Professional Documents
Culture Documents
نص الحديث
عن عمر بن اخلطاب قال :بينما حنن جلوس عند رسول اهلل
ذات يوم ،إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ،شديد سواد،
الش عر ال ي رى عليه أثر الس فر ،وال يعرفه منا أحد ،حىت جلس إىل
النيب ،فأسند ركبتيه إىل ركبتيه ،ووضع كفيه على فخذيه ،وقال:
يا حممد! أخ ربين عن اإلس الم ،فق ال رس ول اهلل « :اإلس الم أن
تش هد أن ال إله إال اهلل ،وأن محم ًدا رس ول اهلل ،وتقيم الص الة،
وت ؤتي الزك اة ،وتص وم رمض ان ،وتحج ال بيت إن اس تطعت إليه
س بيال» ق ال :ص دقت ،ق ال :فعجبنا له! يس أله ويص دقه .ق ال:
ف أخربين عن اإلميان ،ق ال« :أن ت ؤمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبه،
ورسله ،واليوم اآلخر ،وتؤمن بالقدر خيره وشره» قال :صدقت.
ق ال :ف أخربين عن اإلحس ان ،ق ال« :أن تعبد اهلل كأنك ت راه ،ف إن
لم تكن ت راه فإنه ي راك» .ق ال :ف أخربين عن الس اعة ،ق ال« :ما
المس ئول عنها ب أعلم من الس ائل» .ق ال :ف أخربين عن أماراهتا،
ق ال« :أن تلد األمة ربتها ،وأن ت ري الحف اة الع راة العالة رع اء
مليا ،مث ق ال يل:
الش اء يتط اولون في البني ان» ،مث انطلق ،فلبثت ًّ
«يا عمر ،أت دري من الس ائل؟» قلت :اهلل ورس وله أعلم ،ق ال:
«فإنه جبريل ،أتاكم يعلمكم دينكم» رواه مسلم.
6 شرح حديث جبريل
شرح الحديث
هذا احلديث تفرد به مسلم عن البخاري بإخراجه فخرجه من
طريق كهمس عن عبد اهلل بن بري دة عن حيىي بن يعمر ق ال :ك ان
أول من ق ال يف الق در بالبص رة معبد اجلهني ف انطلقت أنا ومحيد بن
عبد ال رمحن احلم ريي ح اجني أو معتم رين فقلنا :لو لقينا أح ًدا من
أص حاب رس ول اهلل فس ألناه عما يق ول ه ؤالء يف الق در فوفق لنا
عبد اهلل بن عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنهما داخال املس جد،
فاكتنفته أنا وص احيب أح دنا عن ميينه واآلخر عن مشاله فظننت أن
ص احيب س يكل الكالم إىل فقلت :أبا عبد ال رمحن إنه قد ظهر قبلنا
ن اس يق رءون الق رآن ويتقف رون العلم وذكر من ش أهنم ،وأهنم
يزعم ون أن ال ق در ،وأن األمر أنف فق ال :إذا لقيت أولئك
ف أخربهم أىن ب ريء منهم وأهنم ب رآء مين ،وال ذي حيلف به عبد اهلل
ابن عمر لو أن ألح دهم مثل أحد ذهبً ا فأنفقه ما قبل اهلل منه حىت
يؤمن بالقدر مث قال :حدثين أيب عمر بن اخلطاب قال :بينما حنن
عند رسول اهلل ..فذكر احلديث بطوله.
مث خرجه من ط رق أخ رى بعض ها يرجع إىل عبد اهلل بن بري دة
وبعض ها يرجع إىل حيىي بن يعمر وذكر أن يف بعض ألفاظها زي ادة
ونقص انا وخرجه ابن حب ان يف ص حيحه من طريق س ليمان ال تيمي
عن حيىي بن يعمر وقد خرجه مسلم من هذا الطريق إال أنه مل يذكر
لفظه وفيه زيادات منها يف اإلسالم ،قال« :وتحج وتعتمر وتغتسل
من الجنابة ،وأن تتم الوض وء ،وتص وم رمض ان» ق ال :ف إذا أنا
فعلت ذلك فأنا مس لم؟ ق ال« :نعم» وق ال يف اإلميان« :وت ؤمن
شرح حديث جبريل 7
بالجنة والن ار والم يزان» ،ق ال :ف إذا فعلت ذلك فأنا م ؤمن؟ ق ال:
«نعم» ،وقال يف آخره« :هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم،
خ ذوا عنه ،والذي نفسي بيده ما ش به على منذ أت اني قبل مرتي
هذه وما عرفته حتى ولى»( )1وخرجاه يف الصحيحني من حديث
يوما ب ارزا للن اس ،فأت اه رجل أيب هري رة ق ال :ك ان رس ول اهلل ً
فق ال :ما اإلميان؟ ق ال« :اإليم ان أن ت ؤمن باهلل ،ومالئكته،
وكتابه ،وبلقائه ،ورس له ،وت ؤمن ب البعث اآلخر» ق ال :يا رس ول
اهلل! ما اإلس الم؟ ق ال« :اإلس الم أن تعبد اهلل ال تش رك به ش يئًا،
وتقيم الص الة المكتوبة ،وت ؤدي الزك اة المفروضة ،وتص وم
رمض ان» ،ق ال :يا رس ول اهلل! ما اإلحس ان؟ ق ال« :أن تعبد اهلل
كأنك تراه ،فإن ك إن ال تراه فإنه يراك» قال :يا رسول اهلل! مىت
الس اعة؟ ق ال« :ما المس ئول عنها ب أعلم من الس ائل ،ولكن
س أحدثك عن أش راطها؛ إذا ول دت األمة ربتها فذاك من
أش راطها ،وإذا رأيت الحف اة الع راة رءوس الن اس فذاك من
أشراطها ،وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها،
في خمس ال يعلمهن إال اهلل» مث تال رسول اهلل ِ: إ َّن اللَّهَ عن َدهُ
ِ
ث َو َي ْعلَم َما فِي ْ ِ اع ِة َو ُيَن ِّز ُل الْغَْي َ ِ
اَألر َح ام َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ
س ُ الس َْم َّ
عل ُ
ِ ِ
وت ِإ َّن اللَّهَ َعل ٌ
يم ض تَ ُم َُأي َْأر ٍ ب غَ ًدا َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ
س بِ ِّ َّماذَا تَ ْكس ُ
بِير[ لقم ان ،]34 :ق ال :مث أدبر الرجل ،فق ال رس ول اهلل : َخ ٌ
«على بالرجل ،فأخ ذوا ل يردوه فلم ي روا ش يًئا» فق ال رس ول اهلل
1
(?)أخرجه ابن حبان يف صحيحه برقم (.)173
8 شرح حديث جبريل
« :هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم»( )1وخرجه مسلم بسياق
أمت من ه ذا ،وفيه يف خص ال اإلميان« :وت ؤمن بالق در كله» ،وق ال
يف اإلحسان« :أن تخشى اهلل كأنك تراه»(.)2
وخرجه اإلم ام أمحد يف مس نده( )3من ح ديث ش هر بن
حوشب ،عن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ،ومن ح ديث ش هر بن
أيض ا عن ابن ع امر أو أيب ع امر أو أيب مالك ،عن النيب ،
حوشب ً
ويف حديثه ق ال :ونس مع رجع النيب ،وال ن رى ال ذي يكلمه ،وال
نس مع كالمه ،وه ذا ي رده ح ديث عمر ال ذي خرجه مس لم وهو
أصح .وقد روي حديث عمر عن النيب من حديث أنس بن مالك
جدا؛
وجرير بن عبد اهلل البجلي وغريمها ،وهو حديث عظيم الشأن ً
يش تمل على ش رح ال دين كله وهلذا ق ال النيب يف آخ ره« :ه ذا
جبريل أت اكم يعلمكم دينكم» ،بعد أن ش رح درجة اإلس الم،
ودرجة اإلميان ،ودرجة اإلحس ان؛ فجعل ذلك كله دينا ،واختلفت
الرواية يف تق دمي اإلس الم على اإلميان وعكسه ،ففي ح ديث عمر
ال ذي خرجه مس لم أنه ب دأ بالس ؤال عن اإلس الم ،ويف ح ديث
الرتم ذي وغ ريه أنه ب دأ بالس ؤال عن اإلميان ،كما يف ح ديث أيب
هري رة ،وج اء يف بعض رواي ات ح ديث عمر أنه س أله عن
اإلحسان بني اإلسالم واإلميان.
فأما اإلس الم فقد فس ره النيب بأعم ال اجلوارح الظ اهرة من
1
(?) رواه البخاري ( ،)4777( ،)50ومسلم ( )9واللفظ له.
2
(?) رواه مسلم برقم (.)10
3
(?) (.)1/319
شرح حديث جبريل 9
الق ول والعمل ،وأول ذلك «ش هادة أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا
رس ول اهلل» ،وهو عمل اللس ان مث «إق ام الص الة وإيت اء الزك اة،
وص وم رمض ان ،وحج ال بيت من اس تطاع إليه س بيال» وهي
منقسمة إىل عمل بدين كالصالة والصوم ،وإىل عمل مايل وهو إيتاء
الزك اة ،وإىل ما هو م ركب منهما ك احلج بالنس بة إىل البعيد عن
مكة .ويف رواية ابن حب ان أض اف إىل ذلك :االعتم ار والغسل من
اجلنابة وإمتام الوضوء ويف هذا تنبيه على أن مجيع الواجبات الظاهرة
داخلة يف مس مى اإلس الم ،وإمنا ذكر ههنا أص ول أعم ال اإلس الم
اليت ينبين عليها كما س يأتى ش رح ذلك يف ح ديث ابن عمر رضي
اهلل عنهما« :ب ني اإلس الم على خمس »...يف موض عه إن ش اء اهلل
تعاىل.
وقوله يف بعض الرواي ات :ف إذا فعلت ذلك فأنا مس لم؟ ق ال:
«نعم» ،يدل على أن من أكمل اإلتيان مبباين اإلسالم اخلمس صار
حكم ا ،ف إذا
لما ً لما حقا ،مع أن من أقر بالش هادتني ص ار مس ًمس ً
دخل يف اإلسالم بذلك ألزم بالقيام ببقية خصال اإلسالم ،ومن ترك
الشهادتني خرج من اإلسالم ،ويف خروجه من اإلسالم برتك الصالة
خالف مش هور بني العلم اء ،وك ذلك يف تركه بقية مب اين اإلس الم
اخلمس ،كما سنذكره يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل .ومما يدل على
أن مجيع األعم ال الظ اهرة ت دخل يف مس مى اإلس الم قوله :
«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»(.)1
ويف الص حيحني عن عبد اهلل بن عم رو رضي اهلل عنهما؛ أن
1
(?) البخاري ( ،)6484( ،)10ومسلم (.)40
10 شرح حديث جبريل
رجاًل س أل النيب :أي اإلس الم خري؟ ق ال« :أن تطعم الطع ام،
وتقرأ السالم على من عرفت ومن لم تعرف»(.)1
ويف ص حيح احلاكم عن أيب هري رة ،عن النيب ق ال« :إن
وءا ومن ارًا كمن ار الطريق» ،بني ذلك« :أن تعبد اهلل
لإلس الم ض ً
وال تش رك به ش يًئا ،وتقيم الص الة ،وت ؤتي الزك اة ،وتص وم
رمض ان ،واألمر ب المعروف والنهي عن المنكر ،وتس ليمك على
ب ني آدم إذا لقيتهم ،وتس ليمك على أهل بيتك إذا دخلت
عليهم ،فمن انتقص منهن شيًئا فهو سهم من اإلسالم تركه ،ومن
يتركهن فقد نبذ اإلسالم وراء ظهره»(.)2
وخرج ابن مردويه من حديث أيب الدرداء ،عن النيب قال:
«لإلس الم ض ياء ون ور وعالم ات كمن ار الطريق ،فرأس ها
وجماعها :شهادة أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل ،وإقام
الص الة ،وإيت اء الزك اة ،وإتم ام الوض وء ،والحكم بكت اب اهلل
وس نة نبيه ،وطاعة والة األمر ،وتس ليمكم على أنفس كم،
وتسليمكم على أهليكم إذا دخلتم بيوتكم ،وتسليمكم على ب ني
آدم إذا لقيتموهم».
ويف إسناده ضعف ولعله موقوف (.)3
وصح من ح ديث أيب إس حاق عن ص لة بن زفر عن َّ
حذيفة ق ال« :اإلس الم ثمانية أس هم؛ اإلس الم س هم والص الة
1
(?) رواه البخاري ( ،)6236( ،)28( ،)12ومسلم (.)1013
2
(?) صحيح احلاكم (.)1/21
3
(?) أورده اهليثمي يف اجملمع ( ،)1/38ونسبه إىل الطرباين يف الكبري.
شرح حديث جبريل 11
س هم والزك اة س هم والجه اد س هم وص وم رمض ان س هم ولعل
الس هم الث امن الحج واألمر ب المعروف س هم والنهي عن المنكر
سهم وخاب من ال سهم له».
مرفوعا واملوقوف أصح (.)1
ً وخرجه البزار
ورواه بعض هم عن أيب إس حاق عن احلارث عن علي بن أيب
ط الب عن النيب ،خرجه أبو يعلى املوص لي وغ ريه ،واملوق وف
على حذيفة أصح .قال الدارقطين وغريه :وقوله يعين اإلسالم سهم؛
أي الش هادتني؛ ألهنما علم اإلس الم ،وهبما يصري اإلنس ان مس لما،
أيض ا كما رويوك ذلك ت رك احملرم ات داخل يف مس مى اإلس الم ً
عن النيب أنه ق ال« :من حسن إس الم الم رء تركه ما ال يعنيه».
وسيأيت يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل.
أيض ا ما خرجه اإلم ام أمحد والرتم ذي وي دل على ه ذا ً
والنس ائي من ح ديث العرب اض بن س ارية رضي اهلل عنهم عن
النيب ،ق ال« :ض رب اهلل مثاًل ص راطا مس تقيما ،وعلى جنب تي
الص راط س وران فيهما أب واب مفتحة ،وعلى األب واب س تور
داع يق ول :ي ا أيها الن اس ادخل وا
مرخ اة ،وعلى ب اب الص راط ٍ
الص راط جميعا وال تعوج وا ،وداع ي دعو من ج وف الص راط،
ف إذا أراد أحد أن يفتح ش يًئا من تلك األب واب ق ال :ويحك ال
تفتحه فإنك إن تفتحته تلجه؛ والص راط اإلس الم والس وران
ح دود اهلل عز وجل واألب واب المفتحة مح ارم اهلل ،وذلك
ال داعي على رأس الص راط كت اب اهلل ،وال داعي من ج وف
1
(?)أخرجه البزار برقم (.)336
12 شرح حديث جبريل
2
(?) رواه أمحد ( ،)183-4/182والرتم ذي ( ،)2859وق ال :حسن
غريب ،وصححه احلاكم ( )1/73على شرط مسلم وأقره الذهيب.
شرح حديث جبريل 13
بالق در خ ريه وش ره؛ وألجل ه ذه الكلمة روى ابن عمر رضي اهلل
حمتجا به على من أنكر الق در وزعم أن األمر عنهما ه ذا احلديث ً
ُأنف ،يعين أنه مس تأنف ،مل يس بق به س ابق ق در من اهلل عز وجل،
وقد غلظ عبد اهلل بن عمر عليهم وت ربأ منهم وأخرب أنه ال تقبل
منهم أعماهلم بدون اإلميان بالقدر.
واإليمان بالقدر على درجتين:
إح داهما :اإلميان ب أن اهلل تع اىل س بق يف علمه ما يعمله العب اد
من خري وشر وطاعة ومعص ية قبل خلقهم وإجيادهم ،ومن هو منهم
من أهل اجلنة ،ومن هو منهم من أهل الن ار ،وأعد هلم الث واب
والعق اب ج زاء ألعم اهلم قبل خلقهم وتك وينهم وأنه كتب ذلك
عن ده وأحص اه ،وأن أعم ال العب اد جتري على ما س بق يف علم ه
وكتابه.
والدرجة الثانية :إن اهلل خلق أفع ال العب اد كلها من الكفر
واإلميان والطاعة والعصيان ،وشاءها منهم؛ فهذه الدرجة يثبتها أهل
الس نة واجلماعة وتنكرها القدرية ،والدرجة األوىل أثبتها كثري من
القدرية ونفاها غالهتم كمعبد اجلهين ال ذي س ئل ابن عمر عن
مقالته ،وكعمرو بن عبيد وغريه.
وقد ق ال كثري من أئمة الس لف :ن اظروا القدرية ب العلم ف إن
أقروا به خصموا ،وإن جحدوا فقد كفروا.
يريدون أن من أنكر العلم القدمي السابق بأفعال العباد ،وأن اهلل
تع اىل قس مهم قبل خلقهم إىل ش قي وس عيد وكتب ذلك عن ده يف
كتاب حفيظ -فقد كذب بالقرآن فيكفر بذلك ،وإن أقروا بذلك
14 شرح حديث جبريل
وأنكروا أن اهلل خلق أفعال العباد وشاءها وأرادها منهم إرادة كونية
قدرية ،فقد خصموا؛ ألن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروه.
ويف تكفري هؤالء نزاع مشهور بني العلماء وأما من أنكر العلم
الق دمي فنص الش افعي وأمحد على تكف ريه ،وك ذلك غريمها من أئمة
اإلسالم.
ف إن قيل :فقد ف رق النيب يف ه ذا احلديث بني اإلس الم
واإلميان ،وجعل األعمال كلها من اإلسالم ال من اإلميان ،واملشهور
عن السلف وأهل احلديث أن اإلميان قول وعمل ونية ،وأن األعمال
كلها داخلة يف مس مى اإلميان .وحكى الش افعي على ذلك إمجاع
الص حابة والت ابعني ومن بع دهم ممن أدركهم ،وأنكر الس لف على
شديدا ،وممن أنكر ذلك على ً إنكارا
من أخرج األعمال من اإلميان ً
قائله وجعله ق واًل حمدثا س عيد بن جبري وميم ون بن مه ران وقت ادة
خِتيانِي والنخعي والزه ري وإب راهيم وحيىي بن أيب كثري وأي وب السَّ ْ
وغ ريهم وق ال الث وري :هو رأي حمدث أدركنا الن اس على غ ريه،
وق ال األوزاعي :ك ان من مضى من الس لف ال يفرق ون بني العمل
واإلميان ،وكتب عمر بن عبد العزيز إىل أهل األمص ار :أما بعد ف إن
دودا وس ننًا ،فمن اس تكملها اس تكمل لإلميان ف رائض وش رائع وح ً
اإلميان ،ومن مل يس تكملها مل يس تكمل اإلميان .ذك ره البخ اري يف
صحيحه( .)1قيل :األمر على ما ذكره وقد دل على دخول األعمال
تكِر اللَّهُ َو ِجلَ ْ يف اإلميان قوله تع اىلِ :إنَّ َما ال ُْمْؤ ِمنُ و َن الَّ ِذ َ ِإ
ين ذَا ذُ َ
اد ْت ُه ْم ِإ َ
يمانًا َو َعلَى َربِّ ِه ْم َيَت َو َّكلُ و َن وب ُه ْم َوِإذَا تُلِيَ ْ
ت َعلَْي ِه ْم آيَاتُ هُ َز َ ُقلُ ُ
1
(?) تعلي ًقا يف كتاب اإلميان ،باب قول النيب « :بين اإلسالم على مخس».
شرح حديث جبريل 15
اه ْم ُي ْن ِف ُق و َن * ُأولَِئ َ
ك ُه ُم ِ * الَّ ِذ ِ
الص اَل ةَ َوم َّما َر َزقْنَ ُ
يم و َن َّ
ين يُق ُ
َ
ال ُْمْؤ ِمنُو َن َح ًّقا[ األنفال.]4-2 :
ويف الصحيحني عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب قال
لوفد عبد القيس« :آم ركم ب أربع :اإليم ان باهلل وح ده ،وهل
ت درون ما اإليم ان باهلل؟ ش هادة أن ال إله إال اهلل ،وإق ام الص الة،
وإيت اء الزك اة ،وص وم رمض ان ،وأن تعط وا من المغنم
الخمس»(.)1
ويف الص حيحني عن أيب هري رة عن النيب ق ال« :اإليم ان
بضع وس بعون -أو :بضع وس تون ش عبه -فأفض لها ق ول ال إله
إال اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق والحي اء ش عبة من
اإليمان» ولفظه ملسلم(.)2
ويف الص حيحني عن أيب هري رة عن النيب ق ال« :ال ي زني
ال زاني حين ي زني وهو م ؤمن ،وال يش رب الخمر حين يش ربها
وهو مؤمن ،وال يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»(.)3
فل وال أن ت رك ه ذه الكب ائر من مس مى اإلميان ملا انتفى اسم
اإلميان عن مرتكب شيء منها ألن االسم ال ينتفى إال بانتفاء بعض
أركان املسمى أو واجباته وأما وجه اجلمع بني هذه النصوص وبني
ح ديث س ؤال جربيل عليه الس الم عن اإلس الم واإلميان وتفريق
النيب بينهما وإدخاله األعم ال يف مس مى اإلس الم دون مس مى
1
(?) البخاري ( ،)523ومسلم (.)17
2
(?) البخاري ( ،)9ومسلم (.)35
3
(?) البخاري ( ،)2475و( ،)5578و( ،)6772و( ،)6810ومسلم (
.)57
16 شرح حديث جبريل
1
(?) (.)4/313
2
(?) (.)4/114
شرح حديث جبريل 17
عن عم رو بن َعبَسة ق ال :ج اء رجل إىل النيب فق ال :يا رس ول
اهلل! ما اإلسالم؟ قال« :أن تسلم قلبك هلل ،وأن يسلم المسلمون
من لسانك ويدك» ،قال :فأي اإلسالم أفضل؟ قال« :اإليمان»،
قال :وما اإلميان؟ قال« :أن تؤمن باهلل ومالئكته ،وكتبه ،ورسله،
والبعث بعد الم وت» ق ال :ف أي اإلميان أفضل؟ ق ال« :الهج رة»
ق ال :فما اهلج رة؟ ق ال« :أن تهجر الس وء» ق ال :ف أي اهلج رة
أفضل؟ ق ال« :الجه اد» .فجعل النيب اإلميان أفضل اإلس الم،
وأدخل فيه األعم ال ،وهبذا التفص يل يظهر حتقيق الق ول يف مس ألة
اإلميان واإلس الم هل مها واحد أو مها خمتلف ان ،ف إن أهل الس نة
واحلديث خمتلف ون يف ذلك وص نفوا يف ذلك تص انيف متع ددة،
فمنهم من يدعي أن مجهور أهل السنة على أهنما شيء واحد منهم
حممد بن نصر املروزي وابن عبد الرب وقد روي ه ذا الق ول عن
س فيان الث وري من رواية أي وب بن س ويد ال رملي عنه وأي وب فيه
ض عف ،ومنهم من حيكي عن أهل الس نة التفريق بينهما ك أيب بكر
بن الس معاين وغ ريه وقد نقل ه ذا التفريق بينهما عن كثري من
الس لف منهم قت ادة وداود بن أيب هند وأبو جعفر الب اقر والزه ري
ومحاد بن زيد وابن مه دي وش ريك وابن أيب ذئب وأمحد بن حنبل
وأبو خيثمة وحيىي بن معني وغ ريهم على اختالف بينهم يف ص فة
التفريق بينهما ،وكان احلسن وابن سريين يقوالن :مسلم ،ويهابان:
م ؤمن ،وهبذا التفص يل ال ذي ذكرن اه ي زول االختالف .فيق ال :إذا
أف رد كل من اإلس الم واإلميان بال ذكر فال ف رق بينهما حينئذ ،وإن
قرن بني االمسني كان بينهما فرق.
18 شرح حديث جبريل
والتحقيق يف الفرق بينهما أن اإلميان هو تصديق القلب وإقراره
ومعرفته واإلس الم هو استس الم العبد هلل وخض وعه وانقي اده له،
وذلك يك ون بالعمل وهو ال دين كما مسي اهلل يف كتابه اإلس الم
دينا.
ويف ح ديث جربيل مسي النيب اإلس الم واإلميان واإلحس ان
أيض ا مما ي دل على أن أحد االمسني إذا أف رد دخل فيه
دينا وه ذا ً
اآلخر ،وإمنا يف رق بينهما حيث ق رن أحد االمسني ب اآلخر فيك ون
حينئذ املراد باإلميان جنس تصديق القلب وباإلسالم جنس العمل.
ويف املسند لإلمام أمحد عن أنس عن النيب قال« :اإلسالم
عالنية ،واإليم ان في القلب»( )1وه ذا ألن األعم ال تظهر عالنية
والتص ديق يف القلب ال يظه ر ،وك ان النيب يق ول يف دعائه إذا
صلى على امليت« :اللهم من أحييته منا فأحيه على اإلسالم ،ومن
توفيته منا فتوفه على اإليمان»()2؛ ألن العمل باجلوارح إمنا يتمكن
منه يف احلي اة فأما عند املوت فال يبقى غري التص ديق ب القلب ومن
هنا قال احملققون من العلماء كل مؤمن مسلم ،فإن من حقق اإلميان
ورسخ يف قلبه ق ام بأعم ال اإلس الم ،كما ق ال « :أال وإن في
الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،وإذا فسدت فسد
الجسد كله أال وهي القلب» فال يتحقق القلب باإلميان إال
وتنبعث اجلوارح يف أعمال اإلسالم ،وليس كل مسلم مؤمنا فإنه قد
1
(?) (.)3/143
2
(?) رواه أمحد ( )2/368من ح ديث أيب هري رة ،وأبو داود (،)3201
والرتمذي ( )1024وقال :حسن صحيح.
شرح حديث جبريل 19
تاما مع عمل يك ون اإلميان ض عيفا فال يتحقق القلب به حتققا ًّ
مسلما ،وليس مبؤمن اإلميان التام جوارحه بأعمال اإلسالم ،فيكون ً
آمنَّا قُل لَّ ْم تُْؤ ِمنُ وا َولَ ِكن قُولُ وا ِ
كما ق ال تع اىل :قَ الَت اَأل ْع َر ُ
اب َ
َأس لَ ْمنَا َولَ َّما يَ ْد ُخ ِل اِإل يْ َم ا ُن فِي ُقلُ وبِ ُك ُم[ احلج رات ،]14 :ومل ْ
يكون وا من افقني بالكلية على أصح التفس ريين وهو ق ول ابن عب اس
وغريه ،بل كان إمياهنم ضعيفا ويدل عليه قوله تعاىلَ :وِإن تُ ِطيعُ وا
اللَّهَ َو َر ُس ولَهُ ال يَلِ ْت ُكم ِّم ْن َأ ْع َم الِ ُك ْم َش ْيًئا[ احلج رات ]14 :يعين ال
ينقص كم من أجورها ،ف دل على أن معهم من اإلميان ما تقبل به
أعم اهلم ،وك ذلك ق ول النيب لس عد بن أيب وق اص ملا ق ال له :مل
تعط فالنا وهو م ؤمن ،فق ال النيب « :أو مس لم»( ،)1يشري إىل أنه
مل حيقق مق ام اإلميان وإمنا هو يف مق ام اإلس الم الظ اهر وال ريب أنه
ميت ض عف اإلميان الب اطن ل زم منه ض عف أعم ال اجلوارح الظ اهرة
أيض ا ،لكن اسم اإلميان ينفى عمن ت رك ش يًئا من واجباته كما يف ً
قوله« :وال يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ،وقد اختلف أهل
الس نة هل يس مى مؤمنا ن اقص اإلميان أو يق ال :ليس مبؤمن لكنه
مسلم على قولني؛ ومها روايتان عن أمحد.
وأما اسم اإلس الم فال ينتفي بانتف اء بعض واجباته أو انته اك
بعض حمرماته وإمنا ينفي باإلتي ان مبا ينافيه بالكلية وال يع رف يف
شيء من السنة الصحيحة نفى اإلسالم عمن ترك شيًئا من واجباته،
كما ينفي اإلميان عمن ت رك ش يًئا من واجباته ،وإن ك ان قد ورد
أيض ا ،وقد إطالق الكفر على فعل بعض احملرم ات وإطالق النف اق ً
1
(?) رواه البخاري ( ،)27و( ،)1478ومسلم (.)150
20 شرح حديث جبريل
فصل
قد تقدم أن األعمال تدخل يف مسمى اإلسالم ومسمى اإلميان
أيضا وذكرنا ما يدخل يف ذلك من أعمال اجلوارح الظاهرة ويدخل ً
أيض ا أعمال اجلوارح الباطنة فيدخل يف أعمال اإلسالم يف مسماها ً
إخالص ال دين هلل تع اىل والنصح له ولعب اده وس المة القلب هلم من
الغش واحلسد واحلقد وتوابع ذلك من أن واع األذى وي دخل يف
مس مى اإلميان َو َج ُل القل وب من ذكر اهلل وخش وعها عند مساع
ذك ره وكتابه وزي ادة اإلميان ب ذلك وحتقيق التوكل على اهلل عز
سرًا وعالنية والرضا باهلل ربا وباإلس الم دينا
وجل وخ وف اهلل ّ
ومبحمد رس واًل ،واختي ار تلف النف وس ب أعظم أن واع اآلالم على
الكفر واستش عار ق رب اهلل من العبد ودوام استحض اره وإيث ار حمبة
اهلل ورس وله على حمبة ما س وامها واحلب يف اهلل والبغض فيه والعط اء
له واملنع له وأن يك ون مجيع احلرك ات والس كنات له ومساحة
النف وس بالطاعة املالية والبدنية واالستبش ار بعمل احلس نات والف رح
هبا واملساءة بعمل السيئات واحلزن عليها ،وإيثار املؤمنني لرسول اهلل
على أنفس هم وأم واهلم وك ثرة احلي اء وحسن اخللق وحمبة ما حيبه
خصوص ا اجلريان
ً لنفسه وإلخوانه املؤم نني ومواس اة املؤم نني
ومعاض دة املؤم نني ومناص رهتم واحلزن مبا حيزهنم ولن ذكر بعض
النصوص الواردة بذلك فأما ما ورد يف دخوله يف اسم اإلسالم ففي
مس ند اإلم ام أمحد والنس ائي عن معاوية بن حي دة ،ق ال :قلت :يا
رس ول اهلل! بال ذي بعثك ب احلق ما ال ذي بعثك اهلل به؟ ق ال:
«اإلس الم» قلت :وما اإلس الم؟ ق ال« :أن تس لم قلبك هلل تع الى
24 شرح حديث جبريل
وأن توجه وجهك إلى اهلل ،وأن تصلي الصالة المكتوبة ،وت ؤدي
الزك اة المفروضة» ويف رواية قلت :وما آية اإلس الم؟ ق ال« :أن
تق ول :أس لمت وجهي هلل وتخليت ،وتقيم الص الة ،وت ؤتي
الزك اة ،وكل المس لم على المس لم ح رام»( ،)1ويف الس نن عن
جبري بن مطعم عن النيب أنه ق ال يف خطبته ب اخليف من مىن:
«ثالث ال يغل عليهن قلب مس لم :إخالص العمل هلل ،ومناص حة
والة األم ور ،ول زوم جماعة المس لمين؛ ف إن دع وتهم تحيط من
ورائهم»( )2ف أخرب أن ه ذه الثالث اخلص ال تنفي الغل عن قلب
املسلم.
ويف الص حيحني عن أيب موسى عن النيب أنه س ئل :أي
املسلمني أفضل؟ فقال« :من سلم المسلمون من لسانه ويده»(.)3
ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة عن النيب قال« :المسلم
أخو المس لم؛ ال يظلمه ،وال يخذله ،وال يحق ره ،بحسب امرئ
من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم ح رام
دمه وماله وعرضه»(.)4
وأما ما ورد يف دخوله يف اسم اإلميان فمثل قولهِ :إنَّ َما
وب ُه ْم َوِإذَا تُلِيَ ْ ين ِإذَا ذُكِ َر اللَّهُ َو ِجلَ ْ َّ ِ ِ
ت َعلَْي ِه ْم آَيَاتُ هُ ت ُقلُ ُ ال ُْمْؤ منُو َن الذ َ
الص اَل ةَ َو ِم َّمايم و َن َّ اد ْتهم ِإيمانًا و َعلَى ربِّ ِهم يَتو َّكلُ و َن * الَّ ِذ ِ
ين يُق ُ َ َ ََْ َز َ ُ ْ َ َ
1
(?) مسند اإلمام أمحد ( ،)5-5/3والنسائي ( ،5/4و ،)83-82وصححه
ابن حبان (.)106
2
(?) رواه أمحد ( ،)1/8والطرباين يف الكبري(.)1541
3
(?) البخاري ( ،)11ومسلم (.)42
4
(?) برقم (.)2564
شرح حديث جبريل 25
ك ُه ُم ال ُْمْؤ ِمنُ و َن َح ًّقا[ األنف ال،]4-2 : اه ْم ُي ْن ِف ُق و َن * ُأولَِئ َ
َر َزقْنَ ُ
ْأن لِلَّ ِذين آَمنُوا َأ ْن تَ ْخ َش ع ُقلُ وبهم ِ
لِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َما َن َز َل وقولهَ :ألَم ي ِ
َ ُُ ْ َ َ َْ
ال َعلَْي ِه ُم اب ِم ْن َق ْب ُل فَطَ َ ِ
ين ُأوتُ وا الْكتَ َ
َّ ِ
ْح ِّق َواَل يَ ُكونُ وا َكالذ َ
م َن ال َ
ِ
وب ُه ْم[ احلدي د ،]16 :وقولهَ :و َعلَى اللَّ ِه َفلْيََت َو َّك ِل ت ُقلُ ُاَأْلم ُد َف َق َس ْ
َ
ِِ ِ ِ
ين ال ُْمْؤ منُ و َن ،وقول هَ :و َعلَى اللَّه َفَت َو َّكلُ واْ ِإن ُكنتُم ُّمْؤ من َ
ِِ ِ
ين[ آل عم ران: [املائ دة ،]23 :وقول هَ :و َخ افُون ِإن ُكنتُم ُّمْؤ من َ
.]175
ويف صحيح مسلم عن العباس بن عبد املطلب عن النيب قال:
«ذاق طعم اإليم ان من رضي باهلل ربا ،وباإلس الم دينا ،وبمحمد
رس واًل »( )1والرضا بربوبية اهلل يتض من الرضا بعبادته وح ده ال
شريك له ،وبالرضا بتدبريه للعبد واختياره له والرضا باإلسالم دينا
يتض من اختي اره على س ائر األدي ان والرضا مبحمد رس واًل يتض من
الرضا جبميع ما ج اء به من عند اهلل وقب ول ذلك بالتس ليم
ك اَل ُيْؤ ِمنُ و َن َحتَّى يُ َح ِّك ُم َ
وك واالنش راح كما ق ال تع اىل :فَاَل َو َربِّ َ
ت يما َش َج َر َب ْيَن ُه ْم ثُ َّم اَل يَجِ ُدوا فِي َأْن ُف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِم َّما قَ َ
ض ْي َ فَ
ِ
َويُ َسلِّ ُموا تَ ْسلِ ًيما[ النساء.]65 :
ويف الصحيحني عن أنس عن النيب قال« :ثالث من كن فيه
وجد بهن حالوة اإليم ان :من ك ان اهلل ورس وله أحب إليه مما
س واهما ،وأن يحب الم رء ال يحبه إال هلل ،وأن يك ره أن يرجع
إلى الكفر بعد إذ أنقذه اهلل منه كما يكره أن يلقى في النار» ويف
رواية« :وجد بهن طعم اإليم ان» ويف بعض الرواي ات« :طعم
1
(?) رواه مسلم برقم (.)34
26 شرح حديث جبريل
اإليمان وحالوته»(.)1
ويف الص حيحني عن أنس عن النيب ق ال« :ال ي ؤمن
أحدكم أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» ويف
رواية« :من أهله وماله والناس أجمعين»(.)2
ويف مس ند اإلم ام أمحد عن أيب رزين العقيلي ق ال :قلت :يا
رسول اهلل! ما اإلميان؟ قال« :أن تشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال
ش ريك له ،وأن محم ًدا عب ده ورس وله ،وأن يك ون اهلل ورس وله
أحب إليك مما س واهما ،وأن تح ترق في الن ار أحب إليك من
أن تش رك باهلل ش يًئا ،وأن تحب غ ير ذي نسب ال تحبه إال هلل،
ف إذا كنت ك ذلك فقد دخل حب اإليم ان في قلبك كما دخل
حب الماء للظمآن في اليوم القائظ» ،قلت :يا رسول اهلل! كيف
يل بأن أعلم إني مؤمن؟ قال« :ما من أمتي -أو قال :هذه األمة-
خيرا ،وال
عبد يعمل حسنة فيعلم أنها حسنة ،وأن اهلل جازيه بها ً
يعمل س يئة فيعلم أنها س يئة ،ويس تغفر اهلل منها ،ويعلم أنه ال
يغفرها إال اهلل -إال وهو مؤمن»(.)3
ويف املس ند وغ ريه عن عمر بن اخلط اب عن النيب ق ال:
«من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن»(.)4
ويف مس ند بقي بن خملد عن رجل مسع رس ول اهلل ق ال:
1
(?) البخاري ( ،)21( ،)16و( ،)6041و( ،)6941ومسلم (.)43
2
(?) البخاري ( ،)15ومسلم (.)44
3
(?) مسند اإلمام أمحد (.)12-4/11
4
(?) مس ند اإلم ام أمحد ( 1/18و ،)26والرتم ذي ( )2166وق ال :حسن
صحيح.
شرح حديث جبريل 27
«ص ريح اإليم ان إذا أس أت أو ظلمت عب دك أو أمتك أو أح ًدا
من الناس صمت وتصدقت وإذا أحسنت استبشرت».
ويف مس ند اإلم ام أمحد عن أيب س عيد عن النيب ق ال:
«المؤمنون في الدنيا على ثالثة أجزاء :الذين آمنوا باهلل ورسوله
ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل ،والذي
يأمنه الن اس على أم والهم وأنفس هم ،ثم ال ذي إذا أش رف على
طمع تركه هلل عز وجل»(.)1
أيض ا عن عم رو بن عبسة ق ال :قلت :يا رس ول اهلل! ما
وفيه ً
اإلس الم؟ ق ال« :طيب الكالم وإطع ام الطع ام» قلت :ما اإلميان؟
ق ال« :الص بر والس ماحة» قلت :أي اإلس الم أفضل؟ ق ال« :من
س لم المس لمون من لس انه وي ده» قلت :أي اإلميان أفضل؟ ق ال:
«خلق حس ن»( ،)2وقد فسر احلسن البص ري الصرب والس ماحة
فق ال :هو الصرب عن حمارم اهلل ،والس ماحة ب أداء ف رائض اهلل عز
وج ل .ويف الرتم ذي وغ ريه عن عائشة عن النيب ق ال« :أكمل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»(.)3
وخرجه أبو داود وغ ريه من ح ديث أيب هري رة ،وخرجه ال بزار
يف مسنده من حديث عبد اهلل بن معاوية الغاضري عن النيب قال:
«ثالث من فعلهن فقد طعم طعم اإليمان :من عبد اهلل وحده بأنه
ال إله إال اهلل ،وأعطى زك اة ماله طيبة بها نفسه في كل ع ام -
1
(?) مسند اإلمام أمحد (.)3/8
2
(?) املصدر السابق (.)4/385
3
(?) رواه الرتمذي برقم (.)2612
28 شرح حديث جبريل
ف ذكر احلديث ويف آخ ره -فق ال رجل :فما تزكية املرء نفسه يا
رسول اهلل؟ قال :أن يعلم أن اهلل معه حيث كان»(.)1
وخرج أبو داود أول احلديث دون آخره.
وخرج الطرباين من حديث عبادة بن الصامت عن النيب قال:
«إن أفضل اإليمان أن تعلم أن اهلل معك حيثما كنت».
ويف الص حيحني عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن
النيب قال« :الحياء من اإليمان»(.)2
وخرج اإلمام أمحد وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية
رضي اهلل عنهم ا عن النيب ق ال« :إنما الم ؤمن كالجمل األنف،
حيثما قيد انقاد»(.)3
َأص لِ ُحوا َب ْي َن ِ
وق ال اهلل عز وج لِ :إنَّ َما ال ُْمْؤ منُ و َن ِإ ْخ َوةٌ فَ ْ
َأ َخ َويْ ُك ْم[ احلجرات.]10 :
ويف الصحيحني عن النعمان بن بشري عن النيب قال« :مثل
المؤم نين في ت وادهم وت راحمهم وتع اطفهم مثل الجسد إذا
()4
اش تكى منه عضو ت داعى له س ائر الجسد ب الحمى والس هر»
أيض ا: ويف رواية ملس لم« :المؤمن ون كرجل واح د» ويف رواية له ً
«المس لمون كرجل واحد إن اش تكى عينه اش تكى كله ،وإن
اشتكى رأسه اشتكى كله».
ويف الص حيحني عن أيب موسى عن النيب ق ال« :الم ؤمن
1
أيضا البخاري يف التاريخ الكبري (.)32-5/31
(?) رواه ً 2
(?) البخاري ( )24و(.)6118
3
(?) رواه أمحد ( ،)4/126وابن ماجه (.)43
4
(?) البخاري ( ،)6011ومسلم (.)586
شرح حديث جبريل 29
ضا»( )1وشبك بني أصابعه. للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بع ً
ويف مس ند اإلم ام أمحد عن س هل بن س عد عن النيب ق ال:
«المؤمن من أهل اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ يألم الم ؤمن
ألهل اإليم ان كما ي ألم الجسد لما في ال رأس»( ،)2ويف س نن أيب
داود عن أيب هري رة عن النيب ق ال« :الم ؤمن م رآة الم ؤمن،
المؤمن أخو المؤمن يكف عنه ضيعته ،ويحوطه من ورائه»(.)3
ويف الص حيحني عن أنس عن النيب ق ال« :ال ي ؤمن
أح دكم ح تى يحب ألخيه ما يحب لنفس ه»( ،)4ويف ص حيح
البخ اري عن أيب ش ريح الكعيب عن النيب ق ال« :واهلل ال ي ؤمن
واهلل ال ي ؤمن واهلل ال ي ؤمن» ق الوا :ومن ذاك يا رس ول اهلل؟ ق ال:
«من ال يأمن جاره بوائقه»(.)5
وخ رج احلاكم من ح ديث ابن عب اس رضي اهلل عنهما عن
النيب قال« :ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع»(.)6
وخرج اإلمام أمحد والرتمذي من حديث سهل بن معاذ اجلهين
عن أبي ه ،عن النيب ق ال« :من أعطى هلل ،ومنع هلل ،وأحب هلل،
وأبغض هلل» زاد اإلم ام أمحد« :وأنكح لل ه فقد اس تكمل
إيمانه»(.)7
1
(?) البخاري ( )481و( ،)6026ومسلم (.)2585
2
(?) مسند اإلمام أمحد (.)5/340
3
(?) رواه أبو داود برقم (.)4918
4
(?) البخاري ( ،)13ومسلم (.)45
5
(?) برقم ( ،)6016ومسلم ( )46من حديث أيب هريرة.
6
(?) املستدرك (.)4/167
7
(?) رواه أمحد ( ،)3/440والرتم ذي ( ،)2521وص ححه احلاكم (
30 شرح حديث جبريل
ويف رواية لإلم ام أمحد أنه س أل النيب عن أفضل اإلميان،
فق ال« :أن تحب هلل ،وتبغض هلل ،وتعمل لس انك في ذكر اهلل»
فق ال :وم اذا يا رس ول اهلل؟ ق ال« :وأن تحب للن اس ما تحب
لنفسك ،وتكره لهم ما تكره لنفسك» ويف رواية له« :وأن تقول
خيرا أو تصمت»( ،)1ويف هذا احلديث أن كثرة ذكر اهلل من أفضل ً
اإلميان.
أيض ا من ح ديث عم رو بن اجلم وح أنه مسع النيب وخ رج ً
يقول« :ال يستحق العبد صريح اإليمان حتى يحب هلل ،ويبغض
هلل؛ ف إذا أحب هلل وأبغض لل ه فقد اس تحق الوالية من اهلل
تعالى»(.)2
أيض ا من ح ديث ال رباء بن ع ازب عن النيب ق ال: وخ رج ً
«إن أوثق عري اإليمان أن تحب في اهلل وتبغض في اهلل»(.)3
وق ال ابن عب اس رضي اهلل عنهما :من أحب يف اهلل وأبغض يف
اهلل وواىل يف اهلل وع ادى يف اهلل فإمنا ين ال والية اهلل ب ذلك ،ولن جيد
عبد طعم اإلميان وإن ك ثرت ص الته وص ومه حىت يك ون ك ذلك.
وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك ال جيدي على
أهله شيًئا.
خرجه ابن جرير الطربي ،وحممد بن نصر املروزي.
فصل
.)1/164
1
(?) ( )5/247من حديث معاذ بن جبل.
2
(?) املسند (.)3/430
3
(?) رواه أمحد (.)4/286
شرح حديث جبريل 31
وأما اإلحس ان فقد ج اء ذك ره يف الق رآن يف مواضع ،ت ارة
مقرون ا باإلميان ،وت ارة مقرونا باإلس الم ،وت ارة مقرونا ب التقوى أو
ً
َّ ِ
ين بالعمل الص احل ،ف املقرون باإلميان كقوله تع اىل :لَْي َ
س َعلَى الذ َ
ِ ات جنَ ِ آمنُ واْ و َع ِملُ واْ َّ ِ ِ
يما طَع ُم واْ ِإذَا َما َّات َق واْ َّو َ
آمنُ واْ اح ف َ الص ال َح ُ ٌ َ َ
ب َأح َس نُواْ َواللَّهُ يُ ِح ُّ
آمنُ واْ ثُ َّم َّات َق واْ َّو ْ الص الِ َح ِ
ات ثُ َّم َّات َق واْ َّو َ َو َع ِملُ واْ َّ
آمنُ وا َو َع ِملُ وا َّ ِ ِِ
ين َ ين[ املائدة ،]93 :وكقوله تعاىلِ :إ َّن الذ َ ال ُْم ْحسن َ
ِ َّ ِ ِ
س َن َع َمالً[ الكهف]30 : َأح َ
َأج َر َم ْن ْ يع ْ الص ال َحات ِإنَّا ال نُض ُ
َأس لَ َم َو ْج َه هُ لِلّ ِه َو ُه َو
واملق رون باإلس الم كقوله تع اىلَ :بلَى َم ْن ْ
َأج ُرهُ ِعن َد َربِِّه[ البق رة ]112 :وكقوله تع اىلَ :و َمن ِ
ُم ْحس ٌن َفلَ هُ ْ
ك بِالْعُ ْر َو ِة ال ُْو ْث َقى ِ ِ ِ ِ
يُ ْس ل ْم َو ْج َه هُ ِإلَى اللَّه َو ُه َو ُم ْحس ٌن َف َق د ْ
استَ ْم َس َ
اآلية [لقم ان ]22 :واملق رون ب التقوى كقوله تع اىلِ :إ َّن اللَّهَ َم َع
مفردا ِ َّ ِ َّ ِ
ين ُه ْم ُم ْحسنُو َن[ النحل ،]128 :وقد يذكر ً ين َّات َق ْوا َوالذ َ
الذ َ
ِ
ادةٌ[ يونس.]26 : ْح ْسنَى َو ِزيَ َ َأح َسنُواْ ال ُ ين ْ كقوله تعاىل :للَّذ َ
وقد ثبت يف صحيح مسلم عن النيب تفسري الزيادة بالنظر إىل
وجه اهلل عز وجل يف اجلنة ،وه ذا مناسب جلعله ج زاء ألهل
اإلحس ان ،وألن اإلحس ان هو أن يعبد املؤمن ربه يف ال دنيا على
وجه احلض ور واملراقبة كأنه ي راه بقلبه وينظر إليه يف ح ال عبادته
فكان جزاء ذلك النظر إىل وجه اهلل عيانًا يف اآلخرة.
وعكس ه ذا ما أخرب اهلل تع اىل به عن ج زاء الكف ار يف اآلخ رة
ِإَّن ُه ْم َع ْن َربِِّه ْم َي ْو َمِئ ٍذ لَ َم ْح ُجوبُ و َن[ املطففني ،]15 :وجعل ذلك
ج زاء حلاهلم يف ال دنيا وهو ت راكم ال ران على قل وهبم حىت حجبت
عن معرفته ومراقبته يف ال دنيا ،فك ان ج زاؤهم على ذلك أن حجب وا
32 شرح حديث جبريل
عن رؤيته يف اآلخ رة ،وقوله يف تفسري اإلحس ان« :أن تعبد اهلل
كأنك تراه الخ» .يشري إىل أن العبد يعبد اهلل تعاىل على هذه الصفة
وهو استحض ار قربه وأنه بني يديه كأنه ي راه وذلك ي وجب اخلش ية
واخلوف واهليبة والتعظيم ،كما ج اء يف رواية أيب هري رة « أن
أيض ا النصح يف العب ادة وب ذل
تخشى اهلل كأنك ت راه» .وي وجب ً
اجلهد يف حتسينها وإمتامها وإكماهلا.
وقد وصى النيب مجاعة من الصحابة هبذه الوصية كما روى
إبراهيم اهلجري عن أيب األحوص عن أيب ذر قال :أوصاين خليلي
أن أخشى اهلل كأين أراه فإن مل أكن أراه فإنه يراين.
وروي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ق ال :أخذ رس ول اهلل
ببعض جسدي فقال« :اعبد اهلل كأنك تراه» .وخرجه النسائي من
مرفوعا وموقوفا« :كن كأنك ت رى اهلل ف إن ً ح ديث زيد ابن أرقم
لم تكن تراه فإنه يراك».
وخرج الطرباين من حديث أنس أن رجاًل قال :يا رسول اهلل
حدثين حبديث واجعله موجزا .فقال «:صل صالة مودع فإنك إن
كنت ال تراه فإنه يراك».
ويف حديث حارثة املشهور وقد روي من وجوه مرسلة وروي
ال له« :يا حارثة كيف متصال واملرسل أصح أن النيب ق
أصبحت؟» قال :أصبحت مؤمنا حقا .قال « :انظر ما تقول فإن
لكل ق ول حقيقة » .ق ال :يا رس ول اهلل ع زفت نفسي عن ال دنيا،
فأس هرت ليلي وأظم أت هناري وك أين أنظر إىل ع رش ريب ب ارزا،
وك أين أنظر إىل أهل اجلنة يف اجلنة كيف ي تزاورون فيها ،وك أين
شرح حديث جبريل 33
أنظر إىل أهل الن ار كيف يتع اوون فيها .ق ال « :أبص رت ف الزم؛
نور اهلل اإليمان في قلبه ».
عب ٌد َّ
وروي من حديث أيب أمامة أن النيب وصى رجاًل فقال له:
« استحي من اهلل استحياءك من رجلين من صالحي عشيرتك ال
يفارقانك ».
ويروى من وجه آخر مرس اًل « :استحي من ربك » .ويروى
عن معاذ أن النيب وصاه ملا بعثه إىل اليمن فقال « :استحِ من اهلل
كما تس تحي من رجل ذي هيبة من أهلك » .وس ئل النيب عن
كشف العورة خاليا فقال « :اهلل أحق أن يستحيا منه ».
ووصى أبو ال درداء رجاًل فق ال له :اعبد اهلل كأنك ت راه.
وخطب عروة بن الزبري إىل ابن عمر ابنته ومها يف الطواف فلم جيبه،
مث لقيه بعد ذلك فاعت ذر إليه وق ال :كنا يف الط واف نتخايل اهلل بني
أعيننا .أخرجه أبو نعيم وغريه.
قوله « :ف إن لم تكن ت راه فإنه ي راك » .قيل :إنه تعليل
لألول؛ فإن العبد إذا أمر مبراقبة اهلل تعاىل يف العبادة واستحضار قربه
من عب ده حىت ك أن العبد ي راه ،فإنه قد يشق ذلك عليه فيس تعني
على ذلك بإميانه ب أن اهلل ي راه ،ويطلع على س ره وعالنيته وباطنه
وظ اهره وال خيفى عليه ش يء من أم ره ،ف إذا حتقق ه ذا املق ام س هل
عليه االنتق ال إىل املق ام الث اين وهو دوام التحقيق بالبص رية إىل ق رب
اهلل من عبده ومعيته حىت كأنه يراه.
وقيل :بل هو إش ارة إىل أن من شق عليه أن يعبد اهلل تع اىل
كأنه ي راه ،فليعبد اهلل على أن اهلل ي راه ويطلع عليه فليس تحي من
34 شرح حديث جبريل
نظ ره إليه ،كما ق ال بعض الع ارفني :اتق اهلل أن يك ون أه ون
الناظرين إليك.
وق ال بعض هم :خف اهلل على ق در قدرته عليك واس تحي من
اهلل على قدر قربه منك.
وق ال بعض الع ارفني من الس لف :من عمل هلل على املش اهدة
فهو عارف ،ومن عمل على مشاهدة اهلل إياه فهو خملص ،فيه إشارة
إىل املقامني اللذين تقدم ذكرمها:
أحدهما :مقام اإلخالص؛ وهو أن يعمل العبد على استحضار
مش اهدة اهلل إي اه واطالعه وقربه منه ،ف إذا استحضر العبد ه ذا يف
عمله عمل عليه فهو خملص هلل تعاىل؛ ألن استحضاره ذلك يف عمله
مينعه من االلتفات إىل غري اهلل وإرادته بالعمل.
والث اني :مق ام املش اهدة؛ وهو أن يعمل العبد على مقتضى
مش اهدته هلل تع اىل بقلبه ،وهو أن يتن ور القلب باإلميان وتنفذ
البصرية يف العرفان حىت يصرب الغيب كالعيان.
وهذا هو حقيقة مقام اإلحسان املشار إليه يف حديث جربيل
عليه الس الم ،ويتف اوت أهل ه ذه املقام ات فيه حبسب ق وة نف وذ
البصائر.
وقد فسر طائفة من العم اء املثل األعلى املذكور يف قوله تع اىل:
ض[ .ال روم .]27 :وهبذا اَألر ِ ِ
الس َم َاوات َو َْ ولَ هُ ال َْمثَ ُل اَأل ْعلَى فِي َّ
ض َمثَ ُل نُ و ِر ِه
اَألر ِ ِ
الس َم َاوات َو ْ
ور َّاملعىن ومثل ه قوله تع اىل :اللَّهُ نُ ُ
ِ ٍ
اح[ .النور.]35 : َك ِم ْش َكاة فِ َيها م ْ
صبَ ٌ
واملراد :مثل ن وره يف قلب املؤمن .ك ذا قال ه أيب بن كعب
شرح حديث جبريل 35
وغريه من السلف.
وقد س بق ح ديث « :أفضل اإليم ان أن تعلم أن اهلل معك
حيث كنت » ،وح ديث :ما تزكية املرء نفسه؟ ق ال « :أن يعلم
أن اهلل معه حيث كان ».
وخرج الطرباين من حديث أيب أمامة عن النيب قال « :ثالثة
في ظل اهلل تع الى ي وم ال ظل إال ظله :رجل حيث توجه علم أن
اهلل معه » .وذكر احلديث.
وقد دل الق رآن على ه ذا املعىن يف مواضع متع ددة؛ كقوله
اع ِإذَا ادي َعنِّي فَ ِإ نِّي قَ ِر ِ ك ِعب ِ
يب َد ْع َوةَ َّ
الد ِ يب ُأج ُ ٌ تعاىلَ :وِإذَا َسَألَ َ َ
ان[ .البق رةَ .]186 :و ُه َو َم َع ُك ْم َأيْ َن َما ُكنتُ ْم[ .احلديد،]4 : َد َع ِ
وقولهَ :ما يَ ُكو ُن ِمن نَّ ْج َوى ثَالثَ ٍة ِإالَّ ُه َو َرابِعُ ُه ْم َوال َخ ْم َس ٍة ِإالَّ ُه َو
اد ُس ُه ْم َوال َأ ْدنَى ِمن ذَ َ
لِك َوال َأ ْك َث َر ِإالَّ ُه َو َم َع ُه ْم َأيْ َن َما َك انُوا. سِ
َ
ْأن وما َت ْتلُو ِم ْن هُ ِمن ُق ر ٍ ٍ ِ
آن ْ [اجملادلة ،]7 :وقولهَ :و َما تَ ُك و ُن في َش َ َ
يض و َن فِي ِه. ودا ِإ ْذ تُِف ُ ِ
َوالَ َت ْع َملُ و َن م ْن َع َم ٍل ِإالَّ ُكنَّا َعلَْي ُك ْم ُش ُه ً
يد[ق،]16 : [يونس ،]61 :وقوله :ونَحن َأقْرب ِإلَي ِه ِمن حب ِل الْو ِر ِ
َ ْ ُ َ ُ ْ ْ َْ َ
وقولهَ :والَ يَ ْستَ ْخ ُفو َن ِم َن اللَّ ِه َو ُه َو َم َع ُه ْم[ .النساء.]108 :
وقد وردت األح اديث الص حيحة بالن دب إىل استحض ار ه ذا
الق رب يف ح ال العب ادات ،كقوله « :إن أح دكم إذا ق ام يص لي
ربه بينه وبين القبلة»( .)1وقوله « :إن اهلل فإنما ين اجي ربه ،أو ُّ
قِبل وجهه إذا ص لى » ( ،)2وقوله « :إن اهلل ينصب وجهه لوجه
1
(?) البخاري ( ،)405ومسلم (.)551
2
(?) البخاري ( ،)406ومسلم (.)547
36 شرح حديث جبريل
عب ده في ص الته ما لم يلتفت » ،وقوله لل ذين رفع وا أص واهتم
ميعا
بال ذكر« :إنكم ال ت دعون أصم وال غائبًا إنكم ت دعون س ً
قريبًا» ،ويف رواية « :وهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته »،
ويف رواية « :هو أق رب إلى أح دكم من حبل الوريد » (،)1
وقوله « :يقول اهلل عز وجل أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت
بي شفتاه » ( ،)2وقوله« :يقول اهلل عز وجل أنا مع ظن عبدي بي
وأنا معه حيث ذك رني؛ ف إن ذك رني في نفسه ذكرته في نفسي
وإن ذك رني في مأل ذكرته في مأل خ ير منه ،وإن تق رب م نى
باعا،
ذراعا تق ربت منه ً ذراعا ،وإن تق رب م نى ً
ش ًبرا تق ربت منه ً
وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» (.)3
احتادا
بيها أو حل واًل أو ً ومن فهم ش يًئا من ه ذه النص وص تش ً
فإمنا ُأتي من جهله وس وء فهمه عن اهلل عز وجل وعن رس وله ،
ِ ِِ
س َكمثْل ه َش ْيءٌ
واهلل ورس وله بريئ ان من ذلك كله ،فس بحان من لَْي َ
الس ِميع الب ِ
صريُ. َو ُه َو َّ ُ َ
املزين :من مثلك يا ابن آدم؛ خلِّي بينك وبني احملراب
ق ال بكر ّ
ئت دخلت على اهلل عز وجل ليس بينك وبينه واملاء؛ كلما ش
ترمجان.
ومن وصل إىل استحض ار ه ذا يف ح ال ذكره هلل وعبادته
استأنس باهلل واستوحش من خلقه ضرورة.
1
(?) البخاري ( ،)2992ومسلم (.)2074
2
(?) البخاري يف.)436(:
3
(?) البخاري ( ،)7405ومسلم (.)2675
شرح حديث جبريل 37
وق ال ث ور بن يزي د :ق رأت يف بعض الكتب أن عيسى عليه
كثريا ،وكلمواالسالم قال :يا معشر احلواريني ،كلموا اهلل عز وجل ً
الن اس قلياًل .ق الوا :كيف نكلم اهلل كث ًريا؟ ق ال :اخل وا مبناجاته،
اخلوا بدعائه .خرجه أبو نعيم.
أيض ا بإسناده عن رباح قال :كان عندنا رجل يصلي وخرج ً
كل ي وم وليلة ألف ركعة ،حىت أقعد من رجليه ،فك ان يص لي
جالسا كل ليلة ألف ركعة ،فإذا صلى العصر احتىب فاستقبل القبلة، ً
ت بس واك ،بل عجبت للخليقة يق ول :عجبت للخليقة كيف أَِنس َ ْ
كيف استأنست قلوهبا بذكر سواك.
وق ال أبو أس امة :دخلت على حممد بن النضر احلارثي فرأيته
كأنه ينقبض فقلت :كأنك تك ره أن ت ؤتى؟ ق ال :أجل .فقلت :أو
ما تستوحش؟ فقال :كيف أستوحش وهو يقول « :أنا جليس من
ذكرني »!
وقيل ملالك بن مغ ول وهو ج الس يف بيته وح ده :أال
تستوحش؟ فقال :أو يستوحش مع اهلل أحد؟!
وك ان ح بيب أبو حممد خيلو يف بيته ويق ول :من مل تقر عينه
بك فال قرت عينه ،ومن مل يأنس بك فال أنس.
وق ال غ زوان :إىن أص بت راحة قليب يف جمالسة من لديه
حاجيت.
وقال مسلم بن يسار :ما تلذذ املتلذذون مبثل اخللوة مبناجاة اهلل
عز وجل.
وق ال مس لم بن عابد :ل وال اجلماعة ما خ رجت من ب ايب أب ًدا
38 شرح حديث جبريل
حىت أموت.
وق ال :ما جيد املطيع ون هلل ل ذة يف ال دنيا أحلى من اخلل وة
مبناج اة س يدهم ،وال أحسب هلم يف اآلخ رة من عظيم الث واب أكرب
يف صدورهم وألذ يف قلوهبم من النظر إليه .مث غشي عليه.
وعن إب راهيم بن أدهم ق ال :أعلى ال درجات أن تنقطع إىل
ربك ،وتس تأنس إليه بقلبك وعقلك ومجيع جوارحك؛ حىت ال
ترجو إال ربك وال ختاف إال ذنبك ،وترسخ حمبته يف قلبك حىت ال
ت ؤثر عليها ش يًئا ،ف إذا كنت ك ذلك مل تبال يف بر كنت أو يف حبر
أو يف س هل أو يف جب ل ،وك ان ش وقك إىل لق اء احلبيب ش وق
الظم آن إىل املاء الب ارد وش وق اجلائع إىل الطع ام الطيب ،ويك ون
ذكر اهلل عندك أحلى من العسل وأحلى من املاء العذب الصايف عند
العطشان يف اليوم الصائف.
وق ال الفض يل :ط وىب ملن اس توحش من الن اس ،وك ان اهلل
جليسه.
وق ال أبو س ليمان :ال آنسين اهلل إال به أب ًدا .وق ال مع روف
ون جليسك وأنيسك وموضع لرجل :توكل على اهلل حىت يك
شكواك.
وقال ذو النون :من عالمات احملبني هلل أن ال يأنسوا بسواه وال
يستوحشوا معه .مث قال :إذا سكن القلب حب اهلل تعاىل أنس باهلل؛
ألن اهلل أجل يف صدور العارفني أن حيبوا سواه.
وكالم الق وم يف ه ذا الب اب يط ول ذك ره ج ًدا وفيما ذكرنا
كفاية إن ش اء اهلل تع اىل ،فمن تأمل ما أش رنا إليه مما دل عليه ه ذا
شرح حديث جبريل 39
احلديث العظيم علم أن مجيع العل وم واملع ارف ترجع إىل ه ذا
احلديث ويدخل حتته ،وأن مجيع العلماء من فرق هذه األمة ال خترج
عل ومهم اليت يتكلم ون فيها عن ه ذا احلديث وما دل عليه جممال
ومفصال؛ ف إن الفقه اء إمنا يتكلم ون يف العب ادات اليت هي من مجلة
خص ال اإلس الم ،ويض يفون إىل ذلك الكالمَ يف أحك ام األم وال
واألبض اع وال دماء ،وكل ذلك من علم اإلس الم كما س بق التنبيه
عليه ،ويبقى كثري من علم اإلس الم من اآلداب واألخالق ،وغري
ون على معىن ذلك ال يتكلم عليه إال القليل منهم ،وال يتكلم
الشهادتني ومها أصل اإلسالم كله.
والذين يتكلمون يف أصول الديانات يتكلمون على الشهادتني
وعلى اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورس له والي وم اآلخر واإلميان
بالق در ،وال ذين يتكلم ون على علم املع ارف واملع امالت يتكلم ون
على مق ام اإلحس ان وعلى األعم ال الباطنة اليت ت دخل يف اإلميان
أيض ا؛ كاخلش ية واحملبة والتوكل والرضا والصرب وحنو ذلك، ً
فاحنص رت العل وم الش رعية اليت يتكلم عليها ف رق املس لمني يف ه ذا
احلديث ورجعت كلها إليه ،ففي ه ذا احلديث وح ده كفاية وهلل
احلمد واملنة.
وبقي الكالم على ذكر الس اعة من احلديث؛ فق ول جربيل عليه
الس الم :أخ ربين عن الس اعة .فق ال النيب « :ما المس ئول عنها
ب أعلم من الس ائل » .يعين أن علم اخللق كلهم يف وقت الس اعة
س واء ،وه ذه إش ارة إىل أن اهلل تع اىل اس تأثر بعلمها ،وهلذا ج اء أن
الع امل إذا س ئل عن ش يء ال يعلمه أن يق ول ال أعلمه وأن ذا ال
40 شرح حديث جبريل
ينقصه ش يًئا ،بل هو من ورعه ودينه؛ ألن ف وق كل ذي علم عليم
يف ح ديث أيب هري رة وق ال النيب يف مخس ال يعلمهن إال اهلل
ث َو َي ْعلَ ُم َما فِي
اع ِة َو ُيَن ِّز ُل الْغَْي َ ِإ َّ ِ ِ
الس َ تعاىل ،مث تال َّ ن اللهَ عن َدهُ عل ُ
ْم َّ
ِ ْ ِ
َأي
س بِ ِّ ب غَ ًدا َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ س َّماذَا تَ ْكس ُ اَألر َح ام َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ
يم َخبِ ٌير[ .لقمان ،]34 :وقوله عز وجل : ِ
وت ِإ َّن اللَّهَ َعل ٌض تَ ُم ُ َْأر ٍ
ْم َها ِعن َد َربِّي الَ يُ َجلِّ َيها ِ
اها قُ ْل ِإنَّ َما عل ُ
الس َ ِ
اعة َأيَّا َن ُم ْر َس َ ك َع ِن َّ يَ ْسَألُونَ َ
ض الَ تَ ْأتِي ُك ْم ِإالَّ َب ْغتَ ةًاَألر ِ ِ
الس َم َاوات َو ْ ت فِي َّ لَِوقْتِ َها ِإالَّ ُه َو َث ُقلَ ْ
[األعراف.]187 :
ويف ص حيح البخ اري عن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن
النيب ق ال « :مف اتيح الغيب خمس ال يعلمهن إال اهلل » .مث تال
اع ِة )1(اآلية. ِإ َّ ِ ِ
الس َ
ْم َّ هذه اآليةَّ :ن اللهَ عن َدهُ عل ُ
وخرجه اإلم ام أمحد ولفظه أن النيب ق ال « :أوتيت مف اتيح
اع ِة اآلية»(.)2 ِإ َّ ِ ِ
الس َ
ْم َّكل شيء إال الخمسَّ :ن اللهَ ع ْن َدهُ عل ُ
أيض ا بإس ناده عن ابن مس عود ق ال :أويت ن بيكم وخ رج ً
اع ِة اآلية (.)3 ِإ َّ ِ ِ
الس َ
ْم َّمفاتيح كل شيء غري مخس َّ ن اللهَ ع ْن َدهُ عل ُ
فقوله ف أخربين عن أمارهتا يعين عن عالماهتا اليت ت دل على
اقرتاهبا ويف ح ديث أيب هري رة أن النيب ق ال « :س أحدثك عن
أيضا ،وقد ذكر النيب للساعة عالمتني: أشراطها» .وهي عالماهتا ً
يدهتا األولى« :أن تلد األمة ربتها» ،واملراد بربتها :س
1
(?) رواه البخاري برقم (.)1039
2
(?) مسند اإلمام أمحد (.)86 -2/85
3
(?) مسند اإلمام أمحد (.)1/438
شرح حديث جبريل 41
ومالكتها .ويف ح ديث أيب هري رة « :ربها » .وه ذه إش ارة إىل
فتح البالد وكثرة جلب الرقيق حىت تكثر الس راري وتكثر أوالدهن
فتكون األمة رقيقة لسيدها وأوالده منه مبنزلته؛ فإن ولد السيد مبنزلة
السيد فيصري ولد األمة مبنزلة رهبا وسيدها.
وذكر اخلط ايب أنه اس تدل ب ذلك من يق ول :إن أم الولد إمنا
تعتق على ولدها من نصيبه من مرياث والده وإهنا تنتقل إىل أوالدها
ب املرياث فتعتق عليهم وإهنا قبل م وت س يدها تب اع .ق ال :ويف ه ذا
االستدالل نظر.
قلت :قد اس تدل بعض هم به على عكس ذلك ،وأن أم الولد ال
تباع وأهنا تعتق مبوت سيدها بكل حال؛ ألنه جعل ولد األمة رهبا،
فكأن ولدها هو الذي أعتقها فصار عتقها منسوبا إليه؛ ألنه سبب
عتقها فصار كأنه موالها.
وهذا كما روي عن النيب أنه قال يف أم ولده مارية ملا ولدت
إبراهيم عليه السالم « :أعتقها ولدها »(.)1
وقد اس تدل هبذا اإلم ام أمحد فإنه ق ال يف رواية حممد بن
احلكم عنه « :تلد األمة ربتها » .تك ثر أمه ات األوالد ،يق ول :إذا
ول دت فقد عتقت لول دها .وق ال :فيه حجة أن أمه ات األوالد ال
يبعن.
وقد فسر قوله « تلد األمة ربتها » بأنه يك ثر جلب الرقيق
حىت جتلب البنت فتعتق مث جتلب األم فتش رتيها البنت وتس تخدمها
وهي جاهلة بأهنا أمها ،وقد وقع ه ذا يف اإلس الم .وقيل :معن اه أن
1
(?) رواه ابن ماجه ( ،)2516واحلاكم ( ،)2/19والبيهقي (.)10/346
42 شرح حديث جبريل
اإلماء تلدن امللوك.
وق ال وكيع :معن اه تلد العجم الع رب والع رب مل وك العجم
وأرباب هلم.
والعالمة الثاني ة« :أن ت رى الحف اة الع راة العالة» واملراد
بالعالة :الفق راء كقوله تع اىلَ :و َو َج َد َك َع اِئالً فَ َأ ْغنَى[ .الض حى:
.]8
وقوله « :رع اء الش اء يتط اولون في البني ان » هك ذا يف
حديث عمر ،واملراد :أن أسافل الناس يصريون رؤساءهم وتكثر
أمواهلم حىت يتباهوا بطول البنيان وزخرفته وإتقانه.
ويف ح ديث أيب هري رة ذكر ثالث عالم ات منها :أن تك ون
احلف اة الع راة رؤس اء الن اس .ومنها :أن يتط اول رعاء البهم يف
البني ان ،وروى ه ذا احلديث عبداهلل بن عط اء عن عبداهلل بن بري دة
فق ال فيه « :وأن ت رى الصم البكم العمي الحف اة رعاء الش اء
يتط اولون في البني ان مل وك الن اس » ،ق ال :فق ام رجل ف انطلق
فقلنا :يا رسول اهلل من هؤالء الذين نعتَّ؟ قال «:هم العريب».
وك ذا روى ه ذا احلديث هبذه اللفظة األخ رية علي بن زيد عن
حيىي بن يعمر عن ابن عمر ،وأما األلف اظ األوىل فهي يف الص حيح
من حديث أيب هريرة مبعناه ا ،وقوله« :الصم البكم العمي» إشارة
إىل جهلهم وعدم علمهم وفهمهم ويف هذا املعىن أحاديث متعددة.
فخ رج اإلم ام أمحد والرتم ذي من ح ديث حذيفة عن
النيب قال «:ال تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع
شرح حديث جبريل 43
بن لكع»( .)1ويف صحيح ابن حبان عن أنس عن النيب قال « :ال
تنقضي الدنيا حتى تكون عند لكع بن لكع »(.)2
وخ رج الط رباين من ح ديث أيب ذر عن النيب ق ال« :ال
تقوم الساعة حتى يغلب على الدنيا لكع بن لكع ».
وخ رج اإلم ام أمحد والط رباين من ح ديث أنس عن النيب
قال « :بين يدي الساعة سنون خداعة يتهم فيها األمين ويؤتمن
فيها المتهم وينطق فيها الرويبضة » .ق الوا :وما الرويبضة؟ ق ال:
«الس فيه ينطق في أمر العامة » .ويف رواية « :الفاسق يتكلم في
أمر العامة » .ويف رواية اإلم ام أمحد « :إن بين ي دي ال دجال
سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويخ ون
فيها األمين ويؤتمن فيها الخائن » .وذكر بقيته (.)3
ومض مون ما ذكر من أش راط الس اعة يف ه ذا احلديث يرجع
إىل أن األم ور توسد إىل غري أهلها ،كما ق ال النيب ملن س أله عن
الس اعة « :إذا وسد األمر إلى غ ير أهله ف انتظر الس اعة »( )4فإنه
إذا ص ار احلف اة الع راة رع اء الش اء وهم أهل اجلهل واجلف اء رؤس اء
الناس وأصحاب الثروة واألموال حىت يتطاولوا يف البنيان فإنه يفسد
َأس الناس من كان فقريا عائال بذلك نظام الدين والدنيا ،فإنه إذا َر َ
عاما أو خاصا يف بعض فص ار ملكا على الن اس س واء ك ان ملكه ً
1
(?) رواه أمحد ( ،)5/389والرتمذي (.)2209
2
(?) صحيح ابن حبان ،برقم (.)6721
3
(?) رواه أمحد يف مس نده ( ،)3/220والطرباين يف األوسط ،وجود إسناده
احلافظ بن حجر يف فتح الباري (.)13/84
4
(?) رواه البخاري ( ،)59و( )6496من حديث أيب هريرة.
44 شرح حديث جبريل
األش ياء فإنه ال يك اد يعطى الن اس حق وقهم بل يس تأثر عليهم مبا
استوىل عليهم من املال فقد قال بعض السلف :ألن متد يدك إىل فم
الت نني فيقض مها خري لك من أن متدها إىل يد غين قد ع اجل الفقر،
وإذا كان مع هذا جاهال جافيا فسد بذلك الدين؛ ألنه ال يكون له
مهة يف إص الح دين الن اس وال تعليمهم بل مهته يف جباية املال
واكتن ازه وال يب ايل مبا أفسد من دين الن اس وال مبن أض اع من أهل
حاجاهتم ،وقال يف حديث آخر« :ال تقوم الساعة حتى يسود كل
قبيلة منافقوها» وإذا صار ملوك الناس ورؤوسهم على هذه احلال
انعكست س ائر األح وال فص دق الك اذب وك ذب الص ادق وائتمن
اخلائن وخ ون األمني وتكلم اجلاهل وس كت الع امل أو ع دم بالكلية
كما صح عن النيب أنه ق ال« :إن من أش راط الس اعة أن يرفع
العلم ويظهر الجهل»( )1وأخرب أنه «يقبض العلم بم وت العلم اء
ح تى إذا لم يبق ع الم اتخذ الن اس رؤس اء جه اال فس ئلوا ف أفتوا
بغير علم فضلوا وأضلوا»(.)2
وق ال الش عيب :ال تق وم الس اعة حىت يصري العلم جهاًل واجلهل
علما ،وه ذا كله من انقالب احلق ائق يف آخر الزم ان وانعك اس ً
مرفوعا« :إن من
ً األمور ،ويف صحيح احلاكم عن عبد اهلل بن عمرو
أشراط الساعة أن توضع األخيار وترفع األشرار»(.)3
ويف قوله« :يتط اولون في البني ان» دليل على ذم التب اهي
1
(?) البخاري ( ،)80ومسلم (.)2671
2
(?) البخاري ( ،)100ومسلم (.)2773
3
(?) صحيح احلاكم ( ،)555-4/554وصححه ووافقه الذهيب.
شرح حديث جبريل 45
خصوصا بالتطاول يف البنيان ،ومل يكن إطالة البناء معروفا
ً والتفاخر
يف زمن النيب وأص حابه رضي اهلل عنهم بل ك ان بني اهنم قصريًا
بق در احلاجة ،وروى أبو الزن اد عن األع رج عن أيب هري رة ق ال:
ق ال رس ول اهلل « :ال تق وم الس اعة ح تى يتط اول الن اس في
البنيان» خرجه البخاري(.)1
وخرج أبو داود من حديث أنس أن النيب خرج فرأى قبة
مشرفة ،فقال« :ما هذه؟» قالوا :هذه لفالن -رجل من األنصار-
فج اء ص احبها فس لم على رس ول اهلل ،ف أعرض عنه فعل ذلك
م رارا ،فه دمها الرجل( ،)2وخرجه الط رباين من وجه آخر عن أنس
أيض ا ،وعن ده فق ال :النيب « :كل بن اء -وأش ار بي ده هك ذا على
ً
رأسه -أكثر من هذا فهو وبال» وقال يف حديث ابن السائب عن
احلسن :كنت أدخل بي وت أزواج النيب يف خالفة عثم ان
فأتناول سقفها بيدي وروى عن عمر أنه كتب :ال تطيلوا بناءكم
فإنه شر أي امكم ،وق ال يزيد بن أيب زي اد :ق ال
حذيفة لس لمان :أال تبين لك مس كنا يا أبا عبد اهلل؟ ق ال :مل؟
لتجعلين ملكا ،ق ال :ال ،ولكن نبين لك بيتًا من قصب ونس قفه
ب البواري ،إذا قمت ك اد أن ميس رأسك وإذا منت ك اد أن ميس
طرفيك ،قال :كأنك كنت يف نفسي.
وعن عمار بن أيب عمار قال :إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة
أذرع نودي :يا أفسق الفاسقني إىل أين؟ خرجه كله ابن أيب الدنيا.
1
(?) برقم (.)7121
2
(?) رواه أبو داود برقم ( )5237وإسناده حسن.
46 شرح حديث جبريل
وقال يعقوب بن أيب شيبة يف مسنده قال :بلغين عن ابن عائشة
قال :حدثنا ابن أيب مشيل قال :نزل املسلمون حول املسجد -يعين
بالبص رة -يف َأْخِبيَ ة الشعر ففشا فيهم السرق فكتبوا إىل عمر فأذن
هلم يف الرياع فبنوا بالقصب ففشا فيهم احلريق فكتبوا إىل عمر فأذن
هلم يف املدر وهني أن يرفع الرجل مسكه أك ثر من س بعة أذرع،
وق ال :إذا ب نيتم منه بي وتكم ف ابنوا منه املس جد ،ق ال ابن عائشة:
وكان عتبة بن غزوان بىن مسجد البصرة بالقصب وقال :من صلى
فيه وهو من قصب أفضل ممن ص لى فيه وهو من لنب ،ومن ص لى
فيه وهو من لنب أفضل ممن صلى فيه وهو من آجر.
وخ رج ابن ماجه من ح ديث أنس عن النيب « :ال تق وم
الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد»( )1من حديث ابن عباس
رضي اهلل عنهما عن النيب ق ال« :أراكم تش رفون مس اجدكم
بع دي كما ش رفت اليه ود كنائس ها وكما ش رفت النص ارى
بيعها»(.)2
وروي ابن أيب ال دنيا بإس ناده عن إمساعيل بن مس لم عن
احلسن ق ال :ملا بىن رس ول اهلل المس جد ق ال« :ابن وه عريشا
كع ريش موسى» قيل للحسن :وما ع ريش موسى؟ ق ال :إذا رفع
يده بلغ العريش ،يعين :السقف.
واهلل أعلم وص لى اهلل وس لم على نبينا حممد وعلى آله وص حبه
1
(?) سنن ابن ماجه ( ،)739وصححه ابن حبان (.)1614
2
(?) رواه ابن ماجه ( ،)740ورواه أبو داود ( )448بلف ظ« :ما أم رت
بتش ييد املس اجد» ،ق ال ابن عب اس( :لتزخرفنها كما زخرفتها اليه ود
والنصارى) وصححه ابن حبان (.)1615
شرح حديث جبريل 47
وسلم.