You are on page 1of 77

‫سورة النَّحل‬

‫ﱁﱂﱃﱄ‬
‫إن س ورة النَّح ل م ِّكيَّة‪ ،‬غ ير ثالث‬
‫قال مح َّمد بن عمر ال َّزمخشري في كتابه الكشاف‪َّ :‬‬
‫آيات في آخرها‪ .‬وتس مى س ورة النِّعم‪ ،‬وهي مائ ة وثم ان وعش رون آي ة‪ ،‬ن زلت بع د‬
‫سورة الكهف (‪.)1‬‬
‫قال أبو عبد هللا القرطبي في كتابه الجامع ألحكام القرآن‪ :‬س ورة النَّح ل م ِّكيَّة في ق ول‬
‫الحسن‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وجابر‪ .‬وتُس َّمى س ورة النِّعم بس بب م ا ع َّدد هللا فيه ا من‬
‫نِعمه على ِعباده (‪ .)2‬وقيل هي م ِّكيَّة‪ ،‬غير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵﲶ ﱠ [النحل‪ ،]126:‬نزلت بالمدينة في شأن التَّمثيل بحم زة وقتلى ُأح د‪ ،‬و َغ َ‬
‫ير‬
‫قولِ ِه‪ :‬ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﱠ [النحل‪ ،]127:‬وغي َر قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬
‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ[النحل‪ ،]110:‬وأ َّما قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅ ﱠ[النحل‪ ،]41:‬فحكي في شأن هجرة الحبش ة‪ .‬وق ال ابن عبَّاس هي م ِّكيَّة إاَّل ثالث‬
‫آيات منها نزلت بالمدينة بعد قتل حمزة‪ ،‬وهي قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱕﱖ ﱗﱘ ﱙﱚﱛ ﱠ إلى قوله‪ :‬ﱡﭐ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱠ[النحل]‪ ،‬وأ َّما بعدها‪.‬‬
‫قال مح َّمد بن علي ال َّشوكاني في كتابه فتح القدير‪ :‬سورة النَّحل آياتها مائة آي ة وثم ان‬
‫وعشرون آية‪ ،‬وهي م ِّكيَّة كلُّها في قول الحسن‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وج ابر‪ ،‬رواه ابن‬
‫مردويه‪ ،‬عن ابن عبَّاس عن أبي ُّ‬
‫الزبير‪.‬‬
‫وأخرج النَّحاس من طريق مجاهد عن ابن عبَّاس قال‪ :‬سورة النَّحل نزلت بم َّكة س وى‬
‫هللا‪-‬ص لَّى هللا‬
‫َ‬ ‫ثالث آيات من آخرها‪ ،‬ف نزلت بين م َّكة والمدين ة في منص رف رس ول‬
‫عليه و َسلَّم‪-‬من ُأحد‪ .‬تس َّمى هذه السُّورة سورة النِّعم‪.‬‬

‫سورة النَّحل‬
‫ﱁﱂﱃﱄ‬
‫ﱡﭐﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ ﲂﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱠ فقرب ِمنكم أيَّها النَّاس ودنا فال تستعجلوا وقوعه‪ .‬ث َّم اختلف أه ُل التَّأويل‬

‫‪ )(1‬تفسير الكشاف ‪.2/592‬‬


‫‪ )(2‬تفسير الشوكاني ‪.10/65‬‬
‫في األم ر ال ذي أعلم هللا ِعب اده مجيئ ه وقرَّب ه منهم‪ ،‬فق ال بعض هم‪ :‬ه و فرائض ه‬
‫ض َّحاك األحكام والحدود والفرائض‪ .‬قال آخ رون‪ :‬ب ل ذل ك وعي د من‬ ‫وأحكامه‪ .‬قال ال َّ‬
‫وأن عذابهم قد حضر أجله ف دنا‪ .‬كم ا‬ ‫هللا ألهل ال ِّشرك به أخبرتم َّ‬
‫أن السَّاعة قد قربت‪َّ ،‬‬
‫جاء عن ابن جريج قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية قال رجا ٌل من المن افقين بعض هم لبعض‪:‬‬
‫أن أمر هللا أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظ روا م ا ه و‬ ‫إن هذا يزعم َّ‬‫َّ‬
‫كائن‪ ،‬فل َّما رأوا أنَّه ال ينزل شيء قالوا ما نراه نزل شيء فنزلت‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫ٌ‬
‫إن هذا يزعم مثلها أيضًا‪ ،‬فل َّما رأوا َّأنه لم ينزل شي ٌء‬
‫ﱇ ﱈ ﱠ [األنبياء‪ ،]1:‬فقالوا‪َّ :‬‬
‫قالوا‪ :‬ما نراه نزل شي ٌء فنزلت‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌ ﱠ[هود]‪.‬‬
‫ابن جرير‪ :‬أولَى القولين في ذلك بالصَّواب ق ول من ق ال‪ :‬ه و تهدي د من هللا أه ل‬
‫قال ُ‬
‫الكفر به وبرسوله‪ ،‬وإعالم منه لهم قرب العذاب منهم والهالك‪ ،‬ول ذلك أنَّه عقب ذل ك‬
‫بقوله‪ :‬سبحانه وتعالى‪ :‬ﱡﭐﲀﲁ ﱠفد َّل بذلك على تقريعه المشركين به ووعيده لهم‪.‬‬
‫قرأ حمزةُ والكسائي وخلف (تَ ْش ِر ُكونَ ) بالفتح‪ ،‬والباقون‪ :‬ﱡﭐ ﲁ ﱠ بالياء‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﱠ يقول‪-‬تعالى‪-‬هللا تنزيها هلل وعلَّ ًوا له عن ال ِّشرك‬
‫الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يدين به‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬ﱡﭐﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱠ ‪ ،‬أي‪ :‬اعلموا أن أمر هللا قد أتى ال ريب فيه سيأتي عن‬
‫قريب‪ ،‬فاعتبروه قد أتى فال تستعجلوه‪ ،‬ومن سنة هللا‪-‬تعالى‪-‬إتيان أمره وانج از وع ده‬
‫وإيق اع نص ره في آخ ر لحظ ة‪ ،‬بع دما بلغت القل وب الحن اجر‪ ،‬وض جَّت الرَّس ل‬
‫ألن في ت أخير النَّص ر وفي ت أخير وق وع الوع د إخب ارا لل ِعب اد وأج رًا‬ ‫والمؤمن ون؛ َّ‬
‫عظي ًما لصبرهم وتوكلهم بربهم‪ ،‬بل يرفعهم درجات ومراتب فانظروا إلى الصُّ عوبات‬
‫والمش اكل واالبتالءات انص بت على األنبي اء أك ثر ف أكثر‪ ،‬وق د ابتلى إب راهيم‪-‬علي ه‬
‫السَّالم‪-‬بإلقائه قومه في النَّار‪ ،‬وقد ابتلي نوح‪-‬عليه السَّالم‪-‬ألف س نة إاَّل خمس ين عا ًم ا‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬بقومه أش َّد البالء في ف ترة‬
‫بالء حسنًا من قومه‪ ،‬وقد ابتلي مح َّمد‪َ -‬‬
‫الوحي بم َّكة‪ ،‬وبعد الهجرة حاربوه وقاتلوه وتح َّزبوا عليه مع مظاهرة اليه ود‪ .‬وك ذلك‬
‫تعذب من قومه أش َّد العذاب واألذية‪ ،‬آخرًا ق ال‪ :‬ﱡﭐ ﱒ ﱓ‬ ‫موسى‪-‬عليه السَّالم‪-‬بعدما َّ‬
‫ﱔﱕﱖﱗﱘ ﱙﱚ ﱛﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ [المائدة]‪ .‬وكذلكم األنبياء‪-‬عليهم السَّالم‪-‬فلم يرتاحوا ولم‬
‫يسلموا من األذى والبالء‪ ،‬وابتلوا أكبر االبتالء مع ق ومهم فص بروا وج ادلوا وق اتلوا‬
‫وقُتلوا ورقَّاهم هللا‪-‬تعالى‪-‬أرقى ال َّدرجات وأعلى الم راتب وأحس ن الع واقب‪ ،‬وك ذلك‬
‫صالحين لهم المراتب حسب الباليا‪ ،‬منهم القائل هو عطاء هللا اإلس كندراني‬ ‫عباد هللا ال َّ‬
‫في كتابه الحكم العطائيَّة‪ :‬المصائب أعياد الصَّالحين‪.‬‬

‫ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ابن كث ير وأب و عم رو ويعق وب‪( :‬يُ ْن ِز َل)من أن زل‪ ،‬وق رأ أب و بك ر عن عاص م‬
‫ق رأ ُ‬
‫(تُنَ َّزلُ)من التَّنزيل المضارع المبني للمفعول‪.‬‬
‫تأويل الكالم‪ :‬يتنزل المالئكة ب الرُّ وح من أم ره على من يش اء من ِعب اده ب أن أن ذروا‬
‫ِعبادي بسطوتي على كفرهم بي وإشراكهم في إتِّخاذهم معي اآللهة واألوث ان‪ ،‬فإنَّه ال‬
‫إله إاَّل أنا‪ ،‬ال تنبغي اآللوهية إاَّل لي وال يصلح أن يعبد شيء سواي ﱡﭐﲔﱠ أي‪ :‬فاحذروني‬
‫فإن في ذل ك نج اتكم من الهلك ة‪.‬‬‫بآداء فرائضي وإفراد ال ِعبادة وإخالص الربوبية لي‪َّ ،‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﲃﲄﲅﱠأي‪ :‬بالوحي‪.‬‬
‫َّ‬
‫ألن الوحي روح للجس د والقلب وب ه يح يى الخل ق في ال ُّدنيا وفي اآلخ رة‪ ،‬كم ا ج اء‬
‫بقوله‪-‬تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌ ﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱖﱗﱘ ﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱠ [الشورى]‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬أنَّه ال ينزل ملك إاَّل معه روح‪ .‬قال‪ :‬بالنُّبوة‪.‬‬
‫قال الرَّبيع بن أنس‪ :‬كلُّ َكلِم تكلَّم به ربُّنا فهو روح منه‪ ،‬قال قَتَادة‪ :‬الرُّ وح ال تي ن زلت‬
‫من هللا وحي ورحمة إنما بعث هللا المرسلين أن يوحد هللا وحده‪ ،‬ويُطاع أمره ويجتنب‬
‫سخطه‪.‬‬

‫ﱡﭐﲖﲗ ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﱠ]النحل]‪.‬‬
‫فلخلقه‪-‬تعالى‪-‬حجته عليهم في توحيده وأنَّه ال تصلح األلوهي ة إاَّل ل ه‪ ،‬خل ق ربكم أيَّه ا‬
‫النَّاس السَّماوات واألرض بالع دل‪ ،‬وه و الح ق ُمنف رد بخلقه ا لم يش ركهُ في إنش ائها‬
‫واحدًا إنَّه شريك ولم يعينه عليه ُمعين فأنَّى يكون له شريكﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﱠ عال ربُّكم أيَّها القوم‬
‫عن شرككم ودعواكم إلهًا دونه‪ ،‬فارتفع عن أن يكون له مثل أو ش ريك أو ظه ر؛ ألنَّه‬
‫ال يكون إلهًا إاَّل من يخلق وينشيء بقدرته مثل السَّماوات واألرض‪ ،‬ويبت دع األجس ام‬
‫فيحدثها من غ ير ش ي ٍء‪ ،‬وليس ذل ك في ق درة أح ٍد س وى هللا الواح د القه ار ال نبتغي‬
‫العبادة إاَّل ل‪،‬ه وال تصلُح األلوهية لشي ٍء سواه‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﲟ ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومن حججه عليكم أيضًا أيَّها النَّاس أنَّه خلق اإلنسان من نطف ة فأح دث من م اء مهين‬
‫خلقًا عجيبًا‪ ،‬قَلَبَهُ تارات خلقًا بعد خلق في ظلم ات ثالث‪ ،‬ث َّم أخرج ه إلى ض ياء ال ُّدنيا‬
‫بعد ما تم خلقه ونفخ فيه الروح فغذاه ورزقه القوت ون َّماه‪ ،‬حتى إذا استوى على سوقه‬
‫كفر بنِعمة ربِّه وجح د م دبره‪ ،‬وعب د من ال يض ر وال ينف ع وخاص م إله ه‪ ،‬فق ال من‬
‫يحيي العظام وهي رميم؟ ونسي الذي خلقه فس واه خلقً ا س ويًّا من م اء مهين أنَّه ي بين‬
‫عن خصومته بمنطقه ويجادل بلسانه‪ ،‬فذلك إبانته وعني باإلنسان جميع النَّاس‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومن حُجج ه عليكم أيَّه ا النَّاس م ا خل ق لكم من األنع ام فس َّخر لكم وجع ل لكم من‬
‫مالبس ا ت دفؤن به ا‪ ،‬ومن افع من ألبانه ا وظهوره ا‬
‫ً‬ ‫أص وافها وأوباره ا وأش عارها‬
‫تركبونها‪ .‬ومنها تأكلون لحمه كاإلبل والبقر والغنم وسائر ما يُؤكل لحمه‪.‬‬
‫عن ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﲫﲬﲭﱠ قال‪ :‬الثِّياب والمنافع ينتفعون به من األطعمة واألشربة‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﲬﲭﱠ‪ :‬لباس ينسج ومنها مركب ولبن ولحم‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ‬
‫ﱍﱎﱏﱐﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ولكم في هذه األنعام والمواشي التي خلقها لكم جم ال حين تريح ون تردونه ا بالعش ي‬
‫من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها‪ .‬س َّمى المكان المراح؛ ألنَّها ت راح‬
‫إليه عشيًّا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﲵﲶ ﲷﲸﲹ ﱠ أي‪ :‬في وقت إخراجكموها غدوة غداوة من مراحها‬
‫إلى مسارحها‪.‬‬
‫جاء عن قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ وذلك أعجب ما يكون إذا‬
‫راحت عظا ًما ضروعها طوااًل اسنمتها حين تسرحون‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱠ أي‪ :‬تحمل هذه األنعام أثقالكم إلى بلد‬
‫آخر لم تكونوا بالغيه إاَّل بجهد من أنفسكم شديد‪ ،‬ومشقَّة عظيمة‪.‬‬
‫وكانت األنعام وسائط النَّقل مثل اإلبل‪ ،‬واألفيال‪ ،‬والحمير‪ ،‬والبغال وغ ير ذل ك‪ ،‬وفي‬
‫والس فن‬
‫ُّ‬ ‫بالس يارات والطَّائرات والقِط ار الحديدي ة‬
‫الوقت ال راهن أنعم هللا على النَّاس َّ‬
‫لل َّشحن‪.‬‬
‫وكذلك قال عكرمة مثل قول قَتَادة ومجاهد‪.‬‬
‫إن ربَّكم أيَّها النَّاس ذو رأف ٍة بكم ورحم ٍة‪ .‬ومن رحمته بكم‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ أي‪َّ :‬‬
‫الس ماوات واألرض أدلَّة لكم على‬
‫خلَ ق لكم األنع ام لمن افعكم ومص الحكم‪ ،‬وخل ق َّ‬
‫وحدانيته ومعرفة إلهكم لتشكروه على نِعمه عليكم فيزيدكم من فضله‪.‬‬

‫ﱡﭐﱑﱒ ﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضًا لتركبوها ﱡﭐﱕﱖ ﱠ وجعلها لكم زينة تتزينون‬
‫بها مع المنافع التي فيها لكم للرُّ كوب غير ذلك‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬جعلها لتركبوها وجعلها زينة لكم‪ ،‬وكان بعض أه ل ال ِعلم ي رى َّ‬
‫أن في ه ذه‬
‫اآلية داللة على تحريم أكل لحوم الخيل‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬قال هذه للركوب‪ ،‬واألنعام خلقها لكم فيها ِدفء‪ ،‬قال‪ :‬هذه لألكل‪.‬‬
‫عن يحيى بن أبي كثير عن مولى نافع بن علقمة َّ‬
‫أن ابن عبَّاس كان يكره لح وم الخي ل‬
‫والبغال والحمير‪ ،‬وكان يقول قال هللا‪ :‬ﱡﭐ ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ﱠ[النحل]‪ ،‬لألكل‪ .‬ﱡﭐﱑﱒ ﱓﱔﱠ وهذه للرُّ كوب‪.‬‬
‫أخبر ابن أبي غنية عن الحكم قال‪ :‬لحوم الخيل حرام في كت اب هللا‪ ،‬ث َّم ق رأ في كت اب‬
‫العلم يخالفونهم في هذا التَّأويل‬‫هللا‪ ،‬ث َّم قرأ اآلية ﱡﭐ ﱔ ﱠ‪ .‬وكان جماعة غيرهم من أهل ِ‬
‫ويرون أن ذلك غير دالٍّ على تح ريم ش يء إنَّم ا ع رف هللا‪-‬تع الى‪ِ -‬عب اده به ذه اآلي ة‬
‫وسائرها ما في أوائل هذه السُّورة نِعم ه عليهم‪ ،‬ونبههم ب ه على حُجج ه عليهم وأدلَّت ه‬
‫على وحدانيته‪ ،‬وفعل من يشرك به‪.‬‬
‫روى إبراهيم النّخعي عن األسود‪ :‬أنَّه أكل لحم الفرس‪.‬‬
‫وكان جماعة المسلمين في آسيا يس َّمون تاتار يأكلون لحم الف رس‪ ،‬غ ير أنَّه ح رم لحم‬
‫الحمر األهلية يوم خيبر‪.‬‬
‫صابَ ْتنَا َم َجا َع ةٌ‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْن ُه َما‪ ،‬يَقُو ُل‪َ :‬أ َ‬ ‫س ِم ْعتُ ابْنَ َأبِي َأ ْوفَى َر ِ‬ ‫َح َّدثَنَا ال َّ‬
‫ش ْيبَانِ ُّي‪ ،‬قَا َل‪َ :‬‬
‫ت‬‫الح ُم ِر اَأل ْهلِيَّ ِة‪ ،‬فَا ْنت ََح ْرنَا َه ا‪ ،‬فَلَ َّما َغلَ ِ‬
‫لَيَ الِ َي َخ ْيبَ َر‪ ،‬فَلَ َّما َك انَ يَ ْو ُم َخ ْيبَ َر َوقَ ْعنَ ا فِي ُ‬
‫س لَّ َم‪َ« :‬أ ْكفُِئوا القُ دُو َر‪‌ ،‬فَاَل ‌تَ ْط َع ُم وا‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫ول هَّللا ِ َ‬
‫س ِ‬ ‫القُدُو ُر نَادَى ُمنَا ِدي َر ُ‬
‫س لَّ َم‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ش ْيًئا» قَا َل َع ْب ُد هَّللا ِ‪ :‬فَقُ ْلنَ ا‪ِ« :‬إنَّ َم ا نَ َهى النَّبي َ‬
‫الح ُم ِر ‌ َ‬
‫وم ‌ ُ‬ ‫‌ ِمنْ ‌لُ ُح ِ‬
‫س َأ ْلتُ َ‬
‫س ِعي َد بْنَ ُجبَ ْي ٍر فَقَ ا َل‪:‬‬ ‫«ح َّر َم َها َأ ْلبَتَّةَ» َو َ‬ ‫َأِلنَّ َها لَ ْم ت َُخ َّم ْ‬
‫س» قَا َل‪َ :‬وقَا َل َ‬
‫آخ ُرونَ ‪َ :‬‬
‫«ح َّر َم َها َأ ْلبَتَّةَ» (البخاري) (‪.)3‬‬
‫َ‬
‫وذلك للحمير األهلية‪ .‬وأ َّما الحمير الوحشية تس َّمى (ال ِّزي برا) أك ل لحم ه حالل‪ ،‬ومن‬
‫جهة بالرغم أكل لحم الخيل ليس حرام‪ ،‬ولكن نفعها أكثر من أكلها؛ ألنَّه ا ك انت تنف ع‬
‫وس لَّم‪ ،-‬وفي أيَّامن ا خاص ة في المن اطق‬
‫َّسول‪-‬صلَّى هللا عليه َ‬
‫َ‬ ‫في الحروب في أيَّام الر‬
‫الجبليَّة‪ ،‬وذل ك في القبائ ل‪ .‬أ َّما في الح روب الحالي ة فأحس ن وأنف ع من المروحي ات‬
‫والطَّائرات في حروب الجبال‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬والصَّواب من القول ما قاله أهل التَّأويل الثَّاني‪ ،‬وذلك أنَّه ل و ك ان في‬
‫قوله تعالى ِذكره‪ :‬ﱡﭐ ﱔ ﱠ داللة على أنَّها ال تصلح إذ ك انت للرك وب لألك ل لك ان في‬
‫قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ داللة على أنَّها ال تصلح إذ كانت لألكل والدِّفء‬
‫للركوب‪ ،‬وفي إجماع الجميع على أن ركوب ما قال تعالى ذكره‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ جائز‬
‫حالل غير حرام‪ ،‬دليل واضح على أن أكل ما قال‪ :‬ﱡﭐ ﱔ ﱠ جائ ٌز حال ٌل غير حرام‪ ،‬إاَّل‬
‫بما نَّص على تحريمه أو وضع على تحريمه داللة من كت اب أو وح ٍّي إلى رس ول هللا‬
‫صلَّى هللا عليه وسلَّم‪.‬‬

‫ص لَّى هللاُ‬ ‫س و َل هَّللا ِ َ‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ‪َ ،‬أنَّ َر ُ‬ ‫س ْب ِن َمالِ ٍك َر ِ‬ ‫فنقول‪ :‬وجاء عَنْ ُم َح َّم ٍد‪ ،‬عَنْ َأنَ ِ‬
‫س َكتَ ‪ ،‬ثُ َّم َأتَ اهُ الثَّانِيَ ةَ ‪ ،‬فَقَ ا َل‪ُ :‬أ ِكلَ ِ‬
‫ت‬ ‫الح ُم ُر‪ ،‬فَ َ‬‫ت ُ‬ ‫س لَّ َم َج ا َءهُ َج ا ٍء‪ ،‬فَقَ ا َل‪ُ :‬أ ِكلَ ِ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫س‪:‬‬ ‫الح ُم ُر‪ ،‬فَ َأ َم َر ُمنَا ِديًا فَنَ ادَى فِي النَّا ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫س َكتَ ‪ ،‬ثُ َّم َأتَ اهُ الثَّالِثَ ةَ فَقَ ا َل‪ُ :‬أ ْفنِيَ ِ‬
‫الح ُم ُر‪ ،‬فَ َ‬ ‫ُ‬
‫الح ُم ِر اَأل ْهلِيَّ ِة»‪ .‬فَ ُأ ْكفَِئ ِ‬
‫ت ‌القُ دُو ُر ‌ َوِإنَّ َه ا ‌لَتَفُ و ُر‬ ‫وم ُ‬ ‫سولَهُ يَ ْن َهيَانِ ُك ْم عَنْ لُ ُح ِ‬ ‫«ِإنَّ هَّللا َ َو َر ُ‬
‫‌بِاللَّ ْح ِم (البخاري‪ :‬المغازي) (‪.)4‬‬

‫وس لَّم‪-‬عن لح وم الحم ر إاَّل في الَّثالث ة‪ ،‬لعلَّه ك ان ينظ ر‬


‫بي‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫فلم ين ِه النَّ‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬هو يأمر وينهى كما يأمر هللا‪-‬‬‫أن النَّبي‪َ -‬‬
‫الوحي في ذلك ومن جهة َّ‬
‫أيض ا من أم ر هللا ونهي ه‪ ،‬وج اء في قول ه‬ ‫تعالى‪-‬وينهى في كتابه‪ ،‬وأمر النَّبي ونهي ه ً‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﱭﱮ ﱯﱰﱱﱲ ﱳﱴﱵﱶﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀ ﲁ ﲂﲃﲄ‬
‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﱠ [التوبة]‪.‬‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه‬ ‫س و َل هَّللا ِ َ‬ ‫ي‪َ ،‬أنَّ َر ُ‬ ‫ب ا ْل ِك ْن ِد ِّ‬ ‫وجاء في الحديث َع ِن ا ْل ِم ْقد ِ‬
‫َام ْب ِن م ْع ِد ي َك ِر َ‬
‫ث ِمنْ َح ِديثِي‪ ،‬فَيَقُو ُل‪ :‬بَ ْينَنَا‬ ‫َّث بِ َح ِدي ٍ‬ ‫وش ُك ال َّر ُج ُل ُمتَّ ِكًئا َعلَى َأ ِري َكتِ ِه‪ ،‬يُ َحد ُ‬
‫سلَّ َم قَا َل‪« :‬يُ ِ‬ ‫َو َ‬
‫اس ت َْحلَ ْلنَاهُ‪َ ،‬و َم ا َو َج ْدنَا فِي ِه ِمنْ‬ ‫َاب هَّللا ِ ع َّز وج َّل‪ ،‬فَ َما َو َج ْدنَا فِي ِه ِمنْ َحاَل ٍل ْ‬ ‫َوبَ ْينَ ُك ْم ِكت ُ‬
‫س لَّ َم ‌ ِم ْث ُل ‌ َم ا ‌ َح َّر َم ‌هَّللا ُ »‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه ‌ َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬‫َح َر ٍام َح َّر ْمنَاهُ‪َ ،‬أاَّل َوِإنَّ َما َح َّر َم َر ُ‬

‫‪ )(3‬صحيح البخاري ‪ ،4/94‬رقم‪.)3155( :‬‬


‫‪ )(4‬صحيح البخاري ‪ ،5/131‬رقم‪.)4199( :‬‬
‫(ابن ماجه المقدمة ) (‪.)5‬‬
‫سلَّ َم‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ضا عَنْ ُعبَ ْي ِد هَّللا ِ ْب ِن َأبِي َرافِ ٍع‪ ،‬عَنْ َأبِي ِه‪َ ،‬أنَّ َر ُ‬
‫سو َل هَّللا ِ َ‬ ‫وجاء أي ً‬
‫قَا َل‪« :‬اَل ُأ ْلفِيَنَّ َأ َح َد ُك ْم ُمتَّ ِكًئا َعلَى َأ ِري َكتِ ِه‪ ،‬يَْأتِي ِه اَأْل ْم ُر ِم َّما َأ َم ْرتُ بِ ِه‪َ ،‬أ ْو نَ َه ْيتُ َع ْن هُ‪،‬‬
‫ب ‌هَّللا ِ ‌اتَّبَ ْعنَاهُ» (ابن ماجه المقدمة) (‪.)6‬‬ ‫فَيَقُو ُل‪ :‬اَل َأ ْد ِري‪َ ‌ ،‬ما ‌ َو َج ْدنَا ‌فِي ‌ ِكتَا ِ‬

‫ول‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬


‫َ‬ ‫ويا ليته لو فهم كتاب هللا ه ذا الغ بي الم راد بالعم ل بح ديث الرس‬
‫و َسلَّم‪-‬وقد جاء في كتاب هللا ع َّز وجلَّ‪ :‬ﱡﭐﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﱠ[الحشر]‪.‬‬
‫أي‪ :‬وما أمركم به الرَّسول فاعملوا به وما نهاكم عنه فانتهوا عنه‪.‬‬
‫صبَّ ْحنَا َخ ْيبَ َر بُ ْك َرةً‪ ،‬فَ َخ َر َج‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬‬ ‫س ْب ِن َمالِ ٍك َر ِ‬ ‫وجاء في الحديث عَنْ َأنَ ِ‬
‫س لَّ َم قَ الُوا‪ُ :‬م َح َّم ٌد َوهَّللا ِ‪ُ ،‬م َح َّم ٌد‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ص ُروا بِالنَّبِ ِّي َ‬‫احي‪ ،‬فَلَ َّما بَ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َأ ْهلُ َها بِا ْل َم َ‬
‫س لَّ َم‪« :‬هَّللا ُ َأ ْكبَ ُر‪َ ،‬خ ِربَتْ َخ ْيبَ ُر‪ِ ،‬إنَّا إذا نَ َز ْلنَ ا‬ ‫يس‪ ،‬فَقَا َل النَّبِ ُّي َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫الخ ِم ُ‬ ‫َو َ‬
‫الح ُم ِر‪،‬‬ ‫وم ُ‬ ‫ص ْبنَا ِمنْ لُ ُح ِ‬ ‫اح ال ُم ْن َذ ِرينَ ﴾ [الص افات‪« ]١٧٧ :‬فََأ َ‬ ‫صبَ ُ‬
‫سا َء َ‬ ‫اح ِة قَ ْو ٍم ﴿فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫بِ َ‬
‫وم‬‫س ولَهُ يَ ْن َهيَ انِ ُك ْم ‌عَنْ ‌لُ ُح ِ‬ ‫س لَّ َم‪ِ« :‬إنَّ هَّللا َ َو َر ُ‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫فَنَ ادَى ُمنَ ا ِدي النَّبِ ِّي َ‬
‫س» (البخاري‪ :‬المغازي) (‪.)7‬‬ ‫الح ُم ِر‪‌ ،‬فَِإنَّ َها ‌ ِر ْج ٌ‬
‫‌ ُ‬

‫ي من هللا‪-‬تع الى‪-‬؛ لقول ه‬ ‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬عنها ه و ً‬


‫أيض ا نه ٌ‬ ‫إن نهي النَّبي‪َ -‬‬
‫يقول‪َّ :‬‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﱋﱌ ﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱠ[النَّجم]‪.‬‬
‫وجاء في اآلية‪ :‬ﱡﭐﱑﱒ ﱓﱔﱕﱖﱠ [النَّحل‪.]8 :‬‬
‫الخيل والبغال والحمير لكم لتركبوها وزينة تتزينون به ا‪ ،‬زين ة الحي اة‬
‫َ‬ ‫يقول‪ :‬خلق هللا‬
‫ال ُّدنيا لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱠ[الكهف]‪.‬‬
‫ومع المنافع األخرى كما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱠ[المؤمنون]‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ قال هذه للرّكوب‪ ،‬ﱡﭐ ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ‬
‫ﲭﱠ‪ ،‬قال هذه لألكل‪.‬‬
‫وكان الحكم يقول‪ :‬الخيل والبغال والحمير حرا ٌم في كتاب هللا‪ ،‬يقول‪ :‬أكلها‪.‬‬
‫وجاء عن إبراهيم عن األسود أنَّه أكل لحم الفرس‪.‬‬

‫‪ )(5‬سنن ابن ماجه ‪ ،1/9‬رقم‪.)12( :‬‬


‫‪ )(6‬سنن ابن ماجه ‪ ،1/10‬رقم‪.)13( :‬‬
‫‪ )(7‬صحيح البخاري ‪ ،5/131‬رقم‪.)4198( :‬‬
‫فليس في اآلية نص على تحريم الخيل والبغال والحمير أكلها‪ ،‬فإنَّم ا ج اء في الح ديث‬
‫وس لَّم‪-‬بأنَّه ا رجس‪ ،‬وذل ك عل ة‬
‫الرسول‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن لحوم الحمر حرام‪ .‬وبين‬
‫التحريم ال الركوب وال ِّ‬
‫الزينة‪.‬‬

‫ﱡﭐﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦﱧﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ق لكم‪ ،‬فمن اهت دى فلنفس ه ومن‬ ‫قال هللا‪-‬تعالى‪-‬وعلى هللا أيَّه ا النَّاس بي ان طري ق الح ِّ‬
‫ض َّل فإنَّما يضلُّ عليها‪ .‬والسَّبيل‪ :‬هو الطَّريق والقَص د عن الطَّري ق المس تقيم ال ذي ال‬
‫إعوجاج فيه‪ ،‬كما قال الرَّاجز‪:‬‬

‫ج ‌الطَّ ِر ِ‬
‫يق ‌ا ْلقَا ِ‬
‫ص ِد‬ ‫فَ َ‬
‫ص َّد عَنْ نَ ْه ِ‬

‫وكما قال امرؤ القيس‪:‬‬


‫سبِي ِل ‌ َو ِم ْنهُ ‌ ُذو ‌د ََخ َل‬ ‫َو ِمنَ الطَّ ِريقَ ِة َجاِئ ٌر َو ُهدًى ‪ ...‬قَ ْ‬
‫ص ُد ال َّ‬

‫الس بُل اإلس الم‬


‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱠ ﱢﱡ ﱠ أي‪ :‬ومن السَّبيل جائر عن اإلستقامة معوجّ‪ .‬والقاص د من ُ‬
‫والجائر منها اليهوديَّة والنَّصرانية وغ ير ذل ك من مل ل الكف ر كلِّه ا ج ائر عن س واء‬
‫السَّبيل سوى الحنفية المسلمة‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ أي‪ :‬البيان‪ ،‬أن يبيِّن الهدى والَّضاللة‪ ،‬وكذلك قال مجاهد وقال‬
‫قَتَادة‪ :‬وعلى هللا بيان حالله وحرامه وطاعته ومعصيته‪.‬‬
‫وقال ابن زيد‪ :‬ﱡﭐﱜﱝﱞﱟﱠ أي‪ :‬طريق الهدى‪.‬‬
‫الض حَّاك‪ :‬إن ارة الطَّري ق‪ .‬وعن ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐ ﱠ ﱢﱡ ﱠ أي‪ّ :‬‬
‫الس بل المتف ِّرق ة األه واء‬ ‫وق ال َّ‬
‫المختلفة‪ ،‬وكذلك قال ال َّ‬
‫ضحَّاك وابن جريج‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ ولو شاء هللا للطف بجميعكم أيَّها النَّاس بتوفيقه فكنتم تهتدون‬
‫وتلزمون قصد السبيل فال تتفرَّقون في سُبل عن الحق جائرة‪.‬‬

‫ﱡﭐﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وال ذي أنعم عليكم ه ذه النِّعم أن زل من َّ‬
‫الس ماء مط رًا لكم من ذل ك ش راب تش ربونه‪،‬‬
‫ومنه شراب أشجاركم وحياة غرسكم ونباته ا‪ .‬ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱠ أي‪ :‬في َّ‬
‫الش جر ال ذي ينبت من‬
‫الماء الذي أنزل من السَّماء‪ .‬ﱡﭐﱵﱠ أي‪ :‬ترعون المواشي في الفالة وغيرها‪.‬‬
‫وكان المطر أنظف الماء في ال َّشرب‪ ،‬ولكن في أيامنا أصبح أوسخ الم اء واض رّه في‬
‫ثلوث البِيَع‪.‬‬
‫ضحَّاك‪ ،‬وقَتَادة‪.‬‬
‫قال عكرمة‪ :‬ﱡﭐﱵﱠ أي‪ :‬ترعون‪ ،‬ومثله قال ابن عبَّاس‪ ،‬وال َّ‬

‫ﱡﭐﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ُ‬
‫ينبت لكم ربُّكم بالماء الذي أنزل لكم من السَّماء رزعكم وزيت ونكم ونخيلكم‪ ،‬ومن ك لِّ‬
‫الثَّمرات من الفواكه وغير ذلك‪ ،‬أرزاقًا لكم وأقواتً ا وإدا ًم ا وفاكه ة‪ ،‬نِعم ة من ه عليكم‬
‫إن في إخراج هللا بما أنزل هللا بم ا أن زل من‬ ‫بذلك وتفضاًل وحجة على من كفر منكم‪َّ ،‬‬
‫السَّماء من م اء م ا وص ف لكم وفي اآلي ة دالل ة واض حة لق وم يعت برون مواع ظ هللا‬
‫ويتفكرون في حُججه فيتذكرون ويتوبون‪.‬‬
‫ﱡﭐﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙ ﲚﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومن نعمه عليكم أيَّها النَّاس أن سخر لكم اللَّيل والنَّه ار ُمتعاقب ان عليكم لتص رفكم في‬
‫والش مس والقم ر لمعرف ة أوق ات أزمنتكم وش هوركم وس ينينكم‬ ‫َّ‬ ‫معاشكم وس كنكم في ه‬
‫وصالح معايشكم‪ .‬والنَّجوم مسخرات لكم بأمر هللا تج ري في ملكه ا؛ لتهت دوا به ا في‬
‫إن في تسخير هللا ذلك على ما سخره لداللة واضحة لقوم يعقلون‬ ‫ظلمات البرِّ والبحر‪َّ .‬‬
‫ُحجج هللا ويفهمون عنه تنبيهه إيَّاكم‪.‬‬
‫وفي زمننا الحاضر يستفاد من جهة الطَّاقة وتوجد الطَّاقة المتراكمة في نقاط إجرامي ة‬
‫صغيرة سوداء طاقةُ هائلة من طاقات السدود العالية‪.‬‬

‫ﱡﭐﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وما خلق لكم في األرض مختلفًا ألوانه من ال َّدواب والثِّمار آلية لقوم يذكرون‪.‬‬
‫الش جر والثِّم ار نِعم من هللا‬
‫قال قَتَ ادة‪ :‬وم ا خل ق لكم مختلفً ا ألوان ه من ال َّدواب ومن َّ‬
‫ُمتظاهرة فاشكروها هلل‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱠ[النحل]‪.‬‬
‫والذي فعل هذه األفعال بكم وأنعم عليكم أيَّها النَّاس وهذه النِّعم‪ ،‬ومنه ا تس خير البح ر‬
‫وهو ك ّل نه ر مل ًح ا ك ان م اؤه أو ع ذبًا لت أكلوا من ه لح ًم ا طريًّ ا‪ ،‬وه و َّ‬
‫الس مك ال ذي‬
‫يصطاد منه‪ ،‬وتستخرجوا منه ِحلية تلبسونها‪ ،‬وهو اللؤلؤ والمرجان‪.‬‬
‫حلي النِّس اء ص دقة؟ ق ال ال‪ ،‬هي كم ا ق ال هللا‬
‫جاء رجل إلى أبي جعفر فقال‪ :‬هل في ِّ‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﲴﲵﲶﱠ[النحل‪ .]14:‬وقوله‪ :‬ﱡﭐﲸﲹ ﲺﱠ وهو جمع ماخرة‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التَّأويل في قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲹ ﱠ فقال بعضهم‪ :‬المواخر قال ه الحس ن‪ .‬وق ال‬
‫آخرون‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ قال‪ :‬ما أخذ عن يمين السَّفينة وعن يسارها من الماء‬
‫فهو المواخر‪ .‬قال عكرمة‪ :‬هي السفينة تشق الماء‪.‬‬
‫وقال أبو صالح‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ قال‪ :‬تجري فيه معترضة‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬تمخر‬
‫السَّفينة الرِّ ياح وتمر الرِّ ياح من السُّفن إاَّل الفُلك ال ِعظام‪.‬‬
‫بريح واحدة مقبلة ومدبرة‪ ،‬وكذلك قال إبراهيم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قال قَتَادة‪ :‬تجري‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﲻﲼﲽﱠ قال مجاهد‪ :‬تجارة البر والبحر‪.‬‬
‫وقول ه‪ :‬ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﱠ أي‪ :‬ولتش كروا ربَّكم على من أنعم ب ه عليكم من ذل ك س َّخر لكم‬
‫األشياء‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومن نعمه عليكم أيَّها النَّاس أن ألقى في األرضي رواسي‪ ،‬وهي الثَّوابت في األرض‬
‫من الجبال‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱅ ﱆ ﱇ ﱠ مثل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱠ [النساء]‪ ،‬أي‪ :‬أن‬
‫ال تضلُّوا‪ ،‬وذلك أنَّه‪-‬تعالى‪-‬أرسى األرض بالجبال لئاَّل تميد بخلقه الذين على ظهرها‪،‬‬
‫وكانت مائلة قبل أن ترسي بها‪ .‬جاء عن علي بن أبي طالب قال‪ :‬لما خلق هللا األرض‬
‫قمصت‪ .‬قمصت‪ :‬تحركت (اخترى كبير)‪.‬‬

‫ي الخبث‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ي الخطايا ويجعلون عل َّ‬


‫ي بني آدم يعملون عل َّ‬ ‫وقالت‪ :‬أي ربّ أتجعل عل َّ‬
‫فأرسى هللا عليها من الجبال ما ترون‪ ،‬وكان إقرارها ك اللحم ي ترجرج‪ .‬والمي د‪ :‬ال ذي‬
‫يعتري راكب البحر وهو ال َّدوار‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱅﱆﱇ ﱠ أي‪ :‬أن تنكفء بكم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬الجبال أن تميد بكم‪ .‬قال‬
‫لما خلقت األرض كادت تميد‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما هذه بمقرة على ظهرها أحدًا‪ ،‬فأص بحوا وق د‬
‫تدر المالئكة ممن خلقت الجبال‪.‬‬
‫خلقت الجبال‪ ،‬فلم ِ‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱈﱠأي‪ :‬جعل فيها أنهارًا‪.‬‬
‫الطرق جع ل لكم أيَّه ا النَّاس في األرض ُس باًل وفجا ًج ا تس لكونها‬‫وقول ه‪ :‬ﱡﭐ ﱉ ﱠ ك ُّ‬
‫وتسيرون فيها في حوايجكم وطلب معايشكم رحمة بكم ونِعم ة من ه ب ذلك عليكم‪ ،‬ول و‬
‫عماها عليكم لهلكتم ضاللة وحيرة‪ .‬قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﱉ ﱠ أي‪ :‬طرقًا‪.‬‬
‫الس بل في األرض إلى األم اكن ال تي تقص دون‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱋ ﱠ أي‪ :‬لكي تهتدون به ذه ُّ‬
‫أيض ا في جلب األمط ار‬
‫والمواضع التي تريدون‪ ،‬فال تضلوا وتتحيروا وتنفع الجب ال ً‬
‫وتوزعها‪.‬‬
‫ﱡﭐﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱠ[النحل]‪.‬‬
‫اختلف أهل التَّأويل بالعالمات‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬عني بها المعالم ُّ‬
‫الطرق بالنَّهار‪ ،‬قال ابن‬
‫عبَّاس‪ :‬وعالم ات وب النّجم يهت دون‪ ،‬وبالعالم ات مع الم ُّ‬
‫الطرق بالنَّه ار‪ ،‬وب النجم هم‬
‫يهتدون باللَّيل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عني بها النُّجوم‪ ،‬قال إبراهيم‪ :‬قال منها ما يكون عالمات ومنها يهتدون‬
‫وأن هللا‪-‬تع الى‪-‬إنَّم ا خل ق ه ذه‬
‫به وكذلك قال مجاهد وقال قَتَادة‪ :‬والعالم ات النُّج وم‪َّ ،‬‬
‫النُّجوم لثالث خصال جعلها زينة وجعلها يهتدي بها وجعله ا رجو ًم ا َّ‬
‫للش ياطين‪ ،‬فمن‬
‫تعاطى فيها غير ذلك فَقَ َد رآيه‪ ،‬وأخطأ حظَّه‪ ،‬وأضاع نصيبه‪ ،‬وتكلَّف ما ال علم له به‪.‬‬
‫وذلك الكالم استخرجه قَتَادة‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱠ[الصَّافات]‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﱠ[الملك]‪.‬‬
‫المصابيح‪ :‬هي النُّجوم‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱠ[النَّحل]‪.‬‬
‫ولكن هذا استخراج حسب المعلوم ات في أيَّام قَتَ ادة‪ ،‬فأ َّما الي وم ال حاج ة إلى النُّج وم‬
‫الس ماوية من افع أخ رى‬‫لإلهتداء‪ ،‬وفيه عندنا كشف اإلتجاهات بدياًل ‪ ،‬ث َّم وفي االجرام َّ‬
‫مثل الطَّاقة الكبيرة‪.‬‬
‫إن هللا‪-‬تع الى‪-‬ع َّدد على ِعب اده من‬
‫بالص واب أن يُق ال‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫قال ابن جرير‪ :‬أولَى األق وال‬
‫نعمه وأنعامه عليهم بما جعل لهم من العالمات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم‪.‬‬
‫ﱡﭐﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال هللا‪-‬تعالى‪-‬لعبّاد األوثان واألصنام أفمن يخل ق ه ذه الخالئ ق العجيب ة وينعم عليكم‬
‫ه ذه النِّعم العظيم ة كمن ال يخل ق ش يًئا وال ينعم عليكم نِعم ة ص غيرة أو كب يرة؟ أي‪:‬‬
‫أتشركون هذا في ِعبادة هذا؟‪ ،‬يُعرِّ فهم بذلك ِعظم جهلِهم وسوء نظرهم ألنفس هم‪ ،‬وقِلَّة‬
‫ُشكرهم لمن أنعم عليهم بالنِّعم التي عددها عليهم التي ال يحصيها أح ٌد غ يره‪ .‬ق ال لهم‬
‫موبخهم‪ :‬أفال تذكرون أيَّها النَّاس نِعم هللا عليكم‪ ،‬وعظيم سلطانه وقدرته على ما شاء‪،‬‬
‫وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها‪ ،‬وأنَّها ال تجلب إلى نفسه نفعًا وال تدفع عنها ض ًّرا‪،‬‬
‫فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه ُمقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها باأللوهيَّة‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬وهللا هو الخ الق ال رزاق‪ ،‬وه ذه األوث ان ال تي تعب د من دون هللا تُ ْخلَ ق وال‬
‫تَخلُق شيًئا وال تملك ألهلها ضرًا وال نفعًا‪ .‬قال هللا‪ :‬أفال تذكرون‪ .‬وقيل‪ :‬ﱡﭐﱕﱖﱗﱘﱠ‬
‫هو الوثن والصنم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱜ ﱝﱞﱟ ﱢﱡﱠ ال تطيق أداء شكرها‪.‬‬
‫إن هللا لغفور لما ك ان منكم من تقص ير في‬‫ومن جهة ال تحصوا عددها ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ َّ‬
‫ُش كر بعض ذل ك إذا اتبعتم وأنبتم إلى طاعت ه واتب اع مرض اته‪ ،‬رحيم بكم أن يع ِّذبكم‬
‫عليه بعد اإلنابة والتَّوبة‪.‬‬
‫إن نعم هللا على العبد ال تحصى؛ لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱜ ﱝﱞﱟ ﱢﱡﱠ [النَّحل‪.]18 :‬‬
‫فنقول‪َّ :‬‬
‫الص حة‪ .‬وقي ل‪ :‬هي االيم ان‪.‬‬ ‫واختل ف في أ َّول نِعم ة فقي ل هي الحي اة‪ .‬وقي ل‪ :‬هي ِّ‬
‫واألمثل من جملة األقوال‪ :‬إن أ َّول نِعم ة هي االيم ان‪ ،‬فإنَّه نِعم ة ُمطلق ة‪ ،‬ف َّ‬
‫إن الحي اة‬
‫والص حة إذا لم يق ترن بهم ا اإليم ان ك انت نقم ة‪ .‬واح ترز بعض هم فق ال‪ :‬أ َّول نِعم ة‬ ‫ِّ‬
‫دنيويَّة وليست النِّعمة ال ُّدنيوية نِعمة إاَّل إذا أعملت في الطَّاع ة‪ ،‬وإاَّل ك انت اس تدراجًا‪،‬‬
‫الص حة إنَّه نِعم ة إذا اق ترنت باإليم ان‬ ‫وس لَّم‪-‬في ِّ‬ ‫بي‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬ ‫َ‬ ‫ومحمل ق ول النَّ‬
‫فيكون نِعمة يغبن بها كثير من النَّاس أن يذهب ربحهم أو ينقص وه و الغبن‪ ،‬و ُمذهب ة‬
‫له نفسه األمارة بالسُّوء الخال دة إلى الرَّاح ة بع دم المحافظ ة على الح دود والمواظب ة‬
‫على الطَّاعة واالستكثار من أفعال البر‪ ،‬والسُّكوت عن ِذك ر هللا‪ ،‬وك ذلك الف راغ ف َّ‬
‫إن‬
‫ال َّزمان إذا كان مشغواًل ربما ع د ص احبه مع ذورًا ف إذا ك ان فار ًغ ا ارتفعت المع ذرة‬
‫وقامت ال ُحجَّة‪.‬‬
‫ص لَّى‬
‫س و ُل هَّللا ِ َ‬‫سلَ َمةَ‪ ،‬عَنْ َأبِي ه َُر ْي َرةَ‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَ ا َل َر ُ‬
‫وكذلك جاء في الحديث‪ :‬عَنْ َأبِي َ‬
‫ساَل ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُكهُ َما اَل يَ ْعنِي ِه» (ابن ماجه) ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫سلَّ َم‪ِ « :‬منْ ُح ْ‬
‫س ِن ِإ ْ‬ ‫هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫الزه ري عن علي‬ ‫الزه ري عن ُّ‬ ‫قال أبو عيسى‪ :‬وهكذا روى غير واحد من أص حاب ُّ‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬نح و ح ديث مال ك بن أنس مرس اًل ‪ ،‬وه ذا‬ ‫بن الحسين عن النَّبي‪َ -‬‬
‫‪ )(8‬سنن ابن ماجه ‪ ،2/1315‬رقم‪.)٣٩٧٦( :‬‬
‫أصح عندنا من ح ديث أبي س لمة عن أبي هري رة وعلي بن حس ين لم ي درك علي بن‬
‫أبي طالب‪.‬‬
‫ألن الفراغ أفضل الفرص لوضع ال َّزم ان واألوق ات‬ ‫إن الفراغ نِعمة كبرى؛ َّ‬ ‫فنقول‪َّ :‬‬
‫الفارغة في أفضل الممارسة لألعمال الصَّالحة والمس ارعة في الخ يرات‪ ،‬مث ل التَّعلم‬
‫والتَّفقه في الدِّين وتعليم ه النَّاس والعم ل ب ه وال ِّذكر‪ ،‬وتالوة الق رآن‪ ،‬وتعلُّم الح ديث‪،‬‬
‫الص الحة ال تج د لحظ ة‬ ‫ألن اإلنسان إذا انش غل باألعم ال َّ‬‫والعمل بالسُّنة وغير ذلك؛ َّ‬
‫الص حبة‪ ،‬ب الكالم الف ارغ وإض اعة ال وقت‪ .‬وللمش غلة‬ ‫فارغ ة‪ ،‬فض اًل ع َّما س ِّميت ُّ‬
‫الص الح لجم ع وج وه التَّأوي ل في‬
‫الس لف َّ‬ ‫باألحاديث والق رآن واآلث ار واألخب ار عن َّ‬
‫والش رب‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫أسرار التَّنزيل‪ ،‬فال أجد فرصة للف راغ إلى ص حبة النَّاس ح تى إلى األك ل‬
‫ألن ال وقت‪-‬كم ا ق ال‬ ‫فضاًل عن الملهيات واللَّ ْغ ِويَّات‪ ،‬وك ذلك يفع ل الرَّج ل البَص ير؛ َّ‬
‫سيدنا وشيخنا الجنيد البغدادي رضي هللا عنه والصالحين أجمعين‪ :‬ف إن ال وقت س يف‬
‫فإن لم تقطعه فإنَّه يقطعك‪ ،‬وكذلك قوله رضي هللا عنه‪ :‬الصُّ وفي ابن ال وقت‪ ،‬أي‪ :‬ه و‬
‫الذي ال يضيع الوقت ويضعه في محلِّه‪( .‬الرسالة القشيرية)‪.‬‬
‫وجاء في الجامع ألحكام القرآن ألبي عبد هللا مح َّمد بن أحمد األنصاري القرطبي وفيه‬
‫قال‪ :‬قال الحسن وقَتَ ادة‪ :‬بلغن ا أن التَّغ ابن في ثالث ة أص ناف‪ :‬رج ٌل َعلِم عل ًم ا فعلَّم ه‬
‫وضيَّعه هو ولم يعمل به‪ ،‬فشقى به‪ ،‬وعمل به من تعلَّمه منه فنجا ب ه‪ ،‬ورج ل اكتس ب‬
‫مااًل عن وجوه يسأل عنها وشح فيه وفرط في طاعة رب ه بس ببه ولم يعم ل في ه خ يرًا‬
‫وتركه لوارث ال حساب عليه فيه فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه‪ ،‬ورج ٌل ك ان ل ه‬
‫عبد فعمل العبد بطاعة ربِّه فسعد وعمل السيد بمعصية ربه فشقي‪.‬‬

‫ﱡﭐﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وهللا الذي هو إلهكم أيَّها النَّاس‪ ،‬يعلم م ا تس رون في أنفس كم من ض مائركم‪ ،‬فتخفون ه‬
‫عن غ يركم‪ ،‬فم ا تبدون ه بألس نتكم وج وارحكم‪ ،‬وم ا تعلنون ه بألس نتكم وج وارحكم‬
‫وأفعالكم‪ ،‬وهو محض ذلك كلِّه عليكم‪ ،‬حتى يج ازيكم ب ه ي وم القيام ة‪ ،‬المحس ن منكم‬
‫بإحسانه‪ ،‬والمسيء منكم بإساءته‪ ،‬ومسائلكم ع َّما ك ان منكم من الُّش كر في ال ُّدنيا على‬
‫نعمه التي أنعمها عليكم‪ ،‬فما التي أحصيتم والتي لم تحصوا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱠ وأوثانكم الذين تدعون من دون هللا أيَّها النَّاس‬
‫آلهة ال تخلق ش يًئا وهي تخل ق‪ ،‬فكي ف يك ون إلهً ا م ا ك ان مص نوعا م دبرا ال تمل ك‬
‫ألنفسها نفعا وال ض ًّرا‪.‬‬

‫ﱡﭐﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال هللا‪-‬تعالى‪-‬له ؤالء المش ركين من ق ريش‪ :‬وال ذين ت دعون من دون هللا أيَّه ا النَّاس‬
‫أموات غير أحياء إذ كانت ال أرواح فيها‪.‬‬
‫قال قَتَ ادة‪ :‬هي ه ذه األوث ان ال تي تعب د من دون هللا أم وات ال أرواح فيه ا وال تمل ك‬
‫ألهلها ض ًّرا وال نفعًا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﱠ أي‪ :‬وما تدري أصنامكم التي تدعون من دون هللا متى تبعث‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫عني بذلك الكفار‪.‬‬

‫ﱡﭐﲃﲄﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎ ﲏﱠ[النحل]‪.‬‬


‫معبودكم الذي يستحق عليكم العبادة وإفراد الطَّاعة له دون سائر األشياء معبود واحد؛‬
‫ألنَّه ال تصلح العبادة إاَّل له أفردوا ل ه الطَّاع ة وأخلص وا ل ه العب ادة وال تجعل وا مع ه‬
‫شري ًكا سواه‪ ،‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﱠ أي‪ :‬فالذين ال يصدقون بوعد هللا ووعي ده وال‬
‫يقرون بالمعاد إليه بعد الممات قلوبهم مستنكرة لما نقص عليهم من قدرة هللا وعظمت ه‬
‫العب ادة ال تص لح إاِّل ل ه‪ .‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﱠ عن إف راد هللا باأللوهي ة‬ ‫وجميل نعم ه عليهم َّ‬
‫وأن ِ‬
‫واإلقراء بالوحدانية اتباعًا منهم لما مضى عليه من ِّ‬
‫الش رك باهلل أس الفهم‪ .‬ق ال قَتَ ادة‪:‬‬
‫فالذين ال يؤمنون باألخرة قل وبهم منك رة له ذا الح ديث ال ذي مض ى وهم مس تكبرون‬
‫عنه‪.‬‬
‫ﱡﭐﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﲝﲞﱠ[النحل]‪.‬‬
‫إن هللا يعلم ما يسر هؤالء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من األنباء في‬ ‫ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﱠ حقًّا َّ‬
‫هذه السُّورة واعتقادهم نكير قولنا لهم إلهكم إله واحد واستكبارهم على هللا وما يعلنون‬
‫من كفرهم باهلل وفريتهم عليه أنَّه ال يحب المستكبرين عليه يوحدوه ويخلعوا م ا دون ه‬
‫من اآللهة واألنداد‪ ،‬أن الحسن بن علي كان يجلس إلى المساكين ث َّم يقول‪ :‬ﱡﭐ ﲚ ﲛﲜﲝﱠ‪.‬‬
‫ﱡﭐﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ ﲦﲧﲨﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وإذا قيل لهؤالء الذين ال يؤمنون باآلخرة من المشركين ﱡﭐ ﲢ ﲣ ﲤ ﱠ أ ّ‬
‫ي شيء أنزل ربكم؟‬
‫قالوا‪ :‬الذي أنزل ما سطره األولون من قبلنا من األباطيل‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﲥ ﲦ ﲧ ﱠ أي‪ :‬أحاديث األولين وباطلهم‪ .‬قال ذلك قوم من مشركي العرب‪،‬‬
‫وس لَّم‪-‬ف إذا م ر بهم أح ٌد من‬
‫هللا‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫ك انوا يقع دون بطري ق من أتى ن بي‬
‫هللا‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬ق الوا لهم‪ :‬أس اطير األولين‪ ،‬أي‪ :‬أح اديث‬
‫َ‬ ‫المؤمنين يريد نبي‬
‫األولين وباطلهم‪ ،‬كذلك قال ابن عبَّاس‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ‬
‫[النحل]‪.‬‬
‫يقول هؤالء المشركين لمن س ألهم‪ :‬م اذا أن زل ربُّن ا فيم ا ي زعم مح َّمد علي ه أس اطير‬
‫األولين لتكون لهم ذنوبهم التي هم عليها مقيم ون من تك ذيبهم باهلل وكف رهم بم ا أن زل‬
‫وس لَّم‪-‬ومن ذن وب ال ذين يص دونهم عن اإليم ان باهلل‬ ‫وله‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫على رس‬
‫يُضلُّون ويفتنون منهم بغير علم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ أي‪ :‬اإلساءة اإلثم ال ذي يأثمون ه والثِّق ل ال ذي‬
‫يتحملونه‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬احتمالهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم وال يخفف ذل ك عمن أط اعهم‬
‫من العذاب شيًئا‪ .‬وكذلك قال قَتَادة‪ :‬قال ابن عبَّاس‪ :‬يحملون ذنوبهم وذلك مثل قول ه‪ :‬ﱡﭐ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﱠ [العنكبوت‪ ]13 :‬أي يحملون مع ذنوبهم ذن وب ال ذين يض لونهم‬
‫بغير ِعلم‪.‬‬
‫َاع َدعَا ِإلَى‬‫سلَّ َم‪َ :‬أنَّهُ قَا َل‪َ« :‬أيُّ َما د ٍ‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ول هَّللا ِ َ‬‫س ِ‬ ‫س ْب ِن َمالِ ٍك‪ ،‬عَنْ َر ُ‬ ‫عَنْ َأنَ ِ‬
‫ش ْيًئا‪َ ،‬وَأيُّ َم ا د ٍ‬
‫َاع‬ ‫ص ِمنْ َأ ْو َزا ِر ِه ْم َ‬ ‫ضاَل لَ ٍة فَاتُّبِ َع‪ ،‬فَِإنَّ لَهُ ِم ْث َل َأ ْوزَ ا ِر َم ِن اتَّبَ َعهُ‪َ ،‬واَل يَ ْنقُ ُ‬
‫َ‬
‫ص ‌ ِمنْ ‌ُأ ُج و ِر ِه ْم ‌ َ‬
‫ش ْيًئا»‬ ‫َدعَا ِإلَى ُهدًى فَاتُّبِ َع‪ ،‬فَ ِإنَّ لَ هُ ِم ْث َل ُأ ُج و ِر َم ِن اتَّبَ َع هُ‪َ ‌ ،‬واَل ‌يَ ْنقُ ُ‬
‫(ابن ماجه) (‪.)9‬‬
‫قال زيد بن أسلم‪ :‬أنَّه بلغه يمثُل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق هللا وجهً ا وأنتن ه‬
‫ري ًحا‪ ،‬فيجلس إلى جنبه‪ ،‬كلَّما أفرغه شيء زاده فزعًا‪ ،‬فيقول‪ :‬أن ا عمل ك ك ان قبي ًح ا‪،‬‬
‫ي أركب ك فطالم ا ركبت ني‬ ‫فلذلك تراني قبيحًا‪ ،‬وكان منتنًا‪ ،‬فلذلك تراني منتنًا‪ ،‬طأطأ إل َّ‬
‫في ال ُّدنيا فيركبه‪ ،‬وهو قوله‪ :‬ﱡﭐﲆﲇﲈ ﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﱠ[األنعام]‪.‬‬

‫ﱡﭐﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫قد مكر الذين من قبل هؤالء المشركين الذين يص ُّدون عن سبيل هللا من أراد اتباع دين‬
‫الس ماء لح رب من‬‫هللا فراموا مغالبة هللا ببن اء بن وه‪ ،‬يري دون ب زعمهم االرتف اع إلى َّ‬
‫فيها‪ ،‬وكان الذي رام ذلك فيم ا ذك ر لن ا جب ار من جب ابرة النَّب ط‪ ،‬فق ال بعض هم‪ :‬ه و‬
‫نمروذ بن كنعان‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬هو بختنصر‪.‬‬
‫قال ال ُّسدِّي‪ :‬أمر الذي حاج إبراهيم في رب ه ب إبراهيم فأخرج ه من مدينت ه فلقي لوطً ا‬

‫‪ )(9‬سنن ابن ماجه ‪ ،1/75‬رقم‪.)205( :‬‬


‫على باب المدينة وهو ابن أخيه ف دعاه ف آمن ب ه‪ ،‬وق ال‪ :‬إنِّي مه اجر إلى ربي فحل ف‬
‫نمرود أن يطلب إله إبراهيم فأخذ أربع أفراخ من فراخ النّسور فرباهن باللَّحم والخ بز‬
‫حتى كبرن‪ ،‬وغلظن فاس تعجلن ف ربطهن في ت ابوت وقع د في ذل ك التَّابوت‪ ،‬ث َّم رف ع‬
‫الس ماء وأش رف إلى األرض ف رأى الجب ال‬ ‫رجاًل من لحم فط رن ح تى إذا ذهب في َّ‬
‫تدب سرعة (اخترى كبير ) كدبيب النَّمل‪ ،‬ث َّم رف ع لهن اللَّحم‪ ،‬ث َّم نظ ر ف رأى األرض‬
‫محيطًا بها بحر كأنَّه فلكة في ماء سرن سرعة (أخ تري كب ير)‪ .‬ث َّم رف ع ط وياًل فوق ع‬
‫في ظلمة فلم ير ما فوقه وما تحت ه فف زع ف ألقى اللحم فاتبعت ه منقض ات‪ .‬المنقض ات‪:‬‬
‫متش قفات (أخ تري كب ير)‪ ،‬فلم ا نظ رت الجب ال إليهن وق د أقبلن ا منقض ات وس معت‬
‫حفيفهن فزعت الجبال‪ ،‬وكادت أن تزول في أمكنتها‪ ،‬ولم يفعلن وذلك قول تعالى‪ :‬ﱡﭐﱷ‬
‫ﱸﱹﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﱠ [إبراهيم]‪.‬‬
‫فانظر إلى أساطير األولين‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬كان قوم إبراهيم‪-‬عليه السَّالم‪-‬بابليين ساكنين بين النهرين دجلة والفرات‪ ،‬وق د‬
‫اكتشف بأن األرض الكروية‪ ،‬وأنها تدور حول ال َّشمس وحس بوا نق ط تح ول المواس م‬
‫األربعة‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱠ قال‪ :‬هو نمرود حين بنى‬
‫الصرح‪.‬‬
‫وكذلك بنى فرعون الصّرح فقال‪ :‬ﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﱠ [غافر‪ .]37:‬عمل له‬
‫ب فرقي فوقه يطلب إله موسى في السَّماء‪.‬‬ ‫همان وزيره األعظم حر ًما مرتفعًا من طو ٍ‬
‫وكذلك الغرغرين الروس طار مع صاحبه في الفضاء فلما سألوه ماذا رأيت في ه ق ال‬
‫ما رأيت فيه هللا‪ ،‬ولو كان موجودًا لرأيته‪ ،‬وكذلك في عشرينات الكتب كتبت الجري دة‬
‫التركية‪ ،‬وفيه مقال ة بمع نى يق ول‪ :‬في أيَّامن ا تكام ل الفح وص في الفض اء وتك املت‬
‫الرصادات مع تلسكوبيات كبيرة ولو كان هللا موجودًا لرأوه داخل التلس كوب الجن ون‬
‫فنون أقلها سبعون‪.‬‬
‫إن أ َّول جب ار ك ان في األرض نم رود‪ ،‬فبعث هللا علي ه بعوض ة‬ ‫ق ال زي د بن أس لم‪َّ :‬‬
‫فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأس ه بالمط ارق‪ ،‬أرحم النَّاس ب ه من‬
‫جمع يديه فضرب بهما رأسه وكان جبارًا أربعمائة سنة‪ ،‬فعاب ه هللا أربعمائ ة س نة في‬
‫ملكه‪ ،‬ث َّم أماته هللا‪ ،‬وهو الذي كان بنى صر ًحا إلى السَّماء‪ ،‬وهو ال ذي ق ال هللا في ه‪ :‬ﱡﭐ‬
‫ﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏ ﱠ[النحل]‪ ،‬وأما قوله‪ :‬ﱡﭐﲿﳀﳁﱠمعناه‬
‫ه َّدم هللا بنيانهم من أصله‪ ،‬وهي األساس‪.‬‬
‫وق د اتَّخ ذت ه ذه اآلي ة دس تورًا في حي اتي كمهن دس‪ ،‬وب ُ‬
‫نيت األبني ة على القواع د‬
‫َّ‬
‫الس ليمة‪ ،‬وك ذلك الجس ور‪ .‬وفي حي اتي لي آالف المب اني هي أت الخط ط المعماري ة‬
‫واإلنشائية الصحيحة‪ ،‬وكذلك في الجسور‪ .‬وبفضله‪-‬تعالى‪-‬ما س معت ببن اء أو مس كن‬
‫أو جسر قد انهار‪.‬‬
‫وجاء عن قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱠ أي‪ :‬وهللا ألتاها أمر هللا من أصلها ﱡﭐ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇﳈﱠ أعالي البيوت فانكفأت بهم بيوتهم فأهلكهم هللا ود َّمرهم وأتاهم العذاب من حيث‬
‫ال يشعرون‪ ،‬وق ال آخ رون‪ :‬من ف وقهم‪ .‬ق ال ابن عبَّاس‪ :‬ع ذاب من َّ‬
‫الس ماء لم ا رأوه‬
‫استسلموا له وذلوا‪.‬‬
‫مث ل ثقب طبق ة األوزون وظه ور النق اط الس وداء‪ ،‬ث َّم قطب َّ‬
‫الش مال والبيض اء في‬
‫الجنوب أو سقوط األحجار السَّماوية وغير ذلك‪.‬‬
‫ق ال ابن جري ر‪ :‬أولّى الق ولين ق ول من ق ال‪ :‬تس اقط عليهم ُّ‬
‫الس قوف ل بيوتهم إذ أتى‬
‫أصولها وقواعدها أمر هللا فأقفلت بهم منازلهم‪.‬‬
‫وفي اآلية داللة أن األساسات والقواعد إذا خربت فتنه ار عليه ا الس قوف والحيط ان‪،‬‬
‫وذلك قاعدة هامة في هندسة البنيان والجسور والطرق والس دود وغ ير ذل ك‪ .‬وك ذلك‬
‫إذا انحلت أسس ال ُّشعوب وقيمته ا فتنه ار الش عوب خاوي ة على عروش ها‪ ،‬أي‪ :‬دم ار‬
‫وانهيار شامل‪ .‬وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ﲲﲳﲴﲵﲶﱠ[الكهف]‪ .‬أي خربت ودمرت تدميرًا كاماًل بهالك ثمرها‪.‬‬
‫الس دِّي)‪ :‬أي خالي ة من النَّاس‪ .‬وذل ك دم ار‬
‫خاوي ة من النَّاس وال بيوت قائم ة (غ ير ُّ‬
‫ضا في وجه آخر دم ار معن وي والنَّاس موج ودون‪ ،‬ولكن خاوي ة عن القيم‬ ‫بشر ّ‬
‫ي وأي ً‬
‫البشرية والبيوت مع التَّعمير قائمة‪ ،‬ولكن تالحظ أشباح بال أرواح‪ ،‬وذل ك عب ارة عن‬
‫تفسخ المجتمعات الطَّامسة الوعي‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﱠ أي‪ :‬خالي ة من س كانها‪،‬‬
‫وك ذلك تخ رب القنبل ة النتروي ة األرواح‪ ،‬فتبقى ال بيوت خاوي ة على عروش ها‪ ،‬أي‪:‬‬
‫خالية عن السكان وقائمة على سقوفها بدون دمار‪.‬‬
‫ومنه خويت المرأة‪ :‬أي خال جوفها عند الوالدة‪ .‬والخواء‪ :‬الجوع؛ لخلو البطن‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱠ‬
‫[النحل]‪.‬‬
‫فعل هللا بهؤالء الذين مكروا في ال ُّدنيا من تعجيل العذاب لهم واإلنتق ام بكف رهم‪ ،‬وه و‬
‫مع ذلك يوم القيامة مخزيهم فمذلهم بعذاب أليم قائل لهم عند ورودهم عليه‪ .‬ﱡﭐﱆ ﱇ‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱠ يقول‪-‬تعالى‪-‬يوم القيامة تقريعًا للمشركين بعبادتهم األصنام أين‬
‫شركائي الذين كنتم تزعمون في ال ُّدنيا إنَّهم شركائي الي وم م ا لهم ال يحض رون معكم‬
‫في دفعوا عنكم م ا أن ا مح ل بكم من الع ذاب‪ ،‬فق د كنتم تعب دونهم في ال ُّدنيا وتتول ونهم‬
‫والولي ينصر وليه‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﱊﱠ أي تخالفوني‪.‬‬
‫ﱡﭐﱍﱎﱏﱐﱑﱒ ﱓﱔﱠ أي‪ :‬الذلة والهوان‪ ،‬وهو عذاب هللا ﱡﭐﱕﱖﱠ‪.‬‬

‫ﱡﭐﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱠ[النحل]‪.‬‬
‫العلم َّ‬
‫إن الخزي الي وم والس وء على من كف ر باهلل ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ تقبض‬ ‫يقول الذين أوتوا ِ‬
‫أرواحهم ﱡﭐﱛﱜﱝﱠ أي‪ :‬وهم على كفرهم وشركهم باهلل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنَّه‪-‬تعالى‪-‬عنى بذلك من قُتل من قريش ببدر‪ ،‬وق د أخ رج إليه ا‪ .‬ق ال عكرم ة‪:‬‬
‫كان النَّاس بمكة أقروا باإلسالم ولم يهاجروا‪ ،‬فأخرج بهم كرهًا إلى بدر فقتل بعضهم‪،‬‬
‫فأنزل هللا فيهم‪ :‬ﱡﭐﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱠ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱞﱟ ﱠ يقول‪ :‬فاستسلموا ألمره انقادوا له حين عاينوا الموت قد نزل بهم ما كنَّا نعمل‬
‫من س وء يخ بر عنهم‪-‬تع الى‪-‬إنَّهم ك ذبوا‪ ،‬وق الوا‪ :‬م ا كنَّا نعص هللا اعتص ا ًما منهم‬
‫الس وء وتص ُّدون عن‬ ‫بالباطل رجاء أن ينموا بذلك فكذبهم هللا فقال‪ :‬ب ل كنتم تعمل ون ُّ‬
‫س بيل هللا‪َّ ،‬‬
‫إن هللا ذو ِع ٍلم بم ا كنتم تعمل ون في ال ُّدنيا من معاص يه وت أتون فيه ا م ا‬
‫يسخطه‪.‬‬

‫ﱡﭐﱯﱰﱱ ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يقال لهؤالء الظَّالمي أنفسهم حين يقولون لربِّهم ما َّكنا نعمل من السُّوء ادخل وا أب واب‬
‫جهنَّم‪ ،‬أي‪ :‬طبقاتها ماكثين فيها ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ أي‪ :‬فلبئس منزل من تكبر على هللا ولم‬
‫يق ّر بربوبيته ويصدق بوحدانيته‪.‬‬

‫ﱡﭐﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ‬


‫ﲑﲒﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يقول‪-‬تعالى‪-‬وقيل للفريق اآلخر الذين هم أهل اإليمان‪ :‬وتقوى هللا ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﱠ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﱠأي للَّذين آمنوا باهلل في هذه ال ُّدنيا ورسوله وأطاعوه فيها‬
‫و َّدعوا ِعباد هللا إلى اإليمان والعمل بم ا أق َّر هللا ب ه حس نة‪ ،‬أي‪ :‬كرام ة من هللا ول دار‬
‫اآلخرة خير لهم من دار ال ُّدنيا‪ ،‬وكرامة هللا التي أع َّدها لهم فيها أعظم من كرامته التي‬
‫عجلها لهم في ال ُّدنيا‪ ،‬ولنعم دار المتَّقين الذين خافوا هللا في ال ُّدنيا‪ ،‬ف اتَّقوا عقاب ه ب أداء‬
‫فرائضه وتجنب معاصيه‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬هؤالء المؤمنون فيقال لهم‪ :‬ماذا أنزل ربُّكم فيقولون خيرًا ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉﲊ ﱠ أي‪ :‬آمنوا باهلل وأمروا بطاعة هللا وحثّوا أهل طاعة هللا على الخير ودعوهم‬
‫إليه‪.‬‬

‫ﱡﭐﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﱠ أي‪ :‬بساتين للمقام تجري من تحت أشجارها األنهار‪ ،‬ﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﱠ أي‪ :‬للذين‬
‫أحس نوا في ه ذه ال ُّدنيا في جنَّات ع دن م ا يش اؤن م َّما تش تهي أنفس هم وتل ّذ أعينهم‪،‬‬
‫وكذلك يجزي هللا هؤالء الذين أحسنوا في هذه ال ُّدنيا بم ا وص ف لكم أيَّه ا النَّاس‪ ،‬إن ه‬
‫جزاهم في ال ُّدنيا واآلخرة‪ ،‬كذلك يجزي الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪.‬‬

‫ﱡﭐﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯ ﲰﲱﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال هللا‪-‬تعالى‪ :‬كذلك يجزي هللا المتَّقين الذين تقبض أرواحهم مالئكة هللا‪ ،‬وهم طيب ون‬
‫بتطييب هللا إيَّاهم بنظافة اإليمان وطهر اإلسالم في حال حياتهم وحال مماتهم‪.‬‬
‫وجاء عن مجاهد‪ :‬طيبين قال أحياء وأمواتًا قدر هللا ذلك لهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ أي‪ :‬أن المالئكة تقبض أرواح ه ؤالء المتَّقين‪ ،‬وهي تق ول لهم‪:‬‬
‫سالم عليكم صيروا إلى الجنَّة؛ بشارة من هللا تبشرهم بها المالئكة‪.‬‬
‫قال مح َّمد بن كعب القرظي‪ :‬إذا استنقعت نفس العبد المؤمن ج اءه مل ك فق ال‪َّ :‬‬
‫الس الم‬
‫عليك ولي هللا‪ ،‬هللا يقرأ عليك السَّالم‪ ،‬ث َّم نزع بهذه اآلية‪ :‬ﱡﭐﲥﲦﲧﲨﱠ‪.‬‬
‫أن الملَك الذي يقبض األرواح مل ك الم وت (عزرائي ل) ول ه‬ ‫وقد ذكرنا في كتابنا هذا َّ‬
‫أيض ا يقبض‬
‫أعوان من المالئكة هم يس اعدونه في قبض األرواح تحت قيادت ه‪ ،‬وه و ً‬
‫األرواح بأمر هللا وحسب إرادته‪-‬تعالى‪ ،-‬وهؤالء األعوان من المالئك ة ينقس مون إلى‬
‫ف ريقين‪ :‬فرق ة تقبض أرواح الكف رة‪ ،‬وهم مالئك ة الع ذاب‪ ،‬ي ؤذوهم في القبض‬
‫ويضربون وجوههم وأدبارهم ويبش رونهم بالع ذاب‪ .‬والفرق ة الثاني ة من المالئك ة هم‬
‫مالئكة الرحمة يبشرونهم بالرِّ ضا والرِّ ضوان وريح ريحان ولهم من ربهم سالم‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس قال‪ :‬المالئكة يأتونه بالسَّالم من قِبل هللا وتخبره أنَّه من أصحاب‬
‫اليمين‪.‬‬
‫وجاء عن البراء بن عازب رضي هللا عنه ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ [يس]‪ ،‬قال‪ :‬يُسلَّم عليه عند‬
‫الموت‪ .‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ أي‪ :‬بما كنتم تصيبون في ال ُّدنيا أيَّام حياتكم فيها‬
‫طاعة هللا وطلب مرضاته‪.‬‬

‫ﱡﭐﲲ ﲳﲴﲵﲶ ﲷ ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ ﳁﳂﳃﳄ‬


‫ﳅﳆﳇﳈﳉﳊﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال هللا‪-‬تعالى‪ :‬هل ينتظر هؤالء المشركون إاَّل أن ت أتيهم المالئك ة لقبض أرواحهم أو‬
‫يأتي أمر ربّك بحشرهم لموقف القيامة‪ ،‬ﱡﭐﲽﲾﲿﳀﳁﳂﱠ أي‪ :‬كما يفعل هؤالء‬
‫من انتظارهم مالئكة هللا لقبض أرواحهم أو إتي ان أم ر هللا‪ ،‬ك ذلك فع ل أس الفهم وم ا‬
‫ظلمهم هللا بإحالل سخطه بهم ﱡﭐﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﱠ بمعصية ربِّهم وكفرهم به حتَّى استحقوا‬
‫عقابه فعجَّل لهم‪.‬‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﲲﲳﲴﲵﲶﲷ ﱠ قال بالموت‪ .‬وقال في آية أخرى‪ :‬ﱡﭐﲟﲠﲡ‬
‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧ ﲨﲩﲪﲫﲬﱠ[األنفال]‪.‬‬
‫وهو ملك الموت‪ ،‬وله رسل قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐﲸﲹﲺﲻﲼﱠوذاكم يوم القيامة‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫فأصاب هؤالء الذين فعلوا من اُألمم الماضية فعل هؤالء المشركين من قريش ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ‬
‫أي‪ :‬عقوب ات ذن وبهم ونقم معاص يه وح اق بهم وح َّل بهم من ع ذاب هللا م ا ك انوا‬
‫يستهزؤن منه ويسخرون عند إنذارهم ذلك رسل هللا‪ ،‬وأنزل ذلك بهم دون غ يرهم من‬
‫أهل اإليمان باهلل‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟ ﱡﱢ ﱣﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وقال الذين أشركوا باهلل فعبدوا األوثان واألصنام من دون هللا ما نعبد هذه األصنام إاَّل‬
‫والس وائق إاَّل َّأن‬
‫َّ‬ ‫َّألن هللا قد رضي ِعبادتنا هؤالء‪ ،‬وال نُحرم إاَّل ما حرمنا من البحائر‬
‫هللا شاء منا ومن آبائنا تحريماها ورضيه لوال ذل ك لق د غ ير ذل ك ببعض عقوبات ه أو‬
‫بهدايته إيَّانا إلى غيره من األفعال‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱗ ﱘﱙﱚﱛﱜﱠمن اُألمم المشركة الذين‬
‫استن هؤالء سنتهم فق الوا مث ل ق ولهم وس لكوا س بيلهم في التَّك ذيب رس ل هللا وأفع ال‬ ‫َّ‬
‫آبائهم الضَّالل‪ .‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱠ فهل أيَّها القائلون لو شاء هللا ما أشركنا وال آباؤنا على‬
‫رسلنا الذين نرسلهم بإنذاركم عقوبتن ا على كف ركم إاَّل البالغ الم بين َّإال أن تبلغ وا م ا‬
‫أرسلنا إليكم من الرِّ سالة‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱢ ﱠ الذي يبلغ يُبيِّن معناه لمن أبلغه ويفهمه من أرسل إليه‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫ﱿﲀﲁﲂﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ولقد بعثنا أيَّها النَّاس في ك لِّ أ َّمة س لفت قبلكم رس واًل كم ا بعثن ا فيكم ب أن اعب دوا هللا‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأفردوا له الطَّاعة وأخلصوا له ال ِعب ادةﱡﭐ ﱭ ﱮﱯ ﱠ أي‪ :‬وابتع دوا من‬
‫الش يطان واح ذروا أن يغ ويكم ويص َّدكم عن س بيل هللا‪ ،‬فمنهم من ه دى هللا فوفَّق ه‬ ‫َّ‬
‫لتصديق رسله والقبول منها واإليمان باهلل والعمل بطاعته ففاز وأفلح ونجا من ع ذاب‬
‫الس بيل باهلل‪ ،‬وك ذبوا رس له‬‫الض اللة فج اروا عن قص د َّ‬ ‫هللا‪ .‬ومنهم من حقَّت علي ه َّ‬
‫واتَّبع وا الطَّاغوت ف أهلكهم هللا بعقاب ه‪ ،‬وأن زل عليهم بأس ه ال ذي ال ي ر ُّد عن الق وم‬
‫المجرمين‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﱠ وفي ذلك تهديد لمشركي قريش‪ ،‬أي‪ :‬إن كنتم أيها‬
‫النَّاس غير مصدقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤالء اُألمم ال ذين ح ّل بهم من بأس نا‬
‫بكفرهم باهلل وتكذيبهم رسوله فسيروا في األرض ال تي ك انوا يس كنونها‪ ،‬والبالد ال تي‬
‫ك انوا يعمرونه ا‪ ،‬ف انظروا إلى آث ار هللا فيهم وآث ار س خطه النَّازل بهم كي ف أعقبهم‬
‫تكذيبهم رسول هللا ما أعقبهم‪ ،‬فإنَّكم ترون حقيقة ذلك وتعلمون به ص حَّة الخ بر ال ذي‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪.‬‬
‫يخبركم به مح َّمد َ‬
‫ﱡﭐﲃﲄﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫أن تحرص يا مح َّمد على هدي هؤالء المشركين إلى اإليمان باهلل واتباع الحق َّ‬
‫فإن هللا‬
‫ال يهدي من يضل‪ .‬قرأ غير الكوف يين (ال يُ ْه دَى) على المب نى ب المفعول‪ ،‬وه و أبل غ‪.‬‬
‫إن من‬ ‫فتأويل الكالم‪ :‬لو كان األمر على ما وصفنا إن تحرص يا مح َّمد على ه داهم ف َّ‬
‫أضله هللا فال هادي له‪ ،‬فال تجهد نفسك في أمره وبلغه ما أرسلت ب ه لتتم علي ه الحجَّة‬
‫وم ا لهم من ناص رين ينص رهم هللا من هللا إذا أراد عق وبتهم فيح ول بين هللا وبين م ا‬
‫أراد‪.‬‬
‫ﱡﭐﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وحلف هؤالء المشركون من ق ريش باهلل َج ْه د أيم انهم‪ ،‬حلفهم ال يبعث هللا من يم وت‬
‫بعد مماته‪ ،‬وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم‪ ،‬بل سيبعثه هللا بعد مماته وعدًا علي ه أن يبعثهم‬
‫وعد ِعباده‪ ،‬وهللا ال يخلف الميعادﱡﭐﲡﲢﲣﲤﲥﲦﱠ‪.‬‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬قالوا‪ :‬ال يبعث هللا من يموت تكذيبًا بأمر هللا‪ ،‬فإن النَّاس صاروا في البعث‬
‫ناس ا به ذا الع راق‬
‫إن ً‬‫ق‪ .‬ذك ر لن ا أن رجاًل ق ال البن عبَّاس‪َّ :‬‬‫فرقتين؛ ُمك ِّذبٌ و ُمص د ٌ‬
‫يزعمون أن عليًّا مبعوث قبل يوم القيامة‪ ،‬ويتأولون هذه اآلية‪ ،‬فق ال ابن عبَّاس‪ :‬ك ذب‬
‫أولئك‪ ،‬إنَّما هذه اآلية للنَّاس عا َّمة‪ ،‬ولعمري لو كان علي مبعوثً ا قب ل ي وم القيام ة م ا‬
‫أنكحنا نساءه‪ ،‬وال قسمنا ميراثه‪.‬‬
‫وعن الربيع‪ ،‬في قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﱠ [النحل‪ ،]38:‬قال‪« :‬حلف رج ٌل‬
‫رجل من المكذبين‪ ،‬فق ال‪ :‬وال ذي يرس ل‬ ‫ٍ‬ ‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬عند‬ ‫من أصحاب النَّبي‪َ -‬‬
‫الرّوح من بعد الموت‪ ،‬فق ال‪ :‬وإن ك ل تزعم أنَّك مبع وث من بع د الم وت؟ وأقس م باهلل‬
‫جهد يمينه ال يبعث هللا من يموت» (‪.)10‬‬
‫س ِم َع َأبَ ا ُه َر ْي َرةَ‪،‬‬ ‫اح‪َ ،‬أنَّهُ َأ ْخبَ َرهُ َأنَّهُ‪َ ،‬‬ ‫وكذلك قال أب و العالي ة عَنْ َعطَ ا ِء ْب ِن َأبِي َربَ ٍ‬
‫س بَّنِي‪َ ،‬و َك َّذبَنِي َولَ ْم يَ ُكنْ‬ ‫س بَّنِي ابْنُ آ َد َم‪َ ،‬ولَ ْم يَ ُكنْ يَ ْنبَ ِغي لَ هُ َأنْ يَ ُ‬ ‫يَقُ و ُل‪« :‬قَ ا َل هَّللا ُ‪َ :‬‬
‫ث هَّللا ُ‬ ‫س ُموا بِاهَّلل ِ َج ْه َد َأ ْي َمانِ ِه ْم اَل يَ ْب َع ُ‬
‫﴿وَأ ْق َ‬
‫اي فَقَا َل‪َ :‬‬ ‫يَ ْنبَ ِغي لَهُ َأنْ يُ َك ِّذبَنِي‪ ،‬فََأ َّما تَ ْك ِذيبُهُ ِإيَّ َ‬
‫س بُّهُ‬ ‫َمنْ يَ ُموتُ ﴾ [النحل‪ ]٣٨ :‬قَا َل‪« :‬قُ ْلتُ ‪﴿ :‬بَلَى َو ْعدًا َعلَ ْي ِه َحقًّا﴾ [النحل‪َ ‌ ]٣٨ :‬وَأ َّما ‌ َ‬
‫ص َم ُد ﴾‬ ‫ث ثَاَل ثَ ٍة﴾ [المائدة‪َ ، ]٧٣ :‬وقُ ْلتُ ‪﴿ :‬قُ ْل ُه َو هَّللا ُ َأ َحدٌ‪ .‬هَّللا ُ ال َّ‬ ‫ي ‌فَقَا َل‪ِ﴿ :‬إنَّ هَّللا َ ثَالِ ُ‬
‫‌ِإيَّا َ‬
‫[اإلخالص‪ .]٢ :‬لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَدْ‪َ ،‬ولَ ْم يَ ُكنْ لَهُ ُكفُ ًوا َأ َح ٌد» (الطبري) (‪.)11‬‬
‫سلَّ َم قَا َل‪« :‬اَل يَقُ ولَنَّ َأ َح ُد ُك ْم يَ ا َخ ْيبَ ةَ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫عَنْ َأبِي ه َُر ْي َرةَ‪َ ،‬أنَّ َر ُ‬
‫سو َل هللاِ َ‬
‫ال َّد ْه ِر‪‌ ،‬فَِإنَّ ‌هللاَ ‌ه َُو ‌ال َّد ْه ُر» (مسلم) (‪.)12‬‬

‫ﱡﭐﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﱠ[النحل]‪.‬‬
‫بل ليبعثن هللا من يموت وعدًا عليه حقًّا ليبين لهؤالء ال ذين يزعم ون َّ‬
‫أن هللا يبعث من‬
‫يموت ولغيرهم الذي يختلفون فيه من أحباء هللا خلقه بعد فن ائهم‪ ،‬ولعلم ال ذين جح دوا‬
‫صحَّة ذل ك وأنك روا حقيق ة أنَّهم ك انوا ك اذبين في قيلهم ال يبعث هللا من يم وت‪ .‬ق ال‬
‫قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﲧﲨﲩﲪﲫﱠ قال النَّاس عا َّمة‪.‬‬
‫‪ )(10‬تفسير الطبري ‪.17/203‬‬
‫‪ )(11‬تفسير الطبري ‪.17/204‬‬
‫‪ )(12‬صحيح مسلم ‪ ،4/1763‬رقم‪.)2246( :‬‬
‫ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑﳒﱠ[النحل]‪.‬‬
‫صب في إحيائنا لهم‪ ،‬وال في غير‬ ‫إنَّا إذا أردنا أن نبعث من يموت فال تعب علينا وال ن َ‬
‫ونكون ونُح ِدث؛ ألنَّا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنَّما نقول له ُكن فيك ون‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ذلك م َّمن نخلق‬
‫ال معاناة فيه وال ُكلفة علينا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﱠ أي‪ :‬والذين فارقوا قومهم‬
‫ودروهم وأوطانهم عداوة لهم في هللا على كفرهم ﱡﭐﳂﳃﳄﳅ ﱠ أي‪ :‬من بعد ما ينال‬
‫منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات هللا ﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﱠ أي‪ :‬لنسكننهم في ال ُّدنيا مسكنًا‬
‫يرضونه صالحًا‪.‬‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅ ﱠهؤالء أصحاب مح َّمد‪َ -‬‬
‫ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق وا طوائ ف منهم بالحبش ة‪ ،‬ث َّم ب َّوأهم‬
‫هللا المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة‪ ،‬وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين‪.‬‬
‫قال ال َّشعبي‪ :‬ﱡﭐﳆﳇﳈﳉﳊﱠ قال المدينة‪ ،‬كذلك قال ابن عبَّاس‪.‬‬
‫إن عمر‬‫وقال آخرون‪ :‬ﱡﭐﳆﳇﳈﳉﳊﱠ أي‪ :‬لنرزقنهم في ال ُّدنيا رزقًا حسنًا‪ ،‬قاله مجاهد‪َّ :‬‬
‫بن الخطاب كان إذا أعطى ال َّرجل من المهاجرين عطاءة يقول‪ُ :‬خذ بارك هللا فيه‪ ،‬هذا‬
‫ما وعدك هللا في ال ُّدنيا‪ ،‬وما ذخره لك في اآلخرة أفضل‪ ،‬ث َّم تال هذه اآلية‪ :‬ﱡﭐﳆ ﳇﳈ‬
‫ﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑﳒﱠ[النحل]‪.‬‬
‫َّ‬
‫بالص واب من ق ال‪ :‬مع نى لنب وئنهم‪ ،‬أي‪ :‬لنحملنهم‬ ‫ق ال ابن جري ر‪ :‬وأولَى الق ولين‬
‫ولنسكننهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱠ أي‪ :‬ولثواب هللا إيَّاهم على هجرتهم فيه في اآلخرة أكبر؛ َّ‬
‫ألن‬
‫ثوابه إيَّاهم هنالك الجنَّة يدوم نعيمها ال يبيد‪.‬‬
‫أمره للكون بقوله‪ُ :‬ك ْن‪ ،‬أي‪ :‬تكون فيتكون‪ .‬وكذلك تك ون ك ّل ش ي ٍء في المكون ات من‬
‫البداية إلى النِّهاية بإرادة هللا‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ[البقرة]‪ ،‬أي‪ :‬مهما كانت أساليب‬
‫َّ‬
‫والش رائط لتك ون الش يء في الع الم‬ ‫ُّ‬
‫والطرق واألسباب والوس ائط‬ ‫واختالف الوسائل‬
‫فانما يتكون بإرادة هللا وكلمته‪.‬‬

‫ﱡﭐﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫هؤالء الذين وصفنا صفتهم وآتيناهم الثَّواب الذي ذكرناه الذين صبروا في هللا على ما‬
‫نابهم في ال ُّدنيا ﱡﭐ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﱠ أي‪ :‬وباهلل يثقون في أمورهم وإليه يستندون في نوائب‬
‫األمور التي تنوبهم‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وما أرسلنا من قبل ك ي ا مح َّمد إلى أ َّمة من اُألمم لل ُّدعاء إلى توحي دنا واإلنته اء إلى أمرن ا‬
‫ونهينا إاَّل رجااًل من بني آدم نوحي إليهم وحينا ال هم المالئك ة‪ ،‬أي‪ :‬فلم نرس ل إلى قوم ك‬
‫الذي كنَّا نرسل إلى من قبلهم من األمم من جنسهم وعلى منهاجهم يقول لمشركي ق ريش ﱡﭐ‬
‫صلَّى‬
‫ﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠأن الذين كنَّا نرسل إلى األمم رجااًل من بني آدم مثل مح َّمد‪َ -‬‬
‫هللا عليه و َسلَّم‪-‬وقلتم هم مالئكة فسألوا أهل الذكر الذين ق د ق رؤا الكت اب من قبلهم الت وراة‬
‫واإلنجيل وغير ذلك من كتب هللا‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬أهل الذكر أهل التوراة قال األعمش سمعنا أنه من أسلم من أهل التوراة واإلنجيل‬
‫أي أهل الذكر‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬لما بعث هللا مح َّمدًا رسواًل أنكرت العرب ذلك من أنكر منهم وقالوا هللا‬
‫أعظم من أن يكون رسوله بشرًا مثل مح َّمد فأنزل هللا هذه اآلية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬قال أبو جعفر‪ :‬نحن أهل ال ذكر‪ ،‬أي‪ :‬هم أه ل الق رآن‪ .‬قال ه ابن زي د‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫ال ِّذكر القرآن‪ ،‬وقرأ‪ :‬ﱡﭐﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﱠ [الحجر]‪.‬‬
‫د‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬وأنكروه ا‪ ،‬وق الوا‪ :‬إنَّم ا الرُّ س ل‬
‫وقد عجبت العرب في رسالة مح َّم َ‬
‫وس لَّم‪-‬منهم رس واًل‬ ‫د‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫تجيء من المالئك ة ال من البش ر‪ ،‬فل َّما ج اءهم مح َّم َ‬
‫من ًذرا إيَّاهم من هللا‪-‬تعالى‪-‬وهو بشر فأعجبهم فكذبوه فقال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱠ أي‪:‬‬
‫رجااًل من البشر‪ ،‬فإذا شكوا في ذلك قل لهم‪ :‬فاسألوا أهل ال ِّذكر إن كنتم ال تعلمون البين ات‬
‫والزب ر‪ ،‬أي‪ :‬وق د ج اءت وخلت الرُّ س ل من قبل ك وج اء بالبين ات والكتب من عن د هللا‪،‬‬
‫وكانوا رجااًل منهم وأبناء البشر فليسوا من المالئك ة‪ ،‬ف إ ًذا فاس ألوا منهم عن أه ل الكت اب‬
‫ولهم ال ِعلم وال ِّذكر في البين ات والكتب وأنتم تثق ون بهم وتح ترمونهم وتقتنع ون ب أقوالهم‪،‬‬
‫أن الرُّ س ل ال ذين ج اؤوا وخل وا في اُألمم الخالي ة هم ال ِّرج ال من أبن اء آدم‪.‬‬ ‫فأج ابوا لكم ب َّ‬
‫وكذلك لديهم في البينات والكتب المنزلة القديمة في رس االت األنبي اء والرُّ س ل إلى البش ر‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬بأنَّه رسول‬
‫من البشر‪ ،‬وكذلك لديهم معلومات في نبوة ورسالة مح َّمد‪َ -‬‬
‫ق‪ ،‬وأنَّه جاء بالحق من ربه‪.‬‬
‫صاد ٌ‬
‫أن م ريم بنت عم ران نبيَّة‪ .‬وق د بُعث‬ ‫لم يبعث هللا رسواًل من النساء كما زعم القرطبي‪ ،‬ب َّ‬
‫الرسل من الرجال‪ :‬فقال ع َّز وجلَّ‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱑﱒﱓﱔﱕﱖ ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠ [النحل]‪ ،‬وكذلك قال سبحانه وتعالى‪ :‬ﱡﭐﲄ ﲅ‬
‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﱠ [يوسف‪ ،]109 :‬بعدما ذكر هللا بعض األنبياء‪-‬عليهم‬
‫السَّالم‪-‬قد اصطفاهم فقال ع َّز وجلَّ‪ :‬ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ [األنعام]‪ ،‬أي‪ :‬األنبياء‬
‫من الرجال هم اآلباء أو ذرياتهم من األوالد الذكور أو إخوانهم‪ ،‬ولم يذكر من أزواجهم أو‬
‫أخواتهم أو أمهاتهم‪ .‬ولكن هللا‪-‬تعالى‪-‬خلق من النساء ال ُك َّم َل‪.‬‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه‬
‫س و ُل هللاِ َ‬ ‫وس ى‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬قَ ا َل َر ُ‬ ‫عَنْ َع ْم ِرو ْب ِن ُم َّرةَ‪ ،‬عَنْ ُم َّرةَ‪ ،‬عَنْ َأبِي ُم َ‬
‫آس يَةَ‬ ‫ت ِع ْم َرانَ ‪َ ،‬و ِ‬‫س ا ِء َغ ْي ُر َم ْريَ َم بِ ْن ِ‬ ‫سلَّ َم‪َ « :‬ك َم َل ِمنَ ال ِّر َج ِ‬
‫ال َكثِ ي ٌر‪َ ،‬ولَ ْم يَ ْك ُم ْل ِمنَ النِّ َ‬ ‫َو َ‬
‫س اِئ ِر ‌الطَّ َع ِام» (مس لم)‬ ‫ض ِل ‌الثَّ ِري ِد ‌ َعلَى ‌ َ‬ ‫شةَ َعلَى النِّ َ‬
‫سا ِء ‌ َكفَ ْ‬ ‫ض َل عَاِئ َ‬‫ا ْم َرَأ ِة فِ ْرع َْونَ ‪َ ،‬وِإنَّ فَ ْ‬
‫(‪.)13‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫ط ال ِ ٍ‬ ‫س ِم ْعتُ َعلِ َّي بْنَ َأبِي َ‬‫َام ْب ِن ع ُْر َوةَ‪ ،‬عَنْ َأبِي ِه‪ ،‬عَنْ َع ْب ِد هللاِ ْب ِن َج ْعفَ ٍر‪ ،‬قَ ا َل‪َ :‬‬
‫عَنْ ِهش ِ‬
‫يج ةُ بِ ْنتُ ُخ َو ْيلِ ٍد‬
‫س اِئ َها َخ ِد َ‬‫س لَّ َم يَقُ و ُل‪َ :‬خ ْي ُر نِ َ‬
‫ص لَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫سو َل هللاِ َ‬
‫س ِم ْعتُ َر ُ‬‫يَقُو ُل‪َ :‬‬
‫ساِئ َها َم ْريَ ُم ْبنَتُ ِع ْم َرانَ ‪( .‬الترمذي) (‪.)14‬‬ ‫‌ َو َخ ْي ُر ‌نِ َ‬

‫أي‪ :‬ك ّل واحد ٍة منها خير نساء األرض في عصرها‪ ،‬وأ َّما التَّفضيل بينهما فمس كوت عن ه‬
‫(النووي)‪ .‬وقول النَّووي‪( :‬أ َّما التَّفض يل بينهم ا فمس كوت عن ه)‪ ،‬أي‪ :‬التَّفض يل بين م ريم‬
‫أن التَّفضيل بينهم ا مس كوت عن ه ق واًل‬ ‫بنت عمران وبين خديجة بنت خويلد وبالرغم من َّ‬
‫ألن الرَّس ول األك رم‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬ ‫حس ب فهم النَّووي‪ ،‬ولكن ه و م ذكور ق واًل وفعاًل ؛ َّ‬
‫وسلَّم‪-‬قال‪« :‬خي ُر نسائها مريم بنت عمران»‪ ،‬أي‪ :‬خي ُر النِّس اء في زمانه ا‪ ،‬وذل ك ال َّزم ان‬
‫زمن رسول هللا‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪-‬خير الق رون س ابقًا‪ ،‬وح ديثًا ق رن النَّبي‪ -‬ص لَّى هللا‬
‫عليه وسلَّم‪-‬فخير نساء قرن رسول هللا‪-‬صلَّى هللا عليه وس لَّم‪-‬خ ير من خ ير نس اء الق رون‬
‫الماضية‪ ،‬وكذلك خير النِّساء في القرون هن نساء قرن رسول هللا‪-‬ص لَّى هللا علي ه وس لَّم‪-‬‬
‫الص الحات المؤمن ات‪ ،‬وخ ير أه ل ال بيت نس ا ًء ورج ااًل أه ل بيت النَّبي‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬ ‫َّ‬
‫َّالم‪-‬وأيض ا خ ير األزواج لألنبي اء‪-‬عليهم‬
‫ً‬ ‫وسلَّم‪ ،-‬ومن خير أهل البيوت األنبياء‪-‬عليهم الس‬
‫الس الم‪-‬أص حاب‬ ‫السَّالم‪-‬نساء النَّبي‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪ ،-‬وخير أصحاب األنبي اء‪-‬عليهم َّ‬
‫بعض ا بإحس ان إلى قي ام‬ ‫ً‬ ‫النَّبي‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪-‬وخير التَّابعين ال ذين يخل ف بعض هم‬
‫السَّاعة هم الذين من أ َّمة الرسول‪-‬ص لَّى هللا علي ه وس لَّم‪-‬وخ ير اُأل َّمة من اُألمم أ َّمة مح َّمد‪-‬‬
‫صلَّى هللا عليه وسلَّم‪-‬لقول النَّبي‪-‬ص لَّى هللا علي ه وس لَّم‪ :‬خ ير الق رن ق رني‪ ،‬أي‪ :‬إطالقً ا؛‬
‫ولقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ [آل عمران‪ ،]110 :‬أي‪ :‬للنَّاس إطالقًا من القرون الخالية؛‬
‫‪ )(13‬صحيح مسلم ‪ ،4/1886‬رقم‪.)2431( :‬‬
‫‪ )(14‬سنن الترمذي ‪ ،6/185‬رقم‪.)3877( :‬‬
‫ألن النَّبي‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪-‬خاتم النَّبيين و ُمت ّم النُّب وة‪ ،‬وق د ُأوتي ك ّل م ا ُأوتى النَّبيون‪،‬‬
‫َّ‬
‫بل أفض ل وأك ثر‪ ،‬وه و س يد األولين واآلخ رين‪ ،‬وأ َّمت ه خ ير اُألمم وأوس طها؛ لق ول هللا‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ أي‪ :‬أفضل اُألمم لقول النَّبي صلَّى هللا عليه وس لَّم‪«‌ :‬نَ ْحنُ ‌اآل ِخ ُرونَ‬
‫سابِقُونَ »(‪ )15‬أي‪ :‬تلك األ َّمة آخر اُألمم ظهو ًرا في األرض‪ ،‬ولكن س ابقة األمم وأفض لهم‬ ‫‌ال َّ‬
‫الش ريف الرفي ع المح ترم اإلم ام‬ ‫قربة عند هللا في ال ُّدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬فكيف استد َّل إما ُمن ا َّ‬
‫في علم الحديث ومعرفته اإلمام النووي‪-‬رحمة هللا عليه‪-‬وفضل عن تلك الحقائق والوج وه‬
‫وأفضلية تلك اُألمة وبالطبع أفضلية خديجة عن مريم‪-‬رحمه هللا وغفر له ولنا‪-‬وفضل ك ّل‬
‫أن موس ى‬ ‫أ َّمة من اُألمم ومنازلها عند هللا حس ب فض ل ومن ازل األنبي اء لُألمم‪ ،‬وب الرغم َّ‬
‫كليم هللا ونجيه كم مرة طلبت أمته منه المعجزات ولم يقتنعوا بها وعبدوا العج ل وعص وه‬
‫وفي النِّهاية‪ ،‬قالوا له‪ :‬ﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [المائدة]‪ ،‬ولم يرغب أحد من هذه األ َّمة‬
‫من نبيّها‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪-‬في آية معج زة ولم يعص وه‪ ،‬وفي غ زوة ب در‪ :‬إنَّا ال نق ول‬
‫كما قالت قوم موسى له‪ :‬ﱡﭐﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠبل نقول‪ :‬أرنا البحر نخضه معك‪.‬‬
‫س َو ِد‬ ‫ش ِهدْتُ ِمنَ ال ِم ْق دَا ِد ْب ِن اَأل ْ‬ ‫س ُعو ٍد‪ ،‬يَقُ و ُل‪َ :‬‬ ‫س ِم ْعتُ ابْنَ َم ْ‬ ‫ب‪ ،‬قَا َل‪َ :‬‬ ‫ش َها ٍ‬‫ق ْب ِن ِ‬ ‫عَنْ طَا ِر ِ‬
‫س لَّ َم َو ُه َو‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫صا ِحبَهُ َأ َح ُّب ِإلَ َّي ِم َّما ُع ِد َل بِ ِه‪َ ،‬أتَى النَّبِ َّي َ‬‫ش َهدًا‪َ ،‬أَلنْ َأ ُكونَ َ‬ ‫َم ْ‬
‫سى‪ْ :‬اذه َْب َأ ْنتَ َو َر ُّبكَ فَقَ اتِاَل ‪َ ،‬ولَ ِكنَّا‬ ‫ش ِر ِكينَ ‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬اَل نَقُو ُل َك َما قَا َل قَ ْو ُم ُمو َ‬ ‫يَ ْدعُو َعلَى ال ُم ْ‬
‫س لَّ َم‬‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ش َمالِ َك‪َ ،‬وبَيْنَ يَ َد ْيكَ َو َخ ْلفَ َك «فَ َرَأ ْيتُ النَّبِ َّي َ‬ ‫نُقَاتِ ُل عَنْ يَ ِمينِ َك‪َ ،‬وعَنْ ِ‬
‫س َّرهُ» يَ ْعنِي‪ :‬قَ ْولَهُ ( البخاري) (‪.)16‬‬ ‫‌َأش َْر َ‬
‫ق ‌ َو ْج ُههُ ‌ َو َ‬

‫ولما رغب موسى‪-‬عليه السَّالم‪-‬في رؤية ربِّه‪-‬تعالى‪-‬فقال‪ :‬ﱡﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﱠ‬


‫[األعراف‪ ،]143:‬وقد رغب قومه أيضًا في الرُّ ؤية‪ ،‬فقالوا‪ :‬ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ‬
‫أن ك َّل ُأ َّمة تتخلَّق بخل ق نبيه ا‪ ،‬فلم يس أل نبين ا مح َّمد‪-‬ص لَّى هللا‬
‫[البقرة]‪ ،‬وبذلك قد تبيَّن ب َّ‬
‫علي ه وس لَّم‪-‬من ربِّه المعج زات‪ ،‬وق د أعط اه هللا‪-‬تع الى‪-‬المعج زات كلَّه ا ال ذي أعطاه ا‬
‫األنبياء‪-‬عليهم السَّالم‪-‬بأفضل وجه وأزيد‪ ،‬ولم تسأل ُأمته منه المعجزات ف آمنوا ب ه‪ ،‬وبم ا‬
‫ب ف انقطعت المعج زات ال تي منحه ا هللا‪-‬‬ ‫جاء به بأشد إيمان وبأس نى إخالص وب دون ري ٍ‬
‫تعالى‪-‬األنبياء‪-‬عليهم السَّالم‪-‬ولم تنقط ع معج زات الرس ول األك رم مح َّمد‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬
‫وسلَّم‪-‬وفاته‪ ،‬ولن تنقطع والقرآن وإعجازه معجزة باهرة وحجَّة قاطعة‪ ،‬وبره ان واض ح‪،‬‬
‫الس ماوات‬ ‫وبي ان جلي‪ ،‬وآي ة مبين ة وبين ة ظ اهرة لمح َّمد‪-‬ص لَّى هللا علي ه وس لَّم‪-‬م ا دام َّ‬
‫واألرض إلى ما شاء هللا‪.‬‬
‫الص حابة‪ ،‬إنَّم ا الف رق‬
‫وحتى اليوم وإلى يوم تقوم السَّاعة إيمان المؤم نين ب ه مث ل إيم ان َّ‬
‫بينهم وبين الصَّحابة؛ فالصَّحابة شاهدوا ال وحي والمعج زات ورأوا النَّبي‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬
‫‪ )(15‬صحيح البخاري ‪ ،1/75‬رقم‪.)238( :‬‬
‫‪ )(16‬صحيح البخاري ‪ ،5/73‬رقم‪.)3952( :‬‬
‫وسلَّم‪-‬وأ َّما الذين اتبعوهم بإحسان إلى قيام السَّاعة‪ ،‬فلم يش اهدوا ال وحي والمعج زات‪ ،‬ولم‬
‫يروه ولكن إيمانهم ورغبتهم في اتباع ن بيهم‪-‬ص لَّى هللا علي ه وس لَّم‪-‬أش د إيمانً ا وأح رص‬
‫أن ال َّدرجات والمناصب والمنازل التي وصل إليها الصَّحابة‪-‬رض ي هللا عنهم‪-‬‬ ‫رغبةً غير َّ‬
‫أعلى ال َّدرجات وأن دى المن ازل وأرف ع المناص ب م َّما وص ل إليه ا من ال ذين اتبع وهم‬
‫بإحسان‪.‬‬

‫ﱡﭐﱒﱓﱔﱕﱖ ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠ[النحل]‪.‬‬


‫والزبر رجااًل ن وحي إليهم‪ .‬وتأوي ل الكالم‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫أرسلنا بالبيِّنات ُّ‬
‫والزبر وأنزلنا إليك ال ِّذكر‪.‬‬
‫ﱈﱉﱠأرسلناهم بالبيِّنات ُّ‬

‫والبيِّنات هي األدلَّة والحُجج التي أعطاها هللا رس له أدلَّة على نب َّوتهم ش اهدة لهم على‬
‫والزبر‪ :‬هي الكتب‪ ،‬جمع ال َّزبور‪.‬‬ ‫حقيقة ما أتوا به إليهم من عند هللا‪ُّ ،‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ُّ :‬‬
‫الزبر‪ :‬الكتب‪ ،‬كذلك قال مجاهد وال َّ‬
‫ضحَّاك‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱔﱕﱖ ﱗﱠ أي‪ :‬وأنزلنا إليك يا مح َّمد هذا القرآن للنَّاس موعظة لهم‪ .‬ﱡﭐﱘﱙﱠ‬
‫لتعرفهم ما أنزل إليهم من ذلك؛ لعلهم يتف َّكرون وليتذ َّكروا فيه ويعتبروا له‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬أي‪ :‬وأنزلنا إليك الكتاب وهو القرآن الكريم فيه ِذك ر هللا و ِذك ر اُألمم الخالي ة‪،‬‬
‫و ِذكر األنبياء‪-‬عليهم السَّالم‪ ،-‬و ِذكر األخبار الماض ية والوق ائع والقادم ة منه ا وغ ير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يقول‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬لمنكري بعثة هللا‪-‬تعالى‪-‬رجااًل من اإلنس بالرِّ سالة والذكر فيقول‬
‫لهم‪ :‬ليس بعثة مح َّمد رسواًل من عند هللا إليكم وإلى البشر عجبً ا وبِ دعًا؛ ب ل بعث هللا‪-‬‬
‫تعالى‪-‬قبله ُرساًل رجااًل من البشر إلى البشر‪ ،‬ولم يرسل إليهم رسواًل من المالئكة كما‬
‫أن الرُّ س ل يكون ون من المالئك ة إلى البش ر ال من اإلنس من جنس هم‪.‬‬ ‫أنتم تزعمون ب َّ‬
‫فس ألوا أه ل الكت اب ه ل بعث هللا إليهم رس اًل من المالئك ة أو من البش ر؛ ألنَّكم‬
‫تحترمونهم وتصدقونهم في الق ول واألخب ار وتس ألونهم ع َّما ال تعلم ون فتقول ون لهم‬
‫أنتم أهل الكتاب ونحن األ ُّميون أهل الجهل‪ ،‬وعندكم ال ِعلم والمعرفة‪ ،‬أخبرونا عن ك ذا‬
‫وكذا‪.‬‬
‫والبيِّنات‪ :‬أي اآليات النازلة من عند هللا‪ ،‬وهي البيِّنات ال تي ت بين م ا يحتاج ه بن و آدم‬
‫إليه من معرفة هللا‪-‬تعالى‪-‬وتوحيده واإليمان والعمل بها واألخبار النافعة لهم ليعت بروا‬
‫فيه ا ويتَّعظ وا به ا‪ ،‬واألخب ار في األمم الخالي ة‪ ،‬وإهالك األمم الك افرة باهلل‪-‬تع الى‪-‬‬
‫والزبر هي الكتب القديمة النَّازل ة‬
‫وباألنبياء واليوم اآلخر‪ ،‬وهم أهل األوثان وال ِّشرك‪ُّ .‬‬
‫من عند هللا إلى الرسل واألنبياء‪-‬عليهم السَّالم‪-‬والصُّ حف‪.‬‬
‫بي رس و ٌل‬ ‫وس لَّم‪-‬بأنَّه ن ٌّ‬
‫د‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫والص حف ذك ر مح َّم َ‬ ‫ُّ‬ ‫وكذلك في تلك الكتب‬
‫مي‪ ،‬وما أنزل عليه صدق من عند هللا فآمنوا به واتبعوه‪ .‬وكذلك في الكتاب والبين ات‬ ‫ُأ ٌّ‬
‫التي نزلت عليه من عند هللا‪ ،‬وفيه ما فيه من الكتب القديم ة فيص دقها ويفص لها‪ .‬وفي‬
‫د‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬‫تلك الكتب والصُّ حف من جهة وفي الموافقة بين م ا أن زل على مح َّم َ‬
‫والص حف بين ة وش هادة ظ اهرة وق اهرة في ص حة وص دق‬ ‫ُّ‬ ‫وس لَّم‪-‬وبين تل ك الكتب‬‫َ‬
‫وس لَّم‪-‬وم ا أن زل علي ه من رب ه‪ ،‬وك ذلك إذا س ألتم أه َل‬ ‫صلَّى هللا علي ه َ‬
‫رسالة مح َّمد‪َ -‬‬
‫بأن الرُّ سل واألنبياء المرسلة على‬ ‫ال ِّذكر أهل الكتاب بهذا الخصوص أخبروكم فعرفتم َّ‬
‫دا‪-‬ص لَّى هللا‬
‫َ‬ ‫البشر هم من جنس البشر‪ ،‬فليس وا من جنس المالئك ة‪ ،‬فع رفتم ب َّ‬
‫أن مح َّم‬
‫مي‪ ،‬وما ج اء إلي ه فه و من هللا‪-‬تع الى‪ِ -‬ذك ر‬ ‫أمين ورسو ٌل ونب ٌّي وُأ ٌّ‬
‫ق ٌ‬ ‫عليه و َسلَّم‪-‬صاد ٌ‬
‫لكم وتذكرة‪.‬‬

‫ﱡﭐﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وس لَّم‪-‬فراح وا‬
‫هللا‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫َأفََأ ِمن الذين ظلموا المؤم نين من أص حاب رس ول‬
‫يفتنونهم عن دينهم من مشركي قريش الذين ق الوا‪ :‬إذ قي ل لهم م اذا أن زل ربكم ق الوا‬
‫أساطير األولين؛ ص ًّدا منهم لمن أراد اإليمان باهلل عن قصد السبيل أن يخس ف هللا بهم‬
‫األرض على كفرهم وشركهم‪ ،‬أو يأتيهم عذاب هللا من مكان ال يش عر ب ه‪ ،‬وال ي دري‬
‫من أين يأتيه‪.‬‬
‫وكان مجاهد يقول‪ُ :‬عني بذلك نمرود بن كنعان‪.‬‬
‫وذلك تهديد من هللا أهل ال ِّشرك به وهو عقيب قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [النحل]‪ .‬فكان التَّهديد لمن لم يق ّر بح ّجة هللا الذي جرى‬
‫الكالم بخطابه قبل ذلك أجرى من الخبر ع َّمن انقطع ذكره عنه‪ ،‬وكان قَتَ ادة يق ول في‬
‫معنى السيئات في هذا الموضع قال‪ :‬ال ِّشرك‪ .‬أي ابن جري ر ذك ر عن مجاه د الخ بر‪،‬‬
‫وفيه ِذكر نمرود‪ ،‬فليس له ارتباط بهذه اآلية‪.‬‬

‫ﱡﭐﱱﱲ ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ ﱾﱿﲀﲁﱠ[النحل]‪.‬‬


‫أو يأخ ذهم في تقلبهم أو يهلكهم في تص رفهم في البالد وت رددهم في أس فارهم‬
‫بمعجزين‪ ،‬يقول‪-‬تعالى‪ :‬فإنَّهم ال يعجزون هللا من ذلك إن أراد أخ ذهم‪ ،‬ك ذلك ق ال ابن‬
‫عبَّاس‪ .‬ﱡﭐﱱﱲ ﱳﱴﱠ أي‪ :‬في إختالفهم إن شئت أخذتهم في سفرهم‪ ،‬كما قال قَتَادة‪.‬‬
‫قال ابن جريج‪ :‬تقلبهم أن يأخذهم باللَّيل والنَّهار‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ أو يهلكهم بتخ ّوف‪ ،‬وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم ال َّشيء‬
‫بعد ال َّشيء حتى يهلك جميعهم‪.‬‬
‫عن عامر بن مسعود‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن عمر‪ ،‬أنَّه سألهم عن هذه اآلية‪ :‬ﱡﭐ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ فقالوا‪ :‬ما نرى إال أنَّه عند تنقص ما يردده من اآليات‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪« :‬ما أرى إاَّل َّأنه على م ا تنتقص ون من معاص ي هللا» ق ال‪ :‬فخ رج رج ٌل م َّمن‬
‫كان عند عمر‪ ،‬فلقي أعرابيًّ ا‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا فالن‪ ،‬م ا فع ل ربُّك؟ ق ال‪ :‬ق د تخيفت ه‪ ،‬يع ني‬
‫تنقصته‪ ،‬قال‪ :‬فرجع إلى عمر فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬قدر هللا ذلك‪.‬‬
‫أي وجود األعرابي عن ده إنهم يعرف ون العربي ة‪ .‬عن ابن عبَّاس‪ :‬على تخ وف‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫التَّنقيص والتفزيع‪ ،‬أي‪ :‬تخوف أو تنقص‪.‬‬
‫قال كذلك مجاهد وقال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﱹﱺﱻﱼﱠ فيعاقب أو يتجاوز‪.‬‬
‫قال ابن زيد‪ :‬ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ قال‪ :‬كان يقال التَّخوف التَّناقص ينقصهم من البلدان من‬
‫األطراف‪.‬‬
‫كما جاء في قوله‪ :‬ﱡﭐﲽﲾﲿﳀﳁﳂ ﳃﳄﳅﱠ[الرعد‪.]41 :‬‬
‫أي‪ :‬يم وت الرج ال ونقص من ع ددهم‪ ،‬أو تنقص في ال بيع الطبيع ة ب التَّلوث‪ ،‬ق ال‬
‫ضحَّاك ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ أي يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى يعذب القرية ويهلكها‬ ‫ال َّ‬
‫ويترك أخرى إلى جنبها‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱽ ﱾﱿﲀﲁ ﱠ إن لم يأخذ هؤالء الذين مكروا‬
‫السَّيئات بعذاب فعجل لهم وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض لرؤف بخلق ه‬
‫ورحيم بهم‪ ،‬ومن رأفت ه ورحمت ه بهم لم يخس ف بهم اآلرض ولم يعج ل لهم الع ذاب‪،‬‬
‫ولكن يخوفهم وينقصهم بموت‪.‬‬
‫ﱡﭐﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﱠ[النحل]‪.‬‬
‫أن الخطاب لجميع النَّاس‪ .‬وقرأ الباقون‬
‫قرأ حمزة والكسائي وخلف (تَ َروا) بالتَّاء على َّ‬
‫ﱡﭐﲃﱠبالياء خبرًا عن الذين يمكرون السَّيئات‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬أولَى القراءتين بالصَّواب قراءة من قرأ بالي اء على وج ه الخ بر عن‬
‫الذين مكروا السَّيئات‪ .‬فتأويل الكالم‪ :‬أولم يروا ه ؤالء ال ذين مك روا َّ‬
‫الس يئات إلى م ا‬
‫َّ‬
‫والش مائل‬ ‫خلق هللا في جسم قائم ش جر أو جب ل أو غ ير ذل ك يتفي أ ظالل ه عن اليمين‬
‫يرجع من موض ع إلى موض ع فه و في أ َّول النَّه ار على ح ال ث َّم يتقلص ث َّم يع ود إلى‬
‫الش مال في آخ ر‬ ‫حال أخرى في آخر النَّهار‪ .‬قال قَتَادة‪ :‬أ َّما اليمين ف أ َّول النَّه ار‪ ،‬وأ َّما ّ‬
‫النَّهار‪.‬‬
‫نقول كما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅﳆ ﱠ[آل عمران]؛ َّ‬
‫ألن في كل الفريقين يسجد هلل‪-‬تعالى‪-‬ويسلم إليه‪.‬‬
‫ضحَّاك وابن عبَّاس كما قال قَتَادة‪.‬‬
‫وكذلك قال ابن جريج وال َّ‬
‫ض َّحاك قال‪ :‬إذا فاء الفيء توجه كلُّ شي ٍء ساجدًا قبل القبل ة من بيت‬
‫وجاء أيضًا عن ال َّ‬
‫أو شجر قال فكانوا يستحبون الصَّالة عند ذلك‪.‬‬
‫ص لَّيت الفج َر ك ان بين مطل ع َّ‬
‫الش مس إلى‬ ‫وجاء عن ابن عبَّاس قال‪ :‬أولم ت ّر أنَّك إذا َ‬
‫مغربها ظاًل ‪ ،‬ث َّم بعث هللا عليه ال َّشمس دلياًل وقبض هللا الظِّل‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬أولَى األقوال في ذلك بالَّصواب أن يُقال‪ :‬إن هللا أخبر في هذه اآلية َّ‬
‫أن‬
‫ظالل األشياء هي التي تسجد وسجودها ميالنها ودورانها من ج انب إلى ج انب‪ ،‬كم ا‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬يقال من ذلك سجدت النَّخلة إذا مالت‪ ،‬وسجد البعير أو أسجد إذا أمي ل‬
‫للرُّ كوب‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﲒ ﱠ أي‪ :‬وهم صاغرون‪ ،‬قاله مجاهد وقَتَادة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬ولو كان الكافر يكفر باهلل‪-‬تعالى‪-‬بلس انه ولم يطع ه ويعص يه‪ ،‬ولكن يتفيّ ُأ ِظل ه‬
‫عن اليمين وال َّشمائل ساجدًا هلل وهو داخر هلل‪-‬تعالى‪-‬ومنقاد له ومسلم‪.‬‬
‫وكذلك قلبه يضرب بض ربات‪ :‬هللا‪ ،‬هللا‪ ،‬هللا‪ ،‬والكتاب ة في ه بلفظ ة الجالل هللا‪ ،‬وذرات ه‬
‫في خلقه يذكرون هللا‪-‬تعالى‪-‬ويسبحون له‪ ،‬ويحمدونه غصبًا عن كفره وكرهه‪.‬‬

‫ﱡﭐﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﱠ[النحل]‪.‬‬
‫الس ماوات وم ا في األرض من داب ة ي دبّ عليه ا‬ ‫وهلل يخضع ويستس لم ألم ره م ا في َّ‬
‫والمالئكة في السَّماوات‪ ،‬وهم ال يستكبرون عن الذ ّل له بالطَّاع ة‪ ،‬وال ذين ال يؤمن ون‬
‫باآلخرة قلوبهم منكرة‪ ،‬وهم مستكبرون وظاللهم تتفيأ عن اليمين والش مائل س جدًا هلل‪،‬‬
‫وهم داخرون‪.‬‬
‫نقول‪ :‬إن ضربات القلوب المؤمنة وغير المؤمنة ت ذكر هللا وتض رب بلفظ ة الجالل ة‪:‬‬
‫هللا‪ ،‬هللا‪ ،‬هللا‪ ،‬ث َّم كتب هللا في القلوب كتابة‪ :‬هللا‪.‬‬
‫ﱡﭐﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يخاف هؤالء المالئكة التي في السَّماوات وما في األرض من دابَّ ٍة ربَّهم من ف وقهم أن‬
‫ويؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫يعذبهم إن عصوا أمره‪ ،‬ويفعلون ما أمرهم به‪،‬‬

‫ﱡﭐﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﱠ[النحل]‪.‬‬
‫لعباده‪ :‬ال تتَّخذوا لي شري ًكا أيَّها النَّاس‪ ،‬وال تعبدوا معبودين ف إنَّكم إذا عب دتم‬
‫وقال هللا ِ‬
‫معي غيري جعلتم لي شري ًكا‪ ،‬وال شريك لي‪ ،‬إنَّما هو إل ه واح د ومعب ود واح د وه و‬
‫أنا‪ ،‬ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ أي‪ :‬فإيَّاي فاتقوا وخافوا عقابي بمعص يتكم إيَّاي إن عص يتموني‬
‫وعبدتم غيري وأشركتم في عبادتكم لي شري ًكا‪.‬‬
‫فيشاهد في النَّاس أنَّهم اتَّخذوا إلهً ا واح دًا ب اطاًل ‪ ،‬وك ان في جاهلي ة الع رب ك ان أب و‬
‫الش عرى‬ ‫كبشة أحد أج داد النَّبي من قِبَ ل أمهات ه‪ ،‬وه و أ َّول ال َع رب عب د النجم اس مه ِّ‬
‫ًا‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬ابن‬
‫وعبده إلهًا واحدًا‪ ،‬ولذلك كان مشركوا قريش يس ُّمون مح َّمد َ‬
‫أبي كبشة حين دعا إلى هللا وخالف أديانهم‪ ،‬قاله القرطبي‪.‬‬
‫ثم ُشوهد عند ملة زردشت اإليراني عبادة اإللهين وإله الخير وإل ه َّ‬
‫الش ر‪ ،‬وأخ ذ ذل ك‬
‫أه ل اإلع تزال ومنهم محم ود بن عم ر ال َّزمخش ري‪ ،‬وق ال هللا‪-‬تع الى‪-‬يخل ق الخ ير‬
‫والعباد يخلق ون َّ‬
‫الش ر‪ ،‬ث َّم في األت راك القديم ة منهم (ك وك ت رك) اتخ ذوا إليهين إل ه‬
‫السَّماوات وإله األرض وكذلك لدى العرب القديمة واليونانين الروم انين ك ثرة اآلله ة‬
‫ولدى النَّصارى‪ :‬التثليث‪.‬‬
‫د‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬من عند ربه باتخاذ إله واحد وه و هللا‪-‬تع الى‪-‬وذل ك‬
‫وجاء مح َّم َ‬
‫الدين السَّليم دين وملة إبراهيم واألنبياء المرسلين‪-‬عليهم الصَّالة والسَّالم‪ ،-‬وكان ق وم‬
‫إبراهيم البابليون يعبدون النَّجم واألصنام‪ ،‬وجاء في قوله تع الى‪ :‬ﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ‬
‫[النجم]‪ ،‬أي هللا‪-‬تعالى‪-‬أيضًا ربّ من َعبَ َد النَّجم ال ِّشعرى‪.‬‬

‫ﱡﭐﲽﲾﲿﳀ ﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﱠ[النجم]‪.‬‬
‫وهلل ملك السَّماوات واألرض من شيء ال شريك له في شيء من ذلك هو ال ذي خلقهم‬
‫وهو الذي يرزقهم وبيده حياتهم ومماتهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﱠ أي‪ :‬وله الطَّاعة واإلخالص دائ ًما ثابتًا واجبًا‪ ،‬وج اء ق ول‬
‫حسان‪[ :‬من المديد]‬
‫ب‬
‫ص ُ‬ ‫يح تَ ْ‬
‫سفِي بِ ِه ‪َ ‌ ...‬و َه ِزي ٌم ‌ َر ْع ُدهُ ‌ َوا ِ‬ ‫َغيَّ َر ْتهُ ِّ‬
‫الر ُ‬

‫واختلف أهل التَّأويل في تأويل الواجب‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬معناه ما قلنا‪ ،‬كما ج اء عن ابن‬
‫عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﳂﳃﳄﳅﱠ قال‪ :‬دائ ًما‪ ،‬وكذلك قال عكرمة ومجاهد وال َّ‬
‫ضحَّاك‪.‬‬
‫وقال اآلخرون‪ :‬الواصبُ في ه ذا الموض ع ال واجب‪ ،‬قال ه ابن عبَّاس‪ .‬وق ال مجاه د‪:‬‬
‫الدِّين في هذا الموضع اإلخالص‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ﱠ أي‪ :‬ترهبون أيَّها النَّاس‪ ،‬وتحذرون أن يسلبكم نِعمة هللا عليكم‬
‫بإخالصكم العبادة لربكم وإفرادكم الطَّاعة له‪ ،‬وما لكم نافع سواه‪.‬‬

‫ﱡﭐﳊﳋﳌ ﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وص حَّة وس المة وفي أم والكم من نم اء‬ ‫ما يكون بكم في أبدانكم أيَّها النَّاس من عافية ِ‬
‫فاهلل المنعم عليكم بذلك ال غيره؛ َّ‬
‫ألن ذلك إلي ه وبي ده‪ ،‬ث َّم إذا َّ‬
‫مس كم الض رُّ في أب دانكم‬
‫س قم وم رض وعلَّة عارض ة‪ ،‬وش ّدة من عيش فإلي ه تج أرون‪ ،‬وتص رخون بال ُّدعاء‬
‫الش ديد من ج وع أو غ يره‪،‬‬ ‫وتستغيثون به ليكشف ذلك عنكم‪ ،‬والجؤار‪ :‬رفع الصُّ وت َّ‬
‫ومنه قول األعمش يصف بقرة (‪[ :)17‬من الطويل]‬
‫فَطَافَتْ ثَالثًا بَ ْين يَ ْو ٍم ولَ ْيلَ ٍة ‪‌ ...‬وكان ‌النَّ ِكيُر أن تُضيفَ وت َْجَأرا‬

‫تضيق‪ :‬تشفق وتحذر‪ .‬والنَّكير‪ :‬اإلنكار‪.‬‬

‫أن ه ذه البق رة فقَ دَت ول دها فط افت تطلب ه ثالث لي ٍ‬


‫ال‬ ‫الص ياح‪ .‬والمع نى َّ‬
‫والج ؤار‪ِّ :‬‬
‫وأيامها وال إنكار عندها وال أنتصار مما عدا ولدها إاَّل أن تشفق وتحذر وتصيح‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﳕﳖﱠ تضرعون دعا ًء‪ .‬قال ابن عبَّاس‪ :‬الضّر‪ :‬السّقم‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﳘ ﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱠ[النحل]‪.‬‬


‫ث َّم إذا وهب ربُّكم العافية‪ ،‬ورفع عنكم ما أصابكم من المرض في أبدانكم من الشدة في‬

‫‪ )(17‬البيت في ديوانه ص ‪ ،٤١‬وكتاب سيبويه ‪.٥٦٣ /٣‬‬


‫معاشكم‪ ،‬وفرج البالء عنكم ﱡﭐ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﱠ أي‪ :‬إذا جماعة منكم يجعل ون هلل‬
‫شري ًكا في عبادتهم فيعبدون األوثان ويذبحون لهم ال ذبائح ش كرًا لغ ير من أنعم عليهم‬
‫بالفرج مما كانوا فيه من الضُّ ‪،‬ر ليكفروا بما آتيناهم من كشف الضُّ ر عنهمﱡﭐ ﱅ ﱆ‬
‫ﱇ ﱠ وهذا من هللا وعيد لهؤالء‪ ،‬وتهديد لهم‪ ،‬يقول تعالى‪ :‬تمتَّعوا في هذه الحياة ال ُّدنيا‬
‫إلى أن توافيكم آجالكم وتبلغوا الميقات الذي وقته لحياتكم وتمتعكم فيها ف إنَّكم من ذل ك‬
‫ستصيرون إلى ربِّكم فتعلمون بلقائه وبال ما كسبت أيديكم وتعرفون سوء مغبة أمركم‬
‫وتندمون حين ال ينفعكم النَّدم‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ويجعل هؤالء المشركون من عبدة األوثان ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋﱌﱍﱠ أي‪ :‬حظًا وجزاء مما‬
‫رزقن اهم من األم وال أش را ًكا منهم ل ه بال ذي يعلم ون إنَّه خلقهم وه و ال ذي ينفعهم‬
‫أن هللا خلقهم ويض رهم وينفعهم‪ ،‬ث َّم‬ ‫ويض رهم دون غ يره‪ ،‬ق ال مجاه د‪ :‬يعلم ون َّ‬
‫يجعلون لما ال يعلمون أنَّه يضرّهم وال ينفعهم نصيبًا م َّما رزقناهم‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬هم مشركو العرب جعلوا ألوثانهم نصيبًا مم ا رزقن اهم ج ز ًءا من أم والهم‬
‫يجعلونه ألوثانهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱠ وهللا أيَّها المشركون ليسألنكم هللا يوم القيامة عما‬
‫كنتم في ال ُّدنيا تف ترون وتختلق ون من الباط ل واإلف ك على هللا ب دعواكم ل ه ش ري ًكا‬
‫وتصييركم ألوثانكم فيما رزقكم نصيبًا‪ ،‬ث َّم ليعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نِعمة‬
‫وافتراءكم عليه‪.‬‬
‫ﱡﭐﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ ﱨﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومن جهل هؤالء المش ركين وخبث فعلهم وقبح ف ريتهم على ربهم‪ ،‬أنَّهم يجعل ون لمن‬
‫خلقهم ودبَّرهم وأنعم عليهم‪ ،‬فاستوجب بنعمه عليهم ال ُّشكر‪ ،‬واستحق عليهم الحمد ﱡﭐ ﱙ ﱠ‬
‫وال ينبغي أن يكون هلل ولد َذ َك ر وال أن ثى س بحانه‪ ،‬ن َّزهَ‪-‬ج َّل جاللُ ه‪-‬ب ذلك نفس ه ع َّما‬
‫أضافوا إليه ونسبوه من البنات‪ ،‬فلم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إليه ما ال ينبغي إضافته‬
‫إليه‪ ،‬وال ينبغي أن يكون له من الولد أن يض يفوا إلي ه م ا يش تهونه ألنفس هم ويحبون ه‬
‫لها‪ ،‬ولكنَّهم أضافوا إليه ما يكرهونه ألنفسهم‪ ،‬وال يرضونه لها من البنات ما يقتلونه ا‬
‫إذا كانت لهم البنات‪ ،‬ولهم ما يشتهون من البنون‪ ،‬ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱠ أي‪ :‬إذا بُشر أح ُد هؤالء‬
‫الذين جعلوا هلل البنات‪ ،‬فإذا بُشر أحدهم بوالدة البن ات ظ َّل وجه ه مس ودًا من كراه ة‬
‫لها‪ ،‬ﱡﭐﱦﱧ ﱠ قد كظم الحزن وامتأل غ ًّما بوالدتها‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬يجعلون هلل البنات يرضونهن هلل وال يرض ونهن ألنفس هم‪ ،‬وذل ك أنَّهم‬
‫دس ها في التُّراب‬
‫كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمس كها على ه ون أو َّ‬
‫وهي حيَّة‪ ،‬وقال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ وهذا صنيع مشركي العرب‪ ،‬أخبرهم هللا‪-‬‬
‫تعالى‪-‬بخبث صنيعهم‪ .‬فأ َّما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قس م هللا ل ه‪ ،‬وقض ا ُء هللا‬
‫خير من قضاء المرء لنفسه‪ .‬ولعمري ما يدري إنه خير؛ لرُبَّ جارية خير ألهله ا من‬
‫غالم‪ ،‬وإنَّما أخبركم هللا بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه‪ ،‬وكان أحدهم يغذو كلب ه ويئ د‬
‫ابنته‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﱦﱧ ﱠ قال‪ :‬حزين‪ .‬وقال ال َّ‬
‫ضحَّاك‪ :‬الكظيم‪ :‬الكميد‪.‬‬

‫ﱡﭐﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يتوارى هذا المبشر بوالدة األنثى من القوم فيغيب عن أبصارهم من سوء ما بُ ِّشر ب ه‪،‬‬
‫ممثاًل بين ﱡﭐﱲﱳﱴﱠ أي‪ :‬هوان أم يدسه في التُّراب يدفنه حيًّا‪.‬‬
‫قال ابن جريج‪ :‬ﱡﭐﱵﱶﱷﱸﱹﱠأي‪ :‬يئ ُد ابنته في التُّراب‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱠ أي‪ :‬اإلساء الحكم الذي يحكم هؤالء المشركون‪ ،‬وذلك أن‬
‫جعلوا هلل ما ال يرضون ألنفسهم‪ ،‬وجعلوا لما ال ينفعهم وال يضرهم شر ًكا فيما رزقهم‬
‫هللا وعبدوه‪.‬‬
‫ومن جه ٍة كانت العرب تعبد المالئكة‪ ،‬ويقولون‪ :‬إنَّهم بنات هللا‪.‬‬

‫ﱡﭐﱿﲀﲁ ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﱠ[النحل]‪.‬‬
‫للذين ال يؤمنون باآلخرة وال يصدقون بالمعاد والث واب والعق اب من المش ركين مث ل‬
‫السَّوء وهو القبيح‪ .‬ﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﱠ وهو األفضل واألطيب واألحسن واألجمل‪ ،‬وذلك‬
‫التوحيد واإلذعان بأنَّه ال إله غيره‪ .‬قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﱠ شهادة أن ال إله إاَّل هللا‪،‬‬
‫وفي خبر منه أيضًا‪ :‬المثل األعلى‪ :‬اإلخالص والتَّوحيد‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﲊﲋﲌ ﱠ أي‪ :‬وهللا ذو العزة التي ال يمتنع عليه معها عقوبة هؤالء المشركين‪،‬‬
‫وال عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إيَّاه‪ ،‬وال يعتذر عليه شيء أراده؛ َّ‬
‫ألن الخلق‬
‫خلقه واألمر أمره‪ ،‬حكيم في تدبيره ال يدخل في تدبيره خلل‪.‬‬
‫ﱡﭐﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ ﲣﲤﲥﲦﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ولو يؤاخذ هللا ُعصاة ب ني آدم بمعاص يهم ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ أي‪ :‬على األرض من دابَّة ت دبُّ‬
‫عليها‪ ،‬ولكن يُؤخر هؤالء الظَّلمة‪ ،‬فال يع اجلهم بالعقوب ة إلى أج ل مس َّمى إلى ال وقت‬
‫ال ذي وقّت لهم‪ ،‬ف إذا ج اء أجلهم ال وقت ال ذي في ه هالكهم ال يس تأخرون عن الهالك‬
‫ساعة فيمهلون قبل الهالك حتى يستوفوا آجالهم‪.‬‬
‫جاء عن أبي األحوص قال‪ :‬كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم‪ ،‬وقرأ هذه اآلية‪.‬‬
‫إن الظَّالم ال يض ّر إاَّل نفس ه‪،‬‬
‫عن أبي سلمة قال‪ :‬سمع أبو هري رة رجاًل ‪ ،‬وه و يق ول‪َّ :‬‬
‫فالتفت إليه فقال‪ :‬بلى وهللا إن الحبارى (الطير) لتموت في وكرها هزااًل بظلم الظَّالم‪.‬‬
‫قال ابن مسعود‪ :‬خطيئة ابن آدم قتلت الجعل‪.‬‬
‫قال الزهري قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﱠ قال‪ :‬نرى أنَّه إذا حضر أجله فال يؤخر‬
‫ساعة وال يق ّدم وما لم يحضر أجله‪َّ ،‬‬
‫فإن هللا يُؤخر ما شاء ويقدِّم ما شاء‪.‬‬
‫ﱡﭐﲧ ﲨﲩ ﲪﲫ ﲬﲭ ﲮﲯ ﲰﲱﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ‬
‫ﲺﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ويجعل هؤالء المشركون هلل ما يكرهونه ألنفسهم‪ ،‬أي‪ :‬البنات‪ .‬ويجعلونه هلل وزعم وا‬
‫أن المالئكة بنات هللا‪،‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﱠ أي‪ :‬يجعلون ألنفسهم ال ُّذكور من األوالد‪،‬‬
‫وكانوا يئدون اإلناث من أوالدهم ويس تبقون ال ذكور منهم‪ ،‬ويقول ون‪ :‬لن ا ال ذكور وهلل‬
‫البنات‪.‬‬
‫وجاء عن مجاهد قال‪ :‬قول قريش لنا البنون وهلل البنات‪.‬‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﱠ أي‪ :‬يتكلَّمون ب َّ‬
‫أن لهم الحُس نى‪ ،‬أي‪:‬‬
‫الغلمان‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ ،‬قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﱠ أي‪ :‬بلى‪ .‬وجاء عن سعيد بن جبير‪ :‬ﱡﭐ ﲳ ﲴ‬
‫أيض ا‪:‬‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ قال‪ :‬منس يون ومض يعون‪ ،‬وفي خ بر عن ه ً‬
‫مفرطون‪ :‬متركون في النَّار ومنسيون فيها‪ .‬كذلك قال ال َّ‬
‫ضحَّاك‪.‬‬
‫س ْع ٍد‪ ،‬قَ ا َل‪:‬‬ ‫س ْه ِل ْب ِن َ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬أنَّهم معجلون إلى النَّار مقدمون إليها‪ .‬ومن ه عَنْ َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ش ِر َ‬ ‫ض‪َ ،‬منْ َم َّر َعلَ َّي َ‬ ‫الح ْو ِ‬ ‫س لَّ َم‪ِ« :‬إنِّي فَ َرطُ ُك ْم َعلَى َ‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫قَا َل النَّبِ ُّي َ‬
‫ب لَ ْم يَ ْظ َم ْأ َأبَ دًا‪ ،‬لَيَ ِردَنَّ َعلَ َّي َأ ْق َوا ٌم َأ ْع ِرفُ ُه ْم َويَ ْع ِرفُ ونِي‪‌ ،‬ثُ َّم ‌يُ َح ا ُل ‌بَ ْينِي‬‫ش ِر َ‬‫َو َمنْ َ‬
‫(‪)18‬‬
‫‌ َوبَ ْينَ ُه ْم» (البخاري)‬

‫أي‪ :‬متقدمكم إليه وسابقكم حتى تردوه‪.‬‬


‫‪ )(18‬صحيح مسلم ‪ ،8/120‬رقم‪.)6583( :‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﲸﲹﲺﱠ قد فرطوا في النَّار‪ ،‬أي‪ :‬معجلون‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬مبعدون‪ .‬عن سعيد‪ :‬ﱡﭐﲸﲹﲺﱠمنسيون ومبعدون‪.‬‬
‫قال ابن جري ر‪ :‬أولَى األق وال في ذل ك الق ول ال ذي اخترن اه‪ ،‬وذل ك َّ‬
‫أن اإلف راط ه و‬
‫بمعنى التَّقديم‪.‬‬
‫قرأ نافع في رواية ورش ( ُم ْف ِرطُونَ ) بكسر الرَّاء وتخففها‪ .‬وهو قرأة ابن مسعود وابن‬
‫عبَّاس‪ ،‬معناه مسرفون في الذنوب والمعصية‪ .‬وقرأ أبو جعفر ( ُمفَ ِّرطُونَ ) بكسر الرَّاء‬
‫وتشديدها‪ ،‬أي‪ُ :‬مضيِّعُون أمر هللا في أداء الواجب‪.‬‬
‫ﱡﭐﲻﲼﲽﲾﲿﳀ ﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ ﳊﳋﳌﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال‪-‬تعالى‪ُ -‬مق ِس ًما بنفسه‪ :‬وهللا يا مح َّمد لقد أرسلنا من قَبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك‬
‫إلى أمتك من ال ُّدعاء إلى التوحيد هلل‪ ،‬وإخالص العبادة له‪ ،‬وإذعان له بالطَّاع ة‪ ،‬وخل ع‬
‫األنداد واأللهة‪ ،‬ﱡﭐ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﱠ ‪ ،‬وح َّسنَ ما كانوا عليه من كفر باهلل وعبادة األوثان‬
‫ومقيمين حتى كذبوا رسلهم‪ ،‬ور ُّدوا عليهم ما جاؤهم ب ه من عن د ربِّهم‪ ،‬ﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ﱠ‬
‫أي‪ :‬ناصرهم اليوم في ال ُّدنيا وبئس النَّاصر‪ ،‬ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﱠ في اآلخرة عند ورودهم على‬
‫ربِّهم‪ ،‬فال ينفعهم حينئذ والية َّ‬
‫الش يطان‪ ،‬وال هي نفعتهم في ال ُّدنيا‪ ،‬ب ل ض رَّتهم فيه ا‪،‬‬
‫وهي لهم في اآلخرة أضرّ‪.‬‬

‫ﱡﭐﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓ ﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وما أنزلنا يا مح َّمد عليك كتابنا وبعثناك رسواًل إلى خلقنا إاَّل لتبين لهم ما اختلفوا في ه‬
‫َّ‬
‫بالص واب من ه‬ ‫ق من الباط ل‪ ،‬وتقيم عليهم‬ ‫الص واب من ه والح ّ‬
‫من دين هللا‪ ،‬فتع رّفهم َّ‬
‫ُحجَّة هللا‪.‬‬
‫ى وبيانًا من الضَّاللة بذلك الكتاب ورحمة لقوم يؤمنون‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﱠ أي‪ :‬وهد ً‬
‫به‪ ،‬ويقرون بما تض َّمن من أمر هللا ونهيه ويعملون به‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ ﱏﱐﱑﱒﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وهللا أنزل من السَّماء مطرًا فأنبت بما أنزل من ذلك الم اء من َّ‬
‫الس ماء األرض الميت ة‬
‫التي ال زرع بها‪ ،‬وال عشب وال نبت‪ ،‬ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋ ﱠ بعد ما هي ميتة ال شيء فيها إن‬
‫األرض بعد موتها بما أنزلنا من َّ‬
‫الس ماء من‬ ‫َ‬ ‫في ذلك يقول‪-‬تعالى‪-‬ذكره‪َّ :‬‬
‫إن في إحيائنا‬
‫ما ٍء لدلياًل واضحًا وحجةً قاطعةً عذر من فكر فيهﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱠ يق ول‪ :‬لق وم يس معون ه ذا‬
‫القول‪ ،‬فيتدبرونه ويعقلونه‪ ،‬ويطيعون هللا بما دلهم عليه‪.‬‬

‫ﱡﭐﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫قرأ نافع وأبو جعفر وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بفتح النُّون (ن َْس قِ ْي ُكم)‪ ،‬من‬
‫سقى يَسقي‪ .‬وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بضم النُّون (نُ ْسقِ ْي ُكم)‪ ،‬من َأس قَى ي ُْس قِي‪.‬‬
‫وهي قرأة الكوفيين وأهل م ّكة‪ .‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱠ أي‪ :‬نسقيكم لبنًا نخرجه لكم من بين فرث‬
‫صا من مخالطة الدم والفرث ولم يختلط ب ه‪ .‬ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱠ يس وغ لمن ش ربه‪ ،‬فال‬ ‫ودم لبنًا خال ً‬
‫يغصُّ به‪ ،‬كما يغصُّ بعضُ الغاص ببعض ما يأكله من األطعمة‪.‬‬
‫الغاص‪ :‬الشيء الصَّلبُ ‪.‬‬
‫ﱡﭐﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ولكم أيضًا أيَّها النَّاس ِعبرة فيما نسقيكم من ثمرات النَّخيل واألعناب ما تتخ ذون من ه‬
‫َس َكرًا ورزقًا حسنًا مع ما نسقيكم من بطون األنعام من اللَّبن الخارج من الفرث والدم‪،‬‬
‫فقال بعضهم عنى بال ّس ْك ِر الخمر‪ ،‬وبالرزق الحس ن التَّم ر وال َّزبيب‪ ،‬إنَّم ا ن زلت ه ذه‬
‫اآلية قبل تحريم الخمر‪ ،‬ث َّم ُح ِّرمت بع ُد‪.‬‬
‫الس كر م ا ح رم من ش رابه‪ .‬وال رزق الحس ن م ا أح َّل من‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس قال‪َّ :‬‬
‫ثمرته‪.‬‬
‫وجاء عن أبي رزين‪ :‬ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱠ قال‪ :‬نزل هذا وهم يشربون الخمر‪ ،‬فكان هذا‬
‫قبل أن ينزل تحريم الخمر هي منسوخة‪.‬‬
‫ّ‬
‫والس كر‬ ‫والش عبي وأب و رزين ق ال َّ‬
‫الض حَّاك‪ :‬ال رّزق الحس ن الحالل‬ ‫ّ‬ ‫ق ال إب راهيم‬
‫الحرام‪ .‬وكذا ق ال مجاه د ق ال قَتَ ادة‪ :‬أ َّما ّ‬
‫الس كر فخم ور ه ذه األع اجم‪ ،‬وأ َّما ال رزق‬
‫الحسن فما تنتبذون وما تخللون وما تأكلون‪ ،‬ونزلت هذه اآلية ولم تحرم الخمر يومئ ذ‬
‫إنَّما جاء تحريمها بعد ذلك في سورة المائدة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬السّكر بمنزلة الخمر في التَّحريم‪ ،‬وليس بخمر‪ .‬وقالوا‪ :‬ه و نقي ع التَّم ر‬
‫وال َّزبيب إذا اشتد وصار يسكر شاربه‪ .‬كذلك قال ابن عبَّاس‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬أولَى األقوال في هذه اآلية‪ :‬وذلك أن السّكر في كالم العرب على أح د‬
‫الش راب‪ .‬والثَّاني‪ :‬م ا طعم من الطع ام‪ ،‬كم ا ق ال‬
‫أوجه أربعة أح دهما‪ :‬م ا أس كر من َّ‬
‫ال َّشاعر‪[ :‬من الرجز]‬
‫ب ‌اَأْل ْك َر ِمينَ َ‬
‫س َك َرا‬ ‫‌ َج َع ْلتُ ‌ َع ْي َ‬

‫أي‪ :‬طعا ًما‪.‬‬


‫والثالث‪ :‬السّكون من قول الشاعر‪[ :‬من الرجز]‬

‫َو َج َعلَتْ َعيْنُ ا ْل َح ُرو ِر تَ ْ‬


‫س ُك ُر‬
‫والرَّابع‪ :‬مص در‪ ،‬وك ان م ا يس كر من الش راب حرا ًم ا غ ير ج ائز لن ا أن نق ول ه و‬
‫منسوخ‪.‬‬
‫إن النَّبي ذ حالل م ا لم يتخ َّمر‪ .‬وك ذلك إذا ُغلي وأخ رج من ه ال َّزب د‪ ،‬وه و عن د‬
‫نق ول‪َّ :‬‬
‫الحنفية حالل ولم يسكر‪ ،‬وإذا تخ َّمر حرام‪.‬‬
‫وجاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ ﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱠ[النحل]‪.‬‬
‫الس كر وال رزق الحس ن من ثم رات‬ ‫وقد َذكر هللا‪-‬تع الى‪-‬في ه ذه اآلي ة نعمتَ ه باتِّخ اذ ّ‬
‫النَّخيل واألعناب‪ ،‬وتلك اآلية قبل تحريم الخمر ولم تحرم ه؛ ب ل ذك ره بأنَّه من نِعم ة‬
‫هللا غير‪ ،‬أنَّه‪-‬تعالى‪َ -‬ذك ر فيه ا م ا يتخ ذ من ثم رات النَّخي ل واألعن اب َس كرًا ورزقً ا‬
‫حسنًا‪ .‬فلعلَّه‪-‬تعالى‪َ -‬ذكره‪ -‬أعني بالسَّكر‪-‬على حدة وال ِّرزق الحسن على ح دة‪ ،‬ث َّم َذك ر‬
‫ورزقً ا‬
‫بأن في ذلك‪ ،‬أي‪ :‬في اتِّخ اذ من ثم رات النَّخي ل واألعن اب َس كرًا ِ‬ ‫بعد ذكرهما َّ‬
‫حسنًا‪ .‬ﱡﭐﱳﱠ أي‪ :‬بينة ظاهرة لمن اعتبر واتَّعظ‪ ،‬ولمن تفكر وعقل من هللا‪ ،‬أي‪ :‬من آيات‬
‫فإن العاقل يختار ِرزقًا حس نًا من الثَّم رات‪ ،‬وه و ال ِّرزق الطَّيب من جه ة العق ل‬ ‫هللا‪َّ .‬‬
‫والمنطق الذي ال يضر اإلنسان‪ ،‬بل ينفعه أو بل نفعه أكبر من ض ِّره‪ ،‬وال يخت ار من ه‬
‫ما يضره أو إثمه أكبر من نفعه‪ ،‬وهذا لمن ك ان ل ه موازن ة في العق ل والفهم والعم ل‬
‫ألن ال َعقل الفطر يختار ال ِّرزق النَّافع‪ ،‬وفيه الطَّيبة والمصلحة‪.‬‬
‫فطريًا؛ َّ‬

‫ﱡﭐﱷﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ألَهَ َم ربُّك يا مح َّمد النَّحل ايحاء إليها ﱡﭐﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﱠ أي‪ :‬م َّما‬
‫يبنون من السُّقوف فرفعوها بالبناء‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱷﱸﱹﱺ ﱠ َألهمها إلها ًما‪.‬‬
‫وقال معمر‪ :‬قذف في أنفسها ﱡﭐﱻﱼﱽﱾﱿﱠ‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬أمرها أن تأكل من الثَّمرات وأمرها أن تتبع سُبل ربِّها ذلاًل ‪ .‬وق ال ابن‬
‫زيد‪ :‬يعرشون الكرم‪.‬‬
‫ﱡﭐﲅﲆ ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ث َّم ُكلي أيَّتها النَّحلة من الثَّمرات ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﱠ أي‪ :‬فاسلكي طرق ربّك ذلاًل ‪ ،‬قال مجاهد‪:‬‬
‫ال يتو َّعر عليها مكان سلكته‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﲍﲎﱠمطيعة‪ ،‬قال ابن زيد‪ :‬الذلول الذي يُقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهم يخرجون بالنَّحل وهي تتبعهم قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﱠ أي‪ :‬يخرج من بطون‬
‫النَّح ِل شرابٌ هو العسل‪ ،‬مختلف ألوانه؛ َّ‬
‫ألن فيه أبيض‪ ،‬وأحمر‪ ،‬وأسمر‪ ،‬وغ ير ذل ك‬
‫من األلوان‪.‬‬
‫العس ل األس مر أق وى العس ل من أل وان العس ل األخ رى‪ ،‬مث ل أبيض يض رب إلى‬
‫الحمرة‪ .‬وقولهﱡﭐ ﲕﲖ ﱠ اختلف أهل التَّأويل‪ ،‬فقال مجاهد‪ :‬شفا ٌء للنَّاس‪ ،‬القرآن شفاء‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬بل ُأريد به العسل‪.‬‬
‫س لَّ َم‪ ،‬فَ َذ َك َر َأنَّ َأ َخ اهَ ْ‬
‫اش تَ َكى‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫عَنْ قَتَا َدةَ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬ج ا َء َر ُج ٌل ِإلَى النَّبِ ِّي َ‬
‫ق َأ َخا َك ع َ‬
‫َس اًل » ثُ َّم َج ا َءهُ فَقَ ا َل‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫«اذه َْب فَا ِ‬‫سلَّ َم‪ْ :‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬‫بَ ْطنَهُ‪ ،‬فَقَا َل النَّبِ ُّي َ‬
‫ق َأ َخ ا َك ع َ‬
‫َس اًل ‪ ،‬فَقَ ْد‬ ‫اس ِ‬ ‫«اذه َْب فَ ِ‬ ‫س لَّ َم‪ْ :‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ش َّدةً‪ ،‬فَقَا َل النَّبِ ُّي َ‬
‫َما َزا َدهُ ِإاَّل ِ‬
‫ال‪( .‬الطبري) (‪.)19‬‬ ‫شطَ ‌ ِمنْ ‌ ِعقَ ٍ‬ ‫سقَاهُ‪‌ ،‬فَ َكَأنَّ َما ‌نُ ِ‬
‫ب بَ ْطنُ َأ ِخي َك» فَ َ‬ ‫ق هَّللا ُ َو َك َذ َ‬
‫ص َد َ‬
‫َ‬

‫شربُ العسل باردًا يزيد اإلسهال‪ ،‬وشربه ساخنًا يح ّل القبض‪.‬‬


‫ﱡﭐ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وهللا خلقكم أيَّه ا النَّاس وأوج دكم ولم تكون وا ش يًئا‪ ،‬ال األله ة ال تي تعب دون من دون ه‬
‫فاعبد الذي خلقكم دون غيره‪ ،‬ث َّم يقبضكم ﱡﭐﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ قيل في خمس وسبعين‬
‫سنة‪.‬‬
‫وشاهدنا كبار ال ِّسنِّ يقرؤون القرآن عن ظهر القلب وعمرهم في الثمانين وأكثر‪ ،‬ف َّ‬
‫إن‬
‫أهل القرآن خارج هذا الوصف‪-‬يعني أرذل العُمر‪ ،-‬كما جاء بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱥ ﱦﱧ‬
‫ﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱰﱠ[التين]‪ ،‬أسفل سافلين‪ ،‬وهو‪ :‬أرذل العُمر‪ ،‬الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصَّالحات هم أهل القرآن‪.‬‬
‫قال علي رضي هللا عنه‪ :‬أرذل العمر‪ :‬خمس وسبعون سنةً‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﱠ أي‪ :‬كان يعلمه في شبابه‪ ،‬فذهب ذل ك‬
‫بالكبر ونسي فال يعلم منه شيًئا‪ ،‬وانسلخ من عقله‪ .‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﱠ َّ‬
‫إن هللا ال‬
‫‪ )(19‬تفسير الطبري ‪.17/250‬‬
‫ينسى وال يتغير علمه عليم بك ِّل ما ك ان يك ون ق دير على م ا ش اء ال يجع ل ش يًئا وال‬
‫يعجزه شي ٌء أراده‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﱠ‬
‫[النحل]‪.‬‬
‫ضل بعضكم على بعض في الرزق في ال ُّدنيا ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬ ‫وهللا أيَّها النَّاس ف َّ‬
‫ﳄﳅﳆ ﳇﱠ أي‪ :‬بمشركي مماليكهم فيما رزقهم من األموال واألزواج فهم فيه سواء‬
‫حتى يستووا في ذلك وعبيدهم‪ ،‬وه ذا مث ل ض رب هللا‪-‬تع الى‪-‬للمش ركين باهلل‪ .‬وقي ل‪:‬‬
‫إن المسيح بن مريم ابن هللا من النَّصارى‪.‬‬
‫إنَّما ُعني بذلك الذين قالوا‪َّ :‬‬

‫ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ أي‪ :‬أفبنِعمة هللا التي أنعمها على هؤالء المشركين من الرِّ زق الذي رزقهم في‬
‫ال ُّدنيا يجحدون بإشراكهم غير هللا من خلقه في سلطانه وملكه‪.‬‬
‫ق ال ابن عبَّاس‪ :‬لم يكون وا يش ركون عبي دهم في أم والهم ونس ائهم‪ ،‬فكي ف يش ركون‬
‫عبيدي معي في سلطاني‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬ﱡﭐﳌ ﳍﳎﱠ‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬هذه اآلية في شأن عيس ى ابن م ريم‪ ،‬يع ني ب ذلك نفس ه‪ ،‬إنَّم ا عيس ى‬
‫عبد‪ ،‬فيقول هللا‪ :‬وهللا ما تشركون عبيدكم في الذي لكم فتكونوا أنتم وهم س واء‪ ،‬فكي ف‬
‫ترضون لي بما ال ترضون ألنفسكم‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬مثل األلهة الباطل مع هللا‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬فهل منكم من أحد شارك إيمانهم فهم فيه سواء ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ وهذا مثل ضربه هللا‪،‬‬
‫فهل منكم من أح ٍد شارك مملوكه في زوجته وفي فراشه؟ فتعدلون باهلل خلق ه و ِعب اده‪،‬‬
‫ترض لنفس ك ه ذا فاهلل أح ق أن ي نزه من ه من نفس ك‪ ،‬وال تع دل باهلل أح دًا من‬
‫َ‬ ‫فإن لم‬
‫ِعباده وخلقه‪.‬‬
‫ﱡﭐﳐﳑﳒﳓﳔﳕ ﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝ ﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﳥﳦ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ‬
‫ﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وهللا الذي جعل لكم أيَّها النَّاس من أنفسكم أزواجًا‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه خلق من آدم زوجته حواء‪،‬‬
‫وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة‪ .‬قال قَتَادة‪ :‬وهللا خلق آدم ث َّم خلق زوجت ه من ه‪ ،‬ث َّم‬
‫جعل لكم بنين وحفَدَة‪.‬‬
‫ُ‬
‫والختن أب و‬ ‫اختلف أه ل التَّأوي ل في المعن يين بالحفَ دَة‪ ،‬فق ال بعض هم‪ :‬هم األخت ان‪،‬‬
‫المرأة وأقاربه (أختري الكبير)‪.‬‬
‫أختان الرجل على بناته‪ ،‬كما قال عبد هللا بن مسعود‪ :‬بنين وحفدة‪ .‬األختان ك ذلك ق ال‬
‫إب راهيم وابن جب ير‪ .‬ق ال ابن عبَّاس‪ :‬األص هار‪ .‬وق ال آخ رون‪ :‬هم أع وان الرَّج ل‬
‫وخدمه‪ .‬قاله ابن عبَّاس وعكرمة‪ ،‬من خدمك من ولدك‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ابنه وخادمه‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ﱡﭐﳜ ﳝ ﳞﳟ ﱠ أي‪ :‬من حالل المعاش واألرزاق واألقوات‪ .‬ﱡﭐﳠﳡ ﱠ أي‪ :‬يحرم عليهم‬
‫أولياء ال َّشيطان من البحائر والسَّوائب والوصائل‪ ،‬فيصدق هؤالء المشركون باهلل ﱡﭐﳢ‬
‫ﳣﳤﳥﱠ أي‪ :‬وبما أح َّل هللاُ لهم من ذلك وأنعم عليهم بإحالله يكفرون ينكرون تحليله‪،‬‬
‫ويجحدون أن يكون هللا أحلَّه‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬وأسكن ما يكون الرجل‪ ،‬فينسى كل شيئ‪ ،‬حينم ا قع د إلى الم رأة بين أربعه ا‪،‬‬
‫وحينما التقى الختانان‪.‬‬
‫ولذلك سنّت السنة السَّنية في بداية األمر‪.‬‬
‫سلَّ َم‪َ « :‬أ َما لَ ْو‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَا َل النَّبِ ُّي َ‬ ‫كما جاء في الحديث‪َ :‬ع ِن ا ْب ِن َعبَّا ٍ‬
‫ب الشَّيطان َم ا‬ ‫س ِم هَّللا ِ‪ ،‬اللَّ ُه َّم َجنِّ ْبنِي الشَّيطان َو َجنِّ ِ‬‫َأنَّ َأ َح َد ُه ْم يَقُو ُل ِحينَ يَْأتِي َأ ْهلَهُ‪ :‬بِا ْ‬
‫ش ْيطَانٌ ‌َأبَ دًا » ( البخ اري‪:‬‬ ‫َر َز ْقتَنَا‪ ،‬ثُ َّم قُ ِّد َر بَ ْينَ ُه َما ِفي َذلِ َك‪َ ،‬أ ْو قُ ِ‬
‫ض َي َولَ دٌ‪‌ ،‬لَ ْم ‌يَ ُ‬
‫ض َّرهُ ‌ َ‬
‫النكاح)‪.‬‬
‫فإن الليلة هي تتمة النَّهار من جهة السُّكان يسكنون فيها‬ ‫وكذلك اللَّيل يسكن فيه سكانه‪َّ ،‬‬
‫ويرتاحون ويتعطلون عن العمل ويسترخون وفي النَّهار يسبحون في العمل للحص ول‬
‫البعض‪ .‬ومن جه ة‬ ‫َ‬ ‫معاش ا‪ ،‬فيتم البعضُ‬ ‫ً‬ ‫على المعيشة‪ ،‬فأصبحت اللَّيالي سكنًا والنَّهار‬
‫أن اللَّيالي أكسب لآلخرة وأكثر بركة وأجرًا وفضاًل من النَّهار‪ ،‬إذ ج اء في قول ه ع َّز‬ ‫َّ‬
‫وجلَّ‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ ﱨﱩﱪﱫﱠ[المزمل]‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚﱛﱜﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ويعبد هؤالء المشركون باهلل من دونه أوثانًا ال تملك لهم رزقًا من السَّماوات؛ ألنَّه ا ال‬
‫أيض ا رزقً ا من‬
‫تقدر على إن زال قط رة منه ا إلحي اء م وت األرض ين وال تمل ك لهم ً‬
‫األرض؛ ألنَّها ال تقدر على إخراج شيء من نباتها وثماره ا لهم وال ش يًئا مم ا ع َّدد‪-‬‬
‫تعالى‪-‬في هذه اآلية‪ ،‬أنَّه أنعم به ا عليهم وال يس تطيعون‪ ،‬أي‪ :‬وال تمل ك أوث انهم ش يًئا‬
‫الس ماوات واآلرض هلل مل ك وال‬ ‫الس ماوات واألرض‪ ،‬ب ل هي وجمي ع م ا في َّ‬ ‫من َّ‬
‫تقدرون على شيء‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱠ أي‪ :‬فال تمثلوا األمثال وال تشتبهوا له األشباه‪ ،‬فإنَّه ال‬
‫مثل له وال شبه‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬األمثال األشباه‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱠ بعد اتِّخاذهم األصنام ال يجعل وا معي إلهً ا‬
‫غيري فإنَّه ال إله غيري‪.‬‬
‫قال قَتَ ادة‪ :‬ه ذه األوث ان ال تي تعب د من دون هللا م ا ال يمل ك لهم رزقً ا من َّ‬
‫الس ماوات‬
‫واألرض شيًئا وال يستطيعون ض ًّرا وال نف ًع ا وال حي اةً وال نش ورًا‪ .‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔﱕﱠفإنَّه أحد صمد لم يلد ولم يولد‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ‬
‫[النحل]‪.‬‬
‫شبه هللا لكم شبهًا أيَّه ا النَّاس للك افر من عبي ده والم ؤمن ب ه منهم‪ ،‬فأ َّما الك افر فإنَّه ال‬
‫يعمل بطاعة هللا‪ ،‬وال يأتي خيرًا وال ينفق في شيء من سبيل هللا ماله لغلبة خ ذالن هللا‬
‫عليه كالعبد المملوك الذي ال يقدر على شيء فينفع ه‪ .‬وأ َّما الم ؤمن باهلل يعم ل بطاع ة‬
‫هللا وينفق في سبيله ماله كالح ّر الذي آتاه هللا مااًل فهو ينفق منه س ًّرا وجه رًا‪ ،‬ب ِع ٍلم من‬
‫النَّاس وغير ِع ٍلم‪ .‬هل يستوي العبد الذي ال يملك شيًئا وال يقدر عليه‪ ،‬وهذا الح ّر الذي‬
‫ق َّدر رزقه هللا رزقً ا حس نًا فه و ينف ق كم ا وص ف‪ ،‬فك ذلك ال يس توي الك افر العام ل‬
‫بمعاصي هللا المخالف أمره والمؤمن العامل بطاعته‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ هذا مثل ضربه هللا للكافر‪ ،‬رزقه مااًل لم يقدم فيه خيرًا ولم‬
‫يعمل فيه بطاعة هللا‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ فهذا المؤمن أعطاه هللا مااًل‬
‫بالش كر معرف ة ح ق هللا فأثاب ه هللا على م ا رزق ه ال رزق‬‫فعمل فيه بطاعة هللا‪ ،‬وأخذ ُّ‬
‫المقيم ال َّدائم ألهل ه في الجنَّة‪ .‬ق ال هللا‪-‬تع الى‪ :‬ه ل يس تويان مثاًل وهللا ال يس تويان ﱡﭐ ﱵ‬
‫ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱠ ‪.‬‬
‫وج اء عن ابن عبَّاس ق ال‪ :‬الك افر إنَّه ال يس تطيع أن ينف ق نفق ة في س بيل هللا‪ ،‬ومن‬
‫رزقناه منا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه س ًّرا وجه ًرا‪ ،‬وهو المؤمن‪ ،‬وهذا المثل في النَّفقة‪.‬‬
‫صا دون ما تدعون أيَّها القوم من دونه من‬ ‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶﱷ ﱠ أي‪ :‬الحمد الكامل هلل خال ً‬
‫األوثان فإيَّاه فاحمدوا دونها‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱸﱹﱺﱻﱼﱠ أي‪ :‬لكن أكثر هؤالء الكفرة ال‬
‫يعلمون أن ذلك فهم بجهلهم بما يأتون ويذرون يجعلونها هلل شركاء في العبادة‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱽﱾﱿﲀ ﲁ ﲂﲃﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈﲉ ﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓ ﲔ ﲕ‬
‫ﲖﲗﲘﲙﲚﱠ[النحل]‪.‬‬
‫هذا مثل ضرب هللا لنفسه واآللهة التي تعبد من دونه فقال‪-‬تع الى‪ :‬ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ يعني بذلك الصَّنم أنَّه ال يسمع ش يًئا‪ ،‬وال ينط ق؛ ألنَّه إ َّما‬
‫ض ٍّر عنه‪ ،‬ﱡﭐ‬ ‫خشب منحوت‪ ،‬وإ َّما نحاس مصنوع ال يقدر على نفع من خدمه‪ ،‬وال دفع ُ‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﱠ أي‪ :‬عيال على ابن ع ِّمه وحلفائه‪ ،‬فكذلك الصَّنم ك ٌّل على م ا يعب ده‬
‫يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه كاألبكم من النَّاس الذي ال يقدر على شي ٍء‪ ،‬وهو ك ٌل‬
‫على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم‪ ،‬أينما يوجه ال يأت بخ ير؛ ألنَّه ال يفهم م ا يق ال‬
‫الص نم ال يعق ل م ا‬ ‫له‪ ،‬وال يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد‪ ،‬فهو ال يفهم عن ه‪ ،‬فك ذلك َّ‬
‫يقال له‪ ،‬فيأتمر ألمر من أمره‪ ،‬وال ينطق فيأمر وينهى‪ .‬قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ‬
‫ت بخ ير حيث توجَّه ومن ه و‬ ‫ﲕ ﱠ هل يستوي هذا األبكم الك ّل على م واله ال ذي ال ي أ ِ‬
‫ناطق ُمتكلم يأمر بالحق ويدعو إليه‪ ،‬وه و هللا الواح د القه ار‪ ،‬ال ذي ي دعو ِعب اده إلى‬
‫توحيده وطاعته ال يستوي هو‪-‬تعالى ج َّل ِذكره سبحانه‪ ،-‬وهذا الصَّنم‪.‬‬
‫وقوله‪ (:‬ﱡﭐﲖﲗ ﲘﲙ ﱠ وهو مع أمره بالعدل على طريق من الحق في دعائه إلى العدل‬
‫وأمره به مستقيم ال يعو ّج عن الحق وال يزول عنه‪.‬‬
‫واختلف أهل التَّأويل في المضروب له هذا المثل‪ ،‬فق ال بعض هم‪ :‬كم ا ج اء عن قَتَ ادة‬
‫قال‪ :‬هو الوثن هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل؟ قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﱠ‪ .‬كذلك قال مجاهد وقال آخرون‪ :‬بل كال المثَلَين للم ؤمن والك افر‪ ،‬كم ا روى عن‬
‫ابن عبَّاس‪ :‬الذي هو ك ّل على مواله هو الكافر‪ ،‬ومن يأمر بالعدل ه و الم ؤمن‪ ،‬وه ذا‬
‫مثل في األعمال‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬ﱡﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﱠ ‪ ،‬قال‪ :‬هو عثمان بن عفان‪ ،‬قال‪ :‬واألبكم ال ذي أينم ا‬
‫ير‪ ،‬ذل ك م ولى عثم ان بن عف ان‪ .‬وك ان عثم ان ينف ق علي ه ويكلّ ف‬ ‫ت بخ ٍ‬ ‫يُوجَّه ال يأ ِ‬
‫ويكفيه المؤن ة‪ ،‬وك ان اآلخ ر يك ره اإلس الم ويأب اه وينه اه عن الص دقة والمع روف‪،‬‬
‫فنزلت فيهما‪ ،‬وإنَّما اخترنا القول الذي اخترناه في المثل األ َّول؛ ألنَّه‪-‬تع الى‪َ -‬مثَّل مث ل‬
‫الكافر بالعبد‪ ،‬و َمثَّل المؤمن بالذي رزقه هللا ِرزقًا حسنًا فهو ينفق مم ا رزق ه هللا ِس ًّرا‬
‫وجهرًا‪.‬‬
‫ﱡﭐﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ ﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﱠ[النحل]‬
‫الس ماوات واألرض دون آلهتكم ال تي‬ ‫وهلل أيَّها النَّاس ملك ما غاب أبصاركم عن ه في َّ‬
‫تدعون من دونه‪ ،‬ودون ك ِّل ما سواه ال يملك ذلك أح ٌد سواه‪ ،‬وما أمر قيام السَّاعة التي‬
‫تنشر فيها الخلق للوقوف في موقف القيامة إاَّل كنظرة من البص ر؛ َّ‬
‫ألن ذل ك إنَّم ا ه و‬
‫أن يُقال له كن فيكون‪.‬‬
‫وجاء عن قَتَادة ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﱠ والسَّاعة كلمح البصر أو أقرب‪ ،‬قال أيضًا قَتَادة‪ :‬كلمح‬
‫البصر‪ ،‬قال هو أن يقول‪ :‬كن فهو كلمح البصر‪ ،‬وذلك أمر َّ‬
‫الس اعة أو أق رب من لمح‬
‫البصر‪ .‬ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ أي‪َّ :‬‬
‫إن هللا على إقامة السَّاعة في أقرب من لمح‬
‫البصر قادر وعلى ما يشاء من األشياء كلِّها ال يمتنع عليه شيء أراده‪.‬‬

‫ﱡﭐﲱ ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ ﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫وهللا أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعقلون شيًئا وال تعلمون فرزقكم عقواًل تفقهون بها‬
‫صركم بها ما لم تبصرون‪ ،‬وجعل لكم السَّمع تسمعون‬ ‫وتميزون بها الخير من ال َّشر وب َّ‬
‫به األصوات فيفقه بعضكم عن بعض ما تتمارون به بينكم‪ ،‬واألبص ار ال تي تعرف ون‬
‫بعض ا من بعض‪ ،‬ﱡﭐ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﱠ‬ ‫ً‬ ‫بها األشخاص فتتعارفون وتميزون بها‬
‫األفئدة‪ ،‬أي‪ :‬القلوب تعرفون بها األشياء فتحفظونها وتفكرون ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﱠ فعلنا ذلك بكم‬
‫فاشكروا هللا على ما أنعم به عليكم من ذلك دون اآللهة واألنداد‪ ،‬فجعلتم له ش ركاء في‬
‫ال ُّشكر‪ ،‬ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﱠ فقيل‪ :‬وجعل هللا لكم السَّمع‬
‫واألبصار واألفئدة قبل أن يخرجكم من بطون أمهاتكم وإنما أعطاهم العلم والعقل بع د‬
‫ما أخرجكم من بطون أمهاتكم‪.‬‬
‫ﱡﭐﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈ ﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ألم ت روا أيَّه ا المش ركون باهلل إلى الطَّير ُمس َّخرات في ج ِّو َّ‬
‫الس ماء‪ ،‬أي‪ :‬في ه واء‬
‫السَّماء بينها وبين األرض‪ ،‬كما قال إبراهيم بن عمران األنصاري‪[ :‬من البسيط]‬

‫َو ْيلُ ِّم َها ِمنْ ه ََوا ِء ا ْل َج ِّو طَالِبَةً ‪َ ...‬واَل َك َه َذا الَّ ِذي فِي ‌اَأْل ْر ِ‬
‫ض ‌ َم ْطلُ ُ‬
‫وب‬

‫الجو إاَّل باهلل وتسخيره َّإياها بذلك‪ ،‬ولو سلبها ما أعطاها‬


‫ِّ‬ ‫ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﱠ أي‪ :‬ما طيرانها في‬
‫من الطَّيران إن لم تقدر على النُّهوض ارتفاعًا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﳎﳏﳐﳑﳒﳓﱠ لقوم يقرُّ ون بوجدان ما تعاينه أبصارهم وتحسه حواسهم‪.‬‬
‫الس ماء لعالم ات ودالالت على‬‫إن في تسخير هللا الطَّير وتمكينه لها الطَّيران في ج ِّو َّ‬‫َّ‬
‫أن ال إله إاَّل هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأنَّه ال حظ لألص نام واألوث ان في األلوهي ة‪ .‬ق ال‬
‫قَتَادة ﱡﭐﳆﳇﳈ ﱠ أي‪ :‬في كبد السَّماء‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫جعل لكم أيَّها النَّاس من بيوتكم من الحجر أو المدَر سكنًا تسكنون أيَّام مقامكم في‬‫َ‬ ‫وهللا‬
‫دوركم وبالدكم‪ ،‬وجع ل لكم من جل ود األنع ام بيوتً ا‪ ،‬وهي ال بيوت من األنط اع‬
‫والفساطيط من ال َّشعر والصُّ وف وال وبَر‪ .‬ﱡﭐ ﱍ ﱠحمله ا وثقله ا ي وم ظعنكم من بالدكم‬
‫وأمصاركم ألسفاركم‪ ،‬ويوم إقامتكم في بالدكم وأمص اركم‪ ،‬ومن أص وافها وأوباره ا‬
‫وأشعارها أثاثًا‪.‬‬
‫وجاء عن مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱄﱅﱆﱠ قال‪ :‬تسكنون فيه‪.‬‬
‫وأ َّما األشعار فجمع شعر تُثقل عين ه وتخف ف وواح د َّ‬
‫الش عر ش عرة‪ ،‬وأ َّما األث اث فإنَّه‬
‫متاع البيت‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﱖﱠ أي‪ :‬األثاث المال‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬هي المتاع‪ .‬قال قَتَادة‪ :‬هو المتاع‪.‬‬
‫قال حميد بن عبد الرحمن‪ :‬هو الثِّياب‪.‬‬
‫ّ‬
‫والس جاد‪ ،‬واألقمش ة‪ ،‬وغ ير ذل ك من‬ ‫فنقول‪ :‬هي البطَّانيات‪ ،‬وال َّزرابي‪ ،‬والنَّم ارق‪،‬‬
‫أثاث البيت‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱠ إنَّه جعل ذلك لهم بال ًغا يتبلغون ويكتفون به إلى حين آجالهم للموت‪،‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬زينة ينتفعون به إلى حين‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱘﱙﱠأي‪ :‬إلى الموت‪.‬‬

‫وقوله ع َّز وجلَّ‪ :‬ﱡﭐ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱠ أي‪ :‬أخبية والخيام ﱡﭐ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ يقول‪ :‬تحملونها‬


‫بالخفَّة يوم سفركم‪ ،‬ويوم اإلقامة‪ ،‬وأنتم مقيمون‪ ،‬يضربون األخبي ة فتس كنون فيه ا في‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫البيوت من الطين‪ ،‬أو الحجر‪ ،‬أو الطوبة‪ ،‬أو الخرسانة المسلحة‪ ،‬أو غير المسلحة‪ ،‬أو‬
‫من الخشب‪ .‬وكذلك جعل هللا لكم من أصواف الغنم وأوبار اإلبل وأشعار المع ز أث اث‬
‫البيوت من السّجاد‪ ،‬ومتاعًا وغير ذلك‪ ،‬مثل األكسية واللِّحاف‪ ،‬والفرش‪ ،‬والج وارب‪،‬‬
‫والمناشف‪ ،‬والزرابي‪ ،‬وغيرها يتمتع ون به ا في الحي اة ال ُّدنيا أثاثً ا ومتا ًع ا‪ ،‬وزين ة‪،‬‬
‫ولباسًا‪ ،‬وبيوتًا‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬سقوا الركاب‪ ،‬فال ّركاب جمع الراحلة‪ ،‬وهي لفظة واحدة جاء جمعها على غير‬
‫قياس‪ ،‬وجاء في قوله ع َّز وج َّل‪:‬‬
‫ﱡﭐﱝﱞﱟ ﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱠ[الحشر]‪.‬‬
‫ّ‬
‫والس جاد‪ ،‬واألقمش ة‪ ،‬وغ ير ذل ك من‬ ‫فنقول‪ :‬هي البطَّانيات‪ ،‬وال َّزرابي‪ ،‬والنَّم ارق‪،‬‬
‫أثاث البيت‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ َّإنه جعل ذلك لهم بال ًغا يتبلغ ون ويكتف ون ب ه إلى حين آج الهم‬
‫للموت‪ .‬قال ابن عبَّاس‪ :‬زينة ينتفعون به إلى حين‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱘﱙﱠ أي‪ :‬إلى الموت‪.‬‬
‫ﱡﭐﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢ ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱ ﱲﱳﱴﱵﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومن نِعم ة هللا عليكم أيَّه ا النَّاس أن جع ل لكم م َّما خل ق من األش جار وغيره ا ظالاًل‬
‫تتظلون بها من ش َّدة الحرّ‪ ،‬وهي جمع الظّل‪ .‬قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﱠ قال‪ :‬ال َّشجر ومن غيرها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱡﱢ ﱣﱤﱥﱠ أي‪ :‬مواضع تسكنون فيها‪ ،‬وهي جمع ُك ّن‪ .‬مثل المغارات‪.‬‬
‫كما قال قَتَادة‪ :‬مغارات من الجبال يسكنون فيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱠ يعني الثِّياب القطن والكتان والصُّ وف وقمصها‪ .‬قال قَتَادة‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱫﱬﱭﱮﱠ أي‪ :‬دورعًا تقيكم الحرب أن يصل إليكم السِّالح‪.‬‬
‫وذلك من الحديد‪ ،‬كما قاله قَتَادة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱯﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱠ لنعمه‪ ،‬أي‪ :‬لتخضعوا هلل بالطَّاعة‪ ،‬وتذل منكم بتوحيده النُّفوس‬
‫وتخلصوا له العب ادة‪ .‬وق رأ ابن عبَّاس‪( :‬لَ َعلَّ ُك ْم ت َْس لَ ُمونَ ) بِفَ ْت ِ‬
‫ح التَّا ِء‪ ،‬أي‪ :‬من الج راح‪،‬‬
‫وتلك القراءة َّ‬
‫شاذة‪.‬‬
‫وتلك النِّعم ألصحاب الجبال‪ ،‬أال ترى إلى قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ‬
‫[النحل]‪ ،‬وما جعل لكم من غ ير ذل ك أعظم من ه وأك ثر ولكنَّهم ك انوا أص حاب َوبَ ٍر‬
‫َو َشعْر‪ ،‬وما أن زل هللا‪-‬تع الى‪-‬من الثّلج أعظم وأك ثر‪ ،‬ولكنَّهم ك انوا ال يعرف ون ب ه أال‬
‫ترى إلى قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱠ وما تقي من البرد أكثر وأعظم‪ ،‬ولكنَّهم ك انوا أص حاب‬
‫الحرّ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذكر ذلك خاصة اإلكتفاء وبذكر أحدهما من ذكر اآلخر إذ ك ان معلو ًم ا‬
‫عند المخاطبين به معناه‪َّ :‬‬
‫وإن سرابيل تقي الح َّر أيضًا والبرد‪.‬‬
‫إن الق وم ُخوطب وا على ق در‬ ‫ق ال ابن جري ر‪ :‬أولَى الق ولين في ذل ك ق ول من ق ال‪َّ :‬‬
‫معرفتهم‪ ،‬وكان في ِذك ر بعض ذل ك دالل ة على م ا ت رك ِذك ره لمن ع رف الم ذكور‬
‫والمتروك‪ ،‬وذلك إنَّما عدد هللا نعمه التي أنعمها على الذين قصدها بال ِّذكر هذه السُّورة‬
‫دون غيرهم‪.‬‬
‫ﱡﭐﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ ﲂﲃﲄﱠ[النحل]‪.‬‬
‫فإن أدبر هؤالء المشركون يا مح َّمد ع َّما أرسلتك به إليهم من الحق‪ ،‬فلم يس تجيبوا ل ك‬ ‫َّ‬
‫وأعرضوا عنه‪ ،‬فما عليك من لوم وال ع َْذ ٍل؛ ألنَّك قد أ َّديت ما عليك في ذلك‪ ،‬إنَّه ليس‬
‫عليك إاَّل بالغهم ما أرسلت به‪.‬‬
‫ويعني بقوله‪ :‬ﱡﭐﱻﱠ الذي يبين لمن سمعه حتَّى يفهمه‪.‬‬
‫فإن أهل التَّأويل اختلفوا في المعنى بالنِّعمة التي‬ ‫وأما قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﱠ َّ‬
‫أخبر هللا‪-‬تعالى‪-‬ذك ره عن ه ؤالء المش ركين أنَّهم ينكرونه ا م ع مع رفتهم به ا‪ ،‬فق ال‬
‫بي‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬عرفوا نبوته ث َّم جحدوها َّ‬
‫وكذبوه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بعضهم‪ :‬هو النَّ‬

‫كذلك قال ال ُّسدِّي وقال آخرون‪ :‬إنَّهم يعرفون ما َّعدد هللا في هذه السُّورة من النِّعم من‬
‫وأن هللا هو المنعم بذلك عليهم‪ ،‬ولكنَّهم ينك رون ذل ك ف يزعمون أنَّهم ورث وه‬ ‫عند هللا‪َّ ،‬‬
‫عن آبائهم‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱽﱾﱿﲀﲁ ﱠ قال‪ :‬هي المساكن واألنعام‪ ،‬وما يرزقون‬
‫منها والسَّرابيل من الحديد والثِّياب يعرف هذا الكفار قريش‪ ،‬ث َّم ينكرون ه ب أن يقول وا‪:‬‬
‫هذا كان آلبائنا فروحونا إيَّاه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كما قال عبد هللا بن عتيبة قال‪ :‬إنكارهم إيَّاه أن يق ول الرَّج ل ل وال فالن‬
‫ما كان كذا وكذا‪ ،‬ولوال فالن ما أصاب كذا وكذا‪ ،‬ومثل ذلك القوم ويظل فالن أص يب‬
‫كذا وكذا‪.‬‬
‫أن الكفار إذا قيل لهم‪ :‬من رزقكم؟ أقروا َّ‬
‫بأن هللا ه و ال ذي رزقهم‪،‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬ذلك َّ‬
‫ث َّم ينكرون ذلك بقولهم‪ :‬رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬أولَى األقوال قول من قال‪ :‬ع نى بالنِّعم ة ال تي ذكره ا هللا في قول ه‪ :‬ﱡﭐ‬
‫وس لَّم‪-‬إليهم داعيً ا إلى م ا‬
‫صلَّى هللا علي ه َ‬
‫ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ النِّعمة عليهم بإرسال مح َّمد‪َ -‬‬
‫هللا‪-‬ص لَّى‬
‫َ‬ ‫أن هذه اآلية بين األيتين كلتاهما خ بر عن رس ول‬ ‫بعثه بدعائهم إليه‪ ،‬وذلك َّ‬
‫هللا عليه و َسلَّم‪ ،-‬وع َّما بعث به‪ .‬فأولى بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده إذ لم‬
‫يكن معنى يد ّل على إنصرافه ع َّما قبله وعما بعده‪ .‬فالذي قبل هذه اآلية قول ه‪ :‬ﱡﭐ ﱶ ﱷ‬
‫ﱸﱹ ﱺﱻﱼﱠ وما بعده ﱡﭐﲅﲆﲇﲈﲉ ﲊﱠ وهو رسولها‪ .‬فإذا كان كذلك فمعنى‬
‫اآلية يعرف هؤالء المشركون باهلل نِعم ة هللا عليهم ي ا مح َّمد‪ ،‬ث َّم ينكرون ك ويجح دون‬
‫نبوتك‪ ،‬وأكثرهم الكافرون‪.‬‬
‫ﱡﭐﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ ﲓﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يعرفون نِعمة هللا ث َّم ينكرونها اليوم ويستنكرون ي وم البعث من ك ِّل أ َّمة ش هيدًا‪ ،‬وه و‬
‫ال َّشاهد عليها بما أجابه داعي هللا‪ ،‬وهو رسولهم الذي أرسل إليهم‪ ،‬ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ‬
‫أي‪ :‬ث َّم ال يؤذن للذين كفروا في اإلعتذار فيعتذروا م َّما كانوا باهلل وبرسوله يكفرون‪ ،‬ﱡﭐ‬
‫ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ فيتركوا والرجوع إلى ال ُّدنيا فينيبوا ويتوبوا‪ ،‬وذلك كما قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﱠ[المرسالت]‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬وشاهدها نبيها على أنَّه بلغ رساالت ربه‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬
‫ﲂﲃﱠ[النساء]‪.‬‬
‫ﱡﭐﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وإذا ع اين ال ذين ك ذبوك ي ا مح َّمد وجح دوا نب َّوت ك واألمم ال ذين ك انوا على منه اج‬
‫مشركي قومك عذاب هللا فال ينجيهم من عذاب هللا شيء؛ ألنَّهم ال يؤذن لهم فيعتذرون‬
‫ألن وقت التَّوب ة‬
‫فيخفف عنهم العذاب بالعذر الذي يدعونه‪ ،‬والهم يرجئ ون بالعق اب؛ َّ‬
‫واإلنابة قد فات فليس ذلك وقتًا لهما‪ ،‬وإنَّما هو وقت للجزاء وعلى األعمال‪ ،‬فال ينظر‬
‫بالعتاب ليعتب بالتَّوبة‪.‬‬
‫ﱡﭐﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وإذا رأى المشركون باهلل يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون هللا من اآللهة واألوثان‬
‫وغير ذلك‪ .‬ﱡﭐ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ في الكفر وال ِّشركاء الذين كنَّا ندعوهم آلهة من دونك‪ .‬قال هللا‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﱠ يعني شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم من دون هللا ﱡﭐ ﲱ ﱠ يق ول‪ :‬ق الوا‬
‫لهم‪ :‬إنَّكم لكاذبون أيَّها المشركون‪ ،‬ما كنَّا ندعوكم إلى عبادتنا‪ ،‬ق ال مجاه د‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱﱠ قال‪ :‬حدثوهم‪.‬‬
‫ﱡﭐﲵ ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫فألقى المشركون ﱡﭐ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﱠ أي‪ :‬استسلموا يومئذ وذلوا لحكمه فيهم‪،‬‬
‫ولم تغن عنهم آلهتهم ال تي ك انوا ي دعون في ال ُّدنيا دون هللا وت برأت منهم ق ومهم‬
‫وعشائرهم الذين كانوا في ال ُّدنيا يدافعون عنهم‪ .‬ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱠ أي‪ :‬وأخطأهم‬
‫الش فاعة عن د هللا بالنَّج اة‪ .‬ق ال قَتَ ادة‪ :‬ذلُّوا واستس لموا‬
‫من آلهتهم ما كانوا ي أملون من َّ‬
‫يومئذ وض َّل عنهم ما كانوا يفترون‪.‬‬
‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱠ[النحل]‪.‬‬
‫الذين جحدوا يا مح َّمد نب َّوتك وكذبوك فيما جئتهم به من عند ربِّك وصدوا عن اإليم ان‬
‫باهلل وبرسوله من أراده زدناهم عذابًا يوم القيامة في جهنَّم ف وق الع ذاب ال ذي هم في ه‬
‫َّات‪ .‬قال عبد هللا بن مسعود‪ :‬زيدوا عق ارب‬ ‫الزيادة عقاربٌ وحي ٌ‬
‫قبل أن يزادوه‪ .‬وقيل‪ِّ :‬‬
‫لها أنياب كالنَّخ ل الطّ وال‪ .‬ق ال ُّ‬
‫الس دِّي عن عب د هللا‪ :‬أف اعي في النَّار‪ .‬وعن مجاه د‪:‬‬
‫لجهنَّم جبابًا فيها حيَّات أمثال البخت‪ ،‬وعقارب أمثال البغال‪ ،‬ألدهم يستغيث أه ل النَّار‬
‫إلى تل ك الجب اب أو الس احل فتثبت إليهم‪ ،‬فتأخ ذ بش فاههم وش فارهم إلى أق دامهم من‬
‫ّ‬
‫والش فاه من الفم إلى أق دامهم فيس تغيثون منه ا إلى‬ ‫شفار من غطاء العين إلى أقدامهم‪،‬‬
‫النَّار‪ ،‬فيقولون‪ :‬النَّار النَّار فتتبعهم حتى تجد حرَّها فترجع‪ ،‬وهي في أسراب‪.‬‬
‫وعن عب د هللا بن عم ر ق ال‪ :‬لجهنَّم س واحل فيه ا حيَّات وعق ارب أعناقه ا كأعن اق‬
‫البخت‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱠ زدناهم ذلك العذاب على ما بهم من العذاب بما كانوا في‬
‫ال ُّدنيا يعصون هللا ويأمرون ِعباده بمعصيته كان إفس ادهم إنَّا نس ألك العافي ة في ال ُّدنيا‬
‫واآلخرة الباقية‪.‬‬
‫ﱡﭐﱏﱐﱑﱒ ﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦﱧﱨﱩﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱠ أي‪ :‬نسأل نبيهم الذي بعثناه إليهم لل ُّدعاء إلى‬
‫طاعتنا‪ ،‬فإذا أجابوكم وما ردوا عليكم وجئنا بك يا مح َّمد شاهدًا على قومك ماذا عملوا‬
‫فيما أرسلتك به إليهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱠ أي‪ :‬ننزل عليك هذا القرآن بيانًا لك ِّل ما بالنَّاس إليه الحاجة من معرفة‬
‫الحالل والحرام والثَّواب والعقاب‪ ،‬وهدى من الضَّاللة ورحمة لمن صدق به‪ ،‬وعم ل‬
‫بما فيه من حدود هللا وأمره ونهيه‪ ،‬فأح َّل حالله وحرَّم حرامه وبش ارة لمن أط اع هللا‪،‬‬
‫يُبشر بجزيل ثوابه في اآلخرة وعظيم كرامته‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱢﱣﱤﱠ قال‪ :‬مما أح َّل وحرَّم‪.‬‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬ما ُأمروا به ونهوا عنه‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬أنزل في هذا القرآن ك ّل ِعلم‪ ،‬وك ّل شي ٍء‪ ،‬قد بيَّن لن ا في الق رآن ث َّم‪،‬‬
‫تال هذه اآلية‬
‫ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮ ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ ﱼﱠ[النحل]‪.‬‬
‫إن هللا ي أمر في ه ذا الكت اب ال ذي أنزل ه إلي ك ي ا مح َّمد بالع دل ه و اإلنص اف‪ ،‬ومن‬‫َّ‬
‫اإلنصاف اإلقرار بمن أنعم علينا بنعمته‪ ،‬وال ُّشكر له على أفضاله‪ ،‬وتولي الحمد أهله‪،‬‬
‫وإذا كان ذلك هو العدل ولم يكن لألوثان واألصنام عندنا يد تستحق الحم د علين ا ك ان‬
‫جهاًل بنا حمدها وعبادتها‪ ،‬وهي ال تنعم فتشكر‪ ،‬وال تنفع فتعبد‪ ،‬فلزمنا أن نش هد أن ال‬
‫إله إاَّل هللا وحده ال شريك له‪.‬‬
‫جاء عن ابن عبَّاس‪ :‬العدل ش هادة أن ال إل ه إاَّل هللا‪ ،‬واإلحس ان ال ذي أم ر ب ه هللا م ع‬
‫الص بر هلل على طاعت ه فيم ا أم ر ونهى في ِّ‬
‫الش دة‪ ،‬والرَّخ اء‪ ،‬والمك ره‪،‬‬ ‫العدل‪ ،‬وهو َّ‬
‫والمنشط‪ ،‬وذلك هو أداء فرائضه‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬واإلحسان إداء فرائضه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱱﱲﱠ إعطاء ذي القربى الحق الذي أوجبه هللا عليك بسبب القرابة والرَّحم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱳﱴﱵﱶﱠ أي‪ :‬ال ِّزنا‪ ،‬قاله ابن عبَّاس‪.‬‬
‫ُّ‬
‫والظلم‪ ،‬قاله ابن عبَّاس‪ .‬وأصلُه التَّعدي ومجاوزة الحد من ك ِّل‬ ‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱷﱸ ﱠ ال ِكبر‬
‫شي ٍء‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱹ ﱠ أي‪ :‬يذكركم أيَّها النَّاس ربَّكم؛ لتذكروا أيها النَّاس فتبيَّنوا إلى أمره ونهيه‬
‫وتعرف الحق إلهله‪.‬‬
‫وقال ابن عيينة‪ :‬في تأويل معنى (العدل) في هذا الموضع‪ :‬استواء السَّريرة والعالنية‬
‫من ك ِّل عامل هلل عماًل ‪ ،‬ومعنى اإلحسان أن تك ون س ريرته أحس ن من عالنيت ه‪ ،‬وأن‬
‫الفحشاء والمنكر أن تكون عالنيته أحسن من سريرته‪ ،‬قاله عبد هللا بن مسعود‪.‬‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬في تأويل ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ اآلية‪ ،‬إنَّه ليس من ُخلُق حسن كان أهل الجاهلية‬
‫يعملون به‪ ،‬ويستحبونه إاَّل أمر هللا به‪ ،‬وليس من خلق سي ٍء كانوا يتعايرون ه بينهم إاَّل‬
‫نهى هللا عنه وقدم فيه‪ .‬وإنَّما نهى عن سفاسف اإلخالق ومذا ِّمها‪.‬‬
‫ﱡﭐﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وأوف وا بميث اق هللا إذا واثقتم وه وعق ده إذا عاق دتموه فأوجس تم ب ه أنفس كم حقًّ ا لمن‬
‫عاقدتموه به وواثقتموه عليه ﱡﭐ ﲂﲃﲄ ﲅ ﲆ ﱠ أي‪ :‬وال تخالفوا األمر الذي تعاقدتم‬
‫في ه اإليم ان بع د م ا ش ددتم األيم ان على أنفس كم‪ ،‬فتحنث وا في أيم انكم وتك ذبوا فيه ا‬
‫وتنقض وها بع د إبرامه ا‪ ،‬وق د جعلتم هللا عليكم كفياًل بالوف اء بم ا عاق دتم علي ه على‬
‫أنفسكم راعيًا بعهد هللا الذي عاهدتم على الوفاء به‪.‬‬
‫وس لَّم‪ ،-‬وفيهم‬
‫هللا‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫فقال بعض هم‪ :‬ع نى هللا به ا ال ذين ب ايعوا رس ول‬
‫وس لَّم‪-‬‬
‫صلَّى هللا علي ه َ‬‫أنزلت كما جاء عن بريدة قال‪ :‬أنزلت هذه اآلية في بيعة النَّبي‪َ -‬‬
‫كان من أسلم بايع على اإلسالم‪ ،‬فقال‪ :‬أوفوا بعهد هللا إذا عاهدتم هذه البيعة التي بايعتم‬
‫د‪-‬صلَّى هللا‬
‫على اإلسالم‪ ،‬وال تنقضوا األيمان بعد توكيدها البيعة‪ ،‬فال يحملكم قِلة مح َّم َ‬
‫عليه و َسلَّم‪-‬وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقض وا البيع ة ال تي ب ايعتم على اإلس الم‪،‬‬
‫وإن كان فيهم قِلَّة والمشركين فيهم كثرة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت في الحلف ال ذي ك ان أه ل ِّ‬
‫الش رك تح الفوا في الجاهليَّة ف أمرهم‬
‫هللا‪-‬تعالى‪-‬في اإلسالم أن يوفوا به وال ينقضوه‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﲂﲃﲄ ﲅﲆﱠ قال‪ :‬تغليظها في الحلف‪ .‬وكذلك قال قَتَادة وابن زيد‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬والصَّواب من القول أن يُقال‪َّ :‬‬
‫إن هللا أمر ِعباده في ه ذه اآلي ة بالوف اء‬
‫بعهوده ونهاهم عن نقض األيمان بعد توكيدها على أنفسهم آلخرين بعقود تك ون بينهم‬
‫صلَّى هللا عليه‬ ‫بح ّ‬
‫ق م َّما ال يكرهه هللا جائز أن تكون نزلت في الذين بايعوا رسول هللا‪َ -‬‬
‫و َسلَّم‪-‬عن نقض بيعتهم ح ذرًا عن قِل ة ع دد المس لمين‪ ،‬وك ثرة ع دد المش ركين‪ ،‬وأن‬
‫تكون نزلت في الذين أرادوا اإلنتقال بحلفهم عن حلفائهم لقلة عددهم في آخرين لك ثرة‬
‫عددهم‪ ،‬وجائز أن يكون في غير ذلك‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﲇﲈﲉﲊﲋﲌﱠأي‪ :‬وكياًل ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﱠفي العهود التي تعاهدون هللا من الوفاء بها واألحالف واأليمان‬
‫التي تؤ ِّكدونها على أنفسكم أتبرّون فيها أم تنقضونها؟ وغ ير ذل ك من أفع الكم ُمحْ ٍ‬
‫ص‬
‫ذلك كلّه عليكم‪ ،‬وهو ُمسائلكم عنها وعما عملتم فيها فاح ذروا هللا أن تلق وه‪ ،‬وق د خنتم‬
‫فيها أمره ونهيه فتستوجبوا بذلك منه وإاَّل قيل لكم به من أليم عقابه‪.‬‬

‫ﱡﭐﲓﲔﲕﲖ ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰ‬


‫ﲱﲲﲳﲴﲵ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وال تكونوا أيَّه ا النَّاس في نقض كم أيم انكم بع د توكي دها وإعط ائكم هللا بالوف اء ب ذلك‬
‫العهود والمواثيق‪ ،‬ﱡﭐﲕﲖ ﲗﲘﲙﲚﱠ أي‪ :‬من بعد إبرام‪ .‬وقيل‪ :‬كانت تفعل ذلك امرأة‬
‫حمقاء معروفة بمكة‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن كثير‪ :‬ﱡﭐ ﲖﲗﲘﲙﲚﱠ قال‪ :‬خرقاء كانت بمكة تنقضه بعد ما تبرمه‪.‬‬
‫وكذلك قال ال ُّسدِّي وقال آخرون‪ :‬إن َّما مث ٌل ضربه هللا لمن نقض العه د‪ ،‬فش بَّهه ب امرأ ٍة‬
‫تفعل هذا الفعل‪ ،‬وقالوا‪ :‬معنى ﱡﭐ ﲖﲗﲘﲙﲚﱠ نحو‪ :‬م َّما قُلنا‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم‪ :‬ما أحم ق ه ذه‪ ،‬وه ذا‬
‫مثل ضربه هللا لمن نكث عهده‪.‬‬
‫وجاء عن مجاهد‪ :‬ﱡﭐﲓﲔﲕﲖ ﲗﲘﲙﲚﱠ قال‪ :‬غزلها‪ ،‬جعلها تنقضه بعد إبرامها إيَّاه‬
‫وال تنتفع له بعد‪.‬‬
‫كذلك قال ابن زيد‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إذا ضرب هللا مثاًل بشي ٍء لشي ٍء ال ب َّد ه ذا مث ٌل واق عٌ‪ ،‬وليس مث ل بال وق وع‪،‬‬
‫مثل األساطير األولين‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﱠ أي‪ :‬أكثر معناه‪ :‬فعليكم بوفاء العهد‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲨﲩ ﲪﲫﲬﱠ أي‪ :‬يختبركم هللا بأمره إيَّاكم بالوفاء بعهد هللا إذا عاهدتم ليتبين‬
‫المطيع منكم المنتهي إلى أمره ونهيه من العاصي المخالف أمره ونهيه‪ .‬ﱡﭐ ﲭ ﲮ‬
‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ أي‪ :‬ليبينن لكم أيَّها النَّاس ربّكم يوم القيامة إذ وردتم‬
‫عليه بمجازاة ك ّل فريق منكم على عمله في ال ُّدنيا‪ ،‬المحس ن منكم بإحس انه والمس يء‬
‫بإساءته‪ ،‬ما كنتم فيه تختلفون‪ .‬وال ذي ك انوا في ه يختلف ون في ال ُّدنيا‪ ،‬إن الم ؤمن باهلل‬
‫كان يق ّر بوحدانية هللا ونب َّوة نبيه ويصدق بما ابتعث به أنبياءه‪ .‬وكان يك ذب ب ذلك كل ه‬
‫هللا‪-‬تعالى‪-‬عباده‪ ،‬يبيّن لهم عند ورودهم‬
‫ِ‬ ‫الكافر فذلك كان اختالفهم في ال ُّدنيا الذي وعد‬
‫عليه بما وصفنا من البيان‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬
‫ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ولو شاء ربُّكم أيَّها النَّاس للطف بكم بتوفي ق من عن ده فص رتم جمي ًع ا جماع ة واح دةً‬
‫وأهل ِملةً واحدةً ال تختلفون وال تتفرَّقون‪ ،‬ولكنَّه‪-‬تعالى‪-‬خالف بينكم فجعلكم أه ل ِمل ل‬
‫شتَّى بأن وفق هؤالء لإليمان والعمل بطاعته‪ ،‬فكانوا ُمؤمنين وخ ذل ه ؤالء فح رمهم‬
‫توفيقه‪ ،‬فكانوا كافرين وليسألنكم هللا جميعًا يوم القيامة ع َّما كنتم تعملون في ال ُّدنيا فيم ا‬
‫أمركم ونهاكم‪ ،‬ث َّم ليجازيكم جزاءكم المطيع بطاعته والعاصي له بمعصيته‪.‬‬
‫يقول‪ :‬ولوشاء ربُّكم لجعل ال َّشرائع كلّها ش ريعة واح دة‪ ،‬ولم يجع ل لك ل أ ّم ة ش ريعة‬
‫ومنهاجًا فكنتم تكونون أ َّمة واحدة وال تختلف شرائعكم‪ ،‬وذلك الوجه فهم الطبري‪.‬‬
‫والقص د في األم ة الواح دة‪ :‬هي األم ة المؤمن ة‪ ،‬أي‪ :‬ول و ش اء هللا لجع ل النَّاس أ ّم ة‬
‫واحدة‪ ،‬أ َّمة ُمؤمنة ال بمعنى شريعة واحدة‪ ،‬كما جاء قوله ع َّز وجلَّ‪:‬‬
‫ﱡﭐﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ ﱠ[الشورى]‪.‬‬
‫وكذلك في قوله جل جالله‪ :‬ﱡﭐﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱠﱟﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱠ[يونس]‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ ﱔﱠ[النحل]‪.‬‬


‫وال تتَّخذوا أيمانكم بينكم دخاًل وخديعة بينكم تغرون بها النَّاس‪ ،‬فتزل قدم بع د ثبوته ا‪،‬‬
‫فتهلكوا بعد إن كنتم من الهالك آمنين‪ ،‬وإنَّما هذا مثل لك ِّل ُمبتلى بع د عافي ة أو س اقط‬
‫في ورطة بعد سالمة‪ ،‬كما قال ال َّشاعر‪[ :‬من الطويل]‬
‫سابِقًا ‪َ ...‬وتُ ْلطَ ُع ِإنْ ‌زَ لَّتْ ‌بِ َك ‌النَّ ْعاَل ِن‬
‫ق ِإنْ ُك ْنتَ َ‬ ‫سيَ ْمنَ ُع ِم ْنكَ ال َّ‬
‫س ْب ُ‬ ‫َ‬

‫وما أشبه ذلك زلت قدمه‪.‬‬


‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱠ وذلك السُّوء عذاب هللا الذي يعذب به أهل معاصيه في ال ُّدنيا‪ ،‬وذلك‬
‫بعض ما عذب به أهل الكفر به‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ بما فتنتم من أراد اإليمان باهلل ورسوله عن اإليمان‪ ،‬ولكم عذاب عظيم‪،‬‬
‫عذاب النَّار في اآلخرة‪ ،‬وهذه اآلية تدلُّ أن تأويل بريدة الذي ذكرن اه عن ه في قول ه‪ :‬ﱡﭐ‬
‫ﱽﱾﱿﲀﲁﱠ[النَّحل‪.]91 :‬‬
‫وس لَّم‪-‬ونه وا عن‬‫صلَّى هللا عليه َ‬
‫واآليات بعدها أنَّه عنى بذلك الذين بايعوا رسول هللا‪َ -‬‬
‫الص واب دون ال ذي ق ال مجاه د‪:‬‬ ‫مفارقة اإلسالم؛ لقلَّة أهله وكثرة أهل ِّ‬
‫الش رك‪ .‬ه و َّ‬
‫إنَّهم عنوا به؛ ألنَّه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين وغيرهم ص ُّدوا‬
‫عن سبيل هللا وضالل عن الهدى‪ .‬وقد وصف هللا‪-‬تعالى‪-‬في هذه اآلية فا ِعلي ذلك أنَّهم‬
‫باتخاذهم األيمان دخاًل بينهم‪ ،‬ونقضهم األيم ان بع د توكي دها ص ا ُّدون عن س بيل هللا‪،‬‬
‫ص فة أه ل الكف ر باهلل‪ ،‬ال بص فة أه ل‬ ‫وأنَّهم أهل ضالل في التي قبلها‪ ،‬وه ذه ِّ‬
‫الص فة ِ‬
‫النَّقلة بالحلف عن قوم إلى قوم‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱠ‬
‫[النحل]‪.‬‬
‫وال تنقضوا عهودكم أيَّها النَّاس وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم ُمؤكديها بأيمانكم‬
‫تطلبون بنقضهم ذلك عرضًا من ال ُّدنيا قلياًل ‪ ،‬ولكن أوفوا بعهد هللا الذي أمركم بالوف اء‬
‫به‪ ،‬يثبتكم هللا على الوف اء ب ه‪ .‬فإنَّم ا عن د هللا من الثَّواب لكم على الوف اء خ ير لكم إن‬
‫كنتم تعلمون‪ .‬فضل ما بين العوضين الذين أحدهما الثَّمن القليل في ال ُّدنيا مقاب ل نقض‬
‫عهد هللا‪ ،‬واآلخر الثَّواب الجزيل في اآلخرة على الوفاء به‪ .‬ث َّم بيَّن هللا‪-‬تعالى‪-‬فرق م ا‬
‫بين العوضين‪ ،‬وفضل ما بين الثوابين فق ال‪ :‬م ا عن دكم أيه ا النَّاس مم ا تتملكون ه في‬
‫ق‬
‫ان‪ ،‬وم ا عن د هللا لمن أوفى بعه ده وأط اعوه من الخ يرات ب ا ٍ‬ ‫ال ُّدنيا وإن كثر فناف ٌد فَ ٍ‬
‫ان‪ ،‬فاعملوا على الباقي الذي ال يفنى فاحرصوا‪.‬‬ ‫غير فَ ٍ‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱠ أي‪ :‬وليثيبن هللا الذين صبروا على طاعتهم إيَّاه في‬
‫السَّراء والضَّراء من األعمال دون أسوئها‪ ،‬وليغفرن هللا لهم سيئها بفضله‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬عهد هللا هو اإليمان باهلل‪ ،‬والجهاد في سبيل هللا‪ ،‬ورعاية األيمان والعهود‪ ،‬وما‬
‫قبضتم من حطام ال ُّدنيا مقابل نقض عهد هللا هو ثمن قليل‪ ،‬فليس له قدر ووزن؛ بل هو‬
‫شيء طفيف ينفد ويفنى وما عند هللا من ثواب اآلخ رة‪ ،‬مقاب ل رعاي ة عه ود هللا خ ير‬
‫نعيم من نِعم ال ُّدنيا يزول‪ ،‬وال وفاء ل ه وال بق اء‪.‬‬
‫ألن ك َّل ٍ‬ ‫ق ال ينفد وال يفني؛ َّ‬ ‫لكم هو با ٍ‬
‫وأ َّما نعيم اآلخرة له بقاء ووفاء ال يفنى وال ينفد‪.‬‬
‫وقوله لبيد في شعره‪:‬‬
‫َأاَل ُك ُّل ش َْي ٍء َما َخاَل هَّللا َ بَ ِ‬
‫اط ُل ‪ ...‬وكل نعيم ‌ال ‌محالة ‌زائل‬
‫وفي أ َّوله‪( :‬كلُّ شي ٍء ما خال هللاَ باطلُ)‪ ،‬أي‪ :‬ال وفاء وال بقاء لش ي ٍء س وى هللا‪ ،‬فإنَّه‪-‬‬
‫ق‪ ،‬وأ َّما إذا ك ان في مع نى‪ :‬ك ّل ش ي ٍء من دون هللا باط ٌل فال فائ دة ل ه‪ ،‬وال‬ ‫تعالى‪-‬ب ا ٍ‬
‫ألن هللا‪-‬تعالى‪-‬ما خلق شيًئا بدون فائ دة‪ ،‬ولم يخل ق ش يًئا‬ ‫ق وذلك خطأ؛ َّ‬ ‫معنى فليس ح ّ‬
‫لهدف معيَّن‪ ،‬ولشأن ي راد‬ ‫ٍ‬ ‫بدون هدف وقصد‪ ،‬ولم يخلق شيًئا سدى؛ بل خلق ك َّل شي ٍء‬
‫منه‪ .‬ولك ِّل شي ٍء ُمه َّمة إذ جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌﱍ ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱠ[ص]‪.‬‬
‫نعيم ال محالةَ زائلُ)‪ ،‬وذلك صحيح إذا أريد به نعيم ال ُّدنيا‪ ،‬وأ َّما‬
‫ث َّم في قول لبيد‪( :‬وكلُّ ٍ‬
‫ق وال يزول‪.‬‬
‫نعيم اآلخرة فبا ٍ‬
‫فإ ًذا؛ بالرغم أن لبيد‪-‬رضي هللا عنه‪-‬هو العبقري والمحنَّك‪ ،‬والخبير واألس تاذ الكب ير‪،‬‬
‫الش عراء‪ ،‬ولكن لم ا يص ل أي ش اعر أو أديب‬ ‫وهو يقدِّر مقادير األشعار‪ ،‬وهو زعيم ُّ‬
‫مهما كان في مهنته وصل إلى أقصى منزلة من منازل البالغ ة والعب ارة ومن وج وه‬
‫التَّأوي ل القص وى والعُلي ا‪ .‬والمس افة بين ِعب ارة الق رآن الك ريم ومنازل ه في البالغ ة‬
‫والعبارة وبين منازل األش عار واألدب للبش ر أك ثر ف أكثر من المس افات بين األرض‬
‫َّ‬
‫والس خافة‬ ‫كالم أبدًا‪ ،‬وبذلك ظهر َّ‬
‫الض عف‬ ‫والسَّماوات‪ ،‬فال يقارن كالم هللا‪-‬تعالى‪-‬بأي ٍ‬
‫في االستشهاد باألشعار واألدب العربي للوص ول إلى وج وه التَّأوي ل في نظم الق رآن‬
‫وبالغته‪ ،‬غير أنَّها تنفع نفعًا ما للمبتدئين ألدنى التَّقرب إلى وج وه التَّأوي ل في أس رار‬
‫التَّنزيل‪.‬‬

‫ﱡﭐﱷﱸﱹﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﱠ[النحل]‪.‬‬


‫من عمل بطاع ة هللا‪ ،‬وأوفى بعه ود هللا إذا عاه د من َذك ر أو أن ثى من ب ني آدم وه و‬
‫مؤمن‪ :‬يقول‪ :‬وهو مصدق بثواب هللا ال ذي وع د أه ل طاعت ه على الطَّاع ة‪ ،‬وبوعي د‬
‫أهل معصيته على المعصية ﱡﭐﲀﲁﲂﲃﱠ‪.‬‬
‫َّ‬
‫واختل ف أه ل التَّأوي ل في ال ذي ع نى هللا بالحي اة الطيب ة ال تي وع د ه ؤالء الق وم أن‬
‫يحييهموها‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬عنى أنَّه يحييهم في ال ُّدنيا ما عاشوا فيها بال ِّرزق الحالل‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬الحياة الطَّيبة‪ :‬ال ِّرزق الحالل في ال ُّدنيا‪.‬‬
‫ضحَّاك‪ :‬الرِّ زق الطَّيب الحالل‪ ،‬يأك ُل حالاًل ويلبسُ حالاًل ‪.‬‬
‫وقال ال َّ‬
‫وق ال آخ رون‪ :‬ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﱠ ب أن نرزق ه القناع ة‪ ،‬قال ه علي‪-‬رض ي هللا عن ه‪-‬والحس ن‬
‫البصري‪.‬‬
‫الض حَّاك‪ :‬من عم ل‬‫وق ال آخ رون‪ :‬الحي اة الطَّيب ة‪ ،‬م ؤمن باهلل عام ل بطاعت ه‪ .‬ق ال َّ‬
‫ؤمن في فاق ة أو ميس رة فحيات ه طيِّب ة‪ ،‬ومن أع رض عن ِذك ر هللا فلم‬ ‫صالحًا وهو م ٌ‬
‫يؤمن ولم يعمل صالحًا فعيشته ضنكة ال خير فيه ا‪ ،‬وق ال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐ ﲁ ﲂﲃ ﱠ‬
‫السَّعادة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الحياة الطَّيبة‪ ،‬الجنَّة‪ .‬قاله الحسن‪ ،‬وقَتَادة‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬أولَى القول بالَّصواب قول من قال‪ :‬ﱡﭐ ﲁ ﲂﲃ ﱠ هي القناعة‪ ،‬وذلك‬
‫َّ‬
‫أن من قنعه هللا بما قس م ل ه من رزق لم يك ثر لل ُّدنيا بقي ة ولم يعظم فيه ا نص يبه‪ ،‬ولم‬
‫يتكدر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرص على ما لعله ال يدركه فيها‪.‬‬

‫ص لَّى هللاُ‬ ‫سفَ ْب ِن ُم َح َّم ِد ْب ِن ا ْل ُم ْن َك ِد ِر‪ ،‬عَنْ َأبِي ِه‪ ،‬عَنْ َجابِ ٍر قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫س و ُل هَّللا ِ َ‬ ‫عَنْ يُو ُ‬
‫سلَّ َم‪َ « :‬علَ ْي ُك ْم بِا ْلقَنَا َع ِة‪‌ ،‬فَِإنَّ ‌ا ْلقَنَا َعةَ ‌ َما ٌل ‌اَل ‌يَ ْنفَدُ» (المعجم األوسط للط براني)‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫(‪.)20‬‬
‫وقال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﱠ قال‪ :‬إذا صاروا إلى هللا جزاهم أجرهم‬
‫بأحسن ما كانوا يعملون‪.‬‬
‫وجاء عن أبي صالح قال‪ :‬جلس ن اس من أه ل األوث ان وأه ل التَّوراة وأه ل اإلنجي ل‬
‫فقال هؤالء‪ :‬نحن األفضل‪ ،‬وقال هؤالء‪ :‬نحن أفضل ما نزل هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐﱷﱸﱹﱺ‬
‫ﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﱠ‪.‬‬

‫ﱡﭐﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗ ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ ﲨﱠ[النحل]‪.‬‬


‫إذا كنت يا مح َّمد قارًئا الق رآن فاس تعذ باهلل من َّ‬
‫الش يطان ال رَّجيم‪ ،‬ق ال ابن زي د‪ :‬فه ذا‬
‫دليل من هللا‪-‬تعالى‪-‬د َّل ِعباده عليه‪.‬‬
‫أن ال َّشيطان ليست له ُحجَّة‬ ‫وأما قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﱠ فإنَّه يعني بذلك َّ‬
‫على الذين آمنوا باهلل ورسوله‪ ،‬وعملوا بما أمر هللا به‪ ،‬وانتهوا ع َّما نه اهم هللا عن ه‪ .‬ﱡﭐ‬
‫ﲛ ﲜﲝ ﱠ فيما نابهم من مهمات أمورهم‪ .‬ﱡﭐ ﲟ ﲠﲡ ﲢﲣ ﱠ أي‪ :‬إنَّما ُحجَّته على الذين يعبدونه‪ .‬ﱡﭐﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﱠ قال مجاهد‪ :‬سلطانه حجَّته يطيعونه‪ .‬وقال سفيان بن عيني ة‪ :‬ليس ل ه‬
‫سلطان على من يحملهم على ذنب ال يغفر‪.‬‬
‫وقال اآلخرون‪ :‬إذ استعاذ المؤمن باهلل منع منه ولم يسلط عليه واستش هد بقول ه تع الى‬
‫لصحة قوله بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱭﱮﱯ ﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱠ [األعراف]‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬قال الرَّبيع‪َّ :‬‬
‫إن عد َّو هللا إبليس قال‪ :‬ﱡﭐﳤﳥ ﳦﳧﳨﳩﳪﳫ‬
‫ﳬﳭ ﱠ[ص]‪.‬‬

‫‪ )(20‬المعجم األوسط ‪ ،7/84‬رقم‪.)6922( :‬‬


‫للش يطان عليهم س بياًل ‪ ،‬وإنَّم ا س لطانه على ق وم اتخ ذوه وليًّ ا‬
‫فهؤالء الذين لم يجع ل َّ‬
‫واشركوه في أعمالهم‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬السُّلطان على من تولى وعمل بمعصية هللا‪.‬‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬إنَّما سلطانه على الذين يطيعونه ويعبدونه‪.‬‬
‫قال ابن جري ر‪ :‬أولَى األق وال بالَّص واب من ق ال‪ :‬معن اه ليس ل ه س لطان على ال ذين‬
‫آمنوا فاستعاذوا باهلل منه وعلى ربهم يتوكلون‪ ،‬ندب هللا على ِعباده اإلستعاذة‪.‬‬
‫اختلف أهل التَّأويل في قوله‪ :‬ﱡﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ فقال بعضهم‪ :‬ال ذين هم يع دلون ب رب‬
‫الض حَّاك‪ :‬ع دل المش ركون إبليس ب ربِّهم ف إنَّهم باهلل‬
‫الع المين‪ ،‬قال ه مجاه د‪ .‬وق ال‪َّ :‬‬
‫مشركون‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك ﱡﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ ال ِّشرك وال َّشيطان في أعمالهم‪ ،‬قاله الرَّبيع بن‬
‫أنس‪.‬‬
‫أن ال ذين يتول ون‬‫بالص واب‪ ،‬وذل ك َّ‬
‫َّ‬ ‫والقول األ َّول قول مجاهد أولَى الق ولين في ذل ك‬
‫َّ‬
‫الش يطان إنَّم ا يش ركونه باهلل في عب ادتهم وذب ائحهم ومط اعمهم ومش اربهم ال أنَّهم‬
‫يشركون بال َّشيطان‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخر‪ .‬ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ أي‪ :‬وهللا أعلم بالذي‬
‫هو أص لح لخلق ه فيم ا يب دل ويغ ير من أحكام ه‪ .‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﱠ ق ال‬
‫فتر ُمك ِّذب تخرص تق ول الباط ل‬ ‫المشركون باهلل والمكذبوا رسوله إنما أنت يا مح َّمد ُم ٍ‬
‫أن ال ذي ت أتيهم ب ه من عن د هللا‬ ‫على هللا‪ .‬يقول هللا‪-‬تعالى‪ :‬ب ل أك ثر ه ؤالء الق اتلين ب َّ‬
‫ناسخه ومنسوخه ال يعلمون حقيق ة ص حَّته‪ .‬ق ال مجاه د‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠ أي‪:‬‬
‫رفعناها فأنزلنا غيرها‪ ،‬أي‪ :‬نسخناها رفعناها وأثبتنا غيرها‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬قالوا‪ :‬إنَّما‬
‫مفتر تأتي بشي ٍء وتنقصه‪ ،‬فيأتي بغيره‪ .‬وهذا التبديل النَّاسخ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنت‬

‫ﱡﭐﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قل يا مح َّمد للقائلين لك‪ :‬إنَّما أنت ُمفتر تتلوا عليهم من آتى كتابن ا أنزل ه روح القُ دس‪،‬‬
‫أي‪ :‬جبرائيل من عند ربي بالحق‪ ،‬قال مح َّمد بن كعب‪ :‬روح القدس جبرئيل‪.‬‬
‫ي من‬ ‫قوله‪ :‬ﱡﭐ ﳃ ﳄ ﳅ ﱠ أي‪ :‬قل نزل هذا القرآن ناسخه ومنسوخه رو ُح القُدس عل َّ‬
‫َربي؛ تثبيتًا للمؤم نين وتقوي ةً إليم انهم بتص ديقهم لناس خه ومنس وخه إيمانً ا إليم انهم‬
‫وهدى لهم من الضَّالل وبش رى للمس لمين ال ذين استس لموا إلم ر هللا وانق ادوا إلم ره‬
‫ونهيه‪ ،‬وما أنزله من آي كتابه فأمروا بك ّل ذلك‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ ﱑﱒﱠ[النحل]‪.‬‬


‫ولقد نعلم أن هؤالء المشركين يقولون جهاًل منهم إنَّما يعلم مح َّمدًا هذا الذي يتلوه بش ٌر‬
‫من بني آدم‪ ،‬وما هو من عند هللا‪ .‬يقول هللا‪-‬تعالى‪-‬مكذبهم في قيلهم‪ :‬أاَل تعلم ون ك ذب‬
‫ما تقولون‪ :‬ﱡﭐ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱠ أي‪ :‬يميلون إليه بأنَّه يعلم مح َّمدًا أعجمي‪ ،‬وذلك أنَّهم‬
‫ُومي‪ ،‬فلذلك قال تعالى‪:‬‬ ‫فيما ذكر كانوا يزعمون أن الذي يعلم مح َّمدًا هذا القرآن عب ٌد ر ٌّ‬
‫ﱡﭐ ﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ ﱑﱠ‪.‬‬
‫سلَّ َم يُ َعلِّ ُم قَ ْينًا بِ َم َّكةَ‪،‬‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫س‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬كانَ َر ُ‬ ‫َن ا ْب ِن َعبَّا ٍ‬ ‫وجاء ع ِ‬
‫صلَّى هللاُ‬ ‫سو َل هَّللا ِ َ‬ ‫ش ِر ُكونَ يَ َر ْونَ َر ُ‬ ‫س ُمهُ بَ ْل َعا ُم‪ ،‬فَ َكانَ ا ْل ُم ْ‬
‫ان‪َ ،‬و َكانَ ا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َو َكانَ َأع َْج ِم َّي اللِّ َ‬
‫سلَّ َم ِحينَ يَد ُْخ ُل َعلَ ْي ِه َو ِحينَ يَ ْخ ُر ُج ِمنْ ِع ْن ِد ِه‪ ،‬فَقَالُوا‪ِ :‬إنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ ْل َع ا ُم‪ ،‬فَ َأ ْن َز َل‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫س انُ الَّ ِذي يُ ْل ِح دُونَ ِإلَ ْي ِه‬ ‫ش ٌر‪ ،‬لِ َ‬‫﴿ولَقَ ْد نَ ْعلَ ُم َأنَّ ُه ْم يَقُولُونَ ِإنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ َ‬
‫هَّللا ُ تَ َعالَى ِذ ْك ُرهُ‪َ :‬‬
‫يش (‪.)21‬‬ ‫س ُمهُ ‌يَ ِع ُ‬ ‫آخ ُرونَ ‪‌ :‬ا ْ‬ ‫سانٌ ع ََربِ ُّي ُمبِينٌ ﴾ [النحل‪َ .» ]١٠٣ :‬وقَا َل َ‬ ‫َأع َْج ِم ٌّي َو َه َذا لِ َ‬
‫س لَّ َم‪ ،‬يُ ْق ِرُئ ُغاَل مًا لِبَنِي‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ب‪ ،‬عَنْ ِع ْك ِر َمةَ‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬كانَ النَّبِ ُّي َ‬ ‫عَنْ َحبِي ٍ‬
‫س انُ الَّ ِذي‬ ‫يش‪ .‬قَ ا َل‪ :‬فَ َذلِ َك قَ ْولُ هُ‪ ﴿:‬لِ َ‬ ‫س ْفيَانُ ‪ُ :‬أ َراهُ يُقَ ا ُل لَ هُ‪ :‬يَ ِع ُ‬ ‫ير ِة َأع َْج ِميًّا قَ ا َل ُ‬ ‫ا ْل ُم ِغ َ‬
‫سانٌ َع َربِ ُّي ُمبِينٌ ﴾[النح ل‪ ،»]١٠٣ :‬ق ال قَتَ ادة‪ :‬ق الت‬ ‫يُ ْل ِحدُونَ ِإلَ ْي ِه َأع َْج ِم ٌّي‪َ ،‬و َه َذا لِ َ‬
‫قريش إنما يعلمه بشر عبد لبني المطر يقال له يعيش(‪.)22‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كان اسمه جبير عبد لبني بياضه‪.‬‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬قال عند بني كثير كانوا يقولون‪ :‬إنَّما يعلم ه نص ران ّي على الم روة‪،‬‬
‫ويعلم مح َّمدًا روم ّي اس مه ج بر‪ .‬وك ان ص احب كتب عب د لب ني الحض رمي‪ .‬وق ال‬
‫ضحَّاك‪ :‬يقولون‪ :‬إنَّما يعلمه سلمان الفارس ّي‪.‬‬
‫آخرون‪ :‬كان ذلك سلمان الفارسي‪ .‬قال ال َّ‬
‫ش ٌر ِإنَّ َما ا ْفتُتِنَ ‪ِ ،‬إنَّهُ َك انَ يَ ْكت ُُب‬ ‫ب‪َ « :‬أنَّ الَّ ِذ َ‬
‫ي َذ َك َر هَّللا ُ ِإنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ َ‬ ‫س ِعي ُد بْنُ ا ْل ُم َ‬
‫سيِّ ِ‬ ‫عن َ‬
‫س ِمي ٌع َعلِي ٌم» َأ ْو « َع ِزي ٌز‬ ‫سلَّ َم‪َ « :‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ا ْل َو ْح َي‪ ،‬فَ َكانَ يُ ْملِي َعلَ ْي ِه َر ُ‬
‫س لَّ َم‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س و ُل هَّللا ِ َ‬ ‫شت َِغ ُل َع ْن هُ َر ُ‬ ‫ي‪ ،‬ثُ َّم يَ ْ‬ ‫َح ِكي ٌم» َو َغ ْي ُر َذلِ َك ِمنْ َخ َواتِ ِم اآْل ِ‬
‫س لَّ َم‪ ،‬فَيَقُ و ُل‪َ :‬أ َع ِزي ٌز َح ِكي ٌم‪،‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫َوه َُو َعلَى ا ْل َو ْح ِي‪ ،‬فَيَ ْ‬
‫ستَ ْف ِه ُم َر ُ‬

‫‪ )(21‬تفسير الطبري ‪.17/299‬‬


‫‪ )(22‬تفسير الطبري ‪.17/299‬‬
‫س لَّ َم‪َ« :‬أ ُّ‬
‫ي َذلِ كَ‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫س و ُل هَّللا ِ َ‬ ‫س ِمي ٌع َعلِي ٌم‪َ ،‬أ ْو َع ِزي ٌز َعلِي ٌم؟ فَيَقُ و ُل َر ُ‬ ‫َأ ْو َ‬
‫ش ْئتُ ‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫َكتَبْتَ فَ ُه َو َك َذلِ َك» فَفَتَنَهُ َذلِ َك‪ ،‬فَقَا َل‪ِ :‬إنَّ ُم َح َّمدًا يَ ِك ُل َذلِ َك ِإلَ َّي‪ ،‬فَ َأ ْكت ُُب َم ا ِ‬
‫س ْب َع ِة»(‪.)23‬‬ ‫ب ‌ ِمنَ ‌ا ْل ُح ُر ِ‬
‫وف ‌ال َّ‬ ‫سيِّ ِ‬ ‫الَّ ِذي َذ َك َر لِي َ‬
‫س ِعي ُد بْنُ ‌ا ْل ُم َ‬

‫لح ُدون) بفتح الياء والح اء‪ .‬وق رأ الب اقون‪( :‬ي ُْل ِح ُدونَ ) بض ِّم الي اء وكس ر‬
‫قرأ حمزة (يَ َ‬
‫الحاء (‪.)24‬‬
‫سلَّ َم يُ َعلِّ ُم قَ ْينًا بِ َم َّكةَ‪،‬‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫س‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬كانَ َر ُ‬ ‫َن ا ْب ِن َعبَّا ٍ‬ ‫فنقول‪ :‬ع ِ‬
‫صلَّى هللاُ‬ ‫سو َل هَّللا ِ َ‬ ‫ش ِر ُكونَ يَ َر ْونَ َر ُ‬ ‫س ُمهُ بَ ْل َعا ُم‪ ،‬فَ َكانَ ا ْل ُم ْ‬
‫ان‪َ ،‬و َكانَ ا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َو َكانَ َأع َْج ِم َّي اللِّ َ‬
‫سلَّ َم ِحينَ يَد ُْخ ُل َعلَ ْي ِه َو ِحينَ يَ ْخ ُر ُج ِمنْ ِع ْن ِد ِه‪ ،‬فَقَالُوا‪ِ :‬إنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ ْل َع ا ُم‪ ،‬فَ َأ ْن َز َل‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫س انُ الَّ ِذي يُ ْل ِح دُونَ ِإلَ ْي ِه‬ ‫ش ٌر‪ ،‬لِ َ‬‫﴿ولَقَ ْد نَ ْعلَ ُم َأنَّ ُه ْم يَقُولُونَ ِإنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ َ‬
‫هَّللا ُ تَ َعالَى ِذ ْك ُرهُ‪َ :‬‬
‫يش (‪.)25‬‬ ‫اس ُمهُ ‌يَ ِع ُ‬ ‫آخ ُرونَ ‪ْ ‌ :‬‬ ‫سانٌ ع ََربِ ُّي ُمبِينٌ ﴾ [النحل‪َ .» ]١٠٣ :‬وقَا َل َ‬ ‫َأع َْج ِم ٌّي َو َه َذا لِ َ‬
‫ضا في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱠ[الفرقان]‪.‬‬
‫وجاء أي ً‬
‫يقول‪ :‬وقال الذين كفروا من مشركي مكة قالوا‪ :‬ما هذا القرآن إاَّل كذب وبُهتان اختلق ه‬
‫مح َّمد وأعانه عليه في االختالف قوم آخرون‪ .‬وجاء عن مجاهد قال‪ :‬ﱡﭐﱠﱡﱢﱣﱤﱠقال‪ :‬يهود‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫أيض ا في‬
‫فأين اليهود في مكة‪ ،‬بل كانت اليهود في المدين ة المن ورة وحواليه ا‪ .‬وج اء ً‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱰﱱﱲﱳﱠ[الفرقان]‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس قال‪ :‬كان النَّضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن‬
‫وس لَّم‪-‬‬
‫هللا‪-‬صلَّى هللا عليه َ‬
‫َ‬ ‫عبد الدار بن قصي من شياطين قريش‪ ،‬وكان يُؤذي رسول‬
‫وينصب له العداوة‪ ،‬وكان قد قَ ِدم الحيرة تعلَّم بها أحاديث ملوك فارس وأحاديث رُستم‬
‫مجلس ا وذك ر باهلل وح َّدث‬ ‫ً‬ ‫واسفنديار‪ ،‬فكان رسول هللا‪-‬صلَّى هللا عليه وس لَّم‪-‬إذا جلس‬
‫قومه ما أصاب من قبلهم من األمم من نقمة هللا خلف ه في مجلس ه إذا ق ام ث َّم يق ول‪ :‬إنَّا‬
‫وهللا يا معشر قريش أحسن حديثًا منه فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه‪ ،‬ث َّم يح دثهم‬
‫عن ملوك فارس ورستم واسفنديار‪ .‬ث َّم يقول‪ :‬ما مح َّمد أحسن حديثًا منِّي‪ ،‬ق ال‪ :‬ف أنزل‬
‫هللا‪-‬تبارك وتعالى‪-‬في النَّضر ثماني آيات من القرآن من قوله‪ :‬ﱡﭐ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﱠ‬
‫[القلم]‪ .‬وك ّل ما ذكر فيه األساطير في القرآن (‪.)26‬‬
‫وقوله‪ :‬اكتتبها‪ ،‬أي‪ :‬أخذها وجمعها‪ .‬ومنه‪ :‬الكتيبه؛ المجموعة الكبيرة من الجيش‪.‬‬

‫‪ )(23‬تفسير الطبري ‪.17/301‬‬


‫‪ )(24‬السبعة في القراءات ‪.375‬‬
‫‪ )(25‬تفسير الطبري ‪.17/299‬‬
‫‪ )(26‬تفسير الطبري ‪.19/238‬‬
‫وقوله‪ :‬وهي تُتلى عليه بكرة وعشيًا‪ ،‬أي‪ :‬يق رأ علي ه تل ك األس اطير لياًل ونه ارًا‪ ،‬بال‬
‫فتور فمن ال ذي تتلى علي ه؟ فل َّما رج ع كف ار ق ريش عن وع دهم باإليم ان وق الوا في‬
‫الرس ول الم بين‪ :‬إنَّه ُمعلم مجن ون‪ ،‬ق الوا‪ :‬ه و يتعلم تل ك األقاوي ل من النَّاس‪ ،‬س واء‬
‫أعجمي‪ ،‬سواء يه ود‪ ،‬أو س واء من أس اطير األولين من األك اذيب وغ ير ذل ك‪ .‬وه و‬
‫يتعلَّم وعالوة على ذل ك‪ ،‬وه و مجن ون‪ .‬فكي ف يتعلَّم المجن ون األق وال الموزون ة‪ ،‬ث َّم‬
‫يتلوها على النَّاس‪ .‬أنظر إلى اختالف الكفار في تكذيب الرَّسول األكرم‪.‬‬
‫ألن مح َّمدًا ه و الرَّج ل اُألم ّي ال يع رف‬
‫ال يتَّفق مع بعض وال تتفق الوقائع والحقائق؛ َّ‬
‫الكتابة‪،‬‬
‫الص لة بين ه وبين اليه ود مكانً ا‪ ،‬فكي ف أع انوه في‬
‫فكيف اكتتبه ا لنفس ه؟ ث َّم ال توج د ِّ‬
‫الكذب‪.‬‬
‫ومن جهة كانت تحترم قريش اليه ود واعتم دوا على أق والهم ويعظم ونهم ب أنَّهم أه ل‬
‫الكتاب وأهل المعرفة‪ ،‬وهم جهة االعتم اد المراجع ة‪ ،‬كم ا ج اء في قول ه‪-‬ع َّز وعال‪-‬‬
‫وهو يصفهم‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬
‫ﲯﲰﲱﲲ ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ ﲼﲽﲾﲿﳀﳁ‬
‫ﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎ ﱠ[األنعام]‪.‬‬
‫وقد تحسروا في نزول الكت اب عليهم ب أنَّهم علم وا واع ترفوا ب أن الكت اب أن زل على‬
‫طائفتين من‬
‫قبلهم وهم اليه ود والنَّص ارى واش تكوا ب أنهم عن دراس ة الكتب المنزل ة على تل ك‬
‫ألن التَّوراة أنزلت في لغة عبرية واإلنجيلفي لغة س ريانية‪ ،‬وهم ال‬
‫الطائفتين لغافلون؛ َّ‬
‫يقرأون تل ك اللُّغ ات فض اًل ع َّما يعرف وا م ا بتل ك الكتب من األحك ام ح تى يدرس وها‬
‫ويتبعوها‪ ،‬فكيف مح َّمد‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪-‬األم ّي يع رف لغ ة تل ك الكتب‪ ،‬ومن أين‬
‫يتعلَّم منه ا م ا ا َّدعوه ا‪ ،‬وعالوة على ذل ك ه و في م َّكة محص ور عن ع الم اليه ود‬
‫صالت بهم‪ ،‬وهم يعرفون تلك الخصوصيات ثم يفترون عليه‪.‬‬ ‫والنَّصارى‪ ،‬فليس له ِ‬
‫ى ورحم ة لمن آمن ب ه‬ ‫ويك ذبون بم ا أن زل إلي ه من ربِّه من كت اب في ه بين ات وه د ً‬
‫واتّبعه‪ ،‬ونزل هذا الكتاب المبين بلغتهم العربية الفصيحة فيعرفونها جي دًا ويفهمونه ا‪،‬‬
‫ويفهمون هذا الكتاب الكريم‪ ،‬فال حاجة إلى دراسته فإنَّه ليس بلغة أعجمية‪.‬‬

‫ﱡﭐﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱠ[النحل]‪.‬‬
‫إن الذين ال يؤمنون بحجج هللا وأدلته‪ ،‬فيصدقون بما دلَّت عليه‪ .‬ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱠ يقول‪ :‬ال‬ ‫َّ‬
‫يوفقهم هللا إلصابة الح ّ‬
‫ق‪ ،‬وال يهديهم لسبيل الرُّ ش د في ال ُّدنيا‪ ،‬ولهم في اآلخ رة وعن د‬
‫هللا إذا وردوا عليه يوم القيامة عذاب ُمؤلم موجع‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ث َّم أخبر‪-‬تعالى‪-‬ذكره المشركين الذين قالوا للنَّبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إنَّما أنت ُمفتر‪،‬‬
‫وس لم‪ ،-‬والمؤمن ون ب ه‪ ،‬وب رأ‬‫أنَّهم هم أهل الفرية والكذب‪ ،‬ال نبي هللا‪-‬صلَّى هللا عليه َّ‬
‫وس لَّم‪-‬وأص حابه‪ ،‬فق ال‪ :‬إنَّم ا يتخ رص الك ذب‪ ،‬ويتق ول‬ ‫صلَّى هللا عليه َ‬
‫من ذلك نبيه‪َ -‬‬
‫الباطل‪ ،‬الذين ال يصدقون بحجج هللا وإعالم ه؛ ألنَّهم ال يرج ون على ِّ‬
‫الص دق ثوابً ا‪،‬‬
‫وال يخافون على الكذب عقابًا‪ ،‬فهم أهل اإلفك وافتراء الك ذب‪ ،‬ال من ك ان راجيً ا من‬
‫هللا على الصِّ دق الثَّواب الجزيل‪ ،‬وخائفًا على الكذب العقاب األليم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱠ يقول‪ :‬والذين ال يؤمنون بآيات هللا هم أهل الكذب‪ ،‬ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ‬
‫ﱧﱨﱠأي‪ :‬هم أهل الكذب‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﱠ‬
‫[النحل]‪.‬‬
‫وقوم ك انوا أس لموا ففتنهم المش ركون عن‬
‫ٍ‬ ‫ُذكر أن هذه اآلية نزلت في ع َّمار بن ياسر‬
‫دينهم فثبت بعضهم على اإلسالم وافتتن بعضهم‪.‬‬
‫اس ٍر‬ ‫ش ِر ُكونَ َع َّما َر بْنَ يَ ِ‬ ‫اس ٍر‪ ،‬قَ ا َل‪َ :‬أ َخ َذ ا ْل ُم ْ‬
‫عَنْ َأبِي ُعبَ ْي َدةَ ْب ِن ُم َح َّم ِد ْب ِن َع َّما ِر ْب ِن يَ ِ‬
‫س لَّ َم‪،‬‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫ش َكا َذلِكَ ِإلَى النَّبِ ِّي َ‬ ‫ض َما َأ َرادُوا‪ ،‬فَ َ‬ ‫ارا ُه ْم فِي بَ ْع ِ‬ ‫فَ َع َّذبُوهُ َحتَّى بَ َ‬
‫س لَّ َم‪َ ‌« :‬ك ْي فَ ‌تَ ِج ُد ‌قَ ْلبَ كَ ؟» قَ ا َل‪ُ :‬م ْط َمِئنًا بِاِإْل ي َم ا ِن‪ ،‬قَ ا َل‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫فَقَا َل النَّبِ ُّي َ‬
‫سلَّ َم‪« :‬فَِإنْ عَادُوا فَ ُعدْ» (‪.)27‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫النَّبِ ُّي َ‬
‫وقال قَتَادة‪ُ :‬ذكر لنا أنَّها ن زلت في َّعم ار بن ياس ر أخ ذه بن و المغ يرة فغط وه‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ضربوه في بئر ميمون‪ .‬وقال أكف ر بمح َّمد فت ابعهم على ذل ك وقلب ه ك اره‪ ،‬ف أنزل هللا‬
‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱠ أي‪ :‬من أتى الكفر على اختيار واستحباب‬
‫فعليهم غضب من هللا ولهم عذاب عظيم‪.‬‬
‫باراهم‪ :‬داهنهم ووافقهم فيما أرادوا‪.‬‬
‫وعن ال َّشعبي قال‪ :‬لما ُع ذب األعب د أعط وهم م ا س ألوا إاَّل خب اب بن األرت‪ ،‬ك انوا‬
‫يضجعونه على الرضف فلم يستقلوا منه شيًئا‪.‬‬
‫فتأويل الكالم إذن‪ :‬من كفر باهلل من بعد إيمانه‪ ،‬إاَّل من ُأكره على الكفر‪ ،‬فنط ق بكلم ة‬
‫الكفر بلسانه وقلبُه مطمئن باإليمان‪ُ ،‬موقن بحقيقته‪ ،‬صحيح عليه عزمه‪ ،‬غير مفس وح‬
‫الصَّدر بالكفر‪ ،‬لكن من شرح ب الكفر ص درًا فاخت اره وآث ره على اإليم ان‪ ،‬وب اح ب ه‬
‫طائعًا‪ ،‬فعليهم غضب من هللا‪ ،‬ولهم عذاب عظيم‪.‬‬
‫ُمنشرح القلب‪ :‬مبسوط القلب بما به‪ .‬مباح به‪ ،‬أي‪ :‬قلبه‪.‬‬
‫وقال ابن عبَّاس‪ :‬ﱡﭐﱳﱴﱵ ﱶﱷﱸﱠ فأخبر هللا‪-‬سبحانه‪-‬أنَّه من كفر من بعد إيمانه‪ ،‬فعليه‬
‫غضب من هللا وله عذاب عظيم‪ ،‬فأ َّما من أك ره فتكلَّم ب ه لس انه وخالف ه قلب ه باإليم ان‬
‫ألن هللا‪-‬س بحانه‪-‬إنَّم ا يأخ ذ العب اد بم ا عق دت‬
‫لينجو بذلك من عدوه‪ ،‬فال حرج علي ه؛ َّ‬

‫‪ )(27‬تفسير الطبري ‪.17/304‬‬


‫عليه قلوبهم‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬ﱡﭐﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ ﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ‬
‫ﲅ ﱠ ‪ .‬وإن المشركين عذبوا أهل اإليمان لصدِّهم عن اإلسالم فمنهم من أجابهم وكف ر‬
‫باهلل باللِّسان‪ ،‬ولكن هو كاره بالقلب يكره من الكفر ف أنزل هللا‪-‬تع الى‪-‬في ع ذره يق ول‬
‫ع َّز وجلَّ‪ :‬ﱡﭐﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱠوقبل إيمانه‪ ،‬ومنهم ع َّمار بن ياسر‪.‬‬
‫ش ِر ُكونَ َع َّما َر بْنَ‬ ‫س ٍر‪ ،‬قَا َل‪َ :‬أ َخ َذ ا ْل ُم ْ‬ ‫كما جاء عَنْ َأبِي ُعبَ ْي َدةَ ْب ِن ُم َح َّم ِد ْب ِن َع َّما ِر ْب ِن يَا ِ‬
‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ش َكا َذلِ َك ِإلَى النَّبِ ِّي َ‬ ‫ض َم ا َأ َرادُوا‪ ،‬فَ َ‬ ‫ارا ُه ْم فِي بَ ْع ِ‬ ‫س ٍر فَ َع َّذبُوهُ َحتَّى بَ َ‬ ‫يَا ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫سلَّ َم‪َ ‌« :‬كيْفَ ‌ت َِج ُد ‌قَ ْلبَ َك؟» ‌قَ ا َل‪ُ ‌ :‬م ْط َمِئنًا ‌بِاِإْل ي َم ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سلَّ َم‪ ،‬فَقَا َل النَّبِ ُّي َ‬ ‫َو َ‬
‫سلَّ َم‪ « :‬فَِإنْ عَادُوا فَ ُعدْ»(‪.)28‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫قَا َل النَّبِ ُّي َ‬
‫إن المش ركين أص ابوا ع َّمار بن ياس ر فع ذبوه‪ ،‬ث َّم ترك وه‬ ‫وج اء عن ابن عبَّاس ق ال‪َّ :‬‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬فحدثه بالذي لقي قريش والذي قال‪ ،‬ف أنزل‬ ‫فرجع إلى رسول هللا‪َ -‬‬
‫هللا‪-‬تعالى ذكره‪-‬عذره ﱡﭐﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱠ إلى قوله‪ :‬ﱡﭐﲂﲃﲄﲅ ﱠ‪.‬‬ ‫‪،‬‬

‫عذبهم المشركون إلجابتهم بالكفر فلم يجيب وهم ال باللِّس ان وال ب القلب منهم‬ ‫ومنهم من َّ‬
‫بالل الحبشي‪.‬‬
‫س و ُل هَّللا ِ‬ ‫س ْب َعةٌ‪َ :‬ر ُ‬ ‫ساَل َمهُ َ‬ ‫س ُعو ٍد‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬كانَ َأ َّو َل َمنْ َأ ْظ َه َر ِإ ْ‬ ‫وجاء عَنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ْب ِن َم ْ‬
‫ب‪َ ،‬وبِاَل ٌل‪َ ،‬وا ْل ِم ْق دَادُ‪،‬‬ ‫ص َه ْي ٌ‬ ‫س َميَّةُ‪َ ،‬و ُ‬ ‫سلَّ َم‪َ ،‬وَأبُو بَ ْك ٍر‪َ ،‬و َع َّما ٌر‪َ ،‬وُأ ُّمهُ ُ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫َ‬
‫َأ‬
‫ب‪َ ،‬و َّما بُو بَ ْك ٍر فَ َمنَ َع هُ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫سلَّ َم فَ َمنَ َعهُ هَّللا ُ بِ َع ِّم ِه بِي طَالِ ٍ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫فََأ َّما َر ُ‬
‫ص َه ُرو ُه ْم‬ ‫س و ُه ْم َأ ْد َرا َع ا ْل َح ِدي ِد‪َ ،‬و َ‬ ‫ش ِر ُكونَ ‪َ ،‬وَأ ْلبَ ُ‬ ‫ساِئ ُر ُه ْم فََأ َخ َذ ُه ُم ا ْل ُم ْ‬‫هَّللا ُ بِقَ ْو ِم ِه‪َ ،‬وَأ َّما َ‬
‫س‪ ،‬فَ َما ِم ْن ُه ْم ِمنْ َأ َح ٍد ِإاَّل َوقَ ْد َواتَ ا ُه ْم َعلَى َم ا َأ َرادُوا‪ِ ،‬إاَّل بِاَل اًل ‪ ،‬فَِإنَّهُ َه انَتْ‬ ‫ش ْم ِ‬ ‫فِي ال َّ‬
‫سهُ فِي هَّللا ِ‪َ ،‬وهَانَ َعلَى قَ ْو ِم ِه‪ ،‬فََأ َخ ُذوهُ فََأ ْعطَ ْوهُ ا ْل ِو ْلدَانَ ‪ ،‬فَ َج َعلُوا يَطُوفُ ونَ بِ ِه‬ ‫َعلَ ْي ِه نَ ْف ُ‬
‫صلَّى‬ ‫ب َم َّكةَ‪َ ‌ ،‬وه َُو ‌يَقُو ُل‪َ‌ :‬أ َح ٌد ‌َأ َح ٌد » ( ابن ماجه‪ :‬فضائل أصحاب رسول هللا َ‬ ‫ش َعا ِ‬ ‫فِي ِ‬
‫سلَّم) (‪.)29‬‬ ‫هللا عليه و َ‬
‫وفي الزوائ د إس ناده ثق ات رواه ابن حب ان في ص حيحه والح اكم في المس تدرك وق د‬
‫بي‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬كان يخدمه في الطريق إذ جاء في الح ديث‬ ‫َ‬ ‫هاجر بالل مع النَّ‬
‫س لَّ َم‪« :‬لَقَ ْد ُأو ِذيتُ ِفي هَّللا ِ‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س و ُل هَّللا ِ َ‬ ‫س ْب ِن َمالِ ٍك‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬ ‫عَنْ َأنَ ِ‬
‫َو َما يُْؤ َذى َأ َح دٌ‪َ ،‬ولَقَ ْد ُأ ِخ ْفتُ فِي هَّللا ِ َو َم ا يُ َخ افُ َأ َح دٌ‪َ ،‬ولَقَ ْد َأتَتْ َعلَ َّي ثَالِثَ ةٌ َو َم ا لِي‬
‫ط َعا ٌم يَْأ ُكلُهُ ُذو َكبِ ٍد‪ِ‌ ،‬إاَّل ‌ َما ‌ َوا َرى ‌ِإ ْبطُ ‌بِاَل ٍل» (ابن ماجه‪ :‬الفضائل) (‪.)30‬‬ ‫َولِبِاَل ٍل َ‬
‫وقد أخرجه الترمذي في الزهد (‪ ،)31‬وقال حديث حسن ص حيح‪ ،‬وه ذا الح ديث ( ِحينَ‬
‫س لَّ َم هَا ِربًا ‌ ِمنْ ‌ َم َّكةَ ‌ َو َم َع هُ ‌بِاَل ٌل ِإنَّ َم ا َك انَ َم َع بِاَل ٍل ِمنَ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫َخ َر َج النَّبِ ُّي َ‬
‫الطَّ َع ِام َما يَ ْح ِملُهُ ت َْحتَ ِإ ْب ِط ِه) (الحاشية للسُّدي على ابن ماجه)‪.‬‬

‫‪ )(28‬تفسير الطبري ‪.17/304‬‬


‫‪ )(29‬سنن ابن ماجه ‪ ،1/53‬رقم‪.)150( :‬‬
‫‪ )(30‬سنن ابن ماجه ‪ ،1/106‬رقم‪.)151( :‬‬
‫‪ )(31‬سنن الترمذي ‪ ،4/226‬رقم‪.)2472( :‬‬
‫َّاب ْبنَ اَأْل َر ِّ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ب اَأْل ْعبُ ُد ‌َأ ْعطَ وْ هُ ْم ‌ َم ا ‌ َس َألُوا ‌ِإاَّل َخب َ‬
‫وجاء عن ال َّشعبي ق ال‪« :‬لَ َّما ُع ِّذ َ‬
‫ف فَلَ ْم يَ ْستَقِلُّوا ِم ْنهُ َش ْيًئا» (‪.)32‬‬‫َكانُوا يُضْ ِجعُونَهُ َعلَى الرَّضْ ِ‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس في قوله‪-‬تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ فأخبر هللا‪-‬سبحانه‪-‬أنَّه من كفر‬
‫من بعد إيمانه فعلي ه غض ب من هللا ول ه ع ذاب عظيم‪ .‬فأ َّما من ُأك ره فتكلَّم ب ه لس انه‬
‫ألن هللا‪-‬سبحانه‪-‬يأخذ العباد‬ ‫وخالفه قلبه باأليمان لينجو بذلك من عدوه فال َح َرج عليه؛ َّ‬
‫بما عقدت عليه قلوبهم‪.‬‬
‫إذ جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ ﱠ[المائدة‪.]89:‬‬
‫وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱠ[البقرة]‪.‬‬
‫يقول‪ :‬فإنَّما يؤاخذكم هللا في أعمالكم من اإليمان واأليمان وس ائرها بم ا عق دت علي ه‬
‫أيض ا من كف ر بع د إيمان ه وش رح ب الكفر ص درًا فعليهم‬ ‫قل وبكم‪ ،‬ومن أه ل اإليم ان ً‬
‫غضب من هللا ولهم عذاب عظيم‪.‬‬
‫يقول ارتدوا عن اإلسالم واإليمان باللِّسان وبالقلب ورضوا عن أهل ال ِّشرك ليتعايشوا‬
‫معهم التَّعايش السِّلمي‪ ،‬فاستحبوا الحياة ال ُّدنيا واختاروها على اآلخ رة؛ لقول ه‪-‬تع الى‪-‬‬
‫فيهم‪ :‬ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يقول هؤالء الذين شرحوا ب الكفر ص درًا وع انقوه فاس تحقوا غض ب هللا ولهم ع ذاب‬
‫عظيم في ال ُّدنيا‪ ،‬وقد قتل بعضهم ببدر ولهم ع ذاب عظيم إذا لم يتوب وا ولم ي نيبوا إلى‬
‫هللا‪-‬تعالى‪-‬باإليمان‪ ،‬ولم يصلحوا وماتوا على الكفر فلهم عذاب عظيم في اآلخ رة ن ار‬
‫جهنَّم؛ ألنَّهم رضوا بالحياة ال ُّدنيا من اآلخرة واختاروا نعيم ال ُّدنيا وحطامه ا على نعيم‬
‫اآلخرة وتركوا اإليمان والهجرة وتركوا الجه اد م ع رس ول هللا وأه ل اإليم ان أله ل‬
‫الكف ر‪ ،‬واش تركوا بالمع ارك م ع الكف ر على أه ل اإليم ان‪ ،‬ول و ك انوا ك ارهين له ا‬
‫ومكرهين عليها‪.‬‬
‫ضا قول هللا‪-‬تعالى‪-‬في وصفهم بالكفر‪ ،‬فقال‪ :‬ﱡﭐ ﲔ ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠ‬ ‫وجاء أي ً‬
‫ﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يقول ع َّز وج َّل ه ؤالء ال ذين وص فهم هللا‪-‬تع الى‪-‬ب أنَّهم ش رحوا بع د إيم انهم ب الكفر‬
‫الش رك من األذى ورض وا بالتَّع ايش معهم وفض لوا الحي اة‬ ‫صدًرا لما ينالوا من أه ل ِّ‬
‫ق عليهم غضب هللا بأنَّهم كفروا وارتدوا وهم قوم كافرون‪ ،‬ولهم‬ ‫ال ُّدنيا على اآلخرة فح َّ‬
‫إن هللا ال يه دي الق وم الك افرين‪ .‬وهم الك افرون ختم هللا على قل وبهم‬ ‫ع ذاب عظيم‪َّ ،‬‬
‫بطابع ه فال يؤمن ون وال يهت دون‪ ،‬وطب ع على س معهم فأص م أس ماعهم فال يس معون‬
‫ق والهداي ة‬‫داعي هللا إلى الهدى وال يفهمونه‪ ،‬وختم على أبص ارهم وأعماه ا عن الح ِّ‬
‫َّ‬
‫والس اهون ع َّما أع د هللا لهم‬ ‫فال يبص رون إبص ار االعتب ار‪ ،‬وأولئ ك هم الغ افلون‬
‫ك وال ريب أنَّهم في‬ ‫وألمثالهم من شديد العذاب وأنواع العقاب في ال ُّدنيا واآلخرة ال ش َّ‬
‫اآلخرة هم الخاسرون الهالكون‪ ،‬حظوظهم قليلة من كرام ة هللا ال تي أع دها ألهل ه من‬
‫‪ )(32‬تفسير الطبري ‪.17/305‬‬
‫السُّعداء‪.‬‬
‫وبعدما ش َّدد هللا‪-‬تع الى‪-‬على ه ؤالء ال ذين كف روا بع د إيم انهم ولم يص بروا على م ا‬
‫أصابهم من األذى وعاش وا م ع أه ل الكف ر ورجَّح وا الحي اة ال ُّدنيا على اآلخ رة‪ ،‬ولم‬
‫يرجع وا إلى اإليم ان ولم يه اجروا إلى هللا ورس وله‪ ،‬وقع دوا في بالد الكف ر ودار‬
‫وإن هللا‪-‬‬‫الحرب‪ ،‬فش َّد َد هللا عليهم بأنَّهم ن الوا غض به وب اؤوا ب ه‪ ،‬ولهم ع ذاب عظيم‪َّ .‬‬
‫تع الى‪-‬ال يه ديهم إلى اإليم ان ب أنَّهم ق وم ك افرون‪ .‬وطب ع هللا على قل وبهم وختم على‬
‫عمي‪ ،‬وهم الغ افلون وفي اآلخ رة وأنَّهم هم‬ ‫ٌّ‬ ‫س معهم وأبص ارهم‪ ،‬وهم ص ٌّم بُك ٌم‬
‫الخاسرون والخائبون‪ ،‬وقد آيس ه ؤالء الق وم من رحم ة هللا وعلى ال رغم من رائح ة‬
‫في اإليمان عندهمز والرجوع إليه‪ .‬وقد تحيَّروا وهم حيارى‪ ،‬وهلك من هلك منهم في‬
‫الظلم ات‬ ‫غضب هللا‪ ،‬وبقي من بقي منهم لع َّل هللا‪-‬تع الى‪-‬يف رج عنهم‪ ،‬ويخ رجهم من ُّ‬
‫إلى النُّور‪ .‬ولو َّ‬
‫أن ِعبا َدهُ آمنوا وكفروا ث َّم آمن وا ث َّم كف روا وب دلوا الحس نات بالس يئات‬
‫فإن ربَّهم ربُّ الرَّحمة والرَّأفة‪ ،‬فيبدل السَّيئات حسنات‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫َّ‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱ ﱲﱳﱠ[الفرقان]‪.‬‬

‫ﱡﭐﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال هللا تعالى‪َ :‬ح َّل بهؤالء المشركين غضبُ هللا‪ ،‬ووجب لهم الع ذاب العظيم من أج ل‬
‫َّ‬
‫وألن هللا ال يواف ق الق وم ال ذين‬ ‫أنَّهم اخت اروا زين ة الحي اة ال ُّدنيا على نعيم اآلخ رة؛‬
‫يجحدون آياته مع إصرارهم على جحودها‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲔ ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال هللا‪-‬تعالى‪ :‬هؤالء المشركون الذين وصفت لكم صفتهم في هذه اآلي ات أيَّه ا النَّاس‬
‫هم القوم الذين طبع هللا على قلوبهم ختم عليها بطابعه فال يؤمنون وال يهت دون وأص َّم‬
‫أسماعهم فال يسمعون داعي هللا إلى الهدى‪ ،‬وأعمى أبصارهم فال يبصرون به ا حجج‬
‫هللاﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ هم السَّاهون ع َّما أعد هللا ألمثالهم من أهل الكفر وع َّما يراد بهم وﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲧﲨﱠالهالكون الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من كرامة هللا‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫إن ربَّك يا مح َّمد للذين هاجروا من دي ارهم ومس اكنهم وعش ائرهم من المش ركين‪،‬‬ ‫ث َّم َّ‬
‫وانتقل وا عنهم إلى دي ار أه ل اإلس الم ومس اكنهم وأه ل واليتهم‪ ،‬من بع د م ا فتنهم‬
‫المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم‪ ،‬ث َّم جاهدوا المشركين بعد‬
‫ذلك بأي ديهم َّ‬
‫بالس يف وبألس نتهم ب البراءة منهم‪ ،‬وم َّما يعب دون من دون هللا‪ ،‬وص بروا‬
‫إن ربَّك من بعد فعلتهم هذه لهم‬ ‫على جهادهم ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ يقول‪َّ :‬‬
‫لغفور‪ ،‬يقول‪ :‬لذو س تر على م ا ك ان منهم من إعط اء المش ركين م ا أرادوا منهم من‬
‫كلم ة الكف ر بألس نتهم‪ ،‬وهم لغيره ا مض مرون‪ ،‬ولإليم ان معتق دون‪ ،‬رحيم بهم أن‬
‫يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى هللا وتوبتهم‪.‬‬
‫أن ه ذه اآلي ة ن زلت في ق وم من أص حاب رس ول هللا‪-‬‬ ‫وذكر عن بعض أهل التَّأوي ل َّ‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬كانوا تخلفوا بمكة بعد هجرة النَّبي‪-‬صلَّى هللا عليه َّ‬
‫وس لم‪ ،-‬فاش تد‬ ‫َ‬
‫المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم‪ ،‬فأيسوا من التَّوبة‪ ،‬فأنزل هللا فيهم هذه اآلية‪:‬‬
‫فهاجروا ولحقوا برسول هللا صلَّى هللا عليه وسلَّم‪.‬‬
‫بي‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬
‫َ‬ ‫قال مجاهد‪ :‬ناس من أهل م َّكة آمنوا فكتب إليهم بعض أصحاب النَّ‬
‫و َسلَّم‪-‬بالمدين ة أن ه اجروا فإنَّا ال ن راكم من ا ح تى ته اجروا إلين ا‪ ،‬فخرج وا يري دون‬
‫المدينة فأدركتهم قريش بالطَّريق ففتنوهم وكفروا مكرهين‪ ،‬ففيهم نزلت هذه االية‪.‬‬
‫كذلك قال ابن جريج وقَتَادة قال‪ :‬فأدركهم المش ركون فق اتلوهم فمنهم من قُت ل‪ ،‬ومنهم‬
‫من نجا‪ ،‬مثلما قال مجاهد‪.‬‬
‫قال ابن عبَّاس‪ :‬كان قوم من أه ل مك ة أس لموا وك انوا يس تخفون باإلس الم ف أخرجهم‬
‫المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم وقتل بعض فق ال المس لمون ك ان أص حابنا‬
‫هؤالء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱠ إلى آخر‬
‫اآلية [النساء‪.]97 :‬‬
‫وكتب إلى من بقي بمك ة من المس لمين ه ذه اآلي ة ال ع ذر لهم فخرج وا فلحقهم‬
‫المشركون فأعطاهم الفتنة فنزلت هذه اآلية ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﱠ[العنكبوت]‪.‬‬
‫فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا وآيسوا من كل خير‪ ،‬ث َّم نزلت فيهم ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ [النحل]‪،‬‬
‫أن هللا قد جعل لكم مخر ًجا فخرجوا‪ ،‬فأدركهم المش ركون فق اتلوهم‪،‬‬ ‫فكتبوا إليهم بذلك َّ‬
‫ث َّم نجا من نجا‪ ،‬وقُتل من قُتل‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹﲺﲻ ﱠ وجاء عن ابن جريج قال هللا‪-‬تعالى ذكره‪ -‬من كفر باهلل بعد إيمانه ث َّم نسخ‬
‫واستثنى فقال‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬
‫ﲸﲹ ﲺﲻ ﱠ ‪.‬‬
‫وجاء عن قَتَادة قال‪ :‬وذكر لنا أنَّه لما أنزل هللا أن أهل مك ة ال يقب ل منهم إس الم ح تى‬
‫يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أه ل مك ة‪ ،‬فل َّما ج اءهم ذل ك تب ايعوا‬
‫بينهم على أن يخرجوا فإن لحق بهم المشركون من أهل مك ة ق اتلوهم ح تى ينج وا أو‬
‫يلحقوا باهلل فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا‪ .‬فأنزل‬
‫هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐﲩﲪﲫ ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﱠ اآلية‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس قال‪ :‬كان ق و ٌم من أه ل م َّكة أس لموا وك انوا يس تخفون باإلس الم‬
‫فأخرجهم المشركون ي وم ب در فأص يب بعض هم وقت ل بعض‪ ،‬فق ال المس لمون‪ :‬ك ان‬
‫أصحابنا هؤالء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت‪ :‬ﱡﭐ ﱰﱱ ﱲﱳ ﱴﱵﱶﱷﱸﱹ‬
‫ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﱠ[النساء‪ ،]97:‬إلى أخر اآلية‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬وكتبت إلى من بقي مك ة من المس لمين ه ذه اآلي ة ال ع ذر لهم‪ ،‬ق ال‪ :‬فخرج وا‬
‫فلحقهم المشركون فأعطاهم الفتنة فنزلت هذه اآليةﱡﭐﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ ﱹﱺ‬
‫ﱻ ﱼﱽ ﱠ [العنكبوت‪ ،]10:‬إلى أخر اآلي ة‪ .‬فكتب المس لمون إليهم ب ذلك فخرج وا‬
‫وآيسوا من كل خير‪ ،‬ث َّم نزلت فيهمﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ ﱠ[النحل]‪ ،‬فكتبوا إليهم بذلك‪َّ :‬‬
‫إن هللا قد جعل لكم‬
‫مخر ًجا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم‪ ،‬ث َّم نجا من نجا وقتل من قتل‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يوم تأتي ك ّل نفس تخاصم عن نفسها وتحت ّج عنها بما أسلفت في ال ُّدنيا من خير أو ش ٍّر‬
‫س م ا عملت في ال ُّدنيا من طاع ة ومعص ية وهم ال‬ ‫أو إيم ان أو كف ٍر‪ ،‬وت وفى ك ّل نف ٍ‬
‫يظلمون‪ ،‬فال يجزى المحسن إاَّل باإلحسان‪ ،‬وال المسيء إاَّل بإساءته‪.‬‬
‫ﱡﭐﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ومثل هللا مثاًل لم َّكة التي سكنها أهل ال ِّشرك باهلل هي القرية التي ك انت آمن ة مطمئن ة‪،‬‬
‫بعض ا‪،‬‬
‫ً‬ ‫بعض ا‪ ،‬ويس بي بعض ها‬‫ً‬ ‫أن العرب كانت تتعادى‪ ،‬ويقت ل بعض ها‬ ‫وكان أمنها َّ‬
‫وأهل مكة ال يغار عليهم‪ ،‬وال يحاربون في بلدهم‪ ،‬فذلك كان أمنها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱘ ﱠ يعني‪ :‬قارة بأهلها‪ ،‬ال يحتاج أهله ا إلى النَّج ع‪ ،‬كم ا ك ان س كان الب وادي‬
‫يحتاجون إليها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱙﱚﱛ ﱠيقول‪ :‬يأتي أهلها معايشهم واسعة كثيرة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱜﱝﱞﱠ يعني‪ :‬من ك ِّل فجٍّ من فجاج هذه القرية‪ ،‬ومن ك ِّل ناحية فيها‪.‬‬
‫ومن هذه اآلية يفهم َّ‬
‫بأن األمن والسَّعة في كلِّ بلد يتعاقب بعضه بعضًا إذا كان في بل د‬
‫أمن وفيه عمل وخلق حسن وسعة في المعيش ة‪ ،‬وإذا فق د األمن وفي ه ض نك المعيش ة‬
‫وفيه البطالة والغالء وإنهي ار إقتص ادي وتض ُّخم الم ال‪ ،‬ف إذا ك ان في البل د المعيش ة‬
‫الوسيعة واألمن فيه ال َعم ُل والرخاء وهكذا البالد في دار الفناء‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عبَّاس قال‪ :‬القرية هي مكة‪ ،‬وكذلك قال مجاهد وقَتَادة وابن زيد‪.‬‬
‫وس لَّم‪.‬‬
‫صلَّى هللا عليه َ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬القرية المذكورة في اآلية المدينة‪ ،‬مدينة الرسول‪َ -‬‬
‫قال مشرح بن عاهان سمعت سليم بن نمير يقول‪ :‬ص درنا من الحج م ع حفص ة زوج‬
‫بي‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬وعثمان محصور بالمدينة‪ ،‬فكانت تسأل عنه م ا فع ل حتَّى‬
‫َ‬ ‫النَّ‬
‫رأت راكبين فأرسلت إليهما تسألهما فقاال فقالت حفصة‪ :‬والذي نفسي بيده إنَّها القري ة‬
‫معنى المدينة التي قال هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬
‫ﱧﱨﱩﱪﱠ قرأها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﱟ ﱡﱠ أي‪ :‬فكفر أهل هذه القرية بأنعم هللا التي أنعم هللا عليها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ أي‪ :‬فأذاق هللا أهل هذه القري ة لب اس الج وع‪ ،‬وذل ك خال ط أذاه‬
‫أجسامهم فجعل هللا‪-‬تعالى‪-‬ذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللِّباس له ا وذل ك أنَّهم ُس لِط‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬ح تى أكل وا العله ز‬
‫عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول هللا‪َ -‬‬
‫والجيف‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬العلهز الوبر يعجن بالدم والق راد يأكلون ه‪ .‬والق راد‪ :‬الق ردان‬
‫بالتركي (كنة)‪.‬‬
‫وس لَّم‪-‬ال تي ك انت‬
‫هللا‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫وأما الخوف فإن ذلك خوفهم من سرايا رس ول‬
‫تطوف بهم‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ﱡﭐﱧﱨﱩﱠ من الكفر بأنعم هللا ويجحدون آياته ويكذبون رسوله‪.‬‬
‫هللا‪-‬ص لَّى هللا علي ه‬
‫َ‬ ‫أي‪ :‬أحاط بهم الخوف والجوع إحاطة اللِّباس ودع ا عليهم رس ول‬
‫و َسلَّم‪.‬‬
‫س ِم َعا َأبَ ا‬ ‫ف‪َ ،‬أنَّ ُه َم ا َ‬ ‫س لَ َمةَ بْنُ َع ْب ِد ال َّر ْح َم ِن ْب ِن َع ْو ٍ‬‫ب‪َ ،‬وَأبُ و َ‬ ‫س ِعي ُد بْنُ ا ْل ُم َ‬
‫س يِّ ِ‬ ‫عن َ‬
‫ص اَل ِة‬ ‫غ ِمنْ َ‬ ‫س لَّ َم‪ ،‬يَقُ و ُل ِحينَ يَ ْف ُر ُ‬‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س و ُل هللاِ َ‬ ‫ه َُر ْي َرةَ‪ ،‬يَقُ و ُل‪َ :‬ك انَ َر ُ‬
‫س ِم َع هللاُ لِ َمنْ َح ِم َدهُ‪َ ،‬ربَّنَا َولَكَ ا ْل َح ْمدُ»‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫سهُ‪َ « :‬‬ ‫ا ْلفَ ْج ِر ِمنَ ا ْلقِ َرا َء ِة‪َ ،‬ويُ َكبِّ ُر َويَ ْرفَ ُع َرْأ َ‬
‫اش بْنَ َأبِي‬ ‫ش ٍام‪َ ،‬و َعيَّ َ‬ ‫س لَ َمةَ بْنَ ِه َ‬ ‫يَقُ و ُل َو ُه َو قَ اِئ ٌم‪« :‬الل ُه َّم َأ ْن ِ‬
‫ج ا ْل َولِي َد بْنَ ا ْل َولِي ِد‪َ ،‬و َ‬
‫اج َع ْل َه ا ‌ َعلَ ْي ِه ْم‬
‫ض َر ‌ َو ْ‬ ‫اش ُد ْد َوطَْأتَ َك َعلَى ُم َ‬ ‫َض َعفِينَ ِمنَ ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ ‪ ،‬الل ُه َّم ْ‬ ‫ست ْ‬ ‫َربِي َعةَ َوا ْل ُم ْ‬
‫س ولَهُ»‪،‬‬ ‫ت هللاَ َو َر ُ‬ ‫َص ِ‬ ‫سفَ ‪ ،‬الل ُه َّم ا ْل َعنْ لِ ْحيَانَ ‪َ ،‬و ِر ْعاًل ‪َ ،‬و َذ ْك َوانَ ‪َ ،‬وع َ‬
‫ُص يَّةَ ع َ‬ ‫سنِي ‌يُو ُ‬ ‫‌ َك ِ‬
‫وب َعلَ ْي ِه ْم َأ ْو يُ َع ِّذبَ ُه ْم‬
‫س لَكَ ِمنَ اَأْل ْم ِر ش َْي ٌء َأ ْو يَتُ َ‬ ‫ثُ َّم بَلَ َغنَا َأنَّهُ ت ََركَ َذلِ َك لَ َّما ُأ ْن ِز َل‪﴿ :‬لَ ْي َ‬
‫ظالِ ُمونَ ﴾ [آل عمران‪( ]١٢٨ :‬مسلم) (‪.)33‬‬ ‫فَِإنَّ ُه ْم َ‬

‫‪ )(33‬صحيح مسلم ‪ ،1/466‬رقم‪.)675( :‬‬


‫وقول ه‪ :‬ﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱠ ‪ ،‬أي‪ :‬أنَّهم يعرف ون نِعم ة هللا وهي رس ول هللا والق رآن‪ ،‬ث َّم‬
‫ينكرونه ا قص دًا و ِعل ًم ا ال جهاًل ‪ .‬واآلي ة ول و ن زلت في خص وص مك ة أو المدين ة‬
‫المنورة ولكنَّها عامة للبالد العالمية‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬القرية المذكورة في اآلية هي مكة‪ ،‬ونزلت تلك آية في كفر أهل مكة ب أنعم هللا‬
‫والس عة في ال رزق‪ ،‬ف أنزل هللا‬ ‫َّ‬ ‫ولم يؤمن وا باهلل ولم يق دروا نعم هللا عليهم من األمن‬
‫عليهم القحط والجوع‪ ،‬فألبسهم الجوع لباس اإلنسان الذي يشمل الجسد كلّه‪ ،‬وقد ش مل‬
‫الجوع شمول اللِّباس الجسد فأذاقها بالذوق الكامل الذي يذوقه الجس د وال روح بالك لِّ ‪،‬‬
‫بأن من أس باب‬ ‫وبعد ذلك الجوع يبدأ الخوف وزال األمن واالطمئنان‪ .‬ومن اآلية يُفهم َّ‬
‫اإلرهاب هو الجوع واألزمات االقتصادية والبطالة‪.‬‬
‫فأصابت بسكان مكة أهل ال ِّشرك والكفر مثل ِس نِي يوس ف من قح ط ومجاع ة ب دعاء‬
‫بس ني يوس ف‪ .‬ث َّم بع د الفتح‬ ‫وس لَّم‪-‬عليهم‪ ،‬بقول ه‪ :‬اللَّهم عليهم ِ‬
‫بي‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫َ‬ ‫النَّ‬
‫وتحويل البلد إلى بلد آمن‪ ،‬وبعد إع ادة اعتب اره حرم ا آمنً ا ففتح هللا علي ه وعلى أهل ه‬
‫األرزاق والثِّمرات إلى حين تخريب الكعبة بيد الحبشي ذي السّوقين‪.‬‬
‫وكذلك تتعلَّق اآلية بالبالد اإلسالمية كلَّما كفرت بأنعم هللا‪-‬تع الى‪-‬وتج رَّدوا عن ال دين‬
‫والقيم أذاقهم لباس الج وع‪ ،‬أي‪ :‬القح ط واألزم ات االقتص ادية‪ .‬ولب اس الخ وف‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يلبسهم هللا لباس الجوع ولباس الخوف يشملهم جميعًا محسنهم ومسيئهم‪.‬‬

‫ﱡﭐﱫ ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲ ﱳﱴﱠ[النحل]‪.‬‬


‫أهل هذه القري ة رس و ٌل منهم من أنفس هم يعرفون ه ويعرف ون نس به وص دق‬ ‫ولقد جاء َ‬
‫ق وإلى الطَّريق المستقيم‪ ،‬فك َّذبوه ولم يقبلوا من ه م ا ج اءهم ب ه‬
‫لهجته يدعوهم إلى الح ِّ‬
‫من عن د هللا فأخ ذهم الع ذاب وذل ك لب اس الج وع والخ وف مك ان األمن والطمأنين ة‬
‫والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه وقتلوا بالسيف وهم ظ المون‪ ،‬وذل ك قت ل‬
‫عظماؤهم يوم بدر بالسيف على ال ِّشرك‪.‬‬
‫قال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱠ أي‪ :‬وهللا يعرفون نسبه وأمره فكذبوه فأخذهم الع ذاب وهم‬
‫ظالمون عذاب الجوع والخوف والقتل‪.‬‬

‫ﱡﭐﱵﱶﱷﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫فكلوا أيَّها النَّاس مما رزقكم هللا من بهائم األنع ام ال تي أحله ا حالاًل طيبً ا م ذكاة غ ير‬
‫محرمة عليكم‪ ،‬واشكروا هللا على نعمه ال تي أنعم به ا عليكم في تحليل ه وم ا أح ل لكم‬
‫من ذلك وعلى غير ذلك من نعمه إن كنتم تعبدون هللا فتطيعونه فيما أمركم وينهاكم‪.‬‬
‫وكان بعضهم يقول‪ :‬إنَّما عني بقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱠ طعا ًما كان بعث به رسول‬
‫هللا‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬إلى المشركين في قومه في سني الجدب والقحط رق ة عليهم‪،‬‬
‫َ‬
‫وإن قوله‪ :‬ﱡﭐﱵﱶﱷﱸﱹﱺ ﱠإعالم من‬ ‫وذلك تأويل بعيد م َّما يدلُّ عليه ظاهر التَّنزيل‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫والس وائب والوص ائل‪ ،‬وغ ير‬ ‫هللا ِعباده أن ما كان المش ركون يحرمون ه من البح ائر‬
‫ذلك ال معنى له‪.‬‬

‫ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﱠ[النحل]‪.‬‬
‫يقول هللا‪-‬تعالى‪-‬مكذبًا المشركين الذين كانوا يحرمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك‬
‫ما حرَّم هللا عليكم أيَّها النَّاس إاَّل الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لألنصاب‪ ،‬فس ّمى‬
‫ألن ذلك ال يحل أكله فمن اض طر إلى ش يء من ه لجماع ة حلّت فأكل ه‬ ‫عليه غير هللا؛ َّ‬
‫غير باغ وال عاد فإن هللا غفور رحيم‪ ،‬فإنَّه‪-‬تعالى‪-‬ساتر عليه أن يؤاخذه بأكل ذل ك في‬
‫حال الضَّرورة رحيم به أن يعاقبه عليه‪.‬‬
‫إن اإلسالم دين ُمطَهَّر طهره هللا من ك ِّل س و ٍء‪ ،‬وجع ل ل ك في ه ي ا ب ني آدم‬
‫قال قَتَادة‪َّ :‬‬
‫سعة إذا اضطرت على شيء من ذلك‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ غير باغ في أكله وال‬
‫عاد أن يتعدى حالاًل إلى حرام يجد عنه مندوحه‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵﲶﲷﲸﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وال تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيم ا رزق هللا ِعب اده من المط اعم ه ذا حالل وه ذا‬
‫حرام كي تفتروا على هللا بقيلكم ذلك الكذب‪ ،‬فإن هللا لم يحرم من ذلك ما تحرمون وال‬
‫أح ّل كثيرًا مما تحلون‪ ،‬ث َّم تق ّدم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه فق ال‪ :‬ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬
‫إن الذين يتخرصون على هللا الكذب ويختلقونه ال يخلدون‬ ‫ﲮﲯﲰﲱﲲﱠ أي‪َّ :‬‬
‫في ال ُّدنيا وال يبقون فيها إنَّما يتمتعون فيها قلياًل ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﱠ أي‪ :‬ث َّم إلينا مرجعهم ومعادهم ولهم على كذبهم واف ترائهم‬
‫على هللا عذاب عند مصيرهم إليه أليم‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬قولهم بألسنتهم الكذب هذا حرام في البحيرة والسائبة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬أي ال تحلّوا وال تح ّرموا بعض األشياء من تلقاء أنفسكم‪َّ ،‬‬
‫فإن المحرِّ م والـ ُمح َّل‬
‫هو هللا‪-‬تعالى‪ ،-‬وقولكم الكذب أن تقولوا بألسنتكم هذا حالل أو هذا ح رام اف تراء على‬
‫هللا‪ ،‬وكذلك يصنع األحبار والرّهبان يقولون هذا ح رام وه ذا حالل‪ ،‬ولم ا يحرم ه هللا‬
‫ويحلّه هللا‪ ،‬فالنَّاس يطيعونهم كما يطيعون هللا فربما يحرمون ما أح ّل هللا فهم يحرمونه‬
‫أو يحلّون ما حرم هللا فيحلونه‪ ،‬أي‪ :‬هم أكثر عل ًما وأفض ل ل ديهم من هللا‪-‬تع الى‪-‬وه ذا‬
‫كفر صريح‪ ،‬أي‪ :‬النَّاس لم يكونوا يصلون وال يعبدون هللا ألجلهم‪.‬‬

‫ﱡﭐﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿ ﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫وحرمنا من قبلك يا مح َّمد على اليهود وأنبئناك به من قبل في س ورة األنع ام‪ :‬ﱡﭐ ﲲ‬
‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﱠ[األنعام]‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﳃ ﳄ ﱠ بتحريمنا ذلك عليهم‪ .‬ﱡﭐ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﱠ فجزين اهم ب ذلك ببغيهم على ربِّهم‬
‫وظلمهم بمعصية هللا وأورثهم ذلك عقوبة هللا‪ .‬وقال الحسن‪ :‬ﱡﭐﲹﲺﲻﲼﲽﲾ‬
‫ﲿ ﳀﳁﳂﱠ‪ .‬في سورة األنعام قال عكرمة وقَتَادة‪.‬‬

‫ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔ ﱠ[النحل]‪.‬‬


‫إن ربَّك للذين عصوا هللا فجهلوا بركوبهم ما ركبوا من معصية هللا وس فهوا ب ذلك‪ ،‬ث َّم‬‫َّ‬
‫راجعوا طاعة هللا والنَّدم عليه ا واإلس تغفار والتوب ة منه ا من بع د م ا س لف منهم من‬
‫ركوب المعصية وأص لح فعم ل بم ا يحب هللا ومرض اه‪َّ ،‬‬
‫إن ربَّك من بع دها ي ا مح َّمد‬
‫لغفور رحيم‪.‬‬

‫ﱡﭐﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟ ﱠﱡﱣﱢﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ﱡﭐﱕﱖﱠخلي ُل هللا كان معلِّم خير يأت َّم به أهل الهدى‪ .‬ﱡﭐﱙﱠ أي‪ :‬مطيعًا هلل‪ .‬ﱡﭐﱛﱠأي‪ُ :‬مستقي ًما‬
‫الش رك ب ه‪ ،‬وه ذا‬ ‫ك م َّمن يش رك باهلل ش يًئا فيك ون من أولي اء ِّ‬ ‫على دين اإلسالم ولم ي ُ‬
‫أن إبراهيم منهم بريئ‪ ،‬وهم من ه ب رآء‪.‬‬ ‫إعال ٌم من هللا‪-‬تعالى‪-‬أهل ال ِّشرك به من قريش َّ‬
‫ﱡﭐ ﱡﱣﱢ ﱠ وكان يخلص ال ُّشكر هلل فيما أنعم عليه وال يجعل معه في شكره في نعمه عليه شري ًكا‬
‫من اآللهة واألنداد وغير ذلك‪ ،‬كما يفعل ُمشركو قريش اصطفاه واختاره ربُّه لـملَّته‪ .‬ﱡﭐ‬
‫ﱥﱠأي‪ :‬رشده إلى الطَّريق المستقيم‪ ،‬وذلك دين اإلسالم ال اليهودية والنَّصرانية‪.‬‬
‫أن إب راهيم على دين اليهودي ة وهم ذريَّة ل ه‪ ،‬وك ذلك ت دعى‬ ‫أي‪ :‬كانت ت زعم اليه ود َّ‬
‫النَّصرانية وتقول العرب‪ :‬إن إبراهيم أبوهم وهم على دينهم‪ ،‬فك َّذ َ‬
‫ب هللا تل ك األقاوي ل‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ﱡﭐﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﱠ[آل عمران]‪.‬‬
‫ابن مسعود‪-‬رضي هللا عن ه‪-‬حين س ئل عن األ َّمة ق ال‪ :‬ال ذي يُعلِّم النَّاس الخ ير‪،‬‬
‫وقال ُ‬
‫وفي قول عنه‪ :‬األ َّمة‪ :‬القانت‪ .‬قال‪ :‬األ َّمة ُمعلِّم الخير‪ .‬والقانت‪ :‬المطيع هلل ورسوله‪.‬‬
‫قال عن شهر بن حوشب‪ ،‬قال‪ :‬لم تبق األرض إاَّل وفيها أربعة عشر ي دفع هللا بهم عن‬
‫أهل األرض وتخرج بركتها‪ ،‬إاَّل زمن إبراهيم فإنَّه كان وحده(‪.)34‬‬

‫ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وآتينا إبراهيم على قُنوته هلل وشكره له على نعمه وإخالصه العب ادة ل ه في ه ذه ال ُّدنيا‬
‫ِذكرًا حسنًا وثنا ًء جمياًل باقيًا على األيام‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﱯﱰﱱﱲﱳ ﱴﱠ أي‪ :‬وإنَّه في ال َّدار اآلخرة يوم القيامة لممن صلح أمره وشأنه عند هللا‬
‫وحسنت فيها منزلته وكرامته‪.‬‬
‫قال الشاعر التركي ضياء باشا‪« :‬ولم يبق تحت أديم السَّماء إال ذكرًا حسنًا»‪.‬‬
‫صدق‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱠ قال‪ :‬لسان ِ‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬ﱡﭐﱪﱫﱬﱭﱮﱠ فليس من أهل دين إاَّل يتواَّل ه ويرضاه‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ‬
‫ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ث َّم أوحينا إليك يا مح َّمد وقُلنا ل ك اتَّب ع ِملَّة إب راهيم الحنيف ة المس لمة‪ .‬ﱡﭐﱼﱽ ﱠ أي‪:‬‬
‫ُمسل ًما على الدين الذي كان عليه إبراهيم بريًئا من األوثان واألنداد التي يعبدها قوم ك‬
‫كما كان إبراهيم تبرأ منها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﱠ أي‪ :‬ما فرض هللا أيَّها النَّاس تعظيم السَّبت إاَّل‬
‫ألن هللا‪-‬تع الى‪-‬ف رغ من خل ق‬ ‫على الذين اختلفوا فيه‪ ،‬فقال بعض هم ه و أعظم األيَّام؛ َّ‬
‫األشياء يوم الجمعة‪ ،‬ث َّم سبت يوم السَّبت‪.‬‬
‫أي‪ :‬قال استراح يوم السَّبت‪ ،‬كما جاء بقوله‪-‬تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱠ‬
‫[ق]‪.‬‬
‫أي‪ :‬وما مسَّنا من تعب‪ ،‬كما زعم اليهود‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل أعظم األيام يوم األحد؛ ألنَّه اليوم الذي ابت دأ في ه في خل ق األش ياء‪،‬‬

‫‪ )(34‬تفسير الطبري ‪.17/317‬‬


‫فاختاروه وتركوا تعظيم يوم الجمعة ال ذي ف رض هللا عليهم تعظيم ه واس تحلّوه‪ ،‬كم ا‬
‫جاء في مسلم والبخاري والسّنن‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬اتّبعوا تعظيم يوم السَّبت وتركوا الجمعة‪.‬‬
‫وقال قَتَادة‪ :‬إنَّما جعل السَّبت قال‪ :‬أرادوا الجمعة فأخطؤا فأخذوا السَّبت مكانه اس تحلّه‬
‫بعضهم وح ّرمه بعضهم‪ .‬كذلك قال ابن جبير وابن زي د‪ .‬يق ول هللا‪-‬تع الى‪َّ :‬‬
‫إن ربَّك ي ا‬
‫مح َّمد ليحكم بين هؤالء المختلفين بينهم في إستحالل السَّبت وتحريم ه عن د مص يرهم‬
‫إليه يوم القيام ة بينهم في ذل ك وفي غ يره مم ا ك انوا في ه يختلف ون في ال ُّدنيا ب الحقِّ‪،‬‬
‫ويفصل بالعدل بمجازاة المصيب فيه جزاءه والمخطيء فيه منهم وهو أهله‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬أي اتّبع ِملَّة ودين إبراهيم في مبادئ الدِّين وأص وله في التَّوحي د والعم ل وحس ن‬
‫ال ُخلق‪ ،‬كما ذكرت في اآلية من أوصافه‪-‬عليه السَّالم‪ ،-‬وكذلك في اآليات اُألخرى‪.‬‬

‫وما كان من مشركي الع رب أو اليه ود أو النَّص ارى ول و ك ان لهم نس بة في ال والدة‬


‫د‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬ل ه ذريَّة من النَّس ب‪،‬‬ ‫وليس منهم في شيء في الدِّين‪ .‬وأ َّما مح َّم َ‬
‫وس لَّم‪-‬أب وهم في النَّس ب‪،‬‬
‫و‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬ ‫َ‬ ‫وهم أهل بيت ه‪ ،‬ومنهم أوالده وبنات ه‪ ،‬وه‬
‫وس لَّم‪-‬أخ وهم وهم إخوان ه‬ ‫هو‪-‬صلَّى هللا عليه َ‬ ‫َ‬ ‫وأبوهم في الدِّين‪ .‬وأ َّما لسائر المسلمين‬
‫في اإلسالم‪ ،‬فليس لهم أبًا في النسب وال يُقال أيضًا ه و أب وهم في ال دِّين‪ ،‬ب ل رس ول‬
‫هللا‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬هو أخوهم في الدِّين؛ لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬ ‫َ‬
‫ﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈ ﱠ[األحزاب]‪.‬‬

‫ﱡﭐﲃﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ث َّم أوحينا إليك يا مح َّمد وقُلنا ل ك اتّب ع ِملَّة إب راهيم الحنيف ة المس لمة‪ .‬ﱡﭐ ﱠ‬
‫ﱌ أي‪ُ :‬مس ل ًما‬
‫على الدِّين الذي كان عليه إبراهيم بريًئا من األوثان واألنداد التي يعب دها قوم ك‪ ،‬كم ا‬
‫كان إبراهيم تبرأ منها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﱠ أي‪ :‬ما فرض هللا أيَّها النَّاس تعظيم السَّبت إاَّل‬
‫ألن هللا‪-‬تع الى‪-‬ف رغ من خل ق‬ ‫على الذين اختلفوا فيه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ه و أعظم األيَّام؛ َّ‬
‫األشياء يوم الجمعة‪ ،‬ث َّم سبت يوم السَّبت‪.‬‬
‫أي‪ :‬قال استراح يوم السَّبت‪ ،‬كما جاء بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱠ‬
‫[ق]‪.‬‬
‫ب كما زعم اليهود‪.‬‬
‫أي‪ :‬وما مسَّنا من تع ٍ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل أعظم األيام يوم األحد؛ ألنَّه اليوم ال ذي ابت دأ في ه في خل ق األش ياء‬
‫فاختاروه وتركوا تعظيم يوم الجمعة ال ذي ف رض هللا عليهم تعظيم ه واس تحلوه‪ ،‬كم ا‬
‫جاء في مسلم والبخاري والسُّنن‪.‬‬
‫ﱡﭐﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ع يا مح َّمد من أرسلك إليه ربُّك بال ُّدعاء إلى طاعته ﱡﭐﲗﲘ ﲙ ﱠ أي‪ :‬إلى شريعة ربِّك‬
‫اد ُ‬
‫التي شرعها لخلقه وهو اإلسالم‪ .‬ﱡﭐ ﲚ ﱠ أي‪ :‬بوحي هللا الذي يوحيه إليك وكتاب ه ال ذي‬
‫بالعبر الجميلة التي جعلها هللا حجَّة عليهم في كتابه وذكرهم‬
‫منزله عليك‪ .‬ﱡﭐ ﲛ ﲜﲝ ﱠ أي‪ِ :‬‬
‫بها في تنزيله‪ ،‬كالتي ع َّدد عليهم في هذه السُّورة في حججه وذك رهم فيه ا م ا ذك رهم‬
‫من أالئه ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﱠ أي‪ :‬وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها‪ ،‬إن تصفح‬
‫ع َّما نالوا به عرضك من األذى وال نقصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رس الة‬
‫ربِّك‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ﱡﭐﲞﲟﲠﲡﲢﱠ أي‪ :‬أعرض عن أذاهم إيَّاك‪.‬‬
‫إن ربَّك يا مح َّمد هو أعلم بمن جار عن السَّبيل من‬ ‫وقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ أي‪َّ :‬‬
‫المختلفين في السَّبت وغيره من خلقه وحا َّد هللا وه و أعلم بمن ك ان منهم س ال ًكا قص د‬
‫ق وهو مجازيهم جميعهم جزاءهم عند ورودهم عليه‪.‬‬ ‫السَّبيل وحجَّة الح ِّ‬

‫ﱡﭐﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﱠ[النحل]‪.‬‬
‫وإن عاقبتم أيَّها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم فعاقبه بمثل الذي نالكم به ظالمكم‬
‫من العقوبة‪ ،‬ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند هللا ما ن الكم ب ه من ُّ‬
‫الظلم وو َّكلتم‬
‫أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته‪ .‬ﱡﭐ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ أي للصَّبر عن عقوبته‬
‫بذلك خير ألهل الصَّبر احتسابًا وابتغاء ثواب هللا؛ ألنّه يعوضه من الذي أراد أن يناله‬
‫بانتقامه من ظالمه على ظلمه إيَّاه من لذة االنتص ار‪ ،‬وه و قول ه‪ :‬ﱡﭐ ﲹ ﱠ كناي ة عن‬
‫الصَّبر وحَسُنَ ذلك‪.‬‬
‫قد اختلف أهل التَّأويل في السَّبب الذي من أجله نزلت هذه اآلية؛ وقيل‪ :‬هي منس وخة‬
‫صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬وأصحابه‬ ‫أو محكمة‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬نزلت من أجل َّ‬
‫أن رسول هللا‪َ -‬‬
‫أقس موا حين فع ل المش ركون ي وم أح د م ا فعل وا بقتلى المس لمين من التَّمثي ل بهم أن‬
‫يجاوزوا فِعلهم في المثلة بهم إن رُزقوا الظَّف ر عليهم فنه اهم هللا عن ذل ك به ذه اآلي ة‬
‫وأمرهم أن يقتصروا في التَّمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان فيهم‪ ،‬ث َّم أمرهم‬
‫بعد ذلك بترك التمثيل وإيثار الصَّبر عنه بقوله‪ :‬ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﱠ [النَّحل‪:‬‬
‫‪.]127‬‬
‫فنس خ ب ذلك عن دهم م ا ك ان أذن لهم في ه من المثل ة‪ ،‬كم ا ج اء عن معم ر ق ال‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫المسلمين قالوا لما فعل المشركون بقتالهم يوم أحد‪ :‬لئن ظفرن ا عليهم لنفعلن ولنفعلن‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ‬
‫قالوا‪ :‬بل نصبر‪.‬‬
‫وفي خبر عن عامر قال‪ :‬لما رأى المسلمون ما فعل المش ركون بقتالهم ي وم ُأح د من‬
‫تبقير البطون وقتل المذاكير والمثل ة الس يئة ق ال‪ :‬لئن أظفرن ا هللا بهم لنفعلن ولنفعلن‪،‬‬
‫فأنزل هللا هذه اآلية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نسخ ذلك بقوله في براءة‪ :‬ﱡﭐ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ ﱠ[التوبة‪.]5 :‬‬
‫وكذلك قال ابن عبَّاس‪ :‬وقال آخرون‪ :‬بل ع نى هللا‪-‬تع الى‪-‬بقول ه‪ :‬ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬
‫هللا‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬خاصة دون سائر أصحابه‪ ،‬فكان األمر بالصَّبر‬
‫َ‬ ‫ﳁﳂ ﱠ نب ّي‬
‫له عزيمة من هللا دونهم‪.‬‬
‫قال ابن زيد‪ :‬أم رهم هللا أن يعف وا عن المش ركين فأس لم رج ال لهم منع ة‪ ،‬فق الوا‪ :‬ي ا‬
‫رسول هللا لو أذن هللا لنا ألنتصرنا من ه ؤالء الكالب ف نزل الق رآن‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ واصبر أنت يا مح َّمد وال تكن‬
‫في ضيق ممن ينتصر‪ ،‬وما صبرك إاَّل باهلل‪ .‬ث َّم نس خ ه ذا وأم ره بجه ادهم‪ ،‬فه ذا كلُّه‬
‫منسوخ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬لم يعن بهاتين اآليتين شي ٌء مما ذكر هؤالء وإنَّما عني بهما أن من ظلم‬
‫بظالمة فال يحل له أن ينال ممن ظلمه أكثر مما ن ال الظَّالم من ه وق الوا اآلي ة محكم ة‬
‫غير منسوخة‪.‬‬
‫قال ابن سيرين وإب راهيم النخعي والحس ن وس فيان يقول ون‪ :‬إن أخ ذ من ك دين ارًا فال‬
‫تأخذ منه إاَّل دينارًا‪ .‬وكذلك قال مجاهد‪ :‬ال تعتدوا‪.‬‬
‫والص واب من الق ول في ذل ك أن يُق ال‪َّ :‬‬
‫إن هللا‪-‬تع الى‪-‬ذك ر أم ر من‬ ‫َّ‬ ‫قال ابن جري ر‪:‬‬
‫ُعوقب من المؤم نين بعقوب ة أن يُع اقب من عاقب ه بمث ل ال ذي ع وقب ب ه‪ ،‬إن اخت ار‬
‫أن الصَّبر على ترك عقوبته على ما كان من ه إلي ه خ ي ٌر وع زم على‬ ‫عقوبته‪ ،‬وأعلَمه َّ‬
‫وس لَّم‪-‬أن يص بر‪ ،‬وذل ك ظ اهر التنزي ل والتَّأويالت الم ذكورة‬
‫ِّه‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫نبي َ‬
‫محتمالت اآلية كلّها‪ ،‬ولم يكن في اآلية داللة في النّسخة‪.‬‬
‫ﱡﭐﲽﲾﲿﳀﳁﳂ ﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﱠ[النحل]‪.‬‬
‫واصبر يا مح َّمد على ما أصابك من أذى في هللا ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﱠ إن صبرت إاَّل‬
‫بمعون ة هللا وتوفيق ه إيَّاك ل ذلك وال تح زن على ه ؤالء المش ركين ال ذين يك ذبونك‬
‫وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا ع َّما أتيتم به من النَّصيحة‪ .‬ﱡﭐ ﳆ ﳇ‬
‫ﳈﳉﱠ أي‪ :‬وال يضيق صدرك بما يقولون من الجهل ونسبتهم ما جئت به إلى أنَّه سحر‬
‫أو ِشعر أو كهانة ﱡﭐ ﳊ ﳋ ﱠ م َّما يحتالون بالخدع في الصَّيد عن سبيل هللا من أراد اإليمان‬
‫بك‪.‬‬
‫الض اد‪ .‬وق رأة بعض ق راء أه ل‬ ‫ض ْي ٍ‬
‫ق) بفتح َّ‬ ‫ك في َ‬‫(واَل تَ ُ‬
‫العراق َ‬ ‫وقرأت عا َّمة قراء ِ‬
‫ق) بكسرت الضَّاد‪ ،‬وهو ابن كثير المكي‪.‬‬ ‫ض ْي ٍ‬
‫ك في ِ‬‫المدينة‪َ ( :‬واَل تَ ُ‬
‫وس لَّم‪-‬أن يض يق ص دره م َّما يلقى من أذى‬
‫َّه‪-‬ص لَّى هللا علي ه َ‬
‫إنَّم ا نهى هللا‪-‬تع الى‪-‬نبي َ‬
‫المشركين على تبليغه إيَّاهم وحي هللا فقال له‪ :‬ﱡﭐ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱍﱎﱏﱐﱠ [األعراف]‪.‬‬
‫ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﱠ [هود]‪.‬‬

‫ﱡﭐﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن هللا ي ا مح َّمد م ع ال ذين اتق وا هللا في محارم ه واجتنبوه ا وخ افوا عقاب ه عليه ا‪،‬‬
‫فأجمعوا عن التَّقدم عليها‪ .‬ﱡﭐ ﳒ ﳓ ﳔ ﱠ أي‪ :‬وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه والقيام‬
‫بحقوقه ولزوم طاعته فيما أمرهم ب ه ونه اهم عن ه‪ .‬ق ال الحس ن‪ :‬اتَّق وا هللا فيم ا ح رَّم‬
‫عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم‪.‬‬

‫ص نا قَ ا َل‪ُ« :‬أ ِ‬
‫وص ي ُك ْم‬ ‫س‪ ،‬عَنْ َأبِي قَزَ َع ةَ‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬قِي َل لِ َه ِر ِم ْب ِن َحيَّانَ ‪َ :‬أ ْو ِ‬ ‫عَنْ َأبِي يُونُ َ‬
‫س بِي ِل َربِّ َك بِا ْل ِح ْك َم ِة‬
‫ع ِإلَى َ‬ ‫ور ِة النَّ ْح ِل» َوقَ َرَأ ابْنُ َحيَّانَ ﴿ا ْد ُ‬ ‫س َ‬ ‫اخ ِر ِمنْ ُ‬ ‫ت اَأْل َو ِ‬ ‫بِاآْل يَ ا ِ‬
‫س بِيلِ ِه‬ ‫ض َّل عَن َ‬ ‫سنُ ِإنَّ َربَّكَ ُه َو َأ ْعلَ ُم بِ َمنْ َ‬ ‫سنَ ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِالَّتِي ِه َي َأ ْح َ‬
‫َوا ْل َم ْو ِعظَ ِة ا ْل َح َ‬
‫صبَ ْرتُ ْم لَ ُه َو َخ ْي ٌر‬ ‫َوه َُو َأ ْعلَ ُم بِا ْل ُم ْهتَ ِدينَ ‪َ ،‬وِإنْ عَاقَ ْبتُ ْم فَ َعاقِبُوا بِ ِم ْث ِل َما عُوقِ ْبتُ ْم بِ ِه َولَِئنْ َ‬
‫ق ِّم َّما‬‫ض ْي ٍ‬ ‫ص ْب ُركَ ِإاَّل بِاهَّلل ِ َواَل ت َْح زَ نْ َعلَ ْي ِه ْم َواَل تَ ُك فِي َ‬ ‫اص بِ ْر َو َم ا َ‬ ‫لص ابِرينَ َو ْ‬ ‫لِّ َّ‬
‫س نُونَ ﴾[النح ل‪( ]128-125:‬س نن‬ ‫يَ ْم ُك ُرونَ ‪ِ ،‬إنَّ هللاَ َم َع الَّ ِذينَ اتَّقَ ْوا َوالَّ ِذينَ هُم ُّم ْح ِ‬
‫الدارمي) (‪.)35‬‬
‫ص َرفَ‬ ‫ش ْعبِ ِّي ‪ ,‬قَا َل‪ :‬لَ َّما َكانَ يَ ْو ُم ُأ ُح ٍد َوا ْن َ‬ ‫َع ْب ُد اَأْل ْعلَى ‪ ,‬عَنْ دَا ُو َد ْب ِن َأبِي ِه ْن َد ‪َ ,‬ع ِن ال َّ‬
‫س يَِّئةً َج َعلُ وا يَ ْقطَ ُع ونَ آ َذانَ ُه ْم َوآنَ افَ ُه ْم‬ ‫ش ِر ُكونَ ‪ ,‬فَ َرَأى ا ْل ُم ْ‬
‫سلِ ُمونَ بِِإ ْخ َوانِ ِه ْم ُم ْثلَ ةً َ‬ ‫ا ْل ُم ْ‬
‫سلَّ َم‪ :‬لَِئنْ َأنَالَنَا هَّللا ُ ِم ْن ُه ْم‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫ول هَّللا ِ َ‬
‫س ِ‬ ‫اب َر ُ‬ ‫ص َح ُ‬ ‫شقُّونَ بُطُونَ ُه ْم ‪ ,‬فَقَا َل َأ ْ‬‫َويَ ُ‬
‫‪ )(35‬سنن الدارمي ‪ ،4/2029‬رقم‪.)3223( :‬‬
‫لَنَ ْف َعلَنَّ فََأ ْن َز َل هَّللا ُ‪َ ﴿ :‬وِإنْ عَاقَ ْبتُ ْم فَ َعاقِبُوا بِ ِم ْث ِل َم ا ُع وقِ ْبتُ ْم بِ ِه َولَِئنْ َ‬
‫ص بَ ْرتُ ْم لَ ُه َو َخ ْي ٌر‬
‫س لَّ َم‪« :‬بَ ْل‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س و ُل هَّللا ِ َ‬ ‫لص ابِ ِرينَ ﴾ [النح ل‪ ]126 :‬فَقَ ا َل َر ُ‬ ‫لِ َّ‬
‫صبِ ُر»(مصنف أبي شيبة)‪.‬‬ ‫نَ ْ‬
‫آخر سورة النَّحل‬
‫فنق ول‪ :‬إنَّهم في معيَّة هللا إذا اتَّق وا هللا‪-‬تع الى‪-‬باإليم ان والعم ل واإلخالص‪.‬‬
‫صدق والوفاء واإلخالص هلل‪-‬تعالى‪ ،-‬كما جاء في الحديث‪:‬‬ ‫والمحسنون‪ :‬هم أهل ال ِّ‬
‫سلَّ َم َذاتَ يَ ْو ٍم‪،‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ِل هللاِ َ‬ ‫عن عمر بن الخطاب قَا َل‪ :‬بَ ْينَ َما نَ ْحنُ ِع ْن َد َر ُ‬
‫الس فَ ِر‪،‬‬ ‫ش َع ِر‪ ،‬اَل يُ َرى َعلَ ْي ِه َأثَ ُر َّ‬ ‫س َوا ِد ال َّ‬ ‫ش ِدي ُد َ‬‫ب‪َ ،‬‬ ‫ض الثِّيَا ِ‬ ‫ش ِدي ُد بَيَا ِ‬ ‫ِإ ْذ طَلَ َع َعلَ ْينَا َر ُج ٌل َ‬
‫س نَ َد ُر ْكبَتَ ْي ِه ِإلَى‬ ‫س لَّ َم‪ ،‬فََأ ْ‬ ‫ص لَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س ِإلَى النَّبِ ِّي َ‬ ‫َواَل يَ ْع ِرفُهُ ِمنَّا َأ َح دٌ‪َ ،‬حتَّى َجلَ َ‬
‫س و ُل‬ ‫ساَل ِم‪ ،‬فَقَ ا َل َر ُ‬ ‫ض َع َكفَّ ْي ِه َعلَى فَ ِخ َذ ْي ِه‪َ ،‬وقَا َل‪ :‬يَا ُم َح َّم ُد َأ ْخبِ ْرنِي َع ِن اِإْل ْ‬ ‫ُر ْكبَتَ ْي ِه‪َ ،‬و َو َ‬
‫س و ُل هللاِ‬ ‫ش َه َد َأنْ اَل ِإلَ هَ ِإاَّل هللاُ َوَأنَّ ُم َح َّمدًا َر ُ‬ ‫ساَل ُم َأنْ تَ ْ‬ ‫سلَّ َم‪« :‬اِإْل ْ‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫هللاِ َ‬
‫ض انَ ‪َ ،‬وت َُح َّج ا ْلبَيْتَ‬ ‫َص و َم َر َم َ‬ ‫صاَل ةَ‪َ ،‬وتُْؤ تِ َي ال َّز َك اةَ‪َ ،‬وت ُ‬ ‫سلَّ َم‪َ ،‬وتُقِي َم ال َّ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫َ‬
‫ص ِّدقُهُ‪ ،‬قَ ا َل‪:‬‬ ‫س لُهُ‪َ ،‬ويُ َ‬ ‫َأ‬ ‫ص َد ْقتَ ‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬فَ َع ِج ْبنَ ا لَ هُ يَ ْ‬ ‫س بِياًل »‪ ،‬قَ ا َل‪َ :‬‬ ‫اس تَطَعْتَ ِإلَ ْي ِه َ‬ ‫ِإ ِن ْ‬
‫س لِ ِه‪َ ،‬وا ْليَ ْو ِم‬ ‫ان‪ ،‬قَ ا َل‪َ« :‬أنْ تُ ْؤ ِمنَ بِاهللِ‪َ ،‬و َماَل ِئ َكتِ ِه‪َ ،‬و ُكتُبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُ‬ ‫فَ َأ ْخبِ ْرنِي ع َِن اِإْل ي َم ِ‬
‫س ا ِن‪،‬‬ ‫ص َد ْقتَ ‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬فَ َأ ْخبِ ْرنِي َع ِن اِإْل ْح َ‬ ‫ش ِّر ِه»‪ ،‬قَ ا َل‪َ :‬‬ ‫اآْل ِخ ِر‪َ ،‬وتُْؤ ِمنَ بِا ْلقَ َد ِر َخ ْي ِر ِه َو َ‬
‫َن‬ ‫قَ ا َل‪َ« :‬أنْ تَ ْعبُ َد هللاَ َكَأنَّكَ تَ َراهُ‪ ،‬فَ ِإنْ لَ ْم تَ ُكنْ تَ َراهُ فَِإنَّهُ يَ َراكَ »‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬فَ َأ ْخبِ ْرنِي ع ِ‬
‫الس اِئ ِل» قَ ا َل‪ :‬فَ َأ ْخبِ ْرنِي عَنْ َأ َما َرتِ َه ا‪،‬‬ ‫سُئو ُل َع ْن َه ا بِ َأ ْعلَ َم ِمنَ َّ‬ ‫سا َع ِة‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬ما ا ْل َم ْ‬ ‫ال َّ‬
‫الش ا ِء يَتَطَ ا َولُونَ ِفي‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫َأْل‬
‫قَا َل‪ « :‬نْ تَلِ َد ا َمة َربَّتَ َها‪َ ،‬و نْ تَ َرى ا ْل ُحفَاةَ ا ْل ُع َراةَ ا ْل َعالَةَ ِرعَا َء َّ‬ ‫َأ‬
‫ساِئ ُل؟» قُ ْلتُ ‪:‬‬ ‫ق فَلَبِ ْثتُ َملِيًّا‪ ،‬ثُ َّم قَا َل لِي‪« :‬يَا ُع َم ُر َأتَ ْد ِري َم ِن ال َّ‬ ‫ا ْلبُ ْنيَا ِن»‪ ،‬قَا َل‪ :‬ثُ َّم ا ْنطَلَ َ‬
‫سولُهُ َأ ْعلَ ُم‪ ،‬قَا َل‪« :‬فَِإنَّهُ ِج ْب ِري ُل َأتَا ُك ْم يُ َعلِّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم» ( مس لم‪ :‬كت اب اإليم ان )‬ ‫هللاُ َو َر ُ‬
‫(‪.)36‬‬
‫وجمع الحديث كلمتي التَّقوى واإلحسان‪ ،‬فكلمة التَّقوى تجمع مب ادئ اإلس الم الخمس‪،‬‬
‫الص الة‪،‬‬ ‫وأن مح َّمدًا رس ول هللا‪ ،‬وإق ام َّ‬ ‫وهي‪ :‬كلمتي ال َّشهادة‪ ،‬شهادة أن ال إله إاَّل هللا‪َّ ،‬‬
‫وإيتاء ال َّزكاة‪ ،‬وصيام رمض ان‪ ،‬وح ّج ال بيت الح رام‪ .‬وتجم ع المب ادئ الس ت‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقَدَر‪ .‬فإذا جمع اإلنسان تل ك‬
‫المبادئ‪ ،‬مبادئ اإلسالم ومب ادئ اإليم ان؛ عماًل وإيمانً ا فق د جم ع التَّق وى في نفس ه‪،‬‬
‫وهو المتبقي‪ .‬وتلك المبادئ التس تقيم وال تص لح إاَّل ب اإلخالص‪ ،‬وه و اإلحس ان‪ ،‬ف إذا‬
‫جمع الم رء في نفس ه مب ادئ اإليم ان ومب ادئ اإلس الم م ع جمع ه مب ادئ اإلخالص‬
‫واإلحسان فقد أصبح من أ َّول ال داخلين في معيَّة هللا‪-‬تع الى‪ ،-‬وهي أك بر معيَّة‪ .‬وفيه ا‬
‫رضا هللا‪ ،‬ورضوان من هللا أكبر ‪.‬‬
‫اللَّهم ارزقنا رزقًا حسنًا في التَّقوى واإلحسان‪ ،‬واجعلن ا في معيَّة هللا‪-‬تع الى‪-‬ومعيَّت ه‪-‬‬
‫والص الحين‬ ‫َّ‬ ‫والش هداء‬‫َّ‬ ‫صديقين‬ ‫ع َّز وجلَّ‪-‬هي معيَّة الذين أنعم هللا عليهم من النَّبيين وال ِّ‬
‫وحسُن أولئك رفيقًا‪ ،‬وذلك الرَّفيق األعلى‪ ،‬وهو أعلى من المأل األعلى‪.‬‬
‫كالمه‪-‬صلَّى هللا عليه و َسلَّم‪-‬أن يقول لدى االحتض ار الرفي ق األعلى‪ ،‬كم ا‬ ‫َ‬ ‫وكان آخر‬
‫جاء في الحديث‪:‬‬
‫‪ )(36‬صحيح مسلم ‪ ،1/36‬رقم‪.)8( :‬‬
‫س لَّ َم‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫شةَ‪ ،‬قَالَتْ ‪َ :‬كانَ َر ُ‬ ‫الزبَ ْي ِر‪ِ ،‬إنَّ عَاِئ َ‬‫عن ع ُْر َوةُ بْنُ ُّ‬
‫الجنَّ ِة‪ ،‬ثُ َّم يُ َحيَّا َأ ْو يُ َخيَّ َر‪،‬‬‫ط َحتَّى يَ َرى َم ْق َع َدهُ ِمنَ َ‬ ‫ض نَبِ ٌّي قَ ُّ‬ ‫يح يَقُو ُل‪ِ « :‬إنَّهُ لَ ْم يُ ْقبَ ْ‬ ‫ص ِح ٌ‬ ‫َ‬
‫ص‬ ‫ق ش ََخ َ‬ ‫ش َي َعلَ ْي ِه‪ ،‬فَلَ َّما َأفَا َ‬ ‫شةَ ُغ ِ‬ ‫سهُ َعلَى فَ ِخ ِذ عَاِئ َ‬ ‫ض َو َرْأ ُ‬ ‫ض َرهُ القَ ْب ُ‬ ‫شتَ َكى َو َح َ‬ ‫فَلَ َّما ا ْ‬
‫ق اَأل ْعلَى» فَقُ ْلتُ ‪ِ :‬إ ًذا الَ يُ َجا ِو ُرنَ ا‪،‬‬ ‫ت‪ ،‬ثُ َّم قَ ا َل‪« :‬اللَّ ُه َّم فِي ال َّرفِي ِ‬ ‫ف البَ ْي ِ‬ ‫س ْق ِ‬
‫ص ُرهُ نَ ْح َو َ‬ ‫بَ َ‬
‫يح ( البخاري‪ :‬كتاب التفسير) ‪.‬‬
‫(‪)37‬‬
‫ص ِح ٌ‬ ‫فَ َع َر ْفتُ َأنَّهُ َح ِديثُهُ الَّ ِذي َكانَ يُ َح ِّدثُنَا َوه َُو َ‬
‫س لَّ َم يَقُ و ُل‪َ « :‬م ا ِمنْ نَبِ ٍّي‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو َل هَّللا ِ َ‬ ‫س ِم ْعتُ َر ُ‬ ‫ضا قَالَتْ ‪َ :‬‬ ‫وجاء عنها أي ً‬
‫ض فِي ِه‪َ ،‬أ َخ َذ ْت هُ بُ َّحةٌ‬ ‫ش ْك َواهُ الَّ ِذي قُبِ َ‬ ‫اآلخ َر ِة»‪َ ،‬و َك انَ فِي َ‬ ‫ض ِإاَّل ُخيِّ َر بَيْنَ ال ُّد ْنيَا َو ِ‬ ‫يَ ْم َر ُ‬
‫الش َهدَا ِء‬‫الص دِّيقِينَ َو ُّ‬ ‫س ِم ْعتُهُ يَقُو ُل‪َ ﴿ :‬م َع الَّ ِذينَ َأ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النَّبِيِّينَ َو ِّ‬ ‫ش ِدي َدةٌ‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬
‫صالِ ِحينَ ﴾[النساء‪ ]69 :‬ف َعلِ ْمتُ نَّهُ ُخيِّ َر ( البخاري‪ :‬كتاب تفسير القرآن) ‪.‬‬
‫(‪)38‬‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫َوال َّ‬
‫البحَّة‪ :‬هي شيء يعترض مجاري التَّنفس فيتغير به الصَّوت فيغل ظ‪ ،‬وقوله ا ُخيِّر‪ :‬أي‬
‫بين ال ُّدنيا واآلخرة الختيار واحدة منها‪.‬‬
‫س لَّ َم يَقُ و ُل‪َ « :‬م ا ِمنْ نَبِ ٍّي‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو َل هَّللا ِ َ‬ ‫س ِم ْعتُ َر ُ‬ ‫وجاء عنها أيضًا قَالَتْ ‪َ :‬‬
‫ض فِي ِه‪َ ،‬أ َخ َذ ْت هُ بُ َّحةٌ‬ ‫ش ْك َواهُ الَّ ِذي قُبِ َ‬ ‫اآلخ َر ِة»‪َ ،‬و َك انَ ِفي َ‬ ‫ض ِإاَّل ُخيِّ َر بَيْنَ ال ُّد ْنيَا َو ِ‬ ‫يَ ْم َر ُ‬
‫الش َهدَا ِء‬ ‫الص دِّيقِينَ َو ُّ‬ ‫س ِم ْعتُهُ يَقُو ُل‪َ ﴿ :‬م َع الَّ ِذينَ َأ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النَّبِيِّينَ َو ِّ‬ ‫ش ِدي َدةٌ‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬
‫صالِ ِحينَ ﴾ [النساء‪ ]69 :‬فَ َعلِ ْمتُ َأنَّهُ ُخيِّ َر‪ ( .‬البخ اري‪ :‬كت اب تفس ير الق رآن) ‪.‬‬
‫(‪)39‬‬
‫َوال َّ‬
‫وذلك حين يرى مقعده من الجنَّة في حالة االحتضار‪.‬‬
‫يح‪ِ« :‬إنَّهُ‬ ‫ص ِح ٌ‬ ‫سلَّ َم يَقُ و ُل َو ُه َو َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫كما جاءعن عائشة قَالَتْ ‪َ :‬كانَ النَّبِ ُّي َ‬
‫الجنَّ ِة‪ ،‬ثُ َّم يُ َخيَّ َر» ( البخ اري‪ :‬كت اب ال دعوات)‬ ‫ض نَبِ ٌّي َحتَّى يَ َرى َم ْق َع َدهُ ِمنَ َ‬ ‫لَ ْم يُ ْقبَ ْ‬
‫(‪.)40‬‬
‫الس الم‪-‬نعم اإلجاب ة‬ ‫وباالختصار والعاقبة للمتقين في الدارين فأج اب هللا نو ًح ا‪-‬علي ه َّ‬
‫وذلك بعد مضي ألف سنة إال خمسين عا ًما بعدما خلت الق رون وبع دما أظلمت األي ام‬
‫على نوح ومن معه من المؤمنين بما لقوا من أذى الكافرين فأجابه بإنجائ ه وأهل ه من‬
‫الكرب العظيم من كرب أهل الكف ر وأذيتهم في ال ُّدنيا من ُك َرب الطوف ان ومن ُك َرب‬
‫يوم القيامة ث َّم جع ل ذريت ه هم الب اقين في الق رون التالي ة أم ًماوأنبي اءإلى ي وم القيام ة‬
‫وأبقى علي ه حس ن الثن اء وال ذكر الجمي ل في الع المين في ال ُّدنيا وفي اآلخ رة وفي‬
‫ملكوت السَّماء واألرض كما جاء في الحديث‪:‬‬
‫ب َع ْبدًا َدعَا‬ ‫سلَّ َم‪ِ«:‬إنَّ هللاَ ِإ َذا َأ َح َّ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫سو ُل هللاِ َ‬ ‫عَنْ َأبِي ُه َر ْي َرةَ‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫س َما ِء فَيَقُ و ُل‪:‬‬ ‫ِج ْب ِري َل فَقَا َل‪ِ :‬إنِّي ُأ ِح ُّب فُاَل نًا فََأ ِحبَّهُ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَيُ ِح ُّبهُ ِج ْب ِري ُل‪ ،‬ثُ َّم يُنَا ِدي فِي ال َّ‬
‫ض‪،‬‬ ‫وض ُع لَ هُ ا ْلقَبُ و ُل فِي اَأْل ْر ِ‬ ‫س َما ِء‪ ،‬قَا َل ثُ َّم يُ َ‬ ‫ِإنَّ هللاَ يُ ِح ُّب فُاَل نًا فََأ ِحبُّوهُ‪ ،‬فَيُ ِحبُّهُ َأ ْه ُل ال َّ‬
‫ض هُ ِج ْب ِري ُل‪،‬‬ ‫ضهُ‪ ،‬قَ ا َل فَيُ ْب ِغ ُ‬ ‫ض فُاَل نًا فََأ ْب ِغ ْ‬ ‫ض َع ْبدًا َدعَا ِج ْب ِري َل فَيَقُو ُل‪ِ :‬إنِّي ُأ ْب ِغ ُ‬ ‫َوِإ َذا َأ ْب َغ َ‬
‫ُوض ُع‬‫ض ونَهُ‪ ،‬ثُ َّم ت َ‬ ‫ض وهُ‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬فَيُ ْب ِغ ُ‬ ‫ض فُاَل نًا فََأ ْب ِغ ُ‬ ‫س َما ِء ِإنَّ هللاَ يُ ْب ِغ ُ‬ ‫ثُ َّم يُنَا ِدي فِي َأ ْه ِل ال َّ‬
‫ض»‪ ( ،‬مسلم‪ :‬كتاب البر ‪ ،‬البخاري‪ :‬بدء الخلق) (‪.)41‬‬ ‫ضا ُء فِي اَأْل ْر ِ‬ ‫لَهُ ا ْلبَ ْغ َ‬
‫وقد قال ال َّشاعر ضياء باشا من آل عثمان‪:‬‬
‫‪ )(37‬صحيح البخاري ‪ ،6/10‬رقم‪.)4437( :‬‬
‫‪ )(38‬صحيح البخاري ‪ ،6/46‬رقم‪.)4586( :‬‬
‫‪ )(39‬صحيح البخاري ‪ ،6/46‬رقم‪.)4586( :‬‬
‫‪ )(40‬صحيح البخاري ‪ ،6/15‬رقم‪.)4463( :‬‬
‫‪ )(41‬صحيح مسلم ‪ ،4/2030‬رقم‪.)2637( :‬‬
‫سماء إاَّل الذكر الجميل‬
‫ولم يبق تحت أديم هذا‪ ...‬ال َّ‬
‫فارض ما رضى لك ربُّك‪ ،‬واستسلم و َسلِّم‬
‫َ‬ ‫ﱡﭐ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﱠ [النحل]‪ ،‬والعاقبة لل ُمتَّقين‪،‬‬
‫ناصيتَك إليه‪ ،‬وارتحْ من الوس اوس والتَّش ويش في األوائ ل والع واقب‪ ،‬فليس ل ك من‬
‫األمر من شي ٍء‪.‬‬

You might also like