (‪. ﴾ )51‬‬
‫صرَا ٌ‬
‫فَاعُْبدُو ُه هَـذَا ِ‬
‫حكْ َمةَ ﴾‪:‬‬ ‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وُيعَلّمُ ُه اْلكِتَا َ‬
‫ب ﴾ ‪ :‬الكتابة والط ﴿ وَالْ ِ‬
‫العلم والف قه ‪ .‬قال ا بن إ سحاق عن م مد بن جع فر ‪ :‬أ خب ال مر ي ما‬
‫حكْ َم َة وَالتّوْرَاةَ ﴾ الت كانت فيهم‬
‫يريد به فقال ‪َ ﴿ :‬وُيعَلّمُ ُه اْل ِكتَا بَ وَالْ ِ‬
‫من عهد موسى ‪ ،‬والنيل كتابًا آخر أهدته إليه ‪ ،‬ل يكن عندهم علمه‬
‫إل ذكره أنه كائن من النبياء قبله ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَرَ سُولً إِلَى بَنِي إِ سْرَائِيلَ َأنّ ي قَدْ ِجئْتُكُم بِآَيةٍ مّ ن‬
‫ّرّبكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ونعله رسولً إل بن إسرائيل قال ابن إسحاق عن ممد‬
‫بن جع فر ‪ ﴿ :‬وَرَ سُولً إِلَى بَنِي إِ سْرَائِيلَ َأنّ ي قَدْ ِجئْتُكُم بِآَي ٍة مّ ن ّربّكُ مْ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يقق با نبوت ‪ ،‬وإن رسول منه إليكم ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬أنّ ي أَخْلُ قُ لَكُم مّ نَ الطّيِ َك َهيَْئةِ ال ّطيْرِ َفأَنفُ خُ فِي هِ َفَيكُو نُ‬
‫طَيْرا بِِإذْ نِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬إن عيسـى ‪ -‬عل يه صلوات ال‬
‫وسلمه عليه ‪ -‬جلس يومًا مع غلمان من الكتاب فأخذ طينًا ‪ ،‬ث قال ‪:‬‬
‫‪371‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أجعـل لكـم مـن هذا الطيـ طائرًا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وتسـتطيع ذلك ؟ قال ‪ :‬نعـم‬
‫بإذن رب ‪ .‬ث هيأه حت إذا جعله ف هيئة الطائر فنفخ فيه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬كن‬
‫طائرًا بإذن ال ‪ ،‬فخرج يطي بي كفيه ‪ ،‬فخرج الغلمان بذلك من أمره ‪،‬‬
‫فذكروه لعلمهم فأفشوه ف الناس وترعرع ‪ ،‬فهمّت به بنو إسرائيل ‪ ،‬فلما‬
‫خافت أمه عليه حلته على حيل لا ث خرجت به هاربة ‪.‬‬
‫ّهـ‬
‫ْنـ الل ِ‬
‫َصـ َوأُ ْحيِــي الْ َموْت َى بِإِذ ِ‬
‫َهـ وا َلبْر َ‬ ‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وُأبْرِ ُ‬
‫ئ الكْم َ‬
‫﴾ قال ابن عباس ‪ :‬الكمه الذي يولد وهو أعمى ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ [ :‬قال كثي ] من العلماء ‪ :‬بعث ال كل نب من النبياء‬
‫با يناسب أهل زمانه ‪ ،‬فبعث عيسى السلم ف زمن الطباء ‪ ،‬وأصحاب‬
‫علم الطبيعة ‪ ،‬فجاءهم من اليات با ل سبيل لحد إليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وُأنَّبُئكُم بِمَا َتأْكُلُو َن َومَا تَدّخِرُونَ فِي ُبيُوتِكُمْ ِإنّ فِي ذَلِكَ‬
‫لَيةً ّلكُ مْ إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬لا كب عيسى أسلمته أمه‬
‫ليتعلم التوراة ‪ ،‬فكان يلعـب مـع الغلمان ‪ ،‬غلمان القريـة التـ كان فيهـا‬
‫فيحدث الغلمان باـ يصـنع آباؤهـم ‪ .‬وقال عطاء بـن أبـ رباح ‪ :‬قوله ‪:‬‬
‫﴿ َوُأَنبّئُكُم بِمَا َتأْكُلُو َن وَمَا تَدّ ِخرُو نَ فِي ُبيُوِتكُ مْ ﴾ قال ‪ :‬الطعام‬
‫والشيء يدخرونه ف بيوتم ‪ ،‬غيبًا علّمه ال إياه ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كان القوم‬
‫لاـ سـألوا الائدة ‪ ،‬فكانـت جرابًا ‪ ،‬ينل عليـه أينمـا كانوا ثرًا مـن ثار‬
‫ال نة ‪ ،‬فأ مر القوم أن ل يونوا ف يه ‪ ،‬ول يبئوا ‪ ،‬ول يدخروا ل غد ‪ ،‬بلء‬
‫ابتلهم ال به ‪ ،‬فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئًا أنبأهم به عيسى بن مري ‪،‬‬
‫فقال ‪َ ﴿ :‬وُأَنبُّئكُم بِمَا َتأْكُلُو َن َومَا تَدّ ِخرُونَ فِي بُيُوِتكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪372‬‬

‫وقوله ‪َ ﴿ :‬ومُ صَدّقا لّمَا َبيْ َن يَدَيّ مِ َن الّتوْرَاةِ وَلِأُحِلّ َلكُم َبعْ َ‬
‫ض الّذِي‬
‫ُحرّ َم عََلْيكُمْ ﴾ قال ‪ :‬ابن جريج ‪ :‬قال ‪ ﴿ :‬وَِلأُحِلّ َلكُم َبعْضَ الّذِي حُرّمَ‬
‫ُمـ ﴾ قال ‪ :‬لوم الِبـل والشحوم ‪ ،‬لاـ بعـث عيسـى أحلهـا لمـ ‪،‬‬ ‫عََليْك ْ‬
‫وبعث إل اليهود فاختلفوا وتفرقوا ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬فَاّتقُواْ اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ * ِإنّ اللّ هَ َربّي وَ َرّبكُ مْ فَا ْعبُدُو ُه هَـذَا‬
‫سَتقِيمٌ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬عن م مد بن جع فر ‪ ﴿ :‬فَاّتقُواْ‬ ‫ط مّ ْ‬‫صِرَا ٌ‬
‫اللّ َه َوَأطِيعُونِ * ِإنّ اللّهَ َربّي وَ َرّبكُ ْم ﴾ تبيًا من الذين يقولون فيه ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫مـا يقول فيـه النصـارى ‪ ،‬واحتجاجًا لديـه عليهـم ‪ ﴿ :‬فَا ْعبُدُوهُـ هَــذَا‬
‫سَتقِيمٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا الذي قد حلتكم عليه وجئتكم به ‪ .‬وال‬ ‫ط مّ ْ‬‫صِرَا ٌ‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫‪373‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الادي والربعون‬

‫﴿ فَ َلمّ ا َأحَ سّ عِي سَى مِ ْنهُ ُم الْ ُك ْفرَ قَالَ مَ ْن أَن صَارِي ِإلَى اللّ ِه قَالَ‬
‫حوَا ِريّو َن نَحْ ُن أَن صَا ُر اللّ هِ آمَنّا بِاللّ هِ وَا ْشهَ ْد ِبأَنّا مُ سْلِمُونَ (‪َ )52‬ربّنَا‬
‫الْ َ‬
‫ت وَاتَّبعْنَا الرّ سُولَ فَاكْتُبْنَا مَ َع الشّا ِهدِي نَ (‪ )53‬وَ َم َكرُواْ‬
‫آمَنّ ا بِمَا أََن َزلْ َ‬
‫وَ َم َكرَ ال ّلهُ وَال ّلهُ خَ ْيرُ الْمَا ِكرِينَ (‪ِ )54‬إذْ قَالَ ال ّلهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَ َوفّيكَ‬
‫وَرَا ِفعُ كَ ِإلَيّ َومُ َطهّرُ َك مِ َن الّذِي نَ َك َفرُواْ َوجَا ِع ُل اّلذِي نَ اتَّبعُو َك فَوْ قَ‬
‫الّذِي نَ َك َفرُوْا إِلَى يَوْ ِم الْقِيَامَ ِة ُثمّ ِإلَيّ َم ْرجِ ُعكُ ْم َفأَ ْحكُ مُ بَيَْنكُ ْم فِيمَا كُنتُ مْ‬
‫فِي هِ تَخَْت ِلفُو نَ (‪َ )55‬فأَمّا اّلذِي نَ َك َفرُوْا َفأُ َع ّذبُهُ مْ َعذَابا شَدِيدا فِي الدّنْيَا‬
‫ـ آ َمنُوا وَعَمِلُواْ‬
‫ـرِينَ (‪َ )56‬وَأمّاـ الّذِين َ‬
‫وَال ِخ َر ِة وَمَـا لَهُـم مّنـ نّاص ِ‬
‫الصّالِحَاتِ فَُي َوفّيهِ ْم ُأجُو َرهُمْ وَاللّ ُه لَ ُيحِبّ الظّالِ ِميَ (‪َ )57‬ذلِكَ نَتْلُوهُ‬
‫ّهـ‬
‫ِيمـ (‪ )58‬إِنّ مََثلَ عِيسـَى عِن َد الل ِ‬
‫حك ِ‬ ‫َاتـ وَالذّ ْك ِر الْ َ‬
‫ِنـ الي ِ‬
‫ْكـ م َ‬
‫عَلَي َ‬
‫حقّ مِن ّربّكَ‬
‫ب ِثمّ قَالَ لَهُ كُن فََيكُونُ (‪ )59‬الْ َ‬
‫كَمََثلِ آ َد َم خَ َلقَ ُه مِن ُترَا ٍ‬
‫ل تَكُن مّ ن الْمُ ْمَترِي نَ (‪ )60‬فَمَ ْن حَآجّ كَ فِي ِه مِن َب ْعدِ مَا جَاء َك مِ نَ‬
‫فَ َ‬
‫ُسـنَا‬
‫ُمـ وَنِسـَاءنَا وَنِسـَاء ُك ْم َوأَنف َ‬
‫ْعـ أَبْنَاءنَا َوأَبْنَاءك ْ‬
‫ْمـ َف ُقلْ َتعَاَل ْواْ َند ُ‬
‫الْعِل ِ‬
‫جعَل ّلعَْنةَ اللّهِ عَلَى اْلكَا ِذبِيَ (‪ )61‬إِنّ هَـذَا َلهُوَ‬
‫وأَنفُسَ ُكمْ ُثمّ نَبَْت ِهلْ فَنَ ْ‬
‫حكِيمُ (‪)62‬‬
‫ح ّق وَمَا مِ ْن ِإلَـ ٍه إِل اللّ ُه وَإِنّ ال ّلهَ َل ُهوَ اْل َعزِيزُ الْ َ‬
‫الْقَصَصُ الْ َ‬
‫سدِينَ (‪ُ )63‬ق ْل يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ َتعَالَ ْواْ‬
‫َفإِن َت َولّ ْوْا َفإِنّ اللّ هَ عَلِي ٌم بِالْ ُمفْ ِ‬
‫ِإلَى كَلَ َمةٍ َسوَاء بَيْنَنَا َوبَيْنَكُ ْم أَل َنعُْبدَ إِل اللّ هَ َولَ ُنشْرِ َك بِ هِ شَيْئا َولَ‬
‫ّهـ َفإِن تَ َوّلوْْا َفقُولُواْ ا ْش َهدُوْا ِبأَنّاـ‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫خ َذ بَعْضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا مّنـ د ِ‬
‫يَتّ ِ‬
‫مُ سْلِمُونَ (‪ )64‬يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ لِ مَ تُحَآجّو َن فِي ِإبْرَاهِي مَ وَمَا أُن ِزلَ تِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪374‬‬

‫ل َت ْعقِلُو نَ (‪ )65‬هَاأَنتُ ْم هَؤُلء حَاجَجْتُ مْ‬


‫التّورَاةُ وَالنِيلُ إِل مِن َب ْعدِ هِ َأفَ َ‬
‫س لَكُم بِهِ عِلْ ٌم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم وَأَنتُمْ‬
‫فِيمَا َلكُم بِهِ عِل ٌم فَلِمَ تُحَآجّو َن فِيمَا لَيْ َ‬
‫صرَانِيّا َولَكِن كَانَ حَنِيفا‬
‫لَ َتعْلَمُونَ (‪ )66‬مَا كَا َن ِإبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَ َل نَ ْ‬
‫شرِكِيَ (‪ )67‬إِنّ َأ ْولَى النّا سِ ِبِإبْرَاهِي مَ لَلّذِي نَ‬
‫مّ سْلِما َومَا كَا َن مِ َن الْ ُم ْ‬
‫اتّبَعُوهُ َوهَـذَا النِّبيّ وَالّذِينَ آمَنُوْا وَال ّلهُ َوِليّ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )68‬‬

‫***‬
‫‪375‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَلَمّا أَحَ سّ عِي سَى مِ ْنهُ ُم الْ ُكفْ َر قَا َل مَ ْن أَن صَارِي‬
‫ّهـ وَا ْش َهدْ ِبَأنّاـ‬
‫ّهـ آ َمنّاـ بِالل ِ‬
‫ْنـ أَنصـَا ُر الل ِ‬
‫ّونـ َنح ُ‬
‫حوَا ِري َ‬
‫ّهـ قَالَ الْ َ‬
‫ِإلَى الل ِ‬
‫َعـ‬
‫ْتـ وَاتَّبعْنَا الرّسـُو َل فَاكْتُبْنَا م َ‬
‫ُسـلِمُونَ (‪َ )52‬ربّنَا آمَنّاـ بِمَا أََن َزل َ‬
‫م ْ‬
‫الشّاهِدِينَ (‪. ﴾ )53‬‬
‫ُمـ الْ ُكفْرَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهـد ‪:‬‬ ‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬فََلمّاـ َأح ّ‬
‫َسـ عِيسـَى ِمْنه ُ‬
‫كفروا وأرادوا قتله ‪ ،‬فذلك حيـ اسـتنصر قومـه ‪ ﴿ :‬قَا َل مَن ْـأَنصـَارِي‬
‫ح نُ أَن صَارُ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬قال الضحاك ‪ :‬الواريون‬ ‫حوَا ِريّو نَ نَ ْ‬
‫إِلَى اللّ هِ قَا َل الْ َ‬
‫أ صفياء ال نبياء ‪ .‬قال ا بن إ سحاق عن م مد بن جع فر ‪ ﴿ :‬فََلمّ ا َأحَ سّ‬
‫ّهـ قَالَ‬
‫َنـ أَنصـَارِي إِلَى الل ِ‬
‫ُمـ اْل ُكفْرَ ﴾ والعدوان ‪ ﴿ ،‬قَا َل م ْ‬ ‫عِيسـَى ِمْنه ُ‬
‫حوَا ِريّو نَ َنحْ نُ أَن صَارُ اللّ هِ آ َمنّ ا بِاللّ هِ ﴾ ‪ ،‬وهذا قول م الذي أ صابوا به‬ ‫الْ َ‬
‫الفضل من ربم ﴿ وَا ْشهَ ْد ِبأَنّا مُ سِْلمُونَ ﴾ ‪ ،‬ل كما يقوله هؤلء الذين‬
‫ياجونك فيه ‪ ،‬يعن ‪ :‬وفد نصارى نران ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬و َمكَرُواْ َومَ َك َر اللّ ُه وَاللّ ُه خَيْ ُر الْمَا ِكرِي نَ (‪)54‬‬
‫ك ِإلَيّ وَمُ َط ّهرُ َك مِ نَ اّلذِي نَ‬
‫ِإذْ قَالَ اللّ هُ يَا عِي سَى إِنّ ي مُتَ َوفّي كَ وَرَا ِفعُ َ‬
‫ق الّذِي نَ َكفَرُواْ ِإلَى َيوْ ِم الْقِيَا َمةِ ُثمّ إَِليّ‬
‫َك َفرُوْا وَجَا ِعلُ اّلذِي َن اتَّبعُو َك َفوْ َ‬
‫ختَ ِلفُونَ (‪. ﴾ )55‬‬
‫َمرْ ِجعُ ُكمْ فََأحْ ُك ُم بَيَْنكُ ْم فِيمَا كُنُت ْم فِيهِ تَ ْ‬
‫قال السدي ‪ :‬إن بن إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلً من‬
‫الواريي ف بيت ‪ ،‬فقال عيسى لصحابه ‪ :‬من يأخذ صورت فيقتل وله‬
‫ال نة ؟ فأخذ ها ر جل من هم ‪ ،‬و صُعد بعي سى إل ال سماء ‪ ،‬فذلك قوله‬
‫‪َ ﴿ :‬و َمكَرُواْ َو َمكَرَ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪376‬‬

‫وقال الربيـع فـ قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّيـ ُمتَوَف َ‬


‫ّيكـ ﴾ قال يعنـ ‪ :‬وفاة النام ‪،‬‬
‫ورفعـه ال فـ منامـه ‪ .‬قال السـن ‪ :‬قال رسـول ال لليهود ‪ « :‬إن‬
‫عيسى ل يت ‪ ،‬وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وقال ال سن ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومُ َطهّرُ َك مِ َن الّذِي نَ َكفَرُواْ ﴾ قال ‪ :‬طهره من‬
‫اليهود والنصارى والجوس ‪ ،‬ومن كفار قومه ‪.‬‬
‫ْمـ‬
‫ِينـ َكفَرُواْ إِلَى َيو ِ‬
‫ْقـ الّذ َ‬
‫ُوكـ َفو َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَجَاعِ ُل الّذ َ‬
‫ِينـ اّتَبع َ‬
‫ختَِلفُو نَ ﴾ ‪ .‬قال‬ ‫الْ ِقيَا َمةِ ثُمّ إِلَيّ مَرْ ِج ُعكُ مْ َفأَ ْحكُ ُم َبْينَكُ مْ فِيمَا كُنتُ مْ فِي ِه تَ ْ‬
‫قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬وجَاعِ ُل الّذِينَ اّتَبعُوكَ َفوْقَ الّذِينَ َكفَرُواْ إِلَى َيوْمِ اْل ِقيَا َمةِ‬
‫﴾ ‪ ،‬هم ‪ :‬أهل السلم الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته ‪ ،‬فل يزالون‬
‫ظاهريـن على مـن ناوأهـم إل يوم القيامـة ‪ .‬وقال ابـن زيـد فـ قول ال‬
‫‪َ ﴿ :‬ومُ َطهّ ُر َك مِ َن الّذِينَ َكفَرُواْ ﴾ قال ‪ :‬الذين كفروا من بن إسرائيل ‪.‬‬
‫﴿ وَجَاعِ ُل الّذِينَ اّتَبعُوكَ ﴾ قال ‪ :‬الذين آمنوا به من بن إسرائيل وغيهم‪.‬‬
‫ق الّذِي نَ َكفَرُواْ ﴾ ‪ ،‬الن صارى فوق اليهود إل يوم القيا مة ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫﴿ َفوْ َ‬
‫فليـس بلد فيـه أحـد مـن النصـارى إل وهـم فوق يهود ‪ ،‬فـ شرق ول‬
‫غرب ‪ ،‬هم ف البلدان كلها مستذلون ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬فَأمّ ا اّلذِي نَ َك َفرُواْ فَأُ َع ّذُبهُ مْ َعذَابا شَدِيدا فِي‬
‫صرِينَ (‪َ )56‬وَأمّ ا الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُواْ‬
‫ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ وَمَا لَهُم مّ ن نّا ِ‬
‫الصّالِحَاتِ فَُي َوفّيهِ ْم ُأجُو َرهُمْ وَاللّ ُه لَ ُيحِبّ الظّالِ ِميَ (‪َ )57‬ذلِكَ نَتْلُوهُ‬
‫حكِيمِ (‪. ﴾ )58‬‬
‫ك ِمنَ اليَاتِ وَالذّ ْك ِر الْ َ‬
‫عَلَ ْي َ‬
‫‪377‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك مِ َن اليَا تِ‬ ‫قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬


‫ك نَتْلُو ُه عََليْ َ‬
‫حكِي مِ ﴾ القاطع الفاصل ‪ ،‬الق الذي ل يلطه الباطل من الب‬ ‫وَالذّكْ ِر الْ َ‬
‫عن عيسى ‪ ،‬وعما اختلفوا فيه من أمره ‪ ،‬فل تقبلن خبًا غيه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ مََثلَ عِي سَى عِن َد اللّ هِ كَمََثلِ آدَ َم خَ َلقَ هُ مِن‬
‫ل تَكُن مّنـ‬
‫ّكـ فَ َ‬
‫ُونـ (‪ )59‬الْحَقّ مِن ّرب َ‬
‫َهـ كُن فََيك ُ‬
‫َابـ ثِمّ قَا َل ل ُ‬
‫ُتر ٍ‬
‫الْمُمَْترِينَ (‪ )60‬فَمَ ْن حَآجّكَ فِيهِ مِن َب ْعدِ مَا جَاء َك مِ َن الْعِلْمِ َف ُقلْ َتعَالَ ْواْ‬
‫سكُ ْم ثُمّ نَبَْت ِهلْ‬
‫َندْ عُ أَبْنَاءنَا َوَأبْنَاءكُ مْ َونِ سَاءنَا َونِ سَاء ُك ْم َوأَنفُ سَنَا وأَنفُ َ‬
‫حقّ وَمَا‬
‫جعَل ّلعَْنةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِيَ (‪ )61‬إِنّ هَـذَا َلهُ َو الْقَصَصُ الْ َ‬
‫فَنَ ْ‬
‫حكِيمُ (‪َ )62‬فإِن َت َولّ ْوْا َفإِنّ اللّهَ‬
‫مِنْ ِإلَـهٍ إِل اللّ ُه َوإِنّ اللّهَ َل ُهوَ اْل َعزِي ُز الْ َ‬
‫سدِينَ (‪. ﴾ )63‬‬
‫عَلِي ٌم بِالْ ُم ْف ِ‬
‫قال ا بن عباس‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ َمثَ َل عِي سَى عِندَ اللّ هِ كَ َمثَلِ آدَ مَ خََلقَ هُ‬
‫ب ثِمّ قَالَ لَ هُ كُن َفَيكُو نُ ﴾ ‪ ،‬وذلك ‪ ( :‬أن رهطًا من أهل نران‬ ‫مِن تُرَا ٍ‬
‫قدموا على ممـد ‪ ،‬وكان فيهـم السـيد والعاقـب فقالوا لحمـد ‪ :‬مـا‬
‫شأنك تذكر صاحبنا ؟ فقال ‪ « :‬من هو » ؟ قالوا ‪ :‬عي سى ‪ ،‬تزعم أنه‬
‫عبد ال ‪ .‬فقال ممد ‪ « :‬أجل إنه عبد ال » ‪ .‬قالوا له ‪ :‬فهل رأيت مثل‬
‫عي سى أو أنبئت به ؟ ث خرجوا من عنده ‪ ،‬فجاءه جب يل بأ مر رب نا‬
‫السميع العليم فقال ‪ :‬قل لم إذا أتوك ‪ِ ﴿ :‬إنّ َمثَلَ عِي سَى عِندَ اللّ هِ كَ َمثَلِ‬
‫آ َدمَ َخَلقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾ إل آخر الية ) ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪378‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الْحَقّ مِن ّربّكَ َف َ‬


‫ل َتكُن مّن الْ ُم ْمتَرِينَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة‬
‫‪ :‬يع ن ‪ :‬فل ت كن ف شك من عي سى أنه كم ثل آدم ع بد ال ورسوله ‪،‬‬
‫وكلمة ال وروحه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَ نْ حَآجّ كَ فِي هِ مِن َبعْ ِد مَا جَاء َك مِ َن اْلعِلْ مِ َفقُلْ‬
‫سنَا وأَنفُسَكُ ْم ثُمّ َنبَْتهِ ْل‬
‫َتعَالَ ْوْا نَدْعُ َأْبنَاءنَا َوَأْبنَاءكُ ْم َونِسَاءنَا َونِسَاءكُمْ َوأَنفُ َ‬
‫َفنَجْعَل ّل ْعَنةَ اللّ ِه عَلَى اْلكَا ِذبِيَ ﴾ قال قتادة ‪ ( :‬بلغ نا أن نب ال خرج‬
‫ليداعي القوم ‪ ،‬فلما رأوه خرج هابوا وفرقوا فرجعوا ) ‪ .‬وف حديث ابن‬
‫إ سحاق عن م مد بن جع فر ‪ ( :‬فقالوا ‪ :‬يا أ با القا سم قد رأي نا أن ل‬
‫نلعنك ‪ ،‬وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا ‪ ،‬ولكن ابعث معنا‬
‫رجلً من أ صحابك ترضاه ل نا ي كم بين نا ف أشياء قد اختلف نا في ها من‬
‫أموالنا ‪ ،‬فإنكم عندنا رضى ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ هَـذَا َل ُهوَ اْلقَ صَ ُ‬
‫ص الْحَقّ َومَا مِ نْ إِلَـهٍ إِل اللّ هُ‬
‫حكِي مُ * فَإِن َتوَلّ ْواْ فَإِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِالْ ُمفْ سِدِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫َوإِنّ اللّ هَ َل ُهوَ الْعَزِيزُ الْ َ‬
‫قال ا بن ز يد ‪ :‬إن هذا الق صص ال ق ف عي سى ‪ ،‬ما ينب غي لعي سى أن‬
‫يتعدى هذا ‪ ،‬ول ياوز أن يتعدى أن يكون كلمـة ال ‪ ،‬ألقاهـا إل مريـ‬
‫وروحًا منه ‪ ،‬وعبد ال ورسوله ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل يَا َأهْ َل الْكِتَا بِ تَعَالَ ْواْ إِلَى كَلَ َمةٍ َسوَاء بَيْنَنَا‬
‫خ َذ َبعْضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا‬
‫شرِ َك بِهِ شَيْئا وَ َل يَتّ ِ‬
‫وَبَيَْنكُمْ أَل نَعُْب َد إِل اللّهَ َولَ ُن ْ‬
‫مّن دُو ِن اللّ ِه َفإِن تَ َوّلوْْا َفقُولُوْا اشْ َهدُوْا ِبأَنّا ُمسْلِمُونَ (‪. ﴾ )64‬‬
‫‪379‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابـن جريـر ‪ :‬يعنـ بذلك جـل ثناؤه ‪ُ ﴿ :‬قلْ ﴾ يـا ممـد لهـل‬
‫الكتاب وهم أهل التوراة والنيل ‪َ ﴿ :‬تعَالَوْا ﴾ ‪ ،‬هلموا ﴿ إِلَى َكلَ َمةٍ ﴾‬
‫يع ن ‪ :‬إل كل مة عدل ‪َ ﴿ ،‬بْينَنَا َوبَْيَنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬والكل مة العدل هي ‪ :‬أن‬
‫يوحد ال فل يعبد غيه ‪ ،‬ويبأ من كل معبود سواه فل يشرك به شيئًا ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَلَ َيتّخِذَ بَ ْعضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا ﴾ ول يديـن بعضنـا لبعـض‬
‫بالطاعة في ما أُمر به من معا صي ال ‪ ،‬ويعظ مه بال سجود له ك ما يسجد‬
‫لر به ‪ .‬وقال ا بن جر يج ‪ ﴿ :‬وَ َل َيتّخِ َذ َب ْعضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا مّ ن دُو نِ اللّ هِ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬ل يطع بعضنا بعضًا ف معصية ال ‪ .‬وف حديث ( أب سفيان‬
‫ف ق صته ح ي د خل على قي صر ‪ ،‬و سأله عن ال نب قال ‪ :‬ث ج يء‬
‫بكتاب رسول ال فقرأه فإذا فيه ‪ :‬بسم ال الرحن الرحيم ‪ ،‬من ممد‬
‫رسول ال إل هرقل عظيم الروم ‪ ،‬سلم على من اتبع الدى ‪ ،‬أما بعد ‪،‬‬
‫فأسلم تسلم ‪ ،‬وأسلم يؤتك ال أجرك مرتي ‪ ،‬فإن توليت فإنا عليك إث‬
‫الري سيي ‪ .‬و ﴿ يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ َتعَاَل ْواْ إِلَى كَلَ َمةٍ َسوَاء َبْينَنَا َوَبْينَكُ مْ أَل‬
‫ضنَا َبعْضا أَ ْربَابا مّن دُو نِ اللّ هِ‬ ‫خ َذ َبعْ ُ‬‫َنعْبُدَ إِل اللّ َه وَ َل نُشْرِكَ بِ ِه َشيْئا وَ َل يَتّ ِ‬
‫سلِمُونَ ﴾ ) ‪.‬‬ ‫فَإِن َتوَّل ْواْ َفقُولُواْ ا ْشهَدُواْ ِبَأنّا مُ ْ‬
‫ب لِ مَ تُحَآجّو نَ فِي ِإبْرَاهِي َم وَمَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا أَ ْه َل الْكِتَا ِ‬
‫ل تَ ْعقِلُو نَ (‪ )65‬هَاأَنتُ ْم هَؤُلء‬
‫ت التّورَاةُ وَالنِي ُل إِل مِن َب ْعدِ ِه َأفَ َ‬
‫أُن ِزلَ ِ‬
‫س َلكُم بِ هِ عِلْ ٌم وَاللّ هُ‬
‫حَاجَجْتُ ْم فِيمَا لَكُم بِ هِ عِل مٌ فَلِ َم تُحَآجّو َن فِيمَا لَيْ َ‬
‫صرَانِيّا َوَلكِن‬
‫َيعْلَمُ َوأَنتُ ْم لَ َتعْلَمُونَ (‪ )66‬مَا كَا َن ِإْبرَاهِي ُم َيهُو ِديّا َولَ نَ ْ‬
‫شرِكِيَ (‪. ﴾ )67‬‬
‫كَا َن حَنِيفا ّمسْلِما وَمَا كَا َن ِمنَ الْ ُم ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪380‬‬

‫قال ابن عباس ‪ ( :‬اجتمعت نصارى نران وأحبار يهود عند رسول‬
‫ال فتنازعوا عنده فقالت الحبار ‪ :‬ما كان إبراهيم إل يهوديًا ‪ ،‬وقالت‬
‫النصارى ‪ :‬ما كان إبراهيم إل نصرانيًا ‪ .‬فأنزل ال عز وجل فيهم ‪﴿ :‬‬
‫يَا أَهْ َل اْلكِتَابِ لِ َم ُتحَآجّونَ فِي ِإبْرَاهِي َم َومَا أُنزِلَتِ التّورَا ُة وَالنِيلُ إِل مِن‬
‫ل َتعْقِلُونَ ﴾ ؟ وبعده كانت اليهودية والنصرانية ‪.‬‬ ‫َبعْ ِدهِ أََف َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ لِ َم ُتحَآجّو نَ فِي ِإبْرَاهِي مَ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ل ا تاجون ف إبراه يم وتزعمون أ نه كان يهوديًا أو ن صرانيًا و ما‬
‫أنزلت التوراة والنيـل إل مـن بعده ؟ فكانـت اليهوديـة بعـد التوراة ‪،‬‬
‫وكانت النصرانية بعد النيل ‪ ،‬أفل تعلقون ؟‬
‫ِمـ‬
‫ِلمـ فَل َ‬
‫ِهـ ع ٌ‬
‫ُمـ فِيم َا لَك ُم ب ِ‬
‫جت ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هَاأَنت ْ‬
‫ُمـ َهؤُلء حَا َج ْ‬
‫تُحَآجّو نَ فِيمَا َليْ سَ لَكُم بِ ِه عِلْ ٌم وَاللّ ُه َيعْلَ مُ َوأَنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫السدي ‪ :‬أما الذي لم به علم فما حرم عليهم وما أمروا به ‪ ،‬وأما الذي‬
‫ليس لم به علم فشأن إبراهيم ‪.‬‬
‫س بِِإْبرَاهِي َم لَ ّلذِي نَ اتَّبعُو هُ وَهَ ـذَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ أَ ْولَى النّا ِ‬
‫النّبِ ّي وَاّلذِينَ آمَنُواْ وَال ّلهُ َولِ ّي الْ ُمؤْمِنِيَ (‪. ﴾ )68‬‬
‫ُوهـ ﴾ على ملتـه‬
‫ِينـ اّتبَع ُ‬
‫ِيمـلَلّذ َ‬ ‫قال قتادة ‪ ﴿ :‬إِنّ َأوْلَى الن ِ‬
‫ّاسـ بِِإبْرَاه َ‬
‫وسنته ومنهاجه وفطرته ‪ ﴿ ،‬وَهَـذَا الّنِبيّ ﴾ وهو نب ال ممد ‪﴿ ،‬‬
‫وَالّذِينَـ آ َمنُواْ ﴾ ‪ ،‬م عه و هم ‪ :‬الؤمنون الذ ين صدقوا نب ال واتبعوه ‪.‬‬
‫كان م مد ر سول ال والذ ين م عه من الؤمن ي أول الناس بإبراه يم ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن لكل نب‬
‫ولة من النبيي ‪ ،‬وإن وليي منهم أب وخليل رب ‪ - ،‬ث قرأ ‪ِ ﴿ : -‬إنّ‬
‫‪381‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س بِِإبْرَاهِي مَ َللّذِي نَ اّتَبعُو هُ َوهَ ـذَا الّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُواْ وَاللّ ُه وَلِيّ‬
‫َأوْلَى النّا ِ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪382‬‬

‫الدرس الثان والربعون‬

‫ّونـ إِل‬
‫ُمـ وَم َا يُضِل َ‬
‫َابـ َل ْو يُضِلّوَنك ْ‬
‫ّنـ أَ ْهلِ اْلكِت ِ‬
‫﴿ َودّت طّآئِ َفةٌ م ْ‬
‫ت اللّ هِ‬
‫شعُرُو نَ (‪ )69‬يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ لِ مَ َت ْكفُرُو َن بِآيَا ِ‬
‫أَنفُ سَ ُهمْ وَمَا َي ْ‬
‫ِمـ تَلْبِسـُو َن الْحَق ّ بِالْبَا ِطلِ‬
‫َابـ ل َ‬
‫ُونـ (‪ )70‬ي َا َأ ْهلَ اْلكِت ِ‬
‫شهَد َ‬
‫ُمـ َت ْ‬
‫وَأَنت ْ‬
‫وََتكْتُمُو َن الْحَقّ َوأَنتُ مْ تَعْلَمُو نَ (‪َ )71‬وقَالَت طّآِئ َفةٌ مّ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ‬
‫ي أُن ِزلَ عَلَى اّلذِي نَ آمَنُواْ وَجْ هَ الّنهَارِ وَا ْك ُفرُواْ آ ِخرَ هُ َلعَ ّلهُ مْ‬
‫آمِنُواْ بِالّذِ َ‬
‫َيرْ ِجعُو نَ (‪َ )72‬ولَ ُت ْؤمِنُوْا إِل لِمَن تَبِ َع دِيَنكُ مْ ُق ْل إِنّ اْل ُهدَى ُهدَى اللّ هِ‬
‫ض َل بَِيدِ‬
‫أَن يُ ْؤتَى َأحَ ٌد مّ ْث َل مَا أُوتِيتُ ْم َأوْ يُحَآجّوكُ مْ عِندَ َرّبكُ مْ ُق ْل إِنّ الْفَ ْ‬
‫ص ِبرَحْمَتِ ِه مَن َيشَاءُ‬
‫اللّ هِ ُي ْؤتِي ِه مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‪ )73‬يَخْتَ ّ‬
‫ضلِ اْلعَظِي مِ (‪َ )74‬ومِ ْن َأهْ ِل الْكِتَا بِ مَ نْ إِن َت ْأمَنْ ُه ِبقِنطَارٍ‬
‫وَاللّ ُه ذُو اْلفَ ْ‬
‫ك وَمِ ْنهُم مّ ْن إِن َتأْمَنْ ُه ِبدِينَا ٍر ل ُي َؤدّ هِ ِإلَيْ كَ إِل مَا ُدمْ تَ عَلَيْ هِ‬
‫يُ َؤدّ ِه ِإلَيْ َ‬
‫قَآئِما َذلِ كَ ِبَأّنهُ مْ قَالُوْا لَيْ سَ عَلَيْنَا فِي الُمّيّيَ سَبِي ٌل َويَقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ‬
‫ب وَهُ ْم َيعْلَمُو نَ (‪ )75‬بَلَى مَ نْ أَ ْوفَى ِب َعهْدِ ِه وَاّتقَى َفإِنّ اللّ َه يُحِبّ‬
‫الْ َكذِ َ‬
‫ِمـ ثَمَنا قَلِيلً‬
‫ّهـ َوَأيْمَاِنه ْ‬
‫ُونـ ِب َع ْهدِ الل ِ‬
‫ِينـ َيشَْتر َ‬
‫الْمُّتقِي َ (‪ )76‬إِن ّ اّلذ َ‬
‫ق َلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ َولَ ُيكَلّ ُمهُمُ اللّ ُه وَ َل يَن ُظ ُر إِلَ ْيهِمْ يَوْمَ‬
‫أُ ْولَـِئكَ َل خَلَ َ‬
‫الْقِيَامَ ِة وَ َل ُيزَكّيهِ مْ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ (‪َ )77‬وإِنّ مِ ْنهُ ْم َل َفرِيقا يَ ْلوُو نَ‬
‫ب وََيقُولُو نَ‬
‫ب وَمَا هُ َو مِ نَ اْلكِتَا ِ‬
‫َألْ سِنََتهُم بِاْلكِتَا بِ لَِتحْ سَبُو ُه مِ نَ اْلكِتَا ِ‬
‫هُ َو مِ نْ عِن ِد اللّ ِه َومَا ُهوَ مِ نْ عِن ِد اللّ هِ َوَيقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ اْل َكذِ بَ َوهُ مْ‬
‫حكْ َم وَالنُّب ّوةَ ُثمّ‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫شرٍ أَن ُيؤْتِيَ هُ اللّ ُه الْكِتَا َ‬
‫َيعْلَمُو نَ (‪ )78‬مَا كَا َن لَِب َ‬
‫َيقُولَ لِلنّا سِ كُونُواْ عِبَادا لّي مِن دُو نِ اللّ هِ وَلَ ـكِن كُونُواْ َربّانِيّيَ بِمَا‬
‫‪383‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ أَن‬
‫ُمـ َتدْرُسـُونَ (‪ )79‬وَ َل َيأْ ُمرَك ْ‬
‫َابـ وَبِمَا كُنت ْ‬
‫ُونـ اْلكِت َ‬
‫ُمـ ُتعَلّم َ‬
‫كُنت ْ‬
‫لِئكَ َة وَالنّبِيّيْ َن أَ ْربَابا أََي ْأمُرُكُم بِاْل ُكفْ ِر َبعْ َد ِإذْ أَنتُم مّ سْلِمُونَ (‬
‫خذُوْا الْمَ َ‬
‫تَتّ ِ‬
‫‪. ﴾ )80‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪384‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ودّت طّآِئ َفةٌ مّ ْن َأهْ ِل الْكِتَا بِ َلوْ يُضِلّوَنكُ ْم َومَا‬
‫ب لِ َم تَ ْك ُفرُو نَ‬
‫ش ُعرُو نَ (‪ )69‬يَا َأ ْهلَ اْلكِتَا ِ‬
‫سهُ ْم وَمَا َي ْ‬
‫يُضِلّو َن إِل أَنفُ َ‬
‫شهَدُو نَ (‪ )70‬يَا َأ ْهلَ اْلكِتَا بِ لِ َم تَلْبِ سُونَ الْحَقّ‬
‫ت اللّ هِ َوأَنتُ ْم َت ْ‬
‫بِآيَا ِ‬
‫حقّ َوأَنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪. ﴾ )71‬‬
‫بِالْبَا ِط ِل وََتكْتُمُو َن الْ َ‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَدّت طّآِئ َفةٌ مّ نْ أَهْ ِل اْلكِتَا بِ َل ْو ُيضِلّونَكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫سهُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن ا يعود‬
‫عن ال ق ح سدًا وبغيًا ‪ ﴿ ،‬وَمَا ُيضِلّو نَ إِل أَنفُ َ‬
‫شعُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬و ما يدرون أ نه عائد علي هم ‪،‬‬ ‫وبال ذلك علي هم ‪ ﴿ ،‬وَمَا يَ ْ‬
‫قال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا يَحِي ُق الْ َمكْرُ السّّيئُ إِلّا ِبَأهْلِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ َوأَنت ْ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ُونـ بِآي ِ‬
‫ِمـ َتكْفُر َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ي َا َأهْلَ الْ ِكت ِ‬
‫َابـ ل َ‬
‫شهَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬يقول ‪ :‬تشهدون أن ن عت م مد نب ال ف‬ ‫تَ ْ‬
‫كتابكم ‪ ،‬ث تكفرون به وتنكرونه ‪ ،‬ول تؤمنون به ‪ ،‬وأنتم تدونه مكتوبًا‬
‫عندكم ف التوراة والِنيل ؛ النب المي الذي يؤمن بال وكلماته ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ لِ َم تَ ْلبِ سُونَ الْ َ‬
‫حقّ بِاْلبَاطِ ِل َوَتكْتُمُو نَ‬
‫الْحَقّ َوأَنتُ ْم َتعَْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ز يد ف قول ال عز و جل ‪ ﴿ :‬لِ َم‬
‫تَ ْلبِسـُونَ الْحَقّـ بِاْلبَاطِلِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬القـ ‪ :‬التوراة التـ أنزل ال على‬
‫موسى ‪ ،‬والباطل الذي كتبوه بأيديهم ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وتَ ْكتُمُو نَ‬
‫الْحَقّ َوأَنتُ ْم َتعَْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬كتموا شأن ممد ‪ ،‬وهم يدونه مكتوبًا عندهم‬
‫ف التوراة والِنيل ‪ :‬يأمرهم بالعروف ‪ ،‬وينهاهم عن النكر ‪.‬‬
‫ِيـ‬
‫َابـ آمِنُوْا بِاّلذ َ‬
‫ّنـ َأهْ ِل الْكِت ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالَت طّآئِ َفةٌ م ْ‬
‫ُونـ (‬
‫ُمـ َيرْ ِجع َ‬
‫َهـ َلعَ ّله ْ‬
‫ْهـ الّنهَا ِر وَا ْكفُرُواْ آ ِخر ُ‬
‫ِينـ آمَنُواْ َوج َ‬
‫أُن ِزلَ عَلَى اّلذ َ‬
‫‪385‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ )72‬وَ َل ُتؤْمِنُواْ إِل لِمَن تَبِ عَ دِيَنكُ مْ ُق ْل إِنّ الْ ُهدَى هُدَى اللّ ِه أَن يُؤْتَى‬
‫ّهـ‬
‫ض َل بَِيدِ الل ِ‬
‫ُمـ ُقلْ إِنّ الْفَ ْ‬
‫ُمـ عِندَ َرّبك ْ‬
‫ُمـ َأ ْو يُحَآجّوك ْ‬
‫أَ َح ٌد مّ ْثلَ مَا أُوتِيت ْ‬
‫يُ ْؤتِي هِ مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‪ )73‬يَخْتَ صّ بِ َرحْمَتِ ِه مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ‬
‫ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظِيمِ (‪. ﴾ )74‬‬
‫قال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬آمِنُواْ بِالّ ِذيَ أُنزِ َل عَلَى الّذِي نَ آ َمنُواْ وَجْ َه النّهَارِ‬
‫وَا ْكفُرُواْ آخِرَ هُ ﴾ ‪ ،‬فقال ‪ :‬بعضهم لبعض ‪ :‬أعطوهم الرضى بدينهم أول‬
‫النهار ‪ ،‬واكفروا آخره ‪ ،‬فإن أجدر أن يصـدقوكم ‪ ،‬ويعلموا أنكـم قـد‬
‫رأيتم منهم ما تكرهون ‪ ،‬وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَ َل ُت ْؤمِنُواْ إِل لِمَن َتبِ عَ دِينَكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬هذا قول‬
‫بعضهم لبعض ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ِإنّ اْلهُدَى هُدَى اللّ هِ أَن ُي ْؤتَى أَحَ ٌد ّمثْ َل مَا أُوتِيتُ مْ‬
‫َأوْ ُيحَآجّوكُ ْم عِندَ َرّبكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬أَن ُي ْؤتَى أَ َح ٌد ّمثْلَ‬
‫مَا أُوتِيتُ مْ ﴾ ‪ ،‬حسدًا من يهود أن تكون النبوة ف غيهم وإرادة أن يتبعوا‬
‫على دينهم ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬أَن ُي ْؤتَى أَ َح ٌد ّمثْلَ مَا أُوتِيتُ مْ َأ ْو يُحَآجّوكُ مْ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ل تظهروا مـا عندكـم مـن العلم للمسـلمي‬ ‫عِندَ َربّك ْ‬
‫فيتعلمون منكم ويساوونكم فيه ويتازون به عليكم لشدة اليان به ‪َ ،‬أوْ‬
‫يُحَآجّوكُ مْ به ع ند َربّ كم ‪ ،‬أي ‪ :‬يتخذوه ح جة علي كم ب ا ف أيدي كم ‪،‬‬
‫فتقوم به عليكم الدللة ‪ ،‬وتتركب الجة ف الدنيا والخرة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪386‬‬

‫وذ كر ا بن جر ير عن ا بن جر يج قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ اْلهُدَى هُدَى اللّ هِ أَن‬


‫ُيؤْتَى أَحَ ٌد ّمثْ َل مَا أُوتِيتُ مْ ﴾ يقول ‪ :‬هذا ال مر الذي أن تم عل يه ‪ ﴿ .‬أَن‬
‫ُيؤْتَى أَحَدٌ مّثْ َل مَا أُوتِيتُمْ َأ ْو يُحَآجّوكُ ْم عِندَ َرّبكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قال بعضهم‬
‫لبعـض ‪ :‬ل تبـوهم باـ بيـ ال لكـم فـ كتابـه ليحاجوكـم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫( ليخا صموكم به ع ند رب كم قل إن الدى هدى ال ) ‪ ،‬معترض به ‪،‬‬
‫وسائر الكلم متسق على سياق واحد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ إِنّ اْل َفضْلَ ِبيَدِ اللّ ِه ُي ْؤتِي هِ مَن يَشَا ُء وَاللّ ُه وَا سِعٌ‬
‫عَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن جريج ف قوله ‪ ﴿ :‬قُلْ ِإنّ اْل َفضْلَ ِبيَدِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الِسلم ‪.‬‬
‫ِيمـ‬
‫ّهـ ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظ ِ‬
‫ِهـ مَن يَشَا ُء وَالل ُ‬
‫َصـ بِ َرحْ َمت ِ‬‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫خت ّ‬
‫ختَ ّ‬
‫ص‬ ‫﴾ قال الرب يع ‪ :‬ي تص بالنبوة من يشاء ‪ .‬وقال ا بن جر يج ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫بِرَ ْح َمتِ ِه مَن يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والِسلم ‪ .‬ويشهد لا قوله تعال ‪:‬‬
‫﴿ قُ ْل ِب َفضْلِ اللّ ِه َوبِرَحْ َمتِهِ َفبِذَلِكَ َف ْلَيفْرَحُواْ ُهوَ َخيْ ٌر مّمّا يَجْ َمعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ب مَ نْ إِن َت ْأمَنْ ُه ِبقِنطَارٍ ُي َؤدّ هِ‬
‫قوله عز وجـل ‪َ ﴿ :‬ومِ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا ِ‬
‫ك وَمِ ْنهُم مّ ْن إِن َتأْمَنْ ُه ِبدِينَا ٍر ل ُي َؤدّ هِ ِإلَيْ كَ إِل مَا ُدمْ تَ عَلَيْ ِه قَآئِما‬
‫ِإلَيْ َ‬
‫ّهـ‬
‫ُونـ عَلَى الل ِ‬
‫سـبِي ٌل َويَقُول َ‬
‫ْسـ َعلَيْنَا فِي ا ُلمّيّيَ َ‬
‫ُمـ قَالُوْا لَي َ‬
‫ِكـ ِبَأنّه ْ‬
‫َذل َ‬
‫ب وَهُ ْم َيعْلَمُو نَ (‪ )75‬بَلَى مَ نْ أَ ْوفَى ِب َعهْدِ ِه وَاّتقَى َفإِنّ اللّ َه يُحِبّ‬
‫الْ َكذِ َ‬
‫الْمُّتقِيَ (‪. ﴾ )76‬‬
‫قال ماهد ‪ :‬ف قوله ‪ ﴿ :‬إِل مَا ُدمْتَ عََليْهِ قَآئِما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مطالبًا ‪،‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬يعترف بأمانته ما دمت قائمًا على رأسه ‪.‬‬
‫‪387‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال قتادة ‪ ﴿ :‬ذَلِ كَ بَِأّنهُ مْ قَالُواْ َليْ َ‬


‫س عََلْينَا فِي ا ُلمّيّيَ َسبِيلٌ ﴾ ‪ ،‬قالت‬
‫اليهود ‪ :‬ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل ‪ ،‬وقال ابن جريج ‪:‬‬
‫بايع اليهود رجال من السلمي ف الاهلية ‪ ،‬فلما أسلموا تقاضوهم ثن‬
‫بيوع هم فقالوا ‪ :‬ل يس ل كم علي نا أما نة ‪ ،‬ول قضاء ل كم عند نا ‪ ،‬لن كم‬
‫ترك تم دين كم الذي كن تم عل يه ‪ ،‬وادّعوا أن م وجدوا ذلك ف كتاب م ‪،‬‬
‫ب َوهُمْ يَعَْلمُونَ ﴾ ‪ ،‬وعن‬ ‫فقال ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬وَيقُولُو َن عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ َ‬
‫صعصعة ‪ :‬قلت ل بن عباس ‪ :‬إ نا ُنقِرّ أ هل الكتاب فن صيب من ثار هم ‪،‬‬
‫ي َسبِيلٌ ﴾‪.‬‬ ‫س عََلْينَا فِي ا ُلمّيّ َ‬‫قال ‪ :‬وتقولون كما قال أهل الكتاب ‪َ ﴿:‬لْي َ‬
‫حبّ الْ ُمتّقِيَ ﴾‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَلَى مَنْ َأوْفَى ِب َعهْدِهِ وَاّتقَى فَِإنّ اللّ َه يُ ِ‬
‫أي ‪ :‬ل يس ك ما قالوا ‪ :‬بل علي هم سبيل ‪ ،‬ث ابتدأ فقال ‪ ﴿ :‬مَ نْ َأوْفَى‬
‫ِبعَهْدِ هِ وَاتّقَى َفإِنّ اللّ َه يُحِبّ الْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الذين ائتمروا بأوا مر ال‬
‫واجتنبوا مارمه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن َيشَْترُونَ ِب َع ْهدِ اللّ ِه َوأَيْمَاِنهِمْ ثَمَنا قَلِيلً‬
‫ق َلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ َولَ ُيكَلّ ُمهُمُ اللّ ُه وَ َل يَن ُظ ُر إِلَ ْيهِمْ يَوْمَ‬
‫أُ ْولَـِئكَ َل خَلَ َ‬
‫الْقِيَامَ ِة وَ َل ُيزَكّي ِهمْ َوَلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪. ﴾ )77‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬نزلت ف رؤوس اليهود ‪ ،‬وكتموا ما عهد ال إليهم ف‬
‫التوراة ‪ ،‬ف شأن ممد وبدلوه ‪ ،‬وكتبوا بأيدهم غيه ‪ ،‬وحلفوا أنه من‬
‫ع ند ال ‪ ،‬لئل يفوت م الأ كل والر شا ال ت كا نت ل م من أتباع هم ‪ ،‬و ف‬
‫الد يث ال صحيح عن ال نب ‪ « :‬من اقت طع مال امرئ م سلم بغ ي حق‬
‫الزء الول‬ ‫‪388‬‬

‫شتَرُو َن ِب َعهْدِ اللّ هِ‬


‫ل قي ال و هو عل يه غضبان ‪ - ،‬وقرأ ‪ ﴿ : -‬إِنّ الّذِي َن يَ ْ‬
‫َوأَيْمَاِنهِ ْم ثَمَنا قَلِيلً ‪ » ﴾ ...‬الية ‪.‬‬
‫َابـ‬
‫ْسـنََتهُم بِالْكِت ِ‬
‫ُونـ َأل ِ‬
‫ُمـ َل َفرِيقا يَ ْلو َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ مِ ْنه ْ‬
‫ب َويَقُولُو َن ُهوَ مِنْ عِن ِد اللّ ِه َومَا‬
‫ب َومَا ُهوَ مِ َن الْكِتَا ِ‬
‫لِتَحْسَبُوهُ مِ َن الْكِتَا ِ‬
‫ب َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )78‬‬
‫هُ َو ِمنْ عِندِ ال ّل ِه َويَقُولُونَ عَلَى اللّ ِه الْ َكذِ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬هم ‪ :‬أعداء ال اليهود ‪ ،‬حرفوا كتاب ال وابتدعوا ف يه ‪،‬‬
‫وزعموا أنه من عند ال ‪.‬‬
‫حكْ مَ‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬مَا كَا َن لَِبشَ ٍر أَن ُيؤْتِيَ ُه اللّ ُه الْكِتَا َ‬
‫وَالنُّب ّوةَ ثُمّ َيقُو َل لِلنّا سِ كُونُواْ عِبَادا لّي مِن دُو نِ اللّ هِ َولَ ـكِن كُونُواْ‬
‫ُمـَتدْرُسـُونَ (‪َ )79‬ولَ‬
‫َابـ وَبِمَا كُنت ْ‬
‫ُونـ الْكِت َ‬
‫ُمـُتعَلّم َ‬
‫َربّانِيّيَ بِمَا كُنت ْ‬
‫لِئكَ َة وَالنّبِيّيْ نَ أَ ْربَابا َأَيأْ ُمرُكُم بِاْل ُكفْ ِر َبعْ َد ِإذْ أَنتُم‬
‫خذُوْا الْمَ َ‬
‫َيأْ ُمرَكُ ْم أَن تَتّ ِ‬
‫ّمسْلِمُونَ (‪. ﴾ )80‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬قال أبو رافع القرظي ‪ ( :‬حي اجتمعت الحبار من‬
‫اليهود والن صارى من أ هل نران ع ند ر سول ال ودعا هم إل ال سلم‬
‫قالوا ‪ :‬أتريد يا ممد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مري ؟ فقال‬
‫ر جل من أ هل نران ن صران يقال له الرئ يس ‪ :‬أو ذاك تر يد م نا يا م مد‬
‫وإل يه تدعو نا ؟ أو كمـا قال ‪ :‬فقال رسـول ال ‪ « :‬معاذ ال أن نعبـد‬
‫غي ال ‪ ،‬أو نأمر بعبادة غيه ‪ ،‬ما بذلك بعثن ال ول بذلك أمرن » ‪ .‬أو‬
‫ك ما قال ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ف ذلك من قولم ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ ِلبَشَرٍ أَن‬
‫‪389‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حكْ َم وَالّنبُ ّوةَ ‪ ﴾ ...‬الية ‪ ،‬إل قوله ‪َ ﴿ :‬بعْدَ إِذْ أَنتُم‬


‫ب وَالْ ُ‬
‫ُيؤِْتيَهُ اللّ ُه الْ ِكتَا َ‬
‫مّسْلِمُونَ ﴾ ) ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ ِلبَشَرٍ أَن ُي ْؤتِيَ هُ اللّ ُه اْلكِتَا بَ وَالْ ُ‬
‫حكْ مَ‬
‫وَالّنُبوّ َة ثُمّ َيقُولَ لِلنّا سِ كُونُواْ عِبَادا لّي مِن دُو نِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما كان‬
‫ينبغي لبشر أن يؤتيه ال الكتاب والكم والنبوة ‪ ،‬يأمر عباده أن يتخذوه‬
‫ربًا من دون ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ـكِن كُونُواْ َربّاِنيّيَ بِمَا كُنتُ ْم ُتعَلّمُو نَ اْل ِكتَا بَ‬
‫َوبِمَا كُنتُ ْم تَ ْدرُسُونَ ﴾ ‪ ،‬قال السن ف قوله ‪ ﴿ :‬كُونُواْ َربّاِنيّيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬كونوا فقهاء علماء ‪ ،‬وقال سعيد بن جبي ‪ :‬حكماء أتقياء ‪ ،‬وقال ا بن‬
‫ز يد ‪ :‬الربانيون ‪ :‬الذ ين يربون الناس ولة هذا ال مر ‪ ،‬وقال ال بد ‪ :‬هم‬
‫أرباب العلم ‪ ،‬سـوا بـه لنمـ يربون العلم ويقومون بـه ويربون التعلميـ‬
‫بصغار العلم قبل كبارها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والعال الربان هو ‪ :‬الذي يعلم الناس أصول العلم قبل فروعه ‪،‬‬
‫وواضحاته قبل مشكلته ‪ ،‬وهذا هو معن ما تقدم ‪.‬‬
‫وقال ماهد ‪ :‬الربانيون ‪ :‬الفقهاء العلماء ‪ ،‬وهم فوق الحبار ‪.‬‬
‫وقال ابـن جريـر ‪ :‬والربانـ ‪ :‬الامـع إل العلم والفقـه ‪ ،‬البصـي‬
‫بالسـياسة والتدبيـ ‪ ،‬والقيّام بأمور الرعيـة ومـا يصـلحهم فـ دنياهـم‬
‫ودينهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َي ْأمُرَكُمــْ أَن َتتّخِذُوْا الْ َملَِئ َكةَ وَالّنبِّييْنــَ أَ ْربَابا‬
‫سلِمُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن جر يج ‪ :‬ول يأمر كم‬
‫َأيَ ْأمُرُكُم بِاْل ُكفْ ِر َبعْدَ إِذْ أَنتُم مّ ْ‬
‫النب أن تتخذوا اللئكة والنبيي أربابًا ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪390‬‬

‫قال ابن كثي ‪َ ﴿ :‬أيَ ْأمُرُكُم بِاْل ُكفْ ِر َبعْدَ إِذْ أَنتُم مّ ْ‬
‫سلِمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫يف عل ذلك إل من د عا إل عبادة غ ي ال ‪ ،‬و من دعا إل عبادة غ ي ال ‪،‬‬
‫فقد دعا إل الكفر ‪ ،‬والنبياء إنا يأمرون بالِيان ‪ ،‬وهو عبادة ال وحده‬
‫ل شريك له ‪ ،‬وبال التوفيق ‪.‬‬
‫***‬
‫‪391‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثالث والربعون‬

‫ب وَ ِحكْ َمةٍ ُثمّ جَاءكُمْ‬


‫ق النّبِيّيْنَ لَمَا آتَيُْتكُم مّن كِتَا ٍ‬
‫﴿ َوِإذْ َأ َخذَ اللّ ُه مِيثَا َ‬
‫ص ُرنّ ُه قَا َل َأأَ ْقرَ ْرتُمْ َوأَ َخ ْذتُمْ عَلَى‬
‫ق لّمَا َم َعكُ ْم لَُتؤْمُِننّ بِهِ َولَتَن ُ‬
‫رَسُولٌ مّصَدّ ٌ‬
‫صرِي قَالُواْ أَ ْقرَ ْرنَا قَا َل فَا ْش َهدُواْ َوَأَناْ َمعَكُم مّنَ الشّا ِهدِينَ (‪)81‬‬
‫َذلِكُ ْم إِ ْ‬
‫ـئكَ هُمُـ الْفَاسِـقُونَ (‪َ )82‬أ َفغَ ْيرَ دِينِـ اللّهِـ‬
‫فَمَن َت َولّى بَ ْع َد َذلِكَـ َفُأوْلَـ ِ‬
‫ْهـ‬
‫ْضـ َطوْعا وَ َكرْها َوإِلَي ِ‬
‫ت وَالَر ِ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫َسـلَ َم مَن فِي ّ‬
‫َهـ أ ْ‬
‫ُونـ َول ُ‬
‫يَ ْبغ َ‬
‫ُيرْ َجعُو نَ (‪ُ )83‬قلْ آمَنّ ا بِاللّ هِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى ِإبْرَاهِي مَ‬
‫ط وَمَا أُوتِيَـ مُوسـَى وَعِيسـَى‬
‫ـَا ِ‬
‫ق َويَ ْعقُوبَـ وَالَس ْب‬
‫وَإِس ْـمَاعِي َل وَإِس ْـحَا َ‬
‫ق بَيْ َن أَ َح ٍد مّ ْنهُ مْ َونَحْ نُ لَ هُ مُ سْلِمُونَ (‪)84‬‬
‫وَالنّبِيّو َن مِن ّرّبهِ ْم َل نُ َفرّ ُ‬
‫وَمَن يَبْتَغِ َغ ْيرَ ا ِلسْلَ ِم دِينا فَلَن ُيقَْبلَ مِ ْن ُه وَ ُهوَ فِي ال ِخ َرةِ ِم َن الْخَا ِسرِينَ‬
‫(‪ )85‬كَيْ فَ يَ ْهدِي اللّ هُ َقوْما َك َفرُوْا َبعْ َد إِيَانِهِ مْ َو َشهِدُوْا أَنّ الرّ سُولَ‬
‫ت وَاللّ هُ َل َيهْدِي الْ َقوْ َم الظّالِمِيَ (‪ )86‬أُ ْولَ ـئِكَ‬
‫حَقّ وَجَاءهُ مُ الْبَيّنَا ُ‬
‫جَزَآ ُؤهُ ْم أَنّ عَلَ ْيهِ ْم َلعْنَ َة اللّ هِ وَالْمَلئِ َكةِ وَالنّا سِ َأجْ َمعِيَ (‪ )87‬خَاِلدِي نَ‬
‫خفّفُ عَ ْنهُ ُم الْ َعذَابُ َولَ هُمْ يُن َظرُونَ (‪ )88‬إِل الّذِي َن تَابُواْ مِن‬
‫فِيهَا لَ يُ َ‬
‫ك َوأَ صْلَحُواْ َفإِنّ ال َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪ )89‬إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوْا َب ْعدَ‬
‫َبعْ ِد َذلِ َ‬
‫ك هُ ُم الضّآلّو نَ (‪)90‬‬
‫إِيَاِنهِ ْم ُثمّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا لّن ُتقَْبلَ َت ْوبَتُهُمْ َوُأوْلَـئِ َ‬
‫إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوْا َومَاتُوْا َوهُ مْ ُكفّا ٌر فَلَن ُيقْبَ َل مِ ْن َأحَدِهِم ّملْءُ الرْ ضِ‬
‫صرِينَ (‬
‫ك َلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ وَمَا لَهُم مّ ن نّا ِ‬
‫َذهَبا َولَ ِو افْتَدَى بِ ِه ُأوْلَ ـئِ َ‬
‫‪. ﴾ )91‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪392‬‬

‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َأ َخذَ اللّهُـ مِيثَاقَـ النّبِيّيْنَـلَمَا آتَيْتُكُم مّنـ‬
‫ص ُرنّهُ‬
‫صدّقٌ لّمَا َم َعكُ ْم لَُتؤْمُِن ّن ِبهِ َولَتَن ُ‬
‫كِتَابٍ َوحِكْ َم ٍة ُثمّ جَاء ُكمْ َرسُو ٌل مّ َ‬
‫صرِي قَالُوْا َأقْرَرْنَا قَا َل فَا ْش َهدُوْا وََأَناْ‬
‫قَا َل َأأَ ْقرَ ْرتُ ْم وََأ َخذْتُ مْ عَلَى َذلِكُ مْ إِ ْ‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ َفُأوْلَــِئكَ ه ُ‬
‫ِينـ (‪ )81‬فَم َن َت َولّى بَ ْع َد َذل َ‬
‫ّنـ الشّاهِد َ‬
‫َمعَك ُم م َ‬
‫الْفَا ِسقُونَ (‪. ﴾ )82‬‬
‫َابـ‬
‫ْنـلَمَا آتَْيتُكُم مّنـ ِكت ٍ‬
‫َاقـ الّنِبيّي َ‬ ‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ أَ َخذَ الل ُ‬
‫ّهـ مِيث َ‬
‫وَ ِحكْ َم ٍة ثُمّ جَاءكُ مْ رَ سُو ٌل مّ صَ ّدقٌ لّمَا َمعَكُ مْ َلُت ْؤ ِمنُنّ بِ ِه وََلتَن صُ ُرنّهُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬تأويل الية ‪ .‬واذكروا يا معشر أهل الكتاب إذ أخذ اللّ هُ‬
‫ب وَ ِحكْ َم ٍة ثُمّ جَاء ُك مْ‬
‫ميثاق النّبيي ل ا آتيتكم أيها النبيون ‪ ﴿ ،‬مّ ن ِكتَا ٍ‬
‫ِهـ ﴾ يقول ‪:‬‬ ‫ُمـ َلُت ْؤمِنُن ّ ب ِ‬‫ّصـ ّدقٌ لّم َا َم َعك ْ‬ ‫رَسـُولٌ ﴾ مـن عندي ‪ ﴿ ،‬م َ‬
‫لتصدقنه ولتنصرنه ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬أَخَذَ اللّ ُه مِيثَا قَ الّنبِّييْ نَ ﴾ أن يصدق‬
‫بعضهم بعضًا ‪ .‬وقال علي بن أب طالب ‪ :‬ما بعث ال نبيًا من النبياء إل‬
‫أخذ ال عليه اليثاق ‪ ،‬لئن بعث ال ممدًا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ‪،‬‬
‫وأمره أن يأ خذ اليثاق على أم ته ‪ ،‬لئن ب عث م مد و هم أحياء ليؤم نن به‬
‫ولينصرنه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالَ َأأَقْرَ ْرتُ ْم َوأَ َخ ْذتُ ْم عَلَى ذَِلكُ مْ إِ صْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا‬
‫قَالَ فَا ْشهَدُوْا َوأَنَ ْا َم َعكُم مّنَ الشّاهِدِينَ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬إِصْرِي ﴾‬
‫‪ :‬عهدي ‪ .‬وقال ا بن إ سحاق ‪ :‬أي ‪ :‬ث قل ما حل تم من عهدي ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ميثاقـي الشديـد الؤكـد ‪ ،‬وقال علي بـن أبـ طالب فـ قوله ‪ ﴿ :‬قَالَ‬
‫ـ‬
‫فَا ْشهَدُواْ ﴾ يقول ‪ :‬فاشهدوا على أمكـم بذلك ‪َ ﴿ .‬وَأنَاْ َمعَكُـم مّن َ‬
‫الشّاهِدِينَ ﴾ عليكم وعليهم ‪.‬‬
‫‪393‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن َتوَلّى َبعْدَ ذَلِ كَ َفُأوْلَ ـئِكَ هُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫علي بن أ ب طالب ‪ ﴿ :‬فَمَن َتوَلّى ﴾ ع نك يا م مد ب عد هذا الع هد من‬
‫جيع المم ﴿ َفُأوْلَـئِكَ هُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ ‪ :‬العاصون ف الكفر ‪.‬‬
‫َسـلَ َم مَن فِي‬
‫َهـ أ ْ‬
‫ُونـ َول ُ‬
‫ّهـ يَ ْبغ َ‬
‫ِينـ الل ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أ َفغَ ْيرَ د ِ‬
‫ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َطوْعا وَ َكرْها َوإِلَيْ هِ ُي ْرجَعُو نَ (‪ُ )83‬قلْ آمَنّ ا بِاللّ هِ‬
‫ق َويَ ْعقُو بَ‬
‫وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى ِإبْرَاهِي مَ وَإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَا َ‬
‫ق بَ ْينَ أَ َحدٍ‬
‫ط وَمَا أُوِتيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنّبِيّو َن مِن ّرّبهِ ْم لَ ُن َفرّ ُ‬
‫وَالَسْبَا ِ‬
‫مّ ْنهُ ْم َونَحْ نُ لَ ُه مُ سْلِمُونَ (‪ )84‬وَمَن يَبْتَ غِ َغ ْيرَ الِ سْلَ ِم دِينا فَلَن ُيقَْبلَ‬
‫مِ ْنهُ َوهُ َو فِي الخِ َر ِة ِمنَ الْخَاسِرِينَ (‪. ﴾ )85‬‬
‫قال أ بو العال ية ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ هُ أَ سْلَ َم مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَالَرْ ضِ‬
‫َطوْعا وَكَرْها ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬كل آد مي قد أ قر على نف سه بأن ال ر ب وأ نا‬
‫عبده ‪ ،‬من أشرك ف عبادته ‪ ،‬فهذا الذي أسلم كرهًا ‪ ،‬ومن أخلص من‬
‫العبود ية ف هو الذي أ سلم طوعًا ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬سجود الؤ من طائعًا ‪،‬‬
‫وسجود ظل الكافر وهو كاره ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬فالؤمن مستسلم بقلبه وقالبه ل ‪ ،‬والكافر مستسلم‬
‫ل كرهًا ‪ .‬فإ نه ت ت الت سخي والق هر وال سلطان العظ يم الذي ل يالف‬
‫ول يانع ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ آ َمنّ ا بِاللّ هِ وَمَا أُنزِلَ عََليْنَا وَمَا أُنزِ َل عَلَى ِإبْرَاهِي مَ‬
‫َوِإسْمَاعِي َل ﴾ الية ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪394‬‬

‫وقال ابن كثي ف قوله ‪ ﴿ :‬قُلْ آ َمنّا بِاللّ ِه َومَا أُن ِز َل عََليْنَا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫ق َوَي ْعقُو بَ ﴾ ‪ ،‬أي‬ ‫القرآن ‪َ ﴿ ،‬ومَا أُنزِ َل عَلَى ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْحَا َ‬
‫‪ :‬من ال صحف والو حي ‪ ﴿ ،‬وَالَ ْسبَاطِ ﴾ ‪ ،‬و هم ‪ :‬بطون ب ن إ سرائيل‬
‫التشعبة من أولد إسرائيل ‪ -‬وهو يعقوب ‪ -‬الثن عشر ‪َ ﴿ ،‬ومَا أُوتِ يَ‬
‫مُو سَى َوعِي سَى ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬بذلك التوراة ‪ ،‬والِن يل ‪ ﴿ ،‬وَالنِّبيّو نَ مِن‬
‫ق َبيْ نَ أَ َح ٍد ّمنْهُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫ّرّبهِ مْ ﴾ ‪ ،‬وهذا يعم جيع النبياء جلة ‪َ ﴿ ،‬ل ُنفَرّ ُ‬
‫يعن ‪ :‬بل نؤمن بميعهم ‪َ ﴿ .‬ونَحْ نُ لَ ُه مُ سْلِمُو َن ﴾ ‪ ،‬فالؤمنون من هذه‬
‫المة يؤمنون بكل نب أرسل ‪ ،‬وبكل كتاب أنزل ‪ ،‬ل يكفرون بشيء من‬
‫ذلك ‪ ،‬بل هم يصدقون با أنزل من عند ال ‪ ،‬وبكل نب بعثه ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن َيْبتَ ِغ َغيْ َر الِ ْسلَمِ دِينا فَلَن ُيقْبَ َل ِمنْ هُ َو ُهوَ فِي‬
‫الخِ َر ِة مِ َن الْخَاسِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يع ن بذلك جل ثناؤه ‪ :‬و من يطلب دينًا غ ي د ين‬
‫السلم ليدين به ‪ ،‬فلن يقبل ال منه ‪ ،‬وهو ف الخرة من الاسرين ‪.‬‬
‫وروى المام أح د عن ال سن قال ‪ :‬حدث نا أ بو هريرة إذ ذاك ون ن‬
‫بالدينـة قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬تيـء العمال يوم القيامـة فتجيـء‬
‫ال صلة فتقول ‪ :‬يا رب أ نا ال صلة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إ نك على خ ي ‪ .‬وت يء‬
‫ال صدقة فتقول ‪ :‬يا رب أ نا ال صدقة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إ نك على خ ي ‪ .‬ث ي يء‬
‫ال صيام فيقول ‪ :‬يا رب أ نا ال صيام ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إ نك على خ ي ‪ .‬ث ت يء‬
‫العمال ‪ ،‬كل ذلك يقول ال ‪ :‬إنك على خي ‪ .‬ث ييء الِسلم فيقول‬
‫‪ :‬يا رب أنت السلم ‪ ،‬وأنا الِسلم ‪ ،‬فيقول ال تعال ‪ :‬إنك على خي ‪،‬‬
‫‪395‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بك اليوم آ خذ و بك أع طي » ‪ .‬قال ال ف كتا به ‪ ﴿ :‬وَمَن َيْبتَ ِغ َغيْرَ‬


‫لمِ دِينا َفلَن ُي ْقبَلَ مِنْ ُه َو ُهوَ فِي الخِ َر ِة مِ َن الْخَاسِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫الِ ْس َ‬
‫ِمـ‬
‫ّهـ َقوْما َك َفرُواْ بَ ْع َد إِيَاِنه ْ‬
‫ْفـ َي ْهدِي الل ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬كي َ‬
‫ْمـ‬
‫ّهـ لَ َي ْهدِي اْلقَو َ‬
‫َاتـ وَالل ُ‬
‫ُمـ الْبَيّن ُ‬
‫وَ َش ِهدُواْ أَن ّ الرّسـُولَ حَقّ َوجَاءه ُ‬
‫ّهـ وَالْمَلئِ َكةِ‬
‫ِمـ َلعْنَ َة الل ِ‬
‫ُمـ أَنّ عَلَ ْيه ْ‬
‫ك َجزَآؤُه ْ‬
‫الظّالِمِي َ (‪ )86‬أُ ْولَــئِ َ‬
‫ب وَ َل هُ مْ‬
‫خفّ فُ عَ ْنهُ مُ اْل َعذَا ُ‬
‫س َأجْ َمعِيَ (‪ )87‬خَاِلدِي نَ فِيهَا َل يُ َ‬
‫وَالنّا ِ‬
‫ك َوأَ صْلَحُواْ َفإِنّ ال َغفُورٌ‬
‫يُن َظرُو نَ (‪ )88‬إِل اّلذِي َن تَابُواْ مِن َبعْ ِد َذلِ َ‬
‫ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )89‬‬
‫ّهـ َقوْما‬ ‫قال قتادة ‪ :‬كان السـن يقول فـ قوله ‪َ ﴿ :‬كي َ‬
‫ْفـ َيهْدِي الل ُ‬
‫َكفَرُواْ َبعْدَ إِيَاِنهِ مْ ﴾ ال ية ‪ .‬هم ‪ :‬أ هل الكتاب من اليهود والن صارى ‪،‬‬
‫رأوا نعت ممد ف كتابم ‪ ،‬وأقروا به ‪ ،‬وشهدوا أنه حق ‪ ،‬فلما بعث‬
‫من غي هم ح سدوا العرب على ذلك فأنكروه ‪ ،‬وكفروا ب عد إقرار هم ‪،‬‬
‫حسدًا للعرب حي بعث من غيهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِل الّذِي َن تَابُوْا مِن َبعْدِ ذَلِ َ‬
‫ك َوأَ صَْلحُواْ َفِإنّ ال َغفُورٌ‬
‫رّحِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬جاء الارث بن سويد ‪ ،‬فأسلم مع النب ‪ ،‬ث‬
‫كفر الارث فرجع إل قومه ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ف القرآن ‪َ ﴿ :‬كيْ فَ‬
‫ِينـ تَابُواْ م ِن َبعْدِ‬
‫ِمـ ﴾ إل ‪ ﴿ :‬إِل الّذ َ‬
‫ّهـ َقوْما َكفَرُوْا َبعْدَ إِيَاِنه ْ‬
‫َيهْدِي الل ُ‬
‫ك َوأَ صَْلحُواْ فَإِنّ ال َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فحمل ها إل يه ر جل من‬ ‫ذَلِ َ‬
‫قو مه فقرأ ها عل يه ‪ ،‬فقال الارث ‪ :‬إ نك وال ما عل مت ل صدوق ‪ ،‬وإن‬
‫الزء الول‬ ‫‪396‬‬

‫ر سول ال ل صدق م نك وإن ال عز و جل ل صدق الثل ثة ‪ .‬قال ‪:‬‬


‫فرجع الارث فأسلم فحسن إسلمه ‪.‬‬
‫وقال عكر مة ‪ :‬نزلت ف أ ب عا مر الرا هب ‪ ،‬والارث بن سويد ‪،‬‬
‫ووحوح بن السلت ‪ ،‬وف اثن عشر رجلً رجعوا عن السلم ‪ ،‬ولقوا‬
‫بقر يش ‪ ،‬ث كتبوا إل أهلي هم ‪ :‬هل ل نا من توبة ؟ فنلت ‪ ﴿ :‬إِل الّذِي نَ‬
‫ِكـ ﴾ اليات ‪ .‬واختار ابـن جريـر ‪ :‬جواز نزولاـ فـ‬ ‫تَابُوْا م ِن َبعْدِ ذَل َ‬
‫الفريقي ‪ ،‬وعمومها ف كل مرتد ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِينَ َك َفرُواْ َب ْعدَ إِيَاِنهِ ْم ُثمّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا لّن‬
‫ك هُمُـ الضّآلّونَـ (‪ )90‬إِنّ اّلذِينَـ َك َفرُواْ وَمَاتُواْ‬
‫ـئ َ‬
‫ُتقْبَ َل َتوْبَُتهُم ْـ َوُأوْلَـ ِ‬
‫ِهـ‬
‫ْضـ ذَهَبا وََل ِو افْتَدَى ب ِ‬
‫ِنـ أَ َحدِه ِم ّملْ ُء الر ِ‬
‫ُمـ ُكفّا ٌر فَلَن يُقَْب َل م ْ‬
‫وَه ْ‬
‫صرِينَ (‪. ﴾ )91‬‬
‫ب َألِي ٌم َومَا َلهُم مّن نّا ِ‬
‫أُ ْولَـِئكَ َل ُهمْ َعذَا ٌ‬
‫قال قتادة ‪ :‬قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ َكفَرُوْا َبعْدَ إِيَاِنهِ مْ ﴾ هم ‪ :‬أعداء ال‬
‫اليهود ‪ .‬كفروا ‪ ،‬بالِنيل ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ازْدَادُواْ ُكفْرا ﴾ حي بعث ممد ‪،‬‬
‫فأنكروا وكذبوا به ‪ .‬وقال أ بو العال ية ف قوله ‪ ﴿ :‬لّن ُت ْقبَلَ َتوَْبُتهُ مْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬تابوا من بعض ‪ ،‬ول يتوبوا من الصل ‪.‬‬
‫وقال ا بن جر ير ‪ :‬حدث نا ا بن الث ن قال ‪ :‬حدث نا ع بد العلى قال ‪:‬‬
‫حدث نا داود قال ‪ :‬سألت أ با العال ية عن هذه ال ية ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َك َفرُوْا‬
‫ك هُ ُم الضّآلّو نَ ﴾ ‪،‬‬ ‫َبعْدَ إِيَاِنهِ ْم ثُمّ ازْدَادُواْ ُكفْرا لّن ُت ْقبَلَ َتوَْبُتهُ ْم َوُأوْلَـئِ َ‬
‫قال ‪ :‬هـم ‪ :‬اليهود ‪ ،‬والنصـارى ‪ ،‬والجوس أصـابوا ذنوبًا فـ كفرهـم‬
‫‪397‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فأرادوا أن يتوبوا من ها ولن يتوبوا من الك فر ‪ ،‬ل نه يقول ‪َ ﴿ :‬وُأوْلَ ـئِكَ‬


‫هُ ُم الضّآلّونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ِنـ‬
‫ُمـ ُكفّارٌ فَلَن ُي ْقبَ َل م ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن ّ الّذ َ‬
‫ِينـ َكفَرُواْ َومَاتُواْ َوه ْ‬
‫أَحَ ِدهِم مّلْءُ الرْضِ َذهَبا وََلوِ ا ْفتَدَى بِهِ ُأوْلَـئِكَ َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِي ٌم َومَا َلهُم‬
‫مّ ن نّا صِرِينَ ﴾ ‪ .‬روى البخاري ‪ ،‬وم سلم وغيه ا عن أ نس بن مالك‬
‫رضي ال عنه أن النب قال ‪ « :‬يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة ‪:‬‬
‫أرأ يت لو كان لك ما على الرض من ش يء أك نت مفتديًا به ؟ قال ‪:‬‬
‫فيقول ال ‪ :‬قد أردت م نك أهون من ذلك ‪ ،‬قد أخذت عل يك ف ظ هر‬
‫أبيك آدم أن ل تشرك ب شيئًا ‪ ،‬فأبيت إل الشرك » ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪398‬‬

‫الدرس الرابع والربعون‬

‫﴿ لَن تَنَالُواْ الِْب ّر حَتّ ى تُن ِفقُوْا مِمّ ا تُحِبّو نَ وَمَا تُن ِفقُواْ مِن َشيْ ٍء َفإِنّ‬
‫ل لّبَنِي إِ ْسرَائِيلَ إِل مَا َحرّ مَ‬
‫اللّ هَ بِ هِ عَلِي مٌ (‪ُ )92‬ك ّل الطّعَا مِ كَا َن حِ ـ ّ‬
‫إِ ْسرَائِيلُ عَلَى َنفْ سِ ِه مِن قَ ْبلِ أَن تَُن ّزلَ الّتوْرَاةُ ُق ْل َفأْتُواْ بِالتّوْرَا ِة فَاتْلُوهَا‬
‫ب مِن بَ ْع ِد َذلِ كَ‬
‫إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪ )93‬فَمَ ِن افَْترَىَ عَلَى اللّ ِه الْ َكذِ َ‬
‫ق اللّ ُه فَاتّبِعُواْ مِ ّل َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا‬
‫صدَ َ‬
‫َفأُ ْولَـِئكَ هُمُ الظّالِمُونَ (‪ُ )94‬قلْ َ‬
‫س لَ ّلذِي بَِب ّكةَ‬
‫ت وُضِ َع لِلنّا ِ‬
‫شرِكِيَ (‪ )95‬إِنّ َأوّ َل بَيْ ٍ‬
‫وَمَا كَا َن مِ نَ الْ ُم ْ‬
‫ت ّمقَا ُم ِإْبرَاهِي مَ وَمَن‬
‫ت بَيّ ـنَا ٌ‬
‫مُبَارَكا َو ُهدًى لّ ْلعَالَمِيَ (‪ )96‬فِي هِ آيَا ٌ‬
‫ع ِإلَيْ هِ سَبِيلً‬
‫ت مَ نِ ا سْتَطَا َ‬
‫س حِجّ الْبَيْ ِ‬
‫دَخَلَ هُ كَا نَ آمِنا َولِلّ هِ عَلَى النّا ِ‬
‫ِمـ‬
‫َابـ ل َ‬
‫َنـ اْلعَالَمِيَ (‪ُ )97‬ق ْل يَا َأ ْهلَ اْلكِت ِ‬
‫وَمَن َك َفرَ َفإِنّ ال غَنِيّ ع ِ‬
‫ُونـ (‪ُ )98‬قلْ يَا َأ ْهلَ‬
‫ّهـ َشهِيدٌ عَلَى مَا َتعْمَل َ‬
‫ّهـ وَالل ُ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ُونـ بِآي ِ‬
‫تَ ْك ُفر َ‬
‫صدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَ َن تَ ْبغُوَنهَا ِعوَجا َوأَنتُ ْم ُشهَدَاء‬
‫ب لِمَ تَ ُ‬
‫الْكِتَا ِ‬
‫وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ (‪ )99‬يَا َأّيهَا اّلذِي نَ آمَُنوَْا إِن تُطِيعُوْا َفرِيقا‬
‫ب َيرُدّوكُم َبعْ َد إِيَانِكُ مْ كَا ِفرِي نَ (‪ )100‬وَكَيْ فَ‬
‫مّ َن الّذِي َن أُوتُوْا الْكِتَا َ‬
‫تَ ْك ُفرُو َن وَأَنتُ ْم تُتْلَى عَلَ ْيكُ مْ آيَا تُ اللّ ِه َوفِيكُ مْ رَ سُوُلهُ َومَن َيعْتَ صِم بِاللّ هِ‬
‫ط مّ سَْتقِيمٍ (‪ )101‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا اتّقُواْ اللّ هَ‬
‫صرَا ٍ‬
‫ي إِلَى ِ‬
‫َفقَ ْد ُهدِ َ‬
‫حَقّ ُتقَاتِ هِ َو َل تَمُوُتنّ إِل َوأَنتُم مّ سْلِمُونَ (‪ )102‬وَاعْتَ صِمُوْا بِحَ ْبلِ اللّ هِ‬
‫ف بَيْنَ‬
‫ت اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم ِإذْ كُنتُ ْم أَ ْعدَاء َفَألّ َ‬
‫جَمِيعا َولَ َت َف ّرقُواْ وَاذْ ُكرُوْا نِعْ َم َ‬
‫ّنـ النّارِ‬
‫ُمـ عَ َلىَ شَف َا حُ ْف َرةٍ م َ‬
‫ِهـ ِإخْوَانا وَكُنت ْ‬
‫َصـبَحْتُم بِِنعْمَت ِ‬
‫ُمـ فَأ ْ‬
‫قُلُوِبك ْ‬
‫َفأَن َقذَكُم مّنْهَا َك َذلِ كَ يُبَيّ ُن اللّ هُ َلكُ مْ آيَاتِ هِ َلعَ ّلكُ ْم َتهَْتدُو نَ (‪)103‬‬
‫‪399‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وَلْتَكُن مّنكُ مْ ُأ ّمةٌ َيدْعُو َن ِإلَى الْخَ ْيرِ وََي ْأمُرُو َن بِالْ َم ْعرُو فِ َويَ ْن َهوْ نَ عَ نِ‬
‫الْمُن َك ِر َوأُ ْولَــِئكَ هُمُـ الْ ُمفْلِحُونَـ (‪َ )104‬ولَ َتكُونُواْ كَاّلذِينَـَت َف ّرقُواْ‬
‫ك َلهُ مْ َعذَا بٌ َعظِي مٌ (‬
‫وَاخْتَ َلفُوْا مِن َب ْعدِ مَا جَاءهُ مُ الْبَيّنَا تُ َوُأوْلَ ـِئ َ‬
‫ت وُجُو ُههُ مْ‬
‫‪ )105‬يَوْ َم تَبْيَضّ ُوجُو هٌ َوتَ سْ َو ّد وُجُو هٌ َفَأمّ ا اّلذِي نَ ا ْس َودّ ْ‬
‫أَ ْكفَرْتُم َبعْ َد إِيَانِكُ ْم َفذُوقُوْا الْ َعذَا بَ بِمَا كُنْتُ ْم َت ْكفُرُو نَ (‪َ )106‬وَأمّ ا‬
‫ت ُوجُو ُههُ ْم َففِي َرحْ َمةِ اللّ ِه هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪ )107‬تِلْكَ‬
‫الّذِينَ ابْيَضّ ْ‬
‫ك بِالْحَقّ وَمَا اللّ هُ ُيرِيدُ ظُلْما لّ ْلعَالَمِيَ (‪)108‬‬
‫ت اللّ هِ نَتْلُوهَا عَلَيْ َ‬
‫آيَا ُ‬
‫ض َوإِلَى اللّ هِ ُت ْرجَ ُع الُمُورُ (‪)109‬‬
‫وَلِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ‬
‫﴾‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪400‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬لَن تَنَالُواْ الِْبرّ حَتّى تُنفِقُوْا مِمّا تُحِبّو َن َومَا تُنفِقُواْ‬
‫مِن َشيْ ٍء َفإِنّ ال ّلهَ بِهِ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )92‬‬
‫ـن ميمون ‪ :‬البِرّ ‪ :‬النـ‬
‫ـة ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬يقول ‪ ﴿ :‬لَن‬ ‫قال عمرو بـ‬
‫َتنَالُواْ ﴾ ‪ ،‬ب ّر ربكـم ‪َ ﴿ ،‬حتّىـ تُن ِفقُواْ ﴾ ماـ يعجبكـم وماـ توون مـن‬
‫أموالكم ‪َ ﴿ .‬ومَا تُن ِفقُوْا مِن َشيْءٍ فَِإنّ اللّ َه بِ ِه عَلِيمٌ ﴾ يقول ‪ :‬مفوظ لكم‬
‫ذلك ‪ .‬وعن أنس بن مالك قال ‪ ( :‬لا نزلت هذه الية ‪ ﴿ :‬لَن َتنَالُوْا اْلبِرّ‬
‫حبّو نَ ﴾ ‪ ،‬قال أبو طلحة ‪ :‬يا رسول ال إن ال يسألنا‬ ‫َحتّى تُن ِفقُواْ مِمّا تُ ِ‬
‫من أموالنا ‪ ،‬أشهد أن قد جعلت أرضي بيحا ل ‪ .‬فقال رسول ال ‪:‬‬
‫« اجعلها ف قرابتك » ‪ .‬فجعلها بي حسان بن ثابت ‪ ،‬وأبّ بن كعب ‪.‬‬
‫رواه ا بن جر ير وغيه ‪ .‬و ف روا ية ال صحيحي ‪ ( :‬إن ال يقول ‪ ﴿ :‬لَن‬
‫حبّو نَ ﴾ وإن أحب أموال إلّ بيحا ‪ ،‬وإن ا‬ ‫َتنَالُواْ الْبِرّ َحتّى تُنفِقُواْ مِمّا تُ ِ‬
‫صدقة ل أرجوا برها وذخرها عند ال تعال ) ‪ .‬الديث ‪.‬‬
‫ل لّبَنِي ِإ ْسرَائِيلَ إِل مَا َحرّمَ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ك ّل ال ّطعَامِ كَا َن حِـ ّ‬
‫إِ ْسرَائِيلُ عَلَى َنفْ سِ ِه مِن قَ ْبلِ أَن تَُن ّزلَ الّتوْرَاةُ ُق ْل َفأْتُواْ بِالتّوْرَا ِة فَاتْلُوهَا‬
‫ب مِن بَ ْع ِد َذلِ كَ‬
‫إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪ )93‬فَمَ ِن افَْترَىَ عَلَى اللّ ِه الْ َكذِ َ‬
‫ق اللّ ُه فَاتّبِعُواْ مِ ّل َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا‬
‫صدَ َ‬
‫َفأُ ْولَـِئكَ هُمُ الظّالِمُونَ (‪ُ )94‬قلْ َ‬
‫شرِكِيَ (‪. ﴾ )95‬‬
‫وَمَا كَا َن ِمنَ الْ ُم ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬كُلّ ال ّطعَا مِ كَا نَ حِ ـلّ ّلبَنِي إِ سْرَائِيلَ‬
‫إِل مَا حَرّ مَ إِ سْرَائِي ُل عَلَى َنفْ سِهِ مِن َقبْلِ أَن ُتنَزّ َل التّوْرَاةُ ﴾ ‪ ،‬سبب نزول‬
‫هذه اليـة ( أن اليهود قالوا لرسـول ال ‪ :‬إنـك تزعـم أنـك على ملة‬
‫‪401‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إبراهيـم ‪ ،‬وكان إبراهيـم ل يأكـل لوم البـل وألباناـ ‪ ،‬وأنـت تأكلهـا‬


‫فلست على ملته ‪ .‬فقال رسول ال ‪ « :‬كان ذلك حللً لِبراهيم عليه‬
‫السـلم » ‪ .‬فقالوا ‪ :‬كـل مـا نرمـه اليوم كان ذلك حرام ًا على نوح‬
‫وإبراه يم ح ت انت هى إلي نا ) ‪ .‬فأنزل ال تعال هذه ال ية ‪ ﴿ :‬كُلّ ال ّطعَا مِ‬
‫كَا نَ حِ ـلّ ّلبَنِي إِ سْرَائِيلَ ﴾ ير يد سوى ‪ :‬الي تة ‪ ،‬والدم ‪ ،‬فإ نه ل ي كن‬
‫حللً قط ‪ ﴿ .‬إِل مَا َحرّ مَ إِ سْرَائِي ُل عَلَى َنفْ سِهِ ﴾ و هو ‪ :‬يعقوب عل يه‬
‫السلم ‪ ﴿ .‬مِن َقبْلِ أَن تُنَزّ َل الّتوْرَاةُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ليس المر على ما قالوا‬
‫من حرمة لوم الِبل وألبانا على إبراهيم ‪ ،‬بل كان الكل حللً له ولبن‬
‫ـ إسـرائيل على نفسـه قبـل نزول التوراة ‪ ،‬يعنـ ‪:‬‬ ‫إسـرائيل ‪ ،‬وإناـ حرمه ا‬
‫ليست ف التوراة حرمتها ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال ابـن عباس فـ ‪ ﴿ :‬إِل مَا حَرّمَـإِس ْـرَائِي ُل عَلَى َنفْسِـهِ ﴾ قال ‪:‬‬
‫حرم العروق ‪ ،‬ولوم الِبل ‪ .‬قال ‪ :‬كان به عرق النساء فأكل من لومها‬
‫فبات بليلة يزفوا ‪ -‬يعن ‪ :‬يصيح ‪ -‬فحلف أن ل يأكله أبدًا ‪.‬‬
‫ب مِن َبعْدِ ذَلِ كَ َفُأوْلَـئِكَ‬ ‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬فَ َم ِن ا ْفتَرَ َ‬
‫ى عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ َ‬
‫هُ مُ الظّالِمُو نَ ﴾ نزلت ف اليهود ‪ ،‬وهي عامة ف كل من كذب على ال‬
‫ص َدقَ اللّ هُ فَاتِّبعُواْ مِّلةَ ِإبْرَاهِي مَ َحنِيفا وَمَا كَا نَ مِ نَ‬
‫‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ َ‬
‫الْمُشْرِكِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اتبعوا ملة إبراه يم ال ت شرع ها ال ف القرآن على‬
‫لسان ممد ‪ ،‬وهي عبادة ال وحده ل شريك له ‪.‬‬
‫ّاسـ لَلّذِي بَِبكّ َة مُبَارَكا‬
‫ِعـ لِلن ِ‬
‫ْتـ وُض َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِن ّ َأوّ َل بَي ٍ‬
‫وَ ُهدًى لّلْعَالَمِيَ (‪ )96‬فِيهِ آيَاتٌ بَيّـنَاتٌ ّمقَا ُم ِإبْرَاهِي َم َومَن َدخَلَهُ كَانَ‬
‫الزء الول‬ ‫‪402‬‬

‫ل َومَن َك َفرَ َفإِنّ‬


‫ع ِإلَيْ هِ سَبِي ً‬
‫ت مَ نِ ا سْتَطَا َ‬
‫س حِجّ الْبَيْ ِ‬
‫آمِنا وَلِلّ هِ عَلَى النّا ِ‬
‫ال غَِنيّ َع ِن اْلعَالَمِيَ (‪. ﴾ )97‬‬
‫قال السن ف قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ َأوّ َل َبيْتٍ وُ ِ‬
‫ضعَ لِلنّاسِ لَلّذِي ِببَ ّك َة ُمبَارَكا‬
‫َوهُدًى لّ ْلعَالَمِيَ ﴾ قال ‪ :‬هو أول مسجد عُبد ال فيه ف الرض ‪ .‬وقال‬
‫قتادة ‪ :‬هو أول بيت وضعه ال عز وجل فطاف به آدم ومن بعده ‪ .‬و عن‬
‫أ ب ذر ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا ر سول ال ‪ :‬أي ‪ :‬م سجد و ضع‬
‫أول ؟ قال ‪ « :‬السـجد الرام » ‪ .‬قلت ‪ :‬ثـ أي ؟ قال ‪ « :‬السـجد‬
‫القصـى » ‪ .‬قلت ‪ :‬كـم بينهمـا ؟ قال ‪ « :‬أربعون سـنة » ‪ .‬قلت ‪ :‬ثـ‬
‫أي ؟ قال ‪ « :‬ث حيث أدركتك الصلة فصلّ ‪ ،‬فكلها مسجد » ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫قال ابن حجر ف شرح البخاري ‪ ( :‬وهذا الديث يفسر الراد بقوله‬
‫ض عَ لِلنّا سِ لَلّذِي ِببَ ّكةَ ﴾ ‪ ،‬ويدل على أن الراد‬
‫تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ َأوّلَ َبيْ تٍ وُ ِ‬
‫بالب يت ب يت العبادة ل مطلق البيوت ‪ ،‬و قد ورد ذلك صريًا عن عل يّ ‪،‬‬
‫أخرجه إسحاق بن راهويه ‪ ،‬وابن أب حات ‪ ،‬وغيها بإسناد صحيح عنه‬
‫قال ‪ :‬كانت البيوت قبله ‪ ،‬ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة ال ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪ :‬ويؤ يد قول من قال ‪ :‬إن آدم هو الذي أ سس كلً من‬
‫السجدين ما ذكر ابن هشام ف كتاب ( التيجان ) ‪ :‬أن آدم لا بن الكعبة‬
‫أمره ال بال سي إل ب يت القدس وأن يبن يه فبناه ‪ ،‬ون سك ف يه ‪ .‬وبناء آدم‬
‫للبيت مشهور ‪ .‬وقد تقدم قريبًا حديث عبد ال بن عمرو ‪ :‬أن البيت رفع‬
‫زمن الطوفان حت بوأه ال لِبراهيم ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪403‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬بَبكّةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م كة ‪ .‬ق يل ‪ :‬سيت م كة لقلة مائ ها ‪،‬‬
‫وبكـة ‪ :‬لزدحام الناس فيهـا ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬بكـة ‪ :‬بـك الناس بعضهـم‬
‫بعضًا ‪ ،‬الرجال والن ساء ي صلي بعض هم ب ي يدي ب عض ‪ ،‬ل ي صلح ذلك‬
‫إل بكة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فِي هِ آيَا ٌ‬
‫ت َبيّ ـنَاتٌ ّمقَا مُ ِإبْرَاهِي َم وَمَن َدخَلَ هُ كَا نَ‬
‫آمِنا ﴾ ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ ا َجعَلْنَا حَرَما آمِنا َوُيتَخَطّ ُ‬
‫ف‬
‫س مِ نْ َحوِْلهِ مْ ﴾ ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ومَن دَ َخلَ هُ كَا نَ آمِنا ﴾ ‪،‬‬ ‫النّا ُ‬
‫وهذا كان ف الاهلية ‪ ،‬كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ث لأ‬
‫إل حرم ال ل يتناول ول يطلب ‪ .‬فأمـا فـ السـلم ‪ :‬فإنـه ل ينـع مـن‬
‫حدود ال ‪ ،‬ومن سرق فيه قطع ‪ ،‬ومن زن فيه أقيم عليه الد ‪ ،‬ومن قتل‬
‫فيه قتل ‪ .‬وقال ماهد ف الرجل يقتل ث يدخل الرم قال ‪ :‬يؤخذ فيخرج‬
‫من الرم ‪ ،‬ث يقام عليه الد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه عَلَى النّاسِ ِحجّ اْلبَْيتِ مَ ِن ا ْستَطَاعَ إَِليْهِ َسبِيلً ﴾‬
‫‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬والسـبيل أن يصـح بدن العبـد ‪ ،‬ويكون له ثنـ ‪ :‬زاد‬
‫وراحلة من غ ي أن ي حف به ‪ .‬وقال ا بن الزب ي ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه عَلَى‬
‫النّاسِ ِح ّج الَْبْيتِ مَ ِن ا ْستَطَاعَ إِلَيْ ِه َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬على قدرة القوة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن َكفَرَ فَإِنّ ال غَنِيّ عَ ِن اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫ج حد وجوب ال ج ف قد ك فر ‪ .‬قال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن َكفَرَ‬
‫﴾ من زعم أنه ليس بفرض عليه ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪404‬‬

‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل يَا َأ ْهلَ اْلكِتَابِ لِ َم َتكْ ُفرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ‬
‫صدّونَ عَن سَبِيلِ‬
‫شَهِيدٌ عَلَى مَا َتعْمَلُو نَ (‪ُ )98‬ق ْل يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ لِ مَ تَ ُ‬
‫اللّ هِ مَ نْ آمَ َن تَ ْبغُوَنهَا ِعوَجا وَأَنتُ ْم ُشهَدَاء َومَا اللّ هُ ِبغَا ِفلٍ عَمّا تَعْمَلُو نَ (‬
‫‪. ﴾ )99‬‬
‫ّهـ‬
‫سـِيلِ الل ِ‬
‫َصـدّونَ عَن َب‬
‫ِمـ ت ُ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬قُ ْل يَا َأهْ َل اْلكِت ِ‬
‫َابـ ل َ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬ل ت صدون عن ال سلم و عن نب ال ‪ :‬من آ من بال ؟ وأن تم‬
‫شهداء فيمـا تقرءون مـن كتاب ال أن ممدًا رسـول ال ‪ ،‬وأن السـلم‬
‫دين ال الذي ل يقبل غيه ‪ ،‬ول يزي إل به ‪ ،‬يدونه مكتوبًا عندهم ف‬
‫التوراة والنيل ؟‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَُن َواْ إِن تُطِيعُواْ َفرِيقا مّ نَ اّلذِي نَ‬
‫ف َتكْ ُفرُو نَ‬
‫أُوتُوْا الْكِتَا بَ َي ُردّوكُم َبعْ َد إِيَانِكُ مْ كَا ِفرِي نَ (‪ )100‬وَكَيْ َ‬
‫وَأَنتُ ْم تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ آيَاتُ اللّهِ َوفِيكُمْ رَسُوُلهُ َومَن َيعْتَصِم بِاللّهِ َف َقدْ ُهدِيَ‬
‫صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ (‪. ﴾ )101‬‬
‫ِإلَى ِ‬
‫قال ما هد ‪ :‬كان جِما ُ‬
‫ع قبائل الن صار بطن ي ‪ :‬الوس ‪ ،‬والزرج ‪،‬‬
‫وكان بينه ما ف الاهل ية حر بٌ ‪ ،‬ودماء ‪ ،‬وشنَآ نٌ ‪ .‬ح ت مَنّ ال علي هم‬
‫بال سلم وبال نب ‪ ،‬فأط فأ ال الرب ال ت كا نت بين هم ‪ ،‬وألفّ بين هم‬
‫بالسـلم ‪ .‬قال ‪ :‬فبينـا رجـل مـن الوس ورج ٌل مـن الزرج قاعدان‬
‫يتحدّثان ‪ ،‬ومعه ما يهود يّ جال سٌ ‪ ،‬ول يزل يذكّره ا أيامه ما والعداوةَ‬
‫ال ت كا نت بين هم ‪ ،‬ح ت ا سَتبّا ث اقتتل ‪ .‬قال ‪ :‬فنادى هذا قو مه ‪ ،‬وهذا‬
‫قو مه ‪ ،‬فخرجوا بال سلح ‪ ،‬و صفّ بعض هم لب عض ‪ .‬قال ‪ :‬ر سولُ ال‬
‫‪405‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شاهدٌ يومئ ٍذ بالدينـة ‪ ،‬فجاء رسـول ال ‪ ،‬فلم يزل يشـي بينهـم إل‬
‫هؤلء وإل هؤلء ليسـكنهم ‪ ،‬حتـ رجعوا ووضعوا السـلح ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫عز و جل القرآن ف ذلك ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمُنوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقا مّ نَ‬
‫الّذِينَ أُوتُواْ اْل ِكتَابَ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َكيْ َ‬
‫ف َت ْكفُرُو َن َوأَنتُ مْ ُتتْلَى عََلْيكُ ْم آيَا تُ اللّ ِه وَفِيكُ مْ‬
‫َانـ نـب ال ‪ ،‬وكتاب ال ‪،‬‬
‫رَسـُولُهُ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬علمان بيّنان وُ ْجد ُ‬
‫فأ ما نب ال فم ضى ‪ ،‬وأ ما كتاب ال فأبقاه ال ب ي أظهر كم ‪ ،‬رح ة‬
‫من ال ونعمه ‪ ،‬فيه حلله وحرامه وطاعته ومعصيته ‪.‬‬
‫سَتقِيمٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يَ ْعتَصِم بِاللّهِ َفقَ ْد هُدِيَ إِلَى صِرَا ٍ‬
‫ط مّ ْ‬
‫أي ‪ :‬واضح ‪ ،‬وسيمنعه من كل سوء ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ اّتقُوْا اللّ َه حَقّ ُتقَاتِ ِه وَلَ‬
‫ّهـ جَمِيعا وَلَ‬
‫َصـمُواْ بِحَ ْب ِل الل ِ‬
‫ّسـلِمُونَ (‪ )102‬وَاعْت ِ‬
‫تَمُوتُنّ إِل َوأَنتُم م ْ‬
‫ف بَيْ نَ قُلُوبِكُ مْ‬
‫ت اللّ هِ عَلَ ْيكُ ْم ِإذْ كُنتُ ْم أَ ْعدَاء َفَألّ َ‬
‫َتفَ ّرقُوْا وَاذْ ُكرُواْ ِنعْمَ َ‬
‫َفأَ صْبَحْتُم بِِنعْمَتِ هِ ِإ ْخوَانا وَكُنتُ مْ عَ َل َى َشفَا حُ ْف َر ٍة مّ نَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مّ ْنهَا‬
‫ك يُبَّينُ ال ّل ُه لَ ُكمْ آيَاِت ِه َلعَلّ ُكمْ َتهَْتدُونَ (‪. ﴾ )103‬‬
‫َك َذلِ َ‬
‫ـ ﴾ ‪ :‬أن يطاع فل‬ ‫قال ابـن مسـعود ‪ ﴿ :‬اّتقُواْ اللّه َ‬
‫ـ حَقّـ ُتقَاتِه ِ‬
‫يعصى ‪ ،‬ويذكر فل ينسى ‪ ،‬ويشكر فل يكفر ‪ ﴿ .‬وَ َل تَمُوتُنّ إِل َوأَنتُم‬
‫مّسْلِمُونَ ﴾ ‪ .‬قال طاوس ‪ :‬على الِسلم ‪ ،‬وعلى حرمة الِسلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَا ْعتَ صِمُوْا بِ َ‬
‫حبْلِ اللّ هِ َجمِيعا وَ َل َتفَرّقُواْ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬
‫ّهـ جَمِيعا ﴾ قال ‪ :‬الماعـة ‪.‬‬
‫حبْلِ الل ِ‬
‫َصـمُواْ بِ َ‬
‫مسـعود فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَا ْعت ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪406‬‬

‫وقال قتادة ‪ :‬حبل ال التي ‪ .‬أمر أن يعتصم به ‪ ،‬هذا القرآن ‪ .‬وقال أبو‬
‫العاليـة ‪ :‬يقول ‪ :‬اعتصـموا بالِخلص ل وحده ‪ .‬وعـن أنـس بـن مالك‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن بن إسرائيل افترقت على إحدى وسبعي‬
‫فر قة ‪ ،‬وإن أم ت ستفترق على اثن ي و سبعي فر قة ‪ ،‬كل هم ف النار إل‬
‫واحدة » ‪ ،‬قال ‪ :‬فق يل ‪ :‬يا ر سول ال و ما هذه الواحدة ؟ قال ‪ :‬فق بض‬
‫حبْلِ اللّ هِ جَمِيعا وَ َل َتفَرّقُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫يده وقال ‪ « :‬الماعة » ﴿ وَا ْعتَ صِمُوْا بِ َ‬
‫رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاذْكُرُواْ ِنعْمَ تَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ ِإذْ كُنتُ مْ َأعْدَاء َفأَلّ فَ َبيْ نَ‬
‫حتُم بِِنعْ َمتِ هِ إِ ْخوَانا ﴾ ‪ .‬قال ال سدي ‪ :‬أ ما إذ كن تم أعداء‬
‫قُلُوِبكُ مْ َفأَ صْبَ ْ‬
‫ف في حرب ‪ ،‬فألف ب ي قلوب كم بال سلم ‪ .‬و ف الد يث ال صحيح عن‬
‫ـدوا ول تناجشوا ول تباغضوا ‪ ،‬وكونوا عباد ال‬ ‫ـب ‪ « :‬ل تاسـ‬ ‫النـ‬
‫إخوان ًا » ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ذكـر لنـا أن رجلً قال لبـن مسـعود ‪ :‬كيـف‬
‫أصبحتم ؟ قال ‪ :‬أصبحنا بنعمة ال إخوانًا ‪.‬‬
‫ّنـ النّارِ َفأَنقَذَك ُم ّمنْه َا‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكُنت ْ‬
‫ُمـ عََلىَ شَف َا ُحفْ َر ٍة م َ‬
‫ك ُيبَيّنُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُ ْم َتهْتَدُونَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬كان هذا الي‬
‫كَذَلِ َ‬
‫ـه ضللة ‪ ،‬وأعراه‬‫ـن العرب أذل الناس ذلً ‪ ،‬وأشقاه عيشًـا ‪ ،‬وأبينـ‬ ‫مـ‬
‫جلودًا ‪ ،‬وأجوعه بطونًا ‪ ،‬معكومي على رأس حجر بي السدين ‪ :‬فارس‬
‫والروم ‪ ،‬ل وال ما ف بلدهم يومئذٍ من شيء يسدون عليه ‪ ،‬من عاش‬
‫منهم عاش شقيًا ‪ ،‬ومن مات يردى ف النار ‪ ،‬يؤكلون ول يأكلون ‪ ،‬وال‬
‫ل نعلم قبيلً يومئذٍ من حاضر الرض كانوا فيه أصغر حظًا ‪ ،‬وأدق فيها‬
‫شأنًا من هم ‪ ،‬ح ت جاء ال عز و جل بالِ سلم ‪ ،‬فورث كم به الكتاب ‪،‬‬
‫‪407‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وأحل لكم به دار الهاد ‪ ،‬ووضع لكم به من الرزق ‪ ،‬وجعلكم به ملوكًا‬


‫على رقاب الناس ‪ ،‬وبالِسلم أعطى ال ما رأيتم ‪ ،‬فاشكروا نعمه ‪ ،‬فإن‬
‫ربكم منعم يب الشاكرين ‪ ،‬وإن أهل الشكر ف مزيد ال ‪ ،‬فتعال ربنا‬
‫وتبارك ‪.‬‬
‫ّنـ النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬على‬ ‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَكُنتُم ْ‬
‫ـ عََلىَ شَفَـا ُحفْ َر ٍة م َ‬
‫طرف حفرة مثل شفا البئر ‪ ،‬معناه ‪ :‬وكن تم على طرف حفرة من النار ‪،‬‬
‫ل يس بين كم وب ي الوقوع في ها إل [ أن ] توتوا على كفر كم ‪ ،‬فأنقذ كم‬
‫ال منها بالِيان ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولْتَكُن مّنكُ ْم ُأمّ ٌة َيدْعُو َن ِإلَى الْخَ ْيرِ َوَي ْأمُرُو نَ‬
‫ك هُ مُ الْ ُمفْلِحُو نَ (‪َ )104‬ولَ‬
‫ف َويَنْ َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَ ِر َوأُ ْولَ ـئِ َ‬
‫بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫تَكُونُواْ كَاّلذِي َن تَ َف ّرقُوْا وَاخْتَ َلفُوْا مِن َبعْ ِد مَا جَاءهُ مُ الْبَيّنَا تُ َوُأوْلَـِئكَ‬
‫َلهُ مْ َعذَا بٌ َعظِي مٌ (‪ )105‬يَوْ َم تَبْيَضّ ُوجُو هٌ َوتَ سْ َو ّد وُجُو هٌ َفَأمّا اّلذِي نَ‬
‫ُمـ‬
‫َابـ بِم َا كُنْت ْ‬
‫ُمـ َفذُوقُوْا الْ َعذ َ‬
‫ُمـ أَ ْكفَرْت ُم َبعْ َد إِيَاِنك ْ‬
‫اسـَو ّدتْ ُوجُو ُهه ْ‬
‫ْ‬
‫ت وُجُو ُههُ مْ َففِي َرحْ َمةِ اللّ هِ هُ ْم فِيهَا‬
‫تَ ْك ُفرُو نَ (‪ )106‬وََأمّا اّلذِي َن ابْيَضّ ْ‬
‫خَاِلدُو نَ (‪ )107‬تِلْ كَ آيَا تُ اللّ هِ نَتْلُوهَا عَلَيْ كَ بِالْحَقّ وَمَا اللّ ُه ُيرِيدُ‬
‫ت َومَا فِي الَرْضِ وَِإلَى اللّهِ‬
‫ظُلْما لّ ْلعَالَمِيَ (‪َ )108‬ولِلّ ِه مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫ُترْجَ ُع الُمُورُ (‪. ﴾ )109‬‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَْلتَكُن مّنكُمْ ُأ ّم ٌة يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ‬
‫خيْرِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الِسلم‬
‫ف َوَيْنهَوْ َن عَ نِ الْمُنكَرِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يأمرون بطاعة ال‬
‫﴿ َوَيأْمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫وينهون عن العاصي ‪َ ﴿ .‬وُأوْلَـئِكَ هُ ُم الْ ُمفِْلحُو نَ ﴾ ‪ .‬وقال أبو جعفر‬
‫الزء الول‬ ‫‪408‬‬

‫خْيرِ ﴾ ‪،‬‬
‫الباقر ‪ :‬قرأ رسول ال ‪ ﴿ :‬وَْلتَكُن مّنكُ مْ ُأ ّم ٌة يَ ْدعُو نَ إِلَى الْ َ‬
‫ث قال ‪ « :‬الي إتباع القرآن وسنت » ‪ .‬رواه ابن مردويه ‪ .‬وف صحيح‬
‫م سلم عن أ ب هريرة قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬من رأى منكرًا فليغيه‬
‫بيده ‪ ،‬فإن ل يسـتطع فبلسـانه ‪ ،‬فإن ل يسـتطع فبقلبـه ‪ ،‬وذلك أضعـف‬
‫الِيان » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َتكُونُواْ كَالّذِين َ‬
‫ـ َتفَرّقُوْا وَا ْختََلفُواْ مِـن َبعْدِ مَـا‬
‫ت َوُأوْلَـئِكَ َلهُ ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬أمر ال‬
‫جَاءهُ ُم الَْبّينَا ُ‬
‫جل ثناؤه الؤمن ي بالماعة ‪ ،‬فنها هم عن الختلف والفر قة ‪ ،‬وأخبهم‬
‫أنا هلك من كان قبلهم بالراء والصومات ف دين ال ‪.‬‬
‫ُوهـ ﴾ قال ابـن عباس ‪:‬‬
‫َسـوَ ّد وُج ٌ‬
‫ُوهـ َوت ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يو َ‬
‫ْمـ َتبْيَضّ وُج ٌ‬
‫( تبيض وجوه أهل السنة ‪ ،‬وتسود وجوه أهل البدعة ) ‪َ ﴿ .‬فَأمّا الّذِي َن‬
‫ت وُجُو ُههُ مْ أَ ْكفَرْتُم َبعْدَ إِيَاِنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ال سن ‪ :‬هم النافقون‬ ‫ا ْسوَدّ ْ‬
‫ب بِمَا ُكْنتُ ْم َتكْفُرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ ﴿ .‬فَذُوقُوْا اْلعَذَا َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وهذا الوصف يعم كل كافر ‪َ ﴿ .‬وَأمّا الّذِي نَ اْبَيضّ تْ‬
‫وُجُو ُههُ مْ فَفِي َرحْ َمةِ اللّ ِه هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ال نة ‪ ﴿ .‬تِلْ َ‬
‫ك‬
‫آيَا تُ اللّ ِه َنتْلُوهَا عََليْ كَ بِالْحَقّ َومَا اللّ ُه يُرِيدُ ظُلْما لّ ْلعَالَ ِميَ ﴾ ‪ ،‬بل هو‬
‫الا كم العدل الذي ل يور ‪ ﴿ .‬وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ضِ‬
‫َوإِلَى اللّ ِه تُرْ َج ُع الُمُورُ ﴾ فيجزي كلً بعمله ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪409‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس والربعون‬

‫ت لِلنّا سِ َت ْأمُرُو َن بِالْ َم ْعرُو فِ َوتَ ْن َهوْ نَ عَ نِ‬


‫﴿ كُنتُ مْ خَ ْي َر ُأمّ ٍة ُأخْ ِرجَ ْ‬
‫الْمُن َك ِر َوتُ ْؤمِنُونَـبِاللّهِـ َولَوْ آمَنَـَأهْ ُل الْكِتَابِـ َلكَانَـ خَيْرا لّهُم مّ ْنهُمُـ‬
‫ـ إِل َأذًى َوإِن‬
‫ضرّوكُم ْ‬
‫ـقُونَ (‪ )110‬لَن يَ ُ‬
‫ـ اْلفَاس ِ‬
‫ـ َوأَكَْثرُهُم ُ‬
‫الْمُ ْؤمِنُون َ‬
‫ض ِربَ تْ عَلَ ْيهِ ُم ال ّذّلةُ‬
‫صرُونَ (‪ُ )111‬‬
‫ُيقَاتِلُوكُ مْ ُي َولّوكُ مُ ا َلدُبَا َر ثُمّ لَ يُن َ‬
‫ب مّ نَ اللّ هِ‬
‫َأيْ َن مَا ُث ِقفُوْا إِل بِحَ ْب ٍل مّ نْ اللّ هِ وَحَ ْبلٍ مّ َن النّا سِ َوبَآؤُوا ِبغَضَ ٍ‬
‫ّهـ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ُونـ بِآي ِ‬
‫ُمـ كَانُواْ يَ ْك ُفر َ‬
‫ِكـ ِبَأنّه ْ‬
‫َسـكََنةُ َذل َ‬
‫ِمـ الْم ْ‬
‫َتـ عَلَ ْيه ُ‬
‫ض ِرب ْ‬
‫وَ ُ‬
‫ُونـ (‪)112‬‬
‫ِكـ بِمَا عَصـَوا وّكَانُواْ َيعَْتد َ‬
‫ُونـ الَنبِيَا َء ِبغَيْ ِر حَقّ َذل َ‬
‫وََيقْتُل َ‬
‫ت اللّهِ آنَاء اللّ ْي ِل وَ ُهمْ‬
‫ب أُ ّم ٌة قَآئِ َم ٌة يَتْلُونَ آيَا ِ‬
‫لَ ْيسُوْا سَوَاء ّمنْ َأ ْهلِ اْلكِتَا ِ‬
‫ُوفـ‬
‫ُونـ بِالْ َمعْر ِ‬
‫ْمـ الخِ ِر َويَ ْأ ُمر َ‬
‫ّهـ وَالْيَو ِ‬
‫ُونـ بِالل ِ‬
‫جدُونَ (‪ )113‬يُ ْؤمِن َ‬
‫َسـ ُ‬
‫ي ْ‬
‫حيَ (‬
‫وَيَ ْن َهوْنَ َع ِن الْمُنكَ ِر َويُسَارِعُو َن فِي الْخَ ْيرَاتِ َوأُ ْولَـِئكَ ِم َن الصّالِ ِ‬
‫‪ )114‬وَمَا َيفْعَلُواْ مِ ْن خَيْ ٍر فَلَن يُ ْك َفرُوْ ُه وَاللّهُ عَلِي ٌم بِالْمُّتقِيَ (‪ )115‬إِنّ‬
‫ّهـ شَيْئا‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫ُمـ َولَ َأ ْولَدُه ُم م َ‬
‫ُمـ َأمْوَاُله ْ‬
‫ِيـ عَ ْنه ْ‬
‫ِينـ َك َفرُوْا لَن ُتغْن َ‬
‫الّذ َ‬
‫ك أَ صْحَابُ النّا ِر هُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ (‪ )116‬مََث ُل مَا يُن ِفقُو َن فِي‬
‫وَُأ ْولَـئِ َ‬
‫ث َقوْ مٍ ظَلَمُواْ‬
‫ت َحرْ َ‬
‫ص ّر أَ صَابَ ْ‬
‫ح فِيهَا ِ‬
‫هِ ـذِ ِه الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا َكمََثلِ رِي ٍ‬
‫س ُهمْ يَظْ ِلمُو نَ (‪ )117‬يَا‬
‫أَنفُ سَ ُهمْ فََأهْ َلكَتْ هُ َومَا ظَ َل َمهُ ُم اللّ هُ َولَـ ِك ْن أَنفُ َ‬
‫خذُواْ بِطَاَنةً مّن دُوِنكُ ْم لَ يَ ْألُوَنكُ ْم خَبَا ًل َودّواْ مَا‬
‫َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ لَ تَتّ ِ‬
‫صدُو ُر ُهمْ أَكَْب ُر َق ْد بَيّنّا‬
‫خفِي ُ‬
‫عَنِتّ ْم َقدْ َبدَ تِ الَْبغْضَاء مِ نْ َأ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ‬
‫ُمـ وَلَ‬
‫حبّوَنه ْ‬
‫ُمـ ُأوْلء تُ ِ‬
‫ُونـ (‪ )118‬هَاأَنت ْ‬
‫ُمـ َت ْعقِل َ‬
‫َاتـ إِن كُنت ْ‬
‫ُمـ الي ِ‬
‫لَك ُ‬
‫ُمـ قَالُواْ آمَنّاـ وَِإذَا خَ َل ْواْ‬
‫ّهـ وَِإذَا َلقُوك ْ‬
‫َابـ كُل ِ‬
‫ُونـ بِاْلكِت ِ‬
‫ُمـ َوتُ ْؤمِن َ‬
‫يُحِبّونَك ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪410‬‬

‫ظ ُقلْ مُوتُوْا ِبغَيْظِكُ ْم إِنّ اللّ هَ َعلِي ٌم ِبذَا تِ‬


‫عَضّواْ عَلَ ْيكُ مُ ا َلنَا ِم َل مِ َن الْغَيْ ِ‬
‫سسْ ُكمْ حَسََن ٌة َتسُ ْؤ ُهمْ َوإِن تُصِبْ ُك ْم سَيَّئةٌ َي ْفرَحُواْ‬
‫الصّدُورِ (‪ )119‬إِن تَ ْم َ‬
‫ضرّكُ مْ كَ ْي ُدهُ ْم شَيْئا إِنّ اللّ هَ بِمَا َيعْمَلُو نَ‬
‫بِهَا َوإِن تَ صِْبرُواْ َوتَّتقُوْا لَ يَ ُ‬
‫مُحِيطٌ (‪. ﴾ )120‬‬

‫***‬
‫‪411‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ـ‬
‫ـ تَ ْأ ُمرُون َ‬
‫ـ لِلنّاس ِ‬
‫ـ خَ ْيرَ ُأ ّمةٍ ُأ ْخرِجَت ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬كُنتُم ْ‬
‫ف َوتَنْ َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَ ِر َوتُ ْؤمِنُو َن بِاللّ هِ َوَلوْ آمَ َن أَ ْه ُل الْكِتَا بِ‬
‫بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫َاسـقُونَ (‪ )110‬لَن‬
‫ُمـ اْلف ِ‬
‫ُونـ َوأَكَْثرُه ُ‬
‫ُمـ الْ ُمؤْمِن َ‬
‫َانـ خَيْرا لّه ُم مّ ْنه ُ‬
‫لَك َ‬
‫صرُونَ (‪)111‬‬
‫ضرّوكُمْ إِل َأذًى َوإِن ُيقَاتِلُوكُمْ ُي َولّوكُ ُم الَ ُدبَارَ ثُمّ َل يُن َ‬
‫يَ ُ‬
‫﴾‪.‬‬
‫ّاسـ ﴾ يقول ‪:‬‬
‫َتـلِلن ِ‬ ‫قال ماهـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬كُنت ْ‬
‫ُمـ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرج ْ‬
‫على هذا الشرط ‪ :‬أن تأمروا بالعروف وتنهوا عن النكر وتؤمنوا بال ‪.‬‬
‫ـ‬
‫ـ َخيْرا لّهُـم ّمنْهُم ُ‬
‫ـ َلكَان َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ آمَن َ‬
‫ـ َأهْلُ اْل ِكتَاب ِ‬
‫الْ ُم ْؤمِنُونَ َوأَ ْكثَ ُرهُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ذم ال أكثر الناس ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لَن َيضُرّوكُ مْ إِل أَذًى َوإِن يُقَاتِلُوكُ ْم ُيوَلّوكُ ُم الَ ُدبَارَ‬
‫ثُمّ َل يُن صَرُونَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬لَن َيضُرّوكُ مْ إِل أَذًى ﴾ قال ‪:‬‬
‫أذى تسمعونه منهم ‪.‬‬
‫ض ِربَ تْ عَلَ ْيهِ مُ ال ّذلّ ُة َأيْ َن مَا ُث ِقفُوْا إِل بِحَ ْب ٍل مّ نْ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬‬
‫ض ِربَ تْ عَلَ ْيهِ مُ الْمَ سْكََنةُ‬
‫ب مّ َن اللّ ِه وَ ُ‬
‫س َوبَآؤُوا ِبغَضَ ٍ‬
‫اللّ هِ َوحَ ْبلٍ مّ نَ النّا ِ‬
‫ت اللّ هِ َوَيقْتُلُو نَ الَنبِيَا َء ِبغَ ْيرِ َحقّ َذلِ كَ‬
‫َذلِ كَ ِبَأنّهُ مْ كَانُوْا َيكْ ُفرُو َن بِآيَا ِ‬
‫بِمَا عَصَوا وّكَانُوْا يَعَْتدُونَ ( ‪. ﴾ )112‬‬
‫حبْلٍ‬ ‫قال ال سن ف قوله ‪ُ ﴿ :‬‬
‫ض ِربَ تْ عََلْيهِ مُ الذّّلةُ َأيْ َن مَا ُث ِقفُواْ إِل بِ َ‬
‫ِمـ‬
‫َتـ عََلْيه ُ‬
‫ّهـ وَضُ ِرب ْ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫َبـ م َ‬
‫ّاسـ َوبَآؤُوا ِب َغض ٍ‬
‫ّنـ الن ِ‬
‫ّهـ وَ َحبْ ٍل م َ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫م ْ‬
‫سكََنةُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أدركتهم هذه المة ‪ ،‬وأن الجوس لتجبيهم الزية ‪.‬‬ ‫الْمَ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪412‬‬

‫وقوله ‪ ﴿ :‬إِل بِ َ‬
‫حبْ ٍل مّ نْ اللّ ِه وَ َحبْ ٍل مّ َن النّا سِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬إل بع هد‬
‫من ال وعهد من الناس ‪.‬‬
‫حبْ ٍل مّ نْ اللّهِ‬ ‫قال ابن كثي ‪ُ ﴿ :‬‬
‫ض ِربَتْ عََلْيهِ مُ الذّّلةُ َأيْ َن مَا ُث ِقفُواْ إِل بِ َ‬
‫ّاسـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ألزمهـم ال الذلة والصـغار أينمـا كانوا فل‬ ‫ّنـ الن ِ‬
‫وَ َحبْ ٍل م َ‬
‫حبْ ٍل مّنْ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بذمة من ال ‪ .‬وهو ‪ :‬عقد الذمة‬ ‫يأمنون ‪ ﴿ ،‬إِل بِ َ‬
‫لم ‪ ،‬وضرب الزية عليهم وإلزامهم أحكام اللة ‪ ﴿ .‬وَ َحبْ ٍل مّ َن النّا سِ ﴾‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬أمان منهم لم كما ف الهادن والعاهد والسي إذا أمنه واحد من‬
‫السلمي ‪ ،‬ولو امرأة ‪.‬‬
‫س َكنَةُ‬
‫ت عََلْيهِ ُم الْمَ ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وبَآؤُوا ِب َغضَ بٍ مّ نَ اللّ ِه وَ ُ‬
‫ض ِربَ ْ‬
‫ك بَِأّنهُمْ كَانُواْ َي ْكفُرُو َن بِآيَاتِ اللّ ِه َوَي ْقتُلُو َن الَنِبيَاءَ ِب َغيْرِ حَقّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ذَلِ َ‬
‫إناـ حلهـم على ذلك الكـب والبغـي والسـد ‪ ،‬فعوقبوا بالذلة والصـغار‬
‫ك بِمَا عَ صَوا وّكَانُوْا َيعْتَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬اجتنبوا‬ ‫وال سكنة ‪ ﴿ .‬ذَلِ َ‬
‫العصية والعدوان ‪ ،‬فإن بما أهلك من أهلك من قبلكم من الناس ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬لَيْ سُواْ َسوَاء مّ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ ُأ ّمةٌ قَآئِ َمةٌ يَتْلُو نَ‬
‫جدُونَ (‪ )113‬يُ ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْ ِم الخِرِ‬
‫ت اللّهِ آنَاء اللّ ْي ِل وَهُ ْم يَسْ ُ‬
‫آيَا ِ‬
‫َاتـ‬
‫َنـ الْمُن َك ِر وَيُسـَارِعُو َن فِي الْخَ ْير ِ‬
‫ْنـ ع ِ‬
‫ُوفـ وَيَ ْن َهو َ‬
‫ُونـ بِالْ َم ْعر ِ‬
‫وََي ْأ ُمر َ‬
‫حيَ (‪ )114‬وَمَا َي ْفعَلُوْا مِ ْن خَيْ ٍر فَلَن يُ ْك َفرُوْهُ وَاللّهُ‬
‫وَُأ ْولَـِئكَ مِنَ الصّالِ ِ‬
‫عَلِي ٌم بِالْمُّت ِقيَ (‪. ﴾ )115‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬لا أسلم عبد ال بن سلم ‪ ،‬وثعلبة بن سعية ‪ ،‬وأسد بن‬
‫عب يد ‪ ،‬وأ سيد بن سعية ‪ ،‬و من أ سلم من يهود مع هم فآمنوا و صدقوا ‪،‬‬
‫ورغبوا ف السلم ‪ ،‬ومنحوا فيه ‪ ،‬قالت أحبار يهود ‪ ،‬أهل الكفر منهم ‪:‬‬
‫‪413‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ما آمن بحمد ول تبعه إل شرارنا ‪ ،‬ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين‬
‫آبائهم وذهبوا إل غي ‪ .‬فأنزل ال عز وجل ف ذلك من قولم ‪َ ﴿ :‬ليْسُواْ‬
‫ـ ﴾ إل قوله ‪:‬‬ ‫ـ اللّه ِ‬
‫ـ آيَات ِ‬
‫ـ ُأ ّمةٌ قَآئِ َم ٌة َيتْلُون َ‬
‫ـ َأهْ ِل الْ ِكتَاب ِ‬
‫ـوَاء مّن ْ‬
‫سَ‬
‫حيَ ﴾ ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪ُ ﴿ :‬أ ّمةٌ قَآئِ َمةٌ‬ ‫ِنـ الصـّالِ ِ‬
‫كم َ‬ ‫﴿ َوُأوْلَــئِ َ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬قائمة على كتاب ال وفرائضه وحدوده ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَتْلُو َن آيَاتِ اللّهِ آنَاء الّليْ ِل َوهُ ْم يَسْ ُ‬
‫جدُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يصـلون ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يتلون آيات ال آناء الليـل ‪ ،‬أي ‪ :‬سـاعات الليـل‬
‫ف َوَيْن َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَرِ‬
‫‪ُ ﴿ ،‬ي ْؤ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َوَي ْأمُرُو نَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫خيْرَاتِ َوأُوْلَـئِكَ مِ َن الصّالِحِيَ َومَا َيفْعَلُوْا مِ نْ َخيْرٍ فَلَن‬ ‫َويُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫يُ ْكفَ ُروْ هُ وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِالْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪َ ﴿ :‬ومَا َي ْفعَلُوْا مِ نْ َخيْرٍ‬
‫ْهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يضيـع عنـد ال بـل يزيهـم بـه أوفـر الزاء ‪،‬‬ ‫فَلَن ُي ْكفَ ُرو ُ‬
‫﴿ وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ي فى عل يه ع مل عا مل ‪ ،‬ول‬
‫يضيع لديه أجر من أحسن عملً ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َك َفرُوْا لَن ُتغْنِ يَ عَ ْنهُ ْم َأمْوَاُلهُ مْ َولَ‬
‫ك أَ صْحَابُ النّا ِر هُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ (‬
‫أَ ْو َلدُهُم مّ َن اللّ هِ شَيْئا وَُأ ْولَ ـئِ َ‬
‫صرّ‬
‫ح فِيهَا ِ‬
‫‪ )116‬مََثلُ مَا يُنفِقُو َن فِي هِ ـ ِذهِ الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َكمََثلِ رِي ٍ‬
‫أَ صَابَتْ َحرْ ثَ َقوْ مٍ َظلَمُواْ أَنفُ سَ ُهمْ فََأهْ َلكَتْ ُه وَمَا ظَ َل َمهُ مُ اللّ هُ َولَ ـ ِكنْ‬
‫سهُ ْم يَظْلِمُونَ (‪. ﴾ )117‬‬
‫أَن ُف َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪414‬‬

‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ لَن ُتغْنِ َي َعنْهُمْ َأ ْموَاُلهُمْ وَلَ َأوْلَ ُدهُم مّنَ‬
‫اللّ ِه َشيْئا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تنفع أموالم بالفدية ‪ ،‬ول أولدهم بالنصرة من ال‬
‫شيئًا ‪ ،‬أي ‪ :‬من عذاب ال ‪.‬‬
‫وقال ما هد ف قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬مثَ ُل مَا يُن ِفقُو نَ فِي هِ ـ ِذهِ الْ َ‬
‫حيَاةِ‬
‫ال ّدنْيَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬نفقة الكا فر ف الدنيا وصدقاته كمثل ‪ :‬ريح فيها صر‬
‫أ صابت حرث قوم ظلموا أنف سهم فأهلك ته ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬ر يح في ها‬
‫صرير شديد وزمهرير ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬فكذلك الكفار يحق ال ثواب أعمالم ف هذه الدنيا‬
‫كما يذهب ثرة هذا الرث بذنوب صاحبه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا ظََل َمهُمُ اللّ ُه وَلَـكِنْ أَنفُ َ‬
‫سهُ ْم يَظِْلمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫بالكفر والعصية ‪.‬‬
‫خذُوْا بِطَانَ ًة مّن دُونِكُمْ‬
‫وقوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ َل تَتّ ِ‬
‫ِمـ وَمَا‬
‫ِنـ َأ ْفوَا ِهه ْ‬
‫َتـ الَْبغْضَاء م ْ‬
‫ّمـ َقدْ َبد ِ‬
‫ُمـ خَبَا ًل وَدّواْ مَا عَنِت ْ‬
‫لَ َي ْألُوَنك ْ‬
‫ت إِن كُنتُ ْم َتعْقِلُو نَ (‪)118‬‬
‫صدُو ُر ُهمْ أَكَْب ُر َقدْ بَيّنّ ا َلكُ ُم اليَا ِ‬
‫تُخْفِي ُ‬
‫هَاأَنتُ ْم أُوْلء تُحِبّوَنهُمْ َولَ ُيحِبّوَنكُ ْم وَُت ْؤمِنُونَ بِاْلكِتَابِ كُلّهِ َوِإذَا َلقُوكُمْ‬
‫ظ ُق ْل مُوتُواْ ِبغَيْ ِظكُمْ‬
‫قَالُواْ آمَنّا وَِإذَا خَ َل ْواْ عَضّواْ عَلَ ْيكُمُ ا َلنَا ِملَ مِنَ اْلغَيْ ِ‬
‫سسْ ُكمْ حَ سََن ٌة تَ سُ ْؤ ُهمْ َوإِن‬
‫صدُورِ (‪ )119‬إِن تَمْ َ‬
‫إِنّ اللّ هَ عَلِي ٌم ِبذَا تِ ال ّ‬
‫ضرّكُ مْ كَ ْي ُدهُ مْ شَيْئا‬
‫تُ صِ ْب ُكمْ سَيَّئةٌ َي ْفرَحُواْ بِهَا َوإِن تَ صِْبرُوْا وَتَّتقُوْا َل يَ ُ‬
‫إِنّ ال ّل َه بِمَا يَعْمَلُو َن مُحِيطٌ (‪. ﴾ )120‬‬
‫‪415‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابـن عباس ‪ :‬كان رجال مـن السـلمي يواصـلون رجا ًل مـن‬
‫اليهود ‪ ،‬لاـ كان بينهـم مـن الوار واللف فـ الاهليـة ‪ ،‬فأنزل ال عـز‬
‫وجل فيهم ‪ ،‬فنهاهم عن مباطنتهم توف الفتنة عليهم منهم ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا‬
‫ـ‬
‫ـ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬وُت ْؤمِنُون َ‬
‫ـ آ َمنُواْ َل َتتّخِذُواْ بِطَاَن ًة مّنـ دُوِنكُم ْ‬
‫الّذِين َ‬
‫بِالْ ِكتَا بِ ُكلّ هِ ﴾ ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬ن ى ال عز و جل الؤمن ي أن ي ستدخلوا‬
‫النافقي أو يؤاخوهم أي ‪ :‬يتولوهم من دون الؤمني ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ل َيأْلُوَنكُمْ َخبَا ًل وَدّواْ مَا َعِنتّمْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ل َيأْلُوَنكُمــْ َخبَالً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يقصــرون ول‬
‫يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد ‪ .‬والبال ‪ :‬الشر ‪ ﴿ ،‬وَدّواْ‬
‫مَا َعِنتّ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يودون ما يشق عليكم من الضر ‪ ،‬والشر ‪ ،‬واللك ‪.‬‬
‫والعنت ‪ :‬الشقة ‪.‬‬
‫صدُو ُرهُمْ‬
‫خفِي ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَ ْد بَدَ ِ‬
‫ت اْلَبغْضَاء مِ نْ أَ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ‬
‫أَكْبَرُ ﴾ قال الربيع ‪ :‬يقول ‪ :‬ما تكن صدورهم أكب ما قد أبدوا بألسنتهم‬
‫ُمـ وَلَ‬
‫حبّوَنه ْ‬
‫ُمـُأوْلء ُت ِ‬
‫ُونـ هَاأَنت ْ‬
‫ُمـ َتعْقِل َ‬
‫َاتـإِن كُنت ْ‬
‫ُمـ الي ِ‬
‫‪ ﴿ :‬قَدْ بَّينّاـَلك ُ‬
‫حبّونَكُ مْ َوتُ ْؤ ِمنُو نَ بِاْل ِكتَا بِ كُلّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬أي ‪ :‬بكتاب كم‬
‫يُ ِ‬
‫وكتابم ما مضى من الكتب قبل ذلك ‪ ،‬وهم يكفرون بكتابكم ‪ ،‬فأنتم‬
‫أحق بالبغضاء لم منهم لكم ‪.‬‬
‫ـ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َلقُوكُم ْ‬
‫ـ قَالُواْ آ َمنّاـ َوإِذَا َخَل ْواْ َعضّوْا عََلْيكُم ُ‬
‫ت ال صّدُورِ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫الَنَامِ َل مِ نَ الْ َغيْ ظِ قُ ْل مُوتُواْ ِب َغيْ ِظكُ مْ ِإنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬
‫قتادة ‪ :‬إذا لقوا الؤمنيـ قالوا ‪ :‬آمنـا ‪ .‬ليـس بمـ إل مافـة على دمائهـم‬
‫ِنـ‬
‫ُمـ الَنَامِ َل م َ‬
‫وأموالمـ ‪ ،‬فصـانعوهم بذلك ‪َ ﴿ .‬وإِذَا َخَل ْواْ َعضّوْا عََلْيك ُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪416‬‬

‫الْ َغيْ ظِ ﴾ يقول ‪ :‬ما يدون ف قلوبم من الغيظ والكراهة لا هم عليه لو‬
‫يدون ريًا لكانوا على الؤمني ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬قُ ْل مُوتُواْ ِب َغيْ ِظكُمـــْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أبقوا إل المات‬
‫بغيظ كم ‪ ﴿ .‬إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا تِ ال صّدُورِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ب ا ف القلوب من‬
‫خي وشر ‪.‬‬
‫سـيَّئةٌ‬
‫ُصـْبكُ ْم َ‬
‫َسـ ْؤهُمْ َوإِن ت ِ‬
‫َسـَن ٌة ت ُ‬
‫سكُمْ ح َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن تَم َ‬
‫ْسـ ْ‬
‫ّهـ بِمَا‬
‫ُمـ شَيْئا إِنّ الل َ‬
‫ُمـ َكيْ ُده ْ‬
‫َصـبِرُواْ َوَتّتقُواْ َل يَضُرّك ْ‬
‫َيفْرَحُواْ بِهَا َوإِن ت ْ‬
‫َيعْمَلُو َن مُحِي طٌ ﴾ ‪ ،‬يرشد سبحانه إل الصب والتقوى ‪ ،‬والتوكل عليه ‪.‬‬
‫فل حول ول قوة إل بال ‪ ،‬ف من صب ن صره ‪ ،‬و من تو كل عل يه كفاه ‪.‬‬
‫ودفع عنه كيد عدوه وأذاه ‪ .‬وال الستعان ‪.‬‬

‫***‬
‫‪417‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السادس والربعون‬

‫ئ الْ ُمؤْمِنِيَ َمقَا ِعدَ لِ ْلقِتَا ِل وَاللّ هُ سَمِيعٌ‬


‫ك تُبَوّ ُ‬
‫﴿ َوِإذْ َغ َدوْ تَ مِ نْ َأهْلِ َ‬
‫ل وَاللّ ُه وَلِّيهُمَا وَعَلَى‬
‫عَلِي مٌ (‪ِ )121‬إ ْذ هَمّ ت طّآئِفَتَا نِ مِنكُ ْم أَن َتفْشَ َ‬
‫ُمـ َأ ِذّلةٌ‬
‫ّهـ بَِبدْ ٍر وَأَنت ْ‬
‫َصـرَ ُك ُم الل ُ‬
‫ُونـ (‪ )122‬وََل َقدْ ن َ‬
‫ّهـ فَلْيََتوَ ّكلِ الْ ُم ْؤمِن َ‬
‫الل ِ‬
‫فَاّتقُوْا اللّ َه َلعَلّكُ ْم َتشْ ُكرُو نَ (‪ِ )123‬إذْ َتقُو ُل لِلْ ُم ْؤمِنِيَ َألَن َيكْفِيكُ ْم أَن‬
‫نلِيَ (‪ )124‬بَلَى إِن تَصِْبرُواْ‬
‫ف مّ َن الْمَلِئكَ ِة مُ َ‬
‫لثَةِ آلَ ٍ‬
‫يُ ِمدّكُمْ َرّبكُم بَِث َ‬
‫ف مّ نَ‬
‫سةِ آل ٍ‬
‫وَتَّتقُوْا َويَ ْأتُوكُم مّ ن فَوْ ِرهِ ْم هَ ـذَا يُ ْمدِدْكُ مْ َربّكُم بِخَمْ َ‬
‫ُمـ َولِتَطْمَئِنّ‬
‫ّهـ إِل ُبشْرَى َلك ْ‬
‫َهـ الل ُ‬
‫ُسـّومِيَ (‪ )125‬وَمَا َجعَل ُ‬
‫الْمَلِئكَ ِة م َ‬
‫حكِي مِ (‪ )126‬لَِيقْطَ عَ‬
‫ص ُر إِل مِ نْ عِن ِد اللّ ِه الْ َعزِيزِ الْ َ‬
‫قُلُوبُكُم بِ هِ وَمَا النّ ْ‬
‫س لَكَ مِنَ‬
‫َطرَفا مّنَ اّلذِينَ َكفَرُواْ َأ ْو يَكْبَِتهُ ْم فَيَنقَلِبُوْا خَآئِبِيَ (‪ )127‬لَيْ َ‬
‫ا َل ْمرِ َشيْ ٌء َأوْ يَتُو بَ َعلَ ْيهِ مْ َأوْ ُي َع ّذبَهُ ْم َفإِّنهُ مْ ظَالِمُو نَ (‪َ )128‬ولِلّ هِ مَا‬
‫ب مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ‬
‫ت َومَا فِي الَرْ ضِ يَ ْغ ِفرُ لِمَن َيشَا ُء َوُيعَذّ ُ‬
‫فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ضعَافا مّضَا َع َفةً‬
‫َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪ )129‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُوْا لَ تَأْكُلُواْ ال ّربَا أَ ْ‬
‫ت لِلْكَا ِفرِينَ (‬
‫وَاّتقُواْ اللّ َه َلعَلّكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )130‬وَاتّقُواْ النّارَ الّتِي أُ ِعدّ ْ‬
‫‪ )131‬وَأَطِيعُواْ اللّ َه وَالرّ سُو َل َلعَلّكُ ْم ُترْحَمُو نَ (‪ )132‬وَ سَارِعُواْ ِإلَى‬
‫ض أُ ِعدّ تْ لِلْ ُمّتقِيَ (‬
‫ت وَالَرْ ُ‬
‫َمغْ ِف َرةٍ مّ ن ّرّبكُ ْم َوجَنّةٍ َعرْضُهَا ال سّمَاوَا ُ‬
‫ضرّاء وَالْكَاظِمِيَ الْغَيْ ظَ وَاْلعَافِيَ‬
‫سرّاء وَال ّ‬
‫‪ )133‬الّذِي نَ يُن ِفقُو َن فِي ال ّ‬
‫حبّ الْمُحْ سِنِيَ (‪ )134‬وَاّلذِي نَ ِإذَا َفعَلُواْ فَا ِحشَ ًة َأوْ‬
‫س وَاللّ هُ يُ ِ‬
‫عَ نِ النّا ِ‬
‫س ُهمْ ذَ َكرُواْ اللّ هَ فَا سَْتغْ َفرُوْا ِلذُنُوبِهِ مْ وَمَن يَ ْغ ِفرُ ال ّذنُو بَ إِل‬
‫ظَ َلمُوْا َأنْفُ َ‬
‫ك َجزَآؤُهُم‬
‫صرّواْ عَلَى مَا َفعَلُوْا َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪ُ )135‬أ ْولَـئِ َ‬
‫اللّ ُه َولَ ْم يُ ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪418‬‬

‫جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلْنهَا ُر خَالِدِي نَ فِيهَا وَِنعْ مَ‬


‫ت تَ ْ‬
‫ّمغْ ِف َرةٌ مّ ن ّرّبهِ مْ َوجَنّا ٌ‬
‫أَ ْج ُر الْعَامِلِيَ (‪. ﴾ )136‬‬

‫***‬
‫‪419‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ئ الْ ُمؤْمِنِيَ َمقَا ِعدَ‬


‫وقوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِذْ َغ َدوْ تَ مِ ْن أَهْلِ كَ تُبَوّ ُ‬
‫لِ ْلقِتَالِ وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‪ِ )121‬إذْ هَمّ ت طّآِئفَتَا ِن مِنكُ مْ أَن َت ْفشَلَ‬
‫وَال ّلهُ َولِّيهُمَا وَعَلَى ال ّلهِ فَلْيََتوَ ّك ِل الْ ُمؤْمِنُونَ (‪. ﴾ )122‬‬
‫من أهله إل أُحُد يبوئ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬تبوئ ‪ :‬تيئ ‪ ،‬وتنل ‪ .‬غدا نب ال‬
‫الؤمن ي مقا عد للقتال ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬ي شي على رجل يه ‪ ،‬فج عل ي صّف‬
‫أصحابه للقتال ‪.‬‬
‫ّهـ وَِليّهُم َا‬
‫ل وَالل ُ‬
‫شَ‬‫ُمـ أَن تَفْ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِ ْذ هَمّتـ طّآِئ َفت ِ‬
‫َانـ مِنك ْ‬
‫َوعَلَى اللّهِ َف ْليََتوَكّ ِل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وذلك يوم أ حد ‪ .‬والطائفتان ‪ :‬ب نو سلمة ‪ ،‬و ب نو حار ثة ‪،‬‬
‫حيان من النصار هوا بأمر فعصمهم ال من ذلك ‪ .‬وقد ذكر لنا أنه لا‬
‫نزلت هذه الية قالوا ‪ :‬ل ي سُرّنا إنا ل ن م بالذي همنا به ‪ ،‬وقد أخبنا‬
‫ال أنـه ولينـا ‪ .‬وقال السـدي ‪ :‬خرج رسـول ال إل أحـد فـ ألف‬
‫ر جل ‪ ،‬و قد وعد هم الف تح إن صبوا ‪ ،‬فل ما ر جع ع بد ال بن أبّ بن‬
‫سلول ف ثلثائة ‪ ،‬فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم ‪ ،‬فلما غلبوه وقالوا‬
‫له ‪ :‬مـا نعلم قتالً ‪ ،‬ولئن أطعتنـا لترجعـن معنـا ‪ ،‬وقال ‪ ﴿ :‬إِ ْذ هَمّتـ‬
‫ُمـ أَن َتفْشَلَ ﴾ ‪ ،‬وهـم ‪ :‬بنـو سـلمة ‪ ،‬و بنـو حارثـة هوا‬
‫َانـ مِنك ْ‬
‫طّآِئ َفت ِ‬
‫بالرجوع حي رجع عبد ال بن أبّ فعصمهم ال ‪ ،‬وبقي رسول ال ف‬
‫سبعمائة ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬الفشل ‪ :‬الب ‪.‬‬
‫صرَ ُك ُم اللّ ُه بَِبدْ ٍر وَأَنتُ مْ َأ ِذّلةٌ فَاّتقُواْ اللّ هَ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ نَ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـأَن يُ ِمدّك ْ‬
‫ُونـ (‪ِ )123‬إذْ َتقُو ُل لِلْ ُم ْؤمِنِيَ َألَن َي ْكفِيك ْ‬
‫ُمـَتشْ ُكر َ‬
‫َلعَلّك ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪420‬‬

‫نلِيَ (‪ )124‬بَلَى إِن تَ صِْبرُوْا َوتَتّقُواْ‬


‫ف مّ نَ الْمَلئِ َكةِ مُ َ‬
‫لَثةِ آ َل ٍ‬
‫َرّبكُم بِثَ َ‬
‫ف مّ َن الْمَلِئكَةِ‬
‫سةِ آل ٍ‬
‫وََي ْأتُوكُم مّن َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا يُ ْم ِددْكُ مْ َرّبكُم بِخَمْ َ‬
‫شرَى َلكُ مْ َولِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُم بِ هِ‬
‫مُ سَ ّومِيَ (‪ )125‬وَمَا جَعَلَ ُه اللّ ُه إِل ُب ْ‬
‫حكِي مِ (‪ )126‬لَِيقْطَ عَ َطرَفا مّ نَ‬
‫وَمَا النّ صْ ُر إِل مِ نْ عِن ِد اللّ هِ اْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫الّذِينَ َك َفرُواْ َأوْ َيكْبَِت ُهمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِيَ (‪. ﴾ )127‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ نَ صَرَكُمُ اللّ ُه بِبَ ْد ٍر َوأَنتُ مْ َأذِّلةٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫وأنتـم أقـل عددًا وأضعـف قوة ‪ ،‬فاتقوا ال لعلكـم تشكرون ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫فاتقون ؛ فإنه شكر نعمت ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وبدر ماء بي مكة والدينة التقى‬
‫عل يه نب ال والشركون ‪ ،‬وكان أول قتال قاتله نب ال والشركون‬
‫‪ .‬وذ كر ل نا أ نه قال ل صحابه يومئذٍ ‪ :‬أن تم اليوم بعدة أ صحاب طالوت‬
‫يوم لقي جالوت ‪ .‬فكانوا ثلثائة وبضعة عشر رجلً ‪ ،‬والشركون يومئذٍ‬
‫ألف ‪ ،‬أو راهقوا ذلك ‪.‬‬
‫ُمـ َربّكُم‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِ ْذ َتقُولُ لِلْ ُم ْؤ ِمنِي َ أَلَن َيكْفِيك ْ‬
‫ُمـ أَن يُمِدّك ْ‬
‫ف مّ نَ الْمَلِئ َكةِ مُنَلِيَ * بَلَى إِن تَ صْبِرُوْا َوَتتّقُواْ َوَي ْأتُوكُم مّ ن‬ ‫لَثةِ آلَ ٍ‬
‫ِبثَ َ‬
‫س ّومِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ف مّ َن الْمَلئِ َك ِة مُ َ‬ ‫سةِ آل ٍ‬ ‫َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا يُمْدِدْ ُك مْ َرّبكُم بِخَمْ َ‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬حدثن رجل من بن غفار قال ‪ :‬أقبلت أنا وابن عم‬
‫ل حت أصعدنا ف ج بل يشرف على بدر ‪ ،‬ونن مشركان ننتظر الوقعة‬
‫على من تكون الدائرة ‪ ،‬فننتهب مع من ينتهب ‪ .‬قال ‪ :‬فبينا نن ف البل‬
‫إذ د نت م نا سحابة ف سمعنا في ها حح مة ال يل ‪ ،‬ف سمعت قائلً يقول ‪:‬‬
‫أقدم حيزوم ‪ .‬قال ‪ :‬فأ ما ا بن ع مي فانك شف قناع قل به فمات مكا نه ‪،‬‬
‫وأما أنا فكدت أهلك ‪ ،‬ث تاسكت ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬ل تقاتل اللئكة‬
‫‪421‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ف يوم من اليام سوى يوم بدر ‪ ،‬وكانوا يأتون فيما سواه من اليام عددًا‬
‫ومددًا ل يضربون ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَيأْتُوكُـم ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الشركون ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬مّنـ‬
‫َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬من وجههم هذا ‪ .‬قال ‪ :‬كان يوم بدر أمدهم‬
‫ال تعال بألف من اللئكة ‪ ،‬كما قال ‪ ﴿ :‬فَا ْستَجَابَ َلكُ مْ َأنّي مُمِدّكُم‬
‫ف مّ َن الْمَلِئ َكةِ ﴾ ‪ ،‬ث صاروا ثلثة آلف ‪ ،‬ث صاروا خسة آلف ‪.‬‬ ‫بِأَلْ ٍ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬كان هذا موعدًا من ال يوم أ حد عر ضه على نبيه م مد‬
‫إنـ اتقوا وصـبوا أمدهـم بمسـة آلف مـن اللئكـة‬ ‫أنـ الؤمنيـ ْ‬
‫ّ‬
‫مسومي ‪ ،‬ففر السلمون يوم أحد وولوا مدبرين ‪ ،‬فلم يدهم ال ‪ .‬وقال‬
‫سةِ‬
‫عكرمة ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَيأْتُوكُم مّن َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا يُمْ ِددْكُ مْ َرّبكُم بِخَمْ َ‬
‫ف مّ َن الْمَلئِ َكةِ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬فورهم ذلك كان يوم أحد ‪ ،‬غضبوا ليوم‬ ‫آل ٍ‬
‫بدر م ا لقوا ‪ -‬يع ن ‪ :‬الكفار ‪ . -‬وقال الضحاك ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَي ْأتُوكُم‬
‫مّن َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬من وجههم وغضبهم ‪.‬‬
‫ُسـّومِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ّنـ الْمَلئِ َك ِة م َ‬
‫آلفـ م َ‬
‫ٍ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بِخَم َ‬
‫ْسـةِ‬
‫معلمي ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬كان سيمًا خيلهم صوفًا ف نواصيها ‪ .‬قال الربيع ‪:‬‬
‫ـمًا اللئكـة يوم‬‫كانوا يومئذٍ على خيـل بلق ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬كان س ي‬
‫بدر عمائم بيض قد أرسلوها ف ظهورهم ‪ ،‬ويوم حني عمائم حر ‪ .‬ول‬
‫تضرب اللئكة ف يوم سوى يوم بدر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا َجعَلَ هُ اللّ هُ إِل بُشْرَى َلكُ ْم وَِلتَطْ َمئِنّ قُلُوبُكُم بِ هِ‬
‫حكِيمِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ولا أنزل ال اللئكة‬‫َومَا النّ صْرُ إِل مِ ْن عِندِ اللّ ِه اْلعَزِي ِز الْ َ‬
‫ولعلم كم بذلك إل بشارة ل كم ‪ ،‬و ما الن صر إل من ع ند ال ‪ .‬قال ا بن‬
‫الزء الول‬ ‫‪422‬‬

‫إسحاق ‪َ ﴿ :‬ومَا َجعَلَ هُ اللّ هُ إِل بُشْرَى َلكُ ْم وَِلتَطْ َمئِنّ ُقلُوبُكُم بِ هِ ﴾ ‪ ،‬لا‬
‫عرف من ضعفكم ‪ ،‬وما النصر إل من عندي بسلطان وقدرت ‪ ،‬وذلك‬
‫أن أعرف الكمة ل إل أحد من خلقي ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬وما النصر إل‬
‫مـن عنـد ال ‪ ،‬ولو شاء ال أن ينصـركم بغيـ اللئكـة فعـل ‪ ﴿ .‬الْعَزِيزِ‬
‫حكِيمِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العزيز الذي ل يغالب ‪ .‬الكيم ‪ :‬ف أقواله وأفعاله ‪.‬‬ ‫الْ َ‬
‫ُمـ َفيَنقَِلبُواْ‬
‫ِينـ َكفَرُواْ َأوْ َي ْكبَِته ْ‬
‫ّنـ الّذ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬ليَقْط َ‬
‫َعـ طَرَفا م َ‬
‫خَآِئبِيَ ﴾ ‪ .‬قال ال سن ‪ :‬هذا يوم بدر ق طع ال طائ فة من هم ‪ ،‬وبق يت‬
‫طائفة ‪ .‬وقال ابن إسحاق ‪َ ﴿ :‬أ ْو َي ْكبَِتهُ مْ َفيَنقَِلبُواْ خَآِئبِيَ ﴾ ‪ ،‬أو يردهم‬
‫خائبي ‪ ،‬أو يرجع من بقي منهم خائبي ل ينالوا شيئًا ما كانوا يأملون ‪.‬‬
‫س لَ كَ مِ نَ ا َل ْمرِ َشيْ ٌء أَ ْو يَتُو بَ عَلَ ْيهِ ْم َأوْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬لَيْ َ‬
‫ت َومَا فِي الَرْ ضِ‬
‫ُيعَ ّذَبهُ ْم َفإِّنهُ مْ ظَالِمُو نَ (‪َ )128‬ولِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫َيغْ ِفرُ لِمَن َيشَا ُء َويُ َع ّذبُ مَن َيشَا ُء وَال ّلهُ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )129‬‬
‫عن أنس قال ‪ ( :‬قاتل النب يوم أحد ‪ ،‬وكسرت رباعيته ‪ ،‬وشج ‪،‬‬
‫فج عل ي سح عن وج هه الدم ويقول ‪ « :‬كيف ي صلح قوم خضبوا نبيهم‬
‫ك مِ َن الَمْرِ شَيْءٌ‬
‫بالدم وهو يدعوهم إل رب م » ! ؟ فنلت ‪َ ﴿ :‬ليْ سَ لَ َ‬
‫ب عََلْيهِ مْ َأوْ ُيعَ ّذَبهُ مْ فَِإّنهُ ْم ظَالِمُو نَ ﴾ ) ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫َأوْ َيتُو َ‬
‫قال ابـن إسـحاق ‪ :‬أي ‪ :‬ليـس لك مـن الكـم شيـء فـ عبادي إل مـا‬
‫أمرتـك بـه فيهـم ‪ ،‬أتوب عليهـم برح ت ؛ فإن شئت فعلت ‪ ،‬أو أعذبمـ‬
‫بذنوبم فإنم ظالون ‪ ،‬أي ‪ :‬قد استحقوا ذلك بعصيتهم إياي ‪ .‬وعن ابن‬
‫عمر ‪ ( :‬أن رسول ال كان يدعو على أربعة نفر ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‬
‫‪423‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب عََلْيهِ مْ َأوْ ُيعَ ّذَبهُ مْ فَِإّنهُ ْم ظَالِمُو نَ‬


‫ك مِ َن الَمْرِ شَيْءٌ َأ ْو يَتُو َ‬
‫‪َ ﴿ :‬ليْ سَ لَ َ‬
‫﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬وهداهم ال للسلم ) ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫ض َيغْفِرُ لِمَن‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَمَا فِي الَرْ ِ‬
‫ب مَن يَشَا ُء وَاللّ ُه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫يَشَاءُ َويُعَذّ ُ‬
‫يغفر الذنوب ‪ ،‬ويرحم العباد على ما فيهم ‪.‬‬
‫ضعَافا‬
‫ِينـ آمَنُواْ لَ َتأْكُلُوْا الرّب َا أَ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬ي َا َأيّه َا اّلذ َ‬
‫مّضَا َعفَ ًة وَاّتقُوْا اللّ َه َلعَلّكُ ْم تُفْلِحُو نَ (‪ )130‬وَاتّقُواْ النّارَ الّتِي أُ ِعدّ تْ‬
‫لِلْكَا ِفرِينَ (‪َ )131‬وأَطِيعُوْا ال ّلهَ وَال ّرسُولَ َلعَ ّل ُكمْ ُت ْرحَمُونَ (‪. ﴾ )132‬‬
‫قال عطاء ‪ :‬كانت ثقيف تداين ف بن الغية ف الاهلية ‪ ،‬فإذا حلّ‬
‫ضعَافا‬ ‫الجـل قالوا ‪ :‬نزيدكـم وتؤخرون ‪ .‬فنلت ‪َ ﴿ :‬ل َتأْكُلُواْ الرّب َا أَ ْ‬
‫ضعَافا ّمضَا َع َفةً‬‫ّمضَا َع َفةً ﴾ ‪ .‬وقال ا بن ز يد ف قوله ‪َ ﴿ :‬ل َتأْكُلُواْ الرّبَا أَ ْ‬
‫﴾ كان أبّ يقول ‪ :‬إنا كان الربا ف الاهلية ف التضعيف ‪ ،‬وف ال سّن ‪،‬‬
‫يكون للرجـل فضـل ديـن فيأتيـه إذا حلّ الجـل ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬تقضينـ‬
‫وتزيد ن ‪ .‬فإن كان عنده ش يء يقض يه ق ضى ‪ ،‬وإل حوله إل ال سّن ال ت‬
‫فوق ذلك ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ سَارِعُواْ ِإلَى َم ْغ ِفرَ ٍة مّ ن ّرّبكُ ْم وَجَّنةٍ َعرْضُهَا‬
‫ض أُ ِعدّ تْ لِلْمُّت ِقيَ (‪ )133‬اّلذِي َن يُنفِقُو َن فِي ال سّرّاء‬
‫ت وَالَرْ ُ‬
‫ال سّمَاوَا ُ‬
‫حبّ الْمُحْسِنِيَ (‬
‫ظ وَاْلعَافِيَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُ ِ‬
‫ضرّاء وَاْلكَاظِ ِميَ اْلغَيْ َ‬
‫وَال ّ‬
‫ـ ُهمْ ذَ َكرُواْ اللّهــَ‬
‫‪ )134‬وَاّلذِينــَ ِإذَا َفعَلُواْ فَا ِحشَ ًة َأوْ ظَلَمُواْ َأْنفُسـَ‬
‫صرّواْ عَلَى مَا‬
‫ب إِل اللّ ُه َولَ ْم يُ ِ‬
‫فَا سَْت ْغفَرُواْ ِل ُذنُوِبهِ ْم وَمَن َيغْ ِف ُر ال ّذنُو َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪424‬‬

‫َفعَلُواْ وَهُمْ َيعْلَمُونَ (‪ )135‬أُ ْولَـِئكَ َجزَآ ُؤهُم ّمغْ ِف َر ٌة مّن ّرّبهِمْ وَجَنّاتٌ‬
‫جرِي مِن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَالِدِينَ فِيهَا وَِن ْعمَ َأ ْجرُ اْلعَامِلِيَ (‪. ﴾ )136‬‬
‫تَ ْ‬
‫قال ا بن إ سحاق ‪ ﴿ :‬وَ سَا ِرعُواْ إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مّ ن ّربّكُ ْم َو َجّنةٍ عَرْضُهَا‬
‫ال سّمَاوَاتُ وَالَرْ ضُ ُأعِدّ تْ ِللْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ذلك ل ن أطاع ن وأطاع‬
‫رسول ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬كانوا يرون النة فوق السماوات السبع تت العرش‬
‫‪ ،‬وأن جهنم تت الرضي السبع ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ يُن ِفقُو نَ فِي ال سّرّاء وَالضّرّاء ﴾ يقول‬
‫‪ :‬ف الي سر والع سر ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬الّذِي َن يُن ِفقُو نَ فِي ال سّرّاء‬
‫سنِيَ ﴾ ‪،‬‬ ‫حبّ الْ ُمحْ ِ‬‫س وَاللّ ُه يُ ِ‬
‫وَالضّرّاء وَالْكَاظِمِيَ الْ َغيْظَ وَاْلعَافِيَ عَ ِن النّا ِ‬
‫قوم أنفقوا ف الع سر والي سر ‪ ،‬وال هد والرخاء ‪ ،‬ف من ا ستطاع أن يغلب‬
‫الشر بالي فليفعل ول قوة إل بال فنعمت وال يا ابن آدم الرعة ترعها‬
‫من صب وأنت مغيظ ‪ ،‬وأنت مظلوم ‪ .‬وعن أب هريرة أن النب قال ‪:‬‬
‫« من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه مله ال أمنًا وإيانًا » ‪ .‬رواه ابن‬
‫جرير ‪.‬‬
‫ـهُمْ ذَكَرُواْ‬
‫شةً َأوْ ظََلمُواْ َأْنفُس َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِين َ‬
‫ـ إِذَا َفعَلُواْ فَاحِ َ‬
‫اللّ هَ فَا ْستَ ْغفَرُواْ لِ ُذنُوبِهِ ْم وَمَن َي ْغفِرُ ال ّذنُو بَ إِل اللّ ُه وَلَ ْم يُ صِرّوْا عَلَى مَا‬
‫َفعَلُواْ َوهُ ْم َيعْلَمُونَ ﴾ ‪ ،‬الفاحشة ‪ :‬الزنا ‪ ،‬والكبائر ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬أوْ ظََلمُواْ َأْنفُ َ‬
‫سهُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالصغائر ‪ .‬قال ابن مسعود ‪:‬‬
‫كانـت بنـو إسـرائيل إذا أذنبوا ذنب ًا أصـبح مكتوب ًا على بابـه الذنـب‬
‫وكفارتـه ‪ ،‬فأعطينـا خيًا مـن ذلك هذه اليـة ‪ .‬قال ابـن إسـحاق ‪﴿ :‬‬
‫شةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن أتوا فاحشـة أو ظلموا أنفسـهم‬ ‫ـ إِذَا َفعَلُواْ فَاحِ َ‬
‫وَالّذِين َ‬
‫‪425‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بعصية ذكروا ني ال عنها ‪ ،‬وما رحم عليهم ‪ ،‬فاستغفروا لا وعرفوا أنه‬


‫ل يغفر الذنوب إل هو ‪.‬‬
‫ـ‬
‫ـ َيعْلَمُون َ‬
‫ـرّوْا عَلَى مَـا َفعَلُوْا َوهُم ْ‬ ‫وقال قتادة فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَلَم ْ‬
‫ـ يُص ِ‬
‫﴾ فإيا كم والِ صرار فإنا هلك ال صرون الاضون قدمًا ‪ ،‬ل ينها هم ما فة‬
‫ال عن حرام حرّمه ال عليهم ‪ ،‬ول يتوبون من ذنب أصابوا حت أتاهم‬
‫الوت وهم على ذلك ‪.‬‬
‫و ف الد يث ال صحيح يقول ال عز و جل ‪ ( :‬يا ا بن آدم لو بل غت‬
‫ذنوبك عنان السماء ث استغفرتن غفرت لك ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوْلَ ـئِكَ جَزَآؤُهُم ّمغْفِ َرٌة مّ ن ّرّبهِ ْم وَ َجنّا ٌ‬
‫ت تَجْرِي‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا َوِنعْمَ َأجْ ُر اْلعَامِلِيَ ﴾ ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫مِن تَ ْ‬
‫أي ‪ :‬ثواب الطيعي ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪426‬‬

‫الدرس السابع والربعون‬

‫ض فَانْ ُظرُواْ كَيْفَ كَانَ‬


‫ت مِن قَبْ ِلكُمْ سَُن ٌن فَسِيُواْ فِي الَرْ ِ‬
‫﴿ َق ْد خَلَ ْ‬
‫عَاقَِبةُ الْ ُم َكذّبِيَ (‪ )137‬هَ ـذَا بَيَا نٌ لّلنّا سِ َو ُهدًى َو َموْعِ َظةٌ لّلْ ُمّتقِيَ (‬
‫ح َزنُوا وَأَنتُ ُم الَعْ َلوْ َن إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (‪)139‬‬
‫‪ )138‬وَ َل َتهِنُوا وَ َل تَ ْ‬
‫ح مّثْلُ ُه َوتِلْ كَ اليّا ُم ُندَاوُِلهَا بَيْ نَ‬
‫س اْلقَوْ َم َقرْ ٌ‬
‫سسْ ُكمْ َقرْ حٌ َف َقدْ مَ ّ‬
‫إِن يَمْ َ‬
‫خذَ مِنكُم ْـ ُشهَدَاء وَاللّهُـ َل يُحِبّ‬
‫النّاسِـ َولَِيعْلَمَـ اللّهُـ اّلذِينَـ آمَنُوْا َويَتّ ِ‬
‫ص اللّهُ اّلذِينَ آمَنُوْا وَيَ ْمحَقَ اْلكَا ِفرِينَ (‪)141‬‬
‫الظّالِمِيَ (‪َ )140‬ولِيُمَحّ َ‬
‫أَ ْم حَ سِبُْتمْ أَن َتدْخُلُواْ الْجَّن َة َولَمّا َيعْلَ مِ اللّ هُ اّلذِي َن جَا َهدُوْا مِنكُ ْم َويَعْلَ مَ‬
‫ْهـ َف َقدْ‬
‫ْتـ مِن قَ ْبلِ أَن تَ ْل َقو ُ‬
‫ْنـ الْ َمو َ‬
‫ُمـ تَ َمّنو َ‬
‫الصـّاِبرِينَ (‪ )142‬وََل َقدْ كُنت ْ‬
‫ت مِن قَبْلِهِ‬
‫ح ّمدٌ إِل رَسُولٌ َق ْد خَلَ ْ‬
‫َرَأيْتُمُوهُ َوأَنتُ ْم تَن ُظرُونَ (‪َ )143‬ومَا مُ َ‬
‫الرّ ُسلُ َأ َفإِن مّا تَ َأ ْو قُِتلَ انقَلَبْتُ مْ عَلَى أَ ْعقَابِكُ ْم وَمَن يَنقَلِ بْ عَ َلىَ َعقِبَيْ هِ‬
‫جزِي اللّ هُ الشّا ِكرِي نَ (‪ )144‬وَمَا كَا َن لَِنفْ سٍ‬
‫ض ّر اللّ َه شَيْئا وَ سَيَ ْ‬
‫فَلَن يَ ُ‬
‫ل وَمَن ُي ِردْ َثوَا بَ ال ّدنْيَا ُن ْؤتِ ِه مِنْهَا‬
‫ت إِل ِبِإذْ نِ ال كِتَابا ّم َؤجّ ً‬
‫أَ ْن تَمُو َ‬
‫جزِي الشّاكِرِي نَ (‪ )145‬وَ َكَأيّن‬
‫وَمَن ُيرِ ْد َثوَا بَ الخِ َر ِة ُنؤْتِ ِه مِ ْنهَا وَ سَنَ ْ‬
‫ي فَمَا َوهَنُوْا لِمَا أَ صَاَب ُهمْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َومَا‬
‫مّن نّبِيّ قَاَتلَ َمعَ هُ ِربّيّو نَ َكثِ ٌ‬
‫حبّ الصّاِبرِينَ (‪َ )146‬ومَا كَا َن َق ْوَلهُمْ إِل‬
‫ض ُعفُوْا وَمَا اسَْتكَانُواْ وَاللّهُ يُ ِ‬
‫َ‬
‫ت َأ ْقدَامَنَا وان صُ ْرنَا‬
‫أَن قَالُواْ ربّنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا ُذنُوبَنَا وَإِ ْسرَافَنَا فِي َأمْ ِرنَا َوثَبّ ْ‬
‫س َن ثَوَا بِ‬
‫عَلَى الْ َقوْ ِم اْلكَا ِفرِي نَ (‪ )147‬فَآتَاهُ ُم اللّ هُ َثوَا بَ ال ّدنْيَا َوحُ ْ‬
‫حسِِنيَ (‪. ﴾ )148‬‬
‫ب الْمُ ْ‬
‫ال ِخ َرةِ وَاللّ ُه يُحِ ّ‬
‫‪427‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت مِن قَبْ ِلكُ مْ سَُن ٌن فَ سِيُوْا فِي الَرْ ضِ‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ق ْد خَلَ ْ‬
‫فَانْ ُظرُواْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقِبَ ُة الْ ُمكَ ّذبِيَ (‪ )137‬هَـذَا بَيَا ٌن لّلنّا سِ َو ُهدًى‬
‫ح َزنُوا وَأَنتُ ُم الَعْ َلوْ َن إِن كُنتُم‬
‫وَ َموْعِ َظ ٌة لّلْمُّتقِيَ (‪ )138‬وَ َل َتهِنُوا وَ َل تَ ْ‬
‫ح مّثْلُ ُه َوتِلْ كَ‬
‫س الْ َقوْ َم َقرْ ٌ‬
‫سكُ ْم َقرْ حٌ َف َقدْ مَ ّ‬
‫سْ‬‫مّ ْؤمِنِيَ (‪ )139‬إِن يَمْ َ‬
‫خ َذ مِنكُ ْم شُ َهدَاء‬
‫اليّا ُم ُندَاوُِلهَا بَيْ َن النّا سِ َولَِيعْلَ َم اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُواْ َويَتّ ِ‬
‫ص اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُوْا وَيَ ْمحَ قَ‬
‫وَاللّ ُه لَ يُحِبّ الظّالِمِيَ (‪ )140‬وَلِيُ َمحّ َ‬
‫الْكَا ِفرِي نَ (‪ )141‬أَ ْم حَ سِبُْت ْم أَن تَ ْدخُلُوْا الْجَّنةَ َولَمّ ا َيعْلَ ِم اللّ ُه اّلذِي نَ‬
‫ت مِن‬
‫جَا َهدُواْ مِنكُ ْم َويَعْلَ مَ ال صّاِبرِينَ (‪ )142‬وََل َقدْ كُنتُ ْم تَمَّنوْ نَ الْ َموْ َ‬
‫قَ ْبلِ أَن تَ ْل َق ْوهُ َف َقدْ َرأَيْتُمُو ُه َوأَنُت ْم تَن ُظرُونَ (‪. ﴾ )143‬‬
‫سـنٌ ﴾ ‪ ،‬يقول فـ‬
‫ُمـ ُنَ‬ ‫قال ماهـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬قَدْ خَل ْ‬
‫َتـ مِن َقبِْلك ْ‬
‫الكفار والؤمن ي ‪ ،‬وال ي وال شر ‪ .‬قال ا بن إ سحاق ا ستقبل ذ كر ال صيبة‬
‫التـ نزلت بمـ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬بالسـلمي يوم أحـد ‪ ،‬والبلء الذي أصـابم ‪،‬‬
‫والتمحيـص لاـ كان فيهـم ‪ ،‬واتاذه الشهداء منهـم ‪ ،‬فقال تعزيـة لمـ‬
‫ت مِن َقبِْلكُ مْ‬
‫وتقريعًا ل م في ما صنعوا ‪ ،‬و ما هو صانع ب م ‪َ ﴿ :‬قدْ َخلَ ْ‬
‫ُسنَنٌ فَسِيُواْ فِي الَرْضِ فَانْظُرُواْ َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُكَ ّذبِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد‬
‫مضت من وقائع نقمة ف أهل التكذيب لرسلي ‪ ،‬والشرك ف عاد وثود‬
‫وقوم لوط وأ صحاب مد ين ‪ ،‬ف سيوا ف الرض تروا مثلت قد م ضت‬
‫في هم ‪ ،‬ول ن كان على م ثل ما هم عل يه م ثل ذلك م ن ‪ ،‬وإن أمك نت‬
‫لم ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪428‬‬

‫ّاسـ َوهُدًى َو َموْعِ َظةٌ لّلْ ُمّتقِي َ ﴾ ‪ .‬قال‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هَــذَا َبي ٌ‬
‫َانـ لّلن ِ‬
‫قتادة ‪ :‬هذا بيان للناس ‪ ،‬و هو ‪ :‬هذا القرآن جعله ال بيانًا للناس عا مة ‪،‬‬
‫وهدى وموعظة للمتقي خاصة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ِهنُوا وَ َل تَحْ َزنُوا َوأَنتُم ـُ ا َلعَْلوْن ـَ إِن كُنتُـم‬
‫ّم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يعزي أصحاب ممد كما تسمعون ‪ ،‬ويثهم‬
‫على قتال عدوهم ‪ ،‬وينهاهم عن العجز والوهن ف طلب عدوهم ف سبيل‬
‫ال ‪ .‬وقال ابـن إسـحاق ‪ ﴿ :‬وَ َل َت ِهنُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تضعفوا ‪ ﴿ ،‬وَلَ‬
‫تَحْ َزنُوا ﴾ ول تأسوا على ما أصابكم ‪َ ﴿ ،‬وأَنتُ ُم ا َلعَْلوْ نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لكم‬
‫تكون العاقبة والظهور ‪ ﴿ .‬إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ ،‬إن كنتم صدّقتم ‪ .‬يعن‬
‫‪ :‬با جاءكم به عن ‪.‬‬
‫ح ّمثْلُ هُ ﴾ ‪.‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن يَمْ سَ ْ‬
‫سكُمْ َقرْ حٌ َفقَ ْد مَ سّ اْل َقوْ مَ قَ ْر ٌ‬
‫قال قتادة ‪ :‬والقرح ‪ :‬الراحة ‪ ،‬وذاكم يوم أحد فشا ف أصحاب نب ال‬
‫يومئ ٍذ الق تل ‪ ،‬والرا حة ‪ .‬فأ خبهم ال عز و جل أن القوم قد أ صابم‬
‫من ذلك مثل الذي أصابكم ‪ ،‬وإن الذي أصابكم عقوبة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتِلْ َ‬
‫ك اليّا ُم نُدَاوِلُهَا َبيْ َن النّا سِ ﴾ ‪ .‬قال الرب يع ‪:‬‬
‫فأظ هر ال عز و جل نبيه وأ صحابه على الشرك ي يوم بدر ‪ ،‬وأظ هر‬
‫علي هم عدو هم يوم أ حد ‪ ،‬و قد ينال الكا فر من الؤ من ‪ ،‬ويبتلى الؤ من‬
‫بالكافر ؛ ليعلم ال من يطيعه من يعصيه ‪ ،‬ويعلم الصادق من الكاذب ‪،‬‬
‫وأ ما من ابتلى من هم من ال سلمي يوم أ حد ‪ :‬فكا نت عقو بة بع صيتهم‬
‫رسول ال ‪.‬‬
‫‪429‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَِليَعَْل مَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوْا َويَتّ ِ‬


‫خ َذ مِنكُ ْم ُشهَدَاء وَاللّ هُ لَ‬
‫حبّ الظّالِمِيَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فكرم ال أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم‬
‫يُ ِ‬
‫‪ ،‬ث تصي حوامل المور وعواقبها لهل طاعة ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَِليُمَحّ صَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوْا َويَمْحَ َق اْلكَافِرِي نَ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ا بن إ سحاق ‪ :‬وليم حص ال الذ ين آمنوا ‪ ،‬أي ‪ :‬ي تب الذ ين آمنوا ح ت‬
‫يلصهم بالبلء الذي نزل بم ‪ ،‬وكيف صبهم ويقينهم ‪ .‬وقال ابن زيد‬
‫ف قوله ‪َ ﴿ :‬ويَمْحَ َق اْلكَافِرِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يحق من مق ف الدنيا ‪ ،‬وكان‬
‫بقية من يحق ف الخرة ف النار ‪.‬‬
‫جّنةَ وَلَمّاـَيعْلَمِـ اللّهُـ الّذِينَـ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَم ْـ حَسِبْ‬
‫ـتُمْ أَن تَدْخُلُوْا الْ َ‬
‫َمـ الصـّابِرِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن إسـحاق ‪ :‬أم حسـبتم أن‬
‫ُمـ َوَيعْل َ‬
‫جَاهَدُواْ مِنك ْ‬
‫تدخلوا النة وتصيبوا من ثواب الكرامة ‪ ،‬ول أختبكم بالشدة وأبتليكم‬
‫بالكاره حت أعلم أصدق ذلك منكم اليان ب ‪ ،‬والصب على ما أصابكم‬
‫ب‪.‬‬
‫ْهـ َفقَدْ‬
‫ْتـ مِن َقبْلِ أَن تَ ْل َقو ُ‬
‫ْنـ الْ َمو َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ كُنت ْ‬
‫ُمـ تَ َمّنو َ‬
‫ُونـ ﴾ ‪ .‬قال ماهـد ‪ :‬غاب رجـل عـن بدر فكانوا‬‫ُمـ تَنظُر َ‬
‫ُوهـ َوأَنت ْ‬
‫َرَأْيتُم ُ‬
‫يتمنون مثل يوم بدر أن يلقوه ‪ ،‬فيصيبوا من الي والجر مثل ما أصاب‬
‫أهـل بدر ‪ ،‬فلمـا كان يوم أحـد ولّى مـن ولّى منهـم ‪ ،‬فعاتبهـم ال على‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ت مِن قَبْلِ ِه الرّ ُسلُ‬
‫ح ّمدٌ إِل رَ سُولٌ قَ ْد خَلَ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَا مُ َ‬
‫َأفَإِن مّا تَ َأ ْو قُِتلَ انقَلَبْتُ مْ عَلَى أَ ْعقَاِبكُ ْم وَمَن يَنقَلِ بْ عَ َلىَ َعقِبَيْ ِه فَلَن‬
‫الزء الول‬ ‫‪430‬‬

‫س أَ نْ‬
‫جزِي اللّ ُه الشّا ِكرِي نَ (‪ )144‬وَمَا كَا َن لَِنفْ ٍ‬
‫ضرّ اللّ َه شَيْئا وَ سَيَ ْ‬
‫يَ ُ‬
‫ب الدّنْيَا ُنؤْتِ هِ مِ ْنهَا َومَن‬
‫ل َومَن ُيرِ ْد َثوَا َ‬
‫تَمُو تَ إِل بِِإذْ نِ ال كِتَابا ّمؤَجّ ً‬
‫جزِي الشّا ِكرِي نَ (‪ )145‬وَ َكَأيّ ن مّ ن‬
‫ب الخِ َر ِة ُنؤْتِ هِ مِنْهَا وَ سَنَ ْ‬
‫ُيرِ ْد َثوَا َ‬
‫ي فَمَا َوهَنُوْا لِمَا أَ صَاَب ُهمْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ وَمَا‬
‫نّبِيّ قَاتَ َل َمعَ هُ ِربّيّو نَ كَثِ ٌ‬
‫حبّ الصّاِبرِينَ (‪َ )146‬ومَا كَا َن َق ْوَلهُمْ إِل‬
‫ض ُعفُوْا وَمَا اسَْتكَانُواْ وَاللّهُ يُ ِ‬
‫َ‬
‫ت َأ ْقدَامَنَا وان صُ ْرنَا‬
‫أَن قَالُواْ ربّنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا ُذنُوبَنَا وَإِ ْسرَافَنَا فِي َأمْ ِرنَا َوثَبّ ْ‬
‫س َن ثَوَا بِ‬
‫عَلَى الْ َقوْ ِم اْلكَا ِفرِي نَ (‪ )147‬فَآتَاهُ ُم اللّ هُ َثوَا بَ ال ّدنْيَا َوحُ ْ‬
‫حسِِنيَ (‪. ﴾ )148‬‬
‫ب الْمُ ْ‬
‫ال ِخ َرةِ وَاللّ ُه يُحِ ّ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا ُمحَمّدٌ إِل رَ سُولٌ قَدْ َخلَ ْ‬
‫ت مِن َقبْلِ هِ الرّ سُلُ أَفَإِن مّا تَ‬
‫َأوْ ُقتِ َل انقََلْبتُ مْ عَلَى َأ ْعقَابِكُ ْم وَمَن يَنقَلِ بْ عََل َى َعقَِبيْ هِ فَلَن َيضُرّ اللّ َه َشيْئا‬
‫جزِي اللّ هُ الشّاكِرِي نَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ذلكم يوم أحد حي أصابم ‪:‬‬ ‫وَ سَيَ ْ‬
‫القرح ‪ ،‬والق تل ‪ ،‬ث تنازعوا نب ال بق ية ذلك ‪ ،‬فقال أناس ‪ :‬لو كان‬
‫نبيًا ما قتل ‪ ،‬وقال ناس من علية أصحاب نب ال ‪ :‬قاتلوا على ما قاتل‬
‫عليه ممد نبيكم حت يفتح ال لكم ‪ ،‬أو تلحقوا به ‪ .‬فقال ال عز وجل ‪:‬‬
‫ّاتـَأوْ ُقتِلَ‬
‫ّسـلُ أَفَإِن م َ‬ ‫ِهـ الر ُ‬ ‫َتـ مِن َقبْل ِ‬
‫﴿ وَمَا مُحَمّدٌ إِل رَسـُولٌ قَدْ َخل ْ‬
‫انقََلْبتُ ْم عَلَى أَ ْعقَابِكُ مْ ﴾ ‪ .‬يقول ‪ :‬إن مات نبيكم أو ق تل ارتدد ت كفارًا‬
‫بعد إيانكم ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿:‬ومَا كَانَ ِلَنفْسٍ أَ ْن تَمُوتَ إِل بِإِذْنِ ال ِكتَابا ّمؤَ ّجلً ﴾‬
‫أي ‪ :‬ل يوت أحد حت يستوف الدة الت أجّل ال له ‪.‬‬
‫‪431‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴿ َومَن يُ ِر ْد َثوَا بَ ال ّدْنيَا ُنؤْتِ ِه ِمْنهَا َومَن يُ ِر ْد َثوَا بَ الخِ َر ِة ُن ْؤتِ هِ ِمْنهَا‬
‫وَ َسنَجْزِي الشّاكِرِي نَ ﴾ ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬أي ‪ :‬فمن كان منكم يريد‬
‫الدنيا ليست له رغبة ف الخرة نؤته منها ما قسم له منه من رزق ‪ ،‬ول‬
‫حظ له ف الخرة ‪ ،‬و من يرد ثواب الخرة نؤ ته من ها ما وعده مع ما‬
‫جزِي الشّاكِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ذلك‬ ‫يري عل يه من رز قه ف دنياه ‪ ﴿ ،‬وَ سَنَ ْ‬
‫جزاء الشاكرين ‪ ،‬يع ن بذلك ‪ :‬إعطاء ال إياه ما وعده ف الخرة مع ما‬
‫يري عليه من الرزق ف الدنيا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكََأيّ ن مّ ن ّنبِيّ قَاتَلَ َمعَ هُ ِرّبيّو نَ َكثِيٌ ﴾ ‪ .‬قال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬جوع كثية ‪ .‬وقال ابـن زيـد ‪ :‬الربيون ‪ :‬التباع ‪ .‬والربانيون ‪:‬‬
‫الولة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَا َو َهنُواْ لِمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ‬
‫ض ُعفُوْا َومَا‬
‫ا سَْتكَانُواْ وَاللّ ُه ُيحِبّ ال صّابِرِينَ ﴾ ‪ .‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬ف ما وهنوا لف قد‬
‫نبيهم ‪ ،‬وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لا أصابم ف الهاد عن ال‬
‫وعن دينهم ‪ ،‬وذلك الصب ‪ .‬وال يب الصابرين ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِل أَن قَالُواْ رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا َوإِسْرَاَفنَا‬
‫فِي َأمْ ِرنَا َوَثبّتْ أَقْدَا َمنَا وانصُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ ِم اْلكَافِرِينَ ﴾ قال ماهد ف قول‬
‫ال ‪َ ﴿ :‬وإِ سْرَاَفنَا فِي َأمْرِنَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬خطايا نا ‪ ،‬وظلم نا أنف سنا ‪ .‬وقال‬
‫ابن إسحاق ‪ :‬أي ‪ :‬فقولوا كما قالوا ‪ ،‬أو اعلموا أنا ذلك بذنوب منكم‬
‫واستغفروا ك ما استغفروا ‪ ،‬وامضوا على دين كم ك ما مضوا ‪ ،‬ول ترتدوا‬
‫على أعقابكـم راجعيـ ‪ ،‬واسـألوه كمـا سـألوه أن يثبـت أقدامكـم ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪432‬‬

‫واستنصروه كما استنصروه على القوم الكافرين ‪ ،‬فكل هذا من قولم قد‬
‫كان ‪ ،‬وقد قتل نبيهم فلم يفعلوا كما فعلتم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَآتَاهُ مُ اللّ ُه َثوَا بَ ال ّدْنيَا وَحُ سْ َن َثوَا بِ ال ِخ َرةِ وَاللّ هُ‬
‫سنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬وال ‪ ،‬لتاهم ال الفتح والظهور‬ ‫حبّ الْمُحْ ِ‬
‫يُ ِ‬
‫س َن َثوَا بِ ال ِخ َرةِ‬
‫والتمك ي ‪ ،‬والن صر على عدو هم ف الدن يا ‪ ﴿ ،‬وَحُ ْ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬حسن الثواب ف الخرة هي ‪ :‬النة ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪433‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن والربعون‬


‫ـ َعلَى‬
‫ـ َك َفرُوْا َي ُردّوكُم ْ‬
‫ـ آمَُن َواْ إِن تُطِيعُوْا اّلذِين َ‬
‫﴿ يَـا َأيّهَـا الّذِين َ‬
‫صرِينَ‬
‫أَ ْعقَاِبكُ ْم فَتَنقَلِبُوْا خَا ِسرِينَ (‪َ )149‬بلِ اللّ هُ َم ْولَكُ ْم َوهُ َو خَ ْيرُ النّا ِ‬
‫ب بِمَا َأشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ‬
‫ب الّذِينَ َك َفرُواْ الرّعْ َ‬
‫(‪ )150‬سَنُ ْلقِي فِي قُلُو ِ‬
‫ْسـ مَ ْثوَى الظّالِمِيَ (‪َ )151‬وَلقَدْ‬
‫ُمـ النّا ُر َوبِئ َ‬
‫سـلْطَانا َومَ ْأوَاه ُ‬
‫ِهـ ُ‬
‫يَُنزّ ْل ب ِ‬
‫صدَ َق ُكمُ اللّ ُه وَ ْعدَ ُه ِإذْ َتحُ سّونَهُم بِِإ ْذنِ ِه حَتّ ى ِإذَا َفشِلْتُ مْ َوتَنَازَعْتُ مْ فِي‬
‫َ‬
‫ا َل ْمرِ وَعَصَيْتُم مّن َبعْ ِد مَا أَرَاكُم مّا تُحِبّو َن مِنكُم مّن ُيرِيدُ ال ّدنْيَا َومِنكُم‬
‫ص َرفَ ُكمْ عَ ْنهُ ْم لِيَبْتَلَِيكُ ْم وََل َقدْ َعفَا عَنكُ ْم وَاللّ ُه ذُو‬
‫مّن ُيرِيدُ الخِ َر َة ُثمّ َ‬
‫ـ ِعدُو َن َولَ تَ ْلوُونــَ عَلَى أحَدٍ‬
‫ضلٍ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَـ (‪ِ )152‬إ ْذ تُصـ ْ‬
‫فَ ْ‬
‫ح َزنُواْ عَلَى مَا‬
‫ل تَ ْ‬
‫وَالرّ سُو ُل َيدْعُوكُ مْ فِي أُ ْخرَاكُ ْم َفَأثَابَكُ مْ غُمّا ِب َغمّ ّلكَيْ َ‬
‫ي بِمَا تَعْمَلُو نَ (‪ُ )153‬ثمّ أَن َزلَ عَلَ ْيكُم‬
‫فَاَتكُ ْم َولَ مَا أَ صَاَب ُكمْ وَاللّ ُه خَبِ ٌ‬
‫مّن َبعْ ِد الْ َغمّ َأمََنةً ّنعَاسا َي ْغشَى طَآِئ َفةً مّنكُ ْم وَطَآئِ َف ٌة َقدْ َأهَمّ ْتهُ ْم أَنفُ سُ ُهمْ‬
‫حقّ َظنّ الْجَاهِلِّيةِ َيقُولُو َن هَل لّنَا مِ نَ الَ ْم ِر مِن َشيْءٍ‬
‫يَظُنّو نَ بِاللّ هِ غَ ْيرَ الْ َ‬
‫ك يَقُولُو نَ لَوْ‬
‫خفُو َن فِي أَنفُ سِهِم مّا لَ يُ ْبدُو َن لَ َ‬
‫ُقلْ إِنّ ا َل ْمرَ كُلّ ُه لِلّ ِه يُ ْ‬
‫كَا َن لَنَا مِ نَ ا َل ْمرِ َشيْ ٌء مّ ا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل ّلوْ كُنتُ ْم فِي بُيُوتِكُ مْ لََبرَزَ‬
‫صدُورِ ُكمْ‬
‫الّذِي نَ كُِت بَ عَلَ ْيهِ ُم الْقَ ْت ُل ِإلَى مَضَا ِجعِهِ ْم وَلِيَبْتَلِ َي اللّ ُه مَا فِي ُ‬
‫صدُورِ (‪ )154‬إِنّ اّلذِي نَ‬
‫ص مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَاللّ هُ عَلِي ٌم ِبذَا تِ ال ّ‬
‫وَلِيُ َمحّ َ‬
‫تَ َوّلوْْا مِنكُمْ َيوْ َم الْتَقَى الْجَ ْمعَا ِن ِإنّمَا اسَْت َزلّ ُهمُ الشّيْطَانُ بَِبعْضِ مَا كَسَبُواْ‬
‫وََل َقدْ َعفَا ال ّلهُ عَ ْن ُهمْ إِ ّن ال ّلهَ َغفُو ٌر حَلِيمٌ (‪. ﴾ )155‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪434‬‬

‫ِينـ َك َفرُواْ‬
‫ِينـ آمَُنوَْا إِن تُطِيعُوْا الّذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذ َ‬
‫َيرُدّوكُ مْ عَلَى أَ ْعقَاِبكُ ْم فَتَنقَلِبُوْا خَا ِسرِينَ (‪َ )149‬بلِ اللّ ُه َموْلَكُ ْم َوهُوَ‬
‫ـُ ْلقِي فِي قُلُوبِـ الّذِينَـ َك َفرُوْا الرّعْبَـ بِمَا‬
‫خَ ْيرُ النّاصِـرِينَ (‪ )150‬سَن‬
‫ْسـ مَ ْثوَى‬
‫ُمـ النّا ُر َوبِئ َ‬
‫سـلْطَانا وَ َم ْأوَاه ُ‬
‫ِهـ ُ‬
‫َمـ يَُن ّزلْ ب ِ‬
‫ّهـ م َا ل ْ‬
‫أَ ْشرَكُواْ بِالل ِ‬
‫الظّالِمِيَ (‪. ﴾ )151‬‬
‫ِينـ َكفَرُواْ‬ ‫قال ابـن إسـحاق ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذ َ‬
‫ِينـ آ َمُنوَاْ إِن تُطِيعُواْ الّذ َ‬
‫يَرُدّوكُ ْم عَلَى َأ ْعقَاِبكُ مْ َفتَنقَِلبُواْ خَا سِرِينَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عن دينكم ‪ ،‬فتذهب‬
‫دنياكم وآخرتكم ‪ ،‬بل ال مولكم إن كان ما تقولون بألسنتكم صدقًا ف‬
‫قلوبكم ‪ ،‬وهو خي الناصرين ‪ .‬أي ‪ :‬فاعتصموا به ول تستنصروا بغيه ‪،‬‬
‫ول ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينكم ‪.‬‬
‫ب بِمَا َأشْرَكُواْ بِاللّ هِ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬سنُ ْلقِي فِي قُلُو ِ‬
‫ب الّذِي نَ َكفَرُواْ ال ّرعْ َ‬
‫ْسـ َمْثوَى الظّالِمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ُمـ النّا ُر َوبِئ َ‬
‫سـلْطَانا َو َم ْأوَاه ُ‬
‫ِهـ ُ‬
‫َمـُينَزّ ْل ب ِ‬
‫مَا ل ْ‬
‫السدي ‪ :‬لا ارتل أبو سفيان والشركون يوم أحد متوجهي نو مكة ‪،‬‬
‫انطلق أبو سفيان حت بلغ بعض الطريق ‪ ،‬ث أنم ندموا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬بئس ما‬
‫صنعتم أن كم قتلتمو هم ح ت إذا ل ي بق إل الشر يد تركتمو هم ‪ ،‬ارجعوا‬
‫فاسـتأصلوهم ‪ ،‬فقذف ال عـز وجـل ف قلوبمـ الرعـب فانزموا ‪ ،‬فلقوا‬
‫أعرابيًا فجعلوا له ُج ْعلً ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬إن لقيت ممدًا فأخبهم با قد جعنا‬
‫ل م ‪ ،‬فأ خب ال عز و جل ر سوله ‪ ،‬فطلب هم ح ت بلغ حراء ال سد ‪،‬‬
‫فأنزل ال عز و جل ف ذلك ‪ .‬فذ كر أ با سفيان ح ي أراد أن ير جع إل‬
‫ال نب ‪ ،‬و ما قذف ف قل به من الر عب ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬سنُ ْلقِي فِي ُقلُو بِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُواْ ال ّر ْعبَ بِمَا َأشْرَكُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫‪435‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ص َد َقكُ ُم اللّ هُ وَ ْعدَ ُه ِإذْ تَحُ سّوَنهُم ِبإِ ْذنِ هِ‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَلقَدْ َ‬
‫ـتُم مّنـَب ْعدِ مَا أَرَاكُم مّاـ‬
‫حَتّىـِإذَا َفشِلْتُم ْـ وَتَنَازَعْتُم ْـ فِي ا َلمْ ِر وَعَصَ ْي‬
‫ص َرفَ ُكمْ عَ ْنهُ مْ‬
‫تُحِبّو َن مِنكُم مّن ُيرِيدُ ال ّدنْيَا وَمِنكُم مّن ُيرِي ُد الخِ َر َة ُثمّ َ‬
‫ضلٍ عَلَى الْ ُمؤْمِنِيَ (‪ِ )152‬إذْ‬
‫ّهـ ذُو فَ ْ‬
‫ُمـ وَالل ُ‬
‫ُمـ وََل َقدْ عَفَا عَنك ْ‬
‫لِيَبْتَلَِيك ْ‬
‫صعِدُو َن وَ َل تَ ْلوُو نَ عَلَى أحَ ٍد وَالرّ سُولُ َيدْعُوكُ مْ فِي أُ ْخرَاكُ مْ َفَأثَاَبكُ مْ‬
‫تُ ْ‬
‫ي بِمَا‬
‫حزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُ ْم َولَ مَا أَ صَاَب ُكمْ وَاللّ هُ خَبِ ٌ‬
‫ل َت ْ‬
‫غُمّا ِبغَمّ لّكَيْ َ‬
‫َتعْمَلُونَ (‪. ﴾ )153‬‬
‫صدََقكُمُ اللّ ُه َوعْدَ هُ إِ ْذ َتحُ سّونَهُم بِِإ ْذنِ هِ ﴾ ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َ‬
‫فإن أبـا سـفيان أقبـل فـ ثلث ليال خلون مـن شوال حتـ نزل أحدًا ‪،‬‬
‫وخرج ر سول ال ‪ ،‬فأذّن ف الناس فاجتمعوا ‪ ،‬وأمّر على ال يل الزب ي‬
‫بن العوام ومعه يومئ ٍذ القداد بن السود الكندي ‪ ،‬وأعطى رسول ال‬
‫اللواء رجلً من قر يش ‪ ،‬يقال له ‪ :‬م صعب بن عم ي ‪ ،‬وخرج حزة بن‬
‫عبد الطلب باليش ‪ ،‬وبعث حزة بي يديه ‪ ،‬وأقبل خالد بن الوليد على‬
‫خ يل الشرك ي وم عه عكر مة بن أ ب ج هل ‪ ،‬فب عث ر سول ال الزب ي‬
‫وقال ‪ :‬ا ستقبل خالد بن الول يد ف كن بإيذائه ح ت أؤذ نك ‪ ،‬وأ مر ب يل‬
‫أخرى فكانوا من جا نب آ خر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تبحوا ح ت أؤذن كم ‪ ،‬وأق بل‬
‫أبـو سـفيان يمـل اللت والعزى ‪ ،‬فأرسـل النـب إل الزبيـ أن يمـل‬
‫صدََقكُمُ‬ ‫فح مل على خالد بن الول يد فهز مه و من م عه ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َ‬
‫اللّ ُه َوعْدَ هُ إِ ْذ َتحُ سّوَنهُم بِإِ ْذنِ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬تقتلونم ‪َ ﴿ ،‬حتّى إِذَا فَشِ ْلتُ مْ‬
‫حبّو نَ ﴾ ‪ ،‬وأن ال‬ ‫صْيتُم مّ ن َبعْ ِد مَا أَرَاكُم مّ ا تُ ِ‬ ‫َوتَنَا َز ْعتُ مْ فِي ا َلمْ ِر َوعَ َ‬
‫وعد الؤمني أن ينصرهم ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪436‬‬

‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تادلتـم ‪﴿ ،‬‬ ‫قال ابـن إسـحاق ‪َ ﴿ :‬حتّىـ ِإذَا فَ ِ‬


‫ش ْلتُم ْ‬
‫صْيتُم ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫َوتَنَا َز ْعتُ مْ فِي ا َلمْرِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اختلفتم ف أمري ‪َ ﴿ ،‬وعَ َ‬
‫تركتم أمر نبيكم وما عهد إليكم ‪ ،‬يعن ‪ :‬الرماة ‪ ﴿ ،‬مّن َبعْ ِد مَا أَرَاكُم‬
‫ّونـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الفتـح ل شـك فيـه ‪ ،‬وهزيةـ القوم عـن نسـائهم‬ ‫حب َ‬‫مّاـ تُ ِ‬
‫وأموالمـ ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مِنك ُم مّنـ ُيرِيدُ ال ّدنْي َا َومِنك ُم مّنـ ُيرِيدُ‬
‫الخِ َرةَ ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪ :‬فإن نـب ال أمّـر يوم أحـد طائفـة مـن‬
‫السلمي ‪ ،‬فقال ‪ « :‬كونوا مسلحة للناس » ‪ ،‬بنلة أمرهم أن يثبتوا با ‪،‬‬
‫وأمر هم أن ل يبحوا مكان م ح ت يأذن ل م ‪ ،‬فل ما ل قي نب ال يوم‬
‫أ حد أ با سفيان و من م عه من الشرك ي هزم هم نب ال ‪ ،‬فل ما رأى‬
‫ال سلحة أن ال عز و جل هزم الشرك ي ‪ ،‬انطلق بعض هم و هم يتنادون ‪:‬‬
‫الغنيمـة ‪ ،‬الغنيمـة ل تفتكـم ‪ ،‬وثبـت بعضهـم مكانمـ وقالوا ‪ :‬ل نريـ‬
‫موضعنا حت يأذن لنا نب ال ‪ ،‬ففي ذلك نزل منكم من يريد الدنيا ‪،‬‬
‫ومن كم من ير يد الخرة ‪ ،‬فكان ا بن م سعود يقول ‪ :‬ما شعرت أن أحدًا‬
‫من أصحاب النب كان يريد الدنيا وعرضها حت كان يوم أحد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ صَرََفكُ ْم َعْنهُ مْ ِلَيبْتَِلَيكُ ْم وََلقَ ْد َعفَا عَنكُ مْ وَاللّ هُ ذُو‬
‫َفضْ ٍل عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ث صرفكم عنهم ليبتليكم ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬صرفكم عنهم ليختبكم ‪ ،‬وذلك ببعض ذنوبكم ‪.‬‬
‫وقال ابـن جريـج فـ قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد عَفَـا عَنكُم ْ‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل‬
‫يسـتأصلكم ‪ ،‬قال السـن ‪ :‬هؤلء مـع رسـول ال ‪ ،‬وفـ سـبيل ال ‪،‬‬
‫غضاب ل ‪ ،‬يقاتلون أعداء ال ‪ ،‬نوا عن شيء فصنعوه ‪ ،‬فوال ما تركوا‬
‫‪437‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حت غموا بذا الغم ‪ ،‬فأفسق الفاسقي اليوم يفعل كل كبية ويركب كل‬
‫داهية ويسحب عليها ثيابه ‪ ،‬ويزعم أن ل بأس عليه فسوف يعلم ‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد َعفَا عَنكُ ْم وَاللّ هُ ذُو َفضْلٍ عَلَى‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وكذلك م نّ ال على الؤمن ي ‪ :‬إن عاقبت هم بب عض‬
‫الذنوب ف عاجل الدنيا أدبًا وموعظة ‪ ،‬فإنه غي مستأصل لكل ما فيهم‬
‫من ال ق له علي هم ل ا أ صابوا من مع صيته رح ة ل م ‪ ،‬وعائدة علي هم ل ا‬
‫فيهم من الِيان ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِ ْذ تُ ْ‬
‫صعِدُو َن وَلَ تَ ْلوُو َن عَلَى أحَ ٍد وَالرّ سُو ُل يَ ْدعُوكُ مْ‬
‫فِي أُخْرَاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ذاكم يوم أحد صعدوا ف الوادي و نب ال‬
‫يدعوهم ف أخراهم ‪ ،‬قال ‪ « :‬إلّ عباد ال » ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬لا شد‬
‫الشركون على السلمي بأحد فهزموهم ‪ ،‬دخل بعضهم الدينة ‪ ،‬وانطلق‬
‫بعضهم فوق البل إل الصخرة فقاموا عليها ‪ ،‬وجعل رسول ال يدعو‬
‫الناس ‪ « :‬إلّ عباد ال ‪ ،‬إلّ عباد ال » ‪ .‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬أنبئ هم ال‬
‫بالفرار عن نبيهم وهو يدعوهم ل يعطفون عليه لدعائه إياهم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫صعِدُونَ وَ َل تَ ْلوُونَ عَلَى أحَ ٍد وَال ّرسُو ُل يَ ْدعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ إِ ْذ ُت ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَثَاَبكُ ْم غُمّا ِبغَمّ ّل َكْيلَ َتحْ َزنُواْ عَلَى مَا فَاَتكُ ْم وَلَ مَا‬
‫ـَبكُ ْم وَاللّهُـ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَـ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪َ ﴿ :‬فَأثَاَبكُم ْـ غُمّا ِبغَمّ‬
‫أَصَا‬
‫﴾ ‪ :‬كانوا تدثوا يومئذٍ أن نـب ال أصـيب ‪ ،‬وكان الغـم الخـر قتـل‬
‫أصحابم والراحات الت أصابتهم ‪ .‬وقال الربيع ‪ :‬الغم الول ‪ :‬الراح ‪،‬‬
‫والقتل ‪ ،‬والغم الخر حي سعوا أن رسول ال قد قتل ‪ ،‬فأنساهم الغم‬
‫الخر ما أصابم من الراح ‪ ،‬والقتل ‪ ،‬وما كانوا يرجون من الغنيمة ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪438‬‬

‫وذلك حي يقول ‪ّ ﴿ :‬ل َكْيلَ َتحْ َزنُواْ عَلَى مَا فَاَتكُ مْ وَلَ مَا أَ صَاَبكُ ْم وَاللّ هُ‬
‫َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ثمّ أَن َزلَ عَلَ ْيكُم مّن َب ْعدِ اْل َغمّ َأمََنةً ّنعَاسا َيغْشَى‬
‫س ُهمْ يَظُنّو نَ بِاللّ هِ غَ ْي َر الْحَقّ ظَنّ‬
‫طَآِئفَ ًة مّنكُ مْ وَطَآِئ َفةٌ َق ْد أَهَمّ ْتهُ مْ أَنفُ ُ‬
‫ّهـ‬
‫ّهـ لِل ِ‬
‫ِنـ ا َل ْمرِ مِن َشيْ ٍء ُقلْ إِنّ ا َل ْمرَ ُكل ُ‬
‫ُونـ هَل لّنَا م َ‬
‫الْجَاهِلِّي ِة يَقُول َ‬
‫سهِم مّا َل يُ ْبدُو َن لَكَ َيقُولُو َن َلوْ كَا َن لَنَا مِنَ ا َلمْ ِر شَيْءٌ‬
‫خفُونَ فِي أَنفُ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫مّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل ّلوْ كُنُتمْ فِي بُيُوِت ُكمْ لََبرَ َز الّذِينَ كُتِبَ عَلَ ْي ِه ُم الْقَ ْت ُل ِإلَى‬
‫ص مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَاللّهُ‬
‫صدُورِ ُكمْ وَلِيُ َمحّ َ‬
‫مَضَا ِج ِعهِمْ َولِيَبْتَلِ َي اللّ ُه مَا فِي ُ‬
‫صدُورِ (‪ )154‬إِنّ اّلذِي نَ َت َولّ ْواْ مِنكُ مْ َيوْ َم الَْتقَى الْجَ ْمعَا نِ‬
‫عَلِي ٌم ِبذَا تِ ال ّ‬
‫ِإنّمَا ا سَْتزَّل ُهمُ الشّيْطَا ُن بَِبعْ ضِ مَا كَ سَبُوْا َولَ َقدْ َعفَا اللّ هُ عَ ْنهُ ْم إِنّ اللّ هَ‬
‫َغفُورٌ حَلِيمٌ (‪. ﴾ )155‬‬
‫قال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَنزَ َل عََلْيكُم مّن َبعْ ِد اْلغَمّ َأمََن ًة ّنعَاسا َيغْشَى‬
‫سهُمْ ﴾ الية ‪ ،‬وذاكم يوم أحد كانوا‬ ‫طَآِئ َف ًة مّنكُ مْ وَطَآِئ َفةٌ َقدْ َأهَ ّمتْهُ مْ أَنفُ ُ‬
‫يومئذٍ فريقي ‪ ،‬فأما الؤمنون ‪ :‬فغشاهم النعاس أمنة منه ورحة ‪ ،‬والطائفة‬
‫الخرى ‪ :‬النافقون ‪ .‬ليـس لمـ همّ إل أنفسـهم ‪ ،‬أجبـ قوم وأرعبـه ‪،‬‬
‫وأخذله لل حق ‪ ،‬يظنون بال غ ي ال ق ‪ ،‬ظن الاهل ية ظنونًا كاذ بة ‪ ،‬إن ا‬
‫هم أهل شك وريبة ف أمر ال ‪َ ﴿ ،‬يقُولُونَ َلوْ كَانَ َلنَا مِ َن الَمْ ِر َشيْ ٌء مّا‬
‫ُقتِلْنَا هَاهُنَا قُل ّلوْ كُنتُ مْ فِي بُيُوِتكُ مْ َلبَرَ َز الّذِي نَ ُكتِ بَ عََلْيهِ ُم اْلقَتْلُ إِلَى‬
‫َمضَا ِج ِعهِمْ ﴾ ‪.‬‬
‫‪439‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن جريج ‪ :‬قيل لعبد ال بن أُبّ ‪ :‬قتل بنو الزرج اليوم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وهل لنا من المر من شيء ؟ وعن الزبي قال ‪ :‬وال إن لسع قول معتب‬
‫بن قشي والنعاس يغشان ما أسعه إل كاللم حي قال ‪ :‬لو كان لنا من‬
‫المر شيء ما قتلنا ها هنا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُل ّلوْ كُنتُ مْ فِي بُيُوتِكُ مْ َلبَ َر َز الّذِي نَ ُكتِ َ‬
‫ب عََلْيهِ ُم الْ َقتْلُ‬
‫إِلَى َمضَا ِج ِعهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ذكر ال تلوم النافقي وحسرتم‬
‫على ما أ صابم ‪ ،‬ث قال ل نبيه ‪ :‬قل ‪ :‬لو كن تم ف بيوت كم ل تضروا‬
‫هذا الوضع الذي أظهر ال جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم ؛‬
‫لخرج الذ ين ك تب علي هم الق تل إل موا طن غيه ي صرعون ف يه ؛ ح ت‬
‫يبتلي به ما ف صدوركم وليمحص ما ف قلوبكم ‪ ﴿ ،‬وَاللّ ُه عَلِي مٌ بِذَا تِ‬
‫ص مَا‬
‫الصّدُورِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يفى عليه شيء ما ف صدوركم ‪ ﴿ ،‬وَِليُمَحّ َ‬
‫فِي قُلُوِبكُ ْم وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِذَاتِ الصّدُورِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يفى عليه شيء ما ف‬
‫صدورهم ما استخفوا به منكم ‪.‬‬
‫وقال ا بن جر ير ف تف سيه قوله تعال ‪َ ﴿ :‬لبَرَ َز الّذِي نَ ُكتِ َ‬
‫ب عََلْيهِ مُ‬
‫الْ َقتْلُ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬لظ هر للمو ضع الذي ك تب عل يه م صرعه ف يه من قد‬
‫كتب عليه القتل منهم ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬هذا قدر قدّره ال عز و جل ‪ ،‬وحكم حق ل‬
‫ميد عنه ول مناص منه ‪.‬‬
‫وقال فـ جامـع البيان ‪ :‬أي ‪ :‬لرج الذيـن قدّر عليهـم القتـل إل‬
‫مصارعهم منكم ‪ ،‬فلم يستطيعوا الِقامة ف الدينة ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪440‬‬

‫َانـ ِإنّمَا‬
‫ْمـ اْلتَقَى الْجَ ْمع ِ‬
‫ُمـ َيو َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذ َ‬
‫ِينـ َتوَّلوْْا مِنك ْ‬
‫سبُوْا وََلقَ ْد عَفَا اللّ ُه َعْنهُ مْ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ‬
‫ض مَا كَ َ‬
‫شيْطَا نُ ِبَبعْ ِ‬
‫ا ْستَزَّلهُمُ ال ّ‬
‫حَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬وذلك يوم أحد ‪ ،‬ناس من أصحاب رسول ال‬
‫تولوا عـن القتال ‪ ،‬وعـن نـب ال يومئذٍ ‪ ،‬وكان ذلك مـن أمـر الشيطان‬
‫وتويفه ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ما تسمعون أنه قد تاوز لم عن ذلك وعفا‬
‫عنهم ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪441‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والربعون‬

‫﴿ يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َل تَكُونُواْ كَالّذِينَ َك َفرُوْا وَقَالُوْا لِ ْخوَاِنهِمْ إِذَا‬
‫ْضـ َأوْ كَانُواْ ُغزّى ّلوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ‬
‫ض َربُوْا فِي الَر ِ‬
‫َ‬
‫ت وَاللّ ُه بِمَا‬
‫س َر ًة فِي قُلُوبِهِ مْ وَاللّ هُ يُحِْي ـي َويُمِي ُ‬
‫ج َعلَ اللّ هُ ذَلِ كَ حَ ْ‬
‫لِيَ ْ‬
‫َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪ )156‬وَلَئِن قُتِلْتُ ْم فِي سَبِيلِ اللّ ِه أَ ْو مُتّمْ لَ َم ْغ ِف َرةٌ مّ َن اللّهِ‬
‫ـ ِللَى ال‬
‫ـ َأوْ قُتِلْتُم ْ‬
‫ج َمعُونـَ (‪َ )157‬ولَئِن مّتّم ْ‬
‫وَرَحْ َم ٌة خَ ْيرٌ مّمّاـ يَ ْ‬
‫ت فَظّا غَلِي ظَ‬
‫ت َلهُ ْم َولَوْ كُن َ‬
‫شرُو نَ (‪ )158‬فَبِمَا َرحْ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ لِن َ‬
‫حَ‬‫تُ ْ‬
‫ب لَنفَضّواْ مِ ْن حَ ْولِ كَ فَاعْ فُ عَ ْنهُ ْم وَا سَْت ْغفِ ْر َلهُ مْ َوشَاوِ ْرهُ ْم فِي‬
‫الْقَلْ ِ‬
‫ت فََتوَ ّكلْ عَلَى اللّ ِه إِنّ اللّ َه يُحِبّ الْمَُتوَكّلِيَ (‪ )159‬إِن‬
‫ا َل ْمرِ َفِإذَا َع َزمْ َ‬
‫صرُكُم مّن‬
‫خ ُذلْكُ مْ فَمَن ذَا اّلذِي يَن ُ‬
‫ب َلكُ مْ وَإِن يَ ْ‬
‫صرْ ُك ُم اللّ هُ َفلَ غَالِ َ‬
‫يَن ُ‬
‫َبعْدِ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيََتوَ ّك ِل الْ ُمؤْمِنُونَ (‪ )160‬وَمَا كَا َن لِنَِبيّ أَن َي ُغلّ َومَن‬
‫ت َوهُ مْ لَ‬
‫َيغْلُ ْل َيأْ تِ بِمَا َغ ّل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ ثُمّ ُت َوفّ ى ُك ّل َنفْ سٍ مّ ا كَ سَبَ ْ‬
‫ضوَا َن اللّ هِ كَمَن بَاء بِ سَخْطٍ مّ نَ اللّ هِ‬
‫يُظْلَمُو نَ (‪َ )161‬أفَمَ نِ اتّبَ عَ رِ ْ‬
‫صيُ (‪ )162‬هُ مْ دَرَجَا تٌ عِندَ اللّ هِ واللّ هُ بَ صِيٌ‬
‫وَ َم ْأوَا ُه َجهَنّ ُم َوبِئْ سَ الْمَ ِ‬
‫ث فِيهِ مْ رَ سُولً‬
‫بِمَا َيعْمَلُو نَ (‪َ )163‬ل َقدْ مَنّ اللّ هُ عَلَى الْمُؤمِنِيَ إِ ْذ َبعَ َ‬
‫حكْ َمةَ َوإِن‬
‫مّ ْن أَنفُسِ ِهمْ يَتْلُو عَ َل ْيهِمْ آيَاتِهِ َوُيزَكّيهِمْ َوُيعَلّ ُمهُ ُم الْكِتَابَ وَالْ ِ‬
‫كَانُواْ مِن قَ ْبلُ لَفِي ضَل ٍل مّبِيٍ (‪ )164‬أَ َولَمّاـ أَصـَابَتْكُم مّصـِيَبةٌ قَدْ‬
‫أَصَبْتُم مّثْلَ ْيهَا قُلْتُ ْم َأنّى هَـذَا ُقلْ ُهوَ مِنْ عِن ِد َأْنفُسِ ُكمْ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ‬
‫شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪َ )165‬ومَا أَ صَاَبكُ ْم َيوْ مَ الَْتقَى الْجَ ْمعَا ِن فَِبِإذْ نِ اللّ هِ وَلَِيعْلَ مَ‬
‫الْمُ ْؤمِنِيَ (‪ )166‬وَلَْيعْلَ َم اّلذِي َن نَافَقُواْ َوقِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪442‬‬

‫َبـ‬
‫ُمـ لِ ْل ُكفْ ِر َيوْمَِئ ٍذ َأقْر ُ‬
‫ُمـ ه ْ‬
‫َمـ قِتَالً لتَّبعْنَاك ْ‬
‫ّهـ َأ ِو ادْ َفعُوْا قَالُواْ َل ْو نَعْل ُ‬
‫الل ِ‬
‫س فِي قُلُوِبهِ مْ وَاللّ ُه أَعْلَ ُم بِمَا‬
‫مِ ْنهُ ْم لِلِيَا ِن َيقُولُو نَ بَِأ ْفوَاهِهِم مّ ا لَيْ َ‬
‫يَكْتُمُو نَ (‪ )167‬الّذِي نَ قَالُوْا لِ ْخوَاِنهِ ْم َو َقعَدُوْا َلوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ‬
‫ت إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪َ )168‬ولَ تَحْ سََبنّ‬
‫س ُكمُ الْ َموْ َ‬
‫فَادْ َرؤُوا عَ ْن أَنفُ ِ‬
‫الّذِي َن قُتِلُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ َأ ْموَاتا َب ْل َأحْيَاء عِندَ َرّبهِ مْ ُيرْ َزقُو نَ (‪)169‬‬
‫حقُواْ ِبهِم مّنْ‬
‫َفرِحِيَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ َويَسْتَ ْبشِرُو َن بِاّلذِينَ لَمْ يَلْ َ‬
‫ح َزنُونَ (‪ )170‬يَسْتَ ْبشِرُو َن بِِنعْ َمةٍ مّنَ‬
‫خَلْ ِفهِمْ أَل خَوْفٌ َعلَ ْيهِمْ َولَ هُ ْم يَ ْ‬
‫ض ٍل وَأَنّ اللّ هَ َل يُضِي ُع أَ ْج َر الْمُ ْؤمِنِيَ (‪ )171‬اّلذِي نَ ا سْتَجَابُواْ‬
‫اللّ هِ َوفَ ْ‬
‫لِلّ ِه وَالرّسُولِ مِن بَ ْع ِد مَا أَصَاَبهُ ُم الْ َقرْحُ لِ ّلذِي َن أَ ْحسَنُوْا مِ ْنهُمْ وَاّتقَواْ َأ ْجرٌ‬
‫ُمـ‬
‫ّاسـ َق ْد جَ َمعُوْا لَك ْ‬
‫ّاسـ إِن ّ الن َ‬
‫ُمـ الن ُ‬
‫ِينـ قَالَ َله ُ‬
‫ِيمـ (‪ )172‬الّذ َ‬
‫عَظ ٌ‬
‫ْمـ اْلوَكِيلُ (‪)173‬‬
‫ّهـ َونِع َ‬
‫َسـبُنَا الل ُ‬
‫ُمـ إِيَانا وَقَالُواْ ح ْ‬
‫ُمـ َفزَادَه ْ‬
‫شوْه ْ‬
‫فَا ْخ َ‬
‫ضوَا نَ اللّ هِ‬
‫سهُمْ سُو ٌء وَاتَّبعُواْ ِر ْ‬
‫سْ‬‫ضلٍ لّ مْ يَمْ َ‬
‫فَانقَلَبُوْا بِِنعْ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ َوفَ ْ‬
‫ف َأ ْولِيَاء ُه فَلَ‬
‫خوّ ُ‬
‫ضلٍ عَظِي مٍ (‪ِ )174‬إنّمَا َذِلكُ ُم الشّيْطَا ُن يُ َ‬
‫وَاللّ هُ ذُو فَ ْ‬
‫تَخَافُو ُهمْ َوخَافُونِ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )175‬‬

‫***‬
‫‪443‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ لَ َتكُونُواْ كَاّلذِي نَ َك َفرُواْ‬


‫ض َأوْ كَانُواْ ُغزّى لّوْ كَانُواْ عِندَنَا‬
‫ض َربُواْ فِي الَرْ ِ‬
‫َوقَالُوْا لِ ْخوَاِنهِ مْ ِإذَا َ‬
‫س َر ًة فِي قُلُوبِهِ مْ وَاللّ هُ يُحِْي ـي‬
‫ج َعلَ اللّ هُ ذَلِ كَ حَ ْ‬
‫مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُوْا لِيَ ْ‬
‫ت وَاللّ هُ بِمَا َتعْمَلُو َن بَ صِيٌ (‪َ )156‬ولَئِن قُتِلْتُ ْم فِي سَبِي ِل اللّ هِ َأوْ‬
‫وَيُمِي ُ‬
‫مُتّ ْم لَ َم ْغفِ َر ٌة مّ َن اللّ هِ وَ َرحْ َم ٌة خَ ْيرٌ مّمّ ا َيجْ َمعُو نَ (‪ )157‬وَلَئِن مّتّ ْم َأوْ‬
‫شرُونَ (‪. ﴾ )158‬‬
‫حَ‬‫قُتِلُْتمْ ِللَى ال تُ ْ‬
‫قال ا بن إ سحاق ف قوله ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ َل َتكُونُواْ كَالّذِي نَ‬
‫ْضـ َأوْ كَانُوْا غُزّى ّلوْ كَانُوْا‬
‫ض َربُواْ ف ِي الَر ِ‬
‫ِمـ إِذَا َ‬
‫َكفَرُواْ وَقَالُواْ لِ ْخوَاِنه ْ‬
‫عِن َدنَا مَا مَاتُوْا َومَا ُقتِلُواْ ﴾ الية ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تكونوا كالنافقي الذين ينهون‬
‫إخوانمـ عـن الهاد فـ سـبيل ال ‪ ،‬والضرب فـ الرض فـ طاعـة ال‬
‫وطاعة رسوله ‪ ،‬ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا ‪ :‬لو أطاعونا ما ماتُواْ أو قتلوا‬
‫ليجعل اللّه ذلك حسرة ف قلوبم ‪ .‬لقلة اليقي بربم جل ثناؤه ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ‬
‫حيِ ـي َويُمِي تُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ي عل ما يشاء ‪ ،‬ويؤ خر ما يشاء من آجال م‬ ‫يُ ْ‬
‫بقدرته ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُونَ َبصِيٌ ﴾ ‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِن ُقتِ ْلتُم ْـ فِي سَب‬
‫ـِيلِ اللّهِـَأوْ ُمتّم ْـلَ َم ْغفِ َرٌة مّنَـ اللّهِـ‬
‫وَرَحْ َمةٌ َخيْ ٌر مّمّا يَجْ َمعُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الوت كائن ل بد م نه ‪ ،‬فموت ف‬
‫سبيل ال أو قتل خي ما يمعون ف الدنيا ‪.‬‬
‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن‬
‫شر َ‬ ‫ُمـ لِلَى ال تُحْ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِن ّمت ْ‬
‫ّمـ َأوْ ُقتِ ْلت ْ‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ذلك كان ‪ ﴿ :‬لِلَى ال‬ ‫ـ َأوْ ُقتِ ْلتُم ْ‬
‫إسـحاق ‪ ﴿ :‬وََلئِن ّمتّم ْ‬
‫تُحْشَرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن إل ال الرجع فل تغرنكم الدنيا ول تغتروا با ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪444‬‬

‫ت فَظّا‬
‫ت َلهُ مْ َوَلوْ كُن َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَبِمَا َرحْ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ لِن َ‬
‫ب لَنفَضّواْ مِ ْن َحوْلِ كَ فَاعْ فُ َع ْنهُ ْم وَا سَْت ْغفِ ْر َلهُ مْ َوشَاوِ ْرهُ مْ‬
‫ظ الْقَلْ ِ‬
‫غَلِي َ‬
‫ب الْمَُتوَكّلِيَ (‪)159‬‬
‫ت فََتوَ ّكلْ َعلَى اللّ ِه إِنّ اللّ َه يُحِ ّ‬
‫فِي ا َل ْمرِ َفِإذَا َع َزمْ َ‬
‫صرُكُم‬
‫خ ُذلْكُ مْ فَمَن ذَا اّلذِي يَن ُ‬
‫ب َلكُ مْ َوإِن يَ ْ‬
‫صرْ ُكمُ اللّ هُ فَلَ غَالِ َ‬
‫إِن يَن ُ‬
‫مّن َب ْع ِدهِ وَعَلَى اللّ ِه فَلْيََتوَ ّكلِ الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )160‬‬
‫قوله ‪َ ﴿ :‬فبِمَا رَحْ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ ﴾ ‪ :‬ما مزيدة للتأكيد ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ف‬
‫قوله ‪َ ﴿ :‬فبِمَا َرحْ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ لِن تَ َلهُ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬فبحة من ال لنت‬
‫ظ اْلقَلْ بِ لَن َفضّواْ مِ نْ َحوْلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وال‬
‫لم ‪ ﴿ .‬وََلوْ كُن تَ فَظّا غَلِي َ‬
‫طهره من الفظا ظة والغل ظة ‪ ،‬وجعله قريبًا رحيمًا بالؤمن ي رؤوفًا ‪ .‬قال‬
‫ابن عباس ‪ ﴿ :‬لَن َفضّواْ مِنْ َحوْلِكَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬انصرفوا عنك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَاعْ ُ‬
‫ف َعْنهُ ْم وَا ْسَتغْفِرْ َل ُه ْم َوشَاوِ ْرهُ مْ فِي ا َلمْرِ فَِإذَا‬
‫عَ َزمْ تَ َفَتوَكّ ْل عَلَى اللّ هِ إِنّ اللّ َه يُحِبّ الْ ُمَتوَكّلِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن إ سحاق‬
‫‪ ﴿ :‬فَاعْ فُ عَْنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فتجاوز عنهم ‪ ﴿ :‬وَا ْستَ ْغفِرْ َلهُ مْ ﴾ ‪ ،‬ذنوب‬
‫من قارف من أهل الِيان منهم ‪.‬‬
‫وقال قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬وشَاوِرْهُ مْ فِي ا َلمْرِ فَإِذَا عَ َزمْ تَ َفَتوَكّ ْل عَلَى‬
‫ّهـيُحِبّ الْ ُمَتوَكّلِيَ ﴾ أمـر ال عـز وجـل نـبيه أن يشاور‬
‫ّهـإِنّ الل َ‬
‫الل ِ‬
‫أصحابه ف المور وهو يأتيه وحي ال سماء ‪ ،‬لنه أطيب لنفس القوم ‪،‬‬
‫وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه ال ‪ ،‬عزم لم على‬
‫أرشده ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬فَإِذَا عَ َزمْ تَ َفَتوَكّلْ عَلَى اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال الربيع ‪ :‬أمره ال إن‬
‫عزم على أمرٍ أن يضي فيه ويتوكل عليه ‪.‬‬
‫‪445‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن يَن صُرْ ُكمُ اللّ هُ َف َ‬


‫ل غَالِ بَ َلكُ ْم َوإِن َيخْذُْلكُ مْ فَمَن ذَا‬
‫الّذِي يَن صُرُكُم مّ ن بَعْدِ ِه َوعَلَى اللّ هِ َف ْلَيَتوَكّ ِل الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الن صر‬
‫والذلن بيده ‪ ،‬يعز من يشاء ويذل من يشاء ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا كَا َن لِنَبِيّ أَن َي ُغلّ وَمَن َيغْلُ ْل َيأْ تِ بِمَا َغلّ‬
‫ت َوهُ ْم لَ يُظْلَمُو نَ (‪)161‬‬
‫س مّ ا كَ سَبَ ْ‬
‫يَوْ َم اْلقِيَا َم ِة ثُمّ ُت َوفّ ى ُك ّل نَفْ ٍ‬
‫ط مّ َن اللّ ِه وَ َم ْأوَا هُ َجهَنّ ُم َوبِئْ سَ‬
‫ضوَا َن اللّ هِ كَمَن بَاء بِ سَخْ ٍ‬
‫َأفَمَ ِن اتّبَ عَ ِر ْ‬
‫ي بِمَا َيعْمَلُو نَ ( ‪)163‬‬
‫الْمَ صِيُ (‪ )162‬هُ ْم دَ َرجَا تٌ عِندَ اللّ ِه واللّ هُ بَ صِ ٌ‬
‫س ِهمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ‬
‫ث فِيهِمْ رَسُولً مّ ْن أَنفُ ِ‬
‫َلقَ ْد َمنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِيَ ِإذْ بَعَ َ‬
‫حكْ َمةَ وَإِن كَانُوْا مِن قَ ْب ُل لَفِي‬
‫َابـ وَالْ ِ‬
‫ُمـ اْلكِت َ‬
‫ِمـ وَُيعَلّ ُمه ُ‬
‫ِهـ َويُزَكّيه ْ‬
‫آيَات ِ‬
‫ضَل ٍل مّبِيٍ (‪. ﴾ )164‬‬
‫قال ابـن عباس ‪ ( :‬إن هذه اليـة نزلت ‪ ﴿ :‬وَمَا كَانَـِلَنبِيّ أَن يَغُلّ‬
‫﴾ فـ قطيفـة حراء فقدت يوم بدر قال ‪ :‬فقال بعـض الناس ‪ :‬أخذهـا‬
‫رسـول ال ‪ .‬قال ‪ :‬فأكثروا فـ ذلك ‪ ،‬فأنزل ال عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَمَا‬
‫ت بِمَا غَ ّل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ ﴾ ) ‪ .‬وقال الكلب‬
‫كَا نَ ِلَنِبيّ أَن َيغُ ّل َومَن َيغْلُ ْل َيأْ ِ‬
‫‪ ( :‬نزلت ف غنائم أحد حي ترك الرماة الركز للغنيمة ‪ .‬وقالوا ‪ :‬نشى‬
‫أن يقول النـب مـن أخـذ شيئًا فهـو له ‪ ،‬وأن ل يقسـم الغنائم كمـا ل‬
‫يق سمها يوم بدر ‪ .‬فتركوا الر كز ووقعوا ف الغنائم ‪ .‬فقال ل م ال نب ‪:‬‬
‫« أل أعهـد إليكـم أن ل تتركوا الركـز حتـ يأتيكـم أمري » ؟ قالوا ‪:‬‬
‫تركنا بقية إخواننا وقوفًا ‪ .‬فقال النب ‪ « :‬بل ظننتم أن نغل ول نقسم‬
‫» ‪ .‬فأنزل ال تعال هذه الية ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪446‬‬

‫ْمـ اْلقِيَا َمةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سـواء‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن يَغُْل ْل يَأ ِ‬
‫ْتـ بِمَا غَ ّل َيو َ‬
‫كان من الغنيمة أو الصدقة ‪ ،‬أو غي ذلك ‪ ،‬كما ف الديث الصحيح عن‬
‫ال نب ‪ « :‬ل ألفيّ أحد كم يأتـ يوم القيامـة ي مل بعيًا له رغاء ‪ ،‬أو‬
‫بقرة لاـ خوار ‪ ،‬أو شاة تيعـر ‪ ،‬ينادي ‪ :‬يـا ممـد يـا ممـد ‪ .‬فأقول ‪ :‬ل‬
‫أملك لك من ال شيئًا قد بلّغتك » ‪.‬‬
‫و ف الد يث ال خر ‪ « :‬يا أي ها الناس ‪ ،‬من بعثناه على ع مل فف عل‬
‫شيئًا ‪ ،‬جاء يوم القيامة على عنقه يمله » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ ُتوَفّى كُ ّل َنفْ سٍ مّا كَ َ‬
‫سَبتْ وَهُ مْ َل يُ ْظلَمُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ث يزى بكسبه غي مظلوم ول معتدى عليه ‪.‬‬
‫ط مّ نَ اللّ هِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَفَمَ ِن اتّبَ عَ رِ ْ‬
‫ضوَا نَ اللّ هِ كَمَن بَاء بِ سَخْ ٍ‬
‫َومَ ْأوَا هُ َج َهنّ ُم َوِبئْ سَ الْمَ صِيُ ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬أَفَ َم نِ اّتبَ َع‬
‫ضوَا نَ اللّ هِ ﴾ قال ‪ :‬من ل يغل كمن باء بسخط من ال ؟ كمن غل ؟‬ ‫رِ ْ‬
‫وقال ا بن إ سحاق ‪ :‬يقول ‪ :‬أف من كان على طاع ت فثوا به ال نة ورضوان‬
‫من ر به ‪ ،‬ك من باء ب سخط من ال ‪ ،‬فا ستوجب غض به ‪ ،‬وكان مأواه‬
‫جهنم وبئس الصي ؟ أ َسوَاءٌ ا َلثَلن ؟ أي ‪ :‬فاعرفوا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هُ مْ دَرَجَا ٌ‬
‫ت عِندَ اللّ هِ واللّ ُه بَ صِيٌ بِمَا َيعْمَلُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫ت عِندَ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬بأعمالم ‪ ﴿ .‬واللّ ُه‬
‫قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬هُمْ دَ َرجَا ٌ‬
‫بَ صِ ٌي بِمَا َيعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬يقول ‪ :‬إن ال ل ي فى عل يه‬
‫أهل طاعته من أهل معصيته ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لقَ ْد مَنّ اللّهُـ عَلَى الْمُؤ ِمنِيَ إِ ْذ َبعَثَـ فِيهِم ْـ رَسـُو ًل مّن ْـ‬
‫حكْ َم َة َوإِن كَانُواْ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫سهِ ْم يَتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ ِه َويُزَكّيهِ ْم َوُيعَلّ ُمهُ ُم الْ ِكتَا َ‬
‫أَنفُ ِ‬
‫‪447‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مِن َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ّمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬أي ‪ :‬لقد من ال عليكم‬
‫يا أ هل اليان ‪ ،‬إذ ب عث في كم ر سولً من أنف سكم ‪ ،‬يتلو علي كم آيا ته‬
‫ويزكيكم ‪ ،‬فما أخذت وفيما عملتم ‪َ ﴿ ،‬ويُعَلّ ُمكُ ُم ﴾ الي والشر ‪ :‬الي‬
‫لتعرفوا فتعملوا بـه ‪ ،‬والشـر فتتقوه ‪ ،‬ويبـكم برضاه عنكـم إذ أطعتموه‬
‫لتستكثروا من طاعته ‪ ،‬وتتنبوا ما سخط منكم من معصيته ‪ ،‬فتخلصوا‬
‫بذلك من نقمته ‪ ،‬وتدركوا بذلك ثوابه من جنته ‪ .‬وإن كنتم من قبل لفي‬
‫ضلل مـبي ‪ ،‬أي ‪ :‬فـ عمـى مـن الاهليـة ل تعرفون حسـنة ‪ ،‬ول‬
‫تستغيثون من سيئة ‪ ،‬صم عن الق ‪ ،‬عمي عن الدى ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أ َولَمّا أَصَابَ ْتكُم مّصِيَب ٌة َق ْد أَصَبْتُم مّثْلَ ْيهَا قُلْتُ ْم َأنّى‬
‫هَ ـذَا ُقلْ ُه َو مِ نْ عِندِ َأْنفُ سِ ُكمْ إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪)165‬‬
‫وَمَا أَ صَابَ ُكمْ َيوْ مَ الْتَقَى الْجَ ْمعَا ِن فَِبِإذْ ِن اللّ هِ وَلَِيعْلَ َم الْ ُمؤْمِنِيَ (‪)166‬‬
‫ـِيلِ اللّهِـَأوِ ا ْد َفعُواْ‬
‫وَلَْيعْلَمَـ اّلذِينَـنَافَقُواْ َوقِيلَ َلهُم ْـَتعَاَلوْْا قَاتِلُواْ فِي سَب‬
‫َانـ‬
‫ُمـ لِلِي ِ‬
‫َبـ مِ ْنه ْ‬
‫ُمـ لِلْ ُك ْفرِ َي ْومَِئذٍ َأ ْقر ُ‬
‫ُمـ ه ْ‬
‫َمـ قِتَا ًل لتَّبعْنَاك ْ‬
‫قَالُواْ َلوْ َنعْل ُ‬
‫س فِي قُلُوِبهِ ْم وَاللّ ُه أَعْلَ مُ بِمَا َيكْتُمُو نَ ( ‪)167‬‬
‫َيقُولُو َن ِبَأفْوَاهِهِم مّا لَيْ َ‬
‫َنـ‬
‫ِمـ َو َقعَدُوْا َلوْ أَطَاعُون َا م َا قُتِلُوا ُق ْل فَادْ َرؤُوا ع ْ‬
‫ِينـ قَالُواْ ِلخْوَانِه ْ‬
‫الّذ َ‬
‫ت إِن كُنُتمْ صَا ِدقِيَ (‪. ﴾ )168‬‬
‫سكُ ُم الْ َموْ َ‬
‫أَن ُف ِ‬
‫قال قتادة ‪ :‬أ صيب ال سلمون يوم أ حد م صيبة ‪ ،‬وكانوا قد أ صابوا‬
‫مثليهـا يوم بدر ‪ ،‬منـ قتلوا وأسـروا ‪ ،‬فقال ال عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أوَلَمّاـ‬
‫صْبتُم ّمثَْلْيهَا ﴾ ‪ ،‬وقال عكرمة ‪ :‬قتل السلمون من‬ ‫أَ صَابَْتكُم مّ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ‬
‫الشركي يوم بدر سبعي وأسروا سبعي ‪ ،‬وقتل الشركون يوم أحد من‬
‫صْبتُم ّمثَْلْيهَا قُ ْلتُ مْ َأنّى هَـذَا ﴾ إذ‬
‫السلمي سبعي ‪ ،‬فذلك قوله ‪َ ﴿ :‬قدْ أَ َ‬
‫الزء الول‬ ‫‪448‬‬

‫ننـ مسـلمون نقاتـل غضبًا ل ‪ ،‬وهؤلء مشركون ! ﴿ قُ ْل ُه َو مِن ْـ عِن ِد‬


‫سكُ ْم ﴾ عقوبة لكم بعصيتكم النب حي قال ما قال ‪ .‬وقال السن‬ ‫َأنْفُ ِ‬
‫‪ :‬معصيتهم أنه قال لم ‪ :‬ل تتبعوهم يوم أحد ‪ ،‬فاتبعوهم ‪.‬‬
‫َمـ‬
‫ّهـ وَلَِيعْل َ‬
‫ْنـ الل ِ‬
‫َانـ َفبِإِذ ِ‬
‫ج ْمع ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا أَصـَاَبكُمْ َيو َ‬
‫ْمـ اْلتَقَى الْ َ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ * وَْليَعَْل َم الّذِي نَ نَاَفقُواْ ﴾ قال ا بن إ سحاق ‪ :‬أي ‪ :‬ما أ صابكم‬
‫حيث التقيتم أنتم وعدوكم ‪ ،‬فبإذن كان ذلك حي فعلتم ما فعلتم بعد‬
‫أن جاء كم ن صري و صدقتم ‪ ،‬وعدي ؛ ليم يز ب ي النافق ي والؤمن ي ‪:‬‬
‫﴿ وَْلَيعْلَ َم الّذِي َن نَاَفقُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليظهروا ما فيهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقِيلَ َل ُه ْم َتعَالَ ْواْ قَاتِلُواْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َأوِ ادَْفعُواْ قَالُواْ‬
‫ُونـ‬
‫َانـ َيقُول َ‬ ‫ُمـِللِي ِ‬ ‫َبـ ِمْنه ْ‬
‫ُمـِل ْل ُكفْ ِر َيوْ َمئِذٍ أَقْر ُ‬
‫ُمـ ه ْ‬ ‫َمـ ِقتَالً لّتَب ْعنَاك ْ‬
‫َلوْ نَعْل ُ‬
‫بِأَ ْفوَا ِههِم مّا َلْيسَ فِي ُقلُوِبهِ ْم وَاللّهُ َأعْلَ ُم بِمَا يَ ْكتُمُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن إسحاق‬
‫‪ ( :‬خرج ر سول ال إل أ حد ف ألف ر جل من أ صحابه ‪ ،‬ح ت إذا‬
‫كانوا بالشوط بي أحد والدينة ‪ ،‬انزل عنهم عبد ال بن أبّ بن سلول‬
‫بثلث الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أطاعهـم فخرج وعصـان ‪ ،‬وال مـا ندري على مـا‬
‫نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس ! فرجع بن اتبعه من الناس من قومه من‬
‫أ هل النفاق وأ هل الر يب ‪ ،‬واتبع هم ع بد ال بن عمرو بن حزم أ خو ب ن‬
‫سلمة يقول ‪ :‬يا قوم أذكّركم ال أن تذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر‬
‫من عدوكم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ‪ ،‬ولكنا ل نرى‬
‫أن يكون قتال ‪ ،‬فل ما ا ستعصوا عل يه ‪ ،‬وأ بو إل الن صراف عن هم قال ‪:‬‬
‫أبعدكم ال أعداء ال فسيغن ال عنكم ‪ .‬ومضى رسول ال ) ‪ .‬يقول‬
‫ب ِمْنهُ مْ ِللِيَا نِ َيقُولُو نَ ِبأَ ْفوَا ِههِم‬
‫ال عز وجل ‪ ﴿ :‬هُ مْ ِل ْل ُكفْ ِر َيوْ َمئِذٍ أَقْرَ ُ‬
‫‪449‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مّ ا َليْ سَ فِي ُقلُوِبهِ ْم وَاللّ هُ َأعْلَ ُم بِمَا يَ ْكتُمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يفون ‪ .‬وقال‬
‫السدي ف قوله ‪َ ﴿ :‬أوِ ادَْفعُواْ ﴾ يقول ‪ :‬أو كثروا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ قَالُواْ ِل ْخوَاِنهِ مْ وََقعَدُواْ َلوْ أَطَاعُونَا مَا ُقتِلُوا قُلْ‬
‫ْتـإِن كُنتُم ْـ صـَادِقِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن إسـحاق‬ ‫ُسـكُ ُم الْ َمو َ‬
‫َنـأَنف ِ‬
‫فَا ْد َرؤُوا ع ْ‬
‫‪ ﴿ :‬الّذِي نَ قَالُواْ لِ ْخوَاِنهِ مْ ﴾ الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقوهم‬
‫ُمـ‬
‫ْتـ إِن كُنت ْ‬
‫ُسـكُ ُم الْ َمو َ‬
‫َنـ أَنف ِ‬
‫‪ :‬لو أطاعونـا مـا قتلوا ‪ ﴿ .‬قُلْ فَادْ َرؤُوا ع ْ‬
‫ـدِقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أنـه ل بـد من الوت ‪ ،‬فإن اسـتطعتم أن تدفعوه عـن‬ ‫صَا‬
‫ب وأصحابه ‪.‬‬ ‫أنفسكم فافعلوا ‪ .‬قال السدي ‪ :‬هم عبد ال بن أ ّ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ َل تَحْ سََب ّن الّذِي نَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ أَ ْموَاتا بَلْ‬
‫ِهـ‬
‫ّهـ مِن فَضْل ِ‬
‫ُونـ (‪َ )169‬ف ِرحِيَ بِمَا آتَاهُمُـ الل ُ‬
‫أَحْيَاء عِندَ َرّبهِم ْـ ُيرْ َزق َ‬
‫حقُوْا بِهِم مّ نْ خَ ْل ِفهِ مْ أَل خَوْ فٌ عَلَ ْيهِ مْ َولَ‬
‫شرُو َن بِاّلذِي نَ لَ مْ يَ ْل َ‬
‫وَيَ سْتَ ْب ِ‬
‫ضلٍ َوأَنّ اللّهَـ لَ‬
‫ـَ ْبشِرُو َن بِِنعْ َمةٍ مّنَـ اللّهِـ َوفَ ْ‬
‫ح َزنُونَـ (‪ )170‬يَس ْت‬
‫هُم ْـيَ ْ‬
‫يُضِي ُع َأجْ َر الْ ُمؤْمِِنيَ (‪. ﴾ )171‬‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬لا أصيب إخوانكم بأحد‬
‫‪ ،‬ج عل ال أرواح هم ف أجواف ط ي خ ضر ترد أنار ال نة ‪ ،‬وتأ كل من‬
‫ثارها ‪ ،‬وتأوي إل قناديل من ذهب ف ظل العرش ‪ ،‬فلما وجدوا طيب ‪.‬‬
‫مشرب م ومأكل هم وح سن مقيل هم ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا ل يت إخوان نا يعلمون ما‬
‫صنع ال بنا ‪ ،‬لئل يزهدوا ف الهاد ول ينكلوا عن الرب ‪ .‬فقال ال عز‬
‫وجل ‪ :‬أنا أبلغهم عنكم فأنزل ال عز وجل على رسوله هؤلء اليات‬
‫» ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪450‬‬

‫ّهـ وَالرّسـُولِ مِن َب ْعدِ مَا‬


‫اسـتَجَابُواْ لِل ِ‬
‫ِينـ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬اّلذ َ‬
‫أَ صَابَ ُهمُ اْل َقرْ حُ لِلّذِي نَ َأحْ سَنُوْا مِ ْنهُ مْ وَاتّقَوْا َأجْرٌ َعظِي مٌ (‪ )172‬الّذِي نَ‬
‫ش ْوهُ ْم َفزَا َدهُمْ إِيَانا َوقَالُواْ‬
‫س َقدْ جَ َمعُواْ َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫س إِنّ النّا َ‬
‫قَا َل َلهُ ُم النّا ُ‬
‫ّمـ‬
‫ضلٍ ل ْ‬
‫ّهـ َوفَ ْ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫ْمـ الْوَكِيلُ (‪ )173‬فَانقَلَبُوْا بِِنعْ َمةٍ م َ‬
‫ّهـ َوِنع َ‬
‫َسـبُنَا الل ُ‬
‫ح ْ‬
‫ضلٍ عَظِي مٍ (‪ِ )174‬إنّمَا‬
‫ضوَا َن اللّ ِه وَاللّ ُه ذُو فَ ْ‬
‫س ُهمْ سُو ٌء وَاتَّبعُواْ رِ ْ‬
‫سْ‬‫يَمْ َ‬
‫ل تَخَافُوهُ ْم َوخَافُو ِن إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (‬
‫ف َأ ْولِيَاء ُه فَ َ‬
‫خوّ ُ‬
‫َذلِكُ ُم الشّيْطَا ُن يُ َ‬
‫‪. ﴾ )175‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ ( :‬كان يوم أحد السبت للنصف من شوال ‪ ،‬فلما كان‬
‫الغد من يوم الحد لست عشرة ليلة مضت من شوال ‪ ،‬أذّن مؤذن رسول‬
‫ال ف الناس بطلب العدو ‪ ،‬وأذن مؤذن ‪ :‬ل يرجن معنا أ حد إل من‬
‫حضر يومنا بالمس ‪ .‬فكلمه جابر بن عبد ال بن عمرو بن حرام فقال ‪:‬‬
‫يا رسول ال إن أب كان خلفن على أخوات ل سبع وقال ل ‪ :‬يا بن إنه‬
‫ل ينبغي ل ول لك أن نترك هؤلء النسوة ل رجل فيهن ‪ ،‬ولست بالذي‬
‫أوثرك بالهاد مـع رسـول ال على نفسـي ‪ ،‬فتخلف على إخواتـك‬
‫فتخلفت عليهن ‪ ،‬فأذن له رسول ال فخرج م عه ‪ ،‬وإنا خرج رسول‬
‫ال مرهبًا للعدو ‪ ،‬وليبغلهم أنه خرج ف طلبهم ‪ ،‬ليظنوا به قوة ‪ ،‬وأن‬
‫الذي أصابم ل يوهنهم عن عدوهم ) ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ّاسـ قَدْ َج َمعُواْ َلك ْ‬
‫ّاسـ إِنّ الن َ‬
‫ُمـ الن ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذ َ‬
‫ِينـ قَالَ َله ُ‬
‫سُبنَا اللّ ُه َوِنعْ َم اْلوَكِيلُ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪( :‬‬
‫ش ْوهُمْ َفزَا َدهُمْ إِيَانا وَقَالُواْ حَ ْ‬
‫فَاخْ َ‬
‫انطلق رسـول ال وعصـابة مـن أصـحابه بعدمـا انصـرف أبـو سـفيان‬
‫وأ صحابه من أ حد خلف هم ‪ ،‬ح ت كانوا بذي اللي فة ‪ ،‬فج عل العراب‬
‫‪451‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫والناس يأتون عليهـم فيقولون ‪ :‬هذا أبـو سـفيان مائل عليكـم بالناس ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬ح سبنا ال ون عم الوك يل ‪ ،‬فأنزل ال تعال في هم ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ قَالَ‬
‫سُبنَا‬
‫ش ْوهُمْ َفزَا َدهُمْ ِإيَانا وَقَالُواْ حَ ْ‬
‫َلهُ ُم النّاسُ ِإنّ النّاسَ قَدْ جَ َمعُواْ َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫اللّ ُه َونِعْ َم اْلوَكِيلُ ﴾ ‪.‬‬
‫س ُه ْم سـُوءٌ‬
‫ْسـ ْ‬
‫ّمـ يَم َ‬
‫ّهـ وََفضْلٍ ل ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَانقََلبُوْا ِبنِعْ َم ٍة م َ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫ضوَا نَ اللّ ِه وَاللّ هُ ذُو َفضْ ٍل عَظِي مٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه‬ ‫وَاّتَبعُواْ رِ ْ‬
‫ذُو َفضْ ٍل عَظِي مٍ ﴾ ل ا صرف عنهم من لقاء عدو هم ‪ .‬وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫أطاعوا ال وابتغوا حاجت هم ول يؤذ هم أ حد ‪ ﴿ ،‬فَانقََلبُواْ ِبِنعْ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ‬
‫ضوَانَ اللّ ِه وَاللّهُ ذُو َفضْ ٍل عَظِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫سهُ ْم سُو ٌء وَاّتَبعُواْ رِ ْ‬
‫وََفضْلٍ لّ ْم يَمْسَ ْ‬
‫َاءهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ّفـ َأوِْلي ُ‬
‫خو ُ‬‫َانـ يُ َ‬
‫شيْط ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّم َا ذَِلك ُ‬
‫ُمـ ال ّ‬
‫ُونـإِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ُمـ وَخَاف ِ‬
‫ل تَخَافُوه ْ‬ ‫يوفكـم بأوليائه ‪َ ﴿ ،‬ف َ‬
‫خوّ فُ َأوِْليَاء هُ ﴾ قال ‪ :‬يوف الؤمن ي‬
‫شيْطَا نُ ُي َ‬
‫ما هد ‪ ﴿ :‬إِنّمَا ذَِلكُ مُ ال ّ‬
‫بالكفار ‪.‬‬
‫َاءهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ّفـ َأوْلِي ُ‬
‫خو ُ‬‫َانـ يُ َ‬
‫شيْط ُ‬ ‫وقال ابـن كثيـ ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا ذَِلك ُ‬
‫ُمـ ال ّ‬
‫يوفكـم أولياءه ‪ ،‬ويوهكـم أنمـ ذوو بأس وذوو شدة ‪ .‬قال ال تعال‬
‫ل تَخَافُوهُ ْم وَخَافُو نِ إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ .‬أي ‪ :‬إذا سول ل كم‬ ‫‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫وأوه كم ‪ ،‬فتوكلوا عل ّي والأوا إلّ ‪ ،‬فإ ن كافي كم ونا صركم علي هم ‪،‬‬
‫خوّفُونَ كَ بِالّذِي َن مِن دُونِ هِ‬ ‫ف َعبْدَ ُه َويُ َ‬
‫كما قال تعال ‪ ﴿ :‬أََليْ سَ اللّ ُه ِبكَا ٍ‬
‫َومَن يُضِْللِ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ * َومَن َيهْدِ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِن ّمضِلّ أََليْسَ اللّهُ‬
‫ِبعَزِيزٍ ذِي انِتقَا مٍ * وََلئِن َسأَْلتَهُم مّ نْ َخلَ قَ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضَ َلَيقُولُنّ اللّ هُ‬
‫قُلْ أَفَ َرَأْيتُم مّا تَ ْدعُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ إِ نْ أَرَا َدنِ يَ اللّ ُه ِبضُ ّر هَ ْل هُنّ كَا ِشفَا تُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪452‬‬

‫سِبيَ اللّ ُه عََليْ هِ‬


‫سكَاتُ رَحْ َمتِ هِ قُلْ حَ ْ‬
‫ضُرّ هِ َأوْ أَرَادَنِي بِ َرحْ َم ٍة هَ ْل هُنّ مُمْ ِ‬
‫َيتَوَكّ ُل الْ ُمَتوَكّلُونَ ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪453‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس المسون‬

‫ضرّوْا اللّ َه شَيْئا‬


‫حزُنكَ اّلذِينَ يُسَارِعُو َن فِي الْ ُك ْفرِ ِإّنهُ ْم لَن يَ ُ‬
‫﴿ َو َل يَ ْ‬
‫ج َعلَ لَ ُه ْم حَظّا فِي الخِ َر ِة َولَ ُهمْ َعذَابٌ عَظِيمٌ (‪ )176‬إِنّ‬
‫ُيرِيدُ ال ّل ُه أَل يَ ْ‬
‫ضرّواْ اللّ َه شَيْئا َولُ مْ َعذَا بٌ أَلِي مٌ (‬
‫الّذِي نَ اشَْت َروُْا الْ ُك ْفرَ بِالِيَا ِن لَن يَ ُ‬
‫ُسـهِ ْم ِإنّمَا‬
‫ُمـ خَ ْي ٌر ّلأَنف ِ‬
‫ِينـ َك َفرُواْ َأنّمَا نُمْلِي َله ْ‬
‫ْسـَب ّن الّذ َ‬
‫‪ )177‬وَ َل يَح َ‬
‫ب ّمهِيٌ (‪ )178‬مّ ا كَا َن اللّ ُه لَِيذَرَ‬
‫نُمْلِي َلهُ مْ لَِيزْدَادُواْ إِثْما َولَهْ مُ َعذَا ٌ‬
‫ب َومَا كَانَ اللّهُ‬
‫ث مِ َن الطّيّ ِ‬
‫الْمُ ْؤمِنِيَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْ ِه حَّتىَ يَمِي َز الْخَبِي َ‬
‫ب َولَ ِكنّ اللّ َه يَجْتَبِي مِن رّ سُ ِل ِه مَن َيشَا ُء فَآمِنُواْ بِاللّ هِ‬
‫لِيُطْ ِلعَكُ مْ عَلَى اْلغَيْ ِ‬
‫وَرُ سُ ِلهِ َوإِن ُتؤْمِنُواْ َوتَّتقُواْ فَ َلكُ ْم َأجْرٌ َعظِي مٌ (‪ )179‬وَ َل يَحْ سََب ّن اّلذِي نَ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َب ْل ُهوَ َش ّر لّه ْ‬
‫ِهـ ُهوَ خَيْرا ّله ْ‬
‫ّهـ م ِن فَضْل ِ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫ُونـ بِم َا آتَاه ُ‬
‫يَبْخَل َ‬
‫سَيُ َطوّقُو َن مَا بَخِلُواْ بِ ِه َيوْ َم الْقِيَامَ ِة َولِلّ ِه مِيَا ثُ ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ‬
‫وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو نَ خَبِيٌ (‪ّ )180‬ل َقدْ سَمِ َع اللّ ُه َقوْ َل الّذِي َن قَالُواْ إِنّ اللّ هَ‬
‫ُمـ الَنبِيَا َء ِبغَيْ ِر حَقّ َوَنقُولُ‬
‫ب مَا قَالُوْا وَقَتْ َله ُ‬
‫سـَنكْتُ ُ‬
‫ْنـ أَغْنِيَاء َ‬
‫َفقِيٌ َونَح ُ‬
‫حرِي قِ (‪َ )181‬ذلِ كَ بِمَا َق ّدمَ تْ َأْيدِيكُ ْم َوأَنّ اللّ هَ لَيْ سَ‬
‫ب الْ َ‬
‫ذُوقُواْ َعذَا َ‬
‫بِظَل ٍم لّ ْلعَبِيدِ (‪ )182‬اّلذِي َن قَالُواْ إِنّ اللّ هَ َعهِ َد ِإلَيْنَا أَل نُ ْؤمِ نَ ِلرَ سُولٍ‬
‫حَتّ َى َيأْتِيَنَا ِب ُق ْربَا نٍ َتأْكُلُ هُ النّا ُر ُقلْ َق ْد جَاءكُ مْ رُ ُس ٌل مّ ن قَبْلِي بِالْبَيّنَا تِ‬
‫وَبِالّذِي قُلْتُ ْم فَلِ مَ قَتَلُْتمُوهُ ْم إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪َ )183‬فإِن َكذّبُو َك َف َقدْ‬
‫ت وَال ّزبُ ِر وَاْلكِتَا بِ الْمُنِيِ (‪)184‬‬
‫ك جَآؤُوا بِالْبَيّنَا ِ‬
‫ُكذّ بَ رُ ُس ٌل مّن قَبْلِ َ‬
‫س ذَآِئقَ ُة الْ َموْ تِ َوِإنّمَا ُتوَ ّفوْ َن ُأجُورَكُ مْ يَوْ َم الْقِيَامَ ِة فَمَن ُزحْزِ حَ‬
‫ُك ّل َنفْ ٍ‬
‫َاعـ اْلغُرُورِ (‬
‫َنـ النّا ِر وَُأ ْدخِ َل الْجَّن َة َفقَ ْد فَازَ وَمـا الْحَيَاةُ ال ّدنْي َا إِل مَت ُ‬
‫ع ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪454‬‬

‫سكُ ْم َولَتَسْ َمعُ ّن مِنَ اّلذِي َن أُوتُواْ اْلكِتَابَ‬


‫‪ )185‬لَتُبْ َلوُنّ فِي َأمْوَالِكُمْ َوأَنفُ ِ‬
‫مِن قَبْ ِلكُمْ َومِ َن الّذِي َن َأشْرَكُواْ َأذًى كَثِيا َوإِن تَصِْبرُوْا َوتَتّقُواْ َفإِنّ َذلِكَ‬
‫ب لَتُبَيّنُنّهُ‬
‫ق الّذِي َن أُوتُواْ الْكِتَا َ‬
‫مِنْ َعزْمِ ا ُلمُورِ (‪ )186‬وَِإ َذ أَ َخ َذ اللّهُ مِيثَا َ‬
‫ل فَبِئْ سَ‬
‫س وَ َل َتكْتُمُونَ ُه فَنََبذُو ُه وَرَاء ُظهُو ِرهِ مْ وَاشْتَ َر ْواْ بِ هِ ثَمَنا قَلِي ً‬
‫لِلنّا ِ‬
‫مَا َيشَْترُو نَ (‪َ )187‬ل تَحْ سََبنّ اّلذِي نَ َي ْفرَحُو نَ بِمَا َأتَوْا ّويُحِبّو نَ أَن‬
‫ل تَحْ سَبَّن ُهمْ بِ َمفَا َز ٍة مّ نَ اْل َعذَا بِ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ‬
‫يُحْ َمدُواْ بِمَا لَ مْ َي ْفعَلُوْا فَ َ‬
‫ض وَاللّ هُ عَ َلىَ ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫َألِي مٌ (‪ )188‬وَلِلّ هِ مُلْ كُ ال سّمَاوَا ِ‬
‫(‪. ﴾ )189‬‬

‫***‬
‫‪455‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك اّلذِي َن يُ سَارِعُو َن فِي الْ ُك ْفرِ ِإّنهُ مْ لَن‬


‫حزُن َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َي ْ‬
‫ج َع َل َلهُ ْم حَظّا فِي ال ِخ َرةِ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ‬
‫ضرّواْ اللّ هَ شَيْئا ُيرِيدُ اللّ هُ أَل يَ ْ‬
‫يَ ُ‬
‫ّهـ شَيْئا‬
‫ضرّوْا الل َ‬
‫َانـ لَن يَ ُ‬
‫ِينـ اشَْترَ ُواْ اْلكُ ْف َر بِالِي ِ‬
‫ِيمـ (‪ )176‬إِنّ اّلذ َ‬
‫عَظ ٌ‬
‫ب َألِي مٌ (‪ )177‬وَ َل يَحْ سََب ّن اّلذِي نَ َك َفرُواْ َأنّمَا نُمْلِي َلهُ مْ خَ ْيرٌ‬
‫َولُ مْ َعذَا ٌ‬
‫ّلأَن ُفسِ ِه ْم ِإنّمَا نُمْلِي َلهُ ْم لَِي ْزدَادُوْا ِإثْما َوَل ْهمُ َعذَابٌ ّمهِيٌ (‪. ﴾ )178‬‬
‫قال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َل يَ ْ‬
‫حزُن كَ الّذِي َن يُ سَا ِرعُونَ فِي الْ ُكفْرِ ﴾ ‪،‬‬
‫جعَلَ َلهُمْ َحظّا‬‫أي ‪ :‬النافقون ‪ِ ﴿ ،‬إّنهُمْ لَن يَضُرّواْ اللّ َه َشيْئا يُرِيدُ اللّهُ أَل يَ ْ‬
‫فِي الخِ َرةِ ﴾ ‪ .‬قال ا بن إ سحاق ‪ :‬أن ي بط أعمال م ‪ ﴿ ،‬وََلهُ ْم عَذَا بٌ‬
‫عَظِي مٌ ﴾ ‪ ﴿ .‬إِنّ الّذِي نَ ا ْشتَ َر ُواْ الْ ُكفْ َر بِالِيَا نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬النافق ي ﴿ لَن‬
‫َيضُرّواْ اللّ َه َشيْئا َولُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬موجع ‪.‬‬
‫ـ َخْيرٌ‬
‫ـ َكفَرُواْ َأنّمَـا نُ ْملِي َلهُم ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َيحْس َ‬
‫ـبَ ّن الّذِين َ‬
‫َابـ ّمهِيٌ ﴾ ‪ ،‬كقوله‬ ‫ْمـ عَذ ٌ‬ ‫ُمـِليَزْدَادُواْ ِإثْما وََله ُ‬‫ُسـهِمْ ِإنّمَا نُمْلِي َله ْ‬ ‫ّلأَنف ِ‬
‫جبْ كَ َأ ْموَاُلهُ ْم َوَأوْلَ ُدهُ مْ إِنّمَا ُيرِيدُ اللّ هُ أَن ُيعَ ّذبَهُم بِهَا فِي‬
‫‪ ﴿ :‬وَ َل ُتعْ ِ‬
‫ال ّدنْيَا َوتَ ْزهَقَ أَنفُسُهُ ْم َوهُمْ كَاِفرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬فَذَ ْرنِي َومَن ُيكَذّ ُ‬
‫ب ِبهَذَا الْحَدِيثِ َسنَسْتَدْ ِر ُجهُم مّنْ َحيْثُ‬
‫ل َيعْلَمُونَ * َوأُمْلِي َلهُمْ ِإنّ َكيْدِي َمتِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مّا كَا َن اللّ ُه لَِيذَرَ الْ ُم ْؤمِنِيَ عَلَى مَا أَنتُ مْ عَلَيْ ِه حَّتىَ‬
‫ب َولَ ِكنّ اللّهَ‬
‫ب َومَا كَا َن اللّهُ لِيُطْ ِلعَكُمْ عَلَى اْلغَيْ ِ‬
‫ث مِنَ الطّيّ ِ‬
‫يَمِيزَ الْخَبِي َ‬
‫يَجْتَبِي مِن رّ سُ ِلهِ مَن َيشَا ُء فَآمِنُواْ بِاللّ ِه وَرُ سُ ِلهِ َوإِن تُ ْؤمِنُوْا َوتَتّقُواْ فَ َلكُ مْ‬
‫أَ ْجرٌ عَظِيمٌ (‪ )179‬وَ َل يَحْسََب ّن اّلذِينَ يَبْخَلُو َن بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪456‬‬

‫هُ َو خَيْرا ّلهُ مْ َب ْل هُ َو َشرّ ّلهُ مْ سَيُ َط ّوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِ ِه يَوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَلِلّ هِ‬
‫ض وَاللّ ُه بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيٌ (‪. ﴾ )180‬‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫ث السّمَاوَا ِ‬
‫مِيَا ُ‬
‫قال ما هد ف قول ال ‪ ﴿ :‬مّ ا كَا نَ اللّ هُ ِليَذَ َر الْ ُم ْؤمِنِيَ عَلَى مَا أَنتُ مْ‬
‫ّبـ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ميـز بينهـم يوم أحـد ‪،‬‬
‫ِنـ ال ّطي ِ‬
‫ِيثـ م َ‬
‫خب َ‬‫ْهـ َحّتىَ يَمِي َز الْ َ‬
‫عََلي ِ‬
‫النافق من الؤمن ‪.‬‬
‫ْبـ ﴾ ‪ ،‬فتعرفوا‬
‫ُمـ عَلَى الْ َغي ِ‬
‫ّهـ ِليُطِْل َعك ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا ك َ‬
‫َانـ الل ُ‬
‫جَتبِي مِن رّسُلِ ِه مَن يَشَاءُ ﴾ ‪.‬‬
‫النافق من غيه قبل التمييز ‪ ﴿ ،‬وََلكِنّ اللّ َه يَ ْ‬
‫قال ماهد يلصهم لنفسه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَآ ِمنُواْ بِاللّهِـ وَرُسُل‬
‫ـِ ِه َوإِن ُت ْؤ ِمنُوْا َوتَّتقُواْ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن‬
‫إسحاق ‪ :‬أي ‪ :‬ترجعوا وتتوبوا ﴿ فََلكُمْ أَ ْج ٌر عَظِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل يَحْ َ‬
‫سبَ ّن الّذِي َن َيبْخَلُو َن بِمَا آتَاهُ مُ اللّ ُه مِن َفضْلِ ِه ُهوَ‬
‫خلُواْ بِ هِ َيوْ مَ اْل ِقيَا َمةِ وَلِلّ ِه مِيَا ُ‬
‫ث‬ ‫َخيْرا ّلهُ ْم بَ ْل ُهوَ َشرّ ّلهُ مْ َسيُ َطوّقُو َن مَا بَ ِ‬
‫ت وَالَرْ ضِ وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو نَ َخبِي ﴾ ‪ .‬قال السدي ‪ :‬هم الذين‬ ‫ال سّمَاوَا ِ‬
‫آتاهـم ال مـن فضله ‪ ،‬فبخلوا أن ينفقوهـا فـ سـبيل ال ‪ ،‬ول يؤدوا‬
‫خلُواْ بِ ِه َيوْمَ اْل ِقيَامَةِ‬
‫زكاتا ‪ .‬وقال ابن مسعود ف قوله ‪َ ﴿ :‬سيُ َطوّقُونَ مَا بَ ِ‬
‫﴾ قال ‪ :‬ثعبان ينقـر رأس أحدهـم يقول ‪ :‬أنـا مالُك الذي بلت بـه ‪.‬‬
‫وقال رسـول ال ‪ « :‬مـا مـن أحـد ل يؤدي زكاة ماله ‪ ،‬إل مث ّل له‬
‫شجاع أقرع يطوقه » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ّ ﴿ :‬ل َقدْ سَمِ َع اللّ ُه َقوْ َل الّذِي َن قَالُواْ إِنّ اللّ هَ َفقِيٌ‬
‫ب مَا قَالُواْ َوقَتْ َلهُ ُم الَنبِيَا َء ِبغَ ْيرِ حَقّ َوَنقُولُ ذُوقُواْ‬
‫وَنَحْ ُن أَغْنِيَاء سَنَكْتُ ُ‬
‫‪457‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س بِظَل مٍ‬
‫ت َأيْدِيكُ ْم َوأَنّ اللّ هَ لَيْ َ‬
‫ك بِمَا َق ّدمَ ْ‬
‫حرِي قِ (‪َ )181‬ذلِ َ‬
‫ب الْ َ‬
‫َعذَا َ‬
‫لّ ْلعَبِيدِ (‪ )182‬الّذِينَـ قَالُواْ إِنّ اللّهَـ َعهِ َد ِإلَيْنَا أَل ُنؤْمِنَـِلرَسـُو ٍل حَتّىَ‬
‫ت َوبِاّلذِي‬
‫َيأْتِيَنَا ِب ُقرْبَا نٍ َتأْكُلُ هُ النّارُ ُق ْل َقدْ جَاءكُ مْ رُ ُسلٌ مّن قَبْلِي بِالْبَيّنَا ِ‬
‫قُلْتُ ْم فَلِ َم قَتَلْتُمُوهُ ْم إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪َ )183‬فإِن َكذّبُو َك َف َقدْ ُكذّ بَ‬
‫رُسُـلٌ مّنـ قَبْلِكَـ جَآؤُوا بِالْبَيّنَاتِـ وَال ّزبُ ِر وَاْلكِتَابِـ الْمُنِيِ (‪ُ )184‬كلّ‬
‫َنفْ سٍ ذَآِئ َقةُ الْ َموْ تِ َوِإنّمَا ُت َوفّوْ َن ُأجُورَكُ ْم َيوْ َم الْقِيَامَ ِة فَمَن ُز ْحزِ حَ عَ نِ‬
‫ع الْ ُغرُورِ (‪)185‬‬
‫النّا ِر َوُأدْ ِخلَ الْجَّن َة َف َقدْ فَا َز وَ ما الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَا ُ‬
‫سكُ ْم َولَتَ سْ َمعُ ّن مِ نَ اّلذِي َن أُوتُواْ اْلكِتَا بَ مِن‬
‫لَتُبْ َلوُنّ فِي َأمْوَالِكُ مْ َوأَنفُ ِ‬
‫ك مِنْ‬
‫قَبْ ِلكُمْ َومِ َن الّذِي َن َأشْرَكُواْ َأذًى كَثِيا َوإِن تَصِْبرُوْا َوتَتّقُواْ َفإِنّ َذلِ َ‬
‫َعزْ ِم ا ُلمُورِ (‪. ﴾ )186‬‬
‫قال السن ‪ :‬لا نزلت ‪ ﴿ :‬مّن ذَا الّذِي ُيقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا ﴾ ‪،‬‬
‫عجبت اليهود فقالت ‪ :‬إن ال فقي يستقرض ‪ .‬فنلت ‪ّ ﴿ :‬لقَدْ سَمِعَ اللّ ُه‬
‫ب مَا قَالُواْ وََقتَْلهُ ُم الَنبِيَاءَ‬
‫َقوْ َل الّذِي نَ قَالُواْ ِإنّ اللّ هَ َفقِيٌ َونَحْ نُ أَ ْغِنيَاء َسَن ْكتُ ُ‬
‫ك بِمَا قَ ّدمَتْ َأيْدِيكُ ْم َوَأنّ اللّهَ‬ ‫ب الْحَرِيقِ * ذَلِ َ‬ ‫ِبغَيْرِ حَقّ َونَقُولُ ذُوقُوْا عَذَا َ‬
‫َليْ سَ بِظَل مٍ لّ ْل َعبِيدِ * الّذِي نَ قَالُواْ ِإنّ اللّ َه َعهِدَ إَِلْينَا أَل ُن ْؤمِ نَ لِرَ سُولٍ َحتّىَ‬
‫يَ ْأِتيَنَا ِبقُ ْربَا نٍ َتأْكُلُ ُه النّارُ ﴾ ‪ .‬قال الكلب ‪ ( :‬نزلت ف كعب بن الشرف‬
‫وأناس م عه من اليهود ‪ ،‬أتوا ال نب فقالوا ‪ :‬يا م مد تز عم أن ال تعال‬
‫بعثك إلينا رسولً ‪ ،‬وأنزل عليك الكتاب ‪ ،‬وأن ال تعال قد عهد إلينا ف‬
‫التوراة أن ل نؤمن لرسول حت يأتينا بقربان تأكله النار ‪ .‬قال ال تعال ‪:‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪458‬‬

‫قـل يـا ممـد ‪ :‬قـد جاءكـم رسـل مـن قبلي بِالبينات وبالذي قلتـم مـن‬
‫القربان ‪ ،‬فلم قتلتموهم إن كنتم صادقي ؟‬
‫قال البغوي ‪ :‬معناه تكذيبهـم إياك ‪ ،‬مـع علمهـم بصـدقك ‪ ،‬كقتـل‬
‫آبائ هم ال نبياء ‪ ،‬مع التيان بالقربان والعجزات ‪ .‬ث قال معزيًا ل نبيه‬
‫َاتـ وَال ّزُبرِ‬
‫ِكـ جَآؤُوا بِاْلَبيّن ِ‬
‫ُسـ ٌل مّنـ َقبْل َ‬
‫ّبـ ر ُ‬
‫ُوكـ َفقَدْ كُذ َ‬
‫‪ ﴿ :‬فَإِن كَ ّذب َ‬
‫وَالْ ِكتَابِ الْ ُمنِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الواضح الضيء ‪.‬‬
‫قال ف ف تح البيان ‪ :‬البينات ‪ :‬العجزات ‪ .‬والزبر ‪ :‬الك تب الق صورة‬
‫على الكم والواعظ ‪ .‬والكتاب الني ‪ :‬الواضح العن ‪ ،‬التضمن للشرائع‬
‫والحكام ‪.‬‬
‫﴿ كُلّ نَفْ سٍ ذَآِئ َقةُ الْ َموْ تِ َوإِنّمَا ُتوَّفوْ نَ أُجُورَ ُك ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فَمَن‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَا إِل َمتَا عُ اْلغُرُورِ‬‫جّنةَ َفقَدْ فَا َز وَ ما الْ َ‬
‫ح عَ ِن النّا ِر َوأُدْ ِخ َل الْ َ‬
‫زُ ْحزِ َ‬
‫﴾ كمتاع يدلس به على البتاع فيفر ويشتريه ‪ ،‬فمن اغتار با وآثرها فهو‬
‫حيَاةُ‬
‫مغرور ‪ .‬قال تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ َفلَا َتغُ ّرّنكُ مُ الْ َ‬
‫ال ّدنْيَا وَلَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّ ِه الْغَرُورُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الشيطان ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لتُبَْلوُنّ فِي َأ ْموَالِكُ ْم َوأَنفُ سِكُ ْم وََلتَ سْ َمعُ ّن مِ َن الّذِي نَ‬
‫َصـبِرُواْ‬
‫ِينـ َأشْرَكُواْ أَذًى َكثِيا َوإِن ت ْ‬
‫ِنـ الّذ َ‬
‫ُمـ َوم َ‬
‫َابـ مِن َقْبِلك ْ‬
‫أُوتُواْ اْل ِكت َ‬
‫ك مِ ْن عَ ْز ِم ا ُلمُورِ ﴾ ‪ .‬قال عطاء ‪ :‬من حقيقة الِيان ‪.‬‬‫َوتَّتقُواْ فَِإنّ ذَلِ َ‬
‫ب لَتُبَيّنُنّ هُ‬
‫ق الّذِي نَ أُوتُوْا الْكِتَا َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِ َذ َأخَ َذ اللّ ُه مِيثَا َ‬
‫ل فَبِئْ سَ‬
‫س وَ َل َتكْتُمُونَ ُه فَنََبذُو ُه وَرَاء ُظهُو ِرهِ مْ وَاشْتَ َر ْواْ بِ هِ ثَمَنا قَلِي ً‬
‫لِلنّا ِ‬
‫مَا َيشْتَرُو نَ (‪َ )187‬ل تَحْ سََب ّن اّلذِي نَ َي ْفرَحُو َن بِمَا َأتَوْا ّويُحِبّو َن أَن‬
‫ل تَحْ سَبَّن ُهمْ بِ َمفَا َز ٍة مّ نَ اْل َعذَا بِ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ‬
‫يُحْ َمدُواْ بِمَا لَ مْ َي ْفعَلُوْا فَ َ‬
‫‪459‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض وَاللّ هُ عَ َلىَ ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ‬


‫ت وَالَرْ ِ‬
‫َألِيمٌ (‪ )188‬وَلِلّهِ مُلْكُ ال سّمَاوَا ِ‬
‫(‪. ﴾ )189‬‬
‫ـ أُوتُواْ‬
‫ـ الّذِين َ‬ ‫قال ابـن جريـج فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وإِذَ أَ َخذَ اللّه ُ‬
‫ـ مِيثَاق َ‬
‫الْ ِكتَا بَ ﴾ ل يبيننه للناس ول يكتمو نه ‪ .‬قال ‪ :‬وكان ف يه أن ال سلم د ين‬
‫ال الذي افتر ضه على عباده وأن ممدًا يدو نه مكتوبًا عند هم ف التوراة‬
‫والنيـل ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هذا ميثاق أخذه ال على أهـل العلم ‪ ،‬فمـن علم‬
‫شيئًا فليعلّمـه ‪ ،‬وإياكـم وكتمان العلم ‪ ،‬فإن كتمان العلم هلكـة ‪ ،‬ول‬
‫يتكلفـن رجـل مـا ل علم له بـه ‪ ،‬فيخرج مـن ديـن ال ‪ ،‬فيكون مـن‬
‫التكلفيـ ؛ كأن يقال ‪َ :‬مثَ ُل عِلْم ل يُقال بـه كمثـل كنـ ل ينفـق منـه ‪،‬‬
‫ومثـل حكمـة ل ترج كمثـل صـنم قائم ل يأكـل ول يشرب ‪ .‬وكان‬
‫يقال ‪ :‬طوبـ لعال ناطـق ‪ ،‬وطوبـ لسـتمع واع ‪ ،‬هذا رجـل علّم علمًا‬
‫فعلّمه وبذله ودعا إليه ‪ ،‬ورجل سع خيًا فحفظه ووعاه وانتفع به ‪.‬‬
‫وقال الشعب ف قوله ‪َ ﴿ :‬فنَبَذُو ُه وَرَاء ظُهُو ِرهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إنم قد‬
‫كانوا يقرأون ‪ :‬إنا نبذوا العمل به ‪.‬‬
‫حمَدُواْ‬
‫حبّو نَ أَن يُ ْ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬لَ تَحْ َ‬
‫سبَ ّن الّذِي نَ يَفْ َرحُو َن بِمَا َأتَواْ ّويُ ِ‬
‫َابـ‬
‫ّنـ اْلعَذ ِ‬
‫ْسـّنهُ ْم بِ َمفَا َزةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬منجاة ‪ ﴿ ،‬م َ‬
‫ل تَح ََب‬
‫َمـ َي ْفعَلُواْ َف َ‬
‫بِمَا ل ْ‬
‫ـ ﴾ ‪ .‬قال الضحاك ‪ :‬فرح اليهود باجتماعهـم على‬ ‫ـ أَلِيم ٌ‬
‫ـ عَذَاب ٌ‬ ‫وََلهُم ْ‬
‫كفرهـم بحمـد وقالوا ‪ :‬قـد جعـ ال كلمتنـا ‪ .‬وقالوا ‪ :‬ننـ أبناء ال‬
‫وأحباؤه ‪ ،‬ونن أهل الصلة والصيام ‪ ،‬وكذبوا ‪ ،‬بل هم أهل كفر وشرك‬
‫وافتراء على ال ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬هؤلء النافقون يقولون للنب ‪ :‬لو قد‬
‫الزء الول‬ ‫‪460‬‬

‫خرجـت لرجنـا معـك ‪ ،‬فإذا خرج النـب تلفوا وكذبوا ويفرحون‬


‫بذلك ‪ ،‬ويرون أنا حيلة احتالوا با ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪َ ﴿ :‬يفْرَحُونَ بِمَا َأتَواْ ﴾ ‪ ،‬قال الفراء ‪ :‬با فعوا ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ل تَحْ َ‬
‫سبَ ّن الّذِي َن َيفْرَحُو نَ بِمَا َأتَواْ‬
‫َمـ َي ْفعَلُواْ ﴾ اليـة ‪ ،‬يعنـ بذلك ‪ :‬الرائيـ‬
‫ّونـ أَن يُحْمَدُوْا بِم َا ل ْ‬
‫حب َ‬‫ّويُ ِ‬
‫التكثر ين ب ا ل يعطوا ‪ ،‬وذ كر أقوال الف سرين ث قال ‪ :‬ول منافاة ‪ ،‬لن‬
‫الية عامة ف جيع ما ذكر ‪ .‬وال أعلم ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ض وَاللّ ُه عََلىَ كُلّ شَيْءٍ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه مُلْ ُ‬
‫ك ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫قَدِيرٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فهو الغ ن القادر ل يتاج إل أ حد ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫حمِيدُ ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫يَا أَّيهَا النّاسُ أَنتُ ُم اْلفُقَرَاء إِلَى اللّ ِه وَاللّ ُه ُه َو الْ َغِنيّ الْ َ‬

‫***‬
‫‪461‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الادي والمسون‬

‫ف اللّ ْيلِ وَالنّهَا ِر ليَا تٍ‬


‫ض وَاخْتِلَ ِ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫﴿ إِنّ فِي خَلْ قِ ال سّمَاوَا ِ‬
‫ّلأُ ْولِي اللْبَا بِ (‪ )190‬اّلذِي نَ َيذْ ُكرُو َن اللّ هَ قِيَاما َو ُقعُودا وَعَ َل َى جُنُوِبهِ مْ‬
‫وَيََت َفكّرُو نَ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َربّنَا مَا خَ َلقْ تَ هَذا بَا ِطلً‬
‫ك مَن ُت ْدخِ ِل النّارَ َف َقدْ َأ ْخ َزيْتَهُ‬
‫ك َفقِنَا َعذَابَ النّارِ (‪َ )191‬ربّنَا ِإنّ َ‬
‫سُبْحَانَ َ‬
‫وَمَا لِلظّالِمِيَ مِ ْن أَنصَارٍ (‪ّ )192‬ربّنَا ِإنّنَا سَ ِمعْنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلِيَا ِن أَنْ‬
‫آمِنُواْ ِب َربّكُ مْ فَآمَنّ ا َربّنَا فَا ْغ ِفرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَ َك ّفرْ عَنّ ا سَيّئَاتِنَا وََت َوفّنَا مَ عَ‬
‫خ ِزنَا يَوْ َم اْلقِيَا َمةِ‬
‫الْبرَارِ (‪َ )193‬ربّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَى رُ سُ ِلكَ َولَ تُ ْ‬
‫ب َلهُ مْ َرّبهُ مْ َأنّي لَ أُضِي عُ عَ َملَ‬
‫ف الْمِيعَادَ (‪ )194‬فَا سْتَجَا َ‬
‫ِإنّ كَ َل تُخْلِ ُ‬
‫ِينـ هَا َجرُواْ‬
‫ْضـ فَاّلذ َ‬
‫عَا ِملٍ مّنك ُم مّنـ ذَ َكرٍ َأ ْو أُنث َى َبعْضُك ُم مّنـ َبع ٍ‬
‫وَُأ ْخرِجُوْا مِن ِديَارِهِ مْ َوأُوذُوْا فِي سَبِيلِي َوقَاتَلُوْا َوقُتِلُوْا لُكَ ّفرَنّ عَ ْنهُ مْ‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ ثَوَابا مّن عِندِ اللّ هِ‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫سَيّئَاِت ِهمْ َو ُلدْخِلَّنهُ مْ جَنّا ٍ‬
‫ب اّلذِي نَ َك َفرُوْا فِي‬
‫ك تَقَلّ ُ‬
‫س ُن الثّوَا بِ (‪ )195‬لَ َي ُغ ّرنّ َ‬
‫وَاللّ هُ عِندَ هُ حُ ْ‬
‫س الْ ِمهَادُ (‪َ )197‬لكِ نِ‬
‫ع قَلِي ٌل ُثمّ َم ْأوَاهُ مْ َجهَنّ مُ َوبِئْ َ‬
‫لدِ (‪ )196‬مَتَا ٌ‬
‫الْبِ َ‬
‫جرِي مِن تَحِْتهَا الَْنهَارُ خَالِدِي َن فِيهَا ُنزُلً‬
‫ت تَ ْ‬
‫الّذِي َن اتّ َقوْاْ َرّبهُ ْم َلهُمْ جَنّا ٌ‬
‫لْبرَارِ (‪ )198‬وَإِنّ مِ ْن أَ ْه ِل الْكِتَا بِ‬
‫مّ نْ عِندِ اللّ هِ وَمَا عِن َد اللّ ِه خَ ْيرٌ لّ َ‬
‫لَمَن يُ ْؤمِنُ بِاللّهِ َومَا أُنزِ َل ِإلَيْكُمْ َومَا أُن ِزلَ ِإلَ ْيهِ ْم خَا ِشعِيَ لِلّهِ َل َيشَْترُونَ‬
‫ك َلهُ مْ َأ ْجرُهُ مْ عِندَ َرّبهِ ْم إِنّ اللّ هَ َسرِيعُ‬
‫ل ُأ ْولَ ـئِ َ‬
‫ت اللّ هِ ثَمَنا قَلِي ً‬
‫بِآيَا ِ‬
‫الْحِ سَابِ (‪ )199‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُواْ ا صِْبرُواْ وَ صَاِبرُوْا وَرَابِطُواْ وَاّتقُواْ‬
‫اللّ َه َلعَلّ ُكمْ تُفْلِحُونَ (‪. ﴾ )200‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪462‬‬

‫ل فِ‬
‫ض وَاخْتِ َ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَا ِ‬
‫اللّيْ ِل وَالّنهَا ِر ليَا تٍ ّلُأوْلِي اللْبَا بِ (‪ )190‬اّلذِي َن َيذْكُرُو َن اللّ َه قِيَاما‬
‫ت وَالَرْ ضِ َربّنَا مَا‬
‫َوقُعُودا وَعَ َلىَ جُنُوبِهِ مْ َويََتفَ ّكرُو َن فِي خَلْ قِ ال سّمَاوَا ِ‬
‫ـْحَاَنكَ َفقِنَا َعذَابَـ النّارِ (‪َ )191‬ربّنَا ِإنّكَـ مَن‬
‫ل سُب‬
‫خَلَقْتَـ هَذا بَاطِ ً‬
‫ُتدْ ِخلِ النّا َر َفقَ ْد َأخْ َزيْتَ ُه َومَا لِلظّالِمِيَ مِ ْن أَنصَارٍ (‪ّ )192‬ربّنَا ِإنّنَا سَ ِمعْنَا‬
‫مُنَادِيا يُنَادِي ِللِيَا ِن أَ نْ آمِنُوْا ِب َربّكُ مْ فَآمَنّ ا َربّنَا فَا ْغ ِفرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَ َك ّفرْ‬
‫عَنّا سَيّئَاتِنَا وََت َوفّنَا مَ َع البْرَارِ (‪َ )193‬ربّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَى رُ سُ ِلكَ‬
‫ف الْمِيعَادَ (‪. ﴾ )194‬‬
‫ك لَ تُخْلِ ُ‬
‫خ ِزنَا َيوْ َم الْقِيَامَ ِة ِإنّ َ‬
‫وَ َل تُ ْ‬
‫قال ا بن جر يج ف قوله ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ يَذْ ُكرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعََلىَ‬
‫ُجنُوِبهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو ذ كر ال ف ال صلة و ف غ ي ال صلة ‪ ،‬وقراءة‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويََت َفكّرُو نَ فِي خَ ْل ِق ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َربّنَا مَا‬
‫َابـ النّارِ ﴾ ‪ .‬قال ابـن عوف ‪:‬‬
‫سـبْحَانَكَ َفقِن َا عَذ َ‬
‫ل ُ‬‫ْتـ هَذا بَاطِ ً‬
‫خََلق َ‬
‫الفكرة ‪ :‬تذ هب الغفلة ‪ ،‬وتدث للقلب الش ية ‪ ،‬ك ما يدث الاء للزرع‬
‫النماء ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬ربّنَا ِإنّ َ‬
‫ك مَن تُ ْدخِ ِل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَ هُ وَمَا لِلظّاِلمِيَ مِ نْ‬
‫أَن صَارٍ ﴾ ‪ ،‬عن الشعث المل قال ‪ :‬قلت للحسن ‪ :‬يا أبا سعيد أرأيت‬
‫ما تذ كر من الشفا عة حق هو ؟ قال ‪ :‬ن عم حق ‪ .‬قلت ‪ :‬يا أ با سعيد‬
‫َهـ ﴾ ‪،‬‬
‫ّكـ م َن تُدْ ِخ ِل النّارَ َفقَدْ أَ ْخ َزْيت ُ‬
‫أرأيـت قول ال تعال ‪َ ﴿ :‬ربّن َا ِإن َ‬
‫يريدون أن يرجوا من النار وما هم بارجي منها ‪ .‬فقال ل ‪ :‬إنك وال‬
‫‪463‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل تسـتطيع على شيـء ‪ ،‬إن للنار أهلً ل يرجون منهـا كمـا قال ال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا أبا سعيد فيم دخلوا ث خرجوا ؟ قال ‪ :‬كانوا أصابوا ذنوبًا ف‬
‫الدنيا فأخذهم ال با ‪ ،‬فأدخلهم با ‪ ،‬ث أخرجهم با يعلم ف قلوبم من‬
‫اليان والتصديق به ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ّ ﴿ :‬رّبنَا ِإنّنَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا يُنَادِي ِللِيَا نِ أَ نْ آ ِمنُوْا بِ َرّبكُ مْ‬
‫فَآ َمنّا َرّبنَا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّ ْر َعنّا َسيّئَاِتنَا َوَتوَّفنَا مَ َع البْرَارِ ﴾ النادي ‪:‬‬
‫هو ‪ :‬القرآن ‪ .‬قال م مد بن ك عب القر ظي ‪ :‬هو الكتاب ‪ ،‬ل يس كل هم‬
‫لقي النب ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬ربّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَى رُ سُلِ َ‬
‫ك وَ َل تُخْزِنَا َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ‬
‫ِفـ الْمِيعَادَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل بـد مـن اليعاد الذي أخـبت عنـه‬ ‫خل ُ‬ ‫ّكـ َل تُ ْ‬
‫ِإن َ‬
‫ر سلك ‪ ،‬و هو القيام ب ي يد يك ‪ ﴿ ،‬فَا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَ َكفّ ْر َعنّ ا َسّيئَاتِنَا‬
‫َوَتوَفّنَا مَ َع البْرَارِ ﴾ ‪ ،‬ول تزنا فإننا قد آمنا بك وبكتابك ونبيك ‪.‬‬
‫ب َلهُ مْ َرّبهُ مْ أَنّي َل أُضِي عُ عَ َملَ عَا ِملٍ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَا سْتَجَا َ‬
‫ض فَالّذِي َن هَا َجرُواْ وَُأ ْخرِجُوْا مِن‬
‫مّنكُم مّن ذَ َك ٍر َأوْ أُنثَى َبعْضُكُم مّن َبعْ ٍ‬
‫سـيّئَاتِ ِهمْ‬
‫ُمـ َ‬
‫سـبِيلِي َوقَاتَلُوْا َوقُتِلُوْا لُ َكفّرَن ّ َع ْنه ْ‬
‫ِمـ َوأُوذُواْ ف ِي َ‬
‫ِديَا ِره ْ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلْنهَا ُر َثوَابا مّ ن عِن ِد اللّ هِ وَاللّ هُ‬
‫وَ ُل ْدخِلَنّهُ ْم جَنّا تٍ تَ ْ‬
‫عِن َد ُه ُحسْ ُن الثّوَابِ (‪. ﴾ )195‬‬
‫عـن ماهـد قال ‪ :‬قالت أم سـلمة ‪ :‬يـا رسـول ال تذكـر الرجال فـ‬
‫الجرة ول تذكر النساء ‪ ،‬فنلت ‪َ ﴿ :‬أنّي لَ أُضِي ُع عَمَ َل عَامِ ٍل مّنكُم مّن‬
‫ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى ﴾ الية ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪464‬‬

‫وقوله ‪َ ﴿ :‬بعْضُكُم مّ ن َبعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬قال الكل ب ‪ :‬ف الد ين والن صرة‬


‫والوالة ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬جيعكم ف ثواب سواء ‪.‬‬
‫ِمـ َوأُوذُواْ ف ِي‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَالّذ َ‬
‫ِينـ هَاجَرُوْا َوأُخْ ِرجُواْ م ِن ِديَا ِره ْ‬
‫جرِي مِن‬
‫ت تَ ْ‬
‫َسبِيلِي وَقَاتَلُوْا وَُقتِلُواْ لُ َكفّ َرنّ َعْنهُمْ َسيّئَاِتهِ ْم وَلُدْ ِخَلّنهُمْ َجنّا ٍ‬
‫حِتهَا ا َلنْهَا ُر َثوَابا مّن عِندِ اللّ ِه وَاللّ ُه عِندَ هُ حُ سْ ُن الّثوَا بِ ﴾ ‪ ،‬عن ع بد‬ ‫تَ ْ‬
‫ال بن عمرو بن العاص قال ‪ :‬لقد سعت رسول ال يقول ‪ « :‬إن أول‬
‫ثلة تدخل النة لفقراء الهاجرون الذين ُتتّقى بم الكاره ‪ ،‬إذا أُمروا سعوا‬
‫وأطاعوا ‪ ،‬وإن كانت لرجل منهم حاجة إل السلطان ل تقض حت يوت‬
‫و هي ف صدره ‪ ،‬وإن ال يدعو يوم القيامة ال نة فتأ ت بزخرفها وزينتها‬
‫فيقول ‪ :‬أي ‪ :‬عبادي الذيـن قتلوا فـ سـبيلي ‪ ،‬وأوذوا فـ سـبيلي ‪،‬‬
‫وجاهدوا ف سبيلي ؟ ادخلوا النة ‪ ،‬فيدخلونا بغي عذاب ول حساب »‬
‫‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫لدِ (‪)196‬‬
‫ب الّذِينَ َك َفرُواْ فِي الْبِ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ل َيغُ ّرنّكَ َتقَلّ ُ‬
‫ع قَلِيلٌ ثُمّ َمأْوَاهُ ْم جَهَنّ ُم َوبِئْ سَ الْ ِمهَادُ (‪َ )197‬لكِ نِ اّلذِي َن اتّ َقوْاْ‬
‫مَتَا ٌ‬
‫حتِهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِي نَ فِيهَا ُن ُزلً مّ نْ عِندِ‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬
‫َرّبهُ مْ لَهُ مْ جَنّا تٌ تَ ْ‬
‫لْبرَارِ (‪. ﴾ )198‬‬
‫اللّ ِه َومَا عِن َد ال ّلهِ خَ ْي ٌر لّ َ‬
‫ب الّذِي نَ َكفَرُواْ فِي‬ ‫قال ا بن جر ير ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬لَ يَغُ ّرنّ َ‬
‫ك َتقَلّ ُ‬
‫الِْبلَدِ ﴾ فنهـى ال تعال ذكره نـبيه عـن الغترار بضربمـ فـ البلد ‪،‬‬
‫وإمهال ال إيا هم مع شرك هم وجحود هم نع مه وعبادت م غيه ‪ .‬وخرج‬
‫‪465‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الطاب بذلك للنب ‪ ،‬والعنّ به غيه من أتباعه ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬وال ما‬
‫غروا نب ال ‪ ،‬ول وكل إليهم شيئًا من أمر ال حت قبضه ال على ذلك ‪.‬‬
‫حتِهَا‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لكِ نِ الّذِي َن اتّ َق ْواْ َرّبهُ مْ َلهُ مْ َجنّا ٌ‬
‫ت تَ ْ‬
‫لبْرَارِ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا ُنزُلً مّ ْن عِندِ اللّ ِه َومَا عِندَ اللّ هِ َخيْرٌ ّل َ‬
‫ابن زيد ‪ :‬لن يطيع ال ‪ .‬وقال عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ :‬إنا ساهم‬
‫ال البرار ؛ لنم بروا الباء والبناء ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ مِ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ لَمَن ُي ْؤمِ نُ بِاللّ ِه َومَا أُنزِلَ‬
‫ت اللّ هِ ثَمَنا قَلِيلً‬
‫ِإلَيْكُ ْم وَمَا أُنزِ َل ِإلَ ْيهِ مْ خَاشِعِيَ لِلّ ِه لَ َيشَْترُو َن بِآيَا ِ‬
‫أُ ْولَـِئكَ َلهُمْ أَ ْج ُرهُمْ عِندَ َرّبهِمْ إِنّ اللّهَ َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪ )199‬يَا أَّيهَا‬
‫الّذِي نَ آمَنُواْ ا صِْبرُوْا وَ صَاِبرُوْا وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّ َه َلعَلّكُ ْم ُتفْلِحُو نَ (‬
‫‪. ﴾ )200‬‬
‫ّهـ‬
‫ِنـ بِالل ِ‬
‫َابـ لَم َن ُيؤْم ُ‬ ‫قال قتادة فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وإِن ّ م ْ‬
‫ِنـ َأهْ ِل اْلكِت ِ‬
‫﴾ ال ية ‪ ،‬نزلت ف النجا شي و ف ناس من أ صحابه ‪ ،‬آمنوا ب نب ال‬
‫و صدقوا به ‪ .‬قال ‪ :‬وذ كر ل نا ( أن نب ال ا ستغفر للنجا شي و صلى‬
‫عليه حي بلغه موته ‪ .‬قال لصحابه ‪ « :‬صلوا على أخ لكم قد مات بغي‬
‫بلدكم » ‪ .‬فقال أناس من أهل النفاق ‪ :‬يصلي على رجل مات ليس من‬
‫أهل دينه ؟ فأنزل ال هذه الية ‪َ ﴿ :‬وِإنّ مِنْ َأهْ ِل اْلكِتَابِ لَمَن ُيؤْمِ ُن بِاللّهِ‬
‫شتَرُو نَ بِآيَا تِ اللّ ِه ثَمَنا‬
‫وَمَا أُنزِلَ إَِلْيكُ ْم َومَا أُنزِلَ إِلَْيهِ مْ خَا ِشعِيَ لِلّ هِ َل يَ ْ‬
‫قَلِيلً ُأوْلَ ـئِكَ َلهُ مْ أَ ْج ُرهُ ْم عِندَ َرّبهِ مْ إِنّ اللّ هَ سَرِي ُع الْحِ سَابِ ﴾ ‪ .‬وقال‬
‫الزء الول‬ ‫‪466‬‬

‫ا بن جر يج ‪ :‬نزلت ف ع بد ال بن سلم و من م عه ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬هم‬


‫مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬و قد تنل ال ية ف الش يء ث ي عم ب ا كل من كان ف‬
‫معناه ‪ ،‬فال ية وإن كا نت نزلت ف النجا شي ‪ ،‬فإن ال تبارك وتعال قد‬
‫ج عل ال كم الذي ح كم به للنجا شي ‪ ،‬حكمًا لم يع عباده الذ ين هم‬
‫ب صفة النجا شي ف إتباعهم ر سول ال ‪ ،‬والت صديق ب ا جاء هم به من‬
‫ع ند ال ‪ ،‬ب عد الذي كانوا عل يه ق بل ذلك من اتباع أ مر ال في ما أ مر به‬
‫عباده ف الكتابي ‪ :‬التوراة ‪ ،‬والنيل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ ا صْبِرُوْا وَ صَابِرُواْ وَرَابِطُوْا وَاّتقُواْ‬
‫اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬أي اصبوا على طاعة ال ‪ ،‬وصابروا‬
‫أهل الضللة ‪ ،‬ورابطوا ف سبيل ال ‪ ،‬واتقوا اللّه لعلكم تفلحون ‪.‬‬
‫وف الديث الصحيح عن النب ‪ « :‬أل أدلكم على ما يط ال به‬
‫الطايـا ويرفـع بـه الدرجات » ؟ قالوا ‪ :‬بلى يـا رسـول ال ‪ .‬قال ‪« :‬‬
‫إسباغ الوضوء عند الكاره ‪ ،‬وكثرة الطا إل الساجد ‪ ،‬وانتظار الصلة‬
‫بعد الصلة ‪ ،‬فذلكم الرابط ‪ ،‬فذلكم الرباط » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫ُمـ‬ ‫وقال ممـد بـن كعـب القرظـي فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَاّتقُواْ الل َ‬
‫ّهـ َلعَّلك ْ‬
‫ُتفْلِحُونَ ﴾ واتقوا ال فيما بين وبينكم لعلكم تفلحون غدًا إذا لقيتمون ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ ( :‬بت عند خالت ميمونة فتحدث‬
‫ر سول ال مع أهله ساعة ث ر قد ‪ ،‬فل ما كان ثلث الل يل ال خر ق عد‬
‫ض وَا ْخِتلَ فِ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫فنظر إل السماء ‪ ،‬فقال ‪ِ ﴿ :‬إنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَا ِ‬
‫الّليْ ِل وَالّنهَا ِر ليَا تٍ ّلأُوْلِي الْلبَا بِ ﴾ ‪ .‬ث قام فتو ضأ وا ست ‪ ،‬ث صلى‬
‫‪467‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إحدى عشر ركعة ‪ ،‬ث أذن بلل فصلى ركعتي ‪ ،‬ث خرج فصلى بالناس‬
‫الصبح ) ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وف رواية لسلم ‪ ( :‬ث قرأ العشر آيات الوات من‬
‫سورة آل عمران ) ‪ .‬وعن عثمان بن عفان رضي ال عنه قال ‪ « :‬من قرأ‬
‫آخر آل عمران ف ليلة كتب له قيام ليلة » ‪ .‬رواه الدرامي ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪468‬‬

‫الدرس الثان والمسون‬


‫[ سورة النساء ]‬
‫مدنية ‪ ،‬وهي مائة وست وسبعون آية‬
‫قال ابن مسعود ‪ :‬خس آيات من النساء أحب إلّي من الدنيا جيعًا ‪:‬‬
‫جَتنِبُواْ َكبَآئِ َر مَا ُتْنهَ ْونَ َعنْ ُه ُنكَفّ ْر عَنكُ ْم َسيّئَاِتكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ إِن تَ ْ‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِن تَكُ حَ َ‬
‫سَن ًة ُيضَاعِ ْفهَا ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله‪ِ ﴿:‬إنّ اللّهَ لَ يَ ْغفِرُ أَن يُشْ َركَ بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾‪.‬‬
‫جدِ اللّ هَ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَمَن َيعْمَلْ سُوءا َأوْ يَظْلِ ْم َنفْ سَ ُه ثُمّ يَ ْ‬
‫ستَ ْغفِرِ اللّ َه يَ ِ‬
‫َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ْنـ أَحَ ٍد ّمْنه ْ‬
‫َمـ ُيفَرّقُوْا َبي َ‬
‫ُسـلِ ِه وَل ْ‬
‫ّهـ وَر ُ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ بِالل ِ‬
‫ف ُي ْؤتِيهِمْ أُجُو َرهُ ْم وَكَانَ اللّهُ غَفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫ُأوْلَـئِكَ َسوْ َ‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ يَا أَّيهَا النّا سُ اّتقُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خَ َلقَكُم مّن ّنفْ سٍ وَاحِ َد ٍة َوخَلَ قَ‬
‫مِ ْنهَا َزوْ َجهَا وَبَثّ مِ ْنهُمَا ِرجَالً كَثِيا َونِ سَاء وَاّتقُوْا اللّ هَ اّلذِي تَ سَاءلُونَ‬
‫بِ هِ وَالَ ْرحَا َم إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلَ ْيكُ مْ َرقِيبا (‪ )1‬وَآتُوْا الْيَتَامَى َأ ْموَاَلهُ ْم وَلَ‬
‫ب َولَ َتأْكُلُواْ َأ ْموَاَلهُ ْم ِإلَى َأمْوَالِكُ مْ ِإنّ هُ كَا نَ حُوبا‬
‫ث بِالطّيّ ِ‬
‫تَتََبدّلُواْ الْخَبِي َ‬
‫كَبِيا (‪ )2‬وَإِ ْن ِخفْتُمْ أَل ُتقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ‬
‫ع َفإِ نْ خِفْتُ ْم أَل َت ْعدِلُواْ َفوَا ِح َدةً َأ ْو مَا مَلَكَ تْ‬
‫النّ سَاء مَثْنَى وَثُلَ ثَ وَ ُربَا َ‬
‫ص ُدقَاِت ِهنّ نِحْ َل ًة َفإِن‬
‫ك َأدْنَى أَل َتعُولُواْ (‪ )3‬وَآتُواْ النّ سَاء َ‬
‫َأيْمَاُنكُ مْ َذلِ َ‬
‫طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْ ٍء مّنْهُ َنفْسا فَكُلُو ُه هَنِيئا مّرِيئا (‪َ )4‬ولَ ُت ْؤتُواْ السّ َفهَاء‬
‫‪469‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َأمْوَاَلكُ مُ الّتِي َج َعلَ اللّ هُ َلكُ مْ قِيَاما وَارْ ُزقُوهُ مْ فِيهَا وَاكْ سُوهُ ْم َوقُولُواْ‬
‫ح َفإِ نْ آنَ سْتُم‬
‫َلهُ ْم َقوْ ًل ّمعْرُوفا (‪ )5‬وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَّتىَ ِإذَا بَ َلغُواْ الّنكَا َ‬
‫ِسـرَافا َوبِدَارا أَن‬
‫ُمـ َولَ َتأْكُلُوه َا إ ْ‬
‫ِمـ َأمْوَالَه ْ‬
‫ُمـ ُرشْدا فَا ْد َفعُواْ ِإلَ ْيه ْ‬
‫مّ ْنه ْ‬
‫ف وَمَن كَا َن َفقِيا فَلَْيأْ ُك ْل بِالْ َم ْعرُو فِ‬
‫يَكَْبرُوْا وَمَن كَا نَ غَنِيّا فَلْيَ سَْت ْعفِ ْ‬
‫ّهـ حَسـِيبا (‪)6‬‬
‫ِمـ وَكَفَى بِالل ِ‬
‫ُمـ َفَأشْ ِهدُواْ عَلَ ْيه ْ‬
‫ِمـ أَ ْموَاَله ْ‬
‫ُمـ إِلَ ْيه ْ‬
‫َفإِذَا َدفَعْت ْ‬
‫ب مّمّا تَرَ كَ‬
‫ب مّمّا َترَ َك اْلوَاِلدَا نِ وَالَ ْق َربُو َن وَلِلنّ سَاء نَ صِي ٌ‬
‫لّلرّجَا ِل نَصِي ٌ‬
‫ضرَ‬
‫الْوَاِلدَا ِن وَا َل ْقرَبُو نَ مِمّا َقلّ مِنْ هُ َأوْ كَُثرَ نَ صِيبا ّمفْرُوضا (‪ )7‬وَِإذَا حَ َ‬
‫ي فَارْ ُزقُوهُم مّنْ هُ َوقُولُواْ َلهُ مْ‬
‫الْقِ سْ َمةَ ُأ ْولُواْ اْل ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ُ‬
‫ضعَافا‬
‫ِمـ ذُ ّريّةً ِ‬
‫ِنـ خَ ْلفِه ْ‬
‫ِينـ َلوْ تَرَكُواْ م ْ‬
‫ْشـ الّذ َ‬
‫َقوْ ًل مّ ْعرُوفا (‪ )8‬وَلْيَخ َ‬
‫خَافُواْ عَلَ ْيهِ مْ فَلْيَّتقُوا اللّ هَ َولَْيقُولُوْا َقوْلً َسدِيدا (‪ )9‬إِنّ اّلذِي َن يَأْكُلُو نَ‬
‫َأمْوَا َل الْيَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا َيأْكُلُو َن فِي بُطُونِ ِه ْم نَارا وَسَيَصْ َلوْ َن َسعِيا ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪470‬‬

‫س اتّقُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خَ َلقَكُم مّن ّنفْسٍ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا النّا ُ‬
‫وَا ِح َدةٍ َوخَلَ قَ مِ ْنهَا َزوْ َجهَا َوبَثّ مِ ْنهُمَا ِرجَالً كَثِيا َونِ سَاء وَاّتقُواْ اللّ هَ‬
‫الّذِي َتسَاءلُو َن ِبهِ وَالَ ْرحَا َم إِ ّن اللّهَ كَانَ عَلَ ْي ُكمْ َرقِيبا (‪. ﴾ )1‬‬
‫قال ال سدي ‪ :‬أ سكن آدم ال نة ‪ ،‬فكان ي شي في ها وحشًا ل يس له‬
‫زوج يسـكن إليهـا ‪ ،‬فنام نومـة فاسـتيقظ ‪ ،‬فإذا عنـد رأسـه امرأة قاعدة‬
‫خلقها ال من ضلعه فسألا ‪ :‬من أنت ؟ قالت ‪ :‬امرأة ‪ .‬قال ‪ :‬ول خلقت‬
‫؟ قالت ‪ :‬ت سكن إلّ ‪َ ﴿ .‬وبَثّ ﴾ خلق ‪ِ ﴿ ،‬منْهُمَا رِجَالً َكثِيا َونِ سَاء‬
‫وَاّتقُواْ اللّ هَ الّذِي تَ سَاءلُونَ بِ هِ وَالَرْحَا مَ ﴾ يقول ‪ :‬اتقوا الرحام ‪ ،‬واتقوا‬
‫الرحام ل تقطعوها ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬واتقوا ال ف الرحام فصلوها ‪،‬‬
‫﴿ إِنّ اللّ هَ كَا نَ عََليْكُ مْ رَقِيبا ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬حفيظًا ‪ .‬وقال ابن زيد ‪:‬‬
‫﴿ رَقِيبا ﴾ على أعمالكم يعلمها ويعرفها ‪.‬‬
‫ِيثـ‬
‫ُمـ َولَ تَتََبدّلُوْا الْخَب َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَآتُواْ الْيَتَام َى َأ ْموَاَله ْ‬
‫ب وَ َل َتأْكُلُوْا َأمْوَالَهُ مْ ِإلَى َأمْوَالِكُ ْم ِإنّ هُ كَا َن حُوبا كَبِيا (‪َ )2‬وإِ نْ‬
‫بِالطّيّ ِ‬
‫ب لَكُم مّ نَ النّ سَاء مَثْنَى‬
‫خِفْتُ مْ أَل ُتقْ سِطُوْا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوْا مَا طَا َ‬
‫ت َأيْمَاُنكُ ْم َذلِكَ‬
‫وَثُلَثَ وَ ُربَاعَ فَإِ ْن خِفْتُمْ أَل َت ْع ِدلُواْ َفوَا ِح َد ًة أَ ْو مَا مَ َلكَ ْ‬
‫ص ُدقَاِت ِهنّ نِحْ َل ًة َفإِن طِبْ َن لَكُ مْ عَن‬
‫َأدْنَى أَل َتعُولُواْ (‪ )3‬وَآتُواْ النّ سَاء َ‬
‫شَيْ ٍء مّ ْن ُه َنفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا ّمرِيئا (‪. ﴾ )4‬‬
‫ث بِال ّطيّ بِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫قال ماهد ف قول ال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َتَتبَدّلُواْ الْ َ‬
‫خبِي َ‬
‫اللل بالرام ‪ .‬قال السدي ‪ :‬كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم‬
‫اليتيم ويعل مكانا الشاة الهزولة ‪ ،‬ويقول ‪ :‬شاة بشاة ‪ ،‬ويأخذ الدرهم‬
‫‪471‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال يد ويطرح مكا نه الز يف ‪ ،‬ويقول ‪ :‬در هم بدر هم ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪:‬‬


‫كان أهـل الاهليـة ل يورثون النسـاء ‪ ،‬ول يورثون الصـغار ‪ ،‬يأخذه‬
‫الكب ‪.‬‬
‫ـ﴾ ‪،‬‬ ‫وقال ماهـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَ َل َتأْكُلُواْ َأ ْموَاَلهُم ْ‬
‫ـ إِلَى َأ ْموَالِكُم ْ‬
‫يقول ‪ :‬ل تأكلوا أموال كم وأموال م تلطو ها ‪ ،‬فتأكلو ها جيعًا ‪ِ ﴿ ،‬إنّ هُ‬
‫كَانَ حُوبا َكبِيا ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬إثًا عظيمًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَل ُتقْ سِطُواْ فِي الَْيتَامَى فَانكِحُوْا مَا طَا بَ‬
‫لَكُم مّ َن النّ سَاء َمثْنَى َوُثلَ ثَ وَ ُربَا عَ فَإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَل َتعْدِلُواْ َفوَا ِح َدةً َأ ْو مَا‬
‫مََلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ ﴾ ‪ ،‬عن عروة بن الزب ي أنه سأل عائ شة عن هذه الية‬
‫فقالت‪ :‬يا ابن أخت ‪ ،‬هي ‪ :‬اليتيمة تكون ف حِجر ولّيها‪ ،‬فيغب ف مالا‬
‫وجال ا ‪ ،‬وير يد أن ينكح ها بأد ن صداقها ‪ ،‬فنهوا أن ينكحو هن إل أن‬
‫يقسـطوا لنـ فـ كمال الصـداق ‪ ،‬وأمروا أن ينكحوا مـا سـواهُ ّن مـن‬
‫الن ساء ‪ .‬و ف روا ية ‪ :‬هي ‪ :‬اليتي مة تكون ع ند الر جل و هي ذات مال ‪،‬‬
‫فلعله ينكح ها لال ا و هي ل تعج به ‪ ،‬ث يضرب ا وي سيء صحبتها ‪ .‬وقال‬
‫قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَل ُتقْ سِطُواْ فِي الَْيتَامَى فَانكِحُوْا مَا طَا بَ‬
‫لَكُم مّ َن النّ سَاء َمثْنَى َوُثلَ ثَ وَ ُربَا عَ فَإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَل َتعْدِلُواْ َفوَا ِح َدةً َأ ْو مَا‬
‫لوَار ف‬ ‫مََلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ ذَلِ كَ أَدْنَى أَل َتعُولُواْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ك ما خف تم ا َ‬
‫اليتا مى ه كم ذلك ‪ .‬فكذلك فخافوا ف ج يع الن ساء ‪ .‬وكان الر جل ف‬
‫الاهل ية يتزوج الع شر ف ما دون ذلك ‪ ،‬فأ حل ال جل ثناؤه أربعًا ‪ ،‬ث‬
‫الذي صيهن إل أربع قوله ‪َ ﴿ :‬مْثنَى َوُثلَ ثَ وَ ُربَا عَ ﴾ ‪ ﴿ .‬فَإِ نْ ِخ ْفتُ مْ‬
‫أَل َتعْدِلُواْ َفوَا ِح َدةً ﴾ ‪ ،‬وإن خفـت أن ل تعدل فـ أربـع ‪ ،‬فثلث ‪ ،‬وإل‬
‫الزء الول‬ ‫‪472‬‬

‫فاثنتيـ ‪ ،‬وإل فواحدة ‪ ،‬وإن خفـت أن ل تعدل فـ واحدة فمـا ملكـت‬


‫يينك ‪ .‬وقال ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬ذَلِكَ َأ ْدنَى أَل َتعُولُواْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬أن‬
‫ل تيلوا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَآتُواْ النّسَاء صَدُقَاِتهِ ّن نِ ْ‬
‫حَلةً فَإِن ِطبْ نَ َلكُ ْم عَن َشيْءٍ‬
‫ُوهـ َهنِيئا مّرِيئا ﴾ ‪ .‬قال قتادة فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَآتُواْ النّسـَاء‬ ‫ْهـ َنفْسـا َفكُل ُ‬ ‫ّمن ُ‬
‫حَلةً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬فريضـة ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬يعنـ بالنحلة ‪:‬‬ ‫صـدُقَاِتهِ ّن نِ ْ‬‫َ‬
‫الهـر ‪ ﴿ ،‬فَإِن ِطبْنَـَلكُم ْـ عَن َشيْءٍ ّمنْهُـَنفْسـا َفكُلُوهُـ َهنِيئا مّرِيئا ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬إذا كان غي إضرار ول خديعة ‪ ،‬فهو هنء مريء ‪ ،‬كما قال ال‬
‫جل ثناؤه ‪ .‬وعن أب صال قال ‪ :‬كان الرجل إذا زوج أيّمًا أخذ صداقها‬
‫دوناـ ‪ ،‬فنهاهـم ال تبارك وتعال عـن ذلك ‪ ،‬ونزلت ‪ ﴿ :‬وَآتُواْ النّسـَاء‬
‫صـدُقَاِتهِ ّن نِحَْلةً ﴾ اليـة ‪ .‬وقال ابـن زيـد ‪ :‬النحلة فـ كلم العرب ‪:‬‬ ‫َ‬
‫الوا جب ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل ينكح ها إل بش يء وا جب ل ا صدقة ‪ ،‬ي سميها ل ا‬
‫واج بة ‪ ،‬ول يس ينب غي ل حد أن ين كح امرأة ب عد ال نب ‪ ،‬إل ب صداق‬
‫واجب ‪ ،‬ول ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبًا بغي حق ‪.‬‬
‫س َفهَاء َأ ْموَاَلكُ ُم الّتِي َجعَ َل اللّ هُ َلكُ مْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ ُت ْؤتُوْا ال ّ‬
‫قِيَاما وَارْ ُزقُوهُ ْم فِيهَا وَاكْ سُو ُهمْ َوقُولُواْ َلهُ مْ َق ْولً ّم ْعرُوفا (‪ )5‬وَابْتَلُواْ‬
‫الْيَتَامَى حَتّ َى ِإذَا بَ َلغُوْا النّكَاحَـ َفإِن ْـ آنَ سْتُم مّ ْنهُ مْ ُرشْدا فَا ْدفَعُواْ ِإلَ ْيهِم ْـ‬
‫ـ غَنِيّا‬
‫ـرَافا وَِبدَارا أَن َيكَْبرُواْ وَمَـن كَان َ‬
‫ـ َولَ َتأْكُلُوهَـا إِس ْ‬
‫َأمْوَاَلهُم ْ‬
‫ف َفإِذَا َدفَعْتُمْ ِإلَ ْيهِ ْم أَ ْموَاَلهُمْ‬
‫فَلْيَسَْت ْعفِفْ َومَن كَا َن َفقِيا فَلَْيأْ ُك ْل بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫َفأَ ْش ِهدُواْ عَلَ ْي ِهمْ وَ َكفَى بِال ّلهِ َحسِيبا (‪. ﴾ )6‬‬
‫‪473‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬ل تعطوا‬ ‫قال السـن فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ ُتؤْتُواْ ّ‬


‫السـَفهَاء َأ ْموَاَلك ُ‬
‫سفَهَاء َأ ْموَاَلكُ ُم‬
‫ال صغار ‪ ،‬والن ساء ‪ .‬وقال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َل ُتؤْتُواْ ال ّ‬
‫الّتِي َجعَلَ اللّهُ َلكُ مْ ِقيَاما ﴾ ‪ ،‬أمر ال بذا الال أن يزن فيحسن خزانته ‪،‬‬
‫ول يلكه الرأة السفيهة ‪ ،‬والغلم السفيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَارْزُقُوهُ مْ فِيهَا وَاكْ سُوهُ ْم وَقُولُواْ َلهُ مْ َقوْ ًل ّمعْرُوفا‬
‫﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬يقول ال سبحانه ‪ :‬ل تع مد إل مالك و ما خوّلك‬
‫ال ‪ ،‬وجعله لك معي شة ‪ ،‬فتعط يه امرأ تك أو بن يك ‪ ،‬ث تن ظر إل ما ف‬
‫أيدي هم ‪ ،‬ول كن أم سك مالك وأ صلح و كن أ نت الذي تن فق علي هم ف‬
‫كسوتم ‪ ،‬ورزقهم ومئونتهم ‪ .‬وقال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَقُولُواْ َلهُ مْ َقوْلً‬
‫ّمعْرُوفا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أمروا أن يقولوا لم قولً معروفًا ف الب والصلة ‪ .‬وقال‬
‫ابن جريج ‪ :‬عدة تعدوهم ‪.‬‬
‫َسـتُم‬
‫ِنـ آن ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَابْتَلُوْا اْليَتَام َى َحتّىَ إِذَا بََلغُواْ النّك َ‬
‫َاحـ فَإ ْ‬
‫ّمنْهُ مْ ُرشْدا فَادَْفعُواْ إَِلْيهِ مْ َأ ْموَاَلهُ ْم وَلَ َتأْكُلُوهَا إِ سْرَافا َوبِدَارا أَن َي ْكبَرُواْ‬
‫﴾ قال ابـن عباس ‪ ﴿ :‬وَاْبتَلُواْ اْلَيتَام َى ﴾ اختـبوهم ‪َ ﴿ ،‬حّتىَ ِإذَا بََلغُواْ‬
‫ستُم ﴾ قال ‪ :‬عرف تم ﴿ ّمنْهُ مْ‬ ‫الّنكَا حَ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬ع ند اللم ‪ ﴿ ،‬فَإِ نْ آنَ ْ‬
‫ُرشْدا ﴾ ف حالم والصلح ف أموالم ‪ ﴿ ،‬فَادَْفعُواْ إَِلْيهِ مْ َأ ْموَاَلهُ ْم وَلَ‬
‫تَأْكُلُوهَا إِ سْرَافا َوبِدَارا أَن َي ْكبَرُواْ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أ كل مال اليت يم مبادرًا أن‬
‫ستَ ْعفِفْ‬‫يبلغ ‪ ،‬فيحول بي نه وب ي ماله وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن كَا َن َغنِيّا فَ ْليَ ْ‬
‫ُوفـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالتـ هـي أحسـن ‪ .‬قال‬ ‫َانـ َفقِيا فَ ْلَيأْكُلْ بِالْ َمعْر ِ‬
‫وَمَن ك َ‬
‫إبراهيـم ‪ :‬ليـس بلبـس الكتان ول اللل ‪ ،‬ولكـن مـا سـد الوع ووارى‬
‫العورة ‪ .‬وجاء أعرابـ إل ابـن عباس فقال ‪ :‬إن فـ حجري أيتامًا ‪ ،‬وإن‬
‫الزء الول‬ ‫‪474‬‬

‫لم إبلً ول إبل ‪ ،‬وأنا أمنح ف إبلي وأفقر ‪ ،‬فماذا يل من ألبانا ؟ قال ‪:‬‬
‫إن كنـت تبغـي ضالتهـا ‪ ،‬وتنـأ جرباهـا ‪ ،‬وتلوط حوضهـا ‪ ،‬وتسـتقي‬
‫عليها ‪ ،‬فاشرب غي مضر بنسل ‪ ،‬ول ناهك ف اللب ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِذَا دََفعْتُ مْ إَِلْيهِ مْ َأ ْموَاَلهُ مْ َفَأ ْشهِدُوْا عََلْيهِ ْم وَ َكفَى بِاللّ هِ‬
‫حَ سِيبا ﴾ قال ابن عباس ‪ :‬إذا دفع إل اليتيم مال فليدفعه إليه بالشهود ‪،‬‬
‫كما أمره ال تعال ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ ﴿ :‬وَ َكفَى بِاللّهِ حَسِيبا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وكفى بال ماسبًا‬
‫وشاهدًا ورقيبًا على الولياء ‪ ،‬ف حال نظر هم لليتام ‪ ،‬وحال ت سليمهم‬
‫لموال م ‪ ،‬هل هي كاملة موفرة أو منقو صة مبخو سة ‪ ،‬مروج ح سابا ‪،‬‬
‫مدلس أمرها ؟ ال عال بذلك كله ‪.‬‬
‫ُونـ‬
‫َانـ وَا َلقْ َرب َ‬
‫َكـ اْلوَاِلد ِ‬
‫ب مّمّاـ َتر َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬لّلرّجَا ِل نَصـيِ ٌ‬
‫ب مّمّا َترَ َك الْوَالِدَا ِن وَا َلقْ َربُونَ مِمّا َق ّل مِنْهُ َأوْ كَُث َر نَصِيبا‬
‫وَلِلنّسَاء نَصِي ٌ‬
‫ِسـَم َة ُأوْلُوْا اْلقُرْب َى وَالْيَتَام َى وَالْمَسـَاكِيُ‬
‫ضرَ اْلق ْ‬
‫ّمفْرُوضا (‪َ )7‬وِإذَا حَ َ‬
‫ش الّذِي َن لَ ْو َترَكُواْ‬
‫فَارْ ُزقُوهُم مّنْ ُه وَقُولُواْ لَهُ مْ َق ْولً ّم ْعرُوفا (‪َ )8‬ولْيَخْ َ‬
‫ضعَافا خَافُواْ عَلَ ْيهِ ْم فَلْيَّتقُوا اللّ َه َولْيَقُولُواْ َق ْولً َسدِيدا‬
‫مِ نْ خَ ْل ِفهِ ْم ذُ ّرّيةً ِ‬
‫(‪ )9‬إِنّ اّلذِينَ َيأْكُلُو َن َأمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِمْ نَارا‬
‫وَسَيَصْ َلوْ َن َسعِيا (‪. ﴾ )10‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كانوا ل يورثون النسـاء ‪ ،‬فنلت ‪ ﴿ :‬وَلِلنّسـَاء نَصـِيبٌ‬
‫مّمّا تَ َر َك اْلوَالِدَانِ وَالَقْ َربُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪475‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َحضَرَ الْق ْ‬


‫ِسـَمةَ ُأوْلُواْ اْلقُرْبَى وَاْليَتَامَى وَالْمَسـَاكِيُ‬
‫فَارْزُقُوهُم ّمنْ ُه وَقُولُواْ َلهُ مْ َقوْ ًل ّمعْرُوفا ﴾ ‪ .‬قال الشعب ‪ :‬هي ‪ :‬مكمة ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬واجب ‪ ،‬ما طابت به نفس أهل الياث ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬أمر‬
‫ال الؤمني عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم ويتاماهم بالوصية ‪،‬‬
‫إن كان أو صى ‪ ،‬وإن ل ت كن و صية و صل إلي هم من مواريث هم ‪ .‬وقال‬
‫سعيد بن جبي ‪ ،‬والسن ‪ :‬ذلك عند قسمة الياث ‪ ،‬إن كان الياث لن‬
‫قد أدرك ‪ ،‬فله أن يك سوا م نه ‪ ،‬وأن يط عم الفقراء وال ساكي ‪ ،‬وإن كان‬
‫الياث ليتا مى صغار ‪ ،‬فيقول الول ‪ :‬إ نه ليتا مى صغار ويقول ل م قولً‬
‫معروفًا ‪.‬‬
‫ضعَافا خَافُواْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَْليَخْ َ‬
‫ش الّذِي نَ َل ْو تَرَكُواْ مِ نْ خَ ْل ِفهِ مْ ذُ ّرّيةً ِ‬
‫عََلْيهِ مْ َف ْليَّتقُوا اللّ َه وَْليَقُولُواْ َقوْلً سَدِيدا ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يعن ‪ :‬الذي‬
‫يضره الوت فيقال له ‪ :‬تصدق من مالك ‪ ،‬وأعتق وأعط منه ف سبيل ‪،‬‬
‫فنهوا أن يأمروه بذلك ‪ ،‬يعن ‪ :‬أنه من حضر منكم عند الوت فل يأمره‬
‫أن ين فق ماله ف الع تق ‪ ،‬أو ال صدقة ‪ ،‬أو ف سبيل ال ‪ ،‬ول كن يأمره أن‬
‫يبي ماله ‪ ،‬و ما عل يه من د ين ‪ ،‬ويو صي ف ماله لذوي قراب ته الذ ين ل‬
‫يرثون ‪ ،‬ويو صي ل م بال مس أو الر بع ‪ .‬يقول ‪ :‬أل يس يكره أحد كم إذا‬
‫مات وله ولد ضعاف ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬صـغار ‪ .‬أن يتركهـم بغيـ مال ‪ .‬فيكونوا‬
‫عيا ًل على الناس ؟ فل ينبغـي أن تأمروا باـ ل ترضون بـه لنفسـكم ول‬
‫أولدكم ‪ ،‬ولكن قولوا الق من ذلك ‪ .‬وقال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَْليَخْ شَ‬
‫ضعَافا ﴾ يقول ‪ :‬فليأمره بالعدل‬‫الّذِينــَ َلوْ َترَكُوْا مِنــْ َخ ْل ِفهِمــْ ذُ ّرّيةً ِ‬
‫الزء الول‬ ‫‪476‬‬

‫والحسان ‪ ،‬ولينهه عن اليف والور ف وصيته ‪ ،‬وليخش على عياله ما‬


‫كان خائفًا على عياله لو نزل به الوت ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن َيأْكُلُو نَ َأ ْموَا َل اْليَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُو نَ‬
‫فِي بُطُوِنهِ ْم نَارا وَسََيصَْل ْونَ َسعِيا ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬إذا قام الرجل بأكل‬
‫مال اليتيـم ظلمًا ‪ ،‬يبعـث يوم القيامـة ولبـ النار يرج مـن فيـه ‪ ،‬ومـن‬
‫مسامعه ‪ ،‬ومن أذنيه ‪ ،‬وأنفه ‪ ،‬وعينيه يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ‪ ( :‬لاـ نزلت ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِينَـَيأْكُلُو نَ َأ ْموَالَ الَْيتَامَى‬
‫ظُلْما ﴾ اليـة ‪ .‬انطلق مـن كان عنده يتيـم فعزل طعامـه مـن طعامـه ‪،‬‬
‫وشرابـه مـن شرابـه ‪ ،‬فجعـل يفضـل الشيـء فيحبـس له حتـ يأكله أو‬
‫يفسده ‪ ،‬فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول ال فأنزل ال ‪َ ﴿ :‬‬
‫صلَحٌ ّلهُمْ َخيْ ٌر َوإِنْ تُخَاِلطُوهُمْ فَإِ ْخوَانُكُ ْم وَاللّهُ‬
‫ك عَ ِن اْلَيتَامَى قُلْ إِ ْ‬
‫سأَلُونَ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ُصـلِحِ ﴾ فخلطوا طعامهـم بطعامهـم ‪ ،‬وشرابمـ‬ ‫ِنـ الْم ْ‬
‫ْسـَد م َ‬ ‫َمـ الْ ُمف ِ‬
‫َيعْل ُ‬
‫بشرابم ) ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪477‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثالث والمسون‬

‫﴿ يُو صِي ُكمُ اللّ هُ فِي أَ ْو َلدِكُ ْم لِلذّ َكرِ مِ ْث ُل حَظّ الُنثَيَيْ ِن َفإِن كُنّ‬
‫ت وَا ِح َدةً فَلَهَا النّ صْفُ‬
‫ق اثْنَتَيْ ِن فَ َلهُنّ ثُلُثَا مَا َترَ َك َوإِن كَانَ ْ‬
‫نِ سَاء َفوْ َ‬
‫س مِمّا َترَكَ إِن كَا َن لَ ُه َولَ ٌد َفإِن لّمْ َيكُن‬
‫وَ َلَبوَيْ ِه ِلكُ ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا السّدُ ُ‬
‫سدُسُ مِن‬
‫لمّ هِ ال ّ‬
‫ث َفإِن كَا َن لَ ُه ِإخْ َو ٌة فَ ُ‬
‫لمّ ِه الثّلُ ُ‬
‫لّ هُ َوَلدٌ َووَ ِرثَ ُه َأبَوَا هُ َف ُ‬
‫َبعْ ِد وَ صِّيةٍ يُو صِي ِبهَا َأوْ َديْ نٍ آبَآؤُكُ ْم وَأَبناؤُكُ ْم لَ َتدْرُو َن َأيّهُ ْم َأقْرَ بُ‬
‫لَ ُكمْ َنفْعا َفرِيضَ ًة مّ َن اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما (‪ )11‬وََلكُ ْم نِصْفُ‬
‫مَا َترَ َك أَ ْزوَاجُكُ ْم إِن لّ ْم َيكُن ّل ُهنّ َوَلدٌ َفإِن كَا َن َل ُهنّ َوَلدٌ فَ َلكُ مُ ال ّربُ عُ‬
‫ي ِبهَا أَ ْو َديْ ٍن وََل ُهنّ الرّبُ ُع مِمّا َترَكْتُ ْم إِن‬
‫صَ‬‫مِمّا َترَكْ َن مِن َبعْ ِد وَ صِّي ٍة يُو ِ‬
‫لّ مْ يَكُن ّلكُ ْم َولَ ٌد َفإِن كَا َن لَكُ ْم وََل ٌد فَ َلهُنّ الثّمُ ُن مِمّ ا َترَكْتُم مّ ن َب ْعدِ‬
‫لَل ًة أَو ا ْمرََأ ٌة َولَ ُه أَخٌ‬
‫وَصِّيةٍ تُوصُو َن ِبهَا َأوْ َديْ ٍن وَإِن كَانَ َر ُج ٌل يُورَثُ كَ َ‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ َفه ْ‬
‫س َفإِن كَاُن َواْ أَكَْث َر مِن َذل َ‬
‫السـدُ ُ‬
‫ْتـ فَلِ ُك ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا ّ‬
‫أَ ْو ُأخ ٌ‬
‫ث مِن َبعْ ِد وَ صِّي ٍة يُو صَى بِهَا َأوْ َديْ نٍ غَ ْي َر مُضَآ ّر وَ صِّيةً‬
‫شُرَكَاء فِي الثّلُ ِ‬
‫ك ُحدُودُ اللّهِ َومَن يُطِ ِع اللّهَ وَرَسُوَلهُ‬
‫مّ َن اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (‪ )12‬تِلْ َ‬
‫ِكـ اْلفَوْزُ‬
‫ِينـ فِيهَا َو َذل َ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلنْهَا ُر خَاِلد َ‬
‫ّاتـ تَ ْ‬
‫ْهـ جَن ٍ‬
‫ُيدْخِل ُ‬
‫ص اللّ هَ وَرَ سُوَلهُ َويََتعَ ّد ُحدُودَ ُه ُيدْخِلْ هُ نَارا خَالِدا‬
‫الْعَظِي مُ (‪َ )13‬ومَن َيعْ ِ‬
‫فِيهَا َولَهُ َعذَابٌ ّمهِيٌ (‪. ﴾ )14‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪478‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يُو صِي ُكمُ اللّ هُ فِي َأوْ َلدِكُ ْم لِلذّ َكرِ مِ ْث ُل حَظّ‬
‫ت وَا ِح َدةً‬
‫ق اثْنَتَيْ ِن فَ َل ُهنّ ثُلُثَا مَا َترَ َك َوإِن كَانَ ْ‬
‫الُنثَيَيْ نِ َفإِن ُكنّ نِ سَاء َفوْ َ‬
‫فَ َلهَا النّصْفُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن عباس ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلَدِكُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫كان الال للولد ‪ ،‬وكانت الوصية للوالدين والقربي ‪ ،‬فنسخ ال من ذلك‬
‫ما أ حب فج عل للذ كر م ثل حظ النثي ي ‪ ،‬وج عل للبو ين ل كل وا حد‬
‫منهمـا السـدس مـع الولد ‪ ،‬وللزوج الشطـر والربـع ‪ ،‬وللزوجـة الربـع‬
‫والثمن ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن كُنّ نِ سَاء َفوْ قَ اْثَنتَيْ نِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا تَرَ َك َوإِن‬
‫ت وَاحِ َدةً فََلهَا النّ صْفُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬للبنتي فما فوق الثلثان ‪ ،‬وللبنت‬ ‫كَانَ ْ‬
‫الواحدة الن صف ‪ .‬و عن جابر ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬جاءت امرأة سعد بن‬
‫الربيع إل رسول اللّه فقالت ‪ :‬يا رسول ال هاتان ابنتا سعد بن الربيع‬
‫قتل أبوها معك ف يوم أحد شهيدًا وإنّ عَ ّمهُمَا أخذ ماَلهُمَا فلم يدع لما‬
‫مالً ول ُيْنكَحَا نِ إِل وََلهُمَا مَال ‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪ « :‬يقضي اللّ هُ ف ذلك »‬
‫‪ .‬فنلت آ ية اليا ثِ ‪ ،‬فأر سل ر سول اللّ هِ إل عَ ّمهِمَا فقال ‪َ « :‬أعْ طِ‬
‫اْبَنتَيْ َسعْ ٍد الثُّلثَيْ ِن َوأُ ّمهُمَا الثّ ُمنَ ‪ ،‬وما بقِيَ فهو لك » ‪ .‬رواه أحد ‪ ،‬وأبو‬
‫داود وغيها ‪.‬‬
‫س مِمّا َترَ كَ إِن‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬و َلبَ َويْ ِه ِلكُ ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا ال سّدُ ُ‬
‫ث َفإِن كَا َن لَ هُ‬
‫لمّ هِ الثّلُ ُ‬
‫كَا َن لَ هُ َوَلدٌ َفإِن لّ مْ َيكُن لّ ُه وََل ٌد وَوَ ِرثَ هُ َأَبوَا ُه فَ ُ‬
‫س مِن َبعْ ِد وَصِّي ٍة يُوصِي ِبهَا أَ ْو َديْنٍ آبَآؤُكُمْ َوأَبناؤُكُمْ‬
‫لمّهِ السّدُ ُ‬
‫إِ ْخ َوةٌ َف ُ‬
‫‪479‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب لَكُ مْ َنفْعا َفرِيضَ ًة مّ َن اللّ هِ إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِي ما‬


‫لَ َتدْرُو َن َأّيهُ مْ َأ ْقرَ ُ‬
‫حَكِيما (‪. ﴾ )11‬‬
‫البوان لمـا فـ الرث أحوال ‪ :‬أحدهـا ‪ :‬أن يتمعـا مـع الولد‬
‫فيفرض لكل وا حد منه ما ال سدس ‪ ،‬فإن ل ي كن للم يت إل ب نت واحدة‬
‫فرض ل ا الن صف ‪ ،‬وللبو ين ل كل وا حد منه ما ال سدس ‪ ،‬وأ خذ الب‬
‫السدس الخر بالتعصيب ‪.‬‬
‫الال الثانـــ ‪ ( :‬أن ينفرد البوان بالياث ‪ ،‬فيفرض للم الثلث ‪،‬‬
‫ويأ خذ الب البا قي بالتع صيب ‪ ،‬فلو كان معه ما زوج ‪ ،‬أو زو جة أ خذ‬
‫الزوج النصف ‪ ،‬والزوجة الربع ‪ ،‬وأخذت الم ثلث الباقي ‪ ،‬ويأخذ الب‬
‫الباقي بالتعصيب ‪.‬‬
‫والال الثالث ‪ :‬وهـو اجتماعهمـا مـع الخوة سـواء كانوا مـن‬
‫البويـن ‪ ،‬أو مـن الب ‪ ،‬أو مـن الم ‪ ،‬فإنمـ ل يرثون مـع الب شيئًا ‪،‬‬
‫ولكنهم مع ذلك يجبون الم عن الثلث إل السدس ‪ ،‬ول يجبها الواحد‬
‫عن الثلث ‪.‬‬
‫ْنـ ﴾ ‪ ،‬عـن علي‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مِن َبعْ ِد و ِّي‬
‫َصـةٍ يُوصـِي بِهَا َأوْ َدي ٍ‬
‫صّي ٍة يُو صِي‬
‫رضي ال عنه قال ‪ ( :‬إنكم تقرءون هذه الية ‪ ﴿ :‬مِن َبعْ ِد وَ ِ‬
‫بِهَا َأوْ َديْ نٍ ﴾ وأن ر سول ال ق ضى بالد ين ق بل الو صية ) ‪ .‬رواه ا بن‬
‫جرير وغيه ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ ( :‬أج ع العلماء من ال سلف واللف على أن الدّ ين‬
‫مقدم على الوصـية ‪ ،‬وذلك عنـد إمعان النظـر فيهـم مـن فحوى اليـة‬
‫الكرية ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪480‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿:‬آبَآؤُكُ ْم َوأَبناؤُكُمْ َل تَدْرُونَ أَّيهُمْ أَقْرَبُ َلكُمْ َنفْعا ﴾‪.‬‬
‫قال ا بن ز يد ‪ :‬أي هم خ ي ل كم ف الد ين والدن يا ‪ ،‬الوالد والولد الذ ين‬
‫يرثونكـم ل يدخـل عليكـم غيهـم فرض لمـ الواريـث ل يأت بآخريـن‬
‫يشركونم ف أموالكم ‪.‬‬
‫ضةً مّ نَ اللّ هِ إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪ .‬قال‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَرِي َ‬
‫ابـن كثيـ ‪ :‬أي ‪ :‬هذا الذي ذكرناه مـن تفضيـل الياث وإعطاء بعـض‬
‫الور ثة أك ثر من ب عض هو فرض من ال ح كم به ‪ ،‬وقضاه ‪ ﴿ ،‬إِنّ اللّ هَ‬
‫كَانَ عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪.‬‬
‫ف مَا َترَ َك أَ ْزوَا ُجكُ مْ إِن لّ مْ َيكُن ّل ُهنّ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََلكُ ْم نِ صْ ُ‬
‫ي ِبهَا‬
‫وََل ٌد َفإِن كَا َن َل ُهنّ وََل ٌد فَ َلكُمُ ال ّربُ ُع مِمّا َترَكْنَ مِن َب ْعدِ وَصِّيةٍ يُوصِ َ‬
‫أَ ْو َديْ ٍن َولَ ُهنّ الرّبُ ُع مِمّا َترَكْتُ ْم إِن لّ ْم َيكُن ّلكُ ْم َولَ ٌد َفإِن كَا َن َلكُمْ َوَلدٌ‬
‫فَ َل ُهنّ الثّ ُم ُن مِمّا َترَكْتُم مّن َب ْعدِ وَصِّي ٍة تُوصُو َن ِبهَا َأوْ َدْينٍ ﴾ ‪.‬‬
‫أولد البني وإن سلفوا حكم أولد الصلب ‪ ،‬سواء كان الولد واحدًا‬
‫أو جاعـة ‪ ،‬ذكرًا أو أنثـى ‪ ،‬يجبون الزوج مـن النصـف إل الربـع ‪،‬‬
‫ويجبون الزوجة من الربع إل الثمن ‪ ،‬وإذا كان للرجل أكثر من زوجة‬
‫اشتركن ف الربع أو الثمن ‪.‬‬
‫خ َأوْ‬
‫لَلةً أَو ا ْم َرَأةٌ َولَ ُه أَ ٌ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِن كَانَ َر ُج ٌل يُورَثُ َك َ‬
‫ك َفهُ مْ ُشرَكَاء‬
‫سدُسُ َفإِن كَاُنوَْا أَكَْثرَ مِن َذلِ َ‬
‫ت فَ ِل ُكلّ وَاحِ ٍد مّ ْنهُمَا ال ّ‬
‫أُخْ ٌ‬
‫ث مِن َب ْعدِ وَ صِّي ٍة يُو صَى ِبهَا أَ ْو َديْ نٍ َغ ْيرَ مُضَآ ّر وَ صِّي ًة مّ نَ اللّ هِ‬
‫فِي الثّلُ ِ‬
‫وَال ّلهُ عَلِي ٌم حَلِيمٌ (‪. ﴾ )12‬‬
‫‪481‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن كَا نَ َرجُ ٌل يُورَ ثُ َكلََلةً أَو امْ َرَأةٌ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس‬
‫ـ‬
‫‪ :‬الكللة ‪ :‬مـن ل ولد له ول والد ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وإِن كَان َ‬
‫َثـ َكلََلةً أَو امْ َرَأةٌ ﴾ ‪ ،‬والكللة ‪ :‬الذي ل ولد له ‪ ،‬ول والد ‪،‬‬
‫رَ ُج ٌل يُور ُ‬
‫[ و ] ل أب ‪ ،‬ول جد ‪ ،‬ول ا بن ‪ ،‬ول اب نة ‪ ،‬فهؤلء الخوة من الم ‪.‬‬
‫إن كان واحدًا فله السـدس ‪ ،‬وإن كانوا أكثـر مـن ذلك فهـم شركاء فـ‬
‫الثلث ‪ .‬ذكرهم وأنثاهم فيه سواء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مِن َبعْ ِد وَ ِ‬
‫صّيةٍ يُو صَى بِهَا َأوْ َديْ ٍن َغيْ َر ُمضَآرّ ﴾ ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬إن ال تبارك وتعال كره الضراء ف الياة وعند الوت ‪ ،‬ونى‬
‫عنه ‪ ،‬وقدم فيه فل ت صلح مضارة ف حياة ول موت ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫الضرار ‪ ،‬واليف ف الوصية من الكبائر ‪.‬‬
‫ِيمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬علم‬
‫ِيمـ حَل ٌ‬
‫ّهـ عَل ٌ‬
‫ّهـ وَالل ُ‬
‫ّنـ الل ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬و ِ‬
‫َصـّيةً م َ‬
‫بالضار وغيه ‪ ،‬حليم ل يعاجل بالعقوبة ‪.‬‬
‫قال ا بن جر يج ‪ :‬وأ ما قوله ‪ ﴿ :‬وَ ِ‬
‫صّيةً ﴾ فإن ن صبه من قوله ‪﴿ :‬‬
‫يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلَدِكُ مْ لِلذّ َك ِر ِمثْلُ حَظّ الُنَثيَيْ نِ ﴾ ‪ ،‬وسائر ما أوصى‬
‫ّنـ اللّه ﴾ مصـدرًا مـن قوله ‪﴿ :‬‬ ‫َصـّي ًة م َ‬
‫بـه فـ الثنيـ ‪ ,‬ثـ قال ‪ ﴿ :‬و ِ‬
‫يُوصِيكُمُ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ك حُدُودُ اللّ هِ َومَن يُ ِط ِع اللّ َه وَرَ سُوَلهُ ُي ْدخِلْ هُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬تِلْ َ‬
‫ك الْ َفوْ ُز الْعَظِيمُ (‪)13‬‬
‫جرِي مِن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِي َن فِيهَا َو َذلِ َ‬
‫جَنّاتٍ تَ ْ‬
‫َهـ‬
‫ْهـ نَارا خَالِدا فِيهَا َول ُ‬
‫َهـُيدْخِل ُ‬
‫ّهـ وَرَسـُوَل ُه وَيََت َعدّ ُحدُود ُ‬
‫ْصـ الل َ‬
‫وَمَن َيع ِ‬
‫ب ّمهِيٌ (‪. ﴾ )14‬‬
‫َعذَا ٌ‬
‫الزء الول‬ ‫‪482‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ ُحدُودُ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬طاعة ال ‪ ،‬يعن‬
‫‪ :‬الوار يث ال ت سى ال ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬تلك حدود ال ال ت حد لل قه ‪،‬‬
‫وفرائضه بينهم من الياث والقسمة ‪ ،‬فانتهوا إليها ول تعدوها إل غيها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن َيعْ صِ اللّ َه وَرَ سُولَهُ َوَيَتعَدّ حُدُودَ ُه يُدْ ِخلْ ُه نَارا‬
‫خَالِدا فِيهَا وَلَ ُه عَذَابٌ ّمهِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬أو يلد فـ النار مـن عصـى ال‬
‫ورسوله ف قسمة الواريث ؟ قيل ‪ :‬ن عم إذا جع إل معصيتهما ف ذلك‬
‫شكًا ف أن ال فرض عليه ما فرض على عباده ف هاتي اليتي ‪ ،‬أو علم‬
‫ذلك فحادّ ال ورسوله ف أمرها ‪ ،‬على ما ذكر ابن عباس من قول من‬
‫قال ‪ :‬حي نزل على رسول ال ‪ ﴿ :‬يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلَدِكُ مْ لِلذّ َكرِ‬
‫ِمثْلُ حَظّ الُنثََييْ نِ ﴾ إل تام اليت ي ‪ ،‬أيورث من ل ير كب الفرس ‪ ،‬ول‬
‫يقاتـل العدو ‪ ،‬ول يوز الغنيمـة ‪ ،‬نصـف الال أو جيـع الال ؟ اسـتنكارًا‬
‫من هم ق سمة ال ما ق سم ل صغار ولد ال يت ‪ ،‬ون سائه وإناث ولده ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫‪483‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الرابع والمسون‬

‫شهِدُواْ عَلَ ْيهِنّ أَ ْربَعةً‬


‫ـْ‬
‫شةَ مِن نّسـَآئِ ُك ْم فَاس َْت‬
‫﴿ وَاللتِي َيأْتِيَ اْلفَا ِح َ‬
‫ْتـ َأوْ‬
‫ُوتـ حَّتىَ يََت َوفّاهُنّ الْ َمو ُ‬
‫ْسـكُوهُ ّن فِي الْبُي ِ‬
‫ُمـ َفإِن َش ِهدُوْا َفأَم ِ‬
‫مّنك ْ‬
‫ج َعلَ اللّ ُه َلهُنّ سَبِيلً (‪ )15‬وَاللّذَا نَ َي ْأتِيَانِهَا مِنكُ مْ فَآذُوهُمَا َفإِن تَابَا‬
‫يَ ْ‬
‫وَأَ صْلَحَا َفأَ ْعرِضُواْ عَ ْنهُمَا إِنّ اللّ هَ كَا َن تَوّابا ّرحِيما (‪ِ )16‬إنّمَا الّتوَْبةُ‬
‫ب َفأُ ْولَـِئكَ‬
‫جهَاَلةٍ ثُمّ يَتُوبُو َن مِن َقرِي ٍ‬
‫سوَ َء بِ َ‬
‫عَلَى اللّ ِه لِ ّلذِي َن َيعْمَلُو نَ ال ّ‬
‫ت الّتوَْب ُة لِ ّلذِي نَ‬
‫يَتُو بُ اللّ هُ عَلَ ْيهِ مْ وَكَا نَ اللّ هُ َعلِيما حَكِيما (‪َ )17‬ولَيْ سَ ِ‬
‫ت قَا َل إِنّي تُبْتُ ال َن َولَ‬
‫ض َر أَ َح َدهُ ُم الْ َموْ ُ‬
‫ت حَتّى ِإذَا حَ َ‬
‫َيعْمَلُونَ السّيّئَا ِ‬
‫ك أَعَْت ْدنَا َلهُمْ َعذَابا َألِيما (‪ )18‬يَا َأّيهَا‬
‫الّذِينَ يَمُوتُونَ َوهُمْ ُكفّا ٌر ُأوْلَـِئ َ‬
‫ح ّل لَكُ مْ أَن َت ِرثُواْ النّ سَاء َكرْها وَ َل َتعْضُلُو ُهنّ لَِتذْهَبُواْ‬
‫الّذِي نَ آمَنُواْ َل يَ ِ‬
‫شةٍ مّبَيَّن ٍة وَعَا ِشرُوهُنّ بِالْ َم ْعرُو فِ‬
‫بَِبعْ ضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ إِل أَن َي ْأتِيَ ِبفَا ِح َ‬
‫ج َعلَ اللّ ُه فِي هِ خَيْرا َكثِيا (‬
‫َفإِن َكرِهْتُمُوهُنّ َفعَ سَى أَن َتكْ َرهُوْا شَيْئا َويَ ْ‬
‫‪ )19‬وَإِ ْن أَرَدتّ مُ ا سْتِ ْبدَالَ َزوْ جٍ ّمكَا نَ َزوْ جٍ وَآتَيْتُ مْ ِإحْدَاهُنّ قِنطَارا فَلَ‬
‫َهـ‬
‫ْفـ َتأْ ُخذُون ُ‬
‫َهـ ُبهْتَانا َوِإثْما مّبِينا (‪ )20‬وَكَي َ‬
‫ْهـ شَيْئا َأَتأْ ُخذُون ُ‬
‫َتأْ ُخذُواْ مِن ُ‬
‫ض َوأَ َخذْ َن مِنكُم مّيثَاقا غَلِيظا (‪. ﴾ )21‬‬
‫َوقَ ْد َأفْضَى َبعْضُ ُكمْ إِلَى َبعْ ٍ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪484‬‬

‫ش ِهدُواْ‬
‫ش َة مِن نّ سَآئِ ُكمْ فَا سَْت ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاللتِي َيأْتِيَ الْفَاحِ َ‬
‫عَلَ ْيهِنّ أَ ْربَعةً مّنكُ ْم َفإِن َش ِهدُوْا َفأَمْ سِكُو ُه ّن فِي الْبُيُو تِ حَتّ َى يََتوَفّاهُنّ‬
‫ج َعلَ اللّ ُه َلهُنّ سَبِيلً (‪ )15‬وَاللّذَا َن َيأْتِيَانِهَا مِنكُ ْم فَآذُوهُمَا‬
‫الْمَوْ تُ أَ ْو يَ ْ‬
‫َفإِن تَابَا َوأَصْلَحَا َفأَ ْعرِضُواْ َع ْنهُمَا إِ ّن ال ّلهَ كَانَ تَوّابا ّرحِيما (‪. ﴾ )16‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كانت الرأة إذا زنت حُبست ف البيت حت توت ‪،‬‬
‫ث أنزل ال تبارك وتعال بعد ذلك ‪ ﴿ :‬الزّاِنَيةُ وَالزّانِي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد‬
‫ّمنْهُمَا ِمَئةَ جَلْ َدةٍ ﴾ ‪ ،‬فإن كانا مصني رجا ‪ ،‬فهذا سبيلهما الذي جعل‬
‫ال ل ما ‪ .‬و ف حد يث عبادة عن ال نب ‪ « :‬خذوا ع ن ‪ ،‬قد ج عل ال‬
‫لن سبيلً ‪ :‬البكران يلدان وينفيان سنة ‪ ،‬والثيبان يلدان ويرجان » ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬وأول القوال بال صحة ف تأو يل قوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوْ‬
‫جعَلَ اللّهُ َلهُنّ َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬قول من قال ‪ :‬السبيل الت جعلها ال جل ثناؤه‬
‫يَ ْ‬
‫للث يبي الح صني ‪ :‬الر جم بالجارة ‪ ،‬وللبكر ين ‪ :‬جلد مائة ونفي سنة ‪،‬‬
‫لصحة الب عن رسول ال ‪ :‬أنه رجم ول يلد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّذَانَـَيأِْتيَانِهَا مِنكُم ْـ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا َوأَص َْل‬
‫ـحَا‬
‫َانـ َتوّابا رّحِيما ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪ :‬يؤذي‬
‫ّهـ ك َ‬
‫َفأَعْرِضُوْا َعْنهُمَا إِنّ الل َ‬
‫بالتعيي ‪ ،‬وضرب النعال ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ( :‬فإن ق يل ‪ :‬ذ كر ال بس ف ال ية الول ‪ ،‬وذ كر ف‬
‫هذه ال ية اليذاء ‪ ،‬فك يف و جه ال مع ؟ ق يل ‪ :‬ال ية الول ف الن ساء ‪،‬‬
‫وهذه ف الرجال ‪ ،‬وهـو قول ماهـد ‪ .‬وقيـل ‪ :‬اليـة الول فـ الثيـب ‪،‬‬
‫وهذه ف البكر ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪485‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقيـل ‪ :‬نزل ﴿ وَاللّذَانَـ َي ْأِتيَانِهَا ﴾ ‪ ،‬فـ اللذيـن يعملن عمـل قوم‬


‫لوط ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬كل ذلك نسخته الية الت ف النور بالد الفرض ‪.‬‬
‫السـوَءَ‬
‫ُونـ ّ‬
‫ِينـَيعْمَل َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا الّتوَْبةُ عَلَى اللّهِـ لِ ّلذ َ‬
‫ك يَتُو بُ اللّ هُ عَلَ ْيهِ مْ وَكَا نَ اللّ هُ‬
‫ب َفأُ ْولَ ـئِ َ‬
‫جهَاَل ٍة ثُمّ يَتُوبُو َن مِن َقرِي ٍ‬
‫بِ َ‬
‫ت التّ ْوَبةُ لِ ّلذِي َن َيعْمَلُو نَ ال سّيّئَاتِ حَتّ ى ِإذَا‬
‫عَلِيما َحكِيما (‪َ )17‬ولَيْ سَ ِ‬
‫ت ال َن َولَ اّلذِي نَ يَمُوتُو َن وَهُ مْ ُكفّارٌ‬
‫ضرَ َأحَ َدهُ ُم الْ َموْ تُ قَالَ ِإنّي تُبْ ُ‬
‫حَ َ‬
‫أُ ْولَـِئكَ أَعَْت ْدنَا لَ ُهمْ َعذَابا َألِيما (‪. ﴾ )18‬‬
‫السـوَءَ‬
‫ُونـ ّ‬
‫ِينـَيعْمَل َ‬ ‫قال ماهـد فـ قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا الّت ْوَبةُ عَلَى الل ِ‬
‫ّهـلِلّذ َ‬
‫جهَاَلةٍ ﴾ ‪ ،‬من عصى ربه فهو جاهل حت ينع من معصيته ‪.‬‬
‫بِ َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َيتُوبُو َن مِن َقرِي بٍ ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪ :‬كل شيء‬
‫ق بل الوت ف هو قر يب له التو بة ما بي نه وب ي أن يعا ين ملك الوت ‪ ،‬فإذا‬
‫تاب حي ينظر إل ملك الوت فليس له ذاك ‪ ،‬وف الديث عن النب ‪:‬‬
‫« إن ال يقبل توبة العبد ما ل يغرغر » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫سّيئَاتِ‬ ‫وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬وََليْ سَ ِ‬
‫ت التّ ْوَبةُ لِلّذِي َن َيعْمَلُو َن ال ّ‬
‫َحتّ ى ِإذَا َحضَرَ أَحَ َدهُ ُم الْ َموْ تُ قَالَ ِإنّ ي تُبْ تُ ال نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا تبي‬
‫الوت فيه ل يق بل ال له تو بة ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬ول الذ ين يوتون وهم‬
‫كفار ‪ :‬أولئك أبعد من التوبة ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬يعن ‪ :‬أن الكافر إذا مات‬
‫على كفره وشر كه ل ينف عه ند مه ‪ ،‬ول توب ته ﴿ ُأوْلَ ـئِكَ َأ ْعتَدْنَا َلهُ مْ‬
‫عَذَابا أَلِيما ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪486‬‬

‫ح ّل لَكُ ْم أَن َترِثُواْ النّسَاء‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُوْا َل يَ ِ‬
‫ض مَا آتَيْتُمُوهُنّ إِل أَن َيأْتِيَ ِبفَا ِحشَةٍ‬
‫َكرْها َولَ َتعْضُلُوهُنّ لَِت ْذهَبُواْ بِبَعْ ِ‬
‫مّبَيَّنةٍ وَعَا ِشرُوهُنّ بِالْ َمعْرُوفِـ َفإِن َك ِرهْتُمُوهُنّ َفعَسـَى أَن َت ْكرَهُوْا شَيْئا‬
‫ج َع َل اللّ ُه فِي ِه خَيْرا كَثِيا (‪ )19‬وَإِ ْن أَرَدّتمُ اسْتِ ْبدَالَ َزوْجٍ ّمكَانَ َزوْجٍ‬
‫وَيَ ْ‬
‫ل َتأْ ُخذُوْا مِنْ هُ شَيْئا َأتَ ْأخُذُونَ ُه ُبهْتَانا وَِإثْما مّبِينا‬
‫وَآتَيْتُ مْ ِإ ْحدَا ُهنّ قِنطَارا فَ َ‬
‫ضكُ ْم ِإلَى َبعْ ضٍ َوَأخَذْ َن مِنكُم‬
‫ف تَ ْأ ُخذُونَ هُ َو َقدْ َأفْضَى َبعْ ُ‬
‫(‪ )20‬وَكَيْ َ‬
‫مّيثَاقا غَلِيظا (‪. ﴾ )21‬‬
‫قال ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ لَ َيحِلّ َلكُ مْ أَن تَ ِرثُواْ‬
‫النّسـَاء كَرْها ﴾ ‪ ،‬كانوا إذا مات الرجـل كان أولياؤه أحـق بامرأتـه ‪ ،‬إن‬
‫شاء بعض هم تزوج ها ‪ ،‬وإن شاءوا زوجو ها ‪ ،‬وإن شاءوا ل يزوجو ها ‪،‬‬
‫وهم أحق با من أهلها ‪ .‬فنلت هذه الية ف ذلك ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬كان‬
‫إذا تو ف الر جل كان اب نه ال كب هو أ حق بامرأ ته ينكح ها إذا شاء إذا ل‬
‫يكن ابنها ‪ ،‬أو يُنكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ْعضُلُوهُنّ ِلتَ ْذ َهبُوْا ِببَع ِ‬
‫ْضـ مَا آتَْيتُمُوهُنّ إِل أَن‬
‫شةٍ ّمَبّيَنةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪ :‬يعنـ ‪ ،‬الرجـل نكون له الرأة‬ ‫يَ ْأتِيَ ِبفَاحِ َ‬
‫وهو كاره لصحبتها ولا عليه مهر فيضربا لتفتدي ‪ .‬وقال أبو قلبة ‪ :‬إذا‬
‫رأى الر جل من امرأ ته فاح شة فل بأس أن يضار ها ‪ ،‬وي شق علي ها ح ت‬
‫شةٍ ّمَبّيَنةٍ ﴾ ‪ ،‬وهـو‬
‫تتلع منـه ‪ ،‬وقال ابـن عباس ‪ ﴿ :‬إِل أَن َي ْأتِي َ ِبفَاحِ َ‬
‫البغض ‪ ،‬والنشوز ‪ ،‬فإذا فعلت ذلك فقد حل منها الفدية ‪.‬‬
‫‪487‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَاشِرُوهُنّ بِالْ َمعْرُوفِـ فَإِن كَ ِر ْهتُمُوهُنّ َفعَسـَى أَن‬


‫جعَلَ اللّهُ فِيهِ َخيْرا َكثِيا ﴾ ‪.‬‬
‫تَكْ َرهُواْ شَيْئا َويَ ْ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يعن بذلك تعال ذكره ‪ :‬ل تعضلوا نسائكم لتذهبوا‬
‫بب عض ما آتيتمو هن من غ ي ري بة ول نشوز من هن ‪ ،‬ول كن عاشرو هن‬
‫بالعروف ‪ .‬وإن كرهتموهن فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن ‪ ،‬فيجعل‬
‫ال ف إمساككم إياهن خيًا كثيًا ‪ ،‬من ولد يرزقكم منهن ‪ ،‬أو عطفكم‬
‫عليهن بعد كراهتكم إياهن ‪.‬‬
‫ج وَآتَْيتُمْ إِحْدَاهُنّ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنْ أَرَدتّ ُم ا ْسِتبْدَالَ َزوْ ٍ‬
‫ج ّمكَانَ َز ْو ٍ‬
‫ل َتأْخُذُواْ ِمنْ هُ َشيْئا َأَتأْخُذُونَ هُ ُب ْهتَانا َوِإثْما ّمبِينا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪:‬‬
‫قِنطَارا َف َ‬
‫﴿ َوإِ نْ أَرَدتّ ُم ا سِْتبْدَالَ َزوْ جٍ مّكَا نَ َزوْ جٍ ﴾ ‪ :‬طلق امرأة مكان أخرى ‪،‬‬
‫فل يل له من مال الطلقة شيء وإن كثر ‪.‬‬
‫ْضـ‬
‫ُمـ إِلَى َبع ٍ‬
‫َهـ وَقَدْ أَفْض َى َب ْعضُك ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكَي َ‬
‫ْفـ َتأْخُذُون ُ‬
‫ـ مِنكُـم مّيثَاقا غَلِيظا ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪ :‬الفضاء ‪ :‬الماع ‪،‬‬ ‫َوأَخَذْن َ‬
‫ول كن ال كر ي يك ن ‪ .‬وقال قتادة ‪َ ﴿ :‬وأَخَذْ َن مِنكُم مّيثَاقا غَلِيظا ﴾ ‪،‬‬
‫واليثاق الغليـظ الذي أخذه للنسـاء على الرجال ‪ :‬إمسـاك بعروف أو‬
‫تسريح بإحسان ‪ .‬وف الديث عن النب ‪ « :‬اتقوا ال ف النساء فإنكم‬
‫أخذتوهن بأمانة ال ‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة ال » ‪ .‬رواه م سلم ‪.‬‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬كلمة ال هي التشهد ف الطبة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪488‬‬

‫الدرس الامس والمسون‬

‫﴿ َولَ تَنكِحُواْ مَا نَكَ حَ آبَاؤُكُم مّ نَ النّ سَاء إِل مَا َقدْ سَلَفَ ِإنّ هُ كَا نَ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َوبَنَاتُك ْ‬
‫ُمـ ُأ ّمهَاُتك ْ‬
‫َتـ عَلَ ْيك ْ‬
‫سـبِيلً (‪ُ )22‬ح ّرم ْ‬
‫شةً َو َمقْتا وَسـَاء َ‬
‫فَا ِح َ‬
‫ت َوُأمّهَاتُكُ مُ‬
‫خ وَبَنَا تُ الُخْ ِ‬
‫وََأ َخوَاتُكُ ْم وَعَمّاتُكُ مْ َوخَا َلتُكُ ْم وَبَنَا تُ الَ ِ‬
‫ضعَْنكُ ْم َوأَ َخوَاتُكُم مّ نَ الرّضَا َعةِ َوُأ ّمهَا تُ نِ سَآئِ ُكمْ وَ َربَائِبُكُ مُ‬
‫اللتِي أَرْ َ‬
‫اللتِي فِي حُجُورِكُم مّ ن نّ سَآئِ ُك ُم اللتِي َدخَلْتُم ِبهِنّ َفإِن لّ مْ َتكُونُواْ‬
‫لِبكُ ْم َوأَن‬
‫لِئ ُل أَبْنَائِكُ مُ اّلذِي نَ مِ ْن أَ صْ َ‬
‫ل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ ْم وَحَ َ‬
‫دَخَلْتُم ِب ِهنّ فَ َ‬
‫تَجْ َمعُواْ بَيْ نَ الُخْتَيْ نِ إَل مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا ّرحِيما (‪)23‬‬
‫وَالْمُحْ صَنَاتُ مِ نَ النّ سَاء إِل مَا مَ َلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ كِتَا بَ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫وَُأ ِحلّ لَكُم مّ ا وَرَاء ذَِلكُ ْم أَن تَبَْتغُواْ ِبَأ ْموَالِكُم مّحْ صِنِيَ غَ ْي َر مُ سَافِحِيَ‬
‫فَمَا ا سْتَمَْتعْتُم بِ هِ مِ ْن ُهنّ فَآتُو ُهنّ أُجُو َرهُنّ َفرِيضَ ًة وَ َل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ فِيمَا‬
‫ض ِة إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما َحكِيما (‪َ )24‬ومَن لّ مْ‬
‫َترَاضَيْتُم بِ هِ مِن َب ْعدِ اْل َفرِي َ‬
‫ت فَمِن مّ ا مَ َلكَ تْ‬
‫ت الْمُ ْؤمِنَا ِ‬
‫ح الْمُحْ صَنَا ِ‬
‫يَ سْتَطِ ْع مِنكُ مْ َط ْولً أَن يَنكِ َ‬
‫ضكُم مّن بَعْ ضٍ‬
‫َأيْمَاُنكُم مّن فَتَيَاِتكُ مُ الْ ُم ْؤمِنَا تِ وَاللّ هُ أَ ْعلَ ُم ِبإِيَاِنكُ مْ َبعْ ُ‬
‫ف مُحْ صَنَاتٍ َغ ْيرَ‬
‫فَانكِحُوهُنّ ِبإِذْ ِن َأهْ ِلهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫شةٍ َفعَلَ ْي ِهنّ‬
‫صنّ َفإِ نْ َأتَيْ نَ ِبفَا ِح َ‬
‫خذَا تِ أَ ْخدَا ٍن َفإِذَا أُحْ ِ‬
‫ت وَ َل مُتّ ِ‬
‫مُ سَافِحَا ٍ‬
‫ت مِ ْنكُ مْ‬
‫ك لِمَ ْن َخشِ يَ اْلعَنَ َ‬
‫ب َذلِ َ‬
‫نِ صْفُ مَا عَلَى الْمُحْ صَنَاتِ مِ َن الْ َعذَا ِ‬
‫وَأَن تَ صِْبرُوْا خَيْ ٌر ّلكُ مْ وَاللّ هُ َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪ُ )25‬يرِيدُ اللّ هُ لِيُبَيّ نَ َلكُ مْ‬
‫وََي ْه ِديَكُ مْ سَُن َن الّذِي نَ مِن قَبْ ِلكُ ْم َويَتُو بَ عَلَ ْيكُ مْ وَاللّ هُ عَلِي ٌم َحكِي مٌ (‬
‫ت أَن‬
‫ش َهوَا ِ‬
‫‪ )26‬وَاللّ ُه ُيرِي ُد أَن يَتُو بَ َعلَ ْيكُ مْ َوُيرِي ُد الّذِي َن يَتِّبعُو نَ ال ّ‬
‫‪489‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خفّفَـ عَنكُم ْـ وَخُلِقَـ الِنسـَانُ‬


‫تَمِيلُواْ مَيْلً عَظِيما (‪ُ )27‬يرِيدُ اللّهُـأَن يُ َ‬
‫ضعِيفا (‪. ﴾ )28‬‬
‫َ‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪490‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ تَنكِحُواْ مَا َنكَ حَ آبَاؤُكُم مّ نَ النّ سَاء إِل مَا‬
‫شةً وَ َمقْتا َوسَاء سَبِيلً (‪. ﴾ )22‬‬
‫ف ِإنّهُ كَا َن فَا ِح َ‬
‫َقدْ سَلَ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كان أهل الاهلية يرمون ما يَ ْ‬
‫حرُم إل امرأة الب ‪،‬‬
‫وال مع ب ي الخت ي ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَ َل تَنكِحُوْا مَا َنكَ حَ آبَاؤُكُم مّ َن‬
‫ج َمعُوْا َبيْ َن الُ ْختَيْ نِ ﴾ ‪ ،‬وقال أيضًا‬
‫النّ سَاء إِل مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬وأَن تَ ْ‬
‫‪ :‬كل امرأة تزوجها أبوك وابنك ‪ ،‬دخل أو ل يدخل ‪ ،‬فهي عليك حرام‬
‫‪ .‬وعن الباء بن عازب ‪ ( :‬أن رسول ال بعث أبا بردة إل رجل تزوج‬
‫امرأة أب يه من بعده أن يقتله ‪ ،‬ويأ خذ ماله ) ‪ .‬رواه المام أح د ‪ ،‬وأ هل‬
‫السنن ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ح ّرمَ تْ عَلَ ْيكُ مْ ُأ ّمهَاُتكُ مْ َوبَنَاُتكُ ْم وََأ َخوَاتُكُ مْ‬
‫خ وَبَنَاتُـ ا ُلخْتِـ َوُأمّهَاتُكُمُـ اللتِي‬
‫وَعَمّاتُكُم ْـ َوخَالَُتكُم ْـ وَبَنَاتُـ الَ ِ‬
‫ضعَْنكُ مْ َوَأخَوَاتُكُم مّ َن الرّضَا َع ِة َوأُ ّمهَا تُ نِ سَآِئكُ ْم وَ َربَائُِبكُ مُ اللتِي‬
‫أَرْ َ‬
‫فِي حُجُورِكُم مّ ن نّ سَآِئ ُكمُ اللتِي دَخَلْتُم ِبهِنّ َفإِن لّ ْم تَكُونُواْ َدخَلْتُم‬
‫ج َمعُواْ‬
‫لِبكُ ْم َوأَن تَ ْ‬
‫صَ‬‫لِئلُ َأبْنَائِكُمُ اّلذِي َن مِنْ أَ ْ‬
‫ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ َوحَ َ‬
‫ِبهِنّ فَ َ‬
‫َانـ َغفُورا ّرحِيما (‪)23‬‬
‫ّهـ ك َ‬
‫ف إِن ّ الل َ‬
‫سـلَ َ‬
‫ْنـ إَل م َا َقدْ َ‬
‫ْنـ الُخْتَي ِ‬
‫بَي َ‬
‫وَالْمُحْ صَنَاتُ مِ نَ النّ سَاء إِل مَا مَ َلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ كِتَا بَ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫وَُأ ِحلّ لَكُم مّ ا وَرَاء ذَِلكُ ْم أَن تَبَْتغُواْ ِبَأ ْموَالِكُم مّحْ صِنِيَ غَ ْي َر مُ سَافِحِيَ‬
‫فَمَا ا سْتَمَْتعْتُم بِ هِ مِ ْن ُهنّ فَآتُو ُهنّ أُجُو َرهُنّ َفرِيضَ ًة وَ َل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ فِيمَا‬
‫ضةِ إِ ّن ال ّلهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما (‪. ﴾ )24‬‬
‫َترَاضَيْتُم ِبهِ مِن َبعْ ِد اْلفَرِي َ‬
‫‪491‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس ‪ُ :‬حرّم من النسب سبعٌ ‪ ،‬ومن ال صّهر سبعٌ ‪ .‬ث قرأ ‪:‬‬
‫﴿ ُح ّرمَ تْ عََلْيكُ مْ ُأمّهَاُتكُ مْ ﴾ حت بلغ ‪َ ﴿ :‬وأَن َتجْ َمعُواْ َبيْ َن الُ ْخَتيْ نِ إَل‬
‫سـلَفَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬والسـابعة ‪ :‬ول تنكحوا مـا نَكـح آباؤكـم مـن‬ ‫مَا قَدْ َ‬
‫النساء ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وجلة الحرمات ف كتاب ال تعال أربع عشرة ‪ :‬سبعٌ‬
‫بالنسب ‪ ،‬وسبعٌ بالسبب ‪.‬‬
‫فأمـا السـبع بالسـبب ‪ :‬فمنهـا اثنتان بالرضاع ‪ ،‬وأربـع بالصـهرية ‪،‬‬
‫والسابعة الحصنات ‪ ،‬وهن من ذوات الزواج ‪.‬‬
‫وأ ما ال سبع بالن سب ‪ :‬فقوله تعال ‪ ﴿ :‬حُ ّرمَ ْ‬
‫ت عََلْيكُ مْ ُأ ّمهَاتُكُ مْ ﴾‬
‫ويدخـل فيهـن الدات وإن علونَـ ‪َ ﴿ ،‬وبَنَاتُكُم ﴾ ويدخـل فيهـن بنات‬
‫الولد وإن سفلن ‪َ ﴿ ،‬وأَ َخوَاُتكُ مْ ﴾ سواء كا نت من قِبَل الب ‪ ،‬أو‬
‫والم ‪َ ﴿ ،‬وعَمّاتُكُم ﴾ ويدخـل فيهـن جيـع أخوات آبائك ‪ ،‬وأجدادك‬
‫وإن علوا ‪ ﴿ ،‬وَخَالتُك ُم ﴾ ويدخـل فيهـن جيـع أخوات أمهاتـك ‪،‬‬
‫ت الَ خِ َوبَنَا تُ الُخْ تِ ﴾ ويد خل في هن بنات أولد‬
‫وجدا تك ‪َ ﴿ ،‬وَبنَا ُ‬
‫الخ ‪ ،‬والخت وإن سفلن ‪.‬‬
‫وأمــا الحرمات بالرضاع ‪ :‬فقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وُأ ّمهَاتُكُمـُ‬
‫ـ اللتِـي‬
‫ض ْعنَكُ ْم َوأَ َخوَاُتكُ ْم مِ نَ الرّضَا َعةِ ﴾ وجل ته ‪ :‬أن يرم من الرضا عة ما‬
‫أَرْ َ‬
‫يرم من النسب ‪.‬‬
‫وأما الحرمات بالصهرية ‪ :‬فقوله ‪َ ﴿ :‬وُأمّهَا ُ‬
‫ت نِ سَاِئكُمْ ﴾ وجلته ‪:‬‬
‫أَن كل من ع قد النكاح على امرأة فتحرم على النا كح أمهات النكو حة‬
‫وجداتا وإن علون من الرضاعة والنسب بنفس العقد ‪﴿ ،‬وَ َربَائُِبكُ ُم اللتِي‬
‫الزء الول‬ ‫‪492‬‬

‫فِي حُجُورِكُ مْ مِ ْن نِ سَائِكُ ُم اللتِي دَ َخ ْلتُ ْم ِبهِنّ ﴾ الربائب جع ‪ :‬ربيبة ‪،‬‬


‫وهـي بنـت الرأة ‪ ﴿ ،‬دَخَ ْلتُم ْـِبهِنّ ﴾ أي ‪ :‬جامعتموهـن ‪ ،‬ويرم عليـه‬
‫أيضا بنا تُ النكوحة وبنات أولدها ‪ ،‬وإن سفلن من الرضاع ‪ ،‬والنسب‬
‫بعد الدخول بالنكوحة ‪ ،‬حت لو فارق النكوحة قبل الدخول با أو ماتت‬
‫جاز له أن ين كح بنت ها ‪ ،‬ول يوز له أن ين كح ُأمّ ها ؛ لن ال تعال أطلق‬
‫تري المهات وقال ف تري الربائب ‪ ﴿ :‬فَإِ نْ َل ْم َتكُونُوا دَ َخ ْلتُ ْم ِبهِنّ فَل‬
‫ح عََلْيكُ ْم وَحَلئِلُ َأْبنَاِئكُ ُم الّذِي َن مِ نْ أَ صْلِبكُمْ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أزواج‬
‫ُجنَا َ‬
‫أبنائكـم ‪ .‬وجلتـه ‪ :‬أنـه يرم على الرجـل حلئل أبنائه وأبناء أولده وإن‬
‫سفلوا من الرضاع والنسب بنفس العقد ‪ .‬وإنا قال ‪ ﴿ :‬مِنْ أَصْلِبكُمْ ﴾‬
‫ليعلم أن حليلة التبنّ ي ل ترم على الر جل الذي تبناه ‪ ،‬فإن ال نب تزوج‬
‫امرأة زيد بن حارثة ‪ ،‬وكان زيد قد تبنّاه رسولُ ال ‪.‬‬
‫والرابـع مـن الحرمات بالصـهرية ‪ :‬حليل ُة الب وال ّد وإن عل ‪،‬‬
‫فتحرم على الولد ‪ ،‬وول ِد الولد بنفـس العقـد ‪ ،‬سـواء كان الب مـن‬
‫الرضاع ‪ ،‬أو الن سب ؛ لقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَل َتْنكِحُوا مَا َنكَ َح آبَاؤُكُ ْم مِ نَ‬
‫النّسـَاءِ ﴾ وكـل امرأة ترم عليـك بعقـد النكاح ترم بالوطـء فـ ملك‬
‫اليمي ‪ ،‬والوطء بشبهة ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَ ْن تَجْ َمعُوا بَيْ نَ ال ْخَتيْ نِ ﴾ ل يوز للرجل أن يمع‬
‫بيـ الختيـ فـ النكاح سـواء كانـت الخوّة بينهمـا بالنسـب ‪ ،‬أو‬
‫بالرضاع ‪ ،‬وكذلك ل يوز أن يمـع بيـ الرأة وعمتهـا ول بيـ الرأة‬
‫وخالتها ‪.‬‬
‫‪493‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬إِل مَا َقدْ سَلَفَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬لكن ما مضى فهو معفوٌ‬
‫عنه ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّهَ كَا َن َغفُورًا َرحِيمًا ﴾ ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْمُحْ َ‬
‫صنَاتُ مِ نَ النّ سَاءِ إِل مَا َمَلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ ﴾‬
‫ُنـ قبـل مفارقـة الزواج ‪،‬‬
‫يعنـ ‪ :‬ذوات الزواج ‪ ،‬ل يلـ للغيـ نكا ُحه ّ‬
‫وهذه السابعة من النساء اللت حُرّمن بالسبب ‪ .‬قال أبو سعيد الدري ‪:‬‬
‫( نزلت ف ن ساء كُنّ يهاجرن إل ر سول ال ول ن أزواج ‪ ،‬فتزوج هن‬
‫بعـض السـلمي ‪ ،‬ثـ قدم أزواجهـن مهاجريـن فنهـى ال السـلمي عـن‬
‫نكاحهن ‪ ،‬ث استثن فقال ‪ ﴿ :‬إِل مَا مََلكَ تْ َأيْمَانُكُمْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬السبايا‬
‫اللوا ت سُبي ول ن أزواج ف دار الرب ‪ ،‬فيحِلّ لاِلكِهنّ وطؤهنّ ب عد‬
‫الستباء ) ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْمُحْ َ‬
‫صنَاتُ مِ َن النّ سَاء إِل مَا‬
‫مََلكَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ ﴾ كل امرأة ل ا زوج ف هي عل يك حرام إل أ مة ملكت ها‬
‫ولا زوج بأرض الرب ؛ فهي لك حلل إذا استبأتا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬كتَا بَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كتب ال عليكم تري‬
‫هؤلء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأُحِلّ لَكُـم مّاـ وَرَاء ذَِلكُم ْ‬
‫ـ أَن َتْبَتغُواْ بَِأ ْموَالِكُـم‬
‫ي َغيْ َر مُ سَافِحِيَ ﴾ ‪ ،‬عن ا بن جر يج قال ‪ :‬سألت عطاء عن ها ‪،‬‬ ‫صنِ َ‬
‫مّحْ ِ‬
‫فقال ‪َ ﴿ :‬وأُحِلّ َلكُم مّا وَرَاء ذَِلكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما وراء ذات القرابة ‪.‬‬
‫وقال ا بن جر ير ‪ :‬إن ال جل ثناؤه بيّن لعباده الحرمات ‪ ،‬بالن سب‬
‫والصهر ‪ ،‬ث الحرمات من الحصنات من النساء ‪ ،‬ث أخبهم جل ثناءه‬
‫الزء الول‬ ‫‪494‬‬

‫أ نه قد أ حل ل م ما عدا هؤلء الحرمات ‪ ،‬ال بيّنات ف هات ي اليت ي أن‬


‫نبتغيه بأموالنا نكاحًا ‪ ،‬وملك يي ل سفاحًا ‪.‬‬
‫ضةً‬
‫ِهـ ِمْنهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ فَرِي َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَا ْ‬
‫اسـتَ ْمتَ ْعتُم ب ِ‬
‫﴾ قال ا بن عباس ‪ :‬إذا تزوج الر جل من كم الرأة ث نكح ها مرة واحدة ‪،‬‬
‫فقـد وجـب صـداقها كله ‪ .‬والسـتمتاع هـو ‪ :‬النكاح ‪ .‬وقال ماهـد ‪:‬‬
‫نزلت ف نكاح التعة ‪ .‬وف الصحيحي عن علي بن أب طالب رضي ال‬
‫ع نه قال ‪ ( :‬ن ى ر سول ال عن نكاح الت عة يوم خ يب ‪ ،‬و عن لوم‬
‫المر الهلية ) ‪.‬‬
‫ضةِ‬
‫ضيْتُم بِ هِ مِن َبعْ ِد الْفَرِي َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ُجنَا َ‬
‫ح عََلْيكُ مْ فِيمَا تَرَا َ‬
‫إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬وذلك نظيـ قوله جـل ثناؤه ‪ ﴿ :‬وَآتُواْ النّسـَاء‬
‫حَلةً فَإِن ِطبْنَ َلكُ ْم عَن شَيْ ٍء ّمنْهُ نَفْسا َفكُلُوهُ هَنِيئا مّرِيئا ﴾ ‪.‬‬
‫صَدُقَاِتهِ ّن نِ ْ‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬وقد استدل بعموم هذه الية على نكاح التعة ‪ ،‬ول‬
‫شك أنه كان مشروعًا ف ابتداء السلم ‪ ،‬ث نسخ بعد ذلك ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬ذ هب عا مة أ هل العلم أن نكاح الت عة حرام ‪ ،‬وال ية‬
‫منسوخة ‪ .‬وعن سبة بن معبد الهن ‪ :‬أنه غزا مع رسول ال يوم فتح‬
‫مكة فقال ‪ « :‬يا أيها الناس إن قد كنت أذنت لكم ف الستمتاع من‬
‫النساء وإن ال قد حرم ذلك إل يوم القيامة ‪ ،‬فمن كان عنده منهن شيء‬
‫فليخل سبيله ول تأخذوا ما آتيتموهن شيئًا » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫ـ‬
‫ـ َط ْولً أَن يَنكِح َ‬
‫ـتَطِ ْع مِنكُم ْ‬
‫ـ يَس ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَمَـن لّم ْ‬
‫الْمُحْ صَنَاتِ الْ ُم ْؤمِنَا تِ َفمِن مّا مَ َلكَ تْ َأيْمَانُكُم مّن فَتَيَاتِكُ مُ الْ ُم ْؤمِنَا تِ‬
‫‪495‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض فَانكِحُوهُنّ ِبِإذْ نِ َأهْ ِل ِهنّ وَآتُوهُنّ‬


‫ضكُم مّن بَعْ ٍ‬
‫وَاللّ هُ أَ ْعلَ مُ ِبإِيَانِكُ مْ َبعْ ُ‬
‫ت أَ ْخدَا نٍ‬
‫خذَا ِ‬
‫ت َولَ مُتّ ِ‬
‫ف مُحْ صَنَاتٍ غَ ْي َر مُ سَافِحَا ٍ‬
‫أُجُو َرهُنّ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫ف مَا َعلَى الْمُحْ صَنَاتِ مِ نَ‬
‫شةٍ َفعَلَ ْيهِنّ نِ صْ ُ‬
‫صنّ َفإِ نْ َأتَيْ نَ ِبفَا ِح َ‬
‫َفإِذَا أُحْ ِ‬
‫ت مِ ْنكُ ْم َوأَن تَ صِْبرُواْ خَ ْي ٌر لّكُ مْ وَاللّ هُ‬
‫ك لِمَ نْ َخشِ يَ اْلعَنَ َ‬
‫ب َذلِ َ‬
‫الْ َعذَا ِ‬
‫َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )25‬‬
‫قال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن لّ مْ يَ ْ‬
‫ستَطِ ْع مِنكُ ْم َطوْلً ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫من ل يكن له سعة ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬الغن أن ينكح الحصنات الؤمنات ‪:‬‬
‫﴿ فَمِن مّ ا مََلكَ تْ َأيْمَانُكُم مّ ن َفَتيَاتِكُ ُم الْ ُم ْؤمِنَا تِ ﴾ ‪ ،‬قال سعيد ا بن‬
‫جبي ‪ :‬أما من ل يد ما ينكح الرة تزوج المة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ أَعَْل ُم بِإِيَانِكُ ْم َبعْضُكُم مّ ن َبعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫كلكم من نفس واحدة ‪ ،‬ودينكم واحد ‪ ،‬وال يعلم سرائركم ‪ ،‬فلينكح‬
‫بعضكم من بعض ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَانكِحُوهُنّ ﴾ أي ‪ :‬الماء ‪ ﴿ ،‬بِإِذ ِ‬
‫ْنـ أَهِْلهِنّ ﴾ ‪،‬‬
‫ُوفـ‬
‫أي ‪ :‬مواليهـن ‪ ﴿ ،‬وَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ ﴾ أي ‪ :‬مهورهـن ﴿ بِالْ َمعْر ِ‬
‫صنَاتٍ ﴾ عفائف‬ ‫﴾ على ما تراضي تم به من غ ي م طل ول ضرار ﴿ مُحْ َ‬
‫ت وَ َل ُمتّخِذَاتــِ أَ ْخدَانــٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابــن عباس ‪:‬‬ ‫﴿ َغيْ َر مُســَافِحَا ٍ‬
‫والسافحات ‪ :‬العلنات بالزنا ‪ ﴿ ،‬وَ َل ُمتّخِذَا تِ أَ ْخدَا نٍ ﴾ ‪ ،‬ذات الليل‬
‫الوا حد ‪ .‬كان أ هل الاهل ية يرمون ما ظ هر من الز نا ‪ ،‬وي ستحلون ما‬
‫خفي ‪ .‬يقولون ‪ :‬أما ما ظهر منه فهو لوم ‪ ،‬وأما ما خفي فل بأس بذلك‬
‫ِشـ م َا َظهَ َر ِمنْه َا وَم َا‬
‫‪ .‬فأنزل ال تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َتقْ َربُواْ الْ َفوَاح َ‬
‫بَطَنَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪496‬‬

‫ف مَا عَلَى‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا ُأحْ صِنّ فَإِ نْ َأَتيْ َن ِبفَاحِ َ‬
‫شةٍ َف َعَلْيهِنّ نِ صْ ُ‬
‫صنَاتِ مِ َن الْعَذَا بِ ﴾ ‪ ،‬ليس الراد أن التزويج شرط لوجوب الد ؛‬ ‫الْمُحْ َ‬
‫بل الراد منه التنبيه على أن الملوك وإن كان مصنًا فل رجم عليه ‪ ،‬إنا‬
‫شةٍ َفعََلْيهِنّ‬
‫حدّه خسـون جلدة ‪ .‬قال قتادة فـ قوله ‪ ﴿ :‬فَإِن ْـَأَتيْنَـِبفَاحِ َ‬
‫صنَاتِ مِ َن اْلعَذَابِ ﴾ ‪ ،‬خسون جلدة ‪ ،‬ول نفي ول‬ ‫ف مَا عَلَى الْمُحْ َ‬
‫نِ صْ ُ‬
‫رجم ‪ .‬وف الصحيحي عن النب قال ‪ « :‬إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن‬
‫زنا ها فليجلد ها ال ج ول يثرب علي ها ‪ ،‬ث إن ز نت فليجلد ها ال ّد ول‬
‫يثرب عليها ‪ ،‬ث إن زنت الثالثة فتبي زناها فليبعها ولو ببل من شعر » ‪.‬‬
‫وف رواية ‪ :‬سئل النب عن المة إذا زنت ول تصن قال ‪ « :‬إن زنت‬
‫فاجلدوها » الديث ‪ .‬وعن علي بن أب طالب رضي ال عنه أنه خطب‬
‫فقال ‪ ( :‬يا أيها الناس أقيموا الد على إمائكم من أحصن منهن ومن ل‬
‫يصن ) ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬وعند أب داود مرفوعًا ‪ « :‬أقيموا الدود على ما‬
‫ملكت أيانكم » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ كَ لِ َم نْ خَشِ َي اْلعَنَ تَ ِمْنكُ ْم َوأَن تَ صْبِرُواْ َخيْرٌ ّلكُ مْ‬
‫وَاللّ ُه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬العنت الزنا ‪ .‬وقال السدي ‪﴿ :‬‬
‫ُمـ ﴾ يقول ‪ :‬وإن تصـبوا ول تنكـح المـة فيكون‬
‫َصـبِرُواْ َخيْرٌ ّلك ْ‬
‫َوأَن ت ْ‬
‫ولدك ملوكي فهو خي لكِ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬يرِيدُ اللّ هُ لِيُبَيّ َن َلكُ ْم َويَ ْه ِديَكُ مْ سُنَ َن الّذِي نَ مِن‬
‫قَبْ ِلكُ ْم َويَتُو بَ عَلَ ْيكُ مْ وَاللّ هُ عَلِي ٌم َحكِي مٌ (‪ )26‬وَاللّ ُه ُيرِي ُد أَن يَتُو بَ‬
‫‪497‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َاتـ أَن تَمِيلُوْا مَيْلً َعظِيما (‪)27‬‬


‫ش َهو ِ‬
‫ُونـ ال ّ‬
‫ِينـ يَتِّبع َ‬
‫ُمـ َوُيرِي ُد الّذ َ‬
‫عَلَ ْيك ْ‬
‫ضعِيفا (‪. ﴾ )28‬‬
‫خفّفَ عَن ُكمْ َوخُ ِلقَ الِنسَانُ َ‬
‫ُيرِيدُ ال ّل ُه أَن يُ َ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يريـد ال أن يوضـح‬
‫ّنـَلك ْ‬ ‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬يُرِيدُ الل ُ‬
‫ّهـِلُيبَي َ‬
‫ل كم شرائع دين كم ‪ ،‬وم صال أمور كم ‪َ ﴿ ،‬وَيهْ ِدَيكُ مْ سُنَ َن الّذِي َن مِن‬
‫ُمـ ﴾ مـن الِثـ‬ ‫ُوبـ عََلْيك ْ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬طرائقهـم الميدة ‪َ ﴿ ،‬وَيت َ‬ ‫َقبِْلك ْ‬
‫والحارم ‪ ﴿ ،‬وَاللّ ُه عَلِي مٌ ﴾ ب صال عباده ف أ مر دين هم ودنيا هم ‪﴿ ،‬‬
‫َحكِيمٌ ﴾ فيما دبر من أمورهم ‪.‬‬
‫ُونـ‬
‫ِينـ َيتِّبع َ‬
‫ُمـ َويُرِي ُد الّذ َ‬
‫ُوبـ عََلْيك ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالل ُ‬
‫ّهـ يُرِيدُ أَن يَت َ‬
‫شهَوَا تِ أَن تَمِيلُوْا َمْيلً عَظِيما ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪َ ﴿ :‬ويُرِي ُد الّذِي َن يَّتِبعُو نَ‬
‫ال ّ‬
‫ل عَظِيما ﴾ ‪ ،‬أن تكونوا مثل هم تزنون ك ما يزنون‬ ‫شهَوَا تِ أَن تَمِيلُواْ َمْي ً‬
‫ال ّ‬
‫‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬يريد أهل الباطل ‪ ،‬وأهل الشهوات ف دينهم أن تيلوا‬
‫ف دينكم ميلً عظيمًا ‪ ،‬تتبعون أمر دينهم ‪ ،‬وتتركون أمر ال وأمر دينكم‬
‫‪.‬‬
‫ضعِيفا ﴾‬
‫ف عَنكُ ْم وَخُِل َق الِن سَانُ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُرِيدُ اللّ هُ أَن يُ َ‬
‫خفّ َ‬
‫‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يريد ال أن يفف عنكم ف نكاح المة ‪ ،‬وف كل شيء‬
‫فيـه يسـر ‪ .‬وقال ابـن كيسـان ‪ :‬خلق الِنسـان ضعيفًا ‪ ،‬يسـتميله هواه‬
‫وشهو ته ‪ ،‬وقال طاووس ‪ :‬ل يس يكون الِن سان ف ش يء أض عف م نه ف‬
‫النساء ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪498‬‬

‫الدرس السادس والمسون‬

‫ُمـ بِالْبَا ِطلِ إِل أَن‬


‫ُمـ بَيَْنك ْ‬
‫ِينـ آمَنُواْ َل َتأْكُلُوْا َأمْوَالَك ْ‬
‫﴿ ي َا أَيّه َا اّلذ َ‬
‫سكُ ْم إِنّ اللّ هَ كَا نَ ِبكُ مْ‬
‫ض مّنكُ مْ َولَ َتقْتُلُواْ أَنفُ َ‬
‫تَكُو َن تِجَا َرةً عَن َترَا ٍ‬
‫سوْفَ نُ صْلِي ِه نَارا وَكَا نَ‬
‫َرحِيما (‪َ )29‬ومَن َي ْف َعلْ َذلِ كَ ُع ْدوَانا وَظُلْما فَ َ‬
‫ْهـ ُنكَ ّفرْ‬
‫ْنـ عَن ُ‬
‫ّهـ يَسـِيا (‪ )30‬إِن تَجْتَنِبُواْ َكبَآِئ َر مَا تُ ْنهَو َ‬
‫ِكـ عَلَى الل ِ‬
‫َذل َ‬
‫ضلَ اللّ هُ‬
‫عَنكُ مْ سَيّئَاتِ ُك ْم وَُن ْدخِلْكُم ّم ْدخَلً َكرِيا (‪ )31‬وَ َل تَتَمَّن ْواْ مَا فَ ّ‬
‫ب مّمّا‬
‫ب مّمّا اكْتَسَبُوْا وَلِلنّسَاء نَصِي ٌ‬
‫ض لّلرّجَا ِل نَصِي ٌ‬
‫ضكُمْ عَلَى َبعْ ٍ‬
‫بِ ِه بَعْ َ‬
‫اكْتَ سَ ْب َن وَا سَْألُوْا اللّ هَ مِن فَضْلِ ِه إِنّ اللّ هَ كَا َن ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيما (‪)32‬‬
‫َتـ‬
‫ِينـ َعقَد ْ‬
‫ُونـ وَاّلذ َ‬
‫َانـ وَالَ ْق َرب َ‬
‫َكـ الْوَالِد ِ‬
‫ِيـ مِمّاـ َتر َ‬
‫وَِل ُكلّ َجعَلْنَا َموَال َ‬
‫َانـ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدا (‪)33‬‬
‫ّهـ ك َ‬
‫ُمـ نَصـِيَب ُه ْم إِنّ الل َ‬
‫ُمـ فَآتُوه ْ‬
‫َأيْمَاُنك ْ‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ َوبِمَا‬
‫ض َل اللّ ُه َبعْ َ‬
‫ال ّرجَالُ قَوّامُو نَ عَلَى النّ سَاء بِمَا فَ ّ‬
‫ظ اللّ هُ‬
‫ب بِمَا َحفِ َ‬
‫ت قَانِتَا تٌ حَافِظَا تٌ لّ ْلغَيْ ِ‬
‫أَن َفقُوْا مِ ْن َأمْوَاِلهِ ْم فَال صّالِحَا ُ‬
‫ِعـ‬
‫جرُوهُن ّ ف ِي الْمَضَاج ِ‬
‫ُونـ ُنشُو َزهُن ّ َفعِظُوهُن ّ وَاهْ ُ‬
‫وَاللت ِي تَخَاف َ‬
‫ل إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيّا كَبِيا‬
‫ل تَ ْبغُواْ عَلَ ْي ِهنّ سَبِي ً‬
‫ض ِربُو ُهنّ َفإِنْ أَ َطعَْنكُمْ َف َ‬
‫وَا ْ‬
‫(‪ )34‬وَإِن ْـ ِخفْتُم ْـ ِشقَاقَـبَيِْنهِمَا فَابْعَثُواْ َحكَما مّن ْـَأهْلِهِـ َوحَكَما مّن ْـ‬
‫أَهْلِهَا إِن ُيرِيدَا إِ صْلَحا يُ َوفّ ِق اللّ ُه بَيَْنهُمَا إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما خَبِيا (‬
‫‪. ﴾ )35‬‬

‫***‬
‫‪499‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا َل تَأْكُلُواْ أَ ْموَاَلكُ مْ بَيْنَكُ مْ‬


‫سكُ ْم إِنّ‬
‫ض مّنكُ مْ َولَ تَقْتُلُواْ أَنفُ َ‬
‫بِالْبَا ِط ِل إِل أَن َتكُو نَ تِجَا َرةً عَن َترَا ٍ‬
‫سوْفَ‬
‫اللّ هَ كَا َن ِبكُ مْ َرحِيما (‪ )29‬وَمَن َي ْف َعلْ َذلِ كَ ُع ْدوَانا وَظُلْما فَ َ‬
‫ّهـ يَسـِيا (‪ )30‬إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآِئرَ مَا‬
‫ِكـ عَلَى الل ِ‬
‫َانـ َذل َ‬
‫ُصـلِي ِه نَارا وَك َ‬
‫ن ْ‬
‫تُ ْنهَوْنَ عَ ْن ُه ُن َكفّرْ عَن ُكمْ سَيّئَاِتكُ ْم َونُ ْدخِلْكُم مّ ْدخَلً َكرِيا (‪. ﴾ )31‬‬
‫قال السدي ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ َل تَأْكُلُواْ َأمْوَاَلكُ مْ‬
‫َبيَْنكُ ْم بِاْلبَاطِلِ إِل أَن َتكُو َن تِجَا َر ًة عَن تَرَا ضٍ مّنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬نوا عن أكلهم‬
‫أموالمـ بينهـم بالباطـل ‪ ،‬وبالربـا والقمار ‪ ،‬والبخـس والظلم ‪ ﴿ ،‬إِل أَن‬
‫ُونـ تِجَا َرةً ﴾ ‪ ،‬ليبـح فـ الدرهـم ألف ًا إن اسـتطاع ‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫تَك َ‬
‫والتجارة رزق من رزق ال ‪ ،‬وحلل من حلل ال ‪ ،‬لن طلبها ب صدقها‬
‫وبر ها ‪ .‬و قد ك نا ندث أن التا جر الم ي ال صدوق مع ال سبعة ف ظل‬
‫العرش يوم القيامة ‪.‬‬
‫وقال ما هد ف قول ال تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬عَن تَرَا ٍ‬
‫ض مّنكُ مْ ﴾ ف‬
‫تارة ب يع ‪ ،‬أو عطاء يعط يه أ حد أحدًا ‪ .‬وقال الش عب ف البيّع ي ‪ :‬إن ما‬
‫باليار ما ل يفترقا ‪ ،‬فإذا تصادرا فقد وجب البيع ‪ .‬وعن ابن عمر عن‬
‫النب قال ‪ « :‬إذا تبايع الرجلن فكل واحد منهما باليار ‪ ،‬ما ل يتفرقا‬
‫وكانا جيعًا ‪ ،‬أو ييّر أحدها الخر ‪ ،‬فإن خيّر أحدها الخر فتبايعا على‬
‫ذلك ف قد و جب الب يع ‪ ،‬وإن تفر قا ب عد أن تباي عا ول يترك وا حد منه ما‬
‫البيع ‪ ،‬فقد وجب البيع » ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬واللفظ لسلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ْقتُلُواْ أَنفُ َ‬
‫سكُمْ إِنّ اللّ هَ كَا نَ ِبكُ مْ َرحِيما ﴾ ‪،‬‬
‫عـن عمرو بـن العاص قال ‪ ( :‬احتلمـت فـ ليلة باردة شديدة البد ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪500‬‬

‫فأشف قت إن اغت سلت أن أهلك ‪ ،‬فتيم مت ث صليت بأ صحاب صلة‬


‫ال صبح ‪ ،‬قال ‪ :‬فل ما قدم نا على ر سول ال ذكرت ذلك له فقال ‪ :‬يا‬
‫عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ قلت يا رسول ال إن احتلمت ف‬
‫ليلة باردة شديدة البد ‪ ،‬فأشفقـت إن اغتسـلت أن أهلك ‪ ،‬فذكرت قول‬
‫ُمـ رَحِيما ﴾ ‪،‬‬
‫َانـ ِبك ْ‬
‫ّهـ ك َ‬
‫ُسـكُمْ إِنّ الل َ‬
‫ال عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ْقتُلُواْ أَنف َ‬
‫فتيممت ث صليت ‪ .‬فضحك رسول ال ول يقل شيئًا ) ‪ .‬رواه أحد‬
‫وغيه ‪ .‬و ف ال صحيحي عن ال نب ‪ « :‬كان ر جل م ن كان قبل كم ‪،‬‬
‫وكان به جرح ‪ ،‬فأ خذ سكينًا ف جز ب ا يده ‪ ،‬ف ما ر قأ الدم ح ت مات ‪.‬‬
‫قال ال عز وجل ‪ :‬عبدي بادرن بنفسه ‪ ،‬حرمت عليه النة » ‪.‬‬
‫ف نُ صْلِيهِ نَارا‬
‫سوْ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن َي ْفعَلْ ذَلِ َ‬
‫ك عُ ْدوَانا َوظُلْما فَ َ‬
‫وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّ ِه يَسِيا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ومن يتعاطى ما ناه ال عنه متعديًا فيه ظالًا ف‬
‫ف نُ صْلِيهِ‬
‫سوْ َ‬
‫تعاط يه ‪ ،‬أي ‪ :‬عالًا بتحري ه متجا سرًا على انتها كه ‪ ﴿ ،‬فَ َ‬
‫نَارا ﴾ الية ‪ ،‬وهذا تديد شديد ووعيد أكيد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن تَ ْ‬
‫جَتنِبُواْ َكبَآئِ َر مَا ُتْن َهوْنَ َعنْهُ ُن َكفّ ْر عَنكُمْ َسّيئَاِتكُمْ‬
‫َونُدْخِ ْلكُم مّ ْد َخلً كَرِيا ﴾ ‪ .‬ف الصحيحي عن النب أنه قال ‪ « :‬اجتنبوا‬
‫ال سبع الوبقات » قالوا ‪ :‬و ما هن يا ر سول ال ؟ قال ‪ « :‬الشرك بال ‪،‬‬
‫والسحر ‪ ،‬وقتل النفس الت حرم ال إل بالق ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكل مال‬
‫اليت يم ‪ ،‬والتول يوم الز حف ‪ ،‬وقذف الح صنات الغافلت الؤمنات » ‪.‬‬
‫و عن ا بن م سعود قال ‪ ( :‬سألت ال نب ما الكبائر ؟ قال ‪ « :‬أن تدعوا‬
‫ل ندًا وهو خلقك ‪ ،‬وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك ‪ ،‬أو تزن‬
‫‪501‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بليلة جارك » ‪ .‬وقرأ علي نا ر سول ال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ لَا يَ ْدعُو نَ َم عَ اللّ ِه‬
‫س اّلتِي حَرّ مَ اللّ هُ إِلّا بِالْحَقّ وَلَا يَ ْزنُو نَ ﴾ ‪ .‬رواه‬
‫إِلَها آخَ َر وَلَا َي ْقتُلُو نَ الّنفْ َ‬
‫ابن جرير وغيه ‪ .‬وعن ابن عمر عن النب قال ‪ « :‬الكبائر ‪ :‬الشراك‬
‫بال ‪ ،‬وعقوق الوالديـن ‪ ،‬وقتـل النفـس ‪ ,‬واليميـ الغموس » ‪ .‬قال ابـن‬
‫عباس ‪ :‬الكبائر كل ذنب ختمه ال بنار ‪ ،‬أو غضب ‪ ،‬أو لعنة ‪ ،‬أو عذاب‬
‫‪ .‬وقال ‪ :‬هي إل ال سبعي أقرب من ها إل ال سبع ‪ .‬و ف روا ية ‪ :‬هن إل‬
‫سـبعمائة أقرب منهـا إل سـبع ‪ ،‬غيـ أنـه ل كـبية مـع السـتغفار ‪ ،‬ول‬
‫صغية مع الصرار ‪.‬‬
‫ضلَ اللّ هُ بِ ِه َبعْضَكُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ تَتَ َمّنوْْا مَا فَ ّ‬
‫ب مّمّا اكْتَسَ ْبنَ وَا ْسَألُواْ اللّهَ‬
‫ب مّمّا اكْتَ سَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِي ٌ‬
‫لّلرّجَا ِل نَ صِي ٌ‬
‫مِن فَضْلِ ِه إِنّ اللّ هَ كَا َن ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيما (‪َ )32‬ولِ ُك ّل جَعَلْنَا َموَالِ َي مِمّا‬
‫َترَ كَ اْلوَاِلدَا نِ وَالَ ْق َربُو َن وَاّلذِي نَ َع َقدَ تْ َأيْمَانُكُ ْم فَآتُوهُ ْم نَ صِيَبهُ ْم إِنّ‬
‫اللّهَ كَانَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدا (‪. ﴾ )33‬‬
‫عن ما هد قال ‪ ( :‬قالت أم سـلمة ‪ :‬يـا ر سول ال تغزو الرجال ول‬
‫نغزو ‪ ،‬وإن ا ل نا ن صف الياث ! فنلت ‪ ﴿ :‬وَلَ َتتَ َمّن ْواْ مَا َفضّلَ اللّ ُه بِ هِ‬
‫ب مّمّ ا‬ ‫ب مّمّ ا ا ْكتَ سَبُواْ وَلِلنّ سَاء نَ صِي ٌ‬‫ضكُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ لّلرّجَا ِل نَ صِي ٌ‬
‫َبعْ َ‬
‫ُسـلِمَاتِ ﴾ ‪ .‬وقال ابـن‬ ‫ي وَالْم ْ‬‫ُسـلِ ِم َ‬
‫َسـبْنَ ﴾ ‪ ،‬ونزلت ‪ ﴿ :‬إِن ّ الْم ْ‬ ‫اكْت َ‬
‫عباس ‪ :‬ل يتمنـ الرجـل يقول ‪ :‬ليـت ل مال فلن وأهله ‪ ،‬فنهـى ال‬
‫سبحانه عن ذلك ‪ ،‬ولكن ليسأل ال من فضله ‪ .‬وقال ابن سيين ‪ :‬نيتم‬
‫الزء الول‬ ‫‪502‬‬

‫عن المان ‪ ،‬ودُللتم على ما هو خي منه ‪ ﴿ :‬وَا ْسأَلُواْ اللّ َه مِن َفضْلِ هِ إِنّ‬
‫اللّهَ كَانَ ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيما ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬هو عليم بن يستحق الدنيا فيعطيه منها ‪ ،‬وبن‬
‫يستحق الفقر فيفقره ‪ ،‬وعليم بن يستحق الخرة فيوفقه لعمالا ‪ ،‬وبن‬
‫ي ستحق الذلن فيخذله عن تعا طي ال ي وأ سبابه ‪ ،‬و عن ا بن م سعود‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬سلوا ال من فضله ‪ ،‬فإن ال يب أن يسأل‬
‫وإن أفضل العبادة انتظار الفرج » ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَِلكُلّ َجعَ ْلنَا َموَالِ َي مِمّا تَرَ َك اْلوَالِدَا ِن وَالَقْ َربُو نَ وَالّذِي نَ‬
‫َعقَدَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ فَآتُوهُ ْم نَ صِيبَهُمْ ِإنّ اللّ هَ كَا َن عَلَى كُلّ شَيْ ٍء َشهِيدا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَِلكُلّ َجعَ ْلنَا َموَالِ يَ ِممّا تَرَ كَ الْوَالِدَا ِن وَالَقْ َربُو نَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الوال ‪ :‬العصبة يعن ‪ :‬الورثة ‪ ﴿ .‬وَالّذِي نَ َعقَدَ تْ َأيْمَانُكُ مْ فَآتُوهُ مْ‬
‫َانـ عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدا ﴾ ‪ .‬قال السـن ‪ :‬كان‬ ‫ّهـ ك َ‬ ‫نَصـِيَبهُمْ إِن ّ الل َ‬
‫الرجل يالف الرجل ليس بينهما نسب ‪ ،‬فيث أحدها الخر ‪ ،‬فنسخ ال‬
‫ضهُ مْ َأوْلَى ِبَبعْ ضٍ فِي ِكتَا بِ‬ ‫ذلك ف النفال فقال ‪َ ﴿ :‬وُأوْلُواْ الَ ْرحَا مِ َب ْع ُ‬
‫اللّ هِ إِنّ اللّ هَ بِكُ ّل َشيْءٍ عَلِي مٌ ﴾ ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬كان الر جل يعا قد‬
‫ُمـ‬
‫ضه ْ‬ ‫َامـ بَ ْع ُ‬
‫الرجـل أيهمـا مات ورثـه الخـر ‪ ،‬فأنزل ال ﴿ َوُأوْلُو اْلأَرْح ِ‬
‫َأوْلَى ِببَعْ ضٍ فِي ِكتَا بِ اللّ ِه مِ َن الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُمهَاجِرِي نَ إِلّا أَن َتفْعَلُوا إِلَى‬
‫َأوْلِيَائِكُم ّمعْرُوفا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إل أن يوصـوا إل أوليائهـم الذيـن عاقدوا‬
‫وصـية ‪ ،‬فهـو لمـ جائز مـن ثلث مال اليـت ‪ ،‬وذلك هـو العروف وقال‬
‫﴿ وَالّذِي نَ َعقَدَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬كان حلف ف الاهلية ‪،‬‬ ‫ماهد ‪:‬‬
‫فأمروا ف السلم أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنصرة والشورة ‪ ،‬ول‬
‫‪503‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مياث ‪ .‬وعـن ابـن عباس قال ‪ :‬قال رسـول ال ‪ « :‬ل حلف فـ‬
‫ال سلم ‪ ،‬و كل حلف كان ف الاهل ية فلم يزده ال سلم إل شدة ‪ ،‬و ما‬
‫يسرن أن ل حر النعم ‪ ،‬وإن نقضت اللف الذي كان ف دار الندوة »‬
‫‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ف قوله ‪ ﴿ :‬وَِلكُلّ َجعَلْنَا َموَالِ َي مِمّ ا تَرَ َك اْلوَالِدَا نِ‬
‫وَالَقْ َربُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ور ثة من قرابا ته من أبو يه وأقربائه ‪ ،‬و هم يرثون‬
‫دون سائر الناس ‪ .‬كما ثبت ف الصحيحي عن ابن عباس أن رسول ال‬
‫قال ‪ « :‬ألقوا الفرائض بأهلها ‪ ،‬فما بقي فهو لول رجل ذكر » ‪.‬‬
‫ّهـ‬
‫ض َل الل ُ‬
‫ُونـ َعلَى النّسـَاء بِمَا فَ ّ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬الرّجَالُ َقوّام َ‬
‫َاتـ‬
‫ت قَانِت ٌ‬
‫ِمـ فَالصـّالِحَا ُ‬
‫ِنـ َأمْوَالِه ْ‬
‫ْضـ َوبِم َا أَن َفقُوْا م ْ‬
‫ُمـ َعلَى َبع ٍ‬
‫َبعْضَه ْ‬
‫ظ اللّ هُ وَاللتِي تَخَافُو نَ ُنشُو َزهُنّ َفعِظُوهُنّ‬
‫ب بِمَا حَفِ َ‬
‫ت لّ ْلغَيْ ِ‬
‫حَافِظَا ٌ‬
‫ل تَ ْبغُواْ عَلَ ْيهِنّ‬
‫ض ِربُوهُنّ َفإِ ْن أَ َطعَْنكُ مْ فَ َ‬
‫جرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِ ِع وَا ْ‬
‫وَاهْ ُ‬
‫ق بَيِْنهِمَا فَابْعَثُواْ‬
‫ل إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَ ِليّا َكبِيا (‪ )34‬وَإِ ْن خِفْتُ مْ ِشقَا َ‬
‫سَبِي ً‬
‫حَكَما مّنْ َأهْلِهِ َوحَكَما مّنْ أَهْ ِلهَا إِن ُيرِيدَا إِصْلَحا ُي َوفّقِ اللّهُ بَيَْنهُمَا إِنّ‬
‫اللّهَ كَانَ عَلِيما خَبِيا (‪. ﴾ )35‬‬
‫قال ابـن عباس فـ قوله تعال ‪ ﴿ :‬الرّجَالُ َقوّامُونَـ عَلَى النّسـَاء ﴾ ‪،‬‬
‫يعن ‪ :‬أمراء ‪ .‬عليها أن تطيعه فيما أمرها ال به من طاعته ‪ ،‬وطاعته أن‬
‫تكون م سنة إل أهله ‪ ،‬حاف ظة لاله ‪ ،‬وفضله علي ها بنفق ته و سعيه ‪ .‬وقال‬
‫الضحاك ‪ :‬الرجـل قائم على الرأة يأمرهـا بطاعـة ال ‪ ،‬فإن أبـت فله أن‬
‫يضرب ا ضربًا غ ي مبح ‪ ،‬أي ‪ :‬غ ي مؤ ثر ‪ .‬وقال ال سدي ‪ ﴿ :‬الرّجَالُ‬
‫الزء الول‬ ‫‪504‬‬

‫ُونـ عَلَى النّسـَاء ﴾ ‪ ،‬يأخذون على أيديهـن ويؤدبنـ ‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫َقوّام َ‬
‫( صك ر جل امرأ ته فأ تت ال نب فأراد أن يقيد ها م نه ‪ ،‬فأنزل ال ‪﴿ :‬‬
‫الرّجَالُ َقوّامُو نَ عَلَى النّ سَاء ﴾ ‪ .‬وقال الزهري ‪ :‬لو أن رجلً شج امرأ ته‬
‫أو جرحها ل يكن عليه ف ذلك قود ‪ ،‬وكان عليه العقل ‪ ،‬يعن ‪ :‬الدية ‪،‬‬
‫إل أن يعدوا عليها فيقتلها فيُقتل با ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَال صّالِحَاتُ قَاِنتَا تٌ حَافِظَا تٌ لّ ْل َغيْ بِ بِمَا َحفِ ظَ اللّ هُ‬
‫َاتـ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫﴾ قال سـفيان ‪ ﴿ :‬فَالصـّالِحَاتُ ﴾ يعملن باليـ ‪ ﴿ ،‬قَاِنت ٌ‬
‫ماهــد ‪ :‬مطيعات ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬مطيعات ل ولزواجهــن ‪﴿ .‬‬
‫ب بِمَا َحفِظَ اللّهُ ﴾ ‪ .‬قال السدي ‪ :‬تفظ على زوجها ماله‬
‫حَافِظَاتٌ لّ ْل َغيْ ِ‬
‫وفرجها حت يرجع كما أمرها ال ‪ .‬وعن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ « :‬خ ي الن ساء امرأة إذا نظرت إلي ها سرتك ‪ ،‬وإذا أمرت ا أطاع تك ‪،‬‬
‫وإذا غبت عنها حفظتك ف نفسها ومالا ‪ -‬ث قرأ رسول ال ‪﴿ : -‬‬
‫الرّجَالُ َقوّامُو َن عَلَى النّسَاء ﴾ » الية‪ .‬رواه ابن جرير ‪ .‬قال ابن جرير ‪:‬‬
‫وف الكلم متروك استغن بدللة الظاهر من الكلم عليه عن ذكره ومعناه‬
‫﴿ فَال صّالِحَاتُ قَاِنتَا تٌ حَافِظَا تٌ لّ ْل َغيْ بِ بِمَا َحفِ ظَ اللّ هُ ﴾ ‪ ،‬فأح سنوا‬
‫إليهن وأصلحوا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللتِي تَخَافُو َن نُشُو َزهُنّ َفعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِي‬
‫ل تَْبغُواْ عََلْيهِنّ َسبِيلً إِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫ض ِربُوهُنّ َفإِ نْ أَ َط ْعنَكُ مْ َف َ‬
‫الْ َمضَاجِ عِ وَا ْ‬
‫عَِليّا َكبِيا ﴾ ‪ .‬قال ابـن زيـد ‪ :‬النشوز معصـية الزوج وخلفـه ‪ .‬وقال‬
‫ما هد ‪ :‬إذا نشزت الرأة عن فراش زوج ها يقول ل ا ‪ :‬ات قي ال وارج عي‬
‫إل فراشـك ‪ ،‬فإن أطاعتـه فل سـبيل عليهـا ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬فـ قوله‬
‫‪505‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِعـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ بالجران ‪ :‬أن يكون‬ ‫تعال ‪ ﴿ :‬وَاهْجُرُوهُن ّ ف ِي الْ َمضَاج ِ‬


‫الرجـل وامرأتـه على فراش واحـد ل يامعهـا ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬إذا خاف‬
‫نشوزها وعظها ‪ ،‬فإن قبلت وإل هجر مضجعها ‪ .‬وعن معاوية بن حيدة‬
‫‪ :‬أنه قال ‪ :‬يا رسول ال ما حق امرأة أحدنا عليه ؟ قال ‪ « :‬أن تطعمها‬
‫إذا طع مت ‪ ،‬وتك سوها إذا اكت سيت ‪،‬ول تضرب الو جه ‪ ،‬ول تق بح ول‬
‫جرُوهُنّ‬ ‫ت جر إل ف الب يت » ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاهْ ُ‬
‫فِي الْ َمضَا ِج ِع وَاضْ ِربُوهُنّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تجرها ف الضجع ‪ ،‬فإن أقبلت وإل‬
‫فقد أذن ال لك أن تضربا ضربًا غي مبح ‪ ،‬ول تكسر لا عظمًا ‪ ،‬فإن‬
‫أقبلت ‪ ،‬وإل فقد حل لك منها الفدية ‪ ﴿ ،‬فَإِ نْ َأ َط ْعنَكُ مْ َفلَ َتْبغُوْا عََلْيهِنّ‬
‫َسبِيلً ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬إذا ضاجعته ‪ .‬وقال سفيان بن عيينة ‪ :‬إذا فعلت ذلك ل‬
‫يكلفها أن تبه ‪ ،‬لن قلبها ليس ف يديها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَِليّا َكبِيا ﴾ ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬ف يه‬
‫تد يد للرجال إذا بغوا على الن ساء من غ ي سبب ‪ ،‬فإن ال العلي ال كبي‬
‫وليّهن ‪ ،‬وهو منتقم من ظلمهم وبغى عليهن ‪ .‬وف الديث عن النب‬
‫أن قال ‪ « :‬ل تضربوا إماء ال » ‪ .‬فجاء ع مر ر ضي ال ع نه إل ر سول‬
‫ال فقال ‪ :‬ذئرن النسـاء على أزواجهـن ‪ .‬فرخـص رسـول ال فـ‬
‫ضربن ‪ ،‬فأطاف بآل رسول ال نساء كثي يشتكي أزواجهن ‪ ،‬فقال‬
‫رسـول ال ‪ « :‬لقـد أطاف بآل ممـد نسـاء كثيـ يشتكيـ مـن‬
‫أزواج هن ‪ ،‬ل يس أولئك بيار كم » ‪ .‬رواه أ بو داود ‪ ،‬والن سائي ‪ ،‬وا بن‬
‫ماجة ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪506‬‬

‫ِهـ‬
‫ّنـَأهْل ِ‬
‫َاقـ َبيِْنهِمَا فَاْبعَثُواْ َحكَما م ْ‬
‫ُمـ ِشق َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإ ْ‬
‫ِنـ ِخ ْفت ْ‬
‫صلَحا ُيوَفّ قِ اللّ ُه َبْيَنهُمَا ِإنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما‬
‫وَ َحكَما مّ نْ َأهِْلهَا إِن يُرِيدَا إِ ْ‬
‫َخبِيا ﴾ ‪ .‬قال ال سدي ف قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ ِخ ْفتُ مْ ِشقَا قَ َبْيِنهِمَا ﴾ ‪،‬‬
‫إن ضربا فأبت أن ترجع وشاقته ‪ ،‬يقول ‪ :‬عادته ‪ .‬وقال سعيد بن جبي‬
‫يعظ ها ‪ :‬فإن انت هت وإل هجر ها ‪ ،‬فإن انت هت وإل ضرب ا ‪ ،‬فإن انت هت‬
‫وإل رفع أمرها إل السلطان ‪ ،‬فيبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ‪،‬‬
‫فيقول ال كم الذي من أهل ها ‪ :‬يف عل ب ا كذا ‪ ،‬ويقول ال كم الذي من‬
‫أهله ‪ :‬تفعـل بـه كذا ‪ ،‬فأيهمـا كان الظال رده السـلطان ‪ ،‬وأخـذ فوق‬
‫يد يه ‪ ،‬وإن كا نت ناشزًا أمره أن يلع ‪ .‬وقال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬إِن‬
‫ّهـ َبيَْنهُم َا ﴾ ‪ ،‬وذلك الكمان ‪ ،‬وكذلك كـل‬ ‫ّقـ الل ُ‬‫ِصـلَحا ُيوَف ِ‬ ‫يُرِيدَا إ ْ‬
‫مصلح يوفقه ال للحق والصواب ‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬باب الشقاق ‪ :‬وهـل يشيـ باللع عنـد الضرورة ؟‬
‫ق بَْيِنهِمَا ﴾ الية ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنْ ِخ ْفتُ ْم ِشقَا َ‬
‫قال ابن بطال ‪ :‬أجع العلماء على أن الخاطب بقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ‬
‫ـا ﴾ ‪ ،‬الكام ‪ ،‬وأن الراد بقوله ‪ ﴿ :‬إِن يُرِيدَا‬
‫ـ ِشقَاقــَ َبْيِنهِمَـ‬
‫ِخ ْفتُمـ ْ‬
‫صلَحا ﴾ ‪ ،‬الكمان ‪ ،‬وأن الكم ي يكون أحده ا من ج هة الر جل ‪،‬‬ ‫إِ ْ‬
‫والخر من جهة الرأة ‪ ،‬إل أن ل يوجد من أهلهما من ي صلح ‪ ،‬فيجوز‬
‫أن يكون مـن الجانـب منـ يصـلح لذلك ‪ ،‬وأنمـا إذا اختلفـا ل ينفـذ‬
‫قولما ‪ ،‬وإن اتفقا نفذ ف الميع بينهما من غي توكيل ‪ .‬واختلفوا فيما‬
‫إذا اتف قا على الفر قة ‪ :‬فقال مالك ‪ ،‬والوزا عي ‪ ،‬وإ سحاق ‪ :‬ين فذ بغ ي‬
‫توكيـل ول إذن مـن الزوجيـ ‪ .‬وقال الكوفيون ‪ ،‬والشافعـي ‪ ،‬وأحدـ ‪:‬‬
‫‪507‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يتاجان إل الذن ‪ .‬فأمـا مالك ومـن تابعـه فألقوه بالعنّيـ والول ‪ ،‬فإن‬
‫الا كم يطلق عليه ما ‪ ،‬فكذلك هذا وأيضًا ‪ ،‬فل ما كان الخا طب بذلك‬
‫الكام ‪ ،‬وأن الرسال إليهم دل على أن بلوغ الغاية من المع أو التفريق‬
‫إليهـم ‪ ،‬وجرى الباقون على الصـل ‪ ،‬وهـو أن الطلق بيـد الزوج ‪ ،‬فإن‬
‫أذن ف ذلك وإل طلق عليه الاكم ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال الشيخ ابن سعدي ‪ :‬ومهما وجدا طريقًا إل الصلح والتفاق‬
‫واللءمة بينهما ل يعدِل عنها إما بتنازل عن بعض القوق ‪ ،‬أو ببذل مال‬
‫أو غي ذلك ‪ ،‬فإن تعذرت الطرق كلها ‪ ،‬ورُأي أن التفريق بينهما أصلح‬
‫لتعذر اللءمة ‪ ،‬فرقا بينهما با تقتضيه الال ‪ ،‬بعوض أو بغي عوض ‪ ،‬ول‬
‫يشترط ف هذا ر ضى الزوج ‪ ،‬لن ال ساها حكم ي ل وكيل ي ‪ .‬و من‬
‫قال ‪ :‬أن ما وكيلن اشترط ف التفر يق ر ضى الزوج ‪ ،‬ول كن هذا القول‬
‫ضعيـف ‪ .‬ولحبـة الباري للتفاق بينهمـا ‪ ،‬وترجيحـه على الخـر قال ‪:‬‬
‫صلَحا ُيوَفّقِ اللّ ُه َبْيَنهُمَا ﴾ ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫﴿ إِن يُرِيدَا إِ ْ‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّهَ كَا َن عَلِيما َخبِيا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يعن جل ثناؤه ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما ﴾ ‪ ،‬با أراد‬
‫الكمان من إصلح بي الزوجي وغيه ‪َ ﴿ ،‬خبِيا ﴾ بذلك وبغيه من‬
‫أمور غيه ا ‪ ،‬ل ي فى عل يه ش يء م نه ‪ ،‬حا فظ علي هم ح ت يازي كلً‬
‫منهـم جزاءه ‪ ،‬بالحسـان إحسـانًا وبالسـاءة غفران ًا أو عقاب ًا ‪ .‬وبال‬
‫التوفيق ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪508‬‬

‫الدرس السابع والمسون‬

‫ْنـ ِإحْسـَانا وَِبذِي‬


‫ِهـ شَيْئا َوبِالْوَالِ َدي ِ‬
‫شرِكُوْا ب ِ‬
‫ّهـ َولَ ُت ْ‬
‫﴿ وَاعُْبدُوْا الل َ‬
‫ـ‬
‫ي وَالْجَارِ ذِي اْلقُرْبَـى وَالْجَارِ الْجُنُب ِ‬
‫الْ ُقرْبَـى وَالْيَتَامَـى وَالْمَسـَاكِ ِ‬
‫ت َأيْمَانُكُ ْم إِنّ اللّ َه لَ يُحِبّ‬
‫ب وَابْ ِن ال سّبِيلِ وَمَا مَ َلكَ ْ‬
‫ب بِالَن ِ‬
‫وَال صّاحِ ِ‬
‫خلِ‬
‫مَن كَا َن مُخْتَا ًل فَخُورا (‪ )36‬الّذِي َن يَبْخَلُو َن َوَيأْ ُمرُو َن النّا سَ بِالْبُ ْ‬
‫وََيكْتُمُو َن مَا آتَاهُ مُ اللّ هُ مِن فَضْلِ هِ وَأَعَْت ْدنَا لِ ْلكَا ِفرِي نَ َعذَابا ّمهِينا (‪)37‬‬
‫س وَ َل ُيؤْمِنُو َن بِاللّهِ َو َل بِالَْيوْمِ ال ِخرِ‬
‫وَاّلذِي َن يُنفِقُو َن َأمْوَاَلهُمْ ِرئَـاء النّا ِ‬
‫وَمَن يَكُ ِن الشّيْطَا ُن لَ هُ َقرِينا فَ سَاء ِقرِينا (‪َ )38‬ومَاذَا عَلَ ْيهِ ْم لَوْ آمَنُواْ‬
‫بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ ال ِخرِ َوأَن َفقُوْا مِمّا رَ َز َقهُ ُم اللّ ُه وَكَا َن اللّهُ بِهِم عَلِيما (‪)39‬‬
‫ت مِن ّل ُدنْ هُ‬
‫إِنّ اللّ َه لَ يَظْلِ ُم مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة وَإِن تَ كُ حَ سََنةً يُضَا ِعفْهَا َوُيؤْ ِ‬
‫شهِي ٍد وَجِئْنَا بِ كَ َعلَى‬
‫ف ِإذَا جِئْنَا مِن ُك ّل أمّ ٍة ِب َ‬
‫أَجْرا عَظِيما (‪َ )40‬فكَيْ َ‬
‫َصـُواْ الرّسـُو َل َلوْ‬
‫ِينـ َك َفرُوْا وَع َ‬
‫هَــؤُلء َشهِيدا (‪ )41‬يَ ْومَِئذٍ َي َودّ اّلذ َ‬
‫ض وَ َل يَكْتُمُو َن ال ّلهَ َحدِيثا (‪. ﴾ )42‬‬
‫ُتسَوّى ِبهِ ُم الَرْ ُ‬

‫***‬
‫‪509‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شرِكُوْا بِ هِ شَيْئا َوبِاْلوَاِلدَيْ نِ‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَاعُْبدُوْا اللّ هَ َولَ ُت ْ‬
‫ي وَالْجَارِ ذِي اْلقُرْبَى وَالْجَارِ‬
‫إِحْ سَانا َوبِذِي الْ ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫ت َأيْمَاُنكُمْ إِنّ اللّ َه لَ‬
‫ب وَابْنِ السّبِيلِ َومَا مَلَكَ ْ‬
‫ب وَال صّاحِبِ بِالَن ِ‬
‫الْجُنُ ِ‬
‫يُحِبّ مَن كَا َن مُخْتَالً فَخُورا (‪ )36‬اّلذِي َن يَبْخَلُو َن َويَ ْأ ُمرُو َن النّا سَ‬
‫خ ِل َويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُ ُم اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه َوأَعَْتدْنَا لِ ْلكَا ِفرِينَ َعذَابا ّمهِينا‬
‫بِالْبُ ْ‬
‫(‪. ﴾ )37‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاعْبُدُواْ اللّه َ‬
‫ـ ﴾ أي ‪ :‬وحدوه وأطيعوه‬
‫﴿ وَ َل تُشْرِكُواْ بِ ِه َشيْئا ﴾ ‪ .‬ث ساق بسنده عن معاذ بن جبل رضي ال‬
‫ع نه قال ‪ ( :‬ك نت رد يف ال نب فقال ‪ :‬هل تدري يا معاذ ما حق ال‬
‫على الناس » ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ال ور سوله أعلم ‪ .‬قال ‪ « :‬ح قه علي هم أن‬
‫يعبدوه ول شركوا بـه شيئًا ‪ .‬أتدري يـا معاذ مـا حـق الناس على ال إذا‬
‫فعلوا ذلك » ؟ قلت ‪ :‬ال ورسـوله أعلم ‪ .‬قال ‪ « :‬فإن حـق الناس على‬
‫ال أن ل يعذب م » ‪ .‬قال قلت ‪ :‬يا ر سول ال أفل أب شر الناس ؟ قال ‪:‬‬
‫« دعهم يعملون » ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وبِاْلوَالِ َدي ِ‬
‫ْنـ ِإحْسـَانا ﴾ ‪ ،‬برًا بمـا وعطفًا عليهمـا ‪،‬‬
‫ـنوا ‪ ﴿ ،‬بِذِي اْلقُرْبَـى وَالَْيتَامَـى‬
‫﴿ َوبِذِي اْلقُرْبَـى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أحسـ‬
‫وَالْمَ سَاكِيِ ﴾ ‪ .‬ث ساق بسنده عن سهل بن سعد رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫قال ر سول ال ‪ « :‬أنا وكا فل اليت يم ف النة هكذا » وأشار بالسبابة‬
‫والوسطى وفرق بينهما ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ ‪ .‬قال ابـن عباس ‪ :‬يعنـ ‪ :‬ذا‬
‫الرحم ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬جارك وهو ذا قرابتك ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪510‬‬

‫ـ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪ :‬الذي ليـس‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْجَا ِر الْ ُ‬


‫جنُب ِ‬
‫بينك وبينه قرابة ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬البعيد ف النسب وهو جار ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَال صّا ِح ِ‬
‫ب بِالَن بِ ﴾ ‪ .‬قال ما هد ‪ :‬صاحبك ف‬
‫السفر ‪ .‬وقال علي ‪ :‬هي ‪ :‬الرأة ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ﴿ :‬الصّا ِحبِ بِالَنبِ‬
‫﴾ ‪ ،‬اللزم ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬وقـد يدخـل فـ هذا الرفيـق فـ السـفر ‪ ،‬والرأة ‪،‬‬
‫والنقطع إل الرجل الذي يلزمه رجاء نفعه ‪ ،‬لن كلهم بنب الذي هو‬
‫معه وقريب منه ‪ ،‬وقد أوصى ال تعال بميعهم ‪ ،‬لوجوب حق الصاحب‬
‫على الصحوب ؛ وساق بسنده عن عبد ال بن عمرو عن النب قال ‪:‬‬
‫« إن خي الصحاب عن ال تعال خيهم لصاحبه ‪ ،‬وخي اليان عن ال‬
‫خيهم لاره » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَابْ ِن ال سّبِيلِ ﴾ ‪ .‬قال ما هد ‪ :‬هو الذي ي ر عل يك‬
‫وهو مسافر ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هو الضيف ‪.‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬الرقاء ‪ .‬قال‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَـا َمَلكَت ْ‬
‫ـ َأيْمَاُنكُم ْ‬
‫ماهد ‪ :‬كل هذا أوصى ال به ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ لَ ُيحِبّ مَن كَا َن مُ ْ‬
‫ختَالً فَخُورا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ختَالً ﴾ متكبًا ‪َ ﴿ ،‬فخُورا ﴾ ‪،‬‬ ‫حبّ مَن كَا نَ ُم ْ‬ ‫ماهد ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّ هَ َل يُ ِ‬
‫قال ‪ :‬ب عد ما أع طي ‪ ،‬و هو ل يش كر ال ‪ .‬قال أ بو رجاء ‪ :‬ل ت د سيّئ‬
‫اللكة إل وجدته متالً فخورًا ‪ .‬وتل ‪َ ﴿ :‬ومَا َمَلكَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ ِإنّ اللّ هَ لَ‬
‫ختَالً َفخُورا ﴾ ‪ ،‬ول عاقًا إل وجدتـه جبارًا شقيًا ‪،‬‬ ‫يُحِبّ مَن كَانَـ مُ ْ‬
‫جعَ ْلنِي َجبّارا َشقِيّا ﴾ ‪.‬‬
‫وتل ‪َ ﴿ :‬وبَرّا ِبوَالِ َدتِي وَلَمْ يَ ْ‬
‫‪511‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي َن َيبْخَلُو نَ َوَي ْأمُرُو نَ النّا سَ بِاْلبُخْ ِل َوَي ْكتُمُو نَ مَا‬
‫آتَاهُ مُ اللّ ُه مِن َفضْلِ هِ ﴾ ‪ .‬قال طاووس ‪ :‬البخل ‪ :‬أن يبخل النسان با ف‬
‫يديه ‪ .‬والشح ‪ :‬أن يشح على ما ف أيدي الناس ‪ .‬قال يب أن يكون له‬
‫ما ف أيدي الناس بالل والرام ل يقنع ‪ .‬وقال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ‬
‫س بِاْلبُخْلِ ﴾ ‪ ،‬هم ‪ :‬أعداء ال أهل الكتاب ‪ ،‬بلوا‬
‫َيبْخَلُو َن َويَ ْأمُرُو نَ النّا َ‬
‫بق ال عليهم ‪ ،‬وكتموا السلم وممدًا ‪ ،‬وهم يدونه مكتوبًا عندهم‬
‫ف التوراة والنيل ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬والظاهر أن السياق ف البخل بالال ‪ ،‬وإن كان البخل‬
‫بالعلم داخلً فـ ذلك بطريـق الول ‪ ،‬فإن السـياق فـ النفاق على‬
‫القارب والضعفاء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَأ ْعتَ ْدنَا ِل ْلكَافِرِي َن عَذَابا ّمهِينا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬فالبخيل جحود لنعمة ال ‪ ،‬ول تظهر عليه ‪ ،‬كما قال‬
‫شهِيدٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ِكـلَ َ‬
‫ّهـ عَلَى ذَل َ‬
‫ّهـَل َكنُودٌ * َوِإن ُ‬ ‫تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الِنسـَانَ ِل َرب ِ‬
‫ِهـ‬
‫ّهـ مِن َفضْل ِ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫ُونـ مَا آتَاه ُ‬
‫باله وشائله ‪ .‬وقال هـا هنـا ‪َ ﴿ :‬ويَ ْكتُم َ‬
‫﴾ ولذا نوعد كم بقوله ‪َ ﴿ :‬وَأ ْعتَدْنَا لِ ْلكَافِرِي َن عَذَابا ّمهِينا ﴾ والك فر ‪:‬‬
‫هو ال ستر والتغط ية ‪ ،‬فالبخ يل ي ستر نع مة ال عل يه ويكتم ها ويحد ها ‪.‬‬
‫ف هو كا فر لنع مة ال عل يه ‪ .‬و ف الد يث ‪ « :‬أن ال إذا أن عم نع مة على‬
‫عبـد أحـب أن يظهـر أثرهـا عليـه » ‪ .‬وفـ الدعاء النبوي ‪ « :‬واجعلنـا‬
‫شاكر ين لنعم تك ‪ ،‬مثن ي ب ا عل يك ‪ ،‬قابلي ها ‪ ،‬وأتم ها علي نا » ‪ .‬انت هى‬
‫ملخصًا ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪512‬‬

‫ّاسـ وَلَ‬
‫ُمـ ِرئَــاء الن ِ‬
‫ُونـ َأ ْموَاَله ْ‬
‫ِينـ يُنفِق َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫يُ ْؤمِنُو َن بِاللّهِ َولَ بِالَْيوْ ِم ال ِخ ِر وَمَن َيكُ ِن الشّيْطَا ُن لَهُ َقرِينا فَسَاء ِقرِينا (‬
‫‪ )38‬وَمَاذَا َعلَ ْيهِ ْم لَوْ آمَنُواْ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الخِ ِر َوأَن َفقُواْ مِمّا رَ َز َقهُ ُم اللّ هُ‬
‫وَكَانَ ال ّلهُ بِهِم عَلِيما (‪. ﴾ )39‬‬
‫قال ال سدي ‪ :‬نزلت ف النافق ي ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬ذ كر الم سكي‬
‫الذمومي وهم البخلء ‪ ،‬ث ذكر الباذلي الرائي الذين يقصدون بإعطائهم‬
‫السمعة ‪ ،‬وأن يدحوا بالكرم ‪ ،‬ول يريدون بذلك وجه ال ‪ ،‬وف حديث‬
‫الثلثـة الذيـن هـم أول مـن تسـجر بمـ النار وهـم ‪ :‬العال ‪ ،‬والغازي ‪،‬‬
‫والن فق الراءون بأعمال م ‪ ( .‬يقول صاحب الال ‪ :‬ما تر كت من ش يء‬
‫تب أن ينفق فيه إل أنفقت ف سبيلك ‪ .‬فيقول ال ‪ :‬كذبت إنا أردت‬
‫أن يقال ‪ :‬جواد ‪ ،‬فقـد قيـل ‪ .‬أي ‪ :‬فقـد أخذت جزاءك فـ الدنيـا وهـو‬
‫الذي أردت بفعلك ) ‪ .‬وإن رسـول ال قال لعدي بـن حاتـ ‪ « :‬إن‬
‫أباك أراد مرادًا فبلغه » ‪ .‬وف حديث آخر أن رسول ال سئل عن عبد‬
‫ال بن جدعان ‪ :‬هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال ‪ « :‬ل ‪ ،‬إنه ل يقل يومًا‬
‫مـن الدهـر ‪ :‬رب اغفـر ل خطيئتـ يوم الديـن » ‪ .‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬وَلَ‬
‫ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَ َل بِاْلَيوْ مِ الخِرِ ﴾ ال ية ‪ ،‬أي ‪ :‬إن ا حل هم على صنيعهم‬
‫هذا القب يح وعدول م عن ف عل الطا عة على وجه ها الشيطان ‪ ،‬فإ نه سول‬
‫لم وأملى لم ‪ ،‬وقارنم ‪ ،‬فحسن لم القبائح ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن‬
‫شيْطَانُ لَهُ َقرِينا فَسَاء ِقرِينا ﴾ ‪ ،‬ولذا قال الشاعر ‪:‬‬
‫يَكُنِ ال ّ‬
‫فكــل قريــن بالقارَن يقتدي‬ ‫عن الرء ل تسأل وسل عن قرينه‬
‫(‬

‫(‬
‫‪513‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ث قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَاذَا عََلْيهِمْ َلوْ آ َمنُواْ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َوأَن َفقُواْ مِمّا‬
‫رَزََقهُ مُ اللّ هُ ﴾ ال ية ‪ ،‬أي ‪ :‬وأي ش يء يضر هم لو آمنوا بال ‪ ،‬و سلكوا‬
‫الطريـق الميدة ‪ ،‬وعدلوا عـن الرياء إل الخلص واليان بال ‪ ،‬رجاء‬
‫موعوده فـ الدار الخرة لنـ يسـن عمله ‪ ،‬وأنفقوا ماـ رزقهـم ال فـ‬
‫ّهـ بِه ِم‬
‫َانـ الل ُ‬
‫الوجوه اللتـ يبهـا ال ويرضاههـا ؟ [ و ] قوله ‪ ﴿ :‬وَك َ‬
‫عَلِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وهو عليم بنياتم الصالة والفاسدة ‪ ،‬وعليم بن يستحق‬
‫التوف يق من هم وإلا مه ورشده ويقب ضه لع مل صال ير ضى به ع نه ‪ ،‬وب ن‬
‫يستق الذلن والطرد عن جنابه العظم اللي ‪ ،‬الذي من طرد عن بابه‬
‫فقد خاب وخسر ف الدنيا والخرة ‪ ،‬عياذًا بال من ذلك ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫َسـَنةً‬
‫َكـ ح َ‬
‫ِمـ مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة وَإِن ت ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّهَـ َل يَظْل ُ‬
‫ف ِإذَا جِئْنَا مِن ُكلّ‬
‫ت مِن لّ ُدنْ هُ َأجْرا عَظِيما (‪ )40‬فَكَيْ َ‬
‫يُضَا ِعفْهَا وَُيؤْ ِ‬
‫ِينـ‬
‫ِكـ َعلَى هَــؤُلء َشهِيدا (‪ )41‬يَ ْومَِئذٍ َي َودّ اّلذ َ‬
‫شهِي ٍد وَجِئْن َا ب َ‬
‫أمّ ٍة ِب َ‬
‫ض َولَ َيكْتُمُو نَ اللّ َه حَدِيثا‬
‫سوّى ِبهِ مُ الَرْ ُ‬
‫صوُْا الرّ سُو َل لَ ْو تُ َ‬
‫َك َفرُوْا وَعَ َ‬
‫(‪. ﴾ )42‬‬
‫قال ابـن عباس فـ قوله ‪ِ ﴿ :‬مْثقَالَ َذ ّرةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬رأس نلة حراء ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان بعـض أهـل العلم يقول ‪ :‬لن تفضـل حسـنات على‬
‫سيئات ما يزن ذرة ‪ ،‬أحب إلّ من أن تكون ل الدنيا جيعًا ‪ .‬وعن أنس‬
‫أن رسـول ال قال ‪ « :‬إن ال ل يظلم الؤمـن حسـنة يثاب عليهـا ‪،‬‬
‫الرزق ف الدنيا ويزي با ف الخرة ‪ .‬وأما الكافر فيطعم با ف الدنيا ‪،‬‬
‫فإن كان يوم القيامة ل تكن له حسنة » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪514‬‬

‫وقال سعيد بن جبي ف قوله ‪َ ﴿ :‬وُيؤْ ِ‬


‫ت مِن لّ ُدنْ هُ أَجْرا عَظِيما ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ال نة ‪ .‬و ف حد يث الشفا عة الطو يل عن ر سول ال ‪ « :‬فيقول‬
‫ال عز وجل ‪ :‬ارجعوا فمن وجدت ف قلبه أدن ‪ ،‬أدن ‪ ،‬أدن مثقال ذرة‬
‫مـن إيان ‪ ،‬فأخرجوه مـن النار ‪ ،‬فيخرجون خلق ًا كثيًا ‪ .‬ثـ يقول أبـو‬
‫سعيد ‪ :‬اقرؤوا إن شئتم ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ َل يَظِْل ُم ِمْثقَالَ َذ ّرةٍ ﴾ الية ‪ ،‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ك عَلَى‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكَيْ فَ إِذَا ِجئْنَا مِن كُ ّل أ ّم ٍة بِ َ‬
‫شهِي ٍد وَ ِجئْنَا بِ َ‬
‫هَـؤُلء َشهِيدا ﴾ ‪ .‬قال ابن جريج ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ف َكيْ فَ إِذَا ِجْئنَا مِن كُ ّل‬
‫شهِيدٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬رسولها ‪ ،‬فيشهد علينا أن قد أبلغهم ما أرسله ال‬ ‫أ ّمةٍ بِ َ‬
‫ك عَلَى هَـؤُلء َشهِيدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ ( :‬كان النب إذا‬ ‫إليهم ‪ ﴿ .‬وَ ِجْئنَا بِ َ‬
‫أ تى علي ها فا ضت عيناه ) ‪ ,‬و عن ا بن م سعود ‪ ( :‬أن ال نب قال له ‪« :‬‬
‫اقرأ عليّ » ‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول ال أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ! قال ‪ « :‬إن‬
‫أحب أن أسعه من غيي » ‪ .‬قال ‪ :‬فقرأت سورة النساء ‪ ،‬حت أتيت عل‬
‫ِكـ عَلَى‬
‫شهِي ٍد وَ ِجئْن َا ب َ‬ ‫ْفـ إِذَا ِجئْن َا م ِن كُ ّل أ ّم ٍة بِ َ‬
‫هذه اليـة ‪َ ﴿ :‬ف َكي َ‬
‫هَــؤُلء َشهِيدا ﴾ ‪ .‬فقال ‪ « :‬حسـبك الن » ‪ .‬فالتفـت فإذا عيناه‬
‫تذرفان ) ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫سوّى‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ َمئِ ٍذ َيوَ ّد الّذِي نَ َكفَرُواْ وَعَ َ‬
‫ص ُواْ الرّ سُولَ َل ْو تُ َ‬
‫ِبهِ ُم الَرْ ضُ وَ َل َيكْتُمُو نَ اللّ هَ حَدِيثا ﴾ عن سعيد بن جبي قال ‪ :‬أ تى‬
‫رجل إل ابن عباس فقال ‪ :‬سعت ال يقول ‪ ﴿ :‬ثُمّ َل ْم تَكُن ِفْتَنُتهُمْ إِل أَن‬
‫شرِكِيَ ﴾ ‪ ،‬وقال ف آية أخرى ‪ ﴿ :‬وَلَ َي ْكتُمُونَ‬ ‫قَالُواْ وَاللّهِ َرّبنَا مَا ُكنّا مُ ْ‬
‫اللّهَ حَدِيثا ﴾ ‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬أما قوله ﴿ وَاللّهِ َرّبنَا مَا ُكنّا مُشْرِكِيَ ﴾‬
‫‪515‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فإنم لا رأوا ال ل يدخل النة إل أهل السلم قالوا ‪ :‬تعالوا فلنجحد ‪،‬‬
‫ّهـ َربّنَا مَا ُكنّاـ مُشْرِكِيَ ﴾ فختـم ال على أفواههـم ‪،‬‬ ‫فقالوا ‪ ﴿ :‬وَالل ِ‬
‫وتكلمت أيديهم وأرجلهم ‪ ،‬فل يكتمون ال حديثًا ‪ .‬وقال السن ‪ :‬إنا‬
‫مواطـن ‪ :‬ف في موطـن ل يتكلمون ‪ ،‬ول تسـمع إل هسـًا ‪ ،‬و ف موطـن‬
‫يتكلمون ويكذبون ‪ ،‬وف موطن يسألون الرجعة ‪ ،‬وآخر تلك الواطن أن‬
‫يتم على أفواههم ‪ ،‬وتتكلم جوارحهم ‪ .‬وهو قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ َي ْكتُمُو نَ اللّ هَ‬
‫حَدِيثا ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪516‬‬

‫الدرس الثامن والمسون‬

‫ل َة َوأَنتُ مْ سُكَارَى حَتّ َى َتعْلَمُواْ‬


‫﴿ يَا أَّيهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ َل َت ْقرَبُواْ ال صّ َ‬
‫مَا تَقُولُونَ وَ َل جُنُبا إِل عَابِرِي سَبِي ٍل حَتّ َى َتغْتَسِلُواْ َوإِن كُنتُم ّمرْضَى َأوْ‬
‫جدُواْ‬
‫ط َأوْ َلمَ سُْتمُ النّ سَاء فَلَ مْ تَ ِ‬
‫عَلَى سَ َف ٍر أَ ْو جَاء أَ َح ٌد مّنكُم مّن اْلغَآئِ ِ‬
‫صعِيدا طَيّبا فَامْ سَحُوْا ِبوُجُو ِهكُ ْم وََأْيدِيكُ ْم إِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫مَاء فَتَيَمّمُواْ َ‬
‫َع ُفوّا َغفُورا (‪َ )43‬ألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي نَ أُوتُواْ نَ صِيبا مّ نَ اْلكِتَا بِ َيشَْترُو نَ‬
‫للَ َة َويُرِيدُو َن أَن تَضِلّوْا ال سّبِيلَ (‪ )44‬وَاللّ ُه أَعْلَ مُ ِبأَ ْعدَاِئكُ ْم وَ َكفَى‬
‫الضّ َ‬
‫ح ّرفُونَ اْلكَلِمَ عَن‬
‫بِاللّ ِه َولِيّا وَ َكفَى بِاللّ ِه نَصِيا (‪ )45‬مّنَ اّلذِينَ هَادُواْ يُ َ‬
‫ُسـ َم ٍع وَرَاعِن َا لَيّا‬
‫َاسـمَعْ غَ ْيرَ م ْ‬
‫َصـيْنَا و ْ‬
‫سـ ِمعْنَا وَع َ‬
‫ُونـ َ‬
‫ِهـ َوَيقُول َ‬
‫ضع ِ‬‫مّوَا ِ‬
‫ِبأَلْسِنَتِ ِه ْم وَ َطعْنا فِي الدّي ِن َولَ ْو َأّنهُمْ قَالُواْ سَ ِمعْنَا وَأَ َطعْنَا وَاسْمَ ْع وَان ُظرْنَا‬
‫ل ُيؤْمِنُو َن إِل قَلِيلً (‬
‫لَكَا َن خَيْرا ّلهُ ْم َوَأقْوَ َم َولَكِن ّلعَنَهُمُ اللّ ُه بِ ُك ْفرِهِ ْم فَ َ‬
‫صدّقا لّمَا َمعَكُم مّن‬
‫‪ )46‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ أُوتُوْا الْكِتَا بَ آمِنُواْ بِمَا َن ّزلْنَا مُ َ‬
‫ُمـ كَم َا َلعَنّاـ‬
‫ِسـ ُوجُوها فََن ُردّه َا عَلَى َأ ْدبَارِه َا َأوْ نَ ْلعََنه ْ‬
‫قَ ْبلِ أَن نّطْم َ‬
‫ّهـ لَ َي ْغ ِفرُ أَن‬
‫ّهـ َمفْعُولً (‪ )47‬إِنّ الل َ‬
‫َانـ َأ ْمرُ الل ِ‬
‫ت وَك َ‬
‫السـبْ ِ‬
‫ب ّ‬ ‫َصـحَا َ‬
‫أ ْ‬
‫شرِ ْك بِاللّ ِه َفقَ ِد افَْترَى‬
‫ك لِمَن َيشَا ُء وَمَن ُي ْ‬
‫ُيشْرَ َك بِ ِه وََي ْغ ِفرُ مَا دُو َن َذلِ َ‬
‫سهُ ْم َبلِ اللّ ُه ُيزَكّي مَن‬
‫ِإثْما َعظِيما (‪َ )48‬ألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي نَ ُيزَكّو َن أَنفُ َ‬
‫ِبـ‬
‫ّهـ ال َكذ َ‬
‫ُونـ فَتِيلً (‪ )49‬انظُرْ كَيفَـَيفَْترُونَـ عَلَى الل ِ‬
‫َيشَا ُء َولَ يُظْلَم َ‬
‫وَكَفَى بِ هِ ِإثْما مّبِينا (‪َ )50‬ألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي َن أُوتُوْا نَ صِيبا مّ نَ الْكِتَا بِ‬
‫ت وَالطّاغُو تِ َوَيقُولُو َن لِ ّلذِي نَ َك َفرُوْا َهؤُلء َأ ْهدَى مِ نَ‬
‫يُ ْؤمِنُو َن بِالْجِبْ ِ‬
‫ك الّذِينَ َلعََنهُمُ اللّهُ َومَن يَلْعَ ِن اللّ ُه فَلَن‬
‫الّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلً (‪ُ )51‬أ ْولَـئِ َ‬
‫‪517‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك َفإِذا ل يُ ْؤتُو َن النّا سَ‬


‫ب مّ نَ الْمُلْ ِ‬
‫جدَ لَ هُ نَ صِيا (‪ )52‬أَ ْم َلهُ مْ نَ صِي ٌ‬
‫تَ ِ‬
‫سدُو َن النّا سَ عَلَى مَا آتَاهُ ُم اللّ هُ مِن فَضْلِ ِه َفقَدْ آتَيْنَا‬
‫َنقِيا (‪ )53‬أَ ْم يَحْ ُ‬
‫حكْ َم َة وَآتَيْنَاهُم مّلْكا عَظِيما (‪ )54‬فَمِ ْنهُم مّ نْ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫آ َل ِإبْرَاهِي َم الْكِتَا َ‬
‫جهَنّمَ سَعِيا (‪ )55‬إِنّ اّلذِينَ َك َفرُواْ‬
‫صدّ عَنْ ُه وَ َكفَى بِ َ‬
‫آمَ َن بِ ِه َومِ ْنهُم مّن َ‬
‫ت جُلُودُهُ ْم َب ّدلْنَاهُ ْم جُلُودا غَ ْي َرهَا‬
‫ج ْ‬
‫ف نُصْلِي ِهمْ نَارا كُلّمَا نَضِ َ‬
‫بِآيَاتِنَا سَوْ َ‬
‫ـ آمَنُواْ‬
‫ـ َعزِيزا َحكِيما (‪ )56‬وَالّذِين َ‬
‫ـ كَان َ‬
‫ـ إِنّـ اللّه َ‬
‫لَِيذُوقُوْا الْ َعذَاب َ‬
‫جرِي مِن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِي نَ‬
‫وَعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ سَُندْخِ ُل ُهمْ جَنّا تٍ َت ْ‬
‫ج مّ َطهّ َر ٌة َونُ ْدخِ ُلهُمْ ظِـلّ ظَلِيلً (‪. ﴾ )57‬‬
‫فِيهَا َأبَدا ّلهُ ْم فِيهَا أَ ْزوَا ٌ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪518‬‬

‫ُمـ‬
‫ل َة َوأَنت ْ‬
‫الصـ َ‬
‫ِينـ آمَنُواْ لَ َت ْقرَبُواْ ّ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذ َ‬
‫ُسكَارَى حَّتىَ َتعْلَمُواْ مَا َتقُولُو َن َولَ جُنُبا إِل عَاِبرِي سَبِيلٍ حَّتىَ تَغَْتسِلُواْ‬
‫ِطـ َأوْ‬
‫سـفَ ٍر َأوْ جَاء َأحَ ٌد مّنك ُم مّنـ اْلغَآئ ِ‬
‫وَإِن كُنت ُم ّمرْض َى أَوْ عَلَى َ‬
‫ـحُواْ‬
‫ـعِيدا طَيّبا فَامْس َ‬
‫جدُواْ مَاء فَتَيَمّمُواْ ص َ‬
‫ـ تَ ِ‬
‫ـتُ ُم النّسـَاء فَلَم ْ‬
‫لَمَس ْ‬
‫بِ ُوجُو ِهكُ ْم َوأَْيدِي ُكمْ إِ ّن ال ّلهَ كَانَ َع ُفوّا َغفُورا (‪. ﴾ )43‬‬
‫روى ا بن جر ير عن عل يّ ‪ :‬أ نه كان هو وع بد الرح ن ور جل آ خر‬
‫شربوا ال مر ‪ ،‬ف صلى ب م ع بد الرح ن فقرأ ‪ ﴿ :‬قُلْ يَا َأيّهَا اْلكَافِرُو نَ‬
‫لةَ َوأَنتُ مْ سُكَارَى ﴾ ‪ .‬و عن‬ ‫صَ‬‫﴾ فخلط في ها ‪ ،‬فنلت ‪َ ﴿ :‬ل َتقْ َربُواْ ال ّ‬
‫أ ب رز ين قال ‪ :‬كانوا يشربون بعد ما أنزلت ال ت ف البقرة وب عد ال ت ف‬
‫النساء ‪ ،‬فلما أنزلت الت ف الائدة تركوها ‪ .‬وعن أنس قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال ‪ « :‬إذا ن عس أحد كم و هو ي صلي فلين صرف ولي نم ح ت يعلم ما‬
‫يقول » ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬والنسائي ‪ .‬وف بعض ألفاظه ‪ « :‬فلعله يذهب‬
‫يستغفر فيسب نفسه » ‪.‬‬
‫ـلُواْ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ُجنُبا إِل عَابِرِي س َ‬
‫ـبِيلٍ َحتّ َى َت ْغتَس ِ‬
‫ابن عباس ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ ُجنُبا إِل عَابِرِي َسبِيلٍ ﴾ قال ‪ :‬السافر ‪ .‬يقول‬
‫‪ :‬ل تقربوا ال صلة وأن تم ج نب إذا وجد ت الاء ‪ ،‬فإن ل تدوا الاء ف قد‬
‫أحللت لكم أن تسحوا بالرض ‪ .‬وقال إبراهيم ل بأس أن ير النب ف‬
‫السجد إذا ل يكن له طريق غيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن كُنتُم مّرْضَى َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َأوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مّ ن‬
‫صعِيدا َطيّبا فَامْ سَحُواْ‬
‫جدُواْ مَاء َفَتيَمّمُواْ َ‬
‫ستُ ُم النّ سَاء فََل ْم تَ ِ‬
‫الْغَآئِ طِ َأوْ َلمَ ْ‬
‫ِبوُجُو ِهكُ ْم َوَأيْدِيكُ مْ إِنّ اللّ هَ كَا َن َع ُفوّا َغفُورا ﴾ ‪ .‬عن ا بن أ ب ملي كة‬
‫‪519‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت أع ظم ال سلمي بر كة‬ ‫قال ‪ :‬د خل ا بن عباس على عائ شة فقال ‪ :‬كن ِ‬


‫على السلمي ‪ ،‬سقطت قلدتك بالبواء فأنزل ال فيك آية التيمم ‪ .‬وقال‬
‫ابن مسعود ‪ :‬الرض الذي قد أرخص له ف التيمم هو ‪ :‬الكسي الريح ‪،‬‬
‫فإذا أصابت النابة الكسر اغتسل ول يل جراحته ‪ ،‬إل جراحة ل يشى‬
‫عليها ‪ .‬وقال سعيد بن جبي ‪ :‬إذا كان به جروح أو قروح يتيمم ‪ .‬وقال‬
‫ـل والرح ‪ ،‬والقرح ‪ ،‬والدري ‪،‬‬ ‫ـيب الرجـ‬ ‫ـد ‪ :‬والرض أن يصـ‬ ‫ماهـ‬
‫فيخاف على نفسه من برد الاء وأذاه ‪ ،‬يتيمم بالصعيد كما يتيمم السافر‬
‫الذي ل يد الاء ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬أوْ جَاء أَحَ ٌد مّنكُـ مّنـ اْلغَآئِطِـ ﴾ هـو كنايـة عـن حاجـة‬
‫النسان ‪ .‬والغائط ف الصل ‪ :‬الوضع الطمئن من الرض ‪ .‬قال ماهد ‪:‬‬
‫﴿ َأوْ جَاء أَ َح ٌد مّنكُن مّن اْلغَآئِطِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الغائط الوادي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوْ َلمَس ْ‬
‫ـتُمُ النّسـَاء ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪ :‬هـو‬
‫الماع ‪ ،‬ولكن ال كري يكن ‪ .‬وقال ابن مسعود ‪ :‬القبلة من اللمس ‪،‬‬
‫وفي ها الوضوء ‪ .‬قال إبراه يم ‪ :‬الل مس من شهوة ين قض الوضوء ‪ .‬و عن‬
‫عائ شة قالت ‪ ( :‬كان ر سول ال ينال م ن القبلة ب عد الوضوء ‪ ،‬ث ل‬
‫يع يد الوضوء ) ‪ .‬رواه ا بن جر ير ‪ .‬و عن ا بن جر يج ‪ :‬قلت لعطاء ‪﴿ :‬‬
‫صـعِيدا َطيّبا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الطيـب مـا حولك ‪ .‬قلت ‪ :‬مكان جرد‬‫َفَتيَمّمُواْ َ‬
‫غ ي ب طح أيزئ ع ن ؟ قال ‪ :‬ن عم ‪ .‬قال ا بن جر ير يع ن ( بالطيّ ب ) ‪:‬‬
‫طاهرًا من القذار والنجا سات ‪ .‬و عن أ ب مالك قال ‪ .‬و ضع عمار بن‬
‫يا سر كفيه ف التراب ‪ ،‬ث رفع ها فنفخها فمسح وجهه وكفيه ث قال ‪:‬‬
‫هكذا التي مم ‪ .‬قال ال سن ‪ :‬ي صلي التي مم بتيم مه ما ل يدث ‪ .‬و عن‬
‫الزء الول‬ ‫‪520‬‬

‫علي رضـي ال عنـه أنـه كان يقول ‪ :‬التيمـم لكـل صـلة ‪ .‬قال شيـخ‬
‫السلم ابن تيمية ‪ :‬وأعدل القوال ‪ :‬التيمم لوقت كل صلة ‪.‬‬
‫َابـ‬
‫ّنـ الْكِت ِ‬
‫ِينـ أُوتُواْ نَصـِيبا م َ‬
‫َمـ َت َر ِإلَى الّذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أل ْ‬
‫ـ‬
‫ـ أَعْلَم ُ‬
‫ـبِيلَ (‪ )44‬وَاللّه ُ‬
‫ـ أَن تَضِلّواْ الس ّ‬
‫لَل َة وَُيرِيدُون َ‬
‫ـ الضّ َ‬
‫َيشَْترُون َ‬
‫ِبأَ ْعدَائِكُ مْ وَكَفَى بِاللّ ِه َولِيّا وَكَفَى بِاللّ ِه نَ صِيا (‪ )45‬مّ َن الّذِي َن هَادُواْ‬
‫َاسـمَعْ غَ ْيرَ‬
‫َصـْنَا و ْ‬
‫ُونـ سَـِمعْنَا وَع َي‬
‫ِهـ وََيقُول َ‬
‫ضع ِ‬‫ِمـ عَن ّموَا ِ‬
‫ح ّرفُونَـ اْلكَل َ‬
‫يُ َ‬
‫سـِمعْنَا‬
‫ُمـ قَالُواْ َ‬
‫ّينـ َولَ ْو َأنّه ْ‬
‫ْسـنَِت ِه ْم وَ َطعْنا فِي الد ِ‬
‫ُسـمَ ٍع وَرَاعِنَا لَيّا ِبَأل ِ‬
‫م ْ‬
‫وَأَ َطعْنَا وَاسْمَ ْع وَان ُظرْنَا لَكَا َن خَيْرا ّلهُ ْم َوَأقْوَ َم َولَكِن ّلعَنَهُمُ اللّ ُه بِ ُك ْفرِهِمْ‬
‫ل ُيؤْمِنُو َن إِل قَلِيلً (‪. ﴾ )46‬‬
‫فَ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود ‪،‬‬
‫إذا كلم رسـول ال لوى لسـانه وقال ‪ :‬راعنـا سـعك يـا ممـد حتـ‬
‫نفه مك ‪ ،‬ث ط عن ف ال سلم وعا به ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي نَ‬
‫ضلََلةَ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬فلَ ُيؤْ ِمنُو نَ إِل‬ ‫شتَرُو نَ ال ّ‬
‫أُوتُواْ نَ صِيبا مّ َن اْل ِكتَا بِ يَ ْ‬
‫ِهـ ﴾ ‪،‬‬ ‫ضع ِ‬ ‫ِمـ عَن ّموَا ِ‬ ‫ُونـ اْلكَل َ‬
‫حرّف َ‬
‫قَلِيلً ﴾ ‪ .‬وقال ماهـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬يُ َ‬
‫تبديل اليهود التوراة ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَاسْمَ ْع َغيْ َر مُسْ َمعٍ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هذا قول أهـل الكتاب يهود ‪ ،‬كهيئة مـا يقول النسـان ‪ :‬اسـع ل‬
‫سعت ‪ ،‬أذى لرسول ال وشتمًا له واستهزاء ‪.‬‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَرَاعِنَـا َليّا ِبأَلْس ِ‬
‫ـنَِتهِ ْم َو َطعْنا فِـي الدّين ِ‬
‫الضحاك ‪ :‬كان الرجل من الشركي يقول ‪ :‬أرعن سعك ‪ ،‬يلوي بذلك‬
‫لسانه ‪ .‬يعن ‪ :‬يرف معناه ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬والراعن ‪ :‬الطأ من الكلم ‪.‬‬
‫‪521‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأّنهُمْ قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا وَاسْمَ ْع وَانظُ ْرنَا َلكَانَ َخيْرا‬
‫ل ُيؤْ ِمنُو نَ إِل َقلِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ا بن‬ ‫ّلهُ ْم َوأَ ْقوَ مَ وَلَكِن ّل َعَنهُ مُ اللّ ُه ِبكُفْ ِرهِ مْ َف َ‬
‫زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأّنهُمْ قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا وَاسْمَ ْع وَانظُ ْرنَا َلكَانَ َخيْرا‬
‫ّلهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال يقولون ‪ :‬اسع منا فإنا قد سعنا وأطعنا ‪ ،‬وانظرنا فل تعجل‬
‫علينا ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِينَـأُوتُوْا الْكِتَابَـ آمِنُوْا بِمَا َن ّزلْنَا‬
‫س ُوجُوها فََن ُردّهَا َعلَى َأ ْدبَارِهَا َأوْ‬
‫صدّقا لّمَا َمعَكُم مّ ن قَ ْب ِل أَن نّطْمِ َ‬
‫مُ َ‬
‫ت وَكَا َن َأ ْمرُ اللّ ِه َمفْعُولً (‪ )47‬إِنّ اللّهَ‬
‫ب السّبْ ِ‬
‫صحَا َ‬
‫نَ ْلعَنَهُمْ َكمَا َلعَنّا أَ ْ‬
‫شرِ ْك بِاللّ هِ‬
‫شرَ َك بِ ِه َويَ ْغ ِفرُ مَا دُو نَ َذلِ كَ لِمَن َيشَا ُء َومَن ُي ْ‬
‫لَ َي ْغ ِفرُ أَن ُي ْ‬
‫َفقَ ِد افَْترَى ِإثْما عَظِيما (‪. ﴾ )48‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ ( :‬كلم ر سول ال رؤ ساء من أحبار يهود من هم‬
‫عبد ال بن صوريا وكعب بن أسد فقال لم ‪ « :‬يا معشر يهود اتقوا ال‬
‫وأ سلموا ‪ ،‬فوال إن كم لتعلمون أن الذي جئت كم به ل ق » ‪ .‬فقالوا ‪ :‬ما‬
‫نعرف ذلك يا ممد ‪ ،‬وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫فيهم ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِينَ أُوتُوْا الْ ِكتَابَ آ ِمنُوْا بِمَا نَزّْلنَا مُصَدّقا لّمَا َم َعكُم مّن‬
‫س وُجُوها َفنَ ُر ّدهَا عَلَى أَ ْدبَا ِرهَا ﴾ الية ) ‪ .‬قال إبراهيم ‪ :‬لا‬ ‫َقبْلِ أَن نّطْمِ َ‬
‫سـعها كعـب الحبار قال ‪ :‬يارب آمنـت ‪ ،‬يـا رب أسـلمت ‪ .‬مافـة أن‬
‫تصيبه ‪ ،‬ث رجع فأتى أهله باليمن ‪ ،‬ث جاء بم مسلمي ف زمان عمر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْرَ َك بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن‬
‫يَشَاءُ وَمَن يُشْرِ كْ بِاللّ هِ َفقَ ِد ا ْفتَرَى ِإثْما عَظِيما ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ع مر ‪ :‬ك نا‬
‫الزء الول‬ ‫‪522‬‬

‫مع شر أ صحاب ال نب ل ن شك ف عذاب آ كل مال اليت يم ‪ ،‬وشا هد‬


‫الزور ‪ ،‬وقاطع الرحم ‪ ،‬حت نزلت هذه الية ‪ ،‬فأمسكنا عن الشهادة ‪.‬‬
‫سهُ ْم َبلِ اللّ ُه ُيزَكّي‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي نَ ُيزَكّو َن أَنفُ َ‬
‫ف َيفَْترُونَ عَلَى اللّ ِه ال َكذِبَ‬
‫مَن َيشَا ُء وَ َل يُظْلَمُو َن فَتِيلً (‪ )49‬ان ُظرْ كَي َ‬
‫وَ َكفَى ِبهِ ِإثْما مّبِينا (‪. ﴾ )50‬‬
‫قال ال سن ف قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي َن يُزَكّو نَ أَنفُ َ‬
‫سهُمْ ﴾ ‪ ،‬هم‬
‫اليهود والن صارى قالوا ‪ ﴿ :‬نَحْ نُ َأْبنَاء اللّ هِ َوأَ ِحبّاؤُ هُ ﴾ ‪ ،‬وقالوا ‪ ﴿ :‬لَن‬
‫جّنةَ إِل مَن كَا نَ هُودا َأ ْو نَ صَارَى ﴾ وقال التي مي ‪ :‬سألت ا بن‬ ‫يَدْخُ َل الْ َ‬
‫عباس عن قوله ‪﴿ :‬وَ َل يُظَْلمُو نَ َفتِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما فتلت بي أصبعيك ‪.‬‬
‫وقال ماهد ‪ :‬الفتيل الذي ف شق النواة ‪ .‬وقال ابن جريج ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى‬
‫سهُمْ ﴾ قال ‪ :‬هم اليهود والن صارى ‪ ﴿ ،‬انظُرْ كَي فَ‬ ‫الّذِي َن يُزَكّو نَ أَنفُ َ‬
‫َيفْتَرُو نَ عَلَى اللّ ِه الكَذِ بَ ﴾ ‪ ،‬وعن معاوية عن النب قال ‪ « :‬من يرد‬
‫ال به خيًا يفقهه ف الدين ‪ ،‬وإن هذا الال حلو خضر ‪ ،‬فمن يأخذه بقه‬
‫يبارك له فيه ‪ ،‬وإياكم والتمادح فإنه الذبح » ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬
‫َابـ‬
‫ّنـ الْكِت ِ‬
‫ِينـ أُوتُواْ نَصـِيبا م َ‬
‫َمـ َت َر ِإلَى الّذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬أل ْ‬
‫ت وَالطّاغُو تِ َوَيقُولُو َن لِ ّلذِي نَ َك َفرُوْا َهؤُلء َأ ْهدَى مِ نَ‬
‫يُ ْؤمِنُو َن بِالْجِبْ ِ‬
‫ك الّذِينَ َلعََنهُمُ اللّهُ َومَن يَلْعَ ِن اللّ ُه فَلَن‬
‫الّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلً (‪ُ )51‬أ ْولَـئِ َ‬
‫ك َفإِذا ل يُ ْؤتُو َن النّا سَ‬
‫ب مّ نَ الْمُلْ ِ‬
‫جدَ لَ هُ نَ صِيا (‪ )52‬أَ ْم َلهُ مْ نَ صِي ٌ‬
‫تَ ِ‬
‫سدُو َن النّا سَ عَلَى مَا آتَاهُ ُم اللّ هُ مِن فَضْلِ ِه َفقَدْ آتَيْنَا‬
‫َنقِيا (‪ )53‬أَ ْم يَحْ ُ‬
‫‪523‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حكْ َم َة وَآتَيْنَاهُم مّلْكا عَظِيما (‪ )54‬فَمِ ْنهُم مّ نْ‬


‫ب وَالْ ِ‬
‫آ َل ِإبْرَاهِي َم الْكِتَا َ‬
‫جهَّنمَ َسعِيا (‪. ﴾ )55‬‬
‫صدّ عَ ْن ُه وَ َكفَى بِ َ‬
‫آ َم َن بِ ِه َومِ ْنهُم مّن َ‬
‫قال ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي نَ أُوتُواْ نَصِيبا مّ َن اْل ِكتَابِ‬
‫جبْ تِ وَالطّاغُو تِ ﴾ ‪ ،‬البت ‪ :‬الصنام ‪ .‬والطاغوت ‪ :‬الذين‬
‫ُيؤْ ِمنُو َن بِالْ ِ‬
‫يكونون بيـ أيدي الصـنام يعـبون عنهـا الكذب ليضلوا الناس ‪ .‬وقال‬
‫عمر ‪ :‬البت ‪ :‬السحر ‪ .‬الطاغوت ‪ :‬الشيطان ‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬البت ‪،‬‬
‫والطاغوت اسان لكل معظم بعبادة من دون ال ‪ ،‬أو طاعة ‪ ،‬أو خضوع‬
‫من حجر ‪ ،‬أو إنسان ‪ ،‬أو شيطان ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويَقُولُو نَ لِلّذِي نَ َكفَرُواْ َهؤُلء َأهْدَى مِ َن الّذِي نَ آ َمنُواْ‬
‫َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬نزلت ف كعب بن الشرف وكفار قريش ‪ ،‬أنه‬
‫قال ‪ :‬كفار قريش أهدى من ممد ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قال كعب بن الشرف‬
‫وحيي بن أخطب ما قال ‪ ،‬وها يعلمان أنما كاذبان ‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪:‬‬
‫ك الّذِينَ َل َعَنهُمُ اللّ ُه َومَن يَ ْلعَنِ اللّهُ َفلَن تَجِدَ لَ ُه َنصِيا ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ ُأوْلَـئِ َ‬
‫ّاسـ‬
‫ُونـ الن َ‬
‫ْكـ فَإِذا ل ُيؤْت َ‬
‫ّنـ الْمُل ِ‬
‫بم َ‬‫ُمـ نَصـِي ٌ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أ ْ‬
‫َمـَله ْ‬
‫َنقِيا ﴾ قال ال سدي ‪ :‬يقول ‪ :‬لو كان ل م ن صيب من اللك إذا ل يؤتوا‬
‫ممدًا نقيًا ‪ ،‬والنقي ‪ :‬النكتة الت ف وسط النواة ‪.‬‬
‫س عَلَى مَا آتَاهُ مُ اللّ ُه مِن َفضْلِ هِ َفقَدْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَ ْم يَحْ ُ‬
‫سدُونَ النّا َ‬
‫حكْ َم َة وَآَتْينَاهُم مّلْكا عَظِيما ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫آتَْينَا آلَ إِبْرَاهِي َم اْلكِتَا َ‬
‫حسدوا هذا الي من العرب على ما آتاهم ال من فضله ‪ ،‬بعث ال منهم‬
‫نبيًا ‪ ،‬فحسدوهم على ذلك ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪524‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَ ِمْنهُم مّنْ آمَنَ بِ ِه َو ِمنْهُم مّن صَ ّد َعنْهُ وَ َكفَى بِ َ‬
‫ج َهنّمَ‬
‫َسعِيا ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪َ ﴿ :‬ف ِمنْهُم مّ نْ آمَ َن بِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ب ا أنزل على‬
‫ص ّد َعنْهُ ﴾ ‪.‬‬
‫ممد من يهود ‪َ ﴿ ،‬ومِْنهُم مّن َ‬
‫وقال ا بن كث ي ‪َ ﴿ :‬ف ِمنْهُم مّ نْ آمَ َن بِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بذا اليتاء وهذا‬
‫ْهـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كفـر بـه ‪ ،‬وأعرض عنـه ‪،‬‬ ‫صـّد َعن ُ‬
‫النعام ‪َ ﴿ ،‬و ِمنْهُم مّنـ َ‬
‫و سعى ف صد الناس ع نه ‪ ،‬و هو من هم ‪ ،‬و من جن سهم ‪ ،‬ف قد اختلفوا‬
‫عليهم ‪ ،‬فكيف بك يا ممد ‪ ،‬ولست من بن إسرايئل ؟ فالكفرة منهم‬
‫ج َهنّ مَ َسعِيا ﴾ ‪،‬‬
‫أ شد تكذيبًا لك ‪ ،‬ولذا قال متوعدًا ل م ‪ ﴿ ،‬وَكَفَى بِ َ‬
‫أي ‪ :‬وكفى بالنار عقوبة لم على كفرهم وعنادهم ومالفتهم كتب ال‬
‫ورسلِه ‪.‬‬
‫ف نُصْلِي ِهمْ نَارا كُلّمَا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِينَ َك َفرُوْا بِآيَاتِنَا سَوْ َ‬
‫ت جُلُو ُدهُ مْ َب ّدلْنَاهُ ْم جُلُودا غَ ْي َرهَا لَِيذُوقُوْا الْ َعذَا بَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫نَضِجَ ْ‬
‫ـُن ْدخِلُ ُهمْ‬
‫تس َ‬
‫ـ آمَنُواْ وَ َعمِلُوْا الصـّالِحَا ِ‬
‫َعزِيزا حَكِيما (‪ )56‬وَالّذِين َ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِينَـ فِيهَا َأبَدا ّلهُم ْـ فِيهَا أَ ْزوَاجٌـ‬
‫جَنّاتٍـتَ ْ‬
‫مّ َط ّهرَ ٌة َونُ ْدخِ ُلهُمْ ظِـلّ َظلِيلً (‪. ﴾ )57‬‬
‫قال ابن عمر ف قوله ‪َ ﴿ :‬نضِجَتْ ُجلُو ُدهُ ْم بَدّْلنَاهُمْ جُلُودا غَيْ َرهَا ﴾‬
‫قال ‪ :‬إذا احتر قت جلود هم بدلنا هم جلودًا بيضًا أمثال القراط يس ‪ .‬قال‬
‫السن ‪ :‬تنضجهم ف اليوم سبعي ألف مرة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ آ َمنُواْ َوعَمِلُوْا ال صّالِحَاتِ َسنُدْخُِلهُمْ َجنّا تٍ‬
‫َاجـ مّ َطهّ َرةٌ‬
‫ُمـ فِيهَا أَ ْزو ٌ‬
‫ِينـ فِيهَا َأبَدا ّله ْ‬
‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِد َ‬
‫تَجْرِي مِن تَ ْ‬
‫‪525‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل ظَلِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ف قوله تعال ‪ّ ﴿ :‬لهُ مْ فِيهَا‬


‫َونُدْخُِلهُ ْم ظِ ـ ّ‬
‫ج مّ َطهّ َرةٌ ﴾ قال ‪ :‬من القذار ‪ ،‬والذى ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬مطهرة من‬ ‫أَ ْزوَا ٌ‬
‫البول ‪ ،‬وال يض ‪ ،‬والنخام ‪ ،‬والبزاق ‪ ،‬وال ن ‪ ،‬والولد ‪ .‬و عن أ ب هريرة‬
‫عن النب قال ‪ « :‬إن ف النة لشجرة يسي الراكب ف ظلها مائة عام ‪،‬‬
‫ل يقطعها شجرة اللد » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪526‬‬

‫الدرس التاسع والمسون‬

‫ت إِلَى أَهْلِهَا َوإِذَا حَكَمْتُم بَيْ نَ‬


‫﴿ إِنّ اللّ هَ َي ْأ ُمرُكُ مْ أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَا ِ‬
‫حكُمُوْا بِاْل َعدْ ِل إِنّ اللّ َه ِنعِمّا َيعِ ُظكُم بِ هِ إِنّ اللّ هَ كَا نَ سَمِيعا‬
‫س أَن تَ ْ‬
‫النّا ِ‬
‫بَ صِيا (‪ )58‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُوْا أَطِيعُواْ اللّ هَ َوأَطِيعُوْا الرّ سُو َل َوأُ ْولِي‬
‫ا َل ْمرِ مِنكُ مْ َفإِن تَنَازَعْتُ ْم فِي َشيْ ٍء َفرُدّو هُ ِإلَى اللّ هِ وَالرّ سُو ِل إِن كُنتُ مْ‬
‫س ُن َتأْوِيلً (‪َ )59‬ألَ ْم َترَ ِإلَى‬
‫ك خَ ْيرٌ َوَأحْ َ‬
‫تُ ْؤمِنُو نَ بِاللّ هِ وَالْيَوْ ِم الخِ ِر َذلِ َ‬
‫الّذِي َن َيزْعُمُو َن َأّنهُ مْ آمَنُوْا بِمَا أُنزِ َل ِإلَيْ كَ َومَا أُن ِزلَ مِن قَبْلِ كَ يُرِيدُو نَ‬
‫َانـ‬
‫ِهـ وَُيرِي ُد الشّيْط ُ‬
‫ُوتـ َوقَ ْد ُأ ِمرُواْ أَن َي ْكفُرُواْ ب ِ‬
‫أَن يَتَحَاكَمُواْ ِإلَى الطّاغ ِ‬
‫ّهـ‬
‫ُمـ َتعَاَل ْواْ ِإلَى مَا أَن َزلَ الل ُ‬
‫للً َبعِيدا (‪ )60‬وَِإذَا قِي َل َله ْ‬
‫ضَ‬‫ُمـ َ‬
‫أَن يُضِ ّله ْ‬
‫ف ِإذَا‬
‫صدُودا (‪َ )61‬فكَيْ َ‬
‫صدّونَ عَن كَ ُ‬
‫ت الْمُنَا ِفقِيَ يَ ُ‬
‫وَِإلَى الرّ سُولِ َرأَيْ َ‬
‫أَ صَابَ ْتهُم مّ صِيَبةٌ بِمَا قَ ّدمَ تْ َأْيدِيهِ مْ ُثمّ جَآؤُو َك يَحْ ِلفُو نَ بِاللّ ِه إِ ْن أَ َر ْدنَا‬
‫إِل ِإحْ سَانا َوتَ ْوفِيقا (‪ )62‬أُولَ ـِئكَ اّلذِي َن َيعْلَ ُم اللّ هُ مَا فِي قُلُوبِهِ مْ‬
‫َفأَ ْعرِض ْـ عَ ْنهُم ْـ وَ ِع ْظهُم ْـ وَقُل ّلهُم ْـ فِي أَنفُسِـهِ ْم َقوْ ًل بَلِيغا (‪ )63‬وَمَا‬
‫سهُمْ‬
‫ع بِِإذْ نِ اللّ هِ َولَ ْو َأّنهُ مْ إِذ ظّ َلمُوْا أَنفُ َ‬
‫أَرْ سَلْنَا مِن رّ سُو ٍل إِل لِيُطَا َ‬
‫جَآؤُو كَ فَا سَْتغْ َفرُوْا اللّ َه وَا سَْت ْغفَ َر َلهُ مُ الرّ سُو ُل َلوَ َجدُواْ اللّ َه َتوّابا ّرحِيما‬
‫ُمـ ثُمّ لَ‬
‫ج َر بَيَْنه ْ‬
‫ُوكـ فِيمَا شَ َ‬
‫حكّم َ‬
‫ُونـ حَّتىَ يُ َ‬
‫ّكـ لَ يُ ْؤمِن َ‬
‫ل وَ َرب َ‬
‫(‪ )64‬فَ َ‬
‫ت َويُ سَلّمُواْ تَ سْلِيما (‪ )65‬وََل ْو أَنّا‬
‫س ِهمْ َحرَجا مّمّا قَضَيْ َ‬
‫جدُوْا فِي أَنفُ ِ‬
‫يَ ِ‬
‫سكُ ْم َأوِ ا ْخرُجُوْا مِن ِديَارِكُم مّ ا َفعَلُو ُه إِل‬
‫كَتَبْنَا عَلَ ْيهِ ْم أَ ِن اقْتُلُوْا أَنفُ َ‬
‫قَلِيلٌ مّ ْنهُ مْ َوَلوْ َأّنهُ مْ َفعَلُواْ مَا يُوعَظُو َن بِ هِ َلكَا َن خَيْرا ّلهُ مْ وََأشَ ّد تَثْبِيتا (‬
‫صرَاطا‬
‫‪ )66‬وَإِذا لّآتَيْنَاهُم مّ ن ّل ُدنّ ـا َأجْرا َعظِيما (‪ )67‬وََل َه َديْنَاهُ مْ ِ‬
‫‪527‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مّ سْتَقِيما (‪َ )68‬ومَن يُ ِط عِ اللّ َه وَالرّ سُولَ َفُأوْلَـِئكَ مَ َع الّذِي نَ َأْنعَ َم اللّ هُ‬
‫سنَ أُولَ ـئِكَ‬
‫ي وَحَ ُ‬
‫حَ‬‫ش َهدَاء وَال صّالِ ِ‬
‫ي وَال ّ‬
‫صدّيقِ َ‬
‫عَلَيْهِم مّ نَ النّبِيّيَ وَال ّ‬
‫ضلُ ِمنَ ال ّل ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ عَلِيما (‪. ﴾ )70‬‬
‫َرفِيقا (‪َ )69‬ذِلكَ اْلفَ ْ‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪528‬‬

‫ت ِإلَى أَهْلِهَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ َي ْأ ُمرُكُ ْم أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَا ِ‬
‫حكُمُواْ بِاْلعَ ْدلِ إِنّ اللّ هَ ِنعِمّا َيعِظُكُم بِ ِه إِنّ‬
‫وَِإذَا َحكَمْتُم بَيْ نَ النّا سِ أَن تَ ْ‬
‫اللّ هَ كَا نَ سَمِيعا بَ صِيا (‪ )58‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا أَطِيعُواْ اللّ َه َوأَطِيعُواْ‬
‫ّهـ‬
‫ّوهـ ِإلَى الل ِ‬
‫ُمـ ف ِي شَيْ ٍء َف ُرد ُ‬
‫ُمـ َفإِن تَنَازَعْت ْ‬
‫الرّسـُولَ َوُأوْلِي ا َل ْمرِ مِنك ْ‬
‫س ُن تَ ْأوِيلً‬
‫وَالرّ سُولِ إِن كُنتُ ْم ُتؤْمِنُونَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخ ِر َذلِكَ خَ ْي ٌر وََأحْ َ‬
‫(‪. ﴾ )59‬‬
‫قال ز يد بن أ سلم ‪ :‬نزلت هذه ال ية ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ يَ ْأمُرُكُ مْ أَن تُؤدّواْ‬
‫الَمَانَا تِ إِلَى أَهِْلهَا ﴾ ف ولة المر ‪ .‬وقال علي بن أب طالب رضي ال‬
‫عنه حق على المام أن يكم با أنزل ال ‪ ،‬وأن يؤدي المانة ‪ ،‬وإذا فعل‬
‫ـمعوا وأن يطيعوا ‪ ،‬وأن ييبوا إذا دعوا ‪.‬‬ ‫ـق على الناس أن يسـ‬ ‫ذلك فحـ‬
‫وقال ابـن جريـج ‪ :‬قوله ‪ ﴿ ( :‬إِنّ اللّهَـ يَ ْأمُرُكُم ْـأَن تُؤدّوْا الَمَانَاتِـإِلَى‬
‫َأهْلِهَا ﴾ نزلت ف عثمان بن طل حة ق بض م نه ال نب مفات يح الكع بة‬
‫ود خل ب ا الب يت يوم الف تح ‪ ،‬فخرج و هو يتلو هذه ال ية ‪ .‬فد عا عثمان‬
‫فدفع إليه الفتاح ) ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬جائز أن تكون نزلت فيه ‪ ،‬وأريد به كل مؤتن على‬
‫أمانة ‪ ،‬فدخل فيه ولة أمور السلمي ‪ ،‬وكل مؤتن على أمانة ف دين أو‬
‫دنيا ‪.‬‬
‫وقال ابـن كثيـ ‪ :‬وهذا مـن الشهورات ‪ ،‬إن هذه اليـة نزلت فـ‬
‫ذلك ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬مفتاح الكعبـة ‪ .‬وسـواء كانـت نزلت فـ ذلك أو ل ‪،‬‬
‫فحكم ها عام ‪ ،‬ولذا قال ا بن عباس ‪ :‬هي للب والفا جر ‪ ،‬أي ‪ :‬هي أ مر‬
‫كل أحد بأداء المانة ‪ .‬وف الديث الصحيح أن رسول ال قال ‪« :‬‬
‫‪529‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫لتؤدن القوق إل أهل ها ‪ ،‬ح ت يق تص للشاة المّاء من القرناء » ‪ .‬و عن‬


‫أنس رضي ال عنه أن رسول ال قال ‪ « :‬أل ل إيان لن ل أمانة له ‪ ،‬ول‬
‫دين لن ل عهد له » ‪ .‬رواه البغوي ‪.‬‬
‫ّهـ َوأَطِيعُواْ الرّسـُولَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ي َا َأيّه َا الّذ َ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ َأطِيعُواْ الل َ‬
‫َوُأوْلِي الَمْ ِر مِنكُ مْ ﴾ ‪ .‬قال أ بو هريرة ‪ :‬هم المراء ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪:‬‬
‫يعن ‪ :‬أهل الفقه والدين ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬والظاهر وال أعلم ‪ :‬أنا عامة ف كل أول المر من‬
‫المراء والعلماء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن َتنَا َز ْعتُ مْ فِي َشيْءٍ فَ ُردّو هُ إِلَى اللّ ِه وَالرّ سُولِ إِن‬
‫ْسـ ُن َت ْأوِيلً ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ِكـ َخيْ ٌر َوأَح َ‬
‫ْمـ ال ِخرِ ذَل َ‬
‫ّهـ وَالَْيو ِ‬
‫ُونـ بِالل ِ‬
‫ُمـ ُت ْؤ ِمن َ‬
‫كُنت ْ‬
‫ماهد ‪ :‬ف قوله ‪ ﴿ :‬فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كتاب ال وسنّة‬
‫ْسـ ُن َت ْأوِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أحسـن جزاء ‪ .‬وقال‬ ‫ِكـ َخيْ ٌر َوأَح َ‬
‫نـبيه ‪ ﴿ ،‬ذَل َ‬
‫قتادة ‪ :‬أحسن ثوابًا وخ ٌي عاقبة ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي نَ َيزْعُمُو َن َأنّهُ مْ آمَنُواْ بِمَا أُن ِزلَ‬
‫ُوتـ َو َقدْ‬
‫ُونـ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغ ِ‬
‫ِكـ ُيرِيد َ‬
‫ْكـ وَمَا أُن ِزلَ مِن قَبْل َ‬
‫ِإلَي َ‬
‫للً َبعِيدا (‪ )60‬وَِإذَا‬
‫ضَ‬‫ُأمِرُواْ أَن َيكْ ُفرُوْا بِ ِه َويُرِيدُ الشّيْطَا ُن أَن يُضِ ّلهُ مْ َ‬
‫صدّونَ‬
‫ت الْمُنَا ِفقِيَ يَ ُ‬
‫قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْْا ِإلَى مَا أَن َزلَ اللّ هُ َوِإلَى الرّ سُولِ َرَأيْ َ‬
‫ت َأْيدِيهِ ْم ُثمّ‬
‫ف ِإذَا أَ صَابَتْهُم مّ صِيَب ٌة بِمَا َق ّدمَ ْ‬
‫صدُودا (‪َ )61‬فكَيْ َ‬
‫عَن كَ ُ‬
‫جَآؤُو َك يَحْ ِلفُو َن بِاللّ هِ إِ ْن أَ َردْنَا إِل إِحْ سَانا َوتَ ْوفِيقا (‪ )62‬أُولَ ـِئكَ‬
‫الّذِي َن َيعْلَ مُ اللّ ُه مَا فِي قُلُوِبهِ ْم َفأَ ْعرِ ضْ عَ ْنهُ ْم وَعِ ْظهُ ْم وَقُل ّلهُ ْم فِي‬
‫الزء الول‬ ‫‪530‬‬

‫ع بِِإذْ نِ اللّ هِ‬


‫أَنفُ سِ ِهمْ قَ ْولً بَلِيغا (‪ )63‬وَمَا أَرْ سَلْنَا مِن رّ سُو ٍل إِل لِيُطَا َ‬
‫ُمـ‬
‫َاسـَتغْ َف َر َله ُ‬
‫ّهـ و ْ‬
‫َاسـتَ ْغ َفرُواْ الل َ‬
‫ُوكـ ف ْ‬
‫ُسـُهمْ جَآؤ َ‬
‫ُمـ إِذ ظّ َلمُواْ أَنف َ‬
‫وََل ْو أَّنه ْ‬
‫ُونـ حَتّىَ‬
‫ّكـ لَ يُ ْؤمِن َ‬
‫ل وَ َرب َ‬
‫ّهـ َتوّابا ّرحِيما (‪ )64‬فَ َ‬
‫الرّسـُو ُل َلوَ َجدُوْا الل َ‬
‫س ِهمْ َحرَجا مّمّا قَضَيْتَ‬
‫جدُوْا فِي أَنفُ ِ‬
‫ج َر بَيَْنهُ ْم ُثمّ لَ يَ ِ‬
‫حكّمُو َك فِيمَا شَ َ‬
‫يُ َ‬
‫وَُيسَلّمُواْ َتسْلِيما (‪. ﴾ )65‬‬
‫قال الشعـب ‪ :‬كان بيـ رجـل مـن اليهود ورجـل مـن النافقيـ‬
‫خ صومة ‪ ،‬فكان النا فق يدعوا إل اليهود ل نه يعلم أن م يقبلون الرشوة ‪،‬‬
‫ـه يعلم أنمـ ل يقبلون الرشوة‬ ‫ـلمي لنـ‬ ‫وكان اليهودي يدعوا إل السـ‬
‫فا صطلحا أن يتحاك ما إل كا هن من جهي نة ‪ ،‬فأنزل ال ف يه هذه ال ية ‪:‬‬
‫﴿ أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي َن يَ ْزعُمُونَـَأنّهُ مْ آ َمنُوْا بِمَا أُن ِزلَ إِلَيْ كَ ﴾ ح ت بلغ ‪:‬‬
‫ـلِيما ﴾ وقال قتادة ‪ :‬وذكـر لنـا أن اليهودي كان‬ ‫ـلّمُواْ تَس ْ‬ ‫﴿ َويُس َ‬
‫يدعوه إل ال نب ليح كم بينه ما ‪ ،‬و قد علم أن ال نب لن يور عل يه ‪،‬‬
‫فجعل النصاري يأب عليه ‪ ،‬وهو يزعم أنه مسلم ‪ ،‬ويدعوه إل الكاهن ‪،‬‬
‫فأنزل ال تبارك وتعال مـا تسـمعون ‪ ،‬فعاب ذلك على الذي يزعـم أنـه‬
‫مسلم ‪ ،‬وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى‬
‫ك َومَا أُنزِ َل مِن َقبْلِكَ ﴾ إل قوله ‪:‬‬
‫الّذِي َن يَ ْزعُمُونَ َأّنهُمْ آ َمنُوْا بِمَا أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫صدُودا ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿ ُ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكَيْ فَ إِذَا أَ صَاَبْتهُم مّ صِيَب ٌة بِمَا قَ ّدمَ تْ َأيْدِيهِ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫حِلفُو نَ بِاللّ هِ إِ نْ أَرَ ْدنَا ﴾ ‪ ،‬ما‬
‫يعن ‪ :‬عقوبة حدودهم ‪ ﴿ .‬ثُمّ جَآؤُو َك يَ ْ‬
‫أردنـا بالعدول ﴿ إِل إِحْسـَانا َوَتوْفِيقا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الداراة والصـانعة ‪.‬‬
‫‪531‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴿ أُولَ ـئِكَ الّذِي َن َيعْلَ مُ اللّ ُه مَا فِي قُلُوِبهِ مْ ﴾ من النفاق ‪َ ﴿ ،‬فَأعْرِ ْ‬
‫ض‬
‫سهِمْ َقوْلً بَلِيغا ﴾ ‪ .‬قال ال سن ‪ :‬القول‬‫عَْنهُ ْم َوعِ ْظهُ ْم وَقُل ّلهُ مْ فِي أَنفُ ِ‬
‫البليغ أن يقول لم ‪ :‬إن أظهرت ما ف قلوبكم من النفاق قتلتم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا أَرْ َس ْلنَا مِن رّ سُولٍ إِل ِليُطَا َ‬
‫ع بِإِذْ نِ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ماهد ‪ :‬واجب لم أن يطيعهم من شاء ال ‪ ،‬ل يطيعهم أحد إل بإذن ال‬
‫‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬وإناـ هذا تعريـض مـن ال تعال ذكره لؤلء‬
‫النافقي ‪ ،‬بأن تركهم طاعة ال ‪ ،‬وطاعة رسوله والرضى بكمه ‪ ،‬إنا هو‬
‫للسابق لم من خذلنه وغلبته الشقاء عليهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأّنهُ مْ إِذ ظَّلمُواْ أَنفُ َ‬
‫سهُمْ جَآؤُو كَ فَا ْسَت ْغفَرُواْ اللّ هَ‬
‫ـ ْغفَرَ َلهُمُـ الرّسـُولُ َلوَ َجدُواْ اللّهَـَتوّابا رّحِيما ﴾ ‪ .‬قال ماهـد ‪ :‬عنـ‬
‫وَاس ْتَ‬
‫بذلك ‪ :‬اليهود والسلم اللذين تاكما إل كعب بن الشرف ‪.‬‬
‫ج َر َبيَْنهُمْ‬
‫حكّمُوكَ فِيمَا شَ َ‬ ‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫ل وَ َربّكَ َل ُي ْؤمِنُونَ َحّتىَ ُي َ‬
‫ت َويُ سَلّمُوْا تَ سْلِيما ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ضيْ َ‬
‫جدُواْ فِي أَنفُ سِهِمْ حَرَجا مّمّ ا َق َ‬
‫ثُمّ َل يَ ِ‬
‫ماهد ‪ :‬هذا الرجل اليهودي والرجل السلم اللذان تاكما إل كعب بن‬
‫الشرف ‪ .‬وعن الزبي بن العوام ‪ :‬أنه خاصم رجلً من النصار قد شهدًا‬
‫بدرًا مع رسول ال ف شراج من الرة كانا يسقيان به كلها النخل ‪.‬‬
‫فقال النصاري ‪ :‬سرّح الاء ير فأب عليه ‪ .‬فقال رسول ال ‪« :‬‬
‫ا ستق يا زبي ث أرسل الاء إل جارك » ‪ .‬فغضب النصاري وقال ‪ :‬يا‬
‫ر سول ال إن كان ا بن عم تك ؟ فتلون و جه ر سول ال ث قال ‪« :‬‬
‫استق يا زبي ث احبس الاء حت يصل إل الِدْر » واستوعى رسول ال‬
‫الزء الول‬ ‫‪532‬‬

‫للزبي حقه ‪ .‬وكان رسول ال قبل ذلك أشار على الزبي ‪ ،‬بل أي‬
‫‪ :‬أراد ف يه الشف قة له وللن صاري ‪ ،‬فل ما أح فظ ر سول ال الن صاري‬
‫استوعب للزبي حقه ف صريح الكم ‪ .‬قال فقال الزبي ‪ :‬ما أحسب هذه‬
‫ُوكـ فِيمَا‬
‫حكّم َ‬
‫ُونـ َحّت َى يُ َ‬
‫ّكـ َل ُي ْؤمِن َ‬
‫ل وَ َرب َ‬
‫اليـة نزلت إل فـ ذلك ﴿ َف َ‬
‫شَجَرَ بَْيَنهُ مْ ﴾ الية ‪ .‬رواه ا بن جرير ‪ .‬وف رواية ‪ :‬ث قال ‪ « :‬يا زبي‬
‫الاء » ‪.‬‬ ‫احبس الاء إل الدر أو إل الكعبي ‪ ،‬ث خل سيل‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬غيـ مسـتحيل أن تكون اليـة نزلت فـ قصـة‬
‫الحتكمي إل الطاغوت ‪ ،‬ويكون فيها بيان ما احتكم فيه الزبي وصاحبه‬
‫النصاري إذ كانت الية دالة على ذلك ‪.‬‬
‫ُسـ ُكمْ َأوِ‬
‫َنـ اقْتُلُواْ أَنف َ‬
‫ِمـ أ ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وَلوْ َأنّاـ َكتَبْنَا عَلَ ْيه ْ‬
‫ا ْخ ُرجُواْ مِن ِديَارِكُم مّا َفعَلُو ُه إِل قَلِي ٌل مّ ْنهُمْ َوَلوْ َأّنهُ ْم َفعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ‬
‫بِهِـلَكَانَـ خَيْرا ّلهُم ْـ َوأَ َشدّ تَثْبِيتا (‪ )66‬وَإِذا لّآتَيْنَاهُم مّنـّل ُدنّــا َأجْرا‬
‫ّهـ‬
‫ِعـ الل َ‬
‫ّسـتَقِيما (‪ )68‬وَم َن يُط ِ‬
‫صـرَاطا م ْ‬
‫ُمـ ِ‬
‫عَظِيما (‪َ )67‬وَلهَ َديْنَاه ْ‬
‫صدّيقِيَ‬
‫وَالرّ سُولَ فَُأ ْولَـِئكَ َم َع اّلذِي نَ َأْنعَ مَ اللّ هُ عَ َل ْيهِم مّ نَ النّبِيّيَ وَال ّ‬
‫ضلُ مِ نَ‬
‫سنَ أُولَ ـئِكَ َرفِيقا (‪َ )69‬ذلِ كَ اْلفَ ْ‬
‫ي َوحَ ُ‬
‫شهَدَاء وَال صّالِحِ َ‬
‫وَال ّ‬
‫اللّ ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ عَلِيما (‪. ﴾ )70‬‬
‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأنّا َكَتبْنَا عََلْيهِ مْ أَ ِن اقْتُلُواْ أَنفُ َ‬
‫سكُمْ َأوِ ا ْخرُجُواْ مِن‬
‫ِديَارِكُم ﴾ كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضًا بالناجر ل‬
‫يفعلوا ‪ ﴿ ،‬إِل قَلِي ٌل ّمْنهُ مْ ﴾ ‪ .‬وقال أبو إسحاق السبيعي ‪ ( :‬لا نزلت ‪:‬‬
‫﴿ وََلوْ َأنّا َكَتْبنَا عََلْيهِمْ أَ ِن اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ َأوِ اخْرُجُوْا مِن ِديَارِكُم مّا َفعَلُوهُ‬
‫إِل َقلِي ٌل ّمْنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال رجل ‪ :‬لو أمرنا لفعلنا ‪ ،‬والمد ل الذي عافانا ‪،‬‬
‫‪533‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فبلغ ذلك النب فقال ‪ « :‬إن من أمت لرجالً ‪ ،‬الِيان أثبت ف قلوبم‬
‫من البل الرواسي » ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأّنهُ مْ َفعَلُواْ مَا يُوعَظُو َن بِ هِ ﴾ ‪ ،‬يؤمرون به من‬
‫طاعة الرسول والرضى بكمه ‪َ ﴿ ،‬لكَا نَ َخيْرا ّلهُ مْ َوأَشَ ّد َتْثبِيتا ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬ت صديقًا ‪ .‬قال ال سدي ‪َ ﴿ :‬وإِذا لّآَتيْنَاهُم مّ ن لّ ُدنّ ـا أَجْرا عَظِيما ﴾ ‪،‬‬
‫سَتقِيما ﴾ ف الدنيا والخرة ‪.‬‬ ‫يعن ‪ :‬النة ‪ ﴿ .‬وََلهَ َدْينَاهُمْ صِرَاطا مّ ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يُطِعِ اللّ َه وَال ّرسُولَ َفُأوْلَـئِكَ َم َع الّذِينَ َأْنعَمَ اللّهُ‬
‫ـكَ‬ ‫َسـنَ أُولَـ ئِ‬
‫ي وَح ُ‬
‫ح َ‬
‫شهَدَاء وَالصـّالِ ِ‬
‫ي وَال ّ‬
‫َالصـدّيقِ َ‬
‫ّنـ الّنِبيّيَ و ّ‬
‫عََليْهِم م َ‬
‫رَفِيقا ﴾ ‪ .‬عن مسروق قال ‪ :‬قال أصحاب رسول ال ‪ :‬ما ينبغي لنا‬
‫أن نفارقك ف الدنيا ‪ ،‬فإنك لو قدّمت رفعت فوقنا فلم نرك ‪ ،‬فأنزل ال ‪:‬‬
‫﴿ َومَن يُطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ ﴾ الية ‪ .‬وعن ربيعة بن كعب السلمي قال ‪:‬‬
‫كنت أبيت عند النب ‪ ،‬فأتيته بوضوئه وحاجته فقال ل ‪ « :‬سل » ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬يـا رسـول ال أسـألك مرافقتـك فـ النـة ‪ .‬فقال ‪ « :‬أوَ غيـ‬
‫ذلك » ؟ قلت ‪ :‬هو ذاك ‪ .‬قال ‪ « :‬فأعنّي على نفسك بكثرة السجود »‬
‫‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك الْ َفضْ ُل مِ نَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬برح ته وفضله نالوا‬
‫ّهـ عَلِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هـو عليـم بنـ يسـتحق الدايـة‬
‫ذلك ‪ ﴿ .‬وَكَفَى بِالل ِ‬
‫والتوفيق ‪ .‬وف الديث عن النب أنه قال ‪ « :‬قاربوا وسددوا ‪ ،‬واعلموا‬
‫أنه ل ينجو أحد منكم بعمله » ‪ .‬قالوا ‪ :‬ول أنت يا رسول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫« ول أنا إل أن يتغمد ن ال بف ضل منه ورح ة » ‪ .‬رواه البغوي وغيه ‪.‬‬
‫وبال التوفيق ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪534‬‬

‫***‬
‫‪535‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الستون‬

‫﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ خُذُوْا ِحذْرَكُ مْ فَانفِرُواْ ثُبَا تٍ َأوِ ان ِفرُواْ جَمِيعا‬
‫(‪ )71‬وَإِنّ مِنكُ مْ لَمَن لّيُبَطّئَنّ َفإِ ْن أَ صَابَ ْتكُم مّ صِيَب ٌة قَا َل َقدْ َأْنعَ مَ اللّ هُ‬
‫ض ٌل مّ نَ ال لََيقُوَلنّ‬
‫عَ َليّ ِإ ْذ لَ ْم أَكُن ّمعَهُمْ َشهِيدا (‪َ )72‬ولَئِ ْن أَ صَاَبكُ ْم فَ ْ‬
‫ت َم َعهُ ْم َفأَفُو َز َفوْزا َعظِيما‬
‫َكأَن لّ ْم تَكُن بَيَْنكُ ْم َوبَيْنَ هُ َم َو ّدةٌ يَا لَيتَنِي كُن ُ‬
‫شرُو َن الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا بِال ِخ َرةِ َومَن‬
‫(‪ )73‬فَلُْيقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ اّلذِي َن َي ْ‬
‫ف نُ ْؤتِي ِه َأجْرا عَظِيما (‪)74‬‬
‫سوْ َ‬
‫ب فَ َ‬
‫ُيقَاِتلْ فِي سَبِي ِل اللّ ِه فَُيقَْتلْ أَو َيغْلِ ْ‬
‫ي مِ نَ ال ّرجَالِ وَالنّ سَاء‬
‫ضعَفِ َ‬
‫وَمَا َلكُ ْم لَ ُتقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ سْتَ ْ‬
‫وَاْلوِْلدَا ِن الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا َأخْ ِرجْنَا مِ ْن هَ ـ ِذهِ اْل َق ْريَ ِة الظّالِ ِم َأهْلُهَا‬
‫وَاجْعَل لّنَا مِن ّلدُن كَ وَلِيّا وَاجْعَل لّنَا مِن ّلدُن كَ نَ صِيا (‪ )75‬الّذِي نَ‬
‫آمَنُواْ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاّلذِينَ َكفَرُواْ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ‬
‫ضعِيفا (‪َ )76‬ألَ ْم َترَ ِإلَى‬
‫َفقَاتِلُوْا َأوْلِيَاء الشّيْطَا نِ إِنّ َك ْيدَ الشّيْطَا نِ كَا نَ َ‬
‫ل َة وَآتُوْا الزّكَا َة فَلَمّ ا كُِت بَ‬
‫الّذِي َن قِيلَ َلهُ مْ ُكفّواْ َأْيدَِيكُ ْم وََأقِيمُواْ ال صّ َ‬
‫خشَْي ِة اللّ ِه أَ ْو َأشَ ّد َخشَْيةً‬
‫شوْ َن النّاسَ كَ َ‬
‫خَ‬‫عَلَ ْيهِمُ اْلقِتَالُ إِذَا َفرِيقٌ مّ ْنهُ ْم يَ ْ‬
‫ب ُقلْ مَتَا عُ‬
‫َوقَالُواْ َربّنَا لِ مَ كَتَبْ تَ عَلَ ْينَا الْقِتَالَ َلوْل َأخّ ْرتَنَا ِإلَى أَ َج ٍل َقرِي ٍ‬
‫ُونـ فَتِيلً (‪َ )77‬أيْنَم َا‬
‫َنـ اتّق َى َولَ تُظْ َلم َ‬
‫ال ّدنْي َا قَلِيلٌ وَال ِخ َرةُ خَ ْي ٌر لّم ِ‬
‫ج ّمشَّيدَ ٍة َوإِن تُصِ ْبهُ ْم حَسَنَةٌ‬
‫تَكُونُواْ ُيدْرِككّمُ الْ َموْتُ َوَلوْ كُنتُ ْم فِي بُرُو ٍ‬
‫َيقُولُوْا هَـ ِذ ِه مِ نْ عِندِ اللّ ِه َوإِن تُ صِ ْب ُهمْ سَيّئَ ٌة َيقُولُوْا هَـ ِذهِ مِ نْ عِندِ كَ‬
‫ُقلْ ُك ّل مّ نْ عِندِ اللّ هِ فَمَا ِلهَ ـؤُلء اْلقَوْ ِم لَ َيكَادُو َن َي ْفقَهُو َن َحدِيثا (‬
‫الزء الول‬ ‫‪536‬‬

‫سكَ‬
‫ك مِن سَيَّئ ٍة فَمِن ّنفْ ِ‬
‫ك مِ ْن حَ سََن ٍة فَمِ َن اللّ ِه َومَا أَ صَابَ َ‬
‫‪ )78‬مّا أَ صَابَ َ‬
‫وَأَ ْرسَلْنَا َك لِلنّاسِ َرسُولً وَ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا (‪. ﴾ )79‬‬

‫***‬
‫‪537‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ ُخذُوْا ِحذْرَكُ مْ فَان ِفرُوْا ثُبَا تٍ‬
‫أَ ِو انفِرُواْ جَمِيعا (‪ )71‬وَإِ ّن مِن ُكمْ لَمَن لّيُبَطَّئنّ َفإِ ْن أَصَابَ ْتكُم مّصِيَبةٌ قَالَ‬
‫ضلٌ‬
‫َقدْ َأْنعَ َم اللّ هُ َعلَيّ ِإ ْذ لَ ْم أَكُن ّمعَهُ مْ شَهِيدا (‪َ )72‬ولَئِ نْ أَ صَاَبكُ ْم فَ ْ‬
‫ت مَ َعهُ مْ‬
‫مّ نَ ال لََيقُولَنّ َكأَن لّ ْم تَكُن بَيَْنكُ ْم َوبَيْنَ ُه مَ َو ّد ٌة يَا لَيتَنِي كُن ُ‬
‫شرُو نَ الْحَيَاةَ‬
‫َفأَفُو َز َفوْزا عَظِيما (‪ )73‬فَلُْيقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن َي ْ‬
‫سوْفَ ُن ْؤتِي هِ‬
‫ب فَ َ‬
‫ال ّدنْيَا بِالخِ َر ِة وَمَن ُيقَاتِ ْل فِي سَبِي ِل اللّ هِ فَُيقَْت ْل أَو َيغْلِ ْ‬
‫أَجْرا عَظِيما (‪. ﴾ )74‬‬
‫َاتـ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫ُمـ فَانفِرُواْ ثُب ٍ‬
‫عـن ابـن عباس قوله ‪ ﴿ :‬خُذُواْ ِحذْرَك ْ‬
‫عصبا ‪ ،‬يعن ‪ :‬سرايا متفرقي ‪َ ﴿ .‬أوِ انفِرُواْ جَمِيعا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬كلكم ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الثبات الفِرَق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإنّ مِنكُ مْ لَمَن ّلُيبَ ّطئَنّ فَإِ نْ أَ صَابَْتكُم مّ صِيبَةٌ قَالَ َقدْ‬
‫َأنْعَ مَ اللّ ُه عَلَيّ ِإذْ لَ مْ أَكُن ّم َعهُ ْم َشهِيدا ﴾ ‪ .‬قال ا بن جر يج ‪ :‬النا فق‬
‫ـَبْتكُم‬
‫يبطّ يء ال سلمي عن الهاد ف سـبيل ال ‪ ،‬قال ال ‪ ﴿ :‬فَإِن ْـأَصَا‬
‫مّ صِيَبةٌ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬بقتل العدو من السلمي ‪ ﴿ ،‬قَالَ قَدْ َأْنعَ مَ اللّ ُه عََليّ ِإذْ‬
‫لَمْ أَكُن ّم َعهُ ْم َشهِيدا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬هذا قول الشامت ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِن ْـأَصَا‬
‫ـَبكُمْ َفضْ ٌل مّنَـ ال َلَيقُولَنّ َكأَن لّم ْـتَكُن‬
‫ت َم َعهُمْ َفأَفُوزَ َفوْزا عَظِيما ﴾ ‪.‬‬
‫َبيَْنكُ ْم َوبَْينَ ُه َموَ ّدةٌ يَا لَيَتنِي كُن ُ‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬وهذا خب من ال تعال ذكره عن هؤلء النافق ي ‪،‬‬
‫أن شهودهم الرب مع السلمي إن شهدوها لطلب الغنيمة ‪ ،‬وإن تلفوا‬
‫عنهـا فللشـك الذي فـ قلوبمـ ‪ ،‬وأنمـ ل يرجون لضورهـا ثوابًا ول‬
‫الزء الول‬ ‫‪538‬‬

‫يافون بالتخلف عن ها من ال عقابًا ‪ .‬وكان قتادة وا بن جر يج يقولن ‪:‬‬


‫إنا قال من قال من النافقي إذا كان الظفر للمسلمي ‪ ﴿ :‬يَا لَيتَنِي كُن تُ‬
‫َم َعهُمْ ﴾ ‪ ،‬حسدًا منهم لم ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ ( :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنّ مِنكُ مْ لَمَن ّلُيبَ ّطئَنّ ﴾ ‪ ،‬نزلت‬
‫ُمـ ﴾ لجتماعهـم مـع أهـل الِيان فـ‬ ‫فـ النافقيـ وإناـ قال ‪ ﴿ :‬مِنك ْ‬
‫النسية والنسب وإظهار الِسلم ‪ ،‬ل ف حقيقة اليان ‪ّ ﴿ .‬ليُبَ ّطئَنّ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ليتأخرن ‪ ،‬وليتثاقلن ‪ ،‬عن الهاد ‪ ﴿ .‬فَإِ نْ أَ صَاَبْتكُم مّ صِيَبةٌ ﴾ أي ‪:‬‬
‫قتل وهزية ‪ ﴿ ،‬قَالَ قَدْ أَْنعَ مَ اللّ ُه عََليّ ﴾ بالقعود ‪ ﴿ ،‬إِذْ لَ مْ أَكُن ّم َعهُ مْ‬
‫ِنـ‬
‫َشهِيدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حاضرًا فـ تلك الغزاة فيصـيبن مـا أصـابم ‪ ﴿ .‬وََلئ ْ‬
‫أَ صَاَبكُمْ َفضْ ٌل مّ نَ ال ﴾ ف تح وغني مة ‪َ ﴿ ،‬لَيقُولَنّ ﴾ هذا النا فق ‪ ،‬وف يه‬
‫تقدي وتأخي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬كأَن لّ مْ تَكُن بَْيَنكُ ْم َوَبيْنَ هُ َموَ ّدةٌ ﴾ مت صل بقوله ‪:‬‬
‫﴿ فَإِ نْ أَ صَاَبتْكُم مّ صِيَبةٌ قَالَ َقدْ َأنْعَ مَ اللّ ُه عَلَيّ إِذْ َل مْ أَكُن ّمعَهُ ْم َشهِيدا‬
‫َكأَن لّ ْم تَكُن بَْيَنكُ ْم َوبَْينَ هُ َموَ ّدةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬معر فة ‪ ،‬أي ‪ :‬ولئن أ صابكم‬
‫فضـل مـن ال ليقولن يـا ليتنـ كنـت معهـم فـ تلك الغزاة ‪ ،‬فأفوز فوزا‬
‫عظيما ‪ ،‬أي ‪ :‬آخذ نصيبًا وافرًا من الغنيمة ) ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫حيَاةَ ال ّدنْيَا‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف ْلُيقَاتِلْ فِي سَب‬
‫ـِيلِ اللّهِـ الّذِينَـيَشْرُونَـ الْ َ‬
‫بِالخِ َرةِ ﴾ ‪ .‬قال السدي ‪ :‬يقول ‪ :‬يبيعون الياة الدنيا بالخرة ‪َ ﴿ .‬ومَن‬
‫ف ُن ْؤتِي هِ أَجْرا عَظِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫سوْ َ‬
‫ُيقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َفُيقْتَلْ أَو َيغْلِ بْ فَ َ‬
‫كل من قاتل ف سبيل ال سواء قتل أو غلب ‪ ،‬فله عند ال مثوبة عظيمة‬
‫وأجر جزيل ‪.‬‬
‫‪539‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ـ‬
‫ـبِيلِ اللّه ِ‬
‫ـ فِـي س َ‬
‫ـ لَ ُتقَاتِلُون َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَمَـا َلكُم ْ‬
‫ي مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَاْلوِْلدَا ِن الّذِي َن َيقُولُونَ َربّنَا َأخْ ِرجْنَا‬
‫ضعَفِ َ‬
‫وَالْمُسْتَ ْ‬
‫ك َولِيّا وَا ْجعَل لّنَا مِن‬
‫مِ ْن هَـ ِذهِ اْل َقرَْي ِة الظّالِ ِم َأهْلُهَا وَا ْجعَل لّنَا مِن ّلدُن َ‬
‫ّلدُن كَ نَ صِيا (‪ )75‬اّلذِي نَ آمَنُواْ ُيقَاتِلُو َن فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاّلذِي نَ َك َفرُواْ‬
‫ت َفقَاتِلُوْا َأوْلِيَاء الشّيْطَا نِ إِنّ كَ ْيدَ الشّيْطَا نِ‬
‫ُيقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِ الطّاغُو ِ‬
‫ضعِيفا (‪. ﴾ )76‬‬
‫كَانَ َ‬
‫ي مِنَ‬
‫ض َعفِ َ‬ ‫قال السدي ‪َ ﴿ :‬ومَا َلكُمْ َل ُتقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ ْ‬
‫ستَ ْ‬
‫الرّجَا ِل وَالنّ سَاء وَاْلوِلْدَا نِ الّذِي نَ يَقُولُو نَ َربّنَا أَخْ ِرجْنَا مِ ْن هَ ـ ِذ ِه اْلقَ ْرَيةِ‬
‫ِمـ َأهْلُهَـا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ومـا لكـم ل تقاتلون فـ سـبيل ال وفـ‬ ‫الظّال ِ‬
‫ال ستضعفي ‪ ،‬وأ ما القر ية ‪ :‬فم كة ‪ .‬وقال ا بن شهاب ‪ ﴿ :‬وَمَا َلكُ مْ لَ‬
‫ي مِ نَ الرّجَا ِل وَالنّ سَاء وَالْوِلْدَا نِ ﴾ ‪.‬‬ ‫ض َعفِ َ‬‫ستَ ْ‬
‫ُتقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ ْ‬
‫قال ‪ :‬ف سبيل ال ‪ ،‬و سبيل ال ستضعفي ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬هم ‪ :‬أناس‬
‫م سلمون كانوا ب كة ‪ ،‬ل ي ستطيعون أن يرجوا من ها ليهاجروا فعذر هم‬
‫ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِينَـ آمَنُواْ ُيقَاتِلُونَـ فِي سَب‬
‫ـِيلِ اللّهِـ وَالّذِينَـ َكفَرُواْ‬
‫شيْطَا نِ كَا نَ‬
‫شيْطَا نِ ِإنّ َكيْدَ ال ّ‬
‫ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ الطّاغُو تِ َفقَاتِلُواْ َأوْلِيَاء ال ّ‬
‫ضعِيفا ﴾ ‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ آ َمنُوْا ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ف طاعته ‪ ﴿ ،‬وَالّذِينَ َكفَرُوْا ُيقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ الطّاغُوتِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ف طا عة الشيطان ‪َ ﴿ ،‬فقَاتِلُواْ ﴾ أي ها الؤمنون ‪َ ﴿ ،‬أوِْليَاء الشّيْطَا نِ ﴾ ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪540‬‬

‫شيْطَا نِ ﴾ مكره ‪،‬‬


‫أي ‪ :‬حز به ‪ ،‬وجنوده ‪ ،‬و هم ‪ :‬الكفار ‪ ﴿ ،‬إِنّ َكيْدَ ال ّ‬
‫ضعِيفا ﴾ كما فعل يوم بدر لا رأى اللئكة خاف أن يأخذوه ‪،‬‬ ‫﴿ كَا نَ َ‬
‫فهرب وخذلم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي َن قِيلَ َلهُ مْ ُكفّواْ َأْيدَِيكُ ْم وََأقِيمُواْ‬
‫شوْ نَ‬
‫خَ‬‫لةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ فَ َلمّا كُتِ بَ عَلَ ْيهِ ُم الْقِتَالُ ِإذَا َفرِي قٌ مّ ْنهُ ْم يَ ْ‬
‫ال صّ َ‬
‫خشَْي ِة اللّ هِ َأوْ أَ َشدّ َخشَْي ًة وَقَالُواْ َربّنَا لِ مَ كَتَبْ تَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ‬
‫النّا سَ كَ َ‬
‫َنـ‬
‫َاعـ ال ّدنْيَا قَلِي ٌل وَال ِخ َرةُ خَ ْيرٌ لّم ِ‬
‫ِيبـ ُق ْل مَت ُ‬
‫لَوْل أَ ّخ ْرتَنَا ِإلَى َأجَ ٍل َقر ٍ‬
‫اتّقَى وَ َل تُظْلَمُو نَ فَتِيلً (‪َ )77‬أيْنَمَا تَكُونُواْ ُيدْرِككّ ُم الْ َموْ تُ َوَلوْ كُنتُ مْ‬
‫فِي بُرُو جٍ ّمشَّي َدةٍ وَإِن تُ صِ ْبهُ ْم حَ سََنةٌ يَقُولُواْ هَ ـ ِذهِ مِ نْ عِندِ اللّ هِ َوإِن‬
‫تُصِ ْبهُ ْم سَيَّئةٌ َيقُولُواْ هَـ ِذ ِه ِمنْ عِندِ َك ُقلْ ُك ّل ّمنْ عِن ِد اللّ ِه فَمَا ِلهَـؤُلء‬
‫الْ َقوْ ِم لَ َيكَادُو َن َيفْ َقهُو نَ َحدِيثا (‪ )78‬مّا أَ صَاَبكَ مِ ْن حَ سََنةٍ فَمِ َن اللّ هِ‬
‫سكَ َوأَرْ سَلْنَا َك لِلنّا سِ رَ سُو ًل وَ َكفَى بِاللّ هِ‬
‫ك مِن سَيَّئةٍ فَمِن ّنفْ ِ‬
‫وَمَا أَ صَابَ َ‬
‫شَهِيدا (‪. ﴾ )79‬‬
‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي نَ قِيلَ َلهُ مْ ُكفّواْ َأيْ ِدَيكُ ْم َوأَقِيمُواْ‬
‫الصّـلَ َة وَآتُواْ الزّكَاةَ ﴾ فقرأ حتـ بلغ ‪ ﴿ :‬إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍـ ﴾ أناس مـن‬
‫أصحاب رسول ال وهو يومئذٍ بكة قبل الجرة ‪ ،‬تسرعوا إل القتال ‪،‬‬
‫وسارعوا إليه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬لنب ال ‪ :‬ذرنا نتخذ معاول فنقتل با الشركي‬
‫ب كة ‪ ،‬فنها هم نب ال عن ذلك ‪ .‬قال ‪ :‬ث أ مر بذلك فل ما كا نت‬
‫الجرة وأ مر بالقتال كره القوم ذلك ف صنعوا ف يه ما ت سمعون ‪ ،‬فقال ال‬
‫تبارك وتعال ‪َ ﴿ :‬متَا عُ ال ّدنْيَا َقلِي ٌل وَالخِ َرةُ َخيْرٌ لّ َم نِ اتّقَى وَ َل تُظَْلمُو نَ‬
‫‪541‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َفتِيلً ﴾ ‪ .‬وقال السدي ف قوله ‪َ ﴿ :‬لوْل أَخّ ْرَتنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِي بٍ ﴾ ‪ ،‬هو‬
‫‪ :‬الوت ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أيْنَمَا َتكُونُوْا يُدْرِككّ ُم الْ َموْ ُ‬
‫ت وََلوْ كُنتُ مْ فِي بُرُو جٍ‬
‫شيّ َدةٍ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ف قصور مصنة ‪.‬‬
‫مّ َ‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول ‪ :‬ل تزعوا من الوت ول تربوا من القتال ‪،‬‬
‫وتضعفوا عن لقاء عدوكم ‪ ،‬حذرًا على أنفسكم من القتل والوت ‪ ،‬فإن‬
‫الوت بإزائكم أين كنتم ‪ ،‬وواصل إل أنفسكم حيث كنتم ‪ ،‬ولو تصنتم‬
‫منه بالصون النيعة ‪.‬‬
‫وقال عدي بن زيد العبادي ف أبياته الشهورة ‪:‬‬
‫ذا عليـه مـن أن يضام خفيـ‬ ‫مـن رأيـت النون خلّد أم مـن‬
‫(‬ ‫(‬

‫وإن أم أيــن قلبــه ســابور‬ ‫أين كسرى كسرى اللوك أنوشر‬


‫(‬

‫(‬

‫دجلتــه تبــ إليــه والابور‬ ‫وأخــو الضــر إذ بناه وإذ‬


‫(‬ ‫(‬

‫فلِلطّيـــ فـــ ذُراه وُكور‬ ‫شاده مرمرًا وجلله كلســـًا‬


‫(‬ ‫(‬

‫ــه مهجور‬
‫ــه فبابـ‬
‫الُلك عنـ‬ ‫ـ النون فباد‬
‫ل ُيهِبــه ريبـ ُ‬
‫(‬ ‫(‬

‫وقال آخر ‪:‬‬


‫لعاد ملذًا فـ البلد ومربعًـا‬ ‫أرى الوت ل يبقـي عزيزًا ول يدع‬
‫(‬

‫(‬

‫ويأ ت البال ف شاري ها معًا‬ ‫يـبيت أهـل الصـن والصـن مغلق‬


‫(‬

‫(‬
‫الزء الول‬ ‫‪542‬‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن تُ صِْبهُمْ حَ َ‬


‫سَن ٌة َيقُولُوْا هَ ـ ِذهِ مِ ْن عِندِ اللّ ِه َوإِن‬
‫صْبهُمْ َسّيئَ ٌة َيقُولُوْا هَـ ِذ ِه مِ نْ عِندِ كَ ُقلْ كُ ّل مّ ْن عِندِ اللّ هِ فَمَا ِلهَـؤُلء‬
‫تُ ِ‬
‫الْ َق ْومِ لَ يَكَادُو َن َيفْ َقهُونَ حَدِيثا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬نزلت ف اليهود ‪ ،‬والنافق ي ‪ ،‬وذلك أن م قالوا ل ا قدم‬
‫ر سول ال الدينة ‪ :‬ما زل نا نعرف الن قص ف ثارنا ومزارعنا م نذ قدم‬
‫ُصـهُمْ‬‫علينـا هذا الرجـل وأصـحابه ‪ .‬وقال ابـن زيـد فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وإِن ت ِْب‬
‫صبْهُمْ َسّيَئةٌ َيقُولُوْا هَ ـ ِذ ِه مِ نْ‬ ‫سَن ٌة َيقُولُواْ هَ ـ ِذ ِه مِ ْن عِندِ اللّ ِه َوإِن تُ ِ‬
‫حَ َ‬
‫عِندِكَ ﴾ ‪ ،‬فقرأ حت بلغ ‪َ ﴿ :‬وأَرْسَ ْلنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إن هذه‬
‫اليات نزلت ف شأن الرب فقرأ ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ خُذُواْ حِ ْذرَكُ مْ‬
‫صْبهُمْ َسّيَئةٌ‬ ‫فَانفِرُواْ ُثبَا تٍ َأ ِو انفِرُواْ َجمِيعا ﴾ ‪ ،‬فقرأ ح ت بلغ ‪َ ﴿ :‬وإِن تُ ِ‬
‫َيقُولُواْ هَـ ِذ ِه مِ نْ ﴾ عند ممد عليه السلم ‪ ،‬أساء التدبي وأساء النظر ‪،‬‬
‫ما أحسن التدبي ول النظر ‪ ﴿ .‬قُلْ كُ ّل مّ ْن عِندِ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬النصر ‪ ،‬والزية‬
‫ْمـ لَ‬‫ّهـ فَم َا ِلهَــؤُلء الْ َقو ِ‬ ‫ّنـ عِندِ الل ِ‬
‫‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ ﴿ :‬قُلْ كُ ّل م ْ‬
‫يَكَادُو نَ َي ْف َقهُو نَ حَدِيثا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ال سنة وال سيئة من ع ند ال ‪ ،‬أ ما‬
‫السنة فأنعم با عليك ‪ ،‬وأما السيئة فابتلك با ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مّا أَصَابَكَ مِ نْ حَ َ‬
‫سَنةٍ َفمِ نَ اللّ ِه َومَا أَصَابَكَ مِن سَّيَئةٍ‬
‫فَمِن ّنفْ سِكَ ﴾ ‪ .‬قال السدي ‪ :‬من ذنبك ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وذكر لنا أن نب‬
‫ال كان يقول ‪ « :‬ل يصـيب رجلً خدش عودٍ ‪ ،‬ول عثرة قدم ‪ ،‬ول‬
‫اختلج عرق ‪ ،‬إل بذنـب ‪ ،‬ومـا يعفـو ال عنـه أكثـر » ‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬
‫﴿ كُلّ مّ ْن عِندِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬النعم ‪ ،‬والصيبات ‪ .‬وعن أب صال ف قوله‬
‫‪543‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك مِن َسيَّئةٍ فَمِن ّنفْ سِكَ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬بذنبك ‪ ،‬وأنا قدّ ْرتُها‬
‫‪َ ﴿ :‬ومَا أَ صَابَ َ‬
‫عليك ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬والطاب لل نب ‪ ،‬والراد غيه نظيه ‪ .‬قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا‬
‫سَبتْ َأيْدِيكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫أَصَابَكُم مّن ّمصِيَبةٍ َفبِمَا كَ َ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَرْ سَ ْلنَاكَ لِلنّا سِ رَ سُو ًل وَ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬على إرسالك ‪ ،‬وصدقك ‪ ،‬وتبليغك ما أنزل إليك ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪544‬‬

‫الدرس الادي والستون‬

‫ع اللّ َه َومَن َت َولّى فَمَا أَرْ سَلْنَاكَ عَلَ ْيهِ مْ‬


‫﴿ مّ نْ يُطِ ِع الرّ سُولَ َف َقدْ َأطَا َ‬
‫ُمـ‬
‫ّتـ طَآِئفَ ٌة مّ ْنه ْ‬
‫ِكـ بَي َ‬
‫ِنـ عِند َ‬
‫ُونـ طَا َعةٌ َفِإذَا َبرَزُواْ م ْ‬
‫حَفِيظا (‪ )80‬وََيقُول َ‬
‫ب مَا يُبَيّتُو َن َفأَ ْعرِ ضْ عَ ْنهُ ْم وََتوَ ّكلْ عَلَى اللّ هِ‬
‫غَ ْي َر الّذِي َتقُولُ وَاللّ هُ َيكْتُ ُ‬
‫ل يََتدَّبرُو نَ اْل ُقرْآ َن وََلوْ كَا َن مِ نْ عِندِ غَ ْيرِ‬
‫وَكَفَى بِاللّ هِ وَكِيلً (‪َ )81‬أفَ َ‬
‫ْنـ أَوِ‬
‫ّنـ الَم ِ‬
‫ُمـ َأ ْمرٌ م َ‬
‫ِيهـ اخْتِلَفا كَثِيا (‪ )82‬وَِإذَا جَاءه ْ‬
‫ّهـ َلوَ َجدُوْا ف ِ‬
‫الل ِ‬
‫ف َأذَاعُوْا بِ هِ وََلوْ َردّو هُ ِإلَى الرّ سُو ِل وَِإلَى ُأ ْولِي ا َل ْمرِ مِ ْنهُ ْم َلعَلِمَ هُ‬
‫خوْ ِ‬
‫الْ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُهـ لَتَّبعْت ُ‬
‫ُمـ وَ َرحْمَت ُ‬
‫ّهـ عَلَ ْيك ْ‬
‫ضلُ الل ِ‬
‫ُمـ َوَلوْ َل فَ ْ‬
‫َسـتَنبِطُوَنهُ مِ ْنه ْ‬
‫ِينـ ي ْ‬
‫الّذ َ‬
‫ْسـكَ‬
‫ّفـ إِل َنف َ‬
‫ّهـ َل ُتكَل ُ‬
‫سـبِيلِ الل ِ‬
‫َانـ إِل قَلِيلً (‪َ )83‬فقَاِتلْ فِي َ‬
‫الشّيْط َ‬
‫س الّذِي نَ َكفَرُواْ وَاللّ ُه َأشَدّ‬
‫ض الْ ُمؤْمِنِيَ عَ سَى اللّ هُ أَن َيكُفّ بَأْ َ‬
‫وَ َحرّ ِ‬
‫َبأْسا َوأَ َشدّ تَنكِيلً (‪ )84‬مّن َيشْفَ ْع َشفَا َع ًة حَ سََنةً َيكُن لّ ُه نَ صِيبٌ مّ ْنهَا‬
‫شفَ ْع َشفَا َعةً سَيَّئةً يَكُن لّ هُ ِك ْفلٌ مّنْهَا وَكَا نَ اللّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْءٍ‬
‫وَمَن َي ْ‬
‫ّمقِيتا (‪ )85‬وَِإذَا حُيّيْتُم بَِتحِّيةٍ َفحَيّوْا ِبأَحْ سَ َن مِنْهَا َأوْ ُردّوهَا إِنّ اللّ هَ‬
‫ج َمعَنّكُ مْ ِإلَى‬
‫كَا نَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء حَ سِيبا (‪ )86‬اللّ هُ ل ِإلَ ـ َه إِل ُهوَ لَيَ ْ‬
‫ق ِم َن اللّ ِه َحدِيثا (‪. ﴾ )87‬‬
‫صدَ ُ‬
‫ب فِي ِه َومَ ْن أَ ْ‬
‫يَوْ ِم اْلقِيَا َم ِة لَ َريْ َ‬

‫***‬
‫‪545‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ع اللّ هَ َومَن َت َولّى فَمَا‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مّ ْن يُطِ ِع الرّ سُو َل َفقَ ْد أَطَا َ‬
‫أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َحفِيظا (‪َ )80‬وَيقُولُونَ طَا َع ٌة َفِإذَا َبرَزُوْا مِنْ عِندِ َك بَيّتَ‬
‫ُمـ‬
‫ِضـ عَ ْنه ْ‬
‫ُونـ َفأَ ْعر ْ‬
‫ُبـ مَا يُبَيّت َ‬
‫ّهـ يَكْت ُ‬
‫ُمـ َغ ْيرَ اّلذِي َتقُو ُل وَالل ُ‬
‫طَآِئفَ ٌة مّ ْنه ْ‬
‫وََتوَ ّكلْ عَلَى ال ّل ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ وَكِيلً (‪. ﴾ )81‬‬
‫ف الصـحيحي عـن النـب ‪ « :‬مـن أطاعنـ فقـد أطاع ال ‪ ،‬ومـن‬
‫عصان فقد عصى ال ‪ ،‬ومن أطاع المي فقد أطاعن ‪ ،‬ومن عصى المي‬
‫ف قد ع صان » ‪ .‬و عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ويَقُولُو نَ طَا َعةٌ فَِإذَا بَرَزُواْ مِ نْ‬
‫ُمـ َغيْ َر الّذِي َتقُولُ ﴾ ‪ ،‬وهـم ناس يقولون عنـد‬ ‫ّتـ طَآئِ َف ٌة ّمْنه ْ‬
‫ِكـ َبي َ‬
‫عِند َ‬
‫ر سول ال ‪ :‬آم نا بال ور سوله ‪ ،‬ليأمنوا على دمائ هم وأموال م ‪ ،‬وإذا‬
‫برزوا من عند رسول ال خالفوا إل غي ما قالوا عنده فعابم ال فقال‬
‫ت طَآِئ َف ٌة ّمنْهُ ْم َغيْ َر الّذِي َتقُولُ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬يغيون ما قال ال نب‬ ‫‪َ ﴿ :‬بيّ َ‬
‫‪.‬‬
‫ّتـ طَآئِ َفةٌ‬
‫ِكـ بَي َ‬ ‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬فَإِذَا بَرَزُواْ ﴾ خرجوا ‪ ﴿ ،‬م ْ‬
‫ِنـ عِند َ‬
‫ّتـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬غيّر‬
‫ُمـ َغيْ َر الّذِي َتقُولُ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة والكلبـ ‪َ ﴿ :‬بي َ‬
‫ّمنْه ْ‬
‫وبدّل الذي ع هد إلي هم ال نب ‪ ،‬ويكون ال تبييت بع ن ‪ :‬التبد يل ‪ .‬وقال‬
‫ل غي ما أعطوك نارًا ‪ ،‬وكل‬ ‫أبو عبيدة ‪ ،‬والقتيب ‪ :‬معناه قالوا وقدروا لي ً‬
‫ما قدر بليل فهو مبيّت ‪.‬‬
‫ُمـ َغيْ َر الّذِي َتقُولُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫وقال ابـن كثيـ ‪َ ﴿ :‬بي َ‬
‫ّتـ طَآِئ َفةٌ ّمْنه ْ‬
‫استسروا ليلً فيما بينهم بغي ما أظهروه لك ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪546‬‬

‫ُونـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يفظـه عليهـم‬


‫ُبـ م َا ُيَبيّت َ‬ ‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالل ُ‬
‫ّهـ يَ ْكت ُ‬
‫ـ ﴾ فإنـه كافيـك ‪،‬‬
‫ـ َوَتوَكّ ْل عَلَى اللّه ِ‬
‫ـ َعْنهُم ْ‬
‫فيجازيهـم ‪َ ﴿ .‬فَأعْرِض ْ‬
‫﴿ وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫ل يََت َدبّرُو َن اْلقُرْآ َن َولَوْ كَا َن مِ نْ عِندِ غَ ْي ِر اللّ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أفَ َ‬
‫خوْ فِ‬
‫لَ َو َجدُواْ فِي ِه اخْتِلَفا كَثِيا (‪ )82‬وَِإذَا جَاءهُ مْ َأ ْمرٌ مّ َن الَمْ ِن أَ ِو الْ َ‬
‫َأذَاعُواْ بِ ِه َولَوْ َردّو هُ ِإلَى الرّ سُو ِل َوإِلَى ُأ ْولِي الَ ْم ِر مِ ْنهُ ْم َلعَلِمَ هُ اّلذِي نَ‬
‫ض ُل اللّ هِ عَلَ ْيكُ ْم وَ َرحْمَتُ ُه لَتَّبعْتُ ُم الشّيْطَا َن إِل‬
‫يَ سْتَنبِطُوَنهُ مِ ْنهُ ْم َولَ ْولَ فَ ْ‬
‫ض الْ ُمؤْمِنِيَ‬
‫ك وَ َحرّ ِ‬
‫ف إِل َنفْ سَ َ‬
‫قَلِيلً (‪َ )83‬فقَاِت ْل فِي سَبِيلِ اللّ ِه لَ ُتكَلّ ُ‬
‫عَ سَى اللّ ُه أَن يَكُفّ َبأْ سَ اّلذِي نَ َك َفرُواْ وَاللّ هُ َأ َشدّ َبأْسا َوأَ َشدّ تَنكِيلً (‬
‫‪. ﴾ )84‬‬
‫عن الضحاك ف قوله ‪ ﴿ :‬أََف َ‬
‫ل يَتَ َدبّرُو نَ اْلقُرْآ نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يتدبرون‬
‫النظر فيه ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬إن القرآن ل يكذب بعضه بعضًا ‪ ،‬ول ينقض‬
‫بعضـه بعضًا ‪ ،‬مـا جهـل الناس مـن أمـر فإناـ هـو مـن تقصـي عقولمـ‬
‫ِيهـ ا ْختِلَفا‬
‫ّهـ َلوَجَدُواْ ف ِ‬
‫ِنـ عِن ِد َغيْرِ الل ِ‬
‫َانـ م ْ‬
‫وجهالتهـم ‪ ،‬وقرأ ‪ ﴿ :‬وََلوْ ك َ‬
‫َكثِيا ﴾ ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬قول ال ل يتلف ‪ ،‬وهـو حـق ليـس فيـه‬
‫باطل ‪ ،‬وإن قول الناس يتلف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا جَاءهُ مْ َأمْ ٌر مّ َن ا َلمْ نِ َأ ِو الْ َ‬
‫خوْ فِ َأذَاعُواْ بِ هِ وََلوْ‬
‫ستَنبِطُونَ ُه ِمْنهُ مْ ﴾‬
‫رَدّو هُ إِلَى الرّ سُو ِل َوإِلَى ُأوْلِي ا َلمْ ِر ِمْنهُ مْ َلعَلِمَ ُه الّذِي َن يَ ْ‬
‫قال السـدي يقول ‪ :‬إذا جاءهـم أمـر أنمـ قـد أمنوا مـن عدوهـم وأنمـ‬
‫خائفون منهم ‪ ،‬أذاعوا بالديث حت يبلغ عدوهم أمرهم ‪ ﴿ .‬وََلوْ رَدّو هُ‬
‫ـكتوا وردوا‬ ‫إِلَى الرّس ـُولِ َوإِلَى ُأوْلِي الَمْرِ مِْنهُم ـْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ولو سـ‬
‫‪547‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الد يث إل ال نب وإل أول أمر هم ح ت يتكلم هو به ﴿ َلعَلِمَ ُه الّذِي َن‬


‫ستَنبِطُونَهُ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬عن الخبار ‪ ،‬و هم الذ ين ينفرون عن الخبار ‪.‬‬ ‫يَ ْ‬
‫ّوهـ إِلَى الرّسـُولِ ﴾ حتـ يكون هـو الذي‬ ‫وقال ابـن جريـج ‪ ﴿ :‬وََلوْ َرد ُ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬الفقـه فـ الديـن والعقـل ‪ .‬وقال‬ ‫يبـهم ﴿ َوإِلَى ُأوْلِي ا َلمْ ِر ِمْنه ْ‬
‫ُمـ ﴾ ‪ ،‬الذيـن يسـألون عنـه‬ ‫َسـتَنبِطُونَ ُه ِمْنه ْ‬
‫ِينـ ي ْ‬
‫َهـ الّذ َ‬ ‫ماهـد ‪َ ﴿ :‬لعَِلم ُ‬
‫ويتحسسونه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْلَ َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ ﴾ ما تبعتم الشيطان‬
‫ـ ﴾ كلكـم ‪ .‬وقال‬‫شيْطَان َ‬
‫ـ ال ّ‬
‫إل قليلً ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يقول ‪َ ﴿ :‬لتَّب ْعتُم ُ‬
‫الضحاك ‪ :‬هـم أصـحاب النـب ‪ ،‬كانوا حدثوا أنفسـهم بأمور مـن‬
‫الشيطان ‪ ،‬إل طائفة منهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ لَ تُكَلّ فُ إِل َنفْ سَ َ‬
‫ك وَحَرّ ضِ‬
‫س الّذِي نَ َكفَرُواْ وَاللّ هُ َأشَ ّد َبأْ سا َوَأشَدّ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ عَ سَى اللّ هُ أَن َيكُفّ َبأْ َ‬
‫تَنكِيلً ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬عقوبة ‪.‬‬
‫ّفـ إِل‬
‫ّهـ َل ُتكَل ُ‬ ‫قال البغوي ‪ ( :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬فقَاتِلْ ف ِي َ‬
‫سـبِيلِ الل ِ‬
‫َنفْسَكَ ﴾ وذلك أن النب واعد أبا سفيان بعد حرب أُحُد ‪ ،‬موسم بدر‬
‫الصـغرى فـ ذي القعدة ‪ ،‬فلمـا بلغ اليعاد ‪ ،‬دعـا الناس إل الروج ‪،‬‬
‫فكرهه بعضهم ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬فقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ لَ تُكَلّ فُ‬
‫إِل َنفْسَكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تدع جهاد العدو ‪ ،‬والستنصار للمستضعفي من‬
‫ض الْ ُم ْؤمِنِيَ‬
‫الؤمني ‪ ،‬ولو وحدك ‪ ،‬فإن ال قد وعدك النصرة ‪ ﴿ ،‬وَ َحرّ ِ‬
‫﴾ على القتال أي ‪ :‬حضهـم على الهاد ورغبهـم فـ الثواب ‪ ﴿ ،‬عَسـَى‬
‫اللّهُـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لعـل ال ﴿ أَن َيكُفّ بَأْسَـ الّذِينَـ َكفَرُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قتال‬
‫الزء الول‬ ‫‪548‬‬

‫الشرك ي ‪ ،‬وع سى من ال وا جب ‪ ﴿ .‬وَاللّ هُ َأشَ ّد َبأْ سا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أ شد‬


‫صـولة وأعظـم سـلطانًا ‪َ ﴿ ،‬وَأشَ ّد تَنكِيلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عقوبـة ) ‪ .‬انتهـى‬
‫ملخصًا ‪.‬‬
‫ب مّنْهَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬مّ ن َيشْفَ ْع َشفَا َعةً حَ سََنةً يَكُن لّ ُه نَ صِي ٌ‬
‫شفَ ْع َشفَا َعةً سَيَّئةً يَكُن لّ هُ ِك ْفلٌ مّنْهَا وَكَا نَ اللّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْءٍ‬
‫وَمَن َي ْ‬
‫ّمقِيتا (‪ )85‬وَِإذَا حُيّيْتُم بَِتحِّيةٍ َفحَيّوْا ِبأَحْ سَ َن مِنْهَا َأوْ ُردّوهَا إِنّ اللّ هَ‬
‫ج َمعَنّكُ مْ ِإلَى‬
‫كَا نَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء حَ سِيبا (‪ )86‬اللّ هُ ل ِإلَ ـ َه إِل ُهوَ لَيَ ْ‬
‫ق ِم َن اللّ ِه َحدِيثا (‪. ﴾ )87‬‬
‫صدَ ُ‬
‫ب فِي ِه َومَ ْن أَ ْ‬
‫يَوْ ِم اْلقِيَا َم ِة لَ َريْ َ‬
‫ب ّمْنهَا‬
‫سَن ًة َيكُن لّ ُه نَ صِي ٌ‬
‫شفَ ْع َشفَا َعةً حَ َ‬
‫عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬مّن يَ ْ‬
‫شفَ عْ َشفَا َعةً َسيَّئ ًة يَكُن لّ هُ ِكفْ ٌل ّمْنهَا ﴾ قال ‪ :‬شفاعة بعض الناس‬ ‫َومَن يَ ْ‬
‫سَنةً ﴾ ك تب له أجره ما‬ ‫شفَ ْع َشفَا َعةً حَ َ‬‫لب عض ‪ .‬قال ال سن ‪ ﴿ :‬مّ ن يَ ْ‬
‫سَنةً َيكُن لّ ُه نَ صِيبٌ‬ ‫شفَ ْع َشفَا َعةً حَ َ‬ ‫جرت منفعتها ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬مّن يَ ْ‬
‫شفَ عْ َشفَا َعةً َسّيَئةً يَكُن لّ هُ ِكفْلٌ‬‫ّمنْهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ح فظ من ها ‪ ﴿ ،‬وَمَن يَ ْ‬
‫ّمنْهَا ﴾ والك فل ‪ :‬هو الِ ث ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬الشفا عة ال سنة هي ‪:‬‬
‫الِ صلح بي الناس ‪ ،‬والشفاعة السيئة هي ‪ :‬الشي بالنميمة ‪ .‬وعن أب‬
‫موسى رضي ال عنه قال ‪ :‬كان النب إذا جاءه رجل يسأل ‪ ،‬أو طالب‬
‫حا جة ‪ ،‬أق بل علي نا بوج هه فقال ‪ « :‬اشفعوا تؤجروا ‪ ،‬ويق ضي ال على‬
‫لسان رسوله ما شاء » ‪ .‬رواه البغوي وغيه ‪.‬‬
‫ّهـ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ ّمقِيتا ﴾ ‪ ،‬قال ماهـد ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَك َ‬
‫َانـ الل ُ‬
‫شهيدًا ‪ :‬حسيبًا حفيظًا ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬القيت ‪ :‬القدير ‪.‬‬
‫‪549‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حيّواْ ِبأَحْ سَ َن ِمنْهَا َأوْ رُدّوهَا إِنّ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُحّييْتُم ِبتَ ِ‬
‫حّيةٍ فَ َ‬
‫اللّ هَ كَا نَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ حَ سِيبا ﴾ ‪ .‬قال ال سدي ‪ :‬إذا سلم عل يك أ حد‬
‫فقل أنت ‪ :‬وعليك السلم ورحة ال ‪ ،‬أو تقطع إل ‪ :‬السلم عليك كما‬
‫ـ َن ِمنْهَـا ﴾ للمسـلمي ‪َ ﴿ ،‬أوْ‬
‫حيّواْ ِبأَحْس َ‬
‫قال لك ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫رُدّوهَا ﴾ على أهل الكتاب ‪.‬‬
‫حيّواْ ِبأَحْ سَ َن ِمنْهَا َأوْ‬ ‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُحّييْتُم ِبتَ ِ‬
‫حّيةٍ فَ َ‬
‫رُدّوهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا سلم عليكم السلم فردوا عليه أفضل ما سلم ‪ ،‬أو‬
‫ردوا عليـه بثـل مـا سـلم ‪ ،‬فالزيادة مندوبـة ‪ ،‬والماثلة مفروضـة ‪ .‬وقال‬
‫السن ‪ :‬السلم تطوع ‪ ،‬والرد فريضة ‪.‬‬
‫ْمـ اْل ِقيَا َمةِ لَ‬
‫ُمـ إِلَى َيو ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الل ُ‬
‫ّهـ ل إِلَــهَ إِل ُهوَ َليَجْ َم َعّنك ْ‬
‫ق مِنَ اللّهِ َحدِيثا ﴾ ‪.‬‬
‫َرْيبَ فِي ِه َومَنْ أَصْ َد ُ‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬اللّ هُ ل إِلَـهَ إِل ُهوَ َليَ ْ‬
‫ج َم َعنّكُ مْ ﴾ ‪ ،‬اللم لم القسم‬
‫‪ .‬تقديره ‪ :‬وال ليجمعنكم ف الوت وف القبور ‪ ﴿ ،‬إِلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ ﴾ ‪،‬‬
‫ْمـ‬
‫القيامـة قيامـة لن الناس يقومون مـن قبورهـم ‪ .‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬يو َ‬
‫يَخْ ُرجُو نَ مِ َن الَجْدَا ثِ سِرَاعا ﴾ وقيل ‪ :‬لقيامهم إل الساب ‪ .‬قال ال‬
‫ص َدقُ‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ َم َيقُو ُم النّاسُ ِلرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لَ َريْبَ فِيهِ َومَنْ أَ ْ‬
‫مِنَ اللّهِ حَدِيثا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قو ًل ووعدًا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪550‬‬

‫الدرس الثان والستون‬

‫سهُم بِمَا كَ سَبُوْا َأتُرِيدُو نَ‬


‫﴿ فَمَا َلكُ ْم فِي الْمُنَا ِفقِيَ فِئَتَيْ نِ وَاللّ هُ أَرْكَ َ‬
‫ج َد لَ هُ سَبِيلً (‪َ )88‬ودّواْ‬
‫ض ّل اللّ هُ وَمَن يُضْ ِل ِل اللّ هُ فَلَن تَ ِ‬
‫أَن َتهْدُوْا مَ ْن أَ َ‬
‫خذُوْا مِ ْنهُ مْ َأ ْولِيَاء حَتّىَ‬
‫لَ ْو َتكْ ُفرُو نَ كَمَا َك َفرُوْا فَتَكُونُو نَ َسوَاء فَلَ تَتّ ِ‬
‫ث َوجَدتّمُوهُ مْ‬
‫خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُ مْ حَيْ ُ‬
‫ُيهَا ِجرُواْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ َفإِن َتوَّل ْواْ فَ ُ‬
‫ْمـ‬
‫َصـلُو َن ِإلَ َى َقو ٍ‬
‫ِينـ ي ِ‬
‫ُمـ َولِيّا َولَ نَصـِيا (‪ )89‬إِل الّذ َ‬
‫خذُوْا مِ ْنه ْ‬
‫وَ َل تَتّ ِ‬
‫صدُو ُر ُهمْ أَن ُيقَاتِلُوكُ ْم َأوْ‬
‫صرَتْ ُ‬
‫ق َأوْ جَآؤُوكُ مْ حَ ِ‬
‫بَيَْنكُ مْ َوبَيْنَهُم مّيثَا ٌ‬
‫ُيقَاتِلُوْا َقوْ َمهُ ْم َولَ ْو شَاء اللّ ُه لَ سَلّ َطهُمْ عَلَ ْيكُ ْم فَ َلقَاتَلُوكُ ْم َفإِ نِ اعَْت َزلُوكُ مْ‬
‫فَلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ مْ وََأْلقَ ْواْ ِإلَ ْيكُ مُ ال سّ َلمَ فَمَا َج َعلَ اللّ هُ َلكُ مْ عَلَ ْيهِ مْ سَبِيلً (‬
‫جدُونَ آ َخرِينَ ُيرِيدُونَ أَن َي ْأمَنُوكُمْ َوَي ْأمَنُواْ َق ْو َمهُمْ ُكلّ مَا ُردّ َواْ‬
‫‪ )90‬سَتَ ِ‬
‫ِإلَى اْلفِتِْنةِ أُرْكِ سُوْا فِيِهَا َفإِن لّ مْ َيعَْتزِلُوكُ مْ َويُ ْلقُوْا ِإلَيْكُ مُ ال سّ َلمَ َوَيكُ ّف َواْ‬
‫ث ثِ ِقفْتُمُوهُ ْم َوأُ ْولَ ـِئكُ ْم َجعَلْنَا َلكُ مْ‬
‫خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُ ْم حَيْ ُ‬
‫َأيْ ِدَيهُ ْم فَ ُ‬
‫ِنـ أَن َيقُْتلَ مُ ْؤمِنا إِل خَطَئا‬
‫َانـ لِ ُم ْؤم ٍ‬
‫سـلْطَانا مّبِينا (‪ )91‬وَمَا ك َ‬
‫ِمـ ُ‬
‫عَلَ ْيه ْ‬
‫حرِيرُ َرقََبةٍ ّم ْؤمَِنةٍ َو ِديَ ٌة مّ سَلّ َم ٌة ِإلَى َأهْلِ ِه إِل أَن‬
‫وَمَن قََت َل ُمؤْمِنا خَطَئا فَتَ ْ‬
‫حرِيرُ َرقََب ٍة مّ ْؤمَِنةٍ َوإِن‬
‫ص ّدقُوْا َفإِن كَا َن مِن َقوْمٍ َعدُ ّو ّلكُمْ َو ُهوَ ْم ْؤمِنٌ فََت ْ‬
‫يَ ّ‬
‫حرِيرُ َرقََبةٍ‬
‫ق َف ِديَ ٌة مّ سَلّ َم ٌة ِإلَى َأهْلِ ِه وَتَ ْ‬
‫كَا َن مِن َقوْ ٍم بَيْنَكُ مْ َوبَيَْنهُ ْم مّيثَا ٌ‬
‫ج ْد فَ صِيَا ُم شَ ْه َريْ نِ مُتَتَاِبعَيْ ِن َتوَْب ًة مّ نَ اللّ هِ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫مّ ْؤمَِنةً فَمَن لّ ْم يَ ِ‬
‫جزَآؤُهُ َجهَنّ ُم خَالِدا فِيهَا‬
‫عَلِيما َحكِيما (‪َ )92‬ومَن َيقْتُ ْل ُمؤْمِنا مَّتعَمّدا فَ َ‬
‫ب ال ّلهُ عَلَ ْيهِ َوَلعََنهُ َوأَ َع ّد لَهُ َعذَابا َعظِيما (‪. ﴾ )93‬‬
‫وَغَضِ َ‬
‫***‬
‫‪551‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سهُم بِمَا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَمَا َلكُ ْم فِي الْمُنَا ِفقِيَ فِئَتَيْ ِن وَاللّ هُ أَرْكَ َ‬
‫ج َد لَ هُ‬
‫ضلّ اللّ هُ وَمَن يُضْ ِللِ اللّ هُ فَلَن تَ ِ‬
‫كَ سَبُوْا أَُترِيدُو نَ أَن َت ْهدُوْا مَ ْن أَ َ‬
‫خذُواْ‬
‫ل تَتّ ِ‬
‫سَبِيلً (‪َ )88‬ودّوْا َلوْ َت ْكفُرُو نَ كَمَا َك َفرُوْا فََتكُونُو نَ َسوَاء َف َ‬
‫خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُ مْ‬
‫مِ ْنهُ ْم َأوْلِيَاء حَّتىَ ُيهَا ِجرُوْا فِي سَبِي ِل اللّ ِه َفإِن تَ َوّلوْْا فَ ُ‬
‫خذُوْا مِ ْنهُ مْ َولِيّا َو َل نَصـِيا (‪ )89‬إِل الّذِينَـ‬
‫حَيْثُـ َوجَدتّمُوهُ مْ َولَ تَتّ ِ‬
‫صدُورُ ُهمْ‬
‫صرَتْ ُ‬
‫ق َأوْ جَآؤُوكُ ْم حَ ِ‬
‫يَ صِلُونَ ِإَلىَ َقوْ ٍم بَيَْنكُ مْ َوبَيْنَهُم مّيثَا ٌ‬
‫أَن يُقَاتِلُوكُمْ َأ ْو ُيقَاتِلُوْا َقوْ َمهُ ْم َولَ ْو شَاء اللّ ُه لَسَلّ َطهُمْ عَلَ ْيكُ ْم فَ َلقَاتَلُوكُ مْ‬
‫َفإِ نِ اعَْت َزلُوكُ مْ فَلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ مْ َوَألْ َق ْواْ ِإلَ ْيكُ ُم ال سّ َل َم فَمَا جَ َعلَ اللّ ُه لَكُ مْ‬
‫عَلَ ْي ِه ْم سَبِيلً (‪. ﴾ )90‬‬
‫عن زيد بن ثابت قال ‪ :‬ذكروا النافقي عند رسول ال فقال فريق‬
‫‪ :‬نقتلهم ‪ ،‬وقال فريق ‪ :‬ل نقتلهم ‪ ،‬فأنزل ال تبارك وتعال ‪َ ﴿ :‬فمَا َلكُمْ‬
‫سهُم‬‫فِي الْ ُمنَاِفقِيَ ِفَئَتيْنِ ﴾ إل آخر الية ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَاللّهُ أَرْكَ َ‬
‫سبُواْ ﴾ أرداهم ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬أهلكهم با عملوا ‪َ ﴿ .‬أتُرِيدُو نَ أَن‬ ‫بِمَا كَ َ‬
‫جدَ لَ هُ َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طريقًا‬‫َتهْدُوْا مَ نْ أَضَلّ اللّ ُه وَمَن ُيضْلِلِ اللّ هُ َفلَن تَ ِ‬
‫إل الق ‪.‬‬
‫سـوَاء َفلَ‬
‫ُونـ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَدّواْ َلوْ َت ْكفُر َ‬
‫ُونـ كَمَا َكفَرُواْ َفَتكُون َ‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ فَإِن َتوَلّ ْواْ فَخُذُوه ْ‬
‫سـبِيلِ الل ِ‬
‫ُمـ َأوْلِيَاء َحّتىَ ُيهَاجِرُواْ ف ِي َ‬
‫َتتّخِذُواْ ِمْنه ْ‬
‫ث وَجَدتّمُوهُ ْم وَ َل َتتّخِذُواْ ِمْنهُ ْم وَِليّا وَلَ نَ صِيا ﴾ ‪ .‬قال‬‫وَاقْتُلُوهُ مْ َحيْ ُ‬
‫السدي ‪ :‬إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتوهم ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪552‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِل الّذِي َن يَ صِلُونَ إَِلىَ َقوْ ٍم َبيَْنكُ ْم َوَبْيَنهُم مّيثَا قٌ ﴾ ‪،‬‬
‫قال السدي ‪ :‬فإن أحد منهم دخل ف قوم بينكم وبينهم ميثاق ‪ ،‬فأجروا‬
‫عليه مثل ما ترون على أهل الذمة ‪.‬‬
‫ُمـ َأوْ‬
‫صـدُو ُرهُمْ أَن يُقَاتِلُوك ْ‬
‫َصـرَتْ ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوْ جَآؤُوك ْ‬
‫ُمـ ح ِ‬
‫ُيقَاتِلُواْ َق ْو َمهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬معناه ‪ :‬أو جاءو كم قد ح صرت صدورهم ‪ .‬قال‬
‫ـم ‪ ﴿ .‬حَص ـِرَتْ ص ـُدُو ُرهُمْ‬ ‫ـدي ‪ :‬يقول ‪ :‬رجعوا فدخلوا فيكـ‬
‫السـ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ‪.‬‬
‫ـ‬
‫ـ فَإِن ِ‬
‫ـ َفَلقَاتَلُوكُم ْ‬
‫ـلّ َطهُ ْم عََلْيكُم ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ شَاء اللّه ُ‬
‫ـ لَس َ‬
‫ا ْعتَزَلُوكُ مْ فََل ْم ُيقَاتِلُوكُ مْ َوأَلْ َق ْواْ إَِلْيكُ ُم ال سّلَمَ فَمَا َجعَلَ اللّ هُ َلكُ ْم عََلْيهِ ْم‬
‫َسبِيلً ﴾ عن الربيع ‪ ﴿ :‬فَإِ ِن اعْتَزَلُوكُ مْ َفلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ ْم َوأَلْ َق ْواْ إَِلْيكُ ُم ال سّلَمَ‬
‫﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬الصـلح ‪ .‬وفـ صـحيح البخاري فـ قصـة صـلح الديبيـة ‪:‬‬
‫( فكان من أ حب أن يد خل ف صلح قر يش وعهد هم ‪ ،‬و من أ حب أن‬
‫يدخل ف صلح ممد وأصحابه وعهدهم ) ‪.‬‬
‫جدُونَ آ َخرِي َن ُيرِيدُو نَ أَن َي ْأمَنُوكُ ْم َويَ ْأمَنُواْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬سَتَ ِ‬
‫َقوْ َمهُ مْ ُك ّل مَا ُر ّدوَْا ِإلَى الْفِتِْن ِة أُرْكِ سُوْا فِيِهَا َفإِن لّ مْ َيعَْت ِزلُوكُ ْم وَيُ ْلقُواْ‬
‫ُمـ‬
‫ْثـ ِث ِقفْتُمُوه ْ‬
‫ُمـ حَي ُ‬
‫ُمـ وَاقْتُلُوه ْ‬
‫خذُوه ْ‬
‫ُمـ فَ ُ‬
‫السـَلمَ َوَيكُ ّف َواْ َأْيدَِيه ْ‬
‫ُمـ ّ‬‫ِإلَيْك ُ‬
‫وَُأ ْولَـئِ ُك ْم جَعَلْنَا لَ ُكمْ عَلَ ْي ِه ْم سُلْطَانا مّبِينا (‪. ﴾ )91‬‬
‫ُمـ ﴾ قال ‪ :‬ناس‬
‫ُمـ َويَ ْأ َمنُواْ َق ْو َمه ْ‬
‫ُونـأَن َي ْأمَنُوك ْ‬
‫عـن ماهـد ‪ ﴿ :‬يُرِيد َ‬
‫كانوا يأتون ال نب في سلمون رياء ‪ ،‬فيجعون إل قر يش فيتك سون ف‬
‫‪553‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا هـا هنـا ‪ ،‬وهـا هنـا ‪ ،‬فأمـر بقتالمـ إن ل‬
‫يعتزلوا ويصلحوا ‪.‬‬
‫سـلْطَانا ّمبِينا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ِمـ ُ‬ ‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وُأوْلَــئِكُمْ َجعَلْنَا َلك ْ‬
‫ُمـ عََلْيه ْ‬
‫حجة ظاهرة ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬ما كان ف القرآن من سلطان فهو حجة ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا كَا َن لِ ُم ْؤمِ نٍ أَن َيقُْت َل مُ ْؤمِنا إِل خَطَئا وَمَن‬
‫ـ إِل أَن‬
‫حرِيرُ َرقََب ٍة ّمؤْمَِن ٍة وَ ِدَيةٌ مّســَلّ َمةٌ إِلَى َأهْلِهـ ِ‬
‫قََتلَ ُم ْؤمِنا خَطَئا فَتَ ْ‬
‫حرِيرُ َرقََب ٍة مّ ْؤمَِنةٍ َوإِن‬
‫ص ّدقُوْا َفإِن كَا َن مِن َقوْمٍ َعدُ ّو ّلكُمْ َو ُهوَ ْم ْؤمِنٌ فََت ْ‬
‫يَ ّ‬
‫حرِيرُ َرقََبةٍ‬
‫ق َف ِديَ ٌة مّ سَلّ َم ٌة ِإلَى َأهْلِ ِه وَتَ ْ‬
‫كَا َن مِن َقوْ ٍم بَيْنَكُ مْ َوبَيَْنهُ ْم مّيثَا ٌ‬
‫ج ْد فَ صِيَا ُم شَ ْه َريْ نِ مُتَتَاِبعَيْ ِن َتوَْب ًة مّ نَ اللّ هِ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫مّ ْؤمَِنةً فَمَن لّ ْم يَ ِ‬
‫جزَآؤُهُ َجهَنّ ُم خَالِدا فِيهَا‬
‫عَلِيما َحكِيما (‪َ )92‬ومَن َيقْتُ ْل ُمؤْمِنا مَّتعَمّدا فَ َ‬
‫ب ال ّلهُ عَلَ ْيهِ َوَلعََنهُ َوأَ َع ّد لَهُ َعذَابا َعظِيما (‪. ﴾ )93‬‬
‫وَغَضِ َ‬
‫ـ أَن َي ْقتُ َل ُم ْؤمِنا إِل خَطَئا‬ ‫عـن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَمَـا كَان َ‬
‫ـ لِ ُم ْؤمِن ٍ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد ال الذي عهد إليه ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬وأمـا قوله ‪ ﴿ :‬إِل خَطَئا ﴾ فإنـه يقول ‪ :‬إل أن‬
‫الؤمن قد يقتل الؤمن خطأ ‪ ،‬وليس له ما جعل ربه ‪ ،‬وهذا من الستثناء‬
‫الذي تسميه أهل العربية ‪ :‬الستثناء النقطع ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬كان الارث‬
‫بن يزيد بن نبيشة من بن عامر بن لؤي ‪ ،‬يعذب عياش بن أب ربيعة مع‬
‫أ ب ج هل ‪ ،‬ث خرج الارث بن يز يد مهاجرًا إل ال نب ‪ ،‬فلق يه عياش‬
‫بالرة ‪ ،‬فعله بالسيف حت سكت ‪ ،‬وهو يسب أنه كافر ‪ ،‬ث جاء إل‬
‫الزء الول‬ ‫‪554‬‬

‫النب فأخب ‪ ،‬ونزلت ‪َ ﴿ :‬ومَا كَا نَ ِل ُم ْؤمِ نٍ أَن َي ْقتُ َل ُم ْؤمِنا إِل خَطَئا ﴾‬
‫الية ‪ ،‬فقرأها عليه ث قال ‪ « :‬قم فحرر » ‪.‬‬
‫وقال الشعـب فـ قوله ‪َ ﴿ :‬فتَحْرِيرُ رََقَب ٍة ّمؤْ ِمَنةٍ ﴾ قال ‪ :‬قـد صـلّت‬
‫وعرفت اليان ‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬كل رقبة ولدت ف السلم فهي تزي ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأما الدية السلمة إل أهل القتيل فهي الدفوعة إليهم‬
‫على ما وجب لم ‪ ،‬موفرة غي منقصة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن كَا نَ مِن َقوْ ٍم عَ ُدوّ ّلكُ ْم َو ُه َو ْم ْؤمِ نٌ َفتَ ْ‬
‫حرِيرُ رََقَبةٍ‬
‫ّم ْؤمَِنةٍ ﴾ ‪ .‬قال إبراه يم ‪ :‬هو الر جل ي سلم ف دار الرب فيق تل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ليس فيه دية وفيه الكفارة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن كَا نَ مِن َقوْ ٍم َبْينَكُ ْم َوَبيَْنهُ ْم مّيثَا قٌ َف ِدَيةٌ مّ سَلّ َمةٌ‬
‫حرِيرُ رََقَب ٍة ّم ْؤ ِمنَةً ﴾ ‪ .‬قال إبراهيـم ‪ :‬هذا الرجـل السـلم ‪،‬‬
‫ِهـ َوتَ ْ‬
‫إِلَى َأهْل ِ‬
‫وقومه مشركون لم عقد ‪ ،‬فتكن ديته لقومه ‪ ،‬ومياثه للمسلمي ‪ ،‬ويعقل‬
‫عنـه قومـه ولمـ ديتـه ‪ .‬وقال ابـن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬إذا كان كافرًا فـ‬
‫ذمتكـم ‪ ،‬فعلى قاتله الديـة ‪ ،‬م سلمة إل أهله ‪ ،‬وتريـر رقبـة مؤمنـة ‪ ،‬أو‬
‫صيام شهرين متتابعي ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِن كَانَ مِن َقوْ ٍم َبيَْنكُ ْم َوَبْيَنهُ ْم مّيثَاقٌ ﴾‬
‫اليـة ‪ ،‬أي ‪ :‬فإن كان القتيـل أولياؤه أهـل ذمـة ‪ ،‬أو هدنـة ‪ ،‬فلهـم ديـة‬
‫قتلهـم ‪ ،‬فإن كان مؤمن ًا فديـة كاملة ‪ ،‬وكذا إن كان كافرًا أيض ًا عنـد‬
‫طائ فة من العلماء ‪ .‬وق يل ‪ :‬ي ب ف الكا فر ن صف د ية ال سلم ‪ ،‬وق يل ‪:‬‬
‫ثلثها ‪ .‬ويب أيضًا على القاتل ترير رقبة مؤمنة ‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن لّ ْم يَجِدْ فَ ِ‬


‫صيَامُ َشهْ َريْ ِن ُمتَتَاِبعَيْ ِن َت ْوَبةً مّ نَ اللّ هِ‬
‫وَكَانَ اللّ ُه عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ ﴿ :‬فَمَن لّ ْم يَجِدْ فَ ِ‬
‫صيَا ُم َشهْ َريْ ِن ُمتَتَاِبعَيْ نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫إفطار بينه ما بل ي سرد صومهما إل آخره ا ‪ ،‬فإن أف طر من غ ي عذر‬
‫استأنف ‪.‬‬
‫ّهـ عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذه‬
‫َانـ الل ُ‬
‫ّهـ وَك َ‬ ‫وقوله ‪َ ﴿ :‬توَْب ًة م َ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫التوبة القاتل خطأ ‪ ،‬إذ ل يد العتق صام شهرين متتابعي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن َي ْقتُلْ ُمؤْمِنا ّمتَعَمّدا َفجَزَآؤُ هُ َج َهنّ مُ خَالِدا فِيهَا‬
‫َوغَضِ بَ اللّ ُه عََليْ ِه وََلعَنَ هُ َوَأعَدّ لَ هُ عَذَابا عَظِيما ﴾ ‪ .‬قال عطاء ‪ :‬الع مد‬
‫السلح ‪ .‬وقال إبراهيم ‪ :‬إذا خنقه ببل حت يوت ‪ ،‬أو ضربه بشبة حت‬
‫يوت فهو القود ‪ .‬وقال طاوس ‪ :‬من قتل ف عصبية ف رمي يكون منهم‬
‫ب بالعصيّ ‪ ،‬فهو خطأ ديته دية الطأ ‪،‬‬ ‫بجارة ‪ ،‬أو جلد بالسياط أو ضر ٍ‬
‫ومن قتل عمدًا فهو قود يديه ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬أكب الكبائر الِشراك بال‬
‫‪ ،‬وق تل الن فس ال ت حرم ال ‪ ،‬لن ال سبحانه يقول ‪َ ﴿ :‬فجَزَآؤُ هُ َج َهنّ مُ‬
‫خَالِدا فِيهَا َو َغضِ بَ اللّ ُه عََليْ هِ وََلعَنَ ُه َوأَعَدّ لَ ُه عَذَابا عَظِيما ﴾ ‪ .‬وقال أبو‬
‫صـال فـ قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن َي ْقتُلْ ُم ْؤمِنا ّمَتعَمّدا َفجَزَآؤُهُـ َج َهنّمُـ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫جزاؤه أن جازاه خلّده ف النار ‪ ،‬وإن شاء غ فر له ‪ .‬و قد قال ال تعال ‪:‬‬
‫﴿ ِإنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْ َركَ بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال الش يخ ا بن سعدي ‪ ( :‬وأح سن ما يقال أن ذ كر اللود على‬
‫بعض الذنوب الت دون الشرك والكفر ‪ ،‬أنا من باب ذكر السبب ‪ ،‬وأنا‬
‫سبب للود ف النار لشفاعتها ‪ ،‬وأنا بذاتا توجب اللود إذا ل ينع من‬
‫الزء الول‬ ‫‪556‬‬

‫اللود ما نع ‪ ،‬ومعلوم بالضرورة من د ين الِ سلم ‪ ،‬أن الِيان ما نع من‬


‫اللود ‪ ،‬فتنل هذه النصـوص على الصـل الشهور ‪ ،‬وهـو أنـه ل تتـم‬
‫الحكام إل بوجوب شروطها وأسبابا وانتفاء موانعها ‪ ،‬وهذا واضح ول‬
‫المد ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬فهذه ال ية عا مة ف ج يع الذنوب ما عدا الشرك ‪،‬‬
‫وهي مذكورة ف هذه السورة الكرية بعد هذه الية وقبلها لتقوية الرجاء‬
‫‪ .‬وال أعلم ‪ .‬وث بت ف ال صحيحي ‪ ( :‬خب ال سرائيلي الذي ق تل مائة‬
‫نفس ث سأل عالًا ‪ :‬هل ل من توبة ؟ فقال ‪ :‬ومن يول بينك وبي التوبة‬
‫؟ ث أرشده إل بلد يعبد ال فيه ‪ ،‬فهاجر إليه فمات ف الطريق ‪ ،‬فقبضته‬
‫ملئكة الرحة ) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واختلف الئمـة ‪ :‬هـل تبـ عليـه كفارة ؟ على قوليـ ‪:‬‬
‫فالشاف عي وأ صحابه وطائ فة من العلماء يقولون ‪ :‬ن عم ؛ ل نه إذا وج بت‬
‫عليه الكفارة ف الطأ ‪ ،‬فلن تب عليه ف العمد أول ‪ .‬وقال أصحاب‬
‫المام أح د وآخرون ‪ :‬قتل الع مد أع ظم من أن يك فر ‪ ،‬فل كفارة ف يه ‪.‬‬
‫و قد احتج من ذهب إل وجوب الكفارة ف قتل العمد ‪ ،‬با رواه المام‬
‫أحد عن واثلة بن السقع قال ‪ :‬أتى النب نفر من بن سليم فقالوا ‪ :‬إن‬
‫صاحبًا لنا قد أوجب ‪ .‬قال ‪ « :‬فليعتق رقبة ‪ ،‬يفدي ال بكل عضو منها‬
‫عضو منه من النار » ‪ .‬وف رواية أب داود ‪ :‬أتينا رسول ال ف صاحب‬
‫ل نا قد أو جب ‪ -‬يع ن النار بالق تل ‪ . -‬فقال ‪ « :‬أعتقوا ع نه ‪ ،‬يع تق ال‬
‫بكل عضو منه عضوًا من النار » انتهى ملخصًا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫‪557‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثالث والستون‬

‫ض َربْتُ مْ فِي سَبِي ِل اللّ هِ فَتَبَيّنُوْا وَ َل َتقُولُواْ‬


‫﴿ يَا أَيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ ِإذَا َ‬
‫ض الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفعِندَ‬
‫ت ُم ْؤمِنا تَبَْتغُو نَ َعرَ َ‬
‫ل َم لَ سْ َ‬
‫لِمَ ْن َأْلقَى ِإلَ ْيكُ مُ ال سّ َ‬
‫يةٌ َك َذلِ كَ كُنتُم مّن قَ ْب ُل فَ َمنّ اللّ هُ عَلَ ْيكُ ْم فَتَبَيّنُواْ إِنّ اللّ هَ‬
‫اللّ ِه َمغَانِ مُ َكثِ َ‬
‫كَا َن بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيا (‪ )94‬ل يَ سَْتوِي اْلقَا ِعدُو َن مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ غَ ْيرُ‬
‫ض َل اللّ هُ‬
‫س ِهمْ فَ ّ‬
‫ضرَ ِر وَالْمُجَا ِهدُو نَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه ِبَأمْوَاِلهِ ْم َوأَنفُ ِ‬
‫أُ ْولِي ال ّ‬
‫ل وَ َع َد اللّ هُ‬
‫الْمُجَاهِدِي نَ ِبَأمْوَالِهِ ْم وَأَنفُ سِ ِهمْ عَلَى اْلقَا ِعدِي َن دَ َرجَ ًة وَكُـ ّ‬
‫ِينـ َأجْرا عَظِيما (‪)95‬‬
‫ِينـ عَلَى اْلقَا ِعد َ‬
‫ّهـ الْمُجَا ِهد َ‬
‫ض َل الل ُ‬
‫ُسـنَى َوفَ ّ‬
‫الْح ْ‬
‫دَ َرجَا تٍ مّنْ ُه َومَ ْغ ِف َرةً وَ َرحْ َمةً وَكَا َن اللّ هُ َغفُورا ّرحِيما (‪ )96‬إِنّ اّلذِي نَ‬
‫ضعَفِيَ‬
‫س ِهمْ قَالُوْا فِي مَ كُنتُ مْ قَالُواْ كُنّا مُ سْتَ ْ‬
‫تَ َوفّاهُ مُ الْمَلئِ َكةُ ظَالِمِي أَْنفُ ِ‬
‫ض اللّ هِ وَا ِس َعةً فَُتهَا ِجرُوْا فِيهَا َفأُ ْولَ ـئِكَ‬
‫ض قَاْل َواْ َألَ ْم تَكُ نْ أَرْ ُ‬
‫فِي الَرْ ِ‬
‫ِنـ ال ّرجَالِ‬
‫ضعَفِيَ م َ‬
‫ُسـتَ ْ‬
‫ت مَصـِيا (‪ )97‬إِل الْم ْ‬
‫ّمـ وَسـَاء ْ‬
‫ُمـ َجهَن ُ‬
‫َمأْوَاه ْ‬
‫ـبِيلً (‪)98‬‬
‫ـس َ‬
‫ـتَطِيعُو َن حِي َلةً َولَ َيهَْتدُون َ‬
‫ـ َل يَس ْ‬
‫وَالنّسـَاء وَالْ ِوْلدَان ِ‬
‫َفأُ ْولَـِئكَ عَ سَى اللّ ُه أَن َيعْ ُفوَ عَ ْنهُ مْ وَكَا َن اللّ هُ َعفُوّا َغفُورا (‪َ )99‬ومَن‬
‫خرُ جْ‬
‫ض ُمرَاغَما كَثِيا وَ َس َعةً َومَن يَ ْ‬
‫جدْ فِي الَرْ ِ‬
‫ُيهَا ِجرْ فِي سَبِي ِل اللّ ِه يَ ِ‬
‫ت َفقَ ْد َوقَ َع َأجْرُهُ عَلى‬
‫مِن بَيْتِ ِه ُمهَاجِرا ِإلَى اللّ ِه وَرَسُوِلهِ ُثمّ يُدْرِكْ ُه الْ َموْ ُ‬
‫اللّ ِه وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )100‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪558‬‬

‫ضرَبْتُ مْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا ِإذَا َ‬
‫ت ُم ْؤمِنا تَبَْتغُو نَ َعرَ ضَ‬
‫فَتَبَيّنُواْ َولَ َتقُولُواْ لِمَ ْن َألْقَى إِلَ ْيكُ مُ ال سّلَ َم لَ سْ َ‬
‫يةٌ َك َذلِ كَ كُنتُم مّنـ قَ ْبلُ فَمَنّ اللّ هُ‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفعِندَ اللّ هِ َمغَانِمُـ كَِث َ‬
‫عَلَ ْي ُكمْ فَتَبَيّنُوْا إِ ّن اللّهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيا (‪. ﴾ )94‬‬
‫عن ا بن عباس قال ‪ :‬ل ق ناس من الناس رجلً ف غني مة له فقال ‪:‬‬
‫السـلم عليكـم فقتلوه وأخذوا تلك الغنيمـة ‪ ،‬فنلت هذه اليـة ‪ ﴿ :‬وَلَ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا‬
‫ض الْ َ‬
‫ستَ ُمؤْمِنا تَْبَتغُو نَ عَرَ َ‬
‫لمَ لَ ْ‬
‫سَ‬‫َتقُولُواْ ِلمَ نْ أَلْقَى إَِليْكُ ُم ال ّ‬
‫﴾ ‪ ،‬تلك الغنيمة ‪.‬‬
‫وقال سـعيد بـن جـبي فـ قوله ‪ ﴿ :‬كَذَل َ‬
‫ِكـ كُنت ُم مّنـ َقبْلُ ﴾ ‪،‬‬
‫تستخفون بإيانكم كما استخفى هذا الرعي بإيانه ‪َ ﴿ ،‬فمَنّ اللّ ُه عََلْيكُ مْ‬
‫﴾ ‪ ،‬فأظ هر الِ سلم ‪َ ﴿ ،‬فَتبَّينُواْ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول ‪ :‬فتأنّوا ف‬
‫قتل من أشكل عليكم أمره ‪ ،‬فلم تعلموا حقيقة إسلمه ول كفره ‪.‬‬
‫ـوِي اْلقَا ِعدُو نَ مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ غَ ْي ُر ُأوْلِي‬
‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬ل يَس َْت‬
‫ّهـ‬
‫ضلَ الل ُ‬
‫ُسـهِ ْم فَ ّ‬
‫ِمـ َوأَنف ِ‬
‫ّهـ بَِأ ْموَاِله ْ‬
‫سـبِي ِل الل ِ‬
‫ُونـ فِي َ‬
‫الضّرَ ِر وَالْمُجَاهِد َ‬
‫ل وَ َع َد اللّ هُ‬
‫الْمُجَاهِدِي نَ ِبَأمْوَالِهِ ْم وَأَنفُ سِ ِهمْ عَلَى اْلقَا ِعدِي َن دَ َرجَ ًة وَكُـ ّ‬
‫ِينـ َأجْرا عَظِيما (‪)95‬‬
‫ِينـ عَلَى اْلقَا ِعد َ‬
‫ّهـ الْمُجَا ِهد َ‬
‫ض َل الل ُ‬
‫ُسـنَى َوفَ ّ‬
‫الْح ْ‬
‫دَ َرجَاتٍ مّ ْن ُه َومَ ْغ ِف َرةً وَ َرحْ َمةً وَكَا َن ال ّلهُ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )96‬‬
‫عن زيد بن ثابت ‪ :‬أن رسول ال أنزل عليه ‪ [ :‬ل يستوي القاعدون‬
‫من الؤمني والجاهدون ف سبيل اللّه ] ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاء ابن أم مكتوم وهو‬
‫يليها عل يّ فقال ‪ :‬يا رسول ال لو أستطيع الهاد لاهدت ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنزل‬
‫‪559‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عل يه ‪ ،‬وفخذه على فخذي فثقلت ‪ ،‬فظن نت أن تر ضّ فخذي ‪ ،‬ث سرّي‬


‫عنه فقال ‪ ﴿ :‬غَيْرُ ُأوْلِي الضّ َررِ ﴾ ‪ ،‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫ـهِ ْم عَلَى‬
‫ـ َوأَنفُس ِ‬
‫ـ ِبَأمْوَاِلهِم ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فضّلَ اللّه ُ‬
‫ـ الْ ُمجَاهِدِين َ‬
‫ل َوعَدَ‬
‫الْقَاعِدِي نَ دَ َر َجةً ﴾ ‪ ،‬قال ا بن جر يج ‪ :‬على أ هل الضرر ‪ ﴿ ،‬وَ ُك ّ‬
‫سنَى ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬هي ‪ :‬ال نة ‪ ﴿ ،‬وََفضّلَ اللّ هُ الْمُجَاهِدِي نَ‬ ‫اللّ ُه الْحُ ْ‬
‫ّهـ‬
‫َانـ الل ُ‬
‫ْهـ َو َمغْفِ َر ًة وَرَ ْح َم ًة وَك َ‬
‫َاتـ ّمن ُ‬
‫ِينـ أَجْرا عَظِيما * َدرَج ٍ‬
‫عَلَى اْلقَاعِد َ‬
‫َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪ .‬ف ال صحيحي عن أ ب سعيد الدري أن ر سول ال‬
‫قال ‪ « :‬إن ف النة مائة درجة أعدها ال للمجاهدين ف سبيله ‪ ،‬ما بي‬
‫كل درجتي كما بي السماء والرض » ‪.‬‬
‫سهِ ْم قَالُواْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي َن تَ َوفّاهُ ُم الْمَلِئكَةُ ظَالِمِي أَْنفُ ِ‬
‫ض اللّ هِ‬
‫ض قَاْلوَْا َألَ ْم َتكُ ْن أَرْ ُ‬
‫ي فِي الَرْ ِ‬
‫ضعَفِ َ‬
‫فِي مَ كُنتُ مْ قَالُواْ كُنّ ا مُ سْتَ ْ‬
‫ك َمأْوَاهُ مْ َجهَنّ ُم وَ سَاءتْ مَ صِيا (‪)97‬‬
‫وَا ِس َعةً فَُتهَاجِرُواْ فِيهَا َفُأوْلَ ـئِ َ‬
‫ضعَفِيَ مِ َن الرّجَا ِل وَالنّ سَاء وَاْل ِولْدَا ِن لَ يَ سْتَطِيعُونَ حِيلَ ًة َولَ‬
‫إِل الْمُ سْتَ ْ‬
‫َيهْتَدُو نَ سَبِيلً (‪َ )98‬فأُ ْولَ ـِئكَ عَ سَى اللّ ُه أَن َيعْ ُفوَ عَ ْنهُ مْ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫جدْ فِي الَرْ ضِ مُرَاغَما‬
‫َع ُفوّا َغفُورا (‪َ )99‬ومَن ُيهَا ِج ْر فِي سَبِيلِ اللّ ِه يَ ِ‬
‫ج مِن بَيْتِ ِه ُمهَاجِرا ِإلَى اللّ ِه وَرَ سُوِلهِ ثُمّ يُدْرِكْ هُ‬
‫خرُ ْ‬
‫كَثِيا وَ سَ َعةً وَمَن يَ ْ‬
‫الْمَ ْوتُ فَ َق ْد َوقَعَ أَ ْج ُرهُ عَلى ال ّل ِه وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )100‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كان قوم من أهل مكة أسلموا ‪ ،‬وكانوا يستخفون‬
‫بالسلم ‪ ،‬فأخرجهم الشركون يوم بدر معهم ‪ ،‬فأصيب بعضهم ‪ ،‬فقال‬
‫السـلمون ‪ :‬كانوا أ صحابنا هؤلء م سلمي وأكرهوا ‪ ،‬فاسـتغفروا لمـ ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪560‬‬

‫فنلت ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن َتوَفّاهُ مُ الْمَلِئ َكةُ ظَالِمِي َأْنفُ سِهِمْ قَالُواْ فِي مَ كُنتُ مْ‬
‫﴾ الية ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬كنت أنا وأمي من عذر ال ) ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ثـ نسـخ ذلك بعـد فتـح مكـة ‪ ،‬فقال النـب ‪ « :‬ل‬
‫هجرة بعد الفتح » ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬هذه الية الكرية عامة ف كل من أقام بي ظهران‬
‫الشركي ‪ ،‬وهو قادر على الجرة ‪ ،‬وليس متمكنًا من إقامة الدين ‪ ،‬فهو‬
‫ظال لنفسه مرتكب حرامًا بالجاع ‪ ،‬ونص هذه الية ‪.‬‬
‫ض مُرَاغَما‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن ُيهَا ِجرْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه يَ ِ‬
‫جدْ فِي الَرْ ِ‬
‫ج مِن بَْيتِ هِ ُمهَاجِرا إِلَى اللّ هِ وَرَ سُولِ ِه ثُمّ يُ ْدرِكْ ُه‬
‫خرُ ْ‬
‫َكثِيا وَ سَ َع ًة وَمَن يَ ْ‬
‫الْ َموْتُ َف َق ْد وَقَعَ أَجْرُ ُه عَلى اللّ ِه وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫لاـ أنزل ال هؤلء اليات ‪ ،‬ورجـل مـن الؤمنيـ يقال له ضمرة بكـة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬وال إن ل من الال ما يبلغن الدينة وأبعد منها ‪ ،‬وأن لهتدي ‪،‬‬
‫أخرجو ن ‪ -‬و هو مر يض حينئذٍ ‪ -‬فل ما جاوز الحرم قب ضه ال فمات ‪،‬‬
‫ج مِن َبيْتِ ِه ُمهَاجِرا إِلَى اللّهِ ﴾ الية‬ ‫فأنزل ال تبارك وتعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يَخْ ُر ْ‬
‫‪ ،‬وقال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬مُرَاغَما َكثِيا ﴾ ‪ ،‬الرا غم ‪ :‬التحول من‬
‫أرض إل أرض ‪ ،‬وقال ماهـد ‪ :‬متزحزحًا عمـا يكره ‪ ،‬وقال السـدي ‪:‬‬
‫ض مُرَاغَما َكثِيا وَ َس َعةً ﴾‬ ‫جدْ فِي الَرْ ِ‬ ‫مبتغي للمعيشة ‪ ،‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬يَ ِ‬
‫أي ‪ :‬وال ‪ ،‬من الضللة إل الدى ‪ ،‬ومن العيلة إل الغن ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وقال أ بو عبيدة ‪ :‬الرا غم ‪ :‬الها جر ‪ ،‬يقال ‪ :‬راغ مت‬
‫قومـي وهاجرتـ ‪ ،‬وهـو الضطرب والذهـب ‪ ،‬قيـل ‪ :‬سـيت الهاجرة ‪:‬‬
‫‪561‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مراغ مة ؛ لن من يها جر يرا غم قو مه ‪ ﴿ ،‬وَ َسعَةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الرزق ‪.‬‬


‫وبال التوفيق ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪562‬‬

‫الدرس الرابع والستون‬

‫صرُوْا مِ نَ‬
‫ح أَن َتقْ ُ‬
‫ض فَلَيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ‬
‫ض َربْتُ ْم فِي الَرْ ِ‬
‫﴿ َوِإذَا َ‬
‫لةِ إِنْ ِخفْتُمْ أَن َيفْتَِنكُمُ اّلذِينَ َك َفرُواْ إِنّ اْلكَا ِفرِينَ كَانُوْا لَكُمْ َع ُدوّا‬
‫الصّ َ‬
‫ل َة فَلَْتقُ مْ طَآِئ َفةٌ مّنْهُم‬
‫ت َلهُ ُم ال صّ َ‬
‫مّبِينا (‪َ )101‬وِإذَا كُن تَ فِيهِ ْم َفَأقَمْ َ‬
‫جدُواْ فَلَْيكُونُواْ مِن وَرَآِئكُ ْم َولْتَأْ تِ‬
‫ك وَلَْي ْأخُذُواْ أَ سْلِحََت ُهمْ َفِإذَا سَ َ‬
‫ّمعَ َ‬
‫ك وَلَْي ْأخُذُواْ ِحذْ َرهُمْ َوأَسْلِحََت ُه ْم َودّ‬
‫طَآِئفَ ٌة ُأخْرَى لَ ْم يُصَلّواْ فَلْيُصَلّواْ َمعَ َ‬
‫الّذِي نَ َك َفرُواْ َلوْ َت ْغفُلُو نَ عَ نْ أَ سْلِحَِت ُكمْ وََأمِْتعَتِكُ مْ فَيَمِيلُو نَ عَلَ ْيكُم مّيْ َلةً‬
‫وَا ِح َدةً َولَ جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ َأذًى مّن مّ َط ٍر َأوْ كُنتُم ّمرْضَى أَن‬
‫ضعُواْ أَ سْلِحََتكُ ْم َوخُذُوْا ِحذْرَكُ ْم إِنّ اللّ َه أَ َع ّد لِلْكَا ِفرِي نَ َعذَابا ّمهِينا (‬
‫تَ َ‬
‫ل َة فَاذْ ُكرُواْ اللّ َه قِيَاما َوقُعُودا وَعَلَى جُنُوبِكُ مْ‬
‫‪َ )102‬فإِذَا قَضَيْتُ مُ ال صّ َ‬
‫لةَ كَانَ تْ َعلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ كِتَابا‬
‫ل َة إِنّ ال صّ َ‬
‫َفإِذَا اطْ َم ْأنَنتُ ْم َفأَقِيمُوْا ال صّ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُونـ َفإِّنه ْ‬
‫ْمـ إِن َتكُونُوْا َت ْألَم َ‬
‫مّ ْوقُوتا (‪ )103‬وَ َل َتهِنُوْا ف ِي ابِْتغَاء الْ َقو ِ‬
‫َيأْلَمُو نَ كَمَا َت ْألَمو نَ َوَترْجُو َن مِ نَ اللّ هِ مَا لَ َي ْرجُو َن وَكَا َن اللّ هُ عَلِيما‬
‫حَكِيما (‪. ﴾ )104‬‬
‫***‬
‫‪563‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ح أَن‬
‫ض فَلَيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ‬
‫ض َربْتُ مْ فِي الَرْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا َ‬
‫ل ِة إِ نْ ِخفْتُ ْم أَن َيفْتِنَكُ مُ اّلذِي نَ َك َفرُوْا إِنّ اْلكَا ِفرِي نَ‬
‫صرُوْا مِ َن ال صّ َ‬
‫َتقْ ُ‬
‫كَانُواْ لَ ُكمْ َع ُدوّا مّبِينا (‪. ﴾ )101‬‬
‫س عََلْيكُ ْم‬
‫عن يعلى بن أم ية قال ‪ :‬قلت لع مر بن الطاب ‪َ ﴿ :‬فَليْ َ‬
‫لةِ إِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَن َي ْفِتنَكُ مُ الّذِي نَ َكفَرُواْ ﴾ و قد‬
‫ُجنَا حٌ أَن َتقْ صُرُوْا مِ َن ال صّ َ‬
‫أمن الناس ! فقال ‪ :‬عجبت ما عجبت حت سألت النب عن ذلك فقال‬
‫‪ « :‬صدقة تصدق ال با عليكم فاقبلوا صدقته » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه‬
‫‪.‬‬
‫وعـن ماهـد عـن أبـ عياش الزرقـي قال ‪ ( :‬كنـا مـع رسـول ال‬
‫بع سفان ‪ ،‬وعلى الشرك ي خالد بن الول يد ‪ ،‬قال ‪ :‬ف صلينا الظ هر ‪ ،‬فقال‬
‫الشركون ‪ :‬كانوا على حال لو أرد نا ل صبنا غرة ل صبنا غفلة ‪ .‬فأنزلت‬
‫آ ية الق صر ب ي الظ هر ‪ ،‬والع صر ‪ ،‬فأ خذ الناس ال سلح و صفوا خلف‬
‫ر سول ال م ستقبلي القبلة ‪ ،‬والشركون م ستقبليهم ‪ ،‬ف كب ر سول ال‬
‫وكبوا جيعًا ‪ ،‬ث ركع وركعوا جيعًا ‪ ،‬ث رفع رأسه ورفعوا جيعًا ‪،‬‬
‫ث سجد و سجد ال صف الذي يل يه وقام الخرون ير سونم ‪ ،‬فل ما فرغ‬
‫هؤلء من سجودهم سجد هؤلء ‪ ،‬ث ن كص ال صف الذي يل يه وتقدم‬
‫الخرون فقاموا ف مقامهم ‪ ،‬فركع رسول ال فركعوا جيعًا ‪ ،‬ث رفع‬
‫رأ سه فرفعوا جيعًا ‪ ،‬ث سجد وسجد الصف الذي يل يه ‪ ،‬وقام الخرون‬
‫ير سونم ‪ ،‬فل ما فرغ هؤلء من سجودهم سجد هؤلء الخرون ‪ ،‬ث‬
‫ا ستووا م عه فقعدوا جيعًا ‪ ،‬ث سلم علي هم جيعًا ‪ ,‬ف صلها بع سفان ‪،‬‬
‫وصلها يوم بن سليم ) ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪564‬‬

‫وعـن ابـن عباس قال ‪ ( :‬فرض ال الصـلة على لسـان نـبيكم عليـه‬
‫السلم ف الضر أربعًا ‪ ،‬وف السفر ركعتي ‪ ،‬وف الوف ركعة ) وقال‬
‫أيضًا ‪ :‬ق صر ال صلة إن لق يت العدو و قد حا نت ال صلة أن ت كب ال ‪،‬‬
‫وتفض رأسك إياء ‪ ،‬راكبًا كنت أو ماشيًا ‪.‬‬
‫ل َة فَلَْتقُ مْ‬
‫ت َلهُ ُم ال صّ َ‬
‫ت فِيهِ ْم َفَأقَمْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا كُن َ‬
‫جدُوْا فَلَْيكُونُوْا مِـن‬
‫سـ َ‬
‫َسـلِحََت ُهمْ َفِإذَا َ‬
‫َكـ َولَْيأْ ُخذُواْ أ ْ‬
‫طَآِئفَ ٌة مّنْهُـم مّع َ‬
‫َكـ َولَْيأْ ُخذُواْ‬
‫ُصـلّوْا َمع َ‬
‫ُصـلّوْا فَلْي َ‬
‫َمـ ي َ‬
‫ْتـ طَآئِ َفةٌ أُ ْخرَى ل ْ‬
‫ُمـ َولَْتأ ِ‬
‫وَرَآِئك ْ‬
‫ـلِحَِت ُكمْ‬
‫ـ أَس ْ‬
‫ـ عَن ْ‬
‫ـ َك َفرُواْ لَ ْو َتغْفُلُون َ‬
‫ـلِحََت ُهمْ َودّ اّلذِين َ‬
‫ـ َوأَس ْ‬
‫حِذْ َرهُم ْ‬
‫وََأمِْتعَتِكُ مْ فَيَمِيلُو نَ عَلَ ْيكُم مّيْ َل ًة وَا ِح َدةً َولَ جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ إِن كَا َن ِبكُ مْ‬
‫ضعُوْا أَ سْلِحََت ُك ْم وَ ُخذُوْا حِذْرَكُ ْم إِنّ‬
‫َأذًى مّن مّ َطرٍ َأوْ كُنتُم ّمرْضَى أَن تَ َ‬
‫ل َة فَاذْ ُكرُواْ‬
‫الصـ َ‬
‫ُمـ ّ‬‫ِينـ َعذَابا ّمهِينا (‪َ )102‬فِإذَا قَضَيْت ُ‬
‫ّهـ أَ َع ّد لِلْكَا ِفر َ‬
‫الل َ‬
‫ل َة إِن ّ‬
‫الصـ َ‬
‫ُمـ َفأَقِيمُواْ ّ‬
‫ُمـ فَِإذَا اطْ َم ْأنَنت ْ‬
‫ّهـ قِيَاما َو ُقعُودا وَعَلَى جُنُوِبك ْ‬
‫الل َ‬
‫لةَ كَانَتْ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ كِتَابا ّم ْوقُوتا (‪. ﴾ )103‬‬
‫الصّ َ‬
‫عن صال بن خوات عمن صلّى مع رسول ال صلة الوف يوم‬
‫ذات الرقاع ‪ ( :‬أن طائفة صلّت مع رسول ال ‪ ،‬وطائفة وجاه العدو ‪،‬‬
‫ف صلّى بالذ ين م عه رك عة ‪ ،‬ث ث بت قائمًا فأتوا لنف سهم ‪ ،‬ث جاءت‬
‫الطائ فة الخرى ف صلّى ب م الرك عة ال ت بق يت ‪ ،‬ث ث بت جال سًا فأتوا‬
‫لنف سهم ) ‪ .‬مت فق عل يه ‪ .‬قال المام أح د ‪ :‬صحّت صلة الوف عن‬
‫النب ست صفات أو سبع ‪ ،‬كلها جائزة ‪ ،‬وكان يعجبه هذا الديث‬
‫لنه موافق للية ‪.‬‬
‫‪565‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صلَةَ فَاذْكُرُواْ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِذَا َق َ‬


‫ضيْتُ ُم ال ّ‬
‫ت عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫صلَةَ كَانَ ْ‬ ‫صلَةَ إِنّ ال ّ‬
‫ُجنُوبِكُ مْ فَإِذَا اطْمَ ْأنَنتُ مْ َفأَقِيمُوْا ال ّ‬
‫لةَ ﴾‬ ‫صَ‬ ‫ِكتَابا ّموْقُوتا ﴾ ‪ .‬عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬فَِإذَا اطْ َمأْنَنتُمْ َفأَقِيمُواْ ال ّ‬
‫ت عَلَى‬ ‫صلَةَ كَانَ ْ‬ ‫قال ‪ :‬أتو ها ‪ .‬و عن عط ية العو ف ف قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ ال ّ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ ِكتَابا ّموْقُوتا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فري ضة مفرو ضة ‪ .‬وقال ا بن م سعود ‪:‬‬
‫إن للصلة وقتًا كوقت الج ‪ .‬وعن أب موسى الشعري عن النب ‪ :‬أن‬
‫سائلً أتاه ف سأله عن مواق يت ال صلة قال ‪ :‬فلم يرد عل يه شيئًا ‪ ،‬ث أ مر‬
‫بللً فأذّن ‪ ،‬ث أمره فأقام الصلة حي انشق الفجر فصلّى ‪ ،‬ث أمره فأقام‬
‫الظهر ‪ ،‬والقائل يقول ‪ :‬قد زالت الشمس أو ل تزل وهو كان أعلم منهم‬
‫‪ ،‬ث أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ‪ ،‬ث أمره فأقام الغرب‬
‫ح ت غا بت الش مس ‪ ،‬ث أمره فأقام العشاء ح ي سقط الش فق ‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫وصلّى الفجر من الغد والقائل يقول ‪ :‬طلعت الشمس ول تطلع ‪ ،‬وصلى‬
‫الظهر قريبًا من وقت العصر بالمس ‪ ،‬وصلى العصر والقائل يقول ‪ :‬قد‬
‫احرت الش مس ‪ ،‬و صلى الغرب ق بل أن يغ يب الش فق ‪ ،‬و صلّى العشاء‬
‫بعد ما ذهب ثلث الليل الول ‪ .‬ث قال ‪ « :‬أين السائل عن وقت الصلة‬
‫» ؟ فقال الرجل ‪ :‬أنا يا رسول ال ‪ .‬قال ‪ « :‬ما بي هذا الوقتي وقت »‬
‫‪ .‬رواه البغوي وغيه ‪.‬‬
‫ُونـ‬
‫ْمـ إِن َتكُونُوْا تَ ْألَم َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ولَ َتهِنُواْ فِي ابِْتغَاء اْلقَو ِ‬
‫َفإِّنهُ مْ َي ْألَمُو نَ كَمَا َتأْلَمو َن َوتَ ْرجُو َن مِ َن اللّ ِه مَا َل َيرْجُو َن وَكَا نَ اللّ هُ‬
‫عَلِيما َحكِيما ( ‪. ﴾ )104‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪566‬‬

‫قال قتادة ‪ :‬يقول ‪ :‬ل تضعفوا فـ طلب القوم ‪ ،‬فإنكـم إن تكونوا‬


‫تتجعون فإنم يتجعون كما تتجعون ‪َ ﴿ ،‬وتَرْجُو نَ مِ نَ اللّ هِ ﴾ من الجر‬
‫والثواب ﴿ مَا لَ يَرْجُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ِهنُواْ فِي اْبتِغَاء اْل َقو ِ‬
‫ْمـ ﴾ اليـة ‪،‬‬
‫سبب نزولا أن أبا سفيان وأصحابه لا رجعوا يوم أحد بعث رسول ال‬
‫طائفـة فـ آثارهـم ‪ ،‬فشكوا أل الراحات ‪ ،‬فقال ال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ‬
‫ْمـ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تضعفوا فـ طلب القوم أبـ سـفيان‬ ‫َتهِنُواْ فِي ابِْتغَاء اْلقَو ِ‬
‫ـ‬ ‫ـ ﴾ تتوجعون مـن الراح ‪ ﴿ ،‬فَِإّنهُم ْ‬ ‫وأصـحابه ﴿ إِن تَكُونُوْا َتأْلَمُون َ‬
‫يَأْلَمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يتوجعون يعن ‪ :‬الكفار ‪ ﴿ ،‬كَمَا َتأْلَمونَ َوتَ ْرجُو َن مِ نَ‬
‫اللّ ِه مَا لَ يَرْجُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وأنتم مع ذلك تأملون من الجر والثواب ف‬
‫الخرة ‪ ،‬والنصر ف الدنيا ما ل يرجون ‪.‬‬
‫﴿ وَكَانَ اللّ ُه عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬هو أعلم وأح كم في ما يقدره ويقض يه وينفذه‬
‫ويضيه ‪ ،‬من أحكامه الكونية والشرعية ‪ ،‬وهو الحمود على كل حال ‪.‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪567‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس والستون‬

‫حكُ َم بَيْ نَ النّا سِ بِمَا أَرَا َك اللّ هُ‬


‫حقّ لِتَ ْ‬
‫ب بِالْ َ‬
‫ك الْكِتَا َ‬
‫﴿ ِإنّا أَن َزلْنَا ِإلَيْ َ‬
‫وَ َل تَكُن لّلْخَآئِنِيَ خَ صِيما (‪ )105‬وَا سَْت ْغ ِفرِ اللّ هَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا‬
‫سهُ ْم إِنّ اللّ َه لَ ُيحِبّ‬
‫ّرحِيما (‪َ )106‬ولَ تُجَا ِدلْ عَ ِن اّلذِينَ يَخْتَانُو َن أَن ُف َ‬
‫خفُو َن مِ نَ‬
‫خفُو َن مِ نَ النّا سِ َولَ يَ سْتَ ْ‬
‫مَن كَا َن َخوّانا َأثِيما (‪ )107‬يَ سْتَ ْ‬
‫اللّ ِه َوهُ َو َمعَهُمْ إِ ْذ يُبَيّتُو َن مَا َل َيرْضَى مِنَ اْل َقوْ ِل وَكَانَ اللّ ُه بِمَا َيعْمَلُونَ‬
‫مُحِيطا (‪ )108‬هَاأَنتُ مْ هَ ـؤُلء جَادَلْتُ مْ عَ ْنهُ ْم فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا فَمَن‬
‫يُجَادِ ُل اللّ هَ عَ ْنهُ ْم َيوْ مَ اْلقِيَامَ ِة أَم مّن َيكُو نُ عَلَ ْيهِ مْ وَكِيلً (‪َ )109‬ومَن‬
‫جدِ اللّ هَ َغفُورا ّرحِيما (‬
‫َيعْ َملْ سُوءا َأوْ يَظْلِ مْ َنفْ سَ ُه ثُمّ يَ سَْت ْغفِ ِر اللّ َه يَ ِ‬
‫ب ِإثْما فَِإنّمَا َيكْ سُِبهُ عَلَى نَفْ سِ ِه وَكَا َن اللّ هُ عَلِيما‬
‫‪ )110‬وَمَن َيكْ سِ ْ‬
‫ب خَطِيَئ ًة أَ ْو ِإثْما ُثمّ َيرْ ِم بِ ِه َبرِيئا َفقَدِ احْتَ َملَ‬
‫حَكِيما (‪ )111‬وَمَن َيكْ سِ ْ‬
‫ك وَ َرحْمَتُ ُه َلهَمّت طّآئِ َفةٌ‬
‫ض ُل اللّهِ عَلَيْ َ‬
‫ُبهْتَانا َوِإثْما مّبِينا (‪ )112‬وََل ْولَ فَ ْ‬
‫ضرّونَكَ مِن شَيْ ٍء َوأَن َزلَ‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ُ‬
‫مّ ْنهُ ْم أَن يُضِلّو َك وَمَا يُضِلّونَ ِإ ّل أَنفُ َ‬
‫ضلُ اللّهِ‬
‫ك مَا لَ ْم تَكُ ْن َتعْلَ ُم وَكَا َن فَ ْ‬
‫ك الْكِتَابَ وَالْحِكْ َم َة وَعَلّمَ َ‬
‫اللّهُ عَلَيْ َ‬
‫ص َد َقةٍ‬
‫جوَاهُ مْ إِل مَ نْ أَ َم َر بِ َ‬
‫ي مّن نّ ْ‬
‫عَلَيْ كَ عَظِيما (‪ )113‬ل خَ ْي َر فِي كَثِ ٍ‬
‫ت اللّ هِ‬
‫س وَمَن َيفْ َع ْل َذلِ كَ ابَْتغَاء َمرْضَا ِ‬
‫ح بَيْ نَ النّا ِ‬
‫صلَ ٍ‬
‫ف َأوْ إِ ْ‬
‫أَ ْو َم ْعرُو ٍ‬
‫ف ُن ْؤتِي ِه َأجْرا عَظِيما (‪ )114‬وَمَن ُيشَاقِقِ الرّسُولَ مِن َبعْ ِد مَا تَبَيّنَ‬
‫فَسَوْ َ‬
‫لَهُ اْل ُهدَى َويَتّبِعْ غَ ْيرَ سَبِي ِل الْ ُمؤْمِِنيَ ُن َولّهِ مَا َت َولّى وَنُصْ ِلهِ َجهَنّ َم وَسَاءتْ‬
‫مَصِيا (‪. ﴾ )115‬‬
‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪568‬‬

‫حكُ َم بَيْ َن النّاسِ‬


‫حقّ لِتَ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّا أَن َزلْنَا ِإلَيْكَ اْلكِتَابَ بِالْ َ‬
‫بِمَا أَرَا َك اللّ ُه َولَ َتكُن لّلْخَآئِنِيَ خَ صِيما (‪ )105‬وَا سَْت ْغ ِفرِ اللّ َه إِنّ اللّ هَ‬
‫سهُ ْم إِنّ‬
‫كَا نَ َغفُورا ّرحِيما (‪َ )106‬ولَ تُجَا ِدلْ عَ نِ اّلذِي نَ يَخْتَانُو نَ أَنفُ َ‬
‫خفُو َن مِ نَ النّا سِ َولَ‬
‫اللّ َه لَ ُيحِبّ مَن كَا نَ َخوّانا أَثِيما (‪ )107‬يَ سْتَ ْ‬
‫خفُو َن مِ َن اللّ هِ َو ُهوَ َم َعهُ مْ إِ ْذ يُبَيّتُو نَ مَا َل َيرْضَى مِ نَ اْل َقوْ ِل وَكَا نَ‬
‫يَ سْتَ ْ‬
‫اللّ ُه بِمَا يَعْمَلُو َن مُحِيطا (‪ )108‬هَاأَنتُ مْ هَ ـؤُلء جَادَلْتُ مْ عَ ْنهُ ْم فِي‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا فَمَن يُجَادِ ُل اللّ هَ عَ ْنهُ ْم َيوْ مَ اْلقِيَا َم ِة أَم مّ ن َيكُو نُ عَلَ ْيهِ مْ‬
‫وَكِيلً (‪. ﴾ )109‬‬
‫ف الصحيحي عن أم سلمة ‪ :‬أن رسول ال سع جلبة خصم بباب‬
‫حجر ته ‪ ،‬فخرج إلي هم فقال ‪ « :‬أل إن ا أ نا ب شر ‪ ،‬وإن ا أقضي بن حو م ا‬
‫أ سع ‪ ،‬ول عل أحد كم أن يكون أل ن بج ته من ب عض فأق ضي له ‪ ،‬ف من‬
‫قضيت له بق مسلم فإنا هي قطعة من النار ‪ ،‬فليحملها أو يذرها » ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ :‬بن النعمان قال ‪ :‬كان أهل بيت منا يقال لم بنو أبيق ‪:‬‬
‫ل منافقًا ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬الشعـر‬ ‫بشـر وبشيـ ومبشـر ‪ ،‬وكان بشيـ رج ً‬
‫يهجو به أصحاب رسول ال ‪ ،‬ث ينحله بعض العرب ‪ ،‬ث يقول ‪ :‬قال‬
‫فلن ‪ :‬كذا ‪ ،‬وقال فلن ‪ :‬كذا ‪ ،‬فإذا سـع أصـحاب رسـول ال ذلك‬
‫الشعر قالوا ‪ :‬وال ما يقول هذا الشعر إل البيث ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أصـموا وقالوا ابـن البيق قالاـ‬ ‫أو كلمـا قال الرجال قصـيدة‬
‫(‬ ‫(‬
‫‪569‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ‪ :‬وكانوا أ هل ب يت فا قة وحا جة ف الاهل ية وال سلم ‪ ،‬وكان‬


‫الناس إنا طعامهم بالدينة التمر والشعي ‪ ،‬وكان الرجل إذا كان له يسار‬
‫فقدمت قافلة من الشام بالدرمك ‪ ،‬ابتاع الرجل منهم فخص به نفسه ‪،‬‬
‫فأما العيال فإنا طعامهم التمر والشعي ‪ .‬فقدمت قافلة من الشام ‪ ،‬وابتاع‬
‫عمي رفاعة بن زيد حلً من الدرمك ‪ ،‬فجعله ف مشربة له ‪ ،‬وف الشربة‬
‫سلح له درعان و سيفاها و ما ي صلحهما ‪ ،‬فعدا عد يّ من ت ت الل يل‬
‫فنقب الشربة وأخذ الطعام والسلح ‪ ،‬فلما أصبح أتان عمي رفاعة فقال‬
‫ي علي نا ف ليلت نا هذه فنق بت مشربت نا ‪،‬‬
‫‪ :‬يا ا بن أ خي تعلم أ نه قد عد ّ‬
‫فذهب بسلحنا وطعامنا ‪ .‬قال ‪ :‬فتجسسنا ف الدار وسألنا ‪ ،‬فقيل لنا ‪:‬‬
‫قد رأي نا ب ن أبيق ا ستوقدوا ف هذه الليلة ‪ ،‬ول نرى في ما نراه إل على‬
‫بعض طعامكم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقد كان بنو أبيق قالوا ‪ :‬ونن نسأل ف الدار ‪ :‬وال ما نرى‬
‫صاحبكم إل لب يد بن سهل ‪ ،‬ر جل م نا له صلح وإ سلم ‪ ،‬فل ما سع‬
‫بذلك لب يد اخترط سيفه ث أتـى ب ن أبيق فقال ‪ :‬وال ليخالطن كم هذا‬
‫السيف ولتبي هذه السرقة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إليك عنا أيها الرجل ‪ ،‬فوال ما أنت‬
‫بصاحبها ‪ .‬فسألنا ف الدار حت ل نشك أنم أصحابا ‪ ،‬فقال عمي ‪ :‬يا‬
‫ابن أخي لو أتيت رسول ال فذكرت ذلك له ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬فأت يت ر سول ال فذكرت ذلك له فقلت ‪ :‬يا ر سول‬
‫ال إن أهل بيت منا أهل جفاء ‪ ،‬عمدوا إل عمي رفاعة فنقبوا مشربة له‬
‫وأخذوا سلحه وطعا مه ‪ ،‬فليدوا علي نا سلحنا ‪ ،‬فأ ما الطعام فل حا جة‬
‫لنا به ‪ .‬فقال رسول ال ‪ « :‬سأنظر ف ذلك » ‪ .‬فلما سع بذلك بنو‬
‫الزء الول‬ ‫‪570‬‬

‫أبيق أتوا رجلً منهم يقال له أسي بن عروة ‪ ،‬فكلموه ف ذلك ‪ ،‬واجتمع‬
‫إليـه ناس مـن أهـل الدار ‪ ،‬فأتوا رسـول ال فقالوا ‪ :‬يـا رسـول ال إن‬
‫قتادة بن النعمان وع مه عمدوا إل أ هل ب يت م نا ‪ ،‬أ هل إ سلم و صلح‬
‫يرمونم بالسرقة من غي بينة ول ثبت ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬فأتيـت ر سول ال فكلم ته فقال ‪ « :‬عمدت إل أهـل‬
‫ب يت ذ كر من هم إ سلم و صلح ‪ ،‬ترمي هم بال سرقة على غ ي بي نة ول‬
‫ث بت » ؟ ! قال ‪ :‬فرج عت ولوددت أ ن خر جت من ب عض مال ‪ ،‬ول‬
‫أكلم رسول ال ف ذلك ‪ .‬فأتيت عمي رفاعة فقال ‪ :‬يا ابن أخي ما‬
‫صنعت ؟ فأخبته با قال ل رسول ال قال ‪ :‬ال الستعان ‪ .‬فلم يلبث‬
‫س بِمَا‬ ‫حكُ َم َبيْ َن النّا ِ‬
‫ك اْلكِتَا بَ بِاْلحَقّ ِلتَ ْ‬ ‫أن نزل القرآن ‪ِ ﴿ :‬إنّا أَنزَْلنَا إَِليْ َ‬
‫أَرَا كَ اللّ ُه وَ َل تَكُن لّلْخَآِئنِيَ خَ صِيما ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬بن أبيق ‪ ﴿ ،‬وَا ْستَ ْغفِرِ‬
‫اللّ هَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م ا قلت لقتادة ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ كَا نَ غَفُورا رّحِيما ﴾ ‪﴿ ،‬‬
‫سهُمْ ﴾ أي ‪ :‬بن أبيق ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّ هَ لَ‬ ‫ختَانُو نَ أَنفُ َ‬ ‫وَلَ ُتجَادِلْ عَ نِ الّذِي َن يَ ْ‬
‫خفُونَ مِنَـ النّاسِـ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ‬ ‫ـْ‬ ‫يُحِبّ مَن كَانَـ َخوّانا َأثِيما يَس ْتَ‬
‫جدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أنم إن يستغفروا ال يغفر‬ ‫سَت ْغفِرِ اللّ َه يَ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫سبُ ُه عَلَى َنفْ سِ ِه وَكَا نَ اللّ ُه عَلِيما‬ ‫سبْ إِثْما فَِإنّمَا يَكْ ِ‬ ‫ل م ‪ ﴿ .‬وَمَن يَكْ ِ‬
‫َحكِيما * وَمَن َيكْ سِبْ خَطِيَئةً َأوْ ِإثْما ثُمّ يَرْ مِ بِ ِه بَرِيئا َفقَدِ ا ْحتَ َم َل ُبهْتَانا‬
‫ك وَرَ ْح َمتُ هُ َل َهمّ ت‬ ‫َوإِثْما ّمبِينا ﴾ قول م للب يد ‪ ﴿ .‬وََلوْلَ َفضْلُ اللّ ِه عََليْ َ‬
‫طّآِئ َف ٌة ّمنْهُ مْ أَن ُيضِلّو كَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬أسيًا وأصحابه ‪َ ﴿ .‬ومَا ُيضِلّو نَ إِلّ‬
‫حكْ َمةَ‬ ‫َابـ وَالْ ِ‬
‫ْكـ الْ ِكت َ‬‫ّهـ عََلي َ‬ ‫َكـ مِن َشيْ ٍء َوأَنزَلَ الل ُ‬ ‫ُسـهُ ْم وَمَا َيضُرّون َ‬ ‫أَنف َ‬
‫‪571‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِيهـ أَجْرا عَظِيما ﴾ ‪ ،‬فلمـا نزل القرآن أتـى‬


‫ف ُنؤْت ِ‬
‫َسـوْ َ‬
‫﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬ف َ‬
‫رسول ال بالسلح فرده إل رفاعة ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬فل ما أت يت ع مي بال سلح ‪ ،‬وكان شيخًا قد ع سا ف‬
‫الاهلية ‪ ،‬وكنت أرى إسلمه مدخولً ‪ ،‬فلما أتيته بالسلح قال ‪ :‬يا ابن‬
‫أ خي هو ف سبيل ال ‪ .‬قال ‪ :‬فعر فت أن إ سلمه كان صحيحًا ‪ .‬فل ما‬
‫نزل القرآن لق بشي بالشركي ‪ ،‬فنل على سلقة بنت سعد بن سية ‪،‬‬
‫فأنزل ال فيه ‪َ ﴿ :‬ومَن يُشَاقِ قِ الرّ سُو َل مِن َبعْ ِد مَا َتبَيّ نَ لَ ُه اْلهُدَى َوَيتّبِ عْ‬
‫غَيْرَ َسبِيلِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ُنوَلّ هِ مَا َتوَلّى ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن يُشْرِ ْك بِاللّ هِ َفقَدْ‬
‫ضلَ ًل َبعِيدا ﴾ ‪ .‬فلمـا نزل على سـلقة رماهـا حسـان بـن ثابـت‬ ‫ضَلّ َ‬
‫بأبيات من ش عر فأخذت رحله فوضع ته على رأ سها ‪ ،‬ث خر جت فرم ته‬
‫بالب طح ‪ ،‬ث قالت ‪ ( :‬أهد يت إلّ ش عر ح سان ‪ ،‬ك نت تأتي ن ب ي ) ‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَن َيعْ َملْ سُوءا َأوْ يَظْلِ ْم َنفْ سَ ُه ُثمّ يَ سَْت ْغ ِفرِ اللّ هَ‬
‫ب إِثْما َفِإنّمَا َيكْ سِبُهُ عَلَى‬
‫جدِ اللّ هَ َغفُورا ّرحِيما (‪ )110‬وَمَن َيكْ سِ ْ‬
‫يَ ِ‬
‫ب خَطِيَئةً َأوْ إِثْما ُثمّ‬
‫سهِ وَكَا نَ اللّ هُ عَلِيما حَكِيما (‪َ )111‬ومَن يَكْ سِ ْ‬
‫َنفْ ِ‬
‫َيرْ ِم بِ ِه َبرِيئا َف َقدِ احْتَ َملَ بُهْتَانا َوِإثْما مّبِينا (‪. ﴾ )112‬‬
‫سَت ْغفِ ِر‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن َيعْمَلْ سُوءا َأ ْو يَظِْل ْم َنفْ سَهُ ثُمّ يَ ْ‬
‫جدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أ خب ال عباده بل مه ‪ ،‬وعفوه ‪،‬‬ ‫اللّ َه يَ ِ‬
‫وكرمه ‪ ،‬وسعة رحته ‪ ،‬ومغفرته ‪ ،‬فمن أذنب ذنبًا صغيًا كان أو كبيًا ‪،‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪572‬‬

‫ثـ يسـتغفر ال يدـ ال غفورًا رحيمًا ‪ ،‬ولو كانـت ذنوبـه أعظـم مـن‬
‫السماوات والرض والبال ‪.‬‬
‫سبُ ُه عَلَى َنفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن َيكْ ِ‬
‫سبْ إِثْما فَِإنّمَا َيكْ ِ‬
‫عَلِيما َحكِيما ﴾ ‪ ،‬كقوله ‪ ﴿ :‬وَلَ َتكْسِـبُ كُ ّل َنفْسٍـإِل عََليْهَا وَلَ تَزِ ُر‬
‫ِيهـ‬
‫ُمـ ف ِ‬ ‫ُمـ َفيَُنّبئُكُـم بِمَـا كُنت ْ‬
‫وَازِ َرةٌ وِ ْزرَ أُخْرَى ثُم ّ إِلَى َربّكُـم مّرْ ِج ُعك ْ‬
‫ختَِلفُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫تَ ْ‬
‫ِهـ بَرِيئا َفقَدِ‬
‫ْمـ ب ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن َيك ِ‬
‫ْسـبْ خَطِيَئةً َأوْ ِإثْما ثُمّ َير ِ‬
‫ا ْحتَمَ َل ُب ْهتَانا َوِإثْما ّمبِينا ﴾ ‪ ،‬وهذا عام ف بن أبيق وف غيهم ‪.‬‬
‫ك وَرَحْمَتُ ُه َلهَمّ ت طّآِئ َفةٌ‬
‫ضلُ اللّ هِ عَلَيْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَلوْ َل فَ ْ‬
‫ضرّونَكَ مِن شَيْ ٍء َوأَن َزلَ‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ُ‬
‫مّ ْنهُ ْم أَن يُضِلّو َك وَمَا يُضِلّونَ ِإ ّل أَنفُ َ‬
‫ضلُ اللّهِ‬
‫ك مَا لَ ْم تَكُ ْن َتعْلَ ُم وَكَا َن فَ ْ‬
‫ك الْكِتَابَ وَالْحِكْ َم َة وَعَلّمَ َ‬
‫اللّهُ عَلَيْ َ‬
‫ص َد َقةٍ‬
‫جوَاهُ مْ إِل مَ نْ أَ َم َر بِ َ‬
‫ي مّن نّ ْ‬
‫عَلَيْ كَ عَظِيما (‪ )113‬ل خَ ْي َر فِي كَثِ ٍ‬
‫ت اللّ هِ‬
‫س وَمَن َيفْ َع ْل َذلِ كَ ابَْتغَاء َمرْضَا ِ‬
‫ح بَيْ نَ النّا ِ‬
‫صلَ ٍ‬
‫ف َأوْ إِ ْ‬
‫أَ ْو َم ْعرُو ٍ‬
‫ف ُن ْؤتِي ِه َأجْرا عَظِيما (‪ )114‬وَمَن ُيشَاقِقِ الرّسُولَ مِن َبعْ ِد مَا تَبَيّنَ‬
‫فَسَوْ َ‬
‫لَهُ اْل ُهدَى َويَتّبِعْ غَ ْيرَ سَبِي ِل الْ ُمؤْمِِنيَ ُن َولّهِ مَا َت َولّى وَنُصْ ِلهِ َجهَنّ َم وَسَاءتْ‬
‫مَصِيا (‪. ﴾ )115‬‬
‫عن أ ب الدرداء قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬أل أ خبكم بأف ضل من‬
‫درجة الصيام ‪ ،‬والصلة ‪ ،‬والصدقة » ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫« إ صلح ذات الب ي » ‪ ،‬قال ‪ « :‬وف ساد ذات الب ي هي ‪ :‬الال قة » ‪.‬‬
‫رواه أحد وغيه ‪.‬‬
‫‪573‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ما هد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن يُشَاقِ قِ الرّ سُو َل مِن َبعْ ِد مَا َتَبيّ نَ لَ هُ‬
‫اْلهُدَى َويَّتبِ ْع َغيْرَ َسبِي ِل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ُنوَلّ هِ مَا َتوَلّى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من آلة الباطل‬
‫‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ومَن يُشَاقِ قِ الرّ سُولَ ﴾ أي ‪ :‬يالفه ‪ ﴿ ،‬مِن َبعْ ِد مَا‬
‫َتبَيّ نَ لَ ُه اْلهُدَى ﴾ من التوحيد والدود ‪َ ﴿ ،‬وَيّتبِ ْع َغيْرَ َسبِي ِل الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬غ ي طر يق الؤمن ي ‪ُ ﴿ ،‬نوَلّ هِ مَا َتوَلّى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نكله ف الخرة‬
‫إل ما تول ف الدنيا ‪َ ﴿ ،‬ونُصْلِهِ َج َهنّ َم َوسَاءتْ َمصِيا ﴾‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك ‪ ،‬بأن‬
‫ن سنها ف صدره ونزين ها له ا ستدراجًا له ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬فذَرْنِي‬
‫ستَدْرِ ُجهُم مّ نْ َحيْ ثُ لَا يَعَْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬وقال‬
‫ب ِبهَذَا الْحَدِي ثِ َسنَ ْ‬
‫َومَن يُكَذّ ُ‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬فلَمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ ُقلُوَبهُمْ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪574‬‬

‫الدرس السادس والستون‬

‫ك لِمَن َيشَاءُ وَمَن‬


‫﴿ إِنّ اللّهَ َل َيغْ ِف ُر أَن ُيشْرَ َك بِ ِه وََي ْغفِ ُر مَا دُو َن َذلِ َ‬
‫ل ًل َبعِيدا (‪ )116‬إِن َيدْعُو َن مِن دُونِ ِه إِل ِإنَاثا‬
‫ضلّ ضَ َ‬
‫ُيشْرِ ْك بِاللّ هِ َف َقدْ َ‬
‫ِنـ‬
‫خذَن ّ م ْ‬
‫ّهـ وَقَالَ َلَأتّ ِ‬
‫َهـ الل ُ‬
‫ُونـ إِل شَيْطَانا ّمرِيدا (‪ّ )117‬لعَن ُ‬
‫وَإِن َيدْع َ‬
‫عِبَادِ َك نَ صِيبا مّ ْفرُوضا (‪َ )118‬ولُضِلّّنهُ مْ َو ُلمَنّيَّنهُ ْم وَل ُمرَّنهُ مْ فَلَيَُبّتكُنّ‬
‫خذِ الشّيْطَا َن وَلِيّا مّن‬
‫آذَا نَ ا َلْنعَا ِم وَلمُ َرّنهُ مْ فَلَُيغَّيرُنّ خَلْ قَ اللّ هِ َومَن يَتّ ِ‬
‫س َر خُ سْرَانا مّبِينا (‪َ )119‬ي ِعدُهُ مْ وَيُمَنّيهِ ْم َومَا َيعِ ُدهُ مُ‬
‫دُو نِ اللّ هِ َف َق ْد خَ ِ‬
‫جدُو نَ عَنْهَا‬
‫الشّيْطَا نُ إِل ُغرُورا (‪ُ )120‬أ ْولَ ـِئكَ َم ْأوَاهُ ْم َجهَنّ مُ َولَ يَ ِ‬
‫ت سَـُن ْدخِلُ ُه ْم جَنّاتٍـ‬
‫مَحِيصـا (‪ )121‬وَالّذِينَـ آمَنُواْ وَ َعمِلُوْا الصـّالِحَا ِ‬
‫صدَقُ‬
‫جرِي مِن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَالِدِي َن فِيهَا أَبَدا وَ ْع َد اللّ ِه حَقّا وَمَ نْ أَ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫س ِبَأمَانِّيكُ ْم وَل َأمَانِيّ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ مَن َيعْ َملْ‬
‫مِ نَ اللّ هِ قِيلً (‪ )122‬لّيْ َ‬
‫جدْ لَ ُه مِن دُو ِن اللّ ِه َولِيّا َولَ نَ صِيا (‪ )123‬وَمَن‬
‫ج َز بِ هِ َولَ َي ِ‬
‫سُوءا يُ ْ‬
‫ك َيدْخُلُو نَ‬
‫َيعْ َملْ مِ َن ال صّالِحَاتَ مِن ذَ َكرٍ َأ ْو أُنثَى وَ ُهوَ مُ ْؤمِ نٌ َفُأوْلَ ـِئ َ‬
‫سنُ دِينا مّمّ ْن أَ سْ َلمَ َو ْجهَ هُ ل‬
‫الْجَّنةَ َولَ يُظْ َلمُو َن َنقِيا (‪َ )124‬ومَ ْن أَحْ َ‬
‫ِيمـ خَلِيلً (‬
‫ّهـ ِإبْرَاه َ‬
‫خذَ الل ُ‬
‫ِيمـ حَنِيفا وَاتّ َ‬
‫َعـ مِ ّلةَ ِإْبرَاه َ‬
‫ْسـنٌ واتّب َ‬
‫وَ ُهوَ مُح ِ‬
‫‪ )125‬وَللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ضِ وَكَا َن اللّ هُ ِب ُكلّ َشيْءٍ‬
‫مّحِيطا (‪. ﴾ )126‬‬
‫***‬
‫‪575‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِ ّن ال ّلهَ َل َيغْ ِف ُر أَن ُيشْرَ َك ِب ِه وََي ْغ ِفرُ مَا دُو َن َذِلكَ‬
‫للً َبعِيدا (‪ )116‬إِن يَدْعُو نَ‬
‫ضَ‬‫ضلّ َ‬
‫شرِ ْك بِاللّ ِه َفقَدْ َ‬
‫لِمَن َيشَا ُء وَمَن ُي ْ‬
‫مِن دُونِ ِه إِل ِإنَاثا وَإِن َيدْعُو َن إِل شَيْطَانا ّمرِيدا (‪ّ )117‬لعَنَ هُ اللّ ُه َوقَالَ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َو ُلمَنّيَّنه ْ‬
‫ِكـ نَصـِيبا ّم ْفرُوضا (‪ )118‬وَلُضِلّّنه ْ‬
‫ِنـ عِبَاد َ‬
‫خذَن ّ م ْ‬
‫َلأَتّ ِ‬
‫خذِ‬
‫وَل ُمرَّنهُ ْم فَلَيُبَّت ُكنّ آذَا َن ا َلنْعَا مِ وَل ُمرَّنهُ ْم فَلَُيغَّيرُنّ خَلْ َق اللّهِ َومَن يَتّ ِ‬
‫سرَ خُ سْرَانا مّبِينا (‪َ )119‬يعِ ُدهُ مْ‬
‫الشّيْطَا نَ وَلِيّا مّ ن دُو ِن اللّ هِ َف َقدْ خَ ِ‬
‫ُمـ‬
‫ك َمأْوَاه ْ‬
‫َانـ إِل ُغرُورا (‪ُ )120‬أ ْولَــئِ َ‬
‫ُمـ الشّيْط ُ‬
‫ِمـ وَمَا َيعِ ُده ُ‬
‫وَيُمَنّيه ْ‬
‫جدُونَ عَ ْنهَا َمحِيصا (‪. ﴾ )121‬‬
‫جَهَّن ُم وَ َل يَ ِ‬
‫قال علي ر ضي ال ع نه ‪ :‬ما ف القرآن آ ية أ حب ل من هذه ال ية‬
‫يعن ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْرَكَ بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن جابر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ما من نفس توت‬
‫ل تشرك بال شيئًا ‪ ،‬إل حلت لاـ الغفرة ‪ ،‬إن شاء ال عذباـ ‪ ،‬وإن شاء‬
‫ال غفر لا ﴿ ِإنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْرَ َك بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ‬
‫﴾ » ‪ .‬رواه ابن أب حات وغيه ‪.‬‬
‫ِهـإِل ِإنَاثا ﴾ ‪ .‬قال ابـن زيـد ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن يَ ْدع َ‬
‫ُونـ مِن دُون ِ‬
‫آلت هم ‪ :‬اللت ‪ ،‬والعزى ‪ ،‬وي ساف ‪ ،‬ونائلة ‪ .‬هم ‪ :‬إناث يدعون م من‬
‫ـ إِل شَيْطَانا مّرِيدا ﴾ ‪ .‬وقال قتادة ‪﴿ :‬‬
‫دون ال ‪ ،‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬وإِن يَ ْدعُون َ‬
‫إِن يَ ْدعُو َن مِن دُونِ هِ إِل ِإنَاثا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إل ميتًا ل روح فيه ‪ .‬وعن ماهد‬
‫ف قوله ‪ ﴿ :‬إِنَاثا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬أوثانًا ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪576‬‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن يَ ْدعُون َ‬


‫ـ إِل َشيْطَانا مّرِيدا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ترد‬
‫على معاصي ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ّ ﴿ :‬ل َعنَهُ اللّهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أخزاه ‪ ،‬وأقصاه ‪ ،‬وأبعده ‪.‬‬
‫ـ نَص ـِيبا ّمفْرُوضا *‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالَ َلَأتّخِذَنّـ مِن ْ‬
‫ـ عِبَادِك َ‬
‫وَلُضِّلّنهُ ْم وَ ُلمَّنَيّنهُ مْ وَلمُ َرّنهُ مْ َفَلُيبَّتكُنّ آذَا نَ ا َلْنعَا ِم وَلمُ َرّنهُ مْ فََلُي َغيّرُنّ‬
‫خَ ْل قَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬عن الضحاك ‪ :‬نصيبًا ‪ .‬قال ‪ :‬معلومًا ‪ .‬وعن قتادة ف قوله‬
‫ـ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬البتـك فـ البحية‬ ‫َانـ الَْنعَام ِ‬
‫ـ فََلُيَبتّكُنّـ آذ َ‬ ‫‪ ﴿ :‬وَلمُ َرّنهُم ْ‬
‫والسائبة ‪ ،‬كانوا يبتكون آذانا لطواغيتهم ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬دين شرعه لم‬
‫إبليس ‪ .‬وعن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلمُ َرّنهُ مْ فََلُي َغيّ ُرنّ خَلْ قَ اللّ هِ ﴾ ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫الفطرة دين ال ‪ .‬وقال ابن مسعود ‪ ( :‬لعن ال ‪ :‬الواشات ‪ ،‬والتوشات ‪،‬‬
‫والتنم صات ‪ ،‬والتفلجات للح سن الغيّرات خلق ال ) ‪ .‬وقال عكر مة ‪:‬‬
‫﴿ َفَلُيغَيّ ُرنّ َخلْقَ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬بالصاء ‪ ،‬والوشح ‪ ،‬وقطع الذان ‪.‬‬
‫قال القر طب ‪ :‬ال صاء ف غ ي ب ن آدم منوع ف اليوان ‪ ،‬إل لنف عة‬
‫خاصة ف ذلك ‪ ،‬كتطييب اللحم ‪ ،‬أو قطع ضرر عنه ‪ .‬قال الافظ ابن‬
‫حجر ‪ :‬والنهي عن الصاء ني تري ف بن آدم بل خلف ‪.‬‬
‫سـُندْخِ ُل ُهمْ‬
‫ت َ‬‫ِينـ آ َمنُوْا وَعَمِلُواْ الصـّالِحَا ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْنهَارُ خَاِلدِي َن فِيهَا َأبَدا وَ ْعدَ اللّ ِه َحقّا َومَ نْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جَنّا ٍ‬
‫ق ِمنَ ال ّلهِ قِيلً (‪. ﴾ )122‬‬
‫صدَ ُ‬
‫أَ ْ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ آ َمنُوْا َوعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صدقت‬
‫قلوبم ‪ ،‬وعملت جوارحهم با أمروا به من اليات ‪ ،‬وتركوا ما نوا عنه‬
‫‪577‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حتِه َا ا َلْنهَارُ ﴾ ‪،‬‬


‫ّاتـ تَجْرِي م ِن تَ ْ‬
‫سـنُدْخُِلهُمْ َجن ٍ‬ ‫مـن النكرات ‪َ ﴿ ،‬‬
‫وي صرفونا ح يث شاءوا ‪ ﴿ ،‬خَالِدِي نَ فِيهَا أَبَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بل زوال ول‬
‫ق مِ نَ اللّ هِ قِيلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل أ حد‬ ‫انتقال ‪َ ﴿ .‬وعْدَ اللّ هِ َحقّا َومَ نْ أَ صْ َد ُ‬
‫أصدق منه قولً ‪ ،‬فوعده واقع ل مالة ‪.‬‬
‫َابـ مَن َيعْ َملْ‬
‫ُمـ وَل َأمَانِيّ أَ ْهلِ اْلكِت ِ‬
‫ْسـ ِبَأمَانِّيك ْ‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬لّي َ‬
‫جدْ لَ ُه مِن دُو ِن اللّ ِه َولِيّا َولَ نَ صِيا (‪ )123‬وَمَن‬
‫ج َز بِ هِ َولَ َي ِ‬
‫سُوءا يُ ْ‬
‫ك َيدْخُلُو نَ‬
‫َيعْ َملْ مِ َن ال صّالِحَاتَ مِن ذَ َكرٍ َأ ْو أُنثَى وَ ُهوَ مُ ْؤمِ نٌ َفُأوْلَ ـِئ َ‬
‫سنُ دِينا مّمّ ْن أَ سْ َلمَ َو ْجهَ هُ ل‬
‫الْجَّنةَ َولَ يُظْ َلمُو َن َنقِيا (‪َ )124‬ومَ ْن أَحْ َ‬
‫ِيمـ خَلِيلً (‬
‫ّهـ ِإبْرَاه َ‬
‫خذَ الل ُ‬
‫ِيمـ حَنِيفا وَاتّ َ‬
‫َعـ مِ ّلةَ ِإْبرَاه َ‬
‫ْسـنٌ واتّب َ‬
‫وَ ُهوَ مُح ِ‬
‫‪ )125‬وَللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ضِ وَكَا َن اللّ هُ ِب ُكلّ َشيْءٍ‬
‫مّحِيطا (‪. ﴾ )126‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذ كر ل نا أن ال سلمي وأ هل الكتاب افتخروا ‪ .‬فقال أ هل‬
‫الكتاب ‪ :‬نبينا قبل نبيكم ‪ ،‬وكتبنا قبل كتابكم ‪ ،‬ونن أول بال منكم ‪.‬‬
‫وقال السلمون ‪ :‬نن أول بال ‪ ،‬نبينا خات النبيي ‪ ،‬وكتابنا يقضي على‬
‫الك تب ال ت كا نت قبله ‪ .‬فأنزل ال ‪ّ ﴿ :‬ليْ سَ ِبَأمَانِّيكُ ْم وَل َأمَانِيّ َأهْلِ‬
‫ب مَن َيعْمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِ هِ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ أَحْ سَنُ دِينا مّمّ نْ‬ ‫الْ ِكتَا ِ‬
‫أَس ْـلَ َم وَ ْجهَهُـ ل َوهُ َو مُحْسِـٌن واّتبَعَـ مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَـ َحنِيفا ﴾ ‪ ،‬ثـ أفلج ال‬
‫ح جة ال سلمي على من ناوأ هم من أ هل الديان ‪ .‬و عن ما هد ف قوله‬
‫س بَِأمَاِنيّكُ ْم وَل َأمَانِيّ َأهْلِ اْل ِكتَابِ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬قريش ‪ ،‬وكعب بن‬ ‫‪ّ ﴿ :‬ليْ َ‬
‫ج َز بِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫الشرف ‪ ﴿ ،‬مَن َيعْمَ ْل سُوءا يُ ْ‬
‫الزء الول‬ ‫‪578‬‬

‫قال ابـن كثيـ ‪ ( :‬والعنـ فـ هذه اليـة أن الديـن ليـس بالتحلي ول‬
‫بالتم ن ‪ ،‬ول كن ما و قر ف القلوب و صدقته العمال ‪ ،‬ول يس كل من‬
‫اد عى شيئًا ح صل له بجرد دعواه ‪ ،‬ول كل من قال أ نه على ال ق سع‬
‫قوله بجرد ذلك ‪ ،‬حتـ يكون له مـن ال برهان ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫ب مَن َيعْمَلْ سُوءا يُجْ َز بِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ّليْ سَ ِبَأمَانِّيكُ ْم وَل َأمَاِنيّ َأهْ ِل اْلكِتَا ِ‬
‫ل يس ل كم ول ل م النجاة بجرد التم ن ‪ ،‬بل ال عبة بطا عة ال سبحانه ‪،‬‬
‫وإتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام ) ‪ .‬انتهى ‪ .‬وعن الربيع بن زياد‬
‫أنه قال لبّ بن كعب ‪ :‬قول ال تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬مَن َيعْمَلْ سُوءا ُيجْزَ‬
‫بِ هِ ﴾ وال إن كان كل ما عمل نا جزينا به هلك نا ! قال ‪ :‬وال إن كنت‬
‫لراك أف قه م ا أرى ‪ ،‬ل ي صيب رجلً خدش ول عثرة إل بذ نب ‪ ،‬و ما‬
‫يعفوا ال عنه أكثر حت اللدغة والنفخة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ أَحْ سَنُ دِينا مّمّ نْ أَ سَْل َم وَ ْجهَ هُ ل َو ُهوَ مُحْ سِنٌ‬
‫ِيمـ َخلِيلً ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪:‬‬ ‫ّهـ ِإبْرَاه َ‬
‫خذَ الل ُ‬
‫ِيمـ َحنِيفا وَاتّ َ‬
‫َعـ ِمّلةَ إِبْرَاه َ‬
‫واّتب َ‬
‫ف ضل ال ال سلم على كل د ين فقال ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ أَحْ سَنُ دِينا مّمّ نْ أَ سَْلمَ‬
‫ِيمـ خَلِيلً ﴾ ‪،‬‬ ‫ّهـ ِإبْرَاه َ‬
‫ْسـنٌ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬وَاتّخَذَ الل ُ‬ ‫َهـ ل َو ُهوَ مُح ِ‬ ‫وَ ْجه ُ‬
‫وليس يقبل فيه عمل غي السلم وهي ‪ :‬النيفية ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَاتّخَذَ اللّ هُ ِإبْرَاهِي مَ خَلِيلً ﴾ ‪ ،‬وهذا من‬
‫باب الترغيب ف اتبا عه ‪ ،‬لنه إمام يقتدى به ‪ ،‬حيث و صل إل غاية ما‬
‫يتقرب به العباد له ‪ ،‬فإ نه انت هى إل در جة اللّة ال ت هي أر فع مقامات‬
‫الحبـة ‪ ،‬ومـا ذاك إل لكثرة طاعتـه لربـه ‪ ،‬كمـا وصـفه بـه فـ قوله ‪:‬‬
‫﴿ َوِإبْرَاهِي َم الّذِي وَفّى ﴾ ‪.‬‬
‫‪579‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬


‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الميـع ملكـه وخلقـه وعـبيده ‪ ،‬وهـو التصـرف فـ ذلك ‪ ،‬أل له اللق‬
‫وال مر ‪ ﴿ .‬وَكَا نَ اللّ ُه ِبكُ ّل شَيْ ٍء مّحِيطا ﴾ ‪ ،‬فل يعذب ع نه مثقال ذرة‬
‫ف السماوات ول ف الرض ‪ ،‬ول يفى عليه شيء ‪ ،‬وهو على كل شيء‬
‫قدير ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪580‬‬

‫الدرس السابع والستون‬

‫﴿ َويَسَْتفْتُوَنكَ فِي النّسَاء ُق ِل اللّهُ ُيفْتِيكُ ْم فِي ِهنّ وَمَا يُتْلَى عَلَ ْيكُ ْم فِي‬
‫ب َلهُنّ َوتَرْغَبُو َن أَن‬
‫ب فِي يَتَامَى النّ سَاء الّلتِي َل ُتؤْتُونَ ُهنّ مَا كُِت َ‬
‫الْكِتَا ِ‬
‫ضعَفِيَ مِ َن الْ ِوْلدَا ِن َوأَن َتقُومُوْا لِلْيَتَامَى بِاْلقِ سْطِ وَمَا‬
‫تَنكِحُو ُهنّ وَالْمُ سْتَ ْ‬
‫ت مِن‬
‫َتفْعَلُواْ مِ نْ خَ ْيرٍ فَإِنّ اللّ هَ كَا َن بِ هِ عَلِيما (‪َ )127‬وإِ ِن ا ْمرََأ ٌة خَافَ ْ‬
‫صـلْحا‬
‫ُصـِلحَا بَيَْنهُمَا ُ‬
‫ْحـ عَلَ ْيهِمَا أَن ي ْ‬
‫ل جَُنا َ‬
‫َبعْلِهَا ُنشُوزا َأوْ إِ ْعرَاضا فَ َ‬
‫س الشّحّ َوإِن تُحْ سِنُوْا وَتَّتقُوْا َفإِنّ اللّ هَ‬
‫ت الَنفُ ُ‬
‫ضرَ ِ‬
‫ح خَ ْيرٌ َوأُحْ ِ‬
‫وَال صّلْ ُ‬
‫كَا َن بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيا (‪ )128‬وَلَن تَ سْتَطِيعُوْا أَن تَ ْع ِدلُواْ بَيْ نَ النّ سَاء‬
‫ـِلحُواْ‬
‫ل تَمِيلُواْ ُك ّل الْمَ ْيلِ فََتذَرُوهَـا كَالْ ُمعَ ّلقَ ِة َوإِن تُص ْ‬
‫ـُت ْم فَ َ‬
‫وََل ْو حَرَص ْ‬
‫ل مّن‬
‫وَتَّتقُوْا َفإِنّ اللّهَ كَانَ َغفُورا ّرحِيما (‪َ )129‬وإِن يََتفَ ّرقَا ُيغْنِ اللّهُ كُ ّ‬
‫ت َومَا فِي‬
‫سَعَِت ِه وَكَا نَ اللّ هُ وَا سِعا حَكِيما (‪ )130‬وَللّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ب مِن قَبْ ِلكُ مْ َوِإيّاكُ مْ أَ ِن اتّقُواْ‬
‫ض َولَ َقدْ وَ صّيْنَا الّذِي َن أُوتُواْ الْكِتَا َ‬
‫الَرْ ِ‬
‫ض وَكَا َن اللّ هُ‬
‫اللّ هَ َوإِن َتكْ ُفرُوْا َفإِنّ لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫ت َومَا فِي الَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ‬
‫غَنِيّا حَمِيدا (‪َ )131‬ولِلّ ِه مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫س َويَأْ تِ بِآ َخرِي َن وَكَا نَ اللّ هُ‬
‫وَكِيلً (‪ )132‬إِن َيشَ ْأ ُيذْهِ ْبكُ مْ َأيّهَا النّا ُ‬
‫عَلَى َذلِ كَ َقدِيرا (‪ )133‬مّ ن كَا َن ُيرِيدُ َثوَا بَ الدّنْيَا َفعِندَ اللّ ِه َثوَا بُ‬
‫ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ وَكَا َن اللّ هُ سَمِيعا بَ صِيا (‪ )134‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُواْ‬
‫ـ‬
‫ـ ُكمْ َأ ِو الْوَاِل َديْن ِ‬
‫ـ َوَلوْ عَلَى أَنفُس ِ‬
‫ط ُشهَدَاء لِلّه ِ‬
‫ـِ‬‫كُونُواْ َقوّامِيَـبِاْلقِس ْ‬
‫ل تَتِّبعُواْ اْلهَوَى أَن‬
‫ّهـَأوْلَى بِهِمَا فَ َ‬
‫ُنـ َغنِيّا َأ ْو َفقَيا فَالل ُ‬
‫وَا َلقْ َربِيَ إِن َيك ْ‬
‫‪581‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َتعْ ِدلُوْا وَإِن تَ ْلوُوْا َأوْ ُت ْعرِضُوْا َفإِنّ اللّ هَ كَا َن بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيا (‪)135‬‬
‫﴾‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪582‬‬

‫ك فِي الّنسَاء ُقلِ ال ّلهُ يُفْتِي ُكمْ فِي ِه ّن وَمَا‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وَيسَْتفْتُونَ َ‬
‫ب فِي يَتَامَى النّ سَاء الّلتِي َل ُتؤْتُونَ ُهنّ مَا كُِت بَ‬
‫يُتْلَى َعلَ ْيكُ مْ فِي اْلكِتَا ِ‬
‫ي مِنَـ الْ ِوْلدَا ِن وَأَن َتقُومُواْ‬
‫ض َعفِ َ‬
‫ـَ ْ‬
‫َلهُنّ َوَترْغَبُونَـأَن تَنكِحُوهُنّ وَالْمُس ْت‬
‫ط وَمَا تَ ْفعَلُوْا ِمنْ خَيْ ٍر َفإِنّ ال ّلهَ كَا َن ِبهِ عَلِيما (‪. ﴾)127‬‬
‫لِلْيَتَامَى بِاْل ِقسْ ِ‬
‫عن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬ويَ سَْت ْفتُونَكَ فِي النّ سَاء قُلِ اللّ ُه ُي ْفتِيكُ مْ فِيهِنّ َومَا‬
‫ُيتْلَى عََلْيكُ مْ فِي اْل ِكتَا بِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أ هل جاهل ية ل يورّثون الولود‬
‫سَتفْتُونَكَ‬
‫حت يكب ‪ ،‬ول يورّثون الرأة ‪ ،‬فلما كان السلم قال ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫فِي النّ سَاء قُلِ اللّ ُه ُي ْفتِيكُ مْ فِيهِنّ َومَا ُيتْلَى عََلْيكُ مْ فِي اْلكِتَا بِ ﴾ ‪ ،‬ف أول‬
‫سـورة فـ الفرائض ‪ ﴿ .‬الّلتِي َل ُت ْؤتُوَنهُنّ مَا ُكتِبَـَلهُنّ ﴾ ‪ ،‬وقالت‬
‫عائشة ‪ :‬هذا ف اليتيمة تكون عند الرجل ‪ ،‬لعلها تكون شريكته ف ماله‬
‫و هو أول ب ا من غيه ‪ ،‬في غب عن ها أن ينكح ها ويعضل ها لال ا ‪ ،‬ول‬
‫ينكحها غيه ‪ ،‬كراهية أن يشركه أحد ف مالا ‪.‬‬
‫ـ َوأَن َتقُومُواْ ِل ْليَتَامَـى‬
‫ـ اْلوِلْدَان ِ‬
‫ي مِن َ‬
‫ض َعفِ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْمُس ْ‬
‫ـتَ ْ‬
‫ط َومَا َت ْفعَلُواْ مِ نْ َخيْرٍ فَِإنّ اللّ هَ كَا َن بِ ِه عَلِيما ﴾ ‪ ،‬عن السدي قوله‬
‫بِاْلقِ سْ ِ‬
‫ي مِ َن اْلوِلْدَا نِ ﴾ ‪ ،‬كانوا ل يورّثون جارية ‪ ،‬ول غلمًا‬ ‫سَتضْ َعفِ َ‬ ‫‪ ﴿ :‬وَالْمُ ْ‬
‫صغيًا ‪ ،‬فأمرهم ال أن يقوموا لليتامى بالقسط ‪ ،‬والقسط ‪ :‬أن يعطى كل‬
‫ذي حق منهم حقه ذكرًا كان أو أنثى ‪ ،‬الصغي منهم بنلة الكبي ‪.‬‬
‫ت مِن َبعْلِهَا ُنشُوزا أَ ْو إِ ْعرَاضا فَلَ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِ نِ ا ْم َرأَ ٌة خَافَ ْ‬
‫ضرَتِ الَنفُسُ‬
‫ح خَ ْي ٌر وَُأحْ ِ‬
‫جُنَاْحَ عَلَ ْيهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيَْنهُمَا صُلْحا وَالصّلْ ُ‬
‫حسِنُواْ َوتَّتقُواْ فَإِ ّن اللّهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيا (‪ )128‬وَلَن‬
‫ح َوإِن تُ ْ‬
‫الشّ ّ‬
‫‪583‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل تَمِيلُواْ ُكلّ الْمَ ْيلِ‬


‫َصـُت ْم فَ َ‬
‫ْنـ النّسـَاء َولَ ْو َحر ْ‬
‫َسـتَطِيعُوْا أَن َتعْ ِدلُوْا بَي َ‬
‫ت ْ‬
‫فََتذَرُوهَا كَالْ ُمعَ ّلقَ ِة َوإِن تُ صْلِحُواْ َوتَّتقُوْا َفإِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا ّرحِيما (‬
‫ل مّن َسعَتِ ِه وَكَا َن اللّ ُه وَا سِعا َحكِيما (‬
‫‪ )129‬وَإِن يََت َف ّرقَا ُيغْ ِن اللّ هُ كُ ّ‬
‫‪. ﴾ )130‬‬
‫عن خالد بن عرعرة أن رجلً أ تى عليًا ر ضي ال ع نه ي ستفتيه ف‬
‫امرأة ‪ ،‬خا فت من بعل ها نشوزًا أو إعراضًا ‪ .‬فقال ‪ :‬قد تكون الرأة ع ند‬
‫الرجـل ‪ ،‬فتنبوا عيناه عنهـا مـن دمامتهـا أو كبهـا ‪ ،‬أو سـوء خلقهـا‬
‫ـ شيئًا حـل له ‪ ،‬وإن‬
‫وفقرهـا ‪ ،‬فتكره فراقـه ‪ ،‬وإن وضعـت له مـن مهره ا‬
‫جعلت له من أيامها شيئًا فل حرج ‪.‬‬
‫وقال عمر رضي ال عنه ‪ :‬هذه الرأة تكون عند الرجل قد خل من‬
‫سنها ‪ ،‬فيتزوج الرأة الشابة يلتمس ولدها ‪ ،‬فما اصطلحا عليه من شيء‬
‫فهو جائز ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس رضي ال عنه ‪ :‬هي الرأة تكون عند الرجل فييد أن‬
‫يفارق ها وتكره أن يفارق ها ‪ ،‬وير يد أن يتزوج فيقول ‪ :‬إ ن ل أ ستطيع أن‬
‫أقسم لك بثل ما أقسم لا ‪ ،‬فتصاله أن يكون لا ف اليام ‪ ،‬فيتراضيان‬
‫على ذلك ‪ ،‬فيكونان على ما اصطلحا عليه ‪ .‬وقال عبيدة ‪ :‬يصالها على‬
‫مـا رضيـت دون حقهـا ‪ ،‬فله ذلك مـا رضيـت ‪ ،‬فإذا أنكرت أو قالت ‪:‬‬
‫غرت ‪ ،‬فلها أن يعدل عليها ‪ ،‬أو يرضيها أو يطلقها ‪.‬‬
‫ُسـ الشّح ّ ﴾ ‪ ،‬قال ابـن عباس ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأُ ْحضِر ِ‬
‫َتـ الَنف ُ‬
‫نصيبها منه ‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬والشح ‪ :‬الفراط ف الرص على الشيء ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪584‬‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن تُحْ ِ‬


‫سنُواْ َوَتّتقُواْ فَإِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫بِمَا َتعْ َملُونَ َخبِيا ﴾ ‪ ،‬وإن تتجشموا مشقة الصب على ما تكرهون منهن‬
‫‪ ،‬وتقسـموا لنـ أسـوة أمثالنـ ‪ ،‬فإن ال عال بذلك ‪ ،‬وسـيجزيكم على‬
‫ذلك أوفر الزاء ‪.‬‬
‫صتُمْ َفلَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَن تَ ْ‬
‫ستَطِيعُواْ أَن َتعْدِلُواْ َبيْ نَ النّ سَاء وََلوْ َحرَ ْ‬
‫تَمِيلُواْ كُ ّل الْ َميْلِ َفتَ َذرُوه َا كَالْ ُمعَّل َقةِ ﴾ ‪ ،‬عـن ابـن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَلَن‬
‫َصـتُمْ ﴾ ‪ ،‬يعنـ ‪ :‬فـ البـ‬‫ْنـ النّسـَاء وََلوْ حَر ْ‬‫َسـتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُوْا َبي َ‬
‫ت ْ‬
‫والماع ‪ .‬و عن قتادة قال ‪ :‬ذ كر ل نا أن ع مر بن الطاب كان يقول ‪:‬‬
‫اللهـم أمـا قلبـ فل أملك ‪ ،‬وأمـا سـوى ذلك فأرجوا أن أعدل ‪ .‬وعـن‬
‫السن ‪َ ﴿ :‬فلَ تَمِيلُواْ كُ ّل الْ َميْلِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ف الغشيان والقسم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فتَذَرُوهَا كَالْ ُمعَّل َقةِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬هي أيّم ول‬
‫ذات روح ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن تُ صْلِحُوْا َوتَّتقُواْ فَإِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا رّحِيما ﴾‬
‫‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬وإذا أصلحتم ف أموركم ‪ ،‬وقسمتم بالعدل فيما‬
‫تلكون ‪ ،‬واتقيتم ال ف جيع الحوال ‪ ،‬غفر ال لكم ما كان من ميل إل‬
‫بعض النساء دون بعض ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن َيتَفَرّقَا ُيغْ نِ اللّ هُ ُك ّ‬
‫ل مّن َس َعتِهِ وَكَا نَ اللّ ُه وَا سِعا‬
‫ل مّن َسعَتِهِ‬
‫َحكِيما ﴾ عن ماهد ف قول ال ‪َ ﴿ :‬وإِن َيَتفَرّقَا ُيغْنِ اللّهُ ُك ّ‬
‫ل مّن َسعَتِهِ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴾ قال ‪ :‬الطلق ‪ُ ﴿ :‬يغْنِ اللّهُ ُك ّ‬
‫‪585‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض وََل َقدْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ‬
‫ب مِن قَبْ ِلكُ ْم وَِإيّاكُ ْم أَ ِن اّتقُواْ اللّ َه َوإِن تَ ْك ُفرُواْ‬
‫وَصّيْنَا اّلذِي َن أُوتُواْ اْلكِتَا َ‬
‫ض وَكَا َن اللّ هُ غَنِيّا حَمِيدا (‬
‫َفإِنّ لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ‬
‫‪ )131‬وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ضِ وَكَفَى بِاللّ هِ وَكِيلً (‬
‫‪ )132‬إِن َيشَ ْأ ُيذْهِ ْبكُ ْم أَّيهَا النّا سُ وََيأْ تِ بِآ َخرِي نَ وَكَا نَ اللّ هُ عَلَى َذلِ كَ‬
‫َابـ ال ّدنْي َا‬
‫ّهـ َثو ُ‬
‫َابـ الدّنْي َا َفعِن َد الل ِ‬
‫َانـ ُيرِي ُد ثَو َ‬
‫َقدِيرا (‪ )133‬مّنـ ك َ‬
‫وَال ِخ َر ِة وَكَانَ ال ّلهُ سَمِيعا بَصِيا (‪. ﴾ )134‬‬
‫عن علي ‪ ﴿ :‬وَكَا نَ اللّ ُه َغنِيّا َحمِيدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬غنيًا عن خلقه ‪﴿ .‬‬
‫حَمِيدا ﴾ قال ‪ :‬مستحمدًا إليهم ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬فإن قيل ‪ :‬فأي فائدة ف‬
‫ت َومَا فِي الَرْضِ ﴾ ؟؟ قيل ‪:‬‬
‫تكرار قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫لكل واحد منها وجه ‪ :‬أما الول ‪ :‬فمعناه ‪ :‬للّه ما ف السّماوات وما ف‬
‫الرض ‪ ،‬وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته ‪.‬‬
‫وأ ما الثا ن ‪ :‬فيقول ‪ ﴿ :‬فَإِنّ ِللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ‬
‫وَكَانَ اللّ ُه َغنِيّا َحمِيدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هو الغن فاطلبوا منه ما تطلبون ‪.‬‬
‫وأ ما الثالث ‪ :‬فيقول ‪ ﴿ :‬وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ‬
‫ّهـ وَكِيلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬له اللك فاتذه وكيلً ‪ ،‬ول تتوكلوا على‬
‫وَكَف َى بِالل ِ‬
‫غيه ‪.‬‬
‫س َويَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن يَ َ‬
‫شأْ يُ ْذ ِهْبكُمْ َأّيهَا النّا ُ‬
‫عَلَى ذَلِكَ قَدِيرا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬قادر وال ربنا على ذلك ‪ ،‬أن يهلك من‬
‫يشاء من خلقه ويأت بآخرين من بعدهم ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪586‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مّ ن كَا نَ يُرِيدُ َثوَا بَ ال ّدنْيَا َفعِندَ اللّ ِه َثوَا بُ ال ّدنْيَا‬
‫وَال ِخ َرةِ وَكَانَ اللّ ُه سَمِيعا َبصِيا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يريد ‪ :‬من كان يريد بعمله عرضًا من الدنيا ‪ ،‬ول يريد‬
‫ال عز و جل ‪ ،‬آتاه ال من عرض الدنيا ‪ ،‬أو د فع عنه فيها ما أراد ال ‪،‬‬
‫ول يس له ف الخرة من ثواب ‪ ،‬و من أراد بعمله ثواب الخرة ‪ ،‬آتاه ال‬
‫من الدنيا ما أحب ‪ ،‬وجزاه النة ف الخرة ‪.‬‬
‫وقوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِينَـ آمَنُواْ كُونُوْا َقوّامِيَ بِالْقِس ْـطِ‬
‫شُ َهدَاء لِلّهِـ َوَلوْ عَلَى أَنفُسِـ ُكمْ َأوِ اْلوَاِل َديْنِـ وَا َل ْقرَبِيَ إِن َيكُن ْـ غَنِيّا أَوْ‬
‫ل تَتِّبعُواْ اْلهَوَى أَن َتعْ ِدلُوْا وَإِن تَ ْلوُوْا َأوْ ُت ْعرِضُواْ‬
‫َفقَيا فَاللّ ُه َأوْلَى بِهِمَا فَ َ‬
‫َفإِنّ ال ّلهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُو َن خَبِيا (‪. ﴾ )135‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬أ مر ال الؤمن ي أن يقولوا ال ق ‪ ،‬ولو على أنف سهم‬
‫ـكينًا‬ ‫ـم ‪ ،‬ول تابوا غنيًـا لغناه ‪ ،‬ول ترحوا مسـ‬ ‫ـم أو أبنائهـ‬‫أو آبائهـ‬
‫ّهـ َأوْلَى ِبهِم َا َفلَ‬
‫ُنـ َغِنيّا َأوْ َفقَيا فَالل ُ‬
‫لسـكنته ‪ ،‬وذلك قوله ‪ ﴿ :‬إِن يَك ْ‬
‫ـــ فتجوروا ‪َ ﴿ ،‬وإِن تَ ْلوُواْ َأوْ‬ ‫َتتِّبعُوْا اْل َهوَى أَن َتعْدِلُواْ ﴾ فتذروا القـ‬
‫ُتعْرِضُواْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هاـ الرجلن يلسـان بيـ يدي القاضـي فيكون لّ‬
‫القاضي وإعراضه لحدها على الخر ‪ .‬وقال ماهد ‪َ ﴿ :‬وإِن تَ ْلوُواْ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬تبدلوا الشهادة ‪َ ﴿ ،‬أوْ ُتعْرِضُواْ ﴾ قال ‪ :‬تكتموها ‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫‪ :‬تلوي لسـانك بغيـ القـ وهـي ‪ :‬اللجلجـة ‪ ،‬فل تقيـم الشهادة على‬
‫وجهها ‪ ،‬والعراض ‪ :‬الترك ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬والعراض هو ‪ :‬كتمان الشهادة وتركها ‪ .‬قال تعال‬
‫﴿ وَمَن َي ْكتُمْهَا فَِإنّ ُه آثِ مٌ َق ْلبُ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ال نب ‪ « :‬خ ي الشهداء الذي‬
‫‪587‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يأ ت بالشهادة ق بل أن ي سألا » ‪ .‬ولذا توعد هم ال بقوله ‪ ﴿ :‬فَإِنّ اللّ هَ‬


‫كَانَ بِمَا َتعْ َملُونَ َخبِيا ﴾ ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪588‬‬

‫الدرس الثامن والستون‬

‫ب الّذِي َنزّلَ عَلَى‬


‫﴿ يَا أَّيهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ آمِنُوْا بِاللّ ِه وَرَ سُولِ ِه وَاْلكِتَا ِ‬
‫لِئكَتِ ِه وَكُتُبِ هِ‬
‫ي أَن َزلَ مِن قَ ْب ُل وَمَن يَ ْك ُفرْ بِاللّ هِ وَمَ َ‬
‫رَ سُولِ ِه وَاْلكِتَا بِ اّلذِ َ‬
‫ل ًل َبعِيدا (‪ )136‬إِنّ اّلذِي نَ آمَنُواْ ُثمّ‬
‫ضلّ ضَ َ‬
‫وَرُ سُ ِلهِ وَالْيَوْ ِم ال ِخرِ َف َقدْ َ‬
‫َك َفرُوْا ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ َك َفرُوْا ُثمّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا لّ مْ َيكُ نِ اللّ هُ لِيَ ْغ ِفرَ َلهُ ْم وَلَ‬
‫ُمـ َعذَابا َألِيما (‪)138‬‬
‫سـبِيلً (‪َ )137‬بشّ ِر الْمُنَافِقِيَ ِبأَنّ َله ْ‬
‫ُمـ َ‬
‫لَِيهْ ِدَيه ْ‬
‫خذُو َن الْكَافِرِي َن َأوْلِيَاء مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َأيَبَْتغُونَ عِن َدهُ مُ اْل ِع ّزةَ‬
‫الّذِي َن يَتّ ِ‬
‫َنـ ِإذَا‬
‫َابـ أ ْ‬
‫ُمـ ف ِي الْكِت ِ‬
‫ّهـ جَمِيعا (‪َ )139‬وقَ ْد َنزّلَ عَلَ ْيك ْ‬
‫َفإِنّ ال ِع ّز َة لِل ِ‬
‫ُمـ حَتّىـ‬
‫ل َت ْقعُدُواْ َم َعه ْ‬
‫ُسـَت ْهزَُأ بِهَا فَ َ‬
‫ّهـ يُ َك َفرُ بِهَا َوي ْ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫سـِمعْتُمْ آي ِ‬
‫َ‬
‫يَخُوضُوْا فِي َحدِي ثٍ غَ ْيرِ ِه ِإنّكُ مْ إِذا مّثْ ُلهُ ْم إِنّ اللّ َه جَامِ ُع الْمُنَا ِفقِيَ‬
‫وَاْلكَا ِفرِي َن فِي َجهَّنمَ جَمِيعا (‪ )140‬الّذِينَ يََت َربّصُونَ ِب ُكمْ َفإِن كَا َن َلكُمْ‬
‫ب قَالُواْ َألَ مْ‬
‫فَتْ حٌ مّ نَ اللّ هِ قَالُوْا أَلَ مْ َنكُن ّمعَكُ ْم َوإِن كَا َن لِ ْلكَا ِفرِي نَ نَ صِي ٌ‬
‫حكُ مُ بَيَْنكُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ‬
‫ح ِوذْ عَلَ ْيكُ ْم َونَمَْنعْكُم مّ َن الْ ُمؤْمِنِيَ فَاللّ هُ َي ْ‬
‫نَ سْتَ ْ‬
‫ج َعلَ اللّ هُ لِلْكَافِرِي نَ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ سَبِيلً (‪ )141‬إِنّ الْمُنَا ِفقِيَ‬
‫وَلَن يَ ْ‬
‫ل ِة قَامُواْ كُسـَالَى‬
‫الصـ َ‬
‫ُمـ وَِإذَا قَامُوْا ِإلَى ّ‬
‫ّهـ وَ ُهوَ خَادِ ُعه ْ‬
‫ُونـ الل َ‬
‫يُخَادِع َ‬
‫ك لَ‬
‫س َولَ َيذْ ُكرُو َن اللّهَ إِل قَلِيلً (‪ّ )142‬مذَْب َذبِيَ بَيْنَ َذلِ َ‬
‫ُيرَآؤُونَ النّا َ‬
‫ـِيلً (‬
‫ج َد لَ هُ سَب‬
‫ِإلَى هَــؤُلء َولَ إِلَى هَ ـؤُلء وَمَن يُضْ ِللِ اللّ هُ فَلَن تَ ِ‬
‫خذُوْا الْكَا ِفرِينَ َأ ْولِيَاء مِن دُونِ الْ ُم ْؤمِنِيَ‬
‫‪ )143‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوْا لَ تَتّ ِ‬
‫جعَلُواْ لِلّ هِ عَلَ ْيكُ مْ سُلْطَانا مّبِينا (‪ )144‬إِنّ الْمُنَافِقِيَ فِي‬
‫َأتُرِيدُو نَ أَن تَ ْ‬
‫ج َد َلهُ مْ نَ صِيا (‪ )145‬إِل الّذِي َن تَابُواْ‬
‫الدّرْ كِ الَ ْس َفلِ مِ نَ النّا ِر وَلَن تَ ِ‬
‫‪589‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك مَ َع الْمُ ْؤمِنِيَ‬
‫وَأَ صْلَحُوْا وَاعْتَ صَمُواْ بِاللّ ِه َوأَخْلَ صُوْا دِينَهُ مْ لِلّ هِ َفُأوْلَـئِ َ‬
‫ف يُؤْ تِ اللّ ُه الْمُ ْؤمِنِيَ َأجْرا عَظِيما (‪ )146‬مّا يَ ْف َعلُ اللّ ُه بِ َعذَاِبكُ مْ‬
‫وَ َسوْ َ‬
‫إِن شَ َك ْرتُ ْم وَآمَنُتمْ وَكَا َن ال ّلهُ شَاكِرا عَلِيما (‪. ﴾ )147‬‬

‫***‬
‫الزء الول‬ ‫‪590‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ آ ِمنُوْا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَاْلكِتَابِ‬
‫الّذِي َنزّلَ عَلَى رَ سُوِلهِ وَالْكِتَا بِ اّلذِ يَ أَنزَ َل مِن قَ ْب ُل وَمَن َيكْ ُف ْر بِاللّ هِ‬
‫للً َبعِيدا (‪ )136‬إِنّ‬
‫ضَ‬‫ضلّ َ‬
‫لِئكَتِهِ وَكُتُبِ ِه وَرُسُ ِلهِ وَالْيَوْ ِم ال ِخ ِر َفقَدْ َ‬
‫وَمَ َ‬
‫الّذِينَ آمَنُواْ ُثمّ َك َفرُوْا ُثمّ آمَنُواْ ُثمّ َكفَرُواْ ُثمّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا لّ ْم يَ ُكنِ اللّهُ‬
‫لَِيغْ ِف َر َلهُ مْ َولَ لَِي ْه ِدَيهُ مْ سَبِيلً (‪َ )137‬بشّ ِر الْمُنَافِقِيَ ِبأَنّ َلهُ مْ َعذَابا‬
‫خذُو َن الْكَافِرِي َن َأوْلِيَاء مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َأيَبَْتغُونَ‬
‫َألِيما (‪ )138‬الّذِي َن يَتّ ِ‬
‫عِن َد ُهمُ اْلعِ ّز َة َفإِنّ ال ِع ّزةَ لِ ّل ِه جَمِيعا (‪. ﴾ )139‬‬
‫قيل ‪ ( :‬نزلت ﴿ يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ آ ِمنُوْا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ ﴾ ف مؤمن‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬أتوا رسول ال فقالوا ‪ :‬نؤمن بك ‪ ،‬وبكتابك ‪ ،‬وبوسى‬
‫‪ ،‬والتوراة ‪ ،‬وعزير ‪ ،‬ونكفر با سواه من الكتاب والرسل ‪ .‬فقال لم النب‬
‫‪ « :‬بل آمنوا بال ورسوله ممد ‪ ،‬والقرآن ‪ ،‬وبكل كتاب كان قبله »‬
‫‪ .‬فأنزل ال هذه اليـة ) ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬أراد بمـ اليهود والنصـارى ‪،‬‬
‫يقول ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ ﴾ بو سى وعي سى ‪ ﴿ ،‬آ ِمنُواْ ﴾ بح مد‬
‫والقرآن ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬أراد بم النافقي ‪ ،‬يقول ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ‬
‫ـة ‪ :‬هذا خطاب‬ ‫ـو العاليـ‬‫ـان ‪ ﴿ ،‬آ ِمنُواْ ﴾ بالقلب ‪ .‬وقال أبـ‬ ‫﴾ باللسـ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ آ ِمنُواْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أقيموا واثبتوا‬
‫للمؤمنيـ يقول ‪ ﴿ :‬ي َا َأيّه َا الّذ َ‬
‫على اليان ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬يأ مر تعال عباده الؤمن ي بالدخول ف ج يع شرائع‬
‫اليان ‪ ،‬وشعبـه ‪ ،‬وأركانـه ‪ ،‬ودعائمـه ‪ ،‬وليـس هذا مـن باب تصـيل‬
‫الا صل ‪ ،‬بل من باب تكم يل الكا مل ‪ ،‬وتقريره ‪ ،‬وت ثبيته ‪ ،‬وال ستمرار‬
‫‪591‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عليه ‪ ،‬كما يقول الؤمن ف كل صلة ‪ ﴿ :‬اه ِدنَا ال صّرَاطَ الُسَتقِيمَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬بصرّنا فيه ‪ ،‬وزدنا هدى ‪ ،‬وثبتنا عليه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذ َ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ ثُمّ َكفَرُوْا ثُمّ آ َمنُوْا ثُمّ َكفَرُواْ ثُمّ‬
‫ازْدَادُواْ ُكفْرا لّ ْم َيكُ نِ اللّ هُ ِليَ ْغفِرَ َلهُ ْم وَلَ ِلَيهْ ِدَيهُ مْ َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫هـم ‪ :‬اليهود والنصـارى ‪ ،‬آمنـت اليهود بالتوراة ثـ كفرت ‪ ،‬وآمنـت‬
‫الن صارى بالن يل ث كفرت ‪ ،‬وكفر هم به ترك هم إياه ‪ .‬ث ﴿ ا ْزدَادُواْ‬
‫ُكفْرا ﴾ بالفرقان وبحمـد ‪ .‬وقال ابـن زيـد هؤلء النافقون ‪ ،‬آمنوا‬
‫مرت ي وكفروا مرت ي ‪ ،‬ث ازدادوا كفرًا ب عد ذلك ‪ .‬و عن علي ر ضي ال‬
‫ع نه قال ‪ :‬ي ستتاب الر تد ثلثًا ث قرأ ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوْا ثُمّ َكفَرُواْ ثُمّ‬
‫آ َمنُواْ ثُم ّ َكفَرُواْ ثُم ّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا ﴾ ‪ .‬وقال إبراهيـم ‪ :‬يسـتتاب كلمـا‬
‫ارتد ‪ ،‬وهو قول أكثر أهل العلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لّ ْم َيكُ نِ اللّ هُ ِليَ ْغفِرَ َلهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أقاموا على ذلك‬
‫﴿ وَلَ ِلَيهْ ِدَيهُ ْم َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طريقًا إل الق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَشّ ِر الْ ُمنَاِفقِيَ ِبأَنّ َلهُ ْم عَذَابا أَلِيما * الّذِي َن َيتّخِذُو نَ‬
‫الْكَافِرِي نَ َأوِْليَاء مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َأَيْبتَغُو نَ عِن َدهُ ُم اْلعِ ّزةَ فَإِنّ العِ ّزةَ ِللّ ِه‬
‫ـ الْعِ ّز ُة وَلِرَسـُولِهِ وَلِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَـ وََلكِنّـ‬ ‫جَمِيعا ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلِلّه ِ‬
‫الْ ُمنَاِفقِيَ لَا َيعْلَمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ب أَ ْن ِإذَا سَ ِمعُْتمْ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬و َقدْ َن ّزلَ عَلَ ْيكُ مْ فِي اْلكِتَا ِ‬
‫ل َت ْق ُعدُواْ َم َعهُ ْم حَتّ ى يَخُوضُوْا فِي‬
‫آيَا تِ اللّ هِ ُي َكفَ ُر بِهَا وَيُ سْتَ ْه َزأُ بِهَا فَ َ‬
‫حَدِي ثٍ غَ ْيرِ ِه ِإنّكُ مْ إِذا مّثْ ُلهُ مْ إِنّ اللّ هَ جَامِ ُع الْمُنَافِقِيَ وَاْلكَا ِفرِي نَ فِي‬
‫الزء الول‬ ‫‪592‬‬

‫ح مّ نَ اللّ هِ‬
‫جَهَنّ َم جَمِيعا (‪ )140‬اّلذِي َن يََترَبّ صُو َن بِكُ ْم َفإِن كَا نَ َلكُ مْ فَ ْت ٌ‬
‫ح ِوذْ‬
‫ب قَالُوْا َألَ ْم نَ سْتَ ْ‬
‫قَالُواْ َألَ مْ نَكُن ّم َعكُ ْم َوإِن كَا َن لِ ْلكَافِرِي نَ نَ صِي ٌ‬
‫جعَلَ‬
‫حكُمُ بَيَْنكُمْ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َولَن َي ْ‬
‫عَلَ ْيكُمْ َونَمَْن ْعكُم مّنَ الْ ُم ْؤمِنِيَ فَاللّ ُه يَ ْ‬
‫ي سَبِيلً (‪. ﴾ )141‬‬
‫اللّ ُه لِ ْلكَا ِفرِينَ عَلَى الْ ُمؤْمِنِ َ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَقَ ْد َنزّ َل عََلْيكُ مْ فِي اْل ِكتَا بِ أَ نْ إِذَا َس ِمعْتُ ْم آيَا تِ اللّ ِه ُي َكفَرُ‬
‫ل َتقْعُدُوْا َم َعهُ مْ َحتّى يَخُوضُواْ فِي َحدِي ثٍ َغيْرِ هِ ِإّنكُ ْم‬ ‫سَتهْ َزُأ ِبهَا َف َ‬
‫ِبهَا َويُ ْ‬
‫ِينـ‬
‫ْتـ الّذ َ‬ ‫ُمـ ﴾ يشيـ إل قوله فـ سـورة النعام ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َرَأي َ‬ ‫إِذا ّمثُْله ْ‬
‫ث َغيْرِ هِ ﴾ ‪.‬‬ ‫يَخُوضُو نَ فِي آيَاتِنَا َفَأعْرِ ضْ عَْنهُ مْ َحتّى يَخُوضُواْ فِي َحدِي ٍ‬
‫و عن هشام بن عر فة قال ‪ :‬أ خذ ع مر بن ع بد العز يز قومًا على شراب‬
‫ل َت ْقعُدُوْا َم َعهُ مْ َحتّ ى‬
‫فضرب م وفي هم صائم فقالوا ‪ :‬إن هذا صائم ‪َ ﴿ ،‬ف َ‬
‫ث َغيْ ِرهِ ِإّنكُمْ إِذا ّمثُْلهُمْ ﴾ ‪.‬‬‫يَخُوضُواْ فِي َحدِي ٍ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ جَا ِم ُع الْ ُمنَاِفقِيَ وَاْلكَافِرِي نَ فِي َج َهنّ مَ جَمِيعا‬
‫* الّذِي نَ َيتَ َربّ صُونَ ِبكُ مْ فَإِن كَا نَ َلكُ مْ َفتْ ٌح مّ نَ اللّ هِ قَالُواْ أَلَ ْم َنكُن ّمعَكُ مْ‬
‫ّنـ‬
‫ُمـ َونَ ْمَنعْكُم م َ‬ ‫حوِ ْذ عََلْيك ْ‬ ‫َسـتَ ْ‬
‫َمـ ن ْ‬ ‫ِينـ نَصـِيبٌ قَالُواْ أَل ْ‬
‫َانـ ِل ْلكَافِر َ‬
‫َوإِن ك َ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ .‬قال ا بن جر يج ‪ :‬إن أ صاب ال سلمون من عدو هم غني مة‬
‫قال النافقون ‪ :‬أل ن كن مع كم ؟ قد ك نا مع كم فأعطو نا غني مة م ثل ما‬
‫تأخذون ‪ ،‬وإن كان للكافرين نصيب يصيبونه من السلمي قال النافقون‬
‫للكافر ين ‪ :‬أل ن ستحوذ علي كم وننع كم من الؤمن ي ؟ قد ك نا نثبط هم‬
‫عنكم ‪.‬‬
‫ّهـ‬
‫جعَلَ الل ُ‬
‫ْمـ الْ ِقيَا َمةِ وَلَن َي ْ‬
‫ُمـ َيو َ‬
‫ُمـ َبْينَك ْ‬
‫حك ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَالل ُ‬
‫ّهـ يَ ْ‬
‫لِ ْلكَافِرِي َن عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬عن منيع الضرمي قال ‪ :‬كنت عند‬
‫‪593‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫علي بن أب طالب رضي ال عنه فقال رجل ‪ :‬يا أمي الؤمني أرأيت قول‬
‫جعَلَ اللّهُ لِ ْلكَاِفرِينَ عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َسبِيلً ﴾ ‪ ،‬وهم‬ ‫ال عز وجل ‪ ﴿ :‬وَلَن يَ ْ‬
‫يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون ؟ قال له علي ‪ُ :‬أ ْدنُه ‪ ،‬أدنه ‪ .‬ث قال ‪ ﴿ :‬فَاللّهُ‬
‫جعَلَ اللّ هُ ِل ْلكَافِرِي َن عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ سَبِيلً ﴾‬
‫حكُ ُم َبْينَكُ ْم َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ وَلَن يَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬حجة ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الْمُنَا ِفقِيَ يُخَادِعُو نَ اللّ هَ َو ُهوَ خَادِ ُعهُ ْم َوِإذَا‬
‫ل ِة قَامُواْ كُ سَالَى ُيرَآؤُو نَ النّا سَ وَ َل َيذْكُرُو َن اللّ َه إِل‬
‫قَامُواْ ِإلَى ال صّ َ‬
‫قَلِيلً (‪ّ )142‬م َذبْ َذبِيَ بَيْ َن َذلِ كَ َل ِإلَى هَـؤُلء َو َل إِلَى هَـؤُلء َومَن‬
‫ج َد َلهُ سَبِيلً (‪. ﴾ )143‬‬
‫يُضْ ِللِ ال ّلهُ فَلَن تَ ِ‬
‫عن السدي ‪ ﴿ :‬إِنّ الْ ُمنَافِقِيَ يُخَا ِدعُو نَ اللّ َه َوهُوَ خَا ِد ُعهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬يعطي هم يوم القيا مة نورًا يشون به على ال سلمي ك ما كانوا مع هم ف‬
‫الدن يا ‪ ،‬ث ي سلبهم ذلك النور فيطف يه ‪ ،‬فيقومون ف ظلمت هم ‪ ،‬ويضرب‬
‫بينهم السور ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قَامُواْ إِلَى ال ّ‬
‫صلَةِ قَامُواْ كُ سَالَى ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫وإنه وال لول الناس ما صلّى النافق ‪ ،‬ول يصلي إل رياء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ يَذْ ُكرُو نَ اللّ هَ إِل قَلِيلً ﴾ ‪ .‬قال السن ‪ :‬إنا َقلّ‬
‫لنـه كان لغيـ ال ‪ .‬وفـ الصـحيحي أن رسـول ال قال ‪ « :‬أثقـل‬
‫الصلة على النافقي صلة العشاء وصلة الفجر ‪ ،‬ولو يعلمون ما فيهما‬
‫لتوه ا ولو حبوًا ‪ ،‬ول قد ه مت أن آ مر بال صلة فتقام ‪ ،‬ث آ مر رجلً‬
‫فيصلي بالناس ‪ ،‬ث أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إل قوم ل‬
‫يشهدون الصلة ‪ ،‬فأحرق عليهم بيوتم بالنار » ‪.‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪594‬‬

‫وف رواية ‪ « :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لو يعلم أحدهم أنه يد عرقًا سينًا‬
‫أو مرماتي جنتي لشهد العشاء ‪ ،‬ولول ما ف البيوت من النساء والذرية ‪،‬‬
‫لرقت عليهم بيوتم بالنار » ‪ .‬وعن أنس بن مالك أن رسول ال قال‬
‫‪ « :‬تلك صلة النا فق ‪ ،‬تلك صلة النا فق ‪ ،‬تلك صلة النا فق ‪ ،‬يلس‬
‫يرقب الشمس حت إذا كانت بي قرن الشيطان قام فنقر أربعًا ‪ ،‬ل يذكر‬
‫ال فيها إل قليلً » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مّ َذبْ َذبِيَ َبيْ نَ ذَلِ كَ لَ إِلَى هَـؤُلء وَلَ إِلَى هَـؤُلء‬
‫وَمَن يُضِْللِ اللّ هُ فَلَن َتجِدَ لَ هُ َسبِيلً ﴾ ‪ .‬قال قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬مّ َذبْ َذبِيَ‬
‫ِكـ لَ إِلَى هَــؤُلء وَلَ إِلَى هَــؤُلء ﴾ يقول ‪ :‬ليسـوا بؤمنيـ‬
‫ْنـ ذَل َ‬
‫َبي َ‬
‫مل صي ‪ ،‬ول مشرك ي م صرحي بالشرك ‪ .‬و عن ا بن ع مر عن ال نب‬
‫قال ‪ « :‬م ثل النا فق كم ثل الشاة العائزة ب ي الغنم ي ‪ ،‬تع ي إل هذه مرة‬
‫وإل هذه مرة ‪ ،‬ل تدري أيهما تتبع » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫خذُواْ اْلكَا ِفرِي َن َأوْلِيَاء‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ لَ تَتّ ِ‬
‫جعَلُوْا لِلّ هِ عَلَ ْيكُ مْ سُلْطَانا مّبِينا (‪)144‬‬
‫مِن دُو ِن الْ ُمؤْمِنِيَ َأُترِيدُو َن أَن تَ ْ‬
‫ج َد َلهُ مْ نَ صِيا (‪)145‬‬
‫إِنّ الْمُنَافِقِيَ فِي الدّرْ ِك الَ سْ َفلِ مِ نَ النّا ِر َولَن تَ ِ‬
‫ّهـ‬
‫ُمـ لِل ِ‬
‫ّهـ َوَأخْلَصـُوْا دِينَه ْ‬
‫َصـمُوْا بِالل ِ‬
‫َصـلَحُواْ وَاعْت َ‬
‫ِينـ تَابُوْا َوأ ْ‬
‫إِل الّذ َ‬
‫ّهـ الْ ُمؤْمِنِيَ َأجْرا َعظِيما (‬
‫ْتـ الل ُ‬
‫ف ُيؤ ِ‬
‫َسـوْ َ‬
‫َعـ الْ ُم ْؤمِنِيَ و َ‬
‫َفأُ ْولَــِئكَ م َ‬
‫‪ )146‬مّاـَي ْفعَ ُل اللّهُـِب َعذَابِكُم ْـإِن شَ َك ْرتُم ْـ وَآمَنتُم ْـ وَكَانَـ اللّهُـ شَاكِرا‬
‫عَلِيما (‪. ﴾ )147‬‬
‫‪595‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ َل َتتّخِذُوْا الْكَافِرِي نَ َأوِْليَاء مِن دُو نِ‬
‫ـلْطَانا ّمبِينا ﴾ ‪ ،‬وإن ل‬ ‫ـس ُ‬ ‫ـ عََليْكُم ْ‬ ‫جعَلُواْ لِلّه ِ‬
‫ـ أَن تَ ْ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَـَأتُرِيدُون َ‬
‫السلطان على خلقه ‪ ،‬ولكنه يقول عذرًا مبينًا ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬ما كان ف‬
‫القرآن من سلطان ف هو ح جة ‪ .‬و عن ا بن م سعود ‪ ﴿ :‬إِنّ الْ ُمنَاِفقِيَ فِي‬
‫الدّرْ ِك الَ ْسفَ ِل مِ َن النّارِ ﴾ قال ‪ :‬ف تواب يت من حد يد مبه مة علي هم ‪.‬‬
‫وقال حذيفـة ‪ :‬ليدخلن النـة قوم كانوا منافقيـ ‪ ،‬ثـ قرأ ‪ ﴿ :‬إِل الّذِينَـ‬
‫ك مَ َع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫تَابُوْا َوأَصَْلحُواْ وَاعَْتصَمُوْا بِاللّهِ َوأَخْلَصُواْ دِيَنهُمْ لِلّهِ َفُأوْلَـئِ َ‬
‫َو َسوْفَ ُيؤْتِ اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِيَ أَجْرا عَظِيما ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مّا َي ْفعَلُ اللّ ُه ِبعَذَابِكُ مْ إِن َشكَ ْرتُ ْم وَآمَنتُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أنه ل يعذب الؤمن الشاكر ‪ ﴿ .‬وَكَا نَ اللّ ُه شَاكِرا عَلِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫أطاعه صادقًا أثابه أوفر الزاء ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫ــــــــــــــ‬
‫انتهى الزء الول بمد ال ‪ ،‬ويليه الزء الثان‬
‫ــــــــــــــــــ‬
‫الزء الول‬ ‫‪596‬‬

‫فهرس الوضوعات‬
‫الزء الول‬
‫الصفحة‬ ‫الوضوع‬
‫‪2‬‬ ‫مقدمة الؤلف‬
‫‪3‬‬ ‫معان القرآن ل ترج عن خسة علوم‬
‫‪3‬‬ ‫معرفة الناسخ والنسوخ‬
‫‪4‬‬ ‫اليات التفق على نسخها‬
‫‪5‬‬ ‫معرفة أسباب النول‬
‫‪5‬‬ ‫سبب النول على قسمي‬
‫‪6‬‬ ‫أحسن طرق التفسي‬
‫‪8،7‬‬ ‫الرجوع إل أقوال التابعي‬
‫‪8‬‬ ‫أوجه التفسي الت ذكرها ابن عباس‬
‫‪11‬‬ ‫فصل ف فضائل القرآن‬
‫‪11‬‬ ‫من القرآن‬
‫‪14‬‬ ‫من السنة‬
‫‪26‬‬ ‫فصل ف الحرف السبعة‬
‫‪32‬‬ ‫الدرس الول‬
‫‪32‬‬ ‫سورة الفاتة‬
‫‪34‬‬ ‫تفسي البسملة‬
‫‪35‬‬ ‫الية ‪2 :‬‬
‫‪597‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪36‬‬ ‫الية ‪3 :‬‬


‫‪37‬‬ ‫الية ‪4 :‬‬
‫‪38 ،37‬‬ ‫اليتان ‪6 ، 5 :‬‬
‫‪39‬‬ ‫الية ‪7 :‬‬
‫‪44‬‬ ‫الدرس الثان‬
‫‪44‬‬ ‫سورة البقرة‬
‫‪44‬‬ ‫فضلها‬
‫‪49‬‬ ‫اليات ‪5 - 1 :‬‬
‫‪52‬‬ ‫اليتان ‪7 ، 6 :‬‬
‫‪53‬‬ ‫اليات ‪12 - 8 :‬‬
‫‪55‬‬ ‫اليات ‪16 - 13 :‬‬
‫‪56‬‬ ‫اليات ‪20 - 17 :‬‬
‫‪60‬‬ ‫الدرس الثالث‬
‫‪61‬‬ ‫اليتان ‪22 ، 21 :‬‬
‫‪62‬‬ ‫اليتان ‪24 ، 23 :‬‬
‫‪63‬‬ ‫الية ‪25 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫اليتان ‪27 ، 26 :‬‬
‫‪67‬‬ ‫اليات ‪29 - 28 :‬‬
‫‪69‬‬ ‫الدرس الرابع‬
‫‪70‬‬ ‫الية ‪30 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫اليات ‪33 - 31 :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪598‬‬

‫‪72‬‬ ‫اليات ‪35 - 34 :‬‬


‫‪73‬‬ ‫الية ‪36 :‬‬
‫‪75‬‬ ‫الية ‪37 :‬‬
‫‪76‬‬ ‫اليتان ‪39 ، 38 :‬‬
‫‪78‬‬ ‫الدرس الامس‬
‫‪79‬‬ ‫اليات ‪43 - 40 :‬‬
‫‪81‬‬ ‫اليات ‪46 - 44 :‬‬
‫‪84‬‬ ‫الدرس السادس‬
‫‪85‬‬ ‫اليتان ‪48 ، 47 :‬‬
‫‪86‬‬ ‫الية ‪49 :‬‬
‫‪87‬‬ ‫الية ‪50 :‬‬
‫‪88‬‬ ‫اليات ‪53 - 51 :‬‬
‫‪89‬‬ ‫اليات ‪54 :‬‬
‫‪90‬‬ ‫اليات ‪57 - 55 :‬‬
‫‪92‬‬ ‫الدرس السابع‬
‫‪94‬‬ ‫اليتان ‪59 ، 58 :‬‬
‫‪95‬‬ ‫الية ‪60 :‬‬
‫‪96‬‬ ‫الية ‪61 :‬‬
‫‪98‬‬ ‫الية ‪62 :‬‬
‫‪99‬‬ ‫اليتان ‪64 - 63 :‬‬
‫‪100‬‬ ‫اليتان ‪66 - 65 :‬‬
‫‪599‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪102‬‬ ‫الدرس الثامن‬


‫‪103‬‬ ‫الية ‪67 :‬‬
‫‪104‬‬ ‫اليتان ‪69 ، 68 :‬‬
‫‪105‬‬ ‫اليات ‪73 - 70 :‬‬
‫‪106‬‬ ‫الية ‪74 :‬‬
‫‪107‬‬ ‫الدرس التاسع‬
‫‪110 ، 109‬‬ ‫اليات ‪78 - 75 :‬‬
‫‪111‬‬ ‫اليات ‪82 - 79 :‬‬
‫‪113‬‬ ‫الية ‪83 :‬‬
‫‪114‬‬ ‫اليات ‪86 - 84 :‬‬
‫‪117‬‬ ‫الدرس العاشر‬
‫‪119‬‬ ‫الية ‪87 :‬‬
‫‪120‬‬ ‫اليات ‪89 - 88 :‬‬
‫‪121‬‬ ‫الية ‪90 :‬‬
‫‪123 ، 122‬‬ ‫اليات ‪93 - 91 :‬‬
‫‪123‬‬ ‫اليات ‪96 - 94 :‬‬
‫‪125‬‬ ‫الدرس الادي عشر‬
‫‪126‬‬ ‫اليات ‪101 - 97 :‬‬
‫‪130 ، 129‬‬ ‫اليتان ‪103 ، 102 :‬‬
‫‪134‬‬ ‫الدرس الثان عشر‬
‫‪135‬‬ ‫اليتان ‪105 ، 104 :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪600‬‬

‫‪136‬‬ ‫اليات ‪108 - 106 :‬‬


‫‪138‬‬ ‫اليتان ‪110 ، 109 :‬‬
‫‪139‬‬ ‫اليتان ‪112 ، 111 :‬‬
‫‪140‬‬ ‫الية ‪113 :‬‬
‫‪142‬‬ ‫الدرس الثالث عشر‬
‫‪143‬‬ ‫الية ‪115 ، 114 :‬‬
‫‪145‬‬ ‫اليتان ‪117 ، 116 :‬‬
‫‪146‬‬ ‫الية ‪118 :‬‬
‫‪147‬‬ ‫اليتان ‪120 ، 119 :‬‬
‫‪148‬‬ ‫الية ‪121 :‬‬
‫‪149‬‬ ‫اليات ‪123 - 122 :‬‬
‫‪150‬‬ ‫الدرس الرابع عشر‬
‫‪151‬‬ ‫اليات ‪125 - 124 :‬‬
‫‪153‬‬ ‫الية ‪126 :‬‬
‫‪154‬‬ ‫اليات ‪129 - 127 :‬‬
‫‪160‬‬ ‫الدرس الامس عشر‬
‫‪162‬‬ ‫اليات ‪132 - 130 :‬‬
‫‪163‬‬ ‫الية ‪133 :‬‬
‫‪164‬‬ ‫اليات ‪135 - 134 :‬‬
‫‪165‬‬ ‫الية ‪136 :‬‬
‫‪166‬‬ ‫اليات ‪138 - 137 :‬‬
‫‪601‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪167‬‬ ‫اليات ‪141 - 139 :‬‬


‫‪169‬‬ ‫الدرس السادس عشر‬
‫‪171‬‬ ‫الية ‪142 :‬‬
‫‪172 ، 171‬‬ ‫الية ‪143 :‬‬
‫‪174‬‬ ‫الية ‪144 :‬‬
‫‪175‬‬ ‫الية ‪145 :‬‬
‫‪176‬‬ ‫اليات ‪148 - 146 :‬‬
‫‪177‬‬ ‫اليات ‪150 - 149 :‬‬
‫‪178‬‬ ‫اليتان ‪152 ، 151 :‬‬
‫‪179‬‬ ‫اليتان ‪154 ، 153 :‬‬
‫‪180‬‬ ‫اليات ‪157 - 155 :‬‬
‫‪182‬‬ ‫الدرس السابع عشر‬
‫‪183‬‬ ‫الية ‪158 :‬‬
‫‪184‬‬ ‫اليات ‪162 - 159 :‬‬
‫‪185‬‬ ‫اليتان ‪164 ، 163 :‬‬
‫‪186‬‬ ‫اليات ‪167 - 165 :‬‬
‫‪189‬‬ ‫الدرس الثامن عشر‬
‫‪190‬‬ ‫اليات ‪169 - 168 :‬‬
‫‪191‬‬ ‫اليتان ‪171 ، 170 :‬‬
‫‪192‬‬ ‫اليات ‪173 - 172 :‬‬
‫‪194‬‬ ‫اليات ‪176 - 174 :‬‬
‫‪196‬‬ ‫الدرس التاسع عشر‬
‫الزء الول‬ ‫‪602‬‬

‫‪197‬‬ ‫الية ‪177 :‬‬


‫‪198‬‬ ‫اليتان ‪179 ، 178 :‬‬
‫‪202‬‬ ‫الية ‪180 :‬‬
‫‪203‬‬ ‫اليتان ‪182 ، 181 :‬‬
‫‪206‬‬ ‫الدرس العشرون‬
‫‪207‬‬ ‫اليتان ‪184 ، 183 :‬‬
‫‪209‬‬ ‫الية ‪185 :‬‬
‫‪211‬‬ ‫الية ‪186 :‬‬
‫‪212‬‬ ‫الية ‪187 :‬‬
‫‪215‬‬ ‫الية ‪188 :‬‬
‫‪216‬‬ ‫الدرس الادي والعشرون‬
‫‪218‬‬ ‫اليات ‪190 - 189 :‬‬
‫‪219‬‬ ‫اليتان ‪192 ، 191 :‬‬
‫‪220‬‬ ‫الية ‪193 :‬‬
‫‪221‬‬ ‫الية ‪194 :‬‬
‫‪222‬‬ ‫الية ‪195 :‬‬
‫‪223‬‬ ‫الدرس الثان والعشرون‬
‫‪227‬‬ ‫الية ‪196 :‬‬
‫‪229‬‬ ‫الية ‪197 :‬‬
‫‪231‬‬ ‫اليتان ‪199 ، 198 :‬‬
‫‪234‬‬ ‫اليات ‪203 - 200 :‬‬
‫‪234‬‬ ‫الدرس الثالث والعشرون‬
‫‪603‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪238‬‬ ‫اليات ‪206 - 204 :‬‬


‫‪239‬‬ ‫الية ‪207 :‬‬
‫‪241‬‬ ‫اليات ‪210 - 208 :‬‬
‫‪242‬‬ ‫اليات ‪211 :‬‬
‫‪243‬‬ ‫الية ‪213 ، 212 :‬‬
‫‪245‬‬ ‫الية ‪214 :‬‬
‫‪246‬‬ ‫الدرس الرابع والعشرون‬
‫‪247‬‬ ‫اليتان ‪216 ، 215 :‬‬
‫‪248‬‬ ‫اليتان ‪218 ، 217 :‬‬
‫‪251‬‬ ‫اليتان ‪220 ، 219 :‬‬
‫‪253‬‬ ‫الدرس الامس والعشرون‬
‫‪254‬‬ ‫الية ‪221 :‬‬
‫‪255‬‬ ‫الية ‪222 :‬‬
‫‪256‬‬ ‫الية ‪223 :‬‬
‫‪257‬‬ ‫اليتان ‪225 ، 224 :‬‬
‫‪258‬‬ ‫اليتان ‪227 ، 226 :‬‬
‫‪260‬‬ ‫الدرس السادس والعشرون‬
‫‪262‬‬ ‫الية ‪228 :‬‬
‫‪263‬‬ ‫الية ‪229 :‬‬
‫‪265‬‬ ‫اليتان ‪231 ، 230 :‬‬
‫‪267‬‬ ‫اليتان ‪233 ، 232 :‬‬
‫‪271‬‬ ‫الدرس السابع والعشرون‬
‫الزء الول‬ ‫‪604‬‬

‫‪273‬‬ ‫الية ‪235 ، 234 :‬‬


‫‪275‬‬ ‫اليتان ‪237 ، 236 :‬‬
‫‪276‬‬ ‫اليتان ‪239 ، 238 :‬‬
‫‪278‬‬ ‫الية ‪240 :‬‬
‫‪279‬‬ ‫اليتان ‪242 ، 241 :‬‬
‫‪278‬‬ ‫الدرس الثامن والعشرون‬
‫‪282‬‬ ‫الية ‪243 :‬‬
‫‪283‬‬ ‫اليتان ‪245 ، 244 :‬‬
‫‪284‬‬ ‫الية ‪246 :‬‬
‫‪285‬‬ ‫الية ‪247 :‬‬
‫‪286‬‬ ‫اليتان ‪249 ، 248 :‬‬
‫‪287‬‬ ‫اليات ‪252 - 250 :‬‬
‫‪290‬‬ ‫الدرس التاسع والعشرون‬
‫‪291‬‬ ‫الية ‪253 :‬‬
‫‪292‬‬ ‫اليتان ‪255 ، 254 :‬‬
‫‪295‬‬ ‫الية ‪256 :‬‬
‫‪296‬‬ ‫الية ‪257 :‬‬
‫‪296‬‬ ‫الدرس الثلثون‬
‫‪299‬‬ ‫الية ‪258 :‬‬
‫‪300‬‬ ‫الية ‪259 :‬‬
‫‪302‬‬ ‫الية ‪260 :‬‬
‫‪305‬‬ ‫الدرس الادي والثلثون‬
‫‪605‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪306‬‬ ‫اليات ‪263 - 261 :‬‬


‫‪307‬‬ ‫الية ‪264 :‬‬
‫‪308‬‬ ‫الية ‪265 :‬‬
‫‪309‬‬ ‫الية ‪266 :‬‬
‫‪311‬‬ ‫الدرس الثان والثلثون‬
‫‪312‬‬ ‫الية ‪267 :‬‬
‫‪313‬‬ ‫اليتان ‪269 ، 268 :‬‬
‫‪314‬‬ ‫اليتان ‪271 ، 270 :‬‬
‫‪315‬‬ ‫اليتان ‪273 ، 272 :‬‬
‫‪316‬‬ ‫الية ‪274 :‬‬
‫‪318‬‬ ‫الدرس الثالث والثلثون‬
‫‪319‬‬ ‫الية ‪275 :‬‬
‫‪320‬‬ ‫الية ‪276 :‬‬
‫‪321‬‬ ‫اليات ‪279 - 277 :‬‬
‫‪322‬‬ ‫الية ‪280 :‬‬
‫‪323‬‬ ‫الية ‪281 :‬‬
‫‪324‬‬ ‫الدرس الرابع والثلثون‬
‫‪325‬‬ ‫الية ‪282 :‬‬
‫‪328‬‬ ‫الية ‪283 :‬‬
‫‪330‬‬ ‫الدرس الامس والثلثون‬
‫‪331‬‬ ‫الية ‪284 :‬‬
‫‪333‬‬ ‫اليتان ‪286 ، 285 :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪606‬‬

‫‪336‬‬ ‫الدرس السادس والثلثون‬


‫‪336‬‬ ‫سورة آل عمران‬
‫‪338‬‬ ‫اليات ‪6 - 1 :‬‬
‫‪340‬‬ ‫اليات ‪9 - 7 :‬‬
‫‪344‬‬ ‫الدرس السابع والثلثون‬
‫‪345‬‬ ‫اليات ‪13 - 10 :‬‬
‫‪347 ، 246‬‬ ‫اليات ‪17 - 14 :‬‬
‫‪349‬‬ ‫الدرس الثامن والثلثون‬
‫‪351‬‬ ‫اليات ‪20 - 18 :‬‬
‫‪354 ، 353‬‬ ‫اليات ‪25 - 21 :‬‬
‫‪355 ، 354‬‬ ‫اليتان ‪27 ، 26 :‬‬
‫‪356‬‬ ‫اليتان ‪29 ، 28 :‬‬
‫‪357‬‬ ‫اليتان ‪31 ، 30 :‬‬
‫‪358‬‬ ‫الية ‪32 :‬‬
‫‪359‬‬ ‫الدرس التاسع والثلثون‬
‫‪360‬‬ ‫اليات ‪36 - 33 :‬‬
‫‪362‬‬ ‫الية ‪37 :‬‬
‫‪363‬‬ ‫اليتان ‪39 ، 38 :‬‬
‫‪364‬‬ ‫اليتان ‪41 ، 40 :‬‬
‫‪366‬‬ ‫الدرس الربعون‬
‫‪367‬‬ ‫اليتان ‪44 - 42 :‬‬
‫‪368‬‬ ‫اليات ‪46 - 45 :‬‬
‫‪607‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪369‬‬ ‫اليات ‪51 - 47 :‬‬


‫‪370‬‬ ‫اليات ‪51 - 48 :‬‬
‫‪373‬‬ ‫الدرس الادي والربعون‬
‫‪375‬‬ ‫اليات ‪55 - 52 :‬‬
‫‪376‬‬ ‫اليات ‪58 - 56 :‬‬
‫‪377‬‬ ‫اليات ‪63 - 59 :‬‬
‫‪378‬‬ ‫الية ‪64 :‬‬
‫‪379‬‬ ‫اليات ‪67 - 65 :‬‬
‫‪380‬‬ ‫الية ‪68 :‬‬
‫‪382‬‬ ‫الدرس الثان والربعون‬
‫‪384‬‬ ‫اليات ‪71 - 69 :‬‬
‫‪385 ، 384‬‬ ‫اليات ‪74 - 72 :‬‬
‫‪386‬‬ ‫اليات ‪76 - 75 :‬‬
‫‪387‬‬ ‫الية ‪77 :‬‬
‫‪388‬‬ ‫اليات ‪80 - 78 :‬‬
‫‪391‬‬ ‫الدرس الثالث والربعون‬
‫‪392‬‬ ‫اليتان ‪82 ، 81 :‬‬
‫‪393‬‬ ‫اليات ‪85 - 83 :‬‬
‫‪395‬‬ ‫اليات ‪89 - 86 :‬‬
‫‪396‬‬ ‫اليات ‪91 - 90 :‬‬
‫‪396‬‬ ‫الدرس الرابع والربعون‬
‫‪400‬‬ ‫اليات ‪95 - 92 :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪608‬‬

‫‪402 ، 401‬‬ ‫اليتان ‪97 ، 96 :‬‬


‫‪404‬‬ ‫اليتان ‪101 - 98 :‬‬
‫‪405‬‬ ‫اليتان ‪103 ، 102 :‬‬
‫‪407‬‬ ‫اليات ‪109 - 104 :‬‬
‫‪409‬‬ ‫الدرس الامس والربعون‬
‫‪411‬‬ ‫اليات ‪112 - 110 :‬‬
‫‪412‬‬ ‫اليات ‪115 - 113 :‬‬
‫‪413‬‬ ‫اليتان ‪117 ، 116 :‬‬
‫‪414‬‬ ‫اليات ‪120 - 118 :‬‬
‫‪417‬‬ ‫الدرس السادس والربعون‬
‫‪420 ، 419‬‬ ‫اليات ‪127 - 121 :‬‬
‫‪422‬‬ ‫اليات ‪129 ، 128 :‬‬
‫‪424 ، 423‬‬ ‫اليات ‪136 - 130 :‬‬
‫‪426‬‬ ‫الدرس السابع والربعون‬
‫‪427‬‬ ‫اليات ‪143 - 137 :‬‬
‫‪430 ، 429‬‬ ‫اليات ‪148 - 144 :‬‬
‫‪433‬‬ ‫الدرس الثامن والربعون‬
‫‪434‬‬ ‫اليات ‪151 - 149 :‬‬
‫‪435‬‬ ‫اليتان ‪153 ، 152 :‬‬
‫‪438‬‬ ‫اليتان ‪155 ، 154 :‬‬
‫‪441‬‬ ‫الدرس التاسع والربعون‬
‫‪443‬‬ ‫اليات ‪158 - 156 :‬‬
‫‪609‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪444‬‬ ‫اليتان ‪160 ، 159 :‬‬


‫‪445‬‬ ‫اليات ‪164 - 161 :‬‬
‫‪447‬‬ ‫اليات ‪168 - 165 :‬‬
‫‪449‬‬ ‫اليات ‪171 - 169 :‬‬
‫‪450‬‬ ‫اليات ‪175 - 172 :‬‬
‫‪453‬‬ ‫الدرس والمسون‬
‫‪456 ، 455‬‬ ‫اليات ‪180 - 176 :‬‬
‫‪457 ، 456‬‬ ‫اليات ‪186 - 181 :‬‬
‫‪459 ، 458‬‬ ‫اليات ‪189 - 187 :‬‬
‫‪461‬‬ ‫الدرس الادي والمسون‬
‫‪462‬‬ ‫اليات ‪194 - 190 :‬‬
‫‪463‬‬ ‫الية ‪195 :‬‬
‫‪464‬‬ ‫اليات ‪198 - 196 :‬‬
‫‪465‬‬ ‫اليتان ‪200 ، 199 :‬‬
‫‪468‬‬ ‫الدرس الثان والمسون‬
‫‪468‬‬ ‫سورة النساء‬
‫‪470‬‬ ‫اليات ‪4 - 1 :‬‬
‫‪472‬‬ ‫اليتان ‪6 ، 5 :‬‬
‫‪474‬‬ ‫اليات ‪10 - 7 :‬‬
‫‪477‬‬ ‫الدرس الثالث والمسون‬
‫‪479 ، 478‬‬ ‫اليات ‪11 :‬‬
‫‪480‬‬ ‫اليات ‪12 :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪610‬‬

‫‪481‬‬ ‫اليتان ‪14 ، 13 :‬‬


‫‪483‬‬ ‫الدرس الرابع والمسون‬
‫‪484‬‬ ‫اليتان ‪16 ، 15 :‬‬
‫‪485‬‬ ‫اليتان ‪18 ، 17 :‬‬
‫‪486‬‬ ‫اليات ‪21 - 19 :‬‬
‫‪488‬‬ ‫الدرس الامس والمسون‬
‫‪490‬‬ ‫اليات ‪24 - 22 :‬‬
‫‪495 ، 494‬‬ ‫الية ‪25 :‬‬
‫‪497 ، 496‬‬ ‫اليات ‪28 - 26 :‬‬
‫‪498‬‬ ‫الدرس السادس والمسون‬
‫‪499‬‬ ‫اليات ‪31 - 29 :‬‬
‫‪501‬‬ ‫اليتان ‪33 ، 32 :‬‬
‫‪503‬‬ ‫اليتان ‪35 ، 34 :‬‬
‫‪508‬‬ ‫الدرس السابع والمسون‬
‫‪509‬‬ ‫اليتان ‪37 ، 36 :‬‬
‫‪512‬‬ ‫اليتان ‪39 ، 38 :‬‬
‫‪513‬‬ ‫اليات ‪42 - 40 :‬‬
‫‪516‬‬ ‫الدرس الثامن والمسون‬
‫‪518‬‬ ‫الية ‪43 :‬‬
‫‪520‬‬ ‫اليات ‪46 - 44 :‬‬
‫‪521‬‬ ‫اليات ‪48 - 47 :‬‬
‫‪523 ، 522‬‬ ‫اليات ‪55 - 49 :‬‬
‫‪611‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪524‬‬ ‫اليتان ‪57 ، 56 :‬‬


‫‪526‬‬ ‫الدرس التاسع والمسون‬
‫‪528‬‬ ‫اليتان ‪59 ، 58 :‬‬
‫‪530 ، 529‬‬ ‫اليات ‪65 - 60 :‬‬
‫‪532‬‬ ‫اليات ‪70 - 66 :‬‬
‫‪535‬‬ ‫الدرس الستون‬
‫‪537‬‬ ‫اليات ‪74 - 71 :‬‬
‫‪539‬‬ ‫اليتان ‪76 ، 75 :‬‬
‫‪540‬‬ ‫اليات ‪79 - 77 :‬‬
‫‪544‬‬ ‫الدرس الادي والستون‬
‫‪545‬‬ ‫اليتان ‪81 ، 80 :‬‬
‫‪546‬‬ ‫اليات ‪84 - 82 :‬‬
‫‪548‬‬ ‫اليات ‪87 - 85 :‬‬
‫‪550‬‬ ‫الدرس الثان والستون‬
‫‪551‬‬ ‫اليات ‪90 - 88 :‬‬
‫‪552‬‬ ‫الية ‪91 :‬‬
‫‪553‬‬ ‫اليتان ‪93 ، 92 :‬‬
‫‪555‬‬ ‫الدرس الثالث والستون‬
‫‪558‬‬ ‫اليات ‪96 - 94 :‬‬
‫‪559‬‬ ‫اليات ‪100 - 97 :‬‬
‫‪562‬‬ ‫الدرس الرابع والستون‬
‫‪563‬‬ ‫الية ‪101 :‬‬
‫الزء الول‬ ‫‪612‬‬

‫‪564‬‬ ‫اليتان ‪103 ، 102 :‬‬


‫‪565‬‬ ‫اليات ‪104 :‬‬
‫‪567‬‬ ‫الدرس الامس والستون‬
‫‪568‬‬ ‫اليات ‪109 - 105 :‬‬
‫‪571‬‬ ‫اليات ‪112 - 110 :‬‬
‫‪572‬‬ ‫اليات ‪115 - 113 :‬‬
‫‪574‬‬ ‫الدرس السادس والستون‬
‫‪575‬‬ ‫اليات ‪121 - 116 :‬‬
‫‪576‬‬ ‫الية ‪122 :‬‬
‫‪577‬‬ ‫اليات ‪126 - 123 :‬‬
‫‪580‬‬ ‫الدرس السابع والستون‬
‫‪582‬‬ ‫اليتان ‪128 ، 127 :‬‬
‫‪583‬‬ ‫اليات ‪130 ، 129 :‬‬
‫‪585‬‬ ‫اليات ‪134 - 131 :‬‬
‫‪586‬‬ ‫الية ‪135 :‬‬
‫‪588‬‬ ‫الدرس الثامن والستون‬
‫‪590‬‬ ‫اليات ‪139 - 136 :‬‬
‫‪592 ، 591‬‬ ‫اليتان ‪141 ، 140 :‬‬
‫‪593‬‬ ‫اليات ‪143 - 142 :‬‬
‫‪594‬‬ ‫اليات ‪147 - 144 :‬‬

You might also like