You are on page 1of 33

‫ملخص كتاب «أفي السنة شك»‬

‫أحمد بن يوسف السيد‬

‫الملخص‪ُ :‬محمد ُشميس‬


‫َ‬ ‫كتب‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫تمهيد‬

‫جولة تعريفية مختصرة‬

‫بالسنة ومكانتها‪ ،‬وإثبات المصدرية اإللهية لها‪.‬‬

‫تعريف السنة‪:‬‬

‫السنة لغة‪ :‬الطريقة‪ ،‬والسيرة‪.‬‬

‫إن جاءت السنة منسوبة إلى النبي ﷺ؛ فاملراد‪ :‬سيرته وطريقته وهديه‪ ،‬ويشمل ذلك أقواله و أفعاله‬

‫وتقريراته‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد تطلق السنة في الخطاب الشرعي‪ُ ،‬ويراد بها ما ُيقابل القرآن مما جاء على لسان النبي ﷺ‪.‬‬
‫ً‬
‫ونجد أن الصحابة ‪ -‬رض ي هللا عنهم ‪ -‬يستعملون لفظ (السنة) مطلقا‪ ،‬ويريدون به طريقة النبي ﷺ‬

‫وهديه وقضاءه وحكمه‪ ،‬ثم هذه السنة قد تكون واجبة‪ ،‬أو مستحبة‪.‬‬
‫ُُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫السنة في اصطالح املحدثين‪ :‬ما أ ِثرعن النبي ‪ -‬ﷺ‪ -‬من قو ٍل أو فعل أو تقريرأو صفة خلقية أو خلقية‪.‬‬
‫ً‬
‫أما األصوليون يعتنون بسنة النبي ﷺ من جهة ما يصلح أن يكون منها دليال على األحكام‪.‬‬
‫س‪ :‬يعترض البعض بأن لفظ (السنة) لم ُيذكرفي القرآن الكريم ً‬
‫مرادا به سنة النبي ﷺ‪ ،‬فما الجواب؟‬

‫الجواب من وجهين‪:‬‬
‫ّ ّ ّ‬
‫يتم إال باتباع هديه وسيرته‪.‬‬ ‫أ‪ -‬أن العبرة بالحقائق واملعاني‪ ،‬ففي القرآن األمرباتباع الرسول ﷺ‪ ،‬وهذا ال‬
‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬
‫شرعي‪ ،‬كما في حديث «عليكم بسنتي»‬ ‫ب‪ -‬أن لفظ «السنة» على هذا املعنى‬

‫س‪ :‬ما منزلة ومكانة السنة في التشريع اإلسالمي؟‬


‫ُ‬
‫الجواب‪ :‬قل لي ما منزلة النبي ﷺ في اإلسالم أخبرك عن مكانة السنة؛ فهل هي إال قوله أوفعله أوإقراره؟!‬

‫‪1‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫يأت بها النبي ﷺ من عنده‪ ،‬و إنما من عند هللا تعالى‪.‬‬


‫وأعظم من ذلك أن هذه السنة لم ِ‬

‫إثبات أن السنة من عند هللا تعالى‬

‫ً‬
‫ّأوال‪ :‬األخبارالغيبية التي جاءت على لسان النبي ﷺ في أحاديث كثيرة صحيحة‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬من ال يؤمن بأن النبي ﷺ قال هذه األخبار الغيبية؛ فإننا نستطيع أن نثبت من خالل األخبار‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫املتوفر فيها أعلى شروط ّ‬ ‫ّ‬
‫النفي املجمل غير‬ ‫نازع‬
‫ِ‬ ‫امل‬ ‫عند‬ ‫ما‬ ‫وغاية‬ ‫قالها‪،‬‬ ‫أنه‬ ‫النقل‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫التثب‬ ‫قة‬ ‫املوث‬

‫املثبت‪ ،‬ومن ينفي ذلك فإنه على الحقيقة إنما ينفي علمه به‪.‬‬

‫من الشواهد التاريخية التي أخبربها النبي ﷺ وقد وقعت‪:‬‬

‫‪ -‬فتح الشام ومصر‪.‬‬

‫‪ -‬إنفاق كنوزكسرى وقيصرفي سبيل هللا‪.‬‬

‫‪ -‬نعي النجاش ي في اليوم الذي مات فيه‪.‬‬

‫‪ -‬اإلخبارعن ظهورالخوارج‪.‬‬

‫‪ -‬إصالح الحسن رض ي هللا عنه بين طائفتين من املسلمين‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬إخبارالنبي ﷺ بتفصيالت كثيرة متعلقة باليوم اآلخر‪ ،‬وأحوال األنبياء‪ ،‬واألمم السابقة ‪ ،‬فمن أين‬

‫جاء بها إال من عند هللا سبحانه؟‬


‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬األحاديث القدسية مما ليس في القرآن؛ فهي ظاهرة الداللة على أن هللا يوحي إلى رسوله ً‬
‫شيئا ليس‬

‫من نص القرآن‪.‬‬
‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬حديث املقدام ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ : -‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬أال إني أوتيت الكتاب ومثله معه‪ ،‬أال إني‬
‫ً‬
‫أوتيت الكتاب ومثله معه‪ ،‬أال يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته‪ ،‬يقول‪ :‬عليكم بالقرآن‪ ،‬فما وجدتم‬

‫‪2‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ّ‬
‫فأحلوه‪ ،‬وما وجدتم فيه من حرام ّ‬
‫فحرموه»(‪)1‬‬ ‫فيه من حالل‬
‫ّ‬
‫وهذا الدليل نافع ملن لم يتخذ قراراإلنكارالكلي للسنة النبوية‪.‬‬
‫َ َ َ َ ه ُ َ َ ۡ َ ۡ َٰ َ َ ۡ ۡ َ َ َ ه َ َ َ ُ َ ۡ َ‬
‫ب وٱل ِحك َمة وعل َمك َما ل ۡم تكن تعل ُم﴾[النساء ‪]113‬‬ ‫ً‬
‫خامسا‪ :‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬و أنزل ٱَّلل علیك ٱل ِكتـ‬

‫قال الطبري ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪« : -‬يعني‪ :‬و أنزل عليك مع الكتاب الحكمة‪ ،‬وهي‪ :‬بيان ما كان في الكتاب‬
‫ُ ً‬
‫جمال ذكره‪ ،‬من حالله وحرامه‪ ،‬وأمره ونهيه‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬ووعده ووعيده»(‪)2‬‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ومن املعلوم أن بيان مجمل الكتاب إنما كان في السنة النبوية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫«ث هم ْام َت هن َع َل ْيه ب َت ْأييده إ هي ُاه في َ‬
‫ُ‬
‫ص َم ِت ِه ل ُه‪َ ،‬و َما أن َز َل َعل ْي ِه ِم َن‬
‫األ ْح َوال‪َ ،‬وع ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫يع‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال ابن كثير‪ -‬رحمه هللا ‪:-‬‬
‫آن‪َ ،‬و ْالح ْك َم ُة‪َ ،‬وه َي ُّ‬
‫الس هن ُة»(‪)3‬‬ ‫َُ َ ُْ ْ ُ‬
‫اب‪ ،‬وهو القر‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِكت ِ‬
‫سادسا‪ :‬كان النبي ﷺ ّ‬
‫يتوجه أو َل اإلسالم في صالته إلى الشام‪ ،‬مع رغبته في أن تكون قبلته إلى الكعبة‪،‬‬ ‫ً‬

‫فكان يتطلع إلى السماء ً‬


‫راجيا تحويلها‪ ،‬حتى نزل األمر بتحويلها‪ ،‬والشاهد‪ :‬أن األمر األول بالتوجه إلى‬
‫ّ‬
‫الشام؛ هو من الوحي ‪ -‬بال ‪ -‬شك ‪ -‬ولكنه ليس في القرآن!‬

‫(‪ )1‬أخرجه اإلمام أحمد في «مسنده» (‪)17174‬‬


‫(‪ )2‬تفسيرالطبري (‪)275/4‬‬
‫(‪ )3‬تفسيرابن كثير(‪)841/1‬‬

‫‪3‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫المحور األول‬

‫بناء األدلة على حجية السنة‬

‫‪4‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫الطريق األول‪ :‬إثبات العناية التامة بها من فجر اإلسالم‬

‫يظن بعض من ال علم له بحقيقة السنة أن العناية بها إنما حصلت بعد قرن أو قرنين من وفاة النبي ﷺ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأن هذه املدة تضمنت فراغا مجهوال فيما يتعلق بحال السنة ومكانتها‪ ،‬وإذا ثبت العكس فإنه يكون‬
‫ً‬
‫دليال ً‬
‫بنائيا على حجية السنة من وجهين‪:‬‬
‫ّ‬
‫األول‪ :‬أن نطمئن أن األحاديث املوجودة بين أيدينا اآلن إنما هي نتيجة عناية متواصلة بها منذ مهد‬

‫اإلسالم‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلسالم؛ عرفنا تهافت قول‬
‫ٍ‬ ‫أئمة‬ ‫وعناية‬ ‫أصحابه‪،‬‬ ‫وعناية‬ ‫ته‪،‬‬‫بسن‬ ‫الثاني‪ :‬إذا ثبتت عناية النبي ﷺ‬
‫مذهبا ً‬
‫فقهيا لعالم من العلماء انفرد به‪ ،‬بل األمر كما‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫املهونين من شأنها‪ ،‬فالقول بحجية السنة ليس‬

‫قال ابن عبد البر‪« :‬أجمع أهل العلم من أهل الفقه واألثر في جميع األمصار ‪ -‬فيما علمت ‪ -‬على قبول‬

‫خبر الواحد العدل و إيجاب العمل به؛ إذا ثبت‪ ،‬ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع‪ ،‬على هذا جميع‬

‫الفقهاء في كل مصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا‪ ،‬إال الخوارج وطوائف من أهل البدع‪ ،‬شرذمة ال‬
‫ً‬
‫خالفا»(‪)1‬‬ ‫تعد‬
‫والشوكاني ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬قرر في كتابه «إرشاد الفحول» أن األخذ بالسنة ضرورة دينية‪)2(.‬‬

‫(‪ )1‬التمهيد البن عبد البر(‪.)2/1‬‬


‫(‪ )2‬إرشاد الفحول‪ ،‬للشوكاني (‪)97/1‬‬

‫‪5‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫المرحلة األولى‪ :‬العناية بالسنة في حياة النبي ﷺ‪:‬‬

‫تظهرالعناية بالسنة في تلك املرحلة من وجوه‪:‬‬


‫ُ ّ‬
‫األول‪ :‬العناية اإللهية بالسنة‪ ،‬وذلك بالنصوص الكثيرة في القرآن اآلمرة بطاعة الرسول ﷺ واملحذرة‬

‫من مخالفته‪.‬‬
‫َُۡ َ َ ۟‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ ُ ُ‬ ‫ۤ َ ُ‬
‫ٱلر ُسو ُل فخذوه َو َما ن َه ٰىك ۡم عنه فٱنت ُهوا﴾[الحشر‪]7‬‬
‫قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫﴿و َما َءات ٰىك ُم ه‬

‫تنبيه‪ :‬من املهم اإلشارة إلى أمر‪ ،‬وهو‪ :‬أخذ الصحابة بعموم هذه اآليات؛ لتشمل كل أوامره ﷺ الدينية‪،‬‬

‫فلم يكن يمتنع أحدهم عن طاعته في أمرأو نهي بحجة عدم ذكره في القرآن‪.‬‬
‫مثال‪ :‬امتثالهم أمره بالنهي عن أكل لحوم ُ‬
‫الح ُمراألهلية في خيبر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثاني‪ :‬أن النبي ﷺ كان يدعو إلى اتباع سنته‪ ،‬ويحذرمن التهاون في ردها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬عليكم بسنتي»(‪)1‬‬

‫ّ‬
‫مت ً‬
‫كئا على أريكته‪ ،‬يأتيه األمرمن أمري؛ مما أمرت به‪ ،‬أو نهيت‬ ‫ب‪ -‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬ال ألفين أحدكم‬
‫ّ‬
‫اتبعناه»(‪)2‬‬ ‫عنه‪ ،‬فيقول‪ :‬ال ندري‪ ،‬ما وجدنا في كتاب هللا‬

‫الثالث‪ :‬اهتمام الصحابة بسنة رسول هللا ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬في تلك املرحلة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أسم ُع ُه من رسول هللا ﷺ‪ُ ،‬أ ُ‬
‫ريد‬ ‫كل ش ٍيء َ‬ ‫ُ ُ‬
‫أكت ُب ه‬ ‫أ‪ -‬عن عبد هللا بن عمرو َ ض َي ُ‬
‫هللا عنهما‪ ،‬قال‪« :‬كنت‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ رِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ ٌ ه‬
‫يتكل ُم في الغضب ّ‬ ‫تسم ُع ُه ورسو ُ‬
‫ل‬ ‫كل ش ٍيء َ‬ ‫ُ‬
‫أتكت ُب ه‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َُ َْ‬
‫والرضا؟!‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫بش‬ ‫ﷺ‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫وقالوا‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫قريش‬ ‫ني‬‫ت‬ ‫ِحفظه‪ ،‬فنه‬
‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫مأ بإ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫ص َب ِع ِه إلى ِف ِيه‪ ،‬فقال‪ :‬اكت ْب؛ فوالذي‬ ‫هللا ﷺ‪ ،‬فأو ِ‬ ‫تاب‪ ،‬فذك ْرت ذلك لرسو ِل ِ‬ ‫الك ِ‬
‫فأمسكت ع ِن ِ‬

‫(‪ )1‬سنن الترمذي (‪ ،)2676‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬


‫(‪ )2‬حديث صحيح‪ :‬سنن أبي داود (‪ ،)4605‬سنن ابن ماجه (‪)13‬‬

‫‪6‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫يخر ُج منه هإال ٌّ‬


‫حق»(‪)1‬‬ ‫ي بيده‪ ،‬ما ُ‬ ‫ْ‬
‫نفس‬
‫ِِ‬
‫ً‬
‫ب‪ -‬قال أبو هريرة‪« :‬ما من أصحاب النبي ﷺ أحد أكثرحديثا عنه مني‪ ،‬إال ما كان من عبد هللا بن عمرو‪،‬‬
‫فإنه كان يكتب وال أكتب»(‪)2‬‬

‫ً‬
‫مذكورا في القرآن‪ ،‬فلو كانوا يعتقدون أنه ال حاجة ألي‬ ‫عما َيعرض لهم مما ليس‬
‫جـ‪ -‬أسئلة الصحابة ّ‬

‫حكم لم ُيذكر ًّ‬


‫نصا في القرآن ملا سألوا‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬سؤال علي عن املذي‪ ،‬وسؤال املستحاضة‪ ،‬والسؤال عن حكم املاء وما ينوبه من الدواب‬
‫ّ‬
‫والسباع‪ ،‬وغيرذلك الكثير‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬مما ينبغي أن ُيذكرأن هذه املرحلة تأسس فيها‪ :‬مبدأ ّ‬
‫التثبت في الرواية‪.‬‬
‫َ ٰۤ َ ُّ َ ه َ َ َ ُ ۤ ۟ َ ۤ َ ُ ۡ َ ُُۢ َ َ َ َ َ ه ُ ۤ ۟ َ ُ ُ ۟ َ ۡ َُۢ َ َ ٰ َ َ ُ ۡ ُ ۟‬
‫وا َع َلىٰ‬ ‫اسق ِبنب ࣲإ فتبینوا أن ت ِصیبوا قوما ِبجهـل ࣲة فتص ِبح‬
‫قال هللا تعالى‪﴿ :‬یـأیها ٱل ِذین ءامنوا ِإن جاءكم ف ِ‬
‫َ َ ۡ ُ َٰ َ‬
‫َما فعلت ۡم نـ ِد ِمين﴾[الحجرات‪]6‬‬
‫ّ‬
‫فليتبوأ مقعده من النار»(‪)3‬‬ ‫ّ‬ ‫متعم ًدا‬
‫كذبا علي ليس ككذب على أحد‪ ،‬من كذب علي ّ‬ ‫«إن ً‬ ‫وقال النبي ﷺ‪:‬‬

‫ومن هنا نستطيع القول بأن التأسيس لعلم الحديث قد ابتدأ من وقت النبي بهذا التحذير من الكذب‬

‫عليه‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬عناية الصحابة بالسنة بعد وفاة الرسول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫ّ‬
‫املجرد‪ ،‬و إنما الغرض إثبات‬ ‫تنبيه‪ :‬ليس الغرض من النصوص الكثيرة التي ستأتي السرد والجمع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشريعيا لألحكام ليس ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫مبتدعا‪.‬‬ ‫أمرا‬ ‫مصدرا‬ ‫حقيقة واضحة؛ أال وهي أن العناية بالسنة‪ ،‬واعتبارها‬

‫(‪ )1‬حديث جيد‪ :‬سنن أبي داود (‪ ،)3646‬مسند اإلمام أحمد (‪ )6510‬بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪)113‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪)1291‬‬

‫‪7‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫الوجه األول‪ :‬أن طلب الصحابة للحديث لم ينته بوفاة رسول هللا؛ بل كانوا يتتبعون حديثه‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬قال البخاري في صحيحه «باب الخروج في طلب العلم‪ ،‬ورحل جابربن عبد هللا مسيرة شهرإلى عبد هللا‬
‫ُ‬
‫بن أنيس في حديث واحد»(‪)1‬‬

‫ب‪ -‬رواية الصحابة عن بعضهم مما يدل على تداول الحديث بينهم‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬عدم االقتصارعلى القرآن في الفتاوى واألقضية‪ ،‬ومن شواهد ذلك‪:‬‬
‫َْ‬ ‫َ ََ ْ ََ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ه َ َ َ ْ َ‬
‫هللا ﷺ سألت أبا بك ٍر بعد وف ِاة َرسو ِل ِ‬
‫هللا ﷺ أن‬ ‫اطمة بنت َرسو ِل ِ‬ ‫أ‪ -‬عن عائشة رض ي هللا عنها‪« :‬أن ف ِ‬
‫هللا ﷺ َ‬ ‫إن َرسو َ‬ ‫قال َل َها َأ ُبو َب ْكر‪ :‬ه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مما َأ َف َاء ه ُ‬
‫هللا ﷺ ه‬ ‫ُ‬ ‫َي ْقس َم َل َها م َير َاث َها‪ ،‬ه َ َ‬
‫قال‪ :‬ال‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫َّللا‬ ‫مما ت َرك َرسول ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َد َق ٌة»(‪)2‬‬
‫ور ُث ما َت َر ْك َنا َ‬‫ُن َ‬
‫ّ‬
‫ب‪ -‬توقف عمربن الخطاب ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬في أخذ الجزية من املجوس‪ ،‬حتى شهد عنده عبد الرحمن‬
‫بن عوف أن النبي ﷺ أخذها‪ ،‬فعمل بذلك‪)3(.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬الحرص على تبليغ الحديث ملن بعدهم‪ ،‬ومن شواهد ذلك‪:‬‬

‫أ‪ - -‬تعليم الوضوء للتابعين(‪.)4‬‬

‫ب‪ -‬تعليم الصالة للتابعين (‪.)5‬‬


‫جـ‪ -‬كتابة الصديق أبي بكر ً‬
‫كتابا ألنس بن مالك فيه مقادير الزكاة‪ ،‬وتفاصيل أحكامها عن رسول هللا‬
‫ﷺ‪)6(.‬‬

‫ً‬
‫حديثا‪)7( .‬‬ ‫د‪ -‬وكتب جابربن سمرة إلى عامربن سعد بن أبي وقاص‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪)26/1‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪ ،)3093‬صحيح مسلم (‪)1759‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪)3157 - 3156‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)185‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري (‪)802‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري (‪)1454‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم (‪)1822‬‬

‫‪8‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬عناية التابعين بسنة النبي ﷺ‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬مالزمتهم للصحابة وضبطهم ألحاديثهم‪.‬‬

‫ُعرف كثيرمن الصحابة بأن لهم جماعة من التالميذ يأخذون عنهم الحديث‪ ،‬ويضبطونه‪ ،‬فتجد أحدهم‬

‫يالزم الصحابي مدة طويلة يسمع منه الحديث‪ ،‬ويحصل لهذا التابعي خبرة بأحاديث هذا الصحابي‪،‬‬
‫ً‬
‫حتى إن املحدثين َيذكرون مراتب هؤالء التالميذ في قوة معرفتهم بحديث الصحابي‪ ،‬فمثال‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬أثبت من روى عن عبد هللا بن عمر‪ :‬ابنه سالم‪ ،‬ومواله نافع‪.‬‬

‫‪ -‬أثبت أصحاب أنس بن مالك‪ :‬الزهري‪.‬‬

‫‪ -‬وأشهرالرواة عن عائشة ‪ -‬رض ي هللا عنها ‪ -‬عروة بن الزبير‪ ،‬وهي خالته ‪ -‬رض ي هللا عنها ‪.-‬‬
‫ّ‬
‫أن السنة لم ّ‬
‫تمر بمرحلة فراغ بين وقت الصحابة ووقت أصحاب الكتب‬ ‫وهذه القضية تظهر لنا‬
‫ّ‬
‫واملصنفات‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬كتابة الحديث في زمن التابعين‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أ‪ُ -‬رصد في القرن األول ثالثة وخمسون من التابعين ممن كتبوا‪.‬‬


‫ورصد في القرن تسعة وتسعين من التابعين ممن كتبوا‪ ،‬أو ُكتب عنهم‪)1(.‬‬
‫ب‪ُ -‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن مرحلة التابعين كانت مرحلة التدوين الرسمي لألحاديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫تبنت الخالفة على يد اإلمام التابعي عمربن عبد العزيز‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬االهتمام بقضية تدوين السنة‪،‬‬
‫ُ‬
‫فقد كتب عمربن عبد العزيزإلى أبي بكربن حزم‪« :‬انظرما كان من حديث رسول هللا فاكتبه‪ ،‬فإني خفت‬
‫َ‬
‫وذهاب العلم‪ ،‬وال تقبل إال حديث النبي ﷺ‪ ،‬وليفشوا العلم‪،‬‬ ‫دروس العلم ‪ -‬أي اندثاره وذهابه ‪-‬‬
‫ُ ه‬
‫علم من ال يعلم‪ ،‬فإن العلم ال یهلك حتى يكون ً‬
‫سرا»(‪)2‬‬ ‫وليجلسوا حتى ي‬

‫(‪ )1‬قام بهذا التتبع الدكتورمحمد مصطفى األعظمي في كتابه «دراسات في الحديث النبو ّي وتاريخ تدوينه»‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪)31/1‬‬

‫‪9‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫وفي هذه املرحلة استمرت قضية االحتياط في الرواية والتدقيق فيها‪ُ ،‬‬
‫وعرف بعض التابعين بالتفتيش‬
‫في األسانيد والرواة‪ ،‬وممن ُ‬
‫اشتهر بالعناية بذلك‪ :‬التابعي الجليل محمد بن سيرين‪)1(.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬السنة في وقت أتباع التابعين‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬ظهور التصنيف للمكتوب من أحاديث الرسول ﷺ‪ ،‬وهو‪ :‬ترتيب األحاديث على األبواب‪،‬‬

‫من أمثلة هذه املصنفات‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬صنف اإلمام مالك (ت‪ )179:‬املوطأ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬صنف ابن جريج (ت‪ )150 :‬في السنن والطهارة والصالة‪.‬‬

‫‪ -‬صنف محمد بن إسحاق (ت‪ )151:‬في املغازي‪.‬‬


‫َ‬
‫الجامع‪.‬‬ ‫‪ -‬صنف معمربن راشد األزدي (ت‪)153:‬‬

‫‪ -‬صنف ابن أبي َع ُروبة (ت‪ )157:‬في السنن والتفسير‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وحم ُاد بن سلمة‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬رحم هللا الجميع‪.‬‬
‫سفيان الثوري‪ّ ،‬‬ ‫وكذلك صنف‬

‫الوجه الثاني‪ :‬تطورقواعد علم الحديث‪.‬‬

‫من املهم معرفة أن علم الحديث لم ينشأ في بيئة منعزلة عن و اقع الرواية‪ ،‬فهو وإن كان قد تأسست‬
‫التثبت في األنباء‪ ،‬وتغليظ الكذب على رسول هللا ﷺ‪ّ ،‬إال أن ّ‬
‫تطوره‬ ‫أصوله مع نزول الوحي؛ بالتأكيد على ّ‬

‫ً‬
‫مواكبا لقدر من التحديات املحيطة بو اقع الرواية‪ ،‬ففي املراحل األولى لم تكن سلسلة‬ ‫ّ‬
‫وتشعبه جاء‬
‫وظلت ّ‬‫ّ‬ ‫اإلسناد طويلة‪ ،‬ثم بدأت تطول ً‬
‫تمتد مع تأخرالزمن‪ ،‬ودخل في الرواية أناس كثير‪ ،‬منهم‬ ‫نوعا ما‪،‬‬

‫(‪ )1‬شرح علل الترمذي البن رجب (‪)355/1‬‬

‫‪10‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫َُ‬
‫املعروف‪ ،‬ومنهم املجهول‪ ،‬وبدأ انتشار الكذب‪ ،‬وكثر الوهم مع كثرة الرواة؛ ألجل ذلك كله طور العلماء‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫األدوات الضامنة ملعرفة ما ّ‬
‫يصح‪ ،‬وتفرغ أناس من الجهابذة لهذه املهمة‬ ‫صح من الرواية مما لم‬
‫ّ‬
‫العظيمة‪ ،‬وتوفرت لدیهم اآللة املناسبة‪ ،‬وهي‪ :‬أخذ الحديث عن أهله‪ ،‬ومالزمة أئمة الرواية‪ ،‬وسعة‬

‫الحفظ‪ ،‬ودقة الفهم‪ ،‬وبذل الجهد في الرحلة والدراسة واملقارنة‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬دو ائرالتلقي والضبط‪.‬‬

‫اشتهر جماعة من رواة السنة بالحفظ والعلم وكثرة األحاديث؛ التي تلقوها عن الصحابة أو كبار‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫التابعين‪ ،‬ومن ثم تجد أن كل واحد من هؤالء قد أحيط بدائرة من التالميذ اليقظة؛ الذين يالزمونه في‬

‫كل وقت‪ ،‬حتى صارت لدیهم خبرة تامة بأحاديثهم‪ ،‬كما أن هؤالء الشيوخ في ذاتهم كانوا قبل ذلك يشكلون‬

‫دو ائر مع مشايخهم‪ ،‬والعجيب أن نقاد الحديث الذي جاء بعد هذه املرحلة كان لهم علم دقيق بهذه‬

‫الدو ائروتفصيالتها باألرقام!‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬اإلمام الزهري‪ :‬تابعي مدني يروي عن أنس بن مالك‪ ،‬من أبرز من الزمه من الكبار و أتقنوا حديثه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫اإلمام مالك‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ ،‬ومعمر‪ ،‬ويونس بن يزيد‪ُ ،‬‬
‫وعقيل‪ ،‬وشعيب‪ ،‬والزبيدي‪ ،‬وصالح بن‬

‫كيسان‪.‬‬

‫ب‪ -‬عمروبن دينار‪ :‬تابعي مكي‪ ،‬يروي عن جابربن عبد هللا األنصاري‪ ،‬من أبرزمن الزمه من الكبارو أتقنوا‬
‫حديثه‪ :‬شعبة بن الحجاج‪ ،‬و ابن جريج‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ّ ،‬‬
‫وحماد بن زيد‪.‬‬

‫والشأن ليس في معرفة هذه الدو ائر ‪ -‬فقط ‪ -‬و إنما في العلم الدقيق بمراتبهم‪ ،‬وتقديم بعضهم على‬

‫بعض‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫المرحلة الخامسة‪ :‬العناية بالسنة في القرن الهجري الثالث (العصر الذهبي للسنة)‪:‬‬

‫تظهرالعناية في هذه املرحلة من وجوه‪:‬‬


‫الوجه ّ‬
‫األول‪ :‬اجتماع عدد كبيرمن أفذاذ علماء الحديث‪ ،‬بحيث لم يجتمع في عصرمثل هذا العدد‬
‫ّ‬
‫من العلماء املتمكنين من علوم الحديث‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬في هذه املرحلة بلغ التصنيف ذروته‪ ،‬فقد ُ‬
‫صنف في هذه املرحلة‪ :‬مسند اإلمام أحمد‪،‬‬

‫والكتب الستة‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬برزفي هذه املرحلة عناية املحدثين بالكالم على علل األحاديث‪ ،‬ورواتها‪ ،‬وأسانيدها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫والقواعد والقوانين التي تحكم ذلك‪ ،‬ونثرذلك كله في مصنفاتهم‪ ،‬ومن أمثلة هذه املصنفات‪:‬‬

‫‪« -‬التاريخ الكبير» للبخاري‪.‬‬

‫‪« -‬الجرح والتعديل» البن أبي حاتم‪.‬‬

‫‪« -‬العلل» البن أبي حاتم‪.‬‬

‫‪ -‬كتب السؤاالت والتواريخ‪.‬‬

‫المرحلة السادسة‪ :‬العناية بالسنة بعد القرن الثالث‪:‬‬

‫ُ َ‬
‫من ناحية التصنيف‪ :‬في القرن الرابع استمر التصنيف في كتب السنة املسندة‪ ،‬وظهر في هذه املرحلة‬

‫عدد من الكتب املهمة‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬

‫‪ -‬صحيح ابن خزيمة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫‪ -‬صحيح ابن حبان‪.‬‬

‫‪ -‬مستدرك الحاكم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وبعد القرن الرابع قلت الكتب الحديثية املسندة‪ ،‬وظهرت الكتب التي تعنى بجمع األحاديث من كتب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السنة املصنفة في القرون السابقة‪ ،‬ولكن دون أسانيد‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪« -‬الجمع بين الصحيحين» ُ‬
‫للحميدي‪.‬‬

‫‪« -‬جامع األصول» البن األثير‪.‬‬

‫‪« -‬بلوغ املرام» البن حجر‪.‬‬

‫من ناحية العناية بنقد األحاديث ورواتها‪ :‬في القرن الرابع ظهر عدد من العلماء الكبار في هذا املجال‪،‬‬
‫كأبي جعفر ُ‬
‫العقيلي‪ ،‬و أبي أحمد بن عدي‪ ،‬و أبي الحسن الدارقطني‪ ،‬الذين ساروا في قوانين النقد‬

‫والتصحيح؛ على طريقة العلماء في العصرالذهبي‪.‬‬


‫ّ‬
‫من ناحية التصنيف في علم الحديث‪ :‬في القرن الرابع الهجري ظهر أول ُمصنف مستقل في علم‬

‫الحديث‪ ،‬وهوكتاب «املحدث الفاصل» ألبي محمد الرامهرمزي‪ ،‬ثم تبعه الحاكم في كتابه «معرفة علوم‬

‫الحديث»‪ ،‬ثم الخطيب البغدادي في القرن الخامس؛ فألف كتاب «الكفاية في علم الرواية»‪ ،‬ثم تتابعت‬
‫ْ‬
‫املصنفات إلى أن جاء أبو عمرو بن الصالح فأملى كتابه «علوم الحديث» وما أن ظهر حتى دار العلماء‬
‫َ‬
‫بعده في فلكه‪.‬‬

‫من ناحية شروح األحاديث‪ :‬اعتنى العلماء في القرن الرابع وما بعده بشروح األحاديث‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬شرح أبي سليمان الخطابي (ت‪ )388:‬على صحيح البخاري في كتابه «أعالم الحديث»‪.‬‬

‫ب‪ -‬وكذلك شرح الخطابي سنن أبي داود في كتابه «معالم السنن»‪.‬‬

‫ثم توالت الشروح وكثرت حتى صارلصحيح البخاري وحده عشرات الشروح‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫الطريقة الثانية لبناء حجية السنة‪:‬‬

‫عرض أدلة القرآن والسنة واإلجماع على ذلك وبيان وجوه داللتها‪.‬‬

‫حج ّيتها من القرآن الكريم‬


‫النوع األول‪ :‬إثبات ّ‬

‫داللة القرآن على حجية السنة من وجوه‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬اآليات القرآنية التي فيها األمربطاعة الرسول ﷺ والتحذيرمن عصيانه‪.‬‬
‫ويظهروجه الداللة منها بالتأكيد على ّ‬
‫مقدمتين ونتيجة‪.‬‬
‫ّ‬
‫املقدمة األولى‪ :‬أن هللا أنزل القرآن حجة على جميع هذه األمة من ّأولها إلى آخرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫املقدمة الثانية‪ :‬أن األلفاظ الواردة في اآليات اآلمرة بطاعة الرسول ﷺ جاءت مطلقة غير مقيدة بما‬
‫ّ‬
‫بلغه الرسول من القرآن فقط‪.‬‬
‫ّ‬
‫النتيجة‪ :‬أن امتثالنا لهذه اآليات ال يتحقق إال باتباع أحاديث الرسول ﷺ الثابتة عنه‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬من نازع في ثبوت هذه األحاديث ُّ‬
‫فردنا عليه تقدم في مراحل العناية‪ ،‬وسيأتي في فصل إقامة‬

‫البرهان على صحة علم الحديث ما هو أظهرداللة من مراحل العناية ‪ -‬بإذن هللا ‪.-‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬النصوص القرآنية التي فيها األمربرد التنازع إلى هللا والرسول‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫َ َ َ ٰ َ ۡ ُ ۡ َ َ ُّ ُ َ ه‬
‫ٱَّلل َو ه‬
‫ٱلر ُسو ِل﴾[النساء ‪]59‬‬ ‫أ‪ -‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬ف ِإن تنـزعتم ِفی ش ۡى ࣲء ف ُردوه ِإلى ِ‬
‫املراد بالرد إلى هللا‪ :‬الرد إلى كتابه‪.‬‬

‫والرد إلى الرسول‪ :‬الرد إلى شخصه في حياته‪ ،‬وإلى سنته بعد مماته‪ ،‬وهذا ما أجمع عليه أهل العلم‪.‬‬
‫وك ف َ َ َ َ َ‬
‫یما شج َر ب ۡین ُه ۡم﴾ [النساء ‪]65‬‬
‫ََ َ َّ َ َ ُ ۡ ُ َ َ ه ُ َ ّ ُ َ‬
‫ب‪ -‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬فال ورِبك ال یؤ ِمنون حت ٰى یح ِكم ِ‬
‫ّ‬
‫فكل ش يء يشجربين املؤمنين فإنهم مأمورون في هذه اآلية بأن يتبعوا حكم الرسول في هذا التنازع‪ ،‬وقد‬

‫‪14‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫وأحكامه في كثيرمن قضايا النزاع‪.‬‬ ‫نقل لنا الثقات أقضية الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪-‬‬

‫ونستفيد من هذه النصوص أن السنة ال تقتصر على معاني األدب واألخالق واألذكار فقط‪ ،‬بل هي‬

‫شاملة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما جاء في كتاب هللا ِمن أن للقرآن بيانا‪ ،‬وهذا البيان هو السنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫قال هللا تعالى‪﴿ :‬ث هم ِإ هن َعل ۡینا َب َیان ُهۥ﴾[القيامة ‪ ]19‬وحمل ذلك جماعة من العلماء على بيان السنة للقرآن؛‬

‫فإن بيان األمور املجملة في القرآن إنما عرفناه عن طريق السنة؛ كتفصيالت أحكام الصالة والزكاة‬

‫والصيام والحج‪.‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعالى ذكر الفرائض في كتابه‪ ،‬وأوقف صحة أداء هذه الفرائض على ما جاء في السنة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فال يمكن ً‬
‫أبدا أن نقيم فرض الصالة على الصورة التي تقبل بها‪ ،‬إال عن طريق أدائها على صفتها التي‬

‫جاءت في السنة‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬إن هللا قد رض ي للسنة من املنزلة أن جعل صحة الفرائض متوقفة على ما جاء في تفصيلها‬

‫وبيانها‪.‬‬
‫ّ‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن هللا سبحانه وتعالى امتن علينا بالسنة‪ ،‬وهذا االمتنان في أمر ديني؛ فهل يكون بعد‬

‫ذلك ليس له قيمة وشأن؟‬


‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ُۡ ۟ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ا‬ ‫َ َ ۡ َ ه ه ُ َ ُۡ ۡ َ ۡ َ‬
‫ٱَّلل َعلى ٱملؤ ِم ِنين ِإذ َب َعث ِف ِيه ۡم َر ُسوال ِّم ۡن أنف ِس ِه ۡم َیتلوا َعل ۡي ِه ۡم َء َایـ ِت ِهۦ َو ُی َز ِك ِيه ۡم‬ ‫قال هللا تعالى‪﴿ :‬لقد من‬

‫ين﴾[آل عمران ‪]164‬‬ ‫َ َ ٰ ُّ‬ ‫َۡ ُ َ‬ ‫َ ُ َ ّ ُ ُ ُ ۡ َٰ َ َ ۡ ۡ َ َ َ َ ُ ۟‬


‫ویع ِلمهم ٱل ِكتـب وٱل ِحكمة و ِإن كانوا ِمن قبل ل ِفی ضلـ ࣲل م ِب ٍ‬
‫وقد ذكرجماعة من أهل العلم؛ أن املراد بالحكمة إذا جاءت بهذا السياق‪ :‬السنة‪.‬‬
‫ى من العلم بالقرآن يقول‪ :‬الحكمة سنة رسول هللا ﷺ»"(‪)1‬‬ ‫قال الشافعي‪« :‬فسمعت من أرض‬
‫ۡ ۡ َ ه‬ ‫ۡ َٰ‬ ‫َ َ َ َ هُ َ‬
‫ٱَّلل َعل ۡی َك ٱل ِكتـ َب َوٱل ِحك َمة َو َعل َم َك َما‬ ‫ومن وجوه الداللة في ذلك‪ :‬أن هللا سبحانه وتعالى قال‪﴿ :‬و أنزل‬

‫الرسالة للشافعي (‪)78‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪15‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫َ َُ َ َ‬
‫ل ۡم تكن ت ۡعل ُم﴾[النساء‪ ]113‬وهذا يقتض ي أن الحكمة من الوحي‪.‬‬
‫ً‬
‫تنبيه‪ :‬ال نقول بأن كل (حكمة) في القرآن هي السنة‪ ،‬و إنما نقول‪ :‬إنما السنة منها ما كان معطوفا على‬

‫الكتاب مما كان في شأن في نبينا محمد ﷺ والعطف يقتض ي املغايرة في األصل‪ ،‬أي‪ :‬أن عطف الحكمة‬
‫على الكتاب يقتض ي أن تكون الحكمة ً‬
‫أمرا آخرغيرالكتاب‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬إثبات حجيتها من السنة النبوية‪:‬‬

‫س‪ :‬ما الفائدة من إثبات حجية السنة من السنة‪ ،‬مع إنكاراملخالف لها؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫أ‪ -‬الكالم في هذا الكتاب ليس ّ‬
‫موج ًها فقط ملنكري السنة‪ ،‬بل موجه كذلك للمؤمنين بالسنة‪ ،‬فإن ً‬
‫كثيرا‬

‫منهم ّربما تغيب عنهم األدلة التفصيلية التي تجعلهم على يقين بصحة ما يعتقدون‪.‬‬
‫ّ‬
‫مطرد فيما يأخذون َ‬
‫ويدعون منها‪،‬‬ ‫ب‪ -‬أن كث ًيرا ممن لدیهم إشكاالت تجاه السنة ليس عندهم مذهب‬

‫فمثل هؤالء قد تنفع معهم هذه الدالئل‪.‬‬


‫جـ‪ -‬أن ً‬
‫كثيرا من املخاصمين فيما يتعلق بقضايا السنة يأخذون من السنة ما يو افق أقوالهم في إنكارها‪،‬‬
‫فنحن نخاصمهم بالسنة ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫د‪ -‬أن ً‬
‫كثيرا من املنكرين حجية السنة يقولون‪ :‬نؤمن من السنة بما و افق القرآن‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬إن‬

‫األحاديث الدالة على حجية السنة تو افق القرآن؛ فيلزمكم األخذ بها‪.‬‬

‫هذا؛ ويتحقق إثبات حجية السنة من السنة من وجوه‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬النصوص اآلمرة بحفظ الحديث وتبليغه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫الوجه الثاني‪ :‬النصوص التي فيها إقرارالنبي ﷺ وتشجيعه ملن اعتنى بالسنة في حياته‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬النصوص التي جاء فيها التحذيرمن ّرد ش يء من السنة؛ كحديث األريكة‬

‫النوع الثالث‪ :‬إثبات حجية السنة من عمل الصحابة‪:‬‬

‫ّ‬
‫ومن املو اقف الدالة على ذلك‪:‬‬
‫ّ ُۡ َ‬ ‫ُ ُ ه ُ َ َ ٰ ُ ۖۡ ه َ ۡ‬
‫ٱَّلل ِف ۤی أ ۡولـ ِدك ۡم ِللذك ِر ِمث ُل َح ِظ ٱألنث َی ۡي ِن﴾ [النساء ‪ ،]١١‬هذه اآلية عامة؛‬ ‫وصیكم‬ ‫ُ‬
‫أ‪ -‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬ی ِ‬
‫تقتض ي أن املال ينتقل من اآلباء إلى األبناء باملوت‪ ،‬فجاءت فاطمة ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬إلى أبي بكر؛ تطلب‬
‫وطلبها بو افق ظاهر القرآن‪ّ ،‬‬
‫لكن أبا بكر لم يعطها ملا ثبت عنده عن‬ ‫ميراثها من أبيها ‪ -‬بأبي هو وأمي ‪ُ -‬‬

‫رسول هللا أن األنبياء ال يورثون‪ ،‬وأن ما تركوه صدقة‪.‬‬


‫ب‪ -‬وكان عمر‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬ال ّ‬
‫يورث املرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي ﷺ؛‬

‫كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها‪ ،‬فعدل عمرعن رأيه إلى هذا النقل‪.‬‬
‫ّ‬
‫التطوع في األوقات املنهي عنها‪ ،‬مع أن هذا‬ ‫جـ‪ -‬وكان عمر ‪ -‬فديته بنفس ي ‪ -‬يشدد في النهي عن أداء صالة‬

‫النهي إنما ثبت بالسنة‪ ،‬وليس في كتاب هللا‪.‬‬

‫النوع الرابع‪ :‬إقامة حجية السنة عن طريق إجماع العلماء‬

‫تتفاوت درجات اإلجماع املنقول عن أهل العلم‪ ،‬ونستطيع معرفة مرتبة اإلجماع عن طريق عدد من‬

‫القرائن‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يتوارد على نقله جماعة من أهل العلم‪ ،‬من مختلف املذاهب‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ب‪ -‬أن يكون في سياق النقل عنهم بيان ضاللة املخالف في هذه املسألة و انحر افه‪ ،‬ومن باب أولى لوكان‬

‫في السياق بيان كفراملخالف فيها‪ ،‬مما يدل على أن هذه املسألة أخذت صورة قطعية عند أهل العلم‪.‬‬

‫ومن اإلجماعات املنقولة عن أهل العلم على مرالعصور‪:‬‬


‫ُ ُ‬ ‫َ ُّ ُ َ ه‬
‫ٱَّلل َو ه‬ ‫َ َ َٰ َ ۡ ُ ۡ َ‬
‫ٱلر ُسو ِل ِإن كنت ۡم‬ ‫الكناني في قوله تعالى‪﴿ :‬ف ِإن تنـزعتم ِفی ش ۡى ࣲء ف ُردوه ِإلى ِ‬
‫األول‪ :‬قال عبد العزيز ِ‬
‫ُ ۡ ُ َ ه َ ۡ َ ۡ ۡ َٔ‬
‫اخ ِر﴾[النساء ‪ ]٥٩‬قال‪« :‬هذا ما ال خالف فيه بين املؤمنين وأهل العلم‪ ،‬إن رددناه‬ ‫تؤ ِمنون ِب ِ‬
‫ٱَّلل وٱلیو ِم ٱلـ ِ‬
‫إلى هللا فهو إلى كتابه‪ ،‬وإن رددناه إلى رسوله بعد وفاته؛ فإنما هو إلى سنته‪ ،‬و إنما يشك في هذا‬
‫امللحدون»(‪)1‬‬

‫الثاني‪ :‬وفي ذات اآلية قال ابن القيم‪« :‬الناس أجمعوا أن الرد إلى هللا سبحانه هو الرد إلى كتابه‪ ،‬والرد‬
‫إلى رسول هللا ﷺ هو الرد إليه نفسه في حياته‪ ،‬وإلى سنته بعد وفاته»(‪)2‬‬

‫الثالث‪ :‬وقال املعلمي حين تكلم عن حجية خبر اآلحاد‪« :‬والحجج في هذا الباب كثيرة‪ ،‬وإجماع على‬
‫السلف ذلك محقق»(‪)3‬‬

‫(‪« )1‬الحيدة واالعتذار» (‪.)69‬‬


‫(‪« )2‬إعالم املوقعين» (‪ )39/1‬البن القيم‪.‬‬
‫(‪« )3‬األنوارالكاشفة» (‪ )67/1‬للمعلمي‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫الطريقة الثالثة لبناء حجية السنة‪:‬‬

‫إقامة البرهان على صحة علم الحديث‬

‫إن هللا سبحانه وتعالى َأمرنا برد النزاع إلى كتابه وإلى سنة رسوله‪ ،‬وهذا يدل على أمرين‪:‬‬
‫ّ‬
‫األول‪ :‬أن هللا سيحفظ كتابه وسنة رسوله حتى نستطيع ّرد النزاع إليهما‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬شمولية الكتاب والسنة؛ إذ فيهما الفصل لكل نزاع‪.‬‬


‫ُ‬
‫وإذا تقررت شمولية السنة‪ ،‬فهاهنا مقدمة أخرى‪ ،‬وهي أن من املعلوم وجود أخبارنسبت إلى رسول هللا‬
‫ال تصح نسبتها إليه‪ ،‬فكيف ّ‬
‫نميزبين ما ثبت‪ ،‬مما لم يثبت‪ ،‬حتى نستطيع أن نرد التنازع إلى السنة؟‬

‫لدينا طريقان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يعتمد ُّ‬
‫كل إنسان في سبيل تمييز ذلك على ذوقه ورأيه الشخص ي‪ ،‬وهذا ال يجعل للسنة قيمة‬
‫ً‬
‫مرجعا في النزاع‪.‬‬ ‫حقيقية‪ ،‬وال تكون عندئذ‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون هناك ميزان علمي موضوعي‪ ،‬يصلح ألن يكون ً‬
‫حكما بين املتخاصمين في إثبات ش يء من‬

‫املنقول عن النبي أو ّرده‪.‬‬

‫وال شك أن وجود امليزان العلمي خيرمن العبثية والفوض ى‪ ،‬ومن ثم فإننا مع هذا امليزان أمام خيارين‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن نستحدثه‪ ،‬وهذا فيه عدد من الصعوبات‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -‬معاصرة الرواة‪.‬‬

‫‪ -‬وجود أصول الكتب التي كانت عند الشيوخ والتالميذ‪.‬‬

‫‪ -‬قلة املختصين الكبارذوي الخبرة واملعرفة‪.‬‬


‫ب‪ -‬أن ننظرفي ميزان قائم ّ‬
‫مجرب معتبرمشهود له من أهل العلم والخبرة واالختصاص‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا الخيارهو صمام األمان للسنة‪ ،‬وهو كاف تمام الكفاية في تمييزاملنقول من األخبارصحة وضعفا‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ً‬
‫وقد أجمع العلماء ‪ -‬من أهل السنة ‪ -‬على اعتبارهذا العلم مأمونا على السنة‪.‬‬

‫س‪ :‬كيف ُيقام البرهان على كفاية هذا العلم؟‬

‫الجواب‪ :‬يكون ذلك بدراسة هذا العلم دراسة تفصيلية‪ ،‬والنظرفي قواعده وقوانينه‪.‬‬

‫ذكر بعض القضايا التفصيلية في هذا الفن‪:‬‬

‫ّ‬
‫املحدثين في الجرح والتعديل‬ ‫القضية األولى‪ :‬موازين‬
‫ُ‬
‫نقلت السنة إلينا عن طريق سلسلة من الرواة‪ ،‬تبدأ بالصحابة فما بعدهم إلى أصحاب الكتب‬

‫واملصنفات الحديثية‪ ،‬وال بد من معرفة أحوال هؤالء الرواة قبل قبول أخبارهم‪ ،‬ولعلماء الحديث في‬

‫ذلك موازن دقيقة‪ ،‬وشروط صارمة‪ ،‬منها‪:‬‬


‫ً‬
‫ّأوال‪ :‬اشتراط العدالة‪:‬‬

‫واملراد بها‪ :‬السالمة الدينية‪.‬‬

‫س‪ :‬ملاذا اشترطوا العدالة؟‬

‫الجواب‪ :‬خشية الكذب على رسول هللا ﷺ‪.‬‬


‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬اشتراط الضبط واإلتقان‪.‬‬
‫ً ّ‬
‫لكنه ال يضبط الحديث‪ ،‬فمثل هذا ُي ّ‬
‫رد‪ ،‬ويعرفون ذلك بأمور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫قد يكون الراوي صالحا‬

‫أ‪ -‬االختباراملباشر‪.‬‬

‫ب‪ -‬اختبارمروياته‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ُ :‬بعد املحدثين عن املحاباة في الجرح والتعديل‪.‬‬
‫علي بن املديني ّ‬
‫ضعف والده‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬أن اإلمام ّ‬

‫‪20‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫أن ّ‬ ‫ً ّ‬
‫املحدثين كانوا يروون عن مخالفيهم من أهل املذاهب املبتدعة‪ ،‬إذا ُعرفوا بالضبط والصدق؛‬ ‫رابعا‪:‬‬
‫ً‬
‫تقديما ملصلحة السنة والرواية‪،‬‬
‫املحدثين ّات َ‬
‫صال أسانيد الروايات؛ ليحكموا عليها بالصحة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القضية الثانية‪ :‬اشتراط‬
‫ً‬
‫انقطاعا فيها فإنهم‬ ‫املحدثون على التأكد من ّاتصال الرواية التي ُيراد ُ‬
‫الحكم عليها‪ ،‬فإذا وجدوا‬ ‫ّ‬ ‫يحرص‬

‫يحكمون عليها بالضعف ‪ -‬في الجملة ‪.-‬‬

‫واالنقطاع في الرواية على قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬ظاهر؛ كرواية ر ٍاو عن شيخ توفي قبل مولد هذا الراوي‪.‬‬

‫واآلخرخفي؛ كأن يكون بالتدليس‪.‬‬

‫القضية الثالثة‪ :‬أنهم ُيدخلون الروايات في معامل اختباردقيقة؛ الستخراج العلل الخفية‪.‬‬
‫ّ ن ّ‬
‫باتصال اإلسناد مع عدالة رواته وضبطهم؛ ليحكموا عليه بالصحة‪ ،‬و إنما يضيفون‬ ‫ال يكتفي املحدثو‬

‫إلى ذلك انتفاء العلة‪ ،‬وعدم الشذوذ والنكارة؛ لذلك فإن الناقد إذا أراد الحكم على رواية فإنه يجمع‬
‫متأم ًال بعين الخبير‪ ،‬ويستعمل في ذلك قرائن كثيرة؛ ل ّ‬
‫يرجح بعض هذه األسانيد‬ ‫أسانيدها‪ُ ،‬ويقارن بينها ّ‬

‫على بعض حال اختالفها‪ ،‬وبطريقة املقارنة هذه يكتشف علماء الحديث أخطاء الثقات‪.‬‬
‫ّ‬
‫القضية الرابعة‪ :‬دقتهم في رصد اإلشكاالت العارضة‪.‬‬

‫إذا حكم املحدثون على راو بأنه ثقة‪ ،‬فاألصل في رواياته الصحة‪ ،‬غير أن هناك حاالت عارضة تعتري‬
‫ّ‬ ‫بعض الرواة أو الروايات؛ فتجعلها ضعيفة‪ ،‬ومن ذلك‪ّ :‬‬
‫تغير ذهن الراوي بسبب كبر سنه‪ ،‬أو ملصيبة‬
‫أصابه‪ُ ،‬وي ّ‬
‫عبر املحدثون عن هذا التغير الطارئ على ذهن الراوي بلفظ «االختالط»‪ ،‬وهم مع ذلك لهم‬

‫دقة في تمييزاملختلطين ودرجاتهم‪ ،‬وتمييزمن روى عنه قبل اختالط وبعده‪.‬‬


‫القضية الخامسة‪ :‬أن ا ّ‬
‫ملحدثين عرفوا تالميذ كل راو ّ‬
‫وميزوا املتقنين عنه ومراتبهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫فاملحدثون بدقتهم عرفوا درجات الرواة في الضبط واإلتقان‪ ،‬حتى بين الثقات أنفسهم‪ ،‬ومعرفتهم هذه‬

‫‪21‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫مبنية على دراسة أحاديثهم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫المحور الثاني‪:‬‬

‫معالجة أصول اإلشكاالت المثارة‬

‫على حجية السنة النبوية‬

‫‪23‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫اإلشكاالت المثارة حول حجية السنة واإلجابة عنها‬

‫ذكر بعض النقاط التي ينبغي أن تُ راعى‬

‫عند نقاش المشككين في السنة‬

‫ً‬
‫األولى‪ :‬البراهين املذكورة سابقا في هذا الكتاب هي األصل في املوقف من السنة‪ ،‬ومنها نستقي الردود على‬

‫الشبهات‪ ،‬وفيها اإلثبات القاطع على حجية السنة وصحة علم الحديث‪ ،‬فأي إشكال أو سؤال ُيثار بعد‬

‫ذلك‪ ،‬فإنه يجب أال يعود على ذلك األصل باإلبطال؛ ألنه ثبت بيقين‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬يتناس ى املشككون قدر اإلشكاالت التي ستواجههم حال إنكارهم لها‪ ،‬وملعرفة مقدار الشذوذ‬
‫واالنحراف الذي يلزم القائلين بعدم األخذ بأي حكم لم يذكر ًّ‬
‫نصا في القرآن فإن لك أن تستعرض‬

‫العبادات التي يقوم بها املسلمون في اليوم واألسبوع والشهر والعام‪ ،‬لترى قدر اإلشكاالت التي تواجه‬

‫املنكرين‪.‬‬
‫الثالثة‪ً :‬‬
‫كثيرا ما يقع منكرو السنة في إشكاالت ظاهرة في سياق احتجاجهم على عدم حجية السنة‪ ،‬من‬

‫أبرزها‪:‬‬

‫أ‪ -‬االستدالل بالسنة‪ ،‬مما يوقعهم في تناقض‪.‬‬

‫ب‪ -‬االنتقاء من بين األدلة املتساوية دون أي معيار لالختيارسوى مو افقة قولهم؛ كانتقاء حديث النهي‬
‫عن الكتابة‪ّ ،‬‬
‫ورد األحاديث الدالة على الحجية‪.‬‬
‫جـ‪ -‬أنهم يبنون قولهم على تصورناقص لحقيقة ما ّ‬
‫يتحدثون عنه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫د‪ -‬عدم تمييزالصحيح من السقيم‪.‬‬

‫أصول اإلشكاالت والشبهات المثارة حول السنة‬

‫األصل األول‪ :‬إشكاليات راجعة إلى أصل حجيتها وأساسه‪.‬‬


‫يزعم منكرو السنة أنه ال حاجة في ّ‬
‫أي أمرديني إلى ش يء خارج نص القرآن الكريم؛ ألنه تبيان لكل ش يء‪.‬‬

‫والجواب من أوجه‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال شك أن القرآن الكريم تبيان ّ‬
‫لكل ش يء‪ ،‬لكن الشأن في تحرير وجه البيان والتبيان الذي جاء به‬

‫كل حكم بعينه‪ ،‬ويكون تارة باإلحالة إلى الرسول وأحكامه وأوامره‬ ‫ّ‬
‫بالنص على ّ‬ ‫القرآن‪ ،‬فإنه يكون تارة‬

‫ونواهيه‪.‬‬

‫ب‪ -‬قولهم هذا يقتض ي تعطيل اآليات التي أحالت إلى الرسول ﷺ‪.‬‬

‫س‪ :‬يزعم البعض أن كلمة «الرسول» الواردة في آيات األمر بطاعته‪ ،‬إنما تعني «الرسالة» ال الشخص‬

‫املرسل‪ ،‬ثم إن هذه الرسالة هي القرآن وحده‪ ،‬وكل ش يء فعله النبي مما لم ُيذكر في القرآن فإنما فعله‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫شرعا‪ ،‬فما‬ ‫بمقتض ى «النبوة» ال «الرسالة»‪ ،‬وهناك فرق بينهما‪ ،‬فالنبوة ال يصدر عنها ش يء م ٍ‬
‫لزم‬

‫الجواب؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫َ ه‬ ‫ه ُ َ َ َ ۡ َ َ َ ه َۖۡ‬
‫ٱَّلل َو َمن ت َول ٰى‬ ‫﴿من ُی ِط ِع ٱلرسول فقد أطاع‬
‫أ‪ -‬في سياق اآليات ما ُيبطل هذه الدعوى‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬ه‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ ۤ َ ۡ َٰ‬
‫ف َما أ ۡر َسلنـ َك َعل ۡي ِه ۡم َح ِفیظا﴾ [النساء ‪ ،]٨٠‬فالكاف في «أرسلناك» ظاهرة في أن املراد بالرسول هنا‬

‫رسل ال الرسالة‪.‬‬‫الشخص املُ َ‬


‫ه‬
‫﴿ٱلذ َ‬ ‫ّ‬
‫ین‬ ‫ب‪ -‬جاء في القرآن جمع الكلمتين (الرسول) و(النبي) في سياق امتداح االتباع‪ ،‬فقال سبحانه‪ِ :‬‬

‫‪25‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ُۡ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َه ُ َ‬


‫لر ُسول ٱلن ِب هى ٱأل ِّم هی﴾ [األعراف ‪]١٥٧‬‬
‫یتبعون ٱ ه‬
‫ِ‬
‫وه َو َما‬‫ٱلر ُسو ُل َف ُخ ُذ ُ‬
‫﴿و َم ۤا َء َات ٰى ُك ُم ه‬
‫ستدل بها على حجية السنة قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫جـ‪ -‬من أشهر اآليات التي ُي‬
‫َ َ ٰ ُ ۡ َ ۡ ُ َ َ ُ ۟ َ ه ُ ۟ ه َۖۡ ه ه َ َ ُ ۡ َ‬
‫اب﴾‪ ،‬وعند النظر في سياقها سنجد أن معنى‬ ‫نهىكم عنه فٱنتهواۚ وٱتقوا ٱَّلل ِإن ٱَّلل ش ِدید ٱل ِعق ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫«الرسول هنا» ال يحتمل معنى «الرسالة»‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬ه ۤ َ َ ۤ َ ه ُ َ َ ُ‬
‫ول ِهۦ ِم ۡن أ ۡه ِل ٱل ُق َر ٰى‬
‫﴿ما أفاء ٱَّلل عل ٰى َرس ِ‬
‫ۤ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ َُۢ َ ۡ َ ۡ ۤ‬ ‫ۡ ُ ۡ َ َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ َ ٰ‬ ‫َ ه َ ه ُ َ‬
‫یل ك ۡی ال َیكون ُدولة َب ۡين ٱألغ ِن َیا ِء ِمنك ۡم َو َما‬ ‫ه‬ ‫َ ۡ‬
‫ف ِلل ِه و ِللرسو ِل و ِل ِذی ٱلقرب ٰى وٱلیتـم ٰى وٱملسـ ِك ِين وٱب ِن ٱلس ِب ِ‬
‫َ َٰ ُ ُ ه ُ ُ َ ُ ُ ُ ََ َ ٰ ُ َۡ ُ َ َ ۟‬
‫ٱلرسول فخذوه وما ن َهىك ۡم عنه فٱنت ُهوا﴾ [الحشر‪]٧‬‬ ‫ءاتىكم‬
‫ّ‬
‫س‪ :‬يزعم البعض أن اتباع السنة شرك باهلل‪ ،‬فما الجواب؟‬

‫الجواب‪:‬‬

‫أ‪ -‬ألم يكن ترك الناس ‪ -‬إذن ‪ -‬بال قرآن أسلم لدينهم؟‬

‫ب‪ -‬هل تظن ‪ -‬يا من تزعم هذا ‪ -‬أن أمة محمد ﷺ تجتمع على الشرك باهلل‪ ،‬ثم ال يسلم منها إال طائفتكم‬

‫التي ليس فيها معروف بالفقه واإلمامة في الدين؟‬


‫َ‬
‫جـ‪ -‬و اقع األمر يثبت لنا أن النبي ﷺ تكلم بكثير من القضايا الدينية مما لم ُيذكر نصه في القرآن‪ ،‬فمن‬

‫أين جاء به؟ وما الغرض من قوله؟‬

‫إن قلتم يجتهد؛ قلنا‪ :‬هل سيقره هللا على الخطأ ‪ -‬لو أخطأ ‪-‬؟‬
‫ً‬
‫ألم يأمرنا سبحانه بالتأس ي به؟ فهل يكون َمن تأس ى به إال ممتثال لألمراإللهي؟‬
‫َ‬
‫حاالت املنكرين بعد أن ُيوقفوا على حقيقة قولهم ومآالته‪:‬‬

‫األولى‪ :‬تكذيب القرآن؛ ألن و اقع املسلمين من العهد النبوي معتمد في األحكام الشرعية األساسية على‬

‫تفصيل السنة وبيانها‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬الشك في القرآن؛ ألن عدم ذكر أهم حكم في اإلسالم (الصالة) فيه يتعارض ً‬
‫تماما مع فهمهم‬
‫َ‬ ‫ۡ َٰ‬ ‫ه َ َۡ‬
‫﴿ما ف هرطنا ِفی ٱل ِكتـ ِب ِمن ش ۡى ࣲء﴾ [األنعام ‪]٣٨‬‬ ‫لقول هللا‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫الثالثة‪ :‬أن يتناقضوا ّ‬


‫فيقروا بوجوب خمس صلوات مبررين ذلك بأن تحديدها جاء عن طريق التواتر‬

‫العملي وليس عن طرق السنة‪.‬‬


‫عمليا إال أن السؤال يبقى ً‬
‫قائما‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تواترا‬ ‫وهذا فيه تدليس؛ ألن الصلوات الخمس وإن كانت متواترة‬
‫َ‬ ‫ۡ َٰ‬ ‫ه َ َۡ‬
‫﴿ما ف هرطنا ِفی ٱل ِكتـ ِب ِمن ش ۡى ࣲء﴾؟‬ ‫عليهم‪ :‬هل عدم ذكرها في القرآن يتو افق مع فهمهم لقول هللا‬
‫ََ‬
‫األصل الثاني‪ :‬إشكاالت راجعة إلى نقلة السنة (رواة األحاديث)‪.‬‬
‫ممن حمل لواء الطعن في الصحابة َون َقلة السنة في العصرالحديث‪ :‬طائفة من املستشرقين‪َ ،‬‬
‫ومن تأثر‬

‫بهم‪.‬‬

‫والجواب من وجوه‪:‬‬

‫أ‪ -‬علم الجرح والتعديل هو امليزان في هذا الباب‪ ،‬وقد أثبتنا في هذا الكتاب موضوعيته وصحته‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب‪ -‬كثيرمن القصص التي طعن على الصحابة أو الرواة الثقات بسببها‪ ،‬ال تثبت من جهة اإلسناد‪.‬‬

‫جـ‪ -‬نحن في هذه الطعون بين قولين‪:‬‬


‫ّ‬
‫واملفسرين‪ ،‬الذين أجمعوا على عدالة الصحابة ‪-‬‬ ‫ّ‬
‫واملحدثين‬ ‫‪ -‬قول أهل السنة من العلماء والفقهاء‬

‫وليس على عصمتهم ‪ -‬واعتمدوا جملة الرواة املعدلين تحت مظلة علم الحديث‪.‬‬

‫‪ -‬قول غيرمتخصص في هذه العلوم‪.‬‬


‫ّ‬
‫فأیهم أحق بالتقديم؟‬
‫ّ‬
‫د‪ -‬كثيرمن الطعون في هؤالء الرواة تقفزعلى األصول وتتعلق باإلشكاالت‪ ،‬فإن تأسيس ثقة ر ٍاو أو جرحه‬

‫ال يكون باالنتقاء غير املنهجي من سيرته وأخباره‪ ،‬و إنما ببناء منهجي يعتمد على قواعد وضوابط الجرح‬

‫والتعديل‪.‬‬

‫األصل الثالث‪ :‬إشكاالت راجعة إلى تاريخ السنة وتدوينها‪.‬‬

‫نستطيع أن نرجع الشبهات في هذا الباب إلى أمرين‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ّ‬
‫يتعلق بالنهي عن كتابة السنة مما يدل على عدم ّ‬
‫حجيتها‪ ،‬والجواب من وجوه‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما‬
‫أ‪ -‬ال ابط بين النهي عن كتابة السنة وبين ّ‬
‫حج ّيتها‪ ،‬فالحجة ليست مرتبطة بقضية الكتابة فقط‪.‬‬ ‫ر‬

‫ب‪ -‬إن الذي نهى عن كتابة السنة هو الذي أمر بحفظها وتبليغها‪ ،‬ونهى عن ّرد ما زاد منها على القرآن‪،‬‬

‫كما في حديث األريكة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ُ‬
‫جـ‪ -‬النهي عن كتابة السنة قد قوبل بنصوص أخرى ترخص في كتابتها‪ ،‬وكل ماجاء في نصوص النهي عن‬

‫الكتابة ضعيف‪ ،‬إال حديث أبي سعيد الخدري‪« :‬ال تكتبوا عني‪ ،‬ومن كتب عني غير القرآن فليمحه‪،‬‬
‫ّ‬
‫وحدثوا عني وال حرج»(‪)1‬‬

‫س‪ :‬ما الجمع بين هذا الحديث وأحاديث الرخصة في الكتابة؟‬

‫الجواب‪ :‬ألهل العلم مسالك في ذلك‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫مرفوعا‪ ،‬والصواب فيه أنه موقوف على أبي سعيد الخدري‪ ،‬وإليه ذهب‬ ‫أ‪ -‬إن النهي عن الكتابة ال يصح‬

‫البخاري ‪ -‬رحمه هللا ‪.-‬‬

‫ب‪ -‬إن النهي عن الكتابة منسوخ بأحاديث الرخصة في الكتابة‪ ،‬وأن النهي عن الكتابة كان أول األمر‬

‫خشية اختالط السنة بالقرآن‪.‬‬


‫جـ‪ -‬إن النهي لم يكن عن الكتابة املفردة ّ‬
‫املفرقة‪ ،‬و إنما جاء عن التدوين العام‪.‬‬
‫ً‬
‫لفظا ًّ‬ ‫ّ‬
‫الحث على كتابة القرآن؛ ألنه ّ‬
‫ونصا؛‬ ‫متعبد بألفاظه وحروفه؛ فاحتيج إلى كتابته‬ ‫د‪ -‬وقيل‪ :‬قد وقع‬

‫بخالف السنة التي تجوزروايتها باملعنى بشروط وضوابط يذكرها أهل العلم‪.‬‬

‫هـ‪ -‬وقيل‪ :‬إن ذلك؛ إلبقاء سنة الحفظ التي كانت عند العرب‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬تأخر تدوينها‪ ،‬والجواب من وجوه‪:‬‬

‫أ‪ -‬التوثيق ال ينحصرفي الكتابة‪ ،‬ولذلك فإن توثيق القرآن لم ينحصر بالكتابة‪.‬‬

‫(‪« )1‬صحيح مسلم»‪.)3004( :‬‬

‫‪28‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫موجودا في العهد النبوي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬دعوى تأخيرالتدوين مطلقا غيردقيقة‪ ،‬فإن التدوين كان‬
‫جـ‪ -‬أن الرواة قد اعتنوا بالحفظ‪ ،‬ومالزمة الشيوخ‪ ،‬وضبط أحاديثهم‪ ،‬ثم جاء النقاد ّ‬
‫وميزوا بين الصحيح‬

‫والضعيف‪.‬‬
‫األصل الرابع‪ :‬إشكاالت راجعة إلى راويات بعينها ّ‬
‫لتوهم معارضتها ملا هو أرجح منها‪.‬‬

‫قبل ذكرأنواع اإلشكاالت وقواعد التعامل معها‪ ،‬ال بد من التنبيه على أمرين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ولكن‬ ‫قديما وحديثا‪،‬‬ ‫أ‪ -‬يغفل كثير من املستشكلين أن جل استشكاالتهم قد أجاب عنها أهل العلم‬

‫أكثرهم ال يقرؤون هذه الكتب‪ ،‬و إنما يكتفون بإيراد اإلشكاالت‪.‬‬


‫ّ‬
‫ب‪ -‬إن من الخطأ املنهجي ما يقع فيه بعض املتسرعين‪ ،‬من رد السنة كلها أو جلها؛ بسبب عدد من‬
‫الروايات التي استشكلوها‪ ،‬ويتركون آالف الروايات الصحيحة التي ال ُي ّ‬
‫توهم تعارضها مع ش يء مثلها‪،‬‬

‫أو أرجح منها‪.‬‬


‫النوع األول‪ّ :‬‬
‫توهم تعارض الحديث مع العقل‪.‬‬

‫وفيما يلي القواعد املنهجية في التعامل مع هذا النوع‪:‬‬


‫األولى‪ّ :‬‬
‫التثبت من صحة إسناد الرواية‪.‬‬
‫ُ ّ‬ ‫ً ً‬
‫فيتأكد من‬ ‫قطعا ‪ -‬لن ُيعارض العقل‪،‬‬
‫ثابتا عن رسول هللا ﷺ فإنه ‪ً -‬‬ ‫الثانية‪ :‬إن كان الحديث صحيحا‬

‫سالمة فهم الحديث‪.‬‬


‫ّ‬
‫بمجرد العقل‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬التفريق بين ما ُيخالف العقل‪ ،‬وبين ما ال ُيدرك‬

‫الرابعة‪ :‬إدراك اختالف األفهام‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫فما قد يراه الشخص الذي يعيش في عمق أدغال أفريقيا مخالفا للعقل‪ ،‬يراه غيره ممن نشأ وتقلب في‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫املدنية الحديثة من مقبوالت العقول‪ ،‬بل ّ‬
‫وربما من ُمسلماتها!‪.‬‬

‫الخامسة‪ :‬عند اختالف العقول في قبول حديث؛ فالحكم‪ :‬امليزان العلمي‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫النوع الثاني‪ :‬توهم تعارض الحديث مع القرآن‪.‬‬

‫وفيما يلي القواعد املنهجية في التعامل مع هذا النوع‪:‬‬


‫ّ‬
‫األولى‪ :‬التأكد من ثبوت الحديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫الثانية‪ :‬التأكد من داللة اآلية وتفسيرها‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬مراجعة كتب شروح السنة ملعرفة معنى الحديث‪ ،‬وتوجيهه‪ ،‬و أقوال أهل العلم فيه‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬الرجوع إلى قواعد التعارض بين األدلة‪ ،‬ومن هذه القواعد‪:‬‬
‫ً‬
‫ّأوال‪ :‬الجمع بين الدليلين على مقتض ى السياقات اللغوية‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬ثم النظرفي النسخ؛ إن لم يمكن الجمع‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬ثم التوقف إن لم يمكن الجمع ولم يثبت النسخ‪.‬‬
‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬يعمد بعض أهل العلم بعد ما سبق إلى ترجيح القرآن على الحديث؛ ألنه أقوى من جهة الثبوت‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحس أو العلوم الطبيعية والتطبيقية‬ ‫النوع الثالث‪ّ :‬‬
‫توهم تعارض الحديث مع‬

‫وفيما يلي القواعد املنهجية في التعامل مع هذا النوع‪:‬‬

‫األولى‪ :‬التأكد من ثبوت الحديث‪.‬‬


‫ّ‬
‫الثانية‪ :‬التأكد من داللة النص ومعناه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الثالثة‪ :‬التأكد من حقيقة القول العلمي وثبوته‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ّ :‬‬
‫توهم تعارض األحاديث الصحيحة بين بعضها‪.‬‬

‫والقواعد التي تندرج تحت هذا النوع ال تخرج عن القواعد املذكورة فيما سبق‪.‬‬

‫األصل الخامس‪ :‬إشكاالت راجعة إلى طريقة نقل السنة وإلى علم الحديث‪.‬‬

‫وتعود اإلشكاالت في هذا األصل إلى عدد من األمور‪ ،‬أبرزها اثنان‪:‬‬


‫ُ‬ ‫األول‪ :‬التقليل من وثوقية نقل اآلحاد‪ّ ،‬‬
‫ورد جمهورأحاديث السنة ألنها نقلت كذلك‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫والجواب من وجوه‪:‬‬

‫أ‪ -‬قائل هذا القول ال ينضبط مع قوله من الناحية العملية‪ ،‬فإنه يستدل بأخبار اآلحاد حين حاجته‬

‫إليها‪.‬‬
‫ّ‬
‫يحتجون‬ ‫ب‪ -‬حصر قبول األخبار النبوية في التواتر أمر مبتدع في دين هللا سبحانه‪ ،‬فهؤالء الصحابة‬
‫ً‬
‫متواترا‪،‬‬ ‫باآلحاد ويقيمون دينهم واعتقادهم عليه‪ ،‬ولم نجد ً‬
‫أحدا منهم اشترط لقبول األخبار أن يكون‬
‫يدل على الحاجة للتثبت‪ ،‬ولكنه ال يجعل ّ‬
‫التثبت‬ ‫نعم‪ ،‬قد ّ‬
‫يتثبت بعضهم في الرواية إذا قام في قلبه ما ّ‬
‫ً‬
‫مرتبطا بعدد التواتر‪.‬‬
‫ّ‬
‫جـ‪ -‬سيرة النبي ﷺ وسنته العملية تدل على االحتجاج بأخبار اآلحاد في سائر أبواب الدين؛ في العقائد‬

‫واألعمال وغيرها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬


‫‪ -‬بعث النبي ﷺ ً‬
‫آحادا من أصحابه إلى األقطار؛ ليقيموا الحجة على الخلق‪ ،‬فيبعثهم بأصل الدين كله‪،‬‬

‫وليس باألحكام العملية فقط‪ ،‬ولو كان خبرهم ال تقوم به الحجة ملا أرسلهم‪.‬‬

‫د‪ -‬أن الصحابة كانوا يبنون أحكام الشرع على أخباراآلحاد‪.‬‬


‫ُ‬
‫هـ‪ -‬أن املسلمين أجمعوا على بعض األحكام العملية‪ ،‬التي إنما نقلت إلينا من طريق اآلحاد‪.‬‬

‫و‪ -‬أن العلماء أجمعوا على األخذ بخبراآلحاد‪.‬‬


‫َ َ َ ٰ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ُّ ُ َ‬
‫وه ِإلى‬‫ز‪ -‬االستدالل بنصوص القرآن التي تدل على شمولية السنة كقول هللا‪﴿ :‬ف ِإن تنـزعتم ِفی ش ى ࣲء فرد‬
‫ُ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ ه َ ۡ َ ۡ ۡ َٔ َ ٰ َ َ ۡ َ ۡ ُ َ ۡ ً‬ ‫ه‬
‫اخ ِرذ ۚ ِلك خي ࣱر َوأح َسن تأ ِویال﴾ [النساء ‪]٥٩‬‬ ‫ٱَّلل َو ه ُ‬
‫ٱلرسو ِل ِإن كنتم تؤ ِمنون ِب ِ‬
‫ٱَّلل وٱلیو ِم ٱلـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫ووجه الداللة من اآلية‪ :‬أن املرجع في فصل النزاع ال بد أن يكون شامال ألمورالنزاع‪ ،‬وهذا ما ال نجده في‬

‫السنة املتواترة‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫الثاني‪ :‬التشكيك في صحة «صحيح البخاري»‪ّ ،‬‬
‫ورد ما فيه تعلقا بعدم الثقة بمنهجه ومنهج املحدثين‪،‬‬
‫ً‬
‫معصوما»‪.‬‬ ‫ويقولون مبررين طعونهم‪« :‬إن البخاري ليس‬

‫‪31‬‬
‫ملخص كتاب «أيف السنة شك»‬

‫ً‬
‫جميعا أن البخاري ليس بمعصوم‪ ،‬وقيمة صحيحه ليست راجعة إلى شخصه فقط‪،‬‬ ‫والجواب‪ :‬أننا نعلم‬
‫ّ‬
‫بل إن صحيحه اكتسب مكانته من مجموع خمسة أمور‪:‬‬

‫أ‪ -‬إمامة جامعه‪.‬‬


‫منهجيا ً‬
‫علميا في جميع أحاديثه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ب‪ -‬أنه طبق‬

‫جـ‪ -‬شهادة أهل االختصاص لعمله بإتقان‪.‬‬


‫ُه‬
‫الحفاظ لعمله وتسجيل مالحظاتهم ونقدهم‪.‬‬ ‫د‪ -‬مراجعة‬

‫هـ‪ -‬قبول األمة لعمله‪.‬‬

‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‬

‫وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫‪32‬‬

You might also like