Professional Documents
Culture Documents
( )1كتاب اإلمارة ،باب فضل الرباط يف سبيل الله عز وجل ،رقم ( ،)1913من
حديث سلمان الفارسي رضي اهلل عنه.
3 مقرر األسبوع الرابع عشر
( )1رواه النسائي ،كتاب الجنائز ،الشهيد ،رقم ( ،)2053عن رجل من أصحاب
النبي صىل اهلل عليه وسلم.
( )2كما يف حديث أنس رضي اهلل عنه ،وفيه...« :وأما المنافق والكافر فيقال له:
ما كنْت تقول في هذا الرجل؟ فيقول :ال أ ْدري كنْت أقول ما يقول الناس ،فيقال:
ال در ْيت وال تل ْيت ،وي ْضرب بمطارق م ْن حديد ض ْرب ًة ،فيصيح ص ْيح ًة ي ْسمعها
البخاري ،كتاب الجنائز ،باب ما جاء يف عذاب
ُّ م ْن يليه غ ْير الثقل ْين .»...رواه
القبر ،رقم (.)1374
شرح العقيدة الواسطية 4
وأما الكافر فذهب بعض أهل العلم إىل أنه ال يسأل وإنما يعذب
()1
-والعياذ بالله -من غير سؤال؛ ألن هذه الفتنة للتمحيص وهو ليس
أهالً للتمحيص.
ما هي هذه الفتنة؟
قالَ ( :في َقال لِ َّلرج ِل) وكذا للمرأةَ ( :م ْن َر ُّب َك؟ َو َما ِدين َك؟ َو َم ْن
َنبِ ُّي َك؟) فهذه الفتنة العظيمة بثالثة أسئلة من ملك ْين عىل اإلنسان بمفرده
يف قبره ،وهذه األمور الثالثة هي أساس الدين :الر ُّب ،الدِّ ين ،الن ُّبي عليه
الصالة والسالم ،والن ُّبي عليه الصالة والسالم لما دفن عثمان بن مظعون
«است ْغفروا ألخيك ْم وسلوا له بالت ْثبيت؛ فإنه ْاْلن ي ْسأل»()2؛ أي :أن
قالْ :
سؤال الملكين للم ِّيت مباشر ًة بعد دفنه ال تأخير ،فيشرع ْ
أن نرفع األيدي
كما رفع الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم يديه بالدعاء للم ِّيت(.)3
صعب.
ٌ ]27؛ ألنه لو كان متز ْعزع ًا ال يستطيع الثبات عليه ،ألن السؤال
رقم ( ،)974من حديث عائشة رضي اهلل عنه ،وفيه...« :حتى جاء ا ْلبقيع فقام،
فأطال ا ْلقيام ،ثم رفع يد ْيه ثالث مرات.»...
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)18534من حديث البراء بن عازب رضي اهلل
عنه.
شرح العقيدة الواسطية 6
وألمهية هذا :صنف اإلمام محمد بن عبد الوهاب رمحه اهلل ثالثة
األصول :معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد ًا صىل اهلل عليه وسلم،
وتكرارها عىل ال ِّلسان وح ْفظها :مظن ًة -بإذن الله ،مع كرمه سبحانه
ورمحته -أن يجيب عليها اإلنسان يف القبر ،وكلنا سنسأل ذلك ،فيجب
أن نعد العدة لذلك ،وأن نطلب العلم؛ حتى نجيب صواب ًا عىل هذا
السؤال وأن يلحقنا التثبيت.
وإذا سئل الناس عن هذه األسئلة؛ فإنهم ينقسمون يف اإلجابة عليها
إىل قسمين:
ين آ َمنوا بِا ْل َق ْو ِلاألول :أشار إليه بقولهَ ( :في َث ِّبت ال َّله ا َّل ِذ َ
القسم َّ
ِ
ِ
ربه ودينه ونب ِّيه الثَّابِت) يعني :يف الحياة الدنيا المؤمن يث ِّبته الله بمعرفة ِّ
صىل اهلل عليه وسلم ،وكذا يث ِّبته هنا يف القبر عند السؤال ،وكيفية ثباته
قالَ ( :ف َيقول ا ْلمؤْ ِمن :ال َّله َر ِّبي) فمن كان مح ِّقق ًا للتوحيد :أجاب هبذا
الجواب.
وهذه أسئل ٌة مختصر ٌة لكن ال ينطق هبا إال المؤمن ،وال تظهر من
لسان المؤمن إال إذا كان قلبه راسخ ًا وممتلئ ًا هبا ،ولهذا شرع ْ
أن يلقن
7 مقرر األسبوع الرابع عشر
س ََلم ِدينِي) كما قال سبحانه﴿ :إن الدِّ ين عنْد الله ْاإل ْسالم﴾ (و ِ
اإل ْ َ
[آل عمران ،]19 :فمن كان منقاد ًا ألحكام اإلسالم :أجاب هبذا الصواب؛
متمس ٌك فيه يف هذه الدنيا.
ِّ ألنه
(وُمَ َّم ٌد َنبِ ِّيي) عليه الصالة والسالم من أطاعه واتبع هداه :أجاب
َ
بع لسنته ،فمن كان حر ّي ًا با ِّتباع سنة الن ِّبي صىل
عىل هذا السؤال؛ ألنه مت ٌ
اهلل عليه وسلم :الله عز وجل يث ِّبته ،وأما من كان يؤ ِّول الصفات عن الله
( )1كما يف حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي اهلل عنه ،وفيه...« :وكان ْت لي
جاري ٌة ت ْرعى غنم ًا لي قبل أحد ...ق ْلت :يا رسول الله! أفال أ ْعتقها؟ قال :ائْتني
بها ،فأت ْيته بها ،فقال لها :أ ْين الله؟ قال ْت :في السماء ،قال :م ْن أنا؟ قال ْت :أنْت
مسلم ،كتاب المساجد ومواضع
ٌ رسول الله ،قال :أ ْعت ْقها ،فإنها م ْؤمن ٌة» .رواه
الصالة ،باب تحريم الكالم يف الصالة ،ونسخ ما كان من إباحته ،رقم (.)537
) (2رواه ابن ماجه ،باب فيما أنكرت الجهمية ،رقم ( ،)199من حديث النواس
بن سمعان رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 8
) (1رواه الحاكم ،رقم ( ،)6303/623/3من حديث ابن عباس رضي اهلل
عنهما.
( )2وفيه...« :فأ ْفرشوه من ا ْلجنة ،وأ ْلبسوه من ا ْلجنة ،وا ْفتحوا له باب ًا إلى
ا ْلجنة .»...هذا جزء من حديث سبق تخريجه (ص) عند قوله (ما أخبر الن ُّبي صلى
9 مقرر األسبوع الرابع عشر
( )1كتاب الجنائز ،باب ما جاء يف عذاب القبر ،رقم ( ،)1374من حديث أنس
بن مالك رضي اهلل عنه.
البخاري ،كتاب الجنائز ،باب محل الرجال الجنازة دون النساء ،رقم
ُّ ( )2رواه
( ،)1314من حديث أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه.
11 مقرر األسبوع الرابع عشر
تلك المطرقة -والعياذ بالله -؛ لذا قال النبي عليه الصالة والسالم:
«ل ْوال أ ْن ال تدافنوا لدع ْوت الله أ ْن ي ْسمعك ْم م ْن عذاب ا ْلق ْبر»()1؛ يعني:
لو دعوت الله ،وسمعتم عذاب القبر لما دفن بعضكم بعض ًا؛ حتى ال
تسمعون هذا الصراخ.
فمن رمحة الله عز وجل أن صراخ أهل القبور يف العذاب ال نسمعه؛
لثالثة أمور:
األول :لو كنا نسمعه ال هننأ بعيش.
األمر َّ
واألمر الثاين :فيه فضيح ٌة لذلك الميت.
ثواب من اإليمان بالغيب ،وألصبح
ٌ واألمر الثالث :مل يكن هناك
من اإليمان بالشيء المشاهد ،وثواب اإليمان بالغيب أعظم من
المشاهد؛ ألنك تؤمن بنصوص وأنت مل تشاهد تلك األمور.
واألمر الرابع :لما كان هناك كافر ،فيرون العذاب أمامهم فال أحد
يريد أن يتعذب؛ فيسعى لنجاة نفسه باإليمان واإلسالم ونحو ذلك.
مسلم ،كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب عرض مقعد الميت من
ٌ ( )1رواه
الجنة أو النار عليه ،وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه ،رقم ( ،)2868من حديث
أنس بن مالك رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 12
ويف صحيح مسلم( )1أن النبي صىل اهلل عليه وسلم مر عىل قبور
سمعت أصوات
ْ فأسرعت به بغلته حتى كادت أن ترميه؛ ألهنا
المشركين ْ
المعذبين يف القبور ،وشيخ اإلسالم -يف المجلد الخامس والثالثين -
ذكر بأن الخيل تصيبها دا ٌء فت ْشفى -بإذن الله -إذا كانت متو ِّقف ًة ثم
مرضت خيلها يذهبون هبا ناحية قبر
ْ سارت فجأةً ،قال« :فكان الناس إذا
مشرك ،فإذا قربت منه تصرخ فجأ ًة ثم هترب ،فتتعاىف بإذن الله».
( )1كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب عرض مقعد الميت من الجنة أو
النار عليه ،وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه ،رقم ( ،)2867من حديث زيد بن
ثابت رضي اهلل عنه ،ولفظه« :ب ْينما النب ُّي صىل اهلل عليه وسلم في حائط لبني
النجار ،على ب ْغلة له ون ْحن معه ،إ ْذ حاد ْت به فكاد ْت ت ْلقيه ،وإذا أ ْقب ٌر ست ٌة أ ْو خ ْمس ٌة
أ ْو أ ْربع ٌة -قال :كذا كان يقول ا ْلجر ْير ُّي -فقال :م ْن ي ْعرف أ ْصحاب هذه ْاأل ْقبر؟
فقال رج ٌل :أنا ،قال :فمتى مات هؤالء؟ قال :ماتوا في ْاإل ْشراك ،فقال :إن هذه
ْاألمة ت ْبتلى في قبورها ،فل ْوال أ ْن ال تدافنوا ،لدع ْوت الله أ ْن ي ْسمعك ْم م ْن عذاب
ا ْلق ْبر الذي أ ْسمع منْه».
13 مقرر األسبوع الرابع عشر
وقد يطلع الله عز وجل النبي صىل اهلل عليه وسلم عىل شيء من
ذلك ،فلما مر الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم عىل قبرين قال« :إنهما ليعذبان،
وما يعذبان في كبير» ؛ فدل عىل أن من يدفن قد يعذب.
()1
) (1سبق تخريجه (ص) عند قوله (ومن العذاب :ما ذكره الن ُّبي صىل الله عليه
البخاري ومسلم).
ِّ وسلم يف
شرح العقيدة الواسطية 14
فأعد العدة لتلك الساعة ،وامأل قلبك باإليمان والعمل الصالح ،والعلم
الراسخ حتى تثبت وتجيب عىل تلك األسئلة الثالثة العظيمة.
15 مقرر األسبوع الرابع عشر
َّ
الشرح:
يذكر رمحه اهلل هنا األمر الثاين مما يكون بعد الموت ،فقال:
ِ ِِ ِ ِ
(ث َّم َب ْع َد َهذه ا ْلف ْت َنة) أي :بعد االمتحان واالختبار( :إِ َّما َنع ٌ
يم) أي :إما أن
ينعم الشخص يف قبره ويمد له يف قبره مد بصره ،ويقال له« :انْظ ْر إلى
م ْقعدك من النار أ ْبدلك الله به م ْقعد ًا من الجنة»( ،)1فيقول« :ر ِّب أقم
الساعة»()2؛ ألنه يريد أن يدخل إىل ذلك النعيم.
(وإِ َّما َع َذ ٌ
اب) وهذا يختلف باختالف الميت: قالَ :
إن كان كافر ًا - :فالعياذ بالله -يعذب يف قبره إىل قيام الساعة؛ لقوله
سبحانه﴿ :النار ي ْعرضون عل ْيها غد ّو ًا وعش ّي ًا﴾ [غافر.]46 :
وإن كان مؤمن ًا :فعىل حسب جرمه؛ قد ِّ
يعذبه الله عز وجل إىل قيام
الساعة ،أو قد ينقطع عنه العذاب بعد فترة ،أو قد يعفو الله عز وجل عنه
يعذبه يف القبر ،وعذاب القبر أهون نفس ّي ًا من العذاب يف اْلخرة؛ ألنه
وال ِّ
مستور ال أحد يعلم بتعذيب الله له ،بخالف ما إذا كان مفضوح ًا أمام
ٌ
الناس بالعذاب والعياذ بالله.
وقد دل عىل عذاب القبر أو نعيمه عدة أدلة:
من القرآن :قوله سبحانه﴿ :النار ي ْعرضون عل ْيها غد ّو ًا وعش ّي ًا﴾ هذا
[غافر: يف القبر﴿ ،وي ْوم تقوم الساعة أ ْدخلوا آل ف ْرع ْون أشد ا ْلعذاب﴾
.]46
السنَّة :قوله صىل اهلل عليه وسلم لما مر عىل قبرين قال« :إنهما
ومن ُّ
ليعذبان ،وما يعذبان في كبير»(.)1
( )1سبق تخريجه (ص) عند قوله (ومن العذاب :ما ذكره الن ُّبي صىل الله عليه
البخاري ومسلم).
ِّ وسلم يف
17 مقرر األسبوع الرابع عشر
ِ
القسم الثاين :م ْن يناله العذاب منذ دخوله القبر حتى يخرج منه -
والعياذ بالله -كالكفار والمنافقين؛ قال سبحانه﴿ :النار ي ْعرضون عل ْيها
غد ّو ًا وعش ّي ًا وي ْوم تقوم الساعة أ ْدخلوا آل ف ْرع ْون أشد ا ْلعذاب﴾ [غافر:
.]46
ِ
القسم الثالث :م ْن يناله العذاب وهم عصاة المؤمنين ،وال يتواصل
عليهم العذاب يف نار جهنم بالتخليد ،بخالف القسم السابق -وهم
الكفار -يتواصل عليهم العذاب إىل التخليد والعياذ بالله.
القسم الرابع :م ْن يعذب من المؤمنين ،ثم ينقطع عنه العذاب عىلِ
حسب ذنْبه ،أو مغفرة الله عز وجل له ،وهو يف قبره ينتقل من عذاب إىل
نعيم.
وهؤالء األصناف األربعة إىل متى ينالهم -سوا ًء النعيم أو العذاب
-وهم يف القبر؟
الق َيا َم ِة الك ْب َرى) أي :إىل حين النفخ يف الصور ،وقال:
قال( :إِ َلى ي ْو ِم ِ
َ
(الك ْب َرى) احتراز ًا عن الموت -القيامة الصغرى .-
والعذاب الذي ينال المؤمن يف القبر ْ -
إن ناله شي ٌء -هو من
المك ِّفرات لذنوبه ،فعذاب القبر أهون من النار؛ ألن عذاب النار -
19 مقرر األسبوع الرابع عشر
والعياذ بالله -فيه خزي أمام الناس؛ كما قال سبحانه﴿ :وي ْوم يقوم
مستور صاحبه بالقبر.
ٌ عذاب
ٌ ْاأل ْشهاد﴾ [غافر ،]51 :أما يف القبر فهو
ثم بعد ذلك قرر رمحه اهلل مبد ًأ عظيم ًا من مبادئ اإليمان باليوم
اْلخر الذي أنكره الكفار ،وهو إعادة األرواح إىل ن ْفس الجسد الذي كان
يف الدنيا ،فعندنا مسألتان:
المسألة األولى :وهي أن الله سبحانه يعيد هذه األجساد كما كانت؛
قصير -كما كانت يف الدنيا -واأل ْسود أ ْسو ٌد
ٌ ٌ
طويل ،والقصير الطويل
وهكذا ،قال سبحانه﴿ :كما بد ْأنا أول خ ْلق نعيده﴾ [األنبياء]104 :؛ يعني:
اإلعادة ،وقال سبحانه﴿ :وهو الذي ي ْبدأ ا ْلخ ْلق ثم يعيده﴾ [الروم،]27 :
واإلعادة :هي التي أنكرها المشركون؛ قالوا :إن الله ال يقدر عىل أن يعيد
هذه األجساد كما كانت﴿ ،أإذا كنا عظام ًا نخر ًة * قالوا ت ْلك إذ ًا كر ٌة
خاسر ٌة﴾ [النازعات﴿ ،]12-11 :وقالوا أإذا كنا عظام ًا ورفات ًا أإنا لم ْبعوثون
خ ْلق ًا جديد ًا﴾ [اإلسراء.]49 :
والمسألة الثانية :وهي أن الله ينشئ خ ْلق ًا جديد ًا ،وهذه ال ينكرها
المشركون ،وإنما ينكرون أن يعاد يف اْلخرة ن ْفس المخلوق الذي كان
يف الدنيا.
شرح العقيدة الواسطية 20
أل ْجس ِ
اد) وهذا ُّ
يدل عىل أهنم أل ْر َواح) إعاد ًة (إِ َلى ا َ َ
لذا قالَ ( :فت َعاد ا َ
يخرجون من القبور ،ثم بعد ذلك ينفخ يف الصور في ْحيون ،وليس النفخ
يكون وهم يف القبور؛ قال تعاىل﴿ :فإذا ه ْم قيا ٌم ينْظرون﴾ [الزمر ]68 :بعد
ما خرجوا من القبر -والله أعلم -عىل قول بعض أهل العلم ،ومنهم من
يقول :أهنم وهم يف القبور يقومون.
إذ ًا :قوله﴿ :ي ْوم يقوم الناس لر ِّب ا ْلعالمين﴾ [المطففين]6 :؛ قيل:
أهنم يقومون ثم ينفخ فيهم ،وقيل :ينفخ فيهم وهم يف القبور ويخرجون
بعد النفخ ،والعلم عند الله.
فالقبر منزل ٌة عظيم ٌة ،وهو فتن ٌة كبير ٌة وكرب ٌة شديدةٌ؛ لذلك أمر الن ُّبي
عوذ من فتنته قبل ِّ
كل سالم يف الصالة كما يف صىل اهلل عليه وسلم بالت ُّ
البخاري ومسلم(« :)1اللهم إنِّي أعوذ بك م ْن عذاب ا ْلق ْبر ،ومن
ِّ صحيح
عذاب النار ،وم ْن فتْنة ا ْلم ْحيا وا ْلممات ،وم ْن فتْنة ا ْلمسيح الدجال».
( )1سبق تخريجه (ص) عند قوله (وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعاذ
قبل السالم من فتنة المسيح الدجال).
21 مقرر األسبوع الرابع عشر
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)18089من حديث صفوان بن عسال رضي
اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 22
ان َرسولِ ِه صلى الق َيا َمة ا َّلتِي َأ ْخ َب َر ال َّله بِهَ ا فِي كِ َتابِ ِهَ ،و َع َلى لِ َس ِ
َو َتقوم ِ
َّ
الشرح:
يذكر رمحه اهلل هنا ما سيكون بعد قيام الناس من قبورهم ،وما
سيذكره ال بد فيه من أمور:
األول :يجب ْ
أن نعلمه؛ ألن هذا من باب االعتقاد والعلم األمر َّ
والتصديق بالنصوص ومن اإليمان بالغيب.
واألمر الثاين :أن فيه عبرة وعظة؛ ألننا سنشاهد ما سنقرأه اليوم عيان ًا
بأبصارنا يوم القيامة ،فيكون ذلك داعي ًا لموعظتنا وللرجوع إىل الله
والتوبة إليه.
السنة والجماعة فيما سيذكره
واألمر الثالث :لمعرفة ما عليه أهل ُّ
المصنِّف رمحه اهلل من األحوال التي تكون يف أرض المحشر.
والمصنِّف رمحه اهلل ساق ثالثة أدلة عىل قيام الساعة:
23 مقرر األسبوع الرابع عشر
(و َتقوم ا ْل ِق َيا َمة ا َّلتِي َأ ْخ َب َر ال َّله بِهَ ا فِي كِ َتابِ ِه)
األول :قالَ :
الدليل َّ
كقوله جل وعال﴿ :أال يظ ُّن أولئك أنه ْم م ْبعوثون * لي ْوم عظيم * ي ْوم
يقوم الناس لر ِّب ا ْلعالمين﴾ [المطففين ،]6 – 4 :وكقوله﴿ :يا أ ُّيها الناس
يم * ي ْوم تر ْونها ت ْذهل ك ُّل م ْرضعة
اتقوا ربك ْم إن ز ْلزلة الساعة ش ْي ٌء عظ ٌ
عما أ ْرضع ْت ﴾...اْلية [الحج ،]2 – 1 :وكقوله سبحانه﴿ :ا ْلحاقة * ما
ا ْلحاقة﴾ [الحاقة ،]-1 :وكقوله﴿ :ا ْلقارعة * ما ا ْلقارعة﴾ [القارعة،]2-1 :
وكقوله﴿ :فإذا جاءت الصاخة﴾ [عبس ،]33 :وكقوله﴿ :فإذا جاءت
الطامة ا ْلك ْبرى﴾ [النازعات ،]34 :وكقوله﴿ :ي ْسألونك عن الساعة أيان
م ْرساها ق ْل إنما ع ْلمها عنْد ر ِّبي ال يج ِّليها لو ْقتها إال هو﴾ [األعراف.]187 :
ان َرسولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم) أي:(و َع َلى لِ َس ِ
والدليل الثاين :قالَ :
أخبر الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم عن قيام الساعة هبا ،وهذا يف أحاديث
الصراط ،والحوض ،وغير
كثيرة ستأيت؛ مثل أحاديث الميزان ،وأحاديث ِّ
ذلك.
(و َأ ْج َم َع َع َل ْيهَ ا ا ْلم ْسلِمونَ ) أي :أمجعوا عىل
والدَّ ليل الثَّالث :قالَ :
قيام الساعة ،بل حتى اليهود والنصارى يؤمنون بقيام الساعة؛ قال
،]111فيؤمنون بأن فيه جن ًة ويؤمنون بأن فيه نار ًا ،فدل عىل أنهم يؤمنون
بالبعث والنشور.
ودل أيض ًا عليها دليل ٌ
رابع مل يذكره المصنِّف رمحه اهلل وهو :دليل
العقل ،فالله عز وجل كلفنا يف هذه الدُّ نيا بتكاليف من األوامر والنواهي،
ووعدنا بالجنة ،فإذا كنا ال نبعث لنجازى فما فائدة هذه التكاليف؟!
القوي حق الضعيف؛
ُّ وكذا لو مل تكن قيام ٌة :لبغى الظامل يف ظلمه ،وأخذ
فدل العقل عىل أنه ال بد م ْن حساب عىل أعمال الناس التي يعملوهنا
اْلن.
فإذا قامت القيامة هبذه األدلة التي ذكرها المصنِّف ،قالَ ( :ف َيقوم
أن ينفخ يف الصور ،وذكر الله عز ين) بعد ْور ِه ْم لِ َر ِّب ا ْل َعا َل ِم َ
النَّاس ِم ْن قب ِ
والجمع بين اْليات ممك ٌن :فنقول :نفخة فزع ،ونفخة صعق
وغشي وموت ،والنفخة الثالثة :القيام من القبور ،وهي التي يشير إليها
ٍّ
شيخ اإلسالم رمحه اهلل؛ قال سبحانه﴿ :فإذا ه ْم قيا ٌم ينْظرون﴾ [الزمر،]68 :
وهذا القيام للحساب وألمور أخرى.
واشتهر هذا الموقف بالحساب؛ ألنه من أعظم ما يكون يوم
القيامة؛ ﴿إنه ْم كانوا ال ي ْرجون حساب ًا﴾ [النبأ.]27 :
ور ِه ْم) ممن قبر ،ومن مل يقبر كذلك وقولهَ ( :ف َيقوم النَّاس ِم ْن قب ِ
( )1كشيخ اإلسالم رمحه الله .مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (.)260/4
( )2كالقرطبي رمحه اهلل .التذكرة بأحوال الموتى وأمور اْلخرة للقرطبي
(ص.)940
شرح العقيدة الواسطية 26
الش ْيطان من ا ْلم ِّس ذلك بأنه ْم قالوا إنما ا ْلب ْيع م ْثل ِّ
الربا﴾ [البقرة،]275 :
فيقوم آكل الربا ويسقط يف هذا الموقف العظيم.
وأول من ينشق عنه القبر هو محمدٌ صىل اهلل عليه وسلم كما قال
عن نفسه« :وأنا أول م ْن ينْش ُّق عنْه ا ْلق ْبر» .
()1
مسلم ،كتاب الفضائل ،باب تفضيل نبينا صىل اهلل عليه وسلم عىل مجيع
ٌ ) (1رواه
الخالئق ،رقم ( ،)2278من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
( )2كما يف حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال:
البخاري ،كتاب أحاديث
ُّ «أول م ْن ي ْكسى من ا ْلخالئق إ ْبراهيم عليه السالم» .رواه
األنبياء ،باب ق ْول الله تعالى﴿ :واتخذ الله إ ْبراهيم خليالً﴾ ،رقم (،)3349
ومسلم ،كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم
ٌ
القيامة ،رقم (.)2860
27 مقرر األسبوع الرابع عشر
عائشة رضي اهلل عنها« :ق ْلت :يا رسول الله! النِّساء و ِّ
الرجال جميع ًا ينْظر
ب ْعضه ْم إلى ب ْعض؟ قال صىل اهلل عليه وسلم :يا عائشة! ْاأل ْمر أشدُّ م ْن أ ْن
ومسلم،
ٌ البخاري ،كتاب الرقاق ،باب :كيف الحشر ،رقم (،)6527
ُّ ) (1رواه
كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ،رقم
(.)2859
شرح العقيدة الواسطية 28
ويف هذا الموقف :الشهيد يقوم ودمه ي ْثعب «ل ْونه ل ْون الدم ،وريحه
ريح ا ْلم ْسك» ،ومن مات محرم ًا حشر مل ِّبي ًا ،وهكذا ُّ
كل إنسان يبعث ()2 ()1
) (1رواه النسائي ،كتاب الجهاد ،باب :من كلم يف سبيل الله عز وجل ،رقم
( ،)3147من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
) (2كما يف حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما« :أن رجالً أ ْوقصتْه راحلته وهو
م ْحر ٌم فمات ،فقال رسول الله صىل اهلل عليه وسلم :ا ْغسلوه بماء وسدْ ر وك ِّفنوه
في ث ْوب ْيه ،وال تخ ِّمروا ر ْأسه وال و ْجهه ،فإنه ي ْبعث ي ْوم ا ْلقيامة مل ِّبي ًا» .رواه
البخاري ،باب جزاء الصيد ونحوه ،باب سنة المحرم إذا مات ،رقم (،)1851
ُّ
ومسلم ،كتاب الحج ،باب ما يفعل بالمحرم إذا مات ،رقم (.)1206
ٌ
( )3كتاب أحاديث األنبياء ،باب ق ْول الله تعالى﴿ :إنا أ ْرس ْلنا نوح ًا إلى ق ْومه﴾،
رقم ( ،)3340من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب قول الله تعاىل﴿ :ذ ِّرية م ْن حم ْلنا مع
ُّ ( )4رواه
29 مقرر األسبوع الرابع عشر
فالشمس قريب ٌة منهم ،حتى قال الراوي :ال أدري أقال الن ُّبي صىل اهلل عليه
وسلم لما قال« :قدْ ر م ْيل»؛ هل يعني :ميل المسافة أو الم ْكحلة()1؛
لقرهبا.
ويف دن ِّو الشمس ال يكون ألحد فيها ٌّ
ظل سوى ما أتى النص فيه،
مثل :السبعة الذين يظ ُّلهم الله يف ظ ِّله( ،)2ومثل :الرجل المتصدِّ ق؛ كما
قال الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم« :ك ُّل ا ْمرئ يف ظ ِّل صدقته حتى ي ْفصل ب ْين
الناس»( ،)1ومثل :الذي يقرأ الزهراوين – البقرة وآل عمران -الن ُّبي
صىل اهلل عليه وسلم قال« :فإنهما ت ْأتيان ي ْوم ا ْلقيامة كأنهما غمامتان ،أ ْو
كأنهما غيايتان ،أ ْو كأنهما ف ْرقان م ْن ط ْير صواف ،تحاجان ع ْن
أ ْصحابهما»(.)2
وهذا الظل بعض أهل العلم يرى أن الله عز وجل يخلقه.
()3
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)17333من حديث عقبة بن عامر رضي الله
عنه.
مسلم ،كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب فضل قراءة القرآن،
ٌ ( )2رواه
وسورة البقرة ،رقم ( ،)804من حديث أبي أمامة الباهيل رضي الله عنه.
( )3كابن عثيمين رمحه الله .شرح رياض الصالحين البن عثيمين (.)90/2
31 مقرر األسبوع الرابع عشر
وبعض أهل العلم يرى أنه ظل العرش؛ ألنه أتت يف رواية« :س ْبع ٌة
()1
يظ ُّلهم الله يف ظ ِّله يوم ال ظل إال ظل ع ْرشه» ،لكن بعض أهل العلم
()2
( )1كابن منده وابن رجب الحنبيل رمحهما الله .التوحيد البن منده (،)191/3
فتح الباري البن رجب (.)51/6
الطحاوي يف شرح مشكل اْلثار ،رقم ( ،)5845/71/15من حديث
ُّ ) (2رواه
أبي هريرة رضي اهلل عنه ،ولفظه« :في ظ ِّل ع ْرشه ي ْوم ال ظل إال ظ ُّله».
الطحاوي يف شرح مشكل اْلثار ( ،)5845/71/15من حديث أبي
ُّ ( )3رواه
هريرة رضي الله عنه.
شرح العقيدة الواسطية 32
ويف ذلك الموقف« :المؤ ِّذنون أ ْطول الناس أ ْعناق ًا ي ْوم القيامة»(،)1
ويف ذلك الموقف« :ي ْحشر ا ْلمتك ِّبرون ي ْوم ا ْلقيامة أ ْمثال الذ ِّر في صور
الناس ،ي ْعلوه ْم ك ُّل ش ْيء من الصغار»()2؛ جزا ًء لما تكبروا به عىل
الخ ْلق ،ويف ذلك الموقف :المالئكة محيط ٌة بالخالئق؛ كما قال سبحانه:
﴿يقول ْاإلنْسان ي ْومئذ أ ْين ا ْلمف ُّر * كال ال وزر * إلى ر ِّبك ي ْومئذ
ا ْلم ْستق ُّر﴾ [القيامة]12-10 :؛ يعني :يريد أن يهرب لشدة اله ْول لكنه ال
يستطيع.
فيجب عىل المسلم ْ
أن يستعد لذلك اليوم الذي سيالقيه ال محالة
باإلكثار م ْن العمل الصالح بقدر ما يمكن قبل ْ
أن ينقطع عمله بالموت؛
كما يف الحديث« :إذا مات ْاإلنْسان انْقطع عنْه عمله إال م ْن ثالثة»(،)3
مسلم ،كتاب الصالة ،باب فضل األذان وهرب الشيطان عند سماعه،
ٌ ( )1رواه
رقم ( ،)387من حديث معاوية رضي اهلل عنه.
( )2رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)6677من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده رضي اهلل عنه.
مسلم ،كتاب الوصية ،باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته ،رقم
ٌ ( )3رواه
( ،)1631من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه
شرح العقيدة الواسطية 34
العب ِ
ِ َوت ْن َصب الم َو ِازين؛ َفت َ ِ
ادَ ﴿ ،ف َم ْن َثق َل ْت َم َو ِازينه وزن فيهَ ا َأ ْع ََمل َ َ
ين َخ ِسروا َفأو َلئِ َك هم ا ْلم ْفلِحونَ * َو َم ْن َخ َّف ْت َم َو ِازينه َفأو َلئِ َك ا َّل ِذ َ
َأ ْنف َسه ْم فِي َجهَ ن ََّم َخالِدونَ ﴾.
َّ
الشرح:
يذكر المؤ ِّلف رمحه اهلل هنا أمر ًا مما يجب اإليمان به وهو من
اإليمان باليوم اْلخر مما يقع فيه وهو ن ْصب الموازين.
أن ال يضع كلم ًة إال فيها ر ٌّد عىل
والمصنِّف رمحه اهلل هنا اشترط ْ
طائفة ،ويف نصب الموازين ر ٌّد عىل المعتزلة؛ إ ْذ أنهم ينْكرون الوزن،
قول ٌ
باطل. ويقولون :المراد هبا العدل؛ وهذا ٌ
(الم َو ِازين) أي :يف أرض
(وت ْن َصب) أي :توضع َ
قال رمحه اهللَ :
المحشر ،وهنا قال المصنِّف( :ا ْل َم َو ِازين) كما قال سبحانه﴿ :ونضع
ا ْلموازين ا ْلق ْسط﴾ [األنبياء.]47 :
وورد الميزان باإلفراد؛ كما قال عليه الصالة والسالم« :وا ْلح ْمد
لله ت ْمأل ا ْلميزان»(.)1
مسلم ،كتاب الطهارة ،باب فضل الوضوء ،رقم ( ،)223من حديث أبي
ٌ ( )1رواه
شرح العقيدة الواسطية 36
والج ْمع بينهما :أن المراد بالتعدُّ د :تعدُّ د الم ْوزون ،فالذي يوزن:
مجيع البشر ،فال نقول :موازين الناس هذه ثقيل ٌة وهذه خفيف ٌة وهكذا.
(وت ْن َصب ا ْل َم َو ِازين) والله أعلم أن الميزان واحدٌ لجميع
وقولهَ :
لكل أمة ميزان ًا ،لكن ليس فيه ٌ
دليل. األمم ،وبعض أهل العلم يرى أن ِّ
()1
فيقول :بلى ،إن لك عنْدنا حسن ًة واحدةً ،ال ظ ْلم ا ْلي ْوم عل ْيك،
فت ْخرج له بطاق ٌة ،فيها :أ ْشهد أ ْن ال إله إال الله ،وأن محمد ًا ع ْبده ورسوله.
فيقول :أ ْحضروه.
واألمر الثاين :المرء؛ كما قال عليه الصالة والسالم« :لي ْأتي الرجل
ا ْلعظيم السمين ي ْوم ا ْلقيامة ،ال يزن عنْد الله جناح بعوضة»( ،)1وقال عليه
الصالة والسالم يف ساقي ابن مسعود -وهي دقيق ٌة « :-والذي ن ْفسي
بيده! لهما أ ْثقل في ا ْلميزان م ْن جبل أحد»()2؛ فدل عىل أن العامل أيض ًا
يوزن.
فيوزن المؤمن ،ويوزن أيض ًا الكافر؛ كما قال سبحانه﴿ :وقد ْمنا إلى
ما عملوا م ْن عمل فجع ْلناه هبا ًء منْثور ًا﴾ [الفرقان ،]23 :ليس له يف الميزان
األول.
شيء ،وهذا القول َّ
والقول الثَّاين :أن الكافر ال يوزن عمله ،وإنما -والعياذ بالله -
يساق إىل النار؛ واستد ُّلوا بقوله﴿ :فال نقيم له ْم ي ْوم ا ْلقيامة و ْزن ًا﴾
[الكهف ،]105 :لكن نقول :المراد بالوزن هنا القدْ ر.
البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب قول الله تعاىل﴿ :أولئك الذين
ُّ ( )1رواه
ومسلم ،كتاب
ٌ كفروا بآيات ر ِّبه ْم ولقائه فحبط ْت أ ْعماله ْم﴾ ْاْلية ،رقم (،)4729
صفة القيامة والجنة والنار ،رقم ( ،)2785من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
( )2رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)3991من حديث ابن مسعود رضي اهلل عنه.
39 مقرر األسبوع الرابع عشر
كفة ،وال إله إال الله في كفة مال ْت بهن ال إله إال الله» ؛ فدل عىل أن له
()3
( )1سبق تخريجه (ص) عند قوله (يرجح منْهما يدنو وهو الثقيل؛ كما يف مسند
اإلمام أمحد).
) (2سبق تخريجه (ص) عند قوله (يرجح منْهما يدنو وهو الثقيل؛ كما يف مسند
اإلمام أمحد).
السنن الكبرى ،كتاب عمل اليوم والليلة ،أفضل ِّ
الذكر، ) (3رواه النسائي يف ُّ
شرح العقيدة الواسطية 40
وأفضل الدعاء ،رقم ( ،)10602من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
41 مقرر األسبوع الرابع عشر
قالَ ﴿( :ف َم ْن َثق َل ْت َم َو ِازينه َفأو َلئِ َك هم ا ْلم ْفلِحونَ * َو َم ْن َخ َّف ْت
َم َو ِازينه﴾) أي :من الكفار والفساق ممن ال يخلدون يف النار (﴿ َفأو َلئِ َك
ين َخ ِسروا َأ ْنف َسه ْم فِي َجهَ ن ََّم َخالِدونَ ﴾).ا َّل ِذ َ
وقد جاءت أحاديث تب ِّين ما الذي يثقل الميزان:
األول :الشهادتان؛ كما يف حديث البطاقة« :تطيش
الحديث َّ
السجالت».
ب ِّ
والحديث الثاين :قال عليه الصالة والسالم« :ما م ْن ش ْيء أ ْثقل في
ا ْلميزان م ْن ح ْسن ا ْلخلق»(.)1
البخاري
ِّ والحديث الثالث :قال عليه الصالة والسالم -كما يف
« :-كلمتان خفيفتان على ال ِّلسان ،ثقيلتان في ا ْلميزان، ومسلم()2
حبيبتان إلى الر ْحمن :س ْبحان الله ا ْلعظيم ،س ْبحان الله وبح ْمده».
( )1رواه أبو داود ،كتاب األدب ،باب يف حسن الخلق ،رقم ( ،)4799من حديث
أبي الدرداء رضي اهلل عنه.
ومسلم،
ٌ البخاري ،كتاب الدعوات ،باب فضل التهليل ،رقم (،)6406
ُّ ( )2رواه
فضل التهليل والتسبيح والدعاء، كتاب ِّ
الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب ْ
رقم ( ،)2694من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 42
( )1سبق تخريجه (ص) عند قوله (وورد الميزان باإلفراد؛ كما قال عليه الصالة
والسالم).
البخاري ،كتاب الزكاة ،باب :اتقوا النار ولو بشق تمرة ،رقم (،)1417
ُّ ( )2رواه
ومسلم ،كتاب الزكاة ،باب الحث عىل الصدقة ولو بشق تمرة ،أو كلمة طيبة وأهنا
ٌ
حجاب من النار ،رقم ( ،)1016من حديث عدي بن حاتم رضي اهلل عنه.
ٌ
43 مقرر األسبوع الرابع عشر
خ ْردل أت ْينا بها وكفى بنا حاسبين﴾ [األنبياء ،]47 :فال أحد أدق وأقوى من
حسابنا.
فالشخص يحرص أن يعمل الحسنات ،ولذلك النبي صىل اهلل عليه
وسلم أمر زوجاته أن يتصد ْقن ول ْو بف ْرسن شاة( ،)2فكل ما يمكن عمله
( )1
من الصالحات اسع له؛ فقد تكون سبب ًا يف دخولك الجنة ،والنبي صىل
اهلل عليه وسلم أخبر بأن الرجل يتصدق بك ْسب ط ِّيب ،فيأخذها الله
بيمينه فير ِّبيها -أي :ين ِّميها -كما ير ِّبي أحدك ْم فلوه حتى تكون م ْثل
()3
( )1هو :عظم قليل اللحم ،وهو خف البعير .النهاية يف غريب الحديث واألثر
البن األثير (.)429/3
البخاري ،كتاب الهبة وفضلها ،باب الهبة وفضلها والتحريض عليها،
ُّ ( )2رواه
ومسلم ،كتاب الزكاة ،باب الحث عىل الصدقة ،ولو بالقليل وال
ٌ رقم (،)2566
تمتنع من القليل الحتقاره ،رقم ( ،)1030من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه،
ولفظه« :يا نساء الم ْسلمات! ال ت ْحقرن جار ٌة لجارتها ،ول ْو ف ْرسن شاة».
( )3الفلو :الم ْهر الصغير .النهاية يف غريب الحديث واألثر البن األثير
(.)474/3
شرح العقيدة الواسطية 44
الجبل ا ْلعظيم(.)1
والله يقول﴿ :مثل الذين ينْفقون أ ْمواله ْم في سبيل الله كمثل حبة
،]261والنبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :م ْن قرأ ح ْرف ًا م ْن كتاب الله فله
به حسن ٌة ،والحسنة بع ْشر أ ْمثالها»( ،)2فأنت اعمل وعملك يتضاعف
بفضل الله﴿ ،فم ْن ثقل ْت موازينه فأولئك هم ا ْلم ْفلحون * وم ْن خف ْت
موازينه فأولئك الذين خسروا أنْفسه ْم بما كانوا بآياتنا ي ْظلمون﴾
[األعراف]9-8 :؛ هناك الخسران؛ كما قال سبحانه﴿ :ذلك هو ا ْلخ ْسران
البخاري ،كتاب الزكاة ،باب :ال يقبل الله صدقة من غلول ،رقم
ُّ ( )1رواه
ومسلم ،كتاب الزكاة ،باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها،
ٌ (،)1410
رقم ( ،)1014من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه ،ولفظه« :ما تصدق أحدٌ
بصدقة م ْن ط ِّيب ،وال ي ْقبل الله إال الط ِّيب ،إال أخذها الر ْحمن بيمينه ،وإ ْن كان ْت
ف الر ْحمن حتى تكون أ ْعظم من ا ْلجبل ،كما ير ِّبي أحدك ْم فلوه
ت ْمرةً ،فت ْربو في ك ِّ
أ ْو فصيله».
الترمذي ،أبواب فضائل القرآن ،باب ما جاء فيمن قرأ حرف ًا من القرآن
ُّ ( )2رواه
ما له من األجر ،رقم (.)2910
45 مقرر األسبوع الرابع عشر
ا ْلمبين﴾ [الزمر ،]15 :وكل إنسان سيرى ذلك المشهد العظيم ،وعليه ْ
أن
يدعو ربه ليكون ممن ثقلت موازينه ويسر حسابه.
شرح العقيدة الواسطية 46
َأ ْل َز ْم َناه َطائِ َره فِي عن ِق ِه َون ْخرِج َله َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة كِ َتاب ًا َي ْل َقاه َم ْنشور ًا * ا ْق َر ْأ
كِ َتا َب َك َك َفى بِ َن ْف ِس َك ا ْل َي ْو َم َع َل ْي َك َح ِسيب ًا﴾.
َّ
الشرح:
هذا من مشاهد يوم القيامة ،ومن مجلة ما يجب اإليمان به ،فهو
ٌ
داخل يف مجلة اإليمان باليوم اْلخر.
(وت ْن َشر) يعني :تف ُّل وتفتح وتظهر( ،الدَّ َو ِاوين) يعني:
قال رمحه اهللَ :
الكتب ،فيخرج ما كان يكتب يف الحياة الدنيا لكل شخص وعليه؛ كما
قال سبحانه وتعاىل﴿ :وإن عل ْيك ْم لحافظين * كرام ًا كاتبين * ي ْعلمون ما
ت ْفعلون﴾ [االنفطار ،]12-10 :وقال أيض ًا﴿ :ما ي ْلفظ م ْن ق ْول إال لد ْيه
يب عتيدٌ ﴾ [ق ،]18 :فكل شيء يحصى عليه ،وقال﴿ :إن الس ْمع
رق ٌ
وا ْلبصر وا ْلفؤاد ك ُّل أولئك كان عنْه م ْسئو ً
ال﴾ [اإلسراء.]36 :
فكلما تقول شيئ ًا يكتب يف كتاب ،وال يطوى إال إذا مت؛ بمعنى:
أن كالم بعض الناس أن صحيفة األعمال ت ْطوى يف هناية العام ليس عىل
اإلطالق؛ وإنما مراد الناس كأن هذا عام ،وتبدأ صحيف ٌة أخرى يف
47 مقرر األسبوع الرابع عشر
الكتابة ،وال تطوى صحيفة األعمال إال بالموت ،وإذا مات يختم عىل
العمل ،وال يأيت بعد الموت من حسنات أو سيئات إال ما كان من آثار
ال صالح ًة من صدقة جارية
حياتك يف العمل؛ يعني :إذا كنت عملت أعما ً
أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لك()1؛ يثبت الحسنات ،لكن العمل
انتهى ،ويبقى آثاره.
والسيئات أيض ًا تكتب عليك ،فمن سن سن ًة سيئ ًة عليه و ْزرها
وو ْزر من عملها إىل يوم القيامة( ،)2فتأتيك آثار أعمالك التي عملتها يف
شر ،فينشر ذلك الكتاب -الدِّ يوان العظيم -؛ لذلك
الدنيا من خير أو ٍّ
الله يقول﴿ :وكل إنْسان أ ْلز ْمناه طائره في عنقه﴾ [اإلسراء]13 :؛ يعني:
( )1كما يف حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال:
«إذا مات ا ْإلنْسان انْقطع عنْه عمله إال م ْن ثالث :صدقة جارية ،أ ْو ع ْلم ينْتفع به،
مسلم ،كتاب الوصية ،باب ما يلحق اإلنسان من
ٌ أ ْو ولد صالح يدْ عو له» .رواه
الثواب بعد وفاته ،رقم (.)1631
( )2كما يف حديث جرير بن عبد الله رضي اهلل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم
قال« :وم ْن سن سن ًة س ِّيئ ًة ،عمل بها م ْن ب ْعده كان عل ْيه و ْزرها وو ْزر م ْن عمل بها
وال ينْقص ذلك م ْن أ ْوزاره ْم ش ْيئ ًا» .رواه أمحد يف المسند ،رقم (.)19200
شرح العقيدة الواسطية 48
خائف وج ٌل
ٌ كتاب أعماله ،أي :ما يتطير به أو يتفاءل به ،أي :أن اإلنسان
شر؛ ألن اإلنسان يف الدنيا يعمل وال يعرف هل تق ِّبلت
خير أو ٌّ
هل فيه ٌ
أعماله أو ردت عليه أعماله؟ هل رضي الله عليه أم سخط عليه؟ هل
قصر يف واجبات ال يعلمها أو خلط ذنوب ًا هو يعلمها ،أو ذنوب ًا نسيها ،أو
ذنوب ًا مل يعلمها؟
وما الذي ي ْكتب يف صحائف هذه األعمال؟ ي ْكتب فيها الحسنات،
وي ْكتب فيها أيض ًا السيئات.
والحسنات التي ي ْكتب فيها:
األول :األعمالُّ ،
فكل عمل صالح ي ْكتب. األمر َّ
األمر الثاين :النية الصالحة للعمل الصالح؛ والدليل عىل ذلك قول
الن ِّبي صىل اهلل عليه وسلم -يف الرجل الذي يتمنى -قال« :ل ْو أن لي ما ً
ال
لعم ْلت بعمل فالن»؛ يعني :يف سبيل الله ،قال الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم:
«فهو بنيته فأ ْجرهما سوا ٌء»()1؛ أي :يؤجر عىل هذه النية ،وكذلك ما يف
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)18031من حديث أبي كبشة األنماري رضي
اهلل عنه.
49 مقرر األسبوع الرابع عشر
صحيح مسلم(« :)1ذهب أ ْهل الدُّ ثور ب ْاألجور» ،فلما قال الفقراء :علم
األغنياء ما عملنا فعملوا مثلنا ،قال صىل اهلل عليه وسلم« :ذلك ف ْضل الله
ي ْؤتيه م ْن يشاء».
واألمر الثالث :اله ُّم بالعمل الصالح ،وعمله ،ثم ينقطع عنه لعذر -
كالموت أو المرض -؛ قال سبحانه﴿ :وم ْن ي ْخر ْج م ْن ب ْيته مهاجر ًا إلى
الله ورسوله ثم يدْ ركْه ا ْلم ْوت فقدْ وقع أ ْجره على الله﴾ [النساء،]100 :
ويف الحديث :قال الن ُّبي عليه الصالة والسالم« :إذا مرض ا ْلع ْبد ،أ ْو
سافر؛ كتب له م ْثلما كان ي ْعمل مقيم ًا صحيح ًا»(.)2
األمر الرابع :إذا هم الرجل بحسنة فلم يعملها ،في ْكتب له حسنة .
( )3
( )1كتاب الزكاة ،باب بيان أن اسم الصدقة يقع عىل كل نوع من المعروف ،رقم
( ،)1006من حديث أبي ذر رضي اهلل عنه.
والسير ،باب :يكتب للمسافر مثلما كان يعمل
البخاري ،كتاب الجهاد ِّ
ُّ ( )2رواه
يف اإلقامة ،رقم ( ،)2996من حديث أبي موسى رضي اهلل عنه.
( )3كما يف حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال:
مسلم ،كتاب اإليمان ،باب
ٌ «م ْن هم بحسنة فل ْم ي ْعم ْلها ،كتب ْت له حسن ًة .»...رواه
إذا هم العبد بحسنة كتبت ،وإذا هم بسيئة مل تكتب ،رقم (.)130
شرح العقيدة الواسطية 50
()1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)18031من حديث أبي كبشة األنماري رضي
الله عنه.
البخاري ،كتاب الفتن ،باب :إذا التقى المسلمان بسيفيهما ،رقم
ُّ ( )2رواه
51 مقرر األسبوع الرابع عشر
أن يحرص ْ
بأن تكون صحيفته بيضاء بالحسنات، وعىل المسلم ْ
وأال تكون سوداء بالسيئات ،وإذا كان فيها شي ٌء من السيئات فالذي
يمحوها :التوبة.
ثم ذكر المصنِّف رمحه اهلل كيف يؤخذ هذا الكتاب يف المحشر؟
الصحف.الشقوة والسعادة وهو تطاير ُّ رهيب فيه ِّ
ٌ عظيم
ٌ منظر
وهذا ٌ
(وت ْن َشر الدَّ َو ِاوين َو ِه َي َص َحائِف ْ َ
األ ْع ََم ِل) فإذا نشرت :الخ ْلق قالَ :
فيها ينقسمون لقسمين:
آخ ٌذ كِ َتا َبه
القسم األول :من كان من أهل السعادة ،قال عنهَ ( :ف ِ
َّ
ِ
بِ َي ِمين ِ ِه) كما قال سبحانه﴿ :فأما م ْن أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم ا ْقرءوا
كتابي ْه﴾ [الحاقة]19 :؛ يعني :من فرحته يقول :انظروا هذا كتابي ،مثل:
شخص خرجت النتيجة ومن فرحته يقول :أنا األول وهذه شهاديت،
ٌ
وذلك الفرح الذي ال فرح أعظم منه﴿ ،إنِّي ظننْت﴾؛ أي :أيقنت ﴿أنِّي
مالق حسابي ْه﴾ [الحاقة ]20 :إىل آخر اْليات ،وكان ْ
أخذهم باليمين؛ ألن
اليمين موطن التشريف والتكريم والرفعة ،لذا كان السالم هبا ودخول
المسجد وهكذا.
ِ
والقسم الثاين :من كان من أهل الشقاوة ،فهذا فيه قوالن:
صنف واحدٌ ،ويف اْلية﴿ :وأما م ْن أوتي كتابه
ٌ األول :أنهم
القول َّ
بشماله﴾ [الحاقة ،]25 :ويف اْلية األخرى﴿ :وأما م ْن أوتي كتابه وراء
ظ ْهره﴾ [االنشقاق.]10 :
والجمع بينهما :أنه يأخذ كتابه بشماله ويده من خلفه -والعياذ
والسنة ومل يتبعهما كانت نتيجته
ُّ بالله -؛ ألنه لما استدبر الكتاب
مستدبرةً ،فهو يتمنى ْ
أن ال يراه أحدٌ ﴿ ،فيقول يا ل ْيتني ل ْم أوت كتابي ْه *
ول ْم أ ْدر ما حسابي ْه﴾ [الحاقة ،]26-25 :مثل :لو أن شخص ًا يف نتائج
االمتحان خرجت نتيجته ومل ينجح؛ فيخفي كتابه هذا حتى لو سئل أين
كتابك؟ يقول :ما خرج إىل اْلن وهو يكذب؛ فما ظنُّك يوم القيامة يف
مشهد الفضيحة يوم القيامة؟! ُّ
كل ما يخفى يظهر يوم القيامة ،لذلك من
أسماء يوم القيامة :يوم الفضائح.
53 مقرر األسبوع الرابع عشر
وصنف
ٌ صنف يأخذ كتابه بشماله،
ٌ والقول الثاين :أهنم صنفان،
يأخذه من وراء ظهره ،وهذا القول هو الذي سار عليه المصنِّف؛ لذلك
(أ ْو) هنا للتنويع. اء َظهْ رِ ِه) إذا قلنا :أن َ آخ ٌذ كِ َتابه بِ ِشَملِ ِهَ ،أ ْو ِم ْن َور ِ
َ َ َ
(و ِ
قالَ :
ثم استدل المؤ ِّلف رمحه اهلل فقالَ ( :ك ََم َق َال َت َعا َلىَ ﴿ :وك َّل إِ ْن َس ٍ
ان
َأ ْل َز ْم َناه﴾) يعني :جعلنا له (﴿ َطائِ َره فِي عن ِق ِه﴾) يعني :كتاب عمله يف
العنق كالقالدة أينما يذهب يجده ،وهذا يف الدنياَ ﴿( ،ون ْخرِج َله َي ْو َم
ا ْل ِق َيا َم ِة كِ َتاب ًا﴾) يعني :يف عنقه (﴿ َي ْل َقاه َم ْنشور ًا﴾) أمامه.
(﴿ا ْق َر ْأ كِ َتا َب َك﴾) إلقامة الحجة عىل ن ْفسكَ ﴿( ،ك َفى بِ َن ْف ِس َك ا ْل َي ْو َم
َع َل ْي َك َح ِسيب ًا﴾) أنت تحاسب ن ْفسك.
ومع ذلك ابن آدم لو قرأ هذا الكتاب يجحد ،ولو يؤتى بالمالئكة
يجحد ،فتنطق الجوارح؛ قال الله﴿ :حتى إذا ما جاءوها شهد عل ْيه ْم
س ْمعه ْم وأ ْبصاره ْم وجلوده ْم بما كانوا ي ْعملون * وقالوا لجلوده ْم لم
شهدْ ت ْم عل ْينا قالوا أنْطقنا الله الذي أنْطق كل ش ْيء وهو خلقك ْم أول مرة
وإل ْيه ت ْرجعون * وما كنْت ْم ت ْستترون أ ْن ي ْشهد عل ْيك ْم س ْمعك ْم وال
أ ْبصارك ْم وال جلودك ْم ولك ْن ظننْت ْم أن الله ال ي ْعلم كثير ًا مما ت ْعملون﴾
[فصلت.]22 - 20 :
شرح العقيدة الواسطية 54