You are on page 1of 310

‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫شرح كتاب التوحيد‬


‫من صحيح البخاري‬
‫لفضيلة الشيخ‬
‫عبد العزيز بن عبد اهلل الراجحي‬

‫‪1‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫كتاب التوحيد‬
‫التوحي‪%%‬د مص در وَّح د يوِّح د توحي دا‪ ،‬وه و إف راد اهلل بربوبيت ه وألوهيت ه وأمسائه وص فاته‪،‬‬
‫وال يش اهبه أح د يف أمسائه وال ص فاته‪ ،‬وه و س بحانه واح د يف ذات ه ال تش به ذات ه ذوات‬
‫املخل وقني‪ ،‬وه و واح د يف ربوبيت ه وأفعال ه وأمسائه وص فاته‪ ،‬وه و س بحانه واح د يف ألوهيت ه‪،‬‬
‫فهو املستحق للعبادة‪.‬‬
‫واملؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬رك ز يف كت اب التوحي د على توحي د األمساء والص فات؛ ألن نف اة‬
‫الصفات يف عهده كثري‪.‬‬
‫باب‪ :‬ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد اهلل‬
‫حديث‪" :‬إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب"‬
‫(‪ )1‬باب ما جاء يف دعاء النيب أمته إىل توحيد اهلل‬
‫‪ -7371‬حدثنا أبو عاصم حدثنا زكريا بن إسحاق عن حيىي بن حممد بن عبد اهلل بن صيفي‪ ،‬عن‬
‫بعث معاذا إىل اليمن ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أيب معبد‪ ،‬عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪  :‬أن النيب‬
‫‪ -7372‬وحدثين عبد اهلل بن أيب األسود‪ ،‬حدثنا الفضل بن أيب العالء‪ ،‬حدثنا إمساعيل‬
‫بن أمي ة عن حيىي بن حمم د بن عب د اهلل بن ص يفي‪ ،‬أن ه مسع أب ا معب د م وىل ابن عب اس‬
‫معاًذا إىل حنو أهل اليمن قال له‪ " :‬إنك‬ ‫‪‬‬‫يقول‪ :‬مسعت ابن عباس يقول‪  :‬ا بعث النيب‬
‫َّمل‬
‫تقدم على قوم من أهل الكتاب‪ ،‬فَليكن أَّو ل ما تدعوهم إىل أن ُيوِّح دوا اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فإذا‬
‫عرفوا ذلك‪ ،‬فأخربهم أن اهلل قد فرض عليهم مخس صلوات يف يومهم وليلتهم‪ ،‬فإذا ص ُّلوا‬
‫ف أخربهم أن اهلل اف رتض عليهم زك اة أم واهلم‪ ،‬تؤخ ذ من غ نيهم‪ ،‬ف رتد على فق ريهم‪ ،‬ف إذا‬
‫أقُّر وا بذلك‪ ،‬فُخ ذ منهم وتوَّق كرائم أموال الناس ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬بعث مع اذا) في ه مش روعية بعث اإلم ام من ُيعِّلم الن اس‪ ،‬وي دعو إىل اهلل‬
‫‪‬‬ ‫(حنو أه ل اليمن) أي‪ :‬إىل ِج ه ة اليمن‪ ،‬وهي ُتقِّي د الرواي ة األوىل‪ .‬ويف احلديث أن الن يب‬
‫أمره بالَّتدرج يف الدعوة إىل اهلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وأن الداعي عليه أن يعرف حال املدعوين وأن‬
‫الداعي ة علي ه أن يب دأ بالتوحي د ألن مجي ع األعم ال ال تقب ل إال بالتوحي د‪ .‬قول ه‪( :‬أن يوح دوا‬
‫اهلل)‪.‬‬
‫يف رواية (إىل شهادة ال إله إال اهلل) ويف رواية (إىل عبادة اهلل) فالرواة رووا هذه اجلملة‬
‫باملعىن‪.‬‬
‫واملقصود معىن هذه الكلمة ال جمرد لفظها‪ ،‬وشهادة أن حممد رسول اهلل تدخل ِض مًنا‬
‫يف ش هادة ال إل ه إال اهلل‪ ،‬فمن ش هد أن ال إل ه إال اهلل ومل يع رتف ِبرس الة الرس ول ‪ ‬مل‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫يكن مؤمن ا؛ ول ذلك ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬اآلية‪ .‬مع أهنم يعلمون بأن اهلل واحد‪،‬‬ ‫‪      ‬‬

‫لكن ملا مل يؤمنوا بالرسول نفى عنهم اإلسالم واإلميان‪ .‬قوله‪( :‬وَتوَّق كرائم أمواهلم) أي‪ :‬خذ‬
‫وسط أمواهلم‪ ،‬فأمره أال يأخذ اخليار وال الرديء بل الوسط؛ ألنه إذا أخذ كرائم وأنفس‬
‫أم واهلم‪ ،‬فه ذا ظلم هلم؛ ول ذلك ق ال‪( :‬وات ق دع وة املظل وم) ودع وة املظل وم يس تجيبها اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬ولو كانت من كافر؛ ولذلك جاء أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقول‪( :‬ألنصرنك ولو بعد حني)‪.‬‬
‫الص يام واحلج‪ ،‬واجلواب عن ذل ك‪ :‬أن يق ال أم ا احلج؛ فألن ه مل‬ ‫‪‬‬ ‫ومل ي ذكر الن يب‬
‫يفرض بعد‪ ،‬وأما الصوم فيحتمل أنه مل يفرض‪ ،‬وحيتمل أنه يدخل ضمنا؛ وذلك أنه إذا‬
‫أقر بالشهادتني والصالة والزكاة‪ ،‬فإنه يعترب مقًّر ا جبميع أمور اإلسالم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أتدري ما حق اهلل على العباد؟"‬
‫‪ -7373‬حدثنا حممد بن بشار‪ ،‬حدثنا غندر‪ ،‬حدثنا شعبة عن أيب حصني واألشعث بن ُس ليم‪ ،‬مسعا‬
‫يا معاذ أتدري ما حق اهلل على العباد؟‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫األسود بن هالل عن معاذ بن جبل قال‪ :‬قال النيب‬

‫‪ - 1‬سورة التوبة آية ‪.29 :‬‬

‫‪3‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قال‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬أن يعبدوه‪ ،‬وال يشركوا به شيئا‪ ،‬أتدري ما حقهم عليه؟ قال‪:‬‬
‫اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬أن ال يعذهبم ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬م ا ح ق اهلل على العب اد) ح ق اهلل التوحي د والعب ادة والطاع ة وأن ُيَو ِّج ُه وا مجي ع‬
‫إراداهتم إىل اهلل ‪ .‬قوله‪( :‬أتدري ما حقهم عليه) حق العباد أال ُيَع ِّذ هَب م إذا التزموا بالتوحيد‪،‬‬
‫وحق اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬حق إلزام ووجوب‪ ،‬وحق العباد حق تفضل منه وإكرام‪ ،‬مل يوجبوه على‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بل هو الذي أوجبه على نفسه‪.‬‬
‫كما قيل‪:‬‬

‫كال وال سـْع ٌي لديـه ضائـع‬ ‫ما للعباد عليـه حـق واجب‬
‫فبفضله وهـو الكريم الواسع‬ ‫إن ُعـذبوا فبعدله أو ُنعمـوا‬

‫حديث‪ " :‬إنها لتعدل ثلث القرآن "‬


‫‪ -7374‬ح دثنا إمساعيل‪ ،‬ح دثين مال ك‪ ،‬عن عب د ال رمحن بن عب د اهلل بن عب د ال رمحن بن أيب‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫أن رجال مسع رجال يقرأ‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫صعصعة‪ ،‬عن أبيه عن أيب سعيد اخلدري‬
‫‪ )1(  ‬يرددها‪ ،‬فلما أصبح جاء إىل النيب ‪ ‬فذكر له ذلك‪ ،‬فكأن الرجل َيَتَق اَهُّلا‪ ،‬فقال‬
‫رس ول اهلل ‪ ‬وال ذي نفس ي بي ده إهنا لتع دل ثلث الق رآن ‪ ‬زاد إمساعيل بن جعف ر‪ ،‬عن‬
‫مالك‪ ،‬عن عبد الرمحن‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أيب سعيد‪ ،‬أخربين أخي قتادة بن النعمان عن النيب‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة اإلخالص آية ‪.1 :‬‬

‫‪4‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬تع دل ثلث الق رآن) أي‪ :‬تع دل ثلث الق رآن يف الفض ل واألج ر‪ ،‬وليس معن اه أن ه‬
‫يك ون ب ذلك قارئ ا للق رآن ك امال؛ ول ذا ل و قرأه ا يف الص الة ومل يق رأ الفاحتة مل تص ح‬
‫صالته‪ ،‬ووجه كوهنا تعدل ثلث القرآن‪ ،‬هو أن القرآن على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬توحيد اهلل بأنواعه الثالثة (توحيد اهلل يف ألوهيته‪ ،‬وربوبيته‪ ،‬وأمسائه وصفاته)‪.‬‬
‫‪ -2‬القصص واألخبار املاضية واملستقبلة‪.‬‬
‫(‪ )1‬ختَّلص ت للن وع األول‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ -3‬األوام ر والن واهي‪ ،‬وس ورة‬
‫ول ذا ج اء أهنا ص فة ال رمحن‪ .‬قول ه‪( :‬أح د) أي‪ :‬أن ه توَّح د ‪-‬س بحانه‪ -‬يف ذات ه ويف أمسائه‬
‫وص فاته‪ .‬وقول ه‪( :‬الص مد) ه و الق ائم بنفس ه‪ ،‬والق ائم ب ه غ ريه ال ذي تص مد إلي ه اخلالئ ق يف‬
‫‪ )2( ‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬مل يتفَّر ع من شيء‪ ،‬ومل‬ ‫‪     ‬‬ ‫حوائجها‪ .‬قوله‪:‬‬
‫يتفَّر ع منه شيء‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ألنها صفة الرحمن"‬
‫‪ -7375‬ح دثنا أمحد بن ص احل‪ ،‬ح دثنا ابن وهب‪ ،‬ح دثنا عم رو عن ابن أيب هالل أن أب ا الرج ال‬
‫عن‬ ‫حممد بن عبد الرمحن‪ ،‬حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرمحن ‪-‬وكانت يف حجر عائشة زوج النيب ‪‬‬
‫عائش ة ‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪  -‬أن الن يب ‪ ‬بعث رجال على س رَّية‪ ،‬وك ان يق رأ ألص حابه يف‬
‫صالهتم‪ ،‬فيختم بــ"قل هو اهلل أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك للنيب ‪ ‬فقال‪ :‬سلوه ألي شيء‬
‫يصنع ذلك؟ فسألوه فقال‪ :‬ألهنا صفة الرمحن‪ ،‬وأنا أحب أن أقرأ هبا‪ ،‬فقال النيب ‪ ‬أخربوه‬
‫أن اهلل حيبه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هلذا الرج ل‪ ،‬أهنا ص فة ال رمحن وفي ه أن من‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ص فة ال رمحن) في ه إق رار من الن يب‬
‫أحبها خملصا يف ذلك أحَّب ه اهلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وجاء يف رواية (أنه يقرأ سورة قبلها‪ ،‬مث يقرأ‬
‫سورة اإلخالص) وجاء يف رواية (حُّبه إياها أدخله اجلنة)‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة اإلخالص آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلخالص آية ‪.3 :‬‬

‫‪5‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب قول اهلل‪ُ" :‬قِل اْد ُعوا الَّلَه َأِو اْد ُعوا الَّر ْح َمَن "‬
‫حديث‪" :‬ال يرحم اهلل من ال يرحم"‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫(‪ )2‬باب قول اهلل تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪     ‬‬

‫‪ -7376‬ح دثنا حمم د بن س الم‪ ،‬أخربن ا أب و معاوي ة‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن زي د بن وهب‬
‫ال ي رحم اهلل من ال‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وأيب ظبي ان‪ ،‬عن جري ر بن عب د اهلل‪ -  -‬ق ال‪:‬ق ال رس ول اهلل‬
‫يرحم الناس ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ )2( ‬فيه إثبات امسني من أمساء اهلل‬ ‫‪       ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬ومها (اهلل والرمحن) قوله‪( :‬اهلل) هو أعرف املعارف‪ ،‬وأصل (اهلل) اإلله‪ :‬من أله‬
‫يأله ألوهة‪ ،‬فهو مألوه واسم (اهلل) واسم (الرمحن) ال يصح ألحد من الناس أن يتس َّم ى هبما‪.‬‬
‫وملا مسى ُمَس ْيِلَم ُة نفسه بالرمحن‪ ،‬الزمه اسم الكذاب‪.‬‬
‫وأمساء اهلل ‪-‬تب ارك وتع اىل‪ُ -‬مَتَض ِّم نة الص فات‪ ،‬فهي مش تقة ليس ت جام دة (فاهلل) متض من‬
‫لأللوهية (والرمحن) متض ِّم ن لصفة الرمحة‪ .‬وسبب نـزول هذه اآلية معروف يف كتب التفسري‬
‫قوله‪( :‬ال يرحم اهلل) متضِّم ن لصفة الرمحة هلل‪ ،‬تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫أمساء اهلل تعاىل على قسمني‬
‫أ‪ -‬أمساء خاصة به ‪-‬سبحانه‪ -‬مثل (اهلل ‪ -‬الرمحن ‪ -‬ذو اجلالل واإلكرام ‪ -‬املدِّبر ‪ -‬خالق‬
‫اخللق‪.)...‬‬
‫ب‪ -‬أمساء تطلق على اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وعلى غريه مثل (الرحيم ‪ -‬العزيز ‪ -‬احلي‪.)...‬‬

‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪6‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ويف هذا احلديث إثبات صفة الرمحة‪ ،‬والرمحة خاصة به ‪-‬سبحانه‪ ،-‬أما الرحيم‪ ،‬فليس‬
‫خاًّصا به‪.‬‬
‫حديث‪" :‬وإنما يرحم اهلل من عباده الرحماء"‬
‫‪ -7377‬حدثنا أبو النعمان‪ ،‬حدثنا محاد بن زيد عن عاصم األحول‪ ،‬عن أيب عثمان النهدي‪ ،‬عن‬
‫إذ جاءه رسول إحدى بناته يدعوه إىل ابنها يف‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪  :‬كنا عند النيب‬ ‫أسامة بن زيد ‪‬‬
‫ارج ع إليه ا‪ ،‬فأخربه ا أن هلل م ا أخ ذ‪ ،‬ول ه م ا أعطى‪ ،‬وك ل ش يء‬ ‫‪‬‬ ‫املوت‪ ،‬فق ال الن يب‬
‫عن ده بأج ل مس مى‪ ،‬فمره ا فلتص رب ولتحتس ب‪ ،‬فأع ادت الرس ول أهنا ق د أقس مت ليأتينه ا‪،‬‬
‫وق ام مع ه س عد بن عب ادة‪ ،‬ومع اذ بن جب ل‪ ،‬ف دفع الص يب إلي ه ونفس ه تقعق ع‬ ‫‪‬‬ ‫فق ام الن يب‬
‫كأهنا شن‪ ،‬ففاضت عيناه‪ ،‬فقال له سعد‪ :‬يا رسول اهلل ما هذا؟ قال هذه رمحة جعلها اهلل‬
‫يف قلوب عباده‪ ،‬وإمنا يرحم اهلل من عباده الرمحاء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأم ره هلا بالص رب‪ ،‬قول ه‪( :‬تقعق ع) ه و حرك ة‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬فلتص رب) في ه حس ن خل ق الرس ول‬
‫خروج الروح‪ ،‬قوله‪( :‬وإمنا يرحم اهلل من عباده) هذا هو الشاهد من احلديث‪ ،‬وهو إثبات‬
‫الرمحة هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬رمحة تليق به ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ ،-‬واإلنسان يوصف بأن له رمحة‪ ،‬لكنها‬
‫رمحة تليق به ال كرمحة اخلالق‪ ،‬تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪ِ" :‬إَّن الَّلَه ُه َو الَّر َّزاُق "‬
‫حديث‪" :‬ما أحد أصبر على أذى سمعه من اهلل"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪ -3‬باب قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ -6830‬ح دثنا عب دان‪ ،‬عن أيب محزة‪ ،‬عن األعمش عن س عيد بن جب ري‪ ،‬عن أيب عب د‬
‫ما أحد أصرب على أذى‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬قال النيب‬ ‫‪‬‬ ‫الرمحن السلمي‪ ،‬عن أيب موسى األشعري‬
‫مسعه من اهلل‪ ،‬يدعون له الولد‪ ،‬مث يعافيهم‪ ،‬ويرزقهم ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الذاريات آية ‪.58 :‬‬

‫‪7‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذه الرتمجة‪ ،‬فيه ا إثب ات امسني من أمساء اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ومها (ال رزاق ‪ -‬واملتني) قول ه‪:‬‬
‫(ال رزاق) أي‪ :‬ه و ال رزاق ال ذي من ه ال رزق‪ ،‬قول ه‪( :‬املتني) معن اه الق وي‪ ،‬وه و مش تمل على‬
‫وصف القوة‪ ،‬قوله‪( :‬ما أحد أصرب‪( )..‬ما) حجازية من أخوات كان ترفع االسم‪ ،‬وتنصب‬
‫اخلرب‪ ،‬أم ا (م ا) التميمي ة فال تعم ل‪ .‬قول ه‪( :‬ي رزقهم) في ه إثب ات ص فة ال رزق‪ ،‬أم ا ص فة الق وة‪،‬‬
‫فدل عليها قوله‪( :‬ما أحد أصرب على أذى مسعه من اهلل‪ )..‬وهذا فيه إثبات صفة القوة له‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬خبالف املخلوق‪ ،‬فإنه ال يصرب على من أساء إليه‪.‬‬
‫وهذا األذى ال يضر اهلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬فال يلزم من األذى الضرر‪ ،‬فهو أذى‪ ،‬وال يلزم منه‬
‫الض رر‪ ،‬أم ا تأوي ل الش ارح أن ه ذا أذى ي ؤذي الص احلني‪ ،‬فه ذا تأوي ل غ ري ص حيح خمالف‬
‫للقرآن والسنة؛ ألنه توهم أن فيه تنُّقًص ا من اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وال يلزم ذلك‪ ،‬يدل على ذلك‬
‫قوله تعاىل‪ )1(        :‬اآلية‪ .‬فال يلزم من ذلك إيصال‬
‫الضرر هلل ورسوله‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫االسم مشتمل على الصفة‪ ،‬أما الصفة فال يشتق منها اسم‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يوصف بأنه‬
‫ميكر مبن يستحق املكر‪ ،‬وليس من أمساء اهلل املاكر‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫جيوز قول (ال أحد) على اهلل كقول بعضهم (ال أحد أعلم من اهلل‪ )...‬ففي احلديث (ال‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫أحد أحب إليه العذر من اهلل) وكذلك خُي رب عن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بأنه (شيء) قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬ك ذلك خُي رب عن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أن ه ش خص‪ ،‬ففي احلديث‬ ‫‪    ‬‬

‫(ال شخص أغري من اهلل‪ )..‬وكل ذلك من باب اإلخبار عن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األحزاب آية ‪.57 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.19 :‬‬

‫‪8‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب قول اهلل‪َ" :‬عاِلُم اْلَغْيِب َفال ُيْظِه ُر َعَلى َغْيِبِه َأَح ًد ا"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪ -4‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫)‪( 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ ) 2‬و‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫و ‪   ‬‬
‫)‪( 4‬‬
‫‪        ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬

‫‪ )5( ‬قال حيىي‪ :‬الظاهر على كل شيء علما‪ ،‬والباطن على كل شيء علما‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذه الرتمجة فيه ا إثب ات ص فة العلم‪ ،‬وأهنا من الص فات الذاتي ة‪ .‬وفي ه بي ان عموم ومشول‬
‫علم اهلل وأن اهلل يعلم بواطن األمور وظواهرها‪ .‬وعلم اهلل يشمل ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬يعلم املاضي‪ ،‬وهو علم ما كان‪.‬‬
‫‪ -2‬يعلم املستقبل‪ ،‬وهو علم ما يكون‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ -3‬يعلم م ا مل يكن ل و ك ان كي ف يك ون‪ .‬كقول ه تع اىل‪:‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪ )6( ‬وقوله‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ )8( ‬يشمل علمه لكل أنثى من بين آدم واحليوانات‬ ‫‪    ‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫والطيور‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬الظاهر على كل شيء علما‪ :)...‬أي أن علمه يشمل الظاهر والباطن‪.‬‬
‫حديث‪" :‬مفاتيح الغيب خمس"‬

‫‪ - 1‬سورة الجن آية ‪.26 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة لقمان آية ‪.34 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النساء آية ‪.166 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة فاطر آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة فصلت آية ‪.47 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة األنعام آية ‪.28 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة التوبة آية ‪.47 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة فصلت آية ‪.47 :‬‬

‫‪9‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ -7379‬حدثنا خالد بن خملد‪ ،‬حدثنا سليمان بن بالل‪ ،‬حدثين عبد اهلل بن دينار‪ ،‬عن ابن عمر ‪-‬‬
‫قال‪  :‬مفاتيح الغيب مخس ال يعلمها إال اهلل‪ .‬ال يعلم ما تغيض‬ ‫رضي اهلل عنهما‪ -‬عن النيب ‪‬‬
‫األرحام إال اهلل‪ ،‬وال يعلم ما يف غ د إال اهلل‪ ،‬وال يعلم م ىت ي أيت املطر أحد إال اهلل‪ ،‬وال‬
‫تدري نفس بأي أرض متوت إال اهلل‪ ،‬وال يعلم مىت تقوم الساعة إال اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله (ما تغيض األرحام)‪ :‬أي‪ :‬إذا بلغ أربعة أشهر يأيت ملك‪ ،‬فينفخ فيه الروح‪ .‬وبذلك‬
‫يعلم امللك‪ ،‬ويعلم الناس جنس اجلنني‪ ،‬أما قبل أن خيلق ال يعلم عنه أحد إال اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واهلل عليم بعلم‪ ،‬خبالف املعتزل ة ال ذين يقول ون‪ :‬عليم بال علم‪ ،‬فيثبت ون األمساء جمردة بال‬
‫معان‪ ،‬وشبهتهم خوف التشبيه والتجسيم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وال يعلم مىت تقوم الساعة إال اهلل)‪ :‬وقد ُج ِعل هلا أشراط قبلها‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب"‬
‫‪ -7380‬حدثنا حممد بن يوسف‪ ،‬حدثنا سفيان عن إمساعيل‪ ،‬عن الشعيب‪ ،‬عن مسروق‪ ،‬عن عائشة‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫رأى ربه‪ ،‬فقد كذب‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪  :‬من حدثك أن حممًد ا‬
‫‪ )1( ‬ومن ح دثك أن ه يعلم الغيب‪ ،‬فق د ك ذب‪ ،‬وه و يق ول‪ :‬ال يعلم‬ ‫‪ ‬‬

‫الغيب إال اهلل ‪.‬‬


‫الشرح‪:‬‬
‫رأى رب ه‪ ،‬فق د ك ذب‪ )...‬ه ذا ه و املعتم د عن د احملققني‬ ‫‪‬‬
‫قول ه‪( :‬من ح ّد ثك أن حمم د‬
‫من أهل العلم‪ ،‬أنه مل ير ربه يف املعراج بعيين رأسه‪ ،‬وهو الصحيح‪ .‬والقول الثاين‪ :‬أنه رأى‬
‫ربه بعيين رأسه‪ ،‬وهو رواية عن أمحد‪ ،‬وقول أيب احلسن األشعري‪ ،‬وبعض الصحابة‪.‬‬
‫قد‬ ‫‪‬‬ ‫س ئل ه ل رأيت رب ك ق ال‪  :‬ن ور أىن أراه‬ ‫‪‬‬ ‫والص حيح األول؛ ألن رس ول اهلل‬
‫استرت ‪-‬سبحانه‪ -‬باحلجب‪ ،‬ويف صحيح مسلم‪  :‬إن اهلل ال ينام‪ ..‬حجابه النور أو النار‪ ،‬لو‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.103 :‬‬

‫‪10‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫من َخ ْلِق ه‬ ‫‪‬‬ ‫والرس ول‬ ‫‪‬‬ ‫كش فه ألح رقت س بحات وجه ه م ا انتهى إلي ه بص ره من خلق ه‬
‫‪‬‬ ‫وَمْن َخ َّص ه‪ ،‬فال بد له من دليل‪ .‬وألن الرؤية أعظم النعيم‪ ،‬وال تكون إال يف اجلنة‪ ،‬قوله‬
‫‪ )1(    ‬نفي اإلدراك‪ ،‬ه و نفي اإلحاط ة‪ ،‬فه و مل ين ف الرؤي ة‪ ،‬والرؤي ة‬
‫أخص‪ ،‬فنفي األعم ال يش مل نفي األخص‪ ،‬فه و ‪-‬س بحانه‪ -‬ت راه األبص ار وال تدرك ه‪ ،‬وال‬
‫حتيط به رؤية‪ ،‬فأنت ترى السماء واجلبل والبستان وال حتيط به‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن حدثك أنه يعلم الغيب‪ ،‬فقد كذب‪ :)..‬هذا الشاهد‪ ،‬فمن ادعى علم الغيب‪،‬‬
‫فهو كاذب كافر‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪" :‬السالم المؤمن"‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل هو السالم"‬
‫‪ -5‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪( -‬السالم املؤمن)‬
‫‪ -7381‬حدثنا أمحد بن يونس‪ ،‬حدثنا زهري‪ ،‬حدثنا مغرية‪ ،‬حدثنا شقيق بن سلمة قال‪  :‬قال عبد‬
‫إن اهلل ه و الس الم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫فنق ول الس الم على اهلل‪ ،‬فق ال الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‪ :‬كن ا نص لي خل ف الن يب‬
‫ولكن قولوا‪ :‬التحيات هلل‪ ،‬والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها النيب ورمحة اهلل وبركاته‪،‬‬
‫الس الم علين ا وعلى عب اد اهلل الص احلني‪ ،‬أش هد أن ال إل ه إال اهلل‪ ،‬وأش هد أن حمم ًد ا عب ده‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬الس الم املؤمن)‪ :‬في ه إثب ات أن الس الم واملؤمن من أمساء اهلل ويف بعض الرتمجات‬
‫(املهيمن)‪.‬‬
‫(إن اهلل ه و الس الم‬ ‫‪‬‬‫قول ه‪( :‬الس الم) أي‪ :‬الس امل بنفس ه من العيب‪ ،‬وا َس ِّلم لغ ريه‪ .‬ق ال‬
‫ُمل‬
‫ومن ه الس الم)‪ .‬قول ه (املؤمن)‪ :‬أي‪ :‬ا ص ِّدق لنفس ه ولرس له ب املعجزات‪ ،‬ال يت تؤي د رس له‪ .‬قول ه‪:‬‬
‫ُمل‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.103 :‬‬

‫‪11‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(املهيمن) قي ل‪ :‬معن اه األمني ال ذي ال ينقص أح ًد ا يف ثواب ه‪ ،‬وال يزي د أح ًد ا يف عقاب ه‪ ،‬فه و‬


‫الرقيب على عباده‪ .‬قوله‪( :‬أيها النيب)‪ :‬هذا لالستحضار‪ ،‬وليس دعاء للنيب ‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬م ِلِك الَّناِس "‬
‫حديث‪" :‬يقبض اهلل األرض يوم القيامة"‬
‫(‪ )1‬فيه ابن عمر عن النيب ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ -6‬باب قول اهلل تعاىل‬
‫‪ 6834‬ح دثنا أمحد بن ص احل‪ ،‬ح دثنا ابن وهب‪ ،‬أخ ربين ي ونس‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬عن‬
‫ق ال‪  :‬يقبض اهلل األرض ي وم القيام ة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫س عيد ه و ابن املس يب عن أيب هري رة عن الن يب‬
‫وقال شعيب‪ ،‬والّز بيدي‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ويطوي السماء بيمينه‪ ،‬مث يقول أنا امللك‪ ،‬أين ملوك األرض؟‬
‫وابن مسافر وإسحاق بن حيىي‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن أيب سلمة‪....‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ )2( ‬في ه إثب ات ه ذا االس م‪ ،‬وأن من أمسائه املل ك‪ ،‬واآلي ة‬ ‫‪   ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫فيه ا قراءت ان (َم ِل ك ‪ -‬مال ك)‪ .‬فه و ‪-‬س بحانه‪ -‬م الكهم‪ ،‬واملتص رف فيهم وم دبر ش ؤوهنم يف‬
‫الدنيا واآلخرة‪ .‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬يدبر شؤوهنم يف الدنيا حبكمه القدري‪ ،‬الذي ال يستطيع أحد‬
‫أن ينفك عنه‪ ،‬ويدبرهم حبكمه الشرعي‪ .‬وهو ا ِل ك يف اليوم اآلخر‪ ،‬الذي حياسبهم بنفسه‪.‬‬
‫َمل‬
‫وهذا االسم ثبات يف الكتاب والسنة‪ ،‬كما يف اآلية وحديث الباب‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬يقبض اهلل‪ ...‬ويط وي الس ماء) يقبض‪ ،‬ويط وي فيهم ا إثب ات ص فة القبض والطي‪،‬‬
‫وأهنما من الصفات الفعلية‪.‬‬
‫قوله‪( :‬بيمينه) فيه إثبات اليمني هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أي‪ :‬اليد اليمىن‪ ،‬جاء يف صحيح مسلم إثبات‬
‫أن هلل ي ًد ا مشال‪ .‬وأم ا قول ه يف احلديث‪( :‬وكلت ا يدي ه ميني) واملع ىن أن كلت ا يدي ه ميني يف‬
‫الشرف والفضل‪ ،‬وعدم النقص والعيب‪ .‬وهذا هو الصواب خالًفا ملن طعن يف رواية مسلم‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الناس آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الناس آية ‪.2 :‬‬

‫‪12‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬مث يقول أنا امللك‪ )..‬فيه إثبات صفة الكالم هلل تعاىل وفيه الرد على من قال‪ :‬إن‬
‫كالم اهلل خملوق؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقول ذلك بعد موت اخلالئق‪ ،‬وهذا من أقوى الرد على‬
‫من يقول‪ :‬إن كالم اهلل خملوق‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ق ال العي ين‪ :‬قول ه (بيمين ه) ه ذا من املتش اهبات‪ ،‬وق ال‪ :‬إم ا أن تف وض أو ت ؤول بالق درة‪.‬‬
‫والصواب أهنا ال تفوض‪ ،‬وال تؤول به‪ ،‬هي صفة حقيقية‪ ،‬وهي من املعلومات‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬و ُه َو اْلَعِز يُز اْلَح ِكيُم"‬
‫حديث‪" :‬يبقى رجل بين الجنة والنار"‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ - 7‬باب قول اهلل تعاىل‬
‫‪ )3( ‬ومن حلف بعزة‬ ‫‪   ‬‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬

‫وقال أبو هريرة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫تقول جهنم‪ :‬قط قط‪ ،‬وعزتك‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل وصفاته‪ .‬وقال أنس‪ :‬قال النيب‬
‫عن النيب ‪  ‬يبقى رجل بني اجلنة والنار‪ ،‬وهو آخر أهل النار دخوال اجلنة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا‬
‫رب اصرف وجهي عن النار‪ ،‬ال ‪-‬وعزتك‪ -‬ال أسألك غريها ‪ ‬قال أبو سعيد‪ :‬إن رسول‬
‫وقال أيوب‪  :‬وعزتك‪ ،‬ال غىن يل‬ ‫‪‬‬ ‫لك ذلك‪ ،‬وعشرة أمثاله‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل ‪ ‬قال‪  :‬قال‪ :‬اهلل‬
‫عن بركتك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ )4( ‬في ه إثب ات اس م العزي ز واحلكيم‪ ،‬وإثب ات‬ ‫‪    ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫صفة العزة واحلكمة‪ .‬وأراد املؤلف الرد على املعتزلة الذين يقولون‪ :‬عزيز بال عزة‪ ،‬حكيم بال‬
‫حكمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة إبراهيم آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الصافات آية ‪.180 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة المنافقون آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة إبراهيم آية ‪.4 :‬‬

‫‪13‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫ويف احلديث‪ :‬ج واز احلل ف ب العزيز واحلكيم ومما ي دل على ذل ك قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )5( ‬وقول جهنم‪ :‬وعزتك وقول آخر من خيرج من‬ ‫‪   ‬‬

‫جهنم‪ :‬ال وعزتك‪،‬وقول أيوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬ملا َخ َّر عليه جراد من ذهب قال‪  :‬وعزتك ال‬
‫غىن يل عن بركتك ‪.‬‬
‫أع وذ بع زة اهلل وقدرت ه من ش ر م ا أج د‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وك ذلك جتوز االس تعاذة بع زة اهلل‪ .‬ق ال‬
‫وأحاذر ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬رب العزة)‪ :‬العزة من الصفات الذاتية املالزمة للرب وهي راجعة لربوبيته تعاىل‪.‬‬
‫قول ه (تق ول جهنم ق ط ق ط) ه ذا إذا وض ع اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬فيه ا قدم ه‪ .‬ومع ىن (ق ط) أي‪:‬‬
‫حسيب‪ ،‬وكافيين‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وعش رة أمثال ه) أي‪ :‬ل ه مث ل مل ك من مل وك ال دنيا مخس ني م رة‪ ،‬وه و م ع ذل ك‬
‫مؤمن من املوت‪ ،‬واملرض واهلرم واهلم واحلزن والنوم واملخاط والبول والغائط‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أعوذ بعزتك ال إله إال أنت"‬
‫‪ - 7383‬حدثنا أبو معمر‪ ،‬حدثنا عبد الوارث‪ ،‬حدثنا حسني املعلم‪ ،‬حدثين عبد اهلل بن بريدة‪ ،‬عن‬
‫كان يقول‪  :‬أعوذ بعزتك‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬أنت الذي‬ ‫حيىي بن يعمر‪ ،‬عن ابن عباس أن النيب ‪‬‬
‫ال ميوت واجلن واإلنس ميوتون ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬أعوذ بعزتك) هذا الشاهد‪ ،‬وهو االستعاذة بعزة اهلل‪ ،‬وهي صفة من صفاته‪.‬‬
‫حديث‪" :‬وتقول‪ :‬هل من مزيد"‬
‫ق ال‪:‬‬ ‫‪ - 7384‬حدثنا ابن أيب األسود‪ ،‬حدثنا حرمي‪ ،‬حدثنا شعبة عن قتادة‪ ،‬عن أنس عن النيب ‪‬‬
‫وقال يل خليفة‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ،‬حدثنا سعيد عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬يلقى يف النار‬
‫ق ال‪  :‬ال ي زال يلقى فيه ا‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫وعن معتم ر مسعت أيب‪ ،‬عن قت ادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن الن يب‬

‫‪ - 5‬سورة ص آية ‪.82 :‬‬

‫‪14‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وتق ول‪ :‬ه ل من مزي د‪ ،‬ح ىت يض ع فيه ا رب الع املني قدم ه‪ ،‬فينـزوي بعض ها إىل بعض‪ ،‬مث‬
‫تق ول‪ :‬ق د ق د بعزت ك وكرم ك‪ ،‬وال ت زال اجلن ة تفض ل ح ىت ينش ئ اهلل هلا خلق ا‪ ،‬فيس كنهم‬
‫فضل اجلنة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫فيه إثبات‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬قدمه)‪ :‬فيه إثبات القدم هلل تعاىل‪ .‬ويف رواية‪  :‬حىت يضع فيها رجله‬
‫الق دم والرج ل هلل تع اىل وه ذا على ظ اهره‪ .‬واهلل تع اىل ال يض ره ش يء‪ ،‬وال يض ر أح د من‬
‫خلقه‪ .‬وأهل الكالم َأَّو ُلوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يضع طائفة من الناس يقال هلم‪ :‬الرجل؛ ألن العرب تقول‬
‫ذلك يف كالمها‪ .‬فسبحان اهلل عما يقولون علوا كبريا‪ ،‬كيف يتورعون من شيء‪ ،‬مل يتورع‬
‫؟‬ ‫‪‬‬ ‫عنه الرسول‪،‬‬
‫قوله‪( :‬بعزتك وكرمك)‪ :‬هذا الشاهد من احلديث‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫الَعْيُّيِن َأَّو َل القدم‪ ،‬بأن القدم بأن يضع املتقدم من خلقه‪ ،‬أو خلق يقال هلم ذلك‪ ،‬أو‬
‫أن املراد الزجر والتسكني تقول‪ :‬فالن جعلته حتت قدمي‪.‬‬
‫وك ل ه ذا من التأوي ل الباط ل‪ .‬وه ذا ي وجب احلذر من الوق وع فيم ا وق ع في ه ه ؤالء‬
‫العلم اء الكب ار‪ ،‬ال ذين وقع وا يف التأوي ل الباط ل؛ ألهنم مل يوفق وا إىل علم اء ي دلوهنم إىل‬
‫السنة‪ ،‬ومعتقد أهل السنة‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬و ُه َو اَّلِذ ي َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَألْر َض ِباْلَح ِّق"‬
‫حديث‪" :‬اهلل لك الحمد أنت رب السماوات واألرض"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪ - 8‬باب قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ - 7385‬ح دثنا قبيص ة‪ ،‬ح دثنا س فيان‪ ،‬عن ابن ج ريج‪ ،‬عن س ليمان‪ ،‬عن ط اوس‪ ،‬عن‬
‫يدعو من الليل‪ :‬اهلل لك احلمد أنت رب‬ ‫‪‬‬ ‫ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪  :‬كان النيب‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.73 :‬‬

‫‪15‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الس ماوات واألرض‪ ،‬ل ك احلم د أنت قيم الس ماوات واألرض ومن فيهن‪ ،‬ل ك احلم د أنت‬
‫ن ور الس ماوات واألرض‪ ،‬قول ك احلق ووع دك احلق ولق اؤك ح ق‪ ،‬واجلن ة ح ق‪ ،‬والن ار ح ق‪،‬‬
‫والس اعة ح ق‪ ،‬اللهم ل ك أس لمت‪ ،‬وب ك آمنت‪ ،‬وعلي ك ت وكلت‪ ،‬وإلي ك أنبت‪ ،‬وب ك‬
‫خاصمت‪ ،‬وإليك حاكمت‪ ،‬فاغفر يل ما قدمت وما أخرت‪ ،‬وأسررت وأعلنت‪ ،‬أنت إهلي‬
‫حدثنا ثابت بن حممد حدثنا سفيان هبذا وقال‪  :‬أنت احلق وقولك احلق‬ ‫‪‬‬ ‫ال إله يل غريك‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذه الرتمجة فيها إثبات الكالم هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وأنه حبرف وصوت بلفظ ومعىن‪ ،‬مأخوذ من‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬بق ول‬ ‫‪       ‬‬ ‫قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫احلق‪ ،‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خيل ق ب القول‪ ،‬كم ا ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )2( ‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فرق بني اخللق واألمر‪ ،‬فقال ‪-‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪ )3( ‬ويف احلديث إثبات أن احلق اسم من أمساء‬ ‫‪     ‬‬ ‫سبحانه‪:-‬‬
‫اهلل تعاىل أما اسم املتكلم‪ ،‬فال ينسب إىل اهلل تعاىل‪ ،‬ألن الذي يتكلم‪ ،‬قد يتكلم باملذموم‬
‫واحملمود‪.‬‬
‫وه ذا احلديث من االس تفتاحات العظيم ة يف قي ام اللي ل‪ ،‬وفي ه التوس ل ب القيوم ون ور‬
‫الس ماوات واألرض‪ ...‬إخل‪ .‬ويف احلديث إثب ات الربوبي ة هلل تع اىل‪ ،‬وفي ه إثب ات امسه القّي وم‬
‫والقّيم‪.‬‬
‫باب‪َ" :‬و َك اَن الَّلُه َس ِم يًعا َعِليًم ا"‬
‫حديث‪" :‬الحمد هلل الذي وسع سمعه األصوات"‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.73 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األعراف آية ‪.54 :‬‬

‫‪16‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪) 4‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ -9‬باب‬
‫ق ال األعمش‪ :‬عن متيم‪ ،‬عن ع روة‪ ،‬عن عائش ة ‪ -‬رض ي اهلل عنه ا ‪ -‬ق الت‪  :‬احلم د هلل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫ال ذي وس ع مسعه األص وات‪ ،‬فأنـزل اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬على الن يب‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذه الرتمجة فيه ا إثب ات الس مع والبص ر هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خالف ا للمعتزل ة ال ذين يقول ون‪ :‬إن ه‬
‫يس مع بال مسع ويبص ر بال بص ر‪ ،‬واآلي ة فيه ا إثب ات امسي الس ميع والبص ري‪ ،‬وإثب ات ص فيت‬
‫الس مع والبص ر هلل تع اىل‪ ،‬فه و ‪-‬س بحانه‪ -‬يس مع بس مع‪ ،‬ويبص ر ببص ر‪ ،‬وليس ت أمساء اهلل‬
‫جامدة بل مشتقة متضمنة لصفات ومعاين‪ ،‬أما املعتزلة فيثبتون األمساء وال يثبتون الصفات‪،‬‬
‫يقولون مسيع وال يثبتون صفة السمع‪ ،‬بصري وال يثبتون صفة البصر‪.‬‬
‫وهذا التعليق الذي علقه املؤلف عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها ‪( -‬احلمد هلل الذي وسع‬
‫وجادلته‬ ‫‪‬‬ ‫مسعه األصوات) هذا جاء يف قصة اجملادلة خولة بنت ثعلبة ملا جاءت إىل النيب‬
‫أش كو إىل اهلل ص بية‪ ،‬إن‬ ‫ملا ظ اهر منه ا‪ ،‬وق الت للن يب ‪ ‬‬ ‫يف زوجه ا أوس بن الص امت‬
‫يقول هلا‪  :‬م ا أراك‬ ‫ض اعوا ‪ ‬وجعلت جتادل الن يب ‪ ‬والن يب‬ ‫ض ممتهم إيل ج اعوا‪ ،‬أو إلي ه‬
‫وهي تق ول‪ :‬أش كو إىل اهلل‪ ،‬فأنـزل اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه ذه اآلي ة‪ ،‬فس مع‬ ‫‪‬‬ ‫إال ق د ح رمت علي ه‬
‫ش كواها من ف وق س بع مساوات‪ ،‬ح ىت ق الت عائش ة ‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪( :-‬احلم د هلل ال ذي‬
‫وإنه ليخفى علّي بعض كالمها‪ ،‬وقد مسع‬ ‫‪‬‬ ‫وسع مسعه األصوات‪ ،‬إن اجملادلة جتادل النيب‬
‫اهلل شكواها من فوق سبع مساوات)‪.‬‬
‫حديث‪" :‬اربعوا على أنفسكم"‬
‫‪ - 7386‬ح دثنا س ليمان بن ح رب‪ ،‬ح دثنا محاد بن زي د‪ ،‬عن أي وب‪ ،‬عن أيب عثم ان‪ ،‬عن أيب‬
‫يف س فر‪ ،‬فكن ا إذا علون ا َك َّبْر ن ا‪ ،‬فق ال‪ :‬اربع وا على‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪  :‬كن ا م ع الن يب‬ ‫موس ى ‪‬‬
‫‪ - 4‬سورة النساء آية ‪.148 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المجادلة آية ‪.1 :‬‬

‫‪17‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أنفس كم‪ ،‬ف إنكم ال ت دعون أص َّم‪ ،‬وال غائًب ا؛ ت دعون مسيًعا بص ًريا ق ديًر ا‪ ،‬مث أتى علّي وأن ا‬
‫أق ول يف نفس ي‪ :‬ال ح ول وال ق وة إال باهلل‪ ،‬فق ال يل‪ :‬ي ا عب د اهلل بن قيس‪ ،‬ق ل‪ :‬ال ح ول‬
‫وال قوة إال باهلل؛ فإهنا كنـز من كنوز اجلنة‪ ،‬أو قال أال أدلك به ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫في ه أن الص حابة ‪-‬رض ي اهلل عنهم‪ -‬ك انوا يك ربون‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا احلديث ح ديث أيب موس ى‬
‫إذا علوا شرَفا أي‪ :‬مرتفَعا‪ ،‬وذلك يف األسفار كما هي السنة‪ ،‬وإذا هبطوا سبحوا‪ .‬وهذا ه و‬
‫الس نة للمس افر‪ ،‬إذا عال ش رفا‪ ،‬ك رب اهلل؛ ألن ه أك رب من ك ل ش يء‪ ،‬وإذا هب ط س بح اهلل‬
‫تنـزيها له ‪-‬سبحانه‪ -‬عن السفول والنقائص والعيوب‪ ،‬وكان الصحابة يرفعون أصواهتم حىت‬
‫(اربعوا على أنفسكم‪ ،‬فإنكم‬ ‫‪‬‬ ‫إهنم يصرخون هبا صراخا‪ ،‬فيشق ذلك عليهم‪ ،‬فقال النيب‬
‫ال ت دعون أص َّم وال غائًب ا‪ ،‬ت دعون مسيًعا بص ًريا ق ديًر ا) ويف رواي ة‪( :‬أق رب إىل أح دكم من‬
‫عنق راحلته)‪.‬‬
‫فهذا احلديث يفيد إثبات صفيت السمع والبصر هلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وإثبات قربه ‪-‬سبحانه‪ -‬من‬
‫العاب د وال داعي‪ ،‬فه و ‪-‬س بحانه‪ -‬ق ريب من داعي ه باإلجاب ة‪ ،‬ومن عابدي ه باإلثاب ة؛ وهلذا ق ال‬
‫الن يب ‪( ‬إنكم ال ت دعون أص َّم وال غائًب ا) فه ذا دلي ل على أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يس مع بس مع‪،‬‬
‫وليس هو أصُّم ال يسمع‪ ،‬بل هو ‪-‬سبحانه‪ -‬يسمع بسمع‪ ،‬وليس هو ‪-‬سبحانه‪ -‬بعي ًد ا‪ ،‬ال‬
‫ي رى‪ ،‬وال يعلم‪ ،‬ب ل ه و ق ريب يعلم أعم ال عب اده‪ ،‬وي راهم‪ ،‬ويش اهدهم من ف وق عرش ه‪،‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويبصر أعماهلم ال ختفى عليه خافية‪.‬‬
‫فدل احلديث ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬على إثبات القرب للرب تعاىل‪ ،‬وإثبات املعية له ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫معية خاصة لعباده املطيعني والعابدين‪ ،‬فهو معهم بنصره وتأييده ومعونته وتوفيقه‪ ،‬وهو مع‬
‫عب اده عموًم ا بس معه وبص ره وقدرت ه ومش يئته وإحاطت ه‪ .‬قول ه‪( :‬مث أتى علّي ‪ ،‬وأن ا أق ول يف‬
‫نفس ي‪ :‬ال ح ول وال ق وة إال باهلل) ي دل على أن أب ا موس ى ك ان يقوهلا يف نفس ه‪ ،‬ف أخربه‬

‫‪18‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫النيب ‪ ‬وقال له ما يف نفسه‪ ،‬فهذا فيه َعَلٌم من أعالم النبوة‪ ،‬حيث قال له‪ :‬يا أبا موسى‬
‫(قل‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإهنا كنـز من كنوز اجلنة) فيه داللة على فضل هذه الكلمة‪ ،‬وأهنا كنـز من كنوز‬
‫اجلن ة‪ ،‬أي‪ :‬أن ثواهبا كنـز من كن وز اجلن ة‪ ،‬وم ا ذاك إال ملا فيه ا من التج رد من احلول‬
‫والقوة إال باهلل ‪.‬‬
‫ومعىن (ال حول وال قوة إال باهلل) أي‪ :‬ال حتول يل من حال إىل حال‪ ،‬وال قوة يل يا‬
‫اهلل على ذل ك إال ب ك؛ وهلذا ش رع يف إجاب ة املؤذن أن يق ول اجمليب حينم ا يق ول املؤذن‪:‬‬
‫(حي على الص الة‪ ،‬حي على الفالح) أن يق ول‪( :‬ال ح ول وال ق وة إال باهلل) وم ا ذاك إال‬
‫ألن املؤذن يق ول‪ :‬حي على الص الة‪ ،‬أي‪ :‬أقب ل على الص الة‪ ،‬حي على الفالح‪ ،‬أي‪ :‬أق دم‬
‫على الفالح‪ ،‬فأنت جتيبه وتقول‪( :‬ال حول وال قوة إال باهلل) أي‪ :‬ال حول وال قوة يل على‬
‫إجاب ة املؤذن واإلتي ان للص الة إال باهلل‪ ،‬ف دل على فض ل ه ذه الكلم ة‪ ،‬واس تحباب اإلكث ار‬
‫منها ال سيما عند الشدائد؛ وذلك ألهنا هتون املصائب والشدائد‪ ،‬بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬قل‪ :‬اللهم إني ظلمت نفسي"‬
‫‪ -7387-7388‬ح دثنا حيىي بن س ليمان‪ ،‬ح دثين ابن وهب‪ ،‬أخ ربين عم رو‪ ،‬عن يزي د‪ ،‬عن أيب‬
‫ي ا رس ول اهلل‪ ،‬علم ين دع اء‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال للن يب‬ ‫اخلري مسع عب د اهلل بن عم رو‪ ،‬أن أب ا بك ر الص ديق ‪‬‬
‫أدعو ب ه يف صاليت قال‪  :‬ق ل‪ :‬اللهم إين ظلمت نفسي ظلما كث ريا‪ ،‬وال يغف ر ال ذنوب إال‬
‫أنت‪ ،‬فاغفر يل من عندك مغفرة إنك أنت الغفور الرحيم ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ومها الغف ور وال رحيم وفي ه فض ل ه ذا‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا احلديث في ه إثب ات امسني من أمساء اهلل‬
‫‪‬‬ ‫الدعاء ملا فيه من التوسالت العظيمة باهلل‬
‫فأوال‪ :‬فيه توسل بالتقصري وظلم النفس‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬التوسل بأن هذا الظلم للنفس ظلًم ا كثًريا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ثالًثا‪ :‬التوسل بامسني من أمساء اهلل‪ ،‬ومها الغفور والرحيم‪.‬‬


‫رابًعا‪ :‬التوسل بقوله‪ :‬فاغفر يل مغفرة من عندك‪.‬‬
‫خامًس ا‪ :‬التوسل بأنه ال يغفر الذنوب إال اهلل ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ظلًم ا كث ًريا) يف رواي ة (ظلًم ا كب ًريا) قول ه‪( :‬وال يغف ر ال ذنوب إال أنت) ه ذا من‬
‫‪ )1( ‬فال يقدر‬ ‫‪     ‬‬ ‫خصائص اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬قال سبحانه‪:‬‬
‫أحد على مغفرة الذنوب إال اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬سواء كان نبًّي ا‪ ،‬أو ملًك ا‪ ،‬أو إنس ًّيا أو جنًّي ا‪،‬‬
‫ومن ه ذا يت بني بطالن ما يق ع في ه بعض الطوائف من الش رك باهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬حينما يسألون‬
‫غريه املغفرة‪ ،‬كالنصارى‪ ،‬حينما يتوب أحدهم يذهب إىل القسيس؛ ليغفر له ذنبه‪ ،‬ويعطيه‬
‫صك الغفران‪ ،‬وكالرافضة الشيعة الذين يتوبون إىل مشاخيهم‪ ،‬من دون اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم إين أتوب‬ ‫‪‬‬ ‫وقد جاء يف مسند اإلمام أمحد رمحه اهلل‪( :‬أنه ُأيت بأسري للنيب‬
‫ع رف احلق ألهل ه) فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه و أه ل التق وى‬ ‫‪‬‬ ‫إلي ك‪ ،‬وال أت وب حملم د‪ ،‬فق ال الن يب‬
‫وأهل املغفرة‪ ،‬فدل على أنه ال يقدر أحد على مغفرة الذنوب‪ ،‬وال تفريج الكروب وإزالة‬
‫العيوب إال اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وه و أفض ل األم ة‬ ‫‪‬‬ ‫وهن‪%%‬ا فائ‪%%‬دة عظيم‪%%‬ة‪ :‬وهي أن ه إذا ك ان ه ذا ال دعاء ُيَعَّلم للص ديق‬
‫وأفض ل الن اس بع د األنبي اء‪ ،‬ويعلم ه الن يب ‪( ‬اللهم إين ظلمت نفس ي ظلًم ا كث ًريا) فكي ف‬
‫بغريه‪ ،‬ال شك أنه من باب أوىل حلاجة املرء إىل هذا الدعاء العظيم‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬علم ين دع اًء أدع و ب ه يف ص اليت) ج اء يف لف ظ آخ ر (أدع و ب ه يف ص اليت ويف‬
‫بي يت) ف دل على مش روعية ه ذا ال دعاء‪ ،‬يف ال بيت‪ ،‬ويف الص الة‪ ،‬يف الس جود‪ ،‬ويف آخ ر‬
‫التشهد‪ ،‬وبني السجدتني‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.135 :‬‬

‫‪20‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫بقي معرف ة مناس بة ه ذا احلديث للرتمجة‪ ،‬الرتمجة فيه ا (وك ان اهلل مسيًعا بص ًريا) فه ل يف‬
‫احلديث إثب ات الس مع والبص ر؟ اجلواب أن ال داعي مع رتف أن اهلل يس مع ويبص ر‪ ،‬فه و ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ -‬يسمع أقواهلم‪ ،‬ويبصر أعماهلم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل قد سمع قول قومك"‬
‫‪ - 7389‬ح دثنا عب د اهلل بن يوس ف‪ ،‬أخربن ا ابن وهب‪ ،‬أخ ربين ي ونس‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬ح دثين‬
‫إن جربيل ‪-‬عليه السالم‪ -‬ناداين قال‪ :‬إن‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عروة أن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬حدثته قال النيب‬
‫اهلل قد مسع قول قومك‪ ،‬وما ردوا عليك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا كان يف مكة ملا اشتد عليه أذى قريش‪ ،‬وردوا عليه رًّدا سيئا‪ ،‬ويف بعض الروايات‬
‫أن ه ج اءه جربي ل‪ ،‬وق ال‪ :‬إن ه ذا مل ك اجلب ال‪ ،‬وإن اهلل أرس له إلي ك لت أمره‪ ،‬فق ال‪ :‬إن اهلل‬
‫أرجو أن خيرج اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫أرسلين إليك لتأمرين‪ ،‬فإن شئت أطبقت عليهم األخشبني‪ ،‬فقال النيب‬
‫من أصالهبم من يعبد اهلل‪ ،‬ال يشرك به شيئا‪ ...‬أو كما قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬إن اهلل قد مسع قول قومك‪ ،‬وما ردوا عليك) ففيه إثبات السمع هلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬وأنه ‪-‬سبحانه‪ -‬يسمع بسمع‪ ،‬ال كما تقوله املبتدعة كاملعتزلة الذين يقولون‪ :‬يسمع بال‬
‫مسع‪ ،‬ويبصر بال بصر‪ ،‬وال شك أن قوهلم هذا باطل‪ ،‬ألهنم هبذا جيعلون األمساء جامدة بال‬
‫معاين‪ ،‬فيقال هلم‪ :‬إن السميع غري معىن العليم‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ليس أص َّم وال غائبا‪ ،‬بل هو‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬يسمع بسمع‪ ،‬وهو ‪-‬سبحانه‪ -‬حاضر ليس بغائب‪ ،‬يعلم أحوال عباده‪ ،‬ويبصرها‪،‬‬
‫(إنكم ال تدعون أص َّم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫وي دبر أمور خلقه من فوق عرشه ‪-‬سبحانه وتع اىل‪ -‬كما قال‬
‫وال غائبا‪ ،‬إن الذي تدعونه مسيًعا بصًريا قريًبا)‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يف شرح الَعْيِّيِن (قال البيهقي‪ :‬السميع من له مسع يدرك به املسموعات‪ ،‬والبصري من له‬
‫بصر يدرك به املرئيات‪ ،‬قيل كيف يتصور السمع له‪ ،‬وهو عبارة عن وصول اهلواء املتموج‬
‫إىل العصب املفروش إىل مفارق الصماخ‪)...‬‬
‫قلت‪ :‬هذا بالنسبة للمخلوق‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ليس كمثله شيء‪ ،‬فال يشبهه املخلوق ال يف‬
‫ذاته‪ ،‬وال يف أمسائه وال يف صفاته‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪ُ" :‬قْل ُه َو اْلَق اِد ُر "‬
‫حديث‪" :‬اهلل إني أستخيرك بعلمك"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ - 10‬باب قول اهلل تعاىل‬
‫‪ - 7390‬حدثين إبراهيم بن املنذر‪ ،‬حدثنا معن بن عيسى‪ ،‬حدثين عبد الرمحن بن أيب‬
‫املوايل‪ ،‬قال‪ :‬مسعت حممد بن املنكدر‪ ،‬حيدث عبد اهلل بن احلسن يقول‪ :‬أخربين جابر بن عبد‬
‫يعلم أص حابه االس تخارة يف األم ور كله ا‪ ،‬كم ا‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل الس لمي ق ال‪  :‬ك ان رس ول اهلل‬
‫يعلمهم السورة من الق رآن يق ول‪ :‬إذا هم أحدكم باألمر فلريكع ركعتني من غ ري الفريض ة‪،‬‬
‫مث ليق ل‪ :‬اهلل إين أستخريك بعلمك‪ ،‬وأس تقدرك بق درتك‪ ،‬وأس ألك من فض لك‪ ،‬فإن ك تق در‪،‬‬
‫وال أق در‪ ،‬وتعلم‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وأنت عالم الغي وب اهلل‪ ،‬ف إن كنت تعلم ‪-‬مث تس ميه بعين ه‪-‬‬
‫خ ًريا يل يف عاج ل أم ري وآجل ه‪ ،‬ق ال‪ :‬أو يف دي ين ومعاش ي وعاقب ة أم ري‪ ،‬فاق دره يل‪،‬‬
‫ويس ره يل‪ ،‬مث ب ارك يل في ه‪ .‬اللهم وإن كنت تعلم أن ه ش ر يل يف دي ين ومعاش ي وعاقب ة‬
‫أمري‪ ،‬أو قال يف عاجل أمري وآجله‪ ،‬فاصرفين عنه‪ ،‬واقدر يل اخلري حيث كان‪ ،‬مث رضين‬
‫به ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫هذه الرتمجة فيها إثبات اسم القادر ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬وأنه يقدر بقدرة ‪-‬سبحانه وتعاىل‪،-‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.65 :‬‬

‫‪22‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫خالًف ا للمعتزلة القائلني أنه يقدر بال قدرة‪ ،‬ففيه إثبات اسم القادر‪ ،‬وإثبات صفة القدرة‪،‬‬
‫قال تعاىل‪             :‬‬

‫‪           ‬‬
‫‪ )1( ‬اآلي ات من س ورة األنع ام‪ .‬مث س اق املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ح ديث‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(اللهم إين أس تخريك بعلم ك‪ ،‬وأس تقدرك‬ ‫‪‬‬ ‫االس تخارة‪ ،‬وفي ه إثب ات ص فة العلم والق درة هلل‬
‫بقدرتك)‪.‬‬
‫ويف احلديث مش روعية االس تخارة وأهنا مس تحبة‪ ،‬واالس تخارة تك ون يف األم ور املش كلة‪،‬‬
‫اليت ال يتبني وجه املصلحة فيها‪ ،‬كأن يستخري يف الدخول مع فالن يف التجارة‪ ،‬أو الزواج‬
‫من فالن ة‪ ،‬أو الس فر إىل ك ذا‪ ،‬أو الس فر إىل احلج يف ه ذا الع ام إذا ك ان الطري ق خموًف ا‪،‬‬
‫فهذا يشرع فيه االستخارة‪.‬‬
‫أما األمور الواضحة اليت ال إشكال فيها‪ ،‬فليس فيها استخارة‪ .‬فال يستخري اإلنسان يف‬
‫العب ادات ككون ه يص وم‪ ،‬أو يص لي‪ ،‬أو ي زكي‪ ،‬أو حيج‪ ،‬أو ب أن ي ؤدي الواجب ات‪ ،‬وينتهي‬
‫عن احملرم ات‪ ،‬ه ذا ليس في ه اس تخارة‪ ،‬إمنا االس تخارة تك ون يف األم ور املش كلة‪ ،‬ال يت مل‬
‫يتبني وجه املصلحة فيها‪.‬‬
‫وإذا اس تخار‪ ،‬وانش رح ص دره لش يء من ذل ك‪ ،‬ميض ي ملا انش رح ل ه ص دره‪ ،‬ف إن مل‬
‫ينشرح صدره‪ ،‬فإنه يكرر االستخارة ويستشري أيضا‪ .‬وكانوا يف اجلاهلية يستقسمون باألزالم‪،‬‬
‫فعوض هم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يف اإلس الم باالس تخارة واالستش ارة‪ ،‬وك انوا يف اجلاهلي ة‪ ،‬إذا أراد‬
‫أح دهم س فًر ا أو زواًج ا‪ ،‬أو جتارة استقس م ب األزالم‪ ،‬في أتون ب األزالم‪ ،‬وهي ثالث ق داح‬
‫مكت وب على واح د منه ا افع ل‪ ،‬والث اين ال تفع ل‪ ،‬والث الث غف ل‪ ...‬مث جييلوهنا‪ ،‬ف إن خ رج‬
‫افع ل مض ى‪ ،‬وإن خ رج ال تفع ل أحجم‪ ،‬وإن خ رج الث الث أجاهلا ح ىت خيرج واح د من‬
‫االثنني‪ :‬افعل‪ ،‬أو ال تفعل‪ ،‬فأبطل اإلسالم االستقسام باألزالم‪ ،‬وعوضهم اهلل عنها باالستخارة‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.65 :‬‬

‫‪23‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وأب ا بك ر يف س فر‬ ‫‪‬‬ ‫واالستش ارة‪ ،‬ومن ذل ك قص ة س راقة‪ ،‬قب ل أن يس لم ملا حلق الن يب‬
‫اهلج رة‪ ،‬أج ال األق داح ه ل يفع ل أو ال يفع ل‪ ،‬أي‪ :‬ه ل يلح ق هبم ا أم ال؟ فخ رج ال ذي‬
‫يكره‪ ،‬فلم يطعه‪ ،‬مث أجاهلا مرة أخرى‪ ،‬فلم يطعه‪...‬‬
‫ملا ن ذر أن ي ذبح العاش ر من ول ده‪ ،‬وك ان‬ ‫‪‬‬ ‫ومن ذل ك قص ة عب د املطلب ج د الن يب‬
‫مث ملا أراد أن ي ويف بن ذره‪ ،‬ف داه بعش ر من اإلب ل‪ ،‬وص ار‬ ‫‪‬‬ ‫العاش ر عب د اهلل وال د الن يب‬
‫يستقس م ح ىت تق ع على اإلب ل‪ ،‬أو على الول د ويف ك ل م رة تق ع على الول د‪ ،‬ح ىت بلغت‬
‫مائة‪ ،‬مث وقعت على اإلبل‪ ،‬فذبح مائة‪ ،‬فكانت فداء للولد‪ ،‬فأقّر اإلسالم الِّد َية‪ ،‬وهي مائة‬
‫من اإلبل‪.‬‬
‫وفي ه دلي ل على أن االس تخارة إمنا تك ون بع د الركع تني‪ ،‬يص لي ركع تني مث ي دعو هبذا‬
‫ال دعاء؛ ألن ه ق ال يف احلديث‪( :‬إذا هم أح دكم‪ ......‬فل ريكع ركع تني من غ ري الفريض ة مث‬
‫ليق ل‪ .).....‬و (مث) لل رتتيب وال رتاخي‪ ،‬ف دل على أن ال دعاء يك ون بع د ص الة الركع تني‪،‬‬
‫فيصلي ركعتني‪ ،‬مث بعد االنتهاء منها يقول هذا الدعاء‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬اللهم إن كنت تعلم أن ه ذا األم ر‪ )...‬يفي د أن املش روع ل ه تس مية ه ذا األم ر‬
‫بعينه‪ ،‬كأن يقول هذا الزواج أو هذا السفر‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫وهذا الدعاء فيه توسل إىل اهلل بصفيت العلم والقدرة‪ ،‬وفيه االلتجاء إىل اهلل واستخارته‬
‫وفيه توسل إىل اهلل بامسيه الغفور والرحيم‪ ،‬والشاهد من الرتمجة قوله‪( :‬تقدر وال أقدر)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يدل على أنه ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬يقدر بقدرة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫طلب العلم ال حيتاج إىل استخارة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب مقلب القلوب‬


‫حديث‪" :‬أكثر ما كان النبي يحلف‪ :‬ال ومقلب القلوب "‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ - 11‬باب مقلب القلوب‪ ،‬وقول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ -7391‬ح دثين س عيد بن س ليمان‪ ،‬عن ابن املب ارك‪ ،‬عن موس ى بن عقب ة‪ ،‬عن س امل‪،‬‬
‫حيلف‪ :‬ال ومقلب القلوب ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫عن عبد اهلل قال‪  :‬أكثر ما كان النيب‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫هذا فيه إثبات صفة من صفات اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬بأنه مقلب القلوب وكان النيب‬
‫أيًض ا كث ًريا ما يدعو بقوله‪( :‬يا مقلب القلوب ثبت قليب على دينك) كما صح عنه ذلك‬
‫من حديث عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ :-‬أن الن يب ‪ ‬كث ًريا ما كان يقول‪ :‬ي ا مقلب القلوب‬
‫ثبت قليب على دينك‪ ،‬فتقول عائشة يا رسول اهلل‪ ،‬كث ًريا ما تدعو هبذا الدعاء‪ ،‬وقد غفر‬
‫لك ما تقدم من ذنبك‪ ،‬وما تأخر‪ ،‬فيقول‪ :‬وما يؤمنين‪ ،‬يا عائشة وقلوب العباد بني إصبعني‬
‫‪‬‬ ‫من أص ابع ال رمحن‪ ،‬إذا أراد أن يقلب قلب عب د قلب ه) ي دل على ذل ك قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬ولعل هذه‬ ‫‪        ‬‬

‫الرواية ليست على شرط املؤلف‪ ،‬فلم يذكرها هنا‪.‬‬


‫وتقليب القلوب تغيريها من حال إىل حال‪ ،‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬يغريها من حال إىل حال‪،‬‬
‫ويص رفها من رأي إىل رأي‪ ،‬وفي ه دلي ل على مش روعية احلل ف مبقلب القل وب؛ ألهنا ص فة‬
‫من صفاته‪ ،‬فاحللف يكون باهلل وأمسائه وصفاته‪ ،‬وتقليب القلوب فعل من أفعاله‪ ،‬ووصف له‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫أم ا ق ول املعتزل ة يف مع ىن تقليب القل وب‪ ،‬أن التقليب معن اه الطب ع‪،‬والطب ع معن اه ال رتك‪،‬‬
‫فهذا باطل؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ال يرتك عباده وحاهلم ليفعلوا ما يريدون‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.110 :‬‬

‫‪25‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫واملعتزلة ال يرون أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬له ِنعمة دينية على املؤمن خَّص ه هبا من دون الكافر‪،‬‬
‫فأعان ه‪ ،‬فال ي رون اإلعان ة من اهلل للم ؤمن‪ ،‬وال ي رون أن اهلل خ ذل الك افر‪ ،‬ب ل يقول ون‪:‬‬
‫املؤمن والكافر على حٍّد سواء‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مل يوفق املؤمن‪ ،‬ومل خيذل الكافر‪ ،‬لكن املؤمن‬
‫اختار اإلميان بنفسه‪ ،‬والكافر اختار الكفر بنفسه‪ ،‬ومَّثلوا اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف هذا كمثل رجل‬
‫ل ه ابن ان‪ ،‬أعطامها س يفني‪ ،‬وق ال هلم ا‪ :‬جاه دا يف س بيل اهلل‪ ،‬فأح دمها جاه د يف س بيل اهلل‪،‬‬
‫واآلخر قطع به رقاب املسلمني‪ ،‬فاألب ليس له تأثري عليهما‪ ،‬فكذلك اهلل ليس له تأثري ال‬
‫على املؤمن وال على الكافر‪ ،‬تعاىل اهلل عما يقولون علًّو ا كبًريا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫فقوهلم هذا من أبطل الباطل‪ ،‬فقد رد اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬على أمثال هؤالء بقوله‪ :‬‬

‫‪         ‬‬
‫‪            ‬‬

‫(‪ )1‬اآلية‪.‬‬
‫ف املؤمن خَّص ه اهلل بنعم ة ديني ة أعان ه عليه ا‪ ،‬دون الك افر‪ ،‬والك افر خذل ه اهلل‪ ،‬ف املؤمن‬
‫حبب اهلل إلي ه اإلميان وزين ه يف قلب ه‪ ،‬وك ره إلي ه الكف ر والفس وق والعص يان‪ ،‬عكس الك افر‬
‫نسأله ‪-‬سبحانه‪ -‬أن حيبب إلينا اإلميان‪ ،‬وأن يزينه يف قلوبنا‪ ،‬وأن يكره إلينا الكفر والفسوق‬
‫والعصيان‪ ،‬وأن جيعلنا من الراشدين‪.‬‬
‫واملقصود أن تقليب القلوب صفة من صفات اهلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وِفعل من أفعاله؛ وهلذا كان‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫يقسم به‪ ،‬ويدل على ذلك قوله ‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫‪. ) 2( ‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ق ال ابن حج ر رمحه اهلل‪( :‬وفي ه حج ة ملن أج از تس مية اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬مبا ثبت يف اخلرب‪،‬‬
‫ولو مل يتواتر جواز اشتقاق االسم له ‪-‬تعاىل‪ -‬من الفعل الثابت)‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة الحجرات آية ‪.8-7 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.110 :‬‬

‫‪26‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قلت‪ :‬ثب وت اخلرب ال يش رتط في ه الت واتر‪ ،‬واملهم ه و ص حة احلديث‪ ،‬أم ا قول ه‪ :‬ج واز‬
‫اشتقاق االسم له تعاىل من الفعل الثابت‪ ،‬فغري صحيح؛ ألن األمساء توقيفية ال تشتق‪ ،‬لكن‬
‫األمساء متض منة للص فات‪ ،‬ف الرمحن متض من لص فة الرمحة والق ادر متض من لص فة الق درة‪ ،‬أم ا‬
‫اش تقاق األمساء من الص فات‪ ،‬فغ ري ص حيح‪ ،‬فال يص ح أن يش تق من ص فة الكالم املتكلم‪،‬‬
‫وذلك ملا ذكرنا أن األمساء توقيفية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب‪" :‬إن هلل مائة اسم إال واحًد ا"‬


‫حديث‪" :‬إن هلل تسعة وتسعين اسما"‬
‫‪ - 12‬باب إن هلل مائة اسم إال واحًد ا‬
‫قال ابن عباس‪ :‬ذو اجلالل‪ :‬العظمة‪ ،‬الرب‪ :‬اللطيف‪.‬‬
‫‪ - 7392‬ح دثنا أب و اليم ان‪ ،‬أخربن ا ش عيب‪ ،‬ح دثنا أب و الزن اد‪ ،‬عن األع رج‪ ،‬عن أيب هري رة أن‬
‫قال‪  :‬إن هلل تسعة وتسعني امسا مائة إال واحًد ا‪ ،‬من أحصاها دخل اجلنة ‪.‬‬ ‫رسول اهلل ‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه إثبات أن هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أمساء حسىن ثابتة يف الكتاب والسنة واألمساء والصفات‬
‫توقيفي ة‪ ،‬ليس ت خمرتع ة خيرتعه ا الن اس من عن د أنفس هم‪ ،‬ب ل م ا ج اء يف الق رآن والس نة‬
‫الص حيحة من أمساء اهلل وصفاته احلسىن أثبتناه‪ ،‬وما مل يأت ال نثبته‪ ،‬فال يصح أن خنرتع‬
‫من عند أنفسنا أمساء وصفات له سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ويف هذا احلديث إثبات أن هلل تسعة وتسعني امسا‪ ،‬مائة إال واح ًد ا‪ ،‬من أحصاها دخل‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫وأمساء اهلل ليس ت حمص ورة هبذا الع دد‪ ،‬وليس املراد من احلديث احلص ر‪ ،‬ب ل أمساء اهلل‬
‫‪‬‬ ‫كث رية منه ا م ا يعلم ه العب اد‪ ،‬ومنه ا م ا ال يعلمون ه‪ ،‬ي دل على ذل ك احلديث املش هور‬
‫أس ألك بك ل اس م ه و ل ك مسيت ب ه نفس ك‪ ،‬أو أنـزلته يف كتاب ك‪ ،‬أو علمت ه أح ًد ا من‬
‫خلق ك‪ ،‬أو اس تأثرت ب ه يف علم الغيب عن دك‪  ...‬احلديث‪ .‬فهن اك أمساء اس تأثر اهلل بعلم‬
‫الغيب ِعنده‪ ،‬فدل على أن أمساء اهلل ليست حمصورة هبذا العدد‪ ،‬لكن معىن احلديث (أن هلل‬
‫تسعة وتسعني امسا) موصوفة هبذا الوصف‪ ،‬وهو أن من أحصاها دخل اجلنة‪.‬‬
‫واختل ف العلم اء يف مع ىن قول ه‪( :‬من أحص اها) فقي ل‪ :‬املع ىن َع ُّدها‪ ،‬وقي ل‪ :‬املع ىن حفظه ا‪،‬‬
‫وقي ل‪ :‬املع ىن العم ل هبا‪ ،‬وقي ل‪ :‬التوس ل إىل اهلل هبا‪ ،‬وس ؤال اهلل هبا‪ ،‬واالس تعاذة منه ا‪ ،‬ولع ل‬
‫مجي ع ه ذه املع اين م رادة‪ .‬وه ذه األمساء مل حُت َّدد ومل ُتعنَّي ‪ ،‬واحلكم ة ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬ليجته د‬

‫‪28‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫العب اد‪ ،‬وجيته د ط الب العلم يف البحث عنه ا‪ ،‬وتتبعه ا من الكت اب والس نة‪ ،‬كم ا أن اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬أخفى ليلة القدر يف العشر األواخر من رمضان؛ حىت جيتهد العباد يف مجيع العشر‪،‬‬
‫وكما أخفى اهلل ساعة اجلمعة؛ حىت جيتهد العباد يف حتصيل ساعة العصر‪.‬‬
‫أما تعداد هذه األمساء يف بعض األحاديث‪ ،‬فالصواب أنه مدرج‪ ،‬كما قال احلافظ ابن‬
‫‪‬‬ ‫حج ر ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف البل وغ‪ ،‬فتع داد التس عة والتعني اًمسا م درًج ا‪ ،‬ليس من ق ول الن يب‬
‫واملقص ود أن ه ذا احلديث‪ :‬يفي د أن هلل تس عة وتس عني اًمسا‪ ،‬موص وفة‪ ،‬كم ا ذكرن ا أن من‬
‫أحصاها دخل اجلنة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫مسألة االسم هل هو املسمى‪ ،‬أو غري املسمى املسالة فيها تفصيل‪ ،‬فإن أريد أن هناك‬
‫أمساء مستقَّلة‪ ،‬فغري صحيح‪ ،‬أما إن أريد أن اهلل تعاىل مسمى هبذا االسم‪ ،‬وأن هذه األمساء‬
‫دالة على ذاته ‪-‬سبحانه‪ -‬فهذا هو املراد وهو الصحيح‪ .‬واملقصود أنه ال يقال‪ :‬إن االسم هو‬
‫املسمى‪ ،‬وال يقال‪ :‬إن االسم غري املسمى‪ ،‬بل ال بد من التفصيل‪ ،‬كما ذكرنا‪.‬‬
‫باب السؤال بأسماء اهلل واالستعاذة منها‬
‫حديث‪" :‬إذا جاء أحدكم فراشه فْلَينفضه"‬
‫‪ - 13‬باب السؤال بأمساء اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬واالستعاذة منها‬
‫‪ - 7393‬ح دثنا عب د العزي ز بن عب د اهلل‪ ،‬ح دثين مال ك‪ ،‬عن س عيد بن أيب س عيد املق ربي‪ ،‬عن أيب‬
‫هريرة‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪  :‬إذا جاء أحدكم فراشه‪ ،‬فْلَينفضه ِبَص ِنَف ة ثوبه ثالث مرات‪ ،‬وليقل‪:‬‬
‫بامسك رب وض عت جن يب‪ ،‬وب ك أرفع ه‪ ،‬إن أمس كت نفس ي‪ ،‬ف اغفر هلا‪ ،‬وإن أرس لتها‪،‬‬
‫تابعه حيىي وبشر بن املفضل‪ ،‬عن عبيد اهلل‪ ،‬عن‬ ‫‪‬‬ ‫فاحفظها مبا حتفظ به عبادك الصاحلني‬
‫وزاد زهري وأبو ضمرة وإمساعيل بن زكريا‪ ،‬عن عبيد‬ ‫‪‬‬ ‫سعيد‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن النيب‬
‫تابع ه حمم د بن عب د ال رمحن‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‪ ،‬عن س عيد‪ ،‬عن أبي ه عن أيب هري رة‪ ،‬عن الن يب‬
‫والدراوردي وأسامة بن حفص‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هذا الباب‪ ،‬عقده املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬للسؤال بأمساء اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬واالستعاذة هبا‪ ،‬ق ال اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫تع اىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬فه ذه اآلي ة مناس بة هلذا الب اب‪،‬‬ ‫‪      ‬‬

‫وك ان من املناس ب‪ ،‬أن ي أيت هبا املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬لالس تدالل هبا يف ه ذا املوض ع‪ .‬وأمساء‬
‫اهلل احلسىن اليت أخرب هبا يف كتابه‪ ،‬أو على لسان رسوله ‪ُ ‬يدعى هبا ‪-‬سبحانه وتعاىل‪-‬‬
‫وُيَتعَّبد هلل بالدعاء هبا‪ ،‬فيقال‪ :‬يا غفور اغفر يل‪ ،‬يا رمحن ارمحين‪ ،‬يا تواب تب علي‪.‬‬
‫وك ذلك ُيس َتعاذ بأمساء اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬وص فاته‪ ،‬ومن ذل ك م ا ج اء يف احلديث الص حيح‪،‬‬
‫وهو دعاء عظيم كان النيب ‪ ‬يدعو به يف سجوده‪ ،‬وعلمه احلسن بن علي ‪ ‬يف قنوت‬
‫ال وتر‪ ،‬وه و قول ه‪  :‬اللهم إين أع وذ برض اك من س خطك‪ ،‬ومبعافات ك من عقوبت ك‪ ،‬وب ك‬
‫منك‪  ...‬احلديث‪.‬‬
‫فاستعاذ بصفة الرضى من صفة السخط‪ ،‬وبصفة املعافاة‪ ،‬من صفة العقوبة‪ ،‬واستعاذ باهلل‬
‫من اهلل يف قوله (وبك منك)‪.‬‬
‫فه ذا دع اء عظيم‪ ،‬تض من مع اين عظيم ة من مع اين الربوبي ة وااللتج اء إىل اهلل ‪-‬تع اىل‪،-‬‬
‫وتف ويض األم ر إلي ه‪ ،‬وبي ان أن ه املتص رف يف خلق ه كي ف ش اء‪ ،‬وق د س بق ‪-‬أيًض ا‪ -‬ذك ر‬
‫أعوذ بعزة اهلل وقدرته‪ ،‬من شر‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫االستعاذة بصفات اهلل يف موضع آخر‪ ،‬كما يف قوله‬
‫وقد سرد املؤلف أمثلة يف هذا‪ ،‬كقصة الرجل الذي هو آخر أهل اجلنة‬ ‫‪‬‬ ‫ما أجد وأحاذر‬
‫دخوال اجلنة‪ ،‬إىل أن قال‪  :‬ال وعزتك ‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫وأخرب اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬عن إبليس أنه قال‪:‬‬
‫ويف قصة أيوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬ملا خر عليه جراد من ذهب‪ ...‬قال‪  :‬ال وعزتك‪ ،‬ال غىن‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.180 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة ص آية ‪.82 :‬‬

‫‪30‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أو كم ا ج اء يف احلديث‪ .‬فه ذا اس تعاذة‪ ،‬وس ؤال‪ ،‬وقس م بأمساء اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫يل عن بركت ك‬
‫وصفاته‪.‬‬
‫ويف هذا احلديث الذي ساقه املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬مشروعية هذا الدعاء عن النوم‪ ،‬وأنه‬
‫يش رع أن يأخ ذ بص نفة ثوب ه‪ ،‬أو فراش ه‪ ،‬وينفض ه ثالًث ا‪ ،‬وص نفة إزاره وثوب ه‪ ،‬أي‪ :‬ط رف‬
‫‪‬‬ ‫الث وب‪ ،‬أو حاشية الث وب‪ ،‬وجاء يف حديث آخ ر بي ان احلكمة يف ه ذا النفض أن ه ق ال‪:‬‬
‫فهذا يدل على استحباب نفضه لطرف الفراش‪ ،‬وأن يقول‬ ‫‪‬‬ ‫فإنه ال يدري ما خلفه عليه‬
‫هذا الدعاء إذا أراد النوم‪ ،‬وهو قوله‪  :‬بامسك ريب وضعت جنيب‪ ،‬وبك أرفعه‪ ،‬إن أمسكت‬
‫ويف رواية أخرى‪  :‬إن أمسكت نفسي فارمحها‪ ،‬وإن أرسلتها فاحفظها‬ ‫‪‬‬ ‫نفسي‪ ،‬فاغفر هلا‬
‫أنه جيعل يده حتت خده‪ ،‬ويقول‬ ‫‪‬‬ ‫وجاء يف احلديث اآلخر‬ ‫‪‬‬ ‫مبا حتفظ به عبادك الصاحلني‬
‫هذا الدعاء ‪.‬‬
‫قول ه‪  :‬إن أمس كت نفس ي ‪ :‬املراد ب النفس ال روح‪ .‬واملع ىن أن ك إذا قبض تها‪ ،‬ف اغفر هلا‪،‬‬
‫وارمحه ا‪ .‬قول ه‪( :‬وإن أرس لتها) املع ىن أن ك إن مل تقبض ها‪ ،‬فاحفظه ا مبا حتف ظ ب ه عب ادك‬
‫الص احلني‪ ،‬واملراد احفظ ين ي ا اهلل إن أحييت ين وأبقيت ين‪ ،‬وإن أمت ين‪ ،‬ف اغفر يل وارمحين‪ ،‬كم ا‬
‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬ ‫ق ال تع اىل‪:‬‬

‫‪            ‬‬
‫‪ )2( ‬أي‪:‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )1( ‬ومعىن قوله‪:‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ )3( ‬يسمى‬ ‫‪        ‬‬ ‫األرواح يف األجساد‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫النوم ميتة صغرى‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يتوىف األنفس حني موهتا‪ ،‬واليت مل متت يتوفاها يف منامها‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر آية ‪.42 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.42 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الزمر آية ‪.42 :‬‬

‫‪31‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )4( ‬املعىن أنه ميسكها عنده‪،‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫مث يرسلها‪ .‬قوله‪:‬‬
‫فمن الناس من ميوت‪ ،‬إذا نام املوتة الصغرى‪ ،‬مث الكربى‪ ،‬تكون بعدها‪.‬‬
‫والروح هلا تعلقات باجلسد‪:‬‬
‫فله ا تعل ق‪ ،‬وه و ج نني يف بطن أم ه‪ ،‬وهلا تعل ق باجلس د عن د الن وم‪ ،‬وهلا تعل ق ب ه يف‬
‫اليقظ ة‪ ،‬وهلا تعل ق ب ه يف الق رب‪ ،‬وهلا تعل ق ب ه ي وم احلس اب‪ ،‬وه ذه التعلق ات ختتل ف‪ ،‬فك ل‬
‫تعلق له صفات خاصة‪.‬‬
‫والش اهد قول ه‪( :‬بامسك ريب)‪ ،‬فه ذا اس تعانة وس ؤال باهلل وت ربك بامسه‪ ،‬ب أن يغف ر اهلل ل ه‬
‫إن توَّفاه‪ ،‬وأن حيفظه إن أحياه‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫األغلب أن هذا الدعاء يقال يف نوم الليل‪ ،‬وال مينع أن يقال يف نوم النهار‪ ،‬وهذا أمر‪،‬‬
‫واألص ل يف األوام ر أهنا للوج وب‪ ،‬لكن إذا ك ان من ب اب اآلداب‪ ،‬فجمه ور العلم اء يرون ه‬
‫لالستحباب‪ ،‬وهو هنا لالستحباب‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ذك ر الَعْيُّيِن عن ابن بط ال‪( :‬أن االس م ه و املس مى؛ ول ذلك ص حت االس تعاذة باالس م‪،‬‬
‫كم ا تص ح يف ال ذات) ق ال‪ :‬أي‪ :‬الَعْيّيِن‪( :‬ك ون االس م ه و املس مى‪ ،‬ال يتمش ى إال يف اهلل‬
‫تعاىل)‪.‬‬
‫وكل هذا ليس فيه حتقيق‪ ،‬واملسألة فيها تفصيل‪:‬‬
‫فاالسم ‪-‬ال شك‪ -‬أنه يدل على املسمى‪ ،‬فإن أريد أن هناك أمساء وصفات منفص لة عن‬
‫الذات‪ ،‬فهذا ليس بصحيح‪ ،‬وإن أريد أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بأمسائه وصفاته وذاته هو الرب‪ ،‬وهو‬
‫اخلالق‪ ،‬وأن هذه األمساء والصفات دالة عليه‪ ،‬فهذا صحيح‪ ،‬فاالسم ال يقال‪ :‬إنه خارج عن‬
‫ال ذات‪ ،‬وال يق ال‪ :‬إن ه من ال ذات‪ ،‬ب ل ال ب د من التفص يل‪ ،‬أم ا ق ول‪ :‬إن االس م زائ د عن‬

‫‪ - 4‬سورة الزمر آية ‪.42 :‬‬

‫‪32‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الذات‪ ،‬أو غ ري زائ د عن الذات‪ ،‬فكل ه ذا من كالم املتكلمني؛ ألن عن دهم شبًه ا كث رية‪،‬‬
‫فيزعمون أنه إذا قيل‪ :‬إن االسم زائد عن الذات‪ ،‬أو أن هلل أمساء وصفات صار فيه تعدد‪،‬‬
‫واخلالق واحد ال يتعدد‪ ،‬وهذا كله من حبوث أهل الكالم‪ ،‬وكلها حبوث باطلة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬اللهم باسمك أحيا وأموت"‬
‫قال‪  :‬كان النيب‬ ‫‪ - 7394‬حدثنا مسلم‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن عبد امللك‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن حذيفة ‪‬‬
‫إذا أوى إىل فراش ه ق ال‪ :‬اللهم بامسك أحي ا وأم وت‪ ،‬وإذا أص بح ق ال‪ :‬احلم د هلل ال ذي‬ ‫‪‬‬
‫أحيانا بعدما أماتنا‪ ،‬وإليه النشور ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ي دل احلديث على مش روعية ه ذا ال دعاء‪ ،‬عن د الن وم وعن د اليقظ ة فيق ول عن د الن وم‬
‫(بامسك اللهم أحيا وأموت) وإن استيقظ قال‪( :‬احلمد هلل الذي أحي اين‪ ،‬بعدما أماتين‪ ،‬وإليه‬
‫‪‬‬ ‫النشور) فهذا أمر مستحب‪ ،‬ويفيد احلديث أن اليقظة بعد النوم حياة جديدة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫‪          ‬‬
‫‪ )1( ‬والش اهد قول ه‪( :‬بامسك اللهم) فه ذا في ه اس تعانة باهلل وت ربك‬ ‫‪   ‬‬

‫بامسه‪ ،‬وسؤال به سبحانه‪.‬‬


‫وق د ورد دع اء آخ ر يق ال عن د الن وم‪ ،‬وه و قول ه‪( :‬بامسك ريب وض عت جن يب وب ك‬
‫أرفعه‪ )..‬احلديث‪ .‬واملشروع اجلمع بينهما‪ ،‬فيعمل بكال احلديثني‪.‬‬
‫حديث‪" :‬الحمد هلل الذي أحيانا بعدما أماتنا"‬
‫‪ - 7395‬حدثنا سعد بن حفص‪ ،‬حدثنا شيبان عن منص ور‪ ،‬عن ربعي بن ح راش‪ ،‬عن خرشة بن‬
‫إذا أخ ذ مض جعه من اللي ل ق ال‪ :‬بامسك اللهم منوت‬ ‫‪‬‬ ‫احلر‪ ،‬عن أيب ذر ق ال‪  :‬ك ان الن يب‬
‫وحنيا‪ ،‬فإذا استيقظ قال‪ :‬احلمد هلل الذي أحيانا بعدما أماتنا‪ ،‬وإليه النشور ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.60 :‬‬

‫‪33‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬إذا أخ ذ مض جعه) أي‪ :‬إذا أراد الن وم‪ ،‬والش اهد قول ه‪( :‬بامسك منوت وحني ا) يفي د‬
‫التربك باسم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله"‬
‫‪ - 7396‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن سامل‪ ،‬عن كريب‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫لو أن أحدكم إذا أراد أن يأيت أهله‪ ،‬فقال‪ :‬باسم‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫اهلل‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا‪ ،‬فإنه إن يقدر بينهما ولد يف ذلك‪،‬‬
‫مل يضره شيطان أبًد ا ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه مشروعية التسمية عند اجلماع قوله‪( :‬يأيت أهله) أي‪ :‬جيامع زوجته‪.‬‬
‫(فإنه إن يقدر بينهما ولد‪ ،‬مل يضره الشيطان‬ ‫‪‬‬ ‫والفائدة من هذا الدعاء بينها الرسول‬
‫أبًد ا) فينبغي لإلنسان أال يغفل عن التسمية يف هذا املوضع‪ ،‬وأن حيسن ظنه باهلل‪ ،‬وأن يرجو‬
‫ه ذه الفائ دة العظيم ة‪ ،‬وهي إن يق در بينهم ا ول د مل يض ره ش يطان أب ًد ا‪ .‬ف إذا قاهلا اإلنس ان‬
‫ممتثال ألمر رسول اهلل ‪ ‬حمسًنا الظن باهلل‪ ،‬فإنه يرجى له حصول هذه الفائدة العظيمة‪.‬‬
‫والشاهد من الرتمجة االستعانة باهلل‪ ،‬والتربك بامسه ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ ،-‬وفيه دليل على أن‬
‫هذا الدعاء مستحب؛ ألنه قال‪( :‬لو أن أحدكم إذا أراد أن يأيت أهله‪ ،‬قال‪ :‬بسم اهلل‪)...‬‬
‫ومل يقل (مسوا) بصيغة األمر؛ ألنه ولو كان أمًر ا‪ ،‬لكان أصله الوجوب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬مل يضره شيء) على عمومه‪ ،‬واملعىن ال يضره شيء يف دينه‪ ،‬وال دنياه‪ ،‬فاألصل‬
‫أنه ال يضره الضرر الديين‪ ،‬أما الضرر الدنيوي‪ ،‬فهو تبع‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إذا أرسلت كالبك المعلمة"‬
‫‪ - 7397‬حدثنا عبد اهلل بن مسلمة‪ ،‬حدثنا فضيل‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن مهام‪ ،‬عن عدي‬
‫بن ح امت ‪ ‬ق ال‪  :‬س ألت الن يب ‪ ‬قلت‪ :‬أرس ل كاليب املعلم ة؟ ق ال‪ :‬إذا أرس لت كالب ك‬
‫املعلمة‪ ،‬وذكرت اسم اهلل‪ ،‬فأمسكن‪َ ،‬فُك ْل ‪ ،‬وإذا رميت باِملْع َر اض‪ ،‬فخزق فكل ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث يفي د مش روعية التس مية عن د إرس ال الكلب املعلم للص يد وأن التس مية حتل‬
‫الصيد‪ ،‬أما إذا مل يسِّم ‪ ،‬فال حيل الصيد‪ .‬وال حيل صيد الكلب‪ ،‬أو اجلارح إال بشروط‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يك ون اجلارح معلًم ا‪ ،‬وه و ال ذي إذا أرس له اسرتس ل‪ ،‬وإذا زج ره‪ ،‬انـزجر‪ ،‬وإذا‬
‫صاد مل يأكل من الصيد‪ ،‬أما إن كان الكلب غري معلم‪ ،‬فال حيل الصيد به‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يسِّم اهلل عند إرسال الكلب‪ ،‬أو اجلارح‪.‬‬
‫‪ -3‬أال يأكل الكلب‪ ،‬أو اجلارح من الصيد‪ ،‬فإن أكل من الصيد‪ ،‬فال حيل للصائد‪ ،‬ملا‬
‫فإن أكل‪ ،‬فال تأكل‪ ،‬فإين أخاف أن يكون أمسك لنفسه ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫جاء يف احلديث‬
‫‪ -4‬أال يش ارك الكلب يف اإلرس ال كالًب ا أخ رى غ ري معلم ة‪ ،‬ف إن اختلطت م ع كالب‬
‫أخ رى غ ري معلم ة‪ ،‬فال يأك ل؛ ألن ه ال ي دري م ا ال ذي ص اد‪ ،‬ه ل ه و كلب ه أو الكالب‬
‫األخرى؟ فإن وجدت هذه الشروط صح‪ ،‬وحل الصيد‪.‬‬
‫وأم ا ال رمي فق ال‪( :‬وإذا رميت ب اِملْع َر اض‪ ،‬فخ زق فك ل) أي‪ :‬إذا ض ربه حبّد الس هم‪ ،‬أو‬
‫ال رمح وخ زق‪ ،‬أي‪ :‬خرق الصيد‪ ،‬ودخل في ه‪ ،‬فإن ه يأك ل‪ ،‬أما إذا مل خيزق‪ ،‬ومات ضرًبا‪،‬‬
‫فإنه وقيذ‪ ،‬فال يؤكل‪.‬‬
‫فدل على أنه ال بد يف السهم‪ ،‬الذي يرمي به يف الصيد‪ ،‬أن خيرق الصيد بأن يكون‬
‫حمدًدا‪ ،‬ك رأس الس كني‪ ،‬أو الرصاص ة ال يت ت دخل‪ ،‬وخترق الص يد‪ ،‬أم ا ض رب الص يد بع رض‬
‫العصا‪ ،‬أو احلجر‪ ،‬أو ما يسمى بالنباطة‪ ،‬اليت يعملها األطفال‪ ،‬فهذا وقيذ؛ ألنه يقتل الصيد‬
‫بثقله ال حبده‪.‬‬
‫والش اهد من احلديث قول ه‪( :‬إذا أرس لت كلب ك‪ ،‬وذك رت اس م اهلل) فه ذا اس تعانة باس م‬
‫اهلل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن هاهنا أقواًما حديث عهدهم بشرك"‬

‫‪35‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7398‬حدثنا يوسف بن موسى‪ ،‬حدثنا أبو خالد األمحر قال‪ :‬مسعت هشام بن عروة حيدث عن‬
‫أبي ه‪ ،‬عن عائش ة ‪ -‬رض ي اهلل عنه ا ‪ -‬ق الت‪  :‬ق الوا‪ :‬ي ا رس ول اهلل‪ ،‬إن هاهن ا أقواًم ا ح ديث‬
‫عهدهم بشرك‪ ،‬يأتونا بلحمان‪ ،‬ال ندري يذكرون اسم اهلل عليها أم ال‪ ،‬قال اذكروا أنتم‬
‫تابعه حممد بن عبد الرمحن‪ ،‬و عبد العزيز بن حممد‪ ،‬وأسامة بن حفص‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫اسم اهلل وكلوا‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث في ه دلي ل على أن ه ال ينبغي التش كك‪ ،‬وأن ه إذا ك ان اإلنس ان مس لًم ا‪،‬‬
‫فاألص ل في ه أن ه ي ذكر اس م اهلل تع اىل‪ ،‬وك ذلك طع ام أه ل الكت اب اليه ود والنص ارى إذا‬
‫ج اءوا بلحم‪ ،‬فإن ك تأك ل إال إذا علمت يقيًن ا أهنم مل ي ذكروا اس م اهلل‪ ،‬أو ذك روا اس م‬
‫املسيح عند الذبح‪ ،‬فإهنا ال حتل الذبيحة‪ ،‬أما إذا جهلت‪ ،‬فاألصل احلل؛ وهلذا قال النيب ‪‬‬
‫(اذكروا أنتم اسم اهلل وكلوا) أي‪ :‬مسوا عليه عند األكل‪ ،‬ففيه دليل على أن اإلنسان إذا أيت‬
‫بلحم ذحبه مسلم‪ ،‬أو كتايب‪ ،‬فإنه ال يتشكك‪ ،‬بل يسمي اهلل عند األكل‪ ،‬ويكفيه هذا‪ ،‬إال‬
‫إذا قي ل ل ه‪ :‬إن فالًن ا مل يس ِّم على الذبيح ة‪ ،‬أو أن ه ذبح باس م املس يح‪ ،‬أو خن ق املذكى‬
‫خنًق ا‪ ،‬فال يأك ل‪ ،‬أم ا إذا مل يعلم‪ ،‬فاألص ل احلل ق ال تع اىل‪    :‬‬

‫‪ )1( ‬واملراد بالطع ام ال ذبائح‪ .‬لكن اآلن ويف‬ ‫‪      ‬‬

‫ه ذا ال وقت‪ ،‬ملا ص ارت كث ري من اجملازر يف اخلارج يق ال‪ :‬إهنم ي ذحبون بالص عق الكهرب ائي‪،‬‬
‫وال ي ذحبون ذًحبا ش رعًّيا‪ ،‬فهن ا ينبغي أن يت ورع اإلنس ان عن ه‪ ،‬ويكتفي مبا ي ذبح يف بالد‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ضحى النبي بكبشين"‬
‫‪‬‬ ‫‪ - 7399‬ح دثنا حفص بن عم ر‪ ،‬ح دثنا هش ام‪ ،‬عن قت ادة عن أنس ق ال‪  :‬ض حى الن يب‬
‫بكبشني‪ ،‬يسمي ويكرب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.5 :‬‬

‫‪36‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هذا احلديث فيه مشروعية األضحية وأهنا سنة مؤكدة‪ ،‬وهي من شعائر اإلسالم العظيمة؛‬
‫بكبشني أملحني ومسى وكرب‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫وهلذا ضحى النيب‬
‫والش اهد قول ه‪( :‬ومسى وك رب) في دل على مش روعية التس مية م ع التكب ري‪ .‬فالتس مية واجب ة‪،‬‬
‫والتكبري مستحب‪ ،‬وهذا شاهد الرتمجة‪ ،‬وهو االستعانة والسؤال به ‪-‬سبحانه‪ -‬والتربك بامسه‬
‫تعاىل‪ ،‬والتس مية واجبة ال ب د منها يف ال ذبح والصيد‪ ،‬فإذا تركها عم ًد ا مل تص ح الذبيحة‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫على الصحيح؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬أم ا إذا تركه ا س هوا‪ ،‬ففي ه خالف‪ ،‬واألرجح أن الذبيح ة حتل‪ ،‬إذا ت رك‬ ‫‪ ‬‬

‫التسمية سهًو ا ونسياًنا‪.‬‬


‫والنيب ‪ ‬ضحى بكبشني أملحني‪ ،‬ويف رواية أنه قال يف أحدمها‪  :‬عن حممد وآل حممد‪،‬‬
‫وه ذا ي دُّل على مش روعية األض حية عن‬ ‫‪‬‬ ‫ويف اآلخ ر ق ال‪ :‬عمن مل يض ِّح من أم ة حمم د‬
‫األموات خالًفا ملن أنكر ذلك؛ ألن يف أمة حممد يدخل احلي وامليت‪.‬‬
‫حديث‪" :‬من ذبح قبل أن يصلي"‬
‫أنه شهد النيب‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 7400‬حدثنا حفص بن عمر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن األسود بن قيس عن جندب‬
‫يوم النحر‪ ،‬صلى‪ ،‬مث خطب فقال‪ :‬من ذبح قبل أن يصلي‪ ،‬فليذبح مكاهنا أخرى‪ ،‬ومن‬ ‫‪‬‬
‫مل يذبح‪ ،‬فليذبح باسم اهلل ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.121 :‬‬

‫‪37‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث في ه دلي ل على أن األض حية ال تص ح إال بع د ص الة العي د فمن ذبح قب ل‬
‫ملا ذبح أبو بردة بن نيار شاة‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إين‬ ‫‪‬‬ ‫صالة العيد‪ ،‬فال جتزئه؛ وهلذا‬
‫عجلت‪ ،‬وإن ناًس ا من جرياين يشتهون اللحم‪ ،‬فقال‪ :‬إن شاتك شاة حلم‪ ،‬ال جتزئك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ي ا رس ول اهلل إن عن دي َعناًق ا هي أحُّب يل من ش اتني‪ ،‬فق ال ‪ ‬جتزي ك‪ ،‬وال جتزئ‪ ،‬عن‬
‫والعناق من املع ز ما له ستة أشهر‪ ،‬وه ذا على الص حيح خاص ب أيب ب ردة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫أحد بع دك‬
‫حيث ق ال ل ه‪( :‬جتزي ك‪ ،‬وال جتزئ عن أح د بع دك) ألن ه من ش روط إج زاء املاعز يف‬
‫األضحية‪ ،‬أن يتم هلا سنة‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬فليذبح باسم اهلل) أي‪ :‬متربكا باسم اهلل‪ ،‬تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال تحلفوا بآبائكم"‬
‫‪ - 7401‬حدثنا أبو نعيم‪ ،‬حدثنا ورقاء‪ ،‬عن عبد اهلل بن دينار‪ ،‬عن ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪-‬‬
‫ال حتلفوا بآبائكم‪ ،‬ومن كان حالًف ا‪ ،‬فليحلف باهلل ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬قال النيب‬
‫الشرح‪:‬‬
‫احلديث يفيد حترمي احللف باآلباء؛ ألنه من الشرك وجاء يف احلديث اآلخر‪  :‬من حلف‬
‫فال جيوز لإلنسان أن حيلف إال باهلل‪ ،‬أو أمسائه وصفاته‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫بغري اهلل‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬أو أشرك‬
‫والشاهد من الرتمجة قوله‪( :‬فليحلف باهلل) فاحللف باهلل‪ ،‬فيه استعانة باهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪-‬‬
‫واحللف باهلل توحيد‪ ،‬واحللف بغريه شرك‪ ،‬سواء حلف باآلباء‪ ،‬أو غري اآلباء‪ ،‬كأن حيلف‬
‫بالكعب ة‪ ،‬أو األمان ة‪ ،‬أو الش رف‪ ،‬أو باحلي اة‪ ،‬وغ ري ذل ك‪ ،‬فك ل ه ذا من الش رك األص غر‪،‬‬
‫ال ذي ال جيوز‪ ،‬وق د ج اء يف احلديث قول ه‪  :‬ال حتلف وا بآب ائكم‪ ،‬وال باألن داد‪ ،‬فمن ك ان‬
‫حالًف ا‪ ،‬فليحلف باهلل‪ ،‬أو ليصمت ‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أجيب عن ه‬ ‫‪‬‬ ‫أفلح‪ ،‬وأبي ه إن ص دق‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫م ا ج اء يف احلديث الص حيح‪ ،‬وه و قول ه‬
‫بأجوبة منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬قيل‪ :‬إن ذلك مما جيرى على اللسان‪ ،‬وال يقصد معناه‪.‬‬
‫‪ -2‬وقيل‪ :‬إن هذا كان قبل النهي عن احللف بغري اهلل‪ ،‬وهذا اجلواب أحسن من الذي‬
‫يف أول األم ر؛ ألهنم ك انوا ‪-‬أوال‪ -‬حيلف ون‬ ‫‪‬‬ ‫قبل ه‪ ،‬وه و الص واب؛ ألن ه ذا قال ه الن يب‬
‫م رة ومسع عم ر حيل ف بأبي ه هناه عن‬ ‫‪‬‬ ‫بآب ائهم‪ ،‬فنه اهم عن ذل ك؛ وهلذا ملا أقب ل الن يب‬
‫ذلك‪ ،‬وقال له‪( :‬ال حتلفوا بآبائكم)‪.‬‬
‫باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي اهلل‬
‫حديث‪" :‬بعث رسول اهلل عشرة منهم ُخ بيب"‬
‫‪ - 14‬باب ما يذكر يف الذات والنعوت وأسامي اهلل ‪‬‬
‫وقال خبيب‪ :‬وذلك يف ذات اإلله‪ ،‬فذكر الذات بامسه تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 7402‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬أخربين عمرو بن أيب سفيان بن أسيد بن‬
‫جارية الثقفي‪ ،‬حليف لبين زهرة ‪-‬وكان من أصحاب أيب هريرة‪ -‬أن أبا هريرة قال‪  :‬بعث رسول اهلل‬
‫‪ ‬عشرة منهم ُخ بيب األنصاري‪ ،‬فأخربين عبيد اهلل بن عياض‪ ،‬أن ابنة احلارث أخربته‪ ،‬أهنم حني اجتمعوا استعار منها ُموسى‪ ،‬يستحُّد هبا‪ ،‬فلما خرجوا من‬

‫احلرم؛ ليقتلوه قال ُخ بيب األنصاري‪:‬‬

‫على أي شـق كان هلل مصـرعي‬ ‫ولسـت أبالي حين ُأقتُل مسلًم ا‬
‫يبارك علـى أوصـال ِش لو ممزع‬ ‫وذلك فـي ذات اإللـه وإن يشأ‬

‫أصحابه خربهم يوم أصيبوا ‪.‬‬ ‫فقتله ابن احلارث‪ ،‬فأخرب النيب ‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫أرسل عشرة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذه القصة اختصرها املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ ،-‬ويف موضع آخر‪ ،‬أن النيب‬
‫عيًن ا للمس لمني‪ ،‬وَأَّم َر عليهم عاص م‪ ،‬فلحقهم املش ركون‪ ،‬فتحص نوا يف جب ل‪ ،‬فق الوا هلم‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫انـزلوا‪ ،‬وأعطوهم األمان‪ ،‬مث غدروا هبم‪ ،‬فقتلوا عاص ًم ا‪ ،‬وقتلوا مجاعة‪ ،‬وقالوا‪ :‬للبقية انـزلوا‬
‫ونعطيكم األمان‪ ،‬فلما نـزلوا ‪-‬وكانوا ثالثة‪ -‬أس روا واح ًد ا‪ ،‬فأىب أن يذهب معهم‪ ،‬فعاجلوه‬
‫وج روه‪ ،‬وق ال‪ :‬يل أس وة هبؤالء فقتل وه‪ ،‬وأخ ذوا ُخ بيًب ا ومن مع ه‪ ،‬وذهب وا هبم إىل مك ة‪،‬‬
‫وسلموه لبين احلارث؛ ألنه قتل قتيال هلم يوم بدر‪ ،‬فأخذوا ُخ بيبا‪ ،‬وجلس عندهم‪ ،‬مث أخذ‬
‫ُموسى عندهم من ابنة احلارث؛ ليستحد هبا‪.‬‬
‫واالس تحداد ه و حل ق العان ة‪ ،‬وه ذا ي دل على ق وة إميان ُخ َبْيب ‪ ‬ففي ه ذا ال وقت‬
‫العص يب‪ ،‬وه و يعلم أن ه س يقتل مل ي رتك س نة االس تحداد‪ ،‬ويف القص ة أهنم رأوا مع ه ِقطًف ا‬
‫من العنب‪ ،‬وه و موث ق باحلدي د‪ ،‬وه و يأك ل من ه‪ ،‬وليس مبك ة عنب‪ ،‬فه ذا من الكرام ات‪،‬‬
‫ومع ذلك رأوا هذه اآلية‪ ،‬ولكن ال تغين اآليات والنذر عن قوم ال يعلمون‪ ،‬حىت قالت‬
‫املرأة اليت هو أسري يف بيتها‪ :‬ما رأيت أس ًريا خ ًريا من ُخ َبْيب إنه ليأكل ِقطًف ا من العنب‪،‬‬
‫وما مبكة عنب‪ .‬وملا أرادوا قتله خرجوا به عن احلرم‪ ،‬فهم يعظمون البيت‪ ،‬وهم كفار‪ .‬وملا‬
‫أرادوا قتل ه ق ال‪ :‬دع وين أص لي ركع تني‪ ،‬ق الوا‪ :‬ص ِّل م ا ب دا ل ك‪ ،‬فص لى ركع تني‪ ،‬وأوج ز‬
‫فيهما‪ ،‬وقال‪ :‬لوال أن تظنوا أن ما يب جزع من املوت ألطلتهما أو كما قال‪ .‬مث قال هذه‬
‫األبيات‪ ...‬مث قتلوه‪.‬‬
‫بلغه ذلك‪ ،‬وأقره‬ ‫‪‬‬ ‫ألن النيب‬ ‫‪‬‬ ‫والشاهد قوله‪( :‬يف ذات اإلله)‪ :‬فيه إثبات الذات هلل‬
‫على ذل ك‪ ،‬ففي ه أن هلل ذاًت ا ال تش به ال ذوات‪ ،‬ذات مقدس ة متص فة بالص فات‪ ،‬فل ه ‪-‬‬
‫س بحانه‪ -‬األمساء احلس ىن والص فات العلى‪ .‬فذات ه ال تش به ال ذوات‪ ،‬وأمساؤه ال تش به األمساء‪،‬‬
‫وصفاته ال تشبه الصفات‪ .‬فدل على جواز اإلخبار عن اهلل أن له ذاًتا‪ ،‬بل كل موجود له‬
‫ذات‪ ،‬والذي ليس له ذات ال يكون له وجود إال يف الذهن‪ ،‬بل حىت اجلمادات هلا ذات‪.‬‬
‫أنه كذب‬ ‫‪‬‬ ‫ومن األدلة على جواز اإلخبار عن اهلل أن له ذاتا‪ ،‬ما جاء يف قصة إبراهيم‬
‫ثالث كذبات قال‪ :‬اثنتني منها يف ذات اهلل‪.‬‬
‫وفيه مشروعية صالة ركعتني ملن أريد قتله‪ ،‬ألن ُخ َبيبا قال‪ :‬دعوين أصلي ركعتني‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وبلغ النيب ‪ ‬ومل ينكر عليه‪ ،‬وهلذا قيل‪ :‬إن ُخ بيبا هو أول من سن الصالة عند القتل‪،‬‬
‫ولو كان هذا غري مشروع ألنكر النيب ‪ ‬ذلك لئال يقتدى به‪ .‬فلما سكت النيب ‪ ‬دل‬
‫على مشروعية صالة الركعتني عند القتل‪ ،‬وقول ُخ بيب‪( :‬وذلك يف ذات اإلله)‪ :‬أي‪ :‬أن قتله‬
‫من أجل اهلل فال يبايل‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬يف الرتمجة (والنعوت وأسامي اهلل عز وجل)‪ ،‬املقصود بالنعوت أي‪ :‬الصفات‪ ،‬فاهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬يوصف بالصفات‪ ،‬لكننا نصفه بالصفات اليت جاءت يف الكتاب والسنة‪ ،‬فال نصفه‬
‫بصفات خنرتعها من عند أنفسنا‪ ،‬بل بالصفات اليت وصف هبا نفسه‪ ،‬أو وصفه هبا رسوله‬
‫فيوصف اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بالعزة والقدرة واإلرادة والعلم والسمع والبصر واحلكمة‪ ...‬إىل غري‬ ‫‪‬‬
‫ذلك من الصفات الواردة يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫واألس امي ك ذلك‪ :‬مجع اس م‪ .‬فلل ه األمساء احلس ىن‪ ،‬فاهلل تع اىل‪ :‬ه و (اهلل) أع رف املع ارف‪،‬‬
‫وه و (ال رمحن‪ ،‬ال رحيم‪ ،‬املل ك‪ ،‬الق دوس‪ ،‬الس الم‪ ،‬املؤمن‪ ،‬املهيمن‪ ،‬العزي ز‪ ،‬اجلب ار‪ ،‬املتك رب‪،‬‬
‫اخلالق‪ ،‬الب ارئ‪ ،‬املص ور‪ ...‬فك ل ه ذه من أمسائه ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ ،-‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ل ه أس اٍم ‪،‬‬
‫ول ه نع وت‪ ،‬ول ه ذات مقدس ة ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬ال تش به ال ذوات‪ ،‬وأمساؤه حس ىن ال تش به‬
‫األمساء‪ ،‬وصفاته عليا ال تشبه الصفات‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫تعلي ق على كالم الش ارح ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف قول ه‪( :‬والص واب اإلمس اك عن أمث ال ه ذه‬
‫املباحث‪ ،‬والتفويض إىل اهلل يف مجيعها‪ )...‬إخل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا غلط واضح‪ .‬فاملتكلمون هلم طريقتان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬طريقة التأويل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬طريقة التفويض‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬فأهل التفويض‪ ،‬يقولون‪ :‬ال ندري ما‬ ‫‪   ‬‬ ‫فمثال‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫معىن اليد كأهنا كلمة أعجمية‪ .‬نفوضها إىل اهلل‪ .‬وأهل التأويل يقولون‪ :‬اليد معناها القدرة أو‬
‫النعمة‪.‬‬
‫وهات ان الطريقت ان كلتامها غل ط‪ .‬وبعض هم ينسب التف ويض إىل أه ل الس نة‪ ،‬وه ذا ك ذلك‬
‫غلط‪ .‬بل أهل السنة يثبتون اليد هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ويعلمون أهنا يد حقيقية‪ .‬وأن له يدين ‪-‬سبحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬لكن ال نكيف‪ ،‬فنقول‪ :‬إن يديه مثل يدي املخلوقني‪ ،‬فالذي ال نعلمه الكيفية أما‬
‫املع ىن فمع روف‪ .‬كما قال اإلم ام مال ك‪ ،‬رمحه اهلل تع اىل‪( :‬االس تواء معلوم‪ ،‬والكي ف جمه ول‪،‬‬
‫واإلميان ب ه واجب‪ ،‬والس ؤال عن ه بدع ة)‪ .‬فاس تواء اهلل على عرش ه معن اه مع روف‪ ،‬وه و‬
‫االس تقرار والعل و واالرتف اع والص عود‪ .‬لكن كيفي ة االس تواء ه ذا م ا ال نعلم ه‪ ،‬فال نق ول‪:‬‬
‫استوى كما يستوي اإلنسان على الدابة‪ .‬فهذا هو التشبيه احملرم‪.‬‬
‫فاخلالص ة أن طريق ة أه ل التف ويض‪ ،‬وطريق ة أه ل التأوي ل كلتامها باطلت ان‪ .‬وطريق ة أه ل‬
‫السنة هي الصواب‪ ،‬وهو أهنم يثبتون األمساء والصفات‪ ،‬ويثبتون املعاين هلل تعاىل‪ .‬وأهنا أمساء‬
‫حقيقية وصفات حقيقية معلومة املعىن‪ .‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬متصف بالقدرة‪ ،‬ونعلم أن القدرة ضد‬
‫العج ز‪ ،‬واهلل تع اىل متص ف بالس مع وأن الس مع ض د الص مم‪ ،‬وأن البص ر ض د العمى كم ا‬
‫(إن ربكم ليس بأعور) لكننا ال نعلم الكيفية‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال‬
‫باب‪ :‬قول اهلل‪َ" :‬و ُيَح ِّذ ُر ُك ُم الَّلُه َنْف َس ُه"‬
‫‪‬‬ ‫(‪ )2‬وقوله جل ذكره‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ - 15‬باب قول اهلل‪ ،‬تعاىل‬
‫‪.)3( ‬‬ ‫‪         ‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية ‪.28 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة المائدة آية ‪.116 :‬‬

‫‪42‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وأن هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬نفًس ا ال تش به أنفس املخل وقني‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الرتمجة فيه ا إثب ات النفس هلل‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪ -‬عن املسيح عليه السالم‪:‬‬
‫‪. ) 1( ‬‬ ‫‪‬‬

‫حديث‪" :‬ما من أحد أغير من اهلل"‬


‫‪ - 7403‬حدثنا عمر بن حفص بن غياث‪ ،‬حدثنا أيب‪ ،‬حدثنا األعمش‪ ،‬عن شقيق‪ ،‬عن عبد اهلل ‪‬‬
‫عن الن يب ‪ ‬ق ال‪  :‬م ا من أح د أغ ري من اهلل‪ ،‬من أج ل ذل ك ح رم الف واحش‪ ،‬وم ا أح د‬
‫أحب إليه املدح من اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه إثبات الغرية هلل واحملبة هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ومها من الصفات الفعلية اليت تتعلق باملشيئة‬
‫والقدرة‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يوصف بالغرية‪ ،‬ولكنها ال تشبه غرية املخلوق‪ ،‬ويوصف باحملبة‪ ،‬وال‬
‫تش به حمب ة املخل وق‪ ،‬والص فات الفعلي ة تتعل ق باملش يئة واالختي ار‪ :‬ك اإلرادة‪ ،‬والغ رية‪ ،‬واحملب ة‪،‬‬
‫والكراهي ة‪ ،‬والس خط‪ ،‬والبغض‪ ،‬والغض ب‪ .‬والص فات الذاتي ة‪ :‬هي ال يت ال تنف ك عن الب ارئ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الوجه‪ ،‬واليد‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وم ا من أح د أحب إلي ه املدح من اهلل)‪ :‬اقتص ر املؤل ف على ه ذا‪ .‬ويف رواي ة‬
‫وه ذا ه و‬ ‫‪‬‬ ‫أخ رى‪  :‬م ا من أح د أحب إلي ه املدح من اهلل‪ ،‬من أج ل ذل ك م دح نفس ه‬
‫الش اهد من الرتمجة‪ ،‬وه و ذك ر النفس‪ ،‬واملؤل ف مل ي أت بالش اهد‪ ،‬ومن عادت ه أن ه ي أيت‬
‫باحلديث أحياًن ا‪ ،‬ويشري به إىل طريق أخرى‪ ،‬فيها ما يدل على الرتمجة‪ .‬وهذه اللفظة جاء‬
‫هبا املؤل ف يف مك ان آخ ر‪ ،‬وهي قول ه‪( :‬م ا من أح د أحب إلي ه املدح من اهلل‪ ،‬من أج ل‬
‫ذلك مدح نفسه)‪ :‬هذا هو الشاهد إلثبات النفس هلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬فهو ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬حيب‬
‫أن ميدحه العباد؛ وهلذا مدح نفسه بالصفات اليت هو هبا أهل‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.116 :‬‬

‫‪43‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ويف لفظ آخر‪  :‬ال أحد أحب إليه العذر من اهلل‪ ،‬من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين‬
‫ففيه إثبات الغرية واحملبة والنفس هلل تعاىل‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫ومنذرين‬
‫فائدة‪:‬‬
‫قال الَعْي ّين‪( :‬النفس لفظ حيتمل معاَين‪ ،‬واملراد بنفسه ذاته‪ ،‬فوجب أن يكون نفسه هي‬
‫هو‪ ...‬إىل قوله‪ :‬وقيل‪ :‬إن إضافة النفس هنا إضافة ملك‪ ،‬وأن املراد بالنفس نفوس عباده‪)...‬‬
‫إخل قلت‪ :‬ه ذا باط ل‪ .‬فاهلل ‪-‬س بحانه‪ -‬يثبت ل ه النفس‪ ،‬مث يق ول‪ :‬هن ا نف وس عب اده‪ .‬فه ذا من‬
‫أبطل الباطل‪ ،‬وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية أن النفس والذات متقاربتان‪ ،‬والنفس ثابتة‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬وأما الذات فيخرب عن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أن له ذاًتا‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫قول الَعْيّيِن‪( :‬غرية اهلل هي كراهية إتيان الفواحش‪ ،‬أي‪ :‬عدم رضاه‪ )...‬إخل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا باطل‪ .‬والصواب أن الغرية صفة تليق جبالل اهلل وعظمته ال تكيف‪ ،‬ولكن من‬
‫أثرها أن اهلل تعاىل حرم الفواحش‪ ،‬وهي غري الكراهية‪ ،‬بل الكراهية صفة أخرى‪.‬‬
‫حديث‪" :‬لما خلق اهلل الخلق كتب في كتابه"‬
‫عن الن يب‬ ‫‪ - 7404‬ح دثنا عب دان‪ ،‬عن أيب محزة‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن أيب ص احل‪ ،‬عن أيب هري رة ‪‬‬
‫ق ال‪  :‬ملا خل ق اهلل اخلل ق‪ ،‬كتب يف كتاب ه‪ ،‬وه و يكتب على نفس ه‪ ،‬وه و وض ع عن ده‬ ‫‪‬‬
‫على العرش‪ ،‬إن رمحيت تغلب غضيب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا في ه إثب ات اخلل ق والكتاب ة هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬وأن ه من الص فات الفعلي ة املتعلق ة باملش يئة‬
‫والقدرة‪ :‬كاخللق والرزق‪ ،‬واإلماتة‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والكتابة‪.‬‬
‫وفي ه‬ ‫‪‬‬ ‫وفي ه إثب ات الرمحة والغض ب‪ ،‬ويف احلديث القدس ي‪  :‬إن رمحيت تس بق غض يب‬
‫إثب ات النفس هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬لقول ه‪( :‬وه و يكتب على نفس ه)‪ .‬وه ذا ه و الش اهد‪ ،‬وه ذه النفس‬

‫‪44‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫موص وفة هبذه الص فات‪ ،‬ك الغرية‪ ،‬واحملب ة‪ ،‬واخلل ق‪ ،‬والكتاب ة‪ ،‬والرمحة‪ ،‬والغض ب‪ .‬وقول ه‪( :‬وه و‬
‫وضع عنده على عرشة)‪ :‬فيه أن هذا الكتاب موضوع فوق العرش‪.‬‬
‫وهن‪%%‬ا س‪%%‬ؤال‪ :‬كي ف جنم ع بني م ا جاء أن الع رش س قف املخلوق ات‪ ،‬وهن ا يق ول‪( :‬وه و‬
‫موضوع عنده فوق العرش)‪ .‬كما يف الرواية األخرى‪.‬‬
‫الج ‪%%‬واب‪ :‬أن نق ول‪ :‬إن ه ذا مس تثىن‪ ،‬فه ذا خ اص‪ ،‬وه ذا ع ام‪ ،‬أي‪ :‬أن الع رش س قف‬
‫املخلوقات‪ ،‬ويستثىن هذا الكتاب؛ ألنه فوقه‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أنا عند ظن عبدي بي"‬
‫‪ - 7405‬ح دثنا عم ر بن حفص‪ ،‬ح دثنا أيب‪ ،‬ح دثنا األعمش مسعت أب ا ص احل‪ ،‬عن أيب هري رة ‪‬‬
‫ق ال‪ :‬ق ال الن يب ‪  ‬يق ول اهلل تع اىل‪ :‬أن ا عن د ظن عب دي يب‪ ،‬وأن ا مع ه إذا ذك رين‪ ،‬ف إن‬
‫ذك رين يف نفس ه ذكرت ه يف نفس ي‪ ،‬وإن ذك رين يف مأل‪ ،‬ذكرت ه يف مأل خ ري منهم‪ ،‬وإن‬
‫تقرب إّيل بشرب تقربت إليه ذراًعا‪ ،‬وإن تقّر ب إّيل ذراًعا تقربت إليه باًع ا‪ ،‬وإن أتاين ميشي‬
‫أتيته هرولة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫هذا‪ ،‬حديث قدسي من قول اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬لفظه ومعناه هذا هو الصواب‪ ،‬ألن النيب‬
‫أضافه إىل ربه بقوله‪( :‬يقول اهلل تعاىل)‪ :‬فاحلديث القدسي هو املنسوب إىل امللك القدوس ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ -‬املطهر املنـزه‪ ،‬فهو من قول اهلل ‪ ‬لفظه ومعناه خالًفا ملا قال بعضهم من‬
‫أن احلديث القدس ي معن اه من اهلل‪ ،‬ولفظ ه من الرس ول ‪‬؛ ألن ه ل و ك ان ك ذلك ملا ك ان‬
‫هن اك ف رق بني احلديث القدس ي وبني غ ريه‪ ،‬ألن األح اديث كله ا وحي من اهلل‪ ،‬ق ال اهلل‬
‫تعاىل‪ )1(              :‬مث أيًض ا قوله‪ :‬إن‬
‫املعىن من اهلل‪ ،‬واللفظ من الرسول ‪ ‬يتمشى مع مذهب األشاعرة الذين يقولون‪ :‬إن الكالم‬
‫معىن قائم بالنفس‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النجم آية ‪.4-3 :‬‬

‫‪45‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫لكن خيتلف عن القرآن بأمور منها‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫فاحلديث القدسي من كالم اهلل‬
‫أ ‪ -‬القرآن ال ميسه إال متوضئ‪ ،‬واحلديث القدسي ميسه غري املتوضئ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القرآن يتعبد بتالوته‪ ،‬واحلديث القدسي ال يتعبد بتالوته‪ ،‬وغري ذلك من الفروق‪.‬‬
‫معيه خاصة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬أنا عند ظن عبدي يب‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرين)‪ :‬فيه إثبات املعية هلل‬
‫‪‬‬ ‫وهي معية اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مع الذاكرين بتوفيقه وإثباته وتسديده وحفظه‪ ،‬كما قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬فهي معي ة م ع املتقني‬ ‫‪        ‬‬

‫‪ )2( ‬فهي معي ة م ع‬ ‫‪       ‬‬ ‫واحملس نني‪ .‬وقول ه‪:‬‬
‫الص ابرين حبفظهم وكالءهتم وحفظهم وت وفيقهم‪ .‬وهي غ ري املعي ة العام ة‪ ،‬ال يت هي معي ة اهلل‬
‫‪ )3( ‬مع اخللق‬ ‫‪      ‬‬ ‫تعاىل مع اخللق كلهم‪ .‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫بإحاطته ونفوذ قدرته ومشيئته وعلمه وإطالعه ونفوذ بصره فيهم‪ ،‬فهي تشمل اخللق كلهم‪،‬‬
‫مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬معهم بالعلم ال خيفى عليه شيء من عباده‪ .‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪               ‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪            ‬‬
‫‪ )4( ‬فافتتح أول اآلية بالعلم وختمها بالعلم‪،‬‬ ‫‪       ‬‬

‫فدل على أن املعية معية العلم واإلحاطة‪ ،‬واالطالع والقدرة واملشيئة‪.‬‬


‫فيجتمع يف حق املؤمن املعية اخلاصة والعامة‪ ،‬فهو مع الذاكرين بعلمه وإحاطته وإطالعه‪،‬‬
‫ومعهم معية خاصة بتوفيقه وإعانته‪ ،‬وينفرد الكافر باملعية العامة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أنا عند ظن عبدي يب)‪ :‬فيه أنه ينبغي لإلنسان أن حيسن ظنه باهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النحل آية ‪.128 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنفال آية ‪.46 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الحديد آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة المجادلة آية ‪.7 :‬‬

‫‪46‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬فإن ذكرين يف نفسه ذكرته يف نفسي‪ :)..‬هذا هو الشاهد إثبات النفس هلل تعاىل‪.‬‬
‫فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬يذكر عبده يف نفسه إذا ذكره يف نفسه‪ ،‬وإذا ذكره عبده يف مأل ذكره يف‬
‫مأل خري منهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وإن تقرب إيل شًربا‪ ،‬تقربت إليه ذراًعا‪ ،‬وإن تقرب إّيل ذراًع ا‪ ،‬تقربت إليه باًع ا‪،‬‬
‫وإن أتاين ميشي أتيته هرولة)‪ :‬هذه كلها من الصفات الفعلية هلل ‪ .‬فتقرب اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬من‬
‫العب د إذا تق رب إلي ه‪ ،‬وذك ر اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬للعب د إذا ذك ره وإتي ان اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬إىل العب د إذا‬
‫أتى إلي ه‪ .‬ه ذه كله ا من الص فات الفعلي ة‪ .‬لكن من مثراهتا أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أس رع ب اخلري إىل‬
‫العب د وأس رع باإلثاب ة من فع ل العب د للطاع ة‪ ،‬فه ذه من مثراهتا‪ ،‬وليست هي الص فات‪ .‬بعض‬
‫املؤولني ك النووي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إذا أتى عن د مث ل ه ذه الص فات‪ ،‬فس رها فيق ول يف قول ه‪:‬‬
‫(تقربت إليه ذراعا)‪ :‬أي‪ :‬أن اهلل تعاىل أسرع بالثواب من العبد‪ .‬والصحيح أن هذا من مثرات‬
‫الصفة‪ ،‬وليست هي الصفة‪.‬‬
‫وم ا ُذك ر يف احلديث ص فات فعلي ة تلي ق باهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ال نعلم كيفيته ا‪ ،‬فنثبت أن اهلل‬
‫يذكر العبد إذا ذكره‪ ،‬وأن اهلل تعاىل يتقرب إىل من تقرب إليه‪ ،‬وأنه ‪-‬سبحانه‪ -‬يأيت من‬
‫أتى إليه‪ ،‬وهذه الصفات الفعلية توصف هبا نفس اهلل ‪.‬‬
‫فه و ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه ص فة هلل‬ ‫‪‬‬ ‫ومث ل ه ذا احلديث‪ ،‬ح ديث‪  :‬إن اهلل ال ميل ح ىت متل وا‬
‫س بحانه‪ -‬أثبت أن ه ال ميل ح ىت ميل العب د‪ .‬وهي ص فة ليس فيه ا نقص‪ ،‬مث ل مل ل املخل وق‪،‬‬
‫لكن من مثراهتا أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقطع الثواب إذا قطع اإلنسان العمل‪ .‬وأهل التأويل يقولون‬
‫يف قول ه‪( :‬إن اهلل ال ميل ح ىت متل وا) يقول ون‪ :‬املع ىن أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يقط ع الث واب إذا قط ع‬
‫العبد العمل‪ ،‬والصواب أن هذا من مثرات‪ ،‬وآثار الصفة‪ ،‬وليست هي الصفة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يثبت هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬اإلتي ان ملن أتى إلي ه أن من أتى إلي ه ميش ي أت اه هرول ة من ب اب‬
‫املقابل ة‪ ،‬وال يق ال‪ :‬إن من ص فات اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬اهلرول ة‪،‬وال يق ال من ص فات اهلل املاكر‪ ،‬ب ل‬
‫يقال‪ :‬إن اهلل يكيد من كاده‪.‬‬
‫فالكمال يف املقابلة‪ ،‬فال يقال من صفات اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أنه ميشي ومن صفاته اهلرولة‪ ،‬بل‬
‫على لفظ الصفة؛ ألنه ال يشتق من الصفات الفعلية أمساء له سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫تقرب اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬من عباده املؤمنني نوعان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تقرب من الداعني باإلجابة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تقرب من العابدين باإلثابة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫دلي ل األول قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ )2( ‬ألنك إذا سجدت عبدت‬ ‫‪    ‬‬ ‫ودليل الثاين قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫اهلل واقرتبت إليه‪.‬‬
‫باب‪ :‬قول اهلل‪ُ" :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإال َو ْجَهُه"‬
‫حديث‪" :‬هذا أيسر"‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ -16‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫‪ - 7406‬ح دثنا قتيب ة بن س عيد‪ ،‬ح دثنا محاد بن زي د‪ ،‬عن عم رو‪ ،‬عن ج ابر بن عب د‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫ق ال‪  :‬ملا نـزلت ه ذه اآلي ة‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫أعوذ بوجهك‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )4‬قال النيب‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.186 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة العلق آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة القصص آية ‪.88 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة األنعام آية ‪.65 :‬‬

‫‪48‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هذا‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )2( ‬فقال النيب‬ ‫‪   ‬‬ ‫أعوذ بوجهك قال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬فقال النيب‬
‫أيسر ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأن هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬وج ه ال يش به وج وه املخل وقني‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الرتمجة فيه ا إثب ات الوج ه هلل‬
‫‪. ) 3( ‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫وهو من الصفات الذاتية‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫وبعض املبتدع ة يفس رون الوج ه بال ذات‪ ،‬وقص دهم من ذل ك إنك ار الص فة‪ .‬ويقول ون يف‬
‫‪ )4( ‬أي‪ :‬ذاته‪ ،‬فهؤالء أنكروا الوجه‪.‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫وإثب ات الوج ه‪ ،‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه و الب اقي بذات ه‪ ،‬وجه ه من‬ ‫‪‬‬ ‫واآلي ة فيه ا إثب ات ال ذات هلل‬
‫صفاته الذاتية‪.‬‬
‫دعا اهلل ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬أعوذ بوجهك‪ ....‬إىل قوله (هذه أيسر)‪ :‬يف رواية أخرى‪  :‬أن النيب‬
‫تعاىل‪ -‬بثالث دعوات‪ ،‬فأجيب باثنتني‪ ،‬ومنع من الثالثة‪ ،‬دعا اهلل أال يهلك أمته بعذاب من‬
‫السماء فأجيب‪ ،‬وأال يهلكهم بعذاب من حتت أرجلهم فأجيب‪ ،‬ودعا اهلل أال يهلك بعضهم‬
‫فدل على أن االقتتال‪ ،‬والتفرق حاصل يف األمة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫ببعض فمنع‬
‫قوله‪( :‬هذه أيسر) يف رواية (هذه أهون)‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ق ول الَعْيّيِن‪ :‬نقال‪ ،‬عن ابن بط ال‪( :‬واحلديث دالل ة على أن هلل وجًه ا‪ ،‬وه و من ص فة‬
‫ذاته‪ ،‬وليس جبارحة وال كالوجوه اليت نشاهدها يف املخلوقني‪.)...‬‬
‫قلت‪ :‬قوله‪( :‬وليس جبارحة) ال ينبغي ذكره‪ ،‬بل يقال‪ :‬هلل وجه ال يشبه وجوه املخلوقني‪،‬‬
‫أما إطالق لفظ اجلارحة كل هذا ال دليل عليه‪ ،‬بل هو مما أحدث‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة القصص آية ‪.88 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة القصص آية ‪.88 :‬‬

‫‪49‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب‪ :‬قول اهلل‪َ" :‬و ِلُتْصَنَع َعَلى َعْيِني"‬


‫حديث‪" :‬إن اهلل ليس بأعور"‬
‫‪ )1( ‬تغذى‪ ،‬وقوله جل ذكره‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ - 17‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬

‫ق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 7407‬ح دثنا موس ى بن إمساعيل‪ ،‬ح دثنا جويري ة‪ ،‬عن ن افع‪ ،‬عن عب د اهلل‬
‫فق ال‪  :‬إن اهلل ال خيفى عليكم‪ ،‬إن اهلل ليس ب أعور ‪-‬وأش ار‬ ‫‪‬‬ ‫ذك ر ال دجال عن د الن يب‬
‫بيده إىل عينه‪ -‬وإن املسيح الدجال أعور العني اليمىن‪ ،‬كأن عينه عنبة طافية ‪.‬‬
‫عن‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 7408‬ح دثنا حفص بن عم ر‪ ،‬ح دثنا ش عبة‪ ،‬أخربن ا قت ادة ق ال‪ :‬مسعت أنًس ا‬
‫قال‪  :‬ما بعث اهلل من نيب إال أنذر قومه األعور الكذاب‪ ،‬إنه أعور‪ ،‬وإن ربكم‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫ليس بأعور‪ ،‬مكتوب بني عينيه كافر ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذه الرتمجة أراد هبا املؤل ف إثب ات العني هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬وأن هلل عي نني‪ ،‬ومها من الص فات‬
‫الذاتية‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬له عينان تليقان جبالله وعظمته‪ ،‬ال يشبه املخلوق يف شيء من صفاته‬
‫‪ )3( ‬وقوله ‪-‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫كما قال ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫‪ )4( ‬العني هنا جاءت مفردة مضافة إىل الضمري‪،‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫واملراد إثبات جنس العني‪ ،‬وأن هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬عني‪ .‬وقوله ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫جاءت بصيغة اجلمع؛ ألهنا مضافة إىل‪( :‬نا) وهي للعظمة على سبيل التعظيم‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة طه آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القمر آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة طه آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة القمر آية ‪.14 :‬‬

‫‪50‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬أي‪ :‬ت رىب وتغ ذى على عي ين‪ .‬وقول ه‪:‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬على مرأى منا‪ ،‬وكالءتنا وحفظنا‪ .‬ففيه إثبات العني هلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وإثبات احلفظ والكأل والرعاية‪.‬‬


‫وأن موسى يرىب‪ ،‬ويغذى على مرأى من اهلل وعناية من اهلل ‪.‬‬
‫ويف احلديثني اللذين ذكرمها املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إثبات أن هلل عينني سليمتني؛ ألنه قال‪:‬‬
‫(أن الدجال أعور عني اليمىن‪ ،‬وإن ربكم ليس بأعور)‪ :‬فلما نفى عن اهلل أن يكون أعور‪،‬‬
‫وهو الذي ال يبصر إال بعني واحدة‪ ،‬دل على أن له عينني سليمتني‪ ،‬ال يشبه املخلوق يف‬
‫شيء من صفاته‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫قرأ قوله‬ ‫‪‬‬ ‫كما يف احلديث‪( :‬أن النيب‬ ‫‪‬‬ ‫ويف احلديث إثبات العني‪ ،‬وإثبات البصر هلل‬
‫‪( )3( ‬أشار‬ ‫‪            ‬‬ ‫‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫بإصبعه إىل عينه وأذنه) وهذا ليس املراد منه التشبيه‪ ،‬إمنا املراد حتقيق الصفة‪ ،‬واملعىن إثبات‬
‫أن هلل مسًعا وبصًر ا‪ ،‬وأن هلل عيًنا حقيقية ال جماًز ا‪.‬‬
‫وفيه دليل على عظم فتنة الدجال‪ ،‬وأنه أنذره مجيع األنبياء؛ وذلك لعظم أمره وفتنته‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وق د ثبت يف ص حيح مس لم‪  :‬م ا بني خل ق آدم‪ ،‬وقي ام الس اعة أم ر أعظم من ال دجال‬
‫‪‬‬ ‫وهلذا أمرنا باالستعاذة باهلل من فتنة املسيح الدجال يف آخر كل صالة‪ ،‬كما يف حديث‪:‬‬
‫ُأِم ْر نا باالستعاذة باهلل من أربع‪ :‬من فتنة القرب ‪ ‬احلديث‪ .‬ونبينا ‪ ‬أبدأ فيه وأعاد‪ ،‬مع أنه ال‬
‫خيرج يف زمانه‪ ،‬وذلك حىت يكون أمره معلوًم ا ومنتشًر ا‪.‬‬
‫والدجال رجل من بين آدم‪ ،‬يدعي الصالح أوال‪ ،‬مث يدعي النبوة‪ ،‬مث يدعي الربوبية‪،‬وهو‬
‫أعور عني اليمىن ليس له إال عني واحدة‪ ،‬كأن عينه عنبة طافية‪ ،‬مكتوب بني عينيه كافر‬
‫يقرؤه كل مؤمن‪ ،‬فهذه من العالمات الواضحة ملن أراد اهلل هدايته‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة طه آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القمر آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النساء آية ‪.58 :‬‬

‫‪51‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائدة‪:‬‬
‫ق ال الَعْيّيِن ‪-‬رمحه اهلل تع اىل‪ ....( :-‬أن ل ه ص فة مساها عيًن ا‪ ،‬ليس ت ه و وال غ ريه‪،‬‬
‫وليست كاجلوارح معقولة بيننا لقيام الدليل على استحالة وصفه بأن له جوارح وأعضاء‪،‬‬
‫خالًف ا ملا يقول ه اجملس مة من أن ه ‪-‬تع اىل‪ -‬جس م ال كاألجس ام‪ ،‬وقي ل على َعْييِن أي‪ :‬على‬
‫حفظي‪ )...‬إخل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ك ل ه ذا ليس بص حيح‪ ،‬فمس ألة اجلارح ة‪ :‬ال تثبت‪ ،‬وال تنفى‪ ،‬فلل ه عني حقيقي ة‬
‫‪‬‬ ‫هي صفة من صفاته‪ ،‬وليس يف هذا تشبيه؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬نفى التشبيه عن نفسه فقال‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ )1( ‬وقال‪:‬‬ ‫‪       ‬‬

‫‪ )3( ‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ال يشبه املخلوقني‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ )2( ‬وقال‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ال يف ذاته‪ ،‬وال يف صفاته‪ ،‬وال يف أفعاله‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬


‫فائدة‪:‬‬
‫ق ال ابن حج ر‪ ،‬رمحه اهلل‪(:‬وق د س ئلت‪ :‬ه ل جيوز لق ارئ ه ذا احلديث أن يص نع كم ا‬
‫ف أجبت وباهلل التوفي ق‪ :‬أن ه إن حض ر عن ه من يوافق ه على معتق ده‪ ،‬وك ان‬ ‫‪‬‬ ‫ص نع الرس ول‬
‫يعتق د تنـزيه اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬عن ص فات احلدوث‪ ،‬وأراد التأس ي حمًض ا ج از‪ ،‬واألوىل ب ه ال رتك‬
‫خشية أن يدخل على من يراه شبهة التشبيه‪ )...‬إخل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ه ذا ليس بص حيح‪ ،‬فالص حيح أن ال ب أس أن يفع ل اإلنس ان كم ا فع ل الرس ول‪،‬‬
‫وينبه الناس أن املراد حتقيق الصفة وإثباهتا‪ ،‬وليس املراد التشبيه‪ .‬كذلك إذا أراد حتقيق صفة‬
‫ال بأس أن يشري إىل القدم‪ ،‬وذلك بقصد حتقيق الصفة ال للتشبيه‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫القدم هلل‬
‫ول و أراد إثب ات ص فة النـزول‪ ،‬ونـزل من مك ان ع ال‪ ،‬نق ول‪ :‬ه ذا غ ري ص حيح؛ ألن‬
‫النـزول ال يكي ف‪ ،‬وال يق ال‪ :‬إن ه ذا من حتقي ق الص فة؛ ألن ص فة النـزول معناه ا يف اللغ ة‬

‫‪ - 1‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة مريم آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النحل آية ‪.74 :‬‬

‫‪52‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫معقول‪ ،‬ليس فيه شيء يشار إليه‪ ،‬ليست كالصفات اليت يف اإلنسان‪ .‬فإذا نـزل وقال مثل‬
‫ه ذا‪ ،‬فمعن اه أن ه َك َّي ف الص فة؛ ألن ه ذا ه و نـزول املخل وق‪ .‬أم ا أص ل النـزول‪ ،‬فمعن اه يف‬
‫اللغة معروف‪.‬‬
‫باب قول اهلل "ُه َو الَّلُه اْلَخ اِلُق اْلَباِر ُئ اْلُم َص ِّو ُر "‬
‫حديث‪" :‬ما عليكم أن ال تفعلوا"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ - 18‬باب قول اهلل‬
‫‪ - 7409‬ح دثنا إس حاق‪ ،‬ح دثنا عف ان‪ ،‬ح دثنا وهيب‪ ،‬ح دثنا موس ى‪ ،‬ه و ابن عقب ة‪،‬‬
‫يف غزوة بين‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫حدثين حممد بن حيىي بن حبان‪ ،‬عن ابن حمرييز‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري‬
‫عن‬ ‫‪‬‬ ‫املص طلق أهنم أص ابوا س بايا‪ ،‬ف أرادوا أن يس تمتعوا هبن‪ ،‬وال حيملن‪ ،‬فس ألوا الن يب‬
‫‪‬‬ ‫الع زل فق ال‪ :‬م ا عليكم أن ال تفعل وا‪ ،‬ف إن اهلل ق د كتب من ه و خ الق إىل ي وم القيام ة‬
‫ليست نفس خملوقة إال اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقال جماهد‪ :‬عن قزعة مسعت أبا سعيد‪ ،‬فقال‪ :‬قال النيب‬
‫خالقها ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫(اهلل ‪ -‬اخلالق ‪ -‬الب ارئ ‪ -‬املص ور) وه ذه‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الرتمجة فيه ا إثب ات أربع ة أمساء هلل‬
‫األمساء متضمنة للصفات ليست جامدة‪( :‬اهلل) أعرف املعارف‪ ،‬وهو متضمن لصفة األلوهية‪،‬‬
‫فهو ذو األلوهية والعبودية على خلقه أمجعني‪ ،‬ففيه إثبات صفة األلوهية‪ ،‬و (اخلالق) متضمن‬
‫لص فة اخلل ق‪ .‬و (الب ارئ) متض من لص فة ال ربء‪ ،‬وال ربء من ال رتاب‪ ،‬وهي الربي ة‪ .‬و (املص ور)‬
‫متض من لص فة التص وير فه ذه من الص فات الفعلي ة؛ ألهنا تتعل ق باملش يئة واالختي ار‪ .‬فص فة‬
‫األلوهي ة متص ف هبا اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يف مجي ع األوق ات‪ ،‬وه و ذو األلوهي ة والعبودي ة على خلق ه‬
‫أمجعني‪ ،‬أما (اخللق والربء والتصوير) فهذه صفات فعلية تتعلق باملشيئة واالختيار‪ .‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫ه و ال ذي خل ق اإلنس ان وأوج ده‪ .‬ال ربء من ال رتاب وهي الربي ة‪ .‬و (املص ور)‪ :‬ال ذي ص ور‬

‫‪ - 1‬سورة الحشر آية ‪.24 :‬‬

‫‪53‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫املخلوق ات‪ ،‬وأوج دهم على ص ور فخط ط ه ذه الص ور وطبعه ا‪ .‬فه ذه ص فة عظيم ة تبه ر‬
‫العقول‪ ،‬حيث طبع هذه الصور العظيمة‪ ،‬فهؤالء اآلالف من الناس‪ ،‬كل واحد منهم طبع‬
‫على ص ورة وال تش به ص ورة واح د من البش ر‪ ،‬ص ورة اآلخ ر‪ .‬ول و ك انت ص ورهم متش اهبة‬
‫الختّلت حياة الناس‪ ،‬فكيف يفرق اإلنسان بني األخ وأخيه وبني الذكر واألنثى؟‪ .‬فهذا من‬
‫الدالئل العظيمة على قدرة اهلل وكماله ووحدانيته‪ ،‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬متصف بالتصوير‪.‬‬
‫ومن كم ال ق درة اهلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬أن النطف ه حينم ا تتط ور إىل علق ة جتد أهنا مص ورة‬
‫خمططة‪ ،‬كما خيط اخلطاط والرسام‪ ،‬فتجد صورة العني واألنف والرأس مصورة وخمططة قبل‬
‫أن خيل ق‪ ،‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يص ور ه ذه النس مة‪ ،‬وه و يف بطن أم ه‪ ،‬مث يوج دها‪ ،‬وخيلقه ا‪،‬‬
‫ويكوهنا على وفق ما صوره ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬وخططه لكل صورة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫اخللق يطلق على شيئني‪ :‬أ ‪ -‬التقدير ب ‪ -‬اإلجياد‪ .‬فاإلجياد خاص باهلل‪ ،‬أما التقدير‪ ،‬فهذا‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫يوصف به املخلوق‪ .‬ومنه قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫أي‪ :‬أحسن اخلالقني املقدرين املنشئني‪ ،‬املخرتعني املوجدين‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫وقول ه ‪-‬تع اىل‪      :-‬‬
‫استدل هبا املعتزلة على أن اإلنسان خيلق فعل نفسه‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا فيه دليل على أن هناك خالقني كثريين‪ ،‬إال أن اهلل أحسنهم وأجودهم خلًق ا‪ ،‬فقالوا‪ :‬فاإلنسان‬

‫يقدر ‪-‬أوال‪ -‬مث يوجد‪ ،‬وبعض الناس يقدر ‪-‬أوال‪ -‬وال يستطيع أن يوجد ما قدره‪ ،‬ومنه اخلراز أو احلذاء حينما يريد أن جنرز النعل ويقدرها يأيت بفحمة مث‬

‫خيطها مث يوجد احلذاء على قدر ما خطط‪ ،‬هذا خلق تقدير‪ ،‬فقد يستطيع أن ينفذ وقد ال يستطيع أن ينفذ لذلك يقول القائل‪:‬‬

‫القـوم يخـلق ثم ال يفري‬ ‫وألنت تفري ما خلقت وبعض‬

‫ميدح ه ويق ول‪ :‬وألنت تف ري م ا خلقت‪ :‬أي‪ :‬تس تطيع أن تنف ذ‪ ،‬وتوج د م ا ق درت‪ .‬وبعض الق وم‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫خيل ق‪ ،‬مث ال يف ري‪ :‬والتق دير من ه ق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يف عيس ى‪ ،‬علي ه الس الم‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة المؤمنون آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المؤمنون آية ‪.14 :‬‬

‫‪54‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬فعيسى ‪-‬‬ ‫‪         ‬‬

‫عليه السالم‪ -‬يصور من الطني صورة على قدر الطري‪ ،‬فينفخ فيها فتكون ط ًريا ‪-‬بإذن اهلل‪-‬‬
‫فيخلق اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فيها الروح‪ .‬فعيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬منه التقدير والتصوير‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫منه اخللق واإلجياد‪ ،‬فمعىن قوله ‪-‬تعاىل‪( :-‬ختلق من الطني)‪ :‬أي‪ :‬تصور من الطني‪ .‬وهذا جعله‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬من معجزات عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫وأن ه من الص فات الفعلي ة؛ ألهنا تتعل ق باملش يئة‬ ‫‪‬‬ ‫أم ا احلديث ففي ه إثب ات الكتاب ة هلل‬
‫واالختيار‪ ،‬وأنه كتب من هو خالق‪ ،‬وفيه إثبات اسم اخلالق وهو متضمن لصفة اخللق‪.‬‬
‫كن ا نع زل والق رآن ينـزل ول و‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫واحلديث في ه ج واز الع زل يف اإلم اء‪ ،‬لق ول ج ابر‬
‫ومع ىن الع زل‪ :‬أن ه إذا ج امع الرج ل زوجت ه‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬ ‫ك ان ش يئا ينهى عن ه‪ ،‬لنهان ا عن ه الق رآن‬
‫س ريته‪ ،‬وأراد أن ينـزل أخ رج ذك ره‪ ،‬فأنـزل خارًج ا ح ىت ال حتم ل‪ ،‬فه ذا ج ائز بالنس بة‬
‫لإلماء‪ ،‬أما احلرة‪ ،‬فقد جاء يف احلديث أنه ال بد من إذهنا‪.‬‬
‫والصحابة يف غزوة أوطاس‪ ،‬أصابوا بعض السبايا أي‪ :‬بعض اإلماء فأرادوا أن يستمتعوا‬
‫هبن‪ ،‬وال حيملن؛ ألهنا إذا محلت مل يستطع أن يبيعها‪ ،‬وهذا مقيد باألحاديث األخرى أنه‬
‫ال يستمتع هبا حىت يستربئها حبيضة‪ ،‬فال توطأ حامل حىت تضع‪ ،‬وال حائض حىت تستربأ‬
‫عن‬ ‫‪‬‬ ‫حبيضة‪ ،‬حىت ال ختتلط األنساب‪ .‬فالصحابة ملا أرادوا أن يستمتعوا هبن سألوا الرسول‬
‫الع زل فق ال‪( :‬م ا عليكم أال تفعل وا‪ ،‬م ا من نفس خملوق ة إال اهلل خالقه ا)‪ :‬أي‪ :‬أن الع زل ال‬
‫مينع‪ ،‬فإذا قدر اهلل‪ ،‬وأراد أن خيلق شيًئا سبقه املاء إىل الرحم فتحمل؛ لذلك مل ينههم عن‬
‫ذلك‪ .‬فالعزل مينع إذا مل يقدر اهلل شيئا‪ ،‬فال مينع العزل قدر اهلل األزيل‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪ِ" :‬لَم ا َخ َلْق ُت ِبَيَد َّي "‬
‫حديث‪" :‬يجمع اهلل المؤمنين يوم القيامة"‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ - 19‬باب قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة ص آية ‪.75 :‬‬

‫‪55‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 7409‬حدثين معاذ بن فضالة‪ ،‬حدثنا هشام‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس أن النيب‬
‫جيمع اهلل املؤمنني يوم القيامة كذلك‪ ،‬فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إىل ربنا حىت يرحينا من مكاننا‬
‫هذا‪ ،‬فيأتون آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا آدم أما ترى الناس خلقك اهلل بيده‪ ،‬وأسجد لك مالئكته‪،‬‬
‫وعلم ك أمساء ك ل ش يء‪ ،‬اش فع لن ا إىل ربن ا ح ىت يرحين ا من مكانن ا ه ذا‪ ،‬فيق ول‪ :‬لس ت‬
‫هناك‪ ،‬ويذكر هلم خطيئته اليت أصاهبا‪ ،‬ولكن ائتوا نوًح ا‪ ،‬فإنه أول رسول بعثه اهلل إىل أهل‬
‫األرض‪ ،‬فيأتون نوًح ا‪ ،‬فيقول‪ :‬لست هناك‪ ،‬ويذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬ولكن ائتوا إبراهيم‬
‫خليل الرمحن‪ ،‬فيأتون إبراهيم فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر هلم خطاياه اليت أصاهبا‪ ،‬ولكن‬
‫ائتوا موسى عبًد ا آتاه اهلل التوراة وكلمه تكليما‪ ،‬فيأتون موسى فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر‬
‫هلم خطيئته اليت أصاب‪ ،‬ولكن ائتوا عيسى عبد اهلل ورسوله وكلمته وروحه‪ ،‬فيأتون عيسى‬
‫فيق ول‪ :‬لس ت هن اكم‪ ،‬ولكن ائت وا حمم ًد ا ‪ ‬عب ًد ا غف ر ل ه م ا تق دم من ذنب ه وم ا ت أخر‪،‬‬
‫في أتوين‪ ،‬ف أنطلق فأس تأذن على ريب‪ ،‬في ؤذن يل علي ه‪ ،‬ف إذا رأيت ريب وقعت ل ه س اجًد ا‪،‬‬
‫في دعين م ا ش اء اهلل أن ي دعين‪ ،‬مث يق ال‪ :‬يل ارف ع حمم د‪ ،‬وق ل‪ُ :‬يس مع وس ل تعط ه‪ ،‬واش فع‬
‫تشفع‪ ،‬فأمحد ريب مبحامد علمنيها‪ ،‬مث أشفع فيحد يل حدا‪ ،‬فأدخلهم اجلنة‪ ،‬مث أرجع فإذا‬
‫رأيت ريب وقعت ساجًد ا‪ ،‬فيدعين ما شاء اهلل‪ ،‬أن يدعين‪ ،‬مث يقال‪ :‬ارفع حممد وقل يسمع‬
‫وسل تعطه واشفع تشفع فأمحد ريب مبحامد علمنيها ريب مث أشفع فيحد يل‪ ،‬حدا فأدخلهم‬
‫اجلنة مث أرجع‪ ،‬فأقول‪ :‬يا رب ما بقي يف النار إال من حبسه القرآن‪ ،‬ووجب عليه اخللود‬
‫خيرج من الن ار من ق ال‪ :‬ال إل ه إال اهلل‪ ،‬وك ان يف قلب ه من اخلري م ا ي زن‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال الن يب‬
‫شعرية‪ ،‬مث خيرج من النار من قال ال إله إال اهلل‪ ،‬وكان يف قلبه من اخلري ما يزن برة‪ ،‬مث‬
‫خيرج من النار من قال ال إله إال اهلل‪ ،‬وكان يف قلبه ما يزن من اخلري ذرة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬اآلية خطاب من اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬إلبليس ملا امتنع من‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫السجود آلدم‪.‬‬
‫وأن هلل ي دين اثن تني؛ وهلذا‬ ‫‪‬‬ ‫وأراد املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬من الرتمجة إثب ات الي دين هلل‬
‫‪‬‬ ‫أخ رب اهلل عنهم ا بالتثني ة مض افة إلي ه ‪-‬س بحانه‪ -‬أي‪ :‬إىل ض مري نفس ه‪ .‬أم ا قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )2( ‬ف املراد إثب ات جنس الي د مض افة إىل ض مري مف رد‪،‬‬ ‫‪   ‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫وكذلك قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫أض يفت إىل ن ون اجلم ع للتعظيم‪ ،‬وه و أس لوب ع ريب مع روف‪ .‬أم ا قول ه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ )5( ‬فهذا صريح يف إثبات اليدين هلل‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )4( ‬وقوله‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وأن له ‪-‬سبحانه‪ -‬يدين اثنتني‪.‬‬


‫وق د أّو هلا بعض أه ل الكالم بالق درة أو بالنعم ة‪ ،‬وه ذا تأوي ل باط ل؛ ألن املع ىن يفس د‪،‬‬
‫فيكون التقدير‪ )6(       :‬أي‪ :‬بنعميت أو بقدريت؟ فهذا غري صحيح؛‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ألن نعم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬كث رية ليس ت حمص ورة يف اثن تني‪ ،‬وال يق ال‪ :‬إن مع ىن قول ه‪:‬‬
‫‪ )7( ‬بقدريت؛ ألنه بذلك حيصر قدرة اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بقدرتني‪ ،‬فدل ذلك على‬ ‫‪  ‬‬

‫فساد هذا املعىن وبطالنه‪ .‬ولو كان اليد معناها القدرة ملا كان هناك ميزة آلدم على إبليس‪.‬‬
‫واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬جعل خلقه آلدم بيديه ميزة له‪ ،‬ففي يوم القيامة يقول الناس آلدم‪( :‬خلقك اهلل‬
‫بيده وأسجد لك مالئكته‪ )..‬ولو كان اليد معناها القدرة‪ ،‬لقال إبليس وأنا خلقتين بقدرتك‪،‬‬
‫فما فضل آدم علي‪ ،‬فإبليس أعرف باهلل من هؤالء الذين نفوا يدي اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة ص آية ‪.75 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الملك آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة يس آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة ص آية ‪.75 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة المائدة آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة ص آية ‪.75 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة ص آية ‪.75 :‬‬

‫‪57‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬جيمع اهلل املؤمنني يوم القيامة‪ ،‬كذلك فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إىل ربنا‪ :)...‬هذا يف‬
‫موق ف القيام ة حينم ا يش تد الك رب على الن اس‪ ،‬وت دنو الش مس من ال رؤوس يقول ون‪ :‬ل و‬
‫استشفعنا إىل ربنا حىت يرحينا من مكاننا‪ :‬أي‪ :‬لو طلبنا أح ًد ا يشفع لنا‪ .‬فيأتون ‪-‬أوال‪ -‬آدم‪،‬‬
‫مث ي أتون نوًح ا‪ ،‬مث إب راهيم‪ ،‬مث موس ى‪ ،‬مث عيس ى‪ ،‬مث ي أتون نبين ا حمم ًد ا ‪ ‬وكلهم يعت ذر‬
‫فيشفعه اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫فيقبل كالمهم‪ ،‬فيشفع عند اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫حىت تصل النوبة إىل نبينا‬
‫قوله‪( :‬خلقك بيده)‪ :‬هذا هو الشاهد من احلديث‪ ،‬وهو إثبات اليد هلل تعاىل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وعلمك أمساء كل شيء)‪ :‬هذه من اخلصائص آلدم ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬خلقه‬
‫اهلل بي ده‪ ،‬وأس جد ل ه مالئكت ه‪ ،‬وعلم ه أمساء ك ل ش يء‪ .‬ويف لف ظ آخ ر‪( :‬ونفخ في ك من‬
‫روحه)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ويذكر خطيئته اليت أصاب)‪ :‬خطيئته هي أكله من الشجرة هو زوجه حواء‪ ،‬لكنه‬
‫‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬ت اب منه ا‪ ،‬والت ائب من ال ذنب كمن ال ذنب ل ه‪ ،‬واملوق ف عظيم‬
‫فمع أنه تاب وُر فع عنه الذنب‪ ،‬فمع ذلك يعتذر‪ ،‬وال يزال يذكر خطيئته‪ ،‬وإن كان قد‬
‫تاب منها‪ ،‬ويف لفظ آخر أن كل نيب يقول‪( :‬إن ريب غضب اليوم غض ًبا مل يغضب مثله‪،‬‬
‫ولن يغض ب بع ده مثل ه)‪ :‬في ذكر آدم خطيئت ه وهي أكل ه من الش جرة‪ ،‬ون وح ي ذكر خطيئت ه‬
‫ويق ول‪ :‬إين دع وت على أه ل األرض‪ ،‬وإب راهيم ي ذكر كذبات ه الثالث‪ ،‬وموس ى ي ذكر قتل ه‬
‫للنفس قب ل النب وة‪ ،‬وعيس ى ال ي ذكر ذنًب ا إال أن ه ي ذكر‪ :‬إن الن اس اختذوه وأم ه إهلني من‬
‫دون اهلل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ائتوا نوًح ا‪ ،‬فإنه أول رسول بعثه اهلل إىل أهل األرض)‪ :‬هذا من خصائص نوح‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬وهو صريح أنه أول رسول بعثه اهلل إىل أهل األرض‪ ،‬وآدم ‪-‬عليه السالم‪-‬‬
‫قبل ه رس ول لكن ه رس ول إىل بني ه ال إىل أه ل األرض كلهم‪ ،‬ألن ه ليس هن اك إال بني ه يف‬
‫‪‬‬ ‫ذلك الوقت؛ وألن الشرك مل يقع يف عهد آدم‪ ،‬فأرسل إىل بنيه‪ .‬كما قال ابن عباس‬

‫‪58‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬قال‪ :‬كان‬ ‫‪       ‬‬ ‫يف قوله ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫بني آدم ونوح عشرة قرون‪ ،‬كلهم على التوحيد)‪ :‬فنوح أرسل إىل بنيه وغري بنيه‪ ،‬إىل قوم‬
‫مش ركني‪ ،‬وق ع بينهم الش رك‪ ،‬وأم ا آدم فلم يرس ل إال لبني ه‪ ،‬ومل يق ع بينهم الش رك‪ ،‬إمنا‬
‫وقعت بينهم املعاص ي كقص ة قابي ل حينم ا قت ل أخ اه هابي ل‪ .‬وقي ل‪ :‬إن آدم ليس رس وال إمنا‬
‫ه و ن يب نب أه اهلل مبا يعمل ه يف نفس ه وبني ه‪ .‬ف آدم إن قي ل‪ :‬إن ه رس ول‪ ،‬فلم يرس ل إىل ق وم‬
‫مشركني‪ ،‬وإن قيل‪ :‬إنه نيب كان نوح أول رسول بعثه اهلل إىل أهل األرض‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فيأتون إبراهيم‪ ...‬ويذكر هلم خطاياه اليت أصاهبا)‪ :‬وهي الكذبات الثالث اليت جيادل‬
‫هبن‪ ،‬عن دين اهلل‪ ،‬وهي يف احلقيق ة ليس ت ك ذبات‪ ،‬ولكنه ا توري ة‪ ،‬لكن ملا ك ان املق ام‬
‫‪ )2( ‬فلم ا ذهب وا أخ ذ الف أس‬ ‫مقاًم ا عظيًم ا اعت ذر‪ .‬ق ال‪ ،‬عن نفس ه‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫وكسر أصنامهم‪ ،‬وجعله على الصنم األكرب‪ ،‬فلما جاءوا‪ ،‬وسألوه من فعل هذا بآهلتنا قال‪:‬‬
‫كبريهم‪ .‬فاألوىل‪ :‬قوله‪ :‬إين سقيم‪ .‬والثانية‪ :‬قوله‪ :‬بل فعله كبريهم‪ .‬والثالثة‪ :‬قوله‪ :‬عن زوجته أهنا‬
‫أخت ه‪ ،‬وت أول أهنا أخت ه يف اإلس الم‪ .‬فهي توري ة‪ ،‬وم ع ذل ك يعت ذر؛ هلذا ج اء يف احلديث‪:‬‬
‫(اثنتني يف ذات اهلل) وهي قوله‪ :‬إين سقيم‪ ،‬وقوله‪ :‬بل فعله كبريهم‪،‬والثالثة‪ :‬تتعلق بزوجته‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬في أتون موس ى‪ ....‬وي ذكر هلم خطيئت ه ال يت أص اهبا)‪ :‬وهي قتل ه القبطي قب ل النب وة؛‬
‫ألن موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬نصر اإلسرائيلي‪ ،‬وضرب القبطي وهوال يريد قتله فمات؛ لذلك‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫ع ريه فرع ون بقتل ه القبطي بقول ه‪:‬‬
‫‪.)3( ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫قوله‪( :‬ائتوا عيسى عبد اهلل ورسوله وكلمته وروحه)‪ :‬هذه صفات عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫فهو عبد اهلل؛ ألنه من بين آدم من البشر‪ ،‬خلقه اهلل من أمه مرمي بال أب‪ ،‬وهو رسول‬
‫أرسله اهلل إىل بين إسرائيل‪( ،‬وكلمته)‪ :‬أي‪ :‬أنه خملوق بالكلمة‪ ،‬خلقه اهلل بكلمة (كن) فكان‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.213 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الصافات آية ‪.89 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الشعراء آية ‪.19 :‬‬

‫‪59‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وليس املراد هو الكلمة كما تقوله النصارى؛ ألن النصارى يقولون‪ :‬هو نفسه الكلمة فهو‬
‫ج زء من اهلل‪ .‬نع وذ باهلل مما ق الوا؛ ول ذلك كف روا ب ذلك‪ ،‬فعيس ى خلق ه اهلل بكلم ة (كن)‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫وليس ه و الكلم ة كم ا ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬وقد كفر النصارى بقوهلم‪ :‬إنه جزء‬ ‫‪        ‬‬

‫من اهلل‪ ،‬أو أنه ابن اهلل‪ ،‬أو أنه ثالث ثالثة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬مث يق ال يل‪ :‬ارف ع حمم د‪ ،‬ق ل يس مع‪ ،‬وس ل تعط ه‪ ،‬واش فع تش فع)‪ :‬ه ذا في ه دلي ل‬
‫على أن الرسول ‪ ‬ال يبدأ بالشفاعة ‪-‬أوال‪ -‬حىت يأتيه اإلذن‪ ،‬فإذا رأى ربه خيّر ساجًد ا‪،‬‬
‫فيحم د اهلل‪ ،‬ويث ين علي ه مبحام د‪ ،‬يفتحه ا اهلل علي ه يف ذل ك املوق ف‪ ،‬مث ال ي زال س اجدا‪،‬‬
‫ويدعه اهلل ما شاء أن يدعه‪ ،‬مث يقال‪ :‬يا حممد ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع واشفع تشفع‪ .‬فهذا‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫هو اإلذن‪ ،‬دل عليه قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫وم ع ذل ك ال يس تطيع أن يش فع إال ب إذن من اهلل‪ ،‬س بحانه‬ ‫‪‬‬ ‫فأش رف اخلل ق نبين ا حمم د‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫والشفاعة لها شرطان‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذن اهلل للشافع أن يشفع‪ .‬ولو كان رسول اهلل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يرض ى اهلل‪ ،‬عن املش فوع ل ه‪ .‬فت بني أن الش فاعة فض ل من اهلل وإىل اهلل‪ ،‬لكنه ا‬
‫كرامة يكرم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هبا الشافع‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فيحد يل‪ ،‬ح دا ف أدخلهم اجلن ة مث أرج ع‪ ....‬مث أرج ع فأقول‪ :‬ي ا رب م ا بقي يف‬
‫يشفع ثالث شفاعات‪ ،‬يف كل مرة حيد اهلل له حدا‪ ،‬مث يقولك‬ ‫‪‬‬ ‫النار) هذا فيه أن النيب‬
‫(يا رب ما بقي يف النار‪ ،‬إال من حبسه القرآن‪ ،‬ووجب عليه اخللود)‪ :‬أي‪ :‬مل يبق يف النار‬
‫إال من أخ رب اهلل أن ه يف الق رآن خمل د‪ ،‬وهم الكف ار‪ .‬ومل يب ق من عص اة املوح دين أح د يف‬
‫حبسب علمه‪ ،‬وإال فإنه قد ثبت يف حديث آخر أنه يبقى بقية ال‬ ‫‪‬‬ ‫النار‪ .‬وهذا قاله النيب‬
‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.59 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫‪60‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫تناهلم الشفاعة‪ ،‬فيخرجهم رب العاملني برمحته‪ .‬وذلك بعد شفاعة األنبياء واملالئكة واألفراط‬
‫والش هداء‪ ،‬فيخ رج قوًم ا مل يعمل وا خ ًريا ق ط‪ ،‬أي‪ :‬زي ادة على التوحي د واإلميان‪ .‬وال يب ق يف‬
‫الن ار أح د من عص اة املوح دين‪ .‬مث تغل ق الن ار على الكف ار جبمي ع أص نافهم‪ ،‬كم ا ق ال ‪-‬‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬مطبقة مغلقة‪ .‬وهؤالء ليس هلم نصيب من‬ ‫‪    ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫الشفاعة والعياذ باهلل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬خيرج من النار من قال ال إله إال اهلل‪ ،‬وكان يف قلبه من اخلري ما يزن شعرية‪...‬‬
‫ما يزن من اخلري ذرة)‪ :‬يف لفظ آخر‪  :‬خيرج من النار من يف قلبه مثقال حبة من خردل‬
‫ويف لفظ آخر‪  :‬أنه يشفع فيقال‪ :‬أخرج من النار من كان يف قلبه مثقال حبة من إميان‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫مث يق ال‪ :‬يف الثاني ة أخ رج من الن ار من ك ان يف قلب ه مثق ال أدىن حب ة من إميان‪ ،‬مث يف‬
‫الثالثة أخرج من النار‪ ،‬من كان يف قلبه مثقال أدىن أدىن أدىن من مثقال حبة من خردل‬
‫ويف بعضها أنه يشفع أربع شفاعات‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫من إميان‬
‫واملراد أن ه خيرج من الن ار من ك ان يف قلب ه أدىن‪ ،‬وأق ل ش يء من اإلميان‪ ،‬ومعل وم أن ه‬
‫ال يبقى يف قلبه شيء من اإلميان إال إذا كان ُموِّح ًد ا‪ ،‬أما إذا كان مشرًك ا‪ ،‬فال يبقى يف‬
‫قلبه شيء من اإلميان؛ ألن الشرك ُيذهب اإلميان‪ .‬واملراد من احلديث من كان ُمَو ِّح ًد ا لكن‬
‫كثرت معاصيه‪ ،‬وعظمت حىت أضعفت إميانه؛ ألن ا َو ِّح د ال بد أن يبقى يف قلبه شيء من‬
‫ُمل‬
‫اإلميان‪ .‬واإلميان إمنا يبقى إذا س لم من الش رك األك رب والكف ر األك رب والنف اق األك رب‪ ،‬ف إذا‬
‫س لم من ه ذه األم ور الثالث ة‪ ،‬فال ب د أن يبقى يف قلب ه ش يء من اإلميان‪ ،‬ول و عظمت‬
‫املعاصي‪ ،‬أو كثرت‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫من ت رك الص الة ول و متس اهال‪ ،‬الص واب إن ه ذا كف ر وردة تقض ي على اإلميان؛ لقول‬
‫وألن الصالة شرط يف صحة اإلميان فإذا مل‬ ‫‪‬‬ ‫بني الرجل والكفر ترك الصالة‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬

‫‪ - 1‬سورة الهمزة آية ‪.8 :‬‬

‫‪61‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يص ِّل‪ ،‬فإن ه غ ري م ؤمن كم ا ل و ص لى بغ ري وض وء‪ ،‬ف إذا ك ان الوض وء ش رًطا يف ص حة‬
‫الص الة‪ ،‬فك ذلك الص الة ش رط يف ص حة اإلميان‪ .‬واملس ألة فيه ا خالف‪ ،‬فه ذا ال ذي ذكرن اه‬
‫أمجع عليه الصحابة ومن بعدهم‪ ،‬والفقهاء املتأخرون اختلفوا‪ ،‬منهم من قال‪ :‬إن املراد بالكفر‬
‫باحلديث الكفر األصغر‪ ،‬والصواب أنه كفر أكرب‪ .‬وبعضهم أشكل عليه بعض األحاديث اليت‬
‫فيه ا فض ل التوحي د‪ ،‬وفض ل من ق ال ال إل ه إال اهلل‪ ،‬واجلواب‪ ،‬عن ه ذا‪ :‬أن فع ل الص الة‬
‫شرط يف صحة التوحيد واإلميان‪ ،‬فإذا مل يص ِّل مل يص َّح إميانه وال توحيده‪ ،‬وحينئذ يزول‬
‫اإلشكال‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ي رى رب ه يف املوق ف؛ لقول ه‪( :‬ف إذا رأيت ريب) أم ا رؤي ة‬ ‫‪‬‬ ‫يف احلديث إثب ات أن الن يب‬
‫الناس لرهبم يف املوقف ففيها أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن أه ل املوق ف كلهم ي رون رهبم‪ .‬ج اء يف بعض األح اديث‪  :‬أن أه ل املوق ف‬
‫كلهم يرونه كافرهم ومؤمنهم‪ ،‬مث حيتجب عن الكفار ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال ذي ي راه املؤمن ون واملن افقون‪ :‬ج اء يف احلديث اآلخ ر‪  :‬أن ه ي راه املؤمن ون‬
‫واملنافقون‪ ،‬مث يسجد املؤمنون‪ ،‬أما املنافقون فيجعل اهلل ظهر كل واحد منهم طبًق ا واح ًد ا‬
‫‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫الق ‪%%‬ول الثالث‪ :‬أن ه ال ي راه إال املؤمن ون‪ .‬أم ا الكف ار فق ال اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬فيهم‪:‬‬
‫‪ )1( ‬لكن بعض العلماء قال‪ :‬إهنم يرونه يف‬ ‫‪     ‬‬

‫املوق ف‪ ،‬مث حيتجب عنهم‪ .‬وق ال آخ رون‪ :‬إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬حيتجب‪ ،‬عن الكف ار ح ىت يف‬
‫املوقف‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة المطففين آية ‪.15 :‬‬

‫‪62‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫دخول من خيرج من النار إىل اجلنة ظاهر األحاديث‪ ،‬أنه يكون بعد مدة‪ ،‬ويكون بعد‬
‫السابقني لدخوهلا وبعظم ذنبه‪ +‬تطول مدة مكثه يف النار على حسب جرمه كالقاتل‪ ،‬قال‬
‫‪-‬تع اىل‪ )1(     :-‬أي‪ :‬ماكًث ا مكًث ا ط ويال‪ .‬وق د ثبت أن آخ ر أه ل الن ار‬
‫خروًج ا‪ ،‬وآخ ر أه ل اجلن ة دخ وال يعطى مث ل مل ك من ملوك ال دنيا مخس ني م رة‪ ،‬ول ه م ع‬
‫ذلك ما اشتهت نفسه ولذة عينه‪.‬‬
‫وال يف ىن ش باب أه ل اجلن ة‪ ،‬ويؤمن ون من املرض والش يخوخة والك رب والبص اق واملخ اط‬
‫والبول والغائط واهلموم واألحزان‪ ،‬وهذه كلها زيادات ال حتصل مللوك الدنيا‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫اخلوارج واملعتزل ة ينك رون ش فاعة الرس ول ‪ ‬يف إخ راج عص اة ا َو ِّح دين من الن ار‬
‫ُمل‬
‫ويقول ون‪ :‬العص اة خمل دون يف الن ار‪ ،‬مث ل الكف ار س واء بس واء‪ ،‬وه ذا من أبط ل الباط ل‪،‬‬
‫فأحاديث الشفاعة متواترة‪ ،‬وفيها رد عليهم‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬هل تقع الكبائر والصغائر من األنبياء عليهم الصالة والسالم ؟‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫الجواب‪ :‬األنبياء تقع منهم الصغائر وال ُيق ّر ون عليها‪ ،‬قال اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقال عن موسى‪  :‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )3( ‬وق ال عن‬ ‫‪          ‬‬

‫‪ )4( ‬فهذا صريح يف وقوع صغائر‬ ‫‪       ‬‬ ‫داود‪:‬‬
‫ال ذنوب منهم‪ ،‬لكن األنبي اء معص ومون من الش رك والكب ائر على الص حيح‪ ،‬وك ذلك‬
‫معصومون‪ ،‬عن اخلطأ‪ ،‬فيما ُيَبلغون‪ ،‬عن اهلل‪ ،‬لكن قد يقع منهم خالف اَألْو ىَل ‪ ،‬وقد تكون‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفتح آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة القصص آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة ص آية ‪.24 :‬‬

‫‪63‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬اآلية‪.‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫صغائر يف حقهم قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫كان إذا جاءه ابن‬ ‫‪‬‬ ‫عاتبه اهلل يف ذلك‪ ،‬جاء يف بعضها أن النيب‬ ‫‪‬‬ ‫هذا وقع من النيب‬
‫أم مكتوم قال‪  :‬مرحبا مبن عاتبين فيه ريب ‪.‬‬
‫حديث‪ " :‬يد اهلل مألى ال يغيضها نفقة"‬
‫‪ - 7411‬ح دثنا أب و اليم ان‪ ،‬أخربن ا ش عيب‪ ،‬ح دثنا أب و الزن اد‪ ،‬عن األع رج‪ ،‬عن أيب هري رة أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪  :‬يد اهلل مألى ال يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار‪ ،‬وقال‪ :‬أرأيتم ما أنفق‬
‫من ذ خل ق الس ماوات واألرض‪ ،‬فإن ه مل َيِغض م ا يف ي ده‪ ،‬وق ال‪ :‬عرش ه على املاء‪ ،‬وبي ده‬
‫األخرى امليزان خيفض ويرفع ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأن يد اهلل مألى كرمية ال تغيضها أي‪ :‬ال تنقصها‬ ‫‪‬‬ ‫هذا احلديث فيه إثبات اليد هلل‬
‫نفق ة‪( ،‬س حاء)‪ :‬كث رية الص ب‪ ،‬والس ح ه و ك ثرة الص ب‪( .‬اللي ل والنه ار)‪ :‬ه ذا وص ف (بي ده‬
‫خيفض أقواما ويضع آخرين ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫األخرى امليزان خيفض ويرفع)‪ .‬جاء يف حديث آخر‬
‫وروي (الفيض)‪ .‬وج اء يف‪ ،‬ح ديث‪  :‬وكلت ا‬ ‫‪‬‬ ‫ويف لف ظ آخ ر‪  :‬وبي ده األخ رى القبض‬
‫أي‪ :‬يف الربكة واخلري‪ .‬وسيأيت إثبات الشمال هلل تعاىل‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫يديه ميني‬
‫ويف احلديث إثبات امليزان وهو ميزان حقيقي له كفتان عظيمتان‪ ،‬وله لسان‪ .‬وتأوله أهل‬
‫الكالم بالع دل‪ ،‬وأن ه ليس هن اك م يزان ِح س ي‪ ،‬وق الوا‪ :‬إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬منـزه عن امليزان‪،‬‬
‫فامليزان ال حيتاجه إال البقال والفوال‪ ،‬أما اهلل فال حيتاج إىل ميزان‪ ،‬وهذا إمنا قالوه بسبب‬
‫عقوهلم الفاسدة‪.‬‬
‫وجاء يف احلديث‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬خيفض ويرفع) يفسره اللفظ اآلخر‪  :‬يضع أقواما ويرفع آخرين‬
‫ي ؤتى بالرج ل العظيم‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اآلخ ر‪ :‬م ا ي دل على وزن األش خاص ووزن األعم ال‪ ،‬ق ال‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫واألعم ال ت وزن ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫الس مني‪ ،‬ال ي زن عن د اهلل جن اح بعوض ة‬

‫‪ - 1‬سورة عبس آية ‪.2-1 :‬‬

‫‪64‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬اآلي ة‪ .‬وأم ا م ا ج اء يف بعض‬ ‫‪       ‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫اآليات من إثبات امليزان بصيغة اجلمع‪ ،‬كما يف قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫فقيل‪ :‬مجعها بالنسبة للموزون‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هناك موازين ِعّد ة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل يقبض يوم القيامة األرض"‬
‫‪ - 7412‬ح دثنا مق دم بن حمم د بن حيىي ق ال‪ :‬ح دثين عمي القاس م بن حيىي‪ ،‬عن عبي د اهلل‪ ،‬عن‬
‫أن ه ق ال‪  :‬إن اهلل يقبض ي وم القيام ة‬ ‫ن افع‪ ،‬عن ابن عم ر ‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬عن رس ول اهلل ‪‬‬
‫رواه سعيد‪ ،‬عن مالك‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫األرض‪ ،‬وتكون السماوات بيمينه‪ ،‬مث يقول‪ :‬أنا امللك‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه إثبات صفة القبض هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وهي من الصفات الفعلية‪ ،‬كما قال ‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫‪.)3( ‬‬ ‫‪        ‬‬

‫حديث‪ " :‬يقبض اهلل األرض"‬


‫هبذا‪ ،‬وق ال أب و‬ ‫‪ - 7413‬وق ال عم ر بن محزة‪ :‬مسعت س ا ا‪ ،‬مسعت ابن عم ر‪ ،‬عن الن يب ‪‬‬
‫ًمل‬
‫‪‬‬ ‫اليمان‪ :‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن الزهري أخربين أبو سلمة أن أبا هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫يقبض اهلل األرض ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث علق ه البخ اري‪ ،‬ورواه مس لم وغ ريه موص وال‪ ،‬وفي ه إثب ات اليمني والش مال‬
‫هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬لكن كلتامها ميني يف الربك ة والش رف والفض ل والعظم ة‪ ،‬وع دم النقص‪ ،‬خبالف‬
‫املخلوق‪ ،‬فاملخلوق يف الغالب تكون مشاله فيها نقص وضعف‪ ،‬أما اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فال يلحقه‬
‫نقص‪ ،‬بل كلتا يديه ميني يف الربكة والفضل وعدم النقص‪ ،‬وإال فله ‪-‬سبحانه‪ -‬ميني ومشال‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة القارعة آية ‪.7-6 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنبياء آية ‪.47 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪65‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫لكن بعضهم قال‪ :‬إن هذا تف رد‬ ‫‪‬‬ ‫أنا أختار ميني ريب‪ ،‬وكلتا يديه ميني‬ ‫‪‬‬ ‫ويف لفظ آخر‬
‫فيه عمر بن محزة‪ ،‬وطعن فيه‪ ،‬والصواب إن هذا ال يعترب علة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل يمسك السماوات على إصبع"‬
‫‪ - 7414‬ح دثنا مس دد‪ ،‬مسع حيىي بن س عيد‪ ،‬عن س فيان‪ ،‬ح دثين منص ور وس ليمان‪ ،‬عن إب راهيم‪،‬‬
‫فق ال‪ :‬ي ا حمم د‪ ،‬إن اهلل ميس ك‬ ‫‪‬‬ ‫أن يهودي ا ج اء إىل الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫عن عبي دة‪ ،‬عن عب د اهلل‪،‬‬
‫الس ماوات على إص بع‪ ،‬واألرض ني على إص بع واجلب ال على إص بع‪ ،‬والش جر على إص بع‬
‫حىت بدت نواجذه‪ ،‬مث قرأ‬ ‫‪‬‬ ‫واخلالئق على إصبع‪ ،‬مث يقول‪ :‬أنا امللك‪ ،‬فضحك رسول اهلل‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬

‫ق ال حيىي بن س عيد‪ :‬وزاد في ه فض يل بن عي اض‪ ،‬عن منص ور‪ ،‬عن إب راهيم‪ ،‬عن عبي دة‪،‬‬
‫تعجًبا وتصديًق ا له ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫فضحك رسول اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫عن عبد اهلل‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأهنا من الصفات الذاتية اليت تليق باهلل وعظمته‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذا احلديث فيه إثبات األصابع هلل‬
‫أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يض ع الس ماوات واألرض ني على أص بع‬ ‫‪‬‬ ‫وفي ه إثب ات مخس ة أص ابع هلل‬
‫واجلبال على أصبع‪ ،‬والشجر على أصبع‪ ،‬وسائر اخللق على إصبع‪ ،‬فهذه مخسة أصابع‪.‬‬
‫وفيه أن النيب ‪ ‬ضحك تعجًبا وتصديًق ا لقول اَحلرْب ‪ ،‬وهو العامل عند اليهود‪.‬‬
‫وأه ل الكالم هلم كالم وخلبط ة يف ه ذا‪ ،‬كاخلط ايب وابن بط ال القرط يب ومجاع ة‪ ،‬فمنهم‬
‫من تأول وقال‪ :‬هذا على عادة العرب‪ ،‬وأنكروها‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬حيتمل أن يكون اإلصبع‬
‫خلًق ا من خلق اهلل‪ ،‬ومنهم من قال غري ذلك‪ ،‬وكل هؤالء استوحشوا من إثبات األصبع‬
‫هلل تعاىل‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬إن الرسول ‪ ‬إمنا ضحك إنكارا على اَحلرْب اليهودي‪ .‬فسبحان اهلل!‬
‫ويف احلديث يقول‪ :‬إمنا ضحك تعجًب ا وتصديًق ا‪ ،‬وهؤالء يقولون‪ :‬ضحك إنكاًر ا عليه‪ .‬ومنهم‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.91 :‬‬

‫‪66‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫من ق ال‪ :‬إن لفظ ة (ض حك) َو ْه ٌم من ال رواة‪ ،‬فال أص ل ال وأهنا من غل ط بعض ال رواة‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬كيف يضحك على التشبيه والتجسيم‪ .‬فنسأل اهلل العافية من قول هؤالء‪.‬‬
‫وسبب ذلك أهنم ظنوا أن يف هذا تشبيه‪ ،‬واستوحشوا من إثبات الصفات‪ .‬وحنن نقول‪:‬‬
‫ليس يف هذا تشبيه‪ ،‬بل نثبت ما أثبته اهلل لنفسه‪ ،‬وما أثبته له رسوله‪ ،‬فلله ‪-‬تعاىل‪ -‬أصابع‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫تليق جبالله وعظمته ال نعلم كيفيتها‪ .‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أثبت لنفس ه الي دين فق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫فالرس ول أعلم الن اس برب ه‪ ،‬أثبت األص ابع هلل‬
‫‪ )2( ‬فكيف تستوحشون من إثبات ما أثبته‬ ‫‪    ‬‬

‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬لنفسه‪ ،‬وما أثبته له رسوله ‪.‬‬


‫فائدة‪:‬‬
‫ما وقع فيه العلماء الكبار من الزالت واهلفوات والتأويالت‪ ،‬مع طول باعهم يف العلم؛‬
‫سبب ذلك أنه مل يكن عندهم حتقيق يف االعتقاد وإثبات الصفات على مذهب أهل السنة‬
‫واجلماع ة؛ وذل ك ألهنم مل ينش ئوا على معتق د أه ل الس نة واجلماع ة‪ ،‬وظن وا أن ه ذا ه و‬
‫التشبيه‪.‬‬
‫وق د ذك ر ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف نونيت ه‪( :‬الكافي ة الش افية)‪ :‬أن من جه ل يف ه ذه‬
‫املسألة‪ ،‬وأراد احلق وسلك طريًق ا آخر مل يوصل إليه‪ ،‬أن أمرهم يدور بني أربعة أمور‪:‬‬
‫‪ - 1‬الذنب‪ :‬فإما أن يكون مذنًبا‪ ،‬أي‪ :‬بقي عليه ذنب‪.‬‬
‫‪ - 2‬املغفرة‪ :‬أي بأن يكون مغفوًر ا له‪.‬‬
‫‪ - 3‬اخلطأ املغفور‪ :‬أي بأن يكون قد اجتهد وأخطأ‪ ،‬فله أجر‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون قد اجتهد‪ ،‬فأصاب‪ ،‬فله أجران‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.140 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪67‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ونرجوا للعلماء الكبار أن يكون مغفوًر ا هلم؛ ألهنم مل يتعمدوا هذا‪ ،‬بل ظنوا إن هذا‬
‫هو احلق‪ ،‬أن هذا هو التنـزيه‪ ،‬اجتهاًدا منهم رمحهم اهلل‪ .‬لكن هذا يوجب على طالب العلم‪،‬‬
‫أن يعتين مبعتقد أهل السنة واجلماعة‪ ،‬حىت ال َيِزَّل كما َز َّل هؤالء العلماء الكبار‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل يمسك السماوات على إصبع"‬
‫‪ - 7415‬حدثنا عمر بن حفص بن غياث‪ ،‬حدثنا أيب‪ ،‬حدثنا األعمش مسعت إبراهيم قال‪ :‬مسعت‬
‫من أهل الكتاب فقال‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬إن‬ ‫‪‬‬ ‫علقمة يقول‪ :‬قال عبد اهلل‪  :‬جاء رجل إىل النيب‬
‫اهلل ميسك السماوات على إصبع واألرضني على إصبع‪ ،‬والشجر والثرى على إصبع واخلالئق‬
‫ضحك حىت بدت نواجذه مث قرأ‬ ‫‪‬‬ ‫على إصبع‪ ،‬مث يقول‪ :‬أنا امللك‪ ،‬أنا امللك فرأيت النيب‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫(النواجذ)‪ :‬هي األسنان اليت تلي األضراس‪ ،‬وقيل‪ :‬األضراس‪ .‬وتقدم معناه يف احلديث الذي‬
‫قبله‪.‬‬
‫باب قول النبي‪" :‬ال شخص أغير من اهلل"‬
‫حديث‪" :‬أتعجبون من غيرة سعد"‬
‫وقال عبيد اهلل بن عمرو‪ :‬عن عبد‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 20‬باب قول النيب ‪  ‬ال شخص أغري من اهلل‬
‫امللك‪  :‬ال شخص أغري من اهلل ‪.‬‬
‫‪ - 7416‬حدثنا موسى بن إمساعيل التبوذكي‪ ،‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬حدثنا عبد امللك‪ ،‬عن‬
‫وراد كاتب املغرية‪ ،‬عن املغرية قال‪ :‬قال سعد بن عبادة‪ :‬لو رأيت رجال مع امرأيت لضربته‬
‫فقال‪  :‬أتعجبون من غرية سعد‪ ،‬واهلل ألنا‬ ‫‪‬‬ ‫بالسيف غري مصفح‪ ،‬فبلغ ذلك رسول اهلل‬
‫أغري منه‪ ،‬واهلل أغري مين؛ ومن أجل غرية اهلل حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وال‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.91 :‬‬

‫‪68‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أح د أحب إلي ه الع ذر من اهلل؛ ومن أج ل ذل ك بعث املبش رين واملن ذرين‪ ،‬وال أح د أحب‬
‫إليه املدحة من اهلل؛ ومن أجل ذلك وعد اهلل اجلنة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه إثبات أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬شخص‪ ،‬مبعىن أنه خيرب عنه ‪-‬سبحانه‪ -‬أي‪ :‬ذات‬
‫مستقلة‪.‬‬
‫فيخرب عن اهلل بأنه شخص‪ ،‬كما خيرب عنه بأنه ذات وبأنه أحد‪ ،‬وبأنه شيء‪ .‬فهذا من‬
‫باب اخلرب ال من الصفات‪ .‬فباب اخلرب أوسع من باب الصفات‪ .‬ففي هذا احلديث إثبات أنه‬
‫‪‬‬ ‫شخص‪ ،‬كما ثبت يف قصة ُخ بيب أنه ذات‪ ،‬كما قال‪ :‬اثنني يف ذات اهلل وقول ُخ بيب‬
‫وذلك يف ذات اإلله‪.‬‬
‫وهي من الصفات الفعلية اليت تتعلق باملشيئة واالختيار‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫واحلديث فيه إثبات الغرية هلل‬
‫ومن آثارها حترمي الفواحش‪ .‬وفيه أنه خيرب عن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أنه (أحد)‪ :‬لقوله‪( :‬ال أحد أحب‬
‫إليه املدح من اهلل؛ من أجل ذلك مدح نفسه)‪ .‬وقوله‪( :‬ال أحد أحب إليه العذر من اهلل؛‬
‫‪‬‬ ‫من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومن ذرين)‪ :‬من أجل أن تنقطع املع ذرة‪ ،‬قال تع اىل‪:‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫قال‪( :‬لو رأيت رجال مع امرأيت لضربته بالسيف غري مصفح)‪ :‬أي لضربته حبد‬ ‫‪‬‬ ‫وسعد‬
‫(أتعجب ون من غ ريه س عد‪ ،‬ألن ا أغ ري من ه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫الس يف ال بعرض ه‪ .‬وه ذه غ رية عظيم ة‪ ،‬فق ال‬
‫واهلل أغري مين)‪.‬‬
‫باب "ُقْل َأُّي َش ْي ٍء َأْك َبُر َش َه اَدًة ُقِل الَّلُه"‬
‫حديث‪" :‬أمعك من القرآن شيء؟"‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪ - 21‬باب‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.165 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.19 :‬‬

‫‪69‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫القرآن شيئا‪ ،‬وهو صفة من صفات اهلل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫فسمى اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬نفسه شيًئا‪ ،‬ومسى النيب‬
‫وقال‪.)1(         :‬‬
‫‪ - 7417‬حدثنا عبد اهلل بن يوسف‪ ،‬أخربنا مالك عن أيب حازم‪ ،‬عن سهل بن سعد‬
‫لرج ل‪  :‬أمع ك من الق رآن ش يء؟ ق ال‪ :‬نعم س ورة ك ذا‪ ،‬وس ورة ك ذا لس ور‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال الن يب‬
‫مساها ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫فيه إثبات أنه يطلق على اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أنه شيء وذلك من باب اخلرب‪ ،‬وقول البخاري‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫(فسمي اهلل نفسه شيًئا) كما قال اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪      ‬‬

‫‪ )2(   ‬فس مى اهلل نفس ه ش يًئا أي‪ :‬أخ رب عن نفس ه بأن ه ش يء‪ ،‬فك ل موج ود ش يء‪،‬‬
‫والذي ال شيء معدوم‪ ،‬فاملعدوم يقال له‪ :‬ال شيء واملوجود يقال له‪ :‬شيء‪ .‬فال يقال‪ :‬من‬
‫صفاته أنه شيء‪ ،‬لكن خيرب عنه أنه شيء‪ ،‬وال يقال‪ :‬من صفاته ذات‪ ،‬وال يقال‪ :‬من صفاته‬
‫(‪ )3‬فباب اخلرب أوسع من‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫شخص‪ ،‬وأخرب عن نفسه بأنه أحد‬
‫باب الصفات‪ ،‬فيخرب عن اهلل بأنه شيء‪ ،‬وبأنه ذات‪ ،‬وبأنه موجود‪ ،‬وبأنه أحد وال يقال‪:‬‬
‫من صفاته أنه موجود‪ ،‬وال يقال‪ :‬من صفاته أنه شيء‪ ،‬وال يقال‪ :‬من صفاته أنه أحد‪ ،‬بل‬
‫خيرب عنه بأنه ذات وشخص وشيء وأحد وموجود‪.‬‬
‫‪ )4( ‬أخذ البخاري من هذا اإلخبار عن اهلل‬ ‫‪      ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫بأن شيء‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫وفيه إثبات الذات والوجه‪ ،‬وأهل البدع يقولون‪:‬‬
‫(‪ )5‬أي ذاته وقصدهم يف ذلك إنكار الوجه‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة القصص آية ‪.88 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة اإلخالص آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة القصص آية ‪.88 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة القصص آية ‪.88 :‬‬

‫‪70‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬أمعك من القرآن شيء)‪ :‬هذا هو الشاهد‪ ،‬فسمى القرآن شيًئا‪ ،‬فيخرب عن القرآن‬
‫بأنه شيء‪ ،‬وهو صفة من صفاته‪.‬‬
‫باب "َو َك اَن َعْر ُش ُه َعَلى اْلَم اِء "‬
‫حديث‪" :‬كان اهلل ولم يكن شيء قبله"‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ - 22‬باب‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪ ‬‬

‫(‪ )4‬خلقهن‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ )3( ‬ارتف ع‬ ‫‪   ‬‬ ‫ق ال أب و العالي ة‪:‬‬
‫(‪ )5‬عال على الع رش‪ ،‬وق ال ابن عب اس‪( :‬اجملي د)‪ :‬الك رمي و‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وق ال جماه د‬
‫(الودود)‪ :‬احلبيب يقال‪ :‬محيد جميد‪ ،‬كأنه فعيل من ماجد حممود من محد‪.‬‬
‫‪ - 7418‬حدثنا عبدان‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا أبو محزة‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن جامع بن شداد‪ ،‬عن‬
‫إذ ج اءه ق وم من ب ين‬ ‫‪‬‬ ‫ص فوان بن حمرز‪ ،‬عن عم ران بن حص ني ق ال‪  :‬إين عن د الن يب‬
‫متيم‪ ،‬فق ال‪ :‬اقبل وا البش رى ي ا ب ين متيم‪ ،‬ق الوا‪ :‬بش رتنا فأعطن ا‪ ،‬ف دخل ن اس من أه ل اليمن‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ مل يقبلها بنو متيم‪ ،‬قالوا‪ :‬قبلنا جئناك لنتفقه يف الدين؛‬
‫ولنسألك عن أول هذا األم ر ما كان‪ ،‬قال‪ :‬كان اهلل‪ ،‬ومل يكن شيء قبله‪ ،‬وكان عرشه‬
‫على املاء‪ ،‬مث خلق السماوات واألرض‪ ،‬وكتب يف الذكر كل شيء‪ ،‬مث أتاين رجل فقال‪:‬‬
‫يا عمران أدرك ناقتك‪ ،‬فقد ذهبت‪ ،‬فانطلقت أطلبها‪ ،‬فإذا السراب ينقطع دوهنا‪ ،‬وأمي اهلل‪،‬‬
‫لوددت أهنا قد ذهبت‪ ،‬ومل أقم ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة هود آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التوبة آية ‪.129 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة البقرة آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة البقرة آية ‪.29 :‬‬

‫‪71‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ذه الرتمجة أراد هبا املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إثب ات ص فة االس تواء على الع رش‪ ،‬وإثب ات‬
‫الع رش‪ ،‬وأن ه خملوق عظيم وص ف بالعظم ة‪ ،‬ووص ف ب الكرم‪ ،‬وه و س قف املخلوق ات‪ ،‬وه و‬
‫أعظمه ا وأوس عها وأعاله ا وأرفعه ا‪ ،‬وه و أول املخلوق ات‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬مس تٍو علي ه اس تواء‬
‫يليق جبالله وعظمته‪.‬‬
‫واالستواء من الصفات الفعلية‪ ،‬وكان بعد خلق السماوات واألرض‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬خلق‬
‫العرش‪ ،‬مث بعد ذلك خلق السماوات واألرض‪ ،‬مث استوى على العرش‪ ،‬بعد خلق السماوات‬
‫‪‬‬ ‫واألرض اس تواء يلي ق جبالل ه وعظمت ه‪ ،‬كم ا بني اهلل ذل ك يف آي ات كث رية‪ ،‬ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪             ‬‬

‫(‪ )1‬و (مث)‪ :‬للرتتيب والرتاخي‪.‬‬


‫ف دل على أن االس تواء من الص فات الفعلي ة‪ ،‬فت ارة ك ان مس توًيا على الع رش‪ ،‬وت ارة مل‬
‫يكن مستوًيا عليه‪.‬‬
‫واالس تواء على الع رش عل و خ اص‪ ،‬وه و من الص فات الفعلي ة‪ ،‬خبالف العل و‪ ،‬فإن ه من‬
‫الصفات الذاتية املالزمة للرب‪ ،‬فالرب مل يزل قط‪ ،‬وال يزال عالًي ا على خملوقاته‪ ،‬فهو فوق‬
‫املخلوقات سبحانه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫واملؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ص َّدر الرتمجة هباتني اآلي تني‪:‬‬
‫)‪)3( (2‬؛ ليبني أن العرش مربوب‪ ،‬وكل مربوب‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬

‫فهو خملوق‪ ،‬فالعرش مع سعته وعظمه وكونه أكرب املخلوقات‪ ،‬فهو مربوب خملوق كائن‬
‫بعد أن مل يكن‪ ،‬واهلل استوى عليه استواء يليق جبالله وعظمته‪ ،‬وهو ‪-‬سبحانه‪ -‬ليس حباجة‬
‫إىل العرش وال إىل غريه‪ ،‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬احلامل للعرش وحلملة العرش بقوته وقدرته سبحانه‬

‫‪ - 1‬سورة الحديد آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة هود آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة التوبة آية ‪.129 :‬‬

‫‪72‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬ ‫وتعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫وصفة االستواء‪ ،‬وصفة العلو والرؤية‪ ،‬كلها من الصفات اليت اشتد فيها النـزاع بني أهل‬
‫السنة وبني أهل البدع‪ ،‬وهي من العالمات الفارقة بني أهل السنة وغريهم‪ ،‬فالذين يثبتون‬
‫االس تواء والعل و والرؤي ة هم أه ل الس نة‪ ،‬ومن نفاه ا فه و من أه ل الب دع‪ ،‬ف أراد اإلم ام‬
‫البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن يرد على اجلهمية واملعتزلة واألشاعرة ممن ينكر االستواء‪.‬‬
‫واالستواء معناه معلوم يف اللغة العربية ‪-‬كما ذكر اإلمام البخاري هنا ‪ :-‬والسلف هلم‬
‫عبارات أربع يف معىن االستواء‪( :‬صعد‪ ،‬وعال‪ ،‬وارتفع‪ ،‬واستقر)‪ .‬هذا معناه اللغوي‪ ،‬وعبارات‬
‫املفسرين يف تفسري االستواء تدور على هذه الكلمات األربع‪ .‬كما قال اإلمام مالك رمحه‬
‫اهلل‪( :‬االستواء معلوم)‪ :‬أي معلوم معناه يف اللغة العربية‪ ،‬فمذهب أهل السنة واجلماعة أن اهلل‬
‫‪-‬تع اىل‪ -‬مس تٍو على عرش ه هبذه املع اين األرب ع‪ ،‬اس تواء يلي ق جبالل ه وعظمت ه وال يكي ف‪،‬‬
‫فكيفية االستواء ال يعلمها إال اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬كما أنه ال يعلم كيفية مسعه‪ ،‬وكيفية‬
‫بص ره‪ ،‬وكيفي ة غض به ورض اه وقدرت ه إال ه و س بحانه‪ ،‬فالكيفي ة منفي ة؛ ل ذلك ق ال اإلم ام‬
‫مالك رمحه اهلل‪( :‬االستواء معلوم‪ ،‬والكيف جمهول‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬واإلميان به واجب)‬
‫ويف رواية أنه قال‪( :‬االستواء غري جمهول‪ ،‬والكيف غري معقول‪ ،‬واإلميان به واجب‪ ،‬والسؤال‬
‫عنه بدعة) وروي هذا عن ربيعة شيخ اإلمام مالك‪ ،‬وروي كذلك عن أم سلمة رضي اهلل‬
‫عنها‪.‬‬
‫فالس مع ‪-‬مثال‪ -‬معل وم نع رف معن اه يف اللغ ة‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذه قاع دة يف مجي ع ص فات اهلل‬
‫العربي ة‪ ،‬وأن الس مع ض د الص مم والبص ر ض د العمى‪ ،‬لكن ال نعلم كيفي ة مسعه وال كيفي ة‬
‫‪ )2( ‬الع رش واملاء خملوق ان ‪-‬أوال‪ -‬قب ل‬ ‫‪    ‬‬ ‫بص ره ل ك قول ه‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة فاطر آية ‪.41 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة هود آية ‪.7 :‬‬

‫‪73‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫خلق السماوات واألرض‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ووص ف اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬نفس ه أن ه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )3( ‬ومتدح ال رب بأن ه ذو الع رش كم ا ق ال س بحانه‪:‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ )4( ‬ووص ف الع رش أن ه كالقب ة على الع امل‪،‬‬ ‫‪     ‬‬

‫إن الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فأكون أول من‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ووصف بأن له قوائم‪ .‬كما قال النيب‬
‫يفيق‪ ،‬فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ‪.‬‬
‫ووص ف ب أن املق ادير مكتوب ة قب ل خل ق الس ماوات واألرض خبمس ني أل ف س نة‪ ،‬وك ان‬
‫عرشه على املاء يف ذلك الوقت‪ .‬ووصف العرش بأنه سقف الفردوس الذي هو أعلى اجلنة‬
‫ووسط اجلنة‪.‬‬
‫‪ )5( ‬أي ارتفع‪ .‬هذا هو املعىن اللغوي لالستواء‪.‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪ )6( ‬قرئت (اجمليد)‪ :‬بضم الدال‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله تعاىل‪:‬‬
‫تك ون ص فة هلل تع اىل‪ ،‬وق رئت "اجملي ِد " بكس ر ال دال‪ ،‬وعلى ه ذا فتك ون ص فة للع رش‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫واجلهمية يقولون‪ :‬ليس هناك عرش‪ ،‬بل هو معنوي وليس حس ًّيا‪ ،‬ويقولون يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ )7( ‬أي امللك‪ ،‬أي‪ :‬استوى على امللك‪ .‬وقوهلم هذا باطل‪ .‬بل‬ ‫‪   ‬‬

‫هو أي‪ :‬العرش‪ :‬سرير عظيم ذو قوائم حتمله املالئكة‪ ،‬مقبب وهو سقف املخلوقات وأعظمها‬
‫وأعالها‪ ،‬فهو جسم‪ ،‬مبعىن أن له ذاًتا ليس معنوًّيا‪ ،‬بل هو حسي‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة هود آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المؤمنون آية ‪.116 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة التوبة آية ‪.129 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.42 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة البقرة آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة البروج آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة البروج آية ‪.15 :‬‬

‫‪74‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫قوله‪ :‬الودود‪ :‬احلبيب‪ .‬هذا استطراد من املؤلف حيث فسر اآلية اليت قبلها وهي قوله‪:‬‬
‫‪ )1( ‬أي احلبيب املتودد لعباده‪.‬‬ ‫‪   ‬‬

‫كم ا يف التش هد‪ ،‬ومها امسان من أمساء اهلل‪ ،‬و (اجملي د)‪ :‬كث ري‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪  :‬إن ك محي د جمي د‬
‫الصفات‪.‬‬
‫أن يبشرهم‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬اقبلوا البشرى يا بين متيم‪ )....‬إخل‪ .‬فيه أن بين متيم استعجلوا‪ ،‬فأراد‬
‫فلم ا ج اء أه ل‬ ‫‪‬‬ ‫ب اخلري‪ ،‬فاس تعجلوا‪ ،‬فك أهنم أرادوا ش يئا من ال دنيا؛ فل ذلك غض ب الن يب‬
‫اليمن ق ال‪ :‬اقبل وا البش رى بع د إذ مل يقبله ا بن و متيم فق الوا‪ :‬قبلن ا‪ ،‬جئن اك لنتفق ه يف ال دين؛‬
‫ولنس ألك عن أول ه ذا األم ر م ا ك ان‪ :...‬أي‪ :‬يس ألوه عن أول ه ذا األم ر املش اهد من‬
‫(كان اهلل ومل يكن شيء قبله) ويف رواية (كان اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫املخلوقات كالسماوات‪ ،‬فقال النيب‬
‫ومل يكن شيء معه) ويف لفظ (كان اهلل ومل يكن شيء غريه)‪.‬‬
‫وفيه إثبات وجود اهلل‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬هو األول وليس قبله شيء‪ .‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬فسر‬ ‫‪           ‬‬

‫هذه األمساء األربعة يف حديث االستفتاح يف قوله‪  :‬اللهم أنت األول‪ ،‬فليس قبلك‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫ش يء وأنت اآلخ ر‪ ،‬فليس بع دك ش يء‪ ،‬وأنت الظ اهر فليس فوق ك ش يء‪ ،‬وأنت الب اطن‬
‫فقول ه‪ :‬الظ اهر‪ ،‬في ه إثب ات العل و‪ ،‬والب اطن‪ ،‬ال ذي ال حيجب ه ش يء من‬ ‫‪‬‬ ‫فليس دون ك ش يء‬
‫خلقه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وكتب يف الذكر كل شيء)‪ :‬الذكر هو اللوح احملفوظ‪ ،‬كتب فيه كل شيء‪ .‬ففيه‬
‫وأهنا من الصفات الفعلية اليت تتعلق باملشيئة واالختيار‪ ،‬جاء يف حديث‬ ‫‪‬‬ ‫إثبات الكتابة هلل‬
‫عب د اهلل بن عم رو بن الع اص عن د مس لم‪  :‬كتب اهلل مق ادير اخلالئ ق‪ ،‬قب ل أن خيل ق‬
‫إًذا املق ادير مكتوب ة قب ل‬ ‫‪‬‬ ‫الس ماوات واألرض خبمس ني أل ف س نة‪ ،‬وك ان عرش ه على املاء‬

‫‪ - 1‬سورة البروج آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحديد آية ‪.3 :‬‬

‫‪75‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫خلق السماوات واألرض خبمسني ألف سنة‪ ،‬ويف حني كتابة املقادير كان العرش على املاء‪،‬‬
‫فالعرش واملاء خملوقان قبل كتابة املقادير‪.‬‬
‫وهذا من األدلة على أن العرش خملوق قبل القلم‪ ،‬واملسألة فيها قوالن ألهل العلم يف أول املخلوقات‪ ،‬هل هو العرش أو القلم؟ حكاها ابن القيم يف‬

‫النونية فقال‪:‬‬

‫كتب القضاء بـه مـن الديان‬ ‫والنـاس مختلفون في القلم الذي‬


‫قوالن عند أبي العال الهمـداِني‬ ‫هـل كان قبل العرش أم هو بعده‬
‫قبـل الكتابة كـان ذا أركـان‬ ‫والحـق أن العرش كان قبُل ألنه‬

‫فالصواب أن العرش خملوق ‪-‬أوال‪ -‬قبل القلم‪ ،‬كما يف حديث الباب‪ ،‬ويف حديث آخر‪  :‬أول ما‬
‫ويف‬ ‫‪‬‬ ‫خلق اهلل القلم‪ ،‬فقال له‪ :‬اكتب‪ ،‬قال‪ :‬ريب وما أكتب؟ قال‪ :‬اكتب مقادير كل شيء‬
‫فكتابة املقادير كانت‬ ‫‪‬‬ ‫لفظ آخر‪  :‬فجرى يف تلك الساعة مبا هو كائن إىل يوم القيامة‬
‫عند أول خلق القلم‪ ،‬أي‪ :‬قال له اهلل‪ :‬اكتب عند أول خلقه‪ ،‬فاألولية مقيدة بالكتابة وهذا‬
‫أص ح الق ولني‪ .‬وح ديث عب د اهلل بن عم رو بن الع اص أف اد أن ه عن د كتاب ة املق ادير‪ ،‬ك ان‬
‫عرشه على املاء‪ ،‬فالعرش واملاء موجودان أوال‪.‬‬
‫قوله‪( :‬مث أتاين رجل فقال يا عمران أدرك‪ ،‬فقد ذهبت‪ ...‬لوددت أهنا ذهبت‪ ،‬ومل أقم)‪:‬‬
‫حىت يستمع للعلم‪ ،‬ويستفيد‪ ،‬ولو ذهبت الناقة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أنه جلس عند النيب‬ ‫‪‬‬ ‫أي‪ :‬ود عمران‬
‫فائدة‪:‬‬
‫املراد بأه ل اليمن ك ل من ك ان على ميني الكعب ة يس مى مين‪ ،‬وليس املراد ب ه احلدود‬
‫اجلغرافية املعروفة اآلن‪ ،‬فغامد وزهران وهتامة كلها تدخل يف اليمن‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن يمين اهلل مألى ال يغيضها نفقة"‬

‫‪76‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7419‬حدثنا علي بن عبد اهلل‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق أخربنا معمر‪ ،‬عن مهام‪ ،‬حدثنا أبو هريرة عن‬
‫قال‪  :‬إن ميني اهلل مألى ال يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار‪ ،‬أرأيتم ما أنفق منذ‬ ‫النيب ‪‬‬
‫خل ق الس ماوات واألرض‪ ،‬فإن ه مل ينقص م ا يف ميين ه‪ ،‬وعرش ه على املاء‪ ،‬وبي ده األخ رى‬
‫الفيض ‪-‬أو القبض‪ -‬يرفع وخيفض ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫في ه إثب ات أن الع رش على املاء‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ف وق الع رش‪ ،‬ال خيفى علي ه ش يء من‬
‫أعمال العباد‪.‬‬
‫ومفهوم ه أن اليمني يقابله ا الش مال‪ ،‬وثبت ذل ك يف احلديث‬ ‫‪‬‬ ‫وفي ه إثب ات اليمني هلل‬
‫اآلخر‪ :‬أن هلل ميني ومشال‪ ،‬وكلتا يديه ميني يف الشرف والفضل والكرم وعدم النقص‪.‬‬
‫في د اهلل (مألى) من اخلري (ال يغيض ها) أي‪ :‬ال ينقص ها نفق ة (س حاء) أي‪ :‬دائم ة الص ب‪،‬‬
‫اللي ل والنه ار‪( .‬وبي ده األخ رى الفيض) الفيض أي‪ :‬اإلحس ان والعط اء‪ .‬و (القبض) أي‪ :‬قبض‬
‫األرواح‪ ،‬وقيل‪ :‬املعىن‪( :‬بيده األخرى امليزان‪ ،‬خيفض ويرفع) كما يف احلديث اآلخر‪.‬‬
‫وهذا يتفق مع الرواية األخرى‪ ،‬فيكون املراد بالقبض يف هذه الرواية أي‪ :‬امليزان‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وعرشه على املاء) هذا هو الشاهد من احلديث‪.‬‬
‫حديث‪" :‬اتق اهلل وأمسك عليك زوجك"‬
‫‪ - 7420‬حدثنا أمحد‪ ،‬حدثنا حممد بن أيب بكر املقدمي‪ ،‬حدثنا محاد بن زيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس‬
‫يق ول‪ :‬ات ق اهلل‪ ،‬وأمس ك علي ك‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪  :‬ج اء زي د بن حارث ة يش كو‪ ،‬فجع ل الن يب‬ ‫‪‬‬
‫زوج ك‪ .‬ق ال أنس‪ :‬ل و ك ان رس ول اهلل ‪ ‬كامتا ش يًئا لكتم ه ذه ق ال‪ :‬فك انت زينب تفخ ر‬
‫على أزواج النيب ‪ ‬تقول‪ :‬زوجكن أهاليكن‪ ،‬وزوجين اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬من فوق سبع مساوات ‪‬‬

‫(‪ )1‬نـزلت يف‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫وعن ث ابت‬
‫شأن زينب وزيد بن حارثة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األحزاب آية ‪.37 :‬‬

‫‪77‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫وكان النيب تبناه يف أول اإلسالم‪ ،‬فكان يدعى زيد‬ ‫‪‬‬ ‫زيد بن حارثة كان موىل للنيب‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫بن حممد‪ ،‬مث أبطل اإلسالم التبين قال تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫وه و م وىل بقرش ية‪ ،‬وهي زينب بنت جحش‪ ،‬وهي قريب ة للن يب‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬وزوج ه الن يب‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫ويشكو فيقول له النيب‬ ‫‪‬‬ ‫فحصل بينها وبني زيد خالف وسوء تفاهم‪ ،‬فكان يأيت للنيب‬
‫بعد ذلك‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫مث بعد ذلك طلقها‪ ،‬مث تزوجها الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫اتق اهلل وأمسك عليك زوجك‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫بع د أن أم ره اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أن يتزوجه ا‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬أنعم اهلل علي ه باإلس الم وأنعمت علي ه أنت ب العتق‪ ،‬مث ق ال‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ )3( ‬أي‪ :‬خيفي يف نفسه أنه لو طلقها‪ ،‬فإن‬ ‫‪      ‬‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫اهلل سيزوجها إياه بعد ذلك‪ .‬مث قال‪:‬‬
‫أي‪ :‬ختشى أن يقولوا‪ :‬تزوج ابنة ابنه الدعي‪.‬‬
‫كاًمتا شيًئا لكتم هذه‪ ،‬مث بني اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬احلكمة‪ :‬من‬ ‫‪‬‬ ‫قال أنس‪ :‬لو كان رسول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫ذلك وهي إبطال التبين فقال‪:‬‬
‫‪ )5( ‬فه ذا دعي ليس ابن ص لب وال ابن‬ ‫‪     ‬‬

‫‪‬‬ ‫رض اع‪ .‬وك ان يف اجلاهلي ة‪ ،‬وأول اإلس الم يتبن ون‪ ،‬مث أبطل ه اهلل تع اىل‪ .‬مث ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪ )6( ‬أي‪ :‬انقضت عدهتا زوجها اهلل إياه‪ ،‬فكانت ‪-‬رضي‬ ‫‪    ‬‬

‫وتق ول‪ :‬زوجكن أه اليكن وزوج ين اهلل من ف وق س بع‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل عنه ا‪ -‬تفخ ر على أزواج الن يب‬

‫‪ - 1‬سورة األحزاب آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األحزاب آية ‪.37 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األحزاب آية ‪.37 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة األحزاب آية ‪.37 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة األحزاب آية ‪.37 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة األحزاب آية ‪.37 :‬‬

‫‪78‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫من دون مهر‪ ،‬ومن دون عقد‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هو الذي زوج‬ ‫‪‬‬ ‫مساوات‪ ،‬فدخل عليها النيب‬
‫نبيه‪ .‬وهذا فخر عظيم هلا‪ ،‬رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫وأن ه ف وق الس ماوات‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫والش اهد قول ه‪( :‬من ف وق س بع مساوات) ففي ه إثب ات العل و هلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل أنكحني في السماء"‬
‫‪ - 7421‬ح دثنا خالد بن حيىي‪ ،‬ح دثنا عيس ى بن طهم ان ق ال‪ :‬مسعت أنس بن مال ك ‪-‬رض ي اهلل‬
‫عنهم‪ -‬يقول‪  :‬نـزلت آية احلجاب يف زينب بنت جحش‪ ،‬وأطعم عليها يومئذ خبًز ا وحلًم ا‪،‬‬
‫وكانت تفخر على نساء النيب ‪ ‬وكانت تقول‪ :‬إن اهلل أنكحين يف السماء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث آخر ثالثي ات البخاري‪ ،‬وهي تق ارب ثالث وعش رين‪ ،‬يكون بني البخاري‬
‫والنيب ‪ ‬ثالثة‪ :‬شيخ البخاري‪ ،‬والتابعي والصحايب‪ ،‬فيكون بذلك السند عالًيا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وأطعم الناس خبًز ا وحلًم ا) يف رواية أخرى (وأشبع الناس خبًز ا وحلًم ا)‪ .‬فكان أنس‬
‫‪ ‬ي دعو ح ىت ال جيد أح ًد ا‪ .‬ويف وليمت ه على ص فية أطعم الن اس َح ْيًس ا‪ ،‬وه و مسن ومتر‬
‫وأقط‪ ،‬فدل على أنه ال يشرتط أن يكون يف الوليمة حلم‪.‬‬
‫قول ه‪ :‬إهنا ك انت تق ول‪( :‬إن اهلل أنكح ين يف الس ماء)‪ :‬ه ذا ه و الش اهد‪ ،‬أي‪ :‬أن اهلل يف‬
‫العلو والعرش أعلى املخلوقات‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬له أعلى العلو‪ ،‬وهو ما فوق العرش‪.‬‬
‫(يف السماء)‪( :‬يف) ظرفية على الصحيح‪ .‬وتأيت (يف) مبعىن (على)‪ .‬فإذا أريد بالسماء الطباق‬
‫‪‬‬ ‫املبني ة ص ارت (يف) مبع ىن (على) تق ول‪ :‬املالئك ة يف الس ماء أي‪ :‬على الس ماء كقول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ )1( ‬أي‪ :‬على األرض‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫‪  ‬‬

‫(‪ )2‬أي‪ :‬على ج ذوع النخ ل‪ .‬وتق ول‪ :‬فالن يف الس طح‪ ،‬أي‪ :‬على الس طح‪ ،‬فهن ا (يف) مبع ىن‬
‫(على)‪ .‬وإذا أريد بالسماء العلو‪ ،‬فتكون (يف) ظرفية على باهبا‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.137 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة طه آية ‪.71 :‬‬

‫‪79‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬إن رحمتي سبقت غضبي"‬


‫‪ - 7422‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬حدثنا أبو الزناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن النيب‬
‫قال‪  :‬إن اهلل ملا قضى اخللق‪ ،‬كتب عنده فوق عرشه‪ :‬إن رمحيت سبقت غضيب ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه إثبات العلو هلل تعاىل‪ ،‬والشاهد من احلديث قوله‪( :‬كتب عنده فوق عرشه) سبق‬
‫يف األحاديث أن العرش فوق املخلوقات‪ ،‬لكن هذا علو خاص هبذا الكتاب الذي كتبه اهلل‬
‫فوق العرش‪ .‬وقوله‪( :‬كتب عنده)‪ :‬العندية هنا مبعىن الفوقية‪ ،‬واملراد عنده يف العلو‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪            ‬‬

‫لقوله‪( :‬إن رمحيت سبقت غضيب)‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )1‬ويف احلديث إثبات الرمحة والغضب هلل‬
‫حديث‪" :‬إن في الجنة مائة درجة"‬
‫‪ - 7423‬حدثنا إبراهيم بن املنذر‪ ،‬حدثين حممد بن فليح قال‪ :‬حدثين أيب‪ ،‬حدثين هالل‪ ،‬عن عطاء‬
‫ق ال‪  :‬من آمن باهلل ورس وله‪ ،‬وأق ام الص الة‪ ،‬وص ام‬ ‫بن يس ار‪ ،‬عن أيب هري رة‪ ،‬عن الن يب ‪‬‬
‫رمضان‪ ،‬كان حًّقا على اهلل أن يدخله اجلنة‪ ،‬هاجر يف سبيل اهلل‪ ،‬أو جلس يف أرضه اليت‬
‫ولد فيها‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أفال ننبئ الناس بذلك؟ قال‪ :‬إن يف اجلنة مائة درجة‪ ،‬أعدها‬
‫اهلل للمجاه دين يف س بيله‪ ،‬ك ل درج تني م ا بينهم ا‪ ،‬كم ا بني الس ماء واألرض‪ ،‬ف إذا س ألتم‬
‫اهلل‪ ،‬فسلوه الفردوس‪ ،‬فإنه أوسط اجلنة‪ ،‬وأعلى اجلنة وفوقه عرش الرمحن‪ ،‬ومنه تفجر أهنار‬
‫اجلنة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث في ه بش ارة عظيم ة‪ ،‬وه و أن من وّح د اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬وم ات على التوحي د‬
‫دخل اجلنة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنبياء آية ‪.19 :‬‬

‫‪80‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬هاجر يف سبيل اهلل‪ ،‬أو جلس يف أرضه‪ ،‬اليت ولد فيها)‪ :‬هذا فيمن أسلم‪ ،‬وجلس‬
‫يف بل ده‪ ،‬أو باديت ه‪ ،‬فال ب أس يف ذل ك‪ ،‬ال س يما بع د فتح مك ة‪ ،‬فقب ل فتح مك ة ك انت‬
‫(ال هج رة بع د الفتح ولكن جه اد وني ة)‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلج رة واجب ة‪ ،‬مث ملا فتحت مك ة ق ال الن يب‬
‫فقول ه‪( :‬ه اجر من بل ده‪ )...‬حمم ول على أن ه ذا بع د فتح مك ة‪ ،‬وه و مقيم يف أرض ه ال يت‬
‫يقيم فيها دينه‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬إن يف اجلن ة مائ ة درج ة)‪ :‬في ه أن أه ل اجلن ة يتفاض لون‪ ،‬واجملاه دون هلم ه ذه‬
‫الدرجات العظيمة اليت أعدها اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هلم‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فإن ه أوس ط اجلن ة‪ ،‬وأعلى اجلن ة)‪ :‬ه ذا في ه دلي ل على أن اجلن ة مقبب ة؛ ألهنا ل و‬
‫كانت مربعة‪ ،‬أو مسدسة‪ ،‬مل يكن أعالها هو وسطها‪ ،‬والذي يكون وسطه هو أعاله هو‬
‫املقبب‪ ،‬فالقب ة وس طها أعاله ا‪ ،‬والش اهد من احلديث قول ه‪( :‬وفوق ه عرش ه ال رمحن)‪ :‬واهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬فوق العرش مستٍو عليه استواء يليق جبالله وعظمته‪ ،‬إًذا اجلنة يف أعلى العلو‪ ،‬وأعالها‬
‫الف ردوس‪ .‬قول ه‪( :‬وفوق ه)‪ :‬بفتح الق اف‪ ،‬وُر وي بض م الق اف‪ ،‬ويك ون املع ىن وس قفه ع رش‬
‫الرمحن‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فإنها تذهب تستأذن في السجود"‬
‫‪ - 7424‬ح دثنا حيىي بن جعف ر‪ ،‬ح دثنا أب و معاوي ة‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن إب راهيم‪ ،‬ه و ال تيمي‪ ،‬عن‬
‫جالس‪ ،‬فلما غربت الشمس‪ ،‬قال‪ :‬يا‬ ‫‪‬‬ ‫أبيه‪ ،‬عن أيب ذر قال‪  :‬دخلت املسجد ورسول اهلل‬
‫أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬فإهنا تذهب تستأذن‬
‫يف الس جود في ؤذن هلا‪ ،‬وكأهنا ق د قي ل‪ :‬هلا ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فتطل ع من مغرهبا‪ ،‬مث‬
‫يف قراءة عبد اهلل‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫قرأ ذلك مستقر هلا‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أشار إىل الرواية األخرى أهنا (ت ذهب‪ ،‬وتسجد حتت الع رش)‪ :‬وهذا‬
‫ه و الش اهد‪ ،‬أي‪ :‬أهنا تس جد حتت وس ط الع رش‪ ،‬ف العرش س قف املخلوق ات‪ .‬فتس جد حتت‬

‫‪81‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الع رش ك ل ي وم إال يف الليل ة ال يت يري د اهلل أن تطل ع من مغرهبا‪ ،‬فال ي ؤذن هلا‪ ،‬ف ذلك‬
‫مستقر هلا‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فتتبعت القرآن حتى وجدت"‬
‫‪ - 7425‬حدثنا موسى‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬حدثنا ابن شهاب‪ ،‬عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت‪،‬‬
‫وق ال الليث‪ :‬ح دثين عب د ال رمحن بن خال د‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬عن ابن الس باق أن زي د بن ث ابت‪ ،‬حدث ه‬
‫ق ال‪  :‬أرس ل إّيل أب و بك ر‪ ،‬فتتبعت الق رآن ح ىت وج دت آخ ر س ورة التوب ة م ع أيب خزمية‬
‫األنص اري‪ ،‬مل أج دها م ع أح د غ ريه ‪ )1(       ‬ح ىت‬
‫ح دثنا حيىي بن بك ري‪ ،‬ح دثنا الليث‪ ،‬عن ي ونس هبذا وق ال‪ :‬م ع أيب خزمية‬ ‫‪‬‬ ‫خامتة ب راءة‬
‫األنصاري‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫زيد بن ثابت جبمع القرآن‪ ،‬فكان زيد‬ ‫‪‬‬ ‫هذا يف قصة مجع القرآن‪ ،‬ملا أمر أبو بكر‬
‫ومن معه من الشباب جيمعون القرآن‪ ،‬ويكتبونه يف املصاحف‪ ،‬لكن ال يكتبون‬ ‫‪‬‬ ‫بن ثابت‬
‫آية حىت جيدوهنا حمفوظة يف الص دور‪ ،‬ومكتوبة يف س طور‪ ،‬حىت جيمعوا بني األم رين‪ ،‬حىت‬
‫أع وزهتم آي ة مل جيدوها‪ ،‬مل جيتم ع فيه ا الش رطان‪ ،‬مث وج دوها م ع خزمية األنص اري‪ ،‬وهي‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫آخ ر آي ة من س ورة ب راءة‬

‫‪              ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ )3( ‬وم راد البخ اري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬االس تدالل بقول ه‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ )4( ‬على إثبات العرش‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فوق العرش‪.‬‬ ‫‪    ‬‬

‫فسياق اآلية هو الذي يتبني فيه مناسبة احلديث للرتمجة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة التوبة آية ‪.128 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التوبة آية ‪.128 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة التوبة آية ‪.129 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة التوبة آية ‪.129 :‬‬

‫‪82‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬كان النبي يقول عند الكرب"‬


‫‪ - 7426‬حدثنا معلى بن أسد‪ ،‬حدثنا وهيب‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أيب العالية‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫يقول عند الكرب‪  :‬ال إله إال اهلل العليم احلليم‪ ،‬ال إله‬ ‫‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬كان النيب ‪‬‬
‫إال اهلل رب الع رش العظيم‪ ،‬ال إل ه إال اهلل رب الس ماوات‪ ،‬ورب األرض‪ ،‬ورب الع رش‬
‫الكرمي ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا دعاء يدعى به عند الكرب والشدة‪ ،‬قوله‪( :‬ال إله إال العليم احلليم) يف رواية أخرى‬
‫(العظيم احلليم) وقول ه‪( :‬رب الس ماوات ورب األرض)‪ :‬يف رواي ة أخ رى (رب الس ماوات)‪:‬‬
‫وليس فيها رب األرض‪.‬‬
‫وهذا الدعاء دعاء عبادة‪ ،‬ويف ضمنة دعاء املسألة‪ ،‬فهو يذكر اهلل‪ ،‬ويثين عليه‪ ،‬ويهلل‪،‬‬
‫يري د من اهلل أن يف ّك كربت ه‪ ،‬وأن يزي ل عن ه الش دة‪ ،‬فه و دع اء يف املع ىن ودع اء العب ادة‪،‬‬
‫مثل الصالة والصدقة والصيام‪ ،‬كل هذه األمور من دعاء العبادة‪ ،‬فاملصلي يطلب الثواب من‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف املعىن‪ ،‬والصائم كذلك‪ ،‬أما دعاء املسألة‪ ،‬فمثل إذا دعا ربه بلسانه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اللهم اغف ر يل اهلم ارمحين‪ ،‬وهك ذا مجي ع العب ادات ال يت يفعله ا اإلنس ان كله ا من دع اء‬
‫املسألة؛ ألن املتعبد سائل يف املعىن‪ ،‬فقوله (ال إله إال اهلل العليم احلليم‪ :)..‬هذا دعاء عبادة؛‬
‫ألنه يريد بذلك أن يفرج اهلل كربته‪.‬‬
‫حديث‪" :‬الناس يصعقون يوم القيامة"‬
‫‪ - 7427‬ح دثنا حمم د بن يوس ف‪ ،‬ح دثنا س فيان‪ ،‬عن عم رو بن حيىي‪ ،‬عن أبي ه‪ ،‬عن أيب س عيد‬
‫قال‪  :‬الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فإذا أنا مبوسى آخذ بقائمة من‬ ‫‪‬‬ ‫عن النيب‬ ‫اخلدري ‪‬‬
‫قوائم العرش ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ - 7428‬وق ال املاجش ون‪ ،‬عن عب د اهلل بن الفض ل‪ ،‬عن أيب س لمة‪ ،‬عن أيب هري رة‬
‫قال‪  :‬فأكون أول من بعث‪ ،‬فإذا موسى آخذ بالعرش ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫عن النيب‬

‫‪83‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬ف أكون أول من بعث)‪ :‬على م ا بين ه احملقق ون‪ ،‬وْه ٌم من ال رواة‪ ،‬وإمنا ص وابه‪:‬‬
‫(فأكون أول من يفيق)‪ :‬ألن هذا الصعق‪ ،‬إمنا هو صعق يف موقف يوم القيامة‪ ،‬إذا جاء اهلل‬
‫لفصل القضاء صعق الناس‪ ،‬سبب هذه الصعقة هو جتلي اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬للخالئق‪ ،‬وهي‬
‫غش ية تص يب الن اس‪ ،‬ليس فيه ا م وت‪ .‬فقول ه‪( :‬ف أكون أول من بعث)‪ :‬انقالب من بعض‬
‫الرواة‪ ،‬ختالف الرواية األخرى الصحيحة‪( :‬فأكون أول من يفيق)‪َ :‬فَو هَم بعض الرواة‪ ،‬وانتقل‬
‫به األمر من صعقة التجلي إىل صعقة البعث؛ ألن البعث ليس فيه استثناء‪ .‬هذا الذي عليه‬
‫احملقق ون كش يخ اإلس الم ابن تيمي ة‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وابن َك ث ري‪ ،‬ومجاع ة من احملققني‪ .‬والش يخ‬
‫األلب اين ل ه كالم ليس جبي د يف ه ذا املوض ع‪ ،‬حيث وَّه م العلماء الكب ار‪ ،‬واخت ار أن الرواي ة‬
‫سليمة‪.‬‬
‫قال‪  :‬أنا أول من‬ ‫‪‬‬ ‫قوله يف الرواية األخرى‪( :‬فأكون أول من يفيق) جاء يف رواية أنه‬
‫تنشق األرض عنه يوم القيامة ‪.‬‬
‫والن اس يص عقون ثالث ص عقات‪ ،‬وتفص يل ذل ك‪ ،‬أن الن اس يص عقون يف ال دنيا ص عقتني‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫صعقة املوت والفزع‪ ،‬مث صعقة البعث‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )1( ‬هذه صعقة املوت‪ ..‬مث قال‪:‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ )2( ‬هذه صعقة البعث‪ .‬أما الصعقة الثالثة‪ ،‬فهي املذكورة يف‬ ‫‪    ‬‬

‫هذا احلديث‪ ،‬وهي صعقة التجلي تكون يوم القيامة‪ ،‬ملا يتجلى اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬للخالئق سبحانه‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫وه ذه الرتمجة فيه ا إثب ات العل و هلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬والرتمجة الس ابقة فيه ا إثب ات االس تواء‬
‫والعرش‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر آية ‪.68 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.68 :‬‬

‫‪84‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫والفرق بني صفة العلو وصفة االستواء على العرش‪ ،‬أن صفة العلو من الصفات الذاتية‬
‫اليت ال تنفك عن البارئ أًبدا‪ ،‬فلم يزل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬عالًي ا فوق املخلوقات‪ ،‬وأما صفة‬
‫االس تواء على الع رش‪ ،‬فهي ص فة فعلي ة‪ ،‬ك ان يف وقت مل يكن مس توًّيا على الع رش‪ ،‬ويف‬
‫وقت ك ان مس توًيا‪ ،‬فقب ل خل ق الس ماوات واألرض ك ان الع رش موج وًدا‪ ،‬ومل يكن اهلل‬
‫مستوًيا عليه‪ ،‬مث استوى عليه بعد خلق السماوات واألرض‪ .‬كما بينه ‪-‬سبحانه‪ -‬يف اآليات‪.‬‬
‫أما العلو‪ ،‬فالرب ‪-‬سبحانه‪ -‬مل ي زل قط عالًي ا‪ .‬ومن الفروق أيًض ا بني صفة االستواء على‬
‫العرش‪ ،‬وبني صفة العلو‪ ،‬أن صفة االستواء على العرش صفة دل عليها الشرع دون العقل‪،‬‬
‫ل وال أن اهلل أخربن ا أن ه مس تو على الع رش ملا علمن ا‪ ،‬خبالف ص فة العل و‪ ،‬فإن ه دل عليه ا‬
‫الش رع والعق ل والفط رة‪ ،‬فالن اس فط روا على أن اهلل يف العل و وأن ه ف وق املخلوق ات‪ ،‬فه ذه‬
‫الرتمجة أراد هبا املؤلف إثبات صفة العلو والرتمجة اليت قبلها‪ ،‬أراد هبا إثبات صفة االستواء‬
‫على العرش‪.‬‬
‫وصفة العلو وصفة االستواء على العرش‪ ،‬من الصفات اليت اشتد النـزاع فيها بني أهل‬
‫السنة وبني أهل البدع‪ ،‬وكالمها من العالمات الفارقة بني أهل السنة وأهل البدع‪.‬‬
‫ف إذا أف اق وج د موس ى ‪-‬علي ه‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ف أكون أول من يفي ق)‪ :‬ف أول من يفي ق نبين ا‬
‫ال أدري أفاق قبلي‪ ،‬أم جوزي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫السالم‪ -‬آخذ بقائمة من قوائم العرش‪ ،‬فيقول الرسول‬
‫‪‬‬ ‫ألن موس ى ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬ص عق ي وم الط ور يف ال دنيا ملا ق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫بص عقة ي وم الط ور؟‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪            ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪           ‬فالنيب ‪ ‬ش ّك‬
‫(‪) 2‬‬

‫هل موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬مل يصعق جمازاة له بالصعقة اليت حصلت له يف ال دنيا‪ ،‬أو أنه‬
‫صعق‪ ،‬فأفاق قبلي ويف كلتا احلالتني هي منقبة ملوسى عليه السالم‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬تْع ُر ُج اْلَم الِئَك ُة َو الُّر وُح ِإَلْيِه"‬
‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.143 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األعراف آية ‪.143 :‬‬

‫‪85‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬اعلم لي علم هذا الرجل"‬


‫‪ - 23‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪ )3(       :-‬وقوله جل‬
‫ذكره‪ )4(       :‬وقال أبو مجرة‪ ،‬عن ابن عباس بلغ أبا‬
‫ذر مبعث النيب ‪ ‬فقال ألخيه‪ :‬اعلم يل علم هذا الرجل‪ ،‬الذي يزعم أنه يأتيه اخلرب من‬
‫السماء‪ .‬وقال جماهد‪( :‬العمل الصاحل‪ ،‬يرفع الكلم الطيب) يقال‪ :‬ذي املعارج‪ :‬املالئكة تعرج إىل‬
‫اهلل‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ )5( ‬الع روج يك ون من أس فل إىل‬ ‫‪    ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫أعلى‪ ،‬فدل أن اهلل يف العلو‪.‬‬
‫‪ )6( ‬والصعود يكون من أسفل إىل أعلى‪،‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫فدل على أن اهلل يف العلو‪ ،‬وله ‪-‬سبحانه‪ -‬أعلى العلو‪ ،‬وهو فوق العرش‪.‬‬
‫من الس ماء من‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬يأتي ه خ رب من الس ماء)‪ :‬ه ذا ه و الش اهد‪ ،‬ف اخلرب ي أيت الن يب‬
‫فوق‪ ،‬فدل على أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف العلو‪.‬‬
‫قوله‪( :‬العمل الصاحل يرفع الكلم الطيب)‪ :‬يرفع‪ :‬بفتح الياء‪ .‬واملعىن أن العمل الصاحل يرفع‬
‫الكلم الطيب إىل اهلل‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف العلو‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬املالئك ة تع رج إىل اهلل)‪ :‬أي‪ :‬أن املالئك ة تع رج إىل اهلل من أس فل إىل أعلى‪ ،‬واهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬فوق العرش‪.‬‬

‫‪ - 3‬سورة المعارج آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة فاطر آية ‪.10 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة المعارج آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة فاطر آية ‪.10 :‬‬

‫‪86‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل"‬


‫أن رسول‬ ‫‪ - 7429‬حدثنا إمساعيل‪ ،‬حدثين مالك‪ ،‬عن أيب الزناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫العص ر‬ ‫‪ ‬ق ال‪  :‬يتع اقبون فيكم مالئك ة باللي ل‪ ،‬ومالئك ة بالنه ار‪ ،‬وجيتمع ون يف ص الة‬ ‫اهلل‬
‫وصالة الفجر‪ ،‬مث يعرج الذين باتوا فيكم‪ ،‬فيسأهلم ‪-‬وهو أعلم بكم‪ -‬فيقول‪ :‬كيف تركتم‬
‫عبادي؟ فيقولون‪ :‬تركناهم‪ ،‬وهم يصلون‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلون ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه أن بين آدم ليسوا مهملني‪ ،‬بل َو َّك َل اهلل هبم مالئكة حفظة وكتبة‪ ،‬فكل واحد‬
‫من ب ين آدم ل ه كاتب ان‪ ،‬وعلي ه حافظ ان‪ ،‬فالكاتب ان واح د عن ميين ه‪ ،‬وواح د عن مشاله‪،‬‬
‫واحلافظ ان واح د من أمام ه‪ ،‬وواح د من خلف ه‪ ،‬أربع ة أمالك يف اللي ل‪ ،‬وأربع ة يف النه ار‪،‬‬
‫يتعاقبون اثنان كتبة واثنان حفظة‪ ،‬وجيتمعون يف صالة الصبح‪ ،‬ويف صالة العصر‪ ،‬ففي صالة‬
‫الص بح يع رج مالئك ة اللي ل‪ ،‬وينـزل مالئك ة النه ار‪ ،‬ويف صالة العص ر يع رج مالئك ة النه ار‪،‬‬
‫وينـزل مالئكة الليل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيعرج الذين باتوا فيكم)‪ :‬هذا هو الشاهد‪ ،‬فيعرجون من أسفل إىل أعلى‪ ،‬إىل اهلل‬
‫فيسأهلم ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬وهو أعلم هبم (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون‪ :‬تركناهم‪ ،‬وهم‬ ‫‪‬‬
‫يصلون وأتيناهم‪ ،‬وهم يصلون)‪.‬‬
‫هذا فيه فضل املصلي لصاليت الفجر والعصر‪ ،‬حيث تنـزل مالئكة النهار‪ ،‬وهو يصلي‪،‬‬
‫وتعرج مالئكة الليل‪ ،‬وهو يصلي‪ ،‬لكن النائم ماذا تقول املالئكة لرهبا ؟ فهذا يفيد احلذر‬
‫من التهاون يف هاتني الصالتني خباصة الفجر والعصر‪.‬‬
‫حديث‪" :‬من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب"‬
‫‪ - 7430‬وق ال خال د بن خمل د‪ :‬ح دثنا س ليمان‪ ،‬ح دثين عب د اهلل بن دين ار‪ ،‬عن أيب ص احل‪ ،‬عن أيب‬
‫من تصدق بعدل مترة من كسب طيب‪ ،‬وال يصعد إىل اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫إال الطيب‪ ،‬فإن اهلل يتقبلها بيمينه‪ ،‬مث ُيربيها لصاحبه‪ ،‬كما ُيَر يِّب أحدكم َفُل َّو ه حىت تكون‬

‫‪87‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫ورواه ورقاء‪ ،‬عن عبد اهلل بن دينار‪ ،‬عن سعيد بن يسار‪ ،‬عن أيب هريرة‬ ‫‪‬‬ ‫مثل اجلبل‬
‫ال يصعد إىل اهلل إال الطيب ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عن النيب‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬وال يص عد إىل اهلل إال الطيب)‪ :‬ه ذا ه و الش اهد‪ ،‬فالص عود يك ون من أس فل إىل‬
‫أعلى‪ ،‬ففيه إثبات العلو هلل ‪ .‬فالطيب يصعد إىل اهلل‪ ،‬أما اخلبيث فال يصعد إليه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬من تصدق بعدل مترة‪ )...‬أي‪ :‬مبا يعادهلا‪.‬‬
‫وأن هلل ميني‪ ،‬ويف مفهومه أن هلل مشاال‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬مث يتقبلها بيمينه)‪ :‬فيه إثبات اليمني هلل‬
‫كم ا ج اء يف احلديث‪ ،‬فل ه ميني‪ ،‬ول ه مشال‪ ،‬وفي ه فض ل الص دقة من الطيب‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ُ -‬يَر ّبيها إذا كانت من كسب طيب‪ ،‬ولو كانت قليلة‪ ،‬ولو كان َع ْد ل مترة‪ .‬واهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ُ -‬يربيها كما ُيَر يِّب أحدكم َفُلَّو ه‪ُ ،‬يْر َو ى (فلوه)‪ :‬بفتح الفاء املعجمة وضم الالم وتشديد‬
‫الواو‪ ،‬وُيْر َو ى (َفْلَو ه) بفتح الفاء وسكون الالم وفتح الواو‪ .‬والَف ْلُو هو (ولد الفرس)‪.‬‬
‫وأه ل الب دع ينك رون أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يف العل و إنك اًر ا ش ديًد ا‪ ،‬ح ىت أن ك ل و رفعت‬
‫إصبعك إىل السماء‪ ،‬وعندك جهمي لو استطاع أن يقطع إصبعك لقطعه‪ ،‬من شدهتا عليهم‪،‬‬
‫واجلهمية يقولون‪ :‬إن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف كل مكان‪ ،‬تعاىل اهلل عما يقولون علًّو ا كبًريا‪ ،‬فإذا قيل‬
‫هلم‪ :‬كيف تدفعون الضرورة؟ فما قال أحد‪ :‬ال إله إال اهلل إال رفع بصره إىل السماء‪ ،‬حىت‬
‫البه ائم ترف ع بص رها إىل الس ماء‪ ،‬ق الوا‪ :‬ه ذا على حس ب الع ادة‪ ،‬أو ألن األن وار ت أيت من‬
‫فوق‪ ،‬وإال لو عصبت عينيه ملا علم يدعو من أسفل‪ ،‬أو من أعلى‪ ،‬أو ألن املالئكة تنـزل‬
‫من فوق‪ ،‬ال ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف العلو‪ ،‬تعاىل اهلل عما قالوا علًّو ا كبًريا‪.‬‬
‫ح ىت أن بعض من انتكس ت فطرت ه كِبْش ر املريس ي اجلهمي امللح د مسع‪ ،‬وه و يق ول‪ :‬يف‬
‫سجوده‪( :‬سبحان ريب األسفل) قبحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وشبهت هؤالء أهنم يقولون‪ :‬لو كان اهلل يف العلو لكان حمصوًر ا‪ ،‬ولكان جس ًم ا حمدوًدا‬
‫متح يًز ا‪ ،‬واهلل ال حيص ره ش يء‪ ،‬وال حيوي ه ش يء‪ ،‬وه و ذاهب يف اجله ات كله ا‪ ،‬ومع ىن‬

‫‪88‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫كالمهم أن ه خمتل ط يف املخلوق ات‪ ،‬نع وذ باهلل‪،‬ويقول ون‪ :‬ال يك ون اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬على الع رش؛‬
‫ألن ه ال يك ون الش يء على الش يء إال إذا ك ان جس ًم ا حمدودا‪ ،‬وإذا ك ان جس ًم ا ص ار‬
‫مكوًنا من أشياء‪ ،‬وكان خملوًقا‪ ،‬وبزعمهم أن هذا تنـزيه هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وهو تعطيل‪ .‬فقوهلم هذا‬
‫باطل؛ ألن ما قالوه يلزم من املخلوق‪ ،‬أما اخلالق ‪-‬سبحانه‪ -‬فال مياثل املخلوقات‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال إله إال اهلل العظيم الحليم"‬
‫‪ - 7431‬ح دثنا عب د األعلى بن محاد‪ ،‬ح دثنا يزي د بن زري ع‪ ،‬ح دثنا س عيد عن قت ادة‪ ،‬عن أيب‬
‫كان يدعو هبن عند الكرب‪  :‬ال إله إال اهلل العظيم احلليم‪،‬‬ ‫العالية‪ ،‬عن ابن عباس أن نيب اهلل ‪‬‬
‫ال إله إال اهلل رب العرش العظيم‪ ،‬ال إله إال اهلل رب السماوات ورب العرش الكرمي ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا دع اء الك رب‪ ،‬ويف الب اب الس ابق‪( :‬ال إل ه إال اهلل العليم احلليم‪ ...‬رب الس ماوات‬
‫ورب األرض)‪ .‬والش اهد قول ه‪( :‬رب الع رش العظيم)‪ :‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬رب الع رش ورب‬
‫املخلوقات‪ ،‬والعرش فوق املخلوقات وسقفها‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فوق العرش ال خيفى عليه شيء‬
‫من خملوقاته‪ ،‬وال من أعمال عباده‪ .‬وفيه أن العرش مربوب‪ ،‬وكل مربوب فهو خملوق‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن من ضئضئ هذا قوًما"‬
‫‪ - 7432‬حدثنا قبيصة‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أيب نعم‪ ،‬أو أيب نعم ‪-‬شَّك قبيصة‪ -‬عن‬
‫وحدثين إسحاق بن نصر‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫بذهبية‪ ،‬فقسمها بني أربعة‬ ‫‪‬‬ ‫أيب سعيد قال‪  :‬بعث إىل النيب‬
‫حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬أخربنا سفيان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أيب نعم‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري قال‪:‬‬
‫بذهبي ة يف تربته ا‪ ،‬فقس مها بني األق رع بن ح ابس‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬بعث علٌّي ‪-‬وه و ب اليمن‪ -‬إىل الن يب‬
‫احلنظلي‪ ،‬مث أحد بين جماشع وبني عيينة بن بدر الفزاري‪ ،‬وبني علقمة بن عالثة العامري‪،‬‬
‫مث أحد بين كالب‪ ،‬وبني زيد اخليل الطائي‪ ،‬مث أحد بين نبهان فتغيظت قريش واألنصار‪،‬‬
‫فق الوا‪ :‬يعطي ه ص ناديد أه ل جند‪ ،‬وي دعنا ق ال‪ :‬إمنا أت ألفهم‪ ،‬فأقب ل رج ل غ ائر العي نني ن اتئ‬
‫‪‬‬ ‫اجلبني‪ ،‬كث اللحية‪ ،‬مشرف الوجنتني حملوق الرأس‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬اتق اهلل‪ ،‬فقال النيب‬

‫‪89‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فمن يطي ع اهلل إذا عص يته‪ ،‬في أمنين على أه ل األرض‪ ،‬وال ت أمنوين فس أل رج ل من الق وم‬
‫إن من ضئضئ هذا قوًم ا‬ ‫‪‬‬ ‫فلما وىل قال النيب‬ ‫‪‬‬ ‫قتله‪ ،‬أراه خالد بن الوليد‪ ،‬فمنعه النيب‬
‫يق رءون الق رآن‪ ،‬ال جياوز حن اجرهم‪ ،‬ميرق ون من اإلس الم م روق الس هم من الرمي ة‪ ،‬يقتل ون‬
‫أهل اإلسالم‪ ،‬ويدعون أهل األوثان‪ ،‬لئن أدركتهم ألقتلنهم قتل عاد ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫على أهل اليمن أرسل إىل النيب‬ ‫‪‬‬ ‫ملا أَّم ره النيب‬ ‫‪‬‬ ‫هذا فيه أن علي بن أيب طالب‬
‫بني أربع ة من رؤس اء القبائ ل‬ ‫‪‬‬ ‫بقطع ة ذهبي ة برتبته ا مل ي زل عنه ا ال رتاب‪ ،‬فقس مها الن يب‬
‫يت ألفهم على اإلس الم؛ ألن إمياهنم ض عيف فأعط اهم ح ىت يتق ووا على اإلس الم‪ ،‬ومن َّمَث‬
‫يعطي هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ومن أج ل مص لحة اإلس الم‪ .‬واألق رع‬ ‫‪‬‬ ‫ُيطوع ون قب ائلهم علي ه‪ ،‬فالرس ول‬
‫بن حابس هو رئيس بين متيم‪ ،‬وعيينة بن حصن رئيس فزارة‪ ،‬وعلقمة بن عالثة رئيس بين‬
‫عامر‪ ،‬ويزيد اخليل من رؤساء طي‪ .‬فتغريت قريش واألنصار وقالوا‪ :‬يعطي صناديد أهل جند‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وي دعنا‪ ،‬ج اء يف بعض ها أن ال ذي ق ال ذل ك بعض الش باب من األنص ار‪ ،‬ف أمر الن يب‬
‫م ا كلم ة بلغت ين عنكم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫جبمعهم فجمع وا يف خيم ة ليس معهم أح د‪ ،‬فق ال هلم الن يب‬
‫ويف بعض ها أهنم ق الوا‪  :‬أم ا كبارن ا فلم يتكلم أح د‪ ،‬وأم ا‬ ‫‪‬‬ ‫فس كتوا رض ي اهلل عنهم‬
‫يعطي أهل جند ويدعنا‪ ،‬فقال‬ ‫‪‬‬ ‫الشباب منا حداث األسنان‪ ،‬فقالوا‪ :‬يغفر اهلل لرسول اهلل‬
‫إين وكلتكم إىل إس المكم‪ ،‬وإين أت ألفهم على اإلس الم‪ ،‬أم ا ترض ون أن ي ذهب الن اس‬ ‫‪‬‬
‫يف قصة حنني أو يف غريها‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫بالشاء والبعري‪ ،‬وتذهبون برسول اهلل إىل رحالكم‬
‫قوله‪( :‬يا حممد اتق اهلل)‪ :‬ويف لفظ أنه قال‪( :‬هذه قسمة ما أريد هبا وجه اهلل) ويف لفظ‪:‬‬
‫(اعدل يا حممد)‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬في أمنين على أه ل األرض‪ )...‬احلديث ليس في ه دلي ل على عل و اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬لكن‬
‫املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أراد أن يشري إىل الرواية اليت فيها إثبات ذلك وهي قوله‪( :‬أال تأمنونين‬

‫‪90‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وأنا أمني من يف السماء) ويف لفظ‪( :‬يأتيين خرب السماء صباًح ا ومساء)‪ .‬فهذا هو الشاهد أن‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف العلو‪.‬‬
‫قوله‪( :‬من ضئضئ هذا)‪ :‬أي من جنسه وأصله‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ال جياوز تراقيهم) ويف لفظ (ال جياوز حناجرهم)‪ :‬ويف لفظ‪  :‬حتقرون صالتكم مع‬
‫وهم‬ ‫‪‬‬ ‫ص الهتم‪ ،‬وص يامكم م ع ص يامهم‪ ،‬ميرق ون من اإلس الم كم ا ميرق الس هم من الرمي ة‬
‫اخلوارج‪ .‬مث ق ال‪( :‬يقتل ون أه ل اإلس الم‪ ،‬وي دعون أه ل األوث ان) يقتل ون أه ل اإلس الم؛ ألهنم‬
‫عصاة عندهم‪ .‬وال يقاتلون أهل األوثان‪ ،‬بل سهامهم موجهة للمسلمني‪.‬‬
‫وق د اس تدل بعض العلم اء على كف ر اخلوارج‪ ،‬وق الوا مما ي دل على أهنم كف ار قول ه‪:‬‬
‫(ميرق ون من اإلس الم‪ ،‬كم ا ميرق الس هم من الرمي ة) ويف رواي ة‪  :‬ميرق ون من اإلس الم مث ال‬
‫وقال‪( :‬ألقتلنهم قتل عاد)‪ :‬فشبههم بعاد‪ ،‬وهم قوم كفار‪ .‬وقال آخرون من‬ ‫‪‬‬ ‫يعودون إليه‬
‫أهل العلم إهنم متأولون‪ ،‬وليسوا كفاًر ا‪ ،‬ولكنهم مبتدعة‪ ،‬وهذا الذي عليه أكثر الصحابة‪،‬‬
‫ق ال ه ذا ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة‪ ،‬رمحه اهلل‪ .‬وملا س ئل علي ‪-‬رض ي اهلل عن ه عنهم‪ :‬أكف ار‬
‫هم؟ قال‪( :‬من الكفر فروا)‪ .‬وذلك ألهنم متأولون‪.‬‬
‫حديث‪" :‬مستقرها تحت العرش"‬
‫‪ - 7433‬ح دثنا عي اش بن الولي د‪ ،‬ح دثنا وكي ع‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن إب راهيم ال تيمي‪ ،‬عن أبي ه‪ ،‬عن‬
‫(‪ )1‬ق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫عن قول ه‬ ‫أيب ذر ق ال‪ :‬س ألت الن يب ‪‬‬
‫مستقرها حتت العرش‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬حتت العرش)‪ :‬املراد وسط العرش‪ ،‬وإال فالعرش سقف املخلوقات كلها‪ ،‬فكل شيء‬
‫حتت ه‪ ،‬لكن املراد‪ ،‬حتت وس ط الع رش‪ .‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ف وق الع رش‪ ،‬وه ذا ه و الش اهد‪ ،‬ففي ه‬
‫إثبات العلو هلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة يس آية ‪.38 :‬‬

‫‪91‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب قول اهلل‪ُ" :‬و ُج وٌه َيْو َمِئٍذ َناِض َر ٌة"‬


‫حديث‪" :‬إنكم سترون ربكم"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪ - 24‬باب قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ -7334‬ح دثنا عم رو بن ع ون‪ ،‬ح دثنا خال د‪ ،‬أو هش يم‪ ،‬عن إمساعيل‪ ،‬عن قيس‪ ،‬عن‬
‫إذ نظر إىل القمر ليلة البدر قال‪ :‬إنكم سرتون ربكم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫جرير قال‪  :‬كنا جلوًس ا عند النيب‬
‫كم ا ت رون ه ذا القم ر‪ ،‬ال تض امون يف رؤيت ه‪ ،‬ف إن اس تطعتم أن ال تغلب وا على ص الة قب ل‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬وصالة قبل غروب الشمس فافعلوا ‪.‬‬
‫‪ - 7435‬ح دثنا يوس ف بن موس ى‪ ،‬ح دثنا عاص م بن يوس ف ال ريبوعي‪ ،‬ح دثنا أب و‬
‫ش هاب‪ ،‬عن إمساعيل بن أيب خال د‪ ،‬عن قيس بن أيب ح ازم‪ ،‬عن جري ر بن عب د اهلل ق ال‪:‬‬
‫إنكم سرتون ربكم عياًنا ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال النيب‬
‫الشرح‪:‬‬
‫يف القيامة‪ ،‬وأن املؤمنني‬ ‫‪‬‬ ‫هذا الباب عقده املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬لبيان ثبوت رؤية اهلل‬
‫ي رون رهبم ي وم القيام ة‪ .‬وه ذه من مس ائل االعتق اد‪ ،‬ال يت اش تد فيه ا النـزاع بني أه ل الس نة‬
‫واملخ الفني هلم من أه ل الب دع‪ ،‬م ع أهنا واض حة يف الق رآن الك رمي ويف الس نة املطه رة‪،‬‬
‫فاآليات الكرمية صرحية يف رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة‪ ،‬وكذلك السنة املتواترة صرحية يف‬
‫ذلك؛ هلذا جاء عن كثري من السلف من أهل السنة إطالق الكفر على من أنكر رؤية اهلل‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وقالوا‪ :‬من أنكر الرؤية كفر‪ .‬وهذا على وجه العموم‪ ،‬لكن الشخص املعني ال‬
‫بد أن تقوم عليه احلجة‪.‬‬
‫ومن األدلة الصرحية على رؤية املؤمنني لرهبم اآلية اليت َص َّدر هبا املؤلف ترمجة الباب‪،‬‬
‫قوله‪ )2(           :‬فإن اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫أضاف النظر إليه‪ ،‬ونسب النظر إىل الوجوه‪ ،‬وعداه حبرف (إىل) الذي يدل على أن النظر‬
‫‪ - 1‬سورة القيامة آية ‪.23-22 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القيامة آية ‪.23-22 :‬‬

‫‪92‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫يكون بالعني‪ ،‬اليت تكون بالوجه إىل الرب جل جالله‪.‬‬
‫‪ )2( ‬من النظر بالعني وقوله‬ ‫‪    ‬‬ ‫(‪ )1‬من النضرة واحلسن والبهاء‪.‬‬
‫‪ )3( ‬فاللقاء يكون معه نظر‪ .‬وقوله ‪-‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )4( ‬جاء تفسري املزيد بأنه النظر‬ ‫‪       ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫إىل وج ه اهلل الك رمي‪ .‬وقول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫فالزيادة هي النظر إىل وجه اهلل الكرمي‪ .‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ )6( ‬استدل هبا العلماء على رؤية املؤمنني لرهبم قالوا‪ :‬ملا حجب الكفار يف‬ ‫‪ ‬‬

‫الس خط‪ ،‬دل على أن املؤم نني ي رون رهبم يف الرض ا‪ ،‬ول و ك انوا ال ي رون اهلل ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫لتساووا مع أعداء اهلل يف احلجب‪.‬‬
‫ومن الس نة األح اديث ال يت س اقها املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وهي كث رية ج ًّدا‪ .‬وم ع وض وح‬
‫األدل ة على ثب وت رؤي ة املؤم نني ل رهبم ي وم القيام ة‪ ،‬فق د أنكره ا أه ل الب دع كاجلهمي ة‪،‬‬
‫يقول‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وَأَّو ُلوها بالعلم‪ ،‬فهي رؤية علم عندهم‪ ،‬مع أن األحاديث صرحية يف هذا‪ ،‬فالنيب‬
‫‪ ‬ت رون ربكم‪ ،‬كم ا ت رون الش مس ص حًو ا‪ ،‬ليس دوهنا س حاب‪ ،‬وت رون ربكم‪ ،‬كم ا ت رون‬
‫القم ر‪ ،‬ال تض امون يف رؤيت ه مث ق ال‪ :‬ف إنكم ترون ه ك ذلك ‪ ‬فه ل هن اك دلي ل أص رح من‬
‫هذا‪ .‬وهل يقال‪ :‬هذا رؤية علمية أم رؤية بصرية؟‪ .‬نعم تأيت الرؤية مبعىن العلم القليب‪ ،‬وتأيت‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫مبع ىن النظ ر بالبص ر‪ ،‬وتك ون مبع ىن احللم ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪ )7( ‬هذه اآلية قال بعضهم‪ :‬إهنا يف رؤيا احللم‪ ،‬ولكن املراد‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سورة القيامة آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القيامة آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األحزاب آية ‪.44 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة ق آية ‪.35 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة يونس آية ‪.26 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة المطففين آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة اإلسراء آية ‪.60 :‬‬

‫‪93‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫رؤية العيان اليت رآها يف اإلسراء‪ .‬أما رؤية احللم الصرحية فقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬لكن ال بد من قرينة ترجح أحد أقسام الرؤية الثالث‪،‬‬ ‫‪   ‬‬

‫وأي قرين ة أعظم من قول ه‪( :‬ت رون ربكم كم ا ت رون الش مس ص حًو ا‪ ،‬ليس من دوهنا‬
‫سحاب) فهل يقال عن هذه رؤية علمية؟ لكن من أعمى اهلل بصريته‪ ،‬فال حيلة فيه‪.‬‬
‫فاجلهمي ة واملعتزل ة يقول ون‪ :‬إن الرؤي ة علمي ة‪ ،‬ويقول ون‪ :‬ال ميكن أن ي رى اهلل؛ ألن ال ذي‬
‫يرى ال بد أن يكون حمدوًدا‪ ،‬وال ُيرى إال األجسام‪ ،‬وال بد أن يكون له جهة‪ ،‬واجلهات‬
‫من صفات األجسام‪ ،‬فيلزم من الرؤية أن يكون يف جهة‪ ،‬ولو كان يف جهة لكان حمتاًج ا‬
‫إىل جهة‪ ،‬ولكان حمدوًدا وجسًم ا ومتحيًز ا‪ ،‬وكل هذا ال يليق باهلل‪.‬‬
‫والصواب أن نقول‪ :‬إن كل هذه اللوازم باطلة‪ ،‬فاهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬يف العلو‪.‬‬
‫وأم ا األش اعرة ف أثبتوا الرؤي ة‪ ،‬لكن ال إىل جه ة‪ ،‬فق الوا‪ :‬ي رى لكن ال إىل جه ة‪ ،‬وه ذا‬
‫غ ري معق ول‪ ،‬فهم يقول ون‪ :‬نثبت الرؤي ة‪ ،‬لكن ال ي رى من ف وق‪ ،‬وال من حتت‪ ،‬وال من‬
‫أمام‪ ،‬وال من حتت‪ ،‬وال عن ميني وال عن مشال‪ ،‬وإذا قيل هلم‪ :‬أين يرى؟ قالوا‪ :‬يرى لكن‬
‫ال إىل جه ة‪ ،‬وه ذا غ ري معق ول وغ ري متص ور‪ ،‬ح ىت أن ه ض حك مجه ور العقالء من كالم‬
‫األش اعرة‪ .‬ألن املرئي ال ب د أن يك ون يف جه ة من ال رائي‪ ،‬وال ب د أن يك ون مق ابال ل ه‪.‬‬
‫فالقول أن هناك شيًئا يرى ال يف جهة غري معقول؛ وهلذا تسلط عليهم املعتزلة‪ ،‬وقالوا‪ :‬أنتم‬
‫مذب ذبون‪ ،‬ال إىل ه ؤالء وال إىل ه ؤالء‪ ،‬إم ا أن تثبت وا الرؤي ة‪ ،‬فتكون وا أع داء لن ا كأه ل‬
‫السنة‪ ،‬الذين يسموهنم جمسمة‪ ،‬وإما أن تنفوا الرؤية‪ ،‬فتكونوا إخواًنا لنا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فنظر إىل القمر ليلة البدر) ويف لفظ‪( :‬ليلة أربع عشرة)‪ :‬والقمر يكون بدًر ا مستديًر ا‬
‫كامال ليلة أربع عشرة‪ ،‬ويكون واض ًح ا جًّدا‪ ،‬ويكون يف كبد السماء‪ ،‬كل يراه إال الذي‬
‫ال يبصر خبالف القمر يف أوله‪ ،‬أو آخره‪ ،‬فيكون ناقًص ا‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.102 :‬‬

‫‪94‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ذا تش بيه للرؤي ة‪ ،‬وليس‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪  :‬إنكم س رتون ربكم‪ ،‬كم ا ت رون القم ر ليل ة الب در‬
‫تش بيًه ا ل ه ‪-‬تع اىل‪ -‬ب القمر‪ ،‬فه و تش بيه الرؤي ة بالرؤي ة‪ ،‬وليس تش بيه املرئي ب املرئي‪ ،‬فاهلل ‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫تع اىل‪ -‬ال يش اهبه أح د من خلق ه‪ ،‬كم ا ق ال تع اىل‪     :‬‬

‫‪ )1( ‬ومعىن احلديث‪ :‬أنكم ترون ربكم رؤية واضحة‪ ،‬ال لبس فيها‪،‬‬ ‫‪  ‬‬

‫كما أنكم ترون القمر الذي فوق رءوسكم رؤية واضحة ال لبس فيها‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ال تضامون)‪ :‬فيها أوجه‪( :‬ال تضامون)‪ :‬بفتح التاء وضم وختفيف امليم‪ ،‬وروي‪( :‬ال‬
‫تض امون)‪ :‬بفتح الت اء وختفي ف امليم‪ ،‬وُر وي‪( :‬ال تض امون)‪ :‬بض م الت اء وختفي ف امليم‪ ،‬وُر وي‪:‬‬
‫(ال تضامون)‪ :‬بضم التاء وتشديد امليم‪ ،‬واملعىن ال يصيبكم ضيم‪ ،‬وال تعب‪ ،‬وال مشقة يف‬
‫رؤيته‪ .‬ومن املعلوم أنه ال حيصل ألحد زحام‪ ،‬وال مشقة يف رؤية القمر ليلة البدر‪ ،‬بل كل‬
‫ي راه من مكان ه ب دون مش قة‪ ،‬وليس كالشيء يكون يف األس فل‪ ،‬والن اس صافون كل يري د‬
‫أن ينظ ر إلي ه‪ ،‬ه ذا إذا زامحك في ه الن اس‪ ،‬أو من ه و أط ول من ك‪ ،‬فإن ك ال ت راه وال‬
‫تبصره‪ ،‬أما إذا كان فوق رأسك فال يضريك أحد‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ف إن اس تطعتم أال تغلب وا على ص الة قب ل طل وع الش مس‪ :)...‬املراد بالص الة قب ل‬
‫طل وع الش مس هي ص الة الفج ر‪ ،‬والص الة قب ل غروهبا هي ص الة العص ر‪ ،‬فاحلديث يفي د‬
‫وإن‬ ‫‪‬‬ ‫احلث على احملافظة على هاتني الصالتني‪ ،‬وأن احملافظة عليهما هلما سر يف رؤية اهلل‬
‫كان مجيع الصلوات جيب احملافظة عليها‪ ،‬لكن ينبغي ختصيص هاتني الصالتني مبزيد عناية‪.‬‬
‫فصالة الفجر تكون يف أول النهار‪ ،‬ويف لذة النوم والراحة‪ ،‬وكذلك صالة العصر‪.‬‬
‫وألن ه من حاف ظ على ه اتني الص التني‪ ،‬فإن ه يف الغ الب يك ون حمافًظ ا على مجي ع‬
‫الصلوات‪ ،‬ومن ضيع هاتني الصالتني‪ ،‬فهو ملا سوامها أضيع‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬إنكم س رتون ربكم عيان ا)‪( :‬عيان ا)‪ :‬مص در ع اين يع اين عياًن ا كقات ل يقات ل قت اال‪،‬‬
‫ومع ىن (عياًن ا)‪ :‬أي‪ :‬معاين ة ورؤي ة باألبص ار‪ ،‬ففي ه إثب ات الرؤي ة وأهنا بص رية‪ .‬وفي ه ال رد على‬

‫‪ - 1‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪95‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أه ل الب دع من املعتزل ة واجلهمي ة وغ ريهم‪ ،‬ال ذين ينك رون الرؤي ة‪ .‬فاملعتزل ة يقول ون‪ :‬إن مع ىن‬
‫(إنكم سرتون ربكم‪ ..‬ال تضامون يف رؤيته) املعىن‪ :‬أن تعلموا أن لكم رًّبا ال‬ ‫‪‬‬ ‫قول النيب‬
‫تشكون فيه‪ ،‬كما ال تشكون يف القمر‪ ،‬أنه قمر هكذا أولوا الرؤية بالعلم‪ ،‬وهذا من أْبطل‬
‫الباطل‪.‬‬
‫أم ا الرؤي ة يف ال دنيا‪ ،‬فالص واب أهنا غ ري واقع ة‪ .‬فرؤي ة اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يف ال دنيا ليس ت‬
‫مستحيلة عقال‪ ،‬لكنها غري واقعة شرًعا‪ ،‬ألن أهل الدنيا ال يستطيعون‪ ،‬أن يثبتوا لرؤية اهلل‬
‫‪ ‬فموسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬كليم الرمحن ملا سأل الرؤية بني اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬له بأنه ال يستطيع‬
‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬ ‫ك‬ ‫ل ذل‬ ‫حتم‬

‫‪          ‬‬
‫بل تدكدك‪ ،‬فصار‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )1‬فاجلبل مل يثبت لرؤية اهلل‬ ‫‪      ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫دك ا وص عق موس ى‬
‫(‪ )2‬بأن ه ال ي راك أح د يف ال دنيا إال تده ده‪ .‬أم ا الرؤي ة يف اآلخ رة‬ ‫‪  ‬‬

‫ق ال‬ ‫‪‬‬ ‫فج ائزة عقال‪ ،‬وواقع ة ش رًعا‪ .‬والن اس ينش ئون تنش ئة قوي ة‪ ،‬يتحمل ون فيه ا رؤي ة اهلل‬
‫‪. ) 3( ‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫ففي ه خالف بني‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذا متف ق علي ه أن ه مل ي ر اهلل أح د يف ال دنيا إال نبين ا حمم د‬
‫العلماء على قولني‪:‬‬
‫رأى ربه ليلة املعراج‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 1‬قال بعض أهل العلم‪ :‬إن النيب‬
‫مل ي ر رب ه ليل ة املع راج‪ ،‬وه ذا ه و‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 2‬الق ول الث اين‪ :‬وه و ق ول اجلمه ور‪ :‬إن الن يب‬
‫الص واب‪ ،‬أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬كلم ه من دون واس طة لكن مل ي ره؛ وهلذا ق الت عائش ة ملا ق ال‬
‫هلا مسروق‪( :‬هل رأى حممد ربه ؟ قالت‪ :‬لقد َقَّف َش َعِر ي مما قلت‪ ،‬من حدثك أن حمم ًد ا‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.143 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األعراف آية ‪.143 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة العنكبوت آية ‪.20 :‬‬

‫‪96‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫رأى رب ه‪ ،‬فق د ك ذب)‪ .‬ومما ي دل على ص حة ه ذا الق ول‪ ،‬قول ه تع اىل‪:‬‬
‫بشر‪ ،‬ومن‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬والرسول‬ ‫‪         ‬‬

‫‪‬‬ ‫استثناه فعليه الدليل‪ ،‬وليس هناك دليل يدل على استثنائه‪ ،‬وكذلك يف حديث أيب موسى‬
‫قال‪  :‬إن اهلل ال ينام‪ ،‬وال ينبغي له أن ينام حجابه النور ‪-‬ويف لفظ النار‪ -‬لو‬ ‫‪‬‬ ‫أن النيب‬
‫‪‬‬ ‫وهذا عام يشمل النيب‬ ‫‪‬‬ ‫كشفه‪ ،‬ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه‬
‫أي‪ :‬أن‬ ‫‪‬‬ ‫هل رأيت ربك؟ قال‪ :‬نور أىن أراه‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ألنه من خلق اهلل تعاىل‪ .‬وملا سئل النيب‬
‫النور حجاب بيين وبينه‪ ،‬مينعين من رؤيته‪ .‬وهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص‪.‬‬
‫لربه يف املنام فثابتة؛ لذلك ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫أما رؤية النيب‬
‫لربه يف‬ ‫‪‬‬ ‫أن مجيع الطوائف أثبتوها إال اجلهمية‪ ،‬فمن شدة إنكارهم هلا‪ ،‬أنكروا رؤية النيب‬
‫املنام‪.‬‬
‫وقد مجع شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪ :‬بأن من أثبت الرؤية يف الدنيا من السلف‬
‫أراد الرؤية القلبية‪ ،‬ومن منعها أراد الرؤية البصرية‪ ،‬وهبذا جتتمع األدلة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬ن ور أىن أراه)‪( :‬أىن) اس م اس تفهام واس تبعاد‪ ،‬واملع ىن كي ف أراه‪ ،‬والن ور حج اب‬
‫مينع ين من رؤيت ه‪ ،‬ويف لف ظ‪( :‬رأيت ن وًر ا)‪ .‬ج اء يف آث ار ذكره ا اخلالل أن اهلل ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫احتجب حبجب كثرية‪.‬‬
‫وهذا النور‪ ،‬وهو احلجاب الذي منع نبينا من رؤية ربه‪ ،‬خملوق وهو غري النور الذي‬
‫فصفات اهلل غري خملوقة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫هو صفة من صفات اهلل‬
‫فائدة‪:‬‬
‫اجلائز عقال ه و ال ذي ميكن وقوع ه‪ ،‬لكن هن اك م انع‪ ،‬واملس تحيل ه و ال ذي ال ميكن‪،‬‬
‫وال يتصور العقل وقوعه‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الشورى آية ‪.51 :‬‬

‫‪97‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬إنكم سترون ربكم"‬


‫‪ - 7436‬حدثنا عبدة بن عبد اهلل‪ ،‬حدثنا حسني اجلعفي‪ ،‬عن زائدة‪ ،‬حدثنا بيان بن بشر‪ ،‬عن قيس‬
‫ليل ة الب در‪ ،‬فق ال‪ :‬إنكم س رتون‬ ‫‪‬‬ ‫بن أيب ح ازم‪ ،‬ح دثنا جري ر ق ال‪  :‬خ رج علين ا رس ول اهلل‬
‫ربكم يوم القيامة‪ ،‬كما ترون هذا ال تضامون يف رؤيته ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬كم ا ت رون ه ذا)‪ :‬أي‪ :‬القم ر‪،‬والقم ر إمنا يك ون ب دًر ا يف منتص ف الش هر‪ ،‬فيس مى‬
‫ب دًر ا‪ ،‬ويف أول الش هر يس مى هالال‪ .‬والقم ر ليل ة الب در يك ون ك امال مس تديًر ا من مجي ع‬
‫اجلهات‪ ،‬ويكون فوق الرءوس يف وسط السماء‪ ،‬خبالف اهلالل يف أول الشهر يكون ناقًص ا‬
‫وبعي ًد ا من جهة الغرب‪ ،‬فال يزال يكمل شيًئا فشيًئا‪ ،‬حىت يتم استواؤه ليلة البدر‪ ،‬مث بعد‬
‫ذلك ينقص شيًئا فشيًئا يف آخر الشهر‪ ،‬حىت يكون يف جهة املشرق‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫‪ )1( ‬الضمري يعود إىل اهلل ‪ .‬قال بعضهم‪ :‬أي‪ :‬ال‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله تعاىل‪:‬‬
‫تراه يف الدنيا‪ .‬واملعىن اآلخر‪ :‬أن األبصار تراه‪ ،‬لكن ال حتيط به رؤية لكمال عظمته‪ ،‬فنفي‬
‫اإلدراك قدر زائد على الرؤية‪ ،‬واملعىن أنه تراه األبصار‪ ،‬ولكن ال تدركه رؤية يوم القيامة‪،‬‬
‫فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أجل من أن تدركه األبصار‪ ،‬كما أن العباد يعلمونه‪ ،‬وال حييطون به علًم ا‪،‬‬
‫فكذلك يرونه وال حييطون به رؤية‪ ،‬فال ميكن للمخلوق أن حييط باخلالق‪ ،‬بل هناك بعض‬
‫املخلوقات تراها يف الدنيا‪ ،‬وال حتيط هبا رؤية‪ ،‬فأنت ترى اجلبل العظيم‪ ،‬ولكن ال حتيط به‬
‫رؤية‪ ،‬بل خيفى عليك شيء من جهاته‪ ،‬وكذلك ترى البستان‪ ،‬وال حتيط به رؤية‪ ،‬وترى‬
‫الس ماء وال حتي ط هبا رؤي ة‪ ،‬فالس ماء واس عة وأنت ال ت رى إال ال ذي أمام ك‪ ،‬وهي خملوق‬
‫ص غري ال تس اوي ش يًئا م ع عظم ة اهلل ‪ .‬وأنت ت رى مدين ة الري اض‪ ،‬ولكن ال حتي ط هبا‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام آية ‪.103 :‬‬

‫‪98‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫رؤية‪ .‬فإذا كانت هذه خملوقات ال حتيط هبا‪ ،‬فكيف حياط باخلالق سبحانه وتعاىل؟! فهو أج ل‬
‫من أن حييط به العباد‪.‬‬
‫حديث‪" :‬هل نرى ربنا يوم القيامة؟"‬
‫‪ - 7437‬ح دثنا عب د العزي ز بن عب د اهلل‪ ،‬ح دثنا إب راهيم بن س عد‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬عن عط اء بن‬
‫أن الن اس ق الوا‪ :‬ي ا رس ول اهلل‪ ،‬ه ل ن رى ربن ا ي وم القيام ة؟‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫يزي د اللي ثي‪ ،‬عن أيب هري رة‬
‫هل تضارون يف القمر ليلة البدر؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فهل‬ ‫‪‬‬ ‫فقال رسول اهلل‬
‫تضارون يف الشمس‪ ،‬ليس دوهنا سحاب؟ قالوا‪ :‬ال يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فإنكم ترونه كذلك‪،‬‬
‫جيمع اهلل الناس يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬من كان يعبد شيئا‪ ،‬فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس‬
‫الش مس‪ ،‬ويتب ع من ك ان يعب د القم ر القم ر‪ ،‬ويتب ع من ك ان يعب د الط واغيت الط واغيت‪،‬‬
‫وتبقى ه ذه األم ة فيه ا ش افعوها أو منافقوه ا ‪-‬ش ك إب راهيم‪ -‬في أتيهم اهلل فيق ول‪ :‬أن ا ربكم‬
‫فيقول ون‪ :‬ه ذا مكانن ا ح ىت يأتين ا ربن ا‪ ،‬ف إذا جاءن ا ربن ا عرفن اه‪ ،‬في أتيهم اهلل يف ص ورته ال يت‬
‫يعرفون‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ربكم فيقولون‪ :‬أنت ربنا‪ ،‬فيتبعونه‪.‬‬
‫ويضرب الصراط بني ظهري جهنم‪ ،‬فأكون أنا وأميت أول من جييزها‪ ،‬وال يتكلم يومئذ‬
‫إال الرس ل ودع وى الرس ل يومئ ذ اهلل س لم س لم‪ ،‬ويف جهنم كالليب مث ل ش وك الس عدان‪،‬‬
‫ه ل رأيتم الس عدان؟ ق الوا‪ :‬نعم‪ ،‬ي ا رس ول اهلل ق ال‪ :‬فإهنا مث ل ش وك الس عدان‪ ،‬غ ري أن ه ال‬
‫يعلم ما قدر عظمها إال اهلل‪ ،‬ختطف الناس بأعماهلم‪ ،‬فمنهم املوبق‪ ،‬بقي بعمله‪ ،‬أو املوثق‬
‫بعمل ه‪ ،‬ومنهم املخ ردل‪ ،‬أو اجملازى‪ ،‬أو حنوه‪ ،‬مث يتجلى ح ىت إذا ف رغ اهلل من القض اء بني‬
‫العباد‪ ،‬وأراد أن خُي رج برمحته من أراد من أهل النار‪ ،‬أمر املالئكة أن خُي رجوا من النار من‬
‫ك ان ال يش رك باهلل ش يًئا ممن أراد اهلل أن يرمحه ممن يش هد أن ال إل ه إال اهلل‪ ،‬فيعرف وهنم‬
‫يف النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إال أثر السجود‪ ،‬حرم اهلل على النار أن تأكل‬
‫أثر السجود‪ ،‬فيخرجون من النار قد امتحشوا‪ ،‬فيصب عليهم ماء احلياة‪ ،‬فينبتون حتته كما‬
‫تنبت احلبة يف محيل السيل‪ ،‬مث يفرغ اهلل من القضاء بني العباد‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار‪ -‬هو آخر أهل النار دخوال اجلنة‪ -‬فيقول‪ :‬أْي‬
‫رِّب اصرف وجهي عن النار‪ ،‬فإنه قد قشبين رحيها‪ ،‬وأحرقين ذكاؤها‪ ،‬فيدعو اهلل مبا شاء‬
‫أن يدعوه‪ ،‬مث يقول اهلل‪ :‬هل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألين غريه‪ ،‬فيقول‪ :‬ال وعزتك‬
‫ال أسألك غريه‪ ،‬ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء‪ ،‬فيصرف اهلل وجهه عن النار‪ ،‬ف إذا‬
‫أقبل على اجلنة‪ ،‬ورآها سكت ما شاء اهلل أن يسكت‪ ،‬مث يقول‪ :‬أْي رب‪ ،‬قدمين إىل باب‬
‫اجلنة‪ ،‬فيقول اهلل له‪ :‬ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن ال تسألين غري الذي أعطيت‬
‫أبًد ا‪ ،‬ويلك يا ابن آدم ما أغدرك!! فيقول‪ :‬أْي رب ويدعو اهلل حىت يقول‪ :‬هل عسيت إن‬
‫ُأعطيت ذل ك أن تس أل غ ريه‪ ،‬فيق ول‪ :‬ال وعزت ك‪ ،‬ال أس ألك غ ريه‪ ،‬وُيعطى م ا ش اء من‬
‫عهود ومواثيق‪ ،‬فيقدمه إىل باب اجلنة فإذا قام إىل باب اجلنة انفهقت له اجلنة‪ ،‬فرأى ما‬
‫فيها من احلربة والسرور‪ ،‬فيسكت ما شاء اهلل أن يسكت‪ ،‬مث يقول‪ :‬أي رب أدخلين اجلنة‬
‫فيقول اهلل‪ :‬ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن ال تسأل غري ما أعطيت‪ ،‬فيقول‪ :‬ويلك‬
‫ي ا ابن آدم م ا أغ درك!! فيق ول‪ :‬أي رب ال أك ونن أش قى خلق ك‪ ،‬فال ي زال ي دعو ح ىت‬
‫يضحك اهلل منه‪ ،‬فإذا ضحك منه قال له‪ :‬ادخل اجلنة‪ ،‬فإذا دخلها قال اهلل له‪ :‬متنه‪ ،‬فسأل‬
‫رب ه ومتىن ح ىت إن اهلل لي ذكره يق ول‪ :‬ك ذا وك ذا ح ىت انقطعت ب ه األم اين‪ ،‬ق ال اهلل‪ :‬ذل ك‬
‫لك ومثله معه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬هل ترون الشمس ليس دوهنا سحاب‪ ...‬فإنكم ترونه كذلك)‪ :‬هذا صريح يف رؤية‬
‫وأهنا رؤية بصرية‪ ،‬وصريح يف الرد على أهل البدع كاجلهمية واملعتزلة الذين قالوا‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫إن الرؤية هنا رؤية علمية قلبية‪ .‬وما ذاك إال ألن الُّش َبه استولت عليهم‪ ،‬وأعمت بصائرهم‪،‬‬
‫ووق ع يف أذه اهنم أن رؤي ة اهلل فيه ا تنقص ل ه‪ ،‬وق الوا‪ :‬ل و قلن ا‪ :‬إنن ا ن راه لك ان حمدوًدا يف‬
‫جه ة معين ة‪ ،‬واحملدود معن اه أن يك ون متح يًز ا حتوزه األش ياء‪ ،‬وإذا ك ان مرئًّي ا ال ب د أن‬
‫يكون جس ًم ا‪ ،‬واجلسم مركب من أجزاء‪ ،‬واهلل منـزه عن ذلك‪ ،‬فهو واحد ال يتجزأ‪ ،‬فال‬

‫‪100‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يكون جسًم ا وال متحيًز ا وال يف جهة؛ ولذلك أنكروا الرؤية ونفوها‪ .‬ويقولون‪ :‬كل هذا من‬
‫ل وازم الرؤي ة البص رية‪ ،‬فه ذا يس تلزم أهنا ليس ت رؤي ة بص رية‪ ،‬فليس عن دهم مس تند على‬
‫إنكاره ا إال عق وهلم وش بههم الفاس دة‪ .‬وك ل ه ذه الش به باطل ة‪ ،‬وكله ا من زبال ة األذه ان‬
‫وحناتة األفكار؛ ألن مجيع هذه اللوازم تلزم املخلوق‪ ،‬فهو احملدود واملتحيز‪ ،‬وهو املركب من‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫أج زاء‪ ،‬أم ا اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬فال يش به خلق ه‪ ،‬ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬يرى يوم القيامة‪ ،‬يراه املؤمنون رؤية واضحة‪،‬‬ ‫‪  ‬‬

‫وال حييطون به رؤية؛ ألنه سبحانه ال تدركه األبصار‪.‬‬


‫قوله‪( :‬من كان يعبد شيًئا فليتبعه)‪ :‬أي‪ :‬من كان يعبد شيًئا يف الدنيا فليتبعه‪ ،‬فكل يتبع‬
‫معب وده‪( ،‬فيتب ع من ك ان يعب د الش مس الش مس‪ ،‬ومن ك ان يعب د القم ر القم ر‪ ،‬ومن ك ان‬
‫أهنم يس اقون‬ ‫‪‬‬ ‫يعب د الط واغيت الط واغيت)‪ :‬أي‪ :‬يتبع وهنم إىل الن ار‪ ،‬كم ا يف احلديث اآلخ ر‬
‫فمن كان يعبد الشمس كالوثنني يساقون مع الشمس إىل النار والشمس تكون‬ ‫‪‬‬ ‫على النار‬
‫معهم يف الن ار‪ ،‬والقم ر ك ذلك‪ ،‬وك ذلك من ك ان يعب د الش جر واحلج ر‪ ،‬ومن ك ان يعب د‬
‫الط واغيت ك ذلك‪ ،‬فك ل م ا عب د من دون اهلل‪ ،‬فه و ط اغوت‪ ،‬وه ذا ع ام‪ ،‬إال األنبي اء‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫والص احلون ال ذين مل يرض وا‪ ،‬اس تثناهم اهلل تع اىل‪:‬‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ )3( ‬وك ذلك ج اء يف احلديث اآلخ ر أن اليه ود يق ال هلم‪ :‬م ا كنتم‬ ‫‪  ‬‬

‫تعبدون‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعبد ُعزي ًر ا ابن اهلل‪ ،‬فيقال‪ :‬كذبتم‪ ،‬ما اختذ اهلل من صاحبة وال ول ًد ا‪ ،‬مث‬
‫يساقون إىل النار‪ ،‬وكذلك النصارى يقال هلم‪ :‬ما كنتم تعبدون؟ فيقولون‪ :‬نعبد املسيح ابن‬
‫اهلل‪ ،‬فيق ال‪ :‬ك ذبتم‪ ،‬م ا اختذ اهلل من ص احبة وال ول ًد ا‪ ،‬مث يس اقون إىل الن ار‪ .‬وتبقى ه ذه‬

‫‪ - 1‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنبياء آية ‪.101 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األنبياء آية ‪.98 :‬‬

‫‪101‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫األمة فيها منافقوها‪ ،‬فاملنافقون صاروا مع املؤمنني ألهنم ينتسبون إىل اإلسالم يف الدنيا‪ ،‬مث‬
‫بعد ذلك حيصل االنفصال بينهم وبني املؤمنني‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬في أتيهم اهلل فيق ول أن ا ربكم)‪ :‬ألن ه ال يبقى إال املؤم نني؛ ألن ك ل أم ة تبعث‬
‫معبوده ا‪ ،‬ومل يب ق إال ه ذه األم ة فيه ا منافقوه ا‪ ،‬فيق ول‪ :‬هلم م ا كنتم تنتظ رون‪ ،‬فيقول ون‪:‬‬
‫ننتظر ربنا‪ ،‬فإذا جاء ربنا عرفناه‪ ،‬وقد جعل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بينه وبينهم عالمة‪ ،‬وهي كشف‬
‫الساق‪.‬‬
‫وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬فيأتيهم اهلل صورته اليت يعرفون)‪ :‬هذا فيه إثبات الصورة هلل‬
‫له صورة حقيقية‪ ،‬وهي صفة من صفاته الذاتية‪ .‬وقوله‪( :‬فيأتيهم) فيه إثبات صفة اإلتيان هلل‬
‫وهي من الصفات الفعلية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقد خلط كثري من أهل الكالم وغريهم يف مسألة الصورة‪ .‬ذكر ابن حجر منها أقوال‪:‬‬
‫‪ - 1‬فمنهم من قال‪ :‬إن الصورة هنا مبعىن الصفة‪.‬‬
‫‪ - 2‬منهم من قال‪ :‬الصورة مبعىن صورة احلال إىل غري ذلك من التأويالت الباطلة‪.‬‬
‫وه ذا ال ذي علي ه احملقق ون من أه ل الس نة واجلماع ة‬ ‫‪‬‬ ‫والص واب إثب ات الص ورة هلل‬
‫والعلم اء األك ابر كاإلم ام أمحد وش يخ اإلس الم ابن تيمي ة وابن القيم وغ ريهم‪ ،‬اس تدلوا هبذه‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وأن اهلل ل ه ص ورة ال تش به الص ور‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫األح اديث على إثب ات الص ورة هلل‬
‫‪ )1( ‬كسائر صفاته‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫‪      ‬‬

‫مث بعد ذلك إذا رآه املؤمنون ‪-‬كما يف احلديث اآلخر‪ -‬سجدوا له‪ ،‬وأراد املنافقون أن‬
‫يسجدوا‪ ،‬فيجعل اهلل ظهر كل واحد منهم طبًق ا واحًد ا‪ ،‬فال يستطيع السجود‪ ،‬كما قال ‪-‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫تع اىل‪            :-‬‬

‫اآلية‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القلم آية ‪.42 :‬‬

‫‪102‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫مث بع د ذل ك ينطل ق املؤمن ون‪ ،‬ومعهم املن افقون ك ل مع ه ن ور‪ ،‬مث ينطفئ ن ور املن افقني‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫ويصبحون يف ظالم دامس‪ ،‬ويقولون للمؤمنني إذا ذهبوا أمامهم‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ )1( ‬أي‪ :‬انتظرون ا لعلن ا نقتبس من ن وركم‪ ،‬فيق ال هلم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪          ‬‬
‫‪ )2( ‬فزال هبرجهم الذي ظنوا أنه ينفعهم يوم القيامة‪ ،‬فخادعوا‬ ‫‪   ‬‬

‫اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬واملؤم نني يف ال دنيا‪ ،‬وع اد وب ال خ داعهم عليهم‪ ،‬فخ دعوا يف اآلخ رة‪ ،‬وانطف أ‬
‫نورهم‪ ،‬فصاروا مع األشقياء نسأل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬العافية‪.‬‬
‫مث يضرب الصراط على منت جهنم‪ ،‬واألمر يف ذلك اليوم عظيم‪ ،‬فال يتكلم إال الرسل‬
‫ودع وى الرس ل (اللهم س لم س لم)‪ .‬وعلى الص راط (كالليب مث ل ش وك الس عدان‪ ،‬لكن ال‬
‫يعلم عظم ق دره إال اهلل)‪ :‬ش وك الس عدان يف ال دنيا ص غري‪ ،‬لكن ه يش به م ا يف اآلخ رة يف‬
‫الكيفي ة واهليئ ة‪ ،‬لكن عظمه ا وحقيقته ا ال يعلمه ا إال اهلل‪( :‬فتخط ف الن اس على ق در‬
‫أن الن اس ميرون‬ ‫‪‬‬ ‫أعم اهلم)‪ :‬ختط ف‪ ،‬من خط ف خيط ف كف رح يف رح‪ .‬ويف احلديث اآلخ ر‬
‫فيك ون أوهلم ك الطرف‪ ،‬مث ك الربق‪ ،‬مث ك الريح‪ ،‬مث‬ ‫‪‬‬ ‫على الص راط على ق در أعم اهلم‬
‫يقول‪( :‬اللهم‬ ‫‪‬‬ ‫كالطري‪ ،‬مث كأجاويد اخليل والركاب‪ ،‬أي‪ :‬اإلبل‪ .‬جتري هبم أعماهلم‪ ،‬ونبينا‬
‫س لم س لم) مث ي أيت من َيْع ُد و َع ْد وا‪ ،‬مث من ميش ي مش ًيا‪ ،‬مث من يزح ف زحًف ا‪ ،‬وعلى‬
‫الص راط كالليب ختط ف من ش اء اهلل وتلقي ه يف الن ار‪ ،‬ج اء يف ح ديث ض عيف‪( :‬أن الن ار‬
‫تقول‪ُ :‬ج ْز يا مؤمن‪ ،‬فقد أطفأ نورك هليب) ومن سلم وجتاوز الصراط‪ ،‬فقد سلم ومآله إىل‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيأتيهم على الصورة اليت يعرفون)‪ :‬سبق يف موضع آخر يف مسألة الصورة‪ ،‬أهنم‬
‫يرون رهبم أربع مرات‪ ،‬جاء فيه‪  :‬فريونه على غري الصورة اليت يعرفون‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ باهلل‬
‫ه ذا مكانن ا‪ ،‬مث يرون ه يف الص ورة ال يت يعرف ون‪ ،‬مث يس جدون ل ه‪ ،‬مث يرون ه فيتح ول يف‬
‫‪ - 1‬سورة الحديد آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحديد آية ‪.13 :‬‬

‫‪103‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فه ذه‬ ‫‪‬‬ ‫الص ورة ال يت رأوه فيه ا أول م رة‪ ،‬ويف املرة األوىل ملا رأوه يف موق ف ي وم القيام ة‬
‫أربع مرات‪ .‬وسبق إثبات مسألة الصورة يف حديث‪  :‬إن اهلل تعاىل خلق آدم على صورته‬
‫‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫يف احملشر يف موقف القيامة‪ ،‬ويرونه بعد دخوهلم اجلنة‪ ،‬والكفار‬ ‫‪‬‬ ‫املؤمنون يرون اهلل‬
‫‪‬‬ ‫فيهم خالف‪ ،‬من العلم اء من ق ال‪ :‬إهنم يرون ه‪ ،‬مث حيتجب عنهم‪ ،‬كم ا ق ال اهلل تع اىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬ومنهم من ق ال‪ :‬إهنم ال يرون ه‪،‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫وإمنا يلقون ه لق اء ب دون رؤي ة؛ لقول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬ومنهم من ق ال‪ :‬ي راه املؤمن ون واملن افقون على م ا يف احلديث‪  :‬إن‬ ‫‪ ‬‬

‫الكف رة حيش رون م ع معب وديهم إىل الن ار‪ ،‬وتبقى ه ذه األم ة فيه ا منافقوه ا‪ ،‬ف ريون اهلل مث‬
‫ومنهم من ق ال‪ :‬إن املن افقني ي رون اهلل‪ ،‬مث‬ ‫‪‬‬ ‫يس جدون هلل‪ ،‬واملن افق ال يس تطيع الس جود‬
‫حيتجب عنهم بعد ذلك‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬إهنم ال يرونه رؤية رضى‪ ،‬بل رؤية غضب وأنه‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬يكلمهم كالم غضب‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فمنهم املوب ق بقي بعمل ه)‪ :‬الظ اهر أهنا‪( :‬يقي بعمل ه)‪ .‬والكلم ة فيه ا خالف يف‬
‫ضبطها‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ح ىت إذا ف رغ اهلل من القض اء بني العب اد)‪ :‬أي‪ :‬قض ى حس اهبم‪ ،‬وانتهى احلس اب‪،‬‬
‫‪ )3( ‬ه ذا أس لوب ع ريب‬ ‫‪     ‬‬ ‫كم ا ق ال اهلل تع اىل‪:‬‬
‫معروف‪ ،‬وال يلزم من ذلك االنشغال‪ ،‬بل هذا يف حق املخلوق‪ ،‬تقول العرب‪ :‬سأفرغ لك‬
‫ملن تري د أن هتدده‪ ،‬وه و ليس مش غوال بش يء‪ ،‬واملع ىن هتدي د ل ه مبع ىن أن ك س وف تلقى‬
‫ج زاءك‪ ،‬وليس املع ىن أين مش غول ل ك‪ ،‬قول ه‪( :‬وأراد أن خيرج برمحت ه من أراد من أه ل‬

‫‪ - 1‬سورة المطففين آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المطففين آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الرحمن آية ‪.31 :‬‬

‫‪104‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫النار‪ )...‬إخل‪ .‬هذه الشفاعة يف عصاة املوحدين‪ .‬ممن يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬أي‪ُ :‬يَو ِّح د اهلل‪،‬‬
‫لكنهم دخل وا بكب ائر عملوه ا‪ ،‬وم اتوا عليه ا من غ ري توب ة‪ ،‬كالزن ا وش رب اخلم ر وعق وق‬
‫الوالدين والسرقة‪ ،‬أو قطيعة الرحم‪،‬أو اْلِغيبة والنميمة‪ ،‬أو التعامل بالربا‪ ،‬أو أكل مال اليتيم‪،‬‬
‫أو غريه ا من الكب ائر‪ ،‬لكنهم مؤمن ون ُمَو ِّح دون يش هدون أن ال إل ه إال اهلل‪ ،‬وأن حمم ًد ا‬
‫رس ول اهلل‪ ،‬ويص لون‪ ،‬فعالم ة الس جود ال تأكله ا الن ار‪ ،‬ويف احلديث اآلخ ر‪  :‬إن اهلل ح رم‬
‫أي‪ :‬وج وههم قول ه‪( :‬فيخرج ون من الن ار‪ ،‬وق د امتحش وا)‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫على الن ار أن تأك ل ص ورهم‬
‫بفتح التاء على صيغة البناء للفاعل‪ :‬أي احرتقوا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬كما تنبت احلبة يف محيل السيل)‪ :‬احلبة‪ :‬بكسر احلاء املهملة‪ :‬أي البذرة اليت تصلح‬
‫للب ذر‪ ،‬وليس ت (احلب ة)‪ :‬ب الفتح للح اء‪ .‬فيلق ون يف هنر احلي اة‪ ،‬فينبت ون كم ا تنبت احلب ة ش يًئا‬
‫فشيًئا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وأحرق ين ذكاؤه ا)‪ :‬أي‪ :‬حره ا‪ ،‬وه ذا الرجل آخ ر أه ل الن ار خروًج ا‪ ،‬وآخ ر أه ل‬
‫اجلنة دخوال‪.‬‬
‫وهي صفة العزة‪ ،‬كما قال اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬ال وعزتك)‪ :‬هذا حلف بصفة من صفات اهلل‬
‫‪-‬تع اىل‪ -‬عن إبليس‪( :‬فبعزت ك ألغ وينهم أمجعني) وكم ا ج اء أن الن ار حلفت بع زة اهلل‪ ،‬فال‬
‫بأس باحللف باسم من أمساء اهلل‪ ،‬أو صفة من صفاته‪ ،‬ويف لفظ آخر‪ :‬أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يأخذ‬
‫عليه العهود واملواثيق أال يسأله غريها‪ ،‬فإذا أخذ اهلل منه العهود واملواثيق صرف اهلل وجهه‬
‫عن النار إىل اجلهة األخرى‪ ،‬مث يبقى ما شاء اهلل‪ .‬وهنا فيه أنه صار إىل اجلنة‪ ،‬ويف اللفظ‬
‫وهكذا من شجرة إىل شجرة‪ ،‬حىت يصل إىل‬ ‫‪‬‬ ‫اآلخر‪  :‬أنه يرفع له شجرة‪ ،‬فيقرب إليها‬
‫باب اجلنة‪ ،‬ويف كل مرة يأخذ اهلل عليه العهود واملواثيق أال يسأل غريها‪ ،‬مث يسأل بعد‬
‫مدة وربه يعذره؛ ألنه يرى شيًئا ال صرب له عنه‪ ،‬حىت يصري إىل باب اجلنة فيقول‪ :‬يا رب‬
‫أدخلين اجلنة‪ ،‬فيقول اهلل له‪ :‬ويلك يا ابن آدم ما أغدرك!! أمل آخذ عليك العهود أال تسأل‬
‫غريها‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب‪ ،‬ال أكون أشقى خلقك‪ ،‬فيضحك اهلل‪ ،‬فإذا ضحك اهلل أدخله اجلنة‪،‬‬

‫‪105‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫مث يقال له‪ :‬متَّن ‪ ،‬فيتمىن حىت تنقطع األماين‪ ،‬ويف لفظ يذكره ربه‪ ،‬أسأل كذا وكذا‪ ،‬فإذا‬
‫‪‬‬ ‫انقطعت أمانيه‪ ،‬قال اهلل له‪ :‬لك ذلك‪ ،‬ومثله معه‪ ،‬وجاء يف حديث أيب سعيد أنه قال‪:‬‬
‫أما ترضى أن تعطى مثل ملك من ملوك الدنيا‪ ،‬ولك مع ذلك ما اشتهت نفسك ولذة‬
‫وال موت‪ ،‬وال مرض‪ ،‬وال بول‪ ،‬وال غائط‪ ،‬وال شيخوخة‪ ،‬وال مهوم‪ ،‬وال غموم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫عينك‬
‫فيقول‪ :‬رضيت يا رب‪ ،‬فيقول له‪ :‬لك ذلك ومثله ومثله ومثله‬ ‫‪‬‬ ‫وهذه ال حتصل للملوك‬
‫مخسني مرة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ويف احلديث الذي بعده‪  :‬قال له لك ذلك وعشرة أمثاله‬ ‫‪‬‬ ‫مخس مرات‬
‫مثل ملك من ملوك الدنيا‪ .‬وهذا آخر من خيرج من النار‪ ،‬وآخر من يدخل اجلنة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬انفهقت له اجلنة)‪ :‬أي تفسحت أمامه واتضحت له الرؤية‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ف ريى م ا فيه ا من احلربة والس رور) اَحلرْب ة‪ ،‬بفتح احلاء املهمل ة وس كون الب اء‬
‫املعجمة‪ ،‬أي‪ :‬اللذة والكرامة‪.‬‬
‫وهو من الصفات الفعلي ة‪ .‬وقد‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬حىت يض حك اهلل من ه)‪:‬في ه إثب ات الض حك هلل‬
‫أنك ر أه ل الب دع ص فة الض حك هلل تع اىل‪ ،‬وتأوهلا بعض هم بالرض ا أي أن ه ‪-‬رض ي‪ -‬علي ه‪،‬‬
‫أعلم الن اس برب ه أثبت لرب ه الض حك‪ ،‬وه و ض حك ال يش به ض حك‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذا باط ل ف النيب‬
‫املخلوق‪ ،‬يليق جبالل اهلل وعظمته‪ ،‬وال نعلم كيفيته‪.‬‬
‫قوله‪( :‬حىت إن اهلل ليذكره)‪ :‬أي‪ :‬يذكره باألشياء اليت ليست على باله حىت يسأهلا‪ ،‬قال‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫اهلل تع اىل‪:‬‬

‫‪        ‬‬

‫‪           ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬وق ال س بحانه‪:‬‬ ‫‪       ‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزخرف آية ‪.71-68 :‬‬

‫‪106‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )2( ‬فكل ما يطلبونه وتشتهيه أنفسهم حيصل هلم‪،‬‬ ‫‪     ‬‬

‫ومع ذلك هم خالدون ال ينقطع نعيمهم‪ ،‬نسأل اهلل أن جيعلنا منهم‪.‬‬


‫حديث‪" :‬قال ذلك لك ومثله معه"‬
‫‪ - 7438‬قال عطاء بن يزيد‪ ،‬وأبو سعيد اخلدري مع أيب هريرة‪ ،‬ال يرد عليه من حديثه شيًئا‪ ،‬حىت‬
‫قال أبو سعيد‬ ‫‪‬‬ ‫إذا حدث أبو هريرة‪  :‬أن اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬قال ذلك لك‪ ،‬ومثله معه‬
‫اخلدري‪ :‬وعشرة أمثاله معه‪ ،‬يا أبا هريرة قال أبو هريرة‪ :‬ما حفظت إال قوله‪  :‬ذلك لك‬
‫قوله‪ :‬ذلك لك‬ ‫‪‬‬ ‫قال أبو سعيد اخلدري‪  :‬أشهد أين حفظت من رسول اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫ومثله معه‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬فذلك الرجل آخر أهل اجلنة دخوال اجلنة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫وعشرة أمثاله‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫يق ول‪ :‬مسعت الرس ول‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا من ح رص الص حابة ‪-‬رض ي اهلل عنهم‪ -‬ف أبو هري رة‬
‫(أنا مسعته قال وعشرة أمثاله) فقال أبو‬ ‫‪‬‬ ‫يقول‪( :‬لك ذلك ومثله معه) فقط‪ .‬قال أبو سعيد‬
‫‪‬‬ ‫هريرة‪ :‬مل أمسعه إال قال‪( :‬لك ذلك ومثله معه) فقط‪ .‬لكن أبو سعيد حفظ من الرسول‬
‫قول ه‪( :‬وعش رة أمثال ه) أي‪ :‬ل ك م ا حص ل من التم ين‪ ،‬ومثله مع ه وعش رة أمثال ه‪ .‬ويف احلديث‬
‫اآلخر أنه يعطى مثل ملك من ملوك الدنيا مخسني مرة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬هل نرى ربنا يوم القيامة؟"‬
‫‪- 7439‬حدثنا حيىي بن بكري‪ ،‬حدثنا الليث بن سعد‪ ،‬عن خالد بن يزيد‪ ،‬عن سعيد بن أيب هالل‪،‬‬
‫عن زيد‪ ،‬عن عطاء ابن يسار‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري قال‪  :‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هل نرى ربنا يوم‬
‫القيامة؟ قال‪ :‬هل تضارون يف رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحًو ا؟ قلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فإنكم‬
‫ال تضارون يف رؤية ربكم يومئذ إال كما تضارون يف رؤيتهما‪ ،‬مث قال‪ :‬ينادي مناٍد‪ :‬ليذهب‬
‫كل قوم إىل ما كانوا يعبدون‪ ،‬فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم‪ ،‬وأصحاب األوثان‬
‫مع أوثاهنم‪ ،‬وأصحاب كل آهلة مع آهلتهم حىت يبقى من كان يعبد اهلل من بر أو فاجر‪،‬‬

‫‪ - 2‬سورة فصلت آية ‪.31 :‬‬

‫‪107‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وغ ربات من أه ل الكت اب‪ ،‬مث ي ؤتى جبهنم تع رض كأهنا س راب‪ ،‬فيق ال لليه ود‪ :‬م ا كنتم‬
‫تعبدون؟‬
‫قالوا‪ :‬كنا نعبد عزير ابن اهلل‪ ،‬فيقال‪ :‬كذبتم مل يكن هلل صاحبة وال ولد‪ ،‬فما تريدون؟‬
‫قالوا‪ :‬نريد أن تسقينا‪ ،‬فيقال‪ :‬اشربوا فيتساقطون يف جهنم‪.‬‬
‫مث يقال للنصارى‪ :‬ما كنتم تعبدون؟ فيقولون‪ :‬كنا نعبد املسيح ابن اهلل‪ ،‬فيقال‪ :‬كذبتم مل‬
‫يكن هلل صاحبة وال ولد‪ ،‬فما تريدون فيقولون‪ :‬نريد أن تسقينا فيقال‪ :‬اشربوا فيتساقطون يف‬
‫جهنم‪ ،‬حىت يبقى من كان يعبد اهلل من بر أو فاجر‪ ،‬فيقال هلم‪ :‬ما حيبسكم‪ ،‬وقد ذهب‬
‫الن اس فيقول ون‪ :‬فارقن اهم‪ ،‬وحنن أح وج من ا إلي ه الي وم‪ ،‬وإن ا مسعنا منادًي ا ين ادي ليلح ق ك ل‬
‫قوم مبا كانوا يعبدون‪ ،‬وإمنا ننتظر ربنا‪ ،‬قال‪ :‬فيأتيهم اجلبار يف صورة غري صورته اليت رأوه‬
‫فيه ا أول م رة‪ ،‬فيق ول‪ :‬أن ا ربكم‪ ،‬فيقول ون‪ :‬أنت ربن ا‪ ،‬فال يكلم ه إال األنبي اء‪ ،‬فيق ول‪ :‬ه ل‬
‫بينكم وبينه آية تعرفونه‪ ،‬فيقولون‪ :‬الساق فيكشف عن ساقه‪ ،‬فيسجد له كل مؤمن‪ ،‬ويبقى‬
‫من كان يسجد هلل رياء ومسعة‪ ،‬فيذهب كيما يسجد‪ ،‬فيعود ظهره طبًق ا واح ًد ا‪ ،‬مث يؤتى‬
‫باجلسر‪ ،‬فيجعل بني ظهري جهنم‪.‬‬
‫قلن ا‪ :‬ي ا رس ول اهلل‪ ،‬وم ا اجلس ر؟ ق ال‪ :‬مدحض ة مزل ة علي ه خط اطيف وكالليب وحس كة‬
‫مفلطح ة‪ ،‬هلا ش وكة عقيف اء تك ون بنج د‪ ،‬يق ال هلا‪ :‬الس عدان‪ ،‬املؤمن عليه ا ك الطرف‪،‬‬
‫وكالربق‪ ،‬وكالريح‪ ،‬وكأجاويد اخليل والركاب فناٍج مسلم‪ ،‬وناٍج خمدوش ومكدوس يف نار‬
‫جهنم‪ ،‬حىت مير آخرهم‪ ،‬يسحب سحًبا‪ ،‬فما أنتم بأشد يل مناشدة يف احلق قد تبني لكم‬
‫من املؤمن يومئ ذ للجب ار‪ ،‬وإذا رأوا أهنم ق د جنوا يف إخ واهنم يقول ون‪ :‬ربن ا إخوانن ا ك انوا‬
‫يصلون معنا‪ ،‬ويصومون معنا‪ ،‬ويعملون معنا‪ ،‬فيقول اهلل تعاىل‪ :‬اذهبوا فمن وجدمت يف قلبه‬
‫مثقال دينار من إميان‪ ،‬فأخرجوه‪ ،‬وحيرم اهلل صورهم على النار فيأتوهنم‪ ،‬وبعضهم قد غاب‬
‫يف النار إىل قدمه وإىل أنصاف ساقيه‪ ،‬فيخرجون من عرفوا‪ ،‬مث يعودون فيقول‪ :‬اذهبوا فمن‬

‫‪108‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وجدمت يف قلبه مثقال نصف دينار‪ ،‬فأخرجوه فيخرجون من عرفوا‪ ،‬مث يعودون فيقول‪ :‬اذهبوا‬
‫فمن وجدمت يف قلبه مثقال ذرة من إميان‪ ،‬فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون من عرفوا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫ق ال أب و س عيد‪ :‬ف إن مل تص دقوين‪ ،‬ف اقرءوا‬
‫(‪ )1‬فيشفع النبيون واملالئكة واملؤمنون‪ ،‬فيقول اجلبار‪ :‬بقيت شفاعيت‪،‬‬ ‫‪   ‬‬

‫فيقبض قبضة من النار‪ ،‬فيخرج أقواًم ا قد امتحشوا‪ ،‬فيلقون يف هنر بأفواه اجلنة يقال له‪ :‬ماء‬
‫احلياة‪ ،‬فينبتون يف حافتيه‪ ،‬كما تنبت احلبة يف محيل السيل‪ ،‬قد رأيتموها إىل جانب الصخرة‬
‫وإىل ج انب الش جرة‪ ،‬فم ا ك ان إىل الش مس منه ا ك ان أخض ر‪ ،‬وم ا ك ان منه ا إىل الظ ل‬
‫كان أبيض‪ ،‬فيخرجون كأهنم اللؤلؤ‪ ،‬فيجعل يف رقاهبم اخلواتيم‪ ،‬فيدخلون اجلنة‪ ،‬فيقول‪ :‬أهل‬
‫اجلنة هؤالء عتقاء الرمحن‪ ،‬أدخلهم اجلنة بغري عمل عملوه وال خري قدموه‪ ،‬فيقال هلم‪ :‬لكم‬
‫ما رأيتم ومثله معه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬فإنكم ال تضارون يف رؤية ربكم يومئذ‪ )...‬هذا صريح يف رؤية اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وأنه يرى رؤية واضحة كرؤية الشمس والقمر‪ ،‬وهو صريح كذلك يف أن الرؤية‬
‫بصرية ال علمية‪ ،‬كما يقول املبتدعة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬في ذهب أص حاب الص ليب م ع ص ليبهم)‪ :‬أص حاب الص ليب هم النص ارى ال ذين‬
‫يعبدون الصليب‪ ،‬ويزعمون أن عيسى صلب من ِقَب ل اليهود‪ ،‬وهذا من جهلهم‪ ،‬فإذا كانوا‬
‫بزعمهم يعظمون عيسى‪ ،‬فكيف يعبدون الصليب الذي صلب عليه نبيهم؟ بل الواجب أن‬
‫‪‬‬ ‫يعادوا الصليب ويكرهوه‪ ،‬مع كذهبم بزعمهم أن عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬صلب قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬بل عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬رفعه اهلل‬ ‫‪       ‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية ‪.157 :‬‬

‫‪109‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )3( ‬ومعىن قوله‪( :‬فيذهب أصحاب الصليب مع‬ ‫‪     ‬‬ ‫إليه‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫صليبهم‪ )...‬أي‪ :‬يتساقطون يف النار‪.‬‬
‫قوله‪( :‬حىت يبقى من كان يعبد اهلل‪ ،‬من بر وفاجر)‪ :‬أي‪ :‬ال يبقى إال من يعبد اهلل من‬
‫العص اة واملطيعني‪ ،‬ال ذين ليس عن دهم ش رك وال كف ر‪ ،‬ف الكفرة تس اقطوا يف الن ار‪ ،‬وبقي‬
‫الذين يعبدون اهلل مؤمنهم وعاصيهم من مجيع األمم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وُغرَّب ات من أهل الكتاب)‪ :‬بضم الغني املعجمة‪ ،‬وفتح وتشديد الباء املعجمة‪ :‬أي‪:‬‬
‫بقايا املوحدين من أهل الكتاب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬نريد أن تسقينا‪ ،‬فيقال‪ :‬اشربوا)‪ :‬يسلط عليهم العطش ‪-‬والعياذ باهلل ‪ -‬ويرون الناس‬
‫كأهنا س راب من بع د حيطم بعض ها بعض ا كأهنا م اء‪ .‬والس راب ه و الق اع‪ :‬حينم ا متش ي يف‬
‫الصحراء والقاع أمامك‪ ،‬تظن أنه ماء‪ .‬حيث‪ :‬خييل ملن يعبد غري اهلل أن النار ماء‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫نري د أن تس قينا‪ ،‬فيق ال‪ :‬أال َت ِر دون فِرَي دون على الن ار‪ ،‬فيتس اقطون فيه ا؛ ألهنم ليس هلم‬
‫توحيد وال إميان‪ ،‬والعياذ باهلل‪ .‬وهكذا ُيفعل جبميع أصناف الكفرة الذين ال يعبدون اهلل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فارقناهم‪ ،‬وحنن أحوج منا إليه اليوم‪ ..‬فيأتيهم اجلبار)‪ :‬أي‪ :‬يقال هلم‪ :‬الناس كلهم‬
‫ذهبوا وما بقي إال أنتم ما تنتظرون؟ قالوا‪ :‬فارقنا الناس أحوج ما كنا إليهم‪ :‬أي يف الدنيا‬
‫فارقن اهم‪ ،‬فهم عب دوا غ ري اهلل‪ ،‬وحنن عب دنا اهلل وح ده‪ ،‬وحنن اآلن ننتظ ر ربن ا مسعنا منادًي ا‬
‫ينادي ليتبع كل أمة ما تعبد‪ ،‬وحنن نعبد اهلل‪ ،‬فننتظر ربنا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬في أتيهم اجلب ار يف ص ورة غ ري ص ورته‪ ،‬ال يت رأوه فيه ا أول م رة) ه ذا في ه إثب ات‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫كما يليق جبالل اهلل وعظمته‪ .‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫اإلتيان هلل‬
‫‪ )1( ‬وفيه إثبات الصورة هلل ‪ .‬وفيه إثبات رؤية املؤمنني لرهبم‬ ‫‪ ‬‬

‫يف موقف القيامة مرتني‪ ،‬الرؤية اليت رأوه أول مرة هذه ظاهرها مع عموم الناس يف احملشر‪.‬‬

‫‪ - 3‬سورة النساء آية ‪.158 :‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.210 :‬‬

‫‪110‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫واملرة الثانية‪ :‬يف صورة غري الصورة اليت رأوه فيها أول مرة‪ ،‬بعد ما سيق الكفرة إىل‬
‫النار‪.‬‬
‫فه ذه الثاني ة يف ص ورة غ ري الص ورة ال يت رأوه فيه ا أول م رة‪ ،‬بع دما س يق الكف رة إىل‬
‫النار‪.‬‬
‫فهذه رؤية خاصة باملؤمنني برهم وفاجرهم‪ ،‬والرؤية األوىل اليت مع عموم الناس‪ ،‬فيها‬
‫خالف هل هي رؤية عامة يدخل فيها عموم الناس؟ أم رؤية خاصة هبم؟ املؤمنون يرونه‬
‫باحملشر هذا باالتفاق‪ ،‬لكن بقية الكفرة قيل‪ :‬يرونه مث حيتجب عنهم‪ ،‬وقيل‪ :‬ال يرونه‪ ،‬وسيأيت‬
‫مرة ثالثة‪ ،‬حينما يسجدون‪ ،‬فيتحول هلم يف الصورة اليت رأوه فيها أول مرة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫العص اة من املؤم نني ي دخلون فيمن ي رى رب ه يف موق ف القيام ة‪ ،‬أم ا ح ديث‪  :‬ثالث ة ال‬
‫فهذا من باب الوعيد‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫يكلمهم اهلل وال ينظر إليهم‬
‫قوله‪( :‬فيقول‪ :‬هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون‪ :‬الساق‪ ،‬فيكشف عن ساقه)‪ :‬هذا فيه‬
‫وأن هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬س اق ال تش به ص فة املخل وق‪ ،‬واحلديث ص ريح يف‬ ‫‪‬‬ ‫إثب ات الس اق هلل‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫ذل ك؛ لقول ه‪( :‬فيكش ف هلم عن س اقه)‪ .‬وأم ا اآلي ة الكرمية‪:‬‬
‫‪ )1( ‬فال تدل على إثبات الصفة وحدها‪ ،‬لكن إن ضممت إليها‬ ‫‪  ‬‬

‫احلديث‪ ،‬دلت على إثبات صفة الساق‪ ،‬كما قرر ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية وغريه من‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫والساق صفة هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وعالمة بينه وبني املؤمنني‪ ،‬فإذا كشف هلم عن ساقه سجد له‬
‫املؤمن ون‪ .‬وأه ل الب دع أنك روا ه ذا أش د اإلنك ار‪ ،‬وق الوا‪ :‬إن مع ىن الس اق كناي ة عن ش دة‬
‫األمر‪ ،‬واستدلوا بقول العرب‪( :‬كشفت احلرب عن ساقها) أي‪ :‬عن شدهتا‪ .‬واجلواب عن ذلك‬
‫أن نقول‪ :‬نعم‪ ،‬تأيت الساق يف اللغة العربية مبعىن الشدة‪ ،‬لكن املراد هبا يف احلديث الصفة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة القلم آية ‪.42 :‬‬

‫‪111‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬مث ي ؤتى باجلس ر‪ ،‬فيجع ل بي ين ظه ري جهنم)‪ :‬في ه الوجه ان بفتح اجليم وكس رها‬
‫وهو الصراط‪.‬‬
‫قوله‪( :‬مدحضة مَز لة)‪ :‬مزلة فيها الوجهان بفتح الزاي وكسرها‪ ،‬أي املزلقة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ش وكة عقيف اء)‪ :‬عقيف ة‪ُ :‬ت روى بض م العني وبالف اء املم دودة‪ ،‬وُت روى (عقيف ة) بفتح‬
‫العني وكسر القاف‪ ،‬وهي املنعطفة املعوجة‪ ،‬كما قاله العيين‪.‬‬
‫قوله‪( :‬املؤمن عليها كالطرف)‪ :‬أي مير على اجلسر‪ .‬قوله‪( :‬كأجاويد اخليل والركاب)‪ :‬أي‬
‫اجلي دة من اخلي ل واجلم ال املطي ة ال يت تس رع‪ ،‬ويف غ ري الص حيح ق ال‪ :‬والرج ل يع دو ع دوا‪،‬‬
‫والرجل ميشي مشًيا‪ ،‬والرجل يزحف زحًف ا‪ ،‬حىت تعجز هبم أعماهلم‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فما أنتم بأشد مناشدة يف احلق‪ ،‬قد تبني لكن من املؤمن يومئذ للجبار)‪.‬‬
‫فيشفعون يف إخواهنم العصاة الذين دخلوا النار‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أي‪ :‬أن املؤمنني يناشدون اهلل‬
‫وسيأيت أهنم يقولون‪( :‬يا ربنا‪ ،‬إخواننا كانوا يصلون معنا‪ ،‬وكانوا يصومون معنا فيقول‬
‫اهلل‪ :‬اذهبوا فأخرجوا من كان يف قلبه مثقال دينار من إميان‪ )....‬احلديث‪ .‬واملعىن أن مناشدة‬
‫املؤمن لرب ه أش د من مناش دتكم يل للح ق‪ ،‬بع دما ت بني لكم‪ .‬وفي ه إثب ات ش فاعة املؤم نني‬
‫بعضهم لبعض‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وحيرم اهلل صورهم على النار)‪ :‬أي‪ :‬وجوههم‪ ،‬فالوجه يسمى صورة‪ ،‬وسبب حترميها‬
‫على الن ار؛ ألهنا موض ع الس جود‪ .‬فهم مؤمن ون موح دون‪ ،‬لكن دخل وا الن ار بس بب كب ائر‬
‫ماتوا عليها من غري توبة‪ ،‬طاعة للهوى والشيطان‪ ،‬ومل يستحلوها‪ ،‬كالزنا والسرقة وعقوق‬
‫الوالدين وقطيعة الرحم وشرب اخلمر‪ ،‬أو غري ذلك من الكبائر‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫تطلق الصورة على الوجه خاصة‪ ،‬وتطلق الصورة على اجلسم كامال‪ ،‬الذي يشمل ذلك‬
‫الوجه‪ ،‬واملراد بالصورة يف احلديث‪ :‬وجوههم؛ ألن أجسامهم داخلة يف الن ار‪ ،‬لكن النار ال‬
‫تأكل الوجوه؛ ألهنا موضع السجود‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬في أتوهنم‪ ،‬وبعض هم ق د غ اب يف الن ار إىل قدم ه‪ :)...‬ه ذا حبس ب أعم اهلم‪ ،‬وه ذا‬
‫‪‬‬ ‫للعصاة من املوحدين‪ ،‬أما الكفار فتغمرهم النار‪ ،‬وتصالهم من مجيع الوجوه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪        ‬‬

‫واملؤمنون ال خيرجون من يشفعون فيهم إال بالعالمة اليت جيعلها اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬على عصاة‬
‫ال يش فع ح ىت‪( :‬حيد اهلل ل ه‬ ‫‪‬‬ ‫املوح دين‪ ،‬ال ذين يف الن ار‪ ،‬فيعرف وهنم هبا‪ ،‬كم ا أن الرس ول‬
‫ح ًّدا)‪ :‬فيخ رج من الن ار من ح د اهلل ل ه‪ .‬ح ىت تبقى بقي ة ال تن اهلم الش فاعة‪ ،‬ب ل خيرج ون‬
‫يشفع ويقول‪  :‬يا رب ما بقي إال‬ ‫‪‬‬ ‫برمحة أرحم الرامحني سبحانه وتعاىل‪ .‬وجاء أن النيب‬
‫وإال فقد ثبت أنه (يبقى بقية مل تنلهم‬ ‫‪‬‬ ‫أي‪ :‬الكفار‪ ،‬وهذا يف ظنه‬ ‫‪‬‬ ‫من حبسه القرآن‬
‫الشفاعة‪ ،‬خيرجهم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬برمحته)‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬اذهب وا فمن وج دمت يف قلب ه مثق ال ذرة من إميان‪ ،‬ف أخرجوه‪ :)..‬أي‪ :‬زي ادة على‬
‫التوحيد واإلميان‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فيق ول اجلب ار‪ :‬بقيت ش فاعيت‪ ،‬فيقبض قبض ة من الن ار‪ :)...‬خيرج اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬من‬
‫النار من كان موح ًد ا ممن مل تنلهم الشفاعة‪ ،‬ويف اللفظ اآلخر‪( :‬مل يعملوا خ ًريا قط)‪ :‬أي‪:‬‬
‫زيادة على التوحيد واإلميان‪ .‬أما الكفار فال خيرجون من النار‪ ،‬كما أخرب اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وهو‬
‫‪. ) 2( ‬‬ ‫‪          ‬‬ ‫أصدق القائلني‪:‬‬
‫ويف احلديث إثبات القبض هلل ‪ ‬كما يليق جبالله وعظمته‪ ،‬وهو من الصفات الفعلية‪.‬‬
‫قوله‪( :‬كما تنبت اِحلبة يف محيل السيل)‪ :‬اِحلبة بكسر احلاء املهملة هي البذرة‪.‬‬
‫(ومحيل السيل)‪ :‬أي‪ :‬ما حيمله السيل‪ .‬واملعىن أن السيل‪ ،‬حينما ميشي حيمل معه ما حتته‬
‫وجيره مع ه فتك ون احلب ة وهي الب ذرة يف وس ط محي ل الس يل من الت ارث وغ ريه فتنبت يف‬
‫وسطه‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.41 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المائدة آية ‪.37 :‬‬

‫‪113‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬فما كان إىل الشمس منها‪ ،‬كان أخضر‪ ،‬وما كان منها إىل الظل كان أبيض)‪:‬‬
‫ه ذا متثي ل من الن يب ‪ ‬فاِحلب ة ال يت جبانب الص خرة أو جبانب الش جرة‪ ،‬م ا ك ان منه ا إىل‬
‫جانب الشمس فهو أخضر‪ ،‬وما كان منها جبانب الظل فهو أبيض‪.‬‬
‫قوله‪( :‬كأهنم اللؤلؤ)‪ :‬هذا بعدما يلقى عليهم املاء من هنر احلياة‪ ،‬خيرجون كأهنم اللؤلؤ‪،‬‬
‫ذهب السواد عنهم‪ ،‬فأضاءت وجوههم‪ ،‬وذلك بعد أن كانوا فحًم ا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فيجع ل يف رق اهبم اخلواتيم‪ :)....‬ه ؤالء ال ذين يعتق ون من الن ار‪ ،‬خيتم على رق اهبم‬
‫ختًم ا (عتقاء اهلل من النار) مث بعد ذلك‪ ،‬ميحى عنهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أدخلهم اجلنة بغري عمل عملوه‪ ،‬وال خري قدموه) أي‪ :‬زيادة على التوحيد واإلميان‪.‬‬
‫ذل ك‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫حف ظ من الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬فيق ال هلم‪ :‬لكم م ا رأيتم‪ ،‬ومثل ه مع ه)‪ :‬أب و هري رة‬
‫قال‪( :‬وعشرة أمثاله) وإن كان هذا احلديث‪ ،‬من رواية أيب‬ ‫النيب ‪‬‬ ‫حفظ أن‬ ‫‪‬‬ ‫وأبو سعيد‬
‫هريرة ‪.‬‬ ‫سعيد وافق ما رواه أبو‬
‫فائدة‪:‬‬
‫الصراط ال مير عليه إال املؤمنون‪ ،‬أما الكفار‪ ،‬فال ميرون على الصراط‪ ،‬بل يساقون إىل‬
‫الن ار ويتس اقطون فيه ا ‪-‬والعي اذ باهلل‪ -‬ومن مير على الص راط من املوح دين‪ ،‬فعلى حس ب‬
‫عمله‪ ،‬فمن كان مير كالربق وكالريح‪ ،‬فال يشعر حبر النار‪ ،‬ومن ميشي مش ًيا‪ ،‬ومن يزحف‬
‫زحًف ا ق د ين اهلم احلر‪ ،‬ومنهم من يس قط‪ .‬وك ذلك من ي رى رب ه من املؤم نني يك ون ذل ك‬
‫على حسب أعماهلم‪ ،‬منهم من يراه كل يوم‪ ،‬ومنهم من يراه كل مجعة‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬يحبس المؤمنون يوم القيامة"‬
‫‪ - 7440‬وقال حجاج بن منه ال‪ :‬ح دثنا مهام بن حيىي‪ ،‬ح دثنا قت ادة عن أنس ‪-‬رضي اهلل عنهم‪-‬‬
‫ق ال‪  :‬حيبس املؤمن ون ي وم القيام ة‪ ،‬ح ىت يهم وا ب ذلك فيقول ون‪ :‬ل و استش فعنا إىل‬ ‫أن الن يب ‪‬‬
‫ربنا‪ ،‬فريحينا من مكاننا فيأتون آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت آدم أبو الناس خلقك اهلل بيده‪ ،‬وأسكنك‬
‫جنته‪ ،‬وأسجد لك مالئكته‪ ،‬وعلمك أمساء كل شيء لتشفع لنا عند ربك‪ ،‬حىت يرحينا من‬

‫‪114‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫مكاننا هذا قال‪ :‬فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬قال‪ :‬ويذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬أكله من الشجرة‪،‬‬
‫وقد هني عنها‪ ،‬ولكن ائتوا نوًح ا أول نيب بعثه اهلل إىل أهل األرض‪ ،‬فيأتون نوًح ا فيقول‪:‬‬
‫لست هناكم‪ ،‬ويذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬سؤاله ربه بغري علم‪ ،‬ولكن ائتوا إبراهيم خليل‬
‫الرمحن‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيأتون إبراهيم فيقول‪ :‬إين لست هناكم‪ ،‬ويذكر ثالث كلمات كذهبن‪ ،‬ولكن ائتوا‬
‫موس ى عب ًد ا آت اه اهلل الت وراة‪ ،‬وكلم ه وقرب ه جنًّي ا ق ال‪ :‬في أتون موس ى‪ ،‬فيق ول‪ :‬إين لس ت‬
‫هناكم‪ ،‬ويذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬قتله النفس‪ ،‬ولكن ائتوا عيسى عبد اهلل ورسوله وروح‬
‫اهلل وكلمته‪ ،‬قال‪ :‬فيأتون عيسى‪ ،‬فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ولكن ائتوا حمم ًد ا ‪ ‬عب ًد ا غفر اهلل‬
‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬فيأتوين فأستأذن على ريب يف داره‪ ،‬فيؤذن يل عليه‪ ،‬فإذا‬
‫رأيته وقعت ساجًد ا فيدعين ما شاء اهلل أن يدعين‪ ،‬فيقول‪ :‬ارفع حممد‪ ،‬وقل يسمع‪ ،‬واشفع‬
‫تشفع‪ ،‬وسل تعَط ‪ ،‬قال‪ :‬فأرفع رأسي‪ ،‬فأثين على ريب بثناء وحتميد يعلمنيه‪ ،‬مث أشفع‪ ،‬فيحُّد‬
‫يل حًّدا‪ ،‬فأخرج‪ ،‬فأدخلهم اجلنة ‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬ومسعته ‪-‬أيضا‪ -‬يقول‪  :‬فأخرج فأخرجهم من النار‪ ،‬وأدخلهم اجلنة‪ ،‬مث أعود‬
‫الثاني ة فأس تأذن على ريب يف داره‪ ،‬في ؤذن يل علي ه‪ ،‬ف إذا رأيت ه وقعت س اجًد ا‪ ،‬في دعين م ا‬
‫ش اء اهلل أن ي دعين‪ ،‬مث يق ول‪ :‬ارف ع حمم د‪ ،‬وق ل يس مع‪ ،‬واش فع تش فع‪ ،‬وس ل تع َط ‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫ف أرفع رأس ي ف أثين على ريب بثن اء وحتمي د يعلمني ه‪ ،‬ق ال‪ :‬مث أش فع فيح ّد يل ح ًّدا‪ ،‬ف أخرج‬
‫فأدخلهم اجلنة ‪ ‬قال قتادة‪ :‬وقد مسعته يقول‪  :‬فأخرج فأخرجهم من النار‪ ،‬وأدخلهم اجلنة‬
‫حىت ما يبقى يف النار إال من حبسه القرآن‪ ،‬أي‪ :‬وجب عليه اخللود قال‪ :‬مث تال هذه اآلية‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪ ‬ق ال‪ :‬وه ذا املق ام احملم ود ال ذي‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪‬‬

‫وعده نبيكم‪. ،‬‬


‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.79 :‬‬

‫‪115‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حجاج بن منهال من شيوخ البخاري‪ ،‬وهذا احلديث معلق‪ ،‬لكنه موصول من رواية أيب‬
‫زي د املروزي‪ ،‬ووص له اإلمساعيلي ومجاع ة‪ ،‬ورواه مس لم‪ ،‬وهن ا علق ه البخ اري الحتم ال أن ه‬
‫مسعه باملذاكرة‪ ،‬أو عن طريق العرض واملناولة‪ ،‬واحلديث على كل حال ثابت‪.‬‬
‫قوله‪( :‬حىت َيُهّم وا)‪ :‬ضبطت (حىت َيُهّم وا)‪ :‬بفتح الياء وضم اهلاء وتشديد امليم‪ ،‬كما يف‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬أي‪ :‬يعتنوا بسؤال الشفاعة‪ ،‬وإزالة الكرب عنهم‪ ،‬وضبطت (حىت َيِه ّم وا)‪ :‬بفتح‬
‫الياء وكسر اهلاء‪ ،‬وضبطت (حىت ُيِه موا)‪ :‬بضم الياء‪ ،‬وكسر اهلاء‪ ،‬أي‪ :‬يصيبهم اهلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬حيبس املؤمنون)‪ :‬املعلوم أن املؤمنني والكفار حيبسون يف هذا املوقف العظيم‪ ،‬لكن‬
‫مساه حبًس ا للمؤمنني‪ ،‬حىت يهتموا‪ ،‬ويسألوا من يشفع هلم عند اهلل‪ ،‬وهو على الكفار شديد‬
‫كما قال تعاىل‪            :‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪    ‬‬

‫قول ه‪( :‬أنت آدم أب و الن اس خلق ك اهلل بي ده‪ ....‬وعلم ك أمساء ك ل ش يء)‪ :‬ويف لف ظ‬
‫(ونفخ في ك من روح ه)‪ .‬وه ذه كله ا م ربرات ذكروه ا لطلب الش فاعة من آدم ‪-‬علي ه‬
‫السالم‪ -‬وهذه كلها خصائص له‪ ،‬عليه السالم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ويذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬أكله من الشجرة)‪ :‬آدم ‪-‬عليه السالم‪ -‬يعتذر ألجل‬
‫(‪ )2‬فكي ف مبن علي ه ذن وب‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫ذنب واح د فعل ه وت اب من ه‬
‫كثرية‪ ،‬ومل يتب منها!‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ولكن ائتوا نوًح ا أول نيب بعثه اهلل إىل أهل األرض)‪ :‬هذا صريح يف أن نوًح ا هو‬
‫أول رسول بعثه اهلل إىل أهل األرض عموًم ا؛ ألن آدم مل يبعث إال لبنيه خاصة‪ ،‬ومل يوجد‬
‫الشرك يف زمنه‪ ،‬فهو نيب بعث إىل بنيه‪ ،‬أما نوح فبعث إىل بنيه وإىل غري بنيه‪ ،‬وبعث بعد‬
‫وقوع الشرك‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة المدثر آية ‪.10-8 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة طه آية ‪.122 :‬‬

‫‪116‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫والفرق بني الن يب والرسول‪ :‬أن الن يب هو الذي ينبأ يف نفسه‪ ،‬ويأتيه الوحي يف مسائل‬
‫خاصة مبا يتعلق باملؤمنني‪ ،‬أما الرسول فإنه يرسل على قوم كفار يؤمن به بعضهم‪ ،‬ويكفر‬
‫به بعضهم هذا هو الصحيح يف هذه املسألة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‪( :‬سؤاله ربه بغري علم)‪ :‬قال اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬عن نوح‪:‬‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪       ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ )2( ‬فسؤاله ما ليس له‬ ‫‪          ‬‬

‫به علم‪ ،‬هو سؤاله لربه جناة ابنه‪ ،‬ويف الرواية األخرى يعتذر بأن خطيئته هي دعوته على‬
‫أهل األرض‪ ،‬حينما دعا عليهم‪ ،‬فأغرقهم اهلل ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وي ذكر ثالث ك ذبات ك ذهبن)‪ :‬ه ذه الك ذبات جيادل هبا عن دين اهلل‪ ،‬يف اللف ظ‬
‫منه ا أن ه ملا كس ر األص نام جع ل الف أس على الص نم‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اثن تني يف ذات اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫اآلخ ر‬
‫الكب ري‪ ،‬فلم ا س ألوه‪ :‬من فع ل؟ ه ذا ق ال‪ :‬كب ريهم‪ .‬وه و ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬يري دهم أن يت أملوا‪،‬‬
‫ويراجعوا أنفسهم حىت يعلموا أن هذه األصنام ال تنفع وال تضر؛ ألهنا لو كانت كذلك‬
‫لدفعت الضر عن نفسها‪ ،‬وهي تورية يف الواقع وليست كذًبا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫والكذبة الثانية‪ :‬ملا ذهبوا إىل احتفاهلم‪ ،‬وقالوا له‪ :‬اذهب معنا قال‪ :‬إين سقيم‬
‫(‪ )3‬ي ريهم هبذا أن النج وم ال تنف ع وال‬ ‫‪        ‬‬

‫تضر‪.‬‬
‫والثالث ة‪ :‬ملا ق ال عن زوجت ه س ارة أهنا أخت ه‪ ،‬وت أول أهنا أخت ه يف اإلس الم‪ ،‬وه ذا من‬
‫باب التورية‪ ،‬قال‪ :‬العلماء أنه قال للملك الظامل‪ :‬إهنا أخته حىت ال يغار؛ ألنه لو قال‪ :‬إهنا‬
‫وهي كلها تورية‪ .‬ومع‬ ‫‪‬‬ ‫زوجته لقتلوه‪ .‬وهذه الثالثة جعلها خاصة به‪ ،‬واثنتني يف ذات اهلل‬
‫ذلك يعتذر ‪-‬عليه السالم‪ -‬ألن املوقف يف ذلك اليوم عصيب‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة هود آية ‪.45 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة هود آية ‪.46 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الصافات آية ‪.89-88 :‬‬

‫‪117‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ويف احلديث اآلخ ر‪  :‬أن ك ل ن يب يق ول‪ :‬إن ريب غض ب الي وم غض ًبا مل يغض ب قبل ه‬
‫مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬نفسي نفسي‪ ،‬اذهبوا إىل غريي ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ائتوا موسى‪ ،‬عب ًد ا آتاه اهلل التوراة‪ ،‬وكلمه وقربه جنًّي ا)‪ :‬هذه خصائص ملوسى ‪-‬‬
‫عليه السالم‪ -‬ومع ذلك يعتذر‪ .‬وقد خط اهلل التوراة بيده ملوسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬ويف اللفظ‬
‫يف قص ة احتج اج آدم وموس ى‪ .‬وكلم ه اهلل من دون‬ ‫‪‬‬ ‫اآلخ ر‪  :‬وخ ط ل ك الت وراة بي ده‬
‫واسطة‪ ،‬وقربه جنًّيا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ولكن ائت وا عيس ى عب د اهلل ورس وله‪ ،‬وروح اهلل وكلمت ه)‪ :‬ه ذا وص ف عيس ى ‪-‬‬
‫عليه السالم‪،-‬عبد اهلل ورسوله‪ ،‬ال كما تقوله النصارى‪ :‬إنه ابن اهلل‪ ،‬أو ثالث ثالثة‪ ،‬تعاىل‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫اهلل عن ذلك عل ًّو ا كب ًريا‪ ،‬وهذا القول ُكْف ٌر ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫وق ال ‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ )2(    ‬فه و عب د وليس إًهلا‪ ،‬وال ابن لإلل ه‬
‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )3(    ‬فهو عبد هلل خلقه اهلل كسائر خلقه‪ ،‬خلقه اهلل من أنثى بال‬ ‫‪‬‬

‫ذكر‪ ،‬من النفخة اليت نفخ فيها جربيل ‪-‬عليه السالم‪ -‬يف جيب درع مرمي‪ ،‬فحملت بإذن‬
‫اهلل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وروح اهلل)‪ :‬أي‪ :‬روح من األرواح اليت خلقها سبحانه‪ ،‬وأضيف إىل اهلل من باب‬
‫التش ريف والتك رمي‪ .‬قول ه‪( :‬وكلمت ه)‪ :‬أي‪ :‬أن ه خمل وق بالكلم ة‪ ،‬بكلم ة (كن) ق ال اهلل ل ه‪ :‬كن‬
‫‪‬‬ ‫‪           ‬‬ ‫فكان‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )4( ‬فه و خمل وق بالكلم ة‪ ،‬وليس ه و الكلم ة كم ا تقول ه‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.73 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المائدة آية ‪.17 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الجن آية ‪.3 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة آل عمران آية ‪.59 :‬‬

‫‪118‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫النص ارى؛ ألن النص ارى يقول ون‪ :‬ه و نفس الكلم ة‪ ،‬فجعل وه ج زًءا من اهلل‪ ،‬تع اىل اهلل عم ا‬
‫يقولون‪ ،‬فهذا كفر‪ ،‬ومل يذكر عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬ذنًبا‪.‬‬
‫وجاء يف حديث آخر أنه قال‪  :‬إين اختذت أنا وأمي إهلني من دون اهلل ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فأستأذن على ريب يف داره)‪ :‬أي يف مكانه‪ ،‬وهو فوق العرش ‪-‬سبحانه وتعاىل‪،-‬‬
‫وهذا شديد على أهل البدع‪ ،‬وهو إثبات املكان‪ ،‬فأهل البدع ال يثبتون املكان‪ ،‬ويتأولون‬
‫هذا‪ ،‬فيعتقدون أن إثبات املكان‪ ...‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف العلو‪ ...‬أن هذا جتسيًم ا وحتيًز ا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيقول‪ :‬ارفع حممد رأسك‪ ،‬وقل يسمع‪ ،‬واشفع تشفع‪ ،‬وسل تعطه)‪ :‬هذا فيه أن‬
‫إمنا يش فع بع د اإلذن‪ ،‬وال يب دأ ‪-‬أوال‪-‬من غ ري إذن‪ ،‬فقول ه‪( :‬ارف ع رأس ك‪ ،‬وق ل‬ ‫‪‬‬ ‫الن يب‬
‫يسمع‪ ،‬واشفع تشفع) هذا هو اإلذن‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيح ّد اهلل يل حًّدا) يكون ذلك بالعالمة بأن جيعل اهلل له عالمة‪ ،‬خيرج من كذا‬
‫إىل ك ذا‪ ،‬في ذهب فيخ رجهم من الن ار‪ .‬فالش فاعة من اهلل وإىل اهلل‪ ،‬لكن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يك رم‬
‫أنه ال يشفع إال بعد إذن‬ ‫‪‬‬ ‫الشافع هبذه الشفاعة؛ لينال الفضل‪ ،‬وإذا كان هذا يف حممد‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫اهلل‪ ،‬فغريه من باب أوىل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫(‪ )1‬كما ال يشفع إال ملن ارتضى اهلل عمله‪ ،‬وهو املوحد‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬فال بد للشفاعة من هذين الشرطني‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ - 1‬إذن اهلل للشافع أن يشفع‪.‬‬


‫‪ - 2‬رضاه عن املشفوع له‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪ -‬يف آية أخرى جامًع ا بني الشرطني‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪              ‬‬

‫واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ال يرضى إال عن املوحد‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنبياء آية ‪.28 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النجم آية ‪.26 :‬‬

‫‪119‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائدة‪:‬‬
‫هن ا استش كال‪ :‬وه و أن ه عن د ذك ر الش فاعة العظمى‪ ،‬ت ذكر يف بعض املواض ع من غ ري‬
‫تفصيل‪ ،‬مث تذكر بعدها الشفاعة يف إخراج عصاة املوحدين مفصلة؟‬
‫أج اب العلم اء عن ه ذا االستش كال‪ ،‬كش ارح الطحاوي ة وغ ريه‪ ،‬فك ان مما ذك روا‪ :‬أن‬
‫الش فاعة العظمى معروف ة‪ ،‬مث إن الش فاعة العظمى ُيق ّر هبا أه ل الب دع ك اخلوارج واملعتزل ة‪،‬‬
‫وينكرون الشفاعة يف عصاة املوحدين‪ .‬فالعلماء قصدهم يف هذا الرد على اخلوارج واملعتزلة‪،‬‬
‫الذين أنكروا الشفاعة يف العصاة‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬إن من دخل النار ال خيرج منها‪.‬‬
‫فالعلماء يرتكون التفصيل يف ذكر الشفاعة العظمى؛ ألنه متفق عليها؛ وذلك ألن مجيع‬
‫أهل البدع يقرون هبا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ح ىت م ا يبقى يف الن ار‪ ،‬إال من حبس ه الق رآن أي‪ :‬وجب علي ه اخلل ود)‪ :‬وهم‬
‫‪‬‬ ‫الكفار الذين أخرب اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف القرآن الكرمي أهنم خملدون يف النار‪ ،‬وهذا قاله النيب‬
‫على حس ب علم ه‪ ،‬وإال فق د ورد أن ه يبقى بقي ة بع د ش فاعة األنبي اء واألف راط واملالئك ة‪،‬‬
‫برمحته من غري شفاعة أحد من خلقه؛ لقوله ‪-‬تعاىل‪ -‬يف احلديث القدسي‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫خيرجهم اهلل‬
‫(بقيت ش فاعيت‪ ،‬فيقبض قبض ة من الن ار‪ ،‬مل يعمل وا خ ًريا ق ط‪ ،‬فيخ رجهم برمحت ه) وفي ه أن‬
‫النيب ‪ ‬شفع ثالث شفاعات‪ ،‬ويف احلديث اآلخر‪ :‬أنه يشفع أربع شفاعات‪.‬‬
‫‪ :)1( ‬ق ال‪ :‬وه ذا ه و املق ام‬ ‫‪       ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫واملقام احملمود هو الشفاعة العظمى يف أهل‬ ‫‪‬‬ ‫احملمود الذي وعده نبيكم‪ :‬والقائل هو أنس‬
‫املوق ف‪ ،‬يغبط ه فيه ا األول ون واآلخ رون‪ ،‬وه ذا ه و املع روف يف األح اديث الص حيحة‪ .‬وق ال‬
‫بعض العلماء عن املقام احملمود‪ :‬هو أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقعده معه على العرش‪ ،‬وجاء يف هذا‬
‫آث ار ت دل على ذل ك‪ ،‬ويف ه ذا خمطوط ة كامل ة تأملته ا وقرأهتا كله ا‪ ،‬فوج دهتا كله ا ت دور‬
‫على جماهد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وهي موقوفة عليه‪ ،‬ومثل هذا ال يكفي يف ثبوت هذا‪ ،‬وذكر هذا‬

‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.79 :‬‬

‫‪120‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫شيخ اإلسالم ابن تيمية يف جمموع الفتاوى وغريه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه يف مسند أمحد‪ ،‬ومن املعروف‬
‫أن جماه ًد ا من أئم ة الت ابعني‪ ،‬وق د يق ال‪ :‬إن ه ال ب د أن يك ون أخ ذ ه ذا عن غ ريه من‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫وشيخ اإلسالم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬نقل عنه بعض الشراح (ومل أقف على كالمه) أن هذا هو‬
‫قول أهل السنة‪ ،‬وأنه مل ينكر ذلك إال اجلهمية‪ .‬وإذا ثبت هذا‪ :‬فيكون املقام احملمود شيئان‪:‬‬
‫الش فاعة العظمى‪ ،‬والقع ود على الع رش‪ ،‬وإال فاألص ل أن املق ام احملمود ه و الش فاعة العظمى‬
‫يف أه ل املوق ف‪ ،‬ح ىت يقض ى بينهم كم ا يف األح اديث الص حيحة‪ .‬وعلى ك ل ح ال‪ :‬حيت اج‬
‫كالم شيخ اإلسالم إىل مراجعة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فأخرج فأخرجهم من النار) أي‪ :‬أخرج من عند ريب من حتت العرش‪ ،‬وأذهب إىل‬
‫النار‪ ،‬فأخرجهم منها‪.‬‬
‫حديث‪" :‬اصبروا حتى تلقوا اهلل ورسوله"‬
‫‪ - 7441‬حدثنا عبيد اهلل بن سعد بن إبراهيم‪ ،‬حدثين عمي‪ ،‬حدثنا أيب‪ ،‬عن صاحل‪ ،‬عن ابن شهاب‬
‫أرسل إىل األنصار‪ ،‬فجمعهم يف قبة وقال هلم‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬حدثين أنس بن مالك‪  :‬أن رسول اهلل‬
‫اصربوا حىت تلقوا اهلل ورسوله‪ ،‬فإين على احلوض ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬اصربوا حىت تلقوا اهلل‪ ).......‬هذا هو الشاهد‪ ،‬فيه إثبات اللقاء؛ ألنه ال بد لكل‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫كم ا ق ال اهلل تع اىل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫إنس ان من لق اء اهلل‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬إنك تسعى يف الدنيا‪ ،‬وتعمل فمالٍق ربك‪ ،‬أو مالٍق‬ ‫‪   ‬‬

‫سعيك؛ ألن اللقاء يكون معه رؤية بالنسبة للمؤمنني‪.‬‬


‫ولقاء اهلل نوعان‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة النشقاق آية ‪.6 :‬‬

‫‪121‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 1‬نوع كامل‪ :‬وهو لقاء اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬للمؤمنني لقاء يف البعث والنشور‪ ،‬وعند جمازاهتم‬
‫على أعماهلم وتكليمه ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬إياهم ورؤيتهم إياه‪ ،‬هذا هو اللقاء الكامل‪.‬‬
‫‪ - 2‬الن وع الث اين‪ :‬لق اء اهلل لغ ري املؤم نني‪ ،‬وه و لق اء ب البعث والنش ور‪ ،‬وحماس بتهم‪،‬‬
‫وجزاؤهم على أعماهلم‪ ،‬وتكليمهم تكليم غضب من وراء حجاب وليس فيه رؤية كما قال‬
‫‪. ) 1( ‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫حديث‪" :‬اهلل ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات واألرض"‬
‫‪ - 7442‬حدثين ثابت بن حممد‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن سليمان األحول‪ ،‬عن طاوس‪،‬‬
‫إذا هتج د من اللي ل ق ال‪ :‬اهلل ربن ا ل ك‬ ‫‪‬‬ ‫عن ابن عب اس ‪-‬رضي اهلل عنهم ا‪ -‬ق ال‪  :‬ك ان الن يب‬
‫احلم د أنت قيم الس ماوات واألرض‪ ،‬ول ك احلم د أنت رب الس ماوات واألرض ومن فيهن‪،‬‬
‫ول ك احلم د أنت ن ور الس ماوات واألرض ومن فيهن‪ ،‬أنت احلق‪ ،‬وقول ك احلق‪ ،‬ووع دك‬
‫احلق‪ ،‬ولقاؤك احلق‪ ،‬واجلنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬والساعة حق‪ ،‬اهلل لك أسلمت‪ ،‬وبك آمنت‪،‬‬
‫وعلي ك ت وكلت‪ ،‬وإلي ك خاص مت‪ ،‬وب ك ح اكمت‪ ،‬ف اغفر يل م ا ق دمت وم ا أخ رت‪،‬‬
‫قال أبو عبد اهلل‪ ،‬قال قيس‬ ‫‪‬‬ ‫وأسررت وأعلنت‪ ،‬وما أنت أعلم به مين‪ ،‬ال إله إال أنت‬
‫بن سعد‪ ،‬وأبو الزبري‪ ،‬عن طاوس قيام وقال جماهد‪( :‬القي وم)‪ :‬القائم على كل شيء‪ ،‬وقرأ‬
‫عمر القيام‪ ،‬وكالمها مدح‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة المطففين آية ‪.15 :‬‬

‫‪122‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ث ابت بن حمم د من كب ار ش يوخ البخ اري‪ ،‬ق ال في ه احلاف ظ ابن حج ر يف التق ريب‬
‫(ص دوق يهم)‪ :‬لكن احلديث ل ه ش واهد‪ ،‬وه و ث ابت س اقه املؤل ف عن ه وعن غ ريه‪ ،‬س اقه‬
‫املؤلف يف كتاب التهجد‪ ،‬وساقه مسلم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف صالة الليل؛ فلهذا أثبته املؤلف‪.‬‬
‫يستفتح به‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬أنت قيم السماوات واألرض)‪ :‬هذا من دعاء االستفتاح كان النيب‬
‫يف اللي ل‪( .‬أنت قيم‪ )...‬ويف لف ظ (أنت قي وم) ويف لف ظ (أنت قي ام) كله ا ج اءت هبا‬
‫األحاديث‪ .‬وزاد النووي يف شرح مسلم لفظة رابعة‪ ،‬وهي (قائم)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬لك احلمد أنت قيم السماوات واألرض‪ :)....‬كل هذا من االستفتاحات العظيمة‪،‬‬
‫بقيوميته وربوبيته‪ ،‬وأنه نور السماوات واألرض‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫باهلل‬ ‫‪‬‬ ‫حيث توسل‬
‫قوله‪( :‬ولقاؤك حق)‪ :‬هذا هو الشاهد من احلديث؛ ألن اللقاء يكون معه رؤية للمؤمنني؛‬
‫وألن املؤلف ذكره يف معرض ذكره ألحاديث رؤية املؤمنني لرهبم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫قوله‪( :‬وقال جماهد‪ :‬القيوم القائم على كل شيء)‪ :‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪   ‬‬

‫حديث‪" :‬ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه"‬


‫‪ - 7443‬حدثنا يوسف بن موسى‪ ،‬حدثنا أبو أسامة‪ ،‬حدثين األعمش‪ ،‬عن خيثمة‪ ،‬عن عدي بن‬
‫ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه‪ ،‬ليس بينه وبينه ترمجان‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫حامت قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫وال حجاب حيجبه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث في ه أن ك ل إنس ان س يكلمه رب ه‪ ،‬ليس بين ه حج اب وال ترمجان‪ ،‬وفي ه‬
‫إثب ات الرؤي ة للمؤم نني‪ ،‬ف املؤمنون ي رون رهبم‪ ،‬ويكلمهم‪ ،‬وقول ه‪( :‬وال حج اب حيجب ه‪ ،‬أي‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الرعد آية ‪.33 :‬‬

‫‪123‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ليس هن اك ح اجب‪ ،‬فعلى ه ذا ي رى رب ه ب دون حج اب؛ ألن ه ‪-‬س بحانه‪ -‬يكش ف ل ه‬


‫احلجاب)‪.‬‬
‫وأخطأ من ق ال‪ :‬إن احلجاب هن ا مبع ىن رفع ه ‪-‬سبحانه‪ -‬اآلفة عن أبصار املؤمنني‪ .‬وه ذا‬
‫‪‬‬ ‫من العجب‪ ،‬فكي ف يق ال‪ :‬إن املراد باحلج اب (إزال ة اآلف ة عن أبص ار املؤم نني‪ ،‬والرس ول‬
‫وه و أعلم برب ه يق ول‪( :‬وم ا بني الق وم وبني أن ينظ روا إىل رهبم‪ ،‬إال رداء الكربي اء على‬
‫وجهه)‪.‬‬
‫قول ه (َترمُج ان)‪ :‬رويت (َترمَج ان) بفتح الت اء واجليم‪ ،‬ورويت (ُترمُج ان) بض م الت اء واجليم‪،‬‬
‫ورويت (َترمُج ان) بفتح الت اء وض م اجليم ثالث رواي ات‪ ،‬وبعض هم زاد رواي ة رابع ة (ُترمَج ان)‬
‫بضم التاء وفتح اجليم‪ ،‬ولكنها حتتاج إىل تأمل‪ ،‬والرتمجان هو الواسطة الذي يعرب عن غريه‪،‬‬
‫ويطلق على الشخص الذي ينقل الكالم من لغة إىل لغة‪ ،‬يقال له‪ :‬ترمجان‪ ،‬ومن ذلك ابن‬
‫كان له يف جملس حديثه ترمجان يبلغ عنه؛ ألن العدد كبري‪ .‬فاحلديث ‪-‬كما ذكر‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫عباس‬
‫فيه إثبات رؤية املؤمنني لرهبم؛ ألن كشف احلجاب هلم‪ ،‬يدل على رؤيتهم لرهبم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما"‬
‫‪ - 7444‬حدثنا علي بن عبد اهلل‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد‪ ،‬عن أيب عمران‪ ،‬عن أيب بكر‬
‫ق ال‪  :‬جنت ان من فض ة آنيتهم ا وم ا فيهم ا‪ ،‬وجنت ان‬ ‫بن عب د اهلل بن قيس‪ ،‬عن أبي ه‪ ،‬عن الن يب ‪‬‬
‫من ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بني القوم وبني أن ينظروا إىل رهبم‪ ،‬إال رداء الكرب على‬
‫وجهه يف جنة عدن ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫لقول ه‪( :‬وم ا بني الق وم وبني أن ينظ روا إىل رهبم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫احلديث في ه إثب ات النظ ر إىل اهلل‬
‫إال رداء الكربياء على وجهه‪ )...‬وفيه إثبات رداء الكربياء هلل ‪-‬عز وجل‪-‬؛ لقوله (إال رداء‬
‫الكربي اء) وه و ص فة من ص فاته‪ ،‬كم ا يلي ق جبالل اهلل وعظمت ه‪ ،‬خالًف ا أله ل الب دع ال ذين‬

‫‪124‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أنك روا ه ذا‪ ،‬ويف احلديث اآلخ ر‪  :‬الكربي اء ردائي‪ ،‬والعظم ة إزاري‪ ،‬فمن ن ازعين واح ًد ا‬
‫فالعظمة إزار اهلل‪ ،‬والكربياء رداؤه‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫منهما عذبته‬
‫وأخط أ الَعْيّيِن ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ملا ق ال‪( :‬إن ه ذا احلديث من املتش اهبات‪ ،‬إذ ال رداء حقيق ة‪،‬‬
‫وال وج ه) فه ذا خط أ والص واب أن احلديث من الواض حات‪ ،‬وه و رداء حقيقي‪ ،‬ووج ه‬
‫حقيقي‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائدة‪:‬‬
‫لقاء املؤمنني لرهبم لقاء معه نظر‪ ،‬والكفار فيهم اخلالف‪.‬‬
‫حديث‪" :‬من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة"‬
‫‪ - 7445‬حدثنا احلميدي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬حدثنا عبد امللك بن أعني‪ ،‬وجامع بن أيب راشد‪ ،‬عن أيب‬
‫من اقتطع مال امرئ مسلم بيمني‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وائل‪ ،‬عن عبد اهلل ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫مصداقه من كتاب‬ ‫‪‬‬ ‫كاذبة‪ ،‬لقي اهلل‪ ،‬وهو عليه غضبان‪ ،‬قال عبد اهلل‪ :‬مث قرأ رسول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫اهلل‪ ،‬ج ل ذك ره‪:‬‬
‫‪ )1( ‬اآلية ‪.‬‬ ‫‪        ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫احلديث فيه إثبات رؤية املؤمنني لرهبم؛ ألن اللقاء يكون معه نظر‪ ،‬والشاهد قوله‪( :‬لقي‬
‫اهلل‪ ،‬وه و علي ه غض بان)‪ .‬وفي ه إثب ات الغض ب هلل‪ . ،‬وه و من الص فات الفعلي ة ال يت تتعل ق‬
‫باملشيئة واالختيار‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬من اقتط ع ميني ام رئ مس لم بيمني كاذب ة)‪ :‬املقص ود أن ه كأن ه اش رتى ه ذا املال‬
‫بيمينه‪ ،‬وهي اليمني الغموس‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم القيامة"‬
‫‪ - 7446‬حدثنا عب د اهلل بن حممد‪ ،‬حدثنا س فيان‪ ،‬عن عم رو‪ ،‬عن أيب صاحل‪ ،‬عن أيب هري رة‪ ،‬عن‬
‫ق ال‪  :‬ثالث ة ال يكلمهم اهلل ي وم القيام ة‪ ،‬وال ينظ ر إليهم‪ :‬رج ل حل ف على س لعة‪،‬‬ ‫الن يب ‪‬‬
‫لق د أعطى هبا أك ثر مما أعطى‪ ،‬وه و ك اذب‪ ،‬ورج ل حل ف على ميني كاذب ة بع د العص ر؛‬
‫ليقتط ع هبا م ال ام رئ مس لم‪ ،‬ورج ل من ع فض ل م اء‪ ،‬فيق ول اهلل ي وم القيام ة‪ :‬الي وم أمنع ك‬
‫فضلي‪ ،‬كما منعت فضل ما مل تعمل يداك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.77 :‬‬

‫‪126‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وه و الش اهد من احلديث‪ .‬ف املؤمنون‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬وال ينظ ر إليهم) في ه إثب ات النظ ر هلل‬
‫ينظرون إىل اهلل‪ ،‬وهؤالء ال ينظر اهلل إليهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬لقد أعطى هبا) أي‪ :‬اشرتاها‪ .‬قوله‪( :‬أكثر مما أعطى‪ ،‬وهو كاذب) بفتح األلف‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أك ثر أعط اه املش رتي الث اين‪ ،‬وُر وي بض م األل ف‪ ،‬فيك ون املع ىن أهنا مسيت من ه أك ثر مما‬
‫أعطي‪ :‬أي أكثر مما سامها الثاين‪ ،‬وهو كاذب‪ .‬قوله‪( :‬بعد العصر)‪ :‬هذا الشخص ختم هناره‬
‫باحللف الكاذب‪ ،‬والواجب أن خيتمه بالتسبيح‪ .‬قوله‪( :‬ورجل منع فضل ماء)‪ :‬يف حديث آخر‬
‫(مين ع ابن الس بيل)‪ :‬فه ذا عن ده م اء زائ د فاض ل عن حاجت ه‪ ،‬وم ع ذل ك مينع ه‪ .‬قول ه‪( :‬الي وم‬
‫أمنع ك فض لي)‪ :‬ه ذا ليس في ه تقيي د ب ابن الس بيل‪ .‬وظ اهره العم وم‪ ،‬ح ىت وإن مل يكن يف‬
‫الربية‪ ،‬بل حىت لو كان يف البلد‪ ،‬فال مينع ما حيتاجه احملتاج من فضل املاء‪ ،‬سواء كان‬
‫من مياه العيون‪ ،‬أو من مياه القنوات واآلبار‪ .‬أما من أراد أن يأخذ املاء منك ليبيعه‪ ،‬فال‬
‫بأس من منعه‪.‬‬
‫حديث‪" :‬الزمان قد استدار كهيئته"‬
‫‪ -7447‬حدثنا حممد بن املثىن‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب‪ ،‬حدثنا أيوب‪ ،‬عن حممد‪ ،‬عن ابن أيب بكرة عن‬
‫قال‪  :‬الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اهلل السماوات واألرض‪ ،‬السنة‬ ‫أيب بكرة عن النيب ‪‬‬
‫اثن ا عش ر ش هًر ا‪ :‬منه ا أربع ة ح رم‪ ،‬ثالث متوالي ات‪ :‬ذو القع دة‪ ،‬وذو احلج ة‪ ،‬واحملرم ورجب‬
‫مضر‪ ،‬الذي بني مُج ادى وشعبان‪ ،‬أُّي شهٍر هذا؟ قلنا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬فسكت حىت ظننا‬
‫أنه يسميه بغري امسه‪ ،‬قال‪ :‬أليس ذا احلجة‪ ،‬قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أُّي بلد هذا؟ قلنا‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫أعلم‪ ،‬فسكت حىت ظننا أنه سيسميه بغري امسه‪ ،‬قال‪ :‬أليس البلدة؟ قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فأُّي يوم‬
‫ه ذا؟ قلن ا‪ :‬اهلل ورس وله أعلم‪ ،‬فس كت ح ىت ظنن ا أن ه سيس ميه بغ ري امسه‪ ،‬ق ال‪ :‬أليس ي وم‬
‫النح ر؟ قلن ا‪ :‬بلى‪ ،‬ق ال‪ :‬ف إن دم اءكم وأم والكم‪ ،‬ق ال حمم د‪ :‬وأحس به ق ال‪ :‬وأعراض كم عليكم‬
‫حرام كحرمة يومكم‪ ،‬هذا يف بلدكم هذا‪ ،‬يف شهركم هذا‪ ،‬وستلقون ربكم‪ ،‬فيسألكم عن‬

‫‪127‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أعم الكم‪ ،‬أال فال ترجع وا بع دي ض الال يض رب بعض كم رق اب بعض‪ ،‬أال ليبل غ الش اهد‬
‫الغائب‪ ،‬فلعل بعض من يبلغه‪ ،‬أن يكون أوعى له من بعض من مسعه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬الزم ان ق د اس تدار كهيئت ه ي وم خل ق الس ماوات واألرض)‪ :‬ك ان أه ل اجلاهلي ة‬
‫يلخبط ون يف األش هر‪ ،‬وك انوا إذا احت اجوا للقت ال يف احملرم ق دموا ص فًر ا على احملرم؛ ألن‬
‫هناك ثالثة أشهر حمرمة متوالية‪ ،‬فيشق عليهم فيها اإلمساك عن القتال؛ فلذلك قدموا بعض‬
‫أن الزم ان ق د اس تدار ورج ع كم ا ش اء‬ ‫‪‬‬ ‫األش هر على بعض‪ ،‬فلخبط وا يف األش هر‪ ،‬ف بني‬
‫اهلل‪ ،‬وذلك يف حجة الوداع‪.‬‬
‫هذه األسئلة الثالثة عن البلد احملرم‪ ،‬والشهر احملرم‪ ،‬واليوم احملرم لبيان‬ ‫‪‬‬ ‫وسؤال الرسول‬
‫هلذه احلرمات الثالث‪ ،‬وهي الدماء واألموال واألعراض‪ .‬قوله‪( :‬وستلقون ربكم‬ ‫‪‬‬ ‫تعظيم اهلل‬
‫فيس ألكم)‪ :‬ه ذا ه و الش اهد من احلديث‪ ،‬ففي ه إثب ات اللق اء هلل تع اىل‪ ،‬واللق اء يك ون مع ه‬
‫نظر‪.‬‬
‫باب ما جاء في قول اهلل‪ِ" :‬إَّن َر ْح َم َة الَّلِه َقِر يٌب ِم َن اْلُم ْح ِس ِنيَن "‬
‫حديث‪" :‬إنما يرحم اهلل من عباده الرحماء"‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪ - 25‬باب ما جاء يف قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪) 1‬‬

‫‪- 7448‬حدثنا موسى بن إمساعيل‪ ،‬حدثنا عبد الواحد‪ ،‬حدثنا عاصم‪ ،‬عن أيب عثمان‪،‬‬
‫يقضي‪ ،‬فأرسلت إليه أن يأتيها‪ ،‬فأرسل إن‬ ‫‪‬‬ ‫عن أسامة قال‪  :‬كان ابن لبعض بنات النيب‬
‫هلل م ا أخ ذ ول ه م ا أعطى‪ ،‬وك ل إىل أج ل مس مى‪ ،‬فلتص رب‪ ،‬ولتحتس ب‪ ،‬فأرس لت إلي ه‪،‬‬
‫وقمت مع ه‪ ،‬ومع اذ بن جب ل‪ ،‬وأيب بن كعب‪ ،‬وعب ادة‬ ‫‪‬‬ ‫فأقس مت علي ه‪ ،‬فق ام رس ول اهلل‬
‫الصيب ونفسه‪ ،‬تقلقل يف صدره حسبته قال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫بن الصامت‪ ،‬فلما دخلنا ناولوا رسول اهلل‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.56 :‬‬

‫‪128‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فق ال س عد بن عب ادة‪ :‬أتبكي؟ فق ال‪ :‬إمنا ي رحم اهلل من‬ ‫‪‬‬ ‫كأهنا ش نة‪ ،‬فبكى رس ول اهلل‬
‫عباده الرمحاء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬متصف بالرمحة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذه الرتمجة أراد هبا املؤلف إثبات صفة الرمحة هلل‬
‫كم ا يلي ق جبالل ه وعظمت ه كس ائر ص فاته ال تكي ف‪ ،‬فرمحة اهلل ص فة من ص فاته‪ .‬وهي غ ري‬
‫الرمحة املخلوقة‪ ،‬فإن الرمحة رمحتان‪:‬‬
‫‪ - 1‬رمحة هي صفة من صفات اهلل قائمة بذاته تليق جبالله وعظمته‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬إن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬قال‪ ،‬عن اجلنة‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 2‬رمحة خملوقة كما سيأيت يف احلديث أن‬
‫إن هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬مائ ة رمحة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫فه ذه رمحة خملوق ة‪ ،‬وكم ا يف احلديث اآلخ ر‬ ‫‪‬‬ ‫أنت رمحيت‬
‫أنـزل إىل األرض رمحة واحدة فبها يرتاحم اخللق‪ ،‬حىت إن الدابة لرتفع حافرها‪ ،‬عن ولدها‬
‫اليت هي صفة من‬ ‫‪‬‬ ‫وهذه الرمحة املخلوقة هي أثر من آثار رمحة اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫خشية أن تصيبه‬
‫صفاته‪.‬‬
‫بقس مها‪ ،‬وه ذا من حس ن‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬فأقس مْت علي ه)‪ :‬أي‪ :‬حلفت أن يأتيه ا‪ .‬ف رب الن يب‬
‫خلقه‪. ،‬‬
‫وهو صوت حشرجة الروح وخروجها‬ ‫‪‬‬ ‫نفسه تقعقع‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬نفسه تقلقل) ويف لفظ‬
‫من الصدر‪.‬‬
‫قوله‪( :‬إمنا يرحم اهلل من عباده الرمحاء)‪ :‬ويف لفظ (هذه رمحة‪ ،‬وإمنا يرحم اهلل من عباده‬
‫وفيه فضل الرمحة وأن رمحة‬ ‫‪‬‬ ‫الرمحاء) وهذا هو الشاهد من احلديث‪ ،‬ففيه إثبات الرمحة هلل‬
‫اخللق سبب يف رمحة اهلل‪ ،‬لذلك قال‪( :‬إمنا يرحم اهلل من عباده الرمحاء)‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فبكى رس ول اهلل‪ ،‬ص لى اهلل علي ه وس لم)‪ :‬أي‪ :‬بكى ب دمع العني‪ ،‬أي‪ :‬أن ه دمعت‬
‫عيناه‪ .‬وهذا ال بأس به‪ ،‬وال يؤاخذ عليه اإلنسان‪ ،‬وهو ليس من النياحة‪ ،‬وإمنا النياحة ما‬

‫‪129‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يف احلديث اآلخر‪  :‬إن اهلل ال‬ ‫‪‬‬ ‫يكون برفع الصوت والص راخ والعويل؛ لذلك قال الن يب‬
‫يعذب بدمع العني‪ ،‬وال حبزن القلب‪ ،‬وإمنا يعذب هبذا‪ ،‬أو يرحم‪ ،‬أشار إىل لسانه ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬اختصمت الجنة والنار إلى ربهما"‬
‫‪- 7449‬ح دثنا عبي د اهلل بن س عد بن إب راهيم‪ ،‬ح دثنا يعق وب‪ ،‬ح دثنا أيب‪ ،‬عن ص احل بن كيس ان‪،‬‬
‫قال‪  :‬اختصمت اجلنة والنار إىل رهبما‪ :‬فقالت اجلنة‪ :‬يا‬ ‫عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن النيب ‪‬‬
‫رب م ا هلا ال ي دخلها إال ض عفاء الن اس وس قطهم‪ ،‬وق الت الن ار‪ :‬يع ين‪ :‬أوث رت ب املتكربين‪،‬‬
‫فقال اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬للجنة‪ :‬أنت رمحيت‪ ،‬وقال للنار‪ :‬أنت عذايب أصيب بك من أشاء‪ ،‬ولكل‬
‫واحدة منكما ملؤها‪ .‬قال‪ :‬فأما اجلنة فإن اهلل ال يظلم من خلقه أح ًد ا‪ ،‬وإنه ينشئ للنار من‬
‫يشاء‪ ،‬فيلقون فيها‪ ،‬فتقول هل من مزيد‪ ،‬ثالًثا حىت يضع فيها قدمه فتمتلئ‪ ،‬ويرد بعضها‬
‫إىل بعض‪ ،‬وتقول قط قط قط ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه ذكر اختصام اجلنة والنار عند اهلل ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فقالت اجلنة يا‬ ‫‪‬‬ ‫احتجت اجلنة والنار‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬اختصمت اجلنة والنار) ويف لفظ‬
‫رب‪ :‬م ا هلا ال ي دخلها إال ض عفاء الن اس وس قطهم) ويف لف ظ (ض عفاء الن اس ومس اكينهم)‪:‬‬
‫ومع ىن س قطهم‪ ،‬أي‪ :‬من ال يؤب ه هلم ال ذين كس قط املت اع‪ ،‬ليس هلم مكان ة يف اجملتم ع‪،‬‬
‫لكنهم مؤمن ون أتقي اء‪ ،‬واملراد هن ا األغلب أي‪ :‬أن ه أغلب من ي دخلها الض عفاء‪ ،‬وإال ق د‬
‫وعمر وعثمان‬ ‫‪‬‬ ‫يدخلها األشراف كأشراف الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬كأيب بكر الصديق‬
‫وعلي كل هؤالء من األشراف‪ ،‬وليسوا من السقط‪ ،‬ومع ذلك شهد هلم باجلنة‪ ،‬رضي اهلل‬
‫عنهم أمجعني‪.‬‬
‫وهذا‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬وقالت‪ :‬النار يعين‪ :‬أوثرت باملتكربين)‪ :‬ويف رواية‪  :‬يف املتكربون واملتجربون‬
‫‪‬‬ ‫يف األغلب ‪-‬أيض ا‪ -‬أن غ الب من ي دخلها املتك ربون ال ذين يتك ربون‪ ،‬عن توحي د اهلل‬
‫وجحد حق اهلل‪ ،‬وكذلك يدخلها املتجربون الذين يتجربون على عباد اهلل بالظلم والطغيان‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هؤالء من أهل النار‪ ،‬وقد يدخل النار غري املتجربين واملتكربين من أهل الشرك‪ ،‬ولو كانوا‬
‫من الضعفاء‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫فاألتب اع ي دخلون الن ار‪ ،‬وإن مل يكون وا متج ربين وال متك ربين‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬اآلية‪ .‬ويف اآلية األخرى يقول اهلل‬ ‫‪     ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪-‬تع اىل‪ -‬عنهم‪:‬‬
‫‪ )2( ‬فاألتب اع واملتب وعني كلهم يف الن ار‪ ،‬واألتب اع يف الغ الب أهنم غ ري‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫متجربين وغري متكربين‪.‬‬


‫فلما اختصمت اجلنة والنار حكم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بينهما فقال للجنة‪( :‬أنت رمحيت أرحم بك‬
‫من أشاء‪ ،‬وقال للنار‪ :‬أنت عذايب أعذب بك من أشاء)‪.‬‬
‫فك ل واح دة‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ولك ل واح دة منكم ا ملؤه ا)‪ :‬ويف لف ظ‪  :‬ولكليكم ا علّي ملؤه ا‬
‫وعدها اهلل أن متأل‪ ،‬فأما اجلنة فال متتلئ‪ ،‬بل يبقى فيها فضل فينشئ اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هلا خلًق ا‪،‬‬
‫فيدخلهم اجلنة برمحته سبحانه وتعاىل‪ .‬وأما النار فال متتلئ‪ ،‬ولكن يلقى فيها‪ ،‬وهي تقول‪ :‬هل‬
‫من مزيد حىت يضع رب العزة فيها قدمه‪.‬‬
‫ويف لفظ‪  :‬حىت يضع رب العزة فيها رجله‪ ،‬فينـزوي بعضها لبعض‪ ،‬فتقول‪ :‬قط قط قط‬
‫ويف لفظ بسكون الطاء‪ .‬واملعىن حسيب حسيب‪ ،‬أو يكفي يكفي‪ .‬ففيه إثبات القدم والرجل‬ ‫‪‬‬

‫هلل ‪ ‬كما يليق جبالل اهلل وعظمته‪ ،‬خالًفا ألهل البدع الذين أنكروا القدم والرجل وبالغوا‬
‫يف اإلنك ار‪ ،‬فأولوه ا وق الوا‪ :‬إن مع ىن قول ه‪( :‬ح ىت يض ع رب الع زة فيه ا قدم ه)‪ :‬ق الوا مع ىن‬
‫القدم هنا أي‪ :‬مجاعة من الناس متقدمون يسمون القدم‪ ،‬وكذلك الرجل‪ ،‬تطلق على مجاعة‬
‫من الناس يقال هلم‪ :‬الرجل‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬إن هذا من املتشاهبات‪ ،‬واحلكم فيه إما بالتأويل‬
‫وإما بالتفويض‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.166 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األحزاب آية ‪.67 :‬‬

‫‪131‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وس بب ق وهلم ه ذا أهنم ال يتحمل ون إثب ات الص فات وال يطيقوهنا‪ ،‬فهي ش جن‪ +‬يف‬
‫حلوقهم‪ ،‬أما أهل السنة واجلماعة‪ ،‬فأعطاهم اهلل البصرية والطمأنينة وانشراح الصدر‪ ،‬ونور‬
‫كم ا يلي ق جبالل اهلل وعظمت ه واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ال يض ره أح د من‬ ‫‪‬‬ ‫بص ائرهم‪ ،‬فأثبتوه ا هلل‬
‫خلقه‪ ،‬والنار من خلقه‪ ،‬ومع ذلك فال يضره أحد من خلقه سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فنؤمن أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يضع فيها قدمه على الكيفية اليت يعلمها اهلل‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وأم ا الن ار فينش ئ هلا خلًق ا)‪ :‬فه ذا وهم وانقالب من بعض ال رواة‪ ،‬عن د احملققني‬
‫كشيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬من كمال عدله ال يعذب أح ًد ا من‬
‫غري ذنب‪ .‬والصواب‪( :‬فأما اجلنة فينشئ اهلل هلا خلًق ا‪.)...‬‬
‫ح ىت ال‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذا مما ينتق د على الص حيحني‪ .‬ومثل ه احلديث ال ذي رواه مس لم‪ ،‬رمحه اهلل‬
‫ح ىت ال تعلم مشاله م ا‬ ‫‪‬‬ ‫ف انقلب على بعض ال رواة‪ ،‬والص واب‬ ‫‪‬‬ ‫تعلم ميين ه م ا تنف ق مشاله‬
‫يف اجلن ة‪( :‬أنت رمحيت أرحم ب ك من‬ ‫‪‬‬ ‫والش اهد من احلديث ق ول الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫تنف ق ميين ه‬
‫أشاء)‪.‬‬
‫ال يت هي ص فة‬ ‫‪‬‬ ‫فقول ه‪( :‬أنت رمحيت) أي‪ :‬الرمحة املخلوق ة‪ ،‬وهي أث ر من آث ار رمحة اهلل‬
‫من صفاته‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ق ول بعض الش راح (ال حمذور يف تع ذيب اهلل من ال ذنب ل ه‪ ،‬إذ القاع دة القائل ة‬
‫باحلسن والقبح العقليني باطلة‪ )...‬إخل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ه ذا الكالم ليس بص حيح‪ ،‬إمنا يتمش ى ه ذا الكالم م ع م ذهب اجلربي ة واألش اعرة‪،‬‬
‫فقول ه (ال حمذور يف تع ذيب اهلل‪ )..‬على مس ألة احلس ن والقبح‪ ،‬ه ذا على م ذهب األش اعرة‬
‫الذين يقولون‪( :‬إنه جيوز هلل أن يعذب أح ًد ا بغري جرم‪ ،‬وال يكون هذا ظلًم ا؛ ألن اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬يتصرف يف خلقه كيف يشاء‪ ،‬إمنا الظلم هو تصرف املالك بغري ملكه)‪ .‬هذا الكالم‬
‫باطل كما ذكرت‪ ،‬فالصواب أن الظلم هو وضع الشيء يف غري موضعه‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائدة‪:‬‬
‫قول الناظم‪:‬‬

‫كال وال سعي لديـه ضـائع‬ ‫ما للعباد عليـه حق واجب‬


‫فبفضله وهو الكريم الواسع‬ ‫إن عذبوا فبعدله وإن نعموا‬

‫ل و ع ذب أه ل الس ماوات واألرض لع ذهبم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا الكالم ص حيح‪ ،‬وه و مث ل ق ول الن يب‬
‫واملعىن لو وضع عدله فيهم‪ ،‬وحاسبهم بنعمه عليهم وأعماهلم لكانوا‬ ‫‪‬‬ ‫وهو غري ظامل هلم‬
‫مدينني‪ ،‬وحينئذ لعذهبم وهو غري ظامل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ليصيبن أقواًما سفع من النار"‬
‫‪ - 7450‬حدثنا حفص بن عمر‪ ،‬حدثنا هشام‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬عن النيب ‪‬‬
‫ق ال‪  :‬ليص ينب أقواًم ا س فع من الن ار ب ذنوب أص ابوها عقوب ة‪ ،‬مث ي دخلهم اهلل اجلن ة بفض ل‬
‫رمحته‪ ،‬يقال هلم‪ :‬اجلهنميون ‪ ‬وقال مهام‪ :‬حدثنا قتادة‪ ،‬حدثنا أنس‪ ،‬عن النيب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬سفع)‪ :‬هو األثر‪ ،‬يقال يف وجهه سفع‪ ،‬وهو أثر وتغري بسبب لفح النار‪.‬‬
‫قوله‪( :‬اجلهنميون)‪ :‬هم العصاة املوحدون الذين ماتوا على التوحيد‪ ،‬ودخلوا النار مبعاٍص‬
‫ارتكبوه ا‪ ،‬فه ؤالء تس فعهم الن ار‪ ،‬وتص يبهم بلهبه ا‪ ،‬وميكث ون فيه ا م ا ش اء اهلل‪ ،‬مث خيرج ون‬
‫فمنهم من خيرج بش فاعة الش افعني‪ ،‬ومنهم من خيرج برمحة أرحم‬ ‫‪‬‬ ‫منه ا بفض ل رمحة اهلل‬
‫الرامحني‪ ،‬هؤالء يقال هلم‪ :‬اجلهنميون‪ .‬وجاء تفصيل ذلك يف حديث آخر‪ ،‬أهنم يلق ون يف هنر‬
‫احلياة‪ ،‬وأنه تكون يف رقاهبم اخلوامت يقال هلم‪ :‬اجلهنميون‪ ،‬مث بعد ذلك يسألون اهلل أن يزيل‬
‫ذلك عنهم‪ ،‬مث ميحى عنهم‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪ِ" :‬إَّن الَّلَه ُيْم ِس ُك الَّس َم اَو اِت َو اَألْر َض "‬
‫حديث‪" :‬إن اهلل يضع السماء على إصبع"‬

‫‪133‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪ - 26‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫‪ - 7451‬حدثنا موسى‪ ،‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن إب راهيم‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬عن‬
‫فق ال‪ :‬ي ا حمم د‪ ،‬إن اهلل يض ع الس ماء على‬ ‫‪‬‬ ‫عب د اهلل ق ال‪  :‬ج اء ح رب إىل رس ول اهلل‬
‫إص بع‪ ،‬واألرض على إص بع‪ ،‬واجلب ال على إص بع‪ ،‬والش جر واألهنار على إص بع وس ائر اخلل ق‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫على إصبع‪ ،‬مث يقول بيده أنا امللك‪ ،‬فضحك رسول اهلل‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫فيمسك ويضع هذه من صفات األفع ال‪ .‬فاهلل ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذه الرتمجة فيها إثبات أفعال اهلل‬
‫تعاىل‪ -‬ميسك السماوات واألرض بقوته وقدرته ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬ففي رواية‪  :‬إن اهلل ميسك‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫فتك ون مناس بة للرتمجة‪ .‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫الس ماء على إص بع‬
‫للعرش وحلملة العرش بقوته وقدرته‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )3( ‬وهو احلامل‬ ‫‪    ‬‬

‫وأهنا مخسة أصابع‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬يضع السماء على إصبع‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫وفيه إثبات األصابع هلل‬
‫واألرض على إص بع‪ ،‬واجلب ال على أص بع والش جر واألهنار على إص بع‪ ،‬وس ائر اخلل ق على‬
‫إصبع‪،‬ويف رواية‪  :‬مث يهزهن بيده‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا امللك‪ ،‬أين ملوك األرض ‪.‬‬
‫واألصبع‪ :‬فيه عشر لغات‪ ،‬األلف مثلثة بضم األلف وفتحها وكسرها‪ ،‬والباء مثلثة بضم‬
‫الب اء وفتحه ا وكس رها‪ ،‬ف إذا ض ربت ثالث ة يف ثالث ة ص ار اجملم وع تس عة‪ ،‬واللغ ة العاش رة‪:‬‬
‫أصبوع‪.‬‬
‫باب ما جاء في تخليق السماوات واألرض وغيرها من الخالئق‬

‫‪ - 1‬سورة فاطر آية ‪.41 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة فاطر آية ‪.41 :‬‬

‫‪134‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪ " :‬ثم خرج فصلى للناس الصبح"‬


‫‪ - 27‬باب ما جاء يف ختليق السماوات واألرض وغريها من اخلالئق‪ ،‬وهو فعل الرب تبارك وتعاىل‬
‫وأمره‪ ،‬فالرب بصفاته وفعله وأمره وكالمه‪ ،‬وهو اخلالق املكون غري خملوق‪ ،‬وما كان بفعله وأمره‬
‫وختليقه وتكوينه‪ ،‬فهو مفعول خملوق مكون‪.‬‬
‫‪ - 7452‬حدثنا سعيد بن أيب مرمي‪ ،‬أخربنا حممد بن جعفر‪ ،‬أخربين شريك بن عبد اهلل بن أيب منر‪،‬‬
‫عندها ألنظر كيف صالة‬ ‫‪‬‬ ‫عن كريب‪ ،‬عن ابن عباس قال‪  :‬بت يف بيت ميمونة ليلة‪ ،‬والنيب‬
‫مع أهله ساعة‪ ،‬مث رقد فلما كان ثلث الليل‬ ‫‪‬‬ ‫بالليل‪ ،‬فتحدث رسول اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫اآلخر‪ ،‬أو بعضه قعد‪ ،‬فنظر إىل السماء‪ ،‬فقرأ‪:‬‬
‫‪ )2( ‬مث ق ام فتوض أ واس نت‪ ،‬مث ص لى إح دى عش رة‬ ‫‪   ‬‬ ‫إىل قول ه‪:‬‬
‫ركعة‪ ،‬مث أذن بالل بالصالة‪ ،‬فصلى ركعتني‪ ،‬مث خرج فصلى للناس الصبح ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ختليق الرب فعل من أفعاله‪ ،‬وهي من صفات األفعال‪ .‬قوله (وأمره)‪ :‬وهو قوله للشيء‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫كن فيك ون‪ ،‬قال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫خبالف املفع ول املنفص ل‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )3( ‬ف أمره وختليق ه وفعل ه كله ا من ص فات اهلل‬ ‫‪ ‬‬

‫املخل ق‪ ،‬كالس ماوات املخلوق ة‪ .‬ف التخليق فع ل ال رب ص فة من ص فاته‪ ،‬واملخل وق ه و املفع ول‬
‫املنفصل‪ ،‬ففعل الرب صفة من صفاته‪ ،‬واملفعول هو املخلوق‪ ،‬وأمر الرب صفة من صفاته‪،‬‬
‫واملأمور وهو املخلوق منفصل وهكذا‪.‬‬
‫وال رب ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬ق ائم بأمسائه وص فاته وأفعال ه وأم ره‪ ،‬وه و اخلالق املك ون وم ا‬
‫‪‬‬ ‫س واه ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬خمل وق مفع ول مك ون‪ ،‬فالس ماوات خملوق ة مكون ة مفعول ة هلل‬
‫والتخلي ق فع ل ال رب ص فة من ص فاته‪ ،‬فال ب د من التفري ق بني التخلي ق وه و فع ل ال رب‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.190 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية ‪.190 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫‪135‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫واملخل وق وه و املفع ول املنفص ل‪ ،‬وفع ل ال رب ال ذي ه و ص فة من ص فاته‪ ،‬واملفع ول وه و‬


‫املخلوق املنفصل‪.‬‬
‫وأهل البدع ال يفرقون بينهما‪ ،‬فليس عندهم فعل ومفعول‪ ،‬بل عنده شيء واحد‪ ،‬أن‬
‫الفعل هو املفعول واخللق هو املخلوق‪ .‬وهذا غلط حمض‪.‬‬
‫ول ذلك البخ اري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬دقي ق يف ه ذا‪ ،‬وه و من أئم ة أه ل الس نة واجلماع ة‪ ،‬ف رق‬
‫بني فع ل ال رب وبني املفع ول املنفص ل‪ .‬فق ال‪( :‬م ا ج اء يف ختلي ق الس ماوات واألرض وغريمها‬
‫من اخلالئق‪ ،‬وهو فعل الرب ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬وأمره‪ :)...‬واملعىن أن فعل الرب وختليقه وأمره‬
‫قائم بنفسه‪ ،‬فالرب ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬بأمسائه وصفاته وأفعاله وأمره قائم بنفسه‪ ،‬وهو اخلالق‬
‫املكون‪ ،‬وما سواه خملوق مفعول مكون‪.‬‬
‫واحلديث يدل على فوائد منها‪:‬‬
‫‪‬‬‫جواز نوم الصيب مع الرجل وأهله إذا كان حمرًم ا؛ ألنه جاء يف رواية أخرى أنه قال‪:‬‬
‫نام رسول اهلل ‪ ‬وأهله يف طول الوسادة‪ ،‬ومنت يف عرضها ‪ ‬وهو صيب ‪ ‬وميمونة ‪-‬‬
‫لينظر صالته‪ ،‬وكان صغريا‪ ،‬وفيه مشروعية‬ ‫‪‬‬ ‫رضي اهلل عنها‪ -‬خالته‪ .‬وقد نام عند الن يب‬
‫حتدث الرجل مع أهله ساعة ليؤنسهم‪ ،‬واملراد بالساعة اجلزء من الزمن‪ ،‬وليس املراد الساعة‬
‫املعروفة اآلن‪ ،‬وهي ستون دقيقة‪.‬‬
‫وفي ه مش روعية قي ام اللي ل‪ ،‬وق راءة ه ذه اآلي ات عن د االس تيقاظ من الن وم‪ ،‬ويف اللف ظ‬
‫فذكر اهلل‪ ،‬وقرأ‬ ‫‪‬‬ ‫اآلخر‪  :‬أنه ملا انتصف الليل‪ ،‬أو قبله بقليل‪ ،‬أو بعده بقليل قام النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫اآلي ات من آخ ر س ورة آل عم ران‪:‬‬
‫‪ )1( ‬حىت ختم السورة ‪.‬‬ ‫‪     ‬‬

‫ويف احلديث مشروعية التسوك عند الوضوء‪ ،‬وفيه أنه صلى إحدى عشرة ركعة‪ ،‬وهذا‬
‫ورمبا زاد كما يف حديث ابن عباس اآلخر أنه صلى ثالث عشرة‬ ‫‪‬‬ ‫هو الغالب من فعله‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.190 :‬‬

‫‪136‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ركعة‪ ،‬ورمبا نقص كما جاء يف البخاري‪ :‬أنه أوتر بثمان‪ ،‬وأوتر بأقل من ذلك‪ ،‬مث جاء‬
‫أذان بالل فص لى ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬ركع تني‪ ،‬وهات ان الركعت ان مها الس نة الراتب ة‪ ،‬مث‬
‫خرج‪ ،‬فصلى للناس الصبح‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫والشاهد من الرتمجة قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬فخلق السماوات واألرض واختالف‬ ‫‪     ‬‬

‫فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خلقه ا‪ ،‬فهي خملوق ة مكون ة‪ ،‬ف التخليق فع ل‬ ‫‪‬‬ ‫اللي ل والنه ار‪ ،‬من خل ق اهلل‬
‫الرب‪ ،‬وهي خملوقة مكونة منفصلة‪.‬‬
‫باب قوله‪َ" :‬و َلَق ْد َس َبَق ْت َك ِلَم ُتَنا ِلِعَباِد َنا اْلُمْر َس ِليَن "‬
‫حديث‪" :‬إن رحمتي سبقت غضبي"‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ - 28‬باب قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪- 7453‬ح دثنا إمساعيل‪ ،‬ح دثين مال ك‪ ،‬عن أيب الزن اد‪ ،‬عن األع رج‪ ،‬عن أيب هري رة‬
‫ق ال‪  :‬ملا قض ى اهلل اخلل ق‪ ،‬كتب عن ده ف وق عرش ه‪ :‬إن رمحيت س بقت‬ ‫‪‬‬ ‫أن رس ول اهلل‬
‫غضيب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫ه ذه الرتمجة‪ ،‬وهي ب اب ق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪          ‬‬

‫وأن كالم اهلل ص فة من‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )3( ‬قص د املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬هبذه الرتمجة إثب ات الكالم هلل‬
‫صفاته‪ ،‬وأن كالم اهلل سابق خللقه‪ ،‬وأن كالم اهلل نوعان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كوين قدري ال يتخلف مراده‪.‬‬
‫ب‪ -‬ديين شرعي قد يتخلف مراده‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.190 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الصافات آية ‪.171 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الصافات آية ‪.173-171 :‬‬

‫‪137‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وه ذا من الكلم ات الكوني ة‪ ،‬ومث ال الن وع األول وه و الكالم الك وين ال ذي ال يتخل ف‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫فيه مراد اهلل قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬ومث ال الن وع الث اين‪ ،‬وه و الكالم ال ديين الش رعي ال ذي ق د يتخل ف في ه‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ )2( ‬فمن الناس من‬ ‫‪    ‬‬ ‫مراد اهلل قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫أقام الصالة‪ ،‬ومنهم من مل يقم الصالة‪ ،‬وقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫فمن الناس من امتثل هذا النهي‪ ،‬ومنهم من مل ميتثل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫واملراد بكلم ات اهلل ال يت س بقت يف اآلي ة‪:‬‬
‫‪ )4( ‬كالم اهلل الس ابق بالقض اء املتق دم على خلق ه‪ ،‬أن ال ذي ج رى ب ه‬ ‫‪ ‬‬

‫القلم‪ ،‬وسبق به القضاء‪ ،‬أن النصر لعباد اهلل املرسلني وأتباعهم‪ ،‬وأن جند اهلل هم الغالبون‪.‬‬
‫ففيه إثبات أن كالم اهلل ليس خملوًقا‪ ،‬وأن كالم اهلل سابق خللقه؛ ألن اخللق إمنا يكون‬
‫باألمر‪ ،‬واألمر هو كالم اهلل‪          :‬‬

‫‪ )5( ‬هذا الكالم الكوين‪ ،‬والثاين كالم اهلل الديين الشرعي‪ ،‬وهو القرآن وكالمه‬ ‫‪ ‬‬

‫يف كتبه اليت أنـزهلا على أنبيائه‪ ،‬وهذا قد يتخلف مراده‪ ،‬أما الكالم الكوين‪ ،‬فال يتخلف‪.‬‬
‫ففيه الرد على من قال‪ :‬إن القرآن خملوق‪ ،‬والرد على من أنكر كالم اهلل ‪.‬‬
‫وكالم اهلل اللف ظ واملع ىن مجيًع ا‪ ،‬وكالم اهلل حبرف وص وت يس مع‪ ،‬خالًف ا للمعتزل ة‬
‫واألش اعرة‪ ،‬فاملعتزل ة يقول ون‪ :‬كالم اهلل اللف ظ واملع ىن لكن ه خمل وق‪ ،‬واألش اعرة يقول ون‪ :‬كالم‬
‫اهلل املعىن فقط‪ ،‬فهو معىن يف نفس اهلل ال يسمع‪ ،‬وأما احلروف والكلمات فهي خملوقة‪.‬‬
‫وهي من الص فات الفعلي ة‪ ،‬فص فات‬ ‫‪‬‬ ‫واحلديث يف إثب ات الكتاب ة والرمحة والغض ب هلل‬
‫قسمها أهل السنة إىل قسمني‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫‪ - 1‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.43 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة اإلسراء آية ‪.32 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الصافات آية ‪.171 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫‪138‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 1‬صفات ذاتية ال تنفك عن البارئ‪ :‬كالعلم والعزة والقدرة والسمع والبصر‪.‬‬


‫‪ - 2‬ص فات فعلي ة تتعل ق باملش يئة واالختي ار‪ :‬ك الكالم والكتاب ة واخلل ق وال رزق واإلحي اء‬
‫واإلمات ة والرمحة والغض ب‪ .‬وض ابطها أهنا تقي د باملش يئة‪ ،‬تق ول‪ :‬ي رحم إذا ش اء‪ ،‬ويغض ب إذا‬
‫شاء‪ ،‬ويكتب إذا شاء‪ ،‬خبالف الصفات الذاتية‪ ،‬فال تقول‪ :‬يقدر إذا شاء‪ ،‬ويعلم إذا شاء‪،‬‬
‫بل هو ‪-‬سبحانه‪ -‬عليم وقدير يف مجيع األحوال‪.‬‬
‫والص فات الفعلي ة نوعه ا ق دمي‪ ،‬وأحاده ا حادث ة؛ وهلذا يف ح ديث الش فاعة يق ول ك ل‬
‫واح د من األنبي اء‪  :‬إن ريب غض ب الي وم غض ًبا‪ ،‬مل يغض ب قبل ه مثل ه‪ ،‬ولن يغض ب بع ده‬
‫مثل ه ‪ ‬فق ال (غض ب الي وم)‪ :‬فه ذا الغض ب ح ادث يف ذل ك الي وم‪ ،‬وال يل زم من قولن ا‪ :‬إن ه‬
‫حادث‪ ،‬احلدوث يف ذاته‪ ،‬فهذا غري صحيح؛ ألن هذا الزم لصفات املخلوقني‪.‬‬
‫ويقسم أهل السنة واجلماعة الصفات كذلك إىل‪:‬‬
‫‪ - 1‬صفات معنوية‪ :‬كالعلم والقدرة والسمع‪.‬‬
‫‪ - 2‬صفات خبرية‪ :‬كالوجه واليد والرجل‪ ،‬فالصفات اخلربية جاء هبا اخلرب‪.‬‬
‫وهذا التقسيم مقابل تقسيم أهل الكالم‪ ،‬فقسمها أهل السنة لإليضاح وللرد على أهل‬
‫الكالم‪.‬‬
‫ويف احلديث بي ان أن رمحة اهلل تس بق غض به‪ ،‬وفي ه أن ه ذا الكت اب كتب ه اهلل ملا قض ى‬
‫اخللق‪ ،‬فكتب يف كتاب هو عنده فوق العرش‪ ،‬فهذا الكتاب سابق‪ .‬واخللق إمنا خلقوا بأمر‬
‫اهلل وكالمه‪ ،‬ففيه إثبات الكالم هلل‪ ،‬وأنه سابق؛ ألن اخللق ال يكون إال بأمر اهلل‪ ،‬وأمر اهلل‬
‫هو كالمه‪ ،‬فوجه الداللة من الرتمجة أنه أخرب‪ ،‬أن هذا الكتاب كان بعد خلق اخللق‪ ،‬وهو‬
‫سابق‪ ،‬وهو قدمي‪ ،‬واخللق إمنا كان بأمر اهلل وكالمه‪ .‬وفيه أن هذا الكتاب فوق العرش‪ ،‬مع‬
‫أن الع رش س قف املخلوق ات‪ ،‬لكن ه ذا الكت اب خ اص‪ ،‬والقاع دة أن اخلاص يقض ي‪ +‬على‬
‫العام‪ ،‬فالعرش سقف املخلوقات‪ ،‬لكن هذا الكتاب مستثىن منه‪ .‬وهذا الكتاب خملوق؛ ألن‬
‫املكتوب غري الكتابة‪ ،‬فالكتابة فعل اهلل‪ ،‬واملكتوب هو املخلوق املنفصل‪ .‬والسماوات خملوق‬

‫‪139‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫منفص ل‪ ،‬وختلي ق اهلل هلا فعل ه س بحانه‪ ،‬وهي ص فة من ص فاته‪ ،‬فهن اك ف رق بني اخلل ق‬
‫واملخل وق‪ ،‬والفع ل واملفع ول‪ ،‬ف اخللق والفع ل ص فة هلل قائم ة بذات ه‪ ،‬واملخل وق ه و املفع ول‬
‫املنفصل‪ ،‬وسبق بيان هذا يف الرتمجة السابقة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة"‬
‫‪- 7454‬حدثنا آدم‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬حدثنا األعمش مسعت زيد بن وهب‪ ،‬مسعت عبد اهلل بن مسعود‬
‫وه و الص ادق املص دوق‪  :‬أن خل ق أح دكم جيم ع يف بطن أم ه‬ ‫‪‬‬ ‫ح دثنا رس ول اهلل‬ ‫‪‬‬
‫أربعني يوًم ا‪ ،‬أو أربعني ليل ة‪ ،‬مث يك ون علق ة مثل ه‪ ،‬مث يك ون مض غة مثل ه‪ ،‬مث يبعث إلي ه‬
‫املل ك‪ ،‬في ؤذن بأربع ة كلم ات‪ ،‬فيكتب رزق ه وأجل ه وعمل ه وش قي أم س عيد‪ ،‬مث ينفخ في ه‬
‫ال روح‪ ،‬ف إن أح دكم ليعم ل بعم ل أه ل اجلن ة ح ىت ال يك ون بينه ا وبين ه إال ذراع‪ ،‬فيس بق‬
‫عليه الكتاب‪ ،‬فيعمل بعمل أهل النار‪ ،‬فيدخل النار‪ ،‬وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار‬
‫حىت ما يكون بينها وبينه إال ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل اجلنة فيدخلها‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه إثبات القدر السابق‪ ،‬وأن كل إنسان صائر إىل القدر وإىل ما كتب‬
‫له‪ ،‬وفيه أن كل إنسان يكتب عليه‪ ،‬وهو يف بطن أمه كلمات أربع‪ :‬الكلمة األوىل‪ :‬يكتب‬
‫الرزق‪ ،‬والكلمة الثانية‪ :‬يكتب العمل‪ ،‬والكلمة الثالثة‪ :‬األجل‪ ،‬والكلمة الرابعة‪ :‬يكتب الشقاوة‬
‫والسعادة‪ ،‬وهذا القدر يوافق القدر السابق‪ ،‬وهو ما كتب يف اللوح احملفوظ‪ ،‬واألصل ما‬
‫كان يف اللوح احملفوظ‪ ،‬وهذا قدر ثان يوافق ما يف اللوح احملفوظ‪ ،‬وال خيالفه‪ ،‬وجاء يف‬
‫احلديث اآلخر‪ :‬أنه بعد األطوار الثالثة‪  :‬يأيت امللك فيقول‪ :‬يا رب ما الرزق؟ ما العمل؟ ما‬
‫األج ل؟ فيق ول اهلل ل ه‪ :‬ك ذا‪ ،‬فيكتب املل ك ال رزق‪ ،‬واألج ل‪ ،‬والعم ل‪ ،‬والش قاوة‪ ،‬والس عادة‪،‬‬
‫على حسب ما يقول اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬له ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وفي ه أن ه ال ب د أن يص ري اإلنس ان إىل م ا ق در ل ه ح ىت يف آخ ر حيات ه؛ وهلذا قال يف‬


‫آخر احلديث‪( :‬فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل اجلنة‪ ،‬حىت ما يكون بينه‬
‫وبينها إال ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب‪ )...‬أي‪ :‬الكتاب الذي كتب عليه‪ ،‬وهو يف بطن أمه‪.‬‬
‫إىل أن ق ال‪( :‬وإن أح دكم ليعم ل بعم ل أه ل الن ار‪ ،‬ح ىت م ا يك ون بين ه وبينه ا إال ذراع‪،‬‬
‫فيسبق عليه الكتاب‪ )...‬أي‪ :‬الذي كتب عليه يف القضاء والقدر السابق‪ ،‬وهو يف بطن أمه‪،‬‬
‫وقبل ذلك يف اللوح احملفوظ‪ .‬فدل على وجوب الدليل بالقدر‪ ،‬فمن مل يؤمن بالقدر‪ ،‬فليس‬
‫مبؤمن‪.‬‬
‫والقدر له مراتب أربع‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكتابة يف اللوح احملفوظ‪ ،‬وهو التقدير العام‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يكتب عليه‪ ،‬وهو يف بطن أمه‪ ،‬وهذا التقدير العمري‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما يكتب عليه يف ليلة القدر‪ ،‬وهو التقدير السنوي‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ - 4‬ما يكتب عليه كل يوم‪ ،‬وهو التقدير اليومي‬
‫(‪ )1‬سبحانه وتعاىل‪ ،‬يرفع‪ ،‬وخيفض‪ ،‬ويعز‪ ،‬ويذل‪ ،‬وحييي‪ ،‬ومييت‪ ،‬ويشقي‪ ،‬ويسعد‪.‬‬
‫وك ل إنس ان صائر على م ا ُق ِّدر ل ه‪ ،‬وليس مع ىن ذل ك أن اإلنس ان ي رتك العم ل‪ ،‬فه ذا‬
‫غري صحيح؛ ألن القدر من شئون اهلل ‪ ‬واإلنسان عليه العمل؛ وهلذا ملا استشكل الصحابة‬
‫ذلك وقالوا‪  :‬يا رسول‪ ،‬أفال تنكل على كتابنا‪ ،‬وندع العمل؟ قال‪ :‬اعملوا‪ ،‬فكل ميسر ملا‬
‫خلق له‪ ،‬أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة‪ ،‬فسييسرون‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫لعمل أهل الشقاوة‪ ،‬مث قرأ اآلية‪:‬‬

‫‪          ‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الرحمن آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الليل آية ‪.10-5 :‬‬

‫‪141‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫والشاهد قوله‪( :‬فيؤذن بأربع كلمات)‪ :‬ففيه إثبات اإلذن‪ ،‬وهذا إذن كوين‪( ،‬فيؤذن بأربع‬
‫وفي ه‬ ‫‪‬‬ ‫كلم ات) ويف الرواي ة األخ رى‪(:‬في ؤمر ب أربع كلم ات) ففي ه إثب ات اإلذن الك وين هلل‬
‫‪‬‬ ‫إثب ات الكالم هلل ‪ ‬وه ذا كالم ك وين ق دري ال يتخل ف أب ًد ا ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬

‫‪ )1(           ‬فما كتب عليه من‬
‫الكلمات األربع ال بد أن تقع‪ ،‬وال بد أن يصري اإلنسان إىل ما ُك تب له‪ ،‬وهو يف بطن‬
‫أمه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫خبالف الكالم الشرعي مثل قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )2( ‬ه ذا كالم ش رعي يف الق رآن فه ذا ق د‬ ‫‪    ‬‬

‫يتخلف؛ ألن من الناس من يصلي‪ ،‬وميتثل هذا األمر‪ ،‬ومنهم من ال ميتثل‪.‬‬


‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫فاحلديث فيه إثبات اإلذن الكوين والكالم الكوين؛ لقوله‪:‬‬
‫‪ )3( ‬فاإلذن الكوين‪ ،‬والكالم الكوين سابق للخلق ال يتخلف‪،‬‬ ‫‪  ‬‬

‫فاجلنني وهو يف أطوار خلقه تكتب عليه هذه الكلمات‪ ،‬وهذا هو الشاهد من الرتمجة‪ .‬قوله‪:‬‬
‫(بأربع ة كلم ات)‪ :‬الص واب (ب أربع كلم ات)‪ :‬ألن الع دد خيالف املع دود‪ ،‬والكلم ات مؤنث ة‪،‬‬
‫وأربعة تكون مذكر‪ ،‬مثل قولنا‪ :‬أربعة رجال وثالث نسوة‪ .‬فلما كان الرجال مذكر يؤنث‬
‫العدد‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ِإْذُن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلذن الكوين القدري‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلذن الشرعي‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النور آية ‪.56 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الصافات آية ‪.171 :‬‬

‫‪142‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫فمثال اإلذن الكوين قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬بإذن اهلل الكوين‪ ،‬وكما يف حديث الباب‪( :‬فيؤذن بأربع كلمات) فهذا إذن‬ ‫‪ ‬‬

‫كوين‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫ومثال اإلذن الشرعي قوله ‪-‬تعاىل‪ -‬يف سورة احلشر‪:‬‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬بإذن اهلل وشرعه‪ ،‬فرخص هلم‬ ‫‪     ‬‬

‫‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬يف أن يقطع وا خنل ب ين النض ري‪ ،‬أو يبقوه ا‪ ،‬فوجه ة من قط ع النخ ل أن‬
‫يغي ظ الكف ار‪ ،‬ومن أبقى فألنه مال يئول للمس لمني‪ ،‬فلكل وجه ة‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬مل يعنف‬
‫هؤالء‪ ،‬وال هؤالء‪.‬‬
‫حديث‪" :‬يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر"‬
‫‪- 7455‬ح دثنا خالد بن حيىي‪ ،‬ح دثنا عم ر بن ذر مسعت أيب حيدث‪ ،‬عن س عيد بن جب ري‪ ،‬عن ابن‬
‫قال‪  :‬ي ا جربيل ما مينع ك أن تزورن ا أكثر مما تزورن ا‪،‬‬ ‫عب اس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أن الن يب ‪‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪            ‬‬ ‫فنـزلت‬
‫قال‪ :‬كان هذا اجلواب حملمد‪. ،‬‬ ‫‪‬‬ ‫إىل آخر اآلية‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ )4( ‬وأمر اهلل هو كالمه‪ ،‬وهو‬ ‫‪      ‬‬ ‫والشاهد قوله‪:‬‬
‫س ابق للفع ل‪ ،‬وه و التنـزل‪ ،‬فتنـزل جربي ل خمل وق؛ ألن ه عم ل جلربي ل‪ ،‬لكن ه مس بوق ب األمر‪،‬‬
‫واألمر هو كالم اهلل‪.‬‬
‫جلربيل‪( :‬ما مينعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)‬ ‫‪‬‬ ‫ملا قال الرسول‬ ‫‪‬‬ ‫وهذا جواب للنيب‬
‫‪ )5( ‬أي‪ :‬ال نتنـزل إال بأمر اهلل‪.‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫فنـزلت‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.102 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحشر آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة مريم آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة مريم آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة مريم آية ‪.64 :‬‬

‫‪143‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬سلوه عن الروح"‬


‫‪‬‬ ‫‪ - 7456‬ح دثنا حيىي‪ ،‬ح دثنا وكي ع‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن إب راهيم‪ ،‬عن علقم ة‪ ،‬عن عب د اهلل ق ال‪:‬‬
‫يف حرث باملدينة‪ ،‬وهو متكئ على عسيب‪ ،‬فمر بقوم من‬ ‫‪‬‬ ‫كنت أمشي مع رسول اهلل‬
‫اليهود فقال بعضهم لبعض‪ :‬سلوه عن الروح‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬ال تسألوه عن الروح‪ ،‬فسألوه‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فقام متوكئا على العسيب‪ ،‬وأنا خلفه فظننت أنه يوحى إليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪              ‬‬

‫فقال بعضهم لبعض‪ :‬قد قلنا لكم‪ :‬ال تسألوه ‪.‬‬


‫الشرح‪:‬‬
‫يف ح رث باملدين ة‪ ،‬أي‪ :‬مزرع ة فم ر على بعض‬ ‫‪‬‬ ‫ك ان ابن مس عود ميش ي م ع الرس ول‬
‫اليه ود‪ ،‬فق ال بعض هم‪ :‬س لوه‪ ،‬عن ال روح وبعض هم ق ال‪ :‬ال تس ألوه‪ ،‬ويف اللف ظ اآلخ ر (لعل ه‬
‫(فظننت أنه يوحى إليه)‬ ‫‪‬‬ ‫ينـزل فيكم ما تكرهون) فلما سألوه‪ ،‬عن الروح‪ ،‬قال عبد اهلل‬
‫ويف اللفظ اآلخر (فعلمت أنه يوحى إليه) فالظن هنا مبعىن العلم‪ .‬قال‪ :‬فلما ُس ري عنه الوحي‬
‫قرأ هذه اآلية‪            :‬‬

‫‪ )2( ‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬قد قلنا لكم‪ :‬ال تسألوه‪ :‬والشاهد‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ )3( ‬أي‪ :‬من م أمور ريب‪ ،‬أي‪ :‬من خملوقات ه‪ ،‬ف األمر‬ ‫‪     ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫هن ا ليس املراد ب ه الكالم‪ ،‬ب ل مع ىن األم ر هن ا‪ :‬أي‪ :‬من م أمورات ريب‪ :‬أي‪ :‬من خملوقات ه‪.‬‬
‫واملخلوق إمنا كان بأمر سابق‪ ،‬وهو كالم اهلل‪ ،‬فالروح خلق من خملوقات اهلل‪ ،‬وهي خملوقة‬
‫بأمر اهلل السابق‪ .‬ففيه إثبات أن كالم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬سبق خللقه‪.‬‬
‫واملراد ب الروح‪ :‬أي‪ :‬ال يت حتص ل هبا احلي اة‪ ،‬ه ذا ه و الظ اهر‪ ،‬وهي ذات على الص حيح‪،‬‬
‫وقد اختلف الناس فيها اختالًفا كبًريا كالفالسفة وغريهم‪ :‬فقال بعضهم‪ :‬إهنا صفة من صفات‬

‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪144‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الب دن‪ ،‬وبعض هم تكلم بأش ياء‪ ،‬وق ال‪ :‬إهنا الطب ائع األرب ع‪ ،‬وأحس ن م ا قي ل فيه ا‪( :‬أهنا ذات‬
‫نوراني ة تس ري يف الب دن س ريان الن ار يف الفحم‪ ،‬واملاء يف الع ود‪ .‬فهي ذات لطيف ة لين ة‪،‬‬
‫ليس ت ثقيل ة تس ري يف الب دن‪ ،‬تكس به احلي اة)‪ .‬وقي ل‪ :‬املراد ب الروح يف اآلي ة جربي ل ‪-‬علي ه‬
‫‪ )1( ‬واألرجح األول أن‬ ‫‪    ‬‬ ‫السالم‪ -‬لقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫املراد هبا الروح‪ ،‬اليت حتصل هبا احلياة‪.‬‬
‫وفي ه إثب ات أن ال روح خملوق ة‪ ،‬وفي ه ال رد على من ق ال‪ :‬إهنا قدمية كبعض الفالس فة‬
‫يقول ون‪ :‬أن ل روح قدمية‪ ،‬وأن األرواح قدمية‪ ،‬ليس ت خملوق ة وال حادث ة‪ .‬وال ش ك أن ه ذا‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫باطل‪ ،‬فاهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬يقول‪:‬‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬من مأموراته‪ ،‬ومن خملوقاته اليت خلقت بأمره السابق‪ ،‬وهو كالمه سبحانه‬ ‫‪‬‬

‫وتعاىل‪.‬‬
‫وما جاء يف اللفظ اآلخر‪( :‬لعله ينـزل فيكم ما تكرهون) حصل هذا على اليهود فنـزلت‬
‫(‪ )3‬وإن‬ ‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫اآلي ة‪ ،‬وفيه ا جتهي ل هلم؛ لقول ه‬
‫كانوا يدعون أهنم أهل العلم واملعرفة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬تكفل اهلل لمن جاهد في سبيله"‬
‫‪- 7457‬ح دثنا إمساعيل‪ ،‬ح دثين مال ك‪ ،‬عن أيب الزن اد‪ ،‬عن األع رج‪ ،‬عن أيب هري رة أن رس ول اهلل‬
‫ق ال‪  :‬تكف ل اهلل ملن جاه د يف س بيله ‪-‬ال خيرج ه إال اجله اد يف س بيله‪ ،‬وتص ديق‬ ‫‪‬‬
‫كلماته‪ :-‬بأن يدخله اجلنة‪ ،‬أو يرجعه إىل مسكنه الذي خرج منه‪ ،‬مع ما نال من أجر‪ ،‬أو‬
‫غنيمة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة القدر آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪145‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ذا في ه فض ل عظيم للمجاه دين‪ ،‬ال ذين جاه دوا يف س بيل اهلل إلعالء كلم ة اهلل‪ ،‬وأن‬
‫اهلل تكفل‪ ،‬وضمن هلم أحد أمرين‪ :‬إما اجلنة إن استشهدوا‪ ،‬وإما إرجاعهم إىل أهلهم مع ما‬
‫نالوا من أجر‪ ،‬أو غنيمة‪ .‬فاجملاهد ضمن اهلل له اجلنة إن مات‪ ،‬والغنيمة إن بقي‪ .‬لكن هذا‬
‫واملعىن أنه‬ ‫مقيد بالشرط‪ ،‬وهو قوله‪  :‬ال خيرجه إال جهاًدا يف سبيلي وتصديًق ا لكلمايت‬
‫‪‬‬

‫جاه د إلعالء كلم ة اهلل ال ملقص د آخ ر‪ ،‬فلم يقات ل ري اء وال محي ة وال ش جاعة‪ ،‬كم ا يف‬
‫عن الرجل يقاتل محية‪ ،‬والرجل يقاتل شجاعة‪ ،‬والرجل يقاتل رياء‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫احلديث‪  :‬سئل النيب‬
‫أي ذلك يف سبيل اهلل؟ فقال‪ :‬من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬فهو يف سبيل اهلل ‪.‬‬
‫والشاهد من الرتمجة قوله‪( :‬وتصديق كلماته)‪ :‬واملراد كلمات اهلل الشرعية الدينية‪ ،‬وهو ما‬
‫أخرب به يف كتابه مما حيصل للمجاهدين من األجر واملغفرة والرمحة‪ .‬فالذي أخرج اجملاهد هو‬
‫اإلخالص هلل‪ ،‬وتصديق كلماته‪ .‬فصدق اهلل بكلماته اليت أخرب هبا للمجاهدين‪ ،‬وأهنم ينالون‬
‫األجر العظيم واملغفرة والرمحة‪.‬‬
‫واملراد باحلديث الكلم ات الش رعية‪ ،‬وه و م ا تكلم اهلل ب ه ‪-‬س بحانه‪ -‬يف الق رآن وكتب ه‬
‫املنـزلة على أنبيائه ورسله‪ ،‬وكذلك األحاديث القدسية تكلم اهلل هبا‪ .‬وكلمات اهلل الدينية قد‬
‫يتحق ق هبا م راد اهلل‪ ،‬وق د يتخل ف‪ ،‬أم ا كلم ات اهلل الكوني ة‪ ،‬فهي م ا قض ى ب ه وق دره ‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ -‬أي‪ :‬ما تكلم به قضاء وقدًر ا‪ ،‬كقوله ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ )1(         ‬فال بد أن حيصل فيها مراد اهلل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬من أجر‪ ،‬أو غنيمة)‪ :‬املعلوم أنه قد حيصل للمجاهد األمرين األجر والغنيمة‪ ،‬لكن‬
‫إن مل يغنم يكون األجر كامال‪ ،‬وإذا غنم ينقص األجر‪ .‬كما جاء يف احلديث اآلخر‪  :‬ما‬
‫رواه‬ ‫‪‬‬ ‫من سرية تقاتل‪ ،‬فتخفق إال مت أجرها‪ ،‬وما من سرية تغنم إال تعجلوا ثلثي أجرها‬
‫مس لم يف ص حيحه ف إذا غنم وا تعجل وا ش يًئا من أج رهم‪ ،‬وإذا مل يغنم وا‪ ،‬مت أج رهم‪ .‬وه ذا‬
‫فيه تعزية للسرية‪ ،‬اليت مل تغنم‪ ،‬وأن أجرها تام‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪146‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬الرجل يقاتل حمية"‬


‫‪- 7458‬ح دثنا حمم د بن كث ري‪ ،‬ح دثنا س فيان‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن أيب وائ ل‪ ،‬عن أيب موس ى ق ال‪:‬‬
‫فقال‪  :‬الرجل يقاتل محية‪ ،‬ويقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل رياء‪ ،‬فأي ذلك يف‬ ‫جاء رجل إىل النيب ‪‬‬
‫سبيل اهلل؟ قال‪ :‬من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬فهو يف سبيل اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه بيان اجملاهد يف سبيل اهلل‪ ،‬وأنه الذي يقاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬أما‬
‫ال ذي يقات ل محي ة‪ ،‬أو ش جاعة‪ ،‬أو ري اء‪ ،‬أو غ ري ذل ك من املقاص د كالعص بية لل ون‪ ،‬أو‬
‫اجلنس‪ ،‬أو للدم‪ ،‬أو لتطهري الرتاب واألرض فقط؛ وذلك ألن كل أرض يعبد فيها اهلل هي‬
‫أرض للمس لمني‪ .‬وكلم ة (محي ة) تش مل ذل ك كل ه‪ ،‬س واء ك ان محي ة لل وزن‪ ،‬أو اجلنس‪ ،‬أو‬
‫العصبية‪ ،‬أو الدم‪ ،‬أو العرق‪ .‬فهذا مل يقاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬فال بد أن يكون‬
‫قصده إعالء كلمة اهلل‪ ،‬والشاهد من احلديث قوله‪( :‬لتكون كلمات اهلل)‪ :‬واملراد بكلمات اهلل‬
‫‪‬‬ ‫هن ا‪ :‬الكلم ات الديني ة الش رعية‪ ،‬وهي كلم ة التوحي د‪ ،‬وهي املذكورة يف قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪              ‬‬
‫‪ )1( ‬وهي املذكورة يف قول ه ‪-‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬

‫‪          ‬‬
‫‪ )2( ‬وهي كلمة التوحيد‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزخرف آية ‪.28-26 :‬‬

‫‪147‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ٍء‬
‫باب قول اهلل‪ِ :‬إَّنَم ا َقْو ُلَنا ِلَش ْي ِإَذا َأَر ْد َناُه‬
‫حديث‪" :‬ال يزال من أمتي قوم ظاهرين "‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ - 29‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪- 7459‬حدثنا شهاب بن عباد‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محيد‪ ،‬عن إمساعيل‪ ،‬عن قيس‪ ،‬عن‬
‫يق ول‪  :‬ال ي زال من أم يت ق وم ظ اهرين على الن اس‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫املغ رية بن ش عبة ق ال‪ :‬مسعت الن يب‬
‫حىت يأتيهم أمر اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫لقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذا فيه إثبات الكالم هلل‬
‫وقول ه‪( :‬ح ىت ي أيت أم ر اهلل)‪ :‬أي‪ :‬كالم اهلل‪ ،‬وكالم اهلل س ابق على خلق ه؛ ألن اهلل ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪           ‬‬ ‫يقول‪:‬‬
‫فه و يك ون بكن‪ ،‬وكن س ابق ليك ون‪ ،‬فيك ون الكالم س ابق للخل ق‪ ،‬فك ل ش يء يري د اهلل‬
‫‪. ) 4( ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫إجياده‪ ،‬إمنا خيلقه بالكالم‪ ،‬فيقول له‪:‬‬
‫وه ذه الرتمجة فيه ا ال رد على من ق ال‪ :‬إن كالم اهلل خمل وق كاملعتزل ة؛ ألن كالم اهلل‬
‫سابق خللقه؛ وألن اخللق إمنا يكون بأمر اهلل‪ ،‬وأمر اهلل هو كالمه‪ ،‬فلو كان خملوًقا للزم أن‬
‫يكون خملوًقا بأمر آخر‪ ،‬واآلخر بآخر إىل ما ال هناية‪ .‬وهذا من أبطل الباطل‪ ،‬بل كالم اهلل‬
‫صفة من صفاته‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن كالم اهلل خملوق‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬كما قرر ذلك أهل السنة على‬
‫وجه العموم‪.‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫ووجه االستدالل من اآلية وهي قوله‪:‬‬
‫أن اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬أخرب أنه خيلق بالكالم‪ ،‬وأن كالمه سابق خللقه‪ ،‬وكذلك فإن اهلل فرق‬
‫‪ - 1‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة النحل آية ‪.40 :‬‬

‫‪148‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬والعط ف يقتض ي املغ ايرة؛‬ ‫‪     ‬‬ ‫بني اخلل ق واألم ر فق ال‪:‬‬
‫وهلذا ق ال بعض العلم اء‪ :‬إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ف رق بني اخلل ق واألم ر‪ ،‬فمن مجع بينهم ا‪ ،‬فق د‬
‫كف ر؛ وألن ه ‪-‬كم ا ذكرن ا‪ -‬ل و ك ان كالم اهلل خملوًق ا لل زم أن يك ون خملوًق ا ب أمر آخ ر‪،‬‬
‫واآلخر إىل آخر‪ ،‬إىل ما ال هناية‪ ،‬وهذا باطل كما ذكرنا‪.‬‬
‫‪ )2( ‬أم ر اهلل ه و كالم ه‪ ،‬واملراد ب أمر اهلل ال ريح‬ ‫‪     ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫الطيب ة ال يت تقبض أرواح املؤم نني واملؤمن ات يف آخ ر الزم ان‪ ،‬واملع ىن‪ :‬ال ت زال طائف ة على‬
‫احلق‪ ،‬ح ىت ي أيت أم ر اهلل‪ ،‬وه و كالم ه بقبض أرواح املؤم نني واملؤمن ات‪ .‬وج اء يف ح ديث‬
‫آخر‪  :‬حىت لو كان أحدهم يف كبد جبل‪ ،‬لدخلت عليه حىت تقبضه فإذا قبضت أرواح‬
‫املؤمنني واملؤمنات‪ ،‬بقي الكفرة يتهارجون كما تتهارج احلمر‪ ،‬فعليهم تقوم الساعة ‪.‬‬
‫خالًف ا ملا قال الشارح ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬حيث قال‪ :‬إن املراد بأمر اهلل هنا هو قيام الساعة‪،‬‬
‫فه ذا ليس بص حيح‪ ،‬والص واب ح ىت ي أيت أم ر اهلل‪ ،‬وه و كالم ه بقبض أرواح املؤم نني ال‬
‫الساعة؛ وألن الساعة ال تقوم على املؤمنني‪ ،‬إمنا تقوم على الكفرة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال يزال من أمتي أمة قائمة بأمر اهلل"‬
‫‪- 7460‬حدثنا احلميدي‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ،‬حدثنا ابن جابر‪ ،‬حدثين عمري بن هانئ أنه مسع‬
‫يق ول‪  :‬ال ي زال من أم يت أم ة قائم ة ب أمر اهلل‪ ،‬م ا يض رهم من‬ ‫معاوي ة ق ال‪ :‬مسعت الن يب ‪‬‬
‫كذهبم وال من خالفهم‪ ،‬حىت يأيت أمر اهلل‪ ،‬وهم على ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬مالك بن خيامر‪ ،‬مسعت‬
‫معاًذا يقول‪ :‬وهم بالشام‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬هذا مالك يزعم أنه مسع معاًذا يقول‪ :‬وهم بالشام ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وهذا كما سبق يف احلديث الذي قبله أن املراد بأمر اهلل‪ :‬هو أمره بقبض أرواح املؤمنني‬
‫واملؤمنات‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.54 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الرعد آية ‪.31 :‬‬

‫‪149‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫صحايب يروي‪ ،‬عن‬ ‫‪‬‬ ‫وهذا فيه فائدة حديثية وهي‪ :‬رواية األكابر عن األصاغر‪ ،‬فمعاوية‬
‫مالك بن خيامر‪ ،‬وهو تابعي‪.‬‬
‫حديث‪ " :‬لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها"‬
‫‪- 7461‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن عبد اهلل بن أيب حسني‪ ،‬حدثنا نافع بن جبري‪ ،‬عن‬
‫على مس يلمة يف أص حابه‪ ،‬فق ال‪ :‬ل و س ألتين ه ذه القطع ة م ا‬ ‫‪‬‬ ‫ابن عب اس ق ال‪  :‬وق ف الن يب‬
‫أعطيتكها‪ ،‬ولن تعدو أمر اهلل فيك‪ ،‬ولئن أدبرت ليعقرنك اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ملا جاء وفد بين حنيفة‪ ،‬ومعهم مسيلمة‪ ،‬وذلك يف عام الوفود يف‬ ‫‪‬‬ ‫وهذا قاله النيب‬
‫السنة التاسعة‪ ،‬فجلس مسيلمة وصاحب معه عند رحل قومهم‪ ،‬وذهب قومه ليبايعوا النيب‬
‫فق ال مسيلمة لص احبه ‪-‬ومل يكن ق د ظه ر أم ره بع د‪ -‬ق ال‪ :‬ل و أش ركين حمم د يف النب وة‬ ‫‪‬‬
‫ومعه قطعة عصا وقال له‪( :‬لو سألتين هذه القطعة‪ ،‬ما أعطيتكها‪ ،‬ولن‬ ‫‪‬‬ ‫لبايعته‪ .‬فجاء النيب‬
‫تعدو أمر اهلل فيك‪ ،‬ولئن أدبرت ليعقرنك اهلل)‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬ولن تعدو أمر اهلل فيك)‪ :‬أي‪ :‬كالمه ‪-‬سبحانه‪ -‬فيما قضاه وقدره عليك‬
‫من الشقاوة والسعادة‪ ،.‬مث قال‪( :‬ولئن أدبرت)‪ :‬أي‪ :‬عن اإلسالم‪( .‬ليعقرنك اهلل)‪ :‬أي‪ :‬ليهلكنك‬
‫(إن األرض بينن ا نص فني‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‪ .‬وج اء بع د ذل ك أن مس يلمة ق ال يف كت اب بعث ه للن يب‬
‫من حمم د رسول اهلل إىل مسيلمة الك ذاب‪ ،‬أم ا‬ ‫‪‬‬ ‫ولكن قريًش ا يعت دون) فكتب ل ه الن يب‬
‫‪‬‬

‫بعد‪ :‬فإن األرض هلل يورثها من يشاء من عباده‪ ،‬والعاقبة للمتقني ‪.‬‬
‫فاحلاصل أن الشقاوة والسعادة‪ ،‬إمنا كانت بأمر اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬كما سبق يف حديث ابن‬
‫مس عود أن املل ك ي ؤمر ب أربع كلم ات‪ :‬عمل ه‪ ،‬وأجل ه‪ ،‬ورزق ه‪ ،‬وش قي‪ ،‬أو س عيد‪ .‬والكلم ات‬
‫هي كلمات اهلل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فمررنا على نفر من اليهود"‬

‫‪150‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪- 7462‬ح دثنا موس ى بن إمساعيل‪ ،‬عن عب د الواح د‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن إب راهيم‪ ،‬عن علقم ة‪ ،‬عن‬
‫يف بعض ح رث املدين ة‪ ،‬وه و يتوك أ على‬ ‫‪‬‬ ‫ابن مس عود ق ال‪  :‬بين ا أن ا أمش ي م ع الن يب‬
‫عس يب مع ه‪ ،‬فمررن ا على نف ر من اليه ود فق ال بعض هم لبعض‪ :‬س لوه عن ال روح‪ ،‬فق ال‬
‫بعضهم‪ :‬ال تسألوه أن جييء فيه بشيء تكرهونه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬لنسألنه‪ ،‬فقام إليه رجل منهم‬
‫‪‬‬‫فق ال‪ :‬ي ا أب ا القاس م م ا ال روح؟ فس كت عن ه الن يب ‪ ‬فعلمت أن ه ي وحى إلي ه‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫َو َيْس َأُلوَنَك َعِن ال ُّر وِح ُق ِل ال ُّر وُح ِم ْن َأْم ِر َر يِّب َو َم ا ُأوُتوا ِم َن اْلِعْلِم ِإال َقِليال ‪  (1) ‬قال‬
‫األعمش‪ :‬هكذا يف قراءتنا‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬أن جييء فيه بشيء تكرهونه)‪ :‬التقدير خشية أن جييء بشيء تكرهونه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فعلمت أنه يوحى إليه) هذا تفسري للحديث الذي مر قبل هذا‪ ،‬حيث قال ابن‬
‫عب اس‪( :‬فعلمت أن ه ي وحى إلي ه) ويف الرواي ة الس ابقة‪( :‬فظننت أن ه ي وحى إلي ه) ف دل على أن‬
‫الظن هناك مبعىن العلم‪.‬‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬من م أمور ريب‪ ،‬أي‪ :‬من‬ ‫‪     ‬‬ ‫والش اهد قول ه‪:‬‬
‫خملوقات ه ال يت ك انت ب أمره وكالم ه الس ابق‪ .‬ف األمر ي أيت مبع ىن املأمور‪ ،‬ك اخللق ي أيت مبع ىن‬
‫‪ )3( ‬أي‪ :‬هذا من‬ ‫‪          ‬‬ ‫املخلوق‪:‬‬
‫خملوقات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬قال األعمش هكذا يف قراءتنا)‪ :‬أي‪( :‬وما أوتوا من العلم) وقراءة حفص‬
‫(‪. ) 4‬‬ ‫‪   ‬‬

‫باب‪ :‬قول اهلل‪ُ" :‬قْل َلْو َك اَن اْلَبْح ُر ِم َد اًد ا ِلَك ِلَم اِت َر ِّبي"‬

‫‪.Takreej file not found - 1‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة لقمان آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.85 :‬‬

‫‪151‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

         :-‫تعاىل‬- ‫ باب قول اهلل‬- 30
( 1)
            
           
( 2)
             
           
         
.‫ ذلل‬:‫) سخر‬3(        

:‫الشرح‬
‫ وأن ه ص فة من‬،‫ إثب ات الكالم هلل‬-‫رمحه اهلل‬- ‫ أراد هبا املؤل ف‬-‫أيض ا‬- ‫ه ذه الرتمجة‬
‫ كالم اهلل خملوق؛ ألنه لو كان‬:‫ وفيه الرد على املعتزلة الذين يقولون‬،‫ وليس خملوًقا‬،‫صفاته‬
‫ وينتهي؛‬،‫ فهو ينفد‬،‫ أما املخلوق‬.‫ وكالم اهلل ليس له هناية‬،‫خملوًقا لنفد كما تنفد املخلوقات‬
         :-‫تع اىل‬- ‫ل ذلك ق ال اهلل‬
‫ ح ًربا يكتب‬:‫ أي‬،‫ لو جعل البحر مداًدا‬:‫) أي‬4(       
    :‫ واآلي ة األخ رى‬.‫ ومل تنت ه كلم ات اهلل‬،‫ب ه كالم اهلل النتهى البح ر‬

           
‫ والبحر‬،‫ يكتب هبا‬،‫) واملعىن أنه لو جعل ما يف األرض من شجر أقالم‬5(    

‫ س بحانه‬،‫ ومل تنف د كلم ات اهلل‬،‫ ونف د البح ر‬،‫ميده من بع ده س بعة أحبر لتكس رت األقالم‬
‫ حيث فرق اهلل‬،‫) هذا الشاهد من اآلية‬6(        :‫ قوله‬.‫وتعاىل‬
،‫ ولو كان كالم اهلل خملوًقا ملا فرق بينهما‬،‫ فاألمر هو كالم اهلل‬.‫ بني اخللق واألمر‬-‫تعاىل‬-
‫ لكن ه ملا عط ف‬،‫ وي دخل األم ر يف اخلل ق‬،‫ أال ل ه اخلل ق فق ط‬:‫ول و ك ان األم ر خملوًق ا لق ال‬

.109 : ‫ سورة الكهف آية‬- 1

.27 : ‫ سورة لقمان آية‬- 2

.54 : ‫ سورة األعراف آية‬- 3

.109 : ‫ سورة الكهف آية‬- 4

.27 : ‫ سورة لقمان آية‬- 5

.54 : ‫ سورة األعراف آية‬- 6

152
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫بينهما والعطف يقتضي املغايرة دل على أن اخللق غري األمر؛ هلذا قال الشافعي وغريه‪( :‬إن‬
‫اهلل فرق بني اخللق واألمر‪ ،‬فمن مجع بينهما‪ ،‬فقد كفر)‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬تكفل اهلل لمن جاهد في سبيله"‬


‫‪- 7463‬حدثنا عبد اهلل بن يوسف‪ ،‬أخربنا مالك‪ ،‬عن أيب الزناد‪ ،‬عن األع رج‪ ،‬عن أيب هري رة أن‬
‫قال‪  :‬تكفل اهلل ملن جاهد يف سبيله‪ ،‬ال خيرجه من بيته إال اجلهاد يف سبيله‬ ‫رسول اهلل ‪‬‬
‫وتصديق كلمته‪ ،‬أن يدخله اجلنة‪ ،‬أو يرده إىل مسكنه مبا نال من أجر‪ ،‬أو غنيمة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث مضى بيانه‪ ،‬وفيه أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ضمن ملن جاهد يف سبيله بأحد أمرين‪:‬‬
‫اجلنة إن استشهد‪ ،‬أو يرجعه إىل مسكنه مبا نال من أجر‪ ،‬أو غنيمة‪ ،‬إن مل يغنم مت أجره‪،‬‬
‫وإن غنم نقص أج ره‪ ،‬وحص ل ل ه أج ر وغنيم ة‪ .‬وه و مقي د بش رط أن يك ون يف جه اده‬
‫خملًص ا هلل وإلعالء كلم ة اهلل وتص ديًق ا بكلمت ه‪ ،‬وه ذا ه و الش اهد‪ ،‬واملراد تص ديق كلمت ه‬
‫الدينية الشرعية‪ ،‬وهو ما أخرب به يف كتابه من فضل الشهادة‪ ،‬واجلهاد يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫باب‪ :‬في المشيئة واإلرادة‬
‫حديث‪" :‬إذا دعوتم اهلل فاعزموا في الدعاء"‬
‫‪ - 31‬باب يف املشيئة واإلرادة‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫وق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬
‫)‪( 3‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )4( ‬ق ال س عيد بن املس يب‪ ،‬عن أبي ه‪ :‬نـزلت يف أيب ط الب‬
‫(‪. ) 5‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.26 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلنسان آية ‪.30 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الكهف آية ‪.24-23 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة القصص آية ‪.56 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة البقرة آية ‪.185 :‬‬

‫‪154‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪- 7464‬حدثنا مسدد‪ ،‬حدثنا عبد الوارث‪ ،‬عن عبد العزيز‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬قال رسول‬
‫إذا دعومت اهلل‪ ،‬فاعزموا يف الدعاء‪ ،‬وال يقولن أحدكم‪ :‬إن شئت فأعطين‪ ،‬فإن اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫ال مستكره له ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذه الرتمجة لبيان إرادة اهلل ومشيئته‪ .‬واإلرادة عند أهل السنة واجلماعة نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬إرادة كونية قدرية ترادف املشيئة‪.‬‬
‫‪ -2‬إرادة دينية شرعية‪ ،‬مبعىن احملبة والرضا‪.‬‬
‫فاملشيئة واحدة أما اإلرادة فهي نوعان‪ :‬وهذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص يف‬
‫تقسيم اإلرادة إىل نوعني‪.‬‬
‫وقد غلط كل من اجلربية والقدرية‪ ،‬فلم يقسموا اإلرادة إىل قسمني‪ .‬فاإلرادة واحدة عند‬
‫اجلربي ة‪ ،‬وهي الكوني ة فق ط‪ ،‬وليس عن دهم إرادة ديني ة‪ .‬وهي واح دة عن د القدري ة‪ ،‬وهي‬
‫اإلرادة الدينية‪ ،‬وليس عندهم اإلرادة الكونية‪ .‬فهدى اهلل أهل السنة واجلماعة‪ ،‬فقسموا اإلرادة‬
‫إىل قسمني‪ ،‬على حسب ما ورد يف النصوص‪.‬‬
‫واجلهمية واألشاعرة جربية‪ ،‬ليس عنده إال اإلرادة الكونية‪ ،‬واملعتزلة قدرية‪ ،‬ليس عندهم‬
‫إال اإلرادة الدينية‪ ،‬وأنكروا اإلرادة الكونية‪ ،‬ومذهب كل منهما باطل‪.‬‬
‫واملؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ساق نصوًص ا كثرية يف إثبات املشيئة‪ ،‬وهي كثرية‪ .‬كقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪ ‬وقول ه ‪ ‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه‬ ‫(‪ )2‬وقول‬ ‫‪            ‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.26 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلنسان آية ‪.30 :‬‬

‫‪155‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪ )1‬وقول ه‬ ‫‪        ‬‬

‫(‪ )2‬اليت نـزلت يف أيب طالب‪.‬‬ ‫‪       ‬‬

‫‪ )3( ‬هذه إرادة دينية‬ ‫‪        ‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ )4( ‬وقوله‬ ‫‪    ‬‬ ‫شرعية؛ ألنه بعد ما ذكر أحكام الصيام قال‪:‬‬
‫(‪ )5‬ه ذه إرادة كوني ة قدري ة‪،‬‬ ‫‪         ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫ال يتخلف مرادها‪ ،‬أما الدينية‪ ،‬فقد يتخلف مرادها‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫‪ )6( ‬ه ذه إرادة ديني ة‪ ،‬واملع ىن إمنا يري د اهلل ديًن ا وش رًعا؛‬ ‫‪   ‬‬

‫‪‬‬ ‫ألن بعض أهل البيت مل يقع هلم التطهري كأيب جهل وأيب هلب‪ ،‬وهم من قرابة الرسول‬
‫ومن ب ين هاش م‪ ،‬وم ع ذل ك مل يطه روا من الش رك‪ .‬وقول ه‪( :‬ولكن اهلل يفع ل م ا يري د) ه ذه‬
‫إرادة كونية‪.‬‬
‫‪ )7( ‬هذه إرادة دينية‪.‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫ومع ىن قولن ا‪ :‬إن اإلرادة الكوني ة ت رادف املش يئة‪ .‬أي‪ :‬ترادفه ا يف معناه ا‪ ،‬فمعناه ا مع ىن‬
‫‪ )8( ‬أي‪ :‬إال أن يري د اهلل‪ ،‬فم ا‬ ‫‪       ‬‬ ‫املش يئة فقول ه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫تشاءون شيًئا إال إذا أراده اهلل وشاءه كوًنا وقدًر ا‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ )9( ‬املع ىن‪ ،‬من يشأ اهلل أن يهدي ه‪ ،‬فهي مبع ىن املشيئة‪ .‬خبالف اإلرادة الديني ة‪ ،‬فليست مبع ىن‬
‫املشيئة‪ ،‬بل هي مبعىن احملبة والرضا‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة التكوير آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القصص آية ‪.56 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.185 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة البقرة آية ‪.185 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة األنعام آية ‪.125 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة األحزاب آية ‪.33 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة األنفال آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة اإلنسان آية ‪.30 :‬‬

‫‪ - 9‬سورة األنعام آية ‪.125 :‬‬

‫‪156‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫على هداي ة‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ق ال س عيد بن املس يب نـزلت يف أيب ط الب)‪ :‬أي‪ :‬ملا ح رص الن يب‬
‫عم ه‪ ،‬ولكن مل ي رد اهلل ل ه اهلداي ة‪ ،‬أي م ا أراد اهلل ل ه اهلداي ة كوًن ا وق دًر ا‪ ،‬فهي مبع ىن‬
‫املشيئة‪.‬‬
‫فكل ما يف الكون أراده اهلل كوًنا وقدًر ا‪ ،‬فال يقع يف ملك اهلل إال ما يريد‪ ،‬فاملعاصي‬
‫والشرور وقعت بإرادة اهلل الكونية‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ال يرضاها ديًنا وشرًعا‪ ،‬ولكن أرادها كوًنا‬
‫وقدًر ا فوقعت‪ ،‬ملا له يف ذلك من احلكم اليت ترتتب عليها‪ ،‬اليت منها ما يرتتب على هذه‬
‫املعاصي من العبادات املتنوعة كعبودية التوبة‪ ،‬وعبودية الصرب‪ ،‬وعبودية األمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنك ر‪ ،‬وعبودي ة ال والء وال رباء‪ ،‬وعبودي ة اجله اد يف س بيل اهلل‪ ،‬وغ ري ذل ك من أن واع‬
‫مقامات العبودية‪ .‬ومع ذلك فقد هنى ‪-‬سبحانه‪ -‬عنها‪ ،‬وغضب على فاعلها‪.‬‬
‫ومما يف رق بني اإلرادة الكوني ة‪ ،‬واإلرادة الش رعية‪ :‬أن اإلرادة الكوني ة‪ ،‬ال يتخل ف مراده ا‬
‫خبالف اإلرادة الدينية الشرعية‪ ،‬فقد يتخلف مرادها‪ ،‬فقد تقع‪ ،‬وقد ال تقع‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫أم ر بإق ام الص الة‪ ،‬وهنى عن ش رب اخلم ر‪ ،‬فمن الن اس من امتث ل ه ذا األم ر ومنهم من مل‬
‫ميتث ل‪ .‬فمن أراد اهلل ل ه كوًن ا وق دًر ا أن ميتث ل‪ ،‬فال ب د أن ميتث ل‪ ،‬فتجتم ع يف ح ق املؤمن‬
‫اإلرادتان‪ :‬الشرعية والكونية‪ ،‬وأما الكافر والعاصي يف فعله للمعصية‪ ،‬تنفرد يف حقهما اإلرادة‬
‫الكونية‪.‬‬
‫قوله‪( :‬اعزموا يف الدعاء‪ :)...‬أي‪ :‬اجزموا يف الدعاء‪ ،‬وال ترتددوا‪ ،‬وال تستثنوا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وال يق ولن أح دكم‪ ،‬إن ش ئت ف أعطين‪ :)...‬ه ذا الش اهد من احلديث‪ ،‬ففي ه إثب ات‬
‫املشيئة هلل تعاىل‪.‬‬
‫واحلديث يفي د النهي‪ ،‬عن االس تثناء يف ال دعاء‪ ،‬ويف احلديث اآلخ ر‪  :‬ال يق ل أح دكم‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫اللهم اغف ر يل‪ ،‬إن شئت‪ ،‬اللهم ارمحين‪ ،‬إن شئت‪ ،‬ليع زم املسألة‪ ،‬فإن اهلل ال مك ره له‬
‫ويف وليقل‪ :‬اللهم اغفر يل‪ ،‬وال يقل‪ :‬إن شئت؛ ألن قوله‪ :‬إن شئت‪ ،‬يدل على ضعف مهته‬
‫ورغبته فيما يطلبه وي دعوه‪ ،‬وكأنه مستغٍن ‪ ،‬عن املطلوب‪ ،‬وكأنه يقول‪ :‬يا اهلل‪ ،‬إن شئت‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ف اغفر يل‪ ،‬وإن ش ئت‪ ،‬فال تغف ر يل‪ ،‬فأن ا لس ت حباج ة إىل املغف رة‪ .‬وال ش ك أن ه ذا ال‬
‫يصلح؛ ألن اإلنسان يف أشد احلاجة إىل مغفرة اهلل‪. ،‬‬
‫وكأن ه حينم ا ق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ف إن اهلل ال مك ره ل ه) ويف لف ظ‪  :‬ف إن اهلل ال مس تكره ل ه‬
‫اللهم اغف ر يل‪ ،‬إن ش ئت‪ ،‬اللهم ارمحين‪،‬إن ش ئت‪ ،‬كأن ه يق ول‪ :‬ال ألزم ك ياهلل ب املغفرة يل‪،‬‬
‫ومفهومه أنه إن مل يقيد ذلك باملشيئة‪ ،‬أن فيه إلزاًم ا هلل‪ ،‬فهو يوحي باإللزام واإلكراه‪ ،‬واهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬ال مكره له‪.‬‬
‫وأما ما جاء يف احلديث اآلخر‪ ،‬كما سيأيت‪  :‬ملا زار النيب ‪ ‬رجال مريًض ا‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫طهور إن شاء اهلل ‪ ‬فهذا ليس املراد به الدعاء‪ ،‬وإمنا املراد به اخلرب‪.‬‬
‫وما حيصل من بعض الناس‪ ،‬أنه إذا قابل صاحبه وقد حج‪ ،‬أو اعتمر قال له‪ :‬تقبل اهلل‬
‫منك ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬لعل هذا من باب التربك بذكر اسم اهلل‪ ،‬ومع ذلك األوىل أال يأيت‬
‫ب ه‪ ،‬بل يق ول‪ :‬تقبل اهلل من ا ومن ك غف ر اهلل لن ا ولك‪ ،‬من دون استثناء؛ ألن ال دعاء ليس‬
‫فيه استثناء‪.‬‬
‫حديث‪ " :‬أال تصلون؟"‬
‫‪- 7465‬ح دثنا أب و اليم ان‪ ،‬أخربن ا ش عيب‪ ،‬عن الزه ري‪ ،‬و ح دثنا إمساعيل‪ ،‬ح دثين أخي عب د‬
‫احلمي د‪ ،‬عن س ليمان‪ ،‬عن حمم د بن أيب ع تيق‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬عن علي بن حس ني‪ ،‬أن حس ني بن علي‬
‫طرق ه‪ ،‬وفاطم ة بنت‬ ‫‪‬‬ ‫أن رس ول اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫‪-‬عليهم ا الس الم‪ -‬أخ ربه أن علي بن أيب ط الب أخ ربه‬
‫ليلة‪ ،‬فق ال هلم‪ :‬أال تص لون؟ قال علي‪ :‬فقلت‪ :‬ي ا رسول اهلل‪ ،‬إمنا أنفس نا بي د‬ ‫‪‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫حني قلت ذل ك‪ ،‬ومل يرج ع إيل‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‪ ،‬ف إذا ش اء أن يبعثن ا بعثن ا‪ ،‬فانص رف رس ول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫شيًئا‪ ،‬مث مسعته‪ ،‬وهو مدبر يضرب فخذه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫‪.  (1) ‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الكهف آية ‪.54 :‬‬

‫‪158‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أرش د علًّي ا وفاطم ة ‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬إىل قي ام اللي ل‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا احلديث في ه أن الن يب‬
‫جبواب ال ينبغي‬ ‫‪‬‬ ‫(فق ال هلم‪ :‬أال تص لون) ويف اللف ظ اآلخ ر‪( :‬أال تص ليان)‪ .‬فأجاب ه علي‬
‫فق ال‪( :‬إمنا أنفس نا بي د اهلل)‪ :‬أي‪ :‬أرواحن ا (إن ش اء أن يبعثه ا بعثه ا) واملع ىن‪ :‬أنن ا نن ام‪ ،‬وال‬
‫‪‬‬ ‫مل ي رغب يف ه ذا اجلواب؛ وهلذا وىل‬ ‫‪‬‬ ‫نس تيقظ إال إذا أراد اهلل أن نس تيقظ‪ .‬ف النيب‬
‫‪ )1( ‬ألن هذا من‬ ‫‪      ‬‬ ‫وهو يضرب فخذه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫أن يق ول‪ :‬إن ش اء اهلل‪ ،‬ونسأل اهلل أن يعينن ا‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫اجلدل ال ذي ال ينبغي‪ ،‬وك ان ينبغي لعلي‬
‫وسنبذل السبب يف قيام الليل‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬أال تص لون)‪ :‬ق د يطل ق على املث ىن مجع‪ ،‬ومن العلم اء من ق ال‪ :‬أق ل اجلم ع اثن ان‪،‬‬
‫‪ )2( ‬يف عائش ة وحفص ة‪ ،‬ومل يق ل‪ :‬فق د‬ ‫‪    ‬‬ ‫مث ل قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫صغى قلباكما‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬إذا شاء أن يبعثها بعثها)‪ :‬هذا هو الشاهد من احلديث‪ ،‬ففيه إثبات املشيئة هلل‬
‫أقره على املشيئة‪ .‬وال شك أن األنفس بيد اهلل‪ ،‬لكن ليس هذا اجلواب الذي‬ ‫‪‬‬ ‫ألن النيب‬
‫ينبغي‪ ،‬فهو خالف األوىل من علي ‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫االحتجاج بالقدر له حالتان‪:‬‬
‫‪ - 1‬االحتجاج بالقدر على املصائب إذا نـزلت‪ ،‬هذا ال بأس به‪.‬‬
‫‪ - 2‬االحتج اج بالق در على املعاص ي واملع ائب‪ ،‬وه ذا ممن وع‪ ،‬فليس الق در حج ة على‬
‫املعاصي‪.‬‬
‫حديث‪ " :‬مثل المؤمن كمثل خامة الزرع"‬
‫‪- 7466‬ح دثنا حمم د بن س نان‪ ،‬ح دثنا فليح‪ ،‬ح دثنا هالل بن علي‪ ،‬عن عط اء بن يس ار‪ ،‬عن أيب‬
‫ق ال‪  :‬مث ل املؤمن كمث ل خام ة ال زرع يفيء ورق ه‪ ،‬من حيث‬ ‫‪‬‬ ‫أن رس ول اهلل‬ ‫هري رة ‪‬‬
‫‪ - 1‬سورة الكهف آية ‪.54 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التحريم آية ‪.4 :‬‬

‫‪159‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أتتها الريح تكفئها‪ ،‬فإذا سكنت اعتدلت‪ ،‬وكذلك املؤمن يكفأ بالبالء‪ ،‬ومثل الكافر كمثل‬
‫األرزة صماء معتدلة‪ ،‬حىت يقصمها اهلل إذا شاء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وه ذا ه و الش اهد من‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ح ىت يقص مها اهلل إذا ش اء)‪ :‬في ه إثب ات املش يئة هلل‬
‫احلديث‪.‬‬
‫قوله‪( :‬األْر َز ة)‪ :‬فيها وجهان‪ ،‬بسكون الراء وفتح الزاي‪ ،‬والوجه الثاين بفتح الراء والزاي‬
‫وهو شجر الصنوبر‪ ،‬وهو شجر قوي ثابت ال تؤثر عليه الرياح‪ ،‬حىت يسقط مرة واحدة‪.‬‬
‫واحلديث في ه بي ان ملث ل املؤمن‪ ،‬ومث ل الك افر‪ ،‬فمث ل املؤمن كخام ة ال زرع لين ة تقلبه ا‬
‫الريح مييًن ا ومشاال‪ ،‬وهذا مثل املؤمن يصيبه‪ ،‬ويتكفؤه البالء واملصائب والنكبات؛ حىت يكفر‬
‫اهلل من سيئاته وخطاياه‪ ،‬كما أن خامة الزرع تتكفؤها الرياح مييًنا ومشاال‪ .‬وأما الكافر فمثل‬
‫األرزة صماء معتدلة‪ ،‬أي‪ :‬قوية ال حتركها الريح‪ ،‬إذا جاءها ريح قوية سقطت مرة واحدة‪،‬‬
‫ليس ت كخام ة ال زرع تكفؤه ا ال ريح مييًن ا ومشاال‪ ،‬ب ل هي ص ماء قوي ة ثابت ة ال تس قط إال‬
‫مرة واحدة‪ ،‬وكذلك الكافر يبقى ال يصيبه البالء‪ ،‬حىت يهلكه اهلل‪ ،‬وهذا يف الغالب‪ ،‬وإال‬
‫فإن هناك من الكفرة من تصيبه الباليا واحملن‪.‬‬
‫حديث‪" :‬هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟"‬
‫‪- 7467‬حدثنا احلكم بن نافع‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬أخربين سامل بن عبد اهلل‪ ،‬أن عبد اهلل‬
‫وهو قائم على املنرب يقول‪  :‬إمنا بقاؤكم‬ ‫بن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪‬‬
‫فيما سلف قبلكم من األمم‪ ،‬كما بني صالة العصر إىل غروب الشمس‪ ،‬أعطي أهل التوراة‬
‫الت وراة‪ ،‬فعمل وا هبا ح ىت انتص ف النه ار‪ ،‬مث عج زوا‪ ،‬ف أعطوا قرياًط ا قرياًط ا‪ ،‬مث أعطي أه ل‬
‫اإلجنيل اإلجنيل‪ ،‬فعملوا به حىت صالة العصر‪ ،‬مث عجزوا‪ ،‬فأعطوا قرياًط ا قرياًط ا‪ ،‬مث أعطيتم‬
‫الق رآن‪ ،‬فعملتم ب ه ح ىت غ روب الش مس‪ ،‬ف أعطيتم ق رياطني ق رياطني‪ ،‬ق ال أه ل الت وراة‪ :‬ربن ا‬

‫‪160‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ؤالء أق ل عمال‪ ،‬وأك ثر أج ًر ا‪ ،‬ق ال‪ :‬ه ل ظلمتكم من أج ركم من ش يء؟ ق الوا‪ :‬ال‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫فذلك فضلي أوتيه من أشاء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هلذه األمة‪ ،‬ولألمم السابقة‪ .‬وفيه أن نسبة زمان هذه األمة‬ ‫‪‬‬ ‫هذا فيه مثل ضربه النيب‬
‫إىل ما سبق كنسبة ما بعد العصر إىل غروب الشمس‪ ،‬بالنسبة إىل أول النهار‪ ،‬فإذا نسبت‬
‫م ا بع د العص ر إىل غ روب الش مس‪ ،‬إىل أول النه ار إىل العص ر‪ ،‬جتد أن ه ذه األم ة س بقها‬
‫هو نيب الساعة‪ ،‬فنسبة بقاء هذه األمة يف الدنيا‬ ‫‪‬‬ ‫أمم كثرية‪ ،‬وهي يف آخر الناس ونبينا‬
‫إىل ما مضى كنسبة ما بعد العصر إىل غروب الشمس‪ ،‬إذا نسبته إىل ما مضى من النهار‪.‬‬
‫أن هذه األمة أقل عمال وأعظم أجوًر ا‪ ،‬وهذا فضل اهلل يوتيه من يشاء‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫وبني النيب‬
‫ضرب مثال لليهود والنصارى وهذه األمة‪ ،‬فاليهود أعطوا التوراة‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وفيه أن النيب‬
‫‪‬‬ ‫هلم اعمل وا هبا‪ ،‬فعمل وا من أول النه ار إىل الظه ر على ق رياط ق رياط‪ ،‬ويف اللف ظ اآلخ ر‪:‬‬
‫مثلهم كمثل من استأجر أجًريا فقال له‪ :‬اعمل من أول النهار إىل الظهر على قرياط قرياط‪،‬‬
‫فعمل وأخذ قرياًطا ‪ ‬ويف هذا احلديث أهنم عملوا فعجزوا‪ ،‬فأخذوا قرياًطا قرياًطا‪ ،‬واستأجر‬
‫آخ رين من الظه ر إىل العص ر فعمل وا‪ ،‬فأعط اهم قرياًط ا قرياًط ا‪ ،‬مث اس تأجر آخ رين من بع د‬
‫العص ر إىل غ روب الش مس على ق رياطني ق رياطني‪ ،‬فغض ب األول ون‪ ،‬وق الوا‪ :‬كي ف تعطيهم‬
‫قرياطني قرياطني‪ ،‬وحنن أطول زمًن ا وأقل أج ًر ا‪ ،‬فقال‪ :‬هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا‪:‬‬
‫ال‪ ،‬قال‪ :‬ذلك فضلي أوتيه من أشاء‪ ،‬ويف اللفظ اآلخر‪( :‬فغضبت اليهود والنصارى ملا أعطى‬
‫هذه األمة)‪.‬‬
‫فهذا مثل فضل اهلل على هذه األمة‪ ،‬أهنم أقل عمال وأكثر أجوًر ا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ذلك فضلي أوتيه من أشاء)‪ :‬هذا الشاهد من احلديث‪ ،‬ففيه إثبات املشيئة هلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أبايعكم على أن ال تشركوا باهلل شيًئا"‬

‫‪161‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪- 7468‬حدثنا عب د اهلل املسندي‪ ،‬حدثنا هشام‪ ،‬أخربن ا معمر‪ ،‬عن الزه ري‪ ،‬عن أيب إدريس‪ ،‬عن‬
‫يف رهط فقال‪  :‬أبايعكم على أن ال تشركوا باهلل‬ ‫عبادة بن الصامت قال‪ :‬بايعت رسول اهلل ‪‬‬
‫ش يًئا‪ ،‬وال تس رقوا‪ ،‬وال تزن وا‪ ،‬وال تقتل وا أوالدكم‪ ،‬وال ت أتوا ببهت ان تفرتون ه بني أي ديكم‬
‫وأرجلكم‪ ،‬وال تعصوين يف معروف‪ ،‬فمن وىف منكم فأجره على اهلل‪ ،‬ومن أصاب من ذلك‬
‫ش يًئا فأخ ذ ب ه يف ال دنيا‪ ،‬فه و ل ه كف ارة وطه ور‪ ،‬ومن س رته اهلل ف ذلك إىل اهلل‪ ،‬إن ش اء‬
‫عذبه‪ ،‬وإن شاء غفر له ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫على عبادة بن الصامت وغريه من الصحابة‪ ،‬وهذه البيعة اليت‬ ‫‪‬‬ ‫هذه البيعة أخذها النيب‬
‫بايع هبا الرجال‪ ،‬بايع هبا النساء‪ ،‬فهي كبيعة النساء‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪ -‬يف سورة املمتحنة‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪         ‬‬


‫‪ )1( ‬فهذه البيعة اليت بايع هبا النساء‪،‬‬ ‫‪        ‬‬

‫على‬ ‫‪‬‬ ‫بايع الصحابة بيعات متعددة‪ ،‬فبايع بعض الصحابة‬ ‫‪‬‬ ‫بايع هبا عبادة وأصحابه‪ .‬والنيب‬
‫يسقط سوط‬ ‫‪‬‬ ‫قال الراوي‪( :‬فكان ذلك الرهط الذين بايعهم النيب‬ ‫‪‬‬ ‫أال يسألوا الناس شيئا‬
‫أح دهم‪ ،‬فال يس أل أح ًد ا أن يناول ه) وإن ك ان ه ذا ج ائًز ا‪ ،‬لكن ه ذا م ا ب ايعوا ب ه رس ول‬
‫اهلل‪. ،‬‬
‫قوله‪( :‬وال تأتوا ببهتان تفرتونه‪ ،‬بني أيديكم وأرجلكم)‪ :‬هو كل ما خالف الشرع من‬
‫اإلمث‪( .‬بني أيديكم وأرجلكم)‪ :‬أي‪ :‬أمامكم‪ ،‬أو خلفكم‪ .‬كافرتاء الكذب على اهلل ورسوله‪ ،‬أو‬
‫االفرتاء على الناس‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الممتحنة آية ‪.12 :‬‬

‫‪162‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬فمن ويف منكم‪ ،‬ف أجره على اهلل)‪ :‬أي‪ :‬من ال تزم هبذه البيع ة‪ ،‬ووىف هبا‪ ،‬ف أجره‬
‫على اهلل‪ ،‬أي‪ :‬أن أجره يقع كامال‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن أصاب من ذلك شيئا‪ :)....‬أي‪ :‬من مل ي ِف ‪ ،‬واجرتح شيًئا من ذلك كالزنا‪،‬‬
‫أو الس رقة‪ ،‬أو أتى ببهت ان‪ ،‬مث أخ ذ‪ ،‬وع وقب ب ه‪ ،‬فه و كف ارة ل ه وطه ور‪ .‬وه ذا في ه دلي ل‬
‫على أن احلدود كف ارات‪ ،‬وك ذلك إذا ت اب‪ ،‬فالتوب ة طه ور‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أك رم من أن‬
‫جيمع له بني عقوبتني‪ :‬عقوبة الدنيا‪ ،‬وعقوبة اآلخرة‪ .‬فإذا شرب املسلم اخلمر‪ ،‬وأخذ وجلد‪،‬‬
‫فه و كف ارة ل ه‪ ،‬أي‪ :‬أن احلد يكف ر ه ذه املعص ية ال يت عمله ا‪ ،‬وك ذلك إذا ت اب بين ه وبني‬
‫وه و حتت املش يئة ق ال ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‪ .‬أم ا إن مل يتب‪ ،‬ومل يقم علي ه احلد‪ ،‬فه ذا أم ره إىل اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪              ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫(‪ )1‬إن شاء اهلل عذبه جبرميته‪ ،‬مث يدخله اجلنة‪ ،‬وإن شاء عفى عنه‪ ،‬وهذا معىن قوله‪:‬‬
‫(ومن س رته اهلل ف ذلك إىل اهلل‪ ...‬إن ش اء عذب ه وإن ش اء غف ر ل ه)‪ :‬وه ذا الش اهد من‬
‫احلديث ففيه إثبات املشيئة هلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ألطوفن الليلة على نسائي"‬
‫‪- 7469‬ح دثنا معلى بن أس د‪ ،‬ح دثنا وهيب‪ ،‬عن أي وب‪ ،‬عن حمم د‪ ،‬عن أيب هري رة‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عنه‪  :-‬أن نيب اهلل سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان له ستون امرأة‪ ،‬فقال‪ :‬ألطوفن الليلة على‬
‫نس ائي فلتحملن ك ل ام رأة‪ ،‬ولتل دن فارًس ا يقات ل يف س بيل اهلل‪ ،‬فط اف على نس ائه‪ ،‬فم ا‬
‫ولدت منهن إال امرأة ولدت شق غالم‪ ،‬قال نيب اهلل ‪ ‬لو كان سليمان استثىن‪ ،‬حلملت‬
‫كل امرأة منهن‪ ،‬فولدت فارًس ا يقاتل يف سبيل اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.48 :‬‬

‫‪163‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هذا احلديث فيه أن سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬طاف على ستني امرأة‪ ،‬ويف الرواية األخرى‬
‫أنه طاف على تسعني امرأة يف ليلة واحدة‪ ،‬وهذا يدل على أن شريعة التوراة‪ ،‬فيها توسع‬
‫يف تعدد النساء‪.‬‬
‫وه ذا ي دل على هبت اليه ود والنص ارى‪ ،‬وع دم إنص افهم‪ ،‬فهم ي رون الق ذا يف عني‬
‫خصومهم‪ ،‬وال يرون اجلذع يف أعينهم‪ ،‬فهم يعيبون على هذه األمة التعدد‪ ،‬مع علمهم أن‬
‫شريعة التوراة فيها تعدد وأن أنبياء اهلل يعددون‪ ،‬فهذا نيب اهلل سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬طاف‬
‫على ستني امرأة يف ليلة واحدة‪ ،‬ويف الرواية الثانية‪ :‬على تسعني امرأة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فلتحملن كل امرأة ولتلدن فارًس ا‪ :)..‬ويف لفظ (فلتلد كل امرأة منهن غالًم ا) كان‬
‫‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬مهه اآلخ رة واجله اد يف س بيل اهلل إلعالء كلم ة اهلل‪ ،‬وليس مهه‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬لو كان سليمان استثىن‪ :).....‬ويف اللفظ اآلخر‪  :‬قال له صاحبه‪ :‬قل‪ :‬إن شاء اهلل‪،‬‬
‫نسي ‪-‬عليه السالم‪ -‬أن‬ ‫‪‬‬ ‫ويف لفظ‪  :‬قال له امللك‪ :‬قل‪ :‬إن شاء اهلل‪ ،‬فلم يقل‬ ‫‪‬‬ ‫فلم يقل‬
‫(لو كان سليمان استثىن‪ ،‬حلملت كل امرأة منهن‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫يقول‪ :‬إن شاء اهلل؛ لذلك قال النيب‬
‫فولدت فارًس ا‪ ،‬جياهد يف سبيل اهلل)‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فط اف على نس ائه‪ ،‬فم ا ول دت منهن إال ام رأة ول دت ش ق غالم‪ :)...‬أي‪ :‬نص ف‬
‫إنسان ليس كامال‪ .‬وهذا يدل على أن االستثناء بقول‪( :‬إن شاء اهلل) له تأثري يف الغالب؛ لذا‬
‫‪‬‬ ‫‪           ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪. ) 1( ‬‬ ‫‪‬‬

‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬لو كان سليمان استثىن‪ :)...‬أي‪ :‬لو قال‪ :‬إن شاء اهلل‪ ،‬ففيه‬
‫إثبات املشيئة هلل ‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الكهف آية ‪.24-23 :‬‬

‫‪164‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ال يصح قول‪( :‬إن اهلل على ما يشاء قدير)‪ :‬ألن هذا يتمشى مع مذهب املعتزلة؛ ألن‬
‫املعتزلة ي رون هناك شيًئا ال يشاؤه اهلل‪ ،‬وهي أفعال العباد‪ ،‬فيقولون‪ :‬إن اهلل على ما يشاء‬
‫ق دير‪ ،‬أم ا أفع ال العب اد‪ ،‬فال يش اؤها اهلل‪ ،‬وال يق در عليه ا؛ ألهنم هم اخلالقون هلا‪ .‬وه ذا‬
‫‪‬‬ ‫(‪ )1‬أم ا قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫باط ل‪ ،‬وال واجب ق ول‬
‫‪ )2( ‬فهنا املشيئة مقيدة باجلمع‪ ،‬واملعىن إذا‬ ‫‪      ‬‬

‫يشاء مجعهم‪.‬‬
‫زيارة المريض والدعاء له‬
‫‪- 7470‬حدثنا حممد‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي‪ ،‬حدثنا خالد احلذاء‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫دخل على أعرايب يعوده‪ ،‬فقال‪ :‬ال بأس عليك‪ ،‬طهور‬ ‫‪‬‬ ‫‪-‬رضي اهلل عنهما‪  -‬أن رسول اهلل‬
‫إن شاء اهلل‪ ،‬قال‪ :‬قال األعرايب‪ :‬طهور‪ ،‬بل هي محى تفور‪ ،‬على شيخ كبري‪ ،‬تزيره القبور‪،‬‬
‫فنعم إذا ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال النيب‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وق ال ل ه‪( :‬طه ور إن ش اء اهلل) لكن ه م ا قب ل ه ذا وق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا األع رايب زاره الن يب‬
‫(فنعم إذا) أي‪ :‬إذا كنت ال تقب ل ه ذا‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫(طه ور؟ ب ل ه و محى تف ور‪ )...‬فق ال ل ه الن يب‬
‫فحصل لك ما قلت‪ .‬والظاهر أن األعرايب مات هبذه احلمى‪.‬‬
‫قوله‪( :‬طهور إن شاء اهلل)‪ :‬هذا هو الشاهد‪ ،‬ففيه إثبات املشيئة هلل ‪ .‬وهذا احلديث ال‬
‫يع ارض م ا س بق من وج وب الع زم يف ال دعاء‪ ،‬وع دم ال رتدد في ه؛ ألن ه ذا ليس من ب اب‬
‫الدعاء‪ ،‬إمنا هذا من باب اخلرب‪.‬‬
‫قضاء الفجر والراتبة إذا طلعت الشمس‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.20 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الشورى آية ‪.29 :‬‬

‫‪165‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪- 7471‬ح دثنا ابن س الم‪ ،‬أخربن ا هش يم‪ ،‬عن حص ني‪ ،‬عن عب د اهلل بن أيب قت ادة‪ ،‬عن أبي ه حني‬
‫إن اهلل قبض أرواحكم حني شاء‪ ،‬وردها حني شاء‪ ،‬فقضوا‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ناموا‪ ،‬عن الصالة قال النيب‬
‫حوائجهم‪ ،‬وتوضئوا إىل أن طلعت الشمس‪ ،‬وابيضت فقام فصلى ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ويف اللفظ‬ ‫‪‬‬ ‫قوله (فقضوا حوائجهم وتوضؤا‪ )...‬ويف اللفظ اآلخر‪  :‬أنه أمر بالال‪ ،‬فأذن‬
‫‪‬‬ ‫مرات‪ ،‬ففي رواية‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقد حصل هذا للنيب‬
‫اآلخر‪  :‬أهنم مل يستيقظوا إال َحبِّر الشمس‬
‫‪‬‬

‫أهنا ض ربتهم الش مس ‪ ‬أم ا هن ا فك ان ه ذا قب ل الش مس؛ ول ذلك ص لوا بع دما ابيض ت‬
‫الشمس‪.‬‬
‫فهذا فيه‬ ‫‪‬‬ ‫ويف رواية‪  :‬أنه أمر بالال‪ ،‬فأذن‪ ،‬مث صلى السنة الراتبة‪ ،‬مث صلى الفريضة‬
‫دلي ل على أن من فاتت ه الص الة ك الفجر مثال‪ ،‬فإن ه يص لي الراتب ة‪ ،‬مث يص لي بع د ذل ك‬
‫الفريضة‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬إن اهلل قبض أرواحكم إذا شاء‪ ،‬وردها إذا شاء) ففيه إثبات املشيئة هلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال تخيروني على موسى"‬
‫‪- 7472‬ح دثنا حيىي بن قزع ة‪ ،‬ح دثنا إب راهيم‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬عن أيب س لمة واألع رج‪ ،‬وح دثنا‬
‫إمساعيل‪ ،‬ح دثين أخي‪ ،‬عن س ليمان‪ ،‬عن حمم د بن أيب ع تيق‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬عن أيب س لمة بن عب د‬
‫قال‪  :‬استب رجل من املسلمني ورجل من اليهود‪،‬‬ ‫الرمحن وسعيد بن املسيب أن أبا هريرة ‪‬‬
‫فقال املسلم‪ :‬والذي اصطفى حمم ًد ا على العاملني ‪-‬يف قسم يقسم به‪ -‬فقال اليهودي‪ :‬والذي‬
‫اصطفى موسى على العاملني‪ ،‬فرفع املسلم يده عند ذلك‪ ،‬فلطم اليهودي‪ ،‬فذهب اليهودي‬
‫ال ختريوين على‬ ‫‪‬‬ ‫فأخربه بالذي كان من أمره وأمر املسلم‪ ،‬فقال النيب‬ ‫‪‬‬ ‫إىل رسول اهلل‬
‫موسى‪ ،‬فإن الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فأكون أول من يفيق‪ ،‬فإذا موسى باطش جبانب‬
‫العرش‪ ،‬فال أدري أكان فيمن صعق‪ ،‬فأفاق قبلي‪ ،‬أو كان ممن استثىن اهلل ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هنى عن تفض يله على موس ى ‪-‬علي ه الس الم‪ ،-‬ملا ق ال املس لم يف‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا في ه أن الن يب‬
‫قسمه‪( :‬والذي اصطفى حممدا على العاملني)‪.‬‬
‫من باب‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬ال ختريوين على موسى‪ :)...‬أي ال تفضلوين على موسى‪ ،‬وهذا قاله‬
‫التواضع‪ ،‬وإال فهو أفضل العاملني باإلمجاع ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬أو أن النيب ‪ -‬صلى اهلل‬
‫علي ه وس لم ‪ -‬هنى عن التفض يل‪ ،‬إذا ك ان ه ذا من ب اب العص بية للجنس‪ ،‬وأج اب البعض‬
‫بأجوبة غري هذه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإن الناس يصعقون يوم القيامة‪ :)...‬هذا الصعق يف موقف القيامة‪ ،‬حينما يتجلى‬
‫اهلل ‪-‬تب ارك وتع اىل‪ -‬لفص ل القض اء‪ ،‬فيص عق الن اس‪ ،‬أي‪ :‬تص يبهم غش ية‪ ،‬ف إذا ص عقوا يك ون‬
‫أول من يفيق‪ ،‬فإذا أفاق وجد موسى باطش بقائمة من قوائم العرش‪ ،‬وهذه منقبة‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫ملوسى‪ ،‬عليه السالم‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬أك ان فيمن ص عق‪ ،‬فأف اق قبلي‪ ،‬أو ك ان ممن اس تثىن اهلل‪ :)....‬الرواي ة الص حيحة‪:‬‬
‫(فال أدري أف اق قبلي‪ ،‬أم ج وزي بص عقة ي وم الط ور)‪ :‬أم ا قول ه‪( :‬أو ك ان ممن اس تثىن اهلل)‬
‫فالص واب إن ه َو ْه ٌم من بعض ال رواة‪ ،‬كم ا حق ق ذل ك احملقق ون ك ابن القيم وغ ريه؛ ألن‬
‫الص عق هن ا ليس في ه اس تثناء‪ ،‬إمنا االس تثناء من ص عقة املوت‪ ،‬كم ا يف قول ه ‪-‬تع اىل‪ :-‬‬

‫‪ )1( ‬فص عقة‬ ‫‪            ‬‬ ‫‪‬‬

‫املوت هي ال يت فيه ا اس تثناء‪ ،‬أم ا ص عقة التجلي‪ ،‬فليس فيه ا اس تثناء‪ ،‬فحص ل انقالب من‬
‫بعض الرواة‪ ،‬فانتقل من صعقة املوت إىل صعقة التجلي‪ .‬فهذه من احلروف اليت حصل فيها‬
‫الوهم‪ ،‬وإن كانت يف الصحيحني‪ ،‬وهذا ليس َو ًمْها من البخاري؛ ألنه يروي ذلك بالسند‪،‬‬
‫إمنا الَو ْه ُم من الراوي الذي حصل له انقالب يف هذا‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر آية ‪.68 :‬‬

‫‪167‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬أم ك ان ممن اس تثىن اهلل) في ه إثب ات املش يئة هلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬لكن كم ا ت بني أن‬
‫احلديث ليس في ه ه ذه اللفظ ة‪ ،‬وعلى ه ذا ال يك ون ه ذا احلديث دليال على إثب ات املش يئة‬
‫أم جوزي بصعقة يوم الطور ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ألن الرواية الصحيحة‬
‫المالئكة تحرس المدينة من دخول الدجال‬
‫‪- 7473‬حدثنا إسحاق بن أيب عيسى‪ ،‬أخربنا يزيد بن هارون‪ ،‬أخربنا شعبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‬
‫املدين ة يأتيه ا ال دجال‪ ،‬فيج د املالئك ة حيرس وهنا‪ ،‬فال‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل‬ ‫بن مال ك ‪‬‬
‫يقرهبا الدجال‪ ،‬وال الطاعون إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫في ه أن املدين ة ال ي دخلها ال دجال وال يطؤه ا‪ ،‬ويف اللف ظ اآلخ ر‪  :‬أن ال دجال يرج ف‬
‫ثالث رجفات يف سبخة املدينة‪ ،‬فيخرج إليه كل كافر وكافرة‪ ،‬وكل منافق ومنافقة‪ ،‬وكل‬
‫وك ذلك الط اعون ال ي دخل املدين ة‪ ،‬وه ذا من خص ائص املدين ة‪ ،‬والش اهد‬ ‫‪‬‬ ‫خ بيث وخبيث ة‬
‫من احلديث قوله‪( :‬وال الطاعون إن شاء اهلل)‪ :‬فيه إثبات املشيئة هلل تعاىل‪.‬‬
‫لكل نبي دعوة مستجابة‬
‫‪- 7474‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬حدثين أبو سلمة بن عبد الرمحن أن أبا‬
‫لكل نيب دعوة‪ ،‬فأريد ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬أن أختيب دعويت‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫هريرة ‪‬‬
‫شفاعة ألميت يوم القيامة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫يشفع يوم القيامة أربع شفاعات‪ ،‬يف كل مرة حيد اهلل حًّدا فيدخلهم‬ ‫‪‬‬ ‫ثبت أن النيب‬
‫اجلنة‪ ،‬والشاهد قوله‪( :‬فأريد ‪-‬إن شاء اهلل‪ :)...‬ففيه إثبات املشيئة هلل‪. ،‬‬
‫رؤيا النبي وفيها فضيلة ألبي بكر وعمر‬
‫‪- 7475‬ح دثنا َيَس رة بن ص فوان بن مجي ل اللخمي‪ ،‬ح دثنا إب راهيم بن س عد‪ ،‬عن الزه ري‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪  ‬بينا أنا نائم رأيتين على قليب‪ ،‬فنـزعت‬

‫‪168‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫م ا ش اء اهلل أن أنـزع‪ ،‬مث أخ ذها ابن أيب قحاف ة‪ ،‬فنـزع َذنوًب ا‪ ،‬أو َذن وبني‪ ،‬ويف نـزعه‬
‫ض عف‪ ،‬واهلل يغف ر ل ه‪ ،‬مث أخ ذها عم ر فاس تحالت َغْر ًب ا‪ ،‬فلم أر عبقرًّي ا من الن اس يف ري‬
‫فريه‪ ،‬حىت ضرب الناس حوله بَعَطن ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫حق؛ ألن رؤيا األنبياء وحي‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذه الرؤية اليت رآها النيب‬
‫ألنه هو احلاكم بني عباد اهلل يف حياته‪ ،‬قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬فنـزعت ما شاء اهلل‪ :)...‬نـزع‬
‫(مث أخ ذها ابن أيب قحاف ة فنـزع ذنوب ا‪ :)...‬ق ال بعض هم إن ه ذا إش ارة إىل القالق ل والفنت‬
‫‪‬‬ ‫ال يت حص لت يف زمن ه‪ ،‬كأح داث ال ردة وغريه ا‪ ،‬ومنهم من ق ال‪ :‬إن ه ذا نص من الن يب‬
‫نص على خالف ة أيب بك ر فيه ا خالف‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ومس الة أن الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫على خالف ة أيب بك ر‬
‫مل ينص على خالفت ه‪ ،‬وأجيب أن ه ذا احلديث ل و ك ان نًّص ا يف‬ ‫‪‬‬ ‫والص حيح أن الن يب‬
‫ثبتت‬ ‫‪‬‬ ‫ومل يقل أحد‪ :‬إن خالفة عمر‬ ‫‪‬‬ ‫لك ان نًّص ا يف خالفة عمر‬ ‫‪‬‬ ‫خالفة أيب بك ر‬
‫وإمنا ذلك من ا َبِّش رات وكشف‬ ‫‪‬‬ ‫بالنص‪ ،‬وعلى هذا فال يكون نًّص ا يف خالفة أيب بكر‬
‫ُمل‬
‫للمستقبل‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬مث أخ ذها عم ر‪ ،‬فاس تحالت َغْر ًب ا‪ ،‬فلم أر عبقرًّي ا من الن اس يف ري فري ه‪ :)..‬أي‪:‬‬
‫نـزع نـزعه‪ ،‬قوله‪( :‬حىت ضرب الناس بَعَطن)‪ :‬أي‪ :‬حىت ضرب الناس بري‪ ،‬قال البعض هذا‬
‫قد كفاه‬ ‫‪‬‬ ‫حكم عشر سنوات ونصف‪ ،‬وكان أبو بكر‬ ‫‪‬‬ ‫إشارة إىل طول مدته؛ ألنه‬
‫املؤمنة يف حربه للمرتدين‪ ،‬فاستقرت األحوال يف خالفته‪ ،‬فتفرغ للفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫الشاهد من احلديث قوله‪( :‬فنـزعت ما شاء اهلل أن أنـزع)‪ :‬فيه إثبات املشيئة‪ ،‬هلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬اشفعوا فلتؤجروا"‬
‫‪- 7476‬ح دثنا حمم د بن العالء‪ ،‬ح دثنا أب و أس امة‪ ،‬عن بري د‪ ،‬عن أيب ب ردة‪ ،‬عن أيب موس ى ق ال‪:‬‬
‫إذا أت اه الس ائل‪ ،‬ورمبا ق ال‪ :‬ج اءه الس ائل‪ ،‬أو ص احب احلاج ة ق ال‪  :‬اش فعوا‬ ‫ك ان الن يب ‪‬‬
‫فلتؤجروا‪ ،‬ويقضي اهلل على لسان رسوله ما شاء ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث في ه احلث على الش فاعة‪ ،‬فيحس ن لإلنس ان أن يش فع ملن يع رف حال ه‪،‬‬
‫كفقري يشفع له عند والة األمور ليعطى من املال‪ ،‬أو للسجني حىت خُي َر ج‪ ،‬فهو يؤجر يف‬
‫شفاعته تلك‪ ،‬سواء قبلت شفاعته‪ ،‬أم مل تقبل‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ويقض ي اهلل على لس ان رس وله م ا ش اء)‪ :‬ه ذا الش اهد من احلديث في ه إثب ات‬
‫املشيئة هلل تعاىل‪.‬‬
‫قد تقبل‪ ،‬وقد ال تقبل‬ ‫‪‬‬ ‫واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقضي على لسان نبيه ما شاء‪ ،‬أي‪ :‬أن شفاعته‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫وك ذلك من بع ده ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪             ‬‬

‫حديث‪" :‬ال يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت"‬


‫‪‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫‪- 7477‬حدثنا حيىي‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن مهام مسع أبا هريرة‪ ،‬عن النيب ‪‬‬
‫ال يق ل أح دكم اللهم اغف ر يل إن ش ئت‪ ،‬ارمحين إن ش ئت‪ ،‬ارزق ين إن ش ئت‪ ،‬وليع زم‬
‫مسألته‪ ،‬إنه يفعل ما يشاء ال مكره له ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث سبق وأعاده املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ففيه أن اإلنسان يعزم املسألة وال يرتدد‪،‬‬
‫فيق ول‪ :‬اللهم اغف ر يل إن ش ئت‪ .‬والش اهد قول ه‪( :‬اللهم اغف ر يل إن ش ئت‪ :)...‬ففي ه إثب ات‬
‫املشيئة هلل ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.85 :‬‬

‫‪170‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قصة موسى والخضر وفيها فضل العلم‬


‫‪- 7478‬حدثنا عبد اهلل بن حممد‪ ،‬حدثنا أبو حفص عمرو‪ ،‬حدثنا األوزاعي‪ ،‬حدثين ابن شهاب‪،‬‬
‫عن عبيد اهلل بن عبد اهلل ابن عتبة بن مسعود‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أنه متارى هو‪ ،‬واحلر‬
‫بن قيس بن حصن الفزاري يف صاحب موسى‪ :‬أهو خضر؟ فمر هبما أيب بن كعب األنصاري‪ ،‬فدعاه‬
‫ابن عباس فقال‪ :‬إين متاريت أنا وصاحيب هذا يف صاحب موسى‪ ،‬الذي سأل السبيل إىل لقيه‪ ،‬هل مسعت‬
‫يقول‪  :‬بينا موسى يف مأل من‬ ‫‪‬‬ ‫يذكر شأنه‪ ،‬قال‪ :‬نعم إين مسعت رسول اهلل‬ ‫رسول اهلل ‪‬‬
‫بين إسرائيل‪ ،‬إذ جاءه رجل فقال‪ :‬هل تعلم أح ًد ا أعلم منك؟ فقال موسى‪ :‬ال‪ ،‬فأوحي إىل‬
‫موسى‪ ،‬بلى عبدنا خضر‪ ،‬فسأل موسى السبيل إىل لقيه‪ ،‬فجعل اهلل له احلوت آية‪ ،‬وقيل‬
‫له‪ :‬إذا فقدت احلوت‪ ،‬فارجع فإنك ستلقاه‪ ،‬فكان موسى يتبع أثر احلوت يف البحر‪ ،‬فقال‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫فىت موسى ملوسى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ )1( ‬قال موسى‪:‬‬ ‫‪     ‬‬

‫‪ )2( ‬فوجدا خض ًر ا‪ ،‬وكان من شأهنما ما قص اهلل‬ ‫‪    ‬‬

‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬متاليت أنا وصاحيب‪ )...‬يف الرواية األخرى (متاريت)‪ :‬واملعىن جتادلت‪ ،‬واملعىن أن ابن‬
‫عباس جتادل هو واحلر بن قيس‪ ،‬هل الذي لقيه موسى هو اخلضر أم ال ؟ فلقيا أيب بن‬
‫كعب فسأاله‪ ،‬فأخربهم أنه اخلضر‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬بلى عب دنا خض ر)‪ :‬أي‪ :‬بلى عب دنا خض ر أعلم من ك‪ .‬قول ه‪( :‬ه ل تعلم أح ًد ا أعلم‬
‫منك؟ فقال‪ :‬موسى ال‪ )...‬ويف اللفظ اآلخر‪  :‬أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬عاتب موسى؛ ألنه مل ينسب‬
‫قول ه‪( :‬فس أل الس بيل إىل لقي ه)‪ :‬في ه فض ل الرحل ة لطلب العلم‪ ،‬حيث رح ل‬ ‫‪‬‬ ‫العلم إلي ه‬
‫موسى ن يب اهلل ‪-‬عليه السالم‪ -‬إىل اخلض ر‪ .‬ويف لفظ‪  :‬أن موسى قال للخض ر جئت ألتعلم‬
‫‪ - 1‬سورة الكهف آية ‪.63 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الكهف آية ‪.64 :‬‬

‫‪171‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فيه فضل االستزادة من طلب‬ ‫‪‬‬ ‫منك‪ ،‬فقال اخلضر‪ :‬أال تكفيك التوراة اليت أنـزهلا اهلل عليك‬
‫‪ )1( ‬فإذا كان ن يب ك رمي من أويل‬ ‫‪     ‬‬ ‫العلم‪ ،‬قال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫الع زم اخلمس ة‪ ،‬يرح ل يف طلب العلم‪ ،‬وي ركب البح ر‪ ،‬ويس افر لطلب العلم‪ ،‬فكي ف بغ ريه‪،‬‬
‫فدل على أن العامل ال بأس أن يستزيد من العلم‪ ،‬وفيه فضل التواضع‪ ،‬حيث تواضع موسى‬
‫كليم الرمحن للخضر فقال‪  :‬هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت منه رشدا ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فق ال ف ىت موس ى‪ :)...‬ه و يوش ع بن ن ون‪ ،‬ص ار نبًّي ا بع د وف اة موس ى ‪-‬علي ه‬
‫السالم‪ ،-‬وهو الذي فتح بيت املقدس‪ ،‬وهو الذي حبست له الشمس‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫والش اهد من احلديث مل ي أت ب ه البخ اري‪ ،‬وه و قول ه‪:‬‬
‫‪ )2( ‬ففيه إثبات املشيئة هلل تعاىل‪.‬‬ ‫‪     ‬‬

‫حديث‪" :‬ننـزل غًد ا إن شاء اهلل بَخ ْيف بني كنانة"‬


‫‪- 7479‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن الزه ري‪ ،‬وقال أمحد بن صاحل‪ :‬حدثنا ابن وهب‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أخربين يونس‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن أيب سلمة بن عبد الرمحن‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن رسول اهلل ‪‬‬
‫ننـزل غًد ا ‪-‬إن شاء اهلل‪َ -‬خبْيف بين كنانة‪ ،‬حيث تقامسوا على الكفر‪ ،‬يريد احملصب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا يف حج ة ال وداع ملا قي ل ل ه‪ :‬أين تنـزل غ ًد ا ي ا رس ول اهلل فق ال‪( :‬ننـزل غ ًد ا ‪-‬إن‬
‫شاء اهلل‪َ -‬خبْي ف بين كنانة‪ :)...‬واَخلْي ف هو الوادي‪ ،‬وهو األبطح‪ ،‬ومها ليسا موجدان اآلن‬
‫بسبب البناء‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬حيث تقامسوا على الكف ر)‪ :‬أي‪ :‬حتالفوا على مقاطع ة ب ين هاش م‪ ،‬وحاص روا ب ين‬
‫هاش م يف الش عب ثالث س نني‪ ،‬وكتب وا يف ذل ك ص حيفة وعلقوه ا يف الكعب ة‪ .‬على أال‬
‫يب ايعوهم‪ ،‬وال ين اكحوهم‪ ،‬وال يؤاكل واهم‪ ،‬وال يش اربوهم‪ ،‬ح ىت يس لموا هلم الرس ول ‪.‬‬
‫فدخل يف الِّشعب بنو هاشم‪ :‬مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬وبنو عبد املطلب كذلك‪ .‬وهذا املكان الذي‬
‫‪ - 1‬سورة طه آية ‪.114 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الكهف آية ‪.69 :‬‬

‫‪172‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أن يظه ر في ه ش عائر اإلس الم‪ ،‬فنـزل في ه يف حج ة‬ ‫‪‬‬ ‫تقامسوا في ه على الكف ر‪ ،‬أراد الن يب‬
‫الوداع‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬ننـزل غًد ا إن شاء اهلل)‪ :‬ففيه إثبات املشيئة هلل‪. ،‬‬
‫ألهل الطائف‬ ‫حصار النبي ‪‬‬
‫‪- 7480‬ح دثنا عب د اهلل بن حمم د‪ ،‬ح دثنا ابن عيين ة‪ ،‬عن عم رو‪ ،‬عن أيب العب اس‪ ،‬عن عب د اهلل بن‬
‫عمر قال‪  :‬حاصر النيب ‪ ‬أهل الطائف‪ ،‬فلم يفتحها فقال‪ :‬إنا قافلون غ ًد ا ‪-‬إن شاء اهلل‪-‬‬
‫فقال املسلمون‪ :‬نقفل ومل نفتح قال‪ :‬فاغدوا على القتال فغدوا‪ ،‬فأصابتهم جراحات قال النيب‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫إنا قافلون غًد ا ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬فكأن ذلك أعجبهم‪ ،‬فتبسم رسول اهلل‬ ‫‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫(إن ا‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬فتبس م رس ول اهلل)‪ :‬أي‪ :‬تبس م من ض عفهم‪ ،‬أوال‪ :‬ملا ق ال هلم الن يب‬
‫(إنا قافلون‬ ‫‪‬‬ ‫قافلون‪ )...‬رفضوا وقالوا‪( :‬نقفل ومل نفتح) فلما أصابتهم اجلراحات‪ ،‬وقال النيب‬
‫غًد ا) أعجبهم ذلك‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬إنا قافلون غدا إن شاء اهلل) ففيه إثبات املشيئة هلل تعاىل‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬و ال َتْنَف ُع الَّش َف اَعُة ِع ْنَد ُه ِإال ِلَم ْن َأِذ َن َلُه"‬
‫إثبات صفة الكالم هلل تعالى‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪ - 32‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪             ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ )1(    ‬ومل يقل ماذا خلق ربكم؟ وقال جل ذكره‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ )2(       ‬وقال مسروق‪ :‬عن ابن مسعود‪ :‬إذا تكلم اهلل‬
‫بالوحي مسع أهل السماوات شيًئا‪ ،‬فإذا فزع عن قلوهبم‪ ،‬وسكن الصوت عرفوا أنه احلق‪،‬‬
‫ونادوا ‪ )3(         ‬ويذكر عن جابر‪ ،‬عن عبد اهلل بن‬

‫‪ - 1‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪173‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أنيس قال‪ :‬مسعت النيب ‪ ‬يقول‪  :‬حيشر اهلل العباد‪ ،‬فيناديهم بصوت يسمعه من بعد‪ ،‬كما‬
‫يسمعه من قرب أنا امللك أنا الديان ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫وأن ه ص فة من ص فاته‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الرتمجة قص د منه ا املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إثب ات الكالم هلل‬
‫وأن ه ق ائم بذات ه‪ ،‬وال رد على املعتزل ة واجلهمي ة الق ائلني إن الق رآن خمل وق‪ ،‬فه ؤالء كف رهم‬
‫السلف كاإلمام أمحد وغريه‪ ،‬وهذا على العموم أما الشخص املعني‪ ،‬فال بد من إقامة احلجة‬
‫علي ه‪ ،‬وفي ه ال رد على الكالبي ة واألش اعرة ال ذين يقول ون‪ :‬إن كالم اهلل مع ىن نفس ي‪ ،‬ليس‬
‫حبرف وال صوت‪.‬‬
‫(‪ )1‬ومل يق ل‪ :‬م اذا خل ق ربكم‪ ،‬ف القول‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫فق ال املؤل ف‪ :‬ق ال‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫كالم‪ ،‬وهو غري اخللق‪ ،‬ومل تقل املالئكة‪ :‬ماذا خلق ربكم‪ ،‬إمنا قالوا‪:‬‬
‫‪ )2( ‬فدل على أن كالم اهلل غري خملوق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )3( ‬أي‪ :‬زال وذهب الفزع من قلوهبم‪ ،‬وذلك‬ ‫‪     ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫أن املالئكة يفزعون‪ ،‬فإذا تكلم اهلل بالوحي أخذت املالئكة والسموات منه رجفة‪ ،‬ويصعق‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫املالئكة‪ ،‬فإذا فزع عن قلوهبم‪ ،‬وزال الفزع واخلوف تنادوا‪:‬‬
‫فيقولون‪ :‬قال احلق‪ ،‬وهو العلي الكبري‪ .‬ومل يقولوا ماذا خلق ربكم‪.‬‬
‫‪ )5( ‬واإلذن ال يكون‬ ‫‪        ‬‬ ‫قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫إال بالكالم واألمر‪ ،‬فدل على إثبات الكالم هلل تعاىل‪ .‬ومل يقل‪ :‬من ذا الذي يشفع عنده إال‬
‫خبلقه‪ .‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يأذن لنبينا بالشفاعة‪ ،‬ويأذن لغريه‪ ،‬لكن ال يشفع أحد إال بإذنه‪ ،‬وقوله‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫‪175‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وأن ه حبرف‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬وق ال ابن مس عود إذا تكلم اهلل ب الوحي‪ :)...‬في ه إثب ات الكالم هلل‬
‫‪. ) 6( ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫وصوت؛ لقوله‪:‬‬
‫اجلهمي ة واملعتزل ة يقول ون‪ :‬الق رآن كالم اهلل‪ ،‬ولفظ ه ومعن اه خمل وق‪ ،‬فص رحوا أن ه خمل وق‪،‬‬
‫واألشاعرة يقولون‪ :‬كالم اهلل معىن قائم بالنفس ليس حبرف وال صوت‪ ،‬واحلروف واألصوات‬
‫خملوقة‪ ،‬فالكالم ليس لفًظا وال حرًفا وال صوًتا‪ ،‬بل هو معىن قائم بالنفس ال يسمع‪ ،‬الزم‬
‫لذات الرب‪ ،‬كلزوم احلياة والعلم‪ ،‬وإذا قيل هلم‪ :‬كيف تكلم اهلل بالوحي؟ قالوا‪ :‬مل يتكلم‪،‬‬
‫لكن اضطر جربيل‪ ،‬ففهم معىن قائم بنفسه‪ ،‬فعرب جربيل هبذا القرآن‪ ،‬فالقرآن عبارة جربيل‪،‬‬
‫وأحياًنا يقولون‪ :‬عرب عنه حممد‪ ،‬فهو عبارة عرب به جربيل‪ ،‬أو حممد فمنهم من قال‪ :‬اضطر‬
‫جربيل ففهم املعىن‪ ،‬مث عرب عنه جربيل‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ألقاه جربيل على نفس حممد‪ ،‬فعرب‬
‫به حممد‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬إن جربيل أخذه من اللوح احملفوظ‪ ،‬ومل يتكلم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬حبرف‬
‫وال ص وت؛ وهلذا يق ول بعض هم‪ :‬ليس يف املص حف كالم اهلل حقيق ة‪ ،‬وال ذي يف املص حف‬
‫كالم اهلل من باب اجملاز‪ ،‬فعند املناظرة يقولون‪ :‬ما يف املصحف من كالم اهلل هو من باب‬
‫اجملاز‪ ،‬وأما يف الواقع‪ ،‬فليس يف املصحف كالم اهلل‪ ،‬فكالم اهلل معىن قائم بنفسه ال يسمع‪،‬‬
‫وليس حبرف وال صوت؛ وهلذا لو وطئ أحد الناس املصحف بقدميه عندهم‪ ،‬فإنه ال يؤثر؛‬
‫ألنه ليس فيه كالم اهلل‪ .‬نعوذ باهلل مما قالوا‪.‬‬
‫فت بني أن األش اعرة جعل وا الق رآن نص فه خملوًق ا‪ ،‬ونص فه غ ري خمل وق‪ .‬نص فه غ ري خمل وق‪،‬‬
‫وهو املعىن القائم بنفس اهلل‪ ،‬واحلروف واألصوات خملوقة‪ ،‬فهو نصف مذهب املعتزلة‪ ،‬وهذا‬
‫باط ل‪ ،‬ف الكالم اس م للف ظ واملع ىن‪ ،‬فكالم اهلل لفظ ه ومعن اه حبرف وص وت كل ه كالم اهلل‪،‬‬
‫ليس مبخلوق‪ .‬وهؤالء مل يكفرهم السلف؛ ألن هلم شبهة‪ ،‬فهم متأولون‪.‬‬
‫قوله‪( :‬عن عب د اهلل بن أنيس‪ ....‬حيش ر اهلل العب اد فين اديهم بصوت يس معه من ق رب‪)...‬‬
‫إخل‪.‬‬

‫‪ - 6‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪176‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وإثبات النداء‪ ،‬لقوله‪( :‬فيناديهم) والنداء نوع من أنواع‬ ‫‪‬‬ ‫هذا اآلثر فيه إثبات الكالم هلل‬
‫لقوله‪( :‬فيناديهم بصوت) فهذا يدل‬ ‫‪‬‬ ‫الكالم‪ ،‬وهو الكالم من بعد‪ ،‬وفيه إثبات الصوت هلل‬
‫على أنه حبرف وصوت‪ ،‬ففيه الرد على األشاعرة‪ ،‬الذين يقولون‪ :‬إن كالم اهلل ليس حبرف‬
‫وال صوت‪ .‬وفيه أن كالم اهلل ال يشبه كالم املخلوقني؛ ألنه يسمعه من بعد كما يسمعه‬
‫من ق رب‪ ،‬خبالف كالم املخل وقني؛ ألن كالم املخل وقني يس معه الق ريب‪ ،‬أم ا البعي د فال‬
‫يس معه‪ .‬وأخطأ من قال من الشراح‪ :‬إن مع ىن قوله‪( :‬بصوت) أنه خملوق غري قائم به‪ .‬فهذا‬
‫لقوله‪( :‬فيناديهم بصوت)‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫باطل؛ ألن الصوت هو صوت اهلل‬
‫قول ه‪( :‬وي ذكر‪ ،‬عن ج ابر‪ :)...‬في ه كالم أله ل العلم‪ ،‬ف ابن القيم ص ححه‪ ،‬وق ال‪ :‬إن ل ه‬
‫ش واهد وأن من في ه ُض ّعف‪ ،‬وواف ق يف روايت ه الثق ات فيقب ل‪ ،‬وكالم ه ص حيح؛ ألن هن اك‬
‫أح اديث كث رية تثبت الكالم هلل‪ ،‬وأن ه حبرف وص وت‪ .‬واألث ر في ه عب د اهلل بن حمم د بن‬
‫عقيل‪ ،‬وفيه سوء حفظ‪ .‬والبخاري علقه بصيغة التمريض‪ .‬ويف موضع آخر يف كتاب العلم‪،‬‬
‫ذك ره البخ اري بص يغة اجلزم فق ال‪( :‬ورح ل ج ابر بن عب د اهلل إىل عب د اهلل بن أنيس ش هًر ا‬
‫يف حديث واحد) وهو حديث يف املظامل‪ ،‬وهو هذا احلديث‪.‬‬
‫والكتب اآلن مطبوع ة‪ ،‬واألح اديث جمموع ة‪ ،‬ولكن م ىت يق رأ اإلنس ان‪ ،‬وإذا ق را م ىت‬
‫يفهم‪ ،‬وإذا فهم مىت يعمل‪ ،‬فاهلل املستعان‪ ،‬فنسأله ‪-‬سبحانه‪ -‬أن يصلح األحوال‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‪( :‬أنا الديان) أي‪ :‬اجملازي احملاسب‪ ،‬من قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪. ) 1‬‬
‫إثبات القول هلل وأنه يقول ويتكلم‬
‫‪- 7481‬حدثنا علي بن عب د اهلل‪ ،‬حدثنا س فيان‪ ،‬عن عم رو‪ ،‬عن عكرم ة‪ ،‬عن أيب هري رة‪ ،‬يبلغ ب ه‬
‫النيب ‪ ‬قال‪  :‬إذا قضى اهلل األمر يف السماء‪ ،‬ضربت املالئكة بأجنحتها خضعاًنا لقوله‪ ،‬كأنه‬
‫سلسلة على صفوان ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الفاتحة آية ‪.4 :‬‬

‫‪177‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫قال علي‪ ،‬وقال غريه‪ :‬صفوان ينفذهم ذلك‪ ،‬فإذا فزع عن قلوهبم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪        ‬‬

‫هبذا ق ال‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال علي‪ ،‬وح دثنا س فيان‪ ،‬ح دثنا عم رو‪ ،‬عن عكرم ة‪ ،‬عن أيب هري رة‬
‫س فيان‪ :‬ق ال عم رو‪ :‬مسعت عكرم ة‪ ،‬ح دثنا أب و هري رة ‪  -‬هبذا‪ ،‬قلت‪ :‬لس فيان ق ال‪ :‬مسعت‬
‫عكرم ة‪ ،‬ق ال‪ :‬مسعت أب ا هري رة؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت لس فيان‪ :‬إن إنس اًنا روى عن عم رو‪ ،‬عن‬
‫عكرم ة‪ ،‬عن أيب هري رة يرفع ه‪  :‬أن ه ق رأ ف رغ ‪ ‬ق ال س فيان‪ :‬هك ذا ق رأ عم رو‪ ،‬فال أدري‬
‫مسعه هكذا أم ال ؟ قال سفيان‪ :‬وهي قراءتنا‪..‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪ُ( :‬خ ْض عاًنا)‪ :‬فيها وجهان‪ ،‬بضم اخلاء وسكون الضاد‪ ،‬وبفتح اخلاء والضاد‪.‬‬
‫قوله ك (إذا قضى اهلل ب األمر‪ :)...‬احلديث واضح الداللة يف إثب ات الكالم والصوت هلل‬
‫ودليل ذلك قوله (ُخ ْض عاًنا لقوله)‪ :‬ففيه إثبات القول هلل‪ ،‬وأنه يقول ويتكلم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قول ه‪( :‬كأن ه سلس لة على ص فوان)‪ :‬أي‪ :‬الص وت املس موع من كالم اهلل‪ ،‬سلس لة على‬
‫ص فوان‪ ،‬والص فوان‪ :‬ه و احلج ر األملس‪ .‬فالسلس لة إذا ض ربت هبا احلج ر‪ ،‬يك ون هلا ص وت‪،‬‬
‫وليس املراد أن كالم اهلل يش به ص وت السلس لة‪ ،‬ألن كالم اهلل ال يش به ش يًئا من كالم‬
‫املخلوقني‪ ،‬وال أصواهتم‪ ،‬بل املراد إثبات الصوت‪ ،‬وأن كالم اهلل بصوت‪ ،‬كما أن السلسلة‬
‫ال يت على ص فوان يس مع منه ا ص وت‪ .‬ف املراد إثب ات أن كالم اهلل بص وت مس موع‪ ،‬حبرف‬
‫وص وت ال يش به كالم وال ح روف املخل وقني‪ ،‬وال أص واهتم‪ .‬ه ذا الص واب من معتق د أه ل‬
‫السنة واجلماعة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أنه قرأ فرغ)‪ :‬بالراء املهملة‪ ،‬واملعىن أن علي ابن املديين يسأل شيخه سفيان‪ :‬أن‬
‫بعضهم يقرؤها‪( :‬حىت إذا فرغ) فقال سفيان‪ :‬هذه قراءتنا‪ .‬فقوله‪( :‬حىت إذا فرغ عن قلوهبم)‬
‫(‪ )2‬بالزاي املعجمة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫هذه قراءة‪ ،‬والقراءة املشهورة‬
‫‪ - 1‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة سبأ آية ‪.23 :‬‬

‫‪178‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫إثبات االستماع هلل وهو من الصفات الفعلية‬


‫‪- 7482‬حدثنا حيىي بن بكري‪ ،‬حدثنا الليث‪ ،‬عن عقيل‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬أخربين أبو سلمة بن عبد‬
‫‪‬‬ ‫م ا أذن اهلل لش يء م ا أذن للن يب‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ال رمحن‪ ،‬عن أيب هري رة أن ه ك ان يق ول‪ :‬ق ال رس ول اهلل‬
‫يتغىن بالقرآن‪ ،‬وقال صاحب له‪ :‬يريد أن جيهر به ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫في ه إثب ات أن الق رآن كالم اهلل‪ .‬قول ه‪( :‬م ا أذن اهلل لن يب)‪ :‬أي‪ :‬م ا اس تمع‪ ،‬ففي ه إثب ات‬
‫االستماع هلل وهو من الصفات الفعلية‪ ،‬اليت تليق جبالله وعظمته‪ ،‬واملراد (بالنيب) يف احلديث‬
‫اجلنس‪ ،‬أي‪ :‬جنس النيب‪ ،‬وليس املراد به نبًّيا بعينه‪.‬‬
‫واملعىن‪ :‬ما استمع اهلل لشيء‪ ،‬ما استمع لنيب يتغىن بالقرآن‪ ،‬أي‪َ :‬حُيّس ن صوته بالقراءة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وقال صاحب له‪ :‬يتغىن أي‪ :‬جيهر به)‪ :‬أي‪ :‬قال صاحب أليب هريرة‪ :‬تفسري يتغىن‬
‫أي‪ :‬جيهر بالقراءة‪ .‬والصواب أن معىن يتغىن بالقرآن‪ :‬أي‪َ :‬حُيّس ن صوته بالقراءة؛ ولذا روي يف‬
‫احلديث‪  :‬من مل يتغن ب القرآن فليس من ا ‪ ‬وُر وي عن س فيان‪ :‬أن مع ىن (يتغ ىن) أي‪ :‬يس تغين‬
‫بالقرآن عن غريه‪ .‬وهذا قول ضعيف‪ ،‬وهو غريب من سفيان‪.‬‬
‫واملراد (ب القرآن) أي‪ :‬املق روء‪ ،‬أي‪ :‬جنس كالم اهلل‪ ،‬وه ذا ه و الش اهد من احلديث‪ ،‬فه و‬
‫يتغ ىن ب القرآن ال ذي ه و كالم اهلل‪ .‬ف دل على إثب ات أن الق رآن كالم اهلل‪ ،‬ومن ذل ك تغ ين‬
‫داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالزبور فكان إذا قرأ القرآن‪ ،‬أي‪ :‬املقروء؛ ألن القرآن هنا اسم جنس‪،‬‬
‫واملراد به الزبور‪ ،‬فكان ‪-‬عليه السالم‪ -‬إذا قرأ اجتمعت الطري‪ ،‬وجاوبته اجلبال‪ ،‬كما قال ‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ )1( ‬ويف اآلية األخرى‪:‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪ )2( ‬فكان ‪-‬عليه السالم‪ -‬حسن الصوت‪،‬‬ ‫‪      ‬‬

‫فإذا قرأ الزبور جاوبته اجلبال‪ ،‬واجتمعت له الطيور والوحوش‪.‬‬


‫‪ - 1‬سورة ص آية ‪.19-18 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة سبأ آية ‪.10 :‬‬

‫‪179‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وكان أبو موسى األشعري ‪ ‬حسن الصوت‪ ،‬قال فيه النيب ‪  ‬لقد أويت مزماًر ا من‬
‫مزام ري آل داود ‪ ‬أي‪ :‬أويت ص وًتا حس ًنا‪ .‬ح ىت ق ال أب و موس ى‪  :‬ل و علمت باس تماعك‬
‫أي‪ :‬حس نته ل ك حتس يًنا‪ .‬فه ذا يفي د مش روعية حتس ني الص وت‬ ‫‪‬‬ ‫لق راءيت حلربت ه ل ك حتب ًريا‬
‫قرأ سورة الفتح وجعل يرجع ترجيعا‬ ‫‪‬‬ ‫أن النيب‬ ‫‪‬‬ ‫والتخشع عند تالوة القرآن‪ ،‬فقد ثبت‬
‫(‪ )1‬آآآ ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬

‫بتكرار اهلمزة‪ .‬فالرتجيع هو ترديد الصوت‪ ،‬واحلرف ألجل التشخع‪ ،‬وليس سببه اضطراب‬
‫كما قال بعضهم‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫دابة الرسول‬
‫فكالم اهلل مكت وب يف املص احف‪ ،‬ومق روء باأللس ن‪ ،‬وحمف وظ يف الص دور‪ .‬أم ا األش اعرة‬
‫فيقولون‪ :‬ليس يف املصحف كالم اهلل‪ ،‬وليس حبرف وصوت‪ .‬بل كالم اهلل معىن قائم بنفسه؛‬
‫ول ذا كم ا ذكرن ا س ابًق ا‪ ،‬عن دهم أن من وطئ املص حف بقدمي ه مل يكن علي ه ب أس؛ ألن ه‬
‫ليس يف املصحف كالم اهلل‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫من ق ال‪ :‬إن الص وت ص وت الق ارئ‪ ،‬والكالم كالم الب ارئ‪ ،‬كالم ه ص حيح‪ .‬ف أنت تق رأ‬
‫كالم اهلل بصوتك أنت‪ .‬وهلذا يقال‪ :‬فالن حسن الصوت‪ ،‬وفالن ليس حبسن الصوت‪ .‬وسيأيت‬
‫ف دل على‬ ‫‪‬‬ ‫عن اخلوارج‪  :‬أهنم يق رءون الق رآن ال جياوز حن اجرهم‬ ‫‪‬‬ ‫م ا ذك ره الرس ول‬
‫أهنا أفعال هلم‪.‬‬
‫أما األشاعرة فلهم يف كالم اهلل ثالثة أقوال‪ ،‬كما ذكرنا من قبل‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الكالم مع ىن ق ائم بنفس ه‪ ،‬ال يس مع‪ ،‬وليس حبرف وال ص وت‪ ،‬فاض طر اهلل‬
‫جربيل‪ ،‬ففهم املعىن القائم بنفسه‪ ،‬فعرب هبذا القرآن‪ ،‬فهو كالم جربيل‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن جربيل هو الذي ألقاه على حممد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬وعرب به حممد‪ ،‬فهو‬
‫عبارة‪ ،‬عن قول حممد‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الفتح آية ‪.1 :‬‬

‫‪180‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 3‬أن جربي ل أخ ذه من الل وح احملف وظ‪ ،‬ومل يتكلم اهلل ب القرآن‪ ،‬فه و ليس حبرف وال‬
‫صوت يسمع‪ ،‬بل هو قائم بنفسه كالعلم قائم بنفسه‪ .‬هذا قول األشاعرة والكالبية‪.‬‬
‫إثبات الكالم والنداء هلل تعالى‬
‫‪- 7483‬ح دثنا عم ر بن حفص بن غي اث‪ ،‬ح دثنا أيب‪ ،‬ح دثنا األعمش‪ ،‬ح دثنا أب و ص احل‪ ،‬عن أيب‬
‫يق ول اهلل‪ :‬ي ا آدم‪ ،‬فيق ول‪ :‬لبي ك وس عديك‪ ،‬فين ادى‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪ :‬ق ال الن يب‬ ‫س عيد اخلدري ‪‬‬
‫بصوت‪ :‬إن اهلل يأمرك أن خترج من ذريتك بعًثا إىل النار ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه إثبات الكالم هلل من وجوه متعددة‪ :‬فقوله‪( :‬إن اهلل يقول‪ :‬يا آدم) ففيه‬
‫إثب ات الق ول هلل‪ ،‬قول ه‪( :‬فين ادي)‪ :‬في ه إثب ات الن داء هلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬والن داء ن وع من أن واع‬
‫الكالم‪ ،‬وهو النداء من بعد‪ ،‬أما النجاء فهو الكالم من قرب‪ ،‬يسمى املناجاة‪ .‬واهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫أثبت لنفس ه املن اداة ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )2( ‬قول ه‪( :‬فين ادي‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )1( ‬وأثبت النج اء بقول ه‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫بصوت) فيه إثبات الصوت هلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وأن كالم اهلل حبرف وصوت يسمع‪ .‬وأهل البدع‬
‫ال يطيقون هذا‪ ،‬فيقولون‪ :‬معىن قوله‪( :‬بصوت) أي‪ :‬صوت املخلوق‪.‬‬
‫قوله‪( :‬يا آدم‪ )...‬ناداه اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ألنه أب للبشرية‪ .‬قوله‪( :‬أن خترج من ذريتك بعًثا إىل‬
‫الن ار‪ )..‬ج اء يف ح ديث آخ ر‪  :‬فيق ول‪ :‬ريب من كم‪ ،‬فيق ول‪ :‬من ك ل أل ف تس عمائة وتس عة‬
‫أبش روا‪ ،‬من ي أجوج‬ ‫‪‬‬ ‫وتس عون‪ ،‬وواح د إىل اجلن ة‪ ،‬فش ق ذل ك على الص حابة‪ ،‬فق ال‬
‫ومأجوج ألف ومنكم واحد ‪.‬‬
‫والشاهد من احلديث إثبات القول هلل وإثبات النداء وإثبات الصوت له‪ ،‬سبحانه‪ .‬وهذه‬
‫النصوص شجن يف حلوق اجلهمية واملعتزلة واألشاعرة‪.‬‬
‫إثبات األمر هلل وهو من الكالم وفضيلة لخديجة‬
‫‪ - 1‬سورة الشعراء آية ‪.10 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة مريم آية ‪.52 :‬‬

‫‪181‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪- 7484‬حدثنا عبيد بن إمساعيل‪ ،‬حدثنا أبو أسامة‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عنه ا‪ -‬ق الت‪  :‬م ا غ رت على ام رأة م ا غ رت على خدجية‪ ،‬ولق د أم ره رب ه أن‬
‫يبشرها ببيت يف اجلنة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬ولق د أم ره رب ه)‪ :‬ه ذا الش اهد من احلديث‪ ،‬ف األمر ال يك ون إال ب الكالم‪ ،‬واألم ر‬
‫ن وع من أن واع الكالم‪ ،‬ألن الكالم أن واع‪ :‬ك األمر والنهي واالس تفهام‪ .‬وأخط أ من ق ال من‬
‫الشراح‪( :‬أنا املنادي ملك‪ ،‬يأمره اهلل بالنداء) فهذا هو التاويل بعينه‪.‬‬
‫ببيت يف اجلنة من قصب‪ ،‬ال صخب‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬يبشرها ببيت يف اجلنة) يف اللفظ اآلخر‬
‫أي‪ :‬من قص ب اللؤل ؤ وال در اجملوف‪ .‬وه ذه منقب ة خلدجية ‪-‬رض ي اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫في ه‪ ،‬وال نص ب‬
‫عنها‪ -‬هلذا غارت منها عائشة‪ ،‬وهي مل ترها‪ .‬فقد كان النيب ‪ ‬يذكر خدجية كث ًريا‪ ،‬وكان‬
‫ي ذبح الش اة‪ ،‬مث يوزعه ا يف خالئ ل خدجية‪ .‬ح ىت ق الت عائش ة م رة‪  :‬م ا ت ذكر من عج وز‬
‫وهذا يف الصحيحني‪ .‬وجاء‬ ‫محراء الشدقني‪ ،‬ماتت يف الدهر األول‪ ،‬أبدلك اهلل خ ًريا منها‬
‫‪‬‬

‫يف بعض الروايات ‪ ‬ما أبدلين خريا منها ‪ ‬وهو يف غري الصحيح‪.‬‬
‫إثبات الكالم هلل تعالى مع جبريل والمالئكة‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ - 33‬باب كالم الرب مع جربيل‪ ،‬ونداء اهلل املالئكة وقال معمر‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫أي‪ :‬يلقى عليك‪ ،‬وتلقاه أنت أي‪ :‬تأخذه عنهم ومثله ‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.)2(  ‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫أي‪ :‬كالم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مع جربيل واملالئكة‪ ،‬وأن‬ ‫‪‬‬ ‫هذه الرتمجة فيها إثبات الكالم هلل‬
‫كالم اهلل يس معه جربي ل واملالئك ة‪ ،‬ف دل على أن ه حبرف وص وت يس مع‪ .‬ففي ه ال رد على‬
‫األشاعرة والكالبية‪ ،‬الذين يقولون‪ :‬إن كالم اهلل ال يسمع‪ ،‬وأنه معىن نفسي قائم بنفس اهلل‪،‬‬
‫‪ - 1‬سورة النمل آية ‪.6 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.37 :‬‬

‫‪182‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ليس حبرف وال صوت‪ .‬والعجيب أن صفة الكالم من الصفات السبع‪ ،‬اليت يثبتها األشاعرة‪،‬‬
‫فاألشاعرة ال يثبتون إال سبع صفات هي‪:‬‬
‫احلياة‪ ،‬والكالم‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪ .‬واحلقيقة أهنم مل يثبتوا صفة‬
‫الكالم كم ا ينبغي‪ .‬ف أثبتوا كالًم ا على أن ه مع ىن ق ائم ب النفس‪ ،‬ليس حبرف وال ص وت‪ .‬ومل‬
‫يثبتوا الكالم حقيق ة‪ .‬فنصف م ذهبهم يوافق أهل السنة‪ ،‬وهو املع ىن‪ ،‬ونصفه يوافق املعتزلة‪،‬‬
‫وه و اللف ظ‪ .‬فق وهلم اللف ظ خمل وق‪ ،‬يواف ق م ذهب اجلهمي ة واملعتزل ة‪ ،‬وق وهلم‪ :‬إن املع ىن غ ري‬
‫خمل وق‪ ،‬يواف ق م ذهب أه ل الس نة‪ .‬فاجلهمي ة واملعتزل ة يقول ون‪ :‬الكالم لفظ ه ومعن اه خملوق ان‪،‬‬
‫وأهل السنة يقولون‪ :‬الكالم لفظه ومعناه كالم اهلل غري خملوق‪ ،‬واألشاعرة قالوا‪ :‬لفظه وهي‬
‫احلروف واألصوات خملوقة‪ ،‬ومعناه غري خملوق وهو قائم بنفس الرب‪.‬‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬يلقيه جربيل‪ ،‬ففيه إثبات أن كالم اهلل‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫مسموع‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يلقيه على جربيل بعد مساعه من اهلل‪ ،‬مث يلقيه جربيل على النيب‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إذا أحب عبًد ا نادى جبريل"‬
‫‪- 7485‬حدثين إسحاق‪ ،‬حدثنا عبد الصمد‪ ،‬حدثنا عبد الرمحن‪ ،‬هو ابن عبد اهلل بن دينار‪ ،‬عن‬
‫إن اهلل ‪-‬تب ارك وتع اىل‪ -‬إذا‬ ‫‪‬‬
‫أبي ه‪ ،‬عن أيب ص احل‪ ،‬عن أيب هري رة ‪ ‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل‬
‫‪‬‬

‫أحب عبًد ا نادى جربيل‪ ،‬إن اهلل قد أحب فالًنا‪ ،‬فَأِح به فيحبه جربيل‪ ،‬مث ينادي جربيل يف‬
‫الس ماء‪ :‬إن اهلل ق د أحب فالًن ا‪ ،‬ف أحبوه‪ ،‬فيحب ه أه ل الس ماء‪ ،‬ويوض ع ل ه القب ول يف أه ل‬
‫األرض ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫لقوله‪( :‬فينادي جربيل)‪ :‬فدل على أنه كالم يسمعه‬ ‫‪‬‬ ‫هذا احلديث فيه إثبات الكالم هلل‬
‫جربيل‪ ،‬والنداء يكون من بعد‪ ،‬وهو من الكالم‪ ،‬وهو حبرف وصوت‪ ،‬وفيه إثبات احملبة هلل‬

‫‪ - 1‬سورة النمل آية ‪.6 :‬‬

‫‪183‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫لقوله‪( :‬إن اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬إذا أحب عبدا‪ )...‬ويف احلديث اآلخر‪  :‬وإذا أبغض عب ًد ا‬ ‫‪‬‬
‫نادى جربيل‪ :‬إن اهلل يبغض فالًنا‪ ،‬فأبغضه‪ ،‬مث ينادي جربيل يف أهل السماء‪ :‬إن اهلل يبغض‬
‫فالًنا‪ ،‬فأبغضوه فيبغضه أهل السماء‪ ،‬مث توضع له البغضاء يف األرض ‪ ‬فال حول وال قوة‬
‫إال باهلل‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ص فة الكالم هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ص فة ذاتي ة فعلي ة‪ ،‬فأص ل الكالم ق دمي الن وع‪ ،‬ح ادث اآلح اد‬
‫فالكالم قدمي وآحاده حادثة‪ .‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يتكلم مىت شاء إذا شاء كيف شاء‪.‬‬
‫حديث‪" :‬يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار"‬
‫أن‬ ‫‪ - 7486‬ح دثنا قتيب ة بن س عيد‪ ،‬عن مال ك‪ ،‬عن أيب الزن اد‪ ،‬عن األع رج‪ ،‬عن أيب هري رة ‪‬‬
‫رس ول اهلل ‪ ‬ق ال‪  :‬يتع اقبون فيكم مالئك ة باللي ل ومالئك ة بالنه ار‪ ،‬وجيتمع ون يف ص الة‬
‫العص ر وص الة الفج ر‪ ،‬مث يع رج ال ذين ب اتوا فيكم‪ ،‬فيس أهلم‪ ،‬وه و أعلم هبم‪ ،‬كي ف ت ركتم‬
‫عبادي؟ فيقولون‪ :‬تركناهم‪ ،‬وهم يصلون‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلون ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ب دليل قول ه‪( :‬فيس أهلم وه و أعلم هبم‪ :)...‬ف دل على أن اهلل ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫في ه إثب ات الكالم هلل‬
‫تعاىل‪ -‬يسأل املالئكة‪ ،‬وهو أعلم ‪-‬سبحانه‪ -‬وهم يسمعون كالمه‪ ،‬وفيه أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬اعتىن‬
‫ببين آدم‪ ،‬وأوكل هبم مالئكته‪ ،‬من احلفظة والكتبه‪ ،‬وأن لليل مالئكة وللنهار مالئكة‪ ،‬وأهنم‬
‫جيتمعون يف صالة الصبح ويف صالة العصر‪ ،‬ففي صالة الصبح ينـزل مالئكة النهار‪ ،‬ويصعد‬
‫مالئكة الليل‪ ،‬ويف صالة العصر ينـزل مالئكة الليل‪ ،‬ويصعد مالئكة النهار‪( ،‬فيسأهلم اهلل ‪-‬‬
‫تع اىل‪ -‬وه و أعلم هبم‪ ،‬كي ف ت ركتم عب ادي؟ ق الوا‪ :‬أتين اهم وهم يص لون‪ ،‬وتركن اهم وهم‬
‫يصلون‪ ،‬فأتوهم يف صالة الصبح‪ ،‬وهم يصلون‪ ،‬وتركوهم يف صالة العصر‪ ،‬وهم يصلون‪.‬‬
‫هذا يف املصلي‪ ،‬والذي ال يصلي ماذا تكون حاله؟! فمن أتته املالئكة‪ ،‬وهو نائم‪ ،‬أو غافل‪،‬‬
‫أو عاص هلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬فهو يف خسارة عظيمة‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قول ه‪( :‬يتع اقبون فيكم‪ :)...‬يس موهنا لغ ة (أكل وين ال رباغيث) وهي لغ ة قليل ة‪ ،‬وهي اجتم اع‬
‫الظاهر واملضمر‪ ،‬أي‪ :‬اجتماع الواو واملالئكة‪ ،‬األصل أن يقول‪ :‬يتعاقب فيكم مالئكة‪ ،‬فيكون‬
‫فاعل املالئكة‪ ،‬لكن أتى هنا بالضمري وباملظهر فقال (يتعاقبون فيكم مالئكة) وهذه اللغة كما‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫ذكرن ا قليل ة‪ ،‬لكن ج اء هبا الق رآن ومن ه قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫الموحد الذي مات على التوحيد مآله الجنة والسالمة‬


‫‪- 7487‬حدثنا حممد بن بشار‪ ،‬حدثنا غندر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن واصل‪ ،‬عن املعرور قال‪ :‬مسعت أبا‬
‫ذر‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪  :‬أتاين جربيل‪ ،‬فبشرين أنه من مات ال يشرك باهلل شيًئا دخل اجلنة‪،‬‬
‫قلت‪ :‬وإن سرق وإن زىن‪ ،‬قال‪ :‬وإن سرق وإن زىن ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه بشارة عظيمة للمؤمن‪ ،‬وأن املوحد الذي مات على التوحيد مآله اجلنة‬
‫والس المة‪ ،‬ول و م ات على ش يء من املعاص ي والكب ائر‪ ،‬لكن ق د يص يبه قب ل دخول ه اجلن ة‬
‫عذاب‪ ،‬سواء كان يف القرب‪ ،‬أو أهوال تصيبه يف موقف يوم القيامة‪ ،‬أو عذاب يف النار‪،‬‬
‫فق د يع ذب بالزن ا والس رقة وغريه ا من الكب ائر‪ ،‬وق د يعفى عن ه‪ ،‬فه و حتت مش يئة اهلل ‪-‬‬
‫تع اىل‪ ،-‬وال يع ين ه ذا التس اهل يف املعاص ي‪ ،‬ب ل املعاص ي ش أهنا عظيم‪ ،‬وق د توع د اهلل‬
‫أصحاب الكبائر بوعيد شديد؛ لذلك قد تطول مدة بقاء بعض املوحدين يف النار كقوله ‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫تع اىل‪ -‬يف القات ل عم دا‪:‬‬
‫‪ )2( ‬وال يكون كافًر ا‬ ‫‪         ‬‬

‫إذا مل يستحله‪ ،‬واخللود هنا هو املكث الطويل‪.‬‬


‫والشاهد من احلديث خفي ليس بظاهر‪ ،‬وهو قوله‪( :‬أتاين جربيل فبشرين) فجربيل يبشره‬
‫مبا مسعه من ربه‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫مبا أمره‪ ،‬وأخربه به ربه‪ ،‬فهو يسمع الكالم من اهلل‪ ،‬مث خيرب النيب‬
‫‪ - 1‬سورة األنبياء آية ‪.3 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية ‪.93 :‬‬

‫‪185‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫كالم اهلل منـزل غير مخلوق‬


‫حديث‪" :‬فإنك إن مت في ليلتك مت على الفطرة"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ - 34‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫(‪ )2‬بني السماء السابعة واألرض السابعة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫قال جماهد‬
‫‪- 7488‬حدثنا مسدد‪ ،‬حدثنا أبو األحوص‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق اهلمداين‪ ،‬عن الرباء بن‬
‫يا فالن إذا أويت إىل فراشك فقل‪ :‬اللهم أسلمت نفسي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عازب قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫إلي ك‪ ،‬ووجهت وجهي إلي ك‪ ،‬وفوض ت أم ري إلي ك‪ ،‬وأجلأت ظه ري إلي ك‪ ،‬رغب ة ورهب ة‬
‫إلي ك‪ ،‬ال ملج أ وال منج ا من ك إال إلي ك‪ ،‬آمنت بكتاب ك ال ذي أنـزلت وبنبي ك‪ ،‬ال ذي‬
‫أرسلت‪ ،‬فإنك إن مت يف ليلتك مت على الفطرة‪ ،‬وإن أصبحت أصبت أجًر ا ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذه الرتمجة قصد هبا املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إثبات الكالم هلل‪ ،‬وأنه صفة من صفاته‪ ،‬وأنه‬
‫ق ائم بذات ه‪ ،‬وأن كالم اهلل منـزل غ ري خمل وق‪ ،‬وفي ه ال رد على املعتزل ة الق ائلني‪ :‬إن الق رآن‬
‫‪ )3( ‬فالقرآن منـزل غري خملوق‪ ،‬منه‬ ‫‪   ‬‬ ‫خملوق؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقول‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ب دأ‪ ،‬وإلي ه يع ود ه ذا ق ول أه ل الس نة واجلماع ة‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )4( ‬وقال ‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫‪       ‬‬

‫(‪. ) 6‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )5( ‬وقوله‬ ‫‪     ‬‬

‫واملؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أط ال يف مس ألة كالم اهلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬ألهنا مس ألة ش ائكة‪ ،‬خ الف‬
‫فيها أهل البدع وأهل الكالم‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.166 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الطالق آية ‪.12 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النساء آية ‪.166 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.106 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة النحل آية ‪.102 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة النساء آية ‪.166 :‬‬

‫‪186‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬يشري إىل قوله ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله‪ :‬قال جماهد‪:‬‬

‫‪          ‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪             ‬‬

‫قول ه‪( :‬اللهم أس لمت نفس ي إلي ك‪ )...‬ه ذا احلديث‪ :‬ي دل على فض ل ه ذا ال ذكر‪ ،‬وأن ه‬
‫ينبغي لإلنسان أن يقوله عند النوم‪ ،‬وأن جيعله آخر ما يقول؛ وهلذا جاء يف احلديث اآلخر‪:‬‬
‫‪ ‬واجعلهن آخر ما تقول ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وبنبي ك ال ذي أرس لت) يف بعض الرواي ات أن ال راوي ق ال‪( :‬وبرس ولك ال ذي‬
‫أرسلت)‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ال تقل ذلك بل قل‪( :‬وبنبيك الذي أرسلت) وهذا دليل على أنه ينهى أن يغري يف‬
‫األذك ار‪ ،‬فاألذك ار ال تغ ري وال ت روى ب املعىن‪ ،‬وه ذا ال دعاء عظيم ينبغي أن ي واظب املس لم‬
‫وإس الم النفس والوج ه إىل اهلل‪ ،‬والتف ويض إلي ه‬ ‫‪‬‬ ‫علي ه؛ ملا في ه من االلتج اء إىل اهلل‬
‫واللجوء‪ ،‬والرغبة إلي ه ‪-‬سبحانه وتع اىل‪ ،-‬وإعالن اإلميان بالكت اب املنـزل‪ ،‬وبالرسول املرسل‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وفيه فضل هذا الذكر‪ ،‬وأنه إن مات مات على الفطرة‪ ،‬وإن أصبح‬
‫أصاب أجًر ا‪ ،‬وهذا الذكر جيعله يف آخر أذكار النوم‪ ،‬ويف اللفظ اآلخر (األمر بالوضوء عند‬
‫النوم‪ ،‬وأن يضطجع على شقه األمين‪ ،‬وأن جيعل يده حتت خده‪ ،‬ويقول هذا الذكر)‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فإن ك إن مت من ليلت ك‪ ،‬مت على الفط رة)‪ :‬أي‪ :‬فط رة اإلس الم‪ ،‬وهي الطريق ة‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫املستقيمة‪ ،‬وهي التوحيد‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪. ) 3‬‬
‫قوله‪( :‬أصبت أجًر ا) يف الرواية األخرى‪( ،‬أصبت خًريا)‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الطالق آية ‪.12 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الطالق آية ‪.12 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الروم آية ‪.30 :‬‬

‫‪187‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬آمنت بكتابك الذي أنـزلت) فالكتاب هو القرآن‪ ،‬فهو يدل‬
‫على أن القرآن منـزل غري خملوق‪ .‬وليس كما قال بعض الشراح (املراد باإلنـزال إفهام العباد‬
‫مع اين الف روض‪ ،‬ال يت يف الق رآن‪ ،‬وليس إنـزاله ل ه كإنـزال األجس ام‪ )...‬فه ذا ليس بص حيح‪،‬‬
‫فليس املراد باإلنـزال هو اإلفهام‪ ،‬بل اإلنـزال إنـزال حقيقي‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬تكلم بالقرآن وحًي ا‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫ومسعه جربيل‪ ،‬ونـزله على قلب حممد‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫ال‬ ‫‪ )1( ‬وق‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )2‬فقوله‪( :‬أن اإلنـزال هو اإلفهام) تأويل باطل من قول األشاعرة‪.‬‬ ‫‪  ‬‬

‫حديث "اللهم منـزل الكتاب سريع الحساب"‬


‫‪- 7489‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن إمساعيل بن أيب خالد‪ ،‬عن عبد اهلل بن أيب أوىف‬
‫يوم األحزاب‪  :‬اللهم منـزل الكتاب‪ ،‬سريع احلساب‪ ،‬اهزم األحزاب‪،‬‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪‬‬
‫زاد احلمي دي‪ ،‬ح دثنا س فيان‪ ،‬ح دثنا ابن أيب خال د مسعت عب د اهلل‪ ،‬مسعت الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫وزل زهلم‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث يدل على أنه ينبغي الدعاء والتضرع إىل اهلل عند لقاء العدو‪ ،‬وذلك بعد‬
‫إعداد العدة‪ ،‬فعليه بعد ذلك أن يستنصر اهلل‪ ،‬ويستنـزل منه النصر على الكفار‪ ،‬كما فعل‬
‫يوم األحزاب‪ .‬قوله‪( :‬األحزاب)‪ :‬مجع حزب‪ ،‬وهم الكفار الذين حتزبوا وجتمعوا لقتال‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫أخذ العدة وعمل باألسباب‬ ‫‪‬‬ ‫املؤمنني يف غزوة اخلندق‪ ،‬وذلك يف السنة اخلامسة‪ .‬فالرسول‬
‫كحفر اخلندق ومشورته ألصحابه‪ ،‬مث بعد ذلك دعا النيب ربه‪ ،‬واستنصره عليهم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ه ذا ال دعاء‪ .‬قول ه‪( :‬اه زمهم) ويف رواية أخرى زاد (وانص رنا عليهم)‪ .‬فقبل اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬دعوة‬
‫نبي ه‪،‬ونص ر حزب ه املؤم نني‪ ،‬فأرس ل اهلل على الكف ار رًحيا تزل زهلم‪ ،‬وتقل ع خي امهم‪ ،‬وتكف أ‬
‫ق دورهم‪ ،‬واملالئكة تق ذف ال رعب يف قلوهبم‪ ،‬حىت مل يق َّر هلم قرار فارحتلوا خائبني‪ ،‬كما‬
‫‪ - 1‬سورة النحل آية ‪.102 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الشعراء آية ‪.194-193 :‬‬

‫‪188‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬

‫‪           ‬‬
‫‪ )1(    ‬وكان يوًم ا شديًد ا على املؤمنني‪ ،‬بلغت الشدة هبم مبلًغ ا عظيًم ا‪،‬‬
‫وبلغت القلوب احلناجر‪ ،‬وجنم النفاق‪ ،‬وظهر املنافقون وأظهروا نفاقهم‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪ :-‬‬

‫‪           ‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫وق ال س بحانه‪:‬‬

‫‪        ‬‬


‫‪.)3( ‬‬ ‫‪     ‬‬

‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬اللهم منـزل الكتاب) ففيه أن القرآن منـزل غري خملوق‪ ،‬وفيه‬
‫ال رد على من ق ال إن ه خمل وق‪ .‬واملعتزل ة من ش بههم أهنم يقول ون‪ :‬كون ه منـزل ال مين ع أن‬
‫‪ )4( ‬فيقول ون‪ :‬احلدي د منـزل‪ ،‬وه و‬ ‫‪  ‬‬ ‫يك ون خملوًق ا‪ ،‬كقول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ )5( ‬وقوله‬ ‫‪    ‬‬ ‫خملوق‪ ،‬وقوله ‪-‬تعاىل‪   :-‬‬

‫(‪ )6‬فيقول ون‪ :‬ه ذه خملوق ات‪ ،‬وهي منـزلة‪،‬‬ ‫‪      ‬‬

‫وكذلك القرآن‪.‬‬
‫واجلواب أن م ا ذك ره اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬من إنـزال ه ذه األش ياء مع روف ومعل وم‪ ،‬فاحلدي د‬
‫معلوم أنه ينـزل من اجلبال ويؤخذ منها‪ ،‬كذلك إنـزال األنعام معلوم أنه من البطون‪ ،‬وإنـزال‬
‫املطر مقيد أنه من السماء‪ .‬خبالف القرآن فإنه صريح أنه منـزل من عند اهلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬كما‬

‫‪ - 1‬سورة األحزاب آية ‪.9 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األحزاب آية ‪.12 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األحزاب آية ‪.11-10 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الحديد آية ‪.25 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الزمر آية ‪.6 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الفرقان آية ‪.48 :‬‬

‫‪189‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ )1( ‬وقول ه‬ ‫‪      ‬‬ ‫ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫(‪ )2‬فحجة هؤالء داحضة عليهم‪.‬‬ ‫‪  ‬‬

‫حديث‪" :‬فكان إذا رفع صوته سمع المشركون فيسبوا القرآن"‬


‫‪- 7490‬ح دثنا مس دد‪ ،‬عن هش يم‪ ،‬عن أيب بش ر‪ ،‬عن س عيد بن جب ري‪ ،‬عن ابن عب اس ‪-‬رض ي اهلل‬
‫متواٍر‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )3( ‬قال‪  :‬أنـزلت ورسول اهلل‬ ‫‪      ‬‬ ‫عنهما‪-‬‬
‫مبكة‪ ،‬فكان إذا رفع صوته مسع املشركون‪ ،‬فسبوا القرآن‪ ،‬ومن أنـزله ومن جاء به فقال اهلل‬
‫(‪) 5‬‬ ‫)‪( 4‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫(‪ )6‬عن أص حابك فال تس معهم‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫ح ىت ال يس مع املش ركون‬
‫(‪ )7‬أمسعهم‪ ،‬وال جتهر حىت يأخذوا عنك القرآن ‪.‬‬ ‫‪     ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫متخ ٍف مبكة من املشركني‪ .‬قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذه اآلية ‪-‬كما جاء يف احلديث‪ -‬أنـزلت والنيب‬
‫‪ )8( ‬أي‪ :‬بقراءتك‪ ،‬فاملراد بالصالة هنا القراءة‪ .‬فاملعىن كما يف احلديث‪:‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪‬‬ ‫ال جته ر بقراءت ك ح ىت ال يس معه املش ركون‪ ،‬فيس بوا الق رآن‪ ،‬ومن أنـزله‪ ،‬ومن ج اء ب ه‬
‫(‪ )9‬أي‪ :‬ال ختفض ص وتك؛ ألن ك إذا خفض ت ص وتك مل يس معه‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سورة النحل آية ‪.102 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة السجدة آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 9‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪190‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬وس ًطا بني‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫أص حابك‪ ،‬ومل يأخ ذوا عن ك‬
‫اجلهر واإلخفات‪ ،‬فهذا فيه مجع بني املصلحتني‪.‬‬
‫متواٍر مبكة) فهذا يدل على أن القرآن منـزل غري خملوق‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫والشاهد قوله‪( :‬أنـزلت والنيب‬
‫وفي ه التص ريح أن ه ذه اآلي ة نـزلت من عن د اهلل تع اىل‪ .‬ويف ال رد على من ق ال‪ :‬إن الق رآن‬
‫خملوق من املعتزلة وغريهم‪.‬‬
‫باب قول اهلل "ُيِر يُد وَن َأْن ُيَبِّد ُلوا َك الَم الَّلِه"‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ - 35‬باب قول اهلل تعاىل‬
‫(‪ )4‬باللعب‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫حق ‪ ‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪  ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يتكلم بكالم مسموع‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫هذه الرتمجة كالسابقة‪ ،‬فيها إثبات الكالم هلل‬
‫يس معه من ش اء من خلق ه‪ ،‬حبرف وص وت يس مع‪ ،‬وفي ه أن كالم اهلل من ه الق رآن وغ ري‬
‫‪‬‬ ‫الق رآن‪ ،‬ف القرآن من كالم اهلل‪ ،‬ك ذلك الكتب املنـزلة تكلم اهلل هبا‪ ،‬فقول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪ )4( ‬يشمل القرآن وغري القرآن‪ .‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يسمع‬ ‫‪     ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ليلة املعراج‪ ،‬ومسعه موسى‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫من يشاء من خلقه فسمعه جربيل‪ ،‬ومسعه نبينا‬
‫(‪ )5‬ويكلم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬العباد يوم القيامة‪ ،‬فيكلم آدم فيقول ‪-‬‬ ‫‪    ‬‬

‫حبرف وصوت يسمع كما سبق‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫سبحانه‪  :-‬يا آدم أخرج بعث النار‬

‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفتح آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الطارق آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الطارق آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الفتح آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة النساء آية ‪.164 :‬‬

‫‪191‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬ه ذا جاء يف املن افقني يف‬ ‫‪      ‬‬ ‫وقوله تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫س ورة الفتح‪ ،‬كم ا ق ال تع اىل‪:‬‬

‫‪            ‬‬
‫‪ )2( ‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أخرب‬ ‫‪         ‬‬

‫‪. ) 3( ‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫أهنم مل يتبعوا املؤمنني لذلك قال‪:‬‬
‫(‪ )4‬أي‪ :‬حق املقصود القرآن‪ ،‬ففيه إثبات أن القرآن‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‬
‫‪ )5( ‬أي‪ :‬باللعب بل هو‬ ‫‪    ‬‬ ‫قول‪ ،‬وأنه قول اهلل وكالمه‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫جد‪.‬‬
‫حديث‪" :‬يؤذيني ابن آدم يسب الدهر"‬
‫‪ - 7491‬حدثنا احلميدي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬حدثنا الزهري‪ ،‬عن سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫ق ال‪ :‬ق ال الن يب ‪  ‬ق ال اهلل تع اىل‪ :‬يؤذي ين ابن آدم يس ب ال دهر‪ ،‬وأن ا ال دهر بي دي األم ر‬
‫أقلب الليل والنهار ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث يفي د النهي عن س ب ال دهر‪ ،‬وأن من س ب ال دهر‪ ،‬فق د آذى اهلل‪ ،‬وال‬
‫يلزم من اإليذاء الضرر‪ ،‬فمن سب الدهر‪ ،‬فقد آذى اهلل‪ ،‬لكن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ال يلحقه ضرر‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫وال يضره أحد من خلقه‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ )6( ‬فه ؤالء ي ؤذون اهلل ورس وله‪ ،‬ولكن ال يض رون‬ ‫‪    ‬‬

‫من لكعب بن األشرف‪ ،‬فقد آذى اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‪ ،‬وال يضرون رسوله‪ .‬ومن ذلك قول النيب‬

‫‪ - 1‬سورة الفتح آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفتح آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الفتح آية ‪.15 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الطارق آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الطارق آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة األحزاب آية ‪.57 :‬‬

‫‪192‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فهذا آذى اهلل ورسوله‪ ،‬وال يلزم من اإليذاء الضرر‪ ،‬ألن اهلل ال يضره أحد من‬ ‫‪‬‬ ‫ورسوله‬
‫خلقه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬من سب الدهر) والدهر هو الليل والنهار؛ ولذا قال‪( :‬يسب الدهر‪ ،‬وأنا الدهر)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬بيدي األمر‪ ،‬أقلب الليل والنه ار) ويف لفظ (أقلب ليله وهناره) ومن سب الدهر‪ ،‬فقد سب املدبر للدهر‪ ،‬وهو اهلل تعاىل؛ لذلك قال (بيدي‬

‫األمر‪ ،‬أقلب الليل والنهار) ومن أمثلة سب الدهر‪ ،‬لعن اليوم أو الساعة‪ ،‬أو الشهر‪ ،‬وكقول أحدهم‪:‬‬

‫ليت ما حل بنا به‬ ‫عضنا الدهر بنابه‬

‫فهذا من سب الدهر املنهي عنه‪.‬‬


‫بني أن ال دهر ه و اللي ل والنه ار‪ ،‬وق د غل ط‬ ‫وال دهر ليس من أمساء اهلل تع اىل‪ ،‬ألن الن يب ‪‬‬
‫العلماء كابن حزم يف عده الدهر من أمساء اهلل تعاىل‪ ،‬أخ ًذ ا منه هبذا احلديث‪ ،‬وهذا غلط‬
‫واضح؛ ألن احلديث بني أن الدهر ليس هو اهلل‪ ،‬وهذا تفسري للحديث‪.‬‬
‫وأن اهلل يقول‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫والشاهد قوله‪( :‬قال اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يؤذيين ابن آدم) ففيه إثبات القول هلل‬
‫وكذلك قوله‪( :‬بيدي األمر) واألمر نوع من أنوع الكالم‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫‪ ‬املراد بالدنيا أي‪ :‬ما يكون فيها‪ ،‬وأنه يستثىن ما يكون فيها من اخلري‪ ،‬فليس‬ ‫جاء يف حديث ‪ ‬الدنيا ملعونة ملعون ما فيها‬
‫املقصود نفس الدهر؛ ألن الدهر هو الليل والنهار‪ ،‬وإمنا الكالم فيما يفعله الناس يف الليل والنهار‪ ،‬كما قال أحدهم‪:‬‬

‫ال يفسـدان ولكـن يفسـد الناس‬ ‫إن الجديدين في طول اختالفهما‬

‫واجلدي دان مها اللي ل والنه ار‪ ،‬واملراد ه و عم ل اإلنس ان فيهم ا‪ ،‬ومع ىن (ملعون ة) أي‪ :‬مذموم ة فك ل‬
‫ذكر اهلل وما وااله وعا ا ومتعلًم ا ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫عمل بين آدم مذموم فيهما إال‬
‫ًمل‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪193‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وص ف الي وم بأن ه ي وم ش ديد‪ ،‬أو حنس ليس من س ب ال دهر‪ ،‬إمنا ه و من ب اب اخلرب‪،‬‬
‫‪ )1( ‬فوصف اليوم بأنه حنس‪ ،‬وهذا‬ ‫‪     ‬‬ ‫يدل عليه قوله تعاىل‪:‬‬
‫من باب الوصف‪ ،‬وليس من باب السب‪.‬‬
‫حديث‪" :‬الصوم لي وأنا أجزي به"‬
‫قال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫عن النيب‬ ‫‪ - 7492‬حدثنا أبو نعيم‪ ،‬حدثنا األعمش‪ ،‬عن أيب صاحل‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫أجلي‪ ،‬والصوم‬ ‫يقول اهلل ‪  ‬الصوم يل‪ ،‬وأنا أجزي به‪ ،‬يدع شهوته وأكله وشربه من‬
‫ُج نة‪ ،‬وللصائم فرحتان فرحة حني يفطر وفرحة‪ ،‬حني يلقى ربه‪ ،‬وَخَللوف فم الصائم أطيب‬
‫عند اهلل من ريح املسك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه فضل الصوم‪ ،‬حيث أضافه الرب ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬إىل نفسه‪ ،‬فقال‪( :‬الصوم يل‬
‫لكن ملا كان الصوم س ًّر ا بني العبد‬ ‫‪‬‬ ‫وأنا أجزي به‪ )...‬ومن املعلوم أن األعمال كلها هلل‬
‫وبني رب ه‪ ،‬أض افه اهلل إلي ه؛ ل ذلك ق ال ‪-‬تع اىل‪( -‬وأن ا أج زي ب ه) فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬جيزي على‬
‫الصوم جزاء‪ ،‬ليس حمدًدا‪ ،‬على حسب إخالص العبد؛ وألنه من الصرب واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقول‪:‬‬
‫‪ )2(         ‬مث قال‪( :‬يدع شهوته وشربه‬
‫وأكله من أجلي) ولو شاء ملا فعل‪ ،‬فهو خفي وسر بني العبد وبني ربه‪ ،‬فكونه يدع هذه‬
‫األشياء من أجل اهلل‪ ،‬وهو يستطيع أن يفعلها‪ ،‬ويتناوهلا دل على فض له؛ وهلذا توىل ال رب‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬جزاءه بنفسه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬للصائم فرحتان فرحة حني يفطر) ألنه يفرح بتمام صومه‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أباح‬
‫ل ه املفط رات ال يت ميي ل إليه ا ب الطبع‪( ،‬وفرح ة حني يلقى رب ه) عن دما يلقي ج زاءه م وفًر ا‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وم دخًر ا‪ُ ،‬هَلو أح وج م ا يك ون إلي ه‪ ،‬واللق اء يل زم من ه رؤي ة‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬

‫‪ - 1‬سورة القمر آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.10 :‬‬

‫‪194‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬فه و ي دل على رؤي ة املؤم نني ل رهبم‪ ،‬أم ا الكف ار‬ ‫‪   ‬‬

‫فيك ون هلم لق اء ليس مع ه رؤي ة‪ .‬واألش اعرة يثبت ون الرؤي ة‪ ،‬لكن ال إىل جه ة‪ ،‬فهم ينف ون‬
‫اجله ة‪ ،‬واملعتزل ة ينف ون الرؤي ة واجله ة‪ ،‬وأه ل الس نة يثبت ون الرؤي ة‪ ،‬ويثبت ون اجله ة‪ .‬فاألش اعرة‬
‫على ع ادهتم مذب ذبني‪ ،‬ال إىل ه ؤالء وال إىل ه ؤالء‪ ،‬فأخ ذوا الرؤي ة ال يت أثبته ا املؤمن ون‪،‬‬
‫ونفوا اجلهة اليت نفاها املعتزلة‪.‬‬
‫فهو عندهم ‪-‬سبحانه‪ُ -‬يرى لكن ال إىل جهة‪ ،‬ال أمام وال خلف وال ميني وال مشال‪،‬‬
‫وال أعلى وال أس فل‪ ،‬وه ذا غ ري معقول وغ ري متص ور‪ ،‬فال ب د يف الرؤي ة أن يك ون ال رائي‬
‫مواجًه ا للمرئي‪ ،‬ومبايًنا له‪ .‬ولذلك أنكر مجهور العقالء عليهم ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن كالمهم هذا‬
‫غري متصور‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وخللوف فم الصائم أطيب عند اهلل‪ )...‬يقال‪َُ :‬خ لوف بفتح اخلاء وضمها‪ ،‬واخللوف‪:‬‬
‫هي الرائح ة املس تكرهة ال يت تنبعث من الص ائم بس بب خل و املع دة‪ ،‬من الطع ام والش راب‪،‬‬
‫وهي وإن ك انت مس تكرهة عن د الن اس يف ال دنيا‪ ،‬إال أهنا حمبوب ة عن د اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬كوهنا‬
‫نشأت عن طاعته وابتغاء مرضاته‪.‬‬
‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬يقول اهلل تعاىل) فهذا حديث قدسي‪ ،‬وفيه إثبات القول هلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقول ويتكلم حبرف وصوت يسمع‪.‬‬
‫حديث‪" :‬بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد"‬
‫‪ - 7493‬حدثنا عبد اهلل بن حممد‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق أخربنا معمر‪ ،‬عن مهام‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن‬
‫الن يب ‪ ‬قال‪  :‬بينما أيوب يغتسل عرياًن ا َخ ّر عليه ِر ْج ُل جراد من ذهب‪ ،‬فجعل حيثو يف‬
‫ثوبه‪ ،‬فناداه ربه‪ :‬يا أيوب‪ ،‬أمل أكن أغنيتك عما ترى؟ قال‪ :‬بلى يا رب‪ ،‬ولكن ال غىن يب‬
‫عن بركتك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.46 :‬‬

‫‪195‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ذا في ه آي ة عظيم ة من آي ات اهلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬وه و أن أي وب علي ه الس الم (خ ر علي ه‬


‫رج ل ج راد من ذهب) (ِر ْج ُل) أي‪ :‬مجاع ة‪ ،‬ويطل ق على اجلماع ة الكث رية‪ ،‬واملع ىن أن ج راًدا‬
‫كثًريا نـزل‪ ،‬وتساقط عليه‪ ،‬لكنه ليس جراًدا من حلم‪ ،‬بل جراد من ذهب‪ ،‬فهذا من آيات‬
‫اهلل العظيم ة ق ال ‪-‬تع اىل‪          :-‬‬

‫‪ )1( ‬فه ذا ي دل على ق درة اهلل العظيمة‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬سبحانه وتع اىل‪ -‬ال يعجزه‬ ‫‪ ‬‬

‫شيء‪.‬‬
‫واحلديث ي دل على ج واز االغتس ال عرياًن ا‪ ،‬إذا ك ان اإلنس ان يف م أمن من رؤي ة غ ريه‬
‫له‪ ،‬وهذا يدل على خطأ من يرى أن اإلنسان ال جيوز له أن يكشف عورته‪ ،‬ولو كان‬
‫يفع ل ذل ك‪ .‬وفي ه أن ه ال غ ىن‬ ‫‪‬‬ ‫وح ده‪ ،‬والص واب ج واز االغتس ال عرياًن ا وق د ك ان الن يب‬
‫لإلنسان‪ ،‬عن بركة اهلل‪. ،‬‬
‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬فناداه ربه) ففيه إثبات النداء هلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬والنداء نوع من‬
‫أن واع الكالم‪ ،‬وه و الكالم من بع د‪ ،‬عكس النج اء‪ ،‬وه و الكالم من ق رب‪ ،‬ف دل احلديث‬
‫على أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬تكلم حبرف وص وت يس مع‪ ،‬مسعه أي وب ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬حبرف‬
‫وص وت‪ ،‬وفي ه ال رد على املعتزل ة الق ائلني‪ :‬إن كالم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خمل وق لفظ ه ومعن اه‪ ،‬وعلى‬
‫األش اعرة والكالبي ة الق ائلني‪ :‬إن كالم اهلل ليس حبرف وال ص وت يس مع‪ ،‬ب ل الكالم ق ائم‬
‫بنفس الرب ال يسمع‪ ،‬وهو مالزم لذات الرب كلزوم العلم‪ ،‬واحلروف واألصوات خملوقة‪،‬‬
‫ع رب ب ه عن ه ذا الق رآن‪ ،‬فليس يف املص حف‬ ‫‪‬‬ ‫وهي من كالم جربي ل أو كالم الرس ول‬
‫كالم اهلل عن دهم‪ .‬وه ذا من أبط ل الباط ل‪ ،‬فاحلديث في ه رد عليهم‪ ،‬وه ذه كلم ات مسعها‬
‫أي وب ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬من رب ه حبرف وص وت‪ .‬فعلم من ه ذا أن الص واب أن الق رآن كالم‬
‫اهلل لفظ ه ومعن اه‪ ،‬ح روف وأص وات‪ ،‬وه و كالم اهلل مكت وب يف املص احف حمف وظ يف‬
‫الصدور‪ ،‬متلو باأللسن‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫‪196‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائدة‪:‬‬
‫األشاعرة مذهبهم مذبذب بني أهل السنة وبني املعتزلة‪ ،‬فهم يريدون أن يكونوا مع أهل‬
‫السنة وال يريدون أن خيالفوا املعتزلة‪ ،‬فهم يف مسألة الرؤية مع أهل السنة يف إثبات الرؤية‪،‬‬
‫ومع املعتزلة يف نفي اجلهة‪ ،‬وكذلك مسألة الكالم‪ ،‬هم مع أهل السنة يف إثبات املعىن ومع‬
‫املعتزلة يف إثبات أن احلروف واألصوات خملوقة‪ ،‬فهم مذبذبون؛ وهلذا يسميهم بعض العلماء‬
‫خمانيث الفالس فة‪ ،‬واخلن ثى ه و ال ذي ليس ب أنثى وال ذك ر‪ ،‬ب ل ل ه آل ة أن ثى وآل ة ذك ر‪،‬‬
‫فاألشاعرة كاخلنثى‪ ،‬ليسوا من أهل السنة‪ ،‬وليسوا من املعتزلة‪ ،‬بل بني هؤالء وهؤالء‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬يتنـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا"‬


‫‪ - 7494‬حدثنا إمساعيل‪ ،‬حدثين مالك‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن أيب عبد اهلل األغر‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪  :‬يتنـزل ربنا ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬كل ليلة إىل السماء الدنيا‪ ،‬حني يبقى‬ ‫أن‬
‫ثلث الليل اآلخر‪ ،‬فيقول‪ :‬من يدعوين فأستجيب له‪ ،‬من يسألين فأعطيه من يستغفرين فأغفر‬
‫له ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا حديث عظيم‪ ،‬فيه إثبات التنـزل اإلهلي‪ ،‬قوله (يتنـزل ربنا) يف لفظ آخر (ينـزل ربنا)‬
‫وهذا احلديث من األحاديث املتواترة‪ ،‬اليت وردت يف الصحاح والسنن واملسانيد‪ ،‬فهو يثبت‬
‫التنـزل اإلهلي إىل السماء الدنيا‪ ،‬نـزوال يليق جبالل اهلل وعظمته‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬من ي دعوين فأس تجيب ل ه‪ ،‬من يس ألين فأعطي ه‪ )...‬ال دعاء أعم‪ ،‬والس ؤال أخص‬
‫واالس تغفار أخص‪ ،‬فب دأ ب األعم‪ ،‬مث باخلاص‪ ،‬مث األخص‪ ،‬فاالس تغفار ن وع من الس ؤال‪،‬‬
‫وق د‬ ‫‪‬‬ ‫والس ؤال دع اء‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يق ول‪ :‬ه ذا ح ىت يطل ع الفج ر‪ .‬ففي ه فض ل قي ام اللي ل‪،‬‬
‫فثلث اللي ل‬ ‫‪‬‬ ‫ي وتر من أول اللي ل ومن أوس طه‪ ،‬مث انتهى وت ره إىل الس حر‬ ‫‪‬‬ ‫ك ان الن يب‬
‫اآلخر وقت عظيم فاضل؛ ألنه وقت التنـزل اإلهلي‪ ،‬فينبغي لإلنسان أن يتعرض هلذا الوقت‬
‫العظيم‪،‬ونـزول الرب ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬من الصفات الفعلية اليت تليق به ‪-‬سبحانه‪ -‬ال يصح‬
‫أن يكيف‪ ،‬فمعىن النـزول يف اللغة العربية معلوم‪ ،‬لكن كيفيته جمهولة‪ ،‬ال يعلمها إال هو ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ -‬ونـزول ربنا ‪-‬سبحانه‪ -‬إىل السماء الدنيا يف الثلث األخري من الليل‪ ،‬يف أي‬
‫مكان من الدنيا وليس يف هذا إشكال؛ ألن بعض الناس يستشكل ويقول‪ :‬قد يكون ثلث‬
‫اللي ل يف ُقط ر‪ ،‬ف إذا انتهى ج اء إىل الُقط ر الث اين‪ ،‬وهك ذا‪ ،‬فال ي زال ربن ا يتنـزل؟ وه ذا‬
‫اإلشكال غري صحيح وغري وارد أصال؛ ألن هذا تكييف بالنسبة لك؛ ألنه ال يصح لنا أن‬
‫نكي ف النـزول‪ ،‬ب ل نثبت أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ينـزل إىل الس ماء ال دنيا‪ ،‬حني يبقى الثلث اآلخ ر‬
‫نـزوال يليق جبالله وعظمته‪ ،‬وال نكيفه‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وأن ه ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫والش اهد من احلديث قول ه‪( :‬فيق ول‪ :‬من ي دعوين‪ )...‬ففي ه إثب ات الق ول هلل‬
‫سبحانه‪ -‬يتكلم حبرف وصوت‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائ ـدة‪:‬‬
‫الصفات الذاتية هي ال يت ال تنف ك عن الب ارئ‪ ،‬كالعلم والق درة والس مع والبص ر والعلو‬
‫والع زة والعظم ة والكربي اء واجلالل‪ ،‬أم ا الص فات الفعلي ة فهي ال يت يفعله ا ال رب مبش يئته‬
‫واختياره‪ ،‬مثل الكالم والنـزول واالستواء والضحك والغضب والرضا والعجب‪ ،‬فاالستواء من‬
‫الصفات الفعلية؛ ألنه كان بعد خلق السماوات واألرض‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬خلق العرش مث خلق‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬مث استوى على العرش‪ .‬أما الصفات الذاتية الفعلية فهي بالنسبة إىل نوع‬
‫الصفة ذاتية‪ ،‬وبالنسبة إىل أفرادها هي فعلية‪ ،‬فالكالم واخللق والرزق واإلحياء واإلماتة‪ ،‬كلها‬
‫قدمية النوع حادثة اآلحاد واألفراد‪.‬‬
‫حديث قول اهلل "أنفق أنفق عليك"‬
‫‪ - 7495‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬حدثنا أبو الزناد أن األعرج حدثه أنه مسع أبا هريرة‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه‪ -‬أنه مسع رسول اهلل ‪ ‬يقول‪  :‬حنن اآلخرون السابقون يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ - 7496‬وهبذا اإلسناد قال اهلل‪َ  :‬أْنِف ْق ‪ُ ،‬أْنِف ق عليك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫ه ذا احلديث في ه فض ل النفق ة‪ ،‬وأن من أنف ق فه و موع ود ب اخللف‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫ألمساء ‪-‬رضي اهلل عنها‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬وقال النيب‬ ‫‪      ‬‬

‫ويف احلديث اآلخ ر‪  :‬م ا من‬ ‫‪‬‬ ‫أنفقي وانفحي‪ ،‬وانض حي‪ ،‬وال ت وكي‪ ،‬في وكي اهلل علي ك‬
‫ي وم يطل ع إال وملك ان يق ول أح دمها‪ :‬اللهم أع ط منفًق ا خلًف ا‪ ،‬ويق ول اآلخ ر‪ :‬اللهم أع ط‬
‫ممسًك ا تلًف ا ‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬قال اهلل‪ :‬أنفق‪ ،‬أنفق عليك) ففيه إثبات القول هلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فأقرئها من ربها السالم"‬

‫‪ - 1‬سورة سبأ آية ‪.39 :‬‬

‫‪200‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7497‬حدثنا زهري بن حرب‪ ،‬حدثنا ابن فضيل‪ ،‬عن عمارة‪ ،‬عن أيب زرعة‪ ،‬عن أيب هريرة‪ -‬‬
‫‪ -‬فقال‪  :‬هذه خدجية أتتك بإناء‪ ،‬فيه طعام‪ ،‬أو إناء فيه شراب‪ ،‬فأقرئها من رهبا السالم‪،‬‬
‫وبشرها ببيت من قصب‪ ،‬ال صخب فيه‪ ،‬وال نصب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬فأقرئها السالم‪ )..‬القائل هو جربيل عليه السالم‪ ،‬ويف الرواية األخرى قال جربيل‪:‬‬
‫واحلديث فيه منقبة عظيمة خلدجية ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬زوج‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬أقرئها السالم من رهبا ومين‬
‫‪‬‬ ‫النيب ‪ ‬وأم أوالده إال إبراهيم‪ ،‬وكانت ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬امرأة عاقلة َدِّينة َثّبتت النيب‬
‫وه دأت من روع ه أول البعث ة فق الت ل ه‪  :‬واهلل ال خيزي ك اهلل أب ًد ا‪ ،‬إن ك لتص ل ال رحم‪،‬‬
‫وحتمل الكل‪ ،‬وتكسب املعدوم‪ ،‬وتعني على نوائب الدهر ‪ ‬قوله‪  :‬أقرئها من رهبا السالم‬
‫فقول ه‪( :‬أقرئه ا من رهبا‬ ‫‪‬‬ ‫وم ين ‪ ‬ه ذه منقب ة عظيم ة مل نعلم أح ًد ا ناهلا من أزواج الن يب‬
‫السالم ومين)‍ فمن يدرك هذه املنقبة؟‪.‬‬
‫ه ذا جربي ل يق رأ علي ك الس الم‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وعائش ة ‪-‬رض ي اهلل عنه ا ج اء فيه ا ق ول الن يب‬
‫قول ه‪( :‬بش رها ب بيت يف اجلن ة من قص ب) أي‪ :‬من‬ ‫‪‬‬ ‫فق الت‪ :‬علي ه الس الم‪ ،‬ت رى م ا ال ن رى‬
‫قصب اللؤلؤ والدر اجملوف‪ .‬قوله‪( :‬ال صخب فيه وال نصب) الصخب الصوت‪ ،‬والنصب هو‬
‫التعب‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬فأقرئها من رهبا السالم) ففيه إثبات الكالم هلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أعددت لعبادي الصالحين"‬
‫‪ - 7498‬حدثنا معاذ بن أسد‪ ،‬أخربنا عبد اهلل‪ ،‬أخربنا معمر‪ ،‬عن مهام بن منبه‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫عن النيب ‪ ‬قال‪  :‬قال اهلل‪ :‬أعددت لعبادي الصاحلني م ا ال عني رأت‪ ،‬وال أذن مسعت وال‬
‫خطر على قلب بشر ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪201‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ذا في ه فض ل الث واب ال ذي يعط اه املؤمن ون‪ ،‬وه ذا فيمن حتق ق في ه الص الح واإلميان‬
‫والتق وى‪ ،‬فإن ه يتحق ق في ه ه ذا الث واب‪ ،‬وال يتحق ق الص الح إال للم ؤمن‪ .‬قول ه‪( :‬م ا ال عني‬
‫رأت‪ )...‬أي‪ :‬يف اجلن ة واملع ىن‪ :‬أن العي ون مل ت ر مثل ه؛ وهلذا ال يس تطيع أن يص فه الواص فون‬
‫على حقيقت ه؛ ألن العي ون مل ت ره وال مسعت مبثل ه اآلذان‪ ،‬وال خط ر على قلب بش ر من‬
‫النعيم والثواب واجلنان‪ ،‬وأما ما يف الدنيا مما يشابه ما يف اآلخرة‪ ،‬فهو يشاهبه يف االسم‬
‫‪ )1( ‬أما اللون والطعم‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫فقط دون احلقيقة قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫والرائحة‪ ،‬فمختلف‪.‬‬
‫وأن اهلل ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذا ح ديث قدس ي‪ ،‬والش اهد قول ه‪( :‬ق ال اهلل‪ )...‬ففي ه إثب ات الق ول هلل‬
‫تعاىل‪ -‬يتكلم حبرف وصوت ُيسمع‪.‬‬
‫حديث‪" :‬لك الحمد أنت نور السماوات واألرض"‬
‫‪ - 7499‬حدثنا حممود‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬أخربنا ابن جريج‪ ،‬أخربين سليمان األحول‪ ،‬أن طاوًس ا‬
‫إذا هتجد من الليل قال‪ :‬اهلل لك احلمد‪ ،‬أنت‬ ‫‪‬‬ ‫أخربه أنه مسع ابن عباس يقول‪  :‬كان النيب‬
‫نور السماوات واألرض‪ ،‬ولك احلمد‪ ،‬أنت قيم السماوات واألرض‪ ،‬ولك احلمد أنت رب‬
‫الس ماوات واألرض ومن فيهن‪ ،‬أنت احلق ووع دك احلق‪ ،‬وقول ك احلق ولق اؤك احلق‪ ،‬واجلن ة‬
‫ح ق‪ ،‬والن ار ح ق‪ ،‬والن بيون ح ق‪ ،‬والس اعة ح ق‪ ،‬اللهم ل ك أس لمت‪ ،‬وب ك آمنت‪ ،‬وعلي ك‬
‫توكلت‪ ،‬وإليك أنبت‪ ،‬وبك خاصمت‪ ،‬وإليك حاكمت‪ ،‬فاغفر يل ما قدمت وما أخرت‪،‬‬
‫وما أسررت وما أعلنت‪ ،‬أنت إهلي ال إله إال أنت ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫يستفتح‬ ‫‪‬‬ ‫وقد كان النيب‬ ‫‪‬‬ ‫هذا نوع من أنواع االستفتاحات اليت وردت‪ ،‬عن النيب‬
‫ب ه يف قي ام اللي ل يف ص الة التهج د‪ ،‬قول ه‪( :‬أنت ن ور الس ماوات واألرض)‪ :‬على لف ظ اآلي ة‪:‬‬
‫أعوذ‬ ‫‪‬‬ ‫(اهلل نور السماوات واألرض) والنور صفة من صفات اهلل‪ ،‬كما يف احلديث اآلخر‬

‫‪ - 1‬سورة الرحمن آية ‪.68 :‬‬

‫‪202‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وق د ذك ر ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف النوني ة أن ه‬ ‫‪‬‬ ‫بن ور وجه ك ال ذي أش رقت ل ه الظلمات‬
‫اسم من أمساء اهلل‪ ،‬فالنور امسه وصفته سبحانه‪ .‬قوله‪( :‬قيم السماوات) يف رواية (أنت قيام)‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫ويف رواية (أنت قيوم) والقيوم اسم من أمساء اهلل‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬والعل ة يف اجلم ع بني احلي والقي وم؟ ألن ه ترج ع إليهم ا مجي ع‬ ‫‪  ‬‬

‫األمساء‪ ،‬فـ (احلي) متضمن لصفة احلياة‪ .‬و (القيوم) متضمن للقيومية‪ ،‬وهو القائم بنفسه املقيم‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫لغريه‪ ،‬وال قيام ألحد إال به‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫‪ )2( ‬هلذا ق ال بعض هم‪ :‬ه ذا ه و االس م األعظم‪ ،‬ال ذي إذا س ئل ب ه ‪-‬س بحانه‪-‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أعطى‪ ،‬وإذا دعي به أجاب‪ ،‬وجاء يف ثالث مواضع يف الق رآن‪" ،‬اهلل ال إله إال هو احلي‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫القيوم" يف آية الكرسي‪ ،‬ويف سورة آل عمران يف أوهلا‬
‫(‪. ) 4‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫(‪ )3‬ويف سورة طه‬ ‫‪  ‬‬

‫وجاء يف صحيح مسلم نوع آخر من االستفتاحات‪ ،‬وهو ما روته عائشة ‪-‬رضي اهلل‬
‫ك ان إذا ق ام من اللي ل يق ول‪ :‬اللهم رب جربائي ل ومكائي ل وإس رافيل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عنه ا‪ -‬أن الن يب‬
‫ف اطر الس ماوات واألرض‪ ،‬ع امل الغيب والش هادة‪ ،‬أنت حتكم بني عب ادك فيم ا ك انوا في ه‬
‫فهذه‬ ‫‪‬‬ ‫خيتلفون‪ ،‬اهدين ملا اختلف فيه من احلق‪ ،‬إنك هتدي من تشاء إىل صراط مستقيم‬
‫بربوبي ة اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬هلؤالء األمالك الثالث ة جربي ل وميكائي ل‬ ‫‪‬‬ ‫الرواي ة فيه ا توس ل الن يب‬
‫وإس رافيل؛ ألهنم أوكل وا مبا في ه احلي اة‪ ،‬فجربي ل أوك ل ب الوحي ال ذي في ه حي اة القل وب‬
‫واألرواح‪ ،‬وميكائيل أوكل بالَق ْطر الذي حتيا به األجساد والنبات‪ ،‬وإسرافيل موكل بالنفخ‬
‫يف الصور‪ ،‬الذي فيه إعادة األرواح بعد موهتا‪ ،‬وهؤالء هم أفضل املالئكة ومقدمهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الرعد آية ‪.33 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة آل عمران آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة طه آية ‪.111 :‬‬

‫‪203‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫وأصح ما ورد يف االستفتاحات‪ ،‬وهو خمتصر‪ ،‬ما أخرجه الشيخان‪ ،‬عن أيب هريرة‬
‫يف استفتاح النيب ‪ ‬يف الصالة عموًم ا قال‪  :‬اللهم باعد بيين وبني خطاياي‪ ،‬كما باعدت‬
‫بني املشرق واملغرب‪ ،‬اللهم نقين من خطاياي‪ ،‬كما ينقي الثوب األبيض من الدنس‪ ،‬اللهم‬
‫هذا من أصح ما ورد يف االستفتاحات؛ إلخراج‬ ‫‪‬‬ ‫اغسلين من خطاياي بالثلج واملاء والربد‬
‫أنه قال‪  :‬سبحانك‬ ‫‪‬‬ ‫البخاري ومسلم له‪ .‬ومن االستفتاحات املختصرة‪ ،‬ما ورد‪ ،‬عن النيب‬
‫هذا من أخصر االستفتاحات‬ ‫‪‬‬ ‫اللهم وحبمدك‪ ،‬وتبارك امسك‪ ،‬وتعاىل جدك وال إله غريك‬
‫وأفضلها يف ذاته؛ ألنه ثناء على اهلل ‪ .‬وهذا رواه مسلم‪ ،‬لكن بسند منقطع‪ ،‬لكن يعضده‬
‫كان يلقنه الناس على املنرب‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫أن عمر‬
‫واحلديث في ه إثب ات أن اهلل ن ور الس ماوات واألرض‪ ،‬وأن قي ام الس ماوات واألرض‪ ،‬إمنا‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫ه و ب أمره‪ ،‬كم ا ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪ )1( ‬وق ال‬ ‫‪ ‬‬

‫(‪ )2‬وفيه إثبات ربوبية اهلل للسماوات واألرض كما قال‪( :‬ولك احلمد‪ ،‬أنت رب السماوات‬
‫واألرض)‪ ،‬وفيه إثبات أن اهلل هو احلق‪ ،‬وأن قول اهلل هو احلق‪ ،‬ووعده حق‪ ،‬واجلنة حق‬
‫والن ار ح ق‪ ،‬و الن بيون ح ق‪ ،‬والس اعة ح ق‪ ،‬مث التج أ إىل اهلل يف آخ ره فق ال‪( :‬اللهم ب ك‬
‫أسلمت‪ )...‬مث سأل اهلل املغفرة فقال‪( :‬فاغفر يل ما قدمت‪ ،‬وما أخرت‪ )...‬مث اعرتف بربوبية‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فقال‪( :‬أنت ريب‪ ،‬ال إله إال أنت) فهو استفتاح عظيم‪.‬‬
‫وأن اهلل يتكلم حبرف‬ ‫‪‬‬ ‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬وقولك احلق) ففيه إثبات الكالم هلل‬
‫وص وت ُيس مع‪ ،‬وأن الكالم ص فة من ص فاته قائم ة بذات ه ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ ،-‬وأن الكالم‬
‫أن واع‪ ،‬والق رآن من كالم اهلل ‪ ‬فقول ه يف احلديث الس ابق‪( :‬يق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪ :-‬أع ددت‬
‫لعبادي الصاحلني‪ )..‬هذا من كالم اهلل‪ ،‬وليس من القرآن‪.‬‬
‫حديث تبرئة اهلل تعالى لعائشة من حادث اإلفك‬
‫‪ - 1‬سورة الحج آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة فاطر آية ‪.41 :‬‬

‫‪204‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7500‬حدثنا حجاج بن منهال‪ ،‬حدثنا عبد اهلل بن عمر النمريي‪ ،‬حدثنا يونس بن يزيد األيلي‬
‫قال‪ :‬مسعت الزهري‪ ،‬قال‪ :‬مسعت عروة بن الزبري‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعلقمة بن وقاص‪ ،‬وعبيد اهلل بن‬
‫حني قال هلا أهل اإلفك ما قالوا فربأها اهلل مما قالوا‪،‬‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬عن حديث عائشة زوج النيب ‪‬‬
‫وكل حدثين طائفة من احلديث الذي حدثين‪ ،‬عن عائشة قالت‪ :‬ولكين واهلل ما كنت أظن‬
‫أن اهلل ينـزل يف براءيت وحًيا يتلى‪ ،‬ولشأين يف نفسي كان أحقر من أن يتكلم اهلل ّيف بأمر‬
‫يتلى‪ ،‬ولك ين كنت أرج و أن ي رى رس ول اهلل ‪ ‬يف الن وم رؤي ا يربئ ين اهلل هبا‪ ،‬فأنـزل اهلل‬
‫‪ )1( ‬العشر اآليات‪.‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث خمتص ر من قص ة اإلف ك‪ ،‬والزه ري رواه‪ ،‬عن جمموع ة من الت ابعني (ك ل‬
‫حدث ه طائف ة) أي‪ :‬قطع ة من ه‪ ،‬وقص ة اإلف ك معروف ة‪ ،‬وه و أن عائش ة ‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪ -‬يف‬
‫إحدى الغزوات وكانت يف اهلودج‪( :‬وهو ما يوضع على البعري‪ ،‬جتلس فيه النساء) وكان قد‬
‫أوكل تنـزيل اهلودج ورفعه إىل اثنني من الناس‪ ،‬فلما نـزلوا منـزال نـزلت عائشة ‪-‬رضي اهلل‬
‫عنها‪ -‬وقضت حاجتها‪ ،‬مث علمت أن ِعقدها قد انقطع‪ ،‬فذهبت تبحث عنه وكأهنا أبعدت‪،‬‬
‫عن اجليش‪ ،‬مث أذن بالرحي ل‪ ،‬مث محل وا اهلودج ظًن ا منهم أهنا في ه‪ ،‬وك انت خفيف ة اللحم‪،‬‬
‫وملا ج اءت مل جتد اجليش‪ ،‬فق الت‪ :‬أجلس يف مك اين لعلهم يفق دوين‪ ،‬وك ان ص فوان بن‬
‫معط ل الس لمي‪ ،‬ق د ع رس يف آخ ر اجليش‪ ،‬ف رأى س واد إنس ان فعرفه ا‪ ،‬مث جع ل يس رتجع‪،‬‬
‫ق الت‪ :‬فاس تيقظت باس رتجاع ص فوان‪ ،‬فخم رت وجهي جبلب ايب‪ ،‬وك ان يعرف ين قب ل احلج اب‪،‬‬
‫(وه ذا من األدل ة القوي ة على وج وب س رت املرأة وجهه ا‪ ،‬وأن النس اء كن ال حيتجنب‪ ،‬مث‬
‫بع د ذل ك أم رن باحلج اب) مث أن اخ اجلم ل وركبت‪ ،‬ق الت‪ :‬ومل يكلم ين‪ ،‬فلم ا ق دما املدين ة‪،‬‬
‫تكلم املنافقون‪ ،‬وجعلوا يشيعون اإلفك وال يصرحوا به‪ ،‬وعلى رأسهم عبد اهلل بن ُأيَب بن‬
‫سلول‬

‫‪ - 1‬سورة النور آية ‪.11 :‬‬

‫‪205‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وانقط ع ال وحي‪ ،‬عن الن يب ‪ ‬ش هًر ا‪ ،‬وعائش ة ال ت دري مبا يق ال فيه ا‪ ،‬فلم ا خ رجت‬
‫باللي ل م ع أم ِم ْس َطح ع ثرت أم ِم ْس َطح يف ِم ْر ِط َه ا‪ ،‬فق الت‪ :‬تعس ِم س طح‪ ،‬ف أنكرت عليه ا‬
‫عائش ة‪ ،‬وق الت‪ :‬بئس م ا قلت‪ ،‬تس بني رجال من أه ل ب در‪ ،‬فق الت‪ :‬أم ا علمت م ا ق ال‪،‬‬
‫يشاور الناس‬ ‫‪‬‬ ‫فقالت‪ :‬وما قال؟ فأخربهتا بأنه تكلم باإلفك‪ ،‬فازداد مرضها‪ ،‬وصار النيب‬
‫وهي يف بيت أبويه ا‪ ،‬وكلمه ا فق الت‪ :‬ي ا أبت أجب ع ين رس ول اهلل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫فيه ا ح ىت أتاه ا‬
‫فق ال أب و بك ر‪ :‬واهلل م ا أدري م ا أق ول‪ ،‬وق الت ألمه ا‪ :‬أجي يب رس ول اهلل‪ ،‬فق الت‪ :‬واهلل م ا‬
‫‪‬‬ ‫برباءهتا‪ ،‬حىت أنـزل اهلل عشر آيات‬ ‫‪‬‬ ‫أدري ما أقول‪ ،‬حىت نـزل الوحي على رسول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )1‬إىل قول ه‪:‬‬ ‫‪       ‬‬

‫‪ )2(  ‬وهو عبد اهلل بن ُأّيَب بن سلول‪ .‬هذا سياق القصة خمتصرا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫والش اهد قوهلا‪( :‬ولش أين يف نفس ي‪ ،‬ك ان أحق ر أن يتكلم اهلل ّيف ب أمر يتلى) فه و ي دل‬
‫على أن اهلل يتكلم‪ ،‬ويدل كذلك على أن اهلل برأها من فوق سبع مساوات‪ ،‬فمن قذفها مبا‬
‫برأها اهلل به‪ ،‬فهو كافر بإمجاع املسلمني؛ ألنه مكذب هلل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فال تكتبوها"‬
‫‪ - 7501‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا املغرية بن عبد الرمحن‪ ،‬عن أيب الزناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب‬
‫ق ال‪  :‬يق ول اهلل‪ :‬إذا أراد عب دي أن يعم ل س يئة‪ ،‬فال تكتبوه ا‬ ‫‪‬‬ ‫أن رس ول اهلل‬ ‫هري رة ‪‬‬
‫عليه حىت يعملها‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها مبثلها‪ ،‬وإن تركها من أجلي‪ ،‬فاكتبوها له حسنة‪،‬‬
‫وإذا أراد أن يعمل حسنة‪ ،‬فلم يعملها فاكتبوها له حسنة‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها له بعشر‬
‫أمثاهلا‪ ،‬إىل سبعمائة ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة النور آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النور آية ‪.11 :‬‬

‫‪206‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ه ذا من فض ل اهلل وإحس انه‪ ،‬أن الس يئة ال تكتب إال إذا عمله ا‪ ،‬وفي ه بي ان أن الس يئة‬
‫إذا تركها اإلنسان من أجل اهلل كتبت له حسنة‪ ،‬وأنه إذا هم هبا ومل يعملها‪ ،‬فال تكتب‬
‫عليه‪ ،‬وإن عملها كتبت عليه واحدة‪ ،‬والسيئة إذا عملها اإلنسان‪ ،‬فلها ثالثة أحوال‪:‬‬
‫‪ - 1‬احلالة األوىل‪ :‬أن يرتكها خوًف ا من اهلل‪ ،‬ففي هذا احلال تكتب له حسنة‪ ،‬كما يف‬
‫هذا احلديث ‪ ‬إمنا تركها من أجلي ‪ ‬ويف احلديث اآلخر ‪ ‬إمنا تركها من جرائي ‪ ‬فإذا‬
‫هم بالس يئة‪ ،‬مث تركه ا من أج ل اهلل وخوًف ا من ه كتبت ل ه حس نة؛ ألن ه ذا اخلوف وه ذا‬
‫الرتك من أجل اهلل حسنة يؤجر عليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬احلالة الثانية‪ :‬أن يرتك السيئة عج ًز ا عنها‪ ،‬فريد أن يعملها لكنه عجز‪ ،‬عن فعلها‪،‬‬
‫وفع ل بعض األس باب ال يت متكن ه من فعله ا‪ ،‬فه ذا تكتب علي ه س يئة؛ حلديث ‪ ‬القات ل‬
‫واملقتول يف النار‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل هذا القاتل‪ ،‬فما بال املقتول‪ ،‬قال‪ :‬إنه كان حريًص ا‬
‫على قت ل ص احبه ‪ ‬ف املقتول يف الن ار؛ ألن ه ك ان حريًص ا على قت ل ص احبه‪ ،‬لكن غلب ه‬
‫صاحبه وبذل األسباب اليت متكنه من قتله‪ ،‬لكن ما استطاع ذلك‪ ،‬فعوقب على هذه السيئة‬
‫ألنه تركها عجزا‪ ،‬فإذا ترك السيئة عجًز ا عنها كتبت عليه سيئة‪ .‬وهذا له حالتان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬احلال ة األوىل‪ :‬أن يفع ل بعض األس باب ال يت متكن ه من فعله ا‪ ،‬فه ذا يع اقب بالني ة‬
‫وبفعل األسباب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬احلالة الثانية‪ :‬أن ال يعمل شيًئا من السيئات لكن ينوي فعلها‪ ،‬وهناك مانع مينعه‪،‬‬
‫فيعاقب على هذه النية السيئة‪.‬‬
‫‪ - 3‬احلال ة الثالث ة‪ :‬أن ي رتك الس يئة ذه وال وغفل ة‪ ،‬ال خوًف ا من اهلل‪ ،‬وال عج ًز ا عنه ا‪،‬‬
‫فهذا ال تكتب له وال عليه‪.‬‬
‫فاخلالصة أن السيئة إن تركها خوًفا من اهلل‪ ،‬فتكتب له حسنة‪ ،‬وإن تركها عجًز ا عنها‪،‬‬
‫فتكتب عليه سيئة‪ ،‬وإن تركها ذهوال وإعراًض ا‪ ،‬فال تكتب له وال عليه‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أم ا احلس نة ف إذا هم هبا‪ ،‬ومل يعمله ا كتبه ا اهلل حس نة‪ ،‬وإن هم هبا وعمله ا كتبت ل ه‬
‫عشر حسنات إىل سبعمائة ضعف‪ ،‬على حسب هذا العمل وتأثريه‪ ،‬وعلى حسب ما يقوم‬
‫يف القلب من اإلخالص‪ ،‬فقد تكتب له احلسنة عشرين‪ ،‬وقد تكتب له ثالثني‪ ،‬وقد تكتب‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫أربعني‪ ،‬وق د تكتب س بعمائة‪ ،‬كم ا يف النفق ة يف اجله اد‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬

‫‪           ‬‬
‫‪ )1( ‬فه ذه س بعمائة حس نة‪ ،‬وهي النفق ة يف اجله اد‪ ،‬وه ذا من‬ ‫‪   ‬‬

‫فضل اهلل وإحسانه‪.‬‬


‫والش اهد قول ه‪( :‬يق ول اهلل) ففي ه إثب ات الق ول هلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬وأن ه ‪-‬س بحانه‪ -‬يتكلم حبرف‬
‫وصوت‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫كما ذكرنا من قبل‪ ،‬أن األحاديث القدسية‪ ،‬لفظها ومعناها من اهلل على الصحيح‪ ،‬ألن‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫األحاديث كلها معناها من اهلل‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫ال يتكلم هبواه‪ ،‬فالسنة كلها معناها من اهلل ولفظها من‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )2( ‬فالرسول‬ ‫‪  ‬‬

‫إال األح اديث القدس ية‪ ،‬لفظه ا ومعناه ا من اهلل‪ ،‬لكن احلديث القدس ي غ ري‬ ‫‪‬‬ ‫الرس ول‬
‫القرآن‪ ،‬فله أحكام ختالف أحكام القرآن‪.‬‬
‫ف القرآن تعب دنا اهلل بتالوت ه يف الص الة وخ ارج الص الة‪ ،‬ومنه ا أن ه ال ميس املص حف إال‬
‫متوضئ وله أحكام أخرى‪ ،‬أما األحاديث القدسية‪ ،‬فيجوز أن ميسها وإن مل يكن طاهًر ا‪،‬‬
‫ومل يتعبدنا اهلل بتالوته‪ ،‬وإمنا يقرأ كما تقرأ سائر األحاديث‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أال ترضين أن أصل من وصلك"‬
‫‪ - 7502‬حدثنا إمساعيل بن عبد اهلل‪ ،‬حدثين سليمان بن بالل‪ ،‬عن معاوية بن أيب مزرد‪ ،‬عن سعيد‬
‫قال‪  :‬خلق اهلل اخللق‪ ،‬فلما فرغ منه‬ ‫بن يسار‪ ،‬عن أيب هريرة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬أن رسول اهلل ‪‬‬
‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.261 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النجم آية ‪.4-3 :‬‬

‫‪208‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قامت الرحم فقال‪ :‬مه‪ ،‬قالت‪ :‬هذا مقام العائذ بك من القطيعة‪ ،‬فقال أال ترضني أن أصل‬
‫‪‬‬ ‫من وصلك‪ ،‬وأقطع من قطعك؟ قالت‪ :‬بلى يا رب‪ ،‬قال‪ :‬فذلك لك‪ ،‬مث قال أبو هريرة‪:‬‬
‫‪           ‬‬

‫)‪.(1‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا في ه وج وب ص لة ال رحم‪ ،‬وأن ه جيب على اإلنس ان أن يص ل رمحه‪ ،‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫يصل من وصل الرحم‪ ،‬ويقطع من قطعها‪ ،‬واحلديث فيه وعيد شديد على من قطع الرحم‪،‬‬
‫وأن قطيع ة ال رحم من اإلفس اد يف األرض‪ ،‬وأن ه متوع د ب اللعن والص مم وإعم اء األبص ار‬
‫والعياذ باهلل‪ .‬والرحم هو القرابة من جهة األب ومن جهة األم‪ ،‬وأقرب الرحم أمك وأبوك‪،‬‬
‫مث األبن اء والبن ات‪ ،‬مث أبن اء الب نني وأبن اء البن ات‪ ،‬مث األخ وة واألخ وات األش قاء‪ ،‬مث األخ وة‬
‫واألخ وات ألب‪ ،‬واألخ وة واألخ وات ألم‪ ،‬مث أبن اء األخ وة واألش قاء‪ ،‬وأبن اء األخ وة ألب‪،‬‬
‫وأبن اء األخ وة ألم‪ ،‬مث األعم ام األش قاء أو ألب أو ألم‪ ،‬مث أبن اء األعم ال وهك ذا‪ ،‬األق رب‬
‫فاألقرب كما قال أحدهم‪( :‬أمك وأباك‪ ،‬أختك وأخاك‪ ،‬مث أدناك فأدناك)‪.‬‬
‫وليس واجًب ا يف صلة الرحم أن يكون الواصل حمرًم ا للموصولة‪ ،‬فيجوز أن يصل بنت‬
‫عمه ويبلغها السالم‪ ،‬وإن كانت فقرية فعليه اإلنفاق عليها‪.‬‬
‫والش اهد قول ه‪( :‬أال ترض ني أن أصل من وص لك‪ ،‬وأقطع من قطع ك) ففي ه إثب ات القول‬
‫هلل‪ ،‬وأن ه ص فة من ص فاته‪ .‬وكالم اهلل ق دمي الن وع حادث اآلحاد‪ ،‬فن وع الكالم ق دمي‪ ،‬لكن‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫أف راده حادث ة‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )2( ‬فه ذا نص الق رآن‪ ،‬أم ا األش اعرة فيقول ون‪ :‬كالم اهلل‬ ‫‪   ‬‬

‫ق دمي؛ ألن ه املع ىن وه و ق ائم بذات ه‪ ،‬وينك رون أن يك ون احلرف والص وت من كالم اهلل‪،‬‬
‫والَعْيّيِن ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬على مذهب األشاعرة يف هذا‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة محمد آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنبياء آية ‪.2 :‬‬

‫‪209‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬أصبح من عبادي كافر بي ومؤمن بي"‬


‫‪ - 7503‬حدثنا مسدد‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن صاحل‪ ،‬عن عبيد اهلل‪ ،‬عن زيد بن خالد‪ ،‬قال‪  :‬مطر‬
‫فقال‪ :‬قال اهلل‪ :‬أصبح من عبادي كافر يب‪ ،‬ومؤمن يب ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأن ه تكلم بكالم ح ادث‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ق ال اهلل‪ :‬أص بح من عب ادي‪ )...‬في ه إثب ات الق ول هلل‬
‫بع د أن مط رت الس ماء‪ ،‬فاهلل ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬يتكلم م ىت ش اء كي ف ش اء‪ ،‬وه ذا ه و‬
‫الكم ال‪ ،‬فه و ‪-‬س بحانه‪ -‬يتكلم مبش يئته واختي اره ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ ،-‬فن وع كالم اهلل ق دمي‪،‬‬
‫وأفراده حادثة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أصبح من عبادي كافر يب‪ ،‬ومؤمن يب) إكمال احلديث‪  :‬فمن قال‪ :‬مطرنا بفضل‬
‫اهلل ورمحته‪ ،‬فهذا مؤمن يب‪ ،‬كافر بالكوكب‪ ،‬ومن قال‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا‪ ،‬فذلك كافر‬
‫يب‪ ،‬مؤمن بالكوكب ‪ .‬فمن قال‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا‪ ،‬فهذا كفر‪ ،‬لكن إن كان يعتقد‬
‫أن للنجم تأثًريا يف إنـزال املطر‪ ،‬فهو كفر أكرب‪ ،‬وهو مشرك يف الربوبية‪ ،‬وإن كان يعتقد‬
‫أن ُمَنّز ل املطر هو اهلل‪ ،‬وأن النجم والنوء سبب‪ ،‬فهذا كفر أصغر‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه"‬
‫أن رسول‬ ‫‪ - 7504‬حدثنا إمساعيل حدثين مالك‪ ،‬عن أيب الزناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫لقاءه‬ ‫‪ ‬قال‪  :‬قال اهلل‪ :‬إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه‪ ،‬وإذا كره لقائي كرهت‬ ‫اهلل‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه أن املؤمن حيب لقاء اهلل ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وأن الكافر يكره لقاء اهلل‪ ،‬وجاء يف آخر‬
‫احلديث أن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪( :‬يا رسول اهلل أكراهة املوت؟! كلنا يكره املوت؟‬
‫ليس ذل ك‪ ،‬إن املؤمن إذا حض ره املوت بش ر باجلن ة والكرام ة‪ ،‬ف أحب لق اء‬ ‫‪‬‬ ‫فق ال الن يب‬
‫اهلل‪ ،‬فأحب اهلل لقاءه‪ ،‬وإن الكافر إذا حضره املوت بشر بالنار‪ ،‬فكره لقاء اهلل‪ ،‬فكره اهلل‬

‫‪210‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫لق اءه) واملقص ود أن اإلنس ان عن د موت ه يكش ف ل ه‪ ،‬عن املس تقبل‪ ،‬ف املؤمن تبش ره املالئك ة‬
‫باجلنة‪ ،‬فيحب لقاء اهلل فيحب اهلل لقاءه‪ ،‬والكافر يبشر بالنار ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬فيكره لقاء اهلل‪،‬‬
‫فيك ره اهلل لق اءه‪ .‬وليس املراد م ا استش كلته عائش ة أن املقص ود كراهي ة املوت؛ ألن ك ل‬
‫هلا‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫إنسان يكره املوت‪ ،‬كما بينه النيب‬
‫وأن ه ‪-‬س بحانه‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫والش اهد قول ه‪( :‬ق ال اهلل‪ :‬إذا أحب عب دي‪ )..‬ففي ه إثب ات الق ول هلل‬
‫يتكلم حبرف وصوت يسمع‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أنا عند ظن عبدي بي"‬
‫أن‬‫‪ - 7505‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬حدثنا أبو الزناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪  :‬قال اهلل‪ :‬إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه‪ ،‬وإذا كره لقائي كرهت‬
‫لقاءه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وأن اهلل يتكلم‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬قال اهلل‪ :‬أنا عند ظن عبدي يب) فيه إثبات القول هلل‬
‫قوله‪( :‬أنا عند ظن عبدي يب) جاء يف اللفظ اآلخر (فليظن يب ما شاء) فالواجب على‬
‫اإلنسان أن حيسن العمل‪ ،‬فإذا أحسن العمل حسنت ظنونه باهلل‪ ،‬ومن أساء العمل ساءت‬
‫ظنونه باهلل‪ ،‬فاملؤمن حيسن العمل‪ ،‬فإذا أحسن العمل حسنت ظنونه باهلل‪ ،‬ومن أساء العمل‬
‫ساءت ظنونه باهلل‪ ،‬فاملؤمن حيسن ظنه باهلل؛ ألن عمله صاحل‪ ،‬وغري املؤمن يسيء ظنه باهلل؛‬
‫ألن عمله سيئ‪.‬‬
‫حديث الرجل الذي أوصى بإحراقه بعد الموت خوفا من اهلل‬
‫أن رسول‬ ‫‪ - 7506‬حدثنا إمساعيل‪ ،‬حدثين مالك‪ ،‬عن أيب الزناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫يف ال رب‪،‬‬ ‫‪ ‬ق ال‪  :‬ق ال رج ل‪ :‬مل يعم ل خ ًريا ق ط‪ ،‬ف إذا م ات فحرق وه وأذروا نص فه‬ ‫اهلل‬
‫ونصفه يف البحر‪ ،‬فواهلل لئن قدر اهلل عليه ليعذبنه عذاًبا‪ ،‬ال يعذبه أح ًد ا من العاملني‪ ،‬فأمر‬

‫‪211‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫اهلل البحر‪ ،‬فجمع ما فيه‪ ،‬وأمر الرب فجمع ما فيه‪ ،‬مث قال‪ :‬مل فعلت؟ قال‪ :‬من خشيتك‪،‬‬
‫وأنت أعلم‪ ،‬فغفر له ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا الرج ل ك ان فيمن قبلن ا‪ ،‬مل يعم ل خ ًريا‪ ،‬وق د أم ر أهل ه أن حيرق وه بع د موت ه‪ ،‬مث‬
‫يس حقوه مث ي ذروا نص فه يف ال رب ونص فه يف البح ر‪ ،‬وظن أن ه يف وت اهلل يف ه ذا‪ ،‬وأن ه ال‬
‫يبعث يف ه ذه احلال ة‪ ،‬ف أمر اهلل ال رب أن جيم ع م ا في ه‪ ،‬وأم ر البح ر أن جيم ع م ا في ه من‬
‫ال ذرات‪ ،‬فق ال اهلل ‪-‬تع اىل‪( :-‬كن) ف إذا ه و رج ل ق ائم‪ ،‬فق ال اهلل‪ :‬م ا محل ك على ذل ك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬خشيتك يا رب‪ ،‬فغفر اهلل له‪.‬‬
‫وهذا سيأيت تفصيله يف احلديث اآلخر‪ ،‬وهو أن هذا الشخص أنكر شيًئا خفًّي ا بالنسبة‬
‫إلي ه‪ ،‬عن جه ل ال عن عن اد وعم د‪ ،‬محل ه على ذل ك اخلوف العظيم‪ ،‬فك ان مع ذوًر ا‪ ،‬فغف ر‬
‫اهلل ل ه‪ ،‬فاإلنس ان إذا أنك ر الش يء اخلفي ال ذي مثل ه جيهل ه‪ ،‬ك ان مع ذوًر ا يف ه ذا الش يء؛‬
‫ألنه مل تقم عليه احلجة‪.‬‬
‫والش اهد قول ه‪( :‬ف أمر اهلل البح ر‪ ،‬فجم ع م ا في ه‪ )...‬واألم ر من أن واع الكالم‪ ،‬وك ذلك‬
‫قوله‪( :‬مث قال مل فعلت؟) ففيه إثبات الكالم هلل ‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫امليت ينال ه م ا ق در علي ه يف ق ربه من النعيم أو الع ذاب‪ ،‬ول و ك ان م ذروًر ا يف البح ر‪،‬‬
‫ولو أكلته السباع‪.‬‬
‫حديث فيه بيان عظيم سعة رحمة اهلل تعالى‬
‫‪ - 7507‬حدثنا أمحد بن إسحاق‪ ،‬حدثنا عمرو بن عاصم‪ ،‬حدثنا مهام‪ ،‬حدثنا إسحاق بن عبد اهلل‬
‫مسعت عب د ال رمحن بن أيب عم رة ق ال‪ :‬مسعت أب ا هري رة ق ال‪ :‬مسعت الن يب ‪ ‬ق ال‪  :‬إن عب ًد ا أص اب‬
‫ذنًبا‪ ،‬ورمبا قال‪ :‬أذنب ذنًبا‪ ،‬فقال‪ :‬رب أذنبت‪ ،‬ورمبا قال‪ :‬أصبت‪ ،‬فاغفر يل‪ ،‬فقال رب ه‪ :‬أعلم‬
‫عبدي أن له رًّبا يغفر الذنب‪ ،‬ويأخذ به غفرت لعبدي‪ ،‬مث مكث ما شاء اهلل‪ ،‬مث أصاب‬

‫‪212‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ذنًب ا‪ ،‬أو أذنب ذنًب ا‪ ،‬فق ال‪ :‬رب أذنبت‪ ،‬أو أص بت آخ ر‪ ،‬ف اغفره فق ال‪ :‬أعلم عب دي أن ل ه‬
‫رًّبا‪ ،‬يغفر الذنب‪ ،‬ويأخذ به غفرت لعبدي‪ ،‬مث مكث ما شاء اهلل‪ ،‬مث أذنب ذنًب ا‪- ،‬ورمبا‬
‫قال‪ :‬أصاب ذنًب ا‪ -‬فقال‪ :‬رب أصبت‪ ،‬أو قال‪ :‬أذنبت آخر‪ ،‬فاغفره يل فقال‪ :‬أعلم عبدي أن‬
‫له رًّبا يغفر الذنب‪ ،‬ويأخذ به غفرت لعبدي ثالًثا‪ ،‬فليعمل ما شاء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا ح ديث عظيم في ه بي ان س عة رمحة اهلل ‪-‬تب ارك وتع اىل‪ -‬وفض له على عب اده‪ ،‬قول ه‪:‬‬
‫(فليعمل م ا ش اء) ه ذا ليس إذًن ا يف املعاص ي‪ ،‬ولكن املراد أن ه م ا دام ك ذلك‪ ،‬كلما أذنب‬
‫تاب‪ ،‬فال يضره الذنب بعد التوبة؛ ألن التوبة ُجَتُّب ما قبلها‪ ،‬لكن على اإلنسان احلذر من‬
‫املعاصي؛ ألنه قد ال يوفق للتوبة‪ .‬والتوبة ال بد أن تكون نصوًح ا بشروطها املعروفة وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلقالع عن الذنب‪.‬‬
‫‪ - 2‬الندم على ما مضى‪.‬‬
‫‪ - 3‬الع زم على أال يع ود لل ذنب ال ذي فعل ه‪ ،‬وق د يبتلى بفع ل ال ذنب م رة أخ رى أو‬
‫بغريه‪ ،‬فالتوبة املاضية متحو الذنب السابق‪ ،‬والذنب اجلديد حيتاج إىل توبة جديدة وهكذا‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪          ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫(‪ )1‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪              ‬‬

‫أمجع العلم اء أن ه ذه اآلي ة يف الت ائبني‪ ،‬واملع ىن أن اهلل يغف ر ال ذنوب مجيًع ا ملن ت اب‪،‬‬
‫والواجب تعاهد النفس بالتوبة دائًم ا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫اعملوا ما شئتم‪ ،‬فقد غفرت لكم‬ ‫‪‬‬ ‫عن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف أهل بدر‬ ‫‪‬‬ ‫أما قول النيب‬
‫املعىن أهنم مسددون وموفقون للتوبة‪ ،‬فمن أذنب منهم فإن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يوفقهم للتوبة‪ ،‬وهل‬
‫يشرتط التوبة من مجيع الذنوب حىت تقبل التوبة‪ ،‬أم أن التوبة تتبعض‪ ،‬الصواب الثاين‪ ،‬وهو‬
‫‪ - 1‬سورة طه آية ‪.82 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.53 :‬‬

‫‪213‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أن التوبة تتبعض‪ ،‬فقد يتوب من ذنب ويصر على الذنب اآلخر‪ ،‬فإذا كان يشرب اخلمر‪،‬‬
‫ويس رق مث ت اب من ش ربه اخلم ر‪ ،‬ومل يتب من الس رقة‪ ،‬ص حت توبت ه من ش ربه للخم ر‪،‬‬
‫وبقي عليه إمث السرقة‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬فقال ريب أعلم عبدي‪ )...‬ففيه إثبات القول هلل ‪.‬‬
‫حديث فيه بيان واسع رحمة اهلل وأن العبد يعذر بجهله‬
‫‪ - 7508‬حدثنا عبد اهلل بن أيب األسود‪ ،‬حدثنا معتمر‪ ،‬مسعت أيب‪ ،‬حدثنا قتادة‪ ،‬عن عقبة بن عبد‬
‫أنه ذكر رجال فيمن سلف ‪ -‬أو فيمن كان قبلكم ‪ -‬قال‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫الغافر‪ ،‬عن أيب سعيد‪ ،‬عن النيب‬
‫كلمة يعين‪ :‬أعطاه اهلل ماال وولًد ا‪ ،‬فلما حضرت الوفاة قال لبنيه‪ :‬أي أب كنت لكم؟ قالوا‪:‬‬
‫خ ري أب‪ ،‬ق ال‪ :‬فإن ه مل يبت ئر ‪-‬أو مل يبت ئز‪ -‬عن د اهلل خ ًريا‪ ،‬وإن يق در اهلل علي ه يعذب ه‪،‬‬
‫فانظروا إذا مت فأحرقوين حىت إذا صرت فحًم ا‪ ،‬فاسحقوين ‪-‬أو قال فاسحكوين‪ -‬فإذا كان‬
‫يوم ريح عاصف‪ ،‬فأذروين فيها‪ .‬قال نيب اهلل ‪ ‬فأخذ مواثيقهم على ذلك وريب‪ ،‬ففعلوا مث‬
‫كن‪ ،‬فإذا هو رجل قائم قال اهلل‪ :‬أي عبدي ما محلك‬ ‫‪‬‬ ‫أذروه يف يوم عاصف فقال اهلل‬
‫‪‬‬ ‫على أن فعلت ما فعلت؟ قال‪ :‬خمافت ك‪ ،‬أو َفَر ق من ك‪ ،‬قال‪ :‬فما تالفاه أن رمحه عن دها‬
‫وقال مرة أخرى‪ :‬فما تالفاه غريها فحدثت به أبا عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬مسعت هذا من سلمان غري‬
‫أنه زاد فيه‪ :‬أذروين يف البحر‪ ،‬أو كما حدث‪ ،‬حدثنا موسى‪ ،‬حدثنا معتمر‪ ،‬وقال‪ :‬مل يبتئر‪،‬‬
‫وقال خليفة‪ :‬حدثنا معتمر‪ ،‬وقال‪ :‬مل يبتئز‪ ،‬فسره قتادة‪ :‬مل يدخر‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬مل يبتئر) أي‪ :‬مل يعمل خًريا قط‪ ،‬وجاء يف بعض الروايات أنه كان نباًش ا للقبور‪،‬‬
‫قول ه‪( :‬فاس حقوين‪ ،‬أو فاس حكوين) من الس حق‪ ،‬ومن الس حك‪ ،‬ويف رواي ة (فاس حلوين) وكله ا‬
‫مبع ىن واح د‪ ،‬واملع ىن أن ه حيرق‪ ،‬مث يطحن‪ ،‬مث ي ذر يف األرض‪ ،‬قول ه‪( :‬ف إذا ك ان ي وم ريح‬
‫عاصف) قال ذلك‪ ،‬حىت تزيل الريح ذراته‪.‬‬
‫قوله‪( :‬مل يدخر) أي‪ :‬مل يدخر خًريا‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ذكره وأقره‪ ،‬واختلف العلماء يف هذا‪ ،‬فمنهم من قال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وهذا فيمن كان قبلنا والنيب‬
‫إن ه ذا ك ان يف ش رع من قبلن ا‪ ،‬وإن ه ذه األم ة ال يش ملها ه ذا‪ ،‬وقي ل غ ري ذل ك لكن‬
‫أصح ما قيل فيه ما قاله شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪ :‬إن هذا الرجل خفي عليه هذا‬
‫األمر‪ ،‬وظن أنه إذا وصل إىل هذه احلالة‪ ،‬وهو أنه إذا أحرق‪ ،‬وسحق وذر يف األرض أنه‬
‫والذي محله على ذلك أمران‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫يفوت اهلل‬
‫‪ - 1‬شدة اخلوف من اهلل‪. ،‬‬
‫‪ - 2‬جهله وعدم علمه باهلل‪. ،‬‬
‫فغفر اهلل له وعذره‪ ،‬خبالف ما لو كان عا ا وفعل ذلك‪ ،‬عن عمد فإنه ال يعذر؛ ألن ه‬
‫ًمل‬
‫أنكر قدرة اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وأنكر البعث‪ ،‬لكن هذا مل ينكر البعث‪ ،‬ومل ينكر قدرة اهلل ‪ ‬بل‬
‫هو يعلم أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقدر‪ ،‬ويعلم أن اهلل يبعثه لو مات‪ ،‬لكنه ظن أنه إذا وصل إىل‬
‫كما أن اإلنسان إذا هرب‬ ‫‪‬‬ ‫هذه احلالة‪ ،‬وهو مذرور يف الرب والبحر‪ ،‬أنه يفوت على اهلل‬
‫من ملك من ملوك الدنيا يف البحر‪ ،‬أو الربية يظن أنه يفوت عليه‪ .‬فاستدل به العلماء على‬
‫أن اإلنس ان إذا أنك ر ش يًئا خفًّي ا من األش ياء اخلفي ة الدقيق ة ال يت مثل ه جيهله ا أن ه يك ون‬
‫مع ذوًر ا كمث ل إنس ان أس لم يف بالد بعي دة‪ ،‬وأنك ر حترمي اخلم ر‪ ،‬أو إنس ان أس لم يف جمتم ع‬
‫ربوي‪ ،‬والناس يتعاملون بالربا‪ ،‬مث أحل الربا‪ ،‬فهؤالء ال يكفرون حىت تقام عليهم احلجة‪.‬‬
‫ويش رتط يف ه ؤالء أن تبلغهم احلج ة‪ ،‬وأن يعلم وا أن ه ذه حج ة‪ ،‬وأهنا دلي ل‪ ،‬وإن مل‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫يفهموها فهًم ا كامال‪ ،‬كما قال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬فهؤالء قامت عليهم‬ ‫‪           ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫احلجة‪ ،‬وال فهموها‪ ،‬ومل يعذرهم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وقال سبحانه‪:‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الفرقان آية ‪.44 :‬‬

‫‪215‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪ )1( ‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )2( ‬ومع ذلك مل يعذرهم‬ ‫‪          ‬‬

‫فهؤالء مل يفهموا من احلجة إال كما يسمع الراعي حينما ينعق بالغنم‪ ،‬فالغنم تسمع‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫الصوت‪ ،‬فسماع الصوت للغنم‪ ،‬مثل مساع هؤالء للحجة‪ ،‬وال يشرتط الفهم‪.‬‬
‫وهذا الرجل مل ينكر القدرة‪ ،‬إمنا أنكر كمال تفاصيل القدرة‪ ،‬وهم مل تُقم عليه احلجة‪،‬‬
‫ومحل ه على ذل ك اجله ل واخلوف العظيم‪ ،‬فغف ر اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ل ه‪ .‬أم ا املعان د واملك ابر‪ ،‬أو من‬
‫أنكر شيًئا معلوًم ا من الدين بالضرورة‪ ،‬وهو بني املسلمني‪ ،‬فال يقبل منه عذره‪.‬‬
‫الشاهد قوله‪( :‬قال اهلل (كن) ففيه إثبات القول هلل‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يتكلم‪ ،‬وأن الكالم‬
‫صفة من صفاته‪ ،‬قائم بذاته‪.‬‬
‫باب كالم الرب يوم القيامة مع األنبياء وغيرهم‬
‫حديث‪" :‬أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة"‬
‫يوم القيامة مع األنبياء وغريهم‬ ‫‪ - 36‬باب كالم الرب ‪‬‬
‫‪ - 7509‬حدثنا يوسف بن راشد‪ ،‬حدثنا أمحد بن عبد اهلل‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪،‬‬
‫يق ول‪  :‬إذا ك ان ي وم القيام ة ش فعت‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪ :‬مسعت الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫عن محي د ق ال مسعت أنًس ا‬
‫فقلت‪ :‬ي ا رب‪ ،‬أدخ ل اجلن ة من ك ان يف قلب ه خردل ة‪ ،‬في دخلون‪ ،‬مث أق ول‪ :‬أدخ ل اجلن ة من‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫كان يف قلبه أدىن شيء‪ ،‬فقال أنس‪ :‬كأين أنظر إىل أصابع رسول اهلل‬
‫الشرح‪:‬‬
‫البخ اري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أط ال يف مس ألة كالم ال رب س بحانه وتع اىل؛ ألن ه ذه املس ألة مما‬
‫اش تد فيه ا النـزاع بني أه ل الس نة وأه ل الب دع؛ فله ذا ن وع ال رتاجم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف إثب ات‬
‫وأنه صفة من صفاته‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫الكالم هلل‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.179 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.171 :‬‬

‫‪216‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وه ذه الرتمجة معق ودة لكالم ال رب ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬م ع األنبي اء وم ع غ ريهم‪ .‬قول ه‪( :‬إذا‬
‫واملعىن أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يشفعه بالكالم‬ ‫‪‬‬ ‫كان يوم القيامة شفعت‪ )...‬والذي يشفع هو اهلل‬
‫واحلديث وإن مل‬ ‫‪‬‬ ‫فيق ول ‪-‬س بحانه‪  :-‬ي ا حمم د ارف ع رأس ك‪ ،‬وس ل تع ط‪ ،‬واش فع تش فع‬
‫يكن صرًحيا يف إثبات كالم الرب سبحانه‪ ،‬إال أن معىن قوله‪( :‬شفعت) أي‪ :‬أن اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫ش فعه‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يش فعه بكالم يق ول ل ه‪ .‬قول ه‪( :‬ي ا رب‪ ،‬أدخ ل اجلن ة من ك ان يف قلب ه‬
‫مثق ال خردل ة) أي‪ :‬من ك ان يف قلب ه مثق ال حب ة ص غرية من اإلميان‪ ،‬مث يش فعه املرة الثاني ة‬
‫فيق ول‪( :‬مث أق ول‪ :‬أدخ ل اجلن ة من ك ان يف قلب ه مثق ال أدىن ش يء) أدىن ش يء من اإلميان‪،‬‬
‫فمن كان يف قلبه أدىن شيء من اإلميان‪ ،‬فإنه خيرج من النار وال يبقى فيها‪ ،‬إما بشفاعة‬
‫الشافعني‪ ،‬أو برمحة أرحم الرامحني‪ ،‬أما إذا فقد اإلميان‪ ،‬ومل يبق منه شيء‪ ،‬فحينئذ ال يبقى‬
‫إال الكف ر‪ ،‬والعي اذ باهلل‪ ،‬والكف رة ال خيرج ون من الن ار أب د اآلب دين؛ ألهنم أهله ا املخل دون‬
‫فيها‪.‬‬
‫والشفاعة إمنا تكون بعد اإلذن‪ ،‬وحيُّد اهلل له حًّدا‪ ،‬فيدخلهم اجلنة كما سبق بيانه‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ك أين أنظ ر إىل أص ابع رسول اهلل ‪ )‬أي‪ :‬حيكي كيفي ة إخ راجهم من الن ار‪ .‬وي بني‬
‫أن ه خيرج من الن ار من ك ان يف قلب ه أدىن ش يء من اإلميان‪ ،‬وه ذا من توض يح الق ول‬
‫بالفعل‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض"‬


‫‪ - 7510‬ح دثنا س ليمان بن ح رب‪ ،‬ح دثنا محاد بن زي د‪ ،‬ح دثنا معب د بن هالل العنـزي ق ال‪:‬‬
‫اجتمعن ا ن اس من أه ل البص رة‪ ،‬ف ذهبنا إىل أنس بن مال ك‪ ،‬وذهبن ا معن ا بث ابت البن اين إلي ه يس أله لن ا عن‬
‫حديث الشفاعة‪ ،‬فإذا هو يف قصره‪ ،‬فوافقناه يصلي الضحى‪ ،‬فاستأذنا فأذن لنا‪ ،‬وهو قاعد على فراشه‬
‫فقلنا لثابت‪ :‬ال تسأله‪ ،‬عن شيء أول من حديث الشفاعة‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا محزة هؤالء إخوانك من أهل‬
‫البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة‪.‬‬
‫ق ال‪  :‬إذا ك ان ي وم القيام ة م اج الن اس بعض هم يف بعض في أتون‬ ‫فق ال‪ :‬ح دثنا حمم د ‪‬‬
‫آدم‪ ،‬فيقول ون‪ :‬اش فع لن ا إىل رب ك‪ ،‬فيق ول‪ :‬لس ت هلا‪ ،‬ولكن عليكم ب إبراهيم‪ ،‬فإن ه خلي ل‬
‫الرمحن‪ ،‬فيأتون إبراهيم فيقول‪ :‬لست هلا‪ ،‬ولكن عليكم مبوسى‪ ،‬فإنه كليم اهلل‪ ،‬فيأتون موسى‬
‫فيقول‪ :‬لست هلا‪ ،‬ولكن عليكم بعيسى‪ ،‬فإنه روح اهلل وكلمته‪ ،‬فيأتون عيسى فيقول‪ :‬لست‬
‫فيأتوين‪ ،‬فأقول‪ :‬أنا هلا‪ ،‬فأستأذن على ريب فيؤذن يل‪ ،‬ويلهمين‬ ‫‪‬‬ ‫هلا‪ ،‬ولكن عليكم مبحمد‬
‫حمام د أمحده هبا‪ ،‬ال حتض رين اآلن فأمحده بتل ك احملام د‪ ،‬وأخ ر ل ه س اجًد ا فيق ول‪ :‬ي ا حمم د‪،‬‬
‫ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع لك‪ ،‬وسل تعط‪ ،‬واشفع تشفع فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أميت أميت‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫انطل ق ف أخرج منه ا من ك ان يف قلب ه مثق ال ش عرية من إميان‪ ،‬ف أنطلق فأفع ل‪ ،‬مث أع ود‪،‬‬
‫فأمحده بتلك احملامد‪ ،‬مث أخر له ساجًد ا فيقال‪ :‬يا حممد ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع لك‪ ،‬وسل‬
‫تعط‪ ،‬واشفع تشفع فأقول‪ :‬يا رب أميت أميت فيقول‪ :‬انطلق فأخرج منها من كان يف قلبه‬
‫مثق ال ذرة أو خردل ة من إميان‪ ،‬فأخرج ه ف أنطلق فأفع ل‪ ،‬مث أع ود فأمحده بتل ك احملام د‪ ،‬مث‬
‫أخر له ساجًد ا فيقول‪ :‬يا حممد ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع لك‪ ،‬وسل تعط‪ ،‬واشفع تشفع‬
‫فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أميت أميت فيقول‪ :‬انطلق فأخرج من كان يف قلبه أدىن أدىن أدىن مثقال حبة‬
‫خردل من إميان‪ ،‬فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل ‪.‬‬
‫فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا‪ :‬لو مررنا باحلسن وهو متواٍر يف منـزل‬
‫أيب خليفة‪ ،‬فحدثناه مبا حدثنا أنس بن مالك‪ ،‬فأتيناه فسلمنا عليه‪ ،‬فأذن لنا فقلنا له‪ :‬يا أبا‬

‫‪218‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك‪ ،‬فلم نر مثل ما حدثنا يف الشفاعة‪ ،‬فقال‪ :‬هيه‬
‫فحدثناه باحلديث‪ ،‬فانتهى إىل هذا املوضع‪ ،‬فقال‪ :‬هيه‪ ،‬فقلنا‪ :‬مل يزد لنا على هذا‪ ،‬فقال‪ :‬لقد‬
‫ح دثين‪ ،‬وه و مجي ع من ذ عش رين س نة‪ ،‬فال أدري أنس ي أم ك ره أن تتكل وا‪ ،‬قلن ا‪ :‬ي ا أب ا‬
‫سعيد‪ ،‬فحدثنا فضحك‪ ،‬وقال‪ :‬خلق اإلنسان عجوال‪ ،‬ما ذكرته إال وأنا أريد أن أحدثكم‪،‬‬
‫ح دثين كم ا ح دثكم ب ه ق ال‪  :‬مث أع ود الرابع ة‪ ،‬فأمحده بتل ك احملام د‪ ،‬مث أخ ر ل ه س اجًد ا‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع وسل تعطه‪ ،‬واشفع تشفع فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬ائذن‬
‫يل فيمن قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فيقول‪ :‬وع زيت وجاليل وكربيائي وعظميت‪ ،‬ألخرجن منها من‬
‫قال‪ :‬ال إله إال اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬وذهبنا معنا بثابت البناين) العلة يف ذلك‪ ،‬أن ثابًتا البناين كان من خواص أنس‬
‫فيس تفاد من ه أن اإلنس ان إذا أراد أن يكلم عا ا أو غ ريه يف مس ألة أو غريه ا‪ ،‬أن ي ذهب‬
‫ًمل‬
‫ومع ه أح د من خ واص ه ذا الع امل؛ ليك ون ه ذا أدعى إىل قب ول الع امل من ه‪ ،‬وأدعى إىل‬
‫انشراح صدره‪.‬‬
‫إىل البصرة‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬فإذا هو يف قصره) أي‪ :‬يف بستان له خارج البصرة‪ ،‬وكأنه خرج‬
‫أدرك من أوالده وأوالد أوالده ما يقارب املائة‪ ،‬وذلك بربكة دعوى‬ ‫‪‬‬ ‫لكثرة أوالده؛ ألنه‬
‫له‪ .‬قوله‪( :‬فأذن لنا‪ ،‬وهو قاعد على فراشه) بسبب كرب سنه‪. ،‬‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫قول ه‪( :‬ال تس أله عن ش يء أول من ح ديث الش فاعة) أي أهنم ق الوا لث ابت‪ ،‬أول ش يء‬
‫ح ديث الش فاعة ألمهيت ه عن دهم‪ .‬قول ه‪( :‬ي ا أب ا محزة) القائ ل ه و ث ابت‬ ‫‪‬‬ ‫تس أل عن ه أنس‬
‫البناين‪ ،‬وأبو محزة هذه كنية أنس‪. ،‬‬
‫قول ه‪( :‬م اج الن اس يف بعض) وذل ك من ش دة اهلول والك رب‪ ،‬واملوج ه و احلرك ة‬
‫واالختالط؛ ألن األم ر ش ديد حيث ت دنو الش مس من ال رؤوس‪ ،‬فيم وج الن اس بعض هم إىل‬
‫بعض‪ ،‬ويف احلديث اآلخ ر‪( :‬فيطلب ون من يش فع هلم) وك أن املراد هبؤالء املؤمن ون‪ ،‬كم ا ج اء‬

‫‪219‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يف ح ديث آخ ر (في أيت املؤمن ون) ألن الكف ار مش غولون مبا هم في ه من الش دة والك رب‬
‫العظيم‪ ،‬واملؤمنون أصاهبم كرب لكنه أقل من الكفار‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيأتون إبراهيم‪ )...‬احلديث فيه اختصار؛ ألنه يف اللفظ اآلخر (فيأتون نوًح ا‪ ،‬عليه‬
‫السالم) وفيه أن كل نيب يقول‪( :‬لست هلا) أما النيب ‪ ‬فيقول‪( :‬أنا هلا) ويف لفظ آخر أن‬
‫كل نيب يقول‪  :‬إن ريب غضب اليوم غض ًبا‪ ،‬مل يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‬
‫‪ ‬ويف احلديث اآلخر ‪ ‬أن آدم يعتذر بأنه أكل من الشجرة ‪ ‬وهو قد تاب منها‪ ،‬لكن‬
‫ون وح يعت ذر بأن ه دع ا على أه ل األرض دع وة أغ رقتهم‪ ،‬وإب راهيم‬ ‫‪‬‬ ‫املوق ف موق ف عظيم‬
‫يعت ذر بأن ه ك ذب ثالث ك ذبات اثنت ان منهن يف ذات اهلل‪ ،‬وموس ى يعت ذر بأن ه قت ل نفًس ا‬
‫وعيسى ال يذكر ذنًبا‪ ،‬إال أنه يقول‪ :‬إن الناس اختذوه وأمه‬ ‫‪‬‬ ‫وذلك قبل النبوة‬ ‫‪‬‬ ‫بغري حق‬
‫إهلني من دون اهلل ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فيلهم ين ريب حمام د أمحده هبا‪ ،‬ال حتض رين اآلن) يفتح اهلل علي ه يف ذل ك املوق ف‬
‫حمامد‪ ،‬ال حيسنها اآلن‪ .‬تكون هذه احملامد مقدمات للشفعة‪ ،‬حىت يشفعه اهلل‪.‬‬
‫فال أحد يشفع‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬يا حممد ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع‪ )...‬هذا هو اإلذن من اهلل‬
‫وهو أشرف اخللق ال يشفع إال باإلذن من اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وهو‬ ‫‪‬‬ ‫إال باإلذن حىت نبينا اهلل‬
‫اهلل ‪ ‬ال يبدأ بالشفاعة أوال‪ ،‬إمنا حيمد اهلل‪ ،‬مث خير له ساجًد ا‪ ،‬مث يأتيه اإلذن بثالثة أوامر‬
‫من اهلل‪ ،‬س بحانه وتع اىل (ي ا حمم د ارف ع رأس ك) أي من الس جود (وق ل يس مع) أي‪ :‬يس مع‬
‫لقولك (واشفع تشفع) وهذه منقبة عظيمة للنيب اهلل ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ف أقول‪ :‬ي ا رب أم يت أم يت) هن ا س ؤال وه و أن ه يف أول احلديث ذك ر الش فاعة‬
‫العظم ة‪ ،‬وهي الش فاعة إلراح ة الن اس من موق ف ي وم القيام ة‪ ،‬وه و املق ام احملم ود‪ ،‬مث بع د‬
‫ذلك ذكر الشفاعة يف إخراج العصاة من النار؟ واجلواب أن يف هذا اختصاًر ا‪ ،‬كما ذكرنا‬
‫من قبل‪ ،‬وهو أن العلماء حينما يسوقون احلديث يأتون مبا فيه رد على اخلوارج واملعتزلة‪،‬‬
‫ال ذين أنك روا إخ راج العص اة من الن ار‪ ،‬أم ا الش فاعة العظمى‪ ،‬فال ينكروهنا‪ ،‬في ذكرون أول‬

‫‪220‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫احلديث ويذكرون آخره‪ ،‬ويرتكون ذكر الشفاعة العظمى وتفاصيلها؛ ألهنا معلومة؛ وألنه ال‬
‫خالف فيه ا بني أه ل الب دع من املعتزل ة واجلهمي ة واألش اعرة‪ ،‬إمنا ي أتون مبا في ه ال رد على‬
‫أهل البدع من إنكار إخراج العصاة من النار‪.‬‬
‫فاخلوارج واملعتزلة ينكرون إخراج العصاة من النار‪ ،‬ويقولون‪ :‬ال ميكن أن خيرج أحد من‬
‫النار بعد دخوهلا‪ ،‬وحيكمون على العصاة بأهنم خملدون يف النار؛ ألهنم يكفروهنم باملعاصي‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬من دخل أحد الدارين ال خيرج منها‪ ،‬فمن دخل اجلنة ال خيرج منها‪ ،‬ومن دخل‬
‫النار ال خيرج منها‪ ،‬فهذا فيه الرد عليهم‪.‬‬
‫يشفع ثالث شفاعات يف أهل‬ ‫‪‬‬ ‫حدثهم أن النيب‬ ‫‪‬‬ ‫قوله (فأنطلق فأفعل) فيه أن أنًس ا‬
‫النار‪ ،‬وهذه الشفاعات غري الشفاعة العظمى؛ ألن الشفاعة العظمى خاصة يف املوقف‪ ،‬لكن‬
‫ثالث ش فاعات‪ ،‬فيش فعه‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الش فاعات بع د دخ ول العص اة يف الن ار‪ ،‬فيش فع فيهم اهلل‬
‫اهلل‪ ،‬ففي املرة األوىل يقول‪( :‬أخرج من كان يف قلبه مثقال شعرية من إميان) أي‪ :‬مقدار حبة‬
‫ش عرية من إميان‪ ،‬ويف املرة الثاني ة يش فع فيق ول اهلل ‪-‬تب ارك وتع اىل‪( :-‬أخ رج من ك ان يف‬
‫قلب ه مثقال ذرة‪ ،‬أو خردلة من إميان) ويف املرة الثالثة يشفع فيقول اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ل ه‪( :‬أخرج‬
‫عند‬ ‫‪‬‬ ‫من كان يف قلبه مثقال أدىن‪ ،‬أدىن حبة من إميان) فهذه ثالث مرات‪ ،‬ووقف أنس‬
‫نسيها‪ .‬قوله‪ :‬فلما خرجنا من عند‬ ‫‪‬‬ ‫هذا‪ ،‬وسيأيت بعد ذلك الشفاعة الرابعة‪ ،‬وكأن أنًس ا‬
‫أنس قلت ألصحايب‪ )...‬القائل هو معبد بن هالل العنـزي راوي احلديث‪.‬‬
‫قوله‪( :‬لو مررنا باحلسن‪ ،‬وهو متواٍر يف منـزل أيب خليفة) املقصود احلسن البصري ‪-‬رمحه‬
‫اهلل‪ -‬من كب ار الت ابعني ومن أص حاب أنس ‪ ‬وك ان احلس ن خمتفًي ا يف دار أيب خليف ة من‬
‫احلج اج بن يوس ف‪ ،‬وذل ك بس بب ظلم ه وجربوت ه‪ ،‬قول ه‪( :‬فح دثنا مبا ح دثنا أنس) الص واب‬
‫(فحدثناه مبا حدثنا به أنس) أي‪ :‬أن معبد العنـزي يقول‪ :‬حدثنا احلسن مبا حدثناه أنس لننظر‬
‫ما عنده؛ ألن احلسن صاحب ألنس وروى عنه كث ًريا‪ ،‬قوله‪( :‬فقلنا‪ :‬يا أبا سعيد) هي كنية‬

‫‪221‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫احلسن البص ري‪ ،‬قول ه‪( :‬هي ه) ه ذا لالس تزادة‪ ،‬واملع ىن‪ :‬ه اتوا م ا عن دكم مما ح دثكم ب ه أنس‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫ش فع ثالث‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬فقلن ا‪ :‬مل ي زد لن ا على ه ذا) أي‪ :‬ملا وص لوا إىل قول ه‪( :‬أن الن يب‬
‫شفاعات‪ ،‬قال‪( :‬هيه) أي‪ :‬هاتوا ما عندكم‪ ،‬فقالوا‪( :‬مل يزد لنا) أي‪ :‬أن أنًس ا وقف عند هذا‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬لق د ح دثين من ذ عش رين س نة‪ ...‬فال أدري أنس ي أم خ اف أن تتكل وا) يق ول‬
‫احلس ن‪ :‬إن أنًس ا حدث ه من ذ عش رين س نة هبذا احلديث‪ ،‬وه و مجي ع‪ ،‬أي‪ :‬جمتم ع الق وى‪ ،‬يف‬
‫وقت قوت ه ونش اطه (فال أدري أنس ي) لك رب س نه‪ ،‬أم خ اف أن تتكل وا) فاقتص ر على م ا‬
‫حدثكم‪ ،‬ومل يذكر الشفاعة الرابعة‪ ،‬حىت ال تعتمدوا على رمحه اهلل‪.‬‬
‫فيشفع نبينا‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬مث أعود الرابعة‪ ،‬فأمحده بتلك) هذه املرة الرابعة اليت أسقطها أنس‬
‫أربع شفاعات يف العصاة‪ ،‬قوله‪( :‬يا رب ائذن يل فيمن قال‪ :‬ال إله إال اهلل) أي‪ :‬من‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫ك ان مع ه التوحي د‪ ،‬وه ذا مث ل قول ه يف احلديث اآلخ ر‪  :‬فيخ رج من الن ار ق وم مل يعمل وا‬
‫أي‪ :‬زي ادة على التوحي د واإلميان‪ ،‬ومع ىن احلديث من ق ال‪ :‬ال إل ه إال اهلل عن‬ ‫خ ًريا ق ط‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫إخالص وص دق‪ ،‬ومل يق ع يف عمل ه ش رك؛ ألن ه ال ب د من إخالص التعل ق والتأل ه باهلل‬
‫وليس املراد أن يقوهلا بلس انه فق ط‪ .‬وال دليل على م ا ذكرن ا‪ ،‬وه و أن املش رك ال تنفع ه‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫الشفاعة‪ ،‬وال تصل إليه‪ ،‬قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ )1( ‬وقول ه س بحانه‬ ‫‪     ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪ )2‬وقول ه‬ ‫‪       ‬‬

‫‪             ‬‬
‫‪‬‬ ‫(‪ )3‬فالك افر ليس ل ه ش فاعة‪ ،‬وال خيرج من الن ار‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.48 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المائدة آية ‪.72 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.48 :‬‬

‫‪222‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫ال‬ ‫‪ )1( ‬وق‬
‫(‪ )2‬ف دل على أن الش فاعة الرابع ة فيمن مع ه أص ل التوحي د فق ط‪ ،‬أم ا‬ ‫‪   ‬‬

‫الذين قبله فمعهم مع التوحيد شيء من اإلميان واألعمال الصاحلة‪ ،‬فاألول معه مقدار شعرية‬
‫من إميان‪ ،‬والث اين مع ه مثق ال ذرة أو خردل ة من إميان‪ ،‬والث الث مع ه أدىن‪ ،‬أدىن ش يء من‬
‫إميان‪ ،‬والرابع ليس معه إال التوحيد واإلميان فقط‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫وال يضيع عند اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬شيء قال سبحانه‪:‬‬
‫‪.)3( ‬‬ ‫‪        ‬‬

‫وتارك الصالة ليس معه توحيد وال إميان‪ ،‬بل انتقض توحيده وإميانه برتكها‪ ،‬فال تنفعه‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬فحال تارك الصالة مع قوله‪ :‬ال إله إال اهلل كحال من قاهلا‪ ،‬وهو يذبح‪،‬‬
‫أو يدعو غري اهلل‪ ،‬ومثله كمثل من صلى وأحدث يف صالته‪ ،‬فتنتقض صالته‪ ،‬فكذلك إذا‬
‫ترك الصالة انتقضت عليه ال إله إال اهلل‪ .‬لكن لو ترك الزكاة كسال وهتاوًنا‪ ،‬فالصواب أن‬
‫أخ رب أن‬ ‫‪‬‬ ‫مع ه التوحي د وإلميان‪ ،‬إذا مل ينكره ا‪،‬ويك ون ب ذلك عاص ًيا‪ ،‬ب دليل أن الن يب‬
‫‪‬‬

‫تارك الزكاة‪ ،‬أنه يوم القيامة إذا كان صاحب إبل‪ ،‬أو غنم تبطح له يف قاع قرقر فتطأه‪،‬‬
‫مث ق ال يف آخ ر‬ ‫‪‬‬ ‫وإذا ك ان ل ه دراهم ومل ي ؤِّد زكاهتا أهنا تص فح ل ه ص فائح من ن ار‬
‫احلديث‪( :‬مث يرى سبيله إما إىل اجلنة‪ ،‬وإما إىل النار) ولو كان كافًر ا مل يكن له سبيل إىل‬
‫اجلنة‪ .‬هذا هو الصواب يف مسألة تارك الصالة متهاوًنا أنه كافر كفر أكرب خمرج‪ ،‬عن امللة‪،‬‬
‫ألن ما ال يصح التوحيد واإلميان إال به فال بد أن يوجد حىت يصح التوحيد‪ ،‬فالصالة ال‬
‫بد منها؛ ألنه ال يصح التوحيد إال هبا‪ ،‬أما الزكاة إن تركها كسال وهتاوًنا مع إميانه هبا‪،‬‬
‫يكون مرتكب لكبرية‪ ،‬وهو متوعد بالنار‪ ،‬لكن ال يكفر؛ ألن معه التوحيد واإلميان‪ ،‬ومن‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.37 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.167 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الزلزلة آية ‪.8-7 :‬‬

‫‪223‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ي رى من العلم اء إن ت ارك الص الة كف ره كف ر أص غر‪ ،‬ي رى أن اإلميان مع ه وال خيرج‪ ،‬عن‬
‫امللة‪.‬‬
‫وبعض العلماء يرى أن تارك الزكاة واحلج والصوم متكاسال‪ ،‬أنه كافر كفر أكرب ليس‬
‫مع ه ش يء من اإلميان‪ ،‬وه و ق ول ق وي‪ ،‬لكن ‪-‬كم ا ذكرن ا‪ -‬أن الص واب ال ذي ت دل علي ه‬
‫النصوص‪ ،‬أن تارك الزكاة والصيام واحلج كسال يعترب مرتكب لكبرية‪ ،‬وهو متوعد لكنه ال‬
‫يكفر‪ ،‬بل كفره كفر أصغر‪.‬‬
‫أم ا من جح د ش يًئا من أرك ان اإلس الم‪ ،‬أو مما ه و معل وم من ال دين بالض رورة‪ ،‬فه و‬
‫كافر باإلمجاع‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وعزيت وجاليل‪ ،‬وكربيائي وعظميت) هذا يف إثبات العزة والكربياء والعظمة واجلالل‬
‫‪‬‬ ‫كم ا يلي ق باهلل وعظمت ه‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪ -‬عن إبليس‬ ‫‪‬‬ ‫هلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬وهي من ص فات اهلل‬
‫(‪ )1‬ويف احلديث اآلخ ر‪  :‬العظم ة إزاري‪ ،‬والكربي اء‬ ‫‪    ‬‬

‫ويف حديث آخر أهل النار دخوال اجلنة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ردائي‪ ،‬فمن نازعين واح ًد ا منهما عذبته‬
‫‪‬‬

‫(بلى وعزتك) وهذه الصفات ليست مرتادفة‪ ،‬وال يصح قول من قال‪ :‬إن املراد لوازمها‪.‬‬
‫حيث خص ه اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬بالش فاعة العظمى ي وم‬ ‫‪‬‬ ‫فه ذا احلديث‪ ،‬في ه فض ل نبين ا اهلل‬
‫القيام ة‪ ،‬وفي ه ال رد على اخلوارج واملعتزل ة‪ ،‬ال ذين أنك روا الش فاعة يف العص اة إلخ راجهم من‬
‫النار‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫تارك الصالة إذا أقيمت احلجة عليه يكفر بعينه‪ .‬كذلك يشهد على الكافر اليهودي‪ ،‬أو‬
‫النص راين ب الكفر بعين ه‪ ،‬إذا أقيمت احلج ة علي ه‪ ،‬وليس عن ده ش بهة‪ ،‬وكالم العلم اء‪ :‬أن ه ال‬
‫يكفر أحد بعينه‪ ،‬إمنا هذا فيمن مل تقم احلجة عليه‪.‬‬
‫حديث آخر أهل النار خروًج ا منها وآخر أهل الجنة دخوال‬

‫‪ - 1‬سورة ص آية ‪.82 :‬‬

‫‪224‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7511‬ح دثنا حمم د بن خال د‪ ،‬ح دثنا عبي د اهلل بن موس ى‪ ،‬عن إس رائيل‪ ،‬عن منص ور‪ ،‬عن‬
‫إن آخر أهل اجلنة دخوال اجلنة‪ ،‬وآخر‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبد اهلل قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫أهل النار خروًج ا من النار رجل خيرج حبًو ا‪ ،‬فيقول له ربه‪ :‬ادخل اجلنة‪ ،‬فيقول‪ :‬رب اجلنة‬
‫مألى‪ ،‬فيقول له ذلك ثالث مرات‪ ،‬فكل ذلك يعيد عليه اجلنة مألى‪ ،‬فيقول‪ :‬إن لك مثل‬
‫الدنيا عشر مرار ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا آخ ر أه ل الن ار خروًج ا منه ا‪ ،‬وآخ ر أه ل اجلن ة دخ وال‪ ،‬يعطى مث ل ال دنيا عش ر‬
‫مرات‪ ،‬ويف احلديث اآلخر‪ :‬أنه يعطى مثل ملك من ملوك الدنيا مخسني مرة‪ ،‬ففي احلديث‬
‫إن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬قال له‪  :‬أما ترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ قال‪ :‬بلى يا‬
‫فهذه مخس مرات‪ ،‬مث يقول له‪( :‬لك‬ ‫‪‬‬ ‫رب‪ ،‬فيقول‪ :‬لك ذلك‪ ،‬ومثله ومثله‪ ،‬ومثله‪ ،‬ومثله‬
‫ذلك وعشرة أمثاله) فإذا ضربت مخسة يف عشرة‪ ،‬أصبح جمموعها مخسني‪ ،‬فيكون حاله مثل‬
‫ملك من ملوك الدنيا مخسني مرة‪ .‬وهذا حال آخر أهل النار خروًج ا منها‪ ،‬وآخر أهل اجلنة‬
‫دخ وال‪ ،‬فكي ف ب املتقني واألب رار؟ فه ؤالء هلم م ا ال عني رأت‪ ،‬وال أذن مسعت‪ ،‬وال خط ر‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫على قلب بش ر‪ ،‬كم ا ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬نسأله اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬من فضله وكرمه‪.‬‬ ‫‪     ‬‬

‫مع آخر أهل النار‬ ‫‪‬‬ ‫والشاهد قوله‪( :‬فيقول له ربه‪ :‬ادخل اجلنة) ففيه إثبات الكالم هلل‬
‫خروًج ا‪ ،‬وآخر أهل اجلنة دخوال‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة السجدة آية ‪.17 :‬‬

‫‪225‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬ما منكم أحد إال سيكلمه ربه"‬


‫‪ - 7512‬حدثنا علي بن حجر‪ ،‬أخربنا عيسى بن يونس‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن خيثمة‪ ،‬عن عدي بن‬
‫ما منكم أحد إال سيكلمه ربه‪ ،‬ليس بينه وبينه ترمجان‪ ،‬فينظر‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫حامت قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫أمين من ه‪ ،‬فال ي رى إال م ا ق دم من عمله‪ ،‬وينظ ر أشأم من ه فال ي رى إال م ا ق دم‪ ،‬وينظ ر‬
‫ق ال األعمش‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫بني يدي ه‪ ،‬فال ي رى إال الن ار تلق اء وجه ه‪ ،‬ف اتقوا الن ار ول و بش ق مترة‬
‫وحدثين عمرو بن مرة‪ ،‬عن خيثمة مثله‪ ،‬وزاد فيه‪ ،‬ولو بكلمة طيبة‪..‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه دليل على أن الصدقة واألعمال الصاحلة سبب يف الوقاية من النار‪ .‬قوله‪( :‬ليس‬
‫بين ه وبين ه ترمجان) أي‪ :‬ليس بين ه وبني اهلل واس طة‪ ،‬والرتمجان ه و ال ذي ينق ل الكالم من‬
‫ش خص إىل ش خص‪ .‬قول ه‪( :‬فينظ ر أمين من ه‪ ،‬فال ي رى إال م ا ق دم‪ )...‬أي‪ :‬أن ه ي رى عمل ه‪،‬‬
‫واملعىن أنه ينظر مييًنا ويساًر ا‪ ،‬فال يرى إال عمله‪ ،‬قوله‪( :‬وينظر بني يديه‪ )...‬أي‪ :‬ينظر أمامه‬
‫وخلف ه‪ ،‬فال ي رى إال الن ار‪ .‬ف دل ‪-‬كم ا ذكرن ا‪ -‬على أن الص دقة واألعم ال الص احلة س بب‬
‫للوقاية من النار‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬ما منكم من أحد‪ ،‬إال سيكلمه ربه) ففيه إثبات الكالم هلل يوم القيامة‪،‬‬
‫مع األنبياء وغري األنبياء‪.‬‬
‫إثبات األصابع هلل وأنها خمسة‬
‫‪ - 7513‬حدثنا عثمان بن أيب شيبة‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبد‬
‫اهلل ‪ ‬قال‪ :‬جاء َح رْب من اليهود فقال‪  :‬إنه إذا كان يوم القيامة جعل اهلل السماوات على‬
‫إصبع‪ ،‬واألرضني على إصبع‪ ،‬واملاء والثرى على إصبع‪ ،‬واخلالئق على إصبع‪ ،‬مث يهزهن‪ ،‬مث‬
‫يضحك حىت بدت نواجذه تعجًب ا وتصديًق ا‬ ‫‪‬‬ ‫يقول‪ :‬أنا امللك‪ ،‬أنا امللك‪ ،‬فلقد رأيت النيب‬

‫‪226‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫(‪ )1‬إىل قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫لقوله‪ ،‬مث قال النيب‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬ج اء ح رب) بفتح احلاء وكس رها‪ ،‬وه و الع امل من علم اء اليه ود‪ .‬قول ه‪( :‬جع ل اهلل‬
‫أن اهلل يضع السماوات على ذه‪ ،‬وأشار إىل‬ ‫‪‬‬ ‫السماوات على إصبع‪ )...‬يف الرواية األخرى‬
‫أصبعه‪ ،‬ويضع األرضني على ذه‪ ،‬ويضع املاء والثرى على ذه‪ ،‬ويضع سائر اخللق على ذه‪،‬‬
‫فهذه أربع أصابع‪ ،‬وجاء يف الرواية األخرى‪  :‬والشجر واجلبال‬ ‫‪‬‬ ‫مث يهزهن فيقول‪ :‬أنا امللك‬
‫وأهنا مخسة‪ ،‬كما‬ ‫‪‬‬ ‫فتكون مخسة أصابع‪ ،‬فهذا يدل على إثبات األصابع هلل‬ ‫‪‬‬ ‫على إصبع‬
‫يليق جبالل اهلل وعظمته‪ .‬قوله‪( :‬رأيت النيب ‪ ‬يضحك حىت بدت نواجذه تعجًب ا وتصديًق ا)‬
‫أي‪ :‬تص ديًق ا لق ول احلرب‪ ،‬وبعض املبتدع ة وبعض الش راح يقول ون‪ :‬إن الن يب ‪ ‬ض حك تعجًب ا‬
‫وإنكاًر ا لقول احلرب؛ ألنه أثبت األصابع‪ ،‬وهذا فيه مشاهبة للمخلوقني‪.‬‬
‫وهذا خطأ منهم وسبب قوهلم هذا أهنم ال يتحملون إثبات الصفات‪ .‬قوله‪( :‬مث قال النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫ق رأ قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )3‬أي‪ :‬أن الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪        ‬‬


‫‪.)4( ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫والشاهد قوله‪( :‬مث يقول‪ :‬أنا امللك‪ ،‬أنا امللك)‪ :‬ففيه إثبات كالم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يوم القيامة‬
‫مع األنبياء وغري األنبياء‪.‬‬
‫مناجاة اهلل لعباده يوم القيامة‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الزمر آية ‪.67 :‬‬

‫‪227‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7514‬حدثنا مسدد‪ ،‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن صفوان بن حمرز‪ ،‬أن رجال سأل ابن عمر‬
‫يقول‪ :‬يف النجوى؟ قال‪  :‬يدنو أحدكم من ربه‪ ،‬حىت يضع كنفه‬ ‫كيف مسعت رسول اهلل ‪‬‬
‫عليه‪ ،‬فيقول‪ :‬أعملت كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬ويقول‪ :‬عملت كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقرره‬
‫وق ال آدم‪ :‬ح دثنا ش يبان‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫مث يق ول‪ :‬إين س رتت علي ك يف ال دنيا‪ ،‬وأن ا أغفره ا ل ك الي وم‬
‫حدثنا قتادة‪ ،‬حدثنا صفوان‪ ،‬عن ابن عمر مسعت النيب‪. ،‬‬

‫‪228‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه بيان صفة مناجاة اهلل لعباده يوم القيامة‪ ،‬قوله‪( :‬يدنو أحدكم من ربه) أما دنو‬
‫اهلل من عبده‪ ،‬فهو دنو يليق جبالل اهلل وعظمته‪ .‬قوله‪( :‬فيضع عليه كنفه) الكنف‪ :‬صفة من‬
‫ومن آث ار ه ذه الص فة لط ف اهلل وعنايت ه بعب ده وس رته علي ه‪ ،‬وبعض هم أول‬ ‫‪‬‬ ‫ص فات اهلل‬
‫الكنف بالسرت‪ ،‬والصواب أن السرت أثر من آثار هذه الصفة‪ ،‬فالكنف صفة من صفات اهلل‬
‫ومن آثارها أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يسرت على عبده‪ ،‬ويعتين به؛ وهلذا يقرره اهلل بذنوبه ليعلم العبد‬
‫أهنا حمفوظة ومكتوبة مل تضع‪ ،‬فإذا قرره بذنوبه غفر اهلل له؛ ولذلك قال‪( :‬سرتهتا عليك يف‬
‫ال دنيا‪ ،‬وأن ا أغفره ا ل ك الي وم) ه ذا واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أعلم يف ذن وب مل يتب منه ا العب د‪ ،‬غ ري‬
‫معلنة بل هي خفية بني العبد وبني ربه‪ ،‬وهذه النجوى بني العبد وبني ربه‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬فاخللق ال حيصيهم إال اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬ومع ذلك يقرر اهلل كل شخص‬
‫بذنوبه منفرًدا عن الناس ال يسمعه أحد من الناس‪ ،‬وحياسبهم ‪-‬سبحانه‪ -‬يف وقت واحد‪.‬‬
‫والش اهد قول ه‪( :‬فيق ول‪ :‬أعملت ك ذا وك ذا) ففي ه إثب ات كالم ال رب س بحانه‪ ،‬وأن ه ص فة‬
‫من صفاته‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يكلم يوم القيامة األنبياء وغري األنبياء‪.‬‬
‫إثبات أن كالم اهلل لموسى حقيقة‬
‫(‪. ) 1‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ - 37‬باب ما جاء يف قوله‬
‫الشرح‪:‬‬
‫واس تدل املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬هبذه اآلي ة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الرتمجة ‪-‬أيض ا‪ -‬فيه ا إثب ات الكالم هلل‬
‫‪ )2( ‬حيث أكد اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬إثبات‬ ‫‪     ‬‬ ‫وهي قوله‪:‬‬
‫صفة الكالم له باملصدر وهو قوله‪( :‬تكليًم ا) وهذا اإلثبات أن كالم اهلل ملوسى حقيقة؛ ألن‬
‫الفعل إذا جاء جمرًدا‪ ،‬فقد حيتمل أن يراد به غري املعىن املتبادر‪ ،‬أما إذا جاء املصدر‪ ،‬فإنه‬
‫يكون مؤكًد ا للفعل‪ ،‬وال ميكن أن يراد به غري احلقيقة‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة النساء آية ‪.164 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية ‪.164 :‬‬

‫‪229‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وموسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬كليم الرمحن‪ ،‬كلمه اهلل تعاىل بدون واسطة؛ وهلذا يسمى كليم‬
‫يف ذلك‪ ،‬فقد كلمه ربه ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬ليلة املعراج‬ ‫‪‬‬ ‫الرمحن‪ ،‬وشاركه نبينا حممد اهلل‬
‫من دون واسطة‪ ،‬وفرض عليه الصالة‪.‬‬
‫حديث احتجاج آدم وموسى‬
‫‪ - 7515‬ح دثنا حيىي بن بك ري‪ ،‬ح دثنا الليث ح دثنا عقي ل‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬ح دثنا محي د بن عب د‬
‫ق ال‪  :‬احتج آدم وموس ى‪ ،‬فق ال موس ى‪ :‬أنت آدم ال ذي‬ ‫ال رمحن‪ ،‬عن أيب هري رة أن الن يب ‪‬‬
‫أخ رجت ذريت ك من اجلن ة‪ ،‬ق ال آدم‪ :‬أنت موس ى ال ذي اص طفاك اهلل برس االته وكالم ه‪ ،‬مث‬
‫تلومين على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق‪ ،‬فَح َّج آدُم موسى ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫كرر ذلك ثالثا‪ ،‬واملعىن أنه غلبه باحلجة‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬فحج آدم موسى) يف لفظ أن النيب‬
‫وخصمه‪ ،‬وذلك أن آدم وموسى التقيا فقال موسى‪( :‬أنت آدم الذي أخرجت ذريتك اجلنة)‬
‫ويف اللفظ اآلخر أن موسى قال‪  :‬أنت آدم الذي خلقك اهلل بيده‪ ،‬وأسجد لك مالئكته‪،‬‬
‫قوله‪( :‬مث تلومين على أمر‪ ،‬قد قدر علي) فموسى ‪-‬عليه السالم‬ ‫‪‬‬ ‫وعلمك أمساء كل شيء‬
‫الم آدم ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬على ال ذنب‪ ،‬وال ذنب ق د ت اب من ه آدم‪ ،‬وال يالم اإلنس ان على‬
‫ذنب ت اب من ه‪ ،‬أو أن ه الم ه على املص يبة ال يت حلقت ه وذريت ه خبروج ه من اجلن ة‪ ،‬واملص يبة‬
‫مق درة‪ ،‬ف احتج آدم بالق در‪ ،‬واالحتج اج بالق در على املص ائب ج ائز‪ ،‬وال ب أس ب ه خبالف‬
‫االحتجاج بالقدر على املعاصي‪ ،‬فهذا ال جيوز؛ هلذا حج آدم موسى‪ ،‬أي‪ :‬غلبه باحلجة؛ ألنه‬
‫احتج على املص يبة بالق در‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ق در ه ذا ملا ل ه يف ذل ك من احلكم ة‪ ،‬من إهب اط‬
‫آدم‪ ،‬وانتش ار ذريت ه يف األرض؛ ليبل وهم بالتك اليف؛ وليخ رج من ذريت ه األنبي اء والرس ل‬
‫والصاحلني واألخيار؛ وليعبد ‪-‬سبحانه‪ -‬ويشكر‪ ،‬ويذكر‪ ،‬فله ‪-‬سبحانه‪ -‬احلكمة البالغة‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬أنت الذي اصطفاك اهلل برساالته وبكالمه) ففيه إثبات الكالم هلل تعاىل‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬لو استشفعنا إلى ربنا"‬


‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫‪ - 7516‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ،‬حدثنا هشام‪ ،‬حدثنا قتادة‪ ،‬عن أنس ‪‬‬
‫من مكانن ا ه ذا‪،‬‬ ‫‪ ‬جيم ع املؤمن ون ي وم القيام ة‪ ،‬فيقول ون‪ :‬ل و استش فعنا إىل ربن ا‪ ،‬فريحين ا‬ ‫‪‬‬

‫فيأتون آدم فيقولون له‪ :‬أنت آدم أبو البشر‪ ،‬خلقك اهلل بيده‪ ،‬وأسجد لك املالئكة‪ ،‬وعلمك‬
‫أمساء ك ل ش يء‪ ،‬فاش فع لن ا إىل ربن ا‪ ،‬ح ىت يرحين ا فيق ول هلم‪ :‬لس ت هن اكم‪ ،‬في ذكر هلم‬
‫خطيئته اليت أصاب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث خمتصر من حديث الشفاعة الطويل‪ ،‬وليس فيه موضع الشاهد‪ ،‬لكن مقصود‬
‫املؤلف وضع الشاهد يف آخر احلديث‪ ،‬ومل يأت به املؤلف‪( ،‬وهو أهنم يأتون آدم‪ ،‬ويعتذر‪،‬‬
‫مث يأتون نوًح ا‪ .....‬إىل قوله‪ :‬مث يأتون موسى‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا موسى أنت كليم ال رمحن) وهذا‬
‫هو الشاهد‪ ،‬ومل يأت به املؤلف‪ ،‬ففيه إثبات الكالم هلل‪. ،‬‬
‫حديث اإلسراء والمعراج‬
‫‪ - 7517‬حدثنا عبد العزيز بن عبد اهلل‪ ،‬حدثين سليمان‪ ،‬عن شريك بن عبد اهلل أنه قال‪ :‬مسعت‬
‫من مسجد الكعبة أنه جاءه ثالثة نفر قبل‬ ‫‪‬‬ ‫أنس بن مالك يقول‪  :‬ليلة أسري برسول اهلل‬
‫أن ي وحى إلي ه‪ ،‬وه و ن ائم يف املس جد احلرام فق ال أوهلم‪ :‬أيهم ه و؟ فق ال أوس طهم‪ :‬ه و‬
‫خريهم‪ ،‬فقال آخرهم‪ :‬خذوا خريهم‪ ،‬فكانت تلك الليلة‪ ،‬فلم يرهم حىت أتوه ليلة أخرى‬
‫فيما يرى قلبه وتنام عينه‪ ،‬وال ينام قلبه‪ ،‬وكذلك األنبياء تنام أعينهم وال تنام قلوهبم‪ ،‬فلم‬
‫يكلم وه ح ىت احتمل وه‪ ،‬فوض عوه عن د ب ئر زم زم‪ ،‬فت واله منهم جربي ل‪ ،‬فش ق جربي ل م ا بني‬
‫حنره إىل لبته حىت فرغ من صدره وجوفه‪ ،‬فغسله من ماء زمزم بيده حىت أنقى جوفه‪ ،‬مث‬
‫أيت بطست من ذهب فيه َتْو ٌر من ذهب حمش ًو ا إمياًنا وحكمة‪ ،‬فحشا به صدره ولغاديده‪،‬‬
‫يعين‪ :‬عروق حلقه‪ ،‬مث أطبقه‪ ،‬مث عرج به إىل السماء الدنيا‪ ،‬فضرب باًبا من أبواهبا‪ ،‬فناداه‬
‫أه ل الس ماء‪ :‬من ه ذا؟ فق ال‪ :‬جربي ل‪ ،‬ق الوا‪ :‬ومن مع ك؟ ق ال‪ :‬معي حمم د‪ ،‬ق ال‪ :‬وق د ُبعث؟‬

‫‪231‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬فمرحًب ا به وأهال‪ ،‬فيستبشر به أهل السماء‪ ،‬ال يعلم أهل السماء مبا يريد‬
‫اهلل به يف األرض‪ ،‬حىت يعلمهم‪.‬‬
‫فوجد يف السماء الدنيا آدم‪ ،‬فقال له جربيل‪ :‬هذا أبوك آدم‪َ ،‬فَس ِّلْم عليه‪َ ،‬فَس َّلَم عليه‪،‬‬
‫ورد عليه آدم‪ ،‬وقال‪ :‬مرحًبا وأهال بابين‪ِ ،‬نْع َم االبن أنت‪ ،‬فإذا هو يف السماء الدنيا بنهرين‬
‫يطردان‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذان النهران يا جربيل؟ قال‪ :‬هذا النيل والفرات عنصرمها‪ ،‬مث مضى به‬
‫يف السماء‪ ،‬فإذا هو بنهر آخر‪ ،‬عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد‪ ،‬فضرب يده‪ ،‬فإذا هو مسك‬
‫أذفر قال‪ :‬ما هذا يا جربيل؟ قال‪ :‬هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك‪ ،‬مث عرج به إىل السماء‬
‫الثانية‪ ،‬فقالت املالئكة له مثل ما قالت له األوىل‪ ،‬من هذا؟ قال‪ :‬جربيل‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن معك؟‬
‫ق ال‪ :‬حمم د ‪ ‬ق الوا‪ :‬وق د بعث إلي ه؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق الوا‪ :‬مرحًب ا ب ه وأهال‪ ،‬مث ع رج ب ه إىل‬
‫السماء الثالثة‪ ،‬وقالوا له مثل ما قالت األوىل والثانية مث عرج به إىل الرابعة‪ ،‬فقالوا له مثل‬
‫ذلك‪ ،‬مث عرج به إىل السماء اخلامسة‪ ،‬فقالوا مثل ذلك‪ ،‬مث عرج به إىل السماء السادسة‪،‬‬
‫فقالوا له مثل ذلك‪ ،‬مث عرج به إىل السماء السابعة‪ ،‬فقالوا له مثل ذلك‪ ،‬كل مساء فيها‬
‫أنبياء قد مساهم‪ ،‬فأوعيت منهم إدريس يف الثانية‪ ،‬وهارون يف الرابعة‪ ،‬وآخر يف اخلامسة مل‬
‫أحفظ امسه‪ ،‬وإبراهيم يف السادسة‪ ،‬وموسى يف السابعة بتفضيل كالم اهلل‪ ،‬فقال موسى‪ :‬رب‬
‫مل أظن أن يرفع علّي أحد‪ ،‬مث عال به فوق ذلك مبا ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬حىت جاء سدرة‬
‫املنتهى‪ ،‬ودن ا للجب ار رب الع زة‪ ،‬فت دىل ح ىت ك ان من ه ق اب قوس ني أو أدىن‪ ،‬ف أوحى اهلل‬
‫فيم ا أوحى إلي ه مخس ني ص الة‪ ،‬على أمت ك ك ل ي وم وليل ة‪ ،‬مث هب ط ح ىت بل غ موس ى‪،‬‬
‫فاحتبسه موسى‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬ماذا عهد إليك ربك؟‬
‫قال‪ :‬عهد إيل مخسني صالة‪ ،‬كل يوم وليلة‪ ،‬قال‪ :‬إن أمتك ال تستطيع ذلك‪ ،‬فارجع‬
‫إىل جربيل كأنه يستشريه يف ذلك‪ ،‬فأشار إليه‬ ‫‪‬‬ ‫فليخفف عنك ربك وعنهم‪ ،‬فالتفت النيب‬
‫جربيل أن نعم‪ ،‬إن شئت‪ ،‬فعال به إىل اجلبار‪ ،‬فقال‪ :‬وهو مكانه يا رب خفف عنا‪ ،‬فإن‬
‫أم يت ال تستطيع هذا‪ ،‬فوضع عنه عشر صلوات‪ ،‬مث رجع إىل موسى‪ ،‬فاحتبسه‪ ،‬فلم يزل‬

‫‪232‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ي ردده موس ى إىل رب ه‪ ،‬ح ىت ص ارت إىل مخس ص لوات‪ ،‬مث احتبس ه موس ى عن د اخلمس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬واهلل لقد راودت بين إسرائيل قومي على أدىن من هذا‪ ،‬فضعفوا‪ ،‬فرتكوه‪،‬‬
‫فأمت ك أض عف أجس اًدا وقلوًب ا وأب داًنا وأبص اًر ا وأمساًعا‪ ،‬ف ارجع فليخف ف عن ك رب ك‪ ،‬ك ل‬
‫ذلك يلتفت النيب ‪ ‬إىل جربيل ليشري عليه‪ ،‬وال يكره ذلك جربيل‪ ،‬فرفعه عند اخلامسة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رب‪ ،‬إن أميت ضعفاء‪ :‬أجسادهم وقلوهبم وأمساعهم وأبصارهم وأبداهنم‪ ،‬فخفف عنا‬
‫فق ال اجلب ار‪ :‬ي ا حمم د‪ ،‬ق ال‪ :‬لبي ك وس عديك‪ ،‬ق ال‪ :‬إن ه ال يب دل الق ول ل دي‪ ،‬كم ا فرض ته‬
‫علي ك يف أم الكت اب‪ ،‬ق ال‪ :‬فك ل حس نة بعش ر أمثاهلا‪ ،‬فهي مخس ون يف أم الكت اب‪ ،‬وهي‬
‫مخس علي ك‪ ،‬فرج ع إىل موس ى فق ال‪ :‬كي ف فعلت‪ ،‬فق ال‪ :‬خف ف عن ا‪ ،‬أعطان ا بك ل حس نة‬
‫عش ر أمثاهلا‪ ،‬قال موس ى‪ :‬ق د واهلل راودت ب ين إس رائيل على أدىن من ذل ك‪ ،‬ف رتكوه ارج ع‬
‫ي ا موس ى‪ ،‬ق د واهلل اس تحييت من‬ ‫‪‬‬ ‫إىل رب ك‪ ،‬فليخف ف عن ك ‪-‬أيض ا‪ -‬ق ال رس ول اهلل‬
‫ريب‪ ،‬مما اختلفت إليه‪ ،‬قال‪ :‬فاهبط باسم اهلل‪ ،‬قال‪ :‬واستيقظ وهو يف مسجد احلرام ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ويل زم من‬ ‫‪‬‬ ‫الش اهد من احلديث قول ه‪( :‬بفض ل كالم ه هلل) دل على إثب ات الكالم هلل‬
‫كالم موس ى هلل أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يكلم ه؛ ألن التكليم من اجلانبني‪ ،‬وق د ج اء يف رواي ة‬
‫الكشميهين (بتفضيل كالم اهلل له)‪.‬‬
‫وه ذا احلديث من رواي ة ش ريك بن عب د اهلل بن أيب منر‪ ،‬وش ريك ه ذا ل ه أوه ام بينه ا‬
‫العلم اء‪ ،‬ح ىت ق ال اإلم ام مس لم ‪-‬رمحه اهلل‪ ،-‬عن رواي ة ش ريك ه ذه‪( :‬ف زاد ونقص وق دم‬
‫وأخر) ومن األوهام اليت وقع فيها شريك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أنه قال (ليلة أسري به‪ ..‬وذلك قبل أن يوحى إليه) وهذا غلط‪ ،‬وهو من أوهامه؛‬
‫ألن اإلسراء كان بعد الوحي‪ ،‬وليس قبل الوحي‪ ،‬فاإلسراء كان قبل اهلجرة بسنة أو سنتني‬
‫أو ثالث‪ ،‬ومما ي دل على أن ه بع د ال وحي أن الص لوات فرض ت علي ه‪ ،‬فكي ف يك ون قب ل‬
‫الوحي‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫ب ‪ -‬وقول ه‪( :‬وه و ن ائم يف املس جد احلرام) وه ذا من أوهام ه‪ ،‬والص واب أن الن يب‬
‫أسري به يف اليقظة ال يف النوم‪ .‬هذا الصواب الذي عليه احملققون‪ ،‬والعلماء دون جسده‪،‬‬
‫ومنهم من قال عرج به مراًر ا‪ ،‬والصواب أنه عرج به مرة واحدة بروحه وجسده يقظة ال‬
‫‪‬‬ ‫منام ا‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪       :-‬‬

‫‪.)1( ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫والصواب كذلك أن اإلسراء واملعراج يف ليلة واحدة‪ ،‬أسري به من املسجد احلرام إىل‬
‫املس جد األقص ى‪ ،‬راكًب ا ال رباق ص حبة جربائي ل (وال رباق داب ة دون البغ ل‪ ،‬وف وق احلم ار‪،‬‬
‫وخطوه ا م د البص ر؛ وهلذا قطعت ه ذه املس افة بس رعة) وملا وص ل إىل املس جد احلرام رب ط‬
‫وصلى بالناس‬ ‫‪‬‬ ‫الرباق حبلقة باب املسجد الذي كان يربط به األنبياء‪ ،‬ومجع له األنبياء‬
‫من بيت‬ ‫‪‬‬ ‫إماًم ا‪ ،‬مث أيت ب املعراج (وه و كهيئ ة الس لم) فص عد إىل الس ماء وع رج ب ه اهلل‬
‫املق دس‪ ،‬وقط ع ه ذه املس افة العظيم ة يف ليل ة واح دة (فيم ا بني مساء ومساء مس افة مخس مائة‬
‫ع ام‪ ،‬وكث ف ك ل مساء مخس مائة ع ام‪ ،‬وف وق الس ماء الس ابعة حبر‪ ،‬م ا بني أس فله وأعاله‪،‬‬
‫قبل الفجر‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫كما بني السماء واألرض) مث رجع‬
‫وبعض املالح دة يقول ون‪ :‬ال ميكن أن تص عد األجس ام إىل الس ماء؛ ألن األجس ام ثقيل ة‪،‬‬
‫فال تصعد إال األرواح‪ ،‬وهذا باطل؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬على كل شيء قدير‪ ،‬وهذا مثل شق‬
‫مل حيتج إىل عملية جراحية‪ ،‬بل التأم يف احلال‪ ،‬فاهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬قادر‬ ‫‪‬‬ ‫جربيل لصدر النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫على ك ل ش يء‪ ،‬كم ا ق ال ج ل ش انه‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬فمرة شق صدره وهو‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ )2‬وقد شق صدر النيب‬ ‫‪    ‬‬

‫صغري يلعب مع الصغار‪ ،‬ومرة عند البعثة‪.‬‬


‫ج ‪ -‬ومن أوهامه قوله يف آخر احلديث‪( :‬واستيقظ وهو يف مسجد احلرام) وقد بينا أن‬
‫املعراج كان يقظة ال مناًم ا‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫‪234‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫د ‪ -‬ومن أوهام ه قول ه‪( :‬ف إذا ه و يف الس ماء ال دنيا بنه رين يط ردان) والص واب أهنم ا يف‬
‫السماء السادسة أو السابعة‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬ومن أوهامه قوله‪( :‬مث مضى به يف السماء فإذا هو بنهر‪ ...‬قال هذا للكوثر‪ ..‬مث‬
‫عرج به إىل السماء الثانية) فقوله هذا يدل على أن الكوثر يف السماء الدنيا‪ ،‬وهذا خطأ‪،‬‬
‫والصواب أن الكوثر يف اجلنة‪.‬‬
‫و ‪ -‬ومن أوهامه أمكنة األنبياء كقوله‪( :‬فرأى إبراهيم يف السماء السادسة‪ ،‬وموسى يف‬
‫السابعة) فهذا من أوهامه‪ ،‬وما ثبت يف األحاديث الصحيحة أنه رأى آدم يف السماء الدنيا‪،‬‬
‫ورأى حيىي وعيس ى اب ين اخلال ة يف الس ماء الثاني ة‪ ،‬ورأى إدريس يف الس ماء الثالث ة‪ ،‬ورأى‬
‫يوس ف يف الس ماء الرابع ة‪ ،‬ورأى ه ارون يف الس ماء اخلامس ة‪ ،‬ورأى موس ى يف الس ماء‬
‫السادسة‪ ،‬ورأى إبراهيم يف السماء السابعة مسنًد ا ظهره إىل البيت املعمور‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ومن أوهامه قوله‪( :‬حىت صارت إىل مخس صلوات‪ ،‬مث احتبسه موسى‪ )...‬فهذا يدل‬
‫أن يرجع إىل ربه‪ ،‬فيسأله التخفيف‬ ‫‪‬‬ ‫على أن موسى عليه السالم طلب من الرسول اهلل‬
‫تردد بني ربه وموسى حىت‬ ‫‪‬‬ ‫بعد أن فرض اهلل عليه مخس صلوات‪ ،‬والصواب أن النيب‬
‫(إين‬ ‫‪‬‬ ‫وصل إىل مخس صلوات‪ ،‬فقال له موسى ارجع فاسأل ربك التخفيف فقال النيب‬
‫س ألت ريب‪ ،‬ح ىت اس تحييت‪ ،‬ولكن أرض ى وأس لم) ومل يرج ع إىل رب ه بع د ف رض الص لوات‬
‫اخلمس عليه‪.‬‬
‫ح ‪ -‬ومن أوهامه قوله‪( :‬ودنا اجلبار رب العزة‪ ،‬فتدىل حىت كان منه قاب قوسني أو‬
‫أدىن) فه ذا من أوهام ه‪ ،‬والصواب أن ال دنو والت ديل إمنا هو جلربيل ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬كما يف‬
‫سورة النجم‪ ،‬لكن ذكر ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪( -‬أن الدنو والتديل الذي يف حديث اإلسراء‪،‬‬
‫غ ري ال دنو والت ديل ال ذي يف آي ة النجم‪ ،‬ال ذي ه و وص ف جلربي ل) وتبع ه يف ذل ك ش ارح‬
‫الطحاوية‪ ،‬لكن الدنو والتديل للجبار ‪-‬سبحانه‪ -‬مل يرد إال يف حديث جربيل‪ ،‬فإن كان قد‬
‫ورد يف ح ديث آخ ر ص حيح قلن ا ب ه‪ ،‬وإن مل ي رد إال يف ه ذا احلديث‪ ،‬فه و من رواي ة‬

‫‪235‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ش ريك ابن أيب منر‪ ،‬ول ه أوه ام كم ا ذكرن ا‪ ،‬وه ذا من أوهام ه‪ .‬وعلى ه ذا يك ون ال دنو‬
‫والتديل الذي يف حديث اإلسراء‪ ،‬هو الدنو والتديل الذي يف سورة النجم‪ ،‬وهو دنو جربيل‬
‫وتدليه‪.‬‬
‫وح ديث اإلس راء مع روف يف األح اديث الص حيحة يف كتب الص حاح وغريه ا‪ ،‬وهي‬
‫بطرق غري طريق شريك هذا‪.‬‬
‫لألنبي اء‪ ،‬األق رب كم ا ذك ر ش يخ‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬فوج د يف الس ماء ال دنيا آدم‪ )...‬رؤي ة الن يب‬
‫اإلسالم ابن تيمية انه رآهم بأرواحهم؛ ألن الروح تأخذ شكل اجلسد‪ ،‬وذلك يف اإلسراء‬
‫عند صالته هبم‪ ،‬وكذلك يف املعراج‪ ،‬فالروح هلا أحكام فلها عروج وصعود سريع كلمح‬
‫م ر مبوس ى وه و يف األرض ق ائم يص لي يف ق ربه‪ ،‬مث ملا‬ ‫‪‬‬ ‫البص ر؛ وهلذا ملا أس ري ب ه اهلل‬
‫عرج به إىل السماء وجده يف السماء السادسة‪.‬‬
‫مل ي ر رب ه بعي ين رأس ه‪ ،‬إمنا رآه‬ ‫‪‬‬ ‫لرب ه‪ ،‬فالص واب أن الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫أم ا مس ألة رؤي ة الن يب‬
‫بعيين قلبه‪ ،‬وذهب بعض العلماء إىل أنه رأى ربه ليلة املعراج‪ ،‬وأنه انفرد هبذه عن األنبياء؛‬
‫‪‬‬ ‫لذلك قال بعض األنبياء‪( :‬الرؤية حملمد‪ ،‬واُخللة إلبراهيم‪ ،‬والتكليم ملوسى) وإن كان النيب‬
‫شارك إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬يف مسألة اُخللة‪ ،‬وشارك موسى يف مسألة التكليم‪ ،‬فالصواب‬
‫مل ي ر رب ه رؤي ة بص رية‪ ،‬إمنا رآه‬ ‫‪‬‬ ‫كم ا ذكرن ا وال ذي علي ه اجلمه ور واحملقق ون أن الن يب‬
‫رؤية قلبية‪ .‬ففي احلديث (واعلموا أنكم لن تروا ربك حىت متوتوا) رواه مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫لربه يف منامه فثابتة‪ ،‬كما يف حديث اختصام املأل األعلى كما قال‬ ‫‪‬‬ ‫أما رؤية النيب‬
‫(رأيت ريب يف أحسن صورة)‪ ،‬وذكر شيخ اإلسالم أن مجيع الطوائف أثبتوه ا‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫الرؤية القلبية‪ ،‬ومل ينكرها أحد إال اجلهمية من شدة إنكارهم للرؤية‪ .‬وذكر شيخ اإلسالم‬
‫أن رؤي ة ال رب يف املن ام تك ون لغ ري األنبي اء‪ ،‬وهي رؤي ة حقيقي ة لكن على حس ب عم ل‬
‫اإلنسان‪ ،‬فإن كان عمله صاًحلا رأى ربه يف صورة حسنة‪ ،‬وإن كان غري ذلك رأى ربه‬
‫رؤية تناسب عمله‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب كالم الرب مع أهل الجنة‬


‫حديث‪" :‬أحل عليكم رضواني‪ ،‬فال أسخط عليكم بعده أبًد ا "‬
‫‪ - 38‬باب كالم الرب مع أهل اجلنة‬
‫‪ - 7518‬ح دثنا حيىي بن س ليمان‪ ،‬ح دثين ابن وهب ق ال‪ :‬ح دثين مال ك‪ ،‬عن زي د بن أس لم‪ ،‬عن‬
‫إن اهلل يقول ألهل اجلنة‪ :‬يا أهل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬قال النيب‬ ‫عطاء بن يسار‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري ‪‬‬
‫اجلنة‪ ،‬فيقولون‪ :‬لبيك ربنا وسعديك واخلري يف يديك‪ ،‬فيقول‪ :‬هل رضيتم؟ فيقولون‪ :‬وما لنا‬
‫ال نرضى يا رب‪ ،‬وقد أعطيتنا ما مل تعط أحًد ا من خلقك‪ ،‬فيقول‪ :‬أال أعطيكم أفضل من‬
‫ذل ك؟ فيقول ون‪ :‬ي ا رب‪ ،‬وأي ش يء أفض ل من ذل ك؟ فيق ول‪ :‬أح ل عليكم رض واين‪ ،‬فال‬
‫أسخط عليكم بعده أبًد ا ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ن وع املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬ال رتاجم يف مس ألة الكالم‪ ،‬فهن ا ذك ر كالم ال رب ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬مع أهل اجلنة‪ ،‬وفيما سبق ذكر كالم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مع األنبياء وغريهم‪ ،‬وسبب ذلك‬
‫أن مس ألة الكالم من املس ائل ال يت اش تد النـزاع فيه ا بني أه ل الس نة وأه ل الب دع؛ فله ذا‬
‫أطال الرتاجم يف هذا ونوعها‪.‬‬
‫واحلديث في ه بي ان كالم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬م ع أه ل اجلن ة‪ ،‬وفي ه ال رد على أه ل التعطي ل‬
‫كاألشاعرة والكالبية واملعتزلة واجلهمية‪ ،‬الذين ينكرون كالم الرب سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬دونك يا بن آدم فإنه ال يشبعك شيء"‬
‫‪ - 7519‬حدثنا حممد بن سنان‪ ،‬حدثنا فليح‪ ،‬حدثنا هالل‪ ،‬عن عطاء بن يسار‪ ،‬عن أيب هريرة ‪‬‬
‫أن الن يب ‪ ‬ك ان يوًم ا حيدث‪ ،‬وعن ده رج ل من أه ل البادي ة أن رجال من أه ل اجلن ة‬ ‫‪‬‬

‫اس تأذن رب ه يف ال زرع‪ ،‬فق ال ل ه‪ :‬أولس ت فيم ا ش ئت؟ ق ال‪ :‬بلى‪ ،‬ولك ين أحب أن أزرع‪،‬‬
‫فأسرع وبذر‪ ،‬فتبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال اجلبال‪ ،‬فيقول اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ :-‬دونك يا بن آدم‪ ،‬فإنه ال يشبعك شيء‪ ،‬فقال األعرايب‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ال جتد هذا‬

‫‪237‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫إال قرش ًّيا‪ ،‬أو أنص ارًّيا‪ ،‬ف إهنم أص حاب زرع‪ ،‬فأم ا حنن فلس نا بأص حاب زرع‪ ،‬فض حك‬
‫رسول اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا في ه أن بعض أه ل اجلن ة خياطب ه اهلل فيق ول العب د‪ :‬ي ا رب أري د ال زرع‪ ...‬قول ه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫(أولست فيما شئت) أي‪ :‬أنك يف نعيم مقيم كما قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬قول ه‪( :‬ولك ين أحب ال زرع) أعطاه اهلل م ا يري د؛ ألن أه ل‬ ‫‪   ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫اجلنة هلم ما يشاءون فيها‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪‬‬

‫قوله‪( :‬فتبادر الطرف نباته واستواؤه‪ )..‬املعىن أنه بذر وزرع‪ ،‬فبمجرد ما رفع طرفه خرج‬
‫النبت‪ ،‬واس توى‪ ،‬وحص د‪ ،‬وتك ور فص ار أمام ه مكدًس ا فيق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪( :-‬دون ك ي ا ابن‬
‫آدم) أي‪ :‬خ ذ ي ا بن آدم (فإن ه ال يشبعك ش يء)‪ .‬والش اهد قول ه‪( :‬فيقول اهلل دون ك ي ا ابن‬
‫آدم) ففيه كالم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مع أهل اجلنة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزخرف آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة ق آية ‪.35 :‬‬

‫‪238‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب ذكر اهلل باألمر وذكر العباد بالدعاء‬


‫‪‬‬ ‫‪ - 39‬باب ذكر اهلل باألمر‪ ،‬وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة واإلبالغ؛ لقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪             ‬‬
‫‪ )2( ‬غمة هم وضيق‪ ،‬قال جماهد‪:‬‬ ‫‪        ‬‬

‫اقضوا إيل ما يف أنفسكم‪ .‬يقال‪ :‬افرق‪ :‬اقض‪.‬‬


‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫وق ال جماه د‪:‬‬
‫‪ )3( ‬إنس ان يأتي ه‪ ،‬فيس تمع م ا يق ول‪ ،‬وم ا أنـزل علي ه‪ ،‬فه و آمن ح ىت يأتي ه‪،‬‬ ‫‪ ‬‬

‫فيس مع كالم اهلل‪ ،‬وح ىت يبل غ مأمن ه حيث ج اء‪ .‬النب أ العظيم‪ :‬الق رآن‪ .‬ص واًبا‪ :‬حًّق ا يف ال دنيا‪،‬‬
‫وعمل به‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذه الرتمجة فيها نوع خفاء‪ ،‬ومقصود املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن ذكر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬لعباده‬
‫غ ري ذك ر العب اد هلل‪ ،‬فق ال‪( :‬ذك ر اهلل ب األمر) أي‪ :‬أن ذك ر اهلل لعب ده يك ون ب األمر‪ ،‬ويك ون‬
‫بغري األمر‪ ،‬وهذا جمرد مثال لذكر اهلل لعبده‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يكون ذكره لعبده باألمر بأن‬
‫ي أمره وينه اه؛ ألن األم ر ن وع من أن واع الكالم‪ ،‬ويك ون ذك ره لعب اده ب اخلرب‪ ،‬ك أن خيربهم‬
‫باألمور املاضية واألمور املستقبلة‪ ،‬ويكون ‪-‬أيًض ا‪ -‬ذكر اهلل للعبد بالثناء عليه يف املأل األعلى‪،‬‬
‫ومن ذلك صالة اهلل على حممد ‪ ‬أحسن ما قيل فيها‪ :‬إهنا ثناء اهلل عليه يف املأل األعلى‪،‬‬
‫كما رواه أبو العالية‪ ،‬هذا ذكر اهلل للعبد‪ ،‬أما ذكر العبد لربه‪ ،‬فيكون بالدعاء والتضرع‬
‫والرس الة والبالغ‪ ،‬ف إذا دع ا اإلنس ان رب ه ذك ره‪ ،‬ويك ون بالعب ادة؛ ألن العب ادات كله ا ذك ر‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.152 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة يونس آية ‪.72-71 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة التوبة آية ‪.6 :‬‬

‫‪239‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هلل‪ ،‬فاملص لي ذاك ر هلل والص ائم واحلاج واملزكي وال داعي كلهم ذاك رون هلل‪ ،‬ويك ون ذك ر‬
‫العبد لربه بالبالغ حينما يبلغ النيب الذي أرسله اهلل رسالة اهلل‪ ،‬هذا ذكر منه لربه‪.‬‬
‫ألن ذكر اهلل لعبده باألمر كالم‪ ،‬وذلك إذا أمر عباده‬ ‫‪‬‬ ‫فالرتمجة فيها إثبات الكالم هلل‬
‫‪ )1( ‬فيه أن ذكر‬ ‫‪  ‬‬ ‫وهناهم‪ ،‬واألمر نوع من أنوع الكالم‪ .‬قوله‪:‬‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬لعبده غري ذكر العبد لربه‪ ،‬واملعىن اذكروين بالعبادة والطاعة والدعاء والتضرع‬
‫وتبلي غ الرس الة (أذك ركم) أي‪ :‬أث ين عليكم‪ ،‬فمن ذك ر اهلل ذك ره اهلل‪ ،‬ويف احلديث القدس ي‬
‫يقول اهلل ‪-‬تعاىل‪  :-‬ومن ذكرين يف نفسه‪ ،‬ذكرته يف نفسي‪ ،‬ومن ذكرين يف مأل‪ ،‬ذكرته‬
‫فمن ذك ر اهلل يف نفس ه ذك ره اهلل يف نفس ه‪ ،‬ومن ذك ر اهلل يف مأل‬ ‫‪‬‬ ‫يف مأل خ ري منهم‬
‫ذكره اهلل يف مأل خري منهم‪ ،‬وهم املالئكة‪ ،‬فذكر اهلل للعبد ثناء عليه عند املالئكة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪           ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪ )2( ‬وجه الداللة من اآلية أن فيه ذكر العبد‪ ،‬وهو نوح ‪-‬عليه‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ )3( ‬حيث ذكر اهلل بتبليغه رسالة ربه‪،‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫السالم‪ -‬لربه حيث قال‪:‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫وفيه ا ذك ر اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬لعب ده؛ لقول ه‬
‫ألن من أمثلة ذكر اهلل لعبده األمر‪ ،‬إذا أمره وهناه‪ ،‬فهذه الرتمجة دقيقة وفيها نوع خفاء‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )5( ‬أي‪ :‬ض يق وش دة وح رج‪.‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫‪ )6( ‬أي‪ :‬أفصلوا وأوضحوا األمر الذي بأنفسكم‪ ،‬حىت ال يكون فيه شبهة‬ ‫‪ ‬‬

‫وال التب اس‪ ،‬مث بع د ذل ك اعمل وا م ا تري دون‪ ،‬وع اجلوين بالعقوب ة إن اس تطعتم‪ ،‬ومن ه ق ول‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.152 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة يونس آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة يونس آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة يونس آية ‪.72 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة يونس آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة يونس آية ‪.71 :‬‬

‫‪240‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هود ‪-‬عليه السالم‪ )1(       :-‬فآيته أنه وقف أمام قومه وحي ًد ا‪ ،‬وهم‬
‫معروف ون ب القوة واجلربوت وحتداهم‪ ،‬وق ال‪ :‬أن ا واح د أم امكم‪ ،‬وإن اس تطعتم أن هتلك وين‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬أن ين ال أطلب‬ ‫‪     ‬‬ ‫فع اجلوين‪ ،‬ومل يس تطيعوا‪ .‬قول ه‪:‬‬
‫منكم مثًنا‪ ،‬وال عوضا من الدنيا على تبليغ الرسالة‪ ،‬بل أجري على اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬اف رق‪ :‬افص ل) ومن ه قول ه ‪-‬تع اىل‪    -‬‬

‫‪ )3( ‬ملا امتنع بنو إسرائيل عن القتال مع موسى ملا أمرهم بالقتال‪ ،‬دعا‬ ‫‪ ‬‬

‫موسى ربه وقال‪( :‬افرق بيننا‪ )...‬أي‪ :‬افصل واحكم بيننا وبينهم‪ ،‬فاستجاب اهلل لنبيه موسى‬
‫وعاقبهم بالتيه؛ حىت يهلك هذا اجليل الذي به خور عن القتال وجنب من فرعون وقومه‪،‬‬
‫وحىت ينشأ جيل جديد فيه القوة والشجاعة‪ ،‬وكان األمر كذلك حيث هلك هذا اجليل‪،‬‬
‫ومات موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬معهم يف التيه‪ ،‬ونشأ جيل جديد فتح هبم يوشع بن نون فىت‬
‫موسى ‪-‬علي ه السالم‪ -‬بيت املق دس ملا قال للش مس إن ك م أمورة وأن ا م أمور‪ ....‬وذلك يف‬
‫ليلة السبت؛ ألهنم يعظمون يوم السبت‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪ )4( ‬أي‪ :‬إذا طلب أحد املشركني األمان‪ ،‬فيؤمن حىت يسمع كالم اهلل‪ ،‬وإذا انتهى يبلغ إىل‬
‫مأمنه‪ ،‬وال يغدر به‪ ،‬وكالم اهلل فيه األمر‪ ،‬وهو ذكر هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬لعبده وتبليغه كالم اهلل‪،‬‬
‫هذا من ذكر العبد لربه‪ ،‬فاآلية فيها ذكر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬للعبد وذكر العبد للرب‪ ،‬فكالم اهلل‬
‫فيه األمر والنهي واخلرب والثناء على عبده‪ ،‬وهو من ذكر اهلل لعبده‪ ،‬وتبليغ العبد لرسالة اهلل‬
‫هذا من ذكر العبد لربه‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة هود آية ‪.55 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة يونس آية ‪.72 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة المائدة آية ‪.25 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة التوبة آية ‪.6 :‬‬

‫‪241‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬فالنبأ‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله‪( :‬النبأ العظيم‪ :‬القرآن) وذلك يف قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫العظيم ه و الق رآن‪ ،‬والق رآن ه و كالم اهلل‪ ،‬في ه األم ر والنهي والوع د والوعي د‪ ،‬وكالم اهلل‬
‫ذكر من اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬لعبده‪ ،‬وتبليغه ذكر من العبد لربه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله‪( :‬صواًبا‪ :‬حًّقا يف الدنيا‪ ،‬وعمل به) وذلك يف قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )2( ‬ف القول الص واب ه و الق ول ب احلق والعم ل ب ه‪ ،‬والعم ل‬ ‫‪   ‬‬

‫باحلق يكون باألقوال واألعمال واالعتقاد‪ ،‬وهذا ذكر من العبد لربه‪ ،‬فإنه حينما يقول احلق‪،‬‬
‫ويعمل باحلق‪ ،‬فقد ذكر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وكالم اهلل الذي أنـزله هو قول احلق‪ ،‬وهو ذكر من‬
‫اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬للعب اد‪ ،‬ومل يت بني ه ذا للعي ين ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬حيث ذك ر أن البخ اري ذك ر قول ه‪:‬‬
‫(صواًبا) على سبيل التبعية‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬فال َتْجَعُلوا ِلَّلِه َأْنَد اًدا"‬
‫‪‬‬‫‪ )3(   ‬وقول ه ج ل ذك ره‪:‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ - 40‬ب اب ق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪  ‬وقول ه ‪  ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫)‪( 5‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )6( ‬وقال عكرمة‪:‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ )8(      (7)     ‬و‬
‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ )9(       ‬فذلك إمياهنم‪ ،‬وهم يعبدون‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 1‬سورة النبأ آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النبأ آية ‪.38 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة فصلت آية ‪.9 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الفرقان آية ‪.68 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الزمر آية ‪.66-65 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة يوسف آية ‪.106 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة الزخرف آية ‪.87 :‬‬

‫‪ - 9‬سورة العنكبوت آية ‪.61 :‬‬

‫‪242‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫غ ريه‪ ،‬وم ا ذك ر يف خل ق أفع ال العب اد وأكس اهبم؛ لقول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫(‪) 2‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫‪    ‬وقال جماهد‪       :‬‬
‫بالرس الة والع ذاب ‪ )3(       ‬املبلغني املؤدين من الرس ل‬
‫(‪) 5‬‬ ‫(‪) 4‬‬
‫الق رآن ‪‬‬ ‫عن دنا ‪    ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ )6(    ‬املؤمن يقول يوم القيامة‪ :‬هذا الذي أعطيتين عملت مبا فيه‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ )7( ‬أول اآلية قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪ )8( ‬آية‬ ‫‪         ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫البقرة وهذه اآلية من أول األوامر يف القرآن الكرمي‪ ،‬واآلية األخرى قوله‪:‬‬
‫‪ )9(        ‬واملعىن كيف جتعلون له أنداًدا وهو رب‬
‫العاملني؟!‪ ،‬واآليتان فيهما النهي عن جعل الند مع اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬فمن جعل هلل نًّدا مع‬
‫اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬وهو معبودهم وخالقهم‪ ،‬فقد أشرك باهلل‪ ،‬ومن أشرك باهلل‪ ،‬فقد حبط‬
‫عمله‪.‬‬
‫والتنديد نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬تنديد أكبر يخرج من الملة‪ :‬كأن جيعل مع اهلل نًّدا يف الربوبية‪ ،‬أو جيعل مع اهلل‬
‫ن ًّدا يف اخللق‪ ،‬فيزعم أن هناك خالًق ا م ع اهلل‪ ،‬أو جيعل م ع اهلل ن ًّدا يف الفع ل‪ ،‬فيزعم أن‬
‫هن اك من يش ارك اهلل يف الفع ل‪ ،‬أو جيع ل اهلل ن ًّدا يف االس م كم ا تس مى مس يلمة الك ذاب‬
‫‪ - 1‬سورة الفرقان آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحجر آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األحزاب آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة يوسف آية ‪.12 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الزمر آية ‪.33 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الزمر آية ‪.33 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة البقرة آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة البقرة آية ‪.21 :‬‬

‫‪ - 9‬سورة فصلت آية ‪.9 :‬‬

‫‪243‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫بالرمحن‪ ،‬أو جيعل هلل نًّدا يف الصفة كأن يصف أحًد ا بأنه يعلم كعلم اهلل‪ ،‬أو يقدر كقدرة‬
‫اهلل‪ ،‬أو جيع ل هلل ن ًّدا يف العب ادة واأللوهي ة‪ ،‬ك أن جيع ل هلل ن ًّدا يس تحق العب ادة ي ذبح ل ه‪،‬‬
‫ويسجد له‪ ،‬وينذر له وغري ذلك من أنواع العبادات‪ ،‬فمن جعل هلل نًّدا يف هذه األمور‪،‬‬
‫فقد أشرك الشرك األكرب‪ ،‬وحبط عمله‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنديد أصغر ال يخرج عن الملة‪ :‬وهو الذي دون الشرك األكرب كاحللف بغري اهلل‪،‬‬
‫وقول ما شاء اهلل وشئت‪ ،‬فهذا شرك بني اهلل وغريه باملشيئة‪ ،‬وجاء يف احلديث أن رجال‬
‫ما شاء اهلل وشئت‪ ،‬قال‪ :‬أجعلتين هلل نًّدا‪ ،‬قل‪ :‬ما شاء اهلل وحده ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال للنيب‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬بني اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أن من أش رك‪ ،‬فق د حب ط عمل ه‪ ،‬ومن جع ل هلل‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ )2( ‬بني‬ ‫‪       ‬‬ ‫نًّدا فقد أشرك وحبط عمله‪ .‬قوله‪:‬‬
‫اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أن من صفات عباد الرمحن أهنم ال جيعلون مع اهلل إهلا آخر‪ ،‬ومن جعل نًّدا‬
‫‪‬‬ ‫م ع اهلل‪ ،‬فق د جع ل مع ه إًهلا آخ ر وحب ط عمل ه‪ .‬قول ه‪ :‬وق ال عكرم ة‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ )3(       ‬فذلك إمياهنم وهم يعبدون غريه‪ ،‬املعىن أن‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫املش ركني باهلل‪ ،‬أي‪ :‬بالربوبي ة‪ ،‬فيعتق دون أن اهلل ه و اخلالق ال رازق؛ وهلذا ق ال‪:‬‬
‫)‪( 4‬‬
‫‪         ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫)‪( 5‬‬
‫‪            ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫)‪( 6‬‬
‫‪          ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفرقان آية ‪.68 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة يوسف آية ‪.106 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة العنكبوت آية ‪.61 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة المؤمنون آية ‪.85-84 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة المؤمنون آية ‪.87-86 :‬‬

‫‪244‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1(    ‬هذا إمياهنم‪ ،‬لكن مع ذلك ُيشركون يف العبادة‪ ،‬تنديد حيبط أعماهلم‪،‬‬
‫ويبط ل إمياهنم بربوبي ة اهلل‪ .‬كم ا أن أه ل الكت اب من اليه ود والنص ارى ملا مل يؤمن وا مبحم د‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫نفى اهلل عنهم اإلميان باهلل والي وم اآلخ ر‪ ،‬فق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬
‫‪           ‬‬

‫‪           ‬‬
‫‪ )2( ‬فنفى عنهم اإلميان باهلل والي وم اآلخ ر‪ .‬قول ه‪( :‬وم ا ذك ر يف خل ق‬ ‫‪  ‬‬

‫أفعال العباد وأكساهبم‪.)...‬‬


‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫ه ذا ت ابع للرتمجة‪ ،‬فيكون حمل ه ذا الكالم بع د قوله‬
‫(‪ )3‬ومعىن كالم املؤلف أن أفعال العباد‪ ،‬وما يكسبونه من األعمال خملوق‬ ‫‪  ‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫داخل يف عموم قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫هلل‬
‫(‪ )5‬فك ل ش يء يف الوج ود خلق ه اهلل‪ .‬وفي ه‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫وقول ه‬
‫الرد على املعتزلة الذين يقولون‪ :‬إن أفعال العباد خملوقة هلم‪ ،‬وليست خملوقة هلل‪ ،‬بزعمهم أهنم‬
‫ينـزهون اهلل‪.‬‬
‫فيقولون‪ :‬لو قلنا‪ :‬إن اهلل خلق أفعال العباد وأكساهبم‪ ،‬مث عذهبم عليها لكان ظا ا‪ ،‬ففراًر ا‬
‫ًمل‬
‫من ذلك قالوا‪ :‬إن العباد خالقون ألفعاهلم‪ ،‬فوقعوا يف أشر مما فروا منه؛ ألنه يلزم من قوهلم‬
‫ه ذا أن ه يق ع يف مل ك اهلل م ا ال يري د‪ ،‬فالعب د مثال يري د املعص ية واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يري د من ه‬
‫الطاعة‪ ،‬فتغلب إرادة العبد إرادة اهلل‪ ،‬فتقع املعصية‪ ،‬فيقع يف ملك اهلل ما ال يريد‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة المؤمنون آية ‪.89-88 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التوبة آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الفرقان آية ‪.68 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الفرقان آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪245‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وال شك أن هذا من آثار احنرافهم‪ ،‬عن الكتاب والسنة حيث فروا من شيء‪ ،‬فوقعوا‬
‫(‪) 6‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫يف أشر مما فروا منه‪ .‬قوله‪ :‬وقال جماهد‪:‬‬
‫املعىن أن أكساب العباد خملوقة هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فاملالئكة من أفعاهلا التنـزل‪ ،‬وهو خملوق هلل؛ ألن‬
‫(‪) 7‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫اهلل خالق كل شيء يف هذا الوجود‪ .‬قوله‪:‬‬
‫املبلغني املؤدين من الرسل‪ ،‬املبلغني من الرسل الذين أدوها بأفعاهلم اليت هي خلق هلل‪ ،‬هذه‬
‫‪ )8( ‬جاء يف‬ ‫‪      ‬‬ ‫أعماهلم وهي خملوقة هلل‪ .‬قوله‪:‬‬
‫تفسريها أن الذي جاء بالصدق هو حممد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وصدق به هو أبو بكر‬
‫ويشمل كل مؤمن‪ .‬قوله‪( :‬هذا الذي أعطيتين عملت مبا فيه) أي أن من تصديق املؤمنني‬ ‫‪‬‬
‫للق رآن العم ل ب ه‪ ،‬وعملهم كس ب هلم‪ ،‬وه و خمل وق هلل ‪-‬تع اىل‪ ،-‬والق رآن كالم اهلل غ ري‬
‫خملوق وقد اعتىن البخاري هبذه املسألة‪ ،‬فألف رسالة كاملة مساها خلق أفعال العباد‪ ،‬حيث‬
‫رد هبا على املعتزلة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫معتق د األش اعرة يف الكس ب غ ري معق ول‪ ،‬وغ ري متص ور‪ ،‬فاألش اعرة جربي ة يقول ون‪ :‬إن‬
‫العباد ليست هلم أفعال‪ ،‬بل هم جمبورون عليها‪ ،‬مث بعد ذلك يقولون‪ :‬هناك كسب‪ ،‬كيف‬
‫يتصور هذا أن يكون‪ ،‬ليس هلم أفعال‪ ،‬وهلم كسب؟ ال شك أن هذا غري متصور‪ ،‬فهذه‬
‫من املستحيالت الثالث‪ ،‬وهي‪ :‬كسب األشعري‪ ،‬وطفرة النظام وحُم اوالت أيب هاشم‪.‬‬
‫فالنظام حينما قيل له‪ :‬كيف يكون للنملة أن تنتقل من مكان إىل مكان‪ ،‬ومل تتحرك‪،‬‬
‫ق ال طف رت طف رة؟ فص ارت طف رة النظ ام من األش ياء املعقول ة‪ .‬واألش عري يق ول‪ :‬إن العب د‬
‫جمبور على فعله‪ ،‬مث يقول‪ :‬له كسب‪ ،‬فال شك أن الكسب غري معقول‪ ،‬وال قيمة له‪.‬‬

‫‪ - 6‬سورة الحجر آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة األحزاب آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة الزمر آية ‪.33 :‬‬

‫‪246‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وهنا تنبيه‪ :‬من أراد بالكسب ‪-‬كما قصده‪ -‬األشاعرة‪ ،‬فقوله غري صحيح‪ ،‬أما من أراد‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫بالكس ب أي‪ :‬كس ب العم ل‪ ،‬فه ذا ص حيح‪ ،‬ف إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يق ول‪:‬‬
‫‪ )1( ‬فاإلنس ان ل ه كس ب ول ه عم ل‪ .‬وأفع ال العب اد خل ق اهلل‪،‬‬ ‫‪   ‬‬

‫وكسب للعباد‪.‬‬
‫فمقصود املؤلف هبذه الرتمجة بيان حترمي اختاذ الند هلل‪ ،‬وأن من اختذ نًّدا مع اهلل يساويه‬
‫به يف اخللق‪ ،‬أو الفعل‪ ،‬أو االسم‪ ،‬أو الصفة‪ ،‬أو العبادة‪ ،‬فقد أشرك وحبط عمله‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أي الذنب أعظم عند اهلل؟"‬
‫‪ - 7520‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن أيب وائل‪ ،‬عن عمرو بن شرحبيل‪،‬‬
‫أي ال ذنب أعظم عن د اهلل؟ ق ال‪ :‬أن جتع ل هلل ن ًّدا وه و‬ ‫‪‬‬ ‫عن عب د اهلل ق ال‪  :‬س ألت الن يب‬
‫خلقك‪ ،‬قلت‪ :‬إن ذلك لعظيم‪ ،‬قلت‪ :‬مث أي؟ قال‪ :‬مث أن تقتل ولدك ختاف أن يطعم معك‪:‬‬
‫قلت‪ :‬مث أي؟ قال‪ :‬مث أن تزاين حبليلة جارك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث في ه أن أعظم ذنب يعص ى اهلل ب ه‪ ،‬ه و جع ل الن د م ع اهلل تب ارك وتع اىل؛‬
‫ألن من جعل نًّدا مع اهلل‪ ،‬فقد أشرك به وحبط عمله؛ ألن الشرك ال يغف ر إن مل يتب‬
‫منه‪ ،‬ومات عليه كما قال ‪-‬تعاىل‪( :-‬إن اهلل ال يغفر أن يشرك به‪ )...‬مث يلي هذا الذنب‬
‫قتل الولد خشية أن يطعم معه‪ ،‬وهذا من أعظم العقوق‪ ،‬فهو يقتل أقرب الناس إليه مع‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الني ة الس يئة‪ ،‬وهي خش ية أن يطعم مع ه م ع أن رزق ه على اهلل ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪ )2( ‬مث يلي ه ذا‬ ‫‪        ‬‬

‫الذنب أن يزاين حبليلة جاره‪ ،‬ملا فيه من خيانة اجلار‪.‬‬


‫باب‪" :‬قول اهلل‪َ :‬و َم ا ُك ْنُتْم َتْس َتِتُر وَن َأْن َيْش َه َد َعَلْيُك ْم َسْمُعُك ْم "‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.286 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.31 :‬‬

‫‪247‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬أترون أن اهلل يسمع ما نقول؟"‬


‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪ - 41‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪. ) 1( ‬‬
‫‪ - 7521‬حدثنا احلميدي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬حدثنا منصور‪ ،‬عن جماهد‪ ،‬عن أيب معم ر‪ ،‬عن‬
‫ق ال‪  :‬اجتم ع عن د ال بيت ثقفي ان وقرش ي‪ ،‬أو قرش يان وثقفي كث رية ش حم‬ ‫‪‬‬ ‫عب د اهلل‬
‫بطوهنم‪ ،‬قليلة فقه قلوهبم فقال أحدهم‪ :‬أترون أن اهلل يسمع ما نقول؟ قال اآلخر‪ :‬يسمع إن‬
‫جهرن ا‪ ،‬وال يس مع إن أخفين ا‪ ،‬وق ال اآلخ ر‪ :‬إن ك ان يس مع إذا جهرن ا‪ ،‬فإن ه يس مع إذا‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫أخفينا فأنـزل اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪ ‬اآلية‪.‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 1‬سورة فصلت آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة فصلت آية ‪.22 :‬‬

‫‪248‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫وأن ن وع كالم اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذه الرتمجة ك الرتاجم الس ابقة‪ ،‬فيه ا إثب ات أن الكالم ص فة هلل‬
‫ق دمي‪ ،‬وأف راده حادث ة‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يتكلم م ىت شاء مبا شاء إذا شاء؛ فلذلك ملا تكلم‬
‫‪‬‬ ‫ه ؤالء الثالث ة أنـزل ‪-‬س بحانه‪ -‬اآلي ة بع د كالمهم‪ ،‬ف أفراد كالم اهلل حادث ة ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬ون وع الكالم وأص له ق دمي؛ ألن اهلل ‪-‬‬ ‫‪      ‬‬

‫تع اىل‪ -‬يتكلم م ىت ش اء مبا ش اء إذا ش اء‪ ،‬وال يل زم من ذل ك من ك ون أف راد كالم اهلل‬
‫حادث ة‪ ،‬أن يك ون خملوًق ا ‪-‬تع اىل‪ -‬اهلل‪ ،‬عن ذل ك؛ ألن ح دث اهلل ال يش به ح دث املخل وق‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫لقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫كما سيأيت‪ ،‬واحلديث فيه إثبات السمع هلل‬
‫‪ )2( ‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مسع كالمهم‪ ،‬فأنـزل هذه اآلية‪.‬‬ ‫‪     ‬‬

‫باب قول اهلل‪ُ" :‬ك َّل َيْو ٍم ُه َو ِفي َش ْأٍن "‬


‫حديث‪" :‬إن اهلل يحدث من أمره ما يشاء"‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ) 3( ‬و‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ - 42‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ )4(    ‬وقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وأن حدثه ال يشبه حدث املخلوقني؛ لقوله ‪-‬تعاىل‪ -‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫إن اهلل حيدث من‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )6(     ‬وقال ابن مسعود‪ :‬عن النيب‬
‫أمره ما يشاء‪ ،‬وإن مما أحدث أن ال تكلموا يف الصالة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنبياء آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة فصلت آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الرحمن آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة األنبياء آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الطالق آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪249‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫قصد املؤلف هبذه الرتمجة أن يبني أن كالم اهلل صفة من صفاته وأن نوعه قدمي‪ ،‬وإن‬
‫‪ )1( ‬ومن ذلك أن اهلل‬ ‫‪      ‬‬ ‫كانت أفراده حادثة قال سبحانه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪-‬تعاىل‪ -‬يتكلم مبا شاء‪ ،‬وخيلق ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬ب الكالم‬
‫(‪ )2‬فيخلق ‪-‬سبحانه‪ -‬ويرزق‪ ،‬ويعايف‪ ،‬وميرض‪ ،‬ويعز‪ ،‬ويذل‪ ،‬ويشقي‪ ،‬ويسعد‪ ،‬فالرتمجة فيها‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وأنه حادث وحمدث مبعىن‪ ،‬جديد قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪‬‬ ‫إثبات الكالم هلل‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ )3( ‬يف س ورة األنبي اء‪ ،‬ويف س ورة الش عراء‬ ‫‪   ‬‬

‫(‪. ) 4‬‬ ‫‪     ‬‬

‫وحدث اهلل ليس كحدث املخلوق‪ ،‬فاملخلوق حدثه خملوق‪ ،‬وأفعاله خملوقة‪ ،‬أم ا اخلالق ‪-‬‬
‫سبحانه‪ -‬فحدثه صفة من صفاته‪ ،‬مبعىن أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬إذا تكلم فكالمه صفة من صفاته‪،‬‬
‫فه و يتكلم مبا ش اء م ىت ش اء إذا ش اء‪ ،‬وحيدث ‪-‬س بحانه‪ -‬من أم ره م ا يش اء‪ ،‬واس تدل‬
‫‪ )5( ‬على‬ ‫‪        ‬‬ ‫املؤلف بقوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫أن ح دث اهلل ليس كح دث املخل وق‪ ،‬وفي ه أن الق رآن حمدث أي‪ :‬أن ه ح ديث عه د برب ه‪،‬‬
‫فه و أح دث الكتب عه ًد ا باهلل ‪ .‬والعجيب أن كث ًريا من أه ل الب دع يقول ون يف قول ه ‪-‬‬
‫تع اىل‪ )6(          :-‬يقول ون‪ :‬ليس املقص ود‬
‫ه و احملدث‪ ،‬وبعض هم يق ول‪ :‬حمدث بالنس بة إىل الرس ول‬ ‫‪‬‬ ‫باحملدث هن ا كالم اهلل ب ل‬
‫وبالنسبة إلينا؛ ألنه ملا نـزل على الرسول صار حمدًثا له والينا‪ ،‬أما بالنسبة إىل الرب‪ ،‬فليس‬
‫مبح دث؛ ألن اهلل تكلم ب ه ق دًميا‪ ،‬وكالمهم ه ذا ق الوه ح ذًر ا ب زعمهم أن حيدث الكالم يف‬

‫‪ - 1‬سورة الرحمن آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الرحمن آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األنبياء آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الشعراء آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الشورى آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الشعراء آية ‪.5 :‬‬

‫‪250‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ذاته ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬ألنه يلزم من ذلك أن يكون خملوًق ا‪ ،‬واحملدث واملخلوق شيء واحد‪،‬‬
‫وهذا باطل‪ ،‬فكل كالم هؤالء فراًر ا من إثبات أن كالم اهلل يتعلق بقدرته ومشيئته‪.‬‬
‫والرتمجة فيها الرد على األشاعرة والكالبية الذين يقولون‪ :‬إن كالم اهلل معىن قائم بنفسه‪،‬‬
‫وأن ه ليس حبرف وال ص وت‪ ،‬وأن ه ال يتكلم إذا ش اء‪ .‬ويق ول األش اعرة ك ذلك‪ :‬إن الق رآن‬
‫نوًع ا واح ًد ا هو املعىن القائم بالنفس‪ ،‬لكن اليت ختتلف العبارات إن عرب عنه بالعربانية لغة‬
‫اليه ود‪ ،‬فه و الت وراة‪ ،‬وإن ع رب عن ه بالس ريانية لغ ة النص ارى‪ ،‬فه و اإلجني ل‪ ،‬وإن ع رب عن ه‬
‫بالعربي ة‪ ،‬فه و الق رآن‪ ،‬وإن ع رب عن ه بالداودي ة لغ ة داود‪ ،‬فه و الزب ور‪ ،‬أم ا الكالم فواح د‪،‬‬
‫لكن يوص ف بأوص اف ك اخلرب واألم ر والنهي واالس تفهام‪ ،‬فه ذه عن دهم أوص اف‪ ،‬وليس ت‬
‫أنواًع ا كم ا أن اإلنس ان يوص ف بأوص اف‪ ،‬ف أنت توص ف بأن ك أب بالنس بة ألبنائ ك‪ ،‬وعم‬
‫بالنسبة ألبناء أخيك‪ ،‬وخال بالنسبة ألبناء أخواتك‪ ،‬وأنت واحد لك هذه الصفات‪.‬‬
‫فك ذلك الق رآن يوص ف بأن ه أم ر أو هني‪ ...‬إخل وإال فه و واح د‪ ،‬وكون ه ت وراة وإجني ل‬
‫وقرآن هذا من اختالف العبارات وتنوعها‪.‬‬
‫وفيه الرد على الساملية الذين يقولون‪ :‬إن اهلل مل يزل‪ ،‬وال يزال يتكلم‪ ،‬فيقولون‪ :‬مل يزل‬
‫‪ )1( ‬ألهنم يقولون‪ :‬لو قلنا‪ :‬إن‬ ‫‪      ‬‬ ‫يف األزل يقول‪:‬‬
‫اهلل يتكلم بع د جميء اجملادل ة لل زم يف ذل ك احلدث يف ذات ه‪ ،‬فهم يقول ون كم ا يق ول أه ل‬
‫الس نة‪ :‬إن الكالم حبرف وص وت‪ ،‬لكن ال يقول ون‪ :‬إن الكالم يتعل ق بقدرت ه ومش يئته‪ ،‬ب ل‬
‫كالمه مستمر وال يتكلم إذا شاء‪ ،‬بل الكالم الزم لذاته‪ ،‬وإن كان حبرف وصوت‪ ،‬فالرب‬
‫عندهم منذ األزل يتكلم‪ ،‬وال تكون أفراده حادثه‪ ،‬بل هو مستمر‪ ،‬وقوهلم هذا ‪-‬ال شك‪-‬‬
‫أنه باطل‪.‬‬
‫وك ذلك الرتمجة فيه ا ال رد على الفالس فة ال ذين يقول ون‪ :‬إن كالم اهلل فيض ف اض من‬
‫العقل الفعال‪ ،‬وفيه الرد كذلك على الكَّر امية الذين يقولون‪ :‬ليس نوع كالم اهلل قدمي‪ ،‬بل‬

‫‪ - 1‬سورة المجادلة آية ‪.1 :‬‬

‫‪251‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫كان الكالم ممتنًعا على اهلل‪ ،‬مث انقلب فجأة ممكنا ويقولون‪ :‬الكالم له أول وبداية‪ ،‬وكالمهم‬
‫هذا باطل؛ ألن الصواب أن كالم اهلل نوعه قدمي وأفراده حادثة‪ .‬والبخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أطال‬
‫الرتاجم يف مسألة كالم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬الشتداد النـزاع فيها بني أهل السنة وغريهم من أهل‬
‫البدع؛ وألن فيها ما يقرب من مخسة عشر قوال يف بيان ما هو كالم اهلل‪.‬‬
‫قوله‪" :‬إن اهلل حيدث من أمره ما يش اء"‪ ...‬هذا دليل على أن كالم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أفراده‬
‫بلغه إىل األمة‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫حادثة‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أنـزل هذا وحًيا إىل نبيه‪ ،‬والنيب‬
‫فائدة‪:‬‬
‫كثري من الشراح تأولوا هذه املسألة وغريها بتأويالت باطلة‪ ،‬وهم من العلماء الكبار‪،‬‬
‫وإن ك ان قص دهم اخلري؛ ألهنم ظن وا أن ه ذا ه و تنـزيه ال رب تب ارك وتع اىل‪ ،‬وس بب ذل ك‬
‫أهنم مل يوفق وا إىل م ا ي بني هلم معتق د أه ل الس نة واجلماع ة يف س ن الطلب‪ ،‬فنش ئوا على‬
‫ه ذا‪ .‬وه ذا يفي د ط الب العلم احلذر مما وق ع في ه ه ؤالء العلم اء الكب ار‪ ،‬م ع ك ثرة علمهم‬
‫وعلو مكانتهم يف زماهنم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم"‬
‫‪ - 7522‬حدثنا علي بن عبد اهلل حدثنا حامت بن وردان حدثنا أيوب‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬ق ال‪ :‬كي ف تس ألون أه ل الكت اب‪ ،‬عن كتبهم‪ ،‬وعن دكم كت اب اهلل أق رب الكتب‬
‫عهًد ا باهلل تقرءونه حمًض ا مل يشب‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫الشاهد قوله‪( :‬اقرب الكتب عه ًد ا باهلل) أي‪ :‬القرآن‪ ،‬قوله‪( :‬تقرؤونه حمًض ا) أي‪ :‬خالًص ا‪ .‬قوله‪( :‬مل‬
‫يشب) أي‪ :‬مل حيصل فيه التغيري والتبديل‪ ،‬كما حصل يف التوراة واإلجنيل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أوال ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟"‬
‫‪ - 7523‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬أخربين عبيد اهلل بن عبد اهلل‪ ،‬أن عبد اهلل‬
‫بن عباس قال‪ :‬يا معشر املسلمني‪ ،‬كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء‪ ،‬وكتابكم الذي أنـزل اهلل على‬

‫‪252‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫نبيكم ‪ ‬أحدث األخبار باهلل حمًض ا مل يشب‪ ،‬وقد حدثكم اهلل أن أهل الكتاب‪ ،‬قد بدلوا‬
‫من كتب اهلل‪ ،‬وغ ريوا‪ ،‬فكتب وا بأي ديهم الكتب ق الوا‪ :‬ه و من عن د اهلل؛ ليش رتوا ب ذلك مثًن ا‬
‫قليال أوال ينه اكم م ا ج اءكم من العلم عن مس ألتهم؟ فال واهلل م ا رأين ا رجال منهم‬
‫يسألكم عن الذي أنـزل عليكم‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫الشاهد من احلديث قوله‪( :‬أحدث األخبار) واملعىن أن القرآن أحدث األخبار عه ًد ا باهلل‬
‫‪-‬تع اىل‪ -‬تكلم اهلل ب ه منجًم ا على حس ب احلوادث‪ ،‬فكلم ا ح دث ح ادث تكلم اهلل‪ .‬فلم ا‬
‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬وملا خرج النيب‬ ‫‪   ‬‬ ‫أنـزل اهلل قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫جاءت اجملادلة جتادل الرسول‬
‫‪. ) 2( ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫إىل غزوة بدر أنـزل اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ ))3( ‬يشري إىل‬ ‫‪         ‬‬ ‫قوله‪( :‬قالوا‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫‪            ‬‬
‫‪.)4( ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫باب قول اهلل‪" :‬ال ُتَح ِّر ْك ِبِه ِلَس اَنَك "‬
‫حديث‪" :‬أنا مع عبدي حيثما ذكرني "‬
‫حني ينـزل‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )5( ‬وفعل النيب‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪ - 43‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫قال اهلل ‪-‬تعاىل‪  -‬أنا مع عبدي‪ ،‬حيثما ذكرين‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫عليه الوحي وقال أبو هريرة‪ ،‬عن النيب‬
‫وحتركت يب شفتاه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.181 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية ‪.121 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.79 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة البقرة آية ‪.79 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة القيامة آية ‪.16 :‬‬

‫‪253‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫مقصود املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬من هذه الرتمجة لبيان أن أفعال العباد حسنها وسيئها تنسب‬
‫إليهم وتض اف إليهم فيث ابون على حس نها‪ ،‬ويع اقبون على س يئها وهي خملوق ة هلل ‪-‬تع اىل‪،-‬‬
‫وهي أكساب هلم؛ ألهنم باشروها باختيارهم‪ ،‬وإن كان اهلل خلقهم وخلق أفعاهلم كما قال‬
‫‪ )1( ‬لكنهم الكاس بون واملباش رون هلا‪،‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪-‬س بحانه‪:-‬‬
‫وال ذي يض اف إىل اهلل منه ا اخلل ق‪ ،‬وال ذي يض اف إىل العب اد املخل وق املنفص ل‪ ،‬فقول ه ‪-‬‬
‫‪ )2( ‬نسب التحريك إىل الرسول‬ ‫‪       ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫فأضاف‬ ‫‪‬‬ ‫ففعل الرسول فعل له وقوله‪  :‬أنا مع عبدي إذا ذكرين وحتركت يب شفتاه‬ ‫‪‬‬
‫فعل العبد‪ ،‬وهو الذكر وحتريك الشفتني إليه‪.‬‬
‫واحلديث فيه الرد على اجلربية الذين يقولون‪ :‬إن أفعال العبد هي أفعال اهلل‪ ،‬فهو املصلي‬
‫والصائم وأهنا تنسب إليهم على سبيل اجملاز؛ ألهنم جمبورون على أفعاهلم‪ ،‬فهم وعاء للفعال‬
‫فق ط ك الكوز ال ذي يص ب في ه املاء‪ ،‬واهلل كص باب املاء في ه‪ ،‬وأن حرك ات العب اد كله ا‬
‫اض طرارية كحرك ة املرتعش والن ائم ونبض الع روق‪ ،‬هك ذا يق ول اجلربي ة وزعيمهم اجلهم بن‬
‫ص فوان‪ ،‬فاجلهمي ة هم جربي ة‪ .‬ف املؤلف أراد ال رد عليهم‪ ،‬وبي ان أن األفع ال هي أفع ال العب اد‬
‫تنسب إليهم؛ ألهنم هم الذين باشروها باختيارهم‪.‬‬
‫أوال إذا قرأ جربيل حيرك شفتيه‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬وفعل النيب حني ينـزل عليه الوحي) كان النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫حىت يضبط القرآن فقال اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬له‪:‬‬
‫(‪ )4‬أي‪ :‬مجعه‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪ )3( ‬فقوله‬ ‫‪    ‬‬

‫(‪ )5‬أي‪ :‬ق رأه جربي ل‪ ،‬فك ان‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫يف ص درك‪( ،‬وقرآن ه) أي‪ :‬قراءت ه علي ك‬
‫بع د ذل ك ينص ت‪ ،‬ف إذا ف رغ جربي ل ق رأه وثبت ه اهلل يف ص دره قول ه‪( :‬أن ا م ع‬ ‫‪‬‬ ‫الن يب‬
‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القيامة آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة القيامة آية ‪.17-16 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة القيامة آية ‪.17 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة القيامة آية ‪.18 :‬‬

‫‪254‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫لفظه ومعناه‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فوق العرش‪ ،‬لكن‬ ‫‪‬‬ ‫عبدي‪ )...‬هذا حديث قدسي من قول اهلل‬
‫هذه املعية معية خاصة‪ ،‬تقتضي احلفظ والكالءة والتسديد والتوفيق‪ ،‬وهو مع املخلوقني مجيًع ا‬
‫بعلمه واطالعه وإحاطته ونفوذ قدرته ومشيئته‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬يب ش فتاه) أي‪ :‬حتركت بامسي ش فتاه‪ ،‬أي‪ :‬حتركت‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪  :‬وحتركت يب ش فتاه‬
‫شفتاه باسم اهلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فإذا انطلق جبريل قرأه النبي كما أقرأه"‬
‫‪ - 7524‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن موسى بن أيب عائشة‪ ،‬عن سعيد بن جبري‪،‬‬
‫يعاجل‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬قال‪  :‬كان النيب‬ ‫‪    ‬‬ ‫عن ابن عباس يف قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫من التنـزيل ش دة‪ ،‬وك ان حيرك ش فتيه‪ ،‬فق ال يل ابن عب اس‪ :‬فأن ا أحركهم ا ل ك كم ا ك ان‬
‫حيركهم ا‪ ،‬فق ال س عيد‪ :‬أن ا أحركهم ا كم ا ك ان ابن عب اس حيركهم ا‪ ،‬فح رك‬ ‫‪‬‬ ‫رس ول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫فتيه‪ ،‬فأنـزل اهلل‬ ‫ش‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫(‪ )2‬ق ال‪ :‬مجع ه يف ص درك مث تق رؤه‬ ‫‪   ‬‬

‫(‪ )3‬قال‪ :‬فاستمع له‪ ،‬وأنصت‪ ،‬مث إن علينا أن تقرأه‪ ،‬قال‪ :‬فكان‬ ‫‪   ‬‬

‫كما‬ ‫‪‬‬ ‫إذا أتاه جربيل ‪-‬عليه السالم‪ -‬استمع‪ ،‬فإذا انطلق جربيل قرأه النيب‬ ‫‪‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫أقرأه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫خيشى أن يضيع القرآن‪ ،‬فال يضبطه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫يعاجل من التنـزيل شدة) ألنه‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬كان النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫لكن اهلل وع ده أن جيمع ه يف ص دره‪ ،‬ويثبت ه يف قلب ه قول ه‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة القيامة آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القيامة آية ‪.17-16 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة القيامة آية ‪.18 :‬‬

‫‪255‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ )1( ‬أي‪ :‬مجعه يف صدرك وقراءته عليك‪ ،‬قوله‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أي‪ :‬قرأه جربيل‪ ،‬أضافه إليه؛ ألن جربيل نـزل بالوحي بأمر اهلل‪ ،‬فأضافه إليه‪.‬‬
‫واحلديث واض ح يف إض افة أفع ال العب اد إليهم فق ال‪( :‬ال حترك ب ه لس انك) فأض اف‬
‫وفيه دليل أن القراءة فعل القارئ‪ ،‬واملقروء كالم البارئ ‪-‬سبحانه‬ ‫‪‬‬ ‫التحريك إىل الرسول‬
‫مضافة إليه‪ ،‬واملقروء كالم اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫وتعاىل‪ ،-‬فالقراءة فعل الرسول‬

‫‪ - 1‬سورة القيامة آية ‪.17 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القيامة آية ‪.18 :‬‬

‫‪256‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب قول اهلل‪َ" :‬و َأِس ُّر وا َقْو َلُك ْم َأِو اْجَه ُر وا ِبِه"‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪ - 44‬باب قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪" )1( ‬يتخافتون"‪:‬‬ ‫‪          ‬‬

‫يتسارون‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذه الرتمجة فيه ا بي ان أن أفع ال العب اد منس وبة إليهم؛ ألن ه وص فها باإلس رار واجله ر‪،‬‬
‫‪ )2( ‬في ه‬ ‫‪     ‬‬ ‫ف القول واجله ر من أفع ال العب اد‪ ،‬مث ق ال‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وأن ه ذه األش ياء خملوق ة هلل‪ ،‬مث ق ال ‪-‬س بحانه‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫إثب ات العلم هلل‬
‫‪ )3( ‬فاإلسرار واجلهر من صفات العباد‪ ،‬ولكن أفعاهلم خملوقة‪ ،‬كما أهنم خملوقون هلل‬ ‫‪‬‬

‫وأعم اهلم تنس ب إليهم؛ وهلذا وص ف األق وال بالس ر واجله ر‪ .‬قول ه‪( :‬يتخ افتون‪ :‬يتس ارون) مث ل‬
‫الذي سبق أن اإلسرار منسوب للعباد‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن"‬
‫‪ - 7525‬حدثين عمرو بن زرارة‪ ،‬عن هشيم‪ ،‬أخربنا أبو بشر‪ ،‬عن سعيد بن جبري‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪ )4( ‬قال‪ :‬نـزلت‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫خمت ف مبك ة‪ ،‬فك ان إذا ص لى بأص حابه رف ع ص وته ب القرآن‪ ،‬ف إذا مسعه‬ ‫‪‬‬ ‫ورس ول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫املش ركون س بوا الق رآن‪ ،‬ومن أنـزله‪ ،‬ومن ج اء ب ه فق ال اهلل لنبي ه‬

‫‪ - 1‬سورة الملك آية ‪.14-13 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الملك آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الملك آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪257‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪ )1‬أي‪ :‬بقراءتك فيسمع املشركون‪ ،‬فيسبوا القرآن‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫(‪. ) 3‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫عن أصحابك‪ ،‬فال تسمعهم‬
‫الشرح‪:‬‬
‫منسوبة إليه‪ ،‬وهذه األوصاف أوصاف‬ ‫‪‬‬ ‫القراءة واإلسرار واجلهر كلها أفعال للرسول‬
‫ألفعال العباد‪ ،‬وليست أفعال اهلل‪ ،‬فدل على أن أفعال العباد أفعاال هلم منسوبة إليهم وفيه‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫الرد على اجلربية الذين يقولون‪ :‬إن أفعال العباد أفعال اهلل‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫‪ )4(  ‬أي‪ :‬وسًطا بني اإلسرار واجلهر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫حديث‪" :‬نـزلت هذه اآلية "َو ال َتْجَه ْر ِبَص الِتَك َو ال ُتَخ اِفْت ِبَه ا" في الدعاء"‬
‫‪ - 7526‬حدثنا عبيد بن إمساعيل‪ ،‬حدثنا أبو أسامة‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة ‪-‬رضي اهلل‬
‫(‪ )5‬يف الدعاء‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫عنها‪ -‬قالت‪ :‬نـزلت هذه اآلية‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا أحد األقوال يف نـزول هذه اآلية‪ ،‬أنه يف الدعاء وعدم رفع الصوت به وإخفاته‪،‬‬
‫ب ل ابتغ اء الوس ط يف ذل ك‪ ،‬والق ول الث اين أهنا نـزلت ‪-‬كم ا س بق‪ -‬يف احلديث ال ذي قب ل‬
‫ورف ع الص وت وإخفات ه‪ .‬وعلى كال الق ولني يف س بب‬ ‫‪‬‬ ‫ه ذا‪ ،‬أهنا نـزلت يف ق راءة الرس ول‬
‫‪‬‬ ‫نـزول اآلية‪ ،‬فوجه الداللة واضح منهما‪ ،‬وهو أنه نسب القراءة واجلهر واإلسرار للرسول‬
‫وهي أفعاله منسوبة إليه‪ ،‬فدل على أن أفعال العباد منسوبة إليهم وإن كانت خلًق ا هلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪-‬؛ ألن اهلل خلق العباد وخلق أفعاهلم‪ ،‬لكنها منسوبة إليهم؛ ألهنم باشروها‪ ،‬وكسبوها‪،‬‬
‫وفعلوها خمتارين‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ليس منا من لم يتغن بالقرآن"‬
‫‪ - 1‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪258‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ - 7527‬حدثنا إسحاق‪ ،‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬أخربنا ابن جريج‪ ،‬أخربنا ابن شهاب‪ ،‬عن أيب سلمة‪،‬‬
‫ليس منا من مل يتغن بالقرآن‪ ،‬وزاد غريه جيهر به ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬مل يتغن) التغين هو حتسني الصوت بالقراءة‪ ،‬والشاهد أنه أضاف التغين إليه‪ ،‬وهو‬
‫فعل العبد‪ ،‬فالعبد يكون حسن الصوت‪ ،‬ويكون غري حسن الصوت‪ ،‬والصوت صوته‪ ،‬وهو‬
‫فعله ينسب إليه وسبق أن سفيان فسر قوله‪( :‬يتغىن بالقرآن) أي‪ :‬يستغين به من الغناء‪ ،‬وهذا‬
‫قول ضعيف والصواب أن معىن (يتغىن) أي حيسن صوته بالقراءة‪.‬‬
‫باب‪ :‬قول النبي‪ :‬رجل آتاه اهلل القرآن‬
‫‪ - 45‬باب قول النيب ‪  ‬رجل آتاه اهلل القرآن‪ ،‬فهو يقوم به آناء الليل‪ ،‬وآناء النهار‪،‬‬
‫ورجل يقول‪ :‬لو أوتيت مثل ما أويت هذا فعلت‪ ،‬كما يفعل ‪ ‬فبني أن قيامه بالكتاب هو‬
‫فعله وقال‪        :‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪   ‬وقال‪- :‬جل ذكره‪      :-‬‬
‫‪.)2(  ‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املقص ود هبذه الرتمجة بي ان أن أق وال وأفع ال اإلنس ان منس وبة إلي ه ومن ذل ك تالوت ه‬
‫للقرآن‪ ،‬فهو فعل لإلنسان؛ لذلك قال‪( :‬رجل آتاه اهلل القرآن) والبخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وجه‬
‫الدالل ة فق ال‪( :‬ف بني أن قيام ه بالكت اب ه و فعل ه) أي‪ :‬أن قيام ه ب ه ه و عمل ه منس وب إلي ه‪،‬‬
‫فالذي يقوم بالقرآن‪ ،‬ويعمل به‪ ،‬ويتلوه فتالوته وقيامه عمل له منسوب إليه‪ ،‬واملتلو هو‬
‫غري خملوق‪ ،‬وإتيان هذه الرتمجة بعد الرتمجة السابقة‪ ،‬فيها تعميم بعد ختصيص؛‬ ‫‪‬‬ ‫كالم اهلل‬
‫‪ )3( ‬وهي‬ ‫‪      ‬‬ ‫ألن الرتمجة الس ابقة‪ ،‬وهي قول ه‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الروم آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحج آية ‪.77 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الملك آية ‪.13 :‬‬

‫‪259‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يف أقوال اإلنسان‪ ،‬وهذه الرتمجة عامة يف األقوال واألفعال‪ ،‬وكلها منسوبة إىل العبد‪ ،‬وفيه‬
‫كم ا ذكرن ا رد على اجلربي ة ال ذين يقول ون‪ :‬إن األفع ال أفع ال اهلل‪ ،‬فه و املص لي والص ائم‬
‫والق ائم‪ ،‬والن اس وع اء هلذه األفع ال جمب ورون عليه ا‪ ،‬وه ذا ‪-‬كم ا ذكرن ا‪ -‬باط ل من أوج ه‬
‫كث رية‪ .‬قول ه‪( :‬فعلت كم ا يفع ل)‪ :‬فنس ب الفع ل إلي ه‪ ،‬ونس ب الفع ل إىل األول‪ .‬وج اء يف‬
‫احلديث اآلخر أهنما يف األجر سواء‪ ،‬بسبب التمين الذي متناه‪.‬‬
‫‪ )1( ‬ه ذا ه و الش اهد من اآلي ة‪ ،‬فنس ب اختالف‬ ‫‪  ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫األلس ن إليهم‪ ،‬وه ذا يش مل الكالم كل ه‪ ،‬ومن ذل ك تالوة الق رآن‪ ،‬ف اختالف كالم الن اس‬
‫منسوب إليهم‪ ،‬أما املتلو وهو القرآن فهو كالم اهلل‪. ،‬‬
‫قول ه‪( :‬وافعل وا اخلري‪ )...‬وج ه الدالل ة منه ا أن من فع ل اخلري تالوة الق رآن‪ ،‬فهي عم ل‬
‫اإلنسان يفعله‪ ،‬ويثاب عليه‪ ،‬أما املتلو فهو كالم اهلل‪.‬‬
‫وهذا يدل على دقة فهم البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف استنباطاته‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال تحاسد إال في اثنتين"‬
‫‪ - 7528‬حدثنا قتيبة‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن أيب صاحل‪ ،‬عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال حتاسد إال يف اثنتني‪ :‬رجل آتاه اهلل القرآن‪ ،‬فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫فه و يق ول‪ :‬ل و أوتيت مث ل م ا أويت ه ذا‪ ،‬لفعلت كم ا يفع ل‪ ،‬ورج ل آت اه اهلل م اال‪ ،‬فه و‬
‫ينفقه يف حقه‪ ،‬فيقول‪ :‬لو أوتيت مثل ما أويت عملت فيه مثل ما يعمل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫فيه أنه ال حتاسد إال يف اثنتني‪ ،‬واملراد بالتحاسد هنا الغبطة‪ ،‬وهو أن يتمىن أن يكون‬
‫ل ه مث ل م ا ألخي ه من غ ري متين زواهلا عن ه‪ .‬ف إن متىن زواهلا‪ ،‬فه و حس د م ذموم يأك ل‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫احلس نات كم ا تأك ل الن ار احلطب‪ ،‬وه و حمرم؛ ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الروم آية ‪.22 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفلق آية ‪.5 :‬‬

‫‪260‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ومع ىن احلديث أن األول‪ :‬فرج ل يعم ل ب القرآن‪ ،‬ويف اللف ظ اآلخ ر‪( :‬رج ل آت اه اهلل‬
‫احلكمة‪ ،‬فهو يقضي هبا ويعلمها)‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬رجل ينفق أمواله يف سبل اخلريات‪ ،‬فهؤالء يغبطون‪ ،‬فيأيت رجل فيقول‪ :‬لو أن‬
‫يل مثل هذا لفعلت كما فعل‪ ،‬فهما يف األجر سواء هذا بعمله‪ ،‬وهذا بنيته‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬لفعلت كما يفعل) فنسب الفعل إليه‪ ،‬فالذي آتاه اهلل القرآن‪ ،‬يقوم به‬
‫آن اء اللي ل والنه ار‪ ،‬ه ذا عم ل‪ ،‬ومن القي ام ب ه تالوت ه‪ ،‬ف التالوة فع ل الق ارئ‪ ،‬أم ا املق روء‬
‫فكالم البارئ‪ ،‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال حسد إال في اثنتين"‬
‫‪ - 7529‬ح دثنا علي بن عب د اهلل‪ ،‬ح دثنا س فيان‪ ،‬ق ال الزه ري‪ :‬عن س امل‪ ،‬عن أبي ه‪ ،‬عن الن يب ‪‬‬
‫ق ال‪  :‬ال حس د إال يف اثن تني‪ :‬رج ل آت اه اهلل الق رآن‪ ،‬فه و يتل وه آن اء اللي ل‪ ،‬وآن اء النه ار‪،‬‬
‫مسعت س فيان م راًر ا مل أمسعه‬ ‫‪‬‬ ‫ورج ل آت اه اهلل م اال‪ ،‬فه و ينفق ه آن اء اللي ل وآن اء النه ار‬
‫يذكر اخلرب‪ ،‬وهو من صحيح حديثه‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬ال حسد إال يف اثنتني) املعىن أنه ال حسد جائز أو مباح إال يف اثنتني‪ ،‬واحلسد‬
‫هنا ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬املراد به الغبطة‪ ،‬فهذا الذي يغبط عليه املرء يف احلقيقة‪ ،‬أما من آتاه اهلل‬
‫العلم‪ ،‬ومل يعم ل ب ه‪ ،‬فه ذا ال يغب ط‪ ،‬أو إنس ان آت اه اهلل م اال جيمع ه من حالل وح رام‪،‬‬
‫ويتخبط به‪ ،‬فهذا ال يغبط يف احلقيقة‪ ،‬قوله‪( :‬فهو يتلوه‪ )...‬املراد بالتالوة هنا أي‪ :‬العمل به‪،‬‬
‫ومن العمل التالوة؛ ألن التالوة نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬تالوة حروفه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ - 2‬العم ل ب ه‪ :‬يس مى تالوة‪ ،‬ومن ه قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬يعمل ون ب ه‪ .‬ومن ه م ا ج اء يف احلديث يف قص ة الرج ل‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.121 :‬‬

‫‪261‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الذي يضرب يف قربه حينما يسأل‪ :‬من ربك ما دينك من نبيك‪ ،‬فيقول‪ :‬ها ها ال أدري‪،‬‬
‫فيض رب مبرزب ة من جدي د‪ ،‬فيق ال ل ه‪ :‬ال دريت وال تليت ال دريت‪ :‬أي‪ :‬مل تعم ل بنفس ك‪،‬‬
‫وال تليت‪ :‬أي‪ :‬وال تبعت من يعمل به‪ ،‬فعملت مثل عمله‪ ،‬فاملراد بالتالوة هنا العمل به‪.‬‬
‫ومعىن احلديث ‪-‬كما سبق يف احلديث الذي قبله‪ -‬أن األول رجل آتاه اهلل القرآن‪ ،‬فهو‬
‫يعمل به ومن ذلك تالوته‪ ،‬فعمله منسوب إليه‪ ،‬ويف احلديث اآلخر‪ :‬رجل آتاه اهلل احلكمة‪،‬‬
‫فه و يقض ي هبا ويعلمه ا واحلكم ة هي العلم الن افع املأخوذ من الق رآن والس نة‪ ،‬ومن العم ل‬
‫ب القرآن العم ل بالس نة؛ ألن الس نة موض حة للق رآن وش ارحة ل ه وتابع ة ل ه‪ ،‬فال ذي آت اه اهلل‬
‫القرآن يقرؤه آناء الليل وآناء النهار‪ ،‬هو الذي يعمل بالكتاب والسنة‪ ،‬والثاين من أعطاه‬
‫اهلل ماال ينفقه يف سبل اخلريات كما سبق‪.‬‬
‫والش اهد بي ان أن ه ذه أعم اهلم نس بت إليهم‪ ،‬ف األول نس ب إلي ه القي ام ب القرآن‪،‬والث اين‬
‫نس بت إلي ه النفق ة يف س بل اخلري‪ ،‬فهي فع ل ل ه‪ ،‬ف دل على أن أفع ال العب اد منس وبة إليهم‬
‫ويثابون على حسنها‪ ،‬ويعاقبون على سيئها‪ ،‬ال كما تقوله اجلربية الذين يقولون‪ :‬إن العبد ال‬
‫فعل له‪ ،‬وأفعاله أفعال اهلل‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫اجلربية هم الذين يقولون‪ :‬إن اإلنسان جمبور على أعماله‪ ،‬وغالة الصوفية الذين يقولون‪:‬‬
‫بوحدة الوجود‪ .‬أول األمر كانوا جربية ينكرون أفعال العبد‪ ،‬وجيعلوهنا أفعاال هلل‪ ،‬مث ينكرون‬
‫العبد‪ ،‬ويقولون‪ :‬ليس هناك عبد وال رب‪ ،‬فالعبد هو الرب‪ ،‬والرب هو العبد‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫اشتهر عن اإلمام أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أنه قال‪( :‬من قال لفظي القرآن خملوق‪ ،‬فهو جهمي‪،‬‬
‫ومن قال‪ :‬غري خملوق فهو مبتدع) فسد الباب من اجلهتني؛ ألن اللفظ قد يراد به امللفوظ‬
‫عند بعض الناس‪ ،‬فيكون معىن قوله‪( :‬لفظي بالقرآن خملوق) أي‪ :‬ملفوظه‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬ومن‬
‫قال‪( :‬غري خملوق) ألن امللفوظ قد يراد به اللفظ أيًض ا‪ ،‬فسد ‪-‬رمحه اهلل الباب‪ -‬من اجلهتني‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب قول اهلل‪َ" :‬يا َأُّيَه ا الَّر ُس وُل َبِّلْغ َما ُأْنِز َل ِإَلْيَك "‬
‫حديث‪" :‬بعث النبي خاله حراما إلى قومه"‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪ - 46‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬وقال الزهري‪ :‬من اهلل الرسالة‪ ،‬وعلى‬ ‫‪       ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬البالغ‪ ،‬وعلينا التسليم وقال اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )3( ‬وقال كعب بن‬ ‫وقال تعاىل‪    :‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫مالك‪ ،‬حني ختلف عن النيب‬


‫‪      ‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪‬‬ ‫وقالت عائشة إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل‪    :‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫‪‬‬ ‫وال يستخفنك أحد‪ ،‬وقال معمر‪   :‬‬ ‫‪   ‬‬
‫(‪) 7‬‬ ‫(‪) 6‬‬
‫بيان وداللة كقوله ‪-‬تعاىل‪  -‬‬ ‫َه َذ ا اْلُق ْر آُن ‪    ‬‬
‫(‪)10‬‬ ‫(‪) 9‬‬ ‫(‪) 8‬‬
‫ال شك ‪   ‬‬ ‫‪    ‬هذا حكم اهلل ‪    ‬‬
‫(‪)11‬‬
‫يعين‪ :‬هذه أعالم القرآن ومثله ‪        ‬‬

‫يعين‪ :‬بكم‪ ،‬وقال أنس‪  :‬بعث النيب ‪ ‬خاله حراما إىل قومه‪ ،‬وقال‪ :‬أتؤمنوين أبلغ رسالة‬
‫رسول اهلل‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم؟ فجعل حيدثهم ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الجن آية ‪.28 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األعراف آية ‪.62 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة التوبة آية ‪.105 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة التوبة آية ‪.105 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة الممتحنة آية ‪.10 :‬‬

‫‪ - 9‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 10‬سورة البقرة آية ‪.252 :‬‬

‫‪ - 11‬سورة يونس آية ‪.22 :‬‬

‫‪263‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫املراد هبذه الرتمجة بي ان أن أفع ال العب اد تنس ب إليهم ألن التبلي غ فعل ه بنفس ه‪ ،‬واملراد‬
‫بالتبليغ‪ :‬أن يبلغ كالم الغري‪ ،‬فاملبلغ شخص يبلغ كالم الغري عن الغري‪.‬‬
‫فالرسول ‪ ‬مبلغ عن اهلل‪ ،‬وليس مبتدًئا للكالم‪ ،‬وال منش ًئا له‪ ،‬بل الذي أنشأ الكالم هو اهلل ‪ ‬فاهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬تكلم بالقرآن‪ ،‬والرسول ‪ ‬بلغه‪ ،‬وتبليغ القرآن فعل الرسول ‪ ‬منسوب إليه من مجلة أفعاله اليت‬
‫‪ ‬وهلذا فإن اإلنسان إذا قرأ كالم الغري‪ ،‬فيكون مبلًغا وال يكون مبتدًئا له‪ ،‬فلو قرأت مثال قصيدة امرئ القيس‪:‬‬ ‫هي خملوقه هلل‪ ،‬والكالم هلل‬
‫‪ .....................‬إلخ‬ ‫قفا نبك ذكرى حبيب ومنـزل‬

‫مبلغ عن‬ ‫فإنك تقول‪ :‬الكالم ليس يل بل المرئ القيس‪ ،‬وإمنا أنا مبلغ‪ .‬فدل على أن رسول اهلل ‪‬‬
‫‪‬‬ ‫اهلل‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هو املتكلم بالقرآن‪ ،‬فالقرآن كالم اهلل غري خملوق‪ ،‬وأما فعل الرسول‬
‫وتبليغه فهي أفعال له منسوبة إليه‪ .‬قوله‪( :‬قال الزهري‪ :‬من اهلل تعاىل الرسالة‪ ،‬ومن الرسول‬
‫البالغ‪ ،‬وعلين ا التس ليم) ه ذا كالم عظيم من اإلم ام الزه ري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه و‬
‫وحنن علين ا‬ ‫‪‬‬ ‫ه و املبل غ عن اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫والرس ول‬ ‫‪‬‬ ‫ال ذي أنـزل الكت اب‪ ،‬وأرس ل الرس ول‬
‫التسليم واالنقياد والطاعة‪.‬‬
‫ألن ه مبل غ عن اهلل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫والش اهد قول ه (وعلى الرس ول البالغ) ف البالغ فع ل الرس ول‬
‫والكالم كالم اهلل ‪.‬‬
‫وتبليغهم فعل‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬قد أبلغوا رساالت رهبم) فالرسل عليهم البالغ‪ ،‬واملبلغ كالم اهلل‬
‫من أفعاهلم ينسب إليهم‪.‬‬
‫‪ )1( ‬جاء هذا عن نوح وعن هود‪ ،‬فنوح وهود‬ ‫‪   ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫مبلغان عن اهلل‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هو املتكلم‪ ،‬وتبليغهم فعل من أفعاهلم‪ .‬قوله‪:‬‬
‫‪ )2( ‬نسب العمل إليهم‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.62 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التوبة آية ‪.94 :‬‬

‫‪264‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫قول ه‪( :‬ق الت عائش ة‪ :‬إذا أعجب ك عم ل ام رئ‪ ،‬فق ل‬
‫الش اهد أهنا ‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪ -‬نس بت العم ل إلي ه‪ ،‬فاألعم ال أعم ال العب اد منس وبة إليهم‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وليست أفع اال هلل‪ ،‬وإن ك ان اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خلق العب اد‪ ،‬وخلق أفع اهلم كما قال س بحانه‪:‬‬
‫‪ )2( ‬فالعب اد باش روا أعم اهلم باختي ارهم يع اقبون على‬ ‫‪    ‬‬

‫سيئها‪ ،‬ويثابون على حسنها‪ ،‬قال العيين‪( :‬معىن كالمها أي‪ :‬ال تغرت بعمل أحد‪ ،‬فتزكيه حىت‬
‫تراه واقًف ا على حدود الشريعة)‪.‬‬
‫‪ )3( ‬ه ذا الق رآن) املراد مبعم ر ه و ابن املث ىن‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬ق ال معم ر‪  :‬‬

‫‪‬‬ ‫(‪ )4‬ه و (ه ذا الق رآن) وتفس ري‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫اللغ وي املش هور‪ ،‬واملع ىن أن تفس ري‬
‫(‪ )5‬أن ه (بي ان ودالل ة) ومها ن وع من التبلي غ‪ ،‬والبي ان والدالل ة يك ون‬ ‫‪   ‬‬

‫فيكون‬ ‫‪‬‬ ‫هو رسولنا‬ ‫‪‬‬ ‫فالقرآن فيه بيان وداللة‪ ،‬لكن الذي بلغه عن اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫من الرسول‬
‫تبيينه عمل له‪.‬‬
‫‪( )6( ‬ذا) إش ارة إىل البعي د وأراد هبا اإلش ارة إىل الق ريب‬ ‫‪  ‬‬ ‫وقول ه‪:‬‬
‫‪ )7( ‬أي‪( :‬هذا حكم اهلل) فاستعمال‬ ‫‪    ‬‬ ‫(هذا) أي‪ :‬هذا الكتاب‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪ )8( ‬هذا فيه إثبات الضمري‬ ‫‪  ‬‬ ‫اإلشارة اليت هي للبعيد مبعىن القريب قوله‪:‬‬
‫ف املعىن‪ :‬وج رين بكم‪ ،‬لكن ن اب ض مري الغيب ة عن ض مري املخ اطني‪ ،‬أي‪ :‬ن اب الض مري ال ذي‬
‫للبعيد عن الضمري الذي للقريب‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة التوبة آية ‪.105 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة البقرة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة الممتحنة آية ‪.10 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة يونس آية ‪.22 :‬‬

‫‪265‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ملا‬ ‫‪‬‬ ‫خال ه ِح رام ا‪ )...‬القص ة معروف ة‪ ،‬وهي أن الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫قول ه‪( :‬وق ال أنس‪ :‬وبعث الن يب‬
‫بعث حراما خال أنس‪ ،‬ومعه مجاعة إىل قوم من العرب‪ ،‬يبلغوهنم رساالت اهلل‪ ،‬فقال حرام‬
‫ألصحابه‪ :‬سأتقدم عليكم فإن أصابين شيء سلمتم‪ ،‬فلما ذهب إليهم قال هلم‪ :‬أتؤمنوين أبلغ‬
‫يتح دث‪ ،‬فأش اروا إىل واح د‬ ‫‪‬‬ ‫رس الة الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم؟ ق الوا‪ :‬نعم‪ ،‬فجع ل‬
‫منهم فطعنه من خلفه‪ ،‬فلما نفذت فيه قال‪ :‬فزت ورب الكعبة‪ ،‬فقتل شهيًد ا‪. ،‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬أتؤمنوين‪ ،‬أبلغ رسالة رسول اهلل؟) فالتبليغ فعله هو منسوب إليه‪ ،‬واملبلغ‬
‫والكالم ليس له‪ ،‬بل بالغ الرسول وكالمه‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬من قتل منا صار إلى الجنة"‬
‫‪ - 7530‬ح دثنا الفض ل بن يعق وب‪ ،‬ح دثنا عب د اهلل بن جعف ر ال رقي‪ ،‬ح دثنا املعتم ر بن س ليمان‪،‬‬
‫ح دثنا س عيد بن عبي د اهلل الثقفي‪ ،‬ح دثنا بك ر بن عب د اهلل املزين وزي اد بن جب ري بن حي ة‪ ،‬عن جب ري بن‬
‫عن رسالة ربنا أنه‪  :‬من قتل منا صار إىل اجلنة ‪.‬‬ ‫حية‪ ،‬قال املغرية‪ :‬أخربنا نبينا ‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا في ه أن املؤمن الش هيد إذا م ات أن ه من أه ل اجلن ة وال ش ك يف ذل ك‪ ،‬والش اهد‬
‫والتبليغ فعله‬ ‫‪‬‬ ‫عن رسالة ربنا) فالرسالة من اهلل‪ ،‬والتبليغ من الرسول‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬أخربنا نبينا‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬منسوب إليه‪ ،‬واهلل تعاىل هو املتكلم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬من حدثك أن النبي كتم شيًئا من الوحي فال تصدقه"‬
‫‪ - 7531‬ح دثنا حمم د بن يوس ف‪ ،‬ح دثنا س فيان‪ ،‬عن إمساعيل‪ ،‬عن الش عيب‪ ،‬عن مس روق‪ ،‬عن‬
‫عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪ :‬من حدثك أن حمم ًد ا ‪ ‬كتم شيًئا‪ ،‬وقال حممد‪ :‬حدثنا أبو عامر‬
‫العق دي‪ ،‬ح دثنا ش عبة‪ ،‬عن إمساعيل بن أيب خال د‪ ،‬عن الش عيب‪ ،‬عن مس روق عن عائش ة‬
‫‪‬‬ ‫كتم ش يًئا من ال وحي‪ ،‬فال تص دقه إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يق ول‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ق الت‪ :‬من ح دثك أن الن يب‬

‫‪266‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪              ‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫يف حجة الوداع‬ ‫‪‬‬ ‫بلغ رسالة ربه؛ وهلذا ملا خطب الناس‬ ‫‪‬‬ ‫معىن احلديث‪ :‬أن الرسول‬
‫ي وم عرفة ق ال‪  :‬أال ه ل بلغت؟ ق الوا‪ :‬نعم‪ ،‬فرف ع إص بعه إىل الس ماء مث ينكبه ا إىل الن اس‪،‬‬
‫بل غ الرس الة‬ ‫‪‬‬ ‫فالرس ول‬ ‫‪‬‬ ‫يستش هد اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬عليهم‪ ،‬وق ال‪ :‬اللهم فاش هد‪ ،‬اللهم فاش هد‬
‫وأدى األمان ة‪ ،‬ونص ح األم ة‪ ،‬وجاه د يف اهلل ح ق جه اده‪ .‬وحنن نش هد ل ه ب البالغ ‪-‬علي ه‬
‫الص الة والس الم‪ -‬فج زاه اهلل عن أم ة اإلس الم خ ري م ا ج زى ن يب عن أمت ه‪ ،‬وص لى ‪-‬علي ه‬
‫سبحانه وتعاىل‪ -‬يف املأل األعلى‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫والشاهد قول عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬إن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يقول‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪              ‬‬

‫فالرس ول مبل غ عن اهلل‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه و املتكلم‪ ،‬ف الكالم كالم اهلل منـزل غ ري خمل وق‪،‬‬
‫بنفسه‪ ،‬و أفعال العباد خملوقة ومن ذلك‪ :‬تبليغهم وكالمهم وقراءهتم‬ ‫‪‬‬ ‫والتبليغ فعل الرسول‬
‫وأعماهلم وصلواهتم وإنفاقهم وجهادهم‪ ،‬كل هذه أعمال هلم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك"‬
‫‪ - 7532‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا جرير عن األعمش‪ ،‬عن أيب وائل‪ ،‬عن عمرو بن شرحبيل‬
‫قال‪ :‬قال عبد اهلل‪ :‬قال رجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أي الذنب أكرب عند اهلل؟ قال‪  :‬أن تدعو هلل نًّدا وهو‬
‫خلق ك‪ ،‬ق ال‪ :‬مث أي؟ ق ال‪ :‬مث أن تقت ل ول دك خماف ة أن يطعم مع ك‪ ،‬ق ال‪ :‬مث أي؟ ق ال‪ :‬أن‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫فأنـزل اهلل تصديقها‬ ‫‪‬‬ ‫تزاين حليلة جارك‬

‫‪ - 1‬سورة المائدة آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المائدة آية ‪.67 :‬‬

‫‪267‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪            ‬‬
‫(‪ )1‬اآلية‪.‬‬ ‫‪       ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه بيان أعظم الذنوب‪ ،‬ومما يلي يف التدريج‪ ،‬وأن أعظم الذنوب هو الشرك باهلل‬
‫وهو أن جيعل هلل نًّدا يف العبادة واأللوهية‪ ،‬فيعبده مع اهلل يدعوه‪ ،‬أو يذبح له‪ ،‬أو ينذر‬ ‫‪‬‬
‫له‪ ،‬أو حيبه كمحبة اهلل‪ ،‬أو خيافه خوف السر كخوف اهلل‪ ،‬أو يرجوه‪ ،‬أو جيعل مع اهلل‬
‫نًّدا يف الربوبية كأن يعتقد أنه خيلق‪ ،‬أو يرزق مع اهلل‪ ،‬أو حييي‪ ،‬أو مييت‪ ،‬أو يدبر األمر‪،‬‬
‫أو جيع ل هلل ن ًّدا يف أمسائه وص فاته‪ ،‬أو جيع ل هلل ن ًّدا يف أفعال ه ب أن يعتق د أن هن اك أح ًد ا‬
‫يفعل كفعل اهلل‪.‬‬
‫وقد يكون التنديد تندي ًد ا أصغر‪ ،‬كاحللف بغري اهلل وقول ما شاء اهلل وشئت‪ .‬قوله‪( :‬أن‬
‫تقت ل ول دك خماف ة أن يطعم مع ك) ه ذا من أعظم ال ذنوب؛ ألن ه ارتكب جرميتني‪ ،‬اجلرمية‬
‫األوىل القتل‪ ،‬واجلرمية الثانية العقوق وقطيعة الرحم؛ ألن ولده من أقرب الناس إليه‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫(أن ت زاين حليل ة ج ارك) ه ذا ذنب عظيم؛ ألن اإلنس ان م أمور حبس ن ج واره وك ف األذى‬
‫عن ه‪ ،‬فكون ه ي زين بامرأت ه ه ذا من أعظم ال ذنوب؛ ألن ه من اخليان ة للج ار‪ ،‬وق د ج اء يف‬
‫احلديث اآلخ ر‪ :‬ألن ي زين اإلنس ان بعش ر نس وة أيس ر عن د اهلل‪ ،‬من أن ي زين حبليل ة ج اره‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫فأنـزل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬تصديق ما سبق‪:‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪         ‬‬

‫والشاهد قوله‪( :‬نًّدا هلل وهو خلقك‪ )...‬إخل‪ .‬فأضاف أفعال العباد إليهم‪ ،‬فالند فعله‪ ،‬وقتل‬
‫النفس فعله‪ ،‬والزنا فعله‪ ،‬فهي منسوبة إىل فعل العبد‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪ُ" :‬قْل َفْأُتوا ِبالَّتْو َر اِة َفاْتُلوَه ا"‬

‫‪ - 1‬سورة الفرقان آية ‪.69-68 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفرقان آية ‪.68 :‬‬

‫‪268‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫حديث‪" :‬أخبرني بأرجى عمل عملته في اإلسالم"‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 47‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪ )1(       :-‬وقول النيب‬
‫أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا هبا‪ ،‬وأعطي أهل اإلجنيل اإلجنيل فعملوا به‪ ،‬وأعطيتم‬
‫القرآن فعملتم به ‪ ‬وقال أبو َر ِز ين ‪ )2(     ‬يتبعونه‪ ،‬ويعملون‬
‫به حق عمله يقال (يتلى) يقرأ حسن التالوة‪ ،‬حسن القراءة للقرآن (ال ميسه) ال جيد طعمه‬
‫ونفعه إال من آمن بالقرآن‪ ،‬وال حيمله حبقه إال املوقن لقوله ‪-‬تعاىل‪   :-‬‬
‫‪           ‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪            ‬‬

‫اإلسالم واإلميان والصالة عمال‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫ومسى النيب‬


‫لبالل‪  :‬أخ ربين ب أرجى عم ل عملت ه يف اإلس الم‪ ،‬ق ال‪ :‬م ا‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال أب و هري رة‪ :‬ق ال الن يب‬
‫ق ال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫وس ئل أي العم ل أفض ل؟‬ ‫‪‬‬ ‫عملت عمال أرجى عن دي‪ ،‬أين مل أتطه ر إال ص ليت‬
‫إميان باهلل ورسوله‪ ،‬مث اجلهاد‪ ،‬مث حج مربور ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املقصود من هذه الرتمجة بيان أن تالوة القرآن على قسمني‪:‬‬
‫‪ - 1‬تالوة لفظية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ - 2‬تالوة حكمي ة‪ :‬واملقص ود هبا العم ل ب ه‪ ،‬ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )4( ‬أي‪ :‬يعملون به حق عمله‪ .‬وليس املراد هنا التالوة‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ )5( ‬ف دل على أن املراد‬ ‫‪    ‬‬ ‫اللفظي ة؛ ألن ه ق ال بع د ذل ك‪:‬‬
‫العمل به‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.121 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الجمعة آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة البقرة آية ‪.121 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة البقرة آية ‪.121 :‬‬

‫‪269‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫وكال القس مني من التالوة منس وب إىل اإلنس ان‪ ،‬فه و عمل ه؛ ل ذلك ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬اقرءوه ا‪ ،‬فه ذا عملهم نس به إليهم‪ .‬وس بب‬ ‫‪   ‬‬

‫نـزول هذه اآلية أن اليهود ادعوا أن اهلل حرم عليهم حلوم اإلبل‪ ،‬فأكذهبم اهلل فأنـزل قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪            ‬‬

‫‪.)2( ‬‬ ‫‪         ‬‬

‫(أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا هبا‪ ،‬وأعطي أهل اإلجنيل اإلجنيل فعملوا‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪ :‬قال‬
‫به‪ ،‬وأعطيتم القرآن فعملتم به) فأضاف العمل إليهم‪ ،‬فدل على أن األعمال تنسب إىل العبد‬
‫خريها وشرها‪ ،‬ويثاب على حسنها ويعاقب على سيئها‪ ،‬وفيه الرد على اجلربية القائلني‪ :‬إن‬
‫األفع ال أفع ال اهلل‪ ،‬فاهلل ه و املص لي والص ائم‪ ،‬وإمنا تنس ب إىل العب د على س بيل اجملاز أم ا‬
‫العبد فال فعل له‪ ،‬وفيه كذلك الرد على املعتزلة القائلني‪ :‬إن القرآن خملوق‪ ،‬فلم يفرقوا بني‬
‫القراءة وبني املقروء‪.‬‬
‫فالقراءة فعل القارئ‪ ،‬واملقروء كالم البارئ‪.‬‬
‫‪ )3( ‬يعمل ون ب ه‪ )...‬ففس ر التالوة‬ ‫‪   ‬‬ ‫قول ه‪( :‬ق ال أب و َر ِز ين‪:‬‬
‫بالعم ل‪ ،‬ف القراءة تفس ر بالعم ل ب ه‪ ،‬وهي الق راءة احلكمي ة‪ ،‬وتفس ري ب القراءة اللفظي ة‪ ،‬واملهم‬
‫والغاية هو التالوة العملية‪ ،‬أي‪ :‬العمل به‪ ،‬والتالوة اللفظية وسيلة إىل العمل به‪.‬‬
‫فه ذه الرتمجة فيها بي ان أن التالوة بنوعيها عمل العب د‪ ،‬وهي منسوبة إلي ه‪ ،‬وليست من‬
‫عمل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬حسن التالوة للقرآن‪ )..‬هذا يدل على أن التالوة عمل العبد‪ ،‬يقال‪ :‬حسن التالوة‬
‫‪‬‬ ‫(‪  ‬‬ ‫ورديء التالوة‪ ،‬فه ذا وصف له وعمل له‪ ،‬وليست أفع اال هلل‪ .‬قول ه‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.121 :‬‬

‫‪270‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ )1( ‬ال جيد طعم ه ونفع ه‪ )...‬أي‪ :‬أن ه فس ر‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )2‬بأنه ال جيد طعمه ونفعه إال من آمن بالقرآن‪ ،‬وهذا تفسري بالالزم‪،‬‬ ‫‪  ‬‬

‫أي‪ :‬تفسر بالقياس اجللي‪ ،‬واملعىن أنه ال ميسه بيده إال املتطهر هذا األصل‪ ،‬لكن هنا فسره‬
‫أن ه ال جيد نفع ه إال املؤم نني‪ ،‬ف إذا ك ان الق رآن ال ميس ه إال املتطه ر من األح داث‪ ،‬وغ ري‬
‫املتطه ر ال ميس ه‪ ،‬فمن ب اب أوىل أن ه ال جيد نفع ه إال املؤمن‪ ،‬ففس ره بقي اس األوىل؛ وهلذا‬
‫‪ )3( ‬فدل‬ ‫‪          ‬‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫على أنه ال جيد طعم ونفع القرآن إال املؤمن وهذا عمله‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وال حيمل ه حبق ه إال املوقن) حبمل ه‪ :‬أي‪ :‬عم ل ب ه‪ ،‬واملع ىن أن ه ال يعم ل ب القرآن إال‬
‫املوقن الذي عنده اليقني‪ ،‬ولوال يقينه وإميانه الراسخ ملا عمل به‪ ،‬فعمله به دليل على يقينه‬
‫وصدقه وإخالصه وإميانه‪.‬‬
‫‪ )4( ‬مل حيملوها‪ :‬أي‪:‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫مل يعمل وا هبا‪ ،‬فال ذين محل وا الت وراة الزم وا بالعم ل هبا‪ ،‬فلم ا مل يعمل وا هبا ص اروا كاحلم ار‬
‫الذي حيمل على ظهره أسفاًر ا‪ ،‬وهي الكتب‪ ،‬وال ينتفع هبا‪.‬‬
‫وبئس املث ل مثلهم؛ ألن اهلل ش به اليه ود ال ذين مل يعمل وا ب التوراة باحلم ار‪ ،‬ال ذي ال‬
‫يستفيد من الكتب اليت على ظهره‪.‬‬
‫اإلسالم واإلميان والصالة عمال) وذلك ألن اإلسالم اإلميان والصالة‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬ومسى النيب‬
‫عم ل اإلنس ان‪ ،‬فالص الة فيه ا رك وع وس جود‪ ...‬إخل وه ذه أعم ال‪ ،‬واإلميان تص ديق ب القلب‬
‫وعمل باجلوارح‪ ،‬وهي من عمل اإلنسان‪ ،‬فدل على أن عمل الشخص منسوب إليه‬

‫‪ - 1‬سورة الواقعة آية ‪.79 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الواقعة آية ‪.79 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة فصلت آية ‪.44 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الجمعة آية ‪.5 :‬‬

‫‪271‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫لبالل‪ :‬أخربين بأرجي عمل عملته‪ )...‬فالشاهد أنه نسب العمل إليه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬قال النيب‬
‫فالعم ل هن ا عم ل بالل ينس ب إلي ه‪ ،‬واألعم ال أعم ال العب اد يث ابون على حس نها‪ ،‬ويع اقبون‬
‫على سيئها‪ ،‬قوله‪( :‬أين مل أتطهر إال صليت) يفيد أنه يشرع للمسلم إذا توضأ بليل أو هنار‬
‫أن يصلي هبذا الوضوء‪ ،‬وهي سنة الوضوء‪ ،‬حىت ولو كان يف وقت النهي على الصحيح؛‬
‫ألن هلا سبب‪ ،‬وذوات األسباب مستثناة من النهي عن الصالة يف أوقات النهي‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أي العمل أفضل قال‪ :‬إميان باهلل ورسوله‪ )...‬الشاهد قوله (أي العمل أفضل) فدل‬
‫على أن ما ذكر من أفعال العباد‪.‬‬
‫واملؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أراد أن ي رد على اجلربي ة واجلهمي ة ال ذين ي تزعمهم اجلهم بن‬
‫صفوان‪ ،‬والذي قد اشتهر بعقائد أربع فاسدة‪:‬‬
‫‪ - 1‬العقيدة األولى‪ :‬نفي الصفات‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقي ‪%%‬دة الثاني ‪%%‬ة‪ :‬الق ول ب اجلرب‪ ،‬وأن اإلنس ان جمب ور على عمل ه‪ ،‬وأن األفع ال أفع ال‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪ - 3‬العقي ‪%% %‬دة الثالثة‪ :‬الق ول باإلرج اء‪ ،‬أي‪ :‬الق ول ب أن اإلميان جمرد املعرف ة ب القلب‪،‬‬
‫واألعم ال ليس ت من اإلميان‪ ،‬فاإلنس ان إذا ع رف رب ه بقلب ه‪ ،‬فه و م وقن عن د اجلهم‪ ،‬وعلى‬
‫هذا يكون فرعون مؤمن على رأي اجلهم‪ ،‬وإبليس عنده مؤمن؛ ألنه عرف ربه بقلبه‪.‬‬
‫‪ - 4‬العقيدة الرابعة‪ :‬القول بفناء اجلنة والنار مجيًعا‪.‬‬
‫وأمر اجلربية ظاهر ومنتشر؛ ولذلك ركز البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف الرد عليهم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فهو فضلي أوتيه من أشاء"‬
‫‪ - 7533‬حدثنا عبدان‪ ،‬أخربنا عبد اهلل‪ ،‬أخربنا يونس عن الزهري‪ ،‬أخربين سامل‪ ،‬عن ابن عمر ‪-‬‬
‫ق ال‪  :‬إمنا بق اؤكم فيمن س لف من األمم كم ا بني ص الة‬ ‫رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬أن رس ول اهلل ‪‬‬
‫العص ر إىل غ روب الش مس‪ ،‬أويت أه ل الت وراة الت وراة فعمل وا هبا ح ىت انتص ف النه ار‪ ،‬مث‬
‫عجزوا‪ ،‬فأعطوا قرياًط ا قرياًط ا‪ ،‬مث أويت أهل اإلجنيل اإلجنيل فعملوا به حىت صليت العصر‪،‬‬

‫‪272‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫مث عجزوا‪ ،‬فأعطوا قرياًطا قرياًطا‪ ،‬مث أوتيتم القرآن‪ ،‬فعملتم به حىت غربت الشمس‪ ،‬فأعطيتم‬
‫قرياطني قرياطني‪ ،‬فقال أهل الكتاب‪ :‬هؤالء أقل منا عمال وأكثر أجًر ا‪ ،‬قال اهلل‪ :‬هل ظلمتكم‬
‫من حقكم شيًئا؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فهو فضلي أوتيه من أشاء ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه بيان نسبة زمن هذه األمة إىل ما سبق من األمم‪ ،‬فنسبتها كما بني‬
‫صالة العصر على غروب الشمس‪ ،‬وإذا قدرنا أن الدنيا كلها يوم واحد‪ ،‬فنسبة بقاء األمم‬
‫السابقة هو من طلوع الشمس إىل العصر‪ ،‬فال شك أن زمن بقاء هذه األمة بالنسبة إىل‬
‫األمم السابقة قليل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أويت أهل التوراة التوراة‪ )...‬إخل‪ .‬يف احلديث اآلخر‪  :‬مثلكم ومثل األمم الذين من‬
‫قبلكم‪ ،‬كمث ل رج ل اس تأجر أج راء فق ال‪ :‬من يعم ل يل من الص بح إىل الظه ر بق رياط؟‬
‫فعملت اليه ود‪ ،‬فق ال‪ :‬من يعمل يل من الظه ر إىل العص ر بق رياط؟ فعملت النص ارى‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫من يعم ل يل من العص ر إىل املغ رب بق رياطني؟ فعملت ه ذه األم ة‪ ،‬فغض بت اليه ود‬
‫والنصارى‪ ،‬فقالوا‪ :‬حنن أكثر زمًن ا‪ ،‬وأقل أجرة‪ ،‬فقال‪ :‬هل ظلمتكم من حقكم شيًئا‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ال‪ ،‬قال‪ :‬ذلك فضلي أوتيه من أشاء ‪.‬‬
‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬أويت أهل التوراة‪ ....‬فعملوا هبا‪ ،‬وأويت أهل اإلجنيل‪ ...‬فعملوا‬
‫به‪ ....‬مث أوتيتم القرآن فعملتم به) فأضاف األعمال إليهم‪ ،‬فدل على أن األعمال أعماهلم‪.‬‬
‫باب وسمى النبي الصالة عمال‬
‫حديث‪ " :‬ال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "‬
‫الصالة عمال‪ ،‬وقال‪  :‬ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب ‪.‬‬ ‫‪ - 48‬باب ومسى النيب ‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫الص الة عمال يف قول ه‪  :‬ملا س ئل عن أي العم ل أفض ل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫الص الة عم ل‪ ،‬ومسى الن يب‬
‫فسماها عمال‪ ،‬والعمل ينسب إىل العبد‪ ،‬قوله‪( :‬ال صالة ملن مل‬ ‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬الصالة على وقتها‬

‫‪273‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫يق رأ بفاحتة الكت اب) ه ل النفي هن ا لنفي الص حة أو لنفي الكم ال؟ أي‪ :‬ه ل النفي لص حة‬
‫الص الة‪ ،‬أو نفي لكماهلا؟ اجلواب‪ :‬أن النفي هن ا لنفي الص حة؛ ألن ه إن مل ي أت بالفاحتة مل‬
‫تصح صالته‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أي األعمال أفضل؟"‬
‫‪ - 7534‬حدثين سليمان‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن الوليد‪ ،‬وحدثين عباد بن يعقوب األسدي‪ ،‬أخربنا عباد‬
‫أن رجال‬ ‫بن الع وام‪ ،‬عن الش يباين‪ ،‬عن الولي د بن الع يزار‪ ،‬عن أيب عم رو الش يباين عن ابن مس عود ‪‬‬
‫يف سبيل‬ ‫سأل النيب ‪ ‬أي األعمال أفضل؟ قال‪  :‬الصالة لوقتها‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬مث اجلهاد‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا احلديث واض ح يف أن األعم ال داخل ة يف مس مى اإلميان وأن األعم ال تنس ب إىل‬
‫العب اد وعب اد بن الع وام وإن وص ف ب الرفض‪ ،‬لكن البخ اري مل ي رو عن ه إال بع د أن تثبت‬
‫من صدقه‪ ،‬وهذا قليل يف الرافضة‪ ،‬مث إنه مل يرو عنه منفرًدا‪ ،‬بل روى عنه باملتابعة؛ ألن‬
‫البخاري أخرج احلديث من طريقني‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪ِ" :‬إَّن اِإل ْنَس اَن ُخ ِلَق َه ُلوًعا"‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪ - 49‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪( )1( ‬هلوعا)‪ :‬ضجوًر ا‪.‬‬ ‫‪     ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه بيان لبعض صفات اإلنسان اليت خلقه اهلل تعاىل هبا‪ ،‬ومقصود الرتمجة أن اهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬خلق اإلنسان على صفات منها‪ :‬اهللع واجلزع وغريها‪.‬‬
‫حديث‪" :‬أعطي أقواًما لما في قلوبهم من الجزع والهلع"‬

‫‪ - 1‬سورة المعارج آية ‪.21-19 :‬‬

‫‪274‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ - 7535‬حدثنا أبو النعمان‪ ،‬حدثنا جري ر بن حازم‪ ،‬عن احلسن‪ ،‬حدثنا عم رو بن تغلب قال‪:‬‬
‫أتى الن يب ‪ ‬م ال ف أعطى قوًم ا ومن ع آخ رين‪ ،‬فبلغ ه أهنم عِتب وا‪ ،‬فق ال‪ :‬إين أعطي الرج ل‪،‬‬
‫وأدع الرجل‪ ،‬والذي أدع أحب إّيل من الذي أعطي‪ ،‬أعطي أقواًم ا ملا يف قلوهبم من اجلزع‬
‫واهلل ع‪ ،‬وَأِك ُل أقواًم ا إىل م ا جع ل اهلل يف قل وهبم من الغ ىن واخلري‪ ،‬منهم عم رو بن تغلب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬عمرو ما أحب أن يل بكلمة رسول اهلل ‪ ‬مُح ر النعم ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫يوزع املال ملصلحة اإلسالم واملسلمني؛ وهلذا يف غزوة حنني أعطى‬ ‫‪‬‬ ‫هذا فيه أن النيب‬
‫رؤساء القبائل الذين أسلموا جدي ًد ا‪ ،‬فأعطى صفوان بن أمية مائة‪ ،‬وأعطى عيينة بن حصن‬
‫مائة‪ ،‬وهكذا أعطى البقية على مائة مائة‪ ،‬حىت يقوي إمياهنم‪ ،‬فهو ‪ ‬يعطي ملصلحة اإلسالم‬
‫واملسلمني‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬م ا أحب أن يل بكلمة رسول اهلل محر النعم) املع ىن‪ :‬م ا أحب أن يل ب دل كلمة‬
‫رس ول اهلل ‪ ‬محر النعم‪ ،‬أي‪ :‬أن ه ل و أعطي ال دنيا كله ا‪ ،‬وُأِخ َذ ت من ه ُمقاب ل ه ذه الكلم ة‬
‫لَف َّضل هذه الكلمة‪ ،‬وال يبايل‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬محر النعم) أي‪ :‬اإلب ل احلم ر‪ ،‬وهي أغلى وأنفس أم وال الع رب‪ ،‬وه ذا جمرد مث ال‪،‬‬
‫واملراد الدنيا كلها‪ ،‬وما عليها‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬أعطي أقواًم ا ملا يف قلوهبم من اهللع واجلزع) فهذه أوصاف لإلنسان‪ ،‬واهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬خلق اإلنسان على أوصاف‪ ،‬فخلقه بصفاته وأفعاله‪ ،‬وإن كان العباد‪ ،‬هم وأفعاهلم‬
‫‪. ) 1( ‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫خملوقون هلل كما قال تعاىل‪:‬‬
‫باب‪ :‬ذكر النبي وروايته عن ربه‬
‫وروايته عن ربه‪.‬‬ ‫‪ - 50‬باب ذكر النيب ‪‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪275‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫من األحاديث وهي ما تسمى‬ ‫‪‬‬ ‫عن ربه‬ ‫‪‬‬ ‫هذه الرتمجة فيها بيان ما يرويه الرسول‬
‫الص وم‬ ‫‪‬‬ ‫باألح اديث القدس ية‪ ،‬كه ذه األح اديث ال يت يرويه ا عن رب ه‪ .‬وكح ديث أيب هري رة‬
‫وحديث أيب ذر‪  :‬يا عبادي إين حرمت الظلم على نفسي‪ ،‬وجعلته‬ ‫‪‬‬ ‫يل‪ ،‬وأنا أجزي به‬
‫‪‬‬ ‫فه ذه تس مى باألح اديث القدس ية منس وبة إىل قدس ية ال رب‬ ‫‪‬‬ ‫بينكم حمرم ا‪ ،‬فال تظ املوا‬
‫إىل ربه فيقول‪( :‬قال اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫لفًظا ومعىن كالقرآن؛ وهلذا ينسبها النيب‬ ‫‪‬‬ ‫وهي من كالم اهلل‬
‫تعاىل) أو يقول‪( :‬فيما يرويه النيب عن ربه‪ ،‬أنه قال) خبالف األحاديث األخرى غري القدسية‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫فهي كالم اهلل معىن ال لفًظا‪ ،‬بل لفظها من الرسول‪ ،‬ومعناها من اهلل‬
‫‪ )1( ‬فاألحاديث القدسية لفظها‬ ‫‪          ‬‬

‫أم ا غريه ا من األح اديث‪ ،‬فمعناه ا من اهلل‪ ،‬ولفظه ا من الرس ول‪ ،‬ه ذا‬ ‫‪‬‬ ‫ومعناه ا من اهلل‬
‫الص واب خالًف ا لألش اعرة‪ ،‬وخالًف ا ملا ق ررت بعض كتب عل وم الق رآن‪ ،‬كاإلتق ان للس يوطي‬
‫وغ ريه‪ ،‬فليس عن دهم حتقي ق يف ه ذا‪ ،‬ب ل غ الب م ؤلفي ه ذه الكتب يتمش ى م ع م ذهب‬
‫األشاعرة‪.‬‬
‫والصواب ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬أن احلديث القدسي كالقرآن كالم اهلل لفًظ ا ومعىن وهو صفة‬
‫لكن األحاديث القدسية‪ ،‬ختتلف عن القرآن يف األحكام‪ ،‬فالقرآن يتعبد الناس‬ ‫‪‬‬ ‫من صفاته‬
‫بتالوت ه واألح اديث القدس ية‪ ،‬ال يتعب د الن اس بتالوهتا‪ ،‬والق رآن معج ز بتالوت ه وألفاظ ه‪،‬‬
‫واألحاديث القدسية ليست معجزة كالقرآن وهكذا‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫األح اديث القدس ية ال يص ح أن ت روى ب املعىن كاألح اديث األخ رى‪ ،‬وإال م ا الف رق بني‬
‫كون الرسول يرويه عن ربه فيقول‪( :‬قال اهلل تعاىل) وبني غريها‪ ،‬ولو كانت تروى باملعىن‬
‫لصارت كسائر األحاديث األخرى‪ ،‬واألحاديث القدسية كأذكار الصباح واملساء ال نرويها‬
‫‪‬‬ ‫باملعىن‪ ،‬بل نتعبد اهلل بذكرها‪ ،‬يدل على ذلك حديث الذكر عند النوم قال يف آخره‪....:‬‬

‫‪ - 1‬سورة النجم آية ‪.4-3 :‬‬

‫‪276‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فلم ا ق ال ال راوي من الص حابة‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫آمنت بكتاب ك ال ذي أنـزلت‪ ،‬وبنبي ك ال ذي أرس لت‬
‫(وبرسولك الذي أرسلت)‪ ،‬قال الرسول‪  :‬قل‪ :‬وبنبيك الذي أرسلت ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬وإذا أتاني مشًيا أتيته هرولة "‬
‫‪ - 7536‬حدثين حممد بن عبد الرحيم‪ ،‬حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع اهلروي‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫قتادة عن أنس ‪ ‬عن الن يب ‪ ‬يرويه عن ربه قال‪  :‬إذا تق رب العبد إّيل ش ًربا‪ ،‬تقربت إليه‬
‫ذراًعا‪ ،‬وإذا تقرب مين ذراًعا تقربت منه باًعا‪ ،‬وإذا أتاين مشًيا أتيته هرولة ‪.‬‬
‫‪ - 7537‬حدثنا مسدد‪ ،‬عن حيىي‪ ،‬عن التيمي‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن أيب هريرة قال‪:‬‬
‫رمبا ذك ر الن يب ‪ ‬ق ال‪  :‬إذا تق رب العب د م ين ش ًربا تق ربت من ه ذراًع ا‪ ،‬وإذا تق رب م ين‬
‫ذراًعا تقربت منه باًعا أو بوًعا ‪ ‬وقال معتمر‪ :‬مسعت أيب‪ ،‬مسعت أنًس ا‪ ،‬عن النيب ‪ ‬يرويه‬
‫عن ربه‪. ،‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬تق رب م ين ش ًربا‪ ،‬تق ربت من ه ذراًع ا‪ ،‬وإذا تق رب م ين ذراًع ا‪ ،‬تق ربت من ه باًع ا‪،‬‬
‫وإذا أتاين ميشي أتيته هرولة) هذه كلها من الصفات اليت متر‪ ،‬كما جاءت من غري تفسري‬
‫ملع ىن الكيفي ة؛ وهلذا ق ال الس لف ‪-‬رمحهم اهلل‪َ :-‬أِم ُّر وه ا كم ا ج اءت من غ ري َك ْي ٍف ‪ ،‬فهي‬
‫على ما يليق جبالله وعظمته من غري تكييف ملعناها‪ ،‬وآثارها أن اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫تثبت هلل‬
‫أسرع باخلري من العبد‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ال يقطع الثواب عن العبد‪ ،‬حىت يكون العبد هو‬
‫الذي يقطع العمل‪.‬‬
‫وأخط أ من ق ال‪ :‬إن ه ذه الص فات ال واردة يف احلديث هي على س بل اجملاز‪ ،‬على اهلل‪،‬‬
‫أو على وج ه املش اكلة‪ ،‬أو على وج ه االس تعارة‪ ،‬أو إرادة لوازمه ا‪ ،‬فك ل ه ذا غل ط‪،‬‬
‫فالص واب أهنا تطل ق على اهلل كم ا أطلقه ا اهلل على نفس ه على لس ان رس وله‪ ،‬وه و أعلم‬
‫اخللق باهلل‪ ،‬تعاىل‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬ويف احلديث أن املطيع متقرب إىل‬ ‫‪      ‬‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫فالعابد‪ ،‬والسائل أقرب إىل اهلل من غريهم؛ وهلذا جاء يف احلديث‪  :‬أقرب ما يكون‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫وملا ارتفعت أص وات الص حابة ب التكبري يف بعض الغ زوات‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫العب د من رب ه‪ ،‬وه و س اجد‬
‫أيه ا الن اس اربع وا على‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫كم ا يف ح ديث أيب موس ى األش عري‪ ،‬ق ال هلم الرس ول‬
‫أنفس كم‪ ،‬ف إنكم ال ت دعون أص م وال غائًب ا‪ ،‬إن ال ذي تدعون ه أق رب إىل أح دكم من عن ق‬
‫راحلته ‪ ‬اربعوا‪ :‬أي‪ :‬ارفقوا‪ ،‬وقال تعاىل‪ )2(       :‬فالساجد مقرتب‬
‫من اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بالطاعة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬لكل عمل كفارة"‬
‫يرويه‬ ‫‪ - 7538‬حدثنا آدم‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬حدثنا حممد بن زياد قال‪ :‬مسعت أبا هريرة‪ ،‬عن النيب ‪‬‬
‫عن ربكم قال‪  :‬لكل عمل كفارة‪ ،‬والصوم يل‪ ،‬وأنا أجزي به‪ ،‬وخللوف فم الصائم أطيب‬
‫عند اهلل من ريح املسك ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫الشاهد قوله‪( :‬فيما يرويه عن ربكم) فهو من األحاديث القدسية لفظه ومعناه من عند‬
‫والكالم ص فة من ص فات اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬لفظ ه ومعن اه‪ ،‬ال كم ا تق ول األش اعرة ال ذين‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬
‫يقول ون‪ :‬إن الكالم مع ىن ق ائم ب النفس‪ ،‬أم ا اللف ظ فليس من الكالم‪ ،‬فاألش اعرة والكالبي ة‬
‫عن دهم أن الكالم ه و املع ىن‪ ،‬واحلروف واألص وات عب ارة عن د األش اعرة‪ ،‬وحكاي ة عن د‬
‫الكالبية‪ ،‬وخملوقة عند املعتزلة‪ ،‬فالكالم خملوق عند املعتزلة ألفاظه وحروفه ومعانيه‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬لك ل عم ل كف ارة إال الص وم) أي‪ :‬أن لك ل عم ل كف ارة‪ ،‬أم ا الص وم فإن ه ال‬
‫يتحدد‪ ،‬بل أضافه اهلل إليه‪ ،‬وهي إضافة اختصاص وتشريف‪ ،‬وإذا كان الصوم هلل‪ ،‬فال يعلم‬
‫ق در ثواب ه إال ه و ‪-‬س بحانه وتع اىل‪ -‬ألن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ت وىل اجلزاء علي ه بنفس ه‪ ،‬فال ي دخل‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة آية ‪.140 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة العلق آية ‪.19 :‬‬

‫‪278‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يق ول‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫حتت حص ر ع دد؛ وهلذا ج اء يف احلديث‪  :‬أن الص وم من الص رب‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫قول ه‪( :‬وخلل وف) يق ال‪( :‬وَخلل وف) ب الفتح للخ اء‪ ،‬ويق ال (وُخلل وف) بالض م للخ اء‪ ،‬وهي‬
‫الرائحة اليت تنبعث من املعدة عند خلوها من الطعام والشراب‪ ،‬فهذه مستكرهة عند الناس‪،‬‬
‫لكنها عند اهلل أطيب من ريح املسك؛ ألهنا ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته‪.‬‬
‫حديث‪" :‬ال ينبغي لعبد أن يقول‪ :‬إنه خير من يونس بن َم َّتى "‬
‫‪ - 7539‬حدثنا حفص بن عمر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬وقال يل خليفة‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪،‬‬
‫فيما يرويه عن‬ ‫عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أيب العالية‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬عن النيب ‪‬‬
‫ونسبه إىل أبيه‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫ربه قال‪  :‬ال ينبغي لعبد أن يقول‪ :‬إنه خري من يونس بن َم ىَّت‬
‫الشرح‪:‬‬
‫والس بب يف ه ذا أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ملا ذك ر قص ته يف الق رآن الك رمي‪ ،‬وأن ه ذهب مغاض ًبا‬
‫ورمى نفسه يف البحر‪ ،‬وهو مليم‪ ،‬قد يظن بعض الناس النقص يف هذا النيب الكرمي‪ ،‬وأنه‬
‫خ ري من ه؛ وهلذا ق ال‪( :‬ال ينبغي ألح د أن يق ول‪ :‬أن ا خ ري من ي ونس بن َم ىَّت ) ويف احلديث‬
‫ألنه نيب‬ ‫اآلخر الذي رواه البخاري‪  :‬من قال‪ :‬أنا خري من يونس بن َم ىَّت ‪ ،‬فقد كذب‬
‫‪‬‬

‫ك رمي‪ ،‬وال ميكن أن يكون أحد أفضل من الن يب‪ ،‬والن يب من أنبياء اهلل ال ميكن أن يقول‪:‬‬
‫أنا خري من يونس بن َم ىَّت ‪ ،‬ومن قاله من غري األنبياء‪ ،‬فهو كاذب ألنه ال يصل إىل درجة‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫أما قصته ‪-‬عليه السالم‪ -‬فإن اهلل أرسله إىل أهل ِنينوي‪ ،‬ودعاهم يف أول األمر‪ ،‬فردوا‬
‫علي ه دعوت ه فلم يص رب ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ ،-‬وذهب مغاًض با وق ال‪ :‬س يأتيكم الع ذاب‬
‫وت ركهم وركب البحر‪ ،‬لكنهم ندموا بعدما ذهب عنهم‪ ،‬ومتنوا أن يرجع إليهم‪ ،‬مث حصل‬
‫ل ه قص ه يف الق رآن الك رمي‪ ،‬أن ه ركب الس فينة‪ ،‬فثقلت الس فينة‪ ،‬ف أرادوا أن يس تهموا فوق ع‬

‫‪ - 1‬سورة الزمر آية ‪.10 :‬‬

‫‪279‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬فسقط يف بطن‬ ‫‪     ‬‬ ‫السهم عليه‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫احلوت‪ ،‬فجع ل يس بح ح ىت أخرج ه اهلل‪ ،‬وأنبت اهلل ل ه ش جرة اليقطني يف احلال من لط ف‬
‫اهلل به‪ ،‬ويقال‪ :‬إهنا شجرة ال يقع عليها الذباب وال النامس (البعوض) وكان جلده ضعيف‬
‫ج ًّدا بس بب وج وده يف بطن احلوت‪ ،‬فل و وق ع علي ه ال ذباب ألث ر على جل ده؛ ألن ه رقي ق‬
‫جًّدا‪ ،‬فأنبت اهلل له ه ذه الش جرة يف احلال‪ ،‬حىت يتقوى جلده شيًئا فشيًئا‪ ،‬مث بع د ذلك‬
‫أرس له اهلل إىل قوم ه م رة أخ رى‪ ،‬وك انوا مائ ة أل ف أو يزي دون‪ ،‬ف آمنوا يف احلال‪ ،‬فكش ف‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫اهلل عنهم العذاب‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫‪.)2( ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫والشاهد من احلديث قوله‪( :‬فيما يرويه عن ربه) فهو حديث قدسي‪ ،‬يرويه النيب عن اهلل‬
‫بلفظه ومعناه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قوله‪( :‬ونسبه إىل أبيه) أي‪ :‬أن أباه أمسه َم ىَّت وليست أمه‪ ،‬والذي نسبه هو النيب ‪‬؛ ألن‬
‫اإلنسان قد ينسب إىل أمه مثل‪ :‬يعلى ابن أمية‪ ،‬ويعلى ابن منية‪ ،‬فيعلى هذا أبوه امسه أمية‪،‬‬
‫وأم ه امسها مني ة‪ ،‬فيق ال‪ :‬يعلى بن أمي ة إذا نس ب إىل أبي ه‪ ،‬ويق ال يعلى بن مني ة إذا نس ب‬
‫إىل أمه‪.‬‬
‫حديث‪" :‬رأيت رسول اهلل يوم الفتح على ناقة له"‬
‫‪ - 7540‬حدثنا أمحد بن أيب سريج‪ ،‬أخربنا شبابة‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن معاوية بن قرة‪ ،‬عن عبد اهلل‬
‫ي وم الفتح على ناق ة ل ه‪ ،‬يق رأ س ورة الفتح‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬ ‫بن مغف ل املزين‪ ،‬ق ال‪  :‬رأيت رس ول اهلل‬
‫قال‪ :‬مث قرأ معاوية حيكي قراءة ابن مغفل‪ ،‬وقال‪ :‬لوال‬ ‫من سورة الفتح قال‪َ :‬فَر َّج ع فيها‬
‫‪‬‬

‫فقلت ملعاوية‪ :‬كيف‬ ‫‪‬‬ ‫أن جيتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل‪ ،‬حيكي النيب‬
‫كان ترجيعه؟ قال آ آ آ ثالث مرات‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.141 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الصافات آية ‪.148-147 :‬‬

‫‪280‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الرتجيع هو ترديد الصوت باحللق‪ ،‬واجلهر به بعد خفائه مكرًر ا ألجل التخشع‪ ،‬فعبد اهلل‬
‫بن مغفل رجع كما رجع النيب ‪ ‬ومعاوية ابن قرة رجع ما رجع ابن مغفل‪ ،‬مثل قوله‪:‬‬
‫إنا فتحنا لك فتحا مبينا آآآ‪ ،‬وإذا كان الرتجيع يكون باجلهر به بعد خفائه‪ ،‬فتكون (آ)‬
‫األوىل خفي ة مث جيه ر بالثاني ة مث الثالث ة أرف ع‪ ،‬وق ال بعض هم‪ :‬إن ه ذا ال رتجيع بس بب حرك ة‬
‫الناقة‪.‬‬
‫والرتجيع باألذان هو أن يأيت بالشهادتني س ًّر ا‪ ،‬مث يرفع هبما صوته‪ ،‬كأذان أيب حمذورة‬
‫الذي علمه النيب ‪ ‬الرتجيع‪ .‬فيأيت بالشهادتني س ًّر ا فيقول‪ :‬أشهد أال إله إال اهلل‪ ،‬أشهد أال‬
‫إل ه إال اهلل‪ ،‬أش هد أن حمم د رس ول اهلل‪ ،‬أش هد أن حمم دا رس ول اهلل بص وت خ افت‪ ،‬مث‬
‫يرف ع ص وته بالش هادتني‪ ،‬فتك ون مجل أذان أيب حمذورة تس عة عش ر مجل ة‪ ،‬وأذان بالل مخس‬
‫عشرة مجلة؛ ألنه ليس فيه ترجيع‪.‬‬
‫والش اهد من احلديث أن ه ش امل لرواي ة الرس ول عن رب ه عمن يك ون بواس طة‪ ،‬أو بغ ري‬
‫واسطة‪ ،‬وعن أن يكون قرآًنا‪ ،‬أو غري قرآن‪.‬‬
‫باب‪ :‬ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها‬
‫‪‬‬ ‫‪ - 51‬باب ما جيوز من تفسري التوراة وغريها‪ ،‬من كتب اهلل بالعربية وغريها؛ لقول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪.)1(        ‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املقصود هبذه الرتمجة أنه جيوز ترمجة املعاين ملن ال يفهمها إىل لغة أخرى فمثال يرتجم‬
‫معاين التوراة بالعربية‪ ،‬أو معاين اإلجنيل‪ ،‬أو معاين الزبور ملن ال يفهمها‪ ،‬فال بأس يف ذل ك‪،‬‬
‫وهو حينما يرتجم‪ ،‬فإمنا يرتجم شيًئا يقوم به‪ ،‬فدل على أنه صفاته منسوبة إليه‪ ،‬فالرتمجة‬
‫‪‬‬ ‫عم ل اإلنس ان‪ ،‬واس تدل املؤل ف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬على ذل ك بقول ه ‪-‬تع اىل‪  :-‬‬

‫‪ )2( ‬ومعل وم أن الت وراة ليس ت باللغ ة‬ ‫‪     ‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪281‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫العربي ة‪ ،‬فاهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يق ول لنبي ه ق ل هلم‪:‬‬
‫‪.)1( ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫يف قصة اليهودي الذي زنا بامرأة يهودية‪ ،‬قال‬ ‫‪‬‬ ‫وثبت أنه ملا ترافع اليهود إىل النيب‬
‫هلم الرس ول‪ :‬م ا جتدون يف الت وراة‪ ،‬ق الوا‪ :‬نس خمهم‪ ...‬ق ال‪ :‬ف أتوا ب التوراة‪ ،‬فلم ا ق رأ أح دهم‬
‫التوراة يقال له‪ :‬ابن صوريا‪ ،‬وملا وصل إىل آية الرجم وضع يده عليها‪ ،‬قال له عبد اهلل‬
‫حكم اهلل وه و‬ ‫‪‬‬ ‫بن س الم‪ :‬ارف ع ي دك فرف ع ي ده‪ ،‬ف إذا آي ة ال رجم تل وح‪ ...‬فأق ام الن يب‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ال رجم‪ ،‬وه ذا م ا واف ق في ه الق رآن مما يف الت وراة‪ ،‬وه و ال رجم‪ .‬فالش اهد قول ه‪:‬‬
‫‪ )2( ‬ومن املعل وم أهنم إذا أت وا ب التوراة‪ ،‬ليس ت باللغ ة‬ ‫‪  ‬‬

‫ال يفهم اللغات األخرى كلغة اليهود‪ ،‬فحينئذ ال بد من الرتمجة حىت‬ ‫‪‬‬ ‫العربية‪ ،‬والرسول‬
‫ت رتجم ل ه‪ ،‬ف دل على ج واز الرتمجة‪ ،‬وأن الرتمجة ال ب أس هبا‪ ،‬وأهنا عم ل اإلنس ان وفعل ه‪،‬‬
‫فدل على أن أعمال اإلنسان تنسب إليه‪ ،‬أما املرتجم كالتوراة واإلجنيل والقرآن‪ ،‬فهو كالم‬
‫اهلل‪ ،‬وكالم اهلل منـزل غري خملوق‪.‬‬
‫حديث‪" :‬من محمد عبد اهلل ورسوله إلى هرقل"‬
‫‪ - 7541‬وقال ابن عباس‪ :‬أخربين أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترمجانه‪ ،‬مث دعا بكتاب النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫فقرأه‪  :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم من حممد عبد اهلل ورسوله‪ ،‬إىل هرقل و‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )3‬اآلية ‪.‬‬ ‫‪       ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫كتب كتاب ه إىل هرق ل‪ ،‬وهرق ل رومي‪ ،‬وليس‬ ‫‪‬‬ ‫وج ه الدالل ة من احلديث أن الن يب‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫آية من القرآن‪ ،‬وهي قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫عربًّي ا‪ ،‬كتب له الرسول‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة آل عمران آية ‪.64 :‬‬

‫‪282‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ )1( ‬ومعلوم أن الن يب‬ ‫‪        ‬‬

‫يعلم أنه ال يقرؤها‪ ،‬وأنه ال بد أن ترتجم له؛ وهلذا دعا برتمجانه‪.‬‬


‫وهذا رواه ابن عباس‪ ،‬عن أيب سفيان‪ ،‬وكان مشرًك ا يف ذلك الوقت‪ ،‬وكان قد ذهب‬
‫إىل الشام لتجارة له‪ ،‬فلما أتى كتاب النيب إىل هرقل‪ ،‬دعا من كان موجوًدا من قوم النيب‬
‫‪ ‬فلم ا ج اءوا س أهلم‪ ،‬وق ال‪ :‬أيكم أق رب نس ًبا إىل ه ذا الرج ل؟ فأش اروا إىل أيب س فيان‪،‬‬
‫فجعل ه أم امهم‪ ،‬وهم خلف ه وق ال لرتمجان ه‪ :‬ق ل هلم‪ :‬إين س ائل ه ذا الرج ل عن أس ئلة‪ ،‬ف إن‬
‫‪‬‬ ‫َك َذ بين‪َ ،‬فَك ِّذ بوه‪ ،‬فجعل يسأله األس ئلة املعروفة الطويلة‪ ،‬ال يت استدل هبا على نبوة الن يب‬
‫إىل أن قال هرقل أليب سفيان‪ :‬إن كنت صادًقا‪ ،‬فسيملك موضع قدمي هاتني‪ ،‬وإنه لنيب‪،‬‬
‫ولو استطعت أن أغسل عن موضع قدميه لفعلت‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫بالرتمجة؛ ألن ه‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذا إذن من ه‬ ‫‪‬‬ ‫واملقص ود أن ه دع ا برتمجان ه‪ ،‬ف رتجم ل ه كت اب الن يب‬
‫أرس ل كتاًب ا عربًّي ا إىل رومي‪ ،‬ف دل على ج واز ترمجة مع اين الق رآن إىل غ ري العربي ة وهي‬
‫فعل اإلنسان أما املرتجم فهو كالم اهلل‪.‬‬
‫أما الرتمجة احلرفية للقرآن فغري جائزة‪ ،‬وال تصح‪.‬‬
‫حديث‪ " :‬ال تصدقوا أهل الكتاب وال تكذبوهم "‬
‫‪ - 7542‬ح دثنا حمم د بن بش ار‪ ،‬ح دثنا عثم ان بن عم ر‪ ،‬أخربن ا علي بن املب ارك‪ ،‬عن حيىي بن أيب‬
‫كثري‪ ،‬عن أيب سلمة‪ ،‬عن أيب هريرة قال‪ :‬كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعربانية‪ ،‬ويفسروهنا بالعربية‬
‫‪‬‬ ‫ال تص دقوا أه ل الكت اب‪ ،‬وال تك ذبوهم‪ ،‬وقول وا‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫أله ل اإلس الم‪ ،‬فق ال رس ول اهلل‬
‫‪ )2( ‬اآلية ‪.‬‬ ‫‪   ‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫الش اهد من احلديث قول ه (ك ان أه ل الكت اب يق رءون الت وراة بالعرباني ة‪ ،‬ويفس روهنا‬
‫بالعربي ة) فه ذا دلي ل على الرتمجة‪ ،‬وأن ه ال ب أس هبا‪ ،‬وقول ه‪( :‬ال تص دقوا أه ل الكت اب وال‬
‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية ‪.136 :‬‬

‫‪283‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫تكذبوهم) هذا يف األشياء اليت ال يعلم صدقها من كذهبا‪ ،‬أما ما علم صدقه‪ ،‬فيصدق‪ ،‬وما‬
‫علم كذبه فيكذب‪ ،‬فأخبار بين إسرائيل على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ - 1‬القسم األول‪ :‬ما جاء شرعنا بتصديقه فيصدق‪.‬‬
‫‪ - 2‬القسم الثاني‪ :‬ما جاء شرعنا بتكذيبه فيكذب‪.‬‬
‫‪ - 3‬القس‪%%‬م الثالث‪ :‬ما مل يأت شرعنا بتصديقه‪ ،‬وال تكذيبه‪ ،‬فال يصدق وال يكذب‪.‬‬
‫وهو املراد هبذا احلديث‪ .‬فال يصدقون خشية أن يكون كذًبا‪ ،‬وال يكذبون خشية أن يكون‬
‫صدًقا‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فإذا فيه آية الرجم تلوح "‬
‫‪ - 7543‬ح دثنا مس دد‪ ،‬ح دثنا إمساعيل‪ ،‬عن أي وب‪ ،‬عن ن افع‪ ،‬عن ابن عم ر ‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪-‬‬
‫ق ال‪  :‬برج ل وام رأة من اليه ود‪ ،‬ق د زني ا فق ال لليه ود‪ :‬م ا تص نعون هبم ا؟ ق الوا‪ :‬نس خم‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫وجوههما‪ ،‬وخنزيهما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪ )1‬فجاءوا فقالوا لرجل‪ :‬ممن يرضون‪ ،‬يا أعور اقرأ‪ ،‬فقرأ حىت انتهى إىل موضع منها‪ ،‬فوضع‬
‫يده عليه‪ ،‬قال‪ :‬ارفع يدك‪ ،‬فرفع يده‪ ،‬فإذا فيه آية الرجم تلوح‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬إن عليهما‬
‫الرجم‪ ،‬ولكنا نكامته بيننا‪ ،‬فأمر هبما فرمجا‪ ،‬فرأيته جيانئ عليها احلجارة‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬نسخم) التسخيم‪ :‬هو تسويد الوجه‪ ،‬فيسودون وجه الزاين والزانية بفحم‪ ،‬أو غريه‪،‬‬
‫مث ُيركبوهنم ا على بع ري‪ ،‬أو محار مقل وبني‪ ،‬وج ه ه ذا إىل وج ه ه ذا‪ ،‬ويط اف هبم ا يف‬
‫األسواق‪ ،‬وهذا بدل احلد الذي شرعه اهلل‪ ،‬وهو الرجم‪ ،‬وهذا من التغيري الذي غريوه‪ ،‬فلما‬
‫حصلت الواقعة قالوا‪ :‬نرتافع إىل حممد لعله يسقط عنا الرجم‪ ،‬فيكون حجة لنا عند اهلل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬يا أعور) يقال له‪ :‬ابن ُص وريا‪ .‬قوله‪( :‬فقرأ حىت انتهى إىل موضع منها) أي‪ :‬أنه قرأ‬
‫التوراة فلما وصل إىل آيه الرجم‪ ،‬وضع يده عليها‪ ،‬وقرأ ما قبلها وما بعدها‪ ،‬قوله‪( :‬تلوح)‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية ‪.93 :‬‬

‫‪284‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫أي‪ :‬تظهر واضحة‪ ،‬ويف الرواية األخرى (أن عبد اهلل بن سالم الصحايب اجلليل‪ ،‬هو الذي‬
‫قال‪ :‬ارفع يدك) قوله‪( :‬ولكنا نتكامته بيننا) أي‪ :‬يكتمون الرجم‪ ،‬وال ينفذونه فيما بينهم‪ ،‬ويف‬
‫الرواي ة األخ رى (أن ه ك ثر يف أش رافهم) ويف رواي ة أخ رى أن ه زىن رج ل من األش راف‪ ،‬فلم‬
‫يقيم وا علي ه احلد‪ ،‬ف زىن رج ل من الض عفاء‪ ،‬أرادوا أن يقيم وا علي ه احلد‪ ،‬فق ال بعض هم‪ :‬ال‬
‫تقيم وا علي ه احلد ح ىت تقيم وه على ص احبكم‪ ،‬أي‪ :‬الغ ىن‪ ،‬ف اتفقوا على أم ر يقيم وه على‬
‫الش ريف والوض يع‪ ،‬وه و تس خيم الوج ه وفض حهم ب أن يركب وهم على داب تني مقل وبني‪،‬‬
‫ويطوفون هبما يف األسواق‪ ،‬ويف بعضها (زيادة اجللد)‪ .‬قوله‪( :‬جيانئ عنها احلجارة) ويف رواية‬
‫أخ رى (جينئ) ويف رواي ة (يقيه ا احلج ارة بنفس ه) واملع ىن‪ :‬أن ه ملا أقيم احلد على الرج ل واملرأة‬
‫صار من حمبته هلا‪ ،‬يقيها بنفسه احلجارة حىت عند املوت‪.‬‬
‫باب قول النبي‪" :‬الماهر بالقرآن مع الكرام البررة"‬
‫حديث‪" :‬وزينوا القرآن بأصواتكم"‬
‫وزينوا القرآن بأصواتكم ‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫املاهر بالقرآن مع الكرام الربرة‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ - 52‬باب قول النيب‬
‫‪ - 7544‬ح دثين إب راهيم بن محزة‪ ،‬ح دثين ابن أيب ح ازم‪ ،‬عن يزي د‪ ،‬عن حمم د بن‬
‫يقول‪  :‬ما أذن اهلل لشيء‪ ،‬ما أذن‬ ‫‪‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬عن أيب سلمة عن أيب هريرة‪ ،‬أنه مسع النيب‬
‫لنيب حسن الصوت بالقرآن جيهر به ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املقص ود هبذه الرتمجة إض افة أفع ال العب اد إليهم وأن العب اد ف اعلون ألفع اهلم‪ ،‬ومن ذل ك‬
‫ويف اللفظ‬ ‫‪‬‬ ‫املاهر بالقرآن مع السفرة الكرام الربرة‬ ‫‪‬‬ ‫قراءهتم للقرآن؛ هلذا ترجم املؤلف‬
‫وهم املالئكة‪ ،‬والسفري هو حامل الوحي‪ ،‬ومنه جربيل‬ ‫‪‬‬ ‫مع السفرة الكرام الربرة‬ ‫‪‬‬ ‫اآلخر‬
‫أي‪ :‬اجملود لتالوت ه حس ن التالوة‬ ‫‪‬‬ ‫ألن ه س فري بني اهلل وبني رس له‪ ،‬قول ه‪  :‬املاهر ب القرآن‬
‫واحلف ظ‪ ،‬وحفظ ه وجودت ه ومهارت ه ه ذه فع ل من أفعال ه تض اف إلي ه‪ ،‬وأفع ال العب اد خملوق ه‬
‫كما أهنم خملوقون‪ ،‬والقرآن كالم اهلل منـزل غري خملوق؛ وهلذا قال‪  :‬زينوا القرآن بأصواتكم‬

‫‪285‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫واملع ىن‪ :‬زين وا الق راءة بأص واتكم‪ ،‬وال تزيني‪ :‬ه و حتس ني الص وت ب القراءة من فع ل اإلنس ان‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫والقرآن كالم اهلل منـزل غري خملوق‪ ،‬فالقراءة فعل القارئ‪ ،‬واملقروء كالم البارئ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ما أذن اهلل لشيء) أي‪ :‬ما استمع‪ ،‬فاإلذن هنا مبعىن االستماع‪ ،‬ففيه إثبات أن اهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬يستمع إىل قراءة النيب من أنبيائه‪ ،‬وهذا استماع يليق جبالل اهلل وعظمته‪ ،‬وهو من‬
‫الصفات الفعلية‪ ،‬يثبت هلل كما تثبت سائر الصفات‪ ،‬ال يشاهبه أحد من خلقه‪ ،‬وأخطأ من‬
‫قال‪ :‬املراد باالستماع هنا الزمه وهو الرضا به‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬حسن الصوت بالقرآن‪ ،‬جيهر به) فأضاف حسن الصوت إليه‪ ،‬فهذا من‬
‫أفع ال العب اد‪ ،‬ف أراد املؤل ف أن ي بني أن أفع ال العب اد منس وبة إليهم‪ ،‬وفي ه رد على اجلربي ة‬
‫الذين يقولون‪ :‬إن العباد جمبورون على أفعاهلم‪ ،‬وأن أفعاهلم هي أفعال اهلل‪ ،‬فهذا من أبطل‬
‫الباطل‪ ،‬واملعتزلة يقولون‪ :‬العباد خالقون ألفعاهلم‪ ،‬وهذا باطل أيًض ا‪ ،‬والصواب أن العباد ليسوا‬
‫جمبورين على أفعاهلم‪ ،‬بل هم خمتارون‪ ،‬واإلنسان يدرك هذا‪ ،‬وجيده من نفسه‪ ،‬فتجده يقوم‪،‬‬
‫وي ذهب‪ ،‬ويأك ل‪ ،‬ويش رب‪ ،‬ويتكلم‪ ،‬ويق رأ باختي اره مل جيربه أح د على ذل ك‪ ،‬ف دل على‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫أفعال ه‪ ،‬واهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خل ق العب اد‪ ،‬وخل ق أفع اهلم ق ال ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬وليست أفعاهلم خملوقة هلم كما يقول املعتزلة‪ ،‬بل كل شيء خلقه اهلل‪،‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪. ) 2( ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫أفعال العباد وغري أفعال العباد‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫قوله‪( :‬ما أذن لنيب) املقصود جنس النيب‪ ،‬وليس نبًي ا معيًن ا؛ لقوله (حسن الصوت‪ ،‬جيهر‬
‫ب القرآن) أي‪ :‬جيه ر ب القراءة‪ ،‬والق راءة ق د تك ون ب القرآن‪ ،‬وق د تك ون ب التوراة‪ ،‬وق د تك ون‬
‫بالزبور‪ ،‬وقد تكون باإلجنيل‪ .‬كما جاء يف احلديث‪  :‬أن داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان إذا قرأ‬
‫‪‬‬ ‫واملقص ود ب القرآن هن ا أي املق روء وه و الزب ور‪ ،‬ق ال تع اىل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫الق رآن‪ ،‬جاوبت ه اجلب ال‬
‫‪ )3( ‬فالوحوش ختشع‪ ،‬وتستمع لقراءته‪ ،‬عليه السالم‪.‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الرعد آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة سبأ آية ‪.10 :‬‬

‫‪286‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫فائدة‪:‬‬
‫حكم التجويد أثناء التالوة‪ ،‬الصحيح أنه مستحب؛ ألنه قدر زائد على حتسني التالوة‪.‬‬
‫حديث‪" :‬وأنا حينئذ أعلم أني بريئة"‬
‫‪ - 7545‬حدثنا حيىي بن بكري‪ ،‬حدثنا الليث‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬أخربين عروة بن الزبري‪،‬‬
‫وس عيد بن املس يب‪ ،‬وعلقم ة بن وق اص‪ ،‬وعبي د اهلل بن عب د اهلل‪ ،‬عن ح ديث عائش ة حني ق ال هلا أه ل‬
‫اإلفك ما قالوا‪ ،‬وكل حدثين طائفة من احلديث قالت‪ :‬فاضطجعت على فراشي‪ ،‬وأنا حينئذ أعلم أين‬
‫بريئة‪ ،‬وأن اهلل يربئين‪ ،‬ولكين واهلل ما كنت أظن أن اهلل ينـزل يف شأين وحًيا يتلى‪ ،‬ولشأين يف نفسي كان‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫أحق ر من أن يتكلم اهلل ّيف ب أمر يتلى‪ ،‬وأنـزل اهلل‬
‫‪ )1(   ‬العشر اآليات كلها‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذا خمتص ر من ح ديث اإلف ك‪ ،‬وه و ح ديث طوي ل‪ ،‬أتى ب ه البخ اري يف موض ع آخ ر‬
‫مطوال‪ .‬قوله‪( :‬اإلفك) هو أسوأ الكذب‪ ،‬وذلك أن املنافقني رموا عائشة بالفاحشة‪ ،‬فربأها اهلل‬
‫من فوق سبع مساوات‪.‬‬
‫والش اهد قوهلا‪( :‬م ا كنت أظن أن اهلل ينـزل يف ش أين وحًي ا ُيتلى) فقوهلا‪ُ( :‬يتلى) فأض افت‬
‫التالوة إىل العب اد‪ ،‬والتالوة وص ف من أوص اف العب اد‪ ،‬واملتل و ه و كالم اهلل منـزل غ ري‬
‫خملوق‪.‬‬
‫وقد أمجع العلماء‪ ،‬أن من رمى عائشة مبا برأها اهلل منه أنه كافر؛ ألنه كذب اهلل‪. ،‬‬
‫حديث‪" :‬فما سمعت أحًد ا أحسن صوًتا أو قراءة منه"‬
‫‪‬‬ ‫‪ - 7546‬حدثنا أبو نعيم‪ ،‬حدثنا مسعر‪ ،‬عن عدي بن ثابت أراه عن الرباء قال‪  :‬مسعت النيب‬
‫(‪ )2‬فم ا مسعت أح ًد ا أحس ن ص وًتا‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫يق رأ يف العش اء‬
‫قراءة منه ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة النور آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التين آية ‪.1 :‬‬

‫‪287‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫فصوت‬ ‫‪‬‬ ‫الشاهد من احلديث قوله‪( :‬أحسن صوًتا منه) فأضاف احلسن والصوت للرسول‬
‫الرسول ‪ ‬بقراءة والتني والزيتون ينسب إليه‪ ،‬فهو فعله‪ ،‬وأفعال العباد خملوقة أما قوله‪ :‬‬

‫‪ )1( ‬فهذا كالم اهلل منـزل غري خملوق‪.‬‬ ‫‪  ‬‬

‫يقرأ يف العشاء بأوساط السور أي‪ :‬أوساط املفصل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬يقرأ يف العشاء) الغالب أنه‬
‫وأحياًنا يقرأ بقصار السور‪ ،‬كما يف هذا احلديث‪.‬‬
‫حديث‪" :‬كان النبي متوارًيا بمكة "‬
‫‪ - 7547‬حدثنا حجاج بن منهال‪ ،‬حدثنا هشيم‪ ،‬عن أيب بشر‪ ،‬عن سعيد بن جبري‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪  :‬كان النيب ‪ ‬متوارًيا مبكة‪ ،‬وكان يرفع صوته‪ ،‬فإذا مسع املشركون‬
‫س بوا الق رآن ومن ج اء ب ه‪ ،‬فق ال اهلل ‪ ‬لنبي ه ‪      ‬‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرح‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬وال جته ر بص التك) أي‪ :‬ال جته ر بقراءت ك‪ ،‬ف املراد بالص الة هن ا الق راءة‪ ،‬كم ا أن‬
‫الفاحتة تس مى ص الة‪ ،‬كم ا يف احلديث القدس ي‪  :‬قس مت الص الة بي ين وبني عب دي نص فني‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ )3( ‬ق ال اهلل‪ :‬محدين عب دي‬ ‫‪     ‬‬ ‫ف إذا ق ال عب دي‪:‬‬
‫احلديث‪.‬‬
‫وق د ك ان الن يب ‪ ‬متوارًي ا مبك ة قب ل اهلج رة‪ ،‬وك ان يرف ع ص وته ب القرآن‪ ،‬ف إذا مسعه‬
‫املشركون سبوا القرآن ومن جاء به‪ ،‬ومن أنـزله فأنـزل اهلل عليه ‪   ‬‬

‫(‪ )5‬ح ىت ال‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫(‪ )4‬أال ال جته ر بقراءت ك ح ىت ال يس به املش ركون‬ ‫‪‬‬
‫‪ - 1‬سورة التين آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الفاتحة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪288‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫(‪ )6‬أي‪ :‬وس ًطا بني اجله ر وبني‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫يس معك أص حابك‬
‫اإلخفات‪ ،‬فال يرفع حىت ال يسبه املشركون‪ ،‬وال خيفض حىت ال يسمعه أصحابه‪ ،‬بل يكون‬
‫وسًطا‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬وكان يرفع صوته) فأضاف الصوت إليه‪ ،‬ووصفه بالرفع‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إني أراك تحب الغنم والبادية"‬
‫‪ - 7548‬ح دثنا إمساعيل‪ ،‬ح دثين مال ك‪ ،‬عن عب د ال رمحن بن عب د اهلل بن عب د ال رمحن بن أيب‬
‫قال له‪  :‬إين أراك حتب الغنم والبادية‪ ،‬فإذا‬ ‫صعصعة‪ ،‬عن أبيه أنه أخربه أن أبا سعيد اخلدري ‪‬‬
‫كنت يف غنم ك‪ ،‬أو باديت ك‪ ،‬ف أذنت للص الة‪ ،‬ف ارفع ص وتك بالن داء‪ ،‬فإن ه ال يس مع م دى‬
‫قال أبو سعيد‪ :‬مسعته من‬ ‫‪‬‬ ‫صوت املؤذن جن وال إنس‪ ،‬وال شيء إال شهد له يوم القيامة‬
‫رسول اهلل‪. ،‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه مشروعية األذان يف األسفار ويف البادية‪ ،‬فيشرع لإلنسان إذا كان يف‬
‫غنم‪ ،‬أو بادي ة‪ ،‬أو يف مزرع ة‪ ،‬وأراد الص الة أن ي ؤذن‪ ،‬ويرف ع ص وته بالن داء‪ ،‬ول و ك ان‬
‫وحده‪ ،‬وفيه فضل األذان؛ ألنه كل من مسع أذانه شهد له يوم القيامة‪ ،‬سواء كان جًن ا أو‬
‫إنًس ا أو شجًر ا أو حجًر ا‪ ،‬فكيف حيرم اإلنسان نفسه من هذا األج‍ر‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪( :‬فإنه ال يسمع مدى صوت املؤذن) فأضاف الصوت إىل املؤذن وهو فعل‬
‫من أفعاله ومن ذلك الق راءة‪ ،‬فاألذان فعله والق راءة فعله كلها منسوبة إلي ه‪ ،‬وأفعال العب اد‬
‫منسوبة إليهم يثابون على حسنها‪ ،‬ويعاقبون على سيئها؟‬
‫حديث‪" :‬كان النبي يقرأ القرآن ورأسه في حجري"‬
‫‪‬‬ ‫‪ - 7549‬حدثنا قبيصة‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن أمه‪ ،‬عن عائشة قالت‪  :‬كان النيب‬
‫يقرأ القرآن‪ ،‬ورأسه يف حجري‪ ،‬وأنا حائض ‪.‬‬

‫‪ - 6‬سورة اإلسراء آية ‪.110 :‬‬

‫‪289‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫ه ذا في ه دلي ل على ج واز ق راءة الق رآن عن ظه ر قلب ول و على غ ري طه ارة‪ ،‬فق د‬
‫ومن ذل ك الق رآن؛ ألن ه من ال ذكر‪ ،‬إال إذا ك ان‬ ‫‪‬‬ ‫ي ذكر اهلل على مجي ع أحوال ه‬ ‫‪‬‬ ‫ك ان‬
‫علي ه جناب ة‪ ،‬فال يق رأ الق رآن‪ ،‬ول و ك ان عن ظه ر قلب ح ىت يغتس ل‪ ،‬وفي ه ج واز ق راءة‬
‫اإلنسان للقرآن وهو مضطجع وفيه حسن خلقه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وإيناسه أهله حيث‬
‫إنه يقرأ القرآن على فخذ عائشة‪ ،‬وفيه أنه ال حرج أن يقرأ اإلنسان القرآن‪ ،‬وهو متكئ‬
‫على حائض‪.‬‬
‫فه و من أفعال ه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫يق رأ الق رآن) فأض اف الفع ل للرس ول‬ ‫‪‬‬ ‫والش اهد قول ه‪( :‬ك ان الن يب‬
‫وأفعاله خملوقة‪ ،‬والقرآن كالم اهلل غري خملوق‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬فاْقَر ُءوا َما َتَيَّس َر ِم ْنُه"‬
‫حديث‪" :‬إن هذا القرآن أنـزل على سبعة أحرف"‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ - 53‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ - 7550‬حدثنا حيىي بن بكري‪ ،‬حدثنا الليث‪ ،‬عن عقيل‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬حدثين عروة‬
‫أن املس ور بن خمرم ة وعب د ال رمحن بن عب ٍد الق اري ح دثاه‪ ،‬أهنم ا مسعا عم ر بن اخلط اب‬
‫فاستمعت لقراءته‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫يقول‪ :‬مسعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان يف حياة رسول اهلل‬
‫فك دت أس اوره يف الص الة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ف إذا ه و يق رأ على ح روف كث رية‪ ،‬مل يقرئنيه ا رس ول اهلل‬
‫فتص ربت ح ىت س لم‪ ،‬فلببت ه بردائ ه‪ ،‬فقلت‪ :‬من أق رأك ه ذه الس ورة ال يت مسعتك تق رأ؟ ق ال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬ك ذبت‪ ،‬أقرأنيه ا على غ ري م ا ق رأت‪ ،‬ف انطلقت ب ه أق وده إىل‬ ‫‪‬‬ ‫أقرأنيه ا رس ول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫فقلت‪ :‬إين مسعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف مل تقرئنيها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫ك ذلك أنـزلت‪ ،‬مث ق ال‬ ‫‪‬‬ ‫أرس له‪ ،‬اق رأ ي ا هش ام فق رأ الق راءة ال يت مسعته فق ال رس ول اهلل‬

‫‪ - 1‬سورة المزمل آية ‪.20 :‬‬

‫‪290‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫اقرأ يا عمر فقرأت اليت أقرأين‪ ،‬فقال‪ :‬كذلك أنـزلت‪ ،‬إن هذا القرآن أنـزل‬ ‫‪‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫على سبعة أحرف‪ ،‬فاقرءوا ما تيسر منه ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬فاقرءوا ما تيسر منه) أي‪ :‬ما زاد على الفاحتة‪ ،‬وهذا إذا كان يف الصالة‪ ،‬أما قول‬
‫الن يب ‪( ‬فاقرءوا ما تيسر منه) أي ما سهل عليكم من األحرف‪ ،‬فاقرءوا هبا‪ ،‬قوله ( ٍد‬
‫َعْب‬
‫القاري) بتنوين الدال‪ ،‬و (القاري) لقب له‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ك دت أس اوره يف الص الة) أي‪ :‬أج ره‪ ،‬وأمس كه‬ ‫‪‬‬ ‫وه ذه القص ة فيه ا ق وة عم ر‬
‫وأواثبه‪ ،‬قوله‪( :‬لببته بردائه) أي‪ :‬آخذ الرداء على حلقه‪ ،‬وجعل جيره حىت جاء به إىل النيب‬
‫قول ه‪( :‬ك ذبت) أي‪ :‬أخط أت‪ ،‬قول ه‪( :‬أرس له) أي‪ :‬أطلق ه قول ه‪( :‬إن ه ذا الق رآن أنـزل على‬ ‫‪‬‬
‫س بعة أح رف) ه ذا من رمحة اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬وإحس انه إىل عب اده‪ ،‬وق د اختل ف العلم اء ب املراد‬
‫هبذه األحرف‪ ،‬فقيل‪ :‬إن املراد باألحرف أي‪ :‬اللغات وقيل‪ :‬األوجه واملعاين‪ ،‬وقيل‪ :‬غري ذلك‪،‬‬
‫واألق رب أهنا ح روف متقارب ة يف املع ىن‪ ،‬وإن ك انت خمتلف ة يف اللف ظ‪ ،‬وي دخل يف ذل ك‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫االختالف يف اللغات‪ ،‬مثل قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫)‪( 2‬‬ ‫)‪( 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )4( ‬وم ا أش به ذل ك‪ .‬وه ذا الق رآن أنـزل على س بعة أح رف‪ ،‬وك ان‬ ‫‪  ‬‬

‫الناس يقرءون هبذه األحرف السبعة‪.‬‬


‫ويف عه د الن يب ‪ ‬مل يكن الق رآن جمموًع ا؛ ألن ال وحي ال ي زال يتنـزل‪ ،‬مث بع د ذل ك‬
‫مجع القرآن على سبعة أحرف يف زمن أيب بكر ‪ ‬وذلك بعد أن كان متوقًف ا أول األمر‬
‫عن مجعه‪ ،‬مث شرح اهلل صدره جلمع القرآن بعد أن قيل له‪ :‬إن القتل قد استحر يف القراء‬

‫‪ - 1‬سورة األحزاب آية ‪.9 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية ‪.94 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة آل عمران آية ‪.153 :‬‬

‫‪291‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ي وم اليمام ة‪ ،‬وانت دب ل ذلك زي د بن ث ابت ومجاع ة‪ ،‬وق ال للفتي ان‪ :‬إذا اختلفتم م ع زي د‬
‫فاكتبوه بلغة قريش‪ ،‬فإن القرآن أنـزل بلغتهم‪.‬‬
‫مث بع د ذل ك بقي املص حف ال ذي مجع وه عن د أيب بك ر‪ ،‬مث عن د عم ر‪ ،‬مث عن د ابنت ه‬
‫حفصة على سبعة أحرف‪ ،‬مث ملا حصل نـزاع بني الناس يف القراءة يف أثناء غزوهم ألرمينية‬
‫وقال له‪( :‬يا أمري املؤمنني أدرك هذه‬ ‫‪‬‬ ‫إىل عثمان بن عفان‬ ‫‪‬‬ ‫وأذربيجان‪ ،‬جاء حذيفة‬
‫األمة‪ ،‬قبل أن ختتلف يف كتاهبا اختالف اليهود والنصارى‪ ،‬إين مسعت كذا وكذا) فاستشار‬
‫عثم ان الص حابة‪ ،‬فجم ع الق رآن مجًع ا آخ ر‪ ،‬وأرس ل إىل حفص ة‪ ،‬أن أرس لي إلين ا الص حف‬
‫ننسخها‪ ،‬مث نردها إليك فجمع القرآن على حرف واحد‪ ،‬وألغى ستة حروف‪ ،‬وقال‪( :‬إن‬
‫هذا القرآن أنـزل بلغة قريش) فجمعها على لغة قريش‪ ،‬حىت ال حيصل اخلالف بني الناس‪،‬‬
‫فجمع القرآن على حرف واحد‪ ،‬وهو حرف قريش والقراءات السبع أو العشر كلها داخلة‬
‫يف هذا احلرف‪ ،‬مث نسخت هذه املصاحف‪ ،‬مث أرسل إىل كل مصر من األمصار مصحًف ا‪،‬‬
‫يسمى باملصحف اإلمام‪ ،‬أو املصحف العثماين‪ ،‬وأحرقت بقية املصاحف‪ .‬واملراد هبذه الرتمجة‬
‫بيان أن أفعال العباد‪ ،‬تضاف إليهم ومن أفعاهلم القراءة للقرآن‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬و َلَق ْد َيَّس ْر َنا اْلُقْر آَن ِللِّذ ْك ِر "‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ - 54‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1(  ‬وقال النيب ‪  ‬كل ميسر ملا خلق له ‪ ‬يقال‪ :‬ميسر مهيأ‪ ،‬وقال جماهد‪ :‬يسرنا‬
‫القرآن بلسانك هونا قراءته عليك‪ ،‬وقال مطر الوراق‪    :‬‬
‫‪ )2(      ‬قال‪ :‬هل من طالب علم فيعان عليه‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة القمر آية ‪.17 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القمر آية ‪.17 :‬‬

‫‪292‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬أي‪ :‬يس ر اهلل الق رآن للت ذكر‬ ‫‪    ‬‬ ‫قول ه‪:‬‬
‫والقراءة‪ ،‬فهل من متعظ قوله‪( :‬اعملوا فكل ميسر ملا خلق له) املعىن‪ :‬أن كل ميسر ملا خلق‬
‫له من العمل‪ ،‬ومن العمل قراءته للقرآن‪ ،‬هي عمل من أعماله تضاف إليه‪ ،‬وأفعاهلم خملوقة‪،‬‬
‫والقرآن كالم اهلل غري خملوق فهذه الرتمجة كالرتمجة السابقة‪ ،‬فيها إضافة أفعال العباد إليهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬قال‪ :‬جماهد يسرنا القرآن بلسانك‪ :‬هونا قراءته عليك) وقراءته فعل من أفعاله‪ ،‬وهي‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫مضافة إىل العبد‪ ،‬قوله‪( :‬قال مطر الوراق‪:‬‬
‫‪ )2( ‬هل من طالب علم فيعان عليه) اهلل أكرب ! دل هذا على فضل طلب‬ ‫‪  ‬‬

‫العلم؛ ألن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يعين ه ويوفق ه إذا طلب العلم‪ ،‬والش اهد أن تعلم الق رآن فع ل من‬
‫أفعاله منسوب إليه‪.‬‬
‫حديث‪" :‬كل ميسر لما خلق له "‬
‫‪ - 7551‬حدثنا أبو معمر‪ ،‬حدثنا عبد الوارث قال يزيد‪ :‬حدثين مطرف بن عبد اهلل‪ ،‬عن عمران‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فيما يعمل العاملون؟ قال‪  :‬كل ميسر ملا خلق له ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬كل ميسر ملا خلق له) أي‪ :‬كل ميسر ملا خلق له من العمل‪ ،‬ومن العمل قراءته‬
‫للقرآن ييسرها اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬على العبد‪ ،‬فهي فعل من أفعاله منسوبة إليه‪ ،‬وإن كان القرآن‬
‫كالم اهلل‪. ،‬‬
‫حديث‪" :‬ما منكم من أحد إال كتب مقعده من النار أو من الجنة"‬
‫‪ - 7552‬حدثين حممد بن بشار‪ ،‬حدثنا غندر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن منصور‪ ،‬واألعمش مسعا سعد بن‬
‫أنه كان يف جنازة‪ ،‬فأخذ عوًدا‪ ،‬فجعل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عن النيب‬ ‫عبيدة عن أيب عبد الرمحن‪ ،‬عن علي ‪‬‬

‫‪ - 1‬سورة القمر آية ‪.17 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القمر آية ‪.17 :‬‬

‫‪293‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ينكت يف األرض فق ال‪ :‬م ا منكم من أح د إال كتب مقع ده من الن ار أو من اجلن ة‪ ،‬ق الوا‪:‬‬
‫(‪ )1‬اآلية ‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫أال نتكل؟ قال‪ :‬اعملوا فكل ميسر‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا احلديث فيه بيان اإلميان بالقضاء والقدر والكتابة‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬كتب كل شيء‬
‫فهذا أمر قد‬ ‫‪‬‬ ‫كما جاء يف احلديث‪  :‬ما من نفس منفوسة‪ ،‬إال كتب مقعدها من النار‬
‫ف رغ من ه‪ ،‬كم ا ج اء يف احلديث‪  :‬كتب اهلل مق ادير اخلالئ ق‪ ،‬قب ل أن خيل ق اهلل الس ماوات‬
‫فاهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬كتب أرزاقهم وآجاهلم‬ ‫‪‬‬ ‫واألرض خبمسني ألف سنة‪ ،‬وكان عرشه على املاء‬
‫وأعماهلم وشقاوهتم وسعادهتم‪ ،‬كل هذا مكتوب‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬أال نتك ل) أي‪ :‬على الكت اب ال ذي كتب ه اهلل‪ ،‬واملع ىن ملاذا نعم ل؟ ففي لف ظ آخ ر‬
‫ويف اللف ظ اآلخ ر‪  :‬أم ا أه ل الس عادة‬ ‫‪‬‬ ‫ق الوا‪  :‬فلم اذا العم ل؟ فق ال‪ :‬اعمل وا فك ل ميس ر‬
‫‪‬‬ ‫مث قرأ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫فسييسرون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة‬
‫فأم ا من أعطى واتقى وص دق باحلس ىن فسنيس ره لليس رى وأم ا من خبل واس تغىن وك ذب‬
‫والش اهد من احلديث قول ه‪( :‬اعمل وا فك ل ميس ر) أي‪ :‬أن ك ل‬ ‫‪‬‬ ‫باحلس ىن فسنيس ره للعس رى‬
‫ميس ر ملا خل ق ل ه من العم ل‪ ،‬ومن ذل ك قراءت ه للق رآن‪ ،‬وتعلم ه للعلم وص الته وزكات ه‬
‫وص يامه‪ ،‬وغريه ا من األعمال كله ا ييس ر هلا العب د‪ ،‬وهي أفعال ه منسوبة إلي ه‪ ،‬وهي خملوقة‬
‫هلل‪ ،‬فقراءته للقرآن من العمل الذي يسر له‪ ،‬والقرآن كالم اهلل منـزل غري خملوق‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬بْل ُه َو ُقْر آٌن َمِج يٌد "‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪ - 55‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )3( ‬قال قتادة‪ :‬مكتوب " يسطرون " خيطون (يف أم‬ ‫‪     ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الليل آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة البروج آية ‪.22-21 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الطور آية ‪.2-1 :‬‬

‫‪294‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الكتاب) مجلة الكتاب وأصله ‪ )1(    ‬ما يتكلم من شيء إال كتب عليه‪ ،‬وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬يكتب اخلري والشر (حيرفون) يزيلون‪ ،‬وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب اهلل‬
‫‪ ‬ولكنهم حيرفونه يتأولونه‪ ،‬على غري تأويله‪ ،‬دراستهم تالوهتم (واعية) حافظة‪( ،‬وتعيها)‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫يعين‪ :‬أهل مكة ‪‬‬ ‫حتفظها ‪       ‬‬
‫‪ )3(   ‬هذا القرآن‪ ،‬فهو له نذير‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املقصود هبذه الرتمجة بيان أن القرآن كيفما تصرف‪ ،‬فهو كالم اهلل وأن القرآن مكتوب‬
‫‪‬‬ ‫يف املصاحف‪ ،‬حمفوظ يف الصدور‪ ،‬موعى يف القلوب‪ ،‬مقروء باأللسن‪ ،‬منـزل على النيب‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫فكيفما تصرف‪ ،‬فهو كالم اهلل؛ ولذا قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ )4( ‬أي‪ :‬أن ه مكت وب يف الل وح احملف وظ‪ ،‬وحمف وظ يف الص دور‪ ،‬ومكت وب يف‬ ‫‪ ‬‬

‫املصاحف‪ ،‬ومقروء باأللسن فهو كالم اهلل منـزل غري خملوق‪.‬‬


‫خملوق واملنـزل عليه‬ ‫‪‬‬ ‫أما الصدور واأللسن واملداد والورق والكتابة كلها خملوقة‪ ،‬والنيب‬
‫غري خملوق‪ ،‬والصدور والقلوب خملوقة‪ ،‬والقرآن موعى يف الصدور والقلوب‪ ،‬فدل على أن‬
‫(‪) 5‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫الق رآن كيفم ا تص رف‪ ،‬فه و كالم اهلل‪ ،‬قول ه‪:‬‬
‫فالكت اب مس طر‪ ،‬قول ه‪( :‬يس طرون‪ :‬خيط ون يف أم الكت اب) ف القرآن خيط‪ ،‬فاملص حف في ه خ ط‬
‫اخلطاط‪ ،‬ومداد الكاتب والورق وفيه كالم اهلل‪ ،‬والظرفية ختتلف‪ ،‬فيقال يف املصحف كالم‬
‫اهلل‪ ،‬ويق ال في ه م داد وورق‪ ،‬ويق ال‪ :‬في ه خ ط فالن الك اتب‪ ،‬قول ه‪( :‬مجل ة الكت اب وأوص له)‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫أي‪ :‬أصل الكتاب‪ ،‬وهو اللوح احملفوظ كما قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫‪ - 1‬سورة ق آية ‪.18 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األنعام آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة البروج آية ‪.22-21 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الطور آية ‪.2-1 :‬‬

‫‪295‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪ )1( ‬وق ال‬ ‫‪   ‬‬

‫(‪ )2‬أي‪ :‬أصله وهو اللوح احملفوظ‪.‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ )3( ‬ما يتكلم من شيء إال كتب عليه‪ ،‬فالشيء املكتوب‬ ‫‪    ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫غري الكتابة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ق ال ابن عب اس‪ :‬يكتب اخلري والش ر) تكتب احلفظ ة على اإلنس ان ك ل ش يء اخلري‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫والش ر‪ ،‬ومن ه قول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )4( ‬أي‪ :‬ميحو اهلل ما يشاء‪ ،‬ويثبت يف صحف املالئكة؛ ليوافق ما يف اللوح‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ )5( ‬حىت يوافق ما يف اللوح احملفوظ‪،‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫احملفوظ؛ وهلذا قال‪:‬‬
‫فما يف اللوح احملفوظ ال يغري‪ ،‬وال يبدل لكن ما يف صحف املالئكة‪ ،‬قد ميحى منه شيء‬
‫ليوافق ما يف اللوح احملفوظ‪.‬‬
‫ولكنهم حيرفونه‪ :‬يتأولونه عن غري‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب اهلل‬
‫تأويله) هذا قول البخاري‪ ،‬يقول‪ :‬إنه ليس هناك أحد يغري اللفظ‪ ،‬مما يف كتب اهلل كالتوراة‬
‫واإلجنيل والقرآن‪ ،‬والكتب اليت أنـزلت‪ ،‬فليس هناك تغيري حريف إمنا التغيري يكون يف املعىن‪،‬‬
‫وهذا قول‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أن التغيري يكون يف اللفظ واملعىن‪ ،‬فالكتب السابقة كالتوراة واإلجنيل فيها‬
‫ما هو حمرف‪ ،‬وفيها ما هو باق من كالم اهلل‪ ،‬قوله‪( :‬دراستهم‪ :‬تالوهتم) يف قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )6( ‬أي‪ :‬تالوهتم‪.‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزخرف آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الرعد آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة ق آية ‪.18 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الرعد آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الرعد آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة األنعام آية ‪.156 :‬‬

‫‪296‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫والشاهد أنه أضاف الدراسة والتالوة إليهم‪ ،‬واملدروس هو كالم اهلل‪ ،‬والدراسة هي فعل‬
‫العب د‪ ،‬ف دل على إض افة أفع ال اهلل إليهم‪ ،‬ودل على أن كت اب اهلل متل و باأللس ن‪ ،‬فكيفم ا‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫تصرف‪ ،‬فهو كالم اهلل‪ ،‬قوله‪( :‬واعية‪ :‬حافظة) يف قوله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬فاألذن والقلوب خملوقة‪ ،‬وهي حتفظ كالم اهلل‪ ،‬واملوعى فيها كالم اهلل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫قوله‪( :‬ومن بلغ هذا القرآن‪ ،‬فهو له نذير) دل على أن القرآن نذير وبالغ‪ ،‬أما املنذر‬
‫وك ذلك أتباع ه‪ ،‬واإلن ذار والتبلي غ فع ل ل ه منس وب إلي ه‪ ،‬أم ا املن ذر‬ ‫‪‬‬ ‫واملبل غ فه و الرس ول‬
‫‪‬‬ ‫قيل‪ :‬إن هذه اآلية أشد شيء على جهم‪ ،‬وأتباعه وهي قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫واملبلغ به فهو كالم اهلل‬
‫‪ )2( ‬فالقرآن نذارة وبالغ ملن بلغه إىل يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪    ‬‬

‫حديث‪" :‬لما قضى اهلل الخلق كتب كتاًبا عنده"‬


‫‪ - 7553‬و ق ال يل خليف ة بن خي اط‪ :‬ح دثنا معتم ر مسعت أيب‪ ،‬عن قت ادة‪ ،‬عن أيب راف ع‪ ،‬عن أيب‬
‫هريرة‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪  :‬ملا قضى اهلل اخللق كتب كتاًبا عنده‪ ،‬غلبت أو قال‪ :‬سبقت رمحيت‬
‫غضيب‪ ،‬فهو عنده فوق العرش ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫وهي من الصفات الفعلية اليت ال تشابه‬ ‫‪‬‬ ‫هذا فيه إثبات الغضب والرمحة والكتابة هلل‬
‫ص فات املخل وق‪ ،‬وفي ه ك ذلك إثب ات العل و والفوقي ة وإثب ات الع رش‪ ،‬وأن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ف وق‬
‫العرش‪ ،‬وفيه إثبات أن هذا الكتاب خاص‪ ،‬فالعرش سقف املخلوقات‪ ،‬وهذا الكتاب فوقه‪،‬‬
‫فهذا الكتاب مستثىن‪ ،‬فهو خملوق‪ ،‬وهو فوق العرش‪.‬‬
‫حديث‪" :‬فهو مكتوب عنده فوق العرش"‬
‫‪ - 7554‬ح دثين حمم د بن أيب غ الب‪ ،‬ح دثنا حمم د بن إمساعيل‪ ،‬ح دثنا معتم ر‪ ،‬مسعت أيب يق ول‪:‬‬
‫يق ول‪  :‬إن اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫يق ول‪ :‬مسعت رس ول اهلل‬ ‫ح دثنا قت ادة أن أب ا راف ع حدث ه أن ه مسع أب ا هري رة ‪‬‬

‫‪ - 1‬سورة الحاقة آية ‪.12 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنعام آية ‪.19 :‬‬

‫‪297‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫كتب كتاًبا قبل أن خيلق اخللق‪ ،‬إن رمحيت سبقت غضيب‪ ،‬فهو مكتوب عنده فوق العرش‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا فيه إثبات الصفات كما سبق‪ ،‬وأهل الكالم يقولون‪ :‬مستحيل أن يكون اهلل فوق‬
‫العرش؛ ألنه يلزم من ذلك أن يكون جسًم ا وحمدوًدا ومتحيًز ا‪ ،‬وأولوا فوقيته ‪-‬سبحانه‪ -‬على‬
‫العرش باملكانة‪ ،‬وهذا ‪-‬ال شك‪ -‬أنه باطل غري صحيح‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬و الَّلُه َخ َلَق ُك ْم َو َم ا َتْع َم ُلوَن "‬
‫حديث‪" :‬مرنا بُج َم ٍل من األمر إن عملنا بها دخلنا الجنة"‬
‫)‪( 1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪ - 56‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪   :-‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫ويقال للمصورين أحيوا ما خلقتم ‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ )3(            ‬قال ابن عيينة‪:‬‬
‫بني اهلل اخللق من األمر؛ لقوله ‪-‬تعاىل‪ )4(        :-‬ومسى النيب‬
‫أي األعمال أفضل؟ قال‪  :‬إميان‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬اإلميان عمال‪ ،‬قال أبو ذر وأبو هريرة‪ :‬سئل النيب‬
‫‪ )5(   ‬وقال‪  :‬وفد عبد‬ ‫باهلل وجهاد يف سبيله ‪ ‬وقال‪    :‬‬

‫القيس للنيب ‪ ‬مرنا ُجبَم ٍل من األمر إن عملنا هبا دخلنا اجلنة‪ ،‬فأمرهم باإلميان والشهادة‬
‫وإقام الصالة وإيتاء الزكاة ‪ ‬فجعل ذلك كله عمال‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القمر آية ‪.49 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األعراف آية ‪.54 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة األعراف آية ‪.54 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة السجدة آية ‪.17 :‬‬

‫‪298‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫مقصود البخاري يف هذه الرتمجة بيان أن أفعال العباد خملوقة قوله‪:‬‬
‫‪ )1( ‬دلت اآلي ة على أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬خل ق العب اد وخل ق أفع اهلم‪ ،‬وفي ه‬ ‫‪  ‬‬

‫الرد على املعتزلة الذين يقولون‪ :‬إن العباد خالقون ألفعاهلم وأعماهلم‪ ،‬وهذا باطل؛ ألن اهلل‬
‫‪ )2( ‬فيدخل فيه كل شيء خملوق‪،‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫‪-‬تعاىل‪ -‬قال‪:‬‬
‫‪ )3( ‬فاألعمال والطاعات واملعاصي كلها خملوقة‬ ‫‪    ‬‬ ‫وقال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫هلل تعاىل‪.‬‬
‫وق الت املعتزل ة‪ :‬والقدري ة أن ه جيب على اهلل إثاب ة الط ائع على طاعت ه؛ ألن اجلزاء ع وض‬
‫عن أعم اهلم‪ ،‬وك ذلك جيب على اهلل أن يع ذب العاص ي‪ ،‬فحج روا ب ذلك على اهلل وقاس وه‬
‫خبلقه‪ ،‬قوله‪( :‬أحيوا ما خلقتم) أضاف اخللق إليهم‪ ،‬واملراد به هنا التصوير‪ ،‬والتقدير‪ ،‬وهذا‬
‫يكون للمخلوق‪ ،‬فاخللق قسمان‪:‬‬
‫‪ - 1‬االخرتاع واإلجياد والربء‪ ،‬فهذا خاص باهلل ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ - 2‬التص وير والتق دير‪ ،‬وه ذا جيوز للمخل وق‪ ،‬كقول ه ‪-‬تع اىل‪:-‬‬
‫‪ )4( ‬فعيس ى ‪-‬علي ه الس الم‪ -‬ال يوج د‪ ،‬وال خيرتع إمنا يص ور‪،‬‬ ‫‪  ‬‬

‫ويقدر‪ ،‬وينفخ فيه‪ ،‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هو الذي خيلق ويوجد‪ .‬وأفاد حترمي التصوير كما سيأيت‪،‬‬
‫وهذا التكليف باإلحياء للصور املراد منه التعجيز؛ وذلك لتعذيبهم على ذلك‪ ،‬والشاهد أنه‬
‫أضاف اخللق إليهم‪ ،‬فهذه أعمال تنسب إليهم‪ ،‬فيعذبون هبا‪.‬‬
‫‪ )5( ‬فرق اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بني اخللق واألمر‪ ،‬واألمر‬ ‫‪     ‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫هو كالمه ‪-‬سبحانه‪ ،-‬وملا فرق اهلل بينهما دل على التفريق بينهما‪ ،‬أما املعتزلة فقالوا‪ :‬إن‬
‫‪‬‬ ‫األم ر ه و اخلل ق؛ ول ذلك ق الوا‪ :‬إن الق رآن خمل وق‪ ،‬وه ذا باط ل؛ ألن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ق ال‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة الصافات آية ‪.96 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القمر آية ‪.49 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الرعد آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة المائدة آية ‪.110 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة األعراف آية ‪.54 :‬‬

‫‪299‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪ )1( ‬فكيف يكون املعىن مسخرات خبلقه‪ ،‬فدل على أن املراد باألمر‬ ‫‪  ‬‬

‫ه و كالم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ول و ك ان كالم اهلل خملوًق ا لل زم أن يوج د ب أمر آخ ر‪ ،‬واآلخ ر إىل‬
‫آخر‪ ،‬واستمرار هذا باطل بال ريب‪.‬‬
‫اإلميان عمال) دل على أن أعمال العباد تضاف إليهم‪ ،‬يثابون على‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬ومسى النيب‬
‫حسنها‪ ،‬ويعاقبون على سيئها‪.‬‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ج ازاهم‬ ‫‪     ‬‬ ‫قول ه‪ :‬وق ال‪:‬‬
‫على أعماهلم‪ ،‬فأضافها اهلل تعاىل إليهم‪ ،‬فهي أعماهلم تنسب إليهم‪ ،‬وليس كما قالت اجلربية‬
‫أهنم جمبورون على أعماهلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬مرنا ُجبَم ل من األمر‪ ،‬إن عملنا هبا) دل على أن كل ما أمرهم هي أعمال هلم‬
‫مضافة إليهم‪.‬‬
‫حديث‪" :‬لست أنا أحملكم ولكن اهلل حملكم"‬
‫‪ - 7555‬ح دثنا عب د اهلل بن عب د الوه اب‪ ،‬ح دثنا عب د الوه اب‪ ،‬ح دثنا أي وب‪ ،‬عن أيب قالب ة‪،‬‬
‫والقاسم التميمي عن زهدم‪ ،‬قال‪ :‬كان بني هذا احلي من جرم وبني األشعريني ود وإخاء‪ ،‬فكنا عند أيب‬
‫موسى األشعري‪ ،‬فقرب إليه الطعام فيه حلم دجاج‪ ،‬وعنده رجل من بين تيم اهلل‪ ،‬كأنه من املوايل‪ ،‬فدعاه‬
‫إلي ه فق ال‪ :‬إين رأيت ه يأك ل ش يًئا‪ ،‬فقذرت ه فحلفت ال آكل ه فق ال‪ :‬هلم فألح دثك عن ذاك‪  :‬إين أتيت‬
‫يف نفر من األشعريني نستحمله‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ال أمحلكم‪ ،‬وما عندي ما أمحلكم‪ ،‬فأيت‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫بنهب إبل فسأل عنا‪ ،‬فقال‪ :‬أين النفر األشعريون‪ ،‬فأمر لنا خبمس ذود غر الذرى‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫النيب‬
‫أن ال حيملنا وما عنده ما حيملنا‪ ،‬مث محلنا‬ ‫‪‬‬ ‫مث انطلقنا قلنا‪ :‬ما صنعنا حلف رسول اهلل‬
‫تغفلن ا رس ول اهلل ‪ ‬ميين ه‪ ،‬واهلل ال نفلح أب ًد ا‪ ،‬فرجعن ا إلي ه‪ ،‬فقلن ا ل ه‪ :‬فق ال‪ :‬لس ت أن ا‬
‫أمحلكم‪ ،‬ولكن اهلل محلكم‪ ،‬وإين واهلل ال أحل ف على ميني‪ ،‬ف أرى غريه ا خ ًريا منه ا إال‬
‫أتيت الذي هو خري منه‪ ،‬وحتللتها ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.54 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة السجدة آية ‪.17 :‬‬

‫‪300‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫الشرح‪:‬‬
‫قوله‪( :‬إين رأيته يأكل شيًئا فقذرته) أي‪ :‬أنه رأى الدجاج يأكل شيًئا جنًس ا‪ ،‬فقذره ألجل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فأمر لنا خبمس ذود) الذود‪ :‬ما بني الثالثة إىل العشرة‪ .‬قوله‪( :‬غر الذرى) أي‪ :‬بيض‬
‫األس نمة‪ .‬قول ه‪( :‬لس ت أن ا أمحلكم‪ ،‬ولكن اهلل محلكم) ه ذا ه و الش اهد؛ ألن ه نس ب احلم ل‬
‫لنفسه‪ ،‬وفيه رد على القدرية؛ ألنه قال‪( :‬اهلل محلكم)‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬إين واهلل ال أحل ف على ميني‪ ،‬ف أرى غريه ا خ ًريا منه ا‪ )...‬دل على أن اليمني ال‬
‫متن ع من فع ل اخلري‪ ،‬فمن حل ف على ميني ورأى غريه ا خ ًريا منه ا فإن ه يكف ر عن ميين ه‪،‬‬
‫ويأيت اليت هي خري‪ .‬وسواء كان التكفري قبل احلنث‪ ،‬أو بعده‪.‬‬
‫حديث‪" :‬آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع"‬
‫‪ - 7556‬حدثنا عمرو بن علي‪ ،‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬حدثنا قرة بن خالد‪ ،‬حدثنا أبو مجرة الضبعي‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬إن بيننا وبينك املشركني من‬ ‫قلت البن عباس فقال‪ :‬قدم وفد عبد القيس على رسول اهلل ‪‬‬
‫مضر‪ ،‬وإنا ال نصل إليك إال يف أشهر حرم‪ ،‬فمرنا ُجبَم ل من األمر‪ ،‬إن عملنا به دخلنا‬
‫اجلن ة‪ ،‬ون دعو إليه ا من وراءن ا ق ال‪ :‬آم ركم ب أربع‪ ،‬وأهناكم عن أرب ع‪ ،‬آم ركم باإلميان باهلل‪،‬‬
‫وهل تدرون ما اإلميان باهلل؟ شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وتعطوا‬
‫من املغنم اخلمس‪ ،‬وأهناكم عن أربع‪ :‬ال تشربوا يف الدباء والنقري والظروف املزفتة واحلنتمة‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫سبق بيان هذا احلديث يف الكالم على الرتمجة‪ ،‬وفيما سبق من األبواب‪ ،‬قوله‪( :‬الدباء)‬
‫هي القرع‪ ،‬كانت العرب يأخذون اللب الذي يف وسطه‪ ،‬مث ينبذون فيه العصري من العنب‬
‫وغريه‪ ،‬مث إذا مضى يومان أو ثالثة ختمر‪ ،‬وال يتبني؛ ألن الدباء قوية؛ لذلك أمرهم النيب‬
‫أن ينتبذوا يف األسقية من اجللد‪ ،‬حىت إذا ختمرت متزقت‪ ،‬قوله‪( :‬والنقري) هو اجلذع ينقر‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مث يوضع فيه العصري‪ ،‬فيتخمر إن ترك‪ ،‬قوله‪( :‬الظروف املزفتة) وهي املطلية بالزفت‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫قوله‪( :‬واحلنتمة) وهي من الطني الفخار‪ ،‬مثل األزيار املعروفة اآلن‪ ،‬فهذه ينتبذ فيها من‬
‫أال ينتبذوا هبذه األشياء‪ ،‬بل ينتبذوا‬ ‫‪‬‬ ‫العصري وغريه‪ ،‬فيتخمر‪ ،‬وال يعلم عنه‪ ،‬فأمرهم النيب‬
‫يف األش ياء الرقيق ة‪ ،‬ال يت إذا ختم رت متزقت من ش دهتا‪ ،‬وه ذا ك ان يف أول األم ر‪ ،‬مث بع د‬
‫(انتبذوا يف كل شيء‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ذلك نسخ هذا النهي‪ ،‬بعد أن عرف الناس الشريعة‪ ،‬وقال النيب‬
‫وال تشربوا مسكًر ا)‪.‬‬
‫حديث‪" :‬إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة"‬
‫‪ - 7557‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا الليث‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن القاسم بن حممد‪ ،‬عن عائشة ‪-‬رضي‬
‫ق ال‪  :‬إن أص حاب ه ذه الص ور يع ذبون ي وم القيام ة‪ ،‬ويق ال هلم‪:‬‬ ‫اهلل عنه ا‪ -‬أن رس ول اهلل ‪‬‬
‫أحيوا ما خلقتم ‪.‬‬
‫‪ - 7558‬حدثنا أبو النعمان‪ ،‬حدثنا محاد بن زيد‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة‪ ،‬ويقال‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال النيب‬
‫هلم‪ :‬أحيوا ما خلقتم ‪.‬‬
‫‪ - 7559‬حدثنا حممد بن العالء‪ ،‬حدثنا ابن فضيل‪ ،‬عن عمارة‪ ،‬عن أيب زرعة مسع أبا‬
‫ومن أظلم ممن ذهب خيل ق كخلقي‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫يق ول‪  :‬ق ال اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪ :‬مسعت الن يب‬ ‫‪‬‬ ‫هري رة‬
‫فليخلقوا ذرة‪ ،‬أو ليخلقوا حبة‪ ،‬أو شعرية ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ذه األح اديث الثالث ة فيه ا حترمي الص ور وأن التص وير من كب ائر ال ذنوب‪ ،‬وأن املص ور‬
‫من أظلم الناس‪ ،‬فهو يعذب يوم القيامة‪ ،‬ويؤمر بإحياء ما خلق تعجيًز ا له‪ ،‬وتبكيًت ا وتعذيًبا‬
‫ل ه؛ وهلذا ج اء يف احلديث اآلخ ر‪  :‬من ص ور ص ورة‪ ،‬كل ف أن ينفخ فيه ا ال روح‪ ،‬وليس‬
‫ويف احلديث األول ق ال‪( :‬أحي وا م ا خلقتم)‪ .‬واحلديث الث الث ح ديث قدس ي من‬ ‫‪‬‬ ‫بن افخ‬
‫يق ول اهلل ‪-‬تع اىل‪( :-‬ومن أظلم ممن ذهب خيل ق كخلقي) أي‪ :‬ال أش د ظلًم ا‬ ‫‪‬‬ ‫كالم اهلل‬

‫‪302‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫منه‪ .‬مث قال‪ :‬فليخلقوا حبة‪ )...‬إخل‪ .‬هذا تعجيز هلم؛ ألهنم ال يستطيعون ذلك‪ ،‬واخللق ‪-‬كما‬
‫سبق‪ -‬يطلق على شيئني‪:‬‬
‫‪ - 1‬يطلق على اإلجياد واالخرتاع والربء‪ ،‬وهذا ال يقدر عليه‪ ،‬إال اهلل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬يطل ق على التق دير والتص وير وض م األش ياء بعض ها إىل بعض‪ ،‬فه ذا ينس ب إىل‬
‫‪‬‬ ‫املخل وق‪ ،‬ومن ه قول ه‪( :‬أحي وا م ا خلقتم) أي‪ :‬م ا ص ورمت وق درمت‪ ،‬ومن ه قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪ )1( ‬أي‪ :‬أحس ن اخلالقني املق درين املص ورين‪ ،‬ال‬ ‫‪    ‬‬

‫ومنه قوله ‪-‬تعاىل‪ -‬يف عيسى ‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫املنشئني املخرتعني‪ ،‬فليس هناك منشئ وال خمرتع إال اهلل‬
‫‪ )2( ‬أي‪ :‬تص ور وتق در‪،‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫علي ه الس الم‪:-‬‬
‫فعيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬يصور‪ ،‬ويقدر‪ ،‬وينفخ فيه‪ ،‬مث خيلق اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فيه الروح‪ ،‬فاخللق‬
‫واإلجياد من اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬والتصوير والتقدير لعيسى‪ ،‬عليه السالم‪ .‬فاملصورون ال ينشئون‪ ،‬إمنا‬
‫يصورون‪ ،‬ويقدرون‪.‬‬
‫ويف احلديث حترمي الص ور ال يت من ذوات األرواح؛ وهلذا ق ال‪( :‬أحي وا م ا خلقتم) ويف‬
‫ف دل على أن احملَّر م ه و تص وير ذوات‬ ‫‪‬‬ ‫كل ف أن ينفخ فيه ا ال روح‬ ‫‪‬‬ ‫احلديث اآلخ ر‬
‫األرواح كاآلدميني‪ ،‬أو احليوانات‪ ،‬أو الطيور واحلشرات‪ ،‬فكل ما فيه روح حران‪ ،‬أما صور‬
‫غ ري ذوات األرواح كاألش جار‪ ،‬أو النبات ات‪ ،‬أو اجلب ال‪ ،‬أو الس يارات‪ ،‬أو الط ائرات‪ ،‬فال‬
‫بأس به؛ ألن هذه األشياء ليست من ذوات األرواح والشاهد من احلديث قوله‪( :‬أحيوا ما‬
‫خلقتم) فأض اف اخلل ق إليهم‪ ،‬فه و عملهم‪ ،‬ف دل على أن األعم ال تض اف إىل العب اد‪ ،‬وإن‬
‫كان اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬خلق العباد‪ ،‬وخلق أعماهلم‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫التحني ط ليس تص ويًر ا‪ ،‬لكن ه ممن وع من جه ة أخ رى؛ وذل ك ألن في ه إض اعة للم ال‪،‬‬
‫ويكون ذريعة للتساهل بالتصوير؛ ألن من رآه يظن أنه صورة‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة المؤمنون آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المائدة آية ‪.110 :‬‬

‫‪303‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم‬


‫حديث‪" :‬مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كاُألْترَج ِة"‬
‫‪ - 57‬باب قراءة الفاجر واملنافق‪ ،‬وأصواهتم وتالوهتم ال جتاوز حناجرهم‪.‬‬
‫عن‬ ‫‪ - 7560‬ح دثنا هدب ة بن خال د‪ ،‬ح دثنا مهام‪ ،‬ح دثنا قت ادة‪ ،‬ح دثنا أنس‪ ،‬عن أيب موس ى ‪‬‬
‫النيب ‪ ‬قال‪  :‬مثل املؤمن الذي يقرأ القرآن كاُألْترَج ِة‪ ،‬طعمها طيب‪ ،‬ورحيها طيب‪ ،‬ومثل‬
‫الذي ال يقرأ كالتمرة‪ ،‬طعمها طيب‪ ،‬وال ريح هلا‪ ،‬ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل‬
‫الرحيانة‪ ،‬رحيها طيب‪ ،‬وطعمها مر‪ ،‬ومثل الفاجر الذي ال يقرأ القرآن كمثل احلنظلة‪ ،‬طعمها‬
‫مر وال ريح هلا ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫املقص ود هبذه الرتمجة بي ان أن الن اس يتف اوتون يف الق راءة‪ ،‬فالف اجر واملن افق ال جتاوز‬
‫قراءهتم حناجرهم وتراقيهم‪ ،‬واملؤمن تتجاوز ذلك‪ ،‬وترفع إىل السماء‪ ،‬فدل على أن الناس‬
‫يتفاوتون يف القراءة؛ ألهنا عملهم‪ ،‬وأعماهلم منسوبة إليهم‪ ،‬ودل كذلك على أن التالوة غري‬
‫منـزل غري خملوق؛‬ ‫‪‬‬ ‫املتلو‪ ،‬فالتالوة عمل العبد‪ ،‬وهي خملوقة‪ ،‬وأما املتلو‪ ،‬فهو كالم اهلل‬
‫وهلذا ب وب البخ اري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬هبذه الرتمجة ح ىت ق ال‪( :‬ال جتاوز حن اجرهم) ف دل على أن‬
‫تالوة الق ارئ عم ل ل ه‪ .‬أم ا املتل و‪ ،‬فه و كالم اهلل يق رؤه ال رب والف اجر‪ ،‬فالف اجر ال جتاوز‬
‫تالوته حنجرته‪ ،‬أي‪َ :‬تْر ُقوَته‪ ،‬واملؤمن تتجاوز ذلك‪ ،‬ويرفع عمله إىل السماء‪.‬‬
‫ويف ح ديث أيب موس ى ه ذا‪َ ،‬قَّس َم الن ُّيب ‪ ‬الن اس يف تالوة الق رآن إىل أربع ة أقس ام‪:‬‬
‫م ؤمن يق رأ الق رآن‪ ،‬وم ؤمن ال يق رأ الق رآن‪ ،‬وف اجر يق رأ الق رآن‪ ،‬وف اجر ال يق رأ الق رآن‪،‬‬
‫وك ل واح د ض رب ل ه مث ل‪ ،‬ف املؤمن ال ذي يق رأ الق رآن ض رب ل ه مث ل باُألترج ة طعمه ا‬
‫طيب‪ ،‬ورحيه ا طيب؛ وذل ك ألن املؤمن طعم ه طيب؛ ألن مع ه اإلميان‪ ،‬ورائحت ه طيب ة؛ ألن‬
‫معه القرآن‪ ،‬ومثل املؤمن الذي ال يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب؛ ألن معه اإلميان‪،‬‬
‫لكن ال ريح هلا؛ ألن ه ليس مع ه الق رآن‪ ،‬ومث ل املن افق ال ذي يق رأ الق رآن‪ ،‬مث ل الرحيان ة‬

‫‪304‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫طعمه ا م ر؛ ألن ه ليس مع ه اإلميان‪ ،‬وهلا رائح ة؛ ألن مع ه الق رآن‪ ،‬ومث ل الف اجر أو املن افق‬
‫الذي ال يقرأ القرآن مثل احلنظلة‪ ،‬طعمها مر‪ ،‬وال ريح هلا؛ ألنه ليس معه إميان وال قرآن‪،‬‬
‫وه ذا ي دل على أن الن اس يتف اوتون يف التالوة فهي أعم اهلم‪ ،‬وأعم اهلم خملوق ة‪ ،‬وأم ا كالم‬
‫اهلل فمنـزل غري خملوق‪.‬‬
‫حديث‪" :‬تلك الكلمة من الحق يخَطفها الجني"‬
‫‪ - 7561‬ح دثنا علي‪ ،‬ح دثنا هش ام‪ ،‬أخربن ا معم ر‪ ،‬عن الزه ري‪ ،‬وح دثين أمحد بن ص احل‪ ،‬ح دثنا‬
‫عنبس ة‪ ،‬ح دثنا ي ونس‪ ،‬عن ابن ش هاب‪ ،‬أخ ربين حيىي بن ع روة بن الزب ري‪ ،‬أن ه مسع ع روة بن الزب ري ق ال‪،‬‬
‫عن الكهان فقال‪  :‬إهنم ليسوا بشيء فقالوا‪:‬‬ ‫قالت‪ :‬عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬سأل أناس النيب ‪‬‬
‫تلك الكلمة من احلق‬ ‫‪‬‬ ‫يا رسول اهلل‪ ،‬فإهنم حيدثون بالشيء يكون حًّقا‪ ،‬قال‪ :‬فقال النيب‬
‫خيَطفها اجلين‪ ،‬فيقرقره ا يف أذن ولي ه كقرق رة الدجاجة‪ ،‬فيخلطون في ه أكثر من مائة كذبة‬
‫‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫(الكهان) مجع كاهن‪ ،‬وهو الذي خيرب عن املغيبات يف املستقبل‪ ،‬وله رأي من اجلن يأتيه‬
‫باألخبار‪ .‬وهو ي دعي الغيب يف املستقبل عن طريق ه ذا ال رأي‪ ،‬وإذا كان ذلك عن طريق‬
‫العق د وال رقى والع زائم‪ ،‬ال يت يفعله ا مسي س احًر ا‪ ،‬وإذا ك ان ادع اؤه للغيب بس بب النظ ر يف‬
‫النج وم‪ ،‬أو اخلط يف األرض‪ ،‬أو ض رب احلص ى وال ودع مسي منجًم ا‪ ،‬وإذا ك ان ادع اؤه‬
‫للغيب مبقدمات يستدل هبا على معرفة املسروق‪ ،‬ومكان الضالة مسي عراًف ا‪ ،‬فكلهم جيمعهم‬
‫شيء واحد‪ ،‬وهو دعوى علم الغيب‪ ،‬لكن بطرق خمتلفة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬إهنم ليس وا بش يء) أي‪ :‬أن إخب ارهم ال يوث ق هبا‪ ،‬وال ينبغي أن يعتم د عليه ا‪،‬‬
‫قول ه‪( :‬إهنم حيدثون بالش يء‪ ،‬يك ون حًّق ا أي‪ :‬أن ه أحياًن ا يق ع م ا ق الوا‪ ،‬فق ال‪ :‬تل ك الكلم ة‬
‫خيطفه ا اجلين‪ ،‬فيقرقره ا يف أذن ولي ه‪ )..‬يف لف ظ (فيقرقره ا يف أذن ولي ه كقرق رة الدجاج ة‬
‫قرق ر) وج اء يف ح ديث آخ ر‪( :‬إن الش ياطني ي ركب بعض هم بعًض ا‪ ،‬فيس رتقون الس مع من‬

‫‪305‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫السحاب)‪ ،‬أو من السماء الدنيا؛ ألن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬إذا تكلم بالوحي أخذت السماوات منه‬
‫رجفة‪ ،‬فإذا صعقوا (أي‪ :‬املالئكة) يكون أول من يرفع رأسه جربيل‪ ،‬فيخربه اهلل من وحيه‬
‫م ا أراد‪ ،‬فيتكلم جربي ل‪ ،‬مث يتكلم أه ل الس ماء الس ابعة‪ ،‬وهك ذا ح ىت يص ل إىل الس ماء‬
‫الدنيا‪ ،‬وأحياًنا يكون املالئكة يف السحاب‪ ،‬فيتكلمون بالوحي‪ ،‬فيسمعه الشيطان الفوقاين‪ ،‬مث‬
‫يلقيها من حتته‪ ،‬مث يلقيها إىل من حتته‪ ،‬حىت تصل إىل الشيطان الذي يف األسفل‪ ،‬فيقرقرها‬
‫يف أذن وليه‪ ،‬أي‪ :‬الكاهن كقرقرة الدجاجة قرقر‪ ،‬فإذا وصلت إىل الكاهن خلط معها مائة‬
‫كذبة‪ ،‬فصار خيرب الناس هبذا الكذب الكثري‪ ،‬وإن كان معه خرب واحد صحيح مسموع من‬
‫السماء‪ ،‬فالناس يصدقون الكاهن جبميع الكذب من أجل واحدة‪.‬‬
‫فه ذا في ه دلي ل على قب ول النفس للش ر والباط ل‪ ،‬فكي ف يعت ربون بواح دة وال يعت ربون‬
‫باملائ ة‪ ،‬والش هب تالح ق الش ياطني وحترقهم‪ ،‬فرمبا أدرك الش هاب الش يطان األس فل قب ل أن‬
‫يلقيه ا يف أذن الك اهن‪ ،‬ورمبا ألقاه ا يف أذن ه‪ ،‬مث حيرق ه الش هاب‪ ،‬فه ذا ي دل على أن‬
‫الشياطني كثرة‪ ،‬وهذا فيه تفاوت الناس‪ ،‬فتكلم الكاهن بالكلمة اليت مسعت من السماء غري‬
‫تكلم اجلين‪ ،‬وغ ري تكلم املالئك ة‪ ،‬فهم يتف اوتون بالكلم ة الواح دة ال يت تس مع من الس ماء‪،‬‬
‫فدل على أن الناس يتفاوتون هبذا‪ ،‬وأن هذه أعماهلم‪ ،‬والوحي كذلك يسمع من السماء‪،‬‬
‫وه و كالم اهلل‪ ،‬لكن تالوة الن اس ل ه خمتلف ة‪ ،‬ف دل على أن التالوة من أعم ال العب اد وأم ا‬
‫املتلو‪ ،‬فهو كالم اهلل ‪.‬‬
‫حديث‪" :‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الَّر مية"‬
‫‪ - 7562‬حدثنا أبو النعمان‪ ،‬حدثنا مهدي بن ميمون مسعت حممد بن سريين‪ ،‬حيدث عن معبد بن‬
‫ق ال‪  :‬خيرج ن اس من قب ل املش رق‪ ،‬ويق رءون‬ ‫‪‬‬ ‫عن الن يب‬ ‫س ريين‪ ،‬عن أيب س عيد اخلدري ‪‬‬
‫القرآن ال جياوز َتراقيهم‪ ،‬ميرقون من الدين كما ميرق السهم من الَّر مية‪ ،‬مث ال يعودون فيه‬
‫حىت يعود السهم إىل فوقه‪ ،‬قيل‪ :‬ما سيماهم؟ قال‪ :‬سيماهم التحليق‪ ،‬أو قال‪ :‬التسبيد ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬

‫‪306‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫هؤالء هم اخلوارج‪ ،‬والشاهد من احلديث قوله‪( :‬ويقرؤون القرآن‪ ،‬ال جياوز تراقيهم) فدل‬
‫على أن قراءهتم عمل هلم‪ ،‬ال جتاوز َت راقيهم‪ ،‬وغريهم من الصحابة يقرءون القرآن‪ ،‬وجتاوز‬
‫ق راءهتم ت راقيهم‪ ،‬وترف ع أعم اهلم إىل الس ماء‪ ،‬فالن اس يتف اوتون‪ ،‬منهم من يق رأ الق رآن‪ ،‬وال‬
‫تتج اوز قراءت ه حنجرت ه‪ ،‬ومنهم من يق رأ الق رآن‪ ،‬ويرف ع عمل ه إىل الس ماء‪ ،‬ف دل على أن‬
‫تالوته القرآن عمل العبد‪ ،‬أما املتلو فهو كالم اهلل‪ ،‬منـزل غري خملوق‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ال جياوز ت راقيهم) يف رواي ة‪  :‬حتق رون ص التكم عن د ص الهتم‪ ،‬وص يامكم عن د‬
‫فدل على أن عندهم اجتهاد يف العبادة‪ ،‬قوله‪( :‬ميرقون من الدين‪ )...‬أي‪ :‬ميرقون‬ ‫‪‬‬ ‫صيامهم‬
‫مروًق ا عظيًم ا (كم ا ميرق الس هم من الرمي ة) أي‪ :‬كم ا ينطل ق الس هم من الق وس س ريًعا‪،‬‬
‫ويص يب (الرمي ة) وهي الص يد‪ ،‬ف إذا ك ان الس هم قوًّي ا نف ذ يف املص يد‪ ،‬وخ رج من ه س ريًعا‪،‬‬
‫فك ذلك هم خيرج ون من ال دين كم ا خيرج الس هم من الرمي ة‪ ،‬أي‪ :‬الص يد (مث ال يع ودون‬
‫قال‪( :‬ميرقون من الدين‪ ،‬كما‬ ‫‪‬‬ ‫إليه) استدل به بعض العلماء على كفر اخلوارج؛ ألن النيب‬
‫ميرق السهم من الرمية‪ ،‬مث ال يعودون فيه) وإذا كانوا ال يعودون إليه دل على أهنم كفار‪،‬‬
‫(حىت يعود السهم إىل فوقه) وهل ميكن أن يعود السهم إىل فوقه؟‪.‬‬
‫اجلواب ال؛ ألن السهم إذا خرج من القوس‪ ،‬فإنه ال يعود‪ ،‬فهم ال يعودون إىل الدين‬
‫إال إذا ع اد الس هم إىل فوق ه‪ ،‬وذهب مجه ور العلم اء إىل أهنم مبتدع ة؛ ألهنم مت أولون‪،‬‬
‫ملا قيل له‪ :‬أكفار هم؟ قال‪ :‬من الكفر فروا‪ .‬قوله‪( :‬سيماهم التحليق)‬ ‫‪‬‬ ‫واستدلوا بقول علي‬
‫أي‪ :‬عالمة اخلوارج‪ ،‬واملراد حلق الرأس‪ ،‬فهي عالمة هلم‪ ،‬وليس كل من حلق رأسه يكون‬
‫من اخلوارج‪ ،‬لكن اخلوارج يش ددون يف احلل ق‪ ،‬ح ىت أهنم ال جيعلون ه ينبت‪ ،‬ويتعب دون اهلل‬
‫بذلك‪ ،‬ويتخذون ذلك شعاًر ا‪ ،‬وديدًنا هلم‪ .‬وليس املراد حلق اللحية‪ ،‬كما قال بعضهم‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬

‫‪307‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫ال حيلق رأسه إال يف حج أو عمرة قال اإلمام أمحد‪( :‬هو سنة‪ ،‬لو نقوي‬ ‫‪‬‬ ‫كان النيب‬
‫عليه الختذناه‪ ،‬لكن له كلفة ومشقة‪ ،‬ومن كان له شعر فليكرمه) فحلق الشعر يف غري احلج‬
‫والعمرة جائز‪ ،‬ال سيما إذا كان شعر الفاسق‪.‬‬
‫باب قول اهلل‪َ" :‬و َنَض ُع اْلَمَو اِز يَن اْلِق ْس َط ِلَيْو ِم اْلِق َياَمِة"‬
‫‪ - 58‬باب قول اهلل ‪-‬تعاىل‪ )1(        :-‬وأن‬
‫أعمال بين آدم‪ ،‬وقوهلم يوزن‪ ،‬وقال جماهد‪ :‬القسطاس‪ :‬العدل بالرومية‪ ،‬ويقال‪ :‬القسط‪ :‬مصدر‬
‫املقسط‪ ،‬وهو العادل‪ ،‬وأما القاسط فهو اجلائر‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫املقص ود هبذه الرتمجة بي ان أن أعم ال العب اد وأق واهلم ت وزن‬
‫(‪ )2‬ومن أق وال العب اد تس بيحهم وهتليلهم وتكب ريهم وتالوهتم‬ ‫‪   ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫للق رآن‪ ،‬كله ا ت وزن‪ ،‬وأم ا املتل و فه و كالم اهلل منـزل غ ري خمل وق‪ .‬قول ه‪:‬‬
‫‪ )3( ‬أص ل امليزان‪ :‬م وزان‪ ،‬س كنت ال واو وكس ر م ا قبله ا فقلبت ي اء‪ ،‬وه ذه‬ ‫‪‬‬

‫قاعدة صرفية معروفة‪.‬‬


‫واحلديث في ه إثب ات املوازين‪ ،‬وأهنا ح ق‪ ،‬واختل ف العلم اء ه ل هي م وازين متع ددة؟ أو‬
‫م يزان واح د؟ اجلواب‪ :‬قي ل‪ :‬إهنا م وازين متع ددة‪ ،‬وقي ل‪ :‬إن ه م يزان واح د‪ ،‬وإمنا مجع املوازين‬
‫باعتبار تعدد األعمال اليت توزن‪ .‬وهو ميزان حسي‪ ،‬له لسان وِكفتان‪ ،‬هذا الصواب الذي‬
‫عليه معتقد أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وأنكر املعتزلة امليزان احلسي‪ ،‬وقالوا‪ :‬املراد به العدل‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أن اهلل عادل‪ ،‬وقالوا‪ :‬ألنه ال حيتاج إىل امليزان إال البقال والفوال‪ ،‬أما الرب‪ ،‬فال حيتاج إىل‬
‫امليزان احلس ي‪ ،‬فهك ذا ت راهم يعارض ون النص وص بعق وهلم؛ ألن املعتزل ة أه ل عق ول يق دموهنا‬
‫على النص وص‪ ،‬وق وهلم ه ذا من أبط ل الباط ل‪ ،‬ألن النص وص دلت على أن امليزان م يزان‬

‫‪ - 1‬سورة األنبياء آية ‪.47 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة األنبياء آية ‪.47 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة األنبياء آية ‪.47 :‬‬

‫‪308‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫حقيقي‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫‪ )1( ‬وجاء يف احلديث (إثبات امليزان‪ ،‬وأن له كفتني ولسان)‪.‬‬
‫ودل احلديث كذلك على أن أعمال العباد وأقواهلم توزن‪ ،‬وجاء يف بعض األحاديث أن‬
‫وملا كشفت‬ ‫‪‬‬ ‫يؤيت بالرجل السمني‪ ،‬ال يزن عند اهلل جناح بعوضة‬ ‫‪‬‬ ‫األشخاص يوزنون‬
‫مما تض حكون؟‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ض حك بعض الص حابة‪ ،‬ق ال هلم‬ ‫‪‬‬ ‫ال ريح عن س اقي ابن مس عود‬
‫ق الوا‪ :‬من دق ة س اقيه‪ ،‬ي ا رس ول اهلل‪ ،‬ق ال‪ :‬وال ذي نفس ي بي ده‪ ،‬هلم ا يف امليزان أثق ل ي وم‬
‫ف دل على أن األش خاص يوزن ون‪ ،‬والكف رة ال يقيم اهلل هلم وزًن ا‬ ‫‪‬‬ ‫القيام ة من جب ل أح د‬
‫‪. ) 2( ‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫قول ه (القس ط)‪ :‬ه و الع دل‪ ،‬كم ا ذك ر املؤل ف واملقس ط ه و الع ادل من الرب اعي‪ ،‬أقس ط‬
‫(املقس طون على من ابر من ن ور‪ ،‬عن ميني ال رمحن‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫يقس ط‪ ،‬أي‪ :‬الع ادل‪ ،‬كم ا ق ال الن يب‬
‫وكلتا يديه ميني‪ ،‬الذين يعدلون يف حكمهم وأهليهم وما ولوا)‪.‬‬
‫والقاس ط ه و اجلائز الظ امل‪ ،‬من الثالثي قس ط يقس ط أي‪ :‬ج ار وظلم‪ ،‬ومن ه قول ه ‪-‬‬
‫‪. ) 3( ‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫تعاىل‪:-‬‬
‫حديث‪" :‬كلمتان حبيبتان إلى الرحمن"‬
‫‪ - 7563‬حدثين أمحد بن إشكاب‪ ،‬حدثنا حممد بن فضيل‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع‪ ،‬عن أيب زرعة‪،‬‬
‫كلمت ان حبيبت ان إىل ال رمحن‪ ،‬خفيفت ان على اللس ان‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ق ال‪ :‬ق ال الن يب‬ ‫عن أيب هري رة ‪‬‬
‫ثقيلتان يف امليزان‪ ،‬سبحان اهلل وحبمده‪ ،‬سبحان اهلل العظيم ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا حديث عظيم‪ ،‬ختم به املؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬كتابه الصحيح‪ ،‬وهاتان الكلمتان ‪-‬كما‬
‫وصفهما النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خفيفتان على اللسان‪ ،‬ال تكلفان شيًئا على قائلهما‪.+‬‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الكهف آية ‪.105 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الجن آية ‪.15 :‬‬

‫‪309‬‬
‫شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‬

‫وهي صفة من صفاته‪ ،‬تليق جبالله‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪( :‬حبيبتان إىل الرمحن) فيه إثبات احملبة للرب‬
‫‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬وليست هي اإلرادة كما تؤوهلا به األشاعرة‪ ،‬إمنا اإلرادة صفة أخرى‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ثقيلت ان يف امليزان) في ه إثب ات املوازين‪ ،‬وأن األعم ال واألق وال ت وزن‪ ،‬ومن ذل ك‬
‫هات ان الكلمت ان‪ :‬س بحان اهلل وحبم ده‪ ،‬وس بحان اهلل العظيم‪ ،‬فهم ا توزن ان‪ ،‬وهلم ا ثق ل عظيم‬
‫يف امليزان‪ ،‬وإذا ك ان التس بيح والتحمي د واألق وال واألعم ال ت وزن‪ ،‬فمن ذل ك تالوة العب د‬
‫للقرآن‪ ،‬فهي عمل له يوزن كذلك‪ ،‬أما املقروء فهو كالم اهلل منـزل غري خملوق‪ ،‬وهذا هو‬
‫الشاهد للرتمجة‪.‬‬
‫إمنا األعمال بالنيات لبيان اإلخالص‪ ،‬وأنه‬ ‫‪‬‬ ‫واملؤلف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ابتدأ صحيحه حبديث‬
‫جيب على اإلنسان‪ ،‬وعلى طالب العلم أن خيلص عمله هلل تعاىل‪ ،‬مث ابتدأ بعد ذلك بكت اب‬
‫(بدء الوحي) ألن الوحي‪ ،‬هو الذي تكون به الرساالت والشرائع‪ ،‬وختم صحيحة بكتاب‬
‫التوحيد‪ ،‬وما ذاك إال ألن التوحيد فيه عصمة املال والدم يف الدنيا‪ ،‬والسالمة من النار‪ ،‬أو‬
‫التخليد فيها يف اآلخرة‪.‬‬
‫وختم ‪-‬أيض ا‪ -‬كتاب ه حبديث وزن األعم ال؛ ألن وزن األعم ال هي ال يت يت بني هبا فالح‬
‫العب د ي وم القيام ة‪ ،‬أو خس ارته‪ ،‬ف إذا ثقلت موازين ه ت بني فالحه‪ ،‬وإذا خفت ت بني خس ارته‪،‬‬
‫فبدأ صحيحه بالكالم‪ ،‬وهو الوحي‪ ،‬وختمه بالكالم ووزن األعمال؛ ألن الكالم هو الذي‬
‫تكون به الرساالت والشرائع واألوامر والنواهي‪ ،‬رمحه اهلل‪ ،‬وغفر له‪.‬‬
‫هذا هناية شرح كتاب التوحيد‪ ،‬واحلمد هلل ظاهًر ا وباطًن ا‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم تسليًم ا كثًريا‪.‬‬

‫‪310‬‬

You might also like