Professional Documents
Culture Documents
شيْخِ العَلّمةِ
فَضَيلةِ ال ّ
صلَ بِنَ عَبدِ ال َعزِيزِ آل ُمبَارَك
َفيْ َ
ت 1376هـ رَ ِح َمهُ الُ
الزء الول
من سورة الفاتة إل سورة النساء آية 147
مقدمة الؤلف
ــ
الزء الول 2
الثال ثة :قوله تعال ﴿ :إِن يَكُن مّنكُ ْم عِشْرُو نَ صَابِرُونَ َيغِْلبُواْ ِمَئتَيْ نِ ﴾
ال ية من سوخة بال ية ال ت بعد ها ،و هي قوله تعال ﴿ :ال نَ َخفّ فَ اللّ هُ
ضعْفا فَإِن يَكُن مّنكُم مَّئةٌ صَابِ َرٌة َيغِْلبُوْا ِمَئتَيْ ِن َوإِن
عَنكُ ْم َوعَلِ مَ َأنّ فِيكُ مْ َ
ف َيغِْلبُواْ أَْلفَيْ ِن بِإِ ْذنِ اللّ ِه وَاللّ ُه مَ َع الصّابِرِينَ ﴾ الرابعة :قوله
يَكُن مّنكُمْ أَلْ ٌ
ج وََلوْ ك النّ سَاء مِن َبعْ ُد وَل أَن َتبَدّ َل ِبهِنّ مِ نْ أَ ْزوَا ٍ
حلّ لَ َ تعال ﴿ :ل يَ ِ
سُنهُنّ إِل مَا مََل َكتْ يَمِينُكَ ﴾ منسوخة بقوله تعال ﴿ :يَا َأّيهَا جبَكَ حُ ْ َأعْ َ
ت يَمِينُكَ مِمّا الّنِبيّ ِإنّا أَحَْل ْلنَا لَكَ أَ ْزوَاجَكَ اللّاتِي آتَيْتَ أُجُو َرهُنّ َومَا َمَلكَ ْ
ك َوبَنَاتِ خَالِكَ َوبَنَاتِ خَالَاتِكَ ك َوبَنَاتِ عَمّاتِ َ
أَفَاء اللّ ُه عََليْكَ َوَبنَاتِ عَمّ َ
اللّاتِي هَاجَرْ نَ َمعَ كَ ﴾ ال ية .الام سة :قوله تعال ﴿ :يَا َأيّهَا الّذِي نَ
صـدََقةً ﴾ اليـة ُمـ َجوَاك ْ َيـ َن ْ
ْنـ يَد ْ ُمـ الرّسـُولَ َفقَ ّدمُوا بَي َآ َمنُوا إِذَا نَا َجيْت ُ
جوَاكُ مْ ي نَ ْ
من سوخة بال ية ال ت بعد ها َ ﴿ :أَأ ْشفَ ْقتُ مْ أَن ُتقَ ّدمُوا َبيْ َن يَدَ ْ
ُمـ َفأَقِيمُوا الصـّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَّهـ عََلْيك ْ َابـ الل ُ
َمـ َت ْفعَلُوا َوت َ
صـدَقَاتٍ فَإِذْ ل ْ َ
َوأَطِيعُوا اللّ َه وَرَ سُولَهُ وَاللّ هُ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُو نَ ﴾ .انتهى ملخ صًا مع تقدي
وتأخي .
قلت :والتفق عليه من المس ثلث آيات :آية الوصية ،وآية القتال ،
وآية النجوى .
صبْرا َجمِيلً ﴾ ( :قال وقال ا بن جر ير على قوله تعال ﴿ :فَا ْ
صِبرْ َ
ابن زيد :ونسخ هذا لا أمر بالهاد .قال ابن جرير :هذا قول ل وجه
له ؛ لنه ل يزل صابرًا على ما يلقى منهم حت توفاه ال قبل أن يأذن
ال بربم وبعده ) انتهى ملخصًا .
5 توفيق الرحن ف دروس القرآن
القسم الثان :أن يتم معن الية بعمومها ،ومن غي احتياج إل العلم
بالادثـة التـ هـي سـبب النول والكـم ؛ لعموم اللفـظ ل لصـوص
ال سبب ،و قد ذ كر قدماء الف سرين تلك الاد ثة بق صد الحا طة بالثار
النا سبة لل ية ،أو بق صد بيان ما صدق عل يه العموم ،ول يس ذ كر هذا
القسم من الضروريات ،وقد تققتُ أن الصحابة والتابعي كثيًا ما كانوا
يقولون :نزلت الية ف كذا ،وكذا ،وكان غرضهم تصوير ما صدقت
عليـه اليـة ،وذكـر بعـض الوادث التـ تشملهـا اليـة بعمومهـا سـواء
تقدمـت القصـة أو تأخرت ،إسـرائيليًا كان ذلك ،أو جاهليًـا ،أو
إ سلميًا ،ا ستوعبت ج يع قيود ال ية أو بعض ها ،وال أعلم .فعلم من
هذا التحقيـق أن للجتهاد فـ هذا القسـم مدخلً ،وللقصـص التعددة
هنالك سعة ،فمن ا ستحضر هذه النكتة يتم كن من حل ما اختلف من
سبب النول بأدن عناية ) .انتهى ملخصًا وبال التوفيق .
وقال ابـن كثيـ رحهـ ال تعال ( :فإن قال قائل :فمـا أحسـن طرق
التف سي ؟ فالواب :إن أ صح طر يق ف ذلك أن يف سر القرآن بالقرآن ،
فما أجل فما كان فإنه قد بسط ف موضع آخر ،فإن أعياك ذلك فعليك
بالسنّة ؛ فإنا شارحة للقرآن موضحة له ،بل قد قال المام أبو عبد ال
ممد بن إدريس الشافعي رحه ال تعال :كل ما حكم به رسول ال
فهو ما فهمه من القرآن .
حكُ َم َبيْ َن النّا سِ قال ال تعال ِ ﴿ :إنّ ا أَنزَلْنَا إَِليْ َ
ك الْ ِكتَا بَ بِالْحَقّ ِلتَ ْ
بِمَا أَرَا كَ اللّ ُه وَ َل َتكُن لّلْخَآِئنِيَ خَ صِيما ﴾ ،وقال تعال َ ﴿ :ومَا أَنزَْلنَا
ْمـ
ِيهـ َوهُدًى وَرَ ْح َمةً ّل َقو ٍ
ُمـ الّذِي ا ْختََلفُواْ ف ِ
ّنـ َله ُ
َابـ إِل ِلُتبَي َ
ْكـ اْلكِت َ
عََلي َ
7 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُيؤْ ِمنُونَـ ﴾ ،وقال َ ﴿ :وأَنزَلْنَا إِلَيْكَـ الذّكْرَ ِلُتبَيّنَـلِلنّاسِـ مَا نُزّلَ إَِلْيهِم ْـ
وََلعَّلهُ ْم َيتَ َفكّرُو نَ ﴾ ،ولذا قال ر سول ال « :إل إ ن أوت يت القرآن
ومثله معه » ،يعن :السنّة ) .
إل أن قال ( :والغرض أ نك تطلب تف سي القرآن م نه ،فإن ل تده
ف من ال سنّة ؛ ك ما قال ر سول ال لعاذ ح ي بع ثه إل الي من « :ف بم
تكم » ؟ قال :بكتاب ال .قال « :فإن ل تد » ؟ قال :بسنة رسول
ال .قال « :فإن ل تد » ؟ قال :أجتهد رأيي .فضرب رسول ال
ف صدره وقال « :ال مد ل الذي و فق ر سولَ ر سولِ ال ل ا ير ضي
رسول ال » .وهذا الديث ف السند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر
ف موضعه .
وحينئذٍ إذا ل ند التفسي ف القرآن ،ول ف السنّة رجعنا ف ذلك إل
أقوال الصحابة ،فإنم أدرى بذلك لا شاهدوا من القرائن والحوال الت
اختصوا با ،ولا لم من الفهم التام والعلم الصحيح ،والعمل الصال ؛
لسيما علماءهم وكباءهم ) .
إل أن قال ( :ف سل إذا ل ت د التف سي ف القرآن ،ول ف ال سنّة ،ول
وجد ته عن الصـحابة ،فقـد ر جع كثيـ مـن الئ مة ف ذلك إل أقوال
التابعي :كمجاهد بن جب ،فإنه كان آية ف التفسي ،كما قال ممد
ا بن إ سحاق :حدث نا أبان بن صال عن ما هد قال :عر ضت ال صحف
على ابن عباس ثلث عرضات من فاتته إل خاتته ،أوقفه عند كل آية
منه ،وأسأله عنها ) .
الزء الول 8
وقال ابن جرير :أنبأنا أبو كريب :أنبأنا طلق بن غنام ،عن عثمان
الكي ،عن ابن مليكة ،قال :رأيت ماهدًا سأل ابن عباس عن تفسي
القرآن ومعه الواحة .قال :فيقول له ابن عباس :أكتب .حت سأله عن
التفسـي كله .ولذا كان سـفيان الثوري يقول :إذا جاءك التفسـي عـن
ماهـد فحسـبك بـه .وكسـعيد بـن جـبي ،وعكرمـة مول ابـن عباس ،
وعطاء بن أب رباح ،والسن البصري ،ومسروق بن الجدع ،وسعيد
ا بن ال سيب ،وأ ب العال ية ،والرب يع بن أ نس ،وقتادة ،والضحاك بن
مزاحم ،وغيهم من التابعي ،وتابعيهم ،ومن بعدهم فتذكر أقوالم ف
الية ،فيقع ف عباراتم تباين ف اللفاظ يسبها من ل علم عنده اختلفًا
فيحكيها أقوالً ،وليس كذلك .فإن منهم من يعبّر عن الشيء بلزمه أو
بنظيه ،ومنهم من ينص على الشيء بعينه ،والكل بعن واحد ف أكثر
الماكن ،فليتفطن اللبيب لذلك ،وال الادي ) .انتهى .
وقال ابـن عباس :التفسـي على أربعـة أوجـه :تفسـي ل يعذر أ حد
بهالته ،وتفسي تعرفه العرب من كلمها ،وتفسي ل يعلمه إلّ العلماء ،
وتفسي ل يعلمه إلّ ال ،من ادعى علمه فهو كاذب .
ت نبيه :ل أبيّن التف سي ف ب عض الوا ضع ؛ ل نه يظ هر للعال من سياق
اليات وكلم العرب الوجودين ،خصوصًا من نشأ ف بلدهم ،وتول
في ها ،فإ نه يكاد يف سر القرآن ولو ل ي سمع الثار ﴿ يَكَادُ َزْيتُهَا ُيضِيءُ
وََلوْ َل ْم تَمْ سَسْ ُه نَارٌ ﴾ .و قد ك نت ف صغري أهاب سؤال العلماء ف
ب عض ما يش كل عل يّ من القرآن ،فأ سع الكل مة من ب عض العراب ،
شرُ َأعْدَاء
فتزيل عن ما أشكل ،فكنت أسع قول ال تعال َ ﴿ :ويَوْمَ يُحْ َ
9 توفيق الرحن ف دروس القرآن
اللّ هِ إِلَى النّارِ َفهُ ْم يُو َزعُو نَ * َحتّ ى إِذَا مَا جَاؤُوهَا َشهِ َد عََلْيهِ مْ سَ ْم ُعهُ ْم
ُونـ ﴾ فجاءنـ أعرابـ وأنـا مـع ُمـ بِمَا كَانُوا َيعْمَل َ
َوأَبْصـَا ُرهُمْ َوجُلُو ُده ْ
الغلمان ،فقال ل :أين ع مك ؟ قلت له :ما هو ف البيت .فقال ل :
إذا جاء فقل له يقول حود القحطان :إذا ما جاء بي العشاوين جيت .
فعرفت معن الية .
وسعت أعرابيًا يقول ( :طلعت عليّا اليل تتبع الربْع تترا ) .فعرفت
ُسـَلنَا َتتْرَا ﴾ ،أي :يتبـع بعضهـم ْسـْلنَا ر ُمعنـ قول ال تعال ﴿ :ثُمّ أَر َ
بعضًا .
و قد نشأت -ول ال مد -ف أ صل العرب ،و سرت ف بلد هم
بن جد ،والجاز ،وتا مة ،والي من ،والبحر ين ،و سعت كلم الباد ية
والاضرة ،وكان بعضهـم -وهـو أبـ -إذا سـع القرآن عرف معناه
بجرد التلوة .
ضبْحا * فَالْمُو ِريَا تِ قَدْحا * و سع أعرا ب رجلً يقرأ ﴿ :وَاْلعَا ِديَا تِ َ
صبْحا * َفَأثَرْ نَ بِ هِ َنقْعا * َفوَ سَطْ َن بِ هِ َجمْعا ﴾ فقال العراب : فَالْ ُمغِيَا تِ ُ
اليل اليل .
الصـَلوَاتِ وسـعت أعرابيـة رجلً يقرأ هذه اليـة ﴿ :حَافِظُواْ عَلَى ّ
ل ِة الْوُ سْطَى وَقُومُواْ لِلّ هِ قَاِنتِيَ ﴾ فقالت :ويش الصلة الوسطى ؟ وال صّ َ
قال :صلة العصر .فقالت :على شان وقتها ضيّق .
وتادل رجلن فيما يفعله الهال عند القبور من دعاء الوتى ،وطلب
الاجات منهــم ،فقال أحدهاــ :هذا شرك ؛ لن ال تعال يقول :
﴿ َوأَنّ الْمَ سَاجِدَ لِلّ هِ فَل تَ ْدعُوا مَ عَ اللّ هِ أَحَدا ﴾ ،فقال ال خر :ما
الزء الول 10
يوز لثلي ومثلك أن يفسر القرآن .فسكت الرجل ،وكان حليمًا وهو
ف بيت الخر ،فخرجت عليهم جارية جيلة فقال :يا فلن من هذه ؟
قال :بنت .فقال :لو تزوجتها .فضحك به وقال :أتزوج بنت ! فقال
الرجل :هل ف ذلك بأس .فقال :ما تسمع قول ال تعال ُ ﴿ :ح ّرمَ تْ
عََليْكُ مْ ُأ ّمهَاُتكُ مْ َوَبنَاتُكُ مْ ﴾ فقال :إ نك تقول ما يوز لثلي ومثلك أن
يفسر القرآن .
والقصود :أن من كان لسانه عربيًا ،وفطرته مستقيمة ،يعرف معن
القرآن بجرد سـاعه وكثيًا مـا يسـألن العراب ،وغيهـم عـن مسـائل
َنـ
َسـأَلُونَكَ ع ِ غامضـة فـ اليتام ،فأتلوا عليهـم قول ال تعال َ ﴿ :وي ْ
صلَحٌ ّلهُمْ َخيْ ٌر َوإِنْ ُتخَالِطُوهُمْ فَِإ ْخوَاُنكُ ْم وَاللّهُ يَعَْل ُم الْ ُمفْسِدَ
الَْيتَامَى قُلْ إِ ْ
مِ َن الْمُ صْلِحِ ﴾ ،فيعرفون الواب بجرد التلوة ،ويقنعون ،فإذا ان ضم
إل العربية والفطرة السليمة معرفة سية النب كان ذلك نورًا على نور
،وال الادي والوافق للصواب .
***
11 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فصل
ف فضائل القرآن
ت اْلكِتَا بِ الْ ُمبِيِ * ِإنّ ا أَنزَْلنَا هُ ُقرْآنا قال ال تعال ﴿ :الر تِلْ َ
ك آيَا ُ
صصِ بِمَا َأوْ َحْينَا إَِليْكَ
عَ َرِبيّا ّلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ * نَحْ ُن َنقُصّ عََليْكَ أَحْسَ َن اْلقَ َ
ت مِن َقبْلِهِ َلمِ َن اْلغَافِلِيَ ﴾ .
هَـذَا اْلقُرْآ َن َوإِن كُن َ
وقال تعال َ ﴿ :وُننَزّ ُل مِ َن اْلقُرْآ ِن مَا هُ َو ِشفَاء وَرَحْ َمةٌ لّلْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَلَ
يَزِيدُ الظّالِمِيَ إَل خَسَارا ﴾ .
وقال تعال ﴿ :طه * مَا أَنزَْلنَا عََليْكَ الْقُرْآنَ ِلتَ ْ
شقَى * إِل تَذْكِ َرةً لّمَن
َنـ عَلَى
ت اْلعُلَى * الرّحْم ُ َالسـمَاوَا ِ
ْضـ و ّ َقـ الَر َ ّنـ خَل َ ل مّم ْ يَخْشَى* تَنِي ً
ض وَمَا َبْيَنهُمَا وَمَا
ت وَمَا فِي الَرْ ِ ش ا ْسَتوَى * لَ ُه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ الْعَرْ ِ
جهَ ْر بِاْل َقوْلِ فَِإنّ ُه َيعْلَ ُم ال سّ ّر َوأَ ْخفَى * اللّ هُ ل إِلَ هَ إِل
ت الثّرَى * َوإِن َت ْ
تَحْ َ
سنَى ﴾ .وقال عز و جل َ ﴿ :لوْ أَنزَلْنَا هَذَا اْلقُرْآ نَ
ُهوَ لَ ُه الَ سْمَاء الْحُ ْ
ك ا َل ْمثَا ُل َنضْ ِربُهَا
شَيةِ اللّ ِه َوتِلْ َ
عَلَى َجبَلٍ لّ َرَأْيتَ هُ خَاشِعا ّمتَ صَدّعا مّ نْ خَ ْ
لِلنّاسِ َلعَّلهُ ْم َيَتفَكّرُونَ ﴾ .
وقال جلّ وعل ِ ﴿ :إنّ هُ َلقُرْآ نٌ كَ ِريٌ * فِي ِكتَا بٍ ّم ْكنُو نٍ * ل يَمَ سّهُ
ب الْعَالَ ِميَ ﴾ .
إِلّا الْمُ َطهّرُونَ * تَنِي ٌل مّن رّ ّ
شعِرّ وقال تعال ﴿ :اللّ ُه نَزّلَ أَحْ سَ َن الْ َ
حدِي ثِ ِكتَابا ّمتَشَابِها ّمثَانِ يَ َتقْ َ
ش ْونَ َرّبهُ ْم ثُ ّم تَِليُ جُلُو ُدهُمْ ﴾ .
ِمنْهُ جُلُو ُد الّذِي َن يَخْ َ
وقال تعال ﴿ :حم * تَنِي ٌل مّ نَ الرّ ْحمَ نِ الرّحِي مِ * ِكتَا بٌ فُ صَّلتْ
آيَاتُ هُ ُقرْآنا عَ َرِبيّا ّل َقوْ مٍ َيعْلَمُو نَ * بَشِيا َونَذِيرا َفأَعْرَ ضَ أَ ْكثَ ُرهُ مْ َفهُ مْ لَا
يَسْ َمعُونَ ﴾ .
الزء الول 12
تَشَابَ هَ ِمنْ هُ اْبِتغَاء الْ ِفْتَنةِ وَابِْتغَاء َتأْوِيلِ ِه َومَا َيعْلَ ُم َت ْأوِيلَ هُ إِل اللّ ُه وَالرّا سِخُونَ
فِي اْلعِلْ ِم َيقُولُونَ آ َمنّا بِهِ كُ ّل مّنْ عِندِ َرّبنَا َومَا يَذّكّرُ إِل ُأوْلُوْا اللْبَابِ ﴾.
ْسـنُ إِل
ِيـ أَح َ وقال تعال ﴿ :وَل تُجَادِلُوا َأهْ َل الْ ِكت ِ
َابـ إِل بِالّتِي ه َ
ُمـ َوإِلَهُن َا
ُمـ وَقُولُوا آ َمنّاـ بِالّذِي أُنزِلَ إَِليْن َا َوأُنزِلَ إَِلْيك ْ
ِينـ ظَلَمُوا ِمْنه ْ الّذ َ
َوإَِلهُكُ مْ وَا ِح ٌد َونَحْ نُ لَ ُه مُ سْلِمُونَ * وَكَذَلِ كَ أَنزَْلنَا إَِليْ كَ اْل ِكتَا بَ فَالّذِي نَ
جحَ ُد بِآيَاِتنَا إِلب ُيؤْ ِمنُو َن بِ ِه َومِ ْن َهؤُلَاء مَن ُي ْؤمِ ُن بِ هِ َومَا يَ ْ
آتَْينَاهُ ُم الْ ِكتَا َ
ب وَل َتخُطّ ُه ِبيَمِينِ كَ إِذا ت َتتْلُو مِن َقبْلِ ِه مِن ِكتَا ٍ الْكَافِرُو نَ * وَمَا كُن َ
ب الْ ُمبْطِلُو نَ * بَلْ هُ َو آيَا تٌ َبّينَا تٌ فِي صُدُو ِر الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم َومَا ل ْرتَا َ
ح ُد بِآيَاِتنَا إِل الظّالِمُونَ ﴾ . يَجْ َ
وقال تعال ﴿ :قُلْ أُوحِ يَ إِلَيّ َأنّ هُ ا ْستَمَ َع َنفَ ٌر مّ َن الْجِنّ َفقَالُوا ِإنّاـ
ِكـ ِب َربّنَا أَحَدا
ِهـ وَلَن نّشْر َ
سـِم ْعنَا ُقرْآنا عَجَبا * َيهْدِي إِلَى ال ّرشْدِ فَآ َمنّاـ ب ِ
َ
﴾.
وقال تعال َ ﴿ :وإِذْ صَرَ ْفنَا إَِليْكَ َنفَرا مّ َن الْجِنّ يَ ْ
ستَ ِمعُو َن اْلقُرْآنَ فَلَمّا
ض َي وَّلوْا إِلَى َق ْو ِمهِم مّنذِرِينَ ﴾ .
َحضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا َفلَمّا ُق ِ
وقال تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِي نَ أُوتُواْ اْلعِلْ َم مِن َقبْلِ هِ إِذَا ُيتْلَى عََلْيهِ ْم يَخِرّو نَ
ِللَذْقَانِ سُجّدا ﴾ .
ْآنـ ل
ِمـ اْلقُر ُ
ئ عََلْيه ُ
ُونـ * َوِإذَا ُقرِ َ وقال تعال ﴿ :فَمَا َله ْ
ُمـ ل ُي ْؤمِن َ
يَسْجُدُونَ ﴾ .
وقال تعال َ ﴿ :ومِنْهُم مّ ن يَ ْ
ستَمِعُ إَِليْ كَ َحتّ ى إِذَا َخرَجُوا مِ ْن عِندِ كَ
قَالُوا ِللّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم مَاذَا قَا َل آنِفا ُأوْلَئِ كَ الّذِي َن طَبَ عَ اللّ ُه عَلَى قُلُوِبهِ مْ
وَاّتَبعُوا َأهْوَاءهُمْ ﴾ .
الزء الول 14
وقال تعال ﴿ :أَفَل َيتَ َدبّرُو َن اْلقُرْآنَ َأ ْم عَلَى قُلُوبٍ أَ ْقفَاُلهَا ﴾ .
وقال تعال ﴿ :كَل بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوِبهِم مّا كَانُوا َيكْ ِ
سبُونَ ﴾ .
وقال تعال َ ﴿ :ومَنْ أَصْ َد ُ
ق مِنَ اللّهِ حَدِيثا ﴾ .
ـ وَل
حكُون َ
ـ * َوَتضْ َ
جبُون َ
ـ َتعْ َ
حدِيث ِ وقال تعال ﴿ :أَفَمِن ْ
ـ هَذَا الْ َ
َتبْكُونَ * َوأَنتُ ْم سَامِدُونَ ﴾ .
وقال تعال َ ﴿ :ومِ َن النّا سِ مَن يَ ْ
شتَرِي َل ْه َو الْحَدِي ثِ ِلُيضِلّ عَن َسبِيلِ
خذَهَا هُزُوا أُوَلئِ كَ َلهُ ْم عَذَا بٌ ّمهِيٌ * َوإِذَا ُتتْلَى عََليْ ِه اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْ ٍم َويَتّ ِ
سَتكْبِرا َكأَن لّ ْم يَ سْ َم ْعهَا كَأَنّ فِي أُ ُذَنيْ هِ وَقْرا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَا بٍآيَاتُنَا وَلّى مُ ْ
أَلِيمٍ ﴾ .
وقال تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِي َن َيتْلُونَ ِكتَابَ اللّ ِه َوأَقَامُوا الصّلَا َة َوأَنفَقُوا مِمّا
رَزَ ْقنَاهُ مْ سِرّا َوعَلَاِنَيةً َيرْجُو نَ ِتجَا َرةً لّن َتبُورَ * ِلُيوَفَّيهُ مْ أُجُو َرهُ ْم َويَزِي َدهُم
مّن َفضْلِهِ ِإنّهُ َغفُو ٌر َشكُورٌ ﴾ ،واليات ف البواب كثية .
و عن عثمان ر ضي ال ع نه قال :قال ر سول ال « :خي كم من
تعلم القرآن وعلمه » .رواه البخاري .
وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه قال :خرج رسول ال ونن ف
صفّة ،فقال « :أيّ كم ي ب أن يغدو كل يوم إل بطحان أو العق يق ، ال ّ
فيأت بناقتي كوماوين ف غي إث ول قطع رحم » ؟ فقلنا :يا رسول ال
كلنا نب ذلك .قال « :أفل يغدو أحدكم إل السجد ،فيعلم أو يقرأ
آيتي من كتاب ال خي له من ناقتي ،وثلث خي له من ثلث ،وأربع
خي له من أربع ،ومن أعدادهن من البل » .رواه مسلم .
15 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :بئس ما
لحدهـم أن يقول نسـيت آيـة كيـت وكيـت ،بـل نُسـّي .واسـتذكروا
القرآن فإنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم » .متفق عليه .
وعن عمر رضي ال عنه أن النب قال « :إنا مثل صاحب القرآن
كمثـل صـاحب الِبـل العلقـة إن عاهـد عليهـا أمسـكها ،وإن أطلقهـا
ذهبت » .متفق عليه .
وعن جندب بن عبد ال رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :
اقرؤوا القرآن ما ائتلف عليه قلوبكم ،فإذا اختلفتم فقوموا عنه » .متفق
عليه .
وعن قتادة قال :سئل أنس كيف كانت قراءة رسول ال ؟ فقال
( :كانت مدًا مدًا ) .ث قرأ ﴿ :بِ سْمِ الِ الرّحْم نِ الرّحِي مِ ﴾ يد ببسم
ال ،ويد بالرحن ،ويد بالرحيم .رواه البخاري .
و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال :قال ر سول ال « :ما أذن ال
لشيء ما أذن لنب يتغن بالقرآن » .متفق عليه .
وع نه قال :قال ر سول ال « :ما أذن ال لش يء ما أذن ل نب ح سن
الصوت بالقرآن يهر به » .متفق عليه .
وع نه قال :قال ر سول ال « :ل يس م نا من ل يت غن بالقرآن » .
رواه البخاري .
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال :قال ل رسول ال وهو على النب
« :اقرأ عليّ » .قلت ( :آأقرأ عليك وعليك أنزل !؟ ) قال « :إن
أحب أن أسعه من غيي » ( .فقرأت سورة النساء حت أتيت إل هذه
الزء الول 20
وعن سعد بن عبادة رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :ما من
امرئ يقرأ القرآن ثـ ينسـاه إل لقـي ال يوم القيامـة أجذم » .رواه أبـو
داود ،والدرامي .
وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما أن رسول ال قال « :ل يفقه
مـن قرأ القرآن فـ أقـل مـن ثلث » .رواه الترمذي ،وأبـو داود ،
والدارمي .
« وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه قال :قال رسول ال :
الا هر بالقرآن كالا هر بال صدقة ،وال سر بالقرآن كال سر بال صدقة » .
رواه الترمذي ،وأبـو داود ،والنسـائي ،وقال الترمذي :هذا حديـث
حسن غريب .
وعـن صـهيب رضـي ال عنـه قال :قال رسـول ال « :مـا آمـن
بالقرآن من استحل مارمه » .رواه الترمذي .وقال :هذا حديث ليس
إسناده بالقوي .
و عن الل يث بن سعد عن ا بن أ ب ملي كة عن يعلى بن ملك ( :أ نه
سأل أم سلمة عن قراءة النب ،فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا
) .رواه الترمذي ،وأبو داود ،والنسائي .
وعن جابر رضي ال عنه قال ( :خرج علينا رسول ال ونن نقرأ
القرآن ،وفينـا العرابـ والعجمـي ) ،فقال « :اقرؤوا فكـل حسـن ،
وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ول يتأجلونه » .رواه
أبو داود ،والبيهقي ف شعب اليان .
الزء الول 22
فرد إلّ الثانية :اقرأه على حرفي ،فرددت إليه أن هوّن على أمت ،فرد
إلّ الثالثـة :اقرأه على سـبعة أحرف ،ولك بكـل ردة رددتكهـا مسـألة
تسألينها ،فقلت :اللهم اغفر لمت ،اللهم اغفر لمت ،وأخرت الثالثة
ليوم يرغب إلّ اللق كلهم حت إبراهيم عليه السلم » .رواه مسلم .
وع نه قال ( :ل قي ر سول ال جبائ يل فقال « :يا جبائ يل إ ن
بعثـت إل أمـة أمييـ ،منهـم العجوز والشيـخ الكـبي والغلم والاريـة
والر جل الذي ل يقرأ كتابًا قـط » .قال ( :يـا م مد ،إن القرآن أنزل
على سبعة أحرف ) .رواه الترمذي ،وف رواية لحد ،وأب داود قال
( :ليس منها إل شافٍ كافٍ ) .
وعن عمران بن حصي رضي ال عنه أنه مرّ على قاص يقرأ ث يسأل
فاسترجع ث قال :سعت رسول ال يقول « :من قرأ القرآن فليسأل
ال بـه ،فإنـه سـيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسـألون بـه الناس » .رواه
أحد ،والترمذي .
وعن بريدة رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :من قرأ القرآن
يتأكل به الناس ،جاء يوم القيامة ووجهه عظيم ليس عليه لم » .رواه
البيهقي ف شعب الِيان .
و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه عن ال نب قال « :من نفّ س عن
مؤمن كربة من كرب الدنيا ،نفس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ،
ومن ي سّر على معسر ي سّر ال عليه ف الدنيا والخرة ،ومن ستر مسلمًا
ستره ال ف الدن يا والخرة ،وال ف عون الع بد ما كان الع بد ف عون
أخيه ،ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سَهل ال لديه طريقًا إل النة ،
الزء الول 24
(
(
ترى آدمًـا إذ كان وهـو تراب فإن رمت تاريًا رأيت عجائبًا
( (
على الرض من ماء ال سحاب عباب وتنظر نوحًا وهو ف الفلك إذ طغى
(
(
ومـا قال كـل منهـم وأجابوا وإن شئت كل ال نبياء وقوم هم
(
(
(
ـه جواب
فإن دموع العي ـ عنـ وإن ترد الو عظ الذي إن عقلتـه
(
(
فوال مــا عنــه ينوب كتاب وفيه الدوا مكن كل داء فثق به
(
(
(
(
يطيـب باـ نشـر ويفتـح باب وفـ طـي أثناء الثانـ نفائس
( (
ـي إياب
ـا للذكـ وكم من فصول ف الفصل قد حوت أصـ
ـولً إليهـ (
(
***
الزء الول 26
فصل
و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال قال « :أنزل القرآن
على سبعة أحرف فاقرؤوا ول حرج ،ولكن ل تتموا ذكر رحة بعذاب
ول ذكر عذاب برحة » .وف رواية « :أنزل القرآن على سبعة أحرف
عليم ،حكيم ،غفور ،رحيم » .رواه ابن جرير وغيه .
وعن العمش قال :قرأ أنس هذه الية ﴿ :إِن ناشَِئةَ اللّيلِ هي أَشدّ
وَطْءا وأصـوب قِيلً ﴾ ،فقال له بعـض القوم :يـا أبـا حزة ،إناـ هـي
﴿ أَ ْق َومُ ﴾ فقال :أقوم وأصوب واحد .
وعن ابن سيين قال ( :نبئت أن جبائيل وميكائيل أتيا النب فقال
له جبائيـل :اقرأ القرآن على حرفيـ .فقال :له ميكائيـل :اسـتزده .
فقال :اقرأ القرآن على ثلثـة أحرف .فقال له ميكائيـل :اسـتزده .قال
حتـ بلغ سـبعة أحرف ) .قال ممـد :ل تتلف فـ حلل ول حرام ،
وهو كقولك :تعال ،وهلم ،وأقبل .
قال ابـن جريـر ( :معنـ قول النـب « :نزل القرآن على سـبعة
أحرف » .أي :سـبع لغات ،كقول القائل :هلم ،وأقبـل ،وتعال ،
وإلّ ،وق صدي ،ونوي ،وقر ب ،ون و ذلك م ا تتلف ف يه اللفاظ ،
وتتفق فيه العان ) .انتهى ملخصًا .
وعـن أبـ قلبـة قال :لاـ كان فـ خلفـة عثمان جعـل العلم يعلم قراءة
الرجل ،والعلم يعلم قراءة الرجل ،فجعل الغلمان يلتفون فيختلفون حت
ارتفع ذلك إل العلمي حت كفر بعضهم بقراءة بعض ،فبلغ ذلك عثمان
فقام خطيبًا ،فقال :أن تم عندي تتلفون ف يه وتلحنون ،ف من نأى ع ن
27 توفيق الرحن ف دروس القرآن
من أهل المصار أشد فيه اختلفًا وأشد لنًا ،اجتمعوا يا أصحاب ممد
فاكتبوا للناس إمامًا .قال ابـن جريـر ( :فاسـتوثقت له المـة بالطاعـة
فتركـت القراءة بالحرف السـتة ،فل سـبيل لحـد اليوم إل القراءة باـ
لدثورها وتتابع السلمي على رفض القراءة با من غي جحود صحتها .
فأمـا اختلف القراءة فـ رفـع حرف وجره ،ونصـبه وتسـكي حرف
وتريكه ،ون قل حرف إل آ خر مع اتفاق الصور فبمعزل من معن قول
ـىـبعة أحرف » . ) .انتهـ ـب « :أمرت أن أقرأ القرآن على سـ النـ
ملخصًا .
وقال بعض الفسرين :ذكر الروف الت كتب بعضها على خلف
بعض ف الصحف وهي ف الصل واحدة :فأول ﴿ بِ سْمِ الِ ﴾ كتب
بذف اللف الت قبل السي ،وكتب ﴿ اقْ َرْأ بِا سْمِ َربّ كَ ﴾ ،و ﴿ َسبّحِ
س الِ سْ ُم اْلفُ سُوقُ ﴾ باللف .والصل ف ا سْمَ َربّ كَ اْلَأعْلَى ﴾ ،و ﴿ ِبئْ َ
ِسـمِ ذلك كله واحـد ،وهـو أن يكتـب اللف ،وإناـ حذفـت مـن ﴿ ب ْ
الِ ﴾ فقط لنا ألف وصل ساقطة من اللفظ كثيًا .قد كثر استعمال
الناس إياها فأمنوا أن يهل القارئ معناها .وكتب ﴿ فِيمَا ﴾ موصولً ف
كل القرآن إل ف البقرة ﴿ :فِي مَا َف َعلْنَ ﴾ ،وفيها ﴿ :فِي مَا َفعَلْنَ فِيَ
حرّما سهِ ّن مِن ّمعْرُو فٍ ﴾ ،وف النعام ﴿ :فِي مَا ُأوْحِ يَ إَِليّ مُ َ أَنفُ ِ
﴾ ،وفيها ّ ﴿ :ليَبُْلوَكُ مْ فِي مَا آتَاكُم ﴾ ،وف النفال ﴿ :فِيمَا َأخَ ْذتُ مْ
سهُمْ ﴾ ،و ف النور ﴿ :فِي مَا ﴾ و ف النعام ﴿ :فِي مَا ا ْشَتهَ تْ أَنفُ ُ
أََفضْتُ مْ ﴾ ،و ف الشعراء ﴿ :فِي مَا هَاهُنَا ﴾ ،و ف الروم ﴿ :فِي مَا
رَزَ ْقنَاكُمْ ﴾ ،وف الزمر ﴿ :فِي مَا هُمْ فِيهِ ﴾ وفيها ﴿ :فِي مَا كَانُوا فِيهِ
الزء الول 28
إل أن قال ( :وإنا كتبت هذه الروف بعضها على خلف بعض ،
وف الصل واحدة ؛ لن الكتابة بالوجهي كانت جائزة عندهم ،فكتبوا
بعضها على وجه ،وبعضها على وجه آخر جعًا بي الذهبي ،على أنم
كتبوا أكثر ها على ال صل ،و كل ما ك تب ف ال صحف على أ صل ل
يقاس عليـه غيه مـن الكلم ؛ لن القرآن يلزمـه لكثرة السـتعمال مـا ل
يلزم غيه ،واتباع الصحف ف هجائه واجب .
وقال جا عة من الئ مة :إن الوا جب على القرّاء ،والعلماء ،وأ هل
الكتاب أن يتبعوا هذا الرسـم فـ خـط الصـحف ،فإنـه رسـم زيـد بـن
ثا بت ،وكان أم ي ر سول ال ،وكا تب وح يه ،وعلم من هذا العلم
بدعوة ال نب ما ل يعلم غيه ،ف ما ك تب شيئًا من ذلك إل ِلعِّلةٍ لطي فة
وحكمة بليغة وإن قصر عنه رأينا ،أل ترى أنه لو كتب على ( صلوتم )
( وأن صلوتك ) باللف بعد الواو ،وباللف من غي واو لا دل ذلك إل
على وجه واحد ،وقراءة واحدة ،وال تعال أعلم ) .انتهى ملخصًا .
وقال بعض العلماء :
وحائد عــن مقتضــى القياس ـز للناس
ـه معجـ
والطـ فيـ
( (
وشرّعت لنا أفضل شرائع دينك ،وجعلتنا من خي أمة أخرجت للناس ،
وهديت نا لعال دي نك الذي ارتضي ته لنف سك ،وبني ته على خ س :شهادة
أن ل إله إل ال وأن ممدًا رسـول ال ،وإقام الصـلة ،وإيتاء الزكاة ،
و صوم رمضان ،و حج الب يت الرام ،ولك ال مد على ما ي سّرته من
تف سي كتا بك العز يز الذي ل يأت يه البا طل من ب ي يد يه ول من خل فه ،
تن يل من حك يم ح يد ،الل هم صلّ على م مد وعلى آل م مد ،ك ما
صليت على إبراه يم وعلى آل إبراه يم ،إ نك ح يد م يد ،وبارك على
ممـد ،وعلى آل م مد كمـا باركـت على إبراهيـم وعلى آل إبراهيـم ،
إ نك ح يد م يد .الل هم إ نا عبيدك ،بنو عبيدك ،ب نو إمائك ،نوا صينا
بيدك ،ماض فينا حكمك ،عدل فينا قضاؤك ،نسألك اللهم بكل اسم
هو لك ،سيت به نف سك ،أو أنزل ته ف كتا بك ،أو علم ته أحدًا من
خل قك ،أو ا ستأثرت به ف علم الغ يب عندك ،أن ت عل القرآن العظ يم
ربيع قلوبنا ،ونور أبصارنا ،وشفاء صدورنا ،وجلء أحزاننا ،وذهاب
هوم نا وغموم نا ،الل هم ذكر نا م نه ما ن سينا ،وعلّم نا م نه ما جهل نا ،
وارزقنـا تلوتـه آناء الليـل والنهار على الوجـه الذي يرضيـك عنـا ،
الل هم اجعل نا م ن ي ل حلله ،ويرم حرا مه ،ويع مل بحك مه ،ويؤ من
بتشابه ،ويتلوه حق تلوته ،اللهم اجعلنا من يقيم حدوده ،ول تعلنا
من يقيم حروفه ،ويضيع حدوده ،اللهم اجعلنا من اتبع القرآن فقاده إل
رضوانـك والنـة ،ول تعلنـا منـ اتبعـه القرآن فزخ فـ قفاه إل النار ،
واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالي ،ول
حول ول قوة إل بال العلي العظيم .
31 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 32
الدرس الول
[ سورة الفاتة ]
مكية ،وهي سبع آيات
أعوذ بال السميع العليم من الشيْطان الرجِيم
بسم ال الرحن الرحيم
ك َيوْ مِ
﴿ الْحَ ْم ُد للّ هِ َربّ اْلعَالَمِيَ ( )2ال ّرحْمـنِ ال ّرحِي مِ ( )3مَالِ ِ
الصـرَاطَ
َسـتَعِيُ ( )5اهدِنَـــــا ّ
ّاكـ ن ْ
ّاكـ نَعُْب ُد وإِي َ
ّينـ (ِ )4إي َ
الد ِ
ي الَغضُو بِ عَلَيهِ ْم وَلَ
ط اّلذِي َن أَنعَم تَ عَلَيهِ مْ غَ ِ
صرَا َ
الُ سَتقِيمَ (ِ )6
الضّالّيَ (. ﴾ )7
***
33 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن كثي :لنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته ،
كما قال ابن العتز :
ـد
ـف يحده الاحـ
أم كيـ فيا عجبًا كيف يعصي الِله
( (
ــد
ــه واحـ
تدل على أنـ وفـ كـل شيـء له آيـة
( (
قال ا بن كث ي :م سألة ،وال صحيح من مذا هب العلماء ،أ نه يغت فر
الِخلل بتحرير ما بي الضاد والظاء لقرب مرجيهما ل ن ل ي يز ذلك ؛
وأما حديث « :أنا أفصح من نطق بالضاد » فل أصل له ،وال أعلم .
انت هى ملخ صًا ،قال ا بن مفلح ف الفروع ( :وإن قرأ :غ ي الغضوب
علي هم ول الضال ي بظاء ،فالو جه الثالث ي صح مع ال هل ) .قال ف
ت صحيح الفروع ( :أحد ها ل تب طل ال صلة ،اختاره القا ضي ،والش يخ
ت قي الد ين ،وقد مه ف الغ ن والشرح و هو ال صواب ) انت هى .يع ن :
تصح الصلة ولو كان ييز الضاد والظاء ،والحوط للِمام القراءة بالضاد
إذا كان ييز ذلك .
وقال ابـن كث ي :اشتملت هذه ال سورة الكري ة و هي سبع آيات ،
على حد ال وتجيده والثناء عليه ،بذكر أسائه السن الستلزمة لصفاته
العليـا ،وعلى ذكـر العاد وهـو :يوم الديـن ،وعلى إرشاده عـبيده إل
سؤاله والتضرع إليه ،والتبؤ من حولم وقوتم ،وإل إخلص العبادة له
وتوحيده باللوهية تبارك وتعال ،وتنيهه أن يكون له شريك أو نظي أو
ماثل ،وإل سؤالم إياه الداية إل الصراط الستقيم ،وهو الدين القوي ،
وتثبيتهم عليه حت يفضي بم ذلك إل جواز الصراط السي يوم القيامة ،
الفضي بم إل جنات النعيم ف جوار النبيي ،والصديقي ،والشهداء ،
والصالي .
واشتملت على الترغيب ف العمال الصالة ،ليكونوا مع أهلها يوم
القيامـة ،والتحذيـر مـن مسـالك الباطـل لئل يشروا مـع سـالكيها يوم
القيامة ،وهم الغضوب عليهم والضالون .انتهى .
الزء الول 42
راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقيه فرقاه فبئ فأمر له بثلثي شاة ،
و سقانا لبنًا ،فل ما ر جع قل نا له :أك نت ت سن رق ية ،أو ك نت تر قي ؟
قال :ل ،ما رق يت إل بأم الكتاب ،قل نا :ل تدثوا شيئًا ح ت نأ ت أو
ن سأل ر سول ال ،فل ما قدم نا الدي نة ،ذكرناه لل نب فقال « :و ما
كان يدريـه أناـ رقيـة ؟ اقسـموا واضربوا ل بسـهم » .رواه البخاري
ومسلم ،وال أعلم .
***
الزء الول 44
الدرس الثان
[ سورة البقرة ]
مدنية ،وهي مائتان وثانون وست أو سبع آيات
عن مع قل بن ي سار ر ضي ال ع نه أن ر سول ال قال « :البقرة
ـا ثانون ملكًـاـة منهـ ـل آيـ ـع كـ ـه ،نزل مـ ـنام القرآن وذروتـ سـ
حيّ الْ َقيّو مُ ﴾ من تت العرش ،
واستخرجت ﴿ اللّ هُ لَ إِلَـهَ إِل هُ َو الْ َ
فو صلت ب ا ،أو ف صلت ب سورة البقرة .و يس قلب القرآن ،ل يقرؤ ها
رجـل يريـد ال والدار الخرة إل غفـر له ،واقرءوهـا على موتاكـم » .
رواه أحد .
وروى مسلم وغيه عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال قال
« :ل تعلوا بيوت كم قبورًا ،فإن الب يت الذي ل تقرأ ف يه سورة البقرة ل
يدخله الشيطان » .
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ( :من قرأ عشر آيات من سورة
البقرة ف ليلة ،ل يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة ؛ أربع من أولا ،
وآية الكرسي ،وآيتان بعدها ،وثلث آيات من آخرها ) .وف رواية :
( ل يقربه ول أهله يومئذٍ شيطان ،ول شيء يكرهه ،ول يقرآن على
منون إل أفاق ) .رواه الدرامي .
و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال :ب عث ر سول ال بعثًا ،و هم
ذوو عدد ،فا ستقرأهم كل وا حد من هم ما م عه من القرآن ،فأ تى على
رجل من أحدثهم سنًا ،فقال « :ما معك يا فلن » ،فقال معي كذا
وكذا ،وسـورة البقرة فقال « :أمعـك سـورة البقرة » ،قال :نعـم ،
45 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعن عبد ال بن بريدة عن أبيه رضي ال عنه قال :كنت جالسًا عند
النـب فسـمعته يقول « :تعلموا سـورة البقرة ،فإن أخذهـا بركـة ،
وتركها حسرة ،ول يستطيعها البطلة » .قال :ث سكت ساعة ث قال :
« تعلموا سورة البقرة وآل عمران ،فإن ما الزهراوان ،يظلن صاحبهما
يوم القيامـة ،كأنمـا غمامتان أو غيابتان ،أو فرقان مـن طيـ صـواف ،
وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حي ينشق عنه قب كالرجل الشاحب
فيقول له :هـل تعرفنـ ؟ فيقول :مـا أعرفـك .فيقول أنـا صـاحبك
القرآن ،الذي أظمأ تك ف الوا جر وأ سهرت ليلك ،وإن كل تارة من
وراء تارته ،وإنك اليوم من وراء كل تارة فيعطى اللك بيمينه ،واللد
بشماله ،ويو ضع على رأ سه تاج الوقار ،ويك سى والد يه حلتان ل يقوم
لما أهل الدنيا ،فيقولن ب كُسينا هذا ؟ فيقال :بأخذ ولدكما القرآن .
ث يقال :اقرأ واصعد ف درج النة وغرفها ،فهو ف صعود ما دام يقرأ ،
هذّا كان أو ترتيلً » .رواه الِمام أحد .
قال ابـن العربـ فـ ( أحكام القرآن ) ( :اعلموا وفقكـم ال أن
علماء نا قالوا :إن هذه ال سورة من أع ظم سور القرآن .سعت ب عض
أشيا خي يقول :في ها ألف أ مر ،وألف ن ي ،وألف ح كم ،وألف خب
ولعظيم فقهها أقام عبد ال بن عمر ثان سني ف تعلمها ) .
47 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جعَلُو َن أَ صْاِب َعهُ ْم فِي آذَانِهِم مّ نَ ال صّوَا ِعقِ حَذَ َر الْ َموْ تِ واللّ هُ مُحِي طٌ
يَ ْ
شوْاْ
ف َأبْ صَا َر ُهمْ كُلّمَا أَضَاء لَهُم ّم َ
بِالْكا ِفرِي نَ (َ )19يكَا ُد الَْبرْ قُ يَخْطَ ُ
ب بِسَ ْم ِع ِهمْ َوَأبْصَا ِرهِ ْم إِنّ
فِي ِه َوإِذَا أَظْلَمَ عَلَ ْيهِمْ قَامُوْا َولَ ْو شَاء اللّهُ َل َذهَ َ
اللّه عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (. ﴾ )20
***
49 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :هُدًى لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ،أي :رشـد وبيان لهـل التقوى
خا صة ،ك ما قال تعال ﴿ :قُ ْل ُهوَ ِللّذِي نَ آ َمنُوا هُدًى َو ِشفَاء وَالّذِي نَ لَا
ُيؤْ ِمنُونَ فِي آذَاِنهِ ْم وَقْرٌ وَ ُه َو عََلْيهِ ْم عَمًى ُأوَْلئِكَ ُينَا َدوْ َن مِن مّكَا ٍن َبعِيدٍ﴾.
وقال تعال َ ﴿ :وُننَزّ ُل مِ َن اْلقُرْآ ِن مَا ُه َو ِشفَاء وَ َرحْ َمةٌ لّ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ وَ َل يَزِيدُ
الظّالِمِيَ إَل خَ سَارا ﴾ .قال ابن عباس :التق يّ من يتق يّ الشرك والكبائر
والفواحش .وأنشد أبو الدرداء :
ويأبــ ال إل مــا أراد ـى مُناه
ـد الرء أن يؤتـ
يريـ
( (
قال ابن عباس :إقامة الصلة إتام الركوع والسجود ،والتلوة والشوع
والِقبال عليه فيها .
وقوله تعال َ ﴿ :ومِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُونَ ﴾ ،أي :ف جيع ما يلزمهم
من الزكاة وغي ها .قال قتادة :هذه الموال َعوَا ٍر وودائع عندك يا ا بن
آدم ،يوشك أن تفارقها .
وقوله تعال ﴿ :والّذِي َن ُي ْؤ ِمنُو نَ بِمَا أُنزِلَ إَِليْ كَ وَمَا أُنزِ َل مِن َقْبلِ كَ
َوبِالخِ َر ِة هُ ْم يُوقِنُو نَ ﴾ ،قال ا بن عباس ﴿ :والّذِي َن ُي ْؤ ِمنُو نَ بِمَا أُنزِ َل
ك َومَا أُنزِ َل مِن َقبْلِ كَ ﴾ ،أي :يصدقون با جئت به من ال ،وما إَِليْ َ
جاء به من قبلك من الرسلي ،ل يفرقون بينهم ول يحدون ما جاءوهم
به من ربم ﴿ َوبِالخِ َرةِ هُ ْم يُوِقنُو نَ ﴾ ،أي :بالبعث والقيامة ،والنة
والنار ،وال ساب واليزان .قال البغوي :قوله َ ﴿ :وبِالخِ َرةِ ﴾ ،أي :
بالدار الخرة .سـيت الدنيـا دنيـا لدنوّهـا مـن الخرة ،وسـيت الخرة
آخرة لتأخرها وكونا بعد الدنيا ﴿ هُ ْم يُوقِنُو نَ ﴾ ،أي :يستيقنون أنا
كائنة .
ـ وقوله تعال ُ ﴿ :أوْلَــئِكَ عَلَى هُدًى مّنـ ّرّبهِم ْ
ـ َوأُوْلَــئِكَ هُم ُ
الْ ُمفْلِحُونَ ﴾ .يقول ال تعال ُ ﴿ :أوْلَـئِكَ ﴾ ،أي :التصفون بالِيان
وإقام الصلة والِنفاق ما أعطاهم ال ﴿ عَلَى هُدًى مّن ّرّبهِ مْ ﴾ ،أي :
على نور وبيان وب صية ﴿ َوأُوْلَ ـئِكَ هُ ُم الْ ُمفْلِحُو نَ ﴾ ،أي :الناجون
الفائزون ،فازوا بالنة ونوا من النار .
الزء الول 52
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ الّذِي نَ َك َفرُواْ َسوَاءٌ عَلَ ْيهِ ْم َأأَنذَ ْرَتهُ مْ أَ ْم لَ مْ
تُنذِرْهُم ْـ َل يُ ْؤمِنُونَـ ( )6خَتَمَـ اللّهُـ عَلَى قُلُوبِهم ْـ وَعَلَى سَـْم ِعهِ ْم وَعَلَى
َأبْصَا ِر ِهمْ ِغشَا َو ٌة وََل ُهمْ َعذَابٌ عظِيمٌ (. ﴾ )7
يقول ال تعال :إن الذين كفروا من أهل الكتاب والشركي ،سواء
علي هم إنذارك وعد مه ،فإن م ل يؤمنون ب ا جئت هم به ،ك ما قال تعال
ت عََلْيهِ مْ كَِلمَ تُ َربّ كَ َل ُي ْؤ ِمنُو نَ * وََلوْ جَاءْتهُ مْ كُلّ
ِ ﴿ :إنّ الّذِي نَ َحقّ ْ
ب الَلِيمَ ﴾ .قال البغوي ( :والكفر على أربعة أناء
آَيةٍ َحتّى َي َر ُواْ اْلعَذَا َ
:كفر إنكار ،وكفر جحود ،وكفر عناد ،وكفر نفاق ) .
وقوله تعال َ ﴿ :ختَ مَ اللّ ُه عَلَى قُلُوبِه ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِمْ ﴾ ،أي :طبع
ال على قلوب م ،فل ت عي خيًا ول تفه مه ،وعلى سعهم فل ي سمعون
الق ول ينتفعون به ،كما قال تعال ﴿ :إِنّ َشرّ ال ّدوَابّ عِندَ اللّ ِه ال صّمّ
الُْبكْ ُم الّذِي نَ َل َيعْقِلُو نَ * وََل ْو عَلِ مَ اللّ هُ فِيهِ مْ َخيْرا لّأ سْ َم َعهُ ْم وََلوْ أَ سْ َم َعهُمْ
َلَتوَلّواْ وّهُم ّمعْرِضُونَ ﴾ .
ِيمـ ﴾ .
َابـ عظ ٌ وقوله تعال َ ﴿ :وعَلَى َأبْصـَا ِرهِ ْم غِشَاوَ ٌة وََله ْ
ُمـ عَذ ٌ
يقول تعال :وعلى أبصارهم غطاء ،فل يرون الق ،ولم عذاب عظيم
فـ الخرة ،فالتـم على القلب والسـمع ،والغشاوة على البصـر ،كمـا
ضلّ هُ اللّ ُه عَلَى عِ ْل ٍم وَ َختَ مَ
قال تعال ﴿ :أَفَ َرَأيْ تَ مَ ِن اتّخَذَ إَِلهَ هُ َهوَا هُ َوأَ َ
عَلَى سَ ْمعِ ِه وََق ْلبِ هِ وَ َجعَلَ عَلَى بَ صَ ِر ِه غِشَاوَةً فَمَن َيهْدِي هِ مِن َبعْدِ اللّ هِ أَفَل
ج َهنّمَ َكثِيا مّ َن الْجِنّ وَالِن سِ تَذَكّرُو نَ ﴾ ،وقال تعال ﴿ :وََلقَدْ ذَ َرْأنَا لِ َ
ب ل َي ْف َقهُو نَ بِهَا وََلهُ مْ َأ ْعيُ نٌ ل ُيبْ صِرُونَ بِهَا وََلهُ مْ آذَا نٌ ل َلهُ مْ قُلُو ٌ
ك هُ ُم اْلغَافِلُو نَ ﴾ ، يَ سْ َمعُونَ ِبهَا ُأوْلَـئِكَ كَا َلْنعَا ِم بَ ْل هُ مْ أَضَلّ ُأوْلَـئِ َ
53 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعن أ ب هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :إن الؤمن إذا
أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء ف قلبه ،فإن تاب ونزع واستعتب صقل
قلبـه ،وإن زادت زاد حتـ تعلو قلبـه ،فذلك الران الذي قال ال تعال
سبُونَ ﴾ » .رواه ابن جرير
﴿ :كَل بَلْ رَا َن عَلَى ُقلُوِبهِم مّا كَانُوا يَكْ ِ
وغيه .وقال الترمذي ( :حسن صحيح ) .قال ماهد :الران أيسر من
الطبع ،والطبع أيسر من الِقفال ،والِقفال أشد من ذلك كله .
قوله عز و جل َ ﴿ :ومِ نَ النّا سِ مَن َيقُولُ آمَنّ ا بِاللّ هِ َوبِالَْيوْ ِم ال ِخرِ
خدَعُو نَ إِل
وَمَا هُم بِ ُم ْؤمِنِيَ ( )8يُخَادِعُو َن اللّ َه وَاّلذِي نَ آمَنُوا وَمَا يَ ْ
شعُرُو نَ ( )9فِي قُلُوبِهِم ّمرَ ضٌ َفزَادَهُ مُ اللّ ُه َمرَضا َوَلهُم
أَنفُ سَهُم وَمَا َي ْ
ْسـدُواْ فِي
ُمـ لَ ُتف ِ
ُونـ (َ )10وِإذَا قِيلَ لَه ْ
ِيمـ بِمَا كَانُوا يَ ْك ِذب َ
َابـ َأل ٌ
َعذ ٌ
ْسـدُونَ
ُمـ الْ ُمف ِ
ُمـ ه ُ
ُصـلِحُونَ ( )11أَل ِإّنه ْ
ْنـ م ْ
ْضـ قَالُوْا ِإنّم َا نَح ُ
الَر ِ
شعُرُونَ (. ﴾ )12
وَلَـكِن ل َي ْ
هذه اليات نزلت ف النافق ي :ع بد ال بن أ ب ،وأ صحابه وغيهم
م ن أظ هر كل مة الِ سلم واعت قد خلف ها .قال ا بن كث ي :النفاق هو
إظهار اليـ وإسـرار الشـر ،وهـو أنواع :اعتقادي وهـو :الذي يلد
صاحبه ف النار ،وعملي و هو :من أ كب الذنوب .قال ا بن جر يج :
النافـق يالف قوله فعله ،وسـره علنيتـه ،ومدخله مرجـه ،ومشهده
مغيبه .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا هُم بِ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ كذبم ال تعال ف قولم :آمنا
بال وباليوم الخر ،لنم يقولون بألسنتهم ما ليس ف قلوبم ،كما قال
شهَدُ ِإنّ كَ لَرَ سُولُ اللّ ِه وَاللّ ُه َيعْلَ مُ
تعال ﴿ :إِذَا جَاء كَ الْ ُمنَاِفقُو نَ قَالُوا نَ ْ
الزء الول 54
خذُوا َأيْمَاَنهُ مْ ُجّنةً شهَدُ إِنّ الْ ُمنَاِفقِيَ َلكَا ِذبُو نَ * اتّ َ
ِإنّ كَ لَرَ سُولُهُ وَاللّ هُ يَ ْ
فَ صَدّوا عَن َسبِيلِ اللّ هِ إِّنهُ مْ سَاء مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ * ذَلِ كَ بَِأّنهُ مْ آ َمنُوا ثُمّ
َكفَرُوا َف ُطبِ َع عَلَى ُقلُوِبهِمْ َف ُهمْ لَا َيفْ َقهُونَ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :يُخَا ِدعُونَ اللّ َه وَالّذِينَ آ َمنُوا َومَا يَخْ َدعُونَ إِل أَنفُ َ
سهُم
شعُرُو نَ ﴾ ،يقول تعال :يادعون ال والذ ين آمنوا بإظهار الِيان وَمَا يَ ْ
وإبطانم الكفر ،ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند ال كنفعهم عند بعض
حِلفُو نَ لَ هُ كَمَا
الؤمن ي ،ك ما قال تعال َ ﴿ :يوْ َم َيبْ َعُثهُ مُ اللّ هُ جَمِيعا َفيَ ْ
سبُونَ َأّنهُ ْم عَلَى َشيْءٍ أَل ِإّنهُمْ هُمُ الْكَا ِذبُونَ ﴾ . يَحِْلفُونَ َلكُ ْم َويَحْ َ
ـهُم ﴾ ،أي :لن وبال
ـ إِل أَنفُس َ وقوله تعال ﴿ :وَمَـا يَ ْ
خ َدعُون َ
خداعهم راجع عليهم ،بفضيحتهم ف الدنيا وعقابم ف الخرة َ ﴿ ،ومَا
شعُرُو نَ ﴾ ،أي :ل يدرون أنم يدعون أنفسهم ،وإن وبال خداعهميَ ْ
يعود عليهم .
وقوله تعال ﴿ :فِي قُلُوبِهِم مّرَ ضٌ فَزَا َدهُ مُ اللّ هُ مَرَضا وَلَهُم عَذَا بٌ
أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا يَكْ ِذبُونَ ﴾ ،يقول تعال ﴿ :فِي قُلُوِبهِم مّرَضٌ ﴾ ،أي :
شك ونفاق َ ﴿ ،فزَا َدهُ مُ اللّ ُه مَرَضا ﴾ ،أي :شكًا ونفاقًا ،ك ما قال
تعال َ ﴿ :وإِذَا مَا أُنزِلَ تْ سُو َرةٌ َف ِمْنهُم مّن َيقُولُ َأّيكُ مْ زَا َدتْ ُه هَـ ِذهِ إِيَانا
سَتبْشِرُونَ * َوأَمّا الّذِي نَ فِي قُلُوِبهِم َفَأمّا الّذِي نَ آ َمنُواْ فَزَا َدْتهُ مْ ِإيَانا َوهُ ْم يَ ْ
سهِ ْم َومَاتُوْا َوهُمْ كَافِرُونَ ﴾ . مّ َرضٌ فَزَا َدْتهُمْ رِجْسا إِلَى رِجْ ِ
وقوله تعال ﴿ :وََلهُم عَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا َيكْ ِذبُونَ ﴾ ،أي :ولم
عذاب مؤل موجع ،يلص حده إل قلوبم ﴿ ،بِمَا كَانُوا يَكْ ِذبُو نَ ﴾ ،
أي :بكذبم ف دعواهم الِيان بال وباليوم الخر .
55 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا قِيلَ َلهُ مْ َل ُتفْ سِدُواْ فِي الَرْ ضِ قَالُواْ ِإنّمَا نَحْ نُ
ُونـ ﴾ ،يقول
شعُر َ ْسـدُونَ وَلَــكِن ل يَ ْ ُمـ الْ ُمف ِ
ُمـ ه ُ
ُصـِلحُونَ * أَل ِإّنه ْ
م ْ
تعال :وإذا قيـل لمـ ل تفسـدوا فـ الرض بالكفـر وتعويـق الناس عـن
الِيان ﴿ ،قَالُواْ ِإنّمَا نَحْ ُن مُ صْلِحُونَ ﴾ ،أي :إن ا نر يد الِ صلح ب ي
الفريقي من الؤمني وأهل الكتاب ﴿ ،أَل ِإّنهُ مْ هُ مُ الْ ُمفْ سِدُو َن وَلَـكِن
ُونـ ﴾ بكونـه فسـادًا .قال أبـو العاليـة :وكان فسـادهم ذلك شعُر َ ل يَ ْ
معصية ال ،لنه من عصى ال ف الرض أو أمر بعصيته فقد أفسد ف
الرض ،لن صلح الرض والسماء بالطاعة .
س قَالُوْا َأنُ ْؤمِنُ
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذَا قِي َل َلهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النّا ُ
سفَهَاء أَل ِإّنهُ ْم هُمُ السّ َفهَاء َولَـكِن ل يَعْلَمُونَ ( )13وَِإذَا
كَمَا آمَ َن ال ّ
َلقُواْ اّلذِينَ آ َمنُوْا قَالُواْ آمَنّا وَِإذَا خَ َل ْواْ ِإلَى شَيَاطِيِن ِهمْ قَالُواْ إِنّا َمعَ ْكمْ ِإنّمَا
ئ ِبهِمْ َويَ ُمدّهُ ْم فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ
نَحْ ُن مُسْتَ ْه ِزئُونَ ( )14اللّ ُه يَسَْتهْزِ ُ
لَلةَ بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت تّجَا َرُتهُ ْم َومَا
ك الّذِي َن اشْتَ ُر ُواْ الضّ َ
( )15أُ ْولَـئِ َ
كَانُواْ مُهَْتدِينَ (. ﴾ )16
يقول تعال َ ﴿ :وإِذَا قِيلَ ﴾ للمنافق ي :آمنوا بح مد وب ا جاء به
كما آمن الناس ،قالوا :أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ يعنون أصحاب ممد
﴿ ،أَل ِإّنهُ مْ هُ مُ ال سّ َفهَاء ﴾ الهال ف الدين الضعفاء الرأي ﴿ ،
وَلَـكِن ل َيعَْلمُونَ ﴾ .ذلك .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا َلقُواْ الّذِينــَ آ َمنُواْ قَالُواْ آمَنّاــ َوإِذَا َخَل ْواْ إِلَى
سَتهْ ِزئُونَ ﴾ يقول تعال :وإذا لقي
َشيَاطِينِهِ مْ قَالُواْ ِإنّا َم َعكْ مْ ِإنّمَا نَحْ ُن مُ ْ
هؤلء النافقون الؤمنون قالوا :آم نا كإيان كم م صانعة وتق ية ،وإذا خلوا
الزء الول 56
ان صرفوا ﴿ إِلَى َشيَاطِيِنهِ مْ ﴾ رؤ سائهم ،قالوا ِ ﴿ :إنّ ا َمعَكْ مْ ﴾ ،أي :
سَتهْ ِزئُونَ ﴾ بحمد وأصحابه نلعب بم . على دينكم ﴿ إِنّمَا َنحْ ُن مُ ْ
ئ ِبهِ ْم َويَمُ ّدهُ مْ فِي طُ ْغيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُو نَ ﴾ قال قوله تعال ﴿ :يَ ْ
سَتهْزِ ُ
ئ ِبهِمْ ﴾ قال :يسخر بم للنقمة ابن عباس ف قوله تعال ﴿ :اللّ ُه يَسَْتهْزِ ُ
من هم .وقوله تعال َ ﴿ :ويَمُ ّدهُ مْ فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُو نَ ﴾ ،أي :يلي
لم ف ضللتهم يترددون متحيين .
ضلََل َة بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت وقوله تعال ُ ﴿ :أوْلَ ـئِ َ
ك الّذِي َن اشْتَ ُر ُوْا ال ّ
ك الّذِي َن اشْتَ ُر ُوْا
تّجَا َرُتهُ ْم َومَا كَانُوْا ُم ْهتَدِي نَ ﴾ قال ابن عباس ُ ﴿ :أوْلَـئِ َ
ضلََلةَ بِاْلهُدَى ﴾ أخذوا الضللة وتركوا الدى .وقوله تعال ﴿ :فَمَـا ال ّ
َربِحَت تّجَا َرُتهُ مْ ﴾ ،أي :ما ربوا ف تارت م لن م ا ستبدلوا الك فر
باليان َ ﴿ ،ومَا كَانُوْا ُمهْتَدِي نَ ﴾ .قال قتادة :قد وال رأيتموهم ،من
خرجوا من الدى إل الضلل ،ومن الماعة إل الفرقة ،ومن المن إل
الوف ،ومن السنة إل البدعة .
قوله عز وجل ﴿ :مَثَ ُلهُ مْ كَمََث ِل اّلذِي ا سْتَ ْو َقدَ نَارا فَلَمّا أَضَاء تْ مَا
صمّ
صرُونَ (ُ )17
ت ل يُبْ ِ
ب اللّ ُه بِنُو ِرهِ ْم َوتَرَ َكهُ مْ فِي ظُ ُلمَا ٍ
حَ ْولَ هُ َذهَ َ
ب مّ َن ال سّمَا ِء فِي هِ ظُ ُلمَا تٌ
بُكْ مٌ ُعمْ ٌي َفهُ ْم لَ َي ْرجِعُو نَ (َ )18أوْ كَ صَيّ ٍ
صوَا ِع ِق َحذَرَ الْ َموْ تِ
جعَلُو َن أَ صْابِ َع ُهمْ فِي آذَانِهِم مّ َن ال ّ
ق يَ ْ
وَرَ ْعدٌ وََبرْ ٌ
ف َأبْ صَا َرهُمْ كُلّمَا أَضَاء
ق يَخْطَ ُ
ط بِالْكافِرِي نَ (َ )19يكَا ُد الَْبرْ ُ
واللّ ُه مُحِي ٌ
ش ْواْ فِي هِ َوِإذَا أَظْلَ مَ عَلَ ْيهِ ْم قَامُواْ َوَلوْ شَاء اللّ ُه لَ َذهَ بَ بِ سَ ْم ِعهِمْ
لَهُم ّم َ
وََأبْصَا ِرهِ ْم إِ ّن اللّه عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (. ﴾ )20
57 توفيق الرحن ف دروس القرآن
نّورِكُ مْ قِيلَ ارْ ِجعُوا وَرَاءكُ مْ فَاْلتَمِ سُوا نُورا َفضُرِ بَ بَْينَهُم بِ سُورٍ لّ ُه بَا بٌ
بَا ِطنُ هُ فِي هِ الرّحْ َم ُة َوظَاهِرُ هُ مِن ِقبَلِ هِ الْعَذَا بُ * ُينَادُوَنهُ مْ أَلَ ْم نَكُن ّم َعكُ مْ
صتُ ْم وَا ْرتَْبتُ مْ وَغَ ّرْتكُ ُم الَْأمَانِيّ َحتّى
قَالُوا بَلَى وََلكِّنكُ مْ َفتَنتُ مْ أَنفُ سَكُ ْم َوتَ َربّ ْ
جَاء َأمْرُ اللّ ِه َوغَرّكُم بِاللّ ِه الْغَرُورُ * فَاْلَيوْ مَ لَا ُيؤْخَذُ مِنكُ مْ فِ ْدَي ٌة وَلَا مِ نَ
س الْمَ صِيُ ﴾ ،وقال تعال الّذِي نَ َكفَرُوا َم ْأوَاكُ ُم النّا ُر هِ َي َموْلَاكُ ْم َوبِئْ َ
﴿ :يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا تُوبُوا إِلَى اللّ ِه َت ْوَبةً نّ صُوحا عَ سَى َرّبكُ مْ أَن ُي َكفّرَ
حِتهَا اْلَأنْهَا ُر َيوْ َم ل يُخْزِي عَنكُ مْ َسّيئَاِتكُ ْم َويُدْخَِلكُ مْ َجنّا تٍ تَجْرِي مِن َت ْ
سعَى َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ َوِبَأيْمَاِنهِ ْم َيقُولُو نَ
اللّ ُه الّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا َمعَ هُ نُو ُرهُ مْ يَ ْ
َرّبنَا َأتْ ِممْ َلنَا نُو َرنَا وَا ْغفِرْ َلنَا ِإنّكَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .
قال ابـن مسـعود :نورهـم يسـعى بيـ أيديهـم على قدر أعمالمـ ،
يرون على ال صراط ،من هم مَ ْن نورُه م ثل ال بل ،ومن هم مَ ْن نوُره م ثل
النخلة ،وأدناهم نورًا مَ ْن نوُره ف إبامه يتّقد مرة ويُطفأ أخرى .قال ابن
عباس :ل يس أ حد من أ هل التوح يد إل يع طى نورًا يوم القيا مة ،فأ ما
النافق فيطفأ نوره ،فالؤمن مشفق ما يرى من إطفاء نور النافقي ،فهم
يقولون َ ﴿ :رّبنَا َأتْ ِممْ َلنَا نُو َرنَا ﴾ .وال أعلم .
***
الزء الول 60
الدرس الثالث
﴿ يَا َأيّهَا النّا سُ اعُْبدُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خَ َلقَكُ مْ وَاّلذِي نَ مِن قَبْ ِلكُ مْ
ض ِفرَاشا وَالسّمَاء بِنَاء َوأَن َزلَ
َلعَلّكُمْ تَّتقُونَ ( )21الّذِي جَ َع َل لَكُمُ الَرْ َ
جعَلُوْا لِلّ ِه أَندَادا
ل تَ ْ
ج بِ ِه مِ َن الثّ َمرَاتِ ِرزْقا ّلكُمْ فَ َ
مِ َن السّمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخرَ َ
ب مّمّ ا َن ّزلْنَا عَلَى عَ ْبدِنَا َف ْأتُواْ
وَأَنتُ مْ َتعْلَمُو نَ (َ )22وإِن كُنتُ ْم فِي َريْ ٍ
بِ سُو َر ٍة مّ ن مّثْلِ ِه وَادْعُوْا شُ َهدَاءكُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه إِ نْ كُنْتُ مْ صَا ِدقِيَ (
ـ َتفْعَلُواْ َولَن َت ْفعَلُوْا فَاّتقُوْا النّا َر الّتِـي َوقُودُهَـا النّاسـُ
َ )23فإِن لّم ْ
شرِ اّلذِيــن آمَنُوْا وَعَمِلُواْ
وَالْحِجَا َر ُة أُ ِعدّتــْ لِلْكَافِرِينــَ ( )24وََب ّ
حِتهَا الَْنهَارُ كُلّمَا رُ ِزقُواْ مِ ْنهَا مِن
جرِي مِن تَ ْ
ت تَ ْ
الصّالِحَاتِ أَ ّن َل ُهمْ جَنّا ٍ
ثَ َم َرةٍ رّزْقا قَالُوْا هَـذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِن قَ ْب ُل َوأُتُواْ بِ هِ مَُتشَابِها َولَهُ ْم فِيهَا
ضرِ بَ
ج مّ َط ّه َرةٌ َوهُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ ( )25إِنّ اللّ َه لَ يَ سْتَحْيِي أَن يَ ْ
أَ ْزوَا ٌ
حقّ مِن ّرّبهِ مْ
ض ًة فَمَا َف ْو َقهَا َفَأمّا اّلذِي نَ آمَنُواْ فََيعْلَمُو نَ َأنّ ُه الْ َ
ل مّا َبعُو َ
مَثَ ً
ض ّل بِ هِ كَثِيا
ل يُ ِ
وََأمّ ا الّذِي نَ َك َفرُوْا فََيقُولُو َن مَاذَا أَرَا َد اللّ ُه ِبهَ ـذَا مَثَ ً
ض ّل بِ هِ إِل الْفَا ِسقِيَ ( )26الّذِي َن يَنقُضُو نَ َع ْهدَ
وََي ْهدِي بِ هِ َكثِيا وَمَا يُ ِ
سدُونَ فِي
صلَ وَُيفْ ِ
اللّ هِ مِن َب ْعدِ مِيثَاقِ ِه َويَقْ َطعُو َن مَا َأ َمرَ اللّ ُه بِ ِه أَن يُو َ
ك هُ مُ الْخَا ِسرُونَ ( )27كَيْ فَ تَ ْك ُفرُو َن بِاللّ ِه وَكُنتُ مْ
ض أُولَ ـئِ َ
الَرْ ِ
َأمْوَاتا َفأَحْيَاكُ ْم ُثمّ يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ ِإلَيْهِ ُت ْرجَعُونَ (ُ )28هوَ اّلذِي
سوّا ُهنّ سَبْعَ
ض جَمِيعا ُثمّ ا سَْتوَى إِلَى ال سّمَاء فَ َ
خَلَ َق لَكُم مّا فِي الَرْ ِ
ت َوهُ َو ِبكُ ّل شَيْءٍ عَلِيمٌ (. ﴾ )29
سَمَاوَا ٍ
61 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :يَا َأيّهَا النّاسُ اعُْبدُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خَ َلقَ ُكمْ وَالّذِينَ
ض ِفرَاشا وَالسّمَاء
مِن قَبْ ِلكُمْ َلعَ ّلكُمْ تَتّقُونَ ( )21اّلذِي َج َعلَ َلكُ مُ الَرْ َ
ُمـ فَلَ
َاتـ رِزْقا ّلك ْ
ِنـ الثّ َمر ِ
ِهـ م َ
َجـ ب ِ
السـمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخر َ
ِنـ ّبِنَاء وَأَنزَ َل م َ
جعَلُوْا لِ ّلهِ أَندَادا وَأَنُتمْ َتعْلَمُونَ (. ﴾ )22
تَ ْ
يقول تعال :يا أيها الناس وحدوا ربكم الذي خلقكم ،وخلق الذين
من قبلكم ،لعلكم تتقون :لكي تنجوا من العذاب .
وقال بعض الفسرين :لعلكم تتقون :حال من الضمي ف اعبدوا ؛
كأنـه قال :اعبدوا ربكـم راجيـ أن تدخلوا فـ سـلك التقيـ الفائزيـن
بالدى والفلح ،السترجي لوار ال تعال ،ولعل ف الصل للترجي ،
وهي ف كلم ال تعال للتحقيق ،وقيل :لعل هنا للطماع كقوله تعال
﴿ :يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا تُوبُوا إِلَى اللّ ِه َت ْوَبةً نّ صُوحا عَ سَى َرّبكُ مْ أَن ُي َكفّرَ
حِتهَا ا َلْنهَارُ ﴾ .
عَنكُ ْم َسّيئَاِتكُ ْم َويُدْخَِلكُمْ َجنّاتٍ تَجْرِي مِن َت ْ
وقال ابن جرير :معن ذلك :اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من
قبلكم ؛ لتتقوه بطاعته ،وتوحيده ،وإفراده بالربوبية والعبادة .وقال ابن
عباس :كل ما ورد ف القرآن من العبادة فمعناها التوحيد .
ض ِفرَاشا وَالسّمَاء بِنَاء َوأَن َزلَ
وقوله تعال ﴿ :اّلذِي جَ َعلَ لَكُ ُم الَرْ َ
جعَلُوْا لِلّ ِه أَندَادا
ل تَ ْ
ج بِ ِه مِ َن الثّ َمرَاتِ ِرزْقا ّلكُمْ فَ َ
مِ َن السّمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخرَ َ
وَأَنُتمْ َتعْلَمُونَ (. ﴾ )22
يقول تعال :اعبدوا ربكم خالقكم ،وخالق من قبلكم ،الّذِي َجعَ َل
َلكُ ُم الَرْ ضَ ِفرَاشا ،أي :ب ساطًا وَال سّمَاء ِبنَاء َ ،سقْفا مرفوعا ،وأنزل
الزء الول 62
من السماء ،أي :من السحاب ،ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم ،
طعامًا ل كم وعلفًا لدواب كم ،فل تعلوا ل أندادا ،أي :أمثا ًل تعبدون ا
كعبادة ال ،وأنتم تعلمون أنه واحد ل خالق معه .قال ابن عباس :فل
تعلوا ل أندادًا وأنتم تعلمون ،أي :ل تشركوا بال غيه من النداد الت
ل تن فع ول ت ضر ،وأن تم تعملون أ نه ل رب ل كم يرزق كم غيه ،و قد
علمتم أن الذي يدعوكم إليه رسول ال من التوحيد ،هو الق الذي
ل شك فيه ؟
قال ابن كثي :الالق لذه الشياء هو الستحق للعبادة .
ب مّمّ ا َن ّزلْنَا عَلَى عَ ْبدِنَا فَ ْأتُواْ
قوله عز و جل َ ﴿ :وإِن كُنتُ مْ فِي َريْ ٍ
بِ سُو َر ٍة مّ ن مّثْلِ ِه وَادْعُوْا شُ َهدَاءكُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه إِ نْ كُنْتُ مْ صَا ِدقِيَ (
ـ َتفْعَلُواْ َولَن َت ْفعَلُوْا فَاّتقُوْا النّا َر الّتِـي َوقُودُهَـا النّاسـُ
َ )23فإِن لّم ْ
وَالْحِجَا َر ُة أُ ِع ّدتْ لِلْكَافِرِينَ (. ﴾ )24
يقول تعال :وإن كن تم ف ر يب ،أي :شك م ا نزل نا على عبد نا
ممـد فأتوا بسـورة مـن مثله ،أي :مثـل القرآن ،وادعوا شهداءكـم
وا ستعينوا بآلت كم ال ت تعبدون ا من دون ال إن كن تم صادقي أن ممدا
تقوله من تلقاء نفسه .كما قال تعال ﴿ :أَمْ َيقُولُونَ تَ َقوّلَهُ بَل لّا ُي ْؤمِنُونَ
ِنـ
ِهـإِن كَانُوا صـَادِِقيَ ﴾ ،وقال تعال ﴿ :قُل ّلئ ِ ِيثـ ّمثْل ِ* فَ ْلَي ْأتُوا بِحَد ٍ
ا ْجتَ َمعَ تِ الِن سُ وَالْجِنّ عَلَى أَن َيأْتُواْ بِ ِمثْ ِل هَ ـذَا اْلقُرْآ نِ َل َي ْأتُو َن بِ ِمثْلِ هِ
ض َظهِيا ﴾ ،وقال تعال ﴿ :أَ مْ َيقُولُو نَ ا ْفتَرَا هُ قُلْ ضهُ مْ ِلَبعْ ٍ وََلوْ كَا نَ َب ْع ُ
ت وَا ْدعُوْا مَ ِن اسْتَ َط ْعتُم مّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ َفأْتُواْ ِبعَشْرِ ُسوَ ٍر ّمثْلِ ِه ُم ْفتَ َريَا ٍ
صَادِِقيَ ﴾ .ث تدّاهم بسورة واحدة فعجزوا .
63 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّنـ
بم ََصـّي ٍ
اسـَتوْقَ َد نَارا ﴾ ،وقوله َ ﴿ :أوْ ك َ
ُمـ كَ َمثَ ِل الّذِي ْ
َ ﴿ :مثَُله ْ
ال سّمَاءِ ﴾ اليات الثلث ،قال النافقون :ال أعلى وأجل من أن يضرب
هذه المثال .فأنزل ال هذه الية إل قوله تعال ﴿ :هُ ُم الْخَا ِسرُونَ ﴾ .
ِهـ إِل
ِهـ َكثِيا وَم َا ُيضِ ّل ب ِ وقوله تعال ﴿ :يُضِ ّل ب ِ
ِهـ َكثِيا َوَيهْدِي ب ِ
الْفَا ِسقِيَ ﴾ أجاب م ال ف قول م :ماذا أراد ال بذا مثلً ،فقال :ي ضل
به كثيًا من الكفار ،وذلك أن م يكذبو نه فيزدادون ضللً ،ويهدي به
كثيًا مـن الؤمنيـ ،فيصـدقونه فيزيدهـم هدى إل هداهـم ،وإيانًا إل
ب النّارِ إِل مَلَاِئ َك ًة وَمَاَصـحَا َ إيانمـ :كمـا قال تعال ﴿ :وَمَا َج َعلْنَا أ ْ
ب َويَزْدَادَ
سَتيْقِ َن الّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا َ
َجعَلْنَا عِ ّدتَهُ مْ إِل ِفتَْنةً لّلّذِي نَ َكفَرُوا ِليَ ْ
ب وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ وَِلَيقُولَ الّذِي نَ
الّذِي نَ آمَنُوا ِإيَانا وَلَا َي ْرتَا بَ الّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا َ
ك يُضِلّ اللّ ُه مَنض وَاْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّ ُه ِبهَذَا َمَثلً َكذَلِ َ فِي ُقلُوِبهِم مّرَ ٌ
يَشَاءُ َويَهْدِي مَن يَشَا ُء وَمَا َيعْلَ مُ ُجنُودَ َربّ كَ إِل ُه َو وَمَا هِ يَ إِل ذِكْرَى
لِ ْلبَشَرِ ﴾ وكذلك قال ها ه نا ﴿ :يُضِ ّل بِ هِ َكثِيا َوَيهْدِي بِ هِ َكثِيا وَمَا
ُيضِلّ بِهِ إِل اْلفَا ِسقِيَ ﴾ .قال ابن عباس :يعن :النافقي .
وقوله تعال ﴿ :الّذِي نَ يَن ُقضُو نَ عَهْدَ اللّ ِه مِن َبعْ ِد مِيثَاقِ هِ َويَقْ َطعُو نَ مَا
َأمَرَ اللّ ُه بِ هِ أَن يُو صَ َل َوُيفْ سِدُونَ فِي الَرْ ضِ أُولَ ـئِكَ هُ ُم الْخَا ِسرُونَ
﴾ هذا وصـف مـن ال تعال للفاسـقي الذكوريـن هـا هنـا بأنمـ الذيـن
ينقضون ،أي :يالفون ويتركون ع هد ال ،أ مر ال الذي عهد إليهم ف
كتبه وعلى ألسنة رسله من بعد ميثاقه توكيده ،ويقطعون ما أمر ال به
أن يوصـل مـن الرحام وغيهـا ،ويفسـدون فـ الرض بالكفـر والظلم
والعا صي أولئك هم الا سرون بأعياض هم الف ساد عن ال صلح والعقاب
67 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن الثواب .كما قال تعال ﴿ :أُولَـئِكَ الّذِي َن اشْتَ َر ُوْا الضّلََل َة بِاْلهُدَى
صبَ َرهُ ْم عَلَى النّارِ ﴾ .
ب بِالْ َم ْغفِ َرةِ َفمَا أَ ْ
وَالْعَذَا َ
ف تَ ْك ُفرُو َن بِاللّ ِه وَكُنتُ مْ أَ ْموَاتا فََأحْيَاكُ مْ ُثمّ
قوله عز وجل َ ﴿ :كيْ َ
يُمِيُتكُ مْ ُثمّ يُحْيِيكُ ْم ُثمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ ( )28هُ َو الّذِي خَلَ قَ َلكُم مّا فِي
ت وَ ُهوَ بِ ُكلّ
سوّا ُهنّ سَبْعَ سَمَاوَا ٍ
ض جَمِيعا ُثمّ اسَْتوَى ِإلَى السّمَاء فَ َ
الَرْ ِ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (. ﴾ )29
يقول تعال :ك يف تكفرون بال وتعبدون م عه غيه ! وكن تم أمواتًا
ف أ صلب آبائ كم ،فأحيا كم ،ث ييت كم ع ند انقضاء آجال كم ،ث
يييكـم للبعـث ،ث إل يه ترجعون ،فيجازي كم بأعمال كم .وهذه اليـة
كقوله تعال ﴿ :قَالُوا َرّبنَا َأ َمّتنَا اثَْنَتيْ ِن َوأَ ْحَييَْتنَا اْثنََتيْ نِ ﴾ .وكقوله تعال:
َيبـ
ْمـ اْلقِيَا َمةِ ل ر َ
ُمـإِلَى َيو ِ
ُمـ ثُمّ يَجْ َم ُعك ْ ُمـثُمّ يُمِيُتك ْ حيِيك ْ
ّهـيُ ْ
﴿ قُلِ الل ُ
فِيهِ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :هُ َو الّذِي َخلَقَ َلكُم مّا فِي الَرْضِ جَمِيعا ثُمّ اسَْتوَى
ت َو ُهوَ ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِي مٌ ﴾ يقول تعال : سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَا ٍ إِلَى ال سّمَاء فَ َ
هـو ال ربكـم الذي خلق لكـم مـا فـ الرض جيعًا ؛ لكـي تنتفعوا ،
فاعبدوه وحده ل شر يك له .ك ما قال تعال ﴿ :وََلقَدْ َك ّرمْنَا بَنِي آدَ مَ
ح ِر وَرَزَ ْقنَاهُم مّ نَ ال ّطّيبَا تِ وََفضّ ْلنَاهُ ْم عَلَى َكثِيٍ
وَحَ َم ْلنَاهُ مْ فِي اْلبَ ّر وَالْبَ ْ
مّمّنْ َخَل ْقنَا َت ْفضِيلً ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ ا ْسَتوَى إِلَى ال سّمَاء ﴾ قال ابن عباس وغيه :أي
سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ :خلقهن مستويات ل فطور فيها ،
ارتفع ﴿ ،فَ َ
الزء الول 68
***
69 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس الرابع
***
الزء الول 70
﴿ َوَأعْلَ ُم مَا ُتبْدُو َن َومَا كُنتُ ْم َت ْكتُمُونَ ﴾ .قال ابن عباس :مرّ إبليس
على جسد آدم وهو ملقى بي مكة والطائف ل روح فيه ،فقال :لمر
مـا خلق هذا ! ثـ دخـل فـ فيـه وخرج مـن دبره ،وقال :إنـه خلق ل
يتما سك ؛ ل نه أجوف .ث قال للملئ كة الذ ين م عه :أرأي تم إن فضّ ل
هذا علي كم ،وأمر ت بطاع ته ،ماذا ت صنعون ؟ قالوا :نط يع أ مر رب نا .
فقال إبليس ف نفسه :وال لئن سلطت عليه لهلكته ،ولئن سلط عل يّ
لعينه ،فقال ال تعال َ ﴿ :وَأعْلَ ُم مَا ُتبْدُونَ ﴾ ،يعن :ما يبديه اللئكة
من الطاعة ﴿ َومَا كُنتُ ْم َتكْتُمُونَ ﴾ يعن :ما يكتمه إبليس من العصية .
جدُوْا إِل
جدُوْا لدَ َم فَ سَ َ
لِئكَ ِة ا سْ ُ
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذْ قُلْنَا لِلْمَ َ
ِإبْلِيسَ َأبَى وَاسْتَكَْب َر وَكَانَ ِم َن الْكَافِرِينَ (. ﴾ )34
هذه كرامـة عظيمـة أيضًا لدم وذريتـه ،حيـث أمـر ال اللئكـة أن
ـ ﴾ ،أي :جدُواْ لدَم َ
ـُلِئ َكةِ اس ْ
يسـجدوا له ،فقال َ ﴿ :وإِذْ قُلْنَـا لِلْ َم َ
سجود تعظ يم وت ية ،ك ما سجد إخوة يو سف له ،ل سجود عبادة ،
وقـد كانـت المـم السـالفة تفعـل ذلك بدل التسـليم ،وحرّم ذلك فـ
شريعتنا فسجدوا طاعة ل ،وتعظيمًا لدم ،إل إبليس أب واستكب عن
ال سجود لدم وكان من الكافر ين ف سابق علم ال .قال قتادة :ح سد
عدو ال إبل يس آدم عل يه ال سلم على ما أعطاه ال من الكرا مة ،وقال :
أنـا ناري وهذا طينـ .وكان بدء الذنوب ال ِكبْر .اسـتكبوا عدو ال أن
يسجد لدم عليه السلم .
73 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سنَا
قال سعيد بن جيب وغيه :الكلمات هي قوله َ ﴿ :رّبنَا ظَلَ ْمنَا أَنفُ َ
َوإِن لّ ْم َت ْغفِرْ َلنَا َوتَرْحَ ْمنَا َلَنكُونَ ّن مِ َن الْخَا ِسرِينَ ﴾ ،وقال ماهد عن عبيد
ابن عمي أنه قال :قال آدم :يا رب ،خطيئت الت أخطأت شيء كتبته
علي ق بل أن تلق ن ؟ أو ش يء ابتدع ته من ق بل نف سي ؟ قال :بل ش يء
كتبته عليك قبل أن أخلقك .قال :فكما كتبته عل يّ فاغفر ل .قال :
ب عََليْ هِ ﴾ ،و عن فذلك قوله تعال َ ﴿ :فتََلقّ ى آدَ ُم مِن ّربّ هِ كَِلمَا تٍ َفتَا َ
َاتـ ﴾ .قال :قال آدم عليـه ّهـ كَِلم ٍ َمـ مِن ّرب ِ
ابـن عباس َ ﴿ :فتََلقّىـ آد ُ
السلم :يا رب أل تلقن بيدك ؟ قال له :بلى ونفخت فّ من روحك ؟
ق يل له :بلى .قال :أرأ يت إن ت بت هل أ نت راج عي إل ال نة ؟ قال :
نعم .
وقوله تعال َ ﴿ :فتَا بَ عََليْ هِ ﴾ تاوز عنه ِ ﴿ ،إنّ ُه ُهوَ الّتوّا بُ ﴾ على
عباده ﴿ ،الرّحِي مُ ﴾ بل قه .ك ما قال تعال َ ﴿ :و ُه َو الّذِي َيقْبَ ُل الّتوَْب َة
سّيئَاتِ ﴾ ،وقال تعال َ ﴿ :ومَن َيعْمَلْ سُوءا َأوْ عَ ْن ِعبَادِ ِه َوَي ْعفُو عَ ِن ال ّ
سَتغْفِرِ اللّ َه َيجِدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ .
يَظْلِ ْم َنفْسَ ُه ثُ ّم يَ ْ
قوله عز وجل ﴿ :قُلْنَا اهْبِطُوْا مِ ْنهَا جَمِيعا َفِإمّا َي ْأتِيَنّكُم مّنّي ُهدًى
ح َزنُونَ ( )38وَالّذِينَ َكفَرواْ
ل َخوْفٌ عَلَ ْيهِمْ َو َل هُ ْم يَ ْ
ي فَ َ
فَمَن تَبِ َع ُهدَا َ
ك أَصْحَابُ النّا ِر ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (. ﴾ )39
وَ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِ َ
قال ا بن كث ي :يقول تعال م با ع ما أنذر به آدم وزوج ته وإبل يس
ح ي أهبط هم من ال نة ،والراد الذر ية :أ نه سينل الك تب ،ويب عث
النبياء والرسل ؛ كما قال أبو العالية :الُدَى النبياء والرسل والبينات ،
والبيان ﴿ .فَمَن َتبِ َع هُدَا يَ ﴾ ،من أق بل على ما أنزلت به الك تب ،
77 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 78
الدرس الامس
﴿ يَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل اذْ ُكرُواْ ِنعْمَتِيَ الّتِي َأنْعَمْتُ عَلَ ْيكُمْ َوأَ ْوفُوْا ِب َعهْدِي
صدّقا لّمَا
ت مُ َ
ي فَا ْرهَبُو نِ ( )40وَآمِنُوْا بِمَا أَنزَلْ ُ
ف ِبعَ ْهدِكُ ْم َوإِيّا َ
أُو ِ
ّايـ
ل َوإِي َ
ِهـ وَ َل َتشَْترُوْا بِآيَات ِي ثَمَنا قَلِي ً
ُمـ َولَ َتكُونُواْ َأوّلَ كَا ِفرٍ ب ِ
َمعَك ْ
حقّ َوأَنتُمْ َتعْلَمُونَ (
حقّ بِالْبَا ِطلِ َوَتكْتُمُوْا الْ َ
فَاّتقُو نِ ( )41وَ َل تَلْبِ سُواْ الْ َ
ـ الرّا ِكعِيَـ ()43
ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْ َكعُوْا مَع َ
)42وََأقِيمُواْ الص ـّ َ
ل َت ْعقِلُونَ
سكُ ْم َوأَنتُمْ تَتْلُونَ اْلكِتَابَ َأفَ َ
سوْنَ أَنفُ َ
س بِالْبِ ّر َوتَن َ
َأتَ ْأ ُمرُونَ النّا َ
ي ٌة إِل عَلَى الْخَاشِعِيَ (
ل ِة َوِإنّهَا لَكَبِ َ
َالصـ َ
ِالصـْب ِر و ّ
َاسـَتعِينُوْا ب ّ
( )44و ْ
لقُوا َرّب ِهمْ َوَأنّ ُه ْم ِإلَيْهِ رَاجِعُونَ (. ﴾ )46
)45الّذِينَ يَظُنّو َن َأّنهُم مّ َ
***
79 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجـل ﴿ :يَا بَنِي إِ سْرَائِي َل اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ َي الّتِي َأْنعَمْ تُ
ي فَا ْرهَبُو نِ ( )40وَآمِنُواْ بِمَا
ف ِبعَ ْهدِكُ ْم َوإِيّا َ
عَلَ ْيكُ ْم َوأَ ْوفُوْا ِبعَ ْهدِي أُو ِ
صدّقا لّمَا َمعَكُ ْم َولَ َتكُونُوْا َأوّلَ كَا ِفرٍ بِ هِ َولَ َتشَْترُوْا بِآيَاتِي
ت مُ َ
أَن َزلْ ُ
ُونـ (َ )41ولَ تَلْبِسـُوْا الْحَق ّ بِالْبَا ِط ِل َوتَكْتُمُواْ
ّايـ فَاتّق ِ
ل َوإِي َ
ثَمَنا قَلِي ً
ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْ َكعُوْا مَ عَ
الْحَقّ َوأَنتُ ْم َتعْلَمُو نَ ( )42وََأقِيمُواْ ال صّ َ
الرّا ِكعِيَ (. ﴾ )43
يقول تعال آمرًا ب ن إ سرائيل بالدخول ف الِسلم ومتابعة م مد :
يا بن إسرائيل ،يا أولد يعقوب ،اذكروا نعمت الت أنعمت عليكم على
أجدادكم وأسلفكم ،وقال السن :ذكر النعمة شكرها ،وقال قتادة :
هي النعم الت خصت با بنو إسرائيل :فلق البحر ،وإناؤهم من فرعون
بإغرا قه ،وتظل يل الغمام علي هم ف الت يه ،وإنزال ال ن وال سلوى ،وإنزال
التوراة ف نعم كثية ل تصى ﴿ َوأَوْفُواْ ِب َعهْدِي ﴾ بامتثال أمري ﴿ أُوفِ
ـ ﴾ بالقبول والثواب ،وقال أبـو العاليـة َ ﴿ :وَأوْفُواْ بِ َعهْدِي
ِبعَهْدِكُم ْ
﴾ قال :عهده إل عباده ديـن الِسـلم ،وأن يتبعوه ،وقال الضحاك ،
ف ِب َعهْدِكُ مْ ﴾ قال :أرضَى عن كم ،وأدخل كم عن ا بن عباس ﴿ :أُو ِ
النة .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِيّا يَ فَا ْر َهبُو نِ ﴾ أي :خافون ،قال ا بن عباس :
ف قوله تعال َ ﴿ :وإِيّا يَ فَا ْر َهبُو نِ ﴾ ،أي :أن أنزل بكم ما أنزلت بن
كان قبل كم من آبائ كم من النقمات ال ت قد عرف تم من ال سخ وغيه ،
ُمـ وَ َل َتكُونُواْ َأوّلَ
ُصـدّقا لّمَا َم َعك ْ
ْتـ م َ
وقوله تعال ﴿ :وَآ ِمنُواْ بِمَا أَنزَل ُ
ُونـ ﴾ .يقول تعال ّايـ فَاّتق ِ
شتَرُوْا بِآيَاتِـي ثَمَنا قَلِيلً َوِإي َ
ِهـ وَ َل تَ ْ
كَافِ ٍر ب ِ
الزء الول 80
﴿ :وَآ ِمنُوْا بِمَا أَنزَلْ تُ ﴾ يع ن :القرآن ﴿ .مُ صَدّقا لّمَا َم َعكُ مْ ﴾ ،
أي :موافقا لا معكم من التوراة ف التوحيد ،والنبوة والخبار ،ونعت
النـب ،ول تكونوا أول كافـر بـه ،أي :القرآن فتتابعكـم اليهود على
ذلك ،قال أبـو العاليـة :يقول :ول تكونوا أول مـن كفـر بحمـد ،
يعن :من جنسكم أهل الكتاب بعد ساعكم ببعثه ؟
وقوله تعال ﴿ :وَلَ تَ ْ
شتَرُوْا بِآيَاتِـــي ثَمَنا َقلِيلً ﴾ ،يقول :ول
تعتاضوا عن اليان بآيا ت وت صديق ر سول بالدن يا وشهوات ا ؛ فإن ا قليلة
فانية ،قال البغوي :وذلك أن رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لم مأكلة
يصيبونا من سفلتهم وجهالم ،يأخذون كل عام منهم شيئًا معلومًا من
ذروعهم وضروعهم ونقودهم ،فخافوا إن هم بينوا صفة ممد وتابعوه
أن تفوتمـ تلك الأكلة ،فغيّروا نعتـه وكتموا اسـه فاختاروا الدنيـا على
الخرة .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِيّايــَ فَاّتقُونــِ ﴾ ،أي :فاخشون ،ل فوات
الرياسـة ،قال طلق بـن حـبيب :التقوى :أن تعمـل بطاعـة ال ،رجاء
رحةـ ال ،على نور مـن ال ،وأن تترك معصـية ال على نور مـن ال ،
تاف عقاب ال .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ تَ ْلبِسـُوْا الْحَقّـ بِاْلبَاطِ ِل َوَتكْتُمُوْا الْحَقّـ َوأَنتُم ْ
ـ
ـ ﴾ ،يقول تعال ﴿ :وَ َل تَ ْلبِسـُوْا الْحَقّـ بِالْبَاطِلِ ﴾ ،أي :ل
َتعْلَمُون َ
تلطوا الق بالباطل ،والصدق بالكذب ،وتكتموا الق وأنتم تعملون ،
قال مقاتـل :إن اليهود أقروا ببعـض صـفة ممـد ،وكتموا بعضهـا
ليصدقوا ف ذلك .
81 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 84
الدرس السادس
﴿ يَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل اذْ ُكرُواْ نِعْمَتِ َي الّتِي َأنْعَمْتُ عَلَ ْيكُمْ َوَأنّي فَضّلُْتكُمْ
ْسـ شَيْئا َولَ
ْسـ ع َن ّنف ٍ
جزِي َنف ٌ
عَلَى الْعَالَمِي َ ( )47وَاتّقُواْ َيوْما ل تَ ْ
ُنصـرُونَ ( )48وَِإذْ
ُمـ ي َ
ُيقْبَ ُل مِنْه َا َشفَا َعةٌ َولَ ُي ْؤخَ ُذ مِنْه َا َع ْد ٌل وَ َل ه ْ
نَجّيْنَاكُم مّ نْ آ ِل ِفرْ َعوْ َن يَ سُومُوَنكُمْ ُسوَ َء اْلعَذَا بِ ُي َذبّحُو َن َأبْنَاءكُ مْ
وَيَ سْتَحْيُو َن نِ سَاء ُك ْم َوفِي َذِلكُم بَل ٌء مّن ّرّبكُ مْ عَظِي مٌ ( )49وَِإ ْذ َف َرقْنَا
ُونـ (َ )50وِإذْ
ُمـ تَن ُظر َ
ْنـ َوأَنت ْ
ُمـ وَأَ ْغ َرقْنَا آ َل ِفرْ َعو َ
ح َر َفأَنَيْنَاك ْ
ُمـ الْبَ ْ
بِك ُ
جلَ مِن َب ْعدِ ِه َوأَنتُ مْ ظَالِمُو نَ (
خ ْذتُ مُ اْلعِ ْ
وَا َع ْدنَا مُو سَى أَ ْربَعِيَ لَيْ َل ًة ُثمّ اتّ َ
شكُرُو نَ ( )52وَِإذْ آتَيْنَا
ك َلعَلّكُ ْم َت ْ
)51ثُمّ َع َفوْنَا عَنكُ مِ مّ ن َب ْعدِ َذلِ َ
مُوسَى اْلكِتَابَ وَالْ ُف ْرقَا َن َلعَلّكُ ْم َتهَْتدُونَ (َ )53وِإذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِ ِه يَا
ج َل فَتُوبُواْ ِإلَى بَا ِرئِكُ ْم فَاقْتُلُواْ
سكُ ْم بِاتّخَاذِكُ مُ اْلعِ ْ
َقوْ مِ إِّنكُ مْ ظَلَمْتُ ْم أَنفُ َ
أَنفُ سَ ُكمْ َذِلكُ مْ خَ ْي ٌر ّلكُ مْ عِندَ بَا ِرِئكُ مْ فَتَابَـ عَلَ ْيكُ مْ ِإنّهُـ هُ َو الّتوّابُـ
ال ّرحِي مُ (َ )54وِإذْ قُلْتُ ْم يَا مُو سَى لَن ّن ْؤمِ َن لَ كَ حَتّ ى َنرَى اللّ َه َجهْ َرةً
َفأَ َخذَْتكُ ُم ال صّا ِعقَ ُة َوأَنتُ مْ تَن ُظرُو نَ ( )55ثُمّ َبعَثْنَاكُم مّ ن َبعْ ِد َموِْتكُ مْ
ش ُكرُونَـ ( )56وَظَلّلْنَا عَلَ ْيكُمُـ اْلغَمَامَـ َوأَن َزلْنَا َعلَ ْيكُمُـ الْمَنّ
َلعَلّكُم ْـَت ْ
وَال سّ ْلوَى كُلُواْ مِن طَيّبَا تِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَ ـكِن كَانُواْ
سهُ ْم يَظْلِمُونَ (. ﴾ )57
أَن ُف َ
***
85 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجـل ﴿ :يَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ يَ الّتِي َأْنعَمْ تُ
جزِي َنفْ سٌ
عَلَ ْيكُ ْم َوأَنّ ي فَضّلُْتكُ مْ عَلَى الْعَالَمِيَ ( )47وَاتّقُواْ َيوْما ل تَ ْ
ُمـ
ْسـ شَيْئا وَ َل ُيقَْبلُ مِنْه َا شَفَا َعةٌ َو َل يُ ْؤ َخذُ مِنْه َا َعدْ ٌل َولَ ه ْ
ع َن ّنف ٍ
صرُونَ (. ﴾ )48
يُن َ
يُذكّر تعال بن إسرائيل بنعمه على آبائهم ،وما كان فضلهم به على
سائر ال مم من أ هل زمان م ،من إر سال الر سل من هم ،وإنزال الك تب
علي هم ،ك ما قال تعال َ ﴿ :وإِذْ قَالَ مُو سَى ِل َق ْومِ ِه يَا َقوْ مِ اذْ ُكرُواْ ِنعْ َمةَ
اللّ ِه عََلْيكُمْ ِإذْ َجعَلَ فِيكُمْ أَنِبيَاء وَ َج َعَلكُم مّلُوكا وَآتَاكُم مّا لَ ْم ُيؤْتِ أَحَدا
ُمـ عَلَى اْلعَالَمِيَ مّنـ اْلعَالَمِيَ ﴾ .والراد بقوله تعال َ ﴿ :وأَنّيـ َفضّ ْلُتك ْ
﴾ أي :عال ي زمان م ،فإن هذه ال مة أف ضل من هم ،ك ما قال تعال :
ف َوتَْن َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَرِ
﴿ كُنتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ َت ْأمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ
َوُتؤْ ِمنُو َن بِاللّ هِ ﴾ ،وقال النب « :أنتم توفون سبعي أمة ،أنتم خيها
وأكرمها على ال » .رواه أهل السنن .وقد قال ال تعال ﴿ :وَكَذَلِ كَ
س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ مْ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّمةً وَ سَطا ّلتَكُونُوْا ُشهَدَاء عَلَى النّا ِ
َشهِيدا ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وَاّتقُواْ َيوْما ل تَجْزِي َنفْ سٌ عَن ّنفْ ٍ
س َشيْئا وَ َل ُيقْبَلُ
ُنصـرُونَ ﴾ :يقول تعال : ُمـ ي َ ِمنْه َا َشفَا َعةٌ وَ َل ُيؤْخَ ُذ ِمنْه َا عَدْ ٌل وَ َل ه ْ
جزِي ﴾ ل تقضي ﴿ وَاّتقُوْا َيوْما ﴾ ،أي :اخشوا عقاب يوم ﴿ ل تَ ْ
ن فس عن ن فس شيئا ،حقا لزم ها ،ول ين فع ف يه أحدٌ أحدا ،ك ما قال
جزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ شوْا َيوْما لّا يَ ْ
تعال ﴿ :يَا أَّيهَا النّاسُ اّتقُوا َرّبكُ ْم وَاخْ َ
حيَاةُ
وَلَا َموْلُودٌ هُوَ جَا ٍز عَن وَالِدِ ِه َشيْئا إِنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ فَلَا َتغُ ّرّنكُ ُم الْ َ
الزء الول 86
ـ الْغَرُورُ ﴾ ،وقال تعال ﴿ :وَلَا تَزِ ُر وَازِ َرٌة ال ّدنْيَـا وَلَا َيغُ ّرنّكُـم بِاللّه ِ
َانـ ذَا
ْهـ َشيْءٌ وََلوْ ك َ ْعـ ُمْثقََلةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْ َم ْل ِمن ُ
وِزْرَ أُ ْخرَى َوإِن تَد ُ
قُ ْربَى ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ ُي ْقبَ ُل ِمنْهَا َشفَا َعةٌ ﴾ ،يعن :من الكافرين ،فل
يقبل من كافر شفاعة ،ول تقبل فيه شفاعة ،قال تعال ﴿ :فَمَا تَن َف ُعهُ ْم
َشفَا َعةُ الشّاِفعِيَـ ﴾ .وقوله تعال ﴿ :وَ َل ُيؤْخَ ُذ ِمنْهَـا عَدْلٌ ﴾ ،أي :
فداء ،ك ما قال تعال ﴿ :إِنّ الّذِي نَ َكفَرُواْ َلوْ أَنّ لَهُم مّ ا فِي الَرْ ضِ
جَمِيعا َو ِمثْلَ ُه َمعَ هُ ِلَي ْفتَدُوْا بِ ِه مِ ْن عَذَا بِ َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ مَا ُت ُقبّ َل ِمْنهُ مْ وََلهُ مْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ .وقوله تعال ﴿ :وَلَ هُ ْم يُنصَرُونَ ﴾ ،أي :ل ناصر لم
ول مانع ينعهم من عذاب ال .
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذْ نَجّيْنَاكُم مّ نْ آ ِل ِفرْ َعوْ َن يَ سُومُونَ ُكمْ ُسوَءَ
ب يُ َذبّحُو َن َأبْنَاءكُ مْ َويَ سْتَحْيُو َن نِ سَاء ُكمْ وَفِي َذلِكُم بَل ٌء مّ ن
الْ َعذَا ِ
ّرّبكُمْ عَظِيمٌ (. ﴾ )49
يقول تعال :واذكروا يا بن إسرائيل نعمت عليكم إذ نيناكم ،أي :
أسلفكم وأجدادكم ،لنم نوا بنجاتم من آل فرعون أتباعه وأهل دينه
َابـ ﴾ أشـد
سـوَ َء اْلعَذ ِ
﴿ .يَسـُومُونَكُمْ ﴾ يكلفونكـم ويذيقونكـم ﴿ ُ
حيُو َن نِ سَاءكُمْ ﴾ .قال ا بن
ستَ ْ
العذاب وأسوأه ﴿ ،يُ َذبّحُو نَ أَْبنَاءكُ مْ َويَ ْ
إسـحاق :كان فرعون يعذب بنـ إسـرائيل فيجعلهـم خدما وخولً ،
و صنفهم ف أعماله :ف صنف يبنون و صنف يزرعون له ف هم ف أعماله ،
ومن ل يكن منهم ف صنعة من عمله فعليه الزية فسامهم ،كما قال ال
87 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُهـ َبغْيا
ْنـ َو ُجنُود ُ
ُمـ ِف ْر َعو ُ
حرَ َفَأتَْب َعه ِْسـرَائِي َل الْبَ ْ
تعال ﴿ :وَجَا َوزْنَا ِببَنِي إ ْ
َوعَدْوا ﴾ .
ـ أتـى موسـى البحـر ،قال له ر جل مـن قال عمرو بـن ميمون :فلم ا
أصحابه ،يقال له يوشع بن نون :أين أمر ربك ؟ قال :أمامك يشي إل
البحر ،فأقحم يوشع فرسه ف البحر حت بلغ الغمر ،فذهب به الغمر ،
ث رجع ،فقال :أين أمر ربك يا موسى ؟ فوال ما كذبت ول كذبت ،
فعل ذلك ثلث مرات .ث أوحى ال إل موسى أن اضرب بعصاك البحر
فضربه فانفلق ،فكان كل فرق كالطود العظيم يقول :مثل البل ث سار
مو سى و من م عه ،وأتبع هم فرعون ف طريق هم ،ح ت إذا تتاموا ف يه ،
أطبقه ال عليهم ،فلذلك قال َ ﴿ :وَأغْرَ ْقنَا آلَ فِ ْر َع ْونَ َوأَنتُ ْم تَنظُرُونَ ﴾ .
جلَ
خ ْذتُمُ اْلعِ ْ
ي لَيْ َلةً ُثمّ اتّ َ
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذْ وَا َع ْدنَا مُوسَى أَ ْرَبعِ َ
مِن َب ْعدِ هِ َوأَنتُ مْ ظَالِمُو نَ ( )51ثُمّ َع َفوْنَا عَنكُ ِم مّ ن َب ْعدِ َذلِ كَ َلعَ ّلكُ مْ
َتشْ ُكرُو نَ (َ )52وِإذْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا بَ وَالْ ُف ْرقَا َن َلعَلّكُ ْم َتهَْتدُو نَ (
. ﴾ )53
يقول تعال :واذكروا نعم ت علي كم ،ف عفوي عن كم ،ل ا عبد ت
العجل بعد ذهاب موسى ليقات ربه ،عند انقضاء أمد الواعدة ،وكان
ذلك بعد إنائهم من البحر .
ُونـ ﴾ ،أي :لكـي تشكروا عفوي عنكـمشكُر َُمـ تَ ْ
وقوله َ ﴿ :لعَّلك ْ
وصنيعي إليكم .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِ ْذ آَتيْنَا مُو سَى اْل ِكتَا بَ وَاْلفُرْقَا نَ َلعَّلكُ ْم َتهْتَدُو نَ
﴾ الكتاب :هو التوراة ،والفرقان :ما يفرق بي الق والباطل .قال أبو
89 توفيق الرحن ف دروس القرآن
العاليـة قوله َ ﴿ :وإِ ْذ وَاعَدْن َا مُوسـَى أَ ْرَبعِي َ َليَْلةً ﴾ ،قال :يعنـ :ذا
القعدة وعشرا مـن ذي الجـة ،وذلك حيـ خلف موسـى أصـحابه ،
وا ستخلف علي هم هارون ،فم كث على الطور أربع ي ليلة ،وأنزل عل يه
التوراة فـ اللواح ،وكانـت اللواح مـن برد ،فقرّبـه الرب إليـه نيا ،
وكل مه و سع صرير القلم .وبلغ نا أ نه ل يُحْدث حدثا ف الربع ي ليلة
حت هبط من الطور .
ُمـ
ُمـ ظَ َلمْت ْ
ْمـِإنّك ْ
ِهـ يَا قَو ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وإِ ْذ قَا َل مُوسـَى ِلقَ ْوم ِ
ُمـ
ُسـ ُكمْ َذِلك ْ
ُمـ فَاقْتُلُوْا أَنف َ
ج َل فَتُوبُواْ ِإلَى بَا ِرئِك ْ
ُمـ اْلعِ ْ
ُسـ ُكمْ بِاتّخَاذِك ُ
أَنف َ
ب الرّحِيمُ (. ﴾ )54
خَ ْيرٌ ّلكُمْ عِن َد بَا ِرئِ ُك ْم فَتَابَ عَلَ ْي ُكمْ ِإّنهُ هُ َو التّوّا ُ
يقول تعال َ ﴿ :وإِذْ قَا َل مُو سَى ِل َقوْمِ هِ ﴾ :الذين عبدوا العجل ﴿ يَا
ـ اْلعِجْلَ ﴾ إلا ﴿ َفتُوبُواْ إِلَى ـكُ ْم بِاتّخَاذِكُم ُ
ـ أَنفُس َ
ـ ظَلَ ْمتُم ْ
ـ ِإّنكُم ْ
َقوْم ِ
سكُمْ ﴾ بَا ِرئِكُمْ ﴾ :خالقكم .قالوا :كيف نتوب ؟ قال ﴿ :فَا ْقتُلُواْ أَنفُ َ
.قال ا بن عباس :أ مر مو سى قو مه عن أ مر ر به عز و جل ،أن يقتلوا
أنفسـهم ،قال :وأخـب الذيـن عبدوا العجـل ،فجلسـوا وقام الذيـن ل
يعكفوا على الع جل فأخذوا النا جر بأيدي هم ،وأ صابتهم ظل مة شديدة ،
فجعل يقتل بعضهم بعضا ،فانلت الظلمة عنهم ،وقد جلوا عن سبعي
ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة .
وقال قتادة :أمـر القوم بتشديـد مـن المـر ،فقاموا يتناحرون بالشفار ،
يقتل بعضهم بعضا حت بلغ ال فيهم نعمته فسقطت الشفار من أيديهم ،
فأمسك ال عنهم القتل ،فجعل ليهم توبة ،وللمقتول شهادة .
الزء الول 90
***
الزء الول 92
الدرس السابع
ُمـ رَغَدا
ْثـ شِئْت ْ
﴿ َوِإذْ قُلْن َا ا ْدخُلُوْا هَــ ِذ ِه الْ َق ْريَ َة َفكُلُواْ مِنْه َا حَي ُ
ـَنزِيدُ
ـ وَس َ
ُمـ خَطَايَاكُم ْ
ـجّدا وَقُولُواْ حِطّ ٌة ّنغْ ِف ْر لَك ْ
ـس ُ
وَا ْدخُلُواْ الْبَاب َ
الْمُحْ سِِنيَ ( )58فََبدّ َل الّذِي نَ ظَ َلمُوْا َقوْلً غَ ْي َر اّلذِي قِي َل َلهُ مْ َفأَنزَلْنَا
ْسـقُونَ (َ )59وِإذِ
السـمَاء بِمَا كَانُواْ َيف ُ
ّنـ ِّينـ ظَلَمُواْ ِرجْزا م َ
عَلَى الّذ َ
جرَ تْ مِنْ هُ اثْنَتَا
ج َر فَانفَ َ
ضرِب ّبعَ صَا َك الْحَ َ
ا سَْتسْقَى مُو سَى ِل َقوْمِ هِ َفقُلْنَا ا ْ
ق اللّ هِ وَلَ
ش َرةَ عَيْنا َقدْ عَلِ مَ ُك ّل أُنَا سٍ ّمشْ َرَبهُ مْ كُلُواْ وَا ْشرَبُوْا مِن رّزْ ِ
َع ْ
سدِينَ (َ )60وِإذْ قُلُْت ْم يَا مُوسَى لَن نّصِْبرَ عَ َلىَ َطعَامٍ
ض ُم ْف ِ
َتعْثَ ْواْ فِي الَرْ ِ
ض مِن َبقْلِهَا َوقِثّآئِهَا
ت الَرْ ُ
ج لَنَا مِمّ ا تُنبِ ُ
خرِ ْ
ك يُ ْ
ع لَنَا َربّ َ
وَا ِحدٍ فَادْ ُ
َوفُو ِمهَا وَ َعدَ ِسهَا َوبَصَ ِلهَا قَالَ َأتَسْتَ ْبدِلُو َن الّذِي هُ َو َأ ْدنَى بِاّلذِي ُه َو خَيْرٌ
ض ِربَت ْـ َعلَ ْيهِمُـ ال ّذلّ ُة وَالْمَس ْـكَنَةُ
اهْبِطُواْ مِصـْرا َفإِنّ لَكُم مّاـ سَـَألْتُ ْم وَ ُ
ت اللّ هِ َوَيقْتُلُو نَ
ك ِبأَّنهُ مْ كَانُواْ َي ْكفُرُو َن بِآيَا ِ
ب مّ َن اللّ ِه َذلِ َ
وَبَآؤُ ْواْ بِغَضَ ٍ
ك بِمَا عَ صَواْ وّكَانُوْا يَعَْتدُو نَ ( )61إِنّ اّلذِي نَ
النّبِيّيَ ِبغَ ْيرِ الْحَقّ َذلِ َ
ي مَ نْ آمَ نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الخِرِ
آمَنُواْ وَالّذِي َن هَادُواْ وَالنّ صَارَى وَال صّابِئِ َ
ُمـ
ِمـ َولَ ه ْ
ْفـ عَلَ ْيه ْ
ِمـ وَ َل خَو ٌ
ُمـ عِندَ َرّبه ْ
ُمـ َأجْ ُره ْ
وَعَ ِملَ صـَالِحا فَ َله ْ
ح َزنُو نَ ( )62وَِإ ْذ أَ َخذْنَا مِيثَا َقكُ مْ وَ َرفَعْنَا َف ْوقَكُ ُم الطّو َر ُخذُوْا مَا
يَ ْ
آتَيْنَاكُم بِ ُق ّوةٍ وَاذْ ُكرُوْا مَا فِي ِه َلعَلّكُ مْ تَّتقُو نَ ( )63ثُمّ تَ َولّيْتُم مّ ن َبعْدِ
ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَ َرحْمَتُ ُه لَكُنتُم مّنَ الْخَاسِرِينَ ( )64وََل َقدْ
ك فَ َلوْ َل فَ ْ
َذلِ َ
ت َفقُلْنَا َلهُ مْ كُونُواْ ِقرَ َد ًة خَا سِِئيَ (
عَلِ ْمتُ ُم الّذِي نَ اعَْتدَوْا مِنكُ مْ فِي ال سّبْ ِ
93 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جعَلْنَاهَا نَكَالً لّمَا بَيْ نَ َي َدْيهَا َومَا خَ ْلفَهَا وَ َموْعِ َظ ًة لّلْمُّتقِيَ ( )66
)65فَ َ
﴾.
***
الزء الول 94
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوْا هَـ ِذهِ اْل َقرَْي َة فَكُلُواْ مِ ْنهَا حَيْ ثُ
ُمـ
ُمـ خَطَايَاك ْ
سـجّدا َوقُولُواْ حِ ّط ٌة ّنغْ ِف ْر لَك ْ
َابـ ُ
ُمـ رَغَدا وَا ْدخُلُواْ الْب َ
شِئْت ْ
وَ سََنزِيدُ الْ ُمحْ سِِنيَ ( )58فََبدّ َل الّذِي نَ ظَ َلمُوْا َقوْلً غَ ْي َر اّلذِي قِي َل َلهُ مْ
سقُونَ (.﴾)59
َفأَن َزلْنَا عَلَى اّلذِينَ ظَلَمُواْ ِرجْزا ّمنَ السّمَاء بِمَا كَانُوْا يَ ْف ُ
قال ابـن كثيـ :يقول تعال لئما لمـ على نكولمـ عـن الهاد ،
ودخول م الرض القد سة ،ل ا قدموا من بلد م صر صحبة مو سى عل يه
ال سلم ،فأمروا بدخول الرض القد سة ال ت هي مياث ل م عن أبي هم
إسـرائيل ،وقتال مـن فيهـا مـن العماليـق الكفرة ،فنكلوا عـن قتالمـ
وضعفوا ،واستحسروا ،فرماهم ال ف التيه عقوبة لم ،كما ذكره تعال
فـ سـورة الائدة .ولذا كان أصـح القوليـ :أن هذه البلدة هـي بيـت
القدس .
وقوله تعال َ ﴿ :فكُلُواْ ِمْنهَا َحيْثُ ِشْئتُمْ َرغَدا ﴾ ،أي :هنيئا واسعا
﴿ .وَادْ ُخلُواْ اْلبَا بَ سُجّدا ﴾ :شكرًا ل تعال .قال ا بن عباس ف قوله
﴿ :وَادْ ُخلُواْ اْلبَا بَ سُجّدا ﴾ قال :ركعا من باب صغي .وقال ماهد
:وهو باب الطة ،من باب إيلياء بيت القدس .
ـ ﴾ قال ابـن عباس :مغفرة ،ـ خَطَايَاكُم ْ
﴿ وَقُولُواْ حِ ّط ٌة ّن ْغفِرْ َلكُم ْ
حطـ عنـا خطايانـا ،أمروا بالسـتغفار ﴿ .اسـتغفروا .وقال قتادة ّ :
ي ﴾ ثوابا من فضلنا . سنِ ََوسَنَزِيدُ الْمُحْ ِ
وقوله تعال َ ﴿ :فبَدّلَ الّذِينَـ ظََلمُواْ َقوْ ًل َغيْ َر الّذِي قِيلَ َلهُم ْـ ﴾ روى
أبو هريرة رضي ال عنه عن النب قال « :قيل لبن إسرائيل :ادخلوا
95 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :كُلُوْا وَاشْ َربُوْا مِن رّزْ قِ اللّ هِ ﴾ ،أي :كلوا من الن
والسـلوى ،واشربوا مـن الاء ،فهذا كله مـن رزق ال الذي يأتيكـم بل
مشقة .
ْسـدِينَ ﴾ ،العثـي :أشـد الفسـاد .قال ْضـ ُمف ِ
﴿ وَ َل َت ْعَثوْاْ فِي الَر ِ
السدي :لا دخل بنو إسرائيل التيه قالوا لوسى عليه السلم :كيف لنا با
هـا هنـا ،أيـن الطعام ؟ فأنزل ال عليهـم النـ ،فكان ينل على شجـر
الزنب يل .وال سلوى و هو :طائر يش به ال سمّان أ كب م نه ،فكان يأ ت
أحدهم فينظر إل الطي ،فإن كان سينًا ذبه وإل أرسله ،فإذا سن أتاه ،
فقالوا هذا الطعام فأيـن الشراب ؟ فأمـر موسـى فضرب بعصـاه الجـر
ت ِمنْ هُ اْثنَتَا عَشْ َر َة َعيْنا ﴾ فشرب كل سبط من ع ي ، جرَ ْ ﴿ فَانفَ َ
فقالوا :هذا الشراب فأيـن الظـل ؟ فظلل عليهـم الغمام ،فقالوا :هذا
الظل فأين اللباس ؟ فكانت ثيابم تطول معهم كما تطول الصبيان ،ول
يتخرق ل م ثوب ،فلذلك قوله تعال َ ﴿ :وظَلّلْنَا عََلْيكُ ُم اْلغَمَا َم َوأَنزَلْنَا
سقَى مُو سَى ِل َق ْومِ هِ َفقُلْنَا عََليْكُ ُم الْمَنّ وَال سّ ْلوَى ﴾ ،وقوله َ ﴿ :وإِ ِذ ا سْتَ ْ
ت ِمنْ هُ اْثنَتَا عَشْ َرةَ َعيْنا َق ْد عَلِ مَ كُلّ ُأنَا سٍ
جرَ ْحجَرَ فَانفَ َ
اضْرِب ّبعَ صَاكَ الْ َ
مّشْ َرَبهُمْ كُلُوْا وَاشْ َربُواْ مِن رّ ْزقِ اللّ ِه وَ َل َتعَْث ْواْ فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ ﴾ .
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذْ قُلْتُ مْ يَا مُو سَى لَن نّ صِْبرَ عَ َلىَ َطعَا ٍم وَا ِحدٍ
ض مِن َبقْ ِلهَا َوقِثّآِئهَا وَفُومِهَا
ت الَرْ ُ
ج لَنَا مِمّا تُنبِ ُ
خرِ ْ
ك يُ ْ
ع لَنَا َربّ َ
فَادْ ُ
وَ َعدَ ِسهَا َوبَ صَ ِلهَا قَالَ َأتَ سْتَ ْب ِدلُو َن اّلذِي ُهوَ َأ ْدنَى بِاّلذِي ُهوَ خَيْ ٌر اهْبِطُواْ
ضرِبَت ْـ عَلَ ْيهِمُـ الذّّل ُة وَالْمَس ْـكََنةُ َوبَآ ُؤوْاْ
مِصـْرا َفإِنّ لَكُم مّاـ سَـأَلُْت ْم وَ ُ
97 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ب مّ َن اللّ ِه َذلِ كَ ِبَأنّهُ مْ كَانُوْا َيكْ ُفرُو َن بِآيَا تِ اللّ هِ َوَيقْتُلُو َن النّبِيّيَ
ِبغَضَ ٍ
ح ّق ذَِلكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ َيعَْتدُونَ (. ﴾ )61
ِبغَيْ ِر الْ َ
َامـ يقول تعال :واذكروا إذا قلتـم ﴿ :يَا مُوسـَى لَن ن ْب
ّصـِرَ عََلىَ َطع ٍ
خرِ جْ َلنَا مِمّا
ك يُ ْ
وَاحِدٍ ﴾ ،أي :مأكل واحد ل يتبدل ﴿ :فَادْعُ َلنَا َربّ َ
ض مِن َبقِْلهَا وَِقثّآِئهَا وَفُو ِمهَا َوعَ َد ِسهَا َوَبصَِلهَا ﴾ .
تُنِبتُ الَ ْر ُ
اختلف الفسرون ف قوله تعال ﴿ :وَفُو ِمهَا ﴾ فقيل :الثوم ،وقيل :
النطة ،وقيل :كل حب يتبز ،وقيل :البوب الت تؤكل كلها فوم ،
وال أعلم .
َسـَتبْدِلُو َن الّذِي ُهوَ َأدْنَى ﴾ : قال لمـ موسـى عليـه السـلم َ ﴿ :أت ْ
أحسـن ،وأراد ﴿ بِالّذِي ُهوَ َخيْرٌ ﴾ :أشرف وأفضـل ﴿ ا ْهبِطُوْا مِصـْرا
﴾ من المصار ﴿ ،فَِإنّ َلكُم مّا َسأَْلتُمْ ﴾ :فأ يّ بلد دخلتموها وجدت
ذلك فيها .
وقوله تعال ﴿ :وَضُ ِربَ تْ عََلْيهِ مُ الذّّل ُة وَالْمَ ْ
سكََن ُة َوبَآ ُؤوْْا ِبغَضَ بٍ مّ نَ
حقّ ذَلِ َ
ك ك ِبَأنّهُمْ كَانُواْ َي ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه َوَيقْتُلُو َن الّنِبيّيَ ِبغَيْ ِر الْ َ
اللّهِ ذَلِ َ
ِمـ الذّّلةُ
َتـ عََلْيه ُض ِرب ْ ُونـ ﴾ يقول تعال ﴿ :وَ ُ بِم َا عَصـَوْا وّكَانُواْ يَ ْعتَد َ
َسـ َكَنةُ ﴾ ،أي :وضعـت عليهـم وألزموهـا شرعًا وقدرًا ،أي :ل وَالْم ْ
يزالون مستذلي ،من وجدهم استذلم وأهانم وضرب عليهم الزية .
ـ ﴾ ،قال أبـو عـبيدة :
ـ اللّه ِ وقوله تعال َ ﴿ :وبَآ ُؤوْْا ِب َغضَب ٍ
ـ مّن َ
واحتملوا وأقروا به .وقال الضحاك :استحقوا الغضب من ال .
الزء الول 98
لكي تنجوا من اللك ف الدنيا والعذاب ف الخرة كما قال تعال ﴿ َوإِذ
جبَلَ َفوَْقهُ مْ َكأَنّ ُه ظُّل ٌة َوظَنّواْ َأنّ ُه وَاقِ ٌع ِبهِ مْ خُذُوْا مَا آتَْينَاكُم ِب ُقوّةٍ
َنتَقْنَا الْ َ
وَاذْكُرُواْ مَا فِي هِ َلعَّلكُ ْم َتّتقُو نَ ﴾ .قال السدي :فلما أبوا أن يسجدوا ،
أم ال البل أن يقع عليهم ،فنظروا إليه وقد غشيهم ،فسقطوا سجدًا ،
فسجدوا على شق ونظروا بالشق الخر ،فرحهم ال ،فكشف عنهم ،
فقالوا :وال ما سجدة أحب إل ال من سجدة كشف با العذاب عنهم
فهم يسجدون كذلك وذلك قول ال تعال ﴿ :وَرََف ْعنَا َفوَْقكُمُ الطّورَ ﴾.
وقال ابن عباس :ث سار بم موسى عليه السلم إل الرض القدسة
ـ سـكت عنـه الغضـب ،وأمرهـم بالذي أمـر ال أن وأخـذ اللواح بعدم ا
يبلغهـم مـن الوظائف ،فثقلت عليهـم وأبوا أن يقرّوا باـ ،حتـ نتـق ال
البل فوقهم كأنه ظلة ،قال :رفعته اللئكة فوق رؤوسهم .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ َتوَلّيْتُم مّ ن َبعْدِ ذَلِ كَ ﴾ :أعرض تم من ب عد ما
ُهـ ﴾ :بتأخيـ العذابُمـ وَرَحْ َمت ُ
ّهـ عََلْيك ْ
قبلتـم التوراة ﴿ ،فََلوْلَ َفضْلُ الل ِ
َاسـرِي َن ﴾ بتعجيـل
ّنـ الْخ ِ
عنكـم ،وإرسـال النـبيي إليكـم َ ﴿ ،كُنتُم م َ
عقوبتكم على نقضكم اليثاق .
قوله عز و جل َ ﴿ :وَلقَدْ عَ ِلمْتُ ُم اّلذِي نَ اعَْتدَواْ مِنكُ ْم فِي ال سّبْتِ
جعَلْنَاهَا نَكَالً لّمَا بَيْ نَ َي َدْيهَا َومَا
َفقُلْنَا َلهُ مْ كُونُوْا ِق َر َدةً خَا سِئِيَ ( )65فَ َ
خَلْ َفهَا َو َموْعِ َظةً لّلْمُّتقِيَ (. ﴾ )66
يقول تعال ﴿ :وََلقَدْ عَِل ْمتُمُ ﴾ يا معشر اليهود ﴿ وََلقَ ْد عَلِ ْمتُ ُم الّذِي نَ
سْبتِ ﴾ حي عصوا أمر ال ،فمسخهم وأخزاهم .
ا ْعتَدَواْ مِنكُمْ فِي ال ّ
قال البغوي :كانوا ف زمن داود عليه السلم بأرض يقال لا أيلة .
101 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس الثامن
***
103 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َنـ
ُمـ أ ْ
ّهـ َي ْأمُرُك ْ
ِهـ إِنّ الل َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وِإذْ قَالَ مُوسـَى ِلقَ ْوم ِ
خ ُذنَا ُهزُوا قَالَ أَعُو ُذ بِاللّ ِه أَ ْن أَكُو نَ مِ َن الْجَاهِلِيَ
َتذْبَحُواْ َب َق َرةً قَالُوْا َأتَتّ ِ
(. ﴾ )67
يقول تعال :واذكروا :إذ قال موسـى لقومـه إن اللّه يأمركـم أن
تذبوا بقرة ،قال أبو العالية :كان رجل من بن إسرائيل ،وكان غنيًا ،
ول ي كن له ولد ،وكان له قر يب ،وكان وار ثه ،فقتله لي ثه ،ث ألقاه
على ممع الطريق ،وأتى موسى عليه السلم ،فقال له :إنه قريب قتل ،
وإن إل أمر عظيم ،وإن ل أجد أحدًا يبي ل من قتله غيك يا نب ال .
قال :فنادى موسى ف الناس ،فقال :أنشد ال ،من كان عنده من هذا
علم إل يبيّنه لنا .فلم يكن عندهم علم ،فأقبل القاتل على موسى عليه
السلم ،فقال له :أنت نب ال ،فسل لنا ربك أن يبيّن لنا .فسأل ربه ،
فأو حى ال ﴿ :إِنّ اللّ َه َي ْأمُرُكُ مْ أَ نْ تَ ْذبَحُوْا َبقَ َرةً ﴾ فعجبوا من ذلك ،
فقالوا َ ﴿ :أَتتّخِ ُذنَا هُزُوا ﴾ ؟ ﴿ قَالَ َأعُو ُذ بِاللّهِ أَنْ أَكُو َن مِنَ الْجَاهِلِيَ *
قَالُواْ ادْ عُ َلنَا َربّ كَ ُيَبيّن ّلنَا مَا هِ يَ قَالَ ِإنّ ُه َيقُولُ ِإنّهَا بَقَ َرةٌ ل فَارِ ضٌ ﴾ ،
يعن :ل هرمة ﴿ وَ َل بِكْرٌ ﴾ ،يعن :ول صغية ﴿ َعوَانٌ بَيْ نَ ذَلِكَ ﴾
أي :نَ صَفٌ ب ي الب كر والر مة ﴿ .فَا ْفعَلُواْ مَا ُت ْؤمَرو نَ * قَالُواْ ادْ عُ لَنَا
صفْرَاء فَاقِـعٌ ّل ْوُنهَا ﴾ ، ك ُيبَيّن ّلنَا مَا َل ْونُهَا قَالَ إِنّ ُه َيقُولُ ِإنّهَا َبقَ َرةٌ َ
َربّ َ
ِينـ ﴾ ،أي :تعجـب الناظريـن . َسـّر النّاظِر َأي :صـاف لوناـ ﴿ ،ت ُ
ك ُيَبيّن ّلنَا مَا هِيَ ِإنّ الَبقَ َر تَشَابَ َه عََليْنَا َوإِنّا إِن شَاء
﴿ قَالُواْ ادْعُ َلنَا َربّ َ
اللّ هُ لَ ُم ْهتَدُو نَ * قَالَ ِإنّ هُ َيقُولُ ِإّنهَا َبقَ َرةٌ ل ذَلُولٌ تُثِ ُي الَرْ ضَ ﴾ ،أي :ل
حرْ ثَ ﴾ ،يع ن :ولي ست بذلول تث ي سقِي الْ َ يذلل ها الع مل ﴿ .وَ َل تَ ْ
الزء الول 104
ثـ مات .وفـ ذلك دليـل على كمال قدرتـه ،قال ال تعال ﴿ :مّاـ
خَ ْل ُقكُ ْم وَلَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكَن ْفسٍ وَاحِ َدةٍ ﴾ .
ت قُلُوُبكُم مّن َب ْعدِ ذَلِ كَ َفهِ يَ كَالْحِجَا َرةِ
قوله عز وجل ُ ﴿ :ثمّ قَ سَ ْ
جرُ مِنْ ُه الَْنهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا
س َوةً َوإِنّ مِ نَ الْحِجَا َر ِة لَمَا يََتفَ ّ
أَ ْو َأشَ ّد قَ ْ
ط مِ نْ َخشَْيةِ اللّ هِ وَمَا اللّ هُ
ج مِنْ ُه الْمَاء َوإِنّ مِنْهَا لَمَا َيهْبِ ُ
خرُ ُ
َيشّقّ قُ فَيَ ْ
ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُونَ (. ﴾ )74
يقول تعال ﴿ :ثُمّ قَ َ
ستْ ُقلُوبُكُم مّ ن َبعْدِ ذَلِ كَ ﴾ كله َ ﴿ ،فهِ يَ
س َوةً ﴾ أي :بل هي أ شد حجَا َرةِ ﴾ ال ت ل ا تل ي أبدًا َ ﴿ ،أوْ َأشَدّ قَ ْ كَالْ ِ
قسوة من الجارة .
ّقـ
شق ُْهـ ا َلْنهَارُ َوإِنّ ِمنْهَا لَمَا يَ ّ
ِنـ الْحِجَا َرةِ لَمَا َيَتفَجّ ُر ِمن ُ
﴿ َوإِنّ م َ
ج ِمنْ هُ الْمَاء ﴾ وإن ل يكن جاريًا َ ﴿ ،وإِنّ ِمْنهَا َلمَا َيهْبِ طُ ﴾ ينل َفيَخْ ُر ُ
شَيةِ ﴾ وقلوبكم ل تلي ول تشع . من أعلى البل إل أسفله ﴿ ،مِنْ خَ ْ
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ ﴾ ،وعيد وتديد .وقد
ش عَ قُلُوُبهُ مْ لِذِكْرِ اللّ ِه وَمَا قال ال تعال ﴿ :أَلَ ْم َيأْ نِ ِللّذِي نَ آ َمنُوا أَن تَخْ َ
ب مِن َقبْلُ فَطَا َل عََلْيهِ ُم اْلَأمَدُ
نَزَ َل مِ َن الْحَ ّق وَلَا يَكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا اْلكِتَا َ
ستْ قُلُوُبهُ ْم وَ َكثِيٌ مّْنهُمْ فَا ِسقُونَ ﴾ .وروى البزار عن أنس مرفوعًا : َفقَ َ
« أربـع مـن الشقاء :جود العيـ ،وقسـاوة القلب ،وطول المـل ،
والرص على الدنيا » .وال الستعان .
***
107 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس التاسع
ل مَ
﴿ َأفَتَطْ َمعُو َن أَن يُ ْؤمِنُوْا َلكُ ْم َوقَدْ كَا َن َفرِي قٌ مّ ْنهُ مْ يَ سْ َمعُونَ كَ َ
ح ّرفُونَ هُ مِن َب ْعدِ مَا َعقَلُو هُ وَهُ ْم َيعْلَمُو نَ ( )75وَِإذَا َلقُواْ اّلذِي نَ
اللّ هِ ُثمّ يُ َ
ح ّدثُونَهُم بِمَا فَتَ حَ
ض قَالُوْا َأتُ َ
ضهُ مْ ِإَلىَ َبعْ ٍ
ل َبعْ ُ
آمَنُواْ قَالُواْ آمَنّ ا وَِإذَا خَ َ
اللّ هُ عَلَ ْيكُ ْم لِيُحَآجّوكُم بِ هِ عِندَ َرّبكُ ْم َأفَلَ تَ ْعقِلُو نَ (َ )76أوَ َل َيعْلَمُو نَ
سرّونَ وَمَا ُيعْلِنُو نَ (َ )77ومِ ْنهُ ْم ُأمّيّو نَ َل َيعْلَمُو نَ
أَنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يُ ِ
ُونـ
ِينـ َيكْتُب َ
ّونـ (َ )78ف َويْ ٌل لّ ّلذ َ
ُمـ إِل يَظُن َ
ِنـ ه ْ
َابـ إِل َأمَانِي ّ َوإ ْ
الْكِت َ
ب ِبأَْيدِيهِ ْم ثُمّ َيقُولُو نَ هَ ـذَا مِ نْ عِندِ اللّ هِ لَِيشَْترُواْ بِ ِه ثَمَنا قَلِيلً
الْكِتَا َ
ت أَْيدِيهِ مْ َو َويْ ٌل ّلهُ ْم مّمّا َيكْ سِبُونَ (َ )79وقَالُوْا لَن
َفوَْيلٌ لّهُم مّمّا كَتَبَ ْ
ف اللّهُ
خ ْذتُمْ عِندَ اللّهِ َعهْدا فَلَن يُخْلِ َ
تَمَسّنَا النّا ُر إِل َأيّاما ّم ْعدُو َد ًة ُقلْ َأتّ َ
َع ْهدَ ُه أَ ْم تَقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ مَا َل َتعْلَمُو نَ ( )80بَلَى مَن كَ سَبَ سَيَّئةً
ت ِبهِ خَطِيـئَُتهُ فَُأ ْولَـِئكَ أَصْحَابُ النّا ِر هُ ْم فِيهَا خَاِلدُونَ ()81
وََأحَاطَ ْ
ب الْجَّنةِ هُم ْـ فِيهَا
ك أَص ْـحَا ُ
وَاّلذِينَـ آمَنُواْ وَ َعمِلُوْا الصـّالِحَاتِ أُولَــئِ َ
ّهـ
ُونـ إِل الل َ
ِسـرَائِي َل َل تَعُْبد َ
َاقـ بَن ِي إ ْ
ُونـ (َ )82وِإذْ َأ َخذْنَا مِيث َ
خَاِلد َ
ي َوقُولُوْا لِلنّاسِـ
وَبِالْوَالِ َديْنِـِإحْسـَانا َوذِي الْ ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسـَاكِ ِ
ُمـ َوأَنتُم
ل مّنك ْ
ُمـ إِل قَلِي ً
ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ ثُمّ َت َولّيْت ْ
الصـ َ
حُسـْنا َوَأقِيمُواْ ّ
خ ِرجُو نَ
سفِكُو َن ِدمَاءكُ ْم َولَ تُ ْ
ّمعْرِضُو نَ ( )83وَِإ ْذ أَ َخ ْذنَا مِيثَاقَكُ مْ لَ تَ ْ
ش َهدُو نَ (ُ )84ثمّ أَنتُ مْ هَـؤُلء
سكُم مّن ِديَارِكُ مْ ُثمّ َأ ْقرَرْتُ ْم وَأَنتُ مْ َت ْ
أَنفُ َ
خ ِرجُو نَ َفرِيقا مّنكُم مّ ن ِديَا ِرهِ مْ تَظَا َهرُو نَ عَلَيْهِم
س ُكمْ َوتُ ْ
َتقْتُلُو نَ أَنفُ َ
ُمـ
ّمـ عَلَ ْيك ْ
حر ٌُمـ َوهُ َو مُ َ
ُمـ أُسـَارَى ُتفَادُوه ْ
َانـ وَإِن يَأتُوك ْ
ْمـ وَاْلعُ ْدو ِ
بِا ِلث ِ
الزء الول 108
إِ ْخرَا ُجهُم ْـَأفَتُ ْؤمِنُونَـبَِبعْضِـ الْكِتَابِـ وََت ْكفُرُونَـبَِبعْضٍـ فَمَا جَزَاء مَن
ّونـ
ْمـ الْقِيَامَ ِة ُي َرد َ
ْيـ ف ِي الْحَيَا ِة ال ّدنْي َا َوَيو َ
ُمـ إِل ِخز ٌ
ِكـ مِنك ْ
َيفْ َعلُ ذَل َ
ـ ( )85أُولَــِئكَ
ـ بِغَا ِفلٍ عَمّاـ تَعْمَلُون َ
ـ وَمَـا اللّه ُ
ِإلَى أَ َشدّ اْل َعذَاب ِ
ب َولَ هُ مْ
خفّ فُ عَ ْنهُ مُ اْل َعذَا ُ
ل يُ َ
الّذِي نَ اشَْت َروُْا الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا بِالَ ِخ َر ِة فَ َ
صرُونَ (. ﴾ )86
يُن َ
***
109 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ـ
ـ َفرِيق ٌ
ـ َو َقدْ كَان َ
ـ أَن يُ ْؤمِنُوْا َلكُم ْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :أفَتَطْ َمعُون َ
ُمـ
ُوهـ َوه ْ
َهـ م ِن َب ْعدِ م َا َعقَل ُ
ح ّرفُون ُ
ّهـ ثُم ّ يُ َ
َمـ الل ِ
َسـ َمعُونَ َكل َ
ُمـ ي ْ
مّ ْنه ْ
َيعْلَمُونَ (. ﴾ )75
ُمـ ﴾ يقول تعال ﴿ :أَفَتَ ْط َمع َ
ُونـ ﴾ أيهـا الؤمنون ﴿ ،أَن ُيؤْ ِمنُواْ َلك ْ
ي صدقوكم ويطيعوكم ﴿ ،وَقَدْ كَا نَ َفرِي ٌق ّمْنهُ ْم يَ سْ َمعُونَ َكلَ مَ اللّ ِه ثُمّ
يُحَرّفُونَهُـ مِن َبعْ ِد مَا َعقَلُوهُـ َوهُم ْـَيعْلَمُونَـ ﴾ أنمـ كاذبون ،ومـع هذا
ضهِم مّيثَاَقهُ مْ لَعنّاهُ مْ َو َجعَ ْلنَا
يالفونه عمدًا ،كما قال تعال َ ﴿ :فبِمَا َن ْق ِ
ضعِ هِ ﴾ .قال ا بن عباس ﴿ :وَقَدْ قُلُوَبهُ مْ قَا ِسَيةً ُيحَرّفُو َن اْلكَلِ َم عَن ّموَا ِ
كَا نَ َفرِي ٌق ّمنْهُ ْم يَ سْ َمعُونَ َكلَ مَ اللّ هِ ﴾ هم الذين سألوا موسى رؤية ربم
فأخذتم الصاعقة .وقال السدي :هي التوراة حرّفوها .
قال ابن كثي :وهذا الذي ذكره السدي أعم ما ذكره ابن عباس .
وقال ابن زيد ﴿ :يَ سْ َمعُونَ َكلَ مَ اللّ ِه ثُمّ ُيحَرّفُونَ هُ ﴾ .قال التوراة
الت أنزلا ال عليهم ،يرفونا ،يعلون اللل فيها حرامًا ،والرام فيها
ل ،والباطـل فيهـا حق ًا ؛ إذا جاءهـم الحـق حللً ،والقـ فيهـا باط ً
برشوة ،أخرجوا له كتاب ال ،وإذا جاءهـم البطـل برشوة ،أخرجوا له
ذلك الكتاب ،ف هو ف يه م ق ،وإذا جاء هم أ حد ي سألم شيئًا ،ل يس ف يه
ُونـ
حـق ول رشوة ول شيـء ،أمروه بالقـ ،فقال ال لمـ َ ﴿ :أَت ْأمُر َ
ل َتعْقِلُونَ ﴾ .
سكُ ْم َوأَنتُ ْم َتتْلُونَ اْلكِتَابَ أََف َ
س بِاْلبِ ّر َوتَنسَ ْونَ أَنفُ َ
النّا َ
ـ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنّاـ َوِإذَا خَلَ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وِإذَا َلقُوْا الّذِين َ
ح اللّ هُ عَلَ ْيكُ ْم لِيُحَآجّوكُم بِ هِ
ح ّدثُوَنهُم بِمَا فَتَ َ
ض قَالُواْ َأتُ َ
َبعْضُهُ مْ ِإلَ َى َبعْ ٍ
الزء الول 110
سرّونَ َومَا
ل َت ْعقِلُو نَ (َ )76أوَ َل َيعْلَمُو َن أَنّ اللّهَ َيعْلَ ُم مَا يُ ِ
عِندَ َرّبكُمْ َأفَ َ
ُيعْلِنُو نَ ( )77وَمِ ْنهُ مْ أُمّيّو َن لَ َيعْلَمُو َن الْكِتَا بَ إِل َأمَانِيّ وَإِ ْن هُ مْ إِل
يَظُنّونَ (. ﴾ )78
قال ابـن عباس َ ﴿ :وإِذَا َلقُوْا الّذ َ
ِينـ آ َمنُواْ قَالُواْ آ َمنّاـ ﴾ ،أي :أن
ضهُ مْ إِلَ َىل َب ْع ُصاحبكم ر سول ال ،ولك نه إلي كم خا صة َ ﴿ .وإِذَا َخ َ
َبعْ ضٍ قَالُواْ ﴾ :ل تدثوا العرب بذا ،فإن كم قد كن تم ت ستفتحون به
عليهم ،فكان منهم ،فأنزل ال َ ﴿ :وإِذَا َلقُوْا الّذِي نَ آ َمنُواْ قَالُواْ آ َمنّا َوإِذَا
ضهُمْ إَِلىَ بَ ْعضٍ قَالُواْ َأتُحَ ّدثُوَنهُم بِمَا َفتَحَ اللّ ُه عََلْيكُمْ ِليُحَآجّوكُم بِهِ
ل َبعْ ُ
َخ َ
عِندَ َربّكُ مْ ﴾ ،أي :تقرّون بأنه نب ،وقد علمتم أنه قد أخذ له اليثاق
عليكم باتباعه ،وهو يبهم أنه النب الذي كنا ننتظر وند ف كتابنا ،
اجحدوه ول تقرّوا به .
يقول ال تعال َ ﴿:أوَ َل َيعْلَمُونَ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يُسِرّونَ َومَا ُيعِْلنُونَ ﴾.
وقال السدي :هؤلء ناس من اليهود آمنوا ث نافقوا .وقال أبو العالية :
﴿ َأتُحَ ّدثُوَنهُم بِمَا َفتَحَ اللّ ُه عََليْكُمْ ﴾ ،يعن :با أنزل عليكم ف كتابكم
من بعث ممد .
وقوله تعال َ ﴿ :و ِمْنهُ مْ ُأ ّميّو نَ َل َيعْلَمُو نَ اْل ِكتَا بَ إِل َأمَاِنيّ َوإِ نْ هُ مْ
إِل يَ ُظنّونَ ﴾ ،يقول تعال َ ﴿ :و ِمْنهُمْ ُأ ّميّونَ ﴾ أي :من اليهود أميون ،
ل يسنون القراءة والكتابة .قال ماهد :المي الذي ل يسن الكتابة .
وقوله تعال َ ﴿ :ل َيعْلَمُو نَ اْلكِتَا بَ إِل َأمَانِيّ ﴾ ،قال ا بن عباس :
يعن :غي عارفي بعان الكتاب َ ﴿ .وإِ ْن هُ مْ إِل يَ ُظنّو نَ ﴾ ،أي :ول
يدرون ما ف يه .وقال ما هد َ ﴿ :و ِمْنهُ مْ ُأمّيّو نَ َل َيعْلَمُو َن الْ ِكتَا بَ إِل
111 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َأمَانِيّ ﴾ .قال :أناس مـن اليهود ل يكونوا يعلمون مـن الكتاب شيئًا ،
وكانوا يتكلمون بالظن بغي ما ف كتاب ال .
قوله عز وجل َ ﴿ :ف َوْيلٌ لّ ّلذِي َن َيكْتُبُو َن اْلكِتَا بَ ِبَأْيدِيهِ مْ ُثمّ يَقُولُو نَ
ت َأيْدِيهِ مْ
ل َف َويْ ٌل ّلهُم مّمّا كَتَبَ ْ
هَـذَا مِ نْ عِندِ اللّ هِ لَِيشَْترُوْا بِ ِه ثَمَنا قَلِي ً
وَ َوْيلٌ ّل ُهمْ مّمّا َي ْكسِبُونَ (. ﴾ )79
قال الزجاج َ ﴿ :ويْلٌ ﴾ كل مة تقول ا العرب ل كل وا قع ف هل كة .
قال ا بن كث ي :هؤلء صنف آ خر من اليهود ،و هم الدعاة إل الضلل
بالزور والكذب على ال ،وأ كل أموال الناس بالبا طل .قال ا بن عباس :
﴿ َف َويْلٌ لّهُم ﴾ ،يقول :فالعذاب علي هم من الذ ين كتبوا بأيدي هم من
ْسـبُونَ ﴾ يقول :ماـ يأكلون بـه
ُمـ مّمّاـ َيك ِ
ذلك الكتاب َ ﴿ ،و َويْلٌ ّله ْ
أموال الناس .
ـنَا النّا ُر إِل َأيّاما ّم ْعدُو َد ًة ُقلْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالُواْ لَن تَمَس ّ
ف اللّهُ َع ْهدَهُ أَ ْم َتقُولُونَ عَلَى اللّ ِه مَا لَ
خذْتُمْ عِن َد اللّهِ َعهْدا فَلَن يُخْلِ َ
َأتّ َ
ت بِ ِه خَطِيـئَُت ُه َفأُ ْولَـئِكَ
َتعْلَمُو نَ ( )80بَلَى مَن كَ سَبَ سَيَّئةً َوَأحَاطَ ْ
ـ آمَنُوْا وَعَمِلُواْ
ـ ( )81وَاّلذِين َ
ـ فِيهَـا خَاِلدُون َ
ب النّا ِر هُم ْ
ـحَا ُ
أَص ْ
ك أَصْحَابُ الْجَّن ِة ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (. ﴾ )82
الصّالِحَاتِ أُولَـئِ َ
يقول تعال ﴿ :وَقَالُواْ ﴾ ،أي :اليهود ﴿ ،لَن تَمَ ّ
سنَا النّارُ إِل َأيّاما
ّمعْدُو َدةً ﴾ قال ا بن عباس :اليهود قالوا :لن ت سنا النار إل أربع ي ليلة ،
و هي مدة عبادت م الع جل .و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ( :ل ا
فتحت خيب أهديت لرسول ال شاة فيها سم ،فقال رسول ال « :
اجعوا إلّ من كان من اليهود ها ه نا » ،فقال ل م ر سول ال « :
الزء الول 112
من أبوكم » ؟ قالوا :فلن .قال « :كذبتم ،بل أبوكم فلن » فقالوا
صدقت وبررت .ث قال لم « :هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم
عنه » ؟ قالوا :نعم يا أبا القاسم ،وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته
ف أبي نا .فقال ل م ر سول ال « :من أ هل النار » ؟ فقالوا :نكون
فيها يسيًا ث تلفونا فيها .فقال لم رسول ال « :اخسئوا ،وال ل
نلفكم فيها أبدًا » .ث قال لم رسول ال « :هل أنتم صادقيّ عن
شيء إن سألتكم عنه » ؟ قالوا :نعم يا أبا القاسم .قال « :هل جعلتم
ف هذه الشاة سًا » ؟ فقالوا :نعم ؟ قال « :فما حلكم على ذلك » ؟
فقالوا :أردنـا إن كنـت كاذب ًا أن نسـتريح منـك ،وإن كنـت نبي ًا ل
يضرك ) .رواه البخاري بنحو وغيه .
وقوله تعال ﴿ :قُلْ أَتّ َ
خ ْذتُ ْم عِندَ اللّ هِ عَهْدا ﴾ ،أي :أن ل يعذب كم
َهـ ﴾ ؟ قال ابـن مسـعود :عهدًا ّهـ َعهْد ُ
ِفـ الل ُ
خل َ إل هذه الدة َ ﴿ ،فلَن يُ ْ
بالتوح يد ﴿ .أَ ْم َتقُولُو َن عَلَى اللّ ِه مَا لَ َتعَْلمُو نَ ﴾ ،أي :بل تكذبون
على ال وتفترون ؟ ث قال ﴿ :بَلَى ﴾ :إثبات لا ذكر من خلود النار .
ب النّارِ هُ مْ
صحَا ُت بِ هِ خَطِيـَئتُهُ َفُأوْلَـئِكَ أَ ْسبَ َسّيَئةً َوأَحَاطَ ْ ﴿ مَن كَ َ
فِيهَا خَاِلدُو نَ ﴾ ،أي :ل يس ال مر ك ما تني تم ،بل ال مر أ نه ﴿ :مَ نْ
ت بِ هِ خَطِي ـَئتُهُ ﴾ مات ول عَمِلَ َسّيَئةً ﴾ ،يع ن :الشرك َ ﴿ .وأَحَاطَ ْ
ِينـ آ َمنُواْ
ُونـ * وَالّذ َ
ُمـ فِيهَا خَالِد َ ب النّا ِر ه ْ
َصـحَا ُ
ـكَ أ ْ يتـب َ ﴿ ،فُأوْلَـ ئِ
جّن ِة هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ ﴾ ،وهذا ب الْ َ
َوعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَ صْحَا ُ
ُمـ وَل َأمَانِيّ َأهْ ِل الْ ِكتَابِـ مَن
ْسـِبَأمَاِنّيك ْ
القام شـبيه بقوله تعال ّ ﴿ :لي َ
َيعْمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِ ِه وَ َل يَجِدْ لَ ُه مِن دُونِ اللّ ِه وَِليّا وَلَ نَصِيا * َومَن َيعْمَلْ
113 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جّن َة وَلَ
ت مِن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ َفُأوْلَـئِكَ يَ ْدخُلُو نَ الْ َ
مِ َن ال صّالِحَا َ
يُظْلَمُو َن َنقِيا ﴾ .
وعـن ابـن مسـعود رضـي ال عنـه أن رسـول ال قال « :إياكـم
ومقرات الذنوب ،فإننـ يتمعـن على الرجـل حتـ يهلكنـه » .وإن
رسـول ال ضرب لمـ مثلً « :كمثـل قوم نزلوا بأرض فلة فحضـر
صنيع القوم ،فجعل الرجل ينطلق ،فيجيء بالعود والرجل ييء بالعود ،
ح ت جعوا سوادًا وأججوا نارًا ،فأنضجوا ما قذفوا في ها » .رواه المام
أحد .
ق بَنِي ِإسْرَائِيلَ َل َتعْبُدُو َن إِل اللّهَ
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَا َ
ي َوقُولُوْا لِلنّاسِـ
وَبِالْوَالِ َديْنِـِإحْسـَانا َوذِي الْ ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسـَاكِ ِ
ُمـ َوأَنتُم
ل مّنك ْ
ُمـ إِل قَلِي ً
ل َة وَآتُواْ الزّكَاةَ ثُمّ َت َولّيْت ْ
الصـ َ
حُسـْنا َوَأقِيمُواْ ّ
ّمعْرِضُونَ (. ﴾ )83
ّهـ
ُونـإِل الل َ
ِسـرَائِيلَ َل َت ْعبُد َ يقول تعال َ ﴿ :وإِذْ أَخَذْنَا مِيث َ
َاقـ بَنِي إ ْ
ـ وَ َل ـا قال تعال ﴿ :وَا ْعبُدُواْ اللّه َ ـوا له العبادة ،كمـ ﴾ أي :أخلصـ
ْنـ ِإحْسـَانا ﴾ ،أي :وصـيناهم بـب ِهـ َشيْئا ﴾ َ ﴿ ،وبِاْلوَالِ َدي ِ
تُشْرِكُواْ ب ِ
ي وَقُولُواْ
الوالدين ،والحسان إليهما ﴿ .وَذِي اْلقُ ْربَى وَاْلَيتَامَى وَالْمَسَا ِك ِ
لِلنّاسِ حُسْنا ﴾ ،قال ابن عباس :أمرهم أيضًا بعد هذا اللق ،أن يقولوا
﴿ :لِلنّاسِ حُسْنا ﴾ :أن يأمروا بل إله إل ال ،من يقلها ورغب عنها
،ح ت يقولو ها ك ما قالو ها ،فإن ذلك قر بة من ال جل ثناؤه .وقال
ال سن الب صري :فال سن من القول :أن يأ مر بالعروف ،وين هى عن
الزء الول 114
الن كر ،وي صلح ويعفوا وي صفح ،وقال ال سن أيضًا :ل ي القول من
الدب السن الميل ،واللق الكري ،وهو ما ارتضاه ال وأحبه .
ل مّنكُمْ
لةَ وَآتُواْ الزّكَا َة ثُمّ َتوَّلْيتُمْ إِل قَلِي ً
صَوقوله تعال َ ﴿ :وأَقِيمُواْ ال ّ
َوأَنتُم ّمعْرِضُونَ ﴾ .
قال ابن جرير :وهذا خب من ال جل ثناؤه عن يهود بن إسرائيل ،
أنم نكثوا عهده ،ونقضوا ميثاقه ،بعد ما أخذ ال ميثاقهم على الوفاء له
بأن ل يعبدوا غيه ،وأن يسنوا إل الباء والمهات ،ويصلوا الرحام ،
ويتعطفوا على اليتام ،ويؤدوا حقوق أ هل ال سكنة إلي هم ،ويأمروا عباد
ال ب ا أمر هم ال به ،ويثّو هم على طاع ته ،ويقيموا ال صلة بدود ها
وفرائضها ،ويؤتوا زكاة أموالم ،فخالفوا أمره ف ذلك كله ،وتولوا عنه
معرضي ،إل من عصمه ال منهم ،فوف ال بعهده وميثاقه .
سفِكُو َن ِدمَاءكُ ْم وَلَ
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَاقَكُ مْ َل تَ ْ
سكُم مّن ِديَارِكُ ْم ثُمّ َأ ْقرَ ْرتُ ْم َوأَنتُمْ َتشْ َهدُونَ (ُ )84ثمّ أَنتُمْ
خ ِرجُو َن أَنفُ َ
تُ ْ
خ ِرجُو َن َفرِيقا مّنكُم مّن ِديَا ِرهِ ْم تَظَا َهرُو نَ
هَـؤُلء َتقْتُلُو نَ أَنفُ سَ ُكمْ َوتُ ْ
ّمـ
حر ٌُمـ َو ُهوَ مُ َ
ُمـ أُسـَارَى ُتفَادُوه ْ
َانـ وَإِن يَأتُوك ْ
ْمـ وَاْل ُعدْو ِ
عَلَيْهِم بِا ِلث ِ
ض فَمَا َجزَاء
عَلَ ْيكُ مْ ِإ ْخرَا ُجهُ ْم َأفَُتؤْمِنُو َن بَِبعْ ضِ اْلكِتَا بِ َوَتكْ ُفرُو نَ بَِبعْ ٍ
ك مِنكُ ْم إِل ِخزْيٌ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا َويَوْ َم اْلقِيَا َمةِ ُي َردّونَ ِإلَى
مَن َي ْفعَ ُل َذلِ َ
ِينـ
ك الّذ َ
ُونـ ( )85أُولَــئِ َ
ّهـ ِبغَا ِفلٍ عَمّاـ َتعْمَل َ
َابـ وَمَا الل ُ
أَ َشدّ اْل َعذ ِ
ـ
ـ َولَ هُم ْ
ـ اْل َعذَاب ُ
ـ عَ ْنهُم ُ
خفّف ُ
ل يُ َ
اشَْت َروُْا الْحَيَاةَ ال ّدنْيَـا بِالَ ِخ َر ِة فَ َ
صرُونَ (. ﴾ )86
يُن َ
115 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
117 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس العاشر
الّذِي نَ َأ ْشرَكُوْا يَ َو ّد أَ َح ُدهُ ْم َلوْ ُيعَ ّم ُر َألْ فَ سََنةٍ وَمَا ُه َو بِ ُمزَ ْح ِزحِ ِه مِ نَ
ي بِمَا يَعْمَلُونَ (. ﴾ )96
ب أَن يُعَ ّم َر وَال ّل ُه بَصِ ٌ
الْ َعذَا ِ
***
119 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِهـ
َابـ َوقَفّيْنَا مِن َب ْعد ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسـَى اْلكِت َ
س َأفَكُلّمَا
ح اْلقُدُ ِ
ت َوأَّي ْدنَا ُه ِبرُو ِ
بِالرّ ُس ِل وَآتَيْنَا عِي سَى ابْ نَ َم ْريَ مَ الْبَيّنَا ِ
جَاءكُ مْ رَ سُو ٌل بِمَا َل َتهْوَى أَنفُ سُ ُكمُ ا سْتَكَْب ْرتُ ْم َف َفرِيقا َك ّذبْتُ ْم َو َفرِيقا
َتقْتُلُونَ (. ﴾ )87
يقول تعال ﴿:وََلقَ ْد آَتيْنَا مُو سَى اْلكِتَا بَ ﴾ أعطيناه التوراة ﴿ وََق ّفيْنَا﴾
أتبع نا ﴿ ،مِن َبعْدِ ِه بِالرّ سُلِ وَآَتيْنَا عِي سَى ابْ نَ َم ْريَ َم اْلَبيّنَا تِ ﴾ و هي :
ح الْقُدُسِ ﴾ وهو :جبيل عليه العجزات َ ﴿ ،وأَيّ ْدنَاهُ ﴾ قويناه ﴿ ،بِرُو ِ
السلم ،كما قال تعال ﴿ :إِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِيسى ابْ َن مَ ْريَ مَ اذْكُرْ نِعْ َمتِي
ّاسـ فِي الْ َمهْدِ
ّمـ الن َ ُسـ ُتكَل ُ
ُوحـ اْلقُد ِ
ّكـ بِر ِ ِكـِإذْ َأيّدت َ
ْكـ َوعَلَى وَالِ َدت َ عََلي َ
ِنـ
ُقـ م َ حكْ َم َة وَالّتوْرَاةَ وَالِنِيلَ َوإِذْ تَخْل ُ
َابـ وَالْ ِ
ُكـ الْ ِكت َ
ل َوإِ ْذ عَلّ ْمت َ وَ َكهْ ً
ئ الَكْمَ هَ الطّيِ َك َهْيَئةِ ال ّطيْ ِر بِِإذْنِي َفتَنفُ خُ فِيهَا َفتَكُو ُن َطيْرا بِإِذْنِي َوتُبْرِ ُ
ج الْمَوتَى بِإِ ْذنِي َوإِذْ َكفَ ْفتُ بَنِي ِإسْرَائِي َل عَنكَ إِذْ
ص بِإِ ْذنِي َوإِذْ تُخْ ِر ُ وَا َلبْ َر َ
ِجْئَتهُ ْم بِالَْبّينَاتِ َفقَا َل الّذِينَ َك َفرُوْا ِمْنهُمْ إِ ْن هَـذَا إِل ِسحْ ٌر ّمبِيٌ ﴾ .
قال البغوي :وتأييد عيسى ببيل عليه السلم ،أنه أمر أن يسي معه
حيث سار ،حت صعد به إل السماء ﴿ .أََفكُلّمَا جَاء ُك مْ ﴾ يا معشر
اسـكْبَ ْرتُمْ ﴾ عـن اليان بـه
ُسـكُمُ َْت
اليهود ﴿ ،رَسـُو ٌل بِمَا َل َت ْهوَى أَنف ُ
َ ﴿ ،ف َفرِيقا كَ ّذْبتُ مْ ﴾ م ثل عي سى ،وم مد عليه ما ال صلة وال سلم
﴿ ،وََفرِيقا َت ْقتُلُو نَ ﴾ م ثل زكر يا ،وي ي وغيه ا من ال نبياء علي هم
السلم ؟ وقد حاولوا قتل النب ممد .
ِمـ
ُمـ اللّه ِب ُكفْ ِره ْ
ْفـ بَل ّلعَنَه ُ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالُواْ قُلُوبُنَا غُل ٌ
ل مّا ُي ْؤمِنُونَ (. ﴾ )88
َفقَلِي ً
الزء الول 120
يقول تعال ﴿ :وَقَالُواْ قُلُوُبنَا غُلْ فٌ ﴾ ،أي :ف أكنة ،فل تعي ول
تفقه ما جئت به يا ممد ﴿ .بَل ّل َعَنهُ مُ اللّه ِب ُكفْ ِرهِ مْ ﴾ ،أي :طردهم
ل مّ ا ُيؤْ ِمنُو نَ ﴾ ،قال قتادة :معناه ل وأبعد هم من كل خ ي َ ﴿ ،فقَلِي ً
يؤمن منهم إل قليل .وقد قال تعال َ ﴿ :فبِمَا َن ْقضِهِم مّيثَاَقهُ ْم وَ ُكفْ ِرهِم
ف بَ ْل طَبَعَ اللّ ُه عََلْيهَا
بَآيَاتِ اللّ ِه وََقتِْلهِ ُم الَْنِبيَاءَ ِب َغيْرِ َحقّ وََقوِْلهِمْ قُلُوُبنَا غُلْ ٌ
ل ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً ﴾ . بِ ُكفْ ِرهِمْ َف َ
ق لّمَا
صدّ ٌ
ب مّ نْ عِن ِد اللّ ِه مُ َ
قوله عز و جل َ ﴿ :ولَمّ ا جَاءهُ مْ كِتَا ٌ
َمعَهُ مْ وَكَانُوْا مِن قَ ْب ُل يَ سَْتفْتِحُونَ عَلَى الّذِي نَ َك َفرُواْ فَلَمّ ا جَاءهُم مّ ا
َع َرفُواْ َك َفرُوْا ِبهِ فَ َلعَْنةُ اللّه عَلَى الْكَا ِفرِينَ (. ﴾ )89
يقول ﴿ :وَلَمّاـ جَاءهُم ْـ ﴾ يعنـ :اليهود ِ ﴿ ،كتَابٌـ مّن ْـ عِندِ اللّهِـ
ُمـ ﴾ ،يعنـ : ُصـّدقٌ ﴾ موافـق ﴿ ،لّم َا َم َعه ْ ﴾ وهـو :القرآن ﴿ ،م َ
ستَ ْفتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُواْ ﴾ ،أي :وقد التوراة ﴿ .وَكَانُوْا مِن َقبْ ُل يَ ْ
كانوا من ق بل م يء هذا الر سول بذا الكتاب ،ي ستنصرون بجيئه على
أعدائهم .
قال ممد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة النصاري ،عن
أشياخ من هم ،قال :في نا وال وفي هم -يع ن :ف الن صار و ف اليهود
الذين كانوا جيانم -نزلت هذه القصة ،يعن ﴿ :وَلَمّا جَاءهُ مْ ِكتَا بٌ
ستَ ْفتِحُونَ عَلَى الّذِي نَ
مّ ْن عِندِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ لّمَا َم َعهُ ْم وَكَانُوْا مِن َقبْ ُل يَ ْ
َكفَرُواْ َفلَمّا جَاءهُم مّا عَرَفُواْ َكفَرُواْ بِ هِ ﴾ ،قالوا :كنا قد علوناهم قهرًا
دهرًا ف الاهل ية ،ون ن أ هل شرك ،و هم أ هل كتاب ،و هم يقولون :
121 توفيق الرحن ف دروس القرآن
إن نبيًا سيبعث الن نتبعه ،قد ظل زمانه ،فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ،
فلمـا بعـث ال رسـوله مـن قريـش واتبعناه ،كفروا بـه .يقول ال تعال
َ ﴿ :فلَمّا جَاءهُم مّا َعرَفُواْ َكفَرُوْا بِهِ َفَل ْعَنةُ اللّه عَلَى الْكَاِفرِينَ ﴾ .
سهُ ْم أَن َيكْ ُفرُوْا بِمَا أَن َزلَ
قوله عز و جل ﴿ :بِئْ سَمَا اشْتَ َر ْواْ بِ ِه أَنفُ َ
اللّهُ َبغْيا أَن يَُن ّزلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن َيشَا ُء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُوْا ِبغَضَبٍ
ب َولِ ْلكَا ِفرِينَ َعذَابٌ ّمهِيٌ (. ﴾ )90
عَلَى غَضَ ٍ
ُسـهُمْ ﴾ ،يهود شروا القـ
ِهـ أَنف َ قال ماهـد ﴿ :بِئ َ
ْسـمَا اشْتَ َر ْوْا ب ِ
بالباطل ،وكتمان ما جاء به ممد بأن يبينوه .وقال السدي ﴿ :
ُسـهُمْ ﴾ يقول :باعوا أنفسـهم .يقول :بئسـما ِهـ أَنف َ
ْسـمَا ا ْشتَ َروْْا ب ِ
ِبئ َ
اعتاضوا لنفسهم ،فرضوا به ،وعدلوا إليه ،من الكفر با أنزل ال على
ممد ،عن تصديقه ومؤازرته ونصرته ،وإنا حلهم على ذلك البغي
والسد والكراهية ﴿ ،أَن ُينَزّلُ اللّ ُه مِن َفضْلِ ِه عَلَى مَن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِهِ ﴾
ول ح سد أع ظم من هذا .وقال ا بن عباس ف قوله َ ﴿ :فبَآؤُوْا ِب َغضَ بٍ
َبـ ﴾ فغضـب ال عليهـم فيمـا كانوا ضيعوا مـن التوراة وهـي عَلَى َغض ٍ
معهم ،وغضب ال عليهم بكفرهم بذا النب الذي بعث ال إليهم .
وقوله تعال ﴿ :وَلِ ْلكَافِرِي َن عَذَابٌ ّمهِيٌ ﴾ ،قال ابن كثي :لا كان
كفرهـم سـببه البغـي والسـد ،ومنشـأ ذلك التكـب ،قوبلوا بالهانـة
ستَ ْكبِرُونَ عَنْ
والصغار ف الدنيا والخرة ،كما قال تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِي َن يَ ْ
عِبَا َدتِي َسيَدْخُلُونَ َج َهنّمَ دَاخِرِينَ ﴾ أي :صاغرين ذليلي .
الزء الول 122
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذَا قِي َل َلهُمْ آ ِمنُوْا بِمَا أَنزَ َل اللّهُ قَالُوْا ُنؤْ ِمنُ بِمَا
صدّقا لّمَا َمعَهُ مْ ُق ْل فَلِ مَ
أُن ِزلَ عَلَيْنَا َويَ ْكفُرو َن بِمَا وَرَاء ُه َو ُهوَ الْحَقّ مُ َ
َتقْتُلُو َن أَنبِيَا َء اللّ ِه مِن قَ ْب ُل إِن كُنتُم ّمؤْمِِنيَ (. ﴾ )91
ـ ﴾ ،يعنـ : يقول تعال َ ﴿ :وإِذَا قِيلَ َلهُم ْ
ـ آ ِمنُوْا بِمَـا أَن َزلَ اللّه ُ
القرآن ﴿ قَالُوْا ُن ْؤمِ ُن بِمَا أُن ِز َل عََليْنَا ﴾ ،يع ن :التوراة َ ﴿ ،ويَ ْكفُرو نَ
بِمَا وَرَاء هُ ﴾ ،أي :ب ا سواه من الك تب ﴿ َو ُهوَ الْحَقّ ﴾ ،يع ن :
القرآن ﴿ مُصَدّقا لّمَا َمعَهُمْ ﴾ ،من التوراة ﴿ .قُلْ ﴾ لم يا ممد ﴿ :
فَلِ َم َت ْقتُلُو نَ أَنِبيَاءَ اللّ ِه مِن َقبْلُ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ ﴾ بالتوراة وقد نيتم فيها
عن قتل النبياء عليهم السلم ؟ .
جلَ
خ ْذتُ مُ اْلعِ ْ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ َقدْ جَاءكُم مّو سَى بِالْبَيّنَاتِ ُثمّ اتّ َ
مِن َب ْع ِدهِ َوأَنتُمْ ظَالِمُونَ (. ﴾ )92
يقول تعال ﴿ :وََلقَدْ جَاءكُم ﴾ يا معشر اليهود ﴿ مّو سَى بِاْلَبّينَا تِ ﴾
ج َل ـ الْعِ ْخ ْذتُم ُأي :باليات الواضحات والدلئل القاطعات ﴿ ،ثُمّـ اتّ َ
﴾ معبودًا من دون ال ﴿ مِن بَعْدِ هِ ﴾ ،أي :من ب عد ذها به إل الطور
لناجاة ال عزّ وجل ،كما قال تعال ﴿ :وَاتّخَذَ َق ْومُ مُوسَى مِن بَعْ ِدهِ مِنْ
جلً جَ سَدا لّ هُ ُخوَارٌ أَلَ ْم يَ َر ْواْ َأنّ هُ َل ُيكَلّ ُمهُ ْم وَ َل َيهْدِيهِ مْ َسبِيلً
حُِلّيهِ ْم عِ ْ
خذُو ُه وَكَانُوْا ظَالِمِيَ وَلَمّا ُسقِطَ فَي َأيْدِيهِ ْم وَ َرَأ ْواْ َأّنهُ مْ َقدْ ضَلّواْ قَالُواْ اتّ َ
َلئِن لّ ْم يَرْ َح ْمنَا َرّبنَا َوَي ْغفِرْ َلنَا َلنَكُونَ ّن مِ َن الْخَاسِرِينَ ﴾ .
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذْ َأ َخذْنَا مِيثَا َق ُكمْ وَ َر َفعْنَا َف ْوقَ ُكمُ الطّو َر ُخذُواْ
مَا آتَيْنَاكُم ِبقُ ّو ٍة وَا سْ َمعُواْ قَالُواْ سَ ِمعْنَا وَعَ صَيْنَا َوأُ ْش ِربُوْا فِي قُلُوِبهِ مُ
123 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّمؤْمِنِيَ ()93 ج َل ِبكُ ْف ِرهِ ْم ُقلْ بِئْسَمَا َي ْأمُرُكُ ْم بِهِ إِيَانُكُ ْم إِن كُنتُمْ
الْعِ ْ
﴾.
يقول تعال َ ﴿ :وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُم ْـ وَرََفعْنَا َفوَْقكُمُـ الطّورَ ﴾ البـل
﴿ ،خُذُواْ مَا آَتْينَاكُم ِبقُ ّوةٍ وَا سْ َمعُواْ ﴾ ،أي :استجيبوا وأطيعوا ﴿ ،
صْينَا َوُأشْ ِربُواْ فِي قُلُوِبهِ ُم اْلعِجْ َل ِب ُكفْ ِرهِ مْ ﴾ ،قال قتادة :
قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوعَ َ
أشربوا حبه حت خلص ذلك إل قلوبم .
ُمـ ﴾ أن تعبدوا العجـل مـن دون ال ِهـإِيَاُنك ُْمـ ب ِ
ْسـمَا َي ْأمُرُك ْ
﴿ ُق ْل ِبئ َ
﴿ ،إِن كُنتُ ْم ّم ْؤمِنِيَ ﴾ بزعمكم ،وقد فعلتم هذه الفاعيل القبيحة ،
من نقضكم الواثيق ،وكفركم بآيات ال ،وقتلكم النبياء ،وعبادتكم
الع جل .و ف الد يث عن ال نب « :ح بك الش يء يع مي وي صمّ » .
رواه أحد .
ت لَ ُكمُ الدّارُ ا َلخِ َرةُ عِن َد ال ّلهِ خَالِصَةً
قوله عز وجل ُ ﴿ :ق ْل إِن كَانَ ْ
مّن دُو ِن النّا سِ فََتمَّنوُْا الْ َموْ تَ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ (َ )94ولَن يَتَمَّنوْ هُ أَبَدا
ص النّاسِ
ج َدّنهُمْ َأ ْحرَ َ
ت َأيْدِيهِ ْم وَاللّهُ عَلِي ٌم بِالظّالِميَ ( )95وَلَتَ ِ
بِمَا َق ّدمَ ْ
عَلَى حَيَا ٍة َومِ نَ اّلذِي نَ أَ ْشرَكُوْا َيوَ ّد َأحَ ُدهُ ْم لَ ْو ُيعَ ّمرُ أَلْ فَ سََنةٍ وَمَا هُوَ
ي بِمَا َيعْمَلُونَ (. ﴾ )96
بِ ُمزَ ْح ِزحِ ِه ِمنَ اْل َعذَابِ أَن ُيعَ ّم َر وَال ّلهُ بَصِ ٌ
ُمـ يقول تعال ﴿ :قُلْ ﴾ يـا ممـد لؤلء اليهود ﴿ :إِن كَان ْ
َتـ َلك ُ
ِصـةً ﴾ ،أي :خاصـة ّهـ خَال َ
الدّارُ الَ ِخ َرةُ ﴾ يعنـ :النـة ﴿ ،عِندَ الل ِ
﴿ مّن دُونِ النّاسِ َفتَ َمّنوُْا الْ َموْتَ إِن كُنتُمْ صَادِِقيَ ﴾ ف قولكم .قال
ا بن عباس :لو تنوا الوت ل غص كل إن سان من هم بري قه ﴿ وَلَن َيتَ َمنّوْ هُ
الزء الول 124
َأبَدا بِمَا قَ ّدمَ تْ َأيْدِيهِ مْ ﴾ ،أي :من العمال ال سيئة ﴿ .وَاللّ ُه عَلِي ٌم
بِالظّالِميَ ﴾ وهذا ك ما د عا ر سول ال و فد نران من الن صارى إل
الباهلة ،فقال علماؤهـم :وال لئن باهلتـم هذا النـب ل يبقـى منكـم
عيـ تطرف ,فعنـد ذلك جنحوا للسـلم ،وبذلوا الزيـة عـن يـد وهـم
صاغرون .
وقوله تعال ﴿ :وََلتَجِ َدّنهُ مْ أَ ْحرَ صَ النّا ِ
س عَلَى َحيَاةٍ َومِ َن الّذِي نَ َأشْرَكُواْ
﴾ ،أي :وأحرص من الذين أشركوا َ ﴿ ،يوَدّ أَحَ ُدهُمْ َل ْو ُيعَمّرُ أَلْفَ َسَن ٍة
﴾ ،قال السـن البصـري :النافـق أحرص الناس ،وأحرص مـن الشرك
َابـ أَن ُيعَمّرَ ﴾ ،قال ابـن ِنـ الْعَذ ِِهـ م َ
على حياة ﴿ .وَم َا ُه َو بِمُ َزحْزِح ِ
عباس :أي :ومـا هـو بنجيـه مـن العذاب ،وذلك أن الشرك ل يرجوا
بعثًا بعد الوت ،فهو يب طول الياة ،وأن اليهودي قد عرف ما له ف
الخرة من الزي .وقال ابن زيد :يهود أحرص على الياة من هؤلء ،
وقـد و ّد هؤلء لو يعمـر أحدهـم ألف سـنة ،وليـس ذلك بزحزحـه مـن
العذاب لو عُمّر كما عُمّر إبليس ل ينفعه إذ كان كافرًا .
قوله تعال ﴿ :وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِمَا َيعْمَلُو نَ ﴾ ،أي :و سيجازي كل
عامل بعمله ،وقد قال تعال ﴿ :أَفَ َرَأيْ تَ إِن ّمّتعْنَاهُ مْ ِسنِيَ * ثُمّ جَاءهُم
مّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا َأغْنَى َعْنهُم مّا كَانُوا يُ َمّتعُونَ ﴾ .وبال التوفيق .
***
125 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صدّقا
﴿ ُق ْل مَن كَانَ َع ُدوّا لّجِ ْبرِيلَ َفِإنّهُ َن ّزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِِإذْ ِن اللّ ِه مُ َ
ّهـ
َانـ َع ُدوّا لّل ِ
ْهـ َو ُهدًى َوُبشْرَى لِلْ ُم ْؤمِنِي َ ( )97م َن ك َ
ْنـ َي َدي ِ
لّم َا بَي َ
وَمَلئِكَتِ ِه وَرُ سُ ِل ِه وَجِ ْبرِي َل َومِيكَالَ َفإِنّ اللّ هَ َع ُد ّو لّلْكَا ِفرِي نَ (َ )98وَلقَدْ
ت وَمَا يَ ْك ُفرُ بِهَا إِل الْفَا ِسقُونَ ( )99أَوَكُلّمَا
ت بَيّنَا ٍ
أَن َزلْنَا ِإلَيْ كَ آيَا ٍ
ُونـ (َ )100ولَمّاـ
ُمـ لَ يُ ْؤمِن َ
ِيقـ مّنْهُم َب ْل أَكَْث ُره ْ
َهـ َفر ٌ
عَاهَدُواْ َعهْدا نَّبذ ُ
ق لّمَا َم َعهُ ْم نََبذَ َفرِي قٌ مّ َن الّذِي نَ أُوتُواْ
صدّ ٌ
جَاءهُ مْ رَ سُولٌ مّ نْ عِن ِد اللّ هِ مُ َ
الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ُظهُورِهِمْ َكَأنّهُ ْم لَ َيعْلَمُونَ ( )101وَاتَّبعُوْا مَا
تَتْلُوْا الشّيَا ِطيُ عَلَى مُلْ كِ سُلَيْمَا َن َومَا َك َفرَ سُلَيْمَا ُن وَلَـ ِكنّ الشّيْاطِيَ
ح َر وَمَا أُن ِزلَ عَلَى الْمَ َلكَيْنِـبِبَاِبلَ هَارُوتَـ
َك َفرُوْا يُعَلّمُونَـ النّاسَـ السّـ ْ
ل َت ْك ُفرْ
ْنـ فِتَْنةٌ فَ َ
ِنـ َأحَ ٍد حَتّىـ َيقُولَ ِإنّمَا نَح ُ
َانـ م ْ
ُوتـ وَمَا ُيعَلّم ِ
وَمَار َ
فَيََتعَلّمُو َن مِ ْنهُمَا مَا ُي َفرّقُو َن بِهِ بَيْنَ الْ َمرْ ِء وَ َزوْجِهِ َومَا هُم بِضَآرّينَ بِ ِه مِنْ
ض ّرهُ مْ َولَ يَن َف ُعهُ ْم وََل َقدْ عَلِمُواْ لَمَ نِ
أَ َح ٍد إِل ِبإِذْ ِن اللّ هِ َويََتعَلّمُو َن مَا يَ ُ
س ُهمْ َلوْ كَانُواْ
س مَا َشرَ ْواْ بِهِ أَنفُ َ
ق َولَبِئْ َ
اشَْترَا ُه مَا لَ ُه فِي الخِ َر ِة مِ ْن خَلَ ٍ
ـ عِن ِد اللّه خَ ْي ٌر لّوْ
ـ آمَنُوْا واّت َقوْا لَمَثُوبَ ٌة مّن ْ
ـ (َ )102وَلوْ َأّنهُم ْ
َيعْلَمُون َ
كَانُواْ يَعْلَمُونَ (. ﴾ )103
***
الزء الول 126
قوله عز وجل ُ ﴿ :ق ْل مَن كَا نَ َع ُدوّا لّجِ ْبرِيلَ َفِإنّ هُ نَ ّزلَ هُ عَلَى قَلْبِ كَ
صدّقا لّمَا بَيْنَ َي َديْهِ َو ُهدًى َوُبشْرَى لِلْ ُم ْؤمِنِيَ ( )97مَن كَانَ
ِبإِذْ ِن اللّهِ مُ َ
َع ُدوّا لّلّ هِ وَمَلئِكَتِ هِ وَرُ سُ ِلهِ َوجِ ْبرِي َل َومِيكَا َل َفإِنّ اللّ هَ َع ُدوّ لّ ْلكَافِرِي نَ (
)98وََل َقدْ أَن َزلْنَا ِإلَيْ كَ آيَا تٍ بَيّنَا تٍ َومَا َي ْكفُ ُر ِبهَا إِل اْلفَا ِسقُونَ ()99
أَوَكُلّمَا عَا َهدُواْ َعهْدا نَّبذَ ُه َفرِي ٌق مّنْهُم َبلْ أَكَْثرُهُ مْ لَ ُي ْؤمِنُو نَ ()100
صدّقٌ لّمَا َم َعهُ مْ نََب َذ َفرِي ٌق مّ نَ اّلذِي نَ
وَلَمّا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ نْ عِندِ اللّ ِه مُ َ
أُوتُوْا الْكِتَا بَ كِتَا بَ اللّ هِ وَرَاء ُظهُو ِرهِ مْ َكَأّنهُ مْ َل َيعْلَمُو نَ ()101
﴾.
قال ا بن عباس ( :حضرت ع صابة من اليهود ر سول ال فقالوا :
يا أ با القا سم حدث نا عن خلل ن سألك عن هن ل يعلم هن إل نب ؟ فقال
أخذ رسول ال « :سلوا ما شئتم ،ولكن اجعلوا ل ذمة ،وما
يعقوب على بنيـه ،لئن أنـا حدثتكـم عـن شيـء فعرفتموه لتتابعننـ على
السلم » ؟ فقالوا :لك ذلك .فقال رسول ال « :سلوا عما شئتم
» .قالوا :أخبنا عن أربع خلل نسألك عنهن :أخبنا أ يّ الطعام حرم
إ سرائيل على نف سه من ق بل أن تنل التوراة ؟ وأخبنا ك يف ماء الرأة ،
وماء الرجـل .وكيـف يكون الذكـر منـه والنثـى ؟؟ وأخبنـا بذا النـب
المي ف التوراة ومن وليه من اللئكة ؟ فقال النب « :عهد ال لئن
أنبأت كم لتتابعن ن » ؟ فأعطوه ما شاء من ع هد وميثاق .فقال « :
نشدت كم بالذي أنزل التوراة على مو سى هل تعلمون أن إ سرائيل يعقوب
مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه ،فنذر ل نذرًا لئن عافاه ال من مر ضه
127 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّمنـ أحـب الطعام والشراب إليـه ،فكان أحـب الطعام إليـه لوم ليحر ّ
البل ،وأحب الشراب إليه ألبانا » ؟ فقالوا :اللهم نعم !! فقال رسول
ال « :الل هم اش هد علي هم ،وأنشد كم بال الذي ل إله إل هو الذي
أنزل التوراة على مو سى ،هل تعلمون أن ماء الر جل غل يظ أب يض ،وأن
ماء الرأة رقيـق أصـفر ،فأيّهمـا عل كان له الولد والشبـه بإذن ال عـز
وجـل ؟ وإذا عل ماء الرجـل ماء الرأة كان الولد ذكرًا بإذن ال ؟ وإذا
عل ماء الرأة ماء الرجـل كان الولد أنثـى بإذن ال عـز وجـل » ؟ قالوا :
اللهـم نعـم !! قال « :اللهـم اشهـد .وأنشدكـم بال الذي أنزل التوراة
على موسى ،هل تعلمون أن هذا النب الم يّ تنام عيناه ول ينام قلبه » ؟
قالوا :اللهم نعم !! قال « :اللهم اشهد » .قالوا :أنت الن ،فحدثنا
من وليك من اللئكة ؟ فعندها نامعك أو نفارقك ؟؟ قال « :فإن ول
جبيل ،ول يبعث ال نبيًا قط إل وهو وليه » .قالوا :فعندها نفارقك ،
ولو كان وليك سواه من اللئكة تابعناك وصدّقناك .قال « :فما ينعكم
أن تصدقوه » ؟ قالو :إنه عدونا .فأنزل ال عز وجل ﴿ :قُ ْل مَن كَا نَ
ك بِإِذْ نِ اللّ ِه مُ صَدّقا لّمَا َبيْ َن يَ َديْ هِ ﴾ إل
جبْرِيلَ فَِإنّ ُه نَزّلَ ُه عَلَى قَ ْلبِ َ
عَ ُدوّا لّ ِ
قوله ّ ﴿ :لوْ كَانُوْا َيعْلَمُو نَ ﴾ فعندها باءوا بغضب على غضب ) .رواه
ابن جرير .
زاد ا بن إ سحاق ( :قالوا :فأخب نا عن الروح ؟ قال « :فأنشد كم
بال وبأيامـه عنـد بنـ إسـرائيل ،هـل تعلمون أنـه جبيـل ،وهـو الذي
يأتين » ؟ قالوا :اللهم نعم ،ولكنه عدو لنا ،وهو ملك إنا يأت بالشدة
الزء الول 128
وسـفك الدماء ،فلول ذلك اتبعناك .فأنزل ال تعال فيهـم ُ ﴿ :ق ْل مَن
جْبرِيلَ ﴾ إل قوله َ ﴿ :ل َيعْلَمُونَ ﴾ .
كَانَ عَ ُدوّا لّ ِ
َاتـ وَمَا َيكْفُ ُر بِهَا إِل
َاتـ َبيّن ٍ وقوله تعال ﴿ :وََلقَدْ أَنزَلْنَا إَِلي َ
ْكـ آي ٍ
الْفَا ِسقُونَ * َأوَكُلّمَا عَاهَدُوْا َعهْدا ّنبَذَ هُ فَرِي ٌق ّمْنهُم بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ مْ َل ُيؤْ ِمنُو َن
﴾ .يقول تعال :ولقد أنزلنا إليك يا ممد آيات بينات واضحات ،وما
يكفر با إل الفاسقون الارجون عن أمر ال َ ﴿ ،أوَكُلّمَا عَاهَدُواْ َعهْدا
ّنبَذَهُ َفرِيقٌ مّْنهُم ﴾ .
قال البغوي :أو كلمـا واو العطـف دخلت عليهـا ألف السـتفهام .
وقال ابن عباس :قال ابن صوريا لرسول ال :يا ممد ما جئتنا بشيء
نعرفه ،وما أنزل ال عليك من آية بينة فنتبعك ،فأنزل ال ف ذلك من
ت َومَا َي ْكفُ ُر ِبهَا إِل الْفَا سِقُونَ ﴾ ،
ك آيَا تٍ َبّينَا ٍ
قوله ﴿ :وََلقَدْ أَنزَْلنَا إَِليْ َ
وقال أيضًا ( :قال مالك بن الصيف حي بعث رسول ال وذكر لم
ما أخذ ال عليهم من اليثاق ،وما عهد إليهم ف ممد :وال ما عهد
إلينـا فـ ممـد ،ومـا أخـذ علينًا ميثاقًا .فأنزل ال تعال َ ﴿ :أوَكُلّمَا
عَاهَدُوْا َعهْدا نّبَ َذهُ فَرِي ٌق ّمْنهُم ﴾ .
وقال ال سن الب صري ف قوله ﴿ :بَلْ أَكْثَ ُرهُ مْ َل ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ قال :
ن عم ل يس ف الرض ع هد يعاهدون عل يه إل نقضوه ،ونبذوه .يعاهدون
اليوم وينقضون غدًا .وقال السدي :ل يؤمنون با جاء به ممد .
وقوله تعال ﴿ :وَلَمّا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ ْن عِندِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ لّمَا َم َعهُ ْم َنبَذَ
فَرِي ٌق مّ َن الّذِي نَ أُوتُواْ اْل ِكتَا بَ ِكتَا بَ اللّ ِه َورَاء ُظهُو ِرهِ مْ َكَأّنهُ مْ َل َيعْلَمُو َن
﴾ يقول تعال ﴿ :وَلَمّ ا جَاءهُ مْ رَ سُو ٌل مّ ْن عِندِ اللّ هِ ﴾ ،يع ن :ممدًا
129 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعلما ما وقعا فيه من الطيئة أراد أن يصعدا إل السماء ،فلم يستطيعا ،
وحيل بينهم وبي ذلك ،وكشف الغطاء فيما بينهما وبي أهل السماء ،
فنظرت اللئ كة إل ما وق عا ف يه ،فعجبوا كل الع جب ،وعرفوا أ نه من
كان فـ غيـب فهـو أقـل خشيـة ،فجعلوا بعـد ذلك يسـتغفرون لنـ فـ
سبّحُو َن بِحَمْدِ َرّبهِ ْم َويَ سَْت ْغفِرُونَ
الرض ،فنل ف ذلك ﴿ :وَالْمَلَاِئ َكةُ يُ َ
لِمَن فِي اْلأَرْ ضِ ﴾ ،فقيل لما :اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الخرة ،
ـ فإنـه ينقطـع ويذهـب ،وأمـا عذاب الخرة فل ـ عذاب الدني ا
فقال :أم ا
انقطاع له .فاختارا عذاب الدنيا فجعل ببابل فهما يعذبان ) .
قال ابن كثي :فهذا أقرب ما روي ف شأن الزهرة .وال أعلم .
وقوله تعال ﴿ :وَمَا ُيعَلّمَا نِ مِ نْ أَحَدٍ َحتّ ى َيقُولَ إِنّمَا نَحْ نُ ِفْتَنةٌ َفلَ
تَ ْكفُرْ ﴾ قال ابن عباس :فإذا أتاها الت يريد السحر نياه أشد النهي ،
وقال له :إنا نن فتنة فل تكفر ،وذلك أنما علما الي والشر ،والكفر
واليان ،فعر فا أن ال سحر من الك فر .قال :فإذا أ ب عليه ما أمراه أن
يأت مكان كذا وكذا ،فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه فإذا تعلمه خرج منه
النور .
وقوله تعال َ ﴿ :فيََتعَلّمُو نَ ِمْنهُمَا مَا ُيفَرّقُو َن بِ ِه َبيْ َن الْ َمرْ ِء وَ َزوْجِ ِه َومَا
هُم ِبضَآرّي َن بِ ِه مِ نْ أَ َحدٍ إِل بِِإذْ نِ اللّ هِ ﴾ .قال سفيان الثوري :معناه إل
بقضائه وقدرته ومشيئته .وقال السن :من شاء ال سلطهم عليه ،ومن
ل يشأ ال ل يسلط .
وقوله تعال َ ﴿ :ويََتعَلّمُو نَ مَا يَضُ ّرهُ ْم وَ َل يَن َف ُعهُ مْ ﴾ ،أي :يضرهم
ف دينهم ،وليس له نفع يوزاي ضرره .
133 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِنـ
َهـ ف ِي الخِ َر ِة م ْ
َاهـ م َا ل ُ وقوله تعال ﴿ :وََلقَ ْد عَلِمُواْ لَم ِ
َنـ ا ْشتَر ُ
َخلَ قٍ ﴾ .قال ا بن عباس :من ن صيب .وقال قتادة :ول قد علم أ هل
الكتاب فيما عهد ال إليهم :أن الساحر ل خلق له ف الخرة .
وقوله تعال ﴿ :وََلِبئْ سَ مَا شَ َر ْوْا بِ هِ أَنفُ َ
سهُمْ َلوْ كَانُوْا َيعْلَمُو نَ * وََلوْ
َأنّهُ مْ آ َمنُواْ واّتقَوْا لَ َمثُوَب ٌة مّ ْن عِندِ اللّه َخيْرٌ ّلوْ كَانُواْ َيعْلَمُو نَ ﴾ ،قال ا بن
كثي :يقول تعال :ولبئس البديل ما استبدلوا به من السحر عوضًا عن
اليان ومتابعة الرسول ،لو كان لم علم با وعظوا به ﴿ وََلوْ َأنّهُ مْ آ َمنُواْ
ـ عِندِ اللّه َخيْرٌ ﴾ ،أي :ولو أنمـ آمنوا بال ورسـله واّت َقوْا لَ َمثُوَبةٌ مّن ْ
واتقوا الحارم لكانت مثوبة ال على ذلك خيًا لم ما اختاروا لنفسهم ،
ورضوا به ،كما قال تعال ﴿ :وَقَا َل الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم َويَْلكُ ْم َثوَا بُ اللّ هِ
َنـ َوعَمِلَ صـَالِحا وَلَا يَُلقّاه َا إِلّا الصـّابِرُونَ ﴾ ،وروي أن َنـ آم َ َخيْرٌ لّم ْ
الول يد بن عق بة كان عنده ساحر يل عب ب ي يد يه ،فكان يضرب رأس
الرجل ث يصيح به فيد إليه رأسه ،فقال الناس سبحان ال يي الوتى .
ل على سيفه ورآه رجل من صالي الهاجرين ،فلما كان الغد جاء مشتم ً
وذ هب يل عب لع به ذلك ،فاخترط الر جل سيفه فضرب ع نق ال ساحر ،
ـ
فقال :إن كان صـادقًا فليحيـي نفسـه ،وتل قوله تعال ﴿ :أََفتَ ْأتُون َ
ح َر َوأَنتُ ْم تُبْصِرُونَ ﴾ ،فغضب الوليد إذ ل يستأذنه ف ذلك ،فسجنه السّ ْ
ث أطل قه .وروى البزار عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال ( :من أ تى
كاهنًا أو ساحرًا فصدق با يقول فقد كفر با أنزل على ممد ) .
الزء الول 134
َاسـَمعُوا ْ
ِينـ آمَنُوْا لَ َتقُولُواْ رَاعِنَا َوقُولُواْ ان ُظرْنَا و ْ
﴿ يَا َأيّهَا الّذ َ
وَلِلكَا ِفرِي نَ َعذَا بٌ َألِي مٌ ( )104مّ ا َي َودّ اّلذِي نَ َك َفرُواْ مِ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ
ص ِبرَحْمَتِهِ
شرِكِيَ أَن يَُن ّزلَ عَلَ ْيكُم مّ ْن خَيْ ٍر مّن ّرّبكُ ْم وَاللّ ُه يَخْتَ ّ
وَ َل الْ ُم ْ
سهَا
خ مِ نْ آَي ٍة َأوْ نُن ِ
مَن َيشَا ُء وَاللّ ُه ذُو اْلفَضْ ِل الْعَظِي مِ ( )105مَا نَن سَ ْ
َنأْ تِ بِخَ ْي ٍر مّ ْنهَا َأوْ مِثْ ِلهَا َألَ ْم تَعْلَ مْ أَنّ اللّ هَ عَ َلىَ ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ ()106
ض َومَا َلكُم مّن دُو ِن ال ّلهِ مِن
ت وَالَرْ ِ
ك السّمَاوَا ِ
َألَ ْم َتعْلَ ْم أَ ّن اللّ َه َلهُ مُ ْل ُ
سَألُواْ رَسُولَ ُكمْ كَمَا سُِئلَ مُوسَى
وَِليّ وَ َل نَصِيٍ ( )107أَ ْم ُترِيدُونَ أَن تَ ْ
ضلّ سَوَاء ال سّبِيلِ (َ )108ودّ
مِن قَ ْبلُ وَمَن يَتََبدّ ِل الْ ُك ْفرَ بِالِيَا ِن َفقَدْ َ
ب َلوْ َي ُردّونَكُم مّ ن بَ ْع ِد إِيَاِنكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مّ نْ
ي مّ ْن َأهْ ِل الْكِتَا ِ
كَثِ ٌ
صفَحُوْا حَتّى يَ ْأتِيَ اللّهُ
حقّ فَا ْعفُواْ وَا ْ
عِن ِد أَنفُسِهِم مّن َبعْ ِد مَا تَبَيّ َن َلهُمُ الْ َ
ل َة وَآتُواْ
ـَـ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ ( )109وََأقِيمُواْ الص ّ
ـ إِنّـ اللّه َ
ِبأَ ْمرِه ِ
جدُوهُـ عِن َد اللّهِـ إِنّ اللّهَـ بِمَا
الزّكَا َة وَمَا تُ َق ّدمُوْا لَنفُسِـكُم مّن ْـ خَ ْيرٍ َت ِ
َانـ هُودا َأوْ
َصـيٌ (َ )110وقَالُواْ لَن َيدْ ُخلَ الْجَّن َة إِل م َن ك َ
ُونـ ب ِ
َتعْمَل َ
ك أَمَانِّيهُ مْ ُق ْل هَاتُواْ ُب ْرهَاَنكُ مْ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ ( )111بَلَى
نَ صَارَى تِلْ َ
سنٌ فَلَ هُ َأ ْجرُ هُ عِندَ َربّ هِ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ مْ
مَ ْن أَ سْ َلمَ َو ْجهَ هُ لِلّ هِ َو ُهوَ مُحْ ِ
ت النّصـَارَى عَ َلىَ شَيْءٍ
ْسـ ِ
َتـ الْيَهُودُ لَي َ
ُونـ (َ )112وقَال ِ
ح َزن َ
ُمـ يَ ْ
وَ َل ه ْ
ت الَْيهُودُ عَلَى شَيْ ٍء َوهُ ْم يَتْلُو نَ اْلكِتَا بَ َك َذلِ كَ
ت النّ صَارَى لَيْ سَ ِ
َوقَالَ ِ
حكُ ُم بَيَْنهُ ْم َيوْ َم الْقِيَامَ ِة فِيمَا
قَا َل الّذِي نَ َل َيعْلَمُو نَ مِ ْث َل َقوِْلهِ مْ فَاللّ هُ يَ ْ
كَانُواْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ (. ﴾ )113
135 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صفَحُواْ حَتّ ى َيأْتِ َي اللّ ُه بَِأ ْمرِ ِه إِنّ اللّ هَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ ()109
وَا ْ
جدُوهُ عِندَ
ل َة وَآتُوْا الزّكَا َة وَمَا ُت َقدّمُواْ لَنفُسِكُم مّ ْن خَيْ ٍر تَ ِ
وََأقِيمُواْ الصّ َ
اللّ ِه إِ ّن اللّ َه بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (. ﴾ )110
يقول تعال ﴿ :وَدّ َكثِيٌ مّ نْ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ َل ْو يَ ُردّونَكُم ﴾ يا مع شر
ـ ُكفّارا حَسـَدا ﴾ ،أي :يسـدونكم الؤمنيـ ﴿ ،مّنـ َبعْدِ إِيَاِنكُم ْ
سهِم ﴾ ،أي :من تلقاء أنف سهم ﴿ ،مّ ن َبعْدِ ح سدًا ﴿ ،مّ ْن عِندِ أَنفُ ِ
مَا َتَبيّ نَ َلهُ ُم الْحَقّ ﴾ ف التوراة ،أن قول م مد صدق ،ودي نه حق ،
صفَحُواْ ﴾ ،اتركوا وتازوا َ ﴿ ،حتّى يَ ْأتِ يَ اللّ ُه ِبَأمْرِ هِ ﴾ ﴿ فَا ْعفُواْ وَا ْ
،بعذابه ،أي :القتل والسب لبن قريظة ،واللء والنفي لبن النضي .
قال ابـن عباس ﴿ :إِنّ اللّهَـ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ،فإن شاء هدا هم ،
وإن شاء انتقم منهم .
ُسـكُم وقوله تعال َ ﴿ :وأَقِيمُواْ ّ
الصـلَ َة وَآتُواْ الزّكَاةَ وَمَا ُتقَ ّدمُواْ لَنف ِ
مّ نْ َخيْ ٍر َتجِدُو هُ عِندَ اللّ هِ إِنّ اللّ َه بِمَا تَعْ َملُو نَ بَ صِيٌ ﴾ ي ث تعال عباده
الؤمن ي على إقام ال صلة وإيتاء الزكاة ،ويرغب هم ف العمال ال صالة ،
ويبـهم أناـ مدخرة لمـ عنـد ربمـ ،كمـا قال تعال ﴿ :وَمَا ُتقَ ّدمُوا
جدُوهُ عِندَ اللّ ِه ُهوَ َخيْرا َوَأعْظَمَ أَجْرا ﴾ وقال تعال : سكُم مّنْ َخيْ ٍر تَ ِ ِلأَنفُ ِ
﴿ فَمَن َيعْمَ ْل ِمثْقَالَ ذَ ّرةٍ َخيْرا يَ َرهُ ﴾ .
َانـ هُودا َأوْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالُواْ لَن يَ ْد ُخلَ الْجَّن َة إِل م َن ك َ
ك أَمَانِّيهُ مْ ُق ْل هَاتُواْ ُب ْرهَاَنكُ مْ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ ( )111بَلَى
نَ صَارَى تِلْ َ
139 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سنٌ فَلَ هُ َأ ْجرُ هُ عِندَ َربّ هِ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ مْ
مَ ْن أَ سْ َلمَ َو ْجهَ هُ لِلّ هِ َو ُهوَ مُحْ ِ
ح َزنُونَ (. ﴾ )112
وَ َل ُهمْ يَ ْ
يقول تعال ﴿ :وَقَالُواْ ﴾ ،أي :أ هل الكتاب من اليهود والن صارى
جّنةَ إِل مَن كَا َن هُودا َأوْ نَ صَارَى ﴾ ادعت كل طائفة أنه
﴿ لَن يَ ْدخُ َل الْ َ
ُمـ ﴾ قال أبـو
ْكـَأمَاِنّيه ْ
لن يدخـل النـة إل مـن كان على ملتهـا ﴿ ،تِل َ
العاليـة :أمانـ تنوهـا على ال بغيـ حـق ،وهذا القام كقوله تعال ﴿ :
ب مَن َيعْمَلْ سُوءا يُجْ َز بِ هِ ﴾ .وقوله
ّليْ سَ ِبَأمَانِّيكُ ْم وَل َأمَاِنيّ َأهْ ِل اْلكِتَا ِ
﴿ :وَقَالَ ِ
ت الَْيهُو ُد وَالنّ صَارَى نَحْ نُ َأبْنَاء اللّ هِ َوأَ ِحبّاؤُ هُ قُلْ فَلِ َم ُيعَ ّذبُكُم
ب مَن يَشَا ُء وَلِلّ هِ
ش ٌر مّمّ نْ َخلَ َق َي ْغفِرُ لِمَن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ
بِ ُذنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَ َ
ض َومَا َبْيَنهُمَا َوإِلَيْ ِه الْ َمصِيُ ﴾ .
مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ
قال تعال :قل يا ممد ﴿ :هَاتُواْ بُ ْرهَاَنكُمْ ﴾ :حجتكم ﴿ إِن كُنتُمْ
صَادِقِيَ ﴾ فيما تدعون ،ث قال ردًا عليهم ﴿ :بَلَى مَ نْ أَ سْلَ َم وَ ْجهَ هُ ﴾
أي :ليس كما قالوا ،بل الكم للسلم ،وإنا يدخل النة من أسلم
وج هه ل ،أي :أخلص دي نه ل َ ﴿ ،وهُ َو مُحْ سِنٌ ﴾ ف عمله ﴿ ،فَلَ هُ
ح َزنُونَ ﴾ قال سعيد بن جبي : ف عََلْيهِ ْم وَلَ هُ ْم يَ ْ
أَجْرُهُ عِندَ َربّ ِه وَلَ َخوْ ٌ
فل خوف عليهم ،يعن :ف الخرة ،ول هم يزنون ،يعن :ل يزنون
للموت .
ت النّصـَارَى َع َلىَ َشيْءٍ
ْسـ ِ
َتـ الَْيهُو ُد لَي َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَال ِ
ت الَْيهُودُ عَلَى شَيْ ٍء َوهُ ْم يَتْلُو نَ اْلكِتَا بَ َك َذلِ كَ
ت النّ صَارَى لَيْ سَ ِ
َوقَالَ ِ
الزء الول 140
***
الزء الول 142
﴿ َومَ نْ أَظْلَ مُ مِمّن مّنَ عَ مَ سَاجِ َد اللّ هِ أَن ُيذْ َكرَ فِيهَا ا سْ ُم ُه وَ سَعَى فِي
خَرَابِهَا ُأوْلَ ـِئكَ مَا كَا َن َلهُ مْ أَن َيدْخُلُوهَا إِل خَآِئفِيَ لُ ْم فِي الدّنْيَا
ق وَالْ َم ْغرِ بُ
شرِ ُ
ي َولَهُ ْم فِي ال ِخ َرةِ َعذَا بٌ عَظِي مٌ (َ )114ولِلّ هِ الْ َم ْ
خِزْ ٌ
خذَ اللّ هُ
َفأَيْنَمَا ُتوَلّواْ فََثمّ وَجْ هُ اللّ ِه إِنّ اللّ َه وَا سِعٌ َعلِي مٌ (َ )115وقَالُوْا اتّ َ
وَلَدا سُبْحَاَنهُ بَل لّ هُ مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ ُكلّ لّ ُه قَانِتُو نَ ()116
ض َوِإذَا قَضَى أَمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ لَ هُ كُن فَيَكُو نُ (
َبدِي ُع ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ِ
َ )117وقَالَ اّلذِي نَ َل َيعْلَمُو َن َلوْ َل يُكَلّمُنَا اللّ هُ َأ ْو َتأْتِينَا آَيةٌ َك َذلِ كَ قَالَ
الّذِينَـ مِن قَبْلِهِم مّ ْث َل َقوِْلهِم ْـَتشَابَهَت ْـ قُلُوبُهُم ْـ َقدْ بَيّنّاـ اليَاتِـِلقَوْمٍـ
َنـ
ُسـأَلُ ع ْ
ْسـلْنَا َك بِالْحَق ّ َبشِيا وََنذِيرا وَ َل ت ْ
ُونـ (ِ )118إنّاـ أَر َ
يُوقِن َ
جحِي مِ ( )119وَلَن َترْضَى عَن كَ الَْيهُو ُد وَ َل النّ صَارَى حَتّى
أَ صْحَابِ الْ َ
ت َأهْوَاءهُم َب ْعدَ اّلذِي
تَتّبِ َع مِلَّتهُمْ ُق ْل إِنّ ُهدَى اللّهِ ُهوَ اْل ُهدَى َولَئِنِ اتَّبعْ َ
جَاء َك مِ نَ اْلعِلْ مِ مَا لَ كَ مِ نَ اللّ ِه مِن َولِيّ َولَ نَ صِيٍ ( )120اّلذِي نَ
ك ُيؤْمِنُو َن بِ هِ وَ من َي ْكفُ ْر بِ هِ
ل َوتِ هِ ُأ ْولَ ـئِ َ
آتَيْنَاهُ ُم الْكِتَا بَ يَتْلُونَ ُه حَقّ تِ َ
ك هُ مُ الْخَا ِسرُونَ ( )121يَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ اذْ ُكرُوْا ِنعْمَتِ يَ الّتِي
َفأُ ْولَـِئ َ
ُمـ عَلَى الْعَالَمِيَ ( )122وَاّتقُوْا يَوْما ل
ُمـ َوَأنّيـ فَضّلُْتك ْ
ْتـ عَلَ ْيك ْ
َأنْعَم ُ
جزِي نَفْ سٌ عَن ّنفْ سٍ شَيْئا وَ َل ُيقَْبلُ مِنْهَا َع ْدلٌ وَ َل تَنفَعُهَا شَفَا َع ٌة وَلَ
تَ ْ
صرُونَ (. ﴾ )123
هُ ْم يُن َ
***
143 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل َ ﴿ :ومَ نْ أَظْلَ ُم مِمّن مّنَ َع مَ سَا ِجدَ اللّ ِه أَن ُيذْكَ َر فِيهَا
ا سْ ُم ُه وَ سَعَى فِي خَرَابِهَا أُ ْولَـِئكَ مَا كَا َن َلهُ ْم أَن َيدْخُلُوهَا إِل خَآِئفِيَ
ُلمْ فِي ال ّدنْيَا ِخزْيٌ َوَلهُ ْم فِي الخِ َرةِ َعذَابٌ َعظِيمٌ (. ﴾ )114
قال قتادة :أولئك أعداء ال الن صارى ،حل هم ب غض اليهود على أن
أعانوا بتنصر البابلي الجوسي على تريب بيت القدس .وقال ابن زيد :
هؤلء الشركون الذ ين حالوا ب ي ر سول ال وأ صحابه يوم الديب ية ،
وبي أن يدخلوا مكة حت نر هديه بذي طوى وهادنم ،وقال لم :ما
كان أحد يصد عن هذا البيت ،وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه
فل يصده ،فقالوا :ل يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق .
و ف قوله ﴿ :وَ َسعَى فِي َخرَابِهَا ﴾ .قال :إذ قطعوا من يعمد ها
بذكره ،ويأتيها للحج والعمرة .والية عامة ف كل من سعى ف خراب
الساجد بنع العبادة فيها ،أو بدمها .
ُمـ أَن يَدْخُلُوهَا إِل خَآِئفِيَ وقوله تعال ُ ﴿ :أوْلَــئِكَ مَا ك َ
َانـ َله ْ
﴾ خب معناه الطلب ،أي :ل تكنوا هؤلء إذا قدرت عليهم من دخولا
إل تت الدنة ،أو الزية ﴿ لُ مْ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ يٌ ﴾ ،قال :قتادة هي :
ب عَظِيمٌ ﴾ وهو :
القتل للحرب والزية للذمي ﴿ .وََلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ عَذَا ٌ
النار .وف الدعاء الأثور عن النب « :اللهم أحسن عاقبتنا ف المور
كلها ،وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الخرة » .رواه أحد .
ب َفأَيْنَمَا تُ َولّوْا فََثمّ َوجْ هُ
ق وَالْ َمغْرِ ُ
شرِ ُ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولِلّ ِه الْ َم ْ
اللّ ِه إِ ّن اللّ َه وَاسِعٌ عَلِيمٌ (. ﴾ )115
الزء الول 144
قال ابن عباس :أول ما نسخ من القرآن -فيما ذكر لنا ،وال أعلم
ق وَالْ َم ْغرِ بُ َفَأْينَمَا ُتوَلّوا
، -شأن القبلة .قال ال تعال ﴿ :وَلِلّ ِه الْمَشْرِ ُ
َفثَمّ وَجْ هُ ﴾ فاستقبل رسول ال فصلى نو بيت القدس ،وترك البيت
العتيق ،ث صرفه إل بيته العتيق ونسخها .فقال َ ﴿ :ومِنْ َحيْثُ َخرَجْتَ
ُمـ
ُمـ َفوَلّوا وُجُوهَك ْ َامـ وَ َحْيثُم َا ُكْنت ْحر ِ َسـجِ ِد الْ َ
َكـ شَ ْط َر الْم ْ
َفوَ ّل وَ ْجه َ
شَطْرَ هُ ﴾ ،وعن ابن عمر ( :أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته
ويذكر أن رسول كان يفعل ذلك ) ويتأول هذه الية َ ﴿ :فَأيْنَمَا ُتوَلّوا
َفثَمّ وَجْ هُ اللّ هِ ﴾ .رواه مسلم وغيه ،وهذا ف التطوع .وعن ابن عباس
قال ( :خرج نفـر مـن أصـحاب رسـول ال قبـل تويـل القبلة إل
الكعبة ،فأصابم الضباب وحضرت الصلة ،فتحروا القبلة وصلّوا ،فلما
ذ هب الضباب ا ستبان ل م أن م ل ي صيبوا ،فل ما قدموا سألوا ر سول ال
عن ذلك ،فنلت هذه الية .
وقوله تعال َ ﴿ :فَأْينَمَا ُتوَلّواْ َفثَ ّم وَجْهُ اللّهِ ﴾ .
قال الكل ب :فثمّ ال يعلم ويرى ﴿ إِنّ اللّ َه وَا سِ ٌع عَلِي مٌ ﴾ ،أي :
وا سع الرح ة ،عليـم بالعمال والنيات ،ك ما قالت اللئ كة َ ﴿ :ربّنَا
ك وَِقهِم ْـ
ـِيلَ َ
وَسِـعْتَ كُ ّل َشيْءٍ رّحْ َم ًة َوعِلْما فَاغْفِرْ ِللّذِينَـتَابُوا وَاتَّبعُوا سَب
صلَ َح مِنْ
ت عَدْ ٍن الّتِي َوعَدّتهُم َومَن َ ب الْجَحِيمِ * َرّبنَا َوَأدْخِ ْلهُمْ َجنّا ِ عَذَا َ
سيّئَاتِ
حكِي مُ * وَِقهِ مُ ال ّ آبَائِهِ ْم َوأَ ْزوَا ِجهِ ْم وَ ُذ ّريّاتِهِ مْ ِإنّ كَ أَن تَ اْلعَزِي ُز الْ َ
ك ُه َو الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ ﴾ .ت َيوْ َمئِذٍ َفقَدْ َرحِ ْمتَ ُه وَذَلِ َ
َومَن تَقِ السّّيئَا ِ
145 توفيق الرحن ف دروس القرآن
القبلة إل الكعبة أيسوا منه ف أن يوافقهم على دينهم فأنزل ال تعال ﴿ :
ـ اْلَيهُودُ ﴾ إل باليهوديـة ﴿ ،وَل النّصـَارَى ﴾ إل
ـ تَرْضَـى عَنْك َ
وَلَن ْ
بالنصرانية .واللة :الطريقة .
وقوله تعال ﴿ :قُلْ إِنّ هُدَى اللّ ِه ُهوَ اْلهُدَى ﴾ ،أي :إن هدى ال
الذي بعثن به هو الدين الصحيح .
وقوله تعال ﴿ :وََلئِ ِن اتَّبعْ تَ َأ ْهوَاءهُم َبعْ َد الّذِي جَاء َك مِ َن اْلعِلْ ِم مَا
ك مِ نَ اللّ ِه مِن وَِليّ وَلَ نَ صِيٍ ﴾ فيه تديد ووعيد شديد لن اتبع طرائق
لَ َ
اليهود والن صارى من هذه ال مة .قال ا بن كث ي :و قد ا ستدل كث ي من
الفقهاء بقوله حت تتبع ملتهم على أن الكفر كله ملة واحدة ،فيث كل
منهم قريبه .وال أعلم .انتهى ملخصًا .
ِهـ
ل َوت ِ
َهـ حَقّ تِ َ
َابـ يَتْلُون ُ
ُمـ الْكِت َ
ِينـ آتَ ْينَاه ُ
قوله عـز وجـل ﴿ :اّلذ َ
أُ ْولَـِئكَ ُي ْؤمِنُو َن ِب ِه وَمن يَ ْك ُفرْ ِب ِه َفأُ ْولَـِئكَ ُهمُ الْخَا ِسرُونَ (.﴾)121
قال ابن مسعود :والذي نفسي بيده إن حق تلوته أن يل حلله ،
ويرم حرامـه ،ويقرأه كمـا أنزل ال ،ول يرف الكلم عـن مواضعـه ،
ول يتأول منـه شيئًا على غيـ تأويله .وقال السـن :يعملون بحكمـه ،
ويؤمنون بتشابه ،ويكلون ما أشكل عليهم إل عاله .
وقوله تعال ُ ﴿ :أوْلَ ـئِكَ ُي ْؤ ِمنُو َن بِ هِ ﴾ ،أي :من أقام كتا به آ من
ستُ ْم عَلَى َشيْءٍ َحتّىَ
بالقرآن ،ك ما قال تعال ُ ﴿ :ق ْل يَا أَهْ َل اْل ِكتَا بِ لَ ْ
ُتقِيمُوْا الّتوْرَاةَ وَالِنِي َل َومَا أُنزِلَ إَِلْيكُم مّن ّرّبكُمْ ﴾ .
149 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
151 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قتادة َ ﴿ :مثَاَبةً لّلنّا سِ ﴾ ،أي :ممعًا للناس .وقال أبو العالية َ ﴿ :وإِ ْذ
َجعَ ْلنَا الَْبيْ تَ مَثَاَبةً لّلنّا سِ َوَأمْنا ﴾ ،يقول :وأمنا من العدو أن يمل فيه
السلح ،وقد كانوا ف الاهلية يتخطف الناس من حولم وهم آمنون .
و ف ال صحيحي عن ال نب أ نه قال يوم ف تح م كة « :إن هذا البلد
حرمـه ال يوم خلق السـماوات والرض ،فهـو حرام برمـة ال إل يوم
القيا مة ،ل يع ضد شو كه ،ول ين فر صيده ،ول يلت قط لقط ته إل من
عرفهـا ،ول يتلي خله » ،فقال العباس :يـا رسـول ال إل الذخـر ،
فإنه لقينهم وبيوتم ،فقال رسول ال « :إل الذخر » .
وقوله تعال ﴿ :وَاتّخِذُوْا مِن ّمقَا مِ ِإبْرَاهِي َم مُ صَلّى ﴾ ،القام :هو
ال جر الذي كان إبراه يم عل يه ال سلم يقوم عل يه ف بناء الكع بة ،و ف
الديث الصحيح عن عمر ( :قلت :يا رسول ال ! لو اتذت من مقام
إبراهيم مصلى ،فنلت ﴿ :وَاتّخِذُوْا مِن ّمقَامِ ِإبْرَاهِي َم مُ صَلّى ﴾ ) ،وف
حديث جابر ( :استلم رسول ال الركن ،فرمل ثلثًا ومشى أربعًا ،
ث نفذ إل مقام إبراهيم فقرأ ﴿ « :وَاتّخِذُوْا مِن ّمقَامِ ِإبْرَاهِي َم مُصَلّى ﴾»
فجعل القام بينه وبي البيت ،فصلى ركعتي ) .وقال قتادة :إنا أمروا
أن ي صلوا عنده ،ول يؤمروا ب سحه ،وروى البيه قي عن عائ شة ر ضي
ال عنهـا :أن القام كان زمان رسـول ال وزمان أبـ بكـر ملتصـقًا
بالبيت ،ث أخره عمر بن الطاب .
ـ
ـمَاعِيلَ أَن َطهّرَا َبيْتِي َ وقوله تعال َ ﴿ :و َعهِدْنَـا إِلَى ِإبْرَاهِيم َ
ـ َوإِس ْ
لِلطّاِئفِيَ وَالْعَا ِكفِيَ وَالرّكّعِـ السّـجُودِ ﴾ .قال السـن :أمرهاـ ال أن
يطهراه من الذى والن جس ،ول ي صيبه من ذلك ش يء .وقال ما هد :
153 توفيق الرحن ف دروس القرآن
من الوثان والر فث ،وقول الزور والر جس ،وقال ا بن عباس :إذا كان
جالسًا فهو من العاكفي .
وقال ابن أب حات :أخبنا أب ،أخبنا موسى بن إساعيل ،أخبنا
حاد بن سلمة ،أخبنا ثابت ،قال :قلنا لعبد ال بن عبيد بن عمي :ما
أرانـ إل مكلم الميـ أن أمنـع الذيـن ينامون فـ السـجد الرام ،فإنمـ
يُجنبون ويدثون ،قال :ل تف عل ،فإن ا بن ع مر سئل عن هم ،فقال :
هم العاكفون ،وقد قال تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِي نَ َك َفرُوا َويَ صُدّونَ عَن َسبِيلِ
حرَا ِم الّذِي َجعَ ْلنَا هُ لِلنّا سِ َسوَاء الْعَاكِ فُ فِي ِه وَالْبَا ِد َومَن اللّ ِه وَالْمَ سْجِ ِد الْ َ
يُرِدْ فِي ِه بِإِلْحَا ٍد بِظُ ْل ٍم نُذِقْ ُه مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ * َوإِ ْذ َب ّوأْنَا لِِإبْرَاهِي َم َمكَانَ اْلَبيْتِ
ي وَالرّكّعِ السّجُودِ ﴾ . ي وَاْلقَائِمِ َ أَن لّا تُشْ ِر ْك بِي َشيْئا َو َطهّ ْر َبْيتِيَ لِلطّائِفِ َ
ِيمـ رَبّ ا ْجعَ ْل هَــذَا بَلَدا آمِنا
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وِإذْ قَالَ ِإْبرَاه ُ
ق َأهْلَ ُه مِ نَ الثّ َمرَا تِ مَ نْ آمَ نَ مِنْهُم بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ ال ِخرِ قَالَ وَمَن
وَارْ ُز ْ
س الْمَصِيُ (.﴾)126
ب النّا ِر َوبِئْ َ
ل ُث ّم أَضْ َط ّر ُه ِإلَى َعذَا ِ
َك َفرَ َفُأمَّتعُ ُه قَلِي ً
روى البخاري وغيه عـن النـب قال « :إن إبراهيـم حرم مكـة
ودعوت ل ا ،وحر مت الدي نة ك ما حرم إبراه يم م كة ودعوت ل ا ،ف
مد ها و صاعها م ثل ما د عا إبراه يم ل كة » .ول سلم « :ب ثل ما د عا
إبراهيم لهل مكة » .
قال ا بن كث ي :ل منافاة ب ي الحاد يث الدالة على أن ال حرم م كة
يوم خلق السـماوات والرض ،وبيـ الحاديـث الدالة على أن إبراهيـم
عليه السلم حرمها ؛ لن إبراهيم بلغ عن ال حكمه فيها وتريه إياها .
الزء الول 154
وقوله تعال ﴿ :وَارْزُ قْ َأهْلَ ُه مِ َن الثّمَرَا تِ مَ نْ آمَ َن ِمنْهُم بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ
ْسـ
َابـ النّا ِر َوِبئ َ
ّهـ إِلَى عَذ ِ ُهـ َقلِيلً ثُم ّ أَضْ َطر ُ
الخِرِ قَا َل وَم َن َكفَرَ َفأُ َمّتع ُ
ل ثُمّ
الْمَصِـيُ ﴾ ،عـن أُبّ بـن كعـب ،قال ﴿ :وَمَن َكفَرَ َفُأ َمتّعُهُـ قَلِي ً
س الْمَ صِيُ ﴾ ،قال هو قول ال تعال .وقال ب النّارِ َوِبئْ َ أَضْطَرّ هُ إِلَى عَذَا ِ
ا بن عباس :كان إبراه يم يجر ها على الؤمن ي دون الناس ،فأنزل ال :
ومن كفر أيضًا أرزقهم كما أرزق الؤمني ،أأخلق خلقًا ل أرزقهم ! ؟
أمتع هم قليلً ث اضطر هم إل عذاب النار وبئس ال صي ث قرأ ا بن عباس
ك وَمَا كَا نَ عَطَاء َربّ كَ ل نّمِ ّد هَ ـؤُلء َوهَ ـؤُلء مِ ْن عَطَاء َربّ َ ُ ﴿ :ك ّ
مَحْظُورا ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ أَضْطَرّهُ إِلَى عَذَا ِ
ب النّارِ َوبِئْسَ الْمَصِيُ ﴾ ،أي :
ث ألئه ب عد متا عه ف الدن يا وب سطنا عل يه إل عذاب النار َ ﴿ ,وبِئْ َ
س
الْمَ صِيُ ﴾ ،أي :الر جع ي صي إل يه ك ما قال تعال ﴿ :وَالّذِي نَ َك َفرُوا
َيتَ َمتّعُونَ َوَيأْكُلُونَ كَمَا َتأْكُ ُل الَْأْنعَامُ وَالنّارُ مَْثوًى ّلهُمْ ﴾ .
ت وَإِ سْمَاعِيلُ
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذْ َي ْرفَ ُع ِإبْرَاهِي ُم اْلقَوَا ِعدَ مِ َن الْبَيْ ِ
ت ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (َ )127ربّنَا وَاجْعَلْنَا مُ سْلِمَ ْينِ
َربّنَا َتقَّبلْ مِنّا ِإنّ كَ أَن َ
ك َوأَرِنَا مَنَا ِسكَنَا َوتُ بْ عَلَيْنَا ِإنّ كَ أَن تَ
لَ كَ وَمِن ذُ ّريّتِنَا ُأ ّمةً مّ سْلِ َمةً لّ َ
ث فِيهِ مْ رَ سُو ًل مّ ْنهُ ْم يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ
التّوّا بُ ال ّرحِي مُ (َ )128ربّنَا وَابْعَ ْ
لكِي مُ (
ت ال َعزِيزُ ا َ
حكْ َم َة وَُيزَكّيهِ مْ ِإنّ كَ أَن َ
ب وَالْ ِ
ك وَُيعَلّ ُمهُ مُ اْلكِتَا َ
آيَاتِ َ
. ﴾ )129
155 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يقول تعال :واذكـر يـا ممـد بناء إبراهيـم وإسـاعيل البيـت ،وهاـ
ِيمـ ﴾ .والقواعـد :
السـمِي ُع اْلعَل ُ
َنتـ ّ
ّكـ أ َ
يقولن َ ﴿ :ربّنَا تَ َقبّ ْل ِمنّاـ إِن َ
الساس .
و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ( :ل ا كان ب ي إبراه يم وب ي
أهله مـا كان ،خرج إسـاعيل وأم إسـاعيل ،ومعهـم شنـة فيهـا ماء ،
فجعلت أم إ ساعيل تشرب من الش نة ،فيدر لبن ها على صبيها ح ت قدم
مكة ،فوضعها تت دوحة ث رجع إبراهيم إل أهله ،فاتبعته أم إساعيل
ح ت بلغوا كداء فناد ته من ورائه :يا إبراه يم إل من تترك نا ؟ قال :إل
ال :قالت :رض يت بال ،قال :فرج عت ،فجعلت تشرب من الش نة
ويدر لبن ها على صبيها ح ت ل ا ف ن الاء قالت :لو ذه بت فنظرت لعلي
أ حس أحدًا ،فذه بت ف صعدت ال صفا ،فنظرت هل ت س أحدًا ،فلم
ت س أحدًا ،فل ما بل غت الوادي سعت ح ت أ تت الروة ،وفعلت ذلك
أشواطًا ح ت أتت سبعًا ،ث قالت :لو ذهبت فنظرت ما ف عل ال صب ،
فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله ،كأنه ينشع الوت ،فلم تقرها نفسها
،فقالت :لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدًا ،فذهبت فصعدت الصفا
فنظرت ونظرت ،فلم تس أحدًا حت أتت سبعًا ،ث قالت :لو ذهبت
فنظرت ما فعل ،فإذا هي بصوت ،فقالت :أغ ثْ إن كان عندك خي ،
فإذا جبيـل عليـه السـلم قال :فقال بعقبـه هكذا ،وغمـز عقبـه على
الرض ،قال :فانبثق الاء ،فدهشت أم إساعيل ،فجعلت تفر .
قال :فقال أبـو القاسـم « :لو تركتـه لكان الاء ظاهرًا » ،قال :
فجعلت تشرب مـن الاء ويدر لبنهـا على صـبيها ،قال :فمـر ناس مـن
الزء الول 156
جرهـم ببطـن الوادي ،فإذا هـم بطيـ كأنمـ أنكروا ذلك ،وقالوا :مـا
يكون هذا الط ي إل على ماء ،فبعثوا ر سولم فن ظر فإذا هو بالاء فأتا هم
فأ خبهم فأتوا إلي ها ،فقالوا :يا أم إ ساعيل أتأذن ي ل نا أن نكون م عك
ونسكن معك ؟ قالت :نعم ،فبلغ ابنها ونكح منهم امرأة .
قال :ث إنه بدا لِبراهيم ،فقال لهله :إ ن مطلع ترك ت ،قال :
فجاء فسـلّم ،فقال :أيـن إسـاعيل ؟ قالت امرأتـه :ذهـب يصـيد ،قال
قول له إذا جاء غيّر عتبة بابك ،فلما أخبته قال :أنت ذاك ،فاذهب إل
أهلك .
قال :ثـ إنـه بدا لِبراهيـم ،فقال :إنـ مطلع تركتـ ،قال :فجاء
فقال :أيـن إسـاعيل ؟ فقالت امرأتـه :ذهـب يصـيد ،وقالت :أل تنل
فتطعـم وتشرب ،فقال :مـا طعامكـم ومـا شرابكـم ؟ قالت :طعامنـا
اللحم ،وشرابنا الاء ،قال :اللهم بارك لم ف طعامهم وشرابم .
قال :فقال أبو القاسم « :بركة بدعوة إبراهيم » .
،فقال لهله :إ ن مطلع ترك ت ،فجاء قال :ث إ نه بدا لِبراه يم
فوافـق إسـاعيل مـن وراء زمزم يصـلح نبلً له ،فقال :يـا إسـاعيل ،إن
ربك عز وجل أمرن أن أبن له بيتًا ،فقال :أطع ربك عز وجل ،قال :
إنه قد أمرن أن تعينن عليه ،فقال :إذَن أفعل ،أو كما قال :قال فقام
فجعل إبراهيم يبن وإساعيل يناوله الجارة ،ويقولن َ ﴿ :رّبنَا َت َقبّلْ ِمنّا
ِإنّكَ أَنتَ السّمِي ُع الْعَلِيمُ ﴾ ،قال :حت ارتفع البناء ،وضعف الشيخ عن
نقـل الجارة ،فقام على حجـر القام ،فجعـل يناوله الجارة ويقولن
ِيمـ ﴾ .رواه البخاري فـ السـمِيعُ اْلعَل ُ
َنتـ ّ
ّكـ أ َ
َ ﴿ :ربّنَا َت َقبّلْ ِمنّاـ ِإن َ
157 توفيق الرحن ف دروس القرآن
أحاديث النبياء كذلك ،ورواه أيضًا من وجه آخر بسياق أبسط من هذا
.
وعن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال قال « :أل تري أن قومك
حي بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم » ؟ فقلت :يا رسول ال أل
تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال « :لول حدثان قومك بالكفر » .فقال
ع بد ال بن ع مر :لئن كا نت عائ شة سعت هذا من ال نب ،ما أرى
رسـول ال ترك اسـتلم الركنيـ اللذيـن يليان الجـر إل أن البيـت ل
يتمم على قواعد إبراهيم عليه السلم .رواه البخاري وغيه .
وف رواية لسلم « :لول قومك حديثو ع هد بشرك لدمت الكعبة
فألزقتها بالرض ،ولعلت لا بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا ،وزدت فيها ستة
أذرع من الجر ،فإن قريشًا اقتصرتا حيث بنت الكعبة » .
قال ابن إسحاق :وكانت الكعبة على عهد النب ثانية عشر ذراعًا
القباطيـ ،ثـ كسـيت بعدُ البود وأول مـن كسـاها
ّ ،وكانـت تكسـي
الديباج الجاج بن يوسف .
وقوله تعال :حكايـة لدعاء إبراهيـم ،وإسـاعيل عليهمـا السـلم :
ّكـ َوأَرِنَا
ّسـِل َمةً ل َ
َكـ وَمِن ُذ ّريّتِنَا ُأ ّم ًة م ْ
ُسـلِ َميْنِ ل َ
﴿ َربّنَا وَا ْجعَلْنَا م ْ
ُسـِ َميْنِ ﴾ ،
ِيمـ ﴾ ﴿ ،م ْل ّابـ الرّح ُ َنتـ الّتو ُ
ّكـ أ َُبـ عََليْنَا ِإن ََاسـ َكنَا َوت ْ َمن ِ
ملصي ،قال سلم بن أب مطيع :كانا مسلمي ولكنهما سأله الثبات .
وقال عكرمـة َ ﴿ :ربّنَا وَا ْجعَلْنَا مُس ْـِل َميْنِ لَكَـ ﴾ ،قال ال :قـد فعلت
سلِ َمةً لّكَ ﴾ ،قال ال :قد فعلت . َ ﴿ .ومِن ذُ ّرّيتِنَا ُأ ّمةً مّ ْ
الزء الول 158
وكذلك أمهات النبيي يرين » .وف حديث أب أمامة « :ورأت أمي أنه
خرج منها نور أضاءت له قصور الشام » .
وقوله تعال َ ﴿ :يتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ كَ َوُيعَلّ ُمهُ ُم اْل ِكتَا بَ وَالْ ِ
حكْ َمةَ ﴾ ،
قال السـن وغيه :الكتاب :القرآن ،والكمـة :السـنة ،وقيـل :
الكمة الفهم ف الدين ،ول منافاة .
ِيمـ ﴾ ،أي ﴿ :العَزِيزُ ﴾ ،
َنتـ العَزِي ُز الَك ُ وقوله تعال ِ ﴿ :إن َ
ّكـ أ َ
لكِي مُ ﴾ ،ف أفعاله وأقواله
الذي ل يس مثله أ حد ول يعجزه ش يء ﴿ ،ا َ
فيضع ،الشياء ف ملها .وال أعلم .
***
الزء الول 160
﴿ وَمَن يَرْ َغ بُ عَن مّ ّلةِ ِإْبرَاهِي مَ إِل مَن َس ِفهَ َنفْ سَ ُه َولَ َق ِد ا صْ َطفَيْنَاهُ
فِي الدّنْيَا وَِإنّ هُ فِي الخِ َر ِة لَمِ َن ال صّالِحِيَ (ِ )130إ ْذ قَا َل لَ هُ َربّ ُه أَ سْ ِلمْ
ب يَا
ت ِلرَبّ اْلعَالَ ِميَ (َ )131ووَصّى ِبهَا ِإْبرَاهِي ُم بَنِيهِ َوَيعْقُو ُ
قَا َل أَسْلَ ْم ُ
ل تَمُوُتنّ إَل َوأَنتُم مّ سْلِمُونَ ()132
بَنِيّ إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَى لَكُ ُم الدّي َن فَ َ
ت ِإذْ قَالَ لِبَنِي ِه مَا تَعُْبدُو َن مِن
أَ مْ كُنتُ ْم ُشهَدَاء ِإذْ حَضَ َر َيعْقُو بَ الْ َموْ ُ
َبعْدِي قَالُواْ َنعُْبدُ ِإلَ ـ َهكَ وَِإلَ ـهَ آبَائِ كَ ِإْبرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْحَاقَ
ِإلَ ـها وَاحِدا َونَحْ نُ لَ هُ مُ سْلِمُونَ ( )133تِلْ كَ أُ ّم ٌة َقدْ خَلَ تْ لَهَا مَا
ت وََلكُم مّا كَسَبُْت ْم َولَ تُسَْألُونَ عَمّا كَانُوا َيعْمَلُونَ (َ )134وقَالُواْ
كَسََب ْ
كُونُواْ هُودا َأوْ نَ صَارَى َتهَْتدُواْ ُقلْ َب ْل مِ ّلةَ ِإْبرَاهِي مَ حَنِيفا وَمَا كَا نَ مِ نَ
الْ ُمشْرِ ِكيَ ( )135قُولُواْ آمَنّا بِاللّهِ َومَا أُن ِزلَ ِإلَيْنَا َومَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإْبرَاهِيمَ
ط َومَا أُوتِ يَ مُو سَى وَعِي سَى َومَا
ب وَال سْبَا ِ
ق َويَ ْعقُو َ
وَإِ سْمَاعِي َل وَإِ سْحَا َ
ق بَيْ نَ َأ َحدٍ مّ ْنهُ ْم َونَحْ ُن لَ ُه مُ سْلِمُونَ (
أُوتِ َي النّبِيّو َن مِن ّرّبهِ مْ َل ُن َفرّ ُ
َ )136فإِ نْ آ َمنُوْا بِمِ ْث ِل مَا آمَنتُم بِ ِه َفقَ ِد اهْتَدَواْ ّوإِن تَ َوّلوْْا َفإِنّمَا هُ مْ فِي
شِقَا قٍ فَ سََيكْفِي َكهُ ُم اللّ ُه وَ ُهوَ ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ ( )137صِ ْب َغةَ اللّ هِ َومَ نْ
سنُ مِ َن اللّ هِ صِ ْبغَ ًة َونَحْ نُ لَ هُ عَابِدو نَ (ُ )138قلْ َأتُحَآجّونَنَا فِي اللّ هِ
أَحْ َ
وَ ُهوَ َربّنَا وَ َرّبكُ ْم َولَنَا أَعْمَالُنَا َوَلكُ ْم أَعْمَاُلكُ ْم َونَحْ نُ لَ ُه مُخْلِ صُونَ (
ب وَال سْبَاطَ
ق وََي ْعقُو َ
)139أَ ْم َتقُولُو نَ إِنّ ِإبْرَاهِي مَ َوإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَا َ
كَانُواْ هُودا َأوْ نَ صَارَى ُق ْل َأأَنتُ مْ أَعْلَ مُ أَ مِ اللّ ُه وَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّ ن كَتَ مَ
ك ُأ ّمةٌ َقدْ
شَهَا َدةً عِندَ ُه مِ َن اللّ ِه وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ ( )140تِلْ َ
161 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 162
سهُ
قوله عز وجل َ ﴿ :ومَن َيرْغَ بُ عَن مّ ّلةِ ِإْبرَاهِي مَ إِل مَن َسفِ َه َنفْ َ
وََل َقدِ ا صْ َطفَيْنَاهُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّ هُ فِي الخِ َر ِة لَمِ َن ال صّالِحِيَ (ِ )130إذْ
ت ِلرَبّ اْلعَالَمِيَ ( )131وَوَصـّى بِهَا
َسـلَ ْم ُ
َسـِل ْم قَا َل أ ْ
ّهـ أ ْ
َهـ َرب ُ
قَا َل ل ُ
ل تَمُوُتنّ إَل
ب يَا بَنِيّ إِنّ اللّ هَ ا صْ َطفَى َلكُ ُم الدّي َن فَ َ
ِإبْرَاهِي مُ بَنِي هِ َوَي ْعقُو ُ
وَأَنتُم ّمسْلِمُونَ (. ﴾ )132
يقول تعال َ ﴿ :ومَن َي ْرغَ ُ
ب عَن مّّلةِ ِإبْرَاهِي مَ إِل مَن َسفِهَ َنفْ سَهُ ﴾ ،
أي :ما يرغب عن ملة إبراهيم النيفية إل سفيه ظال لنفسه .قال الربيع :
رغ بت اليهود والن صارى عن ملة إبراه يم ،وابتدعوا اليهود ية والن صرانية
ولي ست من ال ،وتركوا ملة إبراه يم الِ سلم ،ويش هد لذا قوله تعال
﴿ :مَا كَا نَ إِبْرَاهِي ُم َيهُو ِديّا وَ َل نَ صْرَانِيّا وَلَكِن كَا نَ َحنِيفا مّ سْلِما وَمَا
س بِِإبْرَاهِي مَ َللّذِي َن اتَّبعُو هُ َوهَـذَا الّنِبيّ
شرِكِيَ * ِإنّ َأوْلَى النّا ِ كَا نَ مِ َن الْمُ ْ
وَالّذِينَ آ َمنُواْ وَاللّ ُه وَِليّ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وََلقَ ِد ْ
اصـ َطفَْينَاهُ ﴾ ،أي :اخترناه فـ الدنيـا خليلً ﴿
َوإِنّهُ فِي الخِ َرةِ لَمِ َن الصّالِحِيَ ﴾ ،أي :مع النبياء ف النة .
وقوله تعال ﴿ :إِذْ قَالَ لَ هُ َربّ هُ أَ سْلِمْ قَالَ أَ سْلَ ْمتُ لِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ،أي
:أمره ال تعال بالخلص له والسـتسلم والنقياد ،فأجاب إل ذلك .
ب يَا َبنِيّ ِإنّ اللّ َه ا صْ َطفَى وقوله تعال َ ﴿ :ووَ صّى ِبهَا ِإبْرَاهِي ُم بَنِي هِ َوَي ْعقُو ُ
ل تَمُوتُنّ إَل َوأَنتُم مّ سْلِمُونَ ﴾ ،أي :و صى إبراه يم بن يه َلكُ مُ الدّي نَ َف َ
بكلمة الِخلص :ل إله إل ال ،وهي اللة النيفية ،وكذلك وصى با
يعقوب بن يه ،ك ما قال تعال َ ﴿ :وإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِي مُ ِلَأبِي ِه وََق ْومِ هِ ِإنّنِي بَرَاء
163 توفيق الرحن ف دروس القرآن
مّمّ ا َت ْعبُدُو نَ * إِلّا الّذِي فَ َطرَنِي فَِإنّ هُ َسَيهْدِينِ * وَ َج َعلَهَا كَِل َم ًة بَاِقَيةً فِي
َعقِبِهِ َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِجعُونَ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :إِنّ اللّ هَ ا صْ َطفَى َلكُ مُ الدّي نَ ﴾ ،أي :اختار ل كم
دين السلم ﴿ ،فَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُ ْم مُ سْلِمُونَ ﴾ ،أي :استقيموا عليه
ح ت توتوا ،ك ما قال تعال ﴿ :إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا سَْتقَامُوا
ُمـ
جّن ِة الّت ِي ُكْنت ْ
ح َزنُوا َوَأبْشِرُوا بِالْ َ
ِمـ الْمَلئِ َكةُ أَلّا تَخَافُوا وَل تَ ْ
َتتَنَزّلُ عََلْيه ُ
حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآخِ َر ِة وَلَكُ مْ فِيهَا مَا
تُوعَدُو نَ * َنحْ نُ َأوِْليَاؤُكُ مْ فِي الْ َ
سكُ ْم وََلكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ * ُنزُلً مِ ْن َغفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ .وروى شتَهِي َأْنفُ ُ
تَ ْ
مسلم وغيه عن جابر رضي ال عنه قال :سعت رسول ال قبل موته
بثلثة أيام يقول « :ل يوتن أحدكم إل وهو يسن الظن بال » .
ضرَ يَ ْعقُوبَ الْ َموْتُ إِ ْذ قَالَ
قوله عز وجل ﴿ :أَمْ كُنتُمْ شُ َهدَاء ِإذْ حَ َ
لِبَنِي هِ مَا َتعْبُدُو َن مِن َب ْعدِي قَالُوْا نَعُْب ُد ِإلَ ـ َهكَ وَِإلَ ـهَ آبَائِ كَ ِإْبرَاهِي مَ
ح ُن لَ ُه ُمسْلِمُونَ (. ﴾ )133
ق ِإلَـها وَاحِدا َونَ ْ
وَِإسْمَاعِي َل وَِإسْحَا َ
قال ا بن جر ير :يقول تعال ذكره ﴿ :أَ مْ كُنتُ ْم ُشهَدَاء ﴾ أكن تم ؟
ولكنه استفهم بأم ،إذ كان استفهامًا مستأنفًا على كلم قد سبقه ،كما
قال ﴿ :ال * تَنِي ُل اْل ِكتَا بِ لَا َريْ بَ فِي ِه مِن رّبّ اْلعَالَمِيَ * أَ ْم َيقُولُو نَ
افْتَرَا هُ ﴾ ،وكذلك تف عل العرب ف كل ا ستفهام ابتدأ ته ب عد كلم قد
سبقه ،تستفهم فيه بأم .
وقوله تعال ﴿ :إِذْ َحضَ َر َي ْعقُو بَ الْ َموْ تُ ﴾ ق يل :نزلت ف اليهود
حيـ قالوا للنـب ( :ألسـت تعلم أن يعقوب يوم مات وصـى بنيـه
باليهودية ؟ ) وقال الكلب :لا دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الوثان
الزء الول 164
والنيان ،فجمـع ولده وخاف عليهـم ذلك .وقوله تعال ﴿ :قَالُواْ َن ْعبُ ُد
ك َوإِلَـ َه آبَائِ كَ ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَاقَ إِلَـها وَاحِدا َونَحْ نُ
إِلَـهَ َ
لَ ُه مُسْلِمُونَ ﴾ ،إساعيل عم يعقوب ،والعرب تسمي العم أبًا .قال ابن
زيد :يقال :بدأ بإساعيل لنه الكب ،واستدل بالية من جعل ال ّد أبًا
وحجب به الخوة ،كما هو قول الصديق ،وهو مذهب أب حنيفة وغي
واحد من السلف واللف .
ُسـِلمُونَ ﴾ ،أي :موحدون مطيعون
َهـ م ْ وقوله تعال َ ﴿ :ونَح ُ
ْنـ ل ُ
خاضعون .
ت وَلَكُم مّ ا
ت لَهَا مَا كَ سََب ْ
قوله عز و جل ﴿ :تِلْ كَ ُأ ّمةٌ َق ْد خَلَ ْ
َكسَبُْت ْم وَ َل ُتسَْألُونَ عَمّا كَانُوا َيعْمَلُونَ (. ﴾ )134
يقول تعال ﴿ :تِلْ كَ ُأ ّمةٌ قَدْ خَلَ تْ ﴾ ،أي :م ضت ﴿ لَهَا مَا كَ َ
سَبتْ
سأَلُو َن عَمّا
سْبتُمْ ﴾ من خي أو شر ﴿ وَلَ تُ ْ ﴾ من العمل ﴿ وََلكُم مّا كَ َ
سبُ كُ ّل َنفْ سٍ إِل عََليْهَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ ﴾ .ك ما قال تعال ﴿ :وَ َل َتكْ ِ
وَلَ َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُ ْخرَى ثُمّ إِلَى َربّكُم مّ ْر ِجعُكُ مْ َفُيَنّبئُكُم بِمَا كُنتُ مْ فِي هِ
ختَِلفُو نَ ﴾ وف الديث « :من بطّأ به عمله ل يسرع به نسبه » .قال تَ ْ
ـ ﴾ ،يعنـ :إبراهيـم ،وإسـاعيل ، ـ ُأ ّمةٌ َقدْ خَلَت ْ قتادة ﴿ :تِلْك َ
وإسحاق ،ويعقوب ،والسباط .
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالُواْ كُونُوْا هُودا أَ ْو نَصـَارَى َتهَْتدُوْا ُقلْ بَلْ
شرِكِيَ (. ﴾ )135
مِ ّلةَ ِإْبرَاهِيمَ حَنِيفا َومَا كَانَ مِ َن الْ ُم ْ
165 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قُولُواْ آ َمنّ ا بِاللّ ِه وَمَا أُن ِزلَ إِلَيْنَا ﴾ ،وال ت ف آل عمران َ ﴿ :تعَاَلوْا إِلَى
كَلَ َم ٍة َسوَاء بَْيَننَا َوَبْينَكُمْ ﴾ ) .
قال قتادة :السـباط :بنـو يعقوب اثن ا
ـ عشـر رجلً ولد كـل رجـل
من هم أ مة من الناس ف سموا ال سباط .وقال البخاري :ال سباط :قبائل
بن إسرائيل .
قال القر طب :وال سبط :الما عة .وال قبيلة :الراجعون إل أ صل
وا حد .قال قتادة :أ مر ال الؤمن ي أن يؤمنوا به وي صدقوا بكت به كل ها
ورسله .وف الديث عن النب « :آمنوا بالتوراة ،والزبور ،والنيل
،وليسعكم القرآن » .رواه ابن أب حات .
قوله عز و جل َ ﴿ :فإِ نْ آمَنُوْا بِمِ ْث ِل مَا آمَنتُم بِ ِه َف َقدِ اهَْتدَواْ وّإِن
ق فَسََيكْفِي َكهُ ُم اللّهُ َوهُ َو السّمِي ُع اْلعَلِيمُ ()137
تَ َوّلوْْا َفِإنّمَا هُمْ فِي شِقَا ٍ
ح ُن لَهُ عَابِدونَ (. ﴾ )138
س ُن ِمنَ ال ّلهِ صِ ْب َغةً َونَ ْ
صِ ْب َغةَ ال ّل ِه وَ َم ْن أَ ْح َ
يقول تعال :فإن آ من الكفار من اليهود والن صارى وغي هم ﴿ بِ ِمثْلِ
مَا آمَنتُم بِهِ ﴾ ،أي :بميع كتب ال ورسله ،ول يفرقوا بي أحد منهم
﴿ َفقَ ِد ا ْهتَدَوا ﴾ إل ال ق ﴿ ّوإِن َتوَّل ْواْ ﴾ عن ذلك ﴿ ،فَِإنّمَا هُ مْ فِي
سَي ْكفِي َكهُمُ
ِشقَا قٍ ﴾ ،أي :ف خلف ومناز عة ،قاله ا بن عباس ﴿ .فَ َ
السـمِيعُ
ّهـ ﴾ ،أي :فسـيكفيك شرهـم وينصـرك عليهـم ﴿ َو ُهوَ ّ الل ُ
الْعَلِيمُ ﴾ .
وقوله تعال ِ ﴿ :
صْب َغةَ اللّهِ ﴾ ،أي :دين ال ،ساه صبغة لنه يظهر
أثـر الديـن على التديـن ،كمـا يظهـر أثـر الصـبغ على الثوب َ ﴿ .ومَن ْـ
صْب َغةً ﴾ .
أَحْسَ ُن مِنَ اللّهِ ِ
167 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال قتادة :إن اليهود ت صبغ أبناء ها يهودًا ،والن صارى ت صبغ أبناء ها
نصـارى ،وإن صـبغة ال السـلم ،فل صـبغة أحسـن مـن السـلم ول
أطهر ،وهو دين ال الذي بعث به نوحًا والنبياء بعده .
قوله عز و جل ُ ﴿ :ق ْل َأتُحَآجّونَنَا فِي اللّ ِه َوهُوَ َربّنَا وَ َربّكُ ْم َولَنَا
أَعْمَالُنَا َولَكُ ْم أَعْمَالُكُ ْم وَنَحْ ُن لَ هُ مُخْلِ صُونَ ( )139أَ ْم َتقُولُو نَ إِنّ
ب وَالسْبَاطَ كَانُواْ هُودا َأوْ نَصَارَى
ق وََي ْعقُو َ
ِإبْرَاهِيمَ َوإِسْمَاعِي َل َوإِسْحَا َ
ُقلْ َأأَنتُ ْم أَعْلَ ُم أَ مِ اللّ هُ َومَ ْن أَظْلَ مُ مِمّن كَتَ َم َشهَا َدةً عِندَ هُ مِ نَ اللّ ِه َومَا
ت َولَكُم
ت َلهَا مَا كَسَبَ ْ
اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُونَ ( )140تِلْكَ أُ ّم ٌة َقدْ خَلَ ْ
سَألُونَ َعمّا كَانُواْ َيعْمَلُونَ (. ﴾ )141
مّا َكسَبُْت ْم َولَ ُت ْ
يقول تعال ﴿ :قُلْ ﴾ يا م مد لؤلء العاند ين َ ﴿ :أتُحَآجّونَنَا فِي
اللّ هِ ﴾ ،أي :ف توح يد ال ؟ ﴿ َوهُوَ َربّنَا وَ َرّبكُ مْ وَلَنَا َأعْمَالُنَا وَلَكُ ْم
َأعْمَالُكُ مْ ﴾ ،أي :لكل جزاء عمله ،فكيف تدعون أنكم أول بال ﴿
خلِصـُو َن ﴾ ،وأنتـم بـه مشركون ؟ قال سـعيد بـن جـبي : َهـ مُ ْ
ْنـ ل ُ
َونَح ُ
الخلص أن يلص العبد دينه وعمله ،فل يشرك به ف دينه .ول يرائي
بعمله .
ب وَال سْبَاطَ ق َوَي ْعقُو َ ﴿ أَ ْم َتقُولُو نَ إِنّ ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْحَا َ
كَانُوْا هُودا َأوْ نَ صَارَى قُلْ َأأَنتُ مْ َأعْلَ مُ أَ مِ اللّ هُ ﴾ ،أي ُ ﴿ :قلْ ﴾ يا ممد
:أأنتم أعلم بدينهم أم ال ؟ وقد أخب ال تعال :أن إبراهيم ل يكن
يهوديًا ول نصرانيًا ،ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من الشركي ،
وإن أول الناس به ممد والؤمنون .
الزء الول 168
وقوله تعال َ ﴿ :ومَ نْ أَظَْل ُم مِمّن َكتَ مَ َشهَا َدةً عِندَ هُ مِ نَ اللّ هِ ﴾ ،قال
ال سن :كانوا يقرءون ف كتاب ال الذي أتا هم :أن الد ين ال سلم ،
ـحاق ، ـاعيل ،وإسـ ـم ،وإسـ ـول ال ،وأن :إبراهيـ وأن ممدًا رسـ
ويعقوب ،والسـباط كانوا برءاء مـن اليهوديـة والنصـرانية ،فشهدوا ل
بذلك ،وأقروا على أنفسهم ،فكتموا شهادة ال عندهم من ذلك .وعن
قتادة :قوله َ ﴿ :ومَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ ن َكتَ َم َشهَا َد ًة عِندَ ُه مِ نَ اللّ هِ ﴾ .قال :
الشهادة النب مكتوب عندهم ،وهو الذي كتموا .
وقوله تعال ﴿ :وَمَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّ ا َتعْمَلُو نَ ﴾ تد يد ووع يد ﴿ .
سْبتُ ْم
ت وََلكُم مّا كَ َ سبَ ْتِلْ كَ ُأ ّمةٌ قَدْ خَلَ تْ ﴾ ،أي :مضت ﴿ َلهَا مَا كَ َ
سأَلُو َن عَمّا كَانُوْا َيعْمَلُو نَ﴾ ،أي :لم أعمالم ولكم أعمالكم ﴿ وَ َل تُ ْ
﴾ ،ك ما قال تعال ﴿ :مَ ْن عَ ِملَ صَالِحا َفِلَنفْ سِهِ َومَ نْ أَ سَاء َفعََليْهَا ثُمّ
إِلَى َرّبكُ ْم تُرْ َجعُونَ ﴾ .وال أعلم .
***
169 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمـ
ش ْوه ْ
خَل تَ ْ
ُمـ فَ َ
ـ ظَلَمُواْ مِ ْنه ْ
ج ٌة إِل الّذِين َ
ُمـ حُ ّ
ـ عَلَ ْيك ْ
ُونـ لِلنّاس ِ
يَك َ
وَا ْخشَوْنِي َولُتِمّ نِعْمَتِي عَلَ ْيكُ ْم وََلعَ ّلكُ ْم َتهَْتدُو نَ ( )150كَمَا أَرْ سَلْنَا
فِيكُم ْـ رَسـُو ًل مّنكُم ْـيَتْلُو عَلَ ْيكُم ْـ آيَاتِنَا وَُيزَكّيكُم ْـ وَُيعَلّ ُمكُمُـ الْكِتَابَـ
حكْ َم َة وَُيعَلّ ُمكُم مّا لَ ْم َتكُونُوْا َتعْلَمُو نَ ( )151فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْكُ مْ
وَالْ ِ
وَاشْ ُكرُوْا لِي َولَ َت ْك ُفرُو نِ ( )152يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُوْا ا سْتَعِينُواْ بِال صّ ْبرِ
ل ِة إِنّ اللّ َه مَ َع ال صّاِبرِينَ ( )153وَ َل َتقُولُوْا لِمَ ْن ُيقَْتلُ فِي سَبيلِ
وَال صّ َ
شيْ ٍء مّ نَ
ش ُعرُو نَ (َ )154ولَنَبْ ُلوَّنكُ مْ ِب َ
ت َبلْ أَحْيَاء َولَكِن ل َت ْ
اللّ ِه َأمْوَا ٌ
شرِ
َاتـ وََب ّ
ُسـ وَالثّ َمر ِ
ّنـ ا َلمَوَا ِل وَالنف ِ
ْصـ م َ
ُوعـ َونَق ٍ
َوفـ وَالْج ِ
الْخ ْ
ال صّاِبرِينَ ( )155اّلذِي نَ ِإذَا أَ صَابَ ْتهُم مّ صِيَب ٌة قَالُواْ ِإنّ ا لِلّ ِه َوإِنّ ـا ِإلَيْ هِ
رَاجِعو نَ ( )156أُولَـئِكَ عَلَ ْيهِ مْ صَ َلوَاتٌ مّن ّرّبهِ ْم وَ َرحْ َمةٌ َوأُولَـئِكَ
هُ ُم الْ ُمهَْتدُونَ (. ﴾ )157
***
171 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ي ًة إِل عَلَى اّلذِي َن َهدَى اللّ هُ وَمَا كَا نَ اللّ ُه لِيُضِي َع إِيَانَكُ مْ إِنّ اللّ هَ
لَكَبِ َ
بِالنّاسِ َل َرؤُوفٌ ّرحِيمٌ (. ﴾ )143
يقول تعال ﴿ :وَكَذَلِك َ
ـ ﴾ كمـا هديناكـم صـراطًا مسـتقيمًا
﴿ َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّمةً َوسَطا ﴾ ،أي :عدلً خيارًا ،كما قال تعال ﴿ :كُنتُ ْم
ف َوتَْن َهوْ َن عَ ِن الْمُنكَ ِر َوُتؤْ ِمنُو نَ
َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ تَ ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ
بِاللّهِ ﴾ .
وقوله تعال ّ ﴿ :لَتكُونُواْ ُشهَدَاء عَلَى النّاس ِ
ـ ﴾ ،أي :على المـم
بتبليغ رسلهم .وروى المام أحد وغيه عن أب سعيد رضي ال عنه قال
:قال ر سول ال « :يد عى نوح يوم القيا مة فيقال له :هل بلّ غت ؟
فيقول نعم ،فيدعى قومه فيقال لم :هل بلّغكم .فيقولون :ما أتانا من
نذير ،وما أتانا من أحد ،فيقال لنوح :من يشهد لك ؟ فيقول :ممد
وأمته .قال ﴿ :وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ﴾ قال :والوسط العدل .
فتدعون فتشهدون له بالبلغ ث أشهد عليكم » .رواه البخاري وغيه .
و ف روا ية لح د « :ي يء ال نب يوم القيا مة وم عه الرجلن ،وأك ثر
مـن ذلك ،فيدعـى قومـه فيقال لمـ :هـل بلّغكـم هذا ؟ فيقولون :ل .
فيقال له :هـل بلّغـت قومـك ؟ فيقول نعـم ،فيقال :مـن يشهـد لك ؟
فيقول :ممد وأمته ،فيدعى ممد وأمته فيقال لم :هل بلغ هذا قومه ؟
فيقولون :نعم ،فيقال :وما أعلمكم ؟ فيقولون :جاءنا نبينا فأخبنا أن
ُمـ ُأ ّمةً
ِكـ َجعَ ْلنَاك ْ
الرسـل قـد بلغوا ،فذلك قوله عـز وجـل ﴿ :وَكَذَل َ
ُونـ الرّسـُولُ
ّاسـ َوَيك َ
وَسـَطا ﴾ قال :عدلً ّ ﴿ ،لتَكُونُوْا ُشهَدَاء عَلَى الن ِ
عََليْكُ ْم َشهِيدًا ﴾ .
173 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ما يشاء ،ويكم ما يريد ،فله أن يكلف عباده با شاء وينسخ ما يشاء ،
وله الكمة التامة والجة البالغة ف جيع ذلك ) .انتهى .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا كَا نَ اللّ هُ ِلُيضِي عَ إِيَاَنكُ مْ ﴾ ،أي :صلتكم إل
بيت القدس .كما ف الصحيح عن الباء قال ( :مات قوم كانوا يصلون
ن و بيت القدس ،فقال الناس :ما حال م ف ذلك ؟ فأنزل ال ﴿ :وَمَا
كَانَ اللّهُ ِلُيضِيعَ إِيَاَنكُمْ ﴾ ) .
وقوله تعال ﴿ :إِنّ اللّ هَ بِالنّا سِ لَ َرؤُو فٌ رّحِي مٌ ﴾ ،أي :فل يض يع
أجورهم ،فإن ال أرحم بم من والديهم .
قوله عز و جل َ ﴿ :ق ْد َنرَى َتقَلّ بَ َو ْجهِ كَ فِي ال سّمَاء فَلَُن َولّيَنّ كَ
ث مَا كُنتُ مْ َف َولّواْ
حرَا ِم َوحَيْ ُ
جدِ الْ َ
قِبْ َلةً َترْضَاهَا َفوَ ّل َوجْهَ كَ شَ ْط َر الْمَ سْ ِ
حقّ مِن ّربّهِ مْ
وُ ُجوِ َهكُ ْم شَ ْطرَ ُه وَإِنّ اّلذِي َن أُ ْوتُوْا الْكِتَا بَ لَيَعْلَمُو َن َأنّ هُ الْ َ
وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َيعْمَلُونَ (. ﴾ )144
قال ابن إسحاق :حدثن إساعيل بن أب خالد عن أب إسحاق عن
الباء قال ( :كان ر سول ال ي صلي ن و ب يت القدس ،ويك ثر الن ظر
ب وَ ْجهِ كَ فِي إل ال سماء ،ين ظر أ مر ال ،فأنزل ال ﴿ :قَ ْد نَرَى تَقَلّ َ
حرَا مِ ﴾ فقال سجِ ِد الْ َ
ك شَ ْط َر الْمَ ْ
ال سّمَاء َفَلُنوَلَّينّ كَ ِقبَْل ًة تَرْضَاهَا َفوَ ّل وَ ْجهَ َ
رجال من ال سلمي :ودد نا لو علم نا من مات م نا ق بل أن ن صرف إل
القبلة ،وك يف ب صلتنا ن و ب يت القدس ؟ فأنزل ال ﴿ :وَمَا كَا نَ اللّ هُ
ُمـ ﴾ .وقال السـفهاء مـن الناس ،وهـم مـن أهـل الكتاب ِيعـإِيَاَنك ْ ِليُض َ
175 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ل ِة إِنّ
قوله عز وجل ﴿ :يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوْا اسَْتعِينُوْا بِالصّ ْبرِ وَالصّ َ
اللّ َه مَ َع ال صّاِبرِينَ ( )153وَ َل َتقُولُوْا لِمَ ْن يُقَْت ُل فِي سَبي ِل اللّ ِه َأمْوَا تٌ
َبلْ َأحْيَاء وََلكِن ل َتشْ ُعرُونَ (. ﴾ )154
الصـب ثلثـة أنواع :صـب على طاعـة ال ،وصـب عـن مارم ال ،
وصب على أقدار ال .قال ابن زيد :الصب ف بابي :الصب ل با أحب
وإن ث قل على الن فس والبدان ،وال صب ل ع ما كره وإن ناز عت إل يه
الهواء ،فمن كان هكذا فهو من الصابرين .
َاتـ ﴾ ،
ّهـ َأ ْمو ٌ وقوله تعال ﴿ :وَ َل َتقُولُواْ لِم ْ
َنـ ُي ْقتَلُ ف ِي سـَبيلِ الل ِ
شعُرُو نَ ﴾ ،كما نزلت ف قتلى بدر من السلمي ﴿ بَلْ أَ ْحيَاء وََلكِن ل تَ ْ
سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُواْ فِي َسبِيلِ اللّهِ َأمْوَاتا
قال تعال ف شهداء أحد ﴿ :وَ َل تَحْ َ
ُونـ ﴾ .وفـ صـحيح مسـلم « :إن أرواح ِمـ يُرْزَق َ
بَلْ أَ ْحيَاء عِندَ َرّبه ْ
الشهداء ف حواصل طي خضر ت سرح ف النة حيث شاءت ،ث تأوي
إل قناد يل معل قة ت ت العرش ،فاطلع علي هم ر بك اطل عة فقال :ماذا
تبغون ؟ فقالوا :يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما ل تعط أحدًا من
خلقك ؟ ث عاد عليهم بثل هذا ،فلما رأوا أنم ل يتركون من أن يَسألوا
،قالوا :نريد أن تردنا إل الدار الدنيا ،فنقاتل ف سبيلك حت نقتل مرة
أخرى .لاـ يرون مـن ثواب الشهادة .فيقول الرب جـل جلله :إنـ
كتبت أنم إليها ل يرجعون » .
وروى المام أح د عن المام الشاف عي عن المام مالك عن الزهري
عن عبد الرحن بن كعب بن مالك عن أبيه قال :قال رسول ال « :
الزء الول 180
***
الزء الول 182
ت وَاْل ُهدَى
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ الّذِي َن يَكْتُمُو َن مَا أَن َزلْنَا مِ نَ الْبَيّنَا ِ
ك يَلعَُنهُ ُم اللّ ُه َويَ ْلعَنُهُ مُ
س فِي الْكِتَا بِ أُولَ ـئِ َ
مِن َب ْعدِ مَا بَيّنّا هُ لِلنّا ِ
ُوبـ
َصـلَحُوْا وَبَيّنُواْ َفُأ ْولَــِئكَ َأت ُ
ِينـ تَابُوْا َوأ ْ
ُونـ ( )159إِل اّلذ َ
اللّاعِن َ
عَلَ ْي ِه ْم وََأنَا الّتوّابُ ال ّرحِيمُ (. ﴾ )160
قال قتادة ﴿ :إِنّ الّذِي َن َيكْتُمُو نَ مَا أَنزَلْنَا مِ َن اْلبَّينَا ِ
ت وَالْهُدَى مِن
َبعْدِ مَا َبّينّا هُ لِلنّا سِ فِي اْلكِتَا بِ ﴾ ،أولئك :أهل الكتاب كتموا السلم
و هو د ين ال ،وكتموا ممدًا و هم يدو نه مكتوبًا عند هم ف التوراة
والن يل .و ف الد يث عن ال نب قال « :من سئل عن علم فكت مه
ألم يوم القيامة بلجام من نار » .
وقوله تعال ﴿ :أُولَ ـئِكَ يَل َعُنهُ مُ اللّ ُه َويَ ْل َعُنهُ مُ اللّا ِعنُو نَ ﴾ ،أ صل
الل عن الطرد ،والبعاد .قال ما هد :إذا أجد بت الرض قالت البهائم :
هذا من أجل عصاة بن آدم ،لعن ال عصاة بن آدم .
ـلَحُوْا َوبَّينُواْ ﴾ ،أي :رجعوا وقوله تعال ﴿ :إِل الّذِين َ
ـ تَابُواْ َوأَص ْ
عما كانوا عليه من العاصي وأصلحوا أعمالم ،وبينوا للناس ما كتموا ﴿
َفُأوْلَـئِكَ َأتُوبُ عََلْيهِ ْم َوَأنَا الّتوّابُ الرّحِيمُ ﴾ .
قوله عز وجل ﴿ :إِ ّن الّذِينَ َك َفرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ ُكفّا ٌر أُولَئِكَ عَلَ ْي ِهمْ
خفّ فُ
َلعْنَ ُة اللّ هِ وَالْمَلئِ َكةِ وَالنّا سِ َأجْ َمعِيَ ( )161خَاِلدِي نَ فِيهَا َل يُ َ
عَ ْن ُهمُ اْل َعذَابُ وَ َل هُ ْم يُن َظرُونَ (. ﴾ )162
قال قتادة :إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه ال ،ث تلعنه اللئكة
ث يلعنه الناس أجعون .
185 توفيق الرحن ف دروس القرآن
إن ف هات ي اليت ي اسم ال الع ظم َ ﴿ :وإِلَ ـهُكُمْ إِلَ هٌ وَا ِحدٌ ل إِلَ هَ إِل
حيّ اْل َقيّومُ ﴾ » ُهوَ الرّحْمَنُ الرّحِيمُ ﴾ ،و ﴿ ال * اللّهُ لَ إِلَـهَ إِل ُهوَ الْ َ
.قال أبو الضحى ( :لا نزلت هذه الية قال الشركون :إن ممدًا يقول
:إن إلكم إله واحد ،فليأتنا بآية إن كان من ال صادقي ،فأنزل ال عز
ت وَالَرْضِـ ﴾ اليـة ) .قال عطاء : السـمَاوَا ِ
وجـل ﴿ :إِنّ فِي َخلْقِـ ّ
نزلت على النب بالدينة َ ﴿ :وإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَا ِحدٌ ل إِلَهَ إِل ُهوَ الرّ ْحمَنُ
الرّحِيمُ ﴾ ،فقال كفار قريش بكة :كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل
ت وَالَرْ ضِ وَا ْخِتلَ فِ الّليْلِ وَالّنهَارِ ال تعال ﴿ :إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَا ِ
ح ِر بِمَا يَنفَعُ النّاسَ ﴾ إل قوله ﴿ :ليَاتٍ جرِي فِي الْبَ ْ
ك اّلتِي تَ ْ
وَالْفُلْ ِ
ّل َقوْ مٍ يَ ْعقِلُو نَ ﴾ ،فبهذا يعلمون أنه إله واحد ،وأنه إله كل شيء وخالق
كل شيء .
ّهـ أَندَادا
ُونـ الل ِ
خ ُذ مِن د ِ
ّاسـ مَن يَتّ ِ
ِنـ الن ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وم َ
يُحِبّونَهُ مْ كَحُبّ اللّ ِه وَاّلذِي نَ آمَنُواْ َأ َشدّ حُبّا لّلّ ِه َولَ ْو َيرَى اّلذِي نَ ظَ َلمُواْ
ِإذْ َي َروْ َن الْ َعذَا بَ أَنّ الْ ُق ّوةَ لِلّ هِ جَمِيعا وَأَنّ اللّ هَ َشدِي ُد الْ َعذَا بِ ()165
ِمـ
َتـ ِبه ُ
َابـ َوَتقَ ّطع ْ
ِينـ اتّبَعُواْ وَ َرَأوُْا اْلعَذ َ
ِنـ الّذ َ
ِينـ اتِّبعُوْا م َ
ِإذْ تََب ّرأَ اّلذ َ
الَ سْبَابُ (َ )166وقَالَ اّلذِي َن اتّبَعُواْ َلوْ أَنّ لَنَا َك ّر ًة فَنَتََب ّرأَ مِ ْنهُ مْ كَمَا
ِمـ وَمَا هُم
َسـرَاتٍ عَلَ ْيه ْ
ُمـ ح َ
ّهـ أَ ْعمَالَه ْ
ِمـ الل ُ
ِكـ ُيرِيه ُ
تََبرّؤُواْ مِنّاـ َك َذل َ
ي ِمنَ النّارِ (. ﴾ )167
بِخَا ِرجِ َ
يذ كر تعال حال الشرك ي به ف الدن يا و ما ل م ف الخرة ،ح يث
جعلوا له ﴿ أَندَادا ﴾ ،أي :أمثالً ونظراء ،يعبدونمـ معـه ويبونمـ
187 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
189 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 190
للً طَيّبا
ض حَ َ
قوله عز وجل ﴿ :يَا َأّيهَا النّا سُ كُلُوْا مِمّا فِي الَرْ ِ
ت الشّيْطَا نِ إِنّ هُ َلكُ مْ َع ُدوّ مّبِيٌ (ِ )168إنّمَا َي ْأمُرُكُ مْ
وَ َل تَتِّبعُوْا خُطُوَا ِ
حشَاء وَأَن َتقُولُواْ عَلَى ال ّلهِ مَا لَ َتعْلَمُونَ (. ﴾ )169
بِالسّو ِء وَاْلفَ ْ
قال البغوي :نزلت ف :ثق يف ،وخزا عة ،وعا مر بن صعصعة ،
وبنـ مدل ،فيمـا حرموا على أنفسـهم مـن الرث والنعام ،والبحية
والسائبة ،والوصيلة ،والام .انتهى .
وف صحيح مسلم عن رسول ال أنه قال « :يقول ال تعال :إن
كـل مال منحتـه عبادي فهـو لمـ حلل ،وإنـ خلقـت عبادي حنفاء ،
فجاءت م الشياط ي فاجتالت هم عن دين هم ،وحر مت علي هم ما أحللت
لم » .وف الديث الخر « :اللل ما أحل ال ،والرام ما حرم ال
وما سكت عنه فهو عفو ،فاقبلوا من ال عافيته » .
ـ ﴾ ،أي :طرائقـه
شيْطَان ِ وقوله تعال ﴿ :وَ َل َتتِّبعُواْ خُ ُطوَات ِ
ـ ال ّ
وأوامره ﴿ ِإنّهُ َلكُ ْم عَ ُد ّو ّمبِيٌ ﴾ بيّن العداوة ،كما قال تعال ﴿ :يَا َبنِي
جّنةِ ﴾ ،وقال تعال شيْطَا نُ كَمَا أَخْ َر جَ َأَبوَيْكُم مّ َن الْ َ آدَ مَ َل َيفِْتَننّكُ مُ ال ّ
﴿ :أََفَتتّخِذُونَ هُ وَ ُذ ّرّيتَ هُ َأوْلِيَاء مِن دُونِي َوهُ مْ َلكُ مْ عَ ُد ّو ِبئْ سَ لِلظّالِمِيَ
ُوهـ عَ ُدوّا ِإنّمَا
خذ ُ ُمـ عَ ُدوّ فَاتّ ِ
َانـ َلك ْ
شيْط َ بَدَلً ﴾ ،وقال تعال ﴿ :إِنّ ال ّ
يَ ْدعُو حِ ْزبَهُ ِليَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السّعِيِ ﴾ .
قال قتادة :كـل معصـية ل فهـي مـن خطوات الشيطان .وقال ابـن
عباس :ما كان من يي أو نذر ف غضب ،فهو من خطوات الشيطان ،
وكفارته كفارة يي .
191 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن الثمر العلق فقال « :من أصاب منه من ذي حاجة بفيه ،غي متخذ
خبنة فل شيء عليه » .الديث .
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ الّذِي َن يَكْتُمُو َن مَا أَن َزلَ اللّ ُه مِ َن الْكِتَا بِ
ك مَا َيأْكُلُو َن فِي بُطُونِهِ مْ إِل النّا َر َولَ
ل أُولَ ـئِ َ
وََيشَْترُو نَ بِ ِه ثَمَنا قَلِي ً
ِيمـ ()174
َابـ َأل ٌ
ُمـ َعذ ٌ
ِمـ َوَله ْ
ْمـ الْقِيَامَ ِة وَ َل ُيزَكّيه ْ
ّهـ َيو َ
ُمـ الل ُ
يُكَلّ ُمه ُ
ب بِالْ َم ْغ ِف َرةِ فَمَا أَصَْب َر ُهمْ
لَلةَ بِاْلهُدَى وَاْل َعذَا َ
ك الّذِي َن اشْتَ َر ُواْ الضّ َ
أُولَـئِ َ
ِينـ
َابـ بِالْحَق ّ َوإِن ّ اّلذ َ
ّهـ َنزّ َل الْكِت َ
ِكـ ِبأَن ّ الل َ
عَلَى النّارِ (َ )175ذل َ
ق َبعِيدٍ (. ﴾ )176
اخْتَ َلفُوْا فِي اْلكِتَابِ لَفِي ِشقَا ٍ
نزلت ف رؤ ساء اليهود وعلمائ هم ،كتموا صفة م مد الثاب تة ف
كتبهم ،لئل تذهب برياستهم ومآكلهم ،والية عامة ف كل من كتم
العلم لجل ذلك ﴿ أُولَـئِكَ مَا َيأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِمْ إِل النّارَ ﴾ ،يعن :
إل ما يؤديهم إل النار ،وهو :الرشوة ،والرام ،وثن الدين ،كما قال
تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِي نَ َيأْكُلُو نَ َأ ْموَالَ الَْيتَامَى ظُلْما ِإنّمَا َيأْكُلُو نَ فِي بُطُونِهِ مْ
نَارا وَ َسَيصَْلوْنَ َسعِيا ﴾ .وف الديث الصحيح عن النب « :إنكم
تتصمون إلّ ،ولعل بعضكم أن يكون أبلغ بجته من بعض ،فأقضي له
بنحوٍ ما أسع ،فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنا أقطع له قطعة
من النار ،فليأخذها أو يدعها » .وف الديث الخر « :الذي يشرب
ف إناء الذهب والفضة ،إنا يرجر ف بطنه نار جهنم » .
ُمـ
ِمـ وََله ْ
ْمـ اْلقِيَا َم ِة وَلَ يُزَكّيه ْ
ّهـ َيو َ وقوله تعال ﴿ :وَ َل ُيكَلّ ُمه ُ
ُمـ الل ُ
عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ .
195 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ب َولَ ـكِنّ
ق وَالْ َمغْرِ ِ
شرِ ِ
س الْبِ ّر أَن ُتوَلّواْ ُوجُوهَكُ مْ قَِب َل الْ َم ْ
﴿ لّيْ َ
ب وَالنّبِيّيَ وَآتَى
الْبِ ّر مَ نْ آمَ نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخ ِر وَالْمَلئِ َكةِ وَالْكِتَا ِ
السـبِيلِ
ْنـ ّي وَاب َ
ّهـ َذوِي الْ ُقرْب َى وَالْيَتَام َى وَالْمَسـَاكِ َ
الْمَالَ عَلَى حُب ِ
ي َوفِي ال ّرقَا بِ َوَأقَا مَ ال صّل َة وَآتَى الزّكَا َة وَالْمُوفُو َن ِب َعهْ ِدهِ مْ
وَال سّآئِلِ َ
ْسـ أُولَــِئكَ
ضرّاء وَحِيَ الْبَأ ِ
ِإذَا عَا َهدُواْ وَالصـّاِبرِينَ فِي الَْبأْسـَاء وال ّ
ك هُ ُم الْمُّتقُونَ ( )177يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ
صدَقُوا َوأُولَـئِ َ
الّذِينَ َ
ح ّر وَاْلعَ ْبدُ بِالْعَ ْب ِد وَالُنثَى بِالُنثَى
ح ّر بِالْ ُ
ص فِي اْلقَتْلَى الْ ُ
عَلَ ْيكُ مُ اْلقِ صَا ُ
ف وََأدَاء ِإلَيْ ِه ِبإِحْ سَانٍ ذَلِ كَ
ع بِالْ َم ْعرُو ِ
فَمَ نْ ُعفِ يَ لَ ُه مِ نْ َأخِي هِ َشيْ ٌء فَاتّبَا ٌ
ف مّ ن ّرّبكُ مْ وَ َرحْ َمةٌ فَمَ نِ ا ْعَتدَى َب ْعدَ َذلِ كَ فَلَ هُ َعذَا بٌ َألِي مٌ (
خفِي ٌ
تَ ْ
ب َلعَلّكُ ْم تَّتقُونَ ()179
)178وََلكُ ْم فِي اْلقِصَاصِ حَيَا ٌة َياْ أُولِيْ ا َللْبَا ِ
ض َر أَ َحدَكُ ُم الْ َموْ تُ إِن َترَ كَ خَيْرا اْلوَ صِّي ُة لِ ْلوَاِل َديْ نِ
كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ْم ِإذَا حَ َ
ف َحقّا عَلَى الْمُّتقِيَ ( )180فَمَن َب ّدلَ ُه َبعْ َد مَا سَ ِم َعهُ
وَالقْ َربِيَ بِالْ َمعْرُو ِ
َفإِنّمَا ِإثْمُ هُ عَلَى اّلذِي َن يَُبدّلُونَ ُه إِنّ اللّ هَ سَمِيعٌ عَلِي مٌ ( )181فَمَ ْن خَا فَ
ل ِإثْ مَ عَلَيْ ِه إِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ
ح بَيَْنهُ ْم فَ َ
مِن مّو صٍ جَنَفا َأوْ إِثْما َفأَ صْلَ َ
(. ﴾ )182
***
197 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِقـ
ُمـ قَِب َل الْ َمشْر ِ
ْسـ الِْبرّ أَن ُت َولّواْ وُجُو َهك ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :لّي َ
وَالْ َم ْغرِبِ َولَـ ِكنّ الِْب ّر مَنْ آمَ َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخ ِر وَالْمَلئِ َكةِ وَالْكِتَابِ
ي وَابْ نَ
وَالنّبِيّيَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبّ ِه َذوِي اْل ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ َ
ب وََأقَا َم ال صّل َة وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُو نَ
ي وَفِي الرّقَا ِ
ال سّبِيلِ وَال سّآئِ ِل َ
ْسـ
ِمـ ِإذَا عَا َهدُواْ وَالصـّاِبرِينَ ف ِي الَْبأْسـَاء والضّرّاء َوحِي َ الْبَأ ِ
ِبعَ ْه ِده ْ
ص َدقُوا َوأُولَـِئكَ ُهمُ الْمُّتقُونَ (. ﴾ )177
أُولَـِئكَ اّلذِينَ َ
الب :كـل عمـل خيـ يفضـي بصـاحبه إل النـة .قال أبـو العاليـة :
كا نت اليهود تق بل ق بل الغرب ،وكا نت الن صارى تق بل ق بل الشرق ،
فقال ال تعال ّ ﴿ :ليْســَ اْلبِرّ أَن ُتوَلّواْ وُجُو َهكُمــْ ِقبَ َل الْمَشْرِقــِ
وَالْ َمغْرِ بِ ﴾ .يقول :هذا كلم اليان وحقي قة الع مل .وقال ما هد :
ول كن الب ما ث بت ف القلوب من طا عة ال عز و جل .وقال الثوري
﴿ :وَلَ ـكِ ّن الْبِ ّر مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَاْليَوْ مِ ال ِخرِ ﴾ ،ال ية ،قال :هذه
أنواع الب كلها .
وقوله تعال ﴿ :وَلَـكِ ّن اْلبِ ّر مَ نْ آمَ َن بِاللّ هِ ﴾ ،أي :بأنه ل إله إل
هو ول رب سواه ،وآ من باليوم بال خر :و هو يوم القيا مة ،و صدق
بوجود اللئكة الذين هم عباد الرحن ،وصدق بالكتاب أي :القرآن ،
وج يع الك تب النلة من ال سماء على ال نبياء ،وآ من بال نبيي كل هم .
ّهـ ﴾ ،أي :أعطاه وهـو مبـ له ﴿ َذوِي ﴿ وَآت َى الْمَا َل عَلَى ُحب ِ
سبِي ِل وَال سّآئِلِيَ وَفِي الرّقَا بِ ﴾ ،أي
الْقُ ْربَى وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِيَ وَابْ نَ ال ّ
:فكها من الرق ،وهي عامة ف الكاتبي وف العتق وف فداء السي ﴿
َوأَقَا مَ ال صّلةَ ﴾ ،أي :وأت ها ف أوقات ا على الو جه الر ضي ﴿ وَآتَى
الزء الول 198
يقول تعال :فمن بدل الوصية فزاد فيها أو نقص ﴿ فَِإنّمَا ِإثْمُ ُه عَلَى
الّذِي نَ يُبَدّلُونَ ُه ﴾ ،واليت بريء منه ،وقد وقع أجره على ال ﴿ ِإنّ اللّ َه
سَمِي ٌع عَلِي مٌ ﴾ ،أي :قد اطلع على ما أو صى به ال يت وعلى ما غيه
البدل ،ل تفى عليه خافية .
ـ َجنَفا ﴾ ،أي :جورًا
ـ مِـن مّوص ٍ وقوله تعال َ ﴿ :فمَن ْ
ـ خَاف َ
وعدولً عن ال ق ،أي :ظلمًا .قال ال سدي وغيه :ال نف :ال طأ ،
والث :العمد ﴿ َفأَ صْلَ َح َبْيَنهُ مْ َفلَ إِثْ َم عََليْ هِ ﴾ ،قال ماهد :معن الية
:أن الرجـل إذا حضـر مريضًا وهـو يوصـي فرآه ييـل إمـا بتقصـي أو
إ سراف ،أو و ضع الو صية ف غ ي موضع ها ،فل حرج على من حضره
أن يأمره بالعدل وينهاه عن ال نف ،فين ظر للمو صى له والور ثة .وقال
ف مِن مّو صٍ َجنَفا ﴾ ،يع ن :إثًا ، ا بن عباس ف قوله ﴿ :فَمَ نْ خَا َ
يقول :إذا أخطـأ اليـت فـ وصـيته أو حاف فيهـا ،فليـس على الولياء
حرج أن يردوا خطأه إل ال صواب .وقال قتادة ف قوله ﴿ :فَمَ نْ خَا فَ
مِن مّو صٍ َجنَفا َأوْ إِثْما ﴾ قال :هو الرجل يوصي فيحيف ف وصيته ،
فيدها الوال إل الق والعدل .وقال أيضًا :من أوصى بور أو جنف ف
و صيته ،فرد ها وال التو ف إل كتاب ال وإل العدل ،فذاك له ،أو إمام
من أئمة السلمي .وعن شهر بن حوشب عن أب هريرة رضي ال عنه
قال :قال رسول ال « :إن الرجل ليعمل بعمل أهل الي سبعي سنة
،فإذا أو صى حاف ف و صيته فيخ تم له ب شر عمله فيد خل النار ،وإن
الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعي سنة ،فيعدل ف وصيته ،فيختم له
ب ي عمله فيد خل ال نة » .قال أ بو هريرة :اقرءوا إن شئ تم ﴿ :تِلْ كَ
205 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حُدُودُ اللّ هِ ﴾ الية ،رواه عبد الرزاق .يشي إل قوله تعال ﴿ :مِن َبعْ ِد
صّي ًة مّ نَ اللّ ِه وَاللّ ُه عَلِي مٌ َحلِي مٌ *صّي ٍة يُو صَى بِهَا َأوْ َديْ ٍن َغيْ َر ُمضَآ ّر وَ ِ وَ ِ
حِتهَا
جرِي مِن تَ ْ ت تَ ْ تِلْ كَ حُدُودُ اللّ ِه وَمَن يُ ِط عِ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه يُدْ ِخلْ هُ َجنّا ٍ
ك اْل َفوْ ُز الْعَظِي مُ * َومَن َيعْ صِ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه َويََتعَدّ الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا َوذَلِ َ
ب ّمهِيٌ ﴾ . حُدُو َدهُ يُ ْدخِلْ ُه نَارا خَالِدا فِيهَا وَلَهُ عَذَا ٌ
وقوله تعال ﴿ :إِنّ اللّ هَ غَفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ف يه :ال ث على ترك ال ث
واليل ،وفعل الصلح ،ليحصل الغفران والرحة .وبال التوفيق .
***
الزء الول 206
الدرس العشرون
﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ كُتِ بَ َعلَ ْيكُ ُم ال صّيَامُ كَمَا كُتِ بَ عَلَى اّلذِي نَ
مِن قَبْ ِلكُ مْ َلعَ ّلكُ مْ تَتّقُو نَ (َ )183أيّاما مّ ْعدُودَاتٍـ فَمَن كَا َن مِنكُم
ّمرِيضا أَوْ عَلَى َسفَ ٍر َف ِعدّ ٌة مّ نْ أَيّا ٍم ُأخَ َر وَعَلَى اّلذِي نَ يُطِيقُونَ ُه ِفدَْيةٌ َطعَا مُ
ع خَيْرا َف ُهوَ خَ ْي ٌر لّ هُ َوأَن تَ صُومُوْا خَ ْيرٌ ّلكُ مْ إِن كُنتُ مْ
ي فَمَن تَ َطوّ َ
مِ سْكِ ٍ
َتعْلَمُو نَ (َ )184ش ْهرُ َرمَضَا نَ اّلذِ يَ أُنزِ َل فِي ِه الْ ُقرْآ ُن ُهدًى لّلنّا سِ
ص ْمهُ َومَن كَا نَ
ش ْهرَ فَلْيَ ُ
وَبَيّنَا تٍ مّ َن الْ ُهدَى وَاْلفُ ْرقَا ِن فَمَن شَ ِهدَ مِنكُ مُ ال ّ
َمرِيضا أَوْ عَلَى َسفَ ٍر َف ِعدّ ٌة مّ نْ أَيّا ٍم ُأخَ َر ُيرِي ُد اللّ ُه ِبكُ ُم الْيُ سْ َر َولَ ُيرِيدُ
ُمـ
ُمـ َوَلعَلّك ْ
ّهـ عَلَى مَا َهدَاك ْ
ُسـرَ َولُِتكْمِلُوْا الْ ِع ّدةَ وَلُِتكَّبرُواْ الل َ
ُمـ اْلع ْ
بِك ُ
َتشْ ُكرُو نَ (َ )185وِإذَا َسَألَكَ عِبَادِي عَنّ ي َفِإنّ ي َقرِي بٌ ُأجِي بُ َد ْع َوةَ
ع ِإذَا دَعَا ِن فَلْيَ سْتَجِيبُوْا لِي َولْيُ ْؤمِنُوْا بِي َلعَ ّلهُ مْ َي ْرشُدُو نَ ()186
الدّا ِ
س ّلكُ ْم َوأَنتُ مْ لِبَا سٌ
ث ِإلَى نِ سَآِئكُ ْم هُنّ لِبَا ٌ
أُ ِح ّل لَكُ ْم لَيْ َلةَ ال صّيَا ِم ال ّرفَ ُ
سكُ ْم فَتَا بَ عَلَ ْيكُ ْم وَ َعفَا عَنكُ مْ
ّلهُنّ عَلِ َم اللّ ُه َأنّكُ مْ كُنتُ مْ َتخْتانُو نَ أَنفُ َ
ب اللّ هُ َلكُ مْ وَكُلُوْا وَا ْشرَبُواْ حَتّ ى يَتَبَيّ نَ
فَال نَ بَاشِرُوهُنّ وَابَْتغُواْ مَا كَتَ َ
جرِ ُثمّ َأتِمّواْ ال صّيَا َم ِإلَى
ض مِ نَ الْخَ ْي طِ الَ ْس َودِ مِ نَ اْلفَ ْ
ط الَبْيَ ُ
لَكُ مُ الْخَيْ ُ
الّليْ ِل َولَ تُبَاشِرُوهُنّ َوأَنتُ مْ عَا ِكفُو نَ فِي الْمَ سَاجِ ِد تِلْ كَ ُحدُو ُد اللّ هِ فَلَ
س َلعَ ّلهُ مْ يَّتقُو نَ ( )187وَ َل َتأْكُلُواْ
َتقْ َربُوهَا َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ اللّ هُ آيَاتِ ِه لِلنّا ِ
حكّا ِم لَِتأْكُلُوْا َفرِيقا مّ ْن َأمْوَالِ
َأمْوَاَلكُم بَيَْنكُم بِالْبَا ِطلِ َوُتدْلُواْ ِبهَا ِإلَى الْ ُ
س بِا ِلثْ ِم َوأَنُت ْم َتعْلَمُونَ (. ﴾ )188
النّا ِ
***
207 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الكـبية ،إذا ل يطيقـا الصـوم أن يفطرا ويطعمـا كـل يوم مسـكينًا ،
وللحبلى إذا خش يت على ما ف بطن ها ،وللمر ضع إذا ما خش يت على
ولدها .
وقوله تعال ﴿ :إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ ﴾ .قال ا بن جر ير :يع ن :إن
ـ الذيـن آمنوا مـن الفطار والفديـة
كنتـم تعلمون خيـ المريـن لكـم أيه ا
والصوم على ما أمركم ال به .
ْآنـ ُهدًى
ِيهـ الْ ُقر ُ
ِيـ أُنزِ َل ف ِ
َانـ الّذ َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :ش ْهرُ َرمَض َ
ص ْمهُ
ت مّ َن الْ ُهدَى وَاْلفُ ْرقَا ِن فَمَن شَ ِهدَ مِنكُ ُم الشّ ْه َر فَلْيَ ُ
س وَبَيّنَا ٍ
لّلنّا ِ
سرَ
وَمَن كَا َن َمرِيضا َأوْ َعلَى َس َفرٍ َف ِع ّدةٌ مّ ْن َأيّا ٍم ُأ َخرَ ُيرِي ُد اللّ هُ ِبكُ مُ الْيُ ْ
ُمـ
ّهـ عَلَى مَا َهدَاك ْ
ُسـرَ َولُِتكْمِلُوْا الْ ِع ّدةَ وَلُِتكَّبرُواْ الل َ
ُمـ اْلع ْ
وَ َل ُيرِي ُد بِك ُ
وََلعَ ّلكُ ْم َتشْ ُكرُونَ (. ﴾ )185
يدح تعال هذا الشهـر ؛ لنـه أنزل فيـه القرآن ،وفرض صـيامه على
السلمي .وروى المام أحد عن واثلة بن السقع أن رسول ال قال
« :أنزلت صـحف إبراهيـم فـ أول ليلة مـن رمضان ،وأنزلت التوراة
لسـت مضيـ مـن رمضان ،والنيـل لثلث عشرة خلت مـن رمضان ،
وأنزل ال القرآن لربع وعشرين خلت من رمضان » .وقال ابن عباس :
نزل القرآن فـ شهـر رمضان فـ ليلة القدر إل هذه السـماء الدنيـا جلة
واحدة ،وكان ال يدث لنـبيه مـا يشاء ،ول ييـء الشركون بثـل
يا صمون به إل جاء هم ال بوا به ،وذلك قوله تعال ﴿ :وَقَا َل الّذِي نَ
َكفَرُوا َلوْلَا نُزّ َل عََليْ هِ اْلقُرْآ نُ جُ ْمَل ًة وَاحِ َدةً َكذَلِ كَ ِلنَُثبّ تَ بِ هِ ُفؤَادَ كَ وَ َرتّ ْلنَا هُ
ح ّق َوأَحْسَ َن َتفْسِيا ﴾ . ك بِ َمثَلٍ إِلّا ِجْئنَاكَ بِالْ َ
تَ ْرتِيلً * وَلَا َي ْأتُونَ َ
الزء الول 210
الرفث :كناية عن جاع .قال ابن عباس :إن ال حيي كري يكن
كـل مـا ذكـر فـ القرآن مـن الباشرة واللمسـة ،والفضاء والدخول
والر فث ،فإن ا ع ن به الماع ،وقال أيضًا :كان ال سلمون ف ش هر
رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إل مثلها من القابلة ،
ث إن أنا سًا من السلمي أصابوا من النساء والطعام ف شهر رمضان بعد
العشاء ،منهم عمر بن الطاب ،فشكوا ذلك إل رسول ال ،فأنزل
ب عََلْيكُ مْ َو َعفَا
سكُمْ َفتَا َ
ال تعال ﴿ :عَِل مَ اللّ هُ َأنّكُ مْ كُنتُ ْم تَخْتانُو نَ أَنفُ َ
عَنكُمْ فَالنَ بَاشِرُوهُنّ ﴾ الية .
وعن عبد الرحن بن أب ليلى قال ( :قام عمر بن الطاب رضي ال
ع نه ،فقال :يا ر سول ال إ ن أردت أهلي البار حة على ما ير يد الر جل
أهله ،فقالت :إناـ قـد نامـت .فظننتهـا تعتـل ،فواقعتهـا ،فنل فـ
عمر ﴿ أُحِلّ َلكُمْ َليَْل َة الصّيَامِ الرَّفثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :هُنّ ِلبَاسٌـّلكُم ْـ ﴾ ،أي :سـكن لكـم َ ﴿ .وأَنتُم ْـ
سكُنَ إَِليْهَا ﴾ ،
ِلبَاسٌ ّلهُنّ ﴾ .كما قال تعال ﴿ :وَ َجعَ َل ِمْنهَا َزوْ َجهَا ِليَ ْ
وقال تعال َ ﴿ :و َجعَلْنَا الّليْلَ ِلبَا سا ﴾ ،وقال تعال ﴿ :اللّ ُه الّذِي َجعَلَ
َلكُ مُ الّليْلَ ِلتَ سْ ُكنُوا فِي هِ ﴾ ،وقال الربيع بن أنس :هنّ فراش لكم وأنتم
لاف لنّ .
وقوله تعال ﴿ :فَالنَ بَاشِرُوهُنّ ﴾ ،أي :جامعوهن ﴿ .وَاْبتَغُواْ مَا
َكتَبَ اللّهُ َلكُمْ ﴾ .قال قتادة :وابتغوا الرخصة الت كتب ال كم بإباحة
الكل والشرب والماع ف اللوح الحفوظ .
الزء الول 214
ط ا َلبْيَ ضُ مِ نَ وقوله تعال ﴿ :وَكُلُوْا وَاشْ َربُواْ َحتّ ى َيَتبَيّ نَ َلكُ ُم الْ َ
خيْ ُ
خيْ طِ الَ ْسوَ ِد مِ َن اْلفَجْرِ ثُمّ َأتِمّوْا ال صّيَامَ إِلَى الّليْلِ ﴾ ،ف ال صحيحي
الْ َ
عن عدي بن حات قال ( :لا نزلت هذه الية ﴿ :وَكُلُواْ وَاشْ َربُواْ َحتّى
ط الَ ْسوَدِ ﴾ .عمدت إل عقال ي خيْ ِ
ض مِ نَ الْ َ
ط ا َلبْيَ ُخيْ ُ
َيتََبيّ نَ َلكُ ُم الْ َ
أحده ا أ سود ،وال خر أب يض ،قال :فجعلته ما ت ت و سادت .قال :
فجعلت أن ظر إليه ما فل ما تبي ل الب يض من ال سود أم سكت ،فل ما
أ صبحت غدوت إل ر سول ال فأ خبته بالذي صنعت ،فقال « :إن
و سادك إذًا لعر يض .إن ا ذلك بياض النهار من سواد الل يل » .وروى
مسلم وغيه عن سرة بن جندب قال :قال رسول ال « :ل ينعكم
من سحوركم أذان بلل ،ول الفجر الستطيل ،ولكن الفجر الستطيل
ف الفق » .ولحد ،والترمذي عن طلق أن رسول ال قال « :كلوا
واشربوا ول يهدينكم الساطع الصعد ،فكلوا واشربوا حت يعترض لكم
الح ر » .وقال ا بن عباس :ه ا فجران ،فأ ما الذي ي سطع ف ال سماء
فل يس ي ل ول يرم شيئًا ،ول كن الف جر الذي ي ستني على رؤوس البال
هو الذي يرم الشراب .رواه عبد الرزاق .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ َأتِمّوْا ال ّ
صيَامَ إِلَى الّليْلِ ﴾ ،ف ال صحيحي عن
عمر بن الطاب رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :إذا أقبل الليل
من ها هنا ،وأدبر النهار من ها هنا ،فقد أفطر الصائم » .ولسلم « :
وغابت الشمس » .
وقوله تعال ﴿ :وَ َل ُتبَاشِرُوهُنّ َوأَنتُ ْم عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ .قال
ا بن عباس :هذا ف الر جل يعت كف ف ال سجد ف رمضان ،أو ف غ ي
215 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س الِْبرّ
﴿ يَ سَْألُوَنكَ عَ ِن الهِ ّل ِة ُقلْ هِ َي َموَاقِي تُ لِلنّا سِ وَالْحَجّ َولَيْ َ
ت مِ نْ
ِبأَ نْ َت ْأتُ ْواْ الْبُيُو تَ مِن ُظهُو ِرهَا َولَـ ِك ّن الْبِ ّر مَ نِ اّتقَى َوأْتُواْ الْبُيُو َ
َأبْوَاِبهَا وَاّتقُوْا اللّ هَ لَعَ ّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ (َ )189وقَاتِلُوْا فِي سَبِيلِ اللّ هِ اّلذِي نَ
ُمـ
ِينـ ( )190وَاقْتُلُوه ْ
ّهـ لَ يُحِبّ الْ ُمعَْتد َ
ُمـ َولَ َتعَْتدُواْ إِنّ الل َ
ُيقَاتِلُوَنك ْ
حَيْثُـَث ِقفْتُمُوهُم ْـ َوأَ ْخرِجُوهُم مّن ْـ حَيْثُـأَ ْخ َرجُوكُم ْـ وَالْفِتَْن ُة أَ َش ّد مِنَـ
ِيهـ َفإِن
ُمـ ف ِ
َامـ حَتّىـ ُيقَاتِلُوك ْ
حر ِ جدِ الْ َ
َسـ ِ
ُمـ عِن َد الْم ْ
الْقَ ْت ِل وَ َل ُتقَاتِلُوه ْ
قَاتَلُوكُ ْم فَاقْتُلُوهُ مْ َك َذلِ كَ َجزَاء اْلكَا ِفرِي نَ (َ )191فإِ ِن انَتهَ ْواْ َفإِنّ اللّ هَ
َغفُورٌ ّرحِي مٌ (َ )192وقَاتِلُوهُ مْ حَتّ ى َل تَكُو َن فِتَْن ٌة َويَكُو َن الدّي ُن لِلّ هِ
ش ْهرِ
حرَا ُم بِال ّ
ش ْهرُ الْ َ
َفإِ نِ انَتهَوْا فَلَ ُع ْدوَا َن إِل عَلَى الظّالِ ِميَ ( )193ال ّ
ح ُرمَا تُ قِ صَاصٌ فَمَ نِ اعَْتدَى عَلَ ْيكُ مْ فَاعَْتدُواْ عَلَيْ ِه بِمِ ْث ِل مَا
حرَا ِم وَالْ ُ
الْ َ
اعَْتدَى عَلَ ْيكُ ْم وَاّتقُواْ اللّ هَ وَاعْلَمُوْا أَنّ اللّ َه مَ َع الْمُّتقِيَ (َ )194وأَن ِفقُواْ
فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَ َل تُ ْلقُوْا بَِأْيدِيكُ مْ ِإلَى الّتهْلُ َك ِة وََأحْ سِنُ َوْا إِنّ اللّ َه يُحِبّ
حسِنِيَ (. ﴾ )195
الْمُ ْ
***
الزء الول 218
ت لِلنّا سِ
سأَلُوَنكَ عَ نِ الهِ ّلةِ ُق ْل هِ َي َموَاقِي ُ
قوله عز و جل ﴿ :يَ ْ
ت مِن ُظهُورِهَا وَلَـ ِكنّ الِْب ّر مَ نِ اّتقَى
س الِْبرّ ِبأَ ْن َتأُْت ْواْ الْبُيُو َ
وَالْحَجّ وَلَيْ َ
ت ِمنْ َأْبوَاِبهَا وَاّتقُوْا اللّ َه َلعَلّ ُك ْم تُفْلِحُونَ (. ﴾ )189
وَْأتُوْا الْبُيُو َ
عن الهلة ، قال العوف عن ابن عباس ( :سأل الناس رسول ال
ّاسـ
ِيتـ لِلن ِ
ِيـ َموَاق ُ
َنـ الهِّلةِ ُق ْل ه َ
كع َِسـأَلُونَ َ
فنلت هذه اليـة ﴿ :ي ْ
﴾ يعلمون با حل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم ) .
و عن ا بن ع مر قال :قال ر سول ال « :ج عل ال الهلة مواق يت
للناس ف صوموا لرؤي ته ،وأفطروا لرؤي ته ،فإن غ مّ علي كم فعدوا ثلث ي
يومًا » .رواه عبد الرزاق .
وقوله تعال ﴿ :وََليْ َ
س الْبِ ّر ِبأَ نْ َت ْأتُ ْوْا الُْبيُو تَ مِن ُظهُورِهَا ﴾ روى
البخاري عـن الباء قال :كانوا إذا أحرموا فـ الاهليـة أتوا البيـت مـن
ظهره ،فأنزل ال ﴿ :وََليْ سَ اْلبِ ّر ِبأَ ْن َتأُْت ْواْ اْلُبيُو تَ مِن ُظهُو ِرهَا وَلَـكِنّ
ت مِنْ َأْبوَاِبهَا ﴾ . الْبِ ّر مَنِ اّتقَى َوْأتُوْا اْلبُيُو َ
وقوله تعال ﴿ :وَاّتقُواْ اللّ هَ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ ﴾ أي :اتقوا ال فافعلوا
ما أمركم به واتركوا ما ناكم عنه لتفوزوا غدًا إذا وقفتم بي يديه .
ُمـ َولَ
ِينـُيقَاتِلُوَنك ْ
ّهـ الّذ َ
سـبِي ِل الل ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَاتِلُواْ فِي َ
ب الْ ُمعَْتدِينَ (. ﴾ )190
َتعْتَدُواْ إِ ّن ال ّلهَ َل يُحِ ّ
قال عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه :إن ذلك ف النساء والذرية ،
ومـن ل ينصـب لك الرب منهـم .وقال ابـن عباس :يقول :ل تقتلوا
النساء ول الصبيان ول الشيخ الكبي ،ول من ألقى إليكم السلم وكف
219 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يده ،فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم .وقال الرب يع :هذه أول آ ية نزلت ف
القتال بالدي نة ،فل ما نزلت كان ر سول ال يقا تل من يقاتله ،ويك فّ
ف عنه حت نزلت براءة .عم ك ّ
ث َث ِقفْتُمُو ُه ْم وََأ ْخرِجُوهُم مّ ْن حَيْثُ
قوله عز وجل ﴿ :وَاقْتُلُو ُهمْ حَيْ ُ
حرَا مِ
ج ِد الْ َ
أَ ْخ َرجُوكُ ْم وَاْلفِتَْنةُ َأشَ ّد مِ نَ اْلقَ ْتلِ َو َل تُقَاتِلُوهُ مْ عِندَ الْمَ سْ ِ
حَتّىـُيقَاتِلُوكُم ْـ فِيهِـ َفإِن قَاتَلُوكُم ْـ فَاقْتُلُوهُم ْـ َك َذلِكَـ َجزَاء الْكَافِرِينَـ (
َ )191فإِنِ انَت َهوْْا َفإِنّ ال ّلهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (. ﴾ )192
قال البغوي :أ صل الثقا فة ال ّذ والب صر بال مر ،ومعناه :واقتلو هم
حيـث أبصـرت مقاتلتهـم وتكنتـم مـن قتلهـم ،وأخرجوهـم مـن حيـث
أخرجو كم ،وذلك أن م أخرجوا ال سلمي من م كة .فقال :أخرجو هم
من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم .
وقوله تعال ﴿ :وَاْلفِْتَنةُ َأشَ ّد مِ َن اْل َقتْلِ ﴾ قال ما هد وغيه :يقول :
الشرك أشد من القتل .
وقوله تعال ﴿ :وَ َل ُتقَاتِلُوهُ ْم عِندَ الْمَ سْ ِ
ج ِد الْحَرَا مِ َحتّ ى ُيقَاتِلُوكُ مْ
فِي هِ َفإِن قَاتَلُوكُ مْ فَا ْقُتلُوهُ مْ َكذَلِ كَ جَزَاء اْلكَافِرِي نَ * فَإِ نِ انَت َهوْاْ فَإِنّ اللّ هَ
َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ .
قال ا بن كث ي :وقوله ﴿ :وَ َل ُتقَاتِلُوهُ مْ عِن َد الْمَ سْجِ ِد الْ َ
حرَا مِ ﴾ ك ما
جاء فـ الصـحيحي « :إن هذا البلد حرمـه ال يوم خلق السـماوات
والرض ،فهو حرام برمة ال إل يوم القيامة ،ول يل ل إل ساعة من
نار ،وإناـ سـاعت هذه حرام برمـة ال إل يوم القيامـة ،ل يعضـد
الزء الول 220
شجره ،ول يتلى خله ،فإن أحد ترخص بقتال رسول ال ،فقولوا
:إن ال أذن لر سوله ول يأذن ل كم » ،يع ن بذلك صلوات ال و سلمه
عليه :قتاله أهله يوم فتح مكة ،فإنه فتحها عنوة وقتلت رجال منهم عند
الندمة ،وقيل :صلحًا ؛ لقوله « :من أغلق بابه فهو آمن ،ومن دخل
السجد فهو آمن ،ومن دخل دار أب سفيان فهو آمن » .
وقوله َ ﴿ :حتّ ى ُيقَاتِلُوكُ مْ فِي هِ فَإِن قَاتَلُوكُ مْ فَا ْقتُلُوهُ مْ كَذَلِ كَ جَزَاء
سجِ ِد الْحَرَا مِ ﴾ إل الْكَافِرِي نَ ﴾ ،يقول تعال ﴿ :وَ َل ُتقَاتِلُوهُ ْم عِن َد الْمَ ْ
أن يبدءوكم بالقتال فيه ،فلكم حينئ ٍذ قتالم وقتلهم دفعًا للصائل ،كما
با يع ال نب أ صحابه يوم الديب ية ت ت الشجرة على القتال ؛ ل ا تأل بت
عليه بطون قريش ،ومن والهم من أحياء ثقيف ،والحابيش عامئذ ،ث
كفّ ال القتال بينهم ،فقال َ ﴿ :و ُهوَ الّذِي كَفّ َأيْ ِدَيهُ ْم عَنكُ ْم َوَأيْ ِديَكُمْ
﴿ وََلوْلَا عَنْهُم ِببَطْ ِن َم ّكةَ مِن َبعْدِ أَ نْ أَ ْظفَرَكُ ْم عََلْيهِ مْ ﴾ .وقال :
رِجَا ٌل ّم ْؤمِنُو نَ َونِ سَاء ّم ْؤمِنَا تٌ لّ ْم َتعْلَمُوهُ مْ أَن تَ َطؤُوهُ مْ َفتُ صِيَبكُم ّمنْهُم
ّمعَ ّرةٌ ِب َغيْ ِر عِلْ مٍ ِليُدْخِلَ اللّ هُ فِي َرحْ َمتِ هِ مَن يَشَاءُ َل ْو تَ َزيّلُوا َلعَ ّذبْنَا الّذِي نَ
َكفَرُوا ِمْنهُ ْم عَذَابا أَلِيما ﴾ .
ِيمـ ﴾ ،أي :فإن تركوا
ّهـ َغفُورٌ رّح ٌ وقوله ﴿ :فَإ ِ
ِنـ انتَ َه ْواْ َفإِن ّ الل َ
القتال ف الرام ،وأنابوا إل الِسلم والتوبة ؛ فإن ال يغفر ذنوبم ؛ ولو
كانوا قد قتلوا السلمي ف حرم ال ،فإنه تعال ل يتعاظمه ذنب أن يغفره
لن تاب منه إليه .انتهى .
قوله عز وجل َ ﴿ :وقَاتِلُوهُ ْم حَتّى َل تَكُو َن فِتَْنةٌ َوَيكُو َن الدّي نُ لِلّ هِ
َفإِنِ انَتهَوْا فَلَ ُع ْدوَا َن إِل عَلَى الظّالِ ِميَ (. ﴾ )193
221 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
225 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ص ْرُتمْ فَمَا
قوله عز و جل َ ﴿ :وَأتِمّوْا الْحَجّ وَاْلعُ ْم َرةَ لِلّ هِ َفإِ نْ ُأحْ ِ
ي مَحِلّ هُ فَمَن
ي َولَ تَحْ ِلقُواْ ُرؤُو سَ ُكمْ حَتّى يَبْلُ َغ الْ َهدْ ُ
س َر مِ نَ اْلهَدْ ِ
ا سْتَ ْي َ
ص َدقَ ٍة َأوْ
كَا َن مِنكُم ّمرِيضا أَ ْو بِ ِه َأذًى مّ ن ّرأْ سِ ِه َف ِفدَْيةٌ مّ ن صِيَامٍ أَوْ َ
ُنسُكٍ ﴾ .
لاـ ذكـر تعال أحكام الصـيام وعطـف بذكـر الهاد ،شرع فـ بيان
الناسـك فقال َ ﴿ :وأَتِمّوْا الْحَجّ وَاْلعُمْ َرةَ لِلّهِـ ﴾ .قال ابـن عباس :مـن
أحرم ب ج أو عمرة فل يس له أن ي ل ح ت يتم ها .تام ال ج يوم الن حر ،
إذا رمى جرة العقبة وزار البيت ،فقد حل من إحرامه كله ،وتام العمرة
إذا طاف بالبيت وبالصفا والروة ،فقد حل .
وقوله تعال ﴿ :فَإِنْ أُحْ ِ
ص ْرتُمْ فَمَا ا ْستَيْسَ َر مِنَ الْهَدْيِ ﴾ .قال ماهد:
الصر البس ،كأنه يقول :أيا رجل اعترض له ف حجته وعمرته فإنه
يبعث بديه من حيث يبس .وقال قتادة :هو الوف والرض والابس
إذا أ صابه ذلك ب عث بد يه ،فإذا بلغ الدي مله حل .و عن هشام بن
عروة عن أب يه قال :كل ش يء ح بس الحرم ف هو إح صار .وقال ا بن
ي شاة .
عباس :مَا ا ْستَيْسَ َر مِ َن اْلهَدْ ِ
حلّ هُ ﴾ ،
ي مَ ِ وقوله تعال ﴿ :وَ َل تَ ْ
حِلقُواْ ُرؤُو َسكُمْ َحتّ ى َيبْلُ َغ اْلهَدْ ُ
أي :الرم .
قال ابن كثي ( :إن النب وأصحابه عام الديبية لا حصرهم كفار
قر يش عن الدخول إل الرم ،حلقوا وذبوا هدي هم خارج الرم .فأ ما
فـ حال المـن والوصـول إل الرم ،فل يوز اللق ،حتـ يبلغ الدي
227 توفيق الرحن ف دروس القرآن
مله ،ويفرغ النا سك من أفعال ال ج والعمرة ،إن كان قارنًا ،أو من
ف عل أحده ا إن كان مفردًا أو متمتعًا ،ك ما ث بت ف ال صحيحي عن
حفصة أنا قالت :يا رسول ال ما شأن الناس أحلّوا من العمرة ول تل
أ نت من عمر تك ؟ فقال « :إ ن لبدت رأ سي وقلدت هد يي فل أ حل
حت أنر » .
وقوله تعال ﴿ :فَمَن كَا َن مِنكُم مّرِيضا َأوْ بِ هِ َأذًى مّ ن ّرأْ سِهِ َففِ ْدَيةٌ
صدََقةٍ َأوْ نُ سُكٍ ﴾ ،عن كعب بن عجرة قال ( :حلت إل
صيَامٍ َأوْ َ
مّن ِ
النب والقمل يتناثر على وجهي فقال « :ما كنت أرى أن الهل بلغ
بك هذا ،أما تد شاة » ؟ قلت :ل .قال « :صم ثلثة أيام ،وأطعم
ستة م ساكي ل كل م سكي ن صف صاع من طعام ،واحلق رأ سك » .
فنلت فّ خاصة وهي لكم عامة ) .رواه البخاري وغيه .
و ف روا ية لح د وغيه « :يؤذ يك هوام رأ سك » ؟ قلت :ن عم .
قال « :فاحل قه و صم ثلثـة أيام ،أو أط عم سـتة م ساكي ،أو ان سك
نسيكة » .
قوله عز و جل َ ﴿ :فِإذَا َأمِنتُ مْ فَمَن تَمَتّ َع بِاْلعُ ْم َرةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا
حجّ وَ سَ ْب َعةٍ ِإذَا
ج ْد فَ صِيَا ُم ثَلَث ِة َأيّا ٍم فِي الْ َ
سرَ مِ نَ اْلهَدْ يِ َفمَن لّ ْم يَ ِ
ا سْتَ ْي َ
جدِ
ضرِي الْمَ سْ ِ
ك لِمَن لّ مْ َيكُ ْن أَهْلُ هُ حَا ِ
ش َرةٌ كَامِ َلةٌ َذلِ َ
َر َجعْتُ مْ تِلْ كَ َع َ
حرَا ِم وَاتّقُواْ ال ّلهَ وَاعْلَمُوْا أَ ّن اللّ َه َشدِيدُ اْل ِعقَابِ (. ﴾ )196
الْ َ
قال ابن كثي ( :وقوله ﴿ :فَِإذَا َأمِنتُ مْ فَمَن تَ َمتّ َع بِاْلعُمْ َرةِ إِلَى الْحَجّ
فَمَا ا ْستَيْسَ َر مِ نَ الْهَدْ يِ ﴾ ،أي :فإذا تكن تم من أداء النا سك ،ف من
الزء الول 228
كان منكم متمتعًا بالعمرة إل الج ،وهو يشمل من أحرم بما أو أحرم
بالعمرة أولً ،فلما فرغ منها أحرم بالج ،وهذا هو التمتع الاص وهو
العروف ف كلم الفقهاء .والتمتع العام يشمل القسمي كما دلت عليه
الحاديث الصحاح ) .انتهى .
وقوله تعال ﴿ :فَمَا ا سَْتيْسَ َر مِ نَ الْهَدْ يِ ﴾ ،أي :فليذ بح ما تي سر
صيَامُ ثَلَثةِ َأيّا مٍ فِي الْحَجّ ﴾ ،
جدْ فَ ِ
من الدي وأقله شاة ﴿ .فَمَن لّ ْم يَ ِ
أي :فـ أيام الناسـك .قال عطاء وغيه :الول أن يصـومها قبـل يوم
عرفة ف العشر ،أو من حي يرم ،قاله ابن عباس وغيه .وقال العوف
عن ا بن عباس :إذا ل ي د هديًا فعل يه صيام ثل ثة أيام ف ال ج ق بل يوم
عر فة ،فإذا كان يوم عر فة الثالث ف قد تّ صومه ،و سبعة إذا ر جع إل
أهله .
وهل يوز صيامها أيام التشريق ؟ فيه قولن للعلماء والراجح الواز ،
لاـ روى البخاري عـن ابـن عمـر وعائشـة قال ( :ل يرخـص فـ أيام
التشريق أن يصمن إل لن ل يد الدي ) .
سجِ ِد الْحَرَامِ ﴾ وقوله تعال ﴿ :ذَلِكَ لِمَن لّ ْم َيكُ نْ َأهْلُهُ حَا ِ
ضرِي الْمَ ْ
قال ابـن عباس :هـم أهـل الرم .وقال طاوس :التعـة للناس ل لهـل
مكـة ،مـن لنـ يكـن أهله مـن الرم .وقال مكحول فـ قوله ذلك :
ج ِد الْحَرَا مِ ﴾ .قال :من كان
ضرِي الْمَ سْ ِ
﴿ لِمَن لّ ْم َيكُ نْ َأهْلُ هُ حَا ِ
دون اليقات .واختار ا بن جر ير :أن م أ هل الرم ،و من كان م نه على
مسافة ل يقصر فيها الصلة .
229 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله ﴿ :وَلَ فُسـُوقَ ﴾ .قال ابـن عباس وغيه :هـي العاصـي .
وف الصحيحي عن النب « :من حج هذا البيت فلم يرفث ول يفسق
،خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ ِجدَالَ فِي الْحَجّ ﴾ .قال ما هد :قد ب ي ال
أشهر الج ،فليس فيه جدال بي الناس .وقال ابن عباس ﴿ :وَلَ ِجدَالَ
حجّ ﴾ .قال :الراء ف الج .وقال ابن مسعود ف قوله ﴿ :وَلَ فِي الْ َ
جِدَالَ فِي الْحَجّ ﴾ .قال :أن تاري صاحبك ح ت تغض به ،وكذا قال
ا بن عباس وغيه ،وقال ا بن ع مر :الدال ف ال ج ال سباب والناز عة ،
وعـن جابر بـن عبـد ال قال :قال رسـول ال « :مـن قضـى نسـكه
وسلم السلمون من لسانه ويده ،غفر له ما تقد من ذنبه » .رواه أحد .
وقوله تعال ﴿ :وَمَا َت ْفعَلُوْا مِ نْ َخيْ ٍر َيعْلَمْ هُ اللّ هُ ﴾ ،لّا نا هم عن
إتيان القب يح حث هم على ف عل الم يل ،وأ خبهم أ نه عال به و سيجزيهم
عليه أوفر الزاء يوم القيامة .
وقوله تعال َ ﴿ :وتَ َزوّدُواْ فَإِنّـ َخيْرَ الزّا ِد التّ ْقوَى ﴾ .روى البخاري
وغيه عـن ابـن عباس قال :كان أهـل اليمـن يجون ول يتزوجون ،
ــ التوكلون فأنزل ال َ ﴿ :وتَ َزوّدُواْ فَإِنّــ َخيْرَ الزّادِ
ويقولون :ننـ
الّت ْقوَى ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :فَِإنّ َخيْرَ الزّادِ الّت ْقوَى ﴾ ،لّا أمرهم بالزاد للسفر ف
الدن يا ،أرشد هم إل زاد الخرة ،و هو ا ستصحاب التقوى ،ك ما قال
تعال ﴿ :يَا بَنِي آدَمَـ َقدْ أَنزَلْنَا عََلْيكُم ْـِلبَاسـا ُيوَارِي سَـوْءَاِتكُ ْم وَرِيشا
ـ َخيْرٌ ﴾ .وقال مقاتـل :لاـ نزلت هذه اليـة : ـ الّت ْقوَىَ ذَلِك َ
وَِلبَاس ُ
231 توفيق الرحن ف دروس القرآن
شعَرِ
ّهـ عِن َد الْمَ ْ
َاتـ فَاذْ ُكرُواْ الل َ وقوله تعال ﴿ :فَإِذَا أََفضْتُم م ْ
ّنـ َعرَف ٍ
الْحَرَا مِ ﴾ .روى أح د وأ هل ال سنن عن ع بد الرح ن بن يع مر الديلي
قال :سـعت رسـول ال يقول « :الجـ عرفات - ،ثلثًا -فمـن
أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك » .الديث .
و ف حد يث جابر الطو يل ( :فلم يزل واقفًا -يع ن :بعر فة -ح ت
غابت الشمس وبدت الصفرة قليلً ،حت غاب القرص ،وأردف أسامة
خل فه .ود فع ر سول ال و قد ش نق للق صواء الزمام ،ح ت إن رأ سها
ليصـيب مورك رحله ،ويقول بيده اليمنـ « :أيهـا الناس السـكينة
ـ أتـى جبلً أرخـى لاـ قليلً حتـ تصـعد ،حتـ أتـى السـكينة » .كلم ا
الزدلفة فصلى با الغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتي ول يسبح بينهما
شيئًا ،ث اضط جع ح ت طلع الف جر ف صلى الف جر ح ي تبي له ال صبح
صوَاءَ حت أتى الشعر الرام فاستقبل القبلة ،
بأذان وإقامة ،ث ركب الْقَ ْ
فدعا ال وكبه وهلله ووحده ،فلم يزل واقفًا حت أسفر جدًا فدفع قبل
أن تطلع الشمس ) .الديث رواه مسلم .
وروى أح د عن جبي بن مط عم عن ال نب قال « :كل عرفات
موقف وادفعوا عن عرفة ،وكل مزدلفة موقف وادفعوا عن مسر ،وكل
فجاج مكة منحر ،وكل أيام التشريق ذبح » .
وقوله تعال ﴿ :وَاذْكُرُو هُ كَمَا هَدَاكُ مْ ﴾ ،أي :واذكروه بالتوحيد
والتعظيم كما هداكم لدينه ،ومناسك حجه َ ﴿ .وإِن كُنتُم مّن َقبْلِهِ لَمِ َن
الضّآلّيَ ﴾ ،أي :و قد كن تم من ق بل هذا الدى ل ن الضال ي الاهل ي
بدينهم .
233 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمـ
ّهـ َكذِ ْكرِك ْ
َاسـ َك ُكمْ فَاذْ ُكرُواْ الل َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :فإِذَا قَضَيْتُم مّن ِ
آبَاءكُ ْم َأوْ َأشَ ّد ذِكْرا َفمِ نَ النّا سِ مَن َيقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ
فِي الخِ َر ِة مِ ْن خَلَ قٍ ( )200وِمِنْهُم مّ ن َيقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا
ُمـ
ك َله ْ
َابـ النّارِ ( )201أُولَــئِ َ
َسـنَ ًة َوقِنَا َعذ َ
َسـَنةً وَفِي ال ِخ َرةِ ح َ
ح َ
ب مّمّا كَسَبُوْا وَاللّهُ َسرِي ُع الْحِسَابِ ( )202وَاذْ ُكرُوْا اللّهَ فِي َأيّامٍ
نَصِي ٌ
ل ِإثْ مَ عَلَيْ هِ وَمَن تََأ ّخرَ فَل إِثْ مَ عَلَيْ هِ
ج َل فِي َي ْومَيْ ِن فَ َ
ّمعْدُودَا تٍ فَمَن َتعَ ّ
شرُونَ (. ﴾ )203
حَلِ َمنِ اّتقَى وَاتّقُوْا ال ّلهَ وَاعْلَمُوا أَّن ُكمْ ِإلَ ْيهِ تُ ْ
يأ مر تعال بذكره دائمًا والكثار منه بعد قضاء الناسك .قال سعيد
ا بن جبي عن ا بن عباس :كان أ هل الاهل ية يقفون ف الو سم فيقول
الرجل منهم :كان أب يطعم ويمل المالت وي مل الديات ليس لم
ـ
ذكـر غيـ فعال آبائهـم ،فأنزل ال على ممـد ﴿ :فَاذْ ُكرُواْ اللّه َ
كَذِكْرِكُ ْم آبَاءكُمْ َأوْ َأشَدّ ذِكْرا ﴾ .
وقوله تعال َ ﴿ :فمِ َن النّا سِ مَن َيقُولُ َرّبنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ فِي
الخِ َر ِة مِ نْ َخلَ قٍ ﴾ ،أي :حظ ون صيب ،قال ا بن عباس :كان قوم
من العراب ييئون إل الو قف فيقولون :الل هم اجعله عام غ يث ،وعام
خصب ،وعام ولد حسن ،ل يذكرون من أمر الخرة شيئًا ،فأنزل ال
س مَن َيقُولُ َرّبنَا آِتنَا فِي ال ّدنْيَا َومَا لَ هُ فِي ال ِخ َرةِ مِ نْ
فيهم ﴿ :فَ ِم َن النّا ِ
َخلَقٍ ﴾ ،وكان ييء بعدهم آخرون من الؤمني فيقولون :ربنا آتنا ف
ـا عذاب النار ،فأنزل ال : ـنة وقنـ ـنة وفـ الخرة حسـ ـا حسـ الدنيـ
سبُوْا وَاللّ ُه سَرِي ُع الْحِسَابِ ﴾ . ب مّمّا كَ َ ﴿ أُولَـئِكَ َلهُ ْم َنصِي ٌ
235 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :وَاذْكُرُواْ اللّ هَ فِي َأيّا مٍ ّمعْدُودَا تٍ ﴾ .قال ابن عباس :
اليام العدودات :أيام التشريـق ،واليام العلومات :أيام العشـر .وفـ
الديث عن النب « :ل تصوموا هذه اليام -يعن :أيام من -فإنا
أيام أكـل وشرب وذكـر ل عـز وجـل » .رواه ابـن جريـر .وقال ابـن
عباس وغيه :اليام العدودات أربعة أيام :يوم النحر ،وثلثة بعده .
وقوله تعال َ ﴿ :فمَن َتعَجّلَ فِي َي ْومَيْنِ َفلَ ِإثْ َم عََليْ ِه َومَن َتأَخّرَ فَل ِإثْمَ
عََليْ هِ ِلمَ ِن اّتقَى ﴾ .قال قتادة :قوله ﴿ :فَمَن َتعَجّلَ فِي َي ْو َميْ نِ ﴾ ،أي
:من أيام التشر يق ﴿ َفلَ ِإثْ َم عََليْ هِ ﴾ ،و من أدر كه الل يل ب ن من اليوم
الثان من قبل أن ينفر ،فل نفر له حت تزول الشمس من الغد َ ﴿ ،ومَن
ْهـ ﴾ ،يقول :ومـن تأخـر إل اليوم الثالث مـن أيام ْمـ عََلي ِ
تَأَخّرَ فَل ِإث َ
التشريق ﴿ فَل إِثْ َم عََليْ هِ ﴾ .قال ابن مسعود ﴿ :فَمَن تَعَجّلَ فِي َي ْو َميْ نِ
َفلَ إِثْ َم عََليْهِ ﴾ ،أي :غفر له َ ﴿ .ومَن َتأَخّرَ فَل ِإثْ َم عََليْهِ ﴾ قال :غفر
له .وقال أبو العالية ﴿ :فَمَن َتعَجّلَ فِي َي ْو َميْ نِ َفلَ ِإثْ َم عََليْ ِه وَمَن َتأَخّرَ
فَل إِثْ َم عََليْ هِ ﴾ ،قال :ذهب إثه كله إن اتقى فيما بقي .وقال قتادة :
ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول :من اتقى ف حجه غفر له ما تقدم من
ذنبه ,أو ما سلف من ذنوبه .
وقوله تعال ﴿ :وَاّتقُواْ اللّ هَ وَاعْلَمُوا َأنّكُ مْ إَِليْ ِه تُحْشَرُو نَ ﴾ ،أي :
اتقوا ال بف عل ما أمر كم به وترك ما نا كم ع نه ﴿ ،وَاعْلَمُوا َأّنكُ مْ إَِليْ هِ
تُحْشَرُونَ ﴾ فيجزيكم بأعمالكم .وال أعلم .
***
الزء الول 236
خَلَ ْوْا مِن قَبْلِكُم مّ سّ ْت ُهمُ الَْبأْ سَاء وَالضّرّاء وَ ُزْلزِلُواْ حَتّ ى َيقُو َل الرّ سُولُ
صرَ ال ّلهِ َقرِيبٌ (. ﴾ )214
صرُ ال ّلهِ أَل إِ ّن نَ ْ
وَاّلذِينَ آمَنُواْ َم َعهُ مَتَى نَ ْ
***
الزء الول 238
فقال سعيد :قد عرفت فيم أنزلت هذه الية ؟ فقال ممد بن كعب :إن
الية تنل ف الرجل ث تكون عامة بعد .
وقال الضحاك َ ﴿ :وإِذَا َتوَلّى ﴾ ،أي :ملك المـر وصـار واليًـا
ـ ﴾ ،قال ماهـد :إذا ول يعمـل بالعدوان
ـعَى فِـي الَرْض ِ
﴿ ،سَ
والظلم ،فأمسك ال الطر وأهلكم الرث والنسل .
وقال قتادة :قوله ﴿ :وَ ُهوَ أَلَ ّد الْخِ صَامِ ﴾ ،يقول :شد يد الق سوة
فـ معصـية ال ،جدّال بالباطـل ،وإذا شئت رأيتـه عال اللسـان جاهـل
العمل ،يتكلم بالكمة ويعمل بالطيئة .وف الديث عن النب « :
إن أبغض الرجال إل ال اللد الصم » .رواه البخاري وغيه .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا قِيلَ لَ ُه اتّقِ اللّهَ أَخَ َذتْ ُه الْعِ ّز ُة بِا ِلثْمِ ﴾ ،أي :إذا
سبُ ُه
و عظ هذا الفا جر حل ته العزة والغ ضب على الف عل بالِ ث َ ﴿ ،فحَ ْ
س الْ ِمهَادُ ﴾ الفراش .وهذه ال ية شبي هة َج َهنّ مُ ﴾ ،أي :كاف ية ﴿ وََلِبئْ َ
ت َتعْرِ فُ فِي وُجُو هِ الّذِي نَ بقوله تعال َ ﴿ :وِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاتُنَا َبيّنَا ٍ
َكفَرُوا الْمُنكَ َر َيكَادُو نَ يَ سْطُونَ بِالّذِي نَ يَتْلُو َن عََلْيهِ ْم آيَاتِنَا قُلْ أََفُأنَّبئُكُم
بِشَ ّر مّن ذَِلكُ مُ النّا ُر َوعَ َدهَا اللّ هُ الّذِي نَ َكفَرُوا َوِبئْ سَ الْمَ صِيُ ﴾ .قال ابن
مسعود :إن من أكب الذنب عند ال أن يقال للعبد :اتق ال ،فيقول :
عليك بنفسك .
سهُ ابِْتغَاء َمرْضَاتِ اللّهِ
شرِي َنفْ َ
قوله عز وجل َ ﴿ :ومِنَ النّاسِ مَن َي ْ
ف بِالْعِبَادِ (. ﴾ )207
وَال ّلهُ َرؤُو ٌ
الزء الول 240
َوعْدا عََليْ هِ َحقّا فِي الّتوْرَاةِ وَالِنِي ِل وَاْلقُرْآ نِ َومَ نْ َأوْفَى ِب َعهْدِ هِ مِ نَ اللّ هِ
ك ُهوَ اْل َفوْ ُز اْلعَظِيمُ ﴾ .
فَا ْستَبْشِرُوْا ِببَْي ِعكُ ُم الّذِي بَايَ ْعتُم بِ ِه وَذَلِ َ
وقال ابن جرير :هي عامة ف كل من باع نفسه ف طاعة ال ،وإن
كان نزولا بسبب من السباب ،هذا معن كلمه .
قوله عز وجل ﴿ :يَا َأّيهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا ادْخُلُواْ فِي ال سّ ْلمِ كَآفّ ًة َولَ
تَتِّبعُواْ خُطُوَا تِ الشّيْطَا نِ ِإنّ ُه َلكُ مْ َعدُ ّو مّبِيٌ (َ )208فإِن َزلَلْتُ مْ مّن َب ْعدِ
مَا جَاءتْ ُكمُ الْبَيّنَاتُ فَاعْ َلمُوْا أَ ّن اللّهَ َعزِي ٌز حَكِيمٌ (. ﴾ )209
قال ابـن عباس وغيه ﴿ :ا ْدخُلُواْ فِـي الس ّ
ـلْمِ ﴾ يعنـ :السـلم .
﴿ كَآّفةً ﴾ جيعًا .
وقال ماهد :أي :اعملوا بميع العمال ووجوه الب ﴿ ،وَ َل َتتِّبعُواْ
خُ ُطوَاتِ الشّيْطَانِ ﴾ فيما يأمركم به ِ ﴿ ،إنّهُ َلكُ ْم عَ ُد ّو مّبِيٌ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :فَإِن زَلَ ْلتُ مْ ﴾ ،أي :ضلل تم ﴿ مّ ن َبعْ ِد مَا جَاءتْكُ مُ
ِيمـ
ّهـ عَزِيزٌ َحك ٌ
َاتـ ﴾ أي :الدللت الواضحات ﴿ فَاعَْلمُواْ أَن ّ الل َ
الَْبّين ُ
﴾ قال قتادة :عزيز ف نقمته ،حكيم ف أمره .
قوله عـز وجـل َ ﴿ :هلْ يَن ُظرُونَـإِل أَن َيأْتَِيهُمُـ اللّهُـ فِي ظُ َل ٍل مّنَـ
الْغَمَا ِم وَالْمَلِئكَ ُة َوقُضِ َي الَ ْم ُر وَِإلَى ال ّلهِ ُت ْرجَعُ المُورُ (. ﴾ )210
ّهـ
ُمـ الل ُ يقول تعال مهددًا للكافريـن ﴿ :هَ ْل يَنظُر َ
ُونـ إِل أَن يَ ْأِتيَه ُ
﴾ يوم القيا مة ﴿ فِي ظُلَ ٍل مّ َن اْلغَمَا مِ ﴾ لف صل القضاء واللئ كة ،ك ما
قال تعال ﴿ :هَلْ يَن ُظرُو نَ إِل أَن َتأْتِيهُ ُم الْمَلئِ َكةُ َأوْ يَ ْأتِ يَ َربّ كَ َأ ْو َيأْتِ يَ
ض آيَاتِ َربّكَ َل يَنفَ ُع َنفْسا ِإيَاُنهَا َل ْم تَكُنْ ك َيوْ َم َيأْتِي بَعْ ُ
ض آيَاتِ َربّ َ
َبعْ ُ
سَبتْ فِي ِإيَانِهَا َخيْرا قُ ِل انتَظِرُواْ ِإنّ ا مُنتَ ِظرُو نَ ﴾ ، ت مِن َقبْلُ َأوْ كَ َ آ َمنَ ْ
الزء الول 242
َكـ
ّكـ وَالْمَل ُ
ْضـ دَكّا دَكّا * وَجَاء َرب َ
ّتـ اْلأَر ُ
وقال تعال َ ﴿ :كلّا إِذَا دُك ِ
صفّا ﴾ .وف حديث الصور « :وينل البار عز وجل ف ظلل من صفّا َ
َ
الغمام واللئ كة ،ول م ز جل من ت سبيحهم يقولون :سبحان ذي اللك
واللكوت ،سبحان ذي العزة والبوت ،سبحان الي الذي ل يوت ،
سـبحان الذي ييـت اللئق ول يوت ،سـبوح قدوس رب اللئكـة
والروح ،سـبوح قدوس ،سـبحان ربنـا العلى ،سـبحان ذي السـلطان
والعظمة ،سبحانه سبحانه أبدًا أبدًا » .رواه ابن جرير .
قال سفيان بن عيينة :كل ما وصف ال به نفسه ف كتابه فتفسيه :
قراءته والسكوت عليه ،ليس لحد أن يفسره إل ال تعال ورسوله .
وقوله تعال ﴿ :وَُقضِيَ ا َلمْ ُر َوإِلَى اللّ ِه تُ ْرجَ ُع المُورُ ﴾ ،أي :فصل
ال القضاء ب ي اللق ،وجزي كلٌ بعمله ،ود خل كلٌ منله :فر يق ف
ال نة وفر يق ف ال سعي ،ك ما قال تعال َ ﴿ :وتَرَى الْ َملَائِ َكةَ حَافّيَ مِ نْ
حمْدِ َرّبهِ ْم وَُقضِ يَ َبْينَهُم بِالْحَقّ وَقِي َل الْحَ ْمدُ لِلّ هِ
سبّحُو َن بِ َ
ش يُ َ
َحوْ ِل اْلعَرْ ِ
ب اْلعَالَمِيَ ﴾ . رَ ّ
قوله عز وجل َ ﴿ :سلْ بَنِي إِ ْسرَائِيلَ كَ مْ آتَيْنَاهُم مّ نْ آَي ٍة بَيَّنةٍ َومَن
يَُبدّ ْل ِنعْ َمةَ ال ّلهِ مِن َبعْ ِد مَا جَاءْتهُ َفإِ ّن ال ّلهَ َشدِي ُد الْ ِعقَابِ (. ﴾ )211
يقول تعال ﴿ :سَلْ ﴾ يا ممد َ ﴿ ،بنِي إِسْرَائِيلَ كَ ْم آَتْينَاهُم مّ ْن آَيةٍ
َبيَّنةٍ ﴾ ،أي :ح جة قاط عة ب صدق مو سى في ما جاء هم به ،كال يد ،
والعصا ،وفلق البحر ،وضرب الجر ،وتظليل الغمام ،وغي ذلك من
اليات ،ومع هذا أعرض كثي منهم وبدلوا وكذبوا النبياء ،ولذا قال :
﴿ َومَن ُيبَدّ ْل ِنعْ َمةَ اللّ ِه مِن َبعْ ِد مَا جَاءتْهُ فَِإنّ اللّ َه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ ﴾ ،كما
243 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال تعال ﴿ :أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي َن بَدّلُواْ نِعْ َمةَ اللّ هِ ُكفْرا َوأَ َحلّواْ َق ْو َمهُ مْ دَارَ
س الْقَرَارُ ﴾ . الَْبوَارِ * َج َهنّ َم َيصَْل ْوَنهَا َوِبْئ َ
خرُو َن مِ نَ
قوله عز وجل ُ ﴿ :زيّ َن لِ ّلذِي نَ َك َفرُوْا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َويَ سْ َ
ق مَن َيشَا ُء بِغَ ْيرِ
الّذِي نَ آمَنُوْا وَاّلذِي َن اتّقَواْ َف ْوقَهُ ْم يَوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَاللّ هُ َيرْزُ ُ
ِحسَابٍ (. ﴾ )212
حيَاةُ ال ّدنْيَـا ﴾ فآثروهـا على
ِينـ َك َفرُوْا الْ َ يقول تعال ُ ﴿ :زي َ
ّنـ ِللّذ َ
الخرة َ ﴿ ،ويَ سْخَرُونَ مِ َن الّذِي نَ آ َمنُواْ ﴾ ح يث آثروا الخرة وأعرضوا
عما يشغلهم عنها ﴿ .وَالّذِي َن اّتقَواْ َفوَْقهُ ْم َيوْ مَ اْل ِقيَا َمةِ ﴾ كما قال تعال
حكُو نَ * َوإِذَا مَرّوْا ِبهِ مْ ﴿ :إِنّ الّذِي نَ أَ ْج َرمُوا كَانُواْ مِ َن الّذِي نَ آ َمنُوا َيضْ َ
َيتَغَامَزُو نَ * َوإِذَا انقََلبُواْ إِلَى َأهِْلهِ مُ انقََلبُواْ َف ِكهِيَ * َوإِذَا َرَأ ْوهُ مْ قَالُوا إِنّ
َهؤُلَاء َلضَالّو نَ * وَمَا أُرْ سِلُوا عََلْيهِ مْ حَاِفظِيَ * فَاْلَيوْ َم الّذِي نَ آ َمنُوْا مِ نَ
ب الْ ُكفّارُ مَا كَانُوا حكُو َن * عَلَى الْأَرَائِ كِ يَن ُظرُو َن * هَ ْل ُثوّ َ الْ ُكفّا ِر َيضْ َ
َيفْعَلُونَ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وَاللّ ُه َيرْزُ ُ
ق مَن يَشَاءُ بِ َغيْرِ حِ سَابٍ ﴾ ،أي :يعطي
من يشاء من خل قه عطاء كثيًا بل ح صر ف الدن يا والخرة ،ك ما قال
تعال ﴿ :انظُرْ َكيْ فَ َفضّلْنَا َب ْعضَهُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ وَلَل ِخ َرةُ أَ ْكبَرُ دَرَجَا تٍ
َوأَكْبَ ُر َت ْفضِيلً ﴾ .
ّهـ النّبِيّي َ
َثـ الل ُ
ّاسـ ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة فََبع َ
َانـ الن ُ
قوله عـز وجـل ﴿ :ك َ
س فِيمَا
حكُ مَ بَيْ نَ النّا ِ
حقّ لِيَ ْ
شرِي َن َومُنذِرِي نَ َوأَن َزلَ َم َعهُ ُم الْكِتَا بَ بِالْ َ
مَُب ّ
اخْتَ َلفُوْا فِيهِ َومَا اخْتَلَفَ فِي ِه إِل الّذِي َن أُوتُو ُه مِن َبعْ ِد مَا جَاءتْهُمُ الْبَيّنَاتُ
الزء الول 244
يتلفون ،اهدن لا اختلف فيه من الق بإذنك ،إنك تدي من تشاء إل
صراط مستقيم » .رواه البخاري ،ومسلم .
قوله عز و جل ﴿ :أَ ْم حَ سِبُْت ْم أَن تَ ْدخُلُوْا الْجَّنةَ َولَمّ ا َي ْأتِكُم مَّثلُ
ِينـ خَلَ ْوْا مِن قَبْلِكُم مّسّـْتهُ ُم الْبَأْسـَاء وَالضّرّاء وَ ُزْلزِلُواْ حَتّىـَيقُولَ
الّذ َ
ص َر اللّ هِ َقرِي بٌ (
ص ُر اللّ هِ أَل إِنّ نَ ْ
الرّ سُولُ وَاّلذِي نَ آمَنُوْا َمعَ هُ مَتَى نَ ْ
. ﴾ )214
قال عطاء :ل ا د خل ر سول ال وأ صحابه الدي نة ،اش تد علي هم
الضر لنم خرجوا بل مال ،وتركوا ديارهم وأموالم بأيدي الشركي ،
ـول ال ، ـوله ،وأظهرت اليهود العداوة لرسـ وآثروا مرضاة ال ورسـ
َسـْبتُمْ أَن
َمـ ح ِ وأسـّر قوم النفاق ،فأنزل ال تعال تطييب ًا لقلوبمـ ﴿ :أ ْ
ّسـهُمُ اْلَبأْسـَاء
ِينـ َخَل ْواْ مِن َقبْلِكُم م ّْت جّن َة وَلَمّاـ َي ْأتِكُم ّمثَلُ الّذ َ
تَدْخُلُوْا الْ َ
وَالضّرّاء وَزُلْزِلُواْ ﴾ .قال ماهــد وغيه ﴿ :اْلبَأْســَاء ﴾ :الفقــر ،
﴿ وَالضّرّاء ﴾ :السـقم ﴿ ،وَزُْلزِلُواْ ﴾ :خوفوا مـن العداء ﴿ .
َحتّ ى َيقُولَ الرّ سُو ُل وَالّذِي نَ آمَنُواْ َمعَ ُه مَتَى نَ صْرُ ﴾ ،أي :ما زال البلء
بم حت استبطئوا النصر .قال ال تعال ﴿ :أَل ِإنّ نَ صْرَ اللّ هِ َقرِي بٌ ﴾ ،
ب النّاسُ أَن ُيتْرَكُوا أَن َيقُولُوا آ َمنّا س َ وهذه الية كقوله تعال ﴿ :ال * أَحَ ِ
َوهُ مْ لَا ُي ْفتَنُو نَ * وََلقَدْ َفَتنّ ا الّذِي نَ مِن َقبِْلهِ مْ فََلَيعْلَمَنّ اللّ ُه الّذِي نَ صَدَقُوا
وََليَعَْلمَنّ اْلكَا ِذبِيَ ﴾ .و ف الد يث ال صحيح « :واعلم أن الن صر مع
الصب ،وأن الفرج مع الكرب ،وأن مع العسر يسرًا » .وال أعلم .
***
الزء الول 246
﴿ يَسَْألُوَنكَ مَاذَا يُن ِفقُو َن ُقلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَ ْي ٍر فَلِ ْلوَاِلدَيْنِ وَا َل ْق َربِيَ
ي وَابْ نِ ال سّبِيلِ َومَا تَ ْفعَلُوْا مِ ْن خَ ْيرٍ َفإِنّ اللّ هَ بِ هِ عَلِي مٌ
وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ
( )215كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ُم اْلقِتَالُ َو ُهوَ ُكرْ ٌه لّكُ ْم وَعَ سَى أَن تَ ْك َرهُوْا شَيْئا
وَ ُهوَ خَيْ ٌر ّلكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبّوْا شَيْئا َوهُ َو َشرّ ّلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَمُ وَأَنتُ ْم لَ
حرَا ِم قِتَا ٍل فِي هِ ُق ْل قِتَا ٌل فِي هِ
َتعْلَمُو نَ ( )216يَ سَْألُوَنكَ عَ ِن الشّ ْه ِر الْ َ
ج َأهْلِهِ مِنْهُ
حرَا ِم َوإِ ْخرَا ُ
ج ِد الْ َ
صدّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَ ُكفْ ٌر بِ ِه وَالْمَسْ ِ
ي وَ َ
كَبِ ٌ
ـ حَّتىَ
ـ ُيقَاتِلُوَنكُم ْ
ـ اْلقَ ْتلِ َو َل َيزَالُون َ
ـ وَالْفِتَْن ُة أَكَْبرُ مِن َ
أَكَْبرُ عِندَ اللّه ِ
َيرُدّوكُ مْ عَن دِيِنكُ ْم إِ ِن ا سْتَطَاعُواْ وَمَن َي ْرتَ ِد ْد مِنكُ مْ عَن دِينِ هِ فَيَمُ تْ
ت أَ ْعمَالُهُ ْم فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ َوُأوْلَ ـِئكَ
وَ ُهوَ كَافِ ٌر َفأُ ْولَ ـِئكَ حَبِطَ ْ
ِينـ
ِينـ آمَنُواْ وَالّذ َ
ُونـ ( )217إِنّ اّلذ َ
ُمـ فِيهَا خَالِد َ
َصـحَابُ النّا ِر ه ْ
أ ْ
هَا َجرُواْ وَجَا َهدُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ ُأ ْولَ ـِئكَ يَ ْرجُو نَ َرحْمَ تَ اللّ هِ وَاللّ هُ
سرِ ُق ْل فِيهِمَا ِإثْ مٌ كَبِيٌ
خ ْمرِ وَالْمَيْ ِ
َغفُورٌ ّرحِي مٌ ( )218يَ سَْألُوَنكَ عَ نِ الْ َ
ك مَاذَا يُنفِقُو َن ُقلِ
سَألُونَ َ
وَمَنَافِ ُع لِلنّا سِ َوِإثْ ُمهُمَا أَكَْب ُر مِن ّنفْ ِعهِمَا َويَ ْ
ك يُبّي ُن اللّ هُ َلكُ ُم اليَا تِ َلعَ ّلكُ ْم تََتفَ ّكرُو نَ ( )219فِي ال ّدنْيَا
الْ َعفْوَ َك َذلِ َ
ح ّلهُ ْم خَ ْيرٌ َوإِ ْن تُخَالِطُوهُ مْ
صلَ ٌ
سَألُونَكَ عَ ِن الْيَتَامَى ُقلْ إِ ْ
وَال ِخ َر ِة وَيَ ْ
ح َوَلوْ شَاء اللّ هُ لعْنََتكُ مْ إِنّ
س َد مِ نَ الْمُ صْلِ ِ
َفإِ ْخوَاُنكُ ْم وَاللّ هُ يَعْلَ ُم الْ ُمفْ ِ
اللّهَ َعزِيزٌ َحكِيمٌ (. ﴾ )220
***
247 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل ﴿ :يَ سَْألُوَنكَ مَاذَا يُن ِفقُو َن ُقلْ مَا أَنفَقْتُم مّ نْ خَ ْيرٍ
ي وَابْ ِن ال سّبِي ِل وَمَا َت ْفعَلُواْ مِ نْ
فَلِ ْلوَاِلدَيْ نِ وَا َل ْق َربِيَ وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَا ِك ِ
خَ ْيرٍ َفإِ ّن اللّ َه ِبهِ عَلِيمٌ (. ﴾ )215
قال مقا تل :هذه ال ية ف نف قة التطوع ،ومع ن ال ية :ي سألونك
ّنـ َخيْ ٍر
كيـف ينفقون ؟ فـبي لمـ تعال ذلك قال ﴿ :قُ ْل مَا أَن َفقْتُم م ْ
ي وَابْ ِن ال سّبِيلِ ﴾ ،أي :اصرفوا فَِل ْلوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َرِبيَ وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ
نفقتكـم فـ هذه الوجوه ،كمـا فـ الديـث « :أمـك وأباك وأختـك
وأخاك ،ث أدناك أدناك » ،قال ميمون بن مهران :هذه مواضع النفقة ،
ما ذكر فيها طبل ول مزمار ،ول تصاوير الشب ول كسوة اليطان .
ِيمـ ﴾ ،أي :
ِهـ عَل ٌ
ّهـ ب ِ وقوله تعال ﴿ :وَمَا َت ْفعَلُواْ م ْ
ِنـ َخْيرٍ فَإِنّ الل َ
فيجازيكم عليه .
قوله عز و جل ُ ﴿ :كتِ بَ عَلَ ْيكُ مُ اْلقِتَا ُل َوهُوَ ُكرْ ٌه لّكُ ْم وَعَ سَى أَن
حبّوْا شَيْئا َو ُهوَ َشرّ ّلكُ ْم وَاللّ هُ
تَ ْك َرهُواْ شَيْئا َوهُ َو خَ ْيرٌ ّلكُ ْم وَعَ سَى أَن تُ ِ
َيعْلَ ُم َوأَنُت ْم لَ َتعْلَمُونَ (. ﴾ )216
قال الزهري :الهاد وا جب على كل أ حد غزا أو ق عد ،فالقا عد
عليه إذا استعي أن يعي ،وإذا استغيث أن يغيث ،وإذا استنفر أن ينفر ،
وإن ل يتج إليه قعد .
وقوله تعال َ ﴿ :وهُوَ كُرْهٌ ّلكُمْ ﴾ ،أي :شديد عليكم ﴿ ،وَعَسَى
أَن َتكْ َرهُوْا َشيْئا َو ُهوَ َخيْرٌ ّلكُ مْ ﴾ ،لن ف الغزو إحدى ال سنيي :إ ما
حبّواْ َشيْئا َو ُه َو شَرّ
الظفر والغنيمة ،وإما الشهادة والنة َ ﴿ .وعَسَى أَن تُ ِ
الزء الول 248
ّلكُ مْ ﴾ ،فإن الذل ف القعود ﴿ ،وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوأَنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ،أي :
هو أعلم بعواقب المور منكم ،وأخب با فيه صلحكم .
حرَا ِم قِتَالٍ فِي هِ ُق ْل قِتَالٌ
شهْ ِر الْ َ
قوله عز و جل ﴿ :يَ سَْألُوَنكَ عَ ِن ال ّ
ج َأهْلِهِ
حرَا ِم َوإِ ْخرَا ُ
ج ِد الْ َ
صدّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَ ُك ْفرٌ بِ ِه وَالْمَسْ ِ
ي وَ َ
فِيهِ كَبِ ٌ
مِنْ ُه أَكَْبرُ عِندَ اللّ هِ وَالْفِتَْن ُة أَكَْبرُ مِ نَ اْلقَ ْتلِ َو َل َيزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُ مْ حَّتىَ
َيرُدّوكُ مْ عَن دِيِنكُ ْم إِ ِن ا سْتَطَاعُواْ وَمَن َي ْرتَ ِد ْد مِنكُ مْ عَن دِينِ هِ فَيَمُ تْ
ت أَ ْعمَالُهُ ْم فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ َوُأوْلَ ـِئكَ
وَ ُهوَ كَافِ ٌر َفأُ ْولَ ـِئكَ حَبِطَ ْ
ِينـ
ِينـ آمَنُواْ وَالّذ َ
ُونـ ( )217إِن ّ اّلذ َ
ُمـ فِيه َا خَالِد َ
َصـحَابُ النّا ِر ه ْ
أ ْ
هَا َجرُواْ وَجَا َهدُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ ُأ ْولَ ـِئكَ يَ ْرجُو نَ َرحْمَ تَ اللّ هِ وَاللّ هُ
َغفُورٌ ّرحِيمٌ (. ﴾ )218
سبب نزول هذه الية ( :أن رسول ال بعث عبد ال بن جحش
ف جادي الخرة ،ق بل وق عة بدر ،ونفرًا م عه سرية ،فلقوا عمرو بن
الضرمي وهو مقبل من الطائف ف آخر ليلة ،من جادي ،وكانت أول
رجب ،ول يشعروا ،فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه ) .قال ابن
ـه بذلك ،فقال ال تعال ﴿ : ـلوا يعيونـ عباس :وإن الشركي ـ أرسـ
حرَامِ ِقتَالٍ فِيهِ قُلْ ِقتَالٌ فِيهِ َكبِ ٌي وَصَ ّد عَن َسبِيلِ اللّهِ
شهْ ِر الْ َ
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ال ّ
سجِ ِد الْحَرا ِم َوإِخْرَا جُ أَهْلِ ِه ِمنْ هُ أَ ْكبَ ُر عِندَ اللّ هِ ﴾ ،إخراج وَ ُكفْ ٌر بِ هِ وَالْمَ ْ
أهل السجد الرام أكب من الذي أصاب ممد ،والشرك أشد منه .
وقال ا بن إ سحاق ﴿ :الْ ِفْتَنةُ أَ ْكبَ ُر مِ َن الْ َقتْلِ ﴾ ،أي :قد كانوا يفتنون
السلم ف دينه حت يردوه إل الكفر بعد إيانه ،فذلك أكب عند ال من
249 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وروى ابن جرير عن جندب بن عبد ال قال :لا كان من أمر عبد
ال بـن جحـش وأصـحابه ،وأمـر ابـن الضرمـي مـا كان ،قال بعـض
السلمي :إن ل يكن أصابوا ف سفرهم ،أظنه قال :وزرًا ،فليس لم
الزء الول 250
شافيًا ،فنلت اليـة التـ فـ النسـاء ﴿ :يَا َأيّهَا الّذِينَـ آ َمنُواْ َل َتقْ َربُواْ
سـكَارَى ﴾ ،فكان منادي رسـول ال إذا أقام الصـلة ُمـ ُ
لةَ َوأَنت ْ
الصـ َ
ّ
نادى :أن ل يقر بن ال صلة سكران ،فد عي ع مر فقرئت عل يه فقال :
الل هم بيّ ن ل نا ف ال مر بيانًا شافيًا ،فنلت ال ية ال ت ف الائدة ،فد عي
عمر فقرئت عليه ،فلما بلغ ﴿ َفهَلْ أَنتُم مّنتَهُو نَ ﴾ ،قال عمر :انتهينا
انتهينا ،وزاد ابن أب حات ( :أنا تذهب الال وتذهب العقل ) .
سأَلُوَنكَ مَاذَا يُن ِفقُو نَ ُق ِل الْ َع ْفوَ َك َذلِ كَ يُبّينُ
قوله عز و جل َ ﴿ :ويَ ْ
ت َلعَلّ ُكمْ تَتَ َف ّكرُونَ ( )219فِي الدّنْيَا وَال ِخ َرةِ ﴾ .
اللّ ُه َلكُمُ اليَا ِ
قال ا بن عباس وغيه :الع فو ما يف ضل عن أهلك ،و ف الد يث
الصحيح « :خ ي الصدقة ما كان عن ظ هر غن ،وال يد العل يا خي من
اليد السفلى ،وابدأ بن تعول » ،وقوله تعال َ ﴿ :كذَلِ كَ يُبيّنُ اللّ هُ َلكُ مُ
اليَا تِ َلعَّلكُ ْم َتَتفَكّرُو نَ * فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َرةِ ﴾ ،أي :كما فصل لكم
هذه الحكام وبينها ،كذلك يبي ل كم سائر اليات ف أحكامه ووعده
ووعيده َ ﴿ .لعَّلكُ ْم َتَتفَكّرُونَ فِي ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ ﴾ ،أي :ف زوال الدنيا
وبقاء الخرة فتعملوا لا .
ح ّلهُمْ خَيْ ٌر َوإِنْ
سأَلُوَنكَ عَ ِن الْيَتَامَى ُق ْل إِصْلَ ٌ
قوله عز وجل َ ﴿ :ويَ ْ
ح َوَلوْ شَاء اللّ هُ
س َد مِ نَ الْمُ صْلِ ِ
تُخَالِطُوهُ ْم َفإِ ْخوَاُنكُ مْ وَاللّ هُ يَعْلَ مُ الْ ُمفْ ِ
لعْنََتكُ ْم إِ ّن اللّهَ َعزِي ٌز حَكِيمٌ (. ﴾ )220
قال ابـن عباس :لاـ نزلت ﴿ :وَ َل َتقْ َربُوْا مَا َل اْلَيتِيمِـإِل بِالّتِي هِيَـ
أَحْ سَنُ ﴾ ،و ﴿ ِإنّ الّذِي َن َيأْكُلُو نَ َأ ْموَا َل اْليَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُو نَ فِي
الزء الول 252
بُطُونِهِ ْم نَارا وَ َسَيصَْل ْونَ َسعِيا ﴾ ،انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه
من طعامه وشرابه من شرابه ،فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس
له ح ت يأكله أو يف سد ،فاش تد ذلك علي هم ،فذكروا ذلك لر سول ال
ِنـ
ُمـ َخيْ ٌر َوإ ْ
ِصـلَحٌ ّله ْ
َنـ اْليَتَام َى قُلْ إ ْ
َسـأَلُونَكَ ع ِ
فأنزل ال َ ﴿ :وي ْ
تُخَالِطُوهُ مْ َفإِ ْخوَاُنكُ مْ ﴾ ،رواه ا بن جر ير وغيه .وقال الرب يع :للول
الذي يلي أمرهم فل بأس عليه ف ركوب الدابة أو شرب اللب أو يدمه
الادم ،وقال ال سدي :كان العرب يشددون ف اليت يم ،ح ت ل يأكلوا
م عه ف ق صعة واحدة ،ول يركبوا له بعيًا ،ول ي ستخدموا له خادمًا ،
صلَحٌ ّلهُمْ َخيْرٌ ﴾ ،يصلحفجاءوا إل النب فسألوه عنه فقال ﴿ :قُلْ إِ ْ
له ماله وأمره له خي ،وأن يالطه فيأكل معه ويطعمه ،ويركب راحلته
ويمله ،ويستخدم خادمه ويدمه ،فهو أجود .
﴿ وَاللّ ُه َيعْلَ ُم الْ ُمفْ سِ َد مِ نَ الْمُ صْلِحِ ﴾ ،فقال ا بن ز يد :وال يعلم
حي تلط مالك باله ،أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغي حق .
وقوله تعال ﴿ :وََل ْو شَاء اللّهـُ
ـ ل ْعَنتَكُمــْ ﴾ ،قال ابــن عباس :
لخرجكم فضيّق عليكم ولكنه و سّع وي سّر ،فقال َ ﴿ :ومَن كَا نَ َغِنيّا
ف َومَن كَانَ َفقِيا َف ْليَأْكُ ْل بِالْ َمعْرُوفِ ﴾ .
سَتعْفِ ْ
فَ ْليَ ْ
وقوله تعال ﴿ :إِنّ اللّ هَ عَزِيزٌ َحكِي مٌ ﴾ ،أي :عز يز ف سلطانه ،
حكيم فيما صنع من تدبيه وترك العنات .
قال ابن كثي :وقوله ﴿ وََل ْو شَاء اللّ ُه لعَْنَتكُمْ إِنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ ﴾
أي :ولو شاء ال لضيّق عليكم وأحرجكم ،ولكنه و سّع عليكم وخفف
عنكم ،وأباح لكم مالطتهم بالت هي أحسن .وال أعلم .
253 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 254
قال ابن كثي :وهذا مرسل حسن .عن السن وعن سعيد بن السيب
أن أخوين من النصار كان بينهما مياث ،فسأل أحدها صاحبه القسمة
فقال :إن عدت تسألن عن القسمة فكل مال ف رتاج الكعبة ،فقال له
عمر :إن الكعبة غنية عن مالك ،كفّر عن يينك وكلم أخاك ،سعت
رسـول ال يقول « :ل ييـ عليـك ول نذر فـ معصـية الرب عـز
وجل ،ول ف قطيعة الرحم ،ول فيما ل تلك » .
ُمـ ﴾ ،أي : وقوله تعال ﴿ :وَلَكِن ُيؤَاخِذُكُم بِمَا ك ََب
َسـتْ قُلُوُبك ْ
عزمتم عليه ،وقصدت به اليمي كما قال تعال ﴿ :وَلَـكِن ُيؤَاخِذُكُم
ِيمـ ﴾ ،أي :غفور لذلت ّهـ َغفُورٌ َحل ٌ
َانـ ﴾ ﴿ ،وَالل ُ
ّمـ الَيْم َ
بِمَا َعقّدت ُ
عباده حليم عليهم .
ص أَ ْرَبعَ ِة أَ ْش ُهرٍ فَإِنْ
قوله عز وجل ﴿ :لّ ّلذِي َن ُيؤْلُو َن مِن نّسَآئِ ِه ْم َترَبّ ُ
ق َفإِنّ اللّ هَ سَمِيعٌ
فَآؤُوا َفإِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ ( )226وَإِ نْ َع َزمُوْا الطّلَ َ
عَلِيمٌ (. ﴾ )227
اليلء هو :أن يلف من ج يع ن سائه أو بعض هن ل يقرب ن ،فإن
وقّت بدون أربعة أشهر اعتزل حت ينقضي ما وقّت به ،وإن وقّت بأكثر
منها خيّر بعد مضيها بي أن يفيء أو يطلق .
ُونـ مِن نّسـَآئِهِمْ ﴾ ،أي :يلفون على وقوله تعال ﴿ :لّلّذ َ
ِينـ ُيؤْل َ
ترك جاعهن .
وقوله ﴿ :تَ َربّصُ أَ ْرَب َعةِ َأشْهُرٍ ﴾ ،أي :ينتظر الزوج أربعة أشهر من
ح ي اللف ،ث يو قف ويطالب بالفيئة أو الطلق ،فإن أ ب طلق عل يه
الاكم .
259 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :فَإِ نْ فَآؤُوا فَإِنّ اللّ َه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ،ا ستدل بذلك
على أ نه ل كفارة عل يه إذا فاء ب عد الرب عة الش هر ،والمهور أن عل يه
التكفي .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِ نْ عَ َزمُواْ ال ّطلَ قَ فَإِنّ اللّ هَ سَمِي ٌع عَلِي مٌ ﴾ ،قال
سعيد بن السيب :إذا مضت أربعة أشهر فإما أن يفيء ،وإما أن يطلق ،
فإن جاوز فقد عصى ال .وال أعلم .
***
الزء الول 260
ح ّل َلهُنّـ أَن
لثَ َة ُق ُروَ ٍء وَ َل يَ ِ
ـ ِه ّن ثَ َ
ـنَ ِبأَنفُس ِ
ـ يََت َربّص ْ
﴿ وَالْمُطَ ّلقَات ُ
يَكْتُمْ َن مَا خَلَ َق اللّ هُ فِي أَ ْرحَامِهِنّ إِن كُنّ يُ ْؤمِنّ بِاللّ هِ وَالْيَوْ ِم ال ِخرِ
صلَحا َوَلهُنّ مِ ْث ُل اّلذِي
ك إِ ْن أَرَادُوْا إِ ْ
وَُبعُولَُتهُنّ َأحَقّ بِ َر ّدهِنّ فِي َذلِ َ
عَلَ ْيهِنّ بِالْ َم ْعرُو فِ َولِل ّرجَالِ عَلَ ْيهِنّ دَ َر َجةٌ وَاللّ هُ َعزِي ٌز حَكُي مٌ ()228
ح ّل لَكُ مْ أَن
ح بِِإحْ سَا ٍن وَ َل يَ ِ
سرِي ٌ
ق َمرّتَا ِن َفِإمْ سَاكٌ بِ َمعْرُو فٍ َأ ْو تَ ْ
الطّلَ ُ
َتأْ ُخذُواْ مِمّا آتَيْتُمُو ُهنّ شَيْئا إِل أَن َيخَافَا أَل ُيقِيمَا ُحدُو َد اللّ ِه َفإِ ْن ِخفْتُمْ
ك حُدُودُ اللّ هِ
ت بِ هِ تِلْ َ
ل جُنَا حَ عَلَ ْي ِهمَا فِيمَا افَْتدَ ْ
أَل ُيقِيمَا ُحدُو َد اللّ هِ فَ َ
ل َتعَْتدُوهَا َومَن يََت َعدّ ُحدُو َد اللّ هِ َفُأ ْولَـِئكَ هُ مُ الظّالِمُو نَ (َ )229فإِن
فَ َ
ل جُنَا حَ
ح ّل لَ ُه مِن َبعْ ُد حَّتىَ تَنكِ حَ َزوْجا غَ ْيرَ ُه َفإِن طَ ّل َقهَا فَ َ
ل تَ ِ
طَ ّل َقهَا فَ َ
عَلَ ْيهِمَا أَن يََترَا َجعَا إِن ظَنّا أَن ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ َوتِلْ كَ ُحدُو ُد اللّ ِه يُبَيُّنهَا
ِلقَوْ ٍم يَعْلَمُو نَ (َ )230وِإذَا طَ ّلقْتُ مُ النّ سَاء فَبَ َلغْ نَ َأجَ َلهُنّ َفأَمْ سِكُو ُهنّ
ضرَارا لَّتعْتَدُواْ وَمَن
ف َأوْ َس ّرحُو ُهنّ بِ َم ْعرُو فٍ َو َل تُمْ سِكُوهُنّ ِ
بِ َم ْعرُو ٍ
خ ُذ َواْ آيَاتِ اللّ ِه ُهزُوا وَاذْ ُكرُوْا نِعْ َمتَ
َيفْ َعلْ ذَلِكَ فَ َقدْ ظَلَ َم َنفْسَ ُه وَ َل تَتّ ِ
حكْ َم ِة يَعِظُكُم بِ ِه وَاّتقُواْ
ب وَالْ ِ
اللّ هِ عَلَ ْيكُ ْم وَمَا أَنزَلَ عَلَ ْيكُ ْم مّ َن الْكِتَا ِ
اللّهَ وَاعْلَمُوْا أَنّ اللّ َه بِ ُك ّل شَيْءٍ عَلِيمٌ ( )231وَِإذَا طَ ّلقْتُ ُم النّسَاء فَبَ َلغْنَ
ضوْْا بَيَْنهُم بِالْ َمعْرُوفِ
ل َتعْضُلُو ُهنّ أَن يَنكِحْ َن أَ ْزوَا َجهُنّ ِإذَا َترَا َ
أَجَ َل ُهنّ فَ َ
ظ بِ هِ مَن كَا َن مِنكُ ْم ُيؤْمِ ُن بِاللّ هِ وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َذلِكُ ْم أَزْكَى
ك يُو َع ُ
َذلِ َ
ضعْ نَ
لَكُ ْم وَأَ ْط َه ُر وَاللّ ُه يَعْلَ ُم َوأَنتُ مْ لَ َتعْلَمُو نَ ( )232وَاْلوَاِلدَا تُ ُيرْ ِ
أَ ْو َلدَهُنّ َحوْلَيْ نِ كَامِلَيْ نِ لِمَ ْن أَرَا َد أَن يُتِمّ الرّضَا َع َة وَعلَى الْ َم ْولُو ِد لَ هُ
261 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 262
ِحـ
َهـ مِن َبعْ ُد حَتّ َى تَنك َ
ح ّل ل ُ
ل تَ ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :فإِن طَ ّلقَهَا فَ َ
ل جُنَا حَ عَلَ ْيهِمَا أَن يََترَاجَعَا إِن ظَنّ ا أَن ُيقِيمَا
َزوْجا غَ ْيرَ هُ َفإِن َط ّلقَهَا فَ َ
حُدُودَ ال ّلهِ َوتِ ْلكَ ُحدُو ُد ال ّلهِ يُبَيُّنهَا لِ َقوْ ٍم َيعْلَمُونَ (. ﴾ )230
يقول تعال ﴿ :فَإِن طَّل َقهَا ﴾ ،يعن :الطلقة الثالثة َ ﴿ ،فلَ َتحِلّ لَهُ
مِن َبعْدُ ﴾ ،أي :من بعد الطلقة الثالثة َ ﴿ ،حّتىَ تَنكِحَ َزوْجا غَيْرَهُ ﴾ ،
أي :غيـ الطلق فيجامعهـا ﴿ ،فَإِن طَّلقَه َا ﴾ ،أي الزوج الثانـ بعـد
ـ عََلْيهِمَـا أَن يَتَرَاجَعَـا ﴾ أي :الرأة والزوج الماع َ ﴿ ،فلَ ُجنَاحـَ
الول ﴿ ،إِن َظنّ ا أَن ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ ﴾ ،أي :يكون بينه ما ال صلح
وحسن الصحبة .وعن ابن عمر قال ( :سئل النب عن الرجل يطلق
ـ قبـل أن امرأتـه فيتزوجهـا آخـر ،فيغلق الباب ويرخـي السـتر ثـ يطلقه ا
يدخل با ،هل تل للول ؟ قال « :حت تذوق العسيلة » .رواه أحد
وغيه .وروى البخاري ومسلم عن عائشة ( :أن رجلً طلق امرأته ثلثًا
،فتزو جت زوجًا فطلق ها ق بل أن ي سها ،ف سئل ر سول ال :أت ل
للول ؟ فقال « :ل حت يذوق من عسيلتها كما ذاق الول » .وروى
المام أحدـ وغيه عـن ابـن مسـعود قال ( :لعـن رسـول ال الواشةـ
والسـتوشة ،والواصـلة والسـتوصلة ،والحلّل والحلّل له ،وآكـل الربـا
وموكله ) .
سكُو ُهنّ
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذَا َط ّلقْتُ ُم النّ سَاء فَبَ َلغْ َن َأجَلَهُنّ َفأَمْ ِ
ضرَارا لَّتعْتَدُواْ وَمَن
ف َأوْ َس ّرحُو ُهنّ بِ َم ْعرُو فٍ َو َل تُمْ سِكُوهُنّ ِ
بِ َم ْعرُو ٍ
خ ُذ َواْ آيَاتِ اللّ ِه ُهزُوا وَاذْ ُكرُوْا نِعْ َمتَ
َيفْ َعلْ ذَلِكَ فَ َقدْ ظَلَ َم َنفْسَ ُه وَ َل تَتّ ِ
الزء الول 266
ل َتعْضُلُو ُهنّ
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذَا َط ّلقْتُ مُ النّ سَاء فَبَ َلغْ نَ َأجَ َل ُهنّ فَ َ
ظ بِ ِه مَن
ف َذلِ كَ يُوعَ ُ
ض ْواْ بَيْنَهُم بِالْ َم ْعرُو ِ
أَن يَنكِحْ َن أَ ْزوَا َجهُنّ ِإذَا َترَا َ
كَا َن مِنكُ ْم ُيؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْ ِم الخِ ِر َذلِكُ ْم أَزْكَى َلكُمْ َوأَ ْط َهرُ وَاللّهُ َيعْلَمُ
وَأَنُتمْ َل َتعْلَمُونَ (. ﴾ )232
روى أبو داود وغيه عن السن ( :أن أخت معقل بن يسار طلقها
زوجهـا ،فتركهـا حتـ انقضـت عدتاـ ،فخطبهـا فأبـ معقـل ،فنلت
ل َت ْعضُلُوهُنّ أَن يَنكِحْنَ أَ ْزوَا َجهُنّ ﴾ .
َ ﴿ :ف َ
وقوله تعال ﴿ :إِذَا تَرَا َ
ض ْواْ َبْينَهُم بِالْ َمعْرُو فِ ﴾ ،أي :بع قد حلل
ظ بِ هِ مَن كَا َن مِنكُ ْم ُي ْؤمِ ُن بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر
ك يُوعَ ُ
ومهر جائز ﴿ ،ذَلِ َ
ذَِلكُ مْ أَزْكَى َلكُ مْ َوأَ ْطهَرُ ﴾ ،أي :ردهن إل أزواجهن ﴿ .أَزْكَى َلكُ مْ
َوأَ ْطهَرُ ﴾ ،أي :ردهن إل أزواجهن خي لكم وأطهر لقلوبكم ﴿ وَاللّهُ
َيعْلَ ُم َوأَنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ،أي :يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه
مـا ل تعلمون أنتـم ،فاتبعوا أمـر ال واتركوا الميـة ،فإنـه تعال أعلم
بصال خلقه من أنفسهم .
ضعْ نَ َأ ْولَ َدهُنّ حَ ْولَيْ نِ كَامِلَيْ نِ
قوله عز و جل ﴿ :وَالْوَالِدَا تُ يُرْ ِ
ـوَُت ُهنّ
ـ ِر ْز ُقهُنّـ وَكِس ْ
ـ أَرَادَ أَن يُتِمّـ الرّضَا َعةَ وَعلَى الْ َموْلُودِ لَه ُ
لِمَن ْ
ف لَ ُتكَلّ فُ َنفْ سٌ إِل وُ سْ َعهَا َل تُضَآ ّر وَاِل َدةٌ ِب َولَ ِدهَا وَ َل َموْلُودٌ
بِالْ َم ْعرُو ِ
لّ ُه بِ َوَلدِ ِه وَعَلَى اْلوَارِ ثِ مِ ْث ُل َذلِ كَ َفإِ نْ أَرَادَا فِ صَالً عَن َترَا ضٍ مّ ْنهُمَا
ل جُنَاحَ
ضعُواْ َأ ْولَدَكُ ْم فَ َ
وََتشَاوُرٍ فَلَ جُنَاحَ عَ َل ْيهِمَا َوإِ ْن أَرَدتّ ْم أَن تَسَْترْ ِ
الزء الول 268
أبيه ( ول يضار ) الوالد بولده فيم نع أمه أن ترضعه ليحزن ا .وقال ا بن
ز يد :ل ينتز عه من ها و هي ت ب أن ترض عه فيضار ها ،ول تطر حه عل يه
وهو ل يد من يرضعه ول يد ما يسترضعه به .
وقوله تعال َ ﴿ :وعَلَى اْلوَارِ ثِ ِمثْلُ ذَلِ كَ ﴾ ،أي :وارث ال صب .
قال السن :إذا تو ف الرجل وامرأته حامل فنفقتها من نصيبها ،ونفقة
ولد ها من ن صيبه من ماله ،إن كان له مال ،فإن ل ي كن له مال فنفق ته
على ع صبته .واختار ش يخ ال سلم ا بن تيم ية أن نف قة الا مل من مال
المل .
وقوله تعال ﴿ :فَإِ نْ أَرَادَا فِ صَالً عَن تَرَا ٍ
ض ّمْنهُمَا َوتَشَاوُرٍ َفلَ ُجنَا حَ
عََلْيهِمَا ﴾ .قال ماهد :التشاور فيما دون الولي ،ليس لا أن تفطمه
إل أن يرضى ،وليس له أن يفطمه إل أن ترضى ،فإن ل يتمعا فليس لا
أن تفطمه دون الولي .
ح عََلْيكُ مْ
ضعُواْ َأوْلَدَ ُك مْ َفلَ ُجنَا َ وقوله تعال َ ﴿ :وإِ نْ أَرَدتّ مْ أَن تَ ْ
ستَرْ ِ
ّمـ أَن
ِنـ أَرَدت ْ
ُوفـ ﴾ .قال ماهـد َ ﴿ :وإ ْ سـلّ ْمتُم مّاـ آَتيْت ُم بِالْ َم ْعر ِ إِذَا َ
ح عََلْيكُمْ إِذَا
ضعُواْ َأوْلَدَكُمْ ﴾ خيفة الضيعة على الصب َ ﴿ ،فلَ ُجنَا َ ستَرْ ِتَ ْ
سَلّ ْمتُم مّا آَتْيتُم بِالْ َمعْرُوفِ ﴾ ،قال :حساب ما أرضع به الصب ،وهذه
ضعْ نَ الية كقوله تعال َ ﴿ :وإِن كُنّ أُولَا تِ حَمْلٍ َفأَنفِقُوا عََلْيهِنّ َحتّى َي َ
ف َوإِن ضعْ نَ َلكُ مْ فَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ َوْأتَمِرُوا َبيَْنكُم بِ َمعْرُو ٍ
حَ ْمَلهُنّ فَإِ نْ أَرْ َ
ستُرْضِعُ لَهُ أُ ْخرَى ﴾ . َتعَاسَ ْرتُمْ فَ َ
الزء الول 270
وقوله تعال ﴿ :وَاّتقُواْ اللّ َه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ َه بِمَا َتعْمَلُو نَ بَ صِيٌ ﴾ ،
أي :واتقوا ال ف ج يع أحوال كم وأقوال كم ﴿ ،وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ َه بِمَا
َتعْمَلُونَ َبصِيٌ ﴾ فل يفى عليه شيء .وال أعلم .
***
271 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صنَ
قوله عز وجل ﴿ :وَالّذِي َن يَُتوَ ّفوْ نَ مِنكُ ْم َويَذَرُو َن أَ ْزوَاجا يََترَبّ ْ
ل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ ْم فِيمَا
س ِهنّ أَ ْرَب َعةَ َأ ْشهُ ٍر وَ َعشْرا َفِإذَا بَ َلغْ َن َأجَلَهُنّ فَ َ
ِبأَنفُ ِ
َفعَلْ َن فِي أَن ُفسِ ِه ّن بِالْ َم ْعرُوفِ وَال ّلهُ بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيٌ (. ﴾ )234
قال ا بن عباس :هذه عدة التو ف عنها زوج ها إل أن تكون حاملً ،
فعدتا أن تضع ما ف بطنها .وف الصحيحي عن أم سلمة ( :أن امرأة
تو ف عن ها زوج ها واشت كت عين ها ،فأ تت ال نب ت ستفتيه ف الك حل
فقال « :لقـد كانـت إحداكـن تكون فـ الاهليـة فـ شـر أحلسـها ،
فتمكث ف بيتها حولً إذا توف عنها زوجها ،فيمر عليها الكلب فترميه
بالبعرة ،أفل أرب عة أش هر وعشرًا » ؟ .وقال الرب يع عن أ ب العال ية ف
قوله ﴿ :وَالّذِي َن يَُتوَّفوْ نَ مِنكُ ْم َويَذَرُو نَ أَ ْزوَاجا َيتَ َربّ صْنَ ِبأَنفُ سِهِنّ أَ ْرَب َعةَ
َأ ْشهُ ٍر َوعَشْرا ﴾ .قال :قلت :ل صـارت هذه العشـر مـع الشهـر
الربعة ؟ قال :لنه ينفخ فيه الروح ف العشر .
وقوله تعال ﴿ :فَإِذَا بََلغْ نَ َأجََلهُنّ َفلَ ُجنَا َ
ح عََليْكُ مْ فِيمَا َف َعلْ نَ فِي
سهِ ّن بِالْ َمعْرُو فِ ﴾ .قال ما هد :هو النكاح اللل الط يب .وقال
أَنفُ ِ
ا بن عباس :إذا طل قت الرأة أو مات عن ها زوج ها ،فإذا انق ضت عدت ا
فل جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ،فذلك العروف .
وقوله تعال ﴿ :وَاللّ ُه بِمَا تَعْ َملُو نَ َخبِيٌ ﴾ ،أي :فل تعضلوهن من
أردن نكاحه بالعروف ،فإنه ل يفى عليه شيء من أعمالكم .
قوله عز و جل َ ﴿ :ولَ جُنَا حَ عَلَ ْيكُ ْم فِيمَا َعرّضْتُم بِ ِه مِ ْن خِطَْبةِ
النّ سَاء أَ ْو أَكْنَنتُ مْ فِي أَنفُ سِ ُكمْ عَلِ مَ اللّ ُه َأنّكُ مْ سَتَذْ ُكرُونَ ُه ّن وَلَـكِن ل
الزء الول 274
َاحـ
سـرّا إِل أَن َتقُولُوْا َقوْ ًل مّ ْعرُوفا وَ َل َت ْعزِمُواْ ُع ْق َد َة النّك ِ
تُوَا ِعدُوهُن ّ ِ
حَتّ َى يَبْلُ َغ الْكِتَا بُ َأجَلَ ُه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ َيعْلَ ُم مَا فِي أَنفُ سِ ُكمْ فَاحْذَرُو هُ
وَاعْ َلمُوْا أَ ّن ال ّلهَ َغفُو ٌر حَلِيمٌ (. ﴾ )235
قال ا بن عباس وغيه التعر يض :أن يقول إن أر يد التزو يج ،وإ ن
أ حب امرأة من أمر ها و من أمر ها ،يعرض ل ا بالقول العروف ،وقال
ما هد :يعرض للمرأة ف عدت ا فيقول :وال إ نك لميلة ،وإن الن ساء
لن حاجت ،وإنك إل خي إن شاء ال .
وقوله َ ﴿ :أوْ أَكْنَنتُ مْ فِي أَنفُ ِ
سكُمْ ﴾ ،أي :أضمر ت نكاح هن ب عد
العدة ﴿ .عَِل مَ اللّ هُ َأنّكُ مْ َستَذْكُرُوَنهُنّ ﴾ ،أي :ف أنفسكم وبألسنتكم
﴿ وَلَـكِن ل ُتوَاعِدُوهُنّ سِرّا ﴾ .قال ابن عباس :يقول :ل تقل لا :
إ ن عاشق وعاهدي ن أل تتزوجي غيي .وقال ما هد :ل يأخذ ميثاقها
ف عدتا أن ل تتزوج غيه .
وقوله تعال ﴿ :إِل أَن تَقُولُواْ َقوْ ًل ّمعْرُوفا ﴾ ،أي :التعريـــض
بالطبة .
وقوله تعال ﴿ :وَ َل َتعْ ِزمُوْا ُعقْ َدةَ الّنكَا حِ َحتّ َى َيبْلُ غَ الْ ِكتَا بُ أَجَلَ هُ ﴾ .
قال ماهد :حت تنقضي العدة .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ َتعْ ِزمُواْ ُعقْ َد َة الّنكَاحِ َحتّ َى َيبْلُ َغ اْلكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾،
قال ماهد :حت تنقضي العدة .
275 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي أَنفُ سِكُمْ فَاحْذَرُو هُ ﴾ ،
أي :فخافوا ال ول تضمروا إل الي ﴿ وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه َغفُورٌ حَلِي مٌ ﴾،
ل يعجل بالعقوبة .
َمـ
ُمـ النّسـَاء مَا ل ْ
ُمـ إِن َط ّلقْت ُ
َاحـ عَلَ ْيك ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :ل جُن َ
تَمَ سّوهُ ّن َأوْ َت ْفرِضُواْ َلهُنّ َفرِيضَ ًة َومَتّعُوهُنّ عَلَى الْمُو سِ ِع َقدَرُ هُ وَعَلَى
حسِنِيَ (. ﴾ )236
ف حَقّا عَلَى الْ ُم ْ
الْ ُمقْتِ ِر َقدْ ُرهُ مَتَاعا بِالْ َمعْرُو ِ
قال ابن عباس :الس :الماع ،ولكن ال يكن ما يشاء با شاء ،
والفريضة الصداق .
ُهـ
ُهـ َوعَلَى الْ ُمقْتِرِ َقدْر ُ وقوله تعال َ ﴿ :ومَّتعُوهُن ّ عَلَى الْم ِ
ُوسـعِ قَدَر ُ
سنِيَ ﴾ .قال ا بن عباس :فهذا الر جلَمتَاعا بِالْ َمعْرُو فِ َحقّا عَلَى الْمُحْ ِ
يتزوج الرأة ول يسم لا صداقًا ،ث يطلقها من قبل أن ينكحها ،فأمر ال
سبحانه أن يتع ها على قدر ع سره وي سره ،فإن كان مو سرًا متّع ها بادم
أو شبه ذلك ،وإن كان معسرًا متعها بثلثة أثواب أو نو ذلك .
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وإِن طَ ّلقْتُمُوهُن ّ م ِن قَ ْبلِ أَن تَمَسـّو ُهنّ َو َقدْ
ف مَا َفرَضْتُ ْم إَل أَن َيعْفُو َن أَ ْو َي ْعفُ َو الّذِي بَِيدِ هِ
ض ًة فَنِ صْ ُ
َفرَضْتُ مْ َل ُهنّ َفرِي َ
ض َل بَيَْنكُ ْم إِنّ اللّ هَ
سوُْا الْفَ ْ
ب لِلّتقْوَى وَ َل تَن َ
ح َوأَن َتعْفُوْا َأ ْقرَ ُ
ُع ْق َدةُ الّنكَا ِ
بِمَا َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (. ﴾ )237
قال ابن عباس ف قوله َ ﴿ :وإِن طَّل ْقتُمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن تَمَسّوهُ ّن وَقَدْ
ضتُ مْ ﴾ ،فهذا الرجل يتزوج الرأة وقد
ضةً َفنِ صْفُ مَا فَرَ ْ
ضتُ مْ َلهُنّ َفرِي َ
فَرَ ْ
سى لا صداقًا ث يطلقها من قبل أن يسها ،فلها نصف صداقها ليس لا
الزء الول 276
أكثر من ذلك .وقال عكرمة :إذا طلقها قبل أن يسها وقد فرض لا ،
فنصف الفريضة لا عليه ،إل أن تعفو عنه فتتركه .
وقوله تعال َ ﴿ :أ ْو َي ْعفُ َو الّذِي ِبيَدِ ِه ُعقْ َدةُ النّكَا حِ ﴾ قال ابن عباس :
هو أبو الارية البكر جعل ال سبحانه العفو إليه ،ليس لا معه أمر ،إذا
طلقت ما كانت ف حجره .وف رواية :هو الزوج .وكذا قال ماهد .
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وأَن َتعْفُواْ أَ ْقر ُ
َبـلِلّت ْقوَى ﴾ ،قال ابـن عباس :
أقربمــا للتقوى الذي يعفوا :وقال الشعــب َ ﴿ :وأَن َت ْعفُواْ أَقْرَبــُ
لِلّت ْقوَى ﴾ ،وأن يعفوا هو أقرب للتقوى .
وقوله تعال ﴿:وَ َل تَن َ
سوُْا اْلفَضْ َل َبْينَكُمْ ِإنّ اللّ َه بِمَا تَعْ َملُونَ بَصِيٌ ﴾.
قال ماهد :ول تنسوا الفضل بينكم ف هذا وف غيه .وعن سعيد بن
جبي بن مطعم ،عن أبيه أنه دخل على سعد بن أب وقاص فعرض عليه
ابنة له فتزوجها ،فلما خرج طلقها ،وبعث إليها بالصداق ،قال :قيل :
له :فلم تزوجتها ؟ قال :عرضها عل يّ فكرهت ردها ،قال :فلم تبعث
َنسـوُْا اْلفَضْلَ
بالصـداق ؟ قال :فأيـن الفضـل ؟ وعـن ماهـد ﴿ :وَ َل ت َ
َبيَْنكُمْ ﴾ قال :إتام الزوج الصداق ،أو ترك الرأة الشطر .
ُسـطَى
ل ِة اْلو ْ
والصـ َ
ّ الصـَلوَاتِ
قوله عـز وجـل ﴿ :حَافِظُواْ عَلَى ّ
ُمـ
ُمـ َف ِرجَا ًل أَوْ رُكْبَانا َفِإذَا َأمِنت ْ
َإنـ ِخفْت ْ
ّهـ قَانِتِي َ ( )238ف ْ
َوقُومُوْا لِل ِ
فَاذْ ُكرُواْ ال ّلهَ َكمَا عَلّ َمكُم مّا َلمْ َتكُونُواْ َتعْلَمُونَ (. ﴾ )239
قال بعـض العلماء :ذكـر الحافظـة على الصـلوات هنـا لئل يشتغلوا
ُمـ
ِينـ آ َمنُوا ل تُ ْل ِهك ْ
بالنسـاء فيغفلوا عنهـا .قال تعال ﴿ :ي َا َأيّه َا الّذ َ
277 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمـ
ِكـ ه ُ
ِكـ َفُأوَْلئ َ
ّهـ وَم َن َي ْفعَلْ ذَل َ
ُمـ ع َن ذِكْرِ الل ِ
ُمـ وَل َأوْلدُك ْ
َأ ْموَاُلك ْ
الْخَا سِرُونَ ﴾ .وقال م سروق :الحاف ظة على ال صلوات الحاف ظة على
وقتها وعدم السهو عنها .
لةِ اْلوُسْطَى ﴾ .قال علي بن أب طالب وغيه:
صَوقوله تعال ﴿:وال ّ
قال يوم الندق « : هـي صلة العصـر .وفـ ال صحيحي :إن ال نب
شغلونا عن الصلة الوسطى صلة العصر » .
وقوله تعال ﴿ :وَقُومُواْ لِلّهِ قَاِنتِيَ ﴾ .قال الشعب وغيه :مطيعي .
وعن زيد بن أرقم قال ( :إنا كنا لنتكلم ف الصلة على عهد النب ،
الصـَلوَاتِ
يكلم أحدنـا صـاحبه باجتـه ،حتـ نزل ﴿ :حَافِظُواْ عَلَى ّ
لةِ اْلوُ سْطَى وَقُومُواْ لِلّ هِ قَانِتِيَ ﴾ ،فأمر نا بال سكوت وني نا عن
صَوال ّ
الكلم ) .متفق عليه .
وقال ماهد ﴿ :وَقُومُواْ لِلّ هِ قَاِنتِيَ ﴾ ،فمن القنوت طول الركوع ،
و غض الب صر ،وخ فض الناح ،والشوع من ره بة ال .كان العلماء
إذا قام أحد هم ي صلي يهاب الرح ن أن يلت فت أو أن يقلب ال صى ،أو
يعبث بشيء ،أو يدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إل ناسيًا .
وقوله تعال ﴿ :فَإ نْ ِخ ْفتُ مْ َفرِجَالً َأوْ رُ ْكبَانا ﴾ ،قال إبراهيم :عند
الطاردة يصـلي حيـث كان وجهـه راكب ًا أو راجلً ،ويعـل السـجود
أخ فض من الركوع ،وي صلي ركعت ي يو مئ إياء .وقال قتادة أ حل ال
لك إذا ك نت خائفًا ع ند القتال ،أن ت صلي وأ نت را كب ،وأن ت سعى
تومـئ برأسـك مـن حيـث كان وجهـك ،إن قدرت على ركعتيـ وإل
فواحدة .
الزء الول 278
وقوله تعال ﴿ :فَِإذَا َأمِنتُ مْ فَاذْ ُكرُواْ اللّ هَ كَمَا عَلّمَكُم مّ ا لَ ْم َتكُونُواْ
لةَ
صَ لةَ إِنّ ال ّ
َتعْلَمُو نَ ﴾ ،كقوله تعال ﴿ :فَِإذَا اطْ َم ْأنَنتُ مْ َفأَقِيمُواْ ال صّ َ
ت عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ ِكتَابا ّموْقُوتا ﴾ ،وقال ا بن ز يد ف قوله ﴿ :فَِإذَا كَانَ ْ
َأمِنتُ مْ فَاذْكُرُواْ اللّ هَ ﴾ ،قال :فإذا أمن تم ف صلوا ال صلة ك ما افترض ال
عليكم ،إذا جاء الوف كانت لم رخصة .
قوله عز و جل ﴿ :وَالّذِي نَ يَُت َوّفوْ نَ مِنكُ مْ َوَيذَرُو َن أَ ْزوَاجا وَ صِّيةً
ج َفإِ ْن خَ َرجْ نَ فَلَ جُنَا حَ عَ َل ْيكُ مْ
حوْلِ غَ ْي َر ِإ ْخرَا ٍ
لَزْوَاجِهِم مّتَاعا ِإلَى الْ َ
ف وَال ّلهُ َعزِيزٌ َحكِيمٌ (. ﴾ )240
س ِه ّن مِن ّم ْعرُو ٍ
فِي مَا َفعَ ْل َن ِفيَ أَنفُ ِ
قال قتادة :كانت الرأة إذا توف عنها زوجها كان لا السكن والنفقة
حولً ف مال زوج ها ما ل ترج ،ث ن سخ ذلك ب عد ف سورة الن ساء
فجعل لا فريضة معلومة الثمن إن كان له ولد ،والربع إن ل يكن له ولد
،وعدتا أربعة أشهر وعشر .فقال تعال ذكره ﴿ :وَالّذِينَ يَُتوَّفوْنَ مِنكُمْ
سهِنّ أَ ْرَب َعةَ َأ ْشهُ ٍر َوعَشْرا ﴾ ،فنسخت هذه
َويَذَرُو نَ أَ ْزوَاجا يَتَ َربّ صْنَ بِأَنفُ ِ
الية ما كان قبلها ف أمر الول .
ُمـ ﴾ ،يـا أولياء اليـت
َاحـ عََلْيك ْ
ْنـ َفلَ ُجن َ وقوله تعال ﴿ :فَإ ْ
ِنـ َخرَج َ
سهِنّ مِن ّمعْرُو فٍ ﴾ ،يعن :التزين للنكاح ،
﴿ فِي مَا َفعَلْ نَ فِ يَ أَنفُ ِ
خيّرها ال تعال بي أن تقيم حو ًل ولا النفقة والسكن ،وبي أن ترج ،
فل نفقة ول سكن ،إل أن نسخه بأربعة أشهر وعشر .
279 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 280
***
الزء الول 282
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَمْ َت َر ِإلَى الّذِينَ َخ َرجُواْ مِن ِديَا ِرهِمْ َوهُمْ ُألُوفٌ
ضلٍ َعلَى
حَذَ َر الْ َموْ تِ َفقَالَ َلهُ ُم اللّ هُ مُوتُوْا ثُمّ أَحْيَاهُ مْ إِنّ اللّ هَ َلذُو فَ ْ
س َولَـ ِكنّ أَكَْث َر النّاسِ َل َيشْ ُكرُونَ (. ﴾ )243
النّا ِ
ـي قال البغوي :قوله تعال ﴿ :أَلَم ْ
ـ تَرَ ﴾ ،أي :أل تعلم بإعلمـ
إياك ،و هو من رؤ ية القلب ،وقال أ هل العال :هو تعج يب .يقول :
هل رأي تم مثل هم ؟ ك ما تقول :أل تر إل ما ي صنع فلن ؟ و كل ما ف
القرآن أل تر ،ول يعاينه النب ،فهذا وجهه .
قال أكثر أهل التفسي :كانت قرية يقال لا داوردان من ِقبَل واسط
با وقع الطاعون ،فخرجت طائفة منها ،وبقيت طائفة ،فهلك أكثر من
بقـي فـ القريـة ،وسـلم الذيـن خرجوا ،فلمـا ارتفـع الطاعون رجعوا
سالي ،فقال الذين بقوا :أصحابنا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا
لبقينـا ،ولئن وقـع الطاعون ثانيـة لنخرجـن إل أرض ل وباء باـ .فوقـع
الطاعون من قا بل ،فهرب عا مة أهل ها وخرجوا ح ت نزلوا واديًا أفْيَح ،
فلما نزلوا الكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي ،
وآخر من أعله :أن موتوا .فماتوا جيعًا .
و ساق ب سنده أن ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه خرج إل الشام ،
فل ما جاء سرغ بل غه أن الوباء قد و قع بالشام ،فأ خبه ع بد الرح ن بن
عوف :أن ر سول ال قال « :إذا سعتم به بأرض فل تقدموا عل يه ،
وإذا وقع بأرض وأنتم با فل ترجوا فرارًا منه فرجع عمر من سرغ » .
والديث ف الصحيحي .
283 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال البغوي :وأول القاويـل قول مـن قال :كانوا زيادة على عشرة
آلف ؛ لن ال تعال قال َ ﴿ :وهُ مْ أُلُو فٌ ﴾ ،قالوا :ف مر علي هم نب
يقال له :حزقيل فجعل يتفكر فيهم متعجبًا ،فأوحى ال تعال إليه :تريد
أن أريك آية ؟ قال :نعم فأحياهم ال ﴿ ،إِنّ اللّ هَ لَذُو َفضْ ٍل عَلَى النّا سِ
وَلَـكِنّ أَكْثَ َر النّاسِ َل يَشْكُرُونَ ﴾ .
قوله عز و جل َ ﴿ :وقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّ هَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (. ﴾ )244
.قال :فناوله يده قال :فإن قد أقرضت رب عز وجل حائطي .قال :
وحائط له ف يه ستمائة نلة ،وأم الدحداح ف يه وعيال ا ،قال :فجاء أ بو
الدحداح فناد ها :يا أم الدحداح .قالت :لب يك .قال :اخر جي ف قد
أقرضته رب عز وجل ) .
ط َوإِلَيْ هِ ُترْ َجعُو نَ ﴾ ،روى ا بن وقوله تعال ﴿ :وَاللّ هُ يَ ْقبِ ُ
ض َوَيبْ سُ ُ
جرير وغيه عن أنس بن مالك قال :غل السعر على عهد رسول ال
فقالوا :يا رسول ال غل السعر ،فسعّر لنا ؟ فقال رسول ال « :إن
ال البا سط القا بض الرازق ،وإ ن لر جو أن أل قى ال ل يس أ حد يطلب ن
بظلمة ف نفس ومال » .
ل مِن بَنِي إِ ْسرَائِي َل مِن َب ْعدِ مُوسَى
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَمْ َت َر ِإلَى الْمَ ِ
ث لَنَا مَلِكا ّنقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه قَا َل َهلْ عَ سَيُْتمْ
ِإذْ قَالُوْا لِنَبِيّ لّهُ مُ اْبعَ ْ
إِن كُتِ بَ عَلَ ْيكُ ُم الْقِتَالُ أَل تُقَاتِلُوْا قَالُوْا َومَا لَنَا أَل ُنقَاِتلَ فِي سَبِيلِ اللّ هِ
َوقَ ْد أُ ْخ ِرجْنَا مِن دِيَا ِرنَا َوَأبْنَآئِنَا فَ َلمّا ُكتِ بَ عَلَ ْيهِ ُم الْقِتَالُ َت َولّ ْواْ إِل قَلِيلً
مّ ْنهُ ْم وَال ّلهُ عَلِي ٌم بِالظّالِمِيَ (. ﴾ )246
قال وهب بن منبه وغيه :كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلم
على طريق الستقامة مدة من الزمان ،ث أحدثوا الحداث وعبد بعضهم
الصنام ،ول يزل بي أظهرهم من النبياء من يأمرهم بالعروف وينهاهم
عن النكر ،ويقيمهم على منهج التوراة إل أن فعلوا ما فعلوا ،فسلّط ال
عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ،وأسروا منهم خلقًا عظيمًا ،
وأخذوا منهـم بلدًا كثية ،واسـتلبوا منهـم التابوت الذي كان موروث ًا
للفهم عن سلفهم .
285 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل َ ﴿ :وقَا َل َلهُ ْم نِبِّيهُمْ إِنّ آَي َة مُ ْلكِهِ أَن َي ْأتِيَكُمُ التّابُوتُ
حمِلُ هُ
فِي هِ َسكِيَنةٌ مّ ن ّرّبكُ ْم َوبَقِّيةٌ مّمّ ا َترَ كَ آ ُل مُو سَى وَآلُ هَارُو َن تَ ْ
الْمَلِئكَ ُة إِ ّن فِي َذِلكَ ليَ ًة ّلكُ ْم إِن كُنتُم ّمؤْمِنِيَ (. ﴾ )248
قال قتادة ﴿ :فِي هِ َسكِيَنةٌ ﴾ ،أي :وقار .وقال عطاء :ما تعرفون
من آيات ال فتسكنون إليه .
وقوله تعال َ ﴿ :وَب ِقّيةٌ مّمّا َترَ كَ آ ُل مُو سَى وَآلُ هَارُو نَ ﴾ .قال ابن
عباس :عصا موسى ورضاض اللواح .قال ابن عباس :جاءت اللئكة
تمـل التابوت بيـ السـماء والرض ،حتـ وضعتـه بيـ يدي طالوت
والناس ينظرون .
ت بِالْجُنُو ِد قَا َل إِنّ اللّ َه مُبْتَلِيكُم
صلَ طَالُو ُ
قوله عز وجل ﴿ :فَلَمّا فَ َ
س مِنّي َومَن لّ ْم يَ ْطعَمْ ُه َفإِنّهُ مِنّي إِل مَنِ اغَْترَفَ
ب مِنْ ُه فَلَيْ َ
بَِنهَ ٍر فَمَن َشرِ َ
ل مّ ْنهُ ْم فَلَمّا جَاوَزَ ُه هُ َو وَاّلذِي نَ آمَنُواْ َمعَ هُ
ش ِربُواْ مِنْ هُ إِل قَلِي ً
ُغ ْر َفةً بَِيدِ هِ َف َ
لقُو
قَالُواْ لَ طَا َقةَ لَنَا الَْيوْ َم بِجَالُو تَ َوجُنودِ هِ قَالَ اّلذِي نَ يَظُنّو َن أَّنهُم مّ َ
يةً بِِإذْ نِ اللّ ِه وَاللّ هُ مَ َع ال صّابِرِينَ (
ت فَِئةً كَِث َ
اللّ هِ كَم مّن فَِئةٍ قَلِي َلةٍ َغلَبَ ْ
. ﴾ )249
روى البخاري عن الباء بن عازب قال ( :كنا نتحدث أن أصحاب
ممد الذين كانوا معه يوم بدر ثلثائة وبضعة عشر على عدة أصحاب
طالوت الذ ين جاوزوا م عه الن هر ،و ما جازه م عه إل مؤ من ) .قال ا بن
عباس :فل ما ف صل طالوت بالنود غازيًا إل جالوت ،قال طالوت لب ن
287 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ض مّ ْنهُم مّن
ضهُ مْ عَلَى َبعْ ٍ
قوله عز وجل ﴿ :تِلْ كَ الرّ سُ ُل فَضّلْنَا َبعْ َ
ت وََأّيدْنَاهُ
ضهُ ْم دَ َرجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْ َن َم ْريَ َم الْبَيّنَا ِ
كَلّ َم اللّ ُه وَ َرفَ َع َبعْ َ
ِينـ مِن َب ْعدِهِم مّنـ َب ْعدِ مَا
ّهـ مَا اقْتََتلَ اّلذ َ
ُسـ وََلوْ شَاء الل ُ
ُوحـ اْل ُقد ِ
ِبر ِ
جَاءْتهُ ُم الْبَيّنَا تُ َولَـ ِكنِ اخْتَ َلفُوْا فَمِ ْنهُم مّ نْ آمَ نَ َومِ ْنهُم مّن َك َفرَ َوَلوْ
شَاء ال ّلهُ مَا اقْتَتَلُوْا َولَـ ِكنّ ال ّل َه َيفْ َع ُل مَا ُيرِيدُ (. ﴾ )253
قال ما هد :ف قول ال تعال ﴿ :تِلْ كَ الرّ سُلُ َفضّلْنَا َب ْع َ
ضهُ ْم عَلَى
ضهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ قال :يقول :منهم من
ض ّمْنهُم مّن كَلّمَ اللّ ُه وَرََف َع َبعْ َ
َبعْ ٍ
كلم ال ورفـع بعضهـم على بعـض درجات .يقول :كلم ال موسـى ،
وأرسل ممدًا إل الناس كافّة .
ُوحـ
َاهـ ِبر ِ
َاتـ َوَأيّ ْدن ُ
َمـ الَْبّين ِ قوله تعال ﴿ :وَآَتيْن َا عِيسـَى اب َ
ْنـ َم ْري َ
الْقُدُ سِ ﴾ ،أي :وآتينا عيسى بن مري الجج ،والدلة على نبوته من
إبراء الكمه ،والبرص ،وإحياء الوتى ،وما أشبه ذلك مع النيل .
وقوله تعال َ ﴿ :وأَيّ ْدنَا ُه بِرُو ِ
ح اْلقُدُسِ ﴾ ،يعن :وقويناه بروح ال ،
وهو :جبيل .
وقوله تعال ﴿ :وََلوْ شَاء اللّ ُه مَا ا ْقتَتَ َل الّذِي َن مِن َبعْدِهِم مّ ن َبعْ ِد مَا
جَاءْتهُ ُم اْلبَّينَاتُ ﴾ ،قال قتادة :من بعد موسى وعيسى .
وقوله تعال ﴿ :وَلَـكِنِ ا ْختََلفُواْ فَ ِمْنهُم مّنْ آمَ َن َو ِمْنهُم مّن َكفَ َر وََلوْ
شَاء اللّ ُه مَا اقَْتتَلُواْ وَلَ ـكِنّ اللّ َه َي ْفعَ ُل مَا يُرِيدُ ﴾ ،أي :يو فق من يشاء
بفضله ورحتـه ،ويذل مـن يشاء بعدله وحكمتـه ،وله الجـة البالغـة
جعَ َل النّاسَ
والكمة التامة ،وهذه الية كقوله تعال ﴿ :وََل ْو شَاء َربّكَ لَ َ
الزء الول 292
في من سواهم بأن يق بل من هم الز ية .فقال ﴿ :لَ إِكْرَا هَ فِي الدّي نِ قَد
ّتبَيّنَ ال ّرشْ ُد مِ َن اْل َغيّ ﴾
وقوله تعال َ ﴿ :فمَن ْـَي ْكفُ ْر بِالطّاغُوتِـ َوُيؤْمِن بِاللّهِـ َفقَ ِد اس ْتَ
ـمْسَكَ
بِاْلعُ ْر َوةِ اْل ُوثْ َقىَ لَ انفِ صَامَ لَهَا وَاللّ هُ سَمِي ٌع عَلِي مٌ ﴾ ،قال ما هد وغيه :
الطاغوت :الشيطان .وقال أبو العالية :الطاغوت :الساحر .وقال أبو
الزبيـ :سـئل جابر بـن عبـد ال عـن الطواغيـت التـ كانوا يتحاكمون
إلي ها ،فقال :كان ف جهي نة وا حد ،و ف أ سلم وا حد ،و ف كل حي
واحد ،وهي كهان ينل عليها الشيطان .
قال ابـن جريـر :والصـواب أنـه كـل ذي طغيان على ال فعبـد مـن
دو نه ،إ ما بق هر م نه ل ن عبده ،وإ ما لطا عة م ن عبده إن سانًا كان ذلك
العبود ،أو شيطانًا ،أو وثنًا ،أو صنمًا ،أو كائنًا ما كان من شيء .
ك بِاْلعُ ْروَ ِة اْل ُوثْ َقىَ وقال سـعيد بـن جـبي فـ قوله َ ﴿ :فقَ ِد ْ
اسـتَمْسَ َ
﴾ قال :ل إله إل ال .وقال السدي َ ﴿ :ل انفِصَامَ َلهَا ﴾ ل انقطاع لا
.وقال ماهد :ل غي ال ما بقوم حت يغيوا ما بأنفسهم .
خ ِرجُهُم مّ نَ الظّ ُلمَا تِ
قوله عز و جل ﴿ :اللّ هُ َولِيّ اّلذِي نَ آمَنُواْ يُ ْ
خ ِرجُونَهُم مّ َن النّو ِر ِإلَى
ِإلَى الّنوُ ِر وَاّلذِي نَ َك َفرُوْا َأوْلِيَآؤُهُ مُ الطّاغُو تُ يُ ْ
ت ُأوْلَـِئكَ أَصْحَابُ النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (. ﴾ )257
الظّلُمَا ِ
ّنـ
ِينـ آ َمنُوْا يُخْ ِرجُه ُم م َ قال قتادة :قوله تعال ﴿ :الل ُ
ّهـ وَلِي ّ الّذ َ
الظّلُمَاتِ إِلَى الّنوُرِ ﴾ ،يقول :من الضللة إل الدى ﴿ ،وَالّذِينَ َكفَرُوْا
خرِجُوَنهُم مّ َن النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ
َأوْلِيَآ ُؤهُمُ الطّاغُوتُ ﴾ ،الشيطان ﴿ ،يُ ْ
297 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس الثلثون
﴿ َألَ ْم َترَ إِلَى اّلذِي حَآجّ ِإْبرَاهِي َم فِي ِربّ ِه أَنْ آتَاهُ ال ّلهُ الْمُ ْلكَ ِإ ْذ قَالَ
ت قَالَ َأنَا ُأحْيِـي َوُأمِيتُ قَالَ ِإْبرَاهِيمُ
ِإبْرَاهِيمُ َربّيَ اّلذِي يُحْيِـي َويُمِي ُ
ق َفأْ تِ ِبهَا مِ َن الْ َم ْغرِ بِ فَُبهِ تَ اّلذِي
شرِ ِ
َفإِنّ اللّ هَ يَ ْأتِي بِالشّمْ سِ مِ نَ الْ َم ْ
ْمـ الظّالِمِي َ ( )258أَوْ كَاّلذِي َمرّ عَلَى َقرَْيةٍ
ّهـ َل َيهْدِي الْ َقو َ
َك َفرَ وَالل ُ
وَهِ َي خَا ِوَيةٌ َعلَى ُعرُو ِشهَا قَالَ َأّنىَ يُحْيِـي هَـ ِذهِ اللّ ُه َب ْعدَ َم ْوتِهَا َفَأمَاتَهُ
ت َيوْما َأوْ َبعْضَ َيوْ ٍم قَالَ بَل
اللّهُ مَِئةَ عَا ٍم ُثمّ َبعَثَهُ قَالَ كَ ْم لَبِثْ تَ قَالَ لَبِثْ ُ
ك لَ ْم يَتَ سَّنهْ وَان ُظرْ ِإلَى حِمَارِ كَ
ك وَ َشرَابِ َ
ت مَِئةَ عَا ٍم فَان ُظ ْر ِإلَى َطعَامِ َ
لّبِثْ َ
ف نُنشِ ُزهَا ُثمّ نَكْسُوهَا لَحْما
جعَلَكَ آَي ًة لّلنّاسِ وَانظُ ْر ِإلَى العِظَا مِ َكيْ َ
وَلِنَ ْ
فَلَمّ ا تَبَيّ نَ لَ ُه قَا َل أَعْلَ مُ أَنّ اللّ هَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ ( )259وَِإ ْذ قَالَ
َمـ تُؤْمِن قَا َل بَلَى
ْفـ تُحْيِــي الْ َموْتَى قَالَ َأ َول ْ
ِيمـ رَبّ أَرِنِي كَي َ
ِإبْرَاه ُ
ك ُثمّ ا ْجعَلْ
صرْ ُه ّن ِإلَيْ َ
خ ْذ أَ ْرَبعَ ًة مّنَ الطّ ْي ِر فَ ُ
وَلَـكِن لّيَ ْطمَِئنّ قَلْبِي قَا َل فَ ُ
عَلَى ُك ّل جََبلٍ مّ ْن ُهنّ ُجزْءا ُثمّ ادْ ُع ُهنّ يَ ْأتِينَ كَ َسعْيا وَاعْلَ ْم أَنّ اللّ هَ َعزِيزٌ
حَكِيمٌ (. ﴾ )260
***
299 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي حَآجّ ِإْبرَاهِي َم فِي ِربّ ِه أَ نْ آتَا هُ
ت قَالَ َأنَا ُأحْيِـي
اللّ ُه الْمُلْ كَ ِإ ْذ قَا َل ِإبْرَاهِي مُ َربّ يَ اّلذِي يُحْيِـي َويُمِي ُ
ت ِبهَا مِ نَ
ق َفأْ ِ
شرِ ِ
س مِ َن الْ َم ْ
وَُأمِي تُ قَالَ إِْبرَاهِي مُ َفإِنّ اللّ َه َي ْأتِي بِالشّمْ ِ
ت اّلذِي َك َف َر وَال ّل ُه لَ َي ْهدِي اْلقَوْ َم الظّالِمِيَ (. ﴾ )258
الْ َمغْ ِربِ فَُبهِ َ
قال ما هد ف قول ال تعال ﴿ :أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ ِإبْرَاهِي مَ فِي
ِربّهِ أَ ْن آتَاهُ اللّ ُه الْ ُملْكَ ﴾ .قال :هو نرود بن كنعان .قال قتادة :وهو
أول ملك تب ف الرض ،وهو صاحب الصرح ببابل .
حيِــي
ّيـ الّذِي يُ ْ وقال قتادة فـ قوله تعال ﴿ :إِذْ قَالَ ِإبْرَاه ُ
ِيمـ َرب َ
َويُمِي تُ قَالَ أَنَا أُ ْحيِ ـي َوُأمِي تُ ﴾ ،وذ كر ل نا أ نه د عا برجل ي فق تل
أحدهاـ ،واسـتحيا الخـر .فقال :أنـا أحيـي هذا ،أنـا أسـتحيي مـن
ّهـ يَأْتِي
شئت ،وأقتـل مـن شئت .قال إبراهيـم عنـد ذلك ﴿ :فَإِنّ الل َ
ت الّذِي َكفَ َر وَاللّ هُ لَ
ت بِهَا مِ َن الْ َمغْرِ بِ َفُبهِ َ
س مِ َن الْمَشْرِ قِ َفأْ ِ
بِالشّمْ ِ
َيهْدِي الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ ﴾ .
قال البغوي َ ﴿ ( :فُبهِتــَ الّذِي َكفَرَ ﴾ ،أي :تيــ ودهــش
وانقط عت حج ته وقال ا بن إ سحاق ﴿ :وَاللّ هُ َل َيهْدِي اْل َقوْ مَ الظّالِمِيَ
﴾ ،أي :ل يهديهم ف الجة عند الصومة لا هم عليه من الضلل ) .
ّهـ مِن َبعْ ِد مَا
ّونـ فِي الل ِ
ِينـ يُحَاج َ انتهـى .وهـو كقوله تعال ﴿ :وَالّذ َ
ض ٌة عِندَ َرّبهِم ْـ َوعََلْيهِ مْ َغضَبٌـ وََلهُم ْـ عَذَا بٌ
جُتهُ مْ دَا ِح َ
ـجِيبَ لَ هُ حُ ّ
اس ْتُ
شَدِيدٌ ﴾ .
الزء الول 300
وقال السـدي :لاـ خرج إبراهيـم مـن النار أدخلوه على اللك ،ول
يكن قبل ذلك دخل عليه فكل مه وقال له :من ربك ؟ قال :ر ب الذي
ييـ وييـت .قال نرود :أنـا أحـي وأميـت .أنـا أدخـل أربعـة نفـر ،
فأدخل هم بيتًا فل يطعمون ول ي سقون ح ت هلكوا من الوع ،أطع مت
اثني وسقيتمهما فعاشا ،وتركت اثني فماتا .فعرف إبراهيم أن له قدرة
بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك .قال له إبراهيم :فإن رب الذي يأت
بالش مس من الشرق فأت ب ا من الغرب ،فب هت الذي ك فر .وقال إن
هذا إنسـان منون فأخرجوه أل ترون أنـه مـن جنونـه اجترأ على آلتكـم
فكسـرها ،وإن النار ل تأكله ،وخشـي أن يفتضـح فـ قومـه ،أعنـ
جتُنَا آتَْينَاهَا ِإبْرَاهِي َم عَلَى
نرود ،و هو قول ال تعال ذكره َ ﴿ :وتِلْ كَ ُح ّ
َق ْومِ هِ ﴾ فكان يز عم أ نه رب ،وأ مر بإبراه يم فأخرج .وقال ا بن ز يد :
فب عث ال عل يه بعو ضة فدخلت ف منخره فم كث أربعمائة سنة تضرب
رأ سه بالطارق ،وأر حم الناس به من ج ع يد يه ،وضرب با ما رأ سه
وكان جبارًا أربعمائة عام ،فعذبه ال أربعمائة سنة كملكه وأماته ال .
ـ خَا ِوَيةٌ َعلَى
ـل َ ﴿ :أوْ كَالّذِي َمرّ عَلَى َق ْرَيةٍ َوهِي َ
ـز وجـ
قوله عـ
ُعرُو ِشهَا قَالَ َأّنىَ يُحْيِـي هَـ ِذهِ اللّ ُه بَ ْع َد مَ ْوِتهَا َفَأمَاتَ هُ اللّ هُ مَِئةَ عَا ٍم ُثمّ
ت مَِئةَ عَا مٍ
ض يَوْ ٍم قَالَ بَل لّبِثْ َ
ت َيوْما َأوْ َبعْ َ
ت قَا َل لَبِثْ ُ
َبعَثَ ُه قَالَ كَ ْم لَبِثْ َ
جعَلَ كَ آَيةً
فَان ُظ ْر ِإلَى َطعَامِ كَ َو َشرَابِ كَ لَ مْ يَتَ سَّنهْ وَان ُظرْ ِإلَى حِمَارِ َك وَلِنَ ْ
ش ُزهَا ُثمّ َنكْ سُوهَا لَحْما فَلَمّا تَبَيّ نَ لَ هُ
ف نُن ِ
س وَان ُظ ْر إِلَى العِظَا مِ كَيْ َ
لّلنّا ِ
قَا َل أَعْ َلمُ أَنّ ال ّلهَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (. ﴾ )259
301 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الشمـس ،فقال :أو بعـض يوم .فقال :بـل لبثـت مائة عام .وقال
ك َوشَرَابِ كَ َل ْم َيتَ سَنّهْ ﴾ يقول :ل
الضحاك ف قوله ﴿ :فَانظُرْ إِلَى َطعَامِ َ
يتغي .وقد أتى عليه مائة عام .
ف نُنشِزُهَا ﴾ .قال البغوي :
وقوله تعال ﴿ :وَانظُرْ إِلَى العِظَا مِ َكيْ َ
أي :نرفعها من الرض ،ونردها إل مكانا ونركب بعضها على بعض .
وقال السـدي وغيه :تفرقـت عظام حاره حوله يينًا وشا ًل فن ظر إليهـا
و هي تلوح من بياض ها ،فب عث ال ريًا فجمعته ما من كل مو ضع من
تلك الحلة ،ث ر كب كل ع ظم ف موض عه ح ت صار حارًا قائمًا من
عظام ل لم عليها ،ث كساها ال لمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا ،وبعث
ال ملكًا فنفخ ف منخاري المار ،فنهق بإذن ال عز وجل .وذلك كله
برأى من العز ير ،فع ند ذلك ل ا تبي له هذا كله قال :أعلم أن ال على
كل شيء قدير .وقال الضحاك وغيه :إنه عاد إل قريته شابًا وأولده ،
وأولد أولده شيوخ وعجائز ،وهو أسود الرأس واللحية .
ْفـ تُحْيِــي
ِيمـ رَبّ أَرِنِي كَي َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وِإذْ قَالَ ِإْبرَاه ُ
خ ْذ أَ ْرَب َعةً
الْمَوْتَى قَالَ َأ َولَ ْم ُتؤْمِن قَا َل بَلَى َولَ ـكِن لّيَطْمَِئنّ قَلْبِي قَالَ فَ ُ
صرْ ُه ّن إِلَيْ كَ ُثمّ اجْ َعلْ عَلَى ُك ّل جََبلٍ مّ ْن ُهنّ ُجزْءا ُثمّ ادْ ُع ُهنّ
مّ َن الطّ ْيرِ فَ ُ
َيأْتِيَنكَ َسعْيا وَاعْ َل ْم أَ ّن اللّهَ َعزِيزٌ حَكِيمٌ (. ﴾ )260
قال ممد بن إسحاق :لا جرى بي إبراهيم وبي قومه ما جرى ما
ق صه ال ف سورة ال نبياء ،قال نرود فيه ما يذكرون لبراه يم :أرأ يت
إلك هذا الذي تعبد وتدعو إل عبادته ،وتذكر من قدرته الت تعظمه با
303 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
305 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ مَّث ُل اّلذِي نَ يُن ِفقُو نَ َأ ْموَاَلهُ مْ فِي سَبِي ِل اللّ هِ َكمََث ِل حَبّ ٍة أَنبَتَ تْ سَبْعَ
ف لِمَن َيشَا ُء وَاللّ ُه وَا سِعٌ
سَنَاِبلَ فِي ُكلّ سُنبُ َلةٍ مَّئ ُة حَّبةٍ وَاللّ ُه يُضَاعِ ُ
عَلِي مٌ ( )261اّلذِي نَ يُن ِفقُو َن أَ ْموَاَلهُ ْم فِي سَبِي ِل اللّ هِ ثُمّ َل يُتِْبعُو َن مَا
أَن َفقُوُا مَنّا َولَ َأذًى ّلهُ مْ َأ ْجرُهُ مْ عِندَ َربّهِ مْ َولَ َخوْ فٌ عَلَ ْيهِ ْم وَ َل هُ مْ
ص َدقَ ٍة يَتَْب ُعهَا َأذًى وَاللّهُ
ف َو َمغْ ِف َرةٌ خَ ْي ٌر مّن َ
ح َزنُونَ (َ )262ق ْولٌ ّم ْعرُو ٌ
يَ ْ
صـَدقَاِتكُم بِالْمَنّ
ِينـ آمَنُوْا لَ تُبْطِلُواْ َ
ِيمـ ( )263يَا َأيّهَا الّذ َ
غَنِيّ حَل ٌ
وَالذَى كَاّلذِي يُن ِف ُق مَاَلهُ ِرئَاء النّاسِ َو َل يُ ْؤ ِمنُ بِال ّلهِ وَالْيَوْ ِم ال ِخ ِر فَمَثَ ُلهُ
ص ْفوَانٍ عَلَيْ ِه ُترَا بٌ فَأَ صَاَبهُ وَاِبلٌ فََترَكَ هُ صَلْدا ل َي ْقدِرُو نَ عَلَى
كَمََثلِ َ
شَيْ ٍء مّمّ ا كَ سَبُواْ وَاللّ هُ َل َيهْدِي الْ َقوْ َم الْكَافِرِي نَ ( )264وَمََث ُل الّذِي نَ
ُسـهِمْ كَ َمَثلِ جَّنةٍ
ّنـ أَنف ِ
ّهـ َوتَثْبِيتا م ْ
َاتـ الل ِ
ُمـ ابِْتغَاء َمرْض ِ
ُونـ أَ ْموَاَله ُ
يُنفِق َ
ضعْفَيْ نِ َفإِن لّ ْم يُ صِ ْبهَا وَاِبلٌ فَ َطلّ وَاللّ هُ
ِبرَْب َوةٍ أَ صَابَهَا وَاِبلٌ فَآتَ تْ أُكُ َلهَا ِ
بِمَا َتعْمَلُو َن بَ صِيٌ (َ )265أَيوَ ّد َأحَدُكُ ْم أَن تَكُو َن لَ ُه جَّنةٌ مّ ن نّخِيلٍ
ت وَأَ صَابَهُ
جرِي مِن تَحْتِهَا الَْنهَا ُر لَ هُ فِيهَا مِن ُكلّ الثّ َمرَا ِ
وَأَعْنَا بٍ تَ ْ
ضعَفَاء َفأَ صَاَبهَا إِعْ صَا ٌر فِي ِه نَارٌ فَاحَْترَقَ تْ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ
الْكَِبرُ َولَ ُه ذُ ّرّيةٌ ُ
ت َلعَلّ ُكمْ تَتَ َف ّكرُونَ (. ﴾ )266
اللّ ُه َلكُمُ اليَا ِ
***
الزء الول 306
قوله عز وجل ﴿ :مَّث ُل الّذِي نَ يُن ِفقُو نَ َأ ْموَاَلهُ ْم فِي سَبِي ِل اللّ هِ َكمََثلِ
حَبّ ٍة أَنبَتَ تْ سَبْعَ سَنَاِبلَ فِي ُكلّ سُنبُلَ ٍة مَّئةُ حَبّ ٍة وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن َيشَاءُ
وَال ّلهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (. ﴾ )261
قال سعيد بن جبي ف قوله تعال ّ ﴿ :مثَلُ الّذِي نَ يُن ِفقُو نَ َأمْوَاَلهُ مْ فِي
ـِيلِ اللّهِـ ﴾ ،يعنـ :فـ طاعـة ال .وقال ابـن عباس :الهاد والجـ
سَب
يضعف الدرهم فيهما إل سبعمائة ضعف .
وقوله تعال ﴿ :وَاللّ ُه ُيضَاعِ فُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ ،أي :بسب إخلصه
ف عمله ﴿ ،وَاللّ ُه وَا سِ ٌع عَلِي مٌ ﴾ .قال ابن زيد ﴿ :وَا سِعٌ ﴾ أن يزيد
من سعته ﴿ ،عَلِي مٌ ﴾ عال بن يزيده .وف الصحيحي عن النب « :
كل عمل ابن آدم يضاعف له ،السنة بعشر أمثالا ،إل سبعمائة ضعف
،إل أضعاف كثية .قال ال تعال :إل ال صوم فإ نه ل وأ نا أجزي به ،
إنه ترك شهوته ،وطعامه ،وشرابه ،من أجلي » .
قوله عز و جل ﴿ :اّلذِي نَ يُن ِفقُو نَ أَ ْموَاَلهُ ْم فِي سَبِيلِ اللّ هِ ثُمّ لَ
يُتِْبعُو َن مَا أَن َفقُواُ مَنّا َولَ َأذًى لّهُ ْم أَ ْج ُرهُ مْ عِندَ َرّبهِ مْ َو َل خَوْ فٌ عَ َل ْيهِ مْ
ص َد َقةٍ يَتَْبعُهَا
ف وَ َم ْغفِ َر ٌة خَ ْيرٌ مّ ن َ
ح َزنُو نَ (َ )262ق ْولٌ ّم ْعرُو ٌ
وَ َل هُ ْم يَ ْ
َأذًى وَاللّهُ غَِن ّي حَلِيمٌ (. ﴾ )263
قال قتادة :علم ال أن ناسـًا ينون بعطيتهـم ،فكره ذلك وقدم فيـه
فقال َ ﴿ :قوْ ٌل ّمعْرُوفٌـ َومَ ْغفِ َرةٌ َخيْ ٌر مّنـ صَـدََق ٍة َيتَْبعُهَا أَذًى وَاللّهُـ َغنِيّ
صدََق ٍة يَْتَب ُعهَا
ف َو َم ْغفِ َرةٌ َخيْ ٌر مّن َ
حَلِيمٌ ﴾ .وقال الضحاك َ ﴿ :قوْ ٌل ّمعْرُو ٌ
أَذًى ﴾ يقول :أن يسك ماله خي من أن ينفق ماله ث يتبعه منًا وأذى .
307 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال قتادة :فهذا مثل ضربه ال لعمال الكفار يوم القيامة .يقول :
سبُواْ ﴾ يومئذٍ كما ترك هذا الطر الصفا ﴿ ل َيقْدِرُو َن عَلَى شَيْ ٍء مّمّا كَ َ
الجر ،ليس عليه شيء أنقى ما كان عليه .وقال السدي َ ﴿ :ل تُبْ ِطلُواْ
سبُواْ ﴾ ،أما صدَقَاتِكُم بِالْ َمنّ وَالذَى ﴾ إل قوله ﴿ :عَلَى َشيْءٍ مّمّا كَ َ َ
ال صفوان الذي عل يه تراب ،فأ صابه ال طر فذ هب ترا به فتر كه صلدًا ،
فكذا هذا الذي ين فق ماله رياء الناس ،ذ هب الرياء بنفق ته ،ك ما ذ هب
هذا ال طر بتراب هذا ال صفا فتر كه نقيًا ،فكذلك تر كه الرياء ،ل يقدر
صـدَقَاِتكُم بِالْمَن ّ
على شيـء ماـ قدم ،فقال للمؤمنيـ ﴿ :لَ ُتبْطِلُواْ َ
وَالذَى ﴾ ،فتبطل كما بطلت صدقة الرياء .
ت اللّ هِ
قوله عز وجل َ ﴿ :ومََثلُ اّلذِي َن يُن ِفقُو َن َأمْوَالَهُ مُ ابِْتغَاء َمرْضَا ِ
ضعْفَيْ نِ
ت أُكُ َلهَا ِ
سهِمْ كَمََث ِل جَّن ٍة ِبرَْب َوةٍ أَ صَابَهَا وَاِبلٌ فَآتَ ْ
وَتَثْبِيتا مّ ْن أَنفُ ِ
َفإِن ّل ْم يُصِ ْبهَا وَابِ ٌل فَ َط ّل وَال ّلهُ بِمَا َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (. ﴾ )265
ُسـهِمْ ﴾ :تصـديقًا قال الشعـب فـ قوله تعال َ ﴿ :وتَْثبِيتا م ْ
ّنـ أَنف ِ
وتيقينًا .وقال ماهد :يثبتون أين يضعون أموالم .
وقوله تعال ﴿ :كَ َمثَلِ َجّنةٍ ِب َرْبوَةٍ ﴾ .
قال البغوي ( :وهي الكان الرتفع الستوى الذي تري فيه النار ،
فل يعلوه الاء ،ول يعلو عن الاء ) .انتهى .وقال ابن عباس ﴿ :كَ َمثَلِ
َجّن ٍة بِ َرْبوَ ٍة ﴾ ،الكان الرتفع الذي ل تري فيه النار .
صبْهَا وَابِلٌ وقوله تعال ﴿ :أَصَاَبهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكَُلهَا ِ
ض ْع َفيْنِ فَإِن لّ ْم يُ ِ
فَطَلّ ﴾ .قال السـدي :أمـا الطـل فالندى ،يقول :كمـا أضعفـت ثرة
309 توفيق الرحن ف دروس القرآن
تلك النـة ،فكذلك يضاعـف ثرة هذا النفـق .وقال قتادة :هذا مثـل
ضربه ال لعمل الؤمن ،يقول :ليس كخيه خلف ،كما ليس الي هذه
النة ،خلف على أي حال ،إما وابل ،وإما طل .
وقوله تعال ﴿ :وَاللّ ُه بِمَا تَعْ َملُو َن بَ صِيٌ ﴾ ،أي :ل يفى عليه من
أعمال عباده شيء .
َهـ جَنّ ٌة مّنـ نّخِيلٍ
ُونـ ل ُ
ُمـ أَن َتك َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :أَيوَ ّد َأحَدُك ْ
ت وَأَ صَابَهُ
جرِي مِن تَحْتِهَا الَْنهَا ُر لَ هُ فِيهَا مِن ُكلّ الثّ َمرَا ِ
وَأَعْنَا بٍ تَ ْ
ضعَفَاء َفأَ صَاَبهَا إِعْ صَا ٌر فِي ِه نَارٌ فَاحَْترَقَ تْ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ
الْكَِبرُ َولَ ُه ذُ ّرّيةٌ ُ
ت َلعَلّ ُكمْ تَتَ َف ّكرُونَ (. ﴾ )266
اللّ ُه َلكُمُ اليَا ِ
قال ال سدي :هذا م ثل آ خر لنف قة الرياء ،أ نه ين فق ماله يرائي الناس
بـه ،فيذهـب ماله منـه وهـو يرائي ،فل يأجره ال فيـه ،فإذا كان يوم
القيامة واحتاج إل نفقته ،وجدها قد أحرقها الرياء فذهبت ،كما أنفق
هذا الر جل على جن ته ،ح ت إذا بل غت وك ثر عياله واحتاج إل جن ته ،
جاءت ريـح فيهـا سـوم فأحرقـت جنتـه ،فلم يدـ منهـا شيئًا ،فكذلك
النفق رياء .قال ماهد ف قول ال عز وجل َ ﴿ :أيَوَدّ َأحَدُكُ مْ أَن َتكُو نَ
لَهُ َجّن ٌة مّن نّخِي ٍل َوَأعْنَابٍ ﴾ كمثل الفرط ف طاعة ال حت يوت .وقال
عمر بن الطاب :هذا مثل ضربه ال للنسان يعمل عملً صالًا ،حت
إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه ،عمِل عمَل السوء .وقال
ب تَجْرِيقتادة :قوله َ ﴿ :أَيوَدّ أَحَدُكُمْ أَن َتكُونَ لَهُ َجّنةٌ مّن نّخِي ٍل َوأَ ْعنَا ٍ
حتِهَا الَْنهَا ُر ﴾ اليـة ،يقول :أصـابا ريـح فيهـا سـوم شديـد . مِن تَ ْ
الزء الول 310
***
311 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ت مَا كَ سَبُْتمْ
قوله عز وجل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ مِن َطيّبَا ِ
ض َولَ تَيَمّمُواْ الْخَبِي ثَ مِنْ ُه تُن ِفقُو َن َولَ سْتُم
وَمِمّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّ نَ الَرْ ِ
بِآ ِخذِي ِه إِل أَن ُتغْمِضُوْا فِيهِ وَاعْلَمُوْا أَ ّن اللّهَ غَِن ّي حَمِيدٌ (. ﴾ )267
سبْتُمْ ﴾ يقول :تصدقوا . قال ابن عباس ﴿ :أَن ِفقُواْ مِن َطيّبَا ِ
ت مَا كَ َ
َسـْبتُمْ ﴾ قال :مـن َاتـ مَا ك َ وقال ماهـد فـ قوله ﴿ :أَن ِفقُواْ مِن َطّيب ِ
التجارة .وقال ا بن عباس :يقول :من أط يب أموال كم وأنف سه .و عن
عبيدة قال :سألت عليًا عن قول ال عز و جل َ ﴿ :ومِمّ ا أَ ْخرَجْنَا لَكُم
مّ َن الَرْ ضِ ﴾ قال :يعن :من الب والثمر ،وكل شيء عليه زكاة .
وعن الباء بن عازب ف قول ال عز وجل ﴿ :يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُواْ أَن ِفقُواْ
سبْتُ ْم َومِمّا أَخْ َر ْجنَا َلكُم مّ َن الَرْ ضِ ﴾ إل قوله َ ﴿ :أنّ ت مَا كَ َ
مِن َطّيبَا ِ
اللّ َه َغِنيّ حَمِيدٌ ﴾ قال :نزلت ف النصار ،كانت النصار إذا كان أيام
جذاذ الن خل أخر جت من حيطان ا أقناء الب سر ،فعلقوه على ح بل ب ي
السـطوانتي فـ مسـجد رسـول ال ،فيأكـل فقراء الهاجريـن منـه ،
فيعمد الرجل منهم إل الشف فيدخله مع أقناء البسر يظن أن ذلك جائز
خبِيثَ ِمنْ ُه تُن ِفقُونَ ،فأنزل ال عز وجل فيمن فعل ذلك ﴿ :وَ َل َتيَمّمُواْ الْ َ
﴾ .رواه ابن جرير .
قال قتادة ﴿ :وَلَ َتيَمّمُواْ ﴾ ،ل تعمدوا .وعـن الباء ﴿ :وَل ْ
َسـتُم
بِآخِذِيهِـإِل أَن ُتغْ ِمضُواْ فِيهِـ ﴾ يقول :لو كان لرجـل على رجـل فأعطاه
ذلك ل يأخذه ،إل أنه يرى أنه قد نقصه من حقه .وعن ابن سيين قال
:سألت عبيدة عن هذه الية ﴿ يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ أَنفِقُواْ مِن َطيّبَا تِ مَا
ث ِمنْ هُ تُن ِفقُو نَ
خبِي َ
ض وَلَ َتيَمّمُوْا الْ َسبْتُ ْم َومِمّ ا أَ ْخرَجْنَا لَكُم مّ َن الَرْ ِ
كَ َ
313 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال ابن كثي :جاء ف بعض الحاديث « :من حفظ القرآن فقد
أدرجت النبوة بي كتفيه ،غي أنه ل يوحى إليه » .
قوله عز وجل َ ﴿ :ومَا أَن َفقْتُم مّن ّنفَ َقةٍ أَ ْو َنذَ ْرتُم مّن ّنذْ ٍر َفإِنّ اللّ هَ
ي ِم ْن أَنصَارٍ (. ﴾ )270
َيعْلَ ُمهُ َومَا لِلظّالِمِ َ
قال ما هد ف قوله عز و جل ﴿ :وَمَا أَن َفقْتُم مّ ن ّنفَ َقةٍ َأوْ نَذَرْتُم مّ ن
نّذْرٍ فَِإنّ اللّ َه َيعْلَمُ هُ ﴾ ويصيه .قال ابن جرير :ث أوعد جل ثناؤه من
ِنـ
كانـت نفقتـه رياء ونذوره طاعـة للشيطان فقال ﴿ :وَمَا لِلظّالِمِيَ م ْ
أَنصَارٍ ﴾ .
خفُوهَا
ِيـ َوإِن تُ ْ
ت فَِنعِمّاـ ه َ
الصـدَقَا ِ
قوله عـز وجـل ﴿ :إِن تُ ْبدُوْا ّ
وَُت ْؤتُوهَا اْلفُ َقرَاء َفهُ َو خَ ْيرٌ ّلكُ مْ َويُ َك ّفرُ عَنكُم مّ ن سَيّئَاِتكُ ْم وَاللّ ُه بِمَا
َتعْمَلُونَ خَبِيٌ (. ﴾ )271
ِيـ ﴾ ، قال البغوي ( :قوله تعال ﴿ :إِن ُتبْدُوْا ّ
الصـدَقَاتِ َفِنعِمّاـ ه َ
أي :نعمت الصلة هي ،وما ف مل الرفع وهي ف مل النصب ،كما
تقول :نعـم الرجـل رجلً ،فإذا عرفـت رفعـت ،فقلت :نعـم الرجـل
زيد ،وأصله :نعم ما ،فوصلت ) .انتهى .قال قتادة :كل مقبول إذا
كانت النية صادقة ،وصدقة السر أفضل ،وذكر لنا ( :أن الصدقة تطفئ
الطيئة كما يطفئ الاء النار ) .وقال ابن عباس ﴿ :إِن ُتبْدُوْا ال صّدَقَاتِ
خفُوهَا َوُت ْؤتُوهَا اْل ُفقَرَاء َف ُهوَ َخْيرٌ ّلكُمْ ﴾ فجعل ال صدقة
َفِنعِمّا هِ َي َوإِن تُ ْ
ال سر ف التطوع تف ضل علني ها ب سبعي ضعفًا ،وج عل صدقة الفري ضة
315 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 318
ُهـ
ُومـ الّذِي يَتَخَبّط ُ
ُونـ إِل كَمَا َيق ُ
ُونـ الرّبَا لَ َيقُوم َ
ِينـ َيأْكُل َ
﴿ اّلذ َ
س َذلِ كَ ِبَأّنهُ ْم قَالُواْ ِإنّمَا الْبَيْ ُع مِ ْثلُ الرّبَا َوأَ َحلّ اللّ هُ
الشّيْطَا ُن مِ نَ الْمَ ّ
ف َوأَ ْمرُ هُ
الْبَيْ َع وَ َحرّ َم الرّبَا فَمَن جَاء ُه َموْعِ َظةٌ مّن ّربّ ِه فَانَت َهىَ فَلَ ُه مَا سَلَ َ
ب النّا ِر هُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ ()275
صحَا ُ
ِإلَى اللّ ِه َومَ نْ عَا َد َفأُ ْولَ ـِئكَ أَ ْ
حبّ ُكلّ َكفّا ٍر َأثِيمٍ ()276
ص َدقَاتِ وَاللّ ُه لَ يُ ِ
حقُ ال ّلهُ اْلرّبَا َوُيرْبِي ال ّ
يَمْ َ
ل َة وَآَت ُواْ الزّكَاةَ َلهُ مْ
إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوْا وَعَمِلُواْ ال صّالِحَاتِ َوَأقَامُوْا ال صّ َ
ح َزنُو نَ ( )277يَا َأيّهَا
أَ ْج ُرهُ مْ عِندَ َرّبهِ مْ َو َل خَوْ فٌ عَ َل ْيهِ ْم َولَ هُ مْ يَ ْ
الّذِي نَ آمَنُوْا اتّقُوْا اللّ هَ َوذَرُوْا مَا َبقِ يَ مِ َن ال ّربَا إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ ()278
ب مّ َن اللّ هِ وَرَ سُوِلهِ َوإِن تُبْتُ ْم فَ َلكُ مْ ُرؤُو سُ
حرْ ٍ
َفإِن لّ مْ َت ْفعَلُوْا َفأْ َذنُوْا بِ َ
س َرةٍ فَنَ ِظ َرةٌ
َأمْوَاِلكُ مْ َل تَظْلِمُو َن وَ َل تُظْلَمُو نَ (َ )279وإِن كَا َن ذُو عُ ْ
ُونـ ( )280وَاّتقُواْ
ُمـ َتعْلَم َ
ُمـ إِن كُنت ْ
َصـّدقُوْا خَ ْيرٌ ّلك ْ
ْسـَرةٍ َوأَن ت َ
ِإلَى مَي َ
ُمـ لَ
ت َوه ْ
َسـبَ ْ
ْسـ مّاـ ك َ
ّهـ ثُمّ ُتوَفّىـ ُكلّ َنف ٍ
ِيهـ ِإلَى الل ِ
ُونـ ف ِ
يَوْما ُت ْرجَع َ
يُظْلَمُونَ (. ﴾ )281
***
319 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :فَمَن جَاء ُه َموْعِ َظ ٌة مّ ن ّربّ هِ فَانَت َهىَ َفلَ ُه مَا سَلَفَ َوأَمْرُ هُ
إِلَى اللّهِ ﴾
قال السدي :أما الوعظة :القرآن ،وأما ما سلف :فله ما أكل من الربا
.
وقوله تعال ﴿ َومَنْ عَادَ َفُأوْلَـئِكَ أَصْحَا ُ
ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
فيه تديد أكيد ووعيد شديد ،كقوله تعال َ ﴿ :ومَن يَ ْقتُ ْل ُم ْؤمِنا ّمَتعَمّدا
َهـ عَذَابا
َهـ َوَأعَدّ ل ُْهـ وََل َعن ُ
ّهـ عََلي ِ
ِبـ الل ُ
ّمـ خَالِدا فِيه َا َو َغض َ
ُهـ َج َهن ُ
جزَآؤ ُ
فَ َ
عَظِيما ﴾ .و ف الد يث عن ال نب « :ل عن ال آ كل الر با وموكله ،
وكاتبه وشاهديه » .وقال « :هم سواء » .متفق عليه واللفظ لسلم .
و عن عبادة بن ال صامت قال :قال ر سول ال « :الذ هب بالذ هب ،
والف ضة بالف ضة ،والب بالب ،والشع ي بالشع ي ،والت مر بالت مر ،واللح
باللح ،مثلً ب ثل ،سواء ب سواء ،يدًا ب يد ،فإذا اختل فت هذه الصناف
فبيعوا كيف شئتم ،إذا كان يدًا بيد » .رواه مسلم .
ت وَاللّهُ َل يُحِبّ
صدَقَا ِ
قوله عز وجل ﴿ :يَ ْمحَ ُق اللّ ُه الْ ّربَا وَُي ْربِي ال ّ
ُكلّ َكفّارٍ َأثِيمٍ (. ﴾ )276
عن ابن مسعود عن النب قال « :إن الربا وإن أكثر ،فإن عاقبته
تصي إل قل » .رواه أحد وغيه .
وقوله تعال َ ﴿ :ويُرْبِي ال صّدَقَاتِ ﴾ ،أي :يبارك في ها ف الدن يا ،
ويضاعـف أجرهـا فـ الخرة .وروى البخاري ومسـلم عـن أبـ هريرة
قال :قال رسول ال « :من تصدق بعدل ترة من كسب طيب ،ول
321 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن عباس :فمن كان مقيمًا على الربا ل ينع عنه ،فحق على
إمام السلمي أن يستتيبه ،فإن نزع وإل ضرب عنقه ،وقال أيضًا يقال :
يوم القيامة لكل الربا :خذ سلحك للحرب .
ُونـ وَلَ
ُمـ َل تَظِْلم َ
ُوسـ َأ ْموَالِك ْ
ُمـ ُرؤ ُ وقوله تعال َ ﴿ :وإِن ُتْبت ْ
ُمـ فََلك ْ
تُظْلَمُونَ ﴾ .قال الضحاك :وضع ال الربا ،وجعل لم رؤوس أموالم .
وقال قتادة :ذ كر ل نا أن ال نب قال ف خطب ته « :أل إن ر با الاهل ية
موضوع كله ،أول ربا ابتدء به ربا العباس بن عبد الطلب » .وقال ابن
زيد ف قوله ﴿ :فََلكُ مْ ُرؤُو سُ َأ ْموَالِكُ مْ َل تَظِْلمُو نَ وَ َل تُظَْلمُو نَ ﴾ ،ل
تنقصون من أموالكم ،ول تأخذون باطلً ل يل لكم .
ص ّدقُواْ
س َرةٍ َوأَن تَ َ
س َر ٍة فَنَ ِظ َرةٌ ِإلَى مَيْ َ
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِن كَا َن ذُو عُ ْ
خَ ْيرٌ ّلكُ ْم إِن كُنُت ْم َتعْلَمُونَ (. ﴾ )280
قال الضحاك :مـن كان ذا عسـرة فنظرة إل ميسـرة ،وأن تصـدقوا
خي لكم ،قال :وكذلك كل دين على مسلم ،وف الديث عن النب
قال « :مـن نفّس عـن غريهـ أو ماـ عنـه ،كان فـ ظـل العرش يوم
القيامة » .و ف الد يث ال خر عن ال نب « :أ تى ال بع بد من عبيده
يوم القيا مة ،قال :ما ذا عملت ل ف الدن يا ؟ فقال :ما عملت لك يا
رب مثقال ذرة ف الدنيا أرجوك با ؟ قالا ثلث مرات .قال العبد عند
ل أبايـع
آخرهـا :يـا رب إنـك كنـت أعطيتنـ فضـل مال ،وكنـت رج ً
الناس ،وكان من خلِقي الواز ،فكنت أيسر على الوسر وأُنظر العسر .
قال :فيقول ال عز وجل :أنا أحق من يي سّر ،ادخل النة » .أخرجه
أبو يعلى الوصلي ونوه ف البخاري ومسلم .
323 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :وَاتّقُواْ َيوْما ُترْ َجعُو َن فِي ِه ِإلَى اللّ هِ ُثمّ ُت َوفّى ُكلّ
ت َوهُ ْم َل يُظْلَمُونَ (. ﴾ )281
َنفْسٍ مّا َكسَبَ ْ
قال ا بن عباس ( :هذه آ خر آ ية نزلت على ر سول ال ،فقال له
جبيـل عليـه السـلم :ضعهـا على رأس مائتيـ وثانيـ آيـة مـن سـورة
البقرة ،وعاش بعدها رسول ال إحدى وعشرين يومًا ) .وال أعلم .
***
الزء الول 324
﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ ِإذَا َتدَايَنتُم ِبدَيْ ٍن ِإلَى أَ َج ٍل مّ سَمّى فَاكْتُبُو هُ
ب أَ ْن يَكْتُبَ كَمَا عَلّمَهُ اللّهُ
وَلَْيكْتُب بّيَْنكُمْ كَاتِبٌ بِاْلعَ ْدلِ َولَ َيأْبَ كَاتِ ٌ
س مِنْ ُه شَيْئا
حقّ َولْيَتّ قِ اللّ هَ َربّ ُه َولَ يَبْخَ ْ
ب َولْيُمْ ِللِ اّلذِي عَلَيْ هِ الْ َ
فَلَْيكْتُ ْ
ضعِيفا َأوْ َل يَ سْتَطِي ُع أَن يُ ِملّ ُهوَ
فَإن كَا َن الّذِي عَلَيْ ِه الْحَقّ َسفِيها َأوْ َ
شهِدُواْ َشهِيدَيْ نِ من ّرجَالِكُ ْم َفإِن لّ ْم يَكُونَا
فَلْيُمْ ِل ْل َولِيّ هُ بِاْلعَ ْدلِ وَا سَْت ْ
ض ّل إْ ْحدَاهُمَا
ش َهدَاء أَن تَ ِ
ضوْ نَ مِ نَ ال ّ
َرجُلَيْ ِن َفرَ ُج ٌل وَا ْم َرأَتَا ِن مِمّ ن َترْ َ
ب الشّ َهدَاء ِإذَا مَا دُعُواْ َولَ تَ سَْأ ُموْْا أَن
فَُتذَ ّكرَ ِإ ْحدَاهُمَا الُ ْخرَى َولَ َيأْ َ
صغِيا أَو كَبِيا ِإلَى َأجَلِ ِه َذلِكُ ْم َأقْ سَطُ عِندَ اللّ ِه َوأَقْو مُ لِلشّهَا َدةِ
تَكْتُُبوْ هُ َ
ض َرةً ُتدِيرُونَهَا بَيَْنكُم ْـ فَلَيْسَـ
وََأدْنَى أَل َت ْرتَابُوْا إِل أَن َتكُونَـ تِجَا َر ًة حَا ِ
ِبـ َولَ
ُمـ وَ َل يُضَآرّ كَات ٌ
َاحـ أَل َتكْتُبُوهَا َوَأشْ ِه ُدوْْا ِإذَا تَبَايَعْت ْ
ُمـ جُن ٌ
عَلَ ْيك ْ
ق ِبكُ مْ وَاتّقُوْا اللّ هَ َوُيعَلّ ُمكُ ُم اللّ ُه وَاللّ ُه بِ ُكلّ
شَهِي ٌد َوإِن َت ْفعَلُوْا َفإِنّ هُ فُ سُو ٌ
َانـ
جدُواْ كَاتِبا َف ِره ٌ
َمـ تَ ِ
سـَفرٍ َول ْ
ُمـ عَلَى َ
ِيمـ ( )282وَإِن كُنت ْ
شَيْءٍ عَل ٌ
ضكُم َبعْضا فَلُْي َؤ ّد الّذِي اؤْتُمِ َن َأمَانَتَهُ َولْيَتّقِ اللّهَ َربّهُ
ض ٌة َفإِنْ َأمِ َن بَعْ ُ
ّمقْبُو َ
شهَا َدةَ َومَن َيكْتُ ْمهَا َفِإنّ هُ آثِ ٌم قَلْبُ ُه وَاللّ هُ بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ
وَ َل َتكْتُمُوْا ال ّ
(. ﴾ )283
***
325 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُوْا ِإذَا َتدَايَنتُم ِب َديْ نٍ ِإلَى َأ َجلٍ
ب أَ ْن َيكْتُبَ
ب بِالْ َعدْ ِل َولَ َيأْبَ كَاتِ ٌ
مّسَمّى فَاكْتُبُوهُ َولَْيكْتُب بّيَْنكُمْ كَاتِ ٌ
كَمَا عَلّمَ هُ اللّ هُ فَلَْيكْتُ بْ َولْيُمْ ِل ِل اّلذِي عَ َليْ ِه الْحَقّ َولْيَتّ قِ اللّ هَ َربّ هُ َولَ
ضعِيفا َأوْ لَ
سـفِيها َأوْ َ
ْهـ الْحَقّ َ
َانـ اّلذِي عَلَي ِ
ْهـ شَيْئا فَإن ك َ
َسـ مِن ُ
يَبْخ ْ
َيسْتَطِي ُع أَن يُ ِم ّل هُ َو فَلْيُمْ ِل ْل َولِّيهُ بِالْ َع ْدلِ ﴾ .
قال ابن عباس ف قوله تعال ﴿ :يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِ َديْ نٍ
ُوهـ ﴾ أنزلت فـ السـلم إل أجـل معلوم .وقال ّسـمّى فَا ْكتُب ُ
إِلَى أَجَ ٍل م َ
الضحاك :من باع إل أ جل م سمى أ مر أن يك تب صغيًا كان أو كبيًا
إل أجـل مسـمى .قال الربيـع فكان هذا واجب ًا ،ثـ قامـت الرخصـة
والسعة ،قال ﴿ :فَإِ نْ َأمِ َن َب ْعضُكُم َبعْضا َف ْلُيؤَ ّد الّذِي ا ْؤتُمِ نَ َأمَاَنتَ ُه وَْليَتّ قِ
اللّهَ َربّهُ ﴾ .
وقال قتادة ف قوله ﴿ :وَْلَيكْتُب ّبيَْنكُ مْ كَاتِ بٌ بِاْلعَدْلِ ﴾ ات قى ال
كاتب ف كتابه ،فل يدعن منه حقًا ،ول يزيدن فيه باطلً .
وعن ماهد ف قول ال عز وجل ﴿ :وَ َل َيأْبَ كَاتِبٌ أَنْ َي ْكتُبَ َكمَا
عَلّمَهُ اللّهُ ﴾ .قال :واجب على الكاتب أن يكتب .وقال السدي :وَلَ
يَأْبَ كَاِتبٌ َأ ْن يَ ْكُتبَ إن كان فارغًا .
وقال ابن زيد ف قوله تعال ﴿ :وَْليُمْلِلِ الّذِي عََليْ هِ الْ َ
حقّ وَْليَتّ قِ اللّ هَ
س ِمنْهُ َشيْئا ﴾ .قال :ل ينقص من حق هذا الرجل شيئًا إذا
َربّ ُه وَ َل َيبْخَ ْ
أملى .
ضعِيفا َأوْ لَ
سـفِيها َأوْ َ
ْهـ الْحَقّ َ وقوله تعال ﴿ :فَإن ك َ
َانـ الّذِي عََلي ِ
ّهـ بِاْلعَدْلِ ﴾ .قال ماهـد :أمـا السـفيه
َسـتَطِيعُ أَن يُمِ ّل ُهوَ فَ ْليُمِْل ْل وَِلي ُ
ي ْ
الزء الول 326
فالاهل بالملء والمور ،وقال أيضًا :أما الضعيف فالحق .وقال ابن
ستَطِيعُ أَن
ضعِيفا َأوْ لَ يَ ْ
عباس ﴿ :فَإن كَا نَ الّذِي عََليْ هِ الْحَقّ َسفِيها َأوْ َ
ـ بِاْلعَدْلِ ﴾ ،يقول إن عجـز عـن ذلك أملى ولّـ يُمِ ّل ُهوَ فَ ْليُمِْل ْل وَِليّه ُ
صاحب الد ين بالعدل .وقال الضحاك :أ مر ول ال سفيه والضع يف أن
يل بالعدل .
ش ِهدُوْا شَهِي َديْ نِ من ّرجَاِلكُ ْم َفإِن لّ ْم َيكُونَا
قوله عز وجل ﴿ :وَا سْتَ ْ
ض ّل إْ ْحدَاهُمَا
ش َهدَاء أَن تَ ِ
ضوْ نَ مِ نَ ال ّ
َرجُلَيْ ِن َفرَ ُج ٌل وَا ْم َرأَتَا ِن مِمّ ن َترْ َ
ب الشّ َهدَاء ِإذَا مَا دُعُواْ ﴾ .
فَُتذَ ّكرَ ِإ ْحدَاهُمَا ا ُلخْرَى وَ َل َيأْ َ
قال ماهد ﴿ :وَاسْتَ ْ
شهِدُوْا َشهِي َديْ نِ من رّجَاِلكُمْ ﴾ قال :الحرار .
وقال البغوي ( :يعنـ :الحرار السـلمي دون العبيـد والصـبيان ،وهـو
قول أكثر أهل العلم .وأجاز شريح وابن سيين شهادة العبيد ) .انتهى
شهِدُواْ َشهِي َديْنِ من رّجَاِلكُمْ ﴾ ،يقول :
.وقال الربيع ف قوله ﴿ :وَا ْستَ ْ
ف الدّ ين ﴿ َفإِن لّ ْم َيكُونَا رَجَُليْ نِ َفرَجُلٌ وَامْ َرَأتَا نِ ﴾ وذلك ف الد ين
شهَدَاء ﴾ ،يقول :عدول .وقال قتادة :علم ضوْ نَ مِ نَ ال ّ
﴿ .مِمّ ن تَرْ َ
ال أن ستكون حقوق ،فأخذ لبعضهم من بعض الثقة ،فخذوا بثقة ال ،
فإنـه أطوع لربكـم وأدرك لموالكـم ،ولعمري لئن كان تقيّاـ ل يزيـد
ـ أن يؤدي إذا علم أن عليـه الكتاب إل خيًا ،وإن كان فاجرًا فبالري ّ
شهودًا .
وقال الربيـع ﴿ :أَن َتضِلّ إْحْدَاهُم َا َفتُذَكّرَ إِحْدَاهُم َا الُخْرَى ﴾ ،
يقول :أن تنسى إحداها فتذكرها الخرى .
327 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال قتادة ف قوله تعال ﴿ :وَ َل َيأْ بَ الشّهَدَاء إِذَا مَا ُدعُواْ ﴾ قال :
ل تأب أن تشهد إذا ما دعيت إل شهادة .وكان السن يقول ف قوله :
شهَدَاء ِإذَا مَا ُدعُواْ ﴾ .ج عت أمر ين :ل تأب إذا كا نت
﴿ وَ َل َيأْ بَ ال ّ
عندك شهادة أن تشهد ،ول تأب إذا دعيت إل شهادة .
صغِيا أَو َكبِيا إِلَى َأجَلِ هِ
سأَ ُم ْواْ أَن َتكْتُبُوْهُ َ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ تَ ْ
َذلِكُ مْ َأقْ سَطُ عِندَ اللّ هِ وََأقْو ُم لِلشّهَا َدةِ َوَأدْنَى أَل َترْتَابُوْا إِل أَن تَكُو نَ
َاحـ أَل تَكْتُبُوه َا
ُمـ جُن ٌ
ْسـ َعلَ ْيك ْ
ُمـ فَلَي َ
ض َر ًة ُتدِيرُونَه َا بَيَْنك ْ
تِجَا َر ًة حَا ِ
ب وَ َل َشهِي ٌد َوإِن َت ْفعَلُوْا َفإِنّ ُه فُ سُوقٌ
وََأ ْشهِ ُد ْواْ ِإذَا تَبَاَيعْتُ ْم َولَ يُضَآرّ كَاتِ ٌ
بِ ُك ْم وَاّتقُواْ ال ّل َه وَُيعَلّ ُم ُكمُ ال ّلهُ وَال ّلهُ ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيمٌ (. ﴾ )282
صغِيا أَو َكبِيا إِلَى أَجَلِ هِ ﴾ . قال ماهد ﴿ :وَ َل تَ ْ
سأَ ُم ْواْ أَن تَ ْكُتُبوْ هُ َ
قال :هو الدّين .
وقال ال سدي :قوله ﴿ :ذَِلكُ مْ أَقْ سَ ُ
ط عِندَ اللّ هِ ﴾ ،يقول :أعدل
عند ال .
وقال البغوي ﴿ :ذَِلكُمـْ ﴾ ،أي :الكتاب ﴿ ،أَقْسـَطُ ﴾ أعدل
ـ ﴾ لنـه أمـر بـه واتباع أمره أعدل مـن تركـه وأقوم ﴿ ،عِندَ اللّه ِ
للشهادة ،لن الكتابـة تذكـر الشهود َ ﴿ ،وأَدْنَـى ﴾ وأحرى وأقرب
إل ﴿ أَل تَ ْرتَابُواْ ﴾ ،تشكوا ف الشهادة .
وقال السـدي :قوله ﴿ :إِل أَن تَكُون َ
ـ تِجَا َرةً حَاضِ َر ًة تُدِيرُونَهَـا
َبيَْنكُمْ ﴾ ،يقول :معكم بالبلد ترونا فتؤخذ وتعطى ،فليس على هؤلء
جناح أل يكتبوهـا .وقال الربيـع :قلت للحسـن :أرأيـت قول ال عـز
الزء الول 328
قال الرب يع :قوله َ ﴿ :وإِن كُنتُ ْم عَلَى َسفَ ٍر وَلَ ْم تَجِدُواْ كَاتِبا ﴾ ،يقول
ضةٌ ﴾ .وقال الضحاك :ما كان من كاتبًا يكتب لكم َ ﴿ ،ف ِرهَا ٌن ّمقْبُو َ
بيع إل أجل فأمر ال عز وجل :أن يكتب وليشهد عليه ،وذلك ف القام
،فإن كان قوم على سفر تبايعوا إل أجل فلم يدوا فرهان مقبوضة .
َهـ
ِنـَأمَاَنت ُ
ِنـ َبعْضُكُم َبعْضا فَ ْلُيؤَ ّد الّذِي ا ْؤتُم َ وقوله تعال ﴿ :فَإ ْ
ِنـَأم َ
وَْليَتّقِ اللّهَ َربّهُ ﴾ .
قال البغوي ( :فإن كان الذي عليه الق أمينًا عند صاحب الق فلم
يرت ن م نه شيئًا ل سن ظ نه به ﴿ ،فَ ْلُيؤَدّ الّذِي ا ْؤتُمِ نَ َأمَاَنتَ هُ ﴾ ،أي :
فليقضه على المانة ﴿ ،وَْلَيتّقِ اللّهَ َربّهُ ﴾ ف أداء الق .انتهى .
وقوله تعال ﴿ :وَ َل َتكْتُمُواْ ال ّ
شهَا َدةَ َومَن َي ْكتُ ْمهَا َفِإنّ هُ آثِ مٌ َق ْلبُ هُ وَاللّ هُ
بِمَا َتعْ َملُو نَ عَلِي مٌ ﴾ .قال السدي َ ﴿ :ومَن َي ْكتُ ْمهَا فَِإنّ هُ آثِ مٌ قَ ْلبُ هُ ﴾ ،
يقول :فاجـر قلبـه .وقال ابـن عباس :إذا كانـت عندك شهادة فسـألك
عنها فأخبه با ،ول تقل :أخب با عند المي :أخبه با لعله يراجع أو
يرعوي .انتهى .وقد قال ال تعال ﴿ :يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ كُونُواْ َقوّامِيَ
سكُمْ َأوِ اْلوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َربِيَ إِن َيكُ نْ َغِنيّابِاْلقِ سْطِ ُشهَدَاء لِلّ ِه وََل ْو عَلَى أَنفُ ِ
َأوْ َفقَيا فَاللّ هُ َأوْلَى ِبهِمَا َفلَ َتّتِبعُوْا اْلهَوَى أَن َتعْدِلُواْ َوإِن تَ ْلوُواْ َأ ْو ُتعْرِضُواْ
فَِإنّ اللّهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيا ﴾ .وال أعلم .
***
الزء الول 330
سكُمْ
ض َوإِن تُ ْبدُواْ مَا فِي أَنفُ ِ
ت وَمَا فِي الَرْ ِ
﴿ لّلّ هِ ما فِي ال سّمَاوا ِ
خفُو ُه يُحَا سِ ْبكُم بِ ِه اللّ هُ فََيغْ ِفرُ لِمَن َيشَاءُ وَُي َعذّ بُ مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ
أَ ْو تُ ْ
ّهـ
ْهـ م ِن ّرب ِ
َنـ الرّسـُو ُل بِم َا أُنزِ َل ِإلَي ِ
عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ ( )284آم َ
ق بَيْنَ َأ َحدٍ مّن
وَالْ ُم ْؤمِنُونَ ُكلّ آمَ َن بِاللّهِ َومَلِئكَتِ ِه وَكُتُبِ ِه وَرُسُ ِلهِ َل ُن َفرّ ُ
صيُ ( )285لَ
رّ سُ ِلهِ َوقَالُواْ سَ ِمعْنَا وَأَ َطعْنَا ُغ ْفرَانَ كَ َربّنَا َوإِلَيْ كَ الْمَ ِ
ت وَعَلَ ْيهَا مَا اكْتَ سَبَتْ َربّنَا لَ
ف اللّ هُ َنفْسا إِل وُ ْسعَهَا َلهَا مَا كَ سََب ْ
يُكَلّ ُ
ح ِملْ عَلَيْنَا إِ صْرا كَمَا حَمَلْتَ هُ
تُؤَاخِذْنَا إِن نّ سِينَا أَ ْو َأخْطَأْنَا َربّنَا َولَ تَ ْ
حمّلْنَا مَا لَ طَا َقةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَا ْغفِرْ
عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا َربّنَا َولَ تُ َ
صرْنَا عَلَى اْل َقوْمِ اْلكَا ِفرِينَ (. ﴾ )286
ت َموْ َلنَا فَان ُ
لَنَا وَا ْرحَمْنَا أَن َ
***
331 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ض َوإِن تُ ْبدُواْ
قوله عز وجل ﴿ :لّلّهِ ما فِي السّمَاواتِ َومَا فِي الَرْ ِ
خفُوهُ يُحَاسِ ْبكُم بِهِ اللّ ُه فََي ْغفِ ُر لِمَن َيشَا ُء َويُ َعذّبُ مَن
سكُ ْم َأوْ تُ ْ
مَا فِي أَنفُ ِ
َيشَا ُء وَال ّلهُ َعلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (. ﴾ )284
يقول تعال ﴿ :لّلّ هِ ما فِي ال سّمَاوا ِ
ت َومَا فِي الَرْ ضِ ﴾ خلفًا وملكًا
خفُو هُ يُحَا ِسْبكُم بِ هِ اللّ هُ َفَي ْغفِ ُرسكُمْ َأ ْو تُ ْ
وعبيدًا َ ﴿ .وإِن تُبْدُوْا مَا فِي أَنفُ ِ
ب مَن يَشَا ُء وَاللّ هُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .روى المام لِمَن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ
أحد وغيه عن أب هريرة قال ( :لا نزلت على رسول ال ﴿ :لّلّهِ ما
خفُوهُـ ت وَمَا فِي الَرْضِـ َوإِن ُتبْدُوْا مَا فِي أَنفُسِـكُمْ َأوْ ُت ْ فِي السّـمَاوا ِ
يُحَا ِسْبكُم بِ هِ اللّ هُ َفَيغْفِرُ ِلمَن يَشَا ُء َوُيعَذّ بُ مَن يَشَا ُء وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ
قَدِيرٌ ﴾ اشتـد ذلك على أصـحاب رسـول ال فأتوا رسـول ال ثـ
جثوا على الر كب وقالوا :يا ر سول ال كلّف نا من العمال ما نط يق :
الصلة ،والصيام ،والهاد ،والصدقة ،وقد أنزلت عليك هذه الية ول
نطيقهـا :فقال رسـول ال « :أتريدون أن تقولوا كمـا قال أهـل
الكتابي من قبلكم سعنا وعصينا ؟ بل قولوا :سعنا وأطعنا غفرانك ربنا
وإليك الصي » ،فلما أق ّر با القوم وذلّت با ألسنتهم أنزل ال ف أثرها :
﴿ آمَ نَ الرّ سُو ُل بِمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِن ّربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ كُلّ آمَ َن بِاللّ هِ َومَلِئكَتِ هِ
ق َبيْ نَ َأحَ ٍد مّن رّ سُلِهِ وَقَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا ُغفْرَانَ كَ
وَ ُكتُبِ ِه وَرُ سُلِهِ َل ُنفَرّ ُ
َصـيُ ﴾ ،فلمـا فعلوا ذلك نسـخها ال فأنزل ال ﴿ :لَ ْكـ الْم َِربّنَا َوإَِلي َ
سبَتْ َربّنَا لَ ت َوعََليْهَا مَا ا ْكتَ َسَب ْ يُكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سا إِل وُ ْسعَهَا لَهَا مَا كَ َ
ُتؤَاخِ ْذنَا إِن نّسِينَا َأوْ َأخْ َط ْأنَا ﴾ ) .إل آخره .
الزء الول 332
ول سلم ( :ول ا فعلوا ذلك ن سخها ال فأنزل ال َ ﴿ :ل يُكَلّ فُ اللّ هُ
سبَتْ َربّنَا َل ُتؤَاخِذْنَا إِن سَبتْ َوعََليْهَا مَا اكْتَ َ
َنفْ سا إِل وُ ْس َعهَا لَهَا مَا كَ َ
نّ سِينَا َأوْ أَخْ َطأْنَا ﴾ ،قال « :ن عم رب نا » ﴿ ،وَلَ َتحْمِ ْل عََليْنَا إِ صْرا
كَمَا َحمَ ْلتَ ُه عَلَى الّذِي نَ مِن َقْبِلنَا ﴾ قال « :نعم ربنا » ﴿ ،وَلَ ُتحَمّ ْلنَا
ف َعنّ ا وَا ْغفِرْ لَنَا وَارْ َحمْنَا
مَا َل طَاَقةَ لَنَا بِ هِ ﴾ قال « :ن عم » ﴿ ،وَاعْ ُ
ت َموْلَنَا فَانصُ ْرنَا عَلَى اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ ﴾ قال « :نعم » . أَن َ
وف رواية له من حديث ابن عباس :قال ( :قد فعلت ) .
قال ا بن ح جر ف ( ف تح الباري ) ( :والراد بقوله :ن سختها أي :
أزالت ما تضمنته من الشدة ،وبينت أنه وإن وقعت الحاسبة به ،لكنها
ل تقـع الؤاخذة بـه ؛ أشار إل ذلك الطـبي ،فرارًا مـن إثبات دخول
الن سخ ف الخبار ،وأج يب بأ نه وإن كان خبًا لك نه يتض من حكمًا ،
ومهمـا كان مـن الخبار يتضمـن الحكام ،أمكـن دخول النسـخ فيـه
كسائر الحكام ،وإنا الذي ل يدخله النسخ من الخبار ،ما كان خبًا
مضًا ل يتض من حكمًا ،كالخبار عما مضى من أحاديث المم ونو
ذلك ؛ ويتمـل أن يكون الراد بالنسـخ فـ الديـث :التخصـيص ،فإن
التقدميـ يطلقون لفـظ النسـخ عليـه كثيًا ،والراد بالحاسـبة باـ يفـي
النسان ما يصمم عليه ويشرع فيه ،دون ما يطر ول يستمر عليه .وال
أعلم ) .انتهى .
وروى الماعـة مـن حديـث أبـ هريرة عـن النـب قال « :إن ال
تاوز ل عن أمت ما حدثت به أنفسها ،ما ل تكلم أو تعمل » .
333 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :آمَ َن الرّ سُو ُل بِمَا أُن ِزلَ ِإلَيْ هِ مِن ّربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ
ق بَيْ نَ َأ َحدٍ مّ ن رّ سُ ِلهِ
ُكلّ آمَ َن بِاللّ هِ َومَلِئكَتِ ِه وَكُتُبِ ِه وَرُ سُ ِلهِ لَ ُن َفرّ ُ
َوقَالُوْا سَ ِمعْنَا َوأَ َطعْنَا ُغفْرَانَكَ َربّنَا وَِإلَ ْيكَ الْمَصِيُ (. ﴾ )285
قال ابن زيد ﴿ :لَ نُفَرّ ُ
ق َبيْ نَ أَحَ ٍد مّن رّ سُلِهِ ﴾ ،كما صنع القوم
يع ن :ب ن إ سرائيل قالوا :فلن نب وفلن ل يس نبيًا ،وفلن نؤ من به
وفلن ل نؤمن به .وعن حكيم بن جابر قال ( :لا أنزلت على رسول
ال ﴿ آمَ نَ الرّ سُو ُل بِمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِن ّربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ كُلّ آمَ َن بِاللّ هِ
ق َبيْ نَ أَحَ ٍد مّن رّ سُلِ ِه وَقَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا
َومَلِئ َكتِ هِ وَ ُكُتبِ هِ وَرُ ُسلِهِ لَ نُفَرّ ُ
ك الْمَصِيُ ﴾ .قال جبيل :إن ال عز وجل قد أحسن ُغفْرَانَكَ َرّبنَا َوإِلَيْ َ
الثناء عل يك وعلى أمتك ،ف سل تع طه .ف سأل َ ﴿ :ل ُيكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سا
إِل ُو ْس َعهَا ) ﴾ .رواه ابن جرير .
ف اللّ هُ َنفْسا إِل وُ ْس َعهَا لَهَا مَا كَ سَبَتْ
قوله عز وجل َ ﴿ :ل ُيكَلّ ُ
وَعَلَ ْيهَا مَا اكْتَ سَبَتْ َربّنَا لَ ُتؤَا ِخذْنَا إِن نّ سِينَا َأوْ َأخْ َطأْنَا َربّنَا َولَ تَحْ ِملْ
حمّلْنَا مَا لَ طَاقَةَ
عَلَيْنَا إِ صْرا كَمَا حَمَلْتَ هُ عَلَى اّلذِي نَ مِن قَبْلِنَا َربّنَا َولَ تُ َ
ت َموْلَنَا فَان صُ ْرنَا عَلَى اْلقَوْ مِ
لَنَا بِ ِه وَاعْ فُ عَنّ ا وَا ْغ ِفرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَن َ
الْكَا ِفرِينَ (. ﴾ )286
قال السدي َ ﴿ :ل ُيكَلّفُ اللّ ُه َنفْسا إِل وُ ْس َعهَا ﴾ طاقتها ،وحديث
الن فس م ا ل يطيقون .وقال ا بن عباس :هم الؤمنون ،و سع ال علي هم
أمـر دينهـم ،فقال ال جـل ثناؤه ﴿ :وَمَا َجعَ َل عََلْيكُم ْـ فِي الدّينِـ مِن ْـ
الزء الول 334
َحرَجٍ ﴾ وقال ﴿ :يُرِيدُ اللّ ُه ِبكُ ُم اْليُسْ َر وَلَ يُرِي ُد ِبكُمُ اْلعُسْرَ ﴾ ،وقال :
﴿ فَاّتقُوا اللّ َه مَا اسْتَ َط ْعتُمْ ﴾ .وقال :قتادة :
سَبتْ ﴾ ،أي :من قوله َ ﴿ :ل ُيكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سا إِل وُ ْس َعهَا لَهَا مَا كَ َ
سَبتْ ﴾ ،أي :من شر ،وقوله َ ﴿ :ربّنَا لَ خ ي َ ﴿ ،وعََليْهَا مَا اكْتَ َ
ُتؤَاخِ ْذنَا إِن نّ سِينَا َأوْ َأخْ َط ْأنَا ﴾ قال ابن زيد :إن نسينا شيئًا ما افترضته
علي نا ،أو أخطأنا شيئًا م ا حرمته علينا .وقال قتادة :بلغن أن ال نب
قال « :إن ال تاوز لذه ال مة عن ن سيانا و ما حد ثت ب ا أنف سها » .
وروى ابن ماجة وغيه من حديث ابن عباس عن النب قال « :إن ال
تعال وضع عن أمت الطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » .
وقوله تعال َ ﴿ :ربّنَا وَ َل تَ ْ
حمِ ْل عََليْنَا إِ صْرا كَمَا حَ َم ْلتَ ُه عَلَى الّذِي نَ
مِن َقبْلِنَا ﴾ .قال ماهـد ﴿ :إِصـْرا ﴾ ،عهدًا .وقال ابـن زيـد َ :ل
تَحْمِلْ عََليْنَا ذنبًا ل يس ف يه تو بة ول كفارة .وقال مالك :ال صر ال مر
الغليط .
وقوله َ ﴿ :ربّنَا وَلَ تُحَمّلْنَا مَا َل طَاَقةَ لَنَا بِ هِ ﴾ ،قال ا بن ز يد :ل
ف َعنّ ا
تفترض علي نا من الد ين ما ل طا قة ل نا به ،فنع جز ع نه ﴿ ،وَاعْ ُ
﴾ إن ق صرنا عن ش يء من أمرك م ا أمرت نا به ﴿ ،وَاغْفِرْ لَنَا ﴾ ،إن
انتهكنا شيئًا ما نيتنا عنه ﴿ ،وَارْحَ ْمنَا ﴾ يقول :لننا ل نعمل با أمرتنا
به ،ول نترك ما نيتنا عنه إل برحتك .قال :ول ينج أحد إل برحتك
.
وقوله تعال ﴿ :أَن َ
ت َموْلَنَا فَان صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ مِ اْلكَافِرِي نَ ﴾ ،ورد
ف بعض الثار ( :قال ال :قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحتكم ،
335 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ونصرتكم على القوم الكافرين ) .وكان معاذ رضي ال عنه إذا فرغ من
هذه السورة قال ( :آمي ) .وعن ابن مسعود رضي ال عنه إذا فرغ من
هذه السورة قال ( :آمي ) .وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال :قال
رسول ال « :من قرأ باليتي من آخر سورة البقرة ف ليلة كفتاه ».
« متفق عليه .وعن أب ذر رضي ال عنه قال :قال رسول ال :
أعطيت خواتيم سورة البقرة من كن تت العرش ل يعطهن نب قبلي».
رواه أح د .و عن علي ر ضي ال ع نه قال :ل أرى أحدًا ع قل ال سلم
ينام ح ت يقرأ آ ية الكر سي وخوات يم سورة البقرة ،فإن ا من ك ن أعط يه
نبيكم من تت العرش .رواه ابن مردويه .وال أعلم .
***
الزء الول 336
ب فِي هِ
س لَِيوْ مٍ ل َريْ َ
ت الْ َوهّا بُ (َ )8ربّنَا ِإنّ كَ جَامِ ُع النّا ِ
ك أَن َ
َرحْ َمةً ِإنّ َ
خلِفُ الْمِيعَادَ (. ﴾ )9
إِنّ ال ّل َه لَ يُ ْ
***
الزء الول 338
قوله تعال َ ﴿ :وأَنزَ َل الّتوْرَا َة وَالِنِيلَ * مِن َقبْ ُل هُدًى لّلنّاسِـ ﴾ قال
قتادة :ه ا كتابان أنزل ما ال فيه ما بيان من ال وع صمة ل ن أ خذ به ،
وصدق به ،وعمل با فيه .
وقوله تعال َ ﴿ :وأَن َز َل الْفُرْق َ
َانـ ﴾ قال ابـن إسـحاق عـن ممـد بـن
جع فر َ ﴿ :وأَن َز َل الْفُرْقَا نَ ﴾ ،أي :الف صل ب ي ال ق والبا طل ،في ما
اختلف فيه الحزاب من أمر عيسى وغيه .
وقوله تعال ﴿ :إِنّ الّذِي نَ َكفَرُواْ بِآيَا تِ اللّ هِ َلهُ مْ عَذَا ٌ
ب شَدِي ٌد وَاللّ هُ
عَزِيزٌ ذُو انِتقَامٍ ﴾ ،أي :أن ال منتقم من كفر بآياته وجحد با .
ْضـ وَلَ فِي
ْهـ َشيْءٌ فِي الَر ِ
خ َفىَ عََلي ِ وقوله تعال ﴿ :إِنّ الل َ
ّهـ َل يَ ْ
ْفـيَشَاءُ لَ إِلَــهَ إِل ُهوَ
ُصـوّرُكُمْ فِي الَرْحَامِـ َكي َ
السـمَاء * هُ َو الّذِي ي َ
ّ
حكِيمُ ﴾ . الْعَزِي ُز الْ َ
قال قتادة :قادرٌ وال ربُ نا أن ي صور عباده ف الرحام ك يف يشاء ،
من ذكر ،أو أنثى ،أو أسود أو أحر ،تام خلقه وغي تام .
َاتـ
ْهـ آي ٌ
َابـ مِن ُ
ْكـ اْلكِت َ
ِيـ أَن َزلَ عَلَي َ
قوله عـز وجـل ُ ﴿ :هوَ اّلذ َ
ب وَُأ َخرُ مَُتشَابِهَا تٌ َفَأمّا الّذِي نَ ف قُلُوبِهِ مْ َزيْ غٌ
ت ُهنّ أُمّ اْلكِتَا ِ
حكَمَا ٌ
مّ ْ
فَيَتِّبعُو َن مَا َتشَابَ َه مِنْ ُه ابْتِغَاء الْفِتَْن ِة وَابِْتغَاء َتأْوِيلِ ِه وَمَا َيعْلَ ُم َتأْوِيلَ ُه إِل اللّهُ
وَالرّا سِخُو َن فِي اْلعِلْ ِم َيقُولُو نَ آ َمنّ ا بِ هِ ُك ّل مّ نْ عِندِ َربّنَا وَمَا َيذّ ّكرُ إِل
ب لَنَا مِن ّلدُنكَ
غ قُلُوبَنَا َبعْ َد ِإذْ َه َديْتَنَا َوهَ ْ
أُ ْولُوْا اللْبَابِ (َ )7ربّنَا َل ُتزِ ْ
ب فِي هِ
س لَِيوْ مٍ ل َريْ َ
ت الْ َوهّا بُ (َ )8ربّنَا ِإنّ كَ جَامِ ُع النّا ِ
ك أَن َ
َرحْ َمةً ِإنّ َ
خلِفُ الْمِيعَادَ (. ﴾ )9
إِنّ ال ّل َه لَ يُ ْ
341 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن عباس ف قوله ُ ﴿ :هوَ الّذِ يَ أَنزَ َل عََليْ كَ الْ ِكتَا َ
ب ِمنْ ُه آيَا تٌ
ـ ﴾ :الحكمات :ناسـخه ،وحلله ، ـ هُنّـ أُمّـ الْ ِكتَاب ِ
حكَمَات ٌ مّ ْ
وحرا مه ،وحدوده ،وفرائ ضه و ما يؤ من به ويع مل به .قال َ ﴿ :وأُخَرُ
ت ﴾ والتشابات من سوخة ومقد مة ومؤخرة وأمثاله وأق سامه ، ُمتَشَاِبهَا ٌ
وما يؤمن به ول يعمل به .وقيل :التشابات :فواتح السور .
قال البغوي ( :فإن قيل :كيف فرق ها هنا بي الحكم والتشابه وقد
َابـ
جعـل ال كـل القرآن مكمًا فـ مواضـع أخـر .فقال ﴿ :الَر ِكت ٌ
س َن الْحَدِي ثِ
أُ ْحكِمَ تْ آيَاتُ هُ ﴾ وجعله كله متشابًا فقال ال ﴿ :نَزّلَ أَحْ َ
ِكتَابا ّمتَشَابِها ﴾ .قيل :حيث جعل الكل مكمًا أراد أن الكل حق ليس
فيه عبث ول هزل ،وحيث جعل الكل متشابًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا
ف الق والصدق وف السن ،وجعل ها هنا بعضه مكمًا وبعضه متشابًا
) .انتهى .
َاتـ هُنّ أُمّ
حكَم ٌ
َاتـ مّ ْ وقال ابـن زيـد فـ قوله تعال ِ ﴿ :من ُ
ْهـ آي ٌ
الْ ِكتَابِ ﴾ قال :هن جاع الكتاب .
وقال ابن كثي :أي :أصله الذي يرجع إليه عند الشتباه .
ْغـ ﴾ ،أي :ميـل عـن
ِمـ َزي ٌ وقوله تعال َ ﴿ :فأَمّاـ الّذ َ
ِينـ فـ قُلُوِبه ْ
الدى َ ﴿ :فَيّتبِعُو َن مَا تَشَابَهَ ِمنْهُ ﴾ قال ابن جريج :هم النافقون .وعن
عائشة رضي ال عنها قالت :قرأ رسول ال ُ ﴿ :هوَ الّذِيَ أَنزَ َل عََليْكَ
ب َوأُخَ ُر ُمتَشَاِبهَا تٌ ﴾ إل قوله
ت هُنّ ُأمّ الْ ِكتَا ِ
حكَمَا ٌ
ت مّ ْ
ب ِمنْ هُ آيَا ٌ
الْ ِكتَا َ
ُ ﴿ :أوْلُواْ الْلبَا بِ ﴾ فقال « :إذا رأي تم الذ ين يادلون ف يه ف هم الذ ين
عنـ ال فاحذروهـم » .رواه أحدـ وفـ روايـة البخاري « :فإذا رأيتـم
الزء الول 342
وقال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر َ ﴿ :رّبنَا َل تُزِ غْ ُقلُوَبنَا َبعْدَ إِذْ
هَ َديَْتنَا ﴾ أي :ل تل قلوبنا وإن ملنا بأجداثنا َ ﴿ :وهَ بْ َلنَا مِن لّدُن كَ
رَ ْح َمةً ﴾ ،وعن أم سلمة رضي ال عنها :أن رسول ال كان يكثر ف
ب القلوب َثبّ تْ قلب على دينك » قالت دعائه أن يقول « :اللهم يا ُمقَلّ َ
قلت :يـا رسـول ال ،وإن القلب ليتقلب ؟ قال « :نعـم ،مـا خلق ال
من بشر من بن آدم إل وقلبه بي أصبعي من أصابعه ،فإن شاء أقامه ،
وإن شاء أزاغه » .فنسأل ال ربنا أل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ،ونسأله
أن يهب لنا من لدنه رحة ،إنه هو الوهاب .قالت قلت :يا رسول ال
أل تعلم ن دعوة أد عو ب ا لنف سي ؟ قال « :بلى قول :الل هم رب ال نب
ممد اغفر ل ذنب ،وأذهب غيظ قلب ،وأجرن من مضلت الفت » .
رواه ابن جرير وغيه .وعن أب عبد ال الصنابي أنه صلى وراء أب بكر
الصديق الغرب قال :فدنوت منه حت أن ثياب لتكاد تس ثيابه ،فسمعته
يقرأ بأم القرآن وهذه الية ف الركعة الثالثة .رواه عبد الرزاق .
وقوله تعال َ ﴿ :ربّنَا ِإنّ كَ جَامِ ُع النّا سِ ِلَيوْ مٍ ل َريْ بَ فِي هِ ﴾ ،أي :
ف الْمِيعَادَ ﴾ ،أي :فاغ فر ل نا وا عف ع نا يوم القيا مة ﴿ إِنّ اللّ هَ َل يُخِْل ُ
وارح نا ،وثبت نا ف الدن يا على الد ين ،و ف الخرة على ال صراط .و قد
حيَاةِ ال ّدنْيَا
قال ال تعال ُ ﴿ :يثَبّ تُ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُواْ بِاْل َقوْ ِل الثّابِ تِ فِي الْ َ
وَفِي الخِ َرةِ ﴾ .وال الوفق .
***
الزء الول 344
﴿ إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوْا لَن ُتغْنِ يَ عَ ْنهُ مْ َأ ْموَاُلهُ ْم َولَ َأوْ َلدُهُم مّ نَ اللّ هِ
ك هُ ْم َوقُودُ النّارِ (َ )10ك َدأْ بِ آ ِل ِفرْ َعوْ نَ وَاّلذِي َن مِن
شَيْئا َوأُولَ ـئِ َ
قَبْ ِلهِمْ َك ّذبُواْ بِآيَاتِنَا َفَأخَ َذهُمُ ال ّلهُ ِب ُذنُوِبهِمْ وَاللّ ُه شَدِيدُ اْلعِقَابِ ( )11قُل
س الْ ِمهَادُ (َ )12قدْ
شرُو نَ ِإلَى َجهَنّ َم َوبِئْ َ
حَلّ ّلذِي نَ َك َفرُواْ سَتُغْلَبُو َن َوتُ ْ
كَا َن لَكُ مْ آَيةٌ فِي فِئَتَيْ ِن الْتَقَتَا فَِئةٌ ُتقَاِت ُل فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَُأ ْخرَى كَا ِف َرةٌ
ص ِر ِه مَن َيشَا ُء إِنّ فِي َذلِ كَ
َيرَ ْونَهُم مّثْلَ ْيهِ مْ َرأْ يَ اْلعَيْ ِن وَاللّ هُ ُي َؤيّ ُد بِنَ ْ
ِنـ النّسـَاء
َاتـ م َ
شهَو ِ
ّاسـ حُبّ ال ّ
ّنـ لِلن ِ
َلعِبْ َر ًة ّلأُ ْولِي الَبْصـَارِ (ُ )13زي َ
ـ ّو َمةِ
ض ِة وَالْخَ ْي ِل الْمُس َ
ـ وَالْفِ ّ
ـ الذّهَب ِ
ي الْ ُمقَن َط َر ِة مِن َ
وَالْبَنِيَـ وَالْقَنَاطِ ِ
سنُ الْمَآ بِ (
ث َذلِ كَ مَتَا عُ الْحَيَا ِة الدّنْيَا وَاللّ هُ عِندَ ُه حُ ْ
حرْ ِ
وَا َلنْعَا ِم وَالْ َ
جرِي
ُ )14قلْ َأ ُؤنَبّئُكُم بِخَ ْي ٍر مّن َذِلكُ مْ لِ ّلذِي َن اتّ َقوْا عِندَ َرّبهِ ْم جَنّا تٌ تَ ْ
ضوَا نٌ مّ َن اللّ هِ وَاللّ هُ
ج مّ َطهّ َر ٌة وَرِ ْ
مِن تَحِْتهَا الَْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا وَأَ ْزوَا ٌ
ي بِالْعِبَادِ ( )15الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا ِإنّنَا آمَنّ ا فَا ْغ ِفرْ لَنَا ُذنُوبَنَا َوقِنَا
بَ صِ ٌ
ي وَاْلقَانِتِيَـ وَالْمُن ِفقِيَـ
َعذَابـَ النّارِ ( )16الصـّاِبرِينَ وَالصـّادِقِ َ
وَالْ ُمسَْت ْغفِرِينَ بِالَسْحَارِ (. ﴾ )17
***
345 توفيق الرحن ف دروس القرآن
من قول م ﴿ :قُل لّلّذِي نَ َكفَرُواْ َسُتغَْلبُو َن َوتُحْشَرُو نَ إِلَى َج َهنّ مَ َوِبئْ سَ
الْ ِمهَادُ ﴾ ،إل قوله ُ ﴿ :لوْلِي ا َلْبصَارِ ﴾ .
قال قتادة ﴿ :قَدْ كَانَ َلكُ ْم آَيةٌ ﴾ ،عبة وتفكر .وقال ابن عباس :
﴿ قَدْ كَا نَ َلكُ ْم آَيةٌ فِي ِفئََتيْ نِ اْلَت َقتَا ِفَئةٌ ُتقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّ هِ ﴾ ،أصحاب
رسـول ال ببدر ﴿ َوأُ ْخرَى كَافِ َرةٌ ﴾ فئة قريـش الكفار ،وقال الربيـع
ف قوله ﴿ :قَدْ كَا نَ َلكُ ْم آَيةٌ فِي ِفئََتيْ ِن اْلتَقَتَا ِفَئةٌ ُتقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّ هِ
ي الْ َعيْ نِ ﴾ ،قال :كان ذلك يوم بدر ، َوأُخْرَى كَاِف َرةٌ َي َر ْونَهُم ّمثَْلْيهِ مْ َرأْ َ
وكان الشركون تسـعمائة وخسـي ،وكان أصـحاب ممـد ثلثائة
وثلثة عشر .
قال ا بن جر ير ( :فإن قال ل نا قائل :فك يف ق يل :يرون م مثلي هم
رأي العي ،وقد علمتم أن الشركي كانوا يومئ ٍذ ثلثة أمثال السلمي ؟
قلنا لم كما يقول القائل -وعنده عبد احتاج إل مثله : -أنا متاج إليه
وإل مثله ،ث يقول :أحتاج إل مثليه ،فيكون ذلك خبًا عن حاجته إل
مثله ،وإل مثلي ذلك الثل ) إل آخر كلمه .
وقوله ﴿ :إِنّ فِي ذَلِ كَ َل ِعبْ َر ًة لوْلِي البْ صَارِ ﴾ ،قال قتادة :يقول :
لقـد كان لمـ فـ هؤلء عـبة وتفكيـ ،وأيدهـم ال ونصـرهم على
عدوهم .
ت مِ نَ النّ سَاء وَالْبَنِيَ
شهَوَا ِ
قوله عز و جل ُ ﴿ :زيّ َن لِلنّا سِ حُبّ ال ّ
َامـ
ُسـ ّو َمةِ وَا َلْنع ِ
َبـ وَاْلفِضّ ِة وَالْخَ ْي ِل الْم َ
ِنـ الذّه ِ
ي الْ ُمقَن َط َرةِ م َ
وَاْلقَنَاطِ ِ
سنُ الْمَآ بِ (ُ )14قلْ
ع الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَاللّ هُ عِندَ ُه حُ ْ
حرْ ثِ َذلِ كَ مَتَا ُ
وَالْ َ
347 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :الّذِي َن َيقُولُو نَ َرّبنَا ِإّننَا آمَنّا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَِقنَا عَذَا بَ
سَتغْفِرِي َن بِالَ سْحَا ِر
ي وَاْلقَاِنتِيَ وَالْمُن ِفقِيَ وَالْمُ ْ
النّارِ * ال صّابِرِينَ وَال صّادِقِ َ
﴾ ،هذا و صف عباد ال التق ي الذ ين وعد هم ال نة ،قال قتادة :قوله
ي وَاْلقَاِنتِيَ وَالْمُن ِفقِيَ ﴾ ،الصادقي يوم صدقت ﴿ :ال صّابِرِينَ وَال صّادِِق َ
أفواه هم ،وا ستقامت قلوب م وأل سنتهم ،و صدقوا ف ال سر والعلن ية ،
والصابرين يوم صبوا على طاعة ال ،وصبوا عن مارمه ،والقانتون :
هم الطيعون ل .
قال ﴿ :وَالْمُ ْ
سَتغْفِرِي َن بِالَ سْحَارِ ﴾ هم :أهل الصلة ،وقال جعفر
ابن ممد :من صلى من الليل ث استغفر ف آخر الليل سبعي مرة ،كتب
من ال ستغفرين بال سحار ،و ف ال صحيحي وغيه ا ،أن ر سول ال
قال « :ينل ال تبارك وتعال ف كل ليلة إل السماء الدنيا ،حي يبقى
ع فأستجيب
ثلث الليل الخي فيقول :هل من سائلٍ فأعطيه ؟ هل من دا ٍ
له ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ » .وال أعلم .
***
349 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ـ قَآئِمَا
لِئكَ ُة َوأُ ْولُوْا الْعِلْم ِ
ـ لَ ِإلَــَه إِل ُهوَ وَالْمَ َ
ـ َأنّه ُ
﴿ َش ِهدَ اللّه ُ
ّهـ
ّينـ عِن َد الل ِ
ِيمـ ( )18إِن ّ الد َ
حك ُ ط َل ِإلَــهَ إِل هُ َو اْلعَزِيزُ الْ َ
ِسـ ِ
بِاْلق ْ
ف اّلذِي نَ ُأ ْوتُواْ اْلكِتَا بَ إِل مِن َب ْعدِ مَا جَاءهُ ُم الْعِلْ مُ
ل ُم وَمَا اخْتَلَ َ
الِ سْ َ
ت اللّ هِ َفإِنّ اللّ هِ سَرِي ُع الْحِ سَابِ ( )19فَإ نْ
َبغْيا بَيَْنهُ ْم وَمَن َي ْكفُ ْر بِآيَا ِ
ت َو ْجهِ يَ لِلّ هِ َومَ ِن اتَّبعَ نِ َوقُل لّ ّلذِي نَ ُأ ْوتُوْا الْكِتَا بَ
حَآجّو َك َفقُ ْل أَ سْلَمْ ُ
ك الْبَلَغُ
وَا ُلمّيّيَ َأأَسْلَمُْت ْم َفإِنْ أَسْلَمُواْ َف َقدِ اهَْتدَوْا ّوإِن َت َولّ ْوْا َفإِنّمَا عَلَيْ َ
وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِاْلعِبَادِ ( )20إِنّ اّلذِي َن يَ ْك ُفرُو نَ بِآيَا تِ اللّ ِه َويَقْتُلُو نَ النّبِيّيَ
شرْهُم ِبعَذَا بٍ
س فََب ّ
ط مِ َن النّا ِ
ِبغَيْ ِر حَقّ َوَيقْتُلُو َن اّلذِي َن َيأْ ُمرُو نَ بِالْقِ سْ ِ
ت أَ ْعمَالُهُمْ فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُم
ك الّذِي َن حَبِطَ ْ
َألِيمٍ ( )21أُولَـئِ َ
ب ُيدْ َعوْ نَ
صرِينَ (َ )22ألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي َن أُ ْوتُوْا نَ صِيبا مّ نَ الْكِتَا ِ
مّ ن نّا ِ
حكُ َم بَيَْنهُ ْم ُثمّ يََت َولّى َفرِي ٌق مّ ْنهُمْ َوهُم ّم ْعرِضُونَ ()23
ِإلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَ ْ
ك ِبأَّنهُ مْ قَالُوْا لَن تَمَ سّنَا النّا ُر إِل َأيّاما ّمعْدُودَا تٍ وَ َغ ّرهُ مْ فِي دِينِهِم
َذلِ َ
ب فِي هِ وَ ُوفّيَ تْ
ف ِإذَا جَ َمعْنَاهُ مْ لَِيوْ مٍ ل َريْ َ
مّا كَانُوْا َيفَْترُو نَ (َ )24فكَيْ َ
ك الْمُلْ كِ
ت َوهُ ْم َل يُظْلَمُو نَ (ُ )25قلِ ال ّلهُمّ مَالِ َ
ُك ّل َنفْ سٍ مّ ا كَ سَبَ ْ
ك مِمّ ن َتشَاء وَُت ِعزّ مَن َتشَاء َوُتذِلّ
ع الْمُلْ َ
ن ُ
تُؤْتِي الْمُلْ كَ مَن َتشَاء وَتَ ِ
ج اللّ ْيلَ فِي
مَن َتشَاء بَِيدِ كَ الْخَ ْي ُر ِإنّ كَ عَ َلىَ ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ ( )26تُولِ ُ
ج الَمَيّ تَ
خرِ ُ
ت َوتُ ْ
حيّ مِ َن الْمَيّ ِ
ج الْ َ
خرِ ُ
ج النّهَا َر فِي اللّ ْيلِ وَتُ ْ
الْنّهَا ِر َوتُولِ ُ
ُونـ
خ ِذ الْمُ ْؤمِن َ
ُقـ مَن َتشَاء ِبغَ ْي ِر حِسـَابٍ ( )27ل يَتّ ِ
ِنـ الْحَيّ وََترْز ُ
م َ
س مِ نَ اللّ ِه فِي
ك فَلَيْ َ
الْكَا ِفرِي نَ َأ ْولِيَاء مِن ُدوْ نِ الْ ُم ْؤمِنِيَ َومَن َي ْفعَ ْل َذلِ َ
الزء الول 350
صيُ (
حذّرُكُ ُم اللّ ُه َنفْ سَ ُه َوإِلَى اللّ هِ الْمَ ِ
شَيْ ٍء إِل أَن تَّتقُواْ مِ ْنهُ مْ ُتقَاةً َويُ َ
صدُورِ ُكمْ َأوْ تُبْدُو ُه َيعْلَمْ ُه اللّ ُه وََيعْلَ ُم مَا فِي
خفُواْ مَا فِي ُ
ُ )28قلْ إِن تُ ْ
جدُ
ض وَاللّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (َ )29يوْ َم َت ِ
ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الرْ ِ
ت مِن ُسوَءٍ تَ َو ّد لَ ْو أَنّ
ت مِ نْ خَ ْي ٍر مّحْضَرا وَمَا َعمِلَ ْ
س مّ ا عَمِ َل ْ
ُك ّل َنفْ ٍ
ف بِالْعِبَادِ ()30
حذّرُكُ ُم اللّ هُ َنفْ سَ ُه وَاللّ هُ َرؤُو ُ
بَيَْنهَا وَبَيْنَ هُ َأمَدا َبعِيدا َويُ َ
ُقلْ إِن كُنتُ ْم تُحِبّو َن اللّ َه فَاتّبِعُونِي يُحْبِ ْب ُكمُ اللّ ُه َويَ ْغ ِفرْ َلكُ ْم ُذنُوبَكُ ْم وَال ّلهُ
ّهـ لَ
ّهـ وَالرّسـُولَ فإِن َت َولّ ْواْ َفإِن ّ الل َ
ِيمـ (ُ )31ق ْل أَطِيعُوْا الل َ
َغفُورٌ ّرح ٌ
ب الْكَا ِفرِينَ (. ﴾ )32
يُحِ ّ
***
351 توفيق الرحن ف دروس القرآن
هذه ال ية فقال أهل الكتاب :أ سلمنا ،فقال لليهود « :أتشهدون أن
عزيرًا عبده ورسـوله » ؟ .فقالوا :معاذ ال أن يكون عزيـر -عليـه
السلم -عبدًا .
وقال للنصارى « :أتشهدون أن عيسى كلمة ال وعبده ورسوله » ؟
.قالوا :معاذ ال أن يكون عيسـى عبدًا .فقال ال عـز وجـل ّ ﴿ :وإِن
ك الَْبلَ غُ ﴾ ،أي :تبل يغ الر سالة ول يس عل يك الدا ية َتوَلّ ْواْ فَِإنّمَا عََليْ َ
﴿ وَاللّ ُه َبصِيٌ بِاْل ِعبَادِ ﴾ عال بَ ْن ُيؤْمن وبِمَ ْن ل ُي ْؤمِن .انتهى .
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ الّذِي َن يَ ْك ُفرُو َن بِآيَا تِ اللّ ِه َويَقْتُلُو نَ النّبِيّيَ
شرْهُم ِبعَذَا بٍ
س فََب ّ
ط مِ َن النّا ِ
ِبغَيْ ِر حَقّ َوَيقْتُلُو َن اّلذِي َن َيأْ ُمرُو نَ بِالْقِ سْ ِ
ت أَ ْعمَالُهُمْ فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُم
ك الّذِي َن حَبِطَ ْ
َألِيمٍ ( )21أُولَـئِ َ
صرِينَ (. ﴾ )22
مّن نّا ِ
قال ابن جريج :كان الوحي يأت على أنبياء من بن إسرائيل ،ول
يكن يأتيهم كتاب ،فيذكرون قومهم فيقتلون أنبياءهم ،فيقوم رجال من
تبع هم و صدقهم ،فيذكرون قوم هم فيقتلون أيضًا الذ ين يأمرون بالق سط
من الناس وف الديث « :أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتل نبيًا ،
أو من أمر بالعروف ونى عن النكر » .رواه ابن جريج وغيه .
َابـ
ّنـ الْكِت ِ
ِينـ ُأ ْوتُواْ نَصـِيبا م َ
َمـ َت َر ِإلَى الّذ َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :أل ْ
ُمـ وَهُم
ِيقـ مّ ْنه ْ
ُمـ ثُمّ يََتوَلّى َفر ٌ
ُمـ بَيَْنه ْ
حك َّهـ لِيَ ْ
َابـ الل ِ
ْنـ ِإلَى كِت ِ
ُيدْعَو َ
ـَا النّا ُر إِل َأيّاما ّمعْدُودَاتٍـ
ّمعْرِضُونَـ (َ )23ذلِكَـِبأَّنهُم ْـ قَالُوْا لَن تَمَسّن
الزء الول 354
ق مَن
حيّ َوَترْزُ ُ
ت مِ نَ الْ َ
ج الَمَيّ َ
خرِ ُ
ت وَتُ ْ
حيّ مِ َن الْمَيّ ِ
ج الْ َ
خرِ ُ
اللّيْ ِل َوتُ ْ
َتشَاء ِبغَ ْي ِر حِسَابٍ (. ﴾ )27
قال ا بن عباس ( :ل ا ف تح ر سول ال م كة و عد أم ته ملك فارس
والروم ،قالت النافقون واليهود :هيهات هيهات ،من أ ين لح مد ملك
فارس والروم و هم أ عز وأم نع من ذلك ؟ أل ي كف ممدًا م كة والدي نة
حت طمع ف ملك فارس والروم ؟ فأنزل ال هذه الية ) .
وقال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر :قوله ُ ﴿ :تؤْتِي الْ ُملْ َ
ك مَن
ّكـ عََلىَ كُ ّل َشيْءٍ
تَشَاء ﴾ اليـة ،أي :أن ذلك بيدك ل إل غيك ﴿ ِإن َ
قَدِيرٌ ﴾ ل يقدر هذا غيك بسلطانك وقدرتك .
وقوله تعال ﴿ :تُولِجُ الّليْلَ فِي الّْنهَا ِر َوتُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْلِ ﴾ .قال ابن
عباس :ما نقص من النهار يعله ف الليل ،وما نقص من الليل يعله ف
النهار .
ِنـ
ّتـ م َ
ِجـ الَ َمي َ
ّتـ َوتُخْر ُ
ِنـ الْ َمي ِ وقوله تعال َ ﴿ :وتُخْر ُ
ِجـ الْحَي ّ م َ
الْحَيّ ﴾ .قال ماهـد :الناس الحياء من الن طف ،والن طف ميتـة مـن
الناس الحياء ومن النعام والنبات كذلك .
وقوله تعال َ ﴿ :وتَرْز ُ
ُقـ م َن تَشَاء ِبغَيْرِ حِسـَابٍ ﴾ .قال الربيـع :
يرج الرزق من عنده بغ ي ح ساب ،ل ياف أن ين قص ما عنده تبارك
وتعال .
الزء الول 356
ت مِ نْ خَ ْيرٍ مّحْضَرا
س مّا عَمِ َل ْ
جدُ ُك ّل نَفْ ٍ
قوله عز وجل َ ﴿ :يوْ َم تَ ِ
حذّرُكُ ُم اللّ هُ
ت مِن ُسوَ ٍء َتوَ ّد َلوْ أَنّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ُه َأمَدا َبعِيدا َويُ َ
وَمَا عَمِ َل ْ
ف بِالْعِبَادِ (. ﴾ )30
س ُه وَال ّلهُ َرؤُو ُ
َنفْ َ
ـ َخيْرٍ
ـ مِن ْ
ـ مّاـ عَ ِملَت ْ قال قتادة :قوله َ ﴿ :يوْم َ
ـ َتجِدُ كُ ّل َنفْس ٍ
حضَرا ﴾ ،يقول موفرًا .
مّ ْ
وقال السدي :قوله َ ﴿ :ومَا عَ ِملَ ْ
ت مِن ُسوَءٍ َتوَدّ َلوْ َأنّ َبْيَنهَا َوبَْينَ هُ
َأمَدا بَعِيدا ﴾ ،مكانًا بعيدًا .و عن ال سن ف قوله َ ﴿ :ويُحَذّرُكُ مُ اللّ هُ
ف بِاْل ِعبَادِ ﴾ .قال :من رأفته بم أن حذرهم نفسه .َنفْسَهُ وَاللّهُ َرؤُو ُ
حبّو َن اللّ هَ فَاتِّبعُونِي يُحْبِ ْبكُ ُم اللّ هُ
قوله عز وجل ُ ﴿ :ق ْل إِن كُنتُ مْ تُ ِ
وََي ْغ ِفرْ َلكُ ْم ُذنُوَبكُ ْم وَال ّلهُ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (. ﴾ )31
قال ال سن :قال قوم على ع هد نبيهم :يا م مد إنا ن ب رب نا ،
حِببْكُ مُ اللّ ُه
حبّو نَ اللّ هَ فَاتِّبعُونِي يُ ْ
فأنزل ال عز و جل ﴿ :قُلْ إِن كُنتُ ْم تُ ِ
َويَ ْغفِرْ َلكُ مْ ُذنُوَبكُ مْ ﴾ فجعل إتباع نبيه ممد علمًا لبه ،وعذاب من
خالفه .
قال ا بن كث ي :هذه ال ية الكري ة حاك مة على كل من اد عى م بة
ال ،ول يس هو على الطري قة الحمد ية فإ نه كاذب ف دعواه ف ن فس
المر ،حت يتبع الشرع الحمدي والدين النبوي ف جيع أقواله وأفعاله ،
كما ثبت ف الصحيح عن رسول ال أنه قال « :من عمل عملً ليس
حبّو نَ اللّ هَ فَاّتبِعُونِي
عل يه أمر نا ف هو رد » ولذا قال ُ ﴿ :قلْ إِ نْ ُكْنتُ مْ تُ ِ
ّهـ ﴾ ،أي :يصـل لكـم فوق مـا طلبتـم مـن مبتكـم إياه ، حِببْكُمُـ الل ُ
يُ ْ
الزء الول 358
َانـ عَلَى
ِيمـ وَآلَ ِع ْمر َ
َمـ وَنُوحا وَآلَ ِإْبرَاه َ
اصـ َطفَى آد َ
ّهـ ْ
﴿ إِنّ الل َ
ض وَاللّهُ سَمِيعٌ َعلِيمٌ (ِ )34إ ْذ قَالَتِ
ضهَا مِن َبعْ ٍ
الْعَالَمِيَ ( )33ذُ ّريّ ًة َبعْ ُ
حرّرا فََتقَّبلْ مِنّي إِنّ كَ
ك مَا فِي بَطْنِي مُ َ
امْ َرَأةُ عِ ْمرَا نَ َربّ إِنّي َنذَرْ تُ لَ َ
ضعُْتهَا أُنثَى
ضعَ ْتهَا قَالَ تْ َربّ ِإنّي وَ َ
ت ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ ( )35فَلَمّا وَ َ
أَن َ
س الذّكَرُ كَالُنثَى َوِإنّي سَمّيُْتهَا َم ْريَ مَ وِِإنّي
ت َولَيْ َ
ضعَ ْ
وَاللّ ُه أَعْلَ مُ بِمَا وَ َ
ك َوذُ ّريّتَهَا مِ نَ الشّيْطَا ِن الرّجِي مِ ( )36فََتقَبّلَهَا َربّهَا ِبقَبُولٍ
أُعِيذُهَا بِ َ
َسـ ٍن َوأَنبَتَهَا نَبَاتا حَسـَنا وَ َكفّلَهَا زَ َك ِريّاـ كُلّمَا َد َخلَ عَلَيْهَا زَ َك ِريّاـ
ح َ
ت هُ َو مِ نْ
حرَا بَ َو َجدَ عِندَهَا رِزْقا قَا َل يَا َمرْيَ مُ َأنّى لَ كِ هَـذَا قَالَ ْ
الْمِ ْ
ق مَن َيشَا ُء ِبغَ ْي ِر حِ سَابٍ ( )37هُنَالِ كَ دَعَا زَ َك ِريّا
عِن ِد اللّ هِ إنّ اللّ هَ َيرْزُ ُ
ك ذُ ّرّيةً طَيَّبةً ِإنّ كَ سَمِي ُع الدّعَاء ()38
َربّ ُه قَالَ رَبّ هَ بْ لِي مِن ّلدُنْ َ
حرَابِ أَنّ اللّ َه يَُبشّرُ َك بِيَحْيَـى
فَنَا َدتْ ُه الْمَلِئكَ ُة َوهُ َو قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمِ ْ
حيَ ( )39قَالَ
صدّقا ِبكَلِ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ وَ سَيّدا َوحَ صُورا َونَبِيّا مّ نَ ال صّالِ ِ
مُ َ
ك اللّهُ
ل ٌم َوقَ ْد بَ َلغَنِ َي الْكَِب ُر وَا ْم َرأَتِي عَاقِ ٌر قَالَ َك َذلِ َ
َربّ َأّنىَ َيكُونُ لِي غُ َ
َيفْ َعلُ مَا َيشَاءُ ( )40قَالَ َربّ اجْعَل لّ يَ آَي ًة قَالَ آيَتُ كَ أَل تُكَلّ َم النّا سَ
ح بِاْل َعشِيّ وَا ِلْبكَارِ (﴾ )41
لَثةَ َأيّا ٍم إِل َرمْزا وَاذْكُر ّربّكَ كَثِيا وَسَبّ ْ
ثَ َ
.
***
الزء الول 360
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَى آدَ َم َونُوحا وَآ َل ِإبْرَاهِي َم وَآلَ
ضهَا مِن َبعْ ضٍ وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (
عِ ْمرَا نَ عَلَى اْلعَالَ ِميَ ( )33ذُ ّريّ ًة َبعْ ُ
. ﴾ )34
قال قتادة ف قوله ِ ﴿ :إنّ اللّ َه ا صْ َطفَى آدَ َم َونُوحا وَآلَ ِإبْرَاهِي َم وَآلَ
َانـ عَلَى اْلعَالَمِي َ ﴾ :ذكـر ال أهـل بيتيـ صـالي ،ورجليـ
عِمْر َ
صـالي ،ففضلهـم على العاليـ ،فكان ممـد مـن آل إبراهيـم .وقال
السن :فضلهم على العالي بالنبوة على الناس كلهم ،كانوا هم النبياء
التقياء الصطفي لربم .
وقوله تعال ﴿ :ذُ ّرّي ًة َب ْعضُهَا مِن َبع ٍ
ْضـ ﴾ ،أي :مـن ولد بعـض
ضهَا مِن بَعْضٍ
﴿ ،وَاللّهُ سَمِي ٌع عَلِيمٌ ﴾ .قال قتادة :قوله ُ ﴿ :ذ ّرّيةً َب ْع ُ
﴾ يقول :ف النية ،والعمل ،والخلص ،والتوحيد له .وقال ف جامع
البيان ﴿ :ذُ ّرّي ًة َب ْعضُهَا مِن َبعْضٍـ ﴾ ،أي :أنمـ ذر ية واحدة متشبعـة
بعضها من بعض .انتهى .ول منافاة بي القولي .
ت لَ كَ مَا
ت ا ْمرََأةُ ِع ْمرَا نَ َربّ ِإنّ ي َنذَرْ ُ
قوله عز و جل ِ ﴿ :إ ْذ قَالَ ِ
ِيمـ ( )35فَلَمّاـ
السـمِي ُع الْعَل ُ
َنتـ ّ
ّكـ أ َ
حرّرا فََتقَّب ْل مِنّيـ إِن َ
فِي بَطْنِي مُ َ
ت َولَيْ سَ
ضعَ ْ
ضعْتُهَا أُنثَى وَاللّ هُ أَعْلَ ُم بِمَا وَ َ
ضعَتْهَا قَالَ تْ رَبّ إِنّ ي وَ َ
وَ َ
ِنـ
ِكـ وَذُ ّريّتَهَا م َ
َمـ ِوِإنّيـ أُعِيذُهَا ب َ
سـمّيُْتهَا َمرْي َ
الذّ َكرُ كَالُنثَى َوإِنّيـ َ
الشّيْطَا ِن الرّجِيمِ (. ﴾ )36
قال ابن إسحاق :تزوج زكريا وعمران أختي ،فكانت أم يي عند
زكريا وكانت أم مري عند عمران ،فهلك عمران وأم مري حامل بري ،
361 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فهي جني ف بطنها .قال :وكانت فيما يزعمون قد أمسك عنها الولد
حت أسنّت ،وكانوا أهل بيت من ال جل ثناؤه بكان ،فبينا هي ف ظل
شجرة نظرت إل طائر يط عم فرخ له ،فتحر كت نف سها للولد ،فد عت
ال أن ي هب ل ا ولدًا فحملت بر ي ،وهلك عمران ،فل ما عر فت أن ف
بطنهـا جنينًا جعلتـه ل نذيرة ،والنذيرة :أن تعبده ل فتجعله حبسـًا فـ
الكني سة ،ل ينت فع به بش يء من أمور الدن يا .قال الش عب ف قوله ﴿ :
حرّرا ﴾ جعلته ف الكنيسة وفرغته للعبادة .
ك مَا فِي بَ ْطنِي مُ َ
ِإنّي نَذَرْتُ لَ َ
وقال الكلب :قالت :اللهم لك عل يّ إن رزقتن ولدًا أن أتصدق به على
بيت القدس ،فيكون من سدنته وخدمته .
وقال الربيع :كانت امرأة عمران حررت ل ما ف بطنها ،وكانت
على رجاء أن يهب لا غلمًا ،لن الرأة ل تستطيع ذلك -يعن :القيام
على الكنيسـة ،ل تبحهـا وتكنسـها -لاـ يصـيبها مـن الذى .وقال
ال سدي :ظ نت أن ما ف بطنها غلمًا فوهب ته ل ،فل ما وض عت إذ هي
جارية فقالت تعتذر إل ال :رب إن وضعتها أنثى وليس الذكر كالنثى
َتـ ﴾ ،
ضع َْمـ بِم َا وَ َ
ّهـ َأعْل ُ
.تقول :إناـ يرر الغلمان بقول ال ﴿ وَالل ُ
فقالت :إ ن سيتها مري .و ف الد يث عن ال نب « :كل مولود من
ولد آدم له طع نة من الشيطان وب ا ي ستهل ال صب ،إل ما كان من مر ي
ابنـة عمران وولدهـا ،فإن أمهـا قالت حيـ وضعتهـا :إنـ أعيذهـا
بـك وذريتهـا مـن الشيطان الرجيـم ،فضرب دوناـ حجاب فطعـن فـ
الجاب » .رواه ابن جرير وغيه .
الزء الول 362
قال ابن كثي :فلما تقق زكريا ،عليه السلم ،هذه البشارة أخذ
يتع جب من وجود الولد م نه ب عد ال كب ،قال ﴿ :رَبّ َأنّ ى يَكُو نُ لِي
غُل مٌ وََق ْد بََل َغنِ يَ اْل ِكبَ ُر وَامْ َرأَتِي عَاقِرٌ قَالَ ﴾ ،أي :اللك ﴿ كَذَلِ كَ اللّ هُ
َيفْعَلُ مَـا يَشَاءُ ﴾ ،أي :هكذا أمـر ال عظيـم ،ل يعجزه شيـء ول
يتعاظ مه أ مر ﴿ .قَالَ رَبّ ا ْجعَلْ لِي آَيةً ﴾ أي :عل مة أ ستدل ب ا على
س ثَلَثةَ َأيّا مٍ إِل َرمْزًا ﴾ ،أي وجود الولد من ﴿ قَا َل آَيتُ كَ أَل تُكَلّ َم النّا َ
:إشارة ل ت ستطيع الن طق ،مع أ نك سويٌ صحيح ،ك ما ف قوله ﴿ :
ثَلثَ َليَالٍ َس ِويّا ﴾ ،ث أمر بكثرة الذكر والتكبي والتسبيح ف هذه الال
ـبّ ْح بِاْلعَشِيّـ وَالْبكَارِ ﴾ ) . ـ َكثِيًا وَس َ ،فقال تعال ﴿ :وَاذْ ُكرْ َربّك َ
س َثلََثةَ َأيّا مٍ إِل
انتهى .وقال السن ف قوله ﴿ :قَا َل آَيتُ كَ أَل ُتكَلّ َم النّا َ
َرمْزا ﴾ قال :أمسك بلسانه ،فجع يومئ بيده إل قومه أن سبحوا بكرة
وعشيّا .وال أعلم .
***
الزء الول 366
الدرس الربعون
لئِ َكةُ يَا َم ْريَ ُم إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَا ِك وَ َط ّهرَ كِ وَا صْ َطفَاكِ
﴿ َوِإذْ قَالَ تِ الْ َم َ
جدِي وَارْ َكعِي َم عَ
ك وَا سْ ُ
عَلَى نِ سَاء الْعَالَمِيَ ( )42يَا َمرْيَ ُم اقْنُتِي ِلرَبّ ِ
ت َل َدْيهِ مْ ِإذْ
ك َومَا كُن َ
ب نُوحِي هِ ِإلَي َ
ك مِ ْن أَنبَاء اْلغَيْ ِ
الرّا ِكعِيَ (َ )43ذلِ َ
ت َل َدْيهِ مْ ِإ ْذ يَخْتَ صِمُونَ ()44
ل َمهُ مْ َأّيهُ ْم يَ ْك ُفلُ َم ْريَ َم َومَا كُن َ
يُ ْلقُون َأقْ َ
شرُ ِك بِكَلِ َم ٍة مّنْ هُ ا سْ ُم ُه الْمَ سِيحُ
ِإذْ قَالَ تِ الْمَلِئكَ ُة يَا َم ْريَ ُم إِنّ اللّ هَ يَُب ّ
عِي سَى ابْ ُن َمرْيَ َم َوجِيها فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ وَمِ نَ الْ ُم َقرّبِيَ (َ )45ويُكَلّ مُ
ل َومِ َن الصّالِحِيَ ( )46قَالَتْ َربّ َأنّى َيكُو ُن لِي
النّاسَ فِي الْ َم ْهدِ وَ َكهْ ً
شرٌ قَالَ َكذَلِ كِ اللّ ُه يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء ِإذَا قَضَى َأمْرا
سسْنِي َب َ
وََل ٌد وَلَ ْم يَمْ َ
حكْ َمةَ وَالتّوْرَاةَ
َفإِنّمَا َيقُو ُل لَ هُ كُن فََيكُو نُ (َ )47وُيعَلّمُ ُه الْكِتَا بَ وَالْ ِ
وَالِنِيلَ ( )48وَرَ سُو ًل إِلَى بَنِي إِ سْرَائِي َل َأنّي َقدْ جِئُْتكُم بِآَيةٍ مّن ّربّكُ مْ
خ فِي هِ فََيكُو نُ طَيْرا ِبِإذْ ِن اللّ هِ
َأنّي أَخْلُ ُق لَكُم مّ نَ الطّيِ َكهَيَْئ ِة الطّ ْيرِ َفأَنفُ ُ
ّهـ َوُأنَبّئُكُم بِمَا
ْنـ الل ِ
َصـ وَُأحْيِــي الْ َموْتَى ِبإِذ ِ
َهـ وا َلبْر َ
وَُأْبرِئُ الكْم َ
َتأْكُلُو َن َومَا َتدّ ِخرُونَ فِي بُيُوِتكُمْ إِنّ فِي َذلِكَ لَيةً ّلكُمْ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ
ض الّذِي ُحرّ مَ
صدّقا لّمَا بَيْ نَ يَدَيّ مِ نَ الّتوْرَاةِ َوِلأُ ِحلّ َلكُم َبعْ َ
( )49وَمُ َ
عَلَ ْيكُ مْ َوجِئُْتكُم بِآَي ٍة مّن ّرّبكُ مْ فَاّتقُواْ اللّ هَ وَأَطِيعُو نِ ( )50إِنّ اللّ هَ َربّي
صرَاطٌ ّمسَْتقِيمٌ (. ﴾ )51
وَ َربّ ُكمْ فَاعُْبدُوهُ هَـذَا ِ
***
367 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ﴿ :إِذْ قَالَ تِ الْمَلِئ َكةُ يَا َم ْريَ مُ
إِنّ اللّ َه ُيبَشّرُكِ بِكَِل َمةٍ مّنْ ُه اسْمُ ُه الْمَسِي ُح عِيسَى ابْ ُن مَ ْريَمَ وَجِيها فِي ال ّدْنيَا
وَال ِخ َرةِ َومِ َن الْ ُمقَ ّربِيَ ﴾ ،أي :هكذا كان أمره ،ل ما يقولون فيه ﴿
وَجِيها ﴾ .قال :وجيهًا ف الدنيا والخرة عند ال .وقال قتادة :قوله :
﴿ َومِ َن الْ ُمقَ ّربِيَ ﴾ يقول :من القربي عند ال يوم القيامة .
حيَ ﴾ . وقوله تعال َ ﴿ :ويُكَلّ ُم النّا سَ فِي الْ َمهْدِ وَ َكهْ ً
ل َومِ َن ال صّالِ ِ
قال ابن عباس َ ﴿ :وُيكَلّ ُم النّا سَ فِي الْ َمهْدِ ﴾ ،قال :مضجع الصب ف
رضاعـه .وقال ماهـد :الكهـل الليـم .وقال قتادة :يكلمهـم صـغيًا
و كبيًا .وقال ا بن إ سحاق عن م مد بن جع فر :ي بهم بال ته ال ت
يتقلب ب ا ف عمله ،كتقلب ب ن آدم ف أعمال م صغارًا وكبارًا ،إل أن
ال خ صه بالكلم ف مهده آ ية لنبو ته وتعريفًا للعباد مو قع قدر ته .وقال
ابن زيد :قد كلمهم عيسى ف الهد ،وسيكلمهم إذا قتل الدجال ،وهو
يومئذٍ كهل .
سسْنِي
قوله عز و جل ﴿ :قَالَ تْ رَبّ َأنّ ى َيكُو نُ لِي وََل ٌد وَلَ مْ يَمْ َ
َبشَ ٌر قَالَ َك َذلِ كِ اللّ هُ يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء ِإذَا قَضَى َأمْرا َفِإنّمَا َيقُولُ لَ هُ كُن
فََيكُونُ (. ﴾ )47
قال ابن إسحاق عن ممد بن جعفر ﴿ :قَالَ تْ رَبّ َأنّى َيكُو نُ لِي
خلُ ُق مَا يَشَاءُ ﴾ ي صنع ما أراد شرٌ قَالَ كَذَلِ كِ اللّ ُه يَ ْ
سنِي بَ َ
وَلَ ٌد وَلَ مْ يَمْ سَ ْ
ويلق ما يشاء من بشر أو غي بشر ،أي ﴿ :إِذَا َقضَى َأمْرا فَِإنّمَا َيقُولُ
لَهُ كُن َفَيكُونُ ﴾ ما يشاء وكيف يشاء ،فيكون ما أراد .
الزء الول 370
أجعـل لكـم مـن هذا الطيـ طائرًا ،قالوا :وتسـتطيع ذلك ؟ قال :نعـم
بإذن رب .ث هيأه حت إذا جعله ف هيئة الطائر فنفخ فيه ،ث قال :كن
طائرًا بإذن ال ،فخرج يطي بي كفيه ،فخرج الغلمان بذلك من أمره ،
فذكروه لعلمهم فأفشوه ف الناس وترعرع ،فهمّت به بنو إسرائيل ،فلما
خافت أمه عليه حلته على حيل لا ث خرجت به هاربة .
ّهـ
ْنـ الل ِ
َصـ َوأُ ْحيِــي الْ َموْت َى بِإِذ ِ
َهـ وا َلبْر َ وقوله َ ﴿ :وُأبْرِ ُ
ئ الكْم َ
﴾ قال ابن عباس :الكمه الذي يولد وهو أعمى .
قال ابن كثي [ :قال كثي ] من العلماء :بعث ال كل نب من النبياء
با يناسب أهل زمانه ،فبعث عيسى السلم ف زمن الطباء ،وأصحاب
علم الطبيعة ،فجاءهم من اليات با ل سبيل لحد إليه .
وقوله َ ﴿ :وُأنَّبُئكُم بِمَا َتأْكُلُو َن َومَا تَدّخِرُونَ فِي ُبيُوتِكُمْ ِإنّ فِي ذَلِكَ
لَيةً ّلكُ مْ إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ،قال السدي :لا كب عيسى أسلمته أمه
ليتعلم التوراة ،فكان يلعـب مـع الغلمان ،غلمان القريـة التـ كان فيهـا
فيحدث الغلمان باـ يصـنع آباؤهـم .وقال عطاء بـن أبـ رباح :قوله :
﴿ َوُأَنبّئُكُم بِمَا َتأْكُلُو َن وَمَا تَدّ ِخرُو نَ فِي ُبيُوِتكُ مْ ﴾ قال :الطعام
والشيء يدخرونه ف بيوتم ،غيبًا علّمه ال إياه .وقال قتادة :كان القوم
لاـ سـألوا الائدة ،فكانـت جرابًا ،ينل عليـه أينمـا كانوا ثرًا مـن ثار
ال نة ،فأ مر القوم أن ل يونوا ف يه ،ول يبئوا ،ول يدخروا ل غد ،بلء
ابتلهم ال به ،فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئًا أنبأهم به عيسى بن مري ،
فقال َ ﴿ :وُأَنبُّئكُم بِمَا َتأْكُلُو َن َومَا تَدّ ِخرُونَ فِي بُيُوِتكُمْ ﴾ .
الزء الول 372
وقوله َ ﴿ :ومُ صَدّقا لّمَا َبيْ َن يَدَيّ مِ َن الّتوْرَاةِ وَلِأُحِلّ َلكُم َبعْ َ
ض الّذِي
ُحرّ َم عََلْيكُمْ ﴾ قال :ابن جريج :قال ﴿ :وَِلأُحِلّ َلكُم َبعْضَ الّذِي حُرّمَ
ُمـ ﴾ قال :لوم الِبـل والشحوم ،لاـ بعـث عيسـى أحلهـا لمـ ، عََليْك ْ
وبعث إل اليهود فاختلفوا وتفرقوا .
وقوله ﴿ :فَاّتقُواْ اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ * ِإنّ اللّ هَ َربّي وَ َرّبكُ مْ فَا ْعبُدُو ُه هَـذَا
سَتقِيمٌ ﴾ ،قال ا بن إ سحاق :عن م مد بن جع فر ﴿ :فَاّتقُواْ ط مّ ْصِرَا ٌ
اللّ َه َوَأطِيعُونِ * ِإنّ اللّهَ َربّي وَ َرّبكُ ْم ﴾ تبيًا من الذين يقولون فيه ،يعن :
مـا يقول فيـه النصـارى ،واحتجاجًا لديـه عليهـم ﴿ :فَا ْعبُدُوهُـ هَــذَا
سَتقِيمٌ ﴾ ،أي :هذا الذي قد حلتكم عليه وجئتكم به .وال ط مّ ْصِرَا ٌ
أعلم .
***
373 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ فَ َلمّ ا َأحَ سّ عِي سَى مِ ْنهُ ُم الْ ُك ْفرَ قَالَ مَ ْن أَن صَارِي ِإلَى اللّ ِه قَالَ
حوَا ِريّو َن نَحْ ُن أَن صَا ُر اللّ هِ آمَنّا بِاللّ هِ وَا ْشهَ ْد ِبأَنّا مُ سْلِمُونَ (َ )52ربّنَا
الْ َ
ت وَاتَّبعْنَا الرّ سُولَ فَاكْتُبْنَا مَ َع الشّا ِهدِي نَ ( )53وَ َم َكرُواْ
آمَنّ ا بِمَا أََن َزلْ َ
وَ َم َكرَ ال ّلهُ وَال ّلهُ خَ ْيرُ الْمَا ِكرِينَ (ِ )54إذْ قَالَ ال ّلهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَ َوفّيكَ
وَرَا ِفعُ كَ ِإلَيّ َومُ َطهّرُ َك مِ َن الّذِي نَ َك َفرُواْ َوجَا ِع ُل اّلذِي نَ اتَّبعُو َك فَوْ قَ
الّذِي نَ َك َفرُوْا إِلَى يَوْ ِم الْقِيَامَ ِة ُثمّ ِإلَيّ َم ْرجِ ُعكُ ْم َفأَ ْحكُ مُ بَيَْنكُ ْم فِيمَا كُنتُ مْ
فِي هِ تَخَْت ِلفُو نَ (َ )55فأَمّا اّلذِي نَ َك َفرُوْا َفأُ َع ّذبُهُ مْ َعذَابا شَدِيدا فِي الدّنْيَا
ـ آ َمنُوا وَعَمِلُواْ
ـرِينَ (َ )56وَأمّاـ الّذِين َ
وَال ِخ َر ِة وَمَـا لَهُـم مّنـ نّاص ِ
الصّالِحَاتِ فَُي َوفّيهِ ْم ُأجُو َرهُمْ وَاللّ ُه لَ ُيحِبّ الظّالِ ِميَ (َ )57ذلِكَ نَتْلُوهُ
ّهـ
ِيمـ ( )58إِنّ مََثلَ عِيسـَى عِن َد الل ِ
حك ِ َاتـ وَالذّ ْك ِر الْ َ
ِنـ الي ِ
ْكـ م َ
عَلَي َ
حقّ مِن ّربّكَ
ب ِثمّ قَالَ لَهُ كُن فََيكُونُ ( )59الْ َ
كَمََثلِ آ َد َم خَ َلقَ ُه مِن ُترَا ٍ
ل تَكُن مّ ن الْمُ ْمَترِي نَ ( )60فَمَ ْن حَآجّ كَ فِي ِه مِن َب ْعدِ مَا جَاء َك مِ نَ
فَ َ
ُسـنَا
ُمـ وَنِسـَاءنَا وَنِسـَاء ُك ْم َوأَنف َ
ْعـ أَبْنَاءنَا َوأَبْنَاءك ْ
ْمـ َف ُقلْ َتعَاَل ْواْ َند ُ
الْعِل ِ
جعَل ّلعَْنةَ اللّهِ عَلَى اْلكَا ِذبِيَ ( )61إِنّ هَـذَا َلهُوَ
وأَنفُسَ ُكمْ ُثمّ نَبَْت ِهلْ فَنَ ْ
حكِيمُ ()62
ح ّق وَمَا مِ ْن ِإلَـ ٍه إِل اللّ ُه وَإِنّ ال ّلهَ َل ُهوَ اْل َعزِيزُ الْ َ
الْقَصَصُ الْ َ
سدِينَ (ُ )63ق ْل يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ َتعَالَ ْواْ
َفإِن َت َولّ ْوْا َفإِنّ اللّ هَ عَلِي ٌم بِالْ ُمفْ ِ
ِإلَى كَلَ َمةٍ َسوَاء بَيْنَنَا َوبَيْنَكُ ْم أَل َنعُْبدَ إِل اللّ هَ َولَ ُنشْرِ َك بِ هِ شَيْئا َولَ
ّهـ َفإِن تَ َوّلوْْا َفقُولُواْ ا ْش َهدُوْا ِبأَنّاـ
ُونـ الل ِ
خ َذ بَعْضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا مّنـ د ِ
يَتّ ِ
مُ سْلِمُونَ ( )64يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ لِ مَ تُحَآجّو َن فِي ِإبْرَاهِي مَ وَمَا أُن ِزلَ تِ
الزء الول 374
***
375 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :فَلَمّا أَحَ سّ عِي سَى مِ ْنهُ ُم الْ ُكفْ َر قَا َل مَ ْن أَن صَارِي
ّهـ وَا ْش َهدْ ِبَأنّاـ
ّهـ آ َمنّاـ بِالل ِ
ْنـ أَنصـَا ُر الل ِ
ّونـ َنح ُ
حوَا ِري َ
ّهـ قَالَ الْ َ
ِإلَى الل ِ
َعـ
ْتـ وَاتَّبعْنَا الرّسـُو َل فَاكْتُبْنَا م َ
ُسـلِمُونَ (َ )52ربّنَا آمَنّاـ بِمَا أََن َزل َ
م ْ
الشّاهِدِينَ (. ﴾ )53
ُمـ الْ ُكفْرَ ﴾ ،قال ماهـد : قوله تعال ﴿ :فََلمّاـ َأح ّ
َسـ عِيسـَى ِمْنه ُ
كفروا وأرادوا قتله ،فذلك حيـ اسـتنصر قومـه ﴿ :قَا َل مَن ْـأَنصـَارِي
ح نُ أَن صَارُ اللّ هِ ﴾ .قال الضحاك :الواريون حوَا ِريّو نَ نَ ْ
إِلَى اللّ هِ قَا َل الْ َ
أ صفياء ال نبياء .قال ا بن إ سحاق عن م مد بن جع فر ﴿ :فََلمّ ا َأحَ سّ
ّهـ قَالَ
َنـ أَنصـَارِي إِلَى الل ِ
ُمـ اْل ُكفْرَ ﴾ والعدوان ﴿ ،قَا َل م ْ عِيسـَى ِمْنه ُ
حوَا ِريّو نَ َنحْ نُ أَن صَارُ اللّ هِ آ َمنّ ا بِاللّ هِ ﴾ ،وهذا قول م الذي أ صابوا به الْ َ
الفضل من ربم ﴿ وَا ْشهَ ْد ِبأَنّا مُ سِْلمُونَ ﴾ ،ل كما يقوله هؤلء الذين
ياجونك فيه ،يعن :وفد نصارى نران .
قوله عز و جل َ ﴿ :و َمكَرُواْ َومَ َك َر اللّ ُه وَاللّ ُه خَيْ ُر الْمَا ِكرِي نَ ()54
ك ِإلَيّ وَمُ َط ّهرُ َك مِ نَ اّلذِي نَ
ِإذْ قَالَ اللّ هُ يَا عِي سَى إِنّ ي مُتَ َوفّي كَ وَرَا ِفعُ َ
ق الّذِي نَ َكفَرُواْ ِإلَى َيوْ ِم الْقِيَا َمةِ ُثمّ إَِليّ
َك َفرُوْا وَجَا ِعلُ اّلذِي َن اتَّبعُو َك َفوْ َ
ختَ ِلفُونَ (. ﴾ )55
َمرْ ِجعُ ُكمْ فََأحْ ُك ُم بَيَْنكُ ْم فِيمَا كُنُت ْم فِيهِ تَ ْ
قال السدي :إن بن إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلً من
الواريي ف بيت ،فقال عيسى لصحابه :من يأخذ صورت فيقتل وله
ال نة ؟ فأخذ ها ر جل من هم ،و صُعد بعي سى إل ال سماء ،فذلك قوله
َ ﴿ :و َمكَرُواْ َو َمكَرَ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ .
الزء الول 376
قال ابـن جريـر :يعنـ بذلك جـل ثناؤه ُ ﴿ :قلْ ﴾ يـا ممـد لهـل
الكتاب وهم أهل التوراة والنيل َ ﴿ :تعَالَوْا ﴾ ،هلموا ﴿ إِلَى َكلَ َمةٍ ﴾
يع ن :إل كل مة عدل َ ﴿ ،بْينَنَا َوبَْيَنكُ مْ ﴾ ،والكل مة العدل هي :أن
يوحد ال فل يعبد غيه ،ويبأ من كل معبود سواه فل يشرك به شيئًا .
وقوله ﴿ :وَلَ َيتّخِذَ بَ ْعضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا ﴾ ول يديـن بعضنـا لبعـض
بالطاعة في ما أُمر به من معا صي ال ،ويعظ مه بال سجود له ك ما يسجد
لر به .وقال ا بن جر يج ﴿ :وَ َل َيتّخِ َذ َب ْعضُنَا َبعْضا أَ ْربَابا مّ ن دُو نِ اللّ هِ
﴾ يقول :ل يطع بعضنا بعضًا ف معصية ال .وف حديث ( أب سفيان
ف ق صته ح ي د خل على قي صر ،و سأله عن ال نب قال :ث ج يء
بكتاب رسول ال فقرأه فإذا فيه :بسم ال الرحن الرحيم ،من ممد
رسول ال إل هرقل عظيم الروم ،سلم على من اتبع الدى ،أما بعد ،
فأسلم تسلم ،وأسلم يؤتك ال أجرك مرتي ،فإن توليت فإنا عليك إث
الري سيي .و ﴿ يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ َتعَاَل ْواْ إِلَى كَلَ َمةٍ َسوَاء َبْينَنَا َوَبْينَكُ مْ أَل
ضنَا َبعْضا أَ ْربَابا مّن دُو نِ اللّ هِ خ َذ َبعْ َُنعْبُدَ إِل اللّ َه وَ َل نُشْرِكَ بِ ِه َشيْئا وَ َل يَتّ ِ
سلِمُونَ ﴾ ) . فَإِن َتوَّل ْواْ َفقُولُواْ ا ْشهَدُواْ ِبَأنّا مُ ْ
ب لِ مَ تُحَآجّو نَ فِي ِإبْرَاهِي َم وَمَا
قوله عز و جل ﴿ :يَا أَ ْه َل الْكِتَا ِ
ل تَ ْعقِلُو نَ ( )65هَاأَنتُ ْم هَؤُلء
ت التّورَاةُ وَالنِي ُل إِل مِن َب ْعدِ ِه َأفَ َ
أُن ِزلَ ِ
س َلكُم بِ هِ عِلْ ٌم وَاللّ هُ
حَاجَجْتُ ْم فِيمَا لَكُم بِ هِ عِل مٌ فَلِ َم تُحَآجّو َن فِيمَا لَيْ َ
صرَانِيّا َوَلكِن
َيعْلَمُ َوأَنتُ ْم لَ َتعْلَمُونَ ( )66مَا كَا َن ِإْبرَاهِي ُم َيهُو ِديّا َولَ نَ ْ
شرِكِيَ (. ﴾ )67
كَا َن حَنِيفا ّمسْلِما وَمَا كَا َن ِمنَ الْ ُم ْ
الزء الول 380
قال ابن عباس ( :اجتمعت نصارى نران وأحبار يهود عند رسول
ال فتنازعوا عنده فقالت الحبار :ما كان إبراهيم إل يهوديًا ،وقالت
النصارى :ما كان إبراهيم إل نصرانيًا .فأنزل ال عز وجل فيهم ﴿ :
يَا أَهْ َل اْلكِتَابِ لِ َم ُتحَآجّونَ فِي ِإبْرَاهِي َم َومَا أُنزِلَتِ التّورَا ُة وَالنِيلُ إِل مِن
ل َتعْقِلُونَ ﴾ ؟ وبعده كانت اليهودية والنصرانية . َبعْ ِدهِ أََف َ
وقال قتادة :قوله ﴿ :يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ لِ َم ُتحَآجّو نَ فِي ِإبْرَاهِي مَ ﴾ ،
يقول :ل ا تاجون ف إبراه يم وتزعمون أ نه كان يهوديًا أو ن صرانيًا و ما
أنزلت التوراة والنيـل إل مـن بعده ؟ فكانـت اليهوديـة بعـد التوراة ،
وكانت النصرانية بعد النيل ،أفل تعلقون ؟
ِمـ
ِلمـ فَل َ
ِهـ ع ٌ
ُمـ فِيم َا لَك ُم ب ِ
جت ْ وقوله تعال ﴿ :هَاأَنت ْ
ُمـ َهؤُلء حَا َج ْ
تُحَآجّو نَ فِيمَا َليْ سَ لَكُم بِ ِه عِلْ ٌم وَاللّ ُه َيعْلَ مُ َوأَنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ .قال
السدي :أما الذي لم به علم فما حرم عليهم وما أمروا به ،وأما الذي
ليس لم به علم فشأن إبراهيم .
س بِِإْبرَاهِي َم لَ ّلذِي نَ اتَّبعُو هُ وَهَ ـذَا
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ أَ ْولَى النّا ِ
النّبِ ّي وَاّلذِينَ آمَنُواْ وَال ّلهُ َولِ ّي الْ ُمؤْمِنِيَ (. ﴾ )68
ُوهـ ﴾ على ملتـه
ِينـ اّتبَع ُ
ِيمـلَلّذ َ قال قتادة ﴿ :إِنّ َأوْلَى الن ِ
ّاسـ بِِإبْرَاه َ
وسنته ومنهاجه وفطرته ﴿ ،وَهَـذَا الّنِبيّ ﴾ وهو نب ال ممد ﴿ ،
وَالّذِينَـ آ َمنُواْ ﴾ ،م عه و هم :الؤمنون الذ ين صدقوا نب ال واتبعوه .
كان م مد ر سول ال والذ ين م عه من الؤمن ي أول الناس بإبراه يم .
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :إن لكل نب
ولة من النبيي ،وإن وليي منهم أب وخليل رب - ،ث قرأ ِ ﴿ : -إنّ
381 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س بِِإبْرَاهِي مَ َللّذِي نَ اّتَبعُو هُ َوهَ ـذَا الّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُواْ وَاللّ ُه وَلِيّ
َأوْلَى النّا ِ
الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ » .رواه ابن جرير وغيه .وال أعلم .
***
الزء الول 382
ّونـ إِل
ُمـ وَم َا يُضِل َ
َابـ َل ْو يُضِلّوَنك ْ
ّنـ أَ ْهلِ اْلكِت ِ
﴿ َودّت طّآئِ َفةٌ م ْ
ت اللّ هِ
شعُرُو نَ ( )69يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ لِ مَ َت ْكفُرُو َن بِآيَا ِ
أَنفُ سَ ُهمْ وَمَا َي ْ
ِمـ تَلْبِسـُو َن الْحَق ّ بِالْبَا ِطلِ
َابـ ل َ
ُونـ ( )70ي َا َأ ْهلَ اْلكِت ِ
شهَد َ
ُمـ َت ْ
وَأَنت ْ
وََتكْتُمُو َن الْحَقّ َوأَنتُ مْ تَعْلَمُو نَ (َ )71وقَالَت طّآِئ َفةٌ مّ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ
ي أُن ِزلَ عَلَى اّلذِي نَ آمَنُواْ وَجْ هَ الّنهَارِ وَا ْك ُفرُواْ آ ِخرَ هُ َلعَ ّلهُ مْ
آمِنُواْ بِالّذِ َ
َيرْ ِجعُو نَ (َ )72ولَ ُت ْؤمِنُوْا إِل لِمَن تَبِ َع دِيَنكُ مْ ُق ْل إِنّ اْل ُهدَى ُهدَى اللّ هِ
ض َل بَِيدِ
أَن يُ ْؤتَى َأحَ ٌد مّ ْث َل مَا أُوتِيتُ ْم َأوْ يُحَآجّوكُ مْ عِندَ َرّبكُ مْ ُق ْل إِنّ الْفَ ْ
ص ِبرَحْمَتِ ِه مَن َيشَاءُ
اللّ هِ ُي ْؤتِي ِه مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ ( )73يَخْتَ ّ
ضلِ اْلعَظِي مِ (َ )74ومِ ْن َأهْ ِل الْكِتَا بِ مَ نْ إِن َت ْأمَنْ ُه ِبقِنطَارٍ
وَاللّ ُه ذُو اْلفَ ْ
ك وَمِ ْنهُم مّ ْن إِن َتأْمَنْ ُه ِبدِينَا ٍر ل ُي َؤدّ هِ ِإلَيْ كَ إِل مَا ُدمْ تَ عَلَيْ هِ
يُ َؤدّ ِه ِإلَيْ َ
قَآئِما َذلِ كَ ِبَأّنهُ مْ قَالُوْا لَيْ سَ عَلَيْنَا فِي الُمّيّيَ سَبِي ٌل َويَقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ
ب وَهُ ْم َيعْلَمُو نَ ( )75بَلَى مَ نْ أَ ْوفَى ِب َعهْدِ ِه وَاّتقَى َفإِنّ اللّ َه يُحِبّ
الْ َكذِ َ
ِمـ ثَمَنا قَلِيلً
ّهـ َوَأيْمَاِنه ْ
ُونـ ِب َع ْهدِ الل ِ
ِينـ َيشَْتر َ
الْمُّتقِي َ ( )76إِن ّ اّلذ َ
ق َلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ َولَ ُيكَلّ ُمهُمُ اللّ ُه وَ َل يَن ُظ ُر إِلَ ْيهِمْ يَوْمَ
أُ ْولَـِئكَ َل خَلَ َ
الْقِيَامَ ِة وَ َل ُيزَكّيهِ مْ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ (َ )77وإِنّ مِ ْنهُ ْم َل َفرِيقا يَ ْلوُو نَ
ب وََيقُولُو نَ
ب وَمَا هُ َو مِ نَ اْلكِتَا ِ
َألْ سِنََتهُم بِاْلكِتَا بِ لَِتحْ سَبُو ُه مِ نَ اْلكِتَا ِ
هُ َو مِ نْ عِن ِد اللّ ِه َومَا ُهوَ مِ نْ عِن ِد اللّ هِ َوَيقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ اْل َكذِ بَ َوهُ مْ
حكْ َم وَالنُّب ّوةَ ُثمّ
ب وَالْ ُ
شرٍ أَن ُيؤْتِيَ هُ اللّ ُه الْكِتَا َ
َيعْلَمُو نَ ( )78مَا كَا َن لَِب َ
َيقُولَ لِلنّا سِ كُونُواْ عِبَادا لّي مِن دُو نِ اللّ هِ وَلَ ـكِن كُونُواْ َربّانِيّيَ بِمَا
383 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمـ أَن
ُمـ َتدْرُسـُونَ ( )79وَ َل َيأْ ُمرَك ْ
َابـ وَبِمَا كُنت ْ
ُونـ اْلكِت َ
ُمـ ُتعَلّم َ
كُنت ْ
لِئكَ َة وَالنّبِيّيْ َن أَ ْربَابا أََي ْأمُرُكُم بِاْل ُكفْ ِر َبعْ َد ِإذْ أَنتُم مّ سْلِمُونَ (
خذُوْا الْمَ َ
تَتّ ِ
. ﴾ )80
***
الزء الول 384
قوله عز وجل َ ﴿ :ودّت طّآِئ َفةٌ مّ ْن َأهْ ِل الْكِتَا بِ َلوْ يُضِلّوَنكُ ْم َومَا
ب لِ َم تَ ْك ُفرُو نَ
ش ُعرُو نَ ( )69يَا َأ ْهلَ اْلكِتَا ِ
سهُ ْم وَمَا َي ْ
يُضِلّو َن إِل أَنفُ َ
شهَدُو نَ ( )70يَا َأ ْهلَ اْلكِتَا بِ لِ َم تَلْبِ سُونَ الْحَقّ
ت اللّ هِ َوأَنتُ ْم َت ْ
بِآيَا ِ
حقّ َوأَنتُ ْم َتعْلَمُونَ (. ﴾ )71
بِالْبَا ِط ِل وََتكْتُمُو َن الْ َ
قوله تعال ﴿ :وَدّت طّآِئ َفةٌ مّ نْ أَهْ ِل اْلكِتَا بِ َل ْو ُيضِلّونَكُ مْ ﴾ ،أي :
سهُمْ ﴾ ،أي :إن ا يعود
عن ال ق ح سدًا وبغيًا ﴿ ،وَمَا ُيضِلّو نَ إِل أَنفُ َ
شعُرُو نَ ﴾ ،و ما يدرون أ نه عائد علي هم ، وبال ذلك علي هم ﴿ ،وَمَا يَ ْ
قال تعال ﴿ :وَلَا يَحِي ُق الْ َمكْرُ السّّيئُ إِلّا ِبَأهْلِهِ ﴾ .
ُمـ
ّهـ َوأَنت ْ
َاتـ الل ِ
ُونـ بِآي ِ
ِمـ َتكْفُر َ وقوله تعال ﴿ :ي َا َأهْلَ الْ ِكت ِ
َابـ ل َ
شهَدُو نَ ﴾ ،قال قتادة :يقول :تشهدون أن ن عت م مد نب ال ف تَ ْ
كتابكم ،ث تكفرون به وتنكرونه ،ول تؤمنون به ،وأنتم تدونه مكتوبًا
عندكم ف التوراة والِنيل ؛ النب المي الذي يؤمن بال وكلماته .
وقوله تعال ﴿ :يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ لِ َم تَ ْلبِ سُونَ الْ َ
حقّ بِاْلبَاطِ ِل َوَتكْتُمُو نَ
الْحَقّ َوأَنتُ ْم َتعَْلمُو نَ ﴾ ،قال ا بن ز يد ف قول ال عز و جل ﴿ :لِ َم
تَ ْلبِسـُونَ الْحَقّـ بِاْلبَاطِلِ ﴾ ،قال :القـ :التوراة التـ أنزل ال على
موسى ،والباطل الذي كتبوه بأيديهم ،وقال قتادة :قوله َ ﴿ :وتَ ْكتُمُو نَ
الْحَقّ َوأَنتُ ْم َتعَْلمُو نَ ﴾ ،كتموا شأن ممد ،وهم يدونه مكتوبًا عندهم
ف التوراة والِنيل :يأمرهم بالعروف ،وينهاهم عن النكر .
ِيـ
َابـ آمِنُوْا بِاّلذ َ
ّنـ َأهْ ِل الْكِت ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالَت طّآئِ َفةٌ م ْ
ُونـ (
ُمـ َيرْ ِجع َ
َهـ َلعَ ّله ْ
ْهـ الّنهَا ِر وَا ْكفُرُواْ آ ِخر ُ
ِينـ آمَنُواْ َوج َ
أُن ِزلَ عَلَى اّلذ َ
385 توفيق الرحن ف دروس القرآن
)72وَ َل ُتؤْمِنُواْ إِل لِمَن تَبِ عَ دِيَنكُ مْ ُق ْل إِنّ الْ ُهدَى هُدَى اللّ ِه أَن يُؤْتَى
ّهـ
ض َل بَِيدِ الل ِ
ُمـ ُقلْ إِنّ الْفَ ْ
ُمـ عِندَ َرّبك ْ
ُمـ َأ ْو يُحَآجّوك ْ
أَ َح ٌد مّ ْثلَ مَا أُوتِيت ْ
يُ ْؤتِي هِ مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ ( )73يَخْتَ صّ بِ َرحْمَتِ ِه مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ
ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظِيمِ (. ﴾ )74
قال قتادة ف قوله ﴿ :آمِنُواْ بِالّ ِذيَ أُنزِ َل عَلَى الّذِي نَ آ َمنُواْ وَجْ َه النّهَارِ
وَا ْكفُرُواْ آخِرَ هُ ﴾ ،فقال :بعضهم لبعض :أعطوهم الرضى بدينهم أول
النهار ،واكفروا آخره ،فإن أجدر أن يصـدقوكم ،ويعلموا أنكـم قـد
رأيتم منهم ما تكرهون ،وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم .
وقوله ﴿ :وَ َل ُت ْؤمِنُواْ إِل لِمَن َتبِ عَ دِينَكُ مْ ﴾ ،قال قتادة :هذا قول
بعضهم لبعض .
وقوله تعال ﴿ :قُلْ ِإنّ اْلهُدَى هُدَى اللّ هِ أَن ُي ْؤتَى أَحَ ٌد ّمثْ َل مَا أُوتِيتُ مْ
َأوْ ُيحَآجّوكُ ْم عِندَ َرّبكُ مْ ﴾ ،قال ماهد ف قوله ﴿ :أَن ُي ْؤتَى أَ َح ٌد ّمثْلَ
مَا أُوتِيتُ مْ ﴾ ،حسدًا من يهود أن تكون النبوة ف غيهم وإرادة أن يتبعوا
على دينهم .
قال ابن كثي :قوله ﴿ :أَن ُي ْؤتَى أَ َح ٌد ّمثْلَ مَا أُوتِيتُ مْ َأ ْو يُحَآجّوكُ مْ
ُمـ ﴾ ،يقولون :ل تظهروا مـا عندكـم مـن العلم للمسـلمي عِندَ َربّك ْ
فيتعلمون منكم ويساوونكم فيه ويتازون به عليكم لشدة اليان به َ ،أوْ
يُحَآجّوكُ مْ به ع ند َربّ كم ،أي :يتخذوه ح جة علي كم ب ا ف أيدي كم ،
فتقوم به عليكم الدللة ،وتتركب الجة ف الدنيا والخرة .انتهى .
الزء الول 386
قال ابن كثي َ ﴿ :أيَ ْأمُرُكُم بِاْل ُكفْ ِر َبعْدَ إِذْ أَنتُم مّ ْ
سلِمُونَ ﴾ ،أي :ل
يف عل ذلك إل من د عا إل عبادة غ ي ال ،و من دعا إل عبادة غ ي ال ،
فقد دعا إل الكفر ،والنبياء إنا يأمرون بالِيان ،وهو عبادة ال وحده
ل شريك له ،وبال التوفيق .
***
391 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وِإذْ َأ َخذَ اللّهُـ مِيثَاقَـ النّبِيّيْنَـلَمَا آتَيْتُكُم مّنـ
ص ُرنّهُ
صدّقٌ لّمَا َم َعكُ ْم لَُتؤْمُِن ّن ِبهِ َولَتَن ُ
كِتَابٍ َوحِكْ َم ٍة ُثمّ جَاء ُكمْ َرسُو ٌل مّ َ
صرِي قَالُوْا َأقْرَرْنَا قَا َل فَا ْش َهدُوْا وََأَناْ
قَا َل َأأَ ْقرَ ْرتُ ْم وََأ َخذْتُ مْ عَلَى َذلِكُ مْ إِ ْ
ُمـ
ِكـ َفُأوْلَــِئكَ ه ُ
ِينـ ( )81فَم َن َت َولّى بَ ْع َد َذل َ
ّنـ الشّاهِد َ
َمعَك ُم م َ
الْفَا ِسقُونَ (. ﴾ )82
َابـ
ْنـلَمَا آتَْيتُكُم مّنـ ِكت ٍ
َاقـ الّنِبيّي َ قوله تعال َ ﴿ :وإِذْ أَ َخذَ الل ُ
ّهـ مِيث َ
وَ ِحكْ َم ٍة ثُمّ جَاءكُ مْ رَ سُو ٌل مّ صَ ّدقٌ لّمَا َمعَكُ مْ َلُت ْؤ ِمنُنّ بِ ِه وََلتَن صُ ُرنّهُ ﴾ .
قال ابن جرير :تأويل الية .واذكروا يا معشر أهل الكتاب إذ أخذ اللّ هُ
ب وَ ِحكْ َم ٍة ثُمّ جَاء ُك مْ
ميثاق النّبيي ل ا آتيتكم أيها النبيون ﴿ ،مّ ن ِكتَا ٍ
ِهـ ﴾ يقول : ُمـ َلُت ْؤمِنُن ّ ب ِّصـ ّدقٌ لّم َا َم َعك ْ رَسـُولٌ ﴾ مـن عندي ﴿ ،م َ
لتصدقنه ولتنصرنه .وقال قتادة ﴿ :أَخَذَ اللّ ُه مِيثَا قَ الّنبِّييْ نَ ﴾ أن يصدق
بعضهم بعضًا .وقال علي بن أب طالب :ما بعث ال نبيًا من النبياء إل
أخذ ال عليه اليثاق ،لئن بعث ال ممدًا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ،
وأمره أن يأ خذ اليثاق على أم ته ،لئن ب عث م مد و هم أحياء ليؤم نن به
ولينصرنه .
وقوله تعال ﴿ :قَالَ َأأَقْرَ ْرتُ ْم َوأَ َخ ْذتُ ْم عَلَى ذَِلكُ مْ إِ صْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا
قَالَ فَا ْشهَدُوْا َوأَنَ ْا َم َعكُم مّنَ الشّاهِدِينَ ﴾ .قال ابن عباس ﴿ :إِصْرِي ﴾
:عهدي .وقال ا بن إ سحاق :أي :ث قل ما حل تم من عهدي ،أي :
ميثاقـي الشديـد الؤكـد ،وقال علي بـن أبـ طالب فـ قوله ﴿ :قَالَ
ـ
فَا ْشهَدُواْ ﴾ يقول :فاشهدوا على أمكـم بذلك َ ﴿ .وَأنَاْ َمعَكُـم مّن َ
الشّاهِدِينَ ﴾ عليكم وعليهم .
393 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :فَمَن َتوَلّى َبعْدَ ذَلِ كَ َفُأوْلَ ـئِكَ هُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ .قال
علي بن أ ب طالب ﴿ :فَمَن َتوَلّى ﴾ ع نك يا م مد ب عد هذا الع هد من
جيع المم ﴿ َفُأوْلَـئِكَ هُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ :العاصون ف الكفر .
َسـلَ َم مَن فِي
َهـ أ ْ
ُونـ َول ُ
ّهـ يَ ْبغ َ
ِينـ الل ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :أ َفغَ ْيرَ د ِ
ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َطوْعا وَ َكرْها َوإِلَيْ هِ ُي ْرجَعُو نَ (ُ )83قلْ آمَنّ ا بِاللّ هِ
ق َويَ ْعقُو بَ
وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى ِإبْرَاهِي مَ وَإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَا َ
ق بَ ْينَ أَ َحدٍ
ط وَمَا أُوِتيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنّبِيّو َن مِن ّرّبهِ ْم لَ ُن َفرّ ُ
وَالَسْبَا ِ
مّ ْنهُ ْم َونَحْ نُ لَ ُه مُ سْلِمُونَ ( )84وَمَن يَبْتَ غِ َغ ْيرَ الِ سْلَ ِم دِينا فَلَن ُيقَْبلَ
مِ ْنهُ َوهُ َو فِي الخِ َر ِة ِمنَ الْخَاسِرِينَ (. ﴾ )85
قال أ بو العال ية ف قوله ﴿ :وَلَ هُ أَ سْلَ َم مَن فِي ال سّمَاوَا ِ
ت وَالَرْ ضِ
َطوْعا وَكَرْها ﴾ .قال :كل آد مي قد أ قر على نف سه بأن ال ر ب وأ نا
عبده ،من أشرك ف عبادته ،فهذا الذي أسلم كرهًا ،ومن أخلص من
العبود ية ف هو الذي أ سلم طوعًا .وقال ما هد :سجود الؤ من طائعًا ،
وسجود ظل الكافر وهو كاره .
وقال ابن كثي :فالؤمن مستسلم بقلبه وقالبه ل ،والكافر مستسلم
ل كرهًا .فإ نه ت ت الت سخي والق هر وال سلطان العظ يم الذي ل يالف
ول يانع .
وقوله تعال ﴿ :قُلْ آ َمنّ ا بِاللّ هِ وَمَا أُنزِلَ عََليْنَا وَمَا أُنزِ َل عَلَى ِإبْرَاهِي مَ
َوِإسْمَاعِي َل ﴾ الية .
الزء الول 394
وقال ابن كثي ف قوله ﴿ :قُلْ آ َمنّا بِاللّ ِه َومَا أُن ِز َل عََليْنَا ﴾ ،يعن :
ق َوَي ْعقُو بَ ﴾ ،أي القرآن َ ﴿ ،ومَا أُنزِ َل عَلَى ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْحَا َ
:من ال صحف والو حي ﴿ ،وَالَ ْسبَاطِ ﴾ ،و هم :بطون ب ن إ سرائيل
التشعبة من أولد إسرائيل -وهو يعقوب -الثن عشر َ ﴿ ،ومَا أُوتِ يَ
مُو سَى َوعِي سَى ﴾ ،يع ن :بذلك التوراة ،والِن يل ﴿ ،وَالنِّبيّو نَ مِن
ق َبيْ نَ أَ َح ٍد ّمنْهُ مْ ﴾ ،
ّرّبهِ مْ ﴾ ،وهذا يعم جيع النبياء جلة َ ﴿ ،ل ُنفَرّ ُ
يعن :بل نؤمن بميعهم َ ﴿ .ونَحْ نُ لَ ُه مُ سْلِمُو َن ﴾ ،فالؤمنون من هذه
المة يؤمنون بكل نب أرسل ،وبكل كتاب أنزل ،ل يكفرون بشيء من
ذلك ،بل هم يصدقون با أنزل من عند ال ،وبكل نب بعثه ال .
وقوله تعال ﴿ :وَمَن َيْبتَ ِغ َغيْ َر الِ ْسلَمِ دِينا فَلَن ُيقْبَ َل ِمنْ هُ َو ُهوَ فِي
الخِ َر ِة مِ َن الْخَاسِرِينَ ﴾ .
قال ا بن جر ير :يع ن بذلك جل ثناؤه :و من يطلب دينًا غ ي د ين
السلم ليدين به ،فلن يقبل ال منه ،وهو ف الخرة من الاسرين .
وروى المام أح د عن ال سن قال :حدث نا أ بو هريرة إذ ذاك ون ن
بالدينـة قال :قال رسـول ال « :تيـء العمال يوم القيامـة فتجيـء
ال صلة فتقول :يا رب أ نا ال صلة ،فيقول :إ نك على خ ي .وت يء
ال صدقة فتقول :يا رب أ نا ال صدقة ،فيقول :إ نك على خ ي .ث ي يء
ال صيام فيقول :يا رب أ نا ال صيام ،فيقول :إ نك على خ ي .ث ت يء
العمال ،كل ذلك يقول ال :إنك على خي .ث ييء الِسلم فيقول
:يا رب أنت السلم ،وأنا الِسلم ،فيقول ال تعال :إنك على خي ،
395 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 398
﴿ لَن تَنَالُواْ الِْب ّر حَتّ ى تُن ِفقُوْا مِمّ ا تُحِبّو نَ وَمَا تُن ِفقُواْ مِن َشيْ ٍء َفإِنّ
ل لّبَنِي إِ ْسرَائِيلَ إِل مَا َحرّ مَ
اللّ هَ بِ هِ عَلِي مٌ (ُ )92ك ّل الطّعَا مِ كَا َن حِ ـ ّ
إِ ْسرَائِيلُ عَلَى َنفْ سِ ِه مِن قَ ْبلِ أَن تَُن ّزلَ الّتوْرَاةُ ُق ْل َفأْتُواْ بِالتّوْرَا ِة فَاتْلُوهَا
ب مِن بَ ْع ِد َذلِ كَ
إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ ( )93فَمَ ِن افَْترَىَ عَلَى اللّ ِه الْ َكذِ َ
ق اللّ ُه فَاتّبِعُواْ مِ ّل َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا
صدَ َ
َفأُ ْولَـِئكَ هُمُ الظّالِمُونَ (ُ )94قلْ َ
س لَ ّلذِي بَِب ّكةَ
ت وُضِ َع لِلنّا ِ
شرِكِيَ ( )95إِنّ َأوّ َل بَيْ ٍ
وَمَا كَا َن مِ نَ الْ ُم ْ
ت ّمقَا ُم ِإْبرَاهِي مَ وَمَن
ت بَيّ ـنَا ٌ
مُبَارَكا َو ُهدًى لّ ْلعَالَمِيَ ( )96فِي هِ آيَا ٌ
ع ِإلَيْ هِ سَبِيلً
ت مَ نِ ا سْتَطَا َ
س حِجّ الْبَيْ ِ
دَخَلَ هُ كَا نَ آمِنا َولِلّ هِ عَلَى النّا ِ
ِمـ
َابـ ل َ
َنـ اْلعَالَمِيَ (ُ )97ق ْل يَا َأ ْهلَ اْلكِت ِ
وَمَن َك َفرَ َفإِنّ ال غَنِيّ ع ِ
ُونـ (ُ )98قلْ يَا َأ ْهلَ
ّهـ َشهِيدٌ عَلَى مَا َتعْمَل َ
ّهـ وَالل ُ
َاتـ الل ِ
ُونـ بِآي ِ
تَ ْك ُفر َ
صدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَ َن تَ ْبغُوَنهَا ِعوَجا َوأَنتُ ْم ُشهَدَاء
ب لِمَ تَ ُ
الْكِتَا ِ
وَمَا اللّ ُه ِبغَا ِفلٍ عَمّا َتعْمَلُو نَ ( )99يَا َأّيهَا اّلذِي نَ آمَُنوَْا إِن تُطِيعُوْا َفرِيقا
ب َيرُدّوكُم َبعْ َد إِيَانِكُ مْ كَا ِفرِي نَ ( )100وَكَيْ فَ
مّ َن الّذِي َن أُوتُوْا الْكِتَا َ
تَ ْك ُفرُو َن وَأَنتُ ْم تُتْلَى عَلَ ْيكُ مْ آيَا تُ اللّ ِه َوفِيكُ مْ رَ سُوُلهُ َومَن َيعْتَ صِم بِاللّ هِ
ط مّ سَْتقِيمٍ ( )101يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا اتّقُواْ اللّ هَ
صرَا ٍ
ي إِلَى ِ
َفقَ ْد ُهدِ َ
حَقّ ُتقَاتِ هِ َو َل تَمُوُتنّ إِل َوأَنتُم مّ سْلِمُونَ ( )102وَاعْتَ صِمُوْا بِحَ ْبلِ اللّ هِ
ف بَيْنَ
ت اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم ِإذْ كُنتُ ْم أَ ْعدَاء َفَألّ َ
جَمِيعا َولَ َت َف ّرقُواْ وَاذْ ُكرُوْا نِعْ َم َ
ّنـ النّارِ
ُمـ عَ َلىَ شَف َا حُ ْف َرةٍ م َ
ِهـ ِإخْوَانا وَكُنت ْ
َصـبَحْتُم بِِنعْمَت ِ
ُمـ فَأ ْ
قُلُوِبك ْ
َفأَن َقذَكُم مّنْهَا َك َذلِ كَ يُبَيّ ُن اللّ هُ َلكُ مْ آيَاتِ هِ َلعَ ّلكُ ْم َتهَْتدُو نَ ()103
399 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وَلْتَكُن مّنكُ مْ ُأ ّمةٌ َيدْعُو َن ِإلَى الْخَ ْيرِ وََي ْأمُرُو َن بِالْ َم ْعرُو فِ َويَ ْن َهوْ نَ عَ نِ
الْمُن َك ِر َوأُ ْولَــِئكَ هُمُـ الْ ُمفْلِحُونَـ (َ )104ولَ َتكُونُواْ كَاّلذِينَـَت َف ّرقُواْ
ك َلهُ مْ َعذَا بٌ َعظِي مٌ (
وَاخْتَ َلفُوْا مِن َب ْعدِ مَا جَاءهُ مُ الْبَيّنَا تُ َوُأوْلَ ـِئ َ
ت وُجُو ُههُ مْ
)105يَوْ َم تَبْيَضّ ُوجُو هٌ َوتَ سْ َو ّد وُجُو هٌ َفَأمّ ا اّلذِي نَ ا ْس َودّ ْ
أَ ْكفَرْتُم َبعْ َد إِيَانِكُ ْم َفذُوقُوْا الْ َعذَا بَ بِمَا كُنْتُ ْم َت ْكفُرُو نَ (َ )106وَأمّ ا
ت ُوجُو ُههُ ْم َففِي َرحْ َمةِ اللّ ِه هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ ( )107تِلْكَ
الّذِينَ ابْيَضّ ْ
ك بِالْحَقّ وَمَا اللّ هُ ُيرِيدُ ظُلْما لّ ْلعَالَمِيَ ()108
ت اللّ هِ نَتْلُوهَا عَلَيْ َ
آيَا ُ
ض َوإِلَى اللّ هِ ُت ْرجَ ُع الُمُورُ ()109
وَلِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ
﴾.
***
الزء الول 400
قوله عز وجل ﴿ :لَن تَنَالُواْ الِْبرّ حَتّى تُنفِقُوْا مِمّا تُحِبّو َن َومَا تُنفِقُواْ
مِن َشيْ ٍء َفإِنّ ال ّلهَ بِهِ عَلِيمٌ (. ﴾ )92
ـن ميمون :البِرّ :النـ
ـة .وقال قتادة :يقول ﴿ :لَن قال عمرو بـ
َتنَالُواْ ﴾ ،ب ّر ربكـم َ ﴿ ،حتّىـ تُن ِفقُواْ ﴾ ماـ يعجبكـم وماـ توون مـن
أموالكم َ ﴿ .ومَا تُن ِفقُوْا مِن َشيْءٍ فَِإنّ اللّ َه بِ ِه عَلِيمٌ ﴾ يقول :مفوظ لكم
ذلك .وعن أنس بن مالك قال ( :لا نزلت هذه الية ﴿ :لَن َتنَالُوْا اْلبِرّ
حبّو نَ ﴾ ،قال أبو طلحة :يا رسول ال إن ال يسألنا َحتّى تُن ِفقُواْ مِمّا تُ ِ
من أموالنا ،أشهد أن قد جعلت أرضي بيحا ل .فقال رسول ال :
« اجعلها ف قرابتك » .فجعلها بي حسان بن ثابت ،وأبّ بن كعب .
رواه ا بن جر ير وغيه .و ف روا ية ال صحيحي ( :إن ال يقول ﴿ :لَن
حبّو نَ ﴾ وإن أحب أموال إلّ بيحا ،وإن ا َتنَالُواْ الْبِرّ َحتّى تُنفِقُواْ مِمّا تُ ِ
صدقة ل أرجوا برها وذخرها عند ال تعال ) .الديث .
ل لّبَنِي ِإ ْسرَائِيلَ إِل مَا َحرّمَ
قوله عز وجل ُ ﴿ :ك ّل ال ّطعَامِ كَا َن حِـ ّ
إِ ْسرَائِيلُ عَلَى َنفْ سِ ِه مِن قَ ْبلِ أَن تَُن ّزلَ الّتوْرَاةُ ُق ْل َفأْتُواْ بِالتّوْرَا ِة فَاتْلُوهَا
ب مِن بَ ْع ِد َذلِ كَ
إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ ( )93فَمَ ِن افَْترَىَ عَلَى اللّ ِه الْ َكذِ َ
ق اللّ ُه فَاتّبِعُواْ مِ ّل َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا
صدَ َ
َفأُ ْولَـِئكَ هُمُ الظّالِمُونَ (ُ )94قلْ َ
شرِكِيَ (. ﴾ )95
وَمَا كَا َن ِمنَ الْ ُم ْ
قال البغوي :قوله تعال ﴿ :كُلّ ال ّطعَا مِ كَا نَ حِ ـلّ ّلبَنِي إِ سْرَائِيلَ
إِل مَا حَرّ مَ إِ سْرَائِي ُل عَلَى َنفْ سِهِ مِن َقبْلِ أَن ُتنَزّ َل التّوْرَاةُ ﴾ ،سبب نزول
هذه اليـة ( أن اليهود قالوا لرسـول ال :إنـك تزعـم أنـك على ملة
401 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ِ ﴿ :بَبكّةَ ﴾ ،أي :م كة .ق يل :سيت م كة لقلة مائ ها ،
وبكـة :لزدحام الناس فيهـا .قال قتادة :بكـة :بـك الناس بعضهـم
بعضًا ،الرجال والن ساء ي صلي بعض هم ب ي يدي ب عض ،ل ي صلح ذلك
إل بكة .
وقوله تعال ﴿ :فِي هِ آيَا ٌ
ت َبيّ ـنَاتٌ ّمقَا مُ ِإبْرَاهِي َم وَمَن َدخَلَ هُ كَا نَ
آمِنا ﴾ ،ك ما قال تعال َ ﴿ :أوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ ا َجعَلْنَا حَرَما آمِنا َوُيتَخَطّ ُ
ف
س مِ نْ َحوِْلهِ مْ ﴾ ،وقال قتادة :قوله َ ﴿ :ومَن دَ َخلَ هُ كَا نَ آمِنا ﴾ ، النّا ُ
وهذا كان ف الاهلية ،كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ث لأ
إل حرم ال ل يتناول ول يطلب .فأمـا فـ السـلم :فإنـه ل ينـع مـن
حدود ال ،ومن سرق فيه قطع ،ومن زن فيه أقيم عليه الد ،ومن قتل
فيه قتل .وقال ماهد ف الرجل يقتل ث يدخل الرم قال :يؤخذ فيخرج
من الرم ،ث يقام عليه الد .
وقوله تعال ﴿ :وَلِلّ ِه عَلَى النّاسِ ِحجّ اْلبَْيتِ مَ ِن ا ْستَطَاعَ إَِليْهِ َسبِيلً ﴾
.قال ابـن عباس :والسـبيل أن يصـح بدن العبـد ،ويكون له ثنـ :زاد
وراحلة من غ ي أن ي حف به .وقال ا بن الزب ي ف قوله ﴿ :وَلِلّ ِه عَلَى
النّاسِ ِح ّج الَْبْيتِ مَ ِن ا ْستَطَاعَ إِلَيْ ِه َسبِيلً ﴾ ،قال :على قدرة القوة .
وقوله تعال ﴿ :وَمَن َكفَرَ فَإِنّ ال غَنِيّ عَ ِن اْلعَالَمِيَ ﴾ ،أي :من
ج حد وجوب ال ج ف قد ك فر .قال ا بن عباس ف قوله ﴿ :وَمَن َكفَرَ
﴾ من زعم أنه ليس بفرض عليه .
الزء الول 404
قوله عز وجل ُ ﴿ :ق ْل يَا َأ ْهلَ اْلكِتَابِ لِ َم َتكْ ُفرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ
صدّونَ عَن سَبِيلِ
شَهِيدٌ عَلَى مَا َتعْمَلُو نَ (ُ )98ق ْل يَا أَ ْه َل الْكِتَا بِ لِ مَ تَ ُ
اللّ هِ مَ نْ آمَ َن تَ ْبغُوَنهَا ِعوَجا وَأَنتُ ْم ُشهَدَاء َومَا اللّ هُ ِبغَا ِفلٍ عَمّا تَعْمَلُو نَ (
. ﴾ )99
ّهـ
سـِيلِ الل ِ
َصـدّونَ عَن َب
ِمـ ت ُ قال قتادة :قوله ﴿ :قُ ْل يَا َأهْ َل اْلكِت ِ
َابـ ل َ
﴾ يقول :ل ت صدون عن ال سلم و عن نب ال :من آ من بال ؟ وأن تم
شهداء فيمـا تقرءون مـن كتاب ال أن ممدًا رسـول ال ،وأن السـلم
دين ال الذي ل يقبل غيه ،ول يزي إل به ،يدونه مكتوبًا عندهم ف
التوراة والنيل ؟
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَُن َواْ إِن تُطِيعُواْ َفرِيقا مّ نَ اّلذِي نَ
ف َتكْ ُفرُو نَ
أُوتُوْا الْكِتَا بَ َي ُردّوكُم َبعْ َد إِيَانِكُ مْ كَا ِفرِي نَ ( )100وَكَيْ َ
وَأَنتُ ْم تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ آيَاتُ اللّهِ َوفِيكُمْ رَسُوُلهُ َومَن َيعْتَصِم بِاللّهِ َف َقدْ ُهدِيَ
صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ (. ﴾ )101
ِإلَى ِ
قال ما هد :كان جِما ُ
ع قبائل الن صار بطن ي :الوس ،والزرج ،
وكان بينه ما ف الاهل ية حر بٌ ،ودماء ،وشنَآ نٌ .ح ت مَنّ ال علي هم
بال سلم وبال نب ،فأط فأ ال الرب ال ت كا نت بين هم ،وألفّ بين هم
بالسـلم .قال :فبينـا رجـل مـن الوس ورج ٌل مـن الزرج قاعدان
يتحدّثان ،ومعه ما يهود يّ جال سٌ ،ول يزل يذكّره ا أيامه ما والعداوةَ
ال ت كا نت بين هم ،ح ت ا سَتبّا ث اقتتل .قال :فنادى هذا قو مه ،وهذا
قو مه ،فخرجوا بال سلح ،و صفّ بعض هم لب عض .قال :ر سولُ ال
405 توفيق الرحن ف دروس القرآن
شاهدٌ يومئ ٍذ بالدينـة ،فجاء رسـول ال ،فلم يزل يشـي بينهـم إل
هؤلء وإل هؤلء ليسـكنهم ،حتـ رجعوا ووضعوا السـلح ،فأنزل ال
عز و جل القرآن ف ذلك ﴿ :يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمُنوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقا مّ نَ
الّذِينَ أُوتُواْ اْل ِكتَابَ ﴾ إل قوله ﴿ :عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وَ َكيْ َ
ف َت ْكفُرُو َن َوأَنتُ مْ ُتتْلَى عََلْيكُ ْم آيَا تُ اللّ ِه وَفِيكُ مْ
َانـ نـب ال ،وكتاب ال ،
رَسـُولُهُ ﴾ .قال قتادة :علمان بيّنان وُ ْجد ُ
فأ ما نب ال فم ضى ،وأ ما كتاب ال فأبقاه ال ب ي أظهر كم ،رح ة
من ال ونعمه ،فيه حلله وحرامه وطاعته ومعصيته .
سَتقِيمٍ ﴾ ، وقوله تعال َ ﴿ :ومَن يَ ْعتَصِم بِاللّهِ َفقَ ْد هُدِيَ إِلَى صِرَا ٍ
ط مّ ْ
أي :واضح ،وسيمنعه من كل سوء .
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ اّتقُوْا اللّ َه حَقّ ُتقَاتِ ِه وَلَ
ّهـ جَمِيعا وَلَ
َصـمُواْ بِحَ ْب ِل الل ِ
ّسـلِمُونَ ( )102وَاعْت ِ
تَمُوتُنّ إِل َوأَنتُم م ْ
ف بَيْ نَ قُلُوبِكُ مْ
ت اللّ هِ عَلَ ْيكُ ْم ِإذْ كُنتُ ْم أَ ْعدَاء َفَألّ َ
َتفَ ّرقُوْا وَاذْ ُكرُواْ ِنعْمَ َ
َفأَ صْبَحْتُم بِِنعْمَتِ هِ ِإ ْخوَانا وَكُنتُ مْ عَ َل َى َشفَا حُ ْف َر ٍة مّ نَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مّ ْنهَا
ك يُبَّينُ ال ّل ُه لَ ُكمْ آيَاِت ِه َلعَلّ ُكمْ َتهَْتدُونَ (. ﴾ )103
َك َذلِ َ
ـ ﴾ :أن يطاع فل قال ابـن مسـعود ﴿ :اّتقُواْ اللّه َ
ـ حَقّـ ُتقَاتِه ِ
يعصى ،ويذكر فل ينسى ،ويشكر فل يكفر ﴿ .وَ َل تَمُوتُنّ إِل َوأَنتُم
مّسْلِمُونَ ﴾ .قال طاوس :على الِسلم ،وعلى حرمة الِسلم .
وقوله تعال ﴿ :وَا ْعتَ صِمُوْا بِ َ
حبْلِ اللّ هِ َجمِيعا وَ َل َتفَرّقُواْ ﴾ ،قال ابن
ّهـ جَمِيعا ﴾ قال :الماعـة .
حبْلِ الل ِ
َصـمُواْ بِ َ
مسـعود فـ قوله ﴿ :وَا ْعت ِ
الزء الول 406
وقال قتادة :حبل ال التي .أمر أن يعتصم به ،هذا القرآن .وقال أبو
العاليـة :يقول :اعتصـموا بالِخلص ل وحده .وعـن أنـس بـن مالك
قال :قال رسول ال « :إن بن إسرائيل افترقت على إحدى وسبعي
فر قة ،وإن أم ت ستفترق على اثن ي و سبعي فر قة ،كل هم ف النار إل
واحدة » ،قال :فق يل :يا ر سول ال و ما هذه الواحدة ؟ قال :فق بض
حبْلِ اللّ هِ جَمِيعا وَ َل َتفَرّقُواْ ﴾ .
يده وقال « :الماعة » ﴿ وَا ْعتَ صِمُوْا بِ َ
رواه ابن جرير .
وقوله تعال ﴿ :وَاذْكُرُواْ ِنعْمَ تَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ ِإذْ كُنتُ مْ َأعْدَاء َفأَلّ فَ َبيْ نَ
حتُم بِِنعْ َمتِ هِ إِ ْخوَانا ﴾ .قال ال سدي :أ ما إذ كن تم أعداء
قُلُوِبكُ مْ َفأَ صْبَ ْ
ف في حرب ،فألف ب ي قلوب كم بال سلم .و ف الد يث ال صحيح عن
ـدوا ول تناجشوا ول تباغضوا ،وكونوا عباد ال ـب « :ل تاسـ النـ
إخوان ًا » .قال قتادة :ذكـر لنـا أن رجلً قال لبـن مسـعود :كيـف
أصبحتم ؟ قال :أصبحنا بنعمة ال إخوانًا .
ّنـ النّارِ َفأَنقَذَك ُم ّمنْه َا وقوله تعال ﴿ :وَكُنت ْ
ُمـ عََلىَ شَف َا ُحفْ َر ٍة م َ
ك ُيبَيّنُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُ ْم َتهْتَدُونَ ﴾ ،قال قتادة :كان هذا الي
كَذَلِ َ
ـه ضللة ،وأعراهـن العرب أذل الناس ذلً ،وأشقاه عيشًـا ،وأبينـ مـ
جلودًا ،وأجوعه بطونًا ،معكومي على رأس حجر بي السدين :فارس
والروم ،ل وال ما ف بلدهم يومئذٍ من شيء يسدون عليه ،من عاش
منهم عاش شقيًا ،ومن مات يردى ف النار ،يؤكلون ول يأكلون ،وال
ل نعلم قبيلً يومئذٍ من حاضر الرض كانوا فيه أصغر حظًا ،وأدق فيها
شأنًا من هم ،ح ت جاء ال عز و جل بالِ سلم ،فورث كم به الكتاب ،
407 توفيق الرحن ف دروس القرآن
خْيرِ ﴾ ،
الباقر :قرأ رسول ال ﴿ :وَْلتَكُن مّنكُ مْ ُأ ّم ٌة يَ ْدعُو نَ إِلَى الْ َ
ث قال « :الي إتباع القرآن وسنت » .رواه ابن مردويه .وف صحيح
م سلم عن أ ب هريرة قال :قال ر سول ال « :من رأى منكرًا فليغيه
بيده ،فإن ل يسـتطع فبلسـانه ،فإن ل يسـتطع فبقلبـه ،وذلك أضعـف
الِيان » .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ َتكُونُواْ كَالّذِين َ
ـ َتفَرّقُوْا وَا ْختََلفُواْ مِـن َبعْدِ مَـا
ت َوُأوْلَـئِكَ َلهُ ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ .قال ابن عباس :أمر ال
جَاءهُ ُم الَْبّينَا ُ
جل ثناؤه الؤمن ي بالماعة ،فنها هم عن الختلف والفر قة ،وأخبهم
أنا هلك من كان قبلهم بالراء والصومات ف دين ال .
ُوهـ ﴾ قال ابـن عباس :
َسـوَ ّد وُج ٌ
ُوهـ َوت ْ وقوله تعال َ ﴿ :يو َ
ْمـ َتبْيَضّ وُج ٌ
( تبيض وجوه أهل السنة ،وتسود وجوه أهل البدعة ) َ ﴿ .فَأمّا الّذِي َن
ت وُجُو ُههُ مْ أَ ْكفَرْتُم َبعْدَ إِيَاِنكُ مْ ﴾ ،قال ال سن :هم النافقون ا ْسوَدّ ْ
ب بِمَا ُكْنتُ ْم َتكْفُرُونَ ﴾ .
﴿ .فَذُوقُوْا اْلعَذَا َ
قال ابن كثي :وهذا الوصف يعم كل كافر َ ﴿ .وَأمّا الّذِي نَ اْبَيضّ تْ
وُجُو ُههُ مْ فَفِي َرحْ َمةِ اللّ ِه هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ ﴾ ،يع ن :ال نة ﴿ .تِلْ َ
ك
آيَا تُ اللّ ِه َنتْلُوهَا عََليْ كَ بِالْحَقّ َومَا اللّ ُه يُرِيدُ ظُلْما لّ ْلعَالَ ِميَ ﴾ ،بل هو
الا كم العدل الذي ل يور ﴿ .وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ضِ
َوإِلَى اللّ ِه تُرْ َج ُع الُمُورُ ﴾ فيجزي كلً بعمله .وال أعلم .
***
409 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
411 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ـ
ـ تَ ْأ ُمرُون َ
ـ لِلنّاس ِ
ـ خَ ْيرَ ُأ ّمةٍ ُأ ْخرِجَت ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :كُنتُم ْ
ف َوتَنْ َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَ ِر َوتُ ْؤمِنُو َن بِاللّ هِ َوَلوْ آمَ َن أَ ْه ُل الْكِتَا بِ
بِالْ َم ْعرُو ِ
َاسـقُونَ ( )110لَن
ُمـ اْلف ِ
ُونـ َوأَكَْثرُه ُ
ُمـ الْ ُمؤْمِن َ
َانـ خَيْرا لّه ُم مّ ْنه ُ
لَك َ
صرُونَ ()111
ضرّوكُمْ إِل َأذًى َوإِن ُيقَاتِلُوكُمْ ُي َولّوكُ ُم الَ ُدبَارَ ثُمّ َل يُن َ
يَ ُ
﴾.
ّاسـ ﴾ يقول :
َتـلِلن ِ قال ماهـد فـ قوله ﴿ :كُنت ْ
ُمـ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرج ْ
على هذا الشرط :أن تأمروا بالعروف وتنهوا عن النكر وتؤمنوا بال .
ـ
ـ َخيْرا لّهُـم ّمنْهُم ُ
ـ َلكَان َ وقوله تعال ﴿ :وََلوْ آمَن َ
ـ َأهْلُ اْل ِكتَاب ِ
الْ ُم ْؤمِنُونَ َوأَ ْكثَ ُرهُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ ،قال قتادة :ذم ال أكثر الناس .
وقوله تعال ﴿ :لَن َيضُرّوكُ مْ إِل أَذًى َوإِن يُقَاتِلُوكُ ْم ُيوَلّوكُ ُم الَ ُدبَارَ
ثُمّ َل يُن صَرُونَ ﴾ .قال قتادة :قوله ﴿ :لَن َيضُرّوكُ مْ إِل أَذًى ﴾ قال :
أذى تسمعونه منهم .
ض ِربَ تْ عَلَ ْيهِ مُ ال ّذلّ ُة َأيْ َن مَا ُث ِقفُوْا إِل بِحَ ْب ٍل مّ نْ
قوله عز وجل ُ ﴿ :
ض ِربَ تْ عَلَ ْيهِ مُ الْمَ سْكََنةُ
ب مّ َن اللّ ِه وَ ُ
س َوبَآؤُوا ِبغَضَ ٍ
اللّ هِ َوحَ ْبلٍ مّ نَ النّا ِ
ت اللّ هِ َوَيقْتُلُو نَ الَنبِيَا َء ِبغَ ْيرِ َحقّ َذلِ كَ
َذلِ كَ ِبَأنّهُ مْ كَانُوْا َيكْ ُفرُو َن بِآيَا ِ
بِمَا عَصَوا وّكَانُوْا يَعَْتدُونَ ( . ﴾ )112
حبْلٍ قال ال سن ف قوله ُ ﴿ :
ض ِربَ تْ عََلْيهِ مُ الذّّلةُ َأيْ َن مَا ُث ِقفُواْ إِل بِ َ
ِمـ
َتـ عََلْيه ُ
ّهـ وَضُ ِرب ْ
ّنـ الل ِ
َبـ م َ
ّاسـ َوبَآؤُوا ِب َغض ٍ
ّنـ الن ِ
ّهـ وَ َحبْ ٍل م َ
ّنـ الل ِ
م ْ
سكََنةُ ﴾ ،قال :أدركتهم هذه المة ،وأن الجوس لتجبيهم الزية . الْمَ ْ
الزء الول 412
وقوله ﴿ :إِل بِ َ
حبْ ٍل مّ نْ اللّ ِه وَ َحبْ ٍل مّ َن النّا سِ ﴾ ،قال قتادة :إل بع هد
من ال وعهد من الناس .
حبْ ٍل مّ نْ اللّهِ قال ابن كثي ُ ﴿ :
ض ِربَتْ عََلْيهِ مُ الذّّلةُ َأيْ َن مَا ُث ِقفُواْ إِل بِ َ
ّاسـ ﴾ ،أي :ألزمهـم ال الذلة والصـغار أينمـا كانوا فل ّنـ الن ِ
وَ َحبْ ٍل م َ
حبْ ٍل مّنْ اللّهِ ﴾ ،أي :بذمة من ال .وهو :عقد الذمة يأمنون ﴿ ،إِل بِ َ
لم ،وضرب الزية عليهم وإلزامهم أحكام اللة ﴿ .وَ َحبْ ٍل مّ َن النّا سِ ﴾
،أي :أمان منهم لم كما ف الهادن والعاهد والسي إذا أمنه واحد من
السلمي ،ولو امرأة .
س َكنَةُ
ت عََلْيهِ ُم الْمَ ْ وقوله تعال َ ﴿ :وبَآؤُوا ِب َغضَ بٍ مّ نَ اللّ ِه وَ ُ
ض ِربَ ْ
ك بَِأّنهُمْ كَانُواْ َي ْكفُرُو َن بِآيَاتِ اللّ ِه َوَي ْقتُلُو َن الَنِبيَاءَ ِب َغيْرِ حَقّ ﴾ ،أي :
ذَلِ َ
إناـ حلهـم على ذلك الكـب والبغـي والسـد ،فعوقبوا بالذلة والصـغار
ك بِمَا عَ صَوا وّكَانُوْا َيعْتَدُو نَ ﴾ ،قال قتادة :اجتنبوا وال سكنة ﴿ .ذَلِ َ
العصية والعدوان ،فإن بما أهلك من أهلك من قبلكم من الناس .
قوله عز و جل ﴿ :لَيْ سُواْ َسوَاء مّ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ ُأ ّمةٌ قَآئِ َمةٌ يَتْلُو نَ
جدُونَ ( )113يُ ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْ ِم الخِرِ
ت اللّهِ آنَاء اللّ ْي ِل وَهُ ْم يَسْ ُ
آيَا ِ
َاتـ
َنـ الْمُن َك ِر وَيُسـَارِعُو َن فِي الْخَ ْير ِ
ْنـ ع ِ
ُوفـ وَيَ ْن َهو َ
ُونـ بِالْ َم ْعر ِ
وََي ْأ ُمر َ
حيَ ( )114وَمَا َي ْفعَلُوْا مِ ْن خَيْ ٍر فَلَن يُ ْك َفرُوْهُ وَاللّهُ
وَُأ ْولَـِئكَ مِنَ الصّالِ ِ
عَلِي ٌم بِالْمُّت ِقيَ (. ﴾ )115
قال ابن عباس :لا أسلم عبد ال بن سلم ،وثعلبة بن سعية ،وأسد بن
عب يد ،وأ سيد بن سعية ،و من أ سلم من يهود مع هم فآمنوا و صدقوا ،
ورغبوا ف السلم ،ومنحوا فيه ،قالت أحبار يهود ،أهل الكفر منهم :
413 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ما آمن بحمد ول تبعه إل شرارنا ،ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين
آبائهم وذهبوا إل غي .فأنزل ال عز وجل ف ذلك من قولم َ ﴿ :ليْسُواْ
ـ ﴾ إل قوله : ـ اللّه ِ
ـ آيَات ِ
ـ ُأ ّمةٌ قَآئِ َم ٌة َيتْلُون َ
ـ َأهْ ِل الْ ِكتَاب ِ
ـوَاء مّن ْ
سَ
حيَ ﴾ ،وقال قتادة :قوله ُ ﴿ :أ ّمةٌ قَآئِ َمةٌ ِنـ الصـّالِ ِ
كم َ ﴿ َوُأوْلَــئِ َ
﴾ يقول :قائمة على كتاب ال وفرائضه وحدوده .
وقوله تعال ﴿ :يَتْلُو َن آيَاتِ اللّهِ آنَاء الّليْ ِل َوهُ ْم يَسْ ُ
جدُونَ ﴾ ،أي :
يصـلون .قال قتادة :يتلون آيات ال آناء الليـل ،أي :سـاعات الليـل
ف َوَيْن َهوْ نَ عَ ِن الْمُنكَرِ
ُ ﴿ ،ي ْؤ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َوَي ْأمُرُو نَ بِالْ َمعْرُو ِ
خيْرَاتِ َوأُوْلَـئِكَ مِ َن الصّالِحِيَ َومَا َيفْعَلُوْا مِ نْ َخيْرٍ فَلَن َويُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ
يُ ْكفَ ُروْ هُ وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِالْ ُمّتقِيَ ﴾ ،قال ابن كثي َ ﴿ :ومَا َي ْفعَلُوْا مِ نْ َخيْرٍ
ْهـ ﴾ ،أي :ل يضيـع عنـد ال بـل يزيهـم بـه أوفـر الزاء ، فَلَن ُي ْكفَ ُرو ُ
﴿ وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالْ ُمّتقِيَ ﴾ ،أي :ل ي فى عل يه ع مل عا مل ،ول
يضيع لديه أجر من أحسن عملً .
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ الّذِي نَ َك َفرُوْا لَن ُتغْنِ يَ عَ ْنهُ ْم َأمْوَاُلهُ مْ َولَ
ك أَ صْحَابُ النّا ِر هُ مْ فِيهَا خَاِلدُو نَ (
أَ ْو َلدُهُم مّ َن اللّ هِ شَيْئا وَُأ ْولَ ـئِ َ
صرّ
ح فِيهَا ِ
)116مََثلُ مَا يُنفِقُو َن فِي هِ ـ ِذهِ الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َكمََثلِ رِي ٍ
أَ صَابَتْ َحرْ ثَ َقوْ مٍ َظلَمُواْ أَنفُ سَ ُهمْ فََأهْ َلكَتْ ُه وَمَا ظَ َل َمهُ مُ اللّ هُ َولَ ـ ِكنْ
سهُ ْم يَظْلِمُونَ (. ﴾ )117
أَن ُف َ
الزء الول 414
قال البغوي ﴿ :إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ لَن ُتغْنِ َي َعنْهُمْ َأ ْموَاُلهُمْ وَلَ َأوْلَ ُدهُم مّنَ
اللّ ِه َشيْئا ﴾ ،أي :ل تنفع أموالم بالفدية ،ول أولدهم بالنصرة من ال
شيئًا ،أي :من عذاب ال .
وقال ما هد ف قوله عز و جل َ ﴿ :مثَ ُل مَا يُن ِفقُو نَ فِي هِ ـ ِذهِ الْ َ
حيَاةِ
ال ّدنْيَا ﴾ ،قال :نفقة الكا فر ف الدنيا وصدقاته كمثل :ريح فيها صر
أ صابت حرث قوم ظلموا أنف سهم فأهلك ته .قال ا بن عباس :ر يح في ها
صرير شديد وزمهرير .
قال ابن كثي :فكذلك الكفار يحق ال ثواب أعمالم ف هذه الدنيا
كما يذهب ثرة هذا الرث بذنوب صاحبه .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا ظََل َمهُمُ اللّ ُه وَلَـكِنْ أَنفُ َ
سهُ ْم يَظِْلمُونَ ﴾ ،أي :
بالكفر والعصية .
خذُوْا بِطَانَ ًة مّن دُونِكُمْ
وقوله عز وجل ﴿ :يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ َل تَتّ ِ
ِمـ وَمَا
ِنـ َأ ْفوَا ِهه ْ
َتـ الَْبغْضَاء م ْ
ّمـ َقدْ َبد ِ
ُمـ خَبَا ًل وَدّواْ مَا عَنِت ْ
لَ َي ْألُوَنك ْ
ت إِن كُنتُ ْم َتعْقِلُو نَ ()118
صدُو ُر ُهمْ أَكَْب ُر َقدْ بَيّنّ ا َلكُ ُم اليَا ِ
تُخْفِي ُ
هَاأَنتُ ْم أُوْلء تُحِبّوَنهُمْ َولَ ُيحِبّوَنكُ ْم وَُت ْؤمِنُونَ بِاْلكِتَابِ كُلّهِ َوِإذَا َلقُوكُمْ
ظ ُق ْل مُوتُواْ ِبغَيْ ِظكُمْ
قَالُواْ آمَنّا وَِإذَا خَ َل ْواْ عَضّواْ عَلَ ْيكُمُ ا َلنَا ِملَ مِنَ اْلغَيْ ِ
سسْ ُكمْ حَ سََن ٌة تَ سُ ْؤ ُهمْ َوإِن
صدُورِ ( )119إِن تَمْ َ
إِنّ اللّ هَ عَلِي ٌم ِبذَا تِ ال ّ
ضرّكُ مْ كَ ْي ُدهُ مْ شَيْئا
تُ صِ ْب ُكمْ سَيَّئةٌ َي ْفرَحُواْ بِهَا َوإِن تَ صِْبرُوْا وَتَّتقُوْا َل يَ ُ
إِنّ ال ّل َه بِمَا يَعْمَلُو َن مُحِيطٌ (. ﴾ )120
415 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابـن عباس :كان رجال مـن السـلمي يواصـلون رجا ًل مـن
اليهود ،لاـ كان بينهـم مـن الوار واللف فـ الاهليـة ،فأنزل ال عـز
وجل فيهم ،فنهاهم عن مباطنتهم توف الفتنة عليهم منهم ﴿ :يَا َأّيهَا
ـ
ـ ﴾ إل قوله َ ﴿ :وُت ْؤمِنُون َ
ـ آ َمنُواْ َل َتتّخِذُواْ بِطَاَن ًة مّنـ دُوِنكُم ْ
الّذِين َ
بِالْ ِكتَا بِ ُكلّ هِ ﴾ ،وقال قتادة :ن ى ال عز و جل الؤمن ي أن ي ستدخلوا
النافقي أو يؤاخوهم أي :يتولوهم من دون الؤمني .
وقوله تعال َ ﴿ :ل َيأْلُوَنكُمْ َخبَا ًل وَدّواْ مَا َعِنتّمْ ﴾ .
قال البغوي َ ﴿ :ل َيأْلُوَنكُمــْ َخبَالً ﴾ ،أي :ل يقصــرون ول
يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد .والبال :الشر ﴿ ،وَدّواْ
مَا َعِنتّ مْ ﴾ ،أي :يودون ما يشق عليكم من الضر ،والشر ،واللك .
والعنت :الشقة .
صدُو ُرهُمْ
خفِي ُ وقوله تعال ﴿ :قَ ْد بَدَ ِ
ت اْلَبغْضَاء مِ نْ أَ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ
أَكْبَرُ ﴾ قال الربيع :يقول :ما تكن صدورهم أكب ما قد أبدوا بألسنتهم
ُمـ وَلَ
حبّوَنه ْ
ُمـُأوْلء ُت ِ
ُونـ هَاأَنت ْ
ُمـ َتعْقِل َ
َاتـإِن كُنت ْ
ُمـ الي ِ
﴿ :قَدْ بَّينّاـَلك ُ
حبّونَكُ مْ َوتُ ْؤ ِمنُو نَ بِاْل ِكتَا بِ كُلّ هِ ﴾ ،قال ا بن عباس :أي :بكتاب كم
يُ ِ
وكتابم ما مضى من الكتب قبل ذلك ،وهم يكفرون بكتابكم ،فأنتم
أحق بالبغضاء لم منهم لكم .
ـ وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا َلقُوكُم ْ
ـ قَالُواْ آ َمنّاـ َوإِذَا َخَل ْواْ َعضّوْا عََلْيكُم ُ
ت ال صّدُورِ ﴾ ،قال الَنَامِ َل مِ نَ الْ َغيْ ظِ قُ ْل مُوتُواْ ِب َغيْ ِظكُ مْ ِإنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ
قتادة :إذا لقوا الؤمنيـ قالوا :آمنـا .ليـس بمـ إل مافـة على دمائهـم
ِنـ
ُمـ الَنَامِ َل م َ
وأموالمـ ،فصـانعوهم بذلك َ ﴿ .وإِذَا َخَل ْواْ َعضّوْا عََلْيك ُ
الزء الول 416
الْ َغيْ ظِ ﴾ يقول :ما يدون ف قلوبم من الغيظ والكراهة لا هم عليه لو
يدون ريًا لكانوا على الؤمني .
قال البغوي ﴿ :قُ ْل مُوتُواْ ِب َغيْ ِظكُمـــْ ﴾ ،أي :أبقوا إل المات
بغيظ كم ﴿ .إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا تِ ال صّدُورِ ﴾ ،أي :ب ا ف القلوب من
خي وشر .
سـيَّئةٌ
ُصـْبكُ ْم َ
َسـ ْؤهُمْ َوإِن ت ِ
َسـَن ٌة ت ُ
سكُمْ ح َ وقوله تعال ﴿ :إِن تَم َ
ْسـ ْ
ّهـ بِمَا
ُمـ شَيْئا إِنّ الل َ
ُمـ َكيْ ُده ْ
َصـبِرُواْ َوَتّتقُواْ َل يَضُرّك ْ
َيفْرَحُواْ بِهَا َوإِن ت ْ
َيعْمَلُو َن مُحِي طٌ ﴾ ،يرشد سبحانه إل الصب والتقوى ،والتوكل عليه .
فل حول ول قوة إل بال ،ف من صب ن صره ،و من تو كل عل يه كفاه .
ودفع عنه كيد عدوه وأذاه .وال الستعان .
***
417 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
419 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ف يوم من اليام سوى يوم بدر ،وكانوا يأتون فيما سواه من اليام عددًا
ومددًا ل يضربون .
وقوله تعال َ ﴿ :وَيأْتُوكُـم ﴾ ،أي :الشركون .وقال قتادة ﴿ :مّنـ
َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا ﴾ ،يقول :من وجههم هذا .قال :كان يوم بدر أمدهم
ال تعال بألف من اللئكة ،كما قال ﴿ :فَا ْستَجَابَ َلكُ مْ َأنّي مُمِدّكُم
ف مّ َن الْمَلِئ َكةِ ﴾ ،ث صاروا ثلثة آلف ،ث صاروا خسة آلف . بِأَلْ ٍ
وقال الضحاك :كان هذا موعدًا من ال يوم أ حد عر ضه على نبيه م مد
إنـ اتقوا وصـبوا أمدهـم بمسـة آلف مـن اللئكـة أنـ الؤمنيـ ْ
ّ
مسومي ،ففر السلمون يوم أحد وولوا مدبرين ،فلم يدهم ال .وقال
سةِ
عكرمة ف قوله َ ﴿ :وَيأْتُوكُم مّن َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا يُمْ ِددْكُ مْ َرّبكُم بِخَمْ َ
ف مّ َن الْمَلئِ َكةِ ﴾ .قال :فورهم ذلك كان يوم أحد ،غضبوا ليوم آل ٍ
بدر م ا لقوا -يع ن :الكفار . -وقال الضحاك ف قوله َ ﴿ :وَي ْأتُوكُم
مّن َفوْ ِرهِ ْم هَـذَا ﴾ ،يقول :من وجههم وغضبهم .
ُسـّومِيَ ﴾ ،أي :
ّنـ الْمَلئِ َك ِة م َ
آلفـ م َ
ٍ وقوله تعال ﴿ :بِخَم َ
ْسـةِ
معلمي .قال قتادة :كان سيمًا خيلهم صوفًا ف نواصيها .قال الربيع :
ـمًا اللئكـة يومكانوا يومئذٍ على خيـل بلق .وقال ابـن عباس :كان س ي
بدر عمائم بيض قد أرسلوها ف ظهورهم ،ويوم حني عمائم حر .ول
تضرب اللئكة ف يوم سوى يوم بدر .
وقوله تعال ﴿ :وَمَا َجعَلَ هُ اللّ هُ إِل بُشْرَى َلكُ ْم وَِلتَطْ َمئِنّ قُلُوبُكُم بِ هِ
حكِيمِ ﴾ ،أي :ولا أنزل ال اللئكةَومَا النّ صْرُ إِل مِ ْن عِندِ اللّ ِه اْلعَزِي ِز الْ َ
ولعلم كم بذلك إل بشارة ل كم ،و ما الن صر إل من ع ند ال .قال ا بن
الزء الول 422
إسحاق َ ﴿ :ومَا َجعَلَ هُ اللّ هُ إِل بُشْرَى َلكُ ْم وَِلتَطْ َمئِنّ ُقلُوبُكُم بِ هِ ﴾ ،لا
عرف من ضعفكم ،وما النصر إل من عندي بسلطان وقدرت ،وذلك
أن أعرف الكمة ل إل أحد من خلقي .قال ابن زيد :وما النصر إل
مـن عنـد ال ،ولو شاء ال أن ينصـركم بغيـ اللئكـة فعـل ﴿ .الْعَزِيزِ
حكِيمِ ﴾ ،أي :العزيز الذي ل يغالب .الكيم :ف أقواله وأفعاله . الْ َ
ُمـ َفيَنقَِلبُواْ
ِينـ َكفَرُواْ َأوْ َي ْكبَِته ْ
ّنـ الّذ َ وقوله تعال ِ ﴿ :ليَقْط َ
َعـ طَرَفا م َ
خَآِئبِيَ ﴾ .قال ال سن :هذا يوم بدر ق طع ال طائ فة من هم ،وبق يت
طائفة .وقال ابن إسحاق َ ﴿ :أ ْو َي ْكبَِتهُ مْ َفيَنقَِلبُواْ خَآِئبِيَ ﴾ ،أو يردهم
خائبي ،أو يرجع من بقي منهم خائبي ل ينالوا شيئًا ما كانوا يأملون .
س لَ كَ مِ نَ ا َل ْمرِ َشيْ ٌء أَ ْو يَتُو بَ عَلَ ْيهِ ْم َأوْ
قوله عز و جل ﴿ :لَيْ َ
ت َومَا فِي الَرْ ضِ
ُيعَ ّذَبهُ ْم َفإِّنهُ مْ ظَالِمُو نَ (َ )128ولِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
َيغْ ِفرُ لِمَن َيشَا ُء َويُ َع ّذبُ مَن َيشَا ُء وَال ّلهُ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (. ﴾ )129
عن أنس قال ( :قاتل النب يوم أحد ،وكسرت رباعيته ،وشج ،
فج عل ي سح عن وج هه الدم ويقول « :كيف ي صلح قوم خضبوا نبيهم
ك مِ َن الَمْرِ شَيْءٌ
بالدم وهو يدعوهم إل رب م » ! ؟ فنلت َ ﴿ :ليْ سَ لَ َ
ب عََلْيهِ مْ َأوْ ُيعَ ّذَبهُ مْ فَِإّنهُ ْم ظَالِمُو نَ ﴾ ) .رواه ابن جرير وغيه .
َأوْ َيتُو َ
قال ابـن إسـحاق :أي :ليـس لك مـن الكـم شيـء فـ عبادي إل مـا
أمرتـك بـه فيهـم ،أتوب عليهـم برح ت ؛ فإن شئت فعلت ،أو أعذبمـ
بذنوبم فإنم ظالون ،أي :قد استحقوا ذلك بعصيتهم إياي .وعن ابن
عمر ( :أن رسول ال كان يدعو على أربعة نفر ،فأنزل ال عز وجل
423 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َفعَلُواْ وَهُمْ َيعْلَمُونَ ( )135أُ ْولَـِئكَ َجزَآ ُؤهُم ّمغْ ِف َر ٌة مّن ّرّبهِمْ وَجَنّاتٌ
جرِي مِن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَالِدِينَ فِيهَا وَِن ْعمَ َأ ْجرُ اْلعَامِلِيَ (. ﴾ )136
تَ ْ
قال ا بن إ سحاق ﴿ :وَ سَا ِرعُواْ إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مّ ن ّربّكُ ْم َو َجّنةٍ عَرْضُهَا
ال سّمَاوَاتُ وَالَرْ ضُ ُأعِدّ تْ ِللْ ُمّتقِيَ ﴾ ،أي :ذلك ل ن أطاع ن وأطاع
رسول .قال قتادة :كانوا يرون النة فوق السماوات السبع تت العرش
،وأن جهنم تت الرضي السبع .
وقال ابن عباس ف قوله ﴿ :الّذِي نَ يُن ِفقُو نَ فِي ال سّرّاء وَالضّرّاء ﴾ يقول
:ف الي سر والع سر .وقال قتادة :قوله ﴿ :الّذِي َن يُن ِفقُو نَ فِي ال سّرّاء
سنِيَ ﴾ ، حبّ الْ ُمحْ ِس وَاللّ ُه يُ ِ
وَالضّرّاء وَالْكَاظِمِيَ الْ َغيْظَ وَاْلعَافِيَ عَ ِن النّا ِ
قوم أنفقوا ف الع سر والي سر ،وال هد والرخاء ،ف من ا ستطاع أن يغلب
الشر بالي فليفعل ول قوة إل بال فنعمت وال يا ابن آدم الرعة ترعها
من صب وأنت مغيظ ،وأنت مظلوم .وعن أب هريرة أن النب قال :
« من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه مله ال أمنًا وإيانًا » .رواه ابن
جرير .
ـهُمْ ذَكَرُواْ
شةً َأوْ ظََلمُواْ َأْنفُس َ وقوله تعال ﴿ :وَالّذِين َ
ـ إِذَا َفعَلُواْ فَاحِ َ
اللّ هَ فَا ْستَ ْغفَرُواْ لِ ُذنُوبِهِ ْم وَمَن َي ْغفِرُ ال ّذنُو بَ إِل اللّ ُه وَلَ ْم يُ صِرّوْا عَلَى مَا
َفعَلُواْ َوهُ ْم َيعْلَمُونَ ﴾ ،الفاحشة :الزنا ،والكبائر .
وقوله َ ﴿ :أوْ ظََلمُواْ َأْنفُ َ
سهُمْ ﴾ ،أي :بالصغائر .قال ابن مسعود :
كانـت بنـو إسـرائيل إذا أذنبوا ذنب ًا أصـبح مكتوب ًا على بابـه الذنـب
وكفارتـه ،فأعطينـا خيًا مـن ذلك هذه اليـة .قال ابـن إسـحاق ﴿ :
شةً ﴾ ،أي :إن أتوا فاحشـة أو ظلموا أنفسـهم ـ إِذَا َفعَلُواْ فَاحِ َ
وَالّذِين َ
425 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 426
ّاسـ َوهُدًى َو َموْعِ َظةٌ لّلْ ُمّتقِي َ ﴾ .قال وقوله تعال ﴿ :هَــذَا َبي ٌ
َانـ لّلن ِ
قتادة :هذا بيان للناس ،و هو :هذا القرآن جعله ال بيانًا للناس عا مة ،
وهدى وموعظة للمتقي خاصة .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ َت ِهنُوا وَ َل تَحْ َزنُوا َوأَنتُم ـُ ا َلعَْلوْن ـَ إِن كُنتُـم
ّم ْؤمِنِيَ ﴾ .قال قتادة :يعزي أصحاب ممد كما تسمعون ،ويثهم
على قتال عدوهم ،وينهاهم عن العجز والوهن ف طلب عدوهم ف سبيل
ال .وقال ابـن إسـحاق ﴿ :وَ َل َت ِهنُوا ﴾ ،أي :ل تضعفوا ﴿ ،وَلَ
تَحْ َزنُوا ﴾ ول تأسوا على ما أصابكم َ ﴿ ،وأَنتُ ُم ا َلعَْلوْ نَ ﴾ ،أي :لكم
تكون العاقبة والظهور ﴿ .إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ،إن كنتم صدّقتم .يعن
:با جاءكم به عن .
ح ّمثْلُ هُ ﴾ . وقوله تعال ﴿ :إِن يَمْ سَ ْ
سكُمْ َقرْ حٌ َفقَ ْد مَ سّ اْل َقوْ مَ قَ ْر ٌ
قال قتادة :والقرح :الراحة ،وذاكم يوم أحد فشا ف أصحاب نب ال
يومئ ٍذ الق تل ،والرا حة .فأ خبهم ال عز و جل أن القوم قد أ صابم
من ذلك مثل الذي أصابكم ،وإن الذي أصابكم عقوبة .
وقوله تعال َ ﴿ :وتِلْ َ
ك اليّا ُم نُدَاوِلُهَا َبيْ َن النّا سِ ﴾ .قال الرب يع :
فأظ هر ال عز و جل نبيه وأ صحابه على الشرك ي يوم بدر ،وأظ هر
علي هم عدو هم يوم أ حد ،و قد ينال الكا فر من الؤ من ،ويبتلى الؤ من
بالكافر ؛ ليعلم ال من يطيعه من يعصيه ،ويعلم الصادق من الكاذب ،
وأ ما من ابتلى من هم من ال سلمي يوم أ حد :فكا نت عقو بة بع صيتهم
رسول ال .
429 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س أَ نْ
جزِي اللّ ُه الشّا ِكرِي نَ ( )144وَمَا كَا َن لَِنفْ ٍ
ضرّ اللّ َه شَيْئا وَ سَيَ ْ
يَ ُ
ب الدّنْيَا ُنؤْتِ هِ مِ ْنهَا َومَن
ل َومَن ُيرِ ْد َثوَا َ
تَمُو تَ إِل بِِإذْ نِ ال كِتَابا ّمؤَجّ ً
جزِي الشّا ِكرِي نَ ( )145وَ َكَأيّ ن مّ ن
ب الخِ َر ِة ُنؤْتِ هِ مِنْهَا وَ سَنَ ْ
ُيرِ ْد َثوَا َ
ي فَمَا َوهَنُوْا لِمَا أَ صَاَب ُهمْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ وَمَا
نّبِيّ قَاتَ َل َمعَ هُ ِربّيّو نَ كَثِ ٌ
حبّ الصّاِبرِينَ (َ )146ومَا كَا َن َق ْوَلهُمْ إِل
ض ُعفُوْا وَمَا اسَْتكَانُواْ وَاللّهُ يُ ِ
َ
ت َأ ْقدَامَنَا وان صُ ْرنَا
أَن قَالُواْ ربّنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا ُذنُوبَنَا وَإِ ْسرَافَنَا فِي َأمْ ِرنَا َوثَبّ ْ
س َن ثَوَا بِ
عَلَى الْ َقوْ ِم اْلكَا ِفرِي نَ ( )147فَآتَاهُ ُم اللّ هُ َثوَا بَ ال ّدنْيَا َوحُ ْ
حسِِنيَ (. ﴾ )148
ب الْمُ ْ
ال ِخ َرةِ وَاللّ ُه يُحِ ّ
قوله ﴿ :وَمَا ُمحَمّدٌ إِل رَ سُولٌ قَدْ َخلَ ْ
ت مِن َقبْلِ هِ الرّ سُلُ أَفَإِن مّا تَ
َأوْ ُقتِ َل انقََلْبتُ مْ عَلَى َأ ْعقَابِكُ ْم وَمَن يَنقَلِ بْ عََل َى َعقَِبيْ هِ فَلَن َيضُرّ اللّ َه َشيْئا
جزِي اللّ هُ الشّاكِرِي نَ ﴾ .قال قتادة :ذلكم يوم أحد حي أصابم : وَ سَيَ ْ
القرح ،والق تل ،ث تنازعوا نب ال بق ية ذلك ،فقال أناس :لو كان
نبيًا ما قتل ،وقال ناس من علية أصحاب نب ال :قاتلوا على ما قاتل
عليه ممد نبيكم حت يفتح ال لكم ،أو تلحقوا به .فقال ال عز وجل :
ّاتـَأوْ ُقتِلَ
ّسـلُ أَفَإِن م َ ِهـ الر ُ َتـ مِن َقبْل ِ
﴿ وَمَا مُحَمّدٌ إِل رَسـُولٌ قَدْ َخل ْ
انقََلْبتُ ْم عَلَى أَ ْعقَابِكُ مْ ﴾ .يقول :إن مات نبيكم أو ق تل ارتدد ت كفارًا
بعد إيانكم .
قوله تعال َ ﴿:ومَا كَانَ ِلَنفْسٍ أَ ْن تَمُوتَ إِل بِإِذْنِ ال ِكتَابا ّمؤَ ّجلً ﴾
أي :ل يوت أحد حت يستوف الدة الت أجّل ال له .
431 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ َومَن يُ ِر ْد َثوَا بَ ال ّدْنيَا ُنؤْتِ ِه ِمْنهَا َومَن يُ ِر ْد َثوَا بَ الخِ َر ِة ُن ْؤتِ هِ ِمْنهَا
وَ َسنَجْزِي الشّاكِرِي نَ ﴾ .قال ابن إسحاق :أي :فمن كان منكم يريد
الدنيا ليست له رغبة ف الخرة نؤته منها ما قسم له منه من رزق ،ول
حظ له ف الخرة ،و من يرد ثواب الخرة نؤ ته من ها ما وعده مع ما
جزِي الشّاكِرِي نَ ﴾ ،أي :ذلك يري عل يه من رز قه ف دنياه ﴿ ،وَ سَنَ ْ
جزاء الشاكرين ،يع ن بذلك :إعطاء ال إياه ما وعده ف الخرة مع ما
يري عليه من الرزق ف الدنيا .
وقوله تعال ﴿ :وَكََأيّ ن مّ ن ّنبِيّ قَاتَلَ َمعَ هُ ِرّبيّو نَ َكثِيٌ ﴾ .قال ا بن
عباس :جوع كثية .وقال ابـن زيـد :الربيون :التباع .والربانيون :
الولة .
وقوله تعال ﴿ :فَمَا َو َهنُواْ لِمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ
ض ُعفُوْا َومَا
ا سَْتكَانُواْ وَاللّ ُه ُيحِبّ ال صّابِرِينَ ﴾ .قال ا بن إ سحاق :ف ما وهنوا لف قد
نبيهم ،وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لا أصابم ف الهاد عن ال
وعن دينهم ،وذلك الصب .وال يب الصابرين .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِل أَن قَالُواْ رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا َوإِسْرَاَفنَا
فِي َأمْ ِرنَا َوَثبّتْ أَقْدَا َمنَا وانصُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ ِم اْلكَافِرِينَ ﴾ قال ماهد ف قول
ال َ ﴿ :وإِ سْرَاَفنَا فِي َأمْرِنَا ﴾ ،قال :خطايا نا ،وظلم نا أنف سنا .وقال
ابن إسحاق :أي :فقولوا كما قالوا ،أو اعلموا أنا ذلك بذنوب منكم
واستغفروا ك ما استغفروا ،وامضوا على دين كم ك ما مضوا ،ول ترتدوا
على أعقابكـم راجعيـ ،واسـألوه كمـا سـألوه أن يثبـت أقدامكـم ،
الزء الول 432
واستنصروه كما استنصروه على القوم الكافرين ،فكل هذا من قولم قد
كان ،وقد قتل نبيهم فلم يفعلوا كما فعلتم .
وقوله تعال ﴿ :فَآتَاهُ مُ اللّ ُه َثوَا بَ ال ّدْنيَا وَحُ سْ َن َثوَا بِ ال ِخ َرةِ وَاللّ هُ
سنِيَ ﴾ ،قال قتادة :أي :وال ،لتاهم ال الفتح والظهور حبّ الْمُحْ ِ
يُ ِ
س َن َثوَا بِ ال ِخ َرةِ
والتمك ي ،والن صر على عدو هم ف الدن يا ﴿ ،وَحُ ْ
﴾ يقول :حسن الثواب ف الخرة هي :النة .وال أعلم .
***
433 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِينـ َك َفرُواْ
ِينـ آمَُنوَْا إِن تُطِيعُوْا الّذ َ
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذ َ
َيرُدّوكُ مْ عَلَى أَ ْعقَاِبكُ ْم فَتَنقَلِبُوْا خَا ِسرِينَ (َ )149بلِ اللّ ُه َموْلَكُ ْم َوهُوَ
ـُ ْلقِي فِي قُلُوبِـ الّذِينَـ َك َفرُوْا الرّعْبَـ بِمَا
خَ ْيرُ النّاصِـرِينَ ( )150سَن
ْسـ مَ ْثوَى
ُمـ النّا ُر َوبِئ َ
سـلْطَانا وَ َم ْأوَاه ُ
ِهـ ُ
َمـ يَُن ّزلْ ب ِ
ّهـ م َا ل ْ
أَ ْشرَكُواْ بِالل ِ
الظّالِمِيَ (. ﴾ )151
ِينـ َكفَرُواْ قال ابـن إسـحاق ﴿ :يَا َأيّهَا الّذ َ
ِينـ آ َمُنوَاْ إِن تُطِيعُواْ الّذ َ
يَرُدّوكُ ْم عَلَى َأ ْعقَاِبكُ مْ َفتَنقَِلبُواْ خَا سِرِينَ ﴾ ،أي :عن دينكم ،فتذهب
دنياكم وآخرتكم ،بل ال مولكم إن كان ما تقولون بألسنتكم صدقًا ف
قلوبكم ،وهو خي الناصرين .أي :فاعتصموا به ول تستنصروا بغيه ،
ول ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينكم .
ب بِمَا َأشْرَكُواْ بِاللّ هِ وقوله تعال َ ﴿ :سنُ ْلقِي فِي قُلُو ِ
ب الّذِي نَ َكفَرُواْ ال ّرعْ َ
ْسـ َمْثوَى الظّالِمِيَ ﴾ ،قال
ُمـ النّا ُر َوبِئ َ
سـلْطَانا َو َم ْأوَاه ُ
ِهـ ُ
َمـُينَزّ ْل ب ِ
مَا ل ْ
السدي :لا ارتل أبو سفيان والشركون يوم أحد متوجهي نو مكة ،
انطلق أبو سفيان حت بلغ بعض الطريق ،ث أنم ندموا ،فقالوا :بئس ما
صنعتم أن كم قتلتمو هم ح ت إذا ل ي بق إل الشر يد تركتمو هم ،ارجعوا
فاسـتأصلوهم ،فقذف ال عـز وجـل ف قلوبمـ الرعـب فانزموا ،فلقوا
أعرابيًا فجعلوا له ُج ْعلً ،وقالوا له :إن لقيت ممدًا فأخبهم با قد جعنا
ل م ،فأ خب ال عز و جل ر سوله ،فطلب هم ح ت بلغ حراء ال سد ،
فأنزل ال عز و جل ف ذلك .فذ كر أ با سفيان ح ي أراد أن ير جع إل
ال نب ،و ما قذف ف قل به من الر عب ،فقال َ ﴿ :سنُ ْلقِي فِي ُقلُو بِ
الّذِينَ َكفَرُواْ ال ّر ْعبَ بِمَا َأشْرَكُواْ ﴾ .
435 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حت غموا بذا الغم ،فأفسق الفاسقي اليوم يفعل كل كبية ويركب كل
داهية ويسحب عليها ثيابه ،ويزعم أن ل بأس عليه فسوف يعلم .
وقال ابن إسحاق ف قوله ﴿ :وََلقَ ْد َعفَا عَنكُ ْم وَاللّ هُ ذُو َفضْلٍ عَلَى
الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ،يقول :وكذلك م نّ ال على الؤمن ي :إن عاقبت هم بب عض
الذنوب ف عاجل الدنيا أدبًا وموعظة ،فإنه غي مستأصل لكل ما فيهم
من ال ق له علي هم ل ا أ صابوا من مع صيته رح ة ل م ،وعائدة علي هم ل ا
فيهم من الِيان .
وقوله تعال ﴿ :إِ ْذ تُ ْ
صعِدُو َن وَلَ تَ ْلوُو َن عَلَى أحَ ٍد وَالرّ سُو ُل يَ ْدعُوكُ مْ
فِي أُخْرَاكُ مْ ﴾ ،قال قتادة :ذاكم يوم أحد صعدوا ف الوادي و نب ال
يدعوهم ف أخراهم ،قال « :إلّ عباد ال » ،قال السدي :لا شد
الشركون على السلمي بأحد فهزموهم ،دخل بعضهم الدينة ،وانطلق
بعضهم فوق البل إل الصخرة فقاموا عليها ،وجعل رسول ال يدعو
الناس « :إلّ عباد ال ،إلّ عباد ال » .قال ا بن إ سحاق :أنبئ هم ال
بالفرار عن نبيهم وهو يدعوهم ل يعطفون عليه لدعائه إياهم ،فقال :
صعِدُونَ وَ َل تَ ْلوُونَ عَلَى أحَ ٍد وَال ّرسُو ُل يَ ْدعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ﴾ .
﴿ إِ ْذ ُت ْ
وقوله تعال َ ﴿ :فأَثَاَبكُ ْم غُمّا ِبغَمّ ّل َكْيلَ َتحْ َزنُواْ عَلَى مَا فَاَتكُ ْم وَلَ مَا
ـَبكُ ْم وَاللّهُـ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَـ ﴾ ،قال قتادة َ ﴿ :فَأثَاَبكُم ْـ غُمّا ِبغَمّ
أَصَا
﴾ :كانوا تدثوا يومئذٍ أن نـب ال أصـيب ،وكان الغـم الخـر قتـل
أصحابم والراحات الت أصابتهم .وقال الربيع :الغم الول :الراح ،
والقتل ،والغم الخر حي سعوا أن رسول ال قد قتل ،فأنساهم الغم
الخر ما أصابم من الراح ،والقتل ،وما كانوا يرجون من الغنيمة ،
الزء الول 438
وذلك حي يقول ّ ﴿ :ل َكْيلَ َتحْ َزنُواْ عَلَى مَا فَاَتكُ مْ وَلَ مَا أَ صَاَبكُ ْم وَاللّ هُ
َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَ ﴾ .
قوله عز وجل ُ ﴿ :ثمّ أَن َزلَ عَلَ ْيكُم مّن َب ْعدِ اْل َغمّ َأمََنةً ّنعَاسا َيغْشَى
س ُهمْ يَظُنّو نَ بِاللّ هِ غَ ْي َر الْحَقّ ظَنّ
طَآِئفَ ًة مّنكُ مْ وَطَآِئ َفةٌ َق ْد أَهَمّ ْتهُ مْ أَنفُ ُ
ّهـ
ّهـ لِل ِ
ِنـ ا َل ْمرِ مِن َشيْ ٍء ُقلْ إِنّ ا َل ْمرَ ُكل ُ
ُونـ هَل لّنَا م َ
الْجَاهِلِّي ِة يَقُول َ
سهِم مّا َل يُ ْبدُو َن لَكَ َيقُولُو َن َلوْ كَا َن لَنَا مِنَ ا َلمْ ِر شَيْءٌ
خفُونَ فِي أَنفُ ِ
يُ ْ
مّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل ّلوْ كُنُتمْ فِي بُيُوِت ُكمْ لََبرَ َز الّذِينَ كُتِبَ عَلَ ْي ِه ُم الْقَ ْت ُل ِإلَى
ص مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَاللّهُ
صدُورِ ُكمْ وَلِيُ َمحّ َ
مَضَا ِج ِعهِمْ َولِيَبْتَلِ َي اللّ ُه مَا فِي ُ
صدُورِ ( )154إِنّ اّلذِي نَ َت َولّ ْواْ مِنكُ مْ َيوْ َم الَْتقَى الْجَ ْمعَا نِ
عَلِي ٌم ِبذَا تِ ال ّ
ِإنّمَا ا سَْتزَّل ُهمُ الشّيْطَا ُن بَِبعْ ضِ مَا كَ سَبُوْا َولَ َقدْ َعفَا اللّ هُ عَ ْنهُ ْم إِنّ اللّ هَ
َغفُورٌ حَلِيمٌ (. ﴾ )155
قال قتادة ف قوله ﴿ :ثُمّ أَنزَ َل عََلْيكُم مّن َبعْ ِد اْلغَمّ َأمََن ًة ّنعَاسا َيغْشَى
سهُمْ ﴾ الية ،وذاكم يوم أحد كانوا طَآِئ َف ًة مّنكُ مْ وَطَآِئ َفةٌ َقدْ َأهَ ّمتْهُ مْ أَنفُ ُ
يومئذٍ فريقي ،فأما الؤمنون :فغشاهم النعاس أمنة منه ورحة ،والطائفة
الخرى :النافقون .ليـس لمـ همّ إل أنفسـهم ،أجبـ قوم وأرعبـه ،
وأخذله لل حق ،يظنون بال غ ي ال ق ،ظن الاهل ية ظنونًا كاذ بة ،إن ا
هم أهل شك وريبة ف أمر ال َ ﴿ ،يقُولُونَ َلوْ كَانَ َلنَا مِ َن الَمْ ِر َشيْ ٌء مّا
ُقتِلْنَا هَاهُنَا قُل ّلوْ كُنتُ مْ فِي بُيُوِتكُ مْ َلبَرَ َز الّذِي نَ ُكتِ بَ عََلْيهِ ُم اْلقَتْلُ إِلَى
َمضَا ِج ِعهِمْ ﴾ .
439 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن جريج :قيل لعبد ال بن أُبّ :قتل بنو الزرج اليوم ،قال :
وهل لنا من المر من شيء ؟ وعن الزبي قال :وال إن لسع قول معتب
بن قشي والنعاس يغشان ما أسعه إل كاللم حي قال :لو كان لنا من
المر شيء ما قتلنا ها هنا .
وقوله تعال ﴿ :قُل ّلوْ كُنتُ مْ فِي بُيُوتِكُ مْ َلبَ َر َز الّذِي نَ ُكتِ َ
ب عََلْيهِ ُم الْ َقتْلُ
إِلَى َمضَا ِج ِعهِ مْ ﴾ ،قال ابن إسحاق :ذكر ال تلوم النافقي وحسرتم
على ما أ صابم ،ث قال ل نبيه :قل :لو كن تم ف بيوت كم ل تضروا
هذا الوضع الذي أظهر ال جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم ؛
لخرج الذ ين ك تب علي هم الق تل إل موا طن غيه ي صرعون ف يه ؛ ح ت
يبتلي به ما ف صدوركم وليمحص ما ف قلوبكم ﴿ ،وَاللّ ُه عَلِي مٌ بِذَا تِ
ص مَا
الصّدُورِ ﴾ ،أي :ل يفى عليه شيء ما ف صدوركم ﴿ ،وَِليُمَحّ َ
فِي قُلُوِبكُ ْم وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِذَاتِ الصّدُورِ ﴾ ،أي :ل يفى عليه شيء ما ف
صدورهم ما استخفوا به منكم .
وقال ا بن جر ير ف تف سيه قوله تعال َ ﴿ :لبَرَ َز الّذِي نَ ُكتِ َ
ب عََلْيهِ مُ
الْ َقتْلُ ﴾ ،يقول :لظ هر للمو ضع الذي ك تب عل يه م صرعه ف يه من قد
كتب عليه القتل منهم .
وقال ابن كثي :أي :هذا قدر قدّره ال عز و جل ،وحكم حق ل
ميد عنه ول مناص منه .
وقال فـ جامـع البيان :أي :لرج الذيـن قدّر عليهـم القتـل إل
مصارعهم منكم ،فلم يستطيعوا الِقامة ف الدينة .
الزء الول 440
َانـ ِإنّمَا
ْمـ اْلتَقَى الْجَ ْمع ِ
ُمـ َيو َ وقوله تعال ﴿ :إِنّ الّذ َ
ِينـ َتوَّلوْْا مِنك ْ
سبُوْا وََلقَ ْد عَفَا اللّ ُه َعْنهُ مْ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ
ض مَا كَ َ
شيْطَا نُ ِبَبعْ ِ
ا ْستَزَّلهُمُ ال ّ
حَلِي مٌ ﴾ ،قال قتادة :وذلك يوم أحد ،ناس من أصحاب رسول ال
تولوا عـن القتال ،وعـن نـب ال يومئذٍ ،وكان ذلك مـن أمـر الشيطان
وتويفه ،فأنزل ال عز وجل ما تسمعون أنه قد تاوز لم عن ذلك وعفا
عنهم ،وال أعلم .
***
441 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َل تَكُونُواْ كَالّذِينَ َك َفرُوْا وَقَالُوْا لِ ْخوَاِنهِمْ إِذَا
ْضـ َأوْ كَانُواْ ُغزّى ّلوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ
ض َربُوْا فِي الَر ِ
َ
ت وَاللّ ُه بِمَا
س َر ًة فِي قُلُوبِهِ مْ وَاللّ هُ يُحِْي ـي َويُمِي ُ
ج َعلَ اللّ هُ ذَلِ كَ حَ ْ
لِيَ ْ
َتعْمَلُونَ بَصِيٌ ( )156وَلَئِن قُتِلْتُ ْم فِي سَبِيلِ اللّ ِه أَ ْو مُتّمْ لَ َم ْغ ِف َرةٌ مّ َن اللّهِ
ـ ِللَى ال
ـ َأوْ قُتِلْتُم ْ
ج َمعُونـَ (َ )157ولَئِن مّتّم ْ
وَرَحْ َم ٌة خَ ْيرٌ مّمّاـ يَ ْ
ت فَظّا غَلِي ظَ
ت َلهُ ْم َولَوْ كُن َ
شرُو نَ ( )158فَبِمَا َرحْ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ لِن َ
حَتُ ْ
ب لَنفَضّواْ مِ ْن حَ ْولِ كَ فَاعْ فُ عَ ْنهُ ْم وَا سَْت ْغفِ ْر َلهُ مْ َوشَاوِ ْرهُ ْم فِي
الْقَلْ ِ
ت فََتوَ ّكلْ عَلَى اللّ ِه إِنّ اللّ َه يُحِبّ الْمَُتوَكّلِيَ ( )159إِن
ا َل ْمرِ َفِإذَا َع َزمْ َ
صرُكُم مّن
خ ُذلْكُ مْ فَمَن ذَا اّلذِي يَن ُ
ب َلكُ مْ وَإِن يَ ْ
صرْ ُك ُم اللّ هُ َفلَ غَالِ َ
يَن ُ
َبعْدِ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيََتوَ ّك ِل الْ ُمؤْمِنُونَ ( )160وَمَا كَا َن لِنَِبيّ أَن َي ُغلّ َومَن
ت َوهُ مْ لَ
َيغْلُ ْل َيأْ تِ بِمَا َغ ّل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ ثُمّ ُت َوفّ ى ُك ّل َنفْ سٍ مّ ا كَ سَبَ ْ
ضوَا َن اللّ هِ كَمَن بَاء بِ سَخْطٍ مّ نَ اللّ هِ
يُظْلَمُو نَ (َ )161أفَمَ نِ اتّبَ عَ رِ ْ
صيُ ( )162هُ مْ دَرَجَا تٌ عِندَ اللّ هِ واللّ هُ بَ صِيٌ
وَ َم ْأوَا ُه َجهَنّ ُم َوبِئْ سَ الْمَ ِ
ث فِيهِ مْ رَ سُولً
بِمَا َيعْمَلُو نَ (َ )163ل َقدْ مَنّ اللّ هُ عَلَى الْمُؤمِنِيَ إِ ْذ َبعَ َ
حكْ َمةَ َوإِن
مّ ْن أَنفُسِ ِهمْ يَتْلُو عَ َل ْيهِمْ آيَاتِهِ َوُيزَكّيهِمْ َوُيعَلّ ُمهُ ُم الْكِتَابَ وَالْ ِ
كَانُواْ مِن قَ ْبلُ لَفِي ضَل ٍل مّبِيٍ ( )164أَ َولَمّاـ أَصـَابَتْكُم مّصـِيَبةٌ قَدْ
أَصَبْتُم مّثْلَ ْيهَا قُلْتُ ْم َأنّى هَـذَا ُقلْ ُهوَ مِنْ عِن ِد َأْنفُسِ ُكمْ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ
شَيْ ٍء َقدِيرٌ (َ )165ومَا أَ صَاَبكُ ْم َيوْ مَ الَْتقَى الْجَ ْمعَا ِن فَِبِإذْ نِ اللّ هِ وَلَِيعْلَ مَ
الْمُ ْؤمِنِيَ ( )166وَلَْيعْلَ َم اّلذِي َن نَافَقُواْ َوقِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ
الزء الول 442
َبـ
ُمـ لِ ْل ُكفْ ِر َيوْمَِئ ٍذ َأقْر ُ
ُمـ ه ْ
َمـ قِتَالً لتَّبعْنَاك ْ
ّهـ َأ ِو ادْ َفعُوْا قَالُواْ َل ْو نَعْل ُ
الل ِ
س فِي قُلُوِبهِ مْ وَاللّ ُه أَعْلَ ُم بِمَا
مِ ْنهُ ْم لِلِيَا ِن َيقُولُو نَ بَِأ ْفوَاهِهِم مّ ا لَيْ َ
يَكْتُمُو نَ ( )167الّذِي نَ قَالُوْا لِ ْخوَاِنهِ ْم َو َقعَدُوْا َلوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ
ت إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (َ )168ولَ تَحْ سََبنّ
س ُكمُ الْ َموْ َ
فَادْ َرؤُوا عَ ْن أَنفُ ِ
الّذِي َن قُتِلُوْا فِي سَبِي ِل اللّ هِ َأ ْموَاتا َب ْل َأحْيَاء عِندَ َرّبهِ مْ ُيرْ َزقُو نَ ()169
حقُواْ ِبهِم مّنْ
َفرِحِيَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ َويَسْتَ ْبشِرُو َن بِاّلذِينَ لَمْ يَلْ َ
ح َزنُونَ ( )170يَسْتَ ْبشِرُو َن بِِنعْ َمةٍ مّنَ
خَلْ ِفهِمْ أَل خَوْفٌ َعلَ ْيهِمْ َولَ هُ ْم يَ ْ
ض ٍل وَأَنّ اللّ هَ َل يُضِي ُع أَ ْج َر الْمُ ْؤمِنِيَ ( )171اّلذِي نَ ا سْتَجَابُواْ
اللّ هِ َوفَ ْ
لِلّ ِه وَالرّسُولِ مِن بَ ْع ِد مَا أَصَاَبهُ ُم الْ َقرْحُ لِ ّلذِي َن أَ ْحسَنُوْا مِ ْنهُمْ وَاّتقَواْ َأ ْجرٌ
ُمـ
ّاسـ َق ْد جَ َمعُوْا لَك ْ
ّاسـ إِن ّ الن َ
ُمـ الن ُ
ِينـ قَالَ َله ُ
ِيمـ ( )172الّذ َ
عَظ ٌ
ْمـ اْلوَكِيلُ ()173
ّهـ َونِع َ
َسـبُنَا الل ُ
ُمـ إِيَانا وَقَالُواْ ح ْ
ُمـ َفزَادَه ْ
شوْه ْ
فَا ْخ َ
ضوَا نَ اللّ هِ
سهُمْ سُو ٌء وَاتَّبعُواْ ِر ْ
سْضلٍ لّ مْ يَمْ َ
فَانقَلَبُوْا بِِنعْ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ َوفَ ْ
ف َأ ْولِيَاء ُه فَلَ
خوّ ُ
ضلٍ عَظِي مٍ (ِ )174إنّمَا َذِلكُ ُم الشّيْطَا ُن يُ َ
وَاللّ هُ ذُو فَ ْ
تَخَافُو ُهمْ َوخَافُونِ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ (. ﴾ )175
***
443 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ت فَظّا
ت َلهُ مْ َوَلوْ كُن َ
قوله عز و جل ﴿ :فَبِمَا َرحْ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ لِن َ
ب لَنفَضّواْ مِ ْن َحوْلِ كَ فَاعْ فُ َع ْنهُ ْم وَا سَْت ْغفِ ْر َلهُ مْ َوشَاوِ ْرهُ مْ
ظ الْقَلْ ِ
غَلِي َ
ب الْمَُتوَكّلِيَ ()159
ت فََتوَ ّكلْ َعلَى اللّ ِه إِنّ اللّ َه يُحِ ّ
فِي ا َل ْمرِ َفِإذَا َع َزمْ َ
صرُكُم
خ ُذلْكُ مْ فَمَن ذَا اّلذِي يَن ُ
ب َلكُ مْ َوإِن يَ ْ
صرْ ُكمُ اللّ هُ فَلَ غَالِ َ
إِن يَن ُ
مّن َب ْع ِدهِ وَعَلَى اللّ ِه فَلْيََتوَ ّكلِ الْ ُم ْؤمِنُونَ (. ﴾ )160
قوله َ ﴿ :فبِمَا رَحْ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ ﴾ :ما مزيدة للتأكيد .قال قتادة :ف
قوله َ ﴿ :فبِمَا َرحْ َم ٍة مّ نَ اللّ هِ لِن تَ َلهُ مْ ﴾ ،يقول :فبحة من ال لنت
ظ اْلقَلْ بِ لَن َفضّواْ مِ نْ َحوْلِ كَ ﴾ ،أي :وال
لم ﴿ .وََلوْ كُن تَ فَظّا غَلِي َ
طهره من الفظا ظة والغل ظة ،وجعله قريبًا رحيمًا بالؤمن ي رؤوفًا .قال
ابن عباس ﴿ :لَن َفضّواْ مِنْ َحوْلِكَ ﴾ ،قال :انصرفوا عنك .
وقوله تعال ﴿ :فَاعْ ُ
ف َعْنهُ ْم وَا ْسَتغْفِرْ َل ُه ْم َوشَاوِ ْرهُ مْ فِي ا َلمْرِ فَِإذَا
عَ َزمْ تَ َفَتوَكّ ْل عَلَى اللّ هِ إِنّ اللّ َه يُحِبّ الْ ُمَتوَكّلِيَ ﴾ ،قال ا بن إ سحاق
﴿ :فَاعْ فُ عَْنهُ مْ ﴾ ،أي :فتجاوز عنهم ﴿ :وَا ْستَ ْغفِرْ َلهُ مْ ﴾ ،ذنوب
من قارف من أهل الِيان منهم .
وقال قتادة ف قوله َ ﴿ :وشَاوِرْهُ مْ فِي ا َلمْرِ فَإِذَا عَ َزمْ تَ َفَتوَكّ ْل عَلَى
ّهـيُحِبّ الْ ُمَتوَكّلِيَ ﴾ أمـر ال عـز وجـل نـبيه أن يشاور
ّهـإِنّ الل َ
الل ِ
أصحابه ف المور وهو يأتيه وحي ال سماء ،لنه أطيب لنفس القوم ،
وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه ال ،عزم لم على
أرشده .
وقوله ﴿ :فَإِذَا عَ َزمْ تَ َفَتوَكّلْ عَلَى اللّ هِ ﴾ ،قال الربيع :أمره ال إن
عزم على أمرٍ أن يضي فيه ويتوكل عليه .
445 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ْمـ اْلقِيَا َمةِ ﴾ ،أي :سـواء وقوله تعال ﴿ :وَمَن يَغُْل ْل يَأ ِ
ْتـ بِمَا غَ ّل َيو َ
كان من الغنيمة أو الصدقة ،أو غي ذلك ،كما ف الديث الصحيح عن
ال نب « :ل ألفيّ أحد كم يأتـ يوم القيامـة ي مل بعيًا له رغاء ،أو
بقرة لاـ خوار ،أو شاة تيعـر ،ينادي :يـا ممـد يـا ممـد .فأقول :ل
أملك لك من ال شيئًا قد بلّغتك » .
و ف الد يث ال خر « :يا أي ها الناس ،من بعثناه على ع مل فف عل
شيئًا ،جاء يوم القيامة على عنقه يمله » .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ ُتوَفّى كُ ّل َنفْ سٍ مّا كَ َ
سَبتْ وَهُ مْ َل يُ ْظلَمُو نَ ﴾ ،
قال ابن إسحاق :ث يزى بكسبه غي مظلوم ول معتدى عليه .
ط مّ نَ اللّ هِ وقوله تعال ﴿ :أَفَمَ ِن اتّبَ عَ رِ ْ
ضوَا نَ اللّ هِ كَمَن بَاء بِ سَخْ ٍ
َومَ ْأوَا هُ َج َهنّ ُم َوِبئْ سَ الْمَ صِيُ ﴾ ،قال الضحاك :وقوله ﴿ :أَفَ َم نِ اّتبَ َع
ضوَا نَ اللّ هِ ﴾ قال :من ل يغل كمن باء بسخط من ال ؟ كمن غل ؟ رِ ْ
وقال ا بن إ سحاق :يقول :أف من كان على طاع ت فثوا به ال نة ورضوان
من ر به ،ك من باء ب سخط من ال ،فا ستوجب غض به ،وكان مأواه
جهنم وبئس الصي ؟ أ َسوَاءٌ ا َلثَلن ؟ أي :فاعرفوا .
وقوله تعال ﴿ :هُ مْ دَرَجَا ٌ
ت عِندَ اللّ هِ واللّ ُه بَ صِيٌ بِمَا َيعْمَلُو نَ ﴾ ،
ت عِندَ اللّهِ ﴾ ،يقول :بأعمالم ﴿ .واللّ ُه
قال ابن عباس ﴿ :هُمْ دَ َرجَا ٌ
بَ صِ ٌي بِمَا َيعْمَلُو نَ ﴾ ،قال ا بن إ سحاق :يقول :إن ال ل ي فى عل يه
أهل طاعته من أهل معصيته .
وقوله تعال َ ﴿ :لقَ ْد مَنّ اللّهُـ عَلَى الْمُؤ ِمنِيَ إِ ْذ َبعَثَـ فِيهِم ْـ رَسـُو ًل مّن ْـ
حكْ َم َة َوإِن كَانُواْ
ب وَالْ ِ
سهِ ْم يَتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ ِه َويُزَكّيهِ ْم َوُيعَلّ ُمهُ ُم الْ ِكتَا َ
أَنفُ ِ
447 توفيق الرحن ف دروس القرآن
مِن َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ّمبِيٍ ﴾ ،قال ابن إسحاق :أي :لقد من ال عليكم
يا أ هل اليان ،إذ ب عث في كم ر سولً من أنف سكم ،يتلو علي كم آيا ته
ويزكيكم ،فما أخذت وفيما عملتم َ ﴿ ،ويُعَلّ ُمكُ ُم ﴾ الي والشر :الي
لتعرفوا فتعملوا بـه ،والشـر فتتقوه ،ويبـكم برضاه عنكـم إذ أطعتموه
لتستكثروا من طاعته ،وتتنبوا ما سخط منكم من معصيته ،فتخلصوا
بذلك من نقمته ،وتدركوا بذلك ثوابه من جنته .وإن كنتم من قبل لفي
ضلل مـبي ،أي :فـ عمـى مـن الاهليـة ل تعرفون حسـنة ،ول
تستغيثون من سيئة ،صم عن الق ،عمي عن الدى .
قوله عز وجل َ ﴿ :أ َولَمّا أَصَابَ ْتكُم مّصِيَب ٌة َق ْد أَصَبْتُم مّثْلَ ْيهَا قُلْتُ ْم َأنّى
هَ ـذَا ُقلْ ُه َو مِ نْ عِندِ َأْنفُ سِ ُكمْ إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ ()165
وَمَا أَ صَابَ ُكمْ َيوْ مَ الْتَقَى الْجَ ْمعَا ِن فَِبِإذْ ِن اللّ هِ وَلَِيعْلَ َم الْ ُمؤْمِنِيَ ()166
ـِيلِ اللّهِـَأوِ ا ْد َفعُواْ
وَلَْيعْلَمَـ اّلذِينَـنَافَقُواْ َوقِيلَ َلهُم ْـَتعَاَلوْْا قَاتِلُواْ فِي سَب
َانـ
ُمـ لِلِي ِ
َبـ مِ ْنه ْ
ُمـ لِلْ ُك ْفرِ َي ْومَِئذٍ َأ ْقر ُ
ُمـ ه ْ
َمـ قِتَا ًل لتَّبعْنَاك ْ
قَالُواْ َلوْ َنعْل ُ
س فِي قُلُوِبهِ ْم وَاللّ ُه أَعْلَ مُ بِمَا َيكْتُمُو نَ ( )167
َيقُولُو َن ِبَأفْوَاهِهِم مّا لَيْ َ
َنـ
ِمـ َو َقعَدُوْا َلوْ أَطَاعُون َا م َا قُتِلُوا ُق ْل فَادْ َرؤُوا ع ْ
ِينـ قَالُواْ ِلخْوَانِه ْ
الّذ َ
ت إِن كُنُتمْ صَا ِدقِيَ (. ﴾ )168
سكُ ُم الْ َموْ َ
أَن ُف ِ
قال قتادة :أ صيب ال سلمون يوم أ حد م صيبة ،وكانوا قد أ صابوا
مثليهـا يوم بدر ،منـ قتلوا وأسـروا ،فقال ال عـز وجـل َ ﴿ :أوَلَمّاـ
صْبتُم ّمثَْلْيهَا ﴾ ،وقال عكرمة :قتل السلمون من أَ صَابَْتكُم مّ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ
الشركي يوم بدر سبعي وأسروا سبعي ،وقتل الشركون يوم أحد من
صْبتُم ّمثَْلْيهَا قُ ْلتُ مْ َأنّى هَـذَا ﴾ إذ
السلمي سبعي ،فذلك قوله َ ﴿ :قدْ أَ َ
الزء الول 448
مّ ا َليْ سَ فِي ُقلُوِبهِ ْم وَاللّ هُ َأعْلَ ُم بِمَا يَ ْكتُمُو نَ ﴾ ،أي :يفون .وقال
السدي ف قوله َ ﴿ :أوِ ادَْفعُواْ ﴾ يقول :أو كثروا .
وقوله تعال ﴿ :الّذِي نَ قَالُواْ ِل ْخوَاِنهِ مْ وََقعَدُواْ َلوْ أَطَاعُونَا مَا ُقتِلُوا قُلْ
ْتـإِن كُنتُم ْـ صـَادِقِيَ ﴾ ،قال ابـن إسـحاق ُسـكُ ُم الْ َمو َ
َنـأَنف ِ
فَا ْد َرؤُوا ع ْ
﴿ :الّذِي نَ قَالُواْ لِ ْخوَاِنهِ مْ ﴾ الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقوهم
ُمـ
ْتـ إِن كُنت ْ
ُسـكُ ُم الْ َمو َ
َنـ أَنف ِ
:لو أطاعونـا مـا قتلوا ﴿ .قُلْ فَادْ َرؤُوا ع ْ
ـدِقِيَ ﴾ ،أي :أنـه ل بـد من الوت ،فإن اسـتطعتم أن تدفعوه عـن صَا
ب وأصحابه . أنفسكم فافعلوا .قال السدي :هم عبد ال بن أ ّ
قوله عز و جل ﴿ :وَ َل تَحْ سََب ّن الّذِي نَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ أَ ْموَاتا بَلْ
ِهـ
ّهـ مِن فَضْل ِ
ُونـ (َ )169ف ِرحِيَ بِمَا آتَاهُمُـ الل ُ
أَحْيَاء عِندَ َرّبهِم ْـ ُيرْ َزق َ
حقُوْا بِهِم مّ نْ خَ ْل ِفهِ مْ أَل خَوْ فٌ عَلَ ْيهِ مْ َولَ
شرُو َن بِاّلذِي نَ لَ مْ يَ ْل َ
وَيَ سْتَ ْب ِ
ضلٍ َوأَنّ اللّهَـ لَ
ـَ ْبشِرُو َن بِِنعْ َمةٍ مّنَـ اللّهِـ َوفَ ْ
ح َزنُونَـ ( )170يَس ْت
هُم ْـيَ ْ
يُضِي ُع َأجْ َر الْ ُمؤْمِِنيَ (. ﴾ )171
عن ابن عباس قال :قال رسول ال « :لا أصيب إخوانكم بأحد
،ج عل ال أرواح هم ف أجواف ط ي خ ضر ترد أنار ال نة ،وتأ كل من
ثارها ،وتأوي إل قناديل من ذهب ف ظل العرش ،فلما وجدوا طيب .
مشرب م ومأكل هم وح سن مقيل هم .قالوا :يا ل يت إخوان نا يعلمون ما
صنع ال بنا ،لئل يزهدوا ف الهاد ول ينكلوا عن الرب .فقال ال عز
وجل :أنا أبلغهم عنكم فأنزل ال عز وجل على رسوله هؤلء اليات
» .رواه ابن جرير وغيه .
الزء الول 450
والناس يأتون عليهـم فيقولون :هذا أبـو سـفيان مائل عليكـم بالناس .
فقالوا :ح سبنا ال ون عم الوك يل ،فأنزل ال تعال في هم ﴿ :الّذِي نَ قَالَ
سُبنَا
ش ْوهُمْ َفزَا َدهُمْ ِإيَانا وَقَالُواْ حَ ْ
َلهُ ُم النّاسُ ِإنّ النّاسَ قَدْ جَ َمعُواْ َلكُمْ فَاخْ َ
اللّ ُه َونِعْ َم اْلوَكِيلُ ﴾ .
س ُه ْم سـُوءٌ
ْسـ ْ
ّمـ يَم َ
ّهـ وََفضْلٍ ل ْ وقوله تعال ﴿ :فَانقََلبُوْا ِبنِعْ َم ٍة م َ
ّنـ الل ِ
ضوَا نَ اللّ ِه وَاللّ هُ ذُو َفضْ ٍل عَظِي مٍ ﴾ ،قال ابن إسحاق ﴿ :وَاللّ ُه وَاّتَبعُواْ رِ ْ
ذُو َفضْ ٍل عَظِي مٍ ﴾ ل ا صرف عنهم من لقاء عدو هم .وقال ابن عباس :
أطاعوا ال وابتغوا حاجت هم ول يؤذ هم أ حد ﴿ ،فَانقََلبُواْ ِبِنعْ َمةٍ مّ نَ اللّ هِ
ضوَانَ اللّ ِه وَاللّهُ ذُو َفضْ ٍل عَظِيمٍ ﴾ .
سهُ ْم سُو ٌء وَاّتَبعُواْ رِ ْ
وََفضْلٍ لّ ْم يَمْسَ ْ
َاءهـ ﴾ ،أي :
ّفـ َأوِْلي ُ
خو َُانـ يُ َ
شيْط ُ وقوله تعال ِ ﴿ :إنّم َا ذَِلك ُ
ُمـ ال ّ
ُونـإِن كُنتُم ّم ْؤمِنِيَ ﴾ ،قال
ُمـ وَخَاف ِ
ل تَخَافُوه ْ يوفكـم بأوليائه َ ﴿ ،ف َ
خوّ فُ َأوِْليَاء هُ ﴾ قال :يوف الؤمن ي
شيْطَا نُ ُي َ
ما هد ﴿ :إِنّمَا ذَِلكُ مُ ال ّ
بالكفار .
َاءهـ ﴾ ،أي :
ّفـ َأوْلِي ُ
خو َُانـ يُ َ
شيْط ُ وقال ابـن كثيـ ِ ﴿ :إنّمَا ذَِلك ُ
ُمـ ال ّ
يوفكـم أولياءه ،ويوهكـم أنمـ ذوو بأس وذوو شدة .قال ال تعال
ل تَخَافُوهُ ْم وَخَافُو نِ إِن كُنتُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ .أي :إذا سول ل كم َ ﴿ :ف َ
وأوه كم ،فتوكلوا عل ّي والأوا إلّ ،فإ ن كافي كم ونا صركم علي هم ،
خوّفُونَ كَ بِالّذِي َن مِن دُونِ هِ ف َعبْدَ ُه َويُ َ
كما قال تعال ﴿ :أََليْ سَ اللّ ُه ِبكَا ٍ
َومَن يُضِْللِ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ * َومَن َيهْدِ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِن ّمضِلّ أََليْسَ اللّهُ
ِبعَزِيزٍ ذِي انِتقَا مٍ * وََلئِن َسأَْلتَهُم مّ نْ َخلَ قَ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضَ َلَيقُولُنّ اللّ هُ
قُلْ أَفَ َرَأْيتُم مّا تَ ْدعُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ إِ نْ أَرَا َدنِ يَ اللّ ُه ِبضُ ّر هَ ْل هُنّ كَا ِشفَا تُ
الزء الول 452
***
453 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس المسون
***
455 توفيق الرحن ف دروس القرآن
هُ َو خَيْرا ّلهُ مْ َب ْل هُ َو َشرّ ّلهُ مْ سَيُ َط ّوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِ ِه يَوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَلِلّ هِ
ض وَاللّ ُه بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيٌ (. ﴾ )180
ت وَالَرْ ِ
ث السّمَاوَا ِ
مِيَا ُ
قال ما هد ف قول ال ﴿ :مّ ا كَا نَ اللّ هُ ِليَذَ َر الْ ُم ْؤمِنِيَ عَلَى مَا أَنتُ مْ
ّبـ ﴾ ،قال :ميـز بينهـم يوم أحـد ،
ِنـ ال ّطي ِ
ِيثـ م َ
خب َْهـ َحّتىَ يَمِي َز الْ َ
عََلي ِ
النافق من الؤمن .
ْبـ ﴾ ،فتعرفوا
ُمـ عَلَى الْ َغي ِ
ّهـ ِليُطِْل َعك ْ وقوله تعال ﴿ :وَمَا ك َ
َانـ الل ُ
جَتبِي مِن رّسُلِ ِه مَن يَشَاءُ ﴾ .
النافق من غيه قبل التمييز ﴿ ،وََلكِنّ اللّ َه يَ ْ
قال ماهد يلصهم لنفسه .
وقوله تعال ﴿ :فَآ ِمنُواْ بِاللّهِـ وَرُسُل
ـِ ِه َوإِن ُت ْؤ ِمنُوْا َوتَّتقُواْ ﴾ ،قال ابـن
إسحاق :أي :ترجعوا وتتوبوا ﴿ فََلكُمْ أَ ْج ٌر عَظِيمٌ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وَ َل يَحْ َ
سبَ ّن الّذِي َن َيبْخَلُو َن بِمَا آتَاهُ مُ اللّ ُه مِن َفضْلِ ِه ُهوَ
خلُواْ بِ هِ َيوْ مَ اْل ِقيَا َمةِ وَلِلّ ِه مِيَا ُ
ث َخيْرا ّلهُ ْم بَ ْل ُهوَ َشرّ ّلهُ مْ َسيُ َطوّقُو َن مَا بَ ِ
ت وَالَرْ ضِ وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو نَ َخبِي ﴾ .قال السدي :هم الذين ال سّمَاوَا ِ
آتاهـم ال مـن فضله ،فبخلوا أن ينفقوهـا فـ سـبيل ال ،ول يؤدوا
خلُواْ بِ ِه َيوْمَ اْل ِقيَامَةِ
زكاتا .وقال ابن مسعود ف قوله َ ﴿ :سيُ َطوّقُونَ مَا بَ ِ
﴾ قال :ثعبان ينقـر رأس أحدهـم يقول :أنـا مالُك الذي بلت بـه .
وقال رسـول ال « :مـا مـن أحـد ل يؤدي زكاة ماله ،إل مث ّل له
شجاع أقرع يطوقه » .رواه ابن جرير وغيه .
قوله عز و جل ّ ﴿ :ل َقدْ سَمِ َع اللّ ُه َقوْ َل الّذِي َن قَالُواْ إِنّ اللّ هَ َفقِيٌ
ب مَا قَالُواْ َوقَتْ َلهُ ُم الَنبِيَا َء ِبغَ ْيرِ حَقّ َوَنقُولُ ذُوقُواْ
وَنَحْ ُن أَغْنِيَاء سَنَكْتُ ُ
457 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س بِظَل مٍ
ت َأيْدِيكُ ْم َوأَنّ اللّ هَ لَيْ َ
ك بِمَا َق ّدمَ ْ
حرِي قِ (َ )181ذلِ َ
ب الْ َ
َعذَا َ
لّ ْلعَبِيدِ ( )182الّذِينَـ قَالُواْ إِنّ اللّهَـ َعهِ َد ِإلَيْنَا أَل ُنؤْمِنَـِلرَسـُو ٍل حَتّىَ
ت َوبِاّلذِي
َيأْتِيَنَا ِب ُقرْبَا نٍ َتأْكُلُ هُ النّارُ ُق ْل َقدْ جَاءكُ مْ رُ ُسلٌ مّن قَبْلِي بِالْبَيّنَا ِ
قُلْتُ ْم فَلِ َم قَتَلْتُمُوهُ ْم إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (َ )183فإِن َكذّبُو َك َف َقدْ ُكذّ بَ
رُسُـلٌ مّنـ قَبْلِكَـ جَآؤُوا بِالْبَيّنَاتِـ وَال ّزبُ ِر وَاْلكِتَابِـ الْمُنِيِ (ُ )184كلّ
َنفْ سٍ ذَآِئ َقةُ الْ َموْ تِ َوِإنّمَا ُت َوفّوْ َن ُأجُورَكُ ْم َيوْ َم الْقِيَامَ ِة فَمَن ُز ْحزِ حَ عَ نِ
ع الْ ُغرُورِ ()185
النّا ِر َوُأدْ ِخلَ الْجَّن َة َف َقدْ فَا َز وَ ما الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَا ُ
سكُ ْم َولَتَ سْ َمعُ ّن مِ نَ اّلذِي َن أُوتُواْ اْلكِتَا بَ مِن
لَتُبْ َلوُنّ فِي َأمْوَالِكُ مْ َوأَنفُ ِ
ك مِنْ
قَبْ ِلكُمْ َومِ َن الّذِي َن َأشْرَكُواْ َأذًى كَثِيا َوإِن تَصِْبرُوْا َوتَتّقُواْ َفإِنّ َذلِ َ
َعزْ ِم ا ُلمُورِ (. ﴾ )186
قال السن :لا نزلت ﴿ :مّن ذَا الّذِي ُيقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا ﴾ ،
عجبت اليهود فقالت :إن ال فقي يستقرض .فنلت ّ ﴿ :لقَدْ سَمِعَ اللّ ُه
ب مَا قَالُواْ وََقتَْلهُ ُم الَنبِيَاءَ
َقوْ َل الّذِي نَ قَالُواْ ِإنّ اللّ هَ َفقِيٌ َونَحْ نُ أَ ْغِنيَاء َسَن ْكتُ ُ
ك بِمَا قَ ّدمَتْ َأيْدِيكُ ْم َوَأنّ اللّهَ ب الْحَرِيقِ * ذَلِ َ ِبغَيْرِ حَقّ َونَقُولُ ذُوقُوْا عَذَا َ
َليْ سَ بِظَل مٍ لّ ْل َعبِيدِ * الّذِي نَ قَالُواْ ِإنّ اللّ َه َعهِدَ إَِلْينَا أَل ُن ْؤمِ نَ لِرَ سُولٍ َحتّىَ
يَ ْأِتيَنَا ِبقُ ْربَا نٍ َتأْكُلُ ُه النّارُ ﴾ .قال الكلب ( :نزلت ف كعب بن الشرف
وأناس م عه من اليهود ،أتوا ال نب فقالوا :يا م مد تز عم أن ال تعال
بعثك إلينا رسولً ،وأنزل عليك الكتاب ،وأن ال تعال قد عهد إلينا ف
التوراة أن ل نؤمن لرسول حت يأتينا بقربان تأكله النار .قال ال تعال :
الزء الول 458
قـل يـا ممـد :قـد جاءكـم رسـل مـن قبلي بِالبينات وبالذي قلتـم مـن
القربان ،فلم قتلتموهم إن كنتم صادقي ؟
قال البغوي :معناه تكذيبهـم إياك ،مـع علمهـم بصـدقك ،كقتـل
آبائ هم ال نبياء ،مع التيان بالقربان والعجزات .ث قال معزيًا ل نبيه
َاتـ وَال ّزُبرِ
ِكـ جَآؤُوا بِاْلَبيّن ِ
ُسـ ٌل مّنـ َقبْل َ
ّبـ ر ُ
ُوكـ َفقَدْ كُذ َ
﴿ :فَإِن كَ ّذب َ
وَالْ ِكتَابِ الْ ُمنِيِ ﴾ ،أي :الواضح الضيء .
قال ف ف تح البيان :البينات :العجزات .والزبر :الك تب الق صورة
على الكم والواعظ .والكتاب الني :الواضح العن ،التضمن للشرائع
والحكام .
﴿ كُلّ نَفْ سٍ ذَآِئ َقةُ الْ َموْ تِ َوإِنّمَا ُتوَّفوْ نَ أُجُورَ ُك ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فَمَن
حيَاةُ ال ّدنْيَا إِل َمتَا عُ اْلغُرُورِجّنةَ َفقَدْ فَا َز وَ ما الْ َ
ح عَ ِن النّا ِر َوأُدْ ِخ َل الْ َ
زُ ْحزِ َ
﴾ كمتاع يدلس به على البتاع فيفر ويشتريه ،فمن اغتار با وآثرها فهو
حيَاةُ
مغرور .قال تعال ﴿ :يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ َفلَا َتغُ ّرّنكُ مُ الْ َ
ال ّدنْيَا وَلَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّ ِه الْغَرُورُ ﴾ ،أي :الشيطان .
وقوله تعال َ ﴿ :لتُبَْلوُنّ فِي َأ ْموَالِكُ ْم َوأَنفُ سِكُ ْم وََلتَ سْ َمعُ ّن مِ َن الّذِي نَ
َصـبِرُواْ
ِينـ َأشْرَكُواْ أَذًى َكثِيا َوإِن ت ْ
ِنـ الّذ َ
ُمـ َوم َ
َابـ مِن َقْبِلك ْ
أُوتُواْ اْل ِكت َ
ك مِ ْن عَ ْز ِم ا ُلمُورِ ﴾ .قال عطاء :من حقيقة الِيان .َوتَّتقُواْ فَِإنّ ذَلِ َ
ب لَتُبَيّنُنّ هُ
ق الّذِي نَ أُوتُوْا الْكِتَا َ
قوله عز و جل َ ﴿ :وإِ َذ َأخَ َذ اللّ ُه مِيثَا َ
ل فَبِئْ سَ
س وَ َل َتكْتُمُونَ ُه فَنََبذُو ُه وَرَاء ُظهُو ِرهِ مْ وَاشْتَ َر ْواْ بِ هِ ثَمَنا قَلِي ً
لِلنّا ِ
مَا َيشْتَرُو نَ (َ )187ل تَحْ سََب ّن اّلذِي نَ َي ْفرَحُو َن بِمَا َأتَوْا ّويُحِبّو َن أَن
ل تَحْ سَبَّن ُهمْ بِ َمفَا َز ٍة مّ نَ اْل َعذَا بِ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ
يُحْ َمدُواْ بِمَا لَ مْ َي ْفعَلُوْا فَ َ
459 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
461 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ل فِ
ض وَاخْتِ َ
ت وَالَرْ ِ
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَا ِ
اللّيْ ِل وَالّنهَا ِر ليَا تٍ ّلُأوْلِي اللْبَا بِ ( )190اّلذِي َن َيذْكُرُو َن اللّ َه قِيَاما
ت وَالَرْ ضِ َربّنَا مَا
َوقُعُودا وَعَ َلىَ جُنُوبِهِ مْ َويََتفَ ّكرُو َن فِي خَلْ قِ ال سّمَاوَا ِ
ـْحَاَنكَ َفقِنَا َعذَابَـ النّارِ (َ )191ربّنَا ِإنّكَـ مَن
ل سُب
خَلَقْتَـ هَذا بَاطِ ً
ُتدْ ِخلِ النّا َر َفقَ ْد َأخْ َزيْتَ ُه َومَا لِلظّالِمِيَ مِ ْن أَنصَارٍ (ّ )192ربّنَا ِإنّنَا سَ ِمعْنَا
مُنَادِيا يُنَادِي ِللِيَا ِن أَ نْ آمِنُوْا ِب َربّكُ مْ فَآمَنّ ا َربّنَا فَا ْغ ِفرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَ َك ّفرْ
عَنّا سَيّئَاتِنَا وََت َوفّنَا مَ َع البْرَارِ (َ )193ربّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَى رُ سُ ِلكَ
ف الْمِيعَادَ (. ﴾ )194
ك لَ تُخْلِ ُ
خ ِزنَا َيوْ َم الْقِيَامَ ِة ِإنّ َ
وَ َل تُ ْ
قال ا بن جر يج ف قوله ﴿ :الّذِي نَ يَذْ ُكرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعََلىَ
ُجنُوِبهِ مْ ﴾ ،قال :هو ذ كر ال ف ال صلة و ف غ ي ال صلة ،وقراءة
القرآن .
وقوله تعال َ ﴿ :ويََت َفكّرُو نَ فِي خَ ْل ِق ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َربّنَا مَا
َابـ النّارِ ﴾ .قال ابـن عوف :
سـبْحَانَكَ َفقِن َا عَذ َ
ل ُْتـ هَذا بَاطِ ً
خََلق َ
الفكرة :تذ هب الغفلة ،وتدث للقلب الش ية ،ك ما يدث الاء للزرع
النماء .
وقوله َ ﴿ :ربّنَا ِإنّ َ
ك مَن تُ ْدخِ ِل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَ هُ وَمَا لِلظّاِلمِيَ مِ نْ
أَن صَارٍ ﴾ ،عن الشعث المل قال :قلت للحسن :يا أبا سعيد أرأيت
ما تذ كر من الشفا عة حق هو ؟ قال :ن عم حق .قلت :يا أ با سعيد
َهـ ﴾ ،
ّكـ م َن تُدْ ِخ ِل النّارَ َفقَدْ أَ ْخ َزْيت ُ
أرأيـت قول ال تعال َ ﴿ :ربّن َا ِإن َ
يريدون أن يرجوا من النار وما هم بارجي منها .فقال ل :إنك وال
463 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ل تسـتطيع على شيـء ،إن للنار أهلً ل يرجون منهـا كمـا قال ال .
قلت :يا أبا سعيد فيم دخلوا ث خرجوا ؟ قال :كانوا أصابوا ذنوبًا ف
الدنيا فأخذهم ال با ،فأدخلهم با ،ث أخرجهم با يعلم ف قلوبم من
اليان والتصديق به .
وقوله تعال ّ ﴿ :رّبنَا ِإنّنَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا يُنَادِي ِللِيَا نِ أَ نْ آ ِمنُوْا بِ َرّبكُ مْ
فَآ َمنّا َرّبنَا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّ ْر َعنّا َسيّئَاِتنَا َوَتوَّفنَا مَ َع البْرَارِ ﴾ النادي :
هو :القرآن .قال م مد بن ك عب القر ظي :هو الكتاب ،ل يس كل هم
لقي النب .
وقوله َ ﴿ :ربّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَى رُ سُلِ َ
ك وَ َل تُخْزِنَا َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ
ِفـ الْمِيعَادَ ﴾ ،أي :ل بـد مـن اليعاد الذي أخـبت عنـه خل ُ ّكـ َل تُ ْ
ِإن َ
ر سلك ،و هو القيام ب ي يد يك ﴿ ،فَا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَ َكفّ ْر َعنّ ا َسّيئَاتِنَا
َوَتوَفّنَا مَ َع البْرَارِ ﴾ ،ول تزنا فإننا قد آمنا بك وبكتابك ونبيك .
ب َلهُ مْ َرّبهُ مْ أَنّي َل أُضِي عُ عَ َملَ عَا ِملٍ
قوله عز وجل ﴿ :فَا سْتَجَا َ
ض فَالّذِي َن هَا َجرُواْ وَُأ ْخرِجُوْا مِن
مّنكُم مّن ذَ َك ٍر َأوْ أُنثَى َبعْضُكُم مّن َبعْ ٍ
سـيّئَاتِ ِهمْ
ُمـ َ
سـبِيلِي َوقَاتَلُوْا َوقُتِلُوْا لُ َكفّرَن ّ َع ْنه ْ
ِمـ َوأُوذُواْ ف ِي َ
ِديَا ِره ْ
جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلْنهَا ُر َثوَابا مّ ن عِن ِد اللّ هِ وَاللّ هُ
وَ ُل ْدخِلَنّهُ ْم جَنّا تٍ تَ ْ
عِن َد ُه ُحسْ ُن الثّوَابِ (. ﴾ )195
عـن ماهـد قال :قالت أم سـلمة :يـا رسـول ال تذكـر الرجال فـ
الجرة ول تذكر النساء ،فنلت َ ﴿ :أنّي لَ أُضِي ُع عَمَ َل عَامِ ٍل مّنكُم مّن
ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى ﴾ الية .
الزء الول 464
الطاب بذلك للنب ،والعنّ به غيه من أتباعه .وقال قتادة :وال ما
غروا نب ال ،ول وكل إليهم شيئًا من أمر ال حت قبضه ال على ذلك .
حتِهَا
جرِي مِن تَ ْ وقوله تعال َ ﴿ :لكِ نِ الّذِي َن اتّ َق ْواْ َرّبهُ مْ َلهُ مْ َجنّا ٌ
ت تَ ْ
لبْرَارِ ﴾ .قال
الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا ُنزُلً مّ ْن عِندِ اللّ ِه َومَا عِندَ اللّ هِ َخيْرٌ ّل َ
ابن زيد :لن يطيع ال .وقال عبد ال بن عمرو بن العاص :إنا ساهم
ال البرار ؛ لنم بروا الباء والبناء .
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِنّ مِ نْ َأ ْهلِ اْلكِتَا بِ لَمَن ُي ْؤمِ نُ بِاللّ ِه َومَا أُنزِلَ
ت اللّ هِ ثَمَنا قَلِيلً
ِإلَيْكُ ْم وَمَا أُنزِ َل ِإلَ ْيهِ مْ خَاشِعِيَ لِلّ ِه لَ َيشَْترُو َن بِآيَا ِ
أُ ْولَـِئكَ َلهُمْ أَ ْج ُرهُمْ عِندَ َرّبهِمْ إِنّ اللّهَ َسرِي ُع الْحِسَابِ ( )199يَا أَّيهَا
الّذِي نَ آمَنُواْ ا صِْبرُوْا وَ صَاِبرُوْا وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّ َه َلعَلّكُ ْم ُتفْلِحُو نَ (
. ﴾ )200
ّهـ
ِنـ بِالل ِ
َابـ لَم َن ُيؤْم ُ قال قتادة فـ قوله َ ﴿ :وإِن ّ م ْ
ِنـ َأهْ ِل اْلكِت ِ
﴾ ال ية ،نزلت ف النجا شي و ف ناس من أ صحابه ،آمنوا ب نب ال
و صدقوا به .قال :وذ كر ل نا ( أن نب ال ا ستغفر للنجا شي و صلى
عليه حي بلغه موته .قال لصحابه « :صلوا على أخ لكم قد مات بغي
بلدكم » .فقال أناس من أهل النفاق :يصلي على رجل مات ليس من
أهل دينه ؟ فأنزل ال هذه الية َ ﴿ :وِإنّ مِنْ َأهْ ِل اْلكِتَابِ لَمَن ُيؤْمِ ُن بِاللّهِ
شتَرُو نَ بِآيَا تِ اللّ ِه ثَمَنا
وَمَا أُنزِلَ إَِلْيكُ ْم َومَا أُنزِلَ إِلَْيهِ مْ خَا ِشعِيَ لِلّ هِ َل يَ ْ
قَلِيلً ُأوْلَ ـئِكَ َلهُ مْ أَ ْج ُرهُ ْم عِندَ َرّبهِ مْ إِنّ اللّ هَ سَرِي ُع الْحِ سَابِ ﴾ .وقال
الزء الول 466
إحدى عشر ركعة ،ث أذن بلل فصلى ركعتي ،ث خرج فصلى بالناس
الصبح ) .متفق عليه .وف رواية لسلم ( :ث قرأ العشر آيات الوات من
سورة آل عمران ) .وعن عثمان بن عفان رضي ال عنه قال « :من قرأ
آخر آل عمران ف ليلة كتب له قيام ليلة » .رواه الدرامي .وال أعلم .
***
الزء الول 468
َأمْوَاَلكُ مُ الّتِي َج َعلَ اللّ هُ َلكُ مْ قِيَاما وَارْ ُزقُوهُ مْ فِيهَا وَاكْ سُوهُ ْم َوقُولُواْ
ح َفإِ نْ آنَ سْتُم
َلهُ ْم َقوْ ًل ّمعْرُوفا ( )5وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَّتىَ ِإذَا بَ َلغُواْ الّنكَا َ
ِسـرَافا َوبِدَارا أَن
ُمـ َولَ َتأْكُلُوه َا إ ْ
ِمـ َأمْوَالَه ْ
ُمـ ُرشْدا فَا ْد َفعُواْ ِإلَ ْيه ْ
مّ ْنه ْ
ف وَمَن كَا َن َفقِيا فَلَْيأْ ُك ْل بِالْ َم ْعرُو فِ
يَكَْبرُوْا وَمَن كَا نَ غَنِيّا فَلْيَ سَْت ْعفِ ْ
ّهـ حَسـِيبا ()6
ِمـ وَكَفَى بِالل ِ
ُمـ َفَأشْ ِهدُواْ عَلَ ْيه ْ
ِمـ أَ ْموَاَله ْ
ُمـ إِلَ ْيه ْ
َفإِذَا َدفَعْت ْ
ب مّمّا تَرَ كَ
ب مّمّا َترَ َك اْلوَاِلدَا نِ وَالَ ْق َربُو َن وَلِلنّ سَاء نَ صِي ٌ
لّلرّجَا ِل نَصِي ٌ
ضرَ
الْوَاِلدَا ِن وَا َل ْقرَبُو نَ مِمّا َقلّ مِنْ هُ َأوْ كَُثرَ نَ صِيبا ّمفْرُوضا ( )7وَِإذَا حَ َ
ي فَارْ ُزقُوهُم مّنْ هُ َوقُولُواْ َلهُ مْ
الْقِ سْ َمةَ ُأ ْولُواْ اْل ُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ُ
ضعَافا
ِمـ ذُ ّريّةً ِ
ِنـ خَ ْلفِه ْ
ِينـ َلوْ تَرَكُواْ م ْ
ْشـ الّذ َ
َقوْ ًل مّ ْعرُوفا ( )8وَلْيَخ َ
خَافُواْ عَلَ ْيهِ مْ فَلْيَّتقُوا اللّ هَ َولَْيقُولُوْا َقوْلً َسدِيدا ( )9إِنّ اّلذِي َن يَأْكُلُو نَ
َأمْوَا َل الْيَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا َيأْكُلُو َن فِي بُطُونِ ِه ْم نَارا وَسَيَصْ َلوْ َن َسعِيا ﴾ .
***
الزء الول 470
لم إبلً ول إبل ،وأنا أمنح ف إبلي وأفقر ،فماذا يل من ألبانا ؟ قال :
إن كنـت تبغـي ضالتهـا ،وتنـأ جرباهـا ،وتلوط حوضهـا ،وتسـتقي
عليها ،فاشرب غي مضر بنسل ،ول ناهك ف اللب .
قوله تعال ﴿ :فَإِذَا دََفعْتُ مْ إَِلْيهِ مْ َأ ْموَاَلهُ مْ َفَأ ْشهِدُوْا عََلْيهِ ْم وَ َكفَى بِاللّ هِ
حَ سِيبا ﴾ قال ابن عباس :إذا دفع إل اليتيم مال فليدفعه إليه بالشهود ،
كما أمره ال تعال .
وقال ابن كثي ﴿ :وَ َكفَى بِاللّهِ حَسِيبا ﴾ ،أي :وكفى بال ماسبًا
وشاهدًا ورقيبًا على الولياء ،ف حال نظر هم لليتام ،وحال ت سليمهم
لموال م ،هل هي كاملة موفرة أو منقو صة مبخو سة ،مروج ح سابا ،
مدلس أمرها ؟ ال عال بذلك كله .
ُونـ
َانـ وَا َلقْ َرب َ
َكـ اْلوَاِلد ِ
ب مّمّاـ َتر َ
قوله عـز وجـل ﴿ :لّلرّجَا ِل نَصـيِ ٌ
ب مّمّا َترَ َك الْوَالِدَا ِن وَا َلقْ َربُونَ مِمّا َق ّل مِنْهُ َأوْ كَُث َر نَصِيبا
وَلِلنّسَاء نَصِي ٌ
ِسـَم َة ُأوْلُوْا اْلقُرْب َى وَالْيَتَام َى وَالْمَسـَاكِيُ
ضرَ اْلق ْ
ّمفْرُوضا (َ )7وِإذَا حَ َ
ش الّذِي َن لَ ْو َترَكُواْ
فَارْ ُزقُوهُم مّنْ ُه وَقُولُواْ لَهُ مْ َق ْولً ّم ْعرُوفا (َ )8ولْيَخْ َ
ضعَافا خَافُواْ عَلَ ْيهِ ْم فَلْيَّتقُوا اللّ َه َولْيَقُولُواْ َق ْولً َسدِيدا
مِ نْ خَ ْل ِفهِ ْم ذُ ّرّيةً ِ
( )9إِنّ اّلذِينَ َيأْكُلُو َن َأمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِمْ نَارا
وَسَيَصْ َلوْ َن َسعِيا (. ﴾ )10
قال قتادة :كانوا ل يورثون النسـاء ،فنلت ﴿ :وَلِلنّسـَاء نَصـِيبٌ
مّمّا تَ َر َك اْلوَالِدَانِ وَالَقْ َربُونَ ﴾ .
475 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
477 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ يُو صِي ُكمُ اللّ هُ فِي أَ ْو َلدِكُ ْم لِلذّ َكرِ مِ ْث ُل حَظّ الُنثَيَيْ ِن َفإِن كُنّ
ت وَا ِح َدةً فَلَهَا النّ صْفُ
ق اثْنَتَيْ ِن فَ َلهُنّ ثُلُثَا مَا َترَ َك َوإِن كَانَ ْ
نِ سَاء َفوْ َ
س مِمّا َترَكَ إِن كَا َن لَ ُه َولَ ٌد َفإِن لّمْ َيكُن
وَ َلَبوَيْ ِه ِلكُ ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا السّدُ ُ
سدُسُ مِن
لمّ هِ ال ّ
ث َفإِن كَا َن لَ ُه ِإخْ َو ٌة فَ ُ
لمّ ِه الثّلُ ُ
لّ هُ َوَلدٌ َووَ ِرثَ ُه َأبَوَا هُ َف ُ
َبعْ ِد وَ صِّيةٍ يُو صِي ِبهَا َأوْ َديْ نٍ آبَآؤُكُ ْم وَأَبناؤُكُ ْم لَ َتدْرُو َن َأيّهُ ْم َأقْرَ بُ
لَ ُكمْ َنفْعا َفرِيضَ ًة مّ َن اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما ( )11وََلكُ ْم نِصْفُ
مَا َترَ َك أَ ْزوَاجُكُ ْم إِن لّ ْم َيكُن ّل ُهنّ َوَلدٌ َفإِن كَا َن َل ُهنّ َوَلدٌ فَ َلكُ مُ ال ّربُ عُ
ي ِبهَا أَ ْو َديْ ٍن وََل ُهنّ الرّبُ ُع مِمّا َترَكْتُ ْم إِن
صَمِمّا َترَكْ َن مِن َبعْ ِد وَ صِّي ٍة يُو ِ
لّ مْ يَكُن ّلكُ ْم َولَ ٌد َفإِن كَا َن لَكُ ْم وََل ٌد فَ َلهُنّ الثّمُ ُن مِمّ ا َترَكْتُم مّ ن َب ْعدِ
لَل ًة أَو ا ْمرََأ ٌة َولَ ُه أَخٌ
وَصِّيةٍ تُوصُو َن ِبهَا َأوْ َديْ ٍن وَإِن كَانَ َر ُج ٌل يُورَثُ كَ َ
ُمـ
ِكـ َفه ْ
س َفإِن كَاُن َواْ أَكَْث َر مِن َذل َ
السـدُ ُ
ْتـ فَلِ ُك ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا ّ
أَ ْو ُأخ ٌ
ث مِن َبعْ ِد وَ صِّي ٍة يُو صَى بِهَا َأوْ َديْ نٍ غَ ْي َر مُضَآ ّر وَ صِّيةً
شُرَكَاء فِي الثّلُ ِ
ك ُحدُودُ اللّهِ َومَن يُطِ ِع اللّهَ وَرَسُوَلهُ
مّ َن اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ( )12تِلْ َ
ِكـ اْلفَوْزُ
ِينـ فِيهَا َو َذل َ
جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلنْهَا ُر خَاِلد َ
ّاتـ تَ ْ
ْهـ جَن ٍ
ُيدْخِل ُ
ص اللّ هَ وَرَ سُوَلهُ َويََتعَ ّد ُحدُودَ ُه ُيدْخِلْ هُ نَارا خَالِدا
الْعَظِي مُ (َ )13ومَن َيعْ ِ
فِيهَا َولَهُ َعذَابٌ ّمهِيٌ (. ﴾ )14
***
الزء الول 478
قوله عز و جل ﴿ :يُو صِي ُكمُ اللّ هُ فِي َأوْ َلدِكُ ْم لِلذّ َكرِ مِ ْث ُل حَظّ
ت وَا ِح َدةً
ق اثْنَتَيْ ِن فَ َل ُهنّ ثُلُثَا مَا َترَ َك َوإِن كَانَ ْ
الُنثَيَيْ نِ َفإِن ُكنّ نِ سَاء َفوْ َ
فَ َلهَا النّصْفُ ﴾ .
قال ا بن عباس ف قوله تعال ﴿ :يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلَدِكُ مْ ﴾ ،
كان الال للولد ،وكانت الوصية للوالدين والقربي ،فنسخ ال من ذلك
ما أ حب فج عل للذ كر م ثل حظ النثي ي ،وج عل للبو ين ل كل وا حد
منهمـا السـدس مـع الولد ،وللزوج الشطـر والربـع ،وللزوجـة الربـع
والثمن .
وقوله تعال ﴿ :فَإِن كُنّ نِ سَاء َفوْ قَ اْثَنتَيْ نِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا تَرَ َك َوإِن
ت وَاحِ َدةً فََلهَا النّ صْفُ ﴾ ،يعن :للبنتي فما فوق الثلثان ،وللبنت كَانَ ْ
الواحدة الن صف .و عن جابر ر ضي ال ع نه قال :جاءت امرأة سعد بن
الربيع إل رسول اللّه فقالت :يا رسول ال هاتان ابنتا سعد بن الربيع
قتل أبوها معك ف يوم أحد شهيدًا وإنّ عَ ّمهُمَا أخذ ماَلهُمَا فلم يدع لما
مالً ول ُيْنكَحَا نِ إِل وََلهُمَا مَال .قال :فقال « :يقضي اللّ هُ ف ذلك »
.فنلت آ ية اليا ثِ ،فأر سل ر سول اللّ هِ إل عَ ّمهِمَا فقال َ « :أعْ طِ
اْبَنتَيْ َسعْ ٍد الثُّلثَيْ ِن َوأُ ّمهُمَا الثّ ُمنَ ،وما بقِيَ فهو لك » .رواه أحد ،وأبو
داود وغيها .
س مِمّا َترَ كَ إِن
قوله عز وجل َ ﴿ :و َلبَ َويْ ِه ِلكُ ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا ال سّدُ ُ
ث َفإِن كَا َن لَ هُ
لمّ هِ الثّلُ ُ
كَا َن لَ هُ َوَلدٌ َفإِن لّ مْ َيكُن لّ ُه وََل ٌد وَوَ ِرثَ هُ َأَبوَا ُه فَ ُ
س مِن َبعْ ِد وَصِّي ٍة يُوصِي ِبهَا أَ ْو َديْنٍ آبَآؤُكُمْ َوأَبناؤُكُمْ
لمّهِ السّدُ ُ
إِ ْخ َوةٌ َف ُ
479 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿:آبَآؤُكُ ْم َوأَبناؤُكُمْ َل تَدْرُونَ أَّيهُمْ أَقْرَبُ َلكُمْ َنفْعا ﴾.
قال ا بن ز يد :أي هم خ ي ل كم ف الد ين والدن يا ،الوالد والولد الذ ين
يرثونكـم ل يدخـل عليكـم غيهـم فرض لمـ الواريـث ل يأت بآخريـن
يشركونم ف أموالكم .
ضةً مّ نَ اللّ هِ إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما َحكِيما ﴾ .قال
وقوله تعال ﴿ :فَرِي َ
ابـن كثيـ :أي :هذا الذي ذكرناه مـن تفضيـل الياث وإعطاء بعـض
الور ثة أك ثر من ب عض هو فرض من ال ح كم به ،وقضاه ﴿ ،إِنّ اللّ هَ
كَانَ عَلِيما َحكِيما ﴾ .
ف مَا َترَ َك أَ ْزوَا ُجكُ مْ إِن لّ مْ َيكُن ّل ُهنّ
قوله عز وجل ﴿ :وََلكُ ْم نِ صْ ُ
ي ِبهَا
وََل ٌد َفإِن كَا َن َل ُهنّ وََل ٌد فَ َلكُمُ ال ّربُ ُع مِمّا َترَكْنَ مِن َب ْعدِ وَصِّيةٍ يُوصِ َ
أَ ْو َديْ ٍن َولَ ُهنّ الرّبُ ُع مِمّا َترَكْتُ ْم إِن لّ ْم َيكُن ّلكُ ْم َولَ ٌد َفإِن كَا َن َلكُمْ َوَلدٌ
فَ َل ُهنّ الثّ ُم ُن مِمّا َترَكْتُم مّن َب ْعدِ وَصِّي ٍة تُوصُو َن ِبهَا َأوْ َدْينٍ ﴾ .
أولد البني وإن سلفوا حكم أولد الصلب ،سواء كان الولد واحدًا
أو جاعـة ،ذكرًا أو أنثـى ،يجبون الزوج مـن النصـف إل الربـع ،
ويجبون الزوجة من الربع إل الثمن ،وإذا كان للرجل أكثر من زوجة
اشتركن ف الربع أو الثمن .
خ َأوْ
لَلةً أَو ا ْم َرَأةٌ َولَ ُه أَ ٌ
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِن كَانَ َر ُج ٌل يُورَثُ َك َ
ك َفهُ مْ ُشرَكَاء
سدُسُ َفإِن كَاُنوَْا أَكَْثرَ مِن َذلِ َ
ت فَ ِل ُكلّ وَاحِ ٍد مّ ْنهُمَا ال ّ
أُخْ ٌ
ث مِن َب ْعدِ وَ صِّي ٍة يُو صَى ِبهَا أَ ْو َديْ نٍ َغ ْيرَ مُضَآ ّر وَ صِّي ًة مّ نَ اللّ هِ
فِي الثّلُ ِ
وَال ّلهُ عَلِي ٌم حَلِيمٌ (. ﴾ )12
481 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله تعال َ ﴿ :وإِن كَا نَ َرجُ ٌل يُورَ ثُ َكلََلةً أَو امْ َرَأةٌ ﴾ .قال ابن عباس
ـ
:الكللة :مـن ل ولد له ول والد .وقال قتادة :قوله َ ﴿ :وإِن كَان َ
َثـ َكلََلةً أَو امْ َرَأةٌ ﴾ ،والكللة :الذي ل ولد له ،ول والد ،
رَ ُج ٌل يُور ُ
[ و ] ل أب ،ول جد ،ول ا بن ،ول اب نة ،فهؤلء الخوة من الم .
إن كان واحدًا فله السـدس ،وإن كانوا أكثـر مـن ذلك فهـم شركاء فـ
الثلث .ذكرهم وأنثاهم فيه سواء .
وقوله تعال ﴿ :مِن َبعْ ِد وَ ِ
صّيةٍ يُو صَى بِهَا َأوْ َديْ ٍن َغيْ َر ُمضَآرّ ﴾ .
قال قتادة :إن ال تبارك وتعال كره الضراء ف الياة وعند الوت ،ونى
عنه ،وقدم فيه فل ت صلح مضارة ف حياة ول موت ،وقال ابن عباس :
الضرار ،واليف ف الوصية من الكبائر .
ِيمـ ﴾ ،أي :علم
ِيمـ حَل ٌ
ّهـ عَل ٌ
ّهـ وَالل ُ
ّنـ الل ِ وقوله تعال ﴿ :و ِ
َصـّيةً م َ
بالضار وغيه ،حليم ل يعاجل بالعقوبة .
قال ا بن جر يج :وأ ما قوله ﴿ :وَ ِ
صّيةً ﴾ فإن ن صبه من قوله ﴿ :
يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلَدِكُ مْ لِلذّ َك ِر ِمثْلُ حَظّ الُنَثيَيْ نِ ﴾ ،وسائر ما أوصى
ّنـ اللّه ﴾ مصـدرًا مـن قوله ﴿ : َصـّي ًة م َ
بـه فـ الثنيـ ,ثـ قال ﴿ :و ِ
يُوصِيكُمُ ﴾ .انتهى .
ك حُدُودُ اللّ هِ َومَن يُ ِط ِع اللّ َه وَرَ سُوَلهُ ُي ْدخِلْ هُ
قوله عز وجل ﴿ :تِلْ َ
ك الْ َفوْ ُز الْعَظِيمُ ()13
جرِي مِن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِي َن فِيهَا َو َذلِ َ
جَنّاتٍ تَ ْ
َهـ
ْهـ نَارا خَالِدا فِيهَا َول ُ
َهـُيدْخِل ُ
ّهـ وَرَسـُوَل ُه وَيََت َعدّ ُحدُود ُ
ْصـ الل َ
وَمَن َيع ِ
ب ّمهِيٌ (. ﴾ )14
َعذَا ٌ
الزء الول 482
قال ابن عباس :قوله ﴿ :تِلْ كَ ُحدُودُ اللّ هِ ﴾ ،يعن :طاعة ال ،يعن
:الوار يث ال ت سى ال .وقال قتادة :تلك حدود ال ال ت حد لل قه ،
وفرائضه بينهم من الياث والقسمة ،فانتهوا إليها ول تعدوها إل غيها .
وقوله تعال ﴿ :وَمَن َيعْ صِ اللّ َه وَرَ سُولَهُ َوَيَتعَدّ حُدُودَ ُه يُدْ ِخلْ ُه نَارا
خَالِدا فِيهَا وَلَ ُه عَذَابٌ ّمهِيٌ ﴾ .
قال ابـن جريـر :فإن قال قائل :أو يلد فـ النار مـن عصـى ال
ورسوله ف قسمة الواريث ؟ قيل :ن عم إذا جع إل معصيتهما ف ذلك
شكًا ف أن ال فرض عليه ما فرض على عباده ف هاتي اليتي ،أو علم
ذلك فحادّ ال ورسوله ف أمرها ،على ما ذكر ابن عباس من قول من
قال :حي نزل على رسول ال ﴿ :يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلَدِكُ مْ لِلذّ َكرِ
ِمثْلُ حَظّ الُنثََييْ نِ ﴾ إل تام اليت ي ،أيورث من ل ير كب الفرس ،ول
يقاتـل العدو ،ول يوز الغنيمـة ،نصـف الال أو جيـع الال ؟ اسـتنكارًا
من هم ق سمة ال ما ق سم ل صغار ولد ال يت ،ون سائه وإناث ولده ،وال
أعلم .
***
483 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 484
ش ِهدُواْ
ش َة مِن نّ سَآئِ ُكمْ فَا سَْت ْ
قوله عز وجل ﴿ :وَاللتِي َيأْتِيَ الْفَاحِ َ
عَلَ ْيهِنّ أَ ْربَعةً مّنكُ ْم َفإِن َش ِهدُوْا َفأَمْ سِكُو ُه ّن فِي الْبُيُو تِ حَتّ َى يََتوَفّاهُنّ
ج َعلَ اللّ ُه َلهُنّ سَبِيلً ( )15وَاللّذَا َن َيأْتِيَانِهَا مِنكُ ْم فَآذُوهُمَا
الْمَوْ تُ أَ ْو يَ ْ
َفإِن تَابَا َوأَصْلَحَا َفأَ ْعرِضُواْ َع ْنهُمَا إِ ّن ال ّلهَ كَانَ تَوّابا ّرحِيما (. ﴾ )16
قال ابن عباس :كانت الرأة إذا زنت حُبست ف البيت حت توت ،
ث أنزل ال تبارك وتعال بعد ذلك ﴿ :الزّاِنَيةُ وَالزّانِي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد
ّمنْهُمَا ِمَئةَ جَلْ َدةٍ ﴾ ،فإن كانا مصني رجا ،فهذا سبيلهما الذي جعل
ال ل ما .و ف حد يث عبادة عن ال نب « :خذوا ع ن ،قد ج عل ال
لن سبيلً :البكران يلدان وينفيان سنة ،والثيبان يلدان ويرجان » .
قال ا بن جر ير :وأول القوال بال صحة ف تأو يل قوله تعال َ ﴿ :أوْ
جعَلَ اللّهُ َلهُنّ َسبِيلً ﴾ ،قول من قال :السبيل الت جعلها ال جل ثناؤه
يَ ْ
للث يبي الح صني :الر جم بالجارة ،وللبكر ين :جلد مائة ونفي سنة ،
لصحة الب عن رسول ال :أنه رجم ول يلد .
وقوله تعال ﴿ :وَاللّذَانَـَيأِْتيَانِهَا مِنكُم ْـ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا َوأَص َْل
ـحَا
َانـ َتوّابا رّحِيما ﴾ ،قال ابـن عباس :يؤذي
ّهـ ك َ
َفأَعْرِضُوْا َعْنهُمَا إِنّ الل َ
بالتعيي ،وضرب النعال .
قال البغوي ( :فإن ق يل :ذ كر ال بس ف ال ية الول ،وذ كر ف
هذه ال ية اليذاء ،فك يف و جه ال مع ؟ ق يل :ال ية الول ف الن ساء ،
وهذه ف الرجال ،وهـو قول ماهـد .وقيـل :اليـة الول فـ الثيـب ،
وهذه ف البكر ) .انتهى .
485 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 488
﴿ َولَ تَنكِحُواْ مَا نَكَ حَ آبَاؤُكُم مّ نَ النّ سَاء إِل مَا َقدْ سَلَفَ ِإنّ هُ كَا نَ
ُمـ
ُمـ َوبَنَاتُك ْ
ُمـ ُأ ّمهَاُتك ْ
َتـ عَلَ ْيك ْ
سـبِيلً (ُ )22ح ّرم ْ
شةً َو َمقْتا وَسـَاء َ
فَا ِح َ
ت َوُأمّهَاتُكُ مُ
خ وَبَنَا تُ الُخْ ِ
وََأ َخوَاتُكُ ْم وَعَمّاتُكُ مْ َوخَا َلتُكُ ْم وَبَنَا تُ الَ ِ
ضعَْنكُ ْم َوأَ َخوَاتُكُم مّ نَ الرّضَا َعةِ َوُأ ّمهَا تُ نِ سَآئِ ُكمْ وَ َربَائِبُكُ مُ
اللتِي أَرْ َ
اللتِي فِي حُجُورِكُم مّ ن نّ سَآئِ ُك ُم اللتِي َدخَلْتُم ِبهِنّ َفإِن لّ مْ َتكُونُواْ
لِبكُ ْم َوأَن
لِئ ُل أَبْنَائِكُ مُ اّلذِي نَ مِ ْن أَ صْ َ
ل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ ْم وَحَ َ
دَخَلْتُم ِب ِهنّ فَ َ
تَجْ َمعُواْ بَيْ نَ الُخْتَيْ نِ إَل مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا ّرحِيما ()23
وَالْمُحْ صَنَاتُ مِ نَ النّ سَاء إِل مَا مَ َلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ كِتَا بَ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ
وَُأ ِحلّ لَكُم مّ ا وَرَاء ذَِلكُ ْم أَن تَبَْتغُواْ ِبَأ ْموَالِكُم مّحْ صِنِيَ غَ ْي َر مُ سَافِحِيَ
فَمَا ا سْتَمَْتعْتُم بِ هِ مِ ْن ُهنّ فَآتُو ُهنّ أُجُو َرهُنّ َفرِيضَ ًة وَ َل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ فِيمَا
ض ِة إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما َحكِيما (َ )24ومَن لّ مْ
َترَاضَيْتُم بِ هِ مِن َب ْعدِ اْل َفرِي َ
ت فَمِن مّ ا مَ َلكَ تْ
ت الْمُ ْؤمِنَا ِ
ح الْمُحْ صَنَا ِ
يَ سْتَطِ ْع مِنكُ مْ َط ْولً أَن يَنكِ َ
ضكُم مّن بَعْ ضٍ
َأيْمَاُنكُم مّن فَتَيَاِتكُ مُ الْ ُم ْؤمِنَا تِ وَاللّ هُ أَ ْعلَ ُم ِبإِيَاِنكُ مْ َبعْ ُ
ف مُحْ صَنَاتٍ َغ ْيرَ
فَانكِحُوهُنّ ِبإِذْ ِن َأهْ ِلهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ بِالْ َم ْعرُو ِ
شةٍ َفعَلَ ْي ِهنّ
صنّ َفإِ نْ َأتَيْ نَ ِبفَا ِح َ
خذَا تِ أَ ْخدَا ٍن َفإِذَا أُحْ ِ
ت وَ َل مُتّ ِ
مُ سَافِحَا ٍ
ت مِ ْنكُ مْ
ك لِمَ ْن َخشِ يَ اْلعَنَ َ
ب َذلِ َ
نِ صْفُ مَا عَلَى الْمُحْ صَنَاتِ مِ َن الْ َعذَا ِ
وَأَن تَ صِْبرُوْا خَيْ ٌر ّلكُ مْ وَاللّ هُ َغفُورٌ ّرحِي مٌ (ُ )25يرِيدُ اللّ هُ لِيُبَيّ نَ َلكُ مْ
وََي ْه ِديَكُ مْ سَُن َن الّذِي نَ مِن قَبْ ِلكُ ْم َويَتُو بَ عَلَ ْيكُ مْ وَاللّ هُ عَلِي ٌم َحكِي مٌ (
ت أَن
ش َهوَا ِ
)26وَاللّ ُه ُيرِي ُد أَن يَتُو بَ َعلَ ْيكُ مْ َوُيرِي ُد الّذِي َن يَتِّبعُو نَ ال ّ
489 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ تَنكِحُواْ مَا َنكَ حَ آبَاؤُكُم مّ نَ النّ سَاء إِل مَا
شةً وَ َمقْتا َوسَاء سَبِيلً (. ﴾ )22
ف ِإنّهُ كَا َن فَا ِح َ
َقدْ سَلَ َ
قال ابن عباس :كان أهل الاهلية يرمون ما يَ ْ
حرُم إل امرأة الب ،
وال مع ب ي الخت ي ،فأنزل ال ﴿ :وَ َل تَنكِحُوْا مَا َنكَ حَ آبَاؤُكُم مّ َن
ج َمعُوْا َبيْ َن الُ ْختَيْ نِ ﴾ ،وقال أيضًا
النّ سَاء إِل مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ َ ﴿ ،وأَن تَ ْ
:كل امرأة تزوجها أبوك وابنك ،دخل أو ل يدخل ،فهي عليك حرام
.وعن الباء بن عازب ( :أن رسول ال بعث أبا بردة إل رجل تزوج
امرأة أب يه من بعده أن يقتله ،ويأ خذ ماله ) .رواه المام أح د ،وأ هل
السنن .
قوله عز و جل ُ ﴿ :ح ّرمَ تْ عَلَ ْيكُ مْ ُأ ّمهَاُتكُ مْ َوبَنَاُتكُ ْم وََأ َخوَاتُكُ مْ
خ وَبَنَاتُـ ا ُلخْتِـ َوُأمّهَاتُكُمُـ اللتِي
وَعَمّاتُكُم ْـ َوخَالَُتكُم ْـ وَبَنَاتُـ الَ ِ
ضعَْنكُ مْ َوَأخَوَاتُكُم مّ َن الرّضَا َع ِة َوأُ ّمهَا تُ نِ سَآِئكُ ْم وَ َربَائُِبكُ مُ اللتِي
أَرْ َ
فِي حُجُورِكُم مّ ن نّ سَآِئ ُكمُ اللتِي دَخَلْتُم ِبهِنّ َفإِن لّ ْم تَكُونُواْ َدخَلْتُم
ج َمعُواْ
لِبكُ ْم َوأَن تَ ْ
صَلِئلُ َأبْنَائِكُمُ اّلذِي َن مِنْ أَ ْ
ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ َوحَ َ
ِبهِنّ فَ َ
َانـ َغفُورا ّرحِيما ()23
ّهـ ك َ
ف إِن ّ الل َ
سـلَ َ
ْنـ إَل م َا َقدْ َ
ْنـ الُخْتَي ِ
بَي َ
وَالْمُحْ صَنَاتُ مِ نَ النّ سَاء إِل مَا مَ َلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ كِتَا بَ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ
وَُأ ِحلّ لَكُم مّ ا وَرَاء ذَِلكُ ْم أَن تَبَْتغُواْ ِبَأ ْموَالِكُم مّحْ صِنِيَ غَ ْي َر مُ سَافِحِيَ
فَمَا ا سْتَمَْتعْتُم بِ هِ مِ ْن ُهنّ فَآتُو ُهنّ أُجُو َرهُنّ َفرِيضَ ًة وَ َل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ فِيمَا
ضةِ إِ ّن ال ّلهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما (. ﴾ )24
َترَاضَيْتُم ِبهِ مِن َبعْ ِد اْلفَرِي َ
491 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن عباس ُ :حرّم من النسب سبعٌ ،ومن ال صّهر سبعٌ .ث قرأ :
﴿ ُح ّرمَ تْ عََلْيكُ مْ ُأمّهَاُتكُ مْ ﴾ حت بلغ َ ﴿ :وأَن َتجْ َمعُواْ َبيْ َن الُ ْخَتيْ نِ إَل
سـلَفَ ﴾ ،قال :والسـابعة :ول تنكحوا مـا نَكـح آباؤكـم مـن مَا قَدْ َ
النساء .
قال البغوي :وجلة الحرمات ف كتاب ال تعال أربع عشرة :سبعٌ
بالنسب ،وسبعٌ بالسبب .
فأمـا السـبع بالسـبب :فمنهـا اثنتان بالرضاع ،وأربـع بالصـهرية ،
والسابعة الحصنات ،وهن من ذوات الزواج .
وأ ما ال سبع بالن سب :فقوله تعال ﴿ :حُ ّرمَ ْ
ت عََلْيكُ مْ ُأ ّمهَاتُكُ مْ ﴾
ويدخـل فيهـن الدات وإن علونَـ َ ﴿ ،وبَنَاتُكُم ﴾ ويدخـل فيهـن بنات
الولد وإن سفلن َ ﴿ ،وأَ َخوَاُتكُ مْ ﴾ سواء كا نت من قِبَل الب ،أو
والم َ ﴿ ،وعَمّاتُكُم ﴾ ويدخـل فيهـن جيـع أخوات آبائك ،وأجدادك
وإن علوا ﴿ ،وَخَالتُك ُم ﴾ ويدخـل فيهـن جيـع أخوات أمهاتـك ،
ت الَ خِ َوبَنَا تُ الُخْ تِ ﴾ ويد خل في هن بنات أولد
وجدا تك َ ﴿ ،وَبنَا ُ
الخ ،والخت وإن سفلن .
وأمــا الحرمات بالرضاع :فقوله تعال َ ﴿ :وُأ ّمهَاتُكُمـُ
ـ اللتِـي
ض ْعنَكُ ْم َوأَ َخوَاُتكُ ْم مِ نَ الرّضَا َعةِ ﴾ وجل ته :أن يرم من الرضا عة ما
أَرْ َ
يرم من النسب .
وأما الحرمات بالصهرية :فقوله َ ﴿ :وُأمّهَا ُ
ت نِ سَاِئكُمْ ﴾ وجلته :
أَن كل من ع قد النكاح على امرأة فتحرم على النا كح أمهات النكو حة
وجداتا وإن علون من الرضاعة والنسب بنفس العقد ﴿ ،وَ َربَائُِبكُ ُم اللتِي
الزء الول 492
قوله تعال ﴿ :إِل مَا َقدْ سَلَفَ ﴾ ،يعن :لكن ما مضى فهو معفوٌ
عنه ِ ﴿ ،إنّ اللّهَ كَا َن َغفُورًا َرحِيمًا ﴾ .
قوله تعال ﴿ :وَالْمُحْ َ
صنَاتُ مِ نَ النّ سَاءِ إِل مَا َمَلكَ تْ َأيْمَانُكُ مْ ﴾
ُنـ قبـل مفارقـة الزواج ،
يعنـ :ذوات الزواج ،ل يلـ للغيـ نكا ُحه ّ
وهذه السابعة من النساء اللت حُرّمن بالسبب .قال أبو سعيد الدري :
( نزلت ف ن ساء كُنّ يهاجرن إل ر سول ال ول ن أزواج ،فتزوج هن
بعـض السـلمي ،ثـ قدم أزواجهـن مهاجريـن فنهـى ال السـلمي عـن
نكاحهن ،ث استثن فقال ﴿ :إِل مَا مََلكَ تْ َأيْمَانُكُمْ ﴾ ،يعن :السبايا
اللوا ت سُبي ول ن أزواج ف دار الرب ،فيحِلّ لاِلكِهنّ وطؤهنّ ب عد
الستباء ) .انتهى ملخصًا .
وقال ا بن عباس ف قوله تعال ﴿ :وَالْمُحْ َ
صنَاتُ مِ َن النّ سَاء إِل مَا
مََلكَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ ﴾ كل امرأة ل ا زوج ف هي عل يك حرام إل أ مة ملكت ها
ولا زوج بأرض الرب ؛ فهي لك حلل إذا استبأتا .
وقوله تعال ِ ﴿ :كتَا بَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ ﴾ ،أي :كتب ال عليكم تري
هؤلء .
وقوله تعال َ ﴿ :وأُحِلّ لَكُـم مّاـ وَرَاء ذَِلكُم ْ
ـ أَن َتْبَتغُواْ بَِأ ْموَالِكُـم
ي َغيْ َر مُ سَافِحِيَ ﴾ ،عن ا بن جر يج قال :سألت عطاء عن ها ، صنِ َ
مّحْ ِ
فقال َ ﴿ :وأُحِلّ َلكُم مّا وَرَاء ذَِلكُمْ ﴾ ،قال :ما وراء ذات القرابة .
وقال ا بن جر ير :إن ال جل ثناؤه بيّن لعباده الحرمات ،بالن سب
والصهر ،ث الحرمات من الحصنات من النساء ،ث أخبهم جل ثناءه
الزء الول 494
ف مَا عَلَى وقوله تعال ﴿ :فَِإذَا ُأحْ صِنّ فَإِ نْ َأَتيْ َن ِبفَاحِ َ
شةٍ َف َعَلْيهِنّ نِ صْ ُ
صنَاتِ مِ َن الْعَذَا بِ ﴾ ،ليس الراد أن التزويج شرط لوجوب الد ؛ الْمُحْ َ
بل الراد منه التنبيه على أن الملوك وإن كان مصنًا فل رجم عليه ،إنا
شةٍ َفعََلْيهِنّ
حدّه خسـون جلدة .قال قتادة فـ قوله ﴿ :فَإِن ْـَأَتيْنَـِبفَاحِ َ
صنَاتِ مِ َن اْلعَذَابِ ﴾ ،خسون جلدة ،ول نفي ول ف مَا عَلَى الْمُحْ َ
نِ صْ ُ
رجم .وف الصحيحي عن النب قال « :إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن
زنا ها فليجلد ها ال ج ول يثرب علي ها ،ث إن ز نت فليجلد ها ال ّد ول
يثرب عليها ،ث إن زنت الثالثة فتبي زناها فليبعها ولو ببل من شعر » .
وف رواية :سئل النب عن المة إذا زنت ول تصن قال « :إن زنت
فاجلدوها » الديث .وعن علي بن أب طالب رضي ال عنه أنه خطب
فقال ( :يا أيها الناس أقيموا الد على إمائكم من أحصن منهن ومن ل
يصن ) .رواه مسلم .وعند أب داود مرفوعًا « :أقيموا الدود على ما
ملكت أيانكم » .
وقوله تعال ﴿ :ذَلِ كَ لِ َم نْ خَشِ َي اْلعَنَ تَ ِمْنكُ ْم َوأَن تَ صْبِرُواْ َخيْرٌ ّلكُ مْ
وَاللّ ُه َغفُورٌ رّحِي مٌ ﴾ ،قال ابن عباس :العنت الزنا .وقال السدي ﴿ :
ُمـ ﴾ يقول :وإن تصـبوا ول تنكـح المـة فيكون
َصـبِرُواْ َخيْرٌ ّلك ْ
َوأَن ت ْ
ولدك ملوكي فهو خي لكِ .
قوله عز و جل ُ ﴿ :يرِيدُ اللّ هُ لِيُبَيّ َن َلكُ ْم َويَ ْه ِديَكُ مْ سُنَ َن الّذِي نَ مِن
قَبْ ِلكُ ْم َويَتُو بَ عَلَ ْيكُ مْ وَاللّ هُ عَلِي ٌم َحكِي مٌ ( )26وَاللّ ُه ُيرِي ُد أَن يَتُو بَ
497 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
499 توفيق الرحن ف دروس القرآن
بليلة جارك » .وقرأ علي نا ر سول ال ﴿ :وَالّذِي نَ لَا يَ ْدعُو نَ َم عَ اللّ ِه
س اّلتِي حَرّ مَ اللّ هُ إِلّا بِالْحَقّ وَلَا يَ ْزنُو نَ ﴾ .رواه
إِلَها آخَ َر وَلَا َي ْقتُلُو نَ الّنفْ َ
ابن جرير وغيه .وعن ابن عمر عن النب قال « :الكبائر :الشراك
بال ،وعقوق الوالديـن ،وقتـل النفـس ,واليميـ الغموس » .قال ابـن
عباس :الكبائر كل ذنب ختمه ال بنار ،أو غضب ،أو لعنة ،أو عذاب
.وقال :هي إل ال سبعي أقرب من ها إل ال سبع .و ف روا ية :هن إل
سـبعمائة أقرب منهـا إل سـبع ،غيـ أنـه ل كـبية مـع السـتغفار ،ول
صغية مع الصرار .
ضلَ اللّ هُ بِ ِه َبعْضَكُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ تَتَ َمّنوْْا مَا فَ ّ
ب مّمّا اكْتَسَ ْبنَ وَا ْسَألُواْ اللّهَ
ب مّمّا اكْتَ سَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِي ٌ
لّلرّجَا ِل نَ صِي ٌ
مِن فَضْلِ ِه إِنّ اللّ هَ كَا َن ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيما (َ )32ولِ ُك ّل جَعَلْنَا َموَالِ َي مِمّا
َترَ كَ اْلوَاِلدَا نِ وَالَ ْق َربُو َن وَاّلذِي نَ َع َقدَ تْ َأيْمَانُكُ ْم فَآتُوهُ ْم نَ صِيَبهُ ْم إِنّ
اللّهَ كَانَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدا (. ﴾ )33
عن ما هد قال ( :قالت أم سـلمة :يـا ر سول ال تغزو الرجال ول
نغزو ،وإن ا ل نا ن صف الياث ! فنلت ﴿ :وَلَ َتتَ َمّن ْواْ مَا َفضّلَ اللّ ُه بِ هِ
ب مّمّ ا ب مّمّ ا ا ْكتَ سَبُواْ وَلِلنّ سَاء نَ صِي ٌضكُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ لّلرّجَا ِل نَ صِي ٌ
َبعْ َ
ُسـلِمَاتِ ﴾ .وقال ابـن ي وَالْم ُْسـلِ ِم َ
َسـبْنَ ﴾ ،ونزلت ﴿ :إِن ّ الْم ْ اكْت َ
عباس :ل يتمنـ الرجـل يقول :ليـت ل مال فلن وأهله ،فنهـى ال
سبحانه عن ذلك ،ولكن ليسأل ال من فضله .وقال ابن سيين :نيتم
الزء الول 502
عن المان ،ودُللتم على ما هو خي منه ﴿ :وَا ْسأَلُواْ اللّ َه مِن َفضْلِ هِ إِنّ
اللّهَ كَانَ ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيما ﴾ .
قال ابن كثي :أي :هو عليم بن يستحق الدنيا فيعطيه منها ،وبن
يستحق الفقر فيفقره ،وعليم بن يستحق الخرة فيوفقه لعمالا ،وبن
ي ستحق الذلن فيخذله عن تعا طي ال ي وأ سبابه ،و عن ا بن م سعود
قال :قال رسول ال « :سلوا ال من فضله ،فإن ال يب أن يسأل
وإن أفضل العبادة انتظار الفرج » .رواه الترمذي .
وقوله تعال ﴿ :وَِلكُلّ َجعَ ْلنَا َموَالِ َي مِمّا تَرَ َك اْلوَالِدَا ِن وَالَقْ َربُو نَ وَالّذِي نَ
َعقَدَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ فَآتُوهُ ْم نَ صِيبَهُمْ ِإنّ اللّ هَ كَا َن عَلَى كُلّ شَيْ ٍء َشهِيدا ﴾ .
قال ابن عباس ﴿ :وَِلكُلّ َجعَ ْلنَا َموَالِ يَ ِممّا تَرَ كَ الْوَالِدَا ِن وَالَقْ َربُو نَ ﴾ .
قال :الوال :العصبة يعن :الورثة ﴿ .وَالّذِي نَ َعقَدَ تْ َأيْمَانُكُ مْ فَآتُوهُ مْ
َانـ عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدا ﴾ .قال السـن :كان ّهـ ك َ نَصـِيَبهُمْ إِن ّ الل َ
الرجل يالف الرجل ليس بينهما نسب ،فيث أحدها الخر ،فنسخ ال
ضهُ مْ َأوْلَى ِبَبعْ ضٍ فِي ِكتَا بِ ذلك ف النفال فقال َ ﴿ :وُأوْلُواْ الَ ْرحَا مِ َب ْع ُ
اللّ هِ إِنّ اللّ هَ بِكُ ّل َشيْءٍ عَلِي مٌ ﴾ .وقال ا بن عباس :كان الر جل يعا قد
ُمـ
ضه ْ َامـ بَ ْع ُ
الرجـل أيهمـا مات ورثـه الخـر ،فأنزل ال ﴿ َوُأوْلُو اْلأَرْح ِ
َأوْلَى ِببَعْ ضٍ فِي ِكتَا بِ اللّ ِه مِ َن الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُمهَاجِرِي نَ إِلّا أَن َتفْعَلُوا إِلَى
َأوْلِيَائِكُم ّمعْرُوفا ﴾ ،يقول :إل أن يوصـوا إل أوليائهـم الذيـن عاقدوا
وصـية ،فهـو لمـ جائز مـن ثلث مال اليـت ،وذلك هـو العروف وقال
﴿ وَالّذِي نَ َعقَدَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ ﴾ ،كان حلف ف الاهلية ، ماهد :
فأمروا ف السلم أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنصرة والشورة ،ول
503 توفيق الرحن ف دروس القرآن
مياث .وعـن ابـن عباس قال :قال رسـول ال « :ل حلف فـ
ال سلم ،و كل حلف كان ف الاهل ية فلم يزده ال سلم إل شدة ،و ما
يسرن أن ل حر النعم ،وإن نقضت اللف الذي كان ف دار الندوة »
.رواه ابن جرير .
وقال ا بن كث ي ف قوله ﴿ :وَِلكُلّ َجعَلْنَا َموَالِ َي مِمّ ا تَرَ َك اْلوَالِدَا نِ
وَالَقْ َربُو نَ ﴾ ،أي :ور ثة من قرابا ته من أبو يه وأقربائه ،و هم يرثون
دون سائر الناس .كما ثبت ف الصحيحي عن ابن عباس أن رسول ال
قال « :ألقوا الفرائض بأهلها ،فما بقي فهو لول رجل ذكر » .
ّهـ
ض َل الل ُ
ُونـ َعلَى النّسـَاء بِمَا فَ ّ
قوله عـز وجـل ﴿ :الرّجَالُ َقوّام َ
َاتـ
ت قَانِت ٌ
ِمـ فَالصـّالِحَا ُ
ِنـ َأمْوَالِه ْ
ْضـ َوبِم َا أَن َفقُوْا م ْ
ُمـ َعلَى َبع ٍ
َبعْضَه ْ
ظ اللّ هُ وَاللتِي تَخَافُو نَ ُنشُو َزهُنّ َفعِظُوهُنّ
ب بِمَا حَفِ َ
ت لّ ْلغَيْ ِ
حَافِظَا ٌ
ل تَ ْبغُواْ عَلَ ْيهِنّ
ض ِربُوهُنّ َفإِ ْن أَ َطعَْنكُ مْ فَ َ
جرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِ ِع وَا ْ
وَاهْ ُ
ق بَيِْنهِمَا فَابْعَثُواْ
ل إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَ ِليّا َكبِيا ( )34وَإِ ْن خِفْتُ مْ ِشقَا َ
سَبِي ً
حَكَما مّنْ َأهْلِهِ َوحَكَما مّنْ أَهْ ِلهَا إِن ُيرِيدَا إِصْلَحا ُي َوفّقِ اللّهُ بَيَْنهُمَا إِنّ
اللّهَ كَانَ عَلِيما خَبِيا (. ﴾ )35
قال ابـن عباس فـ قوله تعال ﴿ :الرّجَالُ َقوّامُونَـ عَلَى النّسـَاء ﴾ ،
يعن :أمراء .عليها أن تطيعه فيما أمرها ال به من طاعته ،وطاعته أن
تكون م سنة إل أهله ،حاف ظة لاله ،وفضله علي ها بنفق ته و سعيه .وقال
الضحاك :الرجـل قائم على الرأة يأمرهـا بطاعـة ال ،فإن أبـت فله أن
يضرب ا ضربًا غ ي مبح ،أي :غ ي مؤ ثر .وقال ال سدي ﴿ :الرّجَالُ
الزء الول 504
ُونـ عَلَى النّسـَاء ﴾ ،يأخذون على أيديهـن ويؤدبنـ .وقال قتادة : َقوّام َ
( صك ر جل امرأ ته فأ تت ال نب فأراد أن يقيد ها م نه ،فأنزل ال ﴿ :
الرّجَالُ َقوّامُو نَ عَلَى النّ سَاء ﴾ .وقال الزهري :لو أن رجلً شج امرأ ته
أو جرحها ل يكن عليه ف ذلك قود ،وكان عليه العقل ،يعن :الدية ،
إل أن يعدوا عليها فيقتلها فيُقتل با .
وقوله تعال ﴿ :فَال صّالِحَاتُ قَاِنتَا تٌ حَافِظَا تٌ لّ ْل َغيْ بِ بِمَا َحفِ ظَ اللّ هُ
َاتـ ﴾ ،قال
﴾ قال سـفيان ﴿ :فَالصـّالِحَاتُ ﴾ يعملن باليـ ﴿ ،قَاِنت ٌ
ماهــد :مطيعات .وقال قتادة :أي :مطيعات ل ولزواجهــن ﴿ .
ب بِمَا َحفِظَ اللّهُ ﴾ .قال السدي :تفظ على زوجها ماله
حَافِظَاتٌ لّ ْل َغيْ ِ
وفرجها حت يرجع كما أمرها ال .وعن أب هريرة قال :قال رسول ال
« :خ ي الن ساء امرأة إذا نظرت إلي ها سرتك ،وإذا أمرت ا أطاع تك ،
وإذا غبت عنها حفظتك ف نفسها ومالا -ث قرأ رسول ال ﴿ : -
الرّجَالُ َقوّامُو َن عَلَى النّسَاء ﴾ » الية .رواه ابن جرير .قال ابن جرير :
وف الكلم متروك استغن بدللة الظاهر من الكلم عليه عن ذكره ومعناه
﴿ فَال صّالِحَاتُ قَاِنتَا تٌ حَافِظَا تٌ لّ ْل َغيْ بِ بِمَا َحفِ ظَ اللّ هُ ﴾ ،فأح سنوا
إليهن وأصلحوا .
وقوله تعال ﴿ :وَاللتِي تَخَافُو َن نُشُو َزهُنّ َفعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِي
ل تَْبغُواْ عََلْيهِنّ َسبِيلً إِنّ اللّ هَ كَا نَ
ض ِربُوهُنّ َفإِ نْ أَ َط ْعنَكُ مْ َف َ
الْ َمضَاجِ عِ وَا ْ
عَِليّا َكبِيا ﴾ .قال ابـن زيـد :النشوز معصـية الزوج وخلفـه .وقال
ما هد :إذا نشزت الرأة عن فراش زوج ها يقول ل ا :ات قي ال وارج عي
إل فراشـك ،فإن أطاعتـه فل سـبيل عليهـا .وقال ابـن عباس :فـ قوله
505 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِهـ
ّنـَأهْل ِ
َاقـ َبيِْنهِمَا فَاْبعَثُواْ َحكَما م ْ
ُمـ ِشق َ وقوله تعال َ ﴿ :وإ ْ
ِنـ ِخ ْفت ْ
صلَحا ُيوَفّ قِ اللّ ُه َبْيَنهُمَا ِإنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما
وَ َحكَما مّ نْ َأهِْلهَا إِن يُرِيدَا إِ ْ
َخبِيا ﴾ .قال ال سدي ف قوله تعال َ ﴿ :وإِ نْ ِخ ْفتُ مْ ِشقَا قَ َبْيِنهِمَا ﴾ ،
إن ضربا فأبت أن ترجع وشاقته ،يقول :عادته .وقال سعيد بن جبي
يعظ ها :فإن انت هت وإل هجر ها ،فإن انت هت وإل ضرب ا ،فإن انت هت
وإل رفع أمرها إل السلطان ،فيبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ،
فيقول ال كم الذي من أهل ها :يف عل ب ا كذا ،ويقول ال كم الذي من
أهله :تفعـل بـه كذا ،فأيهمـا كان الظال رده السـلطان ،وأخـذ فوق
يد يه ،وإن كا نت ناشزًا أمره أن يلع .وقال ا بن عباس ف قوله ﴿ :إِن
ّهـ َبيَْنهُم َا ﴾ ،وذلك الكمان ،وكذلك كـل ّقـ الل ُِصـلَحا ُيوَف ِ يُرِيدَا إ ْ
مصلح يوفقه ال للحق والصواب .
وقال البخاري :باب الشقاق :وهـل يشيـ باللع عنـد الضرورة ؟
ق بَْيِنهِمَا ﴾ الية .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِنْ ِخ ْفتُ ْم ِشقَا َ
قال ابن بطال :أجع العلماء على أن الخاطب بقوله تعال َ ﴿ :وإِ نْ
ـا ﴾ ،الكام ،وأن الراد بقوله ﴿ :إِن يُرِيدَا
ـ ِشقَاقــَ َبْيِنهِمَـ
ِخ ْفتُمـ ْ
صلَحا ﴾ ،الكمان ،وأن الكم ي يكون أحده ا من ج هة الر جل ، إِ ْ
والخر من جهة الرأة ،إل أن ل يوجد من أهلهما من ي صلح ،فيجوز
أن يكون مـن الجانـب منـ يصـلح لذلك ،وأنمـا إذا اختلفـا ل ينفـذ
قولما ،وإن اتفقا نفذ ف الميع بينهما من غي توكيل .واختلفوا فيما
إذا اتف قا على الفر قة :فقال مالك ،والوزا عي ،وإ سحاق :ين فذ بغ ي
توكيـل ول إذن مـن الزوجيـ .وقال الكوفيون ،والشافعـي ،وأحدـ :
507 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يتاجان إل الذن .فأمـا مالك ومـن تابعـه فألقوه بالعنّيـ والول ،فإن
الا كم يطلق عليه ما ،فكذلك هذا وأيضًا ،فل ما كان الخا طب بذلك
الكام ،وأن الرسال إليهم دل على أن بلوغ الغاية من المع أو التفريق
إليهـم ،وجرى الباقون على الصـل ،وهـو أن الطلق بيـد الزوج ،فإن
أذن ف ذلك وإل طلق عليه الاكم ) .انتهى .
وقال الشيخ ابن سعدي :ومهما وجدا طريقًا إل الصلح والتفاق
واللءمة بينهما ل يعدِل عنها إما بتنازل عن بعض القوق ،أو ببذل مال
أو غي ذلك ،فإن تعذرت الطرق كلها ،ورُأي أن التفريق بينهما أصلح
لتعذر اللءمة ،فرقا بينهما با تقتضيه الال ،بعوض أو بغي عوض ،ول
يشترط ف هذا ر ضى الزوج ،لن ال ساها حكم ي ل وكيل ي .و من
قال :أن ما وكيلن اشترط ف التفر يق ر ضى الزوج ،ول كن هذا القول
ضعيـف .ولحبـة الباري للتفاق بينهمـا ،وترجيحـه على الخـر قال :
صلَحا ُيوَفّقِ اللّ ُه َبْيَنهُمَا ﴾ .انتهى .
﴿ إِن يُرِيدَا إِ ْ
وقوله تعال ِ ﴿ :إنّ اللّهَ كَا َن عَلِيما َخبِيا ﴾ .
قال ابن جرير :يعن جل ثناؤه ﴿ :إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما ﴾ ،با أراد
الكمان من إصلح بي الزوجي وغيه َ ﴿ ،خبِيا ﴾ بذلك وبغيه من
أمور غيه ا ،ل ي فى عل يه ش يء م نه ،حا فظ علي هم ح ت يازي كلً
منهـم جزاءه ،بالحسـان إحسـانًا وبالسـاءة غفران ًا أو عقاب ًا .وبال
التوفيق .
***
الزء الول 508
***
509 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :الّذِي َن َيبْخَلُو نَ َوَي ْأمُرُو نَ النّا سَ بِاْلبُخْ ِل َوَي ْكتُمُو نَ مَا
آتَاهُ مُ اللّ ُه مِن َفضْلِ هِ ﴾ .قال طاووس :البخل :أن يبخل النسان با ف
يديه .والشح :أن يشح على ما ف أيدي الناس .قال يب أن يكون له
ما ف أيدي الناس بالل والرام ل يقنع .وقال قتادة ف قوله ﴿ :الّذِي نَ
س بِاْلبُخْلِ ﴾ ،هم :أعداء ال أهل الكتاب ،بلوا
َيبْخَلُو َن َويَ ْأمُرُو نَ النّا َ
بق ال عليهم ،وكتموا السلم وممدًا ،وهم يدونه مكتوبًا عندهم
ف التوراة والنيل .
قال ابن كثي :والظاهر أن السياق ف البخل بالال ،وإن كان البخل
بالعلم داخلً فـ ذلك بطريـق الول ،فإن السـياق فـ النفاق على
القارب والضعفاء .
وقوله تعال َ ﴿ :وَأ ْعتَ ْدنَا ِل ْلكَافِرِي َن عَذَابا ّمهِينا ﴾ .
قال ابن كثي :فالبخيل جحود لنعمة ال ،ول تظهر عليه ،كما قال
شهِيدٌ ﴾ ،أي : ِكـلَ َ
ّهـ عَلَى ذَل َ
ّهـَل َكنُودٌ * َوِإن ُ تعال ﴿ :إِنّ الِنسـَانَ ِل َرب ِ
ِهـ
ّهـ مِن َفضْل ِ
ُمـ الل ُ
ُونـ مَا آتَاه ُ
باله وشائله .وقال هـا هنـا َ ﴿ :ويَ ْكتُم َ
﴾ ولذا نوعد كم بقوله َ ﴿ :وَأ ْعتَدْنَا لِ ْلكَافِرِي َن عَذَابا ّمهِينا ﴾ والك فر :
هو ال ستر والتغط ية ،فالبخ يل ي ستر نع مة ال عل يه ويكتم ها ويحد ها .
ف هو كا فر لنع مة ال عل يه .و ف الد يث « :أن ال إذا أن عم نع مة على
عبـد أحـب أن يظهـر أثرهـا عليـه » .وفـ الدعاء النبوي « :واجعلنـا
شاكر ين لنعم تك ،مثن ي ب ا عل يك ،قابلي ها ،وأتم ها علي نا » .انت هى
ملخصًا .
الزء الول 512
ّاسـ وَلَ
ُمـ ِرئَــاء الن ِ
ُونـ َأ ْموَاَله ْ
ِينـ يُنفِق َ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَالّذ َ
يُ ْؤمِنُو َن بِاللّهِ َولَ بِالَْيوْ ِم ال ِخ ِر وَمَن َيكُ ِن الشّيْطَا ُن لَهُ َقرِينا فَسَاء ِقرِينا (
)38وَمَاذَا َعلَ ْيهِ ْم لَوْ آمَنُواْ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الخِ ِر َوأَن َفقُواْ مِمّا رَ َز َقهُ ُم اللّ هُ
وَكَانَ ال ّلهُ بِهِم عَلِيما (. ﴾ )39
قال ال سدي :نزلت ف النافق ي .قال ا بن كث ي :ذ كر الم سكي
الذمومي وهم البخلء ،ث ذكر الباذلي الرائي الذين يقصدون بإعطائهم
السمعة ،وأن يدحوا بالكرم ،ول يريدون بذلك وجه ال ،وف حديث
الثلثـة الذيـن هـم أول مـن تسـجر بمـ النار وهـم :العال ،والغازي ،
والن فق الراءون بأعمال م ( .يقول صاحب الال :ما تر كت من ش يء
تب أن ينفق فيه إل أنفقت ف سبيلك .فيقول ال :كذبت إنا أردت
أن يقال :جواد ،فقـد قيـل .أي :فقـد أخذت جزاءك فـ الدنيـا وهـو
الذي أردت بفعلك ) .وإن رسـول ال قال لعدي بـن حاتـ « :إن
أباك أراد مرادًا فبلغه » .وف حديث آخر أن رسول ال سئل عن عبد
ال بن جدعان :هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال « :ل ،إنه ل يقل يومًا
مـن الدهـر :رب اغفـر ل خطيئتـ يوم الديـن » .ولذا قال ﴿ :وَلَ
ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَ َل بِاْلَيوْ مِ الخِرِ ﴾ ال ية ،أي :إن ا حل هم على صنيعهم
هذا القب يح وعدول م عن ف عل الطا عة على وجه ها الشيطان ،فإ نه سول
لم وأملى لم ،وقارنم ،فحسن لم القبائح ،ولذا قال تعال َ ﴿ :ومَن
شيْطَانُ لَهُ َقرِينا فَسَاء ِقرِينا ﴾ ،ولذا قال الشاعر :
يَكُنِ ال ّ
فكــل قريــن بالقارَن يقتدي عن الرء ل تسأل وسل عن قرينه
(
(
513 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ث قال تعال َ ﴿ :ومَاذَا عََلْيهِمْ َلوْ آ َمنُواْ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َوأَن َفقُواْ مِمّا
رَزََقهُ مُ اللّ هُ ﴾ ال ية ،أي :وأي ش يء يضر هم لو آمنوا بال ،و سلكوا
الطريـق الميدة ،وعدلوا عـن الرياء إل الخلص واليان بال ،رجاء
موعوده فـ الدار الخرة لنـ يسـن عمله ،وأنفقوا ماـ رزقهـم ال فـ
ّهـ بِه ِم
َانـ الل ُ
الوجوه اللتـ يبهـا ال ويرضاههـا ؟ [ و ] قوله ﴿ :وَك َ
عَلِيما ﴾ ،أي :وهو عليم بنياتم الصالة والفاسدة ،وعليم بن يستحق
التوف يق من هم وإلا مه ورشده ويقب ضه لع مل صال ير ضى به ع نه ،وب ن
يستق الذلن والطرد عن جنابه العظم اللي ،الذي من طرد عن بابه
فقد خاب وخسر ف الدنيا والخرة ،عياذًا بال من ذلك .انتهى .
َسـَنةً
َكـ ح َ
ِمـ مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة وَإِن ت ُ
قوله عـز وجـل ﴿ :إِنّ اللّهَـ َل يَظْل ُ
ف ِإذَا جِئْنَا مِن ُكلّ
ت مِن لّ ُدنْ هُ َأجْرا عَظِيما ( )40فَكَيْ َ
يُضَا ِعفْهَا وَُيؤْ ِ
ِينـ
ِكـ َعلَى هَــؤُلء َشهِيدا ( )41يَ ْومَِئذٍ َي َودّ اّلذ َ
شهِي ٍد وَجِئْن َا ب َ
أمّ ٍة ِب َ
ض َولَ َيكْتُمُو نَ اللّ َه حَدِيثا
سوّى ِبهِ مُ الَرْ ُ
صوُْا الرّ سُو َل لَ ْو تُ َ
َك َفرُوْا وَعَ َ
(. ﴾ )42
قال ابـن عباس فـ قوله ِ ﴿ :مْثقَالَ َذ ّرةٍ ﴾ ،قال :رأس نلة حراء .
وقال قتادة :كان بعـض أهـل العلم يقول :لن تفضـل حسـنات على
سيئات ما يزن ذرة ،أحب إلّ من أن تكون ل الدنيا جيعًا .وعن أنس
أن رسـول ال قال « :إن ال ل يظلم الؤمـن حسـنة يثاب عليهـا ،
الرزق ف الدنيا ويزي با ف الخرة .وأما الكافر فيطعم با ف الدنيا ،
فإن كان يوم القيامة ل تكن له حسنة » .رواه ابن جرير وغيه .
الزء الول 514
فإنم لا رأوا ال ل يدخل النة إل أهل السلم قالوا :تعالوا فلنجحد ،
ّهـ َربّنَا مَا ُكنّاـ مُشْرِكِيَ ﴾ فختـم ال على أفواههـم ، فقالوا ﴿ :وَالل ِ
وتكلمت أيديهم وأرجلهم ،فل يكتمون ال حديثًا .وقال السن :إنا
مواطـن :ف في موطـن ل يتكلمون ،ول تسـمع إل هسـًا ،و ف موطـن
يتكلمون ويكذبون ،وف موطن يسألون الرجعة ،وآخر تلك الواطن أن
يتم على أفواههم ،وتتكلم جوارحهم .وهو قوله ﴿ :وَلَ َي ْكتُمُو نَ اللّ هَ
حَدِيثا ﴾ .وال أعلم .
***
الزء الول 516
***
الزء الول 518
ُمـ
ل َة َوأَنت ْ
الصـ َ
ِينـ آمَنُواْ لَ َت ْقرَبُواْ ّ
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذ َ
ُسكَارَى حَّتىَ َتعْلَمُواْ مَا َتقُولُو َن َولَ جُنُبا إِل عَاِبرِي سَبِيلٍ حَّتىَ تَغَْتسِلُواْ
ِطـ َأوْ
سـفَ ٍر َأوْ جَاء َأحَ ٌد مّنك ُم مّنـ اْلغَآئ ِ
وَإِن كُنت ُم ّمرْض َى أَوْ عَلَى َ
ـحُواْ
ـعِيدا طَيّبا فَامْس َ
جدُواْ مَاء فَتَيَمّمُواْ ص َ
ـ تَ ِ
ـتُ ُم النّسـَاء فَلَم ْ
لَمَس ْ
بِ ُوجُو ِهكُ ْم َوأَْيدِي ُكمْ إِ ّن ال ّلهَ كَانَ َع ُفوّا َغفُورا (. ﴾ )43
روى ا بن جر ير عن عل يّ :أ نه كان هو وع بد الرح ن ور جل آ خر
شربوا ال مر ،ف صلى ب م ع بد الرح ن فقرأ ﴿ :قُلْ يَا َأيّهَا اْلكَافِرُو نَ
لةَ َوأَنتُ مْ سُكَارَى ﴾ .و عن صَ﴾ فخلط في ها ،فنلت َ ﴿ :ل َتقْ َربُواْ ال ّ
أ ب رز ين قال :كانوا يشربون بعد ما أنزلت ال ت ف البقرة وب عد ال ت ف
النساء ،فلما أنزلت الت ف الائدة تركوها .وعن أنس قال :قال رسول
ال « :إذا ن عس أحد كم و هو ي صلي فلين صرف ولي نم ح ت يعلم ما
يقول » .رواه البخاري ،والنسائي .وف بعض ألفاظه « :فلعله يذهب
يستغفر فيسب نفسه » .
ـلُواْ ﴾ ،قال وقوله تعال ﴿ :وَلَ ُجنُبا إِل عَابِرِي س َ
ـبِيلٍ َحتّ َى َت ْغتَس ِ
ابن عباس :قوله ﴿ :وَلَ ُجنُبا إِل عَابِرِي َسبِيلٍ ﴾ قال :السافر .يقول
:ل تقربوا ال صلة وأن تم ج نب إذا وجد ت الاء ،فإن ل تدوا الاء ف قد
أحللت لكم أن تسحوا بالرض .وقال إبراهيم ل بأس أن ير النب ف
السجد إذا ل يكن له طريق غيه .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِن كُنتُم مّرْضَى َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َأوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مّ ن
صعِيدا َطيّبا فَامْ سَحُواْ
جدُواْ مَاء َفَتيَمّمُواْ َ
ستُ ُم النّ سَاء فََل ْم تَ ِ
الْغَآئِ طِ َأوْ َلمَ ْ
ِبوُجُو ِهكُ ْم َوَأيْدِيكُ مْ إِنّ اللّ هَ كَا َن َع ُفوّا َغفُورا ﴾ .عن ا بن أ ب ملي كة
519 توفيق الرحن ف دروس القرآن
علي رضـي ال عنـه أنـه كان يقول :التيمـم لكـل صـلة .قال شيـخ
السلم ابن تيمية :وأعدل القوال :التيمم لوقت كل صلة .
َابـ
ّنـ الْكِت ِ
ِينـ أُوتُواْ نَصـِيبا م َ
َمـ َت َر ِإلَى الّذ َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :أل ْ
ـ
ـ أَعْلَم ُ
ـبِيلَ ( )44وَاللّه ُ
ـ أَن تَضِلّواْ الس ّ
لَل َة وَُيرِيدُون َ
ـ الضّ َ
َيشَْترُون َ
ِبأَ ْعدَائِكُ مْ وَكَفَى بِاللّ ِه َولِيّا وَكَفَى بِاللّ ِه نَ صِيا ( )45مّ َن الّذِي َن هَادُواْ
َاسـمَعْ غَ ْيرَ
َصـْنَا و ْ
ُونـ سَـِمعْنَا وَع َي
ِهـ وََيقُول َ
ضع ِِمـ عَن ّموَا ِ
ح ّرفُونَـ اْلكَل َ
يُ َ
سـِمعْنَا
ُمـ قَالُواْ َ
ّينـ َولَ ْو َأنّه ْ
ْسـنَِت ِه ْم وَ َطعْنا فِي الد ِ
ُسـمَ ٍع وَرَاعِنَا لَيّا ِبَأل ِ
م ْ
وَأَ َطعْنَا وَاسْمَ ْع وَان ُظرْنَا لَكَا َن خَيْرا ّلهُ ْم َوَأقْوَ َم َولَكِن ّلعَنَهُمُ اللّ ُه بِ ُك ْفرِهِمْ
ل ُيؤْمِنُو َن إِل قَلِيلً (. ﴾ )46
فَ َ
قال ابن عباس :كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود ،
إذا كلم رسـول ال لوى لسـانه وقال :راعنـا سـعك يـا ممـد حتـ
نفه مك ،ث ط عن ف ال سلم وعا به ،فأنزل ال ﴿ :أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي نَ
ضلََلةَ ﴾ إل قوله َ ﴿ :فلَ ُيؤْ ِمنُو نَ إِل شتَرُو نَ ال ّ
أُوتُواْ نَ صِيبا مّ َن اْل ِكتَا بِ يَ ْ
ِهـ ﴾ ، ضع ِ ِمـ عَن ّموَا ِ ُونـ اْلكَل َ
حرّف َ
قَلِيلً ﴾ .وقال ماهـد فـ قوله ﴿ :يُ َ
تبديل اليهود التوراة .وقال ابن زيد ف قوله ﴿ :وَاسْمَ ْع َغيْ َر مُسْ َمعٍ ﴾ ،
قال :هذا قول أهـل الكتاب يهود ،كهيئة مـا يقول النسـان :اسـع ل
سعت ،أذى لرسول ال وشتمًا له واستهزاء .
ـ ﴾ ،قال وقوله تعال ﴿ :وَرَاعِنَـا َليّا ِبأَلْس ِ
ـنَِتهِ ْم َو َطعْنا فِـي الدّين ِ
الضحاك :كان الرجل من الشركي يقول :أرعن سعك ،يلوي بذلك
لسانه .يعن :يرف معناه .قال ابن زيد :والراعن :الطأ من الكلم .
521 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :وََلوْ َأّنهُمْ قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا وَاسْمَ ْع وَانظُ ْرنَا َلكَانَ َخيْرا
ل ُيؤْ ِمنُو نَ إِل َقلِيلً ﴾ ،قال ا بن ّلهُ ْم َوأَ ْقوَ مَ وَلَكِن ّل َعَنهُ مُ اللّ ُه ِبكُفْ ِرهِ مْ َف َ
زيد ف قوله ﴿ :وََلوْ َأّنهُمْ قَالُواْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا وَاسْمَ ْع وَانظُ ْرنَا َلكَانَ َخيْرا
ّلهُمْ ﴾ ،قال يقولون :اسع منا فإنا قد سعنا وأطعنا ،وانظرنا فل تعجل
علينا .
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِينَـأُوتُوْا الْكِتَابَـ آمِنُوْا بِمَا َن ّزلْنَا
س ُوجُوها فََن ُردّهَا َعلَى َأ ْدبَارِهَا َأوْ
صدّقا لّمَا َمعَكُم مّ ن قَ ْب ِل أَن نّطْمِ َ
مُ َ
ت وَكَا َن َأ ْمرُ اللّ ِه َمفْعُولً ( )47إِنّ اللّهَ
ب السّبْ ِ
صحَا َ
نَ ْلعَنَهُمْ َكمَا َلعَنّا أَ ْ
شرِ ْك بِاللّ هِ
شرَ َك بِ ِه َويَ ْغ ِفرُ مَا دُو نَ َذلِ كَ لِمَن َيشَا ُء َومَن ُي ْ
لَ َي ْغ ِفرُ أَن ُي ْ
َفقَ ِد افَْترَى ِإثْما عَظِيما (. ﴾ )48
قال ا بن عباس ( :كلم ر سول ال رؤ ساء من أحبار يهود من هم
عبد ال بن صوريا وكعب بن أسد فقال لم « :يا معشر يهود اتقوا ال
وأ سلموا ،فوال إن كم لتعلمون أن الذي جئت كم به ل ق » .فقالوا :ما
نعرف ذلك يا ممد ،وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر ،فأنزل ال
فيهم ﴿ :يَا َأيّهَا الّذِينَ أُوتُوْا الْ ِكتَابَ آ ِمنُوْا بِمَا نَزّْلنَا مُصَدّقا لّمَا َم َعكُم مّن
س وُجُوها َفنَ ُر ّدهَا عَلَى أَ ْدبَا ِرهَا ﴾ الية ) .قال إبراهيم :لا َقبْلِ أَن نّطْمِ َ
سـعها كعـب الحبار قال :يارب آمنـت ،يـا رب أسـلمت .مافـة أن
تصيبه ،ث رجع فأتى أهله باليمن ،ث جاء بم مسلمي ف زمان عمر .
وقوله تعال ِ ﴿ :إنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْرَ َك بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن
يَشَاءُ وَمَن يُشْرِ كْ بِاللّ هِ َفقَ ِد ا ْفتَرَى ِإثْما عَظِيما ﴾ ،قال ا بن ع مر :ك نا
الزء الول 522
وقوله تعال ﴿ :فَ ِمْنهُم مّنْ آمَنَ بِ ِه َو ِمنْهُم مّن صَ ّد َعنْهُ وَ َكفَى بِ َ
ج َهنّمَ
َسعِيا ﴾ ،قال ما هد َ ﴿ :ف ِمنْهُم مّ نْ آمَ َن بِ هِ ﴾ ،قال :ب ا أنزل على
ص ّد َعنْهُ ﴾ .
ممد من يهود َ ﴿ ،ومِْنهُم مّن َ
وقال ا بن كث ي َ ﴿ :ف ِمنْهُم مّ نْ آمَ َن بِ هِ ﴾ ،أي :بذا اليتاء وهذا
ْهـ ﴾ ،أي :كفـر بـه ،وأعرض عنـه ، صـّد َعن ُ
النعام َ ﴿ ،و ِمنْهُم مّنـ َ
و سعى ف صد الناس ع نه ،و هو من هم ،و من جن سهم ،ف قد اختلفوا
عليهم ،فكيف بك يا ممد ،ولست من بن إسرايئل ؟ فالكفرة منهم
ج َهنّ مَ َسعِيا ﴾ ،
أ شد تكذيبًا لك ،ولذا قال متوعدًا ل م ﴿ ،وَكَفَى بِ َ
أي :وكفى بالنار عقوبة لم على كفرهم وعنادهم ومالفتهم كتب ال
ورسلِه .
ف نُصْلِي ِهمْ نَارا كُلّمَا
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ الّذِينَ َك َفرُوْا بِآيَاتِنَا سَوْ َ
ت جُلُو ُدهُ مْ َب ّدلْنَاهُ ْم جُلُودا غَ ْي َرهَا لَِيذُوقُوْا الْ َعذَا بَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ
نَضِجَ ْ
ـُن ْدخِلُ ُهمْ
تس َ
ـ آمَنُواْ وَ َعمِلُوْا الصـّالِحَا ِ
َعزِيزا حَكِيما ( )56وَالّذِين َ
جرِي مِن تَحْتِهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِينَـ فِيهَا َأبَدا ّلهُم ْـ فِيهَا أَ ْزوَاجٌـ
جَنّاتٍـتَ ْ
مّ َط ّهرَ ٌة َونُ ْدخِ ُلهُمْ ظِـلّ َظلِيلً (. ﴾ )57
قال ابن عمر ف قوله َ ﴿ :نضِجَتْ ُجلُو ُدهُ ْم بَدّْلنَاهُمْ جُلُودا غَيْ َرهَا ﴾
قال :إذا احتر قت جلود هم بدلنا هم جلودًا بيضًا أمثال القراط يس .قال
السن :تنضجهم ف اليوم سبعي ألف مرة .
وقوله تعال ﴿ :وَالّذِي نَ آ َمنُواْ َوعَمِلُوْا ال صّالِحَاتِ َسنُدْخُِلهُمْ َجنّا تٍ
َاجـ مّ َطهّ َرةٌ
ُمـ فِيهَا أَ ْزو ٌ
ِينـ فِيهَا َأبَدا ّله ْ
حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِد َ
تَجْرِي مِن تَ ْ
525 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 526
مّ سْتَقِيما (َ )68ومَن يُ ِط عِ اللّ َه وَالرّ سُولَ َفُأوْلَـِئكَ مَ َع الّذِي نَ َأْنعَ َم اللّ هُ
سنَ أُولَ ـئِكَ
ي وَحَ ُ
حَش َهدَاء وَال صّالِ ِ
ي وَال ّ
صدّيقِ َ
عَلَيْهِم مّ نَ النّبِيّيَ وَال ّ
ضلُ ِمنَ ال ّل ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ عَلِيما (. ﴾ )70
َرفِيقا (َ )69ذِلكَ اْلفَ ْ
***
الزء الول 528
ت ِإلَى أَهْلِهَا
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ اللّ هَ َي ْأ ُمرُكُ ْم أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَا ِ
حكُمُواْ بِاْلعَ ْدلِ إِنّ اللّ هَ ِنعِمّا َيعِظُكُم بِ ِه إِنّ
وَِإذَا َحكَمْتُم بَيْ نَ النّا سِ أَن تَ ْ
اللّ هَ كَا نَ سَمِيعا بَ صِيا ( )58يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوْا أَطِيعُواْ اللّ َه َوأَطِيعُواْ
ّهـ
ّوهـ ِإلَى الل ِ
ُمـ ف ِي شَيْ ٍء َف ُرد ُ
ُمـ َفإِن تَنَازَعْت ْ
الرّسـُولَ َوُأوْلِي ا َل ْمرِ مِنك ْ
س ُن تَ ْأوِيلً
وَالرّ سُولِ إِن كُنتُ ْم ُتؤْمِنُونَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخ ِر َذلِكَ خَ ْي ٌر وََأحْ َ
(. ﴾ )59
قال ز يد بن أ سلم :نزلت هذه ال ية ﴿ :إِنّ اللّ هَ يَ ْأمُرُكُ مْ أَن تُؤدّواْ
الَمَانَا تِ إِلَى أَهِْلهَا ﴾ ف ولة المر .وقال علي بن أب طالب رضي ال
عنه حق على المام أن يكم با أنزل ال ،وأن يؤدي المانة ،وإذا فعل
ـمعوا وأن يطيعوا ،وأن ييبوا إذا دعوا . ـق على الناس أن يسـ ذلك فحـ
وقال ابـن جريـج :قوله ﴿ ( :إِنّ اللّهَـ يَ ْأمُرُكُم ْـأَن تُؤدّوْا الَمَانَاتِـإِلَى
َأهْلِهَا ﴾ نزلت ف عثمان بن طل حة ق بض م نه ال نب مفات يح الكع بة
ود خل ب ا الب يت يوم الف تح ،فخرج و هو يتلو هذه ال ية .فد عا عثمان
فدفع إليه الفتاح ) .
قال ابن جرير :جائز أن تكون نزلت فيه ،وأريد به كل مؤتن على
أمانة ،فدخل فيه ولة أمور السلمي ،وكل مؤتن على أمانة ف دين أو
دنيا .
وقال ابـن كثيـ :وهذا مـن الشهورات ،إن هذه اليـة نزلت فـ
ذلك ،يعنـ :مفتاح الكعبـة .وسـواء كانـت نزلت فـ ذلك أو ل ،
فحكم ها عام ،ولذا قال ا بن عباس :هي للب والفا جر ،أي :هي أ مر
كل أحد بأداء المانة .وف الديث الصحيح أن رسول ال قال « :
529 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ أُولَ ـئِكَ الّذِي َن َيعْلَ مُ اللّ ُه مَا فِي قُلُوِبهِ مْ ﴾ من النفاق َ ﴿ ،فَأعْرِ ْ
ض
سهِمْ َقوْلً بَلِيغا ﴾ .قال ال سن :القولعَْنهُ ْم َوعِ ْظهُ ْم وَقُل ّلهُ مْ فِي أَنفُ ِ
البليغ أن يقول لم :إن أظهرت ما ف قلوبكم من النفاق قتلتم .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا أَرْ َس ْلنَا مِن رّ سُولٍ إِل ِليُطَا َ
ع بِإِذْ نِ اللّ هِ ﴾ .قال
ماهد :واجب لم أن يطيعهم من شاء ال ،ل يطيعهم أحد إل بإذن ال
.
قال ابـن جريـر :وإناـ هذا تعريـض مـن ال تعال ذكره لؤلء
النافقي ،بأن تركهم طاعة ال ،وطاعة رسوله والرضى بكمه ،إنا هو
للسابق لم من خذلنه وغلبته الشقاء عليهم .
وقوله تعال ﴿ :وََلوْ َأّنهُ مْ إِذ ظَّلمُواْ أَنفُ َ
سهُمْ جَآؤُو كَ فَا ْسَت ْغفَرُواْ اللّ هَ
ـ ْغفَرَ َلهُمُـ الرّسـُولُ َلوَ َجدُواْ اللّهَـَتوّابا رّحِيما ﴾ .قال ماهـد :عنـ
وَاس ْتَ
بذلك :اليهود والسلم اللذين تاكما إل كعب بن الشرف .
ج َر َبيَْنهُمْ
حكّمُوكَ فِيمَا شَ َ قوله تعال َ ﴿ :ف َ
ل وَ َربّكَ َل ُي ْؤمِنُونَ َحّتىَ ُي َ
ت َويُ سَلّمُوْا تَ سْلِيما ﴾ .قال
ضيْ َ
جدُواْ فِي أَنفُ سِهِمْ حَرَجا مّمّ ا َق َ
ثُمّ َل يَ ِ
ماهد :هذا الرجل اليهودي والرجل السلم اللذان تاكما إل كعب بن
الشرف .وعن الزبي بن العوام :أنه خاصم رجلً من النصار قد شهدًا
بدرًا مع رسول ال ف شراج من الرة كانا يسقيان به كلها النخل .
فقال النصاري :سرّح الاء ير فأب عليه .فقال رسول ال « :
ا ستق يا زبي ث أرسل الاء إل جارك » .فغضب النصاري وقال :يا
ر سول ال إن كان ا بن عم تك ؟ فتلون و جه ر سول ال ث قال « :
استق يا زبي ث احبس الاء حت يصل إل الِدْر » واستوعى رسول ال
الزء الول 532
للزبي حقه .وكان رسول ال قبل ذلك أشار على الزبي ،بل أي
:أراد ف يه الشف قة له وللن صاري ،فل ما أح فظ ر سول ال الن صاري
استوعب للزبي حقه ف صريح الكم .قال فقال الزبي :ما أحسب هذه
ُوكـ فِيمَا
حكّم َ
ُونـ َحّت َى يُ َ
ّكـ َل ُي ْؤمِن َ
ل وَ َرب َ
اليـة نزلت إل فـ ذلك ﴿ َف َ
شَجَرَ بَْيَنهُ مْ ﴾ الية .رواه ا بن جرير .وف رواية :ث قال « :يا زبي
الاء » . احبس الاء إل الدر أو إل الكعبي ،ث خل سيل
قال ابـن جريـر :غيـ مسـتحيل أن تكون اليـة نزلت فـ قصـة
الحتكمي إل الطاغوت ،ويكون فيها بيان ما احتكم فيه الزبي وصاحبه
النصاري إذ كانت الية دالة على ذلك .
ُسـ ُكمْ َأوِ
َنـ اقْتُلُواْ أَنف َ
ِمـ أ ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وَلوْ َأنّاـ َكتَبْنَا عَلَ ْيه ْ
ا ْخ ُرجُواْ مِن ِديَارِكُم مّا َفعَلُو ُه إِل قَلِي ٌل مّ ْنهُمْ َوَلوْ َأّنهُ ْم َفعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ
بِهِـلَكَانَـ خَيْرا ّلهُم ْـ َوأَ َشدّ تَثْبِيتا ( )66وَإِذا لّآتَيْنَاهُم مّنـّل ُدنّــا َأجْرا
ّهـ
ِعـ الل َ
ّسـتَقِيما ( )68وَم َن يُط ِ
صـرَاطا م ْ
ُمـ ِ
عَظِيما (َ )67وَلهَ َديْنَاه ْ
صدّيقِيَ
وَالرّ سُولَ فَُأ ْولَـِئكَ َم َع اّلذِي نَ َأْنعَ مَ اللّ هُ عَ َل ْيهِم مّ نَ النّبِيّيَ وَال ّ
ضلُ مِ نَ
سنَ أُولَ ـئِكَ َرفِيقا (َ )69ذلِ كَ اْلفَ ْ
ي َوحَ ُ
شهَدَاء وَال صّالِحِ َ
وَال ّ
اللّ ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ عَلِيما (. ﴾ )70
عن ماهد ﴿ :وََلوْ َأنّا َكَتبْنَا عََلْيهِ مْ أَ ِن اقْتُلُواْ أَنفُ َ
سكُمْ َأوِ ا ْخرُجُواْ مِن
ِديَارِكُم ﴾ كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضًا بالناجر ل
يفعلوا ﴿ ،إِل قَلِي ٌل ّمْنهُ مْ ﴾ .وقال أبو إسحاق السبيعي ( :لا نزلت :
﴿ وََلوْ َأنّا َكَتْبنَا عََلْيهِمْ أَ ِن اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ َأوِ اخْرُجُوْا مِن ِديَارِكُم مّا َفعَلُوهُ
إِل َقلِي ٌل ّمْنهُ مْ ﴾ ،قال رجل :لو أمرنا لفعلنا ،والمد ل الذي عافانا ،
533 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فبلغ ذلك النب فقال « :إن من أمت لرجالً ،الِيان أثبت ف قلوبم
من البل الرواسي » ) .
وقوله تعال ﴿ :وََلوْ َأّنهُ مْ َفعَلُواْ مَا يُوعَظُو َن بِ هِ ﴾ ،يؤمرون به من
طاعة الرسول والرضى بكمه َ ﴿ ،لكَا نَ َخيْرا ّلهُ مْ َوأَشَ ّد َتْثبِيتا ﴾ ،أي
:ت صديقًا .قال ال سدي َ ﴿ :وإِذا لّآَتيْنَاهُم مّ ن لّ ُدنّ ـا أَجْرا عَظِيما ﴾ ،
سَتقِيما ﴾ ف الدنيا والخرة . يعن :النة ﴿ .وََلهَ َدْينَاهُمْ صِرَاطا مّ ْ
وقوله تعال َ ﴿ :ومَن يُطِعِ اللّ َه وَال ّرسُولَ َفُأوْلَـئِكَ َم َع الّذِينَ َأْنعَمَ اللّهُ
ـكَ َسـنَ أُولَـ ئِ
ي وَح ُ
ح َ
شهَدَاء وَالصـّالِ ِ
ي وَال ّ
َالصـدّيقِ َ
ّنـ الّنِبيّيَ و ّ
عََليْهِم م َ
رَفِيقا ﴾ .عن مسروق قال :قال أصحاب رسول ال :ما ينبغي لنا
أن نفارقك ف الدنيا ،فإنك لو قدّمت رفعت فوقنا فلم نرك ،فأنزل ال :
﴿ َومَن يُطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ ﴾ الية .وعن ربيعة بن كعب السلمي قال :
كنت أبيت عند النب ،فأتيته بوضوئه وحاجته فقال ل « :سل » .
فقلت :يـا رسـول ال أسـألك مرافقتـك فـ النـة .فقال « :أوَ غيـ
ذلك » ؟ قلت :هو ذاك .قال « :فأعنّي على نفسك بكثرة السجود »
.رواه مسلم .
وقوله تعال ﴿ :ذَلِ َ
ك الْ َفضْ ُل مِ نَ اللّ هِ ﴾ ،أي :برح ته وفضله نالوا
ّهـ عَلِيما ﴾ ،أي :هـو عليـم بنـ يسـتحق الدايـة
ذلك ﴿ .وَكَفَى بِالل ِ
والتوفيق .وف الديث عن النب أنه قال « :قاربوا وسددوا ،واعلموا
أنه ل ينجو أحد منكم بعمله » .قالوا :ول أنت يا رسول ال ؟ قال :
« ول أنا إل أن يتغمد ن ال بف ضل منه ورح ة » .رواه البغوي وغيه .
وبال التوفيق .
الزء الول 534
***
535 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدرس الستون
﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ خُذُوْا ِحذْرَكُ مْ فَانفِرُواْ ثُبَا تٍ َأوِ ان ِفرُواْ جَمِيعا
( )71وَإِنّ مِنكُ مْ لَمَن لّيُبَطّئَنّ َفإِ ْن أَ صَابَ ْتكُم مّ صِيَب ٌة قَا َل َقدْ َأْنعَ مَ اللّ هُ
ض ٌل مّ نَ ال لََيقُوَلنّ
عَ َليّ ِإ ْذ لَ ْم أَكُن ّمعَهُمْ َشهِيدا (َ )72ولَئِ ْن أَ صَاَبكُ ْم فَ ْ
ت َم َعهُ ْم َفأَفُو َز َفوْزا َعظِيما
َكأَن لّ ْم تَكُن بَيَْنكُ ْم َوبَيْنَ هُ َم َو ّدةٌ يَا لَيتَنِي كُن ُ
شرُو َن الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا بِال ِخ َرةِ َومَن
( )73فَلُْيقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ هِ اّلذِي َن َي ْ
ف نُ ْؤتِي ِه َأجْرا عَظِيما ()74
سوْ َ
ب فَ َ
ُيقَاِتلْ فِي سَبِي ِل اللّ ِه فَُيقَْتلْ أَو َيغْلِ ْ
ي مِ نَ ال ّرجَالِ وَالنّ سَاء
ضعَفِ َ
وَمَا َلكُ ْم لَ ُتقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ سْتَ ْ
وَاْلوِْلدَا ِن الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا َأخْ ِرجْنَا مِ ْن هَ ـ ِذهِ اْل َق ْريَ ِة الظّالِ ِم َأهْلُهَا
وَاجْعَل لّنَا مِن ّلدُن كَ وَلِيّا وَاجْعَل لّنَا مِن ّلدُن كَ نَ صِيا ( )75الّذِي نَ
آمَنُواْ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاّلذِينَ َكفَرُواْ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ
ضعِيفا (َ )76ألَ ْم َترَ ِإلَى
َفقَاتِلُوْا َأوْلِيَاء الشّيْطَا نِ إِنّ َك ْيدَ الشّيْطَا نِ كَا نَ َ
ل َة وَآتُوْا الزّكَا َة فَلَمّ ا كُِت بَ
الّذِي َن قِيلَ َلهُ مْ ُكفّواْ َأْيدَِيكُ ْم وََأقِيمُواْ ال صّ َ
خشَْي ِة اللّ ِه أَ ْو َأشَ ّد َخشَْيةً
شوْ َن النّاسَ كَ َ
خَعَلَ ْيهِمُ اْلقِتَالُ إِذَا َفرِيقٌ مّ ْنهُ ْم يَ ْ
ب ُقلْ مَتَا عُ
َوقَالُواْ َربّنَا لِ مَ كَتَبْ تَ عَلَ ْينَا الْقِتَالَ َلوْل َأخّ ْرتَنَا ِإلَى أَ َج ٍل َقرِي ٍ
ُونـ فَتِيلً (َ )77أيْنَم َا
َنـ اتّق َى َولَ تُظْ َلم َ
ال ّدنْي َا قَلِيلٌ وَال ِخ َرةُ خَ ْي ٌر لّم ِ
ج ّمشَّيدَ ٍة َوإِن تُصِ ْبهُ ْم حَسَنَةٌ
تَكُونُواْ ُيدْرِككّمُ الْ َموْتُ َوَلوْ كُنتُ ْم فِي بُرُو ٍ
َيقُولُوْا هَـ ِذ ِه مِ نْ عِندِ اللّ ِه َوإِن تُ صِ ْب ُهمْ سَيّئَ ٌة َيقُولُوْا هَـ ِذهِ مِ نْ عِندِ كَ
ُقلْ ُك ّل مّ نْ عِندِ اللّ هِ فَمَا ِلهَ ـؤُلء اْلقَوْ ِم لَ َيكَادُو َن َي ْفقَهُو َن َحدِيثا (
الزء الول 536
سكَ
ك مِن سَيَّئ ٍة فَمِن ّنفْ ِ
ك مِ ْن حَ سََن ٍة فَمِ َن اللّ ِه َومَا أَ صَابَ َ
)78مّا أَ صَابَ َ
وَأَ ْرسَلْنَا َك لِلنّاسِ َرسُولً وَ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا (. ﴾ )79
***
537 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :يَا أَّيهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ ُخذُوْا ِحذْرَكُ مْ فَان ِفرُوْا ثُبَا تٍ
أَ ِو انفِرُواْ جَمِيعا ( )71وَإِ ّن مِن ُكمْ لَمَن لّيُبَطَّئنّ َفإِ ْن أَصَابَ ْتكُم مّصِيَبةٌ قَالَ
ضلٌ
َقدْ َأْنعَ َم اللّ هُ َعلَيّ ِإ ْذ لَ ْم أَكُن ّمعَهُ مْ شَهِيدا (َ )72ولَئِ نْ أَ صَاَبكُ ْم فَ ْ
ت مَ َعهُ مْ
مّ نَ ال لََيقُولَنّ َكأَن لّ ْم تَكُن بَيَْنكُ ْم َوبَيْنَ ُه مَ َو ّد ٌة يَا لَيتَنِي كُن ُ
شرُو نَ الْحَيَاةَ
َفأَفُو َز َفوْزا عَظِيما ( )73فَلُْيقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن َي ْ
سوْفَ ُن ْؤتِي هِ
ب فَ َ
ال ّدنْيَا بِالخِ َر ِة وَمَن ُيقَاتِ ْل فِي سَبِي ِل اللّ هِ فَُيقَْت ْل أَو َيغْلِ ْ
أَجْرا عَظِيما (. ﴾ )74
َاتـ ﴾ ،يقول :
ُمـ فَانفِرُواْ ثُب ٍ
عـن ابـن عباس قوله ﴿ :خُذُواْ ِحذْرَك ْ
عصبا ،يعن :سرايا متفرقي َ ﴿ .أوِ انفِرُواْ جَمِيعا ﴾ ،يعن :كلكم .
وقال قتادة :الثبات الفِرَق .
وقوله تعال َ ﴿ :وِإنّ مِنكُ مْ لَمَن ّلُيبَ ّطئَنّ فَإِ نْ أَ صَابَْتكُم مّ صِيبَةٌ قَالَ َقدْ
َأنْعَ مَ اللّ ُه عَلَيّ ِإذْ لَ مْ أَكُن ّم َعهُ ْم َشهِيدا ﴾ .قال ا بن جر يج :النا فق
ـَبْتكُم
يبطّ يء ال سلمي عن الهاد ف سـبيل ال ،قال ال ﴿ :فَإِن ْـأَصَا
مّ صِيَبةٌ ﴾ .قال :بقتل العدو من السلمي ﴿ ،قَالَ قَدْ َأْنعَ مَ اللّ ُه عََليّ ِإذْ
لَمْ أَكُن ّم َعهُ ْم َشهِيدا ﴾ .قال :هذا قول الشامت .
وقوله تعال ﴿ :وََلئِن ْـأَصَا
ـَبكُمْ َفضْ ٌل مّنَـ ال َلَيقُولَنّ َكأَن لّم ْـتَكُن
ت َم َعهُمْ َفأَفُوزَ َفوْزا عَظِيما ﴾ .
َبيَْنكُ ْم َوبَْينَ ُه َموَ ّدةٌ يَا لَيَتنِي كُن ُ
قال ا بن جر ير :وهذا خب من ال تعال ذكره عن هؤلء النافق ي ،
أن شهودهم الرب مع السلمي إن شهدوها لطلب الغنيمة ،وإن تلفوا
عنهـا فللشـك الذي فـ قلوبمـ ،وأنمـ ل يرجون لضورهـا ثوابًا ول
الزء الول 538
ـ
ـبِيلِ اللّه ِ
ـ فِـي س َ
ـ لَ ُتقَاتِلُون َ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَمَـا َلكُم ْ
ي مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَاْلوِْلدَا ِن الّذِي َن َيقُولُونَ َربّنَا َأخْ ِرجْنَا
ضعَفِ َ
وَالْمُسْتَ ْ
ك َولِيّا وَا ْجعَل لّنَا مِن
مِ ْن هَـ ِذهِ اْل َقرَْي ِة الظّالِ ِم َأهْلُهَا وَا ْجعَل لّنَا مِن ّلدُن َ
ّلدُن كَ نَ صِيا ( )75اّلذِي نَ آمَنُواْ ُيقَاتِلُو َن فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاّلذِي نَ َك َفرُواْ
ت َفقَاتِلُوْا َأوْلِيَاء الشّيْطَا نِ إِنّ كَ ْيدَ الشّيْطَا نِ
ُيقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِ الطّاغُو ِ
ضعِيفا (. ﴾ )76
كَانَ َ
ي مِنَ
ض َعفِ َ قال السدي َ ﴿ :ومَا َلكُمْ َل ُتقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ ْ
ستَ ْ
الرّجَا ِل وَالنّ سَاء وَاْلوِلْدَا نِ الّذِي نَ يَقُولُو نَ َربّنَا أَخْ ِرجْنَا مِ ْن هَ ـ ِذ ِه اْلقَ ْرَيةِ
ِمـ َأهْلُهَـا ﴾ ،يقول :ومـا لكـم ل تقاتلون فـ سـبيل ال وفـ الظّال ِ
ال ستضعفي ،وأ ما القر ية :فم كة .وقال ا بن شهاب ﴿ :وَمَا َلكُ مْ لَ
ي مِ نَ الرّجَا ِل وَالنّ سَاء وَالْوِلْدَا نِ ﴾ . ض َعفِ َستَ ْ
ُتقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ ْ
قال :ف سبيل ال ،و سبيل ال ستضعفي .قال ا بن عباس :هم :أناس
م سلمون كانوا ب كة ،ل ي ستطيعون أن يرجوا من ها ليهاجروا فعذر هم
ال .
وقوله تعال ﴿ :الّذِينَـ آمَنُواْ ُيقَاتِلُونَـ فِي سَب
ـِيلِ اللّهِـ وَالّذِينَـ َكفَرُواْ
شيْطَا نِ كَا نَ
شيْطَا نِ ِإنّ َكيْدَ ال ّ
ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ الطّاغُو تِ َفقَاتِلُواْ َأوْلِيَاء ال ّ
ضعِيفا ﴾ . َ
قال البغوي :قوله تعال ﴿ :الّذِي نَ آ َمنُوْا ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ ﴾ ،
أي :ف طاعته ﴿ ،وَالّذِينَ َكفَرُوْا ُيقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ الطّاغُوتِ ﴾ ،أي :
ف طا عة الشيطان َ ﴿ ،فقَاتِلُواْ ﴾ أي ها الؤمنون َ ﴿ ،أوِْليَاء الشّيْطَا نِ ﴾ ،
الزء الول 540
َفتِيلً ﴾ .وقال السدي ف قوله َ ﴿ :لوْل أَخّ ْرَتنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِي بٍ ﴾ ،هو
:الوت .
وقوله تعال َ ﴿ :أيْنَمَا َتكُونُوْا يُدْرِككّ ُم الْ َموْ ُ
ت وََلوْ كُنتُ مْ فِي بُرُو جٍ
شيّ َدةٍ ﴾ .قال قتادة :ف قصور مصنة .
مّ َ
قال ا بن جر ير :يقول :ل تزعوا من الوت ول تربوا من القتال ،
وتضعفوا عن لقاء عدوكم ،حذرًا على أنفسكم من القتل والوت ،فإن
الوت بإزائكم أين كنتم ،وواصل إل أنفسكم حيث كنتم ،ولو تصنتم
منه بالصون النيعة .
وقال عدي بن زيد العبادي ف أبياته الشهورة :
ذا عليـه مـن أن يضام خفيـ مـن رأيـت النون خلّد أم مـن
( (
(
ــه مهجور
ــه فبابـ
الُلك عنـ ـ النون فباد
ل ُيهِبــه ريبـ ُ
( (
(
(
الزء الول 542
ك مِن َسيَّئةٍ فَمِن ّنفْ سِكَ ﴾ .قال :بذنبك ،وأنا قدّ ْرتُها
َ ﴿ :ومَا أَ صَابَ َ
عليك .
قال البغوي :والطاب لل نب ،والراد غيه نظيه .قوله ﴿ :وَمَا
سَبتْ َأيْدِيكُمْ ﴾ .
أَصَابَكُم مّن ّمصِيَبةٍ َفبِمَا كَ َ
وقوله تعال َ ﴿ :وأَرْ سَ ْلنَاكَ لِلنّا سِ رَ سُو ًل وَ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا ﴾ ،أي
:على إرسالك ،وصدقك ،وتبليغك ما أنزل إليك .وال أعلم .
***
الزء الول 544
***
545 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حيّواْ ِبأَحْ سَ َن ِمنْهَا َأوْ رُدّوهَا إِنّ وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا ُحّييْتُم ِبتَ ِ
حّيةٍ فَ َ
اللّ هَ كَا نَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ حَ سِيبا ﴾ .قال ال سدي :إذا سلم عل يك أ حد
فقل أنت :وعليك السلم ورحة ال ،أو تقطع إل :السلم عليك كما
ـ َن ِمنْهَـا ﴾ للمسـلمي َ ﴿ ،أوْ
حيّواْ ِبأَحْس َ
قال لك .وقال قتادة ﴿ :فَ َ
رُدّوهَا ﴾ على أهل الكتاب .
حيّواْ ِبأَحْ سَ َن ِمنْهَا َأوْ وقال ا بن كث ي :قوله َ ﴿ :وإِذَا ُحّييْتُم ِبتَ ِ
حّيةٍ فَ َ
رُدّوهَا ﴾ ،أي :إذا سلم عليكم السلم فردوا عليه أفضل ما سلم ،أو
ردوا عليـه بثـل مـا سـلم ،فالزيادة مندوبـة ،والماثلة مفروضـة .وقال
السن :السلم تطوع ،والرد فريضة .
ْمـ اْل ِقيَا َمةِ لَ
ُمـ إِلَى َيو ِ وقوله تعال ﴿ :الل ُ
ّهـ ل إِلَــهَ إِل ُهوَ َليَجْ َم َعّنك ْ
ق مِنَ اللّهِ َحدِيثا ﴾ .
َرْيبَ فِي ِه َومَنْ أَصْ َد ُ
قال البغوي ﴿ :اللّ هُ ل إِلَـهَ إِل ُهوَ َليَ ْ
ج َم َعنّكُ مْ ﴾ ،اللم لم القسم
.تقديره :وال ليجمعنكم ف الوت وف القبور ﴿ ،إِلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ ﴾ ،
ْمـ
القيامـة قيامـة لن الناس يقومون مـن قبورهـم .قال ال تعال َ ﴿ :يو َ
يَخْ ُرجُو نَ مِ َن الَجْدَا ثِ سِرَاعا ﴾ وقيل :لقيامهم إل الساب .قال ال
ص َدقُ
تعال َ ﴿ :يوْ َم َيقُو ُم النّاسُ ِلرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ﴿ ،لَ َريْبَ فِيهِ َومَنْ أَ ْ
مِنَ اللّهِ حَدِيثا ﴾ ،أي :قو ًل ووعدًا .وال أعلم .
***
الزء الول 550
سهُم بِمَا
قوله عز وجل ﴿ :فَمَا َلكُ ْم فِي الْمُنَا ِفقِيَ فِئَتَيْ ِن وَاللّ هُ أَرْكَ َ
ج َد لَ هُ
ضلّ اللّ هُ وَمَن يُضْ ِللِ اللّ هُ فَلَن تَ ِ
كَ سَبُوْا أَُترِيدُو نَ أَن َت ْهدُوْا مَ ْن أَ َ
خذُواْ
ل تَتّ ِ
سَبِيلً (َ )88ودّوْا َلوْ َت ْكفُرُو نَ كَمَا َك َفرُوْا فََتكُونُو نَ َسوَاء َف َ
خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُ مْ
مِ ْنهُ ْم َأوْلِيَاء حَّتىَ ُيهَا ِجرُوْا فِي سَبِي ِل اللّ ِه َفإِن تَ َوّلوْْا فَ ُ
خذُوْا مِ ْنهُ مْ َولِيّا َو َل نَصـِيا ( )89إِل الّذِينَـ
حَيْثُـ َوجَدتّمُوهُ مْ َولَ تَتّ ِ
صدُورُ ُهمْ
صرَتْ ُ
ق َأوْ جَآؤُوكُ ْم حَ ِ
يَ صِلُونَ ِإَلىَ َقوْ ٍم بَيَْنكُ مْ َوبَيْنَهُم مّيثَا ٌ
أَن يُقَاتِلُوكُمْ َأ ْو ُيقَاتِلُوْا َقوْ َمهُ ْم َولَ ْو شَاء اللّ ُه لَسَلّ َطهُمْ عَلَ ْيكُ ْم فَ َلقَاتَلُوكُ مْ
َفإِ نِ اعَْت َزلُوكُ مْ فَلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ مْ َوَألْ َق ْواْ ِإلَ ْيكُ ُم ال سّ َل َم فَمَا جَ َعلَ اللّ ُه لَكُ مْ
عَلَ ْي ِه ْم سَبِيلً (. ﴾ )90
عن زيد بن ثابت قال :ذكروا النافقي عند رسول ال فقال فريق
:نقتلهم ،وقال فريق :ل نقتلهم ،فأنزل ال تبارك وتعال َ ﴿ :فمَا َلكُمْ
سهُمفِي الْ ُمنَاِفقِيَ ِفَئَتيْنِ ﴾ إل آخر الية .وقال ابن عباس ﴿ :وَاللّهُ أَرْكَ َ
سبُواْ ﴾ أرداهم .وقال قتادة :أهلكهم با عملوا َ ﴿ .أتُرِيدُو نَ أَن بِمَا كَ َ
جدَ لَ هُ َسبِيلً ﴾ ،أي :طريقًاَتهْدُوْا مَ نْ أَضَلّ اللّ ُه وَمَن ُيضْلِلِ اللّ هُ َفلَن تَ ِ
إل الق .
سـوَاء َفلَ
ُونـ َ وقوله تعال ﴿ :وَدّواْ َلوْ َت ْكفُر َ
ُونـ كَمَا َكفَرُواْ َفَتكُون َ
ُمـ
ّهـ فَإِن َتوَلّ ْواْ فَخُذُوه ْ
سـبِيلِ الل ِ
ُمـ َأوْلِيَاء َحّتىَ ُيهَاجِرُواْ ف ِي َ
َتتّخِذُواْ ِمْنه ْ
ث وَجَدتّمُوهُ ْم وَ َل َتتّخِذُواْ ِمْنهُ ْم وَِليّا وَلَ نَ صِيا ﴾ .قالوَاقْتُلُوهُ مْ َحيْ ُ
السدي :إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتوهم .
الزء الول 552
وقوله تعال ﴿ :إِل الّذِي َن يَ صِلُونَ إَِلىَ َقوْ ٍم َبيَْنكُ ْم َوَبْيَنهُم مّيثَا قٌ ﴾ ،
قال السدي :فإن أحد منهم دخل ف قوم بينكم وبينهم ميثاق ،فأجروا
عليه مثل ما ترون على أهل الذمة .
ُمـ َأوْ
صـدُو ُرهُمْ أَن يُقَاتِلُوك ْ
َصـرَتْ ُ وقوله تعال َ ﴿ :أوْ جَآؤُوك ْ
ُمـ ح ِ
ُيقَاتِلُواْ َق ْو َمهُمْ ﴾ .
قال ا بن جر ير :معناه :أو جاءو كم قد ح صرت صدورهم .قال
ـم ﴿ .حَص ـِرَتْ ص ـُدُو ُرهُمْ ـدي :يقول :رجعوا فدخلوا فيكـ
السـ
﴾ يقول :ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم .
ـ
ـ فَإِن ِ
ـ َفَلقَاتَلُوكُم ْ
ـلّ َطهُ ْم عََلْيكُم ْ وقوله تعال ﴿ :وََلوْ شَاء اللّه ُ
ـ لَس َ
ا ْعتَزَلُوكُ مْ فََل ْم ُيقَاتِلُوكُ مْ َوأَلْ َق ْواْ إَِلْيكُ ُم ال سّلَمَ فَمَا َجعَلَ اللّ هُ َلكُ ْم عََلْيهِ ْم
َسبِيلً ﴾ عن الربيع ﴿ :فَإِ ِن اعْتَزَلُوكُ مْ َفلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ ْم َوأَلْ َق ْواْ إَِلْيكُ ُم ال سّلَمَ
﴾ .قال :الصـلح .وفـ صـحيح البخاري فـ قصـة صـلح الديبيـة :
( فكان من أ حب أن يد خل ف صلح قر يش وعهد هم ،و من أ حب أن
يدخل ف صلح ممد وأصحابه وعهدهم ) .
جدُونَ آ َخرِي َن ُيرِيدُو نَ أَن َي ْأمَنُوكُ ْم َويَ ْأمَنُواْ
قوله عز و جل ﴿ :سَتَ ِ
َقوْ َمهُ مْ ُك ّل مَا ُر ّدوَْا ِإلَى الْفِتِْن ِة أُرْكِ سُوْا فِيِهَا َفإِن لّ مْ َيعَْت ِزلُوكُ ْم وَيُ ْلقُواْ
ُمـ
ْثـ ِث ِقفْتُمُوه ْ
ُمـ حَي ُ
ُمـ وَاقْتُلُوه ْ
خذُوه ْ
ُمـ فَ ُ
السـَلمَ َوَيكُ ّف َواْ َأْيدَِيه ْ
ُمـ ِّإلَيْك ُ
وَُأ ْولَـئِ ُك ْم جَعَلْنَا لَ ُكمْ عَلَ ْي ِه ْم سُلْطَانا مّبِينا (. ﴾ )91
ُمـ ﴾ قال :ناس
ُمـ َويَ ْأ َمنُواْ َق ْو َمه ْ
ُونـأَن َي ْأمَنُوك ْ
عـن ماهـد ﴿ :يُرِيد َ
كانوا يأتون ال نب في سلمون رياء ،فيجعون إل قر يش فيتك سون ف
553 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا هـا هنـا ،وهـا هنـا ،فأمـر بقتالمـ إن ل
يعتزلوا ويصلحوا .
سـلْطَانا ّمبِينا ﴾ ،أي :
ِمـ ُ وقوله َ ﴿ :وُأوْلَــئِكُمْ َجعَلْنَا َلك ْ
ُمـ عََلْيه ْ
حجة ظاهرة .قال عكرمة :ما كان ف القرآن من سلطان فهو حجة .
قوله عز و جل ﴿ :وَمَا كَا َن لِ ُم ْؤمِ نٍ أَن َيقُْت َل مُ ْؤمِنا إِل خَطَئا وَمَن
ـ إِل أَن
حرِيرُ َرقََب ٍة ّمؤْمَِن ٍة وَ ِدَيةٌ مّســَلّ َمةٌ إِلَى َأهْلِهـ ِ
قََتلَ ُم ْؤمِنا خَطَئا فَتَ ْ
حرِيرُ َرقََب ٍة مّ ْؤمَِنةٍ َوإِن
ص ّدقُوْا َفإِن كَا َن مِن َقوْمٍ َعدُ ّو ّلكُمْ َو ُهوَ ْم ْؤمِنٌ فََت ْ
يَ ّ
حرِيرُ َرقََبةٍ
ق َف ِديَ ٌة مّ سَلّ َم ٌة ِإلَى َأهْلِ ِه وَتَ ْ
كَا َن مِن َقوْ ٍم بَيْنَكُ مْ َوبَيَْنهُ ْم مّيثَا ٌ
ج ْد فَ صِيَا ُم شَ ْه َريْ نِ مُتَتَاِبعَيْ ِن َتوَْب ًة مّ نَ اللّ هِ وَكَا َن اللّ هُ
مّ ْؤمَِنةً فَمَن لّ ْم يَ ِ
جزَآؤُهُ َجهَنّ ُم خَالِدا فِيهَا
عَلِيما َحكِيما (َ )92ومَن َيقْتُ ْل ُمؤْمِنا مَّتعَمّدا فَ َ
ب ال ّلهُ عَلَ ْيهِ َوَلعََنهُ َوأَ َع ّد لَهُ َعذَابا َعظِيما (. ﴾ )93
وَغَضِ َ
ـ أَن َي ْقتُ َل ُم ْؤمِنا إِل خَطَئا عـن قتادة :قوله ﴿ :وَمَـا كَان َ
ـ لِ ُم ْؤمِن ٍ
﴾ يقول :ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد ال الذي عهد إليه .
قال ابـن جريـر :وأمـا قوله ﴿ :إِل خَطَئا ﴾ فإنـه يقول :إل أن
الؤمن قد يقتل الؤمن خطأ ،وليس له ما جعل ربه ،وهذا من الستثناء
الذي تسميه أهل العربية :الستثناء النقطع .قال عكرمة :كان الارث
بن يزيد بن نبيشة من بن عامر بن لؤي ،يعذب عياش بن أب ربيعة مع
أ ب ج هل ،ث خرج الارث بن يز يد مهاجرًا إل ال نب ،فلق يه عياش
بالرة ،فعله بالسيف حت سكت ،وهو يسب أنه كافر ،ث جاء إل
الزء الول 554
النب فأخب ،ونزلت َ ﴿ :ومَا كَا نَ ِل ُم ْؤمِ نٍ أَن َي ْقتُ َل ُم ْؤمِنا إِل خَطَئا ﴾
الية ،فقرأها عليه ث قال « :قم فحرر » .
وقال الشعـب فـ قوله َ ﴿ :فتَحْرِيرُ رََقَب ٍة ّمؤْ ِمَنةٍ ﴾ قال :قـد صـلّت
وعرفت اليان .وقال عطاء :كل رقبة ولدت ف السلم فهي تزي .
قال ابن جرير :وأما الدية السلمة إل أهل القتيل فهي الدفوعة إليهم
على ما وجب لم ،موفرة غي منقصة .
وقوله تعال ﴿ :فَإِن كَا نَ مِن َقوْ ٍم عَ ُدوّ ّلكُ ْم َو ُه َو ْم ْؤمِ نٌ َفتَ ْ
حرِيرُ رََقَبةٍ
ّم ْؤمَِنةٍ ﴾ .قال إبراه يم :هو الر جل ي سلم ف دار الرب فيق تل ،قال :
ليس فيه دية وفيه الكفارة .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِن كَا نَ مِن َقوْ ٍم َبْينَكُ ْم َوَبيَْنهُ ْم مّيثَا قٌ َف ِدَيةٌ مّ سَلّ َمةٌ
حرِيرُ رََقَب ٍة ّم ْؤ ِمنَةً ﴾ .قال إبراهيـم :هذا الرجـل السـلم ،
ِهـ َوتَ ْ
إِلَى َأهْل ِ
وقومه مشركون لم عقد ،فتكن ديته لقومه ،ومياثه للمسلمي ،ويعقل
عنـه قومـه ولمـ ديتـه .وقال ابـن عباس :يقول :إذا كان كافرًا فـ
ذمتكـم ،فعلى قاتله الديـة ،م سلمة إل أهله ،وتريـر رقبـة مؤمنـة ،أو
صيام شهرين متتابعي .
قال ابن كثي :وقوله َ ﴿ :وإِن كَانَ مِن َقوْ ٍم َبيَْنكُ ْم َوَبْيَنهُ ْم مّيثَاقٌ ﴾
اليـة ،أي :فإن كان القتيـل أولياؤه أهـل ذمـة ،أو هدنـة ،فلهـم ديـة
قتلهـم ،فإن كان مؤمن ًا فديـة كاملة ،وكذا إن كان كافرًا أيض ًا عنـد
طائ فة من العلماء .وق يل :ي ب ف الكا فر ن صف د ية ال سلم ،وق يل :
ثلثها .ويب أيضًا على القاتل ترير رقبة مؤمنة .
555 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 558
فنلت ﴿ :إِنّ الّذِي َن َتوَفّاهُ مُ الْمَلِئ َكةُ ظَالِمِي َأْنفُ سِهِمْ قَالُواْ فِي مَ كُنتُ مْ
﴾ الية ،وقال ( :كنت أنا وأمي من عذر ال ) .
قال البغوي :ثـ نسـخ ذلك بعـد فتـح مكـة ،فقال النـب « :ل
هجرة بعد الفتح » .
وقال ابن كثي :هذه الية الكرية عامة ف كل من أقام بي ظهران
الشركي ،وهو قادر على الجرة ،وليس متمكنًا من إقامة الدين ،فهو
ظال لنفسه مرتكب حرامًا بالجاع ،ونص هذه الية .
ض مُرَاغَما وقوله تعال ﴿ :وَمَن ُيهَا ِجرْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه يَ ِ
جدْ فِي الَرْ ِ
ج مِن بَْيتِ هِ ُمهَاجِرا إِلَى اللّ هِ وَرَ سُولِ ِه ثُمّ يُ ْدرِكْ ُه
خرُ ْ
َكثِيا وَ سَ َع ًة وَمَن يَ ْ
الْ َموْتُ َف َق ْد وَقَعَ أَجْرُ ُه عَلى اللّ ِه وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا رّحِيما ﴾ ،قال قتادة :
لاـ أنزل ال هؤلء اليات ،ورجـل مـن الؤمنيـ يقال له ضمرة بكـة ،
قال :وال إن ل من الال ما يبلغن الدينة وأبعد منها ،وأن لهتدي ،
أخرجو ن -و هو مر يض حينئذٍ -فل ما جاوز الحرم قب ضه ال فمات ،
ج مِن َبيْتِ ِه ُمهَاجِرا إِلَى اللّهِ ﴾ الية فأنزل ال تبارك وتعال َ ﴿ :ومَن يَخْ ُر ْ
،وقال ا بن عباس ف قوله ﴿ :مُرَاغَما َكثِيا ﴾ ،الرا غم :التحول من
أرض إل أرض ،وقال ماهـد :متزحزحًا عمـا يكره ،وقال السـدي :
ض مُرَاغَما َكثِيا وَ َس َعةً ﴾ جدْ فِي الَرْ ِ مبتغي للمعيشة ،وقال قتادة ﴿ :يَ ِ
أي :وال ،من الضللة إل الدى ،ومن العيلة إل الغن .
قال البغوي :وقال أ بو عبيدة :الرا غم :الها جر ،يقال :راغ مت
قومـي وهاجرتـ ،وهـو الضطرب والذهـب ،قيـل :سـيت الهاجرة :
561 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صرُوْا مِ نَ
ح أَن َتقْ ُ
ض فَلَيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ
ض َربْتُ ْم فِي الَرْ ِ
﴿ َوِإذَا َ
لةِ إِنْ ِخفْتُمْ أَن َيفْتَِنكُمُ اّلذِينَ َك َفرُواْ إِنّ اْلكَا ِفرِينَ كَانُوْا لَكُمْ َع ُدوّا
الصّ َ
ل َة فَلَْتقُ مْ طَآِئ َفةٌ مّنْهُم
ت َلهُ ُم ال صّ َ
مّبِينا (َ )101وِإذَا كُن تَ فِيهِ ْم َفَأقَمْ َ
جدُواْ فَلَْيكُونُواْ مِن وَرَآِئكُ ْم َولْتَأْ تِ
ك وَلَْي ْأخُذُواْ أَ سْلِحََت ُهمْ َفِإذَا سَ َ
ّمعَ َ
ك وَلَْي ْأخُذُواْ ِحذْ َرهُمْ َوأَسْلِحََت ُه ْم َودّ
طَآِئفَ ٌة ُأخْرَى لَ ْم يُصَلّواْ فَلْيُصَلّواْ َمعَ َ
الّذِي نَ َك َفرُواْ َلوْ َت ْغفُلُو نَ عَ نْ أَ سْلِحَِت ُكمْ وََأمِْتعَتِكُ مْ فَيَمِيلُو نَ عَلَ ْيكُم مّيْ َلةً
وَا ِح َدةً َولَ جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ َأذًى مّن مّ َط ٍر َأوْ كُنتُم ّمرْضَى أَن
ضعُواْ أَ سْلِحََتكُ ْم َوخُذُوْا ِحذْرَكُ ْم إِنّ اللّ َه أَ َع ّد لِلْكَا ِفرِي نَ َعذَابا ّمهِينا (
تَ َ
ل َة فَاذْ ُكرُواْ اللّ َه قِيَاما َوقُعُودا وَعَلَى جُنُوبِكُ مْ
َ )102فإِذَا قَضَيْتُ مُ ال صّ َ
لةَ كَانَ تْ َعلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ كِتَابا
ل َة إِنّ ال صّ َ
َفإِذَا اطْ َم ْأنَنتُ ْم َفأَقِيمُوْا ال صّ َ
ُمـ
ُونـ َفإِّنه ْ
ْمـ إِن َتكُونُوْا َت ْألَم َ
مّ ْوقُوتا ( )103وَ َل َتهِنُوْا ف ِي ابِْتغَاء الْ َقو ِ
َيأْلَمُو نَ كَمَا َت ْألَمو نَ َوَترْجُو َن مِ نَ اللّ هِ مَا لَ َي ْرجُو َن وَكَا َن اللّ هُ عَلِيما
حَكِيما (. ﴾ )104
***
563 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ح أَن
ض فَلَيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ
ض َربْتُ مْ فِي الَرْ ِ
قوله عز وجل َ ﴿ :وِإذَا َ
ل ِة إِ نْ ِخفْتُ ْم أَن َيفْتِنَكُ مُ اّلذِي نَ َك َفرُوْا إِنّ اْلكَا ِفرِي نَ
صرُوْا مِ َن ال صّ َ
َتقْ ُ
كَانُواْ لَ ُكمْ َع ُدوّا مّبِينا (. ﴾ )101
س عََلْيكُ ْم
عن يعلى بن أم ية قال :قلت لع مر بن الطاب َ ﴿ :فَليْ َ
لةِ إِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَن َي ْفِتنَكُ مُ الّذِي نَ َكفَرُواْ ﴾ و قد
ُجنَا حٌ أَن َتقْ صُرُوْا مِ َن ال صّ َ
أمن الناس ! فقال :عجبت ما عجبت حت سألت النب عن ذلك فقال
« :صدقة تصدق ال با عليكم فاقبلوا صدقته » .رواه ابن جرير وغيه
.
وعـن ماهـد عـن أبـ عياش الزرقـي قال ( :كنـا مـع رسـول ال
بع سفان ،وعلى الشرك ي خالد بن الول يد ،قال :ف صلينا الظ هر ،فقال
الشركون :كانوا على حال لو أرد نا ل صبنا غرة ل صبنا غفلة .فأنزلت
آ ية الق صر ب ي الظ هر ،والع صر ،فأ خذ الناس ال سلح و صفوا خلف
ر سول ال م ستقبلي القبلة ،والشركون م ستقبليهم ،ف كب ر سول ال
وكبوا جيعًا ،ث ركع وركعوا جيعًا ،ث رفع رأسه ورفعوا جيعًا ،
ث سجد و سجد ال صف الذي يل يه وقام الخرون ير سونم ،فل ما فرغ
هؤلء من سجودهم سجد هؤلء ،ث ن كص ال صف الذي يل يه وتقدم
الخرون فقاموا ف مقامهم ،فركع رسول ال فركعوا جيعًا ،ث رفع
رأ سه فرفعوا جيعًا ،ث سجد وسجد الصف الذي يل يه ،وقام الخرون
ير سونم ،فل ما فرغ هؤلء من سجودهم سجد هؤلء الخرون ،ث
ا ستووا م عه فقعدوا جيعًا ،ث سلم علي هم جيعًا ,ف صلها بع سفان ،
وصلها يوم بن سليم ) .
الزء الول 564
وعـن ابـن عباس قال ( :فرض ال الصـلة على لسـان نـبيكم عليـه
السلم ف الضر أربعًا ،وف السفر ركعتي ،وف الوف ركعة ) وقال
أيضًا :ق صر ال صلة إن لق يت العدو و قد حا نت ال صلة أن ت كب ال ،
وتفض رأسك إياء ،راكبًا كنت أو ماشيًا .
ل َة فَلَْتقُ مْ
ت َلهُ ُم ال صّ َ
ت فِيهِ ْم َفَأقَمْ َ
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذَا كُن َ
جدُوْا فَلَْيكُونُوْا مِـن
سـ َ
َسـلِحََت ُهمْ َفِإذَا َ
َكـ َولَْيأْ ُخذُواْ أ ْ
طَآِئفَ ٌة مّنْهُـم مّع َ
َكـ َولَْيأْ ُخذُواْ
ُصـلّوْا َمع َ
ُصـلّوْا فَلْي َ
َمـ ي َ
ْتـ طَآئِ َفةٌ أُ ْخرَى ل ْ
ُمـ َولَْتأ ِ
وَرَآِئك ْ
ـلِحَِت ُكمْ
ـ أَس ْ
ـ عَن ْ
ـ َك َفرُواْ لَ ْو َتغْفُلُون َ
ـلِحََت ُهمْ َودّ اّلذِين َ
ـ َوأَس ْ
حِذْ َرهُم ْ
وََأمِْتعَتِكُ مْ فَيَمِيلُو نَ عَلَ ْيكُم مّيْ َل ًة وَا ِح َدةً َولَ جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ إِن كَا َن ِبكُ مْ
ضعُوْا أَ سْلِحََت ُك ْم وَ ُخذُوْا حِذْرَكُ ْم إِنّ
َأذًى مّن مّ َطرٍ َأوْ كُنتُم ّمرْضَى أَن تَ َ
ل َة فَاذْ ُكرُواْ
الصـ َ
ُمـ ِّينـ َعذَابا ّمهِينا (َ )102فِإذَا قَضَيْت ُ
ّهـ أَ َع ّد لِلْكَا ِفر َ
الل َ
ل َة إِن ّ
الصـ َ
ُمـ َفأَقِيمُواْ ّ
ُمـ فَِإذَا اطْ َم ْأنَنت ْ
ّهـ قِيَاما َو ُقعُودا وَعَلَى جُنُوِبك ْ
الل َ
لةَ كَانَتْ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ كِتَابا ّم ْوقُوتا (. ﴾ )103
الصّ َ
عن صال بن خوات عمن صلّى مع رسول ال صلة الوف يوم
ذات الرقاع ( :أن طائفة صلّت مع رسول ال ،وطائفة وجاه العدو ،
ف صلّى بالذ ين م عه رك عة ،ث ث بت قائمًا فأتوا لنف سهم ،ث جاءت
الطائ فة الخرى ف صلّى ب م الرك عة ال ت بق يت ،ث ث بت جال سًا فأتوا
لنف سهم ) .مت فق عل يه .قال المام أح د :صحّت صلة الوف عن
النب ست صفات أو سبع ،كلها جائزة ،وكان يعجبه هذا الديث
لنه موافق للية .
565 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
567 توفيق الرحن ف دروس القرآن
أبيق أتوا رجلً منهم يقال له أسي بن عروة ،فكلموه ف ذلك ،واجتمع
إليـه ناس مـن أهـل الدار ،فأتوا رسـول ال فقالوا :يـا رسـول ال إن
قتادة بن النعمان وع مه عمدوا إل أ هل ب يت م نا ،أ هل إ سلم و صلح
يرمونم بالسرقة من غي بينة ول ثبت .
قال قتادة :فأتيـت ر سول ال فكلم ته فقال « :عمدت إل أهـل
ب يت ذ كر من هم إ سلم و صلح ،ترمي هم بال سرقة على غ ي بي نة ول
ث بت » ؟ ! قال :فرج عت ولوددت أ ن خر جت من ب عض مال ،ول
أكلم رسول ال ف ذلك .فأتيت عمي رفاعة فقال :يا ابن أخي ما
صنعت ؟ فأخبته با قال ل رسول ال قال :ال الستعان .فلم يلبث
س بِمَا حكُ َم َبيْ َن النّا ِ
ك اْلكِتَا بَ بِاْلحَقّ ِلتَ ْ أن نزل القرآن ِ ﴿ :إنّا أَنزَْلنَا إَِليْ َ
أَرَا كَ اللّ ُه وَ َل تَكُن لّلْخَآِئنِيَ خَ صِيما ﴾ ،يعن :بن أبيق ﴿ ،وَا ْستَ ْغفِرِ
اللّ هَ ﴾ ،أي :م ا قلت لقتادة ﴿ :إِنّ اللّ هَ كَا نَ غَفُورا رّحِيما ﴾ ﴿ ،
سهُمْ ﴾ أي :بن أبيق ِ ﴿ ،إنّ اللّ هَ لَ ختَانُو نَ أَنفُ َ وَلَ ُتجَادِلْ عَ نِ الّذِي َن يَ ْ
خفُونَ مِنَـ النّاسِـ ﴾ إل قوله ﴿ :ثُمّ ـْ يُحِبّ مَن كَانَـ َخوّانا َأثِيما يَس ْتَ
جدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ،أي :أنم إن يستغفروا ال يغفر سَت ْغفِرِ اللّ َه يَ ِ
يَ ْ
سبُ ُه عَلَى َنفْ سِ ِه وَكَا نَ اللّ ُه عَلِيما سبْ إِثْما فَِإنّمَا يَكْ ِ ل م ﴿ .وَمَن يَكْ ِ
َحكِيما * وَمَن َيكْ سِبْ خَطِيَئةً َأوْ ِإثْما ثُمّ يَرْ مِ بِ ِه بَرِيئا َفقَدِ ا ْحتَ َم َل ُبهْتَانا
ك وَرَ ْح َمتُ هُ َل َهمّ ت َوإِثْما ّمبِينا ﴾ قول م للب يد ﴿ .وََلوْلَ َفضْلُ اللّ ِه عََليْ َ
طّآِئ َف ٌة ّمنْهُ مْ أَن ُيضِلّو كَ ﴾ ،يعن :أسيًا وأصحابه َ ﴿ .ومَا ُيضِلّو نَ إِلّ
حكْ َمةَ َابـ وَالْ ِ
ْكـ الْ ِكت َّهـ عََلي َ َكـ مِن َشيْ ٍء َوأَنزَلَ الل ُ ُسـهُ ْم وَمَا َيضُرّون َ أَنف َ
571 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ثـ يسـتغفر ال يدـ ال غفورًا رحيمًا ،ولو كانـت ذنوبـه أعظـم مـن
السماوات والرض والبال .
سبُ ُه عَلَى َنفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ وقوله تعال َ ﴿ :ومَن َيكْ ِ
سبْ إِثْما فَِإنّمَا َيكْ ِ
عَلِيما َحكِيما ﴾ ،كقوله ﴿ :وَلَ َتكْسِـبُ كُ ّل َنفْسٍـإِل عََليْهَا وَلَ تَزِ ُر
ِيهـ
ُمـ ف ِ ُمـ َفيَُنّبئُكُـم بِمَـا كُنت ْ
وَازِ َرةٌ وِ ْزرَ أُخْرَى ثُم ّ إِلَى َربّكُـم مّرْ ِج ُعك ْ
ختَِلفُونَ ﴾ . تَ ْ
ِهـ بَرِيئا َفقَدِ
ْمـ ب ِ وقوله تعال ﴿ :وَمَن َيك ِ
ْسـبْ خَطِيَئةً َأوْ ِإثْما ثُمّ َير ِ
ا ْحتَمَ َل ُب ْهتَانا َوِإثْما ّمبِينا ﴾ ،وهذا عام ف بن أبيق وف غيهم .
ك وَرَحْمَتُ ُه َلهَمّ ت طّآِئ َفةٌ
ضلُ اللّ هِ عَلَيْ َ
قوله عز و جل َ ﴿ :وَلوْ َل فَ ْ
ضرّونَكَ مِن شَيْ ٍء َوأَن َزلَ
سهُ ْم َومَا يَ ُ
مّ ْنهُ ْم أَن يُضِلّو َك وَمَا يُضِلّونَ ِإ ّل أَنفُ َ
ضلُ اللّهِ
ك مَا لَ ْم تَكُ ْن َتعْلَ ُم وَكَا َن فَ ْ
ك الْكِتَابَ وَالْحِكْ َم َة وَعَلّمَ َ
اللّهُ عَلَيْ َ
ص َد َقةٍ
جوَاهُ مْ إِل مَ نْ أَ َم َر بِ َ
ي مّن نّ ْ
عَلَيْ كَ عَظِيما ( )113ل خَ ْي َر فِي كَثِ ٍ
ت اللّ هِ
س وَمَن َيفْ َع ْل َذلِ كَ ابَْتغَاء َمرْضَا ِ
ح بَيْ نَ النّا ِ
صلَ ٍ
ف َأوْ إِ ْ
أَ ْو َم ْعرُو ٍ
ف ُن ْؤتِي ِه َأجْرا عَظِيما ( )114وَمَن ُيشَاقِقِ الرّسُولَ مِن َبعْ ِد مَا تَبَيّنَ
فَسَوْ َ
لَهُ اْل ُهدَى َويَتّبِعْ غَ ْيرَ سَبِي ِل الْ ُمؤْمِِنيَ ُن َولّهِ مَا َت َولّى وَنُصْ ِلهِ َجهَنّ َم وَسَاءتْ
مَصِيا (. ﴾ )115
عن أ ب الدرداء قال :قال ر سول ال « :أل أ خبكم بأف ضل من
درجة الصيام ،والصلة ،والصدقة » ؟ قالوا :بلى يا رسول ال .قال :
« إ صلح ذات الب ي » ،قال « :وف ساد ذات الب ي هي :الال قة » .
رواه أحد وغيه .
573 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال ما هد ف قوله ﴿ :وَمَن يُشَاقِ قِ الرّ سُو َل مِن َبعْ ِد مَا َتَبيّ نَ لَ هُ
اْلهُدَى َويَّتبِ ْع َغيْرَ َسبِي ِل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ُنوَلّ هِ مَا َتوَلّى ﴾ ،قال :من آلة الباطل
.
قال البغوي َ ﴿ :ومَن يُشَاقِ قِ الرّ سُولَ ﴾ أي :يالفه ﴿ ،مِن َبعْ ِد مَا
َتبَيّ نَ لَ ُه اْلهُدَى ﴾ من التوحيد والدود َ ﴿ ،وَيّتبِ ْع َغيْرَ َسبِي ِل الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾
،أي :غ ي طر يق الؤمن ي ُ ﴿ ،نوَلّ هِ مَا َتوَلّى ﴾ ،أي :نكله ف الخرة
إل ما تول ف الدنيا َ ﴿ ،ونُصْلِهِ َج َهنّ َم َوسَاءتْ َمصِيا ﴾
قال ابن كثي :أي :إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك ،بأن
ن سنها ف صدره ونزين ها له ا ستدراجًا له ،ك ما قال تعال َ ﴿ :فذَرْنِي
ستَدْرِ ُجهُم مّ نْ َحيْ ثُ لَا يَعَْلمُو نَ ﴾ ،وقال
ب ِبهَذَا الْحَدِي ثِ َسنَ ْ
َومَن يُكَذّ ُ
تعال َ ﴿ :فلَمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ ُقلُوَبهُمْ ﴾ .انتهى .وال أعلم .
***
الزء الول 574
قوله عز وجل ﴿ :إِ ّن ال ّلهَ َل َيغْ ِف ُر أَن ُيشْرَ َك ِب ِه وََي ْغ ِفرُ مَا دُو َن َذِلكَ
للً َبعِيدا ( )116إِن يَدْعُو نَ
ضَضلّ َ
شرِ ْك بِاللّ ِه َفقَدْ َ
لِمَن َيشَا ُء وَمَن ُي ْ
مِن دُونِ ِه إِل ِإنَاثا وَإِن َيدْعُو َن إِل شَيْطَانا ّمرِيدا (ّ )117لعَنَ هُ اللّ ُه َوقَالَ
ُمـ
ُمـ َو ُلمَنّيَّنه ْ
ِكـ نَصـِيبا ّم ْفرُوضا ( )118وَلُضِلّّنه ْ
ِنـ عِبَاد َ
خذَن ّ م ْ
َلأَتّ ِ
خذِ
وَل ُمرَّنهُ ْم فَلَيُبَّت ُكنّ آذَا َن ا َلنْعَا مِ وَل ُمرَّنهُ ْم فَلَُيغَّيرُنّ خَلْ َق اللّهِ َومَن يَتّ ِ
سرَ خُ سْرَانا مّبِينا (َ )119يعِ ُدهُ مْ
الشّيْطَا نَ وَلِيّا مّ ن دُو ِن اللّ هِ َف َقدْ خَ ِ
ُمـ
ك َمأْوَاه ْ
َانـ إِل ُغرُورا (ُ )120أ ْولَــئِ َ
ُمـ الشّيْط ُ
ِمـ وَمَا َيعِ ُده ُ
وَيُمَنّيه ْ
جدُونَ عَ ْنهَا َمحِيصا (. ﴾ )121
جَهَّن ُم وَ َل يَ ِ
قال علي ر ضي ال ع نه :ما ف القرآن آ ية أ حب ل من هذه ال ية
يعن ِ ﴿ :إنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْرَكَ بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ .
وعن جابر رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :ما من نفس توت
ل تشرك بال شيئًا ،إل حلت لاـ الغفرة ،إن شاء ال عذباـ ،وإن شاء
ال غفر لا ﴿ ِإنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْرَ َك بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ
﴾ » .رواه ابن أب حات وغيه .
ِهـإِل ِإنَاثا ﴾ .قال ابـن زيـد : وقوله تعال ﴿ :إِن يَ ْدع َ
ُونـ مِن دُون ِ
آلت هم :اللت ،والعزى ،وي ساف ،ونائلة .هم :إناث يدعون م من
ـ إِل شَيْطَانا مّرِيدا ﴾ .وقال قتادة ﴿ :
دون ال ،وقرأ َ ﴿ :وإِن يَ ْدعُون َ
إِن يَ ْدعُو َن مِن دُونِ هِ إِل ِإنَاثا ﴾ ،أي :إل ميتًا ل روح فيه .وعن ماهد
ف قوله ﴿ :إِنَاثا ﴾ .قال :أوثانًا .
الزء الول 576
قال ابـن كثيـ ( :والعنـ فـ هذه اليـة أن الديـن ليـس بالتحلي ول
بالتم ن ،ول كن ما و قر ف القلوب و صدقته العمال ،ول يس كل من
اد عى شيئًا ح صل له بجرد دعواه ،ول كل من قال أ نه على ال ق سع
قوله بجرد ذلك ،حتـ يكون له مـن ال برهان ،ولذا قال تعال ﴿ :
ب مَن َيعْمَلْ سُوءا يُجْ َز بِ هِ ﴾ ،أي :
ّليْ سَ ِبَأمَانِّيكُ ْم وَل َأمَاِنيّ َأهْ ِل اْلكِتَا ِ
ل يس ل كم ول ل م النجاة بجرد التم ن ،بل ال عبة بطا عة ال سبحانه ،
وإتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام ) .انتهى .وعن الربيع بن زياد
أنه قال لبّ بن كعب :قول ال تبارك وتعال ﴿ :مَن َيعْمَلْ سُوءا ُيجْزَ
بِ هِ ﴾ وال إن كان كل ما عمل نا جزينا به هلك نا ! قال :وال إن كنت
لراك أف قه م ا أرى ،ل ي صيب رجلً خدش ول عثرة إل بذ نب ،و ما
يعفوا ال عنه أكثر حت اللدغة والنفخة .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَ نْ أَحْ سَنُ دِينا مّمّ نْ أَ سَْل َم وَ ْجهَ هُ ل َو ُهوَ مُحْ سِنٌ
ِيمـ َخلِيلً ﴾ ،قال الضحاك : ّهـ ِإبْرَاه َ
خذَ الل ُ
ِيمـ َحنِيفا وَاتّ َ
َعـ ِمّلةَ إِبْرَاه َ
واّتب َ
ف ضل ال ال سلم على كل د ين فقال َ ﴿ :ومَ نْ أَحْ سَنُ دِينا مّمّ نْ أَ سَْلمَ
ِيمـ خَلِيلً ﴾ ، ّهـ ِإبْرَاه َ
ْسـنٌ ﴾ إل قوله ﴿ :وَاتّخَذَ الل ُ َهـ ل َو ُهوَ مُح ِ وَ ْجه ُ
وليس يقبل فيه عمل غي السلم وهي :النيفية .
قال ا بن كث ي :وقوله ﴿ :وَاتّخَذَ اللّ هُ ِإبْرَاهِي مَ خَلِيلً ﴾ ،وهذا من
باب الترغيب ف اتبا عه ،لنه إمام يقتدى به ،حيث و صل إل غاية ما
يتقرب به العباد له ،فإ نه انت هى إل در جة اللّة ال ت هي أر فع مقامات
الحبـة ،ومـا ذاك إل لكثرة طاعتـه لربـه ،كمـا وصـفه بـه فـ قوله :
﴿ َوِإبْرَاهِي َم الّذِي وَفّى ﴾ .
579 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 580
﴿ َويَسَْتفْتُوَنكَ فِي النّسَاء ُق ِل اللّهُ ُيفْتِيكُ ْم فِي ِهنّ وَمَا يُتْلَى عَلَ ْيكُ ْم فِي
ب َلهُنّ َوتَرْغَبُو َن أَن
ب فِي يَتَامَى النّ سَاء الّلتِي َل ُتؤْتُونَ ُهنّ مَا كُِت َ
الْكِتَا ِ
ضعَفِيَ مِ َن الْ ِوْلدَا ِن َوأَن َتقُومُوْا لِلْيَتَامَى بِاْلقِ سْطِ وَمَا
تَنكِحُو ُهنّ وَالْمُ سْتَ ْ
ت مِن
َتفْعَلُواْ مِ نْ خَ ْيرٍ فَإِنّ اللّ هَ كَا َن بِ هِ عَلِيما (َ )127وإِ ِن ا ْمرََأ ٌة خَافَ ْ
صـلْحا
ُصـِلحَا بَيَْنهُمَا ُ
ْحـ عَلَ ْيهِمَا أَن ي ْ
ل جَُنا َ
َبعْلِهَا ُنشُوزا َأوْ إِ ْعرَاضا فَ َ
س الشّحّ َوإِن تُحْ سِنُوْا وَتَّتقُوْا َفإِنّ اللّ هَ
ت الَنفُ ُ
ضرَ ِ
ح خَ ْيرٌ َوأُحْ ِ
وَال صّلْ ُ
كَا َن بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيا ( )128وَلَن تَ سْتَطِيعُوْا أَن تَ ْع ِدلُواْ بَيْ نَ النّ سَاء
ـِلحُواْ
ل تَمِيلُواْ ُك ّل الْمَ ْيلِ فََتذَرُوهَـا كَالْ ُمعَ ّلقَ ِة َوإِن تُص ْ
ـُت ْم فَ َ
وََل ْو حَرَص ْ
ل مّن
وَتَّتقُوْا َفإِنّ اللّهَ كَانَ َغفُورا ّرحِيما (َ )129وإِن يََتفَ ّرقَا ُيغْنِ اللّهُ كُ ّ
ت َومَا فِي
سَعَِت ِه وَكَا نَ اللّ هُ وَا سِعا حَكِيما ( )130وَللّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
ب مِن قَبْ ِلكُ مْ َوِإيّاكُ مْ أَ ِن اتّقُواْ
ض َولَ َقدْ وَ صّيْنَا الّذِي َن أُوتُواْ الْكِتَا َ
الَرْ ِ
ض وَكَا َن اللّ هُ
اللّ هَ َوإِن َتكْ ُفرُوْا َفإِنّ لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ
ت َومَا فِي الَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ
غَنِيّا حَمِيدا (َ )131ولِلّ ِه مَا فِي السّمَاوَا ِ
س َويَأْ تِ بِآ َخرِي َن وَكَا نَ اللّ هُ
وَكِيلً ( )132إِن َيشَ ْأ ُيذْهِ ْبكُ مْ َأيّهَا النّا ُ
عَلَى َذلِ كَ َقدِيرا ( )133مّ ن كَا َن ُيرِيدُ َثوَا بَ الدّنْيَا َفعِندَ اللّ ِه َثوَا بُ
ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ وَكَا َن اللّ هُ سَمِيعا بَ صِيا ( )134يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُواْ
ـ
ـ ُكمْ َأ ِو الْوَاِل َديْن ِ
ـ َوَلوْ عَلَى أَنفُس ِ
ط ُشهَدَاء لِلّه ِ
ـِكُونُواْ َقوّامِيَـبِاْلقِس ْ
ل تَتِّبعُواْ اْلهَوَى أَن
ّهـَأوْلَى بِهِمَا فَ َ
ُنـ َغنِيّا َأ ْو َفقَيا فَالل ُ
وَا َلقْ َربِيَ إِن َيك ْ
581 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َتعْ ِدلُوْا وَإِن تَ ْلوُوْا َأوْ ُت ْعرِضُوْا َفإِنّ اللّ هَ كَا َن بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيا ()135
﴾.
***
الزء الول 582
ض وََل َقدْ
قوله عز و جل ﴿ :وَللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ
ب مِن قَبْ ِلكُ ْم وَِإيّاكُ ْم أَ ِن اّتقُواْ اللّ َه َوإِن تَ ْك ُفرُواْ
وَصّيْنَا اّلذِي َن أُوتُواْ اْلكِتَا َ
ض وَكَا َن اللّ هُ غَنِيّا حَمِيدا (
َفإِنّ لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ
)131وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَرْ ضِ وَكَفَى بِاللّ هِ وَكِيلً (
)132إِن َيشَ ْأ ُيذْهِ ْبكُ ْم أَّيهَا النّا سُ وََيأْ تِ بِآ َخرِي نَ وَكَا نَ اللّ هُ عَلَى َذلِ كَ
َابـ ال ّدنْي َا
ّهـ َثو ُ
َابـ الدّنْي َا َفعِن َد الل ِ
َانـ ُيرِي ُد ثَو َ
َقدِيرا ( )133مّنـ ك َ
وَال ِخ َر ِة وَكَانَ ال ّلهُ سَمِيعا بَصِيا (. ﴾ )134
عن علي ﴿ :وَكَا نَ اللّ ُه َغنِيّا َحمِيدا ﴾ ،قال :غنيًا عن خلقه ﴿ .
حَمِيدا ﴾ قال :مستحمدًا إليهم .قال البغوي :فإن قيل :فأي فائدة ف
ت َومَا فِي الَرْضِ ﴾ ؟؟ قيل :
تكرار قوله تعال ﴿ :وَلِلّ ِه مَا فِي السّمَاوَا ِ
لكل واحد منها وجه :أما الول :فمعناه :للّه ما ف السّماوات وما ف
الرض ،وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته .
وأ ما الثا ن :فيقول ﴿ :فَإِنّ ِللّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
ت وَمَا فِي الَرْ ضِ
وَكَانَ اللّ ُه َغنِيّا َحمِيدا ﴾ ،أي :هو الغن فاطلبوا منه ما تطلبون .
وأ ما الثالث :فيقول ﴿ :وَلِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
ت وَمَا فِي الَرْ ضِ
ّهـ وَكِيلً ﴾ ،أي :له اللك فاتذه وكيلً ،ول تتوكلوا على
وَكَف َى بِالل ِ
غيه .
س َويَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ وقوله تعال ﴿ :إِن يَ َ
شأْ يُ ْذ ِهْبكُمْ َأّيهَا النّا ُ
عَلَى ذَلِكَ قَدِيرا ﴾ ،قال قتادة :قادر وال ربنا على ذلك ،أن يهلك من
يشاء من خلقه ويأت بآخرين من بعدهم .
الزء الول 586
وقوله تعال ﴿ :مّ ن كَا نَ يُرِيدُ َثوَا بَ ال ّدنْيَا َفعِندَ اللّ ِه َثوَا بُ ال ّدنْيَا
وَال ِخ َرةِ وَكَانَ اللّ ُه سَمِيعا َبصِيا ﴾ .
قال البغوي :يريد :من كان يريد بعمله عرضًا من الدنيا ،ول يريد
ال عز و جل ،آتاه ال من عرض الدنيا ،أو د فع عنه فيها ما أراد ال ،
ول يس له ف الخرة من ثواب ،و من أراد بعمله ثواب الخرة ،آتاه ال
من الدنيا ما أحب ،وجزاه النة ف الخرة .
وقوله عـز وجـل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِينَـ آمَنُواْ كُونُوْا َقوّامِيَ بِالْقِس ْـطِ
شُ َهدَاء لِلّهِـ َوَلوْ عَلَى أَنفُسِـ ُكمْ َأوِ اْلوَاِل َديْنِـ وَا َل ْقرَبِيَ إِن َيكُن ْـ غَنِيّا أَوْ
ل تَتِّبعُواْ اْلهَوَى أَن َتعْ ِدلُوْا وَإِن تَ ْلوُوْا َأوْ ُت ْعرِضُواْ
َفقَيا فَاللّ ُه َأوْلَى بِهِمَا فَ َ
َفإِنّ ال ّلهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُو َن خَبِيا (. ﴾ )135
قال ا بن عباس :أ مر ال الؤمن ي أن يقولوا ال ق ،ولو على أنف سهم
ـكينًا ـم ،ول تابوا غنيًـا لغناه ،ول ترحوا مسـ ـم أو أبنائهـأو آبائهـ
ّهـ َأوْلَى ِبهِم َا َفلَ
ُنـ َغِنيّا َأوْ َفقَيا فَالل ُ
لسـكنته ،وذلك قوله ﴿ :إِن يَك ْ
ـــ فتجوروا َ ﴿ ،وإِن تَ ْلوُواْ َأوْ َتتِّبعُوْا اْل َهوَى أَن َتعْدِلُواْ ﴾ فتذروا القـ
ُتعْرِضُواْ ﴾ ،قال :هاـ الرجلن يلسـان بيـ يدي القاضـي فيكون لّ
القاضي وإعراضه لحدها على الخر .وقال ماهد َ ﴿ :وإِن تَ ْلوُواْ ﴾ ،
أي :تبدلوا الشهادة َ ﴿ ،أوْ ُتعْرِضُواْ ﴾ قال :تكتموها .وقال ابن عباس
:تلوي لسـانك بغيـ القـ وهـي :اللجلجـة ،فل تقيـم الشهادة على
وجهها ،والعراض :الترك .
قال ابن كثي :والعراض هو :كتمان الشهادة وتركها .قال تعال
﴿ وَمَن َي ْكتُمْهَا فَِإنّ ُه آثِ مٌ َق ْلبُ هُ ﴾ ،قال ال نب « :خ ي الشهداء الذي
587 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الول 588
ك مَ َع الْمُ ْؤمِنِيَ
وَأَ صْلَحُوْا وَاعْتَ صَمُواْ بِاللّ ِه َوأَخْلَ صُوْا دِينَهُ مْ لِلّ هِ َفُأوْلَـئِ َ
ف يُؤْ تِ اللّ ُه الْمُ ْؤمِنِيَ َأجْرا عَظِيما ( )146مّا يَ ْف َعلُ اللّ ُه بِ َعذَاِبكُ مْ
وَ َسوْ َ
إِن شَ َك ْرتُ ْم وَآمَنُتمْ وَكَا َن ال ّلهُ شَاكِرا عَلِيما (. ﴾ )147
***
الزء الول 590
قوله عز وجل ﴿ :يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ آ ِمنُوْا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَاْلكِتَابِ
الّذِي َنزّلَ عَلَى رَ سُوِلهِ وَالْكِتَا بِ اّلذِ يَ أَنزَ َل مِن قَ ْب ُل وَمَن َيكْ ُف ْر بِاللّ هِ
للً َبعِيدا ( )136إِنّ
ضَضلّ َ
لِئكَتِهِ وَكُتُبِ ِه وَرُسُ ِلهِ وَالْيَوْ ِم ال ِخ ِر َفقَدْ َ
وَمَ َ
الّذِينَ آمَنُواْ ُثمّ َك َفرُوْا ُثمّ آمَنُواْ ُثمّ َكفَرُواْ ُثمّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا لّ ْم يَ ُكنِ اللّهُ
لَِيغْ ِف َر َلهُ مْ َولَ لَِي ْه ِدَيهُ مْ سَبِيلً (َ )137بشّ ِر الْمُنَافِقِيَ ِبأَنّ َلهُ مْ َعذَابا
خذُو َن الْكَافِرِي َن َأوْلِيَاء مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َأيَبَْتغُونَ
َألِيما ( )138الّذِي َن يَتّ ِ
عِن َد ُهمُ اْلعِ ّز َة َفإِنّ ال ِع ّزةَ لِ ّل ِه جَمِيعا (. ﴾ )139
قيل ( :نزلت ﴿ يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ آ ِمنُوْا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ ﴾ ف مؤمن
أهل الكتاب ،أتوا رسول ال فقالوا :نؤمن بك ،وبكتابك ،وبوسى
،والتوراة ،وعزير ،ونكفر با سواه من الكتاب والرسل .فقال لم النب
« :بل آمنوا بال ورسوله ممد ،والقرآن ،وبكل كتاب كان قبله »
.فأنزل ال هذه اليـة ) .وقال الضحاك :أراد بمـ اليهود والنصـارى ،
يقول ﴿ :يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ ﴾ بو سى وعي سى ﴿ ،آ ِمنُواْ ﴾ بح مد
والقرآن .وقال ماهد :أراد بم النافقي ،يقول ﴿ :يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ
ـة :هذا خطاب ـو العاليــان ﴿ ،آ ِمنُواْ ﴾ بالقلب .وقال أبـ ﴾ باللسـ
ِينـ آ َمنُواْ آ ِمنُواْ ﴾ ،أي :أقيموا واثبتوا
للمؤمنيـ يقول ﴿ :ي َا َأيّه َا الّذ َ
على اليان .
وقال ا بن كث ي :يأ مر تعال عباده الؤمن ي بالدخول ف ج يع شرائع
اليان ،وشعبـه ،وأركانـه ،ودعائمـه ،وليـس هذا مـن باب تصـيل
الا صل ،بل من باب تكم يل الكا مل ،وتقريره ،وت ثبيته ،وال ستمرار
591 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عليه ،كما يقول الؤمن ف كل صلة ﴿ :اه ِدنَا ال صّرَاطَ الُسَتقِيمَ ﴾ ،
أي :بصرّنا فيه ،وزدنا هدى ،وثبتنا عليه .
وقوله تعال ﴿ :إِنّ الّذ َ
ِينـ آ َمنُواْ ثُمّ َكفَرُوْا ثُمّ آ َمنُوْا ثُمّ َكفَرُواْ ثُمّ
ازْدَادُواْ ُكفْرا لّ ْم َيكُ نِ اللّ هُ ِليَ ْغفِرَ َلهُ ْم وَلَ ِلَيهْ ِدَيهُ مْ َسبِيلً ﴾ ،قال قتادة :
هـم :اليهود والنصـارى ،آمنـت اليهود بالتوراة ثـ كفرت ،وآمنـت
الن صارى بالن يل ث كفرت ،وكفر هم به ترك هم إياه .ث ﴿ ا ْزدَادُواْ
ُكفْرا ﴾ بالفرقان وبحمـد .وقال ابـن زيـد هؤلء النافقون ،آمنوا
مرت ي وكفروا مرت ي ،ث ازدادوا كفرًا ب عد ذلك .و عن علي ر ضي ال
ع نه قال :ي ستتاب الر تد ثلثًا ث قرأ ﴿ :إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوْا ثُمّ َكفَرُواْ ثُمّ
آ َمنُواْ ثُم ّ َكفَرُواْ ثُم ّ ا ْزدَادُواْ ُكفْرا ﴾ .وقال إبراهيـم :يسـتتاب كلمـا
ارتد ،وهو قول أكثر أهل العلم .
وقوله تعال ﴿ :لّ ْم َيكُ نِ اللّ هُ ِليَ ْغفِرَ َلهُ مْ ﴾ ،أي :أقاموا على ذلك
﴿ وَلَ ِلَيهْ ِدَيهُ ْم َسبِيلً ﴾ ،أي :طريقًا إل الق .
وقوله تعال ﴿ :بَشّ ِر الْ ُمنَاِفقِيَ ِبأَنّ َلهُ ْم عَذَابا أَلِيما * الّذِي َن َيتّخِذُو نَ
الْكَافِرِي نَ َأوِْليَاء مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َأَيْبتَغُو نَ عِن َدهُ ُم اْلعِ ّزةَ فَإِنّ العِ ّزةَ ِللّ ِه
ـ الْعِ ّز ُة وَلِرَسـُولِهِ وَلِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَـ وََلكِنّـ جَمِيعا ﴾ ،كقوله تعال ﴿ :وَلِلّه ِ
الْ ُمنَاِفقِيَ لَا َيعْلَمُونَ ﴾ .
ب أَ ْن ِإذَا سَ ِمعُْتمْ
قوله عز و جل َ ﴿ :و َقدْ َن ّزلَ عَلَ ْيكُ مْ فِي اْلكِتَا ِ
ل َت ْق ُعدُواْ َم َعهُ ْم حَتّ ى يَخُوضُوْا فِي
آيَا تِ اللّ هِ ُي َكفَ ُر بِهَا وَيُ سْتَ ْه َزأُ بِهَا فَ َ
حَدِي ثٍ غَ ْيرِ ِه ِإنّكُ مْ إِذا مّثْ ُلهُ مْ إِنّ اللّ هَ جَامِ ُع الْمُنَافِقِيَ وَاْلكَا ِفرِي نَ فِي
الزء الول 592
ح مّ نَ اللّ هِ
جَهَنّ َم جَمِيعا ( )140اّلذِي َن يََترَبّ صُو َن بِكُ ْم َفإِن كَا نَ َلكُ مْ فَ ْت ٌ
ح ِوذْ
ب قَالُوْا َألَ ْم نَ سْتَ ْ
قَالُواْ َألَ مْ نَكُن ّم َعكُ ْم َوإِن كَا َن لِ ْلكَافِرِي نَ نَ صِي ٌ
جعَلَ
حكُمُ بَيَْنكُمْ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َولَن َي ْ
عَلَ ْيكُمْ َونَمَْن ْعكُم مّنَ الْ ُم ْؤمِنِيَ فَاللّ ُه يَ ْ
ي سَبِيلً (. ﴾ )141
اللّ ُه لِ ْلكَا ِفرِينَ عَلَى الْ ُمؤْمِنِ َ
قوله ﴿ :وَقَ ْد َنزّ َل عََلْيكُ مْ فِي اْل ِكتَا بِ أَ نْ إِذَا َس ِمعْتُ ْم آيَا تِ اللّ ِه ُي َكفَرُ
ل َتقْعُدُوْا َم َعهُ مْ َحتّى يَخُوضُواْ فِي َحدِي ثٍ َغيْرِ هِ ِإّنكُ ْم سَتهْ َزُأ ِبهَا َف َ
ِبهَا َويُ ْ
ِينـ
ْتـ الّذ َ ُمـ ﴾ يشيـ إل قوله فـ سـورة النعام َ ﴿ :وإِذَا َرَأي َ إِذا ّمثُْله ْ
ث َغيْرِ هِ ﴾ . يَخُوضُو نَ فِي آيَاتِنَا َفَأعْرِ ضْ عَْنهُ مْ َحتّى يَخُوضُواْ فِي َحدِي ٍ
و عن هشام بن عر فة قال :أ خذ ع مر بن ع بد العز يز قومًا على شراب
ل َت ْقعُدُوْا َم َعهُ مْ َحتّ ى
فضرب م وفي هم صائم فقالوا :إن هذا صائم َ ﴿ ،ف َ
ث َغيْ ِرهِ ِإّنكُمْ إِذا ّمثُْلهُمْ ﴾ .يَخُوضُواْ فِي َحدِي ٍ
وقوله تعال ﴿ :إِنّ اللّ هَ جَا ِم ُع الْ ُمنَاِفقِيَ وَاْلكَافِرِي نَ فِي َج َهنّ مَ جَمِيعا
* الّذِي نَ َيتَ َربّ صُونَ ِبكُ مْ فَإِن كَا نَ َلكُ مْ َفتْ ٌح مّ نَ اللّ هِ قَالُواْ أَلَ ْم َنكُن ّمعَكُ مْ
ّنـ
ُمـ َونَ ْمَنعْكُم م َ حوِ ْذ عََلْيك ْ َسـتَ ْ
َمـ ن ْ ِينـ نَصـِيبٌ قَالُواْ أَل ْ
َانـ ِل ْلكَافِر َ
َوإِن ك َ
الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ .قال ا بن جر يج :إن أ صاب ال سلمون من عدو هم غني مة
قال النافقون :أل ن كن مع كم ؟ قد ك نا مع كم فأعطو نا غني مة م ثل ما
تأخذون ،وإن كان للكافرين نصيب يصيبونه من السلمي قال النافقون
للكافر ين :أل ن ستحوذ علي كم وننع كم من الؤمن ي ؟ قد ك نا نثبط هم
عنكم .
ّهـ
جعَلَ الل ُ
ْمـ الْ ِقيَا َمةِ وَلَن َي ْ
ُمـ َيو َ
ُمـ َبْينَك ْ
حك ُ وقوله تعال ﴿ :فَالل ُ
ّهـ يَ ْ
لِ ْلكَافِرِي َن عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ َسبِيلً ﴾ ،عن منيع الضرمي قال :كنت عند
593 توفيق الرحن ف دروس القرآن
علي بن أب طالب رضي ال عنه فقال رجل :يا أمي الؤمني أرأيت قول
جعَلَ اللّهُ لِ ْلكَاِفرِينَ عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َسبِيلً ﴾ ،وهم ال عز وجل ﴿ :وَلَن يَ ْ
يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون ؟ قال له علي ُ :أ ْدنُه ،أدنه .ث قال ﴿ :فَاللّهُ
جعَلَ اللّ هُ ِل ْلكَافِرِي َن عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ سَبِيلً ﴾
حكُ ُم َبْينَكُ ْم َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ وَلَن يَ ْ
يَ ْ
يوم القيامة ،قال السدي :حجة .
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ الْمُنَا ِفقِيَ يُخَادِعُو نَ اللّ هَ َو ُهوَ خَادِ ُعهُ ْم َوِإذَا
ل ِة قَامُواْ كُ سَالَى ُيرَآؤُو نَ النّا سَ وَ َل َيذْكُرُو َن اللّ َه إِل
قَامُواْ ِإلَى ال صّ َ
قَلِيلً (ّ )142م َذبْ َذبِيَ بَيْ َن َذلِ كَ َل ِإلَى هَـؤُلء َو َل إِلَى هَـؤُلء َومَن
ج َد َلهُ سَبِيلً (. ﴾ )143
يُضْ ِللِ ال ّلهُ فَلَن تَ ِ
عن السدي ﴿ :إِنّ الْ ُمنَافِقِيَ يُخَا ِدعُو نَ اللّ َه َوهُوَ خَا ِد ُعهُ مْ ﴾ ،قال
:يعطي هم يوم القيا مة نورًا يشون به على ال سلمي ك ما كانوا مع هم ف
الدن يا ،ث ي سلبهم ذلك النور فيطف يه ،فيقومون ف ظلمت هم ،ويضرب
بينهم السور .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا قَامُواْ إِلَى ال ّ
صلَةِ قَامُواْ كُ سَالَى ﴾ ،قال قتادة :
وإنه وال لول الناس ما صلّى النافق ،ول يصلي إل رياء .
وقوله تعال ﴿ :وَلَ يَذْ ُكرُو نَ اللّ هَ إِل قَلِيلً ﴾ .قال السن :إنا َقلّ
لنـه كان لغيـ ال .وفـ الصـحيحي أن رسـول ال قال « :أثقـل
الصلة على النافقي صلة العشاء وصلة الفجر ،ولو يعلمون ما فيهما
لتوه ا ولو حبوًا ،ول قد ه مت أن آ مر بال صلة فتقام ،ث آ مر رجلً
فيصلي بالناس ،ث أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إل قوم ل
يشهدون الصلة ،فأحرق عليهم بيوتم بالنار » .
الزء الول 594
وف رواية « :والذي نفسي بيده ،لو يعلم أحدهم أنه يد عرقًا سينًا
أو مرماتي جنتي لشهد العشاء ،ولول ما ف البيوت من النساء والذرية ،
لرقت عليهم بيوتم بالنار » .وعن أنس بن مالك أن رسول ال قال
« :تلك صلة النا فق ،تلك صلة النا فق ،تلك صلة النا فق ،يلس
يرقب الشمس حت إذا كانت بي قرن الشيطان قام فنقر أربعًا ،ل يذكر
ال فيها إل قليلً » .رواه مسلم وغيه .
وقوله تعال ﴿ :مّ َذبْ َذبِيَ َبيْ نَ ذَلِ كَ لَ إِلَى هَـؤُلء وَلَ إِلَى هَـؤُلء
وَمَن يُضِْللِ اللّ هُ فَلَن َتجِدَ لَ هُ َسبِيلً ﴾ .قال قتادة ف قوله ﴿ :مّ َذبْ َذبِيَ
ِكـ لَ إِلَى هَــؤُلء وَلَ إِلَى هَــؤُلء ﴾ يقول :ليسـوا بؤمنيـ
ْنـ ذَل َ
َبي َ
مل صي ،ول مشرك ي م صرحي بالشرك .و عن ا بن ع مر عن ال نب
قال « :م ثل النا فق كم ثل الشاة العائزة ب ي الغنم ي ،تع ي إل هذه مرة
وإل هذه مرة ،ل تدري أيهما تتبع » .رواه ابن جرير وغيه .
خذُواْ اْلكَا ِفرِي َن َأوْلِيَاء
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ لَ تَتّ ِ
جعَلُوْا لِلّ هِ عَلَ ْيكُ مْ سُلْطَانا مّبِينا ()144
مِن دُو ِن الْ ُمؤْمِنِيَ َأُترِيدُو َن أَن تَ ْ
ج َد َلهُ مْ نَ صِيا ()145
إِنّ الْمُنَافِقِيَ فِي الدّرْ ِك الَ سْ َفلِ مِ نَ النّا ِر َولَن تَ ِ
ّهـ
ُمـ لِل ِ
ّهـ َوَأخْلَصـُوْا دِينَه ْ
َصـمُوْا بِالل ِ
َصـلَحُواْ وَاعْت َ
ِينـ تَابُوْا َوأ ْ
إِل الّذ َ
ّهـ الْ ُمؤْمِنِيَ َأجْرا َعظِيما (
ْتـ الل ُ
ف ُيؤ ِ
َسـوْ َ
َعـ الْ ُم ْؤمِنِيَ و َ
َفأُ ْولَــِئكَ م َ
)146مّاـَي ْفعَ ُل اللّهُـِب َعذَابِكُم ْـإِن شَ َك ْرتُم ْـ وَآمَنتُم ْـ وَكَانَـ اللّهُـ شَاكِرا
عَلِيما (. ﴾ )147
595 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن قتادة ﴿ :يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ َل َتتّخِذُوْا الْكَافِرِي نَ َأوِْليَاء مِن دُو نِ
ـلْطَانا ّمبِينا ﴾ ،وإن ل ـس ُ ـ عََليْكُم ْ جعَلُواْ لِلّه ِ
ـ أَن تَ ْ
الْ ُم ْؤمِنِيَـَأتُرِيدُون َ
السلطان على خلقه ،ولكنه يقول عذرًا مبينًا .وقال عكرمة :ما كان ف
القرآن من سلطان ف هو ح جة .و عن ا بن م سعود ﴿ :إِنّ الْ ُمنَاِفقِيَ فِي
الدّرْ ِك الَ ْسفَ ِل مِ َن النّارِ ﴾ قال :ف تواب يت من حد يد مبه مة علي هم .
وقال حذيفـة :ليدخلن النـة قوم كانوا منافقيـ ،ثـ قرأ ﴿ :إِل الّذِينَـ
ك مَ َع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ
تَابُوْا َوأَصَْلحُواْ وَاعَْتصَمُوْا بِاللّهِ َوأَخْلَصُواْ دِيَنهُمْ لِلّهِ َفُأوْلَـئِ َ
َو َسوْفَ ُيؤْتِ اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِيَ أَجْرا عَظِيما ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :مّا َي ْفعَلُ اللّ ُه ِبعَذَابِكُ مْ إِن َشكَ ْرتُ ْم وَآمَنتُ مْ ﴾ ،أي :
أنه ل يعذب الؤمن الشاكر ﴿ .وَكَا نَ اللّ ُه شَاكِرا عَلِيما ﴾ ،أي :من
أطاعه صادقًا أثابه أوفر الزاء .وال أعلم .
***
ــــــــــــــ
انتهى الزء الول بمد ال ،ويليه الزء الثان
ــــــــــــــــــ
الزء الول 596
فهرس الوضوعات
الزء الول
الصفحة الوضوع
2 مقدمة الؤلف
3 معان القرآن ل ترج عن خسة علوم
3 معرفة الناسخ والنسوخ
4 اليات التفق على نسخها
5 معرفة أسباب النول
5 سبب النول على قسمي
6 أحسن طرق التفسي
8،7 الرجوع إل أقوال التابعي
8 أوجه التفسي الت ذكرها ابن عباس
11 فصل ف فضائل القرآن
11 من القرآن
14 من السنة
26 فصل ف الحرف السبعة
32 الدرس الول
32 سورة الفاتة
34 تفسي البسملة
35 الية 2 :
597 توفيق الرحن ف دروس القرآن