You are on page 1of 112

‫على الدولة اليزيدية وذكر مقتله‬

‫ومتييز أقوال أهل السنة واجلماعة من أقوال أهل البدع‬


‫الطبعة األوىل‬
‫‪2017‬‬

‫قيام اإلمام الحسين رضي اهلل عنه على الدولة اليزيدية وذكر مقتله‬ ‫اســـم الـكتاب‪:‬‬
‫وتمييز أقوال أهل السنة والجماعة من أقوال أهل البدع‬
‫أحمد بن عبد الستار بن صبري النجار‬ ‫تـــألــــــيف‪:‬‬
‫‪ 17‬سم * ‪ 24‬سم‬ ‫الــقيــــــاس‪:‬‬
‫‪ 112‬صفحة‬ ‫عدد الــصفحات‪:‬‬
‫‪ 2017‬م‬ ‫ســنة الــطبع‪:‬‬
‫مكتبة ألوان‬ ‫الطبــــاعــة‪:‬‬
‫مكتبة كلمة للنشر والتوزيع‬ ‫النــــاشــــر‪:‬‬

‫رقم اإليداع يف دار الكتب والوثائق ببغداد (‪ )٢٦٤٤‬لسنة ‪2017‬‬


‫على الدولة اليزيدية وذكر مقتله‬
‫ومتييز أقوال أهل السنة واجلماعة من أقوال أهل البدع‬
‫‪5‬‬

‫املقدمة‬
‫‪:‬‬ ‫احلمـد هلل معـز األوليـاء‪ ،‬ورافـع منزلـة الشـهداء‪ ،‬القائـل يف كتابـه الكريم‬
‫ِ‬ ‫﴿وال َ ْت َسـ َب َّن ا َّل ِذيـ َن ُقتِ ُلـوا ِف َسـبِ ِ‬
‫ون ۝‬ ‫يل اهلل َأ ْم َواتًـا َب ْـل َأ ْح َيا ٌء عنْـدَ َر ِّبِ ْ‬
‫ـم ُي ْر َز ُق َ‬ ‫َ‬
‫ون با َّل ِذيـ َن َل ْ َي ْل َح ُقوا ِ ِب ْم ِمـ ْن َخ ْل ِف ِه ْم‬
‫ش َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِ َما آت ُ‬
‫َاه ُم اهلل م ْن َف ْضلـه َو َي ْسـ َت ْب ُ‬ ‫َف ِر ِح َ‬
‫ُـون۝﴾((( والصلاة والسلام على رسـول اهلل‬ ‫ي َزن َ‬ ‫ـم َ ْ‬ ‫ف َع َل ْي ِه ْ‬
‫ـم َو َل ُه ْ‬ ‫ـو ٌ‬ ‫َأ َّل َخ ْ‬
‫القائـل‪« :‬انتـدب اهلل ‪ ‬ملـن خـرج يف سـبيله‪ ،‬ال خيرجـه إال إيمان يب‪ ،‬وتصديـق‬
‫برسلي‪ ،‬أن أرجعـه بما نـال مـن أجـر أو غنيمـة أو أدخله اجلنـة‪ ،‬ولوال أن أشـق‬
‫على أمتـي مـا قعدت خلـف رسية‪ ،‬ولـوددت أين أقتـل يف سـبيل اهلل ثـم ُأحيا ثم‬
‫أقتل ثـم ُأحيـا ثم أقتـل»(((‪.‬‬

‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل‪ ،‬وحـده الرشيـك لـه‪ ،‬لـه امللـك وله احلمـد‪ ،‬حييي‬
‫ويميـت‪ ،‬بيـده اخلري‪ ،‬وهو على كل يشء قدير‪ ،‬وأشـهد أن حممدً ا عبده ورسـوله‬
‫صلى اهلل عليه وعلى آله الطيبني الطاهريـن‪ ،‬أويل املجد العميـم‪ ،‬والقدر العظيم‪،‬‬
‫وأصحابـه أمجعين‪ ،‬أويل الفضائـل الظاهـرة‪ ،‬واملفاخـر الباهـرة‪ ،‬وعلى التابعني‬
‫ومـن تبعهم بإحسـان إىل يـوم الدين‪ ،‬أمـا بعد‪..‬‬

‫فـإن الناظـر يف أيـام الناس‪ ،‬وأحواهلـم‪ ،‬وأخبارهـم‪ ،‬وأدياهنـم‪ ،‬وتوارخيهم‪،‬‬


‫ال جيـد يف أمـة مـن األمـم‪ ،‬وال يف ديـن من األديـان َمن يصـدع باحلق‪ ،‬ويتسـابق‬
‫على املـوت طل ًبـا للشـهادة‪ ،‬كما جيـده يف أهـل اإلسلام‪ ،‬فـإن املسـلمني الذين‬
‫علما أن ما يثري‬
‫قدمـوا أنفسـهم هلل يعسر حرصهـم‪ ،‬ومل تفلح الكتـب يف عدهم‪ً ،‬‬
‫الناظـر يف كتـب التواريخ والسير‪ ،‬أن التسـابق عىل الشـهادة عند املسـلمني كان‬
‫سـمة بـارزة يف أئمـة املسـلمني وسـاداهتم وأرشافهم‪ ،‬ومـن قرأ ما صح من سير‬
‫(((  سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.170 ،169‬‬
‫(((  صحيح البخاري جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.22‬‬
‫‪6‬‬

‫عظـام شـهداء املسـلمني مثل أمـراء املؤمنني عمـر وعثامن وعلي ‪ ،‬واطلع عىل‬
‫سيرهم وأخبـار استشـهادهم‪ ،‬ومـا أليب بكـر الصديـق ‪ ‬قبلهم مـن مقامات‬
‫عظيمـة قامهـا هلل يف حـروب الردة وغريهـا‪ ،‬علم ذلـك وفهمه‪ ،‬لـذا فحق ألهل‬
‫اإلسلام أن يفخـروا بأئمتهـم وشـهدائهم‪ ،‬وأن يتذاكـروا ما صح مـن فضائلهم‬
‫وسيرهم وأخبارهـم‪ ،‬وأن يعلموهـا أبناءهم‪.‬‬
‫وكتابنـا هـذا عـن اإلمـام احلسين بـن علي هـو يف ذكـر أيـام إمـام مـن‬
‫أئمـة املسـلمني وشـهدائهم ما جاء بعـده مثلـه يف الفضل والشرف والثبات عىل‬
‫توهجا يف‬
‫ً‬ ‫احلـق‪ ،‬قـام على الظلمـة هلل‪ ،‬فاستشـهد عىل يـد عصابة ظاملـة‪ ،‬فـازداد‬
‫منـارا هيتـدي‬
‫سماء الفضائـل‪ ،‬فصـار مذهبـه بالصـدع باحلـق‪ ،‬والثبـات عليـه‪ً ،‬‬
‫وشـعارا يقتـدي بـه الصابـرون‪ ،‬إال أن مـا روي مـن أخبـار اإلمام‬
‫ً‬ ‫بـه العاملـون‪،‬‬
‫احلسين ‪ ‬يف كتـب التاريـخ املسـندة حيتـاج إىل متييـز صحيحـه مـن سـقيمه‪،‬‬
‫لـذا رأيـت أن أمجـع ما صـح من أخبـار اإلمـام احلسين ‪ ‬وأيامـه‪ ،‬فذكرت يف‬
‫هـذا الكتـاب مـا ثبـت مـن أخبـاره وقيامـه ‪ ‬على الظلمـة‪ ،‬وثباته على احلق‪،‬‬
‫مـرورا بمكة‪ ،‬ثـم إىل العـراق؛ حيث قتل‬
‫ً‬ ‫وتفاصيـل انتقالـه مـن املدينـة النبوية‪،‬‬
‫ونـال الشـهادة‪ ،‬وذكـرت مـع هـذه األخبـار نقـوالت لعلماء أهـل السـنة‪ ،‬تبني‬
‫مواقفهـم وأقواهلـم وأحكامهـم فيام جرى من أحـداث؛ لتمييز أقوال أهل السـنة‬
‫عـن أقـوال أهـل البدع‪،‬كما نبهـت على بعـض األخبـار املكذوبـة التي نسـجها‬
‫أهـل الكذب لتشـويه أجماد املسـلمني‪ ،‬والطعـن يف أئمتهم وتراثهم‪ ،‬هذا وأسـأل‬
‫اهلل ‪ ‬التوفيـق والسـداد‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممـد وعىل آله وصحبه وسـلم‪.‬‬
‫الباب األول‬
‫اإلمام الحسين ‪ ‬وذكر شيء من فضائله‬
‫‪9‬‬

‫اإلمام احلسني ‪‬‬


‫قـال اإلمـام الذهبـي‪ :‬احلسين الشـهيد‪ ،‬اإلمـام الرشيـف الكامـل‪ ،‬سـبط‬
‫رسـول اهلل ‪ ‬ورحيانتـه مـن الدنيـا وحمبوبـه‪ ،‬أبـو عبـد اهلل احلسين ابـن أمير‬
‫املؤمنين أيب احلسـن علي بـن أيب طالـب بـن عبـد املطلـب بـن هاشـم بـن عبـد‬
‫منـاف بـن قصي القـريش اهلاشـمي‪ .‬حدث عـن جـده‪ ،‬وأبويـه‪ ،‬وصهـره عمر‪،‬‬
‫وطائفـة‪ .‬وحـدث عنـه ولداه علي وفاطمـة‪ ،‬وعبيد بـن حنني‪ ،‬ومهـام الفرزدق‪،‬‬
‫وعكرمـة‪ ،‬والشـعبي‪ ،‬وطلحـة العقيلي‪ ،‬وابـن أخيـه زيـد بـن احلسـن‪ ،‬وحفيده‬
‫حممـد بـن علي الباقـر ومل يدركـه‪ ،‬وبنتـه سـكينة وآخرون‪.‬‬
‫قال الزبري‪ :‬مولده يف خامس شعبان سنة أربع من اهلجرة‪.‬‬
‫قال جعفر الصادق‪ :‬بني احلسن واحلسني يف احلمل طهر واحد(((‪.‬‬
‫قـال ابـن كثير‪ :‬فإنـه ‪ -‬يعنـي احلسين ‪ - ‬من سـادات املسـلمني‪ ،‬وعلامء‬
‫الصحابـة‪ ،‬وابـن بنـت رسـول اهلل ‪ ‬التـي هـي أفضـل بناتـه‪ ،‬وقـد كان عابـدً ا‬
‫وشجا ًعا وسـخ ًّيا(((‪.‬‬

‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.280‬‬


‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.203‬‬
‫‪10‬‬

‫فضائل احلسني ‪‬‬


‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنا حييـى بن معني وصدقـة قاال‪ :‬أخربنـا حممد بن‬
‫جعفـر‪ ،‬عـن شـعبة‪ ،‬عـن واقـد بن حممـد‪ ،‬عن أبيـه‪ ،‬عن ابـن عمر ‪ ‬قـال‪ ،‬قال‬
‫أبـو بكر‪ :‬ارقبـوا حممدً ا ‪ ‬يف أهـل بيته(((‪.‬‬
‫قـال ابـن حجـر‪ :‬قولـه‪( :‬ارقبوا حممـدً ا يف أهـل بيتـه) خياطب بذلـك الناس‬
‫ويوصيهـم بـه‪ ،‬واملراقبـة للشيء املحافظـة عليـه‪ ،‬يقـول‪ :‬احفظـوه فيهـم فلا‬
‫تؤذوهـم وال تسـيئوا إليهـم(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا عمر بـن حممد بـن احلسـن األسـدي‪ ،‬حدثنا‬
‫أيب‪ ،‬حدثنـا إبراهيـم بـن طهمان‪ ،‬عـن حممـد بن زيـاد‪ ،‬عـن أيب هريـرة ‪ ‬قال‪:‬‬
‫كان رسـول اهلل ‪ ‬يؤتـى بالتمـر عنـد ِصام النخـل‪ ،‬فيجـيء هذا بتمـره‪ ،‬وهذا‬
‫مـن متـره‪ ،‬حتـى يصري عنـده كو ًمـا من متـر‪ ،‬فجعل احلسـن واحلسين يلعبان‬
‫بذلـك التمـر‪ ،‬فأخـذ أحدمهـا متـرة فجعلهـا يف فيـه‪ ،‬فنظـر إليـه رسـول اهلل ‪‬‬
‫فأخرجهـا مـن فيه‪ ،‬فقال‪« :‬أمـا علمت أن آل حممـد ‪ ‬ال يأكلـون الصدقة؟»(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام مسـلم‪ :‬حدثنـي عبـد اهلل بـن الرومـي الياممـي وعباس بـن عبد‬
‫العظيـم العنبري قـاال‪ ،‬حدثنـا النرض بـن حممـد‪ ،‬حدثنـا عكرمة وهو بـن عامر‪،‬‬
‫حدثنـا إيـاس‪ ،‬عـن أبيه قـال‪ :‬لقـد ُقـدْ ت بنبـي اهلل ‪ ‬واحلسـن واحلسين بغلته‬
‫الشـهباء حتـى أدخلتهـم ُحجـرة النبـي ‪ ‬هـذا ُقدَّ ا َم ُه وهـذا خلفه(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخاري‪ :‬حدثنا عثمان بن أيب شـيبة‪ ،‬حدثنا جريـر‪ ،‬عن منصور‪،‬‬
‫عـن املنهـال‪ ،‬عن سـعيد بن جبير‪ ،‬عن ابـن عبـاس ‪ ‬قـال‪ :‬كان النبـي ‪ُ ‬ي َع ِّو ُذ‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1370‬‬
‫(((  فتح الباري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.79‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.541‬‬
‫(((  صحيح مسلم‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1883‬‬
‫‪11‬‬

‫ـو ُذ هبـا إسماعيل وإسـحاق‪ ،‬أعـوذ‬


‫احلسـن واحلسين ويقـول‪« :‬إن أباكما كان ُي َع ِّ‬
‫المـة»(((‪.‬‬
‫بكلمات اهلل التامـة مـن كل شـيطان وهامة ومـن كل عني َّ‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثني حممد بن بشـار‪ ،‬حدثنـا ُغنْدر‪ ،‬حدثنا شـعبة‪،‬‬
‫عـن حممـد بـن أيب يعقـوب‪ ،‬سـمعت ابـن أيب ُن ْعـم‪ ،‬سـمعت عبـد اهلل بـن عمـر‬
‫وسـأله عـن املحـرم‪ ،‬قـال شـعبة‪ :‬أحسـبه يقتـل الذبـاب‪ .‬فقـال‪ :‬أهـل العـراق‬
‫يسـألون عـن الذبـاب وقـد قتلـوا ابـن ابنـة رسـول اهلل ‪ ‬وقـال النبـي ‪« :‬مها‬
‫رحيانتـاي من الدنيـا»(((‪.‬‬

‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1233‬‬


‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1371‬‬
‫الباب الثاني‬

‫بيعة يزيد وتصدع الجماعة‬


‫‪15‬‬

‫َس َن ُة اجلماعة‬
‫قـال اإلمـام البخاري‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن حممد‪ ،‬حدثنا سـفيان‪ ،‬عن أيب موسـى‬
‫قال‪ ،‬سـمعت احلسـن يقول‪ :‬اسـتقبل واهلل احلسـن بن علي معاويـة بكتائب أمثال‬
‫اجلبـال فقـال عمـرو بـن العـاص‪ :‬إين ألرى كتائـب ال تـويل حتـى تقتـل أقراهنا‪.‬‬
‫َـل هـؤالء هؤالء‪،‬‬‫فقـال لـه معاويـة‪ ،‬وكان واهلل خير الرجلين‪ :‬أي عمـرو‪ ،‬إن َقت َ‬
‫وهـؤالء هـؤالء‪ ،‬من يل بأمـور الناس؟ من يل بنسـائهم؟ مـن يل بضيعتهم؟ فبعث‬
‫إليـه رجلين من قريـش من بني عبد شـمس؛ عبد الرمحن بن سـمرة وعبـد اهلل بن‬
‫عامـر بـن كريـز‪ ،‬فقـال‪ :‬اذهبـا إىل هـذا الرجل فاعرضـا عليـه‪ ،‬وقوال لـه‪ ،‬واطلبا‬
‫إليـه‪ .‬فأتيـاه فدخلا عليه‪ ،‬فتكلما وقاال لـه‪ ،‬فطلبا إليـه‪ ،‬فقال هلام احلسـن بن عيل‪:‬‬
‫إنـا بنـو عبد املطلب قـد أصبنا من هـذا املال‪ ،‬وإن هـذه األمة قد عاثـت يف دمائها‪.‬‬
‫قـاال‪ :‬فإنـه يعرض عليك كـذا وكذا‪ ،‬ويطلب إليك ويسـألك‪ .‬قـال‪ :‬فمن يل هبذا؟‬
‫قـاال نحـن لك به‪ ،‬فام سـأهلام شـي ًئا إال قـاال نحن لك بـه‪ ،‬فصاحله‪ .‬فقال احلسـن‪:‬‬
‫ولقـد سـمعت أبـا بكرة يقـول‪ :‬رأيـت رسـول اهلل ‪ ‬عىل املنبر واحلسـن بن عيل‬
‫إىل جنبـه‪ ،‬وهـو يقبل على الناس مـرة وعليه أخرى‪ ،‬ويقـول‪« :‬إن ابني هذا سـيد‪،‬‬
‫ولعـل اهلل أن يصلـح به بني فئتين عظيمتني من املسـلمني»(((‪.‬‬
‫قـال ابـن حبـان‪ :‬وذاك أن املصطفى ‪ ‬قبضـه اهلل إىل جنته يـوم االثنني لثنتي‬
‫عشرة ليلـة خلت مـن شـهر ربيع األول‪ ،‬سـنة عشرة مـن اهلجرة‪ ،‬واسـتخلف‬
‫أبـو بكـر الصديـق يـوم الثالثـاء ثـاين وفاتـه ‪ ،‬وتـويف أبـو بكـر الصديـق ليلة‬
‫االثنين لسـبع عشرة ليلـة مضين من مجـادى اآلخـرة‪ ،‬وكانـت خالفته سـنتني‬
‫وثالثـة أشـهر واثنين وعرشين يو ًما‪ ،‬ثم اسـتخلف عمـر بن اخلطاب يـوم الثاين‬
‫مـن مـوت أيب بكـر الصديـق‪ ،‬ثـم قتـل عمـر ‪ ‬وكانـت خالفتـه عشر سـنني‬
‫وسـتة أشـهر وأربـع ٍ‬
‫ليـال‪ ،‬ثم اسـتخلف عثامن بـن عفـان رضـوان اهلل عليه‪ ،‬ثم‬

‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.962‬‬


‫‪16‬‬

‫قتـل عثمان‪ ،‬وكانت خالفته اثنتـي عرشة سـنة إال اثني عرش يو ًما‪ ،‬ثم اسـتخلف‬
‫علي بـن أيب طالب رضـوان اهلل عليه‪ ،‬وقتـل‪ ،‬وكانت خالفته مخس سـنني وثالثة‬
‫أشـهر إال أربعـة عرش يو ًمـا‪ ،‬فلام قتل عيل بـن أيب طالب رضـوان اهلل عليه وذلك‬
‫يـوم السـابع عشر مـن رمضان سـنة أربعين بايع أهـل الكوفـة احلسـن بن عيل‬
‫بالكوفـة‪ ،‬وبايـع أهل الشـام معاوية بن أيب سـفيان بإيليـاء‪ ،‬ثم سـار معاوية يريد‬
‫الكوفـة‪ ،‬وسـار إليه احلسـن بـن علي‪ ،‬فالتقـوا بناحيـة األنبـار‪ ،‬فاصطلحوا عىل‬
‫كتـاب بينهـم برشوط فيه‪ ،‬وسـلم احلسـن األمـر إىل معاوية‪ ،‬وذلك يـوم االثنني‬
‫ليـال بقين من شـهر ربيـع األول سـنة إحـدى وأربعين‪ ،‬وتسـمى هذه‬ ‫خلمـس ٍ‬
‫السـنة َسـنَة اجلامعة(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬إن دخول احلسـن واحلسين يف اجلامعة دال على إمامتهام ورغبتهام‬
‫يف اجلامعـة‪ ،‬وأن الصلـح واجتماع األمة خري من الفرقـة واالقتتال‪.‬‬

‫(((  صحيح ابن حبان‪ ،‬جزء ‪ ،15‬صفحة ‪.39 ،3‬‬


‫‪17‬‬

‫الفرقة وتصدع اجلماعة‬


‫ٍ‬
‫لثمان بقني من رجب‬ ‫قـال ابـن حبان‪ :‬ثم تويف معاوية بدمشـق يـوم اخلميس‬
‫سـنة سـتني‪ ،‬وكانـت واليته تسـع عرشة سـنة وأربعة أشـهر إال ٍ‬
‫ليـال‪ ،‬وكانت له‬
‫ثمان وسـبعون سـنة‪ ،‬ثـم ويل يزيد بـن معاويـة ابنـه يـوم اخلميس يف‬‫يـوم مـات ٍ‬
‫اليـوم الـذي مات فيه أبـوه(((‪.‬‬
‫قـال ابـن عبد الرب‪ :‬ملا مـات معاوية وأفضـت اخلالفة إىل يزيد وذلك يف سـنة‬
‫سـتني‪ ،‬ووردت بيعتـه على الوليـد بـن عقبـة باملدينـة ليأخـذ البيعة على أهلها‪،‬‬
‫أرسـل إىل احلسين بـن علي‪ ،‬وإىل عبـد اهلل بـن الزبير ً‬
‫ليلا‪ ،‬فأتـى هبما‪ ،‬فقـال‪:‬‬
‫رسا‪ ،‬ولكننا نبايع على رءوس النـاس إذا أصبحنا‪،‬‬ ‫بايعـا‪ .‬فقـاال‪ :‬مثلنـا ال يبايـع ًّ‬
‫فرجعـا إىل بيوهتما‪ ،‬وخرجا مـن ليلتهام إىل مكة‪ ،‬وذلـك ليلة األحـد لليلتني بقيتا‬
‫مـن رجـب‪ ،‬فأقام احلسين بمكة شـعبان ورمضان وشـوال وذا القعـدة‪ ،‬وخرج‬
‫يوم الرتويـة يريـد الكوفة(((‪.‬‬

‫(((  صحيح ابن حبان‪ ،‬جزء ‪ ،15‬صفحة ‪.39 ،3‬‬


‫(((  االستيعاب‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.396‬‬
‫‪18‬‬

‫أسباب الفرقة وتصدع اجلماعة‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬بيعة يزيد‬
‫(((‬

‫قـال خليفـة بـن خيـاط‪ :‬وحدثنـي وهـب قـال‪ ،‬حدثنـي ُج َويريـة بن أسماء‬
‫قـال‪ :‬سـمعت أشـياخنا مـن أهـل املدينـة مـا ال أحصي حيدثـون‪ :‬أن معاويـة‬
‫تـويف ويف املدينـة يومئـذ الوليـد بـن عتبة بـن أيب سـفيان‪ ،‬فأتـاه موتـه‪ ،‬فبعث إىل‬
‫مـروان بـن احلكـم ونـاس مـن بنـي أميـة فأعلمهـم الـذي أتـاه‪ ،‬فقال مـروان‪:‬‬
‫ابعـث السـاعة إىل احلسين وابـن الزبير فإن بايعـا وإال فـارضب أعناقهما‪ .‬وقد‬
‫هلـك عبـد الرمحـن بـن أيب بكـر قبـل ذلـك فأتاه ابـن الزبير فنعـى لـه معاوية‪،‬‬
‫خيرا‪ .‬فقـال لـه‪ :‬بايع‪ ،‬قـال‪ :‬مـا هذه سـاعة مبايعـة‪ ،‬وال‬
‫وترحـم عليـه وجـزاه ً‬
‫مثلي يبايعـك هاهنـا‪ .‬فرتقـى املنبر فأبايعـك ويبايعـك النـاس عالنيـة غري رس‪.‬‬
‫فوثـب مـروان فقـال‪ :‬ارضب عنقـه فإنه صاحـب فتنـة ورش‪ .‬قال‪ :‬إنـك هلتاك يا‬
‫رجلا رفي ًقا رس ًّيا‬
‫ً‬ ‫ابـن الزرقـاء‪ ،‬واسـت َّبا‪ .‬فقـال الوليد‪ :‬أخرجومهـا عنـي‪ .‬وكان‬
‫كريما‪ ،‬فأخرجـا عنـه‪ ،‬فجاء احلسين بن عيل عىل تلـك احلال‪ ،‬فلـم يكلم يف يشء‬ ‫ً‬
‫حتـى رجعـا مجي ًعـا ورجع مـروان إىل الوليـد فقـال‪ :‬واهلل ال تراه بعـد مقامك إال‬
‫حيـث يسـوءك‪ ،‬فأرسـل العيـون يف أثره‪ ،‬فلـم يزد حني دخـل منزله على أن دعا‬
‫بوضـوء وصـف بين قدميه فلـم يزل يصلي‪ ،‬وأمر محزة ابنـه أن يقـدم راحلته إىل‬
‫احلليفـة على بريـد من املدينـة مما يلي الفـرع‪ ،‬وكان لـه باحلليفة مال عظيـم‪ ،‬فلم‬
‫يـزل صا ًّفـا بين قدميـه‪ ،‬فلما كان آخر الليـل وتراجعت عنـه العيـون جلس عىل‬
‫دابتـه فركبهـا حتـى انتهـى إىل احلليفة‪ ،‬فجلـس عىل راحلتـه‪ ،‬ثم توجـه إىل مكة‪،‬‬
‫وخـرج احلسين مـن ليلتـه‪ ،‬فالتقيـا بمكـة‪ ،‬فقـال له ابـن الزبير‪ :‬مـا يمنعك من‬

‫(((  يزيـد بـن معاويـة بـن أيب سـفيان األمـوي‪ ،‬روى عن أبيـه‪ ،‬وعنه ابنـه خالد‪ ،‬وعبـد امللك بن‬
‫مـروان‪ ،‬مقـدوح يف عدالتـه‪ ،‬ليـس بأهـل أن يروى عنـه‪ ،‬وقال أمحد بـن حنبـل‪ :‬ال ينبغي أن‬
‫يـروى عنـه‪ .‬ميزان االعتـدال يف نقد الرجـال‪ ،‬جـزء ‪ ،7‬صفحة ‪.262‬‬
‫‪19‬‬

‫شـيعتك وشـيعة أبيـك‪ ،‬فواهلل لـو أن يل مثلهـم لذهبـت إليهم‪.‬‬

‫أميرا على املدينة على الوليد بـن عتبة‬


‫قـال‪ :‬وبعـث يزيـد عمـرو بن سـعيد ً‬
‫ختو ًفـا لضعـف الوليـد‪ ،‬فرقي عمـرو املنرب حين دخل‪ ،‬فحمـد اهلل وأثنـى عليه‪،‬‬
‫ثـم ذكـر ابـن الزبير وما صنـع‪ ،‬قال‪ :‬تعـوذ بمكـة‪ ،‬فـواهلل لنغزونه‪ ،‬ثـم واهلل لئن‬
‫دخـل مكـة لنحرقنهـا عليه على رغم أنف مـن رغم‪ .‬قـال وهب‪ ،‬قـال جويرية‪،‬‬
‫جالسـا مع‬
‫ً‬ ‫فأخبرين مسـافع((( أنه حدثه رجل من قريش نسـيت اسـمه‪ ،‬أنه كان‬
‫عبـد امللـك بـن مروان حتـت منرب عمـرو بن سـعيد؛ حيث قـال‪ :‬على رغم أنف‬
‫مـن رغـم‪ ،‬فوضع عبـد امللـك إصبعه على أنفه ثم قـال‪ :‬اللهـم فإن أنفـي يرغم‬
‫أن يغـزى بيتـك احلـرام‪ ،‬وفيه حديـث‪ ،‬وأقام احلـج عمرو بن سـعيد(((‪.‬‬

‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا موسـى بن إسماعيل‪ ،‬حدثنـا أبـو عوانة‪ ،‬عن‬
‫أيب بشر‪ ،‬عـن يوسـف بـن ماهـك‪ ،‬قـال‪ :‬كان مـروان على احلجـاز‪ ،‬اسـتعمله‬
‫معاويـة‪ ،‬فخطـب فجعـل يذكـر يزيـد بـن معاوية لكـي يبايع لـه بعد أبيـه‪ ،‬فقال‬
‫لـه عبـد الرمحـن بـن أيب بكـر شـي ًئا((( فقـال‪ :‬خـذوه‪ .‬فدخـل بيـت عائشـة فلـم‬
‫ـال لِوالِدَ ي ِ‬
‫ـه ُأ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫﴿وا َّلـذي َق َ َ ْ‬‫يقـدروا‪ .‬فقـال مـروان‪ :‬إن هـذا الـذي أنـزل اهلل فيه َ‬
‫ُما َأت َِعدَ انِنِـي﴾((( فقالـت عائشـة من وراء احلجـاب‪ :‬ما أنزل اهلل فينا شـي ًئا من‬
‫َلك َ‬

‫(((  مسـافع بـن عبد اهلل بن شـيبة العبـدري احلجبي‪ ،‬عـن عمته صفيـة‪ ،‬ومعاويـة‪ ،‬وعنه منصور‬
‫بـن صفيـة‪ ،‬وجويرية بن أسماء ثقة‪ .‬الكاشـف‪ ،‬جـزء ‪ ،2‬صفحة ‪.254‬‬
‫(((  (إسـناده صحيـح إىل جويريـة الـذي أسـنده إىل شـيوخ ال حيصون مـن أهل املدينـة)‪ ،‬تاريخ‬
‫خليفـة بـن خياط‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحـة ‪.233،232‬‬
‫(((  قـال العينـي‪ :‬قولـه‪( :‬كان مـروان على احلجـاز)‪ ،‬أي‪ً :‬‬
‫أميرا على املدينـة مـن قبـل معاوية‪.‬‬
‫قولـه‪( :‬فجعـل يذكـر يزيـد بـن معاويـة‪ )...‬إىل آخـره‪ ،‬قـد أوضحـه اإلسماعييل يف روايتـه‬
‫بلفـظ‪ :‬أراد معاويـة أن يسـتخلف يزيـد‪ ،‬فكتب إىل مـروان‪ ،‬وكان عىل املدينـة‪ ،‬فجمع الناس‬
‫فخطبهـم‪ ،‬وقـال‪ :‬إن أمير املؤمنين قـد رأى رأ ًيا حسـنًا يف يزيد‪ ،‬ودعـا إىل بيعة يزيـد‪ ،‬فقال‬
‫عبـد الرمحـن‪ :‬مـا هـي إال هرقليـة‪ ،‬إن أبا بكـر واهلل مل جيعلها يف أحـد من ولـده‪ ،‬وال من أهل‬
‫بلـده‪ ،‬وال مـن أهـل بيته‪ .‬عمـدة القاري‪ ،‬جـزء ‪ ،19‬صفحـة ‪.169‬‬
‫(((  سورة األحقاف‪ ،‬آية ‪.17‬‬
‫‪20‬‬

‫القـرآن إال أن اهلل أنـزل عـذري(((‪.‬‬


‫قـال يعقوب بن سـفيان الفسـوي‪ :‬حدثنا سـليامن بـن حرب‪ ،‬حدثنـاه محاد‪،‬‬
‫عـن أيـوب‪ ،‬عـن نافـع‪ :‬أن معاوية بعـث إىل ابن عمر بامئـة ألف درهـم‪ ،‬فلام دعا‬
‫معاويـة إىل بيعـة يزيـد بـن معاوية قـال(((‪ :‬أترون هـذا أراد‪ ،‬إن دينـي إذن عندي‬
‫لرخيص (((‪.‬‬
‫قـال خليفـة بـن خيـاط‪ :‬وحدثنا وهـب قـال‪ ،‬حدثنـي أيب‪ ،‬عن أيـوب‪ ،‬عن‬
‫نافـع قـال‪ :‬خطـب معاويـة فذكـر ابـن عمـر‪ ،‬فقـال‪ :‬واهلل ليبايعـن أو ألقتلنـه‪.‬‬
‫فخـرج عبـد اهلل بـن عبـد اهلل بن عمـر إىل أبيه فأخبره وسـار إىل مكة ثال ًثـا‪ ،‬فلام‬
‫أخبره بكـى ابـن عمـر‪ ،‬فبلـغ اخلرب عبـد اهلل بـن صفـوان‪ ،‬فدخل عىل ابـن عمر‬
‫فقـال‪ :‬أخطـب هـذا بكـذا؟ قال‪ :‬نعـم‪ .‬فقـال‪ :‬ما تريـد؟ أتريـد قتاله؟ فقـال‪ :‬يا‬
‫ابـن صفـوان الصبر خير مـن ذلـك‪ .‬فقـال ابـن صفـوان‪ :‬واهلل لئـن أراد ذلـك‬
‫ألقاتلنـه‪ ،‬فقـدم معاويـة مكـة‪ ،‬فنزل ذا طـوى‪ ،‬فخرج إليـه عبد اهلل بـن صفوان‪،‬‬
‫فقـال‪ :‬أنـت الذي تزعـم أنك تقتل ابـن عمر إن مل يبايـع البنك؟ فقـال‪ :‬أنا أقتل‬
‫ابـن عمـر؟ إين واهلل ال أقتله(((‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬إمارة الصبيان وأوهلم يزيد‬


‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬قـول النبـي ‪« ‬هلاك أمتـي على يـدي ُأغيلمـة‬
‫سـفهاء»‪.‬‬
‫حدثنـا موسـى بـن إسماعيل‪ ،‬حدثنا عمـرو بن حييى بن سـعيد بـن عمرو بن‬
‫جالسـا مـع أيب هريـرة يف مسـجد النبي ‪‬‬
‫ً‬ ‫سـعيد‪ ،‬قـال أخربين جـدي قال‪ :‬كنت‬
‫«ه َلكَة‬
‫باملدينـة ومعنـا مروان‪ ،‬قال أبو هريرة‪ :‬سـمعت الصـادق املصدوق يقـول‪َ :‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1827‬‬
‫(((  القائل هو عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬
‫(((  (إسناده صحيح) املعرفة والتاريخ‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.265‬‬
‫(((  (إسناده صحيح) تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.214 ،215‬‬
‫‪21‬‬

‫أمتـي على يـدي غلمة مـن قريـش»‪ .‬فقـال مـروان‪ :‬لعنـة اهلل عليهم غلمـة‪ .‬فقال‬
‫أبـو هريـرة‪ :‬لـو شـئت أن أقول بنـي فالن وبنـي فالن لفعلـت‪ .‬فكنـت أخرج مع‬
‫جـدي إىل بنـي مـروان حني ملكوا بالشـام فإذا رآهـم غلامنًا أحدا ًثا قال لنا‪ :‬عسـى‬
‫هـؤالء أن يكونوا منهـم‪ .‬قلنا‪ :‬أنـت أعلم(((‪.‬‬
‫قـال ابـن حجر‪ :‬والـذي يظهـر أن املذكوريـن من مجلتهـم‪ ،‬وأن أوهلـم يزيد‬
‫كما دل عليـه قـول أيب هريرة رأس السـتني وإمـارة الصبيان‪ ،‬فإن يزيـد كان غال ًبا‬
‫ينتـزع الشـيوخ من إمـارة البلدان الكبـار ويوليهـا األصاغر مـن أقاربه(((‪.‬‬
‫قـال العينـي‪ :‬لعنة اهلل عليهم مـن أغيلمـة‪ ،‬والعجب من لعن مـروان الغلمة‬
‫املذكوريـن مـع أن الظاهـر أهنـم مـن ولـده‪ ،‬فـكأن اهلل تعـاىل أجـرى ذلـك عىل‬
‫لسـانه؛ ليكـون أشـد يف احلجة عليهـم لعلهم يتعظـون‪ ،‬وقـد وردت أحاديث يف‬
‫لعـن احلكـم والـد مـروان ومـا ولـد‪ ،‬أخرجها الطبراين وغيره‪ .‬قولـه‪( :‬فكنت‬
‫أخـرج مـع جـدي) قائـل ذلـك عمرو بـن حييـى‪ .‬قولـه‪( :‬حين ملكوا بالشـام)‬
‫أيضـا؛ ألهنا كانت‬
‫إنما خص الشـام مـع أهنم ملا ولـوا اخلالفة ملكـوا غري الشـام ً‬
‫مسـاكنهم مـن عهـد معاويـة‪ .‬قولـه‪( :‬أحدا ًثا) مجـع حديـث أي‪ :‬شـبانًا‪ ،‬وأوهلم‬
‫يزيـد عليـه مـا يسـتحق وكان غال ًبـا ينـزع الشـيوخ مـن إمـارة البلـدان الكبـار‬
‫ويوليهـا األصاغـر مـن أقاربه(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا إسماعيل قـال‪ ،‬حدثنـي أخـي‪ ،‬عـن ابـن أيب‬
‫ذئـب‪ ،‬عـن سـعيد املقبري‪ ،‬عـن أيب هريـرة قـال‪ :‬حفظـت مـن رسـول اهلل ‪‬‬
‫وعاءيـن‪ ،‬فأمـا أحدمهـا فبثثتـه‪ ،‬وأمـا اآلخـر فلـو بثثتـه قطـع هـذا البلعـوم(((‪.‬‬
‫قـال ابـن حجر‪ :‬قولـه (قطع هـذا البلعـوم) زاد يف رواية املسـتميل‪ :‬قـال أبو‬
‫عبـد اهلل‪ ،‬يعنـي املصنـف‪ :‬البلعـوم جمـرى الطعـام‪ ،‬وهـو بضـم املوحـدة‪ ،‬وكنى‬

‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.2589‬‬


‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،13‬صفحة ‪.10‬‬
‫(((  عمدة القاري‪ ،‬جزء ‪ ،24‬صفحة ‪.180 ،181‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.56‬‬
‫‪22‬‬

‫بذلـك عـن القتـل‪ ،‬ويف روايـة اإلسماعييل‪ :‬لقطـع هـذا‪ .‬يعنـي رأسـه‪ ،‬ومحـل‬
‫العلماء الوعـاء الـذي مل يبثه على األحاديث التي فيها تبيني أسـامي أمراء السـوء‬
‫وأحواهلـم وزمنهـم‪ ،‬وقـد كان أبـو هريرة يكنى عـن بعضه وال يرصح بـه؛ خو ًفا‬
‫على نفسـه منهـم‪ ،‬كقوله‪ :‬أعـوذ باهلل مـن رأس السـتني وإمـارة الصبيان‪ .‬يشير‬
‫إىل خالفـة يزيـد بن معاوية؛ ألهنا كانت سـنة سـتني مـن اهلجرة‪ ،‬واسـتجاب اهلل‬
‫دعـاء أيب هريرة‪ ،‬فمات قبلها بسـنة(((‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الغفلة عن وصية النيب ‪‬‬


‫قـال اإلمـام مسـلم‪ :‬حدثنـي زهري بـن حرب وشـجاع بـن خملـد مجي ًعا عن‬
‫ابـن علية‪ ،‬قـال زهري‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيـم‪ ،‬حدثني أبو حيـان‪ ،‬حدثني‬
‫يزيـد بـن حيـان قـال‪ :‬انطلقت أنـا وحصني بن سبرة وعمـر بن مسـلم إىل زيد‬
‫كثريا‪،‬‬
‫خيرا ً‬‫بـن أرقـم‪ ،‬فلما جلسـنا إليـه قـال لـه حصين‪ :‬لقـد لقيت يـا زيـد ً‬
‫رأيـت رسـول اهلل ‪ ،‬وسـمعت حديثـه‪ ،‬وغـزوت معـه‪ ،‬وصليت خلفـه‪ ،‬لقد‬
‫كثيرا‪ ،‬حدثنا يـا زيد ما سـمعت مـن رسـول اهلل ‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫خيرا‬
‫ً‬ ‫لقيـت يـا زيد‬
‫يـا ابـن أخـي‪ ،‬واهلل لقـد كبرت سـني‪ ،‬وقـدم عهـدي‪ ،‬ونسـيت بعـض الـذي‬
‫كنـت أعـي مـن رسـول اهلل ‪ ،‬فما حدثتكـم فاقبلـوا‪ ،‬ومـا ال‪ ،‬فلا تكلفونيه‪.‬‬
‫مخا بني مكـة واملدينة‪،‬‬
‫ثـم قـال‪ :‬قام رسـول اهلل ‪ ‬يو ًمـا فينا خطي ًبـا بامء يدعـى ًّ‬
‫فحمـد اهلل‪ ،‬وأثنـى عليـه‪ ،‬ووعـظ وذكـر‪ ،‬ثـم قـال‪« :‬أما بعـد‪ ،‬أال أهيـا الناس‪،‬‬
‫فإنما أنـا بشر يوشـك أن يـأيت رسـول ريب فأجيـب‪ ،‬وأنـا تـارك فيكـم ثقلين؛‬
‫أوهلما كتـاب اهلل‪ ،‬فيـه اهلـدى والنـور‪ ،‬فخـذوا بكتـاب اهلل واستمسـكوا بـه»‪.‬‬
‫فحـث على كتاب اهلل ورغـب فيه‪ ،‬ثم قـال‪« :‬وأهـل بيتي‪ ،‬أذكركـم اهلل يف أهل‬
‫بيتـي‪ ،‬أذكركـم اهلل يف أهـل بيتـي‪ ،‬أذكركم اهلل يف أهـل بيتي»‪ .‬فقـال له حصني‪:‬‬
‫ومـن أهـل بيتـه يـا زيـد؟ أليس نسـاؤه مـن أهـل بيتـه؟ قال‪ :‬نسـاؤه مـن أهل‬
‫بيتـه‪ ،‬ولكـن أهـل بيته مـن حـرم الصدقة بعـده‪ .‬قال‪ :‬ومـن هم؟ قـال‪ :‬هم آل‬
‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.216‬‬
‫‪23‬‬

‫علي‪ ،‬وآل عقيـل‪ ،‬وآل جعفـر‪ ،‬وآل عبـاس‪ .‬قـال‪ :‬كل هـؤالء حـرم الصدقة؟‬
‫قـال‪ :‬نعم(((‪.‬‬

‫قـال اإلمام البخـاري‪ :‬حدثنا عيل بن عبـد اهلل‪ ،‬حدثني حييى بن سـعيد‪ ،‬حدثنا‬
‫فضيـل بـن غـزوان‪ ،‬حدثنا عكرمـة‪ ،‬عن ابن عبـاس ‪ ،‬أن رسـول اهلل ‪ ‬خطب‬
‫النـاس يـوم النحـر فقـال‪« :‬يا أهيا النـاس‪ ،‬أي يـوم هذا؟» قالـوا‪ :‬يوم حـرام‪ .‬قال‪:‬‬
‫«فـأي بلـد هـذا؟» قالـوا‪ :‬بلد حـرام‪ .‬قال‪« :‬فأي شـهر هـذا؟» قالوا‪ :‬شـهر حرام‪.‬‬
‫قـال‪« :‬فـإن دماءكـم وأموالكـم وأعراضكـم عليكم حـرام كحرمة يومكـم هذا‪،‬‬
‫مـرارا‪ ،‬ثم رفع رأسـه فقـال‪« :‬اللهم‬
‫ً‬ ‫يف بلدكـم هـذا‪ ،‬يف شـهركم هـذا»‪ .‬فأعادهـا‬
‫هـل بلغـت؟ اللهـم هـل بلغـت؟»‪ .‬قـال ابـن عبـاس ‪ :‬فوالـذي نفسي بيـده‪،‬‬
‫كفـارا يرضب‬
‫ً‬ ‫إهنـا لوصيتـه إىل أمتـه‪« ،‬فليبلغ الشـاهد الغائـب‪ ،‬ال ترجعوا بعدي‬
‫بعضكـم رقاب بعـض»(((‪.‬‬

‫(((  صحيح مسلم‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1873‬‬


‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.619‬‬
‫‪24‬‬

‫موقف أهل مكة وأهل املدينة من بيعة يزيد‬


‫ال ينبغـي أن يتوهـم متوهـم أن احلسين ‪ ‬قـد انفـرد بما ذهـب إليـه مـن‬
‫عـدم بيعـة يزيـد أو القيـام عليـه‪ ،‬بـل إن عبـد اهلل بـن الزبير ‪ ‬ومـن معـه من‬
‫أهـل مكـة مل يبايعـوا ليزيد‪ ،‬وأما أهـل املدينة فخلعـوا يزيد وقاتلـوه‪ ،‬وقد حاول‬
‫أهـل الكذب نسـج الروايـات املكذوبة للطعن يف احلسين ‪ ‬وجعـل مذهبه يف‬
‫مسـتنكرا مـن قبـل الصحابة بأخبـار مكذوبة‬
‫ً‬ ‫القيـام على يزيـد مذه ًبا شـا ًّذا‪ ،‬بل‬
‫ينسـبوهنا للصحابـة ‪ ‬ومل يثبـت عـن الصحابـة ‪ ‬إنكارهـم لقيام احلسين ‪‬‬
‫على يزيـد‪ ،‬وكل مـا يذكـر عـن الصحابـة يف إنكارهـم على احلسين ‪ ‬هـو مما‬
‫ال يثبـت‪ ،‬كما سـيأيت بيانـه يف موضعـه مـن هـذا الكتـاب‪ ،‬بـل قـد ثبـت إنـكار‬
‫الصحابـة على يزيـد وقتالـه كما فعـل ابـن الزبير ‪ ‬ومن معـه من أهـل مكة‪،‬‬
‫وكما فعل أهـل املدينـة بخلعهـم يزيـد وقتاله‪.‬‬

‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا عبد اهلل بـن حممد‪ ،‬حدثنـا ابن عيينـة‪ ،‬عن ابن‬
‫جريـج‪ ،‬عـن ابـن أيب مليكـة‪ ،‬عـن ابن عبـاس ‪ ‬أنـه قال حين وقع بينـه وبني‬
‫ابـن الزبير‪ ،‬قلـت‪ :‬أبـوه الزبير‪ ،‬وأمه أسماء‪ ،‬وخالتـه عائشـة‪ ،‬وجده أبـو بكر‪،‬‬
‫وجدتـه صفية(((‪.‬‬

‫قـال ابـن حجر‪ :‬حين وقـع بينه وبين ابن الزبير أي بسـبب البيعـة‪ ،‬وذلك‬
‫أن ابـن الزبير حني مـات معاوية امتنع مـن البيعـة ليزيد بن معاويـة‪ ،‬وأرص عىل‬
‫ذلـك‪ ،‬حتـى أغرى يزيـد بـن معاوية مسـلم بـن عقبـة((( باملدينة‪ ،‬فكانـت وقعة‬
‫احلـرة‪ ،‬ثـم توجـه اجليـش إىل مكـة‪ ،‬فمات أمريهـم مسـلم بن عقبـة‪ ،‬وقـام بأمر‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1713‬‬
‫(((  مسـلم بـن عقبـة بـن ريـاح بـن أسـعد بـن ربيعـة بـن عامـر بـن مالـك بـن يربـوع بـن‬
‫غيـظ بـن مـرة بن عـوف بن سـعد بـن ذبيان‪ ،‬أبـو عقبـة املـري‪ ،‬املعـروف بمسرف‪ .‬تاريخ‬
‫مدينة دمشـق‪ ،‬جـزء ‪ ،58‬صفحـة ‪.102‬‬
‫‪25‬‬

‫اجليـش الشـامي حصني بـن نمير(((‪ ،‬فحرص ابـن الزبري بمكـة‪ ،‬ورمـوا الكعبة‬
‫باملنجنيـق حتـى احرتقـت‪ ،‬ففجأهـم اخلبر بمـوت يزيد بـن معاويـة‪ ،‬فرجعوا‬
‫إىل الشـام‪ .‬وقـام ابـن الزبري يف بنـاء الكعبة‪ ،‬ثم دعا إىل نفسـه‪ ،‬فبويـع باخلالفة‪،‬‬
‫وأطاعـه أهـل احلجاز‪ ،‬ومصر‪ ،‬والعـراق‪ ،‬وخراسـان‪ ،‬وكثري من أهل الشـام‪،‬‬
‫ثـم غلـب مـروان على الشـام‪ ،‬وقتـل الضحـاك بن قيـس األمير من قبـل ابن‬
‫الزبير بمـرج راهـط‪ ،‬ومضى مـروان إىل مصر‪ ،‬وغلب عليهـا‪ ،‬وذلـك كله يف‬
‫سـنة أربع وسـتني(((‪.‬‬

‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا سـليامن بـن حـرب‪ ،‬حدثنـا محـاد بـن زيد‪،‬‬
‫عـن أيـوب‪ ،‬عـن نافـع قـال‪ :‬ملـا خلـع أهـل املدينـة يزيـد بـن معاوية مجـع بن‬
‫عمـر حشـمه وولـده((( فقال‪ :‬إين سـمعت النبـي ‪ ‬يقول‪« :‬ينصـب لكل غادر‬
‫لـواء يـوم القيامـة‪ ،‬وإنـا قـد بايعنـا هـذا الرجل على بيـع اهلل ورسـوله‪ ،‬وإين ال‬
‫غـدرا أعظـم مـن أن يبايـع رجـل على بيـع اهلل ورسـوله ثـم ينصـب لـه‬ ‫ً‬ ‫أعلـم‬
‫القتـال‪ ،‬وإين ال أعلـم أحـدً ا منكـم خلعـه‪ ،‬وال تابـع يف هـذا األمـر إال كانـت‬
‫الفيصـل بيني وبينـه»(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬وهـذا يـدل على أن ابـن عمـر ‪ ‬بايـع يزيـد فيما بعـد‪ ،‬وأن أهـل‬
‫علما أن ابن عمـر ‪ ‬قد اعتـزل القتال‬‫املدينـة خلعـوا يزيـد وقاتلـوه يف احلرة‪ً ،‬‬
‫ومل يقاتـل أحـدً ا حتـى الفئـة الباغية‪ ،‬لـذا ندم على تركه قتـال الفئـة الباغية كام‬
‫يف «مسـتدرك احلاكم»‪.‬‬
‫(((  حصين بـن نمير السـكوين‪ ،‬أحـد أمـراء يزيد بـن معاوية يف حمـارصة املدينـة‪ ،‬ثم ابـن الزبري‬
‫مشـهور ال روايـة لـه‪ ،‬خلطه بعضهـم بالذي قبلـه‪ ،‬والصواب أنـه غريه‪ ،‬كام صنـع البخاري‬
‫وابـن حبـان‪ .‬تقريـب التهذيب‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.171‬‬
‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.327 ،326‬‬
‫صبرا الفضـل بـن العبـاس بـن ربيعـة بـن‬ ‫(((  قـال ابـن عبـد البر‪ :‬وممـن قتـل يـوم احلـرة ً‬
‫احلـارث بـن عبـد املطلـب‪ ،‬وأبـو بكر بـن عبـد اهلل بـن جعفر بـن أيب طالـب‪ ،‬وأبـو بكر بن‬
‫عبـد اهلل بـن عمر بـن اخلطاب‪ .‬أسـد الغابـة‪ ،‬جـزء ‪ ،5‬صفحـة ‪.243،242‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.2603‬‬
‫‪26‬‬

‫قـال اإلمـام احلاكم‪ :‬حدثنـا أبو عبد اهلل حممـد بن عبد اهلل األصبهـاين‪ ،‬حدثنا‬
‫أمحـد بـن مهـدي‪ ،‬حدثنا برش بن شـعيب بن أيب محـزة‪ ،‬حدثني أيب‪ ،‬عـن الزهري‬
‫قـال‪ ،‬أخبرين محـزة بـن عبـد اهلل بـن عمـر‪ ،‬أنـه بينا هـو جالس مـع عبـد اهلل بن‬
‫عمـر‪ ،‬جـاءه رجـل مـن أهـل العـراق فقـال‪ :‬يـا أبـا عبـد الرمحـن‪ ،‬إين واهلل لقد‬
‫خرجـت أن أتسـمت بسـمتك‪ ،‬وأقتدي بـك يف أمر فرقـة النـاس‪ ،‬وأعتزل الرش‬
‫مـا اسـتطعت‪ ،‬وأن أقـرأ آيـة مـن كتـاب اهلل حمكمـة قد أخـذت بقلبـي‪ ،‬فأخربين‬
‫َـان ِم َن ا ُْل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ين ا ْق َت َت ُلوا َف َأ ْص ِل ُحـوا َب ْين َُه َم‬ ‫عنهـا‪ ،‬أرأيت قـول اهلل ‪﴿ :‬وإِ ْن َط ِائ َفت ِ‬
‫َ‬
‫ـر اهلل َفإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لى ْالُ ْخ َرى َف َقات ُلـوا ا َّلتي َت ْبغي َحتَّـى تَفي َء إِ َل َأ ْم ِ‬ ‫اها َع َ‬ ‫ـت إِ ْحدَ ُ َ‬
‫َفـإِ ْن َب َغ ْ‬
‫ني۝﴾((( أخربين‬ ‫ب ا ُْل ْق ِسـطِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفـا َء ْت َف َأ ْصل ُحـوا َب ْين َُه َما بِا ْل َعـدْ ِل َو َأ ْقسـ ُطوا إِ َّن اهلل ُي ُّ‬
‫عـن هـذه اآلية؟ فقـال عبـد اهلل بن عمـر‪ :‬ما لـك ولذلـك‪ ،‬انرصف عنـي‪ .‬فقام‬
‫الرجـل فانطلـق حتـى إذا توارينـا سـواده أقبـل إلينـا عبد اهلل بـن عمر فقـال‪ :‬ما‬
‫وجـدت يف نفسي مـن يشء يف أمـر هـذه اآليـة إال مـا وجـدت يف نفسي أين مل‬
‫أقاتـل هـذه الفئـة الباغيـة كما أمـرين اهلل تعـاىل‪ .‬هـذا حديث صحيـح عىل رشط‬
‫الشـيخني ومل خيرجاه(((‪.‬‬
‫قـال ابـن عبـد البر‪ :‬وصـح عن عبـد اهلل بن عمـر مـن وجوه أنه قـال‪ :‬ما‬
‫آسـى على يشء كام آسـى أين مل أقاتـل الفئة الباغية مـع عيل ‪.(((‬‬
‫قلـت‪ :‬اختلـف يف مقصـد ابن عمـر ‪ ‬يف حتديـد الفئـة الباغية على أقوال‪،‬‬
‫واملقصـود هنـا أن ابـن عمـر ‪ ‬نـدم أنـه اعتزل وتـرك قتال الفئـة الباغيـة‪ ،‬وأنه‬
‫كان يـود لـو قاتلهـم‪ ،‬فلا جيوز بعـد هـذا أن يقـال‪ :‬إن مذهب ابن عمـر ‪ ‬هو‬
‫اعتـزال قتـال البغاة‪.‬‬
‫قـال يعقـوب بـن سـفيان‪ :‬وحدثنـا حييى بـن عبـد اهلل بـن بكري‪ ،‬عـن الليث‬
‫قـال‪ :‬كانـت وقعـة احلرة يـوم األربعـاء لثلاث بقني مـن ذي احلجة سـنة ثالث‬
‫(((  سورة احلجرات‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫(((  املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.502‬‬
‫(((  االستيعاب‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.77‬‬
‫‪27‬‬

‫وسـتني‪ ،‬ثـم انبعث مسرف بن عقبـة((( إىل مكة قاصـدً ا عبد اهلل بن الزبير ليقتله‬
‫هبـا؛ ألنـه فر من بيعـة يزيد فمات يزيد بـن معاويـة يف غضون ذلك‪ ،‬واسـتفحل‬
‫أمـر عبـد اهلل بـن الزبير يف اخلالفة واحلجـاز ثم أخذ العـراق(((‪.‬‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬ومـن رواية عـروة بـن الزبري قـال‪ :‬ملا مـات معاويـة أظهر‬
‫عبـد اهلل بـن الزبير اخللاف على يزيد بـن معاويـة‪ ،‬فوجه يزيد مسـلم بـن عقبة‬
‫يف جيـش أهـل الشـام‪ ،‬وأمـره أن يبدأ بقتـال أهل املدينـة‪ ،‬ثم يسير إىل ابن الزبري‬
‫بمكـة‪ .‬قـال‪ :‬فدخل مسـلم بن عقبـة املدينة وهبا بقايـا من الصحابـة‪ ،‬فأرسف يف‬
‫القتـل‪ ،‬ثم سـار إىل مكـة‪ ،‬فامت يف بعـض الطريق‪.‬‬

‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن يوسـف قـال‪ ،‬حدثنـي الليث قال‪،‬‬
‫حدثنـي سـعيد‪ ،‬عـن أيب رشيح((( أنه قـال لعمرو بن سـعيد وهو يبعـث البعوث‬
‫قـول قـام بـه النبـي ‪ ‬الغـد مـن يـوم‬‫إىل مكـة‪ :‬ائـذن يل أهيـا األمير أحدثـك ً‬
‫الفتـح‪ ،‬سـمعته أذنـاي‪ ،‬ووعـاه قلبـي‪ ،‬وأبرصتـه عيناي‪ ،‬حين تكلم بـه محد اهلل‬
‫وأثنـى عليـه ثـم قـال‪« :‬إن مكـة حرمهـا اهلل‪ ،‬ومل حيرمهـا الناس‪ ،‬فال حيـل المرئ‬
‫دمـا‪ ،‬وال يعضد هبا شـجرة‪ ،‬فـإن أحد‬ ‫يؤمـن بـاهلل واليـوم اآلخر أن يسـفك فيها ً‬
‫ترخـص لقتـال رسـول اهلل ‪ ‬فيها فقولـوا إن اهلل قد أذن لرسـوله ومل يـأذن لكم‪،‬‬
‫وإنما أذن يل فيهـا سـاعة من هنـار‪ ،‬ثم عـادت حرمتها اليـوم كحرمتهـا باألمس‪،‬‬
‫وليبلـغ الشـاهد الغائـب»‪ .‬فقيـل أليب رشيـح‪ :‬مـا قـال عمـرو؟ قـال‪ :‬أنـا أعلم‬
‫فـارا بخربة(((‪.‬‬
‫فـارا بـدم‪ ،‬وال ًّ‬
‫منـك يـا أبا رشيـح‪ ،‬ال يعيـذ عاص ًيا‪ ،‬وال ًّ‬
‫(((  مسرف بـن عقبـة هـو الـذي يقـال له مسـلم بن عقبـة الذي جـاء يف قتـال أهل احلـرة‪ ،‬وإنام‬
‫سماه مرس ًفـا إلرسافه يف القتـل والظلـم‪ .‬دالئل النبـوة‪ ،‬جـزء ‪ ،6‬صفحة ‪.475‬‬
‫(((  املعرفة والتاريخ‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.333‬‬
‫(((  أبـو رشيـح اخلزاعـي الكعبي‪ ،‬اسـمه خويلـد بن عمـرو‪ ،‬أو عكسـه‪ ،‬وقيل‪ :‬عبـد الرمحن بن‬
‫عمـرو‪ ،‬وقيـل‪ :‬هانـئ‪ ،‬وقيـل‪ :‬كعـب‪ ،‬صحـايب‪ ،‬نـزل املدينـة‪ ،‬مـات سـنة ثامن وسـتني عىل‬
‫الصحيـح‪ .‬تقريـب التهذيـب‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.648‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.51‬‬
‫‪28‬‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬وعمـرو بـن سـعيد هـو ابـن العـايص بـن سـعيد بـن‬
‫العـايص بـن أميـة القريش األمـوي‪ ،‬يعرف باألشـدق‪ ،‬وليسـت لـه صحبة‪ ،‬وال‬
‫كان مـن التابعين بإحسـان‪ ،‬قولـه (وهـو يبعـث البعـوث) أي يرسـل اجليـوش‬
‫إىل مكـة لقتـال عبـد اهلل بـن الزبير؛ لكونـه امتنـع مـن مبايعـة يزيد بـن معاوية‪،‬‬
‫واعتصـم باحلـرم‪ ،‬وكان عمـرو وايل يزيـد على املدينـة‪ ،‬والقصـة مشـهورة‪،‬‬
‫وملخصهـا أن معاويـة عهـد باخلالفـة بعـده ليزيـد بن معاويـة فبايعـه الناس إال‬
‫احلسين بـن علي وابن الزبير‪ ،‬فأما ابـن أيب بكـر فامت قبل مـوت معاويـة‪ ،‬وأما‬
‫ابـن عمـر فبايـع ليزيد عقب مـوت أبيه‪ ،‬وأما احلسين بـن عيل فسـار إىل الكوفة‬
‫السـتدعائهم إيـاه ليبايعـوه‪ ،‬فـكان ذلك سـبب قتله‪ ،‬وأمـا ابن الزبير فاعتصم‪،‬‬
‫ويسـمى عائـذ البيـت‪ ،‬وغلب على أمر مكة فـكان يزيد بـن معاوية يأمـر أمراءه‬
‫على املدينـة أن جيهـزوا إليـه اجليوش‪ ،‬فـكان آخر ذلـك أن أهل املدينـة اجتمعوا‬
‫عىل خلـع يزيـد من اخلالفـة(((‪.‬‬

‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.198‬‬


‫الباب الثالث‬
‫التحذير من مذهب النواصب‬
‫‪31‬‬

‫حتذير علماء أهل السنة من مذهب‬


‫النواصب((( واجلهلة‬
‫قـال ابـن تيمية‪ :‬فهـذا الغلو الزائـد يقابـل بغلو الناصبـة الذيـن يزعمون أن‬
‫احلسين كان خارج ًّيـا‪ ،‬وأنـه كان جيـوز قتله لقـول النبي ‪« :‬مـن أتاكم وأمركم‬
‫على رجل واحد يريـد أن يفرق مجاعتكم فارضبوا عنقه بالسـيف كائنًا من كان»‪.‬‬
‫رواه مسـلم‪ ،‬وأهـل السـنة واجلامعة يـردون غلو هـؤالء وهـؤالء‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن‬
‫احلسين قتل مظلو ًما شـهيدً ا‪ ،‬وإن الذين قتلـوه كانوا ظاملين معتدين‪ ،‬وأحاديث‬
‫النبـي ‪ ‬التي يأمـر فيها بقتـال املفارق للجامعـة مل تتناوله(((‪.‬‬
‫وقـال ابـن تيمية‪ :‬واحلسين ‪ ‬قتل مظلو ًما شـهيدً ا‪ ،‬وقتلته ظاملـون متعدون‪،‬‬
‫وإن كان بعـض النـاس يقـول‪ :‬إنه قتل بحـق‪ ،‬وحيتج بقول النبـي ‪« :‬من جاءكم‬
‫وأمركـم على رجـل واحد يريـد أن يفرق بين مجاعتكـم فارضبوا عنقه بالسـيف‪،‬‬
‫كائنًـا مـن كان»‪ .‬رواه مسـلم ‪ .‬فزعم هؤالء أن احلسين أتى األمـة وهم جمتمعون‪،‬‬
‫فـأراد أن يفـرق األمـة‪ ،‬فوجـب قتله‪ .‬وهـذا بخالف مـن يتخلف عن بيعـة اإلمام‬
‫ومل خيـرج عليـه‪ ،‬فإنـه ال جيب قتلـه‪ ،‬كام مل يقتل الصحابة سـعد بن عبـادة مع ختلفه‬
‫عن بيعـة أيب بكر وعمـر‪ .‬وهذا كـذب وجهل(((‪.‬‬
‫قـال ابـن مفلـح‪ :‬وقـال ابـن اجلـوزي يف كتابـه «السر املصـون»‪ :‬مـن‬
‫االعتقـادات العاميـة التـي غلبـت على مجاعة منتسـبني إىل السـنة أن يقولـوا‪ :‬إن‬
‫يزيـد كان على الصـواب‪ ،‬وإن احلسين أخطـأ يف اخلـروج عليـه‪ .‬ولو نظـروا يف‬
‫السير لعلمـوا كيف عقدت لـه البيعة‪ ،‬وألزم النـاس هبا‪ ،‬ولقد فعـل يف ذلك كل‬
‫قبيـح‪ ،‬ثـم لو قدرنـا صحة خالفتـه فقد بـدرت منه بـوادر‪ ،‬وكلها توجب فسـخ‬
‫العقـد‪ ،‬مـن هنـب املدينة‪ ،‬ورمـي الكعبـة باملنجنيـق‪ ،‬وقتل احلسين وأهـل بيته‪،‬‬

‫(((  النواصب‪ :‬قوم يتدينون ببغضة عيل عليه السالم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.762‬‬
‫(((  منهاج السنة النبوية‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.586 ،585‬‬
‫(((  جامع املسائل البن تيمية‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.259‬‬
‫‪32‬‬

‫ورضبـه على ثنيتيـه بالقضيـب‪ ،‬ومحلـه الـرأس عىل خشـبة‪ ،‬وإنما يميـل جاهل‬
‫بالسيرة‪ ،‬عامـي املذهـب يظـن أنـه يغيظ بذلـك الرافضـة(((‪.‬‬

‫قـال ابـن كثري‪ :‬النـاس يف يزيد بـن معاويـة أقسـام‪ ،‬فمنهم من حيبـه ويتواله‬
‫وهـم طائفة مـن أهل الشـام مـن النواصب(((‪.‬‬

‫قـال اآللـويس‪ :‬وأنـا أقـول‪ :‬الذي يغلـب عىل ظنـي أن اخلبيـث ‪ -‬يعني يزيد‬
‫‪ -‬مل يكـن مصد ًقـا برسـالة النبـي صلى اهلل تعـاىل عليـه وسـلم‪ ،‬وأن جممـوع مـا‬
‫فعـل مع أهـل حرم اهلل تعـاىل وأهل نبيـه عليه الصالة والسلام وعرتتـه الطيبني‬
‫الطاهريـن يف احليـاة وبعـد املمات‪ ،‬وما صـدر منه مـن املخازي‪ ،‬ليـس بأضعف‬
‫داللـة على عـدم تصديقه مـن إلقـاء ورقة مـن املصحـف الرشيف يف قـذر‪ ،‬وال‬
‫أظـن أن أمـره كان خاف ًيـا على أجلـة املسـلمني إذ ذاك‪ ،‬ولكـن كانـوا مغلوبين‬
‫ً‬
‫مفعـول‪ ،‬ولـو سـلم أن‬ ‫أمـرا كان‬
‫مقهوريـن مل يسـعهم إال الصبر ليقضي اهلل ً‬
‫مسـلم فهو مسـلم مجع مـن الكبائر ما ال حييـط به نطاق البيـان‪ ،‬وأنا‬
‫ً‬ ‫اخلبيـث كان‬
‫أذهـب إىل جـواز لعـن مثلـه على التعيين‪ ،‬ولـو مل يتصـور أن يكون لـه مثل من‬
‫الفاسـقني‪ ،‬والظاهـر أنـه مل يتـب‪ ،‬واحتامل توبتـه أضعف مـن إيامنـه‪ ،‬ويلحق به‬
‫ابـن زيـاد‪ ،‬وابن سـعد‪ ،‬ومجاعة‪ ،‬فلعنـة اهلل ‪ ‬عليهـم أمجعني‪ ،‬وعلى أنصارهم‪،‬‬
‫وأعواهنـم‪ ،‬وشـيعتهم‪ ،‬ومـن مـال إليهـم إىل يوم الديـن‪ ،‬ما دمعت عين عىل أيب‬
‫عبد اهلل احلسين(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬ينبغي عىل املسـلم حمبة أصحـاب النبي ‪ ‬وآل بيتـه‪ ،‬والرتيض عنهم‪،‬‬
‫والرتحـم عليهـم‪ ،‬وأن يعـرف هلـم مكانتهـم وفضلهـم‪ ،‬وليحـذر مـن التعرض‬
‫هلـم بالطعـن‪ ،‬أو أن يـردد أقـوال أهـل الباطـل فيهـم‪ ،‬فهـذا املقـام مما زلـت فيه‬
‫األقدام‪ ،‬وكثـرت فيـه املجازفات‪.‬‬

‫(((  الفروع‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.154‬‬


‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.229‬‬
‫(((  روح املعاين‪ ،‬جزء ‪ ،26‬صفحة ‪.73‬‬
‫‪33‬‬

‫قـال السـيوطي‪ :‬ومـن جمازفـات ابـن العـريب((( أنـه أفتـى بقتل رجـل عاب‬
‫لبـس األمحـر؛ ألنـه عـاب لبسـة لبسـها رسـول اهلل ‪ ،‬وقتـل بفتياه كما ذكره يف‬
‫«املطامـح»‪ .‬وهـذا هتـور غريـب‪ ،‬وإقدامـه عىل سـفك دمـاء املسـلمني عجيب‪،‬‬
‫وسـيخاصمه هـذا القتيـل غـدً ا‪ ،‬ويبـوء باخلـزي مـن اعتـدى‪ ،‬وليـس ذلـك‬
‫بـأول عجرفـة هلـذا املفتـي‪ ،‬وجرأتـه وإقدامـه‪ ،‬فقـد ألـف كتا ًبـا يف شـأن موالنا‬
‫احلسين ‪ ‬وكـرم وجهـه‪ ،‬وأخزى شـانئه‪ ،‬زعـم فيـه أن يزيد قتله بحق بسـيف‬
‫جـده نعوذ بـاهلل من اخلـذالن(((‪.‬‬
‫قـال اآللـويس‪ :‬وأبـو بكر بن العـريب املالكـي عليه مـن اهلل تعاىل ما يسـتحق‬
‫أعظـم الفريـة‪ ،‬فزعـم أن احلسين قتل بسـيف جده صلى اهلل تعاىل عليه وسـلم‪،‬‬
‫ـم إِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْـر ُج مـ ْن َأ ْف َواه ِه ْ‬
‫َبر ْت كَل َمـ ًة َت ُ‬
‫ولـه مـن اجلهلـة موافقـون على ذلـك ﴿ك ُ َ‬
‫ـون إِال ك َِذ ًبـا ۝ ﴾(((‪.‬‬
‫َي ُقو ُل َ‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬وقـد كان شـيخنا احلافـظ أبو احلسـن بـن أيب بكـر ‪ -‬يعني‬
‫اهليثمـي ‪ -‬يبالـغ يف الغـض منـه ‪ -‬يعني من ابن خلدون ‪ -‬فلام سـألته عن سـبب‬
‫ذلـك‪ ،‬ذكـر يل أنـه بلغـه أنـه ذكـر احلسين بـن علي يف «تارخيـه» فقـال‪ :‬قتل‬
‫بسـيف جـده‪ .‬وملا نطـق شـيخنا هبـذه اللفظـة‪ ،‬أردفها بلعـن ابن خلدون وسـبه‬
‫وهـو يبكـي‪ .‬قلـت ‪ -‬ابـن حجـر‪ :‬ومل توجـد هـذه الكلمـة يف التاريـخ املوجـود‬
‫اآلن‪ .‬وكأنـه كان ذكرهـا يف النسـخة التـي رجـع عنها(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬الـذي يف كتـاب ابـن خلـدون خلاف هـذا‪ ،‬وإنام نقـل ابـن خلدون‬
‫كالم ابـن العـريب (قتل بسـيف جـده)‪ ،‬واسـتنكره‪ ،‬فلعل الـذي نقل العبـارة إىل‬
‫اهليثمـي قـد توهـم أن الـكالم البن خلـدون‪ ،‬وإنما هو البـن العـريب‪ ،‬أو أن ابن‬
‫خلـدون قـد تراجـع عـن هذا كما نبـه عليه ابـن حجر‪.‬‬

‫(((  أبو بكر حممد بن عبد اهلل بن حممد بن عبد اهلل ابن العريب األندليس‪ ،‬اإلشبييل‪ ،‬املالكي‪.‬‬
‫(((  الشامئل الرشيفة‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.365‬‬
‫(((  (سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪ .)5‬روح املعاين‪ ،‬جزء ‪ ،26‬صفحة ‪.73‬‬
‫(((  رفع اإلرص عن قضاة مرص‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.237‬‬
‫‪34‬‬

‫قـال ابـن خلـدون‪ :‬وقد غلـط القـايض أبو بكـر بن العـريب املالكـي يف هذا‪،‬‬
‫فقـال يف كتابـه الـذي سماه بالعواصم والقواصم مـا معناه أن احلسين قتل برشع‬
‫جـده‪ ،‬وهـو غلـط محلتـه عليـه الغفلة عـن اشتراط اإلمام العـادل‪ ،‬ومـن أعدل‬
‫مـن احلسين يف زمانـه يف إمامته وعدالتـه يف قتال أهـل اآلراء(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬يظهـر مما تقدم مـن كالم أهـل العلم أن إنـكار من أنكر قيام احلسين‬
‫عىل يزيد‪ ،‬واهتام احلسين بأنه سـلك مسـلك اخلوارج أو أنه كان مسـتح ًّقا للقتل‬
‫بسـبب قيامـه عىل يزيد هـو مـن كالم النواصب واجلهلـة‪ ،‬وليس مـن كالم أهل‬
‫السـنة الذين يقولون إن احلسين ‪ ‬قتل شـهيدً ا مظلو ًما‪.‬‬

‫(((  مقدمة ابن خلدون‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.217‬‬


‫‪35‬‬

‫هل يؤخذ العلم من يزيد وقتلة احلسني؟‬


‫قـال اخللال‪ :‬أخبرين حممـد بـن عيل قـال‪ ،‬ثنـا مهنى قـال‪ ،‬سـألت أمحد عن‬
‫يزيـد بـن معاويـة بـن أيب سـفيان قـال‪ :‬هـو فعـل باملدينـة مـا فعـل‪ .‬قلـت‪ :‬وما‬
‫فعـل؟ قـال‪ :‬قتل باملدينـة من أصحـاب النبي ‪ ‬وفعـل‪ .‬قلت‪ :‬وما فعـل؟ قال‪:‬‬
‫هنبهـا‪ .‬قلـت‪ :‬فيذكـر عنـه احلديـث؟ قـال‪ :‬ال يذكـر عنـه احلديـث‪ ،‬وال ينبغـي‬
‫ألحـد أن يكتـب عنـه حدي ًثا(((‪.‬‬

‫قـال الذهبـي‪ :‬شـمر بـن ذي يـزن اجلوشـن أبـو السـابغة الضبـايب عـن أبيه‬
‫وعنـه أبو إسـحاق السـبيعي ليس بأهـل للرواية‪ ،‬فإنـه أحد قتلة احلسين ‪.(((‬‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬يزيـد بـن معاويـة بـن أيب سـفيان األمـوي روى عـن أبيه‪،‬‬
‫وعنـه ابنـه خالـد‪ ،‬وعبـد امللك بـن مـروان‪ ،‬مقـدوح يف عدالته‪ ،‬وليـس بأهل أن‬
‫يـروى عنـه‪ ،‬وقـال أمحد بـن حنبـل‪ :‬ال ينبغـي أن يروى عنـه(((‪.‬‬

‫(((  السنة للخالل‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.520‬‬


‫(((  ميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.385‬‬
‫(((  لسان امليزان‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.293‬‬
‫الباب الرابع‬

‫أقوال أهل العلم في القيام على يزيد‬


‫‪39‬‬

‫أقوال علماء أهل السنة‬


‫يف القيام على يزيد وخلعه وقتاله‬
‫قـال اإلمـام الذهبـي‪ :‬وكان ‪ -‬يعني يزيـد ‪ -‬ناصب ًّيا ف ًّظـا غلي ًظا جل ًفـا يتناول‬
‫املسـكر‪ ،‬ويفعـل املنكـر‪ ،‬افتتح دولته بمقتل الشـهيد احلسين‪ ،‬واختتمهـا بواقعة‬
‫احلـرة‪ ،‬فمقتـه النـاس‪ ،‬ومل يبـارك يف عمره‪ ،‬وخـرج عليه غري واحد بعد احلسين‬
‫كأهل املدينـة‪ ،‬قاموا هلل(((‪.‬‬
‫وقـال اإلمـام الذهبي‪ :‬عن مـروان األصفر‪ ،‬حدثنـي الفرزدق قـال‪ :‬ملا خرج‬
‫احلسين لقيـت عبد اهلل بـن عمرو فقلـت‪ :‬إن هذا قد خـرج فام ترى؟ قـال‪ :‬أرى‬
‫أن ختـرج معـه‪ ،‬فإنـك إن أردت دنيا أصبتهـا‪ ،‬وإن أردت آخـرة أصبتها‪ ،‬فرحلت‬
‫نحـوه‪ ،‬فلما كنـت يف بعض الطريـق بلغنـي قتله‪ ،‬فرجعـت إىل عبـد اهلل‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫أيـن ما ذكرت؟ قـال كان رأ ًيـا رأيته‪.‬‬
‫قلـت ‪ -‬الذهبـي‪ :‬هـذا يـدل على تصويـب عبـد اهلل بـن عمرو للحسين يف‬
‫مسيره‪ ،‬وهـو رأي ابـن الزبير‪ ،‬ومجاعـة مـن الصحابة شـهدوا احلـرة(((‪.‬‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬وأما مـن خرج عـن طاعـة إمـام جائـر أراد الغلبة على ماله‬
‫أو نفسـه أو أهلـه فهـو معـذور‪ ،‬وال حيـل قتالـه‪ ،‬ولـه أن يدفـع عـن نفسـه ومالـه‬
‫وأهلـه بقـدر طاقتـه‪ ،‬وسـيأيت بيـان ذلـك يف كتـاب الفتـن‪ ،‬وقـد أخـرج الطبري‬
‫بسـند صحيـح عن عبـد اهلل بن احلـارث عن رجل مـن بني نرض‪ ،‬عن علي‪ ،‬وذكر‬
‫جائرا فال‬ ‫اخلـوارج فقـال‪ :‬إن خالفـوا إما ًما ً‬
‫عـدل فقاتلوهـم‪ ،‬وإن خالفـوا إما ًمـا ً‬
‫مقـال‪ .‬قلـت‪ :‬وعلى ذلك حيمـل ما وقع للحسين بـن عيل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تقاتلوهـم‪ ،‬فـإن هلـم‬
‫ثـم ألهـل املدينـة يف احلـرة‪ ،‬ثم لعبـد اهلل بن الزبير‪ ،‬ثم للقـراء الذيـن خرجوا عىل‬

‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.38 ،37‬‬


‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.293‬‬
‫‪40‬‬

‫احلجـاج يف قصـة عبـد الرمحـن بن حممـد بن األشـعث واهلل أعلـم(((‪.‬‬


‫قـال ابـن العامد احلنبلي‪ :‬وعىل اجلملـة‪ ،‬فام نقل عـن قتلة احلسين واملتحاملني‬
‫عليـه يدل على الزندقة‪ ،‬وانحلال اإليامن مـن قلوهبم‪ ،‬وهتاوهنم بمنصـب النبوة‪،‬‬
‫ومـا أعظـم ذلـك! فسـبحان مـن حفـظ الرشيعـة حينئـذ‪ ،‬وشـيد أركاهنـا حتـى‬
‫انقضـت دولتهـم‪ ،‬وعلى فعـل األمويين وأمرائهـم بأهـل البيـت محـل قوله ‪:‬‬
‫«هلاك أمتـي عىل أيـدي أغيلمة مـن قريش»‪ .‬قـال أبو هريـرة‪ :‬لو شـئت أن أقول‬
‫بني فلان وبنـي فالن لفعلـت(((‪.‬‬
‫قـال ابـن مفلـح‪ :‬وقـال ابن اجلـوزي‪ :‬قـال الفقهاء ال جتـوز واليـة املفضول‬
‫على الفاضـل‪ ،‬إال أن يكـون هنـاك مانع؛ إما خـوف فتنة‪ ،‬أو يكـون الفاضل غري‬
‫عـامل بالسياسـة؛ حلديـث عمـر يف السـقيفة‪ ،‬وحديـث أيب بكر يف توليـة عمر ‪،‬‬
‫وأجـاب مـن قـال بـأن احلسين كان خارج ًّيـا بـأن اخلارجـي مـن خـرج على‬
‫مسـتحق‪ ،‬وإنما خرج احلسين ‪ ‬لدفـع الباطـل وإقامـة احلق(((‪.‬‬
‫قـال اهليثمـي‪ :‬وبعـد اتفاقهـم عىل فسـقه ‪ -‬يعنـي يزيـد ‪ -‬اختلفـوا يف جواز‬
‫لعنـه بخصـوص اسـمه‪ ،‬فأجـازه قـوم منهـم ابـن اجلـوزي‪ ،‬ونقلـه عـن أمحـد‬
‫وغيره‪ ،‬فإنـه قـال يف كتابـه املسـمى بـ«الـرد على املتعصـب العنيد املانـع من ذم‬
‫يزيـد»‪ :‬سـألني سـائل عـن يزيد بـن معاويـة فقال لـه يكفي مـا به‪ ،‬فقـال‪ :‬أجيوز‬
‫لعنـه؟ فقلـت‪ :‬قـد أجـازه العلماء الورعون؛ منهـم أمحد بـن حنبل‪ ،‬فإنـه ذكر يف‬
‫حـق يزيـد مـا يزيـد على اللعنة‪ ،‬ثـم روى ابـن اجلـوزي‪ ،‬عـن القـايض أيب يعىل‬
‫الفـراء‪ ،‬أنـه روى يف كتابـه «املعتمـد يف األصـول» بإسـناده إىل صالـح بـن أمحـد‬
‫بـن حنبـل قـال‪ ،‬قلـت أليب‪ :‬إن قو ًمـا ينسـبوننا إىل تـويل يزيـد‪ .‬فقـال‪ :‬يـا بنـي‪،‬‬
‫وهـل يتـوىل يزيـد أحد يؤمـن بـاهلل؟ ومل ال يلعن مـن لعنـه اهلل يف كتابـه؟ فقلت‪:‬‬
‫وأيـن لعـن اهلل يزيد يف كتابـه؟ فقال‪ :‬يف قوله تعـاىل ﴿ َف َه ْـل َع َسـ ْيت ُْم إِ ْن ت ََو َّل ْيت ُْم َأ ْن‬

‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،12‬صفحة ‪.301‬‬


‫(((  شذرات الذهب‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.68‬‬
‫(((  اآلداب الرشعية‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.286‬‬
‫‪41‬‬
‫ض و ُت َق ِّطعـوا َأرحامكُـم ۝ ُأو َل ِئ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم اهلل َف َأ َص َّم ُه ْ‬
‫ـم‬ ‫ـك ا َّلذيـ َن َل َعن َُه ُ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُت ْفسـدُ وا ِف ْالَ ْر ِ َ‬
‫ـم ۝ ﴾((( فهـل يكون فسـاد أعظم من القتـل؟ ويف رواية فقال‪:‬‬ ‫َو َأ ْع َمـى َأ ْب َص َار ُه ْ‬
‫يـا بنـي‪ ،‬ما أقـول يف رجل لعنـه اهلل يف كتابه؟ فذكـره‪ .‬قال ابن اجلـوزي‪ :‬وصنف‬
‫القـايض أبـو يعىل كتا ًبـا ذكر فيـه بيان من يسـتحق اللعـن‪ ،‬وذكر منهـم يزيد‪ ،‬ثم‬
‫ظلما أخافـه اهلل‪ ،‬وعليه لعنـة اهلل واملالئكة‬ ‫ذكـر حديـث (من أخاف أهـل املدينة ً‬
‫والنـاس أمجعين)‪ .‬وال خلاف أن يزيـد غـزا املدينة بجيـش وأخـاف أهلها(((‪.‬‬
‫قـال ابـن كثير‪ :‬وقد اسـتدل هبذا احلديـث وأمثالـه من ذهـب إىل الرتخيص‬
‫ىف لعنـة يزيـد بـن معاوية‪ ،‬وهـو رواية عـن أمحد بن حنبـل اختارها اخللال وأبو‬
‫بكـر عبـد العزيز‪ ،‬والقايض أبـو يعىل‪ ،‬وابنه القـايض أبو احلسين‪ ،‬وانترص لذلك‬
‫أبـو الفـرج بن اجلـوزي يف مصنـف مفرد وجـوز لعنتـه‪ ،‬ومنع من ذلـك آخرون‬
‫أيضا ً‬
‫لئلا جيعل لعنه وسـيلة إىل أبيـه‪ ،‬أو أحد مـن الصحابة(((‪.‬‬ ‫وصنفـوا فيـه ً‬

‫(((  سورة حممد‪ ،‬اآلية ‪.23-22‬‬


‫وقـال ابـن تيميـة‪ :‬ونقلـت عنـه ‪ -‬يعني اإلمـام أمحد بـن حنبـل ‪ -‬روايـة يف لعنة يزيـد‪ ،‬وأنه‬
‫قـال‪ :‬أال ألعـن مـن لعنـه اهلل؟ واسـتدل باآليـة‪ ،‬لكنهـا روايـة منقطعة ليسـت ثابتـة‪ .‬منهاج‬
‫السـنة النبويـة‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحـة ‪.573‬‬
‫(((  الصواعق املحرقة عىل أهل الرفض والضالل والزندقة‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.635 ،634‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.223‬‬
‫‪42‬‬

‫ذكر ما ُنقل من االتفاق‬


‫على حتسني قيام احلسني ‪ ‬على يزيد‬
‫قـال ابـن العماد احلنبيل‪ :‬والعلماء جممعون على تصويب قتال علي ملخالفيه؛‬
‫أيضا عىل حتسين خروج احلسين على يزيد‪،‬‬ ‫ألنـه اإلمـام احلـق‪ ،‬ونقل االتفـاق ً‬
‫وخـروج ابـن الزبري وأهـل احلرمني على بني أميـة‪ ،‬وخروج ابن األشـعث ومن‬
‫معـه من كبـار التابعني‪ ،‬وخيار املسـلمني‪ ،‬على احلجاج‪ ،‬ثم اجلمهـور رأوا جواز‬
‫اخلـروج على مـن كان مثـل يزيـد واحلجـاج‪ ،‬ومنهم من جـوز اخلـروج عىل كل‬
‫ظامل (((‪.‬‬

‫(((  شذرات الذهب‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.68‬‬


‫‪43‬‬

‫بطالن ما نسب إىل الصحابة ‪‬‬


‫من إنكارهم على احلسني ‪ ‬قيامه على يزيد‬
‫قـد اشـتهر يف كتـب التاريـخ بعض األخبـار الباطلـة التـي ُيذكر فيهـا إنكار‬
‫الصحابـة ‪ ‬على احلسين ‪ ‬قيامـه عىل يزيـد‪ ،‬حتى اغتر هبذه األخبـار بعض‬
‫مـن نظـر إليهـا يف كتـب أهـل العلـم الذيـن يذكـرون مثلهـا يف كتبهـم مـن غري‬
‫بيـان لبطالهنـا ونكارهتـا‪ ،‬ومـن أشـهر هـذه األخبـار مـا أخرجـه ابـن سـعد يف‬
‫«الطبقـات» مـن طـرق واهيـة وضعيفـة‪ ،‬قـد لفقـت ملتـن واحـد‪ ،‬وقـد نبـه ابن‬
‫سـعد على هـذا التلفيـق‪ ،‬إال أن مـن نقل اخلرب عـن ابن سـعد مل يتنبـه إىل أن متن‬
‫هـذا اخلبر ملفق مـن عدة أسـانيد‪ ،‬منهـا الواهيـة والضعيفـة‪ ،‬وقـد دخل بعض‬
‫اخلبر يف بعـض‪ ،‬فاغتر هبـذا اخلرب كل مـن مل ينظر يف أسـانيده‪ ،‬لذا اشـتهر القول‬
‫بـأن الصحابـة أنكـروا على احلسين ‪ ‬قيامـه على يزيـد‪ ،‬عنـد مـن مل يدقق يف‬
‫علما أن اخلرب ال يصح من جهة اإلسـناد‪ ،‬ويف متنـه من النكارة‬‫أسـانيد األخبـار‪ً .‬‬
‫ما يـدل على بطالنه‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫ذكر اخلرب امللفق املنكر اإلسناد واملنت‬


‫الذي ذكره ابن سعد يف كتاب الطبقات‬
‫قـال ابن سـعد‪ :‬أخربنـا حممد بن عمـر((( قال‪ ،‬حدثنـا ابن أيب ذئـب‪ ،‬حدثني‬
‫عبـد اهلل بـن عمير مـوىل أم الفضـل قـال(((‪ ،‬وأخربنا عبـد اهلل بن حممـد بن عمر‬
‫بـن علي عـن أبيه قـال(((‪ ،‬وأخربنـا حييى بن سـعيد بـن دينار السـعدي عـن أبيه‬
‫قـال(((‪ ،‬وحدثنـي عبـد الرمحن بـن أيب الزناد‪ ،‬عـن أيب وجزة السـعدي‪ ،‬عن عيل‬
‫أيضا قـد حدثني(((‪.‬‬
‫بن حسين قال‪ :‬وغير هـؤالء ً‬
‫قـال حممـد بن سـعد‪ :‬وأخربنـا عيل بن حممـد(((‪ ،‬عن حييـى بن إسماعيل ابن‬
‫أيب املهاجر‪ ،‬عـن أبيه(((‪.‬‬
‫وعـن لـوط بـن حييـى الغامـدي(((‪ ،‬عـن حممـد بـن بشير اهلمـداين وغريه‪،‬‬
‫(((  يعنـي‪ :‬الواقـدي‪ .‬قـال ابـن أيب حاتم‪ :‬أنا أبـو بكر بن أيب خيثمـة‪ ،‬فيام كتب إيل قال‪ ،‬سـمعت‬
‫حييـى بـن معين يقـول‪ :‬ال يكتـب حديـث الواقـدي‪ ،‬الواقـدي ليس بشيء‪ .‬نا عبـد الرمحن‬
‫قـال‪ :‬سـألت أبـى عـن حممـد بـن عمـر الواقـدي املدينـي فقـال‪ :‬متروك احلديـث‪ .‬اجلرح‬
‫والتعديـل‪ ،‬جـزء ‪ ،8‬صفحة ‪.20‬‬
‫(((  القائل هو الواقدي‪.‬‬
‫(((  الواقدي‪.‬‬
‫(((  الواقدي‪.‬‬
‫(((  كل ما تقدم من األسانيد هي أسانيد تالفة بسبب الواقدي‪.‬‬
‫(((  هو املدائني‪.‬‬
‫(((  مرسـل إسماعيل بـن أيب املهاجـر مل يـدرك احلادثـة‪ ،‬وقـد ولـد بعـد مقتـل احلسين ‪ .‬قال‬
‫املـزي‪ :‬وكان مولـده سـنة إحـدى وسـتني‪ .‬هتذيـب الكامل‪ ،‬جـزء ‪ ،3‬صفحـة ‪.150‬‬
‫(((  لـوط بـن حييـى أبـو خمنـف‪ ،‬روى عـن صقعـب بن زهير وجمالد بـن سـعيد‪ ،‬روى عنـه أبو‬
‫زهير عبـد الرمحـن بـن مغـراء‪ ،‬سـمعت أبـى يقـول ذلك‪ .‬نـا عبـد الرمحـن قال‪ ،‬قـرئ عىل‬
‫العبـاس بـن حممـد الـدوري قال‪ ،‬سـمعت حييى بـن معني يقـول‪ :‬أبو خمنـف ليس بثقـة‪ .‬نا عبد‬
‫الرمحـن قـال‪ ،‬سـمعت أبـى يقـول‪ :‬أبـو خمنـف متروك احلديـث‪ .‬اجلـرح والتعديـل‪ ،‬جـزء ‪،7‬‬
‫صفحة ‪.182‬‬
‫‪45‬‬

‫وعـن حممـد بن احلجـاج((( عن عبـد امللك بـن عمري‪ ،‬وعـن هارون بن عيسـى‪،‬‬
‫عـن يونـس بن أيب إسـحاق(((‪ ،‬عن أبيـه‪ ،‬وعن حييى بـن زكريا بـن أيب زائدة عن‬
‫جمالد(((‪ ،‬عن الشـعبي(((‪.‬‬

‫قـال ابـن سـعد‪ :‬وغير هـؤالء ً‬


‫أيضـا قـد حدثنـي يف هـذا احلديـث بطائفة‪،‬‬
‫فكتبـت جوامـع حديثهم((( يف مقتل احلسين رمحـة اهلل عليه ورضوانـه وصلواته‬
‫وبركاته‪.‬‬
‫قالـوا‪ :‬ملـا بايـع معاوية بـن أيب سـفيان الناس ليزيـد بن معاوية‪ ،‬كان حسين‬
‫بـن علي بـن أيب طالب ممـن مل يبايـع لـه‪ ،‬وكان أهـل الكوفـة يكتبون إىل حسين‬
‫يدعونـه إىل اخلـروج إليهم يف خالفـة معاوية‪ ،‬كل ذلك يأبى‪ ،‬فقـدم منهم قوم إىل‬
‫حممـد بـن احلنفيـة‪ ،‬فطلبوا إليـه أن خيـرج معهم فأبـى‪ ،‬وجاء إىل احلسين فأخربه‬
‫بما عرضـوا عليه‪ ،‬وقـال‪ :‬إن القـوم إنام يريـدون أن يأكلـوا بنا ويشـيطوا دماءنا‪،‬‬
‫(((  قـال ابـن أيب حاتـم‪ :‬سـألت أيب عـن حممد بن احلجـاج الواسـطي اللخمي فقـال‪ :‬هو كذاب‬
‫ذاهـب احلديث‪ .‬اجلـرح والتعديل‪ ،‬جـزء ‪ ،7‬صفحة ‪.234‬‬
‫(((  (هـارون بـن عيسـى) كـذا يف الطبقـات وتاريـخ دمشـق وهتذيب الكمال‪ ،‬شـيخ للمدائني‬
‫ال يعـرف‪ ،‬وال يعلـم لـه سماع مـن يونـس‪ ،‬وروايـة يونـس عـن أبيـه متكلـم فيهـا‪ .‬قـال‬
‫ابـن أيب حاتـم‪ :‬أنـا عبـد اهلل بـن أمحـد بـن حممـد بن حنبـل فيما كتب إيل قـال‪ :‬سـألت أبى‬
‫عـن يونـس بـن أيب إسـحاق فقـال‪ :‬حديثه مضطـرب‪ .‬نا عبـد الرمحـن قال‪ :‬ذكـره أيب عن‬
‫إسـحاق بـن منصـور‪ ،‬عـن حييـى بـن معين أنه قـال‪ :‬يونـس بـن أيب إسـحاق ثقة‪ .‬نـا عبد‬
‫الرمحـن قـال‪ :‬سـألت أيب عـن يونس بـن أيب إسـحاق فقـال‪ :‬كان صدو ًقـا إال أنـه ال حيتج‬
‫بحديثـه‪ .‬اجلـرح والتعديـل‪ ،‬جـزء ‪ ،9‬صفحة ‪.243‬‬
‫(((  قـال ابـن أيب حاتـم‪ :‬أنـا أبـو بكر بـن أبى خيثمـة فيام كتـب إيل قال‪ ،‬سـمعت حييـى بن معني‬
‫يقـول‪ :‬جمالـد ضعيـف‪ ،‬واهي احلديـث‪ .‬قال أبو بكـر‪ ،‬قلت ليحيـى بن معين‪ :‬كان حييى بن‬
‫سـعيد القطـان يقـول‪ :‬لـو أردت أن يرفـع يل جمالـد حديثه كلـه رفعه‪ .‬قـال‪ :‬نعـم‪ .‬قلت‪ :‬ومل‬
‫يرفـع حديثـه؟ قال‪ :‬لضعفـه‪ .‬اجلـرح والتعديل‪ ،‬جـزء ‪ ،8‬صفحة ‪.361‬‬
‫(((  مل يذكر ابن سعد إسنا ًدا واحدً ا مقبولً‪.‬‬
‫(((  وهـذا يـدل على أن ابـن سـعد قد لفـق املتن مـن جمموع ما سـمع من هـذه األسـانيد‪ ،‬وهذا‬
‫جيعـل مـن املتعـذر متييز كل قـول إىل قائلـه‪ ،‬إال أن مجيع األسـانيد قد متيزت بميـزة الضعف‪،‬‬
‫بـل غالبها تالـف‪ ،‬دونك عـن النـكارة الكبرية التـي يف املتن‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫فأقـام حسين على مـا هو عليـه مـن اهلمـوم‪ ،‬مـرة يريـد أن يسير إليهـم‪ ،‬ومرة‬
‫جيمـع اإلقامـة‪ .‬فجاءه أبو سـعيد اخلـدري فقال‪ :‬يـا أبا عبـد اهلل‪ ،‬إين لكم ناصح‪،‬‬
‫وإين عليكـم مشـفق‪ ،‬وقد بلغنـي أنه كاتبك قـوم من شـيعتكم بالكوفة يدعونك‬
‫إىل اخلـروج إليهـم‪ ،‬فال خترج‪ ،‬فإين سـمعت أبـاك ‪ ‬يقول بالكوفـة‪ :‬واهلل لقد‬
‫مللتهـم وأبغضتهـم‪ ،‬وملـوين وأبغضوين‪ ،‬ومـا بلوت منهـم وفا ًء‪ ،‬ومـن فاز هبم‬
‫فـاز بالسـهم األخيـب‪ ،‬واهلل مـا هلم نيـات وال عزم أمـر‪ ،‬وال صرب عىل السـيف‪.‬‬
‫قـال‪ :‬وقـدم املسـيب بـن نجبـة الفـزاري وعـدة معـه إىل احلسين بعـد وفاة‬
‫احلسـن‪ ،‬فدعـوه إىل خلـع معاوية‪ ،‬وقالوا‪ :‬قـد علمنا رأيـك ورأي أخيك‪ .‬فقال‪:‬‬
‫إين أرجـو أن يعطـي اهلل أخـي على نيته يف حبه الكـف‪ ،‬وأن يعطيني على نيتي يف‬
‫حبـي جهـاد الظاملني‪.‬‬
‫وكتـب مـروان بـن احلكـم إىل معاويـة‪ :‬إين لسـت آمـن أن يكـون حسين‬
‫طويل‪ .‬فكتـب معاوية إىل احلسين‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مرصـدً ا للفتنـة‪ ،‬وأظـن يومكـم من حسين‬
‫إن مـن أعطـى اهلل صفقـة يمينـه وعهده جلديـر بالوفاء‪ ،‬وقـد أنبئـت أن قو ًما من‬
‫أهـل الكوفـة قـد دعوك إىل الشـقاق‪ ،‬وأهـل العراق مـن قد جربت‪ ،‬قد أفسـدوا‬
‫على أبيـك‪ ،‬وأخيـك‪ ،‬فاتق اهلل‪ ،‬واذكـر امليثاق‪ ،‬فإنـك متى تكدين أكـدك‪ .‬فكتب‬
‫إليـه احلسين‪ :‬أتـاين كتابـك وأنـا بغري الـذي بلغـك عنـي جدير‪ ،‬واحلسـنات ال‬
‫هيـدي هلـا إال اهلل‪ ،‬ومـا أردت لك حماربة وال عليـك خال ًفا‪ ،‬وما أظـن يل عند اهلل‬
‫عـذرا يف تـرك جهـادك‪ ،‬وما أعلـم فتنـة أعظم مـن واليتك أمـر األمة‪.‬‬ ‫ً‬
‫قالـوا‪ :‬وملـا حضر معاويـة‪ ،‬دعـا يزيـد بـن معاويـة فأوصـاه بما أوصـاه بـه‬
‫وقـال‪ :‬انظـر حسين بن علي‪ ،‬ابن فاطمـة بنـت رسـول اهلل ‪ ،r‬فإنه أحـب الناس‬
‫إىل النـاس‪ ،‬فصـل رمحـه‪ ،‬وارفـق بـه يصلـح لـك أمـره‪ ،‬فإن يـك منـه يشء فإين‬
‫أرجـو أن يكفيكـه اهلل بمـن قتـل أبـاه وخذل أخـاه‪ .‬وتـويف معاوية ليلـة النصف‬
‫مـن رجب سـنة سـتني‪ ،‬وبايـع النـاس ليزيد‪.‬‬
‫فكتـب يزيـد مـع عبـد اهلل بـن عمرو بـن أويـس العامـري ‪ -‬عامر بـن لؤي‬
‫‪47‬‬

‫‪ -‬إىل الوليـد بـن عتبـة بن أيب سـفيان وهو على املدينـة‪ ،‬أن ادع النـاس فبايعهم‪،‬‬
‫وابـدأ بوجـوه قريـش‪ ،‬وليكـن أول مـن تبـدأ بـه احلسين بـن علي‪ ،‬فـإن أمير‬
‫املؤمنين عهـد إيل يف أمـره الرفـق بـه واسـتصالحه‪ ،‬فبعـث الوليـد بـن عتبة من‬
‫سـاعته ‪ -‬نصـف الليـل ‪ -‬إىل احلسين بـن علي وعبـد اهلل بـن الزبير فأخربمهـا‬
‫بوفـاة معاويـة‪ ،‬ودعامهـا إىل البيعـة ليزيد‪ .‬فقـاال‪ :‬نصبح وننظر مـا يصنع الناس‪.‬‬
‫ووثـب احلسين فخـرج وخـرج معـه ابـن الزبير وهـو يقـول‪ :‬هـو يزيـد الذي‬
‫تعـرف‪ ،‬واهلل مـا حـدث لـه حـزم وال مـروءة‪ ،‬وقـد كان الوليد أغلظ للحسين‪،‬‬
‫فشـتمه احلسين‪ ،‬وأخـذ بعاممتـه فنزعها من رأسـه‪ ،‬فقـال الوليـد‪ :‬إن أهجنا بأيب‬
‫عبد اهلل إال أسـدً ا‪.‬‬
‫فقـال لـه مـروان أو بعض جلسـائه‪ :‬اقتلـه‪ ،‬قـال‪ :‬إن ذاك لدم مضنـون((( يف‬
‫بنـي عبـد منـاف‪ ،‬فلام صـار الوليـد إىل منزلـه‪ .‬قالت لـه امرأته أسماء بنـت عبد‬
‫الرمحـن بـن احلارث بن هشـام‪ :‬أسـببت حسـينًا؟ قـال‪ :‬هو بـدأ فسـبني‪ .‬قالت‪:‬‬
‫وإن سـبك حسين تسـبه‪ ،‬وإن سـب أباك تسـب أباه! قـال‪ :‬ال‪ .‬وخرج احلسين‬
‫وعبـد اهلل بـن الزبري مـن ليلتهما إىل مكة‪.‬‬
‫فأصبـح النـاس فغـدوا عىل البيعـة ليزيـد‪ ،‬وطلب احلسين وابـن الزبري فلم‬
‫يوجـدا‪ .‬فقـال املسـور بـن خمرمـة‪ :‬عجـل أبـو عبـد اهلل‪ ،‬وابـن الزبير اآلن يلفته‬
‫ويزجيـه إىل العـراق ليخلـو بمكـة(((‪ .‬فقدما مكة‪ ،‬فنـزل احلسين دار العباس بن‬
‫عبـد املطلـب‪ ،‬ولـزم ابن الزبير احلجر ولبـس املعافـري‪ ،‬وجعل حيـرض الناس‬
‫على بنـي أميـة‪ ،‬وكان يغـدو ويروح إىل احلسين‪ ،‬ويشير عليـه أن يقـدم العراق‬
‫ويقـول‪ :‬هـم شـيعتك وشـيعة أبيـك‪ .‬وكان عبـد اهلل بن عبـاس ينهاه عـن ذلك‬
‫ويقـول‪ :‬ال تفعل‪.‬‬
‫وقـال لـه عبـد اهلل بن مطيع‪ :‬إي‪ ،‬فـداك أيب وأمي‪ ،‬متعنا بنفسـك وال ترس إىل‬
‫ً‬
‫خـول وعبيدً ا‪.‬‬ ‫العـراق‪ ،‬فـواهلل لئن قتلك هـؤالء القوم ليتخذنا‬
‫(((  يف تاريخ اإلسالم للذهبي‪( :‬إن ذلك لدم مصون)‪ .‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬جزء ‪ ،5‬صفحة ‪.7‬‬
‫(((  وهذا من الطعن بعبد اهلل بن الزبري ‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫ولقيهما عبـد اهلل بـن عمـر وعبـد اهلل بـن عيـاش بـن أيب ربيعـة باألبـواء‬
‫منرصفين مـن العمـرة‪ .‬فقال هلما ابن عمـر‪ :‬أذكركما اهلل إال رجعتما فدخلتام يف‬
‫صالـح مـا يدخـل فيه النـاس‪ ،‬وتنظرا‪ ،‬فـإن اجتمع النـاس عليه مل تشـذا(((‪ ،‬وإن‬
‫افترق عليـه كان الـذي تريدان‪.‬‬
‫وقـال ابـن عمـر للحسين‪ :‬ال خترج‪ ،‬فـإن رسـول اهلل ‪ ‬خريه اهلل بين الدنيا‬
‫واآلخـرة فاختـار اآلخرة‪ ،‬وأنـت بضعة منـه وال تناهلـا ‪ -‬يعني الدنيـا ‪ -‬فاعتنقه‬
‫وبكـى وودعـه‪ ،‬فـكان ابـن عمـر يقـول‪ :‬غلبنا حسين على اخلـروج‪ ،‬ولعمري‬
‫لقـد رأى يف أبيـه وأخيـه عبرة‪ ،‬ورأى مـن الفتنـة وخـذالن النـاس هلـم مـا كان‬
‫ينبغـي لـه أن ال يتحـرك ما عـاش‪ ،‬وأن يدخل يف صالـح ما دخل فيـه الناس فإن‬
‫اجلامعـة خري‪.‬‬
‫وقـال لـه ابـن عبـاس‪ :‬أيـن تريـد يا ابـن فاطمـة؟ قـال‪ :‬العـراق وشـيعتي‪.‬‬
‫فقـال‪ :‬إين لـكاره لوجهك هـذا‪ .‬خترج إىل قـوم قتلوا أبـاك‪ ،‬وطعنـوا أخاك حتى‬
‫تركهـم سـخطة وملـة هلـم‪ .‬أذكـرك اهلل أن تغرر بنفسـك‪.‬‬
‫وقـال أبـو سـعيد اخلـدري‪ :‬غلبني احلسين عىل اخلـروج‪ .‬وقد قلت لـه‪ :‬اتق‬
‫اهلل يف نفسـك‪ ،‬والـزم بيتـك فال خترج على إمامك(((‪.‬‬
‫وقـال أبـو واقـد الليثي‪ :‬بلغنـي خروج حسين فأدركتـه بملل‪ ،‬فناشـدته اهلل‬
‫أن ال خيـرج فإنـه خيـرج يف غير وجـه خروج‪ ،‬إنما يقتل نفسـه‪ .‬فقـال‪ :‬ال أرجع‪.‬‬
‫وقـال جابـر بن عبد اهلل‪ :‬كلمت حسـينًا فقلـت‪ :‬اتـق اهلل‪ ،‬وال ترضب الناس‬
‫بعضهـم ببعـض(((‪ ،‬فـواهلل مـا محدتـم مـا صنعتـم‪ ،‬فعصـاين‪ .‬ويقـول لـك ابـن‬

‫(((  فيه اهتام مذهب احلسني ‪ ‬بالشذوذ عن مذهب الصحابة ‪.‬‬


‫(((  وفيـه اهتـام احلسين ‪ ‬باخلـروج على إمامـه‪ ،‬وكل هـذا مـن الطعـن يف احلسين ‪ ‬ويف‬
‫الصحابـة ‪.‬‬
‫(((  يف هـذا اخلبر مـن األقـوال الباطلـة واألكاذيب مـا يصدق فيها قـول النبـي ‪« :‬إن مما أدرك‬
‫النـاس مـن كالم النبـوة األوىل إذا مل تسـتح فاصنـع ما شـئت»‪ .‬صحيـح البخـاري‪ ،‬جزء ‪،5‬‬
‫صفحة ‪.2268‬‬
‫‪49‬‬

‫الزبير‪ :‬احلـق هبـم فإهنـم نـارصوك‪ ،‬إيـاك أن تبرح احلـرم فإهنـم إن كانـت هلم‬
‫بـك حاجـة فسـيرضبون إليك آباط اإلبـل حتى يوافـوك‪ ،‬فتخرج يف قـوة وعدة‪.‬‬
‫خيرا‪ ،‬وقـال‪ :‬أسـتخري اهلل يف ذلك‪.‬‬
‫فجـزاه ً‬
‫وكتبـت إليـه عمرة بنـت عبد الرمحـن تعظم عليه مـا يريد أن يصنـع‪ ،‬وتأمره‬
‫بالطاعـة ولـزوم اجلامعـة‪ ،‬وختبره أنـه إنما يسـاق إىل مرصعـه وتقـول‪ :‬أشـهد‬
‫حلدثتني عائشـة أهنا سـمعت رسـول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬يقتل حسين بـأرض بابل»‪.‬‬
‫فلما قـرأ كتاهبا قـال‪ :‬فلا بـد يل إذن من مرصعـي ومىض‪.‬‬
‫وأتـاه أبـو بكر بن عبـد الرمحن بن احلـارث بن هشـام‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابـن عم‪ ،‬إن‬
‫الرحـم تضـارين ومـا أدري كيـف أنـا عنـدك يف النصيحة لك‪ .‬قـال‪ :‬يا أبـا بكر‪،‬‬
‫مـا أنـت ممـن يسـتغش وال يتهم‪ ،‬فقـل‪ .‬فقـال‪ :‬قـد رأيت ما صنـع أهـل العراق‬
‫بأبيـك وأخيـك‪ ،‬وأنـت تريد أن تسير إليهم‪ ،‬وهم عبيـد الدنيـا‪ ،‬فيقاتلك من قد‬
‫وعـدك أن ينصرك‪ ،‬وخيذلـك مـن أنـت أحب إليـه ممن ينصره‪ ،‬فأذكـرك اهلل يف‬
‫خريا‪ ،‬فلقـد اجتهدت رأيـك‪ ،‬ومهام يقيض‬ ‫نفسـك‪ .‬فقـال‪ :‬جـزاك اهلل يا ابن عـم ً‬
‫اهلل مـن أمـر يكـن‪ .‬فقال أبـو بكر‪ :‬إنـا هلل‪ ،‬عند اهلل نحتسـب أبـا عبد اهلل‪.‬‬
‫وكتـب عبـد اهلل بـن جعفـر بـن أيب طالـب إليـه كتا ًبـا حيـذره أهـل الكوفة‪،‬‬
‫ويناشـده اهلل أن يشـخص إليهـم‪ .‬فكتـب إليـه احلسين‪ :‬إين رأيت رؤيـا‪ ،‬ورأيت‬
‫مـاض له‪ ،‬ولسـت بمخبر هبا أحـدً ا حتى‬‫ٍ‬ ‫فيهـا رسـول اهلل ‪ .‬وأمـرين بأمـر أنـا‬
‫أالقـي عميل‪.‬‬
‫وكتـب إليـه عمرو بن سـعيد بـن العاص‪ :‬إين أسـأل اهلل أن يلهمك رشـدك‪،‬‬
‫وأن يرصفـك عما يرديك‪ ،‬بلغنـي أنك قد اعتزمـت عىل الشـخوص إىل العراق‪،‬‬
‫فـإين أعيـذك باهلل من الشـقاق‪ ،‬فـإن كنت خائ ًفـا‪ ،‬فأقبـل إ َّيل فلك عنـدي األمان‬
‫والبر والصلـة‪ .‬فكتـب إليـه احلسين‪ :‬إن كنـت أردت بكتابك إ َّيل بـري وصلتي‬
‫حلا‬
‫خيرا يف الدنيـا واآلخرة‪ ،‬وأنه مل يشـاقق مـن دعا إىل اهلل وعمـل صا ً‬
‫فجزيـت ً‬
‫وقـال إننـي من املسـلمني‪ ،‬وخير األمـان أمـان اهلل‪ ،‬ومل يؤمن باهلل مـن مل خيفه يف‬
‫‪50‬‬

‫الدنيـا‪ ،‬فنسـأل اهلل خمافـة يف الدنيا توجـب لنا أمان اآلخـرة عنده‪.‬‬
‫وكتـب يزيـد بـن معاويـة إىل عبـد اهلل بن عبـاس خيبره بخروج احلسين إىل‬
‫مكة‪ .‬ونحسـبه جـاءه رجال من أهـل هذا املشرق فمنوه اخلالفـة‪ ،‬وعندك منهم‬
‫خبرة وجتربـة‪ ،‬فـإن كان فعل فقـد قطع واشـج القرابـة‪ ،‬وأنت كبري أهـل بيتك‪،‬‬
‫واملنظـور إليـه‪ ،‬فاكففه عن السـعي يف الفرقـة‪ ،‬وكتب هبذه األبيـات إليه وإىل من‬
‫بمكـة واملدينة مـن قريش‪.‬‬
‫عــى عذافــرة يف ســرها قحــم‬ ‫يــا أهيــا الراكــب الغــادي لطيتــه‬
‫بينــي وبــن حســن اهلل والرحــم‬ ‫أبلــغ ً‬
‫قريشــا عــى نــأي املــزار هبــا‬
‫عهــد اإللــه ومــا تــويف بــه الذمــم‬ ‫وموقــف بفنــاء البيــت أنشــده‬
‫أم لعمــري حصــان عفــة كــرم‬ ‫فخــرا بأمكــم‬
‫ً‬ ‫عنيتــم قومكــم‬
‫بنت الرســول وخــر الناس قــد علموا‬ ‫هــي التــي ال يــداين فضلهــا أحــد‬
‫مــن قومكــم هلــم يف فضلهــا قســم‬ ‫وفضلهــا لكــم فضــل وغريكــم‬
‫والظــن يصــدق أحيانًــا فينتظــم‬ ‫إين ألعلــم أو ظنًّــا كعاملــه‬
‫قتــى هتاداكــم العقبــان والرخــم‬ ‫أن ســوف يرتككــم مــا تدعــون هبــا‬
‫ومســكوا بحــال الســلم واعتصمــوا‬ ‫مــا قومنا ال تشــبوا احلرب إذ ســكنت‬
‫مــن القــرون وقــد بــادت هبــا األمــم‬ ‫قــد غرت احلــرب من قــد كان قبلكم‬
‫فــرب ذي بــذخ زلــت بــه القــدم‬ ‫فأنصفــوا قومكــم ال هتلكــوا بذخــا‬

‫قـال‪ :‬فكتـب إليه عبـد اهلل بن عبـاس‪ :‬إين أرجو أن ال يكون خروج احلسين‬
‫ألمـر تكرهـه‪ ،‬ولسـت أدع النصيحـة لـه فيما جيمـع اهلل بـه األلفـة ويطفـي بـه‬
‫النائرة (((‪.‬‬
‫(((  النائرة‪ :‬الضجة واجللبة‪ .‬املخصص‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.222‬‬
‫‪51‬‬
‫ً‬
‫طويلا وقال‪ :‬أنشـدك اهلل‬ ‫ودخـل عبـد اهلل بـن عباس على احلسين‪ ،‬فكلمه‬
‫ً‬
‫فاعلا فأقم حتى‬ ‫أن هتلـك غـدً ا بحـال مضيعة‪ ،‬ال تـأيت العـراق‪ ،‬وإن كنت ال بد‬
‫ينقضي املوسـم‪ ،‬وتلقى النـاس‪ ،‬وتعلـم عىل ما يصـدرون‪ ،‬ثم تـرى رأيك‪.‬‬
‫وذلـك يف عشر ذي احلجـة سـنة سـتني‪ ،‬فأبـى احلسين إال أن يمضي إىل‬
‫العـراق‪ ،‬فقـال له ابـن عبـاس‪ :‬واهلل إين ألظنك سـتقتل غدً ا بني نسـائك وبناتك‬
‫كما قتـل عثمان بين نسـائه وبناتـه‪ ،‬واهلل إين ألخـاف أن تكـون الـذي يقـاد بـه‬
‫عثمان‪ ،‬فإنـا هلل وإنـا إليـه راجعـون‪ .‬فقـال احلسين‪ :‬أبـا العبـاس إنك شـيخ قد‬
‫كبرت(((‪ .‬فقـال ابـن عبـاس‪ :‬لـوال أن يـزري ذلـك يب أو بـك لنشـبت يـدي يف‬
‫رأسـك‪ ،‬ولـو أعلـم أنا إذا تناصينـا أقمت لفعلـت‪ ،‬ولكن ال أخال ذلـك نافعي‪.‬‬
‫فقـال له احلسين‪ :‬لئـن أقتل بمـكان كذا وكـذا أحـب إيل أن تسـتحل يب ‪ -‬يعني‬
‫مكـة ‪ -‬قـال‪ :‬فبكـى ابـن عبـاس وقـال‪ :‬أقـررت عين ابن الزبير‪ ،‬فذلـك الذي‬
‫سلى بنفسي عنـه‪ .‬ثـم خرج عبـد اهلل بـن عباس مـن عنده وهـو مغضـب‪ ،‬وابن‬
‫الزبير على البـاب‪ ،‬فلام رآه قـال‪ :‬يا ابـن الزبري قد أتـى ما أحببت‪ ،‬قـرت عينك‪،‬‬
‫هـذا أبو عبـد اهلل خيـرج ويتركك واحلجاز‪.‬‬
‫يــا لــك مــن قنــرة بمعمــر‬
‫خــا لــك اجلــو فبيــي واصفــري‬
‫ونقــري مــا شــئت أن تنقــري‬

‫وبعـث حسين إىل املدينـة‪ ،‬فقـدم عليه مـن خف معه مـن بني عبـد املطلب‪،‬‬
‫وهم تسـعة عشر ً‬
‫رجل‪ ،‬ونسـاء وصبيان مـن أخواتـه وبناته ونسـائهم‪ ،‬وتبعهم‬
‫حممـد بـن احلنفيـة‪ ،‬فـأدرك حسـينًا بمكـة‪ ،‬وأعلمـه أن اخلـروج ليـس لـه بـرأي‬
‫يومـه هـذا‪ ،‬فأبـى احلسين أن يقبـل‪ ،‬فحبس حممـد بن عيل ولـده فلـم يبعث معه‬
‫أحـدً ا منهـم‪ ،‬حتى وجد احلسين يف نفسـه عىل حممـد‪ ،‬وقال‪ :‬ترغـب بولدك عن‬
‫موضـع أصاب فيـه‪ .‬فقال حممـد‪ :‬وما حاجتـي أن تصاب ويصابـون معك‪ ،‬وإن‬
‫كانـت مصيبتـك أعظم عندنـا منهم‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((  ال يشك مسلم بأن هذا الكالم كذب‪ ،‬يراد منه الطعن باحلسني ‪ ‬وبابن عباس‬
‫‪52‬‬

‫وبعـث أهـل العـراق إىل احلسين الرسـل والكتـب يدعونـه إليهـم‪ ،‬فخرج‬
‫ً‬
‫شـيخا من أهـل الكوفـة‪ ،‬وذلك يوم‬ ‫متوجهـا إىل العـراق يف أهـل بيتـه‪ ،‬وسـتني‬
‫ً‬
‫االثنين يف عشر ذي احلجة سـنة سـتني‪.‬‬
‫فكتـب مـروان إىل عبيـد اهلل بـن زيـاد‪ ،‬أمـا بعـد‪ ،‬فـإن احلسين بـن علي قد‬
‫توجـه إليك وهو احلسين بـن فاطمـة‪ ،‬وفاطمة بنت رسـول اهلل ‪ ،r‬وبـاهلل ما أحد‬
‫يسـلمه اهلل أحب إلينا من احلسين‪ ،‬فإياك أن هتيج عىل نفسـك ما ال يسـده يشء‪،‬‬
‫وال تنسـاه العامـة‪ ،‬وال تـدع ذكـره‪ ،‬والسلام‪ .‬وكتـب إليـه عمرو بن سـعيد بن‬
‫العـاص‪ ،‬أمـا بعـد‪ ،‬فقـد توجـه إليـك احلسين‪ ،‬ويف مثلها تعتـق أو تكـون عبدا‬
‫تسترق كام تسترق العبيد(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬وهـذا اخلرب املكذوب الذي سـاقه ابن سـعد هـو عمدة مـن يزعم أن‬
‫الصحابـة ‪ ‬قـد أنكـروا على احلسين ‪ ‬قيامه على يزيـد‪ ،‬ومما ينسـب إىل ابن‬
‫عمـر ‪ ،‬وال يصـح مـا أخرجه ابـن حبان من طريق حييى بن إسماعيل بن سـامل‬
‫عن الشـعبي‪.‬‬

‫قـال ابـن حبـان‪ :‬أخربنا حممـد بن إسـحاق بن إبراهيـم‪ ،‬موىل ثقيـف‪ ،‬حدثنا‬
‫احلسـن بـن حممد بـن الصباح‪ ،‬حدثنا شـبابة بن سـوار‪ ،‬حدثنا حييى بن إسماعيل‬
‫بـن سـامل‪ ،‬عـن الشـعبي قـال‪ :‬بلغ ابـن عمر وهـو بامل له أن احلسين بـن عيل قد‬
‫توجـه إىل العـراق‪ ،‬فلحقـه على مسيرة يومين أو ثالثـة‪ ،‬فقـال إىل أيـن؟ فقـال‬
‫هـذه كتـب أهل العـراق وبيعتهم‪ ،‬فقـال‪ :‬ال تفعل‪ .‬فأبـى‪ ،‬فقال له ابـن عمر‪ :‬إن‬
‫جربيـل ‪ ‬أتـى النبـي ‪ ‬فخريه بين الدنيا واآلخـرة‪ ،‬فاختار اآلخـرة‪ ،‬ومل يرد‬
‫الدنيـا‪ ،‬وإنـك بضعة مـن رسـول اهلل ‪ ،‬كذلك يريد منكـم‪ ،‬فأبـى‪ ،‬فاعتنقه ابن‬
‫عمر وقال‪ :‬أسـتودعك اهلل والسلام(((‪.‬‬
‫(((  الطبقات الكربى ‪ -‬متمم الصحابة ‪ -‬الطبقة اخلامسة (جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.)452-436‬‬
‫(((  (إسـناده ضعيـف)‪ ،‬صحيـح ابـن حبـان‪ ،‬جـزء ‪ ،15‬صفحـة ‪ .424‬وهـذا إسـناد ضعيـف‪،‬‬
‫فـإن حييـى بـن إسماعيل مل يوثقـه أحد ممـن يعتمد على توثيقـه‪ ،‬وليس هـو مـن رواة الكتب‬
‫السـتة‪ ،‬بـل وال التسـعة‪ ،‬وقـد اضطرب يف هذا اخلبر‪ ،‬فريويه مرة ويقول سـمعت الشـعبي‪،‬‬
‫‪53‬‬

‫إنـكار مـن ابـن عمر ‪‬‬


‫ٌ‬ ‫قلـت‪ :‬وهـذا اخلبر مـع ضعـف إسـناده ليـس فيه‬
‫على احلسين ‪ ‬قيامـه على يزيد‪ ،‬بـل فيه خـوف ابن عمـر ‪ ‬مـن أن يتعرض‬
‫احلسين ‪ ‬للقتـل أو الضرر‪ ،‬وهناك فـرق كبري بين اإلنكار عىل احلسين وبني‬
‫اخلـوف عليـه‪ .‬ومما اشـتهر يف كتـب التاريـخ وال يصح حتذيـر عبد اهلل بـن الزبري‬
‫للحسين من الذهـاب للعراق‪.‬‬

‫قـال يعقـوب بـن سـفيان‪ :‬حدثنـا أبـو بكـر احلميـدي‪ ،‬ثنـا سـفيان‪ ،‬حدثنـا‬
‫عبـد اهلل بـن رشيـك‪ ،‬عـن بشر بـن غالـب‪ ،‬أنه سـمعه يقـول‪ ،‬قـال عبـد اهلل بن‬
‫الزبير حلسين بـن عيل‪ :‬أيـن تذهب إىل قـوم قتلوا أبـاك وطعنوا أخـاك؟ فقال له‬
‫حسين‪ :‬لئن أقتـل بمكان كذا وكـذا أحب إيل من أن تسـتحل يب‪ ،‬يعنـي مكة(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬وهذا إسـناد ضعيـف‪ ،‬فإن برش بـن غالـب((( جمهول‪ ،‬وقـد ذكره ابن‬
‫اجلـوزي يف كتابه «الضعفـاء واملرتوكني»(((‪.‬‬

‫تنبيـه‪ :‬ال بـد مـن أن يعلـم الناظـر يف كتـب التاريـخ بـأن علماء التاريـخ مل‬
‫يشترطوا صحـة األخبار التـي يذكروهنـا يف كتبهم‪ ،‬بـل ذكروا صحيـح األخبار‬
‫وسـقيمها يف كتبهـم كام سـمعوها ممـن نقلها هلم‪ ،‬لـذا لزم النظر يف أسـانيد اخلرب؛‬

‫برا مرفو ًعا ال يتابـع عليه‬


‫ويرويـه مـرة أخـرى فيجعلـه عن أبيـه‪ ،‬عن الشـعبي‪ .‬وقد ذكـر خ ً‬
‫يف هـذه احلكايـة التـي رواهـا عن الشـعبي ‪ -‬إن جربيل عليه السلام أتى النبـي ‪ - ... ‬لذا‬
‫فال يمكـن االعتامد على خربه‪.‬‬
‫(((  املعرفة والتاريخ‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.79‬‬
‫(((  بشر بـن غالـب هـو األسـدي‪ .‬قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬بشر بـن غالـب األسـدي سـمع‬
‫حسين بـن علي قولـه‪ ،‬روى عنـه عبـد اهلل بـن رشيـك‪ ،‬وابـن أشـوع هـو أخـو بشير بن‬
‫غالـب‪ ،‬حديثـه يف الكوفيين‪ .‬التاريـخ الكبير‪ ،‬جـزء ‪ ،2‬صفحـة ‪.81‬‬
‫وقـد فـرق البعـض مثـل الذهبي بني بشر بن غالب األسـدي وبرش بـن غالب الكـويف‪ .‬قال‬
‫الذهبـي‪ :‬برش بن غالب األسـدي عـن الزهري جمهول‪ ،‬قالـه األزدي‪.‬‬
‫برش بن غالب الكويف قال األزدي‪ :‬مرتوك‪ .‬املغني يف الضعفاء‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.168‬‬
‫(((  قـال ابـن اجلـوزي‪ :‬بشر بن غالـب‪ ،‬أبو مالك األسـدي‪ ،‬يروي عـن الزهري‪ ،‬قـال األزدي‪:‬‬
‫ضعيـف جمهول‪ .‬الضعفـاء واملرتوكني البـن اجلوزي‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.144‬‬
‫‪54‬‬

‫لبيـان صحتـه مـن ضعفـه قبل االحتجـاج بـه أو نسـبته إىل قائله‪.‬‬
‫قـال اإلمـام الطبري‪ :‬فما يكـن يف كتـايب هـذا مـن خبر ذكرنـاه عـن بعض‬
‫وجها‬
‫املاضين مما يسـتنكره قارئه‪ ،‬أو يستشـنعه سـامعه‪ ،‬من أجل أنه مل يعـرف له ً‬
‫يف الصحـة‪ ،‬وال معنـى يف احلقيقـة‪ ،‬فليعلـم أنـه مل يـؤت يف ذلـك من قبلنـا‪ ،‬وإنام‬
‫أيت مـن قبـل بعـض ناقليـه إلينـا‪ ،‬وأنا إنما أدينا ذلـك عىل نحـو مـا أدي إلينا(((‪.‬‬
‫وقـال ابـن كثير‪ :‬وللشـيعة والرافضـة ىف صفة مرصع احلسين كـذب كثري‪،‬‬
‫وأخبـار باطلـة‪ ،‬وفيما ذكرنـا كفايـة‪ ،‬ويف بعـض مـا أوردناه نظـر‪ ،‬ولـوال أن ابن‬
‫جريـر وغيره مـن احلفـاظ واألئمة ذكـروه ما سـقته(((‪.‬‬

‫(((  تاريخ الطربي‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.13‬‬


‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.202‬‬
‫الباب الخامس‬

‫أهم األحداث التي سبقت مقتل الحسين ‪‬‬


‫‪57‬‬

‫ما جاء يف انتقال احلسني ‪‬‬


‫من املدينة النبوية إىل مكة‬
‫قـال ابـن عبـد البر‪ :‬ملـا مـات معاويـة‪ ،‬وأفضـت اخلالفـة إىل يزيـد‪ ،‬وذلك‬
‫يف سـنة سـتني‪ ،‬ووردت بيعتـه على الوليـد بـن عقبـة باملدينـة ليأخـذ البيعة عىل‬
‫أهلهـا‪ ،‬أرسـل إىل احلسين بـن علي‪ ،‬وإىل عبـد اهلل بـن الزبير ً‬
‫ليلا‪ ،‬فأتـى هبما‪.‬‬
‫رسا‪ ،‬ولكننـا نبايـع على رءوس النـاس إذا‬ ‫فقـال‪ :‬بايعـا‪ .‬فقـاال مثلنـا ال يبايـع ًّ‬
‫أصبحنـا‪ ،‬فرجعـا إىل بيوهتما وخرجـا مـن ليلتهما إىل مكـة‪ ،‬وذلـك ليلـة األحد‬
‫لليلتين بقيتـا مـن رجـب‪ ،‬فأقـام احلسين بمكة شـعبان ورمضـان وشـوال وذا‬
‫القعـدة‪ ،‬وخـرج يـوم الرتوية يريـد الكوفـة(((‪.‬‬

‫(((  االستيعاب‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.396‬‬


‫‪58‬‬

‫أهم األحداث اليت حصلت أثناء تواجد‬


‫احلسني ‪ ‬يف مكة‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬بني احلسني ‪ ‬وعبد اهلل بن الزبري ‪‬‬
‫قـال خليفـة بـن خيـاط‪ :‬وحدثنـي وهـب قـال‪ ،‬حدثنـي جويريـة بن أسماء‬
‫قـال‪ ،‬سـمعت أشـياخنا من أهـل املدينـة ما ال أحصي حيدثـون أن معاويـة تويف‬
‫ويف املدينـة يومئـذ الوليـد بـن عتبـة بـن أيب سـفيان‪ ،‬فأتـاه موتـه‪ ،‬فبعـث إىل‬
‫مـروان بـن احلكـم ونـاس من بنـي أميـة‪ ،‬فأعلمهـم الـذي أتـاه‪ ،‬فقال مـروان‪:‬‬
‫ابعـث السـاعة إىل احلسين وابـن الزبير فإن بايعـا وإال فـارضب أعناقهما‪ .‬وقد‬
‫هلـك عبـد الرمحـن بـن أيب بكـر قبـل ذلـك‪ ،‬فأتـاه ابـن الزبري فنعـى لـه معاوية‬
‫خيرا فقـال لـه‪ :‬بايـع‪ .‬قـال‪ :‬ما هـذه سـاعة مبايعـة‪ ،‬وال‬ ‫وترحـم عليـه وجـزاه ً‬
‫مثلي يبايعـك هاهنـا‪ ،‬فرتقـى املنبر فأبايعـك ويبايعـك النـاس عالنيـة غري رس‪.‬‬
‫فوثـب مـروان فقـال‪ :‬ارضب عنقـه فإنه صاحـب فتنـة ورش‪ .‬قال‪ :‬إنـك هلتاك يا‬
‫رجل رفي ًقـا رس ًّيا‬
‫بـن الزرقـاء‪ ،‬واسـتبا‪ .‬فقـال الوليـد‪ :‬أخرجومهـا عنـي‪ ،‬وكان ً‬
‫كريما‪ ،‬فأخرجـا عنـه‪ ،‬فجاء احلسين بن عيل عىل تلـك احلال‪ ،‬فلـم يكلم يف يشء‬ ‫ً‬
‫حتـى رجعـا مجي ًعـا‪ ،‬ورجع مـروان إىل الوليد فقـال‪ :‬واهلل ال تراه بعـد مقامك إال‬
‫حيـث يسـوءك‪ .‬فأرسـل العيـون يف أثره‪ ،‬فلـم يزد حني دخـل منزله على أن دعا‬
‫بوضـوء‪ ،‬وصـف بين قدميـه‪ ،‬فلم يـزل يصيل‪ ،‬وأمـر محزة ابنـه أن يقـدم راحلته‬
‫إىل احلليفـة على بريـد مـن املدينـة مما يلي الفـرع‪ ،‬وكان لـه باحلليفة مـال عظيم‪،‬‬
‫فلـم يـزل صا ًّفـا بني قدميـه‪ ،‬فلام كان آخـر الليـل وتراجعت عنه العيـون‪ ،‬جلس‬
‫على دابتـه فركبهـا حتـى انتهـى إىل احلليفة‪ ،‬فجلـس على راحلته‪ ،‬ثـم توجه إىل‬
‫مكـة‪ ،‬وخـرج احلسين مـن ليلتـه‪ ،‬فالتقيا بمكـة‪ ،‬فقال له ابـن الزبري‪ :‬مـا يمنعك‬
‫مـن شـيعتك وشـيعة أبيك؟ فـواهلل لـو أن يل مثلهـم لذهبـت إليهم(((‪.‬‬
‫(((  تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.233 ،232‬‬
‫‪59‬‬

‫قلـت‪ :‬أمـا مـا ذكـر مـن هني ابـن الزبير ‪ ‬للحسين ‪ ‬مـن الذهـاب إىل‬
‫العـراق فمما ال يصـح(((‪ .‬وقـد نبه اإلمـام الذهبـي إىل أن ابن الزبير ‪ ‬ومجاعة‬
‫مـن الصحابـة ‪ ‬كانـوا يـرون تصويـب فعـل احلسين‪ ،‬فقـال يف السير‪( :‬هـذا‬
‫يـدل على تصويب عبـد اهلل بن عمرو للحسين يف مسيره‪ ،‬وهو رأي ابـن الزبري‬
‫ومجاعـة مـن الصحابة شـهدوا احلـرة)(((‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬بني احلسني ‪ ‬وعبد اهلل بن عباس‬


‫قـال يعقـوب بـن سـفيان‪ :‬حدثنا أبـو بكر قـال‪ ،‬ثنا سـفيان قال‪ ،‬ثنـا إبراهيم‬
‫طاووسـا يقول‪ ،‬سـمعت ابـن عباس يقول‪ :‬استشـارين‬ ‫ً‬ ‫بـن ميرسة قال‪ :‬سـمعت‬
‫(((‬
‫حسين بـن علي يف اخلـروج‪ .‬فقلت‪ :‬لـوال أن يـزري ذلـك يب أو بك لنشـبت‬
‫يـدي يف رأسـك‪ ،‬فـكان الذي رد علي أن قال‪ :‬لئـن أقتل بمكان كـذا وكذا أحب‬
‫إيل مـن أن تنجـدين ‪ -‬يعنـي مكـة‪ .‬قال ابـن عباس‪ :‬فذلـك الذي سلا((( بنفيس‬
‫تعظيما للمحارم مـن ابن عباس‪،‬‬
‫ً‬ ‫عنـه‪ .‬ثـم يقول طـاووس‪ :‬ما رأيت أحدً ا أشـد‬
‫لو شـاء أين أبكـي لبكيت(((‪.‬‬
‫(((  قـال يعقـوب بن سـفيان الفسـوي‪ :‬حدثنا أبو بكـر احلميدي‪ ،‬ثنا سـفيان‪ ،‬حدثنـا عبد اهلل بن‬
‫رشيـك‪ ،‬عـن بشر بن غالـب‪ ،‬أنه سـمعه يقول‪ :‬قـال عبد اهلل بن الزبري حلسين بـن عيل‪ :‬أين‬
‫تذهـب؟ إىل قـوم قتلـوا أبـاك وطعنـوا أخـاك؟ فقال له حسين‪ :‬لئن أقتـل بمكان كـذا وكذا‬
‫أحـب إيل مـن أن تسـتحل يب ‪ -‬يعني مكـة‪ .‬املعرفة والتاريـخ‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪( .79‬إسـناده‬
‫ضعيـف‪ .‬بشر بن غالـب جمهول)‪ ،‬وقـد تقدم الـكالم يف تضعيف هـذا اخلرب‪.‬‬
‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.293‬‬
‫(((  نشب اليشء يف اليشء – بالكرس – نشو ًبا‪ :‬أي علق فيه‪ .‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.757‬‬
‫سـلوا‪ ،‬وفلان يف سـلوة مـن عيشـه‪ :‬أي يف رغـد يسـليه اهلم‪.‬‬‫ًّ‬ ‫(((  سلا فلان عـن فلان يسـلو‬
‫العين‪ ،‬جـزء ‪ ،7‬صفحـة ‪.297‬‬
‫(((  (إسـناده صحيـح)‪ ،‬املعرفـة والتاريـخ‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪ .122‬هـذه هي الروايـة الصحيحة‬
‫فيما جـرى بني احلسين وابن عبـاس‪ ،‬وقـد وقع خطـأ يف بعض سـياق رواية ابـن طاووس‪،‬‬
‫عـن أبيـه‪ ،‬فأدخـل فيها مـا ليس منهـا‪ ،‬وإنام قدمنـا روايـة إبراهيم بـن ميرسة على رواية ابن‬
‫طـاووس لتقديـم احلفـاظ لـه‪ .‬قـال ابـن أيب حاتم‪ :‬نـا صالـح‪ ،‬نا عيل قال‪ ،‬سـمعت سـفيان‬
‫يقـول‪ :‬كان ابـن طـاووس أحفظ عندنا من غيره‪ .‬قلت لسـفيان‪ :‬أين كان حفـظ إبراهيم بن‬
‫‪60‬‬

‫قـال الفاكهـي‪ :‬حدثنـا حممـد بـن أيب عمر قـال‪ ،‬ثنا سـفيان‪ ،‬عـن إبراهيم بن‬
‫طاوسـا يقـول‪ ،‬سـمعت ابـن عبـاس ‪ ‬يقـول‪ :‬استشـارين‬ ‫ً‬ ‫ميسرة‪ ،‬أنـه سـمع‬
‫حسين بـن علي يف اخلـروج إىل العـراق‪ ،‬فقلـت لـه‪ :‬لـوال أن يـزري ذلك يب‬
‫وبـك لنشـبت بيـدي يف رأسـك‪ .‬قـال‪ :‬فـكان الـذي رد عيل بـأن قال‪ :‬لئـن أقتل‬
‫بمـكان كـذا وكـذا أحـب إيل مـن أن يسـتحل يب مكـة‪ .‬قـال ابـن عبـاس ‪:‬‬
‫تعظيم‬
‫ً‬ ‫فـذاك الـذي سلا بنفيس عنـه‪ .‬ثم حلف طـاووس مـا رأيت أحـدً ا أشـد‬
‫للمحـارم مـن ابـن عبـاس ‪ ،‬ولـو أشـاء أن أبكي لبكيـت(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬هـذه الرواية الصحيحة تبين أن عبد اهلل بن عبـاس ‪ ‬حاول يف أول‬
‫األمـر أن يثني احلسين ‪ ‬عـن الذهاب إىل العـراق‪ ،‬إال أن ما ذكره احلسين ‪‬‬
‫مـن سـبب ذهابه للعـراق وهو اخلـوف من اسـتباحة احلـرم‪ ،‬قد سلا بنفس ابن‬
‫عبـاس ‪ ‬لشـدة تعظيـم ابـن عبـاس ‪ ‬للحـرم‪ ،‬وليـس يف كالم ابـن عبـاس‬
‫إنـكارا على احلسين‪ ،‬أو اهتامـه بتفريـق اجلامعـة أو اخلـروج على اإلمـام‪ ،‬كام يف‬
‫ً‬
‫روايات أهـل الكذب‪.‬‬

‫ميسرة عـن طاووس مـن حفظ ابـن طاووس؟ قـال‪ :‬لو شـئت قلت لـك إين أقـدم إبراهيم‬
‫عليـه يف احلفـظ‪ ،‬فعلت‪ .‬اجلـرح والتعديل‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.48‬‬
‫(((  أخبار مكة للفاكهي‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.265‬‬
‫‪61‬‬

‫انتقال احلسني ‪ ‬من مكة إىل الكوفة‬


‫وذكر أهم حماور التزوير التارخيي يف أخبار مقتل احلسني‬
‫قبـل الـكالم عـن انتقـال اإلمام احلسين ‪ ‬مـن مكـة إىل الكوفـة ال بد من‬
‫بيـان أهـم حمـاور التزويـر التارخيـي التـي اعتمـد عليها أهـل الكـذب للطعن يف‬
‫احلسني ‪.‬‬
‫إن الناظـر يف أخبـار املتهمين بالكـذب يتبين لـه بـأن أبـرز سـمة ملرويـات‬
‫الكذابين وأخبارهـم هـي الطعن باحلسين ‪ ،‬وتشـويه صورته‪ ،‬وإنـكار قيامه‬
‫على يزيـد‪ ،‬حتـى اغتر بأخبارهـم الكثير مـن اجلهلـة‪ ،‬وانحـرف بسـبب هـذه‬
‫األكاذيـب مـن مل يفهـم منهـج أهل السـنة يف توقير احلسين ‪ ،‬وبيـان فضله‪،‬‬
‫وعلـو منزلتـه‪ ،‬ويتلخـص مسـلك املتهمين بالكذب للطعـن يف اإلمام احلسين‬
‫يف ثالثـة حماور‪:‬‬
‫املحـور األول‪ :‬الطعـن يف احلسين ‪ ‬واهتامـه بتفريـق اجلامعـة واخلـروج‬
‫على اإلمام‪.‬‬
‫املحـور الثـاين‪ :‬الطعن يف مسـلم بـن عقيـل ‪ ‬واهتامه بأنه جبـن عن مقتل‬
‫عبيد اهلل بـن زياد‪.‬‬
‫املحور الثالث‪ :‬الطعن بأهل الكوفة واهتامهم بالغدر‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫احملور األول‪ :‬الطعن يف احلسني ‪‬‬


‫(((‬
‫واتهامه بتفريق اجلماعة واخلروج على اإلمام‬
‫مـن أخطـر صـور التزويـر يف أخبـار احلسين ‪ ‬هـو الطعن يف احلسين ‪‬‬
‫وتصويـره على أنـه خـرج على طاعـة ويل األمر الـذي ينبغـي طاعتـه‪ ،‬وال جيوز‬
‫اخلـروج عليـه‪ ،‬حتـى ذهب البعـض إىل اهتامه بأنه سـلك مسـلك اخلـوارج‪ ،‬بل‬
‫حتـى قيـل إنه قتل بسـيف جـده ‪ ،‬وكل هذا إنما يصدر بسـبب االنحراف عن‬
‫فهـم عقيـدة أهل السـنة واجلامعـة‪ ،‬واالنخـداع بأخبـار الكذابني الذين نسـجوا‬
‫الروايـات املنكـرة للطعـن يف اإلمـام احلسين ‪ ‬وقـد تقـدم الكالم عـن نكارة‬
‫وزورا أن الصحابـة ‪ ‬أنكروا‬‫ً‬ ‫مـا نسـب للصحابة من أخبار يزعـم رواهتا كذ ًبـا‬
‫على احلسين ‪ ‬قيامـه على يزيد إىل غير ذلك مـن األكاذيب‪ ،‬كام تقـدم الكالم‬
‫عـن أقـوال أهـل السـنة يف يزيـد‪ ،‬وحكـم القيـام عليـه‪ ،‬وإبطاهلـم وردهـم عىل‬
‫كالم مـن اهتـم احلسين بأنـه نحـا نحو اخلـوارج‪ ،‬بـل قد ذكـر ابن العماد احلنبيل‬
‫االتفـاق على حتسين عمـل احلسين ‪ ‬كام بين علماء أهل السـنة بأن احلسين‬
‫إمامهـم‪ ،‬وأنـه ‪ ‬قتـل شـهيدً ا‪ ،‬وأن قتلتـه ظلمة فسـقة‪ ،‬بـل أن من أهـل العلم‬
‫مـن أجـاز لعـن يزيـد‪ ،‬ومنهم من شـك يف إسلامه كما تقدم‪.‬‬

‫احملور الثاني‪ :‬الطعن يف مسلم بن عقيل ‪‬‬


‫واتهامه بأنه جنب عن مقتل ابن زياد‬
‫سـيأيت يف األخبـار الصحيحيـة ما يثبت شـجاعة مسـلم بن عقيـل ‪ ،‬إال‬
‫أن أهـل الكذب مل يسـلم أحـد من كذهبم‪ ،‬ال اإلمام احلسين ‪ ،‬وال مسـلم بن‬
‫تلميحا‬
‫ً‬ ‫عقيـل ‪ ‬فراحـوا يكذبـون عىل مسـلم بن عقيـل‪ ،‬ويتهمونـه باجلبـن؛‬
‫حيـا‪ ،‬يف حماولـة للطعـن باحلسين ‪ ‬من خلال الطعن بكل مـن نارصه‪،‬‬ ‫أو ترص ً‬
‫(((  وقـد تقـدم ذكـر اخلبر امللفق املنكـر اإلسـناد واملتن الـذي رواه ابن سـعد بأسـانيد تالفة يزعم‬
‫فيهـا رواتـه الذيـن ال يوثـق بمثلهـم أن الصحابة ‪ ‬أنكـروا عىل احلسين ‪ ‬قيامه على يزيد‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫ومـن هذه األخبـار التالفة ما ذكره اإلمـام الطربي عن بعـض املتهمني بالكذب‪.‬‬
‫قـال الطبري‪ :‬وذكـر هشـام‪ ،‬عـن أيب خمنف‪ ،‬عـن املعىل بـن كليـب‪ ،‬عن أيب‬
‫كريم عىل ابن زيـاد وعىل غريه‬ ‫الـوداك قـال‪ ... :‬مـرض رشيك بن األعـور وكان ً‬
‫من األمراء‪ ،‬وكان شـديد التشـيع‪ ،‬فأرسـل إليـه عبيد اهلل أين رائح إليك العشـية‪،‬‬
‫فقـال ملسـلم‪ :‬إن هـذا الفاجـر عائدي العشـية‪ ،‬فـإذا جلس فاخـرج إليـه فاقتله‪،‬‬
‫ثـم اقعـد يف القصر ليـس أحـد حيـول بينـك وبينه‪ ،‬فـإن برئـت من وجعـي هذا‬
‫أيامـي هـذه رست إىل البصرة‪ ،‬وكفيتـك أمرهـا‪ ،‬فلما كان من العشي أقبل عبيد‬
‫اهلل لعيـادة رشيـك‪ ،‬فقام مسـلم بن عقيـل ليدخل‪ ،‬وقـال له رشيـك‪ :‬ال يفوتنك‬
‫إذا جلـس‪ ،‬فقـام هانـئ بن عـروة إليه فقـال‪ :‬إين ال أحب أن يقتـل يف داري‪ .‬كأنه‬
‫اسـتقبح ذلـك‪ ،‬فجـاء عبيـد اهلل بـن زيـاد‪ ،‬فدخـل فجلـس‪ ،‬فسـأل رشيـكًا عن‬
‫وجعـه‪ ،‬وقـال‪ :‬مـا الذي جتـد؟ ومتى أشـكيت؟ فلام طال سـؤاله إيـاه‪ ،‬ورأى أن‬
‫اآلخـر ال خيـرج‪ ،‬خشي أن يفوته‪ ،‬فأخـذ يقول‪ :‬مـا تنتظرون بسـلمى أن حتيوها‪،‬‬
‫اسـقينها وإن كانـت فيهـا نفيس‪ .‬فقـال ذلك مرتين أو ثال ًثا‪ ،‬فقـال عبيد اهلل‪ ،‬وال‬
‫يفطـن مـا شـأنه‪ :‬أترونه هيجـر؟ فقال لـه هانئ‪ :‬نعـم‪ ،‬أصلحك اهلل‪ ،‬مـا زال هذا‬
‫ديدنـه قبيـل عاميـة الصبـح حتى سـاعته هذه‪ ،‬ثـم إنه قام فانصرف(((‪.‬‬
‫وقـد حكـى ابـن كثير قول مـن طعن يف مسـلم بـن عقيـل يف كتابـه «البداية‬
‫والنهاية»‪.‬‬
‫قـال ابـن كثير‪ ... :‬وقد حتول مسـلم بـن عقيـل إىل دار هانئ بن محيـد((( بن‬
‫عـروة املـرادي‪ ،‬ثـم إىل دار رشيك بن األعـور‪ ،‬وكان من األمـراء األكابر‪ ،‬وبلغه‬
‫أن عبيـد اهلل يريـد عيادتـه‪ ،‬فبعـث إىل هانئ يقول له‪ :‬بعث مسـلم بـن عقيل حتى‬
‫يكـون يف دارى ليقتـل عبيـد اهلل إذا جـاء يعـودين‪ ،‬فبعثـه إليـه‪ ،‬فقال لـه رشيك‪:‬‬
‫كـن أنـت يف اخلبـاء‪ ،‬فـإذا جلس عبيـد اهلل فإين أطلب املـاء‪ ،‬وهي إشـاريت إليك‪،‬‬
‫فاخـرج فاقتلـه‪ .‬فلما جـاء عبيـد اهلل جلس عىل فـراش رشيـك وعنـده هانئ بن‬

‫(((  تاريخ الطربي‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.284 ،283‬‬


‫(((  كذا يف املطبوع‪ ،‬وذكر محيد هنا خطأ‪ ،‬والصواب هانئ بن عروة‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫عـروة‪ ،‬وقـام مـن بني يديـه غالم يقـال له مهـران فتحدث عنـده سـاعة‪ ،‬ثم قال‬
‫رشيك‪ :‬اسـقوين‪ ،‬فتجبن مسـلم عـن قتله(((‪.‬‬

‫احملور الثالث‪ :‬الطعن بأهل الكوفة واتهامهم بالغدر‬


‫مـن األمـور املنكـرة التـي اشـتهرت عنـد البعـض اهتـام احلسين ‪ ‬بأنـه‬
‫ذهـب إىل الكوفـة‪ ،‬التي يعـرف أهلها بالغـدر واخليانـة‪ ،‬وعدم الوفـاء بالعهد‪،‬‬
‫بعـد أن غـروه وخدعـوه‪ ،‬وكل هـذا يف حماولة من أهـل الكذب لتشـويه صورة‬
‫احلسين ‪ ‬والطعـن بمـن كان ينـارصه‪ ،‬وكل هـذه الطعونات تـرده الروايات‬
‫الصحيحـة التـي رواهـا الثقـات‪ ،‬فـإن فضـل الكوفـة وعلمها يف ذلـك الوقت‬
‫وشـجاعة أهلهـا ممـا ال خيفـى عىل أحـد‪ ،‬دونـك عمن فيهـا من الفضلاء‪ ،‬مثل‬
‫هانـئ بـن عـروة‪ ،‬الـذي قـدم فقتـل ملنارصتـه للحسين ‪ ‬بـل كان فيهـا مـن‬
‫الصحابـة مثـل سـليامن بـن رصد ‪ ‬وغيره‪ ،‬فكيـف ملثـل هـؤالء أن يتهمـوا‬
‫بالغـدر وعـدم الوفـاء بالعهـد‪ ،‬إال أن أهـل الكـذب مل يتقـوا اهلل يف أحـد‪ ،‬فلـم‬
‫يسـلم منهـم إمـام‪ ،‬وال عـامل‪ ،‬وال صحـايب‪ ،‬وال أهـل بلـد‪ ،‬وما مـن أحد نارص‬
‫احلسين ‪ ‬إال وطعنـوا فيه‪.‬‬

‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.153‬‬


‫‪65‬‬

‫أسباب انتقال احلسني ‪ ‬من مكة إىل العراق‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬االنتقال عن احلرم خو ًفا من استحالله‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬فضل أهل العراق‪ ،‬وثناء أبيه عيل ‪ ‬وأخيه احلسن ‪ ‬عىل أهل العراق‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬شدة حمبة أهل العراق آلل بيت النبي ‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬االنتقال عن احلرم خو ًفا من استحالله‬
‫فضـل احلسين ‪ ‬أن ُيقتـل خارج احلـرم عىل أن ُيسـتحل احلـرم‪ ،‬كام فضل‬
‫احلسين ‪ ‬القتـل على مبايعـة يزيد‪ ،‬وهـذا بني مـن خلال الروايـة الصحيحة‬
‫التـي تذكـر احلـوار الـذي دار بين احلسين وابـن عبـاس قبيـل انتقـال اإلمـام‬
‫احلسين مـن مكـة إىل العراق‪.‬‬

‫قـال يعقـوب بـن سـفيان‪ :‬حدثنـا أبـو بكـر قـال‪ ،‬ثنـا سـفيان قـال‪ ،‬ثنـا‬
‫طاووسـا يقول‪ ،‬سـمعت ابن عبـاس يقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إبراهيـم بـن ميسرة قال‪ ،‬سـمعت‬
‫استشـارين حسين بـن علي يف اخلـروج‪ ،‬فقلت‪ :‬لـوال أن يزري ذلـك يب أو بك‬
‫لنشـبت يـدي يف رأسـك‪ ،‬فـكان الـذي رد عيل أن قـال‪ :‬لئـن أقتل بمـكان كذا‬
‫وكـذا أحـب إيل مـن أن تنجـدين ‪ -‬يعنـي مكة‪ .‬قـال ابـن عباس‪ :‬فذلـك الذي‬
‫تعظيما للمحارم‬
‫ً‬ ‫سلا بنفسي عنـه‪ .‬ثم يقـول طـاووس‪ :‬مـا رأيت أحـدً ا أشـد‬
‫مـن ابن عبـاس‪ ،‬لـو شـاء أين أبكي لبكيـت(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬وقـد صدقـت فراسـة احلسين‪ ،‬وتبين للجميع فيما بعـد أن يزيد لن‬
‫يتـورع يف اسـتحالل حـرم اهلل‪ ،‬فاسـتحل جيشـه احلرم لقتـال ابن الزبير‪ ،‬ورمى‬
‫جيشـه الكعبـة باملنجنيق‪.‬‬

‫(((  املعرفة والتاريخ‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.122‬‬


‫‪66‬‬

‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـي عبـد اهلل بـن حممد قـال‪ ،‬حدثنـي حييى بن‬
‫معين‪ ،‬حدثنـا حجـاج‪ ،‬قـال بـن جريـج‪ ،‬قـال ابـن أيب مليكـة‪ ،‬وكان بينهما‬
‫يشء‪ ،‬فغـدوت على ابـن عبـاس فقلـت أتريـد أن تقاتـل ابـن الزبير فتحـل‬
‫حـرم اهلل؟ فقـال‪ :‬معـاذ اهلل‪ ،‬إن اهلل كتـب ابـن الزبير وبنـي أميـة حملني‪ ،‬وإين‬
‫واهلل ال أحلـه أبـدً ا(((‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬فضل أهل العراق وثناء أبيه علي ‪‬‬


‫(((‬
‫وأخيه احلسن ‪ ‬على أهل العراق‬
‫* ثناء عيل بن أيب طالب ‪ ‬عىل أهل العراق‪:‬‬
‫أخـرج اإلمـام مسـلم ثنـاء علي ‪ ‬على أهـل العـراق يف حديـث حيـدث‬
‫بـه علي ‪ ‬كما سـمعه مـن النبـي ‪ ‬يـدل على أن أهـل العـراق الذيـن قاتلـوا‬
‫اخلـوارج مـع علي ‪ ‬هلـم مـن األجـر مـا لـو علمـوه التكلـوا عـن العمل‪.‬‬

‫قـال اإلمـام مسـلم‪ :‬حدثنا عبد بن محيـد‪ ،‬حدثنا عبـد الرزاق بن مهـام‪ ،‬حدثنا‬
‫عبـد امللـك بـن أيب سـليامن‪ ،‬حدثنـا سـلمة بـن كهيـل‪ ،‬حدثنـي زيـد بـن وهـب‬
‫اجلهنـي أنـه كان يف اجليـش الذيـن كانـوا مـع علي ‪ ‬الذيـن سـاروا إىل اخلوارج‬
‫فقـال عيل ‪ :‬أهيا الناس‪ ،‬إين سـمعت رسـول اهلل ‪ ‬يقول‪ :‬خيرج قـوم من أمتي‪،‬‬
‫يقـرءون القـرآن ليـس قراءتكـم إىل قراءهتـم بشيء‪ ،‬وال صالتكـم إىل صالهتـم‬
‫بشيء‪ ،‬وال صيامكـم إىل صيامهـم بشيء‪ ،‬يقـرءون القرآن حيسـبون أنـه هلم وهو‬
‫عليهـم‪ ،‬ال جتـاوز صالهتـم تراقيهم‪ ،‬يمرقـون من اإلسلام كام يمرق السـهم من‬
‫الرميـة‪ ،‬لـو يعلـم اجليـش الذيـن يصيبوهنـم ما قيض هلـم عىل لسـان نبيهـم ‪ ‬ال‬
‫رجل له عضـد‪ ،‬وليس لـه ذراع عىل رأس‬ ‫تكلـوا عـن العمـل‪ ،‬وآية ذلـك أن فيهم ً‬
‫عضـده مثـل حلمة الثدي‪ ،‬عليه شـعرات بيض فتذهبـون إىل معاوية وأهل الشـام‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1713‬‬
‫(((  ملعرفـة مـا ألهـل العـراق مـن الفضـل ينظـر كتـايب (فضائـل العـراق وبيـان مشرق املدينـة‬
‫وموضـع جزيـرة الدجـال)‪.‬‬
‫‪67‬‬

‫وترتكـون هـؤالء خيلفونكـم يف ذراريكـم وأموالكـم؟ واهلل إين ألرجـو أن يكونوا‬


‫هـؤالء القـوم‪ ،‬فإهنم قد سـفكوا الـدم احلـرام‪ ،‬وأغـاروا يف رسح الناس‪ ،‬فسيروا‬
‫ً‬
‫منـزل‪ .‬حتـى قال‪:‬‬ ‫على اسـم اهلل‪ .‬قـال سـلمة بـن كهيـل‪ :‬فنزلنـي زيد بـن وهب‬
‫مررنـا على قنطرة‪ ،‬فلما التقينا وعلى اخلـوارج يومئذ عبـد اهلل بن وهب الراسـبي‬
‫فقال هلم‪ :‬ألقوا الرماح‪ ،‬وسـلوا سـيوفكم مـن جفوهنا‪ ،‬فإين أخاف أن يناشـدوكم‬
‫كما ناشـدوكم يـوم حـروراء‪ ،‬فرجعـوا فوحشـوا برماحهـم‪ ،‬وسـلوا السـيوف‪،‬‬
‫وشـجرهم النـاس برماحهـم‪ ،‬قـال‪ :‬وقتـل بعضهـم عىل بعـض‪ ،‬ومـا أصيب من‬
‫النـاس يومئـذ إال رجلان‪ .‬فقال عيل ‪ :‬التمسـوا فيهـم املخدج‪ ،‬فالتمسـوه فلم‬
‫ناسـا قـد قتل بعضهـم عىل بعـض‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫جيـدوه‪ ،‬فقـام علي ‪ ‬بنفسـه حتـى أتى ً‬
‫أخروهـم‪ .‬فوجـدوه مما يلي األرض‪ ،‬فكرب ثم قـال‪ :‬صدق اهلل وبلغ رسـوله‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقـام إليـه عبيدة السـلامين فقال‪ :‬يـا أمري املؤمنين‪ ،‬اهلل الذي ال إله إال هو لسـمعت‬
‫هـذا احلديـث من رسـول اهلل ‪ ‬فقال‪ :‬إي واهلل الذي ال إله إال هو‪ .‬حتى اسـتحلفه‬
‫ثال ًثـا وهو حيلـف له(((‪.‬‬

‫وقـال اإلمـام مسـلم‪ :‬وحدثنـي حممد بـن املثنـى‪ ،‬حدثنـا بن أيب عـدي‪ ،‬عن‬
‫سـليامن‪ ،‬عـن أيب نضرة‪ ،‬عن أيب سـعيد‪ ،‬أن النبـي ‪ ‬ذكر قو ًما يكونـون يف أمته‪،‬‬
‫خيرجـون يف فرقـة مـن النـاس‪ ،‬سـيامهم التحالق‪ ،‬قـال‪« :‬هم رش اخللـق» أو «من‬
‫أرش اخللـق‪ ،‬يقتلهـم أدنـى الطائفتني إىل احلـق»‪ .‬قال‪ :‬فرضب النبـي ‪ ‬هلم ً‬
‫مثل‪،‬‬
‫قـول‪« :‬الرجـل يرمـي الرميـة» أو قـال‪« :‬الغـرض فينظـر يف النصـل فال‬‫أو قـال ً‬
‫يـرى بصيرة‪ ،‬وينظـر يف النضي فلا يـرى بصيرة‪ ،‬وينظـر يف الفـوق فلا يـرى‬
‫بصيرة»‪ .‬قـال‪ ،‬قـال أبو سـعيد‪ :‬وأنتـم قتلتموهم يـا أهل العـراق(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬قد ذهـب اإلمام احلسين ‪ ‬إىل من صح فيهم قول النبـي ‪« :‬لو يعلم‬
‫اجليـش الذيـن يصيبوهنـم مـا قيض هلم على لسـان نبيهـم ‪ ‬التكلوا عـن العمل»‪.‬‬

‫(((  صحيح مسلم‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.748‬‬


‫(((  صحيح مسلم‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.745‬‬
‫‪68‬‬

‫بـل قـد صح فيهم قـول النبـي ‪ ‬بأهنـم‪« :‬أدنـى الطائفتين إىل احلـق»‪ .‬وهم جيش‬
‫العـراق‪ ،‬جيـش أبيـه علي‪ ،‬وأخيـه احلسـن ‪ ،‬إال أن أهـل الكذب خدعـوا الناس‬
‫بكذهبـم وباطلهـم‪ ،‬وأومهـوا مـن ال درايـة لـه باألسـانيد أن احلسين ‪ ‬ذهب إىل‬
‫أوبـاش ليـس هلـم وفـاء وال عهـد‪ ،‬وكل هـذا يف حماولـة للطعـن يف اإلمام احلسين‬
‫ومن نـارصه‪.‬‬
‫* ثناء احلسن بن عيل ‪ ‬عىل أهل العراق ووصفهم بجامجم العرب‪:‬‬
‫قـال احلاكـم‪ :‬أخبرين أبو احلسـن حممد بـن عبـد اهلل اليعمري‪ ،‬ثنـا حممد بن‬
‫إسـحاق اإلمـام‪ ،‬ثنـا أبو موسـى‪ ،‬ثنـا حممد بـن جعفر‪ ،‬ثنا شـعبة‪ ،‬قال‪ ،‬سـمعت‬
‫يزيـد بـن مخري حيـدث أنه سـمع عبـد الرمحـن بن جبير بن نفير حيدث عـن أبيه‬
‫قـال‪ ،‬قلـت للحسـن بن علي‪ :‬إن النـاس يقولـون إنك تريـد اخلالفة‪ .‬فقـال‪ :‬قد‬
‫كان مجاجـم العـرب يف يـدي حياربـون مـن حاربـت‪ ،‬ويسـاملون مـن سـاملت‪،‬‬
‫(((‬
‫تركتهـا ابتغـاء وجـه اهلل تعـاىل‪ ،‬وحقـن دمـاء أمة حممـد ‪ ‬ثـم ابتزهـا باتئاس‬
‫أهـل احلجـاز‪ .‬هذا إسـناد صحيح على رشط الشـيخني ومل خيرجـاه(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬وصـل احلال بأهـل الكذب ومـن خدع هبـم إىل وصف أهـل العراق‬
‫الذيـن وصفهـم احلسـن ‪ ‬بجامجم العرب بأهنـم أوباش‪ ،‬وأهل غـدر وخداع‪،‬‬
‫مـن أجـل الطعن يف احلسين ‪ ‬وإهيـام الناس بأن احلسين ‪ ‬سـار إىل أوباش‬
‫ال يعـرف هلـم فضل وال خير‪ ،‬بل ال يعـرف عنهم إال الغـدر واخلداع‪.‬‬
‫* الثناء عىل جيش العراق (جيش احلسن بن عيل ‪:)‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا عبـد اهلل بـن حممـد‪ ،‬حدثنـا سـفيان‪ ،‬عـن أيب‬
‫موسـى قـال‪ ،‬سـمعت احلسـن يقـول‪ :‬اسـتقبل واهلل احلسـن بـن علي معاويـة‬
‫بكتائـب أمثـال اجلبـال‪ ،‬فقال عمـرو بن العـاص‪ :‬إين ألرى كتائـب ال تويل حتى‬
‫تقتـل أقراهنـا‪ .‬فقـال لـه معاويـة‪ ،‬وكان واهلل خري الرجلين ‪ -‬أي عمـرو‪ :‬إن قتل‬
‫هـؤالء هـؤالء‪ ،‬وهـؤالء هؤالء‪ ،‬مـن يل بأمـور الناس؟ مـن يل بنسـائهم؟ من يل‬
‫(((  يف تاريخ واسط (بأوباش أهل احلجاز)‪ .‬تاريخ واسط‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.112‬‬
‫(((  (إسناده صحيح)‪ .‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.186‬‬
‫‪69‬‬

‫بضيعتهـم؟ فبعـث إليـه رجلني مـن قريش من بني عبد شـمس؛ عبـد الرمحن بن‬
‫سـمرة‪ ،‬وعبـد اهلل بـن عامر بن كريز‪ ،‬فقـال‪ :‬اذهبا إىل هذا الرجـل فاعرضا عليه‪،‬‬
‫وقـوال لـه‪ ،‬واطلبا إليه‪ .‬فأتيـاه فدخال عليـه‪ ،‬فتكلام‪ ،‬وقـاال له‪ ،‬فطلبـا إليه‪ ،‬فقال‬
‫هلما احلسـن بـن علي‪ :‬إنـا بنو عبـد املطلـب قـد أصبنا مـن هـذا املـال‪ ،‬وإن هذه‬
‫األمـة قد عاثـت يف دمائهـا‪ .‬قاال‪ :‬فإنـه يعرض عليك كـذا وكـذا‪ ،‬ويطلب إليك‬
‫ويسـألك‪ .‬قـال‪ :‬فمـن يل هبـذا؟ قـاال‪ :‬نحـن لـك بـه‪ .‬فما سـأهلام شـي ًئا إال قاال‪:‬‬
‫نحـن لـك بـه‪ .‬فصاحلـه‪ ،‬فقـال احلسـن‪ :‬ولقد سـمعت أبـا بكـرة يقـول‪ :‬رأيت‬
‫رسـول اهلل ‪ ‬على املنرب واحلسـن بن علي إىل جنبه‪ ،‬وهـو يقبل على الناس مرة‪،‬‬
‫وعليـه أخـرى‪ ،‬ويقـول‪« :‬إن ابنـي هـذا سـيد‪ ،‬ولعـل اهلل أن يصلح به بين فئتني‬
‫عظيمتين مـن املسـلمني»‪ .‬قـال يل علي بـن عبـد اهلل‪ :‬إنام ثبت لنا سماع احلسـن‬
‫مـن أيب بكـرة هبـذا احلديث(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬فهـذه األخبـار الصحيحـة تبين أن احلسين ‪ ‬إنما ذهـب ألهـل‬


‫العـراق ملـا هلـم مـن الفضـل والعلـم والديانـة والشـجاعة‪ ،‬وهـذا بخلاف مـا‬
‫يذكـره مـن حيـاول تزويـر التاريـخ‪ ،‬أو من خـدع هبم مـن أن احلسين ‪ ‬ذهب‬
‫إىل أنـاس أوبـاش‪ ،‬ال عهـد هلـم‪ ،‬وأهنـم خدعوه وغـروه وغـدروا بـه‪ ،‬وإىل غري‬
‫ذلـك مـن األكاذيـب التي هتـدف إىل الطعـن باحلسين ‪ ‬والتقليل من شـأنه يف‬
‫إدارة األمـور والسياسـة وحسـن القيـادة‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬شدة حمبة أهل العراق آلل بيت النيب ‪‬‬
‫قـال خليفـة بـن خيـاط‪ :‬وحدثنـي وهـب قـال‪ ،‬حدثنـي جويريـة بن أسماء‬
‫قال‪ ،‬سـمعت أشـياخنا من أهـل املدينة مـا ال أحيص حيدثون‪ ...‬وخرج احلسين‬
‫مـن ليلتـه فالتقيـا بمكـة‪ ،‬فقـال له ابـن الزبير‪ :‬مـا يمنعك من شـيعتك وشـيعة‬
‫أبيـك؟ فـواهلل لـو أن يل مثلهـم لذهبـت إليهم(((‪.‬‬

‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.962‬‬


‫(((  تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.233‬‬
‫‪70‬‬

‫قلـت‪ :‬قـد يطلـق التشـيع ويـراد بـه حب علي ‪ ،‬وبغـض النواصـب‪ ،‬لذا‬
‫نسـب هـذا اللفـظ جلامعة مـن كبار علماء وفضلاء أهل السـنة‪.‬‬
‫قـال الذهبـي‪ :‬قال أمحـد بن عبـد اهلل العجيل يف الشـافعي‪ :‬كان يتشـيع‪ ،‬وهو‬
‫ثقـة‪ .‬قلـت ‪ -‬الذهبـي‪ :‬ومعنـى هـذا التشـيع حب عيل وبغـض النواصـب‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫عملا بما تواتر عـن نبينا ‪« :‬مـن كنت مـواله فعيل مـواله»‪ .‬أما‬ ‫يتخـذه مـوىل‪،‬‬
‫مـن تعـرض إىل أحـد من الصحابة بسـب فهو شـيعي ٍ‬
‫غـال نبرأ منه(((‪.‬‬
‫قـال ابـن أيب يعلى الفـراء‪ :‬إنما الشـيعة آلل حممـد املتقـون أهـل السـنة‬
‫واألثـر‪ ،‬مـن كانـوا وحيث كانـوا‪ ،‬الذيـن حيبون آل حممـد ‪ ‬ومجيـع أصحاب‬
‫حممـد ‪ ‬وال يذكـرون أحـدً ا منهـم بسـوء‪ ،‬وال عيـب وال منقصـة‪ ،‬فمـن ذكـر‬
‫أحـدً ا مـن أصحـاب حممـد ‪ ‬بسـوء‪ ،‬أو طعـن عليهـم‪ ،‬أو تبرأ مـن أحـد‬
‫منهـم‪ ،‬أو سـبهم أو عـرض بعيبهـم‪ ،‬فهـو رافضي خبيـث خمبـث(((‪.‬‬
‫قـال عبـد اهلل ابن اإلمـام أمحد‪ :‬قلـت أليب‪ :‬مـن الرافيض؟ قال‪ :‬الذي يسـب‬
‫أبا بكـر وعمر(((‪.‬‬

‫(((  تاريخ اإلسالم‪ ،‬جزء ‪ ،14‬صفحة ‪.338‬‬


‫(((  طبقات احلنابلة‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.33‬‬
‫(((  مسائل أمحد بن حنبل رواية ابنه عبد اهلل‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.99‬‬
‫‪71‬‬

‫أهم األحداث اليت وقعت يف الكوفة أثناء توجه اإلمام احلسني ‪‬‬
‫من مكة إىل الكوفة‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬عزل يزيد للنعمان بن بشري ‪ ‬عن الكوفة‬
‫وتولية عبيد اهلل بن زياد‬
‫مـن األمـور املهمـة التـي حدثـت هـي عـزل يزيـد للنعامن بـن بشير((( من‬
‫الكوفـة‪ ،‬وتوليـة عبيـد اهلل بـن زيـاد عليهـا‪ ،‬والـذي قـام ‪ -‬عبيـد اهلل بـن زياد ‪-‬‬
‫بقتـل هانـئ بـن عـروة‪ ،‬ومسـلم بـن عقيل‪.‬‬

‫قـال خليفـة‪ :‬فيهـا((( بعـث احلسين بـن عيل بـن أيب طالـب ابن عمه مسـلم‬
‫بـن عقيـل بـن أيب طالـب إىل أهـل الكوفـة ليبايعـوه‪ ،‬فبايعـه ناس كثير‪ ،‬فجمع‬
‫يزيـد بـن معاويـة لعبيـد اهلل بن زيـاد العـراق‪ ،‬فخرج بأهـل العراق فقتل مسـلم‬
‫بـن عقيـل وهانئ بن عـروة املـرادي(((‪.‬‬

‫أميرا على املدينـة على‬


‫ً‬ ‫قلـت‪ :‬وكان يزيـد قـد بعـث عمـرو بـن سـعيد‬
‫الوليـد بـن عتبـة؛ ختو ًفـا لضعف الوليـد‪ ،‬فهـذه التغيريات يف األمـراء والوالة‬
‫التـي قـام هبـا يزيـد تؤكـد أن يزيـد كان يديـر األمـور بنفسـه‪ ،‬فيعـزل مـن‬
‫األمـراء مـن يـراه لينًا مـع خمالفيه‪ ،‬ويسـتبدهلم بالظلمـة‪ ،‬وأهـل البطش‪ ،‬فوىل‬
‫أميرا على املدينـة على الوليـد بـن عتبـة؛ ختو ًفـا لضعـف‬
‫ً‬ ‫عمـرو بـن سـعيد‬
‫الوليـد‪ ،‬وعـزل النعمان بن بشير عن الكوفـة ووالهـا عبيد اهلل بن زيـاد‪ ،‬لذا‬

‫(((  النعمان بـن بشير بن سـعد بـن ثعلبة األنصـاري اخلزرجـي‪ ،‬لـه وألبويه صحبة‪ ،‬ثم سـكن‬
‫الشـام‪ ،‬ثـم ويل إمـرة الكوفـة‪ ،‬ثم قتـل بحمص سـنة مخس وسـتني وله أربع وسـتون سـنة‪.‬‬
‫تقريـب التهذيـب‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.563‬‬
‫(((  أي يف سنة ستني للهجرة‪.‬‬
‫(((  تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.231‬‬
‫‪72‬‬

‫فلا يمكـن إغفـال دور يزيـد فيما حصـل يف مكـة واملدينـة والعراق مـن قتل‬
‫لألنفـس‪ ،‬وهنـب لألمـوال‪ ،‬ومـن اسـتحالل حلـرم اهلل(((‪ ،‬بـل قـد ذكـر ابـن‬
‫كثير أن الدولـة اليزيديـة كلهـا كانـت مناوئـة للحسين‪.‬‬
‫قـال ابـن كثري‪ :‬بـل الناس إنما ميلهم إىل احلسين؛ ألنه السـيد الكبير‪ ،‬وابن‬
‫بنـت رسـول اهلل ‪ ‬فليـس على وجـه األرض يومئذ أحد يسـاميه وال يسـاويه‪،‬‬
‫ولكـن الدولـة اليزيديـة كانت كلهـا تناوئه(((‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مقتل هانئ بن عروة((( وهو من رؤساء أهل الكوفة‬


‫(((‬
‫ثم مقتل مسلم بن عقيل‬
‫قـال البلاذري‪ :‬حدثنا سـعيد بن سـليامن‪ ،‬ثنا عبـاد بن العـوام‪ ،‬عن حصني‪،‬‬
‫أن أهـل الكوفـة كتبـوا إىل احلسين‪ :‬إنـا معـك ومعنـا مائـة ألـف سـيف‪ ،‬فبعث‬
‫إليهـم مسـلم بن عقيـل فنـزل بالكوفة دار هانـئ بن عـروة‪ ،‬فبعث إليـه ابن زياد‬
‫فأتـى‪ ،‬فرضبـه بقضيـب كان معـه‪ ،‬ثـم أمـر فكتـف فرضبـت عنقـه‪ ،‬فبلـغ ذلك‬
‫مسـلم بـن عقيل فخـرج يف ناس كثير(((‪.‬‬
‫(((  قـال املنـاوي‪ :‬قيـل البـن اجلـوزي وهـو عىل كـريس الوعـظ‪ :‬كيف يقـال يزيد قتل احلسين‬
‫وهو بدمشـق واحلسين بالعـراق؟ فقال‪:‬‬
‫من بالعراق لقد أبعدت مرماكا‬ ‫سـهم أصـاب وراميـه بذي سـلم‬
‫فيض القدير‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.205‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.151‬‬
‫(((  هانـئ بـن عـروة مـن رؤسـاء أهـل الكوفة‪ ،‬وهـو الذي نزل مسـلم بـن عقيل بـن أيب طالب‬
‫عنـده ملـا أرسـله احلسين بن عيل ألخـذ البيعـة عىل أهـل الكوفـة‪ ،‬فقبـض عبد اهلل بـن زياد‬
‫عليهما فقتلهما‪ .‬اإلصابـة يف متييز الصحابـة‪ ،‬جـزء ‪ ،5‬صفحة ‪.124‬‬
‫(((  مسـلم بـن عقيـل‪ ،‬وهـو الـذي بعثه احلسين بن علي بـن أيب طالب عليهما السلام من مكة‬
‫يبايـع لـه النـاس‪ ،‬فنـزل بالكوفـة على هانـئ بـن عـروة املـرادي‪ ،‬فأخـذ عبيـد اهلل بـن زياد‬
‫مسـلم بـن عقيـل وهانـئ بـن عـروة فقتلهما مجي ًعـا وصلبهما‪ .‬الطبقـات الكربى‪ ،‬جـزء ‪،4‬‬
‫صفحـة ‪.42‬‬
‫(((  أنساب األرشاف‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.422‬‬
‫‪73‬‬

‫قلـت‪ :‬حصين قـد أدرك حادثـة مقتـل احلسين‪ ،‬إال أن حصينًـا قـد ذكـر‬
‫أمـورا مرسـلة مل يشـهدها منهـا ‪ -‬أن أهـل الكوفـة كتبـوا إىل‬
‫ً‬ ‫يف سـياق احلادثـة‬
‫احلسين‪ :‬إنـا معك ومعنـا مائة ألف سـيف ‪ -‬وأمـور موصولة سـننبه عليها عند‬
‫ذكرها‪.‬‬

‫أمـا قول حصين‪( :‬إن أهـل الكوفة كتبـوا إىل احلسين‪ :‬إنا معـك ومعنا مائة‬
‫ألـف سـيف)‪ .‬فلـم أجد مـا يؤيد هـذا اخلبر يف األسـانيد الصحيحـة املوصولة‪،‬‬
‫فلا ُيعلـم هـل كتب أهل الكوفة للحسين‪ ،‬أم أن احلسين ‪ ‬أرسـل مسـلم بن‬
‫عقيـل ابتـداء بعـد أن نصحه ابـن الزبير ‪ ‬بالتوجـه إىل العراق‪ ،‬ولعلهـم كتبوا‬
‫لـه كما بلـغ حصين إال أن ما يرويـه حصني بال ًغـا جاء فيه مـن النكارة مـا يمنع‬
‫قبـول ما يرسـله مـن األخبـار‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫وأما إرسـال احلسين ‪ ‬ملسـلم بـن عقيـل ‪ ‬إىل أهل الكوفـة‪ ،‬فال خالف‬
‫بين املؤرخين يف صحـة ذلـك‪ ،‬وإنما فرقنـا بين قبـول قـول حصين يف أن أهـل‬
‫الكوفـة كتبوا للحسين ‪ ‬وبني إرسـال احلسين ‪ ‬ملسـلم بن عقيـل؛ ألن كتابة‬
‫الكتـب وإرسـاهلا تكـون مـن األمـور التـي ختفـى‪ ،‬ويعسر االطلاع عليهـا‪ ،‬إال‬
‫ألهـل الشـأن‪ ،‬أمـا إرسـال احلسين ‪ ‬ملسـلم بـن عقيـل ‪ ‬وذكر قتلـه عىل يد‬
‫ابـن زيـاد‪ ،‬فال خيفى على حصني الـذي أدرك الواقعة‪ ،‬كام أن إرسـال احلسين ‪‬‬
‫ً‬
‫موصـول كام سـيأيت‪.‬‬ ‫ملسـلم بـن عقيـل وقتـل ابن زيـاد له قـد صح‬

‫ثال ًثا‪ :‬أمر عبيد اهلل بن زياد بأخذ ما بني واقصة‬


‫إىل طريق الشام إىل طريق البصرة فال يرتك أحد يلج وال خيرج‬
‫ومـن األحـداث املهمـة مـا قـام بـه ابـن زيـاد مـن رضب احلصـار مـا بين‬
‫واقصـة إىل طريـق الشـام إىل طريـق البصرة‪ ،‬فلا يترك أحـد يلـج وال خيـرج‪.‬‬
‫قـال البلاذري‪ :‬وحدثنـا سـعدويه‪ ،‬ثنـا عبـاد بـن العـوام‪ ،‬حدثنـي حصني‪،‬‬
‫‪74‬‬

‫حدثنـي هلال بـن إسـاف قـال‪ :‬أمر ابـن زيـاد فأخذ مـا بين واقصـة إىل طريق‬
‫الشـام إىل طريـق البصرة‪ ،‬فلا يرتك أحـد يلج وال خيرج‪ ،‬فانطلق احلسين يسير‬
‫نحـو طريـق الشـام يريـد يزيد بـن معاويـة‪ ،‬فتلقتـه اخليـول فنزل كربلاء(((‪.‬‬

‫(((  (إسناده صحيح)‪ .‬أنساب األرشاف‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.383‬‬


‫‪75‬‬

‫هل غدر أهل الكوفة باحلسني ‪‬؟‬


‫مـن األباطيـل املشـتهرة هي أن أهـل الكوفـة إنام غروا احلسين‪ ،‬وغـدروا به‪،‬‬
‫ومل ينصروه‪ .‬وأصحـاب هـذا القـول هـم ممـن مل يغربـل الروايـات التارخييـة‪ ،‬ومل‬
‫يميـز صحيحهـا من سـقيمها؛ لعجزه عـن ذلـك‪ ،‬أو لتثاقلـه‪ ،‬أو العتماده عىل ما‬
‫اشـتهر مـن غير االلتفـات إىل األسـانيد‪ ،‬فلم يتبين هلـم أن كل هذه األقـوال هي‬
‫أقـوال ضعيفـة‪ ،‬ال يدعمهـا ال املعقـول‪ ،‬وال املنقـول‪ ،‬فـإن احلسين ‪ ‬مـن أئمة‬
‫املسـلمني‪ ،‬وليـس هو ممـن يغره أو يسـتغفله أهل مرص مـن األمصـار‪ ،‬ال الكوفة‪،‬‬
‫وال غريهـم‪ ،‬ال سـيام أن احلسين ‪ ‬قـد عـاش يف الكوفـة يف فترة خالفـة علي‬
‫واحلسـن وعلـم مـن أحواهلـم مـا ال يعلمـه غيره‪ ،‬فكيـف ملثـل احلسين ‪‬‬
‫أن يثـق بمـن ليـس بأهـل للثقـة‪ ،‬ثـم إن القـول بأن أهـل الكوفـة كتبوا للحسين‬
‫أن يقـدم ممـا مل يصـح به سـند صحيـح موصـول‪ ،‬وإنام هـي حكايـات تارخيية بال‬
‫أسـانيد‪ ،‬أو بأسـانيد غير صحيحـة‪ ،‬وعلى فـرض صحتهـا فإن ممـا قيـل‪ :‬إن من‬
‫كتبهـا هـم مـن خيـار النـاس وأفاضلهـم‪ ،‬حتى قيـل إن الكتـب إنام كتبـت يف دار‬
‫الصحـايب سـليامن بـن ُصد((( ‪ ،‬فكيـف يصدر الغدر باحلسين مـن صحايب أو‬
‫مـن أفاضـل أهل الكوفـة الذيـن عرفـوا بمواالهتم وشـدة حمبتهم للحسين ‪‬؟‬
‫بـل كيـف يعقـل أن أهـل الكوفة غـدروا باحلسين وقد قدموا سـيدً ا من سـاداهتم‬
‫وهـو هانـئ بن عـروة ‪ ‬فقتل قبـل مقتل احلسين ‪‬؟ بل قبل مقتل مسـلم بن‬
‫عقيـل ‪‬؟ كما قتـل مجاعـة مـن أهـل الكوفة مع مسـلم بـن عقيل كام سـيأيت يف‬
‫اخلبر الصحيـح املوصول‪.‬‬

‫(((  قـال أمحـد بـن داود الدينـوري‪ :‬وملـا بلغ أهل الكوفـة وفـاة معاوية وخروج احلسين بن عيل‬
‫إىل مكـة‪ ،‬اجتمـع مجاعـة مـن الشـيعة يف منزل سـليامن بـن رصد‪ ،‬واتفقـوا على أن يكتبوا إىل‬
‫احلسين يسـألونه القـدوم عليهـم ليسـلموا األمر إليـه‪ ،‬ويطـردوا النعمان بن بشير‪ ،‬فكتبوا‬
‫إليـه بذلـك‪ .‬األخبار الطـوال‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.339‬‬
‫‪76‬‬

‫نعـم قـد يكـون وقع نـوع مـن التقصري مـن أهـل الكوفة بسـبب ما قـام به‬
‫(((‬
‫يزيـد مـن عـزل النعمان بن بشير ‪ ‬عـن الكوفـة وتولية عبيـد اهلل بـن زياد‬
‫ممـا أدى إىل إربـاك أهـل الكوفـة ملا مارسـه ابـن زياد مـن الظلـم والبطش بحق‬
‫مـن تعـاون مـع احلسين ‪ ‬أو نـارصه‪ .‬أمـا وصـف أهـل الكوفـة يف ذلـك‬
‫الوقـت بأهنـم روافـض‪ ،‬أو بأهنـم غـدروا باحلسين‪ ،‬فهـذا مـن األباطيـل التي‬
‫علما أن كالمنـا هـو يف خيار أهـل الكوفـة‪ ،‬وأفاضلهم من‬‫ينبغـي تصحيحهـا‪ً ،‬‬
‫الصحابـة والتابعين‪ ،‬أمـا وجـود السـيئ والـرديء يف الكوفة وغريهـا فهذا مما‬
‫ال خيلـو منـه عصر وال مرص‪.‬‬

‫(((  حتـى أن بعـض الصحابـة ‪ ‬كانـوا يتحرجـون مـن تقديـم النصـح لعبيـد اهلل بـن زيـاد ملا‬
‫علمـوا مـن ظلمـه وبطشـه‪ ،‬كما يف احلديـث الـذي أخرجـه اإلمـام مسـلم‪ ،‬عـن معقـل بن‬
‫يسـار ‪.‬‬
‫قـال اإلمـام مسـلم‪ :‬حدثنـا شـيبان بـن فـروخ‪ ،‬حدثنـا أبـو األشـهب‪ ،‬عـن احلسـن قال‪:‬‬
‫عـاد عبيـد اهلل بـن زيـاد معقـل بن يسـار املـزين يف مرضه الـذي مات فيـه‪ ،‬قـال معقل‪ :‬إين‬
‫حمدثـك حدي ًثـا سـمعته مـن رسـول اهلل ‪ ‬لو علمـت أن يل حياة مـا حدثتك‪ ،‬إين سـمعت‬
‫رسـول اهلل ‪ ‬يقـول‪« :‬مـا مـن عبـد يسترعيه اهلل رعيـة يمـوت يـوم يمـوت وهـو غـاش‬
‫لرعيتـه إال حـرم اهلل عليـه اجلنـة»‪ .‬صحيـح مسـلم‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحـة ‪.125‬‬
‫الباب السادس‬
‫مقتل اإلمام الحسين ‪‬‬
‫‪79‬‬

‫مقتل احلسني ‪‬‬


‫إن أصـح مـا روي يف مقتـل اإلمـام احلسين ‪ ‬هـو مـا أخرجـه البلاذري‬
‫يف «أنسـاب األرشاف» بسـند صحيـح عـن حصين بـن عبـد الرمحـن‪ ،‬وهو ممن‬
‫أدرك احلـادث‪ ،‬ويـروي بعضهـا بال ًغا؛ لكونه مل يشـهد احلادثة كما يف أول اخلرب‪،‬‬
‫والبعـض اآلخر مسـندً ا‪ ،‬وسـننبه على هـذا يف موضعه(((‪.‬‬
‫قـال البلاذري‪ :‬حدثنا سـعيد بن سـليامن‪ ،‬ثنا عبـاد بن العـوام‪ ،‬عن حصني‪،‬‬
‫أن أهـل الكوفـة كتبـوا إىل احلسين‪ :‬إنا معـك ومعنا مائـة ألف سـيف(((‪ ،‬فبعث‬
‫إليهـم مسـلم بـن عقيـل‪ ،‬فنـزل بالكوفـة دار هانـئ بـن عـروة‪ ،‬فبعـث إليـه ابن‬
‫زيـاد‪ ،‬فأتـى فرضبـه بقضيـب كان معـه‪ ،‬ثـم أمـر فكتـف فرضبـت عنقـه‪ ،‬فبلـغ‬
‫ذلـك مسـلم بن عقيـل‪ ،‬فخـرج يف ناس كثير(((‪.‬‬
‫قـال حصين‪ :‬فحدثنـي هلال بـن يسـاف((( قـال(((‪ :‬لقـد تفرقوا عنـه‪ ،‬فلام‬
‫قلـت األقـوات((( قيـل البـن زيـاد‪ :‬مـا نـرى معـه كبير أحـد‪ .‬فأمـر فرفعـت‬
‫(((  وكـذا أخـرج اإلمـام الطبري هـذا اخلرب عـن طريقين؛ أحدمها صحيـح من طريـق‪ :‬حممد بن‬
‫عمار الرازي قال‪ ،‬حدثنا سـعيد بن سـليامن قـال‪ ،‬حدثنا عباد بـن العوام قـال‪ ،‬حدثنا حصني‪،‬‬
‫أن احلسين بـن عيل عليـه السلام‪ ،...‬واآلخر ضعيف جدًّ ا من طريق‪ :‬احلسين بـن نرص قال‪،‬‬
‫حدثنـا أبـو ربيعة قـال‪ ،‬حدثنا أبـو عوانة‪ ،‬عـن حصني بن عبـد الرمحن‪...‬‬
‫(((  هـذا العـدد فيـه مبالغـة كبيرة دالـة على نـكارة مـا بلـغ حصين مـن مكاتبـة أهـل الكوفـة‬
‫للحسين ‪ ،‬وقـد تقـدم الـكالم يف أنـه مل يصـح خبر يصلـح لالحتجـاج يثبـت أن أهـل‬
‫الكوفـة كاتبـوا احلسين ‪.‬‬
‫(((  إىل هنـا حصين يـروي مـا بلغـه‪ ،‬ثـم سـيذكر مـا عنـده موصـولً ممـا سـمعه عن هلال بن‬
‫يسـاف وسـعد بـن عبيدة‪.‬‬
‫(((  يف األصل (إساف) والصواب (يساف) كام يف تاريخ الطربي‪.‬‬
‫(((  مـن هنـا يكـون اخلبر موصـولً؛ ألن حصينًـا وإن كان أدرك الواقعـة إال أنـه حـدث ببعض‬
‫ً‬
‫موصول‪.‬‬ ‫األحـداث بال ًغـا وببعضهـا‬
‫(((  (قلـت األقـوات) كـذا يف األصـل‪ ،‬ولعل الصـواب (قلت األصـوات)‪ ،‬وكل هـذا يدل عىل‬
‫‪80‬‬

‫حـرادي((( فيهـا النـار حتـى نظـروا فـإذا ليس مـع مسـلم إال قدر مخسين‪ ،‬فقال‬
‫ابـن زياد للناس‪ :‬متيـزوا أربا ًعا‪ ،‬فانطلـق كل قوم إىل رأس ربعهـم‪ ،‬فنهض إليهم‬
‫قـوم قاتلـوا مـع مسـلم(((‪ ،‬فجـرح مسـلم جراحـة‪ ،‬وقتـل نـاس مـن أصحابـه‪،‬‬
‫وجلـأ إىل دار مـن دور كنـدة‪ ،‬فجـاء رجـل إىل حممد بـن األشـعث((( وهو جالس‬
‫مسـلم يف دار‬
‫ً‬ ‫عنـد ابـن زيـاد فأخبره بذلـك‪ ،‬فقـال البـن زيـاد‪ :‬إنـه قـال يل إن‬
‫نـارا‪ ،‬فهي‬
‫فلان‪ .‬فقـال‪ :‬ائتـوين بـه‪ .‬فدخـل عليـه وهو عنـد امـرأة قد أوقـدت ً‬
‫عفـوا؟ قالوا‪ :‬مـا نملك‬
‫تغسـل عنـه الـدم فقالوا لـه‪ :‬انطلـق إىل األمير‪ .‬فقـال‪ً :‬‬
‫ذلـك‪ .‬فانطلـق معهـم‪ ،‬فلما رآه أمر به فكتـف‪ ،‬وقال‪ :‬أجئـت يا ابن حليـة لتنزع‬
‫سـلطاين؟ وأمـر بـه فرضبـت عنقه‪ ،‬قـال‪ :‬وحلية‪ ،‬أم مسـلم بـن عقيـل‪ ،‬وهي أم‬
‫ولـد‪ .‬ثـم أمـر بأخـذ ما بين واقصـة‪ ،‬إىل طريـق الشـام‪ ،‬إىل طريـق البرصة‪.‬‬
‫وأقبـل احلسين وهو ال يشـعر بشيء حتى لقـي األعـراب فسـأهلم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫واهلل مـا نـدري غير أنـا ال نقـدر على أن نخـرج أو نلـج‪ ،‬فانطلـق يسير نحـو‬
‫وجـود جتمـع كبير ألهل الكوفـة حول مسـلم بـن عقيل ملحاربـة عبيـد اهلل بن زيـاد‪ ،‬ال كام‬
‫يزعـم البعـض مـن أن أهـل الكوفـة غـروا احلسين ثم غـدروا بـه‪ ،‬إال أن قتـل ابن زيـاد إىل‬
‫سـيد مـن سـادات الكوفـة ‪ -‬هانـئ بـن عـروة ‪ -‬وشـدة بطـش ابـن زيـاد بمـن يتعـاون مع‬
‫احلسين ‪ ‬أدى إىل تفـرق عـدد كبير مـن النـاس عن مسـلم بـن عقيل‪ ،‬فـإن أهـل الكوفة‬
‫إنما علمـوا ببطـش يزيد وعبيـد اهلل بن زيـاد بعد أن قـام يزيد بعـزل النعامن بن بشير وتولية‬
‫ابـن زيـاد على الكوفـة‪ ،‬وقد بطشـت جيـوش يزيد بـكل من قـام هلل على يزيد مـن آل بيت‬
‫النبـي ‪ ‬وصحابتـه والتابعين يف مكـة واملدينة والعـراق‪ ،‬وقهـروا النـاس وغلبوهم‪ ،‬حتى‬
‫قـال اآللـويس ‪« :‬وال أظـن أن أمـره ‪ -‬يعنـي يزيـد ‪ -‬كان خاف ًيـا عىل أجلة املسـلمني إذ‬
‫ً‬
‫مفعول»‪.‬‬ ‫أمـرا كان‬
‫ذاك‪ ،‬ولكـن كانـوا مغلوبين مقهورين مل يسـمعهم إال الصرب؛ ليقيض اهلل ً‬
‫روح املعـاين‪ ،‬جـزء ‪ ،26‬صفحة ‪.73‬‬
‫(((  يف األصل (جرادي) والصواب (حرادي) كام يف تاريخ الطربي‪.‬‬
‫ويقـال ملـا يلقـى عليها مـن أطيـان القصب حـرادي‪ .‬وغرفـة حمـردة‪ :‬فيها حـرادي القصب‬
‫عرضـا‪ .‬وبيـت حمرد‪ :‬مسـنم‪ ،‬وهـو الذي يقـال له بالفارسـية كـوخ‪ ،‬واحلردي مـن القصب‬ ‫ً‬
‫نبطـي معـرب‪ ،‬وال يقـال‪ :‬اهلردي‪ .‬لسـان العـرب‪ ،‬جـزء ‪ ،3‬صفحة ‪.147‬‬
‫(((  وهـذا يـدل على أن مسـلم بن عقيـل ومن معه قد دخلـوا يف معركة مـع أتباع ابـن زياد‪ ،‬وقد‬
‫قـام معه قـوم من أهـل الكوفة‪.‬‬
‫(((  حممد بن األشعث بن قيس الكندي‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫(((‬
‫الشـام((( إىل يزيـد‪ ،‬فلقيته اخليـول بكربالء(((‪ ،‬فناشـدهم اهلل‪ ،‬وكان بعـث إليه‬
‫عمـر بن سـعد(((‪ ،‬وشـمر بـن ذي اجلوشـن(((‪ ،‬وحصني بـن نمري((( ‪ ،‬فناشـدهم‬
‫اهلل أن يسيروه إىل يزيـد فيضـع يـده يف يـده‪ ،‬فقالـوا‪ :‬ال‪ ،‬إال عىل حكـم ابن زياد‪،‬‬
‫وكان فيمـن بعـث إليـه احلـر بن يزيـد احلنظيل فقـال هلم(((‪ :‬يـا قوم‪ ،‬لو سـألتكم‬
‫هـذا الترك والديلم ما حـل لكـم أن متتنعوا منه‪ .‬فأبـوا إال أن حيملـوه عىل حكم‬
‫ابـن زيـاد‪ ،‬فركب وصـار مع احلسين‪ ،‬ثم كر على أصحـاب ابن زيـاد فقاتلهم‪،‬‬
‫فقتـل منهـم رجلني ثـم قتل‪.‬‬

‫(((  هـذا يبين أن احلسين ‪ ‬بعـد علمه بحصـار ابن زيـاد تبني له أن ابـن زياد قد أحبـط حماولة‬
‫مسـلم بـن عقيـل يف املهمة التي وكل هبا‪ ،‬فغري احلسين مسـاره وتوجه إىل الشـام‪ ،‬وهذا يدل‬
‫متوجها للشـام ال إىل الكوفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫عىل أن احلسين عندما قتـل كان‬
‫(((  وهذا يدل أن ابن زياد وأتباعه هم من كانوا يطلبون احلسني ويبحثون عنه من أجل قتله‪.‬‬
‫(((  يعني عبيد اهلل بن زياد‪.‬‬
‫(((  عمـر بـن سـعد هـو عمر بن سـعد بن أيب وقـاص‪ ،‬وقد صـح أن أباه سـعدً ا اسـتعاذ باهلل منه‬
‫كما يف صحيح اإلمام مسـلم‪.‬‬
‫قـال اإلمـام مسـلم‪ :‬حدثنا إسـحاق بن إبراهيـم وعباس بن عبـد العظيم‪ ،‬واللفظ إلسـحاق‬
‫قـال عبـاس حدثنا‪ ،‬وقال إسـحاق‪ :‬أخربنـا أبو بكر احلنفـي‪ ،‬حدثنا بكري بن مسمار‪ ،‬حدثني‬
‫عامـر بن سـعد قال‪ :‬كان سـعد بـن أيب وقـاص يف إبله‪ ،‬فجاءه ابنـه عمر‪ ،‬فلام رآه سـعد قال‪:‬‬
‫أعـوذ بـاهلل مـن رش هـذا الراكـب‪ ،‬فنزل فقـال له‪ :‬أنزلـت يف إبلـك وغنمك وتركـت الناس‬
‫يتنازعـون امللـك بينهـم؟ فضرب سـعد يف صـدره فقال‪ :‬اسـكت‪ ،‬سـمعت رسـول اهلل ‪‬‬
‫يقـول‪« :‬إن اهلل حيـب العبـد التقي الغنـي اخلفي»‪ .‬صحيح مسـلم‪ ،‬جـزء ‪ ،4‬صفحة ‪.2277‬‬
‫وقـال ابـن عبـد البر‪ :‬إنام نسـب قتل احلسين إىل عمر بن سـعد؛ ألنـه كان األمري على اخليل‬
‫التـي أخرجهـا عبيـد اهلل بـن زيـاد إىل قتـال احلسين وأمـر عليهـم‪ .‬االسـتيعاب‪ ،‬جـزء ‪،1‬‬
‫صفحـة ‪.394‬‬
‫(((  شـمر بـن ذي اجلوشـن‪ ،‬أبو السـابغة الضبـايب‪ ،‬عن أبيـه‪ ،‬وعنه أبو إسـحاق السـبيعي‪ :‬ليس‬
‫بأهـل للروايـة‪ ،‬فإنه أحد قتلة احلسين ‪ .‬لسـان امليـزان‪ ،‬جـزء ‪ ،3‬صفحة ‪.152‬‬
‫(((  حصين بـن نمير السـكوين‪ ،‬أحـد أمراء يزيـد بن معاويـة يف حمـارصة املدينة‪ ،‬ثم ابـن الزبري‪،‬‬
‫مشـهور ال روايـة لـه‪ ،‬خلطه بعضهـم بالذي قبلـه‪ ،‬والصواب أنـه غريه‪ ،‬كام صنـع البخاري‬
‫وابن حبـان‪ .‬تقريـب التهذيب‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحة ‪.171‬‬
‫(((  القائل هو‪ :‬احلر بن يزيد احلنظيل‪.‬‬
‫‪82‬‬

‫حاجـا‪ ،‬فأقبـل‬
‫وذكـر أن زهير بـن القين البجلي((( لقـي احلسين‪ ،‬وكان ًّ‬
‫معـه‪ .‬قالـوا(((‪ :‬وأخـرج إليـه ابن زيـاد‪ ،‬ابـن أيب حويـزة((( املـرادي‪ ،‬وعمرو بن‬
‫احلجـاج(((‪ ،‬ومعنـا السـلمي‪.‬‬
‫قـال حصني‪ :‬فحدثني سـعد بن عبيـدة((( قال‪ :‬إن أشـياخنا من أهـل الكوفة‬
‫لوقـوف على تـل يبكـون ويقولـون‪ :‬اللهم أنـزل عليه نصرك‪ .‬فقلت‪ :‬يـا أعداء‬
‫اهلل‪ ،‬أال تنزلـون فتنرصونه(((‪.‬‬
‫قـال‪ :‬وأقبـل احلسين يكلم مـن بعث إليه ابـن زيـاد‪ ،‬وإين ألنظر إليـه وعليه‬
‫جبـة بـرد‪ ،‬فلما أبوا ما قـال هلم‪ ،‬انصرف إىل مصافـه‪ ،‬وإهنم ملائة رجـل أو قريب‬
‫مـن مائـة‪ ،‬فيهـم مـن صلـب علي مخسـة‪ ،‬وسـتة عشر مـن اهلاشـميني‪ ،‬وفيهـم‬
‫رجـل مـن سـليم‪ ،‬حليـف هلم‪ ،‬ورجـل مـن كنانة حليـف هلم‪.‬‬
‫قـال حصين‪ :‬وأخربين سـعد بن عبيـدة قال‪ :‬إنا ملسـتنقعون يف املـاء مع عمر‬
‫بـن سـعد إذ أتـاه رجـل فسـاره‪ ،‬فقال‪ :‬بعـث إليك ابـن زيـاد‪ ،‬ابن حويـزة((( بن‬

‫(((  هـو‪ :‬زهير بـن القني بن احلـارث البجلي‪ ،‬ويف املطبوع (العجلي)‪ ،‬والصـواب (البجيل)‪ ،‬كام‬
‫يف تاريـخ الطربي‪.‬‬
‫(((  هذا مما مل يسنده حصني‪.‬‬
‫(((  يف تاريخ الطربي (ابن أيب بحرية)‪ ،‬ويف البداية والنهاية (ابن أيب خمرمة)‪.‬‬
‫(((  عمرو بن احلجاج الزبيدي‪.‬‬
‫(((  سـعد بـن عبيـدة السـلمي‪ ،‬وهـو ممـن شـهد احلادثة‪ ،‬فاخلبر من هنا ممـا وصلـه حصني‪ ،‬ويف‬
‫تاريـخ أيب زرعـة الدمشـقي زيـادة نذكرها هنا‪.‬‬
‫قـال أبـو زرعـة الدمشـقي‪ :‬حدثنـا سـعيد بـن سـليامن‪ ،‬عـن عباد بـن العـوام‪ ،‬عـن حصني‬
‫قـال‪ :‬أدركـت ذاك ‪ -‬يعنـي مقتـل احلسين‪ .‬قـال‪ :‬فحدثنـي سـعد بـن عبيـدة قـال‪ :‬فرأيـت‬
‫احلسين‪ ،‬وعليـه جبـة برود‪ ،‬ورمـاه رجل يقال لـه عمرو بن خالـد الطهوي بسـهم‪ ،‬فنظرت‬
‫إىل السـهم معل ًقـا بجبتـه‪ .‬تاريـخ أيب زرعـة الدمشـقي‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحـة ‪.321‬‬
‫(((  وهـذا يـدل على أن قلـوب أهل الكوفـة كانت مع احلسين ‪ ،‬ومل يقصدوا الغـدر به‪ ،‬وإنام‬
‫شـدة بطـش ابـن زيـاد وقتلـه لسـيدهم هانـئ بن عـروة ومقتل مسـلم بـن عقيل حـال دون‬
‫التمكـن من نرصة احلسين ‪.‬‬
‫(((  يف تاريخ الطربي (جويرية) ويف تاريخ اإلسالم للذهبي (جويرة)‪.‬‬
‫‪83‬‬

‫بـدر التميمـي‪ ،‬وأمـره إن أنـت مل تقاتـل أن يرضب عنقـك‪ .‬قال‪ :‬فخـرج فوثب‬
‫عىل فرسـه‪ ،‬ثـم دعا بسلاحه‪ ،‬وصار إليهـم فقاتلهـم‪ ،‬فجيء برأس احلسين إىل‬
‫ابـن زيـاد‪ ،‬فوضـع بين يديه وجعـل ينكثه بقضيـب له ويقـول‪ :‬أرى أبـا عبد اهلل‬
‫قـد كان شـمط(((‪ ،‬وأمـر ببناتـه ونسـائه‪ ،‬فكان أحسـن مـا صنع هبـن أن أمر هلن‬
‫بمنـزل يف مـكان معتـزل‪ ،‬وأجرى عليهـن رز ًقا‪ ،‬وأمـر هلن بكسـوة ونفقة(((‪.‬‬
‫وجلـأ ابنـان لعبـد اهلل بن جعفـر إىل رجل مـن طيئ فضرب أعناقهما‪ ،‬وأتى‬
‫ابـن زيـاد برءوسـهام‪ ،‬فهم بضرب عنقـه‪ ،‬وأمر بـداره فهدمت‪.‬‬
‫قـال حصين(((‪ :‬فلما قتـل احلسين لبثـوا شـهرين أو ثالثـة وكأنما تلطـخ‬
‫احلوائـط بالدمـاء مـذ صلاة الصبـح إىل ارتفـاع الشـمس(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـي حممـد بـن احلسين بـن إبراهيـم قـال‪،‬‬
‫حدثنـي حسين بـن حممـد‪ ،‬حدثنـا جرير‪ ،‬عـن حممد‪ ،‬عـن أنس بـن مالك ‪‬‬
‫أيت عبيـد اهلل بـن زيـاد برأس احلسين بـن علي ‪ ‬فجعل يف طسـت‪ ،‬فجعل‬
‫ينكـت وقال يف حسـنه شـي ًئا‪ ،‬فقال أنس‪ :‬كان أشـبههم برسـول اهلل ‪ ،‬وكان‬
‫خمضو ًبا بالوسـمة(((‪.‬‬
‫قـال ابـن كثير‪ :‬فـكل مسـلم ينبغـى لـه أن حيزنـه قتلـه ‪ ‬فإنه من سـادات‬
‫املسـلمني‪ ،‬وعلماء الصحابـة‪ ،‬وابـن بنـت رسـول اهلل ‪ ‬التـي هي أفضـل بناته‪،‬‬

‫(((  الشـمط يف الرجـل‪ :‬شـيب اللحيـة‪ ،‬ويقـال للرجـل أشـيب‪ .‬والشـمط‪ :‬بياض شـعر الرأس‬
‫خيالط سـواده‪ .‬لسـان العـرب‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.336‬‬
‫(((  قـال ابـن تيميـة‪ :‬مـا ينقله بعـض الكذابني من أن طائفـة من أهـل البيت سـبوا فأركبوا مجالً‬
‫فنبـت هلـا سـنامان‪ ،‬وأهنـا البخـايت‪ ،‬فهذا ممـا اتفق أهـل املعرفـة باألخبـار عىل أنه كـذب‪ ،‬مل‬
‫يسـب املسـلمون قـط يف وقت مـن األوقات أحـدً ا من أهل بيـت النبـي ‪ ،‬ال يف خالفة بني‬
‫أميـة وال يف خالفـة بنـي العباس‪ .‬اجلـواب الصحيح‪ ،‬جـزء ‪ ،6‬صفحة ‪.342‬‬
‫(((  هنـا يذكـر حصين مـا بلغه مـن أحـداث‪ ،‬وفيها من النـكارة ما ال خيفـى‪ ،‬لذا فلا يعتمد عىل‬
‫ً‬
‫موصول‪.‬‬ ‫مـا رواه حصين بال ًغـا‪ ،‬وإنام القبـول ملا حدث بـه‬
‫(((  أنساب األرشاف‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.425 ،422‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1370‬‬
‫‪84‬‬

‫وقـد كان عابدً ا وشـجا ًعا وسـخ ًّيا‪ ،‬ولكن ال حيسـن مـا يفعله الشـيعة من إظهار‬
‫اجلـزع واحلـزن الـذي لعل أكثـره تصنع وريـاء(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬قـد حـاول أهـل الكـذب أن حيرفـوا مـا قـام بـه اإلمـام احلسين ‪‬‬
‫يف قيامـه على يزيـد مـن مذهـب قويـم‪ ،‬وجمـد عميـم‪ ،‬إىل مشـهد دميـم‪ ،‬وطعن‬
‫وزورا أن نسـاء آل بيـت النبوة ممن‬
‫ً‬ ‫سـقيم‪ ،‬فأتـوا بـكل بليـة‪ ،‬حتى زعمـوا كذ ًبـا‬
‫كـن مـع احلسين ‪ ‬أخـذن سـبايا إىل الشـام‪ ،‬يف حماولة ماكـرة منهـم للطعن يف‬
‫احلسين وآل بيـت النبوة‪.‬‬
‫قـال ابـن تيميـة‪ :‬وأمـا مـا ذكره مـن سـبي نسـائه‪ ،‬والـذراري‪ ،‬والـدوران‬
‫هبـم يف البلاد‪ ،‬ومحلهـم على اجلامل بغير أقتاب‪ ،‬فهـذا كذب وباطل‪ ،‬ما سـبى‬
‫املسـلمون وهلل احلمـد هاشـمية قـط‪ ،‬وال اسـتحلت أمـة حممـد ‪ ‬سـبي بنـي‬
‫هاشـم قط(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬الـذي صـح أن عبيـد اهلل بـن زيـاد إنما سيرهم إىل يزيـد يف الشـام‪،‬‬
‫ومـن الشـام انتقلـوا إىل املدينـة النبويـة‪ ،‬كما يف «صحيح اإلمـام البخـاري»‪ ،‬أما‬
‫مـا يذكـر مـن السـبي ومـا شـاهبه فهـو مـن األكاذيـب التي حيـرص عليهـا أهل‬
‫الباطـل للطعـن يف آل بيـت النبـوة‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا سـعيد بن حممـد اجلرمـي‪ ،‬حدثنـا يعقوب بن‬
‫إبراهيـم‪ ،‬حدثنـا أيب‪ ،‬أن الوليـد بـن كثري حدثه‪ ،‬عـن حممد بن عمـرو بن حلحلة‬
‫الـدؤيل‪ ،‬حدثـه أن ابـن شـهاب حدثـه‪ ،‬أن علي بـن حسين حدثـه‪ ،‬أهنـم حين‬
‫قدمـوا املدينـة مـن عنـد يزيـد بـن معاويـة مقتـل حسين بن علي رمحـة اهلل عليه‬
‫لقيـه املسـور بـن خمرمـة‪ ،‬فقـال لـه‪ :‬هـل لـك إيل مـن حاجة تأمـرين هبـا؟ فقلت‬
‫لـه‪ :‬ال‪ .‬فقـال لـه‪ :‬فهل أنت معطي سـيف رسـول اهلل ‪ ‬فـإين أخـاف أن يغلبك‬
‫القـوم عليـه‪ ،‬وايـم اهلل‪ ،‬لئـن أعطيتنيـه ال خيلـص إليـه أبدً ا حتـى تبلـغ نفيس(((‪.‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.203‬‬
‫(((  منهاج السنة النبوية‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.558‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1132‬‬
‫‪85‬‬

‫ذكر أقوال بعض علماء أهل السنة يف لعن‬


‫قتلة اإلمام احلسني ‪‬‬
‫قـال ابـن أيب شـيبة‪ :‬وقتـل احلسين بـن علي سـنة إحـدى وسـتني يف يـوم‬
‫عاشـوراء‪ ،‬وقتلـه سـنان بـن أنـس النخعـي املوصلي لعنـه اهلل(((‪.‬‬

‫قـال ابـن أيب الدنيـا‪ :‬وقتلـه سـنان بـن أنـس النخعـي لعنـه اهلل وأجهـز عليه‬
‫خـويل بـن يزيـد األصبحـي مـن محير لعنـه اهلل وحز رأسـه(((‪.‬‬

‫قـال الدارقطنـي‪ :‬سـنان بـن أنـس امللعـون قاتـل احلسين بـن علي ‪‬‬
‫ولعـن اهلل سـنانًا(((‪.‬‬

‫قـال أبـو احلسـن عيل بـن أيب الكرم الشـيباين‪ :‬وقتل احلسين وقتله سـنان بن‬
‫أنس النخعـي لعنه اهلل(((‪.‬‬

‫قـال ابـن تيمية‪ :‬نحـن إذا ذكر الظاملـون كاحلجاج بـن يوسـف وأمثاله نقول‬
‫كما قـال اهلل يف القرآن‪َ ﴿ :‬أال َل ْعنَ ُة اهلل َع َل ال َّظالِ َ‬
‫ين ۝﴾(((‪ .‬وال نحب أن نلعن‬
‫أحـدً ا بعينـه‪ ،‬وقـد لعنـه قـوم مـن العلامء‪ ،‬وهـذا مذهـب يسـوغ فيـه االجتهاد‪،‬‬
‫لكـن ذلـك القـول أحـب إلينـا وأحسـن‪ ،‬وأمـا من قتـل احلسين‪ ،‬أو أعـان عىل‬
‫قتلـه‪ ،‬أو ريض بذلـك‪ ،‬فعليـه لعنـة اهلل‪ ،‬واملالئكـة‪ ،‬والناس أمجعين‪ ،‬ال يقبل اهلل‬
‫ً‬
‫عـدل(((‪.‬‬ ‫منـه رص ًفا وال‬
‫(((  مصنف ابن أيب شيبة‪ ،‬جزء ‪ ،7‬صفحة ‪.19‬‬
‫(((  مقتل عيل‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.38‬‬
‫(((  املؤت َِلف واملخت َِلف‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1204‬‬
‫(((  الكامل يف التاريخ‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.442‬‬
‫(((  سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬
‫(((  جمموع الفتاوى‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.487‬‬
‫‪86‬‬

‫قال ابن تيمية‪ :‬واحلسني ‪ ‬ولعن قاتله قتل مظلو ًما شهيدً ا(((‪.‬‬

‫قـال السـمعاين‪ :‬سـنان بـن أنـس قاتـل احلسين بـن علي ‪ ‬وال رحـم‬
‫القاتـل اخلبيـث(((‪.‬‬

‫قـال الذهبـي‪ :‬الشـيعي ال يطيـب عيشـه حتى يلعـن هـذا ‪ -‬يعني عبيـد اهلل بن‬
‫زيـاد – ودونه‪ ،‬ونحن نبغضهـم يف اهلل‪ ،‬ونربأ منهم‪ ،‬وال نلعنهم‪ ،‬وأمرهـم إىل اهلل(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬إن مـن ذهـب إىل عدم اللعن وجعـل أمر قتلة احلسين إىل اهلل كاإلمام‬
‫الذهبـي قـد رصح ببغض قتلة احلسين والتبرؤ منهم‪ ،‬أما من حيب قتلة احلسين‬
‫ويتوالهـم فهـذا هو مذهـب النواصب‪ ،‬كما نص ابن كثير عىل ذلك‪.‬‬

‫قـال ابـن كثري‪ :‬النـاس يف يزيد بـن معاوية أقسـام‪ ،‬فمنهم من حيبـه ويتواله‪،‬‬
‫وهـم طائفة من أهل الشـام مـن النواصب(((‪.‬‬

‫(((  منهاج السنة النبوية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.141‬‬


‫(((  األنساب‪ ،‬جزء ‪ ،5‬صفحة ‪.619‬‬
‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.549‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.229‬‬
‫‪87‬‬

‫بعض ما ذكر من الرؤى والعجائب‬


‫يف مقتل احلسني ‪‬‬
‫قـال اإلمـام أمحـد‪ :‬ثنـا عبـد الرمحـن‪ ،‬ثنا محـاد بن سـلمة‪ ،‬عن عمار بـن أيب عامر‪،‬‬
‫عـن ابـن عبـاس قـال‪ :‬رأيـت النبـي ‪ ‬يف املنـام بنصـف النهـار‪ ،‬أشـعث أغبر‪ ،‬معـه‬
‫قـارورة فيهـا دم يلتقطـه‪ ،‬أو يتتبـع فيهـا شـي ًئا‪ ،‬قـال‪ :‬قلـت يـا رسـول اهلل‪ ،‬مـا هـذا؟‬
‫قـال‪ :‬دم احلسين وأصحابـه‪ ،‬مل أزل أتتبعـه منـذ اليوم‪ .‬قال عمار‪ :‬فحفظنا ذلـك اليوم‬
‫فوجدنـاه قتـل ذلك اليـوم(((‪.‬‬

‫قـال عبـد اهلل ابـن اإلمام أمحـد‪ :‬حدثنـي أيب‪ ،‬نا عبـد امللك بـن عمرو قـال‪ ،‬حدثنا‬
‫جـارا لنا‬
‫قـرة قـال‪ ،‬سـمعت أبـا رجاء يقـول‪ :‬ال تسـبوا عل ًّيـا وال أهل هـذا البيت‪ ،‬إن ً‬
‫مـن بنـي اهلجيـم قـدم مـن الكوفة فقـال‪ :‬أمل تـروا هـذا الفاسـق ابـن الفاسـق‪ ،‬إن اهلل‬
‫قتلـه‪ ،‬يعنـي احلسين ‪ .‬قـال‪ :‬فرمـاه اهلل بكوكبني يف عينـه فطمس اهلل بصره(((‪.‬‬

‫قـال ابـن كثري‪ :‬ولقـد بالغ الشـيعة يف يوم عاشـوراء فوضعوا أحاديث كثيرة كذ ًبا‬
‫فاحشـا مـن كون الشـمس كسـفت يومئذ حتى بـدت النجـوم‪ ،‬وما رفـع يومئذ حجر‬ ‫ً‬
‫إال وجـد حتتـه دم‪ ،‬وأن أرجـاء السماء امحـرت‪ ،‬وأن الشـمس كانـت تطلع وشـعاعها‬
‫بعضا‪ ،‬وأمطرت‬ ‫كأنـه دم‪ ،‬وصارت السماء كأهنا علقـة‪ ،‬وأن الكواكب رضب بعضهـا ً‬
‫السماء د ًمـا أمحـر‪ ،‬وأن احلمـرة مل تكن يف السماء قبل يومئـذ‪ ،‬ونحو ذلـك‪ ،‬وروى ابن‬
‫هليعـة عـن أبـى قبيـل املعافـري أن الشـمس كسـفت يومئذ حتى بـدت النجـوم وقت‬
‫الظهـر‪ ،‬وأن رأس احلسين ملـا دخلـوا بـه قصر اإلمـارة جعلت احليطـان تسـيل د ًما‪،‬‬
‫وأن األرض أظلمـت ثالثـة أيـام ومل يمـس زعفـران وال ورس بما كان معـه يومئذ إال‬
‫احترق مـن مسـه‪ ،‬ومل يرفـع حجر مـن حجارة بيـت املقـدس إال ظهر حتتـه دم عبيط‪،‬‬
‫وأن اإلبـل التـي غنموهـا من إبل احلسين حني طبخوها صـار حلمها مثـل العلقم‪ ،‬إىل‬
‫غير ذلـك من األكاذيـب واألحاديـث املوضوعة التـي ال يصح منهـا يشء(((‪.‬‬

‫(((  (إسناده صحيح)‪ .‬مسند أمحد بن حنبل‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.242‬‬


‫(((  (إسناده صحيح)‪ .‬فضائل الصحابة البن حنبل‪ ،‬جزء ‪ ،2‬صفحة ‪.574‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.201‬‬
‫‪88‬‬

‫ما جاء يف مقتل عبيد اهلل بن زياد‬


‫قـال خليفـة بـن خياط‪ :‬وفيها ‪ -‬يعني سـنة سـت وسـتني ‪ -‬قتـل إبراهيم بن‬
‫األشتر‪ ،‬ابـن زيـاد‪ ،‬باخلـازر مـن أرض املوصـل‪ ،‬وحصني بـن نمري السـكوين‪،‬‬
‫ورشحبيـل بـن ذي الـكالع يف ناس مـن أهل الشـام(((‪.‬‬

‫قـال الذهبـي‪ :‬إبراهيـم بن األشتر النخعي أحـد األبطـال واألرشاف كأبيه‪،‬‬


‫ً‬
‫فاضلا‪ ،‬وهـو الـذي قتـل عبيـد اهلل بـن زيـاد بـن أبيـه يـوم وقعـة‬ ‫وكان شـيع ًّيا‬
‫اخلـازر‪ ،‬ثـم إنـه كان مـن أمـراء مصعب بـن الزبير‪ ،‬وما علمـت له روايـة(((‪.‬‬

‫قـال اآلجـري‪ :‬سـمعت أبـا داود يقـول‪ :‬رحـم اهلل إبراهيـم بـن األشتر‪.‬‬
‫وسـمعت أبـا داود يقـول‪ :‬إبراهيـم بـن األشتر قتـل عبيـد اهلل بـن زيـاد(((‪.‬‬

‫قـال اإلمـام الرتمـذي‪ :‬حدثنـا واصل بـن عبد األعلى‪ ،‬حدثنـا أبـو معاوية‪،‬‬
‫عـن األعمـش‪ ،‬عـن عمارة بـن عمير قال‪ :‬ملـا جـيء بـرأس عبيـد اهلل بـن زياد‬
‫وأصحابـه‪ ،‬نضـدت يف املسـجد يف الرحبـة‪ ،‬فانتهيـت إليهـم وهـم يقولـون‪ :‬قد‬
‫جـاءت‪ ،‬قـد جـاءت‪ ،‬فـإذا حيـة قـد جـاءت ختلـل الـرءوس‪ ،‬حتـى دخلـت يف‬
‫منخـري عبيـد اهلل بن زيـاد‪ ،‬فمكثت هنيهة‪ ،‬ثـم خرجت‪ ،‬فذهبـت حتى تغيبت‪.‬‬
‫ثـم قالـوا‪ :‬قد جـاءت‪ ،‬قـد جـاءت‪ .‬ففعلت ذلـك مرتين أو ثال ًثا‪ ،‬هـذا حديث‬
‫حسـن صحيح(((‪.‬‬

‫قـال الذهبـي‪ :‬وصـح مـن حديـث عمارة بـن عمير قـال‪ :‬جـيء بـرأس‬
‫عبيـد اهلل بـن زيـاد وأصحابـه‪ ،‬فأتيناهـم وهـم يقولـون‪ :‬قـد جـاءت‪ ،‬قـد‬

‫(((  تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.263‬‬


‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.35‬‬
‫(((  سؤاالت أيب عبيد اآلجري‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.123‬‬
‫(((  سنن الرتمذي‪ ،‬جزء ‪ ،5‬صفحة ‪.660‬‬
‫‪89‬‬

‫جـاءت‪ .‬فـإذا حيـة ختلل الـرءوس حتى دخلـت يف منخـر عبيـد اهلل‪ ،‬فمكثت‬
‫هنيهـة ثـم خرجـت وغابـت‪ ،‬ثـم قالـوا‪ :‬قـد جـاءت‪ ،‬قـد جـاءت‪ .‬ففعلـت‬
‫ذلـك مرتين أو ثال ًثـا(((‪.‬‬
‫قـال ابـن عبـد البر‪ :‬وقضى اهلل ‪ ‬أن قتل عبيـد اهلل بن زيـاد يوم عاشـوراء‬
‫سـنة سـبع وسـتني‪ ،‬قتلـه إبراهيم بن األشتر يف احلـرب(((‪.‬‬

‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.549‬‬


‫(((  االستيعاب‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.397‬‬
‫‪90‬‬

‫ما جاء يف احنراف قتلة احلسني عن مذهب أهل السنة واجلماعة‬


‫يف فهم معنى الطاعة لوالة األمر‬
‫قال اإلمام البخاري‪« :‬باب السمع والطاعة لإلمام»‬
‫حدثنـا مسـدد‪ ،‬حدثنـا حييـى‪ ،‬عـن عبيـد اهلل قـال‪ ،‬حدثنـي نافـع‪ ،‬عـن ابـن‬
‫عـن النبـي ‪ .‬وحدثنـي حممد بن صباح‪ ،‬حدثنا إسماعيل بـن زكرياء‪،‬‬ ‫عمـر‬
‫عـن عبيـد اهلل‪ ،‬عـن نافع‪ ،‬عـن ابن عمر ‪ ،‬عـن النبي ‪ ‬قال‪« :‬السـمع والطاعة‬
‫حـق‪ ،‬مـا مل يؤمر باملعصيـة‪ ،‬فإذا أمـر بمعصية فلا سـمع وال طاعة»(((‪.‬‬

‫قلـت‪ :‬وقـد نقـل اإلمام الذهبـي انحراف قتلة احلسين يف فهم هـذا احلديث‬
‫ونحوه يف ترمجة شـمر بن ذي اجلوشـن‪.‬‬

‫قـال اإلمـام الذهبـي‪ :‬شـمر بـن ذي يـزن اجلوشـن أبـو السـابغة الضبايب‪،‬‬
‫عـن أبيـه‪ ،‬وعنـه أبـو إسـحاق السـبيعي‪ :‬ليـس بأهـل للروايـة‪ ،‬فإنه أحـد قتلة‬
‫احلسين ‪ ‬وقـد قتلـه أعـوان املختار‪.‬‬

‫روى أبـو بكـر بـن عيـاش‪ ،‬عـن ابن إسـحاق قـال‪ :‬كان شـمر يصلي معنا‪،‬‬
‫ثـم يقـول‪ :‬اللهـم إنـك تعلـم أين رشيـف فاغفـر يل‪ .‬قلـت‪ :‬كيـف يغفـر اهلل لك‬
‫وقـد أعنـت على قتل ابـن بنت رسـول اهلل ‪‬؟ قـال‪ :‬وحيك! فكيـف نصنع؟ إن‬
‫رشا مـن هذه‬
‫أمراءنـا هـؤالء أمرونـا بأمـر فلـم نخالفهـم‪ ،‬ولـو خالفناهـم لكنا ًّ‬
‫احلمر السـقاة‪.‬‬

‫قلت – الذهبي‪ :‬إن هذا لعذر قبيح‪ ،‬فإنام الطاعة باملعروف(((‪.‬‬


‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1080‬‬
‫(((  ميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.385‬‬
‫‪91‬‬

‫يف بيان أن من الفنت والغدر ما فعله بنو حارثة‬


‫(((‬
‫من إدخال جيش الشام على أهل املدينة‬
‫قـال يعقـوب بـن سـفيان‪ :‬قـال وهـب بـن جريـر‪ ،‬قـال جويريـة‪ ،‬حدثني‬
‫ثـور بـن يزيـد‪ ،‬عـن عكرمة‪ ،‬عـن ابن عباس‪ ،‬قـال‪ :‬جـاء تأويل هـذه اآلية عىل‬
‫ار َها ُث َّم ُس ِـئ ُلوا ا ْل ِف ْتنَـ َة َلت َْو َها‬
‫ـم ِمـ ْن َأ ْق َط ِ‬ ‫ِ‬
‫ـو ُدخ َل ْت َع َل ْي ِه ْ‬
‫﴿و َل ْ‬
‫رأس سـتني سـنة‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫يرا ۝﴾(((‪ .‬قـال‪ :‬ألعطوهـا يعنـي إدخـال بنـي حارثـة‬ ‫َو َمـا َت َل َّب ُثـوا ِ َبـا إ َّل َيس ً‬
‫أهل الشـام على أهـل املدينة(((‪.‬‬
‫قـال ابـن حجر‪ :‬وأخـرج يعقوب بن سـفيان يف «تارخيه» بسـند صحيح‪ ،‬عن‬
‫ـو ُد ِخ َل ْت‬
‫﴿و َل ْ‬
‫ابـن عبـاس قـال‪ :‬جـاء تأويل هـذه اآلية على رأس سـتني سـنة‪َ :‬‬
‫ـم ُس ِـئ ُلوا ا ْل ِف ْتنَـ َة َلت َْو َها﴾ يعنـي‪ :‬إدخال بنـي حارثة أهل‬ ‫ـم ِمـ ْن َأ ْق َط ِ‬
‫ار َهـا ُث َّ‬ ‫َع َل ْي ِه ْ‬
‫الشـام على أهل املدينـة يف وقعـة احلرة(((‪.‬‬
‫قلـت‪ :‬إنما نبهنا عىل هـذا حتـى ال يتوهم متوهـم أن مثل هذه األفعـال التي‬
‫قـام هبـا بنو حارثـة من الغدر بأهـل املدينة‪ ،‬وإعانة أهل الشـام عليهـم‪ ،‬قد تكون‬
‫(((  قـال خليفـة بـن خياط‪ :‬قـال وهـب يف حديثه عـن جويرية‪ :‬قال فخـرج أهل املدينـة بجموع‬
‫كثيرة‪ ،‬وهبيئـة مل يـر مثلهـا‪ ،‬فلما رآهـم أهـل الشـام هابوهـم وكرهـوا قتاهلـم‪ ،‬فأمر مسـلم‬
‫برسيـره فوضـع بين الصفني‪ ،‬ثم أمـر مناديـه‪ :‬قاتلوا عنـي أو دعوا‪ .‬فشـد النـاس يف قتاهلم‪،‬‬
‫فسـمعوا التكبير خلفهـم يف جـوف املدينـة‪ ،‬وأقحـم عليهـم بنـو حارثـة أهل الشـام‪ ،‬وهم‬
‫على اجلـد‪ ،‬فاهنـزم الناس وعبد اهلل بـن حنظلة متسـاند إىل بعض بنيـه يغط نو ًمـا‪ ،‬فنبهه ابنه‪،‬‬
‫فلما فتـح عينيـه فـرأى مـا صنـع أمر أكبر بنيـه فتقدم حتـى قتـل‪ ،‬فلم يـزل يقدمهـم واحدً ا‬
‫واحـدً ا حتـى أتـى على آخرهـم‪ ،‬ثم كسر جفن سـيفه‪ ،‬وقاتـل حتى قتـل ودخل مسـلم بن‬
‫عقبـة‪ .‬تاريـخ خليفـة بن خياط‪ ،‬جـزء ‪ ،1‬صفحـة ‪.238‬‬
‫(((  سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.14‬‬
‫(((  املعرفة والتاريخ‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.334 ،333‬‬
‫وقال ابن كثري‪ :‬وهذا إسناد صحيح إىل ابن عباس‪ .‬البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.233‬‬
‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،13‬صفحة ‪.71‬‬
‫‪92‬‬

‫مقبولـة بحجـة طاعـة ويل األمـر ‪ -‬يزيـد ‪ -‬وجواز املكـر أو الغدر بمن قـام عليه‬
‫وزورا ملذهب‬
‫ً‬ ‫مـن أهـل اخلير والصالح‪ ،‬وكل هـذه األباطيـل إنام تنسـب كذ ًبـا‬
‫أهـل السـنة‪ ،‬ومذهـب أهـل السـنة براء مـن هـذه االفتراءات واألكاذيـب‪ ،‬كام‬
‫ي مـن كالم ابـن عباس ‪.‬‬‫هـو َب ِّ ٌ‬
‫الباب السابع‬
‫موقف الدولة اليزيدية من آل بيت النبي ‪‬‬
‫وصحابته ‪‬‬
‫‪94‬‬

‫ما جاء يف احنراف الدولة اليزيدية يف التعامل مع‬


‫آل البيت والصحابة والتابعني‬
‫تعـددت انحرافـات يزيـد‪ ،‬فـكان ناصب ًّيـا مـع آل البيـت‪ ،‬كما رصح هبـذا‬
‫اإلمـام الذهبـي‪.‬‬

‫قـال الذهبـي يف يزيـد بـن معاويـة‪ :‬وكان ناصب ًّيـا ف ًّظـا‪ ،‬غلي ًظا جل ًفـا‪ ،‬يتناول‬
‫املسـكر‪ ،‬ويفعـل املنكـر‪ ،‬افتتح دولته بمقتل الشـهيد احلسين‪ ،‬واختتمهـا بواقعة‬
‫احلـرة‪ ،‬فمقته النـاس‪ ،‬ومل يبـارك يف عمره(((‪.‬‬

‫وقـال ابن كثير‪ :‬بل الناس إنما ميلهم إىل احلسين؛ ألنه السـيد الكبري‪ ،‬وابن‬
‫بنـت رسـول اهلل ‪ ‬فليس على وجـه األرض يومئذ أحد يسـاميه‪ ،‬وال يسـاويه‪،‬‬
‫ولكـن الدولة اليزيديـة كانت كلهـا تناوئه(((‪.‬‬

‫وأما عن معاملة يزيد للصحابة والتابعني فقد بينها ابن حجر‪.‬‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬ثـم إن أهـل املدينـة خلعـوا يزيـد يف سـنة ثلاث وسـتني‪،‬‬
‫فجهـز إليهـم ‪ -‬يعنـي يزيد ‪ -‬مسـلم بن عقبـة املـري‪ ،‬يف جيش حافـل‪ ،‬فقاتلهم‬
‫كثيرا من الصحابـة وأبنائهـم‪ ،‬ومن أكابـر التابعني‬
‫ً‬ ‫فهزمهـم‪ ،‬وقتـل منهـم خل ًقا‬
‫وفضالئهـم‪ ،‬واسـتباحها ثالثـة أيـام هن ًبـا ً‬
‫وقتل‪ ،‬ثم بايـع من بقي على أهنم عبيد‬
‫ليزيد‪ ،‬ومـن امتنـع قتل(((‪.‬‬

‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.38 ،37‬‬


‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.151‬‬
‫(((  لسان امليزان‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.294‬‬
‫‪95‬‬

‫يزيد وأهل مكة ومن فيها من الصحابة‬


‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا عبد اهلل بـن حممد‪ ،‬حدثنـا ابن عيينـة‪ ،‬عن ابن‬
‫أنـه قال حين وقع بينـه وبني‬ ‫جريـج‪ ،‬عـن ابـن أيب مليكـة‪ ،‬عـن ابـن عبـاس‬
‫ابـن الزبير‪ ،‬قلـت‪ :‬أبـوه الزبير‪ ،‬وأمه أسماء‪ ،‬وخالتـه عائشـة‪ ،‬وجده أبـو بكر‪،‬‬
‫وجدتـه صفية(((‪.‬‬

‫قـال ابـن حجـر‪ :‬قولـه حني وقـع بينـه وبين ابـن الزبير أي بسـبب البيعة‪،‬‬
‫وذلـك أن ابـن الزبير حين مـات معاويـة امتنع مـن البيعـة ليزيـد بـن معاوية‪،‬‬
‫وأرص على ذلـك‪ ،‬حتـى أغرى يزيد بـن معاوية مسـلم بن عقبة باملدينـة‪ ،‬فكانت‬
‫وقعـة احلـرة‪ ،‬ثـم توجـه اجليـش إىل مكة‪ ،‬فمات أمريهـم مسـلم بن عقبـة‪ ،‬وقام‬
‫بأمـر اجليـش الشـامي حصني بـن نمري‪ ،‬فحرص بـن الزبير بمكة‪ ،‬ورمـوا الكعبة‬
‫باملنجنيـق حتـى احرتقت(((‪.‬‬

‫يزيد وأهل املدينة النبوية ومن فيها من الصحابة‬


‫قـال ابـن األثري‪( :‬يـوم احلـرة) احلـرة‪ :‬األرض ذات احلجـارة السـود‪ ،‬ويوم‬
‫احلـرة‪ :‬يوم مشـهور يف اإلسلام‪ ،‬وهو يـوم أهنب املدينـة يزيد بـن معاوية بن أيب‬
‫سـفيان عسـكره مـن أهل الشـام‪ ،‬الذيـن ندهبـم لقتال أهـل املدينة مـع الصحابة‬
‫والتابعين يف ذي احلجة سـنة ثالث وسـتني(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬وقـال الليـث‪ ،‬عن حييـى بن سـعيد‪ ،‬عن سـعيد بن‬
‫املسـيب‪ ،‬وقعـت الفتنـة األوىل؛ يعنـي مقتـل عثمان‪ ،‬فلـم تبـق مـن أصحـاب‬

‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1713‬‬


‫(((  فتح الباري‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.327 ،326‬‬
‫(((  جامع األصول‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.444‬‬
‫‪96‬‬

‫بـدر أحـدً ا‪ ،‬ثـم وقعـت الفتنـة الثانيـة؛ يعني احلـرة(((‪ ،‬فلـم تبق مـن أصحاب‬
‫احلديبية أحـدً ا(((‪.‬‬
‫قـال الزرقـاين‪ :‬ويف البخـاري‪ ،‬عـن سـعيد بـن املسـيب‪ ،‬أن هـذه الوقعـة ‪-‬‬
‫يعنـي احلـرة ‪ -‬مل تبـق مـن أصحـاب احلديبية أحـدً ا‪ ،‬ثم سـار إىل قتال ابـن الزبري‬
‫بمكـة‪ ،‬فمات بقديـد‪ ،‬واسـتخلف على اجليش حصين بن نمير بعهد يزيـد إليه‬
‫بذلـك‪ ،‬فنـزل مكـة وحارصهـا ورمـى الكعبـة باملنجنيـق‪ ،‬فجـاء اخلبر بمـوت‬
‫يزيـد‪ ،‬فرحـل باجليش إىل الشـام(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام مسـلم‪ :‬حدثنـا عثمان بـن أيب شـيبة‪ ،‬حدثنـا جريـر‪ ،‬عـن‬
‫األعمـش‪ ،‬عـن سـامل بـن أيب اجلعد‪ ،‬عـن جابر قـال‪ :‬أقبلنا مـن مكـة إىل املدينة‬
‫مـع رسـول اهلل ‪ ‬فاعتـل مجلي‪ ،‬وسـاق احلديـث بقصتـه‪ ،‬وفيـه‪ :‬ثـم قـال يل‪:‬‬
‫«بعنـي مجلـك هـذا»‪ .‬قال‪ ،‬قلـت‪ :‬ال‪ ،‬بل هو لـك‪ .‬قـال‪« :‬ال‪ ،‬بل بعنيـه»‪ .‬قال‪،‬‬
‫قلـت‪ :‬ال‪ ،‬بـل هـو لـك يا رسـول اهلل‪ .‬قـال‪« :‬ال‪ ،‬بـل بعنيـه»‪ .‬قال‪ ،‬قلـت‪ :‬فإن‬
‫لرجـل علي أوقيـة ذهـب‪ ،‬فهـو لـك هبـا‪ .‬قـال‪« :‬قـد أخذتـه»‪ .‬فتبلـغ عليه إىل‬
‫املدينـة‪ ،‬قـال‪ :‬فلما قدمـت املدينة قـال رسـول اهلل ‪ ‬لبلال‪« :‬أعطـه أوقية من‬

‫(((  قـال العينـي‪( :‬يـوم احلـرة) بفتـح احلـاء املهملة وتشـديد الـراء‪ :‬وهي حـرة املدينـة‪ ،‬ويومها‬
‫هـو يـوم الوقعـة التي وقعت بني عسـكر يزيـد وأهل املدينة‪ ،‬وكانت يف سـنة ثالث وسـتني‪،‬‬
‫وكان السـبب يف ذلـك خلـع أهـل املدينـة يزيد بـن معاوية‪ ،‬وملا بلغ ذلك يزيد أرسـل ً‬
‫جيشـا‬
‫إىل املدينـة‪ ،‬وعين عليهـم مسـلم بـن عقبـة‪ ،‬قيـل‪ :‬يف عشرة آالف فـارس‪ .‬وقيـل‪ :‬يف اثنـي‬
‫عشر أل ًفـا‪ .‬وقـال املدائنـي‪ ،‬ويقال‪ :‬يف سـبعة وعرشيـن أل ًفا‪ ،‬اثنـي عرش ألف فارس ومخسـة‬
‫عشر ألـف راجل‪ ،‬وجعـل أهـل املدينة جيشـهم أربعة أربـاع على كل ربع أمير‪ ،‬أو جعلوا‬
‫أجـل األربـاع عبد اهلل بـن حنظلة الغسـيل‪ ،‬وقصتهم طويلـة‪ ،‬وملخصها‪ :‬أنه ملـا وقع القتال‬
‫بينهـم كسر عسـكر يزيـد عسـكر أهل املدينـة‪ ،‬وقتـل عبـد اهلل بـن حنظلـة وأوالده ومجاعة‬
‫آخـرون‪ .‬وسـئل الزهـري‪ :‬كـم كان القتىل يـوم احلرة؟ قـال‪ :‬سـبعامئة من وجـوه الناس من‬
‫املهاجريـن واألنصـار‪ ،‬ووجـوه املـوايل‪ ،‬وممـن ال يعـرف مـن حـر وعبـد‪ ،‬وغريهـم عشرة‬
‫آالف‪ .‬عمـدة القـاري‪ ،‬جزء ‪ ،17‬صفحـة ‪.221 ،220‬‬
‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1475‬‬
‫(((  رشح الزرقاين‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.159 ،158‬‬
‫‪97‬‬

‫ذهـب وزده»‪ .‬قـال‪ :‬فأعطـاين أوقيـة مـن ذهـب وزادين قريا ًطـا‪ .‬قـال‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ال تفارقنـي زيـادة رسـول اهلل ‪ .‬قـال‪ :‬فـكان يف كيـس يل‪ ،‬فأخذه أهل الشـام‬
‫يوم احلـرة(((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام البخـاري‪ :‬حدثنـا إسماعيل بـن عبـد اهلل قـال‪ ،‬حدثنـي‬
‫إسماعيل بـن إبراهيـم بـن عقبـة‪ ،‬عـن موسـى بـن عقبـة قـال‪ ،‬حدثنـي‬
‫عبـد اهلل بـن الفضـل‪ ،‬أنـه سـمع أنـس بـن مالـك يقـول‪ :‬حزنـت على من‬
‫أصيـب باحلـرة‪ ،‬فكتـب إ َّيل زيـد بـن أرقـم وبلغـه شـدة حـزين يذكـر أنـه‬
‫سـمع رسـول اهلل ‪ ‬يقـول‪« :‬اللهـم اغفـر لألنصـار وألبنـاء األنصـار»‪.‬‬
‫أنسـا بعـض مـن‬ ‫وشـك ابـن الفضـل يف «أبنـاء أبنـاء األنصـار»‪ .‬فسـأل ً‬
‫كان عنـده‪ ،‬فقـال‪ :‬هـو الـذي يقـول رسـول اهلل ‪« :‬هـذا الـذي أوىف اهلل‬
‫لـه بأذنـه» (((‪.‬‬
‫قـال اإلمـام الرتمـذي‪ :‬حدثنـا أمحد بن منيـع‪ ،‬حدثنا هشـيم‪ ،‬أخربنـا عيل بن‬
‫زيـد بـن جدعـان‪ ،‬حدثنا النضر بن أنس‪ ،‬عـن زيد بن أرقـم‪ ،‬أنه كتـب إىل أنس‬
‫بـن مالـك يعزيه فيمـن أصيب مـن أهله وبنـي عمه يوم احلـرة‪ ،‬فكتـب إليه‪ :‬إين‬
‫أبشرك ببرشى من اهلل‪ ،‬إين سـمعت رسـول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬اللهـم اغفر لألنصار‪،‬‬
‫ولـذراري األنصار‪ ،‬ولـذراري ذرارهيم»‪ .‬قـال هذا حديث حسـن صحيح(((‪.‬‬

‫(((  صحيح مسلم‪ ،‬جزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1222‬‬


‫(((  صحيح البخاري‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.1862‬‬
‫(((  سنن الرتمذي‪ ،‬جزء ‪ ،5‬صفحة ‪.713‬‬
‫‪98‬‬

‫هالك يزيد‬
‫قـال ابـن حجـر‪ :‬يزيـد بـن معاويـة بـن أيب سـفيان األمـوي روى عـن أبيه‪،‬‬
‫وعنـه ابنـه خالـد‪ ،‬وعبـد امللـك بن مـروان مقـدوح يف عدالتـه‪ ،‬وليـس بأهل أن‬
‫يـروى عنـه‪ ،‬وقـال أمحـد بن حنبـل‪( :‬ال ينبغـي أن يـروى عنه)‪ .‬وقـد وجدت له‬
‫روايـة يف «مراسـيل أيب داود»‪ ،‬ونبهت عليها يف «النكت على األطراف» وأخباره‬
‫مسـتوفاة يف «تاريـخ ابـن عسـاكر»‪ ،‬وملخصهـا أنـه ولـد يف خالفة عثمان‪ ،‬وقد‬
‫أبطـل مـن زعـم أنـه ولـد يف العهـد النبـوي‪ ،‬وكنيتـه أبـو خالـد‪ ،‬وملا مـات أبوه‬
‫بويـع لـه باخلالفـة سـنة سـتني‪ ،‬وامتنع مـن بيعة احلسين بن علي‪ ،‬وعبـد اهلل بن‬
‫عمـر‪ ،‬وعبـد اهلل بـن الزبري ‪ ‬وعـاذ بحرم مكة‪ ،‬فسـمي عائـذ البيـت‪ ،‬وأما ابن‬
‫عمـر فقـال‪ :‬إذا اجتمـع النـاس بايعـت‪ ،‬ثم بايع‪ .‬وأما احلسين ‪ ‬فسـار إىل‬
‫مكـة‪ ،‬فوافـق بيعة أهـل الكوفة‪ ،‬فسـار إليهـم بعد أن أرسـل ابن عمه مسـلم بن‬
‫عقيـل ألخـذ البيعة‪ ،‬فظفـر به عبيـد اهلل بن زياد أمريهـا فقتله‪ ،‬وجهـز اجليش إىل‬
‫احلسين فقتـل يف يوم عاشـوراء سـنة إحدى وسـتني‪ ،‬ثـم إن أهل املدينـة خلعوا‬
‫يزيـد يف سـنة ثالث وسـتني‪ ،‬فجهز إليهم مسـلم بن عقبة املـري يف جيش حافل‪،‬‬
‫فقاتلهـم فهزمهـم‪ ،‬وقتـل منهم خلق كثري مـن الصحابـة وأبنائهم‪ ،‬وسـبق أكابر‬
‫التابعين وفضالءهـم‪ ،‬واسـتباحها ثالثـة أيـام هن ًبـا ً‬
‫وقتل‪ ،‬ثـم بايع مـن بقي عىل‬
‫أهنـم عبيـد ليزيـد‪ ،‬ومـن امتنع قتـل‪ ،‬ثم توجـه إىل مكة حلـرب ابن الزبير‪ ،‬فامت‬
‫يف الطريـق‪ ،‬وعهـد إىل احلصين بـن نمري‪ ،‬فسـار باجليـش إىل مكة‪ ،‬فحـارص ابن‬
‫الزبير‪ ،‬ونصبـوا املنجنيـق على الكعبة‪ ،‬فوهـت أركاهنـا‪ ،‬ثم احرتقـت‪ ،‬ويف أثناء‬
‫ذلـك ورد اخلرب بمـوت يزيد(((‪.‬‬
‫قـال ابـن حبـان‪ :‬وتـويف ‪ -‬يعنـي يزيـد – بحوارين؛ قريـة من قرى دمشـق‪،‬‬
‫ألربـع عشرة ليلـة خلـت مـن ربيـع األول سـنة أربـع وسـتني‪ ،‬وهـو ابـن ثامن‬
‫(((  لسان امليزان‪ ،‬جزء ‪ ،6‬صفحة ‪.294 ،293‬‬
‫‪99‬‬

‫وثالثين سـنة‪ ،‬وكانـت واليتـه ثالث سـنني وثامنيـة أشـهر إال أيا ًمـا(((‪.‬‬
‫قـال الذهبـي‪ :‬فتسـلم امللـك عند مـوت أبيه يف رجب سـنة سـتني وله ثالث‬
‫وثالثـون سـنة‪ ،‬فكانـت دولتـه أقـل مـن أربـع سـنني‪ ،‬ومل يمهلـه اهلل على فعلـه‬
‫بأهـل املدينـة ملا خلعـوه(((‪.‬‬
‫وقـال ابـن كثير عـن يزيـد‪ :‬مل يمهـل بعـد وقعـة احلـرة‪ ،‬وقتـل احلسين إال‬
‫قديرا(((‪.‬‬
‫عليما ً‬
‫ً‬ ‫يسيرا حتى قصمـه اهلل الذي قصـم اجلبابرة قبله وبعـده‪ ،‬إنه كان‬
‫ً‬
‫قلـت‪ :‬قد ذكـر اإلمام ابـن عسـاكر ‪ ‬يف كتابه «تاريخ دمشـق» سـب ًبا ًّ‬
‫مهم‬
‫مـن أسـباب النفـرة واالقتتـال الـذي حـدث فيما مىض بين أهـل الشـام وأهل‬
‫العـراق فقـال‪« :‬واملـراد بما يف هـذه احلكايـات مـا كان عليـه أهـل الشـام مـن‬
‫طاعـة أئمتهـم وأمرائهـم‪ ،‬واقتدائهـم يف الفتن واحلـروب بآرائهم‪ ،‬مـن غري نظر‬
‫يف عواقـب الفتـن‪ ،‬كما فعلـوا يف سـالف الزمـن مـن قتاهلم علي بـن أيب طالب‪،‬‬
‫وهـو اإلمـام املرتضى‪ ،‬وفعلهم يف يـوم احلرة‪ ،‬وحصـار ابن الزبري مـا ال يرتىض‪،‬‬
‫وتلـك أمور قـد خلت‪ ،‬واهلل يعفـو عنها‪ ،‬وفتن قـد مضت واهلل يعصـم منها»(((‪.‬‬
‫فبين ‪ ‬سـبب مـا حصل مـن التنـازع والفتن‪ ،‬ثم ذكـر ‪ ‬مـا كان عليه أهل‬
‫العـراق وأهـل الشـام يف عصره من األلفـة فقال‪« :‬وهـذا ملا كان جيـري بني أهل‬
‫الشـام والعـراق مـن احلـروب‪ ،‬فأما اآلن فقـد ألف اهلل بين املسـلمني‪ ،‬وأزال ما‬
‫كان يف القلـوب»(((‪.‬‬
‫فنسـأل اهلل العظيـم رب العـرش العظيـم أن يؤلـف بين قلوب املسـلمني يف‬
‫كل مـكان‪ ،‬وأن يصلـح أحواهلـم‪ ،‬وجيمعهـم على اتبـاع كتابـه‪ ،‬وسـنة نبيـه ‪،‬‬
‫وأن خيـذل أعـداء اإلسلام واملسـلمني‪ ،‬وأن ينقـذ أهـل العـراق مـن املحتلين‬
‫(((  صحيح ابن حبان‪ ،‬جزء ‪ ،15‬صفحة ‪.39‬‬
‫(((  سري أعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،4‬صفحة ‪.36‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬جزء ‪ ،8‬صفحة ‪.224‬‬
‫(((  تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.360‬‬
‫(((  تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬جزء ‪ ،1‬صفحة ‪.360‬‬
‫‪100‬‬

‫وأذناهبـم‪ ،‬وخيلـص أهل الشـام مـن الطاغية اجلاثم على صدورهـم‪ ،‬وأن جيعلنا‬
‫مـن اآلمريـن باملعـروف‪ ،‬والناهين عـن املنكـر‪ ،‬وصلى اهلل وسـلم وبـارك عىل‬
‫نبينـا حممـد وعلى آلـه وصحبـه أمجعني‪.‬‬
‫‪101‬‬

‫املصادر‬
‫‪ - 1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ - 2‬اجلامـع الصحيـح املختصر‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن إسماعيل‬
‫أبـو عبـد اهلل البخـاري اجلعفـي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار ابـن كثير‪ ،‬الياممة ‪-‬‬
‫بيروت ‪ ،1987 - 1407 -‬الطبعـة‪ :‬الثالثـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬مصطفـى‬
‫ديـب البغا‪.‬‬
‫‪ - 3‬املسـند الصحيـح املختصر مـن السـنن بنقـل العـدل عـن العـدل‬
‫عـن رسـول اهلل ‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬مسـلم بـن احلجـاج أبو احلسين‬
‫القشيري النيسـابوري‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار إحيـاء التراث العـريب ‪-‬‬
‫بيروت – الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حممـد فـؤاد عبـد الباقـي‪.‬‬
‫‪ - 4‬فتـح البـاري رشح صحيـح البخـاري‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بـن‬
‫علي بـن حجـر أبـو الفضـل العسـقالين الشـافعي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار‬
‫املعرفـة ‪ -‬بيروت‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حمـب الديـن اخلطيـب‪.‬‬
‫‪ - 5‬صحيـح ابـن حبـان برتتيـب ابـن بلبـان‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن‬
‫حبـان بـن أمحـد أبـو حاتـم التميمـي البسـتي‪ ،‬دار النشر‪ :‬مؤسسـة‬
‫الرسـالة ‪ -‬بيروت ‪ ،1993 - 1414 -‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬حتقيـق‪:‬‬
‫شـعيب األرنـاءوط‪.‬‬
‫‪ - 6‬االسـتيعاب يف معرفـة األصحـاب‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬يوسـف بـن‬
‫عبـد اهلل بـن حممـد بـن عبـد البر‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار اجليـل ‪ -‬بريوت ‪-‬‬
‫‪ ،1412‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬علي حممـد البجاوي‪.‬‬
‫‪102‬‬

‫‪ - 7‬سير أعلام النبلاء‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن أمحـد بـن عثمان بن‬
‫قايماز الذهبـي أبـو عبـد اهلل‪ ،‬دار النرش‪ :‬مؤسسـة الرسـالة ‪ -‬بريوت‬
‫‪ ،1413‬الطبعـة التاسـعة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬شـعيب األرنـاءوط‪ ،‬حممـد نعيـم‬
‫العرقسـويس‪.‬‬
‫‪ - 8‬فضائـل العـراق‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بـن عبـد السـتار بـن صربي‬
‫النجـار‪ ،‬دار النشر‪ :‬مكتبـة الـزاد ‪ -‬بغـداد‪ ،‬الطبعـة الثانية‪.‬‬
‫‪ - 9‬تاريـخ خليفـة بـن خيـاط‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬خليفة بـن خيـاط الليثي‬
‫العصفـري أبـو عمـر‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار القلـم‪ ،‬مؤسسـة الرسـالة ‪-‬‬
‫دمشـق‪ ،‬بيروت ‪ ،1397 -‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬أكـرم ضيـاء‬
‫العمـري‪.‬‬
‫‪ - 10‬املعرفـة والتاريـخ‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أبو يوسـف يعقوب بن سـفيان‬
‫الفسـوي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتـب العلميـة ‪ -‬بيروت ‪1419 -‬هـ ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬حتقيـق ‪ :‬خليـل املنصور‪.‬‬
‫‪ - 11‬عمـدة القـاري رشح صحيح البخاري‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬بدر الدين‬
‫حممـود بـن أمحـد العينـي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار إحيـاء التراث العـريب –‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ - 12‬املسـتدرك على الصحيحين‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن عبـد اهلل‬
‫أبـو عبـد اهلل احلاكـم النيسـابوري‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‬
‫‪ -‬بيروت ‪1411 -‬هــ ‪1990 -‬م‪ ،‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬مصطفى‬
‫عبـد القـادر عطا‪.‬‬
‫‪ - 13‬منهـاج السـنة النبويـة‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بـن عبـد احلليـم بـن‬
‫تيميـة احلـراين أبـو العبـاس‪ ،‬دار النشر‪ :‬مؤسسـة قرطبـة ‪،1406 -‬‬
‫الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬حممـد رشـاد سـامل‪.‬‬
‫‪103‬‬

‫‪ - 14‬الفـروع وتصحيـح الفـروع‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن مفلـح‬


‫املقـديس أبـو عبـد اهلل‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتـب العلميـة ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫‪ ،1418‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬أبـو الزهـراء حـازم القـايض‪.‬‬
‫‪ - 15‬اآلداب الرشعيـة واملنـح املرعيـة‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬اإلمـام أبو عبد اهلل‬
‫حممـد بـن مفلـح املقـديس‪ ،‬دار النرش‪ :‬مؤسسـة الرسـالة ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫‪1417‬هــ ‪1996 -‬م‪ ،‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬شـعيب األرنـاءوط ‪/‬‬
‫عمـر القيام‪.‬‬
‫‪ - 16‬البدايـة والنهايـة‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬إسماعيل بـن عمـر بـن كثير‬
‫القـريش أبـو الفـداء‪ ،‬دار النشر‪ :‬مكتبـة املعـارف – بيروت‪.‬‬
‫‪ - 17‬الشمائل الرشيفـة‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬جالل الدين عبـد الرمحن بن أيب بكر‬
‫السـيوطي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار طائر العلم للنرش والتوزيع‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسـن بن‬
‫عبيد باحبييش‪.‬‬
‫‪ - 18‬روح املعـاين يف تفسير القـرآن العظيـم والسـبع املثـاين‪ ،‬اسـم‬
‫املؤلـف‪ :‬العالمـة أبـو الفضل شـهاب الدين السـيد حممـود اآللويس‬
‫البغـدادي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار إحيـاء التراث العـريب – بيروت‪.‬‬
‫‪ - 19‬رفـع اإلرص عـن قضـاة مصر‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬شـهاب الديـن‬
‫أمحـد بـن علي بـن حممـد العسـقالين‪ ،‬دار النشر‪ :‬مكتبـة اخلانجي ‪-‬‬
‫القاهـرة‪ /‬مصر ‪1418 -‬هــ ‪1998 -‬م‪ ،‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪.‬‬
‫علي حممـد عمر‪.‬‬
‫‪ - 20‬جامـع املسـائل البـن تيميـة ‪ -‬عزيـر شـمس‪ ،‬اسـم املؤلـف‪:‬‬
‫تقـي الديـن أبـو ال َعبـاس أمحـد بن عبـد احلليـم بـن عبد السلام بن‬
‫عبـد اهلل بن أيب القاسـم بن حممـد ابن تيمية احلراين احلنبيل الدمشـقي‪،‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار عـامل الفوائـد للنشر والتوزيـع ‪ 1422 -‬هــ‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حممد عزير شـمس‪.‬‬
‫‪104‬‬

‫‪ - 21‬مقدمـة ابـن خلـدون‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬عبـد الرمحـن بـن حممـد بن‬
‫خلـدون احلرضمـي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار القلـم ‪ -‬بيروت ‪،1984 -‬‬
‫الطبعـة اخلامسـة‪.‬‬
‫‪ - 22‬شـذرات الذهـب يف أخبـار مـن ذهـب‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬عبد احلي‬
‫بـن أمحد بـن حممد العكري احلنبلي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار بن كثري ‪ -‬دمشـق‬
‫‪1406 -‬هــ‪ ،‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬عبد القادر األرنـاءوط‪ ،‬حممود‬
‫األرناءوط‪.‬‬
‫‪ - 23‬الصواعـق املحرقـة على أهـل الرفض والضلال والزندقة‪ ،‬اسـم‬
‫املؤلـف‪ :‬أبـو العبـاس أمحـد بـن حممـد بن علي ابـن حجـر اهليثمي‪،‬‬
‫دار النرش‪ :‬مؤسسـة الرسـالة ‪ -‬لبنان ‪1417 -‬هــ ‪1997 -‬م‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬عبـد الرمحـن بـن عبـد اهلل الرتكـي ‪ -‬كامـل حممـد‬
‫اخلراط‪.‬‬
‫‪ - 24‬اجلـرح والتعديـل‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬عبـد الرمحـن بـن أيب حاتـم‬
‫حممـد بـن إدريس أبـو حممد الـرازي التميمـي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث العـريب ‪ -‬بيروت ‪ ،1952 - 1271 -‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ - 25‬هتذيـب الكمال‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬يوسـف بن الزكي عبـد الرمحن أبو‬
‫احلجـاج املـزي‪ ،‬دار النرش‪ :‬مؤسسـة الرسـالة ‪ -‬بيروت ‪- 1400 -‬‬
‫‪ ،1980‬الطبعـة‪ :‬األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬بشـار عـواد معروف‪.‬‬
‫‪ - 26‬الكامـل يف ضعفـاء الرجـال‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬عبد اهلل بـن عدي بن‬
‫عبـد اهلل بن حممد أبـو أمحد اجلرجاين‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‬
‫‪ ،1988 - 1409 -‬الطبعـة الثالثـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حييى خمتار غزاوي‪.‬‬
‫‪ - 27‬لسـان امليـزان‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بن علي بن حجر أبـو الفضل‬
‫العسـقالين الشـافعي‪ ،‬دار النشر‪ :‬مؤسسـة األعلمـي للمطبوعات ‪-‬‬
‫‪105‬‬

‫بيروت ‪ ،1986 - 1406 -‬الطبعـة الثالثـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬دائـرة املعارف‬


‫النظاميـة – اهلند‪.‬‬
‫‪ - 28‬ميـزان االعتـدال يف نقـد الرجـال‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬شـمس الديـن‬
‫حممـد بـن أمحد الذهبـي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتب العلميـة ‪ -‬بريوت ‪-‬‬
‫‪ ،1995‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬الشـيخ علي حممد معوض والشـيخ‬
‫عادل أمحـد عبـد املوجود‪.‬‬
‫‪ - 29‬اجلـزء املتمـم لطبقـات ابن سـعد ‪ -‬الطبقة اخلامسـة يف من قبض‬
‫رسـول اهلل ‪ .‬وهـم أحـداث األسـنان‪ .‬اسـم املؤلف‪ :‬أبـو عبد اهلل‬
‫حممـد بـن سـعد بـن منيـع اهلاشـمي بالـوالء‪ ،‬البصري‪ ،‬البغـدادي‬
‫املعـروف بابـن سـعد (املتوىف‪230 :‬هــ)‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حممد بـن صامل‬
‫ا لسلمي ‪.‬‬
‫‪ - 30‬التاريـخ الكبير‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬حممد بن إسماعيل بـن إبراهيم أبو‬
‫عبـد اهلل البخاري اجلعفـي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار الفكـر ‪ -‬بريوت – الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬السـيد هاشـم الندوي‪.‬‬
‫‪ - 31‬السـنة‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أبـو بكر أمحد بـن حممد بن هـارون بن يزيد‬
‫اخللال‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الرايـة ‪ -‬الريـاض ‪1410 -‬هــ ‪1989 -‬م‪،‬‬
‫الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬عطيـة الزهراين‪.‬‬
‫‪ - 32‬األمـايل يف آثـار الصحابـة للحافـظ الصنعـاين‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬عبد‬
‫الـرزاق بـن مهـام الصنعـاين‪ ،‬دار النشر‪ :‬مكتبـة القـرآن ‪ -‬القاهـرة‪،‬‬
‫حتقيـق ‪ :‬جمـدي السـيد إبراهيم‪.‬‬
‫‪ - 33‬أخبـار مكـة يف قديـم الدهـر وحديثـه‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممد بن‬
‫إسـحاق بـن العبـاس الفاكهـي أبـو عبـد اهلل‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار‬
‫‪106‬‬

‫خضر ‪ -‬بيروت ‪ ،1414 -‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬عبد امللك‬


‫عبد اهلل دهيش‪.‬‬
‫‪ - 34‬العلـل ومعرفـة الرجـال‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحد بـن حنبل أبـو عبد اهلل‬
‫الشـيباين‪ ،‬دار النرش‪ :‬املكتب اإلسلامي‪ ،‬دار اخلاين ‪ -‬بيروت‪ ،‬الرياض‬
‫‪ ،1988 - 1408 -‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬ويص اهلل بـن حممـد عباس‪.‬‬
‫‪ - 35‬األخبـار الطوال‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬أبو حنيفة أمحد بـن داود الدينوري‪،‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار الكتـب العلميـة ‪ -‬بيروت‪ /‬لبنـان ‪1421 -‬هــ ‪-‬‬
‫‪2001‬م‪ ،‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬عصـام حممـد احلـاج عيل‪.‬‬
‫‪ - 36‬تاريـخ اإلسلام ووفيـات املشـاهري واألعلام‪ ،‬اسـم املؤلـف‪:‬‬
‫شـمس الديـن حممـد بـن أمحـد بـن عثمان الذهبـي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار‬
‫الكتـاب العـريب ‪ -‬لبنـان‪ /‬بيروت ‪1407 -‬هــ ‪1987 -‬م‪ ،‬الطبعـة‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬عمـر عبـد السلام تدمـري‪.‬‬
‫‪ - 37‬أنسـاب األرشاف‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحد بن حييى بـن جابر البالذري‬
‫(املتوىف‪279 :‬هـ)‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت – ‪،1417 - 1996‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬سـهيل زكار‪ /‬د‪ .‬رياض زركيل‪.‬‬
‫‪ - 38‬تاريـخ الطبري‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬أبو جعفر حممد بـن جرير الطربي‪،‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بريوت‪.‬‬
‫‪ - 39‬لسـان العرب‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممد بن مكرم بن منظـور األفريقي‬
‫املرصي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار صـادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ - 40‬الكتـاب املصنـف يف األحاديـث واآلثـار‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أبو بكر‬
‫عبـد اهلل بـن حممـد بن أيب شـيبة الكـويف‪ ،‬دار النشر‪ :‬مكتبة الرشـد ‪-‬‬
‫الريـاض ‪ ،1409 -‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬كمال يوسـف احلوت‪.‬‬
‫‪107‬‬

‫‪ - 41‬مقتـل علي‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬أبـو بكر عبـد اهلل بن حممد بـن عبيد بن‬
‫أيب الدنيـا (املتـوىف‪ 281 :‬هـ)‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار البشـائر ‪1422 -‬هـ ‪-‬‬
‫‪ ،2001‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬إبراهيم صالح‪.‬‬
‫‪ - 42‬املؤت َِلـف واملخت َِلـف‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أبـو احلسـن علي بـن ُع َمـر‬
‫الدارقطنـي البغـدادي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الغـرب اإلسلامي ‪ -‬بريوت‬
‫– ‪ ،1986 - 1406‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬موفـق بـن عبـد اهلل بـن‬
‫عبـد القادر‪.‬‬
‫‪ - 43‬األنسـاب‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أبـو سـعيد عبـد الكريـم بـن حممـد بن‬
‫منصـور التميمـي السـمعاين‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الفكـر ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫‪1998‬م‪ ،‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬عبـد اهلل عمـر البـارودي‪.‬‬
‫‪ - 44‬مسـند اإلمـام أمحـد بـن حنبل‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحد بـن حنبل أبو‬
‫عبـد اهلل الشـيباين‪ ،‬دار النرش‪ :‬مؤسسـة قرطبـة – مرص‪.‬‬
‫‪ - 45‬فضائـل الصحابـة‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بـن حنبـل أبـو عبـد اهلل‬
‫الشـيباين‪ ،‬دار النرش‪ :‬مؤسسة الرسـالة ‪ -‬بريوت ‪،1983 - 1403 -‬‬
‫الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬د‪ .‬ويص اهلل حممـد عباس‪.‬‬
‫‪ - 46‬الطبقـات الكبرى‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن سـعد بـن منيـع أبو‬
‫عبـد اهلل البصري الزهـري‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار صـادر – بيروت‪.‬‬
‫‪ - 47‬سـؤاالت أيب عبيـد اآلجـري أبا داود السجسـتاين‪ ،‬اسـم املؤلف‪:‬‬
‫سـليامن بـن األشـعث أبـو داود السجسـتاين‪ ،‬دار النشر‪ :‬اجلامعـة‬
‫اإلسلامية ‪ -‬املدينـة املنـورة ‪ ،1979 - 1399 -‬الطبعـة األوىل‪،‬‬
‫حتقيـق‪ :‬حممـد علي قاسـم العمـري‪.‬‬
‫‪ - 48‬اجلامـع الصحيـح سـنن الرتمذي‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬حممد بن عيسـى‬
‫أبو عيسـى الرتمـذي السـلمي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار إحياء التراث العريب‬
‫‪ -‬بيروت‪ ،‬حتقيـق‪ :‬أمحـد حممد شـاكر وآخرون‪.‬‬
‫‪108‬‬

‫‪ - 49‬رشح الزرقـاين على موطـأ اإلمـام مالك‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممد بن‬
‫عبـد الباقـي بن يوسـف الزرقـاين‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتـب العلمية ‪-‬‬
‫بيروت ‪ ،1411 -‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ - 50‬الكاشـف يف معرفـة مـن له رواية يف الكتب السـتة‪ ،‬اسـم املؤلف‪:‬‬
‫حممـد بن أمحـد أبو عبـد اهلل الذهبي الدمشـقي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار القبلة‬
‫للثقافة اإلسلامية‪ ،‬مؤسسـة علو ‪ -‬جدة ‪ ،1992 - 1413 -‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حممد عوامة‪.‬‬
‫‪ - 51‬تقريـب التهذيـب‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بـن علي بـن حجـر أبـو‬
‫الفضـل العسـقالين الشـافعي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الرشـيد ‪ -‬سـوريا ‪-‬‬
‫‪ ،1986 - 1406‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حممـد عوامـة‪.‬‬
‫‪ – 52‬املخصـص‪ 5 ،‬جملـدات‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أبـو احلسـن علي بـن‬
‫إسماعيل النحـوي اللغـوي األندلسي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار إحيـاء الرتاث‬
‫العـريب ‪ -‬بيروت ‪1417 -‬هــ ‪1996 -‬م‪ ،‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪:‬‬
‫خليـل إبراهـم جفال‪.‬‬
‫‪ - 53‬فيـض القديـر رشح اجلامـع الصغري‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬عبـد الرءوف‬
‫املنـاوي‪ ،‬دار النشر‪ :‬املكتبـة التجاريـة الكربى ‪ -‬مصر ‪1356 -‬هـ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ - 54‬العواصـم مـن القواصـم يف حتقيـق مواقـف الصحابـة بعـد وفـاة‬
‫النبـي ‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممد بـن عبـد اهلل أبو بكـر بن العـريب‪ ،‬دار‬
‫النشر‪ :‬دار اجليل ‪ -‬لبنـان ‪ -‬بريوت ‪1407 -‬هــ ‪1987 -‬م‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانيـة‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حمـب الدين اخلطيـب ‪ -‬وحممـود مهدي اإلسـتانبويل‪.‬‬
‫‪ - 55‬الزهـد‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد بـن عمـرو بـن أيب عاصـم الشـيباين‬
‫أبـو بكـر‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الريان للرتاث ‪ -‬القاهـرة ‪ ،1408 -‬الطبعة‬
‫الثانيـة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبـد العيل عبـد احلميد حامد‪.‬‬
‫‪109‬‬

‫‪ - 56‬معجـم جامـع األصـول يف أحاديـث الرسـول‪ ،‬اسـم املؤلـف‪:‬‬


‫جمـد الديـن أبو السـعادات املبـارك بن حممد اجلـزري ابـن األثري‪ ،‬دار‬
‫النشر‪ :‬مكتبة احللواين ‪ -‬مطبعـة املالح ‪ -‬مكتبـة دار البيان ‪ -‬القاهرة‬
‫‪ ،1972 - 1392 -‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيـق‪ :‬عبـد القادر األرناءوط‪.‬‬
‫‪ - 57‬اجلـواب الصحيـح ملـن بـدل ديـن املسـيح‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬أمحـد‬
‫عبـد احلليـم بـن عبد السلام ابن تيميـة‪ ،‬دار النشر‪ :‬مطبعـة املدين ‪-‬‬
‫مصر‪ ،‬حتقيـق‪ :‬عيل سـيد صبـح املدين‪.‬‬
‫‪ - 58‬تاريـخ واسـط‪ ،‬اسـم املؤلف‪ :‬أسـلم بن سـهل الرزاز الواسـطي‪،‬‬
‫دار النشر‪ :‬عـامل الكتب ‪ -‬بيروت ‪ ،1406 -‬الطبعـة األوىل‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫كوركيـس عواد‪.‬‬
‫‪ - 59‬طبقـات احلنابلـة‪ ،‬اسـم املؤلـف‪ :‬حممـد بـن أيب يعىل أبو احلسين‪،‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار املعرفـة ‪ -‬بيروت‪ ،‬حتقيـق‪ :‬حممد حامـد الفقي‪.‬‬
‫‪ - 60‬مسـائل أمحـد بـن حنبـل روايـة ابنـه عبـد اهلل‪ ،‬اسـم املؤلـف‪:‬‬
‫عبـد اهلل بن أمحـد بن حنبـل‪ ،‬دار النرش‪ :‬املكتب اإلسلامي ‪ -‬بريوت‬
‫‪1401 -‬هـ ‪1981‬م‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري الشـاويش‪.‬‬
‫‪110‬‬

‫الفهرس‬
‫* املقدمة ‪5..............................................................................‬‬
‫* الباب األول‪ :‬اإلمام احلسني ‪ ‬وذكر يشء من فضائله‪7................................‬‬
‫* اإلمام احلسني ‪9....................................................................‬‬
‫* فضائل احلسني ‪10................................................................ ‬‬
‫* الباب الثاين‪ :‬بيعة يزيد وتصدع اجلامعة ‪13.............................................‬‬
‫* َسنَ ُة اجلامعة‪15........................................................................‬‬
‫* الفرقة وتصدع اجلامعة ‪17.............................................................‬‬
‫* أسباب الفرقة وتصدع اجلامعة ‪18.....................................................‬‬
‫أول‪ :‬بيعة يزيد ‪18....................................................................‬‬‫* ً‬
‫* ثان ًيا‪ :‬إمارة الصبيان وأوهلم يزيد‪20....................................................‬‬
‫* ثال ًثا‪ :‬الغفلة عن وصية النبي ‪22.................................................... ‬‬
‫* موقف أهل مكة وأهل املدينة من بيعة يزيد ‪24.........................................‬‬
‫* الباب الثالث‪ :‬التحذير من مذهب النواصب‪29.......................................‬‬
‫* حتذير علامء أهل السنة من مذهب النواصب واجلهلة ‪31...............................‬‬
‫* هل يؤخذ العلم من يزيد وقتلة احلسني؟ ‪35...........................................‬‬
‫* الباب الرابع‪ :‬أقوال أهل العلم يف القيام عىل يزيد ‪37...................................‬‬
‫* أقوال علامء أهل السنة يف القيام عىل يزيد وخلعه وقتاله ‪39.............................‬‬
‫* ذكر ما نُقل من االتفاق عىل حتسني قيام احلسني ‪ ‬عىل يزيد‪42........................‬‬
‫* بطالن ما نسب إىل الصحابة ‪ ‬من إنكارهم عىل احلسني ‪ ‬قيامه عىل يزيد ‪43.........‬‬
‫* ذكر اخلرب امللفق املنكر اإلسناد واملتن الذي ذكره ابن سعد يف كتاب الطبقات ‪44........‬‬
‫* الباب اخلامس‪ :‬أهم األحداث التي سبقت مقتل احلسني ‪55........................ ‬‬
‫* ما جاء يف انتقال احلسني ‪ ‬من املدينة النبوية إىل مكة ‪57..............................‬‬
‫* أهم األحداث التي حصلت أثناء تواجد احلسني ‪ ‬يف مكة‪58.........................‬‬
‫* انتقال احلسين ‪ ‬من مكة إىل الكوفة وذكر أهم حماور التزوير التارخيي يف أخبار مقتل‬
‫احلسني ‪61..............................................................................‬‬
‫* املحور األول‪ :‬الطعن يف احلسني ‪‬واهتامه بتفريق اجلامعة واخلروج عىل اإلمام‪62......‬‬
‫* املحور الثاين‪ :‬الطعن يف مسلم بن عقيل ‪ ‬واهتامه بأنه جبن عن مقتل ابن زياد‪62....‬‬
‫‪111‬‬
‫* املحور الثالث‪ :‬الطعن بأهل الكوفة واهتامهم بالغدر‪64................................‬‬
‫* أسباب انتقال احلسني ‪ ‬من مكة إىل العراق ‪65.......................................‬‬
‫أول‪ :‬االنتقال عن احلرم خو ًفا من استحالله‪65........................................‬‬ ‫* ً‬
‫* ثان ًيا‪ :‬فضل أهل العراق وثناء أبيه عيل ‪ ‬وأخيه احلسن ‪ ‬عىل أهل العراق‪66.........‬‬
‫* ثال ًثا‪ :‬شدة حمبة أهل العراق آلل بيت النبي ‪69.......................................‬‬
‫* أهـم األحـداث التي وقعـت يف الكوفة أثناء توجه اإلمام احلسين ‪ ‬من مكة إىل‬
‫الكوفـة ‪71. . .....................................................................‬‬
‫أول‪ :‬عزل يزيد للنعامن بن بشري ‪ ‬عن الكوفة وتولية عبيد اهلل بن زياد ‪71.............‬‬ ‫* ً‬
‫* ثان ًيا‪ :‬مقتل هانئ بن عروة وهو من رؤساء أهل الكوفة ثم مقتل مسلم بن عقيل ‪72.....‬‬
‫* ثال ًثا‪ :‬أمر عبيد اهلل بن زياد بأخذ ما بني واقصة إىل طريق الشـام إىل طريق البرصة فال يرتك‬
‫أحد يلج وال خيرج ‪73...................................................................‬‬
‫* هل غدر أهل الكوفة باحلسني ‪‬؟‪75.................................................‬‬
‫* الباب السادس‪ :‬مقتل اإلمام احلسني ‪77............................................‬‬
‫* مقتل احلسني ‪79...................................................................‬‬
‫* ذكر أقوال بعض علامء أهل السنة يف لعن قتلة اإلمام احلسني ‪85.....................‬‬
‫* بعض ما ذكر من الرؤى والعجائب يف مقتل احلسني ‪87.............................‬‬
‫* ما جاء يف مقتل عبيد اهلل بن زياد‪88....................................................‬‬
‫* ما جاء يف انحراف قتلة احلسني عن مذهب أهل السنة واجلامعة يف فهم معنى الطاعة لوالة‬
‫األمر ‪90................................................................................‬‬
‫* يف بيان أن من الفتن والغدر ما فعله بنو حارثة من إدخال جيش الشام عىل أهل املدينة‪91.‬‬
‫* الباب السابع‪ :‬موقف الدولة اليزيدية من آل بيت النبي ‪ ‬وصحابته ‪93............. ‬‬
‫* ما جاء يف انحراف الدولة اليزيدية يف التعامل مع آل البيت والصحابة والتابعني‪94......‬‬
‫* يزيد وأهل مكة ومن فيها من الصحابة ‪95.............................................‬‬
‫* يزيد وأهل املدينة النبوية ومن فيها من الصحابة ‪95....................................‬‬
‫* هالك يزيد ‪98........................................................................‬‬
‫* املصادر‪101...........................................................................‬‬
‫* الفهرس‪110..........................................................................‬‬

You might also like