You are on page 1of 11

‫النوع الخامس والستون‬

‫في العلوم المستنبطة من القرآن‬

‫قال تع الى‪ :‬ﵟَّم ا َفَّر ۡط َنا ِفي ٱۡل ِكَٰت ِب ِم ن َش ۡي ٖۚء ﵞ‪[ 1‬األنع ام‪ ،]38:‬وق ال تع الى‪:‬‬
‫ﵟَو َنَّز ۡل َنا َع َلۡي َك ٱۡل ِك َٰت َب ِتۡب َٰي ٗن ا ِّلُك ِّل َش ۡي ٖء ﵞ‪[ 2‬النحل‪.]89:‬‬

‫وقال ﷺ‪(( :‬ستكون فتن))‪ ،‬قيل‪ :‬وما المخرج منه ا؟ ق ال‪(( :‬كت اب هللا‪ ،‬في ه نب أ م ا‬
‫قبلكم‪ ،‬و خبر ما بعدكم‪ ،‬وحكم ما بينكم ))‪ .‬أخرجه الترمذّي و غيره‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور‪ ،‬عن ابن مسعود قال‪(( :‬من أراد العلم فعليه ب القرآن‪ ،‬فإن ه خ بر‬
‫األولين واآلخرين)) قال البيهقّى ‪ :‬يعني أصول العلم‪.‬‬
‫وأخ رج ال بيهقى عن الحس ن‪ ،‬ق ال أن زل مائ ة وأربع ة كتب‪ ،‬أودع علومه ا أربع ة منه ا‪:‬‬
‫الـتوراة‪ ،‬واإلنجيل والفرقان‪ ،‬ثم أودع علوم الثالثة الفرقان‪.‬‬
‫وقال اإلمام الشافعى رضي هللا عنه‪ :‬جميع ما تقول األمة شرح للسنة‪ ،‬وجميع السنة شرح‬
‫للقرآن‪.‬‬
‫وقال أيًض ا‪ :‬جميع ما حكم به النبى ﷺ‪ ،‬فهو فهمه من القرآن‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويؤيد هذا قوله ﷺ‪(( :‬إّني ال أِح ّل إاَّل ما أحّل هللا‪ ،‬وال أحِّر م إاَّل ما ح ّر م هللا في‬
‫كتابه))؛ أخرجه بهذا اللفظ الشافعّى في األم‪.‬‬

‫ﵟَّم ا َفَّر ۡط َناﵞ تركنا ﵟِفي ٱۡل ِكَٰت ِبﵞ اللوح المحفوظ ﵟِم نﵞ زائدة‬ ‫‪1‬‬

‫ﵟ َش ۡي ٖۚء ﵞ فلم نكتبه‪( .‬تفسير الجاللين‪ ،‬ص ‪)116‬‬


‫قول ه (اللوح المحف وظ) أى من الش يطان‪ ،‬ومن التغيير‪ ،‬والتبديل‪ ،‬وه و من درة البيضاء فوق‬
‫السماء السابعة‪ ،‬طوله ما بين السماء واألرض وعرض ه م ا بين المش رق والمغ رب‪ ،‬فحيث أري د‬
‫بالكتاب اللوح المحفوظ‪ ،‬فالعموم ظاهر‪ ،‬فإن فيه تبيان كل شيء ما كان وما يكون وما ه و ك ائن‪،‬‬
‫وقيل المراد بالكتاب القرآن‪،‬وعليه فالمراد بقوله ﵟَّم ا َفَّر ۡط َنا ِفي ٱۡل ِكَٰت ِب ِم ن َش ۡي ٖۚء ﵞ‬
‫يحتاج إليه الخلق فى أمورهم (حاشية الصاوى للعالمة الفقيه أحم د بن محم د الخلواتي الص اوي‬
‫المصري المالكي‪ ،‬المتوفى عام ‪ 1241‬ﻫ ص )‬

‫‪ 2‬قوله‪ :‬ﵟِتۡب َٰي ٗن اﵞ أى بياًنا شافًيا بليًغ ا‪ ،‬ألن زيادة البناء‪ ،‬تدل على زيادة المعنى‪ .‬قوله‪:‬‬
‫ﵟ ِّلُك ِّل َش ۡي ٖء ﵞ محت اج إليه من أم ر الش ريعة‪ .‬إن قلت‪ :‬إن ا نج د كث يًرا من أحكام‬
‫الشريعة‪ ،‬لم يعلم من القرآن تفصياًل ‪ ،‬كعدد الركعات الصالة‪ ،‬ونصاب الزك اة وغ ير ذل ك‪ ،‬فكيف‬
‫يق ول هّللا تبياًن ا لكل شيء؟ أجيب‪ :‬ب أن البيان‪ ،‬إم ا فى ذات الكت اب‪ ،‬أو بإحالت ه على الس نة‪ ،‬أو‬
‫اإلجماع أو القياس‪( .‬حاشية الصاوى ص ‪.)285‬‬
‫و قال سعيد بن جبير‪ :‬م ا بلغ ني ح ديث عن رس ول هّللا ﷺ على وجه ه إاّل وج دت‬
‫مصادقه في كتاب هّللا ‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتص ديقه من كت اب هّللا تع الى؛ أخرجهم ا ابن‬
‫أبى حاتم‪.‬‬
‫وقال اإلمام الشافعّى أيًضا‪ :‬ليست تنزل بأحٍد فى ال دين نازل ة إاّل فى كت اب هّللا ال دليل على‬
‫سبيل الهدى فيها‪ ،‬فإن قيل‪ :‬من األحكام ما ثبت إبتداء بالسّنة‪ ،‬قلنا ذلك م أخوذ من الكت اب هّللا‬
‫الحقيقة؛ ألن كتاب هّللا أوجب علينا اّتباع الرسول ﷺ‪ ،‬وفرض علينا األخذ بقوله‪.‬‬

‫وقال الشافعّى مرة بمكة‪ :‬سلونى عّم ا شئتم أخبركم عنه فى كتاب هّللا فقيل له‪ :‬م ا تق ول فى‬
‫المحرم يقتل الزنبور؟ فقال‪ِ :‬بۡس ِم ٱِهَّلل ٱلَّر ۡح َٰم ِن ٱلَّر ِح يِم ﵟَو َم ٓا َء اَتٰى ُك ُم ٱلَّرُسوُل َفُخ ُذ وُه َو َم ا‬
‫َنَهٰى ُك ۡم َع ۡن ُه َفٱنَتُهوْۚا ﵞ‬
‫وحدثنا سفيان بن عيينة‪ ،‬عن عبد الملك بن عم ير‪ ،‬عن ربعّى بن ِح راش‪ ،‬عن ُحذيف ة ابن‬
‫اليمان‪ ،‬عن النبّى ﷺ أنه قال‪(( :‬اقتدوا باللَذ ْين من بعدى‪ :‬أبو بكر و عمر))‬

‫وحدثنا سفيان‪ ،‬عن مسعر بن ِكدام‪ ،‬عن قيس بن مسلم‪ ،‬عن طارق بن شهاب‪ ،‬عن عمر‬
‫بن الخطاب‪ :‬أنه أمر بقتل المحرم الزنبور‬
‫و أخ رج البخ ارّى‪ ،‬عن ابن مس عود‪ ،‬أن ه ق ال‪(( :‬لعن هّللا الواِش مات‪ ،‬و المتوّش مات‪،‬‬
‫المتنّم صاد‪ ،‬و المتفّلجات للحسن‪ ،‬المغّيرات خْلق هّللا تعالى))؛ فبلغ ذلك ام رأة من ب نى أس د‪،‬‬
‫فقالْت له‪ :‬إنه بلغنى أنك كيت و كيت! و م ا لى ال ألعن َم ْن لعن رس ول هّللا ﷺ‪ ،‬و ه و‬
‫فى كتاب هّللا تعالى! فقالت‪ :‬لقد قرأت بين الّلوحين فما وجدت فيه كم ا تق ول؛ ق ال‪ :‬لئن كنت‬
‫ا َن ٰى ُك ۡم ۡن َفٱنَتُهوْۚا‬
‫قرأتيه لقد وجدِتيه‪ ،‬أم ا ق رأت‪ :‬ﵟَو َم ٓا َء اَتٰى ُك ُم ٱلَّرُسوُل َفُخ ُذ وُه َو َم َه َع ُه‬
‫ﵞ! قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فإنه قد نهى عنه‬
‫حكى ابن ُس َر اقة فى كتاب اإلعجاز‪ ،‬عن بكر بن مجاهد‪ ،‬أنه قال يوًم ا‪ :‬ما شىء فى الع الم‬
‫إاّل هو فى كتاب هّللا ‪ ،‬فقيل له‪ :‬فأين ذكر الخانات فيه؟ فقال فى قوله‪ :‬ﵟَّلۡي َس َع َلۡي ُك ۡم ُجَناٌح‬
‫َأن َتۡد ُخ ُلوْا ُبُيوًتا َغ ۡي َر َم ۡس ُك وَنٖة ِفيَها َم َٰت ‪ٞ‬ع َّلُك ۚۡم ﵞ [النور‪ ]29:‬فهى الخانات‪.‬‬
‫قال ابن بّر جان‪ :‬ما قال النبّى ﷺ من شىء فهو فى القرآن به أو فيه أصله‪ ،‬قُرب أو‬
‫بُعد‪ ،‬فِهمه من فهمه‪ ،‬و عمه من عمه‪ ،‬و كذا كّل ما حكم أو قضى‪ ،‬و إنم ا ي درك الط الب من‬
‫ذلك بقدر اجتهاده‪ ،‬و بذل وسعه‪ ،‬و مقدار فهمه‪.‬‬
‫و قال غيره‪ :‬ما من شىء ااّل يمكن استخراجه من القرآن لمن فّهمه هّللا ‪ ،‬حتى إن بعضهم‬
‫استنبط عمر الن بّى ﷺ ثالًث ا وس تين س نة من قول ه فى س ورة المن افقون‪ :‬ﵟَو َلن‬
‫ُيَؤ ِّخ َر ٱُهَّلل َنۡف ًسا ِإَذ ا َج ٓاَء َأَج ُلَهۚا ﵞ [المنافقون‪ ]11:‬فإنها رأس ثالث وستين سورة‪ ،‬و عّقبها‬
‫بالتغابن ليظهر التغابن فى فقده‪.‬‬
‫وقال ابن أبى الفضل المرسّى فى تقسيره‪ :‬جمع القرآن علوَم األَّو لين واآلخ رين‪ ،‬بحيث لم‬
‫ُيِح ط به ا علًم ا حقيق ة إاَّل المتكِّلم به ا ثم رس وُل هّللا ﷺ‪ ،‬خال م ا اس تأثر ب ه س بحانه‬
‫وتعالى؛ ثم ورث ذلك عنه معظم الس اداُت الص حابة‪ ،‬وأعالُم هم‪ ،‬مث ل الخلف اء األربع ة وابن‬
‫مسعود وابن عباس‪ ،‬حتى قال‪ :‬لو ضاع لى ِع قال بعير لوجدته فى كتاب هّللا تع الى‪ ،‬ثم ورث‬
‫عنهم التابعون بإحسان‪ ،‬ثم تقاصرت الهمم‪ ،‬وَفَترت العزائم‪ ،‬وتضاءل أهل العلم‪ ،‬وضعفوا ما‬
‫حمل من حمله الص حابة والت ابعون من علوم ه‪ ،‬وس ائر فنون ه‪ ،‬فاعتنى ق وم بضبط لغات ه‬
‫وتحرير كلماته‪ ،‬ومعرفة مخ ارج حروفه وعددها‪ ،‬وعدد كلمات ه وآيات ه وس وره وأحزاب ه‬
‫وأرباعه‪ ،‬وعدد س جداته‪ ،‬و تعليم عن د ك ل عش ر آي ات‪ ،‬إلى غ ير ذل ك من حص ر الكلم ات‬
‫المتشابهات‪ ،‬واآلي ات المتماثلة؛ من غ ير تع رض لمعان ه‪ ،‬وال ت ّد بر لم ا أودع فيه‪ ،‬فس ّم وا‬
‫القراء‪.‬‬
‫واعت نى النح اة ب المعرب والمبنّى من األس ماء واألفع ال والح روف العاملة وغيره ا‪،‬‬
‫وأوسعوا الكالم فى األسماء وتوابعه ا وض روب األفع ال‪ ،‬والالزم والمتع ّد ى‪ ،‬ورس وم خ ط‬
‫الكلمات‪ ،‬وجميع ما يتعلق به؛ حتى إن بعضهم أعرب مشكله‪ ،‬وبعضهم أعربه كلمة كلمة‪.‬‬
‫واعتنى المفس رون بألفاظ ه‪ ،‬فوج دوا من ه لفظ ا ي دل على مع نى واح د‪ ،‬ولفظ ا ي دل على‬
‫معن يين‪ ،‬ولفظ ا ي دل على أك ثر‪ ،‬فأجر األول على حكم ه‪ ،‬وأوض حوا مع نى الخفّى من ه‪،‬‬
‫وخاضوا فى ترجيح أحد محتمالت ذى المعنيين والمعانى‪ ،‬و أعمل كل منهم فكره‪ ،‬وقال بم ا‬
‫اقتضاه نظره‪.‬‬
‫واعتنى األصوليون بما فيه من األدل ة العقليه والش واهد األص لية والنظري ة‪ ،‬مث ل قول ه‬
‫تعالى‪ :‬ﵟَلۡو َك اَن ِفيِهَم ٓا َء اِلَهٌة ِإاَّل ٱُهَّلل َلَفَس َد َتۚا ﵞ [األنبياء‪ ،]22:‬إلى غير ذلك من اآليات‬
‫الكثيرة‪ ،‬فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية هّللا ووجوده وبقاءه‪ ،‬وقدمه وقدرت ه وعلم ه وتنزي ه‬
‫عما ال يليق به‪ ،‬وسّم وا هذا العلم بأصول الدين‪.‬‬
‫وت أّم لت طائف ة منهم مع انى خطاب ه‪ ،‬فرأت منه ا م ا يقتضى العم وم‪ ،‬ومنهم م ا يقتضى‬
‫الخصوص‪ ،‬إلى غير ذل ك‪ ،‬فاس تنبطوا من ه أحكام اللغ ة من الحقيق ة والمج از‪ ،‬وتكلم وا فى‬
‫التخصيص واإلخبار‪ ،‬و النّص و الظاهر‪ ،‬والمجم ل والمحكم والمتش ابه‪ ،‬واألم ر والنهى‪ ،‬و‬
‫النسخ‪ ،‬إلى غير ذلك من أنواع األقيسة واإلستقراء‪ ،‬وسّم وا هذا الفّن أصول الفقه‪.‬‬
‫وأحكمت طائف ة ص حيح النظ ر و ص ادق الفكر‪ ،‬فيم ا فيه من الح رام و الحالل وس ائر‬
‫األحكام‪ ،‬فأسموا أصوله‪ ،‬وفرعو فروعه‪ ،‬وبسطوا القول فى ذلك بس طا حس نا‪ ،‬و س ّم وه بعلم‬
‫الفروع و بالفقه أيًضا‪.‬‬
‫وتلّم حت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة واألمم الخالية‪ ،‬ونقلوا أخبارهم‪ ،‬ودّو ن وا‬
‫آثارهم ووقائعهم‪ ،‬حتى ذكروا بدء الدنيا وأّو ل األشياء‪ ،‬وسّم وا ذلك بالتاريخ والقصص‪.‬‬
‫وتنّبه آخرون لما فيه من الحكم واألمث ال والمواعظ‪ ،‬ال تى تقلق ل قلوب الرج ال‪ ،‬و تكاد‬
‫تدكدك الجبال‪ ،‬فاستنبطوا مم ا فيه من الوعد والوعيد‪ ،‬والتح ذير والتبش ير؛ وذك ر الم وت‬
‫والمعاد‪ ،‬والنشر والحشر والحساب‪ ،‬والعقاب‪ ،‬والجنة والنار فصواًل من المواعظ‪ ،‬وأص واًل‬
‫من الزواجر؛ فسّم وا بذلك الخطباء والوّع اظ‪.‬‬
‫واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير؛ مثل ما ورد فى قصة يوسف فى البقرات السمان‪،‬‬
‫وفى منامّى صاحبى الس جن‪ ،‬وفى رؤي اه الش مس والقم ر والنج وم س اجدة‪ ،‬وس ّم وه تعبير‬
‫الرؤيا‪ .‬واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب؛ فإن عّز عليهم إخراجه ا من ه فمن الس ّنة ال تى‬
‫هى شارحة للكت اب؛ فإن عس ر فمن الحكم واألمث ال‪ ،‬ثم نظ روا إلى اص طالح الع وام فى‬
‫مخاطباتهم‪ ،‬وعرف عاداتهم الذى أشار إليه الق رآن بقول ه‪ :‬ﵟَو ۡأ ُم ۡر ِبٱۡل ُع ۡر ِف ﵞ‬
‫[األعراف‪.]199:‬‬
‫وأخذ قوم مم ا فى آي ة الم وارث من ذك ر الس هام وأربابه ا‪ ،‬وغ ير ذل ك علم الف رائض‪،‬‬
‫واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث و الربع والثمن حس اب الف رائض‪ ،‬ومس ائل الع ول‪،‬‬
‫واستخرجوا منه أحكام الوصايا‬
‫ونظر قوم إلى ما فيه من اآليات ال دااّل ت على الحكم الباهرة فى الليل والنه ار‪ ،‬والش مس‬
‫والقمر ومنازله‪ ،‬والنجوم والبروج وغير ذلك‪ ،‬فاستخرجوا منه علم المواقيت‪.‬‬
‫ونظر الكّتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن الس ياق‪ ،‬والمبادئ‬
‫والمقاطع والمخالص‪ ،‬والتلوين فى الخطاب‪ ،‬واإلطناب واإليجاز وغير ذلك‪ ،‬فاستنبطوا من ه‬
‫المعانى والبيان والبديع‪.‬‬
‫ونظر فيه أرباب اإلشارات وأصحاب الحقيقة‪ ،‬فالح لهم من الفاظه معاٍن ودقائق جعلوا لها‬
‫أعالًم ا اص طلحوا عليه ا‪ ،‬مث ل الفن اء‪ ،‬والبق اء‪ ،‬والحضور‪ ،‬والخ وف‪ ،‬والهيبه‪ ،‬واألنس‪،‬‬
‫واوحشة‪ ،‬والقبض‪ ،‬والبسط‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬هذه الفنون أخذتها المّلة اإلسالمية منه‪.‬‬

‫‪...‬‬
‫وقد احتوى على علوم أخرى من علوم األواخر؛ مثل الطّب ‪ ،‬والجدل‪ ،‬والهيئة‪ ،‬والهندس ة‪،‬‬
‫والجبر والمقابلة‪ ،‬والنجامة وغير ذلك؛ أما الطّب فمداره على حفظ نظ ام الص حة واس تحكام‬
‫القّو ة؛ وذلك إنما يكون باعتدال الم زاج بتفاعل الكيفّي ات المتضادة‪ ،‬وق د جم ع ذل ك فى آي ة‬
‫واحدة وهى قوله تعالى‪ :‬ﵟَو َك اَن َبۡي َن َٰذ ِلَك َقَو اٗم اﵞ [الفرقان‪ ،]67:‬وعّرفنا فيه بما يعيد‬
‫نظام الصحة بعد اختالفه‪ ،‬وحدوث الشفاء للبدن بع د اعتالل ه فى قول ه تع الى‪ :‬ﵟَش َر ا‪ٞ‬ب‬
‫ُّم ۡخ َتِل ٌف َأۡل َٰو ُن ۥُه ِفيِه ِش َفٓا‪ٞ‬ء ِّللَّناِۚس ﵞ [النح ل‪ ]69:‬ثم زاد على طّب األجس ام بطّب القلوب‬
‫وشفاء الصدور‪.‬‬
‫وأما الهيئة ففى تضاعيف سوره‪ ،‬من اآليات التى ذك ر فيه ا ملكوت الس ماوات واألرض‪،‬‬
‫وما بّث فى العالم العلوّى والسفلّى من المخلوقات‪.‬‬
‫وأم ا الهندس ة ففى قول ه‪ :‬ﵟٱنَطِلُقٓو ْا ِإَلٰى ِظ ّٖل ِذ ي َثَٰل ِث ُش َع ٖب ﵞ [المرس الت‪:‬‬
‫‪ ]30‬اآلية‪.‬‬
‫وأم ا الج دل فق د ح وت آيات ه من ال براهين‪ ،‬والمق دمات‪ ،‬والنت ائج‪ ،‬والق ول ب الموجب‬
‫والمعارضة‪ ،‬وغير ذلك شيًئا كثيًرا‪ ،‬ومناظرة إبراهيم نمروذ ومحاّجته قوم ه أص ٌل فى ذل ك‬
‫عظيم‪.‬‬
‫وأما الجبر والمقابلة‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إن أوائل السور فيها ذكر ُم دد وأعوام وأياٍم لت واريخ أمم‬
‫سالفة‪ ،‬وإن فيها تاريخ بقاء هذه األمة‪ ،‬وتاريخ مدة أيام الدنيا وما مضى وم ا بقى‪ ،‬مضروب‬
‫بعضها فى بعض‪.‬‬
‫وأما النجامة ففى قوله‪ :‬ﵟَأۡو َأَٰث َر ٖة ِّم ۡن ِع ۡل ٍم ﵞ [األحقاف‪ ،]4:‬فقد فّس ره ب ذلك ابن‬
‫عباس‪.‬‬

‫***‬
‫وفى أصول الصنائع وأسماء اآلالت التى تدعو الضرورة إليها‪:‬‬
‫كالخياطة فى قوله‪ :‬ﵟَو َطِفَقا َيۡخ ِص َفاِن ﵞ [األعراف‪.]22:‬‬
‫والحدادة ﵟَء اُتوِني ُز َبَر ٱۡل َحِد يِۖد ﵞ [الكهف‪ ،]96:‬ﵟَو َأَلَّنا َلُه ٱۡل َح ِد يَد ﵞ [سبأ‪:‬‬
‫‪ ]10‬اآلية‪.‬‬

‫والنجارة ﵟَو ٱۡص َنِع ٱۡل ُفۡل َك ِبَأۡع ُيِنَنا ﵞ [هود‪.]37:‬‬

‫والغزل ﵟَنَقَض ۡت َغ ۡز َلَهاﵞ [النحل‪.]92:‬‬


‫والنسج ﵟَك َم َثِل ٱۡل َع نَك ُبوِت ٱَّتَخ َذ ۡت َبۡي ٗت ۖا ﵞ [العنكبوت‪.]41:‬‬

‫والفالحة ﵟَأَفَر َء ۡي ُتم َّم ا َتۡح ُر ُثوَن ﵞ [الواقعة‪ ]63:‬اآليات‪.‬‬

‫والصيد فى آيات‪:‬‬
‫والغ وص ﵟُك َّل َبَّنٓاٖء َو َغ َّو اٖص ﵞ [ص‪ ]37:‬ﵟَو َتۡس َتۡخ ِر ُجوْا ِم ۡن ُه ِح ۡل َيٗة ﵞ‬
‫[النحل‪]14:‬‬
‫والصياغة ﵟَو ٱَّتَخ َذ َقۡو ُم ُم وَس ٰى ِم ۢن َبۡع ِدِهۦ ِم ۡن ُح ِلِّيِهۡم ِع ۡج اٗل َج َس ٗد اﵞ [األعراف‪]148:‬‬

‫والزجاج ة ﵟَص ۡر ‪ٞ‬ح ُّم َم َّر ‪ٞ‬د ِّم ن َقَو اِر يَۗر ﵞ [النم ل‪ ]44:‬ﵟٱۡل ِم ۡص َباُح ِفي‬
‫ُز َج اَج ٍۖة ﵞ [النور‪.]35:‬‬
‫والفخارة ﵟَفَأۡو ِقۡد ِلي َٰي َٰه َٰم ُن َع َلى ٱلِّطيِن ﵞ [القصص‪.]38:‬‬

‫والمالحة ﵟَأَّم ا ٱلَّس ِفيَنُة‪...‬ﵞ [الكهف‪ .]79:‬اآلية‪.‬‬


‫والكتابة ﵟَع َّلَم ِبٱۡل َقَلِم ﵞ [العلق‪.]4:‬‬

‫والخبز ﵟَأۡح ِم ُل َفۡو َق َر ۡأ ِس ي ُخۡب ٗز اﵞ [يوسف‪.]36:‬‬


‫والطبخ ﵟِبِع ۡج ٍل َحِنيٖذ ﵞ [هود‪.]69:‬‬

‫والغسل والقصارة ﵟَو ِثَياَبَك َفَطِّهۡر ﵞ [المدثر‪ ،]4:‬قال‪ :‬الحوارّيون‪ ،‬هم القاصرون‪.‬‬
‫والجزارة ﵟِإاَّل َم ا َذَّك ۡي ُتۡم ﵞ [املائدة‪.]3:‬‬

‫والبيع والشراء فى آيات‪:‬‬


‫والصبغ ﵟِص ۡب َغ َة ٱِهَّللﵞ [البقرة‪ ،]138:‬ﵟُجَد ُۢد ِبي‪ٞ‬ض َو ُحۡم ‪ٞ‬ر ﵞ [فاطر‪.]27:‬‬

‫والحجارة ﵟَو َتۡن ِح ُتوَن ِم َن ٱۡل ِج َباِل ُبُيوٗت ا ﵞ [الشعراء‪.]149:‬‬

‫والكيال ة وال وزن فى آي ات‪ ،‬وال رمى ﵟَو َم ا َر َم ۡي َت ِإۡذ َر َم ۡي َت ﵞ [األنف ال‪،]17:‬‬
‫ﵟَو َأِع ُّد وْا َلُهم َّم ا ٱۡس َتَطۡع ُتم ِّم ن ُقَّو ٖة ﵞ [األنفال‪.]60:‬‬

‫***‬
‫وفيه من أسماء اآلالت‪ ،‬وضروب المأكوالت والمشروبات والمنكوح ات وجمي ع م ا وق ع و‬
‫يقع فى الكائنات ما يحقق معنى قوله‪ :‬ﵟَّم ا َفَّر ۡط َنا ِفي ٱۡل ِكَٰت ِب ِم ن َش ۡي ٖۚء ﵞ [األنعام‪:‬‬
‫‪ .]38‬انتهى كالم المرسى ملّخ ًصا‪.‬‬
‫وقال ابن سراقة‪ :‬من بعض وجوه إعجاز القرآن ما ذكر هّللا فيه من أعداد الحساب والجم ع‬
‫والقسمة و الضرب‪ ،‬والموافق ة‪ ،‬والت أليف‪ ،‬والمناس بة‪ ،‬والتص نيف‪ ،‬والمضاعفة‪ ،‬ليعلم أه ل‬
‫العلم بالحس اب أن ه ﷺ ص ادق فى قول ه‪ ،‬وأن الق رآن ليس من عن ده؛ إْذ لم يكن ممن‬
‫خالَط الفالسَفة‪ ،‬وال تلَّقى الحساب وأهل الهندسة‪.‬‬
‫وق ال الغ ارب‪ :‬إن هّللا تع الى كم ا جع ل نبّو ة النبيين بنبّين ا محم د ﷺ مختتم ة‪،‬‬
‫وشرائعهم بشريعته من وجه منتسَخ ة‪ ،‬و من وجه مكّم لة متِّم م ة‪ ،‬وجع ل كتاب ه الم نّز ل عليه‬
‫متضّم ًنا لثمرة كتبه التى أوالها أولئك‪ ،‬كما نّبه عليه بقوله‪ :‬ﵟَيۡت ُلوْا ُصُح ٗف ا ُّم َطَّهَر ٗة ‪ِ ٢‬فيَها‬
‫ُكُت‪ٞ‬ب َقِّيَم ‪ٞ‬ة ﵞ [البين ة‪ ،]2،3:‬وجع ل من معج زة ه ذا الكت اب أن ه م ع قلة الحجم متضمن‬
‫للمعنى الجّم ‪ ،‬بحيث تقصر األلباب البشرية عن إحص ائه‪ ،‬واآلالت الدنيوي ة عن اس تفائه كم ا‬
‫نّبه عليه بقوله‪ :‬ﵟَو َلۡو َأَّنَم ا ِفي ٱَأۡلۡر ِض ِم ن َش َجَرٍة َأ ‪ٞ‬م َو ٱ َبۡح ُر َيُم ُّد ُهۥ ِم ۢن َبۡع ِدِهۦ َس ۡب َع ُة َأۡب ُح ٖر‬
‫ۡق َٰل ۡل‬
‫َّم ا َنِفَد ۡت َك ِلَٰم ُت ٱِۚهَّلل ﵞ [لقمان‪ ،]27:‬فهو و إن كان اليخلو للناظر فيه من نوٍر ما يريه ونفٍع‬
‫ما يوله‪.‬‬
‫يهِد ى إلى عينْيك نوًرا ثاقًبا‬ ‫كالبْد ر من حيث التفّت رأيَته‬
‫يغشى البالد مشارًقا ومغارًبا‬ ‫كالشمس فى كِبِد السماء وضوءها‬
‫وأخرج أبو نعيم وغيره‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم‪ ،‬قال‪ :‬قيل لموسى عليه الس الم‪:‬‬
‫يا موسى؛ إنما مثل ِكتاب أحمد فى الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن؛ كلما مخضته أخرجت زبدته‪.‬‬
‫وقال القاضى أبو بكر بن العربّى فقانون التأويل‪ :‬علوم القرآن خمسون علًم ا وأربعمائة‬
‫علم‪ ،‬وسبعون آال فعلم‪،‬على عدد كلم القرآن‪ ،‬ومضروبة فى أربعة‪ ،‬إْذ لكِّل كلمة ظهر وبطن‪،‬‬
‫وحّد ومطلع‪ ،‬هذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينها من روابط‪ ،‬هذا ما ال يحَص ى‪ ،‬وم ا ال‬
‫يعلمه اال هّللا ‪ .‬وأّم ا علوم القرآن فثالثة‪ :‬توحيد وت ذكير وأحكام؛ فالتوحيد ي دخل فيه معرفة‬
‫المخلوقات‪ ،‬و معرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله‪ ،‬والتذكير منه الوعد والوعيد‪ ،‬والجّن ة‬
‫والناروتصوية الظاهر والباطن‪ ،‬واألحكام‪ :‬منه ا التكاليف كّله ا وتبيين المن افع والمضاّر‪،‬‬
‫واألمر والنهى والّندب‪ ،‬ول ذلك ك انت الفاتح ة أّم الق رآن‪ ،‬ألن فيه ا األقس ام الثالث ة‪ ،‬وس ورة‬
‫اإلخالص الشتمالها على أحد األقسام الثالثة‪ ،‬وهو التوحيد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬الق رآن يش تمل على ثالث ة أشياء‪ :‬التوحيد واإلخبار‪ ،‬وال ّد ياناِت‪ ،‬وله ذا‬
‫كانت سورة اإلخالص ُثْلثه‪ ،‬ألنها تشمل التوحيد كّله‪.‬‬
‫وقال علّى بن عيسى‪ :‬القرآن يشتمل على ثالثين شيًئا‪ :‬اإلعالم‪ ،‬والتش بيه‪ ،‬واألم ر والنهى‪،‬‬
‫والوعد والوعيد‪ ،‬ووصف الجنة والنار‪ ،‬وتعليم اإلقرار باس ِم هّللا ‪ ،‬وبص فاته‪ ،‬وأفعال ه‪ ،‬وتعليم‬
‫الالعتراف بأنعامه‪ ،‬واالحتجاج على المخ الفين‪ ،‬وال رّد على الملح دين‪ ،‬والبيان عن الرغبة‬
‫والرهبة‪ ،‬والخير والشّر‪ ،‬والحَس ن والقبيح‪ ،‬ونعت الحكمة‪ ،‬وفْص ل المعرفة‪ ،‬وم دح األب رار‪،‬‬
‫وذّم الفّج ار والتس ليم‪ ،‬والتحس ين‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬والتقري ع‪،‬والبيان عن ذم األخالق‪ ،‬وشرف‬
‫اآلداب‪.‬‬
‫وق ال شيذلة‪ :‬وعلى التحقيق إن تلك الثالث ة ال تى قاله ا ابن جري ر تش مل ه ذه كله ا ب ل‬
‫أضعافها‪ ،‬فإن القرآن ال يستدَر ك وال تحَص ى عجائبه‪.‬‬

‫***‬
‫وأنا أقول‪ :‬قد اشتمل كتاب هّللا العزيز على كّل شيء‪:‬‬
‫أّم ا أنواع العلوم فليس منها باب وال مسألة هى أصل إال وفى الق رآن م ا ي دّل عليه ا‪ ،‬وفى‬
‫عجائب المخلوقات‪ ،‬ومَلكوت السماوات واألرض‪ ،‬وما فى األفق األعلى وتحت الثرى‪ ،‬وبدء‬
‫الخلق‪ ،‬وأسماء مشاهير الرسل والمالئكة وعيون أخبار األمم الس الفة‪ ،‬كقص ة آدم م ع إبليس‬
‫فى إخراجه من الجنة‪ ،‬وفى الولد الذى سّم اه عبد الحارث‪ ،‬ورفع إدريس‪ ،‬وَغ َر ق ق وم ن وح‪،‬‬
‫وقصة عاد األولى والثانية‪ ،‬وثمود والناقة‪ ،‬وق وم ي ونس‪ ،‬وق وم شعيب واألولين واآلخ رين‪،‬‬
‫وقوم لوط‪ ،‬وقوم ُتَّبع‪ ،‬وأصحاب الَّرّس ‪ ،‬وقصة إب راهيم فى مجادل ة قوم ه ومناظرت ه نم روذ‬
‫ووضعه إسماعيل مع أّم ه بمّك ة‪ ،‬وبنائه البيت‪ ،‬وقص ة ال ذتيح‪ ،‬وقص ة يوس ف وم ا أبس طها‪،‬‬
‫وقصة موسى فى والدت ه‪ ،‬وإلقائ ه فى اليّم ‪ ،‬وقت ل الِقْبطّى ‪ ،‬ومس يره إلى م دين وتزّو ج ه بنت‬
‫شعيب‪ ،‬وكالمه تعالى بجانب الطور‪ ،‬ومجيئه إلى فرعون وخروجه وإغ راق عدّو ه‪ ،‬وقص ة‬
‫العجل والقوم الذى خ رج بهم وأخ ذتهم الص عقه‪ ،‬وقص ة ذبح البق رة‪ ،‬وقص ته م ع الخضر‪،‬‬
‫وقص ة فى قت ال الجّب ارين‪ ،‬وقص ة الق وم ال ذى س اروا فى س َر ب من األرض إلى الص ين‪،‬‬
‫وقصة طالوت‪ ،‬وداود مع جالوت وفتنته‪ ،‬وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ‪ ،‬وفتنته‪ ،‬وقصة‬
‫القوم الذى خرجوا فراًرا من طاعون فأماتهم هّللا ثم أحياهم‪ ،‬وقصة ذى القرنبن‪ ،‬ومس يره إلى‬
‫مغ رب الش مس و مطلعه ا‪ ،‬بنائ ه الس ّد ‪ ،‬وقص ة أي وب‪ ،‬وذى الكف ل وإلياس‪ ،‬وقص ة‬
‫مريمووالدتها‪ ،‬وعيسى وإرساله ورفعه‪ ،‬وقصة زكرّيا وابن ه يح يى‪ ،‬وقق ة أص حاب الكه ف‬
‫وقصة أصحاب الرقيم‪ ،‬وقصة بخت َنّصر‪ ،‬وقص ة ال رجلين اللذين ألح دهما الجن ة‪ ،‬وقص ة‬
‫مؤمن آل يس‪ ،‬وقصة أصحاب الفيل‪.‬‬

‫***‬
‫وفيه من شأن النبّى ﷺ دعوة إبراهيم به‪ ،‬وبشارة عيسى‪ ،‬وبعث ه وهجرت ه‪ ،‬ومن غزاوت ه‪:‬‬
‫س رّية ابن الحضرمّى فى البق رة‪ ،‬وُأُح د فى آل عم ران‪ ،‬وب در س غرى فيه ا‪ ،‬والخن دق فى‬
‫األحزاب‪ ،‬والُحديبية فى الفتح‪ ،‬والنضير فى الحْش ر‪ ،‬وحنين وتبوك فى براءة‪ ،‬وحّجة ال وداع‬
‫فى المائدة‪ ،‬ونكاحه زينب بنت جْح ش وتحريم سرّيته‪ ،‬وتظاهر أزواجه عليه‪ ،‬وقص ة اإلفك‪،‬‬
‫وقصة اإلسراء‪ ،‬وانشقاق القم‪ ،‬وسحر اليهود إياه‪.‬‬
‫وفيه بدء خلق اإلنسان إلى موت ه وكيفية الم وت‪ ،‬وقبض ال روح وم ا ُيفع ل فبه ا بع د‪،‬‬
‫وصعودها إلى السماء‪ ،‬وفتح الباب للمؤمنة وإلقاء الكافرة‪ ،‬وعذاب القبر والسؤال فيه‪ ،‬ومق ّر‬
‫األرواح‪ ،‬وأشراط الساعةالكبرى‪ ،‬وهو نزول عيس ى‪ ،‬وخ روج ال ّد جال وي أجوج وم أجوج‪،‬‬
‫والداّبة‪ ،‬والّد خان‪ ،‬ورفع القرآن‪ ،‬والخسف‪ ،‬وطلوع الشمس من مغاربها‪ ،‬وغلق ب اب التوب ة‪،‬‬
‫وأحوال البحث من النفخات الثالث‪ :‬نفخ ة الف زع‪ ،‬ونفح ة الص عق‪ ،‬ونفخ ة الخيام‪ ،‬والحْش ر‬
‫والنش ر‪ ،‬وأه وال الموق ف‪ ،‬وشدة ح ر الش مس‪ ،‬وظ ل الع رش‪ ،‬والم يزان‪ ،‬والح وض‪،‬‬
‫والصراط‪ ،‬والحس اب لق وم ونج اة آخ رين من ه‪ ،‬وشهادة األعضاء‪ ،‬وإتيان الكتب باأليم ان‬
‫والشمائل وخلف الظهر‪ ،‬والشفاعة‪ ،‬ومقام المحمود والجّنة‪ ،‬وأبوابه ا وم ا فيه ا من األنه ار‪،‬‬
‫واألشجار‪ ،‬والثمار والحلّى ‪ ،‬واألوانى والدرجات‪ ،‬ورؤيته تع الى‪ .‬والن ار وأبوابه ا وم ا فيه ا‬
‫من األودية‪ ،‬وأنواع العقاب وألوان ألوان العذاب‪ ،‬والزّقوم‪ ،‬والحميم‪.‬‬
‫وفيه جميع أسمائه تعالى الحسنى كما ورد فى حديث‪ ،‬ومن أسمائه مطلًقا ألف اسم‪،‬‬
‫ومن أسماء النبى ﷺ جملة‪.‬‬

‫وفيه ُش َعب اإليمان البضع والسبعون‪ ،‬وشرائع اإلسالم الثالثمائة وخمس عشرة‪.‬‬
‫وفيه أنواع الكبائر‪ ،‬وكثير من الصغائر‪ .‬وفيه تصديق كّل حديث َو َر َد عن النبّى ﷺ؛‬
‫إلى غير ذلك مّم ا يحتاج شرحه إلى مجّلدات‪.‬‬
‫وقد أفرد الناس كتًبا فيما تضّم نه الق رآن من األحكام ك ا القاض ى إس ماعيل وأبى بكرابن‬
‫العالء‪ ،‬وأبى بكر الرازّى وإلكيا الهّراسّى ‪ ،‬وأبى بكر بن العربّى ‪ ،‬وعبد المنعم الَفَر س‪ ،‬وابن‬
‫خويز َم نداد‪ .‬وأفرد آخرون كتًبا فيما تضمنه من علم الباطن‪ ،‬وأفرد ابن بّرج ان كتًب ا تضمنه‬
‫من معاضدة األحاديث‪ .‬وقد أّلفت كتًبا سميته ((اإلكليل فى استنباط التنزيل)) ذكرتفيه ك َّل م ا‬
‫اسُتنبط منه من مسألة فقهية أو أصولية‪ ،‬أو اعتقادية‪ ،‬وبعًض ا مما سوى ذلك‪ ،‬كثير الفائ دة جّم‬
‫العائدة‪ ،‬يجرى مجرى الشرح لما أجملته فى هذا النوع؛ فليراجعه من أراد الوقوف عليه‪.‬‬

‫***‬
‫فصل‬
‫قال الغزالّى وغيره‪ :‬آيات األحكام خمسمائة آية‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬مائة وخمسون‪ ،‬قيل‪ :‬ولع ّل‬
‫مرادهم المصّرح به؛ فإن آيات القصص واألمثال وغيرها ُيستنبط منها كثير من األحكام‪.‬‬
‫قال الشيخ عّز الدين بن عبد الس الم فى كت اب اإلم ام فى أدل ة األحكام‪ :‬معظم آى الق رآن‬
‫اليخلو عن أحكام مش تملة على آداب حس نة‪ ،‬وأخالق جميلة‪ ،‬ثم من اآلي ات م ا ص ّرح ب ه‬
‫باألحكام‪ ،‬فمنها م ا ُيؤخ ذ بطري ق اإلس تنباط؛ إم ا بال ض ّم إلى آلى أخ رى كاس تنباط ص حة‬
‫أنكحة الكفار بقوله‪ :‬ﵟ َو ٱۡم َر َأُتُهۥ َحَّم اَلَة ٱۡل َح َطِبﵞ [المسد‪ ،]4:‬وصحة صوم الجنب‬
‫من قول ه ﵟَفٱۡل َٰٔـ َن َٰب ِش ُروُهَّن ‪...‬ﵞ [البق رة‪ ،]187:‬إلى قول ه‪ :‬ﵟَح َّتٰى َيَتَبَّيَن َلُك ُم‬
‫ٱۡل َخ ۡي ُطﵞ [البق رة‪ ]187:‬اآلية‪ ،‬وإم ا ب ه كاس تنباط أّن أق ل الحم ل س تة أشهر من قول ه‪:‬‬
‫ﵟ َو ِفَٰص ُل ۥُه ِفي َعاَم ۡي ِن ﵞ [لقمان‪.]14:‬‬
‫قال‪ :‬ويستدل على األحكام تارة بالص يغة وه و ظ اهر‪ ،‬وت ارة باإلخبار مث ل‪ :‬ﵟُأِح َّل‬
‫َلُك ۡم ﵞ [البقرة‪ ،]187:‬ﵟُحِّر َم ۡت َع َلۡي ُك ُم ﵞ [المائدة‪ ،]3:‬ﵟُك ِتَب َع َلۡي ُك ُم ٱلِّص َياُم‬
‫ﵞ [البقرة‪ ،]183:‬وتارة بما رِّتب عليها فى العاجل أو اآلجل من خ ير أو شّر‪ ،‬أو نف ع أو‬
‫ضّر‪ ،‬وقد نّو ع الشارع ذلك أنواًعا كثيرة‪ ،‬ترغيًبا لعباده‪ ،‬وترهيًبا وتقريًب ا إلى أفه امهم‪ ،‬فكّل‬
‫فعل عّظمه الشرع أو مدحه أو مَدح فاعله أو أحّب ه أو أحّب فاعله‪ ،‬أو رض َى ب ه أو رض َى‬
‫عن فاعله‪ ،‬أو وَص فه باإلستقامة أو البركة أو الطيب‪ ،‬أو أقسم ب ه أو بفاعله كاإلقس ام بالش فع‬
‫والوتر وبخيل المجاهدين‪ ،‬وبالنفس اللوامة‪ ،‬أو نَص به سبًبا ل ذكره لعبده أو لمحبت ه أو لث واب‬
‫عاجل أو آجل‪ ،‬أو لشكره له‪ ،‬أو لهداية إياه‪ ،‬أو إلرضاء فاعله‪ ،‬أو لمغفرة ذنبه وتكفيرس يئاته‬
‫أو لقبول ه أو لنص رة فاعله أو بش ارته أو وص ف فاعله ب الطيب‪ ،‬أو وص ف الفع ل بكون ه‬
‫معروًفا‪ ،‬أو نفى الحزن والخوف عن فاعله‪ ،‬أو وعده باألمن‪ ،‬أو ُنصب سبًبا لواليته‪ ،‬أو أخبر‬
‫عن دعاء الرسول بحصوله‪ ،‬أو وصفه بكونه ُقْر بة‪ ،‬أو بصفة مدح‪ ،‬كالحياة والن ور والش فاء؛‬
‫فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب‪ .‬وكّل فعل طلب الش ارُع ترَك ه‪ ،‬أو‬
‫ذّم ه أو ذّم فاعله أو َعنَب عليه‪ ،‬أو مقت فاعله أو لعنه‪ ،‬أو نفى الح زن والخ وف عن فاعله‪،‬‬
‫أو شّبه فاعله بالبهائم أو بالشياطين‪ ،‬أو جعل مانًعا من الهدى أو من القبول‪ ،‬أو وص فه بس وء‬
‫أو كراهة‪ ،‬أو استعاذ األنبياء منه أو أبغُض وه أو جع ل س بًبا لنفى الفالح أو عذاب جاعل أو‬
‫آجل‪ ،‬أو لذّم أو لوم أو ضاللة أو معصية‪ ،‬أو وصف بخْبث أو رجس أو نجس‪ ،‬أو بكونه فسًقا‬
‫أو إثًم ا‪ ،‬أو سبًبا إلثم أو رجس أو لعن أو غضب‪ ،‬أو زوال نعم ة‪ ،‬أو حلول نقم ة أو َح ّد من‬
‫الح دود‪ ،‬أو قس وة أو خ زى‪ ،‬أو ارته ان نفس‪ ،‬أو ِلَع داوة هّللا ومحاربت ه أو الس تهزائه‪ ،‬أو‬
‫س خريته‪ ،‬أو جعله هّللا س بًبا لنس يانه فاعله‪ ،‬أو وص ف نفس ه بالص بر عليه أو ب الحلم‪ ،‬أو‬
‫بالصحف عنه‪ ،‬أو دعا إلى التوبة منه‪ ،‬أو وصف فاعله بخبث أو احتق ار‪ ،‬أو نس به إلى عم ل‬
‫الشيطان‪ ،‬أو تزيينه‪ ،‬أو توِّلى الشيطان لفاعله‪ ،‬أو وصف بص فة ذّم ككون ه ظلًم ا أو بغًي ا‪ ،‬أو‬
‫عدواًنا أو إثًم ا أو مرًض ا‪ ،‬أو تبّرأ األنبياء من ه أو من فاعله‪ ،‬أو شكوا غلى هّللا من فاعله أو‬
‫جاهروا فاعله بالعداوة‪ ،‬أو ُنهوا عن األس ى و الح زن عليه‪ ،‬أو نَص ب س بًبا عدّو هّللا لخيبة‬
‫فاعله عاجاًل أو آجاًل ‪ ،‬أو رّتب عليه حرمان الجنة وما فيها‪ ،‬أو وصف فاعله بأنه عدّو هّللا ‪ ،‬أو‬
‫بأن هّللا عدوه‪ ،‬أو أعلم فاعله بحرب من هّللا ورسوله‪ ،‬أو حّم ل فاعله إثَم غ يره‪ ،‬أو قيل فيه‪:‬‬
‫الينبغى أو ال يكون‪ ،‬أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه‪ ،‬أو أِم ر بفعل مضاّد ه‪ ،‬أو بهج ر فاعله‪،‬‬
‫أو تالَعن فاعلوه فى اآلخ رة‪ ،‬أو ت بّرأ بعُض هم من بعض‪ ،‬أو دعا بعضهم على بعض‪ ،‬أو‬
‫وصف فاعله بالضاللة‪ ،‬وأنه ليس من هّللا من شيء أو ليس من الرسول وأص حابه‪ ،‬أو ُجع ل‬
‫اجتنابه سبًبا للفالح‪ ،‬أو جعل سبًبا إليقاع الع داوة والبغضاء بين المس لمين‪ ،‬أو قيل ه ل أنت‬
‫منتٍه ‪ ،‬أو نهى األنبياء عن الدعاء لفاعله‪ ،‬أو رتب عليه إبع اًدا‪ ،‬أو لفظ ة ((قِت ل من فعله)) أو‬
‫((قاتله هّللا )) أو أخبر أّن فاعله ال يكّلمه هّللا يوم القيامة‪ ،‬وال ينظر إليه وال يزّك يه‪ ،‬وال يص ُلح‬
‫عمله‪ ،‬وال يهدى كيده‪ ،‬أو ال يفلح ‪ ،‬أو قّيض له الشيطان‪ ،‬أو جعل سبًبا إلزاغة قلب فاعله‪ ،‬أو‬
‫صرفه عن آيات هّللا وسؤاله عن علة الفع ل؛ فه و دليل على المن ع من الفع ل‪ ،‬وداللت ه على‬
‫التحريم أظهر من داللته على مجرد الكراهة‪.‬‬
‫وُتستفاد اإلباحة من لفظ اإلحالل‪ ،‬ونفى الجناح والحرج واإلثم والمؤاخذة‪ ،‬ومن اإلذن فيه‬
‫والعف و عن ه‪ ،‬ومن اإلمتن ان بم ا فى األعيان من المن افع‪ ،‬ومن الس كوت عن التح ريم‪ ،‬ومن‬
‫اإلنكار على من حّرم الشيء من األخبار بأنه َخ َلق أو جَع ل لن ا‪ ،‬واإلخبار عن فع ل من قبلن ا‬
‫من غير ذّم لهم عليه‪ .‬فإن اقترن بإخباره مْد ح‪ ،‬دّلعلى مش روعيته وجوًب ا أو اس تحباًبا‪ .‬انتهى‬
‫كالم الشيخ عّز الدين‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬قد ُيستنبط من السكوت‪ ،‬وقد استدّل جماعة على أن الق رآن غ ير مخلوق ب أن‬
‫هّللا ذكر اإلنسان فى ثمانية عشر موضًعا‪ ،‬وقال‪ :‬إنه مخلوق‪ ،‬وذك ر الق رآن أربع ة وخمس ين‬
‫موضًعا ولم يقل إنه مخلوق‪ ،‬ولّم ا جمع بينهما غاير‪ ،‬فقال‪ :‬ﵟٱلَّر ۡح َٰم ُن ‪َ ١‬ع َّلَم ٱۡل ُق ۡر َء اَن ‪٢‬‬
‫َخ َلَق ٱِإۡل نَٰس َن ‪٣‬ﵞ [الرحمن‪.]3-1:‬‬

‫***‬

You might also like