Professional Documents
Culture Documents
صفــــة الصــــالة
***
D
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وصىل اهلل وسلم وبارك عىل عبده ورسوله
نبينا حممد ،وعىل آله وصحبه أمجعني.
أما بعد :فإن الدين احلنيف الذي نترشف باالنتساب إليه مبني عىل
دعائم وقواعد وثوابت ال قيام له بدوهنا ،وال مندوحة ملسلم عنها؛ فقد جاء
يف الصحيحني ،من حديث عبد اهلل بن عمر -ريض اهلل عنهام ،-قال :قال
رسول اهلل ﷺ« :بني اإلسالم عىل مخس :شهادة أن ال إله إال اهلل ،وأن حممدً ا
رسول اهلل ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،واحلج ،وصوم رمضان»( ،)1ويف
رواية« :صيام رمضان وحج البيت»(.)2
فالركن األول -وهو :الشهادتان -ال يتم الدخول يف هذا الدين إال
بعد النطق هبام ،كام دل عىل هذا احلديث الصحيحُ « :أ ِمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا :ال إله إال اهلل»( ،)3فإذا تم ذلك ،فال بد من إقامة الدعائم األربع
العملية ،فإذا كان ال يدخل يف الدين إال إذا نطق بالشهادة ،فإن الركن الذي
فعىل طالب العلم أن يعن بام ثبت عنه ﷺ ،وأن يقتفي أثره؛ فقد نقلت
صفة صالته ﷺ بطرق تثبت هبا احلجة ،ويلزم املسلم اتباعه واقتفاؤه ﷺ،
ابتداء من رشوط الصالة ،ثم الرشوع فيها ،إىل الفراغ منها ،وما بعد ذلك.
***
( )2أخرجه البخاري ( ،)231من حديث مالك بن احلويرث -ريض اهلل عنه.-
صفة الصالة 6
رشوط الصالة
جدير بنا أن نعرف رشوط الصالة؛ ألن الصالة ال تصح إال هبا،
وإن كانت خارجة عن ماهيتها ،وهذه الرشوط قد بينها أهل العلم ،وهي:
األول :اإلسالم؛ فال تصح الصالة من كافر ،ولو صىل ،ال تقبل منه.
الرابع :الطهارة من احلدث؛ لقوله ﷺ« :ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا
أحدث حتى يتوضأ»( ،)2وقوله« :ال ُتقبل صالة بغري طهور»(.)3
( )1والتمييز ال ينضبط بسن ،بل ُتلف باختالف األفهام .ينظر :اإلنصاف (.)281/1
( )2أخرجه البخاري ( ،)2124ومسلم ( ،)222من حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه.-
( )3أخرجه مسلم ( ،)224من حديث ابن عمر -ريض اهلل عنهام.-
7 شــروط الصــــالة
رسول اهلل ﷺ صالته قال« :ما محلكم عىل إلقائكم نعالكم؟» ،قالوا :رأيناك
ألقيت نعليك ،فألقينا نعالنا ،فقال رسول اهلل ﷺ« :إن جربيل أتاين
فأخربين أن فيهام قذ ًرا» ،وقال« :إذا جاء أحدكم إىل املسجد ،فلينظر ،فإن
أذى ،فليمسحه ،وليصل فيهام»(.)1
رأى يف نعليه قذ ًرا أو ً
الركبة.
الّسة إىل ُ
السادس :سرت العورة ،وهي بالنسبة للرجل :من ُ
الواحد ليس عىل عاتِ ِق ِه منه يشء»( ،)2ويف لفظ« :ليس عىل منكِبيه
ِ الث ِ
وب
منه يشء»()3؛ ولو تركه صحت صالته ،لبن مع اإلثم ،بخالف العورة
البعبة ،ا عينها ،وإن قال بعض وهل العلم :إن انمطلوب استقبال ع ن
البعبة( ،)1وهذا فيه مشقة شهيهة ،ووما استقبال اجلهة ،فهو كاف؛ حلهيث:
«ما بني املرشق واملغرب قبلة»()2؛ وهذا ُ
يهل عىل ون ا اختالف اليسري ومره
يسري -إن شاء اهلل تعاىل .-
وما بالنسبة للمريض :فإن مل يمبنه استقبال القبلة؛ فال يب ِلف اهلل
نفسا إ ا وسعها.
الثامن :دخول الوقت؛ فال تصح الصالة قبل وقتها إال املجموعة
مع ما قبلها ،كجمع صالة العرص مع الظهر مجع تقديم.
يصح ساقر
ُ تصح الصالة إ ا بنية ،ك ا ونه ا
ُ التاسع :النية؛ فال
األع ال انمرشوعة إ ا بنية؛ حلهيث عمر -ريض اهلل عنه -يف الصحيح ن
وغريما« :إنام األعامل بالنيات ،وإنام لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت
هجرته إىل اهلل ورسوله ،فهجرته إىل اهلل ورسوله ،ومن كانت هجرته إىل
دنيا يصيبها ،أو امرأة ينكحها ،فهجرته إىل ما هاجر إليه»(.)3
( )1ينظر :انمغني ،913 ،913/1انمنهاج القويم رشح انمقهمة احلةرمية (ص.)115 :
D
أراكن الصالة
القيـام
حكم القيام:
أول أعامل الصالة هو القيام للقادر ،فال تصح الصالة قاعدا من
ٍ
قادر عىل القيام؛ ففي حديث عمران بن حصني -ريض اهلل عنه ،-أن النبي
قائام ،فإن لم تستطع فقاعدً ا ،فإن لم تستطع فعىل جنب»(،)1
ﷺ قال« :صل ً
وهذا يف الفريضة .أما النافلة ،فتصح من قعود ،ولو كان قادرا مستطيعا،
لكن األجر فيها عىل النصف من أجر القائم؛ فقد جاء يف احلديث« :صالة
القاعد عىل النصف من صالة القائم»(.)2
وقد يقول قائل :هذا احلديث عام؛ لم يفرق بني فرض ونفل؛ فلم ال
تكون الفريضة قاعدا عىل النصف من أجر القائم؟
فال تصح صالة الفريضة من قعود للقادر عىل القيام ،أما النافلة،
فتصح من قعود ولو كان قادرا ،وله نصف أجر القائم ،وأما العاجز،
فتصح صالته قاعدا فرضا ونفال ،وأجره كامل بإذن اهلل تعاىل.
إذا قام املصيل بني يدي ربه ،فليقبل عىل صالته متشوقا إليها،
مرتاحا هبا ،مفرغا قلبه من مهوم الدنيا ،وهكذا كانت حال النبي ﷺ،
بخالف حال الكثريين منا؛ إذ يأيت الواحد وذهنه مشغول بأمور الدنيا:
فأحيانا يدخل يف صالته وينرصف منها وما عقل منها شيئا؛ وحينئذ ال
يكون له من أجر الصالة يشء ،فليس له من صالته إال ما عقل منها(.)1
( )1إشارة إىل األثر املروي عن سفيان الثوري« :يكتب للرجل من صالته ما عقل منها».
أخرجه أبو نعيم يف احللية ( ،)21/0ويدل له حديث عامر بن يارس -ريض اهلل عنه،-
قال :سمعت رسول اهلل ﷺ يقول« :إن الرجل لينرصف ،وما كتب له إال عرش صالته،
تسعها ،ثمنها ،سبعها ،سدسها ،مخسها ،ربعها ،ثلثها ،نصفها» .أخرجه أبو داود
( ،)012وأمحد ( ،)18814وصححه ابن حبان ( ،)1881وغريه .ونسب ابن تيمية
قوله« :ليس لك من صالتك إال ما عقلت منها» البن عباس -ريض اهلل عنهام ،-كام يف
جمموع الفتاوى يف مواطن كثرية ،منها ،)212/22( ،)31/0( :وكذا ابن القيم يف
املدارج (.)221 ،132/1
( )2ومما يد ل عىل هذا :ما رواه أحد الصحابة أنه سمع النبي ﷺ يقول« :يا بالل ،أقم
الصالة ،أرحنا هبا» .أخرجه أبو داود ( )4182بإسناد صحيح ،كام قال الزيلعي يف
صفة الصالة 14
انشغلنا بأمور دنيانا ،فعوقبنا بانرصاف القلوب عن هذه العبادة العظيمة،
ولو استحضنا مثولنا بني يدي اهلل -جال وعال -لام صارت حالنا يف
الصالة هكذا ،ننرصف عنها ألدن شاغل.
ولو كان انشغالنا فيها بأمور اآلخرة؛ كانشغال عمر -ريض اهلل عنه-
بتجييش اجليوش وهو يصيل( ،)1هلان اخلطب؛ إذ هو يصيل وينشغل بعبادة
أخرى ،وإن كان األوىل واألكمل أن يتجه إىل ما هو بصدده من العبادة
التي كلف هبا وأمر هبا.
فعىل املسلم أن يقبل إىل صالته فرحا هبا مرتاحا هبا ،ال مستعجال
فيها يتمن التخلص منها ،أو منشغال فيها ينتهي منها وال يدري كم صىل.
***
صفة الصالة 16
إذا مثل املصيل بني يدي ربه -جال وعال -قال« :اهلل أكرب» ،ورفع
يديه مع هذا التكبري ،كام ثبت ذلك عن النبي ﷺ يف حديث أيب محيد،
وغريه( ،)1وأمر النبي ﷺ امليسء يف صالته هبذه التكبرية ،فقال له« :إذا
قمت إىل الصالة ،فأسبغ الوضوء ،ثم استقبل القبلة ،فكرب»( ،)2وهذه
التكبرية هي تكبرية اإلحرام ،وهي ركن من أركان الصالة عند مجهور
أهل العلم(.)3
( )1أخرج البخاري ( ،)032عن ابن عمر ¶« :أن رسول اهلل ﷺ كان يرفع يديه
حذو منكبيه إذا افتتح الصالة» ،و( ،)828عن أيب محيد الساعدي-ريض اهلل عنه ،-أنه
قال« :رأيته إذا كرب ،جعل يديه حذاء منكبيه.»...
( )2أخرجه البخاري ( ،)2221ومسلم ( ،)310من حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه.-
( )3ينظر :الفواكه الدواين ( ،)102/1املجموع ( ،)281/3الكايف يف فقه اإلمام أمحد
(.)242/1
( )4ينظر :البحر الرائق (.)370/1
17 أركــان الصــــالة
واألركان داخلها ،فإذا قلنا :إن تكبرية اإلحرام رشط ،قلنا :إهنا خارج
الصالة ،وإذا قلنا :إهنا ركن ،صارت داخل الصالة.
وليس معن هذا أن احلنفية جييزون ملن يريد الصالة أن يكرب تكبرية
اإلحرام يف بيته ،ويأيت املسجد ،فيصيل ،كام هو احلال فيمن يتوضأ يف بيته،
ثم ُرج إىل املسجد ،ليس املراد ذلك؛ ألهنم يقولون :إهنا رشط مقارن
ألول جزء من الصالة بدون فاصل(.)1
وثمرة هذا اخلالف تظهر يف مسائل ،منها:
التلفظ بالنية:
تعريف النية:
النية :هي جمرد القصد إىل الفعل()4؛ فأنت إذا أردت الوضوء،
فبمجرد ما تذهب إىل دورة املياه ،وتفتح الصنبور لتتوضأ ،تكون قد
نويت ،وال يشء أكثر من ذلك ،وبمجرد أن تقف بني يدي ربك يف
الصف ،وتقول :اهلل أكرب ،تكون قد أتيت بنية الصالة؛ ألنك قصدت
الصالة.
وكثري من الناس يعرف أن هذه النية رشط ،ويعرف أن العبادة كلها
ال تصح إال هبذا الرشط ،فيحتاط ويتشدد يف هذا الباب؛ فيستحض النية؛
لئال ترشد ،ثم بعد ذلك يؤكدها ،ثم جيهر هبا ،ثم يبتىل بالوسواس.
وأسئلة من ابتيل هبذا الوسواس ال تنتهي ،وما يك عن املوسوسني
كثري ،وقد يصل األمر إىل حد ميؤوس من عالجه ،إال أن يتداركه اهلل -
جال وعال -برمحته ،يقول بعضهم« :إن كل مفصل من مفاصل األصابع له
نية ختصه يف الوضوء» ،وياول الوضوء ساعات ،ثم إذا جاء إىل الصالة،
فلها نصيبها األكرب من النية عنده؛ فيبذل يف سبيلها الوقت الطويل ،حت
إن ي أحدهم بقي من وقت صالة العشاء إىل ضح اليوم الثاين ،ياول
صالة العشاء وما استطاع؛ لشدة الوسوسة!
فينبغي أن ننتبه لهذا األمر ،ونعن به ،ونأيت بالعبادات عىل الوجه
املأمور به؛ من غري إفراط وال تفريط ،وال نزيد يف العدد عىل ما جاء عن
النبي ﷺ يف غسل األعضاء؛ لئال نبتىل بالوسوسة؛ فبعض الناس قد يزيد
من باب االحتياط ،وهذه بدعة .واالحتياط إذا أدى إىل ارتكاب حمظور،
أو ترك مأمور ،فاالحتياط ترك هذا االحتياط ،كام قال شيخ اإلسالم -
رمحه اهلل.)1(-
هذا يف الصالة؛ ألن نقصان عدد ركعات الصالة ال يوافق سنة وال رشعا
أبدا ،لكن من ابتيل بالوسواس يف الصالة ،واستمر معه ذلك ،وصار يف
كل صالة يرتدد :هل صىل اثنتني أو ثالثا؟ فنقول له :اعتربها ثالثا ،إىل أن
تتعاىف من هذا الوسواس؛ ألنه إذا قيل له :ابن عىل األقل؛ بن عىل األقل،
ثم إذا صىل ثالثة ،نيس هل صىل اثنتني أو ثالثا ،وهكذا.
إال أنه إذا أذن للصالة ،أدبر وله حصاص ،أي :ضاط( ،)2ثم إذا
فرغ األذان ،جاء ليوسوس ،فإذا ثوب للصالة ،وأقيمت الصالة ،هرب،
( )1يدل هلذا حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه ،-أن رسول اهلل ﷺ قال« :يأيت الشيطان
أحدكم ،فيقول :من خلق كذا ،من خلق كذا ،حتى يقول :من خلق ربك؟ فإذا بلغه،
فليستعذ باهلل ،ولينته» .أخرجه البخاري ( ،)3202ومسلم (.)134
( )2ينظر :العني ( ،)14/3وهتذيب اللغة (.)220/3
صفة الصالة 22
ثم إذا انتهت اإلقامة ،رجع ليوسوس للمصلني :اذكر كذا ،اذكر كذا ،إىل
أن ُرج اإلنسان من صالته وليس معه من أجرها يشء(.)1
فعلينا أن ننتبه لهذا األمر ،ونحتاط له؛ ألن اإلنسان قد يؤت من
شدة احلرص مع اجلهل ،فيزيد عىل املرشوع فيبتىل.
( )1إشارة إىل حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه :-أن رسول اهلل ﷺ قال« :إذا نودي
النداء أقبل ،حتى
ُ للصالة ،أدبر الشيطان ،وله رضاط ،حتى ال يسمع التأذين ،فإذا قيض
إذا ُثوب بالصالة ،أدبر ،حتى إذا قيض التثويب ،أقبل ،حتى ي ُطر بني املرء ونفسه،
يقول :اذكر كذا ،اذكر كذا ،مل ِا مل يكن يذ ُك ُر ،حتى يظل الرجل ال يدري كم صىل».
أخرجه البخاري ( ،)278ومسلم (.)318
( )2إشارة إىل حديث أيب محيد السابق ،وجاء يف رواية أخرجها ابن ماجه ( ،)873بلفظ:
«كان رسول اهلل ﷺ إذا قام إىل الصالة استقبل القبلة ،ورفع يديه ،وقال :اهلل أكرب»،
قال ابن عساكر يف معجمه (« :)143/2هذا حديث حسن صحيح».
( )3ينظر :املبسوط للرسخيس ( ،)32/1اهلداية يف رشح بداية املبتدي (.)48/1
23 أركــان الصــــالة
الرفع لليدين عند تكبرية اإلحرام مستحب عند مجيع األئمة( ،)1ولم
يوجبه أحد ،إال ما يذكر عن داود الظاهري ،واألوزاعي ،واحلميدي شيخ
البخاري؛ من أهنم أوجبوا الرفع مع تكبرية اإلحرام()2؛ لثبوته عن النبي
ﷺ؛ فقد روي من طريق مخسني صحابيا ،منهم العرشة املشهود لهم
باجلنة ،فثبوت الرفع يف هذا املوضع قطعي( .)3أما الرفع يف املواضع الباقية،
ففي استحباهبا خالف.
( )1قال ابن املنذر يف اإلمجاع (ص« :)21 :وأمجعوا عىل أن النبي ﷺ كان يرفع يديه إذا
افتتح الصالة».
( )2ينظر :االستذكار ( ،)471/1فتح الباري (.)227/2
( )3ينظر :فتح الباري (.)227/2
صفة الصالة 24
الثالث :مع الرفع من الركوع.
جاء يف حديث أيب محيد ،وابن عمر -ريض اهلل عنهم ،-وغريمها :أن
النبي ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا كرب لإلحرام( ،)3أي :يرفع يديه
( )1أخرجه البخاري ( ،)031وكذلك يف حديث أيب محيد الساعدي ،ووافقه مجع من
الصحابة عليه ،أخرجه أبو داود ( ،)037والرتمذي ( ،)374أمحد (،)23211
وغريهم ،وفيه« :حت إذا قام من السجدتني ،كرب ورفع يديه حت ياذي هبام منكبيه».
( )2ينظر :سنن أيب داود (.)110/1
( )3تقدم ختريج حديث أيب محيد (ص ،)12 :أما حديث ابن عمر -ريض اهلل عنهام،-
فلفظه« :رأيت رسول اهلل ﷺ إذا قام يف الصالة ،رفع يديه حت يكونا حذو منكبيه،
وكان يفعل ذلك حني يكرب للركوع ،ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ،ويقول:
سمع اهلل ملن محده ،وال يفعل ذلك يف السجود» .أخرجه البخاري ( ،)032ومسلم
(.)317
25 أركــان الصــــالة
مقابل منكبيه ،واملنكب :هو جمتمع رأس العضد مع الكتف( ،)1ويف حديث
وائل بن حجر« :أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حني دخل يف الصالة»(،)2
وقال الرباء« :قريبا من أذنيه»( ،)3وجاء يف بعض األلفاظ« :إىل فروع
أذنيه»(.)4
وبعض الناس يترصف ترصفا أشبه ما يكون بالعبث؛ فرتاه إذا كرب،
حرك يديه ولو كانتا عند رسته ،يظن أنه بذلك الفعل يعد مطبقا للسنة،
وهذا ال يكفي ،بل ال بد من الرفع ،وأقل ما جاء فيه :أن يكون إىل حذو
املنكبني.
وضع اليد اليمنى على اليسرى:
إذا كرب املصيل تكبرية اإلحرام ،وانته من رفع يديه ،وضع يده
اليمن عىل ظهر اليرسى؛ فقد أخرج ابن خزيمة ،من حديث وائل بن
حجر -ريض اهلل عنه ،-قال« :صليت مع النبي ﷺ ،فوضع يده اليمن عىل
يده اليرسى عىل صدره»( ،)2واحلديث صحيح بشواهده( ،)1وهو أقوى من
( )1تقدم خترجيه (ص ،)11 :وجاء أيضا ما يدل عىل أن التكبري قبل الرفع؛ ففي مسلم
( )311عن مالك بن احلويرث« :كان إذا صىل ،كرب ،ثم رفع يديه» ،وحدث« :أن
رسول اهلل ﷺ كان يفعل هكذا».
وجاء ما يدل عىل أن التكبري يكون بعد الرفع؛ ففي مسلم ( )317أن ابن عمر -ريض
اهلل عنهام ،-قال« :كان رسول اهلل ﷺ إذا قام للصالة ،رفع يديه حت تكونا حذو
منكبيه ،ثم كرب» ،ويقال فيها مثلام قيل يف االختالف يف مبلغ اليدين من املنكب
واألذن :إما اجلمع ،أو محلها عىل أهنا سنن متعددة.
( )2صحيح ابن خزيمة ( ،)481وأصله يف مسلم (« :)471أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه
27 أركــان الصــــالة
حديث عيل -ريض اهلل عنه« :-من السنة :وضع الكف عىل الكف حتت
عيل ضعيف(.)3
الرسة» ،بل حديث ي
()2
وإن كان نظره إىل موضع السجود يشوش عليه؛ لكون هذا املوضع
فيه زخارف ونقوش ،ففي هذه احلال يفعل األصلح له يف اخلشوع
وحضور القلب.
وأما بالنسبة للنظر يمينا وشامال بام ال يقتيض االلتفات ،فهذا ال ينايف
اخلشوع؛ ولذا لم يذكره العلامء من مكروهات الصالة ،وإنام ذكروا من
حني دخل يف الصالة كرب ،ثم التحف بثوبه ،ثم وضع يده اليمن عىل اليرسى».
( )1ينظر :التلخيص احلبري (.)241/1
( )2أخرجه أبو داود (.)022
( )3ينظر :التلخيص احلبري (.)227/1
( )4ينظر :مواهب اجلليل يف رشح خمترص خليل (.)241/1
صفة الصالة 28
مكروهات الصالة :االلتفات ،وهو :اختالس( ،)1لكن يبق أن األكمل
للمصيل أن ينظر إىل موضع سجوده.
***
( )1إشارة إىل حديث عائشة ▲ ،قالت :سألت رسول اهلل ﷺ عن االلتفات يف
الصالة؟ فقال« :هو اختالس ُتلسه الشيطان من صالة العبد» .أخرجه البخاري (.)021
29 أركــان الصــــالة
فقال هنا« :اللهم باعد بيني» باإلفراد ،وخص النفس بالدعاء ،ولم
يقل« :باعد بيننا» ،و يف احلديث اآلخر الوعيد الشديد عىل من أم الناس يف
الصالة وخص نفسه بالدعاء دوهنم« :ال يؤم رجل قوما؛ فيخص نفسه
بالدعاء دوهنم»( ،)2وابن خزيمة لام رأى املعارض واملعارض بينهام بون يف
الثبوت؛ فهذا يف الصحيحني ،وذاك حديث حسن ،حكم عىل احلديث
فإن استفتح املصيل هبذا الدعاء ،فهو حسن؛ لثبوته عن عمر -ريض
ٍ
وجوه اهلل عنه ،-واإلمام أمحد -رمحه اهلل -يرجح هذا االستفتاح ،من
ذكرها ابن القيم -رمحه اهلل ،)3(-لكن إذا ثبت املرفوع يف الصحيحني -كام
تقدم -فال شك أنه أرجح.
وعىل املسلم -ال سيام من ينتسب إىل العلم -أن يفظ هذه األدعية،
ويأيت هبا عىل التعاقب ،وال جيمع بينها ،بل يستفتح أحيانا هبذا ،وأحيانا
هبذا ،ويف صالة الليل :يستفتح أحيانا بصيغة ،وأحيانا بأخرى ،وهكذا؛
ألن االختالف بينها ليس اختالف تضا يد؛ فنرجح بعضها عىل بعض،
ونقترص عليه ،وإنام هو اختالف تنو ٍع ،وكلها ثابتة عن النبي ﷺ ،كام أشار
إىل ذلك اإلمام أمحد؛ إذ يقول« :أما أنا ،فأذهب إىل ما روي عن عمر -
ريض اهلل عنه ،-ولو أن رجال استفتح ببعض ما روي عن النبي ﷺ من
االستفتاح ،كان حسنا»(.)2
***
( )1أخرجه أبو داود ( ،)002والرتمذي ( ،)242وأمحد ( ،)11403من حديث أيب سعيد
اخلدري -ريض اهلل عنه.-
( )2قال الرتمذي « :وقد تكلم يف إسناد حديث أيب سعيد ،كان يي بن سعيد يتكلم يف عيل
بن عيل الرفاعي .وقال أمحد :ال يصح هذا احلديث» .سنن الرتمذي ()324 /1
( )3وقد صححه ابن خزيمة ( ،)420وابن حبان (.)1001
( )4إشارة إىل حديث عائشة -ريض اهلل عنها ،-قالت« :كان رسول اهلل ﷺ يستفتح الصالة
بالتكبري والقراءة باحلمد هلل رب العاملني» .أخرجه مسلم (.)418
صفة الصالة 34
أهل العلم أنه ال يرشع دعاء االستفتاح ،واالستعاذة ،والبسملة ،وهذا
معروف عن املالكية( ،)1وجاء يف رواية هذا احلديث« :صليت خلف
هلل
رسول اهلل ﷺ وأيب بكر وعمر ،فكانوا يستفتحون القراءة بـ﴿احلمدُ ِ
رب العاملِني﴾ ،ال يذكرون« :بسم اهلل الرمحن الرحيم» يف أول القراءة ،وال
يف آخرها»( ،)2لكن ال يلزم من كوهنم يستفتحون القراءة بـ﴿احلمدُ هللِ رب
العاملِني﴾ أال يقولوا« :بسم اهلل الرمحن الرحيم» رسا؛ بحيث لم يسمعها
الراوي؛ ولذا محل احلافظ ابن حجر نفي الذكر عىل نفي اجلهر ،وصحح
الرواية السابقة التي يف صحيح مسلم( ،)3ومنهم من أعلها وضعفها؛ ألهنا
خمالفة لام جاء يف أحاديث أخرى ،ومثل هبا لعلة املتن ،يقول احلافظ
العراقي -رمحه اهلل:-
ِ
وعل َّ ُة امل َّت ِن كنف َّ ِي البس َّمله
إذ ظََّّن ر ٍاو نفيهََّّا فنقلََّّه
()4
يف صحيح مسلم ،فإذا محلنا عدم الذكر عىل عدم اجلهر ،انته اإلشكال.
ثم بعد ذلك يقرأ الفاحتة ،والفاحتة ركن من أركان الصالة ال تصح
الصالة إال هبا؛ ففي حديث عبادة بن الصامت -ريض اهلل عنه« :-ال صالة
ملن لم يقرأ بفاحتة الكتاب»( ،)1فدل عىل ركنيتها يف الصالة ،لكن اختلف
أهل العلم يف لزومها لكل ي
مصل عىل أقوال:
( )1ينظر :العناية رشح الهداية ( ،)338/1البناية رشح الهداية ( ،)313/2وهو كذلك
مذهب املالكية ،ينظر :رشح خمترص خليل للخريش ( ،)221/1والرشح الكبري للشيخ
الدردير وحاشية الدسوقي ( ،)230/1واملذهب عند احلنابلة تسن قراءهتا يف الرسية،
ينظر :كشاف القناع عن متن اإلقناع ( ،)423/1اإلنصاف يف معرفة الراجح من
اخلالف للمرداوي (.)228/2
( )2هي رواية عن اإلمام أمحد .ينظر :اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف للمرداوي
(.)228/2
( )3أخرجه مسلم ( ،)474من حديث أيب موس األشعري -ريض اهلل عنه.-
( )4ينظر :نيل األوطار (.)227/2
39 أركــان الصــــالة
وقد يقول قائل :أنا أصيل مع إمام يستعجل يف قراءته ،فال أمتكن من
قراءة الفاحتة خلفه ،فهذا حكمه حكم املسبوق ،وصالته صحيحة.
وكذا اختلف العلامء يف لزومها يف حق املسبوق عىل قولني:
القول األول :أهنا تلزمه ،وهو قول أيب هريرة -ريض اهلل عنه،-
والبخاري ،والشوكاين -رمحهام اهلل-؛ فعىل هذا :لو جاء واإلمام راكع ،لم
حتسب له الركعة؛ لفوات ركنها :الفاحتة(.)1
كانت قراءته ﷺ مدا ،يقف عند كل آية؛ ففي البخاري ،عن قتادة،
( )1ينظر :القراءة خلف اإلمام للبخاري (ص ،)30 :نيل األوطار ( ،)223/2الروضة
الندية (.)122/1
( )2إشارة إىل حديث عن أيب بكرة -ريض اهلل عنه ،-أنه انته إىل النبي ﷺ وهو راكع،
فركع قبل أن يصل إىل الصف ،فذكر ذلك للنبي ﷺ ،فقال« :زادك اهلل حرصا وال
تعد» .أخرجه البخاري (.)083
( )3ينظر :روضة الطالبني (.)242/1
صفة الصالة 40
قال :سئل أنس -ريض اهلل عنه ،-قال :كيف كانت قراءة النبي ﷺ؟ فقال:
كانت مدا ،ثم قرأ :بسم اهلل الرمحن الرحيم؛ يمد بـ«باسم اهلل» ،ويمد
بـ«الرمحن» ،ويمد بـ«الرحيم»(. )1
لكنه ﷺ يمد املد املعتدل ،وبعض الناس يبالغ يف املد ،فيخرج
بالقراءة عن حقيقتها ،ويرتتب عىل قراءته زيادة حروف ،فالقراءة يف
الصالة -ال سيام الفاحتة التي هي ركن من أركاهنا -ال بد أن يتقنها املسلم،
فلو أخل بيشء منها ولو بحرف من حروفها ،أو بشدة من شداهتا ،فقد
تبطل صالته ،وهذا إذا حلن فيها حلنا ييل املعن ،فعىل املسلم أن يعن
بالفاحتة؛ ألن صالته ال تصح إال هبا.
التـأمني:
إذا فرغ املصيل من الفاحتة ،قال« :آمني» ،جيهر هبا إذا جهر بالقراءة،
وجيهر هبا من خلفه إذا كان إماما ،جاء ذلك يف حديث أيب هريرة -ريض
اهلل عنه -عند الدارقطني ،واحلاكم وصححه( ،)2وأليب داود والرتمذي من
حديث وائل بن حجر -ريض اهلل عنه -نحوه( ،)1ويف الصحيحني وغريمها،
من حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه ،-أن النبي ﷺ قال« :إذا أمن اإلمام،
فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمني املالئكةُ ،غ ِفر له ما تقدم من ذنبه»(،)2
فالفاء تفيد الرتتيب والتعقيب ،ومثله ما جاء يف احلديث الصحيح« :إذا
كرب ،فكربوا ،وإذا ركع ،فاركعوا»( ،)3وكذلك يف حديث« :إذا قال :سمع
اهلل ملن محده ،فقولوا :ربنا ولك احلمد»()4؛ فاإلمام إذا كرب لإلحرام أو
غريه ،فكربوا ،وإذا أمن ،فأمنوا ،وإذا ركع ،فاركعوا ،وإذا قال :سمع اهلل
ملن محده ،فقولوا :ربنا ولك احلمد؛ ففي هذه األحاديث :ترتيب أعامل
املأموم عىل أعامل اإلمام بالفاء التي تدل عىل الرتتيب والتعقيب ،أي :أن
تكون أعامل املأموم عقب أعامل إمامه ،من غري مه ٍ
لة وتراخٍ .
( )1ولفظه عن وائل بن حجر :كان رسول اهلل ﷺ إذا قرأ﴿ :وال الضالني﴾ ،قال« :آمني»،
ورفع هبا صوته .أخرجه أبو داود ( ،)132والرتمذي ( )248وحسنه ،والنسائي
( ،)801وابن ماجه ( ،)822وصححه احلاكم (.)2113
( )2أخرجه البخاري ( ،)087ومسلم (.)417
( )3أخرجه البخاري ( ،)308ومسلم ( ،)411من حديث أنس بن مالك -ريض اهلل عنه.
( )4أخرجه البخاري ( ،)281ومسلم ( ،)411من حديث أنس بن مالك -ريض اهلل عنه.-
صفة الصالة 42
ولو أخذنا هذه القاعدة ونظرنا إىل قوله ﷺ« :إذا كرب ،فكربوا»
يكون املعن :إذا فرغ اإلمام من التكبري ،فكربوا؛ ألن موافقة اإلمام يف
مثل هذا ممنوعة ،لكن يف قوله ﷺ« :إذا ركع فاركعوا» ال نقول :إذا فرغ
اإلمام من الركوع ،فاركعوا ،بمعن :أن املأموم ينتظر اإلمام حت ينتهي
من الركوع ،فريكع( ،)1وإنام نقول :إذا رشع يف الركوع واستقر راكعا،
فاركعوا؛ ألن الفعل املايض يطلق ويراد به أحد أمور ثالثة:
األول :الفراغ من الفعل -وهو األصل ،-كام يف قوله ﷺ« :إذا كرب،
فكربوا».
الثالث :إرادة الفعل ،كام يف قوله تعاىل﴿ :فإِذا قرأت ال ُقرآن فاست ِعذ
بِاهللِ ِمن الشيط ِ
ان الر ِجيمِ﴾ [النحل ،]18:أي :إذا أردت القراءة.
ولو فهمنا الفعل املايض عىل ظاهره ،فستكون االستعاذة بعد الفراغ
من القراءة.
ومن هذا :قوله تعاىل﴿ :يا أ هُّيا ال ِذين آمنُوا إِذا ُقمتُم إِىل الصال ِة
فاغ ِس ُلوا ُو ُجوهكُم﴾ [املائدة ،]2:أي :إذا أردتم القيام ،ولو أجرينا الفعل
عىل ظاهره ،فسيكون املعن :إذا فرغتم من القيام إىل الصالة ،فتوضؤوا،
أي :أنه سيكون مع كل واحد إداوة الوضوء وهو يف الصف ،فإذا قام
ليكرب ،توضأ.
ومن هذا اإلطالق :قوله ﷺ« :إذا أمن اإلما ُم ،فأمنوا»()1؛ ألننا لو
محلناه عىل اإلطالق األول ،فسيكون املعن :إذا فرغ اإلمام من التأمني،
ٍ
واحد؛ بحيث ٍ
وقت فأمنوا ،وإنام املعن :إذا أراد التأمني ،فأمنوا معه يف
يكون صوت املأموم مع صوت اإلمام؛ ألنه من وافق تأمينه تأمني
املالئكة ،غفر له ما تقدم من ذنبه ،وبدليل حديث« :وإذا قال :وال
الضالني ،فقولوا :آمني»( ،)2وهذا النص مفرس للذي قبله ،بمعن أننا
نقول« :آمني» مع اإلمام.
وقوله ﷺ« :من وافق تأمينه تأمني املالئكة» ،وليس املراد باملوافقة يف
الكيفية؛ بحيث يكون مده مثل مد املالئكة يف ابتدائه وانتهائه؛ ألن هذا أمر
غيبي يوفق اهلل -جال وعال -له من شاء ،والذي علينا هو احلرص عىل
اتباع السنة ،واالنتظار حت يقول اإلمام« :وال الضالني» ،فإذا انقطع
صوته ،قلنا« :آمني» ،ولن نخيب بعد ذلك؛ فعىل اإلنسان أن يرص،
ويض قلبه؛ ألن هذا دعاء ،فمعن «آمني» :اللهم استجب ،واهلل -جال
السَّكتات يف الصالة:
الثانية :خمتلف فيها؛ ألنه جاء ما يدل عىل أهنا بعد الفراغ من القراءة؛
فمن أهل العلم من جعلها بعد فراغ اإلمام من قراءة الفاحتة؛ ليتمكن
املأموم من قراءهتا.
من القراءة وقبل الركوع ،وكالم أهل العلم يف هذه املسألة معروف(.)1
يقول ابن القيم« :والظاهر :أنام هي اثنتان فقط ،وأما الثالثة ،فلطيفة
ألجل تراد النفس ،ولم يكن يصل القراءة بالركوع ،بخالف السكتة
األوىل؛ فإنه جيعلها بعد االستفتاح ،والثانية قد قيل :إهنا ألجل قراءة
املأموم؛ فعىل هذا :ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاحتة؛ ليتمكن املأموم من
قراءة الفاحتة ،وأما الثالثة :فللراحة والنفس فقط ،وهي سكتة لطيفة ،فمن
لم يذكرها ،فلقرصها ،ومن اعتربها ،جعلها سكتة ثالثة؛ فال اختالف بني
الروايتني»(.)2
فبعد قراءة الفاحتة يسكت اإلمام ،ولو لم يكن بقدر قراءة الفاحتة
للمأموم ،واملقصود أنه يفصل بني القراءتني ،وإذا أهن القراءة يسكت
ليرتاد النفس ،وهبذا نكون قد مجعنا بني الروايات كلها.
بعض الناس ال يسن القراءة ،ال سيام من كبار السن ممن لم يلتفت
إىل احلفظ إال بعد أن طعن يف السن؛ فقد يكون حافظا للفاحتة ،لكن حفظه
غري جمزئ؛ ألنه غري صحيح ،فبعضهم يقرأ قوله تعاىلُ ﴿ :ثم لتُسأ ُلن يوم ِئ ٍذ
( )1أخرجه أبو داود ( ،)821والرتمذي ( ،)372وقال« :حديث حسن» ،وصححه ابن
خزيمة (.)242
صفة الصالة 48
طويل ،ال سيام إذا كان كبري سن ،بل يقال له« :امحد ،وكرب ،وهلل»،
ويفظ بعد ذلك.
قوله« :ويسمعنا اآلية أحيانا» ،أي :يف الصالة الرسية؛ ألن هذه
كانت صالة الظهر؛ فعىل األئمة أن يفعلوا مثل هذا؛ اقتداء به ﷺ.
وعن أيب سعيد اخلدري -ريض اهلل عنه« :-أن النبي ﷺ كان يقرأ يف
صالة الظهر يف الركعتني األوليني يف كل ركعة قدر ثالثني آية ،ويف
األخريني قدر قراءة مخس عرشة آية ،أو قال :نصف ذلك ،ويف العرص يف
الركعتني األوليني يف كل ركعة قدر مخس عرشة آية ،ويف األخريني قدر
نصف ذلك»؛ رواه مسلم ،وأمحد()1؛ فعىل هذا :القراءة تطول يف الركعتني
األوليني من الظهر والعرص ،وتكون الركعة األوىل أطول من الثانية ،ويف
الركعتني األخريني :إن شاء اقترص عىل الفاحتة ،وإن قرأ معها سورة
أخرى ،فال بأس؛ وهو ثابت.
يقول ابن القيم« :فإذا فرغ [أي :النبي ﷺ] من الفاحتة ،أخذ يف
سورة غريها ،وكان يطيلها تارة ،وُففها لعارض من سفر ،أو غريه،
ويتوسط فيها غالبا ،وكان يقرأ يف الفجر بنحو ستني آية إىل مائة آية،
وصالها بسورة ق ،وصالها بالروم ،وصالها بـ﴿إِذا الشم ُس كُورت﴾،
وصالها بـ﴿إِذا زُل ِزل ِ
ت األر ُض ِزلزاَلا﴾ يف الركعتني كلتيهام ،وصالها
باملعوذتني وكان يف السفر ،وصالها فافتتح سورة املؤمنون ،حت إذا بلغ
ذكر موس وهارون يف الركعة األوىل ،أخذته سعلة( ،)2فركع ،وكان
يل﴾ ،وسورة ﴿هل أتى عىل يصليها يوم اجلمعة بـ﴿الَّم ( )1تن ِز ُ
اإلنس ِ
ان﴾ كاملتني»(.)3 ِ
األعىل﴾ وغريها( ،)1قال ابن عبد الرب« :وهي كلها صحاح مشهورة»(،)2
لكن لم يكن يداوم ﷺ عىل قصار املفصل(.)3
إذا عرفنا أنه قرأ باألعراف ،وهي سورة طويلة ،وقرأ باملرسالت،
وقرأ أيضا بالطور ،وقرأ بالقصار ،فعىل اإلمام أال يشق عىل املأمومني،
وليأخذ هبذه القاعدة العامة« :إذا أم أحدكم الناس ،فل ُيخفف؛ فإن فيهم
الصغري ،والكبري ،والضعيف ،واملريض»()4؛ فعىل اإلمام أن يالحظ أحوال
املأمومني ،ويفعل السنة ،فيأيت بالطوال أحيانا ،وبغريها أحيانا أخرى ،وال
يشق عىل الناس ،حت ال يستثقلوا الصالة ويملوها.
وثبت يف املوطأ ،عن أيب بكر -ريض اهلل عنه ،-أنه كان يقرأ بعد
الفاحتة يف الركعة الثالثة من املغرب قوله -جال وعال﴿ :-ربنا ال ت ُِزغ ُق ُلوبنا
ِ
اب﴾ [آل عمران.)2(]8: بعد إِذ هديتنا وهب لنا من لدُ نك رمح ًة إِنك أنت الوه ُ
( )1إشارة إىل حديث جابر؛ أن معاذا صىل بقومه ،فافتتح بسورة البقرة ،فانحرف رجل،
فسلم ،ثم صىل وحده ،ثم ذهب ،فبلغ ذلك النبي ﷺ ،فقال« :يا ُمعا ُذ أفتان أنت؟ اقرأ
الضحى﴾،س و ُضحاها﴾﴿ ،و ه بِكذا واقرأ بِكذا» .ويف رواية« :اقرأ و﴿والشم ِ
و﴿واللي ِل إِذا يغشى﴾ ،و﴿سبحِ اسم ربك األعىل﴾ ،ونحومها» .أخرجه مسلم
(.)422
( )2التمهيد (.)142/1
( )3ينظر :نيل األوطار (.)203/2
( )4أخرجه البخاري ( ،)073ومسلم ( ،)420من حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه.-
( )2أخرجه مالك يف املوطأ (.)103
صفة الصالة 52
ويرون أن هذا بمثابة القنوت؛ ألهنا آية تتضمن دعاء ،واملغرب ثبت
أهنا وتر النهار( ،)1وهذا عمل اخلليفة الراشد املسدد الذي أمرنا باالقتداء
به( ،)2فلو فعل هذا اقتداء هبذا اخلليفة الراشد ،فال بأس ،ولو تركت
باعتبارها ال يثبت فيها يشء مرفوع ،فاألمر فيه سعة.
ني والزيت ِ
ُون﴾( ،)3ووقت وأما العشاء اآلخرة ،فقرأ فيها ﷺ بـ﴿والت ِ
س و ُضحاها﴾ ،و﴿سب ِح اسم ملعاذ بن جبل -ريض اهلل عنه -بـ﴿والشم ِ
ربك األعىل﴾ ،و﴿واللي ِل إِذا يغشى﴾ ،ونحوها ،وأنكر عليه قراءة البقرة،
وقال له« :أفتان أنت يا معاذ؟!»()4؛ ألنه قرأ سورة البقرة يف صالة العشاء،
وتأخر عىل الناس ،حيث كان يصيل مع النبي ﷺ ،ثم يأيت فيصيل بالناس،
( )1إشارة إىل حديث ابن عمر ،عن النبي ﷺ ،قال« :صال ُة املغرب وتر النهار؛ فأوتروا
صالة الليل» .أخرجه أمحد ( ،)4840وصححه ابن خزيمة ( ،)1242وجاء من
حديث عائشة -ريض اهلل عنها -وصححه ابن حبان (.)2038
( )2إشارة إىل حديث العرباض بن سارية -ريض اهلل عنه -مرفوعا ،وفيه« :عليكم بسنتي،
وسنة اخللفاء املهديني الراشدين ،متسكوا هبا وعضوا عليها بالنواجذ» .أخرجه أبو
داود ( ،)4270والرتمذي ( )2202وقال« :حسن صحيح» ،وابن ماجه (،)42
وصححه ابن حبان ( ،)2واحلاكم (.)321
( )3إشارة إىل حديث الرباء -ريض اهلل عنه ،-أنه قال« :سمعت النبي ﷺ يقرأ﴿ :والت ِ
ني
والزيت ِ
ُون﴾ يف العشاء ،وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة» .أخرجه البخاري
( ،)021ومسلم (.)424
( )4تقدم خترجيه (ص.)47 :
53 أركــان الصــــالة
( )1أخرجه البخاري ( ،)2172ومسلم ( ،)422من حديث جابر بن عبد اهلل -ريض اهلل
عنهام.-
( )2إشارة إىل حديث ابن عباس -ريض اهلل عنهام« :-أن النبي ﷺ كان يقرأ يف صالة الفجر
اإلنس ِ
ان﴾ ،وأن النبي ﷺ كان يقرأ يل﴾ ،و﴿هل أتى عىل ِ يوم اجلمعة بـ﴿الَّم ( )1تن ِز ُ
يف صالة اجلمعة سورة اجلمعة واملنافقني» .أخرجه مسلم (.)801
( )3إشارة إىل حديث النعامن بن بشري -ريض اهلل عنهام ،-قال« :كان رسول اهلل ﷺ يقرأ يف
اشي ِة﴾».
يث الغ ِ
العيدين ويف اجلمعة بـ﴿سبحِ اسم ربك األعىل﴾ ،و﴿هل أتاك ح ِد ُ
أخرجه مسلم (.)808
صفة الصالة 54
الــركــــــوع
صفة الركوع:
بعد أن يتم املصيل قراءة السورة ،يكرب رافعا يديه ويركع -وهذا هو
املوضع الثاين من مواضع رفع اليدين -ويمكن يديه من ركبتيه كأنه
قابضهام ،كام يف حديث أيب محيد واصفا صالته ﷺ« :وإذا ركع ،أمكن
يديه من ركبتيه ،ثم هرص ظهره»( ،)1وهناك صفة أخرى لوضع اليدين
تسم التطبيق ،وهو :وضع اليدين بني الركبتني؛ وهذا كان يف أول األمر،
ثم نسخ(.)2
وقول أيب محيد« :ثم هرص ظهره» ،أي :ثن ظهره ،وجاء يف رواية:
«ووتر يديه»( ،)3أي :جعل يديه إذا قبض هبام ركبتيه كالوتر ،بمعن :أهنام
مستقيمتان ،منحنيتان عن جنبيه ،وبسط ظهره ومده وعدله ،وجاء يف
وصف حاله ﷺ أثناء الركوع :أنه ﷺ «كان إذا ركع سوى ظهره ،حت لو
صب عليه املاء ،الستقر»( ،)1واملاء يستقر إذا لم يكن هناك ميالن وال
انحناء.
وجاء يف حديث عائشة -ريض اهلل عنها« :-كان إذا ركع ،لم
يشخص رأسه ،ولم يصوبه ،ولكن بني ذلك»( ،)2وقولها« :لم يشخص
رأسه» ،أي :لم يرفعه ،فاإلشخاص الرفع ،يقال :شخص البرص
شخوصا ،أي :ارتفع()3؛ قال تعاىل﴿ :وال حتسبن اهلل غافِ ًال عام يعم ُل
الظاملُ ِون إِنام يؤخرهم لِيو ٍم تشخص فِ ِ
يه األبص ُار﴾ [إبراهيم.]42: ُ ُ ُ ُ
وقول عائشة -ريض اهلل عنها« :-ولم يصوبه» ،تعني :لم ُفض
رأسه؛ فالتصويب هو اخلفض؛ ولذا جاء يف املطر« :اللهم اجعله صي ًبا
ناف ًعا»()4؛ فالصيب الذي ينـزل(.)2
وورد يف حديث الواهبة التي وهبت نفسها للنبي ﷺ« :أن النبي ﷺ
صعد النظر إليها ،وصوبه»( ،)2يعني :رفع برصه وأنزله؛ لينظر إليها هل
( )1أخرجه ابن ماجه ( ،)802من حديث وابصة بن معبد -ريض اهلل عنه ،-وضعفه
احلافظ يف التلخيص ( ،)321والبوصريي يف مصباح الزجاجة (.)322
( )2أخرجه مسلم (.)418
( )3ينظر :مطالع األنوار ( ،)27/2واملصباح املنري ،مادة( :ش خ ص).
( )4أخرجه البخاري ( ،)1732من حديث عائشة -ريض اهلل عنها.-
( )2ينظر :مشارق األنوار (.)21/2
( )2أخرجه البخاري ( ،)2737ومسلم ( ،)1422من حديث سهل بن سعد-ريض اهلل
صفة الصالة 56
تصلح له أو ال ،واملقصود :أن رأسه ﷺ يف الركوع يكون بني اخلفض
والرفع.
عنه.-
( )1أخرجه أبو داود ( ،)821وابن ماجه ( ،)880من حديث عقبة بن عامر -ريض اهلل
عنه ،-وصححه ابن خزيمة ( ،)277واحلاكم (.)818
( )2أخرجه مسلم ( ،)401من حديث ابن عباس -ريض اهلل عنهام.-
( )3أخرجه البخاري ( ،)014ومسلم ( ،)484من حديث عائشة -ريض اهلل عنها.-
57 أركــان الصــــالة
الركوع أكثر.
ثم يرفع رأسه من الركوع رافعا يديه -وهذا هو املوضع الثالث من
مواضع رفع اليدين -قائال« :سمع اهلل ملن محده» ،فقوله ﷺ« :سمع اهلل
ملن محده» :هو ذكر االنتقال؛ فهو كالتكبري ،وإذا استوى قائام من ركوعه،
قال« :ربنا ولك احلمد».
( )1إشارة إىل حديث أنس بن مالك -ريض اهلل عنه ،-حيث قال« :ما صليت وراء أحد بعد
رسول اهلل ﷺ أشبه صالة برسول اهلل ﷺ من هذا الفت -يعني :عمر بن عبد العزيز-
قال :فحزر نا يف ركوعه عرش تسبيحات ،ويف سجوده عرش تسبيحات» .أخرجه أبو
داود ( ،)888والنسائي ( ،)1132وحسن إسناده النووي يف خالصة األحكام
( ،)1331وابن حجر يف نتائج األفكار (.)20/2
( )2أخرجه مسلم ( ،)480من حديث عائشة -ريض اهلل عنها.-
( )3أخرجه مسلم ( ،)001من حديث عيل بن أيب طالب -ريض اهلل عنه.-
( )4زاد املعاد (.)218/1
صفة الصالة 58
ويف« :ربنا ولك احلمد» عدة صيغ :األوىل :هذه( ،)1الثانية« :ربنا لك
احلمد» بدون واو( ،)2الثالثة« :اللهم ربنا لك احلمد» ،بـ«اللهم» دون
الواو( ،)3والرابعة باجلمع بينهام« :اللهم ربنا ولك احلمد»()4؛ فهذه أربع
صيغ ،كلها ثابتة ،وإن زعم ابن القيم -رمحه اهلل -أن الصيغة الرابعة ،وهي
اجلمع بني «اللهم» والواو لم تصح( ،)2لكنها صحيحة ثابتة يف صحيح
البخاري ،ونعلم أن ابن القيم -رمحه اهلل -إنام ألف كتابه« :زاد املعاد» يف
حال السفر ،فلم يكن عنده مراجع وال كتب ،لكنه إمام حافظ ،ومن يعرو
من اخلطأ والنسيان والذهول؟!
( )1أخرجه البخاري ( ،)281ومسلم ( ،)00من حديث أنس -ريض اهلل عنه ،-وجاء من
حديث أيب هريرة ،وابن عمر ،ورفاعة بن رافع الزرقي ،وعائشة -ريض اهلل عنهم.-
( )2أخرجه البخاري ( ،)022من حديث أيب هريرة ،وجاء من حديث أنس -ريض اهلل
عنه.-
( )3أخرجه البخاري ( ،)012ومسلم ( ،)471من حديث أيب هريرة ،وجاء من حديث
عيل بن أيب طالب ،وأيب موس ،وابن عباس ،وعبد اهلل بن أيب أوىف -ريض اهلل عنهم.-
( )4أخرجه البخاري ( ،)0342من حديث ابن عمر ،وجاء من حديث أيب هريرة -ريض
اهلل عنهم.-
( )2ينظر :زاد املعاد ( ،)227/1فتح الباري (.)238/2
59 أركــان الصــــالة
وملء األرض ِ
وملء ما شئت من يشء بعدُ »(.)1 ِملء السموات ِ
أما املأموم ،فذهب اإلمام الشافعي :إىل أنه جيمع بينهام؛ ألنه ثبت أن
النبي ﷺ يقول« :سمع اهلل ملن محده» ،ويقول« :ربنا ولك احلمد»،
واملأموم مطالب باالقتداء بالنبي ﷺ واالئتساء به(.)2
وذهب آخرون :إىل أن املأموم ال جيمع بينهام ،بل يقول« :ربنا ولك
احلمد» عقب قول اإلمام« :سمع اهلل ملن محده»()3؛ لام جاء يف احلديث
الصحيح« :فإذا قال :سمع اهلل ملن محده ،فقولوا :ربنا ولك احلمد»()4؛ فهذه
وظيفة اإلمام ،وتلك وظيفة املأموم.
أما االحتجاج بأن النبي ﷺ مجع بينهام ،وهو قدوة لنا ،فيقال :هو
قدوة ملن كان يف مثل حاله ،وهي :اإلمامة هنا ،أما املأموم ،فال يدخل يف
االقتداء يف هذه احلالة؛ ألنه قد خرج بقوله ﷺ« :فإذا قال :سمع اهلل ملن
محده ،فقولوا :ربنا ولك احلمد» ،ففي قوله« :فقولوا» قد عطف األمر
بقول« :ربنا ولك احلمد» بالفاء التي تقتيض الرتتيب مع التعقيب ،أي:
وأخرج مسلم عن أنس -ريض اهلل عنه« :-أن رسول اهلل ﷺ كان إذا
قال« :سمع اهلل ملن محده» ،قام حت نقول :قد أوهم ،ثم يسجد ،ثم يقعد
بني السجدتني حت نقول :قد أوهم»( ،)1أي :أنه كان يطيل الركن ،وهبذا
يظهر اخللل الكبري عند بعض الناس يف هذين الركنني :ركن القيام من
الركوع ،والقيام من السجود؛ حيث ينقروهنام نقرا.
ومما جاء يف صفة القيام من الركوع :ما رواه أبو محيد الساعدي -
ريض اهلل عنه ،-قال« :فإذا رفع رأسه ،استوى حت يعود كل فق ٍ
ار إىل
مكانه»( ،)2وقد اختلف أهل العلم يف املراد بـ«يعود كل ٍ
فقار إىل مكانه» عىل
قولني:
ويرتتب عىل هذا :أننا إذا قلنا بالقول األول ،فإن اليدين قبل
الدخول يف الصالة كانتا مرسلتني ،وهذا يعني :أهنام تكونان كذلك عقب
االعتدال من الركوع.
وإذا قلنا بالقول الثاين ،فإن اليدين كانتا عىل الصدر قبل الركوع ،كام
يف حديث وائل بن حجر( ،)1فيعودان إىل حالتهام عند االعتدال ،وهبذا
يقول األكثر ،وهو الظاهر .وزعم بعضهم أن الضم بعد الركوع بدعة؛
وليس كام قال.
***
( )1ولفظه« :صليت مع النبي ﷺ ،فوضع يده اليمن عىل يده اليرسى عىل صدره».
صححه ابن خزيمة (.)481
صفة الصالة 62
السجــــــود
صفة السجود:
ثم هيوي للسجود دون رفع لليدين ،فلم يكن ﷺ يرفع يديه إذا
هوى للسجود ،كام جاء يف وصف صالته ﷺ( ،)1وأما حديث« :كان يرفع
مع كل خفض ورفع» ،فقد قرر احلفاظ أنه وهم من الراوي ،وصوابه:
«يكرب مع كل خفض ورفع»( ،)3()2وقال بعضهم باستحباب ذلك أحيانا(.)4
وهنا مسألة يف غاية األمهية ،وقد كثر فيها الكالم ،وهي :أهيام يقدم:
يديه أو ركبتيه عند الهوي للسجود؟
( )1إشارة إىل حديث ابن عمر -ريض اهلل عنهام« :-أن رسول اهلل ﷺ كان يرفع يديه حذو
منكبيه إذا افتتح الصالة ،وإذا كرب للركوع ،وإذا رفع رأسه من الركوع ،رفعهام كذلك
أيض ا ،وقال :سمع اهلل ملن محده ،ربنا ولك احلمد ،وكان ال يفعل ذلك يف السجود».
أخرجه البخاري (.)032
( )2أخرجه الرتمذي ( ،)223من حديث عبد اهلل بن مسعود -ريض اهلل عنه ،-وقال:
«حسن صحيح».
( )3ينظر :رشح مشكل اآلثار ( ،)42/12العلل للدارقطني ( ،)283/1العلل املتناهية
( ،)421/1زاد املعاد ( ،)223/1فتح الباري البن رجب ( ،)324/2فتح الباري
(.)223/2
( )4ينظر :فتح الباري البن رجب ( ،)324/2حاشية السندي عىل النسائي (.)1788
63 أركــان الصــــالة
لكن روى أبو داود ،والنسائي ،من حديث أيب هريرة -ريض اهلل
يرب ُك
يربك كام ُ
عنه ،-أنه قال :قال رسول اهلل ﷺ« :إذا سجد أحدكم ،فال ُ
البعري ،وليضع يديه قبل ركبتيه»( ،)4وهذا عكس حديث وائل ،يقول
احلافظ ابن حجر« :وهو أقوى من حديث وائل(« :)2رأيت رسول اهلل ﷺ
إذا سجد ،وضع ركبتيه قبل يديه»؛ أخرجه األربعة ،فإن لألول شاهدا من
حديث ابن عمر -ريض اهلل عنهام -صححه ابن خزيمة ،وذكره البخاري
معلقا موقوفا»(.)2
وممن يرجح تقديم الركبتني ابن القيم -رمحه اهلل ،-وقد ذهب إىل أن
حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه -مقلوب ،فقال« :فاحلديث -واهلل أعلم-
قد وقع فيه وهم من بعض الرواة؛ فإن أوله ُالف آخره ،فإنه إذا وضع
يديه قبل ركبتيه؛ فقد برك كام يربك البعري؛ فإن البعري إنام يضع يديه
أوال»( ،)1وقال« :كان يقع يل أن حديث أيب هريرة كام ذكرنا مما انقلب عىل
بعض الرواة متنه وأصله ،ولعله« :وليضع ركبتيه قبل يديه»( ،)2هكذا قرر
ابن القيم ،وأطال -رمحه اهلل -يف تقرير القلب يف هذا احلديث ،وأجلب يف
هذه املسألة بكل ما أويت من قوة استدالل ،ونصاعة بيان ،وسعة اطالع.
وبعض العلامء يناقش ابن القيم بام ذكره أهل اللغة من أن ركبتي كل
ذي أربع ،كالبعري يف يديه( ،)3ولو سلمنا بذلك ،فإن هذا ال يل اإلشكال؛
أما كون حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه -مقلوبا ،فال أراه صوابا؛
ألنه لم ينتقد أحد من األئمة متن احلديث؛ فقد كان انتقادهم منصبا عىل
السند دون املتن ،وال أظن أنه توجد يف املتن علة ،وختف عىل األئمة
الكبار ،خاصة أن ما ذكره ابن القيم من كون البعري يربك عىل قائمتيه
األماميتني مما يدركه آحاد الناس؛ فكل إنسان -بام فيهم أئمة احلديث-
يرى البعري يقدم يديه قبل ركبتيه.
وحل اإلشكال يكون بفهم معن الربوك ،فإذا فهمنا معن الربوك
زال اإلشكال ،والربوك هو النزول عىل األرض بقوة؛ بحيث يثور الغبار
ويتفرق احلىص ،فإذا نزل املصيل للسجود بقوة ،وأثار الغبار ،وفرق احلىص
لو كان هناك حىص مثال؛ فيكون قد برك كام يربك البعري ،ثم جاء التوجيه
النبوي« :وليضع يديه قبل ركبتيه» ،وبناء عىل ما سبق يبق حديث أيب
هريرة -ريض اهلل عنه -سليام من القلب فيه؛ فال يكون هناك تعارض بني
( )1إشارة إىل حديث عبد الرمحن بن شبل -ريض اهلل عنه ،-وما يف معناه ،قال« :هن رسول
اهلل ﷺ عن نقرة الغراب ،وافرتاش السبع ،وأن يوطن الرجل املكان يف املسجد ،كام
يوطن البعري» .أخرجه أبو داود ( ،)822والنسائي ( ،)1112وابن ماجه (،)1421
وصححه ابن خزيمة ( ،)222وابن حبان ( ،)2200واحلاكم (.)833
( )2ينظر :منح اجلليل (.)272/1
67 أركــان الصــــالة
ليلة البدر( )1يلزم منه لوازم فاسدة ،ولصار احلديث مضادا لقوله -جال
وعال﴿ :-ليس ك ِمثلِ ِه يشء﴾ [الشورى]11:؛ لكن التشبيه من وجه دون
وجه ،وهو تشبيه للرؤية بالرؤية ال املرئي باملرئي ،والتشبيه هنا :يف النزول
عىل األرض بقوة؛ فاإلنسان إذا فعل ذلك أشبه البعري؛ ولذا يرى بعضهم
التخيري بني الفعلني :بني تقديم اليدين ،وتقديم الركبتني.
أعضاء السجود:
ثم إن السجود يكون عىل األعضاء السبعة؛ امتثاال لألمر الوارد من
ِ
أسجد عىل سبعة أعظم»(،)2اهلل -جال وعال -لنبيه ﷺ يف قولهُ « :أمر ُت أن ُ
واآلمر هنا هو اهلل -جال وعال-؛ ألنه ال يتصور أن ثمة آمرا للنبي ﷺ إال
اهلل ،فإذا قال النبي ﷺ« :أمرت» -كام هنا ،-أو« :هنيت عن قتل
املصلني»( ،)3فاآلمر والناهي هو اهلل -جال وعال ،-بخالف ما لو قال ذلك
الصحايب« :أمرنا» أو «هنينا» فاملتجه هنا أن اآلمر والناهي هو النبي ﷺ،
( )1إشارة إىل حديث جرير بن عبد اهلل -ريض اهلل عنه ،-عن رسول اهلل ﷺ ،أنه قال« :إنكم
سرتون ربكم ،كام ترون هذا القمر ،ال تضامون يف رؤيته .»...أخرجه البخاري
( ،)224ومسلم (.)233
( )2أخرجه البخاري ( ،)812ومسلم ( ،)417من حديث ابن عباس -ريض اهلل عنهام.-
( )3أخرجه أبو داود ( ،)4128عن أيب هريرة -ريض اهلل عنه ،-وسنده ضعيف ،كام قال
النووي يف اخلالصة (ص ،)240 :ولكن له شاهد أخرجه أمحد ( ،)2320عن عبيد
اهلل بن عدي بن اخليار ،وصححه العراقي يف طرح التثريب (.)142/2
صفة الصالة 68
وهو قول اجلمهور ،وهو مفصل يف موضعه(.)1
وكان ﷺ يسجد عىل األرض مبارشة ،وهو األصلُ « :ج ِعلت يل
وطهورا»( ،)4وقد سجد عىل املاء والطني ،كام ثبت هذا يف
ً األرض مسجدً ا
حديث ليلة القدر ،وكانت ليلة إحدى وعرشين(.)2
أنسيتها -أو نسيتها -فالت ِم ُسوها يف العرش األواخر يف الوتر ،وإين رأيت أين أسجد يف
ماء وطني ،فمن كان اعتكف مع رسول اهلل ﷺ ،فلريجع» ،فرجعنا وما نرى يف السامء
قزعة ،فجاءت سحابة فمطرت حت سال سقف املسجد ،وكان من جريد النخل،
وأقيمت الصالة ،فرأيت رسول اهلل ﷺ يسجد يف املاء والطني ،حت رأيت أثر الطني
يف جبهته .أخرجه البخاري ( ،)2712ومسلم (.)1120
( )1اخلمرة -بضم اخلاء وإسكان امليم :-هي السجادة ،وهي ما يضع عليه الرجل جزء
وجهه يف سجوده .ينظر :املعلم بفوائد مسلم ( ،)321/1رشح النووي عىل مسلم
(.)271/3
( )2اخلوص :الواحدة خوصة ،وهي :ورق النخل واملقل والنّارجيل ونحوه .ينظر :العني
( )282/4الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (.)1738/3
( )3إشارة إىل حديث ميمونة -ريض اهلل عنها ،-قالت« :كان النبي ﷺ يصيل عىل اخلمرة».
أخرجه البخاري ( ،)381ومسلم (.)213
( )4إشارة إىل حديث أنس بن مالك -ريض اهلل عنه ،-أن جدته مليكة دعت رسول اهلل ﷺ
لطعام صنعته له ،فأكل منه ،ثم قال« :قوموا فألصل لكم» ،قال أنس :فقمت إىل
ٍ
حصري لنا ،قد اسود من طول ما لبس ،فنضحته بامء ،فقام رسول اهلل ﷺ ،وصففت
واليتيم وراءه ،والعجوز من ورائنا ،فصىل لنا رسول اهلل ﷺ ركعتني ،ثم انرصف.
أخرجه البخاري ( )387ومسلم (.)228
( )2إشارة إىل حديث املغرية بن شعبة قال :كان رسول اهلل ﷺ يصيل عىل احلصري والفروة
املدبوغة .أخرجه أبو داود ( ،)221وصححه ابن خزيمة ( ،)1772واحلاكم ()127
وقال« :صحيح عىل رشط الشيخني» ،وقال الذهبي« :عىل رشط مسلم».
صفة الصالة 70
فهذه أمور ال بأس بالسجود عليها؛ إذا كانت منفصلة عن املصيل.
وأما إن كانت متصلة به ،فيقول ابن القيم« :ولم يثبت عن النبي ﷺ
السجود عىل كور العاممة من حديث صحيح وال حسن ،ولكن روى عبد
الرزاق يف املصنف ،من حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه ،-قال :كان
رسول اهلل ﷺ يسجد عىل كور العاممة( ،)1وهو من رواية عبد اهلل بن حمرر،
وهو مرتوك( ،)2وذكره أبو أمحد الزبريي من حديث جابر -ريض اهلل عنه،-
ولكنه من رواية عمر بن شمر ،عن جابر اجلعفي ،وهو مرتوك ،عن
مرتوك»(.)3
وال يمكن القول :إن حديث جابر -ريض اهلل عنه )4(-يشهد حلديث
أيب هريرة -ريض اهلل عنه-؛ فيكون احلديث حسنا لغريه؛ ألن هذا شأن
احلديث الضعيف مع مثله ،أما هذا احلديث ،ففي إسناده مرتوك؛ فهو
شديد الضعف ،وكذلك احلديث الشاهد له؛ فال يرتقي هذا هبذا ،وال
ينجرب أحدمها باآلخر.
ومما يتعلق هبذه املسألة :السجود عىل الرتبة التي يتخذها بعض
املبتدعة ،وهي الرتبة التي يزعمون أهنا مأخوذة من تراب كربالء ،وال
يصححون الصالة إال بالسجود عليها ،أو ما يقوم مقامها من األرض؛
فرتاهم ال يسجدون عىل الفرش والسجاد ،وإنام يسجدون عىل األرض
مبارشة ،أو يضعون شيئا جيعلونه بمثابة هذه الرتبة من قرطاس ،أو
خوص ،أو ما أشبه ذلك ،وهذه بدعة لم يقل هبا أحد من أهل العلم ممن
يعتد بقوله ،وأيضا :التشبث هبا ،وأهنا من تربة طاهرة مثل كربالء أو ما
أشبهها هو بدعة كذلك؛ فكربالء ليس فيها ما ُصها من نص صحيح،
بل متسك هبا بعض من زاغ يف دينه ،وحاد عن الرصاط املستقيم ،واهلل
املستعان.
أما اليدان ،فاملراد هبام بطون الكفني ،وبطن الكف يشمل الراحة
وبطون األصابع ،فيضم األصابع إىل بعضها ويوجهها نحو القبلة ،ففي
صحيح ابن حبان« :كان رسول اهلل ﷺ إذا سجد ،ضم أصابعه»()1؛ ألهنا
تكون إذا ضمت ،مستقبلة القبلة ،وإذا فرجت ،اجتهت إىل جهات متعددة؛
( )1أخرجه ابن خزيمة ( ،)242وابن حبان ( ،)1127واحلاكم ( ،)822من حديث وائل
بن حجر -ريض اهلل عنه.-
صفة الصالة 72
فاملطلوب ضمها ليستقبل هبا القبلة.
وقد يتاج بعض الناس إىل رفع إحدى القدمني ليحك هبا األخرى
مثال ،فإذا استمر هذا الرفع بحيث استوعب السجود كله ،ففي صحة
سجوده نظر ،فبعض أهل العلم يبطل السجود بمثل هذا( ،)1لكن إن حكها
وأعادها ،فال بأس؛ ألهنا حركة يسرية معفو عنها إن شاء اهلل تعاىل.
وتكون أصابع القدمني إىل جهة القبلة إن أمكن ذلك ،وإال فبعض
كبار السن يصل عندهم تصلب يف األصابع؛ فال يتمكنون من استقبال
القبلة هبا.
اجملافاة يف السجود:
كان ﷺ إذا سجد ،مكن جبهته وأكفه من األرض ،ونح يديه عن
جنبيه ،وجاىف هبام حت يرى بياض إبطيه ولو شاءت هبمة -وهي :الشاة
الصغرية -أن متر حتتهام ،ملرت( ،)4فكان ﷺ يبالغ يف املجافاة ،ويف صحيح
نفسك»(.)1
واختلف أهل العلم يف املفاضلة بني طول القيام وطول السجود عىل
قولني:
وثمرة هذا اخلالف :أن من أراد الصالة ملدة ساعة مثال ،فإن كان
يقول بتفضيل طول القيام ،فسيشغل معظم الوقت بالقيام ،فيكثر من
القراءة ،وُفف من أذكار السجود ،وإن كان يذهب إىل تفضيل السجود،
فسيخفف القراءة ،ويطيل السجود ،فينطرح وينكرس بني يدي ربه،
ويطرق بابه متلذذا بمناجاته حال ما يكون إليه أقرب ،وهو :السجود.
لكن الذي حرره مجع من أهل العلم :أن القيام أفضل بذكره،
والسجود أفضل هبيئته؛ فاألمر عائد لام يميل إليه املصيل ويرتاح فيه أكثر؛
فبعض الناس يتلذذ بطول القراءة ،ويض عندها قلبه أكثر من حضوره
حال السجود؛ فيقال ملثل هذا :أطل القيام ،وبعضهم إذا قرأ وأطال القيام،
رشد ذهنه ،وغفل قلبه ،ولو سجد أكثر من الذكر والدعاء ،وحض قلبه،
وخشعت جوارحه ،فيقال ملثل هذا :أطل السجود؛ ولهذا عىل اإلنسان أن
وكان ﷺ إذا سجد ،ال يفرتش ذراعيه ،بل كان جيافيهام كام سبق ،بل
هن عن ذلك؛ فقال ﷺ« :وال يف ِتش أحدكم ذراعيه افتاش الكلب»(،)2
ويف رواية« :افتاش الس ُب ِع»( .)3وبعض الناس يفرتش ذراعيه عند سجوده
عندما يكون مرهقا؛ لرييح يديه بذلك ،وهذا يدخل يف النهي كذلك ،فإن
احتاج املصيل إىل ما يسند يديه إليه ،فليضع أطرافهام عىل ركبتيه ،وجاء يف
ذلك ما يدل عىل مرشوعيته عند احلاجة (.)4
الرفع من السجود:
ثم يرفع من السجود مكربا ،وثبت هذا التكبري من فعله ﷺ( ،)1وأمر
بذلك امليسء يف صالته( ،)2وهذا التكبري مع بقية التكبريات -عدا تكبرية
اإلحرام -يسم :تكبري االنتقال ،وهو واجب عند احلنابلة( ،)3وسنة عند
غريهم(.)4
( )1ثبت هذا من عدة أحاديث ،منها :حديث أيب سلمة ،عن أيب هريرة ،أنه كان« :يصيل
هبم ،فيكرب كلام خفض ،ورفع» ،فإذا انرصف ،قال :إين ألشبهكم صالة برسول اهلل
ﷺ .أخرجه البخاري ( ،)082ومسلم (.)312
( )2تقدم خترجيه (ص.)12 :
( )3ينظر :املغني البن قدامة (.)322/1
( )4ينظر :املبسوط للرسخيس ( ،)227/1رشح خمترص خليل للخريش (،)371 /1
روضة الطالبني وعمدة املفتني (.)227 /1
79 أركــان الصــــالة
الرفع ،بل رصحوا بعدمه ،وقالوا :كان ال يرفع يديه إذا هوى
للسجود(.)2()1
***
( )1كام يف حديث ابن عمر -ريض اهلل عنهام -يف البخاري (« :)032وكان ال يفعل ذلك يف
السجود».
( )2ينظر :فتح الباري البن رجب ( ،)324/2حاشية السندي عىل النسائي (.)1788
صفة الصالة 80
وكان ﷺ يضع يديه عىل فخذيه ،وجيعل مرفقه عىل فخذه ،وطرف
( )1إشارة إىل حديث طاووس ،أنه قال :قلنا البن عباس يف اإلقعاء عىل القدمني ،فقال:
هي السنة ،فقلنا له :إنا لنراه جفاء بالرجل ،فقال ابن عباس :بل هي سنة نبيك ﷺ.
أخرجه مسلم (.)232
( )2إشارة إىل حديث عائشة -ريض اهلل عنها ،-وفيه« :وكان إذا رفع رأسه من السجدة ،مل
يسجد حت يستوي جالسا ،وكان يقول يف كل ركعتني التحية ،وكان يفرش رجله
اليرسى ،وينصب رجله اليمن ،وكان ينه عن عقبة الشيطان ،وينه أن يفرش
الرجل ذراعيه افرتاش السبع ،وكان ُتم الصالة بالتسليم» ،ويف رواية« :عقب
الشيطان» .أخرجه مسلم (.)418
( )3ينظر :نيل األوطار (.)327-311/1
81 أركــان الصــــالة
يده عىل ركبته ،وكان يطمئن يف هذه اجللسة ،بل كان يطيلها حت تكون
قريبا من سجدته ،بل قد يمكث أحيانا حت يقول القائل :قد نيس( ،)1كل
هذا ثابت عنه ﷺ.
يقول ابن القيم -رمحه اهلل« :-وكان يضع يديه عىل فخذيه ،وجيعل
مرفقه عىل فخذه ،وطرف يده عىل ركبته ،ويقبض ثنتني من أصابعه ويلق
حلقة ثم يرفع إصبعه ،يدعو هبا ويركها»؛ هكذا قال وائل بن حجر
عنه(.)2
وأما حديث أيب داود ،عن عبد اهلل بن الزبري« :أن النبي ﷺ كان
يشري بإصبعه إذا دعا وال يركها»(- )3يعني :يرفعها فقط -فهذه الزيادة يف
صحتها نظر ،وقد ذكر مسلم احلديث -حديث ابن الزبري -بطوله يف
صحيحه ،عنه ،ولم يذكر هذه الزيادة ،بل قال :كان رسول اهلل ﷺ إذا قعد
يف الصالة ،جعل قدمه اليرسى بني فخذه وساقه ،وفرش قدمه اليمن ،
ووضع يده اليرسى عىل ركبته اليرسى ،ووضع يده اليمن عىل فخذه
وأيضا :فليس يف حديث أيب داود عنه :أن هذا كان يف الصالة.
هذه اجللسة للدعاء ،وقد جاء فيها أدعية حمفوظة عن النبي ﷺ،
كقوله« :رب اغفر يل ،وارمحني ،واج ُربين ،واهدين ،وعافني ،وارزقني»(،)4
وربام كرر« :رب اغفر يل ،رب ِ
اغفر يل»(.)2
فيجلس مفرتشا رجله اليرسى ،مقبال بصدر اليمن عىل القبلة ،أي:
يفرش اليرسى وجيلس عليها ،وينصب اليمن ،فيكون ظهرها إىل القبلة.
وهذه اجللسة فيام بني السجدتني ،ويف التشهد األول ،وجاء يف حديث ابن
عباس -ريض اهلل عنهام« :-أنه نصب رجليه ،وقال :هي السنة»( ،)1لكن
السنة ليست حمصورة يف هذا؛ لام جاء يف األدلة األخرى من االفرتاش.
***
( )1إشارة إىل ما أخرجه مسلم ( ،)232عن طاووس ،أنه قال :قلنا البن عباس يف اإلقعاء
عىل القدمني؟ فقال« :هي السنة» ،فقلنا :إنا لنراه جفاء بالرجل ،فقال« :بل هي سنة
نبيك ﷺ».
صفة الصالة 84
( )1ففي البخاري ( ،)001عن عبد اهلل بن أيب قتادة ،عن أبيه« :أن النبي ﷺ كان يطول يف
الركعة األوىل من صالة الظهر ،ويقرص يف الثانية ،ويفعل ذلك يف صالة الصبح».
85 أركــان الصــــالة
ثم رفع ،فقام قياما طويال وهو دون القيام األول ،ثم ركع ركوعا طويال
وهو دون الركوع األول ،ثم رفع ،فسجد سجودا طويال ،ثم قام ،فقام
قياما طويال وهو دون القيام األول ،ثم ركع ركوعا طويال وهو دون
الركوع األول ،ثم قام قياما طويال وهو دون القيام األول ،ثم ركع ركوعا
طويال وهو دون الركوع األول ،ثم سجد وهو دون السجود األول ،ثم
انرصف»(.)1
ففي صالة الكسوف أربعة قيامات ،وأربعة ركوعات ،وأربع
سجدات؛ هذا املتفق عليه يف الصحيحني -وإن جاء يف صحيح مسلم
ثالثة ركوعات( ،)2وأربعة( ،)3وجاء يف غريه مخسة( ،-)4فقول عائشة -ريض
اهلل عنها« :-وهو دون القيام األول» يتمل أن يكون املراد باألول :األولية
املطلقة ،وهو أول قيام ،فيكون ما عداه من القيامات الثالثة دون القيام
األول؛ وعليه ال يلزم أن يكون كل قيام دون الذي قبله ،وكذلك احلال يف
الركوع والسجود .فإذا قرأ يف قيام األول البقرة ،فليقرأ يف الثاين آل عمران
( )1أخرجه البخاري ( ،)1722ومسلم ( ،)173من حديث عائشة -ريض اهلل عنها.-
( )2أي :يف كل ركعة .أخرجه مسلم ( ،)174من حديث جابر -ريض اهلل عنه ،-وأخرجه
أيضا ( ،)171من حديث عائشة -ريض اهلل عنها.-
( )3أي :يف كل ركعة .أخرجه مسلم ( ،)178من حديث ابن عباس -ريض اهلل عنهام.-
( )4أخرجه أبو داود ( ،)1182من حديث أيب بن كعب -ريض اهلل عنه ،-وأخرجه احلاكم
يف املستدرك ( ،)1230وقال« :رواته صادقون».
صفة الصالة 86
مثال ،ويف الثالث النساء؛ ألن سورة النساء دون سورة البقرة؛ فيكون
القيام الثالث دون القيام األول ،ويقرأ مثال يف الرابع باألعراف؛ فالقيام يف
الثالث الركعات متقارب ،لكن يفوقه القيام األول طوال.
لكن إذا قلنا :املراد باألول :األولية النسبية ،أي :أن كل ركوع أول
بالنسبة للذي يليه ،فالركوع الثاين أول بالنسبة للثالث ،والركوع الثالث
أول بالنسبة للرابع ،وهكذا ،فالصالة صارت متدرجة.
وعىل هذا االحتامل -وهو األولية النسبية -إذا قرأ يف الثاين آل
عمران فيقرأ يف القيام الثالث سورة يونس -مثال ،-ثم يف القيام الرابع
يقرأ سورة يس مثال؛ لتكون الصالة متدرجة ،ويكون كل قيام دون الذي
قبله.
توقيفية ،فإذا لم يكن السجود الرابع أقل من الثالث ،فأقل األحوال أن
يكون مثله.
جلسة االسرتاحة:
إذا انته املصيل من السجدة الثانية ،وأراد القيام إىل الركعة الثانية
أو الرابعة ،يكرب غري رافع يديه ،وجيلس جلسة خفيفة؛ فقد جاء يف
الصحيح ،عن أيب قالبة؛ أنه قال :جاءنا مالك بن احلويرث يف مسجدنا
هذا ،فقال« :إين ألصيل بكم وما أريد الصالة ،أصيل كيف رأيت النبي ﷺ
يصيل» ،فقلت أليب قالبة :كيف كان يصيل؟ قال :مثل شيخنا هذا -يعني:
عمرو بن سلمة اجلرمي ،-قال :وكان شيخا ،جيلس إذا رفع رأسه من
السجود ،قبل أن ينهض يف الركعة األوىل(.)1
ويف رواية« :وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية ،جلس واعتمد عىل
األرض ،ثم قام»(.)2
ويف رواية عنه -أي :عن مالك بن احلويرث -أنه رأى النبي ﷺ
يصيل ،فإذا كان يف وتر من صالته ،لم ينهض حت يستوي قاعدا(،)3
وقوله« :يف وتر من صالته» ،أي :يف الركعة األوىل أو الثالثة.
وإذا كان هذا بالنسبة لإلمام ،فاملأموم كذلك؛ ألنه يقتدي باإلمام؛
حلديث« :إنام ُج ِعل اإلمام ليؤتم به؛ فال ختتلفوا عليه»(.)4
وقالوا :إن مما يدل عىل عدم استحباهبا :أنه لم يرشع فيها ذكر ،وال
ُلو فعل من أفعال الصالة من ذكر مرشوع ،وهذا يدل عىل أهنا ليست
مرشوعة( ،)1وقد أطال ابن القيم -رمحه اهلل -يف تقرير ذلك ،وتوصل إىل
أهنا إنام تفعل عند احلاجة(.)2
ثان ًيا :كون جلسة االسرتاحة لم تنقل إال من طريق مالك بن
احلويرث غري مسلم؛ فقد بني ابن القيم وابن حجر أهنا جاءت يف بعض
طرق حديث أيب محيد الذي وصف صالة النبي ﷺ بحضة عرشة من
الصحابة( ،)4وكذلك نص ابن حجر يف التلخيص عىل أهنا جاءت يف بعض
طرق حديث امليسء(.)2
ثال ًثا :هي جلسة خفيفة؛ ولهذا ال يرشع فيها ذكر ،وعدم مرشوعية
قد يقول قائل :هذا فعل زائد يرتتب عليه التأخر عن اإلمام ،وتفوته
القراءة ،ف ُيجاب :بأنه ال يرتتب عليه يشء ،وهذا جمرب؛ فكم من الناس
من يفعلها وال يفوته يشء ،وإن فاته ،فيفوته بمقدار آية ،أي :بمقدار أن
هلل رب العاملِني﴾.
يقول اإلمام﴿ :احلمدُ ِ
وهنا سؤال :إذا جلس اإلمام لالسرتاحة ،فمت يكرب؛ إذ لو كرب مع
رفع رأسه ،فسيسبقه بعض املأمومني؟
الصورة يكون تكبريه أثناء قيامه؛ ألن هذا هو االنتقال إىل الركن الذي
يليه؛ إذ لو كرب قبل ذلك ،فسينهض قبله املأمومون الذين ال جيلسون هذه
اجللسة.
أما تسمية هذه اجللسة بجلسة االسرتاحة ،فغري ظاهرة؛ فكون
الفقهاء سموها جلسة اسرتاحة ،وليس يف النصوص ما يدل عىل هذه
التسمية ،إنام دفعهم لذلك تصورهم أن فيها اسرتاحة ،وأنه إنام يفعلها من
يتاج إليها لريتاح ويسهل عليه االنتقال إىل القيام ،والصواب :أهنا ليست
كذلك ،فهي جلسة خفيفة ،ليست طويلة بحيث يرتاح فيها املصيل،
والظاهر أن األسهل للمصيل إذا أراد القيام من السجود أن يقوم مبارشة،
ال أن جيلس ثم يقوم؛ ولهذا كان القول بأن النبي ﷺ فعلها لكونه ثقل ،أو
أنه جيوز فعلها حلاجة ،غري ظاهر؛ إذ األيرس ملن كانت حاله هكذا -بأن
كان يعاين ثقال يف بدنه ،أو أملا يف ركبتيه -أن ينهض مبارشة ،ال أن جيلس
ثم يقوم؛ ألن جلوسه زيادة عبء ،فالرجل يف السجود ال تكون منثنية
متاما؛ ولذا يكون النهوض مبارشة أسهل ،وهذا بخالف أن تكون منثنية
يف اجللوس ثم تفرد عند القيام.
وأما حديث« :أن النبي ﷺ كان يقوم كهيئة العاجن» ،ويف بعض
األلفاظ« :العاجز» ،فهذا احلديث رواه أبو إسحاق احلريب( ،)2ومعناه عند
البيهقي( )3بسند قواه وأثبته واعتمد عليه بعضهم ،واألكثر عىل عدم
( )1صحيح البخاري ( ،)824من حديث مالك بن احلويرث -ريض اهلل عنه.-
( )2غريب احلديث للحريب (.)222/2
( )3أخرجه البيهقي يف الكربى ( ،)2232عن األزرق بن قيس ،قال« :رأيت ابن عمر إذا
قام من الركعتني ،اعتمد عىل األرض بيديه ،فقلت لولده وجللسائه :لعله يفعل هذا من
الكرب ،قالوا :ال ،ولكن هذا -كذا ،ولعله :هكذا -يكون».
93 أركــان الصــــالة
ثبوته( ،)1والظاهر أنه إذا قام عىل يديه عىل القول بتقديم اليدين عىل
الركبتني يف السجود ،سواء مجعهام كالعاجن ،أو بسطهام لالعتامد عليهام،
فال فرق اللهم ،إال إن صحت رواية احلريب.
***
التشهُّــــد
صفة اجللوس للتشهد:
ثم يفعل يف الركعة الثانية مثل ما فعل يف األوىل ،إال أهنا أقرص منها،
فإذا فرغ من السجدة الثانية من الركعة الثانية ،جلس للتشهد ،فإن كانت
الصالة ثنائية ،جلس مفرتشا كام جيلس بني السجدتني ،ومثله التشهد
األول من الثالثية والرباعية؛ ففي حديث عائشة -ريض اهلل عنها« :-وكان
يقول يف كل ركعتني التحية ،وكان يفرش رجله اليرسى ،وينصب رجله
اليمن »(.)1
يقول ابن القيم -رمحه اهلل« :-فإذا جلس للتشهد ،وضع يده اليرسى
عىل فخذه اليرسى ،ووضع يده اليمن عىل فخذه اليمن ،وأشار بإصبعه
السبابة ،وكان ال ينصبها نصبا وال ينيمها ،بل ينيها شيئا ويركها شيئا،
كام تقدم يف حديث وائل بن حجر يركها يدعو هبا ،وكان يقبض إصبعني،
مها :اخلنرص والبنرص ،ويلق حلقة بالوسط مع اإلهبام ،ويرفع السبابة
يدعو هبا ،ويرمي ببرصه إليها ،ويبسط الكف اليرسى عىل الفخذ اليرسى
ويتحامل عليها»(.)1
وقد رأى النبي ﷺ رجال يدعو بإصبعيه اليمن واليرسى ،فقال له
ﷺ« :أحد أحد» ،وأشار بالسبابة( ،)2يعني :أرش بواحدة؛ ألهنا إشارة إىل
الوحدانية؛ ولذا ترفعها يف التشهد عند قولك« :أشهد أن ال إله إال اهلل»،
واحلديث رواه أبو داود ،والنسائي ،واحلاكم وابن أيب شيبة ،وسنده ال
بأس به.
حكم التشهد األول:
صيغ التشهد:
ورد التشهد عن النبي ﷺ بألفاظ متعددة ،وهي:
وذهب بعض أهل العلم إىل أن االختالف بني هذه الصيغ اختالف
تنوع ،وليس اختالف تضا يد ،وعىل هذا :يراوح بينها؛ فمرة يتشهد املصيل
بتشهد ابن مسعود ،ومرة بتشهد ابن عباس ،ومرة بتشهد ابن عمر ،ومرة
( )1وصيغته« :التحيات هلل ،الصلوات الطيبات ،السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل،
السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني ،أشهد أن ال إله إال اهلل ،وأشهد أن حممدا عبده
ورسوله» .أخرجه أبو داود ( ،)102وصححه الدارقطني يف سننه (.)321/1
( )2وصيغته « :التحيات هلل ،الزاكيات هلل ،الطيبات الصلوات هلل ،السالم عليك أهيا النبي
ورمحة اهلل وبركاته ،السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني ،أشهد أن ال إله إال اهلل،
وأشهد أن حممدا عبده ورسوله» .أخرجه مالك يف املوطأ ( ،)23والبيهقي يف الكربى
( ،)2222وصححه احلاكم (.)101
( )3وصيغته« :التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات هلل ،أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال
رشيك له ،وأن حممدا عبده ورسوله ،السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل وبركاته،
السالم علينا وعىل عباد اهلل الصاحلني» .أخرجه مالك يف املوطأ ( ،)272والبيهقي يف
الكربى ( ،)2224وجود ابن امللقن إسناده يف البدر املنري (.)32/4
( )4ينظر :اإلنصاف (.)20/2
صفة الصالة 98
بتشهد أيب موس -ريض اهلل عنهم ،-وهكذا .كام قيل يف دعاء االستفتاح؛
ألن دعاء االستفتاح ورد عىل صيغ متعددة ،فاختلف أهل العلم يف
التفضيل بينها ،وذهب آخرون إىل أن اختالفها اختالف تنوع ،فيؤت
بصيغة أحيانا ،وبأخرى أحيانا ،ويؤت بصيغة يف نافلة ،وبأخرى يف
فريضة ،وبغريمها يف قيام الليل ،وهذا الفعل جيعل املسلم يفظ ما ورد عن
النبي ﷺ ويض قلبه حينام يقرأ دعاء االستفتاح أو التشهد؛ ألنه حني
يستمر عىل دعاء بعينه يصري له عادة ،فال يض قلبه يف كثري من األحيان؛
فاإلنسان إذا اعتاد شيئا ،أت به دون استحضار قلب ،وكذلك يف التشهد،
لكن إذا كان يراوح بني األذكار ،فإنه يف الغالب يض قلبه ،ويستشعر
معن ما يقول.
اختلف أهل العلم فيام إذا أت املصيل بالتشهد األول؛ هل يصيل عىل
النبي ﷺ ،أو ال يصيل عليه؟
( )1وهذا قول الشافعية ،واستحبوا سجود السهو عند تركها .ينظر :روضة الطالبني
( ،)223/1املجموع (.)122/4
( )2وهبذا قال اجلمهور .ينظر :املبسوط ( ،)21/1منح اجلليل ( ،)243/1املجموع
99 أركــان الصــــالة
بام رواه أبو عبيدة ،عن أبيه ،عن النبي ﷺ :أنه كان يف الركعتني األوليني
كأنه عىل الرضف( ،)1وهي :احلجارة املحامة( ،)2يعني :كان ُفف هذا
التشهد بقدر اإلمكان ،واحلديث يف ثبوته كالم ألهل العلم( ،)3فإذا صىل
عىل النبي ﷺ يف التشهد األول السيام إذا كان مأموما ،وأطال اإلمام ،فال
بأس؛ فاألمر فيه سعة.
بالقبول ،واإلمام احلافظ ابن حجر -رمحه اهلل -يقول« :وهذا التلقي وحده
أقوى يف إفادة العلم من جمرد كثرة الطرق القارصة عن التواتر»()1؛ ولهذا:
فمن يسمع هذا احلديث ،ويعلم أنه يف صحيح البخاري ،فال مندوحة له
عن العمل به ،إال إذا كان مقلدا فالواجب عليه سؤال أهل العلم ،كام قال
سبحانه﴿ :فاسأ ُلوا أهل الذك ِر﴾ [النحل ،43:األنبياء ،]0:فال يكلف البحث
يف الكتب ،والنظر يف الراجح واملرجوح؛ فهذا مما ال يطيقه ،ولو صح منه،
لام وجد عوام قط ،ولكان الناس مجيعا علامء أو طالب علم؛ وعليه :فإن
العامي الذي يقلد اإلمام أمحد ،تربأ ذمته بذلك ،وال يلزمه تقليد غريه،
لكن لو قيل له من باب املشورة :إن اإلمام البخاري خرج احلديث فهو
أيضا من مواضع الرفع ،فلو رفعت لكان أحوط لك ،فال بأس ،فإن
أجابك بأن اإلمام لم يرتجح هذا عنده ،فال نلزمه بقول إمام آخر.
وبعد أن يقوم املصيل للركعة الثالثة والرابعة يصليهام كام صىل األوىل
والثانية ،إال يف القراءة؛ فيقترص فيهام عىل سورة الفاحتة ،وقد جاء ما يدل
عىل أن النبي ﷺ زاد عىل الفاحتة يف صاليت الظهر والعرص يف الركعة الثالثة
والرابعة(.)2
عرشة آية ،ويف األخريني قدر نصف ذلك» .أخرجه مسلم (.)422
103 أركــان الصــــالة
وذهب اإلمام أبو حنيفة :إىل القول باالفرتاش يف التشهدين ،ولم ير
التورك(.)3
( )1إشارة إىل حديث أيب محيد الساعدي ،يف صفة صالة النبي ﷺ ،وفيه« :وإذا جلس يف
الركعة اآلخرة ،قدم رجله اليرسى ،ونصب األخرى ،وقعد عىل مقعدته» .أخرجه
البخاري ( ،)828وأخرج مسلم ( ،)201وأبو داود ( :)124نحوه ،من حديث الزبري
بن العوام -ريض اهلل عنه.-
( )2ينظر :أسن املطالب ( ،)124/1املغني (.)382/1
( )3ينظر :الهداية (.)23/1
صفة الصالة 104
االفرتاش فيهام( ،)1واستحباب التورك يف التشهد األخري فقط هو الراجح،
وهو الذي دلت عليه النصوص.
وعند اجللوس يأيت املصيل بالتشهد كام سبق بيانه ،ثم بعد ذلك
يصيل عىل النبي ﷺ بالصيغة الواردة« :اللهم صل عىل حممد وعىل آل
حممد ،كام صليت عىل إبراهيم ،وعىل آل إبراهيم ،وبارك عىل حممد وعىل
آل حممد ،كام باركت عىل إبراهيم وعىل آل إبراهيم» جاءت بعض
الروايات هبذا( ،)1وبعضها اقترص فيها عىل اآلل« :اللهم صل عىل حممد،
وعىل آل حممد ،كام صليت عىل آل إبراهيم ،وبارك عىل حممد ،وعىل آل
حممد ،كام باركت عىل آل إبراهيم»( ،)2وإبراهيم يدخل ضمن اآلل؛
فالشخص يدخل يف آله دخوال أوليا ،كام يف قوله -جال وعال﴿ :-ويوم
ت ُقو ُم الساع ُة أد ِخ ُلوا آل فِرعون أشد العذ ِ
اب﴾ [غافر]42:؛ فليس املعن :أن
آل فرعون يدخلون أشد العذاب ،دون فرعون! وكذلك النبي حممد ﷺ
داخل يف آل إبراهيم.
فال يقال :إن األصل أن يكون املشبه وهو حممد ﷺ أضعف من
واملشبه به وهو إبراهيم وآل إبراهيم.
( )1أخرجها البخاري ( ،)3307من حديث كعب بن عجرة -ريض اهلل عنه.-
( )2أخرجها مسلم ( ،)472من حديث أيب مسعود األنصاري -ريض اهلل عنه.-
صفة الصالة 106
فيتم مثال بقولنا« :صىل اهلل عليه وسلم».
أما االحتجاج بحديث كعب بن عجرة -ريض اهلل عنه :-قلنا :يا
رسول اهلل ،قد علمنا كيف نسلم عليك؛ فكيف نصيل عليك؟ قال:
«فقولوا :اللهم صل عىل حممد ،وعىل آل حممد ،كام صليت عىل آل
إبراهيم ،إنك محيد جميد ،اللهم بارك عىل حممد ،وعىل آل حممد ،كام باركت
عىل آل إبراهيم ،إنك محيد جميد»(.)1
فيجاب :بأن هذا احلديث نص عىل بعض أفراد العام؛ فالصالة عىل
النبي ﷺ لها صيغ متعددة ،وكون النبي ﷺ نص عىل بعض الصيغ ،ال
يعني لزومها؛ فتفسري العام ببعض أفراده ال يقتيض التخصيص ،وإال
للزمنا أنه كلام ذكر اسم النبي ﷺ أن نصيل عليه الصالة الواردة يف التشهد
كاملة ،وليس األمر كذلك ،ونظري هذا تفسري النبي ﷺ القوة بالرمي يف
قوله تعاىل﴿ :وأ ِعده وا َُلم ما استطعتُم ِمن ُقو ٍة﴾ [األنفال ،]27:فقال ﷺ:
«أال إن القوة الرمي»( ،)2فليس معن هذا :أننا ال نستعد للعدو إال بالرمي،
ونرتك الوسائل األخرى ،وإنام هو تفسري للعام ببعض أفراده؛ فال يقتيض
التخصيص.
الصحب عظيم كذلك ،كحق اآلل؛ فهم الذين حفظ اهلل هبم الدين ،وهم
الذين نرشوه؛ فبواسطتهم وصل إلينا ،فإذا صلينا عىل النبي ﷺ خارج
الصالة ،فلنا أن نعطف اآلل والصحب ،رغم أن أصل امتثال اآلية يتم
بدوهنام ،لكن لام لهام من احلق نصيل عليهام مجيعا ،وال ينبغي -خارج
الصالة -أن نقترص عىل اآلل؛ ألن هذا صار شعارا لطائفة من املبتدعة ،كام
عة آخرين ،بل نجمع أنا ال نقترص عىل الصحب؛ ألنه صار شعارا ملبتد ٍ
بينهام؛ وهذا هو مذهب أهل السنة واجلامعة :تويل من تواله اهلل -جال
وعال -من خيار هذه األمة من آل النبي ﷺ املتبعني له الطيبني الطاهرين،
ومن صحابته الكرام الغر امليامني.
ثم بعد الصالة عىل النبي ﷺ يستعيذ املصيل باهلل من أربع ،كام ورد
يف السنة؛ فقد جاء من حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه ،-عن رسول اهلل
ﷺ« :إذا فرغ أحدكم من التشهد اآلخر ،فليتعوذ باهلل من أربع :من
عذاب جهنم ،ومن عذاب القرب ،ومن فتنة املحيا واملامت ،ومن رش املسيح
الدجال»(.)1
وهل يقول املصيل ما ورد يف حديث معاذ -ريض اهلل عنه-؛ حيث
قال له النبي ﷺ« :يا معا ُذ إين أحبك؛ فال تدع أن تقول يف دبر كل صالة:
وحس ِن عبادتك»( )4يف هذا املوضع ،أو
اللهم أعني عىل ذكرك وشكرك ُ
يقول هذا الذكر بعد السالم؟ ومثله األذكار التي تقال أدبار الصلوات؛
كالتسبيح ثالثا وثالثني ،والتحميد ثالثا وثالثني ،والتكبري ثالثا وثالثني،
واخلتم بال إله إال اهلل( ،)1إلخ ،ذلك أن لفظ« :دبر» يف احلديث يشمل ما
كان متصال باليشء؛ كدبر الدابة ،وما كان منفصال ،فيحتمل الوجهني؛
ولهذا إن أطال اإلمام ،فال بأس أن يقول املصيل« :اللهم أعني عىل ذكرك
وشكرك وحسن عبادتك» ،وإن أخره إىل ما بعد السالم ،فال بأس أيضا،
واملسألة فيها سعة ،أما القاعدة التي قعدها شيخ اإلسالم ،وهي أن
األدعية حملها داخل الصالة ،واألذكار خارجها( ،)2فمنتقضة؛ ألن الصالة
مملوءة باألذكار ،كام أن هناك أدعية بعد السالم ،فمام حفظ عنه ﷺ بعد
انرصافه من صالته« :رب ِقن ِي عذابك ،يوم تبعث عبادك»(.)3
***
( )1إشارة إىل حديث أيب هريرة -ريض اهلل عنه -عن رسول اهلل ﷺ« :من سبح اهلل يف دبر
كل صالة ثالثا وثالثني ،ومحد اهلل ثالثا وثالثني ،وكرب اهلل ثالثا وثالثني ،فتلك تسعة
وتسعون ،وقال متام املائة :ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له ،له امللك وله احلمد ،وهو
عىل كل يشء قدير -غفرت خطاياه ،وإن كانت مثل زبد البحر» .أخرجه مسلم
(.)210
( )2ونص كالمه كام يف جمموع الفتاوى (« :)211/22أما دعاء اإلمام واملأمومني مجيعا
عقيب الصالة ،فهو بدعة مل يكن عىل عهد النبي ﷺ ،بل إنام كان دعاؤه يف صلب
الصالة ،فإن املصيل يناجي ربه ،فإذا دعا حال مناجاته له ،كان مناسبا .وأما الدعاء بعد
انرصافه من مناجاته وخطابه ،فغري مناسب ،وإنام املسنون عقب الصالة هو الذكر
املأثور عن النبي ﷺ من التهليل والتحميد والتكبري».
( )3أخرجه مسلم ( ،)071من حديث الرباء -ريض اهلل عنه.-
صفة الصالة 110
التسليــــم
ثم بعد ذلك :التسليم الذي هو حتليل الصالة ،وهو ركن من أركاهنا
عند مجهور أهل العلم( ،)1خالفا أليب حنيفة( ،)2فيسلم املصيل عن يمينه
قائال« :السالم عليكم ورمحة اهلل» ،حت يرى بياض خده األيمن ،كام كان
يفعل ﷺ( ،)3ثم يسلم عن يساره قائال« :السالم عليكم ورمحة اهلل» ،حت
يرى بياض خده األيرس.
( )1ينظر :املعونة عىل مذهب عامل املدينة (ص ،)222 :املجموع رشح املهذب (/3
،)403املغني (.)312/1
( )2هو عندهم واجب .ينظر :بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع ( ،)114/1اهلداية يف
رشح بداية املبتدي (.)24/1
( )3إشارة إىل حديث عامر بن سعد ،عن أبيه ،قال« :كنت أرى رسول اهلل ﷺ يسلم عن
يمينه وعن يساره ،حت أرى بياض خده» .أخرجه مسلم (.)282
( )4إشارة إىل حديث وائل بن حجر -ريض اهلل عنه ،-قال« :صليت مع النبي ﷺ ،فكان
يسلم عن يمينه :السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ،وعن شامله :السالم عليكم ورمحة
اهلل» .أخرجه أبو داود (.)110
( )2منهم :النووي يف املجموع ( ،)401/3واحلافظ يف بلوغ املرام (.)327
111 أركــان الصــــالة
تثبت عن النبي ﷺ( ،)1وبعضهم جييز فعلها أحيانا عمال هبذه الرواية(.)2
***
اخلاتمة
هذا ما تيرس ذكره ،ومسائل الصالة كثرية ،واحلاجة إىل بسطها داعية
لعموم طالب العلم وعامة املسلمني؛ ألن كل مسلم مطالب بأن يصيل صالة
النبي ﷺ ،كام قال ﷺ« :ص هلوا كام رأيتموين أصيل»(.)1
واهلل أعلم ،وصىل اهلل وسلم وبارك عىل عبده ورسوله نبينا حممد
وعىل آله وصحبه أمجعني.
***