You are on page 1of 43

‫‪5‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬

‫نص الحديث‬
‫عن عمر بن اخلطاب ‪ ‬قال‪ :‬بينما حنن جلوس عند رسول اهلل‬
‫‪ ‬ذات يوم‪ ،‬إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد‪،‬‬
‫الشعر ال يرى عليه أثر السفر‪ ،‬وال يعرفه منا أحد‪ ،‬حىت جلس إىل‬
‫النيب ‪ ،‬فأسند ركبتيه إىل ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫حممد! أخبين عن اإلسالم‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪« :‬اإلسالم أن‬
‫تشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محم ًدا رسول اهلل‪ ،‬وتقيم الصالة‪،‬‬
‫وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ ،‬وتحج البيت إن استطعت إليه‬
‫سبيال» قال‪ :‬صدقت‪ ،‬قال‪ :‬فعجبنا له! يسأله ويصدقه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأخبين عن اإلميان‪ ،‬قال‪« :‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالكئتته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره وشره» قال‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخبين عن اإلحسان‪ ،‬قال‪« :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه‪ ،‬فإن لم‬
‫تتن تراه فإنه يراك»‪ .‬قال‪ :‬فأخبين عن الساعة‪ ،‬قال‪« :‬ما‬
‫المسئول عنها بأعلم من الساكئل»‪ .‬قال‪ :‬فأخبين عن أماراهتا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«أن تلد األمة ربتها‪ ،‬وأن تري الحفاة العراة العالة رعاء الشاء‬
‫يتطاولون في البنيان»‪ ،‬مث انطلق‪ ،‬فلبثت مليا‪ ،‬مث قال يل‪« :‬يا عمر‪،‬‬
‫أتدري من الساكئل؟» قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإنه جبريل‪،‬‬
‫أتاكم يعلمتم دينتم» رواه مسلم‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪6‬‬

‫شرح الحديث‬
‫هذا احلديث تفرد به مسلم عن البخاري بإخراجه فخرجه من‬
‫طريق كهمس عن عبد اهلل بن بريدة عن حيىي بن يعمر قال‪ :‬كان‬
‫أول من قال يف القدر بالبصرة معبد اجلهين فانطلقت أنا ومحيد بن‬
‫أحدا من‬
‫عبد الرمحن احلمريي حاجني أو معتمرين فقلنا‪ :‬لو لقينا ً‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ ‬فسألناه عما يقول هؤالء يف القدر فوفق لنا‬
‫عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنهما داخال املسجد‪،‬‬
‫فاكتنفته أنا وصاحيب أحدنا عن ميينه واآلخر عن مشاله فظننت أن‬
‫صاحيب سيكل الكالم إىل فقلت‪ :‬أبا عبد الرمحن إنه قد ظهر قبلنا‬
‫ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأهنم‪ ،‬وأهنم يزعمون‬
‫أن ال قدر‪ ،‬وأن األمر أنف فقال‪ :‬إذا لقيت أولئك فأخبهم أىن بريء‬
‫منهم وأهنم برآء مين‪ ،‬والذي حيلف به عبد اهلل ابن عمر لو أن‬
‫ألحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قبل اهلل منه حىت يؤمن بالقدر مث‬
‫قال‪ :‬حدثين أيب عمر بن اخلطاب ‪ ‬قال‪ :‬بينما حنن عند رسول اهلل‬
‫‪ ..‬فذكر احلديث بطوله‪.‬‬
‫مث خرجه من طرق أخرى بعضها يرجع إىل عبد اهلل بن بريدة‬
‫وبعضها يرجع إىل حيىي بن يعمر وذكر أن يف بعض ألفاظها زيادة‬
‫ونقصانا وخرجه ابن حبان يف صحيحه من طريق سليمان التيمي عن‬
‫حيىي بن يعمر وقد خرجه مسلم من هذا الطريق إال أنه مل يذكر لفظه‬
‫وفيه زيادات منها يف اإلسالم‪ ،‬قال‪« :‬وتحج وتعتمر وتغتسل من‬
‫الجنابة‪ ،‬وأن تتم الوضوء‪ ،‬وتصوم رمضان» قال‪ :‬فإذا أنا فعلت‬
‫ذلك فأنا مسلم؟ قال‪« :‬نعم» وقال يف اإلميان‪« :‬وتؤمن بالجنة‬
‫‪7‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫والنار والميزان»‪ ،‬قال‪ :‬فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن؟ قال‪« :‬نعم»‪،‬‬
‫وقال يف آخره‪« :‬هذا جبريل أتاكم ليعلمتم أمر دينتم‪ ،‬خذوا‬
‫عنه‪ ،‬والذي نفسي بيده ما شبه على منذ أتاني قبل مرتي هذه وما‬
‫عرفته حتى ولى»(‪ )1‬وخرجاه يف الصحيحني من حديث أيب هريرة‬
‫يوما بارزا للناس‪ ،‬فأتاه رجل فقال‪ :‬ما‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ً ‬‬
‫اإلميان؟ قال‪« :‬اإليمان أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالكئتته‪ ،‬وكتابه‪ ،‬وبلقاكئه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬وتؤمن بالبعث اآلخر» قال‪ :‬يا رسول اهلل! ما اإلسالم؟‬
‫قال‪« :‬اإلسالم أن تعبد اهلل ال تشرك به شيئًا‪ ،‬وتقيم الصالة‬
‫المتتوبة‪ ،‬وتؤدي الزكاة المفروضة‪ ،‬وتصوم رمضان»‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل! ما اإلحسان؟ قال‪« :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه‪ ،‬فإنك إن‬
‫ال تراه فإنه يراك» قال‪ :‬يا رسول اهلل! مىت الساعة؟ قال‪« :‬ما‬
‫المسئول عنها بأعلم من الساكئل‪ ،‬ولتن سأحدثك عن أشراطها؛‬
‫إذا ولدت األمة ربتها فذاك من أشراطها‪ ،‬وإذا رأيت الحفاة العراة‬
‫رءوس الناس فذاك من أشراطها‪ ،‬وإذا تطاول رعاء البهم في‬
‫البنيان فذاك من أشراطها‪ ،‬في خمس ال يعلمهن إال اهلل» مث تال‬
‫رسول اهلل ‪ :‬إِن الله ِعنده ِعلْم الساع ِة وي ن ِّزل الْغ ْيث وي ْعلم ما فِي‬
‫األ ْرح ِام وما ت ْد ِري ن ْفس ماذا ت ْت ِسب غ ًدا وما ت ْد ِري ن ْفس بِأ ِّ‬
‫ي أ ْرض‬
‫تموت إِن الله علِيم خبِير‪[ ‬لقمان‪ ،]43 :‬قال‪ :‬مث أدبر الرجل‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ‪« :‬على بالرجل‪ ،‬فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئًا» فقال‬
‫رسول اهلل ‪« :‬هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم»(‪ )2‬وخرجه‬
‫(‪)1‬أخرجه ابن حبان يف صحيحه برقم (‪.)174‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)3777( ،)55‬ومسلم (‪ )9‬واللفظ له‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪8‬‬
‫مسلم بسياق أمت من هذا‪ ،‬وفيه يف خصال اإلميان‪« :‬وتؤمن بالقدر‬
‫كله»‪ ،‬وقال يف اإلحسان‪« :‬أن تخشى اهلل كأنك تراه»(‪.)1‬‬
‫وخرجه اإلمام أمحد يف مسنده(‪ )2‬من حديث شهر بن حوشب‪،‬‬
‫أيضا‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬ومن حديث شهر بن حوشب ً‬
‫عن ابن عامر أو أيب عامر أو أيب مالك‪ ،‬عن النيب ‪ ،‬ويف حديثه‬
‫قال‪ :‬ونسمع رجع النيب ‪ ،‬وال نرى الذي يكلمه‪ ،‬وال نسمع‬
‫كالمه‪ ،‬وهذا يرده حديث عمر الذي خرجه مسلم وهو أصح‪ .‬وقد‬
‫روي حديث عمر عن النيب ‪ ‬من حديث أنس بن مالك وجرير بن‬
‫جدا؛ يشتمل‬ ‫عبد اهلل البجلي وغريمها‪ ،‬وهو حديث عظيم الشأن ً‬
‫على شرح الدين كله وهلذا قال النيب ‪ ‬يف آخره‪« :‬هذا جبريل‬
‫أتاكم يعلمتم دينتم»‪ ،‬بعد أن شرح درجة اإلسالم‪ ،‬ودرجة اإلميان‪،‬‬
‫ودرجة اإلحسان؛ فجعل ذلك كله دينا‪ ،‬واختلفت الرواية يف تقدمي‬
‫اإلسالم على اإلميان وعكسه‪ ،‬ففي حديث عمر الذي خرجه مسلم‬
‫أنه بدأ بالسؤال عن اإلسالم‪ ،‬ويف حديث الرتمذي وغريه أنه بدأ‬
‫بالسؤال عن اإلميان‪ ،‬كما يف حديث أيب هريرة ‪ ،‬وجاء يف بعض‬
‫روايات حديث عمر أنه سأله عن اإلحسان بني اإلسالم واإلميان‪.‬‬
‫فأما اإلسالم فقد فسره النيب ‪ ‬بأعمال اجلوارح الظاهرة من‬
‫القول والعمل‪ ،‬وأول ذلك «شهادة أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا‬
‫رسول اهلل»‪ ،‬وهو عمل اللسان مث «إقام الصالة وإيتاء الزكاة‪،‬‬
‫وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت من استطاع إليه سبيال» وهي منقسمة‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم برقم (‪.)15‬‬
‫(‪.)419/1( )2‬‬
‫‪9‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫إىل عمل بدين كالصالة والصوم‪ ،‬وإىل عمل مايل وهو إيتاء الزكاة‪،‬‬
‫وإىل ما هو مركب منهما كاحلج بالنسبة إىل البعيد عن مكة‪ .‬ويف‬
‫رواية ابن حبان أضاف إىل ذلك‪ :‬االعتمار والغسل من اجلنابة وإمتام‬
‫الوضوء ويف هذا تنبيه على أن مجيع الواجبات الظاهرة داخلة يف‬
‫مسمى اإلسالم‪ ،‬وإمنا ذكر ههنا أصول أعمال اإلسالم اليت ينبين‬
‫عليها كما سيأتى شرح ذلك يف حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪:‬‬
‫«بني اإلسالم على خمس‪ »...‬يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقوله يف بعض الروايات‪ :‬فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال‪:‬‬
‫«نعم»‪ ،‬يدل على أن من أكمل اإلتيان مبباين اإلسالم اخلمس صار‬
‫حكما‪ ،‬فإذا‬
‫مسلما ً‬ ‫مسلما حقا‪ ،‬مع أن من أقر بالشهادتني صار ً‬ ‫ً‬
‫دخل يف اإلسالم بذلك ألزم بالقيام ببقية خصال اإلسالم‪ ،‬ومن ترك‬
‫الشهادتني خرج من اإلسالم‪ ،‬ويف خروجه من اإلسالم برتك الصالة‬
‫خالف مشهور بني العلماء‪ ،‬وكذلك يف تركه بقية مباين اإلسالم‬
‫اخلمس‪ ،‬كما سنذكره يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل‪ .‬ومما يدل على‬
‫أن مجيع األعمال الظاهرة تدخل يف مسمى اإلسالم قوله ‪:‬‬
‫«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»(‪.)1‬‬
‫ويف الصحيحني عن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما؛ أن‬
‫رجال سأل النيب ‪ :‬أي اإلسالم خري؟ قال‪« :‬أن تطعم الطعام‪،‬‬ ‫ً‬
‫وتقرأ السالم على من عرفت ومن لم تعرف»(‪.)2‬‬
‫ويف صحيح احلاكم عن أيب هريرة ‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إن‬
‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)6383( ،)15‬ومسلم (‪.)35‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)6246( ،)28( ،)12‬ومسلم (‪.)1514‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪15‬‬
‫ومنارا كمنار الطريق»‪ ،‬بني ذلك‪« :‬أن تعبد اهلل وال‬
‫ضوءا ً‬ ‫لإلسالم ً‬
‫تشرك به شيئًا‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‪،‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنتر‪ ،‬وتسليمك على بني آدم إذا‬
‫لقيتهم‪ ،‬وتسليمك على أهل بيتك إذا دخلت عليهم‪ ،‬فمن‬
‫انتقص منهن شيئًا فهو سهم من اإلسالم تركه‪ ،‬ومن يتركهن فقد‬
‫نبذ اإلسالم وراء ظهره»(‪.)1‬‬
‫وخرج ابن مردويه من حديث أيب الدرداء ‪ ،‬عن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬لإلسالم ضياء ونور وعالمات كمنار الطريق‪ ،‬فرأسها‬
‫وجماعها‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل‪ ،‬وإقام‬
‫الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وإتمام الوضوء‪ ،‬والحتم بتتاب اهلل وسنة‬
‫نبيه ‪ ،‬وطاعة والة األمر‪ ،‬وتسليمتم على أنفستم‪ ،‬وتسليمتم‬
‫على أهليتم إذا دخلتم بيوتتم‪ ،‬وتسليمتم على بني آدم إذا‬
‫لقيتموهم»‪.‬‬
‫ويف إسناده ضعف ولعله موقوف (‪.)2‬‬
‫وصح من حديث أيب إسحاق عن صلة بن زفر عن‬
‫حذيفة ‪ ‬قال‪« :‬اإلسالم ثمانية أسهم؛ اإلسالم سهم والصالة‬
‫سهم والزكاة سهم والجهاد سهم وصوم رمضان سهم ولعل السهم‬
‫الثامن الحج واألمر بالمعروف سهم والنهي عن المنتر سهم‬
‫وخاب من ال سهم له»‪.‬‬
‫فوعا واملوقوف أصح (‪.)1‬‬
‫وخرجه البزار مر ً‬
‫(‪ )1‬صحيح احلاكم (‪.)21/1‬‬
‫(‪ )2‬أورده اهليثمي يف اجملمع (‪ ،)48/1‬ونسبه إىل الطباين يف الكبري‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫ورواه بعضهم عن أيب إسحاق عن احلارث عن علي بن أيب‬
‫طالب ‪ ‬عن النيب ‪ ،‬خرجه أبو يعلى املوصلي وغريه‪ ،‬واملوقوف‬
‫على حذيفة أصح‪ .‬قال الدارقطين وغريه‪ :‬وقوله يعين اإلسالم سهم؛‬
‫أي الشهادتني؛ ألهنما علم اإلسالم‪ ،‬وهبما يصري اإلنسان مسلما‪،‬‬
‫أيضا كما روي عن‬ ‫وكذلك ترك احملرمات داخل يف مسمى اإلسالم ً‬
‫النيب ‪ ‬أنه قال‪« :‬من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه»‪.‬‬
‫وسيأيت يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أيضا ما خرجه اإلمام أمحد والرتمذي والنسائي‬ ‫ويدل على هذا ً‬
‫من حديث العرباض بن سارية رضي اهلل عنهم عن‬
‫مثال صراطا مستقيما‪ ،‬وعلى جنبتي‬ ‫النيب ‪ ،‬قال‪« :‬ضرب اهلل ً‬
‫الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة‪ ،‬وعلى األبواب ستور مرخاة‪،‬‬
‫وعلى باب الصراط داع يقول‪ :‬يا أيها الناس ادخلوا الصراط‬
‫جميعا وال تعوجوا‪ ،‬وداع يدعو من جوف الصراط‪ ،‬فإذا أراد أحد‬
‫أن يفتح شيئًا من تلك األبواب قال‪ :‬ويحك ال تفتحه فإنك إن‬
‫تفتحته تلجه؛ والصراط اإلسالم والسوران حدود اهلل عز وجل‬
‫واألبواب المفتحة محارم اهلل‪ ،‬وذلك الداعي على رأس الصراط‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬والداعي من جوف الصراط واعظ اهلل في قلب كل‬
‫مسلم»(‪ .)2‬زاد الرتمذي ‪‬والله ي ْدعو إِلى دا ِر السالِم وي ْه ِدي من‬
‫صراط م ْست ِقيم‪[ ‬يونس‪.]25 :‬‬
‫يشاء إِلى ِ‬

‫=‬
‫(‪)1‬أخرجه البزار برقم (‪.)446‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمحد (‪ ،)184-182/3‬والرتمذي (‪ ،)2859‬وقال‪ :‬حسن غريب‪،‬‬
‫وصححه احلاكم (‪ )74/1‬على شرط مسلم وأقره الذهيب‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪12‬‬
‫ففي هذا املثل الذي ضربه النيب ‪ ‬أن اإلسالم هو الصراط‬
‫املستقيم الذي أمر اهلل باالستقامة عليه‪ ،‬وهنى عن جماوزة حدوده وأن‬
‫من ارتكب شيئًا من احملرمات فقد تعدى حدوده‪ .‬وأما اإلميان فقد‬
‫فسره النيب ‪ ‬يف هذا احلديث باالعتقادات الباطنة فقال‪« :‬أن تؤمن‬
‫باهلل‪ ،‬ومالكئتته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر ‪-‬البعث بعد املوت‪-‬‬
‫وتؤمن بالقدر خيره وشره» وقد ذكر اهلل يف كتابه اإلميان هبذه‬
‫األصول اخلمسة يف مواضع كقوله تعاىل‪ :‬آمن الرسول بِما أن ِزل إِل ْي ِه‬
‫ِمن ربِِّه والْم ْؤِمنون كلٌّ آمن بِ ِ‬
‫اهلل ومالكئِتتِ ِه وكتبِ ِه ورسلِ ِه‪[ ‬البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]285‬وقوله تعاىل‪ :‬ول ِتن الْبِر من آمن بِالل ِه والْي وِم ِ‬
‫اآلخ ِر‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اب والنبِيين‪ ‬اآلية [البقرة‪ ،]277 :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ْتت ِ‬ ‫والْمآلكئِت ِة وال ِ‬
‫ب وي ِقيمون الصالة وِمما رزقْناه ْم ي ِنفقون *‬ ‫‪‬ال ِذين ي ْؤِمنون بِالْغ ْي ِ‬
‫وال ِذين ي ْؤِمنون بِما أنْ ِزل إِل ْيك وما أنْ ِزل ِم ْن ق ْبلِك وبِ ْاآل ِخرةِ ه ْم‬
‫يوقِنون‪[ ‬البقرة‪.]3-4 :‬‬
‫واإلميان بالرسل يلزم منه اإلميان جبميع ما أخبوا به من املالئكة‬
‫واألنبياء والكتاب والبعث والقدر وغري ذلك من تفاصيل ما أخبوا‬
‫به‪ ،‬وغري ذلك من صفات اهلل تعاىل‪ ،‬وصفات اليوم اآلخر كالصراط‬
‫وامليزان واجلنة والنار‪ ،‬وقد أدخل يف اإلميان اإلميان بالقدر خريه وشره؛‬
‫وألجل هذه الكلمة روى ابن عمر رضي اهلل عنهما هذا احلديث‬
‫حمتجا به على من أنكر القدر وزعم أن األمر أنف‪ ،‬يعين أنه‬ ‫ً‬
‫مستأنف‪ ،‬مل يسبق به سابق قدر من اهلل عز وجل‪ ،‬وقد غلظ عبد اهلل‬
‫بن عمر عليهم وتبأ منهم وأخب أنه ال تقبل منهم أعماهلم بدون‬
‫اإلميان بالقدر‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫واإليمان بالقدر على درجتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬اإلميان بأن اهلل تعاىل سبق يف علمه ما يعمله العباد‬
‫من خري وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإجيادهم‪ ،‬ومن هو منهم‬
‫من أهل اجلنة‪ ،‬ومن هو منهم من أهل النار‪ ،‬وأعد هلم الثواب‬
‫والعقاب جزاء ألعماهلم قبل خلقهم وتكوينهم وأنه كتب ذلك عنده‬
‫وأحصاه‪ ،‬وأن أعمال العباد جتري على ما سبق يف علمه وكتابه‪.‬‬
‫والدرجة الثانية‪ :‬إن اهلل خلق أفعال العباد كلها من الكفر‬
‫واإلميان والطاعة والعصيان‪ ،‬وشاءها منهم؛ فهذه الدرجة يثبتها أهل‬
‫السنة واجلماعة وتنكرها القدرية‪ ،‬والدرجة األوىل أثبتها كثري من‬
‫القدرية ونفاها غالهتم كمعبد اجلهين الذي سئل ابن عمر عن مقالته‪،‬‬
‫وكعمرو بن عبيد وغريه‪.‬‬
‫وقد قال كثري من أئمة السلف‪ :‬ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا‬
‫به خصموا‪ ،‬وإن جحدوا فقد كفروا‪.‬‬
‫يريدون أن من أنكر العلم القدمي السابق بأفعال العباد‪ ،‬وأن اهلل‬
‫تعاىل قسمهم قبل خلقهم إىل شقي وسعيد وكتب ذلك عنده يف‬
‫كتاب حفيظ ‪ -‬فقد كذب بالقرآن فيكفر بذلك‪ ،‬وإن أقروا بذلك‬
‫وأنكروا أن اهلل خلق أفعال العباد وشاءها وأرادها منهم إرادة كونية‬
‫قدرية‪ ،‬فقد خصموا؛ ألن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروه‪.‬‬
‫ويف تكفري هؤالء نزاع مشهور بني العلماء وأما من أنكر العلم‬
‫القدمي فنص الشافعي وأمحد على تكفريه‪ ،‬وكذلك غريمها من أئمة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد فرق النيب ‪ ‬يف هذا احلديث بني اإلسالم‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪13‬‬
‫واإلميان‪ ،‬وجعل األعمال كلها من اإلسالم ال من اإلميان‪ ،‬واملشهور‬
‫عن السلف وأهل احلديث أن اإلميان قول وعمل ونية‪ ،‬وأن األعمال‬
‫كلها داخلة يف مسمى اإلميان‪ .‬وحكى الشافعي على ذلك إمجاع‬
‫الصحابة والتابعني ومن بعدهم ممن أدركهم‪ ،‬وأنكر السلف على من‬
‫شديدا‪ ،‬وممن أنكر ذلك على قائله‬‫إنكارا ً‬
‫أخرج األعمال من اإلميان ً‬
‫قوال حمدثا سعيد بن جبري وميمون بن مهران وقتادة وأيوب‬ ‫وجعله ً‬
‫السختياين والنخعي والزهري وإبراهيم وحيىي بن أيب كثري وغريهم وقال‬
‫الثوري‪ :‬هو رأي حمدث أدركنا الناس على غريه‪ ،‬وقال األوزاعي‪ :‬كان‬
‫من مضى من السلف ال يفرقون بني العمل واإلميان‪ ،‬وكتب عمر بن‬
‫عبد العزيز إىل أهل األمصار‪ :‬أما بعد فإن لإلميان فرائض وشرائع‬
‫وحدودا وسننًا‪ ،‬فمن استكملها استكمل اإلميان‪ ،‬ومن مل يستكملها‬
‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫مل يستكمل اإلميان‪ .‬ذكره البخاري يف صحيحه ‪ .‬قيل‪ :‬األمر على‬
‫ما ذكره وقد دل على دخول األعمال يف اإلميان قوله تعاىل‪ :‬إِنما‬
‫الْم ْؤِمنون ال ِذين إِذا ذكِر الله و ِجل ْ‬
‫ت ق لوب ه ْم وإِذا تلِي ْ‬
‫ت عل ْي ِه ْم آياته‬
‫زادتْ ه ْم إِيمانًا وعلى ربِّ ِه ْم ي ت وكلون * ال ِذين ي ِقيمون الصالة وِمما‬
‫رزقْناه ْم ي ْن ِفقون * أولئِك هم الْم ْؤِمنون ح ًّقا‪[ ‬األنفال‪.]3-2 :‬‬
‫ويف الصحيحني عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‬
‫لوفد عبد القيس‪« :‬آمركم بأربع‪ :‬اإليمان باهلل وحده‪ ،‬وهل تدرون‬
‫ما اإليمان باهلل؟ شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء‬
‫الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وأن تعطوا من المغنم الخمس»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬تعلي ًقا يف كتاب اإلميان‪ ،‬باب قول النيب ‪« :‬بين اإلسالم على مخس»‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري (‪ ،)524‬ومسلم (‪.)17‬‬
‫‪15‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫ويف الصحيحني عن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬اإليمان‬
‫بضع وسبعون ‪ -‬أو‪ :‬بضع وستون شعبه ‪ -‬فأفضلها قول ال إله إال‬
‫اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق والحياء شعبة من اإليمان»‬
‫ولفظه ملسلم(‪.)1‬‬
‫ويف الصحيحني عن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يزني‬
‫الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬وال يشرب الخمر حين يشربها وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬وال يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»(‪.)2‬‬
‫فلوال أن ترك هذه الكبائر من مسمى اإلميان ملا انتفى اسم‬
‫اإلميان عن مرتكب شيء منها ألن االسم ال ينتفى إال بانتفاء بعض‬
‫أركان املسمى أو واجباته وأما وجه اجلمع بني هذه النصوص وبني‬
‫حديث سؤال جبيل عليه السالم عن اإلسالم واإلميان وتفريق‬
‫النيب ‪ ‬بينهما وإدخاله األعمال يف مسمى اإلسالم دون مسمى‬
‫شامال‬
‫اإلميان فإنه يتضح بتقرير أصل وهو أن من األمساء ما يكون ً‬
‫ملسميات متعددة عند إفراده وإطالقه فإذا قرن ذلك االسم بغريه صار‬
‫داال على بعض تلك املسميات واالسم املقرون به دال على باقيها‬
‫وهذا كاسم الفقري واملسكني فإذا أفرد أحدمها دخل فيه كل من هو‬
‫حمتاج فإذا قرن أحدمها باآلخر دل أحد االمسني على بعض أنواع ذوي‬
‫احلاجات واآلخر على باقيها فكهذا اسم اإلسالم واإلميان‪ ،‬إذا أفرد‬
‫أحدمها دخل فيه اآلخر‪ ،‬ودل بانفراده على ما يدل عليه اآلخر‬
‫بانفراده فإذا قرن بينهما دل أحدمها على بعض ما يدل عليه بانفراده‬
‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)9‬ومسلم (‪.)45‬‬
‫(‪ )2‬البخاري (‪ ،)2375‬و(‪ ،)5578‬و(‪ ،)6772‬و(‪ ،)6815‬ومسلم (‪.)57‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪16‬‬
‫ودل اآلخر على الباقي‪.‬‬
‫وقد صرح هبذا املعىن مجاعة من األئمة‪ ،‬قال أبو بكر اإلمساعيلي‬
‫يف رسالته إىل أهل اجلبل‪ :‬قال كثري من أهل السنة واجلماعة إن‬
‫اإلميان قول وعمل واإلسالم فعل ما فرض اهلل على اإلنسان أن‬
‫مضموما إىل آخر فقيل املؤمنون‬
‫ً‬ ‫يفعله‪ ،‬إذا ذكر كل اسم على حدته‬
‫واملسلمون مجيعا مفردين أريد بأحدمها معىن مل يرد به اآلخر وإذا ذكر‬
‫أحد االمسني مشل الكل وعمهم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أيضا اخلطايب يف كتابه (معامل السنن)‬
‫وقد ذكر هذا املعىن ً‬
‫وتبعه عليه مجاعة من العلماء من بعده‪ ،‬ويدل على صحة ذلك أن‬
‫مفردا يف حديث وفد عبد القيس مبا‬‫النيب ‪ ‬فسر اإلميان عند ذكره ً‬
‫فسر به اإلسالم املقرون باإلميان يف حديث جبيل‪ ،‬وفسر يف حديث‬
‫آخر اإلسالم مبا فسر به اإلميان كما يف مسند اإلمام أمحد(‪ )2‬عن‬
‫عمرو بن عبسة قال‪ :‬جاء رجل إىل النيب ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل! ما‬
‫اإلسالم؟ قال‪« :‬أن تسلم قلبك هلل‪ ،‬وأن يسلم المسلمون من‬
‫لسانك ويدك»‪ ،‬قال‪ :‬فأي اإلسالم أفضل؟ قال‪« :‬اإليمان»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وما اإلميان؟ قال‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالكئتته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬والبعث‬
‫بعد الموت» قال‪ :‬فأي اإلميان أفضل؟ قال‪« :‬الهجرة» قال‪ :‬فما‬
‫اهلجرة؟ قال‪« :‬أن تهجر السوء» قال‪ :‬فأي اهلجرة أفضل؟ قال‪:‬‬
‫«الجهاد»‪ .‬فجعل النيب ‪ ‬اإلميان أفضل اإلسالم‪ ،‬وأدخل فيه‬
‫األعمال‪ ،‬وهبذا التفصيل يظهر حتقيق القول يف مسألة اإلميان‬
‫(‪.)414/3( )1‬‬
‫(‪.)113/3( )2‬‬
‫‪17‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫واإلسالم هل مها واحد أو مها خمتلفان‪ ،‬فإن أهل السنة واحلديث‬
‫خمتلفون يف ذلك وصنفوا يف ذلك تصانيف متعددة‪ ،‬فمنهم من يدعي‬
‫أن مجهور أهل السنة على أهنما شيء واحد منهم حممد بن نصر‬
‫املروزي وابن عبد الب وقد روي هذا القول عن سفيان الثوري من رواية‬
‫أيوب بن سويد الرملي عنه وأيوب فيه ضعف‪ ،‬ومنهم من حيكي عن‬
‫أهل السنة التفريق بينهما كأيب بكر بن السمعاين وغريه وقد نقل هذا‬
‫التفريق بينهما عن كثري من السلف منهم قتادة وداود بن أيب هند‬
‫وأبو جعفر الباقر والزهري ومحاد بن زيد وابن مهدي وشريك وابن أيب‬
‫ذئب وأمحد بن حنبل وأبو خيثمة وحيىي بن معني وغريهم على‬
‫اختالف بينهم يف صفة التفريق بينهما‪ ،‬وكان احلسن وابن سريين‬
‫يقوالن‪ :‬مسلم‪ ،‬ويهابان‪ :‬مؤمن‪ ،‬وهبذا التفصيل الذي ذكرناه يزول‬
‫االختالف‪ .‬فيقال‪ :‬إذا أفرد كل من اإلسالم واإلميان بالذكر فال فرق‬
‫بينهما حينئذ‪ ،‬وإن قرن بني االمسني كان بينهما فرق‪.‬‬
‫والتحقيق يف الفرق بينهما أن اإلميان هو تصديق القلب وإقراره‬
‫ومعرفته واإلسالم هو استسالم العبد هلل وخضوعه وانقياده له‪ ،‬وذلك‬
‫يكون بالعمل وهو الدين كما مسي اهلل يف كتابه اإلسالم دينا‪.‬‬
‫ويف حديث جبيل مسي النيب ‪ ‬اإلسالم واإلميان واإلحسان‬
‫أيضا مما يدل على أن أحد االمسني إذا أفرد دخل فيه‬ ‫دينا وهذا ً‬
‫اآلخر‪ ،‬وإمنا يفرق بينهما حيث قرن أحد االمسني باآلخر فيكون‬
‫حينئذ املراد باإلميان جنس تصديق القلب وباإلسالم جنس العمل‪.‬‬
‫ويف املسند لإلمام أمحد عن أنس ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪18‬‬
‫«اإلسالم عالنية‪ ،‬واإليمان في القلب»(‪ )1‬وهذا ألن األعمال تظهر‬
‫عالنية والتصديق يف القلب ال يظهر‪ ،‬وكان النيب ‪ ‬يقول يف دعائه‬
‫إذا صلى على امليت‪« :‬اللهم من أحييته منا فأحيه على اإلسالم‪،‬‬
‫ومن توفيته منا فتوفه على اإليمان»(‪)2‬؛ ألن العمل باجلوارح إمنا‬
‫يتمكن منه يف احلياة فأما عند املوت فال يبقى غري التصديق بالقلب‬
‫ومن هنا قال احملققون من العلماء كل مؤمن مسلم‪ ،‬فإن من حقق‬
‫اإلميان ورسخ يف قلبه قام بأعمال اإلسالم‪ ،‬كما قال ‪« :‬أال وإن‬
‫في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت‬
‫فسد الجسد كله أال وهي القلب» فال يتحقق القلب باإلميان إال‬
‫وتنبعث اجلوارح يف أعمال اإلسالم‪ ،‬وليس كل مسلم مؤمنا فإنه قد‬
‫يكون اإلميان ضعيفا فال يتحقق القلب به حتققا تاما مع عمل‬
‫مسلما‪ ،‬وليس مبؤمن اإلميان التام‬‫جوارحه بأعمال اإلسالم‪ ،‬فيكون ً‬
‫ت األ ْعراب آمنا قل ل ْم ت ْؤِمنوا ول ِتن قولوا‬
‫كما قال تعاىل‪ :‬قال ِ‬
‫أ ْسل ْمنا ولما ي ْدخ ِل ا ِإليْمان فِي ق لوبِتم‪[ ‬احلجرات‪ ،]13 :‬ومل يكونوا‬
‫منافقني بالكلية على أصح التفسريين وهو قول ابن عباس وغريه‪ ،‬بل‬
‫كان إمياهنم ضعيفا ويدل عليه قوله تعاىل‪ :‬وإِن ت ِطيعوا الله ورسوله‬
‫ال يلِ ْتتم ِّم ْن أ ْعمالِت ْم ش ْيئًا‪[ ‬احلجرات‪ ]13 :‬يعين ال ينقصكم من‬
‫أجورها‪ ،‬فدل على أن معهم من اإلميان ما تقبل به أعماهلم‪ ،‬وكذلك‬
‫قول النيب ‪ ‬لسعد بن أيب وقاص ملا قال له‪ :‬مل تعط فالنا وهو‬

‫(‪.)134/4( )1‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمحد (‪ )468/2‬من حديث أيب هريرة‪ ،‬وأبو داود (‪ ،)4251‬والرتمذي‬
‫(‪ )1523‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫مؤمن‪ ،‬فقال النيب ‪« :‬أو مسلم»(‪ ،)1‬يشري إىل أنه مل حيقق مقام‬
‫اإلميان وإمنا هو يف مقام اإلسالم الظاهر وال ريب أنه ميت ضعف‬
‫أيضا‪ ،‬لكن اسم‬ ‫اإلميان الباطن لزم منه ضعف أعمال اجلوارح الظاهرة ً‬
‫اإلميان ينفى عمن ترك شيئًا من واجباته كما يف قوله‪« :‬وال يزني‬
‫الزاني حين يزني وهو مؤمن»‪ ،‬وقد اختلف أهل السنة هل يسمى‬
‫مؤمنا ناقص اإلميان أو يقال‪ :‬ليس مبؤمن لكنه مسلم على قولني؛‬
‫ومها روايتان عن أمحد‪.‬‬
‫وأما اسم اإلسالم فال ينتفي بانتفاء بعض واجباته أو انتهاك‬
‫بعض حمرماته وإمنا ينفي باإلتيان مبا ينافيه بالكلية وال يعرف يف شيء‬
‫من السنة الصحيحة نفى اإلسالم عمن ترك شيئًا من واجباته‪ ،‬كما‬
‫ينفي اإلميان عمن ترك شيئًا من واجباته‪ ،‬وإن كان قد ورد إطالق‬
‫أيضا‪ ،‬وقد اختلف‬ ‫الكفر على فعل بعض احملرمات وإطالق النفاق ً‬
‫كفرا أصغر أو مناف ًقا النفاق‬
‫كافرا ً‬
‫العلماء هل يسمى مرتكب الكبائر ً‬
‫أحدا منهم أجاز إطالق نفى اسم اإلسالم عنه‬ ‫األصغر‪ ،‬وال أعلم أن ً‬
‫إال أنه روي عن ابن مسعود ‪ ‬أنه قال‪ :‬ما تارك الزكاة مبسلم‪،‬‬
‫كافرا بذلك خارجا عن اإلسالم‪ ،‬وكذلك روي‬ ‫وحيتمل أنه كان يراه ً‬
‫عن عمر فيمن متكن من احلج ومل حيج أهنم ليسوا مبسلمني‪ ،‬والظاهر‬
‫أنه كان يعتقد كفرهم وهلذا أراد أن يضرب عليهم اجلزية بقوله‪ :‬مل‬
‫يدخلوا يف اإلسالم بعد فهم مستمرون على كتابيتهم وإذا تبني أن‬
‫اسم اإلسالم ال ينتفي إال بوجود ما ينافيه وخيرج عن امللة بالكلية‪،‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)27‬و(‪ ،)1378‬ومسلم (‪.)155‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪25‬‬

‫فاسم اإلسالم إذا أطلق أو اقرتن به املدح دخل فيه اإلميان كله من‬
‫التصديق وغريه كما سبق يف حديث عمرو بن عبسة‪.‬‬
‫وخرج النسائي من حديث عقبة بن مالك أن النيب ‪ ‬بعث‬
‫سرية فغارت على قوم فقال رجل منهم‪ :‬إين مسلم‪ ،‬فقتله رجل من‬
‫شديدا‪ ،‬فقال‬
‫قوال ً‬ ‫السرية‪ ،‬فنمى احلديث إىل رسول اهلل ‪ ‬فقال فيه ً‬
‫الرجل‪ :‬إمنا قاهلا تعوذا من القتل‪ ،‬فقال النيب ‪« :‬إن اهلل أبى علي‬
‫أن أقتل مؤمنًا» ثالث مرات‪ ،‬فلوال أن اإلسالم املطلق يدخل فيه‬
‫اإلميان والتصديق باألصول اخلمسة مل يصر من قال‪ :‬أنا مسلم ‪-‬‬
‫مؤمنا مبجرد هذا القول‪ ،‬وقد أخب اهلل تعاىل عن ملكة سبأ أهنا‬
‫ب إِنِّي ظل ْمت ن ْف ِسي‬
‫دخلت يف اإلسالم هبذه الكلمة‪ ،‬قالت‪ :‬ر ِّ‬
‫ب الْعال ِمين‪[ ‬النمل‪ ،]33 :‬وأخب عن‬ ‫وأ ْسل ْمت مع سل ْيمان لِل ِه ر ِّ‬
‫يوسف عليه السالم أنه دعا بأن ميوت على اإلسالم‪ .‬وهذا كله يدل‬
‫على أن اإلسالم املطلق يدخل فيه ما يدخل يف اإلميان من التصديق‪.‬‬
‫ويف سنن ابن ماجه عن عدي بن حامت قال‪ :‬قال يل‬
‫رسول اهلل ‪« :‬يا عدي أسلم تسلم»‪ .‬قلت‪ :‬وما اإلسالم؟ قال‪:‬‬
‫«أن تشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وتشهد أنى رسول اهلل‪ ،‬وتؤمن‬
‫باألقدار كلها‪ ،‬خيرها وشرها‪ ،‬وحلوها ومرها»‪ .‬فهذا نص يف أن‬
‫اإلميان بالقدر من اإلسالم‪.‬‬
‫مث إن الشهادتني من خصال اإلسالم بغري نزاع‪ ،‬وليس املراد‬
‫اإلتيان بلفظهما دون التصديق هبما؛ فعلم أن التصديق هبما داخل يف‬
‫الدين ِعند‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقد فسر اإلسالم املذكور يف قوله تعاىل‪ :‬إِن ِّ‬
‫الل ِه ا ِإل ْسالم‪[ ‬آل عمران‪ ]19 :‬بالتوحيد والتصديق طائفة من السلف‬
‫‪21‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫منهم حممد بن جعفر بن الزبري‪ ،‬وأما إذا نفي اإلميان عن أحد وأثبت‬
‫له اإلسالم كاألعراب الذين أخب اهلل عنهم فإنه ينتفي عنهم رسوخ‬
‫اإلميان يف القلب‪ ،‬وتثبت هلم املشاركة يف أعمال اإلسالم الظاهرة مع‬
‫نوع إميان يصحح هلم العمل؛ إذ لوال هذا القدر من اإلميان مل يكونوا‬
‫مسلمني‪ ،‬وإمنا نفي عنهم اإلميان النتفاء ذوق حقائقه ونقص بعض‬
‫واجباته وهذا مبين على أن التصديق القائم بالقلوب يتفاضل وهذا هو‬
‫الصحيح‪ ،‬وهو أصح الروايتني عن أيب عبد اهلل أمحد بن حنبل فإن‬
‫إميان الصديقني الذين يتجلى الغيب لقلوهبم حىت يصري كأنه شهادة‬
‫حبيث ال يقبل التشكيك وال االرتياب ليس كإميان غريهم ممن ال يبلغ‬
‫هذه الدرجة حبيث لو شكك لدخله الشك؛ وهلذا جعل النيب ‪‬‬
‫مرتبة اإلحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه‪ ،‬وهذا ال حيصل لعموم‬
‫املؤمنني‪ ،‬ومن هنا قال بعضهم‪ :‬ما سبقكم أبو بكر ‪ ‬بكثرة صوم‬
‫وال صالة‪ ،‬ولكن بشيء وقر يف صدره‪ .‬وسئل ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما‪ :‬هل كانت الصحابة رضي اهلل عنهم يضحكون؟ فقال‪ :‬نعم‬
‫وإن اإلميان يف قلوهبم أمثال اجلبال‪ ،‬فأين هذا ممن اإلميان يف قلبه ما‬
‫يزن ذرة أو شعرية‪ ،‬كالذين خيرجون من أهل التوحيد من النار فهؤالء‬
‫يصح أن يقال مل يدخل اإلميان يف قلوهبم لضعفه عندهم‪ .‬وهذه‬
‫املسائل أعين مسائل اإلسالم واإلميان والكفر والنفاق مسائل عظيمة‬
‫جدا فإن اهلل عز وجل علق هبذه األمساء السعادة والشقاوة واستحقاق‬ ‫ً‬
‫اجلنة والنار واالختالف يف مسمياهتا أول اختالف وقع يف هذه األمة‪،‬‬
‫وهو خالف اخلوارج للصحابة حيث أخرجوا عصاة املوحدين من‬
‫اإلسالم بالكلية وأدخلوهم يف دائرة الكفر وعاملوهم معاملة الكفار‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪22‬‬
‫واستحلوا بذلك دماء املسلمني وأمواهلم مث حدث بعدهم خالف‬
‫املعتزلة باملنزلة وقوهلم باملنزلة بني املنزلتني‪ ،‬مث حدث خالف املرجئة‬
‫وقوهلم إن الفاسق مؤمن كامل اإلميان‪.‬‬
‫وقد صنف العلماء قدميًا وحديثًا يف هذه املسائل تصانيف‬
‫متعددة وممن صنف يف اإلميان من أئمة السلف اإلمام أمحد وأبو عبيد‬
‫القاسم بن سالم وأبو بكر بن أيب شيبة وحممد بن أسلم الطوسي‬
‫وكثرت فيه التصانيف بعدهم من مجيع الطوائف وقد ذكرنا هاهنا نكتًا‬
‫جامعة ألصول كثرية من هذه املسائل واالختالف فيها وفيه إن شاء‬
‫اهلل كفاية‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫فصل‬
‫قد تقدم أن األعمال تدخل يف مسمى اإلسالم ومسمى اإلميان‬
‫أيضا وذكرنا ما يدخل يف ذلك من أعمال اجلوارح الظاهرة ويدخل يف‬
‫ً‬
‫أيضا أعمال اجلوارح الباطنة فيدخل يف أعمال اإلسالم‬ ‫مسماها ً‬
‫إخالص الدين هلل تعاىل والنصح له ولعباده وسالمة القلب هلم من‬
‫الغش واحلسد واحلقد وتوابع ذلك من أنواع األذى ويدخل يف مسمى‬
‫اإلميان وجل القلوب من ذكر اهلل وخشوعها عند مساع ذكره وكتابه‬
‫وزيادة اإلميان بذلك وحتقيق التوكل على اهلل عز وجل وخوف اهلل سرا‬
‫رسوال‪ ،‬واختيار‬
‫وعالنية والرضا باهلل ربا وباإلسالم دينا ومبحمد ‪ً ‬‬
‫تلف النفوس بأعظم أنواع اآلالم على الكفر واستشعار قرب اهلل من‬
‫العبد ودوام استحضاره وإيثار حمبة اهلل ورسوله على حمبة ما سوامها‬
‫واحلب يف اهلل والبغض فيه والعطاء له واملنع له وأن يكون مجيع‬
‫احلركات والسكنات له ومساحة النفوس بالطاعة املالية والبدنية‬
‫واالستبشار بعمل احلسنات والفرح هبا واملساءة بعمل السيئات واحلزن‬
‫عليها‪ ،‬وإيثار املؤمنني لرسول اهلل ‪ ‬على أنفسهم وأمواهلم وكثرة‬
‫احلياء وحسن اخللق وحمبة ما حيبه لنفسه وإلخوانه املؤمنني ومواساة‬
‫خصوصا اجلريان ومعاضدة املؤمنني ومناصرهتم واحلزن مبا‬
‫ً‬ ‫املؤمنني‬
‫حيزهنم ولنذكر بعض النصوص الواردة بذلك فأما ما ورد يف دخوله يف‬
‫اسم اإلسالم ففي مسند اإلمام أمحد والنسائي عن معاوية بن حيدة‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! بالذي بعثك باحلق ما الذي بعثك اهلل به؟‬
‫قال‪« :‬اإلسالم» قلت‪ :‬وما اإلسالم؟ قال‪« :‬أن تسلم قلبك هلل‬
‫تعالى وأن توجه وجهك إلى اهلل‪ ،‬وأن تصلي الصالة المتتوبة‪،‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪23‬‬
‫وتؤدي الزكاة المفروضة» ويف رواية قلت‪ :‬وما آية اإلسالم؟ قال‪:‬‬
‫«أن تقول‪ :‬أسلمت وجهي هلل وتخليت‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤتي‬
‫الزكاة‪ ،‬وكل المسلم على المسلم حرام»(‪ ،)1‬ويف السنن عن جبري‬
‫بن مطعم عن النيب ‪ ‬أنه قال يف خطبته باخليف من مىن‪« :‬ثالث ال‬
‫يغل عليهن قلب مسلم‪ :‬إخالص العمل هلل‪ ،‬ومناصحة والة‬
‫األمور‪ ،‬ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من‬
‫وراكئهم»(‪ )2‬فأخب أن هذه الثالث اخلصال تنفي الغل عن قلب‬
‫املسلم‪.‬‬
‫ويف الصحيحني عن أيب موسى عن النيب ‪ ‬أنه سئل‪ :‬أي‬
‫املسلمني أفضل؟ فقال‪« :‬من سلم المسلمون من لسانه ويده»(‪.)4‬‬
‫ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«المسلم أخو المسلم؛ ال يظلمه‪ ،‬وال يخذله‪ ،‬وال يحقره‪،‬‬
‫بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم على‬
‫المسلم حرام دمه وماله وعرضه»(‪.)3‬‬
‫وأما ما ورد يف دخوله يف اسم اإلميان فمثل قوله‪ :‬إِنما الْم ْؤِمنون‬
‫ت ق لوب ه ْم وإِذا تلِي ْ‬
‫ت عل ْي ِه ْم آياته زادتْ ه ْم‬ ‫ال ِذين إِذا ذكِر الله و ِجل ْ‬
‫إِيمانًا وعلى ربِّ ِه ْم ي ت وكلون * ال ِذين ي ِقيمون الصالة وِمما رزقْناه ْم‬

‫(‪ )1‬مسند اإلمام أمحد (‪ ،)5-4/5‬والنسائي (‪ ،3/5‬و‪ ،)84-82‬وصححه ابن‬


‫حبان (‪.)156‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمحد (‪ ،)8/1‬والطباين يف الكبري(‪.)1531‬‬
‫(‪ )4‬البخاري (‪ ،)11‬ومسلم (‪.)32‬‬
‫(‪ )3‬برقم (‪.)2563‬‬
‫‪25‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫ي ْن ِفقون * أولئِك هم الْم ْؤِمنون ح ًّقا‪[ ‬األنفال‪ ،]3-2 :‬وقوله‪ :‬أل ْم‬
‫يأ ِْن لِل ِذين آمنوا أ ْن ت ْخشع ق لوب ه ْم لِ ِذ ْك ِر الل ِه وما ن زل ِمن الْح ِّق وال‬
‫ت‬ ‫ْتتاب ِم ْن ق ْبل فطال عل ْي ِهم ْاألمد ف قس ْ‬ ‫يتونوا كال ِذين أوتوا ال ِ‬
‫ق لوب ه ْم‪[ ‬احلديد‪ ،]16 :‬وقوله‪ :‬وعلى الل ِه ف لْيت وك ِل الْم ْؤِمنون‪،‬‬
‫وقوله‪ :‬وعلى الل ِه ف ت وكلواْ إِن كنتم م ْؤِمنِين‪‬‬
‫ون إِن كنتم م ْؤِمنِين‪[ ‬آل عمران‪.]175 :‬‬ ‫[املائدة‪ ،]24 :‬وقوله‪ :‬وخاف ِ‬
‫ويف صحيح مسلم عن العباس بن عبد املطلب عن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬ذاق طعم اإليمان من رضي باهلل ربا‪ ،‬وباإلسالم دينا‪،‬‬
‫رسوال»(‪ )1‬والرضا بربوبية اهلل يتضمن الرضا بعبادته وحده ال‬ ‫وبمحمد ً‬
‫شريك له‪ ،‬وبالرضا بتدبريه للعبد واختياره له والرضا باإلسالم دينا‬
‫رسوال يتضمن الرضا‬ ‫يتضمن اختياره على سائر األديان والرضا مبحمد ً‬
‫جبميع ما جاء به من عند اهلل وقبول ذلك بالتسليم واالنشراح كما‬
‫قال تعاىل‪ :‬فال وربِّك ال ي ْؤِمنون حتى يح ِّتموك فِيما شجر ب ْي ن ه ْم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‪‬‬‫ثم ال يجدوا في أنْ فس ِه ْم حر ًجا مما قض ْيت ويسلِّموا ت ْسل ً‬
‫[النساء‪.]65 :‬‬
‫ويف الصحيحني عن أنس عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ثالث من كن‬
‫فيه وجد بهن حالوة اإليمان‪ :‬من كان اهلل ورسوله أحب إليه مما‬
‫سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ال يحبه إال هلل‪ ،‬وأن يتره أن يرجع إلى‬
‫التفر بعد إذ أنقذه اهلل منه كما يتره أن يلقى في النار» ويف‬
‫رواية‪« :‬وجد بهن طعم اإليمان» ويف بعض الروايات‪« :‬طعم‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم برقم (‪.)43‬‬


‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪26‬‬
‫اإليمان وحالوته»(‪.)1‬‬
‫ويف الصحيحني عن أنس ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يؤمن‬
‫أحدكم أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» ويف‬
‫رواية‪« :‬من أهله وماله والناس أجمعين»(‪.)2‬‬
‫ويف مسند اإلمام أمحد عن أيب رزين العقيلي قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل! ما اإلميان؟ قال‪« :‬أن تشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وأن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬وأن يتون اهلل ورسوله أحب‬
‫إليك مما سواهما‪ ،‬وأن تحترق في النار أحب إليك من أن تشرك‬
‫باهلل شيئًا‪ ،‬وأن تحب غير ذي نسب ال تحبه إال هلل‪ ،‬فإذا كنت‬
‫كذلك فقد دخل حب اإليمان في قلبك كما دخل حب الماء‬
‫للظمآن في اليوم القاكئظ»‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! كيف يل بأن أعلم‬
‫إين مؤمن؟ قال‪« :‬ما من أمتي ‪-‬أو قال‪ :‬هذه األمة‪ -‬عبد يعمل‬
‫خيرا‪ ،‬وال يعمل سيئة‬
‫حسنة فيعلم أنها حسنة‪ ،‬وأن اهلل جازيه بها ً‬
‫فيعلم أنها سيئة‪ ،‬ويستغفر اهلل منها‪ ،‬ويعلم أنه ال يغفرها إال اهلل ‪-‬‬
‫إال وهو مؤمن»(‪.)4‬‬
‫ويف املسند وغريه عن عمر بن اخلطاب ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن»(‪.)3‬‬
‫ويف مسند بقي بن خملد عن رجل مسع رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)21( ،)16‬و(‪ ،)6531‬و(‪ ،)6931‬ومسلم (‪.)34‬‬


‫(‪ )2‬البخاري (‪ ،)15‬ومسلم (‪.)33‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أمحد (‪.)12-11/3‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أمحد (‪ 18/1‬و‪ ،)26‬والرتمذي (‪ )2166‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫«صريح اإليمان إذا أسأت أو ظلمت عبدك أو أمتك أو أح ًدا من‬
‫الناس صمت وتصدقت وإذا أحسنت استبشرت»‪.‬‬
‫ويف مسند اإلمام أمحد عن أيب سعيد عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«المؤمنون في الدنيا على ثالثة أجزاء‪ :‬الذين آمنوا باهلل ورسوله‬
‫ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل‪ ،‬والذي‬
‫يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم‪ ،‬ثم الذي إذا أشرف على‬
‫طمع تركه هلل عز وجل»(‪.)1‬‬
‫أيضا عن عمرو بن عبسة قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! ما‬ ‫وفيه ً‬
‫اإلسالم؟ قال‪« :‬طيب التالم وإطعام الطعام» قلت‪ :‬ما اإلميان؟‬
‫قال‪« :‬الصبر والسماحة» قلت‪ :‬أي اإلسالم أفضل؟ قال‪« :‬من‬
‫سلم المسلمون من لسانه ويده» قلت‪ :‬أي اإلميان أفضل؟ قال‪:‬‬
‫«خلق حسن»(‪ ،)2‬وقد فسر احلسن البصري الصب والسماحة فقال‪:‬‬
‫هو الصب عن حمارم اهلل‪ ،‬والسماحة بأداء فرائض اهلل عز وجل‪ .‬ويف‬
‫الرتمذي وغريه عن عائشة عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬أكمل المؤمنين إيمانا‬
‫أحسنهم خلقا»(‪.)3‬‬
‫وخرجه أبو داود وغريه من حديث أيب هريرة‪ ،‬وخرجه البزار يف‬
‫مسنده من حديث عبد اهلل بن معاوية الغاضري عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«ثالث من فعلهن فقد طعم طعم اإليمان‪ :‬من عبد اهلل وحده بأنه‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ‪-‬‬

‫(‪ )1‬مسند اإلمام أمحد (‪.)8/4‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)485/3‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي برقم (‪.)2612‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪28‬‬
‫فذكر احلديث ويف آخره ‪ -‬فقال رجل‪ :‬فما تزكية املرء نفسه يا رسول‬
‫اهلل؟ قال‪ :‬أن يعلم أن اهلل معه حيث كان»(‪.)1‬‬
‫وخرج أبو داود أول احلديث دون آخره‪.‬‬
‫وخرج الطباين من حديث عبادة بن الصامت عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«إن أفضل اإليمان أن تعلم أن اهلل معك حيثما كنت»‪.‬‬
‫ويف الصحيحني عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬الحياء من اإليمان»(‪.)2‬‬
‫وخرج اإلمام أمحد وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية‬
‫رضي اهلل عنهما عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إنما المؤمن كالجمل األنف‪،‬‬
‫حيثما قيد انقاد»(‪.)3‬‬
‫صلِحوا ب ْين‬ ‫ِ‬
‫وقال اهلل عز وجل‪ :‬إِنما الْم ْؤمنون إِ ْخوة فأ ْ‬
‫أخويْت ْم‪[ ‬احلجرات‪.]15 :‬‬
‫ويف الصحيحني عن النعمان بن بشري ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا‬
‫اشتتى منه عضو تداعى له ساكئر الجسد بالحمى والسهر»(‪ )4‬ويف‬
‫رواية ملسلم‪« :‬المؤمنون كرجل واحد» ويف رواية له ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫«المسلمون كرجل واحد إن اشتتى عينه اشتتى كله‪ ،‬وإن‬
‫اشتتى رأسه اشتتى كله»‪.‬‬

‫أيضا البخاري يف التاريخ الكبري (‪.)42-41/5‬‬


‫(‪ )1‬رواه ً‬
‫(‪ )2‬البخاري (‪ )23‬و(‪.)6118‬‬
‫(‪ )4‬رواه أمحد (‪ ،)126/3‬وابن ماجه (‪.)34‬‬
‫(‪ )3‬البخاري (‪ ،)6511‬ومسلم (‪.)586‬‬
‫‪29‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫ويف الصحيحني عن أيب موسى ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬المؤمن‬
‫بعضا»(‪ )1‬وشبك بني أصابعه‪.‬‬
‫للمؤمن كالبنيان يشد بعضه ً‬
‫ويف مسند اإلمام أمحد عن سهل بن سعد ‪ ‬عن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬المؤمن من أهل اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ يألم‬
‫المؤمن ألهل اإليمان كما يألم الجسد لما في الرأس»(‪ ،)2‬ويف‬
‫سنن أيب داود عن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬المؤمن مرآة‬
‫المؤمن‪ ،‬المؤمن أخو المؤمن يتف عنه ضيعته‪ ،‬ويحوطه من‬
‫وراكئه»(‪.)3‬‬
‫ويف الصحيحني عن أنس ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يؤمن‬
‫أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه»(‪ ،)4‬ويف صحيح‬
‫البخاري عن أيب شريح الكعيب ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬واهلل ال يؤمن‬
‫واهلل ال يؤمن واهلل ال يؤمن» قالوا‪ :‬ومن ذاك يا رسول اهلل؟ قال‪:‬‬
‫«من ال يأمن جاره بواكئقه»(‪.)5‬‬
‫وخرج احلاكم من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جاكئع»(‪.)6‬‬
‫وخرج اإلمام أمحد والرتمذي من حديث سهل بن معاذ اجلهين‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من أعطى هلل‪ ،‬ومنع هلل‪ ،‬وأحب هلل‪،‬‬
‫(‪ )1‬البخاري (‪ )381‬و(‪ ،)6526‬ومسلم (‪.)2585‬‬
‫(‪ )2‬مسند اإلمام أمحد (‪.)435/5‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود برقم (‪.)3918‬‬
‫(‪ )3‬البخاري (‪ ،)14‬ومسلم (‪.)35‬‬
‫(‪ )5‬برقم (‪ ،)6516‬ومسلم (‪ )36‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬املستدرك (‪.)167/3‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪45‬‬
‫وأبغض هلل» زاد اإلمام أمحد‪« :‬وأنتح هلل فقد استتمل إيمانه»(‪.)1‬‬
‫ويف رواية لإلمام أمحد أنه سأل النيب ‪ ‬عن أفضل اإلميان‪،‬‬
‫فقال‪« :‬أن تحب هلل‪ ،‬وتبغض هلل‪ ،‬وتعمل لسانك في ذكر اهلل»‬
‫فقال‪ :‬وماذا يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬وأن تحب للناس ما تحب‬
‫لنفسك‪ ،‬وتتره لهم ما تتره لنفسك» ويف رواية له‪« :‬وأن تقول‬
‫خيرا أو تصمت»(‪ ،)2‬ويف هذا احلديث أن كثرة ذكر اهلل من أفضل‬ ‫ً‬
‫اإلميان‪.‬‬
‫أيضا من حديث عمرو بن اجلموح أنه مسع النيب ‪‬‬ ‫وخرج ً‬
‫يقول‪« :‬ال يستحق العبد صريح اإليمان حتى يحب هلل‪ ،‬ويبغض‬
‫هلل؛ فإذا أحب هلل وأبغض هلل فقد استحق الوالية من اهلل‬
‫تعالى»(‪.)4‬‬
‫أيضا من حديث الباء بن عازب ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫وخرج ً‬
‫«إن أوثق عري اإليمان أن تحب في اهلل وتبغض في اهلل»(‪.)4‬‬
‫وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬من أحب يف اهلل وأبغض يف‬
‫اهلل وواىل يف اهلل وعادى يف اهلل فإمنا ينال والية اهلل بذلك‪ ،‬ولن جيد‬
‫عبد طعم اإلميان وإن كثرت صالته وصومه حىت يكون كذلك‪ .‬وقد‬
‫صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك ال جيدي على أهله‬
‫شيئًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد (‪ ،)335/4‬والرتمذي (‪ ،)2521‬وصححه احلاكم (‪.)163/1‬‬


‫(‪ )237/5( )2‬من حديث معاذ بن جبل‪.‬‬
‫(‪ )4‬املسند (‪.)345/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه أمحد (‪.)286/3‬‬
‫‪41‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫خرجه ابن جرير الطبي‪ ،‬وحممد بن نصر املروزي‪.‬‬
‫فصل‬
‫وأما اإلحسان فقد جاء ذكره يف القرآن يف مواضع‪ ،‬تارة مقرونًا‬
‫باإلميان‪ ،‬وتارة مقرونا باإلسالم‪ ،‬وتارة مقرونا بالتقوى أو بالعمل‬
‫الصاحل‪ ،‬فاملقرون باإلميان كقوله تعاىل‪ :‬ل ْيس على ال ِذين آمنواْ‬
‫ات جناح فِيما ط ِعمواْ إِذا ما ات قواْ وآمنواْ وع ِملواْ‬ ‫وع ِملواْ الصالِح ِ‬
‫الصالِح ِ‬
‫ات ثم ات قواْ وآمنواْ ثم ات قواْ وأ ْحسنواْ والله ي ِحب الْم ْح ِسنِين‪‬‬
‫[املائدة‪ ،]94 :‬وكقوله تعاىل‪ :‬إِن ال ِذين آمنوا وع ِملوا الصالِح ِ‬
‫ات إِنا‬
‫ضيع أ ْجر م ْن أ ْحسن عمالً‪[ ‬الكهف‪ ]45 :‬واملقرون باإلسالم‬ ‫ال ن ِ‬
‫كقوله تعاىل‪ :‬ب لى م ْن أ ْسلم و ْجهه لِلّ ِه وهو م ْح ِسن ف له أ ْجره ِعند‬
‫ربِِّه‪[ ‬البقرة‪ ]112 :‬وكقوله تعاىل‪ :‬ومن ي ْسلِ ْم و ْجهه إِلى الل ِه وهو‬
‫است ْمسك بِالْع ْروةِ الْوثْ قى‪ ‬اآلية [لقمان‪ ]22 :‬واملقرون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْحسن ف قد ْ‬
‫بالتقوى كقوله تعاىل‪ :‬إِن الله مع ال ِذين ات ق ْوا وال ِذين ه ْم م ْح ِسنون‪‬‬
‫مفردا كقوله تعاىل‪ :‬لل ِذين أ ْحسنواْ‬ ‫[النحل‪ ،]128 :‬وقد يذكر ً‬
‫الْح ْسنى وِزيادة‪[ ‬يونس‪.]26 :‬‬
‫وقد ثبت يف صحيح مسلم عن النيب ‪ ‬تفسري الزيادة بالنظر إىل‬
‫وجه اهلل عز وجل يف اجلنة‪ ،‬وهذا مناسب جلعله جزاء ألهل‬
‫اإلحسان‪ ،‬وألن اإلحسان هو أن يعبد املؤمن ربه يف الدنيا على وجه‬
‫احلضور واملراقبة كأنه يراه بقلبه وينظر إليه يف حال عبادته فكان جزاء‬
‫ذلك النظر إىل وجه اهلل عيانًا يف اآلخرة‪.‬‬
‫وعكس هذا ما أخب اهلل تعاىل به عن جزاء الكفار يف اآلخرة‬
‫‪‬إِن ه ْم ع ْن ربِّ ِه ْم ي ْومئِذ لم ْحجوبون‪[ ‬املطففني‪ ،]15 :‬وجعل ذلك‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪42‬‬
‫جزاء حلاهلم يف الدنيا وهو تراكم الران على قلوهبم حىت حجبت عن‬
‫معرفته ومراقبته يف الدنيا‪ ،‬فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن‬
‫رؤيته يف اآلخرة‪ ،‬وقوله ‪ ‬يف تفسري اإلحسان‪« :‬أن تعبد اهلل كأنك‬
‫تراه الخ»‪ .‬يشري إىل أن العبد يعبد اهلل تعاىل على هذه الصفة وهو‬
‫استحضار قربه وأنه بني يديه كأنه يراه وذلك يوجب اخلشية واخلوف‬
‫واهليبة والتعظيم‪ ،‬كما جاء يف رواية أيب هريرة ‪« ‬أن تخشى اهلل‬
‫أيضا النصح يف العبادة وبذل اجلهد يف‬ ‫كأنك تراه»‪ .‬ويوجب ً‬
‫حتسينها وإمتامها وإكماهلا‪.‬‬
‫وقد وصى النيب ‪ ‬مجاعة من الصحابة هبذه الوصية كما روى‬
‫إبراهيم اهلجري عن أيب األحوص عن أيب ذر ‪ ‬قال‪ :‬أوصاين خليلي‬
‫‪ ‬أن أخشى اهلل كأين أراه فإن مل أكن أراه فإنه يراين‪.‬‬
‫وروي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬أخذ رسول اهلل ‪‬‬
‫ببعض جسدي فقال‪« :‬اعبد اهلل كأنك تراه»‪ .‬وخرجه النسائي من‬
‫مرفوعا وموقوفا‪« :‬كن كأنك ترى اهلل فإن لم‬ ‫حديث زيد ابن أرقم ً‬
‫تتن تراه فإنه يراك»‪.‬‬
‫رجال قال‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫وخرج الطباين من حديث أنس ‪ ‬أن ً‬
‫حدثين حبديث واجعله موجزا‪ .‬فقال‪ «:‬صل صالة مودع فإنك إن‬
‫كنت ال تراه فإنه يراك»‪.‬‬
‫ويف حديث حارثة املشهور وقد روي من وجوه مرسلة وروي‬
‫متصال واملرسل أصح أن النيب ‪ ‬قال له‪« :‬يا حارثة كيف‬
‫أصبحت؟» قال‪ :‬أصبحت مؤمنا حقا‪ .‬قال‪ « :‬انظر ما تقول فإن‬
‫لتل قول حقيقة »‪ .‬قال‪ :‬يا رسول اهلل عزفت نفسي عن الدنيا‪،‬‬
‫‪44‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫فأسهرت ليلي وأظمأت هناري وكأين أنظر إىل عرش ريب بارزا‪ ،‬وكأين‬
‫أنظر إىل أهل اجلنة يف اجلنة كيف يتزاورون فيها‪ ،‬وكأين أنظر إىل أهل‬
‫النار كيف يتعاوون فيها‪ .‬قال‪ « :‬أبصرت فالزم؛ عبد نور اهلل‬
‫اإليمان في قلبه »‪.‬‬
‫رجال فقال‬
‫وروي من حديث أيب أمامة ‪ ‬أن النيب ‪ ‬وصى ً‬
‫له‪ « :‬استحي من اهلل استحياءك من رجلين من صالحي عشيرتك‬
‫ال يفارقانك »‪.‬‬
‫مرسال‪ « :‬استحي من ربك »‪ .‬ويروى عن‬ ‫ويروى من وجه آخر ً‬
‫استح من اهلل كما‬
‫معاذ أن النيب ‪ ‬وصاه ملا بعثه إىل اليمن فقال‪ِ « :‬‬
‫تستحي من رجل ذي هيبة من أهلك »‪ .‬وسئل النيب ‪ ‬عن‬
‫كشف العورة خاليا فقال‪ « :‬اهلل أحق أن يستحيا منه »‪.‬‬
‫رجال فقال له‪ :‬اعبد اهلل كأنك تراه‪ .‬وخطب‬ ‫ووصى أبو الدرداء ً‬
‫عروة بن الزبري إىل ابن عمر ابنته ومها يف الطواف فلم جيبه‪ ،‬مث لقيه‬
‫بعد ذلك فاعتذر إليه وقال‪ :‬كنا يف الطواف نتخايل اهلل بني أعيننا‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم وغريه‪.‬‬
‫قوله ‪ « :‬فإن لم تتن تراه فإنه يراك »‪ .‬قيل‪ :‬إنه تعليل‬
‫لألول؛ فإن العبد إذا أمر مبراقبة اهلل تعاىل يف العبادة واستحضار قربه‬
‫من عبده حىت كأن العبد يراه‪ ،‬فإنه قد يشق ذلك عليه فيستعني على‬
‫ذلك بإميانه بأن اهلل يراه‪ ،‬ويطلع على سره وعالنيته وباطنه وظاهره وال‬
‫خيفى عليه شيء من أمره‪ ،‬فإذا حتقق هذا املقام سهل عليه االنتقال‬
‫إىل املقام الثاين وهو دوام التحقيق بالبصرية إىل قرب اهلل من عبده‬
‫ومعيته حىت كأنه يراه‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪43‬‬
‫وقيل‪ :‬بل هو إشارة إىل أن من شق عليه أن يعبد اهلل تعاىل كأنه‬
‫يراه‪ ،‬فليعبد اهلل على أن اهلل يراه ويطلع عليه فليستحي من نظره إليه‪،‬‬
‫كما قال بعض العارفني‪ :‬اتق اهلل أن يكون أهون الناظرين إليك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬خف اهلل على قدر قدرته عليك واستحي من اهلل‬
‫على قدر قربه منك‪.‬‬
‫وقال بعض العارفني من السلف‪ :‬من عمل هلل على املشاهدة‬
‫فهو عارف‪ ،‬ومن عمل على مشاهدة اهلل إياه فهو خملص‪ ،‬فيه إشارة‬
‫إىل املقامني اللذين تقدم ذكرمها‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬مقام اإلخالص؛ وهو أن يعمل العبد على استحضار‬
‫مشاهدة اهلل إياه واطالعه وقربه منه‪ ،‬فإذا استحضر العبد هذا يف‬
‫عمله عمل عليه فهو خملص هلل تعاىل؛ ألن استحضاره ذلك يف عمله‬
‫مينعه من االلتفات إىل غري اهلل وإرادته بالعمل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬مقام املشاهدة؛ وهو أن يعمل العبد على مقتضى‬
‫مشاهدته هلل تعاىل بقلبه‪ ،‬وهو أن يتنور القلب باإلميان وتنفذ البصرية‬
‫يف العرفان حىت يصب الغيب كالعيان‪.‬‬
‫وهذا هو حقيقة مقام اإلحسان املشار إليه يف حديث جبيل‬
‫عليه السالم‪ ،‬ويتفاوت أهل هذه املقامات فيه حبسب قوة نفوذ‬
‫البصائر‪.‬‬
‫وقد فسر طائفة من العماء املثل األعلى املذكور يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ض‪[ .‬الروم‪ .]27 :‬وهبذا‬ ‫‪‬وله الْمثل األ ْعلى فِي السماو ِ‬
‫ات واأل ْر ِ‬
‫ض مثل نوِرهِ‬ ‫املعىن ومثله قوله تعاىل‪ :‬الله نور السماو ِ‬
‫ات واأل ْر ِ‬
‫ِ ِ‬
‫صباح‪[ .‬النور‪.]45 :‬‬‫ك ِم ْشتاة فيها م ْ‬
‫‪45‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫واملراد‪ :‬مثل نوره يف قلب املؤمن‪ .‬كذا قاله أيب بن كعب وغريه‬
‫من السلف‪.‬‬
‫وقد سبق حديث‪ « :‬أفضل اإليمان أن تعلم أن اهلل معك‬
‫حيث كنت »‪ ،‬وحديث‪ :‬ما تزكية املرء نفسه؟ قال‪ « :‬أن يعلم أن‬
‫اهلل معه حيث كان »‪.‬‬
‫وخرج الطباين من حديث أيب أمامة عن النيب ‪ ‬قال‪ « :‬ثالثة‬
‫في ظل اهلل تعالى يوم ال ظل إال ظله‪ :‬رجل حيث توجه علم أن‬
‫اهلل معه »‪ .‬وذكر احلديث‪.‬‬
‫وقد دل القرآن على هذا املعىن يف مواضع متعددة؛ كقوله‬
‫ادي عنِّي فِإنِّي ق ِريب أ ِجيب د ْعوة الد ِاع إِذا‬ ‫تعاىل‪ :‬وإِذا سألك ِعب ِ‬
‫ان‪[ .‬البقرة‪ .]186 :‬وهو معت ْم أيْن ما كنت ْم‪[ .‬احلديد‪،]3 :‬‬ ‫دع ِ‬
‫وقوله‪ :‬ما يتون ِمن ن ْجوى ثالثة إِال هو رابِعه ْم وال خ ْمسة إِال هو‬
‫س ِادسه ْم وال أ ْدنى ِمن ذلِك وال أ ْكث ر إِال هو معه ْم أيْن ما كانوا‪.‬‬
‫[اجملادلة‪ ،]7 :‬وقوله‪ :‬وما تتون فِي شأْن وما ت ْت لو ِم ْنه ِمن ق ْرآن وال‬
‫يه‪[ .‬يونس‪:‬‬ ‫ت ْعملون ِم ْن عمل إِال كنا عل ْيت ْم شه ً‬
‫ودا إِ ْذ ت ِفيضون فِ ِ‬
‫يد‪[‬ق‪ ،]16 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪ ،]61‬وقوله‪ :‬ونحن أقْرب إِلي ِه ِمن حب ِل الْوِر ِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫‪‬وال ي ْست ْخفون ِمن الل ِه وهو معه ْم‪[ .‬النساء‪.]158 :‬‬
‫وقد وردت األحاديث الصحيحة بالندب إىل استحضار هذا‬
‫القرب يف حال العبادات‪ ،‬كقوله ‪« :‬إن أحدكم إذا قام يصلي‬
‫فإنما يناجي ربه‪ ،‬أو ربه بينه وبين القبلة»(‪ .)1‬وقوله‪ « :‬إن اهلل قِبل‬

‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)355‬ومسلم (‪.)551‬‬


‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪46‬‬
‫وجهه إذا صلى » (‪ ،)1‬وقوله‪ « :‬إن اهلل ينصب وجهه لوجه عبده‬
‫في صالته ما لم يلتفت »‪ ،‬وقوله للذين رفعوا أصواهتم بالذكر‪:‬‬
‫سميعا قريبًا»‪ ،‬ويف‬
‫«إنتم ال تدعون أصم وال غاكئبًا إنتم تدعون ً‬
‫رواية‪ « :‬وهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته »‪،‬‬
‫ويف رواية‪ « :‬هو أقرب إلى أحدكم من حبل الوريد » (‪،)2‬‬
‫وقوله‪ « :‬يقول اهلل عز وجل أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي‬
‫شفتاه » (‪ ،)4‬وقوله‪« :‬يقول اهلل عز وجل أنا مع ظن عبدي بي وأنا‬
‫معه حيث ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن‬
‫شبرا‬
‫ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منه‪ ،‬وإن تقرب منى ً‬
‫باعا‪ ،‬وإن‬‫ذراعا تقربت منه ً‬
‫ذراعا‪ ،‬وإن تقرب منى ً‬ ‫تقربت منه ً‬
‫أتاني يمشي أتيته هرولة» (‪.)3‬‬
‫احتادا فإمنا‬
‫حلوال أو ً‬
‫تشبيها أو ً‬
‫ومن فهم شيئًا من هذه النصوص ً‬
‫أيت من جهله وسوء فهمه عن اهلل عز وجل وعن رسوله ‪ ،‬واهلل‬
‫ورسوله بريئان من ذلك كله‪ ،‬فسبحان من ليس كمثله شيء وهو‬
‫السميع البصري‪.‬‬
‫قال بكر املزين‪ :‬من مثلك يا ابن آدم؛ خلي بينك وبني احملراب‬
‫واملاء؛ كلما شئت دخلت على اهلل عز وجل ليس بينك وبينه‬
‫ترمجان‪.‬‬

‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)356‬ومسلم (‪.)537‬‬


‫(‪ )2‬البخاري (‪ ،)2992‬ومسلم (‪.)2573‬‬
‫(‪ )4‬البخاري يف‪.)346(:‬‬
‫(‪ )3‬البخاري (‪ ،)7355‬ومسلم (‪.)2675‬‬
‫‪47‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫ومن وصل إىل استحضار هذا يف حال ذكره هلل وعبادته استأنس‬
‫باهلل واستوحش من خلقه ضرورة‪.‬‬
‫وقال ثور بن يزيد‪ :‬قرأت يف بعض الكتب أن عيسى عليه‬
‫كثريا‪ ،‬وكلموا‬
‫السالم قال‪ :‬يا معشر احلواريني‪ ،‬كلموا اهلل عز وجل ً‬
‫كثريا؟ قال‪ :‬اخلوا مبناجاته‪ ،‬اخلوا‬
‫قليال‪ .‬قالوا‪ :‬كيف نكلم اهلل ً‬ ‫الناس ً‬
‫بدعائه‪ .‬خرجه أبو نعيم‪.‬‬
‫أيضا بإسناده عن رباح قال‪ :‬كان عندنا رجل يصلي كل‬ ‫وخرج ً‬
‫جالسا كل‬
‫يوم وليلة ألف ركعة‪ ،‬حىت أقعد من رجليه‪ ،‬فكان يصلي ً‬
‫ليلة ألف ركعة‪ ،‬فإذا صلى العصر احتىب فاستقبل القبلة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫عجبت للخليقة كيف أنست بسواك‪ ،‬بل عجبت للخليقة كيف‬
‫استأنست قلوهبا بذكر سواك‪.‬‬
‫وقال أبو أسامة‪ :‬دخلت على حممد بن النضر احلارثي فرأيته‬
‫كأنه ينقبض فقلت‪ :‬كأنك تكره أن تؤتى؟ قال‪ :‬أجل‪ .‬فقلت‪ :‬أو ما‬
‫تستوحش؟ فقال‪ :‬كيف أستوحش وهو يقول‪ « :‬أنا جليس من‬
‫ذكرني »!‬
‫وقيل ملالك بن مغول وهو جالس يف بيته وحده‪ :‬أال تستوحش؟‬
‫فقال‪ :‬أو يستوحش مع اهلل أحد؟!‬
‫وكان حبيب أبو حممد خيلو يف بيته ويقول‪ :‬من مل تقر عينه بك‬
‫فال قرت عينه‪ ،‬ومن مل يأنس بك فال أنس‪.‬‬
‫وقال غزوان‪ :‬إىن أصبت راحة قليب يف جمالسة من لديه حاجيت‪.‬‬
‫وقال مسلم بن يسار‪ :‬ما تلذذ املتلذذون مبثل اخللوة مبناجاة اهلل‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪48‬‬
‫أبدا‬
‫وقال مسلم بن عابد‪ :‬لوال اجلماعة ما خرجت من بايب ً‬
‫حىت أموت‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ما جيد املطيعون هلل لذة يف الدنيا أحلى من اخللوة مبناجاة‬
‫سيدهم‪ ،‬وال أحسب هلم يف اآلخرة من عظيم الثواب أكب يف‬
‫صدورهم وألذ يف قلوهبم من النظر إليه‪ .‬مث غشي عليه‪.‬‬
‫وعن إبراهيم بن أدهم قال‪ :‬أعلى الدرجات أن تنقطع إىل ربك‪،‬‬
‫وتستأنس إليه بقلبك وعقلك ومجيع جوارحك؛ حىت ال ترجو إال ربك‬
‫وال ختاف إال ذنبك‪ ،‬وترسخ حمبته يف قلبك حىت ال تؤثر عليها شيئًا‪،‬‬
‫فإذا كنت كذلك مل تبال يف بر كنت أو يف حبر أو يف سهل أو يف‬
‫جبل‪ ،‬وكان شوقك إىل لقاء احلبيب شوق الظمآن إىل املاء البارد‬
‫وشوق اجلائع إىل الطعام الطيب‪ ،‬ويكون ذكر اهلل عندك أحلى من‬
‫العسل وأحلى من املاء العذب الصايف عند العطشان يف اليوم‬
‫الصائف‪.‬‬
‫وقال الفضيل‪ :‬طوىب ملن استوحش من الناس‪ ،‬وكان اهلل جليسه‪.‬‬
‫أبدا‪ .‬وقال معروف‬ ‫وقال أبو سليمان‪ :‬ال آنسين اهلل إال به ً‬
‫لرجل‪ :‬توكل على اهلل حىت يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك‪.‬‬
‫وقال ذو النون‪ :‬من عالمات احملبني هلل أن ال يأنسوا بسواه وال‬
‫يستوحشوا معه‪ .‬مث قال‪ :‬إذا سكن القلب حب اهلل تعاىل أنس باهلل؛‬
‫ألن اهلل أجل يف صدور العارفني أن حيبوا سواه‪.‬‬
‫جدا وفيما ذكرنا كفاية‬ ‫وكالم القوم يف هذا الباب يطول ذكره ً‬
‫إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬فمن تأمل ما أشرنا إليه مما دل عليه هذا احلديث‬
‫العظيم علم أن مجيع العلوم واملعارف ترجع إىل هذا احلديث ويدخل‬
‫‪49‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫حتته‪ ،‬وأن مجيع العلماء من فرق هذه األمة ال خترج علومهم اليت‬
‫يتكلمون فيها عن هذا احلديث وما دل عليه جممال ومفصال؛ فإن‬
‫الفقهاء إمنا يتكلمون يف العبادات اليت هي من مجلة خصال اإلسالم‪،‬‬
‫ويضيفون إىل ذلك الكالم يف أحكام األموال واألبضاع والدماء‪ ،‬وكل‬
‫ذلك من علم اإلسالم كما سبق التنبيه عليه‪ ،‬ويبقى كثري من علم‬
‫اإلسالم من اآلداب واألخالق‪ ،‬وغري ذلك ال يتكلم عليه إال القليل‬
‫منهم‪ ،‬وال يتكلمون على معىن الشهادتني ومها أصل اإلسالم كله‪.‬‬
‫والذين يتكلمون يف أصول الديانات يتكلمون على الشهادتني‬
‫وعلى اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر واإلميان بالقدر‪،‬‬
‫والذين يتكلمون على علم املعارف واملعامالت يتكلمون على مقام‬
‫أيضا؛‬
‫اإلحسان وعلى األعمال الباطنة اليت تدخل يف اإلميان ً‬
‫كاخلشية واحملبة والتوكل والرضا والصب وحنو ذلك‪ ،‬فاحنصرت العلوم‬
‫الشرعية اليت يتكلم عليها فرق املسلمني يف هذا احلديث ورجعت‬
‫كلها إليه‪ ،‬ففي هذا احلديث وحده كفاية وهلل احلمد واملنة‪.‬‬
‫وبقي الكالم على ذكر الساعة من احلديث؛ فقول جبيل عليه‬
‫السالم‪ :‬أخبين عن الساعة‪ .‬فقال النيب ‪ « :‬ما المسئول عنها‬
‫بأعلم من الساكئل »‪ .‬يعين أن علم اخللق كلهم يف وقت الساعة‬
‫سواء‪ ،‬وهذه إشارة إىل أن اهلل تعاىل استأثر بعلمها‪ ،‬وهلذا جاء أن‬
‫العامل إذا سئل عن شيء ال يعلمه أن يقول ال أعلمه وأن ذا ال ينقصه‬
‫شيئًا‪ ،‬بل هو من ورعه ودينه؛ ألن فوق كل ذي علم عليم يف‬
‫حديث أيب هريرة ‪ ‬وقال النيب ‪ ‬يف مخس ال يعلمهن إال اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬مث تال ‪‬إِن الله ِعنده ِعلْم الساع ِة وي ن ِّزل الْغ ْيث وي ْعلم ما فِي‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪35‬‬
‫ي أ ْرض‬ ‫األ ْرح ِام وما ت ْد ِري ن ْفس ماذا ت ْت ِسب غ ًدا وما ت ْد ِري ن ْفس بِأ ِّ‬
‫تموت إِن الله علِيم خبِير‪[ .‬لقمان‪ ،]43 :‬وقوله عز وجل‪:‬‬
‫‪‬ي ْسألونك ع ِن الساع ِة أيان م ْرساها ق ْل إِنما ِعلْمها ِعند ربِّي ال‬
‫ض ال تأْتِيت ْم إِال‬‫ات واأل ْر ِ‬‫ت فِي السماو ِ‬ ‫يجلِّيها لِوقْتِها إِال هو ث قل ْ‬
‫ب غْتةً‪[ ‬األعراف‪.]187 :‬‬
‫ويف صحيح البخاري عن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪ « :‬مفاتيح الغيب خمس ال يعلمهن إال اهلل »‪ .‬مث تال‬
‫هذه اآلية‪ :‬إِن الله ِعنده ِعلْم الساع ِة‪ )1(‬اآلية‪.‬‬
‫وخرجه اإلمام أمحد ولفظه أن النيب ‪ ‬قال‪ « :‬أوتيت مفاتيح‬
‫كل شيء إال الخمس‪ :‬إِن الله ِع ْنده ِعلْم الساع ِة‪ ‬اآلية»(‪.)2‬‬
‫أيضا بإسناده عن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬أويت نبيكم ‪‬‬ ‫وخرج ً‬
‫مفاتيح كل شيء غري مخس ‪‬إِن الله ِع ْنده ِعلْم الساع ِة‪ ‬اآلية (‪.)4‬‬
‫فقوله فأخبين عن أمارهتا يعين عن عالماهتا اليت تدل على‬
‫اقرتاهبا ويف حديث أيب هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪ « :‬سأحدثك عن‬
‫أيضا‪ ،‬وقد ذكر النيب ‪ ‬للساعة عالمتني‪:‬‬ ‫أشراطها»‪ .‬وهي عالماهتا ً‬
‫األولى‪« :‬أن تلد األمة ربتها»‪ ،‬واملراد بربتها‪ :‬سيدهتا ومالكتها‪.‬‬
‫ويف حديث أيب هريرة ‪ « :‬ربها »‪ .‬وهذه إشارة إىل فتح البالد‬
‫وكثرة جلب الرقيق حىت تكثر السراري وتكثر أوالدهن فتكون األمة‬
‫رقيقة لسيدها وأوالده منه مبنزلته؛ فإن ولد السيد مبنزلة السيد فيصري‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪.)1549‬‬


‫(‪ )2‬مسند اإلمام أمحد (‪.)86 -85/2‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أمحد (‪.)348/1‬‬
‫‪31‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫ولد األمة مبنزلة رهبا وسيدها‪.‬‬
‫وذكر اخلطايب أنه استدل بذلك من يقول‪ :‬إن أم الولد إمنا تعتق‬
‫على ولدها من نصيبه من مرياث والده وإهنا تنتقل إىل أوالدها‬
‫باملرياث فتعتق عليهم وإهنا قبل موت سيدها تباع‪ .‬قال‪ :‬ويف هذا‬
‫االستدالل نظر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد استدل بعضهم به على عكس ذلك‪ ،‬وأن أم الولد ال‬
‫تباع وأهنا تعتق مبوت سيدها بكل حال؛ ألنه جعل ولد األمة رهبا‪،‬‬
‫فكأن ولدها هو الذي أعتقها فصار عتقها منسوبا إليه؛ ألنه سبب‬
‫عتقها فصار كأنه موالها‪.‬‬
‫وهذا كما روي عن النيب ‪ ‬أنه قال يف أم ولده مارية ملا ولدت‬
‫إبراهيم عليه السالم‪ « :‬أعتقها ولدها »(‪.)1‬‬
‫وقد استدل هبذا اإلمام أمحد ‪ ‬فإنه قال يف رواية حممد بن‬
‫احلكم عنه‪ « :‬تلد األمة ربتها »‪ .‬تكثر أمهات األوالد‪ ،‬يقول‪ :‬إذا‬
‫ولدت فقد عتقت لولدها‪ .‬وقال‪ :‬فيه حجة أن أمهات األوالد ال‬
‫يبعن‪.‬‬
‫وقد فسر قوله « تلد األمة ربتها » بأنه يكثر جلب الرقيق حىت‬
‫جتلب البنت فتعتق مث جتلب األم فتشرتيها البنت وتستخدمها وهي‬
‫جاهلة بأهنا أمها‪ ،‬وقد وقع هذا يف اإلسالم‪ .‬وقيل‪ :‬معناه أن اإلماء‬
‫تلدن امللوك‪.‬‬
‫وقال وكيع‪ :‬معناه تلد العجم العرب والعرب ملوك العجم وأرباب‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه (‪ ،)2516‬واحلاكم (‪ ،)19/2‬والبيهقي (‪.)436/15‬‬


‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪32‬‬
‫هلم‪.‬‬
‫والعالمة الثانية‪« :‬أن ترى الحفاة العراة العالة» واملراد بالعالة‪:‬‬
‫الفقراء كقوله تعاىل‪ :‬ووجدك عاكئِالً فأ ْغنى‪[ .‬الضحى‪.]8 :‬‬
‫وقوله‪ « :‬رعاء الشاء يتطاولون في البنيان » هكذا يف حديث‬
‫عمر ‪ ،‬واملراد‪ :‬أن أسافل الناس يصريون رؤساءهم وتكثر أمواهلم‬
‫حىت يتباهوا بطول البنيان وزخرفته وإتقانه‪.‬‬
‫ويف حديث أيب هريرة ‪ ‬ذكر ثالث عالمات منها‪ :‬أن تكون‬
‫احلفاة العراة رؤساء الناس‪ .‬ومنها‪ :‬أن يتطاول رعاء البهم يف البنيان‪،‬‬
‫وروى هذا احلديث عبداهلل بن عطاء عن عبداهلل بن بريدة فقال فيه‪:‬‬
‫« وأن ترى الصم البتم العمي الحفاة رعاء الشاء يتطاولون في‬
‫البنيان ملوك الناس »‪ ،‬قال‪ :‬فقام رجل فانطلق فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫من هؤالء الذين نعت؟ قال‪ «:‬هم العريب»‪.‬‬
‫وكذا روى هذا احلديث هبذه اللفظة األخرية علي بن زيد عن‬
‫حيىي بن يعمر عن ابن عمر‪ ،‬وأما األلفاظ األوىل فهي يف الصحيح من‬
‫حديث أيب هريرة مبعناها‪ ،‬وقوله‪« :‬الصم البتم العمي» إشارة إىل‬
‫جهلهم وعدم علمهم وفهمهم ويف هذا املعىن أحاديث متعددة‪.‬‬
‫فخرج اإلمام أمحد والرتمذي من حديث حذيفة ‪ ‬عن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪ «:‬ال تقوم الساعة حتى يتون أسعد الناس بالدنيا‬
‫لتع بن لتع»(‪ .)1‬ويف صحيح ابن حبان عن أنس عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫« ال تنقضي الدنيا حتى تتون عند لتع بن لتع »(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬رواه أمحد (‪ ،)489/5‬والرتمذي (‪.)2259‬‬
‫(‪ )2‬صحيح ابن حبان‪ ،‬برقم (‪.)6721‬‬
‫‪34‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫وخرج الطباين من حديث أيب ذر ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال‬
‫تقوم الساعة حتى يغلب على الدنيا لتع بن لتع »‪.‬‬
‫وخرج اإلمام أمحد والطباين من حديث أنس ‪ ‬عن النيب ‪‬‬
‫قال‪ « :‬بين يدي الساعة سنون خداعة يتهم فيها األمين ويؤتمن‬
‫فيها المتهم وينطق فيها الرويبضة »‪ .‬قالوا‪ :‬وما الرويبضة؟ قال‪:‬‬
‫«السفيه ينطق في أمر العامة »‪ .‬ويف رواية‪ « :‬الفاسق يتتلم في‬
‫أمر العامة »‪ .‬ويف رواية اإلمام أمحد‪ « :‬إن بين يدي الدجال سنين‬
‫خداعة يصدق فيها التاذب ويتذب فيها الصادق ويخون فيها‬
‫األمين ويؤتمن فيها الخاكئن »‪ .‬وذكر بقيته (‪.)1‬‬
‫ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة يف هذا احلديث يرجع إىل‬
‫أن األمور توسد إىل غري أهلها‪ ،‬كما قال النيب ‪ ‬ملن سأله عن‬
‫الساعة‪ « :‬إذا وسد األمر إلى غير أهله فانتظر الساعة »(‪ )2‬فإنه‬
‫إذا صار احلفاة العراة رعاء الشاء وهم أهل اجلهل واجلفاء رؤساء‬
‫الناس وأصحاب الثروة واألموال حىت يتطاولوا يف البنيان فإنه يفسد‬
‫بذلك نظام الدين والدنيا‪ ،‬فإنه إذا رأس الناس من كان فقريا عائال‬
‫عاما أو خاصا يف بعض‬ ‫فصار ملكا على الناس سواء كان ملكه ً‬
‫األشياء فإنه ال يكاد يعطى الناس حقوقهم بل يستأثر عليهم مبا‬
‫استوىل عليهم من املال فقد قال بعض السلف‪ :‬ألن متد يدك إىل فم‬
‫التنني فيقضمها خري لك من أن متدها إىل يد غين قد عاجل الفقر‪،‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد يف مسنده (‪ ،)225/4‬والطباين يف األوسط‪ ،‬وجود إسناده احلافظ‬


‫بن حجر يف فتح الباري (‪.)83/14‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)59‬و(‪ )6396‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪33‬‬
‫وإذا كان مع هذا جاهال جافيا فسد بذلك الدين؛ ألنه ال يكون له‬
‫مهة يف إصالح دين الناس وال تعليمهم بل مهته يف جباية املال واكتنازه‬
‫وال يبايل مبا أفسد من دين الناس وال مبن أضاع من أهل حاجاهتم‪،‬‬
‫وقال يف حديث آخر‪« :‬ال تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة‬
‫منافقوها» وإذا صار ملوك الناس ورؤوسهم على هذه احلال‬
‫انعكست سائر األحوال فصدق الكاذب وكذب الصادق وائتمن‬
‫اخلائن وخون األمني وتكلم اجلاهل وسكت العامل أو عدم بالكلية‬
‫كما صح عن النيب ‪ ‬أنه قال‪« :‬إن من أشراط الساعة أن يرفع‬
‫العلم ويظهر الجهل»(‪ )1‬وأخب أنه «يقبض العلم بموت العلماء‬
‫حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهاال فسئلوا فأفتوا‬
‫بغير علم فضلوا وأضلوا»(‪.)2‬‬
‫جهال واجلهل‬
‫وقال الشعيب‪ :‬ال تقوم الساعة حىت يصري العلم ً‬
‫علما‪ ،‬وهذا كله من انقالب احلقائق يف آخر الزمان وانعكاس األمور‪،‬‬ ‫ً‬
‫فوعا‪« :‬إن من أشراط‬ ‫ويف صحيح احلاكم عن عبد اهلل بن عمرو مر ً‬
‫الساعة أن توضع األخيار وترفع األشرار»(‪.)4‬‬
‫ويف قوله‪« :‬يتطاولون في البنيان» دليل على ذم التباهي‬
‫خصوصا بالتطاول يف البنيان‪ ،‬ومل يكن إطالة البناء معروفا يف‬
‫ً‬ ‫والتفاخر‬
‫قصريا بقدر‬
‫زمن النيب ‪ ‬وأصحابه رضي اهلل عنهم بل كان بنياهنم ً‬
‫احلاجة‪ ،‬وروى أبو الزناد عن األعرج عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)85‬ومسلم (‪.)2671‬‬
‫(‪ )2‬البخاري (‪ ،)155‬ومسلم (‪.)2774‬‬
‫(‪ )4‬صحيح احلاكم (‪ ،)555-553/3‬وصححه ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫شرح حديث جبريل‬
‫رسول اهلل ‪« :‬ال تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان»‬
‫خرجه البخاري(‪.)1‬‬
‫وخرج أبو داود من حديث أنس ‪ ‬أن النيب ‪ ‬خرج فرأى قبة‬
‫مشرفة‪ ،‬فقال‪« :‬ما هذه؟» قالوا‪ :‬هذه لفالن ‪-‬رجل من األنصار‪-‬‬
‫فجاء صاحبها فسلم على رسول اهلل ‪ ،‬فأعرض عنه فعل ذلك‬
‫مرارا‪ ،‬فهدمها الرجل(‪ ،)2‬وخرجه الطباين من وجه آخر عن أنس‬
‫أيضا‪ ،‬وعنده فقال‪ :‬النيب ‪« :‬كل بناء ‪-‬وأشار بيده هكذا على‬ ‫ً‬
‫رأسه‪ -‬أكثر من هذا فهو وبال» وقال يف حديث ابن السائب عن‬
‫احلسن‪ :‬كنت أدخل بيوت أزواج النيب ‪ ‬يف خالفة عثمان ‪‬‬
‫فأتناول سقفها بيدي وروى عن عمر ‪ ‬أنه كتب‪ :‬ال تطيلوا بناءكم‬
‫فإنه شر أيامكم‪ ،‬وقال يزيد بن أيب زياد‪ :‬قال‬
‫حذيفة ‪ ‬لسلمان‪ :‬أال تبين لك مسكنا يا أبا عبد اهلل؟ قال‪ :‬مل؟‬
‫لتجعلين ملكا‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن نبين لك بيتًا من قصب ونسقفه‬
‫بالبواري‪ ،‬إذا قمت كاد أن ميس رأسك وإذا منت كاد أن ميس‬
‫طرفيك‪ ،‬قال‪ :‬كأنك كنت يف نفسي‪.‬‬
‫وعن عمار بن أيب عمار قال‪ :‬إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة‬
‫أذرع نودي‪ :‬يا أفسق الفاسقني إىل أين؟ خرجه كله ابن أيب الدنيا‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن أيب شيبة يف مسنده قال‪ :‬بلغين عن ابن عائشة‬
‫قال‪ :‬حدثنا ابن أيب مشيل قال‪ :‬نزل املسلمون حول املسجد ‪-‬يعين‬
‫بالبصرة‪ -‬يف أخبية الشعر ففشا فيهم السرق فكتبوا إىل عمر فأذن هلم‬
‫(‪ )1‬برقم (‪.)7121‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود برقم (‪ )5247‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫شرح حديث جبريل‬ ‫‪36‬‬
‫يف الرياع فبنوا بالقصب ففشا فيهم احلريق فكتبوا إىل عمر فأذن هلم‬
‫يف املدر وهني أن يرفع الرجل مسكه أكثر من سبعة أذرع‪ ،‬وقال‪ :‬إذا‬
‫بنيتم منه بيوتكم فابنوا منه املسجد‪ ،‬قال ابن عائشة‪ :‬وكان عتبة بن‬
‫غزوان بىن مسجد البصرة بالقصب وقال‪ :‬من صلى فيه وهو من‬
‫قصب أفضل ممن صلى فيه وهو من لنب‪ ،‬ومن صلى فيه وهو من لنب‬
‫أفضل ممن صلى فيه وهو من آجر‪.‬‬
‫وخرج ابن ماجه من حديث أنس عن النيب ‪« :‬ال تقوم‬
‫الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد»(‪ )1‬من حديث ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬أراكم تشرفون مساجدكم‬
‫بعدي كما شرفت اليهود كناكئسها وكما شرفت النصارى‬
‫بيعها»(‪.)2‬‬
‫وروي ابن أيب الدنيا بإسناده عن إمساعيل بن مسلم عن‬
‫احلسن ‪ ‬قال‪ :‬ملا بىن رسول اهلل ‪ ‬املسجد قال‪« :‬ابنوه عريشا‬
‫كعريش موسى» قيل للحسن‪ :‬وما عريش موسى؟ قال‪ :‬إذا رفع يده‬
‫بلغ العريش‪ ،‬يعين‪ :‬السقف‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه (‪ ،)749‬وصححه ابن حبان (‪.)1613‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه (‪ ،)735‬ورواه أبو داود (‪ )338‬بلفظ‪« :‬ما أمرت بتشييد‬
‫املساجد»‪ ،‬قال ابن عباس‪( :‬لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى)‬
‫وصححه ابن حبان (‪.)1615‬‬

You might also like