You are on page 1of 322

‫لكل مسلم حق طبع هذا الكتاب دون تغيري‬

‫األوىل‬ ‫رقــم الطبعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬


‫‪1441‬هـ ‪2020 -‬م‬ ‫س�����ن�����ة ال����ط����ب����ع‬
‫‪ 320‬صفحة‬ ‫عـ ـ ـ ـ ــدد الصفحات‬
‫‪24 × 17‬‬ ‫امل�����ق�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����اس‬
‫‪2019/25049‬م‬ ‫رق���������م اإلي�����������داع‬
‫الرتقيـ ــم الدولي‬

‫موزع معتمد‬

‫مجهورية مصر العربية ‪ -‬اإلسكندرية‬


‫‪ +201220482504‬‬
‫‪ +201003225280‬‬
‫‪e-mail: prdise2030@gmail.com‬‬ ‫‪markaz.almurabbi@gmail.com‬‬
‫‪E‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا حممد وعىل آله‬
‫فإن يف‬ ‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعدُ ّ‬ ‫وصحبه أمجعني‪ ،‬وعىل من اتبعهم‬
‫قصص العلامء والصاحلني عرب ًة ملن تأ ّمل‪ ،‬قال اإلمام أبو حنيفة ‪:V‬‬
‫أحب إ َّيل من كثري من الفقه؛ ألهنا آداب‬
‫ُّ‬ ‫«احلكايات عن العلامء وجمالستِهم‬
‫ٍ‬
‫واحد عن أيب القاسم اجلنيد ‪ V‬أنه سئل‬ ‫القوم وأخال ُقهم»‪ ،‬ونقل ُ‬
‫غري‬
‫عن حكايات الصاحلني فقال‪« :‬هي جند من جنود اهلل تعاىل»‪ ،‬وتَرى أهل‬
‫يتكرر ِمث ُلها‬
‫حق ال يزال َّ‬
‫وجتارب ٍّ‬
‫َ‬ ‫العلم واحلكمة ُيعنَون هبا و َي ُعدُّ وهنا ُهدً ى‬
‫يف النّاس‪ ،‬وعىل قدر قيمة اليشء تكون حكايتهم له واستامعهم؛ إذ املقصود‬
‫عندهم تلمس احلكمة والعربة‪ ،‬ولذا توسعوا يف باهبا ومل يشرتطوا يف نقلها ما‬
‫اشرتطوه يف نقل األحاديث‪.‬‬

‫وإن يف هذا املجموع طائف ًة منتقاة من القصص مما ُحكي عن بعض‬


‫فمن بعدهم من العلامء والفضالء والرؤساء‪ ،‬وهي ال ختلو‬
‫الصحابة ‪َ M‬‬
‫من أن يصيب منها قارئُها نف ًعا يف تربية نفسه عىل حقائق األمور ومعالىها‪،‬‬
‫ِ‬
‫عرف مثالاً تقدَّ م حذر مما ابتُيل به قو ٌم ّ‬
‫ومتسك بام سعد به‬ ‫وال ريب ّ‬
‫أن َمن َ‬
‫َ‬
‫آخرون‪.‬‬
‫املقدمة‬

‫هذا وقد ِّبوبت احلكايات والقصص يف أبواب شبيهة بام كان يف كتاب‬
‫فقه النفس‪ ،‬وروعي يف ترتيبها كذلك تقديم ما حكي عن الصحابة ‪M‬؛‬
‫وأفقههم بعد األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إذ إهنم خري الناس‬
‫زماين بعدهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومل يراع ترتيب‬
‫واهلل تعاىل نسأل أن ينفعنا بام نقرأ ونكتب وأن يطهر قلوبنا وألسنتنا عام‬
‫ال يرضيه سبحانه‪ ،‬إنه خري مو ِّفق ومعني‪.‬‬

‫املدينة املنورة‬
‫ربيع األول ‪1441‬هـ‬

‫‪6‬‬
‫العقـل‬

‫العقــــل‬

‫عىل صبيان يلعبون فتفرقوا من هيبته‬ ‫‪I‬‬ ‫مر عمر بن اخلطاب‬


‫ومل يربح عبد اهلل بن الزبري ‪ ،L‬فقال له‪ :‬ما لك مل تربح؟ فقال‪ :‬ما الطريق‬
‫[تذكرة اآلباء وتسلية األبناء ص‪]61‬‬ ‫فأوس َعها لك وال يل ذنب فأخاف‪.‬‬
‫ضيقة ِّ‬
‫‪‬‬

‫قال هشام بن عقبة أخو ذي الرمة‪ :‬شهدت األحنف بن قيس وقد‬


‫جاء إىل قوم يف دم فتكلم فيه وقال‪ :‬احتكموا‪ ،‬قالوا‪ :‬نحتكم ديتني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذاك لكم‪ ،‬فلام سكتوا قال‪ :‬أنا أعطيكم ما سألتم فاسمعوا‪ :‬إن اهلل قىض بدية‬
‫واحدة وإن النبي ‪ H‬قىض بدية واحدة‪ ،‬وإن العرب تعاطى بينها دية‬
‫واحدة‪ ،‬وأنتم اليوم تطالبون‪ ،‬وأخشى أن تكونوا غدً ا مطلوبني فال ترىض‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]93/4‬‬ ‫الناس منكم إال بمثل ما سننتم‪ ،‬قالوا‪ُ :‬ر َّدها إىل دية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عطاء بن مسلم‪ :‬ملا استخلف املهدى بعث إىل سفيان الثوري‪ ،‬فلام‬
‫دخل خلع خامته ورمى به إليه فقال‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬هذا خامتي فاعمل يف‬
‫هذه األمة بالكتاب والسنة‪ ،‬فأخذ اخلاتم بيده وقال‪ :‬تأذن يف الكالم يا أمري‬
‫املؤمنني؟ وقال عبيد‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬يا أبا خملد‪ ،‬قال له «يا أمري املؤمنني»؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أتكلم عىل أين آمن؟ قال‪ :‬نعم قال‪ :‬ال تبعث إ َّيل حتى آتيك‬
‫وال تعطني شي ًئا حتى أسألك‪ ،‬قال‪ :‬فغضب من ذلك وهم به‪ ،‬فقال له كاتبه‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫العقـل‬

‫أليس قد أمنته يا أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬فلام خرج حف به أصحابه فقالوا‪:‬‬
‫ما منعك يا أبا عبد اهلل وقد أمرك أن تعمل بالكتاب والسنة؟ فاستصغر‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]262/7‬‬ ‫عقوهلم‪ .‬ثم خرج هار ًبا إىل البرصة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو سعيد الواسطي‪ :‬دخلت عىل أمحد احلبس قبل الرضب‪ ،‬فقلت‬
‫له يف بعض كالمي‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬عليك عيال‪ ،‬ولك صبيان‪ ،‬وأنت معذور‪،‬‬
‫كأين أسهل عليه اإلجابة‪ ،‬فقال يل أمحد بن حنبل‪ :‬إن كان هذا عق َلك يا أبا‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]43/1‬‬ ‫سعيد فقد اسرتحت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أن بدمشق رجلاً‬


‫قال منارة وزير هارون الرشيد‪ :‬رفع إىل هارون الرشيد ّ‬
‫من بقايا بني أمية عظيم اجلاه‪ ،‬واسع احلال‪ ،‬كثري املال واألمالك‪ ،‬مطا ًعا يف‬
‫البلد‪ ،‬له مجاعة أوالد ومماليك وموال يركبون اخليل وحيملون السالح ويغزون‬
‫سمح جواد كثري البذل والضيافة‪ ،‬وأنه ال يؤمن منه فتق ّ‬
‫يتعذر‬ ‫ٌ‬ ‫الروم‪ ،‬وأنه‬
‫رت ُقه‪ ،‬فعظم ذلك عىل هارون‪ .‬قال منارة‪ :‬وكان وقوف الرشيد عىل هذا إذ‬
‫هو بالكوفة يف بعض خرجاته إىل احلج‪ ،‬وقد عاد من املوسم وبايع ألوالده‪،‬‬
‫فدعاين وهو ٍ‬
‫خال فقال يل‪ :‬قد دعوتك ألمر هيمني‪ ،‬وقد منعني النوم‪ ،‬فانظر‬
‫عيل خرب األموي‪ ،‬وقال‪ :‬اخرج الساعة‬
‫كيف تعمل وكيف تكون‪ .‬ثم قص ّ‬
‫وضم‬
‫ّ‬ ‫فقد أعددت لك اجلماّ زات وأزحت ع ّلتك يف الزاد والنفقة واآلالت‬
‫رب ّية‪ ،‬وهذا كتايب إىل أمري دمشق‪ ،‬وهذه القيود إذا‬
‫إليك مائة غالم واسلك ال ِّ‬

‫‪8‬‬
‫العقـل‬

‫دخلت البلد فابدأ بالرجل‪ ،‬فإن سمع وأطاع فقيده هبا وجئني به‪ ،‬وإال فتوكل‬
‫أنت ومن معك به لئال هيرب‪ ،‬وأنفذ الكتاب إىل أمري البلد لريكب يف جيشه‬
‫أجلتك لذهابك ستًّا ولعودك ستًّا ويو ًما ملقامك‪ ،‬وهذا‬
‫ويقبض عليه‪ ،‬وقد ّ‬
‫حممل جيعل يف ش ّقه إذا قيدته وتقعد أنت يف الشق اآلخر‪ ،‬وال تكل حفظه إىل‬
‫غريك حتى تأتيني به يف اليوم الثالث عرش من خروجك‪ ،‬فإذا دخلت داره‬
‫فتف ّقدْ ها ومجيع ما فيها وولده وأهله وحاشيته وغلامنه وما يقولون‪ ،‬وقدر‬
‫ّ‬
‫واملحل‪ ،‬واحفظ ما يقوله الرجل حر ًفا بحرف من ألفاظه منذ‬ ‫النعمة واحلال‬
‫وقوع طرفك عليه إىل أن تأتيني به‪ ،‬وإياك أن يشذ عليك يشء من أمره‪ .‬قال‬
‫ٍ‬
‫مملوك فركبت اإلبل ورسنا نطوي املنازل ونصل‬ ‫منارة‪ :‬فخرجت أنا واملائة‬
‫البكور باألصائل حتى انتهيت إىل دمشق يف أول الليلة السابعة وأبواب البلد‬
‫مغلقة‪ ،‬فكرهت طرقها فنمت بظاهر البلد إىل أن فتحت األبواب‪ ،‬فدخلت‬
‫عىل هيئتي حتى أتيت باب دار الرجل وعليه صفف عظيمة وحاشية كثرية‪،‬‬
‫فلم أستأذن ودخلت بغري اكرتاث‪ ،‬فلام أن رأى ذلك القوم سألوا بعض من‬
‫معي عني‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا منارة رسول أمري املؤمنني الرشيد إىل صاحبكم‪،‬‬
‫جملسا رأيت فيه قو ًما‬
‫فسكتوا‪ .‬فلام رصت يف صحن الدار نزلت ودخلت ً‬
‫جلوسا‪ ،‬فظننت الرجل فيهم‪ .‬فقاموا ورحبوا يب وأكرموين‪ ،‬فقلت‪ :‬أفيكم‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫فاستعجلوه‪ ،‬فمىض‬ ‫فالن؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬نحن أوالده وهو يف احلامم‪ .‬قلت‪:‬‬
‫بعضهم يستعجله وأنا أتفقد الدار واحلال واحلاشية‪ ،‬فوجدهتا قد ماجت‬
‫موجا شديدً ا‪ .‬فلم أزل كذلك حتى خرج الرجل بعد أن أطال‪ ،‬فاشتد‬
‫بأهلها ً‬
‫قلقي وخويف من أن يتوارى‪ ،‬إىل أن رأيت ً‬
‫شيخا قد أقبل من احلامم يتمشى‬

‫‪9‬‬
‫العقـل‬

‫يف الصحن وحوله مجاعة كهول وأحداث حسان هم أوالده وغلامن كثري‪،‬‬
‫فعلمت أنه الرجل‪ .‬فجاء حتى جلس وس ّلم ّ‬
‫عيل سال ًما خفي ًفا وسألني عن‬
‫أمري املؤمنني واستقامة أمر حرضته‪ ،‬فأخربته بام وجب‪ ،‬وما قىض كالمه حتى‬
‫جاؤوه بأطباق فاكهة‪ ،‬فقال يل‪ :‬تقدم يا منارة‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يب إىل ذلك حاجة‪،‬‬
‫فلم يعاودين وأكل هو واحلارضون عنده‪ ،‬ثم غسل يده‪ ،‬ودعا بالطعام‬
‫فجاؤوه بامئدة حسنة عظيمة مل أر مثلها إال يف دار اخلليفة‪ ،‬فقال‪ :‬تقدّ م يا‬
‫منارة‪ ،‬ساعدنا عىل األكل ‪-‬وهو ال يزيدين عىل أن يدعوين باسمي كام يدعوين‬
‫اخلليفة‪ -‬فامتنعت فام عاودين‪ .‬وأكل هو وأوالده ‪-‬وكانوا تسعة عددهتم‪-‬‬
‫ومجاعة كثرية من أصحابه وحاشيته ومجاعة من أوالد أوالده‪ ،‬وتأملت أكله‬
‫يف نفسه فوجدته أكل امللوك‪ ،‬ووجدت جأشه راب ًطا وذلك االضطراب الذي‬
‫كان يف داره قد سكن‪ ،‬ووجدته ال ُيرفع من بني يديه يشء قد جعل عىل‬
‫املائدة إال نهُ ب‪ .‬وقد كان غلامنه ملا نزلت الدار أخذوا مجايل وغلامين فغدوا‬
‫هبم إىل دار له فام أطاقوا ممانعتهم‪ ،‬وبقيت وحدي ليس بني يدي إال مخسة‬
‫أو ستة منهم كانوا وقو ًفا عىل رأيس‪ ،‬فقلت يف نفيس‪ :‬هذا ج ّبار عنيد‪ ،‬فإن‬
‫عيل من الشخوص فأنا ومن معي هالكون‪ ،‬فجزعت‪ ،‬وال سبيل إىل‬
‫امتنع ّ‬
‫إعالم أمري البلد‪ ،‬وإىل أن يلحقني أمري البلد ال أملك لنفيس دفع رضر يريده‬
‫يب‪ ،‬وذاك أين اسرتبت باستخفافه يب وهتاونه ودعائه يل باسمي‪ ،‬وال يفكر يف‬
‫امتناعي من األكل‪ ،‬وال يسأل عام جئت له‪ ،‬بل أكل مطمئنًّا‪ ،‬وأنا أفكر يف‬
‫ذلك إذ فرغ من طعامه وغسل يده‪ ،‬ودعا ببخور ّ‬
‫فتبخر‪ ،‬وقام إىل الصالة‬
‫وطول‪ ،‬وأكثر من الدعاء واالبتهال‪ ،‬ورأيت صالته حسنة‪ ،‬فلام انفتل‬
‫ّ‬ ‫فصلىّ‬

‫‪10‬‬
‫العقـل‬

‫عيل وقال‪ :‬ما أقدمك يا منارة؟ قلت‪ :‬أمر لك من أمري‬


‫من املحراب أقبل ّ‬
‫ففضه وقرأه‪ ،‬فلام استتم قراءته‬
‫املؤمنني‪ ،‬فأخرجت الكتاب ودفعته إليه ّ‬
‫دعا أوالده وحاشيته‪ ،‬فاجتمع منهم خلق كثري‪ ،‬فلم ّ‬
‫أشك إال أنه يريد أن‬
‫يوقع يب‪ ،‬فلام تكاملوا قال هلم‪ :‬هذا كتاب أمري املؤمنني يأمرين باملصري إىل‬
‫بابه‪ ،‬ولست أقيم بعد نظري فيه حلظة واحدة ألنظر يف أمري مسارعة إىل‬
‫أمره؛ فاستوصوا بمن ورائي من احلرم‪ ،‬ثم حلف أيامنًا مغلظة فيها الطالق‬
‫والعتاق واحلج والصدقة والوقف إن اجتمع منهم اثنان يف موضع وأن‬
‫ينرصفوا ويدخلوا بيوهتم وال يصحبه منهم أحد‪ ،‬والتفت إ ّيل وقال‪ :‬هات‬
‫يا منارة قيودك‪ ،‬فدعوت هبا‪ ،‬وأحرضت حدا ًدا ومدّ ساقيه فقيدته‪ ،‬وأمرت‬
‫الشق اآلخر‪ ،‬ورست من وقتي‪،‬‬
‫غلامين حتى حصل يف املحمل‪ ،‬وركبت يف ّ‬
‫ومل ألق أمري البلد وال غريه‪ ،‬ورست بالرجل ليس معه أحد‪ ،‬إىل أن رصنا‬
‫بظاهر دمشق فابتدأ حيادثني بانبساط حتى انتهينا إىل بستان حسن بالغوطة‪،‬‬
‫فقال يل‪ :‬أترى هذا؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إنه يل‪ ،‬وفيه من غرائب األشجار كيت‬
‫وكيت‪ ،‬ثم انتهى إىل آخر فيه مثل ذلك‪ ،‬ثم انتهينا إىل قرى حسان رسية‪،‬‬
‫فأقبل يقول‪ :‬هذا يل‪ ،‬ويصف كل يشء من ذلك‪ ،‬فاشتدّ غيظي منه فقلت‬
‫له‪ :‬علمت أين شديد التعجب؟ قال‪ :‬ومل تعجب؟ قلت‪ :‬ألست تعلم أن أمري‬
‫مهه أمرك حتى أرسل إليك من انتزعك من بني أهلك وولدك‬
‫املؤمنني قد أ ّ‬
‫ومالك وأخرجك عن مجيع مالك وحيدً ا فريدً ا مق ّيدً ا ال تدري إىل ما تصري إليه‬
‫وال كيف تكون وأنت فارغ البال من هذا تصف بساتينك وقراك وضياعك؟!‬
‫هذا بعد أن رأيتني قد جئت وأنت تعلم فيم جئت! بل أنت ساكن اجلأش‬

‫‪11‬‬
‫العقـل‬

‫شيخا فاضلاً ! فقال يل جمي ًبا‪ :‬إنا هلل وإنا إليه‬


‫مطمئن القلب‪ ،‬ولقد كنت عندي ً‬
‫راجعون! أخطأت فراستي فيك‪ ،‬قدّ رتك رجلاً كامل العقل وأنك ما حللت‬
‫ّ‬
‫املحل إال بعد أن عرفوك بذلك‪ ،‬فإذا عقلك وكالمك يشبه‬ ‫من اخللفاء هذا‬
‫عقول العوام وكالمهم‪ ،‬واهلل املستعان! أما قولك يف أمري املؤمنني وإزعاجه‬
‫يل وإخراجه إياي إىل بابه عىل صوريت هذه فإين عىل ثقة باهلل ‪ D‬الذي بيده‬
‫رضا وال نف ًعا‬
‫ناصية أمري املؤمنني‪ ،‬وال يملك أمري املؤمنني لنفسه وال لغريه ًّ‬
‫إال بإذن اهلل ومشيئته‪ ،‬عىل أين ال ذنب يل عند أمري املؤمنني أخافه‪ ،‬وإين أعتقد‬
‫فيه أنه إذا حتقق أمري وعلم صالحي وبراءة ساحتي ّ‬
‫وأن احلسدة واألعداء‬
‫ّ‬
‫يستحل‬ ‫عيل األكاذيب الباطلة مل‬
‫وتقولوا ّ‬
‫رموين عنده بام لست يف طريقته ّ‬
‫مكر ًما أو أقامني ببابه معظماً ‪ .‬وإن‬
‫وحترج من أذ ّيتي وإزعاجي‪ ،‬فر ّدين ّ‬
‫دمي ّ‬
‫كان قد سبق يف علم اهلل تعاىل أن تبدر إ ّيل منه بادرة من سوء وقد حرض‬
‫أجيل وحان سفك دمي عىل يده فلو اجتهدت اإلنس واجلن وأهل األرض‬
‫أتعجل‬ ‫والسامء عىل رصف ذلك وزحزحته عني ما استطاعوا؛ ِ‬
‫فلم حينئذ‬
‫ّ‬
‫الغم فيام قد فرغ منه؟ وإين أحسن الظ ّن باهلل ‪ D‬الذي‬
‫املكروه وأتسلف ّ‬
‫خلق ورزق وأمات وفطر وجبل وأحسن وأمجل‪ ،‬وقد كنت أظ ّن ّ‬
‫أن مثلك‬
‫حيسن ويعرف هذا‪ ،‬واآلن قد عرفتك حق معرفتك وعلمت حد فهمك فإين‬
‫تفرق حرضة أمري املؤمنني بيني وبينك‬
‫آليت أال أكلمك بعد هذا بكلمة حتى ّ‬
‫إن شاء اهلل تعاىل‪ .‬ثم أعرض عني فام سمعت له لفظة بغري التسبيح والقرآن‬
‫إال بطلب ماء للوضوء أو الرشب أو حاجة جتري جمرامها‪ ،‬إىل أن شارفنا‬
‫الكوفة يف اليوم الثالث عرش بعد الظهر وإذا النّجب قد استقبلتني عىل فراسخ‬

‫‪12‬‬
‫العقـل‬

‫يتحسسون خربي؛ فحني رأوين رجعوا عني متقدمني باخلرب إىل‬


‫ّ‬ ‫من الكوفة‬
‫أمري املؤمنني‪.‬‬

‫ودخلت عىل الرشيد‪ ،‬فقال‪ :‬هات ما عندك‪ ،‬وإياك أن تغفل منه لفظة‬
‫واحدة‪ .‬فسقت احلديث من أوله إىل آخره حتى انتهيت إىل ذكر الفاكهة‬
‫والطعام والغسل والطهور والبخور والصالة وما حدثت به نفيس من امتناعه‬
‫والغضب يظهر يف وجهه ويتزايد‪ ،‬حتى انتهيت إىل فراغ األموي من الصالة‬
‫والتفاته إ ّيل ومسألته إياي عن سبب قدومي ودفعي الكتاب إليه ومبادرته‬
‫إىل أمر ولده وأسبابه وأهله وأصحابه وخدمه أال يتبعه أحد منهم ورصفه‬
‫إياهم ومدّ رجليه حتى قيدته‪ ،‬فام زال وجه الرشيد يسفر‪ ،‬فلام انتهيت إىل ما‬
‫خاطبني به عند توبيخي إياه ملا ركبنا يف املحمل قال‪ :‬صدق واهلل! ما هذا إال‬
‫رجل حمسود عىل النعمة مكذوب عليه‪ ،‬ولعمري لقد بالغنا يف أذيته وإرعاب‬
‫أهله وعشريته‪ِ ،‬‬
‫فبادر إىل نزع قيوده وأتني به‪ .‬فخرجت فنزعت قيوده عنه‬
‫وأدخلته إىل الرشيد‪ ،‬فلام وقع برصه عليه رأيت ماء احلياء جيول يف وجه‬
‫الرشيد‪ ،‬فدنا األموي وس ّلم باخلالفة ووقف‪ ،‬فر ّد عليه السالم ر ًّدا مجيلاً‬
‫وأمره باجللوس فجلس‪ ،‬فأقبل عليه الرشيد يالطفه ويسائله عن حاله‪ ،‬ثم‬
‫قال له‪ :‬إنه بلغنا عنك هيئة مجيلة وآثار جليلة أحببنا أن نراك بجميل صفاتك‬
‫ونسمع حماسن كلامتك فنعطف بسبب ذلك عليك ونؤدي شكر نعمة اهلل‬
‫علينا باإلحسان إليك‪ ،‬فاذكر حاجتك‪ ،‬فأجاب األموي جوا ًبا رائ ًقا وشكر‬
‫ودعا وقال‪ :‬أما حاجتي فال حاجة يل إال واحدة‪ ،‬قال‪ :‬مقضية‪ ،‬فام هي؟ قال‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫العقـل‬

‫يا أمري املؤمنني‪ ،‬تر ّدين إىل بلدي وأهيل وولدي‪ ،‬قال‪ :‬نحن نفعل ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫سل ما حتتاج إليه من صالح جاهك ومعاشك؛ فمثلك ال خيلو أن حيتاج إىل‬
‫يشء من هذا‪ ،‬فقال‪ :‬عامل أمري املؤمنني منصفون‪ ،‬وقد استغنيت بعدله عن‬
‫مسألة يشء من أمواله‪ ،‬وأموري منتظمة وأحوايل مستقيمة‪ ،‬وكذلك أمور‬
‫أهل بلدي بالعدل الشامل يف ظل دولة أمري املؤمنني‪ ،‬فال أستغنم ماله‪ .‬فقال‬
‫له الرشيد‪ :‬انرصف حمفو ًظا إىل بلدك‪ ،‬فال يكون أمر بالشام إال برأيك‪ ،‬فاكتب‬
‫خارجا ثم أتبعه الرشيد بجائزة سنية‬
‫ً‬ ‫األموي‬
‫ّ‬ ‫إلينا بأمر إن عرض لك‪ .‬فو ّدعه‬
‫رِ‬
‫فس به‬ ‫وخلعة هبية‪ .‬فلام ولىّ‬
‫خارجا قال يل الرشيد‪ :‬يا منارة امحله من وقته ْ‬
‫ً‬
‫راج ًعا كام سيرّ ته إلينا‪ ،‬حتى إذا أوصلته إىل املجلس الذي أخذته منه فدعه‬
‫ِ‬
‫وانرصف‪.‬‬ ‫مكر ًما‬
‫فيه َّ‬
‫[اتلذكرة احلمدونية ‪ ،55/8‬حل العقال ص‪]77-75‬‬

‫‪‬‬

‫بعث عضد الدولة القايض أبا بكر الباقالين يف رسالة إىل ملك الروم‪،‬‬
‫فلام ورد مدينته عرف امللك خربه وبني له حمله يف العلم‪ ،‬فأفكر امللك يف أمره‬
‫وعلم أنه ال يك ِّفر له إذا دخل عليه كام جرى رسم الرعية أن تُق َّبل األرض‬
‫بني يدي امللوك‪ ،‬ثم نتجت له الفكرة أن يضع رسيره الذي جيلس عليه وراء‬
‫ٍ‬
‫لطيف ال ُي َمكِّن أحدً ا أن يدخل منه إال راك ًعا ليدخل القايض منه عىل‬ ‫ٍ‬
‫باب‬
‫عوضا من تكفريه بني يديه‪ ،‬فلام وضع رسيره يف ذلك املوضع أمر‬
‫تلك احلال ً‬
‫بإدخال القايض من الباب‪ ،‬فسار حتى وصل إىل املكان‪ ،‬فلام رآه تفكّر فيه ثم‬
‫فطن بالقصة‪ ،‬فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب وهو يميش إىل خلفه‬

‫‪14‬‬
‫العقـل‬

‫وقد استقبل امللك بدبره حتى صار بني يديه‪ ،‬ثم رفع رأسه ونصب ظهره‬
‫وأدار وجهه حينئذ إىل امللك‪ ،‬فعجب من فطنته ووقعت له اهليبة يف نفسه‪.‬‬
‫[املنتظم ‪]96/15‬‬

‫‪‬‬

‫وحج‬
‫حججت يف بعض السنني ّ‬ ‫ُ‬ ‫قال أبو بكر حممد بن عبد اهلل األسدي‪:‬‬
‫يف تلك السنة أبو القاسم عبد اهلل بن حممد البغوي وأبو بكر األَ َدمي القارئ‪،‬‬
‫فلام رصنا بمدينة الرسول ‪ H‬جاءين أبو القاسم البغوي فقال يل‪ :‬يا أبا‬
‫بكر‪ ،‬ههنا رجل رضير قد مجع حلقة يف مسجد رسول اهلل ‪ H‬وقعد‬
‫يقص ويروي الكذب من األحاديث املوضوعة واألخبار املفتعلة‪ ،‬فإن رأيت‬
‫ّ‬
‫أن متيض بنا إليه لننكر عليه ذلك ونمنعه منه؟ فقلت له‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬إن‬
‫كالمنا ال يؤثر مع هذا اجلمع الكثري واخللق العظيم‪ ،‬ولسنا ببغداد فيعرف لنا‬
‫وأقبلت عىل أيب‬
‫ُ‬ ‫موضعنا وننزل منازلنا‪ ،‬ولكن ههنا أمر آخر هو الصواب‪،‬‬
‫ت‬‫بكر األدمي فقلت له‪ :‬استعذ واقرأ‪ ،‬فام هو إال أن ابتدأ بالقراءة حتى انف َّل ِ‬

‫احللقة وانفصل الناس مجي ًعا وأحاطوا بنا يسمعون قراءة أيب بكر‪ ،‬وتركوا‬
‫الرضير وحده‪ ،‬فسمعته يقول لقائده‪ :‬خذ بيدي فهكذا تزول النعم‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]526/2‬‬

‫‪15‬‬
‫القلب‬

‫القلـــب‬
‫ِ‬
‫عندك له‬ ‫أتى أ َّم الدرداء ٌ‬
‫رجل فقال‪ :‬إن يب دا ًء من أعظم الداء‪ ،‬فهل‬
‫دواء؟ قالت‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬إين أجد قسوة يف القلب‪ .‬فقالت‪ :‬أعظم الداء‬
‫داؤك‪ُ :‬ع ِد املرىض واتبع اجلنائز وا َّط ِلع يف القبور لعل اهلل أن يلني قلبك‪،‬‬
‫ففعل الرجل فكأنه أحس من نفسه رقة‪ ،‬فجاء إىل أم الدرداء يشكر هلا‪.‬‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]197-196‬‬

‫‪‬‬

‫خرجت بأيب أقوده يف بعض سكك‬


‫ُ‬ ‫قال عمرو بن ميمون بن مهران‪:‬‬
‫فمر عىل‬
‫البرصة‪ ،‬فمررت بجدول فلم يستطع الشيخ يتخطاه فاضطجعت له َّ‬
‫فطرقت الباب‬
‫ُ‬ ‫فأخذت بيده ثم دفعنا إىل منزل احلسن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ظهري‪ ،‬ثم قمت‬
‫فخرجت إلينا جاري ٌة سداسي ٌة‪ ،‬فقالت‪ :‬من هذا؟ قلت‪ :‬هذا ميمون بن‬
‫ْ‬
‫مهران أراد لقاء احلسن‪ ،‬فقالت‪ :‬كاتب عمر بن عبد العزيز؟ قلت هلا‪ :‬نعم‪،‬‬
‫شقي‪ ،‬ما بقاؤك إىل هذا الزمان السوء؟ قال‪ :‬فبكى الشيخ‪ ،‬فسمع‬
‫قالت‪ :‬يا ّ‬
‫احلسن بكاءه فخرج إليه فاعتنقا ثم دخال‪ ،‬فقال ميمون‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬قد‬
‫أنست من قلبي غلظ ًة فاستلن يل منه‪ ،‬فقرأ احلسن‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪:‬‬
‫ُ‬
‫[ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ]‪ ،‬فسقط الشيخ‪ ،‬فرأيته يفحص برجله كام تفحص الشاة‬
‫املذبوحة‪ ،‬فأقام طويلاً ثم أفاق‪ ،‬فجاءت اجلارية فقالت‪ :‬قد أتعبتم الشيخ‪،‬‬
‫قوموا تفرقوا‪ ،‬فأخذت بيد أيب فخرجت به‪ ،‬ثم قلت‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬هذا احلسن قد‬

‫‪16‬‬
‫القلب‬

‫كنت أحسب أنه أكرب من هذا‪ ،‬قال‪ :‬فوكزين يف صدري وكزة ثم قال‪ :‬يا بني‪،‬‬
‫لقد قرأ علينا آية لو فهمتها بقلبك لبقي هلا فيك كلوم‪.‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]83-82/4‬‬

‫‪‬‬

‫جاء رجل إىل حممد بن سريين فذكر له شي ًئا من القدر‪ ،‬فقال حممد‪:‬‬
‫[ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ] ووضع إصب َعي يديه‬
‫يف أذنيه وقال‪ :‬إما أن خترج عني وإما أن أخرج عنك‪ ،‬فخرج الرجل‪ ،‬فقال‬
‫حممد‪ :‬إن قلبي ليس بيدي‪ ،‬وإين خفت أن ينفث يف قلبي شي ًئا فال أقدر عىل‬
‫[طبقات ابن سعد ‪]196/9‬‬ ‫أن أخرجه منه‪ ،‬فكان أحب إيل أن ال أسمع كالمه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫جالسا وعنده ابنه‪ ،‬فجاء رجل من املعتزلة‬


‫ً‬ ‫كان طاوس بن كيسان‬
‫فتكلم يف يشء فأدخل طاوس إصبعيه يف أذنيه وقال‪ :‬يا بني أدخل إصبعك‬
‫يف أذنيك حتى ال تسمع من قوله شي ًئا؛ فإن هذا القلب ضعيف‪ ،‬ثم قال‪ :‬أي‬
‫[تلبيس إبليس ص‪]14‬‬ ‫بني‪ ،‬اسدد‪ ،‬فام زال يقول اسدد حتى قام اآلخر‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ق�ال عمر بن صالح الطرس�ويس‪ :‬سألت اإلمام أمحد بم تلني القلوب؟‬


‫فم�ررت كام أنا‬
‫ُ‬ ‫ن�ي بأكل احللال‪،‬‬
‫فأط�رق ساع�ة‪ ،‬ث�م رفع رأس�ه فقال‪ :‬يا ُب ّ‬
‫إىل أيب نصر برش ب�ن احلارث‪ ،‬فقلت ل�ه‪ :‬يا أبا نرص بم تلين القلوب؟ قال‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫القلب‬

‫جئ�ت م�ن عن�د أيب‬


‫ُ‬ ‫[ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ]‪ ،‬قل�ت‪ :‬ف�إين‬
‫عب�د اهلل‪ ،‬فق�ال‪ :‬هيه‪ ،‬أيش قال لك أبو عبد اهلل؟ قل�ت‪ :‬بأكل احلالل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فمررت إىل عبد الوهاب بن أيب احلس�ن فقلت‪ :‬يا أبا احلس�ن‬
‫ُ‬ ‫ج�اء باألصل‪،‬‬
‫ب�م تلين القل�وب؟ ق�ال‪[ :‬ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ]‪ ،‬قل�ت‪ :‬فإين‬
‫فامحرت وجنت�اه من الفرح وق�ال يل‪ :‬أيش قال‬
‫جئ�ت م�ن عند أيب عب�د اهلل‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫أب�و عب�د اهلل؟ فقل�ت‪ :‬قال‪ :‬ب�أكل احللال‪ ،‬فقال‪ :‬ج�اءك باجلوه�ر‪ ،‬جاءك‬
‫[حلية األويلاء ‪]182/9‬‬ ‫باجلوهر‪ ،‬األصل كام قال‪ ،‬األصل كام قال‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مىض ابن األنباري يو ًما يف النخاسني وجاري ٌة تُعرض حسن ٌة كاملة‬


‫مضيت إىل دار أمري املؤمنني الرايض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الوصف‪ ،‬قال‪ :‬فوق َع ْت يف قلبي‪ ،‬ثم‬
‫فقال يل‪ :‬أين كنت إىل الساعة؟ فعرفته‪ ،‬فأمر بعض أسبابه‪ ،‬فمىض فاشرتاها‬
‫ومحلها إىل منزيل‪ ،‬فجئت فوجدهتا‪ ،‬فعلمت األمر كيف جرى‪ ،‬فقلت هلا‪:‬‬
‫ِ‬
‫فوق إىل أن أستربئك‪ ،‬وكنت أطلب مسأل ًة قد اخت َّلت َّ‬
‫عيل‪ ،‬فاشتغل‬ ‫كوين ُ‬
‫قلبي‪ ،‬فقلت للخادم‪ :‬خذها وامض هبا إىل النخاس‪ ،‬فليس قدرها أن تشغل‬
‫قلبي عن علمي‪ ،‬فأخذها الغالم‪ ،‬فقالت‪ :‬دعني أكلمه بحرفني‪ ،‬فقالت‪ :‬أنت‬
‫رجل لك ٌّ‬
‫حمل وعقل‪ ،‬وإذا أخرجتني ومل تبني يل ذنبي مل آمن أن يظن الناس َّيف‬
‫أنك‬ ‫لك عندي عيب غري ِ‬ ‫ظنًّا قبيحا‪ ،‬فعرفنيه قبل أن خترجني‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬ما ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫أمره‪ ،‬فقال‪:‬‬‫الرايض ُ‬
‫َ‬ ‫شغلتِني عن علمي‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا أسهل عندي‪ ،‬فبلغ‬
‫أحد أحىل منه يف صدر هذا الرجل‪.‬‬ ‫ال ينبغي أن يكون العلم يف قلب ٍ‬
‫ُ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]299/4‬‬

‫‪18‬‬
‫معرفة النف�س‬

‫معرفة النفس‬

‫قال سامل موىل زيد بن صوحان‪ :‬كنت مع موالي زيد بن صوحان‬


‫يف السوق‪ ،‬فمر علينا سلامن الفاريس ‪ I‬وقد اشرتى وس ًقا من طعام‪،‬‬
‫فقال له زيد‪ :‬يا أبا عبد اهلل تفعل هذا وأنت صاحب رسول اهلل ‪H‬؟‬
‫فقال‪ :‬إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت وتفرغت للعبادة وأيس منها‬
‫[حلية األويلاء ‪]207/1‬‬ ‫الوسواس‪.‬‬
‫َ‬
‫‪‬‬

‫قال أبو وائل‪ :‬مضيت مع صاحب يل إىل سلامن نزوره‪ ،‬فقدّ م إلىنا خبز‬
‫ً‬
‫جريشا‪ ،‬فقال صاحبي‪ :‬لو كان يف هذا امللح سعرت لكان أطيب‪،‬‬ ‫وملحا‬
‫ً‬ ‫شعري‬
‫رتا‪ ،‬فلام أكلنا قال صاحبي‪ :‬احلمد‬
‫فخرج سلامن فرهن مطهرته وأخذ سع ً‬
‫هلل الذي قنعنا بام رزقنا‪ ،‬فقال سلامن‪ :‬لو قنعت بام رزقت مل تكن مطهريت‬
‫[قوت القلوب ‪]304/2‬‬ ‫مرهونة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ا ْلتقى سفيان الثوري والفضيل‪ ،‬فتذاكرا‪ ،‬فبكيا‪ ،‬فقال سفيان‪ :‬إين‬


‫جملسنا هذا أعظم جملس جلسناه بركة‪ ،‬فقال له فضيل‪:‬‬
‫ألرجو أن يكون ُ‬
‫أعظم جملس جلسناه شؤ ًما!‪ ،‬أليس نظرت إىل أحسن‬
‫َ‬ ‫لكني أخاف أن يكون‬
‫وتزينت لك‪ ،‬فعبدتني وعبدتك؟ فبكى سفيان حتى‬
‫ُ‬ ‫فتزينت به يل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ما عندك‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]267/7‬‬ ‫عال نحيبه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أحييتني أحياك اهلل‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫معرفة النف�س‬

‫قال حممد بن عبد الرمحن الطرائفي‪ :‬حرضت بدمشق عند ابن جوصا‪،‬‬
‫فجعلت أمت ّلقه فقلت‪ :‬أهيا الشيخ‪ ،‬مثلك مثل ما قال ُكثيرِّ عزة‪:‬‬
‫��ك زينا‬ ‫ك���ان ل��ل��در ح��س ُ‬
‫��ن وج��ه ِ‬ ‫وإذا ال�������در زان ح���س���ن وج����وه‬
‫إن مل��س��ت��ي��ه أي�����ن م���ث��� ُل ِ‬
‫���ك أينا‬ ‫وت��زي��دي��ن أط��ي��ب ال��ط��ي��ب ِطي ًبا‬

‫هون عليك‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعيد اجلوهري قال‪ :‬سمعت‬


‫فقال‪ِّ :‬‬
‫املدح َمن عرف نفسه‪.‬‬
‫سفيان بن عيينة يقول‪ :‬ال يغر ُ‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]210/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال عبيد اهلل بن احلسن قايض البرصة‪ :‬كانت عندي جارية عجمية‬
‫فانتبهت فلم‬
‫ُ‬ ‫وضيئة‪ ،‬وكنت هبا معج ًبا‪ ،‬وكانت ذات ليلة نائمة إىل جنبي‪،‬‬
‫أجدها فالتمستها فلم أجدها‪ ،‬وقلت‪ :‬رس‪ ،‬فلام وجدهتا وجدهتا ساجدة‬
‫وهي تقول‪ :‬بحبك يل اغفر يل‪ ،‬قلت هلا‪ :‬ال تقويل هكذا‪ ،‬قويل بحبي لك‬
‫اغفر يل‪ ،‬فقالت‪ :‬يا بطال‪ ،‬حبه يل أخرجني من الرشك إىل اإلسالم‪ ،‬وبحبه يل‬
‫أيقظ عيني وأنام عينك‪ ،‬قلت‪ :‬اذهبي فأنت حرة لوجه اهلل‪ ،‬قالت‪ :‬يا موالي‪،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]309/10‬‬ ‫أسأت إيل‪ ،‬كان يل أجران صار يل أجر واحد‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫خمالطة النا�س‬

‫مخالطة الناس‬

‫شهد رجل عند عمر بن اخلطاب ‪ I‬شهادة فقال له‪ :‬لست أعر ُفك‪،‬‬
‫وال يرضك ألاّ أعر َفك‪ ،‬ائت بمن يعر ُفك‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬أنا أعرفه‪،‬‬
‫قال‪ :‬بأي يشء تعرفه؟ قال‪ :‬بالعدالة والعقل‪ .‬قال‪ :‬هو جارك األوىل الذي‬
‫تعرف ليله وهناره ومدخله وخمرجه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فعاملك بالدرهم والدينار‬
‫اللذين يستدل هبام عىل الورع؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فرفيقك يف السفر الذي يستدل‬
‫به عىل مكارم األخالق؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬لست تعرفه‪ ،‬ثم قال للرجل‪ :‬ائت‬
‫[الكفاية يف علم الرواية ص‪]83‬‬ ‫بمن يعر ُفك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خرج عبد اهلل بن حمرييز إىل ّبزاز يشرتي منه ثو ًبا والبزاز ال يعرفه‪ ،‬وعنده‬
‫رجل يعرفه‪ ،‬فقال‪ :‬بكم هذا الثوب؟ قال الرجل‪ :‬بكذا وكذا‪ ،‬فقال الرجل‬
‫الذي يعرفه‪ :‬أحسن إىل ابن حمرييز‪ ،‬فقال ابن حمرييز‪ :‬إنام جئت أشرتي باميل‬
‫[حلية األويلاء ‪]138/5‬‬ ‫ومل أجئ أشرتي بديني‪ ،‬فقام ومل يشرت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الرسي يف كل ثالثة أيام عيادة السنة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫كنت أعود‬
‫قال اجلنيد بن حممد‪ُ :‬‬
‫فجلست عند رأسه فبكيت‪ ،‬وسقط من‬
‫ُ‬ ‫فدخلت عليه وهو جيود بنفسه‪،‬‬
‫دموعي عىل خده‪ ،‬ففتح عينيه ونظر إ ّيل‪ ،‬فقلت له‪ :‬أوصني‪ ،‬فقال‪ :‬ال تصحب‬
‫[تاريخ بغداد ‪]260/10‬‬ ‫األرشار‪ ،‬وال تشتغل عن اهلل بمجالسة األخيار‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪21‬‬
‫خمالطة النا�س‬

‫وكنت‬
‫ُ‬ ‫قال عبد اهلل بن عبد احلكم‪ :‬ه ّيأ مالك بن أنس ُدعو ًة للطلبة‬
‫فيهم‪ ،‬فمضينا معه إىل داره‪ ،‬فلام دخلنا الدار قال‪ :‬هذا املسرتاح وهذا املاء‪ ،‬ثم‬
‫دخلنا البيت فلم يدخل معنا‪ ،‬ودخل بعد ذلك فأتانا بالطعام‪ ،‬ومل يؤت باملاء‬
‫رأيت‪ ،‬قال‪ :‬أما‬
‫قبله لغسل أيدينا‪ ،‬ثم أيت به بعده‪ ،‬فلام خرج الناس سألته عام ُ‬
‫إعالمي لكم باملسرتاح واملاء فإنام دعوتكم أل َب َّركم‪ ،‬ولعل أحدكم يصيبه بول‬
‫أو غريه فال يدري أين يذهب فيصل إليه الرضر‪ ،‬وأما تركي الدخول معكم‬
‫يف البيت فلعيل أقول‪ :‬هاهنا أبا فالن اجلس‪ ،‬وهاهنا أبا فالن اجلس‪ ،‬وقد‬
‫نقصا فيه‪ ،‬فرتكتكم حتى أخذتم جمالسكم ودخلت‬
‫أنسى بعضكم فيظ ّن ذلك ً‬
‫عليكم‪ ،‬وأما تركي املاء قبل الطعام فإن الوضوء قبله من سنة األعاجم‪ ،‬وأما‬
‫[ترتيب املدارك ‪]130/1‬‬ ‫بعده فقد جاء يف ذلك حديث‪.‬‬
‫‪‬‬

‫إسكاف يعمل هناره أمجع‪ ،‬حتى إذا جنّه‬


‫ٌ‬ ‫جار بالكوفة‬
‫كان أليب حنيفة ٌ‬
‫الليل رجع إىل منزله وقد محل حلماً فطبخه‪ ،‬أو سمكة فيشوهيا‪ ،‬ثم ال يزال‬
‫ٍ‬
‫بصوت‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬ ‫دب الرشاب فيه غنّى‬‫يرشب حتى إذا ّ‬
‫����ر‬ ‫وس���������داد َث ْ‬
‫����غ ِ‬ ‫ل����ي����وم ك���ري���ه���ة ِ‬ ‫أض���اع���ون���ي وأي ف��ت��ى أض���اع���وا‬

‫فال يزال يرشب وير ّدد هذا البيت حتى يأخذه النوم‪ ،‬وكان أبو حنيفة‬
‫يسمع َج َل َبته كل يوم‪ ،‬وكان أبو حنيفة يصيل الليل كله‪ ،‬ففقد أبو حنيفة‬
‫ليال وهو حمبوس‪ ،‬فصىل أبو‬‫صوته‪ ،‬فسأل عنه‪ ،‬فقيل‪ :‬أخذه ال َعسس منذ ٍ‬
‫َ‬
‫حنيفة صالة الفجر من ٍ‬
‫غد وركب بغلته واستأذن عىل األمري‪ ،‬قال األمري‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫خمالطة النا�س‬

‫ائذنوا له‪ ،‬وأقبلوا به راك ًبا وال تَدَ عوه ينزل حتى يطأ البساط‪ ،‬ففعل‪ ،‬فلم يزل‬
‫األمري يوسع له من جملسه‪ ،‬وقال‪ :‬ما حاجتك؟ قال‪ :‬يل جار إسكاف أخذه‬
‫العسس منذ ٍ‬
‫ليال‪ ،‬يأمر األمري بتخليته‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وكل من أخذ يف تلك‬
‫الليلة إىل يومنا هذا‪ ،‬فأمر بتخليتهم أمجعني‪ ،‬فركب أبو حنيفة واإلسكاف‬
‫يميش وراءه‪ ،‬فلام نزل أبو حنيفة مىض إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا فتى‪ ،‬أضعناك؟ فقال‪:‬‬
‫خريا عن حرمة اجلوار ورعاية احلق‪،‬‬
‫حفظت ورعيت‪ ،‬جزاك اهلل ً‬
‫َ‬ ‫ال‪ ،‬بل‬
‫[تاريخ بغداد ‪]496/15‬‬ ‫وتاب الرجل ومل يعد إىل ما كان‪.‬‬
‫‪‬‬

‫باع أبو اجلهم سليامن بن اجلهم األنصاري داره بامئة ألف درهم ثم قال‪:‬‬
‫فبكم تشرتون جوار سعيد بن العاص؟ قالوا‪ :‬وهل يشرتى جوار قط؟ قال‪:‬‬
‫ردوا عيل داري ثم خذوا مالكم‪ ،‬ال أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني وإن‬
‫رآين رحب يب وإن غبت حفظني وإن شهدت َّقربني وإن سألته قىض حاجتي‬
‫وإن مل أسأله بدأين وإن نابتني فرج عني‪ ،‬فبلغ ذلك سعيدً ا فبعث إليه بامئة‬
‫[وفيات األعيان ‪]535/2‬‬ ‫ألف درهم‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫امللذات‬

‫امللــذات‬

‫كلم عبد اهلل بن عمر وحفصة وغريمها عمر بن اخلطاب ‪ ،M‬فقالوا‪:‬‬


‫لو أكلت طعا ًما طي ًبا كان أقوى لك عىل احلق‪ ،‬قال‪ :‬أك ُّلكم عىل هذا الرأي؟‬
‫صاحبي عىل جادة‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬ ‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬قد علمت نصحكم‪ ،‬ولكني تركت‬
‫[تاريخ اخللفاء ‪]104‬‬ ‫تركت جادهتام مل أدركهام يف املنزل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪I‬‬ ‫قال حفص بن أيب العاص‪ :‬كنا نتغدى عند عمر بن اخلطاب‬
‫بخبز َج ِشب‪ ،‬وكان ينهى الناس أن ينخلوا الدقيق ويقول‪ :‬هو طعام‪ ،‬فنتغدى‬
‫ثريدً ا بلبن أو ثريدً ا بلحم غليظ فال يأكل القوم! فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني إهنم‬
‫كنت تراين ُأ ْح ِسن أعمد إىل صاع‬
‫يرجعون إىل طعام هو ألني منه‪ ،‬فقال‪َ :‬أو ما َ‬
‫أو صاعي زبيب فريش عليه من املاء ثم يص َّفى كأنه دم غزال‪ ،‬وأعمد إىل‬
‫حور يل‪ ،‬وأعمد إىل َعناق فتذبح ويلقى عنها شعرها‬ ‫صاع أو صاعي دقيق ف ُي َّ‬
‫ثم خترج من التنور كأنه ِصنًا؟ قلت‪ :‬يا أمري املؤمنني إين أراك عا ًملا بطيب‬
‫الطعام‪ ،‬قال‪ :‬أجل واهلل الذي ال إله إال هو‪ ،‬ولكني ال أتعجل طيبايت وقد‬
‫سمعت اهلل ذكر قو ًما فقال‪[ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]84‬‬ ‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ]‪.‬‬
‫‪‬‬

‫بطبق فيه ماء‬ ‫‪J‬‬ ‫من بيت حفصة‬ ‫‪I‬‬ ‫أيت عمر بن اخلطاب‬
‫وعسل‪ ،‬فلام وضعه يف فيه دفعه إىل بعض من عنده‪ ،‬فلام رشبه قال‪ :‬يا أمري‬

‫‪24‬‬
‫امللذات‬

‫املؤمنني ما منعك أن ترشب؟ فام رشبت رشبة أطيب وال أحىل منه‪ .‬قال‪:‬‬
‫كرهت منه الذي أعجبك‪ ،‬إنني سمعت اهلل عيرَّ قو ًما فقال‪[ :‬ﯹ ﯺ‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]103‬‬ ‫ﯻ ﯼ ﯽ‪ ]...‬اآلية»‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال جابر بن عبد اهلل ‪ :L‬لقيني عمر بن اخلطاب ‪ I‬ومعي‬


‫حلم اشرتيته بدرهم فقال‪ :‬ما هذا؟ فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني اشرتيته للصبيان‬
‫والنساء‪ .‬فقال عمر‪ :‬ال يشتهي أحدكم شي ًئا إال وقع فيه؟ ‪ -‬مرتني أو ثال ًثا ‪-‬‬
‫ذهب بكم عن هذه‬
‫َأوال يطوي أحدكم بطنه جلاره وابن عمه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أين ُي َ‬
‫[الزهد أليب داود ‪]78‬‬ ‫اآلية‪[ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ]؟»‬
‫‪‬‬

‫دخل ابن مطيع عىل عبد اهلل بن عمر ‪ L‬يعوده‪ ،‬فرآه قد نحل جسمه‬
‫فقال لصفية‪ :‬أال تلطفينه لعله أن يرتد إليه جسمه‪ ،‬تصنعني له طعا ًما؟ قالت‪:‬‬
‫إنا لنفعل ذلك‪ ،‬ولكن ال يدع أحدً ا من أهله وال من حيرضه إال دعاه إليه‪ ،‬فلو‬
‫أنك كلمته‪ .‬فقال له ابن مطيع‪ :‬لو اختذت طعا ًما يرجع إليك جسمك؟ قال‪:‬‬
‫عيل ثامين سنني ما أشبع فيها شبعة واحدة‪ ،‬أو قال‪ :‬إال شبعة واحدة‪،‬‬
‫إنه ليأيت َّ‬
‫فاآلن أريد أن أشبع حني مل يبق من عمري إال ظِ ْم ُء محار؟!»‪.‬‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]269‬‬

‫‪‬‬

‫صنعت البن عباس ‪ L‬وأصحابه ألوانًا من‬


‫ُ‬ ‫قال سعيد بن جبري‪:‬‬
‫الطعام واخلبيص‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا سعيدُ إنا قوم عرب‪ ،‬فاصنع لنا مكان هذه‬

‫‪25‬‬
‫امللذات‬

‫األلوان الثريد ومكان هذه األخبصة احليس‪ ،‬ولوال أنك رجل منا أهل البيت‬
‫[اجلوع البن أيب ادلنيا ص‪]159‬‬ ‫ما قلت لك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال مزاحم موىل عمر بن عبد العزيز‪ :‬اشرتيت لعمر بن عبد العزيز‬
‫وهو أمري املدينة للوليد كساء خز بستامئة دينار أو سبعامئة دينار فجعل جيسه‬
‫ويقول‪ :‬إنه خشن‪ ،‬فلام ويل اخلالفة قال‪ :‬إين ألجد الربد بالليل‪ ،‬فاشرتيت‬
‫له كساء بعرشة دراهم فلام أتيته به جعل جيسه ويقول‪ :‬إنه ل َلينِّ فضحكت‬
‫فقال‪ :‬مم تضحك؟ فقلت‪ :‬ما تذكر حني اشرتيت لك كساء بستامئة دينار أو‬
‫بسبعامئة فجعلت تقول‪ :‬إنه خلشن؟ وتقول هلذا إنه للني! فقال‪ :‬يا مزاحم‪،‬‬
‫واهلل لئن كان عيش سليامن بن عبد امللك وعيش زياد موىل ابن عياش واحدً ا‬
‫ألن أعيش يف الدنيا بعيش سليامن أحب إيل‪ ،‬ولئن كان زياد موىل ابن عياش‬
‫صرب يف الدنيا عىل العيش الذي يعيشه لكي يطيب له العيش يف اآلخرة فواهلل‬
‫ألن أصرب عىل مثل عيش زياد هذه األيام القالئل ليطيب يل العيش يف اآلخرة‬
‫[تاريخ دمشق ‪]238 /19‬‬ ‫يف تلك األيام الكثرية أحب إيل»‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو الربيع األعرج‪ :‬دخلت عىل داود الطائي بيته بعد املغرب فقرب‬
‫يل كسريات يابسة‪ ،‬فعطشت فقمت إىل ٍّ‬
‫دن فيه ماء حار‪ ،‬فقلت‪ :‬رمحك اهلل!‬
‫لو اختذت دنًّا غري هذا يكون فيه املاء بار ًدا‪ ،‬فقال يل‪ :‬إذا كنت ال أرشب‬
‫إال بار ًدا وال آكل إال ط ِّي ًبا وال ألبس إال ل ِّينًا فام أبقيت آلخريت؟‬
‫[وفيات األعيان ‪]261/2‬‬

‫‪26‬‬
‫تربية النف�س‬

‫تربية النفس‬

‫نادى عمر بن اخلطاب ‪ I‬الصالة جامعة‪ ،‬فلام اجتمع الناس صعد‬


‫املنرب فحمد اهلل وأثنى عليه وصىل عىل نبيه ‪ H‬ثم قال‪ :‬أهيا الناس‬
‫لقد رأيتني أرعى عىل خاالت يل من بني خمزوم فيقبض يل القبضة من التمر‬
‫والزبيب فأظل اليوم وأي يوم! فقال له عبد الرمحن بن عوف‪ :‬واهلل يا أمري‬
‫املؤمنني ما زدت عىل أن قرصت بنفسك‪ ،‬فقال عمر ‪ :I‬وحيك يا ابن‬
‫عوف‪ ،‬إين خلوت فحدثتني نفيس فقالت‪ :‬أنت أمري املؤمنني فمن ذا أفضل‬
‫[أدب ادلنيا وادلين ص‪]239‬‬ ‫منك؟ فأردت أن أعرفها نفسها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أتى رجل متيماً الداري ‪ I‬فقال‪ :‬كيف صالتك بالليل؟ فغضب‬


‫أحب إ َّيل‬
‫ُّ‬ ‫غض ًبا شديدً ا‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل لركع ٌة أصليها يف جوف الليل يف ِّ‬
‫الرس‬
‫ُ‬
‫السائل عند ذلك فقال‪:‬‬ ‫من أن أصيل الليل ك َّله ثم َّ‬
‫أقصه عىل الناس‪ ،‬فغضب‬
‫يا أصحاب رسول اهلل‪ ،‬اهلل أعلم بكم إن سألناكم عنَّفتمونا‪ ،‬وإن مل نسألكم‬
‫كنت مؤمنًا قو ًّيا‬
‫أرأيت إن َ‬
‫َ‬ ‫جفومتونا! فأقبل متيم عند ذلك عىل الرجل فقال‪:‬‬
‫كنت مؤمنًا‬
‫أرأيت إن َ‬
‫َ‬ ‫عيل بقوتك فتقط َعني؟‬
‫أكنت ساط ًيا َّ‬
‫وأنا مؤمن ضعيف َ‬
‫كنت ساط ًيا عليك بقويت فأقط َعك؟ ولكن خذ من‬ ‫ضعي ًفا وأنا مؤمن ٌّ‬
‫قوي ُ‬
‫ٍ‬
‫عبادة ترضاها‪.‬‬ ‫نفسك لدينك‪ ،‬ومن دينك لنفسك حتى تستقيم لك عىل‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]356/1‬‬

‫‪‬‬

‫‪27‬‬
‫تربية النف�س‬

‫خرج حسان بن أيب سنان يوم العيد‪ ،‬فلام رجع قالت له امرأته‪ :‬كم من‬
‫نظرت إال‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وحيك‪ ،‬ما‬ ‫أكثرت قال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫نظرت إليها اليوم ورأيتها! فلام‬
‫َ‬ ‫امرأة حسنة‬
‫[حلية األويلاء ‪]115/3‬‬ ‫رجعت إليك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عندك حتى‬ ‫خرجت من‬
‫ُ‬ ‫يف إهبامي منذ‬
‫‪‬‬

‫قال حذيفة املرعيش‪ :‬قدم شقيق البلخي مكة وإبراهيم بن أدهم بمكة‪،‬‬
‫فاجتمع الناس فقالوا‪ :‬نجمع بينهام‪ ،‬فجمعوا بينهام يف املسجد احلرام‪ ،‬فقال‬
‫أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق‪:‬‬
‫إبراهيم بن أدهم لشقيق‪ :‬يا شقيق‪ ،‬عالم َّ‬
‫أصلنا أصولنا عىل أنا إذا رزقنا أكلنا وإذا منعنا صربنا‪ ،‬فقال إبراهيم بن‬
‫أدهم‪ :‬هكذا كالب بلخ‪ ،‬إذا رزقت أكلت وإذا منعت صربت‪ ،‬فقال شقيق‪:‬‬
‫فعىل ماذا أصلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال‪ :‬أصلنا أصولنا عىل أنا إذا‬
‫رزقنا آثرنا وإذا منعنا حمَ ِدْ نا وشك َْرنا‪ ،‬قال‪ :‬فقام شقيق وجلس بني يديه وقال‪:‬‬
‫[املجالسة ‪]190/1‬‬ ‫يا أبا إسحاق‪ ،‬أستاذنا أنت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان عافية القايض يتق ّلد للمهدي القضاء بأحد جانبي مدينة السالم‬
‫مكان ابن عالثة‪ ،‬وكان عافية عا ًملا زاهدً ا‪ ،‬فصار إىل املهدي يف وقت الظهر يف‬
‫خال‪ ،‬فاستأذن عليه فأدخله‪ ،‬فإذا معه قمطره‪ ،‬فاستعفاه‬ ‫يوم من األيام وهو ٍ‬

‫من القضاء‪ ،‬واستأذنه يف تسليم القمطر إىل من يأمر بذلك‪ ،‬فظ ّن أن بعض‬
‫غض منه أو أضعف يده يف احلكم‪ ،‬فقال له يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫األولياء قد ّ‬
‫جرى من هذا يشء‪ ،‬قال‪ :‬فام سبب استعفائك؟ فقال‪ :‬كان يتقدّ م إيل خصامن‬

‫‪28‬‬
‫تربية النف�س‬

‫مورسان وجيهان منذ شهرين يف قضية معضلة مشكلة ٌّ‬


‫وكل يدعي بين ًة‬
‫ٍ‬
‫بحجج حتتاج إىل تأمل وتثبت‪ ،‬فرددت اخلصوم رجاء أن‬ ‫وشهو ًدا ويديل‬
‫يصطلحوا أو َي ِع ّن يل وجه فصل ما بينهام‪ ،‬قال‪ :‬فوقف أحدمها من خربي‬
‫عىل أين أحب الرطب السكر‪ ،‬فعمد يف وقتنا وهو أول أوقات الرطب إىل‬
‫سكرا ال يتهيأ يف وقتنا مجع مثله إال ألمري املؤمنني‪ ،‬وما رأيت‬
‫أن مجع رط ًبا ً‬
‫أحسن منه‪ ،‬ورشا بوايب مجلة دراهم عىل أن يدخل الطبق إ ّيل وال يبايل أن‬
‫ير ّد‪ ،‬فلام أدخل إ ّيل أنكرت ذلك وطردت بوايب‪ ،‬وأمرت بر ّد الطبق ُفر ّد‪ ،‬فلام‬
‫كان اليوم تقدّ م إ ّيل مع خصمه فام تساويا يف قلبي وال يف عيني‪ ،‬وهذا يا أمري‬
‫عيل حيلة يف‬
‫املؤمنني ومل أقبل‪ ،‬فكيف يكون حايل لو قبلت‪ ،‬وال آمن أن يقع ّ‬
‫ديني فأهلك‪ ،‬وقد فسد الناس‪ ،‬فأقلني أقالك اهلل وأعفني‪ ،‬فأعفاه‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]254/14‬‬

‫‪29‬‬
‫علو الهمة‬

‫علو الهمة‬

‫عمر بن اخلطاب ‪ً I‬‬


‫جيشا إىل الروم‪ ،‬فأرسوا عبد اهلل بن ُحذافة‬ ‫وجه ُ‬
‫ّ‬
‫‪ ،I‬فذهبوا به إىل ملكهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن هذا من أصحاب حممد‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬
‫نصف ملكي؟ قال‪ :‬لو أعطيتني مجيع ما متلك ومجيع‬ ‫َ‬ ‫لك أن تتنصرَّ وأعط َيك‬
‫رجعت عن دين حممد طرف َة عني‪ ،‬قال‪ :‬إذن أقت َلك‪ ،‬قال‪ :‬أنت‬ ‫ُ‬ ‫ملك العرب ما‬
‫يعرض عليه‬ ‫للرماة‪ :‬ار ُموه قري ًبا من بدنه‪ ،‬وهو ِ‬ ‫وذاك‪ ،‬فأمر به ِ‬
‫ب‪ ،‬وقال ُّ‬ ‫فصل َ‬
‫ُ‬
‫بأسري ْي ِن من‬
‫َ‬ ‫فصب فيها ماء حتى احرتقت‪ ،‬ودعا‬ ‫ّ‬ ‫ويأبى‪ ،‬فأنزله‪ ،‬ودعا ِبقدْ ٍر‪،‬‬
‫عر ُض عليه النرصانية وهو يأبى‪ .‬ثم‬ ‫املسلمني فأمر بأحدمها ُفألقي فيها وهو َي ِ‬
‫بكى‪ ،‬فقيل للملك‪ :‬إنّه بكى‪ ،‬فظ ّن أنه قد جزع‪ ،‬فقال‪ُ :‬ر ُّدوه‪ ،‬ما أبكاك؟ قال‪:‬‬
‫هي نفس واحد ٌة تُلقى الساع َة فتذهب‪ ،‬فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري‬
‫أنفس تُلقى يف النار يف اهلل! فقال له الطاغية‪ :‬هل لك أن تق ِّبل رأيس وأخليِّ‬
‫ٌ‬
‫رأسه‪ .‬وقدم‬‫عنك؟ فقال له عبد اهلل‪ :‬وعن مجيع األسارى؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فق َّبل َ‬
‫حق عىل كل مسلم أن يق ّبل‬ ‫باألُسارى عىل ُعمر فأخربه خربه‪ ،‬فقال عمر‪ٌّ :‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]14/2‬‬ ‫رأسه‪.‬‬
‫رأس ابن ُحذافة وأنا أبدأ‪ ،‬فق َّبل َ‬
‫َ‬
‫‪‬‬

‫الزبري ‪ :L‬هجم علينا ُجرجري يف عرشين ومائة‬


‫قال عبد اهلل بن ُّ‬
‫الناس عىل ابن أيب‬‫ُ‬ ‫ألف‪ ،‬فأحاطوا بنا ونحن يف عرشين أل ًفا‪ ،‬واختلف‬
‫ف عساكره‬ ‫برص ُت به َخ ْل َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫سرَ ْ ٍح‪ ،‬فدخل ُفسطاطه‪،‬‬
‫فرأيت غ َّر ًة من جرجري‪ْ ،‬‬

‫‪30‬‬
‫علو الهمة‬

‫ب‪ ،‬معه جاريتان تُظ ِّلالن عليه بريش الطواويس‪ ،‬بينه وبني‬
‫أشه َ‬
‫عىل برذون َ‬
‫فاخرتت ثالثني‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫رسح‪ ،‬فندب يل الناس‬ ‫أمرينا اب َن أيب‬
‫فأتيت َ‬
‫ُ‬ ‫جيشه بيضا ُء‪،‬‬
‫محوا‬
‫وقلت هلم‪ :‬ا ُ‬
‫ُ‬ ‫ومحلت‬
‫ُ‬ ‫وقلت لسائرهم‪ :‬البثوا عىل مصا ِّفكم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فارسا‪،‬‬
‫ً‬
‫فخرقت الصف إىل جرجري وخرجت صامدً ا‪ ،‬وما حيسب هو‬
‫ُ‬ ‫ظهري‪،‬‬
‫الرش‪ ،‬فثابر برذونه‬
‫فعرف َّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رسول إليه‪ ،‬حتى دنوت منه‬ ‫وال أصحا ُبه إال أين‬
‫رأسه فنصبتُه عىل رحمي وكبرَّ ُت‪،‬‬
‫احتززت َ‬
‫ُ‬ ‫مو ِّل ًيا‪ ،‬فأدركتُه فطعنتُه فسقط‪ ،‬ثم‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]371/3‬‬ ‫العدو ومنح اهلل أكتا َفهم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فارفض‬
‫َّ‬ ‫ومحل املسلمون‪،‬‬
‫‪‬‬

‫انقطع خرب املسلمني عن عثامن ‪ ،I‬فسري عبد اهلل بن الزبري ‪L‬‬

‫يف مجاعة إليهم ليأتيه بأخبارهم‪ ،‬فسار جمدًّ ا ووصل إليهم وأقام معهم‪ ،‬وملا‬
‫وصل كثر الصياح والتكبري يف املسلمني‪ ،‬فسأل جرجري عن اخلرب فقيل قد‬
‫أتاهم عسكر‪ ،‬ففت ذلك يف عضده‪ .‬ورأى عبد اهلل بن الزبري قتال املسلمني‬
‫كل يوم من بكرة إىل الظهر‪ ،‬فإذا أذن الظهر عاد كل فريق إىل خيامه‪ ،‬وشهد‬
‫القتال من الغد فلم ير ابن أيب رسح معهم‪ ،‬فسأل عنه‪ ،‬فقيل إنه سمع منادي‬
‫جرجري يقول‪ :‬من قتل عبد اهلل بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي‪،‬‬
‫وهو خياف‪ ،‬فحرض عنده وقال له‪ :‬تأمر مناد ًيا ينادي‪ :‬من أتاين برأس جرجري‬
‫نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته عىل بالده‪ .‬ففعل ذلك‪ ،‬فصار‬
‫جرجري خياف أشد من عبد اهلل‪.‬‬
‫ثم إن عبد اهلل بن الزبري قال لعبد اهلل بن سعد‪ :‬إن أمرنا يطول مع‬
‫هؤالء‪ ،‬وهم يف أمداد متصلة وبالد هي هلم‪ ،‬ونحن منقطعون عن املسلمني‬

‫‪31‬‬
‫علو الهمة‬

‫وبالدهم‪ ،‬وقد رأيت أن نرتك غدً ا مجاعة صاحلة من أبطال املسلمني يف خيامهم‬
‫متأهبني‪ ،‬ونقاتل نحن الروم يف باقي العسكر إىل أن يضجروا ويملوا‪ ،‬فإذا‬
‫رجعوا إىل خيامهم ورجع املسلمون ركب من كان يف اخليام من املسلمني‪،‬‬
‫ومل يشهدوا القتال وهم مسرتحيون‪ ،‬ونقصدهم عىل غرة‪ ،‬فلعل اهلل ينرصنا‬
‫عليهم‪ ،‬فأحرض مجاعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه عىل ذلك‪.‬‬
‫فلام كان الغد فعل عبد اهلل ما اتفقوا عليه‪ ،‬وأقام مجيع شجعان املسلمني يف‬
‫خيامهم وخيوهلم عندهم مرسجة‪ ،‬ومىض الباقون فقاتلوا الروم إىل الظهر‬
‫قتالاً شديدً ا‪ .‬فلام أذن بالظهر هم الروم باالنرصاف عىل العادة‪ ،‬فلم يمكنهم‬
‫ابن الزبري وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم‪ ،‬ثم عاد عنهم هو واملسلمون‪،‬‬
‫فكل من الطائفتني ألقى سالحه ووقع تع ًبا‪ ،‬فعند ذلك أخذ عبد اهلل بن الزبري‬
‫حيا من شجعان املسلمني‪ ،‬وقصد الروم‪ ،‬فلم يشعروا هبم حتى‬
‫من كان مسرت ً‬
‫خالطوهم‪ ،‬ومحلوا محلة رجل واحد وكربوا‪ ،‬فلم يتمكن الروم من لبس‬
‫سالحهم‪ ،‬حتى غشيهم املسلمون وقتل جرجري‪ ،‬قتله ابن الزبري‪ ،‬واهنزم‬
‫الروم‪ ،‬وقتل منهم مقتلة عظيمة‪ ،‬وأخذت ابنة امللك جرجري سبية‪.‬‬
‫[الاكمل يف اتلاريخ ‪]463/2‬‬

‫‪‬‬

‫خرجت أم حكيم ‪ J‬مع زوجها عكرمة بن أيب جهل ‪ I‬إىل‬


‫فتزوجها خالد بن سعيد بن العاص ‪ ،I‬فلام كانت‬
‫غزو الروم‪ ،‬فاستشهد ّ‬
‫الص َّفر أراد خالد أن يدخل هبا‪ ،‬فقالت‪ :‬لو تأخرت حتى هيزم اهلل‬
‫وقعة مرج ُّ‬
‫هذه اجلموع! فقال‪ :‬إن نفيس حتدثني أين أقتل‪ ،‬قالت‪ :‬فدونك‪ ،‬فأعرس هبا‬

‫‪32‬‬
‫علو الهمة‬

‫رفت هبا بعد ذلك‪ ،‬فقيل هلا قنطرة أم حكيم‪ ،‬ثم أصبح فأومل‬
‫عند القنطرة ف ُع ْ‬
‫عليها‪ ،‬فام فرغوا من الطعام حتى وافتهم الروم‪ ،‬ووقع القتال‪ ،‬فاستشهد‬
‫خالد‪ ،‬وشدت أم حكيم عليها ثياهبا‪ ،‬وتبدّ ت وإن عليها أثر اخللوق‪ .‬فاقتتلوا‬
‫عىل النهر‪ ،‬فقاتلت أم حكيم يومئذ فقتلت بعمود الفسطاط ا ّلذي أعرس هبا‬

‫[اإلصابة ‪]378/8‬‬ ‫خالد فيه سبعة من الروم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫غزا عبد الوهاب بن بخت مع عبد اهلل البطال أرض الروم‪ ،‬فاهنزم‬
‫فرسا أجبن‬
‫الناس عن البطال‪ ،‬فحمل عبد الوهاب وهو يقول‪ :‬ما رأيت ً‬
‫منك‪ ،‬سفك اهلل دمي إن مل أسفك دمك! ثم ألقى بيضته عن رأسه وصاح‪:‬‬
‫أنا عبد الوهاب بن بخت! أمن اجلنة تفرون! ثم تقدم يف نحر العدو‪ ،‬فمر‬
‫برجل يقول‪ :‬واعطشاه! فقال‪ :‬تقدم‪ ،‬الري أمامك‪ ،‬فخالط القوم‪ ،‬ف ُقتل‬
‫[الاكمل يف اتلاريخ ‪]209 /4‬‬ ‫وقتل فرسه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل البطال‪ :‬سألني بعض والة بني أمية عن أعجب ما كان‬
‫من أمري يف مغازي فيهم‪ ،‬فقلت له‪ :‬خرجت يف رسية ليلاً ‪ ،‬فدفعنا إىل قرية‪،‬‬
‫فقلت ألصحايب‪ :‬أرخوا جلم خيلكم وال حتركوا أحدً ا بقتل وال بيشء حتى‬
‫تستمكنوا من القرية ومن سكاهنا‪ ،‬ففعلوا وافرتقوا يف أزقتها‪ ،‬فدفعت يف‬
‫أناس من أصحايب إىل بيت يزهر رساجه‪ ،‬وإذا امرأة تسكت ابنها من بكائه‬

‫‪33‬‬
‫علو الهمة‬

‫وهي تقول له‪ :‬لتسكتن أو ألدفعنك إىل البطال يذهب بك‪ ،‬وانتشلته من‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]363/9‬‬ ‫رسيره وقالت‪ :‬خذه يا بطال‪ ،‬قال‪ :‬فأخذته‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل البطال‪ :‬انفردت مرة ليس معي أحد من اجلند‪ ،‬وقد سمطت‬
‫خلفي خمالة فيها شعري‪ ،‬ومعي منديل فيه خبز وشواء‪ ،‬فبينا أنا أسري لعيل‬
‫ألقى أحدً ا منفر ًدا أو أطلع عىل خرب إذا أنا ببستان فيه بقول حسنة‪ ،‬فنزلت‬
‫وأكلت من ذلك البقل باخلبز والشواء مع النَّ ْقل‪ ،‬فأخذين إسهال عظيم قمت‬
‫مرارا‪ ،‬فخفت أن أضعف من كثرة اإلسهال‪ ،‬فركبت فريس واإلسهال‬
‫منه ً‬
‫مستمر عىل حاله‪ ،‬وجعلت أخشى إن أنا نزلت عن فريس أن أضعف عن‬
‫الركوب‪ ،‬وأفرط يب اإلسهال يف السري حتى خشيت أن أسقط من الضعف‪،‬‬
‫فأخذت بعنان الفرس ونمت عىل وجهي ال أدري أين يسري الفرس يب‪ ،‬فلم‬
‫أشعر إال بقرع نعاله عىل بالط‪ ،‬فأرفع رأيس فإذا دير‪ ،‬وإذا قد خرج منه نسوة‬
‫صحبة امرأة حسناء مجيلة جدًّ ا‪ ،‬فجعلت تقول بلساهنا‪ :‬أنزلنه‪ ،‬فأنزلنني‬
‫فغسلن عني ثيايب ورسجي وفريس‪ ،‬ووضعنني عىل رسير وعملن يل طعا ًما‬
‫ورشا ًبا‪ ،‬فمكثت يو ًما وليلة مستو ًيا‪ ،‬ثم أقمت بقية ثالثة أيام حتى ترد إيل‬
‫فأمر ْت بفريس‬
‫حايل‪ ،‬فبينا أنا كذلك إذا أقبل البطريق وهو يريد أن يتزوجها‪َ ،‬‬
‫فحول و ُغ ِّلق ّ‬
‫عيل الباب الذي أنا فيه‪ ،‬وإذا هو بطريق كبري فيهم‪ ،‬وهو إنام‬
‫جاء خلطبتها‪ ،‬فأخربه من كان هنالك بأن هذا البيت فيه رجل وله فرس‪ ،‬فهم‬
‫باهلجوم عيل فمنعته املرأة من ذلك‪ ،‬وأرسلت تقول له‪ :‬إن فتح عليه الباب‬

‫‪34‬‬
‫علو الهمة‬

‫مل أقض حاجته‪ ،‬فثناه ذلك عن اهلجوم عيل‪ ،‬وأقام البطريق إىل آخر النهار يف‬
‫ضيافتهم‪ ،‬ثم ركب فرسه وركب معه أصحابه وانطلق‪ .‬قال البطال‪ :‬فنهضت‬
‫فه َّمت أن متنعني خو ًفا عيل منهم فلم أقبل‪ ،‬وسقت حتى حلقتهم‪،‬‬
‫يف أثرهم َ‬
‫فحملت عليه فانفرج عنه أصحابه‪ ،‬وأراد الفرار فأحلقه فأرضب عنقه‬
‫واستلبته‪ ،‬وأخذت رأسه مسم ًطا عىل فريس ورجعت إىل الدير‪ ،‬فخرجن إيل‬
‫ووقفن بني يدي‪ ،‬فقلت‪ :‬اركبن‪ ،‬فركبن ما هنالك من الدواب وسقت هبن‬
‫حتى أتيت أمري اجليش فدفعتهن إليه‪ ،‬فنفلني ما شئت منهن‪ ،‬فأخذت تلك‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]364-363 /9‬‬ ‫املرأة احلسناء بعينها‪ ،‬فهي أم أوالدي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خلعت الروم من امللك الست ريني وهلكت بعد أشهر وأقاموا عليهم‬
‫نقفور‪ ،‬والروم تزعم أن نقفور من ولد جفنة الغساين الذي تنصرّ ‪ ،‬وكان‬
‫نقفور قبل امللك ييل نظر الديوان‪ .‬فكتب نقفور هذا الكتاب‪ :‬من نقفور ملك‬
‫الروم إىل هارون ملك العرب‪ ،‬أما بعد فإن امللكة التي كانت قبيل أقامتك‬
‫الر ّخ وأقامت نفسها مقام البيذق‪ ،‬فحملت إليك من أمواهلا‪ ،‬وذلك‬
‫مقام ُّ‬
‫لضعف النساء ومحقهن‪ ،‬فإذا قرأت كتايب هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد‬
‫فالسيف بيننا‪ .‬فلام قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق‬
‫ُ‬ ‫نفسك‪ ،‬وإال‬
‫جلساؤه خو ًفا من بادرة ُ‬
‫تقع منه‪ ،‬ثم كتب بيده عىل ظهر الكتاب‪ :‬من هارون‬
‫أمري املؤمنني إىل نقفور كلب الروم! قرأت كتابك يا ابن الكافرة‪ ،‬واجلواب‬
‫ما تراه دون ما تسمعه‪ ،‬ثم ركب من يومه وأرسع حتى نزل عىل مدينة هرقلة‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫علو الهمة‬

‫وأوطأ الروم ذلاًّ وبال ًء‪ ،‬فقتل وسبى‪ ،‬وذل نقفور وطلب املوادعة عىل خراج‬
‫حيم ُله‪ ،‬فأجابه‪ .‬فلام رد الرشيد إىل الرقة نقض نقفور‪ ،‬فلم جيرس أحد أن يبلغ‬
‫الرشيد‪ ،‬حتى عملت الشعراء أبياتًا يلوحون بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أوقد فعلها؟‬
‫فكر راج ًعا يف مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال منه مراده‪ .‬ويف ذلك يقول‬
‫ّ‬
‫أبو العتاهية‪:‬‬
‫�����ك امل�����وف�����ق ل���ل���ص���واب‬ ‫م َ‬
‫������ن امل�����ل ِ‬ ‫َت ه���� َرق����ل���� ُة ب����اخل����راب‬
‫أال َن����������اد ْ‬
‫ويُ����ب���رق ب����امل����ذك����رة ال���ص���ع���اب‬ ‫ُ‬
‫����������ارون يُ����رع����د باملنايا‬ ‫غ������دا ه‬
‫السحاب‬ ‫مت����� ّر ك��أن��ه��ا ِق َ‬
‫����ط���� ُع َ‬ ‫ُ‬ ‫وراي�����������ات حي�����ل ال����ن����ص���� ُر فيها‬
‫[العرب ‪]228-227/1‬‬

‫‪36‬‬
‫�إ�صالح املال‬

‫إصالح املـــال‬

‫قميصا‪ ،‬فلقي أبا ذر فقال‪:‬‬


‫ً‬ ‫خرج أبو الدرداء ‪ I‬إىل السوق ليشرتي‬
‫قميصا‪ ،‬قال‪ :‬بكم؟ قال‪ :‬بعرشة‬
‫ً‬ ‫أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال‪ :‬أريد أن أشرتي‬
‫دراهم‪ ،‬قال‪ :‬فوضع يده عىل رأسه ثم قال‪ :‬أال إن أبا الدرداء من املرسفني!‬
‫قال‪ :‬فالتمست مكانًا أتوارى فيه فلم أجد‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا ذر‪ ،‬ال تفعل‪ُ ،‬م ّر‬
‫قميصا‬‫ً‬ ‫معي فاكسني أنت‪ ،‬قال‪ :‬وتفعل؟ قلت‪ :‬نعم؛ فأتى السوق‪ ،‬فاشرتى‬
‫بأربعة دراهم‪ ،‬قال‪ :‬فانرصفت‪ ،‬حتى إذا كنت بني منزيل والسوق لقيت رجلاً‬
‫ال يكاد يواري سوءته‪ ،‬فقلت له‪ :‬اتق اهلل ووار سوءتك‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما أجد‬
‫ما أواري به سوءيت‪ ،‬فألقيت إليه الثوب ثم انرصفت إىل السوق‪ ،‬فاشرتيت‬
‫قميصا بأربعة دراهم‪ ،‬ثم انرصفت إىل منزيل‪ ،‬فإذا خادم ٌة عىل الطريق تبكي‬
‫ً‬
‫قد اندق إناؤها‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يبكيك؟ فقالت‪ :‬اندق إنائي فأبطأت عىل أهيل‪،‬‬
‫فذهبت معها إىل السوق‪ ،‬فاشرتيت هلا سمنًا بدرهم‪ ،‬فقالت‪ :‬يا شيخ! أما إذ‬
‫فعلت ما فعلت‪ ،‬فامش معي إىل أهيل فإين قد أبطأت وأخاف أن يرضبوين‪،‬‬
‫قال‪ :‬فمشيت معها إىل مواليها‪ ،‬فدعوت فخرج موالها إ َّيل فقال‪ :‬ما عندك يا‬
‫أبا الدرداء؟ فقلت‪ :‬خادمتكم أبطأت عنكم وأشفقت أن ترضبوها فسألتني‬
‫أن آتيكم لتكفوا عنها‪ ،‬قال‪ :‬فأنا أشهدك أهنا حر ًة لوجه اهلل ‪ D‬ملمشاك‬
‫قميصا وكسا مسكينًا‬
‫ً‬ ‫معها‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬أبو ذر أرشد مني حني كساين‬
‫[خمترص تاريخ دمشق ‪]26/20‬‬ ‫قميصا وأعتق رقب ًة بعرشة دراهم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪‬‬

‫‪37‬‬
‫�إ�صالح املال‬

‫قال ميمون بن مهران‪ :‬قدمت الكوفة وأنا أريد أن أشرتي البز‪ ،‬فأتيت‬
‫حممد بن سريين وهو يومئذ بالكوفة فساومته‪ ،‬فجعل إذا باعني صن ًفا من‬
‫عيل ثالث مرات‪،‬‬
‫أصناف البز قال‪ :‬هل رضيت؟ فأقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيعيد ذلك َّ‬
‫ثم يدعو رجلني فيشهدمها عىل بيعنا ثم يقول‪ :‬انقل متاعك‪ ،‬وكان ال يشرتي‬
‫وال يبيع هبذه الدراهم احلجاجية‪ ،‬فلام رأيت ورعه ما تركت شي ًئا من حاجتي‬
‫[الطبقات الكربى ‪]202 /7‬‬ ‫أجده عنده إال اشرتيته حتى لفائف البز‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان حفص بن عبد الرمحن رشيكًا لإلمام أيب حنيفة وكان أبو حنيفة‬
‫جيهز عليه‪ ،‬فبعث إليه يف رفقة بمتاع وأعلمه أن يف ثوب كذا وكذا عي ًبا‪ ،‬فإذا‬
‫ِّ‬
‫بعته فبينِّ ‪ ،‬فباع حفص املتاع ونيس أن يبني ومل يعلم ممن باعه‪ ،‬فلام علم أبو‬
‫[تاريخ بغداد ‪]490/15‬‬ ‫حنيفة تصدّ ق بثمن املتاع كله‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال الفضيل بن عياض البن املبارك‪ :‬يا ابن املبارك أنت تأمرنا بالزهد‬
‫والتق ُّلل وال ُب ْلغة ونراك تأيت بالبضائع من بالد خراسان إىل البلد احلرام‪،‬‬
‫كيف ذا؟ فقال ابن املبارك‪ :‬يا أبا عيل إنام أفعل ذا ألصون به وجهي وأكرم به‬
‫سارعت إليه حتى أقوم‬
‫ُ‬ ‫عريض وأستعني به عىل طاعة ريب‪ ،‬ال أرى هلل ح ًّقا إال‬
‫تم ذا‪.‬‬
‫به‪ ،‬فقال له الفضيل‪ :‬يا ابن املبارك‪ ،‬ما أحسن ذا إن ّ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]397/11‬‬

‫‪‬‬

‫‪38‬‬
‫�إ�صالح املال‬

‫مج ٍ‬
‫ال إىل مكة فأمروه يعمل هلم خبزة‪ ،‬فلم‬ ‫نفسه من َّ‬ ‫ُ‬
‫سفيان الثوري َ‬ ‫آجر‬
‫جتئ جيدة فرضبه اجلامل‪ ،‬فلام قدموا مكة دخل اجلامل‪ ،‬فإذا سفيان قد اجتمع‬
‫انفض عنه الناس تقدَّ م‬ ‫الناس‪ ،‬فسأل فقالوا‪ :‬هذا سفيان الثوري‪ ،‬فلام َّ‬ ‫ُ‬ ‫حوله‬
‫اجلامل إليه وقال‪ :‬مل نعرفك يا أبا عبد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬من ُي ْف ِسد طعا َم الناس يصي ُبه‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]275/7‬‬ ‫أكثر من ذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن أمحد‪ :‬حدثنا عيل بن اجلهم قال‪ :‬كان لنا جار فأخرج‬
‫إلينا كتا ًبا‪ ،‬فقال‪ :‬أتعرفون هذا اخلط؟ قلنا‪ :‬هذا خط أمحد بن حنبل‪ ،‬فكيف‬
‫كتب لك؟ قال‪ :‬كنا بمكة مقيمني عند سفيان بن عيينة‪ ،‬ففقدنا أمحد أيا ًما‪ ،‬ثم‬
‫جئنا لنسأل عنه‪ ،‬فإذا الباب مردود عليه‪ ،‬وعليه خلقان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما خربك؟‬
‫قرضا‪،‬‬
‫قال‪ :‬رسقت ثيايب‪ ،‬فقلت له‪ :‬معي دنانري‪ ،‬فإن شئت صلة وإن شئت ً‬
‫دينارا‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫اشرت يل‬ ‫فأبى‪ ،‬فقلت‪ :‬تكتب يل بأجرة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخرجت ً‬
‫وجئت‬
‫ُ‬ ‫ففعلت‬
‫ُ‬ ‫إزارا ورداء‪ ،‬وجئني ببقية الدينار‪،‬‬
‫ثو ًبا واقطعه نصفني‪ ،‬يعني ً‬
‫[تاريخ اإلسالم ‪]78/18‬‬ ‫بورق‪ ،‬فكتب يل هذا‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الإخال�ص‬

‫اإلخـــالص‬

‫‪H‬‬ ‫قال أبو بردة‪ :‬قال أبو موسى ‪ :I‬خرجنا مع النبي‬


‫يف غزوة ونحن ستة نفر‪ ،‬بيننا بعري نعتقبه‪ ،‬فن َِق ْ‬
‫بت أقدامنا‪ ،‬ونقبت قدماي‬
‫ف عىل أرجلنا ِ‬
‫اخلرق‪ ،‬فسميت غزوة ذات الرقاع‪،‬‬ ‫وسقطت أظفاري‪ ،‬وكنا َن ُل ّ‬
‫ملا كنا نعصب من اخلرق عىل أرجلنا‪ .‬وحدث أبو موسى هبذا ثم كره ذاك‪،‬‬
‫قال‪« :‬ما كنت أصنع بأن أذكره»‪ ،‬كأنه كره أن يكون يشء من عمله أفشاه‪.‬‬
‫[صحيح ابلخاري ‪]113/5‬‬

‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن عون‪ :‬كنت مع ابن سريين يف جنازة‪ ،‬فلام انرصفنا‬
‫حرضت الصالة‪ ،‬فلام أقيمت قيل البن سريين‪ :‬تقدم‪ ،‬فقال ليتقدم بعضكم‪،‬‬
‫وال يتقدم إال من قرأ القرآن‪ ،‬ثم قال يل‪ :‬تقدم‪ ،‬فتقدمت فصليت هبم‪ ،‬فلام‬
‫فرغت قلت يف نفيس‪ :‬ماذا صنعت؟ شي ًئا كرهه ابن سريين لنفسه تقدمت‬
‫عليه! فقلت له‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬أمرتني بيشء كرهته لنفسك‪ ،‬فقال‪ :‬إين كرهت‬
‫أن يمر املار فيقول هذا ابن سريين يؤم الناس‪.‬‬
‫[مصنف ابن أيب شيبة ‪]359/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال عبدة بن سليامن املروزي‪ :‬كنا رس َّي ًة مع ابن املبارك يف بالد الروم‪،‬‬
‫رجل من العدو فدعا إىل البرِ از‪،‬‬
‫العدو‪ ،‬فلام التقى الص َّفان خرج ٌ‬ ‫ّ‬ ‫فصادفنا‬
‫فخرج إليه رجل فقتله‪ ،‬ثم آخر فقتله‪ ،‬ثم آخر فقتله‪ ،‬ثم دعا إىل الرباز‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫الإخال�ص‬

‫فنظرت‬
‫ُ‬ ‫الناس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فخرج إليه رجل‪ ،‬فطارده ساع ًة فطعنه فقتله فازدحم إليه‬
‫فإذا هو عبد اهلل بن املبارك‪ ،‬وإذا هو يكتُم وجهه بك ُِّمه‪ ،‬فأخذت بطرف كمه‬
‫فمددتُه‪ ،‬فإذا هو هو‪ ،‬فقال‪ :‬وأنت يا أبا عمرو ممن ُيشنِّع علينا‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]394/8‬‬

‫‪‬‬

‫قال صالح بن اإلمام أمحد‪ :‬عزم أيب عىل اخلروج إىل مكة ليقيض حجة‬
‫اإلسالم‪ ،‬ووافق حييى بن معني فقال‪ :‬نميض إن شاء اهلل‪ ،‬فنقيض حجتنا‪،‬‬
‫ونميض إىل عبد الرزاق إىل صنعاء نسمع منه‪ ،‬وكان حييى بن معني يعرف‬
‫عبد الرزاق وقد سمع منه‪ ،‬فوردنا مكة وطفنا طواف الورود فإذا عبد الرزاق‬
‫يف الطواف يطوف‪ ،‬فطاف وخرج إىل املقام فصىل ركعتني وجلس‪ ،‬فتممنا‬
‫طوافنا أنا وأمحد‪ ،‬وجئنا وعبد الرزاق جالس عند املقام‪ ،‬فقلت ألمحد‪ :‬هذا‬
‫عبد الرزاق‪ ،‬قد أراحك اهلل من مسرية شهر ذاه ًبا وجائ ًيا ومن النفقة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]175/1‬‬ ‫ما كان اهلل يراين وقد نويت له نية ُأفسدها وال أمتها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫جاء رجل يقال له محزة بن دهقان لبرش احلايف فقال‪ُ :‬أ ّ‬


‫حب أن أخلو‬
‫معك يو ًما‪ ،‬فقال‪ :‬ال بأس تحُ دد يو ًما لذلك‪ ،‬يقول محزة‪ :‬فدخلت عليه يو ًما‬
‫دون أن يشعر‪ ،‬فرأيته قد دخل قبة فصىل فيها أربع ركعات‪ ،‬ال أحسن أن‬
‫أصيل مثلها‪ ،‬فسمعته يقول يف سجوده‪ :‬اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن‬
‫أحب إ ّيل من الرشف‪ ،‬اللهم إنك تعلم فوق‬
‫ُّ‬ ‫الذل ‪-‬يعني عدم الشهرة‪-‬‬
‫أحب إ ّيل من الغنى‪ ،‬اللهم إنك تعلم فوق عرشك أين‬
‫ُّ‬ ‫عرشك أن الفقر‬

‫‪41‬‬
‫الإخال�ص‬

‫ال ُأوثر عىل حبك شي ًئا‪ ،‬يقول‪ :‬فلام سمعته أخذين الشهيق والبكاء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]476/1‬‬ ‫اللهم إنك تعلم أين لو أعلم أن هذا هنا مل أتكلم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫حارص َم ْس َلمة حصنًا‪ ،‬فندب الناس إىل نقب منه فام دخله أحد‪ ،‬فجاء‬
‫رجل من ُع ْرض اجليش فدخله ففتحه اهلل عليهم‪ ،‬فنادى مسلمة‪ :‬أين‬
‫صاحب النقب؟ فام جاءه أحد‪ ،‬فنادى‪ :‬إين قد أمرت ِ‬
‫اآلذن بإدخاله ساعة‬
‫يأيت‪ ،‬فعزمت عليه إلاّ جاء‪ ،‬فجاء ٌ‬
‫رجل فقال‪ :‬استأذن يل عىل األمري‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬أنت صاحب النقب؟ قال‪ :‬أنا أخربكم عنه‪ ،‬فأتى مسلمة فأخربه عنه‪،‬‬
‫تسودوا اسمه يف‬
‫ّ‬ ‫فأذن له فقال له‪ :‬إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثال ًثا‪ :‬ألاّ‬
‫صحيفة إىل اخلليفة‪ ،‬وال تأمروا له بيشء‪ ،‬وال تسألوه ممن هو‪ ،‬قال‪ :‬فذاك له‪.‬‬
‫قال‪ :‬أنا هو‪ .‬فكان مسلمة ال يصيل بعدها صالة إال قال‪ :‬اللهم اجعلني مع‬
‫[عيون األخبار ‪]266/1‬‬ ‫صاحب النقب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حييى بن حييى‪ :‬وملا قرأ أسد عىل ابن القاسم األسدية وضع أشهب‬
‫يده يف مثلها‪ ،‬فخالفه يف جلها‪ ،‬فقلت البن القاسم‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬لو أعدت‬
‫نظرك يف هذه الكتب؛ فإن صاحبك قد خالفك‪ ،‬فام ال َءمك عليه أقررته وما‬
‫خالفك فيه أعدت النظر فيه‪ ،‬فقال‪ :‬أفعل إن شاء اهلل‪ .‬فلام تقاضيته بعد أيام‬
‫يف ذلك فقال‪ :‬يا أبا حممد نظرت يف مقالتك‪ ،‬فوجدت إجابتي يوم أجبت‬

‫‪42‬‬
‫الإخال�ص‬

‫نقضا عىل صاحبي‪،‬‬


‫هلل وحده‪ ،‬فرجوت أن أوفق‪ ،‬وإجابتي اليوم إنام تكون ً‬
‫[ترتيب املدارك ‪]253 /3‬‬ ‫فأخاف أن ال أوفق يف األمر فرتكته‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أ ّلف املاوردي املؤلفات يف التفسري والفقه وغري ذلك ومل يظهر يشء‬
‫يف حياته‪ ،‬وملا دنت وفاته قال لشخص يثق به‪ :‬الكتب التي يف املكان الفالين‬
‫ووقعت يف النزع فاجعل يدك يف يدي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املوت‬
‫َ‬ ‫ك ُّلها تصنيفي‪ ،‬وإنام إذا عاينت‬
‫قبضت عليها فاعلم أنه مل يقبل مني يشء‪ ،‬فاعمد إليها وألقها يف دجلة‬
‫ُ‬ ‫فإن‬
‫بالليل‪ ،‬وإذا بسطت يدي فاعلم أهنا قبلت مني وأين ظفرت بام أرجوه من‬
‫النية اخلالصة‪ ،‬فلام حرضته الوفاة بسط يده‪ُ .‬فأ ِ‬
‫ظهرت كتبه بعد ذلك‪.‬‬
‫[وفيات األعيان ‪ ،282/3‬طبقات الشافعية الكربى ‪]268/5‬‬

‫‪43‬‬
‫التعبد‬

‫التعبـــد‬
‫ُّ‬

‫إىل‬ ‫‪L‬‬ ‫أبا موسى ومعاذ بن جبل‬ ‫‪H‬‬ ‫بعث رسول اهلل‬
‫اليمن‪ ،‬وبعث كل واحد منهام عىل خمالف‪ ،‬واليمن خمالفان‪ ،‬ثم قال‪« :‬يسرا‬
‫وال تعسرا‪ ،‬وبشرا وال تنفرا» فانطلق كل واحد منهام إىل عمله‪ ،‬وكان كل واحد‬
‫منهام إذا سار يف أرضه وكان قري ًبا من صاحبه أحدث به عهدً ا فسلم عليه‪،‬‬
‫فسار معاذ يف أرضه قري ًبا من صاحبه أيب موسى‪ ،‬فجاء يسري عىل بغلته حتى‬
‫انتهى إليه‪ ،‬وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد مجعت‬
‫أيم هذا؟ قال‪ :‬هذا رجل‬
‫يداه إىل عنقه‪ ،‬فقال له معاذ‪ :‬يا عبد اهلل بن قيس َ‬
‫كفر بعد إسالمه‪ ،‬قال‪ :‬ال أنزل حتى يقتل‪ ،‬قال‪ :‬إنام جيء به لذلك فانزل‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما أنزل حتى يقتل‪ ،‬فأمر به فقتل‪ ،‬ثم نزل‪ .‬فقال‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬كيف تقرأ‬
‫أتفوقه تفو ًقا‪ ،‬قال‪ :‬فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال‪ :‬أنام أول‬
‫القرآن؟ قال‪ّ :‬‬
‫الليل‪ ،‬فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم‪ ،‬فأقرأ ما كتب اهلل يل‪ ،‬فأحتسب‬
‫[صحيح ابلخاري ‪]161 /5‬‬ ‫نومتي كام أحتسب قومتي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عمر بن اخلطاب ‪ I‬فقالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬زوجي خري‬


‫أتت امرأ ٌة َ‬
‫الناس يصوم النهار ويقوم الليل‪ ،‬واهلل إين ألكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة‬
‫اهلل ‪ ،D‬والسالم عليكم ورمحة اهلل‪ .‬فقال كعب بن ُسور‪ :‬ما رأيت كاليوم‬
‫شكوى أشد وال عدوى أمجل‪ .‬فقال عمر‪ :‬ما تقول؟ قال‪ :‬تزعم أنه ليس هلا‬

‫‪44‬‬
‫التعبد‬

‫من زوجها نصيب‪ .‬قال‪ :‬فإذا فهمت ذلك فاقض بينهام قال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪،‬‬
‫أحل اهلل من النساء مثنى وثالث ورباع‪ ،‬فلها من كل أربعة أيام يوم يفطر‬
‫ويقيم عندها‪ ،‬ومن كل أربع ليال ليلة يبيت عندها‪.‬‬
‫[مصنف عبد الرزاق ‪]149 /7‬‬

‫‪‬‬

‫قال طارق بن شهاب األمحيس‪ :‬قال سلامن الفاريس ‪ :I‬إذا كان‬


‫الناس منه عىل ثالثة منازل‪ ،‬فمنهم من له وال عليه‪ ،‬ومنهم من‬
‫ُ‬ ‫الليل كان‬
‫ال له وال عليه‪ ،‬ومنهم من عليه وال له‪ ،‬قال طارق‪ :‬فعجبت حلداثة سني وقلة‬
‫فهمي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل وكيف ذاك؟ قال‪ :‬أما من له وال عليه فرجل‬
‫اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فتوضأ وصىل‪ ،‬فذاك له ال عليه‪ ،‬ورجل‬
‫اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل يميش يف معايص اهلل ‪ ،D‬فذاك عليه‬
‫وال له‪ ،‬ورجل نام حتى أصبح فذاك ال له وال عليه‪ ،‬قال طارق‪ :‬فقلت‬
‫ألصحب ّن هذا فال أفارقه‪ ،‬فضرُ ِ ب عىل الناس ٌ‬
‫بعث‪ ،‬فخرج فيه فصحبتُه‪،‬‬
‫وكنت ال أفضله يف عمل‪ ،‬إن أنا عجنت َخ َب َز‪ ،‬وإن خبزت طبخ‪ ،‬فنزلنا منزلاً‬
‫لطارق ساعة من الليل يقومها‪ ،‬فكنت أتيقظ هلا فأجده‬ ‫ٍ‬ ‫فبتنا فيه‪ ،‬وكانت‬
‫خري مني نائم‪ ،‬فأنام ثم أقوم‬
‫نائماً ‪ ،‬فأقول‪ :‬صاحب رسول اهلل ‪ٌ H‬‬
‫تعار من الليل قال وهو مضطجع‪ :‬سبحان‬ ‫فأجده نائماً فأنام‪ ،‬إال أنه كان إذا ّ‬
‫اهلل‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪ ،‬ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪،‬‬
‫يشء قدير‪ ،‬حتى إذا كان قبيل الصبح قام‬‫له امللك وله احلمد‪ ،‬وهو عىل كل ٍ‬

‫فتوضأ ثم ركع أربع ركعات‪ ،‬فلام ص ّلينا الفجر قلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل! كانت‬

‫‪45‬‬
‫التعبد‬

‫يل ساعة من الليل أقومها‪ ،‬وكنت أتي ّقظ هلا فأجدك نائماً ‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن أخي!‬
‫فأيش كنت تسمعني أقول؟ فأخربته‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن أخي تلك الصالة‪ ،‬إن‬
‫كفارات ملا بينهن ما اجتنبت املقتلة‪ ،‬يا ابن أخي عليك‬
‫ٌ‬ ‫اخلمس‬
‫َ‬ ‫الصلوات‬
‫[تاريخ دمشق ‪]446/21‬‬ ‫بالقصد فإنه أبلغ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان للعالء بن زياد مال ورقيق فأعتق بعضهم ووصل بعضهم وباع‬
‫بعضهم وأمسك غال ًما أو اثنني يأكل غلتهام‪ ،‬فتعبد فكان يأكل كل يوم‬
‫رغيفني‪ ،‬وترك جمالسة الناس فلم يكن جيالس أحدً ا‪ ،‬يصيل يف اجلامعة ثم‬
‫يرجع إىل أهله‪ ،‬ويجُ ِّمع ثم يرجع إىل أهله‪ ،‬ويشيع اجلنازة ثم يرجع إىل أهله‪،‬‬
‫ويعود املريض ثم يرجع إىل أهله‪ ،‬فضعف فبلغ ذلك إخوانه فاجتمعوا‪ ،‬فأتاه‬
‫أنس بن مالك واحلسن والناس وقالوا‪ :‬رمحك اهلل أهلكت نفسك ال يسعك‬
‫هذا‪ ،‬فكلموه وهو ساكت‪ ،‬حتى إذا فرغوا من كالمهم قال‪ :‬إنام أتذلل هلل‬
‫[حلية األويلاء ‪]243/2‬‬ ‫تعاىل لعله يرمحني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أتيت أبا حنيفة يف مسجده‪ ،‬فرأيته يصيل الغداة‪،‬‬


‫قال مسعر بن كدام‪ُ :‬‬
‫ثم جيلس للناس يف العلم إىل أن يصيل الظهر‪ ،‬ثم جيلس إىل العرص‪ ،‬فإذا صىل‬
‫العرص جلس إىل املغرب‪ ،‬فإذا صىل املغرب جلس إىل أن يصيل العشاء‪،‬‬
‫فقلت يف نفيس‪ :‬هذا الرجل يف هذا الشغل متى يفرغ للعبادة؟ ألتعاهدنه‬
‫الليلة‪ ،‬فتعاهدته‪ ،‬فلام هدأ الناس خرج إىل املسجد فانتصب للصالة إىل أن‬

‫‪46‬‬
‫التعبد‬

‫طلع الفجر‪ ،‬ودخل منزله ولبس ثيابه‪ ،‬وخرج إىل املسجد وصىل الغداة‪،‬‬
‫فجلس للناس إىل الظهر‪ ،‬ثم إىل العرص‪ ،‬ثم إىل املغرب‪ ،‬ثم إىل العشاء‪،‬‬
‫فقلت يف نفيس‪ :‬إن الرجل قد ّ‬
‫تنشط الليلة‪ ،‬ألتعاهدنه الليلة‪ ،‬فتعاهدته‪،‬‬
‫فلام هدأ الناس خرج فانتصب للصالة‪ ،‬ففعل كفعله يف الليلة األوىل‪ ،‬فلام‬
‫أصبح خرج إىل الصالة‪ ،‬وفعل كفعله يف يوميه‪ ،‬حتى إذا صىل العشاء قلت‬
‫يف نفيس‪ :‬إن الرجل لينشط الليلة والليلة‪ ،‬ألتعاهدنه الليلة‪ ،‬ففعل كفعله يف‬
‫ليلتيه‪ ،‬فلام أصبح جلس كذلك‪ ،‬فقلت يف نفيس‪ :‬أللزمنه إىل أن يموت أو‬
‫مسعرا مات يف‬
‫ً‬ ‫أموت‪ ،‬فالزمته يف مسجده‪ ،‬قال ابن أيب معاذ‪ :‬فبلغني أن‬
‫[تاريخ بغداد ‪]487/15‬‬ ‫مسجد أيب حنيفة يف سجوده‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال يوسف بن أسباط‪ :‬قال يل سفيان الثوري ‪-‬وأنا وهو يف املسجد‪-‬‬


‫يا يوسف ناولني املطهرة‪ ،‬فناولته‪ ،‬فأخذها بيمينه ووضع يساره عىل خده‪،‬‬
‫ونمت‪ ،‬فاستيقظت وقد طلع الفجر‪ ،‬فنظرت إليه فإذا املطهرة يف يده عىل‬
‫حاهلا‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل قد طلع الفجر‪ ،‬قال‪ :‬مل أزل منذ ناولتني املطهرة‬
‫[حلية األويلاء ‪]53/7‬‬ ‫أتفكر يف اآلخرة إىل هذه الساعة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫حبس أسدٌ ليل ًة الناس يف طريق احلج‪ ،‬فدق الناس بعضهم ً‬


‫بعضا‪ ،‬فلام‬
‫كان السحر ذهب عنهم‪ ،‬فنزلوا وناموا‪ ،‬وقام طاوس يصيل‪ .‬فقال له رجل‪:‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]39/5‬‬ ‫أال تنام؟ فقال‪ :‬وهل ينام أحد السحر‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪47‬‬
‫التعبد‬

‫ٍ‬
‫شباب‬ ‫يمر عىل‬
‫كان صلة بن أشيم خيرج إىل اجلبانة فيتع ّبد فيها‪ ،‬فكان ّ‬
‫يلهون ويلعبون‪ ،‬فيقول هلم‪ :‬أخربوين عن قو ٍم أرادوا ً‬
‫سفرا فحادوا النهار عن‬
‫يمر هبم ويعظهم‪،‬‬
‫الطريق وناموا بالليل متى يقطعون سفرهم؟ فكان كذلك ّ‬
‫فمر هبم ذات يو ٍم فقال هلم هذه املقالة‪ ،‬فانتبه ّ‬
‫شاب منهم فقال‪ :‬يا قوم‪ ،‬إنه‬ ‫ّ‬
‫ال يعني هبذا غرينا‪ ،‬نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام‪ ،‬ثم اتبع صلة فلم يزل‬
‫[حلية األويلاء ‪]238/2‬‬ ‫خيتلف معه إىل اجلبانة فيتع ّبد معه حتى مات‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ال�صـــالة‬

‫الصـــالة‬
‫قفل أبو رحيانة ‪ِ I‬من ٍ‬
‫بعث غزا فيه‪ ،‬فلام انرصف أتى أهله فتعشى‬
‫من عشائه‪ ،‬ثم دعا بوضوء فتوضأ منه ثم قام إىل مسجده‪ ،‬فقرأ سورة ثم‬
‫أخرى‪ ،‬فلم يزل ذلك مكانه كلام فرغ من سورة افتتح أخرى‪ ،‬حتى إذا أذن‬
‫املؤذن من السحر شد عليه ثيابه فأتته امرأته‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا رحيانة قد غزوت‬
‫فتعبت يف غزوتك ثم قدمت‪ ،‬أمل يكن يل منك حظ ونصيب؟ فقال‪ :‬بىل واهلل‪،‬‬
‫ما خطرت يل عىل بال‪ ،‬ولو ذكرتك لكان لك عيل حق‪ ،‬قالت‪ :‬فام الذي‬
‫شغلك يا أبا رحيانة؟ قال‪ :‬مل يزل هيوى قلبي يف ما وصف اهلل يف جنته من‬
‫لباسها وأزواجها ولذاهتا حتى سمعت املؤذن‪.‬‬
‫[تهذيب الكمال ‪]563/12‬‬

‫‪‬‬

‫صىل احلجاج بن يوسف مرة بجنب سعيد بن املسيب ‪-‬وذلك قبل أن‬
‫ييل شي ًئا‪ -‬فجعل يرفع قبل اإلمام ويقع قبله يف السجود‪ ،‬فلام سلم أخذ سعيد‬
‫بطرف ردائه ‪-‬وكان له ذكر يقوله بعد الصالة‪ -‬فام زال احلجاج ينازعه رداءه‬
‫حتى قىض سعيد ذكره‪ ،‬ثم أقبل عليه سعيد فقال له‪ :‬يا سارق يا خائن‪ ،‬تصيل‬
‫هذه الصالة؟! لقد مهمت أن أرضب هبذا النعل وجهك‪ ،‬فلم يرد عليه‪ .‬ثم‬
‫مىض احلجاج إىل احلج‪ ،‬ثم رجع فعاد إىل الشام‪ ،‬ثم جاء نائ ًبا عىل احلجاز‪،‬‬
‫كر راج ًعا إىل املدينة نائ ًبا عليها‪ ،‬فلام دخل املسجد إذا جملس‬
‫فلام قتل ابن الزبري َّ‬
‫سعيد بن املسيب‪ ،‬فقصده احلجاج فخيش الناس عىل سعيد منه‪ ،‬فجاء حتى‬

‫‪49‬‬
‫ال�صـــالة‬

‫جلس بني يديه فقال له‪ :‬أنت صاحب الكلامت؟ فرضب سعيد صدره بيده‬
‫خريا‪ ،‬ما صليت بعدك صالة‬
‫وقال‪ :‬نعم! قال‪ :‬فجزاك اهلل من معلم ومؤدب ً‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]139/9‬‬ ‫إال وأنا أذكر قولك‪ ،‬ثم قام ومىض‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ُدعي حممد بن إسامعيل البخاري إىل بستان بعض أصحابه‪ ،‬فلام حرضت‬
‫صالة الظهر صىل بالقوم‪ ،‬ثم قام للتطوع فأطال القيام‪ ،‬فلام فرغ من صالته‬
‫رفع ذيل قميصه‪ ،‬فقال لبعض من معه‪ :‬انظر هل ترى حتت قميىص شي ًئا؟‬
‫تورم من ذلك‬‫فإذا زنبور قد َأ َب َر ُه يف ستة عرش أو سبعة عرش موض ًعا وقد َّ‬
‫جسده‪ ،‬وكان آثار الزنبور يف جسده ظاهرة‪ ،‬فقال له بعضهم‪ :‬كيف مل خترج‬
‫ٍ‬
‫سورة فأحببت أن أمتها‪.‬‬ ‫من الصالة يف أول ما َأ َب َرك؟ فقال‪ :‬كنت يف‬
‫[تاريخ بغداد ‪]331/2‬‬

‫‪‬‬

‫احلكم وقد أردف زياد ولده خلفه‬


‫َ‬ ‫األمري‬
‫َ‬ ‫راكب زياد بن عبد الرمحن‬
‫منرصفني من جنازة‪ ،‬ووصل حمادثته األمري إىل أن وصل القنطرة‪ ،‬فسمع‬
‫املؤذن فقطع زياد حديثه وقال‪ :‬معذرة إىل األمري أصلحه اهلل‪ ،‬إنا كنا يف‬
‫حديث عارضه هذا املنادي إىل اهلل تعاىل وال جيوز اإلعراض عنه‪ ،‬فهو أحق‬
‫باإلجابة‪ ،‬وإن اجتمعنا قدرنا عىل تتميم احلديث إن كانت بنا إليه حاجة‪.‬‬
‫وسلم عليه فدخل اجلامع من باب القنطرة واستقام األمري إىل القرص‪.‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]119 /3‬‬

‫‪‬‬

‫‪50‬‬
‫ال�صـــالة‬

‫كان الربيع بن خثيم بعدما سقط شقه هيادى بني رجلني إىل مسجد‬
‫قومه‪ ،‬وكان أصحاب عبد اهلل يقولون‪ :‬يا أبا يزيد‪ ،‬قد ُرخص لك‪ ،‬لو صليت‬
‫يف بيتك‪ ،‬فيقول‪ :‬إنه كام تقولون‪ ،‬ولكني سمعته ينادي حي عىل الفالح‪ ،‬فمن‬
‫سمعه منكم ينادي حي عىل الفالح فيلجبه ولو زح ًفا ولو ً‬
‫حبوا‪.‬‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]275/1‬‬

‫‪‬‬

‫سمع عامر بن عبد اهلل بن الزبري املؤذن وهو جيود بنفسه فقال‪ :‬خذوا‬
‫بيدي‪ ،‬فقيل‪ :‬إنك عليل! قال‪ :‬أسمع داعي اهلل فال أجيبه؟! فأخذوا بيده‪،‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]220 /5‬‬ ‫فدخل مع اإلمام يف املغرب فركع ركعة ثم مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كثريا‪ ،‬واتفق‬
‫كان أبو نرص املروزي إما ًما يف القراءات‪ ،‬وسافر يف ذلك ً‬
‫له أنه غرق يف البحر يف بعض أسفاره‪ ،‬فبينام املوج يرفعه ويضعه إذ نظر إىل‬
‫الشمس قد زالت فنوى الوضوء‪ ،‬وانغمس يف املاء ثم صعد فإذا خشبة فركبها‬
‫دهرا‪.‬‬
‫وصىل عليها‪ ،‬ورزقه اهلل السالمة بربكة الصالة‪ ،‬وعاش بعد ذلك ً‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]213/12‬‬

‫‪‬‬

‫حبس األمري حممد بن طاهر أبا عبد اهلل عثامن بن سعيد السجستاين‬
‫بنيسابور مدة‪ ،‬فكان أبو عبد اهلل يغتسل كل يوم مجعة ويتأهب للخروج إىل‬
‫اجلامع ثم يقول للسجان‪ :‬أتأذن يل يف اخلروج؟ فيقول‪ :‬ال‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم إين‬
‫[طبقات الشافعية الكربى ‪]304 / 2‬‬ ‫بذلت جمهودي واملنع من غريي‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫القــر�آن‬

‫القـــرآن‬

‫قال أبو عبد اهلل خادم أيب احلسن حممد بن أسلم الطويس‪ :‬كان حممد‬
‫كوزا من ماء‪ ،‬فلم ِ‬
‫أدر ما يصنع‪ ،‬حتى‬ ‫دخل معه ً‬ ‫يدخل بيتًا ويغلق بابه‪ ،‬وي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فقلت هلا‪ :‬ما هذا البكاء؟‬
‫ُ‬ ‫صغريا له يبكي بكاءه‪ ،‬فنهته أ ّمه‪،‬‬
‫ً‬ ‫سمعت ابنًا‬
‫ُ‬
‫فقالت‪ :‬إن أبا احلسن يدخل هذا البيت‪ ،‬فيقرأ القرآن ويبكي‪ ،‬فيسمعه الصبي‬
‫فيحكيه‪ ،‬فإذا أراد أن خيرج غسل وجهه؛ فال ُيرى عليه أثر البكاء‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]317/2‬‬

‫‪‬‬

‫فشق ذلك‬
‫كان عمر بن املنكدر ال ينام الليل يكثر البكاء عىل نفسه‪ّ ،‬‬
‫عيل‪ ،‬فلو‬
‫يشق َّ‬
‫عىل أمه‪ ،‬فقالت ألخيه حممد بن املنكدر‪ :‬إن الذي يصنع عمر ّ‬
‫يشق عىل‬
‫كلمته يف ذلك‪ ،‬فاستعان عليه بأيب حازم‪ ،‬فقاال له‪ :‬إن الذي تصنع ّ‬
‫عيل هالني‪ ،‬فأستفتح القرآن‬
‫أمك‪ ،‬قال‪ :‬فكيف أصنع؟! إن الليل إذا دخل َّ‬
‫وما تنقيض هنمتي فيه‪ ،‬قاال‪ :‬فالبكاء؟ قال‪ :‬آية من كتاب اهلل أبكتني‪ ،‬قاال‪:‬‬
‫وما هي؟ قال‪ :‬قوله ‪[ :D‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ]‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]145/2‬‬

‫‪‬‬

‫أحس‬
‫ّ‬ ‫جاءت جارية ملنصور بن مهران بمرقة فهراقتها عليه‪ ،‬فلام‬
‫بحرها نظر إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا مع ّلم اخلري‪ ،‬اذكر قول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قالت‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪52‬‬
‫القــر�آن‬

‫[ﭣ ﭤ] قال‪ :‬كظمت‪ ،‬قالت‪ :‬واذكر [ﭥ ﭦ‬


‫ﭧ] قال‪ :‬قد عفوت‪ ،‬قالت‪ :‬واذكر [ﭩ ﭪ ﭫ] قال‪:‬‬
‫[اإلمتاع واملؤانسة ‪]247/1‬‬ ‫اذهبي فأنت حرة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا بلغ داود بن نصري الطائي من العمر مخس سنوات أسلمه أبوه إىل‬
‫املؤدب‪ ،‬فابتدأ بتلقني القرآن وكان لقنًا‪ ،‬فلام تعلم سورة [ﯜﯝﯞﯟ]‬
‫مفكرا يشري بيده‪ ،‬فخافت عىل‬
‫ً‬ ‫وحفظها رأته أمه يوم اجلمعة مقبلاً عىل احلائط‬
‫عقله فنادته‪ :‬قم يا داود فالعب مع الصبيان‪ ،‬فلم جيبها‪ ،‬فضمته إليها ودعت‬
‫بالويل‪ ،‬فقال‪ :‬ما لك يا أماه‪ ،‬أبك بأس؟ قالت‪ :‬أين ذهنك؟ قال‪ :‬مع عباد‬
‫اهلل‪ ،‬قالت‪ :‬أين هم؟ قال‪ :‬يف اجلنة‪ ،‬قالت‪ :‬ما يصنعون؟ قال‪[ :‬ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ] ثم مر يف السورة وهو شاخص كأنه يتأمل‬
‫شي ًئا حتى بلغ قوله‪[ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ]‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أماه‪ ،‬ما كان سعيهم؟‬
‫فلم تدر ما جتيبه‪ ،‬فقال هلا‪ :‬قومي عني حتى أتنزه معهم ساعة‪ ،‬فقامت عنه‪،‬‬
‫فأرسلت إىل أبيه فأعلمته شأن ولده‪ ،‬فقال له أبوه‪ :‬يا داود‪ ،‬كان سعيهم أن‬
‫قالوا‪ :‬ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل‪ ،‬فكان يقوهلا يف أكثر أوقاته‪.‬‬
‫[أنباء جنباء األبناء ص ‪]160‬‬

‫‪‬‬

‫ُذكر أن ابنًا للقايض ابن غانم املالكي جاءه من عند معلمه‪ ،‬فسأله عن‬
‫دينارا أو نحوها‪ ،‬فلام جاء هبا‬
‫سورته فقرأ عليه فأحسن‪ ،‬فدفع إليه عرشين ً‬

‫‪53‬‬
‫القــر�آن‬

‫الصبي إىل املعلم أنكرها وظن بالصبي ظنًّا‪ ،‬فجاء هبا إىل ابن غانم‪ ،‬فقال ابن‬
‫غانم‪ :‬لعلك استقللتها؟ قال ال‪ .‬فقال له‪ :‬حرف واحد مما علمته يعدل الدنيا‬
‫[ترتيب املدارك ‪]75 /3‬‬ ‫وما فيها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الذكـــر‬

‫الذكـــر‬

‫قال جعفر الصادق‪ :‬فقد أيب بغل ًة له‪ ،‬فقال‪ :‬لئن ر ّدها اهلل ‪ D‬ألمحدنّه‬
‫برسجها وجلامها‪ ،‬فركبها‪ ،‬فلام استوى عليها‬ ‫حمامدَ يرضاها‪ ،‬فام لبث أن ُأ َ‬
‫يت هبا ْ‬
‫وضم عليه ثيابه رفع رأسه إىل السامء‪ ،‬وقال‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬مل يزد عليها‪ ،‬فقيل له‬
‫ّ‬
‫جعلت احلمد ك ّله هلل ‪.D‬‬
‫ُ‬ ‫تركت أو أبقيت شي ًئا؟‬
‫ُ‬ ‫يف ذلك فقال‪ :‬وهل‬
‫[صفة الصفوة ‪]460/2‬‬

‫‪‬‬

‫كبريا‪ ،‬فدعا به فقال‪:‬‬ ‫دخل سليامن بن عبد امللك املسجد فرأى ً‬


‫شيخا ً‬
‫يا شيخ‪ ،‬أحتب املوت؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬بم؟ قال‪ :‬ذهب الشباب وشرَ ُّ ه‪ ،‬وجاء‬
‫الكرب وخريه‪ ،‬فإذا قمت قلت‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬وإذا قعدت قلت‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬فأنا‬
‫[العمر والشيب البن أيب ادلنيا ص‪]57‬‬ ‫أحب أن يبقى يل هذا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫شاطرا يقطع الطريق بني َأبِ َيو ْرد ورسخس‪،‬‬


‫ً‬ ‫كان الفضيل بن عياض‬
‫وكان سبب توبته أنه عشق جارية‪ ،‬فبينام هو يرتقي اجلدران إليها سمع تال ًيا‬
‫يتلو‪[ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ]‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب‪ ،‬قد‬
‫آن‪ ،‬فرجع فآواه الليل إىل خربة فإذا فيها رفقة‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬نرحتل وقال‬
‫فإن فضيلاً عىل الطريق يقطع علينا‪ ،‬فتاب الفضيل وأ َّمنهم‬
‫قوم‪ :‬حتى نصبح‪ّ ،‬‬
‫[الرسالة القشريية ‪]40/1‬‬ ‫وجاور احلرم حتى مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪55‬‬
‫الذكـــر‬

‫قال أبو جعفر اخلطمي‪ :‬كان جلدي مولىً يقال له زياد يعلم بنيه‪ ،‬فنعس‬
‫الشيخ‪ ،‬فجعل زياد يذكر هلم الدنيا والشيخ يسمع‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬يا زياد‪،‬‬
‫بني قبة الشيطان‪ ،‬اكشطوها بذكر اهلل ‪.D‬‬
‫رضبت عىل ّ‬
‫[الزهد البن أيب ادلنيا ص ‪]37‬‬

‫‪‬‬

‫محالاً عليه محله‪ ،‬وهو يقول‪ :‬احلمد‬


‫قال بكر بن عبد اهلل املزين‪ :‬رأيت َّ‬
‫هلل أستغفر اهلل يكرر ذلك‪ ،‬فانتظرته حتى وضع ما عىل ظهره‪ ،‬وقلت له‪ :‬أما‬
‫كثريا‪ ،‬أقرأ كتاب اهلل‪ ،‬غري أن العبد بني‬ ‫حتسن غري هذا؟ قال‪ :‬بىل ُأحسن ً‬
‫خريا ً‬
‫نعمة وذنب‪ :‬فأمحد اهلل عىل نعمه السابغة‪ ،‬وأستغفره لذنويب‪ .‬فقلت‪ :‬احلامل‬
‫[الشكر البن أيب ادلنيا ص‪]26‬‬ ‫أفقه من بكر‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الدعـــاء‬

‫الدعــــاء‬

‫قال جابر بن سمرة ‪ :I‬شكا ُ‬


‫أهل الكوفة سعدَ بن مالك ‪ I‬إىل‬
‫عمر‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال حيسن أن يصيل‪ ،‬فقال سعد‪ :‬أما أنا فكنت أصيل هبم صال َة‬
‫رسول اهلل ‪ H‬صاليت العيش أركد يف األوليني‪ ،‬وأحذف يف األخريني‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬ذاك الظن بك يا أبا إسحاق‪ ،‬وبعث رجالاً يسألون عنه يف مساجد‬
‫خريا وقالوا‬
‫الكوفة‪ ،‬قال‪ :‬فال يأتون مسجدً ا من مساجد الكوفة إال أثنوا عليه ً‬
‫معرو ًفا‪ ،‬حتى أت َْوا مسجدً ا من مساجد بني عبس‪ ،‬فقال ٌ‬
‫رجل يقال له أبو‬
‫سعدة‪ :‬اللهم فإنه كان ال يعدل يف القضية وال يقسم بالسوية‪ ،‬فقال سعدٌ ‪:‬‬
‫ِ‬
‫وعرضه للفتن‪ ،‬قال عبد امللك‪:‬‬ ‫اللهم إن كان كاذ ًبا فأ ْع ِم برصه وأط ْل َ‬
‫فقره ِّ‬
‫فأنا رأيته يتعرض لإلماء يف السكك‪ ،‬فإذا قيل له‪ :‬أبا سعدة؟! يقول‪ :‬مفتون‪،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]478/1‬‬ ‫أصابتني دعوة سعد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قالت أم مسلم أليب مسلم اخلوالين‪ :‬يا أبا مسلم‪ ،‬قد حرض الشتاء‬
‫وليس لنا كسو ٌة وال طعام وال إدام وال حذاء وال حطب‪ ،‬فقال‪ :‬تريدين‬
‫ماذا؟ قالت‪ :‬تأيت معاوية؛ فهو بك عارف‪ ،‬قال‪ :‬فنقول له ماذا؟ قالت‪ :‬ختربه‬
‫ِ‬
‫وحيك‪ ،‬إين ألستحي أن أطلب حاجتنا إىل غري اهلل‬ ‫وج ْه ِدنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بحاجتك َ‬
‫جهزيني‪ ،‬ثم َع َمدَ إىل املسجد فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أكثرت عليه قال‪ :‬وحيك‪ِّ ،‬‬‫‪ ،D‬فلام َ‬
‫خرجت إليك وأنت تعرف‬
‫ُ‬ ‫إهلي‪ ،‬إن أم مسلم بعثتني إىل معاوية وأنا إنام‬

‫‪57‬‬
‫الدعـــاء‬

‫حاجتي‪ ،‬فمكث يومه ذلك يف املسجد‪ ،‬فلام صىل الناس العشاء اآلخرة وخال‬
‫له املسجد جثا عىل ركبتيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم قد تعرف حايل فيام بيني وبينك‪ ،‬فقد‬
‫سمعت مقالة أم مسلم‪ ،‬وقد بع َثتْني إىل معاوية وأنت تعرف ّ‬
‫أي شئ طلبت‬ ‫َ‬
‫وقالت‪ ،‬وخزائ ُن الدنيا ك ُّلها بيدك‪ ،‬وإنام معاوية َخ ْل ٌق من خلقك قد أعطيتَه‬
‫ْس إهلي صبياين ُق ُم ًصا‬
‫اليسري‪ ،‬فاك ُ‬ ‫ِ‬
‫الكثري‬ ‫ما أعطيته‪ ،‬وإنام أسألك من خريك‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومخارا‪ ،‬وعجل لنا الساعة ُب ًّرا‬
‫ً‬ ‫قميصا ودر ًعا‬
‫ً‬ ‫ْس زوجتي‬ ‫وخفا ًفا وفراء‪ ،‬واك ُ‬
‫وعدسا وزيتًا وح َط ًبا‪ ،‬وارزقني ُبرن ًُسا خفي ًفا دفي ًئا أصليِّ لك فيه‪ ،‬وارزقني‬
‫ً‬
‫طلبت العدو عليه أدركتُهم وإن‬
‫ُ‬ ‫فرسا حصانًا وسا ًعا جوا ًدا طاهر اخللق إن‬
‫ً‬
‫وعجل ذلك يل الساعة؛ فإن خزائنك ال تنفد وخريك‬
‫ِّ‬ ‫طلبوين مل ُيدركوين‪،‬‬
‫ال ينقص وأنت يب عامل‪ ،‬قد تعلم أنك أحب إيل من سواك‪ ،‬فإن تُعطني هذه‬
‫كثريا‪ ،‬ورجل من آل معاوية‬ ‫ِ‬
‫كثريا وإن متنعه فلك احلمد ً‬
‫الساعة محدتُك عليه ً‬
‫يف املسجد فسمع مقالته‪ ،‬فخرج يشتدّ حتى دخل عىل معاوية فقال‪ :‬يا أمري‬
‫املؤمنني‪ ،‬عج ًبا سمعتُه آنفا يف املسجد ورجل يناجي ربه كام يناجي اإلنسان‬
‫وفرسا‬
‫ً‬ ‫وعدسا وزيتًا وحط ًبا‬
‫ً‬ ‫قمصا وفرا ًء وخفا ًفا ًّ‬
‫وبرا‬ ‫اإلنسان يسأله يف دعائه ً‬
‫وبرنسا خفي ًفا يا أمري املؤمنني‪ ،‬فهل سمعت بعجب مثل هذا؟ قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫حصانًا‬
‫وحيك وهل تدري من هذا؟ هذا أبو مسلم! أليس قد أحصيت ما قال؟ قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫فأضعفوا له كل ما سأل وعجلوا به الساعة إىل‬ ‫بىل‪ ،‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فحمل هذا‬
‫منزله‪ ،‬وال ُيصبحن إال وهذا الشئ يف منزله من كل شئ اثنني‪ُ ،‬‬
‫ب يف مربط معاوية إال فرس واحد عىل ما َو َصف‪،‬‬
‫كله إال الفرس؛ فإنه مل ُي َص ْ‬
‫فلام قدمت هذه األشياء إىل أم مسلم أقبلت حتسن الثناء عىل معاوية وتقول‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫الدعـــاء‬

‫مل أزل أعاتب الشيخ يف إتيانه فيأبى َعليَ ّ ‪ ،‬فلام صىل أبو مسلم الغداة انرصف‬
‫وهو واثق بربه‪ ،‬فلام أتى البيت أصابه مملو ًءا سوا ًدا‪ ،‬فقالت له أم مسلم‪ :‬يا أبا‬
‫ِ‬
‫كفرت‬ ‫مسلم‪ ،‬أال ترى ما أهدى إليك أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪ :‬ويح البعداء‪ ،‬لقد‬
‫دارا وال كلمت له حاج ًبا‬
‫النعمة ومل تشكري الرازق‪ ،‬واهلل ما أتيت ملعاوية ً‬
‫كثريا‬
‫وال رفعت إليه حاجة‪ ،‬وما هذا إال قسم من اهلل أهداه إلينا فلله احلمد ً‬
‫[تاريخ دمشق ‪]263/70‬‬ ‫كثريا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪‬‬

‫كان القايض ابن غانم له حظ من صالة الليل فإذا قضاها وجلس يف‬
‫التشهد آخرها عرض كل خصم يريد أن حيكم له عىل ربه‪ ،‬يقول يف مناجاته‪:‬‬
‫يا رب فالن منازع فالنًا وادعى عليه بكذا فأنكر دعواه فسألته البينة فأتى‬
‫ببينة شهدت بام ادعى‪ ،‬ثم سألته تزكيتها فأتاين بمن زكاهم وسألت عنهم‬
‫خريا‪ ،‬وقد أرشفت أن آخذ له من صاحبه حقه الذي‬
‫يف الرس فذكر يعني ً‬
‫تبني يل أنه حق له‪ ،‬فإن كنت عىل صواب فثبتني وإن كنت عىل غري صواب‬
‫فارصفني‪ ،‬اللهم ال ت ُْسلمني‪ ،‬اللهم سلمني‪ .‬فال يزال يعرض اخلصوم عىل‬
‫[ترتيب املدارك ‪]69 /3‬‬ ‫ربه حتى يفرغ منهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال ثابت البناين‪ :‬أخذ عبيد اهلل بن زياد اب َن أخٍ لصفوان بن حمرز فحبسه‬
‫يف السجن‪ ،‬فلم يدع صفوان رشي ًفا بالبرصة يرجو منفعته إال ّ‬
‫حتمل به عليه‪،‬‬
‫فلم ير حلاجته نجاحا‪ ،‬فبات يف مصاله حزينًا‪ .‬فهوم من الليل فإذا ٍ‬
‫آت قد أتاه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ََ‬

‫‪59‬‬
‫الدعـــاء‬

‫يف منامه‪ ،‬فقال‪ :‬يا صفوان‪ ،‬قم فاطلب حاجتك من جهتها‪ .‬قال‪ :‬فانتبه ِ‬
‫فز ًعا‬
‫ِ‬
‫عيل بابن أخي صفوان بن‬ ‫فقام فتوضأ‪ ،‬ثم صلىّ ثم دعا‪ ،‬فأرق اب ُن زياد‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫حمرز‪ ،‬فجاء باحلرس وجيء بالنريان‪ ،‬ف ُفتحت تلك األبواب احلديد يف جوف‬
‫الليل‪ ،‬فقال‪ :‬اب ُن أخي صفوان َأ ِ‬
‫خرجوه‪ ،‬فإنيّ قد ُمنعت من النوم منذ الليلة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫كفيل وال يشء‪ ،‬فام شعر صفوان‬ ‫فأخرج فأيت به ابن زياد‪ ،‬فقال‪ :‬انطلق بال‬
‫حتى رضب عليه اب ُن أخيه با َبه‪ ،‬قال صفوان‪َ :‬من هذا؟ قال‪ :‬أنا فالن‪ .‬قال‪:‬‬
‫ساعة هذه الساعة؟ فحدّ ثه احلديث‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أي‬
‫[صفة الصفوة ‪]134/2‬‬ ‫ّ‬
‫‪‬‬

‫موج ًها إىل القبلة بعد صالة العرص‬


‫كان عامر بن عبد اهلل بن الزبري ِّ‬
‫يدعو‪ ،‬فمر به إبراهيم بن هشام املخزومي وهو يومئذ أمري املدينة وكان‬
‫رجلاً خمو ًفا مقدا ًما‪ ،‬فلام رأى ً‬
‫عامرا عدل إليه فوقف ليسلم عليه فلم ينثن‬
‫إليه عامر ومىض يف دعائه‪ ،‬فانرصف مغض ًبا فجعل يقول ملن أتاه من إخوان‬
‫عامر ونظرائه حممد بن املنكدر وصفوان بن سليم وأيب حازم وذوهيم‪ :‬أال‬
‫تعجبون لعامر؟! مررت عليه وليس يف صالة ومل ينثن إيل ومل يكلمني‪ ،‬حتى‬
‫خافوه عليه فأتوه فقالوا له‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬أمريك وتخُ شى ناحيته‪ ،‬فلو أقبلت‬
‫عليه ثم رجعت إىل ما كنت فيه وهو ساكت حتى إذا فرغوا قال‪« :‬هيه! أيظن‬
‫ابن هشام أن يقبل عيل وأنا مقبل عىل اهلل فأعرض عن اهلل ‪ D‬وأقبل عليه؟!‬
‫[تاريخ دمشق ‪]262/7‬‬ ‫كال واهلل!»‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪60‬‬
‫الدعـــاء‬

‫قال عيل بن أيب فزارة‪ :‬كانت أمي مقعد ًة من نحو عرشين سنة‪ ،‬فقالت‬
‫يل يو ًما‪ :‬اذهب إىل أمحد بن حنبل فسله أن يدعو يل‪ ،‬فأتيت فدققت عليه وهو‬
‫يف دهليزه‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ قلت‪ :‬رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك‬
‫فسمعت كالمه كالم رجل مغضب‪ ،‬فقال‪ :‬نحن أحوج أن تدعو اهلل‬
‫ُ‬ ‫الدعاء‪،‬‬
‫فوليت منرص ًفا‪ ،‬فخرجت عجوز فقالت‪ :‬قد تركته يدعو هلا‪ ،‬فجئت إىل‬
‫ُ‬ ‫لنا‪،‬‬
‫بيتنا فدققت الباب فخرجت أمي عىل رجليها متيش‪ ،‬وقالت‪ :‬قد وهب اهلل‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]211/11‬‬ ‫يل العافية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫استسقى القايض عنرتة بن فالح يف قرطبة يو ًما بالناس عىل ما حكاه ابن‬
‫زرعة فأحسن يف قيامه يف اخلطبة‪ ،‬وخشع الناس بوعظه وتذكريه‪ ،‬وحركهم‬
‫بدعائه وابتهاله‪ .‬فلام فرغ قام إليه رجل من عامة الناس فقال له‪ :‬أهيا القايض‬
‫الواعظ‪ ،‬قد حسن عندنا ظاهرك فحسن اهلل باطنك‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم آمني ولنا‬
‫أمجعني‪ ،‬فهل أضمرت يا ابن أخي شي ًئا؟ فقال له‪ :‬نعم يا قايض‪ ،‬بتفريغ‬
‫أهرائك يتم فضل استسقائك‪ ،‬فقال‪ :‬لعمري لقد نصحتني‪ ،‬وإين أشهد اهلل‬
‫أن مجيع ما حواه ملكي من الطعام صدقة لوجه اهلل الكريم‪ ،‬ثم أقسم أن‬
‫ال يدع مقامه حتى يرسل إىل داره‪ ،‬فيفرق مجيع ما ادخره‪ .‬قال‪ :‬فغيث الناس‬
‫[ تاريخ قضاة األندلس ‪]42/1‬‬ ‫من يومهم غي ًثا عا ًّما‪.‬‬
‫‪‬‬
‫كان احلسن بن عيسى املارسجيس من أهل بيت الثروة ِ‬
‫والقدم يف‬
‫النرصانية‪ ،‬ثم أسلم عىل َيدَ ي عبد اهلل بن املبارك‪ ،‬نزل عبد اهلل بن املبارك مرة‬

‫‪61‬‬
‫الدعـــاء‬

‫رأس سكة عيسى‪ ،‬وكان احلسن بن عيسى يركب فيجتاز به وهو يف املجلس‪،‬‬
‫وجها‪ ،‬فسأل عنه عبد اهلل بن املبارك‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه‬
‫واحلسن من أحسن الشباب ً‬
‫نرصاين‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم ارزقه اإلسالم‪ ،‬فاستجاب اهلل دعوته فيه‪ .‬ورحل يف‬
‫العلم ولقي املشايخ‪ ،‬وكان د ّينًا ور ًعا ثقة عاقلاً عُدّ يف جملسه بباب الطاق اثنا‬
‫عرش ألف حمربة‪ .‬ومل يزل ِمن َع ِقبه بنيسابور فقهاء وحمدثون‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]332/8‬‬

‫‪‬‬

‫كان الوزير فخر امللك قد أمهل بعض الواجبات فعوقب رسي ًعا‪ ،‬وذلك‬
‫أن بعض خواصه قتل رجلاً ظلماً ‪ ،‬فتصدت له زوجة املقتول تستغيث‪ ،‬فلم‬
‫يلتفت إليها‪ ،‬فلقيته ليلة يف مشهد باب التبن وقد حرض للزيارة‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫يا فخر امللك‪ ،‬القصص التي أرفعها إليك وال تلتفت إليها رصت أرفعها إىل‬
‫اهلل‪ ،‬وأنا منتظرة خروج التوقيع من جهته‪ ،‬فلام قبض عليه قال‪ :‬ال شك أن‬
‫[وفيات األعيان ‪]126/5‬‬ ‫توقيعها خرج‪.‬‬
‫‪‬‬

‫صاف قتيب ُة ب ُن مسلم للرتك وهاله ُ‬


‫أمرهم سأل عن حممد بن واسع‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ملا‬
‫نحو السامء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بصبص بأصبعه َ‬
‫ُ‬ ‫فقيل‪ :‬هو ذاك يف امليمنة جامح عىل قوسه ُي‬
‫وشاب طرير‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫شهري‬ ‫أحب إ ّيل من مائة ألف سيف‬
‫األصبع ُّ‬
‫ُ‬ ‫تلك‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]121/6‬‬

‫‪‬‬

‫‪62‬‬
‫الدعـــاء‬

‫وجع الوالدة وعندها قابلتها وهو صبي بني‬


‫ُ‬ ‫أصاب أم منصور بن عامر‬
‫يدهيا‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا منصور‪ ،‬بادر إىل أبيك فناده‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أتستعينني يف حال‬
‫الشدة بمخلوق ال يرض وال ينفع وأكون أنا رسولك إليه؟ قالت‪ :‬الساعة‬
‫أموت‪ ،‬قال هلا‪ :‬قويل يا اهلل أغثني‪ ،‬فقالت ذلك فاندلق جنينها من ساعته‪.‬‬
‫[أنباء جنباء األبناء ص ‪]163‬‬

‫‪63‬‬
‫خوف اهلل وخ�شيته‬

‫خوف ا& وخشيته‬

‫الرهاوي‪ :‬كنا عند عمر بن اخلطاب إذ جاءه قوم‬


‫قال مزيدة بن قعنب ُّ‬
‫فقالوا‪ :‬إن لنا إما ًما يصيل بنا العرص فإذا صىل صالته تغنى بأبيات فقال عمر‪:‬‬
‫قوموا بنا إليه‪ ،‬فاستخرجه عمر من منزله فقال‪ :‬إنه بلغني أنك تقول أبياتًا إذا‬
‫قضيت صالتك فأنشدنيها‪ ،‬فإن كانت حسنة قلتها معك وإن كانت قبيحة‬
‫هنيتك عنها‪ ،‬فقال الرجل‪:‬‬
‫ع������اد يف ال�����ل�����ذات ي���ب���غ���ي تعيب‬ ‫وف������������������ؤادي ك�����ل�����م�����ا ن���ب���ه���ت���ه‬
‫����������رح بي‬
‫يف مت������ادي������ه ف����ق����د ب َّ‬ ‫ال أراه ال������ده������ر إال اله���� ًي����ا‬
‫ف��ن��ي ال����ع����م����ر ك�������ذا باللعب‬ ‫ي��ا ق��ري��ن ال��س��وء م��ا ه���ذا الصبا‬
‫ق����ب����ل أن أق�����ض�����ي م����ن����ه أرب������ي‬ ‫وش������ب������اب ب��������ان م���ن��ي فمضى‬
‫����ي مطليب‬
‫ض���ي���ق ال���ش���ي���ب ع����ل ّ‬ ‫أرج����������ي ب����ع����ده إال الفنا‬
‫م�����ا ِّ‬
‫ات����ق����ي امل�������وىل وخ�������ايف واره���ب��ي‬ ‫نفس ال كنت وال ك��ان اهلوى‬

‫فقال عمر‪ :‬نعم‪ ،‬نفس ال كنت وال كان اهلوى وهو يبكي ويقول‪ :‬اتقي املوىل‬
‫وخايف وارهبي‪ ،‬ثم قال عمر‪ :‬من كان منكم مغنّ ًيا فليغن هكذا‪.‬‬
‫[تاريخ دمشق ‪]312 /44‬‬

‫‪‬‬

‫ٍ‬
‫جارية له ترعى غنماً ‪ ،‬فأعطى جاريته فرسه‬ ‫انتهى أبو الدرداء ‪ I‬إىل‬
‫يغلبك‪ ،‬ثم طاف يف غنمه‪ ،‬فانفلت الفرس فجالت الغنم حتى‬‫ِ‬ ‫ثم قال‪ :‬ال‬

‫‪64‬‬
‫خوف اهلل وخ�شيته‬

‫تكرس عامتها‪ ،‬فجاء أبو الدرداء إليها يشتدّ راف ًعا السوط‪ ،‬حتى إذا دنا منها‬
‫[األهوال البن أيب ادلنيا ص‪]209‬‬
‫ِ‬
‫ألوجعتك‪.‬‬ ‫كف وقال‪ :‬لوال ال َق َود‬
‫ّ‬
‫‪‬‬

‫لقي عبد اهلل بن عمر ‪ L‬راع ًيا بطريق مكة‪ ،‬قال له‪ :‬بعني شاة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ليست يل‪ ،‬قال له‪ :‬فتقول ألهلك‪ :‬أكلها الذئب! قال‪ :‬فأين اهلل؟ قال‪ :‬اسمع‪،‬‬
‫وافِني ههنا إذا رجعت من مكة‪ ،‬ومر موالك يوافيني ههنا‪ ،‬فلام رجع لقي‬
‫رب الغنم واشرتى منه الغنم‪ ،‬واشرتى منه الغالم‪ ،‬فأعتقه ووهب له الغنم‪.‬‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]262‬‬

‫‪‬‬

‫كان األسود بن رسيع ‪ I‬يقص يف املسجد‪ ،‬فسمع أبو موسى‬


‫األشعري أصواتهَ م‪ ،‬فقام ليأت َيهم فانقطع ِش ْس ُعه فاسرتجع فقال‪ :‬ما انقطع‬
‫رجل شس ًعا‪ ،‬فقال‪ :‬محلك اهلل ووصلك كام محلت‬‫شسعي إال بذنب‪ ،‬فأعطاه ٌ‬
‫بكاؤهم‪ ،‬فابكوا‬
‫أخاك‪ ،‬فأتاهم فقال‪ :‬ابكُوا فإن أهل النار يبكون وال ُي ْر َحم ُ‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]354/1‬‬ ‫اليوم؛ َّ‬
‫فإن بكاءكم اليوم يرحم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال سفيان الثوري‪ :‬بلغنا عن أم الربيع بن خثيم كانت تنادي ابنها‬


‫ربي ًعا‪ ،‬تقول‪ :‬يا ربيع أال تنام؟ فيقول‪ :‬يا ُأ ّمه‪ ،‬من جن عليه الليل وهو خياف‬
‫السيئات حق له أال ينام‪ ،‬قال‪ :‬فلام بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر‬
‫نادته‪ ،‬فقالت‪ :‬يا ُبني‪ ،‬لعلك قتلت قتيلاً ؟ قال‪ :‬نعم يا والدة‪ ،‬قد قتلت قتيلاً ‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫خوف اهلل وخ�شيته‬

‫فقالت‪ :‬ومن هذا القتيل يا بني حتى نتحمل إىل أهله فيغتفر لك؟ واهلل لو‬
‫يعلمون ما تلقى من السهر والبكاء بعد لقد رمحوك؟ فقال‪ :‬يا والدة‪ ،‬هو‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]566‬‬ ‫نفيس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫بينا ابن املنكدر ليل ًة قائم يصيل إذ استبكى‪ ،‬فكثر بكاؤه حتى فزع له‬
‫أهله‪ ،‬وسألوه فاستعجم عليهم ومتادى يف البكاء‪ ،‬فأرسلوا إىل أيب حازم فجاء‬
‫إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما الذي أبكاك؟ قال‪ :‬مرت يب آية‪ ،‬قال‪ :‬وما هي؟ قال‪[ :‬ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ]‪ ،‬فبكى أبو حازم معه‪ ،‬فاشتد بكاؤمها‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]355/5‬‬

‫‪‬‬

‫ملا حج املهدي دخل مسجد النبي ‪ H‬فلم يبق أحد إال قام إال‬
‫ابن أيب ذئب‪ ،‬فقال له املسيب بن زهري‪ :‬قم‪ ،‬هذا أمري املؤمنني! فقال ابن‬
‫أيب ذئب‪ :‬إنام يقوم الناس لرب العاملني‪ ،‬فقال املهدي‪ :‬دعه‪ ،‬فلقد قامت كل‬
‫[تاريخ بغداد ‪]515 /3‬‬ ‫شعرة يف رأيس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خز‪ ،‬فإذا األخرض‬


‫قال يزيد بن كميت‪ :‬فتح غال ٌم أليب حنيفة يو ًما رزمة ّ‬
‫واألمحر واألصفر‪ ،‬فقال الغالم‪ :‬نسأل اهلل اجلنة‪ ،‬فبكى أبو حنيفة حتى‬
‫اختلج صدغاه ومنكباه‪ ،‬وأمر بغلق الدكان‪ ،‬وقام مغطى الرأس مرس ًعا‪،‬‬
‫فلام كان من الغد جلست إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخي‪ ،‬ما أجرأنا! يقول أحدنا‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫خوف اهلل وخ�شيته‬

‫نسأل اهلل اجلنة! إنام يسأل اهلل اجلنة من راض نفسه ‪-‬يعني هلا‪ ،-‬إنام يريد مثلنا‬
‫أن يسأل اهلل العفو‪.‬‬
‫[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص‪]23‬‬

‫‪‬‬

‫شاطرا جيرح باحلديد‪ ،‬وكان سبب توبته أنه وجد‬


‫ً‬ ‫كان برش بن احلارث‬
‫قرطاسا يف َأتّون محام فيه‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬فعظم ذلك عليه ورفع‬
‫ً‬
‫طرفه إىل السامء وقال‪ :‬سيدي‪ ،‬اسمك ههنا مل ًقى‪ ،‬فرفعه من األرض وقلع‬
‫عطارا فاشرتى بدرهم غالي ًة مل يكن معه‬
‫ً‬ ‫عنه السحاة التي هو فيها‪ ،‬وأتى‬
‫زجاج‬
‫سواه‪ ،‬ولطخ تلك السحاة بالغالية فأدخله شق حائط وانرصف إىل ّ‬
‫كان جيالسه‪ ،‬فقال له الزجاج‪ :‬واهلل يا أخي أقول لك حتى حتدثنى ما فعلت‬
‫يف هذه األيام فيام بينك وبني اهلل تعاىل‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعلت شي ًئا أعلمه‪ ،‬غري أنى‬
‫اجتزت اليوم بأتون محام‪ .‬فذكره‪ .‬فقال الزجاج‪ :‬رأيت كأن قائلاً يقول يل يف‬
‫املنام‪ :‬قل لبرش‪ :‬ترفع اسماً لنا من األرض إجاللاً أن يداس‪ ،‬لننوهن باسمك‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫[تهذيب الكمال ‪]103/4‬‬

‫‪‬‬

‫ك َّلف القايض عيسى بن مسكني إنسانًا رشاء زيت‪ ،‬فاشرتى له من‬


‫نرصاين زيتًا طيب األصل وأخربه أنه زاده فيام اشرتاه عرشة أقفزة حني علم‬
‫أنه له‪ ،‬وذلك بعد رصفه عن القضاء‪ ،‬فأطرق مل ًّيا ثم رفع رأسه إليه فقال‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫خوف اهلل وخ�شيته‬

‫شكر اهلل سعيه‪ ،‬لعلك تتم إمجالك برصف زيته إليه وتأتيني بديناري بعينه‪،‬‬
‫دينارا وتصدق به‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬ثم اعتذر له‬
‫وإال فاترك الزيت له وخذ منه ً‬
‫عيسى لئال يقع يف نفسه يشء‪ ،‬وقال‪ :‬خفت حكم اآلية قوله تعاىل‪[ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] اآلية‪..‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]346/ 4‬‬

‫‪68‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫اإلنفــــاق‬

‫قال أسلم موىل عمر بن اخلطاب ‪ :I‬خرجت مع عمر إىل السوق‪،‬‬


‫فلحقت عمر امرأة شابة‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬هلك زوجي وترك صبية‬
‫صغارا واهلل ما ينضجون كرا ًعا وال هلم زرع وال رضع‪ ،‬وخشيت أن تأكلهم‬
‫ً‬
‫الضبع‪ ،‬وأنا بنت خفاف بن إيامء الغفاري‪ ،‬وقد شهد أيب احلديبية مع النبي‬
‫‪ .H‬فوقف معها عمر ومل يمض‪ ،‬ثم قال‪ :‬مرح ًبا بنسب قريب‪ ،‬ثم‬
‫انرصف إىل بعري ظهري كان مربو ًطا يف الدار‪ ،‬فحمل عليه غرارتني مألمها‬
‫طعا ًما ومحل بينهام نفقة وثيا ًبا ثم ناوهلا بخطامه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اقتاديه فلن يفنى‬
‫حتى يأتيكم اهلل بخري‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أكثرت هلا‪ ،‬قال عمر‪:‬‬
‫ثكلتك أمك‪ ،‬واهلل إين ألرى أبا هذه وأخاها‪ ،‬قد حارصا حصنًا زمانًا‬
‫[صحيح ابلخاري ‪]124/5‬‬ ‫فافتتحاه‪ ،‬ثم أصبحنا نستفيء سهامهنام فيه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مر احلسن البرصي عىل صبيان معهم كرس خبز‪ ،‬فاستضافوه فنزل‬
‫فأكل معهم‪ ،‬ثم محلهم إىل منزله فأطعمهم وكساهم‪ ،‬وقال‪ :‬اليد هلم؛ ألهنم‬
‫[مدارج السالكني ‪]315 /2‬‬ ‫ال جيدون شي ًئا غري ما أطعموين ونحن نجد أكثر منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ابتاع محزة بن عبد اهلل بن الزبري مجلاً من أعرايب بخمسني ً‬


‫دينارا ثم نقده‬
‫ثمنه‪ ،‬فجعل األعرايب ينظر إىل اجلمل ويقول‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫ضنني‬
‫ِ‬ ‫رب ب���ه ّ‬
‫���ن‬ ‫ك����رائ����م م����ن ّ‬ ‫وقد خترج احلاجات يا أم مالك‬

‫فقال له محزة‪ :‬خذ مجلك والدنانري لك‪ ،‬فانرصف بجمله وبالدنانري‪.‬‬


‫[معجم األدباء ‪]1647 /4‬‬

‫‪‬‬

‫قال حكيم بن حزام ‪ :I‬كنت أعالج البز والرب يف اجلاهلية‪ ،‬وكنت‬


‫أرباحا‬
‫ً‬ ‫تاجرا أخرج إىل اليمن وإىل الشام يف الرحلتني‪ ،‬فكنت أربح‬
‫ً‬ ‫رجلاً‬
‫كثرية‪ ،‬فإذا ربحت عدت عىل فقراء قومي ونحن ال نعبد شي ًئا‪ ،‬أريد بذلك‬
‫ثراء األموال واملحبة يف العشرية‪ ،‬وكنت أحرض األسواق‪ ،‬وكانت لنا ثالثة‬
‫أسواق‪ :‬سوق بعكاظ يقوم صبيحة ليلة هالل ذي القعدة عرشين يو ًما‬
‫وحيرضها العرب‪ ،‬وهبا ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خدجية بنت خويلد‪،‬‬
‫‪H‬‬ ‫وهو يومئذ غالم‪ ،‬فأخذته بستامئة درهم‪ ،‬فلام تزوج رسول اهلل‬
‫خدجية سأهلا زيدً ا فوهبته له‪ ،‬فأعتقه رسول اهلل ‪ ،H‬وهبا ابتعت حلة‬
‫ذي يزن فكسوهتا رسول اهلل ‪ ،H‬فام رأيت أحدً ا قط أمجل وال أحسن‬
‫من رسول اهلل ‪ H‬يف تلك احللة‪ .‬وكان سوق جمنة يقوم عرشة أيام‪،‬‬
‫حتى إذا رأينا هالل ذي احلجة انرصفنا إىل سوق ذي املجاز فتقوم ثامنية أيام‪،‬‬
‫وكل هذه األسواق ألقى هبا رسول اهلل ‪ H‬يف املواسم يستعرض‬
‫القبائل قبيلة قبيلة يدعوهم إىل اهلل‪ ،‬فال أرى أحدً ا يستجيب له‪ ،‬وأرسته أشد‬
‫القبائل عليه‪.‬‬
‫وكان حكيم بن حزام يشرتي الظهر واألداة والزاد ثم ال جييئه أحد‬
‫جلوسا إذ دخل رجل‬
‫ً‬ ‫يستحمله يف السبيل إال محله‪ .‬فبينام هم يو ًما يف املسجد‬

‫‪70‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫من أهل اليمن يطلب محالنًا يريد اجلهاد فدل عىل حكيم بن حزام فجلس‬
‫إليه فقال‪ :‬إين رجل بعيد الشقة‪ ،‬وقد أردت اجلهاد فدُ للت عليك لتحمل‬
‫رجيل وتعينني عىل ضعفي‪ ،‬قال‪ :‬اجلس‪ ،‬فلام أمكنته الشمس وارتفعت ركع‬
‫ركعات ثم انرصف‪ ،‬وأومأ إىل اليامين‪ .‬قال‪ :‬فتبعته فجعل كلام مر بصوفة أو‬
‫خرقة أو شملة نفضها وأخذها‪ ،‬فقلت‪ :‬واهلل ما زاد الذي دلني عىل هذا أن‬
‫لعب يب‪ ،‬أي يشء عند هذا من اخلري بعد ما أرى؟ فدخل داره فألقى الصوفة‬
‫مع الصوف‪ ،‬واخلرقة مع اخلرق‪ ،‬والشملة مع الشامل‪ ،‬ثم قال لغالم له‪:‬‬
‫بعريا َذلولاً مو َّق ًعا‪ ،‬فأيت به ذلولاً موق ًعا سنتني‪ ،‬ثم دعا َ‬
‫بجهاز فشده‬ ‫هات ً‬
‫عىل البعري‪ ،‬ثم دعا بخطام فخطم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هلم ُجوالقني‪ ،‬فأيت بجوالقني‪،‬‬
‫ملحا وجرا ًبا من‬
‫فأمر فجعل فيهام دقيق وسويق و ُعكة من زيت‪ ،‬وقال‪ :‬انظر ً‬
‫متر‪ ،‬حتى إذا مل يبق يشء مما حيتاج إليه مسافر إال هيأه‪ ،‬أعطانيه وكساين‪ ،‬ثم‬
‫دعا بخمسة دنانري فدفعها إيل فقال‪ :‬هذه للطريق‪ .‬فخرجت من عنده‪.‬‬
‫[الطبقات الكربى ص‪]225‬‬

‫‪‬‬

‫أتى طلحة بن عبيد اهلل ‪ I‬مال من حرضموت سبع مئة ألف‪ ،‬فبات‬
‫ليلته يتململ‪ ،‬فقالت له زوجته‪ :‬يا أبا حممد‪ ،‬ما يل أراك منذ الليلة ُ‬
‫متلمل‪ ،‬أرابك‬
‫منا أمر فنُعتبك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬لعمري‪ ،‬لنعم زوجة املرء أنت‪ ،‬ولكن تفكرت‬
‫منذ الليلة فقلت‪ :‬ما ظن رجل بربه يبيت وهذا املال يف بيته؟ قالت‪ :‬فأين‬
‫أنت عن بعض أخالقك؟ قال‪ :‬وما هو؟ قالت‪ :‬إذا أصبحت دعوت بجفان‬

‫‪71‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫وقصاع فقسمتها عىل بيوت املهاجرين واألنصار عىل قدر منازهلم‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫يرمحك اهلل‪ ،‬إنك ما علمت موفقة بنت مو َّفق ‪-‬وهي أم كلثوم بنت أيب بكر‬
‫الصديق ‪ -M‬فلام أصبح دعا بجفان وقصاع فقسمها بني املهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬فبعث إىل عيل بن أيب طالب منها بجفنة‪ ،‬فقالت له زوجته‪ :‬أبا‬
‫حممد‪ ،‬أما كان لنا يف هذا املال من نصيب؟ قال‪ :‬فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك‬
‫[تاريخ دمشق ‪]99/25‬‬ ‫بام بقي‪ ،‬فكانت رصة نحو من ألف درهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫باع قيس بن سعد مالاً من معاوية بن أيب سفيان ‪ M‬بتسعني أل ًفا‪،‬‬


‫فأمر من نادى يف املدينة‪ :‬من أراد القرض فليأت‪ ،‬فأقرض أربعني أل ًفا وأجاز‬
‫قل ُع ّواده‪ ،‬فقال لزوجته َق ِريبة‬
‫مرضا ّ‬
‫بالباقي وكتب عىل من أقرضه‪ ،‬فمرض ً‬
‫ٍ‬
‫رجل بصكه‪.‬‬ ‫أخت الصديق‪ :‬مل ّ‬
‫قل ُع ّوادي؟ قالت‪ :‬للدَّ ْين‪ ،‬فأرسل إىل كل‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]107/3‬‬

‫‪‬‬

‫قالت سعدى بنت عوف ا ُمل ّر ّية‪ :‬دخل َّ‬


‫عيل طلحة بن عبيد اهلل يو ًما‬
‫خاثرا؟ أرابك منا ريب فنُعتبك؟ فقال‪ :‬ما رابني‬
‫خاثرا‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما يل أراك ً‬
‫ً‬
‫منك ريب‪ ،‬ولنعم حليلة املرء املسلم أنت‪ ،‬إال أنه اجتمع يف بيت املال مال‬
‫كثري قد غمني‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت له‪ :‬وما يمنعك منه‪ ،‬أرسل إىل قومك فاقسمه‬
‫بينهم‪ ،‬قالت‪ :‬فأرسل إىل قومه‪ ،‬فقسمه بينهم‪ .‬قالت سعدى‪ :‬فسألت اخلازن‪:‬‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]119/1‬‬ ‫كام كان؟ قال‪ :‬أربع مئة ألف‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪72‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫قال عيل بن عاصم‪ :‬خرجت من واسط إىل الكوفة أنا وهشيم لنلقى‬
‫منصورا‪ ،‬فلام خرجت من واسط رست فراسخ لقيني إما أبو معاوية وإما‬
‫ً‬
‫غريه‪ ،‬فقلت‪ :‬أين تريد؟ قال‪ :‬أسعى يف ٍ‬
‫دين عليَ َّ ‪ ،‬فقلت‪ :‬ارجع معي؛ فإن‬
‫عندي أربعة آالف درهم أعطيك منها ألفني‪ ،‬فرجعت فأعطيته ألفني‪ ،‬ثم‬
‫خرجت فدخل هشيم الكوفة بالغداة ودخلتها بالعيش‪ ،‬فذهب هشيم‪،‬‬
‫فسمع من منصور أربعني حدي ًثا‪ ،‬ودخلت أنا احلامم‪ ،‬فلام أصبحت مضيت‬
‫فأتيت باب منصور‪ ،‬فإذا جنازة‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذه؟ قالوا‪ :‬جنازة منصور‪،‬‬
‫فقعدت أبكي‪ ،‬فقال يل شيخ هناك‪ :‬يا فتى‪ ،‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬قلت قدمت‬
‫عىل أن أسمع من هذا الشيخ وقد مات‪ ،‬قال‪ :‬فأدلك عىل من شهد عرس أ ِّم‬
‫ذا‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬اكتب‪ ،‬حدثني عكرمة عن ابن عباس‪ ،‬فجعلت أكتب‬
‫شهرا‪ ،‬فقلت له‪ :‬من أنت رمحك اهلل؟ قال‪ :‬أنت تكتب عني منذ شهر‬
‫عنه ً‬
‫مل تعرفني؟ أنا حصني بن عبد الرمحن‪ ،‬وما كان بيني وبني أن ألقى ابن‬
‫عباس إال سبعة دراهم أو تسعة دراهم‪ ،‬فكان عكرمة يسمع منه ثم جييء‬
‫فيحدثني‪.‬‬
‫[الرحلة يف طلب احلديث ‪]173 / 1‬‬

‫‪‬‬

‫الزهري يف اإلنفاق والدين‪ ،‬فقال‪ :‬ال تأمن من أن‬


‫َّ‬ ‫عاتب رجا ُء بن حيوة‬
‫يمسك عنك هؤالء القوم‪ ،‬فتكون قد محلت عىل أمانتك‪ ،‬فوعده أن يقرص‪،‬‬
‫فمر به رجاء بن حيوة يو ًما وقد وضع الطعام ونصب موائد العسل‪ ،‬فقال له‬
‫َّ‬

‫‪73‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫رجاء‪ :‬هذا الذي افرتقنا عليه؟! فقال له الزهري‪ :‬انزل؛ فإن السخي ال تؤدبه‬
‫[آداب الشافيع ص‪]155‬‬ ‫التجارب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أردت أن أوليك فمنعني إرسافك يف املال‪،‬‬


‫ُ‬ ‫قال املأمون ملحمد بن عباد‪:‬‬
‫أبقيت‬ ‫شئت‬ ‫ِ‬
‫املوجود سو ُء ظن باملعبود‪ ،‬فقال له املأمون‪ :‬لو َ‬ ‫منع‬
‫َ‬ ‫فقال حممد‪ُ :‬‬
‫عىل نفسك؛ فإن هذا املال الذي تنفقه ما أبعد رجوعه إليك‪ ،‬قال‪ :‬يا أمري‬
‫غني ال يفتقر‪ ،‬قال‪ :‬فاستحسن املأمون ذلك منه‪ ،‬وقال‬
‫املؤمنني‪َ ،‬من له موىل ّ‬
‫للناس‪ :‬من أراد أن يكرمني فليكرم ضيفي حممد بن عباد‪ ،‬فجاءت األموال‬
‫إليه من كل ناحية‪ ،‬فام برح وعنده منها درهم واحد‪ ،‬وقال‪ :‬إن الكريم‬
‫[تاريخ بغداد ‪]646/3‬‬ ‫ال حتنكه التجارب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مطرا شديدً ا‪ ،‬فأقمت يف املسجد‬


‫قال أبو حسان الزيادي‪ُ :‬مطرنا يو ًما ً‬
‫بشخص ِحيايل إذا أطرقت نظر إ َّيل وإذا رفعت رأيس أطرق‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫للصالة فإذا أنا‬
‫ملهوف أنا رجل‬
‫ٌ‬ ‫مرات فدعوت به‪ ،‬وقلت‪ :‬ما شأنك؟ فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ففعل هذا‬
‫متجمل جاء هذا املطر فسقط بيتي‪ ،‬وال واهلل ما أقدر عىل بنيانه‪ ،‬قال‪ :‬فأقبلت‬
‫ِّ‬
‫أفكر من له؟ فخطر ببايل غسان بن عباد‪ ،‬فركبت إليه معه‪ ،‬وذكرت له شأنه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬قد دخلتني له رقة‪ ،‬ههنا عرشة آالف درهم قد كنت أريد تفرقتها‪ ،‬فأنا‬
‫أدفعها إليه‪ ،‬فبادرت إليه وهو عىل الباب فأخربته‪ ،‬فسقط مغش ًّيا عليه من‬
‫صنعت به؟! فدخلت إىل غسان فأمر‬
‫َ‬ ‫ناس ر َأ ْوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما‬
‫الفرح‪ ،‬فالمني ٌ‬

‫‪74‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫بإدخاله‪ّ ،‬‬
‫ورش عىل وجهه من ماء الورد حتى أفاق‪ ،‬فقلت‪ :‬وحيك ما نالك؟‬
‫عيل من الفرح ما أنزل يب ما ترى‪ ،‬ثم حتدثنا مل ًّيا‪ ،‬فقال يل غسان‪:‬‬
‫قال‪ :‬ورد ّ‬
‫قد دخلتني له رقة‪ ،‬قلت‪ :‬فمه؟ قال‪ :‬امحله عىل دابة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن األمري قد‬
‫عزم يف أمرك عىل يشء‪ ،‬أفمن رأيك أن متوت إن أخربتك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫قد عزم عىل محلك عىل دابة‪ ،‬قال‪ :‬أحسن اهلل جزاءه‪ ،‬ثم حتدثنا مل ًّيا‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫قد دخلتني هلذا الرجل رقة‪ ،‬قلت‪ :‬فام تصنع به؟ قال‪ :‬أجري له رز ًقا سن ًّيا‬
‫وأضمه إ َّيل‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن األمري قد عزم يف أمرك عىل يشء‪ ،‬أفمن رأيك أن‬
‫متوت؟! قال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬إنه قد عزم عىل أن جيري لك رز ًقا ويضمك إليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬أحسن اهلل جزاءه‪ ،‬ثم ركبت ودفعت البدرة إىل الغالم حيملها‪ ،‬فلام رسنا‬
‫بعض الطريق قال يل‪ :‬ادفع البدرة إ َّيل أمحلها‪ ،‬قلت‪ :‬الغالم يكفيك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وخص‬
‫َّ‬ ‫وضمه إليه‬
‫َّ‬ ‫آنس بمكاهنا عىل عنقي! ثم غدوت به إىل غسان‪ ،‬فحمله‬
‫[تاريخ بغداد ‪]339/8‬‬ ‫به‪ ،‬فكان من خري تابعٍ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫حاجا مع أيب‪ ،‬فقدم املدينة‪ ،‬فبعث إليه‬


‫خرجت ًّ‬
‫ُ‬ ‫قال شعيب بن الليث‪:‬‬
‫مالك بن أنس بطبق رطب‪ ،‬قال‪ :‬فجعل عىل الطبق ألف دينار‪ ،‬ور َّده إليه‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]150/8‬‬

‫‪‬‬

‫قال منصور بن عامر‪ :‬كنا عند الليث بن سعد يو ًما‪ ،‬فأتته امرأة ومعها‬
‫قدح فقالت له‪ :‬يا أبا احلارث‪ ،‬إن زوجي يشتكي وقد نعت له العسل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مطرا من عسل‪ ،‬فذهبت فلم ألبث‬
‫اذهبي إىل أيب قسيمة فقويل له يعطيك ً‬

‫‪75‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫ٍ‬
‫بيشء ال أدري ما هو‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رأسه إليه فقال‪:‬‬ ‫فساره‬ ‫أن جاء أبو قسيمة‬
‫َّ‬
‫اذهب فأعطها‪ ،‬إهنا سألت بقدرها وأعطيناها بقدرنا‪ .‬واملطر فرق‪ ،‬والفرق‬
‫[تاريخ دمشق ‪]369/50‬‬ ‫عرشون ومائة رطل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو جعفر حممد بن عبد الرمحن الصرييف‪ :‬بعث إ ّيل احلكم بن موسى‬
‫ٍ‬
‫فوجهت‬‫يف أيا ِم عيد أنه حيتاج إىل نفقة‪ ،‬ومل يك عندي إال ثالثة آالف درهم ّ‬
‫إليه هبا‪ ،‬فلام صارت يف قبضته وجه إليه خالد بن أسلم أنه حيتاج إىل ٍ‬
‫نفقة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫واحتجت أنا إىل ٍ‬
‫نفقة فوجهت إىل خالد‪ :‬إين أحتاج إىل‬ ‫ُ‬ ‫فوجه هبا ك ِّلها إليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫الدراهم بعينها‬
‫ُ‬ ‫فوجه هبا ك ِّلها إ ّيل‪ ،‬فلام رأيتُها مرصورة يف ِخرقتها وهي‬ ‫ٍ‬
‫نفقة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫خالد‪ :‬حدِّ ثني بقصة هذه الدراهم؟ فأخربين أن‬ ‫فبعثت إىل‬
‫ُ‬ ‫أنكرت ذلك‪،‬‬
‫ُ‬
‫ووجهت إىل‬ ‫احلكم بن موسى بعث هبا إليه‪ ،‬فوجهت إىل احلكم منها بألف‪ّ ،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]303/9‬‬
‫ٍ‬
‫خالد منها بألف‪ ،‬وأخذت أنا منها أل ًفا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان يف أيام سليامن بن عبد امللك رجل يقال له خزيمة بن برش من بني‬
‫أسد‪ ،‬كان له مروءة ظاهرة ونعمة حسنة وفضل وبِ ّر باإلخوان‪ ،‬فلم يزل عىل‬
‫تلك احلالة حتى قعد به الدهر فاحتاج إىل إخوانه الذين كان يتفضل عليهم‬
‫فواس ْوه ثم م ُّلوه‪ ،‬فلام الح له تغيرُّ هم أتى امرأته وكانت ابنة‬
‫وكان يواسيهم‪َ ،‬‬
‫عزمت عىل أن‬
‫ُ‬ ‫عمه فقال هلا‪ :‬يا ابنة عمي‪ ،‬قد رأيت من إخواين تغيرُّ ً ا‪ ،‬وقد‬
‫يتقوت بام عنده حتى نفد‬
‫ألزم بيتي إىل أن يأتيني املوت‪ ،‬فأغلق بابه وأقام ّ‬

‫‪76‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫حائرا‪ ،‬وكان يعرفه عكرمة الفياض متويل اجلزيرة‪ ،‬وإنام ُس ّمي بذلك‬
‫وبقي ً‬
‫ألجل كرمه‪ ،‬فبينام هو يف جملسه إذ ُذكر خزيمة بن برش فقال عكرمة الفياض‪:‬‬
‫ما حاله؟ فقالوا‪ :‬قد صار إىل ٍ‬
‫أمر ال يوصف وإنه أغلق بابه ولزم بيته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أفام وجد خزيمة بن برش مواس ًيا وال مكافئ ًا؟ فقالوا‪ :‬ال‪ .‬فأمسك عن الكالم‪،‬‬
‫ثم ملا كان الليل َع َمدَ إىل أربعة آالف دينار فجعلها يف كيس واحد‪ ،‬ثم أمر‬
‫رسا من أهله‪ ،‬فركب ومعه غالم من غلامنه حيمل املال‪،‬‬
‫بإرساج دابته‪ ،‬وخرج ًّ‬
‫ثم سار حتى وقف بباب خزيمة فأخذ الكيس من الغالم‪ ،‬ثم أبعده عنه وتقدم‬
‫إىل الباب فدفعه بنفسه فخرج إليه خزيمة فناوله الكيس‪ ،‬وقال‪ :‬أصلح هبذا‬
‫شأنك‪ ،‬فتناوله فرآه ثقيلاً فوضعه عن يده‪ ،‬ثم أمسك بلجام الدابة‪ ،‬وقال‬
‫له‪ :‬من أنت جعلت فداك؟ فقال له عكرمة‪ :‬يا هذا‪ ،‬ما جئتُك يف هذا الوقت‬
‫عرفتني من أنت‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‬
‫والساعة أريد أن تعرفني! قال‪ :‬فام أقبله إال إن ّ‬
‫جابر عثرات الكرام‪ ،‬قال‪ :‬زدين‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ .‬ثم مىض‪ ،‬ودخل خزيمة بالكيس‬
‫ُ‬
‫فلوسا‬
‫بالفرج واخلري‪ ،‬ولو كانت ً‬
‫عمه‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أبرشي فقد أتى اهلل َ‬
‫إىل ابنة ِّ‬
‫فهي كثرية‪ ،‬قومي فأرسجي‪ ،‬قالت‪ :‬ال سبيل إىل الرساج‪ .‬فبات يلمسها بيده‬
‫فيجد خشونة الدنانري وال يصدق‪.‬‬

‫وأما عكرمة فإنه رجع إىل منزله فوجد امرأته قد فقدته وسألت عنه‬
‫فأخربت بركوبه فأنكرت ذلك وارتابت‪ ،‬وقالت له‪ :‬وايل اجلزيرة خيرج بعد‬ ‫ْ‬
‫هدو من الليل منفر ًدا من غلامنه يف سرِ ٍّ من أهله إال إىل زوجة أو رسية! فقال‪:‬‬
‫ٍّ‬
‫خرجت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫اعلمي أين ما خرجت يف واحدة منها‪ ،‬قالت‪ :‬فخربين فيام‬

‫‪77‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫يا هذه‪ ،‬ما خرجت يف هذا الوقت وأنا أريد أن َيعلم يب أحد‪ ،‬قالت‪ :‬ال بد‬
‫أن ختربين؟ قال‪ :‬تكتمينه إ ًذا‪ ،‬قالت‪ :‬فإين أفعل‪ .‬فأخربها بالقصة عىل وجهها‬
‫أيضا؟ قالت‪ :‬ال؛‬
‫وما كان من قوله ور ِّده عليه‪ ،‬ثم قال أحتبني أن أحلف لك ً‬
‫ذكرت‪.‬‬
‫َ‬ ‫ور ِكن إىل ما‬‫فإن قلبي قد سكن َ‬
‫وأما خزيمة فلام أصبح صالح الغرماء وأصلح ما كان من حاله‪ ،‬ثم إنه‬
‫جتهز يريد سليامن بن عبد امللك وكان نازلاً يومئذ بفلسطني‪ ،‬فلام وقف ببابه‬
‫َّ‬
‫مشهورا بمروءته وكرمه وكان‬
‫ً‬ ‫احلاجب فأخربه بمكانه وكان‬
‫ُ‬ ‫واستأذن دخل‬
‫سليامن عار ًفا به فأذن له‪ ،‬فلام دخل س َّلم عليه باخلالفة‪ ،‬فقال له سليامن بن عبد‬
‫امللك‪ :‬يا خزيمة‪ ،‬ما أبطأك عنا؟ قال‪ :‬سو ُء احلال‪ ،‬قال‪ :‬فام منعك من النهضة‬
‫إلينا؟ قال‪ :‬ضعفي يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪ :‬فبم هنضت إلينا اآلن؟ قال‪ :‬مل أعلم يا‬
‫يطرق الباب وكان‬
‫هدو من الليل مل أشعر إال ورجل ُ‬
‫أمري املؤمنني إال أين بعد ٍّ‬
‫وكيت‪ ،‬وأخربه بقصته من أوهلا إىل آخرها‪ .‬فقال سليامن‪ :‬هل‬
‫َ‬ ‫كيت‬
‫من أمره َ‬
‫تعرف هذا الرجل؟ فقال خزيمة‪ :‬ما عرفته يا أمري املؤمنني؛ ألنه كان متنك ًِّرا‪،‬‬
‫وما سمعت من لفظه إال أنا جابر عثرات الكرام‪ .‬فتلهب وتلهف سليامن بن‬
‫عبد امللك عىل معرفته وقال‪ :‬لو عرفناه لكافأناه عىل مروءته‪ ،‬ثم قال‪ :‬عيل‬
‫عوضا عن‬
‫ً‬ ‫بقناة‪ ،‬فأتى هبا فعقد خلزيمة بن برش املذكور عىل اجلزيرة عاملاً‬
‫عكرمة الفياض‪ .‬فخرج خزيمة طال ًبا اجلزيرة‪ ،‬فلام قرب منها خرج عكرمة‬
‫وأهل البلد للقائه‪ ،‬فس َّلام عىل بعضهام‪ ،‬ثم سارا مجي ًعا إىل أن دخال البلد‪ ،‬فنزل‬
‫خزيمة يف دار اإلمارة‪ ،‬وأمر أن يؤخذ لعكرمة ٌ‬
‫كفيل وأن حياسب‪ ،‬فحوسب‬

‫‪78‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫ٍ‬
‫أموال كثرية‪ ،‬فطالبه بأدائها فقال‪ :‬ما يل إىل يشء من ذلك‬ ‫فوجد عليه فضول‬
‫ُ‬
‫سبيل‪ ،‬قال‪ :‬ال بد منها‪ ،‬قال‪ :‬ليست عندي‪ ،‬فاصنع ما أنت صانع‪ .‬فأمر به‬
‫يصون ما َله‬
‫ُ‬ ‫إىل احلبس‪ ،‬ثم َأن َفذ إليه من يطالبه فأرسل يقول‪ :‬إين لست ممن‬
‫شهرا كذلك أو أكثر‬
‫بعرضه‪ ،‬فاصنع ما شئت‪ .‬فأمر أن يكبل باحلديد‪ ،‬فأقام ً‬
‫واغتم ْت لذلك‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫ربه ِ‬
‫فجزعت‬ ‫وأرض به‪ ،‬وبلغ ابن َة عمه خ ُ‬ ‫فأضناه ذلك‬
‫ّ‬
‫دعت موال ًة هلا وكانت ذات عقل ومعرفة وقالت هلا‪ :‬اميض الساعة إىل باب‬
‫هذا األمري خزيمة بن برش وقويل‪ :‬عندي نصيحة‪ ،‬فإذا ُط ِل ْ‬
‫بت منك فقويل‪:‬‬
‫ِ‬
‫دخلت عليه فسليه أن يخُ ِل َيك‪ ،‬فإذا‬ ‫ال أقوهلا إال لألمري خزيمة بن برش‪ ،‬فإذا‬
‫فعل ذلك فقويل‪ :‬ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك! كافأته باحلبس‬
‫والضيق واحلديد! ففعلت اجلارية ذلك‪ ،‬فلام سمع خزيمة كال َمها نادى‬
‫برفيع صوته وا سوأتاه‪ ،‬وإنه هلو؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأمر لوقته بدابته فأرسجت‪،‬‬
‫وبعث إىل وجوه أهل البلد فجمعهم إليه وأتى هبم إىل باب احلبس ففتح‬
‫ودخل خزيمة ومن معه‪ ،‬فرآه قاعدً ا يف قاعة احلبس متغيرِّ ً ا أضناه الرض واألمل‬
‫وثقل القيود‪ ،‬فلام نظر إليه عكرمة وإىل الناس أحشمه ذلك فنكس رأسه‪،‬‬
‫أكب عىل رأسه فقبله‪ ،‬فرفع عكرمة إليه رأسه وقال‪ :‬ما‬
‫فأقبل خزيمة حتى َّ‬
‫أعقب هذا منك؟ قال‪ :‬كريم فعالك وسوء مكافأيت‪ ،‬قال‪ :‬يغفر اهلل لنا ولك‪.‬‬
‫ثم أيت باحلداد ففك القيود عنه‪ ،‬وأمر خزيمة أن توضع القيود يف رجل نفسه‪،‬‬
‫فقال عكرمة‪ :‬ماذا تريد؟ فقال‪ :‬أريد أن ينالني من الرض مثل ما نالك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أقسم عليك باهلل ال تفعل‪ ،‬فخرجا مجي ًعا حتى وصال إىل دار خزيمة فو َّدعه‬

‫‪79‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫عكرمة‪ ،‬وأراد االنرصاف عنه‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنت ببارح‪ ،‬قال‪ :‬وما تريد؟ قال‪:‬‬
‫ُأغيرِّ حالك‪ ،‬وإن حيائي من بنت عمك أشدُّ من حيائي منك‪.‬‬
‫بالحمام ُفأخيل ودخاله م ًعا‪ ،‬فقام خزيمة وتوىل أمره وخدَ َمه‬
‫ّ‬ ‫ثم أمر‬
‫كثريا‪ ،‬ثم سار معه إىل داره‬
‫ً‬ ‫بنفسه‪ ،‬ثم خرجا فخلع عليه ومحله ومحل معه مالاً‬
‫واستأذنه يف االعتذار إىل ابنة عمه‪ ،‬فاعتذر إليها وتذ َّمم من ذلك‪ ،‬ثم سأله بعد‬
‫ذلك أن يسري معه إىل سليامن بن عبد امللك وهو يومئذ مقيم بالرملة فأنعم‬
‫قد َما عىل سليامن بن عبد امللك‪ ،‬فدخل احلاجب‬ ‫له بذلك وسارا مجيعا حتى ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫فأعلمه بقدوم خزيمة بن برش‪ ،‬فرا َع ُه ذلك وقال‪ :‬وايل اجلزيرة َيقدَ ُم بغري‬
‫أمرنا؟ ما هذا إال حلادث عظيم! فلام دخل قال له قبل أن يسلم‪ :‬ما وراءك‬
‫يا خزيمة؟ قال‪ :‬اخلري يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪ :‬فام الذي أقدمك؟ قال‪ِ :‬‬
‫ظفرت‬
‫فأحببت أن أرسك به ملا رأيت من تلهفك وتشوقك‬
‫ُ‬ ‫بجابر عثرات الكرام‪،‬‬
‫إىل رؤيته‪ ،‬قال‪ :‬ومن هو؟ قال‪ :‬عكرمة الفياض؟ َفأ ِذن له بالدخول‪ ،‬فدخل‬
‫فرحب به وأدناه من جملسه‪ ،‬وقال‪ :‬يا عكرمة‪ ،‬ما كان‬
‫وسلم عليه باخلالفة ّ‬
‫خريك له إال وبالاً عليك‪ .‬ثم قال سليامن‪ :‬اكتب حوائجك كلها وما حتتاج‬
‫إليه يف رقعة‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬فأمر بقضائها منه ساعتَه‪ ،‬وأمر له بعرشة آالف‬
‫وس َفطني ثيا ًبا‪ ،‬ثم دعا بقناة وعقد له عىل اجلزيرة وأرمينية وأذربيجان‪،‬‬
‫دينار َ‬
‫أمر خزيمة إليك‪ ،‬إن شئت أبقيتَه وإن شئت عزلته‪ ،‬قال بل اردده‬
‫وقال له‪ُ :‬‬
‫أمري املؤمنني‪ ،‬ثم انرصفا من عنده مجي ًعا‪ ،‬ومل يزاال عاملني لسليامن‬
‫إىل عمله يا َ‬
‫[نوادر اخللفاء ص‪]64‬‬ ‫مدة خالفته‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪80‬‬
‫الإنفـــاق‬

‫ملا كان العز بن عبد السالم بدمشق وقع مرة غالء كبري حتى صارت‬
‫البساتني تباع بالثمن القليل‪ ،‬فأعطته زوجته مصا ًغا هلا وقالت‪ :‬اشرت لنا به‬
‫بستانًا نصيف به‪ ،‬فأخذ ذلك املصاغ وباعه وتصدق بثمنه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا سيدي‪،‬‬
‫أشرتيت لنا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬بستانًا يف اجلنة‪ ،‬إين وجدت الناس يف شدة فتصدقت‬
‫[طبقات الشافعية الكربى ‪]214/8‬‬ ‫خريا‪.‬‬
‫بثمنه‪ ،‬فقالت له‪ :‬جزاك اهلل ً‬

‫‪81‬‬
‫ال�صــــوم‬

‫الصـــوم‬

‫ناس من أهل دمشق عىل أيب مسلم اخلوالين وهو ٍ‬


‫غاز يف أرض‬ ‫دخل ٌ‬
‫الروم‪ ،‬وقد احتفر ُجورة يف فسطاطه‪ ،‬وجعل فيها نط ًعا وأفرغ فيه املاء وهو‬
‫يتصلق فيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما محلك عىل الصيام وأنت مسافر؟ قال‪ :‬لو حرض قتال‬
‫ألفطرت‪ ،‬ولتهيأت له وتقويت؛ إن اخليل ال جتري الغايات وهن ُبدَّ ن‪ ،‬إنام‬
‫جتري وهن ُض ّمر‪ ،‬أال وإن أيا ًما باقي ًة جائية هلا نعمل»‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]10/4‬‬

‫‪‬‬
‫ٍ‬
‫صائف وهو صائم‪ ،‬وكانت‬ ‫ُغشيِ عىل مرسوق بن األجدع يف يو ٍم‬
‫عائشة زوج النبي ‪ H‬قد تبنّته‪ ،‬فسمى ابنته‪ :‬عائشة‪ ،‬وكان ال يعيص‬
‫ِ‬
‫أردت يب‬ ‫ابنته شي ًئا‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت إليه فقالت‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬أفطر وارشب‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫طلبت الرفق لنفيس يف يوم كان مقداره‬
‫ُ‬ ‫يا بنية؟ قالت‪ :‬الرفق‪ ،‬قال‪ :‬يا بنية‪ ،‬إنام‬
‫[تاريخ بغداد ‪]311/15‬‬ ‫مخسني ألف سنة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫حج احلجاج فنزل بعض املياه بني مكة واملدينة ودعا بالغداء‪ ،‬فقال‬
‫حلاجبه‪ :‬انظر من يتغدى معي وأسأ ُله عن بعض األمر‪ ،‬فنظر نحو اجلبل‬
‫نائم‪ ،‬فرضبه برجله وقال‪ :‬ائت األمري‪،‬‬
‫فإذا هو بأعرايب بني شملتني من شعر ٌ‬
‫فأتاه فقال له احلجاج‪ :‬اغسل يديك وتغد معي‪ ،‬فقال‪ :‬إنه دعاين من هو خري‬

‫‪82‬‬
‫ال�صــــوم‬

‫منك فأجبته‪ ،‬قال‪ :‬ومن هو؟ قال‪ :‬اهلل ‪ ،F‬دعاين إىل الصوم فصمت‪،‬‬
‫حرا من هذا اليوم‪،‬‬
‫قال‪ :‬يف هذا احلر الشديد؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬صمت ليوم أشد ًّ‬
‫فقال‪ :‬فأفطر وصم غدً ا‪ ،‬قال‪ :‬إن ضمنت يل البقاء إىل غد‪ ،‬قال‪ :‬ليس ذاك إ ّيل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فكيف تسألني عاجلاً بآجل ال تقدر عليه؟ قال‪ :‬إنه طعام طيب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]493/2‬‬ ‫مل تطيبه أنت وال الطباخ‪ ،‬إنام طيبته العافية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخلوا عىل أيب بكر ابن أيب مريم وهو يف النزع وهو صائم‪ ،‬فعرضوا‬
‫عليه ما ًء ليفطر‪ ،‬فقال‪ :‬أغربت الشمس؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فأبى أن يفطر ثم أتوه‬
‫بامء وقد اشتد نزعه‪ ،‬فأومأ إليهم أغربت الشمس؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقطروا يف فيه‬
‫[لطائف املعارف ص‪]38‬‬ ‫قطرة من ماء ثم مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫احترض إبراهيم بن هانئ صاحب اإلمام أمحد وهو صائم وطلب وسأل‬
‫أغربت الشمس؟ فقالوا‪ :‬ال‪ ،‬وقالوا له‪ :‬قد رخص لك يف الفرض وأنت‬
‫متطوع‪ ،‬قال‪ :‬أمهل ثم قال‪[ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ]‪ ،‬ثم خرجت نفسه‬
‫[لطائف املعارف ص‪]38‬‬ ‫وما أفطر‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫احلـــج‬

‫احلــــج‬

‫قال سليامن بن الربيع انطلقت يف رهط من نساك أهل البرصة إىل مكة‪،‬‬
‫فقلنا‪ :‬لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول اهلل ‪ ،H‬فدُ لِلنا عىل عبد اهلل‬
‫بن عمرو‪ ،‬فأتينا منزله فإذا قريب من ثالث مائة راحلة‪ ،‬فقلنا‪ :‬عىل كل هؤالء‬
‫حج عبد اهلل بن عمرو؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬هو ومواليه وأحباؤه‪ ،‬فانطلقنا إىل البيت‬
‫ني عليه عاممة وليس‬ ‫فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية بني بردين ِق ْط ِر ّي ِ‬

‫عليه قميص‪ ،‬ف َع َمدنا إليه فإذا نحن بثقل عظيم يرحتلون ثالث مائة راحلة‪،‬‬
‫منها مائة راحلة ومائتا زاملة‪ ،‬وكنا نحدث أنه أشد الناس تواض ًعا‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما‬
‫هذا؟ قالوا‪ :‬إلخوانه حيملهم عليها وملن ينزل عليه‪ ،‬فعجبنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه رجل‬
‫غني‪ ،‬ودلونا عليه أنه يف املسجد احلرام‪ ،‬فأتيناه فإذا هو رجل قصري أرمص‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]92/3‬‬ ‫بني بردين وعاممة قد علق نعليه يف شامله‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان ابن املبارك إذا كان وقت احلج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬نصحبك‪ ،‬فيقول‪ :‬هاتوا نفقاتكم‪ ،‬فيأخذ نفقاهتم فيجعلها يف‬
‫صندوق ويقفل عليها‪ ،‬ثم يكرتي هلم وخيرجهم من مرو إىل بغداد‪ ،‬فال يزال‬
‫ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب احللوى‪ ،‬ثم خيرجهم من بغداد‬
‫بأحسن زي وأكمل مروءة حتى يصلوا إىل مدينة الرسول ‪ ،H‬فيقول‬
‫لكل واحد‪ :‬ما أمرك عيالك أن تشرتي هلم من املدينة من ُط َرفِها؟ فيقول‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫احلـــج‬

‫كذا وكذا‪ ،‬ثم خيرجهم إىل مكة‪ ،‬فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم‪ :‬ما‬
‫أمرك عيالك أن تشرتي هلم من متاع مكة؟ فيقول‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فيشرتي هلم‪،‬‬
‫ثم خيرجهم من مكة فال يزال ينفق عليهم إىل أن يصريوا إىل مرو‪ ،‬فيجصص‬
‫بيوهتم وأبواهبم‪ ،‬فإذا كان بعد ثالثة أيام عمل هلم وليمة وكساهم‪ ،‬فإذا أكلوا‬
‫وسرُ ُّ وا دعا بالصندوق ففتحه‪ ،‬ودفع إىل كل رجل منهم صرُ َّ ته عليها اسمه‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]385/8‬‬

‫‪‬‬

‫قال ابن عيينة‪ :‬حج صفوان‪ ،‬فذهبت بمنى فسألت عنه‪ ،‬فقيل يل‪ :‬إذا‬
‫ً‬
‫شيخا إذا رأيته علمت‬ ‫دخلت مسجد اخليف فأت املنارة‪ ،‬فانظر أمامها قليلاً‬
‫أنه خيشى اهلل تعاىل فهو صفوان بن سليم‪ .‬فام سألت عنه أحدً ا حتى جئت كام‬
‫قالوا‪ ،‬فإذا أنا بشيخ كام رأيته علمت أنه خيشى اهلل‪ ،‬فجلست إليه فقلت‪ :‬أنت‬
‫[تهذيب الكمال ‪]188/13‬‬ ‫صفوان بن سليم؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وفد ابن جريج عىل معن بن زائدة لدين َل ِ‬
‫ـح َقه‪ ،‬فأقام عنده إىل عارش‬
‫ذي القعدة‪ ،‬فمر بقوم تغني هلم جارية بشعر عمر بن أيب ربيعة‪:‬‬
‫إذا حللنا بسيف البحر من َع َد ِن‬ ‫��وه��اب منز ُلنا‬
‫هيهات م��ن أم��ة ال ّ‬
‫إال التذكر أو ح��ظ م��ن احلزن‬ ‫واح��ت ّ��ل أهلك أج��ي��ادًا فليس لنا‬
‫ماذا أردت بطول املكث يف اليمن؟‬ ‫ت����اهلل ق���ول���ي ل���ه يف غ�ي�ر معتبة‬
‫َ‬
‫أصبت برتك احلج من مثن‬ ‫فما‬ ‫َ‬
‫حاولت دنيا أو ظفرت بها‬ ‫إن كنت‬

‫‪85‬‬
‫احلـــج‬

‫خريا فردين‬
‫فبكى ابن جريج وانتحب وأصبح إىل معن‪ ،‬وقال‪ :‬إن أردت يب ً‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]335/6‬‬ ‫إىل مكة ولست أريد منك شي ًئا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫جاء رجل إىل برش احلايف يو ّدعه‪ ،‬قال‪ :‬قد عزمت عىل احلج أفتأمرين‬
‫فأي يشء‬
‫بيشء؟ فقال له برش‪ :‬كم أعددت للنفقة؟ قال‪ :‬ألفي درهم‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫تبتغي بحجك؟ نزه ًة أو اشتيا ًقا إىل البيت أو ابتغاء مرضاة اهلل ‪ ،D‬قال‪:‬‬
‫أصبت رضا اهلل وأنت يف منزلك وتنفق‬
‫َ‬ ‫ابتغاء مرضاة اهلل ‪ ،D‬قال‪ :‬فإن‬
‫ألفي درهم وتكون عىل يقني من مرضاة اهلل ‪ D‬أتفعل ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬اذهب فأعطها عرشة أنفس مدين يقيض هبا دينه وفقري يرم شعثه ومعيل‬
‫حييي عياله ومريب يتيم يفرحه‪ ،‬وإن قوى قلبك أن تعطيها لواحد فافعل‪ ،‬فإن‬
‫إدخالك الرسور عىل قلب امرئ مسلم وتغيث هلفان وتكشف رض حمتاج‬
‫ُ‬
‫أفضل من مائة حجة بعد حجة اإلسالم‪ ،‬قم‬ ‫وتعني رجلاً ضعيف اليقني‬
‫فأخرجها كام أمرناك وإال فقل لنا ما يف قلبك‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا نرص سفري أقوى‬
‫يف قلبي‪ ،‬فتبسم برش وأقبل عليه‪ ،‬وقال له‪« :‬املال إذا مجع من وسخ التجارات‬
‫وطرا ترسع إليه بمظاهر األعامل‬
‫والشبهات اقتضت النفس إىل أن تقيض به ً‬
‫الصاحلات‪ ،‬وقد آىل اهلل تعاىل عىل نفسه أن ال يقبل إال عمل املتقني»‪.‬‬
‫[قوت القلوب ‪]165/1‬‬

‫‪86‬‬
‫ال�صبـــر‬

‫الصبـــر‬

‫أول من ُجرح أبو َع ِقيل ‪،I‬‬


‫واصطف الناس كان َ‬
‫ّ‬ ‫ملا كان يوم الياممة‬
‫ُرمي بسه ٍم فوقع بني منكبيه وفؤاده يف غري مقتل‪ ،‬فأخرج السهم َ‬
‫ووهن له‬
‫ش ُّقه األيرس يف أول النهار‪ُ ،‬‬
‫وج ّر إىل الرحل‪ ،‬فلام محي القتال واهنزم املسلمون‬
‫واه ٌن ِمن جرحه سمع معن بن عدي يصيح‪:‬‬ ‫وجاوزوا رحاهلم وأبو عقيل ِ‬

‫والكرة عىل عدوكم‪ ،‬قال عبد اهلل بن عمر‪ :‬فنهض‬ ‫ّ‬ ‫يا لألنصار! اهللَ اهلل‪،‬‬
‫أبو عقيل يريد قومه‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تريد؟! ما فيك قتال! قال‪ :‬قد َّنوه املنادي‬
‫باسمي‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬فقلت له‪ :‬إنام يقول‪ :‬يا لألنصار‪ ،‬وال يعني‪ :‬اجلرحى‪،‬‬
‫فتحزم‬
‫َّ‬ ‫قال أبو عقيل‪ :‬أنا من األنصار وأنا أجيبه ولو َح ْب ًوا‪ ،‬قال ابن عمر‪:‬‬
‫كر ًة كيوم‬
‫أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى‪ ،‬ثم جعل ينادي‪ :‬يا لألنصار! ّ‬
‫ِ‬
‫فاجتمعوا رمحكم اهلل مجي ًعا‪ ،‬تقدّ موا فاملسلمون دريئة دون عدوهم‪،‬‬ ‫ُحنني‪،‬‬
‫عدوهم احلديقة فاختلطوا‪ ،‬واختلفت السيوف بيننا وبينهم‪،‬‬ ‫حتى أقحموا ّ‬
‫قال ابن عمر‪ :‬فنظرت إىل أيب َعقيل وقد ُقطعت يده املجروحة من املنكب‬
‫جرحا ك ّلها قد خلصت إىل‬
‫ً‬ ‫فوقعت إىل األرض‪ ،‬وبه من اجلراح أربعة عرش‬
‫رصيع بآخر‬
‫ٌ‬ ‫عدو اهلل مسيلمة‪ ،‬قال‪ :‬فوقفت عىل أيب عقيل وهو‬ ‫َمقتل‪ ،‬و ُقتل ّ‬
‫رمق‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عقيل! قال‪ :‬لبيك ‪ -‬بلسان م ْل ٍ‬
‫تاث ‪ -‬ملن الدَّ َبرة؟ قلت‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أبرش قد قتل عدو اهلل‪ ،‬فرفع إصبعه إىل السامء حيمد اهلل‪ ،‬ومات‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]214/1‬‬

‫‪‬‬

‫‪87‬‬
‫ال�صبـــر‬

‫ابن يكنى أبا عمري فكان النبي‬ ‫‪I‬‬ ‫كان أليب طلحة األنصاري‬
‫‪ H‬يستقبله فيقول‪ :‬يا أبا عمري ما فعل النغري؟ والنغري طائر‪ ،‬فمرض‬
‫وأبو طلحة غائب يف بعض حيطانه‪ ،‬فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته‬
‫وكفنته وحنطته وسجت عليه ثو ًبا وقالت‪ :‬ال يكون أحد خيرب أبا طلحة حتى‬
‫أكون أنا الذي أخربه‪ ،‬فجاء أبو طلحة فتطيبت له وتصنعت له وجاءت‬
‫بعشاء‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعل أبو عمري؟ فقالت‪ :‬هو أسكن مما كان‪ ،‬فتعشى وأصاب‬
‫منها ما يصيب الرجل من أهله‪ ،‬ثم قالت أم سليم‪ :‬يا أبا طلحة‪ ،‬أمل تر إىل‬
‫آل فالن استعاروا عارية فتمتعوا هبا‪ ،‬فلام طلبت إليهم شق عليهم؟ قال‪ :‬ما‬
‫أنصفوا‪ ،‬قالت‪ :‬يا أبا طلحة‪ ،‬أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها‬
‫أصحاهبا أيردوهنا أو حيبسوهنا؟ فقال‪ :‬بل يردوهنا عليهم‪ ،‬ليس هلم ذلك‪،‬‬
‫إن العارية مؤداة إىل أهلها‪ ،‬قالت‪ :‬فإن ابنك كان عارية من اهلل فقبضه إليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقال هلا‪ :‬واهلل ال تغلبيني الليلة عىل الصرب‪ .‬ثم أخرب النبي ‪H‬‬

‫بام كان منهام فقال رسول اهلل ‪« :H‬لعل اهلل أن يبارك لكما يف ليلتكما»‪.‬‬
‫قال سفيان‪ :‬فقال رجل من األنصار‪ :‬فرأيت هلام تسعة أوالد كلهم قد قرأ‬
‫[صحيح ابن حبان ‪ ،158/16‬صحيح ابلخاري ‪]82/2‬‬ ‫القرآن‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قدم عروة بن الزبري عىل الوليد بن عبد امللك حني َد ِويت رجله‪ ،‬فقيل‬
‫له‪ :‬اقطعها فقال‪ :‬إين ألكره أن أقطع مني طائفة‪ ،‬فارتفعت إىل الركبة‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫إن وقعت يف ركبتك قتلتك‪ ،‬فقطعها فلم يقبض وجهه وال تأوه‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه‬

‫‪88‬‬
‫ال�صبـــر‬

‫مل يرتك حزبه يف تلك الليلة‪ ،‬وقيل له قبل أن يقطعها‪ :‬نسقيك دواء ال جتد هلا‬
‫أ ًملا؟ قال‪ :‬ما يرسين أن هذا احلائط وقاين أذاها‪ ،‬فلام كان بعد أيام قام ابنه حممد‬
‫ابن عروة ليلاً فسقط من أحد األسطح يف إصطبل دواب الوليد‪ ،‬فرضبته‬
‫بقوائمها حتى قتلته‪ ،‬فأتى رجل عروة يعزيه‪ ،‬فقال له عروة‪ :‬إن كنت جئت‬
‫تعزي برجيل فقد احتسبتها‪ ،‬فقال‪ :‬بل أعزيك يف حممد ابنك‪ ،‬قال‪ :‬وما له؟‬
‫فخربه بشأنه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أقول ش ًوى ما مل يصنب صميمي‬ ‫وك��ن��ت إذا األي���ام أح��دث��ن نكبة‬

‫عضوا وتركت أعضاء‪ ،‬وأخذت ابنًا وتركت أبناء‪ ،‬ولئن‬


‫ً‬ ‫اللهم أخذت‬
‫كنت أخذت لقد أبقيت‪ ،‬ولئن كنت ابتليت لقد عافيت‪.‬‬

‫وملا قدم املدينة نزل قرصه بالعقيق‪ ،‬فأتاه حممد بن املنكدر‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫كيف كنت؟ قال‪ :‬لقد لقينا من سفرنا هذا نص ًبا‪ ،‬وجاءه عيسى بن طلحة‪،‬‬
‫فقال لبعض بنيه‪ :‬اكشف لعمك عن رجيل ينظر إليها‪ ،‬ففعل‪ ،‬فقال عيسى‬
‫ابن طلحة‪ :‬أما واهلل يا أبا عبد اهلل‪ ،‬ما أعددناك للرصاع وال للسباق‪ ،‬ولقد‬
‫أبقى اهلل لنا ما كنا نحتاج إليه منك‪ :‬رأيك وعلمك‪ ،‬فقال عروة‪ :‬ما عزاين‬
‫[بهجة املجالس ‪]357-356/3‬‬ ‫أحد عن رجيل مثلك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حممد بن إبراهيم البوشنجي‪ :‬جعلوا يذاكرون أبا عبد اهلل ‪-‬يعني‬
‫بالر ّقة يف التَّق ّية وما روي فيها‪ ،‬فقال‪ :‬كيف تصنعون بحديث‬
‫اإلمام أمحد‪َّ -‬‬
‫خباب‪( :‬إن من كان قبلكم كان ينرش أحدهم باملنشار ال يصده ذلك‬

‫‪89‬‬
‫ال�صبـــر‬

‫عن دينه)‪ ،‬فأيسنا منه‪ ،‬وقال‪ :‬لست أبايل باحلبس‪ ،‬ما هو ومنزيل إال واحد‪،‬‬
‫وال قتلاً بالسيف‪ ،‬إنام أخاف فتنة السوط‪ ،‬فسمعه بعض أهل احلبس فقال‪:‬‬
‫ال عليك يا أبا عبد اهلل‪ ،‬فام هو إال سوطان ثم ال تدري أين يقع الباقي‪ ،‬فكأنه‬
‫سرُ ِّ ي عنه‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]239/11‬‬

‫‪‬‬

‫قال حممد احلنفي‪ :‬كنت يف الدار وقت أدخل أمحد بن حنبل وغريه من‬
‫العلامء‪ ،‬فلام أن ُمدّ أمحد ل ُيضرْ َ ب بالسوط دنا منه ٌ‬
‫رجل وقال له‪ :‬يا أبا عبد اهلل‬
‫أنا رسول خالد احلداد من احلبس‪ ،‬يقول لك‪ :‬اثبت عىل ما أنت عليه‪ ،‬وإياك‬
‫أن جتزع من الرضب واصرب؛ فإين قد رضبت ألف حدّ يف الشيطان‪ ،‬وأنت‬
‫[تاريخ دمشق ‪]313/5‬‬ ‫ترضب يف اهلل ‪.D‬‬
‫‪‬‬

‫كثريا والدي يقول رحم اهلل‬


‫قال عبد اهلل بن اإلمام أمحد‪ :‬كنت أسمع ً‬
‫أبا اهليثم غفر اهلل أليب اهليثم عفا اهلل عن أيب اهليثم فقلت يا أبتي من هو أبو‬
‫اهليثم؟ فقال‪ :‬ملا خرجت إىل السياط و ُمدّ ت يدي للعقابني إذا أنا بشاب جيرين‬
‫ويقول‪ :‬تعرفني؟ قلت‪ ،‬ال قال‪ :‬أنا أبو هيثم العيار اللص الطرار مكتوب يف‬
‫ديوان أمري املؤمنني‪ ،‬إين رضبت ثامنية عرش ألف سوط بالتفاريق وصربت‬
‫عىل ذلك يف طاعة الشيطان ألجل الدنيا‪ ،‬فاصرب أنت عىل طاعة اهلل ألجل‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫[املنهج األمحد ‪] 38/1‬‬

‫‪90‬‬
‫االبتــالء‬

‫االبتـــالء‬

‫أتيت عثامن بن عفان ‪ I‬يوم الدار فقلت‪:‬‬


‫قال أبو هريرة ‪ُ :I‬‬
‫أيرسك أن تقتل الناس كلهم؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فإنك‬
‫جئت أقاتل معك‪ ،‬قال‪ُّ :‬‬
‫نفسا واحدة كأنك قتلت الناس كلهم‪ ،‬فقال‪ :‬انرصف مأذونًا غري‬
‫إن قتلت ً‬
‫مأزور‪ ،‬قال‪ :‬ثم جاء احلسن بن عيل بن أيب طالب ‪ L‬فقال‪ :‬جئت يا أمري‬
‫املؤمنني أقاتل معك‪َ ،‬ف ْأ ُم ْرنيِ بأمرك‪ ،‬فالتفت عثامن إليه فقال‪ :‬انرصف مأذونًا‬
‫[املجالسة ‪]278/2‬‬ ‫خريا‪.‬‬
‫مأجورا غري مأزور‪ ،‬جزاكم اهلل من أهل بيت ً‬
‫ً‬ ‫لك‬
‫‪‬‬

‫مر سعيدُ بن جبري بوهب بن من ِّبه قال لصاحبه‪ :‬لو دخلنا عليه‪ ،‬فدخل‬
‫ملا َّ‬
‫عليه‪ ،‬فشكا إليه من الشدة ما لقي من احلجاج ومن تطريده إياه‪ ،‬فقال وهب‬
‫ِ‬
‫رج ْوا‪ ،‬وإن سلك هبم طريق‬ ‫ابن منبه‪ :‬إن أولياء اهلل إذا ُسل َك هبم طريق الشدة َ‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]620/1‬‬ ‫الرخاء خافوا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال األوزاعي عن عبد اهلل بن حممد‪ :‬قال خرجت إىل ساحل البحر‬
‫مراب ًطا‪ ،‬وكان رباطنا يومئذ عريش مرص‪ ،‬قال‪ :‬فلام انتهيت إىل الساحل فإذا‬
‫أنا ببطيحة ويف البطيحة خيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجاله وثقل سمعه‬
‫وبرصه وما له من جارحة تنفعه إال لسانه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اللهم أوزعني أن‬
‫عيل وفضلتني عىل كثري‬
‫أمحدك محدً ا أكاىفء به شكر نعمتك التي أنعمت هبا ّ‬
‫ممن خلقت تفضيلاً ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫االبتــالء‬

‫قال األوزاعي‪ :‬قال عبد اهلل‪ :‬قلت‪ :‬واهلل آلتني هذا الرجل وألسألنه أنى‬
‫له هذا الكالم فهم أم علم أم إهلام أهلم؟ فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت‪:‬‬
‫سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أمحدك محدً ا أكافئ به شكر نعمتك‬
‫التي أنعمت هبا عيل وفضلتني عىل كثري من خلقت تفضيلاً ‪ ،‬فأي نعمة من‬
‫وأي فضيلة تفضل هبا عليك تشكره عليها؟ قال‪:‬‬
‫نعم اهلل عليك حتمده عليها ّ‬
‫نارا فأحرقتني وأمر اجلبال‬
‫عيل ً‬
‫وما ترى ما صنع ريب؟ واهلل لو أرسل السامء ّ‬
‫فدمرتني وأمر البحار فغرقتني وأمر األرض فبلعتني ما ازددت لريب إال‬
‫شكرا ملا أنعم عيل من لساين هذا‪ ،‬ولكن يا عبد اهلل‪ ،‬إذ أتيتني يل إليك حاجة‪،‬‬
‫ً‬
‫قد تراين عىل أي حالة أنا‪ ،‬أنا لست أقدر لنفيس عىل رض وال نفع‪ ،‬ولقد كان‬
‫فيوض ُئني‪ ،‬وإذا جعت أطعمني وإذا‬
‫ِّ‬ ‫ني يل يتعاهدين يف وقت صاليت‬
‫معي ُب ٌّ‬
‫عطشت سقاين‪ ،‬ولقد فقدته منذ ثالثة أيام‪ ،‬فتحسسه يل رمحك اهلل‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أجرا ممن يميش يف حاجة‬
‫واهلل ما مشى خلق يف حاجة خلق كان أعظم عند اهلل ً‬
‫مثلك‪ ،‬فمضيت يف طلب الغالم‪ ،‬فام مضيت غري بعيد حتى رصت بني كثبان‬
‫من الرمل فإذا أنا بالغالم قد افرتسه سبع وأكل حلمه‪ ،‬فاسرتجعت وقلت‬
‫أنى يل وجه رقيق آيت به الرجل؟ فبينام أنا مقبل نحوه إذ خطر عىل قلبي ذكر‬
‫عيل السالم‪ ،‬فقال‪ :‬ألست‬
‫أيوب النبي ‪ ،H‬فلام أتيته سلمت عليه فرد َّ‬
‫بصاحبي؟ قلت‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬ما فعلت يف حاجتي؟ فقلت‪ :‬أنت أكرم عىل اهلل أم‬
‫أيوب النبي؟ قال‪ :‬بل أيوب النبي‪ ،‬قلت‪ :‬هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس‬
‫صابرا‬
‫ً‬ ‫قد ابتاله بامله وآله وولده؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قلت‪ :‬فكيف وجده؟ قال‪ :‬وجده‬
‫شاكرا حامدً ا‪ ،‬قلت‪ :‬مل يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟‬
‫ً‬

‫‪92‬‬
‫االبتــالء‬

‫شاكرا حامدً ا‪ ،‬قلت‪:‬‬


‫ً‬ ‫صابرا‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فكيف وجده ربه؟ قال‪ :‬وجده‬
‫ملار الطريق‪ ،‬هل علمت؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬‫عرضا ّ‬
‫فلم يرض منه بذلك حتى صريه ً‬
‫قلت‪ :‬فكيف وجده ربه؟ قال‪ :‬صابرا شاكرا حامدً ا‪ِ ،‬‬
‫أوجز رمحك اهلل‪ ،‬قلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫له‪ :‬إن الغالم الذي أرسلتني يف طلبه وجدته بني كثبان الرمل وقد افرتسه‬
‫سبع فأكل حلمه‪ ،‬فأعظم اهلل لك األجر وأهلمك الصرب‪ ،‬فقال املبتىل‪ :‬احلمد هلل‬
‫الذي مل خيلق من ذريتي خل ًقا يعصيه فيعذبه بالنار‪ ،‬ثم اسرتجع وشهق شهق ًة‬
‫فامت‪ ،‬فقلت‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬عظمت مصيبتي‪ ،‬رجل مثل هذا إن‬
‫تركته أكلته السباع‪ ،‬وإن قعدت مل أقدر عىل رض وال نفع‪ ،‬فسجيته بشملة‬
‫عيل أربعة رجال‬
‫كانت عليه وقعدت عند رأسه باك ًيا‪ ،‬فبينام أنا قاعد إذ هتجم ّ‬
‫فقالوا‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬ما حالك وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته‪،‬‬
‫فقالوا يل‪ :‬اكشف لنا عن وجهه فعسى أن نعرفه‪ ،‬فكشفت عن وجهه فانكب‬
‫غض ْت‬
‫عني طاملا َّ‬
‫القوم عليه يق ِّبلون عينيه مرة ويديه أخرى ويقولون‪ :‬بأيب‪ٌ ،‬‬
‫عن حمارم اهلل‪ ،‬وبأيب‪ ،‬وجسمه طاملا كنت ساجدً ا والناس نيام‪ ،‬فقلت‪ :‬من‬
‫هذا يرمحكم اهلل؟ فقالوا‪ :‬هذا أبو قالبة اجلرمي صاحب ابن عباس‪ ،‬لقد‬
‫كان شديد احلب هلل وللنبي ‪ ،H‬فغسلناه وكفناه بأثواب كانت معنا‬
‫وصلينا عليه ودفناه‪ ،‬فانرصف القوم وانرصفت إىل رباطي‪ ،‬فلام أن ج ّن عيل‬
‫الليل وضعت رأيس فرأيته فيام يرى النائم يف روضة من رياض اجلنة وعليه‬
‫حلتان من حلل اجلنة وهو يتلو الوحي‪ :‬سالم عليكم بام صربتم فنعم عقبى‬
‫الدار‪ ،‬فقلت‪ :‬ألست بصاحبي؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قلت‪ :‬أنى لك هذا؟ قال‪ :‬إن هلل‬

‫‪93‬‬
‫االبتــالء‬

‫درجات ال تنال إال بالصرب عند البالء والشكر عند الرخاء مع خشية اهلل‬
‫[اثلقات البن حبان ‪]5-3/ 5‬‬ ‫‪ D‬يف الرس والعالنية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال احلسن بن عرفة‪ :‬دخلت عىل أمحد بن حنبل بعد املحنة‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫قمت مقام األنبياء‪ ،‬فقال يل‪ :‬اسكت فإين رأيت الناس يبيعون‬
‫يا أبا عبد اهلل‪َ ،‬‬
‫أدياهنم ورأيت العلامء ممن كان معي يقولون ويميلون‪ ،‬فقلت‪ :‬من أنا؟ وما‬
‫أنا؟ وما أقول لريب غدً ا إذا وقفت بني يديه ‪ ،B‬فقال يل‪ :‬بعت دينك‬
‫كام باعه غريك؟ ففكرت يف أمري ونظرت إىل السيف والسوط فاخرتهتام‪،‬‬
‫وقلت‪ :‬إن أنا ِم ُّت رصت إىل ريب ‪ D‬فأقول‪ُ :‬د ِعيت إىل أن أقول يف صفة‬
‫من صفاتك خملوقة فلم أقل‪ ،‬فاألمر إليه إن شاء عذب وإن شاء رحم‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وهل وجدت ألسواطهم أ ًملا؟ قال يل‪ :‬نعم‪ ،‬وجت َّلدت إىل أن جتاوزت‬
‫العرشين‪ ،‬ثم مل أدر بعد ذلك‪ ،‬فلام ُح َّل ال ُع َقابان كأين مل أجد له أ ًملا‪ ،‬وصليت‬
‫الظهر قائماً ‪ ،‬قال احلسن‪ :‬فبكيت‪ ،‬فقال يل‪ :‬ما يبكيك؟ قلت‪ :‬بكيت مما نزل‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]141-140/1‬‬ ‫تلفت‪.‬‬
‫بك‪ ،‬قال‪ :‬أليس مل أكفر؟ ما أبايل لو ُ‬
‫‪‬‬

‫قال إسامعيل بن محاد بن أيب حنيفة‪ :‬مررت مع أيب بالكناسة فبكى‪،‬‬


‫فقلت له‪ :‬يا أبت ما يبكيك؟ قال‪ :‬يا بني‪ ،‬يف هذا املوضع رضب اب ُن هبرية‬
‫َجدَّ ك عرشة أيام يف كل يوم عرشة أسواط عىل أن ييل القضاء‪ ،‬فلم يفعل‪.‬‬
‫[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص‪]24‬‬

‫‪‬‬

‫‪94‬‬
‫االبتــالء‬

‫قال إبراهيم بن احلسني بن ديزيل‪ :‬ملا ُد ِعي عفان للمحنة ُ‬


‫كنت ً‬
‫آخذا‬
‫بلجام محاره‪ ،‬فلام حرض ُعرض عليه القول فامتنع أن جييب‪ ،‬فقيل له‪ :‬حيبس‬
‫عطاؤك‪ ،‬وكان يعطى يف كل شهر ألف درهم‪ ،‬فقال‪[ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ]‪ ،‬فلام رجع إىل داره عذلوه نساؤه و َمن يف داره‪ ،‬قال‪ :‬وكان يف داره‬
‫فدق عليه ّ‬
‫داق الباب‪ ،‬فدخل عليه رجل شبهته‬ ‫نحو أربعني إنسانًا‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫بسامن أو زيات‪ ،‬ومعه كيس فيه ألف درهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عثامن ث ّبتك اهلل كام‬
‫[تاريخ بغداد ‪]201/14‬‬ ‫ث ّب ّت الدين‪ ،‬وهذا يف كل شهر‪.‬‬
‫‪‬‬

‫سبب حبس إبراهيم التيمي أن احلجاج طلب إبراهيم النخعي‬


‫ُ‬ ‫كان‬
‫فجاء الذي طلبه فقال‪ :‬أريد إبراهيم‪ ،‬فقال إبراهيم التيمي‪ :‬أنا إبراهيم‪،‬‬
‫يستحل أن يدُ ّله عليه‪ ،‬فأتى‬
‫ّ‬ ‫فأخذه وهو يعلم أنه يريد إبراهيم النخعي فلم‬
‫ظل من الشمس وال ِك ّن من‬ ‫به احلجاج فأمر بحبسه يف الدِّ يامس ومل يكن هلم ّ‬
‫الربد‪ ،‬وكان كل اثنني يف سلسلة‪ ،‬فتغري إبراهيم‪ ،‬فجاءته أمه يف احلبس فلم‬
‫تعرفه حتى ك ّلمها‪.‬‬
‫فامت يف السجن‪ ،‬فرأى احلجاج يف منامه قائلاً يقول‪ :‬مات يف هذه‬
‫البلدة الليلة رجل من أهل اجلنة‪ ،‬فلام أصبح قال‪ :‬هل مات الليلة أحد‬
‫بواسط؟ قالوا‪ :‬نعم إبراهيم التيمي مات يف السجن فقال‪ُ :‬حلم نزغة من‬
‫[طبقات ابن سعد ‪]402 /8‬‬ ‫نزغات الشيطان‪ .‬وأمر به فألقي عىل الكناسة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪95‬‬
‫االبتــالء‬

‫قال رشحبيل بن مسلم اخلوالين‪ :‬بينا األسود بن قيس العنيس باليمن‬


‫فأرسل إىل أيب مسلم اخلوالين ‪ ،V‬فقال له‪ :‬أتشهد أن حممدً ا رسول اهلل؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فتشهد أين رسول اهلل؟ قال‪ :‬ما أسمع‪ ،‬قال‪ :‬أتشهد أن حممدً ا‬
‫رسول اهلل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فتشهد أين رسول اهلل؟ قال‪ :‬ما أسمع‪ ،‬فأمر‬
‫ٍ‬
‫بنار عظيمة ُفأ ِّججت‪ ،‬فطرح فيها أبو مسلم فلم َّ‬
‫ترضه‪ ،‬فقال له أهل مملكته‪:‬‬
‫إن تركت هذا يف بالدك أفسدها عليك‪ ،‬فأمره بالرحيل‪ ،‬فقدم املدينة وقد‬
‫ٍ‬
‫سارية من سواري‬ ‫قبض رسول اهلل ‪ H‬واستُخلف أبو بكر‪ ،‬فقام إىل‬
‫املسجد يصيل‪ ،‬فبصرُ به عمر بن اخلطاب فقال‪ :‬من أين الرجل؟ قال‪ :‬من‬
‫حرقه بالنار فلم ترضه؟ فقال‪:‬‬
‫اليمن‪ ،‬قال‪ :‬فام فعل عدو اهلل بصاحبنا الذي ّ‬
‫ذاك عبد اهلل بن ثوب‪ ،‬قال‪ :‬نشدتك باهلل إنك هو؟ قال‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬فق ّبل ما‬
‫بني عينيه‪ ،‬ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبني أيب بكر‪ ،‬وقال‪ :‬احلمد اهلل الذي‬
‫مل ُي ِمتْني حتى أراين من أمة حممد ‪َ H‬م ْن ُفعل به كام ُفعل بإبراهيم‬
‫[املنتظم ‪]331/5‬‬ ‫خليل الرمحن ‪.S‬‬
‫‪‬‬

‫امتُحن البهلول عىل يد ال َعك ِّّي أمري القريوان وقيل له‪ :‬إنه يقع يف‬
‫سلطانك‪ ،‬وض ِّعف عنده أمره‪ ،‬فأمر به فتحاشد الناس معه فزاده ذلك حن ًقا‬
‫عليه‪ ،‬وأخرج إليهم األجناد ففضوهم وأمر بتجريده ورضبه بالسياط‪،‬‬
‫ورمى مجاعة أنفسهم فرضبوا‪ ،‬ورضب هو نحو العرشين وحبسه‪ ،‬وكان‬
‫عندما هم به وسيق لقيه قوم متلثمون فشاوروه يف القيام عليه وختليصه‬

‫‪96‬‬
‫االبتــالء‬

‫فجعل يقول ال‪ ...‬ال‪ .‬قال بعضهم كنا يف غزاة مع بعض اخللفاء وكنا معه يف‬
‫أهل الثغور اثني عرش أل ًفا وكان يقيض لنا كل يوم حاجتني‪ ،‬فلام بلغنا رضب‬
‫العكي لبهلول اختل العسكر‪ ،‬وتقدمنا إىل باب اخلليفة فسأ َلنا حاجبه‪ ،‬فقلنا‬
‫قد جعلنا حوائجنا نرصة البهلول‪ ،‬بلغنا أن العكي رضبه‪ .‬فقال احلاجب‪:‬‬
‫اتقوا اهلل يف دم العكي‪ ،‬إن بلغ هذا اخلليف َة قتله‪ ،‬وكيف يرضب البهلول إال‬
‫أن يكون أهل أفريقية ارتدوا‪.‬‬

‫فوجه إليه الطاغية‬


‫وكان مما حرك عليه العكي أنه كان هيادي ملك الروم َّ‬
‫يف سالح وحديد ونحاس‪ ،‬فلام أراد توجيه ذلك إليه عارضه يف ذلك هبلول‬
‫ووعظه فيه إذ ال جيوز ذلك‪ .‬قال أبو زرجونة‪ :‬كنت عند هبلول بعد رضبه‬
‫إذ سمعت بكاء رجل داخل من الباب وإذا ابن فروخ فجلس أمامه‪ ،‬فبكى‪.‬‬
‫فقال له هبلول‪ :‬ما أبكاك يا أبا عمر؟ قال أبكي لظهر رضب بغري حق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قضاء وقدر‪ .‬وندم العكي بعد ذلك‪ ،‬وقال البن غانم هل تستطيع أن ترينيه؟‬
‫فقال‪ :‬أما عىل أن يأتيك فال ولكن أستدعيه أنا واسترشف أنت من حيث‬
‫تراه‪ ،‬ففعل‪ ،‬فلام برص به جعل يقول تبارك اهلل كأنه سفيان الثوري يف شأنه‪،‬‬
‫فعن قريب عزل العكي أسوأ عزل وويل متام بن متيم‪.‬‬

‫وحكي أنه ملا مدت رجاله للقيد قال‪ :‬إن هذا الرضب من البالء الذي‬
‫مل أسأل اهلل العافية منه خطرة‪ .‬وأتاه السجان يف سجن العكي فعاجله فوهب‬
‫دينارا وأعطى ملن معه دراهم‪ ،‬فعل هبم هذا ثالثة أيام‪ ،‬كلام دخلوا عليه‬
‫إليه ً‬
‫أعطاهم‪ ،‬فخاف أصحابه حاجته قبل خروجه فقالوا للسجان قد برىء‬

‫‪97‬‬
‫االبتــالء‬

‫فال تعاودوه‪ ،‬فلام استبطأه هبلول سأل عنه أصحابه‪ ،‬وكأنه فطن هلم‪ ،‬فقالوا‬
‫له لكل يوم دينار! فقال‪ :‬وما يف ذلك؟ فقال له حفص بن عامرة من أصحابه‪:‬‬
‫سمعت الثوري يقول‪ :‬إذا كمل صدق الصادق مل يملك ما يف يديه‪ .‬فخر‬
‫هبلول عىل يديه يقبلهام ويقول سألتك باهلل أنت سمعتها منه؟ وبرىء الرضب‬
‫الذي رضب إال أثر سوط واحد َتنَ َّغ َل فصار قرحة فكان سبب موته‪.‬‬
‫قال البهلول‪ :‬أقمت ثالثني سنة أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ :‬بسم‬
‫اهلل الذي ال يرض مع اسمه يشء يف األرض وهو السميع العليم‪ ،‬فنسيتها‬
‫ً‬
‫وكبشا فلم يقبل‬ ‫يومي مع العكي‪ ،‬فابتليت‪ .‬وذكر أن العكي وجه إليه ثيا ًبا‬
‫ذلك‪ .‬فلام أبى سأله أن حيله فقال له‪ :‬ما وقع عيل سوط إال وأنا أستغفر لك‬
‫[ترتيب املدارك ‪]101 -98/3‬‬ ‫يا أبا يرس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫فتبسم والدماء‬
‫أصيبت يد زيد بن ُصوحان يف بعض فتوح العراق ّ‬
‫هونه ثواب‬
‫حل ّ‬‫تشخب‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬ما هذا موضع تبسم! فقال زيد‪ :‬أمل ٌ ّ‬
‫ٍ‬
‫لفائت معه؟ ويف‬ ‫أفأ ِ‬
‫ردفه بأملِ اجلزع الذي ال جدوى فيه وال دريكة‬ ‫اهلل عليه‪ُ ،‬‬
‫تبسمي عز َّية لبعض املؤتسني من املؤمنني‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أنت أعلم باهلل‬
‫ّ‬
‫[الصرب واثلواب البن أيب ادلنيا ص‪]71‬‬ ‫مني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قدم عروة بن الزبري عىل الوليد بن عبد امللك ومعه حممد بن عروة فدخل‬
‫حممد دار الدواب‪ ،‬فرضبته دابة فخر ميتًا‪ ،‬ووقعت يف رجل عروة اآلكلة‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫االبتــالء‬

‫ومل يدع ورده تلك الليلة‪ .‬فقال له الوليد‪ :‬اقطعها‪ ،‬وإال أفسدت عليك‬
‫جسدك‪ ،‬فقطعها باملنشار وهو شيخ كبري ومل يمسكه أحد‪ ،‬وقال‪ :‬لقد لقينا‬
‫من سفرنا هذا نص ًبا‪.‬‬

‫وقدم عىل الوليد يف تلك السنة قوم من بني َع ْبس فيهم رجل رضير‬
‫فسأله الوليد عن عينيه فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬بت ليل ًة يف بطن واد وال أعلم‬
‫عبس ًّيا يزيد ماله عىل مايل فطر َقنا سيل فذهب بام كان يل من أهل وولد ومال‬
‫غري بعري وصبي مولود‪ ،‬وكان البعري صع ًبا فندّ ‪ ،‬فوضعت الصبي واتبعت‬
‫البعري فلم أجاوزه إال قليلاً حتى سمعت صيحة ابني‪ ،‬فرجعت إليه ورأس‬
‫الذئب يف بطنه وهو يأكله‪ ،‬وحلقت البعري ألحبسه فنفحني برجله عىل وجهي‬
‫بعيني فأصبحت ال مال يل وال أهل وال ولد وال برص‪ .‬فقال‬
‫ّ‬ ‫فحطمه وذهب‬
‫الوليد‪ :‬انطلقوا به إىل عروة ليعلم أن يف الناس من هو أعظم منه بال ًء‪.‬‬

‫وشخص عروة إىل املدينة فأتته قريش واألنصار فقال له عيسى بن‬
‫خريا‪ ،‬واهلل ما بك‬
‫طلحة بن عبيد اهلل‪ :‬أبرش يا أبا عبد اهلل‪ ،‬فقد صنع اهلل بك ً‬
‫حاجة إىل امليش‪ .‬فقال‪ :‬ما أحسن ما صنع اهلل إيل‪ ،‬وهب يل سبعة بنني فمتعني‬
‫هبم ما شاء‪ ،‬ثم أخذ واحدً ا وترك ستة‪ ،‬ووهب يل ست جوارح‪ ،‬فمتعني هبن‬
‫وبرصا‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫مخسا‪ :‬يدين ورجلاً وسم ًعا‬
‫ما شاء‪ ،‬ثم أخذ واحدة ثم ترك يل ً‬
‫قال‪ :‬اللهم لئن كنت أخذت لقد أبقيت‪ ،‬ولئن كنت ابتليت لقد عافيت‪.‬‬
‫[اتلعازي واملرايث للمربد ص‪]86‬‬

‫‪‬‬

‫‪99‬‬
‫االبتــالء‬

‫قال حممد بن خلف القايض املعروف بوكيع‪ :‬كان إلبراهيم احلريب اب ٌن‪،‬‬
‫وكان له إحدى عرشة سنة قد حفظ القرآن‪ ،‬ول َّقنه من الفقه شي ًئا ً‬
‫كثريا‪ ،‬فامت‪،‬‬
‫موت ابني هذا‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبا إسحاق‬
‫َ‬ ‫كنت أشتهي‬
‫فجئت أعزيه‪ ،‬فقال يل‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫صبي قد أنجب‪ ،‬ول ّقنته احلديث والفقه؟‬
‫ٍّ‬ ‫أنت عامل الدنيا تقول مثل هذا يف‬
‫ّ‬
‫وكأن صبيانًا بأيدهيم قالل‬ ‫رأيت يف النوم ّ‬
‫كأن القيامة قد قامت‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫حره‪ ،‬فقلت‬
‫حار شديدٌ ُّ‬ ‫ّ‬
‫وكأن اليوم يو ٌم ٌّ‬ ‫فيها ماء يستقبلون الناس يسقوهنم‪،‬‬
‫ألحدهم‪ :‬اسقني من هذا املاء‪ ،‬فنظر إ ّيل وقال‪ :‬ليس أنت أيب‪ ،‬فقلت‪ :‬فأيش‬
‫أنتم؟ فقال‪ :‬نحن الصبيان الذين متنا يف دار الدنيا‪ ،‬وخلفنا آباءنا نستقبلهم‪،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]522/6‬‬ ‫فنسقيهم املاء‪ ،‬قال‪ :‬فلهذا متنيت موته‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أحرض معدّ بن إسامعيل العبيدي صاحب مرص يو ًما أبا بكر النابليس‬
‫الزاهد‪ ،‬وكان ينزل األكواخ من أرض دمشق‪ ،‬فقال له‪ :‬بلغنا أنك قلت‪ :‬إذا‬
‫كان مع الرجل املسلم عرشة أسهم وجب أن يرمي يف الروم سهماً واحدً ا‬
‫وفينا تسعة‪ ،‬فقال‪ :‬ما قلت هكذا‪ ،‬فظن أنه رجع عن قوله‪ ،‬فقال‪ :‬كيف قلت؟‬
‫قال‪ :‬قلت إذا كان معه عرشة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العارش فيكم‬
‫أيضا؛ فإنكم غريتم امللة وقتلتم الصاحلني وادعيتم نور األهلية‪ ،‬فأمر حينئذ‬
‫ً‬
‫فشهر يف اليوم األول وضرُ ب بالسياط يف اليوم الثاين و ُأخرج يف‬
‫يشهر‪ُ ،‬‬
‫أن َّ‬
‫فسلخ‪ ،‬سلخه رجل هيودي‪ ،‬وكان يقرأ القرآن وال يتأوه‪ .‬قال‬‫اليوم الثالث ُ‬
‫اليهودي‪ :‬فداخلني له رمحة فطعنت بالسكني يف فؤاده حتى مات عاجلاً ‪.‬‬
‫[املنتظم ‪]245 /14‬‬
‫‪‬‬

‫‪100‬‬
‫االبتــالء‬

‫استخفى طالوت بن عبد اجلبار املعافري خو ًفا عىل نفسه من احلكم بن‬
‫هشام أمري األندلس عند رجل من اليهود من جريانه وثق به‪ ،‬فتقبله أحسن‬
‫قبول ومكث عنده بأفضل حال حولاً ‪ ،‬حتى طفئت الثائرة‪ ،‬وظن الفتية أنه‬
‫البسام الوزير ُوصلة جذهبا إليه رجا ُء‬
‫أهل اليهودي‪ .‬وكانت بينه وبني أيب ّ‬
‫فلج وقصد الوزير‬ ‫حتو ُله عنه ونَصحه‪َّ ،‬‬
‫اليهودي ّ‬
‫َّ‬ ‫األخذ له األمان‪ ،‬فساء‬
‫فصوب رأيه‬
‫خفية بني العشائني‪ ،‬فأظهر القبول وسأله أين كان قبل‪ ،‬فأخربه ّ‬
‫يف انتقاله إليه ووعده الشفاعة له‪ ،‬وبادر بالركوب يف وقته وقد وكل به من‬
‫حيرسه‪ ،‬فقال لألمري‪ :‬ما رأيك يف عجل سمني عاكف عىل مذودة منذ سنة‬
‫يلذ مطعمه؟ هذا طالوت رأس املنافقني عندي قد أظفرك اهلل به‪ ،‬قال‪ :‬قم‬
‫فعجل به‪ ،‬ووثب فجلس عىل كريس بباب جملسه يتوقد غي ًظا عليه‪ ،‬فلم يلبث‬
‫ِّ‬
‫أن أدخل طالوت عليه‪ ،‬فجعل يتقرعه بذنوبه ويقول‪ :‬طالوت! احلمد اهلل‬
‫الذي أظفرين بك‪ ،‬وحيك أخربين لو أن أباك أو ابنك قعد مقعدي هبذا القرص‬
‫أكانا يزيدانك من الرب واإلكرام عىل ما فعلته أنا بك؟ هل رددت قط حاجة‬
‫ومرك؟ أمل أ ُعدك مرات يف حمالتك؟‬
‫لك أو لغريك؟ أمل أشاركك يف حلوك ِّ‬
‫أمل أشاركك يف حزنك عىل زوجتك ومشيت يف جنازهتا راجلاً إىل مقربة‬
‫الربض وانرصفت معك كذلك إىل منزلك؟ وغري يشء من التوقري فعلته‬
‫بك؟ ما محلك عىل ما قابلت به إمجايل؟ ومل ترض مني إال بخلع سلطاين‬
‫ٍ‬
‫وسعي لسفك دمي واستباحة حرمتي؟ فقال له طالوت‪ :‬ما أجد يل يف هذا‬
‫الوقت مقالاً أنجى من ِصدقك به‪ :‬أبغضتك هلل وحده؛ فلم ينفعك عندي‬
‫فسي عن األمري وسكن غيظه و ُمىلء عليه ر ّقة‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫كل ما صنعتَه عوض دنياك‪ ،‬رُ ِّ‬

‫‪101‬‬
‫االبتــالء‬

‫فقال‪ :‬واهلل لقد أحرضتك وما يف الدنيا عذاب إال وقد عرضته أختار بعضه‬
‫لك‪ ،‬وقد حيل بيني وبينك‪ ،‬فأنا أعلمك أن الذي أبغضتني له رصفني عنك‪،‬‬
‫فانرصف يف أمان اهلل تعاىل وانرصف حيث شئت‪ ،‬وارفع إ ّيل حاجتك فلم‬
‫تعدم ّيف بِ ًّرا‪ ،‬فيا ليت الذي كان مل يكن‪ ،‬فقال له طالوت‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو مل يكن‬
‫مربورا إىل أن‬
‫ً‬ ‫خريا لك‪ ،‬وال مر ّد ألمر اهلل‪ .‬فلم يزل طالوت لديه بعدُ‬
‫كان ً‬
‫تويف عن قريب‪ ،‬فأنبىء له احلكم وحرض جنازته وأثنى عليه بصدقه‪.‬‬
‫وسأل احلكم طالوتًا بعد أن أمنه يف ذلك املجلس‪ :‬كيف ظفر بك‬
‫صاحبك الوزير؟ قال‪ :‬أنا أظفرته بنفيس عن ثقة لوصلة بيني وبينه ليشفع‬
‫يل عندك‪ ،‬فكان منه ما رأيت‪ ،‬فقال له‪ :‬فأين كان مثواك قبل؟ فأخربه بخرب‬
‫اليهودي‪ ،‬فقال احلكم للوزير‪ :‬سوءة لك! رجل يف أعداء امللة حفظ هلذا‬
‫الشيخ حمله يف الدين والعلم فأخ َطر بنفسه فيه وناقضت أنت ذلك وهو من‬
‫خيار أهل م ّلتك‪ ،‬وأردت أن تزيدنا فيام نحن قائمون عليه يف سوء االنتقام!‬
‫وجها! ووفر أرزاقه وطويت يف بيت الوزارة‬
‫اخرج عني ق ّبحك اهلل وال تُرين ً‬
‫فراشه‪ ،‬فسقط آخر الدهر وذهب عقبه وما زالوا يف ارتكاس ومخول‪.‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]340 /3‬‬

‫‪102‬‬
‫العفـــو‬

‫العفـــو‬

‫كانت أليب الدرداء ‪ I‬وليدة فلطمها ابنه يو ًما لطمة‪ ،‬فأقعده هلا‬
‫فقال‪ :‬اقتيص‪ ،‬فقالت‪ :‬قد عفوت‪ ،‬فقال‪ :‬إن كنت قد عفوت فاذهبي فادعي‬
‫من هاهنا من حرام فأشهدهيم أنك قد عفوت‪ ،‬فذهبت فدعتهم فأشهدهتم‬
‫أهنا قد عفت‪ ،‬فقال‪ :‬اذهبي فأنت هلل‪ ،‬وليت آل أيب الدرداء يفتلتون كفا ًفا‪.‬‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]264/1‬‬

‫‪‬‬

‫قلت أليب عبد اهلل ‪-‬يعني اإلمام أمحد‪ :-‬إن أبا موسى‬
‫املروذي‪ُ :‬‬
‫قال ُّ‬
‫ٍ‬
‫رجل شتمه لعله يعتذر إليه‪ ،‬فلم خيرج إليه‬ ‫َ‬
‫هارون بن عبد اهلل قد جاء إىل‬
‫وشق الباب يف وجهه‪ ،‬فعجب وقال‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬أما إنه قد بغى عليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫سينرص عليه‪ ،‬ثم قال‪ٌ :‬‬
‫رجل نقل قدمه وجييء إليه يعتذر ال خيرج؟!‬
‫[اآلداب الرشعية ‪]319/1‬‬

‫‪‬‬

‫تقي الدين يذكر ما كان بينه وبني‬


‫قال ابن القالنيس‪ :‬سمعت الشيخ َّ‬
‫َ‬
‫السلطان استفتى الشيخ يف قتل بعض‬ ‫السلطان من الكالم ملا انفردا وأن‬
‫القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه‪ ،‬وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من‬
‫حي ُّثه‬
‫أيضا! وأخذ ُ‬
‫وآذوك أنت ً‬
‫امللك ومبايعة اجلاشنكري‪ ،‬وأهنم قاموا عليك ْ‬
‫بذلك عىل أن يفتيه يف قتل بعضهم‪ ،‬وإنام كان حن ُقه عليهم بسبب ما كانوا‬
‫َس َع ْوا فيه من عزله ومبايعة اجلاشنكري‪ ،‬ففهم الشيخ مراد السلطان‪ ،‬فأخذ يف‬

‫‪103‬‬
‫العفـــو‬

‫وينكر ْ‬
‫أن ينال أحدً ا منهم سو ٌء‪ ،‬وقال له‪ :‬إذا قتلت‬ ‫ِ‬
‫القضاة والعلامء‬ ‫تعظيم‬
‫ُ‬
‫هؤالء ال جتد بعدهم مثلهم‪ ،‬فقال له‪ :‬إهنم قد آذوك‪ ،‬وأرادوا ق ْت َلك ً‬
‫مرارا‪،‬‬
‫ينتقم منه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الشيخ‪ :‬من آذاين فهو يف ِح ٍّل‪ ،‬ومن آذى اهلل ورسوله فاهللُ‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫وأنا ال أنترص لنفيس‪ ،‬وما زال به حتى ح ُلم عنهم وصفح‪ .‬وكان قايض‬
‫حر ْضنا عليه فلم َن ْقدر‬
‫املالكية ابن خملوف يقول‪ :‬ما رأينا مثل ابن تيمية‪َّ ،‬‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]129/14‬‬ ‫وحاج َج عنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫عليه‪ ،‬وقدر علينا فصفح عنا‬
‫‪‬‬

‫مبرشا له ‪-‬يعني ابن تيمية‪ -‬بموت أكرب‬


‫ً‬ ‫قال ابن القيم‪ :‬جئت يو ًما‬
‫أعدائه‪ ،‬وأشدّ هم عداوة وأذى له‪ ،‬فنهرين وتنكَّر يل واسرتجع‪ ،‬ثم قام من‬
‫أمر‬
‫فوره إىل بيت أهله فعزاهم‪ ،‬وقال‪ :‬إين لكم مكانه‪ ،‬وال يكون لكم ٌ‬
‫فسوا‬ ‫ٍ‬
‫حتتاجون فيه إىل مساعدة إال وساعدتكم فيه‪ ،‬ونحو هذا من الكالم‪ ،‬رُ ُّ‬
‫[مدارج السالكني ‪]139/3‬‬ ‫به و َد َع ْوا له‪ ،‬وع ّظموا هذه احلال منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫صك ٌ‬
‫رجل ابنًا لقتادة‪ ،‬فاستعدى عليه عند بالل بن أيب بردة فلم يلتفت‬ ‫ّ‬
‫إليه‪ ،‬فشكاه إىل القرسي‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬إنك مل تنصف أبا اخلطاب‪ ،‬فدعاه‬
‫ودعا وجوه أهل البرصة يتش ّفعون إليه‪ ،‬فأبى أن يشفعهم‪ ،‬فقال له‪ُ :‬صكَّه‬
‫كام صكَّك‪ ،‬فقال البنه‪ :‬يا بني احرس عن ذراعيك وارفع يديك وشد‪ ،‬فحرس‬
‫عن ذراعيه ورفع يديه‪ ،‬فأمسك قتادة يده وقال‪ :‬قد وهبناه هلل؛ فإنه كان يقال‪:‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]340/2‬‬ ‫ال عفو إال بعد قدرة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪104‬‬
‫العفـــو‬

‫جالسا بني يديه يف بعض جمالسه العامة‪،‬‬


‫ً‬ ‫كان وزير املنصور بن أيب عامر‬
‫فرفعت إليه رقعة استعطاف ألم رجل مسجون كان املنصور اعتقله حن ًقا عليه‬
‫جلرم استعظمه منه‪ ،‬فلام قرأها اشتد غضبه وقال‪ :‬ذكَّرتْني واهلل به‪ ،‬وأخذ القلم‬
‫وأراد أن يكتب‪ :‬يصلب‪ ،‬فكتب‪ :‬يطلق‪ ،‬ورمى الورقة إىل وزيره املذكور‪،‬‬
‫وأخذ الوزير القلم وتناول الورقة وجعل يكتب بمقتىض التوقيع إىل صاحب‬
‫الرشطة‪ ،‬فقال له املنصور‪ :‬ما هذا الذي تكتب قال‪ :‬بإطالق فالن‪ِ ،‬‬
‫فحرد‪،‬‬
‫ومهت‪ ،‬واهلل ليصلبن‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫وقال‪ :‬من أمر هبذا؟ فناوله التوقيع‪ ،‬فلام رآه قال‪:‬‬
‫خط عىل التوقيع وأراد أن يكتب يصلب فكتب يطلق‪ ،‬فأخذ الوزير الورقة‬
‫وأراد أن يكتب إىل الوايل باإلطالق‪ ،‬فنظر إليه املنصور وغضب أشد من‬
‫األول‪ ،‬وقال‪ :‬من أمر هبذا؟ فناوله التوقيع‪ ،‬فرأى اخلط فخط عليه‪ ،‬وأراد أن‬
‫يكتب يصلب فكتب يطلق‪ ،‬وأخذ الوزير التوقيع ورشع يف الكتابة إىل الوايل‪،‬‬
‫فرآه املنصور فأنكر أكثر من املرتني األوليني‪ ،‬فأراه خطه باإلطالق‪ ،‬فلام رآه‬
‫عجب من ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬نعم يطلق عىل رغمي‪ ،‬فمن أراد اهلل سبحانه إطالقه‬
‫[وفيات األعيان ‪]328/3‬‬ ‫ال أقدر أنا عىل منعه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان حممد بن محيد الطويس عىل غدائه مع جلسائه‪ ،‬وإذا بصيحة عظيمة‬
‫عىل باب داره‪ ،‬فرفع رأسه وقال لبعض غلامنه‪ :‬ما هذه الضجة؟ من كان عىل‬
‫الباب فليدخل‪ ،‬فخرج الغالم ثم عاد إليه وقال‪ :‬إن فالنًا أخذ وقد أوثق‬
‫باحلديد‪ ،‬والغلامن ينتظرون أمرك فيه‪ ،‬فرفع يديه من الطعام‪ ،‬فقال رجل من‬

‫‪105‬‬
‫العفـــو‬

‫جلسائه‪ :‬احلمد هلل الذي أمكنك من عدوك‪ ،‬فسبيله أن تسقي األرض من‬
‫دمه‪ ،‬وأشار كل من جلسائه عليه بقتله عىل صفة اختارها وهو ساكت‪ ،‬فأدخل‬
‫رجل ال دم فيه‪ ،‬فلام رآه هش إليه ورفع جملسه وأمر بتجديد الطعام‪ ،‬وبسطه‬
‫الكالم ولقمه حتى انتهى الطعام‪ ،‬ثم أمر له بكسوة حسنة وصلة‪ ،‬وأمر برده‬
‫إىل أهله مكر ًما ومل يعاتبه عىل جرم وال جناية‪ .‬ثم التفت إىل جلسائه وقال‬
‫هلم‪ :‬إن أفضل األصحاب من حض الصاحب عىل املكارم وهناه عن ارتكاب‬
‫املآثم‪ ،‬وحسن لصاحبه أن جيازي اإلحسان بضعفه واإلساءة بصفحه‪ ،‬وأنا‬
‫إذا جازينا من أساء لنا بمثل ما أساء فأين موقع الشكر عىل النعمة فيام أتيح‬
‫من الظفر؟! إنه ينبغي ملن حرض جمالس امللوك أن يمسك إال عن قول سديد‬
‫وأمر رشيد‪ ،‬فإن ذلك أدوم للنعمة وأمجع لأللفة‪ ،‬إن اهلل تعاىل يقول‪[ :‬ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫[نهاية األرب ‪]63/6‬‬ ‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ]‪.‬‬
‫‪‬‬

‫جار ببغداد‪ ،‬كنا نسميه‬


‫قال إسحاق بن أمحد القطان البغدادي‪ :‬كان لنا ٌ‬
‫طبيب القراء‪ ،‬وكان يتفقد الصاحلني ويتعاهدهم‪ ،‬فقال يل‪ :‬دخلت يو ًما عىل‬
‫مكروب‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لك يا أبا عبد اهلل؟ قال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫أمحد بن حنبل فإذا هو مغمو ٌم‬
‫خري‪ ،‬قلت‪ :‬وما اخلري؟ قال‪ :‬امتحنت بتلك املحنة حتى رضبت ثم عاجلوين‬
‫عيل من ذلك الرضب‪،‬‬
‫وبرأت إال أنه بقي يف صلبي موضع يوجعني هو أشدّ ّ‬
‫قلت‪ :‬اكشف يل عن صلبك‪ ،‬فكشف يل‪ ،‬فلم أر فيه إال أثر الرضب فقط‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫العفـــو‬

‫فخرجت من عنده‬
‫ُ‬ ‫فقلت‪ :‬ليس يل بذي معرف ٌة‪ ،‬ولكن سأستخرب عن هذا‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬أدخل‬
‫ُ‬ ‫أتيت صاحب احلبس‪ ،‬وكان بيني وبينه ُ‬
‫فضل معرفة‪،‬‬ ‫حتى ُ‬
‫ٍ‬
‫حاجة‪ ،‬قال‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت ومجعت فتياهنم‪ ،‬وكان معي درهيامت‬ ‫احلبس يف‬
‫فرقتها عليهم‪ ،‬وجعلت أحدّ ثهم حتى أنسوا يب‪ ،‬ثم قلت‪ :‬من منكم رضب‬
‫ٍ‬
‫واحد منهم أنه أكثرهم رض ًبا‬ ‫أكثر؟ فأخذوا يتفاخرون حتى اتّفقوا عىل‬
‫فقلت له‪ :‬أسألك عن يشء‪ ،‬فقال‪ :‬هات‪ ،‬فقلت‪ :‬شيخ‬ ‫ُ‬ ‫ربا‪،‬‬
‫وأشدّ هم ص ً‬
‫ضعيف ليس صناعته كصناعتكم ضرُ ِ َب عىل اجلوع للقتل سيا ًطا يسرية‬
‫إال أنه مل َي ُم ْت وعاجلوه وبرأ إال أن موض ًعا يف صلبه يوجعه وج ًعا ليس له‬
‫عليه صرب‪ ،‬فضحك‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لك؟ قال‪ :‬الذي عاجله كان حائكًا‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫أيش اخلرب؟ قال‪ :‬ترك يف صلبه قطعة حلم ميتة مل يقلعها‪ ،‬قلت‪ :‬فام احليلة؟‬
‫قال‪ّ :‬‬
‫يبط صلبه وتؤخذ تلك القطعة ويرمى هبا‪ ،‬وإن تركت بلغت إىل فؤاده‬
‫فدخلت عىل أمحد بن حنبل فوجدتُه عىل حالته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فخرجت من احلبس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فقتلته‪،‬‬
‫فقصصت عليه القصة‪ ،‬قال‪ :‬ومن يبطه؟ قلت‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪ :‬أوتفعل؟ قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫نعم‪ ،‬فقام فدخل البيت‪ ،‬ثم خرج وبيده خمدتان‪ ،‬وعىل كتفه فوطة‪ ،‬فوضع‬
‫فكشفت الفوطة‬
‫ُ‬ ‫إحدامها يل واألخرى له‪ ،‬ثم قعد عليها وقال‪ :‬استخر اهلل‪،‬‬
‫عن صلبه وقلت‪ :‬أرين موضع الوجع‪ ،‬فقال‪ :‬ضع إصبعك عليه‪ ،‬فإين أخربك‬
‫به‪ ،‬فوضعت إصبعي وقلت‪ :‬هاهنا موضع الوجع؟ قال‪ :‬ههنا أمحد اهلل عىل‬
‫العافية‪ ،‬فقلت‪ :‬هاهنا؟ قال‪ :‬هاهنا أمحد اهلل عىل العافية‪ ،‬فقلت‪ :‬هاهنا؟ قال‪:‬‬
‫هاهنا أسأل اهلل العافية‪ ،‬فعلمت أنه موضع الوجع‪ ،‬فوضعت املبضع عليه‪،‬‬
‫أحس بحرارة املبضع وضع يده عىل رأسه‪ ،‬وجعل يقول‪ :‬اللهم اغفر‬
‫فلام ّ‬

‫‪107‬‬
‫العفـــو‬

‫وشددت العصابة‬
‫ُ‬ ‫ورميت هبا‬
‫ُ‬ ‫فأخذت القطعه امليتة‬
‫ُ‬ ‫للمعتصم‪ ،‬حتى بططته‬
‫عليه‪ ،‬وهو ال يزيد عىل قوله‪ :‬اللهم اغفر للمعتصم‪ ،‬ثم هدأ وسكن‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫كنت مع َّل ًقا فأصدرت‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل إن الناس إذا امتحنوا حمن ًة‬
‫كأين ُ‬
‫دعوا عىل من ظلمهم‪ ،‬ورأيتك تدعو للمعتصم؟ قال‪ :‬إين أفكرت فيام تقول‪،‬‬
‫وهو ابن عم رسول اهلل ‪ ،H‬فكرهت أن آيت يوم القيامة وبيني وبني‬
‫[روضة العقالء ص‪]165-164‬‬ ‫حل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أحد من قرابته خصوم ٌة‪ ،‬هو مني يف ٍّ‬
‫‪‬‬

‫ملا أفضت اخلالفة إىل بني العباس كان من مجلة من اختفى إبراهيم بن‬
‫سليامن بن عبد امللك فلم يزل خمتف ًيا إىل أن أضناه وأضجره االختفاء‪ُ ،‬فأخذ‬
‫مكثت زمانًا طويلاً خمتف ًيا فحدثني بأعجب‬
‫َ‬ ‫له أمان من السفاح‪ ،‬فقال له‪ :‬لقد‬
‫ما رأيت يف اختفائك؛ فإهنا كانت أيام تكدير‪ .‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬وهل‬
‫ُسمع بأعجب من حديثي؟ لقد كنت خمتف ًيا يف منزل أنظر منه إىل البطحاء‪،‬‬
‫فبينام أنا عىل مثل ذلك وإذا بأعالم سود قد خرجت من الكوفة تريد احلرية‪،‬‬
‫متنكرا حتى أتيت الكوفة من‬
‫ً‬ ‫فوقع يف ذهني أهنا خرجت تطلبني‪ ،‬فخرجت‬
‫غري الطريق وأنا واهلل متحري وال أعرف هبا أحدً ا‪ ،‬وإذا أنا بباب كبري يف رحبة‬
‫منيعة‪ ،‬فدخلت يف تلك الرحبة فوقفت قري ًبا من الدار وإذا برجل حسن‬
‫فرسا ومعه مجاعة من أصحابه وغلامنه‪ ،‬فدخل الرحبة‬
‫اهليئة وهو راكب ً‬
‫فرآين واق ًفا مرتا ًبا فقال يل‪ :‬ألك حاجة؟ قلت‪ :‬غريب خائف من القتل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ادخل فدخلت إىل حجرة يف داره‪ ،‬فقال‪ :‬هذه لك‪ ،‬وهيأ يل ما أحتاج إليه من‬
‫فرش وآنية ولباس وطعام ورشاب‪ ،‬وأقمت عنده‪ ،‬وواهلل ما سألني قط من‬

‫‪108‬‬
‫العفـــو‬

‫أنا وال ممن أخاف؟ وهو يف أثناء ذلك يركب يف كل يوم ويعود تع ًبا متأس ًفا‬
‫كأنه يطلب شي ًئا فاته ومل جيده‪ ،‬فقلت له يو ًما‪ :‬أراك تركب يف كل يوم وتعود‬
‫تع ًبا متأس ًفا كأنك تطلب شي ًئا فاتك؟ فقال يل‪ :‬إن إبراهيم بن سليامن بن عبد‬
‫امللك قتل أيب وقد بلغني أنه خمتف من السفاح‪ ،‬وأنا أطلبه لعيل أجده وآخذ‬
‫بثأري منه‪.‬‬
‫فتعجبت واهلل يا أمري املؤمنني من هريب وشؤم بختي الذي ساقني إىل‬
‫منزل رجل يريد قتيل ويطلب ثأره مني‪ ،‬فكرهت احلياة واستعجلت املوت‬
‫ملا نالني من الشدة‪ ،‬فسألت الرجل عن اسم أبيه وعن سبب قتله‪ ،‬فعرفني‬
‫صحيحا‪ ،‬فقلت‪ :‬يا هذا قد وجب عيل حقك‪ ،‬وإن من حقك‬
‫ً‬ ‫اخلرب فوجدته‬
‫أن أدلك عىل قاتل أبيك وأقرب إليك اخلطوة وأسهل عليك ما ب ُعد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أتعلم أين هو؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬أين هو؟ فقلت‪ :‬واهلل هو أنا فخذ بثأرك‬
‫مني‪ ،‬فقال يل‪ :‬أظن أن االختفاء أضناك فكرهت احلياة‪ ،‬قلت‪ :‬نعم واهلل أنا‬
‫قتلته يوم كذا وكذا‪ ،‬فلام علم صدقي تغري لونه وامحرت عيناه وأطرق رأسه‬
‫ساعة ثم رفع رأسه إ ّيل وقال يل‪ :‬أما أيب فسيلقاك غدً ا يوم القيامة فيحاكمك‬
‫خمفرا ذمتي وال مضي ًعا نزييل‪،‬‬
‫عند من ال ختفى عليه خافية‪ ،‬وأما أنا فلست ً‬
‫اخرج عني فإين ال آمن من نفيس عليك بعد هذا اليوم‪ ،‬ثم وثب يا أمري املؤمنني‬
‫إىل صندوق فأخرج منه رصة فيها مخسامئة دينار وقال‪ :‬خذ هذه واستعن هبا‬
‫عىل اختفائك‪ ،‬فكرهت أخذها وخرجت من عنده وهو أكرم رجل رأيت‪.‬‬
‫[املنتظم ‪]127/1‬‬ ‫فبقي السفاح هيتز طر ًبا ويتعجب‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الأخالق احل�سنة‬

‫األخالق احلسنــة‬

‫عن حبيب بن أيب ثابت أن احلارث بن ِهشام وعكرمة بن أيب جهل‬


‫وع ّياش بن أيب ربيعة ‪ M‬خرجوا يوم الريموك حتى ا ْن َبتُّوا‪ ،‬فدعا احلارث‬
‫ابن هشام ٍ‬
‫بامء ليرشبه‪ ،‬فنظر إليه عكرم ُة فقال‪ :‬ادفعه إىل عكرم َة‪ ،‬فنظر إليه‬
‫ع ّياش فقال عكرمة‪ :‬ادفعه إىل ع ّياش‪ ،‬فام وصل إىل ع ّي ٍ‬
‫اش حتى مات‪،‬‬

‫[عيون األخبار ‪]390/1‬‬ ‫َ‬


‫حديث الكرام‪.‬‬ ‫فس ِّمي هذا‬
‫وال عاد إليهم حتى ماتوا‪ُ ،‬‬
‫‪‬‬

‫كان أسامء بن خارجة الفزاري سيدَ أهل الكوفة‪ ،‬فقال له يو ًما عبد امللك‬
‫ابن مروان‪ :‬ما أشياء تبلغني عنك يا أسامء؟ فقال‪ :‬حيدِّ ثك غريي عني يا أمري‬
‫فأحب أن أسم َعها منك يا أسامء‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫املؤمنني‪ .‬فقال له عبد امللك‪ :‬وعىل ذلك‬
‫ٍ‬
‫جليس ُّ‬
‫قط خمافة أن‬ ‫مددت رجيل بني يدي‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬يا أمري املؤمنني‪ :‬ما‬

‫قط حاج ًة فكان أك ُ‬


‫رب مهي من الدنيا‬ ‫يرى أنيِّ تكبرَّ ُت عليه‪ ،‬وال سألني ٌ‬
‫رجل ُّ‬
‫قط عندي أكل ًة إال كان له الفضل عيل أيام‬ ‫إال قضا َء حاجتِه‪ ،‬وال أكل ٌ‬
‫رجل ُّ‬
‫العفو عنه‪ .‬فقال عبد‬ ‫ٍ‬
‫بمظلمة إال رأيت عقوبتَه‬ ‫حيايت‪ ،‬وال ظلمني ٌّ‬
‫رجل قط‬
‫َ‬
‫امللك‪ :‬حس ُبك هبذا رش ًفا يا أسامء‪ ،‬ثم أنشد عبد امللك يقول‪:‬‬
‫ْ‬
‫مطرت على األرض السما ُء‬ ‫فال‬ ‫حصن‬
‫ٍ‬ ‫إذا م��ا م���ات خ��ارج��ة ب��ن‬
‫وال محلت على الطهر النساء‬ ‫وال رج����ع ال����وف����و ُد ب��غ��ن��م عيش‬

‫‪110‬‬
‫الأخالق احل�سنة‬

‫ك����ث��ي�ر ح�����وهل�����م ن����ع����م وش������اء‬ ‫ل����ي����وم م����ن����ك خ��ي��ر م�����ن أن�����اس‬


‫إذا ذك�����روا وحن����ن ل���ك الفداء‬ ‫ف����ب����ورك يف ب��ن��ي��ك ويف بنيهم‬
‫[عني األدب والسياسة ص‪]117-116‬‬

‫‪‬‬

‫قال حممد بن منصور‪ :‬كنا يف جملس أيب عبد اهلل حممد بن إسامعيل‬
‫‪-‬يعني البخاري‪ ،-‬فرفع إنسان من حليته قذاة فطرحها عىل األرض‪ ،‬فرأيت‬
‫حممد بن إسامعيل ينظر إليها وإىل الناس‪ ،‬فلام غفل الناس رأيته مدّ يده فرفع‬
‫القذاة من األرض فأدخلها يف كمه‪ ،‬فلام خرج من املسجد رأيته أخرجها‬
‫[تاريخ بغداد ‪]331/2‬‬ ‫فطرحها عىل األرض‪.‬‬
‫‪‬‬

‫زائرا له‪،‬‬
‫قال خارجة بن زيد النحوي‪ :‬دخلت عىل حممد بن سريين بيته ً‬
‫جالسا باألرض‪ ،‬فألقى إ ّيل وسادة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إين قد رضيت لنفيس‬
‫ً‬ ‫فوجدته‬
‫ما رضيت لنفسك‪ ،‬فقال‪ :‬إين ال أرىض لك يف بيتي ما أرىض به لنفيس‪،‬‬
‫واجلس حيث تؤمر‪ ،‬فلعل الرجل يف بيته يشء يكره أن تستقبله‪.‬‬
‫[بهجة املجالس ‪]258/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو عبيدة‪ :‬كان املهدي يصيل بنا الصلوات يف املسجد اجلامع‬
‫بالبرصة ملا قدمها‪ ،‬فأقيمت الصالة يو ًما فقال أعرايب‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬لست‬
‫عىل طهر وقد رغبت إىل اهلل يف الصالة خلفك‪ ،‬فأ ُمر هؤالء ينتظروين‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫الأخالق احل�سنة‬

‫انتظروه رمحكم اهلل‪ ،‬ودخل املحراب ووقف إىل أن قيل له‪ :‬قد جاء الرجل‬
‫[املنتظم ‪]214/8‬‬ ‫فكبرّ ‪ ،‬فتعجب الناس من سامحة أخالقه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو عبد اهلل حممد بن أمحد القايض‪ :‬حرضت جملس موسى بن‬
‫ست وثامنني ومائتني‪ ،‬فتقدمت امرأة‪ ،‬فادعى‬
‫بالري سنة ٍّ‬
‫ّ‬ ‫إسحاق القايض‬
‫مهرا فأنكر‪ ،‬فقال القايض‪ :‬شهودك‪ ،‬قال‪ :‬قد‬
‫ول ّيها عىل زوجها مخسامئة دينار ً‬
‫أحرضهتم‪ ،‬فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إىل املرأة ليشري إليها يف شهادته‪،‬‬
‫فقام الشاهد وقال للمرأة‪ :‬قومي! فقال الزوج‪ :‬تفعلون ماذا؟ قال الوكيل‪:‬‬
‫ينظرون إىل امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها‪ ،‬فقال الزوج‪:‬‬
‫عيل هذا املهر الذي تدّ عيه وال يسفر عن وجهها‪،‬‬
‫فإين أشهد القايض أن هلا ّ‬
‫فأخربت املرأة بام كان من زوجها‪ ،‬فقالت‪ :‬فإين أشهد القايض أين قد وهبت‬
‫له هذا املهر‪ ،‬وأبرأته منه يف الدنيا واآلخرة! فقال القايض‪ :‬يكتب هذا يف‬
‫[املنتظم ‪]403/12‬‬ ‫مكارم األخالق‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫بر الوالدين و�صلة الرحم‬

‫بـر الوالدين وصلة الرحم‬

‫كان ابن عمر ‪ L‬يطوف بالبيت فرأى رجلاً يطوف بالبيت حاملاً‬
‫أمه وهو يقول‪:‬‬
‫إن ذع������رت رك���اب���ه���ا مل أذع����� ْر‬ ‫�����ع��ي��ره�����ا امل������ذل ْ‬
‫������ل‬ ‫إن���������ي هل�������ا ب ُ‬
‫أمحلها ما محلتين أكث ْر‬

‫أو قال‪ :‬أطول‪ .‬أتراين يا ابن عمر جزيتها؟ قال‪« :‬ال وال زفرة واحدة»‪.‬‬
‫[أخبار مكة للفاكيه ‪]312/1‬‬

‫‪‬‬

‫كان عبد اهلل بن عمر ‪ L‬إذا خرج إىل مكة كان له محار يرتوح عليه‬
‫إذا مل ركوب الراحلة وعاممة يشد هبا رأسه‪ ،‬فبينا هو يو ًما عىل ذلك احلامر‬
‫إذ مر به أعرايب فقال‪ :‬ألست ابن فالن بن فالن‪ ،‬قال‪ :‬بىل‪ ،‬فأعطاه احلامر‬
‫وقال‪ :‬اركب هذا‪ ،‬والعاممة قال‪ :‬اشدد هبا رأسك‪ ،‬فقال له بعض أصحابه‪:‬‬
‫َرو ُح عليه وعاممة كنت تَشدّ‬
‫محارا كنت ت َّ‬
‫غفر اهلل لك‪ ،‬أعطيت هذا األعرايب ً‬
‫هبا رأسك‪ ،‬فقال‪ :‬إين سمعت رسول اهلل ‪ H‬يقول‪« :‬إن من أبر الرب‬
‫صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يويل»‪ ،‬وإن أباه كان صدي ًقا لعمر‪.‬‬
‫[صحيح مسلم ‪]6/8‬‬

‫‪‬‬

‫قدم املنذر بن الزبري من العراق فأرسل إىل أسامء بنت أيب بكر بكسوة‬
‫من ثياب َم َروية و ُقوهية رقاق عتاق بعد ما ك ّ‬
‫ُف برصها‪ ،‬فلمستها بيدها ثم‬

‫‪113‬‬
‫بر الوالدين و�صلة الرحم‬

‫يشف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أف! ردوا عليه كسوته‪ ،‬فشق ذلك عليه وقال‪ :‬يا أمه‪ ،‬إنه ال‬
‫قالت‪ّ :‬‬
‫تشف فإهنا تصف‪ ،‬فاشرتى هلا ثيا ًبا مروية وقوهية فقبلتها‬
‫ّ‬ ‫قالت‪ :‬إهنا إن مل‬
‫[الطبقات الكربى ‪]199 /8‬‬ ‫وقالت‪ :‬مثل هذا فاكسني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل اخلالفة ضيعته املعروفة بالسهلة‪،‬‬
‫أمرا عظيماً هلا غلة عظيمة كثرية‪ ،‬إنام عيشه وعيش‬
‫وكانت بالياممة‪ ،‬وكانت ً‬
‫أهله منها‪ ،‬فلام وىل اخلالفة قال ملزاحم مواله ‪-‬وكان فاضلاً ‪ :-‬إنى قد عزمت‬
‫أن أرد السهلة إىل بيت مال املسلمني‪ ،‬فقال مزاحم‪ :‬أتدرى كم ولدك؟‬
‫إهنم كذا وكذا قال فذرفت عيناه‪ ،‬فجعل يستدمع ويمسح الدمعة بأصبعه‬
‫الوسطى‪ ،‬ويقول‪ :‬أكلهم إىل اهلل أكلهم إىل اهلل! فمىض مزاحم فدخل عىل‬
‫عبد امللك بن عمر‪ ،‬فقال له‪ :‬أال تعلم ما قد عزم عليه أبوك! إنه يريد أن‬
‫يرد السهلة‪ ،‬قال‪ :‬فام قلت له؟ قال‪ :‬ذكرت له ولده فجعل يستدمع ويقول‪:‬‬
‫أكلهم إىل اهلل‪ ،‬فقال عبد امللك‪ :‬بئس وزير الدين أنت! ثم وثب و انطلق إىل‬
‫أبيه‪ ،‬فقال لآلذن‪ :‬استأذن يل عليه‪ ،‬فقال‪ :‬إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬استأذن يل عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أما ترمحونه! ليس له من الليل والنهار إال هذه‬
‫الساعة‪ .‬قال‪ :‬استأذن يل عليه ال أم لك! فسمع عمر كالمهام‪ ،‬فقال‪ :‬ائذن‬
‫لعبد امللك‪ ،‬فدخل فقال‪ :‬عىل ماذا عزمت؟ قال‪ :‬أرد السهلة‪ ،‬قال‪ :‬فال تؤخر‬
‫ذلك‪ ،‬قم اآلن‪ ،‬فجعل عمر يرفع يديه ويقول‪ :‬احلمد هلل الذى جعل يل من‬
‫ذريتي من يعينني عىل أمر ديني‪ .‬قال‪ :‬نعم يا بني‪ ،‬أصىل الظهر ثم أصعد املنرب‬

‫‪114‬‬
‫بر الوالدين و�صلة الرحم‬

‫فأردها عالني ًة عىل رؤوس الناس‪ ،‬قال‪ :‬ومن لك أن تعيش إىل الظهر؟ ثم من‬
‫لك أن تسلم نيتك إىل الظهر إن عشت إليها؟ فقام عمر فصعد املنرب‪ ،‬فخطب‬
‫[تاريخ دمشق ‪]180-179/45‬‬ ‫الناس ورد السهلة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫سمعت عبد اهلل بن أيب موسى التسرتي يقول‪ :‬قيل‬


‫ُ‬ ‫قال بقية بن الوليد‪:‬‬
‫يل‪ :‬حيث ما كنت فكن من قرب فقيه‪ ،‬فأتيت بريوت إىل األوزاعي‪ ،‬فبينام أنا‬
‫عنده إذ سألني عن أمري فأخربته‪ ،‬قال‪ :‬وكان أسلم‪ ،‬فقال يل‪ :‬ألك أب؟‬
‫قلت‪ :‬نعم تركته بالعراق جموس ًّيا‪ ،‬قال‪ :‬فهل لك أن ترجع إليه لعل اهلل أن‬
‫مريضا‪،‬‬
‫هيديه عىل يديك؟ قلت‪ :‬ترى يل ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأتيت أيب فوجدته ً‬
‫أسلمت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فقال يل‪ :‬يا بني أي يشء أنت عليه؟ وساءله عن أمره‪ ،‬فأخربته أين‬
‫عيل دينك‪ ،‬فأخربته باإلسالم وأهله‪ ،‬قال‪ :‬فإين أشهد أين قد‬
‫فقال يل‪ :‬اعرض َّ‬
‫ورجعت إىل األوزاعي فأخربته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أسلمت‪ ،‬فامت يف مرضه ذلك‪ ،‬فدفنتُه‬
‫ُ‬
‫[تاريخ دمشق ‪]230/33‬‬

‫‪‬‬

‫كان رجل له أربعة بنني فمرض فقال أحدهم‪ :‬إما أن مترضوه وليس‬
‫مرضه‬
‫لكم من مرياثه يشء وإما أن أمرضه وليس يل من مرياثه يشء‪ ،‬قالوا‪ِّ :‬‬
‫وليس لك من مرياثه يشء‪ .‬فمرضه حتى مات ومل يأخذ من مرياثه شي ًئا‪ ،‬فأيت‬
‫يف النوم فقيل له‪ :‬ائت مكان كذا وكذا فخذ منه مائة دينار‪ .‬فقال يف نومه‪:‬‬
‫أفيها بركة؟ قالوا‪ :‬ال‪ .‬فأصبح‪ ،‬فذكر ذلك المرأته فقالت امرأته‪ :‬خذها فإن‬
‫من بركتها أن نكتيس منها ونعيش منها‪ ،‬فأبى‪ ،‬فلام أمسى أيت يف النوم فقيل‬

‫‪115‬‬
‫بر الوالدين و�صلة الرحم‬

‫له‪ :‬ائت مكان كذا وكذا فخذ منه عرشة دنانري فقال‪ :‬أفيها بركة؟ قالوا‪ :‬ال‪.‬‬
‫فلام أصبح قال ذلك المرأته فقالت له مثل مقالتها األوىل‪ ،‬فأبى أن يأخذها‪،‬‬
‫دينارا فقال‪ :‬أفيه‬
‫فأيت يف الليلة الثالثة فقيل له‪ :‬ائت مكان كذا وكذا فخذ منه ً‬
‫بركة؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فذهب فأخذه ثم ذهب به إىل السوق‪ ،‬فإذا هو برجل حيمل‬
‫حوتني‪ ،‬فقال‪ :‬بكم مها؟ قال‪ :‬بدينار‪ .‬فأخذمها منه بدينار ثم انطلق هبام فلام‬
‫دخل بيته شق بطنهام فوجد يف بطن كل واحدة منهام درة مل ير الناس مثلهام‪.‬‬
‫فبعث امللك يطلب درة يشرتهيا فلم توجد إال عنده فباعها بوقر ثالثني بغلاً‬
‫ذه ًبا‪ ،‬فلام رآها امللك قال‪ :‬ما تصلح هذه إال بأخت‪ ،‬اطلبوا أختها وإن‬
‫أضعفتم‪ ،‬فجاءوه فقالوا‪ :‬أعندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قال‪:‬‬
‫وتفعلون؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فأعطاهم إياها بضعف ما أخذوا األوىل‪.‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]7 /4‬‬

‫‪‬‬

‫قاص يقال له‬


‫قال حجر بن عبد اجلبار احلرضمي‪ :‬كان يف مسجدنا ّ‬
‫زرعة‪ ،‬فنسب مسجدنا إليه وهو مسجد احلرضميني‪ ،‬فأرادت أم أيب حنيفة‬
‫أن تستفتي يف ٍ‬
‫يشء‪ ،‬فأفتاها أبو حنيفة فلم تقبل‪ ،‬فقالت‪ :‬ال أقبل إال ما يقول‬
‫القاص‪ ،‬فجاء هبا أبو حنيفة إىل زرعة فقال‪ :‬هذه أمي تستفتيك يف كذا‬
‫ّ‬ ‫زرعة‬
‫وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬أنت أعلم مني وأفقه فأفتها أنت‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬قد أفتيتها‬
‫بكذا وكذا‪ ،‬فقال زرعة‪ :‬القول كام قال أبو حنيفة‪ ،‬فرضيت وانرصفت‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]501/15‬‬

‫‪116‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫النســـاء‬

‫قال أسلم موىل عمر بن اخلطاب بينا أنا مع عمر ‪ I‬وهو يعس‬
‫باملدينة إذ أعيا فاتكأ عىل جانب جدار يف جوف الليل‪ ،‬فإذا امرأة تقول البنتها‬
‫قومي إىل ذلك اللبن فامذقيه باملاء‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أمتاه‪ ،‬وما علمت ما كان من‬
‫عزمة أمري املؤمنني اليوم؟ قالت‪ :‬وما كان من عزمته؟ قالت‪ :‬إنه أمر مناد ًيا‬
‫فنادى ال يشاب اللبن باملاء‪ ،‬فقالت هلا‪ :‬يا ابنتاه‪ ،‬قومي إىل اللبن فامذقيه‬
‫باملاء؛ فإنك يف موضع ال يراك عمر وال منادي عمر‪ ،‬فقالت الصبية‪ :‬واهلل‬
‫وعمر يسمع ّ‬
‫كل ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ما كنت ألطيعه يف املأل وأعص َيه يف اخلالء‪،‬‬
‫يا أسلم ع ِّلم الباب واعرف املوضع‪ ،‬ثم مىض يف َع ِّسه‪ ،‬فلام أصبح قال‪:‬‬
‫يا أسلم امض إىل املوضع فانظر من القائلة؟ ومن املقول هلا؟ وهل هلم من‬
‫بعل؟ فأتيت املوضع فإذا أ ِّيم ال بعل هلا‪ ،‬وإذا تيك أ ُّمها‪ ،‬وإذا ليس هلم رجل‪،‬‬
‫فأتيت عمر بن اخلطاب فأخربته‪ ،‬فدعا عمر ولده فجمعهم فقال‪ :‬هل فيكم‬
‫ُ‬
‫أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إىل النساء ما سبقه منكم‬
‫من حيتاج إىل امرأة ِّ‬
‫أحد إىل هذه اجلارية! فقال عبد اهلل‪ :‬يل زوجة‪ ،‬وقال عبد الرمحن‪ :‬يل زوجة‪،‬‬
‫فزوجها من‬
‫وقال عاصم‪ :‬يا أبتاه ال زوجة يل فزوجني‪ ،‬فبعث إىل اجلارية َّ‬
‫عاصم‪ ،‬فولدت لعاصم بنتًا ولدت عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫[تاريخ دمشق ‪]253 /70‬‬

‫‪‬‬

‫‪117‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل‬ ‫‪I‬‬ ‫خطب عمر بن اخلطاب‬


‫‪ ...J‬فقالت‪ :‬أنا أشرتط عليه ثال ًثا أال يرضبني وال يمنعني من احلق‬
‫وال يمنعني عن الصالة يف مسجد رسول اهلل ‪ H‬العشاء اآلخرة‪،‬‬
‫فتزوجها‪ ...‬فلبثت عنده حتى أصيب‪ ...‬فلام انقضت عدهتا خطبها الزبري بن‬
‫العوام‪ ،‬فقالت له‪ :‬نعم‪ ،‬إن اشرتطت يل الثالث اخلصال التي اشرتطتها عىل‬
‫لك ذلك‪ ،‬فتزوجها‪ ،‬فلام أرادت أن خترج إىل العشاء شق ذلك‬‫عمر‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬

‫عىل الزبري‪ ،‬فلام رأت ذلك قالت‪ :‬ما شئت؟ أتريد أن متنعني؟ فلام عيل صربه‬
‫خرجت ليلة إىل العشاء فسبقها الزبري فقعد هلا عىل الطريق من حيث ال تراه‪،‬‬
‫مر ْت جلس خلفها فرضب بيده عىل عجزها فنفرت من ذلك ومضت‪،‬‬
‫فلام ّ‬
‫فلام كانت الليلة املقبلة سمعت األذان فلم تتحرك‪ ،‬فقال هلا الزبري‪ :‬ما لك؟‬
‫[اتلمهيد ‪]405 /23‬‬ ‫هذا األذان قد جاء‪ ،‬فقالت‪ :‬فسد الناس‪ ،‬ومل خترج بعد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عن أنس ‪ I‬أن أبا طلحة خطب أم سليم ‪ ،J‬فقالت‪ :‬يا أبا‬
‫ألست تعلم أن إهلك الذي تعبده خشب ٌة نبتت من األرض ن ََج َرها‬
‫َ‬ ‫طلحة‪،‬‬
‫حبيش بني فالن؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قالت‪ :‬أفال تستحيي أن تعبد خشبة من نبات‬
‫ُّ‬
‫األرض نجرها حبيش بني فالن؟ لئن أنت أسلمت مل ُأ ِرد منك من الصداق‬
‫غريه‪ ،‬قال‪ :‬حتى أنظر يف أمري‪ ،‬فذهب ثم جاء فقال‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫زوج أبا طلحة‪ .‬قال ثابت‪ :‬فام سمعنا‬
‫وأن حممدً ا رسول اهلل‪ .‬قالت‪ :‬يا أنس ّ‬
‫[صفة الصفوة ‪]427/2‬‬ ‫قط كان أكرم من َمهر أم سليم‪ :‬اإلسالم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بمهر ُّ‬
‫‪‬‬

‫‪118‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫سبا الروم نساء مسلامت فبلغ اخلرب الرقة وهبا الرشيد ومنصور بن‬
‫عامر هناك‪ ،‬فقص منصور حيض عىل الغزو‪ ،‬فإذا خرقة مرصورة خمتومة قد‬
‫طرحت إىل منصور‪ ،‬وإذا كتاب مضموم إىل الرصة فقرأه فإذا فيه‪ :‬إين امرأة‬
‫من بيوتات العرب‪ ،‬بلغني ما فعل الروم باملسلامت‪ ،‬وبلغني حتضيضك‬
‫عىل الغزو‪ ،‬فعمدت إىل أكرم يشء يف بدين عيل‪ ،‬ومها ذؤابتاي‪ ،‬فجززهتام‬
‫ورصرهتام يف هذه الرصة املختومة‪ ،‬فأنشدك باهلل العظيم ملا جعلتهام قيد فرس‬
‫غاز يف سبيل اهلل‪ّ ،‬‬
‫فعل اهلل ينظر إ َّيل نظرة عىل تلك احلال فريمحني‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫[اجلليس الصالح الاكيف ‪]634/1‬‬ ‫الرشيد فبكى ونادى النفري‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال الشعبي‪ :‬قال لنا رشيح القايض‪ :‬يا شعبي‪ ،‬عليكم بنساء بني متيم؛‬
‫فإهنن النساء‪ ،‬قلنا‪ :‬وكيف ذاك يا أبا أمية؟ فقال‪ :‬رجعت يو ًما من جنازة‬
‫متطهرا‪ ،‬فمررت بخباء فإذا بعجوز معها جارية رؤود فاستسقيت فقالت‪:‬‬
‫ً‬
‫اللبن أعجب إليك أم ماء أم نبيذ؟ قلت‪ :‬اللبن أعجب إ ّيل‪ ،‬قالت‪ :‬يا بنية‪،‬‬
‫قلت‪ :‬من هذه اجلارية؟‬
‫اسقيه لبنًا فإين أظنه غري ًبا فسقتني‪ ،‬فلام رشبت ُ‬
‫قالت‪ :‬هذه ابنتي زينب بنت ُحدير إحدى نساء بني متيم ثم من بني حنظلة‬
‫ُفؤا‪ ،‬فانرصفت‬
‫ثم من بني طهية‪ ،‬قلت‪ :‬أتزوجينيها؟ قالت‪ :‬نعم إن كنت ك ً‬
‫وجهت إىل إخواين الثقات‬
‫إىل منزيل فامتنعت من القائلة‪ ،‬فلام صليت الظهر ّ‬
‫مرسوق بن األجدع واألسود بن يزيد‪ ،‬فصليت العرص ثم رحلت إىل عمها‬
‫أحق بمجلسك‬
‫تنحى يل عن جملسه فقلت‪ :‬أنت ّ‬
‫وهو يف مسجده‪ ،‬فلام رآين ّ‬
‫ونحن طالبو حاجة‪ ،‬فقال‪ :‬مرح ًبا بك يا أبا أمية‪ ،‬ما حاجتك؟ فقلت‪ :‬إين‬

‫‪119‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫ذكرت زينب بنت أخيك‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما هبا عنك رغب ٌة وال بك عنها مقرص‪،‬‬
‫وتكلمت فزوجني ثم انرصفت‪ ،‬فام وصلت إىل منزيل حتى ندمت فقلت‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ال أمجع‬
‫ماذا صنعت بنفيس!؟ فهممت أن أرسل إليها بطالقها‪ ،‬ثم ُ‬
‫محقتني ولكني أضمها إ ّيل فإن رأيت ما ُأ ِحب محدت اهلل‪ ،‬وإن تكن األخرى‬
‫طلقتها‪ ،‬فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها‪ ،‬فلام أهديت إ ّيل وقام النساء عنها‬
‫قلت‪ :‬يا هذه ّ‬
‫إن من السنة إذا أهديت املرأة إىل زوجها أن تصيل ركعتني خلفه‬
‫ويسأال اهلل الربكة‪ ،‬فقمت أصيل فإذا هي خلفي‪ ،‬فلام فرغت رج َعت إىل مكاهنا‬
‫ورب الكعبة‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ومددت يدي‪ ،‬فقالت‪ :‬عىل رسلك فقلت‪ :‬إحداهن ِّ‬
‫احلمد هلل وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله‪ ،‬أما بعد فإين امرأ ٌة غريبة‪ ،‬وال واهلل‬
‫ما ركبت مرك ًبا هو أصعب عيل من هذا‪ ،‬وأنت رجل ال أعرف أخالقك‬
‫ِ‬
‫أزدج ْر عنه‪ ،‬أقول قويل هذا وأستغفر اهلل يل‬ ‫فخبرِّ ين بام حتب آته وبام تكره‬
‫ِ‬
‫قدمت عىل‬ ‫ولك‪ ،‬فقلت‪ :‬احلمد هلل وصىل اهلل عىل حممد وآله‪ ،‬أما بعد فقد‬
‫زوجك سيد رجاهلم‪ ،‬وأنت إن شاء اهلل سيدة نسائهم‪ ،‬أحب كذا‬ ‫دار ُ‬ ‫أهل ٍ‬
‫وأكره كذا‪ ،‬قالت‪ :‬فحدثني عن أختانك أحتب أن يزوروك؟ قلت‪ :‬إين رجل‬
‫قاض وأكره أن َي َم ُّلوين وأكره أن ينقطعوا عني‪ ،‬فأقمت معها سنة أنا كل يوم‬
‫رسورا مني باليوم الذي مىض‪ ،‬فرجعت يو ًما من جملس القضاء فإذا‬
‫ً‬ ‫أشد‬
‫عجوز تأمر وتنهى يف منزيل‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذه يا زينب؟ قالت‪ :‬هذه ختنتك‪،‬‬
‫هذه أمي‪ ،‬قلت‪ :‬كيف حالك يا هذه؟ قالت‪ :‬كيف حالك يا أبا أمية؟ وكيف‬
‫رأيت أهلك؟ قلت‪ :‬كل اخلري‪ ،‬قالت‪ :‬إن املرأة ال تكون أسوأ خل ًقا منها يف‬
‫َ‬
‫ريب‬
‫حالتني إذا ولدت غال ًما وإذا حظيت عند زوجها‪ ،‬فإن رابك من أهلك ٌ‬

‫‪120‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫فالسوط‪ ،‬قلت‪ :‬أشهد أهنا ابنتك‪ ،‬قد كفيتني الرياضة وأحسنت األدب‪.‬‬
‫فكانت جتيئني يف كل حول مرة فتويص هبذه الوصية ثم تنرصف‪ ،‬فأقمت‬
‫معها عرشين سنة ما غضبت عليها يو ًما وال ليلة إال يو ًما وكنت هلا ظالـماً ‪،‬‬
‫فعجلت عن قتلها فكفأت‬
‫ُ‬ ‫وأبرصت عقر ًبا‬
‫ُ‬ ‫وذلك أين ركعت ركعتي الفجر‬
‫فعجلت إليه‬
‫ْ‬ ‫عليها اإلناء وبادرت إىل الصالة وقلت‪ :‬يا زينب إياك واإلناء‪،‬‬
‫فحركته فرضبتها العقرب‪ ،‬ولو رأيتني يا شعبي وأنا َأ َم ّ‬
‫ص إصبعها وأقرأ‬
‫عليها املعوذتني‪.‬‬

‫يقرع ُم َر َّيته‪ ،‬فعند ذلك‬


‫وكان يل جار يقال له قيس بن جرير ال يزال ِّ‬
‫أقول‪:‬‬
‫فش َّل ْت مييين حني أض��رب زينبا‬
‫ُ‬ ‫رأي���ت رج����الاً ي��ض��رب��ون نساءهم‬

‫وأنا الذي أقول‪:‬‬


‫زواره����������ا‬ ‫ح����ش����دت وأك�������رم ُ‬
‫�������ت َّ‬ ‫إذا زي������ن������ب زاره�������������ا أه���� ُل����ه����ا‬
‫وإن مل ي���ك���ن ل����ي ه�����وى داره�����ا‬ ‫وإن ه�������ي زارت���������ه��������� ُم زرت�����ه�����ا‬

‫يا شعبي فعليك بنساء بني متيم؛ فإهنن النساء‪.‬‬


‫[تاريخ دمشق ‪]53-51/23‬‬

‫‪‬‬

‫قالت أم حسن أم ولد اإلمام أمحد‪ :‬قلت ملوالي‪ :‬ارصف فرد خلخايل‪،‬‬
‫ِ‬
‫نفسك؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فبيع بثامنية دنانري ونصف‪ ،‬وفرقها وقت‬ ‫قال‪ :‬وتطيب‬
‫رأسا‪،‬‬
‫مها‪ ،‬فقال‪ :‬اشرتي هبذا ً‬
‫محيل‪ ،‬فلام ولدت حسنًا أعطى مواليت كرامة در ً‬

‫‪121‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫فجاءت به‪ ،‬فأكلنا‪ ،‬فقال‪ :‬يا ُح ْسن‪ ،‬ما أملك غري هذا الدرهم‪ ،‬قالت‪ :‬وكان‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]332/11‬‬ ‫إذا مل يكن عنده يشء فرح يومه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال العجيل‪ :‬كانت امرأة مجيلة بمكة وكان هلا زوج‪ ،‬فنظرت يو ًما إىل‬
‫وجهها يف املرآة فقالت لزوجها‪ :‬أترى يرى أحد هذا الوجه ال يفتن به؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قالت‪ :‬من؟ قال‪ :‬عبيد بن عمري‪ ،‬قالت فأذن يل فيه فألفتننه‪ ،‬قال‪ :‬قد‬
‫أذنت لك! فأتته كاملستفتية‪ ،‬فخال معها يف ناحية من املسجد احلرام‪ ،‬قال‬
‫فأسفرت عن مثل فلقة القمر‪ ،‬فقال هلا‪ :‬يا أمة اهلل! فقالت‪ :‬إين قد فتنت بك‬
‫فانظر يف أمري‪ ،‬قال‪ :‬إين سائلك عن يشء‪ ،‬فإن صدقت نظرت يف أمرك‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ال تسألني عن يشء إال صدقتك‪ ،‬قال‪ :‬أخربيني لو أن ملك املوت‬
‫أتاك يقبض روحك أكان يرسك أين قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت‪ :‬اللهم‬
‫ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو أدخلت يف قربك فأجلست للمساءلة أكان يرسك أنى‬
‫قد قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو أن الناس‬
‫أعطوا كتبهم ال تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشاملك‪ ،‬أكان يرسك أين‬
‫قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو أردت املرور‬
‫عىل الرصاط وال تدرين تنجني أم ال تنجني كان يرسك أين قضيت لك هذه‬
‫احلاجة؟ قالت‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو جيء باملوازين وجيء بك‬
‫ال تدرين ختفني أم تثقلني كان يرسك أين قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت‪:‬‬
‫ِ‬
‫وقفت بني يدي اهلل للمساءلة كان يرسك أين‬ ‫اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو‬

‫‪122‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال اتق اهلل يا أمة‬
‫اهلل فقد أنعم اهلل عليك‪ ،‬وأحسن إليك‪ .‬قال‪ :‬فرجعت إىل زوجها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما صنعت؟ قالت‪ :‬أنت بطال ونحن بطالون‪ ،‬فأقبلت عىل الصالة والصوم‬
‫عيل زوجي‪،‬‬
‫والعبادة‪ .‬قال فكان زوجها يقول‪ :‬ما يل ولعبيد بن عمري أفسد َّ‬
‫[اثلقات للعجيل ‪]322/1‬‬ ‫عروسا فصريها راهبة‪.‬‬
‫ً‬ ‫كانت كل ليلة‬
‫‪‬‬

‫ملا ماتت أم صالح قال اإلمام أمحد المرأة عندهم‪ :‬اذهبي إىل فالنة‬
‫رجعت إليه‬
‫ُ‬ ‫ابنة عمي فاخطبيها يل من نفسها‪ ،‬قالت‪ :‬فأتيتها فأجابته‪ ،‬فلام‬
‫قال‪ :‬كانت أختها تسمع كالمك؟ وكانت بعني واحدة‪ ،‬فقلت له‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاذهبي فاخطبي تلك التي بعني واحدة‪ ،‬فأتيتها فأجابته‪ ،‬وهي أم عبد اهلل‬
‫أنكرت شي ًئا؟‬
‫َ‬ ‫ابنه‪ ،‬فأقام معها سب ًعا‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬كيف رأيت يا ابن عمي؟‬
‫[تاريخ اإلسالم ‪]95/18‬‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن نعلك هذه َتصرِ ّ ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عن ابن أيب وداعة قال‪ :‬كنت أجالس سعيدَ بن املس ِّيب‪ ،‬ففقدين أ ّيا ًما‪،‬‬
‫فاشتغلت هبا‪ ،‬فقال‪ :‬أال أخربتنا‬
‫ُ‬ ‫كنت؟ قلت‪ :‬ت ُُو ّفيت أهيل‬
‫فلام جئتُه قال‪ :‬أين َ‬
‫زوجني‬‫استحدثت امرأةً؟ فقلت‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬ومن ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫فشهدناها‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل‬
‫ِ‬
‫وما أمل ُك إال درمهني أو ثالثة؟ قال‪ :‬أنا‪ ،‬فقلت‪ :‬وتفعل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم َّ‬
‫حتمد‬
‫فقمت وما‬ ‫ٍ‬
‫ثالثة‪،‬‬ ‫وزوجني عىل درمهني أو‬
‫ُ‬ ‫وصىل عىل النبي ‪َّ H‬‬
‫وجعلت أتفكَّر فيمن أستدين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فرصت إىل منزيل‬
‫ُ‬ ‫أدري ما أصن َُع من ال َفرح‪،‬‬

‫‪123‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫مت عشائي‬
‫وكنت وحدي صائماً فقدَّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ورجعت إىل منزيل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املغرب‬
‫َ‬ ‫فص َّليت‬
‫ُأفطِر وكان ُخ ًبزا وزيتًا‪ ،‬فإذا بايب ُيقرع‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬سعيد‪،‬‬
‫اسمه سعيد إلاّ ابن املس ِّيب‪ ،‬فإنّه مل ُي َر أربعني سن ًة إال بني‬ ‫فأفكرت يف ِّ‬
‫كل َمن ُ‬ ‫ُ‬
‫فخرجت فإذا سعيد‪ ،‬فظننت أنَّه قد بدا له‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا حممد‬
‫ُ‬ ‫بيته واملسجد‪،‬‬
‫رجلاً َع َز ًبا‬
‫ُنت ُ‬
‫أحق أن تؤتى؛ إنَّك ك َ‬
‫أنت ُّ‬
‫أرسلت إ َّيل فآت َيك؟ قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫أال‬
‫تبيت الليل َة وحدَ ك‪ ،‬وهذه امرأتُك فإذا هي قائم ٌة ِمن‬
‫فكرهت أن َ‬
‫ُ‬ ‫جت‬
‫فتزو َ‬
‫َّ‬
‫خلفه يف ُطوله‪ ،‬ثم أخذ بيدها فدفعها يف الباب ور ّد الباب‪ ،‬فسقطت املرأ ُة‬ ‫ِ‬

‫وضعت القصعة يف ظِ ِّل الرساج لكي‬ ‫ُ‬ ‫فاستوثقت من الباب‪ ،‬ثم‬


‫ُ‬ ‫من احلياء‪،‬‬
‫فرميت اجلريان‪ ،‬فجاؤوين فقالوا‪ :‬ما شأنك؟‬
‫ُ‬ ‫صعدت إىل السطح‬
‫ُ‬ ‫ال تراه‪ ،‬ثم‬
‫فأخربتهُ م‪ ،‬ونزلوا إليها‪ ،‬وبلغ أ ِّمي‪ ،‬فجاءت وقالت‪ :‬وجهي من وجهك‬
‫دخلت‬
‫ُ‬ ‫فأقمت ثال ًثا ثم‬
‫ُ‬ ‫حرام إن م ِسستَها قبل أن ِ‬
‫أصل َحها إىل ثالثة أيام‪،‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ٌ‬
‫وأعلم ِهم بسن َِّة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكتاب اهلل‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫ِ‬
‫وأحفظ‬ ‫ِ‬
‫أمجل الناس‬ ‫هبا‪ ،‬فإذا هي من‬
‫شهرا ال آيت سعيدَ بن‬ ‫فمكثت ً‬
‫ُ‬ ‫بحق ٍ‬
‫زوج‪،‬‬ ‫رسول اهلل ‪ H‬وأعرفِهم ِّ‬
‫عيل السالم ومل ُيك ِّل ْمني حتى‬ ‫فسلم ُت فر َّد َّ‬
‫ْ‬ ‫املس ِّيب‪ ،‬ثم أتيتُه وهو يف ح ْلقته‪،‬‬
‫خري يا‬
‫قلت‪ٌ :‬‬ ‫تقوض املجلس‪ ،‬فلام مل ي ْب َق غريي قال‪ :‬ما حال ذلك اإلنسان؟ ُ‬ ‫َّ‬
‫العدو‪ ،‬قال‪ :‬إن را َب َك يش ٌء فال َع َصا‪،‬‬ ‫ويكر ُه‬ ‫ب الصديق‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫أبا حممد‪ ،‬عىل ما يحُ ُّ‬
‫فوجه إ َّيل بعرشين ألف درهم‪.‬‬
‫فانرصفت إىل منزيل‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]232/4‬‬

‫‪‬‬

‫‪124‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫جاء رجل إىل سفيان بن عيينة فقال‪ :‬يا أبا حممد‪ ،‬أشكو إليك من فالنة‬
‫‪-‬يعني امرأته‪ -‬أنا ّ‬
‫أذل األشياء عندها وأحقرها‪ ،‬فأطرق سفيان مل ًّيا‪ ،‬ثم رفع‬
‫عزا‪ ،‬فقال‪ :‬نعم يا أبا حممد‪ ،‬قال‪ :‬من‬
‫رغبت إليها لتزداد ًّ‬
‫َ‬ ‫رأسه فقال‪ :‬لعلك‬
‫ذهب إىل العز ابتيل بالذل‪ ،‬ومن ذهب إىل املال ابتيل بالفقر‪ ،‬ومن ذهب إىل‬
‫العز واملال مع الدين‪ ،‬ثم أنشأ حيدّ ثه فقال‪ :‬كنا إخوة أربعة‪:‬‬
‫الدين جيمع اهلل له ّ‬
‫حممد وعمران وإبراهيم وأنا‪ ،‬فمحمد أكربنا‪ ،‬وعمران أصغرنا‪ ،‬وكنت‬
‫أوسطهم‪ ،‬فلام أراد حممد أن يتزوج رغب يف احلسب فتزوج من هي أكرب‬
‫ّ‬
‫بالذل‪ ،‬وعمران رغب يف املال فتزوج من هي أكثر منه‬ ‫منه حس ًبا فابتاله اهلل‬
‫مالاً فابتاله اهلل بالفقر‪ ،‬أخذوا ما يف يديه ومل يعطوه شي ًئا‪ ،‬فبقيت يف أمرمها‪،‬‬
‫فقدم علينا معمر بن راشد فشاورته وقصصت عليه قصة إخويت‪ ،‬فذكرين‬
‫حديث حييى بن جعدة وحديث عائشة‪ ،‬فأما حديث حييى بن جعدة قال‬
‫النبي ‪« :H‬تنكح امل��رأة على أرب��ع‪ :‬على دينها وحسبها وماهلا ومجاهلا‪،‬‬
‫فعليك ب��ذات الدين تربت يداك»‪ ،‬وحديث عائشة أن النبي ‪ H‬قال‪:‬‬
‫«أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة»‪ ،‬فاخرتت لنفيس الدين وختفيف الظهر‬
‫اقتداء بسنة نبي اهلل ‪ ،H‬فجمع اهلل يل املال مع الدين‪.‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]279/7‬‬

‫‪‬‬

‫عيل عجوز‬
‫قال حممد بن أيب ليىل‪ :‬كنت يو ًما يف جملس القضاء فوردت ّ‬
‫ت العجوز تتكلم فقالت الشابة‪ :‬أصلح اهلل‬ ‫ومعها جارية شابة‪ ،‬فذهب ِ‬
‫َ‬
‫القايض‪ ،‬مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها‪ ،‬فإن حلنت بيشء‬

‫‪125‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫فلرتد عيل‪ ،‬فإن أذنت يل سفرت‪ ،‬فقلت‪ :‬أسفري‪ ،‬فقالت العجوز‪ :‬إن‬
‫سفرت قضيت هلا عيل‪ ،‬قلت‪ :‬أسفري‪ ،‬فأسفرت واهلل عن وجه ما ظننت‬
‫أن يكون مثله إال يف اجلنة‪ ،‬فقالت‪ :‬أصلح اهلل القايض‪ ،‬هذه عمتي‪ ،‬مات‬
‫أيب وتركني يتيمة يف حجرها فربتني فأحسنت الرتبية‪ ،‬حتى إذا بلغت مبلغ‬
‫النساء قالت‪ :‬يا بنية! هل لك يف التزويج؟ قلت‪ :‬ما أكره ذلك يا عمة‪ ،‬هكذا‬
‫كان؟ قالت العجوز‪ :‬نعم‪ .‬قالت فخطبني وجوه أهل الكوفة فلم ترض يل‬
‫إال رجلاً صريف ًّيا فزوجتني‪ ،‬فكنا كأننا رحيانتان ما يظن أن اهلل تعاىل خلق‬
‫غريي‪ ،‬وال أظن أن اهلل ‪ D‬خلق غريه‪ ،‬يغدو إىل سوقه ويروح عيل بام رزقه‬
‫اهلل‪ ،‬فلام رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا عىل ذلك‪ ،‬فكانت‬
‫فسو َقتها وهيأهتا لدخول زوجي عيل فوقعت عينه عليها‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫هلا ابنة ّ‬
‫يا عمة! هل لك أن تزوجيني ابنتك؟ قالت‪ :‬نعم برشط‪ ،‬قال هلا‪ :‬وما الرشط؟‬
‫قالت‪ :‬تصري أمر ابنة أخي إيل‪ ،‬قال‪ :‬قد صريت أمرها إليك‪ ،‬قالت‪ :‬فإين قد‬
‫جت ابنتها من زوجي‪ ،‬فكان يغدو عليها ويروح كام‬ ‫طلقتها ثال ًثا بتة‪َّ ،‬‬
‫وزو ْ‬
‫كان يغدو عيل ويروح‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬يا عمة! تأذنني يل أن أنتقل عنك‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فانتقلت عنها‪ ،‬وكان لعمتي زوج غائب فقدم فلام توسط منزله قال‪ :‬ما‬
‫يل ال أرى ربيبتنا؟ قالت‪ :‬تزوجت وطلقها زوجها فانتقلت عنا‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫علينا من احلق ما نعزهيا بمصيبتها‪ ،‬فلام بلغني جميئه هتيأت له وتسوقت‪ ،‬فلام‬
‫دخل عيل سلم وعزاين بمصيبتي ثم قال يل‪ :‬إن يف بقية من الشباب فهل لك‬
‫أن أتزوجك؟ قلت‪ :‬ما أكره ذاك ولكن عىل رشط‪ ،‬قال يل‪ :‬وأيش الرشط؟‬
‫قلت‪ :‬تصري أمر عمتي بيدي‪ ،‬قال‪ :‬فإين قد صريت أمرها بيدك‪ ،‬قلت‪ :‬فإين‬

‫‪126‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫قد طلقتها ثال ًثا بتة‪ ،‬قالت‪ :‬وقدم بثقله عيل من الغد ومعه ستة آالف درهم‪،‬‬
‫فأقام عندي ما أقام ثم إنه اعتل فتويف‪ ،‬فلام انقضت عديت جاء زوجي األول‬
‫يعزيني بمصيبتي فلام بلغني جميئه هتيأت له وتسوقت‪ ،‬فلام دخل عيل قال‪:‬‬
‫يا فالنة! إنك لتعلمني أنك كنت أحب الناس إيل وأعزهم عيل‪ ،‬وقد حل‬
‫لنا الرجعة فهل لك يف ذلك؟ قلت‪ :‬ما أكره ذلك ولكن تصري أمر ابنة عمي‬
‫بيدي‪ ،‬قال‪ :‬فإين قد فعلت صريت أمر ابنة عمتك بيدك‪ ،‬قلت‪ :‬فإين قد طلقتها‬
‫ثال ًثا بتة‪ ،‬أصلح اهلل القايض‪ ،‬فرجعت إىل زوجي‪ ،‬فام استعداؤها عيل‪ ،‬فقال‬
‫ابن أيب ليىل‪ :‬واحدة بواحدة والبادئ أظلم‪ ،‬قومي إىل منزلك‪ .‬قال ابن أيب‬
‫ليىل‪ :‬فحدثت اهلادي بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وحيك يا حممد! ما سمعت حدي ًثا أحسن‬
‫من هذا‪ ،‬أنا أحب أن أحدث به اخليزران‪ ،‬يعني أمه‪.‬‬
‫[اجلليس الصالح ص ‪]145‬‬

‫‪‬‬

‫كانت مدرسة عبد القادر بن أيب صالح اجلييل للقايض املخرمي‪ ،‬فلام‬
‫فوضت إىل عبد القادر أراد أن يوسعها ويعمرها‪ ،‬فكان الرجال والنساء يأتونه‬
‫فيشء إىل أن عمرها‪ ،‬فاتفق أن امرأة مسكين ًة جاءت بزوجها‪ ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫بيشء‬
‫زوجها من الفعلة الروزجارية‪ ،‬وقالت لعبد القادر‪ :‬هذا زوجي‪ ،‬ويل عليه‬
‫دينارا‪ ،‬ووهبت له النصف برشط أن يعمل يف مدرستك‬
‫من املهر قدر عرشين ً‬
‫بالنصف الباقي‪ ،‬وقد تراضينا عىل هذا‪ ،‬فقبل الزوج ذلك وأحرضت املرأة‬
‫اخلط وسلمته إىل عبد القادر‪ ،‬فكان يستعمل الزوج يف املدرسة‪ ،‬وكان يعطيه‬

‫‪127‬‬
‫الن�ســـاء‬

‫يو ًما األجرة‪ ،‬ويو ًما ال يعطيه؛ لعلمه بأن الرجل حمتاج فقري وال يملك شي ًئا‬
‫إىل أن علم أن الزوج عمل بخمسة دنانري‪ ،‬فأخرج عبد القادر اخلط‪ ،‬ودفعه‬
‫إىل الزوج وقال‪ :‬أنت يف حل من الباقي»‪.‬‬
‫[ذيل طبقات احلنابلة ‪]191/2‬‬

‫‪128‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫تربية األوالد‬

‫وعن ابن عمر ‪ L‬قال‪ :‬استأذنت عمر يف اجلهاد‪ ،‬فقال‪ :‬أي بني‪ ،‬إين‬
‫العدو‬
‫ّ‬ ‫أخاف عليك الزنى‪ ،‬فقلت‪ :‬أوعىل مثيل تتخوف ذلك؟! قال‪ :‬تلقون‬
‫فيمنحكم اهلل أكتافهم‪ ،‬فتقتلون املقاتلة وتسبون ّ‬
‫الذرية وجتمعون املتاع‪ ،‬فتقام‬
‫جارية يف املغنم فينادى عليها فتسوم هبا فينكل الناس عنك يقولون‪ :‬ابن أمري‬
‫املؤمنني ‪-‬وهلل وللرسول ولذي القربى واليتامى واملساكني وابن السبيل فيهم‬
‫[حمض الصواب ‪]608-607/2‬‬ ‫زان‪ .‬اجلس‪.‬‬‫حق‪ ،-‬فتقع عليها فإذا أنت ٍ‬
‫ّ‬
‫‪‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫دخل عمرو بن سعيد عىل معاوية ‪ I‬بعد موت أبيه‪ ،‬وعمرو‬
‫غال ٌم‪ ،‬فقال له معاوية‪ :‬إىل من أوىص بك أبوك؟ قال‪َّ :‬‬
‫إن أيب أوىص إ َّيل‪،‬‬
‫يوص يب‪ .‬قال‪ :‬وبأي ٍ‬
‫يشء أوصاك؟ قال‪ :‬أوصاين أن ال يفقدَ إخوانه منه‬ ‫ِ‬ ‫ومل‬
‫ِّ‬
‫إن ابن سعيد هذا لأَ شدق!‪.‬‬
‫إال شخصه‪ .‬فقال معاوية ألصحابه‪َّ :‬‬
‫[ابليان واتلبيني ‪]77/2‬‬

‫‪‬‬

‫تأخر عمر بن عبد العزيز عن الصالة مع اجلامعة يو ًما‪ ،‬فقال له مؤدبه‬


‫رجلتي تسكن شعري‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫صالح بن كيسان‪ :‬ما شغلك؟ فقال‪ :‬كانت ُم ِّ‬
‫مت ذلك عىل الصالة؟ وكتب إىل أبيه وهو عىل مرص يعلمه بذلك‪ ،‬فبعث‬
‫أقدَّ َ‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]678/12‬‬ ‫أبوه رسولاً فلم يك ِّلمه حتى حلق رأسه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪129‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫قال عبد اجلبار الكرابييس‪ :‬كان معنا ابن أليوب السختياين يف الكُتاب‪،‬‬
‫فوضع له منرب فخطب عليه وهنبوا علينا اجلوز‪،‬‬
‫فحذق الصبي‪ ،‬فأتينا منزهلم‪ُ ،‬‬
‫خاص لنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأيوب قائم عىل الباب يقول لنا‪ :‬ادخلوا‪ ،‬وهو‬
‫[انلفقة ىلع العيال البن أيب ادلنيا ص‪]485‬‬

‫‪‬‬

‫قال سفيان الثوري‪ :‬اجتمعوا إىل القاسم بن حممد يف صدقة قسمها وهو‬
‫يصيل‪ ،‬فجعلوا يتكلمون فقال ابنه‪ :‬إنكم اجتمعتم إىل رجل واهلل ما نال منها‬
‫مها وال دان ًقا‪ .‬قال‪ :‬فأوجز القاسم ثم قال‪ :‬يا بني‪ ،‬قل فيام علمت‪ ،‬قال‬
‫در ً‬
‫[صفة الصفوة ‪]89/2‬‬ ‫سفيان‪ :‬صدق ابنه‪ ،‬ولكنه أراد تأديبه يف النطق وحفظه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عزوين‬
‫اثي‪ :‬ملا مات أيب كنت صب ًّيا‪ ،‬فجاء الناس َّ‬
‫قال أبو العباس البرَ َ ّ‬
‫وأكثروا‪ ،‬وجاءين فيمن جاءين برش بن احلارث‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا ُبني‪ ،‬إن أباك كان‬
‫حلا‪ ،‬وأرجو أن تكون خل ًفا منه‪َ ،‬ب ّر بوالدتك وال ت ُع ّقها وال ختالفها‪،‬‬
‫رجلاً صا ً‬
‫تصحب من ال خري فيه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫يا ُبني‪ ،‬والزم السوق؛ فإهنا من العافية‪ ،‬وال‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]64/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال عيل بن هارون بن حييى بن املنجم‪ :‬كنت وأنا صبي ال أقيم الراء يف‬
‫كالمي وأجعلها غينًا‪ ،‬وكانت سني إذ ذاك أربع سنني أقل أو أكثر‪ ،‬فدخل‬
‫َأ ُبو طالب املفضل بن سلمة أو أبو بكر الدمشقي ‪ -‬شك الراوي ‪ -‬إىل أيب‪،‬‬
‫وأنا بحرضته‪ ،‬فتكلمت بيشء به راء فلثغت فيها‪ ،‬فقال له الرجل‪ :‬يا سيدي‬

‫‪130‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫ـم تدع أبا احلسن يتكلم هبذا؟ فقال له‪ :‬وما أصنع وهو ألثغ؟ فقال له‪ :‬وأنا‬‫ِ‬
‫ل َ‬
‫أسمع وأحصل ما جيري وأضبطه ّ‬
‫إن اللثغة ال تصح مع سالمة اجلارحة‪،‬‬
‫وإنام هي عادة سوء تسبق إىل الصبي أول ما يتكلم بتحقيق األلفاظ أو سامعه‬
‫شي ًئا حيتذيه فإن تُرك عىل ما يستصحبه من ذلك مرن عليه فصار له طب ًعا‬
‫ال يمكنه التحول منه‪ ،‬وإن أخذ برتكه يف أول نشوئه استقام لسانه وزال عنه‪،‬‬
‫وأنا أزيل هذا عن أيب احلسن وال أرىض فيه برتكك له عليه‪ ،‬ثم قال يل‪ :‬أخرج‬
‫لسانك فأخرجته فتأمله‪ ،‬فقال‪ :‬اجلارحة صحيحة‪ ،‬قل يا بني‪ :‬راء واجعل‬
‫ففعلت فلم ِ‬
‫يستو يل‪ ،‬فام زال يرفق يب مرة وخيشن‬ ‫ُ‬ ‫لسانك يف سقف حلقك‪،‬‬
‫عيل أخرى وينقل لساين إىل موض ٍع من فمي ويأمرين أن أقول الراء فيه فإذا‬
‫ّ‬
‫دفعات كثرية يف زمان طويل حتى قلت‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يستو نقل لساين إىل موضع آخر‬ ‫مل‬
‫راء صحيحة يف بعض تلك املواضع التي نقل إليها لساين‪ ،‬فطالبني بإعادهتا‬
‫وألزمني ذلك حتى استقام لساين‪ ،‬وذهبت اللثغة‪ ،‬فأمر أن أطالب هبذا أبدً ا‬
‫ويتقدم به إىل معلمي ومن حيفظني وأوخذ بالكالم به وال يتسمح يل بالغلط‬
‫[تاريخ بغداد ‪]610/13‬‬ ‫فيه‪ ،‬ففعل ذلك و َم ُرنت عليه‪ ،‬وما لثغت إىل اآلن‪.‬‬
‫‪‬‬

‫تف ّقد هشام بن عبد امللك بعض ولده مل حيرض اجلمعة‪ ،‬فقال له‪ :‬ما‬
‫فرتكت اجلمعة؟!‬ ‫َ‬ ‫وعجزت عن امليش‬
‫َ‬ ‫منعك؟ فقال‪ :‬نف َق ْت دا ّبتي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫[املنتظم ‪]98/7‬‬ ‫فمنَعه الدابة سنة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪131‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫قال حممد الباقر‪ :‬أوصاين أيب قال‪ :‬ال تصحب ّن مخسة والحتادثهم‬
‫وال ترافقهم يف طريق‪ ،‬قلت‪ :‬جعلت فداءك يا أبت‪ ،‬من هؤالء اخلمسة؟ قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بأكلة فام دوهنا‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبت‪ ،‬وما دوهنا؟ قال‪:‬‬ ‫ال تصحب ّن فاس ًقا؛ فإنه يبيعك‬
‫يطمع فيها ثم اليناهلا‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبت ومن الثاين؟ قال‪ :‬ال تصحب ّن البخيل؛‬
‫أحوج ما كنت إليه‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبت ومن الثالث؟ قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫فإنه يقطع بك يف ماله‬
‫ال تصحب ّن كذا ًبا؛ فإنه بمنزلة الرساب يبعد منك القريب ويقرب منك‬
‫البعيد‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبت ومن الرابع؟ قال‪ :‬ال تصحب ّن أمحق؛ فإنه يريد أن‬
‫فيرضك‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبت ومن اخلامس؟ قال‪ :‬ال تصحب ّن قاطع رحم؛‬
‫ُّ‬ ‫ينفعك‬
‫[صفة الصفوة ‪]104/2‬‬ ‫فإين وجدته ملعونًا يف كتاب اهلل يف ثالثة مواضع‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حممد بن حسان‪ :‬قال يل عمي‪ :‬قدم حممد بن قحطبة الكويف‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حافظ لكتاب اهلل عاملٍ بسنة رسول اهلل‬ ‫أحتاج إىل مؤ ِّد ٍ‬
‫ب يؤ ِّدب أوالدي‬
‫‪ H‬وباآلثار والفقه والنحو والشعر وأيام الناس‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما جيمع‬
‫هذه األشياء إال داود الطائي‪ ،‬وكان حممد بن قحطبة ابن عم داود‪ ،‬فأرسل‬
‫إليه يعرض ذلك عليه‪ ،‬ويسني له األرزاق والفائدة‪ ،‬فأبى داود ذلك‪ ،‬فأرسل‬
‫فوجه‬
‫إليه َبدْ َر ًة عرشة آالف درهم‪ ،‬وقال له‪ :‬استعن هبا عىل دهرك‪ ،‬فر ّدها‪ّ ،‬‬
‫إليه بدرتني مع غالمني له مملوكني‪ ،‬وقال هلام‪ :‬إن قبل البدرتني فأنتام حران‪،‬‬
‫عتق رقابنا‪ ،‬فقال هلام‪:‬‬
‫فمضيا هبام إليه‪ ،‬فأبى أن يقبلهام‪ ،‬فقاال له‪ :‬إن يف قبوهلام َ‬

‫‪132‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫إين أخاف أن يكون يف قبوهلام وهق رقبتي يف النار‪ُ ،‬ر ّداها إليه وقوال له‪ :‬أن‬
‫[تاريخ بغداد ‪]311/9‬‬ ‫ير ّدمها عىل من أخذمها منه أوىل من أن يعطيني أنا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان ُزبيد اليامي مؤذن مسجده‪ ،‬فكان يقول للصبيان‪ :‬يا صبيان‪ ،‬تعالوا‬
‫فصلوا أهب لكم اجلوز‪ ،‬فكانوا جييئون ويصلون ثم حيوطون حوله‪ ،‬فقيل‬
‫جوزا بخمسة دراهم ويتعودون‬
‫عيل أشرتي هلم ً‬
‫له‪ :‬ما تصنع هبذا؟ قال‪ :‬وما ّ‬
‫[حلية األويلاء ‪]31/5‬‬ ‫الصالة!‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫فروخا أبا عبد الرمحن أبو ربيعة خرج يف‬ ‫حدثني مشيخة أهل املدينة أن‬
‫البعوث إىل خراسان أيام بني أمية غاز ًيا وربيعة محل يف بطن أمه وخلف عند‬
‫زوجته أم ربيعة ثالثني ألف دينار‪ ،‬فقدم املدينة بعد سبع وعرشين سنة وهو‬
‫فرسا يف يده رمح‪ ،‬فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برحمه‪ ،‬فخرج ربيعة‬
‫راكب ً‬
‫فقال له‪ :‬يا عدو اهلل‪ ،‬أهتجم عىل منزيل؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬وقال فروخ‪ :‬يا عدو اهلل‪،‬‬
‫أنت رجل دخلت عىل حرمتي‪ ،‬فتواثبا وتلبب كل واحد منهام بصاحبه حتى‬
‫اجتمع اجلريان‪ ،‬فبلغ مالك بن أنس واملشيخة فأتوا يعينون ربيعة‪ ،‬فجعل‬
‫ربيعة يقول‪ :‬واهلل ال فارقتك إال عند السلطان‪ ،‬وجعل فروخ يقول‪ :‬واهلل‬
‫ال فارقتك إال بالسلطان‪ ،‬وأنت مع امرأيت‪ ،‬وكثر الضجيج‪ ،‬فلام برصوا‬
‫باملك سكت الناس كلهم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أهيا الشيخ‪ ،‬لك سعة يف غري هذه‬
‫الدار‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬هي داري‪ ،‬وأنا فروخ موىل بني فالن‪ ،‬فسمعت امرأته‬

‫‪133‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫كالمه فخرجت فقالت‪ :‬هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفتَه وأنا حامل به‪،‬‬
‫فاعتنقا مجي ًعا وبكيا‪ ،‬فدخل فروخ املنزل وقال‪ :‬هذا ابني؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأخرجي املال الذي يل عندك وهذه معي أربعة آالف دينار‪ ،‬فقالت‪ :‬املال قد‬
‫دفنته وأنا أخرجه بعد أيام‪ ،‬فخرج ربيعة إىل املسجد وجلس يف حلقته‪ ،‬وأتاه‬
‫مالك بن أنس واحلسن بن زيد وابن أيب عيل اللهبي واملساحقي وأرشاف‬
‫أهل املدينة وأحدق الناس به‪ ،‬فقالت امرأته‪ :‬اخرج صل يف مسجد الرسول‪،‬‬
‫فخرج فصىل‪ ،‬فنظر إىل حلقة وافرة فأتاه فوقف عليه ففرجوا له قليلاً ‪ ،‬ونكس‬
‫ربيعة رأسه يومهه أنه مل يره‪ ،‬وعليه طويلة فشك فيه أبو عبد الرمحن فقال‪ :‬من‬
‫هذا الرجل؟ فقالوا له‪ :‬هذا ربيعة بن أيب عبد الرمحن‪ ،‬فقال أبو عبد الرمحن‪:‬‬
‫لقد رفع اهلل ابني‪ ،‬فرجع إىل منزله‪ ،‬فقال لوالدته‪ :‬لقد رأيت ولدك يف حالة ما‬
‫رأيت أحدً ا من أهل العلم والفقه عليها‪ ،‬فقالت أمه‪ :‬أيام أحب إليك ثالثون‬
‫ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من اجلاه؟ قال‪ :‬ال واهلل إال هذا‪ ،‬قالت‪ :‬فإين‬
‫قد أنفقت املال كله عليه‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل ما ضيعتِه‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]414 /9‬‬

‫‪‬‬

‫اعتنى بإمام احلرمني اجلويني والدُ ه من صغره‪ ،‬بل من قبل مولده‪،‬‬


‫خالصا من الشبهة اتصل به إىل‬
‫ً‬ ‫وذلك أنه اكتسب من عمل يده مالاً‬
‫والدته‪ ،‬فلام ولدته له حرص عىل أن ال ُيطعمه ما فيه شبهة‪ ،‬فلم يامزج باطنه‬
‫إال احلالل اخلالص‪ ،‬حتى حيكى أنه تلجلج مرة يف جملس مناظرة‪ ،‬فقيل له‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫تربية الأوالد‬

‫يا إمام‪ ،‬ما هذا الذي مل يعهد منك؟ فقال‪ :‬ما أراها إال آثار بقايا املصة‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫وما نبأ هذه املصة؟ قال‪ :‬إن أمي اشتغلت يف طعام تطبخه أليب وأنا رضيع‬
‫فبكيت وكانت عندنا جارية مرضعة جلرياننا فأرضعتني مصة أو مصتني‪،‬‬
‫ودخل والدي فأنكر ذلك وقال‪ :‬هذه اجلارية ليست ملكًا لنا وليس هلا أن‬
‫وفوقني حتى مل يدع يف‬
‫تترصف يف لبنها وأصحاهبا مل يأذنوا يف ذلك‪ ،‬وقلبني َّ‬
‫باطني شي ًئا إال أخرجه‪ ،‬وهذه اللجلجة من بقايا تلك اآلثار‪.‬‬
‫[طبقات الشافعية الكربى ‪]168 /5‬‬

‫‪135‬‬
‫الزهد والورع‬

‫الزهد والورع‬

‫قالت عائشة ‪ :J‬كان أليب بكر غالم خيرج له اخلراج‪ ،‬وكان أبو‪ ‬بكر‬
‫يأكل من خراجه‪ ،‬فجاء يو ًما بيشء فأكل منه أبو بكر‪ ،‬فقال له الغالم‪ :‬أتدري‬
‫ما هذا؟ فقال أبو بكر‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬كنت تكهنت إلنسان يف اجلاهلية وما‬
‫أحسن الكهانة إال أين خدعته‪ ،‬فلقيني فأعطاين بذلك‪ ،‬فهذا الذي أكلت منه‪،‬‬
‫[صحيح ابلخاري ‪]43 /5‬‬ ‫فأدخل أبو بكر يده فقاء كل يشء يف بطنه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قالت عائشة ‪ :J‬ملا ُحضرِ َ أبو بكر ‪ I‬دعاين فقال‪ :‬يا بنية‪ ،‬إين‬
‫عيل‪ .‬قالت‪:‬‬‫كنت أعطيتك متر خيرب‪ ،‬ومل تكوين أخذتيها وأنا أحب أن تردهيا َّ‬
‫فبكيت‪ ،‬ثم قلت‪ :‬غفر اهلل لك يا أبت‪ ،‬واهلل لو كان خيرب ذه ًبا مجي ًعا لرددهتا‬
‫عليك‪ .‬فقال‪ :‬هي عىل كتاب اهلل ‪ ،D‬يا بنية إين كنت أجتر قريش وأكثرهم‬
‫مالاً ‪ ،‬فلام شغلتني اإلمارة رأيت أن أصيب من املال بقدر ما شغلني‪ ،‬يا بنية‬
‫هذه العباءة ال َق َطوانية وحالب وعبد‪ ،‬فإذا مت فأرسعي به إىل ابن اخلطاب‪،‬‬
‫يا بنية ثيايب هذه فكفنوين هبا‪ .‬قالت‪ :‬فبكيت وقلت‪ :‬يا أبت‪ ،‬نحن من ذلك‪،‬‬
‫للم ْهل؟ قالت‪ :‬فلام مات بعثت بذلك إىل‬
‫فقال‪ :‬غفر اهلل لك وهل ذلك إال َ‬
‫ابن اخلطاب فقال‪ :‬يرحم اهلل أبا بكر‪ ،‬لقد أحب أال يرتك لقائل مقالاً ‪.‬‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]216‬‬

‫‪‬‬

‫‪136‬‬
‫الزهد والورع‬

‫قال عبد اهلل بن أرقم لعمر بن اخلطاب ‪ :I‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن عندنا‬
‫حلية من حلية جلوالء وآنية من ذهب وفضة‪ ،‬فانظر أن تأمر فيها بأمرك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إذا رأيتني فار ًغا فآذين‪ ،‬فرآه يو ًما فقال‪ :‬إين أراك اليوم فار ًغا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ابسط يل نط ًعا يف احلش ‪-‬قال ابن وهب‪ :‬يريد النخل‪ -‬فأمر بنطع فبسط له‪،‬‬
‫فصب عليه‪ ،‬ثم وقف عليه فقال‪ :‬اللهم إنك ذكرت هذا املال‬
‫ّ‬ ‫ُفأيت بذلك املال‬
‫وقلت‪[ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ]‪ ،‬وقلت‪[ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫زينت لنا‪ ،‬اللهم إين‬
‫ﯮ ﯯ]‪ ،‬اللهم إنا ال نستطيع إال أن نفرح بام َ‬
‫أسألك أن ننفقه يف حقه‪ ،‬وأعوذ بك من رشه‪ ،‬قال‪ُ :‬فأيت بابن له حيمل يقال‬
‫له عبد الرمحن بن نهُ َ ّية فقال له‪ :‬يا أبتاه هب يل خامتًا‪ .‬قال‪ :‬اذهب إىل أمك‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]87‬‬ ‫تسقيك سوي ًقا‪ ،‬فام أعطاه منه شي ًئا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قالت برزة بنت رافع‪ :‬ملا خرج العطاء أرسل عمر إىل زينب بنت جحش‬
‫بالذي هلا‪ ،‬فلام دخل عليها قالت‪ :‬غفر اهلل لعمر‪ ،‬غريي من أخوايت كان أقوى‬
‫عىل قسم هذا مني‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا كله لك‪ ،‬قالت‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬واسترتت منه‬
‫بثوب‪ ،‬قالت‪ :‬صبوه واطرحوا عليه ثو ًبا‪ ،‬ثم قالت يل‪ :‬أدخيل يدك فاقبيض‬
‫منه قبضة فاذهبي هبا إىل بني فالن وبني فالن من أهل رمحها وأيتامها‪،‬‬
‫فقسمته حتى بقيت بقية حتت الثوب‪ ،‬فقالت هلا برزة بنت رافع‪ :‬غفر اهلل لك‬
‫يا أم املؤمنني‪ ،‬واهلل لقد كان لنا يف هذا حق‪ ،‬فقالت‪ :‬فلكم ما حتت الثوب‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫الزهد والورع‬

‫مها‪ ،‬ثم رفعت يدهيا إىل السامء‬


‫قالت‪ :‬فكشفنا الثوب فوجدنا مخسة وثامنني در ً‬
‫فقالت‪ :‬اللهم ال يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا‪ ،‬فامتت‪.‬‬
‫[الطبقات الكربى ‪]209 /7‬‬

‫‪‬‬

‫ملا قدم عمر بن اخلطاب ‪ I‬محص أمرهم أن يكتبوا له فقراءهم‪،‬‬


‫فرفع الكتاب‪ ،‬فإذا فيه سعيد بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬من سعيد بن عامر؟ قالوا‪:‬‬
‫يا أمري املؤمنني‪ ،‬أمرينا‪ ،‬قال‪ :‬وأمريكم فقري؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬ف َع ِجب‪ ،‬فقال‪ :‬كيف‬
‫فقريا؟ أين عطاؤه؟ أين رزقه؟ قالوا‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ال يمسك‬
‫يكون أمريكم ً‬
‫شي ًئا‪ ،‬فبكى عمر‪ ،‬ثم عمد إىل ألف دينار فرصها وبعث هبا إليه‪ ،‬وقال‪ :‬أقرئوه‬
‫مني السالم‪ ،‬وقولوا له‪ :‬بعث إليك أمري املؤمنني‪ ،‬فاستعن هبا عىل حاجتك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فجاء هبا الرسول‪ ،‬فنظر إليه فإذا هي دنانري‪ ،‬فجعل يسرتجع‪ ،‬فقالت له‬
‫امرأته‪ :‬ما شأنك؟ أصيب أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬أعظم‪ ،‬قالت‪ :‬فظهرت آية؟‬
‫فأمر ِمن الساعة؟ قال‪ :‬بل أعظم من ذلك‪،‬‬‫قال‪ :‬أعظم من ذلك‪ ،‬قالت‪ٌ :‬‬
‫قالت‪ :‬فام شأنك؟ قال‪ :‬الدنيا أتتني‪ ،‬الفتنة أتتني‪ ،‬دخلت عيل‪ ،‬قالت‪ :‬فاصنع‬
‫رصرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فيها ما شئت‪ ،‬قال هلا‪ :‬أعندك عون؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فرص الدنانري فيها‬
‫ثم جعلها يف خمالة‪ ،‬ثم بات يصيل حتى أصبح‪ ،‬ثم اعرتض هبا ً‬
‫جيشا من‬
‫جيوش املسلمني‪ ،‬فأمضاها كلها‪ ،‬فقالت له امرأته‪ :‬لو كنت حبست منها‬
‫شي ًئا نستعني به‪ ،‬فقال هلا‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ H‬يقول‪« :‬لو اطلعت‬
‫امرأة من نساء اجلنة إىل األرض ملألت األرض من ريح املسك»‪ ،‬فإين واهلل ما أختار‬
‫[أسد الغابة ‪]483/2‬‬ ‫عليهن‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪138‬‬
‫الزهد والورع‬

‫أجاز أبو جعفر املنصور اإلمام أبا حنيفة بثالثني ألف درهم يف دفعات‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إين ببغداد غريب‪ ،‬وليس هلا عندي موضع‪ ،‬فاجعلها‬
‫يف بيت املال‪ ،‬فأجابه املنصور إىل ذلك‪ ،‬فلام مات أبو حنيفة أخرجت ودائع‬
‫[تاريخ بغداد ت بشار ‪]492/15‬‬ ‫الناس من بيته‪ ،‬فقال املنصور‪ :‬خدعنا أبو حنيفة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫بعث معن بن زائدة إىل سفيان الثوري بثالثامئة دينار‪ ،‬فقال للرسول‪:‬‬
‫قم إىل ذلك الطاق‪ ،‬انظر ما عليه؟ فوجد أربعة دوانيق‪ ،‬قال‪ :‬هذه عندي منذ‬
‫ثالثة أشهر‪ ،‬ال أدري ما أصنع به فام أصنع بدنانريك؟‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]362/1‬‬

‫‪‬‬

‫نزل األوزاعي بأخ له يف القرية التي نشأ فيها وهي الك ََرك‪ ،‬فقدم الرجل‬
‫عشاءه فلام وضع املائدة بني يديه ومد األوزاعي يده ليتناول منه قال الرجل‪:‬‬
‫كل يا أبا عمرو واعذرنا؛ فإنك أتيتنا يف وقت ضيق‪ ،‬فرد يده يف كمه‪ ،‬وأقبل‬
‫عليه الرجل يسأله أن يأكل من طعامه فأبى‪ ،‬فلام طال عىل الرجل رفع املائدة‬
‫وبات‪ ،‬فلام أصبح غدا وتبعه الرجل فقال‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬ما محلك عىل ما‬
‫صنعت؟ واهلل ما أفدت بعدك مالاً وما هو إال املال الذي تعرف‪ ،‬فلام أكثر‬
‫عليه قال‪ :‬ما كنت ألصيب طعا ًما َّ‬
‫قل شكر اهلل عليه أو كفرت نعمة اهلل عنده‪،‬‬
‫[اجلرح واتلعديل ‪]210 /1‬‬ ‫وكان تلك الليلة صائماً ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪139‬‬
‫الزهد والورع‬

‫تاجا بجرجان فيه جوهر‪ ،‬فقال‪ :‬أترون أحدً ا‬


‫أصاب يزيد بن املهلب ً‬
‫يزهد يف هذا التاج؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فدعا حممد بن واسع األزدي‪ ،‬فقال‪ :‬خذ هذا‬
‫التاج فهو لك‪ ،‬قال‪ :‬ال حاجة يل فيه‪ ،‬قال‪ :‬عزمت عليك‪ ،‬فأخذه وخرج‪ ،‬فأمر‬
‫يزيد رجلاً ينظر ما يصنع به‪ ،‬فلقي سائلاً فدفعه إليه‪ ،‬فأخذ الرجل السائل‪،‬‬
‫كثريا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فأتى به يزيد وأخربه اخلرب‪ ،‬فأخذ يزيد التاج‪ ،‬وعوض السائل مالاً‬
‫[تاريخ الطربي ‪]539/6‬‬

‫‪‬‬

‫نظر مبارك والد عبد اهلل بن املبارك بستانًا ملواله‪ ،‬فطلب منه رمانة‬
‫حامضة‪ ،‬فجاءه برمانة حلوة‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت ما تعرف احللو من احلامض؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬ومل؟ قال‪ :‬ألنك مل تأذن يل فيه‪ ،‬فوجده كذلك وعظم قدره‬
‫كثريا‪ ،‬فقال له‪ :‬يا مبارك‪ ،‬من ترى‬
‫عند مواله‪ ،‬حتى كان له بنت خطبت ً‬
‫نزوج هذه البنت؟ فقال‪ :‬اجلاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للامل‬
‫والنصارى للجامل‪ ،‬وهذه األمة للدين‪ ،‬فأعجبه عقله وقال ألمها‪ :‬ما هلا‬
‫زوج غريه‪ ،‬فتزوجها‪ ،‬فجاءت بعبد اهلل‪ ،‬وكان واحد وقته‪.‬‬
‫[شذرات اذلهب ‪]289/ 1‬‬

‫‪‬‬

‫كتب غال ٌم حلسان بن أيب سنان إليه من األهواز‪ :‬إن قصب السكر‬
‫ٍ‬
‫رجل فلم يأت عليه إال‬ ‫فاشرت السكر فيام ِق َبلك‪ ،‬فاشرتى من‬
‫ِ‬ ‫أصابته آفة‪،‬‬
‫قليل فإذا فيام اشرتى ربح ثالثني أل ًفا‪ ،‬فأتى صاحب السكر فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬إن‬
‫غالمي كان كتب إ ّيل ومل أعلمك فأقلني فيام اشرتيت منك‪ ،‬قال اآلخر‪ :‬قد‬

‫‪140‬‬
‫الزهد والورع‬

‫أعلمتني اآلن وطيبته لك‪ ،‬فرجع فلم حيتمل قلبه‪ ،‬فأتاه فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬إين مل‬
‫فأحب أن تسرتد هذا البيع‪ ،‬فام زال به حتى رده عليه‪.‬‬ ‫آت األمر من وجهه‪،‬‬‫ِ‬
‫ّ‬
‫[املنتظم ‪]152/8‬‬

‫‪‬‬

‫قصدت أخت برش احلايف اإلمام أمحد فقالت‪ :‬إنا قوم نغزل بالليل‬
‫ومعاشنا منه‪ ،‬وربام يمر بنا مشاعل بني طاهر والة بغداد ونحن عىل السطح‬
‫فنغزل يف ضوئها الطاقة والطاقتني‪ ،‬أفتحله لنا أم حترمه؟ فقال هلا‪ :‬من أنت؟‬
‫قالت‪ :‬أخت برش‪ .‬فقال‪ :‬آه يا آل برش‪ ،‬ال عدمتكم‪ ،‬ال أزال أسمع الورع‬
‫[حلية األويلاء ‪]353/8‬‬ ‫الصايف من قبلكم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ذكر أبو العرب أن سحنون خال به يو ًما‪ ،‬فقال له‪ :‬ألست بإمامك؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬وتقبل قويل؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬لو مل أقبله مل أختلف إليك‪ ،‬فقال له‪ :‬هذا‬
‫دينارا‪ ،‬وقال‬
‫قويل ويميني‪ ،‬فحلف باهلل وأراه رصة يف يده ذكر أن فيها ثالثني ً‬
‫له‪ :‬ما هي من سلطان وال من جتارة وال وصية‪ ،‬وما هي إال من ثمرة شجرة‬
‫غرستها بيدي فخذها‪ ،‬تتقوى هبا عىل أمر دينك ودنياك‪ ،‬فقال‪ :‬أنا عنها غني‪،‬‬
‫وكان مفرط احلاجة إىل ما دوهنا‪ ،‬فقال سحنون‪ :‬خذها سل ًفا فتتزوج منها‬
‫وتنفق‪ ،‬فإن رزقك اهلل ردها أقبلها منك‪ ،‬فإن تعذر ردها فأنت منها يف ّ‬
‫حل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما كنت بالذي آخذ دينًا يف ذمتي من غري حاجة‪ ،‬فقال سحنون‪ :‬فإذا‬
‫[ترتيب املدارك ‪]231/4‬‬ ‫أبيت فال تذكره ألحد ما دمت ح ًّيا‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫التوكـــل‬

‫التوكـــل‬

‫قال عبد العزيز بن أيب َر ّواد ألخ له‪ :‬أقرضنا مخسة آالف درهم إىل‬
‫صنعت بابن أيب‬
‫ُ‬ ‫فس التاجر ومحلها إليه‪ ،‬فلام جنه الليل قال‪ :‬ما‬
‫املوسم‪ ،‬رُ َّ‬
‫رواد! شيخ كبري وأنا كذلك ما أدري ما حيدث بنا‪ ،‬فال يعرف له ولدي‬
‫حقه‪ ،‬لئن أصبحت آلتينه وألح ِّللنه‪ ،‬فلام أصبح أتاه فأخربه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم‬
‫أعطه أفضل ما نوى ودعا له‪ ،‬وقال‪ :‬إن كنت إنام تشاورين فإنام استقرضناه‬
‫عىل اهلل‪ ،‬فكلام اغتممنا به كفر اهلل به عنا‪ ،‬فإذا جعلتنا يف حل كأنه يسقط‬
‫ذلك‪ ،‬فكره التاجر أن خيالفه‪ ،‬فام أتى املوسم حتى مات الرجل‪ ،‬فأتى أوال ُده‬
‫وقالوا‪ :‬مال أبينا يا أبا عبد الرمحن‪ .‬فقال هلم‪ :‬مل يتهيأ ولكن امليعاد بيننا املوسم‬
‫اآليت‪ ،‬فقاموا من عنده‪ ،‬فلام كان املوسم اآليت مل يتهيأ املال‪ ،‬فقالوا‪ :‬أيش أهون‬
‫عليك من اخلشوع وتذهب بأموال الناس؟! فرفع رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬رحم اهلل‬
‫أباكم قد كان خياف هذا وشبهه ولكن األجل بيننا املوسم اآليت‪ ،‬وإال فأنتم‬
‫يف ِح ّل مما قلتم‪ ،‬قال‪ :‬فبينا هو ذات يوم خلف املقام إذ ورد عليه غالم كان‬
‫قد هرب له إىل اهلند بعرشة آالف درهم فأخربه أنه اجتر وأن معه من التجارة‬
‫ما ال حيىص‪ ،‬فقال‪ :‬لك احلمد‪ ،‬سألناك مخسة آالف‪ ،‬فبعثت إلينا عرشة آالف‪،‬‬
‫يا عبد املجيد! امحل العرشة آالف إليهم‪ ،‬مخسة هلم ومخسة لإلخاء الذي بيننا‬
‫وبني أبيهم‪ ،‬وقال العبد‪ :‬من يقبض ما معي؟ فقال‪ :‬يا بني! أنت حر لوجه‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]185 /7‬‬ ‫اهلل‪ ،‬وما معك فلك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪142‬‬
‫التوكـــل‬

‫كثريا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قال عبد الرمحن بن مهدي‪ :‬كنت أنا وأخي رشيكني‪ ،‬فأصبنا مالاً‬
‫فدخل قلبي من ذلك املال يشء فرتكته هلل وخرجت‪ ،‬فام خرجت من الدنيا‬
‫زوج أخي ثالث بنات من أوالدي وزوجت ابنتي‬
‫حتى ر َّد اهلل ذلك املال إ َّيل‪َّ :‬‬
‫من ابنه‪ ،‬ومات أخي فورثه أيب‪ ،‬ومات أيب فورثته أنا‪ ،‬فرجع ذلك املال كله‬
‫[صفة الصفوة ‪]228/2‬‬ ‫إ ّيل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا مات ذر بن عمر بن ذر قال أصحابه‪ :‬اآلن يضيع الشيخ؛ ألنه كان‬
‫بارا بوالديه‪ ،‬فسمعها الشيخ فبقي متعج ًبا‪ ،‬أنا أضيع؟ واهلل حي ال يموت‪،‬‬
‫ًّ‬
‫فسكت حتى واراه الرتاب‪ ،‬فلام واراه الرتاب وقف عىل قربه يسمعهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫رمحك اهلل يا ذر‪ ،‬ما علينا بعد من خصاصة‪ ،‬وما بنا إىل أحد مع اهلل حاجة‪ ،‬وما‬
‫يرسين أن أكون املقدم قبلك‪ ،‬ولوال هول املطلع لتمنيت أن أكون مكانك‪،‬‬
‫لقد شغلني احلزن لك عن احلزن عليك‪ ،‬فيا ليت شعري ماذا قيل لك‪ ،‬وماذا‬
‫ونكريا‪ .‬ثم رفع رأسه فقال‪ :‬اللهم إين قد وهبت له حقي‬
‫ً‬ ‫منكرا‬
‫قلت؟ يعني ً‬
‫فيام بيني وبينه‪ ،‬اللهم فهب حقك فيام بينك وبينه له‪ ،‬فبقي القوم متعجبني مما‬
‫جاء منهم‪ ،‬ومما جاء منه من الرضا عن اهلل والتسليم له‪.‬‬
‫[حلية األويلاء‪]109/5‬‬

‫‪‬‬

‫قال إسحاق بن عباد البرصي‪ :‬رأيت يف منامي ذات ليلة قائلاً يقول‪:‬‬
‫فانتبهت فقلت‪ :‬انظروا هل يف جرياننا حمتاج؟ فقالوا‪ :‬ما‬
‫ُ‬ ‫أغث امللهوف‪،‬‬
‫ندري‪ ،‬فنمت ثان ًيا فعاد إ ّيل فقال‪ :‬تنام ومل تغث امللهوف؟! فقمت فقلت‬

‫‪143‬‬
‫التوكـــل‬

‫للغالم‪ :‬أرسج البغل‪ ،‬وأخذت معي ثالثامئة درهم‪ ،‬ثم ركبت البغل فأطلقت‬
‫عنانه حتى بلغ مسجدً ا يصىل فيه عىل اجلنازة‪ ،‬فوقف البغل هناك‪ ،‬فنظرت‬
‫فدنوت منه فقلت‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬يف هذا‬
‫ُ‬ ‫فإذا ٌ‬
‫رجل يصيل‪ ،‬فلام حس يب انرصف‪،‬‬
‫خواص‪ ،‬كان رأس مايل‬ ‫الوقت يف هذا املوضع ما أخرجك؟ قال‪ :‬أنا ٌ‬
‫رجل ّ‬
‫مائة درهم‪ ،‬فذهبت من يدي ولزمني َدي ُن مائتي درهم‪ ،‬فأخرجت الدراهم‬
‫وقلت‪ :‬هذه ثالث مائة درهم خذها‪ ،‬فأخذها‪ ،‬قلت‪ :‬تعرفني؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أنا إسحاق بن عباد‪ ،‬فإن نابتك نائبة فأتني‪ ،‬فإن منزيل يف موضع كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬رمحك اهلل‪ ،‬إن نابتنا نائبة فزعنا إىل من أخرجك يف هذا الوقت‬
‫[شعب اإليمان ‪]32/2‬‬ ‫حتى جاء بك إلينا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا وىل عبد امللك بن مروان عبد اهلل البطال املصيصة بعث البطال رسية‬
‫إىل أرض الروم‪ ،‬فغاب عنه خربهم فلم يدر ما صنعوا‪ ،‬فركب بنفسه وحده‬
‫عىل فرس له وسار حتى وصل عمورية‪ ،‬فطرق باهبا ليلاً ‪ ،‬فقال له البواب‪:‬‬
‫من هذا؟ قال البطال‪ :‬فقلت‪ :‬أنا سياف امللك ورسوله إىل البطريق‪ ،‬فأخذ يل‬
‫طري ًقا إليه‪ ،‬فلام دخلت عليه إذا هو جالس عىل رسير فجلست معه عىل الرسير‬
‫إىل جانبه‪ ،‬ثم قلت له‪ :‬إين قد جئتك يف رسالة فمر هؤالء فلينرصفوا‪ ،‬فأمر من‬
‫عنده فذهبوا‪ ،‬ثم قام فأغلق باب الكنيسة عيل وعليه‪ ،‬ثم جاء فجلس مكانه‪،‬‬
‫صفحا وقلت له‪ :‬أنا البطال فاصدقني‬
‫ً‬ ‫فاخرتطت سيفي ورضبت به رأسه‬
‫عن الرسية التي أرسلتها إىل بالدك وإال رضبت عنقك الساعة‪ ،‬فأخربين ما‬

‫‪144‬‬
‫التوكـــل‬

‫خربها‪ ،‬فقال‪ :‬هم يف بالدي ينتهبون ما هتيأ هلم‪ ،‬وهذا كتاب قد جاءين خيرب‬
‫أهنم يف وادي كذا وكذا‪ ،‬واهلل لقد صدقتك‪ .‬فقلت‪ :‬هات األمان‪ ،‬فأعطاين‬
‫األمان‪ ،‬فقلت‪ :‬ائتني بطعام‪ ،‬فأمر أصحابه فجاؤوا بطعام فوضع يل‪ ،‬فأكلت‬
‫فقمت ألنرصف‪ ،‬فقال ألصحابه‪ :‬اخرجوا بني يدي رسول امللك فانطلقوا‬
‫يتعادون بني يدي‪ ،‬وانطلقت إىل ذلك الوادي الذي ذكر‪ ،‬فإذا أصحايب‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]364/9‬‬ ‫هنالك‪ ،‬فأخذهتم ورجعت إىل املصيصة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخلت عىل أيب يو ًما أيام الواثق واهلل يعلم‬


‫ُ‬ ‫قال صالح بن اإلمام أمحد‪:‬‬
‫حال نحن وقد خرج لصالة العرص‪ ،‬وكان له لبد جيلس عليه قد‬ ‫أي ٍ‬‫عىل ّ‬
‫أتى عليه سنون كثرية حتى بيل‪ ،‬وإذا حتته كتاب كاغد فيه‪ :‬بلغني يا أبا عبد‬
‫وجهت إليك بأربعة‬
‫ُ‬ ‫اهلل ما أنت فيه من الضيق وما عليك من الدَّ ْين‪ ،‬وقد‬
‫آالف درهم عىل يدي فالن‪ ،‬وما هي من صدقة وال زكاة وإنام هو يشء ورثته‬
‫من أيب‪ ،‬فقرأت الكتاب ووضعته‪ ،‬فلام دخل قلت‪ :‬يا أبت‪ ،‬ما هذا الكتاب؟‬
‫فامحر وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬رفعته منك‪ ،‬ثم قال‪ :‬تذهب جلوابه؟ فكتب إىل الرجل‪:‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫لرجل ال يرهقنا‪ ،‬وأما عيالنا‬ ‫وصل كتابك إ ّيل ونحن يف عافية‪ ،‬فأما الدَّ ْين فإنه‬
‫فذهبت بالكتاب إىل الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ففي نعمة اهلل‪،‬‬
‫فلام كان بعد حني ورد كتاب الرجل مثل ذلك‪ ،‬فر ّد عليه بمثل ما رد‪ ،‬فلام‬
‫مضت سنة أو نحوها ذكرناها‪ ،‬فقال‪ :‬لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]205/11‬‬

‫‪‬‬

‫‪145‬‬
‫التوكـــل‬

‫دينارا فقال هلا بدر‪ :‬نفرق هذه‬


‫دارا هلا بثالثني ً‬
‫باعت زوجة بدر املغازيل ً‬
‫الدنانري يف إخواننا ونأكل رزق يوم بيوم‪ ،‬فأجابته إىل ذلك وقالت‪ :‬تزهد أنت‬
‫[تاريخ بغداد ‪]595/7‬‬ ‫ونرغب نحن‪ ،‬هذا ما ال يكون‪.‬‬
‫‪‬‬

‫جاء رجل إىل الربيع بن عبد الرمحن فسأله أن يكلم األمري يف حاجة‬
‫له‪ ،‬فبكى الربيع ثم قال‪ :‬أي أخي‪ ،‬اقصد إىل اهلل يف أمرك جتده رسي ًعا قري ًبا‪،‬‬
‫فإين ما ظاهرت أحدً ا يف أمر أريده إال اهلل ‪ ،D‬فأجده كريماً قري ًبا ملن قصده‬
‫[اتلولك ىلع اهلل البن أيب ادلنيا ص‪]74 :‬‬ ‫وأراده وتوكل عليه‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫مصاحبة األخيـــار‬

‫قسم عمر بن اخلطاب ‪ I‬بني الصحابة ‪ M‬حللاً ‪ ،‬فبعث إىل‬


‫معاذ حلة م ِ‬
‫ثمنة فباعها واشرتى بثمنها ستة أعبد وأعتقهم‪ ،‬فبلغ ذلك عمر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فبعث إليه بعد ذلك حلة دوهنا‪ ،‬فعاتبه معاذ فقال عمر‪ :‬ألنك بعت األوىل‪،‬‬
‫فقال معاذ‪ :‬وما عليك؟ ادفع يل نصيبي‪ ،‬وقد حلفت ألرضبن هبا رأسك‬
‫فقال عمر ‪ :I‬رأيس بني يديك وقد يرفق الشاب بالشيخ‪.‬‬
‫[مدارج السالكني ‪]315 /2‬‬

‫‪‬‬

‫َ‬
‫سلامن رجل من بني عبس ليتعلم منه‪ ،‬فخرج معه‪ ،‬فجعل‬ ‫صحب‬
‫ال يستطيع أن يفضله يف عمل إن عجن جاء سلامن فخبز‪ ،‬وإن هيأ الرجل‬
‫علف الدواب ذهب سلامن فسقاها حتى انتهوا إىل شط دجلة وهي تطفح‪،‬‬
‫فقال سلامن للعبيس‪ :‬انزل فارشب‪ ،‬فقال له سلامن‪ :‬ازدد فازداد‪ ،‬فقال له‬
‫سلامن‪ :‬كم تراك نقصت منها؟‪ ،‬فقال العبيس‪ :‬وما عسى أن أنقص منها؟‬
‫فقال سلامن‪ :‬كذلك العلم تأخذ منه وال تنقصه فعليك منه بام ينفعك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم عربنا إىل هنر دن فإذا األكداس عليه من احلنطة والشعري‪ ،‬فقال سلامن‪:‬‬
‫يا أخا بني عبس‪ ،‬أما ترى إىل فتح خزائن هذه علينا كأن نراها وحممد حي؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬بىل‪ .‬قال‪ :‬فوالذي ال إله إال هو لقد كانوا يمسون ويصبحون‬
‫وما فيهم قفيز من قمح‪ .‬ثم رسنا حتى انتهينا إىل جلوالء‪ .‬فذكر ما فتح اهلل‬
‫عليهم هبا وما أصابوا فيها من الذهب والفضة‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخا بني عبس‪،‬‬

‫‪147‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫أما ترى الذي فتح خزائن هذه هلذه علينا كأن نراها وحممد حي‪ .‬قال‪ :‬قلت‬
‫بىل‪ .‬قال‪ :‬فوالذي ال إله غريه لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم دينار‬
‫[الزهد هلناد بن الرسي ‪]380/2‬‬ ‫وال درهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان بني عاصم بن عمر وبني رجل من قريش در ٌء يف أرض‪ ،‬فقال‬


‫القريش لعاصم‪ :‬فإن كنت صاد ًقا فادخلها‪ ،‬فقال عاصم‪َ :‬أوقد بلغ بك‬
‫الغضب كل هذا؟ هي لك‪ ،‬فقال القريش‪ :‬سبقتني‪ ،‬بل هي لك‪ ،‬فرتكاها‬
‫ال يأخذها واحد منهام حتى هلكا‪ ،‬ثم مل يعرض هلا أوالدمها‪.‬‬
‫[تهذيب الكمال ‪]523/13‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو خلدة‪ :‬دخلنا عىل حممد بن سريين‪ ،‬فقال‪ :‬ما أدري ما أحتفكم‬
‫به؟ كلكم يف بيته خبز وحلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا جارية هايت تلك الشهدة‪ ،‬فجعل‬
‫[ماكرم األخالق للطرباين ‪]378/1‬‬ ‫يقطع ويطعمنا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫البز‪ ،‬وكان يقول‪ :‬لوال مخسة ما اجترت‪،‬‬


‫كان عبد اهلل بن املبارك يتّجر يف ّ‬
‫فقيل له‪ :‬يا أبا حممد‪َ ،‬من اخلمسة؟ فقال‪ :‬سفيان الثوري وسفيان بن عيينة‬
‫والفضيل بن عياض وحممد بن السامك وابن ُعل ّية‪ .‬وكان خيرج فيتجر إىل‬
‫يشء أخذ القوت للعيال ونفقة احلج‪ ،‬والباقي يصل‬‫خراسان‪ ،‬فكلام ربح من ٍ‬

‫به إخوانه اخلمسة‪ ،‬فقدم سنة فقيل له‪ :‬قد ويل ابن علية القضاء‪ ،‬فلم يأته ومل‬

‫‪148‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫يصله بالرصة التي كان يصله هبا يف كل سنة‪ ،‬فبلغ ابن علية أن ابن املبارك‬
‫رأسا‪ ،‬ومل يكلمه‬
‫قد قدم‪ ،‬فركب إليه وتنكّس عىل رأسه فلم يرفع به عبد اهلل ً‬
‫فانرصف‪ ،‬فلام كان من ٍ‬
‫غد كتب إليه رقعة‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬أسعدك‬
‫منتظرا لربك وصلتك‬
‫ً‬ ‫اهلل بطاعته وتوالك بحفظه وحاطك بحياطته‪ ،‬قد كنت‬
‫عيل‪ ،‬فأي يشء رأيت‬
‫أتربك هبا‪ ،‬وجئتك أمس فلم تكلمني ورأيتك واجدً ا ّ‬
‫مني حتى أعتذر إليك منه؟ فلام وردت الرقعة عىل عبد اهلل بن املبارك دعا‬
‫بالدواة والقرطاس‪ ،‬وقال‪ :‬يأبى هذا الرجل إال أن نقرش له العصا‪ ،‬ثم كتب‬
‫إليه‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪:‬‬
‫ي����ص����ط����اد أم����������وال امل���س���اك�ي�ن‬ ‫ي�����ا ج����اع����ل ال�����دي�����ن ل�����ه ب����ازيً����ا‬
‫�����ن‬
‫حب�����ي�����ل�����ة ت�������ذه�������ب ب�����ال�����دي ِ‬ ‫اح����ت����ل����ت ل����ل����دن����ي����ا ول����ذات����ه����ا‬
‫����ان��ي�ن‬
‫ِ‬ ‫ك�����ن�����ت دواء ل����ل����م����ج‬ ‫ف���ص���رت جم���ن���و ًن���ا ب��ه��ا ب��ع��د ما‬
‫���ن‬
‫ع����ن اب������ن ع������ون واب�������ن س�ي�ري ِ‬ ‫أي��������ن رواي��������ات��������ك يف س����رده����ا‬
‫�����س��ل��اط��ي��ن‬
‫ِ‬ ‫ل����ت����رك أب�������������واب ال‬ ‫أي��������ن رواي��������ات��������ك يف س����رده����ا‬
‫���ط�ي�ن‬
‫زل مح������ار ال���ع���ل���م يف ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫���ت أُك����ره����ت ف����ذا باط ٌل‬
‫إن ق���ل َ‬

‫فلام وقف ابن علية عىل هذه األبيات قام من جملس القضاء‪ ،‬فوطئ‬
‫بساط هارون‪ ،‬وقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬اهللَ اهللَ ارحم شيبتي‪ ،‬فإين ال أصرب‬
‫للخطأ‪ ،‬فقال له هارون‪ّ :‬‬
‫لعل هذا املجنون أغرى بقلبك‪ ،‬فقال‪ :‬اهلل اهلل أنقذين‬
‫وجه إليه‬
‫أنقذك اهلل‪ ،‬فأعفاه من القضاء‪ ،‬فلام اتصل بعبد اهلل بن املبارك ذلك ّ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]196/7‬‬ ‫بالرصة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪149‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫أضقت مرة من املرار وأنا مع حييى‬


‫ُ‬ ‫قال أبو عبد اهلل الواقدي القايض‪:‬‬
‫ابن خالد الربمكي‪ ،‬وحرض عيدٌ ‪ ،‬فجاءتني جارية فقالت‪ :‬قد حرض العيد‬
‫ٍ‬
‫صديق يل من التجار فعرفته‬ ‫وليس عندنا من النفقة يشء‪ ،‬فمضيت إىل‬
‫كيسا خمتو ًما فيه ألف ومائتا درهم‪ ،‬فأخذته‬
‫حاجتي إىل القرض‪ ،‬فأخرج إ ّيل ً‬
‫وانرصفت إىل منزيل‪ ،‬فام استقررت فيه حتى جاءين صديق يل هاشمي فشكا‬
‫إ َّيل تأخر غلته وحاجته إىل القرض‪ ،‬فدخلت إىل زوجتي فأخربهتا‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫عىل أي يشء عزمت؟ قلت‪ :‬عىل أن أقاسمه الكيس‪ ،‬قالت‪ :‬ما صنعت‬
‫أتيت رجلاً سوقة فأعطاك أل ًفا ومائتي درهم وجاءك ٌ‬
‫رجل له من‬ ‫شي ًئا؛ َ‬
‫رسول اهلل ‪ H‬رحم ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟! ما هذا‬
‫شي ًئا‪ ،‬أعطه الكيس كله‪ ،‬فأخرجت الكيس كله فدفعته إليه‪ ،‬ومىض صديقي‬
‫التاجر إىل اهلاشمي وكان له صدي ًقا فسأله القرض‪ ،‬فأخرج اهلاشمي إليه‬
‫الكيس‪ ،‬فلام رأى خامته عرفه وانرصف إ َّيل فخربين باألمر‪ ،‬وجاءين رسول‬
‫حييى بن خالد‪ ،‬يقول‪ :‬إنام تأخر رسويل عنك لشغيل بحاجات أمري املؤمنني‪،‬‬
‫فركبت إليه فأخربته بخرب الكيس‪ ،‬فقال‪ :‬يا غالم‪ ،‬هات تلك الدنانري فجاءه‬
‫ُ‬
‫بعرشة آالف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬خذ ألفى دينار لك وألفني لصديقك وألفني‬
‫[تاريخ بغداد ‪]30/4‬‬ ‫للهاشمي وأربعة آالف لزوجتك؛ فإهنا أكرمكم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال شقيق بن إبراهيم‪ :‬بينا نحن ذات يوم عند إبراهيم بن أدهم إذ مر‬
‫به رجل من الصناع‪ ،‬فقال إبراهيم‪ :‬أليس هذا فالنًا؟ قيل‪ :‬نعم‪ ،‬فقال لرجل‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫أدركه فقل له‪ :‬قال لك إبراهيم‪ :‬ما لك مل تسلم؟ قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬إن امرأيت‬
‫وضعت وليس عندي يشء فخرجت شبه املجنون‪ ،‬فرجعت إىل إبراهيم‬
‫وقلت له فقال‪ :‬إنا هلل‪ ،‬كيف غفلنا عن صاحبنا حتى نزل به هذا األمر؟ فقال‪:‬‬
‫يا فالن‪ ،‬ائت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين‪ ،‬وادخل السوق فاشرت‬
‫له ما يصلحه بدينار وادفع الدينار اآلخر إليه‪ ،‬فدخلت السوق‪ ،‬وأوقرت‬
‫بدينار من كل يشء‪ ،‬وتوجهت إليه‪ ،‬فدققت الباب‪ ،‬فقالت امرأته‪ :‬من هذا؟‬
‫فم ِري بفتح الباب وت َّ‬
‫َنحي‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬أنا أردت فالنًا‪ ،‬قالت‪ :‬ليس هو هنا‪ ،‬قلت‪ُ :‬‬
‫ففتحت الباب‪ ،‬فأدخلت ما عىل البعري وألقيته يف صحن الدار وناولتها‬
‫الدينار‪ ،‬فقالت‪ :‬عىل يدي من هذا؟ قلت‪ :‬قويل‪ :‬عىل يد أخيك إبراهيم بن‬
‫[حلية األويلاء ‪]382/7‬‬ ‫أدهم‪ ،‬فقالت‪ :‬اللهم ال تنس هذا اليوم إلبراهيم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال إسامعيل بن العالء‪ :‬دعاين الكلوذاين رزق اهلل بن موسى‪ ،‬فقدم‬


‫كثريا‪ ،‬وكان يف القوم أمحد بن حنبل وحييى بن معني وأبو خيثمة‬
‫إلينا طعا ًما ً‬
‫مها‪ ،‬فقال أبو خيثمة‪ :‬هذا‬
‫ومجاعة‪ ،‬فقدم لوزينج‪ ،‬أنفق عليها ثامنني در ً‬
‫إرساف‪ ،‬فقال أمحد‪ :‬ال‪ ،‬لو أن الدنيا مجعت حتى تكون يف مقدار لقمة‪ ،‬ثم‬
‫أخذها امرؤ مسلم‪ ،‬فوضعها يف فم أخيه املسلم ملا كان مرس ًفا‪ ،‬فقال حييى‪:‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]106/1‬‬ ‫صدقت يا أبا عبد اهلل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو عبيد القاسم بن سالم‪ :‬زرت أمحد بن حنبل‪ ،‬فلام دخلت عليه‬
‫بيته قام فاعتنقني وأجلسني يف صدر جملسه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬أليس يقال‬

‫‪151‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫صاحب البيت أو املجلس أحق بصدر بيته أو جملسه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬يقعد و ُيقعد‬
‫من أراد‪ ،‬فقلت يف نفيس‪ :‬خذ إليك أبا عبيد فائدة‪ .‬ثم قلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪،‬‬
‫لو كنت آتيك عىل حق ما تستحق ألتيتك كل يوم‪ ،‬فقال‪ :‬ال تقل ذاك‪ ،‬فإن‬
‫يل إخوانًا ما ألقاهم يف كل سنة إال مرة أنا أوثق يف مودهتم ممن ألقى كل يوم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬هذه أخرى يا أبا عبيد‪ .‬فلام أردت القيام قام معي‪ ،‬قلت‪ :‬ال تفعل‬
‫يا أبا عبد اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬قال الشعبي‪ :‬من متام زيارة الزائر أن ُي َ‬
‫مشى معه إىل باب‬
‫الدار‪ ،‬ويؤخذ بركابه‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل من عن الشعبي؟ قال‪ :‬ابن أيب‬
‫زائدة عن جمالد عن الشعبي‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبا عبيد‪ ،‬هذه ثالثة‪.‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]259/1‬‬

‫‪‬‬

‫رأى اإلمام أبو حنيفة عىل بعض جلسائه ثيا ًبا رثة‪ ،‬فأمره فجلس حتى‬
‫تفرق الناس وبقي وحده‪ ،‬فقال له‪ :‬ارفع املصىل وخذ ما حتته‪ ،‬فرفع الرجل‬
‫ّ‬
‫املصىل فكان حتته ألف درهم‪ ،‬فقال له‪ :‬خذ هذه الدراهم فغيرِّ هبا من حالك‪،‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬إين مورس وأنا يف ٍ‬
‫نعمة ولست أحتاج إليها‪ ،‬فقال له‪ :‬أما بلغك‬
‫احلديث‪« :‬إن اهلل حيب بأن يرى أثر نعمته على عبده»؟ فينبغي لك أن تغري‬
‫[تاريخ بغداد ‪]494/15‬‬ ‫يغتم بك صديقك‪.‬‬
‫حالك حتى ال ّ‬
‫‪‬‬

‫كان للحسن بيت إذا فتح بابه فهو إذنه‪ ،‬فمن جاءه من أصحابه فرأى‬
‫مفتوحا فدخل‪ ،‬فنظر فلم ير‬
‫ً‬ ‫مفتوحا دخل‪ ،‬فجاء رجل فرأى الباب‬
‫ً‬ ‫الباب‬

‫‪152‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫فجره إليه فإذا فيه طعام‪ ،‬فأقبل‬ ‫احلسن يف البيت‪ ،‬فنظر إىل ٍّ‬
‫سل حتت رسيره َّ‬
‫يأكل منه‪ ،‬وأقبل احلسن من خمرج له‪ ،‬فلام رأى ما يصنع الرجل قام ينظر إليه‪،‬‬
‫ثم جعلت عينه تدمع وجعل يبكي‪ ،‬فقال له الرجل‪ :‬ما يبكيك يا أبا سعيد؟‬

‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]525‬‬


‫قال‪ :‬ذكَّرتني أخالق قوم مضوا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫فتح املوصيل إىل صديقه عيسى التامر فلم جيده يف املنزل فقال‬
‫جاء ٌ‬
‫كيس أخي‪ ،‬فأخذ منه درمهني‪ ،‬وجاء عيسى إىل منزله‬
‫للخادم‪ :‬أخرجي إ ّيل َ‬
‫ِ‬
‫وأخذه الدرمهني‪ ،‬فقال‪ :‬إن كنت صادقة فأنت‬ ‫فأخربته اجلارية بمجيء فتح‬

‫[حلية األويلاء ‪]293/8‬‬


‫حرة فنظر فإذا هي صادقة‪ ،‬فعتقت‪.‬‬

‫‪‬‬

‫احتجت‬
‫ُ‬ ‫اخلز‪ ،‬فجاءه رجل فقال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬قد‬
‫كان أبو حنيفة يبيع ّ‬
‫إىل ثوب خز‪ ،‬فقال‪ :‬ما لونه؟ فقال‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فقال له‪ :‬اصرب حتى يقع‬
‫وآخذه لك إن شاء اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فام دارت اجلمعة حتى وقع‪ ،‬فمر به الرجل‬
‫فقال له أبو حنيفة‪ :‬قد وقعت حاجتك‪ ،‬فأخرج إليه الثوب فأعجبه فقال‪:‬‬
‫كنت أظنك‬
‫مها‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬ما ُ‬
‫يا أبا حنيفة‪ ،‬كم أزن للغالم؟ قال‪ :‬در ً‬
‫دينارا ودرهم‪ ،‬وإين بعت‬
‫هتزأ؟ قال‪ :‬ما هزأت‪ ،‬إين اشرتيت ثوبني بعرشين ً‬
‫دينارا‪ ،‬وبقي هذا بدرهم‪ ،‬وما كنت ألربح عىل صديق‪.‬‬
‫أحدمها بعرشين ً‬
‫[تاريخ بغداد ‪]495/15‬‬

‫‪‬‬

‫‪153‬‬
‫م�صاحبة الأخيار‬

‫قال حممد بن املثنى انرصفت مع برش بن احلارث يف يوم أضحى من‬


‫املصىل فلقي خالد بن خداش املحدث فسلم عليه فقرص برش يف رد السالم‬
‫فقال خالد‪ :‬بيني وبينك مودة أكثر من ستني سنة ما تغريت عليك فام هذا‬
‫التغيري؟ فقال برش‪ :‬ما هنا تغيري وال تقصري‪ ،‬ولكن هذا يوم تستحب فيه‬
‫اهلدايا وما عندي من عرض الدنيا يشء أهديه لك‪ ،‬وقد روي يف احلديث أن‬
‫املسلمني إذا التقيا كان أكثرمها ثوا ًبا أبشهام لصاحبه فرتكتك لتكون أفضل‬
‫[املنهج األمحد ‪]79/1‬‬ ‫ثوا ًبا‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫حمبة اخلري للنا�س‬

‫محبة اخلير للناس‬

‫احتكر املِسور بن خمرمة ‪ I‬طعا ًما فرأى سحا ًبا من سحاب اخلريف‬
‫فكرهه‪ ،‬فلام أصبح أتى السوق فقال‪َ :‬من جا َءين و َّليتُه ‪-‬يعني‪ :‬بعت له برأس‬
‫سور؟ قال‪ :‬ال واهلل‬ ‫املال‪ ،-‬فبلغ ذلك عمر فأتاه بالسوق فقال‪ :‬أجنِ َ ِ‬
‫نت يا م َ‬ ‫ُ‬
‫يا أمري املؤمنني‪ ،‬ولكني رأيت سحا ًبا فكرهته‪ ،‬فكرهت ما ينفع الناس‪،‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]305 /1‬‬ ‫خريا‪.‬‬
‫فكرهت أن أربح فيه‪ .‬فقال عمر‪ :‬جزاك اهلل ً‬
‫‪‬‬
‫قال األصمعي‪ :‬دخل عطاء بن أيب رباح عىل عبد امللك بن مروان وهو‬
‫جالس عىل رسيره وحواليه األرشاف من كل بطن‪ ،‬وذلك بمكة يف وقت‬
‫حجه يف خالفته‪ ،‬فلام برص به قام إليه‪ ،‬فسلم عليه وأجلسه عىل الرسير‪ ،‬وقعد‬
‫بني يديه‪ ،‬وقال له‪ :‬يا أبا حممد‪ ،‬حاجتك؟ فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬اتق اهلل‬
‫يف حرم اهلل وحرم رسوله فتعاهده بالعامرة‪ ،‬واتق اهلل يف أوالد املهاجرين‬
‫واألنصار؛ فإنك هبم جلست هذا املجلس‪ ،‬واتق اهلل يف أهل الثغور؛ فإهنم‬
‫حصن املسلمني‪ ،‬وتفقد أمور املسلمني؛ فإنك وحدك املسؤول عنهم‪،‬‬
‫واتق اهلل فيمن عىل بابك فال تغفل عنهم وال تغلق دوهنم بابك‪ .‬فقال له‪:‬‬
‫أفعل‪ ،‬ثم هنض وقام‪ ،‬فقبض عليه عبد امللك‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا حممد إنام سألتنا‬
‫حوائج غريك‪ ،‬وقد قضيناها‪ ،‬فام حاجتك؟ فقال‪ :‬ما يل إىل خملوق حاجة‪ ،‬ثم‬
‫خرج‪ .‬فقال عبد امللك‪ :‬هذا وأبيك الرشف‪ ،‬هذا وأبيك السؤدد»‪.‬‬
‫[املجالسة ‪]291-290/2‬‬

‫‪‬‬

‫‪155‬‬
‫حمبة اخلري للنا�س‬

‫فرسا بثالثني أل ًفا‪ ،‬فغزا عليها‪،‬‬


‫فرسا أو اشرتى ً‬
‫أعطي الربيع بن خثيم ً‬
‫قال‪ :‬ثم أرسل غالمه ّ‬
‫حيتش وقام يصيل‪ ،‬وربط فرسه‪ ،‬فجاء الغالم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا ربيع‪ ،‬أين فرسك؟ قال‪ :‬رسقت يا يسار‪ ،‬قال‪ :‬وأنت تنظر إليها؟ قال‪ :‬نعم‬
‫يا يسار‪ ،‬إين كنت أناجي ريب ‪ ،D‬فلم يشغلني عن مناجاة ريب يشء‪ ،‬اللهم‬
‫فقريا فأغنه‪،‬‬
‫إنه رسقني ومل أكن ألرسقه‪ ،‬اللهم إن كان غن ًّيا فاهده‪ ،‬وإن كان ً‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]553‬‬ ‫ثالث مرات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ﻃﻌﺎﻣﺎ ﺇﻰﻟ اﻟﺒﺮﺼﺓ ﻣﻊ ﺭﺟﻞ ﻭﺃﻣﺮﻩ ﺃﻥ‬


‫ً‬ ‫ﻛﺎﻥ اﺤﻟﺠﺎﺝ ﺑﻦ ﺩﻳﻨﺎﺭ ﻗﺪ ﺑﻌﺚ‬
‫ﻳﺒﻴﻌﻪ ﻳﻮﻡ ﻳﺪﺧﻞ ﺑﺴﻌﺮ ﻳﻮﻣﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺗﺎﻩ ﻛﺘﺎﺑﻪ‪ :‬ﺇﻲﻧ ﻗﺪﻣﺖ اﻟﺒﺮﺼﺓ‪ ،‬ﻓﻮﺟﺪﺕ اﻟﻄﻌﺎﻡ‬
‫ﻣﺒﻐﻀﺎ ﻓﺤﺒﺴﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺰاﺩ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻓﺎﺯﺩﺩﺕ ﻓﻴﻪ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا‪ ،‬ﻓﻜﺘﺐ ﺇﻟﻴﻪ اﺤﻟﺠﺎﺝ‪:‬‬
‫ً‬
‫ﺇﻧﻚ ﻗﺪ ﺧﻨﺘﻨﺎ ﻭﻋﻤﻠﺖ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﺃﻣﺮﻧﺎﻙ ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﺈﺫا ﺃﺗﺎﻙ ﻛﺘﺎﻲﺑ ﻓﺘﺼﺪﻕ ﺑﺠﻤﻴﻊ‬
‫ﺛﻤﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻋﻰﻠ ﻓﻘﺮاء اﻟﺒﺮﺼﺓ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺘﻨﻲ ﺃﺳﻠﻢ ﺇﺫا ﻓﻌﻠﺖ ﺫﻟﻚ‪.‬‬
‫[جامع العلوم واحلكم ص‪]94‬‬

‫‪‬‬

‫اشرتى قوم من الليث بن سعد ثمرة فاست ْغ َلوها فاستقالوه‪ ،‬فأقاهلم ثم‬
‫دينارا‪ ،‬فقال له ابنه احلارث يف‬
‫دعا بخريطة فيها أكياس فأمر هلم بخمسني ً‬
‫غفرا‪ ،‬إهنم قد كانوا أملوا فيها أملاً ‪ ،‬فأحببت أن أعوضهم‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم ً‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]149/8‬‬ ‫من أملهم هبذا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪156‬‬
‫حمبة اخلري للنا�س‬

‫دينارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ترافع اثنان إىل القايض خري بن نعيم فادعى أحدمها بعرشين‬
‫فسكت املدعى عليه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما خيلصك السكوت‪ ،‬فناوله رقعة وقال‪:‬‬
‫اسرتها فسرتها خري بكمه‪ ،‬فإذا فيها‪ :‬املبلغ يف ذمتي‪ ،‬ولكن ليس له هبا شاهد‪،‬‬
‫وأنا اليوم ال أقدر عىل حق الرسول‪ ،‬فإن اعرتفت عقلني‪ ،‬وإال استحلفني‪،‬‬
‫خفت اهلل‪ ،‬فبكى خري وأخرج منديلاً من كمه فوزن عرشين ً‬
‫دينارا للمدعي‪.‬‬
‫أردت هبذا؟ قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫فقال‪ :‬ما هذه الدنانري؟ قال‪ :‬خالص هذا املسكني‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫أحق‪ ،‬واهلل ال طلبتها منه أبدً ا‪ ،‬فقام املطلوب‪ ،‬فقال‬
‫األجر والثواب‪ ،‬قال‪ :‬أنا ّ‬
‫له خري‪ :‬خذها فليس يل فيها رجعة‪ ،‬فأخذ عرشين‪ ،‬وختلص من عرشين‪.‬‬
‫[رفع اإلرص ص ‪]155‬‬

‫‪‬‬

‫وجه عبد اهلل بن إدريس بابنه إىل البقال ليشرتي له حاجة‪ ،‬فأبطأ ثم‬
‫ّ‬
‫جاء‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بني‪ ،‬ما بطأك؟ قال‪ :‬مضيت إىل السوق‪ ،‬قال‪ :‬لِـم مل تشرت‬
‫من هذا البقال الذي معنا يف السكة؟ قال‪ :‬هذا يغيل علينا‪ ،‬قال‪ِ :‬‬
‫اشرت منه وإن‬
‫[تاريخ بغداد ‪]69/11‬‬ ‫جاورنا لينتفع‪.‬‬
‫َ‬ ‫أغىل عليك‪ ،‬فإنام‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل ابن أخت مسلم بن سعد‪ :‬أردت احلج فدفع إيل خايل مسلم‬
‫عرشة آالف درهم وقال يل‪ :‬إذا قدمت املدينة فانظر أفقر أهل بيت باملدينة‬
‫فأعطهم إياها‪ ،‬فلام دخلت سألت عن أفقر أهل بيت باملدينة‪ ،‬فدللت عىل‬
‫أهل بيت‪ ،‬فطرقت الباب فأجابتني امرأة‪ :‬من أنت؟ فقلت‪ :‬أنا رجل من أهل‬
‫بغداد‪ ،‬أودعت عرشة آالف وأمرت أن أسلمها إىل أفقر أهل بيت باملدينة‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫حمبة اخلري للنا�س‬

‫وقد وصفتم يل فخذوها فقالت‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬إن صاحبك اشرتط أفقر أهل‬
‫بيت‪ ،‬وهؤالء الذين بازائنا أفقر منا‪ ،‬فرتكتهم وأتيت أولئك‪ ،‬فطرقت الباب‬
‫فأجابتني امرأة‪ ،‬فقلت هلا مثل الذي قلت لتلك املرأة‪ ،‬فقالت‪ :‬يا عبد اهلل‪،‬‬
‫نحن وجرياننا يف الفقر سواء‪ ،‬فاقسمها بيننا وبينهم‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]411/1‬‬

‫‪158‬‬
‫التوا�ضـــع‬

‫التواضـــع‬

‫ملا بويع أليب بكر الصديق ‪ I‬باخلالفة قالت جارية من احلي‪ :‬اآلن‬
‫ال َيـحلب لنا منائحنا‪ ،‬فسمعها أبو بكر فقال‪ :‬بىل‪ ،‬لعمري ألحلبنها لكم‪،‬‬
‫وإين ألرجو أن ال يغريين ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه‪ ،‬فكان حيلب‬
‫هلم‪ ،‬فربام قال للجارية‪ :‬أحتبني أن أرغي لكم أو أن أرصح؟ فربام قالت‪ :‬أرغ‪،‬‬
‫[أسد الغابة ‪]326 /3‬‬ ‫وربام قالت‪ :‬رصح‪ ،‬فأي ذلك قالت فعل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عروة بن الزبري‪ :‬رأيت عمر بن اخلطاب ‪ I‬وعىل عاتقه قربة‬


‫ماء‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ال ينبغي لك هذا‪ ،‬فقال‪ :‬ملا أتاين الوفود سامعني‬
‫فأحببت أن أكرسها‪ ،‬ومىض بالقربة إىل حجرة‬
‫ُ‬ ‫دخلت يف نفيس نخوة‬
‫ْ‬ ‫مطيعني‬
‫[الرسالة القشريية ص‪]70‬‬ ‫امرأة من األنصار فأفرغها يف إنائها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن عباس ‪ :L‬كان للعباس ميزاب عىل طريق عمر‪،‬‬
‫فلبس عمر ثيابه يوم اجلمعة وقد ُذبح للعباس فرخان‪ ،‬فلام واىف امليزاب‬
‫ب ماء بدم الفرخني فأصاب عمر فأمر عمر بقلعه‪ ،‬ثم رجع عمر فطرح‬
‫ُص ّ‬
‫ثيابه ولبس ثيا ًبا غري ثيابه ثم جاء فصلىَّ بالناس‪ ،‬فأتاه العباس فقال‪ :‬واهلل إنه‬
‫لموضع الذي وضعه رسول اهلل ‪ ،H‬فقال عمر للعباس‪ :‬وأنا أعزم‬
‫ُ‬ ‫َل‬

‫‪159‬‬
‫التوا�ضـــع‬

‫عليك ملا صعدت عىل ظهري حتى تضعه يف املوضع الذي وضعه رسول اهلل‬
‫[صفة الصفوة ‪]285/1‬‬ ‫‪ ،H‬ففعل ذلك العباس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عن ثعلبة بن أيب مالك أن أبا هريرة ‪ I‬أقبل يف السوق حيمل حزمة‬
‫حطب‪ ،‬وهو يومئذ خليفة ملروان‪ ،‬فقال‪ :‬أوسع الطريق لألمري يا ابن أيب‬
‫مالك‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلحك اهلل‪ ،‬يكفي هذا‪ ،‬قال‪ :‬وسع الطريق لألمري يا ابن أيب‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]254‬‬ ‫مالك‪ ،‬واحلزمة عليه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد العزيز بن عمر‪ :‬قال يل رجاء بن َح ْي َوة‪ :‬ما أكمل مروء َة أبيك!‬
‫اج وإىل جانبه وصيف نام‪ ،‬قلت‪ :‬أال أن ِّبهه؟ قال‪:‬‬ ‫شيِ‬
‫الس ُ‬
‫سم ْر ُت عنده ف َع َ رِّ‬
‫َ‬
‫ال‪ ،‬دعه‪ ،‬قلت‪ :‬أنا أقوم‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ليس من مروءة الرجل استخدا ُمه ضي َفه‪،‬‬
‫ِ‬
‫قمت وأنا عمر بن عبد‬ ‫الساج‪ ،‬ثم رجع‪ ،‬وقال‪ُ :‬‬ ‫فقام إىل ب َّطة الزيت وأصلح رِّ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]136/5‬‬ ‫ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العزيز‪،‬‬

‫‪160‬‬
‫اال�ست�شــارة‬

‫االستشــارة‬

‫طلب عمر بن اخلطاب ‪ I‬األحنف بن قيس‪ ،‬فأبقاه عنده سنة يراقبه‬


‫خريا‪ ،‬ورأيت عالنيتك‬
‫ثم قال له‪ :‬يا أحنف‪ ،‬قد بلوتك وخربتك فلم أر إال ً‬
‫حسنة‪ ،‬وأنا أرجو أن تكون رسيرتك مثل عالنيتك‪ ،‬فإنا كنا نتحدث‪ :‬إنام‬
‫أهلك هذه األمة كل منافق عليم‪ ،‬وكتب إىل أيب موسى األشعري ‪:I‬‬
‫ِ‬
‫وشاو ْره واسمع منه‪.‬‬ ‫أما بعد‪ ،‬فأدن األحنف بن قيس‬
‫[طبقات ابن سعد ‪]94/7‬‬

‫‪‬‬

‫فأتيت حكيم‬
‫ُ‬ ‫قال عبد اهلل بن الزبري ‪ُ :L‬قتل أيب وترك دينًا ً‬
‫كبريا‪،‬‬
‫ابن حزام أستعني برأيه وأستشريه‪ ،‬فوجدته يف سوق ال َّظ ْهر‪ ،‬معه ٌ‬
‫بعري آخذ‬
‫بخطامه يدور به يف نواحي السوق‪ ،‬فسلمت عليه وأخربته بام جئته له‪،‬‬
‫وطفت معه حتى إين ألضع‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬ا ْلبث عيل حتى أبيع بعريي هذا‪ .‬فطاف‬
‫مها‪ ،‬فقال‪ :‬هو‬
‫ردائي عىل رأيس من الشمس‪ ،‬ثم أتاه رجل فأربحه فيه در ً‬
‫لك‪ ،‬وأخذ منه الدرهم‪ ،‬فلم أملك أن قلت له‪ :‬حبستَني ونفسك ندور يف‬
‫دت أين غرمت دراهم كثرية ومل‬ ‫الشمس منذ اليوم من أجل درهم! ِ‬
‫فود ُ‬
‫تبلغ هذا من نفسك‪ ،‬فلم يكلمني‪ ،‬وخرجت معه نحو منزله حتى انتهيت‬
‫إىل هدم بالزوراء فيه ُعجيزة من العرب‪ ،‬فدنا إليها فأعطاها ذلك الدرهم‪،‬‬
‫عيل فقال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬إين غدوت اليوم إىل السوق فرأيت مكان‬
‫ثم أقبل َّ‬
‫هذه العجوز‪ ،‬فجعلت هلل ال أربح اليوم شي ًئا إال أعطيتُها إياه‪ ،‬فلو ربحت‬

‫‪161‬‬
‫اال�ست�شــارة‬

‫وكرهت أن أنرصف حتى أصيب هلا شي ًئا فكان هذا‬


‫ُ‬ ‫كذا وكذا لدفعته إليها‪،‬‬
‫الدرهم الذي رزقت‪ .‬قال‪ :‬فلام رصت إىل املنزل دعا بطعامه فأكل وأكلت‬
‫عيل‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬ذكرت دين أبيك‪ ،‬فإن كان‬
‫معه‪ ،‬حتى إذا فرغ أقبل َّ‬
‫فعيل نص ُفها‪ ،‬قلت‪ :‬ترك أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فإن كان ترك‬
‫ترك مائة ألف َّ‬
‫فعيل نصفها‪ ،‬قلت‪ :‬ترك أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فإن كان ترك ثالثامئة‬
‫مائتي ألف َّ‬
‫فعيل نصفها‪ ،‬قلت‪ :‬ترك أكثر من ذلك‪ .‬قال‪ :‬هلل أنت كم ترك أبوك؟‬
‫ألف َّ‬
‫فأخربته‪ ،‬أحسب أنه قال‪ :‬ألفي ألف درهم‪ .‬قال‪ :‬ما أراد أبوك إال أن يدعنا‬
‫عالة‪ ،‬قلت‪ :‬إنه ترك وفاء وأموالاً كثرية‪ ،‬وإنام جئت أستشريك فيها‪ ،‬منها سبع‬
‫مئة ألف درهم لعبد اهلل بن جعفر بن َأيب طالب‪ ،‬وللزبري معه شرِ ْ ك يف أرض‬
‫بالغابة‪ ،‬قال‪ :‬فاعمد لعبد اهلل بن جعفر فقاسمه‪ ،‬وإن سامك قبل املقاسمة‬
‫فال تَبِعه‪ ،‬ثم اعرض عليه فإن اشرتى منك فبعه‪ .‬فخرجت حتى جئت عبد اهلل‬
‫بن جعفر‪ ،‬فقلت له‪ :‬قاسمني احلق الذي معك‪ ،‬قال‪ :‬أو أشرتيه منك‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ال‪ ،‬حتى تقاسمني‪ ،‬قال‪ :‬فموعدك غدً ا هنالك بالغداة‪ .‬فغدوت فوجدته قد‬
‫سبقني‪ ،‬ووضع سفرة وهو يأكل هو وأصحابه‪ ،‬قال‪ :‬الغداء‪ ،‬قلت‪ :‬املقاسمة‬
‫قبل‪ ،‬فأمسك يده ثم قال‪ :‬قل ما شئت‪ ،‬قلت‪ :‬إن شئت فاقسم وأختار‪ ،‬وإن‬
‫واخرتت‪ ،‬قال‪ :‬مها لك مجي ًعا‪ ،‬فقمت إىل األرض فصدعتها‬
‫َ‬ ‫قسمت‬
‫ُ‬ ‫شئت‬
‫نصفني‪ ،‬ثم قلت‪ :‬هذا يل‪ ،‬وهذا لك‪ ،‬قال‪ :‬هو كذلك‪ ،‬قلت‪ :‬اشرت مني إن‬
‫أحببت‪ ،‬قال‪ :‬كان يل عىل أيب عبد اهلل يشء وهو سبعامئة ألف درهم‪ ،‬وقد‬
‫أخذهتا منك هبا‪ .‬قلت‪ :‬هي لك‪ ،‬قال‪ :‬هلم إىل الغداء‪ .‬فجلست فتغديت‪ ،‬ثم‬
‫انرصفت وقد قضيته‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫اال�ست�شــارة‬

‫وبعث معاوية إىل عبد اهلل بن جعفر فاشرتى منه ذلك احلق كله بألفي‬
‫[تهذيب الكمال ‪]189-187 /7‬‬ ‫ألف درهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫رب ذات يوم عىل ِمطهرة دمشق يتوضأ‪،‬‬


‫قال ابن جابر‪ :‬وافيت أبا عبد ّ‬
‫فسلمت عليه فقال‪ :‬يا طويل‪ ،‬ال تعجل‪ ،‬فانتظرته‪ ،‬فلام فرغ من وضوئه قال‪:‬‬
‫إين أريد أن أستشريك‪ ،‬قلت‪ :‬اذكر‪ ،‬قال‪ُ :‬حرمت من صامت مايل وعقاري‬
‫فلم َي ْبق إال داري هذه وقد ُأعطيت هبا كذا وكذا أل ًفا فام ترى؟ قلت‪ :‬واهلل‬
‫ما أدري ما بقي من ُعمرك وأخاف أن حتتاج إىل الناس‪ ،‬ويف غ َّلتها قوام‬
‫ملعيشتك‪ ،‬وتسكن يف طائفة منها فيسرتك ويغنيك عن منازل الناس‪ .‬قال‪:‬‬
‫وإن هذا لرأيك؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أصابك واهلل املثل‪ ،‬قلت‪ :‬وما ذاك؟ قال‪:‬‬
‫ختوفني! قال ابن جابر‪:‬‬
‫ال خيطئك من طويل محق أو قرحة يف رحله‪َ ،‬أوبالفقر ِّ‬
‫قدر‬
‫وفرقه‪ ،‬فكان ذلك مع موته‪ ،‬فام وجدنا من ثمنها إال َ‬
‫فباعها بامل عظيم َّ‬
‫[تاريخ دمشق ‪]56/67‬‬ ‫ثمن ال َك َفن‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا ويل عمر بن هبرية العراق أرسل إىل احلسن وإىل الشعبي فأمر هلام‬
‫شهرا أو نحوه‪ ،‬ثم إن اخليص غدا عليهام ذات يوم‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫ببيت‪ ،‬وكانا فيه ً‬
‫عصا له فسلم ثم جلس مع ِّظام هلام‪،‬‬
‫األمري داخل عليكام فجاء عمر يتوكأ عىل ً‬
‫فقال‪ :‬إن أمري املؤمنني يزيد بن عبد امللك ينفذ كت ًبا أعرف أن يف إنفاذها اهللكة‬
‫فإن أطعته عصيت اهلل وإن عصيته أطعت اهلل ‪ ،D‬فهل تريا يل يف متابعتي‬

‫‪163‬‬
‫اال�ست�شــارة‬

‫فرجا؟ فقال احلسن‪ :‬يا أبا عمرو أجب األمري‪ ،‬فتكلم الشعبي فانحط يف‬
‫إياه ً‬
‫حبل ابن هبرية فقال‪ :‬ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال‪ :‬أهيا األمري‪ ،‬قد قال‬
‫الشعبي ما قد سمعت‪ ،‬قال‪ :‬ما تقوله أنت يا أبا سعيد؟ فقال‪ :‬أقول‪ :‬يا عمر‬
‫ابن هبرية‪ ،‬يوشك أن ينزل بك ملك من مالئكة اهلل تعاىل فظ غليظ‬
‫ال يعيص اهلل ما أمره فيخرجك من سعة قرصك إىل ضيق قربك‪ ،‬يا عمر بن‬
‫هبرية‪ ،‬إن تتق اهلل يعصمك من يزيد بن عبد امللك‪ ،‬وال يعصمك يزيد بن‬
‫عبد امللك من اهلل ‪ ،D‬يا عمر بن هبرية‪ ،‬ال تأمن أن ينظر اهلل إليك عىل‬
‫أقبح ما تعمل يف طاعة يزيد بن عبد امللك نظرة مقت فيغلق فيها باب املغفرة‬
‫ناسا من صدر هذه األمة كانوا واهلل‬
‫دونك‪ ،‬يا عمر بن هبرية‪ ،‬لقد أدركت ً‬
‫إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة‪ ،‬يا عمر بن‬
‫عىل الدنيا وهي مقبلة أشد ً‬
‫هبرية‪ ،‬إين أخوفك مقا ًما خوفكه اهلل تعاىل فقال‪[ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ] يا عمر بن هبرية‪ ،‬إن تك مع اهلل تعاىل يف طاعته كفاك بائقة‬
‫يزيد بن عبد امللك‪ ،‬وإن تك مع يزيد بن عبد امللك عىل معايص اهلل وكلك اهلل‬
‫إليه‪ .‬فبكى عمر وقام بعربته‪ ،‬فلام كان من الغد أرسل إليهام بإذهنام وجوائزمها‬
‫وكثر منه ما للحسن وكان يف جائزته للشعبي بعض اإلقتار‪ ،‬فخرج الشعبي‬
‫إىل املسجد فقال‪ :‬يا أهيا الناس من استطاع منكم أن يؤثر اهلل تعاىل عىل خلقه‬
‫فليفعل فوالذي نفيس بيده ما علم احلسن منه شي ًئا فجهلته ولكن أردت وجه‬
‫[حلية األويلاء ‪]151-150/2‬‬ ‫ابن هبرية فأقصاين اهلل منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪164‬‬
‫اال�ست�شــارة‬

‫قال خارجة بن مصعب‪ :‬أجاز املنصور أبا حنيفة بعرشة آالف درهم‪،‬‬
‫فدعي ليقبضها‪ ،‬فشاورين‪ ،‬وقال‪ :‬هذا رجل إن رددهتا عليه غضب‪ ،‬وإن‬
‫عيل يف ديني ما أكرهه؟ فقلت‪ :‬إن هذا املال عظيم يف عينه‪ ،‬فإذا‬
‫قبلتها دخل ّ‬
‫دعيت لتقبضها فقل‪ :‬مل يكن هذا أميل من أمري املؤمنني‪ ،‬فدعي ليقبضها فقال‬
‫ذلك‪ ،‬فرفع إليه خربه‪ ،‬فحبس اجلائزة‪ ،‬فكان أبو حنيفة ال يكاد يشاور يف أمره‬
‫[تاريخ بغداد ‪]492/15‬‬ ‫غريي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا مرض سليامن بن عبد امللك بدابق قال لرجاء بن حيوة‪ :‬من هلذا‬
‫األمر بعدي‪ ،‬أستخلف ابني؟ قال‪ :‬ابنك غائب‪ ،‬قال‪ :‬فابني اآلخر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫صغري‪ ،‬قال‪ :‬فمن ترى؟ قال‪ :‬أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أختوف إخويت ال يرضون‪ ،‬قال‪ :‬فول عمر ِ‬
‫ومن بعده يزيد بن عبد امللك‪،‬‬
‫وتكتب كتا ًبا وختتم عليه وتدعوهم إىل بيعته خمتو ًما‪ ،‬قال‪ :‬لقد رأيت‪ ،‬ائتني‬
‫بقرطاس‪ ،‬فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد ودفعه إىل رجاء وقال‪ :‬اخرج إىل‬
‫الناس فليبايعوا عىل ما فيه خمتو ًما‪ ،‬فخرج فقال‪ :‬إن أمري املؤمنني يأمركم أن‬
‫تبايعوا ملن يف هذا الكتاب‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن فيه؟ قال‪ :‬هو خمتوم ال تُـخبرَ ون‬
‫بمن فيه حتى يموت‪ ،‬قالوا‪ :‬ال نبايع‪ ،‬فرجع إليه فأخربه‪ ،‬فقال‪ :‬انطلق إىل‬
‫صاحب الرشطة واحلرس فامجع الناس ومرهم بالبيعة‪ ،‬فمن أبى فارضب‬
‫[تاريخ اإلسالم ‪]380/6‬‬ ‫عنقه‪ ،‬فبا َيعوه عىل ما فيه‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫اال�شتغال مبا يعني‬

‫االشتغال مبا يعني‬

‫ُد ِخل عىل أيب دجانة ‪ I‬وهو مريض‪ ،‬وكان وجهه يته َّلل‪ ،‬فقيل‪ :‬ما‬
‫لوجهك يتهلل؟ فقال‪ :‬ما من عميل يشء أوثق عندي من اثنتني‪ :‬أما إحدامها‬
‫فكنت ال أتكلم فيام ال يعنيني‪ ،‬وأما األخرى فكان قلبي للمسلمني سليماً ‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]184/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال رجل لألحنف بن قيس‪ :‬بأي يشء بلغت ما بلغت؟ فواهلل ما أنت‬
‫بأرشف قومك وال أشجعهم وال أجودهم‪ ،‬فقال يا ابن أخي بخالف ما أنت‬
‫فيه‪ ،‬فقال وما خالف ما أنا فيه؟ قال‪ :‬تركي من أمرك ما ال يعنيني‪ ،‬كام عناك‬
‫[اآلداب الرشعية ‪]354/1‬‬ ‫من أمري ما ال يعنيك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان أبو مسلم اخلوالين إذا انرصف من املسجد إىل منزله كرب عىل باب‬
‫منزله فتكرب امرأته فإذا كان يف صحن داره كرب فتجيبه امرأته‪ ،‬فإذا بلغ إىل‬
‫باب بيته كرب فتجيبه امرأته‪ ،‬فانرصف ذات ليلة فكرب عند باب داره فلم جيبه‬
‫أحد‪ ،‬فلام كان يف الصحن كرب فلم جيبه أحد‪ ،‬فلام كان يف باب بيته كرب فلم‬
‫جيبه أحد‪ ،‬وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه‪،‬‬
‫فدخل فإذا البيت ليس فيه رساج وإذا امرأته جالسة منكسة تنكت بعود‬
‫معها‪ .‬فقال هلا ما لك؟ فقالت‪ :‬أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا خادم‬

‫‪166‬‬
‫اال�شتغال مبا يعني‬

‫فلو سألته فأخد َمنا وأعطاك‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم من أفسد امرأيت فأعم برصه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وقد جاءهتا امرأة قبل ذلك فقالت‪ :‬زوجك له منزلة من معاوية‪ ،‬فلو قلت‬
‫له يسأل معاوية أن خيدمه ويعطيه عشتم‪ ،‬قال‪ :‬فبينا تلك املرأة جالسة يف‬
‫بيتها إذ أنكرت برصها فقالت‪ :‬ما لرساجكم طفئ؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فعرفت ذنبها‪،‬‬
‫فأقبلت إىل أيب مسلم تبكي وتسأله أن يدعو اهلل ‪ D‬هلا يرد عليها برصها‪،‬‬
‫قال‪ :‬فرمحها أبو مسلم فدعا اهلل ‪ D‬هلا فرد عليها برصها‪ ،‬ورجعت امرأته‬
‫إىل حاهلا الذي كانت عليه‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪ ،371 /2‬جمابو ادلعوة البن أيب ادلنيا ص ‪]66‬‬

‫‪‬‬

‫كتاب من بعض امللوك وعنده قوم‬


‫ٌ‬ ‫أتى زيا َد ب َن عبد الرمحن القرطبي‬
‫جلوس‪ ،‬فكتب فيه ثم طبع الكتاب ونفذ به الرسول‪ ،‬وقال‪ :‬أتدرون عم‬
‫سأل صاحب هذا؟ سأل عن كفتي ميزان األعامل يوم القيامة‪ ،‬من ذهب هي‬
‫أم من ِ‬
‫ورق؟ فكتبت إليه‪ :‬حدثنا مالك عن ابن شهاب‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫‪ H‬من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه‪ .‬وست َِرد فتعلم‪.‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]116/3‬‬

‫‪‬‬

‫عن حممد بن سليامن القريش قال‪ :‬بينا أنا أسري يف طريق اليمن إذا أنا‬
‫يمجد ربه بأبيات من الشعر‪ ،‬فسمعته يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بغالم واقف يف الطريق وهو ِّ‬
‫ع���زي���ز ال����ق����در ل���ي���س ب����ه خفا ُء‬ ‫مليك يف ال��س��م��اء ب��ه افتخاري‬

‫فدنوت منه فسلمت عليه فقال‪ :‬ما أنا برا ٍّد عليك حتى تؤدي من حقي‬

‫‪167‬‬
‫اال�شتغال مبا يعني‬

‫ما جيب يل عليك‪ ،‬قلت‪ :‬وما حقك؟ قال‪ :‬أنا غالم عىل مذهب إبراهيم‬
‫اخلليل ‪ ،H‬ال أتغدى وال أتعشى كل يوم حتى أسري ِ‬
‫الميل وامليلني‬
‫فرحب يب‪ ،‬ورست معه حتى قربنا من‬
‫يف طلب الضيف‪ ،‬فأجبته إىل ذلك َّ‬
‫خيمة شعر‪ ،‬فلام قربنا من اخليمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من اخليمة يا‬
‫لبيكاه‪ ،‬فقال قومي إىل ضيفنا‪ ،‬فقالت اجلارية حتى أبدأ بشكر املوىل الذي‬
‫شكرا هلل ‪ ،D‬فأدخلني‬
‫ً‬ ‫سبب لنا هذا الضيف‪ ،‬فقامت فصلت ركعتني‬
‫جلست يف‬
‫ُ‬ ‫اخليمة وأجلسني‪ ،‬وأخذ الغالم الشفرة وأخذ عنا ًقا ليذبحها‪ ،‬فلام‬
‫وجها‪ ،‬فكنت أسارقها النظر ففطِنَت ببعض‬ ‫اخليمة نظرت إىل أحسن الناس ً‬
‫حلظايت إليها فقالت يل‪ :‬مه أما علمت أنه قد نُقل إلينا عنه ‪ H‬أن زنى‬
‫العينني النظر! أ َما إين ما أردت هبذا أن أوبخك ولكني أردت أن أؤ ِّدبك لكي‬
‫خارجا وباتت اجلارية‬
‫ً‬ ‫بت أنا والغالم‬‫ال تعود إىل مثل هذا‪ ،‬فلام كان النوم ُّ‬
‫يف اخليمة‪ ،‬وكنت أسمع َد ِو ّي القرآن الليل ك َّله بأحسن صوت يكون وأر ِّقه‪،‬‬
‫صوت َمن كان ذلك؟ فقال‪ :‬تلك أختي حتيي‬
‫ُ‬ ‫أصبحت قلت للغالم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فلام‬
‫الليل ك َّله إىل الصباح‪ ،‬فقلت‪ :‬يا غالم أنت ُّ‬
‫أحق هبذا العمل من أختك‪ ،‬أنت‬ ‫َ‬
‫فتبسم وقال يل‪ :‬وحيك يا فتى أ َما علمت أنه مو َّفق‬
‫رجل وهي امرأة‪ ،‬قال َّ‬
‫[صفة الصفوة ‪]303/2‬‬ ‫وخمذول!‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫احللم والأناة‬

‫احللم واألنـــاة‬

‫قال ابن عباس ‪ :L‬قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل عىل ابن‬
‫أخيه احلر بن قيس‪ ،‬وكان من النفر الذين يدنيهم عمر‪ ،‬وكان القراء أصحاب‬
‫جمالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو ُش ّبانًا‪ ،‬فقال عيينة البن أخيه‪ :‬يا ابن‬
‫أخي‪ ،‬هل لك وجه عند هذا األمري؟ فاستأذن يل عليه‪ ،‬قال‪ :‬سأستأذن لك‬
‫عليه‪ ،‬فاستأذن احلر لعيينة فأذن له عمر‪ ،‬فلام دخل عليه قال‪ِ :‬هيه يا ابن‬
‫اخلطاب‪ ،‬فواهلل ما تعطينا اجلزل وال حتكم بيننا بالعدل‪ ،‬فغضب عمر حتى هم‬
‫أن يوقع به‪ ،‬فقال له احلر‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن اهلل تعاىل قال لنبيه ‪:H‬‬
‫[ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ]‪ ،‬وإن هذا من اجلاهلني‪،‬‬
‫واهلل ما جاوزها عمر حني تالها عليه‪ ،‬وكان و ّقا ًفا عند كتاب اهلل‪.‬‬
‫[صحيح ابلخاري ‪]60 /6‬‬

‫‪‬‬
‫مت ِ‬
‫احل ْل َم من قيس بن‬ ‫أحلم َك! قال‪ :‬تَع ّل ُ‬ ‫قيل لألحنف بن قيس‪ :‬ما‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫مقتول‬ ‫َب بكسائه أتته مجاع ٌة فيهم‬ ‫عاصم املِنْ َقري‪ ،‬بينا هو قاعدٌ بِ ِفنائه محُ ْت ٍ‬
‫ومكتوف‪ ،‬وقيل له‪ :‬هذا ابنك قتله ابن أخيك‪ ،‬فواهلل ما َّ‬
‫حل َح ْبوته حتى فرغ‬ ‫ٌ‬
‫ابن له يف املجلس فقال له‪ :‬قم ِ‬
‫فأطل ْق عن ابن عمك‪،‬‬ ‫من كالمه‪ ،‬ثم التفت إىل ٍ‬
‫ووار أخاك وامحِ ْل إىل أمه مائ ًة من اإلبل؛ فإهنا َغ ِريب ٌة‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫��������������س يُ��������غ����ِّي���رِّ ه وال أَ ْف ُ‬
‫�����������ن‬ ‫د َن ٌ‬ ‫���س�ب�ي‬ ‫إن�����ي ام��������ر ّؤ ال ش����ائ ٌ‬
‫����ن َح َ‬
‫ُ‬
‫الغصن‬ ‫وال��غ��ص��ن ي��ن�� ُب��ت ح��ول��ه‬ ‫���ت َم���ك��� ُرم��� ٍة‬ ‫������ن ِم���� ْن���� َق ٍ‬
‫����ر يف ب���ي ِ‬ ‫ِم ْ‬

‫‪169‬‬
‫احللم والأناة‬

‫�����ف����� ٌة ُل ْ‬
‫���س ُ‬
‫���ن‬ ‫أع َّ‬ ‫ِب����ي ُ‬
‫����ض ال����وج����وه ِ‬ ‫خ���ط���ب���ا ُء ح��ي�ن ي���ق���ول قائلهم‬
‫����ن‬ ‫����ظ ِج����������واره ُف ْ‬
‫����ط ُ‬ ‫وه������� ُم حل����ف ِ‬ ‫���ب ج����اره���� ُم‬ ‫ال يَ���ف َ‬
‫���ط���ن���ون ل���ع���ي ِ‬
‫ثم أقبل عىل القاتل فقال‪ :‬قت ْل َت قرابتك وقط ْع َت رحمِ َك وأقل ْل َت عددك‬
‫[عيون األخبار ‪]331/1‬‬ ‫ال يبعد اهلل غريك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان عند عيل بن احلسني قو ٌم فاستعجل خاد ًما له بشواء كان له يف‬
‫التنور‪ ،‬فأقبل به اخلادم مرس ًعا وسقط السفود من يده عىل بني لعيل أسفل‬
‫تعمده وأخذ يف‬
‫الدرجة فأصاب رأسه فقتله‪ ،‬فقال عيل للغالم‪ :‬أنت حر‪ ،‬مل َّ‬
‫[صفة الصفوة ‪]357/1‬‬ ‫جهاز ابنه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خارجا من املسجد فلقيه ٌ‬


‫رجل فس َّبه‪ ،‬فثارت‬ ‫ً‬ ‫كان عيل بن احلسني يو ًما‬
‫عليه العبيد واملوايل فقال عيل بن احلسني‪ :‬مهلاً عىل الرجل‪َّ ،‬‬
‫ثم أقبل عليه‬
‫ألك حاج ٌة نعينُك عليها؟ فاستحى‬‫أمرنا أكثر‪َ ،‬‬ ‫فقال له‪ :‬ما ُسرت عنك ِمن ِ‬
‫نفس ِه‪ ،‬فألقى عليه ثوبا كان عليه وأمر له ِ‬
‫بألف دره ٍم‪ .‬فكان‬ ‫الرجل ورجع إىل ِ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫أوالد الرسل‪.‬‬ ‫الرجل بعد ذلك يقول‪ :‬أشهد أنَّك ِمن‬
‫[عني األدب والسياسة ص‪]191‬‬
‫‪‬‬

‫بعض األمر‪ ،‬فجاء حسن‬


‫كان بني حسن بن حسن وبني عيل بن احلسني ُ‬
‫وعيل ساكت‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫إىل عيل وهو مع أصحابه يف املسجد‪ ،‬فام ترك شي ًئا إال قاله له‬
‫فقرع عليه بابه‪ ،‬فخرج إليه‪،‬‬
‫فانرصف حسن‪ ،‬فلام كان يف الليل أتاه يف منزله‪َ ،‬‬

‫‪170‬‬
‫احللم والأناة‬

‫فقال له عيل‪ :‬يا أخي إن كنت صاد ًقا فيام َ‬


‫قلت يل فغفر اهلل يل‪ ،‬وإن كنت كاذ ًبا‬
‫فغ َفر اهلل لك‪ ،‬السالم عليكم‪ ،‬وولىّ ‪ ،‬فاتّبعه حسن‪ ،‬فالتزمه ِمن خلفه‪ ،‬وبكى‬
‫حتى رثى له‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال َجرم ال ُعدت يف ٍ‬
‫أمر تكرهه‪ ،‬فقال عيل‪ :‬وأنت يف‬
‫[صفة الصفوة ‪]448/2‬‬ ‫ِح ٍّل مما َ‬
‫قلت يل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫األحنف بن قيس فسكت عنه‪ ،‬وأعاد فسكت‪ ،‬فقال‪:‬‬‫َ‬ ‫جاء ٌ‬


‫رجل فشتم‬
‫عيل إال هواين عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫[عيون األخبار ‪]326/1‬‬ ‫واهلفاه! ما يمنعه من أن ُير َّد ّ‬
‫‪‬‬

‫كان أبو بكر النحوي امللقب بالوجيه ال يغضب قط‪ ،‬فرتاهن مجاعة مع‬
‫ٍ‬
‫واحد أنه إن أغضبه كان له كذا وكذا‪ ،‬فجاء إليه فسأله عن مسألة يف العربية‬
‫فأجابه فيها باجلواب‪ ،‬فقال له السائل‪ :‬أخطأت أهيا الشيخ‪ ،‬فأعاد عليه‬
‫اجلواب بعبارة أخرى‪ ،‬فقال‪ :‬كذبت‪ ،‬وما أراك إال قد نسيت النحو‪ ،‬فقال‬
‫الوجيه‪ :‬أهيا الرجل‪ ،‬فلعلك مل تفهم ما أقول لك‪ ،‬فقال‪ :‬بىل‪ ،‬ولكنك ختطئ‬
‫يف اجلواب‪ ،‬فقال له‪ :‬فقل أنت ما عندك لنستفيد منك‪ ،‬فأغلظ له السائل يف‬
‫فتبسم ضاحكًا وقال له‪ :‬إن كنت راهنت فقد ُغلبت‪ ،‬وإنام َم َث ُلك مثل‬
‫القول‪ّ ،‬‬
‫الب ّقة سقطت عىل ظهر الفيل فلام أرادت أن تطري‪ ،‬قالت له‪ :‬استمسك فإين‬
‫سقطت‪ ،‬فام أحتاج أن‬ ‫ِ‬ ‫أحسست ِ‬
‫بك حني‬ ‫ُ‬ ‫أحب أن أطري‪ ،‬فقال هلا الفيل‪ :‬ما‬
‫ّ‬
‫[ابلداية وانلهاية ‪]144/13‬‬
‫ِ‬
‫طرت‪.‬‬ ‫أستمسك إذا‬

‫‪171‬‬
‫الل�ســـان‬

‫اللســـان‬

‫ق�ال رج�ل‪ :‬إن مل أستخ�رج الي�وم م�ن الربي�ع ب�ن خثي�م سيئ�ة ألحد‬
‫مل أستخرجه�ا أب�دً ا بحال‪ ،‬قلت‪ :‬ي�ا أبا يزيد‪ُ ،‬قتل اب�ن فاطمة ‪ ،P‬قال‪:‬‬
‫فاسرتج�ع ثم تلا هذه اآلي�ة [ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ]‪ ،‬قل�ت‪ :‬ما تقول؟‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪.]553 /1‬‬ ‫قال‪ :‬ما أقول؟ إىل اهلل إياهبم وعىل اهلل حساهبم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخل رجل عىل عمر بن عبد العزيز فذكر عنده رجلاً ‪ ،‬فقال له عمر‪:‬‬
‫إن شئت نظرنا يف أمرك‪ ،‬إن كنت كاذ ًبا فأنت من أهل هذه اآلية‪[ :‬ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥ]‪ ،‬وإن كنت صاد ًقا فأنت من أهل هذه اآلية‪[ :‬ﯢﯣ ﯤ]‪،‬‬
‫وإن شئت عفونا عنك‪ ،‬فقال‪ :‬العفو يا أمري املؤمنني ال أعود إىل مثل ذلك‪.‬‬
‫[تنبيه الغافلني ص‪]173‬‬

‫‪‬‬

‫الس َق ّ‬
‫طي ألعب وأنا ابن سبع سنني‪،‬‬ ‫قال اجلنيد‪ :‬كنت بني يدي رَّ ِ‬
‫الس ّي َّ‬
‫وبني يديه مجاعة يتكلمون يف الشكر‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا غالم‪ ،‬ما الشكر؟ فقلت‪:‬‬
‫أن ال يعىص اهلل بنعمه‪ ،‬فقال يل‪ :‬أخشى أن يكون حظك من اهلل لسانَك‪ ،‬قال‬
‫اجلنيد‪ :‬فال أزال أبكي عىل هذه الكلمة التي قاهلا الرسى يل‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]168/8‬‬

‫‪‬‬

‫‪172‬‬
‫الل�ســـان‬

‫قال املطلب بن عكاشة املزين‪ :‬قدمنا إىل أمري املؤمنني اهلادي شهو ًدا‬
‫عىل رجل منا شتم ً‬
‫قريشا‪ ،‬وختطى إىل ذكر رسول اهلل ‪ ،H‬فجلس لنا‬
‫جملسا أحرض فيه فقهاء زمانه ومن كان باحلرضة عىل بابه‪ ،‬وأحرض الرجل‬
‫ً‬
‫وأحرضنا‪ ،‬فشهدنا عليه بام سمعنا منه‪ ،‬فتغيرّ وجه اهلادي‪ ،‬ثم نكّس رأسه‬
‫ورفعه‪ ،‬فقال‪ :‬إين سمعت أيب املهدي حيدّ ث عن أبيه املنصور‪ ،‬عن أبيه حممد‬
‫ابن عيل‪ ،‬عن أبيه عيل بن عبد اهلل‪ ،‬عن أبيه عبد اهلل بن عباس ‪ L‬قال‪:‬‬
‫«من أراد هوان قريش أهانه اهلل»‪ ،‬وأنت يا عدو اهلل مل ترض بأن أردت ذلك‬
‫من قريش حتى ختطيت إىل ذكر رسول اهلل ‪H‬؟! ارضبوا عنقه‪ ،‬فام‬
‫[تاريخ بغداد ‪]7/15‬‬ ‫برحنا حتى قتل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخل ٌ‬
‫رجل من الزهاد عىل هارون الرشيد يو ًما‪ ،‬فقال‪ :‬يا هارون‪،‬‬
‫رش أم فرعون؟ قال‪:‬‬
‫اتق اهلل‪ ،‬فأخذه فخال به‪ ،‬وقال‪ :‬يا هذا أنصفني‪ ،‬أنا ٌّ‬
‫بل فرعون‪ ،‬قال‪ :‬فأنت خري أم موسى؟ قال‪ :‬بل موسى‪ ،‬قال‪ :‬أفام تعلم أن‬
‫اهلل تعاىل ملا بعثه وأخاه إليه قال‪[ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ]‪ ،‬وقد جبهتني بأغلظ‬
‫أخذت‪ ،‬قال‪ :‬أخطأت‬
‫َ‬ ‫بت وال بأخالق الصاحلني‬
‫األلفاظ فال بأدب اهلل تأ ّد َ‬
‫وأنا أستغفر اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬غفر اهلل لك‪ ،‬وأمر له بعرشين ألف درهم‪ ،‬فأبى أن‬
‫[املنتظم ‪]328/8‬‬ ‫يأخذها‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫ال�صـــدق‬

‫الصـــدق‬

‫دخل سليامن بن يسار عىل هشام بن عبد امللك‪ ،‬فقال‪ :‬يا سليامن‪ ،‬من‬
‫الذي توىل كربه منهم؟ قال‪ :‬عبد اهلل بن أيب ابن سلول‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬هو عيل‪،‬‬
‫فدخل ابن شهاب‪ ،‬فسأله هشام‪ ،‬فقال‪ :‬هو عبد اهلل بن أيب‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪،‬‬
‫هو عيل‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أكذب ال أبا لك! فواهلل لو نادى م ٍ‬
‫ناد من السامء أن اهلل‬ ‫ُ‬
‫أحل الكذب ما كذبت‪ ،‬حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص عن‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]339/5‬‬ ‫عائشة أن الذي توىل كربه عبد اهلل بن أيب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو جعفر املنصور هلشام بن عروة حني دخل عليه‪ :‬يا أبا املنذر‪،‬‬
‫ترشب سوي ًقا بقصبة‬
‫ُ‬ ‫وأنت‬
‫َ‬ ‫تذكر يوم دخلت عليك أنا وإخويت اخلالئف‬
‫ُ‬
‫َي َراع‪ ،‬فلام خرجنا من عندك قال لنا أبونا‪ :‬اعرفوا هلذا الشيخ ح ّقه؛ فإنه‬
‫ال يزال يف قومكم بقي ٌة ما بقي؟ قال‪ :‬ال ُ‬
‫أذكر ذلك يا أمري املؤمنني‪ ،‬فلماّ خرج‬
‫هشام قيل له‪ :‬يذكِّرك أمري املؤمنني ما ت َُم ُّت به إليه فتقول‪ :‬ال أذكره! فقال‪:‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]56/16‬‬
‫خريا‪.‬‬
‫يعودين اهلل يف الصدق إال ً‬
‫أذكر ذلك‪ ،‬ومل ِّ‬
‫مل أكن ُ‬
‫‪‬‬

‫حمُ ِل إىل اإلمام البخاري بضاعة أنفذها إليه فالن‪ ،‬فاجتمع بعض‬
‫التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح مخسة آالف درهم‪ ،‬فقال هلم‪ :‬انرصفوا‬
‫الليلة‪ .‬فجاءه من الغد جتار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عرشة‬

‫‪174‬‬
‫ال�صـــدق‬

‫آالف درهم‪ ،‬فر َّدهم وقال‪ :‬إين نويت البارحة أن أدفع إليهم بام طلبوا ‪ -‬يعني‬
‫الذين طلبوا أول مرة ‪ -‬ودفع بربح مخسة آالف درهم‪ ،‬وقال‪ :‬ال أحب أن‬
‫[تاريخ بغداد ‪]330/2‬‬ ‫أنقض نيتي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وجه املتوكل إىل أمحد بن املعذل وغريه من العلامء بجمعهم يف داره‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬
‫خرج عليهم فقام الناس كافة عدا أمحد‪ ،‬فقال املتوكل لعبيد اهلل‪ :‬هذا ال يرى‬
‫بيعتنا؟ فقال‪ :‬بىل يا أمري املؤمنني‪ ،‬ولكن يف برصه سوء‪ ،‬يريد العذر عنه‪ ،‬فقال‬
‫أمحد‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ما يف برصي سوء ولكن نزهتك من عذاب اهلل؛ قال‬
‫قياما فليتبوأ مقعده من النار»‪.‬‬
‫النبي ‪« :H‬من أراد أن ميتثل له الرجال ً‬

‫[ترتيب املدارك ‪]7/4‬‬ ‫فجاء املتوكل فجلس إىل جنبه‪.‬‬


‫‪‬‬

‫قال القايض أبو بكر حممد بن عبد الباقي بن حممد البزاز األنصاري‪:‬‬
‫جوع شديد‬
‫ٌ‬ ‫جماورا بمكة حرسها اهلل تعاىل‪ ،‬فأصابني يو ًما من األيام‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫ُ‬
‫كيسا من إبريسم مشدو ًدا برشابة‬
‫فوجدت ً‬
‫ُ‬ ‫مل أجد شي ًئا أدفع به عني اجلوع‪،‬‬
‫فوجدت فيه عقدً ا من‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪ ،‬فأخذته وجئت به إىل بيتي‪ ،‬فح َل ْلته‬
‫من إبريسم ً‬
‫فخرجت فإذا الشيخ ينادي عليه‪ ،‬وم َعه خرقة فيها مخسامئة‬
‫ُ‬ ‫لؤلؤ مل َأر مثله‪،‬‬
‫دينار وهو يقول‪ :‬هذا ملن َيرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا‬
‫حمتاج وأنا جائع‪ ،‬فآخذ هذا الذهب فأنتفع به وأرد عليه الكيس‪ ،‬ف ُقلت‬
‫له‪ :‬تعال إ َّيل‪ ،‬فأخذته وجئت به إىل بيتي‪ ،‬فأعطاين عالمة الكيس وعالمة‬

‫‪175‬‬
‫ال�صـــدق‬

‫الرشابة وعالمة اللؤلؤ وعَدَ َده واخليط الذي هو َمشدُ ود به‪ ،‬فأخرجته و َدفعته‬
‫إليه‪ .‬فسلم إ ّيل مخسامئة دينار‪ ،‬فام أخذهتا‪ ،‬وقلت‪ :‬جيب عيل أن أعيده إليك‬
‫كثريا فلم أقبل ذلك‬
‫عيل ً‬‫وال آخذ له جزا ًء‪ ،‬فقال يل‪ :‬ال بد أن تأخذ‪ ،‬ألح َّ‬
‫وركبت البحر‬
‫ُ‬ ‫خرجت من مكة‬
‫ُ‬ ‫منه‪ ،‬فرتكني ومىض‪ .‬وأما ما كان مني فإين‬
‫وسلمت أنا عىل قطعة من‬
‫ُ‬ ‫فانكرس املركب وغرق الناس وهلكت أمواهلم‬
‫فوصلت إىل جزيرة فيها‬
‫املركب‪ ،‬فبقيت ُمدّ ًة يف البحر ال أدري أين أذهب‪َ ،‬‬
‫دت يف بعض املساجد فسمعوين أقرأ فلم يبق يف تلك اجلزيرة أحد‬
‫قوم‪ ،‬فق َع ُ‬
‫إال جاء إ ّيل وقال‪ :‬ع ِّلمني القرآن‪ ،‬فحصل يل من أولئك القوم يشء كثري من‬
‫رأيت يف ذلك املسجد أورا ًقا من مصحف‪ ،‬فأخذهتا أقرأ فيها‬
‫ُ‬ ‫املال‪ .‬ثم إين‬
‫فقالوا يل‪ :‬حتسن تكتب؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقالوا‪ :‬علمنا اخلط‪ ،‬فجاءوا بأوالدهم‬
‫أيضا من ذلك يشء كثري‪،‬‬
‫فكنت أعلمهم‪ ،‬فحصل يل ً‬
‫ُ‬ ‫من الصبيان والشباب‪،‬‬
‫فقالوا يل بعد ذلك‪ :‬عندنا صب ّي ٌة يتيمة وهلا يشء من الدنيا نريد أن تتزوج‬
‫فامتنعت‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال بد‪ ،‬وألزموين‪ ،‬فأجبتهم إىل ذلك‪ ،‬فلام زفوها إ َّيل‬
‫ُ‬ ‫هبا‪،‬‬
‫مددت عيني أنظر إليها‪ ،‬فوجدت ذلك العقد بعينه مع َّل ًقا يف عنقها‪ ،‬فام كان‬
‫ُ‬
‫كرست قلب هذه اليتيمة من‬
‫َ‬ ‫يل حينئذ شغل إال النظر إليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا شيخ‪،‬‬
‫فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا‬
‫ُ‬ ‫نظرك إىل هذا العقد ومل تنظر إليها‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ما بكم؟‬
‫ُ‬ ‫ورصخوا بالتهليل والتكبري‪ ،‬حتى بلغ إىل مجيع أهل اجلزيرة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ما‬
‫عيل هذا العقد‪ ،‬وكان يدعو ويقول‪:‬‬
‫وجدت يف الدنيا مسلماً إال هذا الذي رد َّ‬
‫ُ‬
‫فبقيت معها‬
‫ُ‬ ‫اللهم امجع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي‪ ،‬واآلن قد حصلت‪،‬‬

‫‪176‬‬
‫ال�صـــدق‬

‫ورزقت منها بولدين‪ .‬ثم إهنا ماتت فورثت العقد أنا وولداي‪ ،‬ثم مات‬
‫ُ‬ ‫مدة‬
‫الولدان فحصل العقد يل فبعته بامئة ألف دينار‪ ،‬وهذا املال الذي ترون معي‬
‫[ذيل طبقات احلنابلة ‪]443 /1‬‬ ‫من بقايا ذلك املال‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫املعا�صــي‬

‫املعاصــي‬

‫سمر املنصور ذات ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسريهم وأهنم مل يزالوا عىل‬
‫استقامة حتى أفىض أمرهم إىل أبنائهم املرتفني فكانت مهمهم من عظيم شأن‬
‫امللك وجاللة قدره قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول يف معايص اهلل‬
‫ومساخطه جهلاً منهم باستدراج اهلل وأمنًا ملكره‪ ،‬فسلبهم اهلل العز ونقل عنهم‬
‫النعمة‪ .‬فقال له صالح بن عيل‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن عبد اهلل بن مروان ملا دخل‬
‫أرض النوبة هار ًبا فيمن معه سأل ملك النوبة عنهم فأخرب‪ ،‬فركب إىل عبد‬
‫اهلل فكلمه بكالم عجيب يف هذا النحو ال أحفظه وأزعجه عن بلده‪ ،‬فإن رأى‬
‫أمري املؤمنني أن يدعو به من احلبس بحرضتنا يف هذه الليلة ويسأله عن ذلك‪،‬‬
‫فأمر املنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬قدمت أرض‬
‫النوبة بأثاث سلم يل فافرتشته هبا وأقمت ثال ًثا‪ ،‬فأتاين ملك النوبة وقد ُخبرِّ‬
‫أمرنا‪ ،‬فدخل عيل رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد عىل األرض ومل يقرب‬
‫الثياب‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يمنعك أن تقعد عىل ثيابنا؟ قال‪ :‬ألين ملك‪ ،‬وحق عىل‬
‫كل ملك أن يتواضع لعظمة اهلل إذ رفعه‪ .‬ثم قال يل‪ :‬مل ترشبون اخلمر وهي‬
‫حمرمة عليكم؟ قلت‪ :‬اجرتأ عىل ذلك عبيدنا وأتباعنا ألن امللك زال عنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلم تطأون الزروع بدوابكم والفساد حمرم عليكم؟ قلت‪ :‬يفعل ذلك‬
‫جهالنا‪ .‬قال‪ :‬فلم تلبسون الديباج واحلرير وتستعملون الذهب والفضة‬
‫وذلك حمرم عليكم؟ قلت‪ :‬ذهب امللك منا وقل أنصارنا فانترصنا بقوم من‬
‫العجم دخلوا يف ديننا فلبسوا ذلك عىل الكره منا‪ .‬قال‪ :‬فأطرق مل ًّيا وجعل‬

‫‪178‬‬
‫املعا�صــي‬

‫يقلب يديه وينكت يف األرض ويقول‪ :‬عبيدنا وأتباعنا دخلوا يف ديننا وزال‬
‫مرارا ثم قال‪ :‬ليس ذلك كام ذكرت‪ ،‬بل أنتم قوم استحللتم‬
‫امللك عنا! يردده ً‬
‫ما حرم عليكم وركبتم ما عنه هنيتم وظلمتم فيام ملكتم‪ ،‬فسلبكم اهلل العز‬
‫وألبسكم الذل بذنوبكم‪ ،‬وهلل فيكم نقمة مل تبلغ غايتها وأخاف أن حيل بكم‬
‫العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم‪ ،‬وإنام الضيافة ثالثة أيام فتزودوا ما‬
‫[عيون األخبار ‪]205-204/1‬‬ ‫احتجتم إليه وارحتلوا عن بلدي‪ ،‬ففعلت ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخل الزهري عىل الوليد بن عبد امللك‪ ،‬فقال له‪ :‬ما حديث حيدثنا به‬
‫أهل الشام؟ قال‪ :‬وما هو يا أمري املؤمنني؟ قال حيدثوننا أن اهلل إذا اسرتعى‬
‫عبدً ا رعية كتب له احلسنات ومل يكتب له السيئات‪ ،‬قال‪ :‬باطل يا أمري‬
‫أنبي خليفة أكرم عىل اهلل أم خليفة غري نبي؟ قال بل نبي خليفة‪،‬‬
‫املؤمنني‪ّ ،‬‬
‫قال‪ :‬فإن اهلل يقول لنبيه داود‪[ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ]‪ ،‬فهذا وعيد يا أمري املؤمنني لنبي خليفة؛ فام‬
‫ظنك بخليفة غري نبي؟ قال‪ :‬إن الناس ليغروننا عن ديننا‪.‬‬
‫[العقد الفريد ‪]57/1‬‬

‫‪‬‬

‫وشى رجل ببرس بن سعيد إىل الوليد بن عبد امللك أنه يطعن عىل األمراء‬
‫ويعيب بني مروان‪ ،‬فأرسل إليه والرجل عنده‪ ،‬فجيء به والرجل ترعد‬

‫‪179‬‬
‫املعا�صــي‬

‫فرائصه‪ ،‬فأدخل عليه‪ ،‬فسأله عن ذلك‪ ،‬فأنكره وقال‪ :‬ما فعلت‪ ،‬فالتفت إىل‬
‫الرجل فقال‪ :‬يا برس‪ ،‬هذا يشهد عليك فنظر إليه برس وقال‪ :‬هكذا؟ فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فنكس رأسه وجعل ينكت يف األرض‪ ،‬ثم رفع رأسه فقال‪ :‬اللهم قد‬
‫كنت صاد ًقا فأرين به آية‪ ،‬قال‪ :‬فانكب‬
‫شهد بام قد علمت أين مل أقله‪ ،‬فإن ُ‬
‫[تهذيب الكمال ‪]74/4‬‬ ‫الرجل عىل وجهه‪ ،‬فلم يزل يضطرب حتى مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫سار األعمش والنخعي يف أحد طرقات الكوفة يريدان اجلامع‪ ،‬وبينام‬


‫مها يسريان يف الطريق قال النخعي‪ :‬يا سليامن‪ ،‬هل لك أن تأخذ طري ًقا وآخذ‬
‫آخر؟ فإين أخشى إن مررنا سو ًّيا بسفهائها ليقولون‪ :‬أعور ويقود أعمش!‪،‬‬
‫فيغتابوننا فيأثمون‪ ،‬فقال األعمش‪ :‬يا أبا عمران‪ ،‬وما عليك يف أن نؤجر‬
‫خري من‬
‫ويأثمون؟ فقال إبراهيم النخعي‪ :‬يا سبحان اهلل! بل نَسلم و َيسلمون ٌ‬
‫[املنتظم ‪]22/7‬‬ ‫نؤجر ويأثمون‪.‬‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫‪‬‬

‫أصحاب‬ ‫قال عيسى بن حازم‪ :‬كنا مع إبراهيم بن أدهم يف ٍ‬


‫بيت ومعه‬
‫ٌ‬
‫له‪ ،‬فأت َْوا ببطيخ‪ ،‬فجعلوا يأكلون ويمزحون ويرتامون بينهم‪ّ ،‬‬
‫فدق رجل‬
‫الباب‪ ،‬فقال هلم إبراهيم‪ :‬ال يتحركن أحد‪ ،‬قالوا‪ :‬يا أبا إسحاق‪ ،‬تع ِّلمنا‬
‫الرياء؟ نفعل يف الرس شي ًئا ال نفعله يف العالنية؟ فقال‪ :‬اسكتوا؛ إين أكره أن‬
‫[حلية األويلاء ‪]9/8‬‬ ‫يعىص اهلل ّيف وفيكم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪180‬‬
‫املعا�صــي‬

‫قال رجل للحسن البرصي‪ :‬إن فالنًا قد اغتابك!‪ ،‬فبعث إليه طب ًقا من‬
‫فأردت أن أكافئك عليها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أهديت يل حسناتك‬
‫َ‬ ‫الر َطب‪ ،‬وقال‪ :‬بلغني أنك‬
‫ُّ‬
‫[تنبيه الغافلني ص‪]164‬‬ ‫ُ‬
‫فاعذرين؛ فإين ال أقدر أن أكافئك هبا عىل التامم!‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫احلقائق والأوهام‬

‫احلقائق واألوهام‬

‫ملا قدم عمر بن اخلطاب ‪ I‬الشام عرضت له خماضة‪ ،‬فنزل عمر‬


‫عن بعريه ونزع خفيه‪ ،‬ثم أخذ بخطام راحلته وخاض املخاضة‪ ،‬فقال له‬
‫أبو عبيدة بن اجلراح ‪ :I‬لقد فعلت يا أمري املؤمنني فعلاً عظيماً عند أهل‬
‫َّ‬
‫فصك‬ ‫األرض‪ :‬نزعت خفيك وقدمت راحلتك وخضت املخاضة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عمر بيده يف صدر أيب عبيدة‪ ،‬فقال‪ّ :‬أوه لو غريك يقوهلا يا أبا عبيدة‪ ،‬أنتم كنتم‬
‫أقل الناس فأعزكم اهلل باإلسالم‪ ،‬فمهام تطلبوا العزة بغريه ُي ِذ َّلكم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫[املستدرك ‪]88/3‬‬

‫‪‬‬

‫قال جبري بن نفري‪ :‬ملا فتحت قربص وفرق بني أهلها فبكى بعضهم إىل‬
‫جالسا وحده يبكي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا الدرداء‪ ،‬ما ُيبكيك‬
‫ً‬ ‫رأيت أبا الدرداء‬
‫بعض ُ‬‫ٍ‬
‫اخللق عىل‬
‫َ‬ ‫يف يو ٍم َّ‬
‫أعز اهلل فيه اإلسالم وأهله؟ قال‪ :‬وحيك يا جبري‪ ،‬ما أهون‬
‫أمر اهلل ‪D‬‬ ‫أمره! بينا هي أم ٌة قاهر ٌة ظاهر ٌة هلم ُ‬
‫امللك تركوا َ‬ ‫اهلل إذا هم تركوا َ‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ‪]266/1‬‬ ‫فصاروا إىل ما ترى‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عن الصلت املخزومي قال‪ :‬قال أبو هريرة ‪ :I‬دعيت إىل عرس‬
‫فأتيتهم يف ثيايب هذه‪ ،‬فردين البواب فرجعت وأبدلت ثيايب ثم جئت فدخلت‪،‬‬

‫‪182‬‬
‫احلقائق والأوهام‬

‫قال‪ :‬فأرسل كمه‪ ،‬فقال‪ :‬كل‪ ،‬كل! فقيل له‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬الكم يأكل؟!‬
‫[إصالح املال البن أيب ادلنيا ص‪]130‬‬ ‫غفر اهلل لك‪ ،‬فقال‪ :‬إنام ُدع َي ْت ثيايب هذه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال فيض بن إسحاق‪ :‬كنت عند الفضيل بن عياض إذ دخل ٌ‬


‫رجل‬
‫فقلت‪ :‬ال ِ‬
‫َ‬
‫الشيخ‪ ،‬فقال يل الفضيل‪:‬‬ ‫تؤذ‬ ‫ُ‬ ‫فسأله حاج ًة َّ‬
‫وألح يف السؤال عليه‪،‬‬
‫الناس إليكم نعم ٌة ِمن اهلل عليكم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أن حوائج‬‫علمت َّ‬
‫َ‬ ‫اسكت يا فيض‪ ،‬أما‬
‫فتتحول نقماً ‪ ،‬أال حتمد ر َّبك أن جعلك موض ًعا‬
‫َّ‬ ‫أن مت ُّلوا النعم‬
‫فاحذروا ْ‬
‫[عني األدب والسياسة ص‪]188‬‬ ‫ت ُْسأل‪ ،‬ومل جيعلك موض ًعا تَسأل؟!‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال معاوية بن قرة‪ :‬دخلت عىل مسلم بن يسار‪ ،‬فقلت‪ :‬ما عندي من‬
‫كثري عمل‪ ،‬إال أين أرجو اهلل ‪ D‬وأخاف منه‪ ،‬فرفع رأسه إ َّيل كاملذعور‪،‬‬
‫فقال يل‪ :‬كيف قلت؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ما عندي من كبري عمل‪ ،‬إال أين أرجو اهلل‬
‫‪ D‬وأخاف منه‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬ما شاء اهلل‪ ،‬ما شاء اهلل‪ ،‬من خاف من يشء‬
‫عبد عرضت‬‫خوف ٍ‬‫ِ‬ ‫ب‬‫حذر منه‪ ،‬ومن رجا شي ًئا طلبه‪ ،‬وما أدري ما َح ْس ُ‬
‫له شهو ٌة فلم يدعها ملا خياف أو ابتيل ببالء فلم يصرب عليه ملا يرجوه؟! قال‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]428‬‬ ‫معاوية‪ :‬فإذا أنا زكيت نفيس وأنا ال أعلم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫اشرتى أصحاب اإلمام الشافعي له جارية‪ ،‬فلام كان الليل أقبل عىل‬
‫الدرس واجلارية تنتظر اجتامعه معها‪ ،‬فلم يلتفت إليها‪ ،‬فلام أصبحت سارت‬

‫‪183‬‬
‫احلقائق والأوهام‬

‫الشافعي قوهلا‪ ،‬فقال‪ :‬املجنون‬


‫َّ‬ ‫إىل النخاس وقالت‪ :‬حبسوين مع جمنون‪ ،‬فبلغ‬
‫من عرف قدر العلم ثم ضيعه‪ ،‬أو توانى فيه حتى فاته‪.‬‬
‫[احلث ىلع طلب العلم ص ‪]78‬‬

‫‪‬‬

‫قرأ الرسي السقطي عىل مؤدبه‪[ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ]‬


‫فقال‪ :‬يا أستاذ‪ ،‬ما الورد؟ فقال‪ :‬ال أدري‪ ،‬فقطع الرسي القراءة وقال‪ :‬إذا‬
‫كنت ال تدري فلم غررت بالناس؟ فرضبه املؤدب‪ ،‬فقال الرسي‪ :‬يا أستاذ‬
‫أمل يكفك اجلهل والغرور حتى أضفت إليهام الظلم واألذى؟ فاستحمله‬
‫املؤدب وتاب إىل اهلل تعاىل من التأديب‪ ،‬وأقبل عىل طلب العلم‪ ،‬وكان يقول‪:‬‬
‫[أنباء جنباء األبناء ص ‪]146‬‬ ‫إنام أعتقني من رق اجلهل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حممد بن غسان بن عبد الرمحن صاحب صالة الكوفة‪ :‬دخلت عىل‬
‫والديت يوم نحر فوجدت عندها امرأة َب ْرزة يف ثياب رثة‪ ،‬فقالت والديت‪:‬‬
‫أتعرف هذه؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قالت‪ :‬هذه عتابة أم جعفر الربمكي‪ ،‬فأقبلت عليها‬
‫بوجهي وأكرمتها‪ ،‬وحتادثنا ساعة ثم قلت‪ :‬يا أماه‪ ،‬ما أعجب ما رأيت؟‬
‫قالت‪ :‬لقد أتى عيل عيد مثل هذا وعىل رأيس أربعمئة وصيفة وإين ألعد ابني‬
‫عا ًّقا يل ولقد أتى عيل هذا العيد وما مناي إال جلد شاتني أفرتش أحدمها‬
‫فرحا‪،‬‬
‫وألتحف اآلخر‪ ،‬قال‪ :‬فدفعت هلا مخسمئة درهم فكادت متوت ً‬
‫[الوايف بالوفيات ‪]126 /11‬‬ ‫ومل تزل ختتلف إلينا حتى فرق الدهر بيننا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪184‬‬
‫احلقائق والأوهام‬

‫مرض‬
‫قال أمحد بن حممد أمري البرصة‪ :‬حدثني أيب قال‪ :‬كنت أحد من َّ‬
‫الواثق يف علته التي مات فيها‪ ،‬فكنت قائماً بني يدي الواثق أنا ومجاعة من‬
‫األولياء واملوايل واخلدم إذ حلقته غشية فام شككنا أنه قد مات‪ ،‬فقال بعضنا‬
‫لبعض‪ :‬تقدموا فاعرفوا خربه‪ ،‬فام جرس أحد منهم يتقدم فتقدمت أنا‪ ،‬فلام‬
‫رصت عند رأسه وأردت أن أضع يدي عىل أنفه أعترب نفسه حلقته إفاقة‬
‫ففتح عينيه‪ ،‬فكدت أن أموت فز ًعا من أن يراين قد مشيت يف جملسه إىل غري‬
‫وعثرت به‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رتبتي‪ ،‬فرتاجعت إىل خلف وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة املجلس‬
‫فاتكأت عليه فاندق سيفي وكاد أن يدخل يف حلمي وجيرحني‪ ،‬فسلمت‬
‫وخرجت‪ ،‬فاستدعيت سي ًفا ومنطقة أخرى فلبستها وجئت حتى وقفت يف‬
‫مرتبتي ساعة‪ ،‬فتلف الواثق تل ًفا مل تشك مجاعتنا فيه‪ ،‬فتقدمت فشددت حلييه‬
‫وغمضته وسجيته ووجهته إىل القبلة‪ ،‬وجاء الفراشون فأخذوا ما حتته يف‬
‫املجلس لريدوه إىل اخلزائن؛ ألن مجيعه مثبت عليهم‪ ،‬وترك وحده يف البيت‪،‬‬
‫وقال يل ابن أيب دؤاد القايض‪ :‬إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة وال بد أن‬
‫يكون أحدنا حيفظ امليت إىل أن يدفن‪ ،‬فأحب أن تكون أنت ذلك الرجل وقد‬
‫كنت من أخصهم به يف حياته‪ ،‬وذلك أنه اصطنعني واختصني حتى لقبني‬
‫الواثقي باسمه‪ ،‬فحزنت عليه حزنًا شديدً ا‪ ،‬فقلت‪ :‬دعوين وامضوا‪ ،‬فرددت‬
‫َّ‬
‫باب املجلس وجلست يف الصحن عند الباب أحفظه‪ ،‬وكان املجلس يف‬
‫بستان عظي ِم أجربة وهو بني بستانني‪ ،‬فحسست بعد ساعة يف البيت بحركة‬
‫أفزعتني‪ ،‬فدخلت أنظر ما هي‪ ،‬فإذا بجرذون من دواب البستان قد جاء حتى‬

‫‪185‬‬
‫احلقائق والأوهام‬

‫استل عني الواثق فأكلها‪ ،‬فقلت‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬هذه العني التي فتحها منذ‬
‫ساعة فاندق سيفي هيبة هلا صارت طعمة لدابة ضعيفة‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]22 /16‬‬

‫‪‬‬

‫بعث هارون الرشيد إىل حممد بن السامك يف آخر شعبان فأحرضه‪ ،‬فقال‬
‫له حييى بن خالد‪ :‬أتدري مل بعث إليك أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬ال أدري‪ ،‬قال له‬
‫حييى بن خالد‪ :‬بعث ملا بلغه عنك من حسن دعائك للخاصة والعامة‪ ،‬فقال له‬
‫ابن السامك‪ :‬أما ما بلغ أمري املؤمنني عني من ذلك فبسرت اهلل الذي سرته عيل‪،‬‬
‫ولوال سرته مل يبق لنا ثناء وال التقاء عىل مودة‪ ،‬فالسرت هو الذي أجلسني بني‬
‫وجها أحسن من وجهك‪ ،‬فال حترق‬
‫يديك يا أمري املؤمنني‪ ،‬إين واهلل ما رأيت ً‬
‫وجهك بالنار‪ ،‬قال‪ :‬فبكى هارون بكاء شديدً ا‪ ،‬ثم دعا بامء فاستسقى‪ ،‬فأيت‬
‫بقدح فيه ماء‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أكلمك بكلمة قبل أن ترشب هذا املاء؟‬
‫قال‪ :‬قل ما أحببت‪ ،‬قال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬لو منعت هذه الرشبة إال بالدنيا‬
‫وما فيها أكنت تفتدهيا بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فارشب ر ًّيا بارك اهلل فيك‪ ،‬فلام فرغ من رشبه قال له‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أرأيت‬
‫لو منعت إخراج هذه الرشبة منك إال بالدنيا وما فيها‪ ،‬أكنت تفتدي ذلك‬
‫بالدنيا وما فيها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬فام تصنع بيشء رشبة ماء‬
‫خري منه؟ قال‪ :‬فبكى هارون واشتد بكاؤه‪ ،‬قال‪ :‬فقال حييى بن خالد‪ :‬يا ابن‬
‫السامك قد آذيت أمري املؤمنني‪ ،‬فقال له‪ :‬وأنت يا حييى فال يغرنك ر ِ‬
‫فاه َية‪.‬‬ ‫َ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]347 /3‬‬

‫‪186‬‬
‫البدعـــة‬

‫البدعــــة‬

‫قدم رجل من بني متيم يقال له‪ :‬صبيغ بن ِعسل املدينة وكانت عنده‬
‫كتب‪ ،‬فجعل يسأل عن متشابه القرآن‪ ،‬فبلغ ذلك عمر ‪ ،I‬فبعث له‬
‫وقد أعدَّ له عراجني النخل‪ ،‬فلام دخل عليه جلس‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت؟ قال‪:‬‬
‫أنا صبيغ‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وأنا عمر عبد اهلل‪ ،‬ثم أهوى إليه فجعل يرضبه بتلك‬
‫العراجني حتى شجه‪ ،‬فجعل الدم يسيل عىل وجهه‪ ،‬فقال‪ :‬حسبك يا أمري‬
‫[اإلبانة ‪]610 – 609/2‬‬ ‫املؤمنني‪ ،‬فقد واهلل ذهب الذي كنت أجد يف رأيس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫بلغ عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬أن معضدً ا وأصحا ًبا له خرجوا من‬
‫الكوفة ونزلوا قري ًبا يتعبدون‪ ،‬فأتاهم‪ ،‬فقال هلم‪ :‬ما محلكم عىل ما صنعتم؟‬
‫قالوا‪ :‬أحببنا أن نخرج من ُغامر الناس نتعبد‪ ،‬فقال عبد اهلل‪ :‬لو أن الناس‬
‫فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا‪.‬‬
‫[الزهد البن املبارك ص‪]390‬‬

‫‪‬‬

‫قال عمرو بن سلمة الكويف‪ :‬كنا نجلس عىل باب عبد اهلل بن مسعود قبل‬
‫صالة الغداة‪ ،‬فإذا خرج مشينا معه إىل املسجد فجاءنا أبو موسى األشعري‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫أخ َرج إليكم أبو عبد الرمحن بعد؟ قلنا‪ :‬ال‪ ،‬فجلس معنا حتى خرج‪،‬‬
‫فلام خرج قمنا إليه مجي ًعا‪ ،‬فقال له أبو موسى‪ :‬يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬إين رأيت‬

‫‪187‬‬
‫البدعـــة‬

‫خريا‪ ،‬قال‪ :‬فام هو؟ فقال‪:‬‬ ‫يف املسجد آن ًفا ً‬


‫أمرا أنكرته ومل أر واحلمد هلل إال ً‬
‫جلوسا ينتظرون الصالة‪ ،‬يف‬
‫ً‬ ‫إن عشت فسرتاه‪ ،‬رأيت يف املسجد قو ًما حل ًقا‬
‫كل حلقة رجل ويف أيدهيم حصىً ‪ ،‬فيقول‪ :‬كربوا مائة فيكربون مائة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫هللوا مائة فيهللون مائة‪ ،‬ويقول‪ :‬سبحوا مائة فيسبحون مائة‪ ،‬قال‪ :‬فامذا قلت‬
‫انتظار رأيك أو انتظار أمرك‪ ،‬قال‪ :‬أفال أمرهتم‬
‫َ‬ ‫هلم؟ قال‪ :‬ما قلت هلم شي ًئا‬
‫أن يعدّ وا سيئاهتم وضمنت هلم أن ال يضيع من حسناهتم‪ ،‬ثم مىض ومضينا‬
‫معه حتى أتى حلقة من تلك احللق فوقف عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الذي أراكم‬
‫تصنعون؟ قالوا‪ :‬يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬حصىً نَعدّ به التكبري والتهليل والتسبيح‪،‬‬
‫قال‪ :‬فعدّ وا سيئاتكم فأنا ضامن أن ال يضيع من حسناتكم يشء‪ ،‬وحيكم‬
‫يا أمة حممد‪ ،‬ما أرسع هلكتكم‪ ،‬هؤالء صحابة نبيكم ‪ H‬متوافرون‪،‬‬
‫وهذه ثيابه مل ت ََبل وآنيته مل تكرس‪ ،‬والذي نفيس بيده‪ ،‬إنكم لعلىَ ملة هي أهدى‬
‫من ملة حممد أو مفتتحو ِ‬
‫باب ضاللة‪ ،‬قالوا‪ :‬واهلل يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬ما أردنا‬
‫‪H‬‬ ‫اال اخلري‪ ،‬قال‪ :‬وكم من مريد للخري لن يصيبه! إن رسول اهلل‬
‫حدثنا أن قو ًما يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم‪ ،‬وايم اهلل‪ ،‬ما أدري لعل‬
‫أكثرهم منكم‪ ،‬ثم توىل عنهم‪ .‬فقال عمرو بن سلمة‪ :‬رأينا عامة أولئك احللق‬
‫[سنن ادلاريم ‪]44 /1‬‬ ‫يطاعنونا يوم النهروان مع اخلوارج‪.‬‬
‫‪‬‬

‫األرت ‪ I‬بابنه وهو مع أناس جيادلون يف القرآن‪،‬‬


‫ّ‬ ‫مر خباب بن‬
‫فانقلب غضبان فأعد له سو ًطا أو خطا ًما أو نسع ًة‪ ،‬فلام انقلب الفتى وثب‬

‫‪188‬‬
‫البدعـــة‬

‫عليه من غري أن يأتيه فرضبه رض ًبا عني ًفا‪ ،‬فلام رأى اجلد من أبيه قال‪ :‬قد‬
‫علمت‪ ،‬إنام تريد نفيس‪ ،‬فعىل ماذا؟ فام رد عليه شي ًئا فجعل يرضبه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا أبت‪ ،‬إين ال أعود‪ ،‬فكان إذا مر هبم يدعونه يقول‪ :‬ال‪.‬‬
‫[ابلدع البن وضاح ‪]46 /1‬‬

‫‪‬‬

‫قال عبد امللك بن عمر بن عبد العزيز ألبيه‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ما أنت‬
‫قائل لربك غدً ا إذا سألك فقال‪ :‬رأيت بدعة فلم متتها‪ ،‬أو سنة فلم حتيها؟‬
‫ني‪ ،‬إن قومك قد شدّ وا هذا األمر عقدة عقدة وعروة عروة‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬يا ُب ّ‬
‫عيل فت ًقا تكثر‬
‫ومتى ما أريد مكابرهتم عىل انتزاع ما يف أيدهيم مل آمن أن يفتقوا ّ‬
‫عيل من أن هيراق يف سببي حمجمة من دم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أهون ّ‬ ‫ُ‬
‫لزوال الدنيا‬ ‫فيه الدماء‪ ،‬واهلل‬
‫َأوما ترىض أن ال يأيت عىل أبيك يوم من أيام الدنيا إال وهو يميت فيه بدعة‬
‫وحييي فيه سنة حتى حيكم اهلل بيننا باحلق وهو خري احلاكمني؟‬
‫[صفة الصفوة ‪]132/2‬‬

‫‪‬‬

‫قال حممد بن عيل بن حرب‪ :‬سمعت أبا داود الطياليس قال‪ :‬جهد وكيع‬
‫أن يسمع من زائدة بن قدامة حدي ًثا واحدً ا‪ ،‬فلم يسمع حتى خرج من الدنيا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقلت أليب داود‪ :‬وكيف سمعت أنت؟ قال‪ :‬كان يستشهد رجلني‬
‫عدلني عىل أن هذا صاحب مجاعة وليس بصاحب بدعة‪ ،‬فإذا شهد عدالن‬
‫حدثه‪ ،‬قال أبو داود‪ :‬وكنت بمنى وحرض سفيان‪ ،‬فكان يكرمني ويقول‪:‬‬
‫ذاكرين بحديث أيب بسطام‪ ،‬فقلت لسفيان‪ :‬أحب أن تكلم زائدة يف أمري‬

‫‪189‬‬
‫البدعـــة‬

‫حتى حيدثني‪ ،‬فجاء إىل زائدة‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا الصلت‪ ،‬حدث صاحبي هذا؛ فإنه‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]333/1‬‬ ‫صاحب سنة ومجاعة‪ ،‬فقال‪ :‬نعم يا أبا عبد اهلل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ّهم‬
‫انرصف اإلمام مالك يو ًما فلحقه رجل يقال له أبو اجلويرية مت ٌ‬
‫باإلرجاء‪ ،‬فقال‪ :‬اسمع مني‪ ،‬قال‪ :‬احذر أن أشهد عليك‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ما أريد‬
‫إال احلق‪ ،‬فإن كان صوا ًبا فقل به‪ ،‬أو فتكلم‪ ،‬قال‪ :‬فإن غلبتني؟ قال‪ :‬اتبعني‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن غلبتك؟ قال‪ :‬اتبعتك‪ ،‬قال‪ :‬فإن جاء رجل فك َّل َمنا فغل َبنا؟ قال‪:‬‬
‫اتبعناه‪ .‬فقال مالك‪ :‬يا هذا‪ ،‬إن اهلل بعث حممدً ا ‪ٍ H‬‬
‫بدين واحد وأراك‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]106/8‬‬ ‫تتن ّقل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال املزين‪ :‬قلت‪ :‬إن كان أحدٌ يخُ ِرج ما يف ضمريي وما تع ّلق به خاطري‬
‫فرصت إليه وهو يف مسجد مرص‪ ،‬فلام جثوت بني‬
‫ُ‬ ‫من أمر التوحيد فالشافعي‪،‬‬
‫يديه قلت‪ :‬هجس يف ضمريي مسألة يف التوحيد فعلمت أن أحدً ا ال يعلم‬
‫علمك‪ ،‬فام الذي عندك؟ فغضب ثم قال‪ :‬أتدري أين أنت؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬
‫‪H‬‬ ‫هذا املوضع الذي أغرق اهلل فيه فرعون‪ ،‬أ َب َل َغك أن رسول اهلل‬
‫أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت‪ :‬ال‪،‬‬
‫قال‪ :‬تدري كم نجماً يف السامء؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فكوكب منها تعرف جنسه‬
‫مم خلق؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فيشء تراه بعينك من اخللق لست‬‫طلوعه أفوله‪ّ ،‬‬
‫تعرفه‪ ،‬تتكلم يف علم خالقه؟! ثم سألني عن مسألة يف الوضوء فأخطأت‬

‫‪190‬‬
‫البدعـــة‬

‫فيها‪ ،‬ففرعها عىل أربعة أوجه‪ ،‬فلم أصب يف يشء منه‪ ،‬فقال‪ :‬يشء حتتاج إليه‬
‫يف اليوم مخس مرات تدع علمه وتتكلف علم اخلالق! إذا هجس يف ضمريك‬
‫ذلك فارجع إىل اهلل وإىل قوله تعاىل‪[ :‬ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ِ‬
‫فاستد ّل باملخلوق‬ ‫ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ] اآلية‪،‬‬
‫فتبت‪.‬‬
‫عىل اخلالق‪ ،‬وال تتكلف علم ما مل يبلغه عقلك‪ُ ،‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]31/10‬‬

‫‪‬‬

‫قال مطرف بن عبد اهلل بن الشخري‪ :‬كنا نأيت زيد بن صوحان وكان‬
‫يقول‪ :‬يا عباد اهلل‪ ،‬أكرموا وأمجلوا‪ ،‬فإنام وسيلة العباد إىل اهلل بخصلتني‪:‬‬
‫اخلوف والطمع‪ ،‬فأتيته ذات يو ٍم وقد كتبوا كتا ًبا فنسقوا كال ًما من هذا‬
‫النحو‪ :‬إن اهلل ربنا وحممدً ا نبينا والقرآن إمامنا‪ ،‬ومن كان معنا كنا وكنا له‪،‬‬
‫ومن خالفنا كانت يدنا عليه‪ ،‬وكنا وكنا‪ ،‬قال‪ :‬فجعل يعرض الكتاب عليهم‬
‫رجلاً رجلاً ‪ ،‬فيقولون‪ :‬أقررت يا فالن‪ ،‬حتى انتهوا إ ّيل‪ ،‬فقالوا‪ :‬أقررت‬
‫يا غالم؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬ال تعجلوا عىل الغالم‪ ،‬ما تقول يا غالم؟ قلت‪:‬‬
‫إن اهلل قد أخذ عيل عهدً ا يف كتابه‪ ،‬فلن أحدث عهدً ا سوى العهد الذي أخذه‬
‫أقر به أحدٌ منهم‪ .‬قال قائل‬
‫عيل! فرجع القوم من عند آخرهم‪ ،‬ما ّ‬
‫اهلل ‪ّ D‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]204/2‬‬ ‫ملطرف‪ :‬كم كنتم؟ قال‪ :‬زهاء ثالثني رجلاً ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫فضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫ركب زيد بن ثابت ‪ I‬فأخذ بركابه ابن عباس ‪ ،L‬فقال له‪:‬‬


‫ال تفعل يا ابن عم رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا ُأمرنا أن نفعل بعلامئنا‪ ،‬فقال زيد‪:‬‬
‫أرين يدك‪ ،‬فأخرج يده فق َّبلها زيد وقال‪ :‬هكذا ُأمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا‬
‫[املجالسة وجواهر العلم ‪]147/4‬‬ ‫‪.H‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن املبارك‪ :‬كنت عند مالك بن أنس وهو حيدثنا‪ ،‬فجاءت‬
‫ست عرشة مرة‪ ،‬ومالك يتغري لونه ويتصرب وال يقطع‬
‫عقرب فلدغته ّ‬
‫ٌ‬
‫وتفرق الناس قلت له‪:‬‬
‫حديث رسول اهلل ‪ ،H‬فلام فرغ من املجلس َّ‬
‫صربت إجاللاً حلديث‬
‫ُ‬ ‫يا أبا عبد اهلل لقد رأيت منك عج ًبا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا‬
‫[تاريخ دمشق ‪]313/36‬‬ ‫رسول اهلل ‪.H‬‬
‫‪‬‬

‫األوزاعي وقت انرصافنا من عنده فأبعد‬


‫ُّ‬ ‫قال الوليد بن مسلم‪ :‬ش َّي َعنا‬
‫يف تشييعنا حتى مشى معنا فرسخني أو ثالثة‪ ،‬فقلنا له‪ :‬أهيا الشيخ يصعب‬
‫عليك امليش عىل كرب السن‪ ،‬قال‪ :‬امشوا واسكتوا‪ ،‬لو علمت أن هلل طبق ًة أو‬
‫قو ًما يباهي اهلل هبم أو أفضل منكم ملشيت معهم وشيعتهم‪ ،‬ولكنكم أفضل‬
‫[تاريخ دمشق ‪]191/35‬‬ ‫الناس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪192‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫كان عطاء بن أيب رباح عبدً ا أسود المرأة من أهل مكة‪ ،‬وجاء سليامن‬
‫ٍ‬
‫عطاء هو وابناه‪ ،‬فجلسوا إليه وهو يصيل‪ ،‬فلام‬ ‫ابن عبد امللك أمري املؤمنني إىل‬
‫حول قفاه إليهم‪،‬‬ ‫صىل انفتل إليهم‪ ،‬فام زالوا يسألونه عن مناسك احلج‪ ،‬وقد ّ‬
‫ابني ال تَنِيا يف طلب العلم؛ فإين‬
‫ثم قال سليامن البنيه‪ :‬قوما‪ ،‬فقاما فقال‪ :‬يا ّ‬
‫[صفة الصفوة ‪]525/2‬‬ ‫ال أنسى ذ ّلنا بني يدي هذا العبد األسود‪.‬‬
‫‪‬‬

‫صغريا يف حجر أمي‪،‬‬


‫ً‬ ‫قال أبو يوسف القايض‪ :‬تويف أيب وخلفني‬
‫وأمر إىل حلقة أيب حنيفة‪،‬‬
‫القصار ّ‬
‫ار أخدمه‪ ،‬فكنت أدع َّ‬‫قص ٍ‬
‫فأسلمتني إىل ّ‬
‫فأجلس فأستمع‪ ،‬وكانت أمي جتيء خلفي إىل احللقة فتأخذ بيدي وتذهب يب‬
‫القصار‪ ،‬وكان أبو حنيفة ُيعنى يب ملا يرى من حريص عىل التعلم‪ ،‬فلام كثر‬
‫إىل َّ‬
‫صبي يتيم‬
‫ّ‬ ‫ذلك عىل أمي قالت أليب حنيفة‪ :‬ما هلذا الصبي فساد غريك‪ ،‬هذا‬
‫ال كسب له وأنا أطعمه من مغزيل‪ ،‬وآمل أنه يكسب دان ًقا يعود به عىل نفسه‪،‬‬
‫فقال هلا أبو حنيفة‪ُ :‬م ِّري يا رعناء‪ ،‬ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق‪،‬‬
‫فانرصفت وقالت له‪ :‬أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك‪ .‬ثم لزمته‪ ،‬فنفعني‬
‫اهلل بالعلم‪ ،‬ورفعني حتى تق َّلدت القضاء‪ ،‬وكنت أجالس الرشيد وآكل معه‬
‫عىل مائدته‪ ،‬فلام كان يف بعض األيام قدَّ م إ َّيل هارون فالوذجة بدهن فقال يل‬
‫هارون‪ :‬يا يعقوب‪ ،‬كل منه‪ ،‬فليس كل يوم يعمل لنا مثله‪ ،‬فقلت‪ :‬وما هذه‬
‫مم‬
‫يا أمري املؤمنني؟ فقال‪ :‬هذه فالوذجة بدهن الفستق‪ ،‬فضحكت‪ ،‬فقال يل‪ّ :‬‬
‫عيل‪،‬‬
‫وألح َّ‬
‫خريا‪ ،‬أبقى اهلل أمري املؤمنني‪ ،‬فقال‪ :‬لتخربين َّ‬
‫تضحك؟ فقلت‪ً :‬‬

‫‪193‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫فتعجب من ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬لعمري إن‬


‫ّ‬ ‫فأخربته بالقصة من أوهلا إىل آخرها‪،‬‬
‫وترحم عىل أيب حنيفة‪ ،‬وقال‪ :‬كان ينظر بعني‬
‫َّ‬ ‫العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة‪،‬‬
‫[املنتظم ‪]73/9‬‬ ‫عقله ما ال يرى بعني رأسه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الرقة‪ ،‬فانجفل الناس خلف عبد اهلل بن املبارك‪،‬‬


‫قدم هارون الرشيد ّ‬
‫وتق َّطعت النِّعال وارتفعت الغربة‪ ،‬وأرشفت أ ّم ولد أمري املؤمنني من ٍ‬
‫برج من‬
‫قرص اخلشب‪ ،‬فلام رأت الناس قالت‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬عامل ٌ من أهل خراسان‬
‫الرقة يقال له‪ :‬عبد اهلل بن املبارك‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا واهلل امللك ال ملك هارون‬ ‫ِ‬
‫قدم ّ‬
‫ط وأعوان‪.‬‬‫الذي ال جيمع الناس إال بشرُ ٍ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]384/8‬‬ ‫َ‬
‫‪‬‬

‫عامرا بالفقهاء‬
‫كان جملس احلسن بن عيل بن العباس امللقب نظام امللك ً‬
‫وأئمة املسلمني وأهل التد ُّين حتى كانوا يشغلونه عن مهامت الدولة‪ ،‬فقال‬
‫له بعض كتابه‪ :‬هذه الطائفة من العلامء قد بسطتهم يف جملسك حتى شغلوك‬
‫مت أن ال يوصل أحد منهم إال بإذن‪،‬‬
‫وهنارا‪ ،‬فإن تقدّ َ‬
‫ً‬ ‫عن مصالح الرعية ليلاً‬
‫وإذا وصل جلس بحيث ال يضيق عليك جملسك‪ ،‬فقال‪ :‬هذه الطائفة أركان‬
‫اإلسالم‪ ،‬وهم مجال الدنيا واآلخرة‪ ،‬ولو أجلست كلاًّ منهم عىل رأيس‬
‫[املنتظم ‪]303/16‬‬ ‫الستقللت هلم ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪194‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫قال محاد بن اإلمام أيب حنيفة‪ :‬رأيت احلسن بن عامرة وأيب انتهيا إىل‬
‫قنطرة‪ ،‬فقال له أيب‪ :‬تقدم‪ ،‬فقال‪ :‬أتقدم؟ تقدم أنت فإنك أفقهنا وأعلمنا‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]171/1‬‬ ‫وأفضلنا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال احلسني بن منصور‪ :‬كنت مع حييى بن حييى وإسحاق ابن راهويه‬


‫مريضا‪ ،‬فلام حاذينا الباب تأخر إسحاق‪ ،‬وقال ليحيى‪ :‬تقدم‪ ،‬فقال‬
‫يو ًما نعود ً‬
‫حييى إلسحاق‪ :‬تقدم أنت‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا زكريا‪ ،‬أنت أكرب مني‪ ،‬قال‪ :‬نعم أنا‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]171/1‬‬ ‫أكرب منك‪ ،‬وأنت أعلم مني‪ ،‬فتقدم إسحاق‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو عبد اهلل املعيطي‪ :‬رأيت أبا بكر ابن عياش بمكة فأتاه سفيان بن‬
‫عيينة‪ ،‬فربك بني يديه‪ ،‬فجعل أبو بكر يقول له‪ :‬يا سفيان‪ ،‬كيف أنت؟‬
‫يا سفيان‪ ،‬كيف عيال أبيك؟ قال‪ :‬فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث‪ ،‬فقال‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]320/1‬‬ ‫سفيان‪ :‬ال تسألني ما دام هذا الشيخ قاعدً ا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو بكر ابن عياش‪ :‬مات ُع َمر بن سعيد أخو سفيان فأتيناه نعزيه‪،‬‬
‫غاص بأهله وفيهم عبد اهلل بن إدريس‪ ،‬إذ أقبل أبو حنيفة يف‬
‫فإذا املجلس ٌّ‬
‫حترك من جملسه ثم قام فاعتنقه‪ ،‬وأجلسه يف موضعه‬
‫مجاعة معه‪ ،‬فلام رآه سفيان ّ‬
‫وقعد بني يديه‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فاغتظت عليه‪ ،‬وقال ابن إدريس‪ :‬وحيك‪ ،‬أال‬
‫ترى؟ فجلسنا حتى تفرق الناس‪ ،‬فقلت لعبد اهلل بن إدريس‪ :‬ال تقم حتى‬

‫‪195‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫فعلت شي ًئا أنكرتُه‬


‫َ‬ ‫نعلم ما عنده يف هذا‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬رأيتك اليوم‬
‫وأنكره أصحابنا عليك‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قلت‪ :‬جاءك أبو حنيفة فقمت إليه‬
‫وأجلسته يف جملسك‪ ،‬وصنعت به صني ًعا بلي ًغا‪ ،‬وهذا عند أصحابنا منكر‪،‬‬
‫أنكرت من ذلك؟ هذا رجل من العلم بمكان‪ ،‬فإن مل أقم لعلمه‬
‫َ‬ ‫فقال‪ :‬وما‬
‫قمت لسنه‪ ،‬وإن مل أقم لسنه قمت لفقهه‪ ،‬وإن مل أقم لفقهه قمت لورعه‪،‬‬
‫ُ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]467/15‬‬ ‫فأحجمني فلم يكن عندي جواب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال اإلمام الشافعي‪ :‬خرجت من مكة فلزمت هذيلاً يف البادية أتعلم‬


‫كالمها وآخذ طبعها وكانت أفصح العرب‪ ،‬فبقيت فيهم سبع عرشة سنة‬
‫أرحتل برحلتهم وأنزل بنزوهلم‪ ،‬فلام أن رجعت إىل مكة جعلت أنشد‬
‫األشعار وأذكر اآلداب واألخبار وأيام العرب‪ ،‬فمر يب رجل من بني عثامن‬
‫من الزبرييني فقال‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬عز عيل أن ال يكون مع هذه اللغة وهذه‬
‫الفصاحة والذكاء فقه فتكون قد سدت أهل زمانك‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ومن بقي‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬قال الشافعي‪:‬‬ ‫قصد إليه؟ فقيل يل‪ :‬هذا مالك بن أنس سيد املسلمني‬ ‫ُي َ‬
‫رجل بمكة فحفظته يف تسع‬ ‫ٍ‬ ‫فوقع يف قلبي‪ ،‬فعمدت إىل املوطأ فاستعرتُه من‬
‫ظاهرا‪ ،‬ثم دخلت إىل وايل مكة فأخذت كتابه إىل وايل املدينة وإىل مالك‬ ‫ٍ‬
‫ليال‬
‫ً‬
‫وأبلغت الكتاب إىل الوايل‪ ،‬فلام أن قرأه قال‪ :‬واهلل‬
‫ُ‬ ‫فقدمت املدينة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بن أنس‪،‬‬
‫عيل من‬ ‫ُ‬
‫أهون ّ‬ ‫إن مشيي من جوف املدينة إىل جوف مكة حاف ًيا راجلاً‬
‫يا فتى‪ّ ،‬‬
‫امليش إىل باب مالك بن أنس؛ فإين لست أرى الذل حتى أقف عىل بابه‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أصلح اهلل األمري‪ ،‬إن رأى األمري أن يوجه إليه ليحرض‪ ،‬فقال‪ :‬هيهات! ليتني‬

‫‪196‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫إذا ركبت أنا معك ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فواعدته العرص وركبنا مجي ًعا‪ ،‬فواهلل لقد كان كام قال‪ ،‬لقد أصابنا من تراب‬
‫العقيق‪ ،‬قال‪ :‬فتقدم ٌ‬
‫رجل فقرع الباب‪ ،‬فخرجت إلينا جارية سوداء فقال هلا‬
‫األمري‪ :‬قويل ملوالك‪ :‬إين بالباب‪ ،‬فدخلت فأبطأت ثم خرجت فقالت‪ :‬إن‬
‫موالي يقرئك السالم ويقول‪ :‬إن كانت مسألة فارفعها يف رقعة خيرج إليك‬
‫اجلواب‪ ،‬وإن كان للحديث فقد عرفت يوم املجلس فانرصف‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مهمة‪ ،‬قال‪ :‬فدخلت ثم خرجت‬ ‫ٍ‬
‫حاجة‬ ‫قويل له‪ :‬معي كتاب وايل مكة إليه يف‬
‫كريس‪ ،‬فوضعت‪ ،‬ثم إذا أنا باملك قد خرج وعليه املهابة والوقار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ويف يدها‬
‫وهو شيخ ُطوال مسنون اللحية‪ ،‬فجلس وهو متط ِّلس‪ ،‬فدفع الوايل الكتاب‬
‫من يده‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا سبحان اهلل‪ ،‬وصار علم رسول اهلل ‪ H‬يؤخذ‬
‫فقلت له‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فتقدمت إليه‬
‫ُ‬ ‫فرأيت الوايل وقد هت َّيبه أن يكلمه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بالرسائل؟! قال‪:‬‬
‫ومن قصتي‪ ،‬فلام أن سمع كالمي‬ ‫ومن حايل ِ‬ ‫أصلحك اهلل إين رجل م َّطلبي ِ‬

‫نظر إ ّيل ساع ًة وكان ملالك فراسة فقال يل‪ :‬ما اسمك؟ فقلت‪ :‬حممد‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫يا حممد اتق اهلل واجتنب املعايص؛ فإنه سيكون لك شأن من الشأن‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫نعم وكرامة إذا كان غدً ا جتيء وجييء من يقرأ لك املوطأ‪ ،‬فقلت‪ :‬فإين أقوم‬
‫ظاهرا والكتاب يف يدي‪ ،‬فكلام‬
‫ً‬ ‫بالقراءة‪ ،‬فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأه‬
‫هتيبت مالكًا وأريد أن أقطع القراءة أعجبه حسن قراءيت وإعرايب‪ ،‬يقول يل‪:‬‬
‫باهلل يا فتى زد! حتى قرأته يف أيام يسرية‪.‬‬
‫[تاريخ دمشق ‪]285/51‬‬

‫‪‬‬

‫‪197‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫كان إسامعيل بن إسحاق القايض يشتهي رؤية إبراهيم احلريب‪ ،‬وكان‬


‫دارا عليها بواب‪ ،‬فأخرب إسامعيل‬
‫إبراهيم ال يدخل عليه‪ ،‬ويقول‪ :‬ال أدخل ً‬
‫بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أدع بايب كبابة اجلامع‪ ،‬فجاء إبراهيم إليه‪ ،‬فلام دخل عليه‬
‫بيقي وجعلهام يف كمه‪ ،‬وجرى بينهام‬
‫خلع نعليه‪ ،‬فلفهام القايض يف منديل َد ّ‬
‫بحث كثري‪ ،‬فلام قام إبراهيم التمس نعليه‪ ،‬فأخرج القايض النعل من كمه‪،‬‬
‫فقال إبراهيم‪ :‬غفر اهلل لك كام أكرمت العلم؛ فلام مات القايض رؤي يف املنام‬
‫فقيل له‪ :‬ما فعل اهلل بك؟ فقال أجيبت ّيف دعوة إبراهيم احلريب‪.‬‬
‫[معجم األدباء ‪]48/1‬‬
‫‪‬‬
‫عزم عالء الدين الكاساين عىل العود من حلب إىل بالده‪ّ ،‬‬
‫ألن زوجته‬
‫ح ّثته عىل ذلك‪ ،‬فلام علم امللك العادل نور الدّ ين حممود استدعاه وسأله أن‬
‫السفر‪ ،‬وأنه ال يقدر أن خيالف زوجته ابنة شيخه‪،‬‬
‫فعرفه سبب ّ‬
‫يقيم بحلب‪ّ ،‬‬
‫الكاساين عىل إرسال خادم بحيث ال حتتجب‬ ‫ِ‬
‫وزوجها‬ ‫فاجتمع ر ْأي امللك‬
‫ِّ‬
‫منه وخياطبها عن امللك ىف ذلك‪ ،‬فلام وصل اخلادم إىل باهبا استأذن عليها‪،‬‬
‫فلم تأذن له‪ ،‬واحتجبت وأرسلت إىل زوجها تقول له‪ :‬ب ُعد عهدك بالفقه إىل‬
‫وأي ٍ‬
‫فرق بينه وبني‬ ‫هذا احلد؟! أما تعلم أنه ال حيل أن ينظر إ ّيل هذا اخلادم؟! ّ‬
‫الرجال ىف جواز النّظر؟! فعاد اخلادم وذكر ذلك لزوجها بحرضة‬ ‫غريه من ّ‬
‫امللك‪ ،‬فأرسلوا إليها امرأة برسالة امللك نور الدين‪ ،‬فخاطبتها فأجابته إىل‬
‫الكاساين بعدها‪ ،‬ودفن‬
‫ّ‬ ‫ثم مات زوجها‬
‫ذلك‪ ،‬وأقامت بحلب إىل أن ماتت‪ّ ،‬‬
‫[طبقات احلنفية ‪]278/2‬‬ ‫عندها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪198‬‬
‫ف�ضل العلم وتعظيم العلماء‬

‫قال حممد بن رافع‪ :‬كنت مع أمحد وإسحاق عند عبد الرزاق‪ ،‬فجاءنا يوم‬
‫الفطر فخرجنا مع عبد الرزاق إىل املصىل ومعنا ناس كثري‪ ،‬فلام رجعنا دعانا‬
‫عبد الرزاق إىل الغداء‪ ،‬ثم قال ألمحد وإسحاق‪ :‬رأيت اليوم منكام عج ًبا‪،‬‬
‫مل تكبرِّ ا! فقال أمحد وإسحاق‪ :‬يا أبا بكر! كنا ننتظر هل تكرب فنكرب‪ ،‬فلام رأيناك‬
‫مل تكرب أمسكنا‪ ،‬قال‪ :‬وأنا كنت أنظر إليكام‪ ،‬هل تكربان فأكرب‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]566 /9‬‬

‫‪199‬‬
‫الإن�صــــاف‬

‫اإلنصـــاف‬

‫دخل عثامن بن عفان ‪ I‬عىل غال ٍم له يعلف ناقة‪ ،‬فرأى يف علفها‬


‫شي ًئا كرهه‪ ،‬فأخذ بأذن غالمه فعركها‪ ،‬ثم ندم فقال له‪ :‬خذ بأذين فاعركها‬
‫فأبى الغالم فلم يدعه حتى أخذ بأذنه‪ ،‬فجعل عثامن يقول له‪ :‬شد‪ ،‬شد‪،‬‬
‫واها لقصاص الدنيا قبل‬
‫حتى ظ ّن أنه قد بلغ منه مثل ما بلغ منه‪ ،‬قال عثامن‪ً :‬‬
‫[اتلبرصة ‪]173/2‬‬ ‫قصاص اآلخرة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قدمت الشام عىل األوزاعي‪ ،‬فرأيته ببريوت‪ ،‬فقال يل‪:‬‬


‫ُ‬ ‫قال ابن املبارك‪:‬‬
‫فرجعت إىل‬
‫ُ‬ ‫يا خراساين‪ ،‬من هذا املبتدع الذي خرج بالكوفة ُيكنى أبا حنيفة؟‬
‫فأخرجت منها مسائل من جياد املسائل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فأقبلت عىل كتب أيب حنيفة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بيتي‪،‬‬
‫فجئت يوم الثالث وهو ‪-‬أي األوزاعي‪ -‬مؤذن‬
‫ُ‬ ‫وبقيت يف ذلك ثالثة أيام‪،‬‬
‫ُ‬
‫مسجدهم وإمامهم والكتاب يف يدي‪ ،‬فقال‪ :‬أي يشء هذا الكتاب؟ فناولته‪،‬‬
‫عت عليها قاله النعامن‪ ،‬فام زال قائماً بعد ما أ َّذن حتى‬
‫فنظر يف مسألة منها و َّق ُ‬
‫صدرا من الكتاب ثم وضع الكتاب يف ك ُِّمه ثم أقام وصىل ثم أخرج‬
‫ً‬ ‫قرأ‬
‫الكتاب حتى أتى عليها‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا خراساين‪َ ،‬من النعامن بن ثابت هذا؟‬
‫قلت‪ :‬شيخ لقيته بالعراق‪ ،‬فقال‪ :‬هذا نبيل من املشايخ‪ ،‬اذهب فاستكثر منه‪،‬‬
‫ُ‬
‫هنيت عنه‪ ،‬ثم ملا اجتمع ‪-‬األوزاعي‪ -‬بأيب حنيفة‬
‫قلت‪ :‬هذا أبو حنيفة الذي َ‬
‫ُ‬
‫بمكة جاراه يف تلك املسائل‪ ،‬فكشفها له بأكثر مما كتبها ابن املبارك عنه‪ ،‬فلام‬

‫‪200‬‬
‫الإن�صــــاف‬

‫غبطت الرجل بكثرة علمه ووفور عقله‪،‬‬


‫ُ‬ ‫افرتقا قال األوزاعي البن املبارك‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ظاهر‪ ،‬الزم الرجل؛ فإنه بخالف ما‬ ‫كنت يف ٍ‬
‫غلط‬ ‫وأستغفر اهلل تعاىل‪ ،‬لقد ُ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]338/13‬‬ ‫بلغني عنه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد الرمحن بن مهدي‪ :‬كنا يف جنازة فيها عبيد اهلل بن احلسن وهو‬
‫عىل القضاء‪ ،‬فلام وضع الرسير جلس وجلس الناس حوله‪ ،‬فسألته عن مسألة‬
‫فغلط فيها‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلحك اهلل‪ ،‬القول يف هذه املسألة كذا وكذا‪ ،‬إال أين‬
‫مل أرد هذه‪ ،‬إنام أردت أن أرفعك إىل ما هو أكرب منها‪ ،‬فأطرق ساعة ثم رفع‬
‫رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬إذن أرجع وأنا صاغر إذن أرجع وأنا صاغر‪ ،‬لأَ ن أكون ذن ًبا يف‬
‫[تاريخ بغداد ‪]7/12‬‬ ‫رأسا يف الباطل‪.‬‬
‫أحب إ ّيل من أن أكون ً‬
‫احلق ُّ‬
‫‪‬‬

‫قال أبو بكر ابن العريب‪ :‬أخربين حممد بن قاسم العثامين غري مرة‬
‫قال‪ :‬وصلت الفسطاط مرة‪ ،‬فجئت جملس الشيخ أيب الفضل اجلوهري‬
‫وحرضت كالمه عىل الناس‪ ،‬فكان مما قال يف أول جملس جلست إليه‪ :‬إن‬
‫النبي ‪ H‬طلق وظاهر وآىل‪ ،‬فلام خرج تبعته حتى بلغت معه إىل منزله‬
‫يف مجاعة‪ ،‬فجلس معنا يف الدهليز وعرفهم أمري؛ فإنه رأى إشارة الغربة‬
‫ومل يعرف الشخص قبل ذلك يف الواردين عليه‪ ،‬فلام انفض عنه أكثرهم قال‬
‫يل‪ :‬أراك غري ًبا‪ ،‬هل لك من كالم؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال جللسائه‪ :‬أفرجوا له عن‬
‫كالمه‪ ،‬فقاموا وبقيت وحدي معه‪ ،‬فقلت له‪ :‬حرضت املجلس اليوم متربكًا‬

‫‪201‬‬
‫الإن�صــــاف‬

‫بك‪ ،‬وسمعتك تقول‪ :‬آىل رسول اهلل ‪ H‬وصدقت‪ ،‬وطلق رسول اهلل‬
‫‪ H‬وصدقت‪ ،‬وقلت‪ :‬وظاهر رسول اهلل ‪ ،H‬وهذا مل يكن‬
‫وال يصح أن يكون؛ ألن الظهار منكر من القول وزور‪ ،‬وذلك ال جيوز أن‬
‫يقع من النبي ‪ ،H‬فضمني إىل نفسه وق َّبل رأيس‪ ،‬وقال يل‪ :‬أنا تائب‬
‫خريا‪ .‬ثم انقلبت عنه وبكرت إىل جملسه‬
‫من ذلك‪ ،‬جزاك اهلل عني من معلم ً‬
‫يف اليوم الثاين‪ ،‬فألفيته قد سبقني إىل اجلامع وجلس عىل املنرب‪ ،‬فلام دخلت‬
‫من باب اجلامع ورآين نادى بأعىل صوته‪ :‬مرح ًبا بمعلمي‪ ،‬افسحوا ملعلمي‪،‬‬
‫فتطاولت األعناق إيل وحدَّ َقت األبصار نحوي‪ ،‬وتعرفني يا أبا بكر‪ ،‬يشري‬
‫إىل عظيم حيائه؛ فإنه كان إذا سلم عليه أحد أو فاجأه خجل لعظيم حيائه‬
‫بج َّلنار‪ ،‬وتبادر الناس إ َّيل يرفعونني عىل األيدي‬
‫وامحر حتى كأن وجهه طيل ُ‬
‫ّ‬
‫ويتدافعوين حتى بلغت املنرب‪ ،‬وأنا لعظم احلياء ال أعرف يف أي بقعة أنا من‬
‫غاص بأهله‪ ،‬وأسال احلياء بدين عر ًقا‪ ،‬وأقبل الشيخ عىل‬
‫األرض واجلامع ٌّ‬
‫اخللق فقال هلم‪ :‬أنا معلمكم وهذا معلمي؛ ملا كان باألمس قلت لكم‪ :‬آىل‬
‫رسول اهلل ‪ H‬وطلق وظاهر‪ ،‬فام كان أحد منكم فقه عني وال ر ّد‬
‫عيل‪ ،‬فاتبعني إىل منزيل وقال يل كذا وكذا ‪-‬وأعاد ما جرى بيني وبينه‪ ،-‬وأنا‬
‫تائب عن قويل باألمس وراجع عنه إىل احلق‪ ،‬فمن سمعه ممن حرض فال يعول‬
‫خريا؛ وجعل حيفل يف الدعاء‬
‫عليه‪ ،‬ومن غاب فليبلغه من حرض‪ ،‬فجزاه اهلل ً‬
‫واخللق يؤمنون‪.‬‬
‫[أحاكم القرآن ‪]249-248/1‬‬

‫‪‬‬

‫‪202‬‬
‫الإن�صــــاف‬

‫قال صاحب أخبار الدول املنقطعة‪ :‬ومن مجلة ما سعى تاج امللك يف‬
‫نظام امللك الوزير أن قال للسلطان‪ :‬إنه ينفق يف كل سنة عىل أرباب املدارس‬
‫والرباطات ثالثامئة ألف دينار‪ ،‬ولو ج ّيش هبا ً‬
‫جيشا لبلغ باب القسطنطينية‪،‬‬
‫فاستحرض النظام واستفرسه عىل احلال‪ ،‬فقال‪ :‬يا سلطان العامل‪ ،‬إين أنا رجل‬
‫شيخ‪ ،‬ولو نودي عيل ملا زادت قيمتي عىل ثالثة دنانري‪ ،‬وأنت حدث لو نودي‬
‫دينارا‪ ،‬وقد أعطاك اهلل تعاىل وأعطاين بك‬
‫عليك ما زادت قيمتك عىل ثالثني ً‬
‫ما مل يعطه أحدً ا من خلقه‪ ،‬أفال نعوضه عن ذلك يف محلة دينه وحفظة كتابه‬
‫ثالثامئة ألف دينار؟ ثم إنك تنفق عىل اجليوش املحاربة يف كل سنة ستة أضعاف‬
‫هذا املال‪ ،‬مع أن أقواهم وأرماهم ال تبلغ رميته ميلاً وال يرضب بسيفه إال ما‬
‫قرب منه‪ ،‬وأنا أج ّيش لك هبذا املال ً‬
‫جيشا تصل من الدعاء سهامه إىل الغرض‬
‫ال حيجبها يشء عن اهلل تعاىل‪ ،‬فبكى السلطان وقال‪ :‬يا أبت‪ ،‬استكثر من‬
‫اجليش‪ ،‬واألموال مبذولة لك‪ ،‬والدنيا بني يديك‪.‬‬
‫[وفيات األعيان ‪]287/5‬‬

‫‪203‬‬
‫�أدب طلب العلم‬

‫أدب طلب العلم‬

‫قال احلسني بن حربويه‪ :‬سألت أبا عبيد القاسم بن سالم قلت‪ :‬أسأل‬
‫عن مسألتني‪ ،‬قال‪ :‬ما مها؟ قلت‪[ :‬ﭗ ﭘ ﭙ] ما األيد؟ قال‪ :‬القوة‪،‬‬
‫قلت‪[ :‬ﭳ ﭴ ﭵ] قال‪ :‬القوة‪ ،‬واألبصار العقول‪ ،‬هكذا يروى‬
‫يف التفسري‪ ،‬قلت‪ :‬ما بال إحدامها ثبتت فيه الياء واألخرى حذفت؟ قال‪:‬‬
‫قلت مسألتني يرمحك‬
‫عمل الكاتب‪ ،‬فاندفعت أسأل عن مسألة أخرى‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫اهلل‪ ،‬قلت‪ :‬ما أحسب حرض املجلس أحد أبعد منزلاً مني‪ ،‬قال‪ :‬وإن كان‪،‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]304/1‬‬ ‫يرمحك اهلل‪ ،‬فالصدق‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قلت أليب‪ :‬ما لك مل تسمع من إبراهيم بن‬


‫قال عبداهلل بن اإلمام أمحد‪ُ :‬‬
‫جملسا واحدً ا‬
‫سعد وقد نزل بغداد يف جوارك؟ فقال‪ :‬اعلم يا بني أنه جلس ً‬
‫وأمىل علينا‪ ،‬فلام كان بعد ذلك خرج وقد اجتمع الناس فرأى الشباب تقدموا‬
‫بني املشايخ فقال‪ :‬ما أسوأ أدبكم تتقدمون بني يدي املشايخ! ال أحدثكم‬
‫[أدب اإلمالء واالستمالء ص‪]120‬‬ ‫سنة‪ ،‬فامت ومل حيدث‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال الربيع صاحب اإلمام الشافعي‪ :‬جئنا عبد اهلل بن وهب للسامع‬
‫واجتمع عىل بابه خلق كثري‪ ،‬فقام ليفتح‪ ،‬فلام فتح ازدمحنا للدخول فسقط‬
‫وشج وجهه‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا إال اخل ّفة وقلة الوقار ونحو هذا‪ ،‬واهلل أسمعتكم‬

‫‪204‬‬
‫�أدب طلب العلم‬

‫اليوم حر ًفا‪ ،‬ثم قعد وقعدنا‪ ،‬فلام رأى ما بنا من اهلدوء قال‪ :‬أين سكينة العلم؟‬
‫[ترتيب املدارك ‪]238 /3‬‬ ‫إنام أنا أك ِّفر عن يميني وأسمعكم‪ ،‬فك ّفر وأسمعنا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حممد بن جعفر من ذرية جعفر بن أيب طالب‪ :‬كلم صديق أليب‬
‫مالكًا يف أن أسمع منه‪ ،‬فقال‪ :‬قل له فليأت‪ ،‬فكنت أختلف إليه‪ ،‬فآيت وأنا‬
‫ُم ِد ٌّل بموضعي ونسبي من النبي ‪ ،H‬فأختطى الناس إىل وسادة مالك‬
‫احتقارا يل‪ ،‬فساءين ذلك‬
‫ً‬ ‫وهو عليها متكئ‪ ،‬فام يتزحزح ويريني أنه مل يرين‬
‫منه حتى شكوته بذلك إىل أيب وإىل مجاعة أصحايب‪ ،‬فبعثوا إليه يستبطونه‬
‫يف ذلك‪ ،‬ويسألونه إكرامي وأثريت يف املجلس‪ ،‬فقال للرسول‪ :‬ما هو عندنا‬
‫وغريه إال سواء‪ ،‬إنام هي عافاك اهلل جمالس العلم السابق إليها أحق هبا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فجريت واهلل عىل ذلك حتى كنت آيت وقد أخذوا املجالس‪ ،‬فام يوسع يل‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]305/1‬‬ ‫أحد‪ ،‬فأستدين حيث وجدت‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ٍ‬
‫مالك أكتب عنه‪ ،‬فسئل‬ ‫قال إسامعيل ابن ابنة السدّ ي‪ :‬كنت يف جملس‬
‫فريضة فيها اختالف بني أصحاب النبي ‪ H‬فأجاب فيها بجواب‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫زيد بن ثابت‪ ،‬فقلت‪ :‬فام قال فيها عيل بن أيب طالب‪ ،‬وعبد اهلل بن مسعود؟‬
‫فأومأ إىل احلجبة‪ ،‬فلام مهوا يب حارضهتم وحارضوين فأعجزهتم‪ ،‬وبقيت‬
‫حمربيت وكتبي بني يدي مالك‪ ،‬فلام أراد أن ينرصف قال له احلجبة‪ :‬ما نعمل‬
‫بكتب الرجل وحمربته؟ قال‪ :‬اطلبوه وال هتيجوه بسوء حتى تأتوين به‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫�أدب طلب العلم‬

‫فجاؤوا إ ّيل ورفقوا يب حتى جئت معهم‪ ،‬فقال يل‪ :‬من أين أنت؟ فقلت‪ :‬من‬
‫أهل الكوفة‪ ،‬فقال يل‪ :‬إن أهل الكوفة قو ٌم معهم معرفة بأقدار العلامء‪ ،‬فأين‬
‫خ ّلفت األدب؟ قلت‪ :‬إنام ذاكرتك ألستفيد‪ ،‬فقال‪ :‬إن عل ًّيا وعبد اهلل ال ينكر‬
‫فضلهام‪ ،‬وأهل بلدنا عىل قول زيد‪ ،‬وإذا كنت بني ظهراين قوم فال تبدأهم بام‬
‫[تاريخ دمشق ‪]318/71‬‬ ‫ال يعرفون فيبد َأك منهم ما تكرهه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال إدريس بن عبد الكريم‪ :‬قال يل سلمة بن عاصم‪ :‬أريد أن أسمع‬


‫كتاب العدد من خلف‪ ،‬يعني األمحر‪ ،‬فقلت خللف‪ ،‬قال‪ :‬فليجئ‪ ،‬فلام دخل‬
‫رفعه ألن جيلس يف الصدر‪ ،‬فأبى وقال‪ :‬ال أجلس إال بني يديك‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حق التعليم‪ ،‬فقال له خلف‪ :‬جاءين أمحد بن حنبل يسمع حديث أيب عوانة‪،‬‬
‫فاجتهدت أن أرفعه‪ ،‬فأبى وقال‪ :‬ال أجلس إال بني يديك‪ُ ،‬أمرنا أن نتواضع‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]198/1‬‬ ‫ملن نتعلم منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال محدان ابن األصبهاين‪ :‬كنت عند رشيك‪ ،‬فأتاه بعض ولد املهدي‪،‬‬
‫فاستند إىل احلائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه‪ ،‬فأعاد عليه فلم يلتفت‬
‫إليه‪ ،‬فقال‪ :‬كأنك تستخف بأوالد اخلالفة‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن العلم أزين عند‬
‫أهله من أن يضيعوه‪ ،‬فجثا عىل ركبتيه ثم سأله‪ ،‬فقال رشيك‪ :‬هكذا يطلب‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]198/1‬‬ ‫العلم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪206‬‬
‫�أدب طلب العلم‬

‫وكل املأمون الفراء يلقن ابنيه النحو‪ ،‬فلام كان يو ًما أراد الفراء أن ينهض‬
‫إىل بعض حوائجه‪ ،‬فابتدرا إىل نعل الفراء يقدمانه له‪ ،‬فتنازعا أهيام يقدمه ثم‬
‫اصطلحا عىل أن يقدم كل واحد منهام فر ًدا‪ ،‬فقدماها‪ ،‬وكان املأمون له عىل‬
‫كل يشء صاحب‪ُ ،‬فرفع ذلك إليه يف اخلرب‪ ،‬فوجه إىل الفراء فاستدعاه‪ ،‬فلام‬
‫دخل عليه قال له‪ :‬من أعز الناس؟ قال‪ :‬ما أعرف أعز من أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بىل! من إذا هنض تقاتل عىل تقديم نعليه وليا عهد املسلمني‪ ،‬حتى ريض كل‬
‫واحد أن يقدم له فر ًدا‪ .‬قال‪ :‬يا أمري املؤمنني لقد أردت منعهام عن ذلك ولكن‬
‫حرصا‬
‫َ‬ ‫خشيت أن أدفعهام عن مكرمة سبقا إليها‪ ،‬أو أكرس نفوسهام عن رشيفة‬
‫عليها‪ ،‬وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن واحلسني ركابيهام حني‬
‫خرجا من عنده‪ ،‬فقال له بعض من حرض‪ :‬أمتسك هلذين احلدثني ركابيهام‬
‫وأنت أسن منهام؟ قال له‪ :‬اسكت يا جاهل‪ ،‬ال يعرف الفضل ألهل الفضل‬
‫إال ذوو الفضل‪ ،‬قال له املأمون‪ :‬لو منعتهام عن ذلك ألوجعتك لو ًما وعت ًبا‪،‬‬
‫وألزمتك ذن ًبا‪ ،‬وما وضع ما فعاله من رشفهام‪ ،‬بل رفع من قدرمها وبينَّ َ عن‬
‫جوهرمها‪ ،‬وقد ثبتت يل خم َّيلة الفراسة بفعلهام‪ ،‬فليس يكرب الرجل ‪-‬وإن كان‬
‫كبريا‪ -‬عن ثالث‪ :‬عن تواضعه لسلطانه‪ ،‬ووالده‪ ،‬ومعلمه العلم‪.‬‬
‫ً‬
‫[تاريخ بغداد ‪]156-155/14‬‬

‫‪207‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫اجلد في التعلم‬

‫قال ابن عباس ‪ :L‬ملا قبض رسول اهلل ‪ H‬قلت لرجل من‬
‫األنصار‪ :‬هلم فلنسأل أصحاب رسول اهلل ‪ ،H‬فإهنم اليوم كثري‪،‬‬
‫قال‪ :‬واعج ًبا لك يا ابن عباس‪ ،‬أترى الناس يفتقرون إليك ويف الناس من‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ H‬من فيهم؟ قال‪ :‬فرتك ذاك‪ ،‬وأقبلت أنا أسأل‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ H‬عن احلديث‪ ،‬فإن كان ليبلغني احلديث عن‬
‫الرجل فآيت بابه وهو قائل فأتوسد ردائي عىل بابه تَسفي الريح عيل من‬
‫الرتاب فيخرج فيقول‪ :‬يا ابن عم رسول اهلل‪ ،‬ما جاء بك؟ أال أرسلت إيل‬
‫فآتيك‪ ،‬فأقول‪ :‬أنا أحق أن آتيك‪ ،‬فأسأله عن احلديث‪ .‬فعاش ذلك الرجل‬
‫األنصاري حتى رآين وقد اجتمع الناس حويل يسألوين‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا الفتى‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]159-158/1‬‬ ‫كان أعقل مني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أمحد بن بقي بن خملد‪ :‬رحل أيب من مكة إىل بغداد‪ ،‬وكان جل بغيته‬
‫مالقاة أمحد بن حنبل‪ ،‬قال‪ :‬فلام قربت بلغتني املحنة وأنه ممنوع‪ ،‬فاغتممت‬
‫غماًّ شديدً ا فاحتللت بغداد واكرتيت بيتًا يف فندق ثم أتيت اجلامع وأنا أريد‬
‫أن أجلس إىل الناس‪ ،‬فدفعت إىل حلقة نبيلة‪ ،‬فإذا برجل يتكلم يف الرجال‪،‬‬
‫فقيل يل‪ :‬هذا حييى بن معني‪ ،‬ففرجت يل فرجة فقمت إليه فقلت‪ :‬يا أبا زكريا‬
‫‪ -‬رمحك اهلل ‪ -‬رجل غريب ٍ‬
‫ناء عن وطنه حيب السؤال فال تستجفني‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪208‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫وبعضا جرح‪ ،‬فسألته عن هشام‬


‫ً‬ ‫فبعضا زكى‬
‫قل‪ ،‬فسألت عن بعض من لقيته ً‬
‫بن عامر‪ ،‬فقال يل‪ :‬أبو الوليد صاحب صالة دمشق ثقة وفوق الثقة‪ ،‬لو كان‬
‫ربا ما رضه شي ًئا خلريه وفضله‪ ،‬فصاح أصحاب‬
‫حتت ردائه كرب أو متقلدً ا ك ً‬
‫احللقة‪ :‬يكفيك ‪ -‬رمحك اهلل ‪ -‬غريك له سؤال‪ ،‬فقلت وأنا واقف عىل قدم‪:‬‬
‫اكشف عن رجل واحد‪ :‬أمحد بن حنبل‪ ،‬فنظر إيل كاملتعجب‪ ،‬فقال يل‪ :‬ومثلنا‬
‫نحن نكشف عن أمحد؟ ذاك إمام املسلمني وخريهم وفاضلهم‪ .‬فخرجت‬
‫أستدل عىل منزل أمحد فدللت عليه‪ ،‬فقرعت بابه‪ ،‬فخرج إيل‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫يا أبا عبد اهلل رجل غريب نائي الدار‪ ،‬هذا أول دخويل هذا البلد‪ ،‬وأنا طالب‬
‫حديث ومقيد سنة‪ ،‬ومل تكن رحلتي إال إليك‪ ،‬فقال‪ :‬ادخل األصطوان‬
‫وال يقع عليك عني‪ ،‬فدخلت‪ ،‬فقال يل‪ :‬وأين موضعك؟ قلت‪ :‬املغرب‬
‫األقىص‪ ،‬قال‪ :‬إفريقية؟ فقلت له‪ :‬أبعد من إفريقية‪ ،‬أجوز من بلدي البحر‬
‫إىل إفريقية؛ األندلس‪ ،‬قال‪ :‬إن موضعك لبعيد‪ ،‬وما كان يشء أحب إيل‬
‫من أن أحسن عون مثلك‪ ،‬غري أين ممتحن بام لعله قد بلغك‪ ،‬فقلت له‪ :‬بىل‬
‫لقد بلغني‪ ،‬وهذا أول دخويل وأنا جمهول العني عندكم‪ ،‬فإن أذنت يل أن‬
‫الس ّؤال‪ ،‬فأقول عند الباب ما يقوله السؤال فتخرج إىل‬
‫آيت كل يوم يف زي ُّ‬
‫هذا املوضع‪ ،‬فلو مل حتدثني كل يوم إال بحديث واحد لكان يل فيه كفاية‪،‬‬
‫فقال يل‪ :‬نعم‪ ،‬عىل رشط أن ال تظهر يف احللق وال عند املحدثني‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫لك رشطك‪ .‬فكنت آخذ عو ًدا بيدي وألف رأيس بخرقة مدنسة وآيت بابه‬
‫فأصيح‪ :‬األجر رمحكم اهلل‪ ،‬والسؤال هناك كذلك‪ ،‬فيخرج إيل ويغلق الباب‬
‫وحيدثني باحلديثني والثالثة واألكثر‪ ،‬فالتزمت ذلك حتى مات املمتحن له‬

‫‪209‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫وويل بعده من كان عىل مذهب السنة‪ ،‬فظهر أمحد وعلت إمامته‪ ،‬وكانت‬
‫ترضب إليه آباط اإلبل‪ ،‬فكان يعرف يل حق صربي‪ ،‬فكنت إذا أتيت حلقته‬
‫فسح يل ويقص عىل أصحاب احلديث قصتي معه‪ ،‬فكان يناولني احلديث‬
‫مناولة ويقرؤه عيل وأقرؤه عليه‪ ،‬واعتللت فعادين يف َخ ْل ٍق معه‪.‬‬
‫[تاريخ اإلسالم ‪]527-526 /6‬‬

‫‪‬‬

‫ذكر عبد الرزاق أمحدَ بن حنبل‪ ،‬فدمعت عيناه فقال‪ :‬بلغني أن نفقته‬
‫ِنفدت‪ ،‬فأخذت بيده‪ ،‬فأقمته خلف هذا الباب وأشار إىل بابه وما معي ومعه‬
‫أحد‪ ،‬فقلت‪ :‬إنه ال جيتمع عندنا دنانري‪ ،‬وإذا بعنا الغلة شغلناها يف يشء‪،‬‬
‫وقد وجدت عند النساء عرشة دنانري فخذها‪ ،‬فأرجو أن ال تنفقها حتى يتهيأ‬
‫عندنا يشء‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬لو قبلت شي ًئا من الناس قبلت منك‪.‬‬
‫[صفة الصفوة ‪]481/1‬‬

‫‪‬‬

‫ملا قرأ أبو احلسني أمحد بن حممد النوري القرآن ألزمه أبوه أن يكون معه‬
‫يف الدكان‪ ،‬فكان إذا أصبح أخذ روز مانجا ودواة‪ ،‬وذهب يسأل عن علم ما‬
‫جهل من كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬ويكتب ما يقال له‪ ،‬ثم يأيت أباه فيزجره عن غيابه‪،‬‬
‫مر به‬
‫ويتهدده وربام رضبه‪ ،‬وإذا بعثه يف حاجة أخذ ألواحه معه‪ ،‬فيسأل من ّ‬
‫من أهل العلم‪ ،‬وربام رضبه أبوه عىل ذلك أحيانًا‪ .‬فقال له أبوه يو ًما‪ :‬ليت‬
‫شعري ما تريد بعلمك هذا؟ قال‪ :‬أريد أن أعرف اهلل تعاىل‪ ،‬وأتعرف عليه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬كيف تعرفه؟ قال‪ :‬أعرفه بتفهم أمره وهنيه! قال‪ :‬وكيف تتعرف إليه؟‬

‫‪210‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫قال‪ :‬أتعرف إليه بالعمل بام علمني‪ .‬فقال له أبوه‪ :‬ال أعرض لك يف أمرك ما‬
‫[أنباء جنباء األبناء ص‪]156‬‬ ‫بقيت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مجعت الرحلة بني حممد بن جرير وحممد بن إسحاق بن خزيمة وحممد‬


‫بن نرص املروزي وحممد بن هارون الروياين بمرص‪ ،‬فأرملوا ومل يبق عندهم‬
‫ٍ‬
‫منزل كانوا يأوون إليه‪،‬‬ ‫وأرض هبم اجلوع‪ ،‬فاجتمعوا ليلة يف‬ ‫ما يقوهتم‬
‫ّ‬
‫فاتفق رأهيم عىل أن يستهموا ويرضبوا القرعة‪ ،‬فمن خرجت عليه القرعة‬
‫سأل ألصحابه الطعام‪ ،‬فخرجت القرعة عىل حممد بن إسحاق بن خزيمة‪،‬‬
‫فقال ألصحابه‪ :‬أمهلوين حتى أتوضأ وأصيل صالة اخلرية‪ ،‬قال‪ :‬فاندفع يف‬
‫وخيص من ِق َبل وايل مرص ّ‬
‫يدق الباب‪ ،‬ففتحوا‬ ‫ّ‬ ‫الصالة فإذا هم بالشموع‬
‫الباب فنزل عن دابته‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم حممد بن نرص؟ فقيل‪ :‬هو هذا‪ ،‬فأخرج‬
‫دينارا فدفعها إليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيكم حممد بن جرير؟ فقالوا‪:‬‬
‫رصة فيها مخسون ً‬
‫دينارا فدفعها إليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيكم حممد بن‬
‫هو ذا‪ ،‬فأخرج رصة فيها مخسون ً‬
‫دينارا فدفعها إليه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫هارون؟ فقالوا‪ :‬هو ذا‪ ،‬فأخرج رصة فيها مخسون ً‬
‫أيكم حممد بن إسحاق بن خزيمة؟ فقالوا‪ :‬هو ذا يصيل‪ ،‬فلام فرغ دفع إليه‬
‫دينارا‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن األمري كان قائلاً باألمس فرأى يف‬
‫الرصة‪ ،‬وفيها مخسون ً‬
‫املنام خيالاً قال‪ :‬إن املحامد طووا كشحهم جيا ًعا‪ ،‬فأنفذ إليكم هذه الرصار‪،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]548/2‬‬ ‫وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إ ّيل أمدكم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪211‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫سمعت أيب يقول‪ :‬بقيت بالبرصة يف سنة‬


‫ُ‬ ‫قال عبد الرمحن بن أيب حاتم‪:‬‬
‫أربع عرشة ومائتني ثامنية أشهر‪ ،‬وكان يف نفيس أن أقيم سنة فانقطع نفقتي‪،‬‬
‫ومضيت أطوف مع‬
‫ُ‬ ‫فجعلت أبيع ثيايب شي ًئا بعد يشء حتى بقيت بال نفقة‪،‬‬
‫ورجعت إىل‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫صديق يل إىل املشيخة وأسمع منهم إىل املساء‪ ،‬فانرصف رفيقي‬
‫عيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بيت خال‪ ،‬فجعلت أرشب املاء من اجلوع‪ ،‬ثم أصبحت من الغد‪ ،‬وغدا ّ‬
‫فجعلت أطوف معه يف سامع احلديث عىل جوع شديد‪ ،‬فانرصف‬ ‫ُ‬ ‫رفيقي‪،‬‬
‫عيل‪ ،‬فقال‪ :‬مر بنا إىل املشايخ‪،‬‬
‫عني وانرصفت جائ ًعا‪ ،‬فلام كان من الغد غدا ّ‬
‫فقلت‪ :‬أنا ضعيف ال يمكنني‪ ،‬قال‪ :‬ما ضعفك؟ قلت‪ :‬ال أكتمك أمري قد‬
‫مىض يومان ما طعمت فيهام‪ ،‬فقال يل رفيقي‪ :‬معي دينار فأنا أواسيك بنصفه‪،‬‬
‫وجتعل النصف اآلخر يف الكراء‪ ،‬فخرجنا من البرصة‪ ،‬وقبضت منه النصف‬
‫[تاريخ بغداد ‪]414/2‬‬ ‫دينار‪.‬‬
‫‪‬‬

‫بمرص سبعة أشهر مل نأكل فيها مرقة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قال عبد الرمحن بن أيب حاتم‪ :‬كنا‬
‫مقسم ملجالس ّ‬
‫الشيوخ وبالليل الن َّْسخ واملقابلة‪ ،‬فأتينا يو ًما أنا ورفيق‬ ‫ك ُُّل ِ‬
‫هنارنا ّ‬
‫يل ً‬
‫شيخا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو عليل‪ ،‬فرأينا يف طريقنا سمكة أعجبتْنا فاشرتيناه‪ ،‬فلام‬
‫ومض ْينا إىل املجلس‪،‬‬
‫إصالحه َ‬
‫ُ‬ ‫جملس فلم ُي ْم ِكنَّا‬
‫ٍ‬ ‫وقت‬
‫رصنا إىل البيت حرض ُ‬
‫فلم ن ََز ْل حتى أتى عليه ثالثة أيام وكاد أن يتغري‪ ،‬فأكلناه ني ًئا‪ ،‬مل يكن لنا فرا ٌغ‬
‫براحة اجلسد‪.‬‬‫ِ‬ ‫العلم‬ ‫ستطاع‬ ‫أن نعطيه من يشويه‪ .‬ثم قال‪ :‬ال ُي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]266/13‬‬

‫‪‬‬

‫‪212‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫قال أبو حاتم الرازي‪ :‬سألنا عبد اهلل بن مسلمة القعنبي أن يقرأ لنا‬
‫املوطأ‪ ،‬فقال‪ :‬ائتوا بالغداة‪ ،‬فقلنا‪ :‬إنا نجلس عند احلجاج ابن الشاعر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإذا فرغتم‪ ،‬قلنا‪ :‬نأيت مسلم بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬فإذا فرغتم‪ ،‬قلنا‪ :‬يكون وقت‬
‫الظهر ونأيت أبا حذيفة النهدي‪ ،‬قال‪ :‬فبعد العرص‪ ،‬قلنا‪ :‬نأيت حازم بن حممد‬
‫الغفاري‪ ،‬قال‪ :‬فبعد املغرب‪ ،‬فكنا نأتيه ليلاً فيخرج وعليه لبد ماحتته يشء يف‬
‫الصيف يف احلر الشديد‪ ،‬فيقرأ لنا وهو عىل جسده‪ ،‬ولو أراد ألُعطي الكثري‪.‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]199/3‬‬

‫‪‬‬

‫قال احلافظ ابن القيرساين‪ :‬أقمت بتنيس مدة عىل أيب حممد ابن احلداد‬
‫ونظرائه‪ ،‬فضاق يب فلم يبق معي غري درهم‪ ،‬وكنت أحتاج إىل حرب وكاغد‪،‬‬
‫فرتددت يف رصفه يف احلرب أو الكاغد أو اخلبز‪ ،‬ومىض عىل هذا ثالثة أيام مل‬
‫أطعم فيها‪ ،‬فلام كان بكرة اليوم الرابع قلت يف نفيس‪ :‬لو كان يل اليوم كاغد‬
‫مل يمكني أن أكتب من اجلوع‪ ،‬فجعلت الدرهم يف فمي وخرجت ألشرتي‬
‫خبزا‪ ،‬فبلعته ووقع عيل الضحك‪ ،‬فلقيني صديق وأنا أضحك‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫ً‬
‫أضحكك؟ قلت‪ :‬خري‪ ،‬فألح عيل وأبيت أن أخربه فحلف بالطالق لتصدقني‬
‫فأخربته‪ ،‬فأدخلني منزله وتكلف أطعمة‪ ،‬فلام خرجنا لصالة الظهر اجتمع‬
‫به بعض وكالء عامل تنيس ابن قادوس‪ ،‬فسأله عني فقال‪ :‬هو هذا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إن صاحبي منذ شهر أمر يب أن أوصل إليه كل يوم عرشة دراهم قيمتها ربع‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]367/19‬‬ ‫دينار وسهوت عنه‪ ،‬فأخذ منه ثالث مائة وجاء هبا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪213‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫قال القايض أبو احلسن الدامغاين‪ :‬كنت يف صبويت متشاغلاً بالبطالة غري‬
‫ملتفت إىل العلم‪ ،‬فأحرضين أيب وقال يل‪ :‬يا بني‪ ،‬لست أبقى لك أبدً ا‪ ،‬فخذ‬
‫دينارا وافتح لك دكان خباز وتكسب‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما هذا الكالم؟‬
‫ً‬ ‫عرشين‬
‫قال‪ :‬فافتح دكان بزاز‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف تقول يل هذا وأنا ابن قايض القضاة عبد‬
‫اهلل الدامغاين؟ قال‪ :‬فام أراك تطلب العلم‪ ،‬فقلت‪ :‬اذكر يل الدرس الساعة‪،‬‬
‫عيل‪.‬‬
‫فذكر يل فأقبلت عىل االشتغال بالعلم‪ ،‬واجتهدت ففتح اهلل تعاىل ّ‬
‫[نصيحة الودل البن اجلوزي ص‪]7‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو بكر ابن العريب‪ :‬كان أبو الفضل املراغي يقرأ بمدينة السالم‪،‬‬
‫فكانت الكتب تأيت إليه من بلده فيضعها يف صندوق وال يقرأ منها واحدً ا‬
‫خمافة أن يطلع فيها عىل ما يزعجه أو يقطع به عن طلبه‪ ،‬فلام كان بعد مخسة‬
‫غرضا من الطلب وعزم عىل الرحيل شد رحله وأبرز كتبه‬
‫أعوام وقىض ً‬
‫وأخرج تلك الرسائل وقرأ منها ما لو أن واحدة منها قرأها يف وقت وصوهلا‬
‫ورحل عىل دابته‬
‫ما متكن بعدها من حتصيل حرف من العلم‪ ،‬فحمد اهلل تعاىل َّ‬
‫ُقامش ُه وخرج إىل باب احللبة طريق خراسان‪ ،‬وتقدمه الكري بالدابة‪ ،‬وأقام‬
‫هو عىل فامي يبتاع منه سفرته؛ فبينام هو حياول ذلك معه إذ سمعه يقول‬
‫لفامي آخر‪ :‬أي ُف ُل‪ ،‬أما سمعت العامل يقول يعني الواعظ‪ :‬إن ابن عباس‬
‫يجُ ِّوز االستثناء ولو بعد سنة‪ ،‬لقد اشتغل بايل بذلك منه منذ سمعته يقوله‬
‫صحيحا ملا قال اهلل تعاىل أليوب‪[ :‬ﭜ‬
‫ً‬ ‫متفكرا؛ ولو كان ذلك‬
‫ً‬ ‫وظللت فيه‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ]‪ ،‬وما الذي كان يمنعه من أن يقول حينئذ‪ :‬قل‬

‫‪214‬‬
‫اجلد يف التعلم‬

‫إن شاء اهلل؟ فلام سمعته يقول ذلك قلت‪ :‬بلد يكون الفاميون به من العلم يف‬
‫هذه املرتبة أخرج عنه إىل املراغة؟ ال أفعله أبدً ا؛ واقتفى أثر الكري وحلله من‬
‫[أحاكم القرآن ‪]154/2‬‬ ‫الكراء ورصف رحله‪ ،‬وأقام هبا حتى مات‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫جادة التعلم‬

‫جادة التعلم‬

‫قال ابن عباس ‪ :L‬قدم عىل عمر ‪ I‬رجل فجعل عمر يسأله‬
‫عن الناس‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫واهلل ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا يف القرآن هذه املسارعة‪ ،‬فزبرين عمر‬
‫ثم قال‪ :‬مه‪ ،‬فانطلقت إىل منزيل مكتئ ًبا حزينًا‪ ،‬فقلت‪ :‬قد كنت نزلت من‬
‫هذا بمنزلة وال أراين إال قد سقطت من نفسه‪ ،‬فاضطجعت عىل فرايش حتى‬
‫عادين نسوة أهيل وما يب وجع‪ ،‬فبينا أنا عىل ذلك قيل يل‪ :‬أجب أمري املؤمنني‪،‬‬
‫فخرجت فإذا هو قائم عىل الباب يتنظرين‪ ،‬فأخذ بيدي ثم خال يب فقال‪ :‬ما‬
‫الذي كرهت مما قال الرجل آن ًفا؟ قلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن كنت أسأت فإين‬
‫أستغفر اهلل وأتوب إليه وأنزل حيث أحببت‪ ،‬قال‪ :‬لتخربين‪ ،‬قلت‪ :‬متى ما‬
‫يسارعوا هذه املسارعة حيت ُّقوا ومتى ما حيتقوا خيتصموا ومتى ما اختصموا‬
‫خيتلفوا ومتى ما خيتلفوا يقتتلوا‪ ،‬قال‪ :‬هلل أبوك‪ ،‬لقد كنت أكتمها الناس حتى‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]349/ 3‬‬ ‫جئت هبا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال رؤبة بن العجاج‪ :‬أتيت النسابة البكري‪ ،‬فقال يل‪ :‬من أنت؟ قلت‪:‬‬
‫وعرفت‪ ،‬فام جاء بك؟ قلت‪ :‬طلب العلم‪،‬‬
‫رؤبة بن العجاج‪ ،‬قال‪ :‬قرصت ّ‬
‫سكت مل يسألوين وإن تكلمت‬
‫ُّ‬ ‫قال‪ :‬لعلك من قو ٍم أنا بني أظهرهم إن‬
‫مل يعوا عني؟ قلت‪ :‬أرجو أن ال أكون منهم‪ ،‬قال‪ :‬أتدري ما آفة املروءة؟‬

‫‪216‬‬
‫جادة التعلم‬

‫قلت‪ :‬ال‪ ،‬فأخربين‪ ،‬قال‪ :‬جريان السوء إن رأوا حسنًا دفنوه وإن رأوا سي ًئا‬
‫وهجنة ونكدً ا‪ ،‬فآفته النسيان‪،‬‬
‫أذاعوه‪ ،‬ثم قال يل‪ :‬يا رؤبة‪ ،‬إن للعلم آفة ُ‬
‫وهجنته أن تضعه عند غري أهله‪ ،‬ونكده الكذب فيه‪.‬‬
‫[جامع بيان العلم وفضله ‪]450-449/1‬‬

‫‪‬‬

‫أتيت عبد اهلل بن داود اخلريبي‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫قال أبو العيناء حممد بن القاسم‪ُ :‬‬
‫حفظت‬
‫ُ‬ ‫ما جاء بك؟ قلت‪ :‬احلديث‪ ،‬قال‪ :‬اذهب فتح َّفظ القرآن‪ ،‬قلت‪ :‬قد‬
‫فقرأت العرش حتى أنفدته‪ ،‬فقال‬
‫ُ‬ ‫القرآن‪ ،‬قال‪ :‬اقرأ [ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ]‪،‬‬
‫لب واجلدَّ والكرب‪،‬‬
‫الص َ‬
‫تعلمت ُّ‬
‫ُ‬ ‫يل‪ :‬اذهب اآلن فتعلم الفرائض‪ ،‬قلت‪ :‬قد‬
‫قال‪ :‬فأيام أقرب إليك‪ :‬ابن أخيك أو ابن عمك؟ قلت‪ :‬ابن أخي‪ ،‬قال‪ :‬ومل؟‬
‫قال‪ :‬ألن أخي من أيب‪ ،‬وعمى من جدي‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب اآلن فتعلم العربية‪،‬‬
‫قلت‪ :‬علمتها قبل هذين‪ ،‬قال‪ :‬فلم قال عمر بن اخلطاب‪ ،‬يعني حني طعن‪:‬‬
‫ِ‬
‫الدعاء‬ ‫يا َلله لِلمسلمني مل فتح تلك وكرس هذه؟ قلت‪ :‬فتح تلك الالم عىل‬
‫حدثت أحدً ا حدثتُك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وكرس هذه عىل االستغاثة واالستنصار‪ ،‬فقال‪ :‬لو‬
‫[تاريخ بغداد ‪]284/4‬‬

‫‪‬‬

‫قال ابن أيب احلواري‪ :‬أتينا فضيل بن عياض سنة مخس وثامنني ومائة‬
‫ونحن مجاعة‪ ،‬فوقفنا عىل الباب فلم يأذن لنا بالدخول‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إن‬
‫ٍ‬
‫ليشء فسيخرج لتالوة القرآن‪ ،‬فأ َم ْرنا قارئًا فقرأ‪ ،‬فا َّطلع علينا‬ ‫خارجا‬ ‫كان‬
‫ً‬
‫من ك َّوة‪ ،‬فقلنا‪ :‬السالم عليك ورمحة اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬فقلنا‪ :‬كيف‬

‫‪217‬‬
‫جادة التعلم‬

‫أنت يا أبا عيل؟ وكيف حالك؟ فقال‪ :‬أنا من اهلل يف عافية ومنكم يف أذى‪،‬‬
‫ٌ‬
‫حدث يف اإلسالم‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ما هكذا يطلب‬ ‫وإن ما أنتم فيه‬
‫العلم‪ ،‬ولكنا كنَّا نأيت املسجد فال نرى أنفسنا أهلاً للجلوس معهم يف ِ‬
‫احل َلق‬
‫مر احلديث سألناهم إعادته وقيدناه‪،‬‬
‫فنجلس دوهنم ونسرتق السمع‪ ،‬فإذا َّ‬
‫وأنتم تطلبون العلم باجلهل‪ ،‬وقد ض َّيعتم كتاب اهلل‪ ،‬ولو طلبتم كتاب اهلل‬
‫لوجدتم فيه شفاء ملا تريدون‪ .‬قلنا‪ :‬قد تعلمنا القرآن‪ .‬قال‪ :‬إن يف تعليمكم‬
‫القرآن شغلاً ألعامركم وأعامر أوالدكم‪ ،‬قلنا‪ :‬كيف يا أبا عيل؟ قال‪ :‬لن‬
‫تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه وحمكمه ومتشاهبه وناسخه ومنسوخه‪،‬‬
‫فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كالم فضيل وابن عيينة‪ .‬ثم قال‪ :‬أعوذ باهلل‬
‫السميع العليم من الشيطان الرجيم‪ ،‬بسم اهلل الرمحن الرحيم [ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ]‪.‬‬
‫[اتلذاكر ألفضل األذاكر للقرطيب ص‪]69‬‬

‫‪‬‬

‫مرارا‪،‬‬
‫مريضا شديد املرض‪ ،‬فعاده اإلمام أبو حنيفة ً‬
‫ً‬ ‫كان أبو يوسف‬
‫فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلاً فاسرتجع ثم قال‪ :‬لقد كنت أؤملك بعدي‬
‫للمسلمني‪ ،‬ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثري‪ ،‬ثم رزق العافية‬
‫وخرج من العلة‪ ،‬فأخرب أبو يوسف بقول أيب حنيفة فيه‪ ،‬فارتفعت نفسه‬
‫جملسا يف الفقه وقرص عن لزوم‬
‫وانرصفت وجوه الناس إليه‪ ،‬فعقد لنفسه ً‬
‫جملسا وأنه قد بلغه‬
‫جملس أيب حنيفة‪ ،‬فسأل عنه فأخرب أنه قد عقد لنفسه ً‬

‫‪218‬‬
‫جادة التعلم‬

‫كالمك فيه‪ ،‬فدعا رجلاً كان له عنده قدر‪ ،‬فقال‪ :‬رص إىل جملس يعقوب فقل‬
‫له‪ :‬ما تقول يف رجل دفع إىل قصار ثو ًبا ليقرصه بدرهم فصار إليه بعد أيام‬
‫يف طلب الثوب‪ ،‬فقال له القصار‪ :‬ما لك عندي يشء وأنكره‪ ،‬ثم إن رب‬
‫مقصورا‪ ،‬أله أجرة؟ فإن قال‪ :‬له أجرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب‬
‫فقل‪ :‬أخطأت‪ ،‬وإن قال‪ :‬ال أجرة له‪ ،‬فقل‪ :‬أخطأت‪ ،‬فصار إليه‪ ،‬فسأله فقال‬
‫أبو يوسف‪ :‬له األجرة‪ ،‬فقال‪ :‬أخطأت‪ ،‬فنظر ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال أجرة له‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أخطأت‪ ،‬فقام أبو يوسف من ساعته‪ ،‬فأتى أبا حنيفة‪ ،‬فقال له‪ :‬ما جاء‬
‫بك إال مسألة القصار؟ قال‪ :‬أجل‪ ،‬قال‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬من قعد يفتي الناس‬
‫جملسا يتكلم يف دين اهلل وهذا قدره ال حيسن أن جييب يف مسألة من‬
‫وعقد ً‬
‫اإلجارات؟ فقال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬ع ّلمني‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان قرصه بعد ما غصبه‬
‫فال أجرة له؛ ألنه قرصه لنفسه‪ ،‬وإن كان قرصه قبل أن يغصبه فله األجرة؛‬
‫ألنه قرصه لصاحبه‪ ،‬ثم قال‪ :‬من ظن أنه يستغني عن التع ّلم فليبك عىل‬
‫[تاريخ بغداد ‪]479-478/15‬‬ ‫نفسه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو جعفر القطيعي‪ :‬دخلت عىل أيب عبد اهلل ‪-‬يعني اإلمام أمحد‪،-‬‬
‫فقلت‪ :‬أتوضأ بامء النورة؟ قال‪ :‬ما أحب ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬أتوضأ بامء ِ‬
‫الباقلاَ ء؟‬
‫قال‪ :‬ما أحب ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬أتوضأ بامء الورد؟ قال‪ :‬ما أحب ذلك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فسكت‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫فقمت‪ ،‬فتعلق بثويب ثم قال‪ :‬أيش تقول إذا دخلت املسجد؟‬
‫وأيش تقول إذا خرجت من املسجد؟ فسكت‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب فتعلم هذا‪.‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]41/1‬‬

‫‪219‬‬
‫جادة التعلم‬

‫قال املزين‪ :‬كنت أنظر يف الكالم قبل أن َيقدَ م الشافعي‪ ،‬فلام قدم‬
‫ٍ‬
‫مسألة من الكالم‪ ،‬فقال يل‪ :‬تدري أين أنت؟ قلت‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫أتيته فسألته عن‬
‫يف مسجد الفسطاط‪ ،‬قال يل‪ :‬أنت يف تاران ‪-‬تاران موضع يف بحر القلزم‬
‫فأجبت‪ ،‬فأدخل شي ًئا‬
‫ُ‬ ‫عيل مسألة يف الفقه‬
‫ال تكاد تسلم منه سفينة‪ -‬ثم ألقى ّ‬
‫فجعلت كلام‬
‫ُ‬ ‫فأجبت بغري ذلك‪ ،‬فأدخل شي ًئا أفسد جوايب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أفسد جوايب‪،‬‬
‫أجبت بيشء َأ َ‬
‫فسده‪ ،‬ثم قال يل‪ :‬هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل‬ ‫ُ‬
‫الناس يدخله مثل هذا‪ ،‬فكيف الكالم يف رب العاملني‪ ،‬الذي فيه الزلل كثري؟‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]25/10‬‬ ‫فرتكت الكالم‪ ،‬وأقبلت عىل الفقه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال ياقوت احلموي‪ :‬وإليها ‪-‬يعني مدينة مرو‪ -‬ينسب عبد الرمحن بن‬
‫أمحد بن عبد اهلل أبو بكر الق ّفال املروزي وحيد زمانه ً‬
‫فقها وعلماً ‪ ،‬رحل إىل‬
‫وخترج‬
‫الناس وصنّف وظهرت بركته‪ ،‬وهو أحد أركان مذهب الشافعي‪ّ ،‬‬
‫به مجاعة وانترش علمه يف اآلفاق‪ ،‬وكان ابتداء اشتغاله بالفقه عىل كرب السن‪،‬‬
‫حدثني بعض فقهاء مرو بفنني من قراها أن الق ّفال الشايش صنع قفلاً‬
‫ومفتاحا وزنه دانق واحد‪ ،‬فأعجب الناس به جدًّ ا وسار ذكره وبلغ خربه إىل‬
‫ً‬
‫الق ّفال هذا‪ ،‬فصنع قفلاً مع مفتاحه وزنه ّ‬
‫طسوج‪ ،‬وأراه الناس فاستحسنوه‬
‫ومل يشع له ذكر‪ ،‬فقال يو ًما لبعض من يأنس إليه‪ :‬أال ترى ّ‬
‫كل يشء يفتقر‬
‫إىل احلظ؟ عمل الشايش قفلاً وزنه دانق وطنّت به البالد‪ ،‬وعملت أنا قفلاً‬
‫بمقدار ربعه ما ذكرين أحد! فقال له‪ :‬إنام الذكر بالعلم ال باألقفال‪ ،‬فرغب‬

‫‪220‬‬
‫جادة التعلم‬

‫يف العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعني سنة‪ ،‬وجاء إىل شيخ من أهل‬
‫وعرفه رغبته فيام رغب فيه‪ ،‬فل ّقنه أول كتاب املزين‪ ،‬وهو‪« :‬هذا كتاب‬
‫مرو ّ‬
‫وكرر عليه هذه الثالثة ألفاظ من العشاء إىل‬
‫اخترصته»‪ ،‬فرقي إىل سطحه ّ‬
‫أن طلع الفجر‪ ،‬فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها‪ ،‬فضاق صدره وقال‪:‬‬
‫أيش أقول للشيخ؟ وخرج من بيته فقالت له امرأة من جريانه‪ :‬يا أبا بكر‬
‫لقد أسهرتنا البارحة يف قولك‪« :‬هذا كتاب اخترصته»‪ ،‬فتل َّقنها منها وعاد إىل‬
‫شيخه وأخربه بام كان منه‪ ،‬فقال له‪ :‬ال يصدّ نّك هذا عن االشتغال؛ فإنك إذا‬
‫الزمت احلفظ واالشتغال صار لك عادة‪ ،‬فجدّ والزم االشتغال حتى كان‬
‫منه ما كان‪ ،‬فعاش ثامنني سنة أربعني جاهلاً وأربعني عا ًملا‪.‬‬
‫[معجم ابلدلان ‪]116/5‬‬

‫‪221‬‬
‫لغــة العــــرب‬

‫لغة العرب‬

‫صهرا له‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬


‫إن ختني‬ ‫دخل رجل عىل عبد العزيز بن مروان يشكو ً‬
‫فعل يب كذا وكذا‪ ،‬فقال له عبد العزيز‪ :‬من َخ َتنَك؟ فقال له‪َ :‬خ َتنَني اخلتّان‬
‫الذي خيتن الناس‪ ،‬فقال عبد العزيز لكاتبه‪ :‬وحيك‪ ،‬ما أجابني‪ ،‬فقال له‪ :‬أهيا‬
‫حلنت وهو ال يعرف اللحن‪ ،‬كان ينبغي أن تقول له‪ :‬من َخ َتنُك‪،‬‬
‫األمري‪ ،‬إنك َ‬
‫شاهدت الناس‬
‫ُ‬ ‫فقال عبد العزيز‪ :‬أراين أتكلم بكال ٍم ال يعرفه العرب‪ ،‬ال‬
‫أعرف اللحن‪ .‬فأقام يف البيت مجعة ال يظهر ومعه من يع ّلمه العربية‪،‬‬
‫َ‬ ‫حتى‬
‫[املنتظم ‪]264/6‬‬ ‫فصىل بالناس اجلمعة وهو من أفصح الناس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫حيكى عن األصمعي أنه قال‪ :‬مررت بالبادية‪ ،‬فوجدت امرأة حسنة‬


‫تنزع من بئر وتنشد‪[ :‬من الرجز]‬
‫ق���ت���ل���ت إن����س����ان����ا ل����غ��ي�ر ِح ِّ‬
‫�����ل����� ِه‬ ‫أس���ت���غ���ف���ر اهلل ل����ذن��ب�ي ك ِّ‬
‫����ل���� ِه‬
‫وق�����د م���ض���ى ال���ل���ي���ل ومل أم ِّ‬
‫���ل��� ِه‬ ‫م���ث���ل غ������زال ك���ان���س يف ظ ِّ���ل��� ِه‬
‫ك ِّل ِه‬
‫واخلمر مفتاح هلذا ُ‬

‫فقلت هلا‪ :‬قاتلك اهلل ما أفصحك وأبلغك! فقالت‪ :‬وهل ترك القرآن‬
‫لذي فصاحة بالغة؟! فقلت هلا‪ :‬أتقرءين القرآن؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬وأعرف آية‬
‫مجعت أمرين وهنيني وخربين وبشارتني‪ ،‬فقلت‪ :‬وما هي؟ قالت‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫لغــة العــــرب‬

‫[ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫[قالدة انلحر ‪]423 /2‬‬ ‫ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ]‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال ابن بكري النحوي‪ :‬ملا قدم احلسن بن سهل العراق أحب أن جيمع‬
‫بني مجاعة من أهل األدب‪ ،‬فأحرض أبا عبيدة واألصمعي ونرص بن عيل‬
‫اجلهضمي وحرضت معهم‪ ،‬فابتدأ احلسن فنظر يف رقاع كانت بني يديه‬
‫للناس يف حاجاهتم فو َّقع عليها‪ ،‬وكانت مخسني رقعة‪ ،‬ثم أمر فدفعت إىل‬
‫اخلازن‪ ،‬ثم أفضنا يف ذكر احلفاظ‪ ،‬فذكرنا مجاعة‪ ،‬فالتفت أبو عبيدة وقال‪ :‬ما‬
‫الغرض أهيا األمري يف ذكر من مىض؟! هاهنا من يقول‪ :‬إنه ما قرأ كتا ًبا قط‬
‫فاحتاج إىل أن يعود فيه وال دخل قلبه يشء وخرج عنه! فالتفت األصمعي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنام يريدين هبذا القول‪ ،‬واألمر يف ذلك عىل ما حكى‪ ،‬وأنا أقرب إليه‪:‬‬
‫قد نظر األمري يف مخسني رقعة‪ ،‬وأنا أعيد ما فيها وما و َّقع به عىل رقعة رقعة‪،‬‬
‫فأحرضت الرقاع‪ ،‬فقال األصمعي‪ :‬سأل صاحب الرقعة األوىل كذا واسمه‬
‫كذا ووقع له بكذا‪ ،‬والرقعة الثانية والثالثة‪ ،‬حتى مر يف نيف وأربعني رقعة!‬
‫فالتفت إليه نرص بن عيل اجلهضمي‪ ،‬وقال‪ :‬أهيا الرجل‪ ،‬أبق عىل نفسك من‬
‫[نزهة األبلاء يف طبقات األدباء ‪]98/1‬‬ ‫العني‪ ،‬فكف األصمعي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال الوزير أبو بكر ابن الوزير أيب مروان ابن زهر‪ :‬بينا أنا قاعد يف دهليز‬
‫دارنا وعندي رجل ناسخ أمرته أن يكتب يل كتاب األغاين‪ ،‬فجاء الناسخ‬

‫‪223‬‬
‫لغــة العــــرب‬

‫بالكراريس التي كتبها؛ فقلت له‪ :‬أين األصل الذي كتبت منه ألقابل معك‬
‫به؟ قال‪ :‬ما أتيت به معي؛ فبينا أنا معه يف ذلك إذ دخل الدهليز علينا رجل‬
‫َب ُّذ اهليئة‪ ،‬عليه ثياب غليظة أكثرها صوف‪ ،‬وعىل رأسه عاممة قد الثها من‬
‫غري إتقان هلا‪ ،‬فحسبته ملا رأيته من بعض أهل البادية‪ ،‬فسلم وقعد وقال‬
‫يل‪ :‬يا بني‪ ،‬استأذن يل عىل الوزير أيب مروان‪ ،‬فقلت له‪ :‬هو نائم ‪-‬هذا بعد‬
‫الصبا وما رأيت من‬
‫أن تكلفت جوابه غاية التكلف‪ ،‬محلني عىل ذلك نزوة ِّ‬
‫خشونة هيئة الرجل‪ -‬ثم سكت عني ساعة وقال‪ :‬ما هذا الكتاب الذي‬
‫بأيديكام؟ فقلت له‪ :‬ما سؤالك عنه؟ فقال‪ :‬أحب أن أعرف اسمه؛ فإين كنت‬
‫أعرف أسامء الكتب‪ ،‬فقلت‪ :‬هو كتاب األغاين‪ ،‬فقال‪ :‬إىل أين بلغ الكاتب‬
‫منه؟ قلت‪ :‬بلغ موضع كذا‪ ،‬وجعلت أحتدث معه عىل طريق السخرية به‬
‫والضحك عىل قالبه‪ ،‬فقال‪ :‬وما لكاتبك ال يكتب؟ قلت‪ :‬طلبت منه األصل‬
‫الذي يكتب منه ألعارض به هذه األوراق فقال‪ :‬مل أجئ به معي‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫بني‪ ،‬خذ كراريسك وعارض‪ ،‬قلت‪ :‬بامذا؟ وأين األصل؟ قال‪ :‬كنت أحفظ‬
‫هذا الكتاب يف مدة صباي‪ ،‬فتبسمت من قوله‪ ،‬فلام رأى تبسمي قال‪ :‬يا‬
‫واوا وال فاء‪،‬‬
‫بني‪ ،‬أمسك عيل‪ ،‬فأمسكت عليه وجعل يقرأ‪ ،‬فواهلل إن أخطأ ً‬
‫الس ْفر وآخره‪ ،‬فرأيت‬
‫نحوا من كراستني‪ ،‬ثم أخذت له يف وسط ِّ‬
‫قرأ هكذا ً‬
‫حفظه يف ذلك كله سواء فاشتد عجبي‪ ،‬وقمت مرس ًعا حتى دخلت عىل أيب‪،‬‬
‫فأخربته باخلرب ووصفت له الرجل‪ ،‬فقام كام هو من فوره وكان ملت ًّفا برداء‬
‫ليس عليه قميص وخرج حارس الرأس حايف القدمني ال ير ُفق عىل نفسه وأنا‬
‫بني يديه وهو يوسعني لو ًما‪ ،‬حتى ترامى عىل الرجل وعانقه‪ ،‬وجعل يقبل‬

‫‪224‬‬
‫لغــة العــــرب‬

‫رأسه ويديه ويقول‪ :‬يا موالي‪ ،‬اعذرين‪ ،‬فواهلل ما أعلمني هذا ِ‬


‫اجل ْل ُ‬
‫ف إال‬
‫الساعة‪ ،‬وجعل يسبني والرجل يخُ ِّفض عليه ويقول‪ :‬ما عرفني‪ ،‬وأيب يقول‪:‬‬
‫َه ْب ُه ما عرفك فام عذره يف حسن األدب؟ ثم أدخله الدار وأكرم جملسه وخال‬
‫به فتحدثا طويلاً ‪ ،‬ثم خرج الرجل وأيب بني يديه حاف ًيا حتى بلغ الباب‪ ،‬وأمر‬
‫بدابته التي يركبها فأرسجت‪ ،‬وحلف عليه لريكبنَّها ثم ال ترجع إليه أبدً ا‪،‬‬
‫فلام انفصل قلت أليب‪ :‬من هذا الرجل الذي عظمته هذا التعظيم؟ قال يل‪:‬‬
‫اسكت وحيك! هذا أديب األندلس وإمامها وسيدها يف علم اآلداب‪ ،‬هذا‬
‫أبو حممد عبد املجيد ابن عبدون‪ ،‬أيرس حمفوظاته كتاب األغاين‪ ،‬وما ِحفظه‬
‫يف ذكاء خاطره وجودة قرحيته؟!‬
‫[املعجب يف تلخيص أخبار املغرب ص‪]70-69‬‬

‫‪‬‬

‫قال ابن مرزوق التلمساين‪ :‬حرضت جملس شيخنا العلاّ مة نخبة الزمان‬
‫ابن عرفة أول جملس حرضته‪ ،‬فقرأ [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] فجرى‬
‫بيننا مذاكرة رائقة وأبحاث حسنة فائقة‪ ،‬منها‪ :‬أنه قال‪ :‬قرئ «يعشو» بالرفع‬
‫و«نق ِّيض» باجلزم‪ ،‬ووجهها أبو حيان بكالم ما فهمته‪ ،‬وذكر يف النسخة خللاً‬
‫وذكر بعض ذلك الكالم‪ ،‬فاهتديت إىل متامه فقلت‪ :‬يا سيدي‪ ،‬معنى ما ذكر‬
‫بمن املوصولة لشبهها بالرشطية ملا تضمنتها من معنى‬
‫أن جزم «نق ِّيض» َ‬
‫الرشط‪ ،‬وإذا كانوا يعاملون املوصول الذي ال يشبه لفظه لفظ الرشط بذلك‬
‫فام يشبه لفظه لفظ الرشط أوىل بتلك املعاملة‪ ،‬فوافق وفرح‪ ،‬كام أن اإلنصاف‬
‫عيل مجاعة من أهل املجلس وطالبوين بإثبات‬
‫كان طبعه‪ ،‬وعند ذلك أنكر ّ‬

‫‪225‬‬
‫لغــة العــــرب‬

‫معاملة املوصول معاملة الرشط‪ ،‬فقلت هلم‪ :‬نصهم عىل دخول الفاء يف خرب‬
‫املوصول يف نحو الذي يأتيني فله درهم من ذلك‪ ،‬فنازعوين يف ذلك‪ ،‬وكنت‬
‫حديث عهد بحفظ التسهيل‪ ،‬فقلت‪ :‬قال ابن مالك فيام يشبه املسألة‪ :‬وقد‬
‫تشبيها بجواب الرشط‪ .‬وأنشدت من شواهد‬
‫ً‬ ‫جيزمه متسبب عن صلة الذي‬
‫املسألة قول الشاعر‪:‬‬
‫رغم عواقب ما صنع‬
‫تصبه على ٍ‬ ‫كذاكالذييبغيعلىالناسظاملًا‬

‫فجاء الشاهد مواف ًقا للحال‪.‬‬


‫[نيل االبتهاج ص‪]509-508‬‬

‫‪226‬‬
‫التفقـــه‬

‫التفقـــه‬

‫قال احلسن البرصي‪ :‬بينام عمران بن حصني حيدث عن سنة نبينا‬


‫‪ H‬إذ قال له رجل‪ :‬يا أبا نجيد‪ ،‬حدثنا بالقرآن‪ ،‬فقال له عمران‪ :‬أنت‬
‫وأصحابك يقرؤون القرآن‪ ،‬أكنت حمدثي عن الصالة وما فيها وحدودها؟‬
‫أكنت حمدثي عن الزكاة يف الذهب واإلبل والبقر وأصناف املال؟ ولكن قد‬
‫شهدت وغبت أنت‪ ،‬ثم قال‪ :‬فرض علينا رسول اهلل ‪ H‬يف الزكاة كذا‬
‫ُ‬
‫وكذا‪ ،‬وقال الرجل‪ :‬أحييتني أحياك اهلل‪ .‬قال احلسن‪ :‬فام مات ذلك الرجل‬
‫[املستدرك ىلع الصحيحني ‪]192/1‬‬ ‫حتى صار من فقهاء املسلمني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫رأيت األوزاعي يف صحن بيت‬


‫قال حممد بن كثري بن مروان الفهري‪ُ :‬‬
‫املقدس وقد أتى ُج ًّبا من ِجبابه فاستقى ً‬
‫دلوا من ماء‪ ،‬فوضعه وجلس يتوضأ‬
‫منه‪ ،‬فقال له بعض املارة‪ :‬يا شيخ أما ختاف اهلل‪ ،‬تتوضأ يف املسجد؟ فقال له‬
‫[تاريخ بغداد ‪]316/4‬‬ ‫األوزاعي‪ :‬تفقه يف الدين ثم أفت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال اإلمام أبو حنيفة‪ :‬كنت أنظر يف الكالم حتى بلغت فيه مبل ًغا‬
‫ُيشار إ ّيل فيه باألصابع‪ ،‬وكنا نجلس بالقرب من حلقة محاد بن أيب سليامن‪،‬‬
‫فجاءتني امرأة يو ًما فقالت يل‪ :‬رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة‪ ،‬كم‬
‫يطلقها؟ فلم ِ‬
‫أدر ما أقول‪ ،‬فأمرهتا أن تسأل محا ًدا ثم ترجع ختربين‪ ،‬فسألته‬

‫‪227‬‬
‫التفقـــه‬

‫طاهر من احليض واجلامع تطليقة ثم يرتكها حتى حتيض‬


‫ٌ‬ ‫فقال‪ :‬يط ّلقها وهي‬
‫حيضتني فإذا اغتسلت فقد حلت لألزواج‪ ،‬فرجعت فأخربتني‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ال حاجة يل يف الكالم‪ ،‬وأخذت نعيل فجلست إىل محاد‪ ،‬فكنت أسمع‬
‫مسائله‪ ،‬فأحفظ قوله‪ ،‬ثم يعيدها من الغد‪ ،‬فأحفظها وخيطئ أصحابه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ال جيلس يف صدر احللقة بحذائي غري أيب حنيفة‪ ،‬فصحبته عرش سنني‪ ،‬ثم‬
‫ٍ‬
‫حلقة لنفيس‬ ‫نازعتني نفيس الطلب للرياسة‪ ،‬فأحببت أن أعتزله وأجلس يف‬
‫فخرجت يو ًما بالعيش وعزمي أن أفعل‪ ،‬فلام دخلت املسجد فرأيته مل تطب‬
‫نفيس أن أعتزله‪ ،‬فجئت فجلست معه‪ ،‬فجاءه يف تلك الليلة نعي قرابة له قد‬
‫مات بالبرصة‪ ،‬وترك مالاً وليس له وارث غريه‪ ،‬فأمرين أن أجلس مكانه‪،‬‬
‫عيل مسائل مل أسمعها منه‪ ،‬فكنت أجيب‬
‫فام هو إال أن خرج حتى وردت ّ‬
‫نحوا‬
‫وأكتب جوايب‪ ،‬فغاب شهرين ثم قدم‪ ،‬فعرضت عليه املسائل وكانت ً‬
‫من ستني مسألة‪ ،‬فوافقني يف أربعني وخالفني يف عرشين‪ ،‬فآليت عىل نفيس‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]397/6‬‬ ‫أن ال أفارقه حتى يموت‪ ،‬فلم أفارقه حتى مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان اإلمام الشافعي يف جملس اإلمام مالك بن أنس وهو غالم‪ ،‬فجاء‬
‫رجل إىل مالك فاستفتاه‪ ،‬فقال‪ :‬إين حلفت بالطالق الثالث إن هذا البلبل‬
‫ال هيدأ من الصياح‪ ،‬فقال له مالك‪ :‬قد حنثت‪ ،‬فمىض الرجل‪ ،‬فالتفت‬
‫الشافعي إىل بعض أصحاب مالك فقال‪ :‬إن هذه الفتيا خطأ‪ُ ،‬فأخرب مالك‬
‫بذلك‪ ،‬وكان مالك مهيب املجلس ال جيرس أحد أن يرا ّده‪ ،‬وربام جاء صاحب‬

‫‪228‬‬
‫التفقـــه‬

‫الرشطة فوقف عىل رأسه إذا جلس يف جملسه‪ ،‬فقالوا ملالك‪ :‬إن هذا الغالم‬
‫يزعم أن هذه الفتيا إغفال وخطأ! فقال له مالك‪ :‬من أين قلت هذا؟ فقال‬
‫له الشافعي أليس أنت الذي رويت لنا عن النبي ‪ H‬يف قصة فاطمة‬
‫بنت قيس ‪ J‬أهنا قالت للنبي ‪ :H‬إن أبا جهم ومعاوية خطباين‪،‬‬
‫فقال ‪« :H‬أما أبو جهم فال يضع العصا عن عاتقه‪ ،‬وأما معاوية فصعلوك‬
‫ال مال له»‪ .‬فهل كانت عصا أيب جهم دائماً عىل عاتقه؟ وإنام أراد من ذلك‬
‫األغلب‪ ،‬فعرف مالك حمل الشافعي ومقداره‪ .‬قال الشافعي‪ :‬فلام أردت‬
‫أن أخرج من املدينة جئت إىل مالك فودعته‪ ،‬فقال يل مالك حني فارقته‪:‬‬
‫يا غالم‪ ،‬اتق اهلل تعاىل وال تطفئ هذا النور الذي أعطاكه اهلل باملعايص‪.‬‬
‫[حياة احليوان الكربى‪]226/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال حممد بن سامعة‪ :‬كنت أدعو عيسى بن أبان أن يأيت حممد بن احلسن‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬هؤالء قوم خيالفون احلديث‪ ،‬وكان عيسى حسن احلفظ للحديث‪،‬‬
‫فصىل معنا يو ًما الصبح‪ ،‬وكان يو َم جملس حممد‪ ،‬فلم أفارقه حتى جلس يف‬
‫املجلس‪ ،‬فلام فرغ حممد أدنيته إليه وقلت‪ :‬هذا ابن أخيك ِ‬
‫أبان ِ‬
‫بن صدقة‬
‫الكاتب ومعه ذكا ٌء ومعرفة باحلديث‪ ،‬وأنا أدعوه إليك فيأبى ويقول‪ :‬إنا‬
‫نخالف احلديث‪ ،‬فأقبل عليه وقال له‪ :‬يا بني‪ ،‬ما الذي رأيتنا نخالفه من‬
‫احلديث؟ ال تشهد علينا حتى تسمع منا‪ ،‬فسأله يومئذ عن مخسة وعرشين با ًبا‬
‫من احلديث‪ ،‬فجعل حممد بن احلسن جييبه عنها وخيربه بام فيها من املنسوخ‬
‫ويأيت بالشواهد والدالئل‪ ،‬فالتفت إ َّيل بعد ما خرجنا‪ ،‬فقال‪ :‬كان بيني وبني‬

‫‪229‬‬
‫التفقـــه‬

‫ظننت أن يف ملك اهلل مثل هذا الرجل يظهره‬


‫ُ‬ ‫النور سرت فارتفع عني‪ ،‬ما‬
‫[تاريخ بغداد ‪]479/12‬‬ ‫للناس‪ ،‬ولزم حممد بن احلسن لزو ًما شديدً ا حتى تفقه به‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا أن اطمأنت باألمري عبد املؤمن الدار مجع الفقهاء‪ ،‬إما الختبار‬
‫فحكي عن أيب عبد اهلل ابن زرقون‬
‫مذهبهم أو محلهم عىل مذهب ابن حزم‪ُ ،‬‬
‫جامع االستذكار واملنتقى قال‪ :‬كنت فيمن مجعهم‪ ،‬فقام عىل رأسه كات ُبه‬
‫ووزيره أبو جعفر ابن عطية فخطب خطبة خمترصة‪ ،‬ثم رد رأسه إىل الفقهاء‬
‫وقال هلم‪ :‬بلغ سيدنا أن قو ًما من أويل العلم تركوا كتاب اهلل وسنة رسوله‬
‫‪ O‬وصاروا حيكمون بني الناس ويفتون هبذه الفروع واملسائل التي‬
‫ال أصل هلا يف الرشع‪ ،‬أو كال ًما هذا معناه‪ ،‬وقد َأ َمر أن من فعل ذلك بعد هذا‬
‫اليوم و َن َظر يف يشء من الفروع واملسائل عوقب العقاب الشديد و ُف ِعل به‬
‫كذا وكذا‪ ،‬وسكت‪ ،‬ورفع األمري عبد املؤمن رأسه إليه وأشار عليه باجللوس‬
‫فجلس‪ ،‬وقال‪ :‬سمعتم ما قال؟ فقال له الطلبة‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وسمعنا أن عند‬
‫القوم تألي ًفا من هذه الفروع يسمونه الكتاب ‪-‬يعني املدونة‪ -‬وأهنم إذا قال‬
‫هلم قائل مسألة من السنة ومل تكن فيه أو خمالِفة له قالوا‪ :‬ما هي يف الكتاب أو‬
‫ما هو مذهب الكتاب‪ ،‬وليس ثم كتاب يرجع إليه إال كتاب اهلل تعاىل وسنة‬
‫رسوله ‪ ،H‬قال‪ :‬وأرعد وأبرق يف التخويف والتحذير من النظر يف‬
‫هذه الكتب‪ ،‬والفقها ُء سكوت‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومن العجب أهنم يقولون أقوالاً‬
‫برأهيم وليست من الرشع‪ ،‬أو قال من الدين‪ ،‬فيقولون‪ :‬من طرأ عليه خلل‬

‫‪230‬‬
‫التفقـــه‬

‫يف صالته يعيد يف الوقت‪ ،‬فيتحكمون يف دين اهلل تعاىل؛ ألهنا إما صحيحة‬
‫فال إعادة أو باطلة فيعيد أبدً ا‪ ،‬فيا ليت شعري من أين أخذوه! فصمت القوم‬
‫ومل جيبه أحد حلدة األمر واإلنكار‪.‬‬
‫قال ابن زرقون‪ :‬فحملتني الغرية عىل أن تكلمت وتلطفت يف الكالم‬
‫هلم وأن اهلل تعاىل أحيى هبم احلق وأهله وأمات الباطل وأهله وذكرت نحو‬
‫هذا املنحى‪ ،‬وقلت‪ :‬إن ُأذن يل يف اجلواب تكلمت وأديت نصيحتي‪ ،‬وهي‬
‫أيضا! وكررها فقلت‪ :‬ثبت يف الصحيح‬
‫عيل‪ :‬وهي السنة ً‬ ‫ِ‬
‫السنة‪ ،‬فقال كاملنكر َّ‬
‫«أن رجلاً دخل عىل رسول اهلل ‪ H‬وصىل ثم جاء وسلم عليه فرد‬
‫عليه وقال‪ :‬ارجع ِّ‬
‫فصل فإنك مل تصل حتى فعل ذلك ثالث مرات ثم قال‬
‫له‪ :‬والذي بعثك باحلق ما أحسن غري هذا فعلمني‪ ،‬فقال له‪ :‬إذا افتتحت‬
‫الصالة‪ »...‬إىل آخر احلديث فأمره بإعادة الوقتية ومل يأمره بإعادة ما خرج‬
‫وقته من الصلوات‪ ،‬فعىل هذا بنى الفقهاء أمرهم فيمن دخل عليه خلل يف‬
‫الصالة‪ ،‬فلام أصغى إيل اتسع يل القول فقلت له‪ :‬يا سيدي‪ ،‬مجيع ما يف هذا‬
‫مبني عىل الكتاب والسنة وأقوال السلف واإلمجاع‪ ،‬وإنام اخترصه‬
‫الكتاب ّ‬
‫الفقهاء تقري ًبا ملن ينظر فيه من املتعلمني والطالبني‪ ،‬فانطلقت ألسنة الفقهاء‬
‫احلارضين حينئذ ووافقوين عىل ما قلت‪ ،‬ثم دعا فقال‪ :‬اللهم وفقنا يا رب‬
‫العاملني‪ ،‬وقام إىل منزله فقال الوزير‪ :‬أقدمت عىل سيدنا اليوم يا فقيه‪،‬‬
‫سكت للحقتني عقوبة اهلل تعاىل‪ ،‬فكنت أدخل بعد ذلك عىل‬
‫ُّ‬ ‫فقلت لو‬
‫[فتح العيل املالك ‪]103 -102 /1‬‬ ‫عبد املؤمن فأرى منه الرب التام والتكرمة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪231‬‬
‫التفقـــه‬

‫أراد األمري يعقوب بن يوسف بن عبد املؤمن َ‬


‫محل الناس عىل كتب ابن‬
‫حزم فعارضه فقهاء وقته‪ ،‬وفيهم أبو حييى ابن املواق وكان أعلمهم باحلديث‬
‫واملسائل‪ ،‬فلام سمع ذلك لزم داره وعارض وأكب عىل مجع املسائل املنتقدة‬
‫عىل ابن حزم حتى أمتها‪ ،‬وكان ال يغيب عنه‪ ،‬فلام أمتها جاء إليه فسأله عن‬
‫حاله وغيبته وكان ذا جاللة عنده ومنزلة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا سيدنا قد كنت يف‬
‫خدمتكم ملا سمعتكم تذكرون محل الناس عىل كتب ابن حزم وفيها أشياء‬
‫رتا‪ ،‬فلام أخذه األمري جعل‬
‫أعيذكم باهلل من محل الناس عليها‪ ،‬وأخرجت له دف ً‬
‫يقرؤه ويقول‪ :‬أعوذ باهلل أن أمحل أمة حممد ‪ H‬عىل هذا‪ ،‬وأثنى عىل‬
‫ابن املواق ودخل منزله‪ ،‬ثم سكت احلال بعد يف الفروع وظهرت وقويت‪،‬‬
‫[فتح العيل املالك ‪]103 /1‬‬ ‫واحلمد هلل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن املبارك‪ :‬سأل رجل أبا حنيفة عن خوخة أراد أن يفتحها‬
‫يف حائط له يف داره‪ ،‬فقال‪ :‬افتح ما شئت وال تطلع عىل جارك‪ ،‬فأتى به جاره‬
‫إىل ابن أيب ليىل فمنعه منه‪ ،‬فشكا إىل أيب حنيفة‪ ،‬قال‪ :‬فافتح فيه با ًبا فجاء‬
‫ليفتح الباب‪ ،‬فأتى به إىل ابن أيب ليىل فمنعه‪ ،‬فقال‪ :‬كم قيمة حائطك؟ قال‪:‬‬
‫ثالثة دنانري‪ ،‬قال‪ :‬هي لك عيل واذهب فاهدم احلائط من أوله إىل آخره‪،‬‬
‫فجاءه هيدمه‪ ،‬فمنعه فأتى به إىل ابن ايب ليىل‪ ،‬فقال‪ :‬هيدم حائطه وتسألني أن‬
‫أمنعه من ذلك! اذهب فاهدمه واصنع ما شئت! قال‪ :‬فلم َعنَّيتني ومنعتني‬
‫من فتح خوخة وكان ذلك أهون عيل؟ قال‪ :‬إذا كان يذهب إىل من يدله عىل‬
‫[أخبار أيب حنيفة وأصحابه ص‪]31‬‬ ‫خطئي فكيف أصنع إذا تبني اخلطأ؟!‬

‫‪232‬‬
‫التفقـــه‬

‫قال عبيد اهلل بن عمرو‪ :‬كنت يف جملس األعمش‪ ،‬فجاءه رجل فسأله‬
‫عن مسألة فلم جيبه فيها‪ ،‬ونظر فإذا أبو حنيفة‪ ،‬فقال‪ :‬يا نعامن‪ ،‬قل فيها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫القول فيها كذا‪ ،‬قال‪ :‬من أين؟ قال‪ :‬من حديث كذا أنت حدثتناه‪ ،‬قال‪ :‬فقال‬
‫[جامع بيان العلم وفضله ‪]1030/2‬‬ ‫األعمش‪ :‬نحن الصيادلة وأنتم األطباء‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الم َريني دعا‬


‫حكى الفقيه أبو عبد اهلل القوري أن السلطان أبا احلسن ُ‬
‫فقهاء وقته إىل وليمة وكانوا أهل علم ودين‪ ،‬فكان منهم من قال‪ :‬أنا صائم‪،‬‬
‫ومنهم من أكل وق ّلل‪ ،‬ومنهم من أكل من الغالت كالسمن فقط‪ ،‬ومنهم من‬
‫شمر لألكل بكله‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬هاتوا من طعام األمري عىل وجه الربكة‬
‫ّ‬
‫فإين صائم‪ ،‬فسأهلم الشيخ وأظنه أبو إبراهيم األعرج عن ذلك‪ ،‬فقال األول‪:‬‬
‫طعام شبهة تسرتت منه بالصوم‪ ،‬وقال الثاين‪ :‬كنت آكل بمقدار ما أتصدق؛‬
‫ألنه جمهول األرباب‪ ،‬واملبارش كالغاصب‪ ،‬وقال الثالث‪ :‬اعتمدت القول‬
‫بأن الغالت للغاصب؛ إذ اخلراج بالضامن‪ ،‬وقال الرابع‪ :‬طعام مستهلك‬
‫ترتبت القيمة يف ذمة مستهلكه‪ّ ،‬‬
‫فحل يل تناوله‪ ،‬وقد مكنني منه فحل يل‪،‬‬
‫مستحق للمساكني قدرت عىل استخالص بعضه‬
‫َ‬ ‫وقال اخلامس‪ :‬طعام‬
‫فاستخلصته وأوصلته إىل أربابه‪ ،‬فكان قد تصدق بام أخذ‪.‬‬
‫[حاشية العدوي ىلع اخلريش ‪]134-133/6‬‬

‫‪233‬‬
‫الكتب والكتابة‬

‫الكتب والكتابة‬

‫بيعت كتب ابن اجلواليقي يف بغداد‪ ،‬فحرضها احلافظ أبو العالء‬


‫دينارا‪ ،‬فاشرتاها احلافظ أبو العالء‬
‫ً‬ ‫اهلمذاين‪ ،‬فنادوا عىل قطعة منها ستني‬
‫دينارا‪ ،‬واإلنظار من يوم اخلميس إىل يوم اخلميس‪ ،‬فخرج احلافظ‬
‫ً‬ ‫بستني‬
‫دينارا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫واستقبل طريق مهذان‪ ،‬فوصل فنادى عىل دار له‪ ،‬فبلغت ستني ً‬
‫بيعوا‪ ،‬قالوا‪ :‬تبلغ أكثر من ذلك! قال‪ :‬بيعوا‪ ،‬فباعوا الدار بستني‪ ،‬فقبضها ثم‬
‫رجع إىل بغداد‪ ،‬فدخلها يوم اخلميس فوىف ثمن الكتب ومل يشعر أحد بحاله‬
‫[طبقات احلنابلة مع اذليل ‪]328/3‬‬ ‫إال بعد مدة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫بعث الوزير أبو أيوب أمحد بن حممد بن شجاع غالمه إىل أيب عبد اهلل‬
‫ابن األعرايب يسأله املجيء إليه‪ ،‬فعاد إليه الغالم فقال‪ :‬قد سألته ذلك فقال‬
‫يل‪ :‬عندي قو ٌم من األعراب فإذا قضيت أريب معهم أتيت‪ ،‬قال الغالم‪ :‬وما‬
‫رأيت عنده أحدً ا إال أين رأيت بني يديه كت ًبا ينظر فيها‪ ،‬فينظر يف هذا مرة‬
‫ُ‬
‫ويف هذا مرة‪ ،‬ثم ما شعرنا حتى جاء‪ ،‬فقال له أبو أيوب‪ :‬إنه ما رأى عندك‬
‫قضيت أريب معهم أتيت!‬
‫ُ‬ ‫قلت له‪ :‬أنا مع قوم من األعراب فإذا‬
‫أحدً ا وقد َ‬
‫فأنشد‪:‬‬
‫أل��� ّب���اء م��أم��ون��ون غ��ي�� ًب��ا ومشهدا‬ ‫ل��ن��ا ج��ل��س��ا ٌء م���ا من ّ‬
‫����ل حديثهم‬
‫وع���ق�ًل�اً وت���أدي��� ًب���ا ورأيً������ا مسدّدا‬ ‫يفيدوننا من علمهم علم ما مضى‬

‫‪234‬‬
‫الكتب والكتابة‬

‫وال نتقي منهم ل��س��ا ًن��ا وال يدا‬ ‫فال فتن ًة خنشى وال س��وء ِعشر ٍة‬
‫وإن ق��ل��ت أح��ي��اء ف��ل��س��ت َّ‬
‫مفندا‬ ‫كاذب‬
‫ٌ‬ ‫فإن قلت أم��وات فما أنت‬
‫[معجم األدباء ‪]2533/6‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو زكرياء التربيزي‪ :‬رأيت نسخة من كتاب اجلمهرة البن دريد‬
‫باعها أبو احلسن الفايل بخمسة دنانري من القايض أيب بكر ابن بديل التربيزي‬
‫ومحلها إىل تربيز‪ ،‬فنسخت أنا منها نسخة‪ ،‬فوجدت يف بعض املجلدات رقعة‬
‫بخط الفايل فيها‪:‬‬
‫فقد طال شوقي بعدها وحنيين‬ ‫أنست بها عشرين ح��ولاً وبعتها‬
‫ول��و خ ّلدتين يف السجون ديوني‬ ‫وم���ا ك���ان ظ�ّن�يّ أن�ن�ي سأبيعها‬
‫ص��غ��ار ع��ل��ي��ه��م ت��س��ت��ه ّ��ل شؤوني‬ ‫ول��ك��ن ل��ض��ع��ف واف��ت��ق��ار وصبية‬
‫م��ق��ال��ة م���ش ّ‬
‫���وي ال����ف����ؤاد حزين‬ ‫ف��ق��ل��ت ومل أم��ل��ك س��واب��ق عربة‬
‫ضنني‬
‫ِ‬ ‫رب ب���ه ّ‬
‫���ن‬ ‫ك����رائ����م م����ن ّ‬ ‫وقد خترج احلاجات يا أ ّم مالك‬

‫فأريت القايض أبا بكر الرقعة واألبيات‪ ،‬فتوجع وقال‪ :‬لو رأيتها قبل‬
‫[معجم األدباء ‪]1647 /4‬‬ ‫هذا لرددهتا عليه‪ ،‬وكان الفايل قد مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ذكر أبو بكر ابن اخلاضبة أنه كان ليلة من الليايل قاعدً ا ينسخ شي ًئا من‬
‫احلديث بعد أن مىض قطعة من الليل‪ ،‬قال‪ :‬وكنت ضيق اليد‪ ،‬فخرجت فأرة‬
‫كبرية وجعلت تعدو يف البيت‪ ،‬وإذا بعد ساعة قد خرجت أخرى‪ ،‬وجعال‬

‫‪235‬‬
‫الكتب والكتابة‬

‫دنوا من ضوء الرساج‪ ،‬وتقدمت إحدامها إ ّيل‬


‫يدي ويتقافزان إىل أن َ‬
‫يلعبان بني ّ‬
‫يدي طاسة فأكببتها عليها‪ ،‬فجاء صاحبها فدخل رسبه‪ ،‬وإذا بعد‬
‫وكانت بني ّ‬
‫وسكت‬
‫ُّ‬ ‫ساعة قد خرج ويف فيه دينار صحيح وتركه بني يدي‪ ،‬فنظرت إليه‬
‫واشتغلت بالنسخ‪ ،‬ومكث ساعة ينظر إ ّيل‪ ،‬فرجع وجاء بدينار آخر ومكث‬
‫ساعة أخرى وأنا ساكت انظر وأنسخ‪ ،‬فكان يميض وجييء إىل أن جاء بأربعة‬
‫دنانري أو مخسة‪ ،‬وقعد زمانًا طويلاً أطول من ّ‬
‫كل نوبة ورجع ودخل رسبه‬
‫وخرج وإذا يف فيه جليدة كانت فيها الدنانري وتركها فوق الدنانري‪ ،‬فعرفت‬
‫أنه ما بقي معه يشء‪ ،‬فرفعت الطاسة فقفزا فدخال البيت‪ ،‬وأخذت الدنانري‬
‫مهم يل‪ ،‬وكان يف كل دينار دينار وربع‪.‬‬
‫وأنفقتها يف ّ‬
‫[معجم األدباء ‪]227-226 /17‬‬

‫‪‬‬

‫قال حممد بن سليامن اجلوهري‪ :‬كنا نصحب اجلاحظ عىل سائر أحواله‬
‫من جد وهزل‪ ،‬فخرجنا يو ًما لنزهة‪ ،‬فبينا نحن عىل باب جامع البرصة ننتظر‬
‫شي ًئا أردناه إذ عارضتنا امرأة معها أوراق مقطعة‪ ،‬فعرضت ذلك علينا فلم‬
‫نجد فيها طائلاً فرتكناها وانرصفنا‪ ،‬وختلف معها اجلاحظ ونحن ننتظره‪،‬‬
‫فأطال ثم رأيناه قد وزن هلا شي ًئا وأخذ األوراق وقال‪ :‬انتظروين‪ ،‬ومىض‬
‫هبا إىل منزله‪ ،‬فلام عاد أخذنا هنزأ به ونقول‪ :‬فزت بقطعة من العلم وافرة‪،‬‬
‫وضحكنا‪ ،‬فقال‪ :‬أنتم محقى‪ ،‬واهلل إن فيها ما ال يوجد إال فيها‪ ،‬ولكنكم‬
‫[تقييد العلم ص ‪]137‬‬ ‫جهال ال تعرفون النفيس من اخلسيس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪236‬‬
‫الكتب والكتابة‬

‫استعار رجل من أيب حامد أمحد بن أيب طاهر اإلسفرائيني الفقيه كتا ًبا‪،‬‬
‫فرآه أبو حامد يو ًما وقد أخذ عليه عن ًبا‪ ،‬ثم إن الرجل سأله بعد ذلك أن يعريه‬
‫كتا ًبا‪ ،‬فقال تأتيني إىل املنزل‪ ،‬فأتاه فأخرج الكتاب إليه يف طبق وناوله إياه‪،‬‬
‫فاستنكر الرجل ذلك وقال‪ :‬ما هذا؟ فقال له أبو حامد‪ :‬هذا الكتاب الذي‬
‫طلبته‪ ،‬وهذا طبق تضع عليه ما تأكله‪ .‬فعلم بذلك ما كان من ذنبه‪.‬‬
‫[تقييد العلم ص‪]149‬‬

‫‪237‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫الرسوخ في العلم‬

‫ُذ ِكر عند عمر بن اخلطاب ‪ I‬أبو بكر ‪ I‬فبكى‪ ،‬وقال‪َ :‬و ِد ْد ُت‬
‫أن عميل ك َّله ُ‬
‫مثل عمله يو ًما واحدً ا من أيامه‪ ،‬وليلة واحدة من لياليه‪ ،‬أما‬
‫النبي ‪ H‬إِىل الغار‪ ،‬فلام انتهيا إليه قال‪ :‬واهلل‬
‫ليلتُه فالليل ُة التي سار مع ِّ‬
‫فكسحه‪،‬‬‫ال تدخله حتى أدخله قبلك‪ ،‬فإن كان فيه يشء أصابني دونك‪ ،‬فدخل َ‬
‫فش َّق إزاره وسدَّ ها به‪ ،‬فبقي منها اثنان فألقمهام ِر ْجليه‪،‬‬
‫فوجد يف جانبه ُث َق ًبا َ‬
‫ثم قال لرسول اهلل ‪ :H‬ادخل‪ ،‬فدخل النبي ‪ H‬ووضع رأسه‬
‫ِ‬
‫يتحر ْك خماف َة أن ينتبه‬ ‫يف حجره ونام‪ ،‬ف ُلد َغ أبو بكر يف ِر ْجله من ا ُ‬
‫جلحر‪ ،‬ومل َّ‬
‫النبي ‪ ،H‬فقال‪ :‬ما لك‬ ‫النبي ‪ ،H‬فسقطت دموعه عىل وجه ِّ‬ ‫ُّ‬
‫يا أبا بكر؟ قال‪ُ :‬ل ِد ُ ِ‬
‫النبي ‪ ،H‬فذهب‬ ‫غت فداك َأيب و ُأ ِّمي‪ ،‬فتفل عليه ُّ‬
‫النبي‬
‫ُّ‬ ‫ما جيده‪ ،‬ثم انتقض عليه‪ ،‬وكان سبب موته‪ .‬وأما يو ُمه فلام ُقبض‬
‫‪ H‬ارتدت العرب‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال ن َُؤ ِّدي زكاة‪ ،‬فقال‪ :‬لو منعوين ِعقالاً‬
‫وار ُف ْق هبم‪ ،‬فقال‬ ‫رسول اهلل‪َ ،‬تأ َّل ِ‬
‫ِ‬ ‫فقلت‪ :‬يا خليف َة‬
‫الناس ْ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫جلاهدتهُ م عليه‪،‬‬
‫وتم الدِّ ي ُن‪،‬‬
‫الوحي َّ‬
‫ُ‬ ‫أج َّبار يف اجلاهلية َ‬
‫وخ َّوار يف اإلسالم؟ إنه قد انقطع‬ ‫يل‪َ :‬‬
‫[جامع األصول ‪]605/8‬‬ ‫أينْ ُق ُ‬
‫ص وأنا َح ّي؟»‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ُأيت عمر بن اخلطاب ‪ I‬بامل فوضع يف املسجد‪ ،‬فخرج إليه يتصفحه‬


‫وينظر إليه ثم مهلت عيناه‪ ،‬فقال له عبد الرمحن بن عوف ‪ :I‬يا أمري‬

‫‪238‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫املؤمنني‪ ،‬ما يبكيك؟ فواهلل إن هذا ملن مواطن الشكر‪ ،‬قال عمر‪ :‬إن هذا واهلل‬
‫ما ُأ ْعطِ َي ُه قو ٌم يو ًما إال ُألقي بينهم العداوة والبغضاء‪.‬‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]81‬‬

‫‪‬‬

‫جلس رجالن يتغديان مع أحدمها مخسة أرغفة‪ ،‬ومع اآلخر ثالثة‬


‫أرغفة‪ ،‬فلام وضعا الغداء بني أيدهيام مر هبام رجل‪ ،‬فسلم‪ ،‬فقاال‪ :‬اجلس وتغدّ ‪،‬‬
‫فجلس وأكل معهام واستووا يف أكلهم األرغفة الثامنية‪ ،‬فقام الرجل وطرح‬
‫عوضا مما أكلت لكام‪ ،‬ونلته من طعامكام‪،‬‬
‫إليهام ثامنية دراهم وقال‪ :‬خذاها ً‬
‫فتنازعا‪ ،‬فقال صاحب اخلمسة أرغفة‪ :‬يل مخسة دراهم‪ ،‬ولك ثالثة‪ ،‬وقال‬
‫صاحب األرغفة الثالثة‪ :‬ال أرىض إال أن تكون الدراهم بيننا نصفني‪،‬‬
‫فقصا عليه قصتهام فقال لصاحب الثالثة‪ :‬قد‬
‫فارتفعا إىل أمري املؤمنني عيل‪ّ ،‬‬
‫فارض بالثالثة‪،‬‬
‫َ‬ ‫عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك‬
‫بم ّر احلق‪ ،‬فقال عيل‪ :‬ليس لك يف مر احلق‬
‫فقال‪ :‬واهلل ال رضيت عنه إال ُ‬
‫إال درهم واحد‪ ،‬وله سبعة دراهم‪ ،‬فقال الرجل سبحان اهلل قال‪ :‬هو ذلك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فعرفني الوجه يف مر احلق حتى أقبله‪ ،‬فقال عيل‪ :‬أليس للثامنية أرغفة‬
‫أربعة وعرشون ثل ًثا أكلتموها وأنتم ثالثة أنفس‪ ،‬وال يعلم األكثر منكم أكال‬
‫وال األقل؟ فتحملون يف أكلكم عىل السواء‪ ،‬قال‪ :‬فأكلت أنت ثامنية أثالث‪،‬‬
‫وإنام لك تسعة أثالث‪ ،‬وأكل صاحبك ثامنية أثالث‪ ،‬وله مخسة عرش ثل ًثا‪،‬‬

‫‪239‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫وأكل منها ثامنية‪ ،‬وبقى له سبعة أكلها صاحب الدراهم وأكل لك واحدة من‬
‫تسعة‪ ،‬فلك واحد بواحدك‪ ،‬وله سبعة‪ ،‬فقال الرجل رضيت اآلن‪.‬‬
‫[تاريخ اخللفاء ص‪]139‬‬

‫‪‬‬

‫غاب عن امرأة زوجها‪ ،‬ثم جاء وهي حامل‪ ،‬فرفعها إىل عمر فأمر‬
‫برمجها‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬إن يكن لك عليها سبيل فال سبيل لك عىل ما يف بطنها‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬احبسوها حتى تضع‪ ،‬فوضعت غال ًما له ثنيتان‪ ،‬فلام رآه أبوه‬
‫قال‪ :‬ابني ابني‪ ،‬فبلغ ذلك عمر‪ ،‬فقال‪ :‬عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ‪،‬‬
‫[مصنف ابن أيب شيبة ‪]543 /5‬‬ ‫لوال معاذ هلك عمر‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حممد بن أيب حاتم الوراق النحوي‪ :‬قلت أليب عبد اهلل حممد بن‬
‫َ‬
‫حفظ‬ ‫إسامعيل البخاري‪ :‬كيف كان بدء أمرك يف طلب احلديث؟ قال‪ُ :‬أ ِهل ُ‬
‫مت‬
‫احلديث وأنا يف ال ُكتّاب‪ ،‬قال‪ :‬وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال‪ :‬عرش سنني‬
‫الداخيل‬
‫ّ‬ ‫أو أقل‪ ،‬ثم خرجت من الكتاب بعد العرش‪ ،‬فجعلت أختلف إىل‬
‫وغريه‪ ،‬وقال يو ًما فيام كان يقرأ للناس‪« :‬سفيان عن أيب الزبري عن إبراهيم»‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬يا أبا فالن إن أبا الزبري مل يروه عن إبراهيم‪ ،‬فانتهرين‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫ارجع إىل األصل إن كان عندك‪ ،‬فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال يل‪ :‬كيف‬
‫هو يا غالم؟ قلت‪ :‬هو الزبري بن عدي بن إبراهيم‪ ،‬فأخذ القلم مني وأحكم‬
‫كتابه‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت‪ ،‬فقال له بعض أصحابه‪ :‬ابن كم كنت إذ رددت عليه؟‬

‫‪240‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫حفظت كتب ابن‬


‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬ابن إحدى عرشة‪ ،‬فلام طعنت يف ست عرشة سنة‬
‫وعرفت كالم هؤالء‪ ،‬ثم خرجت مع أمي وأخي أمحد إىل‬
‫ُ‬ ‫املبارك ووكيع‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬فلام حججت رجع أخي هبا وختلفت هبا يف طلب احلديث‪ ،‬فلام طعنت‬
‫يف ثامن عرشة جعلت أصنّف قضايا الصحابة والتابعني وأقاويلهم‪ ،‬وذلك‬
‫وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قرب الرسول‬
‫ُ‬ ‫أيام عبيد اهلل بن موسى‪،‬‬
‫اسم يف التاريخ إال وله عندي قصة‪،‬‬
‫قل ٌ‬‫‪ H‬يف الليايل املقمرة‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]324/2‬‬ ‫إال أين كرهت تطويل الكتاب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو بكر ابن زنجويه‪ :‬قدمت مرص‪ ،‬فأتيت أمحد بن صالح فسألني‪:‬‬
‫من أين أنت؟ قلت‪ :‬من بغداد‪ ،‬قال‪ :‬أين منزلك من منزل أمحد بن حنبل؟‬
‫قلت‪ :‬أنا من أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬تكتب يل موضع منزلك؛ فإين أريد أن أوايف‬
‫العراق حتى جتمع بيني وبني أمحد بن حنبل‪ ،‬فكتبت له‪ ،‬فواىف أمحد بن صالح‬
‫سنة اثنتي عرشة إىل عفان‪ ،‬فسأل عني فلقيني‪ ،‬فقال‪ :‬املوعد الذي بيني وبينك‪،‬‬
‫فذهبت به إىل أمحد بن حنبل‪ ،‬فاستأذنت له فقلت‪ :‬أمحد بن صالح بالباب‪،‬‬
‫وقربه وقال له‪ :‬بلغني عنك أنك مجعت حديث‬
‫ورحب به َّ‬
‫فأذن له فقام إليه َّ‬
‫الزهري فتعال حتى نتذاكر ما روى الزهري عن أصحاب النبي ‪،H‬‬
‫فجعال يتذاكران ال ُي ْغ ِرب أحدمها عىل اآلخر حتى فرغا‪ ،‬وما رأيت أحسن‬
‫من مذاكرهتام‪ ،‬ثم قال أمحد بن حنبل ألمحد بن صالح‪ :‬تعال حتى نتذاكر‬
‫ما روى الزهري عن أوالد أصحاب النبي ‪ ،H‬فجعال يتذاكران‬

‫‪241‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫وال يغرب أحدمها عىل اآلخر‪ ،‬إىل أن قال أمحد بن حنبل ألمحد بن صالح‪:‬‬
‫عند الزهري عن حممد بن جبري بن مطعم عن عبد الرمحن بن عوف قال‪:‬‬
‫يسرني أن لي حمُ ْ �� َر النعم وأن لي حلف املطيبني»‪،‬‬
‫قال النبي ‪« :H‬ما ُ‬
‫فقال أمحد بن صالح ألمحد بن حنبل‪ :‬أنت األستاذ‪ ،‬وتذكر مثل هذا؟ فجعل‬
‫أمحد يبتسم ويقول‪ :‬رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح عبد الرمحن بن‬
‫إسحاق فقال‪ :‬من رواه عن عبد الرمحن؟ فقال‪ :‬حدثناه رجالن ثقتان‪:‬‬
‫إسامعيل بن علية وبرش بن املفضل‪ ،‬فقال أمحد بن صالح ألمحد بن حنبل‪:‬‬
‫عيل‪ ،‬فقال أمحد‪ :‬من الكتاب‪ ،‬فقام فدخل وأخرج‬
‫سألتك باهلل إال ما أمليته ّ‬
‫الكتاب وأمىل عليه‪ ،‬فقال أمحد بن صالح ألمحد بن حنبل‪ :‬لو مل أستفد بالعراق‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]49-48/1‬‬ ‫كثريا‪ ،‬ثم و ّدعه وخرج‪.‬‬
‫إال هذا احلديث كان ً‬
‫‪‬‬

‫قال حاشد بن إسامعيل‪ :‬كان أبو عبد اهلل حممد بن إسامعيل ‪-‬يعني‬
‫البخاري‪ -‬خيتلف معنا إىل مشايخ البرصة وهو غالم‪ ،‬فال يكتب حتى أتى عىل‬
‫ذلك أيام‪ ،‬فكنا نقول له‪ :‬إنك ختتلف معنا وال تكتب‪ ،‬فام معناك فيام تصنع؟‬
‫عيل ما‬
‫عيل وأحلحتام فاعرضا ّ‬
‫فقال لنا بعد ستة عرش يو ًما‪ :‬إنكام قد أكثرمتا ّ‬
‫كتبتام‪ ،‬فأخرجنا ما كان عندنا فزاد عىل مخسة عرش ألف حديث‪ ،‬فقرأها كلها‬
‫عن ظهر القلب حتى جعلنا ن ِ‬
‫ُحكم كتبنا عىل حفظه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أترون أين أختلف‬
‫هدرا وأضيع أيامى؟! فعرفنا أنه ال يتقدمه أحد‪ .‬قال‪ :‬وكان أهل املعرفة من‬
‫ً‬
‫أهل البرصة َي ْعدُ ون خلفه يف طلب احلديث وهو شاب حتى يغلبوه عىل نفسه‪،‬‬

‫‪242‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫وجيلسونه يف بعض الطريق‪ ،‬فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه‪ ،‬وكان‬
‫[تاريخ بغداد ‪]334/2‬‬ ‫أبو عبد اهلل عند ذلك شا ًّبا مل خيرج وجهه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ذكر ابن حيان أن طاغية الروم وعد القايض أبا بكر الباقالين باالجتامع‬
‫معه يف حمفل من حمافل النرصانية ليو ٍم سامه‪ ،‬فحرض القايض أبو بكر وقد‬
‫احتفل املجلس وبولغ يف زينته‪ ،‬فأدناه امللك وألطف سؤاله‪ ،‬وأجلسه‬
‫عىل كريس دون رسيره بقليل‪ ،‬وامللك يف أبهّ ته وخاصته ورجال مملكته‬
‫عىل مراتبهم‪ ،‬وجاء البطرك ق ِّيم ديانتهم آخر الناس وحوله أتباعه يتلون‬
‫األناجيل ويبخرون بالعود الرطب يف زي حسن‪ ،‬فلام توسط املجلس قام‬
‫امللك ورجاله تعظيماً له‪ ،‬فقضوا حقه ومسحوا أعطافه‪ ،‬وأجلسه إىل جنبه‪،‬‬
‫وأقبل عىل القايض أيب بكر فقال له‪ :‬يا فقيه‪ :‬البطرك قيم الديانة وويل النِّحلة‪،‬‬
‫فسلم القايض عليه أحفل سالم‪ ،‬وسأله أحفى سؤال‪ ،‬وقال له‪ :‬كيف األهل‬
‫والولد؟ فعظم قوله هذا عليه وعىل مجيعهم وطبقوا عىل وجوههم‪ ،‬وأنكروا‬
‫قول أيب بكر عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا هؤالء‪ ،‬تستعظمون هلذا اإلنسان اختاذ الصاحبة‬
‫والولد وتربأون به عن ذلك وال تستعظمونه لربكم عز وجهه فتضيفون‬
‫إليه ذلك؟ سبة هلذا الرأي ما أبني غلطه! فسقط يف أيدهيم ومل يردوا جوا ًبا‪،‬‬
‫وتداخلتهم له هيبة عظيمة وانكرسوا‪ .‬ثم قال امللك للبطرك‪ :‬ما ترى يف أمر‬
‫هذا الرجل؟ قال‪ :‬تقىض حاجته وتالطف صاحبه وخترج هذا العراقي عن‬
‫بلدك من يومك إن قدرت‪ ،‬وإال مل تأمن الفتنة عىل النرصانية منه‪ ،‬ففعل امللك‬

‫‪243‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫وعجل ترسيح الرسول‪ ،‬وبعث‬


‫َّ‬ ‫ذلك وأحسن جواب عضد الدولة وهداياه‬
‫معه عدة من أرسى املسلمني‪ ،‬ووكل به من جنده من حيفظه حتى يصل إىل‬
‫[تاريخ قضاة األندلس ‪]40/1‬‬ ‫مأمنه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال القايض أمحد بن بديل الكويف‪ :‬بعث إ َّيل املعتز رسولاً بعد رسول‪،‬‬
‫طاق فأتيت بابه‪ ،‬فقال احلاجب‪ :‬يا شيخ‪ ،‬نعليك!‬‫ٍ‬ ‫فلبست ك ُّمتِي ولبست نعليَ‬
‫فلم ألتفت إليه ودخلت الباب الثاين‪ ،‬فقال احلاجب‪ :‬نعليك‪ ،‬فلم ألتفت إليه‬
‫فأخلع‬
‫َ‬ ‫فدخلت إىل الثالث‪ ،‬فقال‪ :‬يا شيخ‪ ،‬نعليك‪ ،‬فقلت‪ :‬أبالواد املقدس أنا‬
‫نعيل؟! فدخلت بنعيل فرفع جمليس وجلست عىل مصاله‪ ،‬فقال‪ :‬أتعبناك أبا‬
‫جعفر‪ ،‬فقلت‪ :‬أتعبتني وأذعرتني‪ ،‬فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال‪ :‬ما‬
‫أيضا؟ أال جئتني؟‬
‫أردنا إال اخلري‪ ،‬أردنا نسمع العلم‪ ،‬فقلت‪ :‬وتسمع العلم ً‬
‫فإن العلم يؤتى وال يأيت‪ ،‬قال‪ :‬نعتب أبا جعفر‪ ،‬فقلت له‪ :‬غلبتني بحسن‬
‫أدبك‪ ،‬اكتب‪ ،‬فأخذ الكاتب القرطاس والدواة‪ ،‬فقلت له‪ :‬أتكتب حديث‬
‫رسول اهلل ‪ H‬يف قرطاس بمداد؟ قال‪ :‬فيم يكتب؟ قلت‪ :‬يف رق‬
‫بحرب‪ ،‬فجاءوا برق وحرب‪ ،‬فأخذ الكاتب يريد أن يكتب‪ ،‬فقلت‪ :‬اكتب‬
‫بخطك‪ ،‬فأومأ إيل أنه ال يكتب‪ ،‬فأمليت عليه حديثني أسخن اهلل هبام عينيه!‬
‫فسئل‪ :‬أي حديثني؟ فقال‪ :‬قلت‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :H‬من اسرتعي‬
‫رعية فلم حيطها بالنصيحة حرم اهلل عليه اجلنة»‪ ،‬والثاين‪« :‬ما من أمري عشرة‬
‫[تاريخ بغداد ‪]80/5‬‬ ‫إال يؤتى به يوم القيامة مغلو »‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪244‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫شدّ عبد اهلل املعروف باملحتال صاحب القريوان الفاطمي يف طلب أهل‬
‫العلم ليرشقهم‪ ،‬فطلب الشيخ أبا سعيد ابن أخي هشام وأبا حممد التبان وأبا‬
‫القاسم بن شبلون وأبا حممد ابن أيب زيد وأبا احلسن القابيس‪ ،‬فاجتمعوا يف‬
‫مسجد ابن اللجام واتفقوا عىل الفرار‪ ،‬فقال هلم ابن التبان‪ :‬أنا أميض إليه‬
‫وأكفيكم مؤونة االجتامع ويكون كل واحد منكم يف داره‪ .‬ويقال إهنم أرادوا‬
‫السري إىل عبد اهلل‪ ،‬فقال هلم‪ :‬أنا أميض إليه أبيع روحي من اهلل دونكم؛ ألنكم‬
‫إن ُأيت عليكم وقع عىل اإلسالم وهن‪ .‬ويقال إنه قال لعبد اهلل ملا دخل عليه‪:‬‬
‫جئتك عن قوم إيامهنم مثل اجلبال أقلهم يقينًا أنا‪ .‬فحدث بعض من حرض‬
‫قال‪ :‬كنت مع عبد اهلل وقد احتفل جملسه بأصحابه وفيهم الداعيان أبو طالب‬
‫وأبو عبد اهلل‪ ،‬لعنهم اهلل‪ ،‬وقد وجه إىل ابن التبان فإذا به داخل وعيناه تَو َّقدان‬
‫كأهنام عينا شجاع‪ ،‬فدخل وسلم فقال‪ :‬أبطأت عنا يا أبا حممد‪ ،‬فقال‪ :‬يف‬
‫شغلك‪ ،‬كتاب ألفته يف فضائل أهل البيت الساعة أتاين به املجلد ودفعه إيل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أبا حممد‪ ،‬ناظر هؤالء الدعاة‪ ،‬قال‪ :‬يف ماذا؟ قال‪ :‬يف فضائل أهل‬
‫البيت‪ ،‬فقال هلام‪ :‬ما حتفظان يف ذلك؟ فقال له أبو طالب‪ :‬أنا أحفظ حديثان ‪-‬‬
‫وحلن ‪ -‬ثم سأل اآلخر‪ ،‬فقال له‪ :‬وأنا أحفظ حديثان‪ ،‬فقال‪ :‬فام ذان احلديثان‬
‫اللذان حتفظ أنت؟ فقال له‪ :‬مها حيفظان حديثان ‪ -‬ونطق بلحنهام ‪ -‬وأنا‬
‫أحفظ يف ذلك تسعني حدي ًثا‪ ،‬فأوىل هبام الرجوع إيل‪ .‬ثم قال عبد اهلل‪ :‬يا أبا‬
‫حممد‪ ،‬من أفضل أبو بكر أو عيل؟ قال‪ :‬ليس هذا موضعه‪ .‬فقال‪ :‬ال بد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أبو بكر أفضل من عيل‪ ،‬فقال عبد اهلل‪ :‬أيكون أبو بكر أفضل من مخسة‬
‫جربيل ‪ S‬سادسهم؟ فقال أبو حممد‪ :‬أيكون عيل أفضل من اثنني اهلل‬

‫‪245‬‬
‫الر�سوخ يف العلم‬

‫ثالثهام؟ إين أقول لك ما بني الوجهني وأنت تأتيني بأخبار اآلحاد! فضاق‬
‫عبد اهلل وقال‪ :‬فمن أفضل عائشة أو فاطمة؟ فقال له‪ :‬هذا آخر سؤالك األول‪،‬‬
‫قال‪ :‬ال بد‪ ،‬قال‪ :‬عائشة ‪ J‬وسائر أزواج النبي ‪ H‬أفضل من‬
‫فاطمة‪ ،‬قال‪ :‬من أين؟ فقال له قال اهلل تعاىل‪[ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧ ﭨ ﭩ]‪ ،‬فيقال إن بعض الدعاة قال له يف هذه املسألة‪ :‬أهيام أفضل‬
‫امرأة أبوها رسول اهلل ‪ H‬وأمها خدجية الكربى وزوجها عيل بن أيب‬
‫طالب ابن عم رسول اهلل ‪ H‬وولداها احلسن واحلسني سيدا شباب‬
‫أهل اجلنة أو امرأة أمها أم رومان وأبوها عبد اهلل ابن أيب قحافة؟ فقال له‬
‫أبو حممد‪ :‬أهيام أفضل عندك امرأة إذا طلقها زوجها أو مات عنها تزوجها‬
‫زوجا أو امرأة إذا مات عنها زوجها أو طلقها مل حتل ألحد؟ فيحكى‬
‫عرشون ً‬
‫أن أبا عبد اهلل قال له‪ :‬يا أبا حممد‪ ،‬أنت شيخ املؤمنني ومن يوثق بك‪ ،‬ادخل‬
‫العهد وخذ البيعة‪ ،‬فعطف عليه أبو حممد وقال له‪ :‬شيخ له ستون سنة يعرف‬
‫حالل اهلل وحرامه ويرد عىل اثنتني وسبعني فرقة يقال له هذا؟ لو نرشت بني‬
‫اثنني ما فارقت مذهب مالك‪ .‬فلم يعارضه وقال ملن حوله‪ :‬امضوا معه‪،‬‬
‫فخرجوا ومعهم سيوف مصلتة‪ ،‬فمر بجامعة من الناس ممن أحرض ألخذ‬
‫الدعوة‪ ،‬فوقف عليهم فقال‪ :‬تثبتوا‪ ،‬ليس بينكم وبني اهلل ‪ D‬إال اإلسالم‪،‬‬
‫فإذا فارقتموه هلكتم‪ .‬فرتك عبد اهلل طلب بقية الشيوخ بعد ذلك املجلس‪.‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]255-252 /6‬‬

‫‪246‬‬
‫تبليــغ العلم‬

‫تبليغ العلم‬

‫حار شديد‬
‫قال أبو ربيعة فهد بن عوف‪ :‬جئنا إىل محاد بن سلمة يف يوم ٍّ‬
‫احلر‪ ،‬وصلينا معه الظهر‪ ،‬وكان محاد صاحب ليل‪ ،‬وظننا أنه صائم فرمحناه‬
‫مما به من اجلهد‪ ،‬وأمجعنا عىل أن ننرصف عنه ال نسأله عن يشء‪ ،‬فتفرقنا‬
‫وبقي من بقي‪ ،‬فركع بعد الفريضة وخرج من املسجد‪ ،‬وسار يف الطريق يف‬
‫الشمس‪ ،‬فانربى له غالم حدث‪ ،‬فسأله عن يشء معه‪ ،‬فوقف يف الشمس‬
‫معه يسائله وحيدثه‪ ،‬فقال له بعض مشيخة املسجد‪ :‬يا أبا سلمة‪ ،‬انرصف‬
‫أصحابنا عنك ملا رأوا بك من الضعف ووقفت مع هذا الغالم يف الشمس‬
‫حتدثه! قال‪ :‬رأيت يف هذه الليلة كأين أسقي فسيلة أصب املاء يف أصلها‪،‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]313/1‬‬ ‫فتأولت رؤياي هذا الغالم حني سألني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال إسامعيل بن عياش‪ :‬كان ابن أيب حسني املكي يدنيني‪ ،‬فقال له‬
‫أصحاب احلديث‪ :‬نراك تقدم هذا الغالم الشامي وتؤثره علينا‪ ،‬فقال‪ :‬إين‬
‫أؤمله‪ ،‬فسألوه يو ًما عن حديث حدث به عن شهر‪« :‬إذا مجع الطعام أرب ًعا‬
‫فقد كمل»‪ ،‬فذكر ثال ًثا ونيس الرابعة‪ ،‬فسألني عن ذلك‪ ،‬فقال يل‪ :‬كيف‬
‫حدثتكم؟ فقلت‪ :‬حدثتنا عن شهر «أنه إذا مجع الطعام أرب ًعا فقد كمل‪ :‬إذا‬
‫كان أوله حاللاً ‪ ،‬وسمي عليه اهلل حني يوضع‪ ،‬وكثرت عليه األيدي‪ ،‬ومحد اهلل‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]312/1‬‬ ‫حني يرفع»‪ ،‬فأقبل عىل القوم فقال‪ :‬كيف ترون؟‬
‫‪‬‬

‫‪247‬‬
‫تبليــغ العلم‬

‫قال إبراهيم بن اجلراح تلميذ القايض أيب يوسف‪ :‬أتيت أبا يوسف‬
‫أعوده فوجدته مغمى عليه‪ ،‬فلام أفاق قال يل‪ :‬يا إبراهيم‪ ،‬أيام أفضل ىف رمي‬
‫اجلامر أن يرميها الرجل راجلاً أو راك ًبا؟ فقلت‪ :‬راجلاً ‪ ،‬فقال‪ :‬أخطأت‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬راك ًبا‪ ،‬فقال يل‪ :‬أخطأت‪،‬ثم قال‪ :‬أما ما كان يوقف عنده للدعاء‬
‫فاألفضل أن يرميه راجلاً ‪ ،‬وأما ما كان ال يوقف عنده فاألفضل أن يرميه‬
‫راك ًبا‪ ،‬ثم قمت من عنده‪ ،‬فام بلغت باب داره حتى سمعت الرصاخ عليه‪،‬‬
‫[طبقات احلنفية ‪]36/1‬‬ ‫وإذا هو قد مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا محل أبو داود السجستاين ابنه إىل أمحد بن صالح ليسمع منه وكان إذ‬
‫ذاك أمر َد أنكر أمحد بن صالح عىل أيب داود إحضاره ابنه املجلس‪ ،‬فقال له‬
‫أبو داود‪ :‬هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى‪ ،‬فامتحنه بام أردت‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ومل حيدِّ ث أمرد‬ ‫فسأله عن أشياء أجابه ابن أيب داود عن مجيعها‪ ،‬فحدَّ ثه‬
‫[تاريخ بغداد ‪]319/5‬‬ ‫غريه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حممد بن فراس العطار‪ :‬كان الوليد بن عتبة يقرأ علينا يف مسجد‬
‫باب اجلابية مصنفات الوليد بن مسلم‪ ،‬وكان رجل جييء وقد فاته ُثلث‬
‫املجلس‪ُ ،‬ربع املجلس أو أقل أو أكثر‪ ،‬وكان الشيخ يعيده عليه‪ ،‬فلام كثر ذلك‬
‫عىل الوليد بن عتبة منه قال له‪ :‬يا هذا‪ ،‬أي يشء بليت بك‪ ،‬اهلل حممود‪ ،‬لئن‬
‫مل جتئ مع الناس من أول املجلس ال أعدت عليك شي ًئا‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا العباس‪،‬‬

‫‪248‬‬
‫تبليــغ العلم‬

‫أنا رجل معيل‪ ،‬ويل دكان يف بيت هليا‪ ،‬فإن مل أشرت هلا حوجياهتا من غدوة ثم‬
‫أغلق وأجيء أعدو وإال خشيت أن يفوتني معايش‪ ،‬فقال له الوليد بن عتبة‪:‬‬
‫ال أراك ههنا مرة أخرى‪ ،‬فكان الوليد بن عتبة يقرأ علينا املجلس‪ ،‬ويأخذ‬
‫الكتاب ويمر إىل بيت هليا حتى يقرأ عليه املجلس يف دكانه‪.‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]204-203/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال هارون بن عبد اهلل احلامل‪ :‬جاءين أمحد بن حنبل بالليل‪ ،‬فدق عيل‬
‫الباب‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬أنا أمحد‪ ،‬فبادرت أن خرجت إليه‪ ،‬فمساين‬
‫ومسيته‪ ،‬قلت‪ :‬حاجة يا أبا عبد اهلل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬شغلت اليوم قلبي‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫بامذا يا أبا عبد اهلل؟ قال‪ :‬جزت عليك اليوم وأنت قاعد حتدث الناس يف‬
‫الفيء والناس يف الشمس بأيدهيم األقالم والدفاتر‪ ،‬ال تفعل مرة أخرى‪ ،‬إذا‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]411/1‬‬ ‫قعدت فاقعد مع الناس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أتى رجل األعمش فجعل حيدثه‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬زدين يف السامع؛ فإين‬
‫أصم‪ ،‬قال‪ :‬ليس ذاك لك‪ ،‬فقال‪ :‬بيني وبينك أول طالع‪ ،‬فطلع َر َقبة بن مسقلة‬
‫فأخرباه القصة‪ ،‬فقال لألعمش‪ :‬عليك أن تزيده‪ ،‬قال‪ :‬ومل؟ قال‪ :‬ألنك‬
‫تقدر أن تزيد يف صوتك وهو ال يقدر أن يزيد يف سمعه‪ ،‬فقال األعمش‪:‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]413/1‬‬ ‫صدقت‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫الفتــــوى‬

‫الفتــــوى‬

‫قال عمري بن سعيد‪ :‬سألت علقمة عن مسألة‪ ،‬فقال‪ :‬ائت َعبيدة فاسأله‪،‬‬
‫فأتيت عبيدة فقال‪ :‬ائت علقمة‪ ،‬فقلت‪ :‬علقمة أرسلني إليك‪ ،‬فقال‪ :‬ائت‬
‫مرسو ًقا فاسأله‪ ،‬فأتيت مرسو ًقا‪ ،‬فسألته فقال‪ :‬ائت علقمة فاسأله‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫علقمة أرسلني إىل عبيدة‪ ،‬وعبيدة أرسلني إليك‪ ،‬فقال‪ :‬ائت عبد الرمحن بن‬
‫أيب ليىل‪ ،‬فأتيت عبد الرمحن بن أيب ليىل‪ ،‬فسألته فكرهه‪ ،‬ثم رجعت إىل علقمة‬
‫فأخربته‪ ،‬قال‪ :‬كان يقال‪ :‬أجرؤ القوم عىل الفتيا أدناهم علماً ‪.‬‬
‫[أخالق العلماء لآلجري ص ‪]103‬‬

‫‪‬‬

‫جالسا عند القاسم بن عبيد اهلل بن‬


‫ً‬ ‫قال أبو عقيل حييى بن املتوكل‪ :‬كنت‬
‫عبد اهلل بن عمر وحييى بن سعيد‪ ،‬فقال حييى للقاسم‪ :‬يا أبا حممد إنه قبيح عىل‬
‫مثلك عظيم أن تُسأل عن يشء من أمر هذا الدين فال يوجد عندك منه علم‬
‫وال خمرج‪ ،‬فقال له القاسم‪ :‬و َع ّم ذاك؟‪ ،‬قال‪ :‬ألنك ابن إما َمي هدى‪ ،‬ابن أيب‬
‫بكر وعمر‪ ،‬فقال له القاسم‪ :‬أقبح من ذاك عند من عقل عن اهلل أن أقول بغري‬
‫علم أو آخذ عن غري ثقة‪ .‬فسكت فام أجابه‪.‬‬
‫[مقدمة صحيح مسلم ‪]16/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو بكر األثرم‪ :‬سمعت أمحد وقد عاوده السائل يف عرشة دنانري‬
‫ومائة درهم‪ ،‬فقال أبو عبد اهلل‪ :‬برأيي أستعفي منها‪ ،‬وأخربك أن فيها اختال ًفا؛‬

‫‪250‬‬
‫الفتــــوى‬

‫فإن من الناس من قال‪ :‬يزكي كل نوع عىل حدة‪ ،‬ومنهم من يرى أن جيمع‬
‫عيل تقول‪ :‬فام تقول أنت فيها؟ ما تقول أنت فيها؟ وما عسى أن‬
‫وتلح َّ‬
‫بينهام‪ُّ ،‬‬
‫أقول فيها وأنا أستعفي منها‪ٌّ ،‬‬
‫كل قد اجتهد‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬ال بد أن نعرف‬
‫مذهبك يف هذه املسألة حلاجتنا إليها‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬أي ٍ‬
‫يشء بد؟ إذا هاب‬ ‫ُّ‬
‫قلت فإنام هو رأي وإنام‬
‫الرجل شي ًئا حيمل عىل أن يقول فيه؟ ثم قال‪ :‬وإن ُ‬
‫العلم ما جاء من فوق‪ ،‬ولعلنا أن نقول القول ثم نرى بعده غريه‪ .‬ثم ذكر‬
‫أبو عبد اهلل حديث عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أنه قيل له‪ :‬يكتبون‬
‫رأيك‪ ،‬قال‪ :‬يكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدً ا‪ .‬قال أبو بكر األثرم‪ :‬ومل يزل‬
‫به السائل حتى جعل جينح لقول من ال يرى اجلمع بينهام‪ ،‬وكأين رأيت مذهبه‬
‫[جامع بيان العلم وفضله ‪]774/1‬‬ ‫أن يزكى كل نوع منهام عىل حدته‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو إسحاق ابن شا ْقال‪ :‬ملا جلست يف جامع املنصور رويت عن‬
‫أمحد أن رجلاً سأله فقال‪ :‬إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون ً‬
‫فقيها؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فامئتي ألف؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فثالثامئة ألف؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأربعامئة ألف حديث؟ قال‪ :‬فقال بيده هكذا ‪-‬وحرك يده‪ -‬فقال يل رجل‪:‬‬
‫فأنت هو ذا حتفظ هذا املقدار حتى هو ذا تفتي الناس؟ فقلت‪ :‬عافاك اهلل‪ ،‬إن‬
‫كنت أنا ال أحفظ هذا املقدار فإين هو ذا ُأفتي بقول من كان حيفظ هذا املقدار‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]164/2‬‬ ‫وأكثر منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪251‬‬
‫الفتــــوى‬

‫قال الليث بن سعد‪ :‬كنت أسمع بذكر أيب حنيفة فأمتنى أن أراه‪ ،‬فإين‬
‫متقصفني عىل رجل‪ ،‬فسمعت رجلاً يقول‪ :‬يا أبا‬
‫ّ‬ ‫لبمكة إذ رأيت الناس‬
‫أزوجه‬ ‫حنيفة‪ ،‬فقلت‪ :‬إنه هو‪ ،‬فقال‪ :‬إين ذو ٍ‬
‫مال وأنا من خراسان ويل ابن ِّ‬
‫املرأة وأنفق عليه املال الكثري فيط ّلقها فيذهب مايل‪ ،‬وأشرتي له اجلارية‬
‫باملال الكثري فيعتقها فيذهب مايل‪ ،‬فهل من حيلة؟ قال أبو حنيفة‪ :‬أدخله‬
‫زوجها إياه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فاشرتها لنفسك‪ ،‬ثم ّ‬ ‫جارية‬ ‫سوق الرقيق‪ ،‬فإذا وقعت عينه عىل‬
‫فإن ط ّلقها رجعت مملوكة لك‪ ،‬وإن أعتقها مل جيز عتقه‪ ،‬قال الليث‪ :‬فواهلل‬
‫ما أعجبني صوابه كام أعجبني رسعة جوابه‪.‬‬
‫[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص ‪]37-36‬‬

‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن مسلمة القعنبي‪ :‬دخلت عىل مالك بن أنس يف مرضه‬
‫الذي مات فيه فسلمت عليه ثم جلست‪ ،‬فرأيته يبكي فقلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪،‬‬
‫ما الذي يبكيك؟ فقال يل‪ :‬يا ابن قعنب‪ ،‬وما يل ال أبكي ومن أحق بالبكاء‬
‫مني؟ واهلل لوددت أين رضبت لكل مسألة أفتيت فيها برأيي بسوط سوط‪،‬‬
‫وقد كانت يل السعة فيام قد سبقت إليه‪ ،‬وليتني مل أفت بالرأي‪ ،‬أو كام قال‪.‬‬
‫[وفيات األعيان ‪]138/4‬‬

‫‪‬‬

‫قال احلارث بن أسد‪ :‬ملا أردنا وداع مالك دخلت عليه أنا وابن القاسم‬
‫وابن وهب‪ ،‬فقال له ابن وهب‪ :‬أوصنا‪ ،‬فقال‪ :‬اتق اهلل وانظر عن من تنقل‪،‬‬
‫وقال البن القاسم‪ :‬اتق اهلل وانرش ما سمعت‪ ،‬وقال يل‪ :‬اتق اهلل وعليك بتالوة‬

‫‪252‬‬
‫الفتــــوى‬

‫القرآن‪ .‬قال احلارث‪ :‬مل يرين أهلاً للعلم‪ ،‬وقال حممد بن حارث‪ :‬رأيت يف‬
‫بعض الروايات أنه كان يستفتى فال يفتي ويقول‪ :‬مل يرين مالك أهلاً للعلم‪.‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]322 /3‬‬

‫‪‬‬

‫ذكر األوزاعي اخلردل وكان حي ّبه أو يتداوى به‪ ،‬فقال رجل من أهل‬
‫صفورية‪ :‬أنا أبعث إليك منه يا أبا عمرو؛ فإنه ينبت عندنا كثري بري‪ ،‬فبعث‬
‫إليه منه برصة وبعث بمسائل‪ ،‬فبعث األوزاعي باخلردل اىل السوق‪ ،‬فباعه‬
‫فرصها يف رقعته وأجابه يف املسائل‪ ،‬وكتب إليه‪ :‬إنه‬
‫فلوسا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫وأخذ ثمنه‬
‫مل حيملني عىل ما صنعت يشء تكرهه‪ ،‬ولكن كانت معه مسائل فخفت أن‬
‫[تاريخ دمشق ‪]198/35‬‬ ‫يكون كهيئة الثمن هلا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أرسل أسد بن الفرات وهو قاض إىل سحنون وعون وابن رشيد‬
‫وموسى الصامدحي‪ ،‬فسأهلم عن مسألة يف األحكام‪ ،‬فأجاب فيها ابن رشيد‬
‫وعون‪ ،‬وأبى فيها سحنون عن اجلواب‪ .‬فلام أخرجوا عذاله يف تركه‪ ،‬فقال‬
‫هلام‪ :‬منعني أنكام بدرمتا باجلواب فأخطأمتا‪ ،‬وكرهت أن أخالفكام فندخل‬
‫خريا واعرتفا‪،‬‬
‫فجزياه ً‬
‫عليه إخوانًا ونخرج أعداء‪ ،‬وبني هلام وجه خطأمها‪َّ ،‬‬
‫[ترتيب املدارك ‪]75/4‬‬ ‫ورجعا إىل أسد فأخرباه برجوعهام‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪253‬‬
‫الفتــــوى‬

‫أتى رجل من صطفورة فسأل سحنون عن مسألة‪ ،‬وتردد عليه‪ ،‬فقال‬


‫له‪ :‬أصلحك اهلل‪ ،‬مسألتي يف ثالثة أيام‪ ،‬فقال له‪ :‬وما أصنع لك؟ ما حيلتي‬
‫يف مسألتك؟ نازلة معضلة وفيها أقاويل وأنا أختري يف ذلك‪ ،‬فقال الرجل‬
‫الصطفوري‪ :‬وأنت أصلحك اهلل لكل معضلة‪ ،‬فقال‪ :‬هيهات‪ ،‬ليس يا ابن‬
‫أخي لقولك أبذل لك حلمي ودمي إىل النار‪ ،‬ما أكثر ما ال أعرف‪ ،‬إن صربت‬
‫رجوت أن تنقلب بمسألتك‪ ،‬وإن أردت غريي فامض‪ ،‬جتاب عن ساعة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنام جئت إليك وال أبتغي غريك‪ ،‬قال‪ :‬فاصرب عافاك اهلل‪ ،‬ثم أجابه بعد‬
‫[ترتيب املدارك ‪]75-74/4‬‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫القضـــاء‬

‫كان عىل قضاء املدائن سعدُ بن حذيفة بن اليامن‪ ،‬فك َّلمه اب ُن جعدة بن‬
‫نار‪ ،‬فقال له سعد بن حذيفة‪ :‬ضع إصبعك‬ ‫ٍ‬
‫هبرية يف يشء من احلكم وبني يديه ٌ‬
‫هذه يف هذه النار‪ ،‬قال‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬تأمرين أن ُأحرق بعض جسدي؟ قال‪:‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]178/10‬‬ ‫فأنت تأمرين أن أحرق جسدي كله‪.‬‬
‫‪‬‬
‫قال أبو يوسف‪ :‬اجتمعنا عند أيب حنيفة يف يوم مطري يف نفر من أصحابه‪،‬‬
‫منهم داود الطائي والقاسم بن معن وعافية بن يزيد وحفص بن غياث ووكيع‬
‫مسار قلبي‬
‫ّ‬ ‫بن اجلراح ومالك بن مغول وزفر‪ ،‬فأقبل علينا بوجهه وقال‪ :‬أنتم‬
‫وجالء حزين وأرسجت لكم الفقه وأجلمته‪ ،‬وقد تركت الناس يطؤون‬‫َ‬
‫أعقابكم ويلتمسون ألفاظكم‪ ،‬ما منكم واحد إال وهو يصلح للقضاء‪،‬‬
‫فسألتكم باهلل وبقدر ما وهب اهلل لكم من جاللة العلم ما صنتموه عن ذلك‬
‫االستئجار‪ ،‬وإن ُبيل أحد منكم بالقضاء فعلم من نفسه خربة سرتها اهلل عن‬
‫العباد مل جيز قضاؤه ومل يطب له رزقه‪ ،‬فإن دفعته رضورة إىل الدخول فيه‬
‫ّ‬
‫وليصل اخلمس يف مسجده وينادي عند كل صالة‪:‬‬ ‫فال حيتجبن عن الناس‪،‬‬
‫من له حاجة؟ فإذا صىل العشاء نادى ثالثة أصوات‪ :‬من له حاجة؟ ثم دخل‬
‫مرضا ال يستطيع اجللوس معه أسقط من رزقه بقدر‬‫إىل منزله‪ ،‬فإن مرض ً‬
‫مرضه‪ ،‬وأيام إما ٍم ّ‬
‫غل في ًئا أو جار يف حكم بطلت إمامته ومل جيز حكمه‪.‬‬
‫[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص‪]28‬‬
‫‪‬‬

‫‪255‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫استودع رجل رجلاً من أمناء إياس مالاً وخرج املستودع إىل مكة‪ ،‬فلام‬
‫إياسا فأخربه‪ ،‬فقال له إياس‪ :‬أ َع ِل َم بك أنك أتيتني؟‬
‫رجع طلبه فجحده‪ ،‬وأتى ً‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فنازعته عند أحد؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬مل يعلم هبذا أحد‪ ،‬قال‪ :‬فانرصف‬
‫واكتم أمرك ثم عد إيل بعد يومني‪ .‬فمىض الرجل‪ ،‬فدعا إياس أمينه ذلك‬
‫وقال‪ :‬قد اجتمع عندي مال كثري أريد أن أسلمه إليك‪ ،‬أفحصني منزلك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪َ :‬فأ ِعدّ موض ًعا للامل وقو ًما حيملونه‪ .‬وعاد الرجل إىل إياس‬
‫فقال له‪[ :‬قل له‪ ]:‬إين أخرب القايض‪ .‬فأتى الرجل صاحبه فقال‪ :‬مايل وإال‬
‫أتيت القايض وشكوت إليه حايل وأخربته بأمري‪ ،‬فدفع إليه ماله‪ ،‬فرجع‬
‫الرجل إىل إياس فقال‪ :‬قد أعطاين املال‪ .‬وجاء األمني إىل إياس لوعده فزبره‬
‫[وفيات األعيان ‪]466/1‬‬ ‫وانتهره وقال‪ :‬ال تقربني‪ ،‬خائن‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كنت أتق َّلد أليب خازم ‪-‬يعني‬


‫قال حممد بن خلف املعروف بوكيع‪ُ :‬‬
‫وقوف احلسن بن سهل‪ ،‬فلام‬
‫ُ‬ ‫القايض عبد احلميد‪ -‬وقو ًفا يف أيام املعتضد‪ ،‬منها‬
‫استكثر املعتضد من عامرة القرص املعروف باحلسني أدخل إليه بعض وقوف‬
‫احلسن بن سهل التي كانت يف يدي وجماور ًة للقرص‪ ،‬وبلغت السنة آخرها‬
‫فجئت إىل أيب خازم فعرفته اجتامع مال‬
‫ُ‬ ‫وقد جبيت ماهلا اال ما أخذه املعتضد‪،‬‬
‫جبيت‬
‫َ‬ ‫السنة واستأذنته يف قسمته يف سبله وعىل أهل الوقف‪ ،‬فقال يل‪ :‬فهل‬
‫ما عىل أمري املؤمنني؟ فقلت له‪ :‬ومن جيرس عىل مطالبة اخلليفة؟! فقال‪ :‬واهلل‬
‫تأخذ ما عليه‪ ،‬واهلل لئن مل ُي ِزح العلة ال وليت له عملاً ‪،‬‬
‫ال قسمت االرتفاع أو َ‬

‫‪256‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫ثم قال‪ :‬امض إليه الساعة وطالِ ْبه‪ ،‬فقلت‪ :‬من يوصلني؟ فقال‪ :‬امض إىل صايف‬
‫فعرفه ما قلت لك‪،‬‬
‫وصلت ِّ‬
‫َ‬ ‫هم‪ ،‬فإذا‬ ‫ٌ‬
‫رسول أنفذتك يف ُم ٍّ‬ ‫احلرمي وقل‪ :‬إنك‬
‫مثلت بني يدي‬
‫ُ‬ ‫فجئت فقلت لصايف ذلك‪ ،‬فأوصلني وكان آخر النهار‪ ،‬فلام‬
‫ف‪ ،‬فقلت له‪:‬‬ ‫متشو ٌ‬
‫ِّ‬ ‫أمرا عظيماً قد حدث‪ ،‬وقال‪ :‬هيه قل‪ ،‬كأنه‬
‫اخلليفة ظ َّن أن ً‬
‫وقوف احلسن بن سهل‪ ،‬وفيها ما قد‬‫َ‬ ‫إين أيل لعبد احلميد قايض أمري املؤمنني‬
‫جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إىل‬
‫ُ‬ ‫أمري املؤمنني إىل قرصه‪ ،‬وملا‬
‫أدخله ُ‬
‫أن أجبي ما عىل أمري املؤمنني‪ ،‬وأنفذين الساع َة قاصدً ا هبذا السبب‪ ،‬وأمرين‬
‫مفكرا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫هم ألَ ِص َل‪ ،‬قال‪ :‬فسكت ساعة‬ ‫أن أقول‪ :‬إين حرضت يف ُم ٍّ‬
‫أصاب عبد احلميد‪ ،‬يا صايف هات الصندوق‪ ،‬قال‪ :‬فأحرضه صندو ًقا لطي ًفا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كم جيب لك؟ فقلت‪ :‬الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات‬
‫أرب ُعامئة دينار‪ ،‬قال‪ :‬كيف ِح ْذ ُقك بالنقد والوزن؟ قلت‪ :‬أعرفهام‪ ،‬قال‪ :‬هاتوا‬
‫ميزانًا‪ ،‬فجاءوا بميزان حراين حسن عليه حلية ذهب وأخرج من الصندوق‬
‫دنانري عينًا‪ ،‬فوزن منها أربع مائة دينار‪ ،‬فوزنتها بامليزان وقبضتها وانرصفت‬
‫وفرقه يف‬
‫إىل أيب خازم باخلرب‪ ،‬فقال‪ :‬أضفها إىل ما اجتمع من الوقف عندك ِّ‬
‫ففعلت ذلك‪ ،‬فكثر شكر الناس أليب خازم هبذا‬
‫ُ‬ ‫تؤخ ْر ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫غد يف سبله‪ ،‬وال ِّ‬
‫السبب وإقدامه عىل اخلليفة بمثل ذلك وشكرهم للمعتضد يف إنصافه‪.‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]338/12‬‬

‫‪‬‬

‫دع�ا أب�و جعف�ر املنصور اإلم�ام أب�ا حنيفة إىل القض�اء فامتن�ع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أترغب عام نحن فيه؟ فقال‪ :‬ال أصلح للقضاء‪ ،‬قال له‪ :‬كذبت‪ ،‬قال‪ :‬قد حكم‬

‫‪257‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫علي أمير املؤمنين أين ال أصلح؛ ألن�ه نسبن�ي إىل الكذب‪ ،‬فإن كن�ت كاذ ًبا‬
‫ّ‬
‫فال أصلح‪ ،‬وإن كنت صاد ًقا فقد أخربتك أين ال أصلح‪ ،‬فحبسه‪.‬‬
‫[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص ‪]26‬‬

‫‪‬‬

‫صدرا من الناس حيكون أن أيام‬


‫ً‬ ‫قال القايض أبو معاوية‪ :‬أدركت‬
‫هشام هذا ‪-‬يعني األمري ابن عبد الرمحن‪ -‬كانت من الدعة والعافية واهلدوء‬
‫بحيث مل يعلم هلا مثل‪ .‬وكان حيرض اجلنائز ويزاحم فيها كأنه أحد من الناس‬
‫تواض ًعا‪ .‬وكان لبعض رجال هشام خصومة يف دار عند القايض مصعب بن‬
‫عمران فسجل عليه القايض فيها وأخرجه منها‪ ،‬فنهض الرجل إىل هشام‬
‫وقال له‪ :‬إن القايض سجل عيل يف داري التي كنت أسكنها وأخرجني عنها!‬
‫فقال له هشام‪ :‬وماذا تريد مني؟ واهلل لو سجل عيل القايض يف مقعدي هذا‬
‫[ابليان املغرب ‪]66/2‬‬ ‫خلرجت عنه!‬
‫‪‬‬

‫حرض اثنان إىل القايض خري بن نعيم عند أذان املغرب‪ ،‬فتحاكام يف مجل‪،‬‬
‫فرصفهام‪ ،‬وتشاغل بصالة املغرب‪ ،‬فحرضا إليه يف اليوم الثاين‪ ،‬فقال أحدمها‪:‬‬
‫اشرتيت من هذا مجلاً باثني عرش ً‬
‫دينارا‪ ،‬فخرج به عيب واضح فقال‪ :‬ما أر ّده‬
‫إال بحكم حاكم‪ ،‬فلم حتكم بيننا أمس‪ ،‬فامت اجلمل باملناخ‪ ،‬فيكون يف كييس‬
‫أبت احلكم بينكام‪ .‬ووزن له ثمن‬
‫أو كيسه؟ فقال خري‪ :‬بل يف كييس؛ لكوين مل َّ‬
‫[رفع اإلرص ص‪]155‬‬ ‫اجلمل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪258‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫بس َم ْن رأى‪ ،‬وكان‬


‫كنت رُ َّ‬
‫قال حممد بن حممد بن سليامن الباغندي‪ُ :‬‬
‫عبد اهلل بن أيوب املخرمي يقرب إ َّيل‪ ،‬فخرج توقيع اخلليفة بتقليده القضاء‪،‬‬
‫دققت عىل عبد اهلل بن‬
‫ُ‬ ‫فانحدرت يف احلال من رس من رأى إىل بغداد حتى‬
‫ُ‬
‫فقلت له‪ :‬البرشى‪ ،‬فقال‪ :‬بشرَّ ك اهلل ٍ‬
‫بخري‪ ،‬وما هي؟‬ ‫ُ‬ ‫أيوب با َبه‪ ،‬فخرج إ َّيل‪،‬‬
‫توقيع السلطان بتقليدك القضاء ألحد البلدين‪ ،‬إما رس من رأى‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬خرج‬
‫الباب وقال‪ :‬بشرَّ ك اهلل بالنار‪ ،‬وجاء أصحاب السلطان‬
‫أو بغداد‪ ،‬قال‪ :‬فأطبق َ‬
‫[تاريخ بغداد ‪]279/11‬‬ ‫إليه فلم َيظهر هلم‪ ،‬فانرصفوا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال وكيع بن اجلراح‪ :‬قدمنا عىل هارون أنا وعبد اهلل بن إدريس‬
‫وحفص بن غياث‪ ،‬فأقعدَ نا بني الرسيرين‪ ،‬فكان أول ما دعا به أنا‪ ،‬فقال يل‬
‫هارون‪ :‬يا وكيع‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪ :‬إن أهل بلدك طلبوا مني‬
‫ِ‬
‫وصالح ما‬ ‫رأيت أن ُأشرْ ِ كَك يف أمانتي‬
‫سم ْوا‪ ،‬وقد ُ‬
‫وسم ْوك يل فيمن َّ‬
‫قاض ًيا َّ‬
‫أدخل فيه من أمر هذه األمة‪ ،‬فخذ عهدك وامض‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‬
‫أنا شيخ كبري‪ ،‬وإحدى عيني ذاهبة واألخرى ضعيفة‪ ،‬فقال هارون‪ :‬اللهم‬
‫كنت‬
‫غفرا‪ ،‬خذ عهدك أهيا الرجل وامض‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني واهلل لئن ُ‬
‫ً‬
‫صاد ًقا إنه لينبغي أن تقبل مني‪ ،‬ولئن كنت كاذ ًبا فام ينبغي أن تويل القضاء‬
‫فخرجت ودخل ابن إدريس‪ ،‬وكان هارون قد وسم له‬
‫ُ‬ ‫كذا ًبا‪ ،‬فقال‪ :‬اخرج‪،‬‬
‫من ابن إدريس وسم‪ ،‬يعني خشونة جانبه‪ ،‬فدخل فسمعنا صوت ركبتيه عىل‬
‫األرض حني برك‪ ،‬وما سمعناه يسلم إال سال ًما خف ًّيا‪ ،‬فقال له هارون‪ :‬أتدري‬

‫‪259‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫سم ْوك يل‬


‫مل دعوتك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬إن أهل بلدك طلبوا مني قاض ًيا وإهنم َّ‬
‫رأيت أن أرشكك يف أمانتي وأدخلك يف صالح ما أدخل‬
‫سم ْوا‪ ،‬وقد ُ‬
‫فيمن َّ‬
‫فيه من أمر هذه األمة‪ ،‬فخذ عهدك وامض‪ ،‬فقال له ابن إدريس‪ :‬ليس أصلح‬
‫للقضاء‪ ،‬فنكت هارون بإصبعه‪ ،‬وقال له‪ :‬وددت أين مل أكن رأيتك‪ ،‬قال ابن‬
‫إدريس‪ :‬وأنا وددت أين مل أكن رأيتك‪ ،‬فخرج‪ ،‬ثم دخل حفص بن غياث‬
‫فقال له كام قال لنا‪ ،‬فقبل عهده وخرج‪ .‬فأتانا خادم معه ثالثة أكياس يف كل‬
‫كيس مخسة آالف‪ ،‬فقال يل‪ :‬إن أمري املؤمنني يقرئكم السالم‪ ،‬ويقول لكم‪ :‬قد‬
‫لزمتْكم يف ُشخوصكم مؤون ٌة فاستعينوا هبذه يف سفركم‪ .‬قال وكيع‪ :‬فقلت‬
‫له‪ :‬أقرئ أمري املؤمنني السالم وقل له‪ :‬وقعت مني بحيث حيب أمري املؤمنني‬
‫ٍ‬
‫مستغن ويف رعية أمري املؤمنني َم ْن هو أحوج إليها مني‪ ،‬فإن رأى‬ ‫وأنا عنها‬
‫أحب‪ ،‬وأما ابن إدريس فصاح به‪ :‬مر من‬
‫َّ‬ ‫أمري املؤمنني أن يرصفها إىل من‬
‫هاهنا! وقبلها حفص‪.‬‬
‫وخرجت الرقعة إىل ابن إدريس من بيننا‪ :‬عافانا اهلل وإياك‪ ،‬سألناك‬
‫أن تدخل يف أعاملنا فلم تفعل‪ ،‬ووصلناك من أموالنا فلم تقبل‪ ،‬فإذا جاءك‬
‫ابني املأمون فحدثه إن شاء اهلل‪ ،‬فقال للرسول‪ :‬إذا جاءنا مع اجلامعة حدثناه‬
‫إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ثم مضينا‪ ،‬فلام رصنا إىل اليارسية حرضت الصالة‪ ،‬فنزلنا نتوضأ‬
‫فنظرت إىل رشطي حممو ٍم نائ ٍم يف الشمس عليه سواده‪،‬‬
‫ُ‬ ‫للصالة‪ ،‬قال وكيع‪:‬‬
‫فطرحت كسائي عليه‪ ،‬وقلت‪ :‬يدفأ إىل أن أتوضأ‪ ،‬فجاء ابن إدريس فاستلبه‪،‬‬

‫‪260‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫ثم قال يل‪ :‬رمحتَه ال رمحك اهلل‪ ،‬يف الدنيا أحد يرحم مثل ذا؟ ثم التفت إىل‬
‫فخضبت‬
‫َ‬ ‫دخلت إىل سوق ٍ‬
‫أسد‬ ‫َ‬ ‫علمت حني‬
‫ُ‬ ‫حفص‪ ،‬فقال له‪ :‬يا حفص قد‬
‫ودخلت احلامم أنك ستيل القضاء‪ ،‬ال واهلل ال كلمتك حتى متوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫حليتك‬
‫[تاريخ بغداد ‪]69/11‬‬ ‫فام كلمه حتى مات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عمر بن اهلياج بن سعيد‪ :‬أتت امرأة يو ًما رشيكًا القايض وهو‬
‫يف جملس احلكم‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا باهلل ثم بالقايض‪ ،‬امرأة من ولد جرير بن‬
‫إهيا عنك اآلن‪ ،‬من‬
‫عبد اهلل صاحب النبي ‪ ،H‬ور ّددت الكالم‪ ،‬فقال‪ً :‬‬
‫ٌ‬
‫بستان عىل شاطئ الفرات‪،‬‬ ‫ظلمك؟ فقالت‪ :‬األمري موسى بن عيسى‪ ،‬كان يل‬
‫يل فيه نخل ورثته عن آبائي‪ ،‬وقاسمت إخويت‪ ،‬وبنيت بيني وبينهم حائ ًطا‪،‬‬
‫وجعلت فيه فارسيا يف ٍ‬
‫بيت حيفظ النخل ويقوم ببستاين‪ ،‬فاشرتى األمري موسى‬ ‫ُ‬
‫ًّ‬
‫بن عيسى من إخويت مجي ًعا‪ ،‬وساومني وأرغبني فلم أبعه‪ ،‬فلام كان يف هذه‬
‫فأصبحت ال أعرف من نخيل‬
‫ُ‬ ‫الليلة بعث بخمسامئة فاعل فاقتلعوا احلائط‪،‬‬
‫شي ًئا‪ ،‬واختلط بنخل إخويت‪ ،‬فقال‪ :‬يا غالم‪ ،‬طينة‪ ،‬فختم‪ ،‬ثم قال هلا‪ :‬اميض‬
‫إىل بابه حتى حيرض معك‪ ،‬فجاءت املرأة بالطينة فأخذها احلاجب ودخل عىل‬
‫موسى‪ ،‬فقال‪ :‬أعدى رشيك عليك‪ ،‬قال‪ :‬ادع يل صاحب الرشط‪ ،‬فدعا به‪،‬‬
‫رأيت أعجب من أمرك‪ ،‬امرأة‬
‫فقال‪ :‬امض إىل رشيك‪ ،‬فقل‪ :‬يا سبحان اهلل‪ ،‬ما ُ‬
‫عيل‪ ،‬قال‪ :‬يقول له صاحب الرشط‪ :‬إن رأى‬
‫تصح أعديتَها ّ‬
‫ّ‬ ‫ا ّدعت دعوى مل‬
‫األمري أن يعفيني فليفعل‪ ،‬فقال‪ :‬امض ويلك‪ ،‬فخرج فأمر غلامنه أن يتقدموا‬

‫‪261‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫إىل احلبس بفراش وغريه من آلة احلبس‪ ،‬فلام جاء فوقف بني يدي رشيك‬
‫فأدى الرسالة قال‪ :‬خذ بيده فضعه يف احلبس‪ ،‬قال‪ :‬قد واهلل يا أبا عبد اهلل‬
‫مت ما يصلحني إىل احلبس‪ ،‬وبلغ موسى‬
‫عرفت أنك تفعل يب هذا فقدّ ُ‬
‫ُ‬
‫أي يشء‬‫فوجه احلاجب إليه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا من ذاك رسول‪ّ ،‬‬
‫ابن عيسى اخلرب‪ّ ،‬‬
‫عليه؟ فلام وقف بني يديه وأدى الرسالة‪ ،‬قال‪ِ :‬‬
‫أحلقه بصاحبه‪ ،‬فحبس‪ ،‬فلام‬
‫صىل األمري العرص بعث إىل إسحاق بن الصباح األشعثي ومجاعة من وجوه‬
‫الكوفة من أصدقاء رشيك‪ ،‬فقال‪ :‬امضوا إليه فأبلغوه السالم وأعلموه أنه قد‬
‫فم َض ْوا وهو جالس يف مسجده بعد العرص‬
‫استخف يب وأين لست كالعا ّمة‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫فدخلوا فأبلغوه الرسالة‪ ،‬فلام انقىض كالمهم قال هلم‪ :‬ما يل ال أراكم جئتم يف‬
‫غريه من الناس ك ّلمتموين؟ َمن ههنا من فتيان ّ‬
‫احلي فيأخذ كل واحد منكم‬
‫بيد رجل فيذهب به إىل احلبس؟ ال ينم واهلل إال فيه! قالوا‪ :‬أجا ٌّد أنت؟ قال‪:‬‬
‫ح ًّقا حتى ال تعودوا برسالة ظامل‪ ،‬فحبسهم‪ ،‬وركب موسى بن عيسى يف الليل‬
‫إىل باب احلبس‪ ،‬ففتح الباب وأخرجهم مجي ًعا‪ ،‬فلام كان الغد وجلس رشيك‬
‫السجان فأخربه فدعا بالقمطر فختمها ووجه هبا إىل منزله وقال‬
‫ّ‬ ‫للقضاء جاء‬
‫لغالمه‪ :‬أحلقني بثقيل إىل بغداد‪ ،‬واهلل ما طلبنا هذا األمر منهم ولكن أكرهونا‬
‫عليه‪ ،‬ولقد ضمنوا لنا اإلعزاز فيه إذ تقلدناه هلم‪ ،‬ومىض نحو قنطرة الكوفة‬
‫إىل بغداد‪ ،‬وبلغ موسى بن عيسى اخلرب فركب يف موكبه فلحقه‪ ،‬وجعل‬
‫يناشده اهلل ويقول‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬تث ّبت‪ ،‬انظر‪ ،‬إخوانك حتبسهم دع أعواين؟‬
‫ٍ‬
‫ببارح أو‬ ‫ولست‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ألهنم َم َش ْوا لك يف ٍ‬
‫أمر مل جيب عليهم امليش فيه‪،‬‬
‫ُي َر ُّدوا مجي ًعا إىل احلبس‪ ،‬وإال مضيت إىل أمري املؤمنني فاستعفيته مما ق ّلدين‪،‬‬

‫‪262‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫السجان‬
‫ّ‬ ‫وأمر بر ّدهم مجي ًعا إىل احلبس وهو واهلل واقف يف مكانه حتى جاءه‬
‫يدي‬
‫فقال‪ :‬قد رجعوا إىل احلبس‪ ،‬فقال ألعوانه‪ :‬خذوا بلجامه‪ ،‬قودوه بني ّ‬
‫مجي ًعا إىل جملس احلكم‪ ،‬فمروا به بني يديه حتى أدخل املسجد‪ ،‬وجلس جملس‬
‫ِ‬
‫خصمك قد‬ ‫القضاء‪ ،‬ثم قال‪ :‬اجلويرية املتظلمة ِمن هذا‪ ،‬فجاءت‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫حرض وهو جالس معها بني يديه‪ ،‬فقال‪ :‬أولئك خيرجون من احلبس قبل كل‬
‫يشء‪ ،‬قال‪ :‬أما اآلن فنعم‪ ،‬أخرجوهم‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول فيام تدّ عيه هذه؟ قال‪:‬‬
‫صد َق ْت‪ ،‬قال‪ُ :‬فر ّد مجيع ما ُأ ِخ َذ منها‪ ،‬وتبني حائطها يف وقت واحد رسي ًعا‬
‫كام هدم‪ ،‬قال‪ :‬أفعل‪ ،‬قال‪ :‬بقي لك يشء؟ قال‪ :‬تقول املرأة‪ :‬بيت الفاريس‬
‫لك يشء تدعينه؟‬ ‫ومتاعه‪ ،‬قال‪ :‬يقول موسى بن عيسى‪ :‬ويرد ذلك‪ ،‬بقي ِ‬

‫خريا‪ ،‬قال‪ :‬قومي‪ ،‬وزبرها‪ ،‬ثم وثب من جملسه فأخذ‬


‫قالت‪ :‬ال‪ ،‬وجزاك اهلل ً‬
‫بيد موسى بن عيسى فأجلسه يف جملسه ثم قال‪ :‬السالم عليك أهيا األمري‪،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]384/10‬‬ ‫تأمر بيشء؟ قال‪ :‬أي يشء آمر؟ وضحك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال ابن أخي القايض بكار‪ :‬قدم عىل عمي رجل من البرصة له علم‬
‫وقربه وأدناه‪ ،‬وذكر أنه كان معه يف املكتب‪ ،‬فمضت‬
‫وزهادة ونسك فأكرمه ّ‬
‫به األيام فجاء يف شهادة ومعه شاهدان من شهود مرص‪ ،‬فأديا عند عمي فام‬
‫قبل شهادته‪ ،‬فقلت لعمي‪ :‬هذا رجل زاهد وأنت تعرفه‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن أخي‬
‫صغارا وكنا عىل مائدة عليها أرز وفيه حلوى‪،‬‬
‫ً‬ ‫ما رددت شهادته إال أنه كنا‬
‫فنقبت األرز بإصبعي فقال يل‪ :‬أخرقتها لتغرق أهلها؟ فقلت له‪ :‬أهتزأ‬

‫‪263‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫بكتاب اهلل تعاىل عىل الطعام! ثم أمسكت عن كالمه مدة‪ ،‬وما أقدر عىل قبوله‬
‫[وفيات األعيان ‪]281/1‬‬ ‫وأنا أذكر ذلك منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال أبو القاسم عبيد اهلل بن سليامن‪ :‬كنت أكتب ملوسى بن بغا‪ ،‬وكنّا‬
‫بالري وقاضيها إذ ذاك أمحد بن بديل الكويف‪ ،‬فاحتاج موسى أن جيمع ضيع ًة‬
‫هناك كان له فيها سهام ويعمرها‪ ،‬وكان فيها سهم ليتيم‪ ،‬فرصت إىل أمحد بن‬
‫بديل أو فاستحرضت أمحد بن بديل وخاطبته يف أن يبيع علينا حصة اليتيم‬
‫ويأخذ الثمن‪ ،‬فامتنع‪ ،‬وقال‪ :‬ما باليتيم حاجة إىل البيع‪ ،‬وال آمن أن أبيع ماله‬
‫وهو مستغن عنه فيحدث عىل املال حادثة فأكون قد ضيعته عليه‪ ،‬فقلت‪ :‬إنا‬
‫نعطيك يف ثمن حصته ضعف قيمتها‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا يل بعذر يف البيع‪ ،‬والصورة‬
‫يف املال إذا كثر مث ُلها إذا ّ‬
‫قل‪ ،‬فأدرته بكل لون وهو يمتنع‪ ،‬فأضجرين‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬أهيا القايض‪ ،‬أال تفعل؟ فإنه موسى بن بغا! فقال يل‪ :‬أعزك اهلل‪ ،‬إنه اهلل‬
‫‪ ،F‬فاستحييت من اهلل أن أعاوده بعد ذلك وفارقته‪ ،‬فدخلت عىل‬
‫موسى‪ ،‬فقال‪ :‬ما عملت يف الضيعة؟ فقصصت عليه احلديث‪ ،‬فلام سمع‬
‫إنه اهلل بكى‪ ،‬وما زال يكررها‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال تعرض هلذه الضيعة‪ ،‬وانظر يف أمر‬
‫هذا الشيخ الصالح‪ ،‬فإن كانت له حاجة فاقضها‪ ،‬فأحرضته‪ ،‬وقلت له‪ :‬إن‬
‫األمري قد أعفاك من أمر الضيعة‪ ،‬وذلك أين رشحت له ما جرى بيننا‪ ،‬وهو‬
‫يعرض عليك قضاء حوائجك‪ ،‬فدعا له‪ ،‬وقال‪ :‬هذا الفعل أحفظ لنعمته‬

‫‪264‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫فأطلقت‬
‫ُ‬ ‫وما يل حاجة إال إدرار رزقي؛ فإنه تأخر منذ شهور وأرضين ذلك‪،‬‬
‫[تاريخ بغداد ‪]80/5‬‬ ‫له جار َي ُه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا شاور إبراهيم بن األغلب أمري القريوان العلامء فيمن ييل القضاء‬
‫اختلفوا عليه‪ُ ،‬‬
‫فذكر له عيسى بن مسكني‪ ،‬فقال أمحد بن ناجي‪ :‬واهلل أهيا‬
‫األمري‪ ،‬صاحبنا عند سحنون مجع اهلل فيه خالل اخلري بأرسها‪ ،‬فوجه فيه‬

‫إىل الساحل فأيت به ويف املجلس محديس وغريه‪ ،‬فقال له ابراهيم‪ :‬أتدري مل َ‬
‫بعثت إليك؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬ألشاورك يف رجل قد مجع خالل اخلري أردت أن‬
‫أوليه القضاء وأمل به شعث هذه األمة فامتنع؟ قال‪ِ :‬‬
‫ألزمه أن يلبي‪ ،‬قال‪ :‬متنّع‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قال يجُ رب عىل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬امتنع‪ ،‬قال‪ :‬يجُ لد‪ ،‬قال‪ :‬قم فأنت هو‪ ،‬قال‪ :‬ما أنا‬
‫بالذي وصفت‪ ،‬ومتنع‪ ،‬فأخذ األمري بمجامع ثيابه وقرب السيف من نحره‪،‬‬
‫فخوفه ابراهيم وحلف له بغليظ األيامن لئن مل ِ‬
‫تل‬ ‫فتقدم إليه عيسى بنحره‪ّ ،‬‬
‫ألقتلنّك‪ ،‬فلام رأى منه ما رأى أي‪ :‬ما ال قدرة له عليه أراد أن يشدد عليه يف‬
‫اشرتط ما أحببت‪ ،‬قال‪ :‬أستعفيك يف كل شهر‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫الرشط‪ ،‬قال‪ِ :‬‬
‫اكتبه ففعل‪ ،‬قال‪ :‬وأمحلك وبني عمك وجندك وفقهاء املسلمني وأغنيائهم‬
‫أعزي‬
‫يف درجة واحدة‪ ،‬قال‪ :‬اكتب ففعل‪ ،‬قال‪ :‬وال توجه ورائي وال ّ‬
‫وال أهنّي وال أشيع وال ألتقي‪ ،‬فمتى مل ِ‬
‫توف يل برشط عزلت نفيس‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫[ترتيب املدارك ‪]337-334 /4‬‬ ‫نعم‪ ،‬وعرض عليه الصلة‪ ،‬والكسوة فامتنع‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪265‬‬
‫الق�ضــــاء‬

‫كتب يوسف بن تاشفني إىل قايض الـمرية حممد بن حييى عرف بابن‬
‫البكراء يأمره بفرض املعونة ويرسل إليه هبا‪ ،‬فامتنع حممد بن حييى من‬
‫فرضها‪ ،‬وكتب إليه خيربه أنه ال جيوز له فرضها‪ ،‬فجاوبه األمري خيربه بأن‬
‫القضاة عنده والفقهاء قد أباحوا له فرضها وأن عمر بن اخلطاب ‪ I‬قد‬
‫فرضها يف زمانه‪ ،‬فراجعه القايض‪ :‬احلمد هلل الذي إليه مآبنا وعليه حسابنا‪،‬‬
‫وبعد فإنه بلغني كتابك تذكر فيه ما كان من تأخري عن املعونة وقبضها‬
‫اقتضاها‪ ،‬فالقضاة‬ ‫‪I‬‬ ‫وأن القضاة والفقهاء أفت َْوك بقبضها وأن عمر‬
‫صاحب رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫عمر قد اقتضاها فكان‬ ‫والفقهاء إىل النار دون زبانية؛ ْ‬
‫فإن ُ‬
‫‪ H‬ووزيره وضجي َعه يف قربه‪ ،‬وال شك يف عدله‪ ،‬وأنت لست مصاح ًبا‬
‫لرسول اهلل ‪ H‬وال وزيره وال ضجي ًعا له يف قربه‪ ،‬وقد ُيشك يف‬
‫عدلك‪ ،‬وما اقتضاها عمر حتى دخل املسجد بحرضة من كان معه من‬
‫درهم يف بيت مال املسلمني ينفقه‬
‫ٌ‬ ‫الصحابة ‪ M‬وحلف أن ليس عنده‬
‫عليهم‪ ،‬فإن كان الفقهاء والقضاة قد أنزلوك كمنزلته يف العدل فاهلل حسيبهم‬
‫وسائلهم عىل تق ُّلدهم ذلك فلتدخل املسجد بحرضة َمن هناك من أهل العلم‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ جتب‬ ‫وحتلف أن ليس عندك يف بيت مال املسلمني درهم تنفقه عليهم‪،‬‬
‫تقويتك‪ ،‬واهلل تعاىل عىل ذلك كله احلق‪ ،‬والسالم عليك ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫أمرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فلام بلغ ذلك أبا يعقوب وعظه اهلل بقوله ومل ُيعدْ عليه يف ذلك ً‬
‫[املعيار املعرب ‪]132/11‬‬

‫‪266‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫صيانة العلم‬

‫بعث عامل من العامل إىل سعيد بن املسيب بخمسة آالف درهم‪ ،‬فقال‬
‫له الرسول‪ :‬بعث هبذا إليك ‪-‬أصلحك اهلل‪ -‬لتنفقها وجتعلها يف حاجتك‪،‬‬
‫قال‪ :‬وسعيد جا ٌّد جمدٌّ حياسب غالمه يف نصف درهم يدعيه ِق َبله‪ ،‬والغالم‬
‫يقول‪ :‬ليس لك عندي يشء‪ ،‬قال سعيد للرسول‪ :‬اذهب إىل عملك‪ ،‬ثم‬
‫أيضا‪ ،‬فقال‪ :‬اغرب عني‪ ،‬وأبى أن يأخذها منه‪ ،‬وكلمه‬
‫عرضها عليه الرسول ً‬
‫أحب إ َّيل‬
‫إنسان يف تركه أن يأخذها‪ ،‬فقال له ابن املسيب‪ :‬هذا النصف درهم ُّ‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]361/1‬‬ ‫منها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قدم سليامن بن عبد امللك املدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها‪،‬‬
‫فصىل بالناس الظهر ثم فتح باب املقصورة واستند إىل املحراب واستقبل‬
‫الناس بوجهه‪ ،‬فنظر إىل صفوان بن سليم عن غري معرفة‪ ،‬فقال‪ :‬يا عمر‪ ،‬من‬
‫هذا الرجل؟ ما رأيت سمتًا أحسن منه‪ ،‬قال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬هذا صفوان بن‬
‫كيسا فيه مخسامئة دينار‪ ،‬فأيت بكيس فيه مخسامئة دينار‪،‬‬
‫سليم‪ ،‬قال‪ :‬يا غالم‪ً ،‬‬
‫فقال خلادمه‪ :‬ترى هذا الرجل القائم يصيل‪ ،‬فوصفه للغالم حتى أثبته‪،‬‬
‫فخرج الغالم بالكيس حتى جلس إىل صفوان‪ ،‬فلام نظر إليه صفوان ركع‬
‫وسجد ثم سلم فأقبل عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما حاجتك؟ قال‪ :‬أمرين أمري املؤمنني‬
‫‪-‬وهو ذا ينظر إليك‪ -‬إىل أن أدفع إليك هذا الكيس فيه مخسامئة دينار وهو‬
‫يقول‪ :‬استعن هبذه عىل زمانك وعىل عيالك‪ ،‬فقال صفوان للغالم‪ :‬ليس أنا‬

‫‪267‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫بالذي أرسلت إليه‪ ،‬فقال له الغالم‪ :‬ألست صفوان بن سليم؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬أنا‬
‫صفوان بن سليم‪ ،‬قال‪ :‬وإليك أرسلت‪ ،‬قال‪ :‬اذهب فاستثبت فإذا استثبت‬
‫فهلم‪ ،‬فقال الغالم‪ :‬فأمسك الكيس معك وأذهب‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬إن أمسكت‬
‫فقد أخذت‪ ،‬ولكن اذهب فاستثبت وأنا ههنا جالس‪ ،‬فوىل الغالم‪ ،‬وأخذ‬
‫صفوان نعليه وخرج‪ ،‬فلم ير هبا حتى خرج سليامن من املدينة‪.‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]160 /3‬‬

‫‪‬‬

‫بعث حممد بن يوسف وأيوب بن حييى إىل طاوس بخمسامئة دينار‪،‬‬


‫وقالوا للرسول‪ :‬إن أخذها منك فإن األمري سيكسوك وحيسن إليك‪ ،‬فخرج‬
‫جلنَد‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬نفقة بعث هبا إليك‬
‫هبا حتى قدم عىل طاوس ا َ‬
‫األمري‪ ،‬فقال‪ :‬ما يل هبا حاجة‪ ،‬قال‪ :‬فأراده عىل قبضها فأبى‪ ،‬فغفل طاوس‬
‫فرمى هبا يف كوة البيت ثم ذهب‪ ،‬فقال هلم‪ :‬قد أخذها‪ ،‬فلبثوا حينًا ثم بلغهم‬
‫عن طاوس يشء كرهوه‪ ،‬قال‪ :‬ابعثوا إليه‪ ،‬فليبعث إلينا باملنا‪ ،‬فجاءه الرسول‬
‫فقال‪ :‬املال الذي بعث به إليك األمري‪ ،‬قال‪ :‬ما قبضت منه شي ًئا‪ ،‬فرجع‬
‫الرسول فأخربهم فعرفوا أنه صادق‪ ،‬قيل‪ :‬الرجل الذي ذهب هبا فابعثوه‬
‫قبضت منك‬
‫ُ‬ ‫إليه‪ ،‬فقال‪ :‬املال الذي جئتك به يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬قال‪ :‬هل‬
‫شي ًئا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فهل تدري أين وضعتَه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬يف تلك الكوة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأبصرِ ه حيث وضعته‪ ،‬قال‪ :‬فيمد يده فإذا هو بالرصة قد بنت عليها‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]362-361/1‬‬ ‫العنكبوت‪ ،‬قال‪ :‬فأخذها فذهب هبا إليهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪268‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫ملا حج هارون وقدم املدينة بعث إىل مالك بكيس فيه مخسامئة دينار‬
‫فلام قىض نسكه وانرصف وقدم املدينة بعث إليه أن أمري املؤمنني حيب‬
‫يزامل مالكًا إىل مدينة السالم‪ ،‬فقال للرسول‪ :‬قل له إن الكيس بخامته‪ ،‬قال‬
‫رسول اهلل ‪« :H‬واملدينة خري هلم لو كانوا يعلمون»‪ ،‬فرتكه‪.‬‬
‫[اجلرح واتلعديل ‪]30 /1‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو عبيد‪ :‬كنا مع حممد بن احلسن إذ أقبل الرشيد فقام الناس كلهم‬
‫إال حممد بن احلسن فإنه مل يقم‪ ،‬وكان احلسن بن زياد معتل القلب عىل حممد‬
‫ابن احلسن‪ ،‬فقام ودخل‪ ،‬ودخل الناس من أصحاب اخلليفة‪ ،‬فأمهل الرشيد‬
‫يسريا ثم خرج اإلذن‪ ،‬فقام حممد بن احلسن فجزع أصحابه له‪ ،‬فأدخل فأمهل‬
‫ً‬
‫مرسورا‪ ،‬قال‪ :‬قال يل‪ :‬ما لك مل تقم مع الناس؟ فقلت‪:‬‬
‫ً‬ ‫ثم خرج طيب النفس‬
‫كرهت أن أخرج عن الطبقة التي جعلتني فيها؛ إنك أهلتني للعلم فكرهت‬
‫أن أخرج إىل طبقة اخلدمة التي هي خارجة منه‪ ،‬وإن ابن عمك ‪H‬‬

‫قال‪« :‬من أحب أن ميثل له الرجال ً‬


‫قياما فليتبوأ مقعده من النار»‪ ،‬وإنه إنام أراد‬
‫بذلك العلامء‪ ،‬فمن قام بحق اخلدمة وإعزاز امللك فهو هيبة للعدو‪ ،‬ومن قعد‬
‫اتبا ًعا للسنة التي عنكم أخذت فهو زين لكم‪ ،‬قال‪ :‬صدقت يا حممد‪.‬‬
‫[أحاكم القرآن للجصاص ‪]288/4‬‬

‫‪‬‬

‫جاء رجل من أصحاب املعتضد إىل إبراهيم احلريب بعرشة آالف درهم‬
‫من عند املعتضد يسأله عن أمري املؤمنني أن يفرق ذلك‪ ،‬فرده‪ ،‬فانرصف‬

‫‪269‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫الرسول ثم عاد فقال‪ :‬إن أمري املؤمنني يسألك أن تفرقه يف جريانك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫عافاك اهلل‪ ،‬هذا مال مل نشغل أنفسنا بجمعه فال نشغلها بتفرقته‪ ،‬قل ألمري‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]88/1‬‬ ‫املؤمنني‪ :‬إن تركتنا وإال حتولنا من جوارك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال جعفر بن حييى الربمكي‪ :‬ما رأينا مثل عيسى بن يونس‪ ،‬أرسلنا إليه‬
‫فاعتل قبل أن يرجع‪ ،‬فقلنا له‪ :‬يا أبا عمر‪ ،‬قد ُأمر لك بعرشة‬
‫ّ‬ ‫بالرقة‪،‬‬
‫فأتانا ّ‬
‫آالف‪ ،‬فقال‪ :‬هيه‪ ،‬فقلت‪ :‬هي مخسون أل ًفا‪ ،‬فقال يل‪ :‬ال حاجة يل فيها‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ومل؟ أما واهلل ال هنيتكها‪ ،‬هي واهلل مائة ألف‪ ،‬قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ال يتحدث أهل‬
‫العلم أين أكلت للسنّة ثمنًا‪ ،‬أال كان هذا قبل أن ترسلوا إ ّيل؟ فأما عىل احلديث‬
‫[املنتظم ‪]196/9‬‬
‫فواهلل ال رشبة ماء وال ِ‬
‫إهليلجة!‬
‫‪‬‬

‫بعث األمري خالد بن أمحد الذهيل وايل بخاري إىل حممد بن إسامعيل‬
‫البخاري أن امحل إ ّيل كتاب «اجلامع» و«التاريخ» وغريمها ألسمع منك‪،‬‬
‫فقال حممد بن إسامعيل لرسوله‪ :‬أنا ال أذل العلم وال أمحله إىل أبواب الناس‪،‬‬
‫فإن كانت لك إىل يشء منه حاجة فاحرضين يف مسجدي أو يف داري‪ ،‬فإن‬
‫مل يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من املجلس ليكون يل عذر عند اهلل يوم‬
‫القيامة‪ ،‬إين ال أكتم العلم لقول النبي ‪« :H‬من سئل عن علم فكتمه‬
‫أجلم بلجام من نار»‪ .‬وكان سبب الوحشة بينهام هذا‪.‬‬
‫[تهذيب الكمال ‪]464/24‬‬

‫‪‬‬

‫‪270‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫قال أبو بكر ابن جابر خادم أيب داود السجستاين‪ :‬كنت مع أيب داود‬
‫ببغداد‪ ،‬فصلينا املغرب إذ ُقرع الباب‪ ،‬ففتحته فإذا خادم يقول‪ :‬هذا األمري‬
‫أبو أمحد املوفق يستأذن‪ ،‬فدخلت إىل أيب داود فأخربته بمكانه فأذن له‪ ،‬فدخل‬
‫وقعد‪ ،‬ثم أقبل عليه أبو داود فقال‪ :‬ما جاء باألمري يف مثل هذا الوقت؟ فقال‪:‬‬
‫ٌ‬
‫خالل ثالث‪ ،‬فقال‪ :‬وما هي؟ قال‪ :‬تنتقل إىل البرصة فتتخذها وطنًا لريحل‬
‫إليك طلبة العلم من أقطار األرض فتعمر بك؛ فإهنا قد خربت وانقطع عنها‬
‫الناس ملا جرى من حمنة الزنج‪ ،‬فقال‪ :‬هذه واحدة‪ ،‬هات الثانية‪ ،‬قال‪ :‬وتروي‬
‫جملسا‬
‫ألوالدي كتاب السنن‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬هات الثالثة‪ ،‬قال‪ :‬وتفرد هلم ً‬
‫للرواية؛ فإن أوالد اخللفاء ال يقعدون مع العامة‪ ،‬فقال‪ :‬أما هذه فال سبيل‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]162/1‬‬ ‫إليها؛ ألن الناس رشيفهم ووضيعهم يف العلم سواء‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كان أبو جعفر املنصور قد استخفى عند رجل فأكرمه‪ ،‬فلام أفضت‬
‫اخلالفة إليه قدم عليه ذلك الرجل هينئه‪ ،‬فأكرمه أبو جعفر‪ ،‬وقال له‪ :‬سل‬
‫حاجتك‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت تعلم أين من اهلل يف نعمة‪ ،‬ما يل حاجة إال أين أشتهي‬
‫أن حيدثني األعمش‪ ،‬فاكتب إليه كتا ًبا ليحدثني‪ ،‬فكتب له أبو جعفر كتا ًبا‬
‫بخطه إىل األعمش يعرفه فيه وجوب حقه عليه ويأمره بأن حيدثه‪ ،‬فلام مىض‬
‫الرجل بالكتاب واىف باب األعمش فد ّقه‪ ،‬وكان األعمش يكره أن يدق عليه‬
‫بابه‪ ،‬فقال‪ :‬من ذا؟ ادخل‪ ،‬فدخل واألعمش يلخف كُس ًبا للشاة فقال له‪:‬‬
‫ما لك؟ فقال‪ :‬هذا كتاب أمري املؤمنني إليك‪ ،‬فقال‪ :‬هاته فأخذه ثم قال‪:‬‬

‫‪271‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫يا برسة‪ ،‬فرفعت رأسها‪ ،‬فجعل يضفرها الكتاب حتى أكلته‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيش‬
‫فيه؟ قال‪ :‬فيه أن حتدثني‪ ،‬فقال‪ :‬ما أحدثك بحرف‪ ،‬فقال‪ :‬سبحان اهلل يا أبا‬
‫حممد‪ ،‬يكتب إليك أمري املؤمنني يف يشء فال تفعله‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما أحدثك‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]337/1‬‬ ‫وال أحدث قو ًما أنت فيهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال جعفر بن محدويه‪ :‬كنا بالكوفة عىل باب قبيصة بن عقبة ومعنا‬
‫ُد َلف بن أيب ُد َلف بن عبد العزيز ومعه اخلدم‪ ،‬فأبطأ قبيصة باخلروج‪ ،‬فدنا‬
‫خادم وقال‪ :‬ابن ملك اجلبل عىل الباب وأنت تبطئ؟ فخرج وعليه إزار ويف‬
‫طرفه ِكرس‪ ،‬فقال‪ :‬من ريض من الدنيا هبذا أيش يعمل بابن ملك اجلبل‪ ،‬واهلل‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]336/1‬‬ ‫ال حدثته‪ ،‬ودخل ور َّد الباب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال مقاتل بن صالح اخلراساين صاحب احلميدي بمكة‪ :‬دخلت عىل‬


‫محاد بن سلمة فإذا ليس يف البيت إال حصري وهو جالس عليه ومصحف يقرأ‬
‫فيه وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ فيها‪ ،‬فبينا أنا عنده جالس إذ دق عليه‬
‫داق الباب‪ ،‬فقال‪ :‬يا صبية‪ ،‬اخرجي فانظري من هذا‪ ،‬قالت‪ :‬هذا رسول‬
‫حممد بن سليامن‪ ،‬قال‪ :‬قويل له يدخل وحده فدخل فسلم وناوله كتابه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اقرأه‪ ،‬فإذا فيه‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬من حممد بن سليامن إىل محاد بن‬
‫سلمة‪ ،‬أما بعد‪ :‬فصبحك اهلل بام صبح به أولياءه وأهل طاعته‪ ،‬وقعت مسألة‬
‫فأتنا نسألك عنها‪ ،‬قال‪ :‬يا صبية‪ ،‬هلمي الدواة‪ ،‬ثم قال يل‪ :‬اقلب الكتاب‬

‫‪272‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫واكتب‪ :‬أما بعد‪ :‬وأنت فصبحك اهلل بام صبح به أولياءه وأهل طاعته‪ ،‬إنا‬
‫أدركنا العلامء وهم ال يأتون أحدً ا‪ ،‬فإن وقعت مسألة فأتنا فسلنا عام بدا لك‪،‬‬
‫وإن أتيتني فال تأتني إال وحدك‪ ،‬وال تأتني بخيلك ورجلك‪ ،‬فال أنصحك‬
‫وال أنصح نفيس والسالم‪ ،‬فبينا أنا عنده جالس إذ دق داق الباب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا صبية‪ ،‬اخرجي فانظري من هذا‪ ،‬قالت‪ :‬هذا حممد بن سليامن‪ ،‬قال‪ :‬قويل‬
‫له يدخل وحده‪ ،‬فدخل فسلم ثم جلس بني يديه‪ ،‬ثم ابتدأ فقال‪ :‬ما يل إذا‬
‫نظرت إليك امتألت رع ًبا‪ ،‬فقال محاد‪ :‬سمعت ثابتًا البناين يقول‪ :‬سمعت‬
‫أنس بن مالك يقول‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ H‬يقول‪« :‬إن العامل إذا أراد‬
‫بعلمه وجه اهلل هابه كل شيء‪ ،‬وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء»‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما تقول يرمحك اهلل يف رجل له ابنان وهو عن أحدمها أرىض‪ ،‬فأراد‬
‫أن جيعل له يف حياته ثلثي ماله‪ ،‬قال‪ :‬ال تفعل رمحك اهلل؛ فإين سمعت ثابتًا‬
‫‪H‬‬ ‫البناين يقول‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول‪ :‬سمعت رسول اهلل‬
‫يقول‪« :‬إن اهلل إذا أراد أن يعذب عبده بامله وفقه عند موته لوصية جائرة»‪،‬‬
‫قال‪ :‬فحاجة إليك‪ ،‬قال‪ :‬هات‪ ،‬ما مل تكن رزية يف دين‪ ،‬قال‪ :‬أربعني ألف‬
‫درهم تأخذها تستعني هبا عىل ما أنت عليه‪ ،‬قال‪ :‬ارددها عىل من ظلمته هبا‪،‬‬
‫قال‪ :‬واهلل ما أعطيك إال ما ورثته‪ ،‬قال‪ :‬ال حاجة يل فيها‪ ،‬ازوها عني زوى‬
‫اهلل عنك أوزارك‪ ،‬قال‪ :‬فغري هذا‪ ،‬قال‪ :‬هات‪ ،‬ما مل يكن رزية يف دين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫تأخذها فتقسمها‪ ،‬قال‪ :‬فلعيل إن عدلت يف قسمها أن يقول بعض من مل يرزق‬
‫منها‪ :‬إنه مل يعدل يف قسمها فيأثم‪ ،‬ازوها عني زوى اهلل عنك أوزارك‪.‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]363-362/1‬‬

‫‪‬‬

‫‪273‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫جارا لعبد اهلل بن إدريس‪ :‬حج الرشيد‬


‫قال حممد بن املنذر الكندي وكان ً‬
‫ومعه األمني واملأمون‪ ،‬فدخل الكوفة فقال أليب يوسف‪ :‬قل للمحدثني يأتونا‬
‫حيدثونا‪ ،‬فلم يتخلف عنه من شيوخ الكوفة إال اثنان‪ :‬عبد اهلل بن إدريس‪،‬‬
‫وعيسى بن يونس‪ ،‬فركب األمني واملأمون إىل عبد اهلل بن إدريس‪ ،‬فحدثهام‬
‫بامئة حديث‪ ،‬فقال املأمون لعبد اهلل‪ :‬يا عم‪ ،‬أتأذن يل أن أعيدها عليك من‬
‫حفظي‪ ،‬قال‪ :‬افعل‪ ،‬فأعادها كام سمعها ‪-‬وكان ابن إدريس من أهل احلفظ‬
‫يقول‪ :‬لوال أين أخشى أن يتفلت مني القرآن ما دونت العلم‪ -‬فعجب‬
‫عبد اهلل بن إدريس من حفظ املأمون‪ ،‬وقال املأمون‪ :‬يا عم‪ ،‬إىل جانب مسجدك‬
‫ِ‬
‫داران إذا أذنت لنا اشرتيناها ووسعنا هبا املسجد‪ ،‬فقال‪ :‬ما يب إىل هذا حاجة‪،‬‬
‫قد أجزأ من كان قبيل‪ ،‬وهو جيزئني‪ ،‬فينظر إىل قرح يف ذراع الشيخ فقال‪ :‬إن‬
‫معنا متطببني وأدوية‪ ،‬أفتأذن يل أن جييئك من يعاجلك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قد ظهر يب‬
‫مثل هذا وبرأ‪ ،‬فأمر له بامل جائزة فأبى أن يقبله‪ ،‬وصارا إىل عيسى بن يونس‬
‫فحدثهام‪ ،‬فأمر له املأمون بعرشة آالف‪ ،‬فأبى أن يقبلها‪ ،‬فظن أنه استقلها‬
‫فأمر له بعرشين أل ًفا‪ ،‬فقال عيسى‪ :‬ال وال إهليلجة وال رشبة ماء عىل حديث‬
‫رسول اهلل ‪ H‬ولو مألت يل هذا املسجد ذه ًبا إىل السقف‪ ،‬فانرصفا‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]363/1‬‬ ‫من عنده‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال قطن بن إبراهيم القشريي‪ :‬كنت عند سليامن بن حرب إذ أقبل‬


‫واملطرقة بني يديه‪ ،‬فلام جلس أقبل عليه سليامن‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫طاهر بن عبد اهلل بن طاهر‬
‫فقبض عىل حليته‪ ،‬فقال‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬يستخف بشيخ مثيل؟! قال‪ :‬وما ذاك‬

‫‪274‬‬
‫�صيانة العلم‬

‫يا أبا أيوب؟ قال‪ :‬بعثت إ َّيل أن تعال فحدثني‪ ،‬العامل يأيت أو يؤتى؟ قال‪:‬‬
‫ال أعود يا أبا أيوب‪ ،‬قال‪ :‬ال تعودن ليشء من هذا‪ ،‬إن أردت احلديث فهذا‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]370/1‬‬ ‫جمليس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أخذ ابن هبرية أبا حنيفة‪ ،‬فأراده عىل والية القضاء‪ ،‬فأبى فحبسه‪ ،‬فقيل‬
‫أليب حنيفة‪ :‬إنه حلف أن ال خيرجك حتى تيل له‪ ،‬وإنه يريد بناء‪ ،‬فتول له عد‬
‫اللبِن‪ ،‬فقال‪ :‬لو سألني أن أعد له أبواب املسجد مل أفعل‪.‬‬
‫[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص ‪]25‬‬

‫‪‬‬

‫ملا دخل ربيعة بن أيب عبد الرمحن عىل الوليد بن يزيد وهو خليفة قال‪:‬‬
‫يا ربيعة‪ ،‬حدثنا‪ ،‬قال‪ :‬ما أحدث شي ًئا‪ .‬فلام خرج من عنده قال‪ :‬أال تعجبون‬
‫عيل كام يقرتح عىل املغنية‪ :‬حدثنا يا ربيعة؟‪.‬‬
‫من هذا الذي يقرتح ّ‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]336/1‬‬

‫‪‬‬

‫أتى اب َن املبارك ابن وايل خراسان‪ ،‬فسأله أن حيدثه‪ ،‬فأبى عليه ومل حيدثه‪،‬‬
‫فلام خرج خرج معه ابن املبارك إىل باب الدار‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا عبد الرمحن‪،‬‬
‫سألتك أن حتدثني فلم حتدثني‪ ،‬وخرجت معي إىل باب الدار‪ ،‬فقال‪ :‬أما‬
‫نفيس فأهنتها لك‪ ،‬وأما حديث رسول اهلل ‪ H‬فإين ُأ ِج ُّله عنك‪.‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]336/1‬‬

‫‪275‬‬
‫العمل بالعلم‬

‫العمل بالعلم‬

‫قال عبد اهلل بن مسعود ‪« :I‬لعن اهلل الواشامت واملستوشامت‬


‫واملتنمصات واملتفلجات للحسن املغريات خللق اهلل»‪ ،‬فبلغ ذلك امرأة من‬
‫بني أسد يقال هلا‪ :‬أم يعقوب‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬بلغني أنك لعنت‬
‫كيت وكيت‪ ،‬فقال‪ :‬وما يل ال ألعن َم ْن لعن رسول اهلل ‪ H‬ومن هو‬
‫يف كتاب اهلل؟ قالت‪ :‬إين ألقرأ ما بني اللوحني فلم أجده‪ ،‬قال‪ :‬إن كنت‬
‫قارئة لقد وجدتيه‪ ،‬أما قرأت‪[ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ]؟ قالت‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬فإنه قد هنى عنه رسول اهلل ‪ .H‬قالت‪:‬‬
‫فدخلت فلم تر‬
‫ْ‬ ‫إين ألظن أهلك يفعلون بعض ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فاذهبي فانظري‪،‬‬
‫شي ًئا‪ ،‬فقال عبد اهلل‪ :‬لو كانت كذلك مل نجامعها‪.‬‬
‫[جامع بيان العلم وفضله ‪]1182/2‬‬

‫‪‬‬

‫قرأ أبو طلحة األنصاري ‪ L‬سورة براءة‪ ،‬فلام أتى عىل هذه اآلية‪:‬‬
‫ً‬
‫شيوخا وشبا ًبا‪،‬‬ ‫يستنفرنا‬ ‫‪D‬‬ ‫[ﭑ ﭒ ﭓ] قال‪ :‬أرى ربنا‬
‫ني‪ ،‬فقال بنوه‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬قد غزوت مع رسول اهلل ‪H‬‬
‫أي َب ّ‬
‫جهزوين ْ‬
‫حتى مات‪ ،‬ومع أيب بكر ‪ I‬حتى مات‪ ،‬ومع عمر ‪ ،I‬فنحن نغزو‬
‫عنك‪ ،‬فأبى فجهزوه فركب البحر فامت‪ ،‬فلم جيدوا له جزيرة يدفنونه فيها إال‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]429‬‬ ‫بعد سبعة أيام‪ ،‬فلم يتغري فدفنوه فيها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪276‬‬
‫العمل بالعلم‬

‫قال أبو عمرو ابن محدان‪ :‬كان والدي أبو جعفر يصيل صالة املغرب مع‬
‫أيب عثامن يعني سعيد بن إسامعيل‪ ،‬وربام أقام يف بعض الليايل حتى يصيل معه‬
‫فخرجت‬
‫ُ‬ ‫خرجت إىل مسجد أيب عثامن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫صالة العشاء اآلخرة‪ ،‬فإذا أبطأ علينا‬
‫ليل ًة من الليايل إىل مسجد أيب عثامن‪ ،‬فخرج علينا لصالة العشاء اآلخرة‬
‫ورجعت مع أيب إىل البيت‪ ،‬فقلت‬
‫ُ‬ ‫وعليه إزار ورداء‪ ،‬فصىل بنا ثم دخل داره‪،‬‬
‫أليب‪ :‬يا أبت‪ ،‬أبو عثامن قد أحرم؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬ولكنه هو ذا يسمع مني املسند‬
‫الصحيح الذي خرجته عىل كتاب مسلم‪ ،‬فإذا سمع ٍ‬
‫بسنة مل يكن استعملها‬ ‫َّ‬
‫عيل‬
‫أحب أن يستعملها يف يومه وليلته‪ ،‬وإنه سمع يف مجلة ما قرئ ّ‬
‫فيام مىض َّ‬
‫فأحب أن يستعمل تلك السنة قبل‬
‫َّ‬ ‫أن النبي ‪ H‬صىل يف إزار ورداء‪،‬‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]145/1‬‬ ‫أن يصبح‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال إبراهيم بن هانئ النيسابوري‪ :‬اختفى عندي أمحد بن حنبل ثالث‬


‫ليال‪ ،‬ثم قال‪ :‬اطلب يل موض ًعا حتى أدور‪ ،‬قلت‪ :‬ال آمن عليك يا أبا عبد اهلل‪،‬‬
‫فقال يل‪ :‬النبي ‪ H‬اختفى يف الغار ثالثة أيام ثم دار‪ ،‬وليس ينبغي أن‬
‫نتبع سنة رسول اهلل ‪ H‬يف الرخاء ونرتكها يف الشدة‪.‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]97/1‬‬

‫‪‬‬

‫ع�ن عب�د الرمح�ن الطبي�ب‪ ،‬وهو طبي�ب اإلم�ام أمحد ب�ن حنبل وبرش‬
‫فكن�ت أدخل عىل بشر فأقول‬
‫ُ‬ ‫احل�ايف‪ ،‬ق�ال‪ :‬اعتّل�اّ مجي ًع�ا يف مكان واح�د‪،‬‬
‫ل�ه‪ :‬كي�ف جت�دك يا أب�ا نصر؟ ق�ال‪ :‬فيحم�د اهلل تعاىل‪ ،‬ث�م خيبرين فيقول‪:‬‬

‫‪277‬‬
‫العمل بالعلم‬

‫أمح�د اهلل إليك‪ ،‬أجد كذا وكذا‪ ،‬وأدخل على أيب عبد اهلل فأقول‪ :‬كيف جتدك‬
‫بشرا ٌ‬
‫عليل‪ ،‬وأسأله‬ ‫ي�ا أب�ا عبد اهلل؟ فيقول‪ :‬بخري‪ ،‬فقل�ت له يو ًما‪ :‬إن أخاك ً‬
‫عمن أخذ‬
‫بحال�ه فيخبرين‪ ،‬فيب�دأ بحمد اهلل تعاىل ث�م خيربين‪ ،‬فقال يل‪ :‬سل�ه ّ‬
‫هذا؟ فقلت له‪ :‬إين أهابه أن أساله‪ ،‬فقال‪ :‬قل له‪ :‬قال لك أخوك أبو عبد اهلل‪:‬‬
‫فعرفته ما قال‪ ،‬فقال يل‪ :‬أبو عبد اهلل ال يريد‬
‫عمن أخذت هذا؟ فدخلت عليه ّ‬
‫ّ‬
‫الشيء إال باإلسن�اد‪ :‬أزه�ر عن ابن عون ع�ن ابن سريين‪ :‬إذا مح�د اهللَ تعاىل‬
‫العبدُ قبل الش�كوى مل تكن ش�كوى‪ ،‬إنام أقول لك‪ :‬أجد كذا أعرف قدرة اهلل‬
‫فمضي�ت إىل أيب عبد اهلل فعرفته ما قال‪ ،‬فكنت‬
‫ُ‬ ‫فخرجت من عنده‬
‫ُ‬ ‫تع�اىل ّيف‪،‬‬
‫بعد ذلك إذا دخلت عليه يقول‪ :‬أمحد اهلل إليك‪ ،‬ثم يذكر ما جيد‪.‬‬
‫[املنتظم ‪]168 ،167/12‬‬

‫‪‬‬

‫قال قاسم بن إسامعيل بن عيل‪ :‬كنا بباب برش بن احلارث‪ ،‬فخرج إلينا‬
‫فقلنا‪ :‬يا أبا نرص‪ ،‬حدثنا‪ ،‬فقال‪ :‬أتؤدون زكاة احلديث؟ قلت له‪ :‬يا أبا نرص‪،‬‬
‫وللحديث زكاة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا سمعتم احلديث فام كان يف ذلك من عمل أو‬
‫[اجلامع ألخالق الراوي ‪]143/1‬‬ ‫صالة أو تسبيح استعملتموه‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫سياسة الناس‬

‫جيء بتاج كرسى إىل عمر ‪ I‬فقال‪ :‬إن قو ًما أدوا هذا ألمناء‪ ،‬فقال‬
‫عيل ‪ :I‬إن القوم رأوك عففت فعفوا‪ ،‬ولو رتعت لرتعوا‪.‬‬
‫ّ‬
‫[حمض الصواب ‪]625 /2‬‬

‫‪‬‬

‫عن أسلم أن عمر بن اخلطاب ‪ I‬طاف ليلة فإذا هو بامرأة يف جوف‬


‫دار هلا وحولهَ ا صبيان يبكون‪ ،‬وإذا ِقدْ ر عىل النار قد مألهتا ما ًء‪ ،‬فدنا عمر من‬
‫الباب فقال‪ :‬يا أم َة اهلل‪ ،‬ما بكاء هؤالء الصبيان؟ قالت‪ :‬بكاؤهم من اجلوع‪،‬‬
‫قال‪ :‬فام هذه القدر التي عىل النار؟ قالت‪ :‬قد جعلت ما ًء هو ذا أع ِّللهم به‬
‫الصدَ قة وأخذ‬
‫حتى يناموا وأومههم أن فيها شي ًئا‪ ،‬فبكى عمر ثم جاء إىل دار َّ‬
‫ِغرارة وجعل فيها شي ًئا من دقيق وشحم وسمن ومتر وثياب ودراهم حتى‬
‫عيل‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أنا أمحله‬ ‫مأل ِ‬
‫الغرارة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أسلم ْ‬
‫امحل َّ‬
‫عنك‪ ،‬فقال يل‪ :‬ال أ َّم لك يا أسلم‪ ،‬أنا أمحله ألين أنا املسؤول عنهم يف اآلخرة؛‬
‫فحمله حتى أتى به منزل املرأة‪ ،‬فأخذ القدر فجعل فيها دقي ًقا وشي ًئا من‬
‫القدْ ر‪ ،‬فرأيت الدخان خيرج من‬‫شحم ومتر وجعل حيركه بيده وينفخ حتت ِ‬

‫َخ َلل حليته حتى طبخ هلم‪ ،‬ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا‪ ،‬ثم‬
‫خرج وربض بحذائهم كأنه َس ُبع خفت أن أك ّلمه‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى لعب‬
‫الصبيان وضحكوا‪ .‬ثم قام فقال‪ :‬يا أسلم‪ ،‬تدري مل ربضت بحذائهم؟ قلت‪:‬‬

‫‪279‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫ال‪ ،‬قال‪ :‬رأيتهم يبكون‪ ،‬فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون‪،‬‬
‫[تاريخ دمشق ‪]352/44‬‬ ‫فلام ضحكوا طابت نفيس‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قدم عىل عمر بن اخلطاب ‪ I‬مسك وعنرب من البحرين‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬


‫واهلل‪ ،‬لوددت أين وجدت امرأة حسنة الوزن تزن يل هذا الطيب حتى أقسمه‬
‫بني املسلمني‪ ،‬فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل‪ :‬أنا جيدة‬
‫الوزن فهلم أزن لك قال‪ :‬ال‪ ،‬قالت‪ :‬مل؟ قال‪ :‬إين أخشى أن تأخذيه فتجعلينه‬
‫هكذا ‪-‬أدخل أصابعه يف صدغيه‪ -‬ومتسحني به عنقك‪ ،‬فأصيب فضلاً عىل‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]98‬‬ ‫املسلمني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عمر بن اخلطاب أليب موسى ‪ :L‬ادع يل كاتبك ليقرأ لنا صح ًفا‬
‫جاءت من الشام‪ ،‬فقال أبو موسى‪ :‬إنه ال يدخل املسجد‪ :‬قال عمر‪ :‬أبه‬
‫جنابة؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكنه نرصاين‪ ،‬فرفع يده‪ ،‬فرضب فخذه حتى كاد يكرسها‬
‫ثم قال‪ :‬ما لك قاتلك اهلل؟! أما سمعت قول اهلل ‪[ :D‬ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ]؟! أال اختذت رجلاً حنيف ًّيا؟ فقال أبو موسى‪:‬‬
‫له دينه ويل كتابته‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ال أكرمهم إذ أهاهنم اهلل وال أعزهم إذ أذهلم‬

‫[عيون األخبار ‪]102/1‬‬


‫وال أدنيهم إذ أقصاهم اهلل‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪280‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫عن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪ :‬اشرتيت إبلاً وارجتعتُها إىل احلمى‪،‬‬
‫نت قدمت هبا‪ ،‬فدخل عمر ‪ I‬السوق فرأى إبلاً سامنًا‪ ،‬فقال‪ :‬ملن‬ ‫فلام ِ‬
‫سم ْ‬
‫بخ ٍ‬
‫بخ‪،‬‬ ‫هذه اإلبل؟ فقيل‪ :‬لعبد اهلل بن عمر‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬يا عبد اهلل بن عمر! ٍ‬
‫اب ُن أمري املؤمنني‪ ،‬فجئته أسعى‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لك يا أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬ما هذه‬
‫اإلبل؟ قلت‪ :‬إبل اشرتيتها وبعثت هبا إىل احلمى أبتغي ما يبتغي املسلمون‪،‬‬
‫قال‪ :‬يقال‪ْ :‬ارعوا إبل ابن أمري املؤمنني‪ ،‬اسقوا إبل ابن أمري املؤمنني‪ ،‬يا عبد اهلل‬
‫ابن عمر‪ ،‬اغد عىل رأس مالك واجعل باقيه يف بيت مال املسلمني‪.‬‬
‫[حمض الصواب ‪]606/2‬‬

‫‪‬‬

‫مرا عىل‬
‫خرج عبد اهلل وعبيد اهلل ابنا عمر يف جيش إىل العراق‪ ،‬فلام قفال ّ‬
‫وسهل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أيب موس�ى األش�عري ‪ M‬وهو أمري البرصة‪ ،‬فرح�ب هبام ّ‬
‫ل�و أق�در لكام عىل أم�ر أنفعكام به لفعلت‪ ،‬ث�م قال‪ :‬بىل‪ ،‬ها هن�ا مال من مال‬
‫اهلل‪ ،‬أريد أن أبعث به إىل أمري املؤمنني وأسلفكام‪ ،‬فتبتاعان به من متاع العراق‬
‫ث�م تبيعانه باملدين�ة‪ ،‬فتؤ ّديان رأس املال إىل أمري املؤمنين ويكون لكام الربح‪،‬‬
‫فق�اال‪ :‬وددن�ا‪ ،‬ففعل وكت�ب إىل عمر بن اخلط�اب أن يأخذ منهما املال‪ ،‬فلام‬
‫قدم�ا على عمر قال‪ّ :‬‬
‫أكل اجليش أسلف كام أسلفكما‪ ،‬فقاال‪ :‬ال‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬
‫أ ّدي�ا امل�ال وربح�ه‪ .‬فأما عبد اهلل فسك�ت‪ ،‬وأما عبيد اهلل فق�ال‪ :‬ما ينبغي لك‬
‫ي�ا أمير املؤمنني لو هلك امل�ال أو نقص لضمنّ�اه‪ ،‬فقال‪ :‬أ ّدي�ا املال‪ ،‬فسكت‬
‫عب�د اهلل وراجع�ه عبي�د اهلل‪ ،‬فق�ال رجل من جلس�اء عمر‪ :‬يا أمير املؤمنني‪،‬‬

‫‪281‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫قراضا‪ ،‬فأخ�ذ رأس املال ونصف‬


‫قراض�ا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬قد جعلت�ه ً‬
‫ل�و جعلته ً‬
‫[املوطأ ‪]992/4‬‬ ‫ربحه‪ ،‬وأخذا نصف ربحه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد اهلل بن عمر ‪ :L‬شهدت جلوالء فابتعت من الغنائم‬


‫بأربعني أل ًفا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا عبد اهلل بن عمر لو انطلق يب إىل النار كنت‬
‫خماص ٌم‪ ،‬وكأين بك تبايع‬
‫مفتدي؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬بكل يشء أملك‪ .‬قال‪ :‬فإين َ‬
‫ّ‬
‫بجلوالء ويقولون‪ :‬هذا عبد اهلل بن عمر صاحب رسول اهلل ‪ H‬وابن‬
‫أحب‬
‫ّ‬ ‫مها‬
‫أمري املؤمنني وأكرم أهله عليه‪ ،‬وأن يرخصوا عليك كذا وكذا در ً‬
‫إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم‪ ،‬وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل‬
‫من قريش‪ ...‬ثم تركني سبعة أيام‪ ،‬ثم استدعى التجار‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عبد اهلل بن‬
‫ٌ‬
‫مسؤول‪ ،‬فباع من التجار متا ًعا بأربع مئة ألف‪ ،‬فأعطاين ثامنني أل ًفا‬ ‫عمر‪ ،‬إين‬
‫وأرسل بثالث مئة وعرشين أل ًفا إىل سعد‪ ،‬فقال‪ :‬اقسم هذا املال فيمن شهد‬
‫الوقعة‪ ،‬فإن كان أحد منهم مات فابعث بنصيبه إىل ورثته‪.‬‬
‫[حمض الصواب ‪]607 /2‬‬

‫‪‬‬

‫ملا ويل احلجاج بن يوسف احلرمني بعد قتل عبد اهلل بن الزبري ‪L‬‬

‫وقربه يف املنزلة‪ ،‬فلم يزل عىل حالته‬


‫استخص إبراهيم بن طلحة بن عبيد اهلل َّ‬
‫ّ‬
‫زائرا له‪ ،‬فخرج معه فعادله ال يرتك يف بره‬
‫عنده حتى خرج إىل عبد امللك ً‬
‫وإجالله وتعظيمه شي ًئا‪ ،‬فلام حرض باب عبد امللك حرض به معه‪ ،‬فدخل عىل‬
‫عبد امللك فلم يبدأ بيشء بعد السالم إال أن قال‪ :‬قدمت عليك يا أمري املؤمنني‬

‫‪282‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫نظريا يف كامل املروءة واألدب والديانة والسرت‬


‫برجل احلجاز مل أدع له واهلل فيها ً‬
‫وحسن املذهب والطاعة والنصيحة مع القرابة ووجوب احلق إبراهيم بن‬
‫طلحة بن عبيد اهلل‪ ،‬وقد أحرضته بابك ليسهل عليك إذنك وتلقاه ببرشك‬
‫وتفعل به ما تفعل بمثله ممن كانت مذاهبه مثل مذاهبه‪ ،‬فقال عبد امللك‪:‬‬
‫ذكّرتنا ح ًّقا واج ًبا ور ً‬
‫محا قريبة‪ ،‬يا غالم ائذن إلبراهيم بن طلحة‪ ،‬فلام دخل‬
‫عليه قربه حتى أجلسه عىل فرشه ثم قال له‪ :‬يا ابن طلحة‪ ،‬إن أبا حممد أذكرنا‬
‫ما مل نزل نعرفك به من الفضل واألدب وحسن املذهب مع قرابة الرحم‬
‫ووجوب احلق‪ ،‬فال تدعن حاجة يف خاص أمرك وال عامه إال ذكرهتا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن أوىل األمور أن يفتتح هبا احلوائج ويرجى هبا الزلف ما‬
‫وحلق نبيه ‪ H‬أداء‪ ،‬ولك فيه وجلامعة املسلمني‬
‫ِّ‬ ‫كان هلل ‪ D‬رضىً‬
‫نصيحة‪ ،‬وإن عندي نصيح ًة ال أجد بدًّ ا من ذكرها وال يكون البوح هبا إال‬
‫وأنا خال‪ ،‬فأخلني ت َِرد عليك نصيحتي‪ ،‬قال‪ :‬دون أيب حممد؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قم يا حجاج‪ ،‬فلام جاوز السرت قال‪ :‬قل يا ابن طلحة نصيحتك‪ ،‬قال‪ :‬اهلل‬
‫يا أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬اهلل‪ ،‬قال‪ :‬إنك عمدت إىل احلجاج مع تغطرسه‬
‫وتعرتسه وتعجرفه لبعده من احلق وركونه إىل الباطل فوليته احلرمني وفيهام‬
‫من فيهام وهبام من هبام من املهاجرين واألنصار واملوايل املنتسبة إىل األخيار‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ H‬وأبناء الصحابة يسومهم اخلسف ويقودهم‬
‫بالعسف وحيكم فيهم بغري السنة ويطؤهم بطغام من أهل الشام ورعاع‬
‫ال روية هلم يف إقامة حق وال إزاحة باطل‪ ،‬ثم ظننت أن ذلك فيام بينك‬
‫وبني اهلل ينجيك وفيام بينك وبني رسول اهلل ‪ H‬خيلصك إذا جاثاك‬

‫‪283‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫للخصومة يف أمته‪ ،‬أما واهلل ال تنجو هناك إال بحجة تضمن لك النجاة‪ ،‬فأفق‬
‫عىل نفسك أو دع‪ ،‬فقد قال رسول اهلل ‪« :H‬كلكم راع وكلكم مسؤول‬
‫جالسا وكان متك ًئا‪ ،‬فقال‪ :‬كذبت لعمر اهلل‬
‫ً‬ ‫عن رعيته»‪ ،‬فاستوى عبد امللك‬
‫و َم ُق ّت ولؤمت يف ما جئت به‪ ،‬قد ظن بك احلجاج ما مل جيده فيك‪ ،‬وربام‬
‫ظن اخلري بغري أهله‪ ،‬قم فأنت الكاذب املائن احلاسد‪ ،‬قال‪ :‬فقمت واهلل‬
‫ما أبرص طري ًقا‪ ،‬فلام خلفت السرت حلقني الحق من قبله فقال للحاجب‪:‬‬
‫احبس هذا‪ ،‬وأدخل أبا حممد احلجاج‪ ،‬فلبثت مل ًّيا ال أشك أهنام يف أمري ثم‬
‫خرج اإلذن‪ ،‬فقال‪ :‬قم يا ابن طلحة فادخل‪ ،‬فلام كشف يل السرت لقيني احلجاج‬
‫وأنا داخل وهو خارج فاعتنقني وق َّبل ما بني عيني ثم قال‪ :‬إذا جزى اهلل‬
‫خريا بفضل تواصلهام فجزاك اهلل أفضل ما جزى به ً‬
‫أخا‪ ،‬فواهلل لئن‬ ‫املتآخيني ً‬
‫سلمت لك ألرفعن ناظرك وألعلني كعبك وألتبعن الرجال غبار قدميك‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬هيزأ يب‪ ،‬فلام وصلت إىل عبد امللك أدناين حتى أجلسني يف جمليس‬
‫األول ثم قال‪ :‬يا ابن طلحة‪ ،‬لعل أحدً ا من الناس شاركك يف نصيحتك؟‬
‫قلت‪ :‬ال واهلل وال أعلم أحدً ا كان أظهر عندي معرو ًفا وال أوضح يدً ا من‬
‫احلجاج‪ ،‬ولو كنت حماب ًيا أحدً ا بديني لكان هو ولكني آثرت اهلل ورسوله‬
‫‪ H‬واملسلمني‪ ،‬فقال‪ :‬قد علمت أنك آثرت اهلل عزوجل ورسوله‪،‬‬
‫ولو أردت الدنيا لكان لك يف احلجاج أمل‪ ،‬وقد أزلت احلجاج عن احلرمني‬
‫استصغارا هلام‪،‬‬
‫ً‬ ‫كرهت من واليته عليهام‪ ،‬وأعلمته أنك استنزلتني له عنهام‬
‫َ‬ ‫ملا‬
‫ووليته العراقني ملا هناك من األمور التي ال يرخصها إال مثله‪ ،‬وأعلمته أنك‬
‫استدعيتني إىل التولية له عليهام استزادة له ليلزمه من ذمامك ما يؤدي به عني‬

‫‪284‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫إليك أجر نصيحتك‪ ،‬فاخرج معه‪ ،‬فإنك غري ذام صحبته مع تقريظه إياك‬
‫[تاريخ دمشق ‪]142/7‬‬
‫ِ‬
‫ويدك عنده‪ ،‬فخرجت عىل هذه اجلملة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫تفاحا فقال‪ :‬لو أن‬


‫قال عمرو بن مهاجر‪ :‬اشتهى عمر بن عبد العزيز ً‬
‫تفاحا‪ ،‬فلام‬
‫عندنا شي ًئا من تفاح فإنه طيب‪ ،‬فقام رجل من أهله فأهدى إليه ً‬
‫جاءه به الرسول قال‪ :‬ما أطيبه وأطيب رحيه وأحسنه‪ ،‬ارفع يا غالم‪ ،‬واقرأ‬
‫حتب‪ ،‬قال‬
‫عىل فالن السالم وقل له‪ :‬إن هديتك قد وقعت عندنا بحيث ّ‬
‫عمرو بن مهاجر‪ :‬فقلت له‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ابن عمك ٌ‬
‫رجل من أهل بيتك‪،‬‬
‫وقد بلغك أن النبي ‪ H‬كان يأكل اهلدية وال يأكل الصدقة‪ ،‬قال‪ :‬إن‬
‫[حلية األويلاء ‪]294/5‬‬ ‫اهلدية كانت للنبي ‪ H‬هدية وهي لنا رشوة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا ُع ِزل شرَ ِ ٌ‬


‫يك عن القضاء تع َّلق به ٌ‬
‫رجل ببغداد‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪،‬‬
‫يل عليك ثالث مائة درهم فأعطنيها‪ ،‬قال‪ :‬ومن أنا؟ قال‪ :‬أنت رشيك بن‬
‫عبد اهلل القايض‪ ،‬قال‪ِ :‬‬
‫ومن أين هي لك؟ قال‪ :‬ثمن هذا البغل الذي حتتك‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم تعال‪ ،‬فجاء يميش معه حتى إذا بلغ اجلرس‪ ،‬قال‪َ :‬من هاهنا؟ فقام‬
‫إليه أولئك الرشط‪ ،‬فقال‪ :‬خذوا هذا فاحبسوه‪ ،‬لئن أطلقتموه ألخربن‬
‫أبا العباس عبد اهلل بن مالك‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن هذا الرجل يتع َّلق بالقايض إذا‬
‫عزل فيدَّ عي عليه فيفتدي منه‪ ،‬وقد تع َّلق بسلمة األمحر حني عزل عن واسط‬
‫فأخذ منه أربع مائة درهم‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا؟ ف ُك ِّلم فيه فأبى أن يطلقه‪ ،‬فقال له‬

‫‪285‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫عبد اهلل بن مالك‪ :‬إىل كم حتبس هذا الرجل؟ قال‪ :‬حتى يرد إىل سلمة األمحر‬
‫أربع مائة درهم‪ ،‬فر َّد عىل سلمة أربع مائة‪ ،‬فجاء سلم ُة إىل رشيك فتشكَّر له‪،‬‬
‫كل َمن سألك ما َلك أعطيتَه إياه؟!‬
‫ضعيف‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فقال له‪ :‬يا‬
‫[تاريخ بغداد ‪]188/10‬‬

‫‪‬‬

‫ملا ويل عمر بن عبد العزيز أتت عمة له إىل فاطمة امرأته‪ ،‬فقالت‪ :‬إين‬
‫أريد كالم أمري املؤمنني‪ ،‬قالت هلا‪ :‬اجليس حتى يفرغ‪ ،‬فجلست فإذا بغالم‬
‫رساجا‪ ،‬فقالت هلا فاطمة‪ :‬إن كنت تريدينه فاآلن‪ ،‬إذا كان يف‬
‫ً‬ ‫قد أتى فأخذ‬
‫حوائج العامة كتب عىل الشمع وإذا صار إىل حاجة نفسه دعا برساجه‪،‬‬
‫فقامت فدخلت عليه‪ ،‬فإذا بني يديه أقراص ويشء من ملح وزيت وهو‬
‫يتعشى‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أتيت بحاجة يل ثم رأيت أن أبدأ بك قبل‬
‫حاجتي‪ ،‬قال‪ :‬وما ذاك يا عمة؟ قالت‪ :‬لو اختذت لك طعا ًما ألني من هذا‪،‬‬
‫قال‪ :‬ليس عندي يا عمة‪ ،‬ولو كان عندي لفعلت‪ ،‬قالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪،‬‬
‫كان عمك عبد امللك جيري عيل كذا وكذا‪ ،‬ثم كان أخوك الوليد فزادين‪،‬‬
‫ثم وليت أنت فقطعته عني‪ ،‬قال‪ :‬يا عمة‪ ،‬إن عمي عبد امللك وأخي الوليد‬
‫وأخي سليامن كانوا يعطونك من مال املسلمني‪ ،‬وليس ذاك املال يل فأعطيكه‪،‬‬
‫ولكني أعطيك مايل إن شئت‪ ،‬قالت‪ :‬وما ذاك يا أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬عطائي‬
‫مائتا دينار فهي لك‪ ،‬قالت‪ :‬وما يبلغ مني عطاؤك؟ قال‪ :‬فليس أملك غريه‬
‫[سرية عمر بن عبد العزيز البن عبد احلكم ‪]60‬‬ ‫فانرصفت عنه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫يا عمة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫‪286‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫قال زياد بن أيب زياد‪ :‬أرسلني ابن عياش بن أيب ربيعة إىل عمر بن عبد‬
‫العزيز يف حوائج له فدخلت عليه وعنده كاتب يكتب فقلت‪ :‬السالم عليكم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وعليكم السالم ثم انتبهت فقلت‪ :‬السالم عليك يا أمري املؤمنني‬
‫قلت‪ ،‬والكاتب يقرأ‬
‫ورمحة اهلل فقال‪ :‬يا ابن زياد‪ ،‬إنا لسنا ننكر األوىل التي َ‬
‫عليه مظامل جاءت من البرصة فقال يل‪ :‬اجلس فجلست عىل ُأس ُك ّفة الباب‬
‫الص َعداء‪ ،‬فلام فرغ أخرج من كان يف البيت‬
‫وهو يقرأ عليه وعمر يتنفس ُّ‬
‫حتى وصي ًفا كان فيه ثم قام يميش إيل حتى جلس بني يدي ووضع يديه عىل‬
‫استدفأت يف مدرعتك هذه ‪-‬وعيل مدرعة من‬
‫َ‬ ‫ركبتي ثم قال‪ :‬يا ابن أيب زياد‪،‬‬
‫صوف‪ -‬واسرتحت مما نحن فيه! ثم سألني عن صلحاء أهل املدينة رجاهلم‬
‫ونسائهم‪ ،‬فام ترك منهم أحدً ا إال سألني عنه وسألني عن أمور كان أمر هبا‬
‫باملدينة فأخربته‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ابن أيب زياد‪ ،‬أما ترى ما وقعت فيه؟ قلت‪ :‬أبرش يا‬
‫خريا‪ ،‬قال‪ :‬هيهات هيهات ثم بكى حتى جعلت‬
‫أمري املؤمنني إين ألرجو لك ً‬
‫خريا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بعض ما تصنع؛ فإين أرجو لك ً‬
‫أرثي له‪ ،‬قلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫هيهات هيهات‪َ ،‬أشت ُم وال ُأشتَم و َأرضب وال ُأ َ‬
‫رضب وأوذي وال أوذى‪ ،‬ثم‬
‫بكى حتى جعلت أرثي له‪ ،‬فأقمت حتى قىض حوائجي‪...‬وكتب إىل موالي‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]242‬‬ ‫يسأله أن يبيعني منه‪ ،‬فأبى وأعتقني‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخل ناس من احلرورية عىل عمر بن عبد العزيز فذاكروه شي ًئا‪ ،‬فأشار‬
‫إليه بعض جلسائه أن يرعبهم ويتغري عليهم‪ ،‬فلم يزل عمر يرفق هبم حتى‬

‫‪287‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫أخذ عليهم ورضوا منه أن يرزقهم ويكسيهم ما بقي‪ ،‬فخرجوا عىل ذلك‪ ،‬فلام‬
‫خرجوا رضب عمر ركبة رجل يليه من أصحابه فقال‪ :‬يا فالن‪ ،‬إذا قدرت‬
‫عىل دواء تشفي به صاحبك دون الكي فال تكوينه أبدً ا‪.‬‬
‫[سرية ومناقب عمر بن عبد العزيز البن اجلوزي ‪]77-76/1‬‬

‫‪‬‬

‫كان بريد عمر بن عبد العزيز ال يعطيه أحد من الناس إذا خرج كتا ًبا‬
‫إال محله‪ ،‬فخرج بريد من مرص فدفعت إليه فرتونة السوداء موالة ذي أصبح‬
‫قصريا وأنه ُيقتحم عليها منه فيرسق دجاجها‪،‬‬
‫ً‬ ‫كتا ًبا تذكر فيه أن هلا حائ ًطا‬
‫فكتب‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬من عبد اهلل عمر أمري املؤمنني إىل فرتونة‬
‫السوداء موالة ذي أصبح بلغني كتابك وما ذكرت من قرص حائطك وأنه‬
‫يدخل عليك منه فيرسق دجاجك‪ ،‬فقد كتبت لك كتا ًبا إىل أيوب بن رشحبيل‬
‫‪-‬وكان أيوب عامله عىل صالة مرص وحرهبا‪ -‬آمره أن يبني لك ذلك حتى‬
‫حيصنه لك مما ختافني إن شاء اهلل والسالم‪ .‬وكتب إىل أيوب بن رشحبيل‪:‬‬
‫من عبد اهلل عمر أمري املؤمنني إىل ابن رشحبيل أما بعد فإن فرتونة موالة‬
‫ذي أصبح كتبت إيل تذكر قرص حائطها وأنه يرسق منه دجاجها وتسأل‬
‫حتصينه هلا‪ ،‬فإذا جاءك كتايب هذا فاركب أنت بنفسك إليه حتى حتصنه هلا‪،‬‬
‫فلام جاء الكتاب إىل أيوب ركب ببدنه حتى أتى اجليزة يسأل عن فرتونة حتى‬
‫وقع عليها‪ ،‬وإذا هي سوداء مسكينة‪ ،‬فأعلمها بام كتب به أمري املؤمنني فيها‬

‫[سرية عمر بن عبد العزيز البن عبد احلكم ص‪]63‬‬


‫وحصنه هلا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪288‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫اجلور أيام املنصور كتب أهل اليمن‬


‫َ‬ ‫الناس‬
‫ُ‬ ‫قال دواد بن زنرب‪ :‬ملا شكا‬
‫وأهل مرص والشام والعرا َقني إىل عبد اهلل بن عبد العزيز العمري الزاهد‬
‫حيرضونه عىل القيام عىل املنصور وقالوا له‪ :‬نحن نبايعك عىل هذا األمر‪ ،‬فلام‬
‫ِّ‬
‫العمري من ذلك يشء أقلقه‪ ،‬وكان خارج‬
‫ّ‬ ‫تواترت الكتب عليه وقع يف قلب‬
‫فدخلت عليه‪ ،‬فقال يل‪ :‬قد‬
‫ُ‬ ‫املدينة‪ ،‬فقدم وأرسل إ َّيل بعد العشاء اآلخرة‪،‬‬
‫رأيت أهل املدينة جممعني أنك أرجحهم عقلاً وأصحهم عقدة‪ ،‬وإين دعوتك‬
‫عيل أمر الكتب املتواترة عليه من‬ ‫ٍ‬
‫قص ّ‬‫مهني‪ ،‬قال داود‪ :‬ثم ّ‬
‫ألمر دهاين وأ َّ‬
‫األقطار‪ ،‬وما أراده من القيام عىل املنصور واإلجابة إىل البيعة لنفسه‪ ،‬ثم قال‬
‫يل‪ :‬اذهب اآلن يف هذا الوقت إىل مالك بن أنس‪ ،‬وقص عليه عني هذا الشأن‬
‫‪-‬وكان الذي بينهام متباعدً ا‪ -‬وقل له‪ :‬هل جيوز يل القيام لتغيري هذا الظامل‪،‬‬
‫أم حيل يل القعود عن هذا األمر وأنا مستطيع له؟ فمهام أجابك به مالك من‬
‫ٍ‬
‫جواب فال تقبله منه إال بحجة؛ فإين ال أقبله منك إال بحجة عنه‪ ،‬قال داود‪:‬‬
‫فجئت مالكًا للوقت‪ ،‬فاستأذنت فأذن يل وقال‪ :‬ما أزعجك يف هذا الوقت؟‬
‫فقصصت عليه قصة العمري‪ ،‬فقال مالك‪ :‬قل له عني‪ :‬ال أرى لك القيام‬
‫ُ‬
‫يف هذا األمر‪ ،‬فقلت له‪ :‬إنه ال يقبل منك إال بحجة‪ ،‬فام حجتك؟ قال‪ :‬قل‬
‫له‪ :‬إن عمر بن عبد العزيز كان رجلاً رشيدً ا‪ ،‬وإن الناس َ‬
‫ارتض ْوا سريته‪ ،‬ثم‬
‫ملا احترض قال‪ :‬لو كان إ َّيل من هذا األمر يشء أطيقه جلعلت اخلالفة يف عنق‬
‫هذا األعمش‪ ،‬يعني القاسم بن حممد أحد الفقهاء السبعة‪ ،‬ولكني أخاف أن‬
‫ت ُْس َفك الدماء دون ذلك؛ ألن بني أمية ال تدع هذا األمر لغريها حتى تسفك‬
‫للعمري‬
‫ّ‬ ‫فيه الدماء‪ ،‬قال مالك‪ :‬وأنا أرى أن بني العباس ال تدع هذا األمر‬

‫‪289‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫العمري إصالحه وإزالته‬


‫ّ‬ ‫حتى يسفك فيه الدماء‪ ،‬فيكون الفساد الذي أراد‬
‫العمري‬
‫ّ‬ ‫أكثر وأعظم‪ ،‬فال أرى له أن يقوم هلذا األمر‪ ،‬قال داود‪ :‬فرجعت إىل‬
‫يف الوقت‪ ،‬فأخربته بقول مالك وحجته‪ ،‬فقال‪ :‬صدق مالك ونصح‪ ،‬وما‬
‫ُقدِّ م إال لفضله‪ ،‬ثم انرصف إىل موضعه‪ ،‬وأقبل عىل عبادته‪َّ ،‬‬
‫ومزق الكتب‪،‬‬
‫[التسمية واحلاكيات عن نظراء مالك وأصحابه ص‪]90-89‬‬ ‫ومل جيب عليها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال حييى الغساين‪ :‬ملا والين عمر بن عبد العزيز ‪ V‬املوصل قدمتها‪،‬‬
‫فكتبت إىل عمر أعلمه حال البلد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فوجدهتا من أكرب البالد رس ًقا ونق ًبا‪،‬‬
‫وأسأله آخذ من الناس باملظِنّة وأرضهبم عىل التهمة‪ ،‬أو آخذهم بالب ّينة وما‬
‫جرت عليه عادة الناس؟ فكتب إ ّيل أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه‬
‫احلق فال أصلحهم اهلل‪ ،‬قال حييى‪ :‬ففعلت ذلك فام‬
‫صلحهم ّ‬ ‫السنّة‪ ،‬فإن مل ي ِ‬
‫ُ‬
‫خرجت من املوصل حتى كانت من أصلح البالد وأقله رس ًقا ونق ًبا‪.‬‬
‫[حلية األويلاء ‪]271/5‬‬

‫‪‬‬

‫بالر َبض‬
‫كان اإلمام قرعوس بن محيد الثقفي ممن اهتم بالتهيج والقيام َّ‬
‫عىل السلطان – أي‪ :‬احلكم بن هشام ‪ ،-‬فسيق فيمن سيق مل َّب ًبا ووقف به حتت‬
‫النطع‪ ،‬وكلمه فتى عىل لسان األمري‪ ،‬وقال له‪ :‬مثلك من أهل الديانة واألمانة‬
‫أمر كم كان هيتك من الستور ويستحل‬
‫يف العلم يتابع السفلة؟ فلو نفذ هلم ٌ‬
‫من الفروج إىل أن يقوم إمام يريح الناس‪ ،‬فقال‪ :‬معاذ اهلل أن أفعل وأن أقع‬

‫‪290‬‬
‫�سيا�سة النا�س‬

‫يف مثل هذا بيد أو لسان‪ ،‬فقد سمعت مالكًا والثوري يقوالن‪ :‬سلطان جائر‬
‫سبعني سنة خري من أمة سائبة ساعة من هنار‪ .‬فقال له احلكَم‪ :‬أنت سمعت‬

‫[ترتيب املدارك ‪]326/ 3‬‬


‫منهام؟ قال‪ :‬لقد سمعته منهام‪ ،‬فخلىّ سبيله‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫التوا�صي باحلق‬

‫التواصي باحلق‬

‫إن قومي قدَّ موين فص َّليت‬


‫عمر بن اخل ّطاب ‪ I‬فقال‪ّ :‬‬ ‫أتى ٌ‬
‫رجل َ‬
‫ص عليهم ففعلت‪ ،‬فقال له عمر ‪ِّ :I‬‬
‫صل هبم‪،‬‬ ‫ثم أمروين أن أ ُق َّ‬
‫هبم ّ‬
‫مرات أو أرب ًعا‪ ،‬فقال له عمر‪:‬‬ ‫تقص عليهم‪ ،‬فرت َّدد إىل عمر ثالث ّ‬
‫وال َّ‬
‫تقص؛ فإين أخاف عليك أن ترفع نفسك قبض ًة فيض َعك اهللُ قبضة‪.‬‬
‫ال َّ‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]233‬‬

‫‪‬‬

‫‪I‬‬ ‫كان رجل ذو ٍ‬


‫بأس من أهل الشام ُيو َفد إىل عمر بن اخلطاب‬
‫لبأسه‪ ،‬وإن عمر فقده فسأل عنه‪ ،‬فقيل له‪ :‬تَتا َيع يف هذا الرشاب! فدعا كاتبه‬
‫فقال‪ :‬اكتب من عمر بن اخلطاب إىل فالن‪ ،‬سال ٌم عليك‪ ،‬فإين أمحد إليك‬
‫اهلل الذي ال إله إال هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول‬
‫ال إله إال هو إليه املصري‪ ،‬ثم دعا وأ ّمن من عنده ود َع ْوا له أن ُي ْقبِل اهلل بقلبه وأن‬
‫يتوب عليه‪ ،‬فلام أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول‪ :‬غافر الذنب قد‬
‫وعدين اهلل أن يغفر يل‪ ،‬وقابل التوب شديد العقاب قد حذرين اهلل عقابه‪ ،‬ذي‬
‫الطول والطول اخلري الكثري‪ ،‬ال إله إال هو إليه املصري‪ ،‬فلم يزل ير ّددها عىل‬
‫نفسه ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع‪ ،‬فلام بلغ عمر أمره قال‪ :‬هكذا فاصنعوا‪،‬‬
‫أخا لكم ّ‬
‫زل زل ًة فسدِّ دوه وو ّفقوه وادعوا اهلل أن يتوب عليه‪،‬‬ ‫إذا رأيتم ً‬
‫[حلية األويلاء ‪]97/4‬‬ ‫وال تكونوا عونًا للشيطان عليه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪292‬‬
‫التوا�صي باحلق‬

‫هلم إىل األرض املقدسة‪ ،‬فكتب‬


‫كتب أبو الدرداء إىل سلامن ‪ّ :L‬‬
‫إليه‪ :‬إن األرض ال تقدس أحدً ا‪ ،‬وإنام يقدّ س املر َء عم ُله‪ ،‬وقد بلغني أنك‬
‫ُج ِع ْل َت طبي ًبا‪ ،‬فإن كنت تربئ فنِ ِعماّ لك‪ ،‬وإن َ‬
‫كنت متط ِّب ًبا فاحذر أن تقتل‬
‫إنسانًا فتدخل النار‪ ،‬فكان أبو الدرداء إذا قىض بني اثنني ثم أدبرا عنه نظر‬
‫عيل قصتكام‪.‬‬
‫ب واهلل‪ ،‬ارجعا أعيدا ّ‬
‫إليهام وقال‪ :‬متط ِّب ٌ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]549/1‬‬

‫‪‬‬

‫فمضيت إىل إبراهيم‬


‫ُ‬ ‫ضقت وقتًا من الزمان‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال أبو بكر النجاد‪:‬‬
‫احلريب فذكرت له قصتي‪ ،‬فقال‪ :‬اعلم أنني ضقت يو ًما حتى مل يبق معي إال‬
‫قرياط‪ ،‬فقالت الزوجة‪ :‬فتِّش كتبك‪ ،‬وانظر ما ال حتتاج إليه فبعه‪ ،‬فلام صليت‬
‫عيل الباب طارق‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫العشاء اآلخرة جلست يف الدهليز أكتب‪ ،‬إذ طرق ّ‬
‫من هذا؟ فقال‪ :‬كلمني‪ ،‬ففتحت الباب‪ ،‬فقال يل‪ :‬أطفئ الرساج‪ ،‬فطفيتها‪،‬‬
‫فدخل الدهليز‪ ،‬فوضع فيه كارة‪ ،‬وقال يل‪ :‬اعلم أننا أصلحنا للصبيان طعا ًما‪،‬‬
‫أيضا يشء آخر‪ ،‬فوضعه‬
‫فأحببنا أن يكون لك وللصبيان فيه نصيب‪ ،‬وهذا ً‬
‫إىل جانب الكارة‪ ،‬وقال‪ :‬ترصفه يف حاجتك‪ ،‬وأنا ال أعرف الرجل‪ ،‬وتركني‬
‫فدعوت الزوجة‪ ،‬وقلت هلا‪ :‬أرسجي‪ ،‬فأرسجت‪ ،‬وجاءت‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬ ‫وانرصف‪،‬‬
‫الكارة‪ :‬منديل له قيمة‪ ،‬وفيه مخسون وس ًطا‪ ،‬يف كل وسط لون من الطعام‪،‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]8/2‬‬ ‫وإىل جانب الكارة كيس فيه ألف دينار‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪293‬‬
‫التوا�صي باحلق‬

‫قال أمحد بن سعيد الرباطي‪ :‬قدمت عىل أمحد بن حنبل فجعل ال يرفع‬
‫رأسه إيل‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬إنه يكتب عنى بخراسان‪ ،‬وإن عاملتني هبذه‬
‫املعاملة رموا بحديثي‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا أمحد‪ ،‬هل بد يوم القيامة من أن يقال‪ :‬أين‬
‫عبد اهلل بن طاهر وأتباعه؟ انظر أين تكون أنت منه؟ قال‪ :‬قلت يا أبا عبد‬
‫اهلل‪ ،‬إنام والين أمر الرباط‪ ،‬لذلك دخلت فيه‪ ،‬قال‪ :‬فجعل يكرر عيل‪ :‬يا أمحد‪،‬‬
‫هل بد يوم القيامة من أن يقال‪ :‬أين عبد اهلل بن طاهر وأتباعه؟ فانظر أين‬

‫[تاريخ بغداد ‪]271 /5‬‬ ‫تكون أنت منه؟‬


‫‪‬‬

‫قال حممد بن أيب عتاب األعني‪ :‬أتيت آدم العسقالين فقلت له‪ :‬عبد اهلل‬
‫ابن صالح كاتب الليث بن سعد يقرئك السالم‪ ،‬قال‪ :‬ال تقرئه مني السالم‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬مل؟ قال‪ :‬ألنه قال‪ :‬القرآن خملوق‪ ،‬فأخربته بعذره وأنه أظهر الندامة‬
‫وأخرب الناس بالرجوع‪ ،‬فقال‪ :‬أقرئه مني السالم‪ ،‬فقلت له بعد‪ :‬إين أريد‬
‫أن أخرج إىل بغداد فلك حاجة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا أتيت بغداد فائت أمحد بن‬
‫حنبل‪ ،‬فأقرئه مني السالم‪ ،‬وقل له‪ :‬يا هذا‪ ،‬اتق اهلل‪ ،‬وتقرب إىل اهلل بام أنت‬
‫فيه‪ ،‬وال يستفزنك أحد؛ فإنك إن شاء اهلل مرشف عىل اجلنة‪ ،‬وقل له‪ :‬حدثنا‬
‫الليث بن سعد حدثنا حممد بن عجالن عن أيب الزناد عن األعرج عن أيب‬
‫هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :H‬من أرادكم على معصية اهلل‬

‫فال تطيعوه»‪ ،‬فأتيت أمحد بن حنبل يف السجن‪ ،‬فدخلت عليه فسلمت عليه‬

‫‪294‬‬
‫التوا�صي باحلق‬

‫وأقرأته السالم‪ ،‬وقلت له هذا الكالم واحلديث‪ ،‬فأطرق أمحد إطراقة ثم رفع‬
‫رأسه فقال‪ :‬رمحه اهلل ح ًّيا وميتًا‪ ،‬فلقد أحسن يف النصيحة‪.‬‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]331/1‬‬

‫‪‬‬

‫كتب عمر بن عبد العزيز إىل سامل بن عبد اهلل بن عمر‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن اهلل‬
‫‪ D‬ابتالين بام ابتالين به من هذا األمر عن غري مشورة وال طلب له‪ ،‬ولكن‬
‫ِ‬
‫فاسأل اهلل الذي ابتالين بام ابتالين أن يعينني عليه‪ ،‬فإذا‬ ‫كان ما قدر اهلل ‪،D‬‬
‫جاءك كتايب هذا فابعث إ ّيل بكتب عمر بن اخلطاب وقضائه وسريته يف أهل‬
‫الذمة؛ فإين متّبع أثره وسائر بسريته إن أعانني اهلل عىل ذلك والسالم‪ ،‬فكتب‬
‫إليه سامل‪ :‬جاءين كتابك تذكر أن اهلل ‪ D‬ابتالك بام ابتالك به من هذا األمر‬
‫من غري طلب وال مشورة كان منك‪ ،‬ولكن ما كان قدر اهلل أن يبتليك‪ ،‬فأسأل‬
‫اهلل الذي ابتالك بام ابتالك به أن يعينك عليه؛ فإنك لست يف زمان عمر وليس‬
‫نويت احلق وأردتَه أعانك اهلل عليه وأتاح لك عاملاً‬
‫َ‬ ‫عندك رجال عمر‪ ،‬فإن‬
‫وأتاك هبم من حيث ال حتتسب؛ فإن عون اهلل عىل قدر النية‪ ،‬فمن متت نيته‬
‫تم عون اهلل له‪ ،‬ومن قرصت نيته قرص من العون بقدر ما قرص منه‪،‬‬
‫يف اخلري ّ‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]245-244‬‬ ‫والسالم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال فضيل بن عياض‪ :‬ملا دخل عيل هارون أمري املؤمنني‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫وجها‬
‫ً‬ ‫أمرا عظيماً ‪ ،‬أما إين ما رأيت أحدً ا أحسن‬
‫حسن الوجه! لقد كلفت ً‬
‫منك‪ ،‬فإن قدرت أن ال تسود هذا الوجه بلفحة من النار فافعل‪ .‬قال‪ :‬عظني‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫التوا�صي باحلق‬

‫قلت‪ :‬بامذا أعظك؟ هذا كتاب اهلل بني الدفتني‪ ،‬انظر ماذا عمل بمن أطاعه‬
‫غوصا شديدً ا‪،‬‬
‫وماذا عمل بمن عصاه‪ ،‬إين رأيت الناس يغوصون عىل النار ً‬
‫ويطلبوهنا طل ًبا حثي ًثا‪ ،‬أما واهلل‪ ،‬لو طلبوا اجلنة بمثلها أو أيرس لنالوها‪ .‬فقال‪:‬‬
‫عد إيل‪ ،‬فقلت‪ :‬لو مل تبعث إيل مل آتك‪ ،‬وإن انتفعت بام سمعت عدت إليك‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]436/8‬‬

‫‪‬‬

‫قال أبو جعفر األنباري‪ :‬ملا حمُ ل أمحد إىل املأمون أخربت فعربت‬
‫الفرات‪ ،‬فإذا هو جالس يف اخلان فسلمت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬تعنيت‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا هذا‪ ،‬أنت اليوم رأس‪ ،‬والناس يقتدون بك‪ ،‬فواهلل لئن أجبت إىل‬
‫خلق القرآن ليجيب ّن خلق‪ ،‬وإن أنت مل جتب ليمتنع ّن خلق من الناس كثري‪،‬‬
‫ومع هذا فإن الرجل إن مل يقتلك فإنك متوت‪ ،‬ال بدّ من املوت‪ ،‬فاتق اهلل‬
‫وال جتب‪ ،‬فجعل أمحد يبكي‪ ،‬ويقول‪ :‬ما شاء اهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬أعد‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]238/11‬‬ ‫عيل‪ ،‬فأعدت عليه وهو يقول‪ :‬ما شاء اهلل‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪‬‬

‫قال صالح بن اإلمام أمحد‪ :‬حمُ ِل أيب وحممد بن نوح من بغداد مق َّيدَ ْي ِن‪،‬‬
‫فرصنا معهام إىل األنبار‪ ،‬فسأل أبو بكر األحول أيب‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬إن ُع ِر ْض َت‬
‫عىل السيف جتيب؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ثم ُسيرِّ ا‪ ،‬فسمعت أيب يقول‪ :‬رصنا إىل الرحبة‪،‬‬
‫ورحلنا منها يف جوف الليل‪ ،‬فعرض لنا رجل فقال‪ :‬أيكم أمحد بن حنبل؟‬
‫فقيل له‪ :‬هذا‪ ،‬فقال للجامل‪ :‬عىل رسلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا هذا‪ ،‬ما عليك أن تقتل‬
‫ههنا‪ ،‬وتدخل اجلنة! ثم قال‪ :‬أستودعك اهلل‪ ،‬ومىض‪ ،‬فسألت عنه‪ ،‬فقيل يل‪:‬‬

‫‪296‬‬
‫التوا�صي باحلق‬

‫هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر يف البادية‪ ،‬يقال له‪ :‬جابر بن‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]241/11‬‬ ‫عامر‪ ،‬يذكر بخري‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال اإلمام الشافعي‪ :‬كنت يتيماً يف حجر أمي فدفعتني يف الكُتاب‬


‫ومل يكن عندها ما تعطي املعلم‪ ،‬فكان املعلم قد ريض مني أن أخلفه إذا قام‪ ،‬فلام‬
‫ختمت القرآن دخلت املسجد‪ ،‬فكنت أجالس العلامء وكنت أسمع احلديث‬
‫أو املسألة فأحفظها‪ ،‬ومل يكن عند أمي ما تعطيني أن أشرتي به قراطيس‬
‫قط‪ ،‬فكنت إذا رأيت عظماً يلوح آخذه فأكتب فيه‪ ،‬فإذا امتأل طرحته يف جرة‬
‫وال عىل اليمن فكلمه يل بعض القرشيني أن أصحبه‬‫كانت لنا قدي ‪ ،‬ثم قدم ٍ‬
‫ماً‬
‫دينارا‬
‫ً‬ ‫ومل يكن عند أمي ما تعطيني أحتمل به‪ ،‬فرهنت دارها بستة عرش‬
‫مدت‬
‫فح ُ‬‫فأعطتني فتحملت هبا معه‪ ،‬فلام قدمنا اليمن استعملني عىل عمل ُ‬
‫فيه‪ ،‬فزادين عملاً فحمدت فيه‪ ،‬فزادين عملاً وقدم العامر مكة يف رجب فأثنوا‬
‫عيل‪ ،‬فطار يل بذلك ذكر‪ ،‬فقدمت من اليمن فلقيت ابن أيب حييى فسلمت‬
‫عليه فوبخني وقال‪ :‬جتالسونا وتصنعون وتصنعون‪ ،‬فإذا رشع ألحدكم يشء‬
‫دخل فيه‪ ،‬أو نحو هذا من الكالم‪ ،‬قال‪ :‬فرتكته ثم لقيت سفيان بن عيينة‬
‫فسلمت عليه فرحب يب‪ ،‬وقال‪ :‬قد بلغتنا واليتك‪ ،‬فام أحسن ما انترش عنك‬
‫وما أديت كل الذي هلل عليك‪ ،‬فال تعد‪ ،‬قال‪ :‬فكانت موعظة سفيان إياي‬
‫أبلغ مما صنع يب ابن أيب حييى‪.‬‬
‫[جامع بيان العلم وفضله ‪]413 /1‬‬

‫‪297‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫احلسبـــة‬

‫قال أبو سعيد اخلدري ‪ :I‬خرجت مع مروان وهو أمري املدينة يف‬
‫رب بناه كثري بن الصلت‪ ،‬فإذا مروان‬
‫أضحى أو الفطر‪ ،‬فلام أتينا املصىل إذا من ٌ‬
‫فجبذت بثوبه‪ ،‬فجبذين فارتفع فخطب قبل‬
‫ُ‬ ‫يريد أن يرقاه قبل أن يصيل‪،‬‬
‫الصالة‪ ،‬فقلت له‪ :‬غيرَّ تم واهلل! فقال‪ :‬أبا سعيد قد ذهب ما تعلم‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ما أعلم واهلل خري مما ال أعلم‪ ،‬فقال‪ :‬إن الناس مل يكونوا جيلسون لنا بعد‬
‫[صحيح ابلخاري ‪]226/1‬‬ ‫الصالة‪ ،‬فجعلتها قبل الصالة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خرج غلامن من أهل البحرين يلعبون بالصواجلة‪ ،‬وأسقف البحرين‬


‫قاعد‪ ،‬فصكت الكرة صدره فأخذها‪ ،‬فجعلوا يطلبون إليه يف ردها‪ ،‬فأبى‪،‬‬
‫فقال غالم منهم‪ :‬أسألك بحق حممد ملا رددهتا علينا‪ ،‬فشتم رسول اهلل‪ ،‬فأقبلوا‬
‫عليه بصواجلهم وما زالوا خيبطونه حتى مات‪ .‬فرفع ذلك إىل عمر ‪،I‬‬
‫فواهلل ما فرح بفتح وال غنيمة من غنائم املسلمني كفرحه بقتل أولئك الغلامن‬
‫صغارا سمعوا شتم نبيهم‬ ‫ً‬ ‫األسقف‪ ،‬وقال‪ :‬اآلن عز اإلسالم‪ ،‬إن غلمة‬
‫[ربيع األبرار للزخمرشي ‪]30/5‬‬ ‫فغضبوا له وانترصوا‪ .‬ثم أهدر دم األسقف‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دخل جامع املحاريب عىل احلجاج‪ ،‬فجعل احلجاج يشكو سوء طاعة‬
‫أهل العراق وقبح مذهبهم‪ ،‬فقال له جامع‪ :‬أما إنه لو أحبوك ألطاعوك‪ ،‬عىل‬

‫‪298‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫أهنم ما شنئوك لنسبك وال لبلدك وال لذات نفسك‪ ،‬فدع عنك ما يبعدهم‬
‫منك إىل ما يقرهبم إليك‪ ،‬والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك‪،‬‬
‫وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك‪ .‬قال احلجاج‪ :‬ما أرى أن‬
‫أرد بني اللكيعة إىل طاعتي إال بالسيف‪ ،‬قال‪ :‬أهيا األمري‪ ،‬إن السيف إذا القى‬
‫السيف ذهب اخليار‪ ،‬قال احلجاج‪ :‬اخليار يومئذ هلل‪ ،‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬ولكنك‬
‫ال تدري ملن جيعله اهلل‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬يا هناه‪ ،‬إنك من حمارب‪ ،‬فقال جامع‪:‬‬
‫إذا ما القنا أمسى من الطعن أمحرا‬ ‫سينا وك��ن��ا حماربًا‬
‫وللحرب مُ ّ‬
‫فقال احلجاج‪ :‬واهلل لقد مهمت بأن أخلع لسانك فأرضب به وجهك‪ .‬قال‬
‫فغضب األمري‬
‫ُ‬ ‫جامع‪ :‬إن صدَ قناك أغضبناك‪ ،‬وإن غششناك أغضبنا اهلل‪،‬‬
‫[العقد الفريد ‪]53/ 2‬‬ ‫أهون علينا من غضب اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬وسكت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال عبد الرمحن بن زياد بن أنعم اإلفريقي‪ :‬كنت أطلب العلم مع أيب‬
‫جعفر املنصور قبل اخلالفة‪ ،‬فأدخلني منزله‪ ،‬فقدم إيل طعا ًما ال حلم فيه ثم‬
‫قال‪ :‬يا جارية‪ ،‬عندك حلواء؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬وال التمر؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬فاستلقى‬
‫وقرأ‪[ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ] [األعراف‪ ]129:‬فلام ويل اخلالفة‬
‫وفدت إليه‪ ،‬فقال‪ :‬كيف سلطاين من سلطان بني أمية؟ قلت‪ :‬ما رأيت يف‬
‫سلطاهنم من اجلور شي ًئا إال رأيته يف سلطانك‪ ،‬فقال‪ :‬إنا ال نجد األعوان‪،‬‬
‫قلت‪ :‬قال عمر بن عبد العزيز‪ :‬إن السلطان بمنزلة السوق جيلب إليها ما‬
‫فاجرا أتوه بفجورهم‪ ،‬فأطرق‪.‬‬
‫ينفق فيها‪ ،‬فإن كان ًّبرا أتوه بربهم‪ ،‬وإن كان ً‬
‫[تاريخ اخللفاء ‪]99/1‬‬

‫‪299‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫دخلت عىل أيب جعفر بمنى‪ ،‬فقلت له‪ :‬اتق اهلل‪،‬‬


‫ُ‬ ‫قال سفيان الثوري‪ُ :‬أ‬
‫ِ‬
‫بسيوف املهاجرين واألنصار‬ ‫ورصت يف هذا املوضع‬
‫َ‬ ‫أنزلت هذه املنزلة‬
‫َ‬ ‫فإنام‬
‫دينارا‪،‬‬
‫حج عمر بن اخلطاب فام أنفق إال مخسه عرش ً‬
‫وأبناؤهم يموتون جو ًعا‪َّ ،‬‬
‫وكان ينزل حتت الشجر‪ ،‬فقال يل‪ :‬فإنام تريد أن أكون مثلك؟ قلت‪ :‬ال تكن‬
‫مثيل‪ ،‬ولكن كن دون ما أنت فيه وفوق ما أنا فيه‪ ،‬فقال يل‪ :‬اخرج‪.‬‬
‫[اجلرح واتلعديل ‪]106/1‬‬

‫‪‬‬

‫قال سفيان الثوري‪ :‬أدخلت عىل املهدي بمنى‪ ،‬فسلمت عليه باإلمرة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أهيا الرجل‪ ،‬طلبناك فأعجزتنا‪ ،‬فاحلمد هلل الذي جاء بك‪ ،‬فارفع إلينا‬
‫وجورا‪ ،‬فاتق اهلل وليكن منك يف ذلك‬
‫ً‬ ‫حاجتك‪ ،‬فقلت‪ :‬قد مألت األرض ظلماً‬
‫عربة‪ ،‬فطأطأ رأسه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أرأيت إن مل أستطع دفعه؟ قلت‪ :‬ختليه وغريك‪،‬‬
‫فطأطأ رأسه ثم قال‪ :‬ارفع إلينا حاجتك‪ ،‬قلت‪ :‬أبناء املهاجرين واألنصار‬
‫ومن تبعهم بإحسان بالباب‪ ،‬فاتق اهلل وأوصل إليهم حقوقهم‪ ،‬فطأطأ رأسه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أهيا الرجل! ارفع إلينا حاجتك‪ ،‬قلت‪ :‬وما أرفع؟ حدثني إسامعيل بن‬
‫مها‪،‬‬
‫أنفقت؟ قال‪ :‬بضعة عرش در ً‬
‫َ‬ ‫حج عمر‪ ،‬فقال خلازنه‪ :‬كم‬
‫أيب خالد قال‪ّ :‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]264/7‬‬ ‫أمورا ال تطيقها اجلبال‪.‬‬
‫وإين أرى ههنا ً‬
‫‪‬‬

‫قال صالح بن بشري املري‪ :‬دخلت عىل املهدي بالرصافة‪ ،‬فلام مثلت‬
‫بني يديه قلت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬امحل هلل ما أكلمك به اليوم؛ فإن أوىل الناس‬

‫‪300‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫باهلل أمحلهم لغلظة النصيحة فيه‪ ،‬وجدير بمن له قرابة برسول اهلل ‪H‬‬

‫أن يرث أخالقه ويأتم هبديه‪ ،‬وقد ورثك اهلل من فهم العلم وإنارة احلجة‬
‫مريا ًثا قطع به عذرك‪ ،‬فمهام ادعيت من حجة أو ركبت من شبهة مل يصح‬
‫لك فيهام برهان من اهلل حل بك من سخط اهلل بقدر ما جتاهلته من العلم أو‬
‫أقدمت عليه من شبهة الباطل‪ ،‬واعلم أن رسول اهلل ‪ H‬خصم من‬
‫خالف يف أمته يبتزها أحكامها‪ ،‬ومن كان حممد ‪ H‬خصمه كان اهلل‬
‫حججا تضمن‬
‫ً‬ ‫خصمه‪ ،‬فأعدّ ملخاصمة اهلل وخماصمة رسول اهلل ‪H‬‬

‫لك النجاة أو استسلم للهلكة‪ ،‬واعلم أن أبطأ الرصعى هنض ًة رصيع هوى‪،‬‬
‫آخ ُذهم بكتاب اهلل وسنة نبيه ‪،H‬‬
‫وأن أثبت الناس قد ًما يوم القيامة َ‬
‫فمثلك ال يكابر بتجديد املعصية‪ ،‬ولكن متثل له اإلساءة إحسانًا ويشهد له‬
‫عليها خونة العلامء‪ ،‬وهبذه احلبالة تصيدت الدنيا نظراءك‪ ،‬فأحسن احلمل‬
‫فقد أحسنت إليك األداء‪ ،‬فبكى املهدي ثم أمر له بيشء فلم يقبله‪.‬‬
‫[وفيات األعيان ‪]495/2‬‬

‫‪‬‬

‫وقدمت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عيل‬
‫ق�ال األوزاع�ي‪ :‬بعث عبد اهلل بن عيل إ َّيل‪ ،‬فاش�تدّ ذل�ك ّ‬
‫فدخل�ت والن�اس ِسامط�ان – َص ّفان‪ -‬فقال‪ :‬م�ا تقول يف خمرجن�ا وما نحن‬
‫ُ‬
‫في�ه؟ قل�ت‪ :‬أصل�ح اهلل األمري‪ ،‬قد كان بين�ي وبني داود بن علي مودة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لتخبرين‪ ،‬فتفك�رت‪ ،‬ثم قل�ت‪ :‬ألصدقن�ه‪ ،‬واستبسلت للم�وت‪ ،‬ثم رويت‬
‫قضي�ب ينكت ب�ه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ل�ه ع�ن حييى بن سعي�د حديث األعمال‪ ،‬وبيده‬
‫ي�ا عب�د الرمحن! م�ا تقول يف قت�ل أهل هذا البي�ت؟ قلت‪ :‬حدثن�ي حممد بن‬

‫‪301‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫مروان عن مطرف بن الشخري عن عائشة عن النبي ‪ H‬قال‪« :‬ال حيل‬

‫قت���ل املس���لم إال يف ثالث‪ »...‬احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرين عن اخلالفة‪ ،‬وصية لنا من‬
‫رس�ول اهلل ‪H‬؟ فقل�ت‪ :‬ل�و كانت وصية م�ن رسول اهلل ‪H‬‬

‫م�ا ترك علي ‪ I‬أحدً ا يتقدمه‪ ،‬ق�ال‪ :‬فام تقول يف أموال بن�ي أمية؟ قلت‪:‬‬
‫إن كان�ت هلم حاللاً فهي عليك ح�رام‪ ،‬وإن كانت عليهم حرا ًما فهي عليك‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]124/7‬‬ ‫أحرم‪ ،‬فأمرين‪ ،‬فأخرجت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫علمت‬
‫َ‬ ‫رتا‪ ،‬فقال‪ :‬أما‬
‫مر املهلب بن أيب صفرة عىل مالك بن دينار متبخ ً‬ ‫ّ‬
‫ني؟ فقال امله َّلب‪ :‬أما تعرفني؟ قال‪ :‬بىل‪،‬‬ ‫الص َّف ِ‬ ‫ِ‬
‫أهنا مشي ٌة يكرهها اهلل إال بني َّ‬
‫حتمل ال َع ِذرة‪،‬‬
‫أولك نطفة م ِذرة وآخرك جيف ٌة َق ِذرة وأنت فيام بني ذلك ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]362/5‬‬ ‫حق املعرفة‪.‬‬ ‫فانكرس‪ ،‬وقال‪ :‬اآلن عرفتني َّ‬
‫‪‬‬

‫قال القايض ابن أيب يعىل‪ :‬ويف سنة أربع وستني وأربعامئة اجتمع الرشيف‬
‫أبو جعفر ومعه احلنابلة يف جامع القرص وأدخلوا معهم أبا إسحاق الشريازي‬
‫وأصحابه وطلبوا من الدولة قلع املواخري وتتبع املفسدين واملفسدات ومن‬
‫يبيع النبيذ وضرَ ْ ب دراهم تقع هبا املعاملة عوض القراضة‪ ،‬فتقدم اخلليفة‬
‫املفسدات وكُبِ َست الدور وأريقت األنبذة ووعدوا بقلع‬
‫ُ‬ ‫بذلك‪ ،‬فهرب‬
‫املواخري ومكاتبة عضد الدولة برفعها والتقدم برضب الدراهم التي يتعامل‬
‫هبا‪ ،‬فلم يقنع الرشيف وال أبو إسحاق هبذا الوعد‪ ،‬وبقي الرشيف مدة طويلة‬

‫‪302‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫مهاجرا هلم‪ .‬وحكى أبو املعايل صالح بن شافع عمن حدثه أن الرشيف‬
‫ً‬ ‫متعت ًبا‬
‫رأى حممدً ا وكيل اخلليفة حني غرقت بغداد سنة ست وستني وجرى عىل دار‬
‫وهم يف غاية التخبط‪ ،‬فقال الرشيف أبو جعفر‪ :‬يا حممد‪،‬‬
‫اخلالفة العجائب ُ‬
‫فقال له‪ :‬لبيك يا سيدنا‪ ،‬فقال له‪ :‬قل له‪ :‬كتبنا وكتبتم‪ ،‬وجاء جوابنا قبل‬
‫جوابكم‪ ،‬يشري إىل قول اخلليفة‪ :‬سنكاتب يف رفع املواخري‪ ،‬ويريد بجوابه‪:‬‬
‫[طبقات احلنابلة مع اذليل ‪]18/3‬‬ ‫الغرق وما جرى فيه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا خرج إبراهيم وحممد عىل املنصور أراد َ‬


‫أهل الثغور أن يعينوه عليهام‪،‬‬
‫فأبوا ذلك فوقع يف يد ملك الروم ألوف من املسلمني أرسى‪ ،‬وكان ملك‬
‫حيب أن يفادي هبم ويأبى أبو جعفر‪ ،‬فكتب إليه األوزاعي‪ :‬أما بعد فإن‬
‫الروم ّ‬
‫اهلل اسرتعاك هذه األمة لتكون فيها باللني قائماً وبنبيه ‪ H‬يف خفض‬
‫متشبها‪ ،‬وأنا أسأل اهلل أن يسكن عىل أمري املؤمنني دمهاء‬
‫ً‬ ‫اجلناح والرأفة‬
‫هذه األمة ويرزقه رمحتها‪ ،‬فإن سائخة املرشكني وموطئهم حريم املسلمني‬
‫نارصا وال عنهن مداف ًعا‬
‫ً‬ ‫واستنزاهلم العواتق من املعاقل ال يلقون هلن‬
‫كاشفات عن رؤوسهن وأقدامهن من أعظم املصائب‪ ،‬وكان ذلك من اهلل‬‫ٍ‬

‫بمرأى ومسمع‪ ،‬فليتق اهلل أمري املؤمنني وليسع باملفاداة فيهم وليخرج من‬
‫حجة اهلل عليه؛ فإن اهلل قال لنبيه‪[ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ‬
‫ﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ]‪ ،‬واهلل يا أمري املؤمنني ما هلم‬

‫‪303‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫خراجا إال خاصة أمواهلم‪ ،‬وقد بلغني عن‬


‫ً‬ ‫يومئذ يفء موقوف وال ذمة تؤدي‬
‫رسول اهلل ‪ H‬أنه قال‪« :‬إني ألمسع بكاء الصيب يف الصالة فأجتوز فيها‬
‫خمافة أن تفنت أمه»‪ ،‬وكيف بتخليتهم يف أيدي عدوهم يمتهنوهنم ويطؤوهنم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ومستوف منك يوم توضع املوازين القسط ليوم القيامة‪،‬‬ ‫وأنت را ٍع واهللُ فوقك‬
‫[تاريخ اإلسالم ‪]493/9‬‬ ‫فلام وصل كتابه أمر بالفداء‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قدم العز بن عبد السالم إىل مرص من دمشق بسبب أن سلطاهنا الصالح‬
‫إسامعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف‪ ،‬فأنكر عليه‬
‫الشيخ عز الدين‪ ،‬وترك الدعاء له يف اخلطبة‪ ،‬وساعده يف ذلك الشيخ مجال‬
‫الدين أبو عمرو بن احلاجب املالكي‪ ،‬فغضب السلطان منهام‪ ،‬فخرجا إىل‬
‫الديار املرصية‪ ،‬فأرسل السلطان إىل الشيخ عز الدين وهو يف الطريق قاصدً ا‬
‫يتلطف به يف العود إىل دمشق‪ ،‬فاجتمع به والينه‪ ،‬وقال له‪ :‬ما نريد منك‬
‫شي ًئا إال أن تنكرس للسلطان‪ ،‬وتقبل يده ال غري‪ ،‬فقال الشيخ له‪ :‬يا مسكني‪،‬‬
‫واد وأنا يف ٍ‬
‫واد!‬ ‫ما أرضاه يقبل يدي فضلاً عن أن أقبل يده! يا قوم‪ ،‬أنتم يف ٍ‬

‫واحلمد هلل الذي عافانا مما ابتالكم‪ ،‬فلام وصل إىل مرص تلقاه سلطاهنا الصالح‬
‫[حسن املحارضة ‪]161/2‬‬ ‫نجم الدين أيوب وأكرمه‪ ،‬وواله قضاء مرص‪.‬‬
‫‪‬‬

‫منكرا غيرَّ ه ولو كان فيه َت َل ُفه‪،‬‬


‫قال أبو بكر اجلالء‪ :‬كان النوري إذا رأى ً‬
‫نزل يو ًما فرأى زور ًقا فيه ثالثون دنًّا‪ ،‬فقال للملاّ ح‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬ما يلزمك‪،‬‬

‫‪304‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫صويف كثري الفضول‪ ،‬هذا مخر للمعتضد‪ ،‬قال‪:‬‬


‫ٌّ‬ ‫فألح عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أنت واهلل‬
‫ّ‬
‫أعطني ذلك املِدْ رى‪ ،‬فاغتاظ وقال ألجريه‪ :‬ناوله حتى أبرص ما يصنع‪،‬‬
‫دن‪ُ ،‬فأ ِخ َذ وأدخل إىل املعتضد‪ ،‬فقال‪ :‬من‬
‫فكسها ك َّلها غري ّ‬
‫فأخذه ونزل رّ‬
‫حمتسب‪ ،‬قال‪ :‬ومن ولاّ ك احلسبة؟ قال‪ :‬الذي ولاّ ك‬ ‫أنت ويلك؟ قال‪ِ :‬‬

‫اإلمامة يا أمري املؤمنني! فأطرق وقال‪ :‬ما محلك عىل فعلك؟ قال‪ :‬شفقة منِّي‬
‫ونفسه خملصة‬
‫الدن؟ فذكر أنه كان يكرس الدنان ُ‬‫عليك! قال‪ :‬كيف َس ِلم هذا ّ‬
‫نفسه فارتاب فيها‪ ،‬فرتكه‪.‬‬ ‫خاشعة‪ ،‬فلام وصل إىل هذا ِّ‬
‫الدن أعج َبتْه ُ‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]76/14‬‬

‫‪‬‬

‫استأذن عىل املأمون بعض شيوخ الفقهاء‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فلام دخل عليه رأى‬
‫بني يديه رجلاً هيود ًّيا كات ًبا كانت له عنده منزلة وقربة لقيامه بام يرصفه فيه‬
‫ويتواله من خدمته‪ ،‬فلام رآه الفقيه قال ‪ -‬وقد كان املأمون أومأ إليه باجللوس‬
‫‪ :-‬أتأذن يل يا أمري املؤمنني يف إنشاد بيت حرض قبل أن أجلس‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فأنشد‪:‬‬
‫����������اذب‬
‫ُ‬ ‫ي������زع������م ه����������ذا أن����������ه ك‬ ‫إن ال�������ذي ُش����� ّرف�����ت م����ن أجله‬

‫وأشار إىل اليهودي‪ ،‬فخجل املأمون ووجم ثم أمر حاجبه بإخراج اليهودي‬
‫مسحو ًبا عىل وجهه وأنفذ عهدً ا با ّطراحه وإبعاده وأال يستعان بأحد من أهل‬
‫[بهجة املجالس ‪]35/1‬‬ ‫الذمة يف يشء من أعامله‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫النبي ‪ H‬يف نومه وهو يشري إىل‬


‫رأى السلطان نور الدين زنكي َّ‬
‫رجلني أشقرين ويقول‪ :‬أنجدين أنقذين من هذين‪ ،‬فاستيقظ فز ًعا‪ ،‬ثم توضأ‬
‫أيضا مرة ثالثة‪،‬‬
‫وصىل ونام‪ ،‬فرأى املنام بعينه‪ ،‬فاستيقظ وصىل ونام فرآه ً‬
‫فاستيقظ وقال‪ :‬مل يبق نوم‪ ،‬وكان له وزير من الصاحلني يقال له مجال الدين‬
‫املوصيل‪ ،‬فأرسل خلفه ليلاً وحكى له مجيع ما اتفق له‪ ،‬فقال له‪ :‬وما قعودك؟‬
‫اخرج اآلن إىل املدينة النبوية واكتم ما رأيت‪ ،‬فتجهز يف بقية ليلته وخرج‬
‫نفرا وصحبته الوزير املذكور ومال كثري‪ ،‬فقدم‬
‫عىل رواحل خفيفة يف عرشين ً‬
‫املدينة يف ستة عرش يو ًما‪ ،‬فاغتسل خارجها ودخل فصىل بالروضة وزار ثم‬
‫جلس ال يدري ماذا يصنع‪ ،‬فقال الوزير وقد اجتمع أهل املدينة يف املسجد‪:‬‬
‫وأحرض معه أمولاً للصدقة‪،‬‬ ‫‪H‬‬ ‫إن السلطان قصد زيارة النبي‬
‫فاكتبوا من عندكم‪ ،‬فكتبوا أهل املدينة كلهم‪ ،‬وأمر السلطان بحضورهم‬
‫وكل من حرض ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي ‪ H‬له‬
‫فال جيد تلك الصفة‪ ،‬فيعطيه ويأمره باالنرصاف‪ ،‬إىل أن انقضت الناس‪ ،‬فقال‬
‫السلطان‪ :‬هل بقي أحد مل يأخذ شي ًئا من الصدقة؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬تفكروا‬
‫وتأملوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬مل يبق أحد إال رجلني مغربيني ال يتناوالن من أحد شي ًئا‪،‬‬
‫ومها صاحلان غنيان يكثران الصدقة عىل املحاويج‪ ،‬فانرشح صدره وقال‪:‬‬
‫عليّ هبام‪ ،‬فأيت هبام فرآمها الرجلني اللذين أشار النبي ‪ H‬إليهام بقوله‪:‬‬
‫أنجدين‪ ،‬أنقذين من هذين‪ ،‬فقال هلام‪ :‬من أين أنتام؟ فقاال‪ :‬من بالد املغرب‪،‬‬
‫حاجني فاخرتنا املجاورة يف هذا العام عند رسول اهلل ‪ ،H‬فقال‪:‬‬
‫جئنا ّ‬
‫فصمام عىل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أين منزهلام؟ فأخرب بأهنام يف رباط بقرب‬
‫ّ‬ ‫اصدقاين‪،‬‬

‫‪306‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫كثريا وختمتني‬
‫ً‬ ‫احلجرة الرشيفة‪ ،‬فأمسكهام وحرض إىل منزهلام‪ ،‬فرأى فيه مالاً‬
‫وكت ًبا يف الرقائق ومل ير فيه شي ًئا غري ذلك‪ ،‬فأثنى عليهام أهل املدينة بخري‬
‫كثري وقالوا‪ :‬إهنام صائامن الدهر مالزمان الصلوات يف الروضة الرشيفة‬
‫وزيارة النبي ‪ H‬وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت‪،‬‬
‫وال ير ّدان سائلاً قط بحيث سدّ ا خلة أهل املدينة يف هذا العام املجدب‪ ،‬فقال‬
‫السلطان‪ :‬سبحان اهلل! ومل يظهر شي ًئا مما رآه‪ ،‬وبقي السلطان يطوف يف البيت‬
‫حمفورا ينتهي إىل صوب احلجرة‬
‫ً‬ ‫حصريا يف البيت فرأى رسدا ًبا‬
‫ً‬ ‫بنفسه‪ ،‬فرفع‬
‫الرشيفة فارتاعت الناس لذلك‪ ،‬وقال السلطان عند ذلك‪ :‬اصدقاين حالكام‪،‬‬
‫زي‬
‫ورضهبام رض ًبا شديدً ا‪ ،‬فاعرتفا بأهنام نرصانيان بعثهام النصارى يف ّ‬
‫حجاج املغاربة‪ ،‬وأمالومها بأموال عظيمة وأمرومها بالتحيل يف يشء عظيم‬
‫خ ّيلته هلم أنفسهم‪ ،‬وتومهوا أن يمكنهم اهلل منه وهو الوصول إىل اجلناب‬
‫الرشيف ويفعلوا به ما ز ّينه هلم إبليس يف النقل وما يرتتب عليه‪ ،‬فنزال يف‬
‫أقرب رباط إىل احلجرة الرشيفة‪ ،‬وفعال ما تقدم‪ ،‬وصارا حيفران ليلاً ‪ ،‬ولكل‬
‫منهام حمفظة جلد عىل زي املغاربة‪ ،‬والذي جيتمع من الرتاب جيعله كل منهام‬
‫يف حمفظته وخيرجان إلظهار زيارة البقيع فيلقيانه بني القبور‪ ،‬وأقاما عىل ذلك‬
‫مدة‪ ،‬فلام قربا من احلجرة الرشيفة أرعدت السامء وأبرقت وحصل رجيف‬
‫عظيم بحيث خيل انقالع تلك اجلبال‪ ،‬فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة‪،‬‬
‫واتفق إمساكهام واعرتافهام‪ ،‬فلام اعرتفا وظهر حاهلام عىل يديه ورأى تأهيل‬
‫اهلل له لذلك دون غريه بكى بكا ًء شديدً ا وأمر برضب رقاهبام‪ ،‬فقتال حتت‬
‫الشباك الذي ييل احلجرة الرشيفة وهو مما ييل البقيع‪ ،‬ثم أمر بإحضار رصاص‬

‫‪307‬‬
‫احل�سبـــة‬

‫عظيم وحفر خند ًقا عظيماً إىل املاء حول احلجرة الرشيفة كلها‪ ،‬وأذيب ذلك‬
‫رصاصا إىل‬
‫ً‬ ‫سورا‬
‫الرصاص ومأل به اخلندق‪ ،‬فصار حول احلجرة الرشيفة ً‬
‫املاء‪ ،‬ثم عاد إىل ملكه وأمر بإضعاف النصارى وأمر أال يستعمل كافر يف‬
‫عمل من األعامل‪ ،‬وأمر مع ذلك بقطع املكوس مجي ًعا‪.‬‬
‫[وفاء الوفاء ‪]187-186/2‬‬

‫‪308‬‬
‫املــــــوت‬

‫املـــــوت‬

‫ملا احترض أبو بكر ‪ I‬متثلت عائشة ‪ J‬هبذا البيت‪:‬‬


‫ل��ع��م��رك م���ا ي��غ�ني ال���ث���راء ع���ن الفتى‬
‫��وم��ا وض���اق بها الصد ُر‬
‫إذا حشرجت ي ً‬

‫فقال أبو بكر ‪ :I‬ليس كذلك يا بنية‪ ،‬ولكن قويل‪[ :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬


‫يب هذين فاغسلومها ثم ك ِّفنوين‬
‫ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ]‪ ،‬فقال‪ :‬انظروا ثو َّ‬
‫أحوج إىل اجلديد من امليت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فيهام؛ َّ‬
‫فإن احلي‬
‫[الزهد لإلمام أمحد ص‪]163‬‬

‫‪‬‬

‫ملا رشب عمر ‪ I‬اللبن فخرج من طعنته قال‪ :‬اهلل أكرب‪ ،‬وعنده‬
‫لوددت أين‬
‫ُ‬ ‫إن من غررمتوه ملغرور‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫رجال يثنون عليه‪ ،‬فنظر إليهم فقال‪ّ :‬‬
‫طلعت عليه الشمس وما‬
‫ْ‬ ‫دخلت فيها‪ ،‬لو كان يل اليو َم ما‬
‫ُ‬ ‫خرجت منها كام‬
‫ُ‬
‫[املتمنني البن أيب ادلنيا ص‪]29‬‬ ‫الفتديت به من هول املطلع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غربت‬
‫ْ‬
‫‪‬‬

‫قال عثامن بن عفان ‪ :I‬أنا آخركم عهدً ا بعمر‪ ،‬دخلت عليه ورأسه‬
‫يف حجر ابنه عبد‪ ‬اهلل بن عمر‪ ،‬فقال له‪ :‬ضع خدي باألرض‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬
‫فخذي واألرض إال سواء؟ قال‪ :‬ضع خدي باألرض ال أ ّم لك‪ ،‬يف الثانية أو‬

‫‪309‬‬
‫املــــــوت‬

‫الثالثة‪ ،‬ثم شبك بني رجليه‪ ،‬فسمعته يقول‪« :‬وييل وويل ألمي إن مل يغفر اهلل‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]64‬‬ ‫يل» حتى فاضت نفسه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عن ذكوان حاجب عائشة ‪ J‬أنه جاء عبد اهلل بن عباس يستأذن‬
‫فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد اهلل بن عبد الرمحن‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عىل عائشة‪،‬‬
‫فأكب عليها ابن أخيها عبد اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬هذا عبد اهلل‬
‫ّ‬ ‫هذا ابن عباس يستأذن‪،‬‬
‫ابن عباس يستأذن وهي متوت‪ ،‬فقالت‪ :‬دعني من ابن عباس‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمتاه‪،‬‬
‫إن ابن عباس من صاحلي بنيك‪ ،‬ليسلم عليك ويودعك‪ ،‬فقالت‪ :‬ائذن له‬
‫أيضا‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫إن شئت‪ ،‬قال‪ :‬فأدخلته‪ ،‬فلام جلس قال‪ :‬أبرشي‪ ،‬فقالت‪ً :‬‬
‫بينك وبني أن تلقي حممدً ا ‪ H‬واألحبة إال أن خترج الروح من اجلسد‪،‬‬
‫أحب نساء رسول اهلل ‪ H‬إىل رسول اهلل‪ ،‬ومل يكن رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫كنت‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫وسقطت قالدتُك ليلة األبواء‪ ،‬فأصبح رسول اهلل ‪H‬‬ ‫حيب إال طي ًبا‪،‬‬
‫ّ‬
‫حتى يصبح يف املنزل‪ ،‬وأصبح الناس ليس معهم ماء‪ ،‬فأنزل اهلل ‪:D‬‬
‫ِ‬
‫سببك وما أنزل اهلل ‪ D‬هلذه األمة‬ ‫[ﭺ ﭻ ﭼ ]‪ ،‬فكان ذلك يف‬
‫من الرخصة‪ ،‬وأنزل اهلل براءتك من فوق سبع ساموات جاء به الروح األمني‪،‬‬
‫فأصبح ليس هلل مسجد من مساجد اهلل يذكر فيه اهلل إال يتىل فيه آناء الليل‬
‫لوددت أين‬
‫ُ‬ ‫وآناء النهار‪ ،‬فقالت‪ :‬دعني َ‬
‫منك يا ابن عباس‪ ،‬والذي نفيس بيده‬
‫[مسند اإلمام أمحد ‪]2496‬‬ ‫كنت نس ًيا منس ًّيا‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪‬‬

‫‪310‬‬
‫املــــــوت‬

‫األرت بقايا من أصحاب رسول اهلل ‪ H‬فقالوا‪:‬‬


‫ّ‬ ‫اب بن‬
‫عاد خ ّب َ‬
‫أبرش أبا عبد اهلل‪ ،‬إخوانك تقدَ م عليهم غدً ا‪ ،‬فبكى فقال‪ :‬أما إنني ليس يب‬
‫جزع‪ ،‬ولكنكم ذكرمتوين أقوا ًما وسميتموهم يل إخوانًا‪ ،‬وإن أولئك قوم‬
‫مضوا بأجورهم كام هي‪ ،‬وأخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك‬
‫[الزهد أليب داود ص‪]237‬‬ ‫األعامل ما أوتينا من بعدهم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ملا حرضت عبادة بن الصامت ‪ I‬الوفاة قال‪ :‬أخرجوا فرايش إىل‬


‫الصحن يعني الدار‪ ،‬ثم قال‪ :‬امجعوا يل موا ّيل وخدمي وجرياين ومن كان‬
‫يدخل عيل‪ ،‬فجمعوا له فقال‪ :‬إن يومي هذا ألراه آخر يوم يأيت عيل من الدنيا‬
‫وأول ليلة من اآلخرة‪ ،‬وإين ال أدري لعله قد فرط مني بيدي أو بلساين يشء‪،‬‬
‫وهو والذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة‪ ،‬فام خرج عىل أحدكم‬
‫يشء من نفسه إال اقتص مني قبل أن خيرج نفيس‪ ،‬فقالوا‪ :‬بل كنت والدً ا‬
‫وكنت مؤد ًبا‪ ،‬وما قال خلادم سو ًءا قط‪ ،‬فقال‪ :‬أغفرتم يل ما كان من ذلك؟‬
‫أحرج عىل كل‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬اللهم اشهد‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما فاحفظوا وصيتي‪ِّ :‬‬
‫عيل‪ ،‬وإذا خرجت نفيس فتوضؤوا وأحسنوا الوضوء‪ ،‬ثم‬
‫إنسان منكم يبكي ّ‬
‫يدخل كل إنسان منكم مسجده فيصيل ركعتني‪ ،‬ثم يستغفر ل ُعبادة ولنفسه؛‬
‫فإن اهلل ق��ال‪[ :‬ﯳ ﯴ ﯵ]‪ ،‬ثم أرسع��وا يب إىل حفريت‪،‬‬
‫[الزهد هلناد بن الرسي ‪]405/2‬‬ ‫وال يتبعني نار وال تضعوا عيل أرجوانًا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪311‬‬
‫املــــــوت‬

‫فجلست عنده وبيدي‬


‫ُ‬ ‫حرضت أيب الوفاة‬
‫ْ‬ ‫قال صالح ابن اإلمام أمحد‪:‬‬
‫اخلرقة ألشدَّ هبا حلييه‪ ،‬فجعل يعرق ثم يضيق ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا‪:‬‬
‫جت به‬
‫له َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا ِ‬
‫أبت‪ ،‬أيش هذا الذي قد ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مرات ‪-‬‬ ‫ال بعدُ ‪ ،‬ال بعدُ ‪ -‬ثالث‬
‫قائم‬
‫يف هذا الوقت؟ قال‪ :‬يا بني‪ ،‬ما تدري؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬إبليس لعنه اهلل ٌ‬
‫عاضا عىل أنامله يقول‪ :‬يا أمحد ُفتَّني‪ ،‬فأقول‪ :‬ال‪ ،‬حتى أموت‪.‬‬
‫بحذائي ًّ‬
‫[طبقات احلنابلة ‪]175/1‬‬

‫‪‬‬

‫أصبحت‬
‫َ‬ ‫فقلت له‪ :‬كيف‬
‫ُ‬ ‫دخلت عىل الشافعي عند وفاته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال املزين‪:‬‬
‫أصبحت من الدنيا راحلاً وإلخواين مفار ًقا وبكأس‬
‫ُ‬ ‫يا أستاذ؟ فقال‪:‬‬
‫املنية شار ًبا وعىل اهلل وار ًدا ولسوء أعاميل مالق ًيا‪ ،‬فال أدري نفيس إىل اجلنة‬
‫تصري فأهنيها أم إىل النار فأعزهيا‪ ،‬فقلت‪ِ :‬ع ْظني‪ ،‬فقال يل‪ :‬اتق اهلل‪ ،‬وم ِّثل‬
‫اآلخر َة يف قلبك واجعل املوت نصب عينيك‪ ،‬وال تنس موقفك بني يدي‬
‫اهلل‪ ،‬وخف من اهلل ‪ ،D‬واجتنب حمارمه وأ ِّد فرائضه‪ ،‬وكن مع اهلل حيث‬
‫كنت‪ ،‬وال تستصغرن نِ َعم اهلل عليك وإن ق ّلت‪ ،‬وقابلها بالشكر‪ ،‬وليكن‬
‫ذكرا‪ ،‬ونظرك عربة‪ ،‬اعف عن من ظلمك‪ ،‬وصل‬ ‫تفكرا‪ ،‬وكالمك ً‬
‫صمتك ً‬
‫من قطعك‪ ،‬وأحسن إىل من أساء إليك‪ ،‬واصرب عىل النائبات‪ ،‬واستعذ‬
‫باهلل من النار بالتقوى‪ ،‬فقلت‪ :‬زدين‪ ،‬فقال‪ :‬ليكن الصدق لسانك‪ ،‬والوفاء‬
‫عامدك‪ ،‬والرمحة ثمرتك‪ ،‬والشكر طهارتك‪ ،‬واحلق جتارتك‪ ،‬والتودد زينتك‪،‬‬
‫والكياسة فطنتك‪ ،‬والطاعة معيشتك‪ ،‬والرضا أمانتك‪ ،‬والفهم بصريتك‪،‬‬
‫والرجاء اصطبارك‪ ،‬واخلوف جلبابك‪ ،‬والصدقة حرزك‪ ،‬والزكاة حصنك‪،‬‬

‫‪312‬‬
‫املــــــوت‬

‫واحلياء أمريك‪ ،‬واحللم وزيرك‪ ،‬والتوكل درعك‪ ،‬والدنيا سجنك‪ ،‬والفقر‬


‫ضجيعك‪ ،‬واحلق قائدك‪ ،‬واحلج واجلهاد بغيتك‪ ،‬والقرآن حمدثك بحجتك‪،‬‬
‫واهلل مؤنسك‪ ،‬فمن كانت هذه صفته كانت اجلنة منزلته‪ ،‬ثم رمى بطرفه نحو‬
‫السامء ثم استعرب وأنشأ يقول‪:‬‬
‫وإن ُ‬
‫كنت يا ذا املن واجلود جمرما‬ ‫إل���ي���ك إل����ه اخل���ل���ق أرف�����ع رغبيت‬
‫جعلت الرجا مين لعفوك سلما‬ ‫فلما قسا قليب وضاقت مذاهيب‬
‫بعفوك ربي كان عفوك أعظما‬ ‫ت��ع��اظ��م�ني ذن��ب��ي ف��ل��م��ا قرنته‬
‫جت�������ود وت����ع����ف����و م����ن����ة وت���ك���رم���ا‬ ‫عفو عن الذنب مل تزل‬
‫وما زلت ذا ٍ‬
‫فكيف وق���د أغ���وى صفيك آدما‬ ‫ف��ل��والك مل ي��غ��و ب��إب��ل��ي��س عابد‬
‫ظ���ل���وم غ���ش���وم م���ا ي���زاي���ل مأمثا‬ ‫ف��إن تعف ع�ني تعف ع��ن متمرد‬
‫ولو أدخلت نفسي جبرمي جهنما‬ ‫وإن ت��ن��ت��ق��م م�ن�ي ف��ل��س��ت بآيس‬
‫وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسما‬ ‫فجرمي عظيم من قديم وحادث‬
‫[تاريخ دمشق ‪]430/51‬‬

‫‪‬‬

‫حرضت أبا زرعة‪ ،‬يعني الرازي بامشهران‪،‬‬


‫ُ‬ ‫قال أبو جعفر التسرتي‪:‬‬
‫الس ْوق وعنده أبو حاتم وحممد بن مسلم واملنذر بن شاذان ومجاعة‬
‫وكان يف َّ‬
‫من العلامء‪ ،‬فذكروا حديث التلقني وقوله ‪« :H‬لقنوا موتاكم‬
‫ال إله إال اهلل»‪ ،‬فاستح َي ْوا من أيب زرعة وهابوا أن يل ِّقنوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬تعا َل ْوا ِ‬
‫نذكر‬
‫احلديث‪ ،‬فقال حممد بن مسلم‪ :‬حدثنا الضحاك بن خملد عن عبد احلميد بن‬
‫جعفر عن صالح‪ ،‬وجعل يقول‪ ،‬ومل جياوز‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬حدثنا بندار قال‪:‬‬

‫‪313‬‬
‫املــــــوت‬

‫حدثنا أبو عاصم عن عبد احلميد بن جعفر عن صالح‪ ،‬ومل جياوز‪ .‬والباقون‬
‫الس ْوق‪ :‬حدثنا بندار قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال أبو زرعة وهو يف َّ‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد احلميد بن جعفر عن صالح بن أيب عريب عن كثري بن ُمرة‬
‫احلرضمي عن معاذ بن جبل قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :H‬من كان آخر‬
‫[تاريخ بغداد ‪]33/12‬‬ ‫كالمه ال إله إال اهلل دخل اجلنة»‪ ،‬وتويف‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عن حييى بن عون‪ ،‬قال‪ :‬دخلت مع سحنون عىل ابن القصار وهو‬
‫مريض‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا القلق؟ قال له‪ :‬املوت والقدوم عىل اهلل‪ ،‬قال له‬
‫سحنون‪ :‬ألست مصد ًقا بالرسل والبعث واحلساب واجلنة والنار‪ ،‬وأن‬
‫أفضل هذه األمة أبو بكر ثم عمر‪ ،‬والقرآن كالم اهلل غري خملوق‪ ،‬وأن اهلل‬
‫يرى يوم القيامة‪ ،‬وأنه عىل العرش استوى‪ ،‬وال خترج عىل األئمة بالسيف‬
‫وإن جاروا؟ قال‪ :‬إي واهلل‪ ،‬فقال‪ :‬مت إذا شئت‪ ،‬مت إذا شئت‪.‬‬
‫[سري أعالم انلبالء ‪]67/12‬‬

‫‪‬‬

‫قال احلافظ أبو موسى عبد اهلل بن احلافظ عبد الغني املقديس‪ :‬مرض‬
‫مرضا شديدً ا منعه من الكالم والقيام‪،‬‬
‫والدي يف ربيع األول سنة ستامئة ً‬
‫كثريا ما أسأله‪ :‬ما تشتهي؟ فيقول‪:‬‬
‫واشتدّ به مدة ستة عرش يو ًما‪ ،‬وكنت ً‬
‫أشتهي اجلنة‪ ،‬أشتهي رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬ال يزيد عىل ذلك‪ .‬فلام كان يوم االثنني‬
‫حار من احلامم يغسل‬ ‫ٍ‬
‫جئت إليه‪ ،‬وكان عاديت أبعث من يأيت كل يوم بكرة بامء ٍّ‬
‫أطرافه‪ ،‬فلام جئنا باملاء عىل العادة مدّ يده‪ ،‬فعرفت أنه يريد الوضوء‪ ،‬فوضأته‬

‫‪314‬‬
‫املــــــوت‬

‫وقت صالة الفجر‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬قم ِّ‬
‫فصل بنا وخ ّفف‪ ،‬فقمت فصليت‬
‫جالسا‪ ،‬فلام انرصف الناس جئت‪ ،‬فجلست عند رأسه‬
‫ً‬ ‫باجلامعة‪ ،‬وصىل معنا‬
‫وقد استقبل القبلة‪ ،‬فقال يل‪ :‬اقرأ عند رأيس سورة يس‪ ،‬فقرأهتا‪ ،‬فجعل يدعو‬
‫اهلل وأنا أؤمن‪ ،‬فقلت‪ :‬ههنا دواء قد عملناه ترشبه؟ فقال‪ :‬يا بني ما بقي إال‬
‫املوت‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تشتهي شي ًئا؟ قال‪ :‬أشتهي النظر إىل وجه اهلل تعاىل‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫راض وعن إخوتك‪ ،‬وقد أجزت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫راض؟ قال‪ :‬بىل واهلل‪ ،‬أنا عنك‬ ‫ما أنت عني‬
‫لك وإلخوتك والبن أختك إبراهيم‪ .‬وأوصاين أيب عند موته‪ :‬ال تضيعوا‬
‫هذا العلم الذي تعبنا عليه ‪-‬يعني احلديث‪ -‬فقلت‪ :‬ما تويص بيشء؟ قال‪ :‬ما‬
‫عيل يشء‪ ،‬قلت‪ :‬توصيني بوصية‪ ،‬قال‪ :‬يا بني‪،‬‬
‫يل عىل أحد يش ٌء وال ألحد ّ‬
‫أوصيك بتقوى اهلل واملحافظة عىل طاعته‪ ،‬فجاء مجاعة يعودونه فسلموا عليه‬
‫فر ّد عليهم‪ .‬وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال‪ :‬ما هذا احلديث؟ اذكروا‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬قولوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فقالوها ثم قاموا‪ ،‬فجعل يذكر اهلل وحيرك‬
‫شفتيه بذكره ويشري بعينيه‪ ،‬فدخل رجل فسلم عليه وقال له‪ :‬ما تعرفني‬
‫يا سيدي؟ فقال‪ :‬بىل‪ ،‬فقمت ألناوله كتا ًبا من جانب املسجد فرجعت وقد‬
‫[ذيل طبقات احلنابلة ‪]44-43/3‬‬ ‫خرجت روحه‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫الفهـــــر�س‬

‫‪y‬‬
‫املقدمة‪5.................................................................‬‬
‫العقــــل‪7..............................................................‬‬
‫القلـــب‪16.............................................................‬‬
‫معرفة النفس‪19.........................................................‬‬
‫خمالطة الناس‪21.........................................................‬‬
‫امللــ�ذات‪24............................................................‬‬
‫تربية النفس‪27..........................................................‬‬
‫علو اهلمة‪30.............................................................‬‬
‫إصالح املـــال‪37.......................................................‬‬
‫اإلخـــالص‪40.........................................................‬‬
‫التع ُّبـــد‪44.............................................................‬‬
‫الصـــالة‪49............................................................‬‬
‫القـــرآن‪52.............................................................‬‬
‫الذكـــر‪55.............................................................‬‬
‫الدعــــاء‪57............................................................‬‬
‫خوف اهلل وخشيته‪64....................................................‬‬
‫اإلنفــــاق‪69...........................................................‬‬

‫‪316‬‬
‫الفهـــــر�س‬

‫الصـــوم‪82............................................................‬‬
‫احلــــج‪84.............................................................‬‬
‫الصبـــر‪87.............................................................‬‬
‫االبتـــالء‪91............................................................‬‬
‫العفـــو‪103............................................................‬‬
‫األخالق احلسنــة‪110..................................................‬‬
‫بـر الوالدين وصلة الرح�م‪113..........................................‬‬
‫النســـاء‪117...........................................................‬‬
‫تربية األوالد‪129........................................................‬‬
‫الزهد والورع‪136.......................................................‬‬
‫التوكـــل‪142..........................................................‬‬
‫مصاحبة األخيـــار‪147.................................................‬‬
‫حمبة اخلري للناس‪155....................................................‬‬
‫التواضـــع‪159.........................................................‬‬
‫االستشــارة‪161........................................................‬‬
‫االشتغال بام يعني‪166...................................................‬‬
‫احللم واألنـــاة‪169.....................................................‬‬
‫اللســـان‪172..........................................................‬‬
‫الصـــدق‪174..........................................................‬‬
‫املعايص‪178............................................................‬‬
‫احلقائق واألوهام‪182...................................................‬‬

‫‪317‬‬
‫الفهـــــر�س‬

‫البدعــــة‪187..........................................................‬‬
‫فضل العلم وتعظيم العلماء‪192.........................................‬‬
‫اإلنصـــاف‪200........................................................‬‬
‫أدب طلب العلم‪204....................................................‬‬
‫اجلد يف التعلم‪208.......................................................‬‬
‫جادة التعلم‪216.........................................................‬‬
‫لغة العرب‪222..........................................................‬‬
‫التفقـــه‪227............................................................‬‬
‫الكتب والكتابة‪234.....................................................‬‬
‫الرسوخ يف العل�م‪238...................................................‬‬
‫تبليغ العلم ‪247.........................................................‬‬
‫الفتــــوى‪250.........................................................‬‬
‫القضـــاء‪255..........................................................‬‬
‫صيانة العلم‪267........................................................‬‬
‫العمل بالعلم‪276.......................................................‬‬
‫سياسة الناس‪279.......................................................‬‬
‫التوايص باحلق‪292......................................................‬‬
‫احلسبـــة‪298...........................................................‬‬
‫املـــــوت‪309..........................................................‬‬
‫الفهرس‪316............................................................‬‬

‫‪318‬‬
‫مالحظات للقارئ لتدوين الفوائد‪:‬‬
‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪319‬‬
‫مالحظات للقارئ لتدوين الفوائد‪:‬‬
‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪...............................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................‬‬

‫‪320‬‬

You might also like