You are on page 1of 10

‫‪1‬‬

‫مدخل لدراسة الشريعة المحاضرة السابعة الفصل األول الفوجان ‪D/E‬‬


‫مصادر التشريع اإلسالمي‬

‫قبل تفصيل الكالم في هذا المبحث البأس من التذكير أن أدلة األحكام‬


‫الشرعية األصلية أربعة وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ‪.‬‬
‫ومن األدلة المفيدة لشرعية الكتاب‪ ،‬والسنة قوله تعالى ‪" :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم فإن تنازعتم في شيء‬
‫فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن‬
‫تأويال "‪ 1‬فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله‪ ،‬وأعاد الفعل إعالما بأن‬
‫طاعة الرسول تجب استقالال من غير عرض ما أمر به على الكتاب‪ ،‬بل إذا‬
‫أمر وجبت طاعته مطلقا‪ ،‬سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه‪،‬‬
‫فإنه أوتي الكتاب ومثله معه ‪ .‬قال تعالى " فال وربك ال يؤمنون حتى‬
‫يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا‬
‫تسليما"‪. 2‬‬
‫سو َل ِم ْن‬ ‫الر ُ‬
‫ق َّ‬ ‫وأما حجية اإلجماع فقوله سبحانه وتعالى ( َو َم ْن يُشَاقِ ِ‬
‫س ِبي ِل ْال ُمؤْ ِمنِينَ نُ َو ِل ِه َما ت ََولَّى َونُ ْ‬
‫ص ِل ِه َج َه َّن َم‬ ‫َب ْع ِد َما تَ َبيَّنَ لَهُ ْال ُهدَى َو َيتَّ ِب ْع َغي َْر َ‬
‫يرا)‪ 3‬فذمهم على ترك اتباع سبيل المؤمنين كما ذمهم على ترك‬
‫ص ً‬ ‫سا َء ْ‬
‫ت َم ِ‬ ‫َو َ‬
‫اإليمان ‪.‬‬
‫ودل ذلك على صحة حجية اإلجماع ألنه لوال أن ذلك الزم لما ذمهم‬
‫على تركه ولما قرنه إلى مشاقة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة النساءاآلية ‪59‬‬


‫‪ 2‬سورة النساء اآلية ‪65‬‬
‫‪ 3‬سورة النساء اآلية ‪115‬‬
‫‪2‬‬

‫وأما دليل شرعية القياس فما جاء في اآلية الكريمة السالفة الذكر‬
‫"فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى هللا والرسول"‪ 4‬فتبين أن المراد به القياس‬
‫الصحيح ويكون ذلك بطريق التأمل وإعمال الرأي وطلب المعنى ؛‬
‫وخاصيتة أي ‪ -‬القياس – هو إلحاق الفرع باالصل في حكمه لما بينهما من‬
‫المماثلة والمشابهة‪.‬‬
‫وأما من السنة فاإلخبار عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعن‬
‫الصحابة في هذا الباب أكثر من أن تحصى‪ ،‬وأشهر من أن تخفى فعن "‪...‬‬
‫عبد هللا بن عباس أن رجال سأل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول هللا إن أبي دخل في اإلسالم وهو شيخ كبير‪ ،‬فإن أنا شددته على‬
‫راحلتي خشيت أن أقتله‪ ،‬وإن لم أشده لم يثبت عليها‪ ،‬أفأحج عنه فقال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان‬
‫يجزئ عنه قال ‪ :‬نعم‪ ،‬قال ‪ :‬فاحجج عن أبيك "‪ . 5‬الحديث ‪.‬‬
‫وفي هذا بيان شرعية إعمال الرأي وتعليم المقايسة ‪.‬‬
‫ثم إن جمهور المسلمين اتفقوا على االستدالل بهذه األصول األربعة‬
‫وعلى هذا الترتيب أي الكتاب ثم السنة فاإلجماع والقياس ‪.‬‬
‫" فكان أبو بكر رضى هللا عنه إذا ورد عليه خصم نظر في كتاب هللا‬
‫فان وجد فيه ما يقضى به قضى به بينهم فان لم يجد في الكتاب نظر هل‬
‫كانت من النبي صلى هللا عليه وسلم فيه سنة فان علمها قضى بها وان لم‬
‫يعلم خرج فسأل المسلمين فقال اتانى كذا وكذا فنظرت في كتاب هللا وفى‬
‫سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فلم اجد في ذلك شيئا فهل تعلمون ان‬

‫‪ 4‬سورة النساءاآلية ‪59‬‬


‫‪ 5‬صحيح ابن حبان ‪303/9‬‬
‫‪3‬‬

‫نبى هللا ‪ ‬قضى في ذلك بقضاء فربما قام إليه الرهط فقالوا نعم قضى فيه‬
‫بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال جعفر وحدثني‬
‫غير ميمون ان ابا بكر رضى هللا عنه كان يقول عند ذلك الحمد هلل الذى‬
‫جعل فينا من يحفظ عن نبينا صلى هللا عليه وسلم وان اعياه ذك دعا رؤس‬
‫‪6‬‬
‫المسلمين وعلماء هم فاستشار هم فإذا اجتمع رأيهم على االمر قضى به"‬
‫واما الدليل على ترتيبها فما رواه معاذ بن جبل من " أن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم لما أراد أن يب عث معاذا إلى اليمن قال كيف تقضي إذا‬
‫عرض لك قضاء قال أقضي بكتاب هللا قال فإن لم تجد في كتاب هللا قال‬
‫فبسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال فإن لم تجد في سنة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم وال في كتاب هللا قال أجتهد رأيي وال آلو فضرب‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صدره وقال الحمد هلل الذي وفق رسول‬
‫"‪. 7‬‬
‫رسول هللا لما يرضي رسول هللا‬
‫وتوجد أدلة أخرى وهي المسماة باألدلة التبعية أو الفرعية إال أن‬
‫العلماء لم يتفقوا على االستدالل بها بل هناك من أخذ بها وهناك من أنكرها‬
‫وأنكر االستدالل بها ومن بينها االستصحاب وقول الصحابي ودليل الخطاب‬
‫وسد الذرائع واالستحسان والعرف والعادة وشرع من قبلنا‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المصادر األصلية‬

‫‪ 6‬السنن الكبرى للبيهقي ‪114 / 10-‬‬


‫‪ 7‬سنن أبي داود ‪/3‬ص‪303‬‬
‫‪4‬‬

‫‪-1‬الدليل األول‪ :‬الكتاب‪:‬‬

‫أ‪-‬تعريف القرآن لغة واصطالحا‬

‫القرآن لغة مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا‪.‬‬


‫ويُس َّمى المقروء قراءة عند العرب من باب تسمية المفعول باسم‬
‫المصدر كتسميتهم المشروب شربا‪ ،‬والمكتوب كتابا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ثم اشتهر االستعمال في هذا واقترن به العرف الشرعي‪ ،‬فصار‬
‫َّللا َع َّز و َج َّل‪.‬‬
‫القرآن اسما لكالم َّ‬
‫وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها‪:‬‬
‫‪ .1‬الفرقان ‪ :‬وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪‬تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا‪.8‬‬
‫‪.2‬الكتاب‪ :‬كما في قوله تعالى‪ :‬الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب‬
‫ولم يجعل عوجا‪.9‬‬
‫‪.3‬الذكر‪ :‬كما في قوله عز وجل‪ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫لحافظون‪.10‬‬
‫‪.4‬التنزيل‪ :‬قال تعالى‪ :‬وإنه لتنزيل رب العالمين‪ .‬نزل به الروح‬
‫األمين‪ .‬على قلبك لتكون من المنذرين‪ .‬بلسان عربى مبين‪.11‬‬
‫هذه أشهر أسماء القرآن الكريم‪ ،‬وقد ذكر له بعض العلماء أسماء‬
‫أخرى إال أنها في الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له‪ ،‬ويتضح‬

‫‪ - 8‬سورة الفرقان‪1:‬‬
‫‪ - 9‬الكهف‪1:‬‬
‫‪ - 10‬الحجر ‪9‬‬
‫‪ - 11‬الشعراء‪195-192:‬‬
‫‪5‬‬

‫ذلك على سبيل التمثيل في عدهما من األسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من‬
‫قوله تعالى‪ :‬إنه لقرآن كريم‪.12‬‬
‫كما عدا من األسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬وهذا ذكر مبارك أنزلناه‪ .13‬على حين أن لفظ قرآن وذكر في اآليتين‬
‫مقبول كونهما اسمين‪.‬‬
‫أما لفظ كريم ومبارك فال شك أنهما وصفان‪.14‬‬
‫و اصطالحا‪ :‬هو كالم هللا تعالى المعجز المنزل على النبي صلى هللا‬
‫‪15‬‬
‫عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتالوته‪.‬‬
‫وهذا التعريف جمع بين اإلعجاز والتنزيل على النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم والكتابة في المصاحف والنقل بالتواتر والتعبد بالتالوة ‪.‬‬
‫ب‪-‬أنواع أحكامه‪:‬‬
‫القرآن الكريم على ثالثة أنواع من األحكام‬
‫اشتمل ٍ‬
‫أوال‪ :‬األحكام االعتقادية‪ :‬أي ما يجب اعتقاده في هللا ومالئكته وكتبه‬
‫ورسله واليوم اآلخر ونحو هذا من الحساب والصراط والجنة والنار‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األحكام الخلقية‪ :‬وذلك بالتحلي باألخالق الحميدة والخصال‬
‫الرشيدة من الصدق والجود والكرم واألمانة ومواساة ذي القربى والمساكين‬
‫والفقراء‪.‬‬

‫‪ - 12‬الواقعة ‪77‬‬
‫‪ - 13‬األنبياء ‪50‬‬
‫‪ - 14‬مناهل العرفان في علوم القرآن ج‪/1‬ص‪12‬‬
‫‪ 15‬مناهل العرفان في علوم القرآن ج‪/1‬ص‪15‬‬
‫‪6‬‬

‫والتخلي عن األوصاف الرديئة واألخالق الذميمة من الحسد والكبر‬


‫والعجب والطمع‪ ،‬والبغضاء‪ ،‬والغل‪ ،‬والعداوة‪ ،‬والشحناء‪ ،‬والبغي وسائر‬
‫أمراض القلوب‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬األحكام العملية‪ :‬وتتعلق بما يصدر عن المكلف من أقوال‬
‫وأفعال وعقود وتصرفات والتزامات‪ ،‬وهذا النوع من األحكام ينقسم قسمين‪،‬‬
‫أحكام العبادات وأحكام المعامالت‪.‬‬
‫فأحكام العبادات فمن مثل الصالة والزكاة والحج والصوم ونحوها‪.‬‬
‫والمقصود منها تنظيم عالقة اإلنسان بربه‪.‬‬
‫وأما أحكام المعامالت فكالعقود والتصرفات والعقوبات والجنايات‬
‫وغيرها مما عدا األ مور التعبدية ويقصد بها تنظيم العالقات فيما بين األفراد‬
‫والجماعات وبين األمة اإلسالمية وغيرها من األمم‪.16‬‬
‫ج‪-‬داللة القرآن الكريم على األحكام‪.‬‬
‫نصوص القرآن جميعها قطعية من جهة ورودها وثبوتها‪ ،‬ونقلها عن‬
‫الرسول إلينا‪ ،‬أي نجزم ونقطع بأن كل نص نتلوه من نصوص القرآن‪ ،‬هو‬
‫نفسه النص الذي أنزله هللا على رسوله‪ ،‬وبلغه الرسول المعصوم إلى األمة‬
‫من غير تحريف وال تبديل تحقيقا لوعد هللا سبحانه إذ قال عز شأنه‪ِ  :‬إنَّا‬
‫نَحْ ُن ن ََّز ْلنَا ِ‬
‫الذ ْك َر َوإِنَّا لَهُ لَ َحافِ ُ‬
‫ظونَ ‪.17‬‬
‫وأما نصوص القرآن من جهة داللتها على ما تضمنته من األحكام‬
‫فتنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫نص قطعي الداللة على حكمه‪.‬‬
‫ونص ظني الداللة‪.‬‬

‫‪ - 16‬انظر تيسير علم أصول الفقه ‪ ،116 :‬الوجيز في أصول الفقه للزحيلي ‪.32‬‬
‫‪ - 17‬علم أصول الفقه وخالصة تاريخ التشريع لعبد الوهاب خالف‪.35.‬‬
‫‪7‬‬

‫فالنص القطعي الداللة هو ما دل على معنى متعين‪ ،‬وال يحتمل تأويال‬


‫ف َما تَ َر َك أ َ ْز َوا ُج ُك ْم‬ ‫وال مجال لفهم معنى غيره مثل قوله تعالى‪َ  :‬ولَ ُك ْم نِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ ُه َّن َولَد‪ ‬فهذا قطعي الداللة على أن فرض الزوج في هذه الحال‬
‫النصف ال غير‪ ،‬ومثل قوله تعالى في شأن الزاني والزانية‪ :‬فَاجْ ِلدُوا ُك َّل‬
‫اح ٍد ِم ْن ُه َما ِمئَةَ َج ْلدَةٍ‪ ،‬فهذا قطعي الداللة على أن حد الزنا مائة جلدة ال‬
‫َو ِ‬
‫أكثر وال أقل‪.‬‬
‫وأما النص الظني الداللة فهو ما دل على أكثر من معنى مثل قوله‬
‫صنَ ِبأ َ ْنفُ ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُ ُروءٍ ‪ ‬فلفظ القرء في اللغة‬ ‫تعالى‪َ  :‬و ْال ُم َ‬
‫طلَّقَاتُ َيت ََربَّ ْ‬
‫العربية مشترك بين معنيين يطلق لغة على الطهر كما يطلق على الحيض‪،‬‬
‫والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثالثة قروء‪ ،‬فيحتمل أن يراد ثالثة‬
‫أطهار‪ ،‬ويحتمل أن يراد ثالث حيضات فهو ليس قطعي الداللة على معنى‬
‫واحد من المعنيين‪ ،‬ولهذا اختلف المجتهدون في أن عدة المطلقة ثالثة‬
‫حيضات أو ثالثة أطهار‪.18‬‬
‫ومن أمثلته كذلك قول هللا سبحانه وتعالى ‪َ  :‬يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإذَا‬
‫س ُحوا ِب ُر ُءو ِس ُك ْم‬
‫ق َوا ْم َ‬ ‫ص َال ِة فَا ْغ ِسلُوا ُو ُجو َه ُك ْم َوأَ ْي ِد َي ُك ْم إِلَى ْال َم َرا ِف ِ‬
‫قُ ْمت ُ ْم ِإلَى ال َّ‬
‫َوأَ ْر ُجلَ ُك ْم ِإلَى ا ْل َك ْع َبي ِْن ‪.19‬‬
‫فاتفق العلماء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء ولكنهم‬
‫اختلفوا في القدر المجزئ منه‪.‬‬
‫فذهب مالك رحمه هللا تعالى إلى أن الواجب مسحه كله وذهب‬
‫الشافعي رحمه هللا تعالى إلى أن مسح بعضه هو الفرض وأصل هذا‬

‫‪ - 18‬انظر علم أصول الفقه عبد الوهاب خالف‪36.‬‬


‫‪ - 19‬المائدة ‪6 :‬‬
‫‪8‬‬

‫االختالف االشتراك الذي في الباء في كالم العرب وذلك أنها مرة تكون‬
‫زائدة‪ ،20‬ومرة تدل على التبعيض ‪.‬‬
‫فمن رآها زائدة أوجب مسح الرأس كله ومعنى الزائدة ها هنا كونها‬
‫مؤكدة ومن رآها مبعضة أوجب مسح بعضه‪.21‬‬

‫‪ -2‬السنة‬

‫أ‪-‬تعريف السنة لغة واصطالحا‪.‬‬


‫السنة في اللغة عبارة عن مطلق الطريق خيرا كان أو شرا‪.22‬‬
‫وفي االصطالح هو كل ما جاء عن النبي صلى هللا عليه وسلم من‬
‫أقوال وأفعال وتقرير أوما هم بفعله ولم يفعله‪.23‬‬
‫ب‪-‬حجيتها‪.‬‬
‫إذا كان القرآن الكريم هو المصدر األول من مصادر الشريعة‬
‫اإلسالمية فإن السنة النبوية الشريفة تأتي في المرتبة الثانية واألدلة على‬
‫ذلك كثيرة‪ ،‬منها قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫سو َل َوأُو ِلي ْاأل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم‬ ‫َّللاَ َوأَ ِطيعُوا َّ‬
‫الر ُ‬ ‫‪‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا َّ‬
‫اَّللِ َو ْاليَ ْو ِم‬
‫الرسُو ِل ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم تُؤْ ِمنُونَ ِب َّ‬ ‫َيءٍ فَ ُردُّوهُ إِلَى َّ‬
‫َّللاِ َو َّ‬ ‫فَإِ ْن تَنَازَ ْعتُ ْم فِي ش ْ‬
‫س ُن تَأ ْ ِو ً‬
‫يال‪.24‬‬ ‫ْاآل ِخ ِر ذَ ِل َك َخيْر َوأَحْ َ‬
‫فقول هللا سبحانه وتعالى‪َ  :‬يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ ِطيعُوا َّ‬
‫َّللاَ‪ ،‬فهذا أصل‬
‫وهو القرآن‪.‬‬

‫‪ - 20‬بداية المجتهد ج‪/1‬ص‪.8‬‬


‫‪ - 21‬بداية المجتهد ج‪/1‬ص‪.9‬‬
‫‪ - 22‬أنيس الفقهاء ج‪/1‬ص‪.105‬‬
‫‪ - 23‬انظر فتح الباري ج‪/13‬ص‪ .245‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي ص‪47‬‬
‫‪ - 24‬النساء ‪.59 :‬‬
‫‪9‬‬

‫سو َل‪ ،‬فهذا ثان وهو الخبر عن‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى‪َ  :‬وأَ ِطيعُوا َّ‬
‫الر ُ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.25‬‬
‫ومنها كذلك قوله تعالى ‪ :‬فَ ْليَحْ ذَ ِر الَّذِينَ يُخَا ِلفُونَ َع ْن أَ ْم ِر ِه أَ ْن ت ُ ِ‬
‫صيبَ ُه ْم‬
‫فحذر َّ‬
‫َّللا تعالى من مخالفة الرسول ‪ -‬صلى هللا‬ ‫َ‬ ‫صي َب ُه ْم َعذَاب أَ ِليم‪،‬‬
‫فِتْنَة أَ ْو يُ ِ‬
‫عليه وسلم ‪ ،-‬فلزم من هذا ‪ :‬وجوب موافقة الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬ومتابعته في كل ما يصدر عنه ؛ ألن المخالفة حرام‪ ،‬وترك الحرام‬
‫واجب‪ ،‬فترك المخالفة واجب‪ ،‬فيكون اتباع الرسول واجبا‪.‬‬
‫ومنها قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوشك الرجل متكئا على‬
‫أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب هللا عز وجل فما‬
‫وجدنا فيه من حالل استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه أال وإن ما‬
‫حرم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مثل ما حرم هللا‪.26‬‬
‫ففي هذا الحديث توبيخ وتقريع لمن ترك السنة والعمل بالحديث‪،‬‬
‫استغناء عنها بالكتاب ؛ ودليل على وجوب ضم الحديث إلى القرآن‬
‫فالرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مبين للقرآن وشارح له قال تعالى‪َ  :‬وأَ ْنزَ ْلنَا‬
‫اس َما نُ ِز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَعَلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُرونَ ‪ .27‬ولهذا قال رسول‬
‫الذ ْك َر ِلتُبَيِنَ ِللنَّ ِ‬
‫إِلَي َْك ِ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم "أال إني أوتيت القرآن ومثله معه"‪ 28‬يعني السنة‬
‫والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إال أنها ال تتلى كما يتلى‬
‫القرآن والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة‪.29‬‬

‫‪ - 25‬اإلحكام البن حزم ج‪/1‬ص‪93‬‬


‫‪ - 26‬سنن ابن ماجه ج‪/1‬ص‪6‬‬
‫‪ - 27‬النحل ‪44 :‬‬
‫‪ 28‬مسند أحمد بن حنبل ج‪/4‬ص‪130‬‬
‫‪ - 29‬تفسير ابن كثير ج‪/1‬ص‪.4‬‬
‫‪10‬‬

‫قال النبي عليه الصالة والسالم تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما‬
‫تمسكتم بهما كتاب هللا وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‪ ،30‬تنبيها على شرف‬
‫السنة وكرامتها وتبيينا ألهميتها وفضلها‪.‬‬
‫فعلى هذا ال ينبغي في االستنباط من القرآن االقتصار عليه دون‬
‫النظر في شرحه وبيانه وهو السنة ألنه إذا كان كليا وفيه أمور كلية كما في‬
‫شأن الصالة والزكاة والحج والصوم ونحوها فال محيص عن النظر في‬
‫بيانه‪.31‬‬
‫مما يفيد أن سنة المصطفى عليه أفضل الصالة والتسليم دليل من أدلة‬
‫األحكام الش رعية وأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد كتاب هللا العظيم‪.‬‬

‫‪ - 30‬التمهيد البن عبد البر ج‪/24‬ص‪.331‬‬


‫‪ - 31‬الموافقات ج‪/3‬ص‪.369‬‬

You might also like