Professional Documents
Culture Documents
ﱁﱂﱃﱄ
إن س ورة النَّح ل م ِّكيَّة ،غ ير ثالث
قال مح َّمد بن عمر ال َّزمخشري في كتابه الكشافَّ :
آيات في آخرها .وتس مى س ورة النِّعم ،وهي مائ ة وثم ان وعش رون آي ة ،ن زلت بع د
سورة الكهف (.)1
قال أبو عبد هللا القرطبي في كتابه الجامع ألحكام القرآن :س ورة النَّح ل م ِّكيَّة في ق ول
الحسن ،وعكرمة ،وعطاء ،وجابر .وتُس َّمى س ورة النِّعم بس بب م ا ع َّدد هللا فيه ا من
نِعمه على ِعباده ( .)2وقيل هي م ِّكيَّة ،غير قوله تعالى :ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ
ﲵﲶ ﱠ [النحل ،]126:نزلت بالمدينة في شأن التَّمثيل بحم زة وقتلى ُأح د ،و َغ َ
ير
قولِ ِه :ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﱠ [النحل ،]127:وغي َر قوله :ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ
ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ[النحل ،]110:وأ َّما قوله :ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ
ﳅ ﱠ[النحل ،]41:فحكي في شأن هجرة الحبش ة .وق ال ابن عبَّاس هي م ِّكيَّة إاَّل ثالث
آيات منها نزلت بالمدينة بعد قتل حمزة ،وهي قوله :ﱡﭐ ﱕﱖ ﱗﱘ ﱙﱚﱛ ﱠ إلى قوله :ﱡﭐ
ﱲﱳﱴﱵﱶﱠ[النحل] ،وأ َّما بعدها.
قال مح َّمد بن علي ال َّشوكاني في كتابه فتح القدير :سورة النَّحل آياتها مائة آي ة وثم ان
وعشرون آية ،وهي م ِّكيَّة كلُّها في قول الحسن ،وعكرمة ،وعطاء ،وج ابر ،رواه ابن
مردويه ،عن ابن عبَّاس عن أبي ُّ
الزبير.
وأخرج النَّحاس من طريق مجاهد عن ابن عبَّاس قال :سورة النَّحل نزلت بم َّكة س وى
هللا-ص لَّى هللا
َ ثالث آيات من آخرها ،ف نزلت بين م َّكة والمدين ة في منص رف رس ول
عليه و َسلَّم-من ُأحد .تس َّمى هذه السُّورة سورة النِّعم.
سورة النَّحل
ﱁﱂﱃﱄ
ﱡﭐﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ ﲂﱠ[النحل].
ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱠ فقرب ِمنكم أيَّها النَّاس ودنا فال تستعجلوا وقوعه .ث َّم اختلف أه ُل التَّأويل
ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱠ[النحل].
ابن كث ير وأب و عم رو ويعق وب( :يُ ْن ِز َل)من أن زل ،وق رأ أب و بك ر عن عاص م
ق رأ ُ
(تُنَ َّزلُ)من التَّنزيل المضارع المبني للمفعول.
تأويل الكالم :يتنزل المالئكة ب الرُّ وح من أم ره على من يش اء من ِعب اده ب أن أن ذروا
ِعبادي بسطوتي على كفرهم بي وإشراكهم في إتِّخاذهم معي اآللهة واألوث ان ،فإنَّه ال
إله إاَّل أنا ،ال تنبغي اآللوهية إاَّل لي وال يصلح أن يعبد شيء سواي ﱡﭐﲔﱠ أي :فاحذروني
فإن في ذل ك نج اتكم من الهلك ة.بآداء فرائضي وإفراد ال ِعبادة وإخالص الربوبية ليَّ ،
قال ابن عبَّاس :ﱡﭐﲃﲄﲅﱠأي :بالوحي.
َّ
ألن الوحي روح للجس د والقلب وب ه يح يى الخل ق في ال ُّدنيا وفي اآلخ رة ،كم ا ج اء
بقوله-تعالى :ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌ ﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ
ﱖﱗﱘ ﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱠ [الشورى].
قال مجاهد :أنَّه ال ينزل ملك إاَّل معه روح .قال :بالنُّبوة.
قال الرَّبيع بن أنس :كلُّ َكلِم تكلَّم به ربُّنا فهو روح منه ،قال قَتَادة :الرُّ وح ال تي ن زلت
من هللا وحي ورحمة إنما بعث هللا المرسلين أن يوحد هللا وحده ،ويُطاع أمره ويجتنب
سخطه.
ﱡﭐﲖﲗ ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﱠ]النحل].
فلخلقه-تعالى-حجته عليهم في توحيده وأنَّه ال تصلح األلوهي ة إاَّل ل ه ،خل ق ربكم أيَّه ا
النَّاس السَّماوات واألرض بالع دل ،وه و الح ق ُمنف رد بخلقه ا لم يش ركهُ في إنش ائها
واحدًا إنَّه شريك ولم يعينه عليه ُمعين فأنَّى يكون له شريكﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﱠ عال ربُّكم أيَّها القوم
عن شرككم ودعواكم إلهًا دونه ،فارتفع عن أن يكون له مثل أو ش ريك أو ظه ر؛ ألنَّه
ال يكون إلهًا إاَّل من يخلق وينشيء بقدرته مثل السَّماوات واألرض ،ويبت دع األجس ام
فيحدثها من غ ير ش ي ٍء ،وليس ذل ك في ق درة أح ٍد س وى هللا الواح د القه ار ال نبتغي
العبادة إاَّل ل،ه وال تصلُح األلوهية لشي ٍء سواه.
ﱡﭐ ﲟ ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﱠ[النحل].
ومن حججه عليكم أيضًا أيَّها النَّاس أنَّه خلق اإلنسان من نطف ة فأح دث من م اء مهين
خلقًا عجيبًا ،قَلَبَهُ تارات خلقًا بعد خلق في ظلم ات ثالث ،ث َّم أخرج ه إلى ض ياء ال ُّدنيا
بعد ما تم خلقه ونفخ فيه الروح فغذاه ورزقه القوت ون َّماه ،حتى إذا استوى على سوقه
كفر بنِعمة ربِّه وجح د م دبره ،وعب د من ال يض ر وال ينف ع وخاص م إله ه ،فق ال من
يحيي العظام وهي رميم؟ ونسي الذي خلقه فس واه خلقً ا س ويًّا من م اء مهين أنَّه ي بين
عن خصومته بمنطقه ويجادل بلسانه ،فذلك إبانته وعني باإلنسان جميع النَّاس.
ﱡﭐ ﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﱠ[النحل].
ومن حُجج ه عليكم أيَّه ا النَّاس م ا خل ق لكم من األنع ام فس َّخر لكم وجع ل لكم من
مالبس ا ت دفؤن به ا ،ومن افع من ألبانه ا وظهوره ا
ً أص وافها وأوباره ا وأش عارها
تركبونها .ومنها تأكلون لحمه كاإلبل والبقر والغنم وسائر ما يُؤكل لحمه.
عن ابن عبَّاس :ﱡﭐﲫﲬﲭﱠ قال :الثِّياب والمنافع ينتفعون به من األطعمة واألشربة.
قال مجاهد :ﱡﭐﲬﲭﱠ :لباس ينسج ومنها مركب ولبن ولحم.
ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ
ﱍﱎﱏﱐﱠ[النحل].
ولكم في هذه األنعام والمواشي التي خلقها لكم جم ال حين تريح ون تردونه ا بالعش ي
من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها .س َّمى المكان المراح؛ ألنَّها ت راح
إليه عشيًّا.
وقوله :ﱡﭐﲵﲶ ﲷﲸﲹ ﱠ أي :في وقت إخراجكموها غدوة غداوة من مراحها
إلى مسارحها.
جاء عن قَتَادة :ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ وذلك أعجب ما يكون إذا
راحت عظا ًما ضروعها طوااًل اسنمتها حين تسرحون.
وقوله :ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱠ أي :تحمل هذه األنعام أثقالكم إلى بلد
آخر لم تكونوا بالغيه إاَّل بجهد من أنفسكم شديد ،ومشقَّة عظيمة.
وكانت األنعام وسائط النَّقل مثل اإلبل ،واألفيال ،والحمير ،والبغال وغ ير ذل ك ،وفي
والس فن
ُّ بالس يارات والطَّائرات والقِط ار الحديدي ة
الوقت ال راهن أنعم هللا على النَّاس َّ
لل َّشحن.
وكذلك قال عكرمة مثل قول قَتَادة ومجاهد.
إن ربَّكم أيَّها النَّاس ذو رأف ٍة بكم ورحم ٍة .ومن رحمته بكم
وقوله :ﱡﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ أيَّ :
الس ماوات واألرض أدلَّة لكم على
خلَ ق لكم األنع ام لمن افعكم ومص الحكم ،وخل ق َّ
وحدانيته ومعرفة إلهكم لتشكروه على نِعمه عليكم فيزيدكم من فضله.
ص لَّى هللاُ س و َل هَّللا ِ َ ض َي هَّللا ُ َع ْنهَُ ،أنَّ َر ُ س ْب ِن َمالِ ٍك َر ِ فنقول :وجاء عَنْ ُم َح َّم ٍد ،عَنْ َأنَ ِ
س َكتَ ،ثُ َّم َأتَ اهُ الثَّانِيَ ةَ ،فَقَ ا َلُ :أ ِكلَ ِ
ت الح ُم ُر ،فَ َت ُ س لَّ َم َج ا َءهُ َج ا ٍء ،فَقَ ا َلُ :أ ِكلَ ِ َعلَ ْي ِه َو َ
س: الح ُم ُر ،فَ َأ َم َر ُمنَا ِديًا فَنَ ادَى فِي النَّا ِ ت ُ س َكتَ ،ثُ َّم َأتَ اهُ الثَّالِثَ ةَ فَقَ ا َلُ :أ ْفنِيَ ِ
الح ُم ُر ،فَ َ ُ
الح ُم ِر اَأل ْهلِيَّ ِة» .فَ ُأ ْكفَِئ ِ
ت القُ دُو ُر َوِإنَّ َه ا لَتَفُ و ُر وم ُ سولَهُ يَ ْن َهيَانِ ُك ْم عَنْ لُ ُح ِ «ِإنَّ هَّللا َ َو َر ُ
بِاللَّ ْح ِم (البخاري :المغازي) (.)4
ﱡﭐﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦﱧﱠ[النحل].
ق لكم ،فمن اهت دى فلنفس ه ومن قال هللا-تعالى-وعلى هللا أيَّه ا النَّاس بي ان طري ق الح ِّ
ض َّل فإنَّما يضلُّ عليها .والسَّبيل :هو الطَّريق والقَص د عن الطَّري ق المس تقيم ال ذي ال
إعوجاج فيه ،كما قال الرَّاجز:
ج الطَّ ِر ِ
يق ا ْلقَا ِ
ص ِد فَ َ
ص َّد عَنْ نَ ْه ِ
ﱡﭐﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱠ[النحل].
وال ذي أنعم عليكم ه ذه النِّعم أن زل من َّ
الس ماء مط رًا لكم من ذل ك ش راب تش ربونه،
ومنه شراب أشجاركم وحياة غرسكم ونباته ا .ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱠ أي :في َّ
الش جر ال ذي ينبت من
الماء الذي أنزل من السَّماء .ﱡﭐﱵﱠ أي :ترعون المواشي في الفالة وغيرها.
وكان المطر أنظف الماء في ال َّشرب ،ولكن في أيامنا أصبح أوسخ الم اء واض رّه في
ثلوث البِيَع.
ضحَّاك ،وقَتَادة.
قال عكرمة :ﱡﭐﱵﱠ أي :ترعون ،ومثله قال ابن عبَّاس ،وال َّ
ﱡﭐﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ ﱠ[النحل].
ُ
ينبت لكم ربُّكم بالماء الذي أنزل لكم من السَّماء رزعكم وزيت ونكم ونخيلكم ،ومن ك لِّ
الثَّمرات من الفواكه وغير ذلك ،أرزاقًا لكم وأقواتً ا وإدا ًم ا وفاكه ة ،نِعم ة من ه عليكم
إن في إخراج هللا بما أنزل هللا بم ا أن زل من بذلك وتفضاًل وحجة على من كفر منكمَّ ،
السَّماء من م اء م ا وص ف لكم وفي اآلي ة دالل ة واض حة لق وم يعت برون مواع ظ هللا
ويتفكرون في حُججه فيتذكرون ويتوبون.
ﱡﭐﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙ ﲚﱠ[النحل].
ومن نعمه عليكم أيَّها النَّاس أن سخر لكم اللَّيل والنَّه ار ُمتعاقب ان عليكم لتص رفكم في
والش مس والقم ر لمعرف ة أوق ات أزمنتكم وش هوركم وس ينينكم َّ معاشكم وس كنكم في ه
وصالح معايشكم .والنَّجوم مسخرات لكم بأمر هللا تج ري في ملكه ا؛ لتهت دوا به ا في
إن في تسخير هللا ذلك على ما سخره لداللة واضحة لقوم يعقلون ظلمات البرِّ والبحرَّ .
ُحجج هللا ويفهمون عنه تنبيهه إيَّاكم.
وفي زمننا الحاضر يستفاد من جهة الطَّاقة وتوجد الطَّاقة المتراكمة في نقاط إجرامي ة
صغيرة سوداء طاقةُ هائلة من طاقات السدود العالية.
ﱡﭐﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﱠ[النحل].
وما خلق لكم في األرض مختلفًا ألوانه من ال َّدواب والثِّمار آلية لقوم يذكرون.
الش جر والثِّم ار نِعم من هللا
قال قَتَ ادة :وم ا خل ق لكم مختلفً ا ألوان ه من ال َّدواب ومن َّ
ُمتظاهرة فاشكروها هلل.
ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱠ[النحل].
والذي فعل هذه األفعال بكم وأنعم عليكم أيَّها النَّاس وهذه النِّعم ،ومنه ا تس خير البح ر
وهو ك ّل نه ر مل ًح ا ك ان م اؤه أو ع ذبًا لت أكلوا من ه لح ًم ا طريًّ ا ،وه و َّ
الس مك ال ذي
يصطاد منه ،وتستخرجوا منه ِحلية تلبسونها ،وهو اللؤلؤ والمرجان.
حلي النِّس اء ص دقة؟ ق ال ال ،هي كم ا ق ال هللا
جاء رجل إلى أبي جعفر فقال :هل في ِّ
تعالى :ﱡﭐﲴﲵﲶﱠ[النحل .]14:وقوله :ﱡﭐﲸﲹ ﲺﱠ وهو جمع ماخرة.
وقد اختلف أهل التَّأويل في قوله :ﱡﭐ ﲹ ﱠ فقال بعضهم :المواخر قال ه الحس ن .وق ال
آخرون :ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ قال :ما أخذ عن يمين السَّفينة وعن يسارها من الماء
فهو المواخر .قال عكرمة :هي السفينة تشق الماء.
وقال أبو صالح :ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ قال :تجري فيه معترضة ،وقال مجاهد :تمخر
السَّفينة الرِّ ياح وتمر الرِّ ياح من السُّفن إاَّل الفُلك ال ِعظام.
بريح واحدة مقبلة ومدبرة ،وكذلك قال إبراهيم.
ٍ قال قَتَادة :تجري
وقوله :ﱡﭐﲻﲼﲽﱠ قال مجاهد :تجارة البر والبحر.
وقول ه :ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﱠ أي :ولتش كروا ربَّكم على من أنعم ب ه عليكم من ذل ك س َّخر لكم
األشياء.
ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱠ[النحل].
ومن نعمه عليكم أيَّها النَّاس أن ألقى في األرضي رواسي ،وهي الثَّوابت في األرض
من الجبال ،وقوله :ﱡﭐ ﱅ ﱆ ﱇ ﱠ مثل قوله تعالى :ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱠ [النساء] ،أي :أن
ال تضلُّوا ،وذلك أنَّه-تعالى-أرسى األرض بالجبال لئاَّل تميد بخلقه الذين على ظهرها،
وكانت مائلة قبل أن ترسي بها .جاء عن علي بن أبي طالب قال :لما خلق هللا األرض
قمصت .قمصت :تحركت (اخترى كبير).
ﱡﭐﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱠ[النحل].
وهللا الذي هو إلهكم أيَّها النَّاس ،يعلم م ا تس رون في أنفس كم من ض مائركم ،فتخفون ه
عن غ يركم ،فم ا تبدون ه بألس نتكم وج وارحكم ،وم ا تعلنون ه بألس نتكم وج وارحكم
وأفعالكم ،وهو محض ذلك كلِّه عليكم ،حتى يج ازيكم ب ه ي وم القيام ة ،المحس ن منكم
بإحسانه ،والمسيء منكم بإساءته ،ومسائلكم ع َّما ك ان منكم من الُّش كر في ال ُّدنيا على
نعمه التي أنعمها عليكم ،فما التي أحصيتم والتي لم تحصوا.
وقوله :ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱠ وأوثانكم الذين تدعون من دون هللا أيَّها النَّاس
آلهة ال تخلق ش يًئا وهي تخل ق ،فكي ف يك ون إلهً ا م ا ك ان مص نوعا م دبرا ال تمل ك
ألنفسها نفعا وال ض ًّرا.
ﱡﭐﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﱠ[النحل].
قال هللا-تعالى-له ؤالء المش ركين من ق ريش :وال ذين ت دعون من دون هللا أيَّه ا النَّاس
أموات غير أحياء إذ كانت ال أرواح فيها.
قال قَتَ ادة :هي ه ذه األوث ان ال تي تعب د من دون هللا أم وات ال أرواح فيه ا وال تمل ك
ألهلها ض ًّرا وال نفعًا.
وقوله :ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﱠ أي :وما تدري أصنامكم التي تدعون من دون هللا متى تبعث .وقيل:
عني بذلك الكفار.
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱠ
[النحل].
فعل هللا بهؤالء الذين مكروا في ال ُّدنيا من تعجيل العذاب لهم واإلنتق ام بكف رهم ،وه و
مع ذلك يوم القيامة مخزيهم فمذلهم بعذاب أليم قائل لهم عند ورودهم عليه .ﱡﭐﱆ ﱇ
ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱠ يقول-تعالى-يوم القيامة تقريعًا للمشركين بعبادتهم األصنام أين
شركائي الذين كنتم تزعمون في ال ُّدنيا إنَّهم شركائي الي وم م ا لهم ال يحض رون معكم
في دفعوا عنكم م ا أن ا مح ل بكم من الع ذاب ،فق د كنتم تعب دونهم في ال ُّدنيا وتتول ونهم
والولي ينصر وليه.
قال ابن عبَّاس :ﱡﭐﱊﱠ أي تخالفوني.
ﱡﭐﱍﱎﱏﱐﱑﱒ ﱓﱔﱠ أي :الذلة والهوان ،وهو عذاب هللا ﱡﭐﱕﱖﱠ.
ﱡﭐﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱠ[النحل].
العلم َّ
إن الخزي الي وم والس وء على من كف ر باهلل ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ تقبض يقول الذين أوتوا ِ
أرواحهم ﱡﭐﱛﱜﱝﱠ أي :وهم على كفرهم وشركهم باهلل.
وقيل :إنَّه-تعالى-عنى بذلك من قُتل من قريش ببدر ،وق د أخ رج إليه ا .ق ال عكرم ة:
كان النَّاس بمكة أقروا باإلسالم ولم يهاجروا ،فأخرج بهم كرهًا إلى بدر فقتل بعضهم،
فأنزل هللا فيهم :ﱡﭐﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱠ.
وقوله :ﱡﭐ ﱞﱟ ﱠ يقول :فاستسلموا ألمره انقادوا له حين عاينوا الموت قد نزل بهم ما كنَّا نعمل
من س وء يخ بر عنهم-تع الى-إنَّهم ك ذبوا ،وق الوا :م ا كنَّا نعص هللا اعتص ا ًما منهم
الس وء وتص ُّدون عن بالباطل رجاء أن ينموا بذلك فكذبهم هللا فقال :ب ل كنتم تعمل ون ُّ
س بيل هللاَّ ،
إن هللا ذو ِع ٍلم بم ا كنتم تعمل ون في ال ُّدنيا من معاص يه وت أتون فيه ا م ا
يسخطه.
ﱡﭐﱯﱰﱱ ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱠ[النحل].
يقال لهؤالء الظَّالمي أنفسهم حين يقولون لربِّهم ما َّكنا نعمل من السُّوء ادخل وا أب واب
جهنَّم ،أي :طبقاتها ماكثين فيها ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ أي :فلبئس منزل من تكبر على هللا ولم
يق ّر بربوبيته ويصدق بوحدانيته.
ﱡﭐﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﱠ[النحل].
ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﱠ أي :بساتين للمقام تجري من تحت أشجارها األنهار ،ﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﱠ أي :للذين
أحس نوا في ه ذه ال ُّدنيا في جنَّات ع دن م ا يش اؤن م َّما تش تهي أنفس هم وتل ّذ أعينهم،
وكذلك يجزي هللا هؤالء الذين أحسنوا في هذه ال ُّدنيا بم ا وص ف لكم أيَّه ا النَّاس ،إن ه
جزاهم في ال ُّدنيا واآلخرة ،كذلك يجزي الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
ﱡﭐﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯ ﲰﲱﱠ[النحل].
قال هللا-تعالى :كذلك يجزي هللا المتَّقين الذين تقبض أرواحهم مالئكة هللا ،وهم طيب ون
بتطييب هللا إيَّاهم بنظافة اإليمان وطهر اإلسالم في حال حياتهم وحال مماتهم.
وجاء عن مجاهد :طيبين قال أحياء وأمواتًا قدر هللا ذلك لهم.
وقوله :ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ أي :أن المالئكة تقبض أرواح ه ؤالء المتَّقين ،وهي تق ول لهم:
سالم عليكم صيروا إلى الجنَّة؛ بشارة من هللا تبشرهم بها المالئكة.
قال مح َّمد بن كعب القرظي :إذا استنقعت نفس العبد المؤمن ج اءه مل ك فق الَّ :
الس الم
عليك ولي هللا ،هللا يقرأ عليك السَّالم ،ث َّم نزع بهذه اآلية :ﱡﭐﲥﲦﲧﲨﱠ.
أن الملَك الذي يقبض األرواح مل ك الم وت (عزرائي ل) ول ه وقد ذكرنا في كتابنا هذا َّ
أيض ا يقبض
أعوان من المالئكة هم يس اعدونه في قبض األرواح تحت قيادت ه ،وه و ً
األرواح بأمر هللا وحسب إرادته-تعالى ،-وهؤالء األعوان من المالئك ة ينقس مون إلى
ف ريقين :فرق ة تقبض أرواح الكف رة ،وهم مالئك ة الع ذاب ،ي ؤذوهم في القبض
ويضربون وجوههم وأدبارهم ويبش رونهم بالع ذاب .والفرق ة الثاني ة من المالئك ة هم
مالئكة الرحمة يبشرونهم بالرِّ ضا والرِّ ضوان وريح ريحان ولهم من ربهم سالم.
وجاء عن ابن عبَّاس قال :المالئكة يأتونه بالسَّالم من قِبل هللا وتخبره أنَّه من أصحاب
اليمين.
وجاء عن البراء بن عازب رضي هللا عنه ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ [يس] ،قال :يُسلَّم عليه عند
الموت .وقوله :ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ أي :بما كنتم تصيبون في ال ُّدنيا أيَّام حياتكم فيها
طاعة هللا وطلب مرضاته.
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ
ﱚﱛﱜﱝﱞﱟ ﱡﱢ ﱣﱠ[النحل].
وقال الذين أشركوا باهلل فعبدوا األوثان واألصنام من دون هللا ما نعبد هذه األصنام إاَّل
والس وائق إاَّل َّأن
َّ َّألن هللا قد رضي ِعبادتنا هؤالء ،وال نُحرم إاَّل ما حرمنا من البحائر
هللا شاء منا ومن آبائنا تحريماها ورضيه لوال ذل ك لق د غ ير ذل ك ببعض عقوبات ه أو
بهدايته إيَّانا إلى غيره من األفعال .قال تعالى :ﱡﭐ ﱗ ﱘﱙﱚﱛﱜﱠمن اُألمم المشركة الذين
استن هؤالء سنتهم فق الوا مث ل ق ولهم وس لكوا س بيلهم في التَّك ذيب رس ل هللا وأفع ال َّ
آبائهم الضَّالل .وقوله :ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱠ فهل أيَّها القائلون لو شاء هللا ما أشركنا وال آباؤنا على
رسلنا الذين نرسلهم بإنذاركم عقوبتن ا على كف ركم إاَّل البالغ الم بين َّإال أن تبلغ وا م ا
أرسلنا إليكم من الرِّ سالة.
قوله :ﱡﭐ ﱢ ﱠ الذي يبلغ يُبيِّن معناه لمن أبلغه ويفهمه من أرسل إليه.
ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ
ﱿﲀﲁﲂﱠ[النحل].
ولقد بعثنا أيَّها النَّاس في ك لِّ أ َّمة س لفت قبلكم رس واًل كم ا بعثن ا فيكم ب أن اعب دوا هللا
وحده ال شريك له ،وأفردوا له الطَّاعة وأخلصوا له ال ِعب ادةﱡﭐ ﱭ ﱮﱯ ﱠ أي :وابتع دوا من
الش يطان واح ذروا أن يغ ويكم ويص َّدكم عن س بيل هللا ،فمنهم من ه دى هللا فوفَّق ه َّ
لتصديق رسله والقبول منها واإليمان باهلل والعمل بطاعته ففاز وأفلح ونجا من ع ذاب
الس بيل باهلل ،وك ذبوا رس لهالض اللة فج اروا عن قص د َّ هللا .ومنهم من حقَّت علي ه َّ
واتَّبع وا الطَّاغوت ف أهلكهم هللا بعقاب ه ،وأن زل عليهم بأس ه ال ذي ال ي ر ُّد عن الق وم
المجرمين.
ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﱠ وفي ذلك تهديد لمشركي قريش ،أي :إن كنتم أيها
النَّاس غير مصدقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤالء اُألمم ال ذين ح ّل بهم من بأس نا
بكفرهم باهلل وتكذيبهم رسوله فسيروا في األرض ال تي ك انوا يس كنونها ،والبالد ال تي
ك انوا يعمرونه ا ،ف انظروا إلى آث ار هللا فيهم وآث ار س خطه النَّازل بهم كي ف أعقبهم
تكذيبهم رسول هللا ما أعقبهم ،فإنَّكم ترون حقيقة ذلك وتعلمون به ص حَّة الخ بر ال ذي
صلَّى هللا عليه و َسلَّم.
يخبركم به مح َّمد َ
ﱡﭐﲃﲄﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ ﱠ[النحل].
أن تحرص يا مح َّمد على هدي هؤالء المشركين إلى اإليمان باهلل واتباع الحق َّ
فإن هللا
ال يهدي من يضل .قرأ غير الكوف يين (ال يُ ْه دَى) على المب نى ب المفعول ،وه و أبل غ.
إن من فتأويل الكالم :لو كان األمر على ما وصفنا إن تحرص يا مح َّمد على ه داهم ف َّ
أضله هللا فال هادي له ،فال تجهد نفسك في أمره وبلغه ما أرسلت ب ه لتتم علي ه الحجَّة
وم ا لهم من ناص رين ينص رهم هللا من هللا إذا أراد عق وبتهم فيح ول بين هللا وبين م ا
أراد.
ﱡﭐﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﱠ[النحل].
وحلف هؤالء المشركون من ق ريش باهلل َج ْه د أيم انهم ،حلفهم ال يبعث هللا من يم وت
بعد مماته ،وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم ،بل سيبعثه هللا بعد مماته وعدًا علي ه أن يبعثهم
وعد ِعباده ،وهللا ال يخلف الميعادﱡﭐﲡﲢﲣﲤﲥﲦﱠ.
وقال قَتَادة :قالوا :ال يبعث هللا من يموت تكذيبًا بأمر هللا ،فإن النَّاس صاروا في البعث
ناس ا به ذا الع راق
إن ًق .ذك ر لن ا أن رجاًل ق ال البن عبَّاسَّ :فرقتين؛ ُمك ِّذبٌ و ُمص د ٌ
يزعمون أن عليًّا مبعوث قبل يوم القيامة ،ويتأولون هذه اآلية ،فق ال ابن عبَّاس :ك ذب
أولئك ،إنَّما هذه اآلية للنَّاس عا َّمة ،ولعمري لو كان علي مبعوثً ا قب ل ي وم القيام ة م ا
أنكحنا نساءه ،وال قسمنا ميراثه.
وعن الربيع ،في قوله :ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﱠ [النحل ،]38:قال« :حلف رج ٌل
رجل من المكذبين ،فق ال :وال ذي يرس ل ٍ صلَّى هللا عليه و َسلَّم-عند من أصحاب النَّبيَ -
الرّوح من بعد الموت ،فق ال :وإن ك ل تزعم أنَّك مبع وث من بع د الم وت؟ وأقس م باهلل
جهد يمينه ال يبعث هللا من يموت» (.)10
س ِم َع َأبَ ا ُه َر ْي َرةَ، احَ ،أنَّهُ َأ ْخبَ َرهُ َأنَّهَُ ، وكذلك قال أب و العالي ة عَنْ َعطَ ا ِء ْب ِن َأبِي َربَ ٍ
س بَّنِيَ ،و َك َّذبَنِي َولَ ْم يَ ُكنْ س بَّنِي ابْنُ آ َد َمَ ،ولَ ْم يَ ُكنْ يَ ْنبَ ِغي لَ هُ َأنْ يَ ُ يَقُ و ُل« :قَ ا َل هَّللا َُ :
ث هَّللا ُ س ُموا بِاهَّلل ِ َج ْه َد َأ ْي َمانِ ِه ْم اَل يَ ْب َع ُ
﴿وَأ ْق َ
اي فَقَا َلَ : يَ ْنبَ ِغي لَهُ َأنْ يُ َك ِّذبَنِي ،فََأ َّما تَ ْك ِذيبُهُ ِإيَّ َ
س بُّهُ َمنْ يَ ُموتُ ﴾ [النحل ]٣٨ :قَا َل« :قُ ْلتُ ﴿ :بَلَى َو ْعدًا َعلَ ْي ِه َحقًّا﴾ [النحلَ ]٣٨ :وَأ َّما َ
ص َم ُد ﴾ ث ثَاَل ثَ ٍة﴾ [المائدةَ ، ]٧٣ :وقُ ْلتُ ﴿ :قُ ْل ُه َو هَّللا ُ َأ َحدٌ .هَّللا ُ ال َّ ي فَقَا َلِ﴿ :إنَّ هَّللا َ ثَالِ ُ
ِإيَّا َ
[اإلخالص .]٢ :لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَدَْ ،ولَ ْم يَ ُكنْ لَهُ ُكفُ ًوا َأ َح ٌد» (الطبري) (.)11
سلَّ َم قَا َل« :اَل يَقُ ولَنَّ َأ َح ُد ُك ْم يَ ا َخ ْيبَ ةَ
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ عَنْ َأبِي ه َُر ْي َرةََ ،أنَّ َر ُ
سو َل هللاِ َ
ال َّد ْه ِر ،فَِإنَّ هللاَ ه َُو ال َّد ْه ُر» (مسلم) (.)12
ﱡﭐﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﱠ[النحل].
بل ليبعثن هللا من يموت وعدًا عليه حقًّا ليبين لهؤالء ال ذين يزعم ون َّ
أن هللا يبعث من
يموت ولغيرهم الذي يختلفون فيه من أحباء هللا خلقه بعد فن ائهم ،ولعلم ال ذين جح دوا
صحَّة ذل ك وأنك روا حقيق ة أنَّهم ك انوا ك اذبين في قيلهم ال يبعث هللا من يم وت .ق ال
قَتَادة :ﱡﭐﲧﲨﲩﲪﲫﱠ قال النَّاس عا َّمة.
)(10تفسير الطبري .17/203
)(11تفسير الطبري .17/204
)(12صحيح مسلم ،4/1763رقم.)2246( :
ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ
ﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑﳒﱠ[النحل].
صب في إحيائنا لهم ،وال في غير إنَّا إذا أردنا أن نبعث من يموت فال تعب علينا وال ن َ
ونكون ونُح ِدث؛ ألنَّا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنَّما نقول له ُكن فيك ون،
ِّ ذلك م َّمن نخلق
ال معاناة فيه وال ُكلفة علينا.
وقوله :ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﱠ أي :والذين فارقوا قومهم
ودروهم وأوطانهم عداوة لهم في هللا على كفرهم ﱡﭐﳂﳃﳄﳅ ﱠ أي :من بعد ما ينال
منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات هللا ﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﱠ أي :لنسكننهم في ال ُّدنيا مسكنًا
يرضونه صالحًا.
صلَّى هللا عليه و َسلَّم-
قال قَتَادة :ﱡﭐﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅ ﱠهؤالء أصحاب مح َّمدَ -
ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق وا طوائ ف منهم بالحبش ة ،ث َّم ب َّوأهم
هللا المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة ،وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين.
قال ال َّشعبي :ﱡﭐﳆﳇﳈﳉﳊﱠ قال المدينة ،كذلك قال ابن عبَّاس.
إن عمروقال آخرون :ﱡﭐﳆﳇﳈﳉﳊﱠ أي :لنرزقنهم في ال ُّدنيا رزقًا حسنًا ،قاله مجاهدَّ :
بن الخطاب كان إذا أعطى ال َّرجل من المهاجرين عطاءة يقولُ :خذ بارك هللا فيه ،هذا
ما وعدك هللا في ال ُّدنيا ،وما ذخره لك في اآلخرة أفضل ،ث َّم تال هذه اآلية :ﱡﭐﳆ ﳇﳈ
ﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑﳒﱠ[النحل].
َّ
بالص واب من ق ال :مع نى لنب وئنهم ،أي :لنحملنهم ق ال ابن جري ر :وأولَى الق ولين
ولنسكننهم.
وقوله :ﱡﭐ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱠ أي :ولثواب هللا إيَّاهم على هجرتهم فيه في اآلخرة أكبر؛ َّ
ألن
ثوابه إيَّاهم هنالك الجنَّة يدوم نعيمها ال يبيد.
أمره للكون بقولهُ :ك ْن ،أي :تكون فيتكون .وكذلك تك ون ك ّل ش ي ٍء في المكون ات من
البداية إلى النِّهاية بإرادة هللا ،وقوله :ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ[البقرة] ،أي :مهما كانت أساليب
َّ
والش رائط لتك ون الش يء في الع الم ُّ
والطرق واألسباب والوس ائط واختالف الوسائل
فانما يتكون بإرادة هللا وكلمته.
ﱡﭐﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﱠ[النحل].
هؤالء الذين وصفنا صفتهم وآتيناهم الثَّواب الذي ذكرناه الذين صبروا في هللا على ما
نابهم في ال ُّدنيا ﱡﭐ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﱠ أي :وباهلل يثقون في أمورهم وإليه يستندون في نوائب
األمور التي تنوبهم.
ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠ[النحل].
وما أرسلنا من قبل ك ي ا مح َّمد إلى أ َّمة من اُألمم لل ُّدعاء إلى توحي دنا واإلنته اء إلى أمرن ا
ونهينا إاَّل رجااًل من بني آدم نوحي إليهم وحينا ال هم المالئك ة ،أي :فلم نرس ل إلى قوم ك
الذي كنَّا نرسل إلى من قبلهم من األمم من جنسهم وعلى منهاجهم يقول لمشركي ق ريش ﱡﭐ
صلَّى
ﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠأن الذين كنَّا نرسل إلى األمم رجااًل من بني آدم مثل مح َّمدَ -
هللا عليه و َسلَّم-وقلتم هم مالئكة فسألوا أهل الذكر الذين ق د ق رؤا الكت اب من قبلهم الت وراة
واإلنجيل وغير ذلك من كتب هللا.
مجاهد :أهل الذكر أهل التوراة قال األعمش سمعنا أنه من أسلم من أهل التوراة واإلنجيل
أي أهل الذكر.
قال ابن عبَّاس :لما بعث هللا مح َّمدًا رسواًل أنكرت العرب ذلك من أنكر منهم وقالوا هللا
أعظم من أن يكون رسوله بشرًا مثل مح َّمد فأنزل هللا هذه اآلية.
وقال آخرون :قال أبو جعفر :نحن أهل ال ذكر ،أي :هم أه ل الق رآن .قال ه ابن زي د ،ق ال:
ال ِّذكر القرآن ،وقرأ :ﱡﭐﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﱠ [الحجر].
د-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-وأنكروه ا ،وق الوا :إنَّم ا الرُّ س ل
وقد عجبت العرب في رسالة مح َّم َ
وس لَّم-منهم رس واًل د-ص لَّى هللا علي ه َ
تجيء من المالئك ة ال من البش ر ،فل َّما ج اءهم مح َّم َ
من ًذرا إيَّاهم من هللا-تعالى-وهو بشر فأعجبهم فكذبوه فقال هللا تعالى :ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱠ أي:
رجااًل من البشر ،فإذا شكوا في ذلك قل لهم :فاسألوا أهل ال ِّذكر إن كنتم ال تعلمون البين ات
والزب ر ،أي :وق د ج اءت وخلت الرُّ س ل من قبل ك وج اء بالبين ات والكتب من عن د هللا،
وكانوا رجااًل منهم وأبناء البشر فليسوا من المالئك ة ،ف إ ًذا فاس ألوا منهم عن أه ل الكت اب
ولهم ال ِعلم وال ِّذكر في البين ات والكتب وأنتم تثق ون بهم وتح ترمونهم وتقتنع ون ب أقوالهم،
أن الرُّ س ل ال ذين ج اؤوا وخل وا في اُألمم الخالي ة هم ال ِّرج ال من أبن اء آدم. فأج ابوا لكم ب َّ
وكذلك لديهم في البينات والكتب المنزلة القديمة في رس االت األنبي اء والرُّ س ل إلى البش ر
صلَّى هللا عليه و َسلَّم-بأنَّه رسول
من البشر ،وكذلك لديهم معلومات في نبوة ورسالة مح َّمدَ -
ق ،وأنَّه جاء بالحق من ربه.
صاد ٌ
أن م ريم بنت عم ران نبيَّة .وق د بُعث لم يبعث هللا رسواًل من النساء كما زعم القرطبي ،ب َّ
الرسل من الرجال :فقال ع َّز وجلَّ :ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ
ﱑﱒﱓﱔﱕﱖ ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠ [النحل] ،وكذلك قال سبحانه وتعالى :ﱡﭐﲄ ﲅ
ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﱠ [يوسف ،]109 :بعدما ذكر هللا بعض األنبياء-عليهم
السَّالم-قد اصطفاهم فقال ع َّز وجلَّ :ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ [األنعام] ،أي :األنبياء
من الرجال هم اآلباء أو ذرياتهم من األوالد الذكور أو إخوانهم ،ولم يذكر من أزواجهم أو
أخواتهم أو أمهاتهم .ولكن هللا-تعالى-خلق من النساء ال ُك َّم َل.
ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه
س و ُل هللاِ َ وس ى ،قَ ا َل :قَ ا َل َر ُ عَنْ َع ْم ِرو ْب ِن ُم َّرةَ ،عَنْ ُم َّرةَ ،عَنْ َأبِي ُم َ
آس يَةَ ت ِع ْم َرانَ َ ،و ِس ا ِء َغ ْي ُر َم ْريَ َم بِ ْن ِ سلَّ َمَ « :ك َم َل ِمنَ ال ِّر َج ِ
ال َكثِ ي ٌرَ ،ولَ ْم يَ ْك ُم ْل ِمنَ النِّ َ َو َ
س اِئ ِر الطَّ َع ِام» (مس لم) ض ِل الثَّ ِري ِد َعلَى َ شةَ َعلَى النِّ َ
سا ِء َكفَ ْ ض َل عَاِئ َا ْم َرَأ ِة فِ ْرع َْونَ َ ،وِإنَّ فَ ْ
(.)13
ب، ط ال ِ ٍ س ِم ْعتُ َعلِ َّي بْنَ َأبِي ََام ْب ِن ع ُْر َوةَ ،عَنْ َأبِي ِه ،عَنْ َع ْب ِد هللاِ ْب ِن َج ْعفَ ٍر ،قَ ا َلَ :
عَنْ ِهش ِ
يج ةُ بِ ْنتُ ُخ َو ْيلِ ٍد
س اِئ َها َخ ِد َس لَّ َم يَقُ و ُلَ :خ ْي ُر نِ َ
ص لَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ
سو َل هللاِ َ
س ِم ْعتُ َر ُيَقُو ُلَ :
ساِئ َها َم ْريَ ُم ْبنَتُ ِع ْم َرانَ ( .الترمذي) (.)14 َو َخ ْي ُر نِ َ
أي :ك ّل واحد ٍة منها خير نساء األرض في عصرها ،وأ َّما التَّفضيل بينهما فمس كوت عن ه
(النووي) .وقول النَّووي( :أ َّما التَّفض يل بينهم ا فمس كوت عن ه) ،أي :التَّفض يل بين م ريم
أن التَّفضيل بينهم ا مس كوت عن ه ق واًل بنت عمران وبين خديجة بنت خويلد وبالرغم من َّ
ألن الرَّس ول األك رم-ص لَّى هللا علي ه حس ب فهم النَّووي ،ولكن ه و م ذكور ق واًل وفعاًل ؛ َّ
وسلَّم-قال« :خي ُر نسائها مريم بنت عمران» ،أي :خي ُر النِّس اء في زمانه ا ،وذل ك ال َّزم ان
زمن رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم-خير الق رون س ابقًا ،وح ديثًا ق رن النَّبي -ص لَّى هللا
عليه وسلَّم-فخير نساء قرن رسول هللا-صلَّى هللا عليه وس لَّم-خ ير من خ ير نس اء الق رون
الماضية ،وكذلك خير النِّساء في القرون هن نساء قرن رسول هللا-ص لَّى هللا علي ه وس لَّم-
الص الحات المؤمن ات ،وخ ير أه ل ال بيت نس ا ًء ورج ااًل أه ل بيت النَّبي-ص لَّى هللا علي ه َّ
َّالم-وأيض ا خ ير األزواج لألنبي اء-عليهم
ً وسلَّم ،-ومن خير أهل البيوت األنبياء-عليهم الس
الس الم-أص حاب السَّالم-نساء النَّبي-صلَّى هللا عليه وسلَّم ،-وخير أصحاب األنبي اء-عليهم َّ
بعض ا بإحس ان إلى قي ام ً النَّبي-صلَّى هللا عليه وسلَّم-وخير التَّابعين ال ذين يخل ف بعض هم
السَّاعة هم الذين من أ َّمة الرسول-ص لَّى هللا علي ه وس لَّم-وخ ير اُأل َّمة من اُألمم أ َّمة مح َّمد-
صلَّى هللا عليه وسلَّم-لقول النَّبي-ص لَّى هللا علي ه وس لَّم :خ ير الق رن ق رني ،أي :إطالقً ا؛
ولقوله تعالى :ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ [آل عمران ،]110 :أي :للنَّاس إطالقًا من القرون الخالية؛
)(13صحيح مسلم ،4/1886رقم.)2431( :
)(14سنن الترمذي ،6/185رقم.)3877( :
ألن النَّبي-صلَّى هللا عليه وسلَّم-خاتم النَّبيين و ُمت ّم النُّب وة ،وق د ُأوتي ك ّل م ا ُأوتى النَّبيون،
َّ
بل أفض ل وأك ثر ،وه و س يد األولين واآلخ رين ،وأ َّمت ه خ ير اُألمم وأوس طها؛ لق ول هللا
تعالى :ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ أي :أفضل اُألمم لقول النَّبي صلَّى هللا عليه وس لَّم« :نَ ْحنُ اآل ِخ ُرونَ
سابِقُونَ »( )15أي :تلك األ َّمة آخر اُألمم ظهو ًرا في األرض ،ولكن س ابقة األمم وأفض لهم ال َّ
الش ريف الرفي ع المح ترم اإلم ام قربة عند هللا في ال ُّدنيا وفي اآلخرة ،فكيف استد َّل إما ُمن ا َّ
في علم الحديث ومعرفته اإلمام النووي-رحمة هللا عليه-وفضل عن تلك الحقائق والوج وه
وأفضلية تلك اُألمة وبالطبع أفضلية خديجة عن مريم-رحمه هللا وغفر له ولنا-وفضل ك ّل
أن موس ى أ َّمة من اُألمم ومنازلها عند هللا حس ب فض ل ومن ازل األنبي اء لُألمم ،وب الرغم َّ
كليم هللا ونجيه كم مرة طلبت أمته منه المعجزات ولم يقتنعوا بها وعبدوا العج ل وعص وه
وفي النِّهاية ،قالوا له :ﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [المائدة] ،ولم يرغب أحد من هذه األ َّمة
من نبيّها-صلَّى هللا عليه وسلَّم-في آية معج زة ولم يعص وه ،وفي غ زوة ب در :إنَّا ال نق ول
كما قالت قوم موسى له :ﱡﭐﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠبل نقول :أرنا البحر نخضه معك.
س َو ِد ش ِهدْتُ ِمنَ ال ِم ْق دَا ِد ْب ِن اَأل ْ س ُعو ٍد ،يَقُ و ُلَ : س ِم ْعتُ ابْنَ َم ْ ب ،قَا َلَ : ش َها ٍق ْب ِن ِ عَنْ طَا ِر ِ
س لَّ َم َو ُه َو ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ صا ِحبَهُ َأ َح ُّب ِإلَ َّي ِم َّما ُع ِد َل بِ ِهَ ،أتَى النَّبِ َّي َش َهدًاَ ،أَلنْ َأ ُكونَ َ َم ْ
سىْ :اذه َْب َأ ْنتَ َو َر ُّبكَ فَقَ اتِاَل َ ،ولَ ِكنَّا ش ِر ِكينَ ،فَقَا َل :اَل نَقُو ُل َك َما قَا َل قَ ْو ُم ُمو َ يَ ْدعُو َعلَى ال ُم ْ
س لَّ َمص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ ش َمالِ َكَ ،وبَيْنَ يَ َد ْيكَ َو َخ ْلفَ َك «فَ َرَأ ْيتُ النَّبِ َّي َ نُقَاتِ ُل عَنْ يَ ِمينِ َكَ ،وعَنْ ِ
س َّرهُ» يَ ْعنِي :قَ ْولَهُ ( البخاري) (.)16 َأش َْر َ
ق َو ْج ُههُ َو َ
والبيِّنات هي األدلَّة والحُجج التي أعطاها هللا رس له أدلَّة على نب َّوتهم ش اهدة لهم على
والزبر :هي الكتب ،جمع ال َّزبور. حقيقة ما أتوا به إليهم من عند هللاُّ ،
قال ابن عبَّاسُّ :
الزبر :الكتب ،كذلك قال مجاهد وال َّ
ضحَّاك.
وقوله :ﱡﭐﱔﱕﱖ ﱗﱠ أي :وأنزلنا إليك يا مح َّمد هذا القرآن للنَّاس موعظة لهم .ﱡﭐﱘﱙﱠ
لتعرفهم ما أنزل إليهم من ذلك؛ لعلهم يتف َّكرون وليتذ َّكروا فيه ويعتبروا له.
فنقول :أي :وأنزلنا إليك الكتاب وهو القرآن الكريم فيه ِذك ر هللا و ِذك ر اُألمم الخالي ة،
و ِذكر األنبياء-عليهم السَّالم ،-و ِذكر األخبار الماض ية والوق ائع والقادم ة منه ا وغ ير
ذلك.
يقول-سبحانه وتعالى-لمنكري بعثة هللا-تعالى-رجااًل من اإلنس بالرِّ سالة والذكر فيقول
لهم :ليس بعثة مح َّمد رسواًل من عند هللا إليكم وإلى البشر عجبً ا وبِ دعًا؛ ب ل بعث هللا-
تعالى-قبله ُرساًل رجااًل من البشر إلى البشر ،ولم يرسل إليهم رسواًل من المالئكة كما
أن الرُّ س ل يكون ون من المالئك ة إلى البش ر ال من اإلنس من جنس هم. أنتم تزعمون ب َّ
فس ألوا أه ل الكت اب ه ل بعث هللا إليهم رس اًل من المالئك ة أو من البش ر؛ ألنَّكم
تحترمونهم وتصدقونهم في الق ول واألخب ار وتس ألونهم ع َّما ال تعلم ون فتقول ون لهم
أنتم أهل الكتاب ونحن األ ُّميون أهل الجهل ،وعندكم ال ِعلم والمعرفة ،أخبرونا عن ك ذا
وكذا.
والبيِّنات :أي اآليات النازلة من عند هللا ،وهي البيِّنات ال تي ت بين م ا يحتاج ه بن و آدم
إليه من معرفة هللا-تعالى-وتوحيده واإليمان والعمل بها واألخبار النافعة لهم ليعت بروا
فيه ا ويتَّعظ وا به ا ،واألخب ار في األمم الخالي ة ،وإهالك األمم الك افرة باهلل-تع الى-
والزبر هي الكتب القديمة النَّازل ة
وباألنبياء واليوم اآلخر ،وهم أهل األوثان وال ِّشركُّ .
من عند هللا إلى الرسل واألنبياء-عليهم السَّالم-والصُّ حف.
بي رس و ٌل وس لَّم-بأنَّه ن ٌّ
د-ص لَّى هللا علي ه َ
والص حف ذك ر مح َّم َ ُّ وكذلك في تلك الكتب
مي ،وما أنزل عليه صدق من عند هللا فآمنوا به واتبعوه .وكذلك في الكتاب والبين ات ُأ ٌّ
التي نزلت عليه من عند هللا ،وفيه ما فيه من الكتب القديم ة فيص دقها ويفص لها .وفي
د-ص لَّى هللا علي هتلك الكتب والصُّ حف من جهة وفي الموافقة بين م ا أن زل على مح َّم َ
والص حف بين ة وش هادة ظ اهرة وق اهرة في ص حة وص دق ُّ وس لَّم-وبين تل ك الكتبَ
وس لَّم-وم ا أن زل علي ه من رب ه ،وك ذلك إذا س ألتم أه َل صلَّى هللا علي ه َ
رسالة مح َّمدَ -
بأن الرُّ سل واألنبياء المرسلة على ال ِّذكر أهل الكتاب بهذا الخصوص أخبروكم فعرفتم َّ
دا-ص لَّى هللا
َ البشر هم من جنس البشر ،فليس وا من جنس المالئك ة ،فع رفتم ب َّ
أن مح َّم
مي ،وما ج اء إلي ه فه و من هللا-تع الىِ -ذك ر أمين ورسو ٌل ونب ٌّي وُأ ٌّ
ق ٌ عليه و َسلَّم-صاد ٌ
لكم وتذكرة.
ﱡﭐﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱠ[النحل].
وس لَّم-فراح وا
هللا-ص لَّى هللا علي ه َ
َ َأفََأ ِمن الذين ظلموا المؤم نين من أص حاب رس ول
يفتنونهم عن دينهم من مشركي قريش الذين ق الوا :إذ قي ل لهم م اذا أن زل ربكم ق الوا
أساطير األولين؛ ص ًّدا منهم لمن أراد اإليمان باهلل عن قصد السبيل أن يخس ف هللا بهم
األرض على كفرهم وشركهم ،أو يأتيهم عذاب هللا من مكان ال يش عر ب ه ،وال ي دري
من أين يأتيه.
وكان مجاهد يقولُ :عني بذلك نمرود بن كنعان.
وذلك تهديد من هللا أهل ال ِّشرك به وهو عقيب قوله :ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ
ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [النحل] .فكان التَّهديد لمن لم يق ّر بح ّجة هللا الذي جرى
الكالم بخطابه قبل ذلك أجرى من الخبر ع َّمن انقطع ذكره عنه ،وكان قَتَ ادة يق ول في
معنى السيئات في هذا الموضع قال :ال ِّشرك .أي ابن جري ر ذك ر عن مجاه د الخ بر،
وفيه ِذكر نمرود ،فليس له ارتباط بهذه اآلية.
ﱡﭐﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﱠ[النحل].
الس ماوات وم ا في األرض من داب ة ي دبّ عليه ا وهلل يخضع ويستس لم ألم ره م ا في َّ
والمالئكة في السَّماوات ،وهم ال يستكبرون عن الذ ّل له بالطَّاع ة ،وال ذين ال يؤمن ون
باآلخرة قلوبهم منكرة ،وهم مستكبرون وظاللهم تتفيأ عن اليمين والش مائل س جدًا هلل،
وهم داخرون.
نقول :إن ضربات القلوب المؤمنة وغير المؤمنة ت ذكر هللا وتض رب بلفظ ة الجالل ة:
هللا ،هللا ،هللا ،ث َّم كتب هللا في القلوب كتابة :هللا.
ﱡﭐﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﱠ[النحل].
يخاف هؤالء المالئكة التي في السَّماوات وما في األرض من دابَّ ٍة ربَّهم من ف وقهم أن
ويؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه. ُّ يعذبهم إن عصوا أمره ،ويفعلون ما أمرهم به،
ﱡﭐﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﱠ[النحل].
لعباده :ال تتَّخذوا لي شري ًكا أيَّها النَّاس ،وال تعبدوا معبودين ف إنَّكم إذا عب دتم
وقال هللا ِ
معي غيري جعلتم لي شري ًكا ،وال شريك لي ،إنَّما هو إل ه واح د ومعب ود واح د وه و
أنا ،ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ أي :فإيَّاي فاتقوا وخافوا عقابي بمعص يتكم إيَّاي إن عص يتموني
وعبدتم غيري وأشركتم في عبادتكم لي شري ًكا.
فيشاهد في النَّاس أنَّهم اتَّخذوا إلهً ا واح دًا ب اطاًل ،وك ان في جاهلي ة الع رب ك ان أب و
الش عرى كبشة أحد أج داد النَّبي من قِبَ ل أمهات ه ،وه و أ َّول ال َع رب عب د النجم اس مه ِّ
ًا-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-ابن
وعبده إلهًا واحدًا ،ولذلك كان مشركوا قريش يس ُّمون مح َّمد َ
أبي كبشة حين دعا إلى هللا وخالف أديانهم ،قاله القرطبي.
ثم ُشوهد عند ملة زردشت اإليراني عبادة اإللهين وإله الخير وإل ه َّ
الش ر ،وأخ ذ ذل ك
أه ل اإلع تزال ومنهم محم ود بن عم ر ال َّزمخش ري ،وق ال هللا-تع الى-يخل ق الخ ير
والعباد يخلق ون َّ
الش ر ،ث َّم في األت راك القديم ة منهم (ك وك ت رك) اتخ ذوا إليهين إل ه
السَّماوات وإله األرض وكذلك لدى العرب القديمة واليونانين الروم انين ك ثرة اآلله ة
ولدى النَّصارى :التثليث.
د-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-من عند ربه باتخاذ إله واحد وه و هللا-تع الى-وذل ك
وجاء مح َّم َ
الدين السَّليم دين وملة إبراهيم واألنبياء المرسلين-عليهم الصَّالة والسَّالم ،-وكان ق وم
إبراهيم البابليون يعبدون النَّجم واألصنام ،وجاء في قوله تع الى :ﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ
[النجم] ،أي هللا-تعالى-أيضًا ربّ من َعبَ َد النَّجم ال ِّشعرى.
ﱡﭐﲽﲾﲿﳀ ﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﱠ[النجم].
وهلل ملك السَّماوات واألرض من شيء ال شريك له في شيء من ذلك هو ال ذي خلقهم
وهو الذي يرزقهم وبيده حياتهم ومماتهم.
وقوله :ﱡﭐ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﱠ أي :وله الطَّاعة واإلخالص دائ ًما ثابتًا واجبًا ،وج اء ق ول
حسان[ :من المديد]
ب
ص ُ يح تَ ْ
سفِي بِ ِه َ ...و َه ِزي ٌم َر ْع ُدهُ َوا ِ َغيَّ َر ْتهُ ِّ
الر ُ
واختلف أهل التَّأويل في تأويل الواجب ،فقال بعضهم :معناه ما قلنا ،كما ج اء عن ابن
عبَّاس :ﱡﭐﳂﳃﳄﳅﱠ قال :دائ ًما ،وكذلك قال عكرمة ومجاهد وال َّ
ضحَّاك.
وقال اآلخرون :الواصبُ في ه ذا الموض ع ال واجب ،قال ه ابن عبَّاس .وق ال مجاه د:
الدِّين في هذا الموضع اإلخالص.
قوله تعالى :ﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ﱠ أي :ترهبون أيَّها النَّاس ،وتحذرون أن يسلبكم نِعمة هللا عليكم
بإخالصكم العبادة لربكم وإفرادكم الطَّاعة له ،وما لكم نافع سواه.
ﱡﭐﳊﳋﳌ ﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﱠ[النحل].
وص حَّة وس المة وفي أم والكم من نم اء ما يكون بكم في أبدانكم أيَّها النَّاس من عافية ِ
فاهلل المنعم عليكم بذلك ال غيره؛ َّ
ألن ذلك إلي ه وبي ده ،ث َّم إذا َّ
مس كم الض رُّ في أب دانكم
س قم وم رض وعلَّة عارض ة ،وش ّدة من عيش فإلي ه تج أرون ،وتص رخون بال ُّدعاء
الش ديد من ج وع أو غ يره، وتستغيثون به ليكشف ذلك عنكم ،والجؤار :رفع الصُّ وت َّ
ومنه قول األعمش يصف بقرة ([ :)17من الطويل]
فَطَافَتْ ثَالثًا بَ ْين يَ ْو ٍم ولَ ْيلَ ٍة ...وكان النَّ ِكيُر أن تُضيفَ وت َْجَأرا
ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱠ[النحل].
ويجعل هؤالء المشركون من عبدة األوثان ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋﱌﱍﱠ أي :حظًا وجزاء مما
رزقن اهم من األم وال أش را ًكا منهم ل ه بال ذي يعلم ون إنَّه خلقهم وه و ال ذي ينفعهم
أن هللا خلقهم ويض رهم وينفعهم ،ث َّم ويض رهم دون غ يره ،ق ال مجاه د :يعلم ون َّ
يجعلون لما ال يعلمون أنَّه يضرّهم وال ينفعهم نصيبًا م َّما رزقناهم.
قال قَتَادة :هم مشركو العرب جعلوا ألوثانهم نصيبًا مم ا رزقن اهم ج ز ًءا من أم والهم
يجعلونه ألوثانهم.
وقوله تعالى :ﱡﭐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱠ وهللا أيَّها المشركون ليسألنكم هللا يوم القيامة عما
كنتم في ال ُّدنيا تف ترون وتختلق ون من الباط ل واإلف ك على هللا ب دعواكم ل ه ش ري ًكا
وتصييركم ألوثانكم فيما رزقكم نصيبًا ،ث َّم ليعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نِعمة
وافتراءكم عليه.
ﱡﭐﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ ﱨﱠ[النحل].
ومن جهل هؤالء المش ركين وخبث فعلهم وقبح ف ريتهم على ربهم ،أنَّهم يجعل ون لمن
خلقهم ودبَّرهم وأنعم عليهم ،فاستوجب بنعمه عليهم ال ُّشكر ،واستحق عليهم الحمد ﱡﭐ ﱙ ﱠ
وال ينبغي أن يكون هلل ولد َذ َك ر وال أن ثى س بحانه ،ن َّزهَ-ج َّل جاللُ ه-ب ذلك نفس ه ع َّما
أضافوا إليه ونسبوه من البنات ،فلم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إليه ما ال ينبغي إضافته
إليه ،وال ينبغي أن يكون له من الولد أن يض يفوا إلي ه م ا يش تهونه ألنفس هم ويحبون ه
لها ،ولكنَّهم أضافوا إليه ما يكرهونه ألنفسهم ،وال يرضونه لها من البنات ما يقتلونه ا
إذا كانت لهم البنات ،ولهم ما يشتهون من البنون ،ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱠ أي :إذا بُشر أح ُد هؤالء
الذين جعلوا هلل البنات ،فإذا بُشر أحدهم بوالدة البن ات ظ َّل وجه ه مس ودًا من كراه ة
لها ،ﱡﭐﱦﱧ ﱠ قد كظم الحزن وامتأل غ ًّما بوالدتها.
قال ابن عبَّاس :يجعلون هلل البنات يرضونهن هلل وال يرض ونهن ألنفس هم ،وذل ك أنَّهم
دس ها في التُّراب
كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمس كها على ه ون أو َّ
وهي حيَّة ،وقال قَتَادة :ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ وهذا صنيع مشركي العرب ،أخبرهم هللا-
تعالى-بخبث صنيعهم .فأ َّما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قس م هللا ل ه ،وقض ا ُء هللا
خير من قضاء المرء لنفسه .ولعمري ما يدري إنه خير؛ لرُبَّ جارية خير ألهله ا من
غالم ،وإنَّما أخبركم هللا بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه ،وكان أحدهم يغذو كلب ه ويئ د
ابنته.
قال ابن عبَّاس :ﱡﭐﱦﱧ ﱠ قال :حزين .وقال ال َّ
ضحَّاك :الكظيم :الكميد.
ﱡﭐﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱠ[النحل].
يتوارى هذا المبشر بوالدة األنثى من القوم فيغيب عن أبصارهم من سوء ما بُ ِّشر ب ه،
ممثاًل بين ﱡﭐﱲﱳﱴﱠ أي :هوان أم يدسه في التُّراب يدفنه حيًّا.
قال ابن جريج :ﱡﭐﱵﱶﱷﱸﱹﱠأي :يئ ُد ابنته في التُّراب.
قوله تعالى :ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱠ أي :اإلساء الحكم الذي يحكم هؤالء المشركون ،وذلك أن
جعلوا هلل ما ال يرضون ألنفسهم ،وجعلوا لما ال ينفعهم وال يضرهم شر ًكا فيما رزقهم
هللا وعبدوه.
ومن جه ٍة كانت العرب تعبد المالئكة ،ويقولون :إنَّهم بنات هللا.
ﱡﭐﱿﲀﲁ ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﱠ[النحل].
للذين ال يؤمنون باآلخرة وال يصدقون بالمعاد والث واب والعق اب من المش ركين مث ل
السَّوء وهو القبيح .ﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﱠ وهو األفضل واألطيب واألحسن واألجمل ،وذلك
التوحيد واإلذعان بأنَّه ال إله غيره .قال قَتَادة :ﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﱠ شهادة أن ال إله إاَّل هللا،
وفي خبر منه أيضًا :المثل األعلى :اإلخالص والتَّوحيد.
وقوله :ﱡﭐﲊﲋﲌ ﱠ أي :وهللا ذو العزة التي ال يمتنع عليه معها عقوبة هؤالء المشركين،
وال عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إيَّاه ،وال يعتذر عليه شيء أراده؛ َّ
ألن الخلق
خلقه واألمر أمره ،حكيم في تدبيره ال يدخل في تدبيره خلل.
ﱡﭐﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ ﲣﲤﲥﲦﱠ[النحل].
ولو يؤاخذ هللا ُعصاة ب ني آدم بمعاص يهم ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ أي :على األرض من دابَّة ت دبُّ
عليها ،ولكن يُؤخر هؤالء الظَّلمة ،فال يع اجلهم بالعقوب ة إلى أج ل مس َّمى إلى ال وقت
ال ذي وقّت لهم ،ف إذا ج اء أجلهم ال وقت ال ذي في ه هالكهم ال يس تأخرون عن الهالك
ساعة فيمهلون قبل الهالك حتى يستوفوا آجالهم.
جاء عن أبي األحوص قال :كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم ،وقرأ هذه اآلية.
إن الظَّالم ال يض ّر إاَّل نفس ه،
عن أبي سلمة قال :سمع أبو هري رة رجاًل ،وه و يق ولَّ :
فالتفت إليه فقال :بلى وهللا إن الحبارى (الطير) لتموت في وكرها هزااًل بظلم الظَّالم.
قال ابن مسعود :خطيئة ابن آدم قتلت الجعل.
قال الزهري قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﱠ قال :نرى أنَّه إذا حضر أجله فال يؤخر
ساعة وال يق ّدم وما لم يحضر أجلهَّ ،
فإن هللا يُؤخر ما شاء ويقدِّم ما شاء.
ﱡﭐﲧ ﲨﲩ ﲪﲫ ﲬﲭ ﲮﲯ ﲰﲱﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ
ﲺﱠ[النحل].
ويجعل هؤالء المشركون هلل ما يكرهونه ألنفسهم ،أي :البنات .ويجعلونه هلل وزعم وا
أن المالئكة بنات هللا،ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﱠ أي :يجعلون ألنفسهم ال ُّذكور من األوالد،
وكانوا يئدون اإلناث من أوالدهم ويس تبقون ال ذكور منهم ،ويقول ون :لن ا ال ذكور وهلل
البنات.
وجاء عن مجاهد قال :قول قريش لنا البنون وهلل البنات.
وقال قَتَادة :ﱡﭐ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﱠ أي :يتكلَّمون ب َّ
أن لهم الحُس نى ،أي:
الغلمان.
قال ابن عبَّاس ،قوله :ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﱠ أي :بلى .وجاء عن سعيد بن جبير :ﱡﭐ ﲳ ﲴ
أيض ا:
ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ قال :منس يون ومض يعون ،وفي خ بر عن ه ً
مفرطون :متركون في النَّار ومنسيون فيها .كذلك قال ال َّ
ضحَّاك.
س ْع ٍد ،قَ ا َل: س ْه ِل ْب ِن َ وقال آخرون :أنَّهم معجلون إلى النَّار مقدمون إليها .ومن ه عَنْ َ
ب، ش ِر َ ضَ ،منْ َم َّر َعلَ َّي َ الح ْو ِ س لَّ َمِ« :إنِّي فَ َرطُ ُك ْم َعلَى َ ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ قَا َل النَّبِ ُّي َ
ب لَ ْم يَ ْظ َم ْأ َأبَ دًا ،لَيَ ِردَنَّ َعلَ َّي َأ ْق َوا ٌم َأ ْع ِرفُ ُه ْم َويَ ْع ِرفُ ونِي ،ثُ َّم يُ َح ا ُل بَ ْينِيش ِر ََو َمنْ َ
()18
َوبَ ْينَ ُه ْم» (البخاري)
ﱡﭐﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓ ﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﱠ[النحل].
وما أنزلنا يا مح َّمد عليك كتابنا وبعثناك رسواًل إلى خلقنا إاَّل لتبين لهم ما اختلفوا في ه
َّ
بالص واب من ه ق من الباط ل ،وتقيم عليهم الص واب من ه والح ّ
من دين هللا ،فتع رّفهم َّ
ُحجَّة هللا.
ى وبيانًا من الضَّاللة بذلك الكتاب ورحمة لقوم يؤمنون
وقوله :ﱡﭐ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﱠ أي :وهد ً
به ،ويقرون بما تض َّمن من أمر هللا ونهيه ويعملون به.
ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ ﱏﱐﱑﱒﱠ[النحل].
وهللا أنزل من السَّماء مطرًا فأنبت بما أنزل من ذلك الم اء من َّ
الس ماء األرض الميت ة
التي ال زرع بها ،وال عشب وال نبت ،ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋ ﱠ بعد ما هي ميتة ال شيء فيها إن
األرض بعد موتها بما أنزلنا من َّ
الس ماء من َ في ذلك يقول-تعالى-ذكرهَّ :
إن في إحيائنا
ما ٍء لدلياًل واضحًا وحجةً قاطعةً عذر من فكر فيهﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱠ يق ول :لق وم يس معون ه ذا
القول ،فيتدبرونه ويعقلونه ،ويطيعون هللا بما دلهم عليه.
ﱡﭐﱷﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﱠ[النحل].
ألَهَ َم ربُّك يا مح َّمد النَّحل ايحاء إليها ﱡﭐﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﱠ أي :م َّما
يبنون من السُّقوف فرفعوها بالبناء.
قال مجاهد :ﱡﭐﱷﱸﱹﱺ ﱠ َألهمها إلها ًما.
وقال معمر :قذف في أنفسها ﱡﭐﱻﱼﱽﱾﱿﱠ.
قال ابن عبَّاس :أمرها أن تأكل من الثَّمرات وأمرها أن تتبع سُبل ربِّها ذلاًل .وق ال ابن
زيد :يعرشون الكرم.
ﱡﭐﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﱠ[النحل].
ث َّم ُكلي أيَّتها النَّحلة من الثَّمرات ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﱠ أي :فاسلكي طرق ربّك ذلاًل ،قال مجاهد:
ال يتو َّعر عليها مكان سلكته.
قال قَتَادة :ﱡﭐﲍﲎﱠمطيعة ،قال ابن زيد :الذلول الذي يُقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه.
قال :فهم يخرجون بالنَّحل وهي تتبعهم قوله :ﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﱠ أي :يخرج من بطون
النَّح ِل شرابٌ هو العسل ،مختلف ألوانه؛ َّ
ألن فيه أبيض ،وأحمر ،وأسمر ،وغ ير ذل ك
من األلوان.
العس ل األس مر أق وى العس ل من أل وان العس ل األخ رى ،مث ل أبيض يض رب إلى
الحمرة .وقولهﱡﭐ ﲕﲖ ﱠ اختلف أهل التَّأويل ،فقال مجاهد :شفا ٌء للنَّاس ،القرآن شفاء .وقال
آخرون :بل ُأريد به العسل.
س لَّ َم ،فَ َذ َك َر َأنَّ َأ َخ اهَ ْ
اش تَ َكى ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ عَنْ قَتَا َدةَ ،قَا َلَ :ج ا َء َر ُج ٌل ِإلَى النَّبِ ِّي َ
ق َأ َخا َك ع َ
َس اًل » ثُ َّم َج ا َءهُ فَقَ ا َل: س ِ «اذه َْب فَا ِسلَّ َمْ : صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َبَ ْطنَهُ ،فَقَا َل النَّبِ ُّي َ
ق َأ َخ ا َك ع َ
َس اًل ،فَقَ ْد اس ِ «اذه َْب فَ ِ س لَّ َمْ : صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ ش َّدةً ،فَقَا َل النَّبِ ُّي َ
َما َزا َدهُ ِإاَّل ِ
ال( .الطبري) (.)19 شطَ ِمنْ ِعقَ ٍ سقَاهُ ،فَ َكَأنَّ َما نُ ِ
ب بَ ْطنُ َأ ِخي َك» فَ َ ق هَّللا ُ َو َك َذ َ
ص َد َ
َ
ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ أي :أفبنِعمة هللا التي أنعمها على هؤالء المشركين من الرِّ زق الذي رزقهم في
ال ُّدنيا يجحدون بإشراكهم غير هللا من خلقه في سلطانه وملكه.
ق ال ابن عبَّاس :لم يكون وا يش ركون عبي دهم في أم والهم ونس ائهم ،فكي ف يش ركون
عبيدي معي في سلطاني ،فذلك قوله :ﱡﭐﳌ ﳍﳎﱠ.
قال ابن عبَّاس :هذه اآلية في شأن عيس ى ابن م ريم ،يع ني ب ذلك نفس ه ،إنَّم ا عيس ى
عبد ،فيقول هللا :وهللا ما تشركون عبيدكم في الذي لكم فتكونوا أنتم وهم س واء ،فكي ف
ترضون لي بما ال ترضون ألنفسكم.
قال مجاهد :مثل األلهة الباطل مع هللا.
قال قَتَادة :فهل منكم من أحد شارك إيمانهم فهم فيه سواء ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ وهذا مثل ضربه هللا،
فهل منكم من أح ٍد شارك مملوكه في زوجته وفي فراشه؟ فتعدلون باهلل خلق ه و ِعب اده،
ترض لنفس ك ه ذا فاهلل أح ق أن ي نزه من ه من نفس ك ،وال تع دل باهلل أح دًا من
َ فإن لم
ِعباده وخلقه.
ﱡﭐﳐﳑﳒﳓﳔﳕ ﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝ ﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﳥﳦ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ
ﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱠ[النحل].
وهللا الذي جعل لكم أيَّها النَّاس من أنفسكم أزواجًا ،أي :أنَّه خلق من آدم زوجته حواء،
وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة .قال قَتَادة :وهللا خلق آدم ث َّم خلق زوجت ه من ه ،ث َّم
جعل لكم بنين وحفَدَة.
ُ
والختن أب و اختلف أه ل التَّأوي ل في المعن يين بالحفَ دَة ،فق ال بعض هم :هم األخت ان،
المرأة وأقاربه (أختري الكبير).
أختان الرجل على بناته ،كما قال عبد هللا بن مسعود :بنين وحفدة .األختان ك ذلك ق ال
إب راهيم وابن جب ير .ق ال ابن عبَّاس :األص هار .وق ال آخ رون :هم أع وان الرَّج ل
وخدمه .قاله ابن عبَّاس وعكرمة ،من خدمك من ولدك .قال مجاهد :ابنه وخادمه.
قوله :ﱡﭐﳜ ﳝ ﳞﳟ ﱠ أي :من حالل المعاش واألرزاق واألقوات .ﱡﭐﳠﳡ ﱠ أي :يحرم عليهم
أولياء ال َّشيطان من البحائر والسَّوائب والوصائل ،فيصدق هؤالء المشركون باهلل ﱡﭐﳢ
ﳣﳤﳥﱠ أي :وبما أح َّل هللاُ لهم من ذلك وأنعم عليهم بإحالله يكفرون ينكرون تحليله،
ويجحدون أن يكون هللا أحلَّه.
فنقول :وأسكن ما يكون الرجل ،فينسى كل شيئ ،حينم ا قع د إلى الم رأة بين أربعه ا،
وحينما التقى الختانان.
ولذلك سنّت السنة السَّنية في بداية األمر.
سلَّ َمَ « :أ َما لَ ْوصلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ س ،قَا َل :قَا َل النَّبِ ُّي َ كما جاء في الحديثَ :ع ِن ا ْب ِن َعبَّا ٍ
ب الشَّيطان َم ا س ِم هَّللا ِ ،اللَّ ُه َّم َجنِّ ْبنِي الشَّيطان َو َجنِّ َِأنَّ َأ َح َد ُه ْم يَقُو ُل ِحينَ يَْأتِي َأ ْهلَهُ :بِا ْ
ش ْيطَانٌ َأبَ دًا » ( البخ اري: َر َز ْقتَنَا ،ثُ َّم قُ ِّد َر بَ ْينَ ُه َما ِفي َذلِ َكَ ،أ ْو قُ ِ
ض َي َولَ دٌ ،لَ ْم يَ ُ
ض َّرهُ َ
النكاح).
فإن الليلة هي تتمة النَّهار من جهة السُّكان يسكنون فيها وكذلك اللَّيل يسكن فيه سكانهَّ ،
ويرتاحون ويتعطلون عن العمل ويسترخون وفي النَّهار يسبحون في العمل للحص ول
البعض .ومن جه ة َ معاش ا ،فيتم البعضُ ً على المعيشة ،فأصبحت اللَّيالي سكنًا والنَّهار
أن اللَّيالي أكسب لآلخرة وأكثر بركة وأجرًا وفضاًل من النَّهار ،إذ ج اء في قول ه ع َّز َّ
وجلَّ:
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ
ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ ﱨﱩﱪﱫﱠ[المزمل].
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ
ﱚﱛﱜﱠ[النحل].
ويعبد هؤالء المشركون باهلل من دونه أوثانًا ال تملك لهم رزقًا من السَّماوات؛ ألنَّه ا ال
أيض ا رزقً ا من
تقدر على إن زال قط رة منه ا إلحي اء م وت األرض ين وال تمل ك لهم ً
األرض؛ ألنَّها ال تقدر على إخراج شيء من نباتها وثماره ا لهم وال ش يًئا مم ا ع َّدد-
تعالى-في هذه اآلية ،أنَّه أنعم به ا عليهم وال يس تطيعون ،أي :وال تمل ك أوث انهم ش يًئا
الس ماوات واآلرض هلل مل ك وال الس ماوات واألرض ،ب ل هي وجمي ع م ا في َّ من َّ
تقدرون على شيء.
وقوله :ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱠ أي :فال تمثلوا األمثال وال تشتبهوا له األشباه ،فإنَّه ال
مثل له وال شبه.
قال مجاهد :األمثال األشباه.
قال ابن عبَّاس :ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱠ بعد اتِّخاذهم األصنام ال يجعل وا معي إلهً ا
غيري فإنَّه ال إله غيري.
قال قَتَ ادة :ه ذه األوث ان ال تي تعب د من دون هللا م ا ال يمل ك لهم رزقً ا من َّ
الس ماوات
واألرض شيًئا وال يستطيعون ض ًّرا وال نف ًع ا وال حي اةً وال نش ورًا .ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ
ﱔﱕﱠفإنَّه أحد صمد لم يلد ولم يولد.
ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ
[النحل].
شبه هللا لكم شبهًا أيَّه ا النَّاس للك افر من عبي ده والم ؤمن ب ه منهم ،فأ َّما الك افر فإنَّه ال
يعمل بطاعة هللا ،وال يأتي خيرًا وال ينفق في شيء من سبيل هللا ماله لغلبة خ ذالن هللا
عليه كالعبد المملوك الذي ال يقدر على شيء فينفع ه .وأ َّما الم ؤمن باهلل يعم ل بطاع ة
هللا وينفق في سبيله ماله كالح ّر الذي آتاه هللا مااًل فهو ينفق منه س ًّرا وجه رًا ،ب ِع ٍلم من
النَّاس وغير ِع ٍلم .هل يستوي العبد الذي ال يملك شيًئا وال يقدر عليه ،وهذا الح ّر الذي
ق َّدر رزقه هللا رزقً ا حس نًا فه و ينف ق كم ا وص ف ،فك ذلك ال يس توي الك افر العام ل
بمعاصي هللا المخالف أمره والمؤمن العامل بطاعته.
قال قَتَادة :ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ هذا مثل ضربه هللا للكافر ،رزقه مااًل لم يقدم فيه خيرًا ولم
يعمل فيه بطاعة هللا ،قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ فهذا المؤمن أعطاه هللا مااًل
بالش كر معرف ة ح ق هللا فأثاب ه هللا على م ا رزق ه ال رزقفعمل فيه بطاعة هللا ،وأخذ ُّ
المقيم ال َّدائم ألهل ه في الجنَّة .ق ال هللا-تع الى :ه ل يس تويان مثاًل وهللا ال يس تويان ﱡﭐ ﱵ
ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱠ .
وج اء عن ابن عبَّاس ق ال :الك افر إنَّه ال يس تطيع أن ينف ق نفق ة في س بيل هللا ،ومن
رزقناه منا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه س ًّرا وجه ًرا ،وهو المؤمن ،وهذا المثل في النَّفقة.
صا دون ما تدعون أيَّها القوم من دونه من وقوله :ﱡﭐ ﱵ ﱶﱷ ﱠ أي :الحمد الكامل هلل خال ً
األوثان فإيَّاه فاحمدوا دونها ،وقوله :ﱡﭐ ﱸﱹﱺﱻﱼﱠ أي :لكن أكثر هؤالء الكفرة ال
يعلمون أن ذلك فهم بجهلهم بما يأتون ويذرون يجعلونها هلل شركاء في العبادة.
ﱡﭐ ﱽﱾﱿﲀ ﲁ ﲂﲃﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈﲉ ﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓ ﲔ ﲕ
ﲖﲗﲘﲙﲚﱠ[النحل].
هذا مثل ضرب هللا لنفسه واآللهة التي تعبد من دونه فقال-تع الى :ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ
ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ يعني بذلك الصَّنم أنَّه ال يسمع ش يًئا ،وال ينط ق؛ ألنَّه إ َّما
ض ٍّر عنه ،ﱡﭐ خشب منحوت ،وإ َّما نحاس مصنوع ال يقدر على نفع من خدمه ،وال دفع ُ
ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﱠ أي :عيال على ابن ع ِّمه وحلفائه ،فكذلك الصَّنم ك ٌّل على م ا يعب ده
يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه كاألبكم من النَّاس الذي ال يقدر على شي ٍء ،وهو ك ٌل
على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم ،أينما يوجه ال يأت بخ ير؛ ألنَّه ال يفهم م ا يق ال
الص نم ال يعق ل م ا له ،وال يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد ،فهو ال يفهم عن ه ،فك ذلك َّ
يقال له ،فيأتمر ألمر من أمره ،وال ينطق فيأمر وينهى .قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ
ت بخ ير حيث توجَّه ومن ه و ﲕ ﱠ هل يستوي هذا األبكم الك ّل على م واله ال ذي ال ي أ ِ
ناطق ُمتكلم يأمر بالحق ويدعو إليه ،وه و هللا الواح د القه ار ،ال ذي ي دعو ِعب اده إلى
توحيده وطاعته ال يستوي هو-تعالى ج َّل ِذكره سبحانه ،-وهذا الصَّنم.
وقوله (:ﱡﭐﲖﲗ ﲘﲙ ﱠ وهو مع أمره بالعدل على طريق من الحق في دعائه إلى العدل
وأمره به مستقيم ال يعو ّج عن الحق وال يزول عنه.
واختلف أهل التَّأويل في المضروب له هذا المثل ،فق ال بعض هم :كم ا ج اء عن قَتَ ادة
قال :هو الوثن هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل؟ قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ
ﲙ ﱠ .كذلك قال مجاهد وقال آخرون :بل كال المثَلَين للم ؤمن والك افر ،كم ا روى عن
ابن عبَّاس :الذي هو ك ّل على مواله هو الكافر ،ومن يأمر بالعدل ه و الم ؤمن ،وه ذا
مثل في األعمال.
قال ابن جرير :ﱡﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﱠ ،قال :هو عثمان بن عفان ،قال :واألبكم ال ذي أينم ا
ير ،ذل ك م ولى عثم ان بن عف ان .وك ان عثم ان ينف ق علي ه ويكلّ ف ت بخ ٍ يُوجَّه ال يأ ِ
ويكفيه المؤن ة ،وك ان اآلخ ر يك ره اإلس الم ويأب اه وينه اه عن الص دقة والمع روف،
فنزلت فيهما ،وإنَّما اخترنا القول الذي اخترناه في المثل األ َّول؛ ألنَّه-تع الىَ -مثَّل مث ل
الكافر بالعبد ،و َمثَّل المؤمن بالذي رزقه هللا ِرزقًا حسنًا فهو ينفق مم ا رزق ه هللا ِس ًّرا
وجهرًا.
ﱡﭐﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ ﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﱠ[النحل]
الس ماوات واألرض دون آلهتكم ال تي وهلل أيَّها النَّاس ملك ما غاب أبصاركم عن ه في َّ
تدعون من دونه ،ودون ك ِّل ما سواه ال يملك ذلك أح ٌد سواه ،وما أمر قيام السَّاعة التي
تنشر فيها الخلق للوقوف في موقف القيامة إاَّل كنظرة من البص ر؛ َّ
ألن ذل ك إنَّم ا ه و
أن يُقال له كن فيكون.
وجاء عن قَتَادة ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﱠ والسَّاعة كلمح البصر أو أقرب ،قال أيضًا قَتَادة :كلمح
البصر ،قال هو أن يقول :كن فهو كلمح البصر ،وذلك أمر َّ
الس اعة أو أق رب من لمح
البصر .ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ أيَّ :
إن هللا على إقامة السَّاعة في أقرب من لمح
البصر قادر وعلى ما يشاء من األشياء كلِّها ال يمتنع عليه شيء أراده.
َو ْيلُ ِّم َها ِمنْ ه ََوا ِء ا ْل َج ِّو طَالِبَةً َ ...واَل َك َه َذا الَّ ِذي فِي اَأْل ْر ِ
ض َم ْطلُ ُ
وب
كذلك قال ال ُّسدِّي وقال آخرون :إنَّهم يعرفون ما َّعدد هللا في هذه السُّورة من النِّعم من
وأن هللا هو المنعم بذلك عليهم ،ولكنَّهم ينك رون ذل ك ف يزعمون أنَّهم ورث وه عند هللاَّ ،
عن آبائهم .قال مجاهد :ﱡﭐﱽﱾﱿﲀﲁ ﱠ قال :هي المساكن واألنعام ،وما يرزقون
منها والسَّرابيل من الحديد والثِّياب يعرف هذا الكفار قريش ،ث َّم ينكرون ه ب أن يقول وا:
هذا كان آلبائنا فروحونا إيَّاه.
وقال آخرون :كما قال عبد هللا بن عتيبة قال :إنكارهم إيَّاه أن يق ول الرَّج ل ل وال فالن
ما كان كذا وكذا ،ولوال فالن ما أصاب كذا وكذا ،ومثل ذلك القوم ويظل فالن أص يب
كذا وكذا.
أن الكفار إذا قيل لهم :من رزقكم؟ أقروا َّ
بأن هللا ه و ال ذي رزقهم، وقال آخرون :ذلك َّ
ث َّم ينكرون ذلك بقولهم :رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا.
قال ابن جرير :أولَى األقوال قول من قال :ع نى بالنِّعم ة ال تي ذكره ا هللا في قول ه :ﱡﭐ
وس لَّم-إليهم داعيً ا إلى م ا
صلَّى هللا علي ه َ
ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ النِّعمة عليهم بإرسال مح َّمدَ -
هللا-ص لَّى
َ أن هذه اآلية بين األيتين كلتاهما خ بر عن رس ول بعثه بدعائهم إليه ،وذلك َّ
هللا عليه و َسلَّم ،-وع َّما بعث به .فأولى بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده إذ لم
يكن معنى يد ّل على إنصرافه ع َّما قبله وعما بعده .فالذي قبل هذه اآلية قول ه :ﱡﭐ ﱶ ﱷ
ﱸﱹ ﱺﱻﱼﱠ وما بعده ﱡﭐﲅﲆﲇﲈﲉ ﲊﱠ وهو رسولها .فإذا كان كذلك فمعنى
اآلية يعرف هؤالء المشركون باهلل نِعم ة هللا عليهم ي ا مح َّمد ،ث َّم ينكرون ك ويجح دون
نبوتك ،وأكثرهم الكافرون.
ﱡﭐﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ ﲓﱠ[النحل].
يعرفون نِعمة هللا ث َّم ينكرونها اليوم ويستنكرون ي وم البعث من ك ِّل أ َّمة ش هيدًا ،وه و
ال َّشاهد عليها بما أجابه داعي هللا ،وهو رسولهم الذي أرسل إليهم ،ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ
أي :ث َّم ال يؤذن للذين كفروا في اإلعتذار فيعتذروا م َّما كانوا باهلل وبرسوله يكفرون ،ﱡﭐ
ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ فيتركوا والرجوع إلى ال ُّدنيا فينيبوا ويتوبوا ،وذلك كما قال تعالى :ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ
ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﱠ[المرسالت].
قال قَتَادة :وشاهدها نبيها على أنَّه بلغ رساالت ربه ،قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ
ﲂﲃﱠ[النساء].
ﱡﭐﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﱠ[النحل].
وإذا ع اين ال ذين ك ذبوك ي ا مح َّمد وجح دوا نب َّوت ك واألمم ال ذين ك انوا على منه اج
مشركي قومك عذاب هللا فال ينجيهم من عذاب هللا شيء؛ ألنَّهم ال يؤذن لهم فيعتذرون
ألن وقت التَّوب ة
فيخفف عنهم العذاب بالعذر الذي يدعونه ،والهم يرجئ ون بالعق اب؛ َّ
واإلنابة قد فات فليس ذلك وقتًا لهما ،وإنَّما هو وقت للجزاء وعلى األعمال ،فال ينظر
بالعتاب ليعتب بالتَّوبة.
ﱡﭐﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﱠ[النحل].
وإذا رأى المشركون باهلل يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون هللا من اآللهة واألوثان
وغير ذلك .ﱡﭐ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ في الكفر وال ِّشركاء الذين كنَّا ندعوهم آلهة من دونك .قال هللا
تعالى :ﱡﭐ ﲯ ﱠ يعني شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم من دون هللا ﱡﭐ ﲱ ﱠ يق ول :ق الوا
لهم :إنَّكم لكاذبون أيَّها المشركون ،ما كنَّا ندعوكم إلى عبادتنا ،ق ال مجاه د :ﱡﭐ ﲯ ﲰ
ﲱﱠ قال :حدثوهم.
ﱡﭐﲵ ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ ﱠ[النحل].
فألقى المشركون ﱡﭐ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﱠ أي :استسلموا يومئذ وذلوا لحكمه فيهم،
ولم تغن عنهم آلهتهم ال تي ك انوا ي دعون في ال ُّدنيا دون هللا وت برأت منهم ق ومهم
وعشائرهم الذين كانوا في ال ُّدنيا يدافعون عنهم .ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱠ أي :وأخطأهم
الش فاعة عن د هللا بالنَّج اة .ق ال قَتَ ادة :ذلُّوا واستس لموا
من آلهتهم ما كانوا ي أملون من َّ
يومئذ وض َّل عنهم ما كانوا يفترون.
ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱠ[النحل].
الذين جحدوا يا مح َّمد نب َّوتك وكذبوك فيما جئتهم به من عند ربِّك وصدوا عن اإليم ان
باهلل وبرسوله من أراده زدناهم عذابًا يوم القيامة في جهنَّم ف وق الع ذاب ال ذي هم في ه
َّات .قال عبد هللا بن مسعود :زيدوا عق ارب الزيادة عقاربٌ وحي ٌ
قبل أن يزادوه .وقيلِّ :
لها أنياب كالنَّخ ل الطّ وال .ق ال ُّ
الس دِّي عن عب د هللا :أف اعي في النَّار .وعن مجاه د:
لجهنَّم جبابًا فيها حيَّات أمثال البخت ،وعقارب أمثال البغال ،ألدهم يستغيث أه ل النَّار
إلى تل ك الجب اب أو الس احل فتثبت إليهم ،فتأخ ذ بش فاههم وش فارهم إلى أق دامهم من
ّ
والش فاه من الفم إلى أق دامهم فيس تغيثون منه ا إلى شفار من غطاء العين إلى أقدامهم،
النَّار ،فيقولون :النَّار النَّار فتتبعهم حتى تجد حرَّها فترجع ،وهي في أسراب.
وعن عب د هللا بن عم ر ق ال :لجهنَّم س واحل فيه ا حيَّات وعق ارب أعناقه ا كأعن اق
البخت ،وقوله :ﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱠ زدناهم ذلك العذاب على ما بهم من العذاب بما كانوا في
ال ُّدنيا يعصون هللا ويأمرون ِعباده بمعصيته كان إفس ادهم إنَّا نس ألك العافي ة في ال ُّدنيا
واآلخرة الباقية.
ﱡﭐﱏﱐﱑﱒ ﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦﱧﱨﱩﱠ[النحل].
ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱠ أي :نسأل نبيهم الذي بعثناه إليهم لل ُّدعاء إلى
طاعتنا ،فإذا أجابوكم وما ردوا عليكم وجئنا بك يا مح َّمد شاهدًا على قومك ماذا عملوا
فيما أرسلتك به إليهم.
وقوله :ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱠ أي :ننزل عليك هذا القرآن بيانًا لك ِّل ما بالنَّاس إليه الحاجة من معرفة
الحالل والحرام والثَّواب والعقاب ،وهدى من الضَّاللة ورحمة لمن صدق به ،وعم ل
بما فيه من حدود هللا وأمره ونهيه ،فأح َّل حالله وحرَّم حرامه وبش ارة لمن أط اع هللا،
يُبشر بجزيل ثوابه في اآلخرة وعظيم كرامته.
قال مجاهد :ﱡﭐﱢﱣﱤﱠ قال :مما أح َّل وحرَّم.
وقال ابن جريج :ما ُأمروا به ونهوا عنه.
وقال ابن مسعود :أنزل في هذا القرآن ك ّل ِعلم ،وك ّل شي ٍء ،قد بيَّن لن ا في الق رآن ث َّم،
تال هذه اآلية
ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮ ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ ﱼﱠ[النحل].
إن هللا ي أمر في ه ذا الكت اب ال ذي أنزل ه إلي ك ي ا مح َّمد بالع دل ه و اإلنص اف ،ومنَّ
اإلنصاف اإلقرار بمن أنعم علينا بنعمته ،وال ُّشكر له على أفضاله ،وتولي الحمد أهله،
وإذا كان ذلك هو العدل ولم يكن لألوثان واألصنام عندنا يد تستحق الحم د علين ا ك ان
جهاًل بنا حمدها وعبادتها ،وهي ال تنعم فتشكر ،وال تنفع فتعبد ،فلزمنا أن نش هد أن ال
إله إاَّل هللا وحده ال شريك له.
جاء عن ابن عبَّاس :العدل ش هادة أن ال إل ه إاَّل هللا ،واإلحس ان ال ذي أم ر ب ه هللا م ع
الص بر هلل على طاعت ه فيم ا أم ر ونهى في ِّ
الش دة ،والرَّخ اء ،والمك ره، العدل ،وهو َّ
والمنشط ،وذلك هو أداء فرائضه.
قال ابن عبَّاس :واإلحسان إداء فرائضه.
وقوله :ﱡﭐﱱﱲﱠ إعطاء ذي القربى الحق الذي أوجبه هللا عليك بسبب القرابة والرَّحم.
وقوله :ﱡﭐﱳﱴﱵﱶﱠ أي :ال ِّزنا ،قاله ابن عبَّاس.
ُّ
والظلم ،قاله ابن عبَّاس .وأصلُه التَّعدي ومجاوزة الحد من ك ِّل وقوله :ﱡﭐﱷﱸ ﱠ ال ِكبر
شي ٍء.
وقوله :ﱡﭐ ﱹ ﱠ أي :يذكركم أيَّها النَّاس ربَّكم؛ لتذكروا أيها النَّاس فتبيَّنوا إلى أمره ونهيه
وتعرف الحق إلهله.
وقال ابن عيينة :في تأويل معنى (العدل) في هذا الموضع :استواء السَّريرة والعالنية
من ك ِّل عامل هلل عماًل ،ومعنى اإلحسان أن تك ون س ريرته أحس ن من عالنيت ه ،وأن
الفحشاء والمنكر أن تكون عالنيته أحسن من سريرته ،قاله عبد هللا بن مسعود.
وقال قَتَادة :في تأويل ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ اآلية ،إنَّه ليس من ُخلُق حسن كان أهل الجاهلية
يعملون به ،ويستحبونه إاَّل أمر هللا به ،وليس من خلق سي ٍء كانوا يتعايرون ه بينهم إاَّل
نهى هللا عنه وقدم فيه .وإنَّما نهى عن سفاسف اإلخالق ومذا ِّمها.
ﱡﭐﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﱠ[النحل].
وأوف وا بميث اق هللا إذا واثقتم وه وعق ده إذا عاق دتموه فأوجس تم ب ه أنفس كم حقًّ ا لمن
عاقدتموه به وواثقتموه عليه ﱡﭐ ﲂﲃﲄ ﲅ ﲆ ﱠ أي :وال تخالفوا األمر الذي تعاقدتم
في ه اإليم ان بع د م ا ش ددتم األيم ان على أنفس كم ،فتحنث وا في أيم انكم وتك ذبوا فيه ا
وتنقض وها بع د إبرامه ا ،وق د جعلتم هللا عليكم كفياًل بالوف اء بم ا عاق دتم علي ه على
أنفسكم راعيًا بعهد هللا الذي عاهدتم على الوفاء به.
وس لَّم ،-وفيهم
هللا-ص لَّى هللا علي ه َ
َ فقال بعض هم :ع نى هللا به ا ال ذين ب ايعوا رس ول
وس لَّم-
صلَّى هللا علي ه َأنزلت كما جاء عن بريدة قال :أنزلت هذه اآلية في بيعة النَّبيَ -
كان من أسلم بايع على اإلسالم ،فقال :أوفوا بعهد هللا إذا عاهدتم هذه البيعة التي بايعتم
د-صلَّى هللا
على اإلسالم ،وال تنقضوا األيمان بعد توكيدها البيعة ،فال يحملكم قِلة مح َّم َ
عليه و َسلَّم-وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقض وا البيع ة ال تي ب ايعتم على اإلس الم،
وإن كان فيهم قِلَّة والمشركين فيهم كثرة.
وقال آخرون :نزلت في الحلف ال ذي ك ان أه ل ِّ
الش رك تح الفوا في الجاهليَّة ف أمرهم
هللا-تعالى-في اإلسالم أن يوفوا به وال ينقضوه.
قال مجاهد :ﱡﭐﲂﲃﲄ ﲅﲆﱠ قال :تغليظها في الحلف .وكذلك قال قَتَادة وابن زيد.
قال ابن جرير :والصَّواب من القول أن يُقالَّ :
إن هللا أمر ِعباده في ه ذه اآلي ة بالوف اء
بعهوده ونهاهم عن نقض األيمان بعد توكيدها على أنفسهم آلخرين بعقود تك ون بينهم
صلَّى هللا عليه بح ّ
ق م َّما ال يكرهه هللا جائز أن تكون نزلت في الذين بايعوا رسول هللاَ -
و َسلَّم-عن نقض بيعتهم ح ذرًا عن قِل ة ع دد المس لمين ،وك ثرة ع دد المش ركين ،وأن
تكون نزلت في الذين أرادوا اإلنتقال بحلفهم عن حلفائهم لقلة عددهم في آخرين لك ثرة
عددهم ،وجائز أن يكون في غير ذلك.
قال مجاهد :ﱡﭐﲇﲈﲉﲊﲋﲌﱠأي :وكياًل .
وقوله :ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﱠفي العهود التي تعاهدون هللا من الوفاء بها واألحالف واأليمان
التي تؤ ِّكدونها على أنفسكم أتبرّون فيها أم تنقضونها؟ وغ ير ذل ك من أفع الكم ُمحْ ٍ
ص
ذلك كلّه عليكم ،وهو ُمسائلكم عنها وعما عملتم فيها فاح ذروا هللا أن تلق وه ،وق د خنتم
فيها أمره ونهيه فتستوجبوا بذلك منه وإاَّل قيل لكم به من أليم عقابه.
ص لَّى هللاُ سفَ ْب ِن ُم َح َّم ِد ْب ِن ا ْل ُم ْن َك ِد ِر ،عَنْ َأبِي ِه ،عَنْ َجابِ ٍر قَا َل :قَا َل َر ُ
س و ُل هَّللا ِ َ عَنْ يُو ُ
سلَّ َمَ « :علَ ْي ُك ْم بِا ْلقَنَا َع ِة ،فَِإنَّ ا ْلقَنَا َعةَ َما ٌل اَل يَ ْنفَدُ» (المعجم األوسط للط براني) َعلَ ْي ِه َو َ
(.)20
وقال ابن عبَّاس :ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﱠ قال :إذا صاروا إلى هللا جزاهم أجرهم
بأحسن ما كانوا يعملون.
وجاء عن أبي صالح قال :جلس ن اس من أه ل األوث ان وأه ل التَّوراة وأه ل اإلنجي ل
فقال هؤالء :نحن األفضل ،وقال هؤالء :نحن أفضل ما نزل هللا تعالى :ﱡﭐﱷﱸﱹﱺ
ﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﱠ.
ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ
ﲻ ﱠ[النحل].
وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخر .ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ أي :وهللا أعلم بالذي
هو أص لح لخلق ه فيم ا يب دل ويغ ير من أحكام ه .ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﱠ ق ال
فتر ُمك ِّذب تخرص تق ول الباط ل المشركون باهلل والمكذبوا رسوله إنما أنت يا مح َّمد ُم ٍ
أن ال ذي ت أتيهم ب ه من عن د هللا على هللا .يقول هللا-تعالى :ب ل أك ثر ه ؤالء الق اتلين ب َّ
ناسخه ومنسوخه ال يعلمون حقيق ة ص حَّته .ق ال مجاه د :ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠ أي:
رفعناها فأنزلنا غيرها ،أي :نسخناها رفعناها وأثبتنا غيرها .وقال ابن زيد :قالوا :إنَّما
مفتر تأتي بشي ٍء وتنقصه ،فيأتي بغيره .وهذا التبديل النَّاسخ. ٍ أنت
ﱡﭐﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ ﱠ[النحل].
قل يا مح َّمد للقائلين لك :إنَّما أنت ُمفتر تتلوا عليهم من آتى كتابن ا أنزل ه روح القُ دس،
أي :جبرائيل من عند ربي بالحق ،قال مح َّمد بن كعب :روح القدس جبرئيل.
ي من قوله :ﱡﭐ ﳃ ﳄ ﳅ ﱠ أي :قل نزل هذا القرآن ناسخه ومنسوخه رو ُح القُدس عل َّ
َربي؛ تثبيتًا للمؤم نين وتقوي ةً إليم انهم بتص ديقهم لناس خه ومنس وخه إيمانً ا إليم انهم
وهدى لهم من الضَّالل وبش رى للمس لمين ال ذين استس لموا إلم ر هللا وانق ادوا إلم ره
ونهيه ،وما أنزله من آي كتابه فأمروا بك ّل ذلك.
لح ُدون) بفتح الياء والح اء .وق رأ الب اقون( :ي ُْل ِح ُدونَ ) بض ِّم الي اء وكس ر
قرأ حمزة (يَ َ
الحاء (.)24
سلَّ َم يُ َعلِّ ُم قَ ْينًا بِ َم َّكةَ،صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو ُل هَّللا ِ َ س ،قَا َلَ « :كانَ َر ُ َن ا ْب ِن َعبَّا ٍ فنقول :ع ِ
صلَّى هللاُ سو َل هَّللا ِ َ ش ِر ُكونَ يَ َر ْونَ َر ُ س ُمهُ بَ ْل َعا ُم ،فَ َكانَ ا ْل ُم ْ
انَ ،و َكانَ ا ْ س ِ َو َكانَ َأع َْج ِم َّي اللِّ َ
سلَّ َم ِحينَ يَد ُْخ ُل َعلَ ْي ِه َو ِحينَ يَ ْخ ُر ُج ِمنْ ِع ْن ِد ِه ،فَقَالُواِ :إنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ ْل َع ا ُم ،فَ َأ ْن َز َل َعلَ ْي ِه َو َ
س انُ الَّ ِذي يُ ْل ِح دُونَ ِإلَ ْي ِه ش ٌر ،لِ َ﴿ولَقَ ْد نَ ْعلَ ُم َأنَّ ُه ْم يَقُولُونَ ِإنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ َ
هَّللا ُ تَ َعالَى ِذ ْك ُرهَُ :
يش (.)25 اس ُمهُ يَ ِع ُ آخ ُرونَ ْ : سانٌ ع ََربِ ُّي ُمبِينٌ ﴾ [النحلَ .» ]١٠٣ :وقَا َل َ َأع َْج ِم ٌّي َو َه َذا لِ َ
ضا في قوله تعالى :ﱡﭐﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱠ[الفرقان].
وجاء أي ً
يقول :وقال الذين كفروا من مشركي مكة قالوا :ما هذا القرآن إاَّل كذب وبُهتان اختلق ه
مح َّمد وأعانه عليه في االختالف قوم آخرون .وجاء عن مجاهد قال :ﱡﭐﱠﱡﱢﱣﱤﱠقال :يهود.
.
أيض ا في
فأين اليهود في مكة ،بل كانت اليهود في المدين ة المن ورة وحواليه ا .وج اء ً
قوله تعالى :ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱰﱱﱲﱳﱠ[الفرقان].
وجاء عن ابن عبَّاس قال :كان النَّضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن
وس لَّم-
هللا-صلَّى هللا عليه َ
َ عبد الدار بن قصي من شياطين قريش ،وكان يُؤذي رسول
وينصب له العداوة ،وكان قد قَ ِدم الحيرة تعلَّم بها أحاديث ملوك فارس وأحاديث رُستم
مجلس ا وذك ر باهلل وح َّدث ً واسفنديار ،فكان رسول هللا-صلَّى هللا عليه وس لَّم-إذا جلس
قومه ما أصاب من قبلهم من األمم من نقمة هللا خلف ه في مجلس ه إذا ق ام ث َّم يق ول :إنَّا
وهللا يا معشر قريش أحسن حديثًا منه فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ،ث َّم يح دثهم
عن ملوك فارس ورستم واسفنديار .ث َّم يقول :ما مح َّمد أحسن حديثًا منِّي ،ق ال :ف أنزل
هللا-تبارك وتعالى-في النَّضر ثماني آيات من القرآن من قوله :ﱡﭐ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﱠ
[القلم] .وك ّل ما ذكر فيه األساطير في القرآن (.)26
وقوله :اكتتبها ،أي :أخذها وجمعها .ومنه :الكتيبه؛ المجموعة الكبيرة من الجيش.
ﱡﭐﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱠ[النحل].
إن الذين ال يؤمنون بحجج هللا وأدلته ،فيصدقون بما دلَّت عليه .ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱠ يقول :ال َّ
يوفقهم هللا إلصابة الح ّ
ق ،وال يهديهم لسبيل الرُّ ش د في ال ُّدنيا ،ولهم في اآلخ رة وعن د
هللا إذا وردوا عليه يوم القيامة عذاب ُمؤلم موجع.
َّ َّ
ث َّم أخبر-تعالى-ذكره المشركين الذين قالوا للنَّبي صلى هللا عليه وسلم :إنَّما أنت ُمفتر،
وس لم ،-والمؤمن ون ب ه ،وب رأأنَّهم هم أهل الفرية والكذب ،ال نبي هللا-صلَّى هللا عليه َّ
وس لَّم-وأص حابه ،فق ال :إنَّم ا يتخ رص الك ذب ،ويتق ول صلَّى هللا عليه َ
من ذلك نبيهَ -
الباطل ،الذين ال يصدقون بحجج هللا وإعالم ه؛ ألنَّهم ال يرج ون على ِّ
الص دق ثوابً ا،
وال يخافون على الكذب عقابًا ،فهم أهل اإلفك وافتراء الك ذب ،ال من ك ان راجيً ا من
هللا على الصِّ دق الثَّواب الجزيل ،وخائفًا على الكذب العقاب األليم.
وقوله :ﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱠ يقول :والذين ال يؤمنون بآيات هللا هم أهل الكذب ،ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ
ﱧﱨﱠأي :هم أهل الكذب.
ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﱠ
[النحل].
وقوم ك انوا أس لموا ففتنهم المش ركون عن
ٍ ُذكر أن هذه اآلية نزلت في ع َّمار بن ياسر
دينهم فثبت بعضهم على اإلسالم وافتتن بعضهم.
اس ٍر ش ِر ُكونَ َع َّما َر بْنَ يَ ِ اس ٍر ،قَ ا َلَ :أ َخ َذ ا ْل ُم ْ
عَنْ َأبِي ُعبَ ْي َدةَ ْب ِن ُم َح َّم ِد ْب ِن َع َّما ِر ْب ِن يَ ِ
س لَّ َم،
ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ ش َكا َذلِكَ ِإلَى النَّبِ ِّي َ ض َما َأ َرادُوا ،فَ َ ارا ُه ْم فِي بَ ْع ِ فَ َع َّذبُوهُ َحتَّى بَ َ
س لَّ َمَ « :ك ْي فَ تَ ِج ُد قَ ْلبَ كَ ؟» قَ ا َلُ :م ْط َمِئنًا بِاِإْل ي َم ا ِن ،قَ ا َل
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ فَقَا َل النَّبِ ُّي َ
سلَّ َم« :فَِإنْ عَادُوا فَ ُعدْ» (.)27 صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ النَّبِ ُّي َ
وقال قَتَادةُ :ذكر لنا أنَّها ن زلت في َّعم ار بن ياس ر أخ ذه بن و المغ يرة فغط وه ،أي:
ضربوه في بئر ميمون .وقال أكف ر بمح َّمد فت ابعهم على ذل ك وقلب ه ك اره ،ف أنزل هللا
تعالى :ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱠ أي :من أتى الكفر على اختيار واستحباب
فعليهم غضب من هللا ولهم عذاب عظيم.
باراهم :داهنهم ووافقهم فيما أرادوا.
وعن ال َّشعبي قال :لما ُع ذب األعب د أعط وهم م ا س ألوا إاَّل خب اب بن األرت ،ك انوا
يضجعونه على الرضف فلم يستقلوا منه شيًئا.
فتأويل الكالم إذن :من كفر باهلل من بعد إيمانه ،إاَّل من ُأكره على الكفر ،فنط ق بكلم ة
الكفر بلسانه وقلبُه مطمئن باإليمانُ ،موقن بحقيقته ،صحيح عليه عزمه ،غير مفس وح
الصَّدر بالكفر ،لكن من شرح ب الكفر ص درًا فاخت اره وآث ره على اإليم ان ،وب اح ب ه
طائعًا ،فعليهم غضب من هللا ،ولهم عذاب عظيم.
ُمنشرح القلب :مبسوط القلب بما به .مباح به ،أي :قلبه.
وقال ابن عبَّاس :ﱡﭐﱳﱴﱵ ﱶﱷﱸﱠ فأخبر هللا-سبحانه-أنَّه من كفر من بعد إيمانه ،فعليه
غضب من هللا وله عذاب عظيم ،فأ َّما من أك ره فتكلَّم ب ه لس انه وخالف ه قلب ه باإليم ان
ألن هللا-س بحانه-إنَّم ا يأخ ذ العب اد بم ا عق دت
لينجو بذلك من عدوه ،فال حرج علي ه؛ َّ
عذبهم المشركون إلجابتهم بالكفر فلم يجيب وهم ال باللِّس ان وال ب القلب منهم ومنهم من َّ
بالل الحبشي.
س و ُل هَّللا ِ س ْب َعةٌَ :ر ُ ساَل َمهُ َ س ُعو ٍد ،قَا َلَ « :كانَ َأ َّو َل َمنْ َأ ْظ َه َر ِإ ْ وجاء عَنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ْب ِن َم ْ
بَ ،وبِاَل ٌلَ ،وا ْل ِم ْق دَادُ، ص َه ْي ٌ س َميَّةَُ ،و ُ سلَّ َمَ ،وَأبُو بَ ْك ٍرَ ،و َع َّما ٌرَ ،وُأ ُّمهُ ُ صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ َ
َأ
بَ ،و َّما بُو بَ ْك ٍر فَ َمنَ َع هُ َأ َأ
سلَّ َم فَ َمنَ َعهُ هَّللا ُ بِ َع ِّم ِه بِي طَالِ ٍ
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو ُل هَّللا ِ َ فََأ َّما َر ُ
ص َه ُرو ُه ْم س و ُه ْم َأ ْد َرا َع ا ْل َح ِدي ِدَ ،و َ ش ِر ُكونَ َ ،وَأ ْلبَ ُ ساِئ ُر ُه ْم فََأ َخ َذ ُه ُم ا ْل ُم ْهَّللا ُ بِقَ ْو ِم ِهَ ،وَأ َّما َ
س ،فَ َما ِم ْن ُه ْم ِمنْ َأ َح ٍد ِإاَّل َوقَ ْد َواتَ ا ُه ْم َعلَى َم ا َأ َرادُواِ ،إاَّل بِاَل اًل ،فَِإنَّهُ َه انَتْ ش ْم ِ فِي ال َّ
سهُ فِي هَّللا َِ ،وهَانَ َعلَى قَ ْو ِم ِه ،فََأ َخ ُذوهُ فََأ ْعطَ ْوهُ ا ْل ِو ْلدَانَ ،فَ َج َعلُوا يَطُوفُ ونَ بِ ِه َعلَ ْي ِه نَ ْف ُ
صلَّى ب َم َّكةََ ،وه َُو يَقُو ُلَ :أ َح ٌد َأ َح ٌد » ( ابن ماجه :فضائل أصحاب رسول هللا َ ش َعا ِ فِي ِ
سلَّم) (.)29 هللا عليه و َ
وفي الزوائ د إس ناده ثق ات رواه ابن حب ان في ص حيحه والح اكم في المس تدرك وق د
بي-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-كان يخدمه في الطريق إذ جاء في الح ديث َ هاجر بالل مع النَّ
س لَّ َم« :لَقَ ْد ُأو ِذيتُ ِفي هَّللا ِ ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ س و ُل هَّللا ِ َ س ْب ِن َمالِ ٍك ،قَا َل :قَا َل َر ُ عَنْ َأنَ ِ
َو َما يُْؤ َذى َأ َح دٌَ ،ولَقَ ْد ُأ ِخ ْفتُ فِي هَّللا ِ َو َم ا يُ َخ افُ َأ َح دٌَ ،ولَقَ ْد َأتَتْ َعلَ َّي ثَالِثَ ةٌ َو َم ا لِي
ط َعا ٌم يَْأ ُكلُهُ ُذو َكبِ ٍدِ ،إاَّل َما َوا َرى ِإ ْبطُ بِاَل ٍل» (ابن ماجه :الفضائل) (.)30 َولِبِاَل ٍل َ
وقد أخرجه الترمذي في الزهد ( ،)31وقال حديث حسن ص حيح ،وه ذا الح ديث ( ِحينَ
س لَّ َم هَا ِربًا ِمنْ َم َّكةَ َو َم َع هُ بِاَل ٌل ِإنَّ َم ا َك انَ َم َع بِاَل ٍل ِمنَ صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ َخ َر َج النَّبِ ُّي َ
الطَّ َع ِام َما يَ ْح ِملُهُ ت َْحتَ ِإ ْب ِط ِه) (الحاشية للسُّدي على ابن ماجه).
ﱡﭐﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﱠ[النحل].
قال هللا تعالىَ :ح َّل بهؤالء المشركين غضبُ هللا ،ووجب لهم الع ذاب العظيم من أج ل
َّ
وألن هللا ال يواف ق الق وم ال ذين أنَّهم اخت اروا زين ة الحي اة ال ُّدنيا على نعيم اآلخ رة؛
يجحدون آياته مع إصرارهم على جحودها.
ﱡﭐ ﲔ ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﱠ[النحل].
قال هللا-تعالى :هؤالء المشركون الذين وصفت لكم صفتهم في هذه اآلي ات أيَّه ا النَّاس
هم القوم الذين طبع هللا على قلوبهم ختم عليها بطابعه فال يؤمنون وال يهت دون وأص َّم
أسماعهم فال يسمعون داعي هللا إلى الهدى ،وأعمى أبصارهم فال يبصرون به ا حجج
هللاﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ هم السَّاهون ع َّما أعد هللا ألمثالهم من أهل الكفر وع َّما يراد بهم وﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ
ﲧﲨﱠالهالكون الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من كرامة هللا.
ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ
ﲻ ﱠ[النحل].
إن ربَّك يا مح َّمد للذين هاجروا من دي ارهم ومس اكنهم وعش ائرهم من المش ركين، ث َّم َّ
وانتقل وا عنهم إلى دي ار أه ل اإلس الم ومس اكنهم وأه ل واليتهم ،من بع د م ا فتنهم
المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ،ث َّم جاهدوا المشركين بعد
ذلك بأي ديهم َّ
بالس يف وبألس نتهم ب البراءة منهم ،وم َّما يعب دون من دون هللا ،وص بروا
إن ربَّك من بعد فعلتهم هذه لهم على جهادهم ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ يقولَّ :
لغفور ،يقول :لذو س تر على م ا ك ان منهم من إعط اء المش ركين م ا أرادوا منهم من
كلم ة الكف ر بألس نتهم ،وهم لغيره ا مض مرون ،ولإليم ان معتق دون ،رحيم بهم أن
يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى هللا وتوبتهم.
أن ه ذه اآلي ة ن زلت في ق وم من أص حاب رس ول هللا- وذكر عن بعض أهل التَّأوي ل َّ
صلَّى هللا عليه و َسلَّم-كانوا تخلفوا بمكة بعد هجرة النَّبي-صلَّى هللا عليه َّ
وس لم ،-فاش تد َ
المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم ،فأيسوا من التَّوبة ،فأنزل هللا فيهم هذه اآلية:
فهاجروا ولحقوا برسول هللا صلَّى هللا عليه وسلَّم.
بي-ص لَّى هللا علي ه
َ قال مجاهد :ناس من أهل م َّكة آمنوا فكتب إليهم بعض أصحاب النَّ
و َسلَّم-بالمدين ة أن ه اجروا فإنَّا ال ن راكم من ا ح تى ته اجروا إلين ا ،فخرج وا يري دون
المدينة فأدركتهم قريش بالطَّريق ففتنوهم وكفروا مكرهين ،ففيهم نزلت هذه االية.
كذلك قال ابن جريج وقَتَادة قال :فأدركهم المش ركون فق اتلوهم فمنهم من قُت ل ،ومنهم
من نجا ،مثلما قال مجاهد.
قال ابن عبَّاس :كان قوم من أه ل مك ة أس لموا وك انوا يس تخفون باإلس الم ف أخرجهم
المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم وقتل بعض فق ال المس لمون ك ان أص حابنا
هؤالء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱠ إلى آخر
اآلية [النساء.]97 :
وكتب إلى من بقي بمك ة من المس لمين ه ذه اآلي ة ال ع ذر لهم فخرج وا فلحقهم
المشركون فأعطاهم الفتنة فنزلت هذه اآلية ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ
ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﱠ[العنكبوت].
فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا وآيسوا من كل خير ،ث َّم نزلت فيهم ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ
ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ [النحل]،
أن هللا قد جعل لكم مخر ًجا فخرجوا ،فأدركهم المش ركون فق اتلوهم، فكتبوا إليهم بذلك َّ
ث َّم نجا من نجا ،وقُتل من قُتل.
فنقول :ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ
ﲹﲺﲻ ﱠ وجاء عن ابن جريج قال هللا-تعالى ذكره -من كفر باهلل بعد إيمانه ث َّم نسخ
واستثنى فقال :ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ
ﲸﲹ ﲺﲻ ﱠ .
وجاء عن قَتَادة قال :وذكر لنا أنَّه لما أنزل هللا أن أهل مك ة ال يقب ل منهم إس الم ح تى
يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أه ل مك ة ،فل َّما ج اءهم ذل ك تب ايعوا
بينهم على أن يخرجوا فإن لحق بهم المشركون من أهل مك ة ق اتلوهم ح تى ينج وا أو
يلحقوا باهلل فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا .فأنزل
هللا تعالى :ﱡﭐﲩﲪﲫ ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﱠ اآلية.
وجاء عن ابن عبَّاس قال :كان ق و ٌم من أه ل م َّكة أس لموا وك انوا يس تخفون باإلس الم
فأخرجهم المشركون ي وم ب در فأص يب بعض هم وقت ل بعض ،فق ال المس لمون :ك ان
أصحابنا هؤالء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت :ﱡﭐ ﱰﱱ ﱲﱳ ﱴﱵﱶﱷﱸﱹ
ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﱠ[النساء ،]97:إلى أخر اآلية.
ق ال :وكتبت إلى من بقي مك ة من المس لمين ه ذه اآلي ة ال ع ذر لهم ،ق ال :فخرج وا
فلحقهم المشركون فأعطاهم الفتنة فنزلت هذه اآليةﱡﭐﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ ﱹﱺ
ﱻ ﱼﱽ ﱠ [العنكبوت ،]10:إلى أخر اآلي ة .فكتب المس لمون إليهم ب ذلك فخرج وا
وآيسوا من كل خير ،ث َّم نزلت فيهمﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ
ﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ ﱠ[النحل] ،فكتبوا إليهم بذلكَّ :
إن هللا قد جعل لكم
مخر ًجا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم ،ث َّم نجا من نجا وقتل من قتل.
ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠ[النحل].
يوم تأتي ك ّل نفس تخاصم عن نفسها وتحت ّج عنها بما أسلفت في ال ُّدنيا من خير أو ش ٍّر
س م ا عملت في ال ُّدنيا من طاع ة ومعص ية وهم ال أو إيم ان أو كف ٍر ،وت وفى ك ّل نف ٍ
يظلمون ،فال يجزى المحسن إاَّل باإلحسان ،وال المسيء إاَّل بإساءته.
ﱡﭐﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱠ[النحل].
ومثل هللا مثاًل لم َّكة التي سكنها أهل ال ِّشرك باهلل هي القرية التي ك انت آمن ة مطمئن ة،
بعض ا،
ً بعض ا ،ويس بي بعض هاً أن العرب كانت تتعادى ،ويقت ل بعض ها وكان أمنها َّ
وأهل مكة ال يغار عليهم ،وال يحاربون في بلدهم ،فذلك كان أمنها.
وقوله :ﱡﭐ ﱘ ﱠ يعني :قارة بأهلها ،ال يحتاج أهله ا إلى النَّج ع ،كم ا ك ان س كان الب وادي
يحتاجون إليها.
وقوله :ﱡﭐﱙﱚﱛ ﱠيقول :يأتي أهلها معايشهم واسعة كثيرة.
وقوله :ﱡﭐﱜﱝﱞﱠ يعني :من ك ِّل فجٍّ من فجاج هذه القرية ،ومن ك ِّل ناحية فيها.
ومن هذه اآلية يفهم َّ
بأن األمن والسَّعة في كلِّ بلد يتعاقب بعضه بعضًا إذا كان في بل د
أمن وفيه عمل وخلق حسن وسعة في المعيش ة ،وإذا فق د األمن وفي ه ض نك المعيش ة
وفيه البطالة والغالء وإنهي ار إقتص ادي وتض ُّخم الم ال ،ف إذا ك ان في البل د المعيش ة
الوسيعة واألمن فيه ال َعم ُل والرخاء وهكذا البالد في دار الفناء.
وجاء عن ابن عبَّاس قال :القرية هي مكة ،وكذلك قال مجاهد وقَتَادة وابن زيد.
وس لَّم.
صلَّى هللا عليه َ وقال آخرون :القرية المذكورة في اآلية المدينة ،مدينة الرسولَ -
قال مشرح بن عاهان سمعت سليم بن نمير يقول :ص درنا من الحج م ع حفص ة زوج
بي-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-وعثمان محصور بالمدينة ،فكانت تسأل عنه م ا فع ل حتَّى
َ النَّ
رأت راكبين فأرسلت إليهما تسألهما فقاال فقالت حفصة :والذي نفسي بيده إنَّها القري ة
معنى المدينة التي قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ
ﱧﱨﱩﱪﱠ قرأها.
وقوله :ﱡﭐﱟ ﱡﱠ أي :فكفر أهل هذه القرية بأنعم هللا التي أنعم هللا عليها.
وقوله :ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ أي :فأذاق هللا أهل هذه القري ة لب اس الج وع ،وذل ك خال ط أذاه
أجسامهم فجعل هللا-تعالى-ذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللِّباس له ا وذل ك أنَّهم ُس لِط
صلَّى هللا عليه و َسلَّم-ح تى أكل وا العله ز
عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول هللاَ -
والجيف .قال أبو جعفر :العلهز الوبر يعجن بالدم والق راد يأكلون ه .والق راد :الق ردان
بالتركي (كنة).
وس لَّم-ال تي ك انت
هللا-ص لَّى هللا علي ه َ
َ وأما الخوف فإن ذلك خوفهم من سرايا رس ول
تطوف بهم.
قوله :ﱡﭐﱧﱨﱩﱠ من الكفر بأنعم هللا ويجحدون آياته ويكذبون رسوله.
هللا-ص لَّى هللا علي ه
َ أي :أحاط بهم الخوف والجوع إحاطة اللِّباس ودع ا عليهم رس ول
و َسلَّم.
س ِم َعا َأبَ ا فَ ،أنَّ ُه َم ا َ س لَ َمةَ بْنُ َع ْب ِد ال َّر ْح َم ِن ْب ِن َع ْو ٍبَ ،وَأبُ و َ س ِعي ُد بْنُ ا ْل ُم َ
س يِّ ِ عن َ
ص اَل ِة غ ِمنْ َ س لَّ َم ،يَقُ و ُل ِحينَ يَ ْف ُر ُص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ س و ُل هللاِ َ ه َُر ْي َرةَ ،يَقُ و ُلَ :ك انَ َر ُ
س ِم َع هللاُ لِ َمنْ َح ِم َدهَُ ،ربَّنَا َولَكَ ا ْل َح ْمدُ» ،ثُ َّم سهَُ « : ا ْلفَ ْج ِر ِمنَ ا ْلقِ َرا َء ِةَ ،ويُ َكبِّ ُر َويَ ْرفَ ُع َرْأ َ
اش بْنَ َأبِي ش ٍامَ ،و َعيَّ َ س لَ َمةَ بْنَ ِه َ يَقُ و ُل َو ُه َو قَ اِئ ٌم« :الل ُه َّم َأ ْن ِ
ج ا ْل َولِي َد بْنَ ا ْل َولِي ِدَ ،و َ
اج َع ْل َه ا َعلَ ْي ِه ْم
ض َر َو ْ اش ُد ْد َوطَْأتَ َك َعلَى ُم َ َض َعفِينَ ِمنَ ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ ،الل ُه َّم ْ ست ْ َربِي َعةَ َوا ْل ُم ْ
س ولَهُ»، ت هللاَ َو َر ُ َص ِ سفَ ،الل ُه َّم ا ْل َعنْ لِ ْحيَانَ َ ،و ِر ْعاًل َ ،و َذ ْك َوانَ َ ،وع َ
ُص يَّةَ ع َ سنِي يُو ُ َك ِ
وب َعلَ ْي ِه ْم َأ ْو يُ َع ِّذبَ ُه ْم
س لَكَ ِمنَ اَأْل ْم ِر ش َْي ٌء َأ ْو يَتُ َ ثُ َّم بَلَ َغنَا َأنَّهُ ت ََركَ َذلِ َك لَ َّما ُأ ْن ِز َل﴿ :لَ ْي َ
ظالِ ُمونَ ﴾ [آل عمران( ]١٢٨ :مسلم) (.)33 فَِإنَّ ُه ْم َ
ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﱠ[النحل].
يقول هللا-تعالى-مكذبًا المشركين الذين كانوا يحرمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك
ما حرَّم هللا عليكم أيَّها النَّاس إاَّل الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لألنصاب ،فس ّمى
ألن ذلك ال يحل أكله فمن اض طر إلى ش يء من ه لجماع ة حلّت فأكل ه عليه غير هللا؛ َّ
غير باغ وال عاد فإن هللا غفور رحيم ،فإنَّه-تعالى-ساتر عليه أن يؤاخذه بأكل ذل ك في
حال الضَّرورة رحيم به أن يعاقبه عليه.
إن اإلسالم دين ُمطَهَّر طهره هللا من ك ِّل س و ٍء ،وجع ل ل ك في ه ي ا ب ني آدم
قال قَتَادةَّ :
سعة إذا اضطرت على شيء من ذلك ،وقوله :ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ غير باغ في أكله وال
عاد أن يتعدى حالاًل إلى حرام يجد عنه مندوحه.
ﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ
ﲵﲶﲷﲸﱠ[النحل].
وال تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيم ا رزق هللا ِعب اده من المط اعم ه ذا حالل وه ذا
حرام كي تفتروا على هللا بقيلكم ذلك الكذب ،فإن هللا لم يحرم من ذلك ما تحرمون وال
أح ّل كثيرًا مما تحلون ،ث َّم تق ّدم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه فق ال :ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ
إن الذين يتخرصون على هللا الكذب ويختلقونه ال يخلدون ﲮﲯﲰﲱﲲﱠ أيَّ :
في ال ُّدنيا وال يبقون فيها إنَّما يتمتعون فيها قلياًل .
وقوله :ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﱠ أي :ث َّم إلينا مرجعهم ومعادهم ولهم على كذبهم واف ترائهم
على هللا عذاب عند مصيرهم إليه أليم.
قال مجاهد :قولهم بألسنتهم الكذب هذا حرام في البحيرة والسائبة.
فنقول :أي ال تحلّوا وال تح ّرموا بعض األشياء من تلقاء أنفسكمَّ ،
فإن المحرِّ م والـ ُمح َّل
هو هللا-تعالى ،-وقولكم الكذب أن تقولوا بألسنتكم هذا حالل أو هذا ح رام اف تراء على
هللا ،وكذلك يصنع األحبار والرّهبان يقولون هذا ح رام وه ذا حالل ،ولم ا يحرم ه هللا
ويحلّه هللا ،فالنَّاس يطيعونهم كما يطيعون هللا فربما يحرمون ما أح ّل هللا فهم يحرمونه
أو يحلّون ما حرم هللا فيحلونه ،أي :هم أكثر عل ًما وأفض ل ل ديهم من هللا-تع الى-وه ذا
كفر صريح ،أي :النَّاس لم يكونوا يصلون وال يعبدون هللا ألجلهم.
ﱡﭐﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟ ﱠﱡﱣﱢﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱠ[النحل].
ﱡﭐﱕﱖﱠخلي ُل هللا كان معلِّم خير يأت َّم به أهل الهدى .ﱡﭐﱙﱠ أي :مطيعًا هلل .ﱡﭐﱛﱠأيُ :مستقي ًما
الش رك ب ه ،وه ذا ك م َّمن يش رك باهلل ش يًئا فيك ون من أولي اء ِّ على دين اإلسالم ولم ي ُ
أن إبراهيم منهم بريئ ،وهم من ه ب رآء. إعال ٌم من هللا-تعالى-أهل ال ِّشرك به من قريش َّ
ﱡﭐ ﱡﱣﱢ ﱠ وكان يخلص ال ُّشكر هلل فيما أنعم عليه وال يجعل معه في شكره في نعمه عليه شري ًكا
من اآللهة واألنداد وغير ذلك ،كما يفعل ُمشركو قريش اصطفاه واختاره ربُّه لـملَّته .ﱡﭐ
ﱥﱠأي :رشده إلى الطَّريق المستقيم ،وذلك دين اإلسالم ال اليهودية والنَّصرانية.
أن إب راهيم على دين اليهودي ة وهم ذريَّة ل ه ،وك ذلك ت دعى أي :كانت ت زعم اليه ود َّ
النَّصرانية وتقول العرب :إن إبراهيم أبوهم وهم على دينهم ،فك َّذ َ
ب هللا تل ك األقاوي ل،
وقال :ﱡﭐﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﱠ[آل عمران].
ابن مسعود-رضي هللا عن ه-حين س ئل عن األ َّمة ق ال :ال ذي يُعلِّم النَّاس الخ ير،
وقال ُ
وفي قول عنه :األ َّمة :القانت .قال :األ َّمة ُمعلِّم الخير .والقانت :المطيع هلل ورسوله.
قال عن شهر بن حوشب ،قال :لم تبق األرض إاَّل وفيها أربعة عشر ي دفع هللا بهم عن
أهل األرض وتخرج بركتها ،إاَّل زمن إبراهيم فإنَّه كان وحده(.)34
ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱠ[النحل].
وآتينا إبراهيم على قُنوته هلل وشكره له على نعمه وإخالصه العب ادة ل ه في ه ذه ال ُّدنيا
ِذكرًا حسنًا وثنا ًء جمياًل باقيًا على األيام.
ﱡﭐ ﱯﱰﱱﱲﱳ ﱴﱠ أي :وإنَّه في ال َّدار اآلخرة يوم القيامة لممن صلح أمره وشأنه عند هللا
وحسنت فيها منزلته وكرامته.
قال الشاعر التركي ضياء باشا« :ولم يبق تحت أديم السَّماء إال ذكرًا حسنًا».
صدق.
قال مجاهد :ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱠ قال :لسان ِ
وقال قَتَادة :ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱠ فليس من أهل دين إاَّل يتواَّل ه ويرضاه.
ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ
ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱠ[النحل].
ث َّم أوحينا إليك يا مح َّمد وقُلنا ل ك اتَّب ع ِملَّة إب راهيم الحنيف ة المس لمة .ﱡﭐﱼﱽ ﱠ أي:
ُمسل ًما على الدين الذي كان عليه إبراهيم بريًئا من األوثان واألنداد التي يعبدها قوم ك
كما كان إبراهيم تبرأ منها.
وقوله :ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﱠ أي :ما فرض هللا أيَّها النَّاس تعظيم السَّبت إاَّل
ألن هللا-تع الى-ف رغ من خل ق على الذين اختلفوا فيه ،فقال بعض هم ه و أعظم األيَّام؛ َّ
األشياء يوم الجمعة ،ث َّم سبت يوم السَّبت.
أي :قال استراح يوم السَّبت ،كما جاء بقوله-تعالى :ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱠ
[ق].
أي :وما مسَّنا من تعب ،كما زعم اليهود.
وقال آخرون :بل أعظم األيام يوم األحد؛ ألنَّه اليوم الذي ابت دأ في ه في خل ق األش ياء،
ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱠ[النحل].
ث َّم أوحينا إليك يا مح َّمد وقُلنا ل ك اتّب ع ِملَّة إب راهيم الحنيف ة المس لمة .ﱡﭐ ﱠ
ﱌ أيُ :مس ل ًما
على الدِّين الذي كان عليه إبراهيم بريًئا من األوثان واألنداد التي يعب دها قوم ك ،كم ا
كان إبراهيم تبرأ منها.
وقوله :ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﱠ أي :ما فرض هللا أيَّها النَّاس تعظيم السَّبت إاَّل
ألن هللا-تع الى-ف رغ من خل ق على الذين اختلفوا فيه ،فقال بعضهم :ه و أعظم األيَّام؛ َّ
األشياء يوم الجمعة ،ث َّم سبت يوم السَّبت.
أي :قال استراح يوم السَّبت ،كما جاء بقوله تعالى :ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱠ
[ق].
ب كما زعم اليهود.
أي :وما مسَّنا من تع ٍ
وقال آخرون :بل أعظم األيام يوم األحد؛ ألنَّه اليوم ال ذي ابت دأ في ه في خل ق األش ياء
فاختاروه وتركوا تعظيم يوم الجمعة ال ذي ف رض هللا عليهم تعظيم ه واس تحلوه ،كم ا
جاء في مسلم والبخاري والسُّنن.
ﱡﭐﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﱠ[النحل].
ع يا مح َّمد من أرسلك إليه ربُّك بال ُّدعاء إلى طاعته ﱡﭐﲗﲘ ﲙ ﱠ أي :إلى شريعة ربِّك
اد ُ
التي شرعها لخلقه وهو اإلسالم .ﱡﭐ ﲚ ﱠ أي :بوحي هللا الذي يوحيه إليك وكتاب ه ال ذي
بالعبر الجميلة التي جعلها هللا حجَّة عليهم في كتابه وذكرهم
منزله عليك .ﱡﭐ ﲛ ﲜﲝ ﱠ أيِ :
بها في تنزيله ،كالتي ع َّدد عليهم في هذه السُّورة في حججه وذك رهم فيه ا م ا ذك رهم
من أالئه ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﱠ أي :وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها ،إن تصفح
ع َّما نالوا به عرضك من األذى وال نقصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رس الة
ربِّك .قال مجاهد :ﱡﭐﲞﲟﲠﲡﲢﱠ أي :أعرض عن أذاهم إيَّاك.
إن ربَّك يا مح َّمد هو أعلم بمن جار عن السَّبيل من وقوله :ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ أيَّ :
المختلفين في السَّبت وغيره من خلقه وحا َّد هللا وه و أعلم بمن ك ان منهم س ال ًكا قص د
ق وهو مجازيهم جميعهم جزاءهم عند ورودهم عليه. السَّبيل وحجَّة الح ِّ
ﱡﭐﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﱠ[النحل].
وإن عاقبتم أيَّها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم فعاقبه بمثل الذي نالكم به ظالمكم
من العقوبة ،ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند هللا ما ن الكم ب ه من ُّ
الظلم وو َّكلتم
أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته .ﱡﭐ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ أي للصَّبر عن عقوبته
بذلك خير ألهل الصَّبر احتسابًا وابتغاء ثواب هللا؛ ألنّه يعوضه من الذي أراد أن يناله
بانتقامه من ظالمه على ظلمه إيَّاه من لذة االنتص ار ،وه و قول ه :ﱡﭐ ﲹ ﱠ كناي ة عن
الصَّبر وحَسُنَ ذلك.
قد اختلف أهل التَّأويل في السَّبب الذي من أجله نزلت هذه اآلية؛ وقيل :هي منس وخة
صلَّى هللا عليه و َسلَّم-وأصحابه أو محكمة ،فقال بعضهم :نزلت من أجل َّ
أن رسول هللاَ -
أقس موا حين فع ل المش ركون ي وم أح د م ا فعل وا بقتلى المس لمين من التَّمثي ل بهم أن
يجاوزوا فِعلهم في المثلة بهم إن رُزقوا الظَّف ر عليهم فنه اهم هللا عن ذل ك به ذه اآلي ة
وأمرهم أن يقتصروا في التَّمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان فيهم ،ث َّم أمرهم
بعد ذلك بترك التمثيل وإيثار الصَّبر عنه بقوله :ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﱠ [النَّحل:
.]127
فنس خ ب ذلك عن دهم م ا ك ان أذن لهم في ه من المثل ة ،كم ا ج اء عن معم ر ق الَّ :
إن
المسلمين قالوا لما فعل المشركون بقتالهم يوم أحد :لئن ظفرن ا عليهم لنفعلن ولنفعلن،
فأنزل هللا تعالى :ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ
قالوا :بل نصبر.
وفي خبر عن عامر قال :لما رأى المسلمون ما فعل المش ركون بقتالهم ي وم ُأح د من
تبقير البطون وقتل المذاكير والمثل ة الس يئة ق ال :لئن أظفرن ا هللا بهم لنفعلن ولنفعلن،
فأنزل هللا هذه اآلية.
وقال آخرون :نسخ ذلك بقوله في براءة :ﱡﭐ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ
ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ ﱠ[التوبة.]5 :
وكذلك قال ابن عبَّاس :وقال آخرون :بل ع نى هللا-تع الى-بقول ه :ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ
هللا-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-خاصة دون سائر أصحابه ،فكان األمر بالصَّبر
َ ﳁﳂ ﱠ نب ّي
له عزيمة من هللا دونهم.
قال ابن زيد :أم رهم هللا أن يعف وا عن المش ركين فأس لم رج ال لهم منع ة ،فق الوا :ي ا
رسول هللا لو أذن هللا لنا ألنتصرنا من ه ؤالء الكالب ف نزل الق رآن :ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ
ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ واصبر أنت يا مح َّمد وال تكن
في ضيق ممن ينتصر ،وما صبرك إاَّل باهلل .ث َّم نس خ ه ذا وأم ره بجه ادهم ،فه ذا كلُّه
منسوخ.
وقال آخرون :لم يعن بهاتين اآليتين شي ٌء مما ذكر هؤالء وإنَّما عني بهما أن من ظلم
بظالمة فال يحل له أن ينال ممن ظلمه أكثر مما ن ال الظَّالم من ه وق الوا اآلي ة محكم ة
غير منسوخة.
قال ابن سيرين وإب راهيم النخعي والحس ن وس فيان يقول ون :إن أخ ذ من ك دين ارًا فال
تأخذ منه إاَّل دينارًا .وكذلك قال مجاهد :ال تعتدوا.
والص واب من الق ول في ذل ك أن يُق الَّ :
إن هللا-تع الى-ذك ر أم ر من َّ قال ابن جري ر:
ُعوقب من المؤم نين بعقوب ة أن يُع اقب من عاقب ه بمث ل ال ذي ع وقب ب ه ،إن اخت ار
أن الصَّبر على ترك عقوبته على ما كان من ه إلي ه خ ي ٌر وع زم على عقوبته ،وأعلَمه َّ
وس لَّم-أن يص بر ،وذل ك ظ اهر التنزي ل والتَّأويالت الم ذكورة
ِّه-ص لَّى هللا علي ه َ
نبي َ
محتمالت اآلية كلّها ،ولم يكن في اآلية داللة في النّسخة.
ﱡﭐﲽﲾﲿﳀﳁﳂ ﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﱠ[النحل].
واصبر يا مح َّمد على ما أصابك من أذى في هللا ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﱠ إن صبرت إاَّل
بمعون ة هللا وتوفيق ه إيَّاك ل ذلك وال تح زن على ه ؤالء المش ركين ال ذين يك ذبونك
وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا ع َّما أتيتم به من النَّصيحة .ﱡﭐ ﳆ ﳇ
ﳈﳉﱠ أي :وال يضيق صدرك بما يقولون من الجهل ونسبتهم ما جئت به إلى أنَّه سحر
أو ِشعر أو كهانة ﱡﭐ ﳊ ﳋ ﱠ م َّما يحتالون بالخدع في الصَّيد عن سبيل هللا من أراد اإليمان
بك.
الض اد .وق رأة بعض ق راء أه ل ض ْي ٍ
ق) بفتح َّ ك في َ(واَل تَ ُ
العراق َ وقرأت عا َّمة قراء ِ
ق) بكسرت الضَّاد ،وهو ابن كثير المكي. ض ْي ٍ
ك في ِالمدينةَ ( :واَل تَ ُ
وس لَّم-أن يض يق ص دره م َّما يلقى من أذى
َّه-ص لَّى هللا علي ه َ
إنَّم ا نهى هللا-تع الى-نبي َ
المشركين على تبليغه إيَّاهم وحي هللا فقال له :ﱡﭐ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ
ﱍﱎﱏﱐﱠ [األعراف].
ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ
ﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﱠ [هود].
ﱡﭐﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕ ﱠ[النحل].
َّ
إن هللا ي ا مح َّمد م ع ال ذين اتق وا هللا في محارم ه واجتنبوه ا وخ افوا عقاب ه عليه ا،
فأجمعوا عن التَّقدم عليها .ﱡﭐ ﳒ ﳓ ﳔ ﱠ أي :وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه والقيام
بحقوقه ولزوم طاعته فيما أمرهم ب ه ونه اهم عن ه .ق ال الحس ن :اتَّق وا هللا فيم ا ح رَّم
عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم.
ص نا قَ ا َلُ« :أ ِ
وص ي ُك ْم س ،عَنْ َأبِي قَزَ َع ةَ ،قَ ا َل :قِي َل لِ َه ِر ِم ْب ِن َحيَّانَ َ :أ ْو ِ عَنْ َأبِي يُونُ َ
س بِي ِل َربِّ َك بِا ْل ِح ْك َم ِة
ع ِإلَى َ ور ِة النَّ ْح ِل» َوقَ َرَأ ابْنُ َحيَّانَ ﴿ا ْد ُ س َ اخ ِر ِمنْ ُ ت اَأْل َو ِ بِاآْل يَ ا ِ
س بِيلِ ِه ض َّل عَن َ سنُ ِإنَّ َربَّكَ ُه َو َأ ْعلَ ُم بِ َمنْ َ سنَ ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِالَّتِي ِه َي َأ ْح َ
َوا ْل َم ْو ِعظَ ِة ا ْل َح َ
صبَ ْرتُ ْم لَ ُه َو َخ ْي ٌر َوه َُو َأ ْعلَ ُم بِا ْل ُم ْهتَ ِدينَ َ ،وِإنْ عَاقَ ْبتُ ْم فَ َعاقِبُوا بِ ِم ْث ِل َما عُوقِ ْبتُ ْم بِ ِه َولَِئنْ َ
ق ِّم َّماض ْي ٍ ص ْب ُركَ ِإاَّل بِاهَّلل ِ َواَل ت َْح زَ نْ َعلَ ْي ِه ْم َواَل تَ ُك فِي َ اص بِ ْر َو َم ا َ لص ابِرينَ َو ْ لِّ َّ
س نُونَ ﴾[النح ل( ]128-125:س نن يَ ْم ُك ُرونَ ِ ،إنَّ هللاَ َم َع الَّ ِذينَ اتَّقَ ْوا َوالَّ ِذينَ هُم ُّم ْح ِ
الدارمي) (.)35
ص َرفَ ش ْعبِ ِّي ,قَا َل :لَ َّما َكانَ يَ ْو ُم ُأ ُح ٍد َوا ْن َ َع ْب ُد اَأْل ْعلَى ,عَنْ دَا ُو َد ْب ِن َأبِي ِه ْن َد َ ,ع ِن ال َّ
س يَِّئةً َج َعلُ وا يَ ْقطَ ُع ونَ آ َذانَ ُه ْم َوآنَ افَ ُه ْم ش ِر ُكونَ ,فَ َرَأى ا ْل ُم ْ
سلِ ُمونَ بِِإ ْخ َوانِ ِه ْم ُم ْثلَ ةً َ ا ْل ُم ْ
سلَّ َم :لَِئنْ َأنَالَنَا هَّللا ُ ِم ْن ُه ْم
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ
ول هَّللا ِ َ
س ِ اب َر ُ ص َح ُ شقُّونَ بُطُونَ ُه ْم ,فَقَا َل َأ َْويَ ُ
)(35سنن الدارمي ،4/2029رقم.)3223( :
لَنَ ْف َعلَنَّ فََأ ْن َز َل هَّللا َُ ﴿ :وِإنْ عَاقَ ْبتُ ْم فَ َعاقِبُوا بِ ِم ْث ِل َم ا ُع وقِ ْبتُ ْم بِ ِه َولَِئنْ َ
ص بَ ْرتُ ْم لَ ُه َو َخ ْي ٌر
س لَّ َم« :بَ ْل ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ س و ُل هَّللا ِ َ لص ابِ ِرينَ ﴾ [النح ل ]126 :فَقَ ا َل َر ُ لِ َّ
صبِ ُر»(مصنف أبي شيبة). نَ ْ
آخر سورة النَّحل
فنق ول :إنَّهم في معيَّة هللا إذا اتَّق وا هللا-تع الى-باإليم ان والعم ل واإلخالص.
صدق والوفاء واإلخالص هلل-تعالى ،-كما جاء في الحديث: والمحسنون :هم أهل ال ِّ
سلَّ َم َذاتَ يَ ْو ٍم، صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو ِل هللاِ َ عن عمر بن الخطاب قَا َل :بَ ْينَ َما نَ ْحنُ ِع ْن َد َر ُ
الس فَ ِر، ش َع ِر ،اَل يُ َرى َعلَ ْي ِه َأثَ ُر َّ س َوا ِد ال َّ ش ِدي ُد َبَ ، ض الثِّيَا ِ ش ِدي ُد بَيَا ِ ِإ ْذ طَلَ َع َعلَ ْينَا َر ُج ٌل َ
س نَ َد ُر ْكبَتَ ْي ِه ِإلَى س لَّ َم ،فََأ ْ ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ س ِإلَى النَّبِ ِّي َ َواَل يَ ْع ِرفُهُ ِمنَّا َأ َح دٌَ ،حتَّى َجلَ َ
س و ُل ساَل ِم ،فَقَ ا َل َر ُ ض َع َكفَّ ْي ِه َعلَى فَ ِخ َذ ْي ِهَ ،وقَا َل :يَا ُم َح َّم ُد َأ ْخبِ ْرنِي َع ِن اِإْل ْ ُر ْكبَتَ ْي ِهَ ،و َو َ
س و ُل هللاِ ش َه َد َأنْ اَل ِإلَ هَ ِإاَّل هللاُ َوَأنَّ ُم َح َّمدًا َر ُ ساَل ُم َأنْ تَ ْ سلَّ َم« :اِإْل ْصلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ هللاِ َ
ض انَ َ ،وت َُح َّج ا ْلبَيْتَ َص و َم َر َم َ صاَل ةََ ،وتُْؤ تِ َي ال َّز َك اةََ ،وت ُ سلَّ َمَ ،وتُقِي َم ال َّ صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ َ
ص ِّدقُهُ ،قَ ا َل: س لُهَُ ،ويُ َ َأ ص َد ْقتَ ،قَ ا َل :فَ َع ِج ْبنَ ا لَ هُ يَ ْ س بِياًل » ،قَ ا َلَ : اس تَطَعْتَ ِإلَ ْي ِه َ ِإ ِن ْ
س لِ ِهَ ،وا ْليَ ْو ِم ان ،قَ ا َلَ« :أنْ تُ ْؤ ِمنَ بِاهللَِ ،و َماَل ِئ َكتِ ِهَ ،و ُكتُبِ ِهَ ،و ُر ُ فَ َأ ْخبِ ْرنِي ع َِن اِإْل ي َم ِ
س ا ِن، ص َد ْقتَ ،قَ ا َل :فَ َأ ْخبِ ْرنِي َع ِن اِإْل ْح َ ش ِّر ِه» ،قَ ا َلَ : اآْل ِخ ِرَ ،وتُْؤ ِمنَ بِا ْلقَ َد ِر َخ ْي ِر ِه َو َ
َن قَ ا َلَ« :أنْ تَ ْعبُ َد هللاَ َكَأنَّكَ تَ َراهُ ،فَ ِإنْ لَ ْم تَ ُكنْ تَ َراهُ فَِإنَّهُ يَ َراكَ » ،قَ ا َل :فَ َأ ْخبِ ْرنِي ع ِ
الس اِئ ِل» قَ ا َل :فَ َأ ْخبِ ْرنِي عَنْ َأ َما َرتِ َه ا، سُئو ُل َع ْن َه ا بِ َأ ْعلَ َم ِمنَ َّ سا َع ِة ،قَا َلَ « :ما ا ْل َم ْ ال َّ
الش ا ِء يَتَطَ ا َولُونَ ِفي َأ ُ َأْل
قَا َل « :نْ تَلِ َد ا َمة َربَّتَ َهاَ ،و نْ تَ َرى ا ْل ُحفَاةَ ا ْل ُع َراةَ ا ْل َعالَةَ ِرعَا َء َّ َأ
ساِئ ُل؟» قُ ْلتُ : ق فَلَبِ ْثتُ َملِيًّا ،ثُ َّم قَا َل لِي« :يَا ُع َم ُر َأتَ ْد ِري َم ِن ال َّ ا ْلبُ ْنيَا ِن» ،قَا َل :ثُ َّم ا ْنطَلَ َ
سولُهُ َأ ْعلَ ُم ،قَا َل« :فَِإنَّهُ ِج ْب ِري ُل َأتَا ُك ْم يُ َعلِّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم» ( مس لم :كت اب اإليم ان ) هللاُ َو َر ُ
(.)36
وجمع الحديث كلمتي التَّقوى واإلحسان ،فكلمة التَّقوى تجمع مب ادئ اإلس الم الخمس،
الص الة، وأن مح َّمدًا رس ول هللا ،وإق ام َّ وهي :كلمتي ال َّشهادة ،شهادة أن ال إله إاَّل هللاَّ ،
وإيتاء ال َّزكاة ،وصيام رمض ان ،وح ّج ال بيت الح رام .وتجم ع المب ادئ الس ت ،وهي:
اإليمان باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر ،والقَدَر .فإذا جمع اإلنسان تل ك
المبادئ ،مبادئ اإلسالم ومب ادئ اإليم ان؛ عماًل وإيمانً ا فق د جم ع التَّق وى في نفس ه،
وهو المتبقي .وتلك المبادئ التس تقيم وال تص لح إاَّل ب اإلخالص ،وه و اإلحس ان ،ف إذا
جمع الم رء في نفس ه مب ادئ اإليم ان ومب ادئ اإلس الم م ع جمع ه مب ادئ اإلخالص
واإلحسان فقد أصبح من أ َّول ال داخلين في معيَّة هللا-تع الى ،-وهي أك بر معيَّة .وفيه ا
رضا هللا ،ورضوان من هللا أكبر .
اللَّهم ارزقنا رزقًا حسنًا في التَّقوى واإلحسان ،واجعلن ا في معيَّة هللا-تع الى-ومعيَّت ه-
والص الحين َّ والش هداءَّ صديقين ع َّز وجلَّ-هي معيَّة الذين أنعم هللا عليهم من النَّبيين وال ِّ
وحسُن أولئك رفيقًا ،وذلك الرَّفيق األعلى ،وهو أعلى من المأل األعلى.
كالمه-صلَّى هللا عليه و َسلَّم-أن يقول لدى االحتض ار الرفي ق األعلى ،كم ا َ وكان آخر
جاء في الحديث:
)(36صحيح مسلم ،1/36رقم.)8( :
س لَّ َمَ ،و ُه َو صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو ُل هَّللا ِ َ شةَ ،قَالَتْ َ :كانَ َر ُ الزبَ ْي ِرِ ،إنَّ عَاِئ َعن ع ُْر َوةُ بْنُ ُّ
الجنَّ ِة ،ثُ َّم يُ َحيَّا َأ ْو يُ َخيَّ َر،ط َحتَّى يَ َرى َم ْق َع َدهُ ِمنَ َ ض نَبِ ٌّي قَ ُّ يح يَقُو ُلِ « :إنَّهُ لَ ْم يُ ْقبَ ْ ص ِح ٌ َ
ص ق ش ََخ َ ش َي َعلَ ْي ِه ،فَلَ َّما َأفَا َ شةَ ُغ ِ سهُ َعلَى فَ ِخ ِذ عَاِئ َ ض َو َرْأ ُ ض َرهُ القَ ْب ُ شتَ َكى َو َح َ فَلَ َّما ا ْ
ق اَأل ْعلَى» فَقُ ْلتُ ِ :إ ًذا الَ يُ َجا ِو ُرنَ ا، ت ،ثُ َّم قَ ا َل« :اللَّ ُه َّم فِي ال َّرفِي ِ ف البَ ْي ِ س ْق ِ
ص ُرهُ نَ ْح َو َ بَ َ
يح ( البخاري :كتاب التفسير) .
()37
ص ِح ٌ فَ َع َر ْفتُ َأنَّهُ َح ِديثُهُ الَّ ِذي َكانَ يُ َح ِّدثُنَا َوه َُو َ
س لَّ َم يَقُ و ُلَ « :م ا ِمنْ نَبِ ٍّي صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو َل هَّللا ِ َ س ِم ْعتُ َر ُ ضا قَالَتْ َ : وجاء عنها أي ً
ض فِي ِهَ ،أ َخ َذ ْت هُ بُ َّحةٌ ش ْك َواهُ الَّ ِذي قُبِ َ اآلخ َر ِة»َ ،و َك انَ فِي َ ض ِإاَّل ُخيِّ َر بَيْنَ ال ُّد ْنيَا َو ِ يَ ْم َر ُ
الش َهدَا ِءالص دِّيقِينَ َو ُّ س ِم ْعتُهُ يَقُو ُلَ ﴿ :م َع الَّ ِذينَ َأ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النَّبِيِّينَ َو ِّ ش ِدي َدةٌ ،فَ َ َ
صالِ ِحينَ ﴾[النساء ]69 :ف َعلِ ْمتُ نَّهُ ُخيِّ َر ( البخاري :كتاب تفسير القرآن) .
()38 َأ َ َوال َّ
البحَّة :هي شيء يعترض مجاري التَّنفس فيتغير به الصَّوت فيغل ظ ،وقوله ا ُخيِّر :أي
بين ال ُّدنيا واآلخرة الختيار واحدة منها.
س لَّ َم يَقُ و ُلَ « :م ا ِمنْ نَبِ ٍّي صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو َل هَّللا ِ َ س ِم ْعتُ َر ُ وجاء عنها أيضًا قَالَتْ َ :
ض فِي ِهَ ،أ َخ َذ ْت هُ بُ َّحةٌ ش ْك َواهُ الَّ ِذي قُبِ َ اآلخ َر ِة»َ ،و َك انَ ِفي َ ض ِإاَّل ُخيِّ َر بَيْنَ ال ُّد ْنيَا َو ِ يَ ْم َر ُ
الش َهدَا ِء الص دِّيقِينَ َو ُّ س ِم ْعتُهُ يَقُو ُلَ ﴿ :م َع الَّ ِذينَ َأ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النَّبِيِّينَ َو ِّ ش ِدي َدةٌ ،فَ َ َ
صالِ ِحينَ ﴾ [النساء ]69 :فَ َعلِ ْمتُ َأنَّهُ ُخيِّ َر ( .البخ اري :كت اب تفس ير الق رآن) .
()39
َوال َّ
وذلك حين يرى مقعده من الجنَّة في حالة االحتضار.
يحِ« :إنَّهُ ص ِح ٌ سلَّ َم يَقُ و ُل َو ُه َو َ صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ كما جاءعن عائشة قَالَتْ َ :كانَ النَّبِ ُّي َ
الجنَّ ِة ،ثُ َّم يُ َخيَّ َر» ( البخ اري :كت اب ال دعوات) ض نَبِ ٌّي َحتَّى يَ َرى َم ْق َع َدهُ ِمنَ َ لَ ْم يُ ْقبَ ْ
(.)40
الس الم-نعم اإلجاب ة وباالختصار والعاقبة للمتقين في الدارين فأج اب هللا نو ًح ا-علي ه َّ
وذلك بعد مضي ألف سنة إال خمسين عا ًما بعدما خلت الق رون وبع دما أظلمت األي ام
على نوح ومن معه من المؤمنين بما لقوا من أذى الكافرين فأجابه بإنجائ ه وأهل ه من
الكرب العظيم من كرب أهل الكف ر وأذيتهم في ال ُّدنيا من ُك َرب الطوف ان ومن ُك َرب
يوم القيامة ث َّم جع ل ذريت ه هم الب اقين في الق رون التالي ة أم ًماوأنبي اءإلى ي وم القيام ة
وأبقى علي ه حس ن الثن اء وال ذكر الجمي ل في الع المين في ال ُّدنيا وفي اآلخ رة وفي
ملكوت السَّماء واألرض كما جاء في الحديث:
ب َع ْبدًا َدعَا سلَّ َمِ«:إنَّ هللاَ ِإ َذا َأ َح َّ صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ سو ُل هللاِ َ عَنْ َأبِي ُه َر ْي َرةَ ،قَا َل :قَا َل َر ُ
س َما ِء فَيَقُ و ُل: ِج ْب ِري َل فَقَا َلِ :إنِّي ُأ ِح ُّب فُاَل نًا فََأ ِحبَّهُ ،قَا َل :فَيُ ِح ُّبهُ ِج ْب ِري ُل ،ثُ َّم يُنَا ِدي فِي ال َّ
ض، وض ُع لَ هُ ا ْلقَبُ و ُل فِي اَأْل ْر ِ س َما ِء ،قَا َل ثُ َّم يُ َ ِإنَّ هللاَ يُ ِح ُّب فُاَل نًا فََأ ِحبُّوهُ ،فَيُ ِحبُّهُ َأ ْه ُل ال َّ
ض هُ ِج ْب ِري ُل، ضهُ ،قَ ا َل فَيُ ْب ِغ ُ ض فُاَل نًا فََأ ْب ِغ ْ ض َع ْبدًا َدعَا ِج ْب ِري َل فَيَقُو ُلِ :إنِّي ُأ ْب ِغ ُ َوِإ َذا َأ ْب َغ َ
ُوض ُعض ونَهُ ،ثُ َّم ت َ ض وهُ ،قَ ا َل :فَيُ ْب ِغ ُ ض فُاَل نًا فََأ ْب ِغ ُ س َما ِء ِإنَّ هللاَ يُ ْب ِغ ُ ثُ َّم يُنَا ِدي فِي َأ ْه ِل ال َّ
ض» ( ،مسلم :كتاب البر ،البخاري :بدء الخلق) (.)41 ضا ُء فِي اَأْل ْر ِ لَهُ ا ْلبَ ْغ َ
وقد قال ال َّشاعر ضياء باشا من آل عثمان:
)(37صحيح البخاري ،6/10رقم.)4437( :
)(38صحيح البخاري ،6/46رقم.)4586( :
)(39صحيح البخاري ،6/46رقم.)4586( :
)(40صحيح البخاري ،6/15رقم.)4463( :
)(41صحيح مسلم ،4/2030رقم.)2637( :
سماء إاَّل الذكر الجميل
ولم يبق تحت أديم هذا ...ال َّ
فارض ما رضى لك ربُّك ،واستسلم و َسلِّم
َ ﱡﭐ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﱠ [النحل] ،والعاقبة لل ُمتَّقين،
ناصيتَك إليه ،وارتحْ من الوس اوس والتَّش ويش في األوائ ل والع واقب ،فليس ل ك من
األمر من شي ٍء.