You are on page 1of 115

‫***‬

‫صفــــة الصــــالة‬

‫***‬

‫لفضيلة الشيخ الدكتور‬

‫عبد الكريم بن عبد اهلل اخلضري‬


‫عضو هيئة كبار العلامء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‬
‫***‬
‫حقوق الطبع حمفوظة‬
‫***‬
‫‪3‬‬ ‫املقدمــــة‬

‫‪D‬‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصىل اهلل وسلم وبارك عىل عبده ورسوله‬
‫نبينا حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬فإن الدين احلنيف الذي نترشف باالنتساب إليه مبني عىل‬
‫دعائم وقواعد وثوابت ال قيام له بدوهنا‪ ،‬وال مندوحة ملسلم عنها؛ فقد جاء‬
‫يف الصحيحني‪ ،‬من حديث عبد اهلل بن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬بني اإلسالم عىل مخس‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدً ا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬واحلج‪ ،‬وصوم رمضان»(‪ ،)1‬ويف‬
‫رواية‪« :‬صيام رمضان وحج البيت»(‪.)2‬‬

‫فالركن األول ‪-‬وهو‪ :‬الشهادتان‪ -‬ال يتم الدخول يف هذا الدين إال‬
‫بعد النطق هبام‪ ،‬كام دل عىل هذا احلديث الصحيح‪ُ « :‬أ ِمرت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال اهلل»(‪ ،)3‬فإذا تم ذلك‪ ،‬فال بد من إقامة الدعائم األربع‬
‫العملية‪ ،‬فإذا كان ال يدخل يف الدين إال إذا نطق بالشهادة‪ ،‬فإن الركن الذي‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)21‬‬


‫(‪ )2‬أخرجها مسلم (‪.)22‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)22‬ومسلم (‪ ،)22‬من حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪4‬‬
‫يليها هو الصالة‪ ،‬وقد جاء تعظيم شأهنا يف النصوص الكثرية الصحيحة‬
‫الثابتة عن النبي ﷺ‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫قوله ﷺ‪« :‬بني الرجل وبني الرشك والكفر ترك الصالة»(‪.)1‬‬


‫وقوله ﷺ‪« :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصالة؛ فمن تركها‪ ،‬فقد‬
‫كفر»(‪.)2‬‬
‫وجاء عن عبد اهلل بن شقيق‪ :‬أن الصحابة ╚ كانوا ال يرون‬
‫شيئا من األعامل تركه كفر إال الصالة(‪.)3‬‬
‫أما باقي األركان ‪-‬وهي‪ :‬الزكاة‪ ،‬واحلج‪ ،‬والصوم‪ -‬فتكفري تاركها‬
‫تكاسال مع اإلقرار بوجوهبا أمر خمتلف فيه بني أهل العلم؛ فذهب‬
‫بعضهم‪ :‬إىل القول بكفر تارك أحد هذه األركان‪ ،‬وهي رواية يف مذهب‬
‫اإلمام أمحد(‪ ،)4‬لكن املرجح أنه ال يكفر‪ ،‬لكنه انتهك أمرا عظيام‪ ،‬وركب‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ ،)82‬من حديث جابر ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2221‬وقال‪« :‬هذا حديث حسن صحيح غريب»‪ ،‬والنسائي‬
‫(‪ ،)422‬وابن ماجه (‪ ،)1701‬وأمحد (‪ ،)22130‬من حديث بريدة ‪-‬ريض اهلل عنه‪،-‬‬
‫وصححه ابن حبان (‪ ،)1424‬واحلاكم (‪ ،)11‬وقال‪« :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬ال تعرف له‬
‫علة بوجه من الوجوه»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2222‬وصحح إسناده النووي يف خالصة األحكام (‪.)227‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬رشح الزركيش عىل خمترص اخلرقي (‪ ،)241/2‬املبدع يف رشح املقنع (‪/0‬‬
‫‪ ،)487‬جمموع الفتاوى (‪.)372/0‬‬
‫‪5‬‬ ‫املقدمــــة‬

‫خطرا جسيام‪ُ ،‬ش عليه من أن يفيض به إىل الكفر‪.‬‬


‫أما الصالة‪ ،‬فقد سبق ما ورد عنه ﷺ يف شأهنا‪ ،‬وما قاله عبد اهلل بن‬
‫شقيق التابعي اجلليل من نقل إمجاع الصحابة عىل كفر تاركها؛ ولذا املفت‬
‫به‪ :‬أن تارك الصالة ‪-‬ولو أقر بوجوهبا‪ -‬كافر(‪)1‬؛ نسأل اهلل السالمة‬
‫والعافية‪.‬‬
‫فإذا عرفنا عظم شأن الصالة‪ ،‬فكيف نصيل؟‬
‫لقد صح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬صلوا كام رأيتموين أصيل»(‪)2‬؛ فهو ﷺ‬
‫القدوة واألسوة ‪ ،‬وال طريق لنا ملعرفة ما جاء عن اهلل ‪ ‬إال بواسطته‪،‬‬
‫ومن طريقه‪.‬‬

‫فعىل طالب العلم أن يعن بام ثبت عنه ﷺ‪ ،‬وأن يقتفي أثره؛ فقد نقلت‬
‫صفة صالته ﷺ بطرق تثبت هبا احلجة‪ ،‬ويلزم املسلم اتباعه واقتفاؤه ﷺ‪،‬‬
‫ابتداء من رشوط الصالة‪ ،‬ثم الرشوع فيها‪ ،‬إىل الفراغ منها‪ ،‬وما بعد ذلك‪.‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة (‪ ،)43/2‬فتوى رقم (‪.)2073‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)231‬من حديث مالك بن احلويرث ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪6‬‬

‫رشوط الصالة‬

‫جدير بنا أن نعرف رشوط الصالة؛ ألن الصالة ال تصح إال هبا‪،‬‬
‫وإن كانت خارجة عن ماهيتها‪ ،‬وهذه الرشوط قد بينها أهل العلم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫األول‪ :‬اإلسالم؛ فال تصح الصالة من كافر‪ ،‬ولو صىل‪ ،‬ال تقبل منه‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬العقل؛ فال تصح من زائل العقل‪ ،‬كاملجنون‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬التمييز؛ وضابط املميز‪ :‬أن يفهم اخلطاب‪ ،‬ويرد اجلواب‬


‫املطابق‪ ،‬فال تصح الصالة من صبي ال يميز(‪.)1‬‬

‫الرابع‪ :‬الطهارة من احلدث؛ لقوله ﷺ‪« :‬ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا‬
‫أحدث حتى يتوضأ»(‪ ،)2‬وقوله‪« :‬ال ُتقبل صالة بغري طهور»(‪.)3‬‬

‫اخلامس‪ :‬الطهارة من النجاسة‪ ،‬ويدل لهذا حديث أيب سعيد اخلدري‬


‫‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬؛ حيث قال‪ :‬بينام رسول اهلل ﷺ يصيل بأصحابه‪ ،‬إذ خلع‬
‫نعليه‪ ،‬فوضعهام عن يساره‪ ،‬فلام رأى ذلك القوم‪ ،‬ألقوا نعالهم‪ ،‬فلام قىض‬

‫(‪ )1‬والتمييز ال ينضبط بسن‪ ،‬بل ُتلف باختالف األفهام‪ .‬ينظر‪ :‬اإلنصاف (‪.)281/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2124‬ومسلم (‪ ،)222‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ ،)224‬من حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫‪7‬‬ ‫شــروط الصــــالة‬

‫رسول اهلل ﷺ صالته قال‪« :‬ما محلكم عىل إلقائكم نعالكم؟»‪ ،‬قالوا‪ :‬رأيناك‬
‫ألقيت نعليك‪ ،‬فألقينا نعالنا‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن جربيل ‪ ‬أتاين‬
‫فأخربين أن فيهام قذ ًرا»‪ ،‬وقال‪« :‬إذا جاء أحدكم إىل املسجد‪ ،‬فلينظر‪ ،‬فإن‬
‫أذى‪ ،‬فليمسحه‪ ،‬وليصل فيهام»(‪.)1‬‬
‫رأى يف نعليه قذ ًرا أو ً‬
‫الركبة‪.‬‬
‫الّسة إىل ُ‬
‫السادس‪ :‬سرت العورة‪ ،‬وهي بالنسبة للرجل‪ :‬من ُ‬

‫وجيب عليه ست انمنبب ن وو ودهما؛ حلهيث‪« :‬ال يصيل أحدُ كم يف‬

‫الواحد ليس عىل عاتِ ِق ِه منه يشء»(‪ ،)2‬ويف لفظ‪« :‬ليس عىل منكِبيه‬
‫ِ‬ ‫الث ِ‬
‫وب‬

‫منه يشء»(‪)3‬؛ ولو تركه صحت صالته‪ ،‬لبن مع اإلثم‪ ،‬بخالف العورة‬

‫فستها رشط لو تركه بطلت صالته‪.‬‬


‫وما عورة انمروة يف الصالة‪ ،‬فجميع ِ‬
‫بهنا إ ا الوجه؛ إذا مل يبن ثمة‬
‫رجال وجانب‪ ،‬وما إذا كانت ِ‬
‫تصّل بحةرة رجال وجانب‪ ،‬فيجب عليها‬
‫ست ِ‬
‫وجهها كذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)227‬وأمحد (‪ ،)11800‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)1710‬وابن‬


‫حبان (‪ ،)2182‬واحلاكم (‪.)482‬‬
‫(‪ )2‬وخرجه البخاري (‪ ،)953‬ومسلم (‪ ،)515‬من دهيث ويب هريرة ◙‪.‬‬

‫(‪ )9‬وخرجه وبو داود (‪ ،)525‬من دهيث ويب هريرة ◙‪.‬‬


‫صفة الصالة‬ ‫‪8‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إن البف ن مه ا دبم الوجه؛ فلو كشفت كفيها‪ ،‬فال‬
‫بأس دينئذ(‪.)1‬‬

‫وولحق بعضهم القهم ن‪ ،‬وهو مذهب احلنفية(‪ ،)2‬ومال إليه شيخ‬

‫اإلسال ِم ابن تيمية ♫(‪ ،)3‬فلو صلت وقهماها وو بطون قهميها‬

‫ظاهرتان‪ ،‬فيتسامح يف ذلك‪ ،‬لبن األدوط ون تست مجيع بهنا‪ ،‬بحيث ا‬


‫يرج منه يشء‪.‬‬

‫وخف‪ ،‬وما ما‬


‫ُ‬ ‫وعىل كل دال‪ :‬فإن األمر بالنسبة لليهين والقهم ن‬
‫عها ذلك‪ ،‬فال به من سته‪.‬‬

‫السابع‪ :‬استقبال القبلة‪ .‬انمقصود باستقبال القبلة‪ :‬استقبال ِجه ِة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حتفة انمحتاج ‪.112/2‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تبي ن احلقاقق ‪.35/1‬‬

‫بالنص واإلمجاع‪ :‬ونه ليس عليها يف الصالة ون تلبس‬


‫ِ‬ ‫(‪ )9‬قال شيخ اإلسالم‪« :‬قه ثبت‬
‫ِ‬
‫فتصّل يف‬ ‫اجللباب الذي يستها‪ ،‬إذا كانت يف بيتها‪ ،‬وإن ا ذلك إذا خرجت؛ ودينئذ‪:‬‬
‫بيتها وإن رقِي وجهها‪ ،‬ويهاها‪ ،‬وقهماها‪ ،‬ك ا كن يمش ن وو ا قبل األمر بإدناء‬
‫اجلالبيب عليهن؛ فليست العورة يف الصالة مرتبطة بعورة النظر؛ ا طردا و ا‬
‫عبسا»‪ .‬جمموع الفتاوى ‪.115/22‬‬
‫‪9‬‬ ‫شــروط الصــــالة‬

‫البعبة‪ ،‬ا عينها‪ ،‬وإن قال بعض وهل العلم‪ :‬إن انمطلوب استقبال ع ن‬
‫البعبة(‪ ،)1‬وهذا فيه مشقة شهيهة‪ ،‬ووما استقبال اجلهة‪ ،‬فهو كاف؛ حلهيث‪:‬‬
‫«ما بني املرشق واملغرب قبلة»(‪)2‬؛ وهذا ُ‬
‫يهل عىل ون ا اختالف اليسري ومره‬
‫يسري ‪ -‬إن شاء اهلل تعاىل ‪.-‬‬
‫وما بالنسبة للمريض‪ :‬فإن مل يمبنه استقبال القبلة؛ فال يب ِلف اهلل‬

‫نفسا إ ا وسعها‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬دخول الوقت؛ فال تصح الصالة قبل وقتها إال املجموعة‬
‫مع ما قبلها‪ ،‬كجمع صالة العرص مع الظهر مجع تقديم‪.‬‬

‫يصح ساقر‬
‫ُ‬ ‫تصح الصالة إ ا بنية‪ ،‬ك ا ونه ا‬
‫ُ‬ ‫التاسع‪ :‬النية؛ فال‬
‫األع ال انمرشوعة إ ا بنية؛ حلهيث عمر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬يف الصحيح ن‬
‫وغريما‪« :‬إنام األعامل بالنيات‪ ،‬وإنام لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت‬
‫هجرته إىل اهلل ورسوله‪ ،‬فهجرته إىل اهلل ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته إىل‬
‫دنيا يصيبها‪ ،‬أو امرأة ينكحها‪ ،‬فهجرته إىل ما هاجر إليه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬انمغني ‪ ،913 ،913/1‬انمنهاج القويم رشح انمقهمة احلةرمية (ص‪.)115 :‬‬

‫(‪ )2‬وخرجه التمذي (‪ ،)933‬وقال‪« :‬دهيث دسن صحيح»‪ ،‬والنساقي (‪ ،)2239‬وابن‬


‫ماجه (‪ ،)1111‬من دهيث ويب هريرة ◙‪.‬‬

‫(‪ )9‬وخرجه البخاري (‪ ،)1‬ومسلم (‪.)1313‬‬


‫صفة الصالة‬ ‫‪10‬‬
‫***‬
‫‪11‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪D‬‬

‫أراكن الصالة‬

‫القيـام‬

‫حكم القيام‪:‬‬

‫أول أعامل الصالة هو القيام للقادر‪ ،‬فال تصح الصالة قاعدا من‬
‫ٍ‬
‫قادر عىل القيام؛ ففي حديث عمران بن حصني ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أن النبي‬
‫قائام‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدً ا‪ ،‬فإن لم تستطع فعىل جنب»(‪،)1‬‬
‫ﷺ قال‪« :‬صل ً‬
‫وهذا يف الفريضة‪ .‬أما النافلة‪ ،‬فتصح من قعود‪ ،‬ولو كان قادرا مستطيعا‪،‬‬
‫لكن األجر فيها عىل النصف من أجر القائم؛ فقد جاء يف احلديث‪« :‬صالة‬
‫القاعد عىل النصف من صالة القائم»(‪.)2‬‬

‫وقد يقول قائل‪ :‬هذا احلديث عام؛ لم يفرق بني فرض ونفل؛ فلم ال‬
‫تكون الفريضة قاعدا عىل النصف من أجر القائم؟‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)1110‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد هبذا اللفظ (‪ ،)13232‬من حديث أنس بن مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‬
‫ابن حجر يف الفتح (‪« :)282/2‬رجاله ثقات»‪ ،‬ويف البخاري (‪ ،)1112‬عن عمران‬
‫بن حصني مرفوعا‪« :‬ومن صىل قاعدا‪ ،‬فله نصف أجر القائم»‪ ،‬وقال ابن قدامة يف‬
‫املغني (‪« :)172/2‬ال نعلم خالفا يف إباحة التطوع جالسا‪ ،‬وأنه يف القيام أفضل»‪.‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪12‬‬
‫اجلواب‪ :‬أن عمومه معارض بحديث عمران بن حصني الدال عىل‬
‫ٍ‬
‫قاعد إال مع عدم االستطاعة‪ ،‬ثم إن هذا احلديث دل‬ ‫أنه ال تصح صالة‬
‫سبب وروده عىل أن املراد به صالة النافلة‪ ،‬ودليل ذلك‪ :‬أن النبي ﷺ قدم‬
‫املدينة وهي حممة ‪-‬أي‪ :‬كثرية احلم ‪ ،-‬فحم الناس‪ ،‬فدخل النبي ﷺ‬
‫املسجد‪ ،‬والناس قعود يصلون‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬صالة القاعد نصف‬
‫قياما»(‪ .)1‬ولو كانت فريضة‪ ،‬ما صلوا‬
‫صالة القائم‪ ،‬فتجشم الناس الصالة ً‬
‫قبل حضوره ﷺ‪ ،‬كام أنه يدل أيضا عىل أهنم كانوا قادرين عىل أن يصلوا‬
‫من قيام؛ ولهذا جتشموا وتكلفوا القيام وهم مرىض‪ ،‬فهنا قرصنا احلديث‬
‫عىل سببه‪.‬‬

‫وقد يناقش بأن‪ :‬العربة بعموم اللفظ‪ ،‬ال بخصوص السبب‪.‬‬

‫واجلواب عن هذا‪ :‬أنه صحيح‪ ،‬وهذه القاعدة متفق عليها بني‬


‫األئمة األربعة‪ ،‬بل نقل اإلمجاع عليها(‪ ،)2‬لكن العمل بالعموم إنام يكون إذا‬
‫لم يعارض بام هو أخص منه‪ ،‬فإذا عورض هذا العموم بام هو أخص منه‪،‬‬
‫قرصنا اخلرب عىل سببه‪.‬‬

‫فال تصح صالة الفريضة من قعود للقادر عىل القيام‪ ،‬أما النافلة‪،‬‬
‫فتصح من قعود ولو كان قادرا‪ ،‬وله نصف أجر القائم‪ ،‬وأما العاجز‪،‬‬

‫(‪ )1‬سبق خترجيه (ص‪.)8 :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬نفائس األصول (‪ ،)2131/2‬وإرشاد الفحول (‪.)332/1‬‬
‫‪13‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫فتصح صالته قاعدا فرضا ونفال‪ ،‬وأجره كامل بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫تفريغ القلب يف الصالة من الشواغل‪:‬‬

‫إذا قام املصيل بني يدي ربه‪ ،‬فليقبل عىل صالته متشوقا إليها‪،‬‬
‫مرتاحا هبا‪ ،‬مفرغا قلبه من مهوم الدنيا‪ ،‬وهكذا كانت حال النبي ﷺ‪،‬‬
‫بخالف حال الكثريين منا؛ إذ يأيت الواحد وذهنه مشغول بأمور الدنيا‪:‬‬
‫فأحيانا يدخل يف صالته وينرصف منها وما عقل منها شيئا؛ وحينئذ ال‬
‫يكون له من أجر الصالة يشء‪ ،‬فليس له من صالته إال ما عقل منها(‪.)1‬‬

‫وأحيانا قد يأيت بعضهم للصالة وهو مستثقل لها؛ يرتبص االنتهاء‬


‫والراحة منها‪ ،‬بخالف حال النبي ﷺ‪ ،‬الذي يرتاح هبا من مهوم دنياه؛‬
‫ألنه يستحض بقلبه وقالبه أنه ماثل بني يدي ربه ‪-‬جال وعال‪ )2(-‬لكنا‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل األثر املروي عن سفيان الثوري‪« :‬يكتب للرجل من صالته ما عقل منها»‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم يف احللية (‪ ،)21/0‬ويدل له حديث عامر بن يارس ‪-‬ريض اهلل عنه‪،-‬‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إن الرجل لينرصف‪ ،‬وما كتب له إال عرش صالته‪،‬‬
‫تسعها‪ ،‬ثمنها‪ ،‬سبعها‪ ،‬سدسها‪ ،‬مخسها‪ ،‬ربعها‪ ،‬ثلثها‪ ،‬نصفها»‪ .‬أخرجه أبو داود‬
‫(‪ ،)012‬وأمحد (‪ ،)18814‬وصححه ابن حبان (‪ ،)1881‬وغريه‪ .‬ونسب ابن تيمية‬
‫قوله‪« :‬ليس لك من صالتك إال ما عقلت منها» البن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬كام يف‬
‫جمموع الفتاوى يف مواطن كثرية‪ ،‬منها‪ ،)212/22( ،)31/0( :‬وكذا ابن القيم يف‬
‫املدارج (‪.)221 ،132/1‬‬
‫(‪ )2‬ومما يد ل عىل هذا‪ :‬ما رواه أحد الصحابة أنه سمع النبي ﷺ يقول‪« :‬يا بالل‪ ،‬أقم‬
‫الصالة‪ ،‬أرحنا هبا»‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ )4182‬بإسناد صحيح‪ ،‬كام قال الزيلعي يف‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪14‬‬
‫انشغلنا بأمور دنيانا‪ ،‬فعوقبنا بانرصاف القلوب عن هذه العبادة العظيمة‪،‬‬
‫ولو استحضنا مثولنا بني يدي اهلل ‪-‬جال وعال‪ -‬لام صارت حالنا يف‬
‫الصالة هكذا‪ ،‬ننرصف عنها ألدن شاغل‪.‬‬
‫ولو كان انشغالنا فيها بأمور اآلخرة؛ كانشغال عمر ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬‬
‫بتجييش اجليوش وهو يصيل(‪ ،)1‬هلان اخلطب؛ إذ هو يصيل وينشغل بعبادة‬
‫أخرى‪ ،‬وإن كان األوىل واألكمل أن يتجه إىل ما هو بصدده من العبادة‬
‫التي كلف هبا وأمر هبا‪.‬‬

‫وسبب ضعف اخلشوع ‪-‬الذي هو لب الصالة‪ -‬يتمثل يف أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬التشبث بأمور الدنيا‪ ،‬واإلعراض عن اآلخرة‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬الران الذي غط القلوب بسبب املكاسب املدخولة التي لم‬


‫يسلم منها إال القليل النادر‪ ،‬ونحن نعرف حال التجار‪ ،‬ومعامالهتم‪،‬‬
‫ونعرف أحوال املوظفني من عدم إيفاء الوظيفة حقها‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬

‫ختريج أحاديث الكشاف (‪.)23/1‬‬


‫(‪ )1‬أخرجه البخاري تعليقا بصيغة اجلزم (‪ ،)20/2‬فقال‪« :‬باب يفكر الرجل اليشء يف‬
‫الصالة‪ ،‬وقال عمر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬إين ألجهز جييش وأنا يف الصالة»‪ .‬ونقل احلافظ‬
‫يف الفتح (‪« :)17/3‬قال ابن التني‪ :‬إنام هذا فيام يقل فيه التفكر‪ ،‬كأن يقول‪ :‬أجهز‬
‫فالنا‪ ،‬أقدم فالنا‪ ،‬أخرج من العدد كذا وكذا‪ ،‬فيأيت عىل ما يريد يف أقل يشء من‬
‫الفكرة‪ ،‬فأما أن يتابع التفكر ويكثر حت ال يدري كم صىل‪ ،‬فهذا الالهي يف صالته؛‬
‫فيجب عليه اإلعادة»‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫فعىل املسلم أن يقبل إىل صالته فرحا هبا مرتاحا هبا‪ ،‬ال مستعجال‬
‫فيها يتمن التخلص منها‪ ،‬أو منشغال فيها ينتهي منها وال يدري كم صىل‪.‬‬
‫***‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪16‬‬

‫‪‬‬ ‫تكبرية اإلحرام‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫صيغة التكبري‪:‬‬

‫إذا مثل املصيل بني يدي ربه ‪-‬جال وعال‪ -‬قال‪« :‬اهلل أكرب»‪ ،‬ورفع‬
‫يديه مع هذا التكبري‪ ،‬كام ثبت ذلك عن النبي ﷺ يف حديث أيب محيد‪،‬‬
‫وغريه(‪ ،)1‬وأمر النبي ﷺ امليسء يف صالته هبذه التكبرية‪ ،‬فقال له‪« :‬إذا‬
‫قمت إىل الصالة‪ ،‬فأسبغ الوضوء‪ ،‬ثم استقبل القبلة‪ ،‬فكرب»(‪ ،)2‬وهذه‬
‫التكبرية هي تكبرية اإلحرام‪ ،‬وهي ركن من أركان الصالة عند مجهور‬
‫أهل العلم(‪.)3‬‬

‫وذهب احلنفية إىل أهنا رشط من رشوط الصالة‪ ،‬وليست ركنا(‪.)4‬‬

‫والفرق بني القولني‪ :‬أن الرشوط تكون خارج ماهية الصالة‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرج البخاري (‪ ،)032‬عن ابن عمر ¶‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ كان يرفع يديه‬
‫حذو منكبيه إذا افتتح الصالة»‪ ،‬و(‪ ،)828‬عن أيب محيد الساعدي‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه‬
‫قال‪« :‬رأيته إذا كرب‪ ،‬جعل يديه حذاء منكبيه‪.»...‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2221‬ومسلم (‪ ،)310‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الفواكه الدواين (‪ ،)102/1‬املجموع (‪ ،)281/3‬الكايف يف فقه اإلمام أمحد‬
‫(‪.)242/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪.)370/1‬‬
‫‪17‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫واألركان داخلها‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬إن تكبرية اإلحرام رشط‪ ،‬قلنا‪ :‬إهنا خارج‬
‫الصالة‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬إهنا ركن‪ ،‬صارت داخل الصالة‪.‬‬

‫وليس معن هذا أن احلنفية جييزون ملن يريد الصالة أن يكرب تكبرية‬
‫اإلحرام يف بيته‪ ،‬ويأيت املسجد‪ ،‬فيصيل‪ ،‬كام هو احلال فيمن يتوضأ يف بيته‪،‬‬
‫ثم ُرج إىل املسجد‪ ،‬ليس املراد ذلك؛ ألهنم يقولون‪ :‬إهنا رشط مقارن‬
‫ألول جزء من الصالة بدون فاصل(‪.)1‬‬
‫وثمرة هذا اخلالف تظهر يف مسائل‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬لو كرب وهو حامل نجاسة‪ ،‬ووضعها مع هناية التكبري‪ ،‬فصالته‬


‫صحيحة عند احل نفية‪ ،‬وباطلة عند اجلمهور؛ ألنه محل النجاسة عند‬
‫احلنفية خارج الصالة‪ ،‬ومحلها عند اجلمهور داخل الصالة‪ ،‬وهذا متصور؛‬
‫فقد يكون بيد اإلنسان يشء‪ ،‬ويكون عالام بنجاسته‪ ،‬أو يتبني له ذلك‬
‫الحقا‪ ،‬ثم مع هناية التكبري يضعه‪.‬‬

‫‪ -2‬لو قلب املتنفل صالته إىل فرض مع هناية التكبري‪ ،‬كانت‬


‫صحيحة عند احلنفية‪ ،‬وباطلة عند اجلمهور(‪.)2‬‬

‫التلفظ بالنية‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البناية رشح الهداية (‪.)138/2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)370/1‬الرشح الكبري للشيخ الدردير (‪ ،)232/1‬املجموع‬
‫رشح املهذب (‪ ،)282/3‬الكايف يف فقه اإلمام أمحد (‪.)242/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪18‬‬
‫ال يرشع للمصيل أن يقول قبل تكبرية اإلحرام أي يشء‪ ،‬يقول ابن‬
‫القيم‪« :‬ولم يقل شيئا قبلها‪ ،‬وال تلفظ بالنية ألبتة‪ ،‬وال قال‪ :‬أصيل صالة‬
‫كذا‪ ،‬مستقبال القبلة‪ ،‬أربع ركعات‪ ،‬إماما أو مأموما‪ ،‬وال قال‪ :‬أداء وال‬
‫قضاء وال فرض الوقت»(‪.)1‬‬

‫والتلفظ بالنية موجود يف كثري من بلدان املسلمني‪ ،‬وهو بدعة‪ ،‬لم‬


‫يثبت يشء فيه عن النبي ﷺ‪ ،‬وال عن صحابته الكرام‪ ،‬وال عن التابعني‬
‫لهم بإحسان‪ ،‬إنام يذكر عن اإلمام الشافعي ما ال يدل عىل هذا املراد من أن‬
‫الفرق بني الصالة والصيام‪ :‬كون الصالة يف أوهلا نطق ال يوجد يف‬
‫الصيام؛ فزعم من زعم أن هذا النطق هو اجلهر بالنية(‪.)2‬‬

‫والنية رشط جلميع العبادات؛ حلديث‪« :‬إنام األعامل بالنيات‪ ،‬وإنام‬


‫ٍ‬
‫امرئ ما نوى»(‪)3‬؛ فال تصح عبادة بدون نية‪.‬‬ ‫لكل‬

‫تعريف النية‪:‬‬

‫النية‪ :‬هي جمرد القصد إىل الفعل(‪)4‬؛ فأنت إذا أردت الوضوء‪،‬‬
‫فبمجرد ما تذهب إىل دورة املياه‪ ،‬وتفتح الصنبور لتتوضأ‪ ،‬تكون قد‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)271/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املجموع (‪ ،)200/3‬جمموع الفتاوى (‪ ،)222/18‬زاد املعاد (‪.)271/1‬‬
‫(‪ )3‬تقدم خترجيه (ص‪.)0 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مطالب أويل النه (‪.)314/1‬‬
‫‪19‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫نويت‪ ،‬وال يشء أكثر من ذلك‪ ،‬وبمجرد أن تقف بني يدي ربك يف‬
‫الصف‪ ،‬وتقول‪ :‬اهلل أكرب‪ ،‬تكون قد أتيت بنية الصالة؛ ألنك قصدت‬
‫الصالة‪.‬‬
‫وكثري من الناس يعرف أن هذه النية رشط‪ ،‬ويعرف أن العبادة كلها‬
‫ال تصح إال هبذا الرشط‪ ،‬فيحتاط ويتشدد يف هذا الباب؛ فيستحض النية؛‬
‫لئال ترشد‪ ،‬ثم بعد ذلك يؤكدها‪ ،‬ثم جيهر هبا‪ ،‬ثم يبتىل بالوسواس‪.‬‬
‫وأسئلة من ابتيل هبذا الوسواس ال تنتهي‪ ،‬وما يك عن املوسوسني‬
‫كثري‪ ،‬وقد يصل األمر إىل حد ميؤوس من عالجه‪ ،‬إال أن يتداركه اهلل ‪-‬‬
‫جال وعال‪ -‬برمحته‪ ،‬يقول بعضهم‪« :‬إن كل مفصل من مفاصل األصابع له‬
‫نية ختصه يف الوضوء»‪ ،‬وياول الوضوء ساعات‪ ،‬ثم إذا جاء إىل الصالة‪،‬‬
‫فلها نصيبها األكرب من النية عنده؛ فيبذل يف سبيلها الوقت الطويل‪ ،‬حت‬
‫إن ي أحدهم بقي من وقت صالة العشاء إىل ضح اليوم الثاين‪ ،‬ياول‬
‫صالة العشاء وما استطاع؛ لشدة الوسوسة!‬

‫فعىل الشخص أن يقطع الطريق عىل الشيطان؛ ألن الشيطان يريد‬


‫أن يلبس عىل املسلم دينه‪ ،‬ويبذل ما يستطيع من وساوس‪ ،‬وشواغل‬
‫وصوارف؛ ليرصفه عن دينه‪ ،‬ويلهيه عن عبادته؛ ولهذا بعض املوسوسني‬
‫تقرب حاهلم من أن تسقط عنهم الصالة؛ إذ يمكث يف الوضوء ثامين‬
‫ساعات ‪ -‬مثال ‪ -‬كي يتوضأ‪ ،‬وكذلك يصعب عليه اإلتيان بالنية يف‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪20‬‬
‫الوضوء والصالة‪ ،‬ومثل هذا يقال له‪ :‬توضأ وصل عىل أي حال ولو بال‬
‫نية‪.‬‬

‫فينبغي أن ننتبه لهذا األمر‪ ،‬ونعن به‪ ،‬ونأيت بالعبادات عىل الوجه‬
‫املأمور به؛ من غري إفراط وال تفريط‪ ،‬وال نزيد يف العدد عىل ما جاء عن‬
‫النبي ﷺ يف غسل األعضاء؛ لئال نبتىل بالوسوسة؛ فبعض الناس قد يزيد‬
‫من باب االحتياط‪ ،‬وهذه بدعة‪ .‬واالحتياط إذا أدى إىل ارتكاب حمظور‪،‬‬
‫أو ترك مأمور‪ ،‬فاالحتياط ترك هذا االحتياط‪ ،‬كام قال شيخ اإلسالم ‪-‬‬
‫رمحه اهلل‪.)1(-‬‬

‫وإذا شك املتوضئ هل غسل العضو مرتني أو ثالثا؟ فمعلوم أنه إذا‬


‫تردد هل صىل ركعتني أو ثالثا‪ ،‬يبني عىل األقل؛ ليؤدي الصالة بيقني‪،‬‬
‫لكن إذا تردد هل غسل العضو مرتني أو ثالثا؛ يقال له‪ :‬اجعلها ثالثا‪ ،‬وال‬
‫يبني عىل األقل يف مثل هذا؛ ألنه إذا كان الواقع ثالثا‪ ،‬ثم زاد‪ ،‬خرج إىل‬
‫حد اإلساءة والبدعة‪ ،‬وإن كان الواقع اثنتني‪ ،‬واقترص عليهام‪ ،‬فقد وافق‬
‫سنة أيضا؛ ألن النبي ﷺ توضأ مرة مرة(‪ ،)2‬ومرتني مرتني(‪ ،)3‬وثالثا‬
‫وثالثا(‪ ،)4‬فاالقتصار عىل األقل يف الوضوء يف حيز املسنون‪ ،‬وال يقال مثل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املستدرك عىل جمموع الفتاوى (‪.)41/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)120‬من حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)128‬من حديث عبد اهلل بن زيد ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)121‬ومسلم (‪ ،)222‬من حديث عثامن بن عفان ‪-‬ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫هذا يف الصالة؛ ألن نقصان عدد ركعات الصالة ال يوافق سنة وال رشعا‬
‫أبدا‪ ،‬لكن من ابتيل بالوسواس يف الصالة‪ ،‬واستمر معه ذلك‪ ،‬وصار يف‬
‫كل صالة يرتدد‪ :‬هل صىل اثنتني أو ثالثا؟ فنقول له‪ :‬اعتربها ثالثا‪ ،‬إىل أن‬
‫تتعاىف من هذا الوسواس؛ ألنه إذا قيل له‪ :‬ابن عىل األقل؛ بن عىل األقل‪،‬‬
‫ثم إذا صىل ثالثة‪ ،‬نيس هل صىل اثنتني أو ثالثا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫والوسواس ال يقترص عىل الوضوء أو الصالة‪ ،‬بل يكون يف أفعال‬


‫كثرية‪ ،‬فبعض املوسوسني ألدن مالبسة ُيل إليه أنه طلق زوجته‪ ،‬وهذا‬
‫من الشيطان‪.‬‬

‫ولهذا ينبغي لإلنسان أن يكثر من االستعاذة من الشيطان(‪ ،)1‬وأن‬


‫يكثر من الذكر وتالوة القرآن‪ ،‬وأن يلجأ إىل اهلل ‪-‬جال وعال‪ -‬داعيا إياه أن‬
‫يعصمه من الشيطان؛ وإال فهذه وظيفة الشيطان‪﴿ :‬قال فبِ ِعزتِك‬
‫ألُغ ِوين ُهم أْج ِعني﴾ [ص‪.]82:‬‬

‫إال أنه إذا أذن للصالة‪ ،‬أدبر وله حصاص‪ ،‬أي‪ :‬ضاط(‪ ،)2‬ثم إذا‬
‫فرغ األذان‪ ،‬جاء ليوسوس‪ ،‬فإذا ثوب للصالة‪ ،‬وأقيمت الصالة‪ ،‬هرب‪،‬‬

‫(‪ )1‬يدل هلذا حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬يأيت الشيطان‬
‫أحدكم‪ ،‬فيقول‪ :‬من خلق كذا‪ ،‬من خلق كذا‪ ،‬حتى يقول‪ :‬من خلق ربك؟ فإذا بلغه‪،‬‬
‫فليستعذ باهلل‪ ،‬ولينته»‪ .‬أخرجه البخاري (‪ ،)3202‬ومسلم (‪.)134‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬العني (‪ ،)14/3‬وهتذيب اللغة (‪.)220/3‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪22‬‬
‫ثم إذا انتهت اإلقامة‪ ،‬رجع ليوسوس للمصلني‪ :‬اذكر كذا‪ ،‬اذكر كذا‪ ،‬إىل‬
‫أن ُرج اإلنسان من صالته وليس معه من أجرها يشء(‪.)1‬‬

‫فعلينا أن ننتبه لهذا األمر‪ ،‬ونحتاط له؛ ألن اإلنسان قد يؤت من‬
‫شدة احلرص مع اجلهل‪ ،‬فيزيد عىل املرشوع فيبتىل‪.‬‬

‫وقد كان دأبه ﷺ يف إحرامه لصالته أن يقول‪« :‬اهلل أكرب»(‪ ،)2‬هبذا‬


‫اللفظ ال غري؛ فال يتم الدخول يف الصالة إال هبذا اللفظ «اهلل أكرب»؛ ألنه‬
‫لم ينقل عن النبي ﷺ غريه‪ ،‬فال جيزئ‪« :‬اهلل األعز»‪ ،‬أو‪« :‬اهلل األكرم»‪ ،‬أو‪:‬‬
‫«اهلل الكبري»‪ ،‬كام يقول بعض أهل العلم(‪.)3‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا نودي‬
‫النداء أقبل‪ ،‬حتى‬
‫ُ‬ ‫للصالة‪ ،‬أدبر الشيطان‪ ،‬وله رضاط‪ ،‬حتى ال يسمع التأذين‪ ،‬فإذا قيض‬
‫إذا ُثوب بالصالة‪ ،‬أدبر‪ ،‬حتى إذا قيض التثويب‪ ،‬أقبل‪ ،‬حتى ي ُطر بني املرء ونفسه‪،‬‬
‫يقول‪ :‬اذكر كذا‪ ،‬اذكر كذا‪ ،‬مل ِا مل يكن يذ ُك ُر‪ ،‬حتى يظل الرجل ال يدري كم صىل»‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)278‬ومسلم (‪.)318‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث أيب محيد السابق‪ ،‬وجاء يف رواية أخرجها ابن ماجه (‪ ،)873‬بلفظ‪:‬‬
‫«كان رسول اهلل ﷺ إذا قام إىل الصالة استقبل القبلة‪ ،‬ورفع يديه‪ ،‬وقال‪ :‬اهلل أكرب»‪،‬‬
‫قال ابن عساكر يف معجمه (‪« :)143/2‬هذا حديث حسن صحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املبسوط للرسخيس (‪ ،)32/1‬اهلداية يف رشح بداية املبتدي (‪.)48/1‬‬
‫‪23‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪‬‬ ‫رفع اليدين يف الصالة‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫حكم رفع اليدين يف الصالة‪:‬‬

‫الرفع لليدين عند تكبرية اإلحرام مستحب عند مجيع األئمة(‪ ،)1‬ولم‬
‫يوجبه أحد‪ ،‬إال ما يذكر عن داود الظاهري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬واحلميدي شيخ‬
‫البخاري؛ من أهنم أوجبوا الرفع مع تكبرية اإلحرام(‪)2‬؛ لثبوته عن النبي‬
‫ﷺ؛ فقد روي من طريق مخسني صحابيا‪ ،‬منهم العرشة املشهود لهم‬
‫باجلنة‪ ،‬فثبوت الرفع يف هذا املوضع قطعي(‪ .)3‬أما الرفع يف املواضع الباقية‪،‬‬
‫ففي استحباهبا خالف‪.‬‬

‫وعدد املواضع التي يستحب فيها رفع اليدين يف الصالة أربعة‬


‫مواضع هي‪:‬‬

‫األول‪ :‬مع تكبرية اإلحرام‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬مع تكبرية الركوع‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال ابن املنذر يف اإلمجاع (ص‪« :)21 :‬وأمجعوا عىل أن النبي ﷺ كان يرفع يديه إذا‬
‫افتتح الصالة»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬االستذكار (‪ ،)471/1‬فتح الباري (‪.)227/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتح الباري (‪.)227/2‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪24‬‬
‫الثالث‪ :‬مع الرفع من الركوع‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬بعد القيام من الركعتني‪.‬‬

‫واجلمهور يقولون باستحباب املواضع الثالثة األوىل‪ ،‬دون املوضع‬


‫الرابع‪ ،‬لكن دليله ثابت من حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬يف صحيح‬
‫البخاري‪« :‬إذا قام من الركعتني‪ ،‬رفع يديه»(‪ ،)1‬ولم يثبته اإلمام أمحد‪ ،‬ولذا‬
‫فليس مشتهرا يف كتب احلنابلة؛ ألن اإلمام أمحد كان يرى أنه موقوف عىل‬
‫ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،)2(-‬والبخاري يرجح الرفع‪.‬‬

‫صفة رفع اليدين عند تكبرية اإلحرام‪:‬‬

‫جاء يف حديث أيب محيد‪ ،‬وابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهم‪ ،-‬وغريمها‪ :‬أن‬
‫النبي ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا كرب لإلحرام(‪ ،)3‬أي‪ :‬يرفع يديه‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)031‬وكذلك يف حديث أيب محيد الساعدي‪ ،‬ووافقه مجع من‬
‫الصحابة عليه‪ ،‬أخرجه أبو داود (‪ ،)037‬والرتمذي (‪ ،)374‬أمحد (‪،)23211‬‬
‫وغريهم‪ ،‬وفيه‪« :‬حت إذا قام من السجدتني‪ ،‬كرب ورفع يديه حت ياذي هبام منكبيه»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬سنن أيب داود (‪.)110/1‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ختريج حديث أيب محيد (ص‪ ،)12 :‬أما حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪،-‬‬
‫فلفظه‪« :‬رأيت رسول اهلل ﷺ إذا قام يف الصالة‪ ،‬رفع يديه حت يكونا حذو منكبيه‪،‬‬
‫وكان يفعل ذلك حني يكرب للركوع‪ ،‬ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫سمع اهلل ملن محده‪ ،‬وال يفعل ذلك يف السجود»‪ .‬أخرجه البخاري (‪ ،)032‬ومسلم‬
‫(‪.)317‬‬
‫‪25‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫مقابل منكبيه‪ ،‬واملنكب‪ :‬هو جمتمع رأس العضد مع الكتف(‪ ،)1‬ويف حديث‬
‫وائل بن حجر‪« :‬أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حني دخل يف الصالة»(‪،)2‬‬
‫وقال الرباء‪« :‬قريبا من أذنيه»(‪ ،)3‬وجاء يف بعض األلفاظ‪« :‬إىل فروع‬
‫أذنيه»(‪.)4‬‬

‫فالنبي ﷺ كان يرفع يديه مع تكبرية اإلحرام‪ ،‬لكن أهل العلم‬


‫اختلفوا إىل أي حد‪:‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬هذا املنقول من خالف التنوع؛ فأحيانا يرفع إىل‬
‫منكبيه‪ ،‬وأحيانا يرفع إىل أذنيه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬نجمع بني الروايات بأن جتعل رواية‪« :‬حذو‬


‫املنكب» ألصل الكفني‪ ،‬ورواية‪« :‬فروع األذنني» ألطراف األصابع‪ ،‬وقد‬
‫دل عىل هذا اجلمع حديث وائل بن حجر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬عند أيب داود(‪.)2‬‬

‫و يكون ابتداء الرفع لليدين مع ابتداء التكبري‪ ،‬وانتهاء الرفع مع‬


‫انتهائه؛ ألن الرفع للتكبري ومن أجله؛ فكان معه‪ ،‬ويف الصحيحني من‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬هتذيب اللغة (‪.)128/17‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)471‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪.)18072‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ ،)311‬من حديث مالك بن احلويرث ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬ولفظه‪« :‬أنه أبرص النبي ﷺ حني قام إىل الصالة رفع يديه حت كانتا بحيال منكبيه‪،‬‬
‫وحاذى بإهباميه أذنيه‪ ،‬ثم كرب»‪ .‬أخرجه أبو داود (‪.)024‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪26‬‬
‫حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪« :-‬أن النبي ﷺ كان يرفع يديه حذو‬
‫منكبيه حني يكرب»(‪.)1‬‬

‫وبعض الناس يترصف ترصفا أشبه ما يكون بالعبث؛ فرتاه إذا كرب‪،‬‬
‫حرك يديه ولو كانتا عند رسته‪ ،‬يظن أنه بذلك الفعل يعد مطبقا للسنة‪،‬‬
‫وهذا ال يكفي‪ ،‬بل ال بد من الرفع‪ ،‬وأقل ما جاء فيه‪ :‬أن يكون إىل حذو‬
‫املنكبني‪.‬‬
‫وضع اليد اليمنى على اليسرى‪:‬‬

‫إذا كرب املصيل تكبرية اإلحرام‪ ،‬وانته من رفع يديه‪ ،‬وضع يده‬
‫اليمن عىل ظهر اليرسى؛ فقد أخرج ابن خزيمة‪ ،‬من حديث وائل بن‬
‫حجر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪« :‬صليت مع النبي ﷺ‪ ،‬فوضع يده اليمن عىل‬
‫يده اليرسى عىل صدره»(‪ ،)2‬واحلديث صحيح بشواهده(‪ ،)1‬وهو أقوى من‬

‫(‪ )1‬تقدم خترجيه (ص‪ ،)11 :‬وجاء أيضا ما يدل عىل أن التكبري قبل الرفع؛ ففي مسلم‬
‫(‪ )311‬عن مالك بن احلويرث‪« :‬كان إذا صىل‪ ،‬كرب‪ ،‬ثم رفع يديه»‪ ،‬وحدث‪« :‬أن‬
‫رسول اهلل ﷺ كان يفعل هكذا»‪.‬‬
‫وجاء ما يدل عىل أن التكبري يكون بعد الرفع؛ ففي مسلم (‪ )317‬أن ابن عمر ‪-‬ريض‬
‫اهلل عنهام‪ ،-‬قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا قام للصالة‪ ،‬رفع يديه حت تكونا حذو‬
‫منكبيه‪ ،‬ثم كرب» ‪ ،‬ويقال فيها مثلام قيل يف االختالف يف مبلغ اليدين من املنكب‬
‫واألذن‪ :‬إما اجلمع‪ ،‬أو محلها عىل أهنا سنن متعددة‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح ابن خزيمة (‪ ،)481‬وأصله يف مسلم (‪« :)471‬أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه‬
‫‪27‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫حديث عيل ‪-‬ريض اهلل عنه‪« :-‬من السنة‪ :‬وضع الكف عىل الكف حتت‬
‫عيل ضعيف(‪.)3‬‬
‫الرسة» ‪ ،‬بل حديث ي‬
‫(‪)2‬‬

‫موضع النظر أثناء القيام‪:‬‬


‫األوىل أن ينظر املصيل إىل موضع سجوده‪ ،‬وهو قول مجهور العلامء‪،‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬ينظر جتاه وجهه‪ ،‬كام قال اإلمام مالك(‪- )4‬رمحه اهلل‪،-‬‬
‫ج ِد احلرامِ﴾ [البقرة‪،]144:‬‬
‫مستدال بقوله تعاىل‪﴿ :‬فول وجهك شطر املس ِ‬
‫وال شك أن النظر إىل موضع السجود أمجع للقلب‪ ،‬وأعون عىل اخلشوع‪.‬‬

‫وإن كان نظره إىل موضع السجود يشوش عليه؛ لكون هذا املوضع‬
‫فيه زخارف ونقوش‪ ،‬ففي هذه احلال يفعل األصلح له يف اخلشوع‬
‫وحضور القلب‪.‬‬

‫وأما بالنسبة للنظر يمينا وشامال بام ال يقتيض االلتفات‪ ،‬فهذا ال ينايف‬
‫اخلشوع؛ ولذا لم يذكره العلامء من مكروهات الصالة‪ ،‬وإنام ذكروا من‬

‫حني دخل يف الصالة كرب‪ ،‬ثم التحف بثوبه‪ ،‬ثم وضع يده اليمن عىل اليرسى»‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التلخيص احلبري (‪.)241/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)022‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التلخيص احلبري (‪.)227/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مواهب اجلليل يف رشح خمترص خليل (‪.)241/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪28‬‬
‫مكروهات الصالة‪ :‬االلتفات‪ ،‬وهو‪ :‬اختالس(‪ ،)1‬لكن يبق أن األكمل‬
‫للمصيل أن ينظر إىل موضع سجوده‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث عائشة ▲‪ ،‬قالت‪ :‬سألت رسول اهلل ﷺ عن االلتفات يف‬

‫الصالة؟ فقال‪« :‬هو اختالس ُتلسه الشيطان من صالة العبد»‪ .‬أخرجه البخاري (‪.)021‬‬
‫‪29‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪‬‬ ‫دعاء االستفتاح‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫بعد تكبرية االحرام يقرأ دعاء االستفتاح؛ ففي الصحيحني‪ ،‬من‬
‫حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ يسكت بني‬
‫التكبري وبني القراءة إسكاتة‪ ،‬فقلت ‪-‬وهو معروف باحلرص عىل اخلري‪:-‬‬
‫بأيب وأمي يا رسول اهلل‪ ،‬إسكاتك بني التكبري والقراءة ما تقول؟ قال‪:‬‬
‫«أقول‪ :‬اللهم باعد بيني وبني خطاياي‪ ،‬كام باعدت بني املرشق واملغرب‪،‬‬
‫اللهم نقني من اخلطايا‪ ،‬كام ينق الثوب األبيض من الدنس‪ ،‬اللهم اغسل‬
‫خطاياي باملاء والثلج والربد»(‪.)1‬‬

‫فقال هنا‪« :‬اللهم باعد بيني» باإلفراد‪ ،‬وخص النفس بالدعاء‪ ،‬ولم‬
‫يقل‪« :‬باعد بيننا»‪ ،‬و يف احلديث اآلخر الوعيد الشديد عىل من أم الناس يف‬
‫الصالة وخص نفسه بالدعاء دوهنم‪« :‬ال يؤم رجل قوما؛ فيخص نفسه‬
‫بالدعاء دوهنم»(‪ ،)2‬وابن خزيمة لام رأى املعارض واملعارض بينهام بون يف‬
‫الثبوت؛ فهذا يف الصحيحني‪ ،‬وذاك حديث حسن‪ ،‬حكم عىل احلديث‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)044‬ومسلم (‪.)218‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)17‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي (‪ )320‬وحسنه‪ ،‬وابن ماجه (‪،)123‬‬
‫من حديث ثوبان ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وأمحد (‪ ،)22241‬من حديث أيب أمامة ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪30‬‬
‫اآلخر بالوضع؛ ملخالفته لام ثبت يف الصحيحني‪ ،‬لكن إذا كان اإلسناد ال‬
‫بأس به‪ ،‬وأمكن اجلمع‪ ،‬فال مسوغ للحكم بالوضع؛ ألن النظر يف‬
‫املعارضة يأيت بعد تعذر اجلمع‪ ،‬واجلمع هنا ممكن‪.‬‬
‫وقد مجع شيخ اإلسالم بني احلديثني‪ :‬بأن ختصيص النفس بالدعاء‬
‫‪-‬املمنوع منه‪ -‬املراد به الدعاء الذي يؤمن عليه؛ كدعاء القنوت‪ .‬أما دعاء‬
‫اإلمام الذي ال يؤمن عليه املأموم‪ ،‬كدعاء االستفتاح‪ ،‬فال مانع من أن‬
‫ُص نفسه فيه‪ ،‬وال مانع أن يقول‪« :‬اللهم باعد بيني وبني خطاياي»‪،‬‬
‫ويدعو لنفسه يف السجود‪ ،‬ويدعو بني السجدتني بـ«اللهم اغفر يل»(‪ ،)1‬كام‬
‫ثبت عن النبي ﷺ(‪.)2‬‬

‫وجزم السخاوي وآخرون من أهل العلم‪ :‬بأن الدعاء الذي ال جيوز‬


‫ختصيص اإلمام نفسه فيه؛ هو الدعاء الذي ال يشرتك فيه اإلمام واملأموم‬
‫يف الصالة‪ ،‬كالدعاء املطلق يف السجود‪ ،‬أو بعد أن يستعيذ باهلل من أربع‪،‬‬
‫ويتخري من املسألة ما شاء‪ ،‬فهذا ال جيوز له أن ُص نفسه بالدعاء فيه(‪.)3‬‬

‫ومجع شيخ اإلسالم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أوضح‪.‬‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل ما أخرجه أبو داود (‪ ،)827‬والرتمذي (‪ ،)284‬والنسائي (‪ ،)1131‬وابن‬


‫ماجه (‪ ،)818‬وأمحد (‪ ،)2812‬من حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،)118/23‬وبمثله قال العراقي يف طرح التثريب (‪.)130/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬األجوبة املرضية فيام سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية (‪.)1748/3‬‬
‫‪31‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫وورد دعاء استفتاح آخر أيضا‪ ،‬هو‪« :‬سبحانك اللهم وبحمدك‪،‬‬


‫وتبارك اسمك‪ ،‬وتعاىل جدك‪ ،‬وال إله غريك»‪ ،‬ودعاء االستفتاح هذا روي‬
‫مرفوعا عند أمحد‪ ،‬وأصحاب السنن(‪ ،)1‬وصح عن عمر ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬‬
‫عند مسلم(‪ ،)2‬أنه كان يستفتح به يف مقام النبي ﷺ ‪ -‬أي‪ :‬خليفة ‪،-‬‬
‫ويعلمه الناس؛ فهذا الدعاء مأثور عن اخلليفة الراشد‪ ،‬وجهر به بني‬
‫الصحابة يف أمر توقيفي وهي عبادة الصالة‪ ،‬فاملظنون به أنه تلقاه عن‬
‫النبي ﷺ‪.‬‬

‫فإن استفتح املصيل هبذا الدعاء‪ ،‬فهو حسن؛ لثبوته عن عمر ‪-‬ريض‬
‫ٍ‬
‫وجوه‬ ‫اهلل عنه‪ ،-‬واإلمام أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يرجح هذا االستفتاح‪ ،‬من‬
‫ذكرها ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ ،)3(-‬لكن إذا ثبت املرفوع يف الصحيحني ‪-‬كام‬
‫تقدم‪ -‬فال شك أنه أرجح‪.‬‬

‫وقد صح عن النبي ﷺ يف دعاء االستفتاح ألفاظ كثرية‪ ،‬منها‬


‫املخترص‪ ،‬ومنها املطول‪ ،‬وغالبها وجلها يف صالة الليل كقوله ﷺ‪« :‬اللهم‬
‫رب جربائيل وميكائيل‪ ،‬فاطر السموات واألرض‪ ،‬عالم الغيب‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)002‬والرتمذي (‪ ،)243‬والنسائي (‪ ،)1131‬وابن ماجه‬


‫(‪ ،)872‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ ،-‬وجاء عند أمحد (‪ ،)11403‬من حديث‬
‫أيب سعيد اخلدري ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪.)311‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬زاد املعاد (‪.)111-118/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪32‬‬
‫والشهادة‪ ،‬أنت حتكم بني عبادك فيام كانوا فيه ُتلفون‪ ،‬اهدين لام اختلف‬
‫فيه من احلق بإذنك‪ ،‬إنك هتدي من تشاء إىل رصاط مستقيم»(‪.)1‬‬

‫وعىل املسلم ‪-‬ال سيام من ينتسب إىل العلم‪ -‬أن يفظ هذه األدعية‪،‬‬
‫ويأيت هبا عىل التعاقب‪ ،‬وال جيمع بينها‪ ،‬بل يستفتح أحيانا هبذا‪ ،‬وأحيانا‬
‫هبذا‪ ،‬ويف صالة الليل‪ :‬يستفتح أحيانا بصيغة‪ ،‬وأحيانا بأخرى‪ ،‬وهكذا؛‬
‫ألن االختالف بينها ليس اختالف تضا يد؛ فنرجح بعضها عىل بعض‪،‬‬
‫ونقترص عليه‪ ،‬وإنام هو اختالف تنو ٍع‪ ،‬وكلها ثابتة عن النبي ﷺ‪ ،‬كام أشار‬
‫إىل ذلك اإلمام أمحد؛ إذ يقول‪« :‬أما أنا‪ ،‬فأذهب إىل ما روي عن عمر ‪-‬‬
‫ريض اهلل عنه‪ ،-‬ولو أن رجال استفتح ببعض ما روي عن النبي ﷺ من‬
‫االستفتاح‪ ،‬كان حسنا»(‪.)2‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ ،)007‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬


‫(‪ )2‬الكايف (‪ ،)244/1‬وينظر‪ :‬مسائل اإلمام أمحد وإسحاق (‪.)217/2‬‬
‫‪33‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪‬‬ ‫االستعاذة والبسملة‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ثم بعد االستفتاح يستعيذ باهلل من الشيطان الرجيم؛ فقد كان ﷺ‬
‫يقول بعد التكبري واالستفتاح‪« :‬أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطان‬
‫الرجيم‪ ،‬من مهزه ونفخه ونفثه»‪ ،‬كام ورد يف املسند والسنن‪ ،‬من حديث‬
‫أيب سعيد ‪-‬ريض اهلل عنه‪)1( -‬؛ فإن قال ذلك يف الصالة ال سيام يف صالة‬
‫الليل‪ ،‬فحسن‪ ،‬واحلديث ال يسلم من مقال(‪ ،)2‬لكن له شواهد يثبت هبا(‪.)3‬‬

‫ثم يقول بعد ذلك‪« :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم»‪.‬‬

‫ويرس املصيل بـ«بسم اهلل الرمحن الرحيم» مطلقا يف الرسية واجلهرية‪،‬‬


‫وإن جهر هبا أحيانا‪ ،‬فال بأس؛ فقد ثبت‪ :‬أن النبي ﷺ كان يستفتح الصالة‬
‫بالتكبري والقراءة بـ﴿احلمدُ هللِ رب العاملِني﴾(‪[ )4‬الفاحتة‪]2:‬؛ ففهم منه بعض‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)002‬والرتمذي (‪ ،)242‬وأمحد (‪ ،)11403‬من حديث أيب سعيد‬
‫اخلدري ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬قال الرتمذي‪ « :‬وقد تكلم يف إسناد حديث أيب سعيد‪ ،‬كان يي بن سعيد يتكلم يف عيل‬
‫بن عيل الرفاعي‪ .‬وقال أمحد‪ :‬ال يصح هذا احلديث»‪ .‬سنن الرتمذي (‪)324 /1‬‬
‫(‪ )3‬وقد صححه ابن خزيمة (‪ ،)420‬وابن حبان (‪.)1001‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ ،-‬قالت‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ يستفتح الصالة‬
‫بالتكبري والقراءة باحلمد هلل رب العاملني»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)418‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪34‬‬
‫أهل العلم أنه ال يرشع دعاء االستفتاح‪ ،‬واالستعاذة‪ ،‬والبسملة‪ ،‬وهذا‬
‫معروف عن املالكية(‪ ،)1‬وجاء يف رواية هذا احلديث‪« :‬صليت خلف‬
‫هلل‬
‫رسول اهلل ﷺ وأيب بكر وعمر‪ ،‬فكانوا يستفتحون القراءة بـ﴿احلمدُ ِ‬
‫رب العاملِني﴾‪ ،‬ال يذكرون‪« :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم» يف أول القراءة‪ ،‬وال‬
‫يف آخرها»(‪ ،)2‬لكن ال يلزم من كوهنم يستفتحون القراءة بـ﴿احلمدُ هللِ رب‬
‫العاملِني﴾ أال يقولوا‪« :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم» رسا؛ بحيث لم يسمعها‬
‫الراوي؛ ولذا محل احلافظ ابن حجر نفي الذكر عىل نفي اجلهر‪ ،‬وصحح‬
‫الرواية السابقة التي يف صحيح مسلم(‪ ،)3‬ومنهم من أعلها وضعفها؛ ألهنا‬
‫خمالفة لام جاء يف أحاديث أخرى‪ ،‬ومثل هبا لعلة املتن‪ ،‬يقول احلافظ‬
‫العراقي ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫ِ‬
‫وعل َّ ُة امل َّت ِن كنف َّ ِي البس َّمله‬
‫إذ ظََّّن ر ٍاو نفيهََّّا فنقلََّّه‬
‫(‪)4‬‬

‫فالراوي لم يسمعها‪ ،‬فظن أن النبي ﷺ لم يقلها مطلقا‪ ،‬فنقل ذلك‪،‬‬


‫لكن إذا أمكن محل اخلرب الذي جاء بإسناد صحيح عىل حممل صحيح؛‬
‫بحيث يتفق ويتسق مع النصوص األخرى‪ ،‬تعني ذلك‪ ،‬ال سيام وأن اخلرب‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البيان والتحصيل (‪ ،)322/1‬الذخرية (‪ ،)100/2‬منح اجلليل (‪.)222/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)311‬من حديث أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتح الباري (‪.)228/2‬‬
‫(‪ )4‬ألفية العراقي (‪.)272‬‬
‫‪35‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫يف صحيح مسلم‪ ،‬فإذا محلنا عدم الذكر عىل عدم اجلهر‪ ،‬انته اإلشكال‪.‬‬

‫ومن أهل العلم من يرى استحباب اجلهر بالبسملة مطلقا؛ قالوا‪:‬‬


‫ألهنا آية من الفاحتة؛ فهي كغريها من آيات الفاحتة‪ ،‬يقرأ هبا‪ ،‬ومحلوا‬
‫هلل رب العاملِني﴾‪ ،‬عىل أن املقصود‬
‫حديث‪ :‬يستفتحون القراءة بـ﴿احلمدُ ِ‬
‫الفاحتة؛ فهي تسم سورة احلمد(‪ ،)1‬واجلمهور عىل أهنا يرس هبا؛ حلديث‪:‬‬
‫ت الصالة بيني وبني عبدي نصفني‪ ،‬فإذا قال العبد‪ :‬احلمد هلل رب‬
‫«قسم ُ‬
‫العاملني‪ »...‬احلديث(‪ )2‬فبدأ بـ«احلمد هلل» ومل يذكر البسملة؛ فدل عىل أهنا‬
‫ليست بآية من الفاحتة‪ ،‬وكون البسملة آية من الفاحتة أو ليست بآية منها‪،‬‬
‫مسألة طويلة الذيول‪ ،‬واخلالف فيها كبري بني أهل العلم؛ عىل أهنم يتفقون‬
‫عىل أهنا ليست بآية من سورة براءة‪ ،‬وعىل أهنا بعض آية من سورة‬
‫النمل(‪ ،)3‬وشيخ اإلسالم ابن تيمية يرجح أهنا آية واحدة جاءت للفصل‬
‫بني السور(‪)4‬؛ فعىل هذا يكون اإلرسار هبا أفضل‪ ،‬وإن جهر هبا أحيانا‪ ،‬فال‬
‫بأس‪.‬‬

‫وهذه الثالثة‪ :‬دعاء االستفتاح‪ ،‬واالستعاذة‪ ،‬والبسملة‪ :‬سنن عىل‬


‫الصحيح‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)111/4‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)312‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬طرح التثريب (‪ ،)181/4‬عمدة القاري (‪.)12/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)202/22‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪36‬‬
‫***‬
‫‪37‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪‬‬ ‫قراءة الفاحتة وسورة‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫حكم قراءة الفاحتة‪:‬‬

‫ثم بعد ذلك يقرأ الفاحتة‪ ،‬والفاحتة ركن من أركان الصالة ال تصح‬
‫الصالة إال هبا؛ ففي حديث عبادة بن الصامت ‪-‬ريض اهلل عنه‪« :-‬ال صالة‬
‫ملن لم يقرأ بفاحتة الكتاب»(‪ ،)1‬فدل عىل ركنيتها يف الصالة‪ ،‬لكن اختلف‬
‫أهل العلم يف لزومها لكل ي‬
‫مصل عىل أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬تلزم اإلمام واملنفرد واملأموم يف اجلهرية والرسية؛‬


‫حلديث عبادة بن الصامت ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬السابق(‪.)2‬‬

‫القول الثاين‪ :‬تلزم اإلمام واملنفرد‪ ،‬دون املأموم يف الصالة الرسية‬


‫واجلهرية؛ ألن قراءة اإلمام قراءة ملن خلفه(‪)3‬؛ وهذا مذهب احلنفية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)022‬ومسلم (‪.)314‬‬


‫(‪ )2‬هذا الصحيح من مذهب الشافعية‪ ،‬ورواية عن اإلمام أمحد‪ .‬ينظر‪ :‬املجموع رشح‬
‫املهذب (‪ ،)324/3‬روضة الطالبني وعمدة املفتني (‪ ،)248/1‬اإلنصاف يف معرفة‬
‫الراجح من اخلالف للمرداوي (‪.)228/2‬‬
‫(‪ )3‬إشارة إىل حديث جابر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬من كان له إمام‪،‬‬
‫فإن قراءة اإلمام له قراءة»‪ .‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)827‬وأمحد (‪ ،)14243‬وضعفه‬
‫احلافظ يف التلخيص (‪.)221/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪38‬‬
‫القول الثالث‪ :‬تلزم اإلمام واملنفرد‪ ،‬أما املأموم‪ ،‬فال تلزمه فيام جيهر‬
‫آن فاست ِم ُعوا‬
‫به اإلمام(‪ ،)2‬وتلزمه يف الرسية؛ لقوله تعاىل‪﴿ :‬وإِذا ُق ِرئ ال ُقر ُ‬
‫محون﴾ [األعراف‪ ،]274:‬وحديث‪« :‬وإذا قرأ‬ ‫ِ‬
‫ل ُه وأنصتُوا لعلكُم تُر ُ‬
‫فأنصتوا»(‪)3‬؛ مجعا بني النصوص يف هذا الباب‪ ،‬وهذا قول كثري من أهل‬
‫العلم(‪.)4‬‬

‫والراجح‪ :‬أن الفاحتة تلزم اإلمام واملأموم واملنفرد‪ ،‬سواء جهر‬


‫اإلمام أو أرس؛ ألن حديث عبادة بن الصامت صحيح رصيح‪ ،‬ونفي‬
‫للصالة بانتفاء الفاحتة‪ ،‬والصالة املنفية هي الصالة الرشعية املجزئة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ال صالة صحيحة إال بفاحتة الكتاب؛ فعىل هذا‪ :‬عىل اإلنسان أن يعن هبا‪،‬‬
‫وهيتم هبا‪ ،‬وال يتساهل بشأهنا‪.‬‬

‫لكن هناك نوع من الناس ال يستطيع أن يقرأ عند قراءة اإلمام‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬العناية رشح الهداية (‪ ،)338/1‬البناية رشح الهداية (‪ ،)313/2‬وهو كذلك‬
‫مذهب املالكية‪ ،‬ينظر‪ :‬رشح خمترص خليل للخريش (‪ ،)221/1‬والرشح الكبري للشيخ‬
‫الدردير وحاشية الدسوقي (‪ ،)230/1‬واملذهب عند احلنابلة تسن قراءهتا يف الرسية‪،‬‬
‫ينظر‪ :‬كشاف القناع عن متن اإلقناع (‪ ،)423/1‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من‬
‫اخلالف للمرداوي (‪.)228/2‬‬
‫(‪ )2‬هي رواية عن اإلمام أمحد‪ .‬ينظر‪ :‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف للمرداوي‬
‫(‪.)228/2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ ،)474‬من حديث أيب موس األشعري ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬نيل األوطار (‪.)227/2‬‬
‫‪39‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ومثل هذا حكمه حكم العاجز عن القراءة‪.‬‬

‫وقد يقول قائل‪ :‬أنا أصيل مع إمام يستعجل يف قراءته‪ ،‬فال أمتكن من‬
‫قراءة الفاحتة خلفه‪ ،‬فهذا حكمه حكم املسبوق‪ ،‬وصالته صحيحة‪.‬‬
‫وكذا اختلف العلامء يف لزومها يف حق املسبوق عىل قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أهنا تلزمه‪ ،‬وهو قول أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪،-‬‬
‫والبخاري‪ ،‬والشوكاين ‪-‬رمحهام اهلل‪-‬؛ فعىل هذا‪ :‬لو جاء واإلمام راكع‪ ،‬لم‬
‫حتسب له الركعة؛ لفوات ركنها‪ :‬الفاحتة(‪.)1‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أهنا ال تلزم املسبوق؛ فالذي دخل واإلمام راكع‪،‬‬


‫فأدرك الركوع‪ ،‬فإن قراءة الفاحتة تسقط عنه؛ بدليل حديث أيب بكرة ‪-‬ريض‬

‫اهلل عنه‪ ،)2(-‬وهذا قول اإلمام الشافعي(‪ ،)3‬وهو املرجح‪.‬‬

‫صفة قراءة النيب ﷺ‪:‬‬

‫كانت قراءته ﷺ مدا‪ ،‬يقف عند كل آية؛ ففي البخاري‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القراءة خلف اإلمام للبخاري (ص‪ ،)30 :‬نيل األوطار (‪ ،)223/2‬الروضة‬
‫الندية (‪.)122/1‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث عن أيب بكرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه انته إىل النبي ﷺ وهو راكع‪،‬‬
‫فركع قبل أن يصل إىل الصف‪ ،‬فذكر ذلك للنبي ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬زادك اهلل حرصا وال‬
‫تعد»‪ .‬أخرجه البخاري (‪.)083‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬روضة الطالبني (‪.)242/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪40‬‬
‫قال‪ :‬سئل أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪ :‬كيف كانت قراءة النبي ﷺ؟ فقال‪:‬‬
‫كانت مدا‪ ،‬ثم قرأ‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم؛ يمد بـ«باسم اهلل»‪ ،‬ويمد‬
‫بـ«الرمحن»‪ ،‬ويمد بـ«الرحيم»(‪. )1‬‬
‫لكنه ﷺ يمد املد املعتدل‪ ،‬وبعض الناس يبالغ يف املد‪ ،‬فيخرج‬
‫بالقراءة عن حقيقتها‪ ،‬ويرتتب عىل قراءته زيادة حروف‪ ،‬فالقراءة يف‬
‫الصالة ‪-‬ال سيام الفاحتة التي هي ركن من أركاهنا‪ -‬ال بد أن يتقنها املسلم‪،‬‬
‫فلو أخل بيشء منها ولو بحرف من حروفها‪ ،‬أو بشدة من شداهتا‪ ،‬فقد‬
‫تبطل صالته‪ ،‬وهذا إذا حلن فيها حلنا ييل املعن ‪ ،‬فعىل املسلم أن يعن‬
‫بالفاحتة؛ ألن صالته ال تصح إال هبا‪.‬‬

‫التـأمني‪:‬‬

‫إذا فرغ املصيل من الفاحتة‪ ،‬قال‪« :‬آمني»‪ ،‬جيهر هبا إذا جهر بالقراءة‪،‬‬
‫وجيهر هبا من خلفه إذا كان إماما‪ ،‬جاء ذلك يف حديث أيب هريرة ‪-‬ريض‬
‫اهلل عنه‪ -‬عند الدارقطني‪ ،‬واحلاكم وصححه(‪ ،)2‬وأليب داود والرتمذي من‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)2742‬‬


‫(‪ )2‬ولفظه عن أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪ :‬ترك الناس التأمني‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ‬
‫وب علي ِهم وال الضالني﴾ قال‪ :‬آمني‪ ،‬حت يسمعها أهل الصف‬ ‫إذا قال‪﴿ :‬غ ِري املغ ُض ِ‬
‫األول‪ ،‬فريتج هبا املسجد‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ ،)134‬وابن ماجه (‪ ،)823‬والدارقطني‬
‫(‪ ،)332/1‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)201‬وابن حبان (‪ ،)1872‬واحلاكم (‪.)812‬‬
‫‪41‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫حديث وائل بن حجر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬نحوه(‪ ،)1‬ويف الصحيحني وغريمها‪،‬‬
‫من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬إذا أمن اإلمام‪،‬‬
‫فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمني املالئكة‪ُ ،‬غ ِفر له ما تقدم من ذنبه»(‪،)2‬‬
‫فالفاء تفيد الرتتيب والتعقيب‪ ،‬ومثله ما جاء يف احلديث الصحيح‪« :‬إذا‬
‫كرب‪ ،‬فكربوا‪ ،‬وإذا ركع‪ ،‬فاركعوا»(‪ ،)3‬وكذلك يف حديث‪« :‬إذا قال‪ :‬سمع‬
‫اهلل ملن محده‪ ،‬فقولوا‪ :‬ربنا ولك احلمد»(‪)4‬؛ فاإلمام إذا كرب لإلحرام أو‬
‫غريه‪ ،‬فكربوا‪ ،‬وإذا أمن‪ ،‬فأمنوا‪ ،‬وإذا ركع‪ ،‬فاركعوا‪ ،‬وإذا قال‪ :‬سمع اهلل‬
‫ملن محده‪ ،‬فقولوا‪ :‬ربنا ولك احلمد؛ ففي هذه األحاديث‪ :‬ترتيب أعامل‬
‫املأموم عىل أعامل اإلمام بالفاء التي تدل عىل الرتتيب والتعقيب‪ ،‬أي‪ :‬أن‬
‫تكون أعامل املأموم عقب أعامل إمامه‪ ،‬من غري مه ٍ‬
‫لة وتراخٍ ‪.‬‬

‫وهنا فائدة جيدر التنبيه عليها‪ ،‬وهي أن األصل يف التعبري بالفعل‬


‫املايض‪ :‬أن احلدث قد مىض وانقىض؛ فقولك‪« :‬جاء زيد»‪ ،‬يعني‪ :‬أن‬
‫املجيء قد وقع يف الزمن املايض‪.‬‬

‫(‪ )1‬ولفظه عن وائل بن حجر‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا قرأ‪﴿ :‬وال الضالني﴾‪ ،‬قال‪« :‬آمني»‪،‬‬
‫ورفع هبا صوته‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ ،)132‬والرتمذي (‪ )248‬وحسنه‪ ،‬والنسائي‬
‫(‪ ،)801‬وابن ماجه (‪ ،)822‬وصححه احلاكم (‪.)2113‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)087‬ومسلم (‪.)417‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)308‬ومسلم (‪ ،)411‬من حديث أنس بن مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)281‬ومسلم (‪ ،)411‬من حديث أنس بن مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪42‬‬
‫ولو أخذنا هذه القاعدة ونظرنا إىل قوله ﷺ‪« :‬إذا كرب‪ ،‬فكربوا»‬
‫يكون املعن ‪ :‬إذا فرغ اإلمام من التكبري‪ ،‬فكربوا؛ ألن موافقة اإلمام يف‬
‫مثل هذا ممنوعة‪ ،‬لكن يف قوله ﷺ‪« :‬إذا ركع فاركعوا» ال نقول‪ :‬إذا فرغ‬
‫اإلمام من الركوع‪ ،‬فاركعوا‪ ،‬بمعن ‪ :‬أن املأموم ينتظر اإلمام حت ينتهي‬
‫من الركوع‪ ،‬فريكع(‪ ،)1‬وإنام نقول‪ :‬إذا رشع يف الركوع واستقر راكعا‪،‬‬
‫فاركعوا؛ ألن الفعل املايض يطلق ويراد به أحد أمور ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬الفراغ من الفعل ‪-‬وهو األصل‪ ،-‬كام يف قوله ﷺ‪« :‬إذا كرب‪،‬‬
‫فكربوا»‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬الرشوع يف الفعل‪ ،‬كام يف قوله ﷺ‪« :‬إذا ركع‪ ،‬فاركعوا»‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إرادة الفعل‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فإِذا قرأت ال ُقرآن فاست ِعذ‬
‫بِاهللِ ِمن الشيط ِ‬
‫ان الر ِجيمِ﴾ [النحل‪ ،]18:‬أي‪ :‬إذا أردت القراءة‪.‬‬

‫ولو فهمنا الفعل املايض عىل ظاهره‪ ،‬فستكون االستعاذة بعد الفراغ‬
‫من القراءة‪.‬‬

‫ومن هذا‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬يا أ هُّيا ال ِذين آمنُوا إِذا ُقمتُم إِىل الصال ِة‬
‫فاغ ِس ُلوا ُو ُجوهكُم﴾ [املائدة‪ ،]2:‬أي‪ :‬إذا أردتم القيام‪ ،‬ولو أجرينا الفعل‬
‫عىل ظاهره‪ ،‬فسيكون املعن ‪ :‬إذا فرغتم من القيام إىل الصالة‪ ،‬فتوضؤوا‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نيل األوطار (‪.)120/3‬‬


‫‪43‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫أي‪ :‬أنه سيكون مع كل واحد إداوة الوضوء وهو يف الصف‪ ،‬فإذا قام‬
‫ليكرب‪ ،‬توضأ‪.‬‬

‫ومن هذا اإلطالق‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬إذا أمن اإلما ُم‪ ،‬فأمنوا»(‪)1‬؛ ألننا لو‬
‫محلناه عىل اإلطالق األول‪ ،‬فسيكون املعن ‪ :‬إذا فرغ اإلمام من التأمني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫واحد؛ بحيث‬ ‫ٍ‬
‫وقت‬ ‫فأمنوا‪ ،‬وإنام املعن ‪ :‬إذا أراد التأمني‪ ،‬فأمنوا معه يف‬
‫يكون صوت املأموم مع صوت اإلمام؛ ألنه من وافق تأمينه تأمني‬
‫املالئكة‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬وبدليل حديث‪« :‬وإذا قال‪ :‬وال‬
‫الضالني‪ ،‬فقولوا‪ :‬آمني»(‪ ،)2‬وهذا النص مفرس للذي قبله‪ ،‬بمعن أننا‬
‫نقول‪« :‬آمني» مع اإلمام‪.‬‬

‫وقوله ﷺ‪« :‬من وافق تأمينه تأمني املالئكة»‪ ،‬وليس املراد باملوافقة يف‬
‫الكيفية؛ بحيث يكون مده مثل مد املالئكة يف ابتدائه وانتهائه؛ ألن هذا أمر‬
‫غيبي يوفق اهلل ‪-‬جال وعال‪ -‬له من شاء‪ ،‬والذي علينا هو احلرص عىل‬
‫اتباع السنة‪ ،‬واالنتظار حت يقول اإلمام‪« :‬وال الضالني»‪ ،‬فإذا انقطع‬
‫صوته‪ ،‬قلنا‪« :‬آمني»‪ ،‬ولن نخيب بعد ذلك؛ فعىل اإلنسان أن يرص‪،‬‬
‫ويض قلبه؛ ألن هذا دعاء‪ ،‬فمعن «آمني»‪ :‬اللهم استجب‪ ،‬واهلل ‪-‬جال‬

‫(‪ )1‬تقدم خترجيه (ص‪.)32 :‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)474‬من حديث أيب موس األشعري ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪44‬‬
‫وعال‪ -‬ال يقبل الدعاء من قلب غافل(‪.)1‬‬

‫السَّكتات يف الصالة‪:‬‬

‫ذكر ابن القيم ♫ أنه كان للنبي ﷺ سكتتان‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬سكتة بني التكبري والقراءة‪ ،‬وهي السكتة التي سأل عنها أبو‬
‫هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬بقوله‪« :‬أرأيت سكوتك بني التكبري والقراءة ما‬
‫تقول؟ قال‪ :‬أقول‪ :‬اللهم باعد بيني وبني خطاياي كام باعدت بني املرشق‬
‫واملغرب‪ ،‬اللهم نقني من خطاياي كام ينق الثوب األبيض من الدنس‪،‬‬
‫اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج واملاء والربد»‪ ،‬وهو يف الصحيحني(‪.)2‬‬

‫الثانية‪ :‬خمتلف فيها؛ ألنه جاء ما يدل عىل أهنا بعد الفراغ من القراءة؛‬
‫فمن أهل العلم من جعلها بعد فراغ اإلمام من قراءة الفاحتة؛ ليتمكن‬
‫املأموم من قراءهتا‪.‬‬

‫ومنهم من جعلها بعد الفراغ من قراءة السورة بعد الفاحتة؛ ليرتاد‬


‫نفس اإلمام إليه قبل الركوع‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬هي ثالث سكتات؛ األوىل‪ :‬عقب تكبرية اإلحرام‪،‬‬


‫والثانية‪ :‬عقب الفاحتة‪ ،‬فإذا قال‪« :‬آمني»‪ ،‬انتظر قليال‪ ،‬والثالثة‪ :‬بعد الفراغ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم (‪.)1120/3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)044‬ومسلم (‪.)218‬‬
‫‪45‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫من القراءة وقبل الركوع‪ ،‬وكالم أهل العلم يف هذه املسألة معروف(‪.)1‬‬

‫يقول ابن القيم‪« :‬والظاهر‪ :‬أنام هي اثنتان فقط‪ ،‬وأما الثالثة‪ ،‬فلطيفة‬
‫ألجل تراد النفس‪ ،‬ولم يكن يصل القراءة بالركوع‪ ،‬بخالف السكتة‬
‫األوىل؛ فإنه جيعلها بعد االستفتاح‪ ،‬والثانية قد قيل‪ :‬إهنا ألجل قراءة‬
‫املأموم؛ فعىل هذا‪ :‬ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاحتة؛ ليتمكن املأموم من‬
‫قراءة الفاحتة‪ ،‬وأما الثالثة‪ :‬فللراحة والنفس فقط‪ ،‬وهي سكتة لطيفة‪ ،‬فمن‬
‫لم يذكرها‪ ،‬فلقرصها‪ ،‬ومن اعتربها‪ ،‬جعلها سكتة ثالثة؛ فال اختالف بني‬
‫الروايتني»(‪.)2‬‬

‫أما احلديث الوارد يف السكتات‪ ،‬فهو ما رواه اإلمام أمحد‪ ،‬وأبو‬


‫داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وغريهم من حديث احلسن البرصي‪ ،‬عن سمرة ‪-‬ريض‬
‫اهلل عنه‪ -‬عن النبي ﷺ‪« :‬أنه كان يسكت سكتتني‪ :‬إذا استفتح‪ ،‬وإذا فرغ‬
‫من القراءة كلها»(‪ ،)3‬ويف رواية‪« :‬سكتة إذا كرب‪ ،‬وسكتة إذا فرغ من قراءة‪:‬‬
‫﴿غ ِري املغ ُض ِ‬
‫وب علي ِهم وال الضالني﴾ [الفاحتة‪.)4(»]0:‬‬

‫فمجموع الروايات تدل عىل أن السكتات ثالث؛ لكن هل يثبت‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬زاد املعاد (‪.)278/1‬‬


‫(‪ )2‬السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرج أبو داود (‪ ،)008‬والرتمذي (‪ )221‬وحسنه‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)842‬وأمحد‬
‫(‪ ،)27228‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)1208‬وابن حبان (‪ ،)1870‬واحلاكم (‪.)087‬‬
‫(‪ )4‬أخرجها أبو داود (‪ ،)000‬وأمحد (‪.)27242‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪46‬‬
‫مثل هذا احلكم بمثل هذا اإلسناد‪ ،‬فسامع احلسن من سمرة مسألة خالفية‬
‫بني أهل العلم(‪ ،)1‬أما سامع احلسن من سمرة حديث العقيقة‪ ،‬فهذا يف‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬فعن حبيب بن الشهيد‪ :‬قال يل حممد بن سريين‪ :‬سل‬
‫احلسن عمن سمعت حديث العقيقة؟ فقال‪ :‬عن سمرة(‪)2‬؛ فهذا نص عىل‬
‫أن احلسن سمع من سمرة حديث العقيقة‪ ،‬ويبق اخلالف يف غري حديث‬
‫العقيقة‪ ،‬فيبق كل عىل مذهبه؛ فمن يثبت سامع احلسن من سمرة مطلقا‬
‫يقول‪ :‬احلديث صحيح‪ ،‬ومن ال يثبته يقول‪ :‬احلديث فيه انقطاع(‪.)3‬‬

‫فبعد قراءة الفاحتة يسكت اإلمام‪ ،‬ولو لم يكن بقدر قراءة الفاحتة‬
‫للمأموم‪ ،‬واملقصود أنه يفصل بني القراءتني‪ ،‬وإذا أهن القراءة يسكت‬
‫ليرتاد النفس‪ ،‬وهبذا نكون قد مجعنا بني الروايات كلها‪.‬‬

‫َمن ال يُ ْح ِسن القراءة‪:‬‬

‫بعض الناس ال يسن القراءة‪ ،‬ال سيام من كبار السن ممن لم يلتفت‬
‫إىل احلفظ إال بعد أن طعن يف السن؛ فقد يكون حافظا للفاحتة‪ ،‬لكن حفظه‬
‫غري جمزئ؛ ألنه غري صحيح‪ ،‬فبعضهم يقرأ قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ثم لتُسأ ُلن يوم ِئ ٍذ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تدريب الراوي (‪.)271/1‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪.)82/0‬‬
‫(‪ )3‬ألن احلسن ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬راوي هذا احلديث عن سمرة معروف باإلرسال‪ ،‬والتدليس‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬طبقات املدلسني (ص‪.)21 :‬‬
‫‪47‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫هكذا‪« :‬ثم ال تسألن يومئذ عن النعيم»‪ ،‬وهذه‬ ‫[التكاثر‪]8:‬‬ ‫ع ِن الن ِعيمِ﴾‬


‫القراءة قلبت املعن متاما‪ ،‬فبدال من أن كانت الالم للتأكيد‪ ،‬أصبحت «ال»‬
‫النافية‪ ،‬وكم سمعنا من كبار السن العوام قراءات فيها تصحيف وحتريف‬
‫وحلن ييل املعن ‪ ،‬والواجب عىل املسلم أن يعتني بصحة الفاحتة؛ فهي‬
‫ركن من أركان الصالة‪.‬‬

‫واحلمد هلل تيرست األمور اآلن؛ فحلق القرآن يف كل مكان‪،‬‬


‫والبيوت مملوءة بمن يقرأ القرآن من الذكور واإلناث؛ فام الذي يمنع كبري‬
‫السن من رجل أو امرأة أن يطلب من ولده أو ابنته أو غريمها أن يفظه‬
‫الفاحتة‪ ،‬ويتعلم قراءهتا قراءة صحيحة‪ ،‬ويبذل يف ذلك جهده؟! فإن‬
‫صعب عليه احلفظ‪ ،‬واستغلقت حافظته‪ ،‬وعجز عن ذلك‪ ،‬اكتف‬
‫بالتحميد‪ ،‬والتكبري‪ ،‬والتهليل؛ فعن رفاعة بن رافع أن رسول اهلل ﷺ علم‬
‫رجال الصالة‪ ،‬فقال‪« :‬إذا كان معك قرآن‪ ،‬فاقرأ‪ ،‬وإال‪ ،‬فامحد اهلل‪ ،‬وكربه‪،‬‬
‫وهلله‪ ،‬ثم اركع»(‪.)1‬‬

‫ويف حكم من لم يستطع تعلم الفاحتة‪ :‬حديث العهد باإلسالم‪ ،‬فإذا‬


‫أسلم شخص ونطق بالشهادة‪ ،‬وبعد أن علم الوضوء وتوضأ وجاء إىل‬
‫الصالة‪ ،‬ال ينتظر به إىل أن يفظ الفاحتة‪ ،‬إذا كان حفظها يتاج إىل وقت‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)821‬والرتمذي (‪ ،)372‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪ ،‬وصححه ابن‬
‫خزيمة (‪.)242‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪48‬‬
‫طويل‪ ،‬ال سيام إذا كان كبري سن‪ ،‬بل يقال له‪« :‬امحد‪ ،‬وكرب‪ ،‬وهلل»‪،‬‬
‫ويفظ بعد ذلك‪.‬‬

‫قراءة سورتني يف الركعتني األوليني‪:‬‬


‫إذا فرغ املصيل من قراءة الفاحتة‪ ،‬قرأ سورتني يف الركعتني األوليني؛‬
‫ففي الصحيحني‪ ،‬عن أيب قتادة ‪-‬ريض اهلل عنه‪« :-‬أن النبي ﷺ كان يقرأ يف‬
‫الظهر يف األوليني بأم الكتاب وسورتني‪ ،‬ويف الركعتني األخريني بفاحتة‬
‫الكتاب‪ ،‬ويسمعنا اآلية أحيانا‪ ،‬ويطيل يف الركعة األوىل ما ال يطيل يف‬
‫الثانية‪ ،‬وهكذا يف العرص‪ ،‬وهكذا يف الصبح»(‪ ،)1‬ورواه أبو داود كذلك‬
‫وزاد‪ :‬قال‪« :‬فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة األوىل»(‪.)2‬‬

‫قوله‪« :‬ويسمعنا اآلية أحيانا»‪ ،‬أي‪ :‬يف الصالة الرسية؛ ألن هذه‬
‫كانت صالة الظهر؛ فعىل األئمة أن يفعلوا مثل هذا؛ اقتداء به ﷺ‪.‬‬

‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪-‬ريض اهلل عنه‪« :-‬أن النبي ﷺ كان يقرأ يف‬
‫صالة الظهر يف الركعتني األوليني يف كل ركعة قدر ثالثني آية‪ ،‬ويف‬
‫األخريني قدر قراءة مخس عرشة آية‪ ،‬أو قال‪ :‬نصف ذلك‪ ،‬ويف العرص يف‬
‫الركعتني األوليني يف كل ركعة قدر مخس عرشة آية‪ ،‬ويف األخريني قدر‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)088‬ومسلم (‪.)421‬‬


‫(‪ )2‬برقم (‪.)877‬‬
‫‪49‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫نصف ذلك»؛ رواه مسلم‪ ،‬وأمحد(‪)1‬؛ فعىل هذا‪ :‬القراءة تطول يف الركعتني‬
‫األوليني من الظهر والعرص‪ ،‬وتكون الركعة األوىل أطول من الثانية‪ ،‬ويف‬
‫الركعتني األخريني‪ :‬إن شاء اقترص عىل الفاحتة‪ ،‬وإن قرأ معها سورة‬
‫أخرى‪ ،‬فال بأس؛ وهو ثابت‪.‬‬

‫يقول ابن القيم‪« :‬فإذا فرغ [أي‪ :‬النبي ﷺ] من الفاحتة‪ ،‬أخذ يف‬
‫سورة غريها‪ ،‬وكان يطيلها تارة‪ ،‬وُففها لعارض من سفر‪ ،‬أو غريه‪،‬‬
‫ويتوسط فيها غالبا‪ ،‬وكان يقرأ يف الفجر بنحو ستني آية إىل مائة آية‪،‬‬
‫وصالها بسورة ق‪ ،‬وصالها بالروم‪ ،‬وصالها بـ﴿إِذا الشم ُس كُورت﴾‪،‬‬
‫وصالها بـ﴿إِذا زُل ِزل ِ‬
‫ت األر ُض ِزلزاَلا﴾ يف الركعتني كلتيهام‪ ،‬وصالها‬
‫باملعوذتني وكان يف السفر‪ ،‬وصالها فافتتح سورة املؤمنون‪ ،‬حت إذا بلغ‬
‫ذكر موس وهارون يف الركعة األوىل‪ ،‬أخذته سعلة(‪ ،)2‬فركع‪ ،‬وكان‬
‫يل﴾‪ ،‬وسورة ﴿هل أتى عىل‬ ‫يصليها يوم اجلمعة بـ﴿الَّم (‪ )1‬تن ِز ُ‬
‫اإلنس ِ‬
‫ان﴾ كاملتني»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬

‫وقرأ يف املغرب باألعراف‪ ،‬وفرقها يف الركعتني(‪ ،)4‬وصالها مرة‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ ،)422‬وأمحد (‪.)17182‬‬


‫(‪ )2‬السعلة ‪ -‬بفتح السني وضمها ‪ -‬من السعال‪ .‬ينظر‪ :‬إكامل املعلم (‪.)300/2‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)271/1‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪« :-‬أن رسول اهلل ﷺ قرأ يف صالة املغرب‬
‫بسورة األعراف‪ ،‬فرقها يف ركعتني»‪ .‬أخرجه هبذا اللفظ النسائي (‪ ،)111‬وحسنه‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪50‬‬
‫بالطور؛ ففي حديث جبري بن مطع ٍم ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬يف الصحيح‪« :‬أنه‬
‫سمع النبي ﷺ يقرأ يف صالة املغرب بالطور»‪ ،‬يقول‪« :‬وذلك أول ما وقر‬
‫اإليامن يف قلبه»(‪ ،)1‬وكان قد جاء يف فداء أرسى بدر قبل أن يسلم‪ ،‬وقرأ‬
‫ني والزيت ِ‬
‫ُون﴾(‪ ،)3‬وكان يقرأ فيها بقصار‬ ‫مرة باملرسالت(‪.)2‬وقرأ بـ﴿والت ِ‬
‫السور من املفصل(‪ ،)4‬وأرشد معاذا إىل أن يقرأ بـ﴿سب ِح اسم ربك‬

‫النووي يف اخلالصة (‪ ،)1214‬وأخرجه أمحد (‪ ،)23244‬من حديث زيد بن ثابت‪،‬‬


‫قال اهليثمي يف جممع الزوائد (‪« :)2211‬رجال أمحد رجال الصحيح»‪ ،‬وأصله يف‬
‫البخاري (‪ )024‬دون قوله‪« :‬يف ركعتني»‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4723‬ومسلم (‪.)423‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬أنه قال‪ :‬إن أم الفضل سمعته وهو‬
‫يقرأ‪﴿ :‬و ُاملرسال ِ‬
‫ت ُعر ًفا﴾‪ ،‬فقالت‪ « :‬يا بني‪ ،‬واهلل لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة‪،‬‬
‫إهنا آلخر ما سمعت من رسول اهلل ﷺ يقرأ هبا يف املغرب»‪ .‬أخرجه البخاري (‪،)023‬‬
‫ومسلم (‪.)422‬‬
‫(‪ )3‬إشارة إىل حديث الرباء بن عازب ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬؛ أنه قال‪« :‬صليت خلف النبي ﷺ‬
‫املغرب‪ ،‬فقرأ بالتني والزيتون»‪ .‬أخرجه أمحد (‪.)18228‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث سليامن بن يسار‪ ،‬عن أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أنه قال‪« :‬ما صليت‬
‫وراء أحد أشبه صالة برسول اهلل ﷺ من فالن»‪ ،‬قال سليامن‪« :‬كان يطيل الركعتني‬
‫األوليني من الظهر‪ ،‬وُفف األخريني‪ ،‬وُفف العرص‪ ،‬ويقرأ يف املغرب بقصار‬
‫املفصل‪ ،‬ويقرأ يف العشاء بوسط املفصل‪ ،‬ويقرأ يف الصبح بطول املفصل»‪ .‬أخرجه‬
‫النسائي (‪ ،)182‬وأمحد (‪ ،)0111‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)227‬وابن حبان‬
‫(‪.)1830‬‬
‫‪51‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫األعىل﴾ وغريها(‪ ،)1‬قال ابن عبد الرب‪« :‬وهي كلها صحاح مشهورة»(‪،)2‬‬
‫لكن لم يكن يداوم ﷺ عىل قصار املفصل(‪.)3‬‬

‫إذا عرفنا أنه قرأ باألعراف‪ ،‬وهي سورة طويلة‪ ،‬وقرأ باملرسالت‪،‬‬
‫وقرأ أيضا بالطور‪ ،‬وقرأ بالقصار‪ ،‬فعىل اإلمام أال يشق عىل املأمومني‪،‬‬
‫وليأخذ هبذه القاعدة العامة‪« :‬إذا أم أحدكم الناس‪ ،‬فل ُيخفف؛ فإن فيهم‬
‫الصغري‪ ،‬والكبري‪ ،‬والضعيف‪ ،‬واملريض»(‪)4‬؛ فعىل اإلمام أن يالحظ أحوال‬
‫املأمومني‪ ،‬ويفعل السنة‪ ،‬فيأيت بالطوال أحيانا‪ ،‬وبغريها أحيانا أخرى‪ ،‬وال‬
‫يشق عىل الناس‪ ،‬حت ال يستثقلوا الصالة ويملوها‪.‬‬

‫وثبت يف املوطأ‪ ،‬عن أيب بكر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه كان يقرأ بعد‬
‫الفاحتة يف الركعة الثالثة من املغرب قوله ‪-‬جال وعال‪﴿ :-‬ربنا ال ت ُِزغ ُق ُلوبنا‬
‫ِ‬
‫اب﴾ [آل عمران‪.)2(]8:‬‬ ‫بعد إِذ هديتنا وهب لنا من لدُ نك رمح ًة إِنك أنت الوه ُ‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث جابر؛ أن معاذا صىل بقومه‪ ،‬فافتتح بسورة البقرة‪ ،‬فانحرف رجل‪،‬‬
‫فسلم‪ ،‬ثم صىل وحده‪ ،‬ثم ذهب‪ ،‬فبلغ ذلك النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬يا ُمعا ُذ أفتان أنت؟ اقرأ‬
‫الضحى﴾‪،‬‬‫س و ُضحاها﴾‪﴿ ،‬و ه‬ ‫بِكذا واقرأ بِكذا»‪ .‬ويف رواية‪« :‬اقرأ و﴿والشم ِ‬
‫و﴿واللي ِل إِذا يغشى﴾‪ ،‬و﴿سبحِ اسم ربك األعىل﴾‪ ،‬ونحومها»‪ .‬أخرجه مسلم‬
‫(‪.)422‬‬
‫(‪ )2‬التمهيد (‪.)142/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬نيل األوطار (‪.)203/2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)073‬ومسلم (‪ ،)420‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪.)103‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪52‬‬
‫ويرون أن هذا بمثابة القنوت؛ ألهنا آية تتضمن دعاء‪ ،‬واملغرب ثبت‬
‫أهنا وتر النهار(‪ ،)1‬وهذا عمل اخلليفة الراشد املسدد الذي أمرنا باالقتداء‬
‫به(‪ ،)2‬فلو فعل هذا اقتداء هبذا اخلليفة الراشد‪ ،‬فال بأس‪ ،‬ولو تركت‬
‫باعتبارها ال يثبت فيها يشء مرفوع‪ ،‬فاألمر فيه سعة‪.‬‬
‫ني والزيت ِ‬
‫ُون﴾(‪ ،)3‬ووقت‬ ‫وأما العشاء اآلخرة‪ ،‬فقرأ فيها ﷺ بـ﴿والت ِ‬
‫س و ُضحاها﴾‪ ،‬و﴿سب ِح اسم‬ ‫ملعاذ بن جبل ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬بـ﴿والشم ِ‬
‫ربك األعىل﴾‪ ،‬و﴿واللي ِل إِذا يغشى﴾‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وأنكر عليه قراءة البقرة‪،‬‬
‫وقال له‪« :‬أفتان أنت يا معاذ؟!»(‪)4‬؛ ألنه قرأ سورة البقرة يف صالة العشاء‪،‬‬
‫وتأخر عىل الناس‪ ،‬حيث كان يصيل مع النبي ﷺ‪ ،‬ثم يأيت فيصيل بالناس‪،‬‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث ابن عمر‪ ،‬عن النبي ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬صال ُة املغرب وتر النهار؛ فأوتروا‬
‫صالة الليل»‪ .‬أخرجه أمحد (‪ ،)4840‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)1242‬وجاء من‬
‫حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬وصححه ابن حبان (‪.)2038‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث العرباض بن سارية ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬مرفوعا‪ ،‬وفيه‪« :‬عليكم بسنتي‪،‬‬
‫وسنة اخللفاء املهديني الراشدين‪ ،‬متسكوا هبا وعضوا عليها بالنواجذ»‪ .‬أخرجه أبو‬
‫داود (‪ ،)4270‬والرتمذي (‪ )2202‬وقال‪« :‬حسن صحيح»‪ ،‬وابن ماجه (‪،)42‬‬
‫وصححه ابن حبان (‪ ،)2‬واحلاكم (‪.)321‬‬
‫(‪ )3‬إشارة إىل حديث الرباء ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه قال‪« :‬سمعت النبي ﷺ يقرأ‪﴿ :‬والت ِ‬
‫ني‬
‫والزيت ِ‬
‫ُون﴾ يف العشاء‪ ،‬وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة»‪ .‬أخرجه البخاري‬
‫(‪ ،)021‬ومسلم (‪.)424‬‬
‫(‪ )4‬تقدم خترجيه (ص‪.)47 :‬‬
‫‪53‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫فشكاه أحد املأمومني بعد أن انرصف إىل النبي ﷺ‪ ،‬فنهاه عن ذلك‪،‬‬


‫ووقت له هذه السور(‪.)1‬‬

‫وأما اجلمعة‪ ،‬فكان يقرأ فيها بسوريت اجلمعة واملنافقني كاملتني(‪،)2‬‬


‫وسوريت سبح والغاشية(‪.)3‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2172‬ومسلم (‪ ،)422‬من حديث جابر بن عبد اهلل ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪« :-‬أن النبي ﷺ كان يقرأ يف صالة الفجر‬
‫اإلنس ِ‬
‫ان﴾‪ ،‬وأن النبي ﷺ كان يقرأ‬ ‫يل﴾‪ ،‬و﴿هل أتى عىل ِ‬ ‫يوم اجلمعة بـ﴿الَّم (‪ )1‬تن ِز ُ‬
‫يف صالة اجلمعة سورة اجلمعة واملنافقني»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)801‬‬
‫(‪ )3‬إشارة إىل حديث النعامن بن بشري ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ يقرأ يف‬
‫اشي ِة﴾»‪.‬‬
‫يث الغ ِ‬
‫العيدين ويف اجلمعة بـ﴿سبحِ اسم ربك األعىل﴾‪ ،‬و﴿هل أتاك ح ِد ُ‬
‫أخرجه مسلم (‪.)808‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪54‬‬

‫‪‬‬ ‫الــركــــــوع‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫صفة الركوع‪:‬‬

‫بعد أن يتم املصيل قراءة السورة‪ ،‬يكرب رافعا يديه ويركع ‪-‬وهذا هو‬
‫املوضع الثاين من مواضع رفع اليدين‪ -‬ويمكن يديه من ركبتيه كأنه‬
‫قابضهام‪ ،‬كام يف حديث أيب محيد واصفا صالته ﷺ‪« :‬وإذا ركع‪ ،‬أمكن‬
‫يديه من ركبتيه‪ ،‬ثم هرص ظهره»(‪ ،)1‬وهناك صفة أخرى لوضع اليدين‬
‫تسم التطبيق‪ ،‬وهو‪ :‬وضع اليدين بني الركبتني؛ وهذا كان يف أول األمر‪،‬‬
‫ثم نسخ(‪.)2‬‬

‫وقول أيب محيد‪« :‬ثم هرص ظهره»‪ ،‬أي‪ :‬ثن ظهره‪ ،‬وجاء يف رواية‪:‬‬
‫«ووتر يديه»(‪ ،)3‬أي‪ :‬جعل يديه إذا قبض هبام ركبتيه كالوتر‪ ،‬بمعن ‪ :‬أهنام‬
‫مستقيمتان‪ ،‬منحنيتان عن جنبيه‪ ،‬وبسط ظهره ومده وعدله‪ ،‬وجاء يف‬
‫وصف حاله ﷺ أثناء الركوع‪ :‬أنه ﷺ «كان إذا ركع سوى ظهره‪ ،‬حت لو‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)828‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري (‪.)203/2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجها أبو داود (‪ ،)034‬وغريه‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫صب عليه املاء‪ ،‬الستقر»(‪ ،)1‬واملاء يستقر إذا لم يكن هناك ميالن وال‬
‫انحناء‪.‬‬

‫وجاء يف حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪« :-‬كان إذا ركع‪ ،‬لم‬
‫يشخص رأسه‪ ،‬ولم يصوبه‪ ،‬ولكن بني ذلك»(‪ ،)2‬وقولها‪« :‬لم يشخص‬
‫رأسه»‪ ،‬أي‪ :‬لم يرفعه‪ ،‬فاإلشخاص الرفع‪ ،‬يقال‪ :‬شخص البرص‬
‫شخوصا‪ ،‬أي‪ :‬ارتفع(‪)3‬؛ قال تعاىل‪﴿ :‬وال حتسبن اهلل غافِ ًال عام يعم ُل‬
‫الظاملُ ِون إِنام يؤخرهم لِيو ٍم تشخص فِ ِ‬
‫يه األبص ُار﴾ [إبراهيم‪.]42:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫وقول عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪« :-‬ولم يصوبه»‪ ،‬تعني‪ :‬لم ُفض‬
‫رأسه؛ فالتصويب هو اخلفض؛ ولذا جاء يف املطر‪« :‬اللهم اجعله صي ًبا‬
‫ناف ًعا»(‪)4‬؛ فالصيب الذي ينـزل(‪.)2‬‬

‫وورد يف حديث الواهبة التي وهبت نفسها للنبي ﷺ‪« :‬أن النبي ﷺ‬
‫صعد النظر إليها‪ ،‬وصوبه»(‪ ،)2‬يعني‪ :‬رفع برصه وأنزله؛ لينظر إليها هل‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)802‬من حديث وابصة بن معبد ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وضعفه‬
‫احلافظ يف التلخيص (‪ ،)321‬والبوصريي يف مصباح الزجاجة (‪.)322‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)418‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مطالع األنوار (‪ ،)27/2‬واملصباح املنري‪ ،‬مادة‪( :‬ش خ ص)‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1732‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مشارق األنوار (‪.)21/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2737‬ومسلم (‪ ،)1422‬من حديث سهل بن سعد‪-‬ريض اهلل‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪56‬‬
‫تصلح له أو ال‪ ،‬واملقصود‪ :‬أن رأسه ﷺ يف الركوع يكون بني اخلفض‬
‫والرفع‪.‬‬

‫وكان ﷺ يقول يف ركوعه‪« :‬سبحان ريب العظيم»؛ وذلك أنه بعدما‬


‫نزل قوله تعاىل‪﴿ :‬فسبح بِاس ِم ربك العظِيمِ﴾ [الواقعة‪ ،]04:‬قال‪« :‬اجعلوها‬
‫يف ركوعكم»‪ ،‬ولام نزل قوله تعاىل‪﴿ :‬سب ِح اسم ربك األعىل﴾ [األعىل‪،]1:‬‬
‫قال‪« :‬اجعلوها يف سجودكم»(‪ ،)1‬فالركوع والسجود مها موضعان‬
‫للتسبيح‪ ،‬وهو التنزيه؛ ولذا حترم قراءة القرآن يف الركوع والسجود؛‬
‫لثبوت النهي الصحيح الرصيح يف ذلك؛ فقد ثبت يف السنة قوله ﷺ‪« :‬إين‬
‫ُنيت أن أقرأ القرآن راك ًعا أو ساجدً ا‪ ،‬فأما الركوع‪ ،‬فعظموا فيه الرب‪،‬‬
‫وأما السجود‪ ،‬فأكثروا فيه من الدعاء‪ ،‬فق ِمن أن يستجاب لكم»(‪ ،)2‬وال‬
‫يقتيض هذا نفي الدعاء يف الركوع‪ ،‬وإنام املقصود‪ :‬أن يكون تعظيم اهلل‬
‫سبحانه هو أكثر الذكر يف الركوع؛ ودليل ذلك‪ :‬ما ثبت عنه ﷺ أنه كان‬
‫يقول يف الركوع‪« :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر يل»(‪)3‬؛ وهذا‬
‫دعاء‪ ،‬لكن ينبغي أن يكون الدعاء يف السجود أكثر‪ ،‬ويكون التعظيم يف‬

‫عنه‪.-‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)821‬وابن ماجه (‪ ،)880‬من حديث عقبة بن عامر ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنه‪ ،-‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)277‬واحلاكم (‪.)818‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)401‬من حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)014‬ومسلم (‪ ،)484‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬
‫‪57‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫الركوع أكثر‪.‬‬

‫وكان ركوعه ﷺ املعتاد مقدار عرش تسبيحات‪ ،‬وسجوده كذلك(‪،)1‬‬


‫وكان يقول يف ركوعه أيضا‪ُ « :‬س هبوح ُقده وس ه‬
‫رب املالئكة والروح»(‪،)2‬‬
‫ت‪ ،‬خشع لك‬ ‫ت‪ ،‬ولك أسلم ُ‬
‫ت‪ ،‬وبك آمن ُ‬ ‫وتارة يقول‪« :‬اللهم لك ركع ُ‬
‫ومي وعظمي وعصبي»(‪ ،)3‬لكن قال ابن القيم‪« :‬وهذا‬
‫سمعي وبرصي ُ‬
‫إنام حفظ عنه يف قيام الليل»(‪.)4‬‬
‫الرفع من الركوع‪:‬‬

‫ثم يرفع رأسه من الركوع رافعا يديه ‪-‬وهذا هو املوضع الثالث من‬
‫مواضع رفع اليدين‪ -‬قائال‪« :‬سمع اهلل ملن محده»‪ ،‬فقوله ﷺ‪« :‬سمع اهلل‬
‫ملن محده»‪ :‬هو ذكر االنتقال؛ فهو كالتكبري‪ ،‬وإذا استوى قائام من ركوعه‪،‬‬
‫قال‪« :‬ربنا ولك احلمد»‪.‬‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث أنس بن مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬حيث قال‪« :‬ما صليت وراء أحد بعد‬
‫رسول اهلل ﷺ أشبه صالة برسول اهلل ﷺ من هذا الفت ‪ -‬يعني‪ :‬عمر بن عبد العزيز‪-‬‬
‫قال‪ :‬فحزر نا يف ركوعه عرش تسبيحات‪ ،‬ويف سجوده عرش تسبيحات»‪ .‬أخرجه أبو‬
‫داود (‪ ،)888‬والنسائي (‪ ،)1132‬وحسن إسناده النووي يف خالصة األحكام‬
‫(‪ ،)1331‬وابن حجر يف نتائج األفكار (‪.)20/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)480‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ ،)001‬من حديث عيل بن أيب طالب ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد (‪.)218/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪58‬‬
‫ويف‪« :‬ربنا ولك احلمد» عدة صيغ‪ :‬األوىل‪ :‬هذه(‪ ،)1‬الثانية‪« :‬ربنا لك‬
‫احلمد» بدون واو(‪ ،)2‬الثالثة‪« :‬اللهم ربنا لك احلمد»‪ ،‬بـ«اللهم» دون‬
‫الواو(‪ ،)3‬والرابعة باجلمع بينهام‪« :‬اللهم ربنا ولك احلمد»(‪)4‬؛ فهذه أربع‬
‫صيغ‪ ،‬كلها ثابتة‪ ،‬وإن زعم ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن الصيغة الرابعة‪ ،‬وهي‬
‫اجلمع بني «اللهم» والواو لم تصح(‪ ،)2‬لكنها صحيحة ثابتة يف صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬ونعلم أن ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إنام ألف كتابه‪« :‬زاد املعاد» يف‬
‫حال السفر‪ ،‬فلم يكن عنده مراجع وال كتب‪ ،‬لكنه إمام حافظ‪ ،‬ومن يعرو‬
‫من اخلطأ والنسيان والذهول؟!‬

‫وجيمع اإلمام واملنفرد بني التسميع والتحميد؛ فيقول كل من اإلمام‬


‫واملنفرد‪« :‬سمع اهلل ملن محده‪ ،‬ربنا ولك احلمد»؛ اقتداء بالنبي ﷺ؛ فقد‬
‫صح عنه ﷺ أنه كان يقول‪« :‬سمع اهلل ملن محده‪ ،‬اللهم ربنا لك احلمد‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)281‬ومسلم (‪ ،)00‬من حديث أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وجاء من‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬ورفاعة بن رافع الزرقي‪ ،‬وعائشة ‪-‬ريض اهلل عنهم‪.-‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)022‬من حديث أيب هريرة‪ ،‬وجاء من حديث أنس ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنه‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)012‬ومسلم (‪ ،)471‬من حديث أيب هريرة‪ ،‬وجاء من حديث‬
‫عيل بن أيب طالب‪ ،‬وأيب موس ‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعبد اهلل بن أيب أوىف ‪-‬ريض اهلل عنهم‪.-‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)0342‬من حديث ابن عمر‪ ،‬وجاء من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض‬
‫اهلل عنهم‪.-‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬زاد املعاد (‪ ،)227/1‬فتح الباري (‪.)238/2‬‬
‫‪59‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫وملء األرض ِ‬
‫وملء ما شئت من يشء بعدُ »(‪.)1‬‬ ‫ِملء السموات ِ‬

‫أما املأموم‪ ،‬فذهب اإلمام الشافعي‪ :‬إىل أنه جيمع بينهام؛ ألنه ثبت أن‬
‫النبي ﷺ يقول‪« :‬سمع اهلل ملن محده»‪ ،‬ويقول‪« :‬ربنا ولك احلمد»‪،‬‬
‫واملأموم مطالب باالقتداء بالنبي ﷺ واالئتساء به(‪.)2‬‬

‫وذهب آخرون‪ :‬إىل أن املأموم ال جيمع بينهام‪ ،‬بل يقول‪« :‬ربنا ولك‬
‫احلمد» عقب قول اإلمام‪« :‬سمع اهلل ملن محده»(‪)3‬؛ لام جاء يف احلديث‬
‫الصحيح‪« :‬فإذا قال‪ :‬سمع اهلل ملن محده‪ ،‬فقولوا‪ :‬ربنا ولك احلمد»(‪)4‬؛ فهذه‬
‫وظيفة اإلمام‪ ،‬وتلك وظيفة املأموم‪.‬‬

‫أما االحتجاج بأن النبي ﷺ مجع بينهام‪ ،‬وهو قدوة لنا‪ ،‬فيقال‪ :‬هو‬
‫قدوة ملن كان يف مثل حاله‪ ،‬وهي‪ :‬اإلمامة هنا‪ ،‬أما املأموم‪ ،‬فال يدخل يف‬
‫االقتداء يف هذه احلالة؛ ألنه قد خرج بقوله ﷺ‪« :‬فإذا قال‪ :‬سمع اهلل ملن‬
‫محده‪ ،‬فقولوا‪ :‬ربنا ولك احلمد»‪ ،‬ففي قوله‪« :‬فقولوا» قد عطف األمر‬
‫بقول‪« :‬ربنا ولك احلمد» بالفاء التي تقتيض الرتتيب مع التعقيب‪ ،‬أي‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ ،)402‬وأبو داود (‪ ،)842‬وابن ماجه (‪ ،)808‬وأمحد (‪ ،)11174‬من‬


‫حديث ابن أيب أوىف ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حتفة املحتاج (‪.)23/2‬‬
‫(‪ )3‬وهذا مذهب احلنفية‪ ،‬واملالكية‪ ،‬واحلنابلة‪ .‬ينظر‪ :‬البناية رشح اهلداية (‪،)220/2‬‬
‫الرسالة للقريواين (ص‪ ،)20 :‬املغني (‪.)320/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)281‬ومسلم (‪ ،)411‬من حديث أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪60‬‬
‫بمجرد ما يقول اإلمام‪« :‬سمع اهلل ملن محده»‪ ،‬يقول املأموم عقبه‪« :‬ربنا‬
‫ولك احلمد»‪ ،‬كام مىض نظريه يف قوله ﷺ‪« :‬فإذا قال‪ :‬وال الضالني‪،‬‬
‫فقولوا‪ :‬آمني»‪ ،‬أي‪ :‬يقول‪« :‬آمني» بعد انتهاء اإلمام من قراءة الفاحتة‬
‫مبارشة‪.‬‬

‫وأخرج مسلم عن أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪« :-‬أن رسول اهلل ﷺ كان إذا‬
‫قال‪« :‬سمع اهلل ملن محده»‪ ،‬قام حت نقول‪ :‬قد أوهم‪ ،‬ثم يسجد‪ ،‬ثم يقعد‬
‫بني السجدتني حت نقول‪ :‬قد أوهم»(‪ ،)1‬أي‪ :‬أنه كان يطيل الركن‪ ،‬وهبذا‬
‫يظهر اخللل الكبري عند بعض الناس يف هذين الركنني‪ :‬ركن القيام من‬
‫الركوع‪ ،‬والقيام من السجود؛ حيث ينقروهنام نقرا‪.‬‬

‫ومما جاء يف صفة القيام من الركوع‪ :‬ما رواه أبو محيد الساعدي ‪-‬‬
‫ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪« :‬فإذا رفع رأسه‪ ،‬استوى حت يعود كل فق ٍ‬
‫ار إىل‬
‫مكانه»(‪ ،)2‬وقد اختلف أهل العلم يف املراد بـ«يعود كل ٍ‬
‫فقار إىل مكانه» عىل‬
‫قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬يعود كل فقار إىل موضعه قبل الدخول يف الصالة‪،‬‬


‫يعني‪ :‬إرسال اليدين‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬يعود كل فقار إىل موضعه قبل الركوع‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)403‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)828‬‬
‫‪61‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ويرتتب عىل هذا‪ :‬أننا إذا قلنا بالقول األول‪ ،‬فإن اليدين قبل‬
‫الدخول يف الصالة كانتا مرسلتني‪ ،‬وهذا يعني‪ :‬أهنام تكونان كذلك عقب‬
‫االعتدال من الركوع‪.‬‬
‫وإذا قلنا بالقول الثاين‪ ،‬فإن اليدين كانتا عىل الصدر قبل الركوع‪ ،‬كام‬
‫يف حديث وائل بن حجر(‪ ،)1‬فيعودان إىل حالتهام عند االعتدال‪ ،‬وهبذا‬
‫يقول األكثر‪ ،‬وهو الظاهر‪ .‬وزعم بعضهم أن الضم بعد الركوع بدعة؛‬
‫وليس كام قال‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬ولفظه‪« :‬صليت مع النبي ﷺ‪ ،‬فوضع يده اليمن عىل يده اليرسى عىل صدره»‪.‬‬
‫صححه ابن خزيمة (‪.)481‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪62‬‬

‫‪‬‬ ‫السجــــــود‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫صفة السجود‪:‬‬

‫ثم هيوي للسجود دون رفع لليدين‪ ،‬فلم يكن ﷺ يرفع يديه إذا‬
‫هوى للسجود‪ ،‬كام جاء يف وصف صالته ﷺ(‪ ،)1‬وأما حديث‪« :‬كان يرفع‬
‫مع كل خفض ورفع»‪ ،‬فقد قرر احلفاظ أنه وهم من الراوي‪ ،‬وصوابه‪:‬‬
‫«يكرب مع كل خفض ورفع»(‪ ،)3()2‬وقال بعضهم باستحباب ذلك أحيانا(‪.)4‬‬

‫وهنا مسألة يف غاية األمهية‪ ،‬وقد كثر فيها الكالم‪ ،‬وهي‪ :‬أهيام يقدم‪:‬‬
‫يديه أو ركبتيه عند الهوي للسجود؟‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪« :-‬أن رسول اهلل ﷺ كان يرفع يديه حذو‬
‫منكبيه إذا افتتح الصالة‪ ،‬وإذا كرب للركوع‪ ،‬وإذا رفع رأسه من الركوع‪ ،‬رفعهام كذلك‬
‫أيض ا‪ ،‬وقال‪ :‬سمع اهلل ملن محده‪ ،‬ربنا ولك احلمد‪ ،‬وكان ال يفعل ذلك يف السجود»‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪.)032‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)223‬من حديث عبد اهلل بن مسعود ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وقال‪:‬‬
‫«حسن صحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح مشكل اآلثار (‪ ،)42/12‬العلل للدارقطني (‪ ،)283/1‬العلل املتناهية‬
‫(‪ ،)421/1‬زاد املعاد (‪ ،)223/1‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)324/2‬فتح الباري‬
‫(‪.)223/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)324/2‬حاشية السندي عىل النسائي (‪.)1788‬‬
‫‪63‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫جاء يف حديث وائل بن حجر‪« :‬رأيت رسول اهلل ﷺ إذا سجد‪،‬‬


‫وضع ركبتيه قبل يديه»‪ ،‬واحلديث خمرج يف السنن(‪ ،)1‬وصححه بعض أهل‬
‫العلم(‪)2‬؛ وعىل هذا‪ :‬إذا سجد املصيل‪ ،‬يضع ركبتيه‪ ،‬ثم بعد ذلك يضع‬
‫يديه؛ وهذا مرجح عند مجع من أهل العلم‪ ،‬وانترص له ابن القيم(‪.)3‬‬

‫لكن روى أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل‬
‫يرب ُك‬
‫يربك كام ُ‬
‫عنه‪ ،-‬أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا سجد أحدكم‪ ،‬فال ُ‬
‫البعري‪ ،‬وليضع يديه قبل ركبتيه»(‪ ،)4‬وهذا عكس حديث وائل‪ ،‬يقول‬
‫احلافظ ابن حجر‪« :‬وهو أقوى من حديث وائل(‪« :)2‬رأيت رسول اهلل ﷺ‬
‫إذا سجد‪ ،‬وضع ركبتيه قبل يديه»؛ أخرجه األربعة‪ ،‬فإن لألول شاهدا من‬
‫حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬صححه ابن خزيمة‪ ،‬وذكره البخاري‬
‫معلقا موقوفا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)838‬والرتمذي (‪ ،)228‬والنسائي (‪ ،)1781‬وابن ماجه‬


‫(‪.)882‬‬
‫(‪ )2‬ممن صححه ابن خزيمة (‪ ،)222‬وابن حبان (‪.)1112‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املغني (‪ ،)307/1‬زاد املعاد (‪.)223/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)847‬والنسائي (‪ ،)1711‬وجود النووي إسناده يف اخلالصة‬
‫(‪.)1284‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الهداية يف ختريج البداية (‪ ،)140/3‬بلوغ املرام من أدلة األحكام (ص‪.)11 :‬‬
‫(‪ )2‬بلوغ املرام (ص‪.)148:‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪64‬‬
‫فالذي يرجح تقديم الركبتني‪ ،‬يكم عىل احلديث الثاين ‪-‬حديث أيب‬
‫هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ --‬بالضعف‪ ،‬وأنه مقلوب‪ ،‬والذي يرجح تقديم‬
‫اليدين عىل الركبتني‪ ،‬يكم عىل اآلخر ‪-‬حديث وائل ‪-‬ريض اهلل عنه‪--‬‬
‫بالضعف؛ ألن حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أقوى من حيث‬
‫الصناعة‪ ،‬وله شواهد‪.‬‬

‫وممن يرجح تقديم الركبتني ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ ،-‬وقد ذهب إىل أن‬
‫حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬مقلوب‪ ،‬فقال‪« :‬فاحلديث ‪-‬واهلل أعلم‪-‬‬
‫قد وقع فيه وهم من بعض الرواة؛ فإن أوله ُالف آخره‪ ،‬فإنه إذا وضع‬
‫يديه قبل ركبتيه؛ فقد برك كام يربك البعري؛ فإن البعري إنام يضع يديه‬
‫أوال»(‪ ،)1‬وقال‪« :‬كان يقع يل أن حديث أيب هريرة كام ذكرنا مما انقلب عىل‬
‫بعض الرواة متنه وأصله‪ ،‬ولعله‪« :‬وليضع ركبتيه قبل يديه»(‪ ،)2‬هكذا قرر‬
‫ابن القيم‪ ،‬وأطال ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف تقرير القلب يف هذا احلديث‪ ،‬وأجلب يف‬
‫هذه املسألة بكل ما أويت من قوة استدالل‪ ،‬ونصاعة بيان‪ ،‬وسعة اطالع‪.‬‬

‫وبعض العلامء يناقش ابن القيم بام ذكره أهل اللغة من أن ركبتي كل‬
‫ذي أربع‪ ،‬كالبعري يف يديه(‪ ،)3‬ولو سلمنا بذلك‪ ،‬فإن هذا ال يل اإلشكال؛‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)223/1‬‬


‫(‪ )2‬السابق (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬تاج العروس (‪ ،)220/2‬ومن شواهده‪ :‬حديث اهلجرة وقصة رساقة‪ ،‬ففيه‪:‬‬
‫«فساخت يدا فريس يف األرض حت بلغتا الركبتني»‪ .‬أخرجه احلاكم (‪ )4221‬هبذا‬
‫‪65‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ألنه إذا قدم يديه‪ ،‬أشبه بروك البعري يف الصورة‪.‬‬

‫أما شيخ اإلسالم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬فريى أن الصورتني كلتيهام صحيحتان‬


‫وجائزتان‪ ،‬وسواء قدم يديه أو قدم ركبتيه‪ ،‬فال فرق‪ ،‬فإحدامها ثابتة من‬
‫فعله ﷺ‪ ،‬والثانية ثابتة من قوله ﷺ(‪.)1‬‬

‫أما كون حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬مقلوبا‪ ،‬فال أراه صوابا؛‬
‫ألنه لم ينتقد أحد من األئمة متن احلديث؛ فقد كان انتقادهم منصبا عىل‬
‫السند دون املتن‪ ،‬وال أظن أنه توجد يف املتن علة‪ ،‬وختف عىل األئمة‬
‫الكبار‪ ،‬خاصة أن ما ذكره ابن القيم من كون البعري يربك عىل قائمتيه‬
‫األماميتني مما يدركه آحاد الناس؛ فكل إنسان ‪-‬بام فيهم أئمة احلديث‪-‬‬
‫يرى البعري يقدم يديه قبل ركبتيه‪.‬‬

‫وحل اإلشكال يكون بفهم معن الربوك‪ ،‬فإذا فهمنا معن الربوك‬
‫زال اإلشكال‪ ،‬والربوك هو النزول عىل األرض بقوة؛ بحيث يثور الغبار‬
‫ويتفرق احلىص‪ ،‬فإذا نزل املصيل للسجود بقوة‪ ،‬وأثار الغبار‪ ،‬وفرق احلىص‬
‫لو كان هناك حىص مثال؛ فيكون قد برك كام يربك البعري‪ ،‬ثم جاء التوجيه‬
‫النبوي‪« :‬وليضع يديه قبل ركبتيه»‪ ،‬وبناء عىل ما سبق يبق حديث أيب‬
‫هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬سليام من القلب فيه؛ فال يكون هناك تعارض بني‬

‫اللفظ‪ ،‬وأصله يف الصحيحني وغريمها‪.‬‬


‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)441/22‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪66‬‬
‫أول احلديث وال آخره‪ ،‬فنحن نفرق بني الربوك بقوة وجمرد وضع اليدين‬
‫قبل الركبتني؛ فالنزول بقوة هو الربوك‪ ،‬وفيه مشاهبة للحيوان ‪-‬وقد هنينا‬
‫عن مشاهبة احليوانات(‪ -)1‬بخالف جمرد وضع اليدين قبل الركبتني‪ ،‬متاما‬
‫كام نفرق بني وضع املصحف عىل األرض ‪-‬وهذا جائز عند أهل العلم‪-‬‬
‫وبني رميه عىل األرض‪ ،‬وهذا خطر عظيم‪ ،‬وبعض أهل العلم يفتي بكفر‬
‫فاعله‪ ،‬إذا فعله استخفافا؛ فهنا فرق بني األمرين(‪.)2‬‬
‫والراجح‪ :‬أنه ال تعارض وال تناقض بني حديث وائل وأيب هريرة ‪-‬‬
‫ريض اهلل عنهام‪-‬؛ إذا قلنا بأن املنهي عنه هو الربوك‪ ،‬وهو النزول بقوة؛‬
‫سواء كان بتقديم اليدين أو الركبتني؛ وعىل هذا ال حاجة إىل أن نقول‪ :‬إن‬
‫يف حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬قلبا أو ومها‪ ،‬بل إن آخر احلديث‬
‫يوافق أوله؛ ألن من نزل عىل األرض بقوة‪ ،‬قلنا‪ :‬برك‪ ،‬وهذا بخالف من‬
‫وضع يديه قبل ركبتيه‪ ،‬فال نقول فيه‪ :‬برك؛ ألن التشبيه يأيت يف النصوص‬
‫وال يراد به املطابقة من كل وجه‪ ،‬بل إذا وجدت املشاهبة ولو من وجه‪،‬‬
‫صح التشبيه‪ ،‬وإال لقلنا‪ :‬إن تشبيه رؤية الباري ‪-‬جال وعال‪ -‬برؤية القمر‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث عبد الرمحن بن شبل ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وما يف معناه‪ ،‬قال‪« :‬هن رسول‬
‫اهلل ﷺ عن نقرة الغراب‪ ،‬وافرتاش السبع‪ ،‬وأن يوطن الرجل املكان يف املسجد‪ ،‬كام‬
‫يوطن البعري»‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ ،)822‬والنسائي (‪ ،)1112‬وابن ماجه (‪،)1421‬‬
‫وصححه ابن خزيمة (‪ ،)222‬وابن حبان (‪ ،)2200‬واحلاكم (‪.)833‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬منح اجلليل (‪.)272/1‬‬
‫‪67‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ليلة البدر(‪ )1‬يلزم منه لوازم فاسدة‪ ،‬ولصار احلديث مضادا لقوله ‪-‬جال‬
‫وعال‪﴿ :-‬ليس ك ِمثلِ ِه يشء﴾ [الشورى‪]11:‬؛ لكن التشبيه من وجه دون‬
‫وجه‪ ،‬وهو تشبيه للرؤية بالرؤية ال املرئي باملرئي‪ ،‬والتشبيه هنا‪ :‬يف النزول‬
‫عىل األرض بقوة؛ فاإلنسان إذا فعل ذلك أشبه البعري؛ ولذا يرى بعضهم‬
‫التخيري بني الفعلني‪ :‬بني تقديم اليدين‪ ،‬وتقديم الركبتني‪.‬‬

‫أعضاء السجود‪:‬‬
‫ثم إن السجود يكون عىل األعضاء السبعة؛ امتثاال لألمر الوارد من‬
‫ِ‬
‫أسجد عىل سبعة أعظم»(‪،)2‬‬‫اهلل ‪-‬جال وعال‪ -‬لنبيه ﷺ يف قوله‪ُ « :‬أمر ُت أن ُ‬
‫واآلمر هنا هو اهلل ‪-‬جال وعال‪-‬؛ ألنه ال يتصور أن ثمة آمرا للنبي ﷺ إال‬
‫اهلل‪ ،‬فإذا قال النبي ﷺ‪« :‬أمرت» ‪-‬كام هنا‪ ،-‬أو‪« :‬هنيت عن قتل‬
‫املصلني»(‪ ،)3‬فاآلمر والناهي هو اهلل ‪-‬جال وعال‪ ،-‬بخالف ما لو قال ذلك‬
‫الصحايب‪« :‬أمرنا» أو «هنينا» فاملتجه هنا أن اآلمر والناهي هو النبي ﷺ‪،‬‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث جرير بن عبد اهلل ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬أنه قال‪« :‬إنكم‬
‫سرتون ربكم‪ ،‬كام ترون هذا القمر‪ ،‬ال تضامون يف رؤيته‪ .»...‬أخرجه البخاري‬
‫(‪ ،)224‬ومسلم (‪.)233‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)812‬ومسلم (‪ ،)417‬من حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4128‬عن أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وسنده ضعيف‪ ،‬كام قال‬
‫النووي يف اخلالصة (ص‪ ،)240 :‬ولكن له شاهد أخرجه أمحد (‪ ،)2320‬عن عبيد‬
‫اهلل بن عدي بن اخليار‪ ،‬وصححه العراقي يف طرح التثريب (‪.)142/2‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪68‬‬
‫وهو قول اجلمهور‪ ،‬وهو مفصل يف موضعه(‪.)1‬‬

‫وأعضاء السجود السبعة التي جاء ذكرها يف احلديث؛ إذا فصلناها‬


‫صارت ثامنية‪ ،‬وهي‪ :‬اجلبهة‪ ،‬واألنف‪ ،‬واليدان‪ ،‬والركبتان‪ ،‬وأطراف‬
‫القدمني‪ ،‬فاألنف واجلبهة بمنزلة العضو الواحد‪ ،‬إال أن األصل هو‬
‫اجلبهة‪ ،‬وأما األنف‪ ،‬فتابع لها؛ لام جاء يف احلديث‪« :‬اجلبهة‪ ،‬وأشار بيده‬
‫إىل أنفه»(‪ ،)2‬فإذا سجد املصيل عىل األنف فقط‪ ،‬لم جيزه هذا السجود‪ ،‬لكن‬
‫إذا سجد عىل اجلبهة فقط‪ ،‬وترك التابع‪ ،‬وهو‪ :‬األنف‪ ،‬فاملسألة خالفية بني‬
‫أهل العلم(‪ ،)3‬واحلديث يدل عىل أن السجود عىل األنف مأمور به؛ ألن‬
‫اإلشارة بيان للواجب‪ ،‬وبيان الواجب واجب‪.‬‬

‫وكان ﷺ يسجد عىل األرض مبارشة‪ ،‬وهو األصل‪ُ « :‬ج ِعلت يل‬
‫وطهورا»(‪ ،)4‬وقد سجد عىل املاء والطني‪ ،‬كام ثبت هذا يف‬
‫ً‬ ‫األرض مسجدً ا‬
‫حديث ليلة القدر‪ ،‬وكانت ليلة إحدى وعرشين(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الغاية يف رشح الهداية (ص‪.)127:‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)417‬من حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املجموع (‪.)422/3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)332‬ومسلم (‪ ،)223‬من حديث جابر بن عبد اهلل ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث أيب سعيد ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬حيث قال‪ :‬اعتكفنا مع النبي ﷺ العرش‬
‫األوسط من رمضان‪ ،‬فخرج صبيحة عرشين فخطبنا‪ ،‬وقال‪« :‬إين ُأ ِر ُ‬
‫يت ليلة القدر‪ ،‬ثم‬
‫‪69‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫وثبت أنه سجد عىل اخلمرة(‪ )1‬املتخذة من خوص(‪ )2‬النخل(‪ )3‬وعىل‬


‫احلصري املتخذ منه‪ ،‬وصىل عليه كام يف حديث أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪،)4( -‬‬
‫وعىل الفروة املدبوغة(‪.)2‬‬

‫أنسيتها ‪-‬أو نسيتها‪ -‬فالت ِم ُسوها يف العرش األواخر يف الوتر‪ ،‬وإين رأيت أين أسجد يف‬
‫ماء وطني‪ ،‬فمن كان اعتكف مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلريجع»‪ ،‬فرجعنا وما نرى يف السامء‬
‫قزعة ‪ ،‬فجاءت سحابة فمطرت حت سال سقف املسجد‪ ،‬وكان من جريد النخل‪،‬‬
‫وأقيمت الصالة‪ ،‬فرأيت رسول اهلل ﷺ يسجد يف املاء والطني‪ ،‬حت رأيت أثر الطني‬
‫يف جبهته‪ .‬أخرجه البخاري (‪ ،)2712‬ومسلم (‪.)1120‬‬
‫(‪ )1‬اخلمرة ‪-‬بضم اخلاء وإسكان امليم‪ :-‬هي السجادة‪ ،‬وهي ما يضع عليه الرجل جزء‬
‫وجهه يف سجوده‪ .‬ينظر‪ :‬املعلم بفوائد مسلم (‪ ،)321/1‬رشح النووي عىل مسلم‬
‫(‪.)271/3‬‬
‫(‪ )2‬اخلوص‪ :‬الواحدة خوصة‪ ،‬وهي‪ :‬ورق النخل واملقل والنّارجيل ونحوه‪ .‬ينظر‪ :‬العني‬
‫(‪ )282/4‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (‪.)1738/3‬‬
‫(‪ )3‬إشارة إىل حديث ميمونة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ ،-‬قالت‪« :‬كان النبي ﷺ يصيل عىل اخلمرة»‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)381‬ومسلم (‪.)213‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث أنس بن مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أن جدته مليكة دعت رسول اهلل ﷺ‬
‫لطعام صنعته له‪ ،‬فأكل منه‪ ،‬ثم قال‪« :‬قوموا فألصل لكم»‪ ،‬قال أنس‪ :‬فقمت إىل‬
‫ٍ‬
‫حصري لنا‪ ،‬قد اسود من طول ما لبس‪ ،‬فنضحته بامء‪ ،‬فقام رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وصففت‬
‫واليتيم وراءه‪ ،‬والعجوز من ورائنا‪ ،‬فصىل لنا رسول اهلل ﷺ ركعتني‪ ،‬ثم انرصف‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ )387‬ومسلم (‪.)228‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث املغرية بن شعبة قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ يصيل عىل احلصري والفروة‬
‫املدبوغة‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ ،)221‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)1772‬واحلاكم (‪)127‬‬
‫وقال‪« :‬صحيح عىل رشط الشيخني»‪ ،‬وقال الذهبي‪« :‬عىل رشط مسلم»‪.‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪70‬‬
‫فهذه أمور ال بأس بالسجود عليها؛ إذا كانت منفصلة عن املصيل‪.‬‬

‫وأما إن كانت متصلة به‪ ،‬فيقول ابن القيم‪« :‬ولم يثبت عن النبي ﷺ‬
‫السجود عىل كور العاممة من حديث صحيح وال حسن‪ ،‬ولكن روى عبد‬
‫الرزاق يف املصنف‪ ،‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪ :‬كان‬
‫رسول اهلل ﷺ يسجد عىل كور العاممة(‪ ،)1‬وهو من رواية عبد اهلل بن حمرر‪،‬‬
‫وهو مرتوك(‪ ،)2‬وذكره أبو أمحد الزبريي من حديث جابر ‪-‬ريض اهلل عنه‪،-‬‬
‫ولكنه من رواية عمر بن شمر‪ ،‬عن جابر اجلعفي‪ ،‬وهو مرتوك‪ ،‬عن‬
‫مرتوك»(‪.)3‬‬

‫وال يمكن القول‪ :‬إن حديث جابر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ )4(-‬يشهد حلديث‬
‫أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬؛ فيكون احلديث حسنا لغريه؛ ألن هذا شأن‬
‫احلديث الضعيف مع مثله‪ ،‬أما هذا احلديث‪ ،‬ففي إسناده مرتوك؛ فهو‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املصنف لعبد الرزاق (‪.)1224‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املوضوعات البن اجلوزي (‪.)118/1‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)231/1‬قال البيهقي يف الكربى (‪« :)2410‬أما ما روي عن النبي ﷺ‬
‫من السجود عىل كور العاممة‪ ،‬فال يثبت يشء من ذلك‪ ،‬وأصح ما روي يف ذلك‪ :‬قول‬
‫احلسن البرصي حكاية عن أصحاب النبي ﷺ»‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)311‬وابن حبان (‪ ،)2202‬واحلاكم (‪ ،)071‬عن جابر ‪-‬ريض‬
‫اهلل عنه‪ ،-‬قال‪« :‬كنت أصيل الظهر مع رسول اهلل ﷺ فآخذ قبضة من احلىص لتربد يف‬
‫كفي أضعها جلبهتي أسجد عليها لشدة احلر»‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫شديد الضعف‪ ،‬وكذلك احلديث الشاهد له؛ فال يرتقي هذا هبذا‪ ،‬وال‬
‫ينجرب أحدمها باآلخر‪.‬‬

‫ومما يتعلق هبذه املسألة‪ :‬السجود عىل الرتبة التي يتخذها بعض‬
‫املبتدعة‪ ،‬وهي الرتبة التي يزعمون أهنا مأخوذة من تراب كربالء‪ ،‬وال‬
‫يصححون الصالة إال بالسجود عليها‪ ،‬أو ما يقوم مقامها من األرض؛‬
‫فرتاهم ال يسجدون عىل الفرش والسجاد‪ ،‬وإنام يسجدون عىل األرض‬
‫مبارشة‪ ،‬أو يضعون شيئا جيعلونه بمثابة هذه الرتبة من قرطاس‪ ،‬أو‬
‫خوص‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬وهذه بدعة لم يقل هبا أحد من أهل العلم ممن‬
‫يعتد بقوله‪ ،‬وأيضا‪ :‬التشبث هبا‪ ،‬وأهنا من تربة طاهرة مثل كربالء أو ما‬
‫أشبهها هو بدعة كذلك؛ فكربالء ليس فيها ما ُصها من نص صحيح‪،‬‬
‫بل متسك هبا بعض من زاغ يف دينه‪ ،‬وحاد عن الرصاط املستقيم‪ ،‬واهلل‬
‫املستعان‪.‬‬

‫أما اليدان‪ ،‬فاملراد هبام بطون الكفني‪ ،‬وبطن الكف يشمل الراحة‬
‫وبطون األصابع‪ ،‬فيضم األصابع إىل بعضها ويوجهها نحو القبلة‪ ،‬ففي‬
‫صحيح ابن حبان‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا سجد‪ ،‬ضم أصابعه»(‪)1‬؛ ألهنا‬
‫تكون إذا ضمت‪ ،‬مستقبلة القبلة‪ ،‬وإذا فرجت‪ ،‬اجتهت إىل جهات متعددة؛‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن خزيمة (‪ ،)242‬وابن حبان (‪ ،)1127‬واحلاكم (‪ ،)822‬من حديث وائل‬
‫بن حجر ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪72‬‬
‫فاملطلوب ضمها ليستقبل هبا القبلة‪.‬‬

‫ويالحظ أن بعض املصلني يسجد ببطون األصابع دون الراحة‪،‬‬


‫وهذا ال جيزئ؛ ألن األصل يف الكف الراحة‪ ،‬كذلك السجود عىل ظهر‬
‫الكف ال جيزئ؛ كسجود بعضهم عىل هيئة العاجن؛ وهذا موجود السيام‬
‫عند الصغار‪.‬‬

‫وكثريا ما يكون اخللل يف السجود برفع األنف عن األرض‪ ،‬أو عدم‬


‫متكني اليدين من األرض‪ ،‬كذلك يتطرق اخللل إىل السجود برفع أطراف‬
‫القدمني عن األرض‪ ،‬ومها من األعضاء السبعة التي أمرنا بالسجود‬
‫عليها؛ ولهذا ال بد من السجود عىل أطراف القدمني ليتم املأمور به؛ ألن‬
‫األمر متجه إىل سبعة أعظم؛ فال يتم امتثال األمر إال باجتامعها‪.‬‬

‫وقد يتاج بعض الناس إىل رفع إحدى القدمني ليحك هبا األخرى‬
‫مثال‪ ،‬فإذا استمر هذا الرفع بحيث استوعب السجود كله‪ ،‬ففي صحة‬
‫سجوده نظر‪ ،‬فبعض أهل العلم يبطل السجود بمثل هذا(‪ ،)1‬لكن إن حكها‬
‫وأعادها‪ ،‬فال بأس؛ ألهنا حركة يسرية معفو عنها إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وتكون أصابع القدمني إىل جهة القبلة إن أمكن ذلك‪ ،‬وإال فبعض‬
‫كبار السن يصل عندهم تصلب يف األصابع؛ فال يتمكنون من استقبال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬النجم الوهاج (‪.)142/2‬‬


‫‪73‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫القبلة هبا‪.‬‬

‫وهل تلصق القدمان إحدامها باألخرى حال السجود‪ ،‬أو من متام‬


‫املجافاة املرشوعة أن يفرق بينهام؟ قوالن ألهل العلم‪ :‬فمن يقول بعموم‬
‫املجافاة‪ ،‬يقول‪ :‬يشمل الرجلني‪ ،‬أي‪ :‬أن املصيل جياىف يديه عن جنبيه‪،‬‬
‫ويرفع ظهره‪ ،‬وجيايف قدميه أيضا(‪.)1‬‬

‫ومنهم من يقول‪ :‬املستحب إلصاق القدم بالقدم‪ ،‬وجاء ما يدل عىل‬


‫ذلك يف صحيح ابن خزيمة(‪ ،)2‬وجاء يف الصحيح من حديث عائشة ‪-‬‬
‫ريض اهلل عنها‪« :-‬فوقعت يدي عىل بطن قدميه»(‪ ،)3‬فاستدل به عىل أن‬
‫القدمني تلزقان‪.‬‬

‫اجملافاة يف السجود‪:‬‬

‫كان ﷺ إذا سجد‪ ،‬مكن جبهته وأكفه من األرض‪ ،‬ونح يديه عن‬
‫جنبيه‪ ،‬وجاىف هبام حت يرى بياض إبطيه ولو شاءت هبمة ‪-‬وهي‪ :‬الشاة‬
‫الصغرية‪ -‬أن متر حتتهام‪ ،‬ملرت(‪ ،)4‬فكان ﷺ يبالغ يف املجافاة‪ ،‬ويف صحيح‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬النجم الوهاج (‪ ،)121/2‬نيل األوطار (‪.)210/2‬‬


‫(‪ )2‬برقم (‪ ،)224‬وهو حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬ولفظه‪« :‬فوجدته ساجدا راصا‬
‫عقبيه»‪ ،‬وبوب ابن خزيمة هلذا احلديث بقوله‪« :‬باب ضم العقبني يف السجود»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)482‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث ميمونة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ ،-‬قالت‪« :‬كان النبي ﷺ إذا سجد لو شاءت‬
‫هبمة أن متر بني يديه‪ ،‬ملرت»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)412‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪74‬‬
‫مسلم‪ ،‬عن الرباء ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه ﷺ قال‪« :‬إذا سجدت‪ ،‬فضع‬
‫كفيك‪ ،‬وارفع مرفقيك»(‪.)1‬‬

‫الذكر والدعاء يف السجود‪:‬‬


‫كان ﷺ يقول يف سجوده‪« :‬سبحان ريب األعىل» ثالث مرات‪ ،‬وربام‬
‫كررها أكثر من ذلك‪ ،‬وأمر هبا‪ ،‬وقال‪« :‬اجعلوها يف سجودكم»(‪ ،)2‬وحث‬
‫ﷺ عىل كثرة الدعاء يف السجود‪ ،‬فقال‪« :‬وأما السجود‪ ،‬فأكثروا فيه من‬
‫الدعاء‪ ،‬فق ِمن أن ُيستجاب لكم»(‪ ،)3‬أي‪ :‬حري وجدير أن يستجاب لكم؛‬
‫ألن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد(‪.)4‬‬

‫وكان من دعائه ﷺ يف السجود قوله‪« :‬سبحانك اللهم ربنا‬


‫وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر يل»(‪.)2‬‬

‫وقوله ﷺ‪« :‬اللهم إين أعوذ برضاك من سخطك‪ ،‬وبمعافاتك من‬


‫ثناء عليك‪ ،‬أنت كام أثنيت عىل‬
‫عقوبتك‪ ،‬وأعوذ بك منك‪ ،‬ال أحيص ً‬

‫(‪ )1‬برقم (‪.)414‬‬


‫(‪ )2‬تقدم خترجيه (ص‪.)44 :‬‬
‫(‪ )3‬تقدم خترجيه (ص‪.)42 :‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬أقرب ما يكون‬
‫العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)482‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)014‬ومسلم (‪ ،)484‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬
‫‪75‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫نفسك»(‪.)1‬‬

‫وكان يقول‪« :‬اللهم لك سجدت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬ولك أسلمت‪،‬‬


‫سجد وجهي للذي خلقه وصوره‪ ،‬وشق سمعه وبرصه‪ ،‬تبارك اهلل أحسن‬
‫اخلالقني»(‪.)2‬‬
‫وكان يقول‪« :‬اللهم اغفر ذنبي كله‪ِ ،‬دقه ِ‬
‫وجله‪ ،‬وأوله وآخره‪،‬‬
‫وعالنيته ورسه»(‪.)3‬‬
‫وغري ذلك من األدعية التي ثبتت عنه ﷺ يف هذا الركن‪ ،‬ومن أراد‬
‫املزيد‪ ،‬فعليه بمراجعة كتب السنة‪.‬‬

‫املفاضلة بني القيام والسجود‪:‬‬

‫واختلف أهل العلم يف املفاضلة بني طول القيام وطول السجود عىل‬
‫قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬تفضيل تطويل القيام عىل تطويل السجود؛ واستدلوا‬


‫وموا هللِ قانِتِني﴾ [البقرة‪ ،]238:‬والقيام من القنوت‪ ،‬وبأن‬
‫بقوله تعاىل‪﴿ :‬و ُق ُ‬
‫النبي ﷺ قام حت تفطرت قدماه(‪ ،)4‬وكذلك استدلوا بأن الصالة تسم‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ ،)482‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)001‬من حديث عيل ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ ،)483‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1137‬ومسلم (‪ ،)2811‬عن املغرية ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬والبخاري‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪76‬‬
‫قياما‪ ،‬فيقال‪ :‬قيام الليل‪ ،‬أي‪ :‬صالة الليل‪ ،‬ومنه قوله ﷺ عن يوم اجلمعة‪:‬‬
‫«فيه ساعة‪ ،‬ال يوافقها عبد مسلم‪ ،‬وهو قائم يصيل‪ ،‬يسأل اهلل تعاىل شي ًئا‪،‬‬
‫إال أعطاه إياه»(‪ ،)1‬فعرب بالقيام عن الصالة؛ ألمهيته فيها‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬تفضيل تطويل السجود عىل تطويل القيام؛ واستدلوا‬
‫باألحاديث الدالة عىل فضل السجود‪.‬‬

‫وثمرة هذا اخلالف‪ :‬أن من أراد الصالة ملدة ساعة مثال‪ ،‬فإن كان‬
‫يقول بتفضيل طول القيام‪ ،‬فسيشغل معظم الوقت بالقيام‪ ،‬فيكثر من‬
‫القراءة‪ ،‬وُفف من أذكار السجود‪ ،‬وإن كان يذهب إىل تفضيل السجود‪،‬‬
‫فسيخفف القراءة‪ ،‬ويطيل السجود‪ ،‬فينطرح وينكرس بني يدي ربه‪،‬‬
‫ويطرق بابه متلذذا بمناجاته حال ما يكون إليه أقرب‪ ،‬وهو‪ :‬السجود‪.‬‬

‫لكن الذي حرره مجع من أهل العلم‪ :‬أن القيام أفضل بذكره‪،‬‬
‫والسجود أفضل هبيئته؛ فاألمر عائد لام يميل إليه املصيل ويرتاح فيه أكثر؛‬
‫فبعض الناس يتلذذ بطول القراءة‪ ،‬ويض عندها قلبه أكثر من حضوره‬
‫حال السجود؛ فيقال ملثل هذا‪ :‬أطل القيام‪ ،‬وبعضهم إذا قرأ وأطال القيام‪،‬‬
‫رشد ذهنه‪ ،‬وغفل قلبه‪ ،‬ولو سجد أكثر من الذكر والدعاء‪ ،‬وحض قلبه‪،‬‬
‫وخشعت جوارحه‪ ،‬فيقال ملثل هذا‪ :‬أطل السجود؛ ولهذا عىل اإلنسان أن‬

‫(‪ ،)4830‬ومسلم (‪ ،)2827‬عن عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬


‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)132‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫‪77‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫يفعل ما هو أنفع لقلبه‪ ،‬واإلنسان قد يفتح له باب يقربه من اهلل ‪-‬جال‬


‫وعال‪ -‬وجيد نفسه يف األبواب األخرى دون ذلك؛ فعليه أن يستغل هذا‬
‫الباب الذي فتح له فيه(‪.)1‬‬
‫افرتاش الذراعني‪:‬‬

‫وكان ﷺ إذا سجد‪ ،‬ال يفرتش ذراعيه‪ ،‬بل كان جيافيهام كام سبق‪ ،‬بل‬
‫هن عن ذلك؛ فقال ﷺ‪« :‬وال يف ِتش أحدكم ذراعيه افتاش الكلب»(‪،)2‬‬
‫ويف رواية‪« :‬افتاش الس ُب ِع»(‪ .)3‬وبعض الناس يفرتش ذراعيه عند سجوده‬
‫عندما يكون مرهقا؛ لرييح يديه بذلك‪ ،‬وهذا يدخل يف النهي كذلك‪ ،‬فإن‬
‫احتاج املصيل إىل ما يسند يديه إليه‪ ،‬فليضع أطرافهام عىل ركبتيه‪ ،‬وجاء يف‬
‫ذلك ما يدل عىل مرشوعيته عند احلاجة (‪.)4‬‬

‫واستحباب املجافاة إنام هو لإلمام واملنفرد؛ ألهنام ال يضيقان عىل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)21/23( ،)203/22( ،)2/14‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)810‬والنسائي (‪ ،)1173‬من حديث أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪،-‬‬
‫وصححه ابن حبان (‪.)1122‬‬
‫(‪ )3‬تقدم خترجيه (ص‪.)23 :‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪ :‬اشتك أصحاب النبي إىل النبي ﷺ‬
‫مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا‪ ،‬فقال‪« :‬استعينوا بالركب»‪ .‬أخرجه أبو داود‬
‫(‪ ،)172‬والرتمذي (‪ ،)282‬وصححه ابن حبان (‪ ،)1118‬واحلاكم (‪ ،)834‬وحسن‬
‫إسناده النووي يف اخلالصة (‪.)1321‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪78‬‬
‫أحد‪ ،‬أما املأموم‪ ،‬فمأمور بالرتاص يف الصف‪ ،‬فيصعب عليه املجافاة‪،‬‬
‫لكن إن أمكنه فعلها‪ ،‬فليفعل‪.‬‬

‫الرفع من السجود‪:‬‬
‫ثم يرفع من السجود مكربا‪ ،‬وثبت هذا التكبري من فعله ﷺ(‪ ،)1‬وأمر‬
‫بذلك امليسء يف صالته(‪ ،)2‬وهذا التكبري مع بقية التكبريات ‪ -‬عدا تكبرية‬
‫اإلحرام ‪ -‬يسم ‪ :‬تكبري االنتقال‪ ،‬وهو واجب عند احلنابلة(‪ ،)3‬وسنة عند‬
‫غريهم(‪.)4‬‬

‫والرفع من السجود كالهوي إليه ليس من مواضع رفع اليدين‪ ،‬وأما‬


‫حديث‪« :‬كان يرفع يديه مع كل خفض ورفع»‪ ،‬فقد تقدم أن من أهل‬
‫العلم من حكم عليه بأنه وهم غري حمفوظ‪ ،‬واملحفوظ‪ :‬أنه كان يكرب مع‬
‫كل خفض ورفع‪ ،‬واستحب بعضهم رفع اليدين أحيانا مع كل خفض‪،‬‬
‫وال يداوم عىل ذلك؛ ألن أكثر من وصف صالة النبي ﷺ لم يذكر هذا‬

‫(‪ )1‬ثبت هذا من عدة أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬حديث أيب سلمة‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬أنه كان‪« :‬يصيل‬
‫هبم‪ ،‬فيكرب كلام خفض‪ ،‬ورفع» ‪ ،‬فإذا انرصف‪ ،‬قال‪ :‬إين ألشبهكم صالة برسول اهلل‬
‫ﷺ‪ .‬أخرجه البخاري (‪ ،)082‬ومسلم (‪.)312‬‬
‫(‪ )2‬تقدم خترجيه (ص‪.)12 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املغني البن قدامة (‪.)322/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املبسوط للرسخيس (‪ ،)227/1‬رشح خمترص خليل للخريش (‪،)371 /1‬‬
‫روضة الطالبني وعمدة املفتني (‪.)227 /1‬‬
‫‪79‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫الرفع‪ ،‬بل رصحوا بعدمه‪ ،‬وقالوا‪ :‬كان ال يرفع يديه إذا هوى‬
‫للسجود(‪.)2()1‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬كام يف حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬يف البخاري (‪« :)032‬وكان ال يفعل ذلك يف‬
‫السجود»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)324/2‬حاشية السندي عىل النسائي (‪.)1788‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪80‬‬

‫‪‬‬ ‫اجللوس بني السجدتني‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ثم إذا رفع‪ ،‬استوى جالسا من سجوده‪ ،‬فيفرش رجله اليرسى‪،‬‬
‫ويقعد عليها‪ ،‬وينصب رجله اليمن ويستقبل بأصابعها القبلة‪ ،‬وربام‬
‫نصب قدميه وقعد عىل عقبيه‪ ،‬كام يف حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪-‬‬
‫عند مسلم وغريه(‪ ،)1‬وهو غري اإلقعاء الذي جاء النهي عنه(‪ ،)2‬بل رصح‬
‫ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬أنه السنة‪ ،‬فلو فعل هذا أحيانا عمال بحديث‬
‫ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬كان أوىل‪ ،‬أما اإلقعاء املنهي عنه‪ ،‬فهو أن‬
‫جيلس عىل إليتيه‪ ،‬وينصب ساقيه وفخذيه‪ ،‬ويضع يديه عىل األرض(‪.)3‬‬

‫وكان ﷺ يضع يديه عىل فخذيه‪ ،‬وجيعل مرفقه عىل فخذه‪ ،‬وطرف‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث طاووس‪ ،‬أنه قال‪ :‬قلنا البن عباس يف اإلقعاء عىل القدمني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هي السنة‪ ،‬فقلنا له‪ :‬إنا لنراه جفاء بالرجل‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬بل هي سنة نبيك ﷺ‪.‬‬
‫أخرجه مسلم (‪.)232‬‬
‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ ،-‬وفيه‪« :‬وكان إذا رفع رأسه من السجدة‪ ،‬مل‬
‫يسجد حت يستوي جالسا‪ ،‬وكان يقول يف كل ركعتني التحية‪ ،‬وكان يفرش رجله‬
‫اليرسى‪ ،‬وينصب رجله اليمن ‪ ،‬وكان ينه عن عقبة الشيطان‪ ،‬وينه أن يفرش‬
‫الرجل ذراعيه افرتاش السبع‪ ،‬وكان ُتم الصالة بالتسليم»‪ ،‬ويف رواية‪« :‬عقب‬
‫الشيطان»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)418‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬نيل األوطار (‪.)327-311/1‬‬
‫‪81‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫يده عىل ركبته‪ ،‬وكان يطمئن يف هذه اجللسة‪ ،‬بل كان يطيلها حت تكون‬
‫قريبا من سجدته‪ ،‬بل قد يمكث أحيانا حت يقول القائل‪ :‬قد نيس(‪ ،)1‬كل‬
‫هذا ثابت عنه ﷺ‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬وكان يضع يديه عىل فخذيه‪ ،‬وجيعل‬
‫مرفقه عىل فخذه‪ ،‬وطرف يده عىل ركبته‪ ،‬ويقبض ثنتني من أصابعه ويلق‬
‫حلقة ثم يرفع إصبعه‪ ،‬يدعو هبا ويركها»؛ هكذا قال وائل بن حجر‬
‫عنه(‪.)2‬‬

‫وأما حديث أيب داود‪ ،‬عن عبد اهلل بن الزبري‪« :‬أن النبي ﷺ كان‬
‫يشري بإصبعه إذا دعا وال يركها»(‪- )3‬يعني‪ :‬يرفعها فقط‪ -‬فهذه الزيادة يف‬
‫صحتها نظر‪ ،‬وقد ذكر مسلم احلديث ‪-‬حديث ابن الزبري‪ -‬بطوله يف‬
‫صحيحه‪ ،‬عنه‪ ،‬ولم يذكر هذه الزيادة‪ ،‬بل قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا قعد‬
‫يف الصالة‪ ،‬جعل قدمه اليرسى بني فخذه وساقه‪ ،‬وفرش قدمه اليمن ‪،‬‬
‫ووضع يده اليرسى عىل ركبته اليرسى‪ ،‬ووضع يده اليمن عىل فخذه‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث ٍ‬


‫ثابت‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه قال‪ :‬إين ال آلو أن‬
‫أصيل بكم‪ ،‬كام رأيت النبي ﷺ يصيل بنا ‪ -‬قال ثابت‪ :‬كان أنس بن مالك يصنع شيئا مل‬
‫أركم تصنعونه ‪ -‬كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حت يقول القائل‪ :‬قد نيس‪ ،‬وبني‬
‫السجدتني حت يقول القائل‪ :‬قد نيس»‪ .‬أخرجه البخاري (‪ ،)821‬ومسلم (‪.)402‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪.)881‬‬
‫(‪ )3‬سنن أيب داود (‪.)181‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪82‬‬
‫اليمن ‪ ،‬وأشار بإصبعه(‪.)1‬‬

‫وأيضا‪ :‬فليس يف حديث أيب داود عنه‪ :‬أن هذا كان يف الصالة‪.‬‬

‫وأيضا‪ :‬لو كان يف الصالة‪ ،‬لكان نافيا‪ ،‬وحديث وائل بن حجر‬


‫مثبت‪ ،‬وهو مقدم‪ ،‬وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم يف صحيحه(‪.)3(»)2‬‬

‫عىل كل حال‪ :‬العلامء اختلفوا يف زيادة التحريك‪ :‬فمنهم من يقول‪:‬‬


‫ت‪ ،‬وغريه ٍ‬
‫ناف؛ واملثبت مقدم عىل النايف‪ ،‬ومنهم‪ :‬من‬ ‫ثقة مثب ٍ‬
‫إهنا زيادة من ٍ‬

‫يكم بأهنا زيادة غري حمفوظة‪.‬‬

‫الدعاء يف اجللوس بني السجدتني‬

‫هذه اجللسة للدعاء‪ ،‬وقد جاء فيها أدعية حمفوظة عن النبي ﷺ‪،‬‬
‫كقوله‪« :‬رب اغفر يل‪ ،‬وارمحني‪ ،‬واج ُربين‪ ،‬واهدين‪ ،‬وعافني‪ ،‬وارزقني»(‪،)4‬‬
‫وربام كرر‪« :‬رب اغفر يل‪ ،‬رب ِ‬
‫اغفر يل»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬مسلم (‪.)201‬‬


‫(‪ )2‬احلديث صححه ابن خزيمة (‪ ،)014‬وابن حبان (‪.)1827‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)231/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ ،)2210‬من حديث طارق األشجعي‪ ،‬دون قوله‪« :‬واجربين»‪،‬‬
‫وأخرجه الرتمذي (‪ )284‬وابن ماجه (‪ ،)818‬من حديث ابن عباس دون قوله‪:‬‬
‫«وعافني»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ ،)1142‬من حديث حذيفة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫‪83‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫فيجلس مفرتشا رجله اليرسى‪ ،‬مقبال بصدر اليمن عىل القبلة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يفرش اليرسى وجيلس عليها‪ ،‬وينصب اليمن ‪ ،‬فيكون ظهرها إىل القبلة‪.‬‬
‫وهذه اجللسة فيام بني السجدتني‪ ،‬ويف التشهد األول‪ ،‬وجاء يف حديث ابن‬
‫عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪« :-‬أنه نصب رجليه‪ ،‬وقال‪ :‬هي السنة»(‪ ،)1‬لكن‬
‫السنة ليست حمصورة يف هذا؛ لام جاء يف األدلة األخرى من االفرتاش‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل ما أخرجه مسلم (‪ ،)232‬عن طاووس‪ ،‬أنه قال‪ :‬قلنا البن عباس يف اإلقعاء‬
‫عىل القدمني؟ فقال‪« :‬هي السنة»‪ ،‬فقلنا‪ :‬إنا لنراه جفاء بالرجل‪ ،‬فقال‪« :‬بل هي سنة‬
‫نبيك ﷺ»‪.‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪84‬‬

‫‪‬‬ ‫السجدة الثانية‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ثم يكرب ويسجد السجدة الثانية‪ ،‬ويصنع يف هذه السجدة مثل ما‬
‫صنع يف األوىل‪ ،‬ثم يرفع رأسه مكربا‪ ،‬وجاء األمر بالتكبري يف هذين‬
‫املوضعني يف حديث امليسء صالته‪ ،‬وهيئة السجدة الثانية وأذكارها‬
‫كاألوىل‪.‬‬

‫لكن هل هي مثل طول األوىل أو أقرص منها؟ وهل كل سجود دون‬


‫الذي قبله أو مثله؟‬

‫قبل اجلواب عن هذا السؤال ينبغي أن نعلم أن قاعدة الصالة‪ :‬أن‬


‫كل فعل من أفعاهلا هو دون الذي قبله؛ فالركعة األوىل أطول من الركعة‬
‫الثانية‪ ،‬والثانية أطول من الثالثة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬لكن هل التخفيف والتطويل إنام‬
‫هو يف القراءة كام نص عىل ذلك يف بعض األحاديث(‪ ،)1‬أو أن الركعة الثانية‬
‫بكاملها أقرص من األوىل‪ ،‬والثالثة أقرص من الثانية؟‬

‫وأقرب ما يكون يف اجلواب عن هذا السؤال‪ :‬ما جاء يف حديث‬


‫صالة الكسوف‪ ،‬أن النبي ﷺ‪« :‬قام قياما طويال‪ ،‬ثم ركع ركوعا طويال‪،‬‬

‫(‪ )1‬ففي البخاري (‪ ،)001‬عن عبد اهلل بن أيب قتادة‪ ،‬عن أبيه‪« :‬أن النبي ﷺ كان يطول يف‬
‫الركعة األوىل من صالة الظهر‪ ،‬ويقرص يف الثانية‪ ،‬ويفعل ذلك يف صالة الصبح»‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ثم رفع‪ ،‬فقام قياما طويال وهو دون القيام األول‪ ،‬ثم ركع ركوعا طويال‬
‫وهو دون الركوع األول‪ ،‬ثم رفع‪ ،‬فسجد سجودا طويال‪ ،‬ثم قام‪ ،‬فقام‬
‫قياما طويال وهو دون القيام األول‪ ،‬ثم ركع ركوعا طويال وهو دون‬
‫الركوع األول‪ ،‬ثم قام قياما طويال وهو دون القيام األول‪ ،‬ثم ركع ركوعا‬
‫طويال وهو دون الركوع األول‪ ،‬ثم سجد وهو دون السجود األول‪ ،‬ثم‬
‫انرصف»(‪.)1‬‬
‫ففي صالة الكسوف أربعة قيامات‪ ،‬وأربعة ركوعات‪ ،‬وأربع‬
‫سجدات؛ هذا املتفق عليه يف الصحيحني ‪-‬وإن جاء يف صحيح مسلم‬
‫ثالثة ركوعات(‪ ،)2‬وأربعة(‪ ،)3‬وجاء يف غريه مخسة(‪ ،-)4‬فقول عائشة ‪-‬ريض‬
‫اهلل عنها‪« :-‬وهو دون القيام األول» يتمل أن يكون املراد باألول‪ :‬األولية‬
‫املطلقة‪ ،‬وهو أول قيام‪ ،‬فيكون ما عداه من القيامات الثالثة دون القيام‬
‫األول؛ وعليه ال يلزم أن يكون كل قيام دون الذي قبله‪ ،‬وكذلك احلال يف‬
‫الركوع والسجود‪ .‬فإذا قرأ يف قيام األول البقرة‪ ،‬فليقرأ يف الثاين آل عمران‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1722‬ومسلم (‪ ،)173‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬يف كل ركعة‪ .‬أخرجه مسلم (‪ ،)174‬من حديث جابر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وأخرجه‬
‫أيضا (‪ ،)171‬من حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪.-‬‬
‫(‪ )3‬أي‪ :‬يف كل ركعة‪ .‬أخرجه مسلم (‪ ،)178‬من حديث ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1182‬من حديث أيب بن كعب ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وأخرجه احلاكم‬
‫يف املستدرك (‪ ،)1230‬وقال‪« :‬رواته صادقون»‪.‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪86‬‬
‫مثال‪ ،‬ويف الثالث النساء؛ ألن سورة النساء دون سورة البقرة؛ فيكون‬
‫القيام الثالث دون القيام األول‪ ،‬ويقرأ مثال يف الرابع باألعراف؛ فالقيام يف‬
‫الثالث الركعات متقارب‪ ،‬لكن يفوقه القيام األول طوال‪.‬‬
‫لكن إذا قلنا‪ :‬املراد باألول‪ :‬األولية النسبية‪ ،‬أي‪ :‬أن كل ركوع أول‬
‫بالنسبة للذي يليه‪ ،‬فالركوع الثاين أول بالنسبة للثالث‪ ،‬والركوع الثالث‬
‫أول بالنسبة للرابع‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فالصالة صارت متدرجة‪.‬‬
‫وعىل هذا االحتامل ‪-‬وهو األولية النسبية‪ -‬إذا قرأ يف الثاين آل‬
‫عمران فيقرأ يف القيام الثالث سورة يونس ‪-‬مثال‪ ،-‬ثم يف القيام الرابع‬
‫يقرأ سورة يس مثال؛ لتكون الصالة متدرجة‪ ،‬ويكون كل قيام دون الذي‬
‫قبله‪.‬‬

‫فحديث صالة الكسوف يقرب لنا احلال يف الصلوات األخرى؛‬


‫ألن بعض الناس يالحظ عليه إطالة آخر سجدة يف الصالة‪ ،‬والحظنا من‬
‫الشيوخ الكبار الذين أدركناهم من يفعل ذلك؛ فهل نقول‪ :‬إن هذا خالف‬
‫السنة؛ ألن األصل أن السجدة األخرية دون التي قبلها‪ ،‬والتي قبلها دون‬
‫التي قبلها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أو نقول‪ :‬تتميز الركعة األوىل‪ ،‬فيكون ما عداها‬
‫ٍ‬
‫وقرب‬ ‫ٍ‬
‫سجدة‬ ‫دوهنا؟ وكأن ملحظ من يطيل السجدة األخرية‪ :‬أهنا آخر‬
‫من اهلل؛ فتكون سجدة الوداع‪ ،‬ويستدرك فيها املصيل ما فاته وغفل عنه يف‬
‫السجدات السابقة‪ ،‬لكن العربة بام ثبت عن النبي ﷺ؛ ألن العبادات‬
‫‪87‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫توقيفية‪ ،‬فإذا لم يكن السجود الرابع أقل من الثالث‪ ،‬فأقل األحوال أن‬
‫يكون مثله‪.‬‬

‫جلسة االسرتاحة‪:‬‬
‫إذا انته املصيل من السجدة الثانية‪ ،‬وأراد القيام إىل الركعة الثانية‬
‫أو الرابعة‪ ،‬يكرب غري رافع يديه‪ ،‬وجيلس جلسة خفيفة؛ فقد جاء يف‬
‫الصحيح‪ ،‬عن أيب قالبة؛ أنه قال‪ :‬جاءنا مالك بن احلويرث يف مسجدنا‬
‫هذا‪ ،‬فقال‪« :‬إين ألصيل بكم وما أريد الصالة‪ ،‬أصيل كيف رأيت النبي ﷺ‬
‫يصيل»‪ ،‬فقلت أليب قالبة‪ :‬كيف كان يصيل؟ قال‪ :‬مثل شيخنا هذا ‪-‬يعني‪:‬‬
‫عمرو بن سلمة اجلرمي‪ ،-‬قال‪ :‬وكان شيخا‪ ،‬جيلس إذا رفع رأسه من‬
‫السجود‪ ،‬قبل أن ينهض يف الركعة األوىل(‪.)1‬‬

‫ويف رواية‪« :‬وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية‪ ،‬جلس واعتمد عىل‬
‫األرض‪ ،‬ثم قام»(‪.)2‬‬

‫ويف رواية عنه ‪-‬أي‪ :‬عن مالك بن احلويرث‪ -‬أنه رأى النبي ﷺ‬
‫يصيل‪ ،‬فإذا كان يف وتر من صالته‪ ،‬لم ينهض حت يستوي قاعدا(‪،)3‬‬
‫وقوله‪« :‬يف وتر من صالته»‪ ،‬أي‪ :‬يف الركعة األوىل أو الثالثة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)200‬‬


‫(‪ )2‬أخرجها البخاري (‪)824‬‬
‫(‪ )3‬أخرجها البخاري (‪.)823‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪88‬‬
‫وهذه اجللسة يسميها الفقهاء‪ :‬جلسة االسرتاحة(‪ ،)1‬وال خالف‬
‫بينهم يف ثبوهتا‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف حكمها‪.‬‬

‫فذهب الشافعي‪ ،‬وأمحد يف رواية عنه‪ ،‬وطائفة من أصحاب‬


‫احلديث‪ :‬إىل استحباهبا(‪.)2‬‬

‫وذهب احلنفية‪ ،‬واملالكية‪ ،‬واحلنابلة يف املشهور عندهم‪ :‬إىل عدم‬


‫االستحباب‪ ،‬وعللوا بأن هذه اجللسة إنام حفظت عن النبي ﷺ يف آخر‬
‫حياته لام ثقل‪ ،‬ولذا لم يذكرها كل من وصف صالة النبي ﷺ‪ ،‬إال مالك‬
‫بن احلويرث‪ ،‬فحملوا احلديث عىل احلاجة‪ ،‬وبسبب هذا امللحظ سامها‬
‫بعضهم جلسة االسرتاحة(‪.)3‬‬

‫وإذا كان هذا بالنسبة لإلمام‪ ،‬فاملأموم كذلك؛ ألنه يقتدي باإلمام؛‬
‫حلديث‪« :‬إنام ُج ِعل اإلمام ليؤتم به؛ فال ختتلفوا عليه»(‪.)4‬‬

‫وقالوا‪ :‬إن مما يدل عىل عدم استحباهبا‪ :‬أنه لم يرشع فيها ذكر‪ ،‬وال‬
‫ُلو فعل من أفعال الصالة من ذكر مرشوع‪ ،‬وهذا يدل عىل أهنا ليست‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬هناية املطلب (‪ ،)107/2‬روضة الطالبني (‪ ،)227/1‬زاد املعاد (‪.)247/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬روضة الطالبني (‪ ،)227/1‬اإلنصاف (‪.)23/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)347/1‬الفواكه الدواين (‪ ،)184/1‬اإلنصاف (‪.)23/2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)022‬ومسلم (‪ ،)414‬من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫‪89‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫مرشوعة(‪ ،)1‬وقد أطال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف تقرير ذلك‪ ،‬وتوصل إىل‬
‫أهنا إنام تفعل عند احلاجة(‪.)2‬‬

‫لكن جياب عن هذا بام ييل‪:‬‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬بالنسبة لتسميتها جلسة االسرتاحة‪ ،‬وأهنا تفعل عند احلاجة‬
‫إليها‪ ،‬أقول‪ :‬هذا ال يطرد؛ فقد تكون احلاجة إىل تركها‪ ،‬وهذا يشء جمرب‪،‬‬
‫فكبار السن واملصابون بالروماتيزم(‪ )3‬ونحوهم يصعب عليهم اجللوس‬
‫عقب السجود ثم القيام‪ ،‬واأليرس لهم أن ينهضوا إىل القيام مبارشة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬كون جلسة االسرتاحة لم تنقل إال من طريق مالك بن‬
‫احلويرث غري مسلم؛ فقد بني ابن القيم وابن حجر أهنا جاءت يف بعض‬
‫طرق حديث أيب محيد الذي وصف صالة النبي ﷺ بحضة عرشة من‬
‫الصحابة(‪ ،)4‬وكذلك نص ابن حجر يف التلخيص عىل أهنا جاءت يف بعض‬
‫طرق حديث امليسء(‪.)2‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬هي جلسة خفيفة؛ ولهذا ال يرشع فيها ذكر‪ ،‬وعدم مرشوعية‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فتح الباري (‪.)372/2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬زاد املعاد (‪ 241/1‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو‪ :‬أمل يدث يف مفاصل اجلسم‪ .‬ينظر‪ :‬معجم اللغة العربية املعارصة (‪.)087/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬زاد املعاد (‪ ،)241/1‬فتح الباري (‪ ،)372/2‬التلخيص احلبري (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )2‬التلخيص احلبري (‪.)222/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪90‬‬
‫الذكر فيها ال يعني عدم مرشوعيتها؛ ألن العربة بالدليل‪.‬‬

‫وكذلك املأموم الذي يقتدي بمن ال يرى مرشوعيتها له أن يفعلها‪،‬‬


‫وال يتم االحتجاج بقوله ﷺ‪« :‬إنام ُج ِعل اإلمام ليؤتم به؛ فال ختتلفوا‬
‫عليه»(‪)1‬؛ حيث إنه إذا ترك اإلمام أمرا مرشوعا ال يقتدى به‪ ،‬فال يقتدى‬
‫باحلنفي لو كان ال يرفع يديه عند الركوع‪ ،‬أو عند الرفع منه‪ ،‬أو كان حنبليا‬
‫ال يرفع يديه بعد القيام من الركعتني؛ فاإلمام إنام يتابع فيام وافق الرشع‪،‬‬
‫وهنا لو ترك جلسة االسرتاحة‪ ،‬وقلنا باستحباهبا‪ ،‬فيكون قد ترك مستحبا؛‬
‫فيأيت به املأموم‪.‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬هذا فعل زائد يرتتب عليه التأخر عن اإلمام‪ ،‬وتفوته‬
‫القراءة‪ ،‬ف ُيجاب‪ :‬بأنه ال يرتتب عليه يشء‪ ،‬وهذا جمرب؛ فكم من الناس‬
‫من يفعلها وال يفوته يشء‪ ،‬وإن فاته‪ ،‬فيفوته بمقدار آية‪ ،‬أي‪ :‬بمقدار أن‬
‫هلل رب العاملِني﴾‪.‬‬
‫يقول اإلمام‪﴿ :‬احلمدُ ِ‬

‫وهنا سؤال‪ :‬إذا جلس اإلمام لالسرتاحة‪ ،‬فمت يكرب؛ إذ لو كرب مع‬
‫رفع رأسه‪ ،‬فسيسبقه بعض املأمومني؟‬

‫واجلواب‪ :‬أن األصل يف التكبري أنه لالنتقال‪ ،‬واالنتقال يكون من‬


‫حني يرفع املصيل رأسه من السجود إىل أن يستتم قائام؛ ففي مثل هذه‬

‫(‪ )1‬تقدم خترجيه (ص‪.)02 :‬‬


‫‪91‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫الصورة يكون تكبريه أثناء قيامه؛ ألن هذا هو االنتقال إىل الركن الذي‬
‫يليه؛ إذ لو كرب قبل ذلك‪ ،‬فسينهض قبله املأمومون الذين ال جيلسون هذه‬
‫اجللسة‪.‬‬
‫أما تسمية هذه اجللسة بجلسة االسرتاحة‪ ،‬فغري ظاهرة؛ فكون‬
‫الفقهاء سموها جلسة اسرتاحة‪ ،‬وليس يف النصوص ما يدل عىل هذه‬
‫التسمية‪ ،‬إنام دفعهم لذلك تصورهم أن فيها اسرتاحة‪ ،‬وأنه إنام يفعلها من‬
‫يتاج إليها لريتاح ويسهل عليه االنتقال إىل القيام‪ ،‬والصواب‪ :‬أهنا ليست‬
‫كذلك‪ ،‬فهي جلسة خفيفة‪ ،‬ليست طويلة بحيث يرتاح فيها املصيل‪،‬‬
‫والظاهر أن األسهل للمصيل إذا أراد القيام من السجود أن يقوم مبارشة‪،‬‬
‫ال أن جيلس ثم يقوم؛ ولهذا كان القول بأن النبي ﷺ فعلها لكونه ثقل‪ ،‬أو‬
‫أنه جيوز فعلها حلاجة‪ ،‬غري ظاهر؛ إذ األيرس ملن كانت حاله هكذا ‪-‬بأن‬
‫كان يعاين ثقال يف بدنه‪ ،‬أو أملا يف ركبتيه‪ -‬أن ينهض مبارشة‪ ،‬ال أن جيلس‬
‫ثم يقوم؛ ألن جلوسه زيادة عبء‪ ،‬فالرجل يف السجود ال تكون منثنية‬
‫متاما؛ ولذا يكون النهوض مبارشة أسهل‪ ،‬وهذا بخالف أن تكون منثنية‬
‫يف اجللوس ثم تفرد عند القيام‪.‬‬

‫النهوض من السجود للقيام‪:‬‬

‫اخلالف يف كيفية النهوض كاخلالف يف كيفية الهوي للسجود؛‬


‫فالذي يقول بتقديم اليدين عىل الركبتني يقول برفع الركبتني قبل اليدين‪،‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪92‬‬
‫والذي يقول بتقديم الركبتني عىل اليدين يقول برفع اليدين قبل الركبتني‪،‬‬
‫فاخلالف هنا فرع عن اخلالف السابق‪.‬‬

‫والذي ثبت يف البخاري هو أن النبي ﷺ إذا رفع رأسه عن السجدة‬


‫الثانية‪ ،‬جلس واعتمد عىل األرض‪ ،‬ثم قام(‪ ،)1‬واملتبادر من احلديث‪ :‬أن‬
‫النبي ﷺ كان ينهض معتمدا عىل يديه بأن يضعها عىل األرض وينهض؛‬
‫ألن االعتامد إنام يكون بام يصل به الدفع الذي هو وسيلة االنتقال‪،‬‬
‫والدفع إنام يكون باليدين‪ ،‬وإن كان كل ما يسندك فأنت معتمد عليه‪ ،‬فلو‬
‫أسندت ظهرك إىل اجلدار‪ ،‬رصت معتمدا عليه‪ ،‬ولو جعلت ركبتيك عىل‬
‫األرض‪ ،‬وأنت جالس‪ ،‬كنت معتمدا عىل ركبتيك‪ ،‬لكن الذي يظهر يف‬
‫النهوض‪ :‬أن االعتامد يكون عىل اليدين‪.‬‬

‫وأما حديث‪« :‬أن النبي ﷺ كان يقوم كهيئة العاجن»‪ ،‬ويف بعض‬
‫األلفاظ‪« :‬العاجز»‪ ،‬فهذا احلديث رواه أبو إسحاق احلريب(‪ ،)2‬ومعناه عند‬
‫البيهقي(‪ )3‬بسند قواه وأثبته واعتمد عليه بعضهم‪ ،‬واألكثر عىل عدم‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ ،)824‬من حديث مالك بن احلويرث ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬غريب احلديث للحريب (‪.)222/2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي يف الكربى (‪ ،)2232‬عن األزرق بن قيس‪ ،‬قال‪« :‬رأيت ابن عمر إذا‬
‫قام من الركعتني‪ ،‬اعتمد عىل األرض بيديه‪ ،‬فقلت لولده وجللسائه‪ :‬لعله يفعل هذا من‬
‫الكرب‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬ولكن هذا ‪-‬كذا‪ ،‬ولعله‪ :‬هكذا‪ -‬يكون»‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ثبوته(‪ ،)1‬والظاهر أنه إذا قام عىل يديه عىل القول بتقديم اليدين عىل‬
‫الركبتني يف السجود‪ ،‬سواء مجعهام كالعاجن‪ ،‬أو بسطهام لالعتامد عليهام‪،‬‬
‫فال فرق اللهم‪ ،‬إال إن صحت رواية احلريب‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التلخيص احلبري (‪.)222/1‬‬


‫صفة الصالة‬ ‫‪94‬‬

‫‪‬‬ ‫التشهُّــــد‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫صفة اجللوس للتشهد‪:‬‬

‫ثم يفعل يف الركعة الثانية مثل ما فعل يف األوىل‪ ،‬إال أهنا أقرص منها‪،‬‬
‫فإذا فرغ من السجدة الثانية من الركعة الثانية‪ ،‬جلس للتشهد‪ ،‬فإن كانت‬
‫الصالة ثنائية‪ ،‬جلس مفرتشا كام جيلس بني السجدتني‪ ،‬ومثله التشهد‬
‫األول من الثالثية والرباعية؛ ففي حديث عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪« :-‬وكان‬
‫يقول يف كل ركعتني التحية‪ ،‬وكان يفرش رجله اليرسى‪ ،‬وينصب رجله‬
‫اليمن »(‪.)1‬‬

‫يقول ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬فإذا جلس للتشهد‪ ،‬وضع يده اليرسى‬
‫عىل فخذه اليرسى‪ ،‬ووضع يده اليمن عىل فخذه اليمن ‪ ،‬وأشار بإصبعه‬
‫السبابة‪ ،‬وكان ال ينصبها نصبا وال ينيمها‪ ،‬بل ينيها شيئا ويركها شيئا‪،‬‬
‫كام تقدم يف حديث وائل بن حجر يركها يدعو هبا‪ ،‬وكان يقبض إصبعني‪،‬‬
‫مها‪ :‬اخلنرص والبنرص‪ ،‬ويلق حلقة بالوسط مع اإلهبام‪ ،‬ويرفع السبابة‬
‫يدعو هبا‪ ،‬ويرمي ببرصه إليها‪ ،‬ويبسط الكف اليرسى عىل الفخذ اليرسى‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)48‬‬


‫‪95‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫ويتحامل عليها»(‪.)1‬‬

‫وقد رأى النبي ﷺ رجال يدعو بإصبعيه اليمن واليرسى‪ ،‬فقال له‬
‫ﷺ‪« :‬أحد أحد»‪ ،‬وأشار بالسبابة(‪ ،)2‬يعني‪ :‬أرش بواحدة؛ ألهنا إشارة إىل‬
‫الوحدانية؛ ولذا ترفعها يف التشهد عند قولك‪« :‬أشهد أن ال إله إال اهلل»‪،‬‬
‫واحلديث رواه أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬واحلاكم وابن أيب شيبة‪ ،‬وسنده ال‬
‫بأس به‪.‬‬
‫حكم التشهد األول‪:‬‬

‫ثبت أنه ﷺ قام عن هذا التشهد األول نسيانا‪ ،‬وجربه بسجود‬


‫السهو‪ ،‬كام يف حديث عبد اهلل بن بحينة يف الصحيحني‪« :‬أن النبي ﷺ‬
‫صىل هبم الظهر‪ ،‬فقام يف الركعتني األوليني لم جيلس‪ ،‬فقام الناس معه‬
‫حت إذا قىض الصالة وانتظر الناس تسليمه‪ ،‬كرب وهو جالس‪ ،‬فسجد‬
‫سجدتني قبل أن يسلم‪ ،‬ثم سلم»(‪ ،)3‬فعىل وجوب التشهد األول تدل‬
‫مداومة النبي ﷺ عليه‪ ،‬وعىل كونه ليس بركن يدل قيام النبي ﷺ عنه مع‬
‫عدم رجوعه إليه‪ ،‬ولو كان ركنا‪ ،‬لرجع إليه‪ ،‬فالركن ال بد من وجوده‪،‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)242/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1411‬والنسائي (‪ ،)1203‬وابن أيب شيبة (‪ ،)8212‬من حديث‬
‫سعد بن أيب وقاص ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬وجاء من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪،-‬‬
‫وصححه احلاكم (‪.)1122‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)821‬ومسلم (‪.)207‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪96‬‬
‫وال يصح جربه بسجود السهو‪ ،‬وكذلك لو كان سنة‪ ،‬لام احتيج يف تركه‬
‫إىل سجود السهو؛ فدل هذا عىل وجوبه(‪.)1‬‬

‫صيغ التشهد‪:‬‬
‫ورد التشهد عن النبي ﷺ بألفاظ متعددة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬تشهد ابن مسعود ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬؛ وهو يف الصحيحني‬


‫وغريمها(‪.)2‬‬
‫تشهد ابن عباس ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬رواه مسلم(‪.)3‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -3‬تشهد أيب موس ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬رواه مسلم(‪.)4‬‬

‫‪ -4‬تشهد ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ ،-‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املبدع يف رشح املقنع (‪.)444/1‬‬


‫(‪ )2‬وصيغته‪« :‬التحيات هلل‪ ،‬والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل‬
‫وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن‬
‫حممدا عبده ورسوله»‪ .‬أخرجه البخاري (‪ ،)1272‬ومسلم (‪.)472‬‬
‫(‪ )3‬وصيغته‪« :‬التحيات املباركات الصلوات الطيبات هلل‪ ،‬السالم عليك أهيا النبي ورمحة‬
‫اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن‬
‫حممدا رسول اهلل»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)473‬‬
‫(‪ )4‬وصيغته‪« :‬التحيات الطيبات الصلوات هلل‪ ،‬السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل‬
‫وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن‬
‫حممدا عبده ورسوله»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)474‬‬
‫‪97‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪ -2‬تشهد عمر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬رواه مالك‪ ،‬والبيهقي(‪.)2‬‬

‫‪ -2‬تشهد عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ ،-‬رواه مالك‪ ،‬والبيهقي(‪.)3‬‬

‫وكل واحد من األئمة رجح تشهدا منها‪ ،‬وال شك أن أقوى هذه‬


‫الصيغ من حيث الثبوت هو تشهد ابن مسعود‪ ،‬وهو ما اختاره اإلمام‬
‫أمحد(‪ ،)4‬وهو التشهد الذي يفظه عامة الناس يف هذه البالد‪.‬‬

‫وذهب بعض أهل العلم إىل أن االختالف بني هذه الصيغ اختالف‬
‫تنوع‪ ،‬وليس اختالف تضا يد‪ ،‬وعىل هذا‪ :‬يراوح بينها؛ فمرة يتشهد املصيل‬
‫بتشهد ابن مسعود‪ ،‬ومرة بتشهد ابن عباس‪ ،‬ومرة بتشهد ابن عمر‪ ،‬ومرة‬

‫(‪ )1‬وصيغته‪« :‬التحيات هلل‪ ،‬الصلوات الطيبات‪ ،‬السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل‪،‬‬
‫السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده‬
‫ورسوله»‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ ،)102‬وصححه الدارقطني يف سننه (‪.)321/1‬‬
‫(‪ )2‬وصيغته‪ « :‬التحيات هلل‪ ،‬الزاكيات هلل‪ ،‬الطيبات الصلوات هلل‪ ،‬السالم عليك أهيا النبي‬
‫ورمحة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وأشهد أن حممدا عبده ورسوله»‪ .‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪ ،)23‬والبيهقي يف الكربى‬
‫(‪ ،)2222‬وصححه احلاكم (‪.)101‬‬
‫(‪ )3‬وصيغته‪« :‬التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات هلل‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫رشيك له‪ ،‬وأن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل وبركاته‪،‬‬
‫السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني»‪ .‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪ ،)272‬والبيهقي يف‬
‫الكربى (‪ ،)2224‬وجود ابن امللقن إسناده يف البدر املنري (‪.)32/4‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬اإلنصاف (‪.)20/2‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪98‬‬
‫بتشهد أيب موس ‪-‬ريض اهلل عنهم‪ ،-‬وهكذا‪ .‬كام قيل يف دعاء االستفتاح؛‬
‫ألن دعاء االستفتاح ورد عىل صيغ متعددة‪ ،‬فاختلف أهل العلم يف‬
‫التفضيل بينها‪ ،‬وذهب آخرون إىل أن اختالفها اختالف تنوع‪ ،‬فيؤت‬
‫بصيغة أحيانا‪ ،‬وبأخرى أحيانا‪ ،‬ويؤت بصيغة يف نافلة‪ ،‬وبأخرى يف‬
‫فريضة‪ ،‬وبغريمها يف قيام الليل‪ ،‬وهذا الفعل جيعل املسلم يفظ ما ورد عن‬
‫النبي ﷺ ويض قلبه حينام يقرأ دعاء االستفتاح أو التشهد؛ ألنه حني‬
‫يستمر عىل دعاء بعينه يصري له عادة‪ ،‬فال يض قلبه يف كثري من األحيان؛‬
‫فاإلنسان إذا اعتاد شيئا‪ ،‬أت به دون استحضار قلب‪ ،‬وكذلك يف التشهد‪،‬‬
‫لكن إذا كان يراوح بني األذكار‪ ،‬فإنه يف الغالب يض قلبه‪ ،‬ويستشعر‬
‫معن ما يقول‪.‬‬

‫الصالة على النيب ﷺ‪:‬‬

‫اختلف أهل العلم فيام إذا أت املصيل بالتشهد األول؛ هل يصيل عىل‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬أو ال يصيل عليه؟‬

‫فمنهم‪ :‬من رأى استحباب الصالة عىل النبي ﷺ يف هذا املوضع(‪.)1‬‬

‫ومنهم‪ :‬من رأى أن التشهد األول مبناه عىل التخفيف(‪)2‬؛ واستدل‬

‫(‪ )1‬وهذا قول الشافعية‪ ،‬واستحبوا سجود السهو عند تركها‪ .‬ينظر‪ :‬روضة الطالبني‬
‫(‪ ،)223/1‬املجموع (‪.)122/4‬‬
‫(‪ )2‬وهبذا قال اجلمهور‪ .‬ينظر‪ :‬املبسوط (‪ ،)21/1‬منح اجلليل (‪ ،)243/1‬املجموع‬
‫‪99‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫بام رواه أبو عبيدة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النبي ﷺ‪ :‬أنه كان يف الركعتني األوليني‬
‫كأنه عىل الرضف(‪ ،)1‬وهي‪ :‬احلجارة املحامة(‪ ،)2‬يعني‪ :‬كان ُفف هذا‬
‫التشهد بقدر اإلمكان‪ ،‬واحلديث يف ثبوته كالم ألهل العلم(‪ ،)3‬فإذا صىل‬
‫عىل النبي ﷺ يف التشهد األول السيام إذا كان مأموما‪ ،‬وأطال اإلمام‪ ،‬فال‬
‫بأس؛ فاألمر فيه سعة‪.‬‬

‫النهوض عقب التشهد األول‪:‬‬


‫إذا انته املصيل من التشهد األول‪ ،‬هنض مكربا رافعا يديه‪ ،‬كام يف‬
‫حديث ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬عند البخاري(‪ ،)4‬أي‪ :‬أن الرفع مقارن‬
‫للتكبري والتكبري مقارن لالنتقال‪ ،‬هذا هو األصل؛ ألن الرفع للداللة عىل‬
‫التكبري‪ ،‬والتكبري للداللة عىل االنتقال‪ ،‬فتكون الثالثة مقرتنة‪ ،‬ويذكر‬

‫(‪ ،)122/4‬كشاف القناع (‪.)328/1‬‬


‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)112‬والرتمذي (‪ ،)322‬والنسائي (‪ ،)1102‬وأمحد (‪،)2222‬‬
‫من حديث عبد اهلل بن مسعود ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬وواحدهتا‪ :‬رضفة؛ مثل‪ٍ :‬‬
‫متر ومترة‪ .‬ينظر‪ :‬غريب احلديث البن سالم (‪،)122/4‬‬
‫واملصباح املنري‪ ،‬مادة‪( :‬ر ض ف)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬البدر املنري (‪ ،)11/4‬التلخيص احلبري (‪ ،)232/1‬وهو من رواية أيب عبيدة بن‬
‫عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وقيل‪« :‬إنه مل يسمع من أبيه»‪ ،‬ورجح شيخ اإلسالم‪،‬‬
‫وابن رجب‪ :‬أن حديث أيب عبيدة عن أبيه مسند‪ ،‬يتج به‪ .‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى‬
‫(‪ ،)474/2‬فتح الباري البن رجب (‪ ،)342/0‬ونقله عن ابن املديني‪ ،‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)031‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪100‬‬
‫بعضهم أن حكمة مرشوعية رفع اليدين أن يعرف األصم انتقال اإلمام(‪،)1‬‬
‫وُتار بعض أهل العلم‪ :‬أن يرفع املصيل يديه وهو جالس قبل أن ينتقل‪،‬‬
‫لكن إذا عرفنا أن الرفع يف تكبريات االنتقال مثل الرفع يف تكبرية اإلحرام‬
‫من حيث املقارنة‪ ،‬فيكون الرفع مقارنا لتكبرية االنتقال كذلك‪.‬‬

‫ورفع اليدين يف هذا املوضع‪ :‬هو مذهب الشافعية(‪ ،)2‬وذهب‬


‫احلنابلة‪ :‬إىل عدم الرفع(‪ ،)3‬وبعضهم‪ :‬يعتب عليهم عدم القول هبذه السنة‬
‫رغم ثبوت حديثها يف البخاري‪ ،‬وقد يظن بعضهم أن هذا احلديث خفي‬
‫عىل اإلمام أمحد‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬والسبب يف عدم قول اإلمام أمحد‬
‫بموجبه‪ :‬هو أنه كان يرجح وقف احلديث عىل ابن عمر ‪-‬ريض اهلل عنهام‪،-‬‬
‫خالفا للبخاري(‪ ،)4‬وال يمكن أن نجعل البخاري حجة عىل أمحد؛ فكالمها‬
‫إمامان جمتهدان مأجوران عىل كل حال‪ ،‬لكن من عرف مثل هذا النص يف‬
‫كتاب اشرتطت صحته‪ ،‬وتلقته األمة بالقبول‪ ،‬فال مندوحة له عن العمل‬
‫به‪ ،‬ولو صحح اإلمام أمحد خالف ذلك‪ ،‬حت لو صحح اإلمام البخاري‬
‫نفسه خارج الصحيح عدم الرفع‪ ،‬لام اعتربنا قوله؛ ألن االتفاق عىل تقديم‬
‫صحيحه عىل غريه ليس بسبب قوة أسانيده فقط‪ ،‬وإنام لكون األمة تلقته‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نيل األوطار (‪.)214/2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬النجم الوهاج (‪.)124/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬زاد املستقنع (ص‪.)42:‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪ 341/2‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫بالقبول‪ ،‬واإلمام احلافظ ابن حجر ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يقول‪« :‬وهذا التلقي وحده‬
‫أقوى يف إفادة العلم من جمرد كثرة الطرق القارصة عن التواتر»(‪)1‬؛ ولهذا‪:‬‬
‫فمن يسمع هذا احلديث‪ ،‬ويعلم أنه يف صحيح البخاري‪ ،‬فال مندوحة له‬
‫عن العمل به‪ ،‬إال إذا كان مقلدا فالواجب عليه سؤال أهل العلم‪ ،‬كام قال‬
‫سبحانه‪﴿ :‬فاسأ ُلوا أهل الذك ِر﴾ [النحل‪ ،43:‬األنبياء‪ ،]0:‬فال يكلف البحث‬
‫يف الكتب‪ ،‬والنظر يف الراجح واملرجوح؛ فهذا مما ال يطيقه‪ ،‬ولو صح منه‪،‬‬
‫لام وجد عوام قط‪ ،‬ولكان الناس مجيعا علامء أو طالب علم؛ وعليه‪ :‬فإن‬
‫العامي الذي يقلد اإلمام أمحد‪ ،‬تربأ ذمته بذلك‪ ،‬وال يلزمه تقليد غريه‪،‬‬
‫لكن لو قيل له من باب املشورة‪ :‬إن اإلمام البخاري خرج احلديث فهو‬
‫أيضا من مواضع الرفع‪ ،‬فلو رفعت لكان أحوط لك‪ ،‬فال بأس‪ ،‬فإن‬
‫أجابك بأن اإلمام لم يرتجح هذا عنده‪ ،‬فال نلزمه بقول إمام آخر‪.‬‬

‫وبعد أن يقوم املصيل للركعة الثالثة والرابعة يصليهام كام صىل األوىل‬
‫والثانية‪ ،‬إال يف القراءة؛ فيقترص فيهام عىل سورة الفاحتة‪ ،‬وقد جاء ما يدل‬
‫عىل أن النبي ﷺ زاد عىل الفاحتة يف صاليت الظهر والعرص يف الركعة الثالثة‬
‫والرابعة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬نزهة النظر (ص‪.)27:‬‬


‫(‪ )2‬إشارة إىل حديث أيب سعيد اخلدري ‪-‬ريض اهلل عنه‪« :-‬أن النبي ﷺ كان يقرأ يف صالة‬
‫الظهر يف الركعتني األوليني يف كل ركعة قدر ثالثني آية‪ ،‬ويف األخريني قدر مخس عرشة‬
‫آية أو قال نصف ذلك‪ ،‬ويف العرص يف الركعتني األوليني يف كل ركعة قدر قراءة مخس‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪102‬‬
‫وعند قيامه للرابعة يكرب غري رافع يديه‪ ،‬وجيلس اجللسة التي‬
‫يسموهنا جلسة االسرتاحة؛ حلديث مالك بن احلويرث السابق‪.‬‬

‫عرشة آية‪ ،‬ويف األخريني قدر نصف ذلك»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)422‬‬
‫‪103‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫‪‬‬ ‫التشهد األخري‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫بعد أن ينتهي املصيل من الركعة الثالثة يف الثالثية‪ ،‬أو الرابعة يف‬
‫الرباعية؛ جيلس للتشهد األخري‪ ،‬وهو ركن من أركان الصالة ال تصح إال‬
‫به‪ ،‬ويستحب أن يتورك بأن يدخل رجله اليرسى حتت ساقه اليمن ‪،‬‬
‫وينصب اليمن ‪ ،‬وجيلس عىل مقعدته‪ ،‬والتورك ثابت يف الصحيحني‬
‫وغريمها(‪)1‬؛ فاملصيل يفرتش يف التشهد األول‪ ،‬ويتورك يف الثاين؛ وهبذا قال‬
‫اإلمام الشافعي‪ ،‬واإلمام أمحد ‪-‬رمحهام اهلل‪.)2(-‬‬

‫وذهب اإلمام أبو حنيفة‪ :‬إىل القول باالفرتاش يف التشهدين‪ ،‬ولم ير‬
‫التورك(‪.)3‬‬

‫وذهب اإلمام مالك‪ :‬إىل القول بالتورك يف التشهدين‪ ،‬ولم ير‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث أيب محيد الساعدي‪ ،‬يف صفة صالة النبي ﷺ‪ ،‬وفيه‪« :‬وإذا جلس يف‬
‫الركعة اآلخرة‪ ،‬قدم رجله اليرسى‪ ،‬ونصب األخرى‪ ،‬وقعد عىل مقعدته»‪ .‬أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)828‬وأخرج مسلم (‪ ،)201‬وأبو داود (‪ :)124‬نحوه‪ ،‬من حديث الزبري‬
‫بن العوام ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أسن املطالب (‪ ،)124/1‬املغني (‪.)382/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الهداية (‪.)23/1‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪104‬‬
‫االفرتاش فيهام(‪ ،)1‬واستحباب التورك يف التشهد األخري فقط هو الراجح‪،‬‬
‫وهو الذي دلت عليه النصوص‪.‬‬

‫لكن بني مذهب الشافعي ومذهب أمحد اتفاق وافرتاق؛ فالشافعي‬


‫‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يذهب إىل استحباب التورك يف كل تشهد يعقبه سالم‪ ،‬وأما‬
‫التشهد الذي ال يعقبه سالم‪ ،‬فال يستحب التورك فيه‪ ،‬وهذا بخالف‬
‫مذهب أمحد الذي يستحب التورك يف التشهد األخري يف الصالة ذات‬
‫التشهدين فقط‪ ،‬دون اعتبار كون السالم يعقب التشهد أو ال؛ ولهذا‬
‫يستحب الشافعي التورك يف تشهد صالة الفجر خالفا ألمحد‪ ،‬ولو كان‬
‫املصيل سيسجد للسهو يف الرباعية مثال لم يتورك عند الشافعي؛ ألن‬
‫التشهد ال يعقبه سالم‪ ،‬خالفا ألمحد‪ ،‬فاملذهبان يتفقان يف استحباب‬
‫التورك يف التشهد الثاين‪ ،‬ويفرتقان يف كون الشافعية يستحبونه يف التشهد‬
‫الذي يعقبه سالم‪ ،‬واحلنابلة يستحبونه يف الصالة ذات التشهدين‪.‬‬

‫وعند اجللوس يأيت املصيل بالتشهد كام سبق بيانه‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يصيل عىل النبي ﷺ بالصيغة الواردة‪« :‬اللهم صل عىل حممد وعىل آل‬
‫حممد‪ ،‬كام صليت عىل إبراهيم‪ ،‬وعىل آل إبراهيم‪ ،‬وبارك عىل حممد وعىل‬
‫آل حممد‪ ،‬كام باركت عىل إبراهيم وعىل آل إبراهيم» جاءت بعض‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البيان والتحصيل (‪.)220/1‬‬


‫‪105‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫الروايات هبذا(‪ ،)1‬وبعضها اقترص فيها عىل اآلل‪« :‬اللهم صل عىل حممد‪،‬‬
‫وعىل آل حممد‪ ،‬كام صليت عىل آل إبراهيم‪ ،‬وبارك عىل حممد‪ ،‬وعىل آل‬
‫حممد‪ ،‬كام باركت عىل آل إبراهيم»(‪ ،)2‬وإبراهيم يدخل ضمن اآلل؛‬
‫فالشخص يدخل يف آله دخوال أوليا‪ ،‬كام يف قوله ‪-‬جال وعال‪﴿ :-‬ويوم‬
‫ت ُقو ُم الساع ُة أد ِخ ُلوا آل فِرعون أشد العذ ِ‬
‫اب﴾ [غافر‪]42:‬؛ فليس املعن ‪ :‬أن‬
‫آل فرعون يدخلون أشد العذاب‪ ،‬دون فرعون! وكذلك النبي حممد ﷺ‬
‫داخل يف آل إبراهيم‪.‬‬

‫فال يقال‪ :‬إن األصل أن يكون املشبه وهو حممد ﷺ أضعف من‬
‫واملشبه به وهو إبراهيم وآل إبراهيم‪.‬‬

‫هذه الصيغة يف الصالة عىل النبي ﷺ يف هذا املوضع هي الواردة‪،‬‬


‫وهي التي ال جيوز التغيري فيها؛ ألننا متعبدون هبا؛ فال جتوز الزيادة عليها؛‬
‫فال تقول مثال‪« :‬اللهم صل عىل سيدنا حممد»‪ ،‬أو تزيد الصحب؛ فتقول‪:‬‬
‫«اللهم صل عىل حممد وعىل آل حممد وصحبه»‪ ،‬لكن خارج الصالة جيوز‬
‫النقصان والزيادة؛ فتصيل عىل النبي ﷺ دون آله‪ ،‬أو تضيف الصحب؛‬
‫ألن اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬يقول‪﴿ :‬يا أ هُّيا ال ِذين آمنُوا ص هلوا علي ِه وسل ُموا‬
‫تسلِ ًيام﴾ [األحزاب‪ ،]22:‬وامتثال هذا األمر يتم بأي فرد من أفراد الصالة‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجها البخاري (‪ ،)3307‬من حديث كعب بن عجرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )2‬أخرجها مسلم (‪ ،)472‬من حديث أيب مسعود األنصاري ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪106‬‬
‫فيتم مثال بقولنا‪« :‬صىل اهلل عليه وسلم»‪.‬‬

‫أما االحتجاج بحديث كعب بن عجرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬قلنا‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم عليك؛ فكيف نصيل عليك؟ قال‪:‬‬
‫«فقولوا‪ :‬اللهم صل عىل حممد‪ ،‬وعىل آل حممد‪ ،‬كام صليت عىل آل‬
‫إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد‪ ،‬اللهم بارك عىل حممد‪ ،‬وعىل آل حممد‪ ،‬كام باركت‬
‫عىل آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد»(‪.)1‬‬
‫فيجاب‪ :‬بأن هذا احلديث نص عىل بعض أفراد العام؛ فالصالة عىل‬
‫النبي ﷺ لها صيغ متعددة‪ ،‬وكون النبي ﷺ نص عىل بعض الصيغ‪ ،‬ال‬
‫يعني لزومها؛ فتفسري العام ببعض أفراده ال يقتيض التخصيص‪ ،‬وإال‬
‫للزمنا أنه كلام ذكر اسم النبي ﷺ أن نصيل عليه الصالة الواردة يف التشهد‬
‫كاملة‪ ،‬وليس األمر كذلك‪ ،‬ونظري هذا تفسري النبي ﷺ القوة بالرمي يف‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬وأ ِعده وا َُلم ما استطعتُم ِمن ُقو ٍة﴾ [األنفال‪ ،]27:‬فقال ﷺ‪:‬‬
‫«أال إن القوة الرمي»(‪ ،)2‬فليس معن هذا‪ :‬أننا ال نستعد للعدو إال بالرمي‪،‬‬
‫ونرتك الوسائل األخرى‪ ،‬وإنام هو تفسري للعام ببعض أفراده؛ فال يقتيض‬
‫التخصيص‪.‬‬

‫واآلل لهم حق عظيم عىل األمة؛ فهم وصية النبي ﷺ‪ ،‬وحق‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4010‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)1110‬من حديث عقبة بن عامر ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫‪107‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫الصحب عظيم كذلك‪ ،‬كحق اآلل؛ فهم الذين حفظ اهلل هبم الدين‪ ،‬وهم‬
‫الذين نرشوه؛ فبواسطتهم وصل إلينا‪ ،‬فإذا صلينا عىل النبي ﷺ خارج‬
‫الصالة‪ ،‬فلنا أن نعطف اآلل والصحب‪ ،‬رغم أن أصل امتثال اآلية يتم‬
‫بدوهنام‪ ،‬لكن لام لهام من احلق نصيل عليهام مجيعا‪ ،‬وال ينبغي ‪-‬خارج‬
‫الصالة‪ -‬أن نقترص عىل اآلل؛ ألن هذا صار شعارا لطائفة من املبتدعة‪ ،‬كام‬
‫عة آخرين‪ ،‬بل نجمع‬ ‫أنا ال نقترص عىل الصحب؛ ألنه صار شعارا ملبتد ٍ‬

‫بينهام؛ وهذا هو مذهب أهل السنة واجلامعة‪ :‬تويل من تواله اهلل ‪-‬جال‬
‫وعال‪ -‬من خيار هذه األمة من آل النبي ﷺ املتبعني له الطيبني الطاهرين‪،‬‬
‫ومن صحابته الكرام الغر امليامني‪.‬‬

‫ثم بعد الصالة عىل النبي ﷺ يستعيذ املصيل باهلل من أربع‪ ،‬كام ورد‬
‫يف السنة؛ فقد جاء من حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬عن رسول اهلل‬
‫ﷺ‪« :‬إذا فرغ أحدكم من التشهد اآلخر‪ ،‬فليتعوذ باهلل من أربع‪ :‬من‬
‫عذاب جهنم‪ ،‬ومن عذاب القرب‪ ،‬ومن فتنة املحيا واملامت‪ ،‬ومن رش املسيح‬
‫الدجال»(‪.)1‬‬

‫واجلمهور عىل أن هذه االستعاذة سنة(‪ ،)2‬وأما طاووس بن كيسان‪،‬‬


‫فيوجبها‪ ،‬وأمر ابنه بإعادة الصالة؛ لام ترك هذه االستعاذة؛ كام يف صحيح‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)288‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬طرح التثريب (‪.)170/3‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪108‬‬
‫مسلم(‪ ،)1‬وأوجبها بعض أهل العلم(‪)2‬؛ ألن الالم يف قوله ﷺ‪« :‬فليتعوذ»‬
‫الم األمر‪ ،‬واألصل يف األمر الوجوب‪ ،‬والصواب أهنا سنة مؤكدة‪ ،‬ينبغي‬
‫املحافظة واملداومة عليها‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك يتخري من املسألة ما شاء من أمور الدين والدنيا‪ ،‬وعلم‬
‫كثريا‪ ،‬وال يغفر‬
‫ظلام ً‬
‫ت نفيس ً‬
‫النبي ﷺ أبا بكر أن يقول‪« :‬اللهم إين ظلم ُ‬
‫الذنوب إال أنت؛ فاغفر يل مغفرة من عندك‪ ،‬وارمحني؛ إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم»(‪.)3‬‬

‫وهل يقول املصيل ما ورد يف حديث معاذ ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬؛ حيث‬
‫قال له النبي ﷺ‪« :‬يا معا ُذ إين أحبك؛ فال تدع أن تقول يف دبر كل صالة‪:‬‬
‫وحس ِن عبادتك»(‪ )4‬يف هذا املوضع‪ ،‬أو‬
‫اللهم أعني عىل ذكرك وشكرك ُ‬
‫يقول هذا الذكر بعد السالم؟ ومثله األذكار التي تقال أدبار الصلوات؛‬
‫كالتسبيح ثالثا وثالثني‪ ،‬والتحميد ثالثا وثالثني‪ ،‬والتكبري ثالثا وثالثني‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)413/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،)218/22‬نيل األوطار (‪.)338/2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)834‬من حديث أيب بكر ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1222‬والنسائي (‪ ،)1373‬من حديث معاذ بن جبل ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنه‪ ،-‬وصححه ابن خزيمة (‪ ،)021‬وابن حبان (‪ ،)2727‬واحلافظ يف بلوغ املرام‬
‫(‪.)322‬‬
‫‪109‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫واخلتم بال إله إال اهلل(‪ ،)1‬إلخ‪ ،‬ذلك أن لفظ‪« :‬دبر» يف احلديث يشمل ما‬
‫كان متصال باليشء؛ كدبر الدابة‪ ،‬وما كان منفصال‪ ،‬فيحتمل الوجهني؛‬
‫ولهذا إن أطال اإلمام‪ ،‬فال بأس أن يقول املصيل‪« :‬اللهم أعني عىل ذكرك‬
‫وشكرك وحسن عبادتك»‪ ،‬وإن أخره إىل ما بعد السالم‪ ،‬فال بأس أيضا‪،‬‬
‫واملسألة فيها سعة‪ ،‬أما القاعدة التي قعدها شيخ اإلسالم‪ ،‬وهي أن‬
‫األدعية حملها داخل الصالة‪ ،‬واألذكار خارجها(‪ ،)2‬فمنتقضة؛ ألن الصالة‬
‫مملوءة باألذكار‪ ،‬كام أن هناك أدعية بعد السالم‪ ،‬فمام حفظ عنه ﷺ بعد‬
‫انرصافه من صالته‪« :‬رب ِقن ِي عذابك‪ ،‬يوم تبعث عبادك»(‪.)3‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬إشارة إىل حديث أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬عن رسول اهلل ﷺ‪« :‬من سبح اهلل يف دبر‬
‫كل صالة ثالثا وثالثني‪ ،‬ومحد اهلل ثالثا وثالثني‪ ،‬وكرب اهلل ثالثا وثالثني‪ ،‬فتلك تسعة‬
‫وتسعون‪ ،‬وقال متام املائة‪ :‬ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له امللك وله احلمد‪ ،‬وهو‬
‫عىل كل يشء قدير ‪ -‬غفرت خطاياه‪ ،‬وإن كانت مثل زبد البحر»‪ .‬أخرجه مسلم‬
‫(‪.)210‬‬
‫(‪ )2‬ونص كالمه كام يف جمموع الفتاوى (‪« :)211/22‬أما دعاء اإلمام واملأمومني مجيعا‬
‫عقيب الصالة‪ ،‬فهو بدعة مل يكن عىل عهد النبي ﷺ‪ ،‬بل إنام كان دعاؤه يف صلب‬
‫الصالة‪ ،‬فإن املصيل يناجي ربه‪ ،‬فإذا دعا حال مناجاته له‪ ،‬كان مناسبا‪ .‬وأما الدعاء بعد‬
‫انرصافه من مناجاته وخطابه‪ ،‬فغري مناسب‪ ،‬وإنام املسنون عقب الصالة هو الذكر‬
‫املأثور عن النبي ﷺ من التهليل والتحميد والتكبري»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪ ،)071‬من حديث الرباء ‪-‬ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪110‬‬

‫‪‬‬ ‫التسليــــم‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ثم بعد ذلك‪ :‬التسليم الذي هو حتليل الصالة‪ ،‬وهو ركن من أركاهنا‬
‫عند مجهور أهل العلم(‪ ،)1‬خالفا أليب حنيفة(‪ ،)2‬فيسلم املصيل عن يمينه‬
‫قائال‪« :‬السالم عليكم ورمحة اهلل»‪ ،‬حت يرى بياض خده األيمن‪ ،‬كام كان‬
‫يفعل ﷺ(‪ ،)3‬ثم يسلم عن يساره قائال‪« :‬السالم عليكم ورمحة اهلل»‪ ،‬حت‬
‫يرى بياض خده األيرس‪.‬‬

‫وأما زيادة‪« :‬وبركاته» يف التسليمة األوىل‪ ،‬فرواها أبو داود(‪،)4‬‬


‫وصححها بعضهم(‪ ،)2‬وحكم آخرون بشذوذها‪ ،‬بل نكارهتا‪ ،‬وأهنا ال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املعونة عىل مذهب عامل املدينة (ص‪ ،)222 :‬املجموع رشح املهذب (‪/3‬‬
‫‪ ،)403‬املغني (‪.)312/1‬‬
‫(‪ )2‬هو عندهم واجب‪ .‬ينظر‪ :‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع (‪ ،)114/1‬اهلداية يف‬
‫رشح بداية املبتدي (‪.)24/1‬‬
‫(‪ )3‬إشارة إىل حديث عامر بن سعد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪« :‬كنت أرى رسول اهلل ﷺ يسلم عن‬
‫يمينه وعن يساره‪ ،‬حت أرى بياض خده»‪ .‬أخرجه مسلم (‪.)282‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إىل حديث وائل بن حجر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬قال‪« :‬صليت مع النبي ﷺ‪ ،‬فكان‬
‫يسلم عن يمينه‪ :‬السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪ ،‬وعن شامله‪ :‬السالم عليكم ورمحة‬
‫اهلل»‪ .‬أخرجه أبو داود (‪.)110‬‬
‫(‪ )2‬منهم‪ :‬النووي يف املجموع (‪ ،)401/3‬واحلافظ يف بلوغ املرام (‪.)327‬‬
‫‪111‬‬ ‫أركــان الصــــالة‬

‫تثبت عن النبي ﷺ(‪ ،)1‬وبعضهم جييز فعلها أحيانا عمال هبذه الرواية(‪.)2‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التلخيص احلبري (‪.)242/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب (‪.)302/0‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪112‬‬
‫‪D‬‬

‫اخلاتمة‬

‫هذا ما تيرس ذكره‪ ،‬ومسائل الصالة كثرية‪ ،‬واحلاجة إىل بسطها داعية‬
‫لعموم طالب العلم وعامة املسلمني؛ ألن كل مسلم مطالب بأن يصيل صالة‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬كام قال ﷺ‪« :‬ص هلوا كام رأيتموين أصيل»(‪.)1‬‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬وصىل اهلل وسلم وبارك عىل عبده ورسوله نبينا حممد‬
‫وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬تقدم خترجيه (ص‪.)4 :‬‬


‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪113‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬
‫املقدمة ‪3 ............................................................................‬‬
‫رشوط الصالة ‪2 ....................................................................‬‬
‫أركان الصالة ‪11 ...................................................................‬‬
‫القيـام ‪11 ..........................................................................‬‬
‫حكم القيام ‪11 .....................................................................‬‬
‫تفريغ القلب يف الصالة من الشواغل‪13 .............................................‬‬
‫تكبرية اإلحرام ‪12 ..................................................................‬‬
‫صيغة التكبري‪12 ....................................................................‬‬
‫التلفظ بالنية‪10 .....................................................................‬‬
‫تعريف النية ‪18 .....................................................................‬‬
‫رفع اليدين يف الصالة ‪23 ...........................................................‬‬
‫حكم رفع اليدين يف الصالة‪23 ......................................................‬‬
‫صفة رفع اليدين عند تكبرية اإلحرام‪24 .............................................‬‬
‫وضع اليد اليمن عىل اليرسى ‪22 ...................................................‬‬
‫موضع النظر أثناء القيام ‪20 .........................................................‬‬
‫صفة الصالة‬ ‫‪114‬‬
‫دعاء االستفتاح ‪21 .................................................................‬‬
‫االستعاذة والبسملة ‪33 .............................................................‬‬
‫قراءة الفاحتة وسورة ‪30 .............................................................‬‬
‫حكم قراءة الفاحتة‪30 ...............................................................‬‬
‫صفة قراءة النبي ﷺ ‪31 ............................................................‬‬
‫التـأمني ‪47 .........................................................................‬‬
‫السكتات يف الصالة ‪44 .............................................................‬‬
‫من ال يسن القراءة ‪42 .............................................................‬‬
‫قراءة سورتني يف الركعتني األوليني ‪48 ..............................................‬‬
‫الركوع‪24 ..........................................................................‬‬
‫صفة الركوع ‪24 ....................................................................‬‬
‫الرفع من الركوع ‪20 ................................................................‬‬
‫السجود‪22 .........................................................................‬‬
‫صفة السجود ‪22 ...................................................................‬‬
‫أعضاء السجود ‪20 .................................................................‬‬
‫املجافاة يف السجود ‪03 ..............................................................‬‬
‫الذكر والدعاء يف السجود ‪04 .......................................................‬‬
‫املفاضلة بني القيام والسجود‪02 .....................................................‬‬
‫افرتاش الذراعني ‪00 ................................................................‬‬
‫الرفع من السجود ‪08 ...............................................................‬‬
‫اجللوس بني السجدتني ‪87 ..........................................................‬‬
‫‪115‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬
‫الدعاء يف اجللوس بني السجدتني ‪82 ................................................‬‬
‫السجدة الثانية‪84 ...................................................................‬‬
‫جلسة االسرتاحة‪80 ................................................................‬‬
‫النهوض من السجود للقيام ‪11 .....................................................‬‬
‫التشهد‪14 ..........................................................................‬‬
‫صفة اجللوس للتشهد ‪14 ...........................................................‬‬
‫حكم التشهد األول ‪12 .............................................................‬‬
‫صيغ التشهد ‪12 ....................................................................‬‬
‫الصالة عىل النبي ﷺ‪18 ............................................................‬‬
‫النهوض عقب التشهد األول ‪11 ....................................................‬‬
‫التشهد األخري‪173 .................................................................‬‬
‫التسليم ‪117 .......................................................................‬‬
‫اخلامتة‪112 .........................................................................‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪113 ...........................................................‬‬
‫***‬

You might also like