Professional Documents
Culture Documents
وأما دليل شرعية القياس فما جاء في اآلية الكريمة السالفة الذكر
"فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى هللا والرسول" 4فتبين أن المراد به القياس
الصحيح ويكون ذلك بطريق التأمل وإعمال الرأي وطلب المعنى ؛
وخاصيتة أي -القياس – هو إلحاق الفرع باالصل في حكمه لما بينهما من
المماثلة والمشابهة.
وأما من السنة فاإلخبار عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعن
الصحابة في هذا الباب أكثر من أن تحصى ،وأشهر من أن تخفى فعن "...
عبد هللا بن عباس أن رجال سأل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال :يا
رسول هللا إن أبي دخل في اإلسالم وهو شيخ كبير ،فإن أنا شددته على
راحلتي خشيت أن أقتله ،وإن لم أشده لم يثبت عليها ،أفأحج عنه فقال رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم :أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان
يجزئ عنه قال :نعم ،قال :فاحجج عن أبيك " . 5الحديث .
وفي هذا بيان شرعية إعمال الرأي وتعليم المقايسة .
ثم إن جمهور المسلمين اتفقوا على االستدالل بهذه األصول األربعة
وعلى هذا الترتيب أي الكتاب ثم السنة فاإلجماع والقياس .
" فكان أبو بكر رضى هللا عنه إذا ورد عليه خصم نظر في كتاب هللا
فان وجد فيه ما يقضى به قضى به بينهم فان لم يجد في الكتاب نظر هل
كانت من النبي صلى هللا عليه وسلم فيه سنة فان علمها قضى بها وان لم
يعلم خرج فسأل المسلمين فقال اتانى كذا وكذا فنظرت في كتاب هللا وفى
سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فلم اجد في ذلك شيئا فهل تعلمون ان
نبى هللا قضى في ذلك بقضاء فربما قام إليه الرهط فقالوا نعم قضى فيه
بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال جعفر وحدثني
غير ميمون ان ابا بكر رضى هللا عنه كان يقول عند ذلك الحمد هلل الذى
جعل فينا من يحفظ عن نبينا صلى هللا عليه وسلم وان اعياه ذك دعا رؤس
6
المسلمين وعلماء هم فاستشار هم فإذا اجتمع رأيهم على االمر قضى به"
واما الدليل على ترتيبها فما رواه معاذ بن جبل من " أن رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم لما أراد أن يب عث معاذا إلى اليمن قال كيف تقضي إذا
عرض لك قضاء قال أقضي بكتاب هللا قال فإن لم تجد في كتاب هللا قال
فبسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال فإن لم تجد في سنة رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم وال في كتاب هللا قال أجتهد رأيي وال آلو فضرب
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صدره وقال الحمد هلل الذي وفق رسول
". 7
رسول هللا لما يرضي رسول هللا
وتوجد أدلة أخرى وهي المسماة باألدلة التبعية أو الفرعية إال أن
العلماء لم يتفقوا على االستدالل بها بل هناك من أخذ بها وهناك من أنكرها
وأنكر االستدالل بها ومن بينها االستصحاب وقول الصحابي ودليل الخطاب
وسد الذرائع واالستحسان والعرف والعادة وشرع من قبلنا.
المطلب األول :المصادر األصلية
- 8سورة الفرقان1:
- 9الكهف1:
- 10الحجر 9
- 11الشعراء195-192:
5
ذلك على سبيل التمثيل في عدهما من األسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من
قوله تعالى :إنه لقرآن كريم.12
كما عدا من األسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى:
وهذا ذكر مبارك أنزلناه .13على حين أن لفظ قرآن وذكر في اآليتين
مقبول كونهما اسمين.
أما لفظ كريم ومبارك فال شك أنهما وصفان.14
و اصطالحا :هو كالم هللا تعالى المعجز المنزل على النبي صلى هللا
15
عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتالوته.
وهذا التعريف جمع بين اإلعجاز والتنزيل على النبي صلى هللا عليه
وسلم والكتابة في المصاحف والنقل بالتواتر والتعبد بالتالوة .
ب-أنواع أحكامه:
القرآن الكريم على ثالثة أنواع من األحكام
اشتمل ٍ
أوال :األحكام االعتقادية :أي ما يجب اعتقاده في هللا ومالئكته وكتبه
ورسله واليوم اآلخر ونحو هذا من الحساب والصراط والجنة والنار.
ثانيا :األحكام الخلقية :وذلك بالتحلي باألخالق الحميدة والخصال
الرشيدة من الصدق والجود والكرم واألمانة ومواساة ذي القربى والمساكين
والفقراء.
- 12الواقعة 77
- 13األنبياء 50
- 14مناهل العرفان في علوم القرآن ج/1ص12
15مناهل العرفان في علوم القرآن ج/1ص15
6
- 16انظر تيسير علم أصول الفقه ،116 :الوجيز في أصول الفقه للزحيلي .32
- 17علم أصول الفقه وخالصة تاريخ التشريع لعبد الوهاب خالف.35.
7
االختالف االشتراك الذي في الباء في كالم العرب وذلك أنها مرة تكون
زائدة ،20ومرة تدل على التبعيض .
فمن رآها زائدة أوجب مسح الرأس كله ومعنى الزائدة ها هنا كونها
مؤكدة ومن رآها مبعضة أوجب مسح بعضه.21
-2السنة
سو َل ،فهذا ثان وهو الخبر عن وقوله سبحانه وتعالىَ :وأَ ِطيعُوا َّ
الر ُ
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.25
ومنها كذلك قوله تعالى :فَ ْليَحْ ذَ ِر الَّذِينَ يُخَا ِلفُونَ َع ْن أَ ْم ِر ِه أَ ْن ت ُ ِ
صيبَ ُه ْم
فحذر َّ
َّللا تعالى من مخالفة الرسول -صلى هللا َ صي َب ُه ْم َعذَاب أَ ِليم،
فِتْنَة أَ ْو يُ ِ
عليه وسلم ،-فلزم من هذا :وجوب موافقة الرسول -صلى هللا عليه وسلم
-ومتابعته في كل ما يصدر عنه ؛ ألن المخالفة حرام ،وترك الحرام
واجب ،فترك المخالفة واجب ،فيكون اتباع الرسول واجبا.
ومنها قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوشك الرجل متكئا على
أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب هللا عز وجل فما
وجدنا فيه من حالل استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه أال وإن ما
حرم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مثل ما حرم هللا.26
ففي هذا الحديث توبيخ وتقريع لمن ترك السنة والعمل بالحديث،
استغناء عنها بالكتاب ؛ ودليل على وجوب ضم الحديث إلى القرآن
فالرسول صلى هللا عليه وسلم -مبين للقرآن وشارح له قال تعالىَ :وأَ ْنزَ ْلنَا
اس َما نُ ِز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَعَلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُرونَ .27ولهذا قال رسول
الذ ْك َر ِلتُبَيِنَ ِللنَّ ِ
إِلَي َْك ِ
هللا صلى هللا عليه وسلم "أال إني أوتيت القرآن ومثله معه" 28يعني السنة
والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إال أنها ال تتلى كما يتلى
القرآن والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة.29
قال النبي عليه الصالة والسالم تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما
تمسكتم بهما كتاب هللا وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم ،30تنبيها على شرف
السنة وكرامتها وتبيينا ألهميتها وفضلها.
فعلى هذا ال ينبغي في االستنباط من القرآن االقتصار عليه دون
النظر في شرحه وبيانه وهو السنة ألنه إذا كان كليا وفيه أمور كلية كما في
شأن الصالة والزكاة والحج والصوم ونحوها فال محيص عن النظر في
بيانه.31
مما يفيد أن سنة المصطفى عليه أفضل الصالة والتسليم دليل من أدلة
األحكام الش رعية وأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد كتاب هللا العظيم.