You are on page 1of 18

‫الفصل األول‬

‫الحديث المصدر الثاني للتشريع‬


‫المصدران األصليان للشريعة اإلسالمية هما الكتاب والسنة فمكانة السنة إذن رفيعة عظيمة ولها قوة تشريعية‬
‫ملزمة وعليها يقوم جزء ضخم من كيان الشريعة وليس للمسلم إال اتباع أوامرها والوقوف عند حدودها ونستطيع‬
‫‪:‬أن نتبين مكانتها فيما يأتي‬

‫السنة مبينة للقرآن‬ ‫‪.1‬‬


‫فقد كلف الرسول العظيم بمهمة تبيين ما نزل إلى الناس في قوله تعالى‪( :‬وأنزلنا إليك الذكرى‬ ‫‪‬‬
‫لتبين للناس ما نزل إليهم) وقد قام صلوات هللا عليه بهذه المهمة خير قيام فأدى األمانة وبلغ‬
‫الرسالة وبين المراد من آيات هللا‪.‬‬

‫السنة مفصلة لمجمل القرآن‬ ‫‪.2‬‬


‫ففي القرآن مثال آيات تأمر بالصالة والزكاة أمرا مجمال‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وأقيموا الصالة وآتوا‬ ‫‪‬‬
‫الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) وتأتي السنة هنا فتفصل عدد الصلوات وأوقاتها وعدد‬
‫الركعات ومبطالت الصالة وتدل أيضا على شروطها وأركانها كما تفصل ذكر األموال التي‬
‫فيها زكاة والتي الزكاة فيها وتفصل النصاب الذي تجب فيه الزكاة ومقداره ونسبته واألمثلة‬
‫من السنة على تفصيل ما ورد في الكتاب الكريم مجمال كثيرة كالصوم والحج والبيع وغيرها‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن ترد آيات القرآن الكريم مجملة ألن القرآن بالنسبة للمسلمين الدستور الذي‬ ‫‪‬‬
‫يقرر لهم األسس الفكرية واالجتماعية والسياسية التي يجب أن يقيموا المجتمع عليها ويترك‬
‫التفصيالت الجزئية للسنة ولكن القرآن الكريم في بعض األمور الهامة يذكر التفصيالت‪G‬‬
‫ألهميتها الشديدة في حياة الناس مثل‪ :‬اإلرث والطالق حتى ال يدع مجاال للفرقة في المجتمع‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة إلى أن السنة في تفصيلها لمجمل القرآن تسير في هداه وتنطلق من مبادئه‬ ‫‪‬‬
‫وأسسه وفي السنة أحكام لم تأتي في القرآن الكريم‪ ،‬كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها‬
‫وحد شرب الخمر ورجم الزاني المحصن وميراث الجدة‪ ،‬قال الشوكاني‪( :‬إن ثبوت حجية‬
‫السنة المطهرة واستقاللها بتشريع األحكام ضرورة دينية وال يخالف في ذلك إال من ال حظ له‬
‫في اإلسالم)‪.‬‬

‫السنة مخصصة لعموم محكم القرآن‬ ‫‪.3‬‬


‫ومن ذلك تخصيص الحديث‪ :‬ال يرث المسلم الكافر وال الكافر المسلم لقوله تعالى‪( :‬وألبويه‬ ‫‪‬‬
‫لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فألمه الثلث)‬
‫قال الخطيب البغدادي‪ :‬فكان ظهر هذه اآلية يدل على أن كل والد يرث ولده وكل مولود يرث‬

‫‪1‬‬
‫والده حتى جاءت السنة بأن المراد ذلك مع اتفاق الدين مع الوالدين والمولودين‪ G‬وأما إذا اختلف‬
‫الدينان فإنه مانع من التوريث‪.‬‬

‫القرآن الكريم نفسه يوجب على المسلمين طاعة الرسول‬ ‫‪.4‬‬


‫تعد طاعة الرسول طاعة هلل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬من يطع الرسول فقد أطاع هللا) ويقرر القرآن الكريم‬ ‫‪‬‬
‫أن الرسول أسوة حسنة لكل من آمن باهلل واليوم اآلخر في قوله تعالى‪( :‬لقد كان لكم في رسول‬
‫هللا أسوة حسنة لمن كان يرجو هللا واليوم اآلخر)‪.‬‬
‫أوجب هللا في القرآن النزول على حكم النبي في كل خالف وأقسم تبارك وتعالى على نفي‬ ‫‪‬‬
‫اإليمان عن كل من ال يحكمه في قوله تعالى(فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر‬
‫بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)‪.‬‬
‫وأخبرنا هللا تعالى أن الرسول أوتي القرآن والحكمة أي السنة ليعلم الناس أحكام دينهم في قوله‬ ‫‪‬‬
‫تعالى‪ ( :‬لقد من هللا على المؤمنين إذ بعث فيهم رسوال من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين)‪.‬‬
‫هناك نصوص قرآنية عديدة تلزم المسلم بطاعة الرسول كما في قوله تعالى‪( :‬قل أطيعوا هللا‬ ‫‪‬‬
‫والرسول فإن تولوا فإن هللا ال يحب الكافرين)‪,‬‬
‫يقول هللا تعالى في الثناء على المؤمنين الذين يطيعون هللا‪( :‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا‬ ‫‪‬‬
‫إلى هللا ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إلى األحاديث الثابتة وجدنا طائفة ضخمة تصرح بمكانة الرسول في الشريعة‬ ‫‪.5‬‬
‫مثل ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن رسول هللا أنه قال‪ :‬كل أمتي يدخلون الجنة إال من‬ ‫‪‬‬
‫أبى‪ ،‬قالوا يا رسول هللا من يأبى؟ قال‪ :‬من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى‪.‬‬
‫ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية قال‪ :‬وعظنا رسول هللا موعظة‬ ‫‪‬‬
‫بليغة‪ ،‬وجلت منها القلوب‪ ،‬وذرفت منها العيون‪ ،‬فقلنا يارسول هللا كأنها موعظة مودع‪،‬‬
‫فأوصانا قال‪ :‬أوصيكم بتقوى هللا‪ ،‬والسمع والطاعة وأن تأمر عليكم عبد حبشي‪ ،‬وأنه من‬
‫يعيش بينكم فسيرى اختالفا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‪ ،‬عضوا عليها‬
‫بالنواجذ وإياكم ومحدثات األمور فإن كل بدعة ضاللة‪.‬‬
‫ومن ذلك ما أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي رافع قال‪ :‬قال رسول هللا ال أعرفن الرجل‬ ‫‪‬‬
‫يأتيه األمر من أمري‪ :‬إما أمرت به أو نهيت عنه فيقول‪ :‬ما ندري ما هذا؟ عندنا كتاب هللا ليس‬
‫هذا فيه‪.‬‬

‫فقه السلف الصالح لمكانة السنة‪:‬‬ ‫‪.6‬‬


‫كان السلف الصالح من الجيل المثالي من أصحاب رسول هللا ويفقهون هذه المكانة للسنة تمام‬ ‫‪‬‬
‫الفقه ويحققون ذلك في حياتهم ويعتبرون اتباع النبي شرطا البد منه ليكون المرء مسلما أخرج‬

‫‪2‬‬
‫البخاري ومسلم عن عابس بن ربيعة قال‪ :‬رأيت عمر بن الخطاب يقبل الحجر – يعني الحجر‬
‫األسود – ويقول أعلم أنك حجر ما تنفع وال تضر ولوال أني رأيت رسول هللا يقبلك ما قبلتك‪.‬‬
‫وقال خالد بن أسيد لعبد هللا بن عمر‪ :‬إنا نجد صالة الحضر وصالة الخوف في القرآن وال نجد‬ ‫‪‬‬
‫صالة السفر في القرآن فقال له ابن عمر‪ :‬يا بن أخي إن هللا عز وجل بعث إلينا محمدا وال نعلم‬
‫شيئا وإنما نفعل كما رأينا محمدا يفعل‪.‬‬
‫كيفية تطبيق الشريعة‪:‬‬ ‫‪.7‬‬
‫كانت ضرورة تطبيق الشريعة وما جاء في القرآن ملزمة بالرجوع إلى السنة وروى الحافظ‬ ‫‪‬‬
‫الذهبي في تذكرة الحفاظ قال‪ :‬روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر‬
‫تلتمس أن تورث فقال‪ :‬ما أجد لك في كتاب هللا شيئا وما علمت أن رسول هللا ذكر لك شيئا ثم سأل‬
‫الناس فقام المغيرة فقال‪ :‬سمعت رسول هللا يعطيها السدس فقال‪ :‬هل معك أحد؟ فشهد محمد بن‬
‫مسلمة بمثل ذلك‪ :‬فأنفذه لها أبو بكر‪.‬‬

‫للسنة مكانة سامية في الشريعة‬ ‫‪.8‬‬


‫كانت السنة في معظمها وحي من هللا فمن الطبيعي أن تكون للسنه هذه المكانة السامية في‬ ‫‪‬‬
‫الشريعة ومن أجل ذلكك فقد قرر العلماء أنه ال فرق بينها وبين القرآن من ناحية وجوب العمل‬
‫بمقتضاها بالنسبة للمسلمين إذا ثبتت لديهم ومن هنا كان القرآن الكريم والسنة في حق الصحابة‬
‫الذين يتلقون أقوال النبي‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫تدوين السنة‬
‫يتردد على ألسنة بعض العامة أن السنة لم تدون إال بعد مضي قرن من الزمان ويعتمدون في ذلك على أدلة‬
‫واهية ال حجة لهم بها فهم يدعون أن الحديث لم يكتب ألن العرب أمة أمية وألن الرسول نهى عن كتابة‬
‫الحديث وحقيقة ذلك أن‪:‬‬

‫أمية العرب أمر حقيقي واقعي دلت عليه اآليات القرآنية واألخبار التاريخية واآلثار األدبية واإلشارات‬ ‫‪.1‬‬
‫الواردة في السنة والسيرة ولكن هذا الوصف إنما كان ألنه الغالب على أبناء أمة العرب وال يمنع من‬
‫صدقه وجود أناس يقرؤون ويكتبون وهم قلة بالنسبة إلى األمة إذا فاألمية ال يكفي تقريرها واإلعتراف‬
‫بوجودها عند العرب المسلمين الثبات عدم تدوين السنة وإال فكيف أجمع الناس على أن القرىن الكريم‬
‫كتب عند نزوله والعرب أميون؟‬
‫المسلمين لم يدونوا األحاديث في بادىء األمر امتثاال ألمر الرسول فيما رواه مسلم عن أبي سعيد‬ ‫‪.2‬‬
‫الخدري‪( :‬ال تكتبوا عني شيئا إال القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه)‪ ،‬وقد كان هذا في‬
‫‪3‬‬
‫بادىء األمر حتى ال يختلط القرآ بالسنة وهم حديثي عهد بالقرآن وباسلوبه ولم يجر على ألسنتهم بعد‬
‫ولكم لما شاع القرآن بين المسلمين وأصبحوا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار ويحكمونه في حياتهم‬
‫بالتطبيق العملي ويقيمون مجتمعهم ودولتهم نسخ ذلك النهي بأحاديث أخرى دلت على اإلباحة‪ ،‬قال‬
‫السمعاني‪( :‬إن كراهية كتابة األحاديث إنما كانت في االبتداء كيال تختلط بكتاب هللا فلما وقع األمن عن‬
‫االختالط جاز كتابته)‪ ،‬وسنذكر بعض من األحاديث التي نسخت حديث أبي سعيد ودلت عليه اإلباحة‪:‬‬
‫ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما على أن أبا شاه اليمني التمس من رسول أن يكتب له شيئا‬ ‫‪‬‬
‫مما سمعه من خطبته عام فتح مكة فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬اكتبوا ألبي شاه‪.‬‬
‫ما رواه اإلمام أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬قلت لرسول هللا يا‬ ‫‪‬‬
‫رسول هللا إني أسمع منك الشيء فأكتبه‪ ،‬قال‪ :‬نعم قال عبدهللا‪ :‬في الغضب والرضى؟ قال صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ :‬نعم فإني ال أقول إال حقا‪.‬‬
‫ما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال‪ :‬كان رجل من األنصار يجلس إلى رسول هللا فيسمع منه‬ ‫‪‬‬
‫الحديث فيعجبه وال يحفظه فشكا ذلك إلى رسول هللا فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬استعن بيمينك‬
‫وأومأ بيمينه إلى الخط (أي‪ :‬أشار بيده إلى أن يستخدم الكتابة)‪.‬‬
‫أما القلة من الصحابة والتابعين الذين كانوا يكرهون كتابة الحديث فلهم رأيهم وقد يكون عذر بعضهم أنه لم‬
‫يبلغهم أحاديث النسخ إذن فقد بدأت كتابة الحديث في عهد النبي من قبل بعض الصحابة بشكل محدود وقد‬
‫ترك عدد منهم صحفا ضاع معظمها ومن أشهر هذه الصحف‪:‬‬
‫‪ ‬صحيفة عبد هللا بن عمرو التي كان يسميها الصادقة وقد جاءت في مسند أحمد‪.‬‬
‫‪ ‬صحيفة أبي هريرة التي كتبها همام بن منبه‪.‬‬

‫التدوين في عصر الخلفاء‬


‫كان التدوين في عهد الخلفاء الراشدين عمال فرديا يقوم به الصحابة الذين يرون جواز الكتابة‬ ‫‪‬‬
‫وتالمذتهم من التابعين الذين يرون أحاديثهم‪.‬‬
‫ولقد طرحت فكرة جمع السنة في عهد عمر بن الخطاب واستشار الصحابة في ذلك ويبدوا أن عددا‬ ‫‪‬‬
‫من الصحابة أشار عيه بكتابة الحديث ولبث شهرا يستخير هللا في ذلك ثم أصبح يوما وقد عزم على‬
‫كتابة السنة‪.‬‬
‫ال بد التنويه على أن تلك المحاوالت الفردية لكتابة الحديث لم تكن مستوعبة لألحاديث كلها وأن‬ ‫‪‬‬
‫الرواية الشفوية كانت هي العمدة في هذه المرحلة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫التدوين في عصر التابعين وتابعيهم‬
‫مازال نفر من الناس يكره الكتابة في هذا العصر معتمدين في ذلك على الحديث الذي رواه مسلم عن‬ ‫‪‬‬
‫أبي سعيد أن رسول هللا قال‪( :‬ال تكتبوا عني شيئا إال القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه)‬
‫ووافق عدد من الصحابة الذين يشاركونهم الرأي ولكن حدث في هذا العصر أمران جعال جمهور‬
‫التابعين يرضون بالكتابة‪:‬‬
‫‪ ‬أولهما‪ :‬هو تبني موضوع كتابة الحديث من قبل الخليفة وهذا عندما قام الخليفة الصالح العادل‬
‫عمر بن الخطاب بن عبد العزيز بالعزم على تدوين السنة وكان أول من استجاب لهذا الطلب‬
‫الرسمي عالم الحجاز والشام‪ :‬محمد بن مسلم بن شهاب‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيهما‪ :‬تخوف علماء التابعين من اختالط الحديث الصحيح بالضعيف والموضوع المدسوس‪.‬‬
‫كان هذان األمرين عامالن رئيسيين حمال كثيرا ممن كان يكره الكتابة على أن يتراجع عن رأيه‪.‬‬

‫التدوين في العصر الذهبي‬


‫بعد انقضاء عصر التابعين عنى العلماء بإفراد أحاديث النبي وحدها وتجريدها من الفتاوى وأقوال‬ ‫‪‬‬
‫الصحابة والتابعين فكانت كتب عديدة في السنة وكان منها المسانيد وهي كتب تورد األحاديث خالية‬
‫من فتاوي العلماء وومرتبة حسب أسماء رواتها من الصحابة ولعل أول من ألف ذلك أبو وادود‬
‫الطيالسي‪.‬‬
‫وما أنا جاء القرن الثالث الذي يعتبر العصر الذهبي لتدوين السنة حتى نجد جهابذة أفذاذا وعلماء‬ ‫‪‬‬
‫عمالقة أصحاب طاقات ضحمة يقفون كل ما في حياتهم وجهودهم على طلب السنة والرحلة من أجلها‬
‫يحفظون ويكتبون نعد من هؤالء‪ :‬البخاري ومسلم والترمذي وأبا داود وأحمد بن حنبل وغيرهم كثر‪.‬‬

‫الرحلة في طلب العلم والحديث‬


‫مما يتصل بتدوين الحديث الرحلة في طلبه ويبدوا أنها أمر طبيعي يتالزم مع طلب العلم ولقد‬ ‫‪‬‬
‫بدأت الرحلة في وقت مبكر حتى أن بعض الصحابة رحلوا في طلب الحديث وتمت في عصر‬
‫التابعين وتابعيهم ومن بعدهم حتى أضحت الرحلة شيئا البد منه لطالب العلم‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬فهذا أصل في وجوب طلب العلم والرحلة في طلب السنن ويقول النبي صلى‬ ‫‪‬‬
‫هللا عليه وسلم في معرض هذا األمر‪ :‬من سلك طريق يلتمس به علما سهل هللا له طريقا إلى‬
‫الجنة‪.‬‬
‫وكان من أثر الرحلة شيوع العلم في أمصار اإلسالم وتعارف أهل العلم المتعاصرين حتى‬ ‫‪‬‬
‫أصبحوا كأنهم في بلد واحد بل أفراد أسرة واحدة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫حديث النبي مع النساء وعنهن‬
‫‪ -1‬مناهج النبي في حديثه مع النساء وغيرهن‬
‫أوال‪ :‬األسوة والموعظة الحسنة‬
‫‪ ‬تعد األسوة والموعظة الحسنة من أهم وأقوى مناهج النبي في أحاديثه بشكل عام وفي حديثه للنساء‬
‫يشكل خاص فأي من أساليب الحديث ال تؤتي ثمارها كما ينبغي لها إال إذا ترجمت إلى واقع عملي أو‬
‫فعلي يقول هللا عز وجل( لقد كان لكم في رسول هللا أسوة حسنة لمن كان يرجو هللا واليوم اآلخر‬
‫وذكر هللا كثيرا) فجاءت األسوة الحسنة توجيها من هللا تعالى لنأتسي بمحمد‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬في حديث للسيدة عائشة قالت‪ (:‬أن نبي هللا كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة‪:‬‬
‫لم تصنع هذا يا رسول هللا وقد غفر هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال‪ :‬أفال أحب أن أكون‬
‫عبدا شكورا ولما كثر لحمه صلى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع) فالسيدة عائشة في‬
‫روايتها تدرك أن النبي يقدم األسوة الحسنة‪.‬‬
‫‪ ‬وكان النبي قد حث المسلمين كافة رجاال ونساء على أن يكون كل منهم قدوة حسنة فيما يقوم به‬
‫من األعمال فقال‪( :‬من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير‬
‫أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل‬
‫بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)‪.‬‬
‫‪ ‬كما كان النبي خير من يؤتسى به في معاملته ألزواجه والرفق بهن في كل األمور حتى‬
‫أبسطها ففي رواية عن أنس بن مالك أنه قال‪( :‬أتى النبي صلى هللا عليه وسلم على بعض‬
‫نسائه ومعهن أم سليم فقال‪ :‬ويحك يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير)‪.‬‬
‫‪ ‬أما الموعظة الحسنة فلها عظيم األثر في تهذيب وإصالح النفوس والقلوب ولقد خاطب الحق تبارك‬
‫نبيه بقوله‪G(:‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)‪.‬‬
‫‪ ‬يقول عبد هللا ابن مسعود‪ :‬كان النبي يتخولنا بالموعظة في األيام كراهة السآمة علينا‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬كان للنساء المسلمات نصيبهن من وعظ النبي لهن من بين الحين واآلخر وكان وعظه لهن فيه‬
‫تعليم ألمور دينهن ودنياهن‪ ،‬يقول أبو سعيد الخدري‪( :‬خرج الرسول في أضحى أو فطر إلى‬
‫المصلى فمر على النساء فقال‪ :‬يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار فقلن وبم‬
‫يارسول هللا؟ قال‪ :‬تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب‬
‫الرجل الحازم من إحداكن قلن‪ :‬وما نقصان ديننا وعقلنا يارسول هللا؟ قال‪ :‬أليس شهادة المرأة‬
‫‪6‬‬
‫مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن‪ :‬بلى قال‪ :‬فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم‬
‫تصم؟ قلن‪ :‬بلى قال‪ :‬فذلك من نقصان دينها)‪.‬‬
‫ومن موعظته الحسنة الرقيقة للنساء ما وعظ به السيدة عائشة بضرورة الرفق في الحديث فتقول‬ ‫‪‬‬
‫السيدة عائشة‪( :‬دخل رهط من اليهود على رسول هللا فقالوا‪ :‬السام عليكم قالت عائشة‪ :‬ففهمتها‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وعليكم السام واللعنة‪ ،‬قالت‪ :‬فقال رسول هللا مهال يا عائشة‪ ،‬إن هللا يحب الرفق في األمر‬
‫كله‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول هللا‪ :‬قد قلت وعليكم)‪G.‬‬
‫كما وعظ الرسول نساء المسلمين كافة وحثهن على التهادي بين الجيران ولو بالشيء القليل كما‬ ‫‪‬‬
‫نهى عن التقليل من شأن الهدية حتى لو كانت فرسن شاة‪ ،‬عن أبي هريرة عن النبي قال‪(:‬يا نساء‬
‫المسلمات ال تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)‬

‫ثانيا‪ :‬ضرب األمثال والقصة والتحاور‬


‫‪‬أولى النبي اهتماما كبيرا بضرب األمثال باعتبارها من أهم مناهج الكشف والبيان والوصول إلى الهدف‬
‫المنشود‪.‬‬
‫‪‬من أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬في رواية عن ابن عباس قال‪(:‬إن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت‪ :‬إن أمي نذرت أن‬
‫تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال‪ :‬نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت‬
‫قاضيته؟ اقضو هللا فاهلل أحق بالوفاء)‪.‬‬
‫‪ ‬أيضا من أحاديث النبي التي يضرب فيها األمثال وتعد من معجزات نبوته ألنه تنبأ فيه وأخبر‬
‫بما لم تجر به العادة ولم يره في زمانه لطهارة هذا الزمان‪ ،‬يقول أبو هريرة قال رسول هللا‪:‬‬
‫(صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات‬
‫عاريات مميالت مائالت رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال يجدن ريحها وإن‬
‫ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) ففي الحديث يضرب النبي المثل لصنفين من أهل النار‬
‫ويصفهما وأعمالهما وصفا دقيقا بل ويوضح جزائهما عند هللا‪.‬‬
‫‪‬أما عن القصة فتعد من المناهج المهمة التي زخرت بها أحاديث النبي لكونها تلفت االنتباه وتوقظ الحواس‬
‫وهللا تعالى قد أمره بذلك في قوله تعال‪( :‬فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)‪.‬‬
‫‪‬ومن أمثلة القصص‪:‬‬
‫‪ ‬يقول أبو هريرة إن رسول هللا قال‪( :‬غفر المرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث كاد‬
‫يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها)‪.‬‬
‫‪ ‬وفي حديث عن ابن عمر أن رسول هللا قال‪( :‬عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت‬
‫فيها النار ال هي أطعمتها وال سقتها إذ حبستها وال هي تركتها تأكل من خشاش األرض)‪.‬‬
‫‪ ‬ومن القصص التي وردت عن النبي مارواه أبو هريرة أن رسول هللا قال‪( :‬كانت امرأتان معهما‬
‫ابناهما جائ الذئب فذهب بابن إحداهما‪ :‬فقالت لصاحبتها‪ :‬إنما ذهب بابنك وقالت األخرى‪ :‬إنما‬
‫ذهب بابنك فتحاكما إلى داود عليه السالم فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود عليهما‬
‫السالم فأخبرتاه فقال‪ :‬ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى‪ G:‬ال تفعل يرحمك هللا هو ابنها‬
‫‪7‬‬
‫فقضى به للصغرى قال أبو هريرة‪ :‬وهللا إن سمعت بالسكين قط إال يومئذ وما كنا نقول إال‬
‫المدية)‪.‬‬
‫‪‬أما التحاور في حديث النبي فكان يسير فيه وفق ما أمره المولى منذ نزول الدعوة عليه بل كان أحد معالم‬
‫منهج حياته ولم يكن حدثا نادرا عارضا في حياته بل كان النبي كثير التحاور محسنا لالستماع‬
‫لآلخرين‪.‬‬
‫‪‬من أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬في رواية عن السيدة عائشة تقول‪( :‬قال لي رسول هللا إني ألعلم إذا كنت عني راضية وإذا‬
‫كنت علي غضبى قالت‪ :‬قلت‪ :‬من أين تعرف ذلك؟ فقال؟ أما إذا كنت عني راضية فإنك‬
‫تقولين ال ورب محمد وإذا كنت على غضبى قلت‪ :‬ال ورب إبراهيم قالت‪ :‬قلت أجل وهللا‬
‫يارسول هللا ما أهجر إال اسمك)‪.‬‬
‫‪ ‬يقول أبو سعيد الخدري‪( :‬جاءت امرأة إلى رسول هللا فقالت‪ :‬يارسول هللا ذهب الرجال بحديثك‬
‫فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك هللا فقال‪ :‬اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا‬
‫وكذا فاجتمعن فأتاهن رسول هللا فعلمهن مما علمه هللا ثم قال ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها‬
‫ثالثة إال كان لها حجابا من النار فقالت امرأة منهن‪ :‬يارسول هللا اثنين؟ قال فأعادتها مرتين ثم قال‪:‬‬
‫واثنين واثنين واثنين)‪G.‬‬
‫‪ ‬تقول السيدة عائشة جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي فقالت‪( :‬يارسول هللا إني امرأة أستحاض‬
‫فال أطهر أفأدع الصالة قال رسول هللا‪ :‬ال إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي‬
‫الصالة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الترغيب والترهيب‬


‫‪‬كان منهج الترغيب والترهيب من مناهج النبي األكثر تأثيرا على الناس لما جبلوا عليه من حب لما ينفع‪.‬‬
‫‪‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬قد روت السيدة عائشة عن رسول هللا أنه قال‪( :‬إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان‬
‫لها أجرها وله مثله وللخازن مثل ذلك له بما اكتسب ولها بما أنفقت)‪.‬‬
‫‪ ‬في رواية عن السيدة عائشة أنها قالت‪( :‬جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها فلم تجد عندي شيئا غير‬
‫تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين بنتيها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت وابنتاها‬
‫فدخل علي النبي فحدثته حديثها فقال النبي من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من‬
‫النار )‪.‬‬
‫‪ ‬في حديث عن ابن عباس قال‪( :‬لعن رسول هللا المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء‬
‫بالرجال)‪.‬‬
‫‪ ‬روي عن عبد هللا بن مسعود أن الرسول قال‪( :‬لعن هللا الواشمات والمستوشمات والنامصات‬
‫والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق هللا )‪.‬‬
‫‪ ‬يأتي حديث ثوبان لما قال‪ :‬قال رسول هللا‪( :‬أيما امرأة سألت زوجها الطالق في غير ما بأس فحرام‬
‫عليها رائحة الجنة)‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -2‬من أحاديث النبي مع النساء وعنهن في العبادات‬
‫أوال‪ :‬الطهارة‬
‫‪ ‬في سؤال للسيدة أم سلمة قالت‪( :‬يارسول هللا إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال‪ :‬ال إنما‬
‫يكفيك أن تحثي على رأسك ثالث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الصالة‬
‫‪‬لم ينكر النبي على النساء خروجهن للصالة في المساجد بل نهى عن منعهن من الخروج للصالة فيها يقول ابن‬
‫عمر‪ :‬قال رسول هللا‪( :‬التمنعوا إماء هللا مساجد هللا)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الزكاة‬
‫‪ ‬أر النبي النساء بكثرة التصدق للتكفير عن ذنوبهن يقول أبو سعيد الخدري خرج رسول هللا في أضحى أو فطر‬
‫إلى المصلى فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الصيام‬
‫‪ ‬نهى النبي النساء عن صوم التطوع إال بأذن زوجها ففي رواية عن أبي هريرة عن النبي‪ :‬التصوم المرأة‬
‫وبعلها شاهد إال بإذنه‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الحج‬
‫‪ ‬في رواية عن السيدة عائشة قالت‪( :‬قلت يارسول هللا أال نغزو ونجاهد معكم؟ فقال‪ :‬لكن أحسن الجهاد وأجله‬
‫الحج حج مبرور فقالت عائشة‪ :‬فال أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول هللا)‪.‬‬
‫‪‬وفي حديث يعرض الرسول لبعض أحكان الحج الخاصة بهيئة النساء قال رسول هللا‪( :‬ال تنتقب‬
‫المرأة المحركة وال تلبس القفازين)‪.‬‬

‫‪ -3‬من حديث النبي مع النساء وعنهن في األحكام‬


‫‪ ‬كان من الطبيعي وبما للنساء من نصيب وافر في أحاديث النبي أن يكثرن من السؤال واالستفسار طلبا‬
‫للعلم ليتسنى لهم معرفة أمور دينهن وما يخصهن من األحكام هذا وكان النبي حريصا على تعليمهن هذه‬
‫األمور وتفقيههن بأحكامها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الحيض واالستحاضة (مثال واحد من كل نقطة)‬
‫‪ ‬وفي هذا السياق ما روته السيدة أم سلمة عن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد الرسول وأن أم سلمة‬
‫سألت النبي عن أمرها فقال النبي‪( :‬لتنظر عدد الليالي واأليام التي كانت تحيض قبل أن يكون بها الدم‬
‫الذي كان وقدرهن من الشهر فلتترك الصالة قدر ذلك فإذا جاوزت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوبها‬
‫ولتصل) ففي الحديث دليل على أن أحكام المستحاضة تختلف كليا عن أحكام الحائض وأن المستحاضة‬
‫تمتنع عن الصالة في زمن حيضها فإن أدبر تغتسل وتصلي هذا ما أفتى به النبي‪G.‬‬
‫‪9‬‬
‫وفي حديث عن السيدة أسماء بنت أبي بكر قالت‪( :‬سألت امرأة رسول هللا فقالت‪ :‬يارسول هللا أرأيت‬ ‫‪‬‬
‫إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال رسول هللا‪ :‬إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من‬
‫الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه) فالنبي هنا يشرح ويوضح لنساء المسلمين كيفية‬
‫غسلهن ألثوابهن إذا طالها دم الحيض وأن الثوب بعد غسله يطهر فال بأس من الصالة به‪.‬‬
‫وفي رواية عن أبي هريرة يقول‪( :‬بينما رسول هللا في المسجد فقال‪ :‬يا عائشة ناوليني الثوب فقالت إني‬ ‫‪‬‬
‫حائض فقال إن حيضتك ليست في يدك فناولته) فيتضح من حديث النبي للسيدة عائشة أن النجس من‬
‫الحائض هو موضع الحيض وأن النجاسة التي يصان المسجد عنها هي دم الحيض وأذاه ولهذا جاء‬
‫تخصيصه لليد دون غيرها ألنها الداخلة إلى المسجد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النكاح‬
‫‪ ‬من األحكام التي تختص بالنساء أيضا ووضحها النبي أحكام النكاح وأن المرأة التكره على النكاح إنما‬
‫نكاحهن برضاهن فالبكر تستأذن والثيب تستشار يقول أبو هريرة‪( :‬أن رسول هللا قال التنكح األيم حتى‬
‫تستأمر وال تنكح البكر حتى تستأذن قالوا‪ :‬يارسول هللا وكيف إذنها؟ قال‪ :‬أن تسكت)‪.‬‬
‫‪ ‬وفي رواية عن السيدة عائشة أنها قالت‪( :‬جاءت فتاة إلى رسول هللا فقالت‪ :‬إن أبي زوجني ابن أخيه‬
‫ليرفع بي خسيسته فجعل األمر إليها قالت‪ :‬فإني أجزت ما صنع أبي أردت أن تعلم النساء أن ليس لآلباء‬
‫من األمر شيء) فالحديث فيه إشارة واضحة إلى أن نفاذ عقد الزواج مرجعه للزوجة وإن أبت فال والية‬
‫لألب عليها في ذلك‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الخلع والطالق‬


‫‪ ‬في حديث للنبي بشأن امرأة ذهبت إليه تستفتيه في أمرها مع زوج لم تلمه أو تعتب عليه في شيء وتسأل‬
‫النبي عن عدم قدرتها على العيش معه‪ ،‬يقول ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي فقالت‪:‬‬
‫(يارسول هللا ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق وال دين ولكني أكره الكفر في اإلسالم فقال رسول‬
‫هللا‪ :‬أتردين عليه حديقته؟ قالت‪ :‬نعم فقال رسول هللا‪ :‬اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)‪.‬‬
‫‪ ‬أما تلك التي تطلب الطالق من غير مقتضى فأورد ثوبان عن النبي أنه قال‪( :‬أيما امرأة سألت زوجها‬
‫طالقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الحداد‬
‫‪ ‬بين النبي بعض األحكام الخاصة بحداد النساء على الميت وأنه ال يجوز المرأة أن تحد فوق ثالث إال‬
‫على زوج لها فعن أم حبيبة تقول‪( :‬سمعت رسول هللا يقول ال يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن‬
‫تحد على ميت فوق ثالث إال على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا) واإلحداد بترك الزينة كلها‬
‫من مالبس وطيب وحلي واكتحال أي كل ماتتزين به النساء وقد أباح النبي للنساء أن يحددن على غير‬
‫زوج ثالثة أيام الغير واألمر يعم كل ميت سواء األقارب أو غيرهم‪.‬‬
‫‪ ‬في رواية عن السيدة أم سلمة‪( :‬أن امرأة توفي زوجها فاشتكت عينها فذكروها للنبي وذكروا له الكحل‬
‫وأنه يخاف على عينها فقال لقد كانت إحداكن تمكث في بيتها في شر أحالسها فإذا مر كلب رمت بعرة‬
‫فهال أربعة أشهر وعشرا)‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫أما المعتدة لوفاة زوج وهي حبلى فأفتاها النبي بأنها حلت بعد وضح حملها وكانت سبيعة األسلمية قد‬ ‫‪‬‬
‫توفي عنها زوجها وهي حامل فلما وضعت حملها تجملت للخطاب فدخل عليها رجل من بني عبد الدار‬
‫وقال‪( :‬أراك تجملت للخطاب تبتغين النكاح إنما لن تتمكني من ذلك حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر‬
‫قالت سبيعة‪ :‬فلما قال لي ذلك جمعت ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول هللا فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد‬
‫حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي)‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬التحريم من الرضاع‬


‫‪ ‬من األحكام التي بينها النبي أيضا ً ما جاء في حكم من أحكام الرضاع وأن الرضاعة تحرم ما تحرم‬
‫الوالدة ففي حديث عن السيدة عائشة أنها قالت‪( :‬جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي فأبيت أن آذن له‬
‫حتى أسأل رسول هللا فجاء رسول هللا فسألته عن ذلك فقال إنه عمك فأذني له فقلت‪ :‬يا رسول هللا! إنما‬
‫أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل قالت‪ :‬فقال رسول هللا‪ :‬إنه عمك فليلج عليك قالت عائشة‪ :‬وذلك‬
‫بعد أن ضرب علينا الحجاب قالت عائشة‪ :‬يحرم من الرضاعة ما يحرم من الوالدة) فالدليل في الحديث‬
‫واضح على أن التحريم من الرضاعة كالتحريم من النسب وأن المرأة لما أرضعتها صارت كأمها وصار‬
‫زوجها وكأنه أبوها‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬تحريم وصف مفاتن النساء‬


‫‪ ‬نهى الرسول النساء عن وصفهن لمفاتن غيرهن من النساء ألزواجهن فتفتن قلوب الرجال بغير زوجاتهم‬
‫فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن يعجب الزوج بالوصف المذكور فيقضي به الحال إلى تطليق‬
‫الواصفة أو االفتتان بالموصوفة‪G.‬‬

‫سابعا‪ :‬تحريم دخول المخنث على النساء‬


‫‪ ‬وضح النبي وأبان للنساء حكم تحريم دخول المخنث عليهن لما قد يقدم عليه من وصف لمفاتن النساء بما‬
‫قد يسقط عنهن معنى احتجابهن وكانت بعض نساء النبي قد سمحن بدخول مخنث عليهن العتقادهن أنه‬
‫من غير أولى اإلربة فلما سمعه النبي يصف مفاتن بنت غيالن منعه من الدخول على النساء ألنه وصفها‬
‫بما يهيج قلوب الرجال وبما يؤكد فطنته لمواطن محاسن النساء‪.‬‬

‫‪ -4‬من حديث النبي مع النساء وعنهن قي التواصل اإلنساني واالهتمام بالمناسبات االجتماعية‬
‫‪ ‬اهتم النبي بأن يرسخ لمجتمع اسالمي مترابط فيما بين أفراده ومن ثم كان حرصه على ترسيخ وبناء‬
‫قواعد العالقات اإلنسانية واالجتماعية لذلك المجتمع هذا وقد خص النبي النساء بخطاب واسع وشامل عن‬
‫تلك العالقات لكونها الركن األساسي في أي مجتمع للقيام بهذه المهام ولما كان صالح أو فساد حجز‬
‫الزاوية في المجتمع وهن النساء يتوقف عليه صالح المجتمع بأسره‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العناية باألمهات وذوات األرحام‬


‫‪ ‬من تلك العالقات اإلنسانية التي حدث فيها النبي النساء أنه قال‪( :‬إن هللا حرم عليكم عقوق األمهات ووأد‬
‫البنات‪ G)...‬ففي الحديث تخصيص لألمهات بتحريم عقوقهن يقول ابن حجر إنما‪ :‬تخصيص الشيء بالذكر‬
‫‪11‬‬
‫إظهارا لعظم موقعه وتخصيصه لألمهات بالذكر ألن العقوق إليهن أسرع من اآلباء لضعف النساء ولينبه‬
‫على أن بر األم مقدم على بر األب في التلطف هذا كما جاء بالحديث أيضا تحريم وأد البنات دفنهن في‬
‫حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من قتل النفس بغير حق‪.‬‬
‫وقد حدث النبي النساء عن تلك العالقات اإلنسانية التي يجب أال تخضع إال للبر واإلحسان كعالقة األبناء‬ ‫‪‬‬
‫باآلباء حتى وإن كانوا باهلل عز وجل مشركين فعن السيدة أسماء بنت أبي بكر أنها قالت‪( :‬قدمت علي أمي‬
‫وهي مشركة في عهد رسول هللا فاستفتيت رسول هللا قلت‪ :‬إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قالك‬
‫نعم صلي أمك) فالحديث فيه وجوب صلة الرحم الكافرة كصلة الرحم المسلمة‪.‬‬
‫كما أرشد النبي النساء للصدقة على ذوات األرحام واختص أقارب األم ومن طرف حديث امرأة عبدهللا‬ ‫‪‬‬
‫بن مسعود لما كانت تتفق عليه وعلى أيتام لها في حجرها يقال‪ :‬من بني أخيها أو أختها فذهبت تستفسر‬
‫من النبي عن أجرها فقال‪( :‬نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة)‪G.‬‬

‫ثانيا‪ :‬رعاية األطفال وحسن تربيتهم‬


‫‪ ‬وجه النبي النساء إلى االهتمام بأطفالهن ورعايتهن لهم لكونهن المربيات األوائل للنشء وإلدراكـه‬
‫لدور النساء الرئيسي للنهوض بأمـة اإلسالم ومن هنا كان توجيهه لهن بالعناية بأطفالهن ورعايتهم وقد‬
‫وصل األمر بالنبي أحيانا ً لتعطيلـه تنفيذ بعض األحكام لتمكين الواقع عليهن من القيام بدورهن حيال‬
‫أطفالهن كتعطيله لتنفيذ حكم رجم الغامدية الزانية مرتين مرة ألنها حبلى حتى تلد والثانية لتتمكن من‬
‫إرضاع وليدها وإلى أن تفطمه فيمكنه االستغناء عن رعايتها وعنايتها في حديث عبد هللا بن بريدة عن‬
‫أبيه أنه قال‪ ...( :‬فجاءت الغامدية فقالت‪ :‬يا رسول هللا إني قد زنيت فطهرني وإنه ردها فلما كان الغد‬
‫قالت‪ :‬يا رسول هللا لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فوهللا إني لحبلى قال ‪ :‬إما ال فاذهبي‬
‫حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت‪ :‬هذا قد ولدته قال‪ :‬اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما‬
‫فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي هللا قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى‬
‫رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العناية بالروابط الزوجية (عرف شروط الزوجة الصالحة من حديث الرسول)‬
‫‪ ‬من العالقات اإلنسانية التي أشار إليها النبي في حديثه مع النساء أو عنهن تلك الخصال التي وجه‬
‫الرجال لها في اختيارهم لزوجاتهم ألنه كما سبق وأشار أنه لو صلحت النساء لصلح المجتمع اإلسالمي‬
‫بأسره فيروي أبو هريرة قائال‪ :‬أن النبي قال‪( :‬تنكح المرأة ألربع‪ :‬لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها‬
‫فاظفر بذات الديت تربت يداك) فالنبي أخبر بما اعتاد الناس على فعله من قصدهم لتلك الخصال إال أنه‬
‫حث ووجه إلى أن أرباب الدين يكن من أصحاب المروآت الصالحات ومن يظفر بذات الدين إنما ظفر‬
‫بمتاع الدنيا‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬إجارة النساء للرجال‬


‫‪ ‬ففي حديث أم هانئ بنت أبي طالب مع النبي جواز أن تأخذ المرأة المسلمة األمان لرجل كافر وغيره‬
‫وال يجوز بعد ذلك قتله إال أن يكون في ذلك مفسدة ولم ينكر النبي على المرأة في حديثه أخذها األمان‬

‫‪12‬‬
‫أو إجارة الناس ولم يشر إلى أن إجارة النساء للرجال فيها فساد ولو كان فيها لبينه كما لم يفرق النبي‬
‫بين رجل وامرأة في جواز األمان وهو في هذا يلقى الضوء على مبادئ اإلسالم الحضارية بأن من أخذ‬
‫األمان فهو آمن أيا ً كان صاحب األمان رجل أم امرأة‪.‬‬
‫عن أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت‪( :‬ذهبت إلى رسول هللا عام الفتح فوجدته يغتسل و فاطمة ابنته‬ ‫‪‬‬
‫تستره قالت فسلمت عليه فقال‪ :‬من هذه؟ فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال‪ :‬مرحبا بأم هانئ فلما‬
‫فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد فقلت يا رسول هللا‪ :‬زعم ابن أمي أنه قاتل‬
‫رجالً قد أجرته فالن بن هبيرة فقال رسول هللا قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت أم هانئ‪ :‬وذلك‬
‫ضحى)‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬العناية بالجيران‬


‫‪ ‬حث النبي النساء على االهتمام بالجيران وحسن معاملتهم والتودد لهم والحث على التهادي فيما بينهم ألنه‬
‫يزيل الضغائن والبعد عن التقليل من قدر ما يتهادى به ألن الجود بالموجود أحسن من العدم وتروي‬
‫السيدة عائشة أنها قالت‪( :‬يارسول هللا إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال‪ :‬إلى أقربهما منك بابا) فالحكمة‬
‫من الجار األقرب يوضحها العلماء بقولهم أن األقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف‬
‫لها بخالف األبعد وأن األقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات وال سيما في أوقات الغفلة ومن ثم‬
‫فلو لم يقدر المرء على مهاداة عموم الجيران فاألقرب أولى بالصلة من األبعد‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬االهتمام بالمناسبات االجتماعية‬


‫‪ ‬حدث النبي في شتى مناحي المناسبات االجتماعية ومما حدث النساء بشأنه الفرح بيوم العيد وأن القصد‬
‫هو بسط النفوس وراحتها واألكل والشرب واللعب وكل مايظهر السرور على الناس وفي رواية للسيدة‬
‫عائشة أنها قالت‪( :‬دخل رسول هللا وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول‬
‫وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال‪ :‬مزمارة الشيطان عند رسول هللا فأقبل عليه رسول هللا فقال‪ :‬دعهما)‬
‫الحديث فيه أن يوم العيد يوم سرور ولهذا لم ينكر النبي على الجارتين الغناء وقال للصديق دعهما ففيه‬
‫تعليل بأن ما فعلتاه بعلمه وموافقته وفي الحديث كذلك أن العطف مشروع من األزواج على النساء والرفق‬
‫بهن واستجالب مودتهن وأنه ال بأس من اللهو طالما لم يكن فيه من اإلثم شيء‪.‬‬
‫‪ ‬ومن المناسبات االجتماعية التي حث النبي عليها النساء ودعاهن للتجاوب مع الغير بشأنها والمساهمة‬
‫بقدر االستطاعة فيها اللهو والفرح بالنكاح وهذا ألنه يدعم أواصر المحبة بين الناس واختص النساء بهذا‬
‫جُب لن على االهتمام بتلك األمور والمشاركة فيها ففي حديث عن السيدة عائشة (أنها زفت امرأة إلى‬ ‫ألنهن ِ‬
‫رجل من األنصار فقال نبي هللا‪ :‬يا عائشة ما كان معكم لهو؟ فإن األنصار يعجبهم اللهو) فإعالن النكاح‪:‬‬
‫إنما يكون بضرب الدف وأصوات‪ G‬الحاضرين المشاركين بالتهنئة فينشر وتثبت حقوقه وحرمته‪.‬‬
‫‪ ‬يتبين من كل ما سقت من أحاديث للنبي تحدث بها مع النساء أو عنهن أنه كان مهتما بمخاطبتهن في كل‬
‫الجوانب التي تخصهن مـن عبادات وأحكام وعالقات إنسانية واجتماعية مؤكداً على أهميتهن وأهمية‬
‫دورهن في إصالح المجتمع اإلسالمي وإرساء دعائمه وإقرار منه بأن صـالح نساء المسلمين إنما يعني‬
‫صالح األمة اإلسالمية وأن فسادهن یعنی فساده فسادها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫أوال‪ :‬الصحبة‬
‫‪ .1‬الصحبة لغة‪:‬‬
‫صحب صُحبة‬ ‫ِب َي َ‬
‫صح َ‬
‫‪ ‬جاء في اللسان صحِبه وصحابة والصّحب‪ :‬جمع الصّاحب ومصدر قولك َ‬
‫وعند صاحب المفردات‪ :‬الصاحب المالزم إنسانا كان أو حيوانا وال فرق بين أن تكون مصاحبته‬
‫بالبدن وهو األصل واألكثر وال يقال إال لمن كثرت مالزمته واإلصحاب للشيء هو اإلنقياد له‪.‬‬
‫‪ ‬والصحابي منسوب إلى الصحابة كاألنصاري منسوب إلى األنصار وهي بمعنى الزم مالزمة‬
‫ورافق مرافقة‪.‬‬

‫‪ .2‬الصحبة اصطالحا‪:‬‬
‫‪ ‬هو كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه من أصحابه له من الصحبة على قدر ما‬
‫صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه‪.‬‬
‫‪ ‬يقال الصحابي هو من صحب النبي أو رآه ولو ساعة من نهار‪.‬‬
‫‪ ‬وعن ابن الصالح قال‪ :‬الصحابي هو من صحب النبي أو رآه من المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬أما ابن حجر فيقول‪ :‬اسم الصحبة مستحق لمن صحب النبي من المسلين طالت الصحبة أم قصرت‬
‫وتثبت لمن روى عنه ومن لم يرو ومن غزا معه ومن لم يغز ومن رآه رؤية ولم يجالسه ومن لم يره‬
‫لعارض كاألعمى مثل‪ :‬ابن أم كلثوم‪.‬‬
‫‪ ‬والمالحظ تباين أقوال العلماء‬

‫ثانيا‪ :‬شروط الصحبة وعدالة الصحابة وطبقاتهم‬


‫تعرف الصحبة بالتواتر أو االستفاضة أو الشهرة أو بأخبار بعض الصحابة أو أحد التابعين الموثوقين‬ ‫‪‬‬
‫بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح‪.‬‬
‫ووافق األشعري السلف على إجماعهم أن كل كل من صحب النبي ولو ساعة أو رآه مرة مع إيمانه به‬ ‫‪‬‬
‫وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذل‪.‬‬
‫ويقول الرازي في صحابة رسول هللا‪ :‬هم أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما واألعراب ومن شهد معه‬ ‫‪‬‬
‫حجة الوداع وكل من رآه وسمع منه بعرفة‪.‬‬
‫وذهب جمهور األصوليين إلى ضرورة طول الصحبة وكثرة اللقاء بالنبي على سبيل واألخذ عنه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ومما ال شك فيه أن الذي نعنى به والمعوّ ل عليه من تعريف الصحابي إنما هو تعريف أهل الحديث‬ ‫‪‬‬
‫وأئمته ألنهم أهل االختصاص‪.‬‬
‫ومن ثم فالواجب اتباعه ما روي عن أبي سعيد الخدري عن رسول هللا أنه قال‪( :‬يأتي على الناس زمان‬ ‫‪‬‬
‫يبعث منهم البعث فيقولون‪ :‬انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم ثم‬
‫‪14‬‬
‫يبعث البعث الثاني فيقولون‪ G:‬هل فيهم من رأى أصحاب النبي؟ فيفتح لهم به ثم يبعث البعث الثالث فيقال‪:‬‬
‫هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال‪ :‬انظروا هل ترون فيهم‬
‫أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به)‪.‬‬
‫واآليات واألحاديث الواردة في ذلك كثيرة منها قول الحق تبارك‪( :‬والسابقون األولون من المهاجرين‬ ‫‪‬‬
‫واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي هللا عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها‬
‫األنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)‪.‬‬
‫قيل‪ :‬هم جمع أصحاب النبي حصل لهم السبق بصحبته‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وعن عمران بن حصين في قول النبي‪( :‬خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران‪ :‬فال‬ ‫‪‬‬
‫أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثالثا ثم إن بعدكم قوما يشهدون وال يستشهدون ويخونون وال يؤتمنون‬
‫وينذرون وال يوفون ويظهر فيهم السمن)‪.‬‬
‫واختلف في عدد طبقاتهم والنظر في هذا األمر إلى السبق إلى اإلسالم والهجرة والمشاهدة مع النبي‬ ‫‪‬‬
‫ولهذا جعلهم الحاكم في اثنتي عشرة طبقة وحذا حذوه األبناسي في الشذا الفياح وتبعه العراقي في ألفيته‪.‬‬
‫والصحبة لم تكن مرتبة من مراتب الجرح والتعديل وألفاظه التي تستخدم من قبل األئمة في حديثهم عن‬ ‫‪‬‬
‫الرواة إنما هي منة إلهية لمن اختارهم المولى لصحبة نبيه وجعل من لوازمها العدالة التي هي منة من‬
‫المولى جل وعال وال تدخل في إطار المعدلين من الناس لثبوتها بتعديله سبحانه وتعالى وإخباره عن‬
‫طهارتهم وإصطفائه لهم بنص القرآن الكريم في قوله تعالى‪( :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون‬
‫بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باهلل ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون‬
‫وأكثرهم الفاسقون)‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى أيضا‪ ( :‬لقد من هللا على المؤمنين إذ بعث فيهم رسوال من أنفسهم يتلوا عليهم آياته‬ ‫‪‬‬
‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين)‪.‬‬
‫والمالحظ أنه ليس ثمة فرق في ذكر الصحابة رضوان هللا عليهم من الرجال والنساء سيما ونحن بصدد‬ ‫‪‬‬
‫درس نخبة من الصحابيات المنفردات الالتي ليس للواحدة منهن إال راو واحد انفرد بالرواية عنها‬
‫وحديث واحد روي عنها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المنفردات والحديث الواحد‬


‫‪ .1‬المعنى اللغوي لالنفراد‪:‬‬
‫‪ ‬تفرّ د بهذا األمر يقال أفرد به وإذا انفردت به يقال استفردت الشيء إذا أخذته فردا ال ثاني له ويقال‬
‫استفرد بعنى انفرد به ويقول الجرجاني في تعريفاته‪ :‬التفرد فالن خص بكذا أي أفرد به وال شركة‬
‫للغير فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬المعنى االصطالحي لالنفراد‪:‬‬
‫‪ ‬هو الراوي المنفرد إن كان عدال حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بضبطه ولم‬
‫يبع عن درجة الضابط كان حسنا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ ‬ويقال هو الوحدان أي هو من لم يرو عنه إال واحد أو الوحدان بضم الواو من لم يرو عنه إال راو‬
‫واحد من الصحابة والتابعين واألمر هنا أكثر تحديدا‪.‬‬
‫‪ .3‬الحديث الواحد‪:‬‬
‫‪ ‬هو ما رواه الصحابي من الكالم الذي اتصل بعضه ببعض حتى وإن كان جمال كثيرة أو تناول‬
‫قصصا متعددة فكل ما تمت روايته بهذه الصورة يسمى حديثا وقل أن يحتوي الحديث الواحد على‬
‫جمل ال تناسب بينها وإن كان هذا التناسب قد يخفى على بعض الناس ولو أكمل من أجناس مختلفة‬
‫لوجود أمر تشترك فيه وتحققه‪.‬‬
‫‪ ‬وإذا روي الصحابي كالما وفرغ منه ثم روي كالما آخر وفصل بينهما بأن قال‪ :‬وقال رسول هللا وما‬
‫إليها أو بأن طال الفصل بينهما فهذان حديثان‪.‬‬
‫‪ ‬أما عن تقطيع الحديث ففيه أمور منها ما أقره ابن الصالح بقوله‪ :‬تقطيع المصنف متن الحديث‬
‫وتفريقه على األبواب فهذا إلى الجواز أقرب وإلى المنع أبعد وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد‬
‫من األئمة‪.‬‬
‫‪ ‬وقال آخرون‪ :‬اختلف العلماء فمنهم من أجاز تقطيع الحديث الواحد وتفريقه في األبواب إذا كان‬
‫مشتمال على عدة أحكام كل حكم منها مستقل بنفسه غير مرتبط بغيره كحديث جابر الطويل في الحج‬
‫ونحوه ومنهم من منع ذلك واختار إيراد الحديث كامال كما سمعه‪.‬‬

‫المنفردات من الصحابيات‬
‫أوال‪ :‬أم العالء‬
‫‪ ‬وهي تصنف فيمن روين عن رسول هللا من النساء ولم يعرفن إال بالكنية ولم يعرف لهن اسم كما أطلق‬
‫عليهم ابن حبان وقد أفضى هذا إلى التباس اسمها مع راوية أخرى لها نفس الكنية واختلط األمر عند‬
‫بعض الذين ترجموا لهما ومنهم من أضاف صفة األنصارية لهذه أو تلك ولكن الفيصل بينهما كان عمن‬
‫روى عن أي منهما وماروي عنهما ونوه لهذا ابن عبد البر في االستيعاب بقوله‪ :‬وذكر ابن السكن أن أم‬
‫العالء التي روى عنها خارجة بن زيد بن ثابت عن النبي غير التي روى عنها عبد الملك بن عمير‬
‫وهكذا ما قاله ابن األثير وآخرون في أم العالء عمة حزام بن حكيم هي من روي عنها في مرض المسلم‬
‫وهي غير أم العالء األنصارية‪.‬‬
‫‪ ‬ترجم لها مسلم في المنفردات والوُ حدان كما ترجم لها غيره بقولهم‪ :‬أم العالء األنصارية لم يرو عنها إال‬
‫خارجة بن زيد بن ثابت‪.‬‬
‫‪ ‬ترجم لها ابن حجر باسم وكنية فقال‪ :‬أم العالء بنت الحارث بن ثابت بن خارجة األنصارية وترجم لمن‬
‫تلتبس معها بقوله‪ :‬أم العالء عمة حزام بن حكيم صحابية لها حديث وروى عبد الملك بن عمير عن أم‬
‫العالء امرأة منهم وكأنها امرأة أخرى‪.‬‬
‫‪ ‬أم العالء األنصارية أسلمت وبايعت رسول هللا وروت عنه ويقال عنها‪ :‬المدنية نسبة إلى المدينة وأنها‬
‫شهدت مع رسول هللا خيبر‪.‬‬
‫‪ ‬تعرف بوالدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي وقيل أنها صحابية لها حديث‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫ثانيا‪ :‬أميمة بنت رقيقة‬
‫‪ ‬تنسب ألمها وأمها رقيقة بنت خويلد أخت السيدة خديجة عاشت بعد رسول هللا وروت عنه وقيل لها‬
‫صحبة ومن المبايعات‪.‬‬
‫‪ ‬هناك راوية أخرى اسمها أميمة بنت رقيقة ولكن لقبها مختلف فهي بنت أبي صيفي وأشار لهذا بعض‬
‫ممن ترجموا لهما والتبس األمر على غيرهم والفيصل في التباس أسماء الراويتين‪ G‬هو عمن روى عن أي‬
‫منهما وما روي عنهما وأكد غير واحد ممن ترجموا لها أن أميمة بنت رقيقة بنت خويلد تفرد بالرواية‬
‫عنها محمد بن المنكدر ولم يعرف لها راو قط غيره أما الراوية األخرى فروت عنها ابنتها حكيمة بنت‬
‫أميمة حديث قول النبي‪G.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أنيسة بنت خبيب‬


‫‪ ‬يقال لها أنيسة بنت خبيب أو عمة خبيب بن الحارث بن الخزرج وأمها زينب بنت قيس تزوجها زيد بن‬
‫خارجة بن أبي زهير فولدت له عبد هللا ومحمدا وأم كلثوم وأسلمت أنيسة وبايعت رسول هللا وحجت معه‬
‫وقيل من أهل البصرة ولها صحبة‪.‬‬
‫‪ ‬لم يرو عنها إال خبيب بن عبدالرحمن وهذا باتفاق كل من ترجم لها من العلماء‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أم جميل بنت المجلل‬


‫‪ ‬اختلف في اسمها فقيل فاطمة وقيل جويرية وتكنى أم جميل بنت المجلل مشهورة بكنيتها وهي زوج‬
‫حاطب بن الحارث الجمحي‪.‬‬
‫‪ ‬يقال أسلمت قديما بمكة وبايعت وهاجرت إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية وهي زوج حاطب بن الحارث‬
‫الذي توفي عنها بالحبشة فقدمت المدينة هي وأبنائها محمد بن حاطب والحارث بن حاطب ويقال إن‬
‫األول هو أول من سمي في اإلسالم محمدا ثم تزوجت فيما بعد من زيد بن ثابت‪.‬‬
‫‪ ‬ويقال لها صحبة وانفرد عنها بالرواية إبنها محمد بن حاطب باتفاق كل من ترجم لها من العلماء‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬خولة بنت ثعلبة‬


‫‪ ‬ويقال خولة بنت ثعلبة أو خولة بنت مالك بنت ثعلبة وهي زوج أوس بن الصامت وقيل المجادلة وقال‬
‫العلماء عنها أسلمت وبايعت رسول هللا ولها صحبة‪.‬‬
‫‪ ‬وصفها عمر بن الخطاب هذه امرأة سمع هللا شكواها من فوق سبع سماوات هذه خولة بنت ثعلبة التي‬
‫أنزل هللا فيها ( قد سمع هللا قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى هللا وهللا يسمع تحاوركما إن هللا‬
‫سميع بصير)‪.‬‬
‫‪ ‬ترجم لها ابن حنبل في من روي عن النبي من نساء قريش من غير أزواجه‪.‬‬
‫‪ ‬انفرد بالرواية عنها يوسف بن عبد هللا بن سالم باتفاق كل من ترجم لها من العلماء‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫سادسا‪ :‬الصميتة الليثية‬
‫‪ ‬هي امرأة من بني ليث ويقال لها الدارية وكانت يتيمة في حجر النبي ويقال كانت في حجر السيدة عائشة‬
‫وقال العلماء‪ :‬كانت صحابية لها حديث وترجم لها ابن حنبل فيمن روي عن النبي من نساء قريش من‬
‫غير أزواجه‪.‬‬
‫‪ ‬والمالحظ أن بعض العلماء شذوا في ذكر المنفرد بالرواية عنها فقالوا‪ :‬هو عبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة‬
‫ولكن ما اتفق عليه أن الذي انفرد بالرواية عنها إنما هو عبيد هللا بن عبد هللا بن عمر‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬قفيرة‬
‫‪ ‬يقال لها قفيرة بقاف ثم فاء مصغرة الهاللية ويقال لها مليكة زوج عبد هللا بن أبي حدرد‪.‬‬
‫‪ ‬بعض العلماء ترجموا لها باسم قيرة ومليلة‪.‬‬
‫‪ ‬وتفرد بالرواية عنها عبد الرحمن بن هرمز األعرج‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like