You are on page 1of 24

‫‪2‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫!‬
‫إن احلمــد هلل حنمــده ونســتعين�ه ونســتغفره‪ ،‬ونعــوذ‬
‫�ات أعمالنــا‪ ،‬مــن يهــده‬ ‫بــاهلل مــن شــرور أنفســنا وســيئ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هللا فــا مضــل لــه‪ ،‬ومــن يضلــل فــا هــادي لــه‪ ،‬وأشــهد‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أن ال إلــه إل هللا وحــده ال شــريك لــه‪ ،‬وأشــهد أن محمــدا‬
‫ُ‬
‫عبــده ورســوله‪َّ ،‬أمــا بعــد‪:‬‬
‫األمــة اإلســامية تلــك‬ ‫إن مــن أعظــم مــا ابتليــت بــه َّ‬
‫البــدع الــي انتشــرت اليــوم‪ ،‬والبــدع أمرهــا عظيـ ٌـم‪ ،‬وهــي‬
‫ُ‬
‫بريــد الكفــر‪.‬‬
‫َّ‬
‫األمــور إىل هللا‬
‫ِ‬ ‫قــال ابــن عبــاس ‪( :L‬إن أبغــض‬
‫البــدع)(((‪.‬‬
‫ـب إىل إبليــس‬ ‫‪( :‬البدعـ ُـة أحـ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫وقــال ســفيان الثــوري ‪I‬‬
‫�اب‬ ‫مــن املعصيـ ِـة‪ ،‬املعصيـ ُـة ُيت ـ�اب منهــا والبدعـ ُـة ال ُيت ـ ُ‬
‫منهــا)(((‪.‬‬
‫ـاد الكثيريــن يف‬ ‫ومــن أهــم أســباب انتشــار البــدع‪ :‬اعتقـ ُ‬
‫ُ ِّ‬ ‫ً‬
‫أن هنــاك بدعــة حســنة‪ ،‬ويف هــذا البحــث املختصــر أبــن‬

‫‪ :1‬رواه البيهقي يف الكربى (‪.)316/4‬‬


‫ُّ‬
‫الاللكايئ (‪ )132/1‬والبغوي (‪.)216/1‬‬ ‫‪:2‬أخرجه‬
‫‪3‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫فيــه خطــأ هــذا االعتقــاد‪ ،‬والقــول مــن األدلـ ِـة الشــرعي ِة‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ــبهات‬
‫ِ‬ ‫وأقــوال الســلف والعلمــاء‪ ،‬ثــم الــرد علــى ش‬
‫البــدع‪.‬‬ ‫محســي‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َّ‬
‫األدلـ ِـة وأقــوال أهــل العلــم علــى أن البــدع كلهــا‬
‫(أ)‪ -‬ذكــر ِ‬
‫ٌ‬
‫ســيئ�ة وال توجــد بدعة حســنة‪:‬‬
‫‪ -1‬قــال هللا تعــاىل‪:‬ﱹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [المائــدة‪.]3:‬‬
‫(مــن ابتــ�دع يف اإلســام‬ ‫‪َ :‬‬
‫قــال مالــك بــن أنــس ‪V‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بدعــة يراهــا حســنة‪ ،‬فقــد زعــم أن محمــدا ‪H‬‬
‫خــان الرســالة؛ ألن هللا تعــاىل يقــول‪:‬ﱹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ً‬
‫يومئــذ دينــ�ا فــا يكــون اليــوم‬ ‫ٍ‬ ‫ﭾ ﱸ ‪ ،‬فمــا لــم يكــن‬
‫ً‬
‫دينــ�ا)(((‪.‬‬
‫رســول هللا‬
‫أن ْ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫‪:L‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -2‬عــن جابــر بــن ُ عبــد هللا َ‬
‫‪ H‬كان يقــول يف خطبتــ�ه‪( :‬أمــا بعــد‪ ،‬ف ِــإن‬
‫َ‬ ‫َ َ ُْ ْ َ‬ ‫الديــث ك َتـ ُ‬ ‫ـر ْ َ‬ ‫َخـ ْ َ‬
‫ـر ال ُهــدى ُهــدى‬ ‫هللا‪ ،‬و َخُـ‬
‫ِ‬ ‫ـاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ َ ُ ُّ ْ َ‬ ‫ُم َ َّ‬
‫ــور ُمحدثاتهــا‪ ،‬وكل ِبدع ٍ‬
‫ــة‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ال ُ‬ ‫ــد‪ ،‬وشــر‬
‫حم َ ٌٍ‬
‫َّ‬ ‫ـح عـ ٌّ‬
‫ـام بــأن كل البــدع‬
‫ٌ‬
‫ـص صريـ‬ ‫َض َللــة)(((‪ ،‬وهــذا نـ ٌ‬

‫‪:3‬االعتصام للشاطيب (‪.)64/1‬‬

‫‪:4‬صحيح مسلم برقم (‪.)867‬‬


‫‪4‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫مــن الضــاالت‪.‬‬
‫َ َ َ َ‬
‫‪ -3‬عــن العربــاض بــن ســارية ‪ I‬قــال‪ :‬وعظنــا‬
‫َّ‬ ‫رسـ ُ‬
‫ـول هللا صلــى هللا عليــه وســلم موعظــة وجلــت منهــا‬
‫َ ُ‬
‫(و ِإ ٌ َّياكـ ْـم‬
‫َ‬ ‫ـت منهــا َالعيــون‪ ... ،‬ثــم قــال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫القلــوب‪ ،‬وذرفـ‬
‫َُ ْ ََ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ـور فـ ِـإن كل ِبدعـ ٍـة ضللــة)(((‪.‬‬ ‫ـات المـ ِ‬ ‫ومحدثـ ِ‬
‫ٌ‬
‫بدعــة ضاللــة)‪،‬‬‫ٍ‬ ‫· قــال ابــن رجــب ‪( :V‬قولــه‪( :‬كل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عظيم‬ ‫مــن جوامــع الكلــم‪ ،‬ال خيــرج عنــه يشء‪ ،‬وهــو أصــل‬
‫مــن أصــول الديــن)(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫· قــال ابـ ُـن حجــر ‪( :V‬فقولــه ‪( :H‬كل بدعـ ٍـة‬
‫ٌ ِّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ضاللــة) قاعــدة شــرعية كليــة بمنطوقهــا ومفهومهــا‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أمــا منطوقهــا‪ :‬فــكان ُيقــال‪ :‬حكــم كــذا بدعــة‪ ،‬وكل بدعـ ٍـة‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ضاللــة‪ ،‬فــا تكــون مــن الشــرع؛ ألن الشــرع كلــه ُهــدى‬
‫‪.((()...‬‬
‫َّ‬
‫· قــال الشــيخ محمــد بــن صالــح العثيمــن ‪( :V‬إن‬

‫‪: 5‬سنن ابن ماجه برقم (‪.)42‬‬

‫‪:6‬جامع العلوم واحلكم ‪ ،‬حديث (‪.)28‬‬

‫‪:7‬فتح الباري (‪.)254/13‬‬


‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪5‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ ٌ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫عامــة شــاملة‪ ،‬وكل‬ ‫قولـ ُـه ‪( :H‬كل بدعـ ٍـة) كليــة‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫مــا أدعـ َـي أنــه بدعــة حســنة فاجلــواب عنــه بهــذا‪ ،‬وعلــى‬
‫هــذا‪ ،‬فــا مدخــل ألهــل البدعــة يف أن جيعلــوا ِمــن بدعهــم‬
‫بدعــة حســنة‪ ،‬ويف يدنــا هــذا الســيف الصــارم مــن‬
‫بدعــة ضاللــة)(((‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رســول هللا ‪( :H‬كل‬
‫قالـــت‪ :‬قــال رســول هللا‬ ‫‪ -4‬عــن عائشـــة‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َْ َ َ َ َ َ‬
‫‪L‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪( :H‬مــن أحــدث ِف أم ِرنــا هــذا مــا ليــس‬
‫ْ ُ َ ُ َ َ ٌّ‬
‫ِمنــه فهــو رد)(((‪.‬‬
‫قــال الشــوكاين ‪( :V‬هــذا احلديــث مــن قواعــد الدين‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وأدلــه علــى إبطــال مــا ذهــب إليــه الفقهـ ُ‬
‫ـاء‬ ‫ومــن أصرحــه‬
‫ِ‬
‫مــن تقســيم البــدع إىل أقســام)(‪.((1‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫‪ -5‬قــال عبــد هللا بــن مســعود ‪( :I‬ات ِب ُعــوا َول‬

‫‪ :8‬اإلبداع يف كمال الشرع وخطر االبت�داع (ص‪.)13‬‬


‫ٌ‬
‫‪: 9‬متفــق عليــه‪ :‬رواه البخــاري برقــم (‪ ،)2697‬ومســلم برقــم (‪،)1718‬‬

‫واللفظ له‪.‬‬

‫‪ :10‬ني�ل األوطار (‪.)69/2‬‬


‫‪6‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫ٌ‬ ‫ــد ُكف ُيت ْ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ َ‬


‫بدعــة ضاللــة)(‪.((1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ــم‪ ،‬وكل‬ ‫ِ‬ ‫ت ْبت ِ�د ُعــوا‪ ،‬فق‬
‫(كل‬‫‪ُ :‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -6‬قــال عبــد هللا بــن عمــر بــن اخلطــاب‪L‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫النــاس حســنة)(‪.((1‬‬ ‫ضاللــة‪ ،‬وإن رآهــا‬ ‫ٍ‬ ‫بدعــة‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ -7‬قــال مالــك ‪( :V‬مــن ابتــ�دع يف اإلســام بدعــة‬
‫ً‬
‫يراهــا حســنة‪ ،‬فقــد زعــم أن محمــدا ‪ H‬خــان‬
‫الرســالة)(‪.((1‬‬
‫‪( :‬أصـ ُ‬
‫ـول ُّ‬ ‫ُ‬
‫الســنة‬ ‫‪ -8‬قــال اإلمــام أحمــد بــن حنب ـ�ل ‪V‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫أصحــاب رســول هللا‬ ‫التمســك بمــا كان عليــه‬ ‫عندنــا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بدعــة‬
‫ٍ‬ ‫واالقتــداء بهــم‪ ،‬وتــرك البــدع‪ ،‬وكل‬ ‫‪،H‬‬
‫ٌ‬
‫فهــي ضاللــة)(‪.((1‬‬
‫ُ‬
‫واجلواب عنها‪:‬‬ ‫محسين البدع‬ ‫(ب)‪ُ -‬شبهات ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫حتســن‬‫ِ‬ ‫حيتجــون ببعــض الشــبه علــى‬ ‫أهــل البــدع‬
‫بدع ِهــم‪.‬‬‫ِ‬

‫‪:11‬أخرجه ابن بطة يف اإلبانة حديث (‪ )175‬والاللكايئ حديث (‪.)104‬‬

‫‪:12‬أخرجه ابن بطة يف اإلبانة حديث (‪ )205‬والالكايئ حديث (‪.)126‬‬

‫‪:13‬االعتصام للشاطيب (‪.)64/1‬‬


‫ُ َّ‬
‫السن ِة‪.‬‬ ‫‪ :14‬رواه الاللكايئ يف شرح أصول أهل‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪7‬‬
‫ُ‬
‫أقسام وهي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهذه الش ُبه‬
‫َّ‬ ‫ُ ٌ‬
‫‪ -1‬شــبه مــن األدلــة الشــرعية‪ ،‬منهــا احلديــث املوضــوع‬
‫ـص صحيــح ليــس فيــه داللــة‪.‬‬ ‫أو الضعيــف‪ ،‬ومنهــا نـ ٌ‬
‫ُ ٌ‬
‫‪ -2‬شبـه مـن كـالم العلمـاء‪.‬‬
‫ـذوق والـ ِ‬ ‫ُ ٌ‬
‫ـكالم والــرأي وحنــو‬ ‫‪ -3‬شــبه مــن جهـ ِـة النظـ ِـر والـ ِ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وال بــد مــن مناقشــة هــذه الشبهـــات مناقشــة علميــة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وكالم العلمــاء أنفســهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مبنيــ�ة علــى األدلــة الشــرعية‬
‫ُ‬
‫وهذه بعض الشبهات‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫ـرعية‪ :‬فليــس فيهــا‬ ‫‪ /1‬أمــا الشــبه املتعلقــة باألدلــة الشـ ِ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫ـدع‪.‬‬‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫حتس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫دلي‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يك‬ ‫أن‬ ‫ـح‬ ‫مــا يصـ‬
‫ً َ ْ َْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الرتم ُــذي وغــره مرفوعــا‪(َ :‬مــن َ ابت َـ�دع‬
‫َ‬ ‫رواه َ‬ ‫ومنهـ َـا‪ :‬م َــا َ َ‬
‫ب ْد َعــة ضاللـ ٍـة ال تـ ْـر ِض َّ َ‬
‫للا َو َر ُســول ُه كان َعل ْيـ ِـه‬
‫َ‬ ‫ِ ْ ُ َ ِ َ ْ َ َ‬
‫ِمثــل آثــام مــن ع ِمــل ِبهــا) ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫ـاق‪ ،‬ففيهــا‬
‫قالــوا‪ :‬هــذا دليــل علــى أن البــدع ال تــذم بإطـ ٍ‬
‫الضاللــة‪ ،‬وفيهــا احلســنة!‪.‬‬
‫ُ‬
‫بهة هذه كما يلي‪:‬‬‫والرد على الش ِ‬
‫أ‌‪ -‬ال ُيفهــم مــن احلديــث مــا فهمــه البعــض‪ ،‬بــل هــو‬
‫ٌ‬
‫بدعــة إال وهــي ضاللــة كمــا‬
‫ٍ‬ ‫دليــل عليــه؛ ألنــه مــا مــن‬

‫‪ :15‬سنن الرتمذي برقم (‪)2677‬‬


‫‪8‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫بدعــة ضاللــة)‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قــال رســول هللا ‪( :H‬كل‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويبغضهــا ُ‬
‫هللا ورســوله‪.‬‬ ‫بدعــة إال‬ ‫ٍ‬ ‫فمــا مــن‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َّ‬
‫ب‌‪ -‬ثــم إن هــذا احلديــث (موضــوع)‪ ،‬وعلتـــه كثــر بــن‬
‫عبــد هللا املزيــي‪ ،‬قــال عنــه داود‪ :‬كان أحــد الكذابــن‪،‬‬
‫ـر‪ :‬مجمـ ٌـع علــى ضعفــه‪.‬‬ ‫قــال ابـ ُـن عبــد الـ ِّ‬
‫ُ‬
‫‪/2‬الش ًبهـــة الثانيـــة‪ :‬حديــث‪( :‬مــا رآه املســلمون‬
‫حســنا فهــو عنــد هللا حســن)‪.‬‬
‫ُ‬
‫والرد على هذه الشبهة هو‪:‬‬
‫القيــم عــن هــذا احلديــث‪( :‬ليــس مــن كالم‬ ‫أ‌‪ -‬قــال ابـ ُـن ِّ‬
‫ٌ‬
‫ـعود)(‪.((1‬‬‫رســول هللا وإنمــا هــو ثابــت عــن ابـ ِـن مسـ ٍ‬
‫ب‌‪ -‬فــإذا قلــت للمبت ـ�دع هــذا احلديــث ال يصــح‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫الصحابــة فقولــه‬
‫ِ‬ ‫فقهــاء‬ ‫ٍّ‬
‫صحــايب جليــل مــن‬ ‫هــذا ُ‬
‫كالم‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ابــن مســعود ِمــن أشــد‬ ‫معتــر!‪ ،‬واجلــواب هــو‪َّ :‬أن َ‬
‫النــاس علــى البــدع وأهلهــا‪ ،‬فهــل ُيعقــل أن ُيقــال أنــه‬
‫ـام لهــذا الصحـ ُّ‬
‫ـايب‬ ‫يقــول ُحبســن بعــض البــدع‪ ،‬وهــذا اتهـ ٌ‬
‫يف دينــ�ه!‪.‬‬
‫ً َّ‬
‫ثــم أخــرا‪ :‬أن كالم ابــن مســعود معنــاه هــو مــا رآه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الصحابــة جميعــا حســنا فهــو عنــد هللا حسـ ٌـن‪ ،‬ولذلــك‪:‬‬

‫‪:16‬كتاب الفروسية (‪.)82‬‬


‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪9‬‬
‫أهــل العلــم يف بــاب اإلجمــاع ‪،‬ومنهــم ُ‬ ‫اســتدل بــه ُ‬‫َّ‬
‫ابــن‬
‫ُ‬
‫قدامــة يف (روضــة الناظــر) واخلطيــب البغــدادي‪ ،‬وابـ ُـن‬
‫القيــم‪ُ ،‬‬
‫وغريهــم‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫بقــول‬ ‫ابــن حزم‪(:V‬واحتجــوا يف االستحســان‬ ‫قــال ُ‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫جيــري علــى ألســنتهم وهــو (مــا ُ‬
‫رآه املســلمون حســنا فهــو‬
‫ـند إىل رســول هللا‬ ‫عنــد هللا حســن)‪ ،‬وهــذا ال نعلمــه بسـ ٍ‬
‫ُ‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬إنمــا نعرفــه عــن ابــن مســعود‪ ،‬فيــه إثبـ�ات‬
‫إجمــاع املســلمني فقــط)(‪.((1‬‬
‫ُّ‬
‫‪ /3‬ومــن األدلــة الشــرعية الــي يســتدل بهــا أهـ ُـل البــدع‬
‫َ ْ َ َّ ْ َ‬
‫ال ْســا ِم‬ ‫بدعهــم‪ :‬حديـ َـث‪( :‬مــن ســن ِف ِ‬ ‫علــى استحســان‬
‫َ‬ ‫ُ َّ ً َ َ َ ً َ َ ُ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ‬
‫ســنة حســنة‪ ،‬فلــه أجرهــا‪ ،‬وأجــر مــن ع ِمــل ِبهــا) ‪،‬‬
‫(‪((1‬‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫قالــوا‪ :‬هــذا احلديــث يــدل علــى أن مــن أوجــد شــيئ�ا مــن‬
‫ُ ُ‬
‫ـر فإنــه يمــد علــى ذلــك‪.‬‬ ‫ـور اخلـ ِ‬
‫أمـ ِ‬
‫ُ‬
‫واجلواب على هذه الشبهة هو‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‌أ‪ -‬نقــول أن نصــوص الشــرع ال تضــاد بينهــا‪ ،‬واســتن�ان‬
‫مضبــوط بكونــه‬ ‫ٌ‬ ‫إطالقــه‪ ،‬بــل هــو‬ ‫اخلــر ليــس علــى‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ِ ً‬
‫مشــروعا وثابتــ�ا بالســن ِة‪ ،‬فمعــى احلديــث‪( :‬أن مــن‬
‫‪:17‬اإلحكام (‪.)995/5‬‬

‫‪:18‬صحيح مسلم برقم (‪.)1017‬‬


‫‪10‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫َّ‬
‫مشــروع بالدليــل فلــه‬
‫ٍ‬ ‫عمــل‬
‫ٍ‬ ‫علــى‬ ‫النــاس‬ ‫دل‬
‫ً‬ ‫َ َّ ُ َّ ً‬ ‫كــذا)‪.‬‬
‫‌ب‪ -‬يف احلديــث‪( :‬مــن ســن ســنة حســنة) ولــم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يقــل بدعــة حســنة!‪ ،‬فــا يصلــح دليــا لهــم‪.‬‬
‫‌ج‪َّ -‬إن ســبب احلديــث‪ :‬هــي َّ‬
‫قصــة القــوم احلفــاة الذيــن‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الرســول ‪ H‬علــى الصدقــة عليهــم‪ ،‬حــى‬ ‫حــث‬

‫ورآه القــوم ففعلــوا مثلــه‪ ،‬فهــو‬ ‫بالصـ َّـرة ُ‬


‫ـاري ُ‬‫جــاء األنصـ ُّ‬
‫ُ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫والســنة‪.‬‬ ‫قــد تصــدق‪ ،‬والصدقــة مشــروعة بالكتــاب‬
‫األدلــة الــي اشــتبهت علــى ِّ‬ ‫َّ‬
‫ــي ْالبــدع‪:‬‬ ‫‪ /4‬ومــن ْ ُّ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ ْ‬
‫محس‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الثــم مــا‬ ‫حديـ َـث‪( :‬الـ ِـر مـ َـا انشـ ْـر َح ْ َلــه َصـ ْـدرك‪ َّ،‬و‬
‫ِ‬ ‫َحــاك ف َصـ ْـدرك‪َ ،‬‬
‫ـاس َ) ََّ‬
‫(‪،((1‬‬
‫ُ‬ ‫ـاك َع ْنـ ُـه النـ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ْ َِْ َْ َ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ــر مــا اطمــأن‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ــك‪ ،‬ال َّ ِ ْ‬‫ْ‬ ‫(اس َــت ْف ِ َتَ َّنف ْس َ‬ ‫ُ‬
‫لفــظ‪:‬‬
‫ويف ْ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫ِإليـ ِـه القلــب‪ ،‬واطمأنــت ِإليـ ِـه النفــس) ‪.‬‬
‫(‪((2‬‬

‫املحســن للبــدع‪ :‬يف هــذه األحاديــث‪ :‬أن‬ ‫ِّ‬ ‫يقــول‬


‫االستحســان واالســتقباح الــذي يقــع بالقلــب‪ ،‬أمــرٌ‬
‫ْ َْ َْ َ َ‬ ‫ٌ‬
‫ت نفســك) فــإذا اطمأنــت‬ ‫صحيــح‪ ،‬لقولــه‪( :‬اســتف ِ‬
‫‪: 19‬مسند أحمد برقم (‪.)17999‬‬

‫‪ :20‬مسند أحمد برقم (‪.)18001‬‬


‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪11‬‬
‫َّ َ‬ ‫ٌّ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ــت‬ ‫إليــه النفــس فهــو صحيــح ألنــه بــر‪ ،‬أمــا إذا حترج ِ‬
‫ٌ‬
‫قبيــح ألنــه ٌ‬ ‫ُ‬
‫إثــم‪.‬‬ ‫النفــس فيــه فهــو‬
‫ٌ‬ ‫واجلــواب هــو‪ :‬إن الــذي ينشــرح لــه الصـ ُ‬
‫ـدر وهــو مضــاد‬
‫ُ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫للشــريعة فهــو إلهـ ٌ‬
‫بدعة‪،‬‬ ‫ـيطاين‪ ،‬وهــذا هــو حــال كل ٍ‬ ‫ـام شـ‬
‫َّ‬
‫ـــة‬‫أمــا انشــراح الصــدر مــن بــاب الرتجيــح بــن األدل ِ‬
‫املتكافئــ ِـة‪ ،‬أو عنــد االشــتب�اه بــن احلــال واحلــرام فهــو‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫رحمــاين‪ ،‬والبدعــة ليســت مــن املشــتب�ه‪ ،‬وإنمــا‬ ‫إلهــام‬
‫ُ َّ ْ‬
‫ـي م َــنٌ احلــرام الواضــح البـ ِّـن‪ ،‬حلديــث‪( :‬كل ِبد َعـ ٍـة‬ ‫َ‬ ‫هـ‬
‫َضللــة) فــا ُيســتفىت فيهــا القلـ ُ‬
‫ـب‪.‬‬
‫األدلــة الــي اشــتبهت علــى ِّ‬ ‫ّ‬
‫محســي البــدع‪ :‬مــا‬ ‫‪/5‬ومــن‬
‫ـف لبعــض األعمــال‬ ‫ورد عــن بعــض الصحابــة مــن وصـ ٍ‬
‫ذم لهــا‪ ،‬مثــل قــول عمـ َـر ‪ I‬عــن‬ ‫بأنهــا بدعـ ٌـة مــن غــر ٍّ‬
‫ْ َ ْ ُ َ‬
‫البد َعــة هـ ِـذ ِه)(‪.((2‬‬ ‫صــاة الرتاويــح يف جماعــة‪ِ ( :‬نعــم ِ‬
‫ُّ‬
‫وقــول ابــن عمــر‪ :‬لمــا ُســئل عــن النــاس الذيــن يصلــون‬
‫ً‬
‫الضــى يف املســجد‪ ،‬قــال‪( :‬بدعــة)(‪ ،((2‬وقولــه أيضــا‬

‫‪:21‬صحيح البخاري برقم (‪.)2010‬‬


‫َ َ َ َ ْ ُ ََ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫ــد‪ ،‬قــال‪ :‬دخلــت أنــا‬
‫اه ٍ‬
‫‪ :22‬يف صحيــح مســلم برقــم (‪( )1255‬عــن مج ِ‬
‫ْ ُ ُ َ َ َ ٌ َ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ ْ ُ ُّ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ــس ِإل ُح ْج َــر ِة‬ ‫هللا بــن عمــر جا ِل‬
‫ــجد‪ ،‬ف ِــإذا عبــد ِ‬
‫ــر المس ِ‬
‫وعــر وة بــن الزب ِ‬
‫‪12‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫َّ‬
‫أحــب َّ‬ ‫ً‬
‫إيل منهــا)(‪،((2‬‬ ‫عنهــا‪( :‬ومــا أحــدث النــاس شــيئ�ا‬
‫ً‬
‫وقولــه أيضــا‪ :‬لمــا ســأله احلكـ ُـم بــن األعــرج عــن صــاة‬
‫الضــى فقــال‪( :‬بدعــة)(‪.((2‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫املحســن للبــدع بهــذه اآلثــار‪ :‬علــى أن بعــض‬ ‫وقــد احتــج‬
‫َ‬
‫املحدثــات كانــت محبوبــة ومستحســنة عنــد الصحابــة‪.‬‬
‫واجلواب على ذلك كما يلي‪:‬‬
‫ُ‬
‫‌أ‪ -‬أمــا حديــث عمــر بــن اخلطــاب يف جمــع النــاس لصــاة‬
‫ٌ‬
‫الرتاويــح علــى إمــام واحـ ٍـد‪ :‬فهــذا الفعـ ُـل مأخــوذ مــن فعله‬
‫ـال‪ ،‬ثــم تركهــا خلشــيت�ه‬
‫‪ ،H‬ورآه النــاس ثــاث ليـ ٍ‬
‫ُ‬
‫أن تفــرض عليهــم‪ ،‬وتــويف ‪ H‬واألمـ ُـر علــى ذلــك‪،‬‬
‫كمــا يف صحيــح البخــاري(‪.((2‬‬

‫َ‬ ‫َ ََْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ َ ُّ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬


‫ـاس ُي َصلــون الضـ َـى ِف ال َم ْسـ ِـج ِد‪ ،‬ف َســأ لن ُاه َعـ ْـن َصل ِت ِهـ ْـم؟‬
‫النـ ُ‬ ‫عا ِئشــة‪ ،‬و‬
‫ََ َ ْ ٌ‬
‫فقال‪ِ :‬بد َعة)‪.‬‬

‫‪ :23‬مصنــف عبــد الــرزاق (‪ ،)4868‬وقــال عنــه ابـ ُـن حجــر صحيــح اإلســناد‬

‫(‪.)52/3‬‬

‫‪:24‬مصنف ابن أيب شيب�ة (‪.)406/2‬‬

‫‪ :25‬انظر صحيح البخاري‪ :‬حديث رقم (‪.)2012‬‬


‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪13‬‬
‫ُ‬ ‫شــيخ اإلســام ُ‬ ‫ُ‬
‫قيــام‬ ‫ابــن تيميــة ‪( :V‬أمــا‬ ‫قــال‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫رمضــان فــإن رســول هللا ‪ H‬ســنه ألمتــه‪ ،‬وصلــى‬
‫َّ‬ ‫ً َّ‬
‫ليــال‪ ،‬وكانــوا علــى عهــده ُيصلــون‬ ‫جماعــة ِعــدة ٍ‬ ‫بهــم‬
‫ُ‬
‫جماعــة‬
‫ٍ‬ ‫جماعــات وفــرادي‪ ،‬لكــن لــم يداومــوا علــى‬
‫ـام واحـ ٍـد)(‪.((2‬‬ ‫ـدة‪ ،‬فلمــا كان عمـ ُـر‪ ،‬جمعهــم علــى إمـ ٍ‬
‫واحـ ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثــم قــال أيضــا‪( :‬فأمــا صــاة الرتاويــح فليســت بدعــة‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫يف الشــريعة‪ ،‬وال صالتهــا جماعــة بدعــة‪ ،‬بــل هــي ُســنة‬
‫يف الشــريعة)(‪ ،((2‬وبمثــل قــول شــيخ اإلســام هــذا‬
‫ُّ‬ ‫قــال ُ‬
‫ابــن رجــب يف جامــع العلــوم(‪ ،((2‬والشــاطيب يف‬
‫االعتصــام(‪.((2‬‬
‫ُ‬
‫‌ب‪ -‬إن قــول عمــر ‪( :I‬نعمــت البدعــة هــذه)‬
‫اللغويــة ال الشــرعية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫البدعــة‬
‫ِ‬ ‫ينصــرف إىل‬
‫وذلك ألمور‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ َّ ٌ‬
‫‪ -1‬أن صــاة الرتاويــح جماعــة ســنة ثابت ـ�ة عــن رســول‬

‫‪:26‬الفتاوى (‪.)234/22‬‬

‫‪:27‬اقتضاء الصراط املستقيم (‪.)588/4‬‬

‫‪:28‬جامع العلوم (‪.)252‬‬

‫‪ :29‬االعتصام (‪.)194/1‬‬
‫‪14‬‬
‫ُ َّ‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫الســنة‬ ‫هللا ‪ ،H‬فــا يمكــن أن ُيسـ ِّـي عمـ ُـر هــذه‬


‫ٌ َّ‬
‫بدعــة‪ ،‬إل ِمــن بــاب اللغــة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن صــرف قــول عمـ َـر إىل البدعــة اللغويــة هــو األوىل؛‬
‫ألنــه ال ُيعقــل أن يــرىض عمـ ُـر بالبدعــة يف ديــن هللا‪ ،‬وقــد‬
‫ُّ‬
‫ضاللــة) مــع‬ ‫ٍ‬ ‫بدعــة‬
‫ٍ‬ ‫ســمع قــول النــي ‪( :H‬كل‬
‫ُ َّ‬ ‫ِّ‬
‫الســن ِة‬ ‫حــرص علــى اتبــ ِ�اع‬ ‫ٍ‬ ‫مــا ُعــرف عنــه ‪ I‬مــن‬
‫ومحاربــة البدعــة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬أنــه يــرد يف اســتعمال الصحابــة بعــض املصطلحــات‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ـرعية بمعانيهــا األصليــة يف لغــة العــرب‪ ،‬كقــول أيب‬ ‫الشـ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بــن كعــب للنــي ‪ :H‬أجعــل لــك صــايت كلهــا»‬
‫ً ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫(إذا تكفــى همــك‪ ،‬ويغفــر لــك ذنبــك)(‪،((3‬‬ ‫قــال‪ِ :‬‬
‫فمــراده بقولــه‪ :‬صــايت‪ ،‬أي‪( :‬دعــايئ)‪.‬‬
‫هللا َصلــى ُ‬‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬
‫هللا‬ ‫وكقــول عائشــة ‪( :L‬كان رســول َ ِ‬
‫يــن َو ْال ْن َصــار‪َ ،‬ف َج َ‬
‫ــاء‬ ‫ــن ْال ُم َهاجر َ‬
‫َع َل ْيــه َو َس َّــل َم ف َن َفــر م َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ (‪((3‬‬
‫َِ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ‬
‫ب ِعــر‪ ،‬فســجد له) واملــراد انــه طأطــأ رأســه واحنــى‪،‬‬
‫ُ‬
‫ومــن هــذا البــاب قــول عمــر ‪( :I‬نعمــت البدعــة‬
‫َّ‬
‫هــذه) فإنــه أراد بهــا البدعــة باملعــى اللغــوي‪ ،‬أي‪ :‬األمـ ُـر‬
‫‪:30‬سنن الرتمذي برقم (‪.)2457‬‬

‫‪:31‬مسند أحمد برقم (‪.)24470‬‬


‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪15‬‬
‫اجلديــد‪.‬‬
‫قــال ابــن رجــب احلنبلــي‪( :‬مــا وقــع يف كالم الســلف مــن‬
‫استحســان بعــض البــدع فإنمــا ذلــك يف البــدع اللغويــة ال‬
‫ُ‬ ‫الشــرعية‪ ،‬فمن ذلك قـ ُ‬
‫ـول عمر‪( :‬نعمــت البدعة هــذه)(‪.((3‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقــال شــيخ اإلســام‪( :‬أكــر مــا يف هــذا تســمية عمــر‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫تلــك بدعــة مــع ُحســنها‪ ،‬وهــذه تســمية لغوية ال تســمية‬
‫ُ‬ ‫ُ ُّ َّ‬
‫ــم كل مــا فعــل‬ ‫شــرعية‪ ،‬وذلــك أن البدعــة يف اللغــة تع‬
‫مثــال ســابق)(‪.((3‬‬ ‫�داء مــن غــر‬ ‫ابتــ ً‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫قــال ُ‬
‫ابــن كثــر ‪( :V‬والبدعــة علــى قســمني‪ :‬تــارة‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تكــون بدعــة شــرعية كقــول‪( :‬فــإن كل محدثـ ٍـة بدعــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫وكل بدعـ ٍـة ضاللـ ٍـة)‪ ،‬وتــارة تكــون بدعــة لغويــة كقــول‬
‫عمــر عــن َج ْم ِعـ ِـه إياهــم علــى صــاة الرتاويــح (نعمــت‬
‫ُ‬
‫البدعــة هــذه)(‪.((3‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقــول ابــن عمــر عنهــا‬ ‫‌ج‪ -‬أمــا حديــث صــاة الضــى‬
‫ـب‬ ‫ـاس شــيئ ً�ا أحـ َّ‬ ‫أنهــا (بدعــة)‪ ،‬وقولــه‪( :‬مــا أحــدث النـ ُ‬

‫‪:32‬جامع العلوم واحلكم (‪.)128 /2‬‬

‫‪:33‬اقتضاء الصراط املستقيم (‪.)589/2‬‬

‫‪ :34‬تفسري ابن كثري (‪.)282/1‬‬


‫‪16‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫إيل منهــا)‪ ،‬فاجلـ ُ‬


‫ـواب عنــه مــا يلــي‪:‬‬ ‫َّ‬
‫النــي ‪H‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ -1‬ثبــت باألحاديــث الصحيحــة أن‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫صلــى الضــى ولــم يــداوم عليهــا‪ ،‬وثبــت أنــه حـ َـث عليها‪،‬‬
‫ــان‬ ‫ْ َ‬
‫ففــي الصحيحــن َقــال أبــو هريــرة َ‪( :I‬أوص ِ‬
‫ـوت‪َ :‬‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫«صـ ْـو ِم‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫أ‬ ‫ـى‬
‫ْ ُ ِّ َ ْ َ َ َ ُّ‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬‫ه‬ ‫ع‬ ‫د‬‫أ‬ ‫ال‬ ‫ث‬
‫ٍ‬ ‫لا‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬‫يل‬
‫َ ََ َ‬‫ِ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫ــى‪،‬‬ ‫الض َ‬ ‫ــام ِمــن كل شــه ٍر‪ ،‬وصــا ِة‬ ‫ــة أ َ َّي ٍ‬
‫ث َالث ِ‬
‫ونــو ٍم علــى ِوتـ ٍـر)(‪ ،((3‬وعنــد احلاكــم عــن أيب هريــرة‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫‪ H‬قــال‪( :‬ل َي ِافــظ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫‪ I‬أن رســول هللا‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َعلــى َصــا ِة الضــى ِإل أواب)(‪.((3‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪َّ -2‬أمــا إنـ ُ‬
‫ـكار ابـ ُـن عمــر علــى الذيــن يصلونهــا وتســميت�ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫جيــاب عنــه بقــول ابــن حجــر يف الفتــح‪:‬‬ ‫الفعــل بدعــة‬
‫(ليــس يف أحاديــث ابــن عمــر هــذه مــا يدفــع مشــروعية‬
‫ٌ‬
‫رؤيت ـ�ه‪ ،‬ال‬
‫صــاة الضــى‪ ،‬ألن نفيــه محمــول علــى عــدم ِ‬

‫‪:35‬متفــق عليــه‪ :‬رواه البخــاري برقــم (‪ ،)1178‬واللفــظ لــه‪ ،‬ومســلم برقــم‬

‫(‪.)721‬‬

‫‪:36‬مســتدرك احلاكــم برقــم (‪ ،)1182‬وصحيــح ابــن خزيمــة‪ ،‬وهــو يف‬

‫صحيح اجلامع برقم (‪.)7628‬‬


‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪17‬‬
‫علــى عــدم الوقــوع يف نفــس األمــر)(‪.((3‬‬
‫ابــن عمــر ليــس هــو صــاة‬ ‫‪ُ -3‬يتمــل أن الــذي أنكــره ُ‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫الضــى وإنمــا صفــة رآهــا الحقــة لهــا‪ ،‬كإظهارهــا يف‬
‫ً‬
‫املســاجد‪ ،‬واملالزمــة لهــا‪ ،‬وصالتهــا جماعــة وحنــو‬
‫ذلــك(‪.((3‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫‪ -4‬ولعــل ابــن عمــر يــرى أن صــاة الضــى تفعــل‬
‫ـارة أو حنــو ذلك‬ ‫ـزوة أو زيـ ٍ‬ ‫ـفر أو غـ ٍ‬
‫ـبب‪ ،‬كالقــدوم مــن سـ ٍ‬ ‫لسـ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ممــا ثبتــت بــه األحاديــث الصحيحــة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫وأمــا فعلهــا بــدون‬
‫ٌ‬
‫ـبب فلــم يثبــت عنــد ابــن عمــر‪ ،‬وذلــك اجتهــاد منــه‪،‬‬ ‫سـ ٍ‬
‫ُ‬
‫وقــد يصيــب وقــد خيطــئ‪ ،‬وقــد ثبــت الدليــل واإلجمــاع‬
‫علــى مشــروعيتها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫املحســنني للبــدع‪:‬‬ ‫‪/6‬ومــن الشــبهات الــي يتعلــق بهــا‬
‫ُ‬
‫عبــارات وشــبهات مــن كالم العلمــاء‪ ،‬فيقــول أن العا ِلــم‬
‫وكالمـ ُـه‬
‫ُ‬ ‫الفــاين قــال كــذا‪ ،‬وهــو صاحــب علـ ٍـم وفضــل‪،‬‬
‫َ‬
‫أوىل مــن كالمنــا‪.‬‬

‫‪ :37‬الفتح (‪.)53/3‬‬
‫‪:38‬ذكــر ذلــك ُ‬
‫ابــن حجــر يف الفتــح (‪ ،)53/3‬والنــووي يف شــرح مســلم‬
‫(‪ ،)237/8‬وابن ِّ‬
‫القيم يف زاد املعاد (‪.)354/1‬‬
‫‪18‬‬ ‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫ُ‬
‫واجلواب هو‪:‬‬
‫ويــرد إال رسـ ُ‬ ‫ُّ‬
‫كل ُيؤخـــذ مــن كالمــه ُ‬
‫ـول هللا ‪،H‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ُّ‬ ‫ً ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫فكيــف إذا كان القـــول مخالفـــا للســنة الصحيحــة (كل‬
‫بدعـ ٍـة ضاللـ ٍـة) ‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫عامــا ظاهــرا يف‬ ‫كالم كان‬‫(كل ٍ‬ ‫الشــافعي ‪:V‬‬ ‫‪ -2‬قــال‬
‫َّ‬
‫ُســنة رســول هللا ‪ H‬فهــو علــى ظهــوره وعمومــه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حــى ُيعلــم حديــث ثابــت يــدل علــى أنــه أريــد بعــض‬
‫ُّ‬
‫بدعــة‬
‫ٍ‬ ‫اجلملــة دون بعــض)(‪ ،((3‬ومــن ذلــك (كل‬
‫ضاللــة) فأيــن الدليــل علــى ختصيصــه ؟؟!!‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫للبــدع بمــا روي‬ ‫ِ‬ ‫ومــن العلمــاء الذيــن حيتــج املحســن‬
‫ٌ‬ ‫ـول اإلمــام الشـ ُّ‬ ‫عنهــم‪ :‬قـ ُ‬
‫ـافعي‪( :‬البدعــة بدعتــان‪ :‬بدعــة‬
‫ُ َّ‬ ‫ٌ‬
‫الســنة فهــو‬ ‫محمــودة‪ ،‬وبدعــة مذمومــة‪ ،‬فمــا وافــق‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ٌ‬
‫مذمــوم)‪ ،‬واحتــج‬ ‫الســنة فهــو‬ ‫محمــود‪ ،‬ومــا خالــف‬
‫ُ‬
‫بقــول عمــر يف قيــام رمضــان (نعمــت البدعــة هــي)(‪...((4‬‬
‫ٌ‬ ‫ـيم إمـ ٍ‬‫املحســن للبــدع‪ :‬هــذا تقسـ ُ‬ ‫ِّ‬
‫ـام‪ ،‬وهــو صريــح يف‬ ‫قــال‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫أن ِمــن البــدع مــا هــو حســن!!!‪.‬‬

‫‪ 39‬الرسالة (‪.)341‬‬

‫ُ‬
‫‪:40‬حلية األولياء أليب نعيم (‪ ،)113/9‬فتح الباري (‪.)253/13‬‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬ ‫‪19‬‬
‫واجلواب عنه بما يلي‪:‬‬
‫ـافعي علــى البدعــة املحمــودة بقــول عمــر‪:‬‬ ‫‪ -1‬احتـ َّـج الشـ ُّ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫(نعمــت البدعــة هــذه)‪ ،‬وهــذا يــدل علــى أنــه أراد املعــى‬
‫اللغــوي‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬ورد عنــه أيضــا أن البدعــة املذمومــة هــي مــا خالــف‬
‫ٌ‬ ‫ُ َّ‬
‫الســنة‪ ،‬وهــذا منطبــق علــى ســائر البــدع يف الديــن‪،‬‬
‫فخرجــت البــدع اللغويــة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -3‬قــد يكــون مـ ُ‬
‫ـراد الشــافعي احلــوادث الــي اســتجدت‬
‫وتدخــل حتــت أصـ ٍـل مــن هــذا الديــن وهــي ليســت مــن‬
‫ُ‬
‫العبــادات املحضــة‪ ،‬كاملصالــح املرســلة‪ ،‬فهــي ال تسـ َّـى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بدعــا يف الديــن‪ ،‬وإن كانــت تسـ َّـى بدعــا مــن جهــة اللغــة‪،‬‬
‫وهــذا مــا أراده الشـ ُّ‬
‫ـافعي‪.‬‬
‫ذم االستحســان يف‬ ‫‪ -4‬ثــم نقــول‪ :‬إن اإلمــام الشــافعي َّ‬
‫الديــن‪ ،‬فكيــف ُيفهــم مــن كالمــه أنــه يقــول بالبدعــة‬
‫احلســنة‪.‬‬
‫قــال محمــد بــن داود‪( :‬لــم ُيلحــظ يف دهــر الشــافعي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يشء مــن األهــواء‪ ،‬وال نســب إليــه‪ ،‬مــع‬ ‫كلــه أنــه تكلــم يف ٍ‬
‫ُبغضــه ألهــل الــكالم والبــدع)(‪.((4‬‬

‫‪ :41‬سري أعالم النبلاء للذهيب (‪.)26/10‬‬


‫‪20‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫وقــال أحمــد بــن حنبـ�ل‪( :‬مــا رأيــت أحــدا أتبـ َـع لألثـ ِـر ِمــن‬
‫الشــافعي)(‪.((4‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الشــافعي أراد بقولــه يف‬ ‫افــرض جــدال أن‬ ‫‪ -5‬ثــم لــو ِ‬
‫محســنوا البــدع‪ ،‬فإنــه‬ ‫تعريــف البدعــة مــا ذهــب إليــه ِّ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫عــارض بــه النصــوص الشــرعية‪ ،‬وهــو‬ ‫كالم بشــر‪ ،‬ال ت‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫القائــل‪( :‬إذا وجدتــم يف كتــايب خــاف ســن ِة رســول هللا‬
‫ُ‬
‫‪ H‬فقولــوا بــه ودعــوا مــا قلتــه)(‪ ،((4‬وقــال‪:‬‬
‫ُّ‬
‫حديــث عــن النــي ‪ H‬فهــو قــويل‪ ،‬وإن لــم‬ ‫ٍ‬ ‫(كل‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫تســمعوه مــي)(‪ ،((4‬ورســول هللا ‪ H‬يقــول (كل‬
‫بدعــة ضاللــة)!‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫املحســنون للبــدع بمــا‬ ‫‪ /7‬ومــن العلمــاء الذيــن حيتــج‬
‫ُروي عنهــم‪ :‬ســلطان العلمــاء عــز الديــن بــن عبــد الســام‬
‫ُ‬
‫حيــث قــال‪( :‬البدعــة هــي فعـ ُـل مــا لــم ُيعهــد يف عصــر‬
‫ٌ‬
‫رســول هللا ‪ ،H‬وهــي منقســمة إىل بدعـ ٍـة واجبـ ِـة‪،‬‬
‫مكروهــة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وبدعــة‬
‫ٍ‬ ‫مندوبــة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وبدعــة‬
‫ٍ‬ ‫محرمــة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وبدعــة‬
‫ٍ‬

‫‪ 42‬السري (‪.)26/10‬‬

‫‪ :43‬السري (‪)34/10‬‬

‫‪ :44‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫معرفــة ذلــك أن تعــرض‬ ‫ِ‬ ‫مباحــة‪ ،‬والطريــق يف‬


‫ٍ‬ ‫وبدعــة‬
‫ٍ‬
‫علــى قواعــد الشــريعة)(‪ ،((4‬واعتمــد علــى هــذا القــول‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫بعــض َمــن جــاء بعــد العــز بــن عبــد الســام مثـ ُـل القــرايف‪،‬‬
‫والنــووي‪ ،‬والســيوطي‪ ،‬والســخاوي‪ ،‬وغريهــم‪.‬‬
‫ُ‬
‫واجلواب هو‪:‬‬
‫‪ -1‬هــذا التعريــف يشــمل البدعــة الشــرعية‪ ،‬وهــي‬
‫املحرمــة واملكروهــة‪ ،‬ويشــمل البــدع اللغويــة وهــي‬ ‫َّ‬
‫املندوبــة والواجبــة واملباحــة‪ ،‬بدليــل أول التعريــف‬
‫عــل مــا لــم ُيعهــد يف عصــر رســول هللا ‪،)H‬‬ ‫(ف ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ومــا لــم يعهــد يشــمل أمــور الديــن والدني ـ�ا‪ ،‬والعبــادات‬
‫والعــادات واملعامــات‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -2‬يظهــر مــن خــال أمثلــة العــز بــن عبــد الســام أنــه‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫مســى البــدع‪ِ ،‬فلكونهــا‬ ‫أدخــل املصالــح املرســلة يف‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫داخلــة حتــت قواعــد الشــرع‪َ ،‬حكـ َـم عليهــا بالوجــوب أو‬
‫النــدب أو اإلباحــة‪.‬‬
‫ُ ٌ‬ ‫ُّ‬
‫الشــبه الــي حيتــج بهــا ُم ِّ‬
‫حس ُ‬ ‫ُ‬
‫ــن البــدع‪ :‬شــبه‬ ‫‪/8‬ومــن‬
‫مــن جهــة النظــر والــذوق والــكالم وحنــو ذلــك‪.‬‬
‫ً‬
‫ـزال معمــوال بــه يف‬‫ومنهــا قــول املبتـ�دع‪َّ :‬إن هــذا األمــر ال يـ ُ‬

‫‪:45‬قواعد األحكام (‪.)172/2‬‬


‫‪22‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫ُ ٌ‬
‫ـره أحــد‪.‬‬
‫جميــع األقطــار قديمــا وحديثـ�ا‪ ،‬ولــم ينكـ‬
‫ُ‬
‫واجلواب هو‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ -1‬إن أراد بقولــه هــذا إجمــاع األمــة‪ ،‬فليــس اإلجمــاع هــو‬
‫إجمــاع العوام‪.‬‬
‫َّ ٌ‬ ‫َ‬
‫النــاس ومألوفاتهــم حجــة علــى‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2‬إن أراد أن عوا ِئــد‬
‫ُ‬
‫ديــن هللا فهــو عــن الضــال‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫‪ -3‬أمــا قولــه (ولــم ُينكــره أحــد)‪ ،‬فهــذا قــول باطــل؛‬
‫ــن ينهــى عــن البــدع‬ ‫ألنــه لــم يــزل يف كل وقــت َم ْ‬
‫ٍ‬
‫(يمــلُ‬ ‫‪َْ :‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫بعمومهــا‪ ،‬ويشــهد لذلــك قولــه ‪H‬‬
‫َ َ ِّ َ ْ ُ ِّ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ ْ ُ َ ْ‬
‫ـون َعنـ ُـه‬
‫ـف ع ْدولــه‪ ,‬ينفـ‬
‫هــذا الديــن ِمــن كل خلـ ٍ‬
‫َ ََْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َْ َ َ ْ َ َ‬
‫ْت ِريــف الغا ِلــن‪ ,‬وان ِتحــال المب ِط ِلــن‪ ,‬وتأ ِويــل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اه ِلــن)(‪.((4‬‬
‫ال ِ‬
‫ُ‬
‫‪ /9‬ومــن الشــبه اســتدالل املبتــ�دع بالعموميــات مــن‬
‫ُّ‬
‫األوامــر الشــرعية‪ :‬فيســتدل علــى األذكار املبت�دعــة‬
‫بقــول هللا تعــاىل‪:‬ﱹ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱸ [األحــزاب‪ ،]41:‬وهــذا‬
‫يوجــد يف كثــر مــن البـــدع‪.‬‬
‫ُ‬
‫واجلواب هـو‪:‬‬
‫‪ :46‬رواه البيهقـ ُّـي‪ ،‬واخلطيـ ُ‬
‫ـب يف شــرف أصحــاب احلديــث (‪ ،)1/11‬وهــو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حسن‪.‬‬ ‫حديث‬
‫‪23‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫كـــل بدعــة ضــاللــة‬

‫َ‬ ‫َّ‬
‫لكــن العمــل‬ ‫إن عموميــات األدلــة الشــرعية فحــق‪،‬‬
‫َّ َ‬
‫املعــن َّإمــا أن ُيســتحب خبصوصــه‪ ،‬أو لمــا فيــه مــن‬
‫ِّ‬
‫املعــى العــام‪ ،‬ال مــن أجــل عموميــات األدلــة الشــرعية‬
‫وحدهــا‪.‬‬
‫ُ‬
‫فالعبــادات مــن حيــث االســتحباب والكراهــة املرتاوحــة‬
‫بني اإلطالق والتقيي�د تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫مســتحب خبصوصــه‪ ،‬كالنفــل َّ‬
‫املقيــد‬ ‫ٌ‬ ‫‌أ‪ -‬منهــا مــا هــو‬
‫بوقــت‪ ،‬مثــل‪ :‬ركعــي الفجــر‪ ،‬وقيــام رمضــان وغريهــا‪،‬‬
‫ـبب كصــاة الكســوف واالستســقاء وغريها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫واملقيــد بسـ ٍ‬
‫ـدد كالوتــر وغريهــا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫واملقيــد بعـ ٍ‬
‫ـتحب بعمــوم معنــاه‪ ،‬كالنوافــل‬ ‫‌ب‪ -‬ومنهــا مــا هــو مسـ ٌ‬
‫ـدد أو مــكان‪.‬‬ ‫ـبب أو عـ ٍ‬ ‫ـت أو سـ ٍ‬ ‫املطلقــة بــدون حتديــد وقـ ٍ‬
‫ـروه محـ َّـر ٌم ختصيصــه‪ ،‬كقيــام ليلــة‬ ‫‌ج‪ -‬ومنهــا مــا هــو مكـ ٌ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫اجلمعــة‪ ،‬أو صيــام يومهــا مفــردا‪ ،‬والصــاة يف وقــت‬
‫النهــي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ /10‬ومــن الشــبه أنهــم يعملــون ذلــك مــن أجــل تعليــم‬
‫النــاس وربطهــم بالديــن فيقــال لهــم‪:‬‬
‫ً‬ ‫يتعلم ُ‬‫َّ‬
‫الناس من البدع شيئ�ا‪.‬‬ ‫ال‬
‫ُ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َّ‬
‫بدعــة ضاللــة‪ ،‬فــا توجــد‬ ‫ٍ‬ ‫ممـــا ســبق تبــن لنــا أن كل‬

You might also like