Professional Documents
Culture Documents
موزع معتمد
هذا وقد ِّبوبت احلكايات والقصص يف أبواب شبيهة بام كان يف كتاب
فقه النفس ،وروعي يف ترتيبها كذلك تقديم ما حكي عن الصحابة M؛
وأفقههم بعد األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم،
ُ إذ إهنم خري الناس
زماين بعدهم.
ّ ومل يراع ترتيب
واهلل تعاىل نسأل أن ينفعنا بام نقرأ ونكتب وأن يطهر قلوبنا وألسنتنا عام
ال يرضيه سبحانه ،إنه خري مو ِّفق ومعني.
املدينة املنورة
ربيع األول 1441هـ
6
العقـل
العقــــل
قال عطاء بن مسلم :ملا استخلف املهدى بعث إىل سفيان الثوري ،فلام
دخل خلع خامته ورمى به إليه فقال :يا أبا عبد اهلل ،هذا خامتي فاعمل يف
هذه األمة بالكتاب والسنة ،فأخذ اخلاتم بيده وقال :تأذن يف الكالم يا أمري
املؤمنني؟ وقال عبيد :قلت لعطاء :يا أبا خملد ،قال له «يا أمري املؤمنني»؟
قال :نعم ،قال :أتكلم عىل أين آمن؟ قال :نعم قال :ال تبعث إ َّيل حتى آتيك
وال تعطني شي ًئا حتى أسألك ،قال :فغضب من ذلك وهم به ،فقال له كاتبه:
7
العقـل
أليس قد أمنته يا أمري املؤمنني؟ قال :بىل ،فلام خرج حف به أصحابه فقالوا:
ما منعك يا أبا عبد اهلل وقد أمرك أن تعمل بالكتاب والسنة؟ فاستصغر
[سري أعالم انلبالء ]262/7 عقوهلم .ثم خرج هار ًبا إىل البرصة.
قال أبو سعيد الواسطي :دخلت عىل أمحد احلبس قبل الرضب ،فقلت
له يف بعض كالمي :يا أبا عبد اهلل ،عليك عيال ،ولك صبيان ،وأنت معذور،
كأين أسهل عليه اإلجابة ،فقال يل أمحد بن حنبل :إن كان هذا عق َلك يا أبا
[طبقات احلنابلة ]43/1 سعيد فقد اسرتحت.
8
العقـل
دخلت البلد فابدأ بالرجل ،فإن سمع وأطاع فقيده هبا وجئني به ،وإال فتوكل
أنت ومن معك به لئال هيرب ،وأنفذ الكتاب إىل أمري البلد لريكب يف جيشه
أجلتك لذهابك ستًّا ولعودك ستًّا ويو ًما ملقامك ،وهذا
ويقبض عليه ،وقد ّ
حممل جيعل يف ش ّقه إذا قيدته وتقعد أنت يف الشق اآلخر ،وال تكل حفظه إىل
غريك حتى تأتيني به يف اليوم الثالث عرش من خروجك ،فإذا دخلت داره
فتف ّقدْ ها ومجيع ما فيها وولده وأهله وحاشيته وغلامنه وما يقولون ،وقدر
ّ
واملحل ،واحفظ ما يقوله الرجل حر ًفا بحرف من ألفاظه منذ النعمة واحلال
وقوع طرفك عليه إىل أن تأتيني به ،وإياك أن يشذ عليك يشء من أمره .قال
ٍ
مملوك فركبت اإلبل ورسنا نطوي املنازل ونصل منارة :فخرجت أنا واملائة
البكور باألصائل حتى انتهيت إىل دمشق يف أول الليلة السابعة وأبواب البلد
مغلقة ،فكرهت طرقها فنمت بظاهر البلد إىل أن فتحت األبواب ،فدخلت
عىل هيئتي حتى أتيت باب دار الرجل وعليه صفف عظيمة وحاشية كثرية،
فلم أستأذن ودخلت بغري اكرتاث ،فلام أن رأى ذلك القوم سألوا بعض من
معي عني ،فقالوا :هذا منارة رسول أمري املؤمنني الرشيد إىل صاحبكم،
جملسا رأيت فيه قو ًما
فسكتوا .فلام رصت يف صحن الدار نزلت ودخلت ً
جلوسا ،فظننت الرجل فيهم .فقاموا ورحبوا يب وأكرموين ،فقلت :أفيكم
ً
ِ
فاستعجلوه ،فمىض فالن؟ قالوا :ال ،نحن أوالده وهو يف احلامم .قلت:
بعضهم يستعجله وأنا أتفقد الدار واحلال واحلاشية ،فوجدهتا قد ماجت
موجا شديدً ا .فلم أزل كذلك حتى خرج الرجل بعد أن أطال ،فاشتد
بأهلها ً
قلقي وخويف من أن يتوارى ،إىل أن رأيت ً
شيخا قد أقبل من احلامم يتمشى
9
العقـل
يف الصحن وحوله مجاعة كهول وأحداث حسان هم أوالده وغلامن كثري،
فعلمت أنه الرجل .فجاء حتى جلس وس ّلم ّ
عيل سال ًما خفي ًفا وسألني عن
أمري املؤمنني واستقامة أمر حرضته ،فأخربته بام وجب ،وما قىض كالمه حتى
جاؤوه بأطباق فاكهة ،فقال يل :تقدم يا منارة ،فقلت :ما يب إىل ذلك حاجة،
فلم يعاودين وأكل هو واحلارضون عنده ،ثم غسل يده ،ودعا بالطعام
فجاؤوه بامئدة حسنة عظيمة مل أر مثلها إال يف دار اخلليفة ،فقال :تقدّ م يا
منارة ،ساعدنا عىل األكل -وهو ال يزيدين عىل أن يدعوين باسمي كام يدعوين
اخلليفة -فامتنعت فام عاودين .وأكل هو وأوالده -وكانوا تسعة عددهتم-
ومجاعة كثرية من أصحابه وحاشيته ومجاعة من أوالد أوالده ،وتأملت أكله
يف نفسه فوجدته أكل امللوك ،ووجدت جأشه راب ًطا وذلك االضطراب الذي
كان يف داره قد سكن ،ووجدته ال ُيرفع من بني يديه يشء قد جعل عىل
املائدة إال نهُ ب .وقد كان غلامنه ملا نزلت الدار أخذوا مجايل وغلامين فغدوا
هبم إىل دار له فام أطاقوا ممانعتهم ،وبقيت وحدي ليس بني يدي إال مخسة
أو ستة منهم كانوا وقو ًفا عىل رأيس ،فقلت يف نفيس :هذا ج ّبار عنيد ،فإن
عيل من الشخوص فأنا ومن معي هالكون ،فجزعت ،وال سبيل إىل
امتنع ّ
إعالم أمري البلد ،وإىل أن يلحقني أمري البلد ال أملك لنفيس دفع رضر يريده
يب ،وذاك أين اسرتبت باستخفافه يب وهتاونه ودعائه يل باسمي ،وال يفكر يف
امتناعي من األكل ،وال يسأل عام جئت له ،بل أكل مطمئنًّا ،وأنا أفكر يف
ذلك إذ فرغ من طعامه وغسل يده ،ودعا ببخور ّ
فتبخر ،وقام إىل الصالة
وطول ،وأكثر من الدعاء واالبتهال ،ورأيت صالته حسنة ،فلام انفتل
ّ فصلىّ
10
العقـل
11
العقـل
12
العقـل
ودخلت عىل الرشيد ،فقال :هات ما عندك ،وإياك أن تغفل منه لفظة
واحدة .فسقت احلديث من أوله إىل آخره حتى انتهيت إىل ذكر الفاكهة
والطعام والغسل والطهور والبخور والصالة وما حدثت به نفيس من امتناعه
والغضب يظهر يف وجهه ويتزايد ،حتى انتهيت إىل فراغ األموي من الصالة
والتفاته إ ّيل ومسألته إياي عن سبب قدومي ودفعي الكتاب إليه ومبادرته
إىل أمر ولده وأسبابه وأهله وأصحابه وخدمه أال يتبعه أحد منهم ورصفه
إياهم ومدّ رجليه حتى قيدته ،فام زال وجه الرشيد يسفر ،فلام انتهيت إىل ما
خاطبني به عند توبيخي إياه ملا ركبنا يف املحمل قال :صدق واهلل! ما هذا إال
رجل حمسود عىل النعمة مكذوب عليه ،ولعمري لقد بالغنا يف أذيته وإرعاب
أهله وعشريتهِ ،
فبادر إىل نزع قيوده وأتني به .فخرجت فنزعت قيوده عنه
وأدخلته إىل الرشيد ،فلام وقع برصه عليه رأيت ماء احلياء جيول يف وجه
الرشيد ،فدنا األموي وس ّلم باخلالفة ووقف ،فر ّد عليه السالم ر ًّدا مجيلاً
وأمره باجللوس فجلس ،فأقبل عليه الرشيد يالطفه ويسائله عن حاله ،ثم
قال له :إنه بلغنا عنك هيئة مجيلة وآثار جليلة أحببنا أن نراك بجميل صفاتك
ونسمع حماسن كلامتك فنعطف بسبب ذلك عليك ونؤدي شكر نعمة اهلل
علينا باإلحسان إليك ،فاذكر حاجتك ،فأجاب األموي جوا ًبا رائ ًقا وشكر
ودعا وقال :أما حاجتي فال حاجة يل إال واحدة ،قال :مقضية ،فام هي؟ قال:
13
العقـل
يا أمري املؤمنني ،تر ّدين إىل بلدي وأهيل وولدي ،قال :نحن نفعل ذلك ،ولكن
سل ما حتتاج إليه من صالح جاهك ومعاشك؛ فمثلك ال خيلو أن حيتاج إىل
يشء من هذا ،فقال :عامل أمري املؤمنني منصفون ،وقد استغنيت بعدله عن
مسألة يشء من أمواله ،وأموري منتظمة وأحوايل مستقيمة ،وكذلك أمور
أهل بلدي بالعدل الشامل يف ظل دولة أمري املؤمنني ،فال أستغنم ماله .فقال
له الرشيد :انرصف حمفو ًظا إىل بلدك ،فال يكون أمر بالشام إال برأيك ،فاكتب
خارجا ثم أتبعه الرشيد بجائزة سنية
ً األموي
ّ إلينا بأمر إن عرض لك .فو ّدعه
رِ
فس به وخلعة هبية .فلام ولىّ
خارجا قال يل الرشيد :يا منارة امحله من وقته ْ
ً
راج ًعا كام سيرّ ته إلينا ،حتى إذا أوصلته إىل املجلس الذي أخذته منه فدعه
ِ
وانرصف. مكر ًما
فيه َّ
[اتلذكرة احلمدونية ،55/8حل العقال ص]77-75
بعث عضد الدولة القايض أبا بكر الباقالين يف رسالة إىل ملك الروم،
فلام ورد مدينته عرف امللك خربه وبني له حمله يف العلم ،فأفكر امللك يف أمره
وعلم أنه ال يك ِّفر له إذا دخل عليه كام جرى رسم الرعية أن تُق َّبل األرض
بني يدي امللوك ،ثم نتجت له الفكرة أن يضع رسيره الذي جيلس عليه وراء
ٍ
لطيف ال ُي َمكِّن أحدً ا أن يدخل منه إال راك ًعا ليدخل القايض منه عىل ٍ
باب
عوضا من تكفريه بني يديه ،فلام وضع رسيره يف ذلك املوضع أمر
تلك احلال ً
بإدخال القايض من الباب ،فسار حتى وصل إىل املكان ،فلام رآه تفكّر فيه ثم
فطن بالقصة ،فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب وهو يميش إىل خلفه
14
العقـل
وقد استقبل امللك بدبره حتى صار بني يديه ،ثم رفع رأسه ونصب ظهره
وأدار وجهه حينئذ إىل امللك ،فعجب من فطنته ووقعت له اهليبة يف نفسه.
[املنتظم ]96/15
وحج
حججت يف بعض السنني ّ ُ قال أبو بكر حممد بن عبد اهلل األسدي:
يف تلك السنة أبو القاسم عبد اهلل بن حممد البغوي وأبو بكر األَ َدمي القارئ،
فلام رصنا بمدينة الرسول Hجاءين أبو القاسم البغوي فقال يل :يا أبا
بكر ،ههنا رجل رضير قد مجع حلقة يف مسجد رسول اهلل Hوقعد
يقص ويروي الكذب من األحاديث املوضوعة واألخبار املفتعلة ،فإن رأيت
ّ
أن متيض بنا إليه لننكر عليه ذلك ونمنعه منه؟ فقلت له :يا أبا القاسم ،إن
كالمنا ال يؤثر مع هذا اجلمع الكثري واخللق العظيم ،ولسنا ببغداد فيعرف لنا
وأقبلت عىل أيب
ُ موضعنا وننزل منازلنا ،ولكن ههنا أمر آخر هو الصواب،
تبكر األدمي فقلت له :استعذ واقرأ ،فام هو إال أن ابتدأ بالقراءة حتى انف َّل ِ
احللقة وانفصل الناس مجي ًعا وأحاطوا بنا يسمعون قراءة أيب بكر ،وتركوا
الرضير وحده ،فسمعته يقول لقائده :خذ بيدي فهكذا تزول النعم.
[تاريخ بغداد ]526/2
15
القلب
القلـــب
ِ
عندك له أتى أ َّم الدرداء ٌ
رجل فقال :إن يب دا ًء من أعظم الداء ،فهل
دواء؟ قالت :وما ذاك؟ قال :إين أجد قسوة يف القلب .فقالت :أعظم الداء
داؤكُ :ع ِد املرىض واتبع اجلنائز وا َّط ِلع يف القبور لعل اهلل أن يلني قلبك،
ففعل الرجل فكأنه أحس من نفسه رقة ،فجاء إىل أم الدرداء يشكر هلا.
[الزهد أليب داود ص]197-196
16
القلب
كنت أحسب أنه أكرب من هذا ،قال :فوكزين يف صدري وكزة ثم قال :يا بني،
لقد قرأ علينا آية لو فهمتها بقلبك لبقي هلا فيك كلوم.
[حلية األويلاء ]83-82/4
جاء رجل إىل حممد بن سريين فذكر له شي ًئا من القدر ،فقال حممد:
[ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ] ووضع إصب َعي يديه
يف أذنيه وقال :إما أن خترج عني وإما أن أخرج عنك ،فخرج الرجل ،فقال
حممد :إن قلبي ليس بيدي ،وإين خفت أن ينفث يف قلبي شي ًئا فال أقدر عىل
[طبقات ابن سعد ]196/9 أن أخرجه منه ،فكان أحب إيل أن ال أسمع كالمه.
17
القلب
18
معرفة النف�س
معرفة النفس
قال أبو وائل :مضيت مع صاحب يل إىل سلامن نزوره ،فقدّ م إلىنا خبز
ً
جريشا ،فقال صاحبي :لو كان يف هذا امللح سعرت لكان أطيب، وملحا
ً شعري
رتا ،فلام أكلنا قال صاحبي :احلمد
فخرج سلامن فرهن مطهرته وأخذ سع ً
هلل الذي قنعنا بام رزقنا ،فقال سلامن :لو قنعت بام رزقت مل تكن مطهريت
[قوت القلوب ]304/2 مرهونة.
19
معرفة النف�س
قال حممد بن عبد الرمحن الطرائفي :حرضت بدمشق عند ابن جوصا،
فجعلت أمت ّلقه فقلت :أهيا الشيخ ،مثلك مثل ما قال ُكثيرِّ عزة:
��ك زينا ك���ان ل��ل��در ح��س ُ
��ن وج��ه ِ وإذا ال�������در زان ح���س���ن وج����وه
إن مل��س��ت��ي��ه أي�����ن م���ث��� ُل ِ
���ك أينا وت��زي��دي��ن أط��ي��ب ال��ط��ي��ب ِطي ًبا
قال عبيد اهلل بن احلسن قايض البرصة :كانت عندي جارية عجمية
فانتبهت فلم
ُ وضيئة ،وكنت هبا معج ًبا ،وكانت ذات ليلة نائمة إىل جنبي،
أجدها فالتمستها فلم أجدها ،وقلت :رس ،فلام وجدهتا وجدهتا ساجدة
وهي تقول :بحبك يل اغفر يل ،قلت هلا :ال تقويل هكذا ،قويل بحبي لك
اغفر يل ،فقالت :يا بطال ،حبه يل أخرجني من الرشك إىل اإلسالم ،وبحبه يل
أيقظ عيني وأنام عينك ،قلت :اذهبي فأنت حرة لوجه اهلل ،قالت :يا موالي،
[تاريخ بغداد ]309/10 أسأت إيل ،كان يل أجران صار يل أجر واحد.
20
خمالطة النا�س
مخالطة الناس
شهد رجل عند عمر بن اخلطاب Iشهادة فقال له :لست أعر ُفك،
وال يرضك ألاّ أعر َفك ،ائت بمن يعر ُفك ،فقال رجل من القوم :أنا أعرفه،
قال :بأي يشء تعرفه؟ قال :بالعدالة والعقل .قال :هو جارك األوىل الذي
تعرف ليله وهناره ومدخله وخمرجه؟ قال :ال ،قال :فعاملك بالدرهم والدينار
اللذين يستدل هبام عىل الورع؟ قال :ال ،قال :فرفيقك يف السفر الذي يستدل
به عىل مكارم األخالق؟ قال :ال ،قال :لست تعرفه ،ثم قال للرجل :ائت
[الكفاية يف علم الرواية ص]83 بمن يعر ُفك.
خرج عبد اهلل بن حمرييز إىل ّبزاز يشرتي منه ثو ًبا والبزاز ال يعرفه ،وعنده
رجل يعرفه ،فقال :بكم هذا الثوب؟ قال الرجل :بكذا وكذا ،فقال الرجل
الذي يعرفه :أحسن إىل ابن حمرييز ،فقال ابن حمرييز :إنام جئت أشرتي باميل
[حلية األويلاء ]138/5 ومل أجئ أشرتي بديني ،فقام ومل يشرت.
21
خمالطة النا�س
وكنت
ُ قال عبد اهلل بن عبد احلكم :ه ّيأ مالك بن أنس ُدعو ًة للطلبة
فيهم ،فمضينا معه إىل داره ،فلام دخلنا الدار قال :هذا املسرتاح وهذا املاء ،ثم
دخلنا البيت فلم يدخل معنا ،ودخل بعد ذلك فأتانا بالطعام ،ومل يؤت باملاء
رأيت ،قال :أما
قبله لغسل أيدينا ،ثم أيت به بعده ،فلام خرج الناس سألته عام ُ
إعالمي لكم باملسرتاح واملاء فإنام دعوتكم أل َب َّركم ،ولعل أحدكم يصيبه بول
أو غريه فال يدري أين يذهب فيصل إليه الرضر ،وأما تركي الدخول معكم
يف البيت فلعيل أقول :هاهنا أبا فالن اجلس ،وهاهنا أبا فالن اجلس ،وقد
نقصا فيه ،فرتكتكم حتى أخذتم جمالسكم ودخلت
أنسى بعضكم فيظ ّن ذلك ً
عليكم ،وأما تركي املاء قبل الطعام فإن الوضوء قبله من سنة األعاجم ،وأما
[ترتيب املدارك ]130/1 بعده فقد جاء يف ذلك حديث.
فال يزال يرشب وير ّدد هذا البيت حتى يأخذه النوم ،وكان أبو حنيفة
يسمع َج َل َبته كل يوم ،وكان أبو حنيفة يصيل الليل كله ،ففقد أبو حنيفة
ليال وهو حمبوس ،فصىل أبوصوته ،فسأل عنه ،فقيل :أخذه ال َعسس منذ ٍ
َ
حنيفة صالة الفجر من ٍ
غد وركب بغلته واستأذن عىل األمري ،قال األمري:
22
خمالطة النا�س
ائذنوا له ،وأقبلوا به راك ًبا وال تَدَ عوه ينزل حتى يطأ البساط ،ففعل ،فلم يزل
األمري يوسع له من جملسه ،وقال :ما حاجتك؟ قال :يل جار إسكاف أخذه
العسس منذ ٍ
ليال ،يأمر األمري بتخليته ،فقال :نعم ،وكل من أخذ يف تلك
الليلة إىل يومنا هذا ،فأمر بتخليتهم أمجعني ،فركب أبو حنيفة واإلسكاف
يميش وراءه ،فلام نزل أبو حنيفة مىض إليه ،فقال :يا فتى ،أضعناك؟ فقال:
خريا عن حرمة اجلوار ورعاية احلق،
حفظت ورعيت ،جزاك اهلل ً
َ ال ،بل
[تاريخ بغداد ]496/15 وتاب الرجل ومل يعد إىل ما كان.
باع أبو اجلهم سليامن بن اجلهم األنصاري داره بامئة ألف درهم ثم قال:
فبكم تشرتون جوار سعيد بن العاص؟ قالوا :وهل يشرتى جوار قط؟ قال:
ردوا عيل داري ثم خذوا مالكم ،ال أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني وإن
رآين رحب يب وإن غبت حفظني وإن شهدت َّقربني وإن سألته قىض حاجتي
وإن مل أسأله بدأين وإن نابتني فرج عني ،فبلغ ذلك سعيدً ا فبعث إليه بامئة
[وفيات األعيان ]535/2 ألف درهم.
23
امللذات
امللــذات
I قال حفص بن أيب العاص :كنا نتغدى عند عمر بن اخلطاب
بخبز َج ِشب ،وكان ينهى الناس أن ينخلوا الدقيق ويقول :هو طعام ،فنتغدى
ثريدً ا بلبن أو ثريدً ا بلحم غليظ فال يأكل القوم! فقلت :يا أمري املؤمنني إهنم
كنت تراين ُأ ْح ِسن أعمد إىل صاع
يرجعون إىل طعام هو ألني منه ،فقالَ :أو ما َ
أو صاعي زبيب فريش عليه من املاء ثم يص َّفى كأنه دم غزال ،وأعمد إىل
حور يل ،وأعمد إىل َعناق فتذبح ويلقى عنها شعرها صاع أو صاعي دقيق ف ُي َّ
ثم خترج من التنور كأنه ِصنًا؟ قلت :يا أمري املؤمنني إين أراك عا ًملا بطيب
الطعام ،قال :أجل واهلل الذي ال إله إال هو ،ولكني ال أتعجل طيبايت وقد
سمعت اهلل ذكر قو ًما فقال[ :ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
[الزهد أليب داود ص]84 ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ].
بطبق فيه ماء J من بيت حفصة I أيت عمر بن اخلطاب
وعسل ،فلام وضعه يف فيه دفعه إىل بعض من عنده ،فلام رشبه قال :يا أمري
24
امللذات
املؤمنني ما منعك أن ترشب؟ فام رشبت رشبة أطيب وال أحىل منه .قال:
كرهت منه الذي أعجبك ،إنني سمعت اهلل عيرَّ قو ًما فقال[ :ﯹ ﯺ
[الزهد أليب داود ص]103 ﯻ ﯼ ﯽ ]...اآلية».
دخل ابن مطيع عىل عبد اهلل بن عمر Lيعوده ،فرآه قد نحل جسمه
فقال لصفية :أال تلطفينه لعله أن يرتد إليه جسمه ،تصنعني له طعا ًما؟ قالت:
إنا لنفعل ذلك ،ولكن ال يدع أحدً ا من أهله وال من حيرضه إال دعاه إليه ،فلو
أنك كلمته .فقال له ابن مطيع :لو اختذت طعا ًما يرجع إليك جسمك؟ قال:
عيل ثامين سنني ما أشبع فيها شبعة واحدة ،أو قال :إال شبعة واحدة،
إنه ليأيت َّ
فاآلن أريد أن أشبع حني مل يبق من عمري إال ظِ ْم ُء محار؟!».
[الزهد أليب داود ص]269
25
امللذات
األلوان الثريد ومكان هذه األخبصة احليس ،ولوال أنك رجل منا أهل البيت
[اجلوع البن أيب ادلنيا ص]159 ما قلت لك.
قال مزاحم موىل عمر بن عبد العزيز :اشرتيت لعمر بن عبد العزيز
وهو أمري املدينة للوليد كساء خز بستامئة دينار أو سبعامئة دينار فجعل جيسه
ويقول :إنه خشن ،فلام ويل اخلالفة قال :إين ألجد الربد بالليل ،فاشرتيت
له كساء بعرشة دراهم فلام أتيته به جعل جيسه ويقول :إنه ل َلينِّ فضحكت
فقال :مم تضحك؟ فقلت :ما تذكر حني اشرتيت لك كساء بستامئة دينار أو
بسبعامئة فجعلت تقول :إنه خلشن؟ وتقول هلذا إنه للني! فقال :يا مزاحم،
واهلل لئن كان عيش سليامن بن عبد امللك وعيش زياد موىل ابن عياش واحدً ا
ألن أعيش يف الدنيا بعيش سليامن أحب إيل ،ولئن كان زياد موىل ابن عياش
صرب يف الدنيا عىل العيش الذي يعيشه لكي يطيب له العيش يف اآلخرة فواهلل
ألن أصرب عىل مثل عيش زياد هذه األيام القالئل ليطيب يل العيش يف اآلخرة
[تاريخ دمشق ]238 /19 يف تلك األيام الكثرية أحب إيل».
قال أبو الربيع األعرج :دخلت عىل داود الطائي بيته بعد املغرب فقرب
يل كسريات يابسة ،فعطشت فقمت إىل ٍّ
دن فيه ماء حار ،فقلت :رمحك اهلل!
لو اختذت دنًّا غري هذا يكون فيه املاء بار ًدا ،فقال يل :إذا كنت ال أرشب
إال بار ًدا وال آكل إال ط ِّي ًبا وال ألبس إال ل ِّينًا فام أبقيت آلخريت؟
[وفيات األعيان ]261/2
26
تربية النف�س
تربية النفس
27
تربية النف�س
خرج حسان بن أيب سنان يوم العيد ،فلام رجع قالت له امرأته :كم من
نظرت إال
ُ ِ
وحيك ،ما أكثرت قال:
ْ نظرت إليها اليوم ورأيتها! فلام
َ امرأة حسنة
[حلية األويلاء ]115/3 رجعت إليك.
ُ ِ
عندك حتى خرجت من
ُ يف إهبامي منذ
قال حذيفة املرعيش :قدم شقيق البلخي مكة وإبراهيم بن أدهم بمكة،
فاجتمع الناس فقالوا :نجمع بينهام ،فجمعوا بينهام يف املسجد احلرام ،فقال
أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق:
إبراهيم بن أدهم لشقيق :يا شقيق ،عالم َّ
أصلنا أصولنا عىل أنا إذا رزقنا أكلنا وإذا منعنا صربنا ،فقال إبراهيم بن
أدهم :هكذا كالب بلخ ،إذا رزقت أكلت وإذا منعت صربت ،فقال شقيق:
فعىل ماذا أصلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال :أصلنا أصولنا عىل أنا إذا
رزقنا آثرنا وإذا منعنا حمَ ِدْ نا وشك َْرنا ،قال :فقام شقيق وجلس بني يديه وقال:
[املجالسة ]190/1 يا أبا إسحاق ،أستاذنا أنت.
كان عافية القايض يتق ّلد للمهدي القضاء بأحد جانبي مدينة السالم
مكان ابن عالثة ،وكان عافية عا ًملا زاهدً ا ،فصار إىل املهدي يف وقت الظهر يف
خال ،فاستأذن عليه فأدخله ،فإذا معه قمطره ،فاستعفاه يوم من األيام وهو ٍ
من القضاء ،واستأذنه يف تسليم القمطر إىل من يأمر بذلك ،فظ ّن أن بعض
غض منه أو أضعف يده يف احلكم ،فقال له يف ذلك ،فقال :ما
األولياء قد ّ
جرى من هذا يشء ،قال :فام سبب استعفائك؟ فقال :كان يتقدّ م إيل خصامن
28
تربية النف�س
29
علو الهمة
علو الهمة
30
علو الهمة
ب ،معه جاريتان تُظ ِّلالن عليه بريش الطواويس ،بينه وبني
أشه َ
عىل برذون َ
فاخرتت ثالثني
ُ ٍ
رسح ،فندب يل الناس أمرينا اب َن أيب
فأتيت َ
ُ جيشه بيضا ُء،
محوا
وقلت هلم :ا ُ
ُ ومحلت
ُ وقلت لسائرهم :البثوا عىل مصا ِّفكم،
ُ فارسا،
ً
فخرقت الصف إىل جرجري وخرجت صامدً ا ،وما حيسب هو
ُ ظهري،
الرش ،فثابر برذونه
فعرف َّ
َ ٌ
رسول إليه ،حتى دنوت منه وال أصحا ُبه إال أين
رأسه فنصبتُه عىل رحمي وكبرَّ ُت،
احتززت َ
ُ مو ِّل ًيا ،فأدركتُه فطعنتُه فسقط ،ثم
[سري أعالم انلبالء ]371/3 العدو ومنح اهلل أكتا َفهم.
ُّ فارفض
َّ ومحل املسلمون،
يف مجاعة إليهم ليأتيه بأخبارهم ،فسار جمدًّ ا ووصل إليهم وأقام معهم ،وملا
وصل كثر الصياح والتكبري يف املسلمني ،فسأل جرجري عن اخلرب فقيل قد
أتاهم عسكر ،ففت ذلك يف عضده .ورأى عبد اهلل بن الزبري قتال املسلمني
كل يوم من بكرة إىل الظهر ،فإذا أذن الظهر عاد كل فريق إىل خيامه ،وشهد
القتال من الغد فلم ير ابن أيب رسح معهم ،فسأل عنه ،فقيل إنه سمع منادي
جرجري يقول :من قتل عبد اهلل بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي،
وهو خياف ،فحرض عنده وقال له :تأمر مناد ًيا ينادي :من أتاين برأس جرجري
نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته عىل بالده .ففعل ذلك ،فصار
جرجري خياف أشد من عبد اهلل.
ثم إن عبد اهلل بن الزبري قال لعبد اهلل بن سعد :إن أمرنا يطول مع
هؤالء ،وهم يف أمداد متصلة وبالد هي هلم ،ونحن منقطعون عن املسلمني
31
علو الهمة
وبالدهم ،وقد رأيت أن نرتك غدً ا مجاعة صاحلة من أبطال املسلمني يف خيامهم
متأهبني ،ونقاتل نحن الروم يف باقي العسكر إىل أن يضجروا ويملوا ،فإذا
رجعوا إىل خيامهم ورجع املسلمون ركب من كان يف اخليام من املسلمني،
ومل يشهدوا القتال وهم مسرتحيون ،ونقصدهم عىل غرة ،فلعل اهلل ينرصنا
عليهم ،فأحرض مجاعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه عىل ذلك.
فلام كان الغد فعل عبد اهلل ما اتفقوا عليه ،وأقام مجيع شجعان املسلمني يف
خيامهم وخيوهلم عندهم مرسجة ،ومىض الباقون فقاتلوا الروم إىل الظهر
قتالاً شديدً ا .فلام أذن بالظهر هم الروم باالنرصاف عىل العادة ،فلم يمكنهم
ابن الزبري وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم ،ثم عاد عنهم هو واملسلمون،
فكل من الطائفتني ألقى سالحه ووقع تع ًبا ،فعند ذلك أخذ عبد اهلل بن الزبري
حيا من شجعان املسلمني ،وقصد الروم ،فلم يشعروا هبم حتى
من كان مسرت ً
خالطوهم ،ومحلوا محلة رجل واحد وكربوا ،فلم يتمكن الروم من لبس
سالحهم ،حتى غشيهم املسلمون وقتل جرجري ،قتله ابن الزبري ،واهنزم
الروم ،وقتل منهم مقتلة عظيمة ،وأخذت ابنة امللك جرجري سبية.
[الاكمل يف اتلاريخ ]463/2
32
علو الهمة
رفت هبا بعد ذلك ،فقيل هلا قنطرة أم حكيم ،ثم أصبح فأومل
عند القنطرة ف ُع ْ
عليها ،فام فرغوا من الطعام حتى وافتهم الروم ،ووقع القتال ،فاستشهد
خالد ،وشدت أم حكيم عليها ثياهبا ،وتبدّ ت وإن عليها أثر اخللوق .فاقتتلوا
عىل النهر ،فقاتلت أم حكيم يومئذ فقتلت بعمود الفسطاط ا ّلذي أعرس هبا
غزا عبد الوهاب بن بخت مع عبد اهلل البطال أرض الروم ،فاهنزم
فرسا أجبن
الناس عن البطال ،فحمل عبد الوهاب وهو يقول :ما رأيت ً
منك ،سفك اهلل دمي إن مل أسفك دمك! ثم ألقى بيضته عن رأسه وصاح:
أنا عبد الوهاب بن بخت! أمن اجلنة تفرون! ثم تقدم يف نحر العدو ،فمر
برجل يقول :واعطشاه! فقال :تقدم ،الري أمامك ،فخالط القوم ،ف ُقتل
[الاكمل يف اتلاريخ ]209 /4 وقتل فرسه.
قال عبد اهلل البطال :سألني بعض والة بني أمية عن أعجب ما كان
من أمري يف مغازي فيهم ،فقلت له :خرجت يف رسية ليلاً ،فدفعنا إىل قرية،
فقلت ألصحايب :أرخوا جلم خيلكم وال حتركوا أحدً ا بقتل وال بيشء حتى
تستمكنوا من القرية ومن سكاهنا ،ففعلوا وافرتقوا يف أزقتها ،فدفعت يف
أناس من أصحايب إىل بيت يزهر رساجه ،وإذا امرأة تسكت ابنها من بكائه
33
علو الهمة
وهي تقول له :لتسكتن أو ألدفعنك إىل البطال يذهب بك ،وانتشلته من
[ابلداية وانلهاية ]363/9 رسيره وقالت :خذه يا بطال ،قال :فأخذته.
قال عبد اهلل البطال :انفردت مرة ليس معي أحد من اجلند ،وقد سمطت
خلفي خمالة فيها شعري ،ومعي منديل فيه خبز وشواء ،فبينا أنا أسري لعيل
ألقى أحدً ا منفر ًدا أو أطلع عىل خرب إذا أنا ببستان فيه بقول حسنة ،فنزلت
وأكلت من ذلك البقل باخلبز والشواء مع النَّ ْقل ،فأخذين إسهال عظيم قمت
مرارا ،فخفت أن أضعف من كثرة اإلسهال ،فركبت فريس واإلسهال
منه ً
مستمر عىل حاله ،وجعلت أخشى إن أنا نزلت عن فريس أن أضعف عن
الركوب ،وأفرط يب اإلسهال يف السري حتى خشيت أن أسقط من الضعف،
فأخذت بعنان الفرس ونمت عىل وجهي ال أدري أين يسري الفرس يب ،فلم
أشعر إال بقرع نعاله عىل بالط ،فأرفع رأيس فإذا دير ،وإذا قد خرج منه نسوة
صحبة امرأة حسناء مجيلة جدًّ ا ،فجعلت تقول بلساهنا :أنزلنه ،فأنزلنني
فغسلن عني ثيايب ورسجي وفريس ،ووضعنني عىل رسير وعملن يل طعا ًما
ورشا ًبا ،فمكثت يو ًما وليلة مستو ًيا ،ثم أقمت بقية ثالثة أيام حتى ترد إيل
فأمر ْت بفريس
حايل ،فبينا أنا كذلك إذا أقبل البطريق وهو يريد أن يتزوجهاَ ،
فحول و ُغ ِّلق ّ
عيل الباب الذي أنا فيه ،وإذا هو بطريق كبري فيهم ،وهو إنام
جاء خلطبتها ،فأخربه من كان هنالك بأن هذا البيت فيه رجل وله فرس ،فهم
باهلجوم عيل فمنعته املرأة من ذلك ،وأرسلت تقول له :إن فتح عليه الباب
34
علو الهمة
مل أقض حاجته ،فثناه ذلك عن اهلجوم عيل ،وأقام البطريق إىل آخر النهار يف
ضيافتهم ،ثم ركب فرسه وركب معه أصحابه وانطلق .قال البطال :فنهضت
فه َّمت أن متنعني خو ًفا عيل منهم فلم أقبل ،وسقت حتى حلقتهم،
يف أثرهم َ
فحملت عليه فانفرج عنه أصحابه ،وأراد الفرار فأحلقه فأرضب عنقه
واستلبته ،وأخذت رأسه مسم ًطا عىل فريس ورجعت إىل الدير ،فخرجن إيل
ووقفن بني يدي ،فقلت :اركبن ،فركبن ما هنالك من الدواب وسقت هبن
حتى أتيت أمري اجليش فدفعتهن إليه ،فنفلني ما شئت منهن ،فأخذت تلك
[ابلداية وانلهاية ]364-363 /9 املرأة احلسناء بعينها ،فهي أم أوالدي.
خلعت الروم من امللك الست ريني وهلكت بعد أشهر وأقاموا عليهم
نقفور ،والروم تزعم أن نقفور من ولد جفنة الغساين الذي تنصرّ ،وكان
نقفور قبل امللك ييل نظر الديوان .فكتب نقفور هذا الكتاب :من نقفور ملك
الروم إىل هارون ملك العرب ،أما بعد فإن امللكة التي كانت قبيل أقامتك
الر ّخ وأقامت نفسها مقام البيذق ،فحملت إليك من أمواهلا ،وذلك
مقام ُّ
لضعف النساء ومحقهن ،فإذا قرأت كتايب هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد
فالسيف بيننا .فلام قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق
ُ نفسك ،وإال
جلساؤه خو ًفا من بادرة ُ
تقع منه ،ثم كتب بيده عىل ظهر الكتاب :من هارون
أمري املؤمنني إىل نقفور كلب الروم! قرأت كتابك يا ابن الكافرة ،واجلواب
ما تراه دون ما تسمعه ،ثم ركب من يومه وأرسع حتى نزل عىل مدينة هرقلة،
35
علو الهمة
وأوطأ الروم ذلاًّ وبال ًء ،فقتل وسبى ،وذل نقفور وطلب املوادعة عىل خراج
حيم ُله ،فأجابه .فلام رد الرشيد إىل الرقة نقض نقفور ،فلم جيرس أحد أن يبلغ
الرشيد ،حتى عملت الشعراء أبياتًا يلوحون بذلك ،فقال :أوقد فعلها؟
فكر راج ًعا يف مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال منه مراده .ويف ذلك يقول
ّ
أبو العتاهية:
�����ك امل�����وف�����ق ل���ل���ص���واب م َ
������ن امل�����ل ِ َت ه���� َرق����ل���� ُة ب����اخل����راب
أال َن����������اد ْ
ويُ����ب���رق ب����امل����ذك����رة ال���ص���ع���اب ُ
����������ارون يُ����رع����د باملنايا غ������دا ه
السحاب مت����� ّر ك��أن��ه��ا ِق َ
����ط���� ُع َ ُ وراي�����������ات حي�����ل ال����ن����ص���� ُر فيها
[العرب ]228-227/1
36
�إ�صالح املال
إصالح املـــال
37
�إ�صالح املال
قال ميمون بن مهران :قدمت الكوفة وأنا أريد أن أشرتي البز ،فأتيت
حممد بن سريين وهو يومئذ بالكوفة فساومته ،فجعل إذا باعني صن ًفا من
عيل ثالث مرات،
أصناف البز قال :هل رضيت؟ فأقول :نعم ،فيعيد ذلك َّ
ثم يدعو رجلني فيشهدمها عىل بيعنا ثم يقول :انقل متاعك ،وكان ال يشرتي
وال يبيع هبذه الدراهم احلجاجية ،فلام رأيت ورعه ما تركت شي ًئا من حاجتي
[الطبقات الكربى ]202 /7 أجده عنده إال اشرتيته حتى لفائف البز.
كان حفص بن عبد الرمحن رشيكًا لإلمام أيب حنيفة وكان أبو حنيفة
جيهز عليه ،فبعث إليه يف رفقة بمتاع وأعلمه أن يف ثوب كذا وكذا عي ًبا ،فإذا
ِّ
بعته فبينِّ ،فباع حفص املتاع ونيس أن يبني ومل يعلم ممن باعه ،فلام علم أبو
[تاريخ بغداد ]490/15 حنيفة تصدّ ق بثمن املتاع كله.
قال الفضيل بن عياض البن املبارك :يا ابن املبارك أنت تأمرنا بالزهد
والتق ُّلل وال ُب ْلغة ونراك تأيت بالبضائع من بالد خراسان إىل البلد احلرام،
كيف ذا؟ فقال ابن املبارك :يا أبا عيل إنام أفعل ذا ألصون به وجهي وأكرم به
سارعت إليه حتى أقوم
ُ عريض وأستعني به عىل طاعة ريب ،ال أرى هلل ح ًّقا إال
تم ذا.
به ،فقال له الفضيل :يا ابن املبارك ،ما أحسن ذا إن ّ
[تاريخ بغداد ]397/11
38
�إ�صالح املال
مج ٍ
ال إىل مكة فأمروه يعمل هلم خبزة ،فلم نفسه من َّ ُ
سفيان الثوري َ آجر
جتئ جيدة فرضبه اجلامل ،فلام قدموا مكة دخل اجلامل ،فإذا سفيان قد اجتمع
انفض عنه الناس تقدَّ م الناس ،فسأل فقالوا :هذا سفيان الثوري ،فلام َّ ُ حوله
اجلامل إليه وقال :مل نعرفك يا أبا عبد اهلل ،قال :من ُي ْف ِسد طعا َم الناس يصي ُبه
[سري أعالم انلبالء ]275/7 أكثر من ذلك.
ُ
قال عبد اهلل بن أمحد :حدثنا عيل بن اجلهم قال :كان لنا جار فأخرج
إلينا كتا ًبا ،فقال :أتعرفون هذا اخلط؟ قلنا :هذا خط أمحد بن حنبل ،فكيف
كتب لك؟ قال :كنا بمكة مقيمني عند سفيان بن عيينة ،ففقدنا أمحد أيا ًما ،ثم
جئنا لنسأل عنه ،فإذا الباب مردود عليه ،وعليه خلقان ،فقلت :ما خربك؟
قرضا،
قال :رسقت ثيايب ،فقلت له :معي دنانري ،فإن شئت صلة وإن شئت ً
دينارا ،فقالِ :
اشرت يل فأبى ،فقلت :تكتب يل بأجرة؟ قال :نعم ،فأخرجت ً
وجئت
ُ ففعلت
ُ إزارا ورداء ،وجئني ببقية الدينار،
ثو ًبا واقطعه نصفني ،يعني ً
[تاريخ اإلسالم ]78/18 بورق ،فكتب يل هذا.
39
الإخال�ص
اإلخـــالص
قال عبد اهلل بن عون :كنت مع ابن سريين يف جنازة ،فلام انرصفنا
حرضت الصالة ،فلام أقيمت قيل البن سريين :تقدم ،فقال ليتقدم بعضكم،
وال يتقدم إال من قرأ القرآن ،ثم قال يل :تقدم ،فتقدمت فصليت هبم ،فلام
فرغت قلت يف نفيس :ماذا صنعت؟ شي ًئا كرهه ابن سريين لنفسه تقدمت
عليه! فقلت له :يرمحك اهلل ،أمرتني بيشء كرهته لنفسك ،فقال :إين كرهت
أن يمر املار فيقول هذا ابن سريين يؤم الناس.
[مصنف ابن أيب شيبة ]359/1
قال عبدة بن سليامن املروزي :كنا رس َّي ًة مع ابن املبارك يف بالد الروم،
رجل من العدو فدعا إىل البرِ از،
العدو ،فلام التقى الص َّفان خرج ٌ ّ فصادفنا
فخرج إليه رجل فقتله ،ثم آخر فقتله ،ثم آخر فقتله ،ثم دعا إىل الرباز،
40
الإخال�ص
فنظرت
ُ الناس،
ُ فخرج إليه رجل ،فطارده ساع ًة فطعنه فقتله فازدحم إليه
فإذا هو عبد اهلل بن املبارك ،وإذا هو يكتُم وجهه بك ُِّمه ،فأخذت بطرف كمه
فمددتُه ،فإذا هو هو ،فقال :وأنت يا أبا عمرو ممن ُيشنِّع علينا.
[سري أعالم انلبالء ]394/8
قال صالح بن اإلمام أمحد :عزم أيب عىل اخلروج إىل مكة ليقيض حجة
اإلسالم ،ووافق حييى بن معني فقال :نميض إن شاء اهلل ،فنقيض حجتنا،
ونميض إىل عبد الرزاق إىل صنعاء نسمع منه ،وكان حييى بن معني يعرف
عبد الرزاق وقد سمع منه ،فوردنا مكة وطفنا طواف الورود فإذا عبد الرزاق
يف الطواف يطوف ،فطاف وخرج إىل املقام فصىل ركعتني وجلس ،فتممنا
طوافنا أنا وأمحد ،وجئنا وعبد الرزاق جالس عند املقام ،فقلت ألمحد :هذا
عبد الرزاق ،قد أراحك اهلل من مسرية شهر ذاه ًبا وجائ ًيا ومن النفقة ،فقال:
[طبقات احلنابلة ]175/1 ما كان اهلل يراين وقد نويت له نية ُأفسدها وال أمتها.
41
الإخال�ص
ال ُأوثر عىل حبك شي ًئا ،يقول :فلام سمعته أخذين الشهيق والبكاء ،فقال:
[صفة الصفوة ]476/1 اللهم إنك تعلم أين لو أعلم أن هذا هنا مل أتكلم.
حارص َم ْس َلمة حصنًا ،فندب الناس إىل نقب منه فام دخله أحد ،فجاء
رجل من ُع ْرض اجليش فدخله ففتحه اهلل عليهم ،فنادى مسلمة :أين
صاحب النقب؟ فام جاءه أحد ،فنادى :إين قد أمرت ِ
اآلذن بإدخاله ساعة
يأيت ،فعزمت عليه إلاّ جاء ،فجاء ٌ
رجل فقال :استأذن يل عىل األمري ،فقال
له :أنت صاحب النقب؟ قال :أنا أخربكم عنه ،فأتى مسلمة فأخربه عنه،
تسودوا اسمه يف
ّ فأذن له فقال له :إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثال ًثا :ألاّ
صحيفة إىل اخلليفة ،وال تأمروا له بيشء ،وال تسألوه ممن هو ،قال :فذاك له.
قال :أنا هو .فكان مسلمة ال يصيل بعدها صالة إال قال :اللهم اجعلني مع
[عيون األخبار ]266/1 صاحب النقب.
قال حييى بن حييى :وملا قرأ أسد عىل ابن القاسم األسدية وضع أشهب
يده يف مثلها ،فخالفه يف جلها ،فقلت البن القاسم :يا أبا عبد اهلل ،لو أعدت
نظرك يف هذه الكتب؛ فإن صاحبك قد خالفك ،فام ال َءمك عليه أقررته وما
خالفك فيه أعدت النظر فيه ،فقال :أفعل إن شاء اهلل .فلام تقاضيته بعد أيام
يف ذلك فقال :يا أبا حممد نظرت يف مقالتك ،فوجدت إجابتي يوم أجبت
42
الإخال�ص
أ ّلف املاوردي املؤلفات يف التفسري والفقه وغري ذلك ومل يظهر يشء
يف حياته ،وملا دنت وفاته قال لشخص يثق به :الكتب التي يف املكان الفالين
ووقعت يف النزع فاجعل يدك يف يدي،
ُ املوت
َ ك ُّلها تصنيفي ،وإنام إذا عاينت
قبضت عليها فاعلم أنه مل يقبل مني يشء ،فاعمد إليها وألقها يف دجلة
ُ فإن
بالليل ،وإذا بسطت يدي فاعلم أهنا قبلت مني وأين ظفرت بام أرجوه من
النية اخلالصة ،فلام حرضته الوفاة بسط يدهُ .فأ ِ
ظهرت كتبه بعد ذلك.
[وفيات األعيان ،282/3طبقات الشافعية الكربى ]268/5
43
التعبد
التعبـــد
ُّ
إىل L أبا موسى ومعاذ بن جبل H بعث رسول اهلل
اليمن ،وبعث كل واحد منهام عىل خمالف ،واليمن خمالفان ،ثم قال« :يسرا
وال تعسرا ،وبشرا وال تنفرا» فانطلق كل واحد منهام إىل عمله ،وكان كل واحد
منهام إذا سار يف أرضه وكان قري ًبا من صاحبه أحدث به عهدً ا فسلم عليه،
فسار معاذ يف أرضه قري ًبا من صاحبه أيب موسى ،فجاء يسري عىل بغلته حتى
انتهى إليه ،وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد مجعت
أيم هذا؟ قال :هذا رجل
يداه إىل عنقه ،فقال له معاذ :يا عبد اهلل بن قيس َ
كفر بعد إسالمه ،قال :ال أنزل حتى يقتل ،قال :إنام جيء به لذلك فانزل،
قال :ما أنزل حتى يقتل ،فأمر به فقتل ،ثم نزل .فقال :يا عبد اهلل ،كيف تقرأ
أتفوقه تفو ًقا ،قال :فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال :أنام أول
القرآن؟ قالّ :
الليل ،فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم ،فأقرأ ما كتب اهلل يل ،فأحتسب
[صحيح ابلخاري ]161 /5 نومتي كام أحتسب قومتي.
44
التعبد
من زوجها نصيب .قال :فإذا فهمت ذلك فاقض بينهام قال :يا أمري املؤمنني،
أحل اهلل من النساء مثنى وثالث ورباع ،فلها من كل أربعة أيام يوم يفطر
ويقيم عندها ،ومن كل أربع ليال ليلة يبيت عندها.
[مصنف عبد الرزاق ]149 /7
فتوضأ ثم ركع أربع ركعات ،فلام ص ّلينا الفجر قلت :يا أبا عبد اهلل! كانت
45
التعبد
يل ساعة من الليل أقومها ،وكنت أتي ّقظ هلا فأجدك نائماً ،قال :يا ابن أخي!
فأيش كنت تسمعني أقول؟ فأخربته ،فقال :يا ابن أخي تلك الصالة ،إن
كفارات ملا بينهن ما اجتنبت املقتلة ،يا ابن أخي عليك
ٌ اخلمس
َ الصلوات
[تاريخ دمشق ]446/21 بالقصد فإنه أبلغ.
كان للعالء بن زياد مال ورقيق فأعتق بعضهم ووصل بعضهم وباع
بعضهم وأمسك غال ًما أو اثنني يأكل غلتهام ،فتعبد فكان يأكل كل يوم
رغيفني ،وترك جمالسة الناس فلم يكن جيالس أحدً ا ،يصيل يف اجلامعة ثم
يرجع إىل أهله ،ويجُ ِّمع ثم يرجع إىل أهله ،ويشيع اجلنازة ثم يرجع إىل أهله،
ويعود املريض ثم يرجع إىل أهله ،فضعف فبلغ ذلك إخوانه فاجتمعوا ،فأتاه
أنس بن مالك واحلسن والناس وقالوا :رمحك اهلل أهلكت نفسك ال يسعك
هذا ،فكلموه وهو ساكت ،حتى إذا فرغوا من كالمهم قال :إنام أتذلل هلل
[حلية األويلاء ]243/2 تعاىل لعله يرمحني.
46
التعبد
طلع الفجر ،ودخل منزله ولبس ثيابه ،وخرج إىل املسجد وصىل الغداة،
فجلس للناس إىل الظهر ،ثم إىل العرص ،ثم إىل املغرب ،ثم إىل العشاء،
فقلت يف نفيس :إن الرجل قد ّ
تنشط الليلة ،ألتعاهدنه الليلة ،فتعاهدته،
فلام هدأ الناس خرج فانتصب للصالة ،ففعل كفعله يف الليلة األوىل ،فلام
أصبح خرج إىل الصالة ،وفعل كفعله يف يوميه ،حتى إذا صىل العشاء قلت
يف نفيس :إن الرجل لينشط الليلة والليلة ،ألتعاهدنه الليلة ،ففعل كفعله يف
ليلتيه ،فلام أصبح جلس كذلك ،فقلت يف نفيس :أللزمنه إىل أن يموت أو
مسعرا مات يف
ً أموت ،فالزمته يف مسجده ،قال ابن أيب معاذ :فبلغني أن
[تاريخ بغداد ]487/15 مسجد أيب حنيفة يف سجوده.
47
التعبد
ٍ
شباب يمر عىل
كان صلة بن أشيم خيرج إىل اجلبانة فيتع ّبد فيها ،فكان ّ
يلهون ويلعبون ،فيقول هلم :أخربوين عن قو ٍم أرادوا ً
سفرا فحادوا النهار عن
يمر هبم ويعظهم،
الطريق وناموا بالليل متى يقطعون سفرهم؟ فكان كذلك ّ
فمر هبم ذات يو ٍم فقال هلم هذه املقالة ،فانتبه ّ
شاب منهم فقال :يا قوم ،إنه ّ
ال يعني هبذا غرينا ،نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام ،ثم اتبع صلة فلم يزل
[حلية األويلاء ]238/2 خيتلف معه إىل اجلبانة فيتع ّبد معه حتى مات.
48
ال�صـــالة
الصـــالة
قفل أبو رحيانة ِ Iمن ٍ
بعث غزا فيه ،فلام انرصف أتى أهله فتعشى
من عشائه ،ثم دعا بوضوء فتوضأ منه ثم قام إىل مسجده ،فقرأ سورة ثم
أخرى ،فلم يزل ذلك مكانه كلام فرغ من سورة افتتح أخرى ،حتى إذا أذن
املؤذن من السحر شد عليه ثيابه فأتته امرأته ،فقالت :يا أبا رحيانة قد غزوت
فتعبت يف غزوتك ثم قدمت ،أمل يكن يل منك حظ ونصيب؟ فقال :بىل واهلل،
ما خطرت يل عىل بال ،ولو ذكرتك لكان لك عيل حق ،قالت :فام الذي
شغلك يا أبا رحيانة؟ قال :مل يزل هيوى قلبي يف ما وصف اهلل يف جنته من
لباسها وأزواجها ولذاهتا حتى سمعت املؤذن.
[تهذيب الكمال ]563/12
صىل احلجاج بن يوسف مرة بجنب سعيد بن املسيب -وذلك قبل أن
ييل شي ًئا -فجعل يرفع قبل اإلمام ويقع قبله يف السجود ،فلام سلم أخذ سعيد
بطرف ردائه -وكان له ذكر يقوله بعد الصالة -فام زال احلجاج ينازعه رداءه
حتى قىض سعيد ذكره ،ثم أقبل عليه سعيد فقال له :يا سارق يا خائن ،تصيل
هذه الصالة؟! لقد مهمت أن أرضب هبذا النعل وجهك ،فلم يرد عليه .ثم
مىض احلجاج إىل احلج ،ثم رجع فعاد إىل الشام ،ثم جاء نائ ًبا عىل احلجاز،
كر راج ًعا إىل املدينة نائ ًبا عليها ،فلام دخل املسجد إذا جملس
فلام قتل ابن الزبري َّ
سعيد بن املسيب ،فقصده احلجاج فخيش الناس عىل سعيد منه ،فجاء حتى
49
ال�صـــالة
جلس بني يديه فقال له :أنت صاحب الكلامت؟ فرضب سعيد صدره بيده
خريا ،ما صليت بعدك صالة
وقال :نعم! قال :فجزاك اهلل من معلم ومؤدب ً
[ابلداية وانلهاية ]139/9 إال وأنا أذكر قولك ،ثم قام ومىض.
ُدعي حممد بن إسامعيل البخاري إىل بستان بعض أصحابه ،فلام حرضت
صالة الظهر صىل بالقوم ،ثم قام للتطوع فأطال القيام ،فلام فرغ من صالته
رفع ذيل قميصه ،فقال لبعض من معه :انظر هل ترى حتت قميىص شي ًئا؟
تورم من ذلكفإذا زنبور قد َأ َب َر ُه يف ستة عرش أو سبعة عرش موض ًعا وقد َّ
جسده ،وكان آثار الزنبور يف جسده ظاهرة ،فقال له بعضهم :كيف مل خترج
ٍ
سورة فأحببت أن أمتها. من الصالة يف أول ما َأ َب َرك؟ فقال :كنت يف
[تاريخ بغداد ]331/2
50
ال�صـــالة
كان الربيع بن خثيم بعدما سقط شقه هيادى بني رجلني إىل مسجد
قومه ،وكان أصحاب عبد اهلل يقولون :يا أبا يزيد ،قد ُرخص لك ،لو صليت
يف بيتك ،فيقول :إنه كام تقولون ،ولكني سمعته ينادي حي عىل الفالح ،فمن
سمعه منكم ينادي حي عىل الفالح فيلجبه ولو زح ًفا ولو ً
حبوا.
[الزهد لإلمام أمحد ]275/1
سمع عامر بن عبد اهلل بن الزبري املؤذن وهو جيود بنفسه فقال :خذوا
بيدي ،فقيل :إنك عليل! قال :أسمع داعي اهلل فال أجيبه؟! فأخذوا بيده،
[سري أعالم انلبالء ]220 /5 فدخل مع اإلمام يف املغرب فركع ركعة ثم مات.
كثريا ،واتفق
كان أبو نرص املروزي إما ًما يف القراءات ،وسافر يف ذلك ً
له أنه غرق يف البحر يف بعض أسفاره ،فبينام املوج يرفعه ويضعه إذ نظر إىل
الشمس قد زالت فنوى الوضوء ،وانغمس يف املاء ثم صعد فإذا خشبة فركبها
دهرا.
وصىل عليها ،ورزقه اهلل السالمة بربكة الصالة ،وعاش بعد ذلك ً
[ابلداية وانلهاية ]213/12
حبس األمري حممد بن طاهر أبا عبد اهلل عثامن بن سعيد السجستاين
بنيسابور مدة ،فكان أبو عبد اهلل يغتسل كل يوم مجعة ويتأهب للخروج إىل
اجلامع ثم يقول للسجان :أتأذن يل يف اخلروج؟ فيقول :ال ،فيقول :اللهم إين
[طبقات الشافعية الكربى ]304 / 2 بذلت جمهودي واملنع من غريي.
51
القــر�آن
القـــرآن
قال أبو عبد اهلل خادم أيب احلسن حممد بن أسلم الطويس :كان حممد
كوزا من ماء ،فلم ِ
أدر ما يصنع ،حتى دخل معه ً يدخل بيتًا ويغلق بابه ،وي ِ
ُ ُ
فقلت هلا :ما هذا البكاء؟
ُ صغريا له يبكي بكاءه ،فنهته أ ّمه،
ً سمعت ابنًا
ُ
فقالت :إن أبا احلسن يدخل هذا البيت ،فيقرأ القرآن ويبكي ،فيسمعه الصبي
فيحكيه ،فإذا أراد أن خيرج غسل وجهه؛ فال ُيرى عليه أثر البكاء.
[صفة الصفوة ]317/2
فشق ذلك
كان عمر بن املنكدر ال ينام الليل يكثر البكاء عىل نفسهّ ،
عيل ،فلو
يشق َّ
عىل أمه ،فقالت ألخيه حممد بن املنكدر :إن الذي يصنع عمر ّ
يشق عىل
كلمته يف ذلك ،فاستعان عليه بأيب حازم ،فقاال له :إن الذي تصنع ّ
عيل هالني ،فأستفتح القرآن
أمك ،قال :فكيف أصنع؟! إن الليل إذا دخل َّ
وما تنقيض هنمتي فيه ،قاال :فالبكاء؟ قال :آية من كتاب اهلل أبكتني ،قاال:
وما هي؟ قال :قوله [ :Dﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ].
[صفة الصفوة ]145/2
أحس
ّ جاءت جارية ملنصور بن مهران بمرقة فهراقتها عليه ،فلام
بحرها نظر إليها ،فقالت :يا مع ّلم اخلري ،اذكر قول اهلل ،قال :وما هو؟ قالت:
ّ
52
القــر�آن
ملا بلغ داود بن نصري الطائي من العمر مخس سنوات أسلمه أبوه إىل
املؤدب ،فابتدأ بتلقني القرآن وكان لقنًا ،فلام تعلم سورة [ﯜﯝﯞﯟ]
مفكرا يشري بيده ،فخافت عىل
ً وحفظها رأته أمه يوم اجلمعة مقبلاً عىل احلائط
عقله فنادته :قم يا داود فالعب مع الصبيان ،فلم جيبها ،فضمته إليها ودعت
بالويل ،فقال :ما لك يا أماه ،أبك بأس؟ قالت :أين ذهنك؟ قال :مع عباد
اهلل ،قالت :أين هم؟ قال :يف اجلنة ،قالت :ما يصنعون؟ قال[ :ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ] ثم مر يف السورة وهو شاخص كأنه يتأمل
شي ًئا حتى بلغ قوله[ :ﰁ ﰂ ﰃ ] ،ثم قال :يا أماه ،ما كان سعيهم؟
فلم تدر ما جتيبه ،فقال هلا :قومي عني حتى أتنزه معهم ساعة ،فقامت عنه،
فأرسلت إىل أبيه فأعلمته شأن ولده ،فقال له أبوه :يا داود ،كان سعيهم أن
قالوا :ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل ،فكان يقوهلا يف أكثر أوقاته.
[أنباء جنباء األبناء ص ]160
ُذكر أن ابنًا للقايض ابن غانم املالكي جاءه من عند معلمه ،فسأله عن
دينارا أو نحوها ،فلام جاء هبا
سورته فقرأ عليه فأحسن ،فدفع إليه عرشين ً
53
القــر�آن
الصبي إىل املعلم أنكرها وظن بالصبي ظنًّا ،فجاء هبا إىل ابن غانم ،فقال ابن
غانم :لعلك استقللتها؟ قال ال .فقال له :حرف واحد مما علمته يعدل الدنيا
[ترتيب املدارك ]75 /3 وما فيها.
54
الذكـــر
الذكـــر
قال جعفر الصادق :فقد أيب بغل ًة له ،فقال :لئن ر ّدها اهلل Dألمحدنّه
برسجها وجلامها ،فركبها ،فلام استوى عليها حمامدَ يرضاها ،فام لبث أن ُأ َ
يت هبا ْ
وضم عليه ثيابه رفع رأسه إىل السامء ،وقال :احلمد هلل ،مل يزد عليها ،فقيل له
ّ
جعلت احلمد ك ّله هلل .D
ُ تركت أو أبقيت شي ًئا؟
ُ يف ذلك فقال :وهل
[صفة الصفوة ]460/2
55
الذكـــر
قال أبو جعفر اخلطمي :كان جلدي مولىً يقال له زياد يعلم بنيه ،فنعس
الشيخ ،فجعل زياد يذكر هلم الدنيا والشيخ يسمع ،فقال الشيخ :يا زياد،
بني قبة الشيطان ،اكشطوها بذكر اهلل .D
رضبت عىل ّ
[الزهد البن أيب ادلنيا ص ]37
56
الدعـــاء
الدعــــاء
قالت أم مسلم أليب مسلم اخلوالين :يا أبا مسلم ،قد حرض الشتاء
وليس لنا كسو ٌة وال طعام وال إدام وال حذاء وال حطب ،فقال :تريدين
ماذا؟ قالت :تأيت معاوية؛ فهو بك عارف ،قال :فنقول له ماذا؟ قالت :ختربه
ِ
وحيك ،إين ألستحي أن أطلب حاجتنا إىل غري اهلل وج ْه ِدنا ،قال:
بحاجتك َ
جهزيني ،ثم َع َمدَ إىل املسجد فقال: ِ
أكثرت عليه قال :وحيكِّ ، ،Dفلام َ
خرجت إليك وأنت تعرف
ُ إهلي ،إن أم مسلم بعثتني إىل معاوية وأنا إنام
57
الدعـــاء
حاجتي ،فمكث يومه ذلك يف املسجد ،فلام صىل الناس العشاء اآلخرة وخال
له املسجد جثا عىل ركبتيه ،ثم قال :اللهم قد تعرف حايل فيام بيني وبينك ،فقد
سمعت مقالة أم مسلم ،وقد بع َثتْني إىل معاوية وأنت تعرف ّ
أي شئ طلبت َ
وقالت ،وخزائ ُن الدنيا ك ُّلها بيدك ،وإنام معاوية َخ ْل ٌق من خلقك قد أعطيتَه
ْس إهلي صبياين ُق ُم ًصا
اليسري ،فاك ُ ِ
الكثري ما أعطيته ،وإنام أسألك من خريك
َ
ِ ِ
ومخارا ،وعجل لنا الساعة ُب ًّرا
ً قميصا ودر ًعا
ً ْس زوجتي وخفا ًفا وفراء ،واك ُ
وعدسا وزيتًا وح َط ًبا ،وارزقني ُبرن ًُسا خفي ًفا دفي ًئا أصليِّ لك فيه ،وارزقني
ً
طلبت العدو عليه أدركتُهم وإن
ُ فرسا حصانًا وسا ًعا جوا ًدا طاهر اخللق إن
ً
وعجل ذلك يل الساعة؛ فإن خزائنك ال تنفد وخريك
ِّ طلبوين مل ُيدركوين،
ال ينقص وأنت يب عامل ،قد تعلم أنك أحب إيل من سواك ،فإن تُعطني هذه
كثريا ،ورجل من آل معاوية ِ
كثريا وإن متنعه فلك احلمد ً
الساعة محدتُك عليه ً
يف املسجد فسمع مقالته ،فخرج يشتدّ حتى دخل عىل معاوية فقال :يا أمري
املؤمنني ،عج ًبا سمعتُه آنفا يف املسجد ورجل يناجي ربه كام يناجي اإلنسان
وفرسا
ً وعدسا وزيتًا وحط ًبا
ً قمصا وفرا ًء وخفا ًفا ًّ
وبرا اإلنسان يسأله يف دعائه ً
وبرنسا خفي ًفا يا أمري املؤمنني ،فهل سمعت بعجب مثل هذا؟ قال:
ً حصانًا
وحيك وهل تدري من هذا؟ هذا أبو مسلم! أليس قد أحصيت ما قال؟ قال:
ِ
فأضعفوا له كل ما سأل وعجلوا به الساعة إىل بىل ،يا أمري املؤمنني ،قال:
فحمل هذا
منزله ،وال ُيصبحن إال وهذا الشئ يف منزله من كل شئ اثننيُ ،
ب يف مربط معاوية إال فرس واحد عىل ما َو َصف،
كله إال الفرس؛ فإنه مل ُي َص ْ
فلام قدمت هذه األشياء إىل أم مسلم أقبلت حتسن الثناء عىل معاوية وتقول:
58
الدعـــاء
مل أزل أعاتب الشيخ يف إتيانه فيأبى َعليَ ّ ،فلام صىل أبو مسلم الغداة انرصف
وهو واثق بربه ،فلام أتى البيت أصابه مملو ًءا سوا ًدا ،فقالت له أم مسلم :يا أبا
ِ
كفرت مسلم ،أال ترى ما أهدى إليك أمري املؤمنني ،قال :ويح البعداء ،لقد
دارا وال كلمت له حاج ًبا
النعمة ومل تشكري الرازق ،واهلل ما أتيت ملعاوية ً
كثريا
وال رفعت إليه حاجة ،وما هذا إال قسم من اهلل أهداه إلينا فلله احلمد ً
[تاريخ دمشق ]263/70 كثريا.
ً
كان القايض ابن غانم له حظ من صالة الليل فإذا قضاها وجلس يف
التشهد آخرها عرض كل خصم يريد أن حيكم له عىل ربه ،يقول يف مناجاته:
يا رب فالن منازع فالنًا وادعى عليه بكذا فأنكر دعواه فسألته البينة فأتى
ببينة شهدت بام ادعى ،ثم سألته تزكيتها فأتاين بمن زكاهم وسألت عنهم
خريا ،وقد أرشفت أن آخذ له من صاحبه حقه الذي
يف الرس فذكر يعني ً
تبني يل أنه حق له ،فإن كنت عىل صواب فثبتني وإن كنت عىل غري صواب
فارصفني ،اللهم ال ت ُْسلمني ،اللهم سلمني .فال يزال يعرض اخلصوم عىل
[ترتيب املدارك ]69 /3 ربه حتى يفرغ منهم.
قال ثابت البناين :أخذ عبيد اهلل بن زياد اب َن أخٍ لصفوان بن حمرز فحبسه
يف السجن ،فلم يدع صفوان رشي ًفا بالبرصة يرجو منفعته إال ّ
حتمل به عليه،
فلم ير حلاجته نجاحا ،فبات يف مصاله حزينًا .فهوم من الليل فإذا ٍ
آت قد أتاه ّ ً ََ
59
الدعـــاء
يف منامه ،فقال :يا صفوان ،قم فاطلب حاجتك من جهتها .قال :فانتبه ِ
فز ًعا
ِ
عيل بابن أخي صفوان بن فقام فتوضأ ،ثم صلىّ ثم دعا ،فأرق اب ُن زياد ،فقالَّ :
حمرز ،فجاء باحلرس وجيء بالنريان ،ف ُفتحت تلك األبواب احلديد يف جوف
الليل ،فقال :اب ُن أخي صفوان َأ ِ
خرجوه ،فإنيّ قد ُمنعت من النوم منذ الليلة،
ٍ
كفيل وال يشء ،فام شعر صفوان فأخرج فأيت به ابن زياد ،فقال :انطلق بال
حتى رضب عليه اب ُن أخيه با َبه ،قال صفوانَ :من هذا؟ قال :أنا فالن .قال:
ساعة هذه الساعة؟ فحدّ ثه احلديث.ٍ أي
[صفة الصفوة ]134/2 ّ
60
الدعـــاء
قال عيل بن أيب فزارة :كانت أمي مقعد ًة من نحو عرشين سنة ،فقالت
يل يو ًما :اذهب إىل أمحد بن حنبل فسله أن يدعو يل ،فأتيت فدققت عليه وهو
يف دهليزه ،فقال :من هذا؟ قلت :رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك
فسمعت كالمه كالم رجل مغضب ،فقال :نحن أحوج أن تدعو اهلل
ُ الدعاء،
فوليت منرص ًفا ،فخرجت عجوز فقالت :قد تركته يدعو هلا ،فجئت إىل
ُ لنا،
بيتنا فدققت الباب فخرجت أمي عىل رجليها متيش ،وقالت :قد وهب اهلل
[سري أعالم انلبالء ]211/11 يل العافية.
استسقى القايض عنرتة بن فالح يف قرطبة يو ًما بالناس عىل ما حكاه ابن
زرعة فأحسن يف قيامه يف اخلطبة ،وخشع الناس بوعظه وتذكريه ،وحركهم
بدعائه وابتهاله .فلام فرغ قام إليه رجل من عامة الناس فقال له :أهيا القايض
الواعظ ،قد حسن عندنا ظاهرك فحسن اهلل باطنك ،فقال :اللهم آمني ولنا
أمجعني ،فهل أضمرت يا ابن أخي شي ًئا؟ فقال له :نعم يا قايض ،بتفريغ
أهرائك يتم فضل استسقائك ،فقال :لعمري لقد نصحتني ،وإين أشهد اهلل
أن مجيع ما حواه ملكي من الطعام صدقة لوجه اهلل الكريم ،ثم أقسم أن
ال يدع مقامه حتى يرسل إىل داره ،فيفرق مجيع ما ادخره .قال :فغيث الناس
[ تاريخ قضاة األندلس ]42/1 من يومهم غي ًثا عا ًّما.
كان احلسن بن عيسى املارسجيس من أهل بيت الثروة ِ
والقدم يف
النرصانية ،ثم أسلم عىل َيدَ ي عبد اهلل بن املبارك ،نزل عبد اهلل بن املبارك مرة
61
الدعـــاء
رأس سكة عيسى ،وكان احلسن بن عيسى يركب فيجتاز به وهو يف املجلس،
وجها ،فسأل عنه عبد اهلل بن املبارك ،فقيل :إنه
واحلسن من أحسن الشباب ً
نرصاين ،فقال :اللهم ارزقه اإلسالم ،فاستجاب اهلل دعوته فيه .ورحل يف
العلم ولقي املشايخ ،وكان د ّينًا ور ًعا ثقة عاقلاً عُدّ يف جملسه بباب الطاق اثنا
عرش ألف حمربة .ومل يزل ِمن َع ِقبه بنيسابور فقهاء وحمدثون.
[تاريخ بغداد ]332/8
كان الوزير فخر امللك قد أمهل بعض الواجبات فعوقب رسي ًعا ،وذلك
أن بعض خواصه قتل رجلاً ظلماً ،فتصدت له زوجة املقتول تستغيث ،فلم
يلتفت إليها ،فلقيته ليلة يف مشهد باب التبن وقد حرض للزيارة ،فقالت له:
يا فخر امللك ،القصص التي أرفعها إليك وال تلتفت إليها رصت أرفعها إىل
اهلل ،وأنا منتظرة خروج التوقيع من جهته ،فلام قبض عليه قال :ال شك أن
[وفيات األعيان ]126/5 توقيعها خرج.
62
الدعـــاء
63
خوف اهلل وخ�شيته
فقال عمر :نعم ،نفس ال كنت وال كان اهلوى وهو يبكي ويقول :اتقي املوىل
وخايف وارهبي ،ثم قال عمر :من كان منكم مغنّ ًيا فليغن هكذا.
[تاريخ دمشق ]312 /44
ٍ
جارية له ترعى غنماً ،فأعطى جاريته فرسه انتهى أبو الدرداء Iإىل
يغلبك ،ثم طاف يف غنمه ،فانفلت الفرس فجالت الغنم حتىِ ثم قال :ال
64
خوف اهلل وخ�شيته
تكرس عامتها ،فجاء أبو الدرداء إليها يشتدّ راف ًعا السوط ،حتى إذا دنا منها
[األهوال البن أيب ادلنيا ص]209
ِ
ألوجعتك. كف وقال :لوال ال َق َود
ّ
لقي عبد اهلل بن عمر Lراع ًيا بطريق مكة ،قال له :بعني شاة ،قال:
ليست يل ،قال له :فتقول ألهلك :أكلها الذئب! قال :فأين اهلل؟ قال :اسمع،
وافِني ههنا إذا رجعت من مكة ،ومر موالك يوافيني ههنا ،فلام رجع لقي
رب الغنم واشرتى منه الغنم ،واشرتى منه الغالم ،فأعتقه ووهب له الغنم.
[الزهد أليب داود ص]262
65
خوف اهلل وخ�شيته
فقالت :ومن هذا القتيل يا بني حتى نتحمل إىل أهله فيغتفر لك؟ واهلل لو
يعلمون ما تلقى من السهر والبكاء بعد لقد رمحوك؟ فقال :يا والدة ،هو
[الزهد لإلمام أمحد ص]566 نفيس.
بينا ابن املنكدر ليل ًة قائم يصيل إذ استبكى ،فكثر بكاؤه حتى فزع له
أهله ،وسألوه فاستعجم عليهم ومتادى يف البكاء ،فأرسلوا إىل أيب حازم فجاء
إليه ،فقال :ما الذي أبكاك؟ قال :مرت يب آية ،قال :وما هي؟ قال[ :ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ] ،فبكى أبو حازم معه ،فاشتد بكاؤمها.
[سري أعالم انلبالء ]355/5
ملا حج املهدي دخل مسجد النبي Hفلم يبق أحد إال قام إال
ابن أيب ذئب ،فقال له املسيب بن زهري :قم ،هذا أمري املؤمنني! فقال ابن
أيب ذئب :إنام يقوم الناس لرب العاملني ،فقال املهدي :دعه ،فلقد قامت كل
[تاريخ بغداد ]515 /3 شعرة يف رأيس.
66
خوف اهلل وخ�شيته
نسأل اهلل اجلنة! إنام يسأل اهلل اجلنة من راض نفسه -يعني هلا ،-إنام يريد مثلنا
أن يسأل اهلل العفو.
[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص]23
67
خوف اهلل وخ�شيته
شكر اهلل سعيه ،لعلك تتم إمجالك برصف زيته إليه وتأتيني بديناري بعينه،
دينارا وتصدق به ،ففعل ذلك ،ثم اعتذر له
وإال فاترك الزيت له وخذ منه ً
عيسى لئال يقع يف نفسه يشء ،وقال :خفت حكم اآلية قوله تعاىل[ :ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] اآلية..
[ترتيب املدارك ]346/ 4
68
الإنفـــاق
اإلنفــــاق
مر احلسن البرصي عىل صبيان معهم كرس خبز ،فاستضافوه فنزل
فأكل معهم ،ثم محلهم إىل منزله فأطعمهم وكساهم ،وقال :اليد هلم؛ ألهنم
[مدارج السالكني ]315 /2 ال جيدون شي ًئا غري ما أطعموين ونحن نجد أكثر منه.
69
الإنفـــاق
ضنني
ِ رب ب���ه ّ
���ن ك����رائ����م م����ن ّ وقد خترج احلاجات يا أم مالك
70
الإنفـــاق
من أهل اليمن يطلب محالنًا يريد اجلهاد فدل عىل حكيم بن حزام فجلس
إليه فقال :إين رجل بعيد الشقة ،وقد أردت اجلهاد فدُ للت عليك لتحمل
رجيل وتعينني عىل ضعفي ،قال :اجلس ،فلام أمكنته الشمس وارتفعت ركع
ركعات ثم انرصف ،وأومأ إىل اليامين .قال :فتبعته فجعل كلام مر بصوفة أو
خرقة أو شملة نفضها وأخذها ،فقلت :واهلل ما زاد الذي دلني عىل هذا أن
لعب يب ،أي يشء عند هذا من اخلري بعد ما أرى؟ فدخل داره فألقى الصوفة
مع الصوف ،واخلرقة مع اخلرق ،والشملة مع الشامل ،ثم قال لغالم له:
بعريا َذلولاً مو َّق ًعا ،فأيت به ذلولاً موق ًعا سنتني ،ثم دعا َ
بجهاز فشده هات ً
عىل البعري ،ثم دعا بخطام فخطم ،ثم قال :هلم ُجوالقني ،فأيت بجوالقني،
ملحا وجرا ًبا من
فأمر فجعل فيهام دقيق وسويق و ُعكة من زيت ،وقال :انظر ً
متر ،حتى إذا مل يبق يشء مما حيتاج إليه مسافر إال هيأه ،أعطانيه وكساين ،ثم
دعا بخمسة دنانري فدفعها إيل فقال :هذه للطريق .فخرجت من عنده.
[الطبقات الكربى ص]225
أتى طلحة بن عبيد اهلل Iمال من حرضموت سبع مئة ألف ،فبات
ليلته يتململ ،فقالت له زوجته :يا أبا حممد ،ما يل أراك منذ الليلة ُ
متلمل ،أرابك
منا أمر فنُعتبك؟ قال :ال ،لعمري ،لنعم زوجة املرء أنت ،ولكن تفكرت
منذ الليلة فقلت :ما ظن رجل بربه يبيت وهذا املال يف بيته؟ قالت :فأين
أنت عن بعض أخالقك؟ قال :وما هو؟ قالت :إذا أصبحت دعوت بجفان
71
الإنفـــاق
وقصاع فقسمتها عىل بيوت املهاجرين واألنصار عىل قدر منازهلم ،فقال هلا:
يرمحك اهلل ،إنك ما علمت موفقة بنت مو َّفق -وهي أم كلثوم بنت أيب بكر
الصديق -Mفلام أصبح دعا بجفان وقصاع فقسمها بني املهاجرين
واألنصار ،فبعث إىل عيل بن أيب طالب منها بجفنة ،فقالت له زوجته :أبا
حممد ،أما كان لنا يف هذا املال من نصيب؟ قال :فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك
[تاريخ دمشق ]99/25 بام بقي ،فكانت رصة نحو من ألف درهم.
72
الإنفـــاق
قال عيل بن عاصم :خرجت من واسط إىل الكوفة أنا وهشيم لنلقى
منصورا ،فلام خرجت من واسط رست فراسخ لقيني إما أبو معاوية وإما
ً
غريه ،فقلت :أين تريد؟ قال :أسعى يف ٍ
دين عليَ َّ ،فقلت :ارجع معي؛ فإن
عندي أربعة آالف درهم أعطيك منها ألفني ،فرجعت فأعطيته ألفني ،ثم
خرجت فدخل هشيم الكوفة بالغداة ودخلتها بالعيش ،فذهب هشيم،
فسمع من منصور أربعني حدي ًثا ،ودخلت أنا احلامم ،فلام أصبحت مضيت
فأتيت باب منصور ،فإذا جنازة ،فقلت :ما هذه؟ قالوا :جنازة منصور،
فقعدت أبكي ،فقال يل شيخ هناك :يا فتى ،ما يبكيك؟ قال :قلت قدمت
عىل أن أسمع من هذا الشيخ وقد مات ،قال :فأدلك عىل من شهد عرس أ ِّم
ذا ،قلت :نعم ،قال :اكتب ،حدثني عكرمة عن ابن عباس ،فجعلت أكتب
شهرا ،فقلت له :من أنت رمحك اهلل؟ قال :أنت تكتب عني منذ شهر
عنه ً
مل تعرفني؟ أنا حصني بن عبد الرمحن ،وما كان بيني وبني أن ألقى ابن
عباس إال سبعة دراهم أو تسعة دراهم ،فكان عكرمة يسمع منه ثم جييء
فيحدثني.
[الرحلة يف طلب احلديث ]173 / 1
73
الإنفـــاق
رجاء :هذا الذي افرتقنا عليه؟! فقال له الزهري :انزل؛ فإن السخي ال تؤدبه
[آداب الشافيع ص]155 التجارب.
74
الإنفـــاق
بإدخالهّ ،
ورش عىل وجهه من ماء الورد حتى أفاق ،فقلت :وحيك ما نالك؟
عيل من الفرح ما أنزل يب ما ترى ،ثم حتدثنا مل ًّيا ،فقال يل غسان:
قال :ورد ّ
قد دخلتني له رقة ،قلت :فمه؟ قال :امحله عىل دابة ،فقلت له :إن األمري قد
عزم يف أمرك عىل يشء ،أفمن رأيك أن متوت إن أخربتك؟ قال :ال ،قلت:
قد عزم عىل محلك عىل دابة ،قال :أحسن اهلل جزاءه ،ثم حتدثنا مل ًّيا ،فقال يل:
قد دخلتني هلذا الرجل رقة ،قلت :فام تصنع به؟ قال :أجري له رز ًقا سن ًّيا
وأضمه إ َّيل ،فقلت له :إن األمري قد عزم يف أمرك عىل يشء ،أفمن رأيك أن
متوت؟! قال :ال ،قلت :إنه قد عزم عىل أن جيري لك رز ًقا ويضمك إليه،
قال :أحسن اهلل جزاءه ،ثم ركبت ودفعت البدرة إىل الغالم حيملها ،فلام رسنا
بعض الطريق قال يل :ادفع البدرة إ َّيل أمحلها ،قلت :الغالم يكفيك ،قال:
وخص
َّ وضمه إليه
َّ آنس بمكاهنا عىل عنقي! ثم غدوت به إىل غسان ،فحمله
[تاريخ بغداد ]339/8 به ،فكان من خري تابعٍ.
قال منصور بن عامر :كنا عند الليث بن سعد يو ًما ،فأتته امرأة ومعها
قدح فقالت له :يا أبا احلارث ،إن زوجي يشتكي وقد نعت له العسل ،قال:
مطرا من عسل ،فذهبت فلم ألبث
اذهبي إىل أيب قسيمة فقويل له يعطيك ً
75
الإنفـــاق
ٍ
بيشء ال أدري ما هو ،قال :فرفع رأسه إليه فقال: فساره أن جاء أبو قسيمة
َّ
اذهب فأعطها ،إهنا سألت بقدرها وأعطيناها بقدرنا .واملطر فرق ،والفرق
[تاريخ دمشق ]369/50 عرشون ومائة رطل.
قال أبو جعفر حممد بن عبد الرمحن الصرييف :بعث إ ّيل احلكم بن موسى
ٍ
فوجهتيف أيا ِم عيد أنه حيتاج إىل نفقة ،ومل يك عندي إال ثالثة آالف درهم ّ
إليه هبا ،فلام صارت يف قبضته وجه إليه خالد بن أسلم أنه حيتاج إىل ٍ
نفقة، ّ
واحتجت أنا إىل ٍ
نفقة فوجهت إىل خالد :إين أحتاج إىل ُ فوجه هبا ك ِّلها إليه،
ّ
الدراهم بعينها
ُ فوجه هبا ك ِّلها إ ّيل ،فلام رأيتُها مرصورة يف ِخرقتها وهي ٍ
نفقةَّ ،
ٍ
خالد :حدِّ ثني بقصة هذه الدراهم؟ فأخربين أن فبعثت إىل
ُ أنكرت ذلك،
ُ
ووجهت إىل احلكم بن موسى بعث هبا إليه ،فوجهت إىل احلكم منها بألفّ ،
[تاريخ بغداد ]303/9
ٍ
خالد منها بألف ،وأخذت أنا منها أل ًفا.
كان يف أيام سليامن بن عبد امللك رجل يقال له خزيمة بن برش من بني
أسد ،كان له مروءة ظاهرة ونعمة حسنة وفضل وبِ ّر باإلخوان ،فلم يزل عىل
تلك احلالة حتى قعد به الدهر فاحتاج إىل إخوانه الذين كان يتفضل عليهم
فواس ْوه ثم م ُّلوه ،فلام الح له تغيرُّ هم أتى امرأته وكانت ابنة
وكان يواسيهمَ ،
عزمت عىل أن
ُ عمه فقال هلا :يا ابنة عمي ،قد رأيت من إخواين تغيرُّ ً ا ،وقد
يتقوت بام عنده حتى نفد
ألزم بيتي إىل أن يأتيني املوت ،فأغلق بابه وأقام ّ
76
الإنفـــاق
حائرا ،وكان يعرفه عكرمة الفياض متويل اجلزيرة ،وإنام ُس ّمي بذلك
وبقي ً
ألجل كرمه ،فبينام هو يف جملسه إذ ُذكر خزيمة بن برش فقال عكرمة الفياض:
ما حاله؟ فقالوا :قد صار إىل ٍ
أمر ال يوصف وإنه أغلق بابه ولزم بيته ،قال:
أفام وجد خزيمة بن برش مواس ًيا وال مكافئ ًا؟ فقالوا :ال .فأمسك عن الكالم،
ثم ملا كان الليل َع َمدَ إىل أربعة آالف دينار فجعلها يف كيس واحد ،ثم أمر
رسا من أهله ،فركب ومعه غالم من غلامنه حيمل املال،
بإرساج دابته ،وخرج ًّ
ثم سار حتى وقف بباب خزيمة فأخذ الكيس من الغالم ،ثم أبعده عنه وتقدم
إىل الباب فدفعه بنفسه فخرج إليه خزيمة فناوله الكيس ،وقال :أصلح هبذا
شأنك ،فتناوله فرآه ثقيلاً فوضعه عن يده ،ثم أمسك بلجام الدابة ،وقال
له :من أنت جعلت فداك؟ فقال له عكرمة :يا هذا ،ما جئتُك يف هذا الوقت
عرفتني من أنت ،فقال :أنا
والساعة أريد أن تعرفني! قال :فام أقبله إال إن ّ
جابر عثرات الكرام ،قال :زدين ،قال :ال .ثم مىض ،ودخل خزيمة بالكيس
ُ
فلوسا
بالفرج واخلري ،ولو كانت ً
عمه ،فقال هلا :أبرشي فقد أتى اهلل َ
إىل ابنة ِّ
فهي كثرية ،قومي فأرسجي ،قالت :ال سبيل إىل الرساج .فبات يلمسها بيده
فيجد خشونة الدنانري وال يصدق.
وأما عكرمة فإنه رجع إىل منزله فوجد امرأته قد فقدته وسألت عنه
فأخربت بركوبه فأنكرت ذلك وارتابت ،وقالت له :وايل اجلزيرة خيرج بعد ْ
هدو من الليل منفر ًدا من غلامنه يف سرِ ٍّ من أهله إال إىل زوجة أو رسية! فقال:
ٍّ
خرجت ،قال:
َ اعلمي أين ما خرجت يف واحدة منها ،قالت :فخربين فيام
77
الإنفـــاق
يا هذه ،ما خرجت يف هذا الوقت وأنا أريد أن َيعلم يب أحد ،قالت :ال بد
أن ختربين؟ قال :تكتمينه إ ًذا ،قالت :فإين أفعل .فأخربها بالقصة عىل وجهها
أيضا؟ قالت :ال؛
وما كان من قوله ور ِّده عليه ،ثم قال أحتبني أن أحلف لك ً
ذكرت.
َ ور ِكن إىل مافإن قلبي قد سكن َ
وأما خزيمة فلام أصبح صالح الغرماء وأصلح ما كان من حاله ،ثم إنه
جتهز يريد سليامن بن عبد امللك وكان نازلاً يومئذ بفلسطني ،فلام وقف ببابه
َّ
مشهورا بمروءته وكرمه وكان
ً احلاجب فأخربه بمكانه وكان
ُ واستأذن دخل
سليامن عار ًفا به فأذن له ،فلام دخل س َّلم عليه باخلالفة ،فقال له سليامن بن عبد
امللك :يا خزيمة ،ما أبطأك عنا؟ قال :سو ُء احلال ،قال :فام منعك من النهضة
إلينا؟ قال :ضعفي يا أمري املؤمنني ،قال :فبم هنضت إلينا اآلن؟ قال :مل أعلم يا
يطرق الباب وكان
هدو من الليل مل أشعر إال ورجل ُ
أمري املؤمنني إال أين بعد ٍّ
وكيت ،وأخربه بقصته من أوهلا إىل آخرها .فقال سليامن :هل
َ كيت
من أمره َ
تعرف هذا الرجل؟ فقال خزيمة :ما عرفته يا أمري املؤمنني؛ ألنه كان متنك ًِّرا،
وما سمعت من لفظه إال أنا جابر عثرات الكرام .فتلهب وتلهف سليامن بن
عبد امللك عىل معرفته وقال :لو عرفناه لكافأناه عىل مروءته ،ثم قال :عيل
عوضا عن
ً بقناة ،فأتى هبا فعقد خلزيمة بن برش املذكور عىل اجلزيرة عاملاً
عكرمة الفياض .فخرج خزيمة طال ًبا اجلزيرة ،فلام قرب منها خرج عكرمة
وأهل البلد للقائه ،فس َّلام عىل بعضهام ،ثم سارا مجي ًعا إىل أن دخال البلد ،فنزل
خزيمة يف دار اإلمارة ،وأمر أن يؤخذ لعكرمة ٌ
كفيل وأن حياسب ،فحوسب
78
الإنفـــاق
ٍ
أموال كثرية ،فطالبه بأدائها فقال :ما يل إىل يشء من ذلك فوجد عليه فضول
ُ
سبيل ،قال :ال بد منها ،قال :ليست عندي ،فاصنع ما أنت صانع .فأمر به
يصون ما َله
ُ إىل احلبس ،ثم َأن َفذ إليه من يطالبه فأرسل يقول :إين لست ممن
شهرا كذلك أو أكثر
بعرضه ،فاصنع ما شئت .فأمر أن يكبل باحلديد ،فأقام ً
واغتم ْت لذلك ،ثم
ّ ربه ِ
فجزعت وأرض به ،وبلغ ابن َة عمه خ ُ فأضناه ذلك
ّ
دعت موال ًة هلا وكانت ذات عقل ومعرفة وقالت هلا :اميض الساعة إىل باب
هذا األمري خزيمة بن برش وقويل :عندي نصيحة ،فإذا ُط ِل ْ
بت منك فقويل:
ِ
دخلت عليه فسليه أن يخُ ِل َيك ،فإذا ال أقوهلا إال لألمري خزيمة بن برش ،فإذا
فعل ذلك فقويل :ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك! كافأته باحلبس
والضيق واحلديد! ففعلت اجلارية ذلك ،فلام سمع خزيمة كال َمها نادى
برفيع صوته وا سوأتاه ،وإنه هلو؟ قالت :نعم ،فأمر لوقته بدابته فأرسجت،
وبعث إىل وجوه أهل البلد فجمعهم إليه وأتى هبم إىل باب احلبس ففتح
ودخل خزيمة ومن معه ،فرآه قاعدً ا يف قاعة احلبس متغيرِّ ً ا أضناه الرض واألمل
وثقل القيود ،فلام نظر إليه عكرمة وإىل الناس أحشمه ذلك فنكس رأسه،
أكب عىل رأسه فقبله ،فرفع عكرمة إليه رأسه وقال :ما
فأقبل خزيمة حتى َّ
أعقب هذا منك؟ قال :كريم فعالك وسوء مكافأيت ،قال :يغفر اهلل لنا ولك.
ثم أيت باحلداد ففك القيود عنه ،وأمر خزيمة أن توضع القيود يف رجل نفسه،
فقال عكرمة :ماذا تريد؟ فقال :أريد أن ينالني من الرض مثل ما نالك ،فقال:
أقسم عليك باهلل ال تفعل ،فخرجا مجي ًعا حتى وصال إىل دار خزيمة فو َّدعه
79
الإنفـــاق
عكرمة ،وأراد االنرصاف عنه ،فقال :ما أنت ببارح ،قال :وما تريد؟ قال:
ُأغيرِّ حالك ،وإن حيائي من بنت عمك أشدُّ من حيائي منك.
بالحمام ُفأخيل ودخاله م ًعا ،فقام خزيمة وتوىل أمره وخدَ َمه
ّ ثم أمر
كثريا ،ثم سار معه إىل داره
ً بنفسه ،ثم خرجا فخلع عليه ومحله ومحل معه مالاً
واستأذنه يف االعتذار إىل ابنة عمه ،فاعتذر إليها وتذ َّمم من ذلك ،ثم سأله بعد
ذلك أن يسري معه إىل سليامن بن عبد امللك وهو يومئذ مقيم بالرملة فأنعم
قد َما عىل سليامن بن عبد امللك ،فدخل احلاجب له بذلك وسارا مجيعا حتى ِ
ً َ
فأعلمه بقدوم خزيمة بن برش ،فرا َع ُه ذلك وقال :وايل اجلزيرة َيقدَ ُم بغري
أمرنا؟ ما هذا إال حلادث عظيم! فلام دخل قال له قبل أن يسلم :ما وراءك
يا خزيمة؟ قال :اخلري يا أمري املؤمنني ،قال :فام الذي أقدمك؟ قالِ :
ظفرت
فأحببت أن أرسك به ملا رأيت من تلهفك وتشوقك
ُ بجابر عثرات الكرام،
إىل رؤيته ،قال :ومن هو؟ قال :عكرمة الفياض؟ َفأ ِذن له بالدخول ،فدخل
فرحب به وأدناه من جملسه ،وقال :يا عكرمة ،ما كان
وسلم عليه باخلالفة ّ
خريك له إال وبالاً عليك .ثم قال سليامن :اكتب حوائجك كلها وما حتتاج
إليه يف رقعة ،ففعل ذلك ،فأمر بقضائها منه ساعتَه ،وأمر له بعرشة آالف
وس َفطني ثيا ًبا ،ثم دعا بقناة وعقد له عىل اجلزيرة وأرمينية وأذربيجان،
دينار َ
أمر خزيمة إليك ،إن شئت أبقيتَه وإن شئت عزلته ،قال بل اردده
وقال لهُ :
أمري املؤمنني ،ثم انرصفا من عنده مجي ًعا ،ومل يزاال عاملني لسليامن
إىل عمله يا َ
[نوادر اخللفاء ص]64 مدة خالفته.
80
الإنفـــاق
ملا كان العز بن عبد السالم بدمشق وقع مرة غالء كبري حتى صارت
البساتني تباع بالثمن القليل ،فأعطته زوجته مصا ًغا هلا وقالت :اشرت لنا به
بستانًا نصيف به ،فأخذ ذلك املصاغ وباعه وتصدق بثمنه ،فقالت :يا سيدي،
أشرتيت لنا؟ قال :نعم ،بستانًا يف اجلنة ،إين وجدت الناس يف شدة فتصدقت
[طبقات الشافعية الكربى ]214/8 خريا.
بثمنه ،فقالت له :جزاك اهلل ً
81
ال�صــــوم
الصـــوم
ٍ
صائف وهو صائم ،وكانت ُغشيِ عىل مرسوق بن األجدع يف يو ٍم
عائشة زوج النبي Hقد تبنّته ،فسمى ابنته :عائشة ،وكان ال يعيص
ِ
أردت يب ابنته شي ًئا ،قال :فنزلت إليه فقالت :يا أبتاه ،أفطر وارشب ،قال :ما
طلبت الرفق لنفيس يف يوم كان مقداره
ُ يا بنية؟ قالت :الرفق ،قال :يا بنية ،إنام
[تاريخ بغداد ]311/15 مخسني ألف سنة.
حج احلجاج فنزل بعض املياه بني مكة واملدينة ودعا بالغداء ،فقال
حلاجبه :انظر من يتغدى معي وأسأ ُله عن بعض األمر ،فنظر نحو اجلبل
نائم ،فرضبه برجله وقال :ائت األمري،
فإذا هو بأعرايب بني شملتني من شعر ٌ
فأتاه فقال له احلجاج :اغسل يديك وتغد معي ،فقال :إنه دعاين من هو خري
82
ال�صــــوم
منك فأجبته ،قال :ومن هو؟ قال :اهلل ،Fدعاين إىل الصوم فصمت،
حرا من هذا اليوم،
قال :يف هذا احلر الشديد؟ قال :نعم ،صمت ليوم أشد ًّ
فقال :فأفطر وصم غدً ا ،قال :إن ضمنت يل البقاء إىل غد ،قال :ليس ذاك إ ّيل،
قال :فكيف تسألني عاجلاً بآجل ال تقدر عليه؟ قال :إنه طعام طيب ،قال:
[صفة الصفوة ]493/2 مل تطيبه أنت وال الطباخ ،إنام طيبته العافية.
دخلوا عىل أيب بكر ابن أيب مريم وهو يف النزع وهو صائم ،فعرضوا
عليه ما ًء ليفطر ،فقال :أغربت الشمس؟ قالوا :ال ،فأبى أن يفطر ثم أتوه
بامء وقد اشتد نزعه ،فأومأ إليهم أغربت الشمس؟ قالوا :نعم ،فقطروا يف فيه
[لطائف املعارف ص]38 قطرة من ماء ثم مات.
احترض إبراهيم بن هانئ صاحب اإلمام أمحد وهو صائم وطلب وسأل
أغربت الشمس؟ فقالوا :ال ،وقالوا له :قد رخص لك يف الفرض وأنت
متطوع ،قال :أمهل ثم قال[ :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ] ،ثم خرجت نفسه
[لطائف املعارف ص]38 وما أفطر.
83
احلـــج
احلــــج
قال سليامن بن الربيع انطلقت يف رهط من نساك أهل البرصة إىل مكة،
فقلنا :لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول اهلل ،Hفدُ لِلنا عىل عبد اهلل
بن عمرو ،فأتينا منزله فإذا قريب من ثالث مائة راحلة ،فقلنا :عىل كل هؤالء
حج عبد اهلل بن عمرو؟ قالوا :نعم ،هو ومواليه وأحباؤه ،فانطلقنا إىل البيت
ني عليه عاممة وليس فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية بني بردين ِق ْط ِر ّي ِ
عليه قميص ،ف َع َمدنا إليه فإذا نحن بثقل عظيم يرحتلون ثالث مائة راحلة،
منها مائة راحلة ومائتا زاملة ،وكنا نحدث أنه أشد الناس تواض ًعا ،فقلنا :ما
هذا؟ قالوا :إلخوانه حيملهم عليها وملن ينزل عليه ،فعجبنا ،فقالوا :إنه رجل
غني ،ودلونا عليه أنه يف املسجد احلرام ،فأتيناه فإذا هو رجل قصري أرمص
[سري أعالم انلبالء ]92/3 بني بردين وعاممة قد علق نعليه يف شامله.
كان ابن املبارك إذا كان وقت احلج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو،
فيقولون :نصحبك ،فيقول :هاتوا نفقاتكم ،فيأخذ نفقاهتم فيجعلها يف
صندوق ويقفل عليها ،ثم يكرتي هلم وخيرجهم من مرو إىل بغداد ،فال يزال
ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب احللوى ،ثم خيرجهم من بغداد
بأحسن زي وأكمل مروءة حتى يصلوا إىل مدينة الرسول ،Hفيقول
لكل واحد :ما أمرك عيالك أن تشرتي هلم من املدينة من ُط َرفِها؟ فيقول:
84
احلـــج
كذا وكذا ،ثم خيرجهم إىل مكة ،فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم :ما
أمرك عيالك أن تشرتي هلم من متاع مكة؟ فيقول :كذا وكذا ،فيشرتي هلم،
ثم خيرجهم من مكة فال يزال ينفق عليهم إىل أن يصريوا إىل مرو ،فيجصص
بيوهتم وأبواهبم ،فإذا كان بعد ثالثة أيام عمل هلم وليمة وكساهم ،فإذا أكلوا
وسرُ ُّ وا دعا بالصندوق ففتحه ،ودفع إىل كل رجل منهم صرُ َّ ته عليها اسمه.
[سري أعالم انلبالء ]385/8
قال ابن عيينة :حج صفوان ،فذهبت بمنى فسألت عنه ،فقيل يل :إذا
ً
شيخا إذا رأيته علمت دخلت مسجد اخليف فأت املنارة ،فانظر أمامها قليلاً
أنه خيشى اهلل تعاىل فهو صفوان بن سليم .فام سألت عنه أحدً ا حتى جئت كام
قالوا ،فإذا أنا بشيخ كام رأيته علمت أنه خيشى اهلل ،فجلست إليه فقلت :أنت
[تهذيب الكمال ]188/13 صفوان بن سليم؟ قال :نعم.
وفد ابن جريج عىل معن بن زائدة لدين َل ِ
ـح َقه ،فأقام عنده إىل عارش
ذي القعدة ،فمر بقوم تغني هلم جارية بشعر عمر بن أيب ربيعة:
إذا حللنا بسيف البحر من َع َد ِن ��وه��اب منز ُلنا
هيهات م��ن أم��ة ال ّ
إال التذكر أو ح��ظ م��ن احلزن واح��ت ّ��ل أهلك أج��ي��ادًا فليس لنا
ماذا أردت بطول املكث يف اليمن؟ ت����اهلل ق���ول���ي ل���ه يف غ�ي�ر معتبة
َ
أصبت برتك احلج من مثن فما َ
حاولت دنيا أو ظفرت بها إن كنت
85
احلـــج
خريا فردين
فبكى ابن جريج وانتحب وأصبح إىل معن ،وقال :إن أردت يب ً
[سري أعالم انلبالء ]335/6 إىل مكة ولست أريد منك شي ًئا.
جاء رجل إىل برش احلايف يو ّدعه ،قال :قد عزمت عىل احلج أفتأمرين
فأي يشء
بيشء؟ فقال له برش :كم أعددت للنفقة؟ قال :ألفي درهم ،قالّ :
تبتغي بحجك؟ نزه ًة أو اشتيا ًقا إىل البيت أو ابتغاء مرضاة اهلل ،Dقال:
أصبت رضا اهلل وأنت يف منزلك وتنفق
َ ابتغاء مرضاة اهلل ،Dقال :فإن
ألفي درهم وتكون عىل يقني من مرضاة اهلل Dأتفعل ذلك؟ قال :نعم،
قال :اذهب فأعطها عرشة أنفس مدين يقيض هبا دينه وفقري يرم شعثه ومعيل
حييي عياله ومريب يتيم يفرحه ،وإن قوى قلبك أن تعطيها لواحد فافعل ،فإن
إدخالك الرسور عىل قلب امرئ مسلم وتغيث هلفان وتكشف رض حمتاج
ُ
أفضل من مائة حجة بعد حجة اإلسالم ،قم وتعني رجلاً ضعيف اليقني
فأخرجها كام أمرناك وإال فقل لنا ما يف قلبك ،فقال :يا أبا نرص سفري أقوى
يف قلبي ،فتبسم برش وأقبل عليه ،وقال له« :املال إذا مجع من وسخ التجارات
وطرا ترسع إليه بمظاهر األعامل
والشبهات اقتضت النفس إىل أن تقيض به ً
الصاحلات ،وقد آىل اهلل تعاىل عىل نفسه أن ال يقبل إال عمل املتقني».
[قوت القلوب ]165/1
86
ال�صبـــر
الصبـــر
والكرة عىل عدوكم ،قال عبد اهلل بن عمر :فنهض ّ يا لألنصار! اهللَ اهلل،
أبو عقيل يريد قومه ،فقلت :ما تريد؟! ما فيك قتال! قال :قد َّنوه املنادي
باسمي ،قال ابن عمر :فقلت له :إنام يقول :يا لألنصار ،وال يعني :اجلرحى،
فتحزم
َّ قال أبو عقيل :أنا من األنصار وأنا أجيبه ولو َح ْب ًوا ،قال ابن عمر:
كر ًة كيوم
أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى ،ثم جعل ينادي :يا لألنصار! ّ
ِ
فاجتمعوا رمحكم اهلل مجي ًعا ،تقدّ موا فاملسلمون دريئة دون عدوهم، ُحنني،
عدوهم احلديقة فاختلطوا ،واختلفت السيوف بيننا وبينهم، حتى أقحموا ّ
قال ابن عمر :فنظرت إىل أيب َعقيل وقد ُقطعت يده املجروحة من املنكب
جرحا ك ّلها قد خلصت إىل
ً فوقعت إىل األرض ،وبه من اجلراح أربعة عرش
رصيع بآخر
ٌ عدو اهلل مسيلمة ،قال :فوقفت عىل أيب عقيل وهو َمقتل ،و ُقتل ّ
رمق ،فقلت :يا أبا عقيل! قال :لبيك -بلسان م ْل ٍ
تاث -ملن الدَّ َبرة؟ قلت: ُ
أبرش قد قتل عدو اهلل ،فرفع إصبعه إىل السامء حيمد اهلل ،ومات.
[صفة الصفوة ]214/1
87
ال�صبـــر
ابن يكنى أبا عمري فكان النبي I كان أليب طلحة األنصاري
Hيستقبله فيقول :يا أبا عمري ما فعل النغري؟ والنغري طائر ،فمرض
وأبو طلحة غائب يف بعض حيطانه ،فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته
وكفنته وحنطته وسجت عليه ثو ًبا وقالت :ال يكون أحد خيرب أبا طلحة حتى
أكون أنا الذي أخربه ،فجاء أبو طلحة فتطيبت له وتصنعت له وجاءت
بعشاء ،فقال :ما فعل أبو عمري؟ فقالت :هو أسكن مما كان ،فتعشى وأصاب
منها ما يصيب الرجل من أهله ،ثم قالت أم سليم :يا أبا طلحة ،أمل تر إىل
آل فالن استعاروا عارية فتمتعوا هبا ،فلام طلبت إليهم شق عليهم؟ قال :ما
أنصفوا ،قالت :يا أبا طلحة ،أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها
أصحاهبا أيردوهنا أو حيبسوهنا؟ فقال :بل يردوهنا عليهم ،ليس هلم ذلك،
إن العارية مؤداة إىل أهلها ،قالت :فإن ابنك كان عارية من اهلل فقبضه إليه،
قال :فقال هلا :واهلل ال تغلبيني الليلة عىل الصرب .ثم أخرب النبي H
بام كان منهام فقال رسول اهلل « :Hلعل اهلل أن يبارك لكما يف ليلتكما».
قال سفيان :فقال رجل من األنصار :فرأيت هلام تسعة أوالد كلهم قد قرأ
[صحيح ابن حبان ،158/16صحيح ابلخاري ]82/2 القرآن.
قدم عروة بن الزبري عىل الوليد بن عبد امللك حني َد ِويت رجله ،فقيل
له :اقطعها فقال :إين ألكره أن أقطع مني طائفة ،فارتفعت إىل الركبة ،فقيل:
إن وقعت يف ركبتك قتلتك ،فقطعها فلم يقبض وجهه وال تأوه ،ويقال :إنه
88
ال�صبـــر
مل يرتك حزبه يف تلك الليلة ،وقيل له قبل أن يقطعها :نسقيك دواء ال جتد هلا
أ ًملا؟ قال :ما يرسين أن هذا احلائط وقاين أذاها ،فلام كان بعد أيام قام ابنه حممد
ابن عروة ليلاً فسقط من أحد األسطح يف إصطبل دواب الوليد ،فرضبته
بقوائمها حتى قتلته ،فأتى رجل عروة يعزيه ،فقال له عروة :إن كنت جئت
تعزي برجيل فقد احتسبتها ،فقال :بل أعزيك يف حممد ابنك ،قال :وما له؟
فخربه بشأنه ،فقال:
أقول ش ًوى ما مل يصنب صميمي وك��ن��ت إذا األي���ام أح��دث��ن نكبة
وملا قدم املدينة نزل قرصه بالعقيق ،فأتاه حممد بن املنكدر ،فقال له:
كيف كنت؟ قال :لقد لقينا من سفرنا هذا نص ًبا ،وجاءه عيسى بن طلحة،
فقال لبعض بنيه :اكشف لعمك عن رجيل ينظر إليها ،ففعل ،فقال عيسى
ابن طلحة :أما واهلل يا أبا عبد اهلل ،ما أعددناك للرصاع وال للسباق ،ولقد
أبقى اهلل لنا ما كنا نحتاج إليه منك :رأيك وعلمك ،فقال عروة :ما عزاين
[بهجة املجالس ]357-356/3 أحد عن رجيل مثلك.
قال حممد بن إبراهيم البوشنجي :جعلوا يذاكرون أبا عبد اهلل -يعني
بالر ّقة يف التَّق ّية وما روي فيها ،فقال :كيف تصنعون بحديث
اإلمام أمحدَّ -
خباب( :إن من كان قبلكم كان ينرش أحدهم باملنشار ال يصده ذلك
89
ال�صبـــر
عن دينه) ،فأيسنا منه ،وقال :لست أبايل باحلبس ،ما هو ومنزيل إال واحد،
وال قتلاً بالسيف ،إنام أخاف فتنة السوط ،فسمعه بعض أهل احلبس فقال:
ال عليك يا أبا عبد اهلل ،فام هو إال سوطان ثم ال تدري أين يقع الباقي ،فكأنه
سرُ ِّ ي عنه.
[سري أعالم انلبالء ]239/11
قال حممد احلنفي :كنت يف الدار وقت أدخل أمحد بن حنبل وغريه من
العلامء ،فلام أن ُمدّ أمحد ل ُيضرْ َ ب بالسوط دنا منه ٌ
رجل وقال له :يا أبا عبد اهلل
أنا رسول خالد احلداد من احلبس ،يقول لك :اثبت عىل ما أنت عليه ،وإياك
أن جتزع من الرضب واصرب؛ فإين قد رضبت ألف حدّ يف الشيطان ،وأنت
[تاريخ دمشق ]313/5 ترضب يف اهلل .D
90
االبتــالء
االبتـــالء
مر سعيدُ بن جبري بوهب بن من ِّبه قال لصاحبه :لو دخلنا عليه ،فدخل
ملا َّ
عليه ،فشكا إليه من الشدة ما لقي من احلجاج ومن تطريده إياه ،فقال وهب
ِ
رج ْوا ،وإن سلك هبم طريق ابن منبه :إن أولياء اهلل إذا ُسل َك هبم طريق الشدة َ
[الزهد لإلمام أمحد ]620/1 الرخاء خافوا.
قال األوزاعي عن عبد اهلل بن حممد :قال خرجت إىل ساحل البحر
مراب ًطا ،وكان رباطنا يومئذ عريش مرص ،قال :فلام انتهيت إىل الساحل فإذا
أنا ببطيحة ويف البطيحة خيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجاله وثقل سمعه
وبرصه وما له من جارحة تنفعه إال لسانه ،وهو يقول :اللهم أوزعني أن
عيل وفضلتني عىل كثري
أمحدك محدً ا أكاىفء به شكر نعمتك التي أنعمت هبا ّ
ممن خلقت تفضيلاً .
91
االبتــالء
قال األوزاعي :قال عبد اهلل :قلت :واهلل آلتني هذا الرجل وألسألنه أنى
له هذا الكالم فهم أم علم أم إهلام أهلم؟ فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت:
سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أمحدك محدً ا أكافئ به شكر نعمتك
التي أنعمت هبا عيل وفضلتني عىل كثري من خلقت تفضيلاً ،فأي نعمة من
وأي فضيلة تفضل هبا عليك تشكره عليها؟ قال:
نعم اهلل عليك حتمده عليها ّ
نارا فأحرقتني وأمر اجلبال
عيل ً
وما ترى ما صنع ريب؟ واهلل لو أرسل السامء ّ
فدمرتني وأمر البحار فغرقتني وأمر األرض فبلعتني ما ازددت لريب إال
شكرا ملا أنعم عيل من لساين هذا ،ولكن يا عبد اهلل ،إذ أتيتني يل إليك حاجة،
ً
قد تراين عىل أي حالة أنا ،أنا لست أقدر لنفيس عىل رض وال نفع ،ولقد كان
فيوض ُئني ،وإذا جعت أطعمني وإذا
ِّ ني يل يتعاهدين يف وقت صاليت
معي ُب ٌّ
عطشت سقاين ،ولقد فقدته منذ ثالثة أيام ،فتحسسه يل رمحك اهلل ،فقلت:
أجرا ممن يميش يف حاجة
واهلل ما مشى خلق يف حاجة خلق كان أعظم عند اهلل ً
مثلك ،فمضيت يف طلب الغالم ،فام مضيت غري بعيد حتى رصت بني كثبان
من الرمل فإذا أنا بالغالم قد افرتسه سبع وأكل حلمه ،فاسرتجعت وقلت
أنى يل وجه رقيق آيت به الرجل؟ فبينام أنا مقبل نحوه إذ خطر عىل قلبي ذكر
عيل السالم ،فقال :ألست
أيوب النبي ،Hفلام أتيته سلمت عليه فرد َّ
بصاحبي؟ قلت :بىل ،قال :ما فعلت يف حاجتي؟ فقلت :أنت أكرم عىل اهلل أم
أيوب النبي؟ قال :بل أيوب النبي ،قلت :هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس
صابرا
ً قد ابتاله بامله وآله وولده؟ قال :بىل ،قلت :فكيف وجده؟ قال :وجده
شاكرا حامدً ا ،قلت :مل يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟
ً
92
االبتــالء
93
االبتــالء
درجات ال تنال إال بالصرب عند البالء والشكر عند الرخاء مع خشية اهلل
[اثلقات البن حبان ]5-3/ 5 Dيف الرس والعالنية.
قال احلسن بن عرفة :دخلت عىل أمحد بن حنبل بعد املحنة ،فقلت له:
قمت مقام األنبياء ،فقال يل :اسكت فإين رأيت الناس يبيعون
يا أبا عبد اهللَ ،
أدياهنم ورأيت العلامء ممن كان معي يقولون ويميلون ،فقلت :من أنا؟ وما
أنا؟ وما أقول لريب غدً ا إذا وقفت بني يديه ،Bفقال يل :بعت دينك
كام باعه غريك؟ ففكرت يف أمري ونظرت إىل السيف والسوط فاخرتهتام،
وقلت :إن أنا ِم ُّت رصت إىل ريب Dفأقولُ :د ِعيت إىل أن أقول يف صفة
من صفاتك خملوقة فلم أقل ،فاألمر إليه إن شاء عذب وإن شاء رحم،
فقلت :وهل وجدت ألسواطهم أ ًملا؟ قال يل :نعم ،وجت َّلدت إىل أن جتاوزت
العرشين ،ثم مل أدر بعد ذلك ،فلام ُح َّل ال ُع َقابان كأين مل أجد له أ ًملا ،وصليت
الظهر قائماً ،قال احلسن :فبكيت ،فقال يل :ما يبكيك؟ قلت :بكيت مما نزل
[طبقات احلنابلة ]141-140/1 تلفت.
بك ،قال :أليس مل أكفر؟ ما أبايل لو ُ
94
االبتــالء
95
االبتــالء
امتُحن البهلول عىل يد ال َعك ِّّي أمري القريوان وقيل له :إنه يقع يف
سلطانك ،وض ِّعف عنده أمره ،فأمر به فتحاشد الناس معه فزاده ذلك حن ًقا
عليه ،وأخرج إليهم األجناد ففضوهم وأمر بتجريده ورضبه بالسياط،
ورمى مجاعة أنفسهم فرضبوا ،ورضب هو نحو العرشين وحبسه ،وكان
عندما هم به وسيق لقيه قوم متلثمون فشاوروه يف القيام عليه وختليصه
96
االبتــالء
فجعل يقول ال ...ال .قال بعضهم كنا يف غزاة مع بعض اخللفاء وكنا معه يف
أهل الثغور اثني عرش أل ًفا وكان يقيض لنا كل يوم حاجتني ،فلام بلغنا رضب
العكي لبهلول اختل العسكر ،وتقدمنا إىل باب اخلليفة فسأ َلنا حاجبه ،فقلنا
قد جعلنا حوائجنا نرصة البهلول ،بلغنا أن العكي رضبه .فقال احلاجب:
اتقوا اهلل يف دم العكي ،إن بلغ هذا اخلليف َة قتله ،وكيف يرضب البهلول إال
أن يكون أهل أفريقية ارتدوا.
وحكي أنه ملا مدت رجاله للقيد قال :إن هذا الرضب من البالء الذي
مل أسأل اهلل العافية منه خطرة .وأتاه السجان يف سجن العكي فعاجله فوهب
دينارا وأعطى ملن معه دراهم ،فعل هبم هذا ثالثة أيام ،كلام دخلوا عليه
إليه ً
أعطاهم ،فخاف أصحابه حاجته قبل خروجه فقالوا للسجان قد برىء
97
االبتــالء
فال تعاودوه ،فلام استبطأه هبلول سأل عنه أصحابه ،وكأنه فطن هلم ،فقالوا
له لكل يوم دينار! فقال :وما يف ذلك؟ فقال له حفص بن عامرة من أصحابه:
سمعت الثوري يقول :إذا كمل صدق الصادق مل يملك ما يف يديه .فخر
هبلول عىل يديه يقبلهام ويقول سألتك باهلل أنت سمعتها منه؟ وبرىء الرضب
الذي رضب إال أثر سوط واحد َتنَ َّغ َل فصار قرحة فكان سبب موته.
قال البهلول :أقمت ثالثني سنة أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت :بسم
اهلل الذي ال يرض مع اسمه يشء يف األرض وهو السميع العليم ،فنسيتها
ً
وكبشا فلم يقبل يومي مع العكي ،فابتليت .وذكر أن العكي وجه إليه ثيا ًبا
ذلك .فلام أبى سأله أن حيله فقال له :ما وقع عيل سوط إال وأنا أستغفر لك
[ترتيب املدارك ]101 -98/3 يا أبا يرس.
فتبسم والدماء
أصيبت يد زيد بن ُصوحان يف بعض فتوح العراق ّ
هونه ثواب
حل ّتشخب ،فقال له رجل :ما هذا موضع تبسم! فقال زيد :أمل ٌ ّ
ٍ
لفائت معه؟ ويف أفأ ِ
ردفه بأملِ اجلزع الذي ال جدوى فيه وال دريكة اهلل عليهُ ،
تبسمي عز َّية لبعض املؤتسني من املؤمنني ،فقال الرجل :أنت أعلم باهلل
ّ
[الصرب واثلواب البن أيب ادلنيا ص]71 مني.
قدم عروة بن الزبري عىل الوليد بن عبد امللك ومعه حممد بن عروة فدخل
حممد دار الدواب ،فرضبته دابة فخر ميتًا ،ووقعت يف رجل عروة اآلكلة،
98
االبتــالء
ومل يدع ورده تلك الليلة .فقال له الوليد :اقطعها ،وإال أفسدت عليك
جسدك ،فقطعها باملنشار وهو شيخ كبري ومل يمسكه أحد ،وقال :لقد لقينا
من سفرنا هذا نص ًبا.
وقدم عىل الوليد يف تلك السنة قوم من بني َع ْبس فيهم رجل رضير
فسأله الوليد عن عينيه فقال :يا أمري املؤمنني ،بت ليل ًة يف بطن واد وال أعلم
عبس ًّيا يزيد ماله عىل مايل فطر َقنا سيل فذهب بام كان يل من أهل وولد ومال
غري بعري وصبي مولود ،وكان البعري صع ًبا فندّ ،فوضعت الصبي واتبعت
البعري فلم أجاوزه إال قليلاً حتى سمعت صيحة ابني ،فرجعت إليه ورأس
الذئب يف بطنه وهو يأكله ،وحلقت البعري ألحبسه فنفحني برجله عىل وجهي
بعيني فأصبحت ال مال يل وال أهل وال ولد وال برص .فقال
ّ فحطمه وذهب
الوليد :انطلقوا به إىل عروة ليعلم أن يف الناس من هو أعظم منه بال ًء.
وشخص عروة إىل املدينة فأتته قريش واألنصار فقال له عيسى بن
خريا ،واهلل ما بك
طلحة بن عبيد اهلل :أبرش يا أبا عبد اهلل ،فقد صنع اهلل بك ً
حاجة إىل امليش .فقال :ما أحسن ما صنع اهلل إيل ،وهب يل سبعة بنني فمتعني
هبم ما شاء ،ثم أخذ واحدً ا وترك ستة ،ووهب يل ست جوارح ،فمتعني هبن
وبرصا ،ثم
ً مخسا :يدين ورجلاً وسم ًعا
ما شاء ،ثم أخذ واحدة ثم ترك يل ً
قال :اللهم لئن كنت أخذت لقد أبقيت ،ولئن كنت ابتليت لقد عافيت.
[اتلعازي واملرايث للمربد ص]86
99
االبتــالء
قال حممد بن خلف القايض املعروف بوكيع :كان إلبراهيم احلريب اب ٌن،
وكان له إحدى عرشة سنة قد حفظ القرآن ،ول َّقنه من الفقه شي ًئا ً
كثريا ،فامت،
موت ابني هذا ،قلت :يا أبا إسحاق
َ كنت أشتهي
فجئت أعزيه ،فقال يلُ :
ُ
صبي قد أنجب ،ول ّقنته احلديث والفقه؟
ٍّ أنت عامل الدنيا تقول مثل هذا يف
ّ
وكأن صبيانًا بأيدهيم قالل رأيت يف النوم ّ
كأن القيامة قد قامت ُ قال :نعم،
حره ،فقلت
حار شديدٌ ُّ ّ
وكأن اليوم يو ٌم ٌّ فيها ماء يستقبلون الناس يسقوهنم،
ألحدهم :اسقني من هذا املاء ،فنظر إ ّيل وقال :ليس أنت أيب ،فقلت :فأيش
أنتم؟ فقال :نحن الصبيان الذين متنا يف دار الدنيا ،وخلفنا آباءنا نستقبلهم،
[تاريخ بغداد ]522/6 فنسقيهم املاء ،قال :فلهذا متنيت موته.
أحرض معدّ بن إسامعيل العبيدي صاحب مرص يو ًما أبا بكر النابليس
الزاهد ،وكان ينزل األكواخ من أرض دمشق ،فقال له :بلغنا أنك قلت :إذا
كان مع الرجل املسلم عرشة أسهم وجب أن يرمي يف الروم سهماً واحدً ا
وفينا تسعة ،فقال :ما قلت هكذا ،فظن أنه رجع عن قوله ،فقال :كيف قلت؟
قال :قلت إذا كان معه عرشة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العارش فيكم
أيضا؛ فإنكم غريتم امللة وقتلتم الصاحلني وادعيتم نور األهلية ،فأمر حينئذ
ً
فشهر يف اليوم األول وضرُ ب بالسياط يف اليوم الثاين و ُأخرج يف
يشهرُ ،
أن َّ
فسلخ ،سلخه رجل هيودي ،وكان يقرأ القرآن وال يتأوه .قالاليوم الثالث ُ
اليهودي :فداخلني له رمحة فطعنت بالسكني يف فؤاده حتى مات عاجلاً .
[املنتظم ]245 /14
100
االبتــالء
استخفى طالوت بن عبد اجلبار املعافري خو ًفا عىل نفسه من احلكم بن
هشام أمري األندلس عند رجل من اليهود من جريانه وثق به ،فتقبله أحسن
قبول ومكث عنده بأفضل حال حولاً ،حتى طفئت الثائرة ،وظن الفتية أنه
البسام الوزير ُوصلة جذهبا إليه رجا ُء
أهل اليهودي .وكانت بينه وبني أيب ّ
فلج وقصد الوزير حتو ُله عنه ونَصحهَّ ،
اليهودي ّ
َّ األخذ له األمان ،فساء
فصوب رأيه
خفية بني العشائني ،فأظهر القبول وسأله أين كان قبل ،فأخربه ّ
يف انتقاله إليه ووعده الشفاعة له ،وبادر بالركوب يف وقته وقد وكل به من
حيرسه ،فقال لألمري :ما رأيك يف عجل سمني عاكف عىل مذودة منذ سنة
يلذ مطعمه؟ هذا طالوت رأس املنافقني عندي قد أظفرك اهلل به ،قال :قم
فعجل به ،ووثب فجلس عىل كريس بباب جملسه يتوقد غي ًظا عليه ،فلم يلبث
ِّ
أن أدخل طالوت عليه ،فجعل يتقرعه بذنوبه ويقول :طالوت! احلمد اهلل
الذي أظفرين بك ،وحيك أخربين لو أن أباك أو ابنك قعد مقعدي هبذا القرص
أكانا يزيدانك من الرب واإلكرام عىل ما فعلته أنا بك؟ هل رددت قط حاجة
ومرك؟ أمل أ ُعدك مرات يف حمالتك؟
لك أو لغريك؟ أمل أشاركك يف حلوك ِّ
أمل أشاركك يف حزنك عىل زوجتك ومشيت يف جنازهتا راجلاً إىل مقربة
الربض وانرصفت معك كذلك إىل منزلك؟ وغري يشء من التوقري فعلته
بك؟ ما محلك عىل ما قابلت به إمجايل؟ ومل ترض مني إال بخلع سلطاين
ٍ
وسعي لسفك دمي واستباحة حرمتي؟ فقال له طالوت :ما أجد يل يف هذا
الوقت مقالاً أنجى من ِصدقك به :أبغضتك هلل وحده؛ فلم ينفعك عندي
فسي عن األمري وسكن غيظه و ُمىلء عليه ر ّقة، ُّ
كل ما صنعتَه عوض دنياك ،رُ ِّ
101
االبتــالء
فقال :واهلل لقد أحرضتك وما يف الدنيا عذاب إال وقد عرضته أختار بعضه
لك ،وقد حيل بيني وبينك ،فأنا أعلمك أن الذي أبغضتني له رصفني عنك،
فانرصف يف أمان اهلل تعاىل وانرصف حيث شئت ،وارفع إ ّيل حاجتك فلم
تعدم ّيف بِ ًّرا ،فيا ليت الذي كان مل يكن ،فقال له طالوت :صدقت ،فلو مل يكن
مربورا إىل أن
ً خريا لك ،وال مر ّد ألمر اهلل .فلم يزل طالوت لديه بعدُ
كان ً
تويف عن قريب ،فأنبىء له احلكم وحرض جنازته وأثنى عليه بصدقه.
وسأل احلكم طالوتًا بعد أن أمنه يف ذلك املجلس :كيف ظفر بك
صاحبك الوزير؟ قال :أنا أظفرته بنفيس عن ثقة لوصلة بيني وبينه ليشفع
يل عندك ،فكان منه ما رأيت ،فقال له :فأين كان مثواك قبل؟ فأخربه بخرب
اليهودي ،فقال احلكم للوزير :سوءة لك! رجل يف أعداء امللة حفظ هلذا
الشيخ حمله يف الدين والعلم فأخ َطر بنفسه فيه وناقضت أنت ذلك وهو من
خيار أهل م ّلتك ،وأردت أن تزيدنا فيام نحن قائمون عليه يف سوء االنتقام!
وجها! ووفر أرزاقه وطويت يف بيت الوزارة
اخرج عني ق ّبحك اهلل وال تُرين ً
فراشه ،فسقط آخر الدهر وذهب عقبه وما زالوا يف ارتكاس ومخول.
[ترتيب املدارك ]340 /3
102
العفـــو
العفـــو
كانت أليب الدرداء Iوليدة فلطمها ابنه يو ًما لطمة ،فأقعده هلا
فقال :اقتيص ،فقالت :قد عفوت ،فقال :إن كنت قد عفوت فاذهبي فادعي
من هاهنا من حرام فأشهدهيم أنك قد عفوت ،فذهبت فدعتهم فأشهدهتم
أهنا قد عفت ،فقال :اذهبي فأنت هلل ،وليت آل أيب الدرداء يفتلتون كفا ًفا.
[الزهد لإلمام أمحد ]264/1
قلت أليب عبد اهلل -يعني اإلمام أمحد :-إن أبا موسى
املروذيُ :
قال ُّ
ٍ
رجل شتمه لعله يعتذر إليه ،فلم خيرج إليه َ
هارون بن عبد اهلل قد جاء إىل
وشق الباب يف وجهه ،فعجب وقال :سبحان اهلل ،أما إنه قد بغى عليه،
ّ
سينرص عليه ،ثم قالٌ :
رجل نقل قدمه وجييء إليه يعتذر ال خيرج؟!
[اآلداب الرشعية ]319/1
103
العفـــو
وينكر ْ
أن ينال أحدً ا منهم سو ٌء ،وقال له :إذا قتلت ِ
القضاة والعلامء تعظيم
ُ
هؤالء ال جتد بعدهم مثلهم ،فقال له :إهنم قد آذوك ،وأرادوا ق ْت َلك ً
مرارا،
ينتقم منه،
ُ الشيخ :من آذاين فهو يف ِح ٍّل ،ومن آذى اهلل ورسوله فاهللُ
ُ فقال
وأنا ال أنترص لنفيس ،وما زال به حتى ح ُلم عنهم وصفح .وكان قايض
حر ْضنا عليه فلم َن ْقدر
املالكية ابن خملوف يقول :ما رأينا مثل ابن تيميةَّ ،
[ابلداية وانلهاية ]129/14 وحاج َج عنا.
َ عليه ،وقدر علينا فصفح عنا
صك ٌ
رجل ابنًا لقتادة ،فاستعدى عليه عند بالل بن أيب بردة فلم يلتفت ّ
إليه ،فشكاه إىل القرسي ،فكتب إليه :إنك مل تنصف أبا اخلطاب ،فدعاه
ودعا وجوه أهل البرصة يتش ّفعون إليه ،فأبى أن يشفعهم ،فقال لهُ :صكَّه
كام صكَّك ،فقال البنه :يا بني احرس عن ذراعيك وارفع يديك وشد ،فحرس
عن ذراعيه ورفع يديه ،فأمسك قتادة يده وقال :قد وهبناه هلل؛ فإنه كان يقال:
[حلية األويلاء ]340/2 ال عفو إال بعد قدرة.
104
العفـــو
كان حممد بن محيد الطويس عىل غدائه مع جلسائه ،وإذا بصيحة عظيمة
عىل باب داره ،فرفع رأسه وقال لبعض غلامنه :ما هذه الضجة؟ من كان عىل
الباب فليدخل ،فخرج الغالم ثم عاد إليه وقال :إن فالنًا أخذ وقد أوثق
باحلديد ،والغلامن ينتظرون أمرك فيه ،فرفع يديه من الطعام ،فقال رجل من
105
العفـــو
جلسائه :احلمد هلل الذي أمكنك من عدوك ،فسبيله أن تسقي األرض من
دمه ،وأشار كل من جلسائه عليه بقتله عىل صفة اختارها وهو ساكت ،فأدخل
رجل ال دم فيه ،فلام رآه هش إليه ورفع جملسه وأمر بتجديد الطعام ،وبسطه
الكالم ولقمه حتى انتهى الطعام ،ثم أمر له بكسوة حسنة وصلة ،وأمر برده
إىل أهله مكر ًما ومل يعاتبه عىل جرم وال جناية .ثم التفت إىل جلسائه وقال
هلم :إن أفضل األصحاب من حض الصاحب عىل املكارم وهناه عن ارتكاب
املآثم ،وحسن لصاحبه أن جيازي اإلحسان بضعفه واإلساءة بصفحه ،وأنا
إذا جازينا من أساء لنا بمثل ما أساء فأين موقع الشكر عىل النعمة فيام أتيح
من الظفر؟! إنه ينبغي ملن حرض جمالس امللوك أن يمسك إال عن قول سديد
وأمر رشيد ،فإن ذلك أدوم للنعمة وأمجع لأللفة ،إن اهلل تعاىل يقول[ :ﮥ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
[نهاية األرب ]63/6 ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ].
106
العفـــو
فخرجت من عنده
ُ فقلت :ليس يل بذي معرف ٌة ،ولكن سأستخرب عن هذا،
فقلت له :أدخل
ُ أتيت صاحب احلبس ،وكان بيني وبينه ُ
فضل معرفة، حتى ُ
ٍ
حاجة ،قال :ادخل ،فدخلت ومجعت فتياهنم ،وكان معي درهيامت احلبس يف
فرقتها عليهم ،وجعلت أحدّ ثهم حتى أنسوا يب ،ثم قلت :من منكم رضب
ٍ
واحد منهم أنه أكثرهم رض ًبا أكثر؟ فأخذوا يتفاخرون حتى اتّفقوا عىل
فقلت له :أسألك عن يشء ،فقال :هات ،فقلت :شيخ ُ ربا،
وأشدّ هم ص ً
ضعيف ليس صناعته كصناعتكم ضرُ ِ َب عىل اجلوع للقتل سيا ًطا يسرية
إال أنه مل َي ُم ْت وعاجلوه وبرأ إال أن موض ًعا يف صلبه يوجعه وج ًعا ليس له
عليه صرب ،فضحك ،فقلت :ما لك؟ قال :الذي عاجله كان حائكًا ،قلت:
أيش اخلرب؟ قال :ترك يف صلبه قطعة حلم ميتة مل يقلعها ،قلت :فام احليلة؟
قالّ :
يبط صلبه وتؤخذ تلك القطعة ويرمى هبا ،وإن تركت بلغت إىل فؤاده
فدخلت عىل أمحد بن حنبل فوجدتُه عىل حالته،
ُ فخرجت من احلبس،
ُ فقتلته،
فقصصت عليه القصة ،قال :ومن يبطه؟ قلت :أنا ،قال :أوتفعل؟ قلت:
ُ
نعم ،فقام فدخل البيت ،ثم خرج وبيده خمدتان ،وعىل كتفه فوطة ،فوضع
فكشفت الفوطة
ُ إحدامها يل واألخرى له ،ثم قعد عليها وقال :استخر اهلل،
عن صلبه وقلت :أرين موضع الوجع ،فقال :ضع إصبعك عليه ،فإين أخربك
به ،فوضعت إصبعي وقلت :هاهنا موضع الوجع؟ قال :ههنا أمحد اهلل عىل
العافية ،فقلت :هاهنا؟ قال :هاهنا أمحد اهلل عىل العافية ،فقلت :هاهنا؟ قال:
هاهنا أسأل اهلل العافية ،فعلمت أنه موضع الوجع ،فوضعت املبضع عليه،
أحس بحرارة املبضع وضع يده عىل رأسه ،وجعل يقول :اللهم اغفر
فلام ّ
107
العفـــو
وشددت العصابة
ُ ورميت هبا
ُ فأخذت القطعه امليتة
ُ للمعتصم ،حتى بططته
عليه ،وهو ال يزيد عىل قوله :اللهم اغفر للمعتصم ،ثم هدأ وسكن ،ثم قال:
كنت مع َّل ًقا فأصدرت ،قلت :يا أبا عبد اهلل إن الناس إذا امتحنوا حمن ًة
كأين ُ
دعوا عىل من ظلمهم ،ورأيتك تدعو للمعتصم؟ قال :إين أفكرت فيام تقول،
وهو ابن عم رسول اهلل ،Hفكرهت أن آيت يوم القيامة وبيني وبني
[روضة العقالء ص]165-164 حل. ٍ
أحد من قرابته خصوم ٌة ،هو مني يف ٍّ
ملا أفضت اخلالفة إىل بني العباس كان من مجلة من اختفى إبراهيم بن
سليامن بن عبد امللك فلم يزل خمتف ًيا إىل أن أضناه وأضجره االختفاءُ ،فأخذ
مكثت زمانًا طويلاً خمتف ًيا فحدثني بأعجب
َ له أمان من السفاح ،فقال له :لقد
ما رأيت يف اختفائك؛ فإهنا كانت أيام تكدير .فقال :يا أمري املؤمنني ،وهل
ُسمع بأعجب من حديثي؟ لقد كنت خمتف ًيا يف منزل أنظر منه إىل البطحاء،
فبينام أنا عىل مثل ذلك وإذا بأعالم سود قد خرجت من الكوفة تريد احلرية،
متنكرا حتى أتيت الكوفة من
ً فوقع يف ذهني أهنا خرجت تطلبني ،فخرجت
غري الطريق وأنا واهلل متحري وال أعرف هبا أحدً ا ،وإذا أنا بباب كبري يف رحبة
منيعة ،فدخلت يف تلك الرحبة فوقفت قري ًبا من الدار وإذا برجل حسن
فرسا ومعه مجاعة من أصحابه وغلامنه ،فدخل الرحبة
اهليئة وهو راكب ً
فرآين واق ًفا مرتا ًبا فقال يل :ألك حاجة؟ قلت :غريب خائف من القتل ،قال:
ادخل فدخلت إىل حجرة يف داره ،فقال :هذه لك ،وهيأ يل ما أحتاج إليه من
فرش وآنية ولباس وطعام ورشاب ،وأقمت عنده ،وواهلل ما سألني قط من
108
العفـــو
أنا وال ممن أخاف؟ وهو يف أثناء ذلك يركب يف كل يوم ويعود تع ًبا متأس ًفا
كأنه يطلب شي ًئا فاته ومل جيده ،فقلت له يو ًما :أراك تركب يف كل يوم وتعود
تع ًبا متأس ًفا كأنك تطلب شي ًئا فاتك؟ فقال يل :إن إبراهيم بن سليامن بن عبد
امللك قتل أيب وقد بلغني أنه خمتف من السفاح ،وأنا أطلبه لعيل أجده وآخذ
بثأري منه.
فتعجبت واهلل يا أمري املؤمنني من هريب وشؤم بختي الذي ساقني إىل
منزل رجل يريد قتيل ويطلب ثأره مني ،فكرهت احلياة واستعجلت املوت
ملا نالني من الشدة ،فسألت الرجل عن اسم أبيه وعن سبب قتله ،فعرفني
صحيحا ،فقلت :يا هذا قد وجب عيل حقك ،وإن من حقك
ً اخلرب فوجدته
أن أدلك عىل قاتل أبيك وأقرب إليك اخلطوة وأسهل عليك ما ب ُعد ،فقال:
أتعلم أين هو؟ قلت :نعم ،فقال :أين هو؟ فقلت :واهلل هو أنا فخذ بثأرك
مني ،فقال يل :أظن أن االختفاء أضناك فكرهت احلياة ،قلت :نعم واهلل أنا
قتلته يوم كذا وكذا ،فلام علم صدقي تغري لونه وامحرت عيناه وأطرق رأسه
ساعة ثم رفع رأسه إ ّيل وقال يل :أما أيب فسيلقاك غدً ا يوم القيامة فيحاكمك
خمفرا ذمتي وال مضي ًعا نزييل،
عند من ال ختفى عليه خافية ،وأما أنا فلست ً
اخرج عني فإين ال آمن من نفيس عليك بعد هذا اليوم ،ثم وثب يا أمري املؤمنني
إىل صندوق فأخرج منه رصة فيها مخسامئة دينار وقال :خذ هذه واستعن هبا
عىل اختفائك ،فكرهت أخذها وخرجت من عنده وهو أكرم رجل رأيت.
[املنتظم ]127/1 فبقي السفاح هيتز طر ًبا ويتعجب.
109
الأخالق احل�سنة
األخالق احلسنــة
كان أسامء بن خارجة الفزاري سيدَ أهل الكوفة ،فقال له يو ًما عبد امللك
ابن مروان :ما أشياء تبلغني عنك يا أسامء؟ فقال :حيدِّ ثك غريي عني يا أمري
فأحب أن أسم َعها منك يا أسامء.
ُّ املؤمنني .فقال له عبد امللك :وعىل ذلك
ٍ
جليس ُّ
قط خمافة أن مددت رجيل بني يدي
ُ فقال :نعم ،يا أمري املؤمنني :ما
110
الأخالق احل�سنة
قال حممد بن منصور :كنا يف جملس أيب عبد اهلل حممد بن إسامعيل
-يعني البخاري ،-فرفع إنسان من حليته قذاة فطرحها عىل األرض ،فرأيت
حممد بن إسامعيل ينظر إليها وإىل الناس ،فلام غفل الناس رأيته مدّ يده فرفع
القذاة من األرض فأدخلها يف كمه ،فلام خرج من املسجد رأيته أخرجها
[تاريخ بغداد ]331/2 فطرحها عىل األرض.
زائرا له،
قال خارجة بن زيد النحوي :دخلت عىل حممد بن سريين بيته ً
جالسا باألرض ،فألقى إ ّيل وسادة ،فقلت له :إين قد رضيت لنفيس
ً فوجدته
ما رضيت لنفسك ،فقال :إين ال أرىض لك يف بيتي ما أرىض به لنفيس،
واجلس حيث تؤمر ،فلعل الرجل يف بيته يشء يكره أن تستقبله.
[بهجة املجالس ]258/1
قال أبو عبيدة :كان املهدي يصيل بنا الصلوات يف املسجد اجلامع
بالبرصة ملا قدمها ،فأقيمت الصالة يو ًما فقال أعرايب :يا أمري املؤمنني ،لست
عىل طهر وقد رغبت إىل اهلل يف الصالة خلفك ،فأ ُمر هؤالء ينتظروين ،فقال:
111
الأخالق احل�سنة
انتظروه رمحكم اهلل ،ودخل املحراب ووقف إىل أن قيل له :قد جاء الرجل
[املنتظم ]214/8 فكبرّ ،فتعجب الناس من سامحة أخالقه.
قال أبو عبد اهلل حممد بن أمحد القايض :حرضت جملس موسى بن
ست وثامنني ومائتني ،فتقدمت امرأة ،فادعى
بالري سنة ٍّ
ّ إسحاق القايض
مهرا فأنكر ،فقال القايض :شهودك ،قال :قد
ول ّيها عىل زوجها مخسامئة دينار ً
أحرضهتم ،فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إىل املرأة ليشري إليها يف شهادته،
فقام الشاهد وقال للمرأة :قومي! فقال الزوج :تفعلون ماذا؟ قال الوكيل:
ينظرون إىل امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها ،فقال الزوج:
عيل هذا املهر الذي تدّ عيه وال يسفر عن وجهها،
فإين أشهد القايض أن هلا ّ
فأخربت املرأة بام كان من زوجها ،فقالت :فإين أشهد القايض أين قد وهبت
له هذا املهر ،وأبرأته منه يف الدنيا واآلخرة! فقال القايض :يكتب هذا يف
[املنتظم ]403/12 مكارم األخالق.
112
بر الوالدين و�صلة الرحم
كان ابن عمر Lيطوف بالبيت فرأى رجلاً يطوف بالبيت حاملاً
أمه وهو يقول:
إن ذع������رت رك���اب���ه���ا مل أذع����� ْر �����ع��ي��ره�����ا امل������ذل ْ
������ل إن���������ي هل�������ا ب ُ
أمحلها ما محلتين أكث ْر
أو قال :أطول .أتراين يا ابن عمر جزيتها؟ قال« :ال وال زفرة واحدة».
[أخبار مكة للفاكيه ]312/1
كان عبد اهلل بن عمر Lإذا خرج إىل مكة كان له محار يرتوح عليه
إذا مل ركوب الراحلة وعاممة يشد هبا رأسه ،فبينا هو يو ًما عىل ذلك احلامر
إذ مر به أعرايب فقال :ألست ابن فالن بن فالن ،قال :بىل ،فأعطاه احلامر
وقال :اركب هذا ،والعاممة قال :اشدد هبا رأسك ،فقال له بعض أصحابه:
َرو ُح عليه وعاممة كنت تَشدّ
محارا كنت ت َّ
غفر اهلل لك ،أعطيت هذا األعرايب ً
هبا رأسك ،فقال :إين سمعت رسول اهلل Hيقول« :إن من أبر الرب
صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يويل» ،وإن أباه كان صدي ًقا لعمر.
[صحيح مسلم ]6/8
قدم املنذر بن الزبري من العراق فأرسل إىل أسامء بنت أيب بكر بكسوة
من ثياب َم َروية و ُقوهية رقاق عتاق بعد ما ك ّ
ُف برصها ،فلمستها بيدها ثم
113
بر الوالدين و�صلة الرحم
يشف،
ّ أف! ردوا عليه كسوته ،فشق ذلك عليه وقال :يا أمه ،إنه ال
قالتّ :
تشف فإهنا تصف ،فاشرتى هلا ثيا ًبا مروية وقوهية فقبلتها
ّ قالت :إهنا إن مل
[الطبقات الكربى ]199 /8 وقالت :مثل هذا فاكسني.
كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل اخلالفة ضيعته املعروفة بالسهلة،
أمرا عظيماً هلا غلة عظيمة كثرية ،إنام عيشه وعيش
وكانت بالياممة ،وكانت ً
أهله منها ،فلام وىل اخلالفة قال ملزاحم مواله -وكان فاضلاً :-إنى قد عزمت
أن أرد السهلة إىل بيت مال املسلمني ،فقال مزاحم :أتدرى كم ولدك؟
إهنم كذا وكذا قال فذرفت عيناه ،فجعل يستدمع ويمسح الدمعة بأصبعه
الوسطى ،ويقول :أكلهم إىل اهلل أكلهم إىل اهلل! فمىض مزاحم فدخل عىل
عبد امللك بن عمر ،فقال له :أال تعلم ما قد عزم عليه أبوك! إنه يريد أن
يرد السهلة ،قال :فام قلت له؟ قال :ذكرت له ولده فجعل يستدمع ويقول:
أكلهم إىل اهلل ،فقال عبد امللك :بئس وزير الدين أنت! ثم وثب و انطلق إىل
أبيه ،فقال لآلذن :استأذن يل عليه ،فقال :إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة،
فقال :استأذن يل عليه ،فقال :أما ترمحونه! ليس له من الليل والنهار إال هذه
الساعة .قال :استأذن يل عليه ال أم لك! فسمع عمر كالمهام ،فقال :ائذن
لعبد امللك ،فدخل فقال :عىل ماذا عزمت؟ قال :أرد السهلة ،قال :فال تؤخر
ذلك ،قم اآلن ،فجعل عمر يرفع يديه ويقول :احلمد هلل الذى جعل يل من
ذريتي من يعينني عىل أمر ديني .قال :نعم يا بني ،أصىل الظهر ثم أصعد املنرب
114
بر الوالدين و�صلة الرحم
فأردها عالني ًة عىل رؤوس الناس ،قال :ومن لك أن تعيش إىل الظهر؟ ثم من
لك أن تسلم نيتك إىل الظهر إن عشت إليها؟ فقام عمر فصعد املنرب ،فخطب
[تاريخ دمشق ]180-179/45 الناس ورد السهلة.
كان رجل له أربعة بنني فمرض فقال أحدهم :إما أن مترضوه وليس
مرضه
لكم من مرياثه يشء وإما أن أمرضه وليس يل من مرياثه يشء ،قالواِّ :
وليس لك من مرياثه يشء .فمرضه حتى مات ومل يأخذ من مرياثه شي ًئا ،فأيت
يف النوم فقيل له :ائت مكان كذا وكذا فخذ منه مائة دينار .فقال يف نومه:
أفيها بركة؟ قالوا :ال .فأصبح ،فذكر ذلك المرأته فقالت امرأته :خذها فإن
من بركتها أن نكتيس منها ونعيش منها ،فأبى ،فلام أمسى أيت يف النوم فقيل
115
بر الوالدين و�صلة الرحم
له :ائت مكان كذا وكذا فخذ منه عرشة دنانري فقال :أفيها بركة؟ قالوا :ال.
فلام أصبح قال ذلك المرأته فقالت له مثل مقالتها األوىل ،فأبى أن يأخذها،
دينارا فقال :أفيه
فأيت يف الليلة الثالثة فقيل له :ائت مكان كذا وكذا فخذ منه ً
بركة؟ قالوا :نعم .فذهب فأخذه ثم ذهب به إىل السوق ،فإذا هو برجل حيمل
حوتني ،فقال :بكم مها؟ قال :بدينار .فأخذمها منه بدينار ثم انطلق هبام فلام
دخل بيته شق بطنهام فوجد يف بطن كل واحدة منهام درة مل ير الناس مثلهام.
فبعث امللك يطلب درة يشرتهيا فلم توجد إال عنده فباعها بوقر ثالثني بغلاً
ذه ًبا ،فلام رآها امللك قال :ما تصلح هذه إال بأخت ،اطلبوا أختها وإن
أضعفتم ،فجاءوه فقالوا :أعندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قال:
وتفعلون؟ قالوا :نعم .فأعطاهم إياها بضعف ما أخذوا األوىل.
[حلية األويلاء ]7 /4
116
الن�ســـاء
النســـاء
قال أسلم موىل عمر بن اخلطاب بينا أنا مع عمر Iوهو يعس
باملدينة إذ أعيا فاتكأ عىل جانب جدار يف جوف الليل ،فإذا امرأة تقول البنتها
قومي إىل ذلك اللبن فامذقيه باملاء ،فقالت :يا أمتاه ،وما علمت ما كان من
عزمة أمري املؤمنني اليوم؟ قالت :وما كان من عزمته؟ قالت :إنه أمر مناد ًيا
فنادى ال يشاب اللبن باملاء ،فقالت هلا :يا ابنتاه ،قومي إىل اللبن فامذقيه
باملاء؛ فإنك يف موضع ال يراك عمر وال منادي عمر ،فقالت الصبية :واهلل
وعمر يسمع ّ
كل ذلك ،فقال: ُ ما كنت ألطيعه يف املأل وأعص َيه يف اخلالء،
يا أسلم ع ِّلم الباب واعرف املوضع ،ثم مىض يف َع ِّسه ،فلام أصبح قال:
يا أسلم امض إىل املوضع فانظر من القائلة؟ ومن املقول هلا؟ وهل هلم من
بعل؟ فأتيت املوضع فإذا أ ِّيم ال بعل هلا ،وإذا تيك أ ُّمها ،وإذا ليس هلم رجل،
فأتيت عمر بن اخلطاب فأخربته ،فدعا عمر ولده فجمعهم فقال :هل فيكم
ُ
أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إىل النساء ما سبقه منكم
من حيتاج إىل امرأة ِّ
أحد إىل هذه اجلارية! فقال عبد اهلل :يل زوجة ،وقال عبد الرمحن :يل زوجة،
فزوجها من
وقال عاصم :يا أبتاه ال زوجة يل فزوجني ،فبعث إىل اجلارية َّ
عاصم ،فولدت لعاصم بنتًا ولدت عمر بن عبد العزيز.
[تاريخ دمشق ]253 /70
117
الن�ســـاء
عىل الزبري ،فلام رأت ذلك قالت :ما شئت؟ أتريد أن متنعني؟ فلام عيل صربه
خرجت ليلة إىل العشاء فسبقها الزبري فقعد هلا عىل الطريق من حيث ال تراه،
مر ْت جلس خلفها فرضب بيده عىل عجزها فنفرت من ذلك ومضت،
فلام ّ
فلام كانت الليلة املقبلة سمعت األذان فلم تتحرك ،فقال هلا الزبري :ما لك؟
[اتلمهيد ]405 /23 هذا األذان قد جاء ،فقالت :فسد الناس ،ومل خترج بعد.
عن أنس Iأن أبا طلحة خطب أم سليم ،Jفقالت :يا أبا
ألست تعلم أن إهلك الذي تعبده خشب ٌة نبتت من األرض ن ََج َرها
َ طلحة،
حبيش بني فالن؟ قال :بىل ،قالت :أفال تستحيي أن تعبد خشبة من نبات
ُّ
األرض نجرها حبيش بني فالن؟ لئن أنت أسلمت مل ُأ ِرد منك من الصداق
غريه ،قال :حتى أنظر يف أمري ،فذهب ثم جاء فقال :أشهد أن ال إله إال اهلل
زوج أبا طلحة .قال ثابت :فام سمعنا
وأن حممدً ا رسول اهلل .قالت :يا أنس ّ
[صفة الصفوة ]427/2 قط كان أكرم من َمهر أم سليم :اإلسالم. ٍ
بمهر ُّ
118
الن�ســـاء
سبا الروم نساء مسلامت فبلغ اخلرب الرقة وهبا الرشيد ومنصور بن
عامر هناك ،فقص منصور حيض عىل الغزو ،فإذا خرقة مرصورة خمتومة قد
طرحت إىل منصور ،وإذا كتاب مضموم إىل الرصة فقرأه فإذا فيه :إين امرأة
من بيوتات العرب ،بلغني ما فعل الروم باملسلامت ،وبلغني حتضيضك
عىل الغزو ،فعمدت إىل أكرم يشء يف بدين عيل ،ومها ذؤابتاي ،فجززهتام
ورصرهتام يف هذه الرصة املختومة ،فأنشدك باهلل العظيم ملا جعلتهام قيد فرس
غاز يف سبيل اهللّ ،
فعل اهلل ينظر إ َّيل نظرة عىل تلك احلال فريمحني ،فبلغ ذلك
[اجلليس الصالح الاكيف ]634/1 الرشيد فبكى ونادى النفري.
قال الشعبي :قال لنا رشيح القايض :يا شعبي ،عليكم بنساء بني متيم؛
فإهنن النساء ،قلنا :وكيف ذاك يا أبا أمية؟ فقال :رجعت يو ًما من جنازة
متطهرا ،فمررت بخباء فإذا بعجوز معها جارية رؤود فاستسقيت فقالت:
ً
اللبن أعجب إليك أم ماء أم نبيذ؟ قلت :اللبن أعجب إ ّيل ،قالت :يا بنية،
قلت :من هذه اجلارية؟
اسقيه لبنًا فإين أظنه غري ًبا فسقتني ،فلام رشبت ُ
قالت :هذه ابنتي زينب بنت ُحدير إحدى نساء بني متيم ثم من بني حنظلة
ُفؤا ،فانرصفت
ثم من بني طهية ،قلت :أتزوجينيها؟ قالت :نعم إن كنت ك ً
وجهت إىل إخواين الثقات
إىل منزيل فامتنعت من القائلة ،فلام صليت الظهر ّ
مرسوق بن األجدع واألسود بن يزيد ،فصليت العرص ثم رحلت إىل عمها
أحق بمجلسك
تنحى يل عن جملسه فقلت :أنت ّ
وهو يف مسجده ،فلام رآين ّ
ونحن طالبو حاجة ،فقال :مرح ًبا بك يا أبا أمية ،ما حاجتك؟ فقلت :إين
119
الن�ســـاء
ذكرت زينب بنت أخيك ،فقال :واهلل ما هبا عنك رغب ٌة وال بك عنها مقرص،
وتكلمت فزوجني ثم انرصفت ،فام وصلت إىل منزيل حتى ندمت فقلت:
قلت :ال أمجع
ماذا صنعت بنفيس!؟ فهممت أن أرسل إليها بطالقها ،ثم ُ
محقتني ولكني أضمها إ ّيل فإن رأيت ما ُأ ِحب محدت اهلل ،وإن تكن األخرى
طلقتها ،فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها ،فلام أهديت إ ّيل وقام النساء عنها
قلت :يا هذه ّ
إن من السنة إذا أهديت املرأة إىل زوجها أن تصيل ركعتني خلفه
ويسأال اهلل الربكة ،فقمت أصيل فإذا هي خلفي ،فلام فرغت رج َعت إىل مكاهنا
ورب الكعبة ،فقالت:
ومددت يدي ،فقالت :عىل رسلك فقلت :إحداهن ِّ
احلمد هلل وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله ،أما بعد فإين امرأ ٌة غريبة ،وال واهلل
ما ركبت مرك ًبا هو أصعب عيل من هذا ،وأنت رجل ال أعرف أخالقك
ِ
أزدج ْر عنه ،أقول قويل هذا وأستغفر اهلل يل فخبرِّ ين بام حتب آته وبام تكره
ِ
قدمت عىل ولك ،فقلت :احلمد هلل وصىل اهلل عىل حممد وآله ،أما بعد فقد
زوجك سيد رجاهلم ،وأنت إن شاء اهلل سيدة نسائهم ،أحب كذا دار ُ أهل ٍ
وأكره كذا ،قالت :فحدثني عن أختانك أحتب أن يزوروك؟ قلت :إين رجل
قاض وأكره أن َي َم ُّلوين وأكره أن ينقطعوا عني ،فأقمت معها سنة أنا كل يوم
رسورا مني باليوم الذي مىض ،فرجعت يو ًما من جملس القضاء فإذا
ً أشد
عجوز تأمر وتنهى يف منزيل ،فقلت :من هذه يا زينب؟ قالت :هذه ختنتك،
هذه أمي ،قلت :كيف حالك يا هذه؟ قالت :كيف حالك يا أبا أمية؟ وكيف
رأيت أهلك؟ قلت :كل اخلري ،قالت :إن املرأة ال تكون أسوأ خل ًقا منها يف
َ
ريب
حالتني إذا ولدت غال ًما وإذا حظيت عند زوجها ،فإن رابك من أهلك ٌ
120
الن�ســـاء
فالسوط ،قلت :أشهد أهنا ابنتك ،قد كفيتني الرياضة وأحسنت األدب.
فكانت جتيئني يف كل حول مرة فتويص هبذه الوصية ثم تنرصف ،فأقمت
معها عرشين سنة ما غضبت عليها يو ًما وال ليلة إال يو ًما وكنت هلا ظالـماً ،
فعجلت عن قتلها فكفأت
ُ وأبرصت عقر ًبا
ُ وذلك أين ركعت ركعتي الفجر
فعجلت إليه
ْ عليها اإلناء وبادرت إىل الصالة وقلت :يا زينب إياك واإلناء،
فحركته فرضبتها العقرب ،ولو رأيتني يا شعبي وأنا َأ َم ّ
ص إصبعها وأقرأ
عليها املعوذتني.
قالت أم حسن أم ولد اإلمام أمحد :قلت ملوالي :ارصف فرد خلخايل،
ِ
نفسك؟ قلت :نعم ،فبيع بثامنية دنانري ونصف ،وفرقها وقت قال :وتطيب
رأسا،
مها ،فقال :اشرتي هبذا ً
محيل ،فلام ولدت حسنًا أعطى مواليت كرامة در ً
121
الن�ســـاء
فجاءت به ،فأكلنا ،فقال :يا ُح ْسن ،ما أملك غري هذا الدرهم ،قالت :وكان
[سري أعالم انلبالء ]332/11 إذا مل يكن عنده يشء فرح يومه.
قال العجيل :كانت امرأة مجيلة بمكة وكان هلا زوج ،فنظرت يو ًما إىل
وجهها يف املرآة فقالت لزوجها :أترى يرى أحد هذا الوجه ال يفتن به؟ قال:
نعم ،قالت :من؟ قال :عبيد بن عمري ،قالت فأذن يل فيه فألفتننه ،قال :قد
أذنت لك! فأتته كاملستفتية ،فخال معها يف ناحية من املسجد احلرام ،قال
فأسفرت عن مثل فلقة القمر ،فقال هلا :يا أمة اهلل! فقالت :إين قد فتنت بك
فانظر يف أمري ،قال :إين سائلك عن يشء ،فإن صدقت نظرت يف أمرك،
قالت :ال تسألني عن يشء إال صدقتك ،قال :أخربيني لو أن ملك املوت
أتاك يقبض روحك أكان يرسك أين قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت :اللهم
ال .قال :صدقت ،فلو أدخلت يف قربك فأجلست للمساءلة أكان يرسك أنى
قد قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت :اللهم ال .قال :صدقت ،فلو أن الناس
أعطوا كتبهم ال تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشاملك ،أكان يرسك أين
قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت :اللهم ال .قال :صدقت ،فلو أردت املرور
عىل الرصاط وال تدرين تنجني أم ال تنجني كان يرسك أين قضيت لك هذه
احلاجة؟ قالت :اللهم ال .قال :صدقت ،فلو جيء باملوازين وجيء بك
ال تدرين ختفني أم تثقلني كان يرسك أين قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت:
ِ
وقفت بني يدي اهلل للمساءلة كان يرسك أين اللهم ال .قال :صدقت ،فلو
122
الن�ســـاء
قضيت لك هذه احلاجة؟ قالت :اللهم ال .قال :صدقت .قال اتق اهلل يا أمة
اهلل فقد أنعم اهلل عليك ،وأحسن إليك .قال :فرجعت إىل زوجها ،فقال:
ما صنعت؟ قالت :أنت بطال ونحن بطالون ،فأقبلت عىل الصالة والصوم
عيل زوجي،
والعبادة .قال فكان زوجها يقول :ما يل ولعبيد بن عمري أفسد َّ
[اثلقات للعجيل ]322/1 عروسا فصريها راهبة.
ً كانت كل ليلة
ملا ماتت أم صالح قال اإلمام أمحد المرأة عندهم :اذهبي إىل فالنة
رجعت إليه
ُ ابنة عمي فاخطبيها يل من نفسها ،قالت :فأتيتها فأجابته ،فلام
قال :كانت أختها تسمع كالمك؟ وكانت بعني واحدة ،فقلت له :نعم ،قال:
فاذهبي فاخطبي تلك التي بعني واحدة ،فأتيتها فأجابته ،وهي أم عبد اهلل
أنكرت شي ًئا؟
َ ابنه ،فأقام معها سب ًعا ،ثم قالت له :كيف رأيت يا ابن عمي؟
[تاريخ اإلسالم ]95/18 قال :ال ،إال أن نعلك هذه َتصرِ ّ .
عن ابن أيب وداعة قال :كنت أجالس سعيدَ بن املس ِّيب ،ففقدين أ ّيا ًما،
فاشتغلت هبا ،فقال :أال أخربتنا
ُ كنت؟ قلت :ت ُُو ّفيت أهيل
فلام جئتُه قال :أين َ
زوجنياستحدثت امرأةً؟ فقلت :يرمحك اهلل ،ومن ُي ِّ
َ فشهدناها ،ثم قال :هل
ِ
وما أمل ُك إال درمهني أو ثالثة؟ قال :أنا ،فقلت :وتفعل؟ قال :نعم ،ثم َّ
حتمد
فقمت وما ٍ
ثالثة، وزوجني عىل درمهني أو
ُ وصىل عىل النبي َّ H
وجعلت أتفكَّر فيمن أستدين،
ُ فرصت إىل منزيل
ُ أدري ما أصن َُع من ال َفرح،
123
الن�ســـاء
مت عشائي
وكنت وحدي صائماً فقدَّ ُ
ُ ورجعت إىل منزيل،
ُ املغرب
َ فص َّليت
ُأفطِر وكان ُخ ًبزا وزيتًا ،فإذا بايب ُيقرع ،فقلت :من هذا؟ فقال :سعيد،
اسمه سعيد إلاّ ابن املس ِّيب ،فإنّه مل ُي َر أربعني سن ًة إال بني فأفكرت يف ِّ
كل َمن ُ ُ
فخرجت فإذا سعيد ،فظننت أنَّه قد بدا له ،فقلت :يا أبا حممد
ُ بيته واملسجد،
رجلاً َع َز ًبا
ُنت ُ
أحق أن تؤتى؛ إنَّك ك َ
أنت ُّ
أرسلت إ َّيل فآت َيك؟ قال :الَ ،
َ أال
تبيت الليل َة وحدَ ك ،وهذه امرأتُك فإذا هي قائم ٌة ِمن
فكرهت أن َ
ُ جت
فتزو َ
َّ
خلفه يف ُطوله ،ثم أخذ بيدها فدفعها يف الباب ور ّد الباب ،فسقطت املرأ ُة ِ
124
الن�ســـاء
جاء رجل إىل سفيان بن عيينة فقال :يا أبا حممد ،أشكو إليك من فالنة
-يعني امرأته -أنا ّ
أذل األشياء عندها وأحقرها ،فأطرق سفيان مل ًّيا ،ثم رفع
عزا ،فقال :نعم يا أبا حممد ،قال :من
رغبت إليها لتزداد ًّ
َ رأسه فقال :لعلك
ذهب إىل العز ابتيل بالذل ،ومن ذهب إىل املال ابتيل بالفقر ،ومن ذهب إىل
العز واملال مع الدين ،ثم أنشأ حيدّ ثه فقال :كنا إخوة أربعة:
الدين جيمع اهلل له ّ
حممد وعمران وإبراهيم وأنا ،فمحمد أكربنا ،وعمران أصغرنا ،وكنت
أوسطهم ،فلام أراد حممد أن يتزوج رغب يف احلسب فتزوج من هي أكرب
ّ
بالذل ،وعمران رغب يف املال فتزوج من هي أكثر منه منه حس ًبا فابتاله اهلل
مالاً فابتاله اهلل بالفقر ،أخذوا ما يف يديه ومل يعطوه شي ًئا ،فبقيت يف أمرمها،
فقدم علينا معمر بن راشد فشاورته وقصصت عليه قصة إخويت ،فذكرين
حديث حييى بن جعدة وحديث عائشة ،فأما حديث حييى بن جعدة قال
النبي « :Hتنكح امل��رأة على أرب��ع :على دينها وحسبها وماهلا ومجاهلا،
فعليك ب��ذات الدين تربت يداك» ،وحديث عائشة أن النبي Hقال:
«أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة» ،فاخرتت لنفيس الدين وختفيف الظهر
اقتداء بسنة نبي اهلل ،Hفجمع اهلل يل املال مع الدين.
[حلية األويلاء ]279/7
عيل عجوز
قال حممد بن أيب ليىل :كنت يو ًما يف جملس القضاء فوردت ّ
ت العجوز تتكلم فقالت الشابة :أصلح اهلل ومعها جارية شابة ،فذهب ِ
َ
القايض ،مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها ،فإن حلنت بيشء
125
الن�ســـاء
فلرتد عيل ،فإن أذنت يل سفرت ،فقلت :أسفري ،فقالت العجوز :إن
سفرت قضيت هلا عيل ،قلت :أسفري ،فأسفرت واهلل عن وجه ما ظننت
أن يكون مثله إال يف اجلنة ،فقالت :أصلح اهلل القايض ،هذه عمتي ،مات
أيب وتركني يتيمة يف حجرها فربتني فأحسنت الرتبية ،حتى إذا بلغت مبلغ
النساء قالت :يا بنية! هل لك يف التزويج؟ قلت :ما أكره ذلك يا عمة ،هكذا
كان؟ قالت العجوز :نعم .قالت فخطبني وجوه أهل الكوفة فلم ترض يل
إال رجلاً صريف ًّيا فزوجتني ،فكنا كأننا رحيانتان ما يظن أن اهلل تعاىل خلق
غريي ،وال أظن أن اهلل Dخلق غريه ،يغدو إىل سوقه ويروح عيل بام رزقه
اهلل ،فلام رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا عىل ذلك ،فكانت
فسو َقتها وهيأهتا لدخول زوجي عيل فوقعت عينه عليها ،فقال هلا:
هلا ابنة ّ
يا عمة! هل لك أن تزوجيني ابنتك؟ قالت :نعم برشط ،قال هلا :وما الرشط؟
قالت :تصري أمر ابنة أخي إيل ،قال :قد صريت أمرها إليك ،قالت :فإين قد
جت ابنتها من زوجي ،فكان يغدو عليها ويروح كام طلقتها ثال ًثا بتةَّ ،
وزو ْ
كان يغدو عيل ويروح ،فقلت هلا :يا عمة! تأذنني يل أن أنتقل عنك ،قالت:
نعم ،فانتقلت عنها ،وكان لعمتي زوج غائب فقدم فلام توسط منزله قال :ما
يل ال أرى ربيبتنا؟ قالت :تزوجت وطلقها زوجها فانتقلت عنا ،فقال هلا:
علينا من احلق ما نعزهيا بمصيبتها ،فلام بلغني جميئه هتيأت له وتسوقت ،فلام
دخل عيل سلم وعزاين بمصيبتي ثم قال يل :إن يف بقية من الشباب فهل لك
أن أتزوجك؟ قلت :ما أكره ذاك ولكن عىل رشط ،قال يل :وأيش الرشط؟
قلت :تصري أمر عمتي بيدي ،قال :فإين قد صريت أمرها بيدك ،قلت :فإين
126
الن�ســـاء
قد طلقتها ثال ًثا بتة ،قالت :وقدم بثقله عيل من الغد ومعه ستة آالف درهم،
فأقام عندي ما أقام ثم إنه اعتل فتويف ،فلام انقضت عديت جاء زوجي األول
يعزيني بمصيبتي فلام بلغني جميئه هتيأت له وتسوقت ،فلام دخل عيل قال:
يا فالنة! إنك لتعلمني أنك كنت أحب الناس إيل وأعزهم عيل ،وقد حل
لنا الرجعة فهل لك يف ذلك؟ قلت :ما أكره ذلك ولكن تصري أمر ابنة عمي
بيدي ،قال :فإين قد فعلت صريت أمر ابنة عمتك بيدك ،قلت :فإين قد طلقتها
ثال ًثا بتة ،أصلح اهلل القايض ،فرجعت إىل زوجي ،فام استعداؤها عيل ،فقال
ابن أيب ليىل :واحدة بواحدة والبادئ أظلم ،قومي إىل منزلك .قال ابن أيب
ليىل :فحدثت اهلادي بذلك ،فقال :وحيك يا حممد! ما سمعت حدي ًثا أحسن
من هذا ،أنا أحب أن أحدث به اخليزران ،يعني أمه.
[اجلليس الصالح ص ]145
كانت مدرسة عبد القادر بن أيب صالح اجلييل للقايض املخرمي ،فلام
فوضت إىل عبد القادر أراد أن يوسعها ويعمرها ،فكان الرجال والنساء يأتونه
فيشء إىل أن عمرها ،فاتفق أن امرأة مسكين ًة جاءت بزوجها ،وكان ٍ بيشء
زوجها من الفعلة الروزجارية ،وقالت لعبد القادر :هذا زوجي ،ويل عليه
دينارا ،ووهبت له النصف برشط أن يعمل يف مدرستك
من املهر قدر عرشين ً
بالنصف الباقي ،وقد تراضينا عىل هذا ،فقبل الزوج ذلك وأحرضت املرأة
اخلط وسلمته إىل عبد القادر ،فكان يستعمل الزوج يف املدرسة ،وكان يعطيه
127
الن�ســـاء
يو ًما األجرة ،ويو ًما ال يعطيه؛ لعلمه بأن الرجل حمتاج فقري وال يملك شي ًئا
إىل أن علم أن الزوج عمل بخمسة دنانري ،فأخرج عبد القادر اخلط ،ودفعه
إىل الزوج وقال :أنت يف حل من الباقي».
[ذيل طبقات احلنابلة ]191/2
128
تربية الأوالد
تربية األوالد
وعن ابن عمر Lقال :استأذنت عمر يف اجلهاد ،فقال :أي بني ،إين
العدو
ّ أخاف عليك الزنى ،فقلت :أوعىل مثيل تتخوف ذلك؟! قال :تلقون
فيمنحكم اهلل أكتافهم ،فتقتلون املقاتلة وتسبون ّ
الذرية وجتمعون املتاع ،فتقام
جارية يف املغنم فينادى عليها فتسوم هبا فينكل الناس عنك يقولون :ابن أمري
املؤمنني -وهلل وللرسول ولذي القربى واليتامى واملساكني وابن السبيل فيهم
[حمض الصواب ]608-607/2 زان .اجلس.حق ،-فتقع عليها فإذا أنت ٍ
ّ
ٍ
يومئذ دخل عمرو بن سعيد عىل معاوية Iبعد موت أبيه ،وعمرو
غال ٌم ،فقال له معاوية :إىل من أوىص بك أبوك؟ قالَّ :
إن أيب أوىص إ َّيل،
يوص يب .قال :وبأي ٍ
يشء أوصاك؟ قال :أوصاين أن ال يفقدَ إخوانه منه ِ ومل
ِّ
إن ابن سعيد هذا لأَ شدق!.
إال شخصه .فقال معاوية ألصحابهَّ :
[ابليان واتلبيني ]77/2
129
تربية الأوالد
قال عبد اجلبار الكرابييس :كان معنا ابن أليوب السختياين يف الكُتاب،
فوضع له منرب فخطب عليه وهنبوا علينا اجلوز،
فحذق الصبي ،فأتينا منزهلمُ ،
خاص لنا.
ّ وأيوب قائم عىل الباب يقول لنا :ادخلوا ،وهو
[انلفقة ىلع العيال البن أيب ادلنيا ص]485
قال سفيان الثوري :اجتمعوا إىل القاسم بن حممد يف صدقة قسمها وهو
يصيل ،فجعلوا يتكلمون فقال ابنه :إنكم اجتمعتم إىل رجل واهلل ما نال منها
مها وال دان ًقا .قال :فأوجز القاسم ثم قال :يا بني ،قل فيام علمت ،قال
در ً
[صفة الصفوة ]89/2 سفيان :صدق ابنه ،ولكنه أراد تأديبه يف النطق وحفظه.
عزوين
اثي :ملا مات أيب كنت صب ًّيا ،فجاء الناس َّ
قال أبو العباس البرَ َ ّ
وأكثروا ،وجاءين فيمن جاءين برش بن احلارث ،فقال يل :يا ُبني ،إن أباك كان
حلا ،وأرجو أن تكون خل ًفا منهَ ،ب ّر بوالدتك وال ت ُع ّقها وال ختالفها،
رجلاً صا ً
تصحب من ال خري فيه.
ْ يا ُبني ،والزم السوق؛ فإهنا من العافية ،وال
[طبقات احلنابلة ]64/1
قال عيل بن هارون بن حييى بن املنجم :كنت وأنا صبي ال أقيم الراء يف
كالمي وأجعلها غينًا ،وكانت سني إذ ذاك أربع سنني أقل أو أكثر ،فدخل
َأ ُبو طالب املفضل بن سلمة أو أبو بكر الدمشقي -شك الراوي -إىل أيب،
وأنا بحرضته ،فتكلمت بيشء به راء فلثغت فيها ،فقال له الرجل :يا سيدي
130
تربية الأوالد
ـم تدع أبا احلسن يتكلم هبذا؟ فقال له :وما أصنع وهو ألثغ؟ فقال له :وأناِ
ل َ
أسمع وأحصل ما جيري وأضبطه ّ
إن اللثغة ال تصح مع سالمة اجلارحة،
وإنام هي عادة سوء تسبق إىل الصبي أول ما يتكلم بتحقيق األلفاظ أو سامعه
شي ًئا حيتذيه فإن تُرك عىل ما يستصحبه من ذلك مرن عليه فصار له طب ًعا
ال يمكنه التحول منه ،وإن أخذ برتكه يف أول نشوئه استقام لسانه وزال عنه،
وأنا أزيل هذا عن أيب احلسن وال أرىض فيه برتكك له عليه ،ثم قال يل :أخرج
لسانك فأخرجته فتأمله ،فقال :اجلارحة صحيحة ،قل يا بني :راء واجعل
ففعلت فلم ِ
يستو يل ،فام زال يرفق يب مرة وخيشن ُ لسانك يف سقف حلقك،
عيل أخرى وينقل لساين إىل موض ٍع من فمي ويأمرين أن أقول الراء فيه فإذا
ّ
دفعات كثرية يف زمان طويل حتى قلت ٍ ِ
يستو نقل لساين إىل موضع آخر مل
راء صحيحة يف بعض تلك املواضع التي نقل إليها لساين ،فطالبني بإعادهتا
وألزمني ذلك حتى استقام لساين ،وذهبت اللثغة ،فأمر أن أطالب هبذا أبدً ا
ويتقدم به إىل معلمي ومن حيفظني وأوخذ بالكالم به وال يتسمح يل بالغلط
[تاريخ بغداد ]610/13 فيه ،ففعل ذلك و َم ُرنت عليه ،وما لثغت إىل اآلن.
تف ّقد هشام بن عبد امللك بعض ولده مل حيرض اجلمعة ،فقال له :ما
فرتكت اجلمعة؟! َ وعجزت عن امليش
َ منعك؟ فقال :نف َق ْت دا ّبتي ،قال:
[املنتظم ]98/7 فمنَعه الدابة سنة.
131
تربية الأوالد
قال حممد الباقر :أوصاين أيب قال :ال تصحب ّن مخسة والحتادثهم
وال ترافقهم يف طريق ،قلت :جعلت فداءك يا أبت ،من هؤالء اخلمسة؟ قال:
ٍ
بأكلة فام دوهنا ،قلت :يا أبت ،وما دوهنا؟ قال: ال تصحب ّن فاس ًقا؛ فإنه يبيعك
يطمع فيها ثم اليناهلا ،قلت :يا أبت ومن الثاين؟ قال :ال تصحب ّن البخيل؛
أحوج ما كنت إليه ،قلت :يا أبت ومن الثالث؟ قال:
َ فإنه يقطع بك يف ماله
ال تصحب ّن كذا ًبا؛ فإنه بمنزلة الرساب يبعد منك القريب ويقرب منك
البعيد ،قلت :يا أبت ومن الرابع؟ قال :ال تصحب ّن أمحق؛ فإنه يريد أن
فيرضك ،قلت :يا أبت ومن اخلامس؟ قال :ال تصحب ّن قاطع رحم؛
ُّ ينفعك
[صفة الصفوة ]104/2 فإين وجدته ملعونًا يف كتاب اهلل يف ثالثة مواضع.
قال حممد بن حسان :قال يل عمي :قدم حممد بن قحطبة الكويف ،فقال:
ٍ
حافظ لكتاب اهلل عاملٍ بسنة رسول اهلل أحتاج إىل مؤ ِّد ٍ
ب يؤ ِّدب أوالدي
Hوباآلثار والفقه والنحو والشعر وأيام الناس ،فقيل له :ما جيمع
هذه األشياء إال داود الطائي ،وكان حممد بن قحطبة ابن عم داود ،فأرسل
إليه يعرض ذلك عليه ،ويسني له األرزاق والفائدة ،فأبى داود ذلك ،فأرسل
فوجه
إليه َبدْ َر ًة عرشة آالف درهم ،وقال له :استعن هبا عىل دهرك ،فر ّدهاّ ،
إليه بدرتني مع غالمني له مملوكني ،وقال هلام :إن قبل البدرتني فأنتام حران،
عتق رقابنا ،فقال هلام:
فمضيا هبام إليه ،فأبى أن يقبلهام ،فقاال له :إن يف قبوهلام َ
132
تربية الأوالد
إين أخاف أن يكون يف قبوهلام وهق رقبتي يف النارُ ،ر ّداها إليه وقوال له :أن
[تاريخ بغداد ]311/9 ير ّدمها عىل من أخذمها منه أوىل من أن يعطيني أنا.
كان ُزبيد اليامي مؤذن مسجده ،فكان يقول للصبيان :يا صبيان ،تعالوا
فصلوا أهب لكم اجلوز ،فكانوا جييئون ويصلون ثم حيوطون حوله ،فقيل
جوزا بخمسة دراهم ويتعودون
عيل أشرتي هلم ً
له :ما تصنع هبذا؟ قال :وما ّ
[حلية األويلاء ]31/5 الصالة!.
ً
فروخا أبا عبد الرمحن أبو ربيعة خرج يف حدثني مشيخة أهل املدينة أن
البعوث إىل خراسان أيام بني أمية غاز ًيا وربيعة محل يف بطن أمه وخلف عند
زوجته أم ربيعة ثالثني ألف دينار ،فقدم املدينة بعد سبع وعرشين سنة وهو
فرسا يف يده رمح ،فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برحمه ،فخرج ربيعة
راكب ً
فقال له :يا عدو اهلل ،أهتجم عىل منزيل؟ فقال :ال ،وقال فروخ :يا عدو اهلل،
أنت رجل دخلت عىل حرمتي ،فتواثبا وتلبب كل واحد منهام بصاحبه حتى
اجتمع اجلريان ،فبلغ مالك بن أنس واملشيخة فأتوا يعينون ربيعة ،فجعل
ربيعة يقول :واهلل ال فارقتك إال عند السلطان ،وجعل فروخ يقول :واهلل
ال فارقتك إال بالسلطان ،وأنت مع امرأيت ،وكثر الضجيج ،فلام برصوا
باملك سكت الناس كلهم ،فقال مالك :أهيا الشيخ ،لك سعة يف غري هذه
الدار ،فقال الشيخ :هي داري ،وأنا فروخ موىل بني فالن ،فسمعت امرأته
133
تربية الأوالد
كالمه فخرجت فقالت :هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفتَه وأنا حامل به،
فاعتنقا مجي ًعا وبكيا ،فدخل فروخ املنزل وقال :هذا ابني؟ قالت :نعم ،قال:
فأخرجي املال الذي يل عندك وهذه معي أربعة آالف دينار ،فقالت :املال قد
دفنته وأنا أخرجه بعد أيام ،فخرج ربيعة إىل املسجد وجلس يف حلقته ،وأتاه
مالك بن أنس واحلسن بن زيد وابن أيب عيل اللهبي واملساحقي وأرشاف
أهل املدينة وأحدق الناس به ،فقالت امرأته :اخرج صل يف مسجد الرسول،
فخرج فصىل ،فنظر إىل حلقة وافرة فأتاه فوقف عليه ففرجوا له قليلاً ،ونكس
ربيعة رأسه يومهه أنه مل يره ،وعليه طويلة فشك فيه أبو عبد الرمحن فقال :من
هذا الرجل؟ فقالوا له :هذا ربيعة بن أيب عبد الرمحن ،فقال أبو عبد الرمحن:
لقد رفع اهلل ابني ،فرجع إىل منزله ،فقال لوالدته :لقد رأيت ولدك يف حالة ما
رأيت أحدً ا من أهل العلم والفقه عليها ،فقالت أمه :أيام أحب إليك ثالثون
ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من اجلاه؟ قال :ال واهلل إال هذا ،قالت :فإين
قد أنفقت املال كله عليه ،قال :فواهلل ما ضيعتِه.
[تاريخ بغداد ]414 /9
134
تربية الأوالد
يا إمام ،ما هذا الذي مل يعهد منك؟ فقال :ما أراها إال آثار بقايا املصة ،قيل:
وما نبأ هذه املصة؟ قال :إن أمي اشتغلت يف طعام تطبخه أليب وأنا رضيع
فبكيت وكانت عندنا جارية مرضعة جلرياننا فأرضعتني مصة أو مصتني،
ودخل والدي فأنكر ذلك وقال :هذه اجلارية ليست ملكًا لنا وليس هلا أن
وفوقني حتى مل يدع يف
تترصف يف لبنها وأصحاهبا مل يأذنوا يف ذلك ،وقلبني َّ
باطني شي ًئا إال أخرجه ،وهذه اللجلجة من بقايا تلك اآلثار.
[طبقات الشافعية الكربى ]168 /5
135
الزهد والورع
الزهد والورع
قالت عائشة :Jكان أليب بكر غالم خيرج له اخلراج ،وكان أبو بكر
يأكل من خراجه ،فجاء يو ًما بيشء فأكل منه أبو بكر ،فقال له الغالم :أتدري
ما هذا؟ فقال أبو بكر :وما هو؟ قال :كنت تكهنت إلنسان يف اجلاهلية وما
أحسن الكهانة إال أين خدعته ،فلقيني فأعطاين بذلك ،فهذا الذي أكلت منه،
[صحيح ابلخاري ]43 /5 فأدخل أبو بكر يده فقاء كل يشء يف بطنه.
قالت عائشة :Jملا ُحضرِ َ أبو بكر Iدعاين فقال :يا بنية ،إين
عيل .قالت:كنت أعطيتك متر خيرب ،ومل تكوين أخذتيها وأنا أحب أن تردهيا َّ
فبكيت ،ثم قلت :غفر اهلل لك يا أبت ،واهلل لو كان خيرب ذه ًبا مجي ًعا لرددهتا
عليك .فقال :هي عىل كتاب اهلل ،Dيا بنية إين كنت أجتر قريش وأكثرهم
مالاً ،فلام شغلتني اإلمارة رأيت أن أصيب من املال بقدر ما شغلني ،يا بنية
هذه العباءة ال َق َطوانية وحالب وعبد ،فإذا مت فأرسعي به إىل ابن اخلطاب،
يا بنية ثيايب هذه فكفنوين هبا .قالت :فبكيت وقلت :يا أبت ،نحن من ذلك،
للم ْهل؟ قالت :فلام مات بعثت بذلك إىل
فقال :غفر اهلل لك وهل ذلك إال َ
ابن اخلطاب فقال :يرحم اهلل أبا بكر ،لقد أحب أال يرتك لقائل مقالاً .
[الزهد لإلمام أمحد ص]216
136
الزهد والورع
قال عبد اهلل بن أرقم لعمر بن اخلطاب :Iيا أمري املؤمنني ،إن عندنا
حلية من حلية جلوالء وآنية من ذهب وفضة ،فانظر أن تأمر فيها بأمرك،
فقال :إذا رأيتني فار ًغا فآذين ،فرآه يو ًما فقال :إين أراك اليوم فار ًغا ،فقال:
ابسط يل نط ًعا يف احلش -قال ابن وهب :يريد النخل -فأمر بنطع فبسط له،
فصب عليه ،ثم وقف عليه فقال :اللهم إنك ذكرت هذا املال
ّ ُفأيت بذلك املال
وقلت[ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ] ،وقلت[ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
زينت لنا ،اللهم إين
ﯮ ﯯ] ،اللهم إنا ال نستطيع إال أن نفرح بام َ
أسألك أن ننفقه يف حقه ،وأعوذ بك من رشه ،قالُ :فأيت بابن له حيمل يقال
له عبد الرمحن بن نهُ َ ّية فقال له :يا أبتاه هب يل خامتًا .قال :اذهب إىل أمك
[الزهد أليب داود ص]87 تسقيك سوي ًقا ،فام أعطاه منه شي ًئا.
قالت برزة بنت رافع :ملا خرج العطاء أرسل عمر إىل زينب بنت جحش
بالذي هلا ،فلام دخل عليها قالت :غفر اهلل لعمر ،غريي من أخوايت كان أقوى
عىل قسم هذا مني ،فقالوا :هذا كله لك ،قالت :سبحان اهلل ،واسترتت منه
بثوب ،قالت :صبوه واطرحوا عليه ثو ًبا ،ثم قالت يل :أدخيل يدك فاقبيض
منه قبضة فاذهبي هبا إىل بني فالن وبني فالن من أهل رمحها وأيتامها،
فقسمته حتى بقيت بقية حتت الثوب ،فقالت هلا برزة بنت رافع :غفر اهلل لك
يا أم املؤمنني ،واهلل لقد كان لنا يف هذا حق ،فقالت :فلكم ما حتت الثوب،
137
الزهد والورع
138
الزهد والورع
أجاز أبو جعفر املنصور اإلمام أبا حنيفة بثالثني ألف درهم يف دفعات،
فقال :يا أمري املؤمنني ،إين ببغداد غريب ،وليس هلا عندي موضع ،فاجعلها
يف بيت املال ،فأجابه املنصور إىل ذلك ،فلام مات أبو حنيفة أخرجت ودائع
[تاريخ بغداد ت بشار ]492/15 الناس من بيته ،فقال املنصور :خدعنا أبو حنيفة.
بعث معن بن زائدة إىل سفيان الثوري بثالثامئة دينار ،فقال للرسول:
قم إىل ذلك الطاق ،انظر ما عليه؟ فوجد أربعة دوانيق ،قال :هذه عندي منذ
ثالثة أشهر ،ال أدري ما أصنع به فام أصنع بدنانريك؟
[اجلامع ألخالق الراوي ]362/1
نزل األوزاعي بأخ له يف القرية التي نشأ فيها وهي الك ََرك ،فقدم الرجل
عشاءه فلام وضع املائدة بني يديه ومد األوزاعي يده ليتناول منه قال الرجل:
كل يا أبا عمرو واعذرنا؛ فإنك أتيتنا يف وقت ضيق ،فرد يده يف كمه ،وأقبل
عليه الرجل يسأله أن يأكل من طعامه فأبى ،فلام طال عىل الرجل رفع املائدة
وبات ،فلام أصبح غدا وتبعه الرجل فقال :يا أبا عمرو ،ما محلك عىل ما
صنعت؟ واهلل ما أفدت بعدك مالاً وما هو إال املال الذي تعرف ،فلام أكثر
عليه قال :ما كنت ألصيب طعا ًما َّ
قل شكر اهلل عليه أو كفرت نعمة اهلل عنده،
[اجلرح واتلعديل ]210 /1 وكان تلك الليلة صائماً .
139
الزهد والورع
نظر مبارك والد عبد اهلل بن املبارك بستانًا ملواله ،فطلب منه رمانة
حامضة ،فجاءه برمانة حلوة ،فقال له :أنت ما تعرف احللو من احلامض؟
قال :ال ،قال :ومل؟ قال :ألنك مل تأذن يل فيه ،فوجده كذلك وعظم قدره
كثريا ،فقال له :يا مبارك ،من ترى
عند مواله ،حتى كان له بنت خطبت ً
نزوج هذه البنت؟ فقال :اجلاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للامل
والنصارى للجامل ،وهذه األمة للدين ،فأعجبه عقله وقال ألمها :ما هلا
زوج غريه ،فتزوجها ،فجاءت بعبد اهلل ،وكان واحد وقته.
[شذرات اذلهب ]289/ 1
كتب غال ٌم حلسان بن أيب سنان إليه من األهواز :إن قصب السكر
ٍ
رجل فلم يأت عليه إال فاشرت السكر فيام ِق َبلك ،فاشرتى من
ِ أصابته آفة،
قليل فإذا فيام اشرتى ربح ثالثني أل ًفا ،فأتى صاحب السكر فقال :يا هذا ،إن
غالمي كان كتب إ ّيل ومل أعلمك فأقلني فيام اشرتيت منك ،قال اآلخر :قد
140
الزهد والورع
أعلمتني اآلن وطيبته لك ،فرجع فلم حيتمل قلبه ،فأتاه فقال :يا هذا ،إين مل
فأحب أن تسرتد هذا البيع ،فام زال به حتى رده عليه. آت األمر من وجهه،ِ
ّ
[املنتظم ]152/8
قصدت أخت برش احلايف اإلمام أمحد فقالت :إنا قوم نغزل بالليل
ومعاشنا منه ،وربام يمر بنا مشاعل بني طاهر والة بغداد ونحن عىل السطح
فنغزل يف ضوئها الطاقة والطاقتني ،أفتحله لنا أم حترمه؟ فقال هلا :من أنت؟
قالت :أخت برش .فقال :آه يا آل برش ،ال عدمتكم ،ال أزال أسمع الورع
[حلية األويلاء ]353/8 الصايف من قبلكم.
ذكر أبو العرب أن سحنون خال به يو ًما ،فقال له :ألست بإمامك؟ قال:
نعم ،قال :وتقبل قويل؟ فقال :نعم ،لو مل أقبله مل أختلف إليك ،فقال له :هذا
دينارا ،وقال
قويل ويميني ،فحلف باهلل وأراه رصة يف يده ذكر أن فيها ثالثني ً
له :ما هي من سلطان وال من جتارة وال وصية ،وما هي إال من ثمرة شجرة
غرستها بيدي فخذها ،تتقوى هبا عىل أمر دينك ودنياك ،فقال :أنا عنها غني،
وكان مفرط احلاجة إىل ما دوهنا ،فقال سحنون :خذها سل ًفا فتتزوج منها
وتنفق ،فإن رزقك اهلل ردها أقبلها منك ،فإن تعذر ردها فأنت منها يف ّ
حل،
فقال :ما كنت بالذي آخذ دينًا يف ذمتي من غري حاجة ،فقال سحنون :فإذا
[ترتيب املدارك ]231/4 أبيت فال تذكره ألحد ما دمت ح ًّيا.
141
التوكـــل
التوكـــل
قال عبد العزيز بن أيب َر ّواد ألخ له :أقرضنا مخسة آالف درهم إىل
صنعت بابن أيب
ُ فس التاجر ومحلها إليه ،فلام جنه الليل قال :ما
املوسم ،رُ َّ
رواد! شيخ كبري وأنا كذلك ما أدري ما حيدث بنا ،فال يعرف له ولدي
حقه ،لئن أصبحت آلتينه وألح ِّللنه ،فلام أصبح أتاه فأخربه ،فقال :اللهم
أعطه أفضل ما نوى ودعا له ،وقال :إن كنت إنام تشاورين فإنام استقرضناه
عىل اهلل ،فكلام اغتممنا به كفر اهلل به عنا ،فإذا جعلتنا يف حل كأنه يسقط
ذلك ،فكره التاجر أن خيالفه ،فام أتى املوسم حتى مات الرجل ،فأتى أوال ُده
وقالوا :مال أبينا يا أبا عبد الرمحن .فقال هلم :مل يتهيأ ولكن امليعاد بيننا املوسم
اآليت ،فقاموا من عنده ،فلام كان املوسم اآليت مل يتهيأ املال ،فقالوا :أيش أهون
عليك من اخلشوع وتذهب بأموال الناس؟! فرفع رأسه ،فقال :رحم اهلل
أباكم قد كان خياف هذا وشبهه ولكن األجل بيننا املوسم اآليت ،وإال فأنتم
يف ِح ّل مما قلتم ،قال :فبينا هو ذات يوم خلف املقام إذ ورد عليه غالم كان
قد هرب له إىل اهلند بعرشة آالف درهم فأخربه أنه اجتر وأن معه من التجارة
ما ال حيىص ،فقال :لك احلمد ،سألناك مخسة آالف ،فبعثت إلينا عرشة آالف،
يا عبد املجيد! امحل العرشة آالف إليهم ،مخسة هلم ومخسة لإلخاء الذي بيننا
وبني أبيهم ،وقال العبد :من يقبض ما معي؟ فقال :يا بني! أنت حر لوجه
[سري أعالم انلبالء ]185 /7 اهلل ،وما معك فلك.
142
التوكـــل
كثريا،
ً قال عبد الرمحن بن مهدي :كنت أنا وأخي رشيكني ،فأصبنا مالاً
فدخل قلبي من ذلك املال يشء فرتكته هلل وخرجت ،فام خرجت من الدنيا
زوج أخي ثالث بنات من أوالدي وزوجت ابنتي
حتى ر َّد اهلل ذلك املال إ َّيلَّ :
من ابنه ،ومات أخي فورثه أيب ،ومات أيب فورثته أنا ،فرجع ذلك املال كله
[صفة الصفوة ]228/2 إ ّيل.
ملا مات ذر بن عمر بن ذر قال أصحابه :اآلن يضيع الشيخ؛ ألنه كان
بارا بوالديه ،فسمعها الشيخ فبقي متعج ًبا ،أنا أضيع؟ واهلل حي ال يموت،
ًّ
فسكت حتى واراه الرتاب ،فلام واراه الرتاب وقف عىل قربه يسمعهم ،فقال:
رمحك اهلل يا ذر ،ما علينا بعد من خصاصة ،وما بنا إىل أحد مع اهلل حاجة ،وما
يرسين أن أكون املقدم قبلك ،ولوال هول املطلع لتمنيت أن أكون مكانك،
لقد شغلني احلزن لك عن احلزن عليك ،فيا ليت شعري ماذا قيل لك ،وماذا
ونكريا .ثم رفع رأسه فقال :اللهم إين قد وهبت له حقي
ً منكرا
قلت؟ يعني ً
فيام بيني وبينه ،اللهم فهب حقك فيام بينك وبينه له ،فبقي القوم متعجبني مما
جاء منهم ،ومما جاء منه من الرضا عن اهلل والتسليم له.
[حلية األويلاء]109/5
قال إسحاق بن عباد البرصي :رأيت يف منامي ذات ليلة قائلاً يقول:
فانتبهت فقلت :انظروا هل يف جرياننا حمتاج؟ فقالوا :ما
ُ أغث امللهوف،
ندري ،فنمت ثان ًيا فعاد إ ّيل فقال :تنام ومل تغث امللهوف؟! فقمت فقلت
143
التوكـــل
للغالم :أرسج البغل ،وأخذت معي ثالثامئة درهم ،ثم ركبت البغل فأطلقت
عنانه حتى بلغ مسجدً ا يصىل فيه عىل اجلنازة ،فوقف البغل هناك ،فنظرت
فدنوت منه فقلت :يا عبد اهلل ،يف هذا
ُ فإذا ٌ
رجل يصيل ،فلام حس يب انرصف،
خواص ،كان رأس مايل الوقت يف هذا املوضع ما أخرجك؟ قال :أنا ٌ
رجل ّ
مائة درهم ،فذهبت من يدي ولزمني َدي ُن مائتي درهم ،فأخرجت الدراهم
وقلت :هذه ثالث مائة درهم خذها ،فأخذها ،قلت :تعرفني؟ قال :ال،
قلت :أنا إسحاق بن عباد ،فإن نابتك نائبة فأتني ،فإن منزيل يف موضع كذا
وكذا ،فقال :رمحك اهلل ،إن نابتنا نائبة فزعنا إىل من أخرجك يف هذا الوقت
[شعب اإليمان ]32/2 حتى جاء بك إلينا.
ملا وىل عبد امللك بن مروان عبد اهلل البطال املصيصة بعث البطال رسية
إىل أرض الروم ،فغاب عنه خربهم فلم يدر ما صنعوا ،فركب بنفسه وحده
عىل فرس له وسار حتى وصل عمورية ،فطرق باهبا ليلاً ،فقال له البواب:
من هذا؟ قال البطال :فقلت :أنا سياف امللك ورسوله إىل البطريق ،فأخذ يل
طري ًقا إليه ،فلام دخلت عليه إذا هو جالس عىل رسير فجلست معه عىل الرسير
إىل جانبه ،ثم قلت له :إين قد جئتك يف رسالة فمر هؤالء فلينرصفوا ،فأمر من
عنده فذهبوا ،ثم قام فأغلق باب الكنيسة عيل وعليه ،ثم جاء فجلس مكانه،
صفحا وقلت له :أنا البطال فاصدقني
ً فاخرتطت سيفي ورضبت به رأسه
عن الرسية التي أرسلتها إىل بالدك وإال رضبت عنقك الساعة ،فأخربين ما
144
التوكـــل
خربها ،فقال :هم يف بالدي ينتهبون ما هتيأ هلم ،وهذا كتاب قد جاءين خيرب
أهنم يف وادي كذا وكذا ،واهلل لقد صدقتك .فقلت :هات األمان ،فأعطاين
األمان ،فقلت :ائتني بطعام ،فأمر أصحابه فجاؤوا بطعام فوضع يل ،فأكلت
فقمت ألنرصف ،فقال ألصحابه :اخرجوا بني يدي رسول امللك فانطلقوا
يتعادون بني يدي ،وانطلقت إىل ذلك الوادي الذي ذكر ،فإذا أصحايب
[ابلداية وانلهاية ]364/9 هنالك ،فأخذهتم ورجعت إىل املصيصة.
145
التوكـــل
جاء رجل إىل الربيع بن عبد الرمحن فسأله أن يكلم األمري يف حاجة
له ،فبكى الربيع ثم قال :أي أخي ،اقصد إىل اهلل يف أمرك جتده رسي ًعا قري ًبا،
فإين ما ظاهرت أحدً ا يف أمر أريده إال اهلل ،Dفأجده كريماً قري ًبا ملن قصده
[اتلولك ىلع اهلل البن أيب ادلنيا ص]74 : وأراده وتوكل عليه.
146
م�صاحبة الأخيار
مصاحبة األخيـــار
َ
سلامن رجل من بني عبس ليتعلم منه ،فخرج معه ،فجعل صحب
ال يستطيع أن يفضله يف عمل إن عجن جاء سلامن فخبز ،وإن هيأ الرجل
علف الدواب ذهب سلامن فسقاها حتى انتهوا إىل شط دجلة وهي تطفح،
فقال سلامن للعبيس :انزل فارشب ،فقال له سلامن :ازدد فازداد ،فقال له
سلامن :كم تراك نقصت منها؟ ،فقال العبيس :وما عسى أن أنقص منها؟
فقال سلامن :كذلك العلم تأخذ منه وال تنقصه فعليك منه بام ينفعك ،قال:
ثم عربنا إىل هنر دن فإذا األكداس عليه من احلنطة والشعري ،فقال سلامن:
يا أخا بني عبس ،أما ترى إىل فتح خزائن هذه علينا كأن نراها وحممد حي؟
قال :قلت :بىل .قال :فوالذي ال إله إال هو لقد كانوا يمسون ويصبحون
وما فيهم قفيز من قمح .ثم رسنا حتى انتهينا إىل جلوالء .فذكر ما فتح اهلل
عليهم هبا وما أصابوا فيها من الذهب والفضة ،فقال :يا أخا بني عبس،
147
م�صاحبة الأخيار
أما ترى الذي فتح خزائن هذه هلذه علينا كأن نراها وحممد حي .قال :قلت
بىل .قال :فوالذي ال إله غريه لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم دينار
[الزهد هلناد بن الرسي ]380/2 وال درهم.
قال أبو خلدة :دخلنا عىل حممد بن سريين ،فقال :ما أدري ما أحتفكم
به؟ كلكم يف بيته خبز وحلم ،ثم قال :يا جارية هايت تلك الشهدة ،فجعل
[ماكرم األخالق للطرباين ]378/1 يقطع ويطعمنا.
به إخوانه اخلمسة ،فقدم سنة فقيل له :قد ويل ابن علية القضاء ،فلم يأته ومل
148
م�صاحبة الأخيار
يصله بالرصة التي كان يصله هبا يف كل سنة ،فبلغ ابن علية أن ابن املبارك
رأسا ،ومل يكلمه
قد قدم ،فركب إليه وتنكّس عىل رأسه فلم يرفع به عبد اهلل ً
فانرصف ،فلام كان من ٍ
غد كتب إليه رقعة :بسم اهلل الرمحن الرحيم ،أسعدك
منتظرا لربك وصلتك
ً اهلل بطاعته وتوالك بحفظه وحاطك بحياطته ،قد كنت
عيل ،فأي يشء رأيت
أتربك هبا ،وجئتك أمس فلم تكلمني ورأيتك واجدً ا ّ
مني حتى أعتذر إليك منه؟ فلام وردت الرقعة عىل عبد اهلل بن املبارك دعا
بالدواة والقرطاس ،وقال :يأبى هذا الرجل إال أن نقرش له العصا ،ثم كتب
إليه :بسم اهلل الرمحن الرحيم:
ي����ص����ط����اد أم����������وال امل���س���اك�ي�ن ي�����ا ج����اع����ل ال�����دي�����ن ل�����ه ب����ازيً����ا
�����ن
حب�����ي�����ل�����ة ت�������ذه�������ب ب�����ال�����دي ِ اح����ت����ل����ت ل����ل����دن����ي����ا ول����ذات����ه����ا
����ان��ي�ن
ِ ك�����ن�����ت دواء ل����ل����م����ج ف���ص���رت جم���ن���و ًن���ا ب��ه��ا ب��ع��د ما
���ن
ع����ن اب������ن ع������ون واب�������ن س�ي�ري ِ أي��������ن رواي��������ات��������ك يف س����رده����ا
�����س��ل��اط��ي��ن
ِ ل����ت����رك أب�������������واب ال أي��������ن رواي��������ات��������ك يف س����رده����ا
���ط�ي�ن
زل مح������ار ال���ع���ل���م يف ال ِ ّ ���ت أُك����ره����ت ف����ذا باط ٌل
إن ق���ل َ
فلام وقف ابن علية عىل هذه األبيات قام من جملس القضاء ،فوطئ
بساط هارون ،وقال :يا أمري املؤمنني ،اهللَ اهللَ ارحم شيبتي ،فإين ال أصرب
للخطأ ،فقال له هارونّ :
لعل هذا املجنون أغرى بقلبك ،فقال :اهلل اهلل أنقذين
وجه إليه
أنقذك اهلل ،فأعفاه من القضاء ،فلام اتصل بعبد اهلل بن املبارك ذلك ّ
[تاريخ بغداد ]196/7 بالرصة.
149
م�صاحبة الأخيار
قال شقيق بن إبراهيم :بينا نحن ذات يوم عند إبراهيم بن أدهم إذ مر
به رجل من الصناع ،فقال إبراهيم :أليس هذا فالنًا؟ قيل :نعم ،فقال لرجل:
150
م�صاحبة الأخيار
أدركه فقل له :قال لك إبراهيم :ما لك مل تسلم؟ قال :ال واهلل ،إن امرأيت
وضعت وليس عندي يشء فخرجت شبه املجنون ،فرجعت إىل إبراهيم
وقلت له فقال :إنا هلل ،كيف غفلنا عن صاحبنا حتى نزل به هذا األمر؟ فقال:
يا فالن ،ائت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين ،وادخل السوق فاشرت
له ما يصلحه بدينار وادفع الدينار اآلخر إليه ،فدخلت السوق ،وأوقرت
بدينار من كل يشء ،وتوجهت إليه ،فدققت الباب ،فقالت امرأته :من هذا؟
فم ِري بفتح الباب وت َّ
َنحي، قلت :أنا أردت فالنًا ،قالت :ليس هو هنا ،قلتُ :
ففتحت الباب ،فأدخلت ما عىل البعري وألقيته يف صحن الدار وناولتها
الدينار ،فقالت :عىل يدي من هذا؟ قلت :قويل :عىل يد أخيك إبراهيم بن
[حلية األويلاء ]382/7 أدهم ،فقالت :اللهم ال تنس هذا اليوم إلبراهيم.
قال أبو عبيد القاسم بن سالم :زرت أمحد بن حنبل ،فلام دخلت عليه
بيته قام فاعتنقني وأجلسني يف صدر جملسه ،فقلت :يا أبا عبد اهلل ،أليس يقال
151
م�صاحبة الأخيار
صاحب البيت أو املجلس أحق بصدر بيته أو جملسه؟ قال :نعم ،يقعد و ُيقعد
من أراد ،فقلت يف نفيس :خذ إليك أبا عبيد فائدة .ثم قلت :يا أبا عبد اهلل،
لو كنت آتيك عىل حق ما تستحق ألتيتك كل يوم ،فقال :ال تقل ذاك ،فإن
يل إخوانًا ما ألقاهم يف كل سنة إال مرة أنا أوثق يف مودهتم ممن ألقى كل يوم،
قلت :هذه أخرى يا أبا عبيد .فلام أردت القيام قام معي ،قلت :ال تفعل
يا أبا عبد اهلل ،فقال :قال الشعبي :من متام زيارة الزائر أن ُي َ
مشى معه إىل باب
الدار ،ويؤخذ بركابه ،قلت :يا أبا عبد اهلل من عن الشعبي؟ قال :ابن أيب
زائدة عن جمالد عن الشعبي ،قلت :يا أبا عبيد ،هذه ثالثة.
[طبقات احلنابلة ]259/1
رأى اإلمام أبو حنيفة عىل بعض جلسائه ثيا ًبا رثة ،فأمره فجلس حتى
تفرق الناس وبقي وحده ،فقال له :ارفع املصىل وخذ ما حتته ،فرفع الرجل
ّ
املصىل فكان حتته ألف درهم ،فقال له :خذ هذه الدراهم فغيرِّ هبا من حالك،
فقال الرجل :إين مورس وأنا يف ٍ
نعمة ولست أحتاج إليها ،فقال له :أما بلغك
احلديث« :إن اهلل حيب بأن يرى أثر نعمته على عبده»؟ فينبغي لك أن تغري
[تاريخ بغداد ]494/15 يغتم بك صديقك.
حالك حتى ال ّ
كان للحسن بيت إذا فتح بابه فهو إذنه ،فمن جاءه من أصحابه فرأى
مفتوحا فدخل ،فنظر فلم ير
ً مفتوحا دخل ،فجاء رجل فرأى الباب
ً الباب
152
م�صاحبة الأخيار
فجره إليه فإذا فيه طعام ،فأقبل احلسن يف البيت ،فنظر إىل ٍّ
سل حتت رسيره َّ
يأكل منه ،وأقبل احلسن من خمرج له ،فلام رأى ما يصنع الرجل قام ينظر إليه،
ثم جعلت عينه تدمع وجعل يبكي ،فقال له الرجل :ما يبكيك يا أبا سعيد؟
فتح املوصيل إىل صديقه عيسى التامر فلم جيده يف املنزل فقال
جاء ٌ
كيس أخي ،فأخذ منه درمهني ،وجاء عيسى إىل منزله
للخادم :أخرجي إ ّيل َ
ِ
وأخذه الدرمهني ،فقال :إن كنت صادقة فأنت فأخربته اجلارية بمجيء فتح
احتجت
ُ اخلز ،فجاءه رجل فقال :يا أبا حنيفة ،قد
كان أبو حنيفة يبيع ّ
إىل ثوب خز ،فقال :ما لونه؟ فقال :كذا وكذا ،فقال له :اصرب حتى يقع
وآخذه لك إن شاء اهلل ،قال :فام دارت اجلمعة حتى وقع ،فمر به الرجل
فقال له أبو حنيفة :قد وقعت حاجتك ،فأخرج إليه الثوب فأعجبه فقال:
كنت أظنك
مها ،قال :يا أبا حنيفة ،ما ُ
يا أبا حنيفة ،كم أزن للغالم؟ قال :در ً
دينارا ودرهم ،وإين بعت
هتزأ؟ قال :ما هزأت ،إين اشرتيت ثوبني بعرشين ً
دينارا ،وبقي هذا بدرهم ،وما كنت ألربح عىل صديق.
أحدمها بعرشين ً
[تاريخ بغداد ]495/15
153
م�صاحبة الأخيار
154
حمبة اخلري للنا�س
احتكر املِسور بن خمرمة Iطعا ًما فرأى سحا ًبا من سحاب اخلريف
فكرهه ،فلام أصبح أتى السوق فقالَ :من جا َءين و َّليتُه -يعني :بعت له برأس
سور؟ قال :ال واهلل املال ،-فبلغ ذلك عمر فأتاه بالسوق فقال :أجنِ َ ِ
نت يا م َ ُ
يا أمري املؤمنني ،ولكني رأيت سحا ًبا فكرهته ،فكرهت ما ينفع الناس،
[صفة الصفوة ]305 /1 خريا.
فكرهت أن أربح فيه .فقال عمر :جزاك اهلل ً
قال األصمعي :دخل عطاء بن أيب رباح عىل عبد امللك بن مروان وهو
جالس عىل رسيره وحواليه األرشاف من كل بطن ،وذلك بمكة يف وقت
حجه يف خالفته ،فلام برص به قام إليه ،فسلم عليه وأجلسه عىل الرسير ،وقعد
بني يديه ،وقال له :يا أبا حممد ،حاجتك؟ فقال :يا أمري املؤمنني ،اتق اهلل
يف حرم اهلل وحرم رسوله فتعاهده بالعامرة ،واتق اهلل يف أوالد املهاجرين
واألنصار؛ فإنك هبم جلست هذا املجلس ،واتق اهلل يف أهل الثغور؛ فإهنم
حصن املسلمني ،وتفقد أمور املسلمني؛ فإنك وحدك املسؤول عنهم،
واتق اهلل فيمن عىل بابك فال تغفل عنهم وال تغلق دوهنم بابك .فقال له:
أفعل ،ثم هنض وقام ،فقبض عليه عبد امللك ،فقال :يا أبا حممد إنام سألتنا
حوائج غريك ،وقد قضيناها ،فام حاجتك؟ فقال :ما يل إىل خملوق حاجة ،ثم
خرج .فقال عبد امللك :هذا وأبيك الرشف ،هذا وأبيك السؤدد».
[املجالسة ]291-290/2
155
حمبة اخلري للنا�س
اشرتى قوم من الليث بن سعد ثمرة فاست ْغ َلوها فاستقالوه ،فأقاهلم ثم
دينارا ،فقال له ابنه احلارث يف
دعا بخريطة فيها أكياس فأمر هلم بخمسني ً
غفرا ،إهنم قد كانوا أملوا فيها أملاً ،فأحببت أن أعوضهم
ذلك ،فقال :اللهم ً
[سري أعالم انلبالء ]149/8 من أملهم هبذا.
156
حمبة اخلري للنا�س
دينارا،
ً ترافع اثنان إىل القايض خري بن نعيم فادعى أحدمها بعرشين
فسكت املدعى عليه ،فقال له :ما خيلصك السكوت ،فناوله رقعة وقال:
اسرتها فسرتها خري بكمه ،فإذا فيها :املبلغ يف ذمتي ،ولكن ليس له هبا شاهد،
وأنا اليوم ال أقدر عىل حق الرسول ،فإن اعرتفت عقلني ،وإال استحلفني،
خفت اهلل ،فبكى خري وأخرج منديلاً من كمه فوزن عرشين ً
دينارا للمدعي.
أردت هبذا؟ قال:
َ فقال :ما هذه الدنانري؟ قال :خالص هذا املسكني ،فقال :ما
أحق ،واهلل ال طلبتها منه أبدً ا ،فقام املطلوب ،فقال
األجر والثواب ،قال :أنا ّ
له خري :خذها فليس يل فيها رجعة ،فأخذ عرشين ،وختلص من عرشين.
[رفع اإلرص ص ]155
وجه عبد اهلل بن إدريس بابنه إىل البقال ليشرتي له حاجة ،فأبطأ ثم
ّ
جاء ،فقال له :يا بني ،ما بطأك؟ قال :مضيت إىل السوق ،قال :لِـم مل تشرت
من هذا البقال الذي معنا يف السكة؟ قال :هذا يغيل علينا ،قالِ :
اشرت منه وإن
[تاريخ بغداد ]69/11 جاورنا لينتفع.
َ أغىل عليك ،فإنام
قال عبد اهلل ابن أخت مسلم بن سعد :أردت احلج فدفع إيل خايل مسلم
عرشة آالف درهم وقال يل :إذا قدمت املدينة فانظر أفقر أهل بيت باملدينة
فأعطهم إياها ،فلام دخلت سألت عن أفقر أهل بيت باملدينة ،فدللت عىل
أهل بيت ،فطرقت الباب فأجابتني امرأة :من أنت؟ فقلت :أنا رجل من أهل
بغداد ،أودعت عرشة آالف وأمرت أن أسلمها إىل أفقر أهل بيت باملدينة،
157
حمبة اخلري للنا�س
وقد وصفتم يل فخذوها فقالت :يا عبد اهلل ،إن صاحبك اشرتط أفقر أهل
بيت ،وهؤالء الذين بازائنا أفقر منا ،فرتكتهم وأتيت أولئك ،فطرقت الباب
فأجابتني امرأة ،فقلت هلا مثل الذي قلت لتلك املرأة ،فقالت :يا عبد اهلل،
نحن وجرياننا يف الفقر سواء ،فاقسمها بيننا وبينهم.
[صفة الصفوة ]411/1
158
التوا�ضـــع
التواضـــع
ملا بويع أليب بكر الصديق Iباخلالفة قالت جارية من احلي :اآلن
ال َيـحلب لنا منائحنا ،فسمعها أبو بكر فقال :بىل ،لعمري ألحلبنها لكم،
وإين ألرجو أن ال يغريين ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه ،فكان حيلب
هلم ،فربام قال للجارية :أحتبني أن أرغي لكم أو أن أرصح؟ فربام قالت :أرغ،
[أسد الغابة ]326 /3 وربام قالت :رصح ،فأي ذلك قالت فعل.
قال عبد اهلل بن عباس :Lكان للعباس ميزاب عىل طريق عمر،
فلبس عمر ثيابه يوم اجلمعة وقد ُذبح للعباس فرخان ،فلام واىف امليزاب
ب ماء بدم الفرخني فأصاب عمر فأمر عمر بقلعه ،ثم رجع عمر فطرح
ُص ّ
ثيابه ولبس ثيا ًبا غري ثيابه ثم جاء فصلىَّ بالناس ،فأتاه العباس فقال :واهلل إنه
لموضع الذي وضعه رسول اهلل ،Hفقال عمر للعباس :وأنا أعزم
ُ َل
159
التوا�ضـــع
عليك ملا صعدت عىل ظهري حتى تضعه يف املوضع الذي وضعه رسول اهلل
[صفة الصفوة ]285/1 ،Hففعل ذلك العباس.
عن ثعلبة بن أيب مالك أن أبا هريرة Iأقبل يف السوق حيمل حزمة
حطب ،وهو يومئذ خليفة ملروان ،فقال :أوسع الطريق لألمري يا ابن أيب
مالك ،فقلت :أصلحك اهلل ،يكفي هذا ،قال :وسع الطريق لألمري يا ابن أيب
[الزهد أليب داود ص]254 مالك ،واحلزمة عليه.
قال عبد العزيز بن عمر :قال يل رجاء بن َح ْي َوة :ما أكمل مروء َة أبيك!
اج وإىل جانبه وصيف نام ،قلت :أال أن ِّبهه؟ قال: شيِ
الس ُ
سم ْر ُت عنده ف َع َ رِّ
َ
ال ،دعه ،قلت :أنا أقوم ،قال :ال ،ليس من مروءة الرجل استخدا ُمه ضي َفه،
ِ
قمت وأنا عمر بن عبد الساج ،ثم رجع ،وقالُ : فقام إىل ب َّطة الزيت وأصلح رِّ
[سري أعالم انلبالء ]136/5 ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
ُ العزيز،
160
اال�ست�شــارة
االستشــارة
فأتيت حكيم
ُ قال عبد اهلل بن الزبري ُ :Lقتل أيب وترك دينًا ً
كبريا،
ابن حزام أستعني برأيه وأستشريه ،فوجدته يف سوق ال َّظ ْهر ،معه ٌ
بعري آخذ
بخطامه يدور به يف نواحي السوق ،فسلمت عليه وأخربته بام جئته له،
وطفت معه حتى إين ألضع
ُ فقال :ا ْلبث عيل حتى أبيع بعريي هذا .فطاف
مها ،فقال :هو
ردائي عىل رأيس من الشمس ،ثم أتاه رجل فأربحه فيه در ً
لك ،وأخذ منه الدرهم ،فلم أملك أن قلت له :حبستَني ونفسك ندور يف
دت أين غرمت دراهم كثرية ومل الشمس منذ اليوم من أجل درهم! ِ
فود ُ
تبلغ هذا من نفسك ،فلم يكلمني ،وخرجت معه نحو منزله حتى انتهيت
إىل هدم بالزوراء فيه ُعجيزة من العرب ،فدنا إليها فأعطاها ذلك الدرهم،
عيل فقال :يا ابن أخي ،إين غدوت اليوم إىل السوق فرأيت مكان
ثم أقبل َّ
هذه العجوز ،فجعلت هلل ال أربح اليوم شي ًئا إال أعطيتُها إياه ،فلو ربحت
161
اال�ست�شــارة
162
اال�ست�شــارة
وبعث معاوية إىل عبد اهلل بن جعفر فاشرتى منه ذلك احلق كله بألفي
[تهذيب الكمال ]189-187 /7 ألف درهم.
ملا ويل عمر بن هبرية العراق أرسل إىل احلسن وإىل الشعبي فأمر هلام
شهرا أو نحوه ،ثم إن اخليص غدا عليهام ذات يوم ،فقال :إن
ببيت ،وكانا فيه ً
عصا له فسلم ثم جلس مع ِّظام هلام،
األمري داخل عليكام فجاء عمر يتوكأ عىل ً
فقال :إن أمري املؤمنني يزيد بن عبد امللك ينفذ كت ًبا أعرف أن يف إنفاذها اهللكة
فإن أطعته عصيت اهلل وإن عصيته أطعت اهلل ،Dفهل تريا يل يف متابعتي
163
اال�ست�شــارة
فرجا؟ فقال احلسن :يا أبا عمرو أجب األمري ،فتكلم الشعبي فانحط يف
إياه ً
حبل ابن هبرية فقال :ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال :أهيا األمري ،قد قال
الشعبي ما قد سمعت ،قال :ما تقوله أنت يا أبا سعيد؟ فقال :أقول :يا عمر
ابن هبرية ،يوشك أن ينزل بك ملك من مالئكة اهلل تعاىل فظ غليظ
ال يعيص اهلل ما أمره فيخرجك من سعة قرصك إىل ضيق قربك ،يا عمر بن
هبرية ،إن تتق اهلل يعصمك من يزيد بن عبد امللك ،وال يعصمك يزيد بن
عبد امللك من اهلل ،Dيا عمر بن هبرية ،ال تأمن أن ينظر اهلل إليك عىل
أقبح ما تعمل يف طاعة يزيد بن عبد امللك نظرة مقت فيغلق فيها باب املغفرة
ناسا من صدر هذه األمة كانوا واهلل
دونك ،يا عمر بن هبرية ،لقد أدركت ً
إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة ،يا عمر بن
عىل الدنيا وهي مقبلة أشد ً
هبرية ،إين أخوفك مقا ًما خوفكه اهلل تعاىل فقال[ :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ] يا عمر بن هبرية ،إن تك مع اهلل تعاىل يف طاعته كفاك بائقة
يزيد بن عبد امللك ،وإن تك مع يزيد بن عبد امللك عىل معايص اهلل وكلك اهلل
إليه .فبكى عمر وقام بعربته ،فلام كان من الغد أرسل إليهام بإذهنام وجوائزمها
وكثر منه ما للحسن وكان يف جائزته للشعبي بعض اإلقتار ،فخرج الشعبي
إىل املسجد فقال :يا أهيا الناس من استطاع منكم أن يؤثر اهلل تعاىل عىل خلقه
فليفعل فوالذي نفيس بيده ما علم احلسن منه شي ًئا فجهلته ولكن أردت وجه
[حلية األويلاء ]151-150/2 ابن هبرية فأقصاين اهلل منه.
164
اال�ست�شــارة
قال خارجة بن مصعب :أجاز املنصور أبا حنيفة بعرشة آالف درهم،
فدعي ليقبضها ،فشاورين ،وقال :هذا رجل إن رددهتا عليه غضب ،وإن
عيل يف ديني ما أكرهه؟ فقلت :إن هذا املال عظيم يف عينه ،فإذا
قبلتها دخل ّ
دعيت لتقبضها فقل :مل يكن هذا أميل من أمري املؤمنني ،فدعي ليقبضها فقال
ذلك ،فرفع إليه خربه ،فحبس اجلائزة ،فكان أبو حنيفة ال يكاد يشاور يف أمره
[تاريخ بغداد ]492/15 غريي.
ملا مرض سليامن بن عبد امللك بدابق قال لرجاء بن حيوة :من هلذا
األمر بعدي ،أستخلف ابني؟ قال :ابنك غائب ،قال :فابني اآلخر ،قال:
صغري ،قال :فمن ترى؟ قال :أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز ،قال:
أختوف إخويت ال يرضون ،قال :فول عمر ِ
ومن بعده يزيد بن عبد امللك،
وتكتب كتا ًبا وختتم عليه وتدعوهم إىل بيعته خمتو ًما ،قال :لقد رأيت ،ائتني
بقرطاس ،فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد ودفعه إىل رجاء وقال :اخرج إىل
الناس فليبايعوا عىل ما فيه خمتو ًما ،فخرج فقال :إن أمري املؤمنني يأمركم أن
تبايعوا ملن يف هذا الكتاب ،قالوا :ومن فيه؟ قال :هو خمتوم ال تُـخبرَ ون
بمن فيه حتى يموت ،قالوا :ال نبايع ،فرجع إليه فأخربه ،فقال :انطلق إىل
صاحب الرشطة واحلرس فامجع الناس ومرهم بالبيعة ،فمن أبى فارضب
[تاريخ اإلسالم ]380/6 عنقه ،فبا َيعوه عىل ما فيه.
165
اال�شتغال مبا يعني
ُد ِخل عىل أيب دجانة Iوهو مريض ،وكان وجهه يته َّلل ،فقيل :ما
لوجهك يتهلل؟ فقال :ما من عميل يشء أوثق عندي من اثنتني :أما إحدامها
فكنت ال أتكلم فيام ال يعنيني ،وأما األخرى فكان قلبي للمسلمني سليماً .
[صفة الصفوة ]184/1
قال رجل لألحنف بن قيس :بأي يشء بلغت ما بلغت؟ فواهلل ما أنت
بأرشف قومك وال أشجعهم وال أجودهم ،فقال يا ابن أخي بخالف ما أنت
فيه ،فقال وما خالف ما أنا فيه؟ قال :تركي من أمرك ما ال يعنيني ،كام عناك
[اآلداب الرشعية ]354/1 من أمري ما ال يعنيك.
كان أبو مسلم اخلوالين إذا انرصف من املسجد إىل منزله كرب عىل باب
منزله فتكرب امرأته فإذا كان يف صحن داره كرب فتجيبه امرأته ،فإذا بلغ إىل
باب بيته كرب فتجيبه امرأته ،فانرصف ذات ليلة فكرب عند باب داره فلم جيبه
أحد ،فلام كان يف الصحن كرب فلم جيبه أحد ،فلام كان يف باب بيته كرب فلم
جيبه أحد ،وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه،
فدخل فإذا البيت ليس فيه رساج وإذا امرأته جالسة منكسة تنكت بعود
معها .فقال هلا ما لك؟ فقالت :أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا خادم
166
اال�شتغال مبا يعني
فلو سألته فأخد َمنا وأعطاك ،فقال :اللهم من أفسد امرأيت فأعم برصه ،قال:
وقد جاءهتا امرأة قبل ذلك فقالت :زوجك له منزلة من معاوية ،فلو قلت
له يسأل معاوية أن خيدمه ويعطيه عشتم ،قال :فبينا تلك املرأة جالسة يف
بيتها إذ أنكرت برصها فقالت :ما لرساجكم طفئ؟ قالوا :ال ،فعرفت ذنبها،
فأقبلت إىل أيب مسلم تبكي وتسأله أن يدعو اهلل Dهلا يرد عليها برصها،
قال :فرمحها أبو مسلم فدعا اهلل Dهلا فرد عليها برصها ،ورجعت امرأته
إىل حاهلا الذي كانت عليه.
[صفة الصفوة ،371 /2جمابو ادلعوة البن أيب ادلنيا ص ]66
عن حممد بن سليامن القريش قال :بينا أنا أسري يف طريق اليمن إذا أنا
يمجد ربه بأبيات من الشعر ،فسمعته يقول: ٍ
بغالم واقف يف الطريق وهو ِّ
ع���زي���ز ال����ق����در ل���ي���س ب����ه خفا ُء مليك يف ال��س��م��اء ب��ه افتخاري
فدنوت منه فسلمت عليه فقال :ما أنا برا ٍّد عليك حتى تؤدي من حقي
167
اال�شتغال مبا يعني
ما جيب يل عليك ،قلت :وما حقك؟ قال :أنا غالم عىل مذهب إبراهيم
اخلليل ،Hال أتغدى وال أتعشى كل يوم حتى أسري ِ
الميل وامليلني
فرحب يب ،ورست معه حتى قربنا من
يف طلب الضيف ،فأجبته إىل ذلك َّ
خيمة شعر ،فلام قربنا من اخليمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من اخليمة يا
لبيكاه ،فقال قومي إىل ضيفنا ،فقالت اجلارية حتى أبدأ بشكر املوىل الذي
شكرا هلل ،Dفأدخلني
ً سبب لنا هذا الضيف ،فقامت فصلت ركعتني
جلست يف
ُ اخليمة وأجلسني ،وأخذ الغالم الشفرة وأخذ عنا ًقا ليذبحها ،فلام
وجها ،فكنت أسارقها النظر ففطِنَت ببعض اخليمة نظرت إىل أحسن الناس ً
حلظايت إليها فقالت يل :مه أما علمت أنه قد نُقل إلينا عنه Hأن زنى
العينني النظر! أ َما إين ما أردت هبذا أن أوبخك ولكني أردت أن أؤ ِّدبك لكي
خارجا وباتت اجلارية
ً بت أنا والغالمال تعود إىل مثل هذا ،فلام كان النوم ُّ
يف اخليمة ،وكنت أسمع َد ِو ّي القرآن الليل ك َّله بأحسن صوت يكون وأر ِّقه،
صوت َمن كان ذلك؟ فقال :تلك أختي حتيي
ُ أصبحت قلت للغالم:
ُ فلام
الليل ك َّله إىل الصباح ،فقلت :يا غالم أنت ُّ
أحق هبذا العمل من أختك ،أنت َ
فتبسم وقال يل :وحيك يا فتى أ َما علمت أنه مو َّفق
رجل وهي امرأة ،قال َّ
[صفة الصفوة ]303/2 وخمذول!.
168
احللم والأناة
احللم واألنـــاة
قال ابن عباس :Lقدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل عىل ابن
أخيه احلر بن قيس ،وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ،وكان القراء أصحاب
جمالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو ُش ّبانًا ،فقال عيينة البن أخيه :يا ابن
أخي ،هل لك وجه عند هذا األمري؟ فاستأذن يل عليه ،قال :سأستأذن لك
عليه ،فاستأذن احلر لعيينة فأذن له عمر ،فلام دخل عليه قالِ :هيه يا ابن
اخلطاب ،فواهلل ما تعطينا اجلزل وال حتكم بيننا بالعدل ،فغضب عمر حتى هم
أن يوقع به ،فقال له احلر :يا أمري املؤمنني ،إن اهلل تعاىل قال لنبيه :H
[ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ] ،وإن هذا من اجلاهلني،
واهلل ما جاوزها عمر حني تالها عليه ،وكان و ّقا ًفا عند كتاب اهلل.
[صحيح ابلخاري ]60 /6
مت ِ
احل ْل َم من قيس بن أحلم َك! قال :تَع ّل ُ قيل لألحنف بن قيس :ما
َ
ٌ
مقتول َب بكسائه أتته مجاع ٌة فيهم عاصم املِنْ َقري ،بينا هو قاعدٌ بِ ِفنائه محُ ْت ٍ
ومكتوف ،وقيل له :هذا ابنك قتله ابن أخيك ،فواهلل ما َّ
حل َح ْبوته حتى فرغ ٌ
ابن له يف املجلس فقال له :قم ِ
فأطل ْق عن ابن عمك، من كالمه ،ثم التفت إىل ٍ
ووار أخاك وامحِ ْل إىل أمه مائ ًة من اإلبل؛ فإهنا َغ ِريب ٌة ،ثم أنشأ يقول:
ِ
��������������س يُ��������غ����ِّي���رِّ ه وال أَ ْف ُ
�����������ن د َن ٌ ���س�ب�ي إن�����ي ام��������ر ّؤ ال ش����ائ ٌ
����ن َح َ
ُ
الغصن وال��غ��ص��ن ي��ن�� ُب��ت ح��ول��ه ���ت َم���ك��� ُرم��� ٍة ������ن ِم���� ْن���� َق ٍ
����ر يف ب���ي ِ ِم ْ
169
احللم والأناة
�����ف����� ٌة ُل ْ
���س ُ
���ن أع َّ ِب����ي ُ
����ض ال����وج����وه ِ خ���ط���ب���ا ُء ح��ي�ن ي���ق���ول قائلهم
����ن ����ظ ِج����������واره ُف ْ
����ط ُ وه������� ُم حل����ف ِ ���ب ج����اره���� ُم ال يَ���ف َ
���ط���ن���ون ل���ع���ي ِ
ثم أقبل عىل القاتل فقال :قت ْل َت قرابتك وقط ْع َت رحمِ َك وأقل ْل َت عددك
[عيون األخبار ]331/1 ال يبعد اهلل غريك.
كان عند عيل بن احلسني قو ٌم فاستعجل خاد ًما له بشواء كان له يف
التنور ،فأقبل به اخلادم مرس ًعا وسقط السفود من يده عىل بني لعيل أسفل
تعمده وأخذ يف
الدرجة فأصاب رأسه فقتله ،فقال عيل للغالم :أنت حر ،مل َّ
[صفة الصفوة ]357/1 جهاز ابنه.
170
احللم والأناة
كان أبو بكر النحوي امللقب بالوجيه ال يغضب قط ،فرتاهن مجاعة مع
ٍ
واحد أنه إن أغضبه كان له كذا وكذا ،فجاء إليه فسأله عن مسألة يف العربية
فأجابه فيها باجلواب ،فقال له السائل :أخطأت أهيا الشيخ ،فأعاد عليه
اجلواب بعبارة أخرى ،فقال :كذبت ،وما أراك إال قد نسيت النحو ،فقال
الوجيه :أهيا الرجل ،فلعلك مل تفهم ما أقول لك ،فقال :بىل ،ولكنك ختطئ
يف اجلواب ،فقال له :فقل أنت ما عندك لنستفيد منك ،فأغلظ له السائل يف
فتبسم ضاحكًا وقال له :إن كنت راهنت فقد ُغلبت ،وإنام َم َث ُلك مثل
القولّ ،
الب ّقة سقطت عىل ظهر الفيل فلام أرادت أن تطري ،قالت له :استمسك فإين
سقطت ،فام أحتاج أن ِ أحسست ِ
بك حني ُ أحب أن أطري ،فقال هلا الفيل :ما
ّ
[ابلداية وانلهاية ]144/13
ِ
طرت. أستمسك إذا
171
الل�ســـان
اللســـان
ق�ال رج�ل :إن مل أستخ�رج الي�وم م�ن الربي�ع ب�ن خثي�م سيئ�ة ألحد
مل أستخرجه�ا أب�دً ا بحال ،قلت :ي�ا أبا يزيدُ ،قتل اب�ن فاطمة ،Pقال:
فاسرتج�ع ثم تلا هذه اآلي�ة [ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ] ،قل�ت :ما تقول؟
[الزهد لإلمام أمحد .]553 /1 قال :ما أقول؟ إىل اهلل إياهبم وعىل اهلل حساهبم.
دخل رجل عىل عمر بن عبد العزيز فذكر عنده رجلاً ،فقال له عمر:
إن شئت نظرنا يف أمرك ،إن كنت كاذ ًبا فأنت من أهل هذه اآلية[ :ﭢ ﭣ
ﭤﭥ] ،وإن كنت صاد ًقا فأنت من أهل هذه اآلية[ :ﯢﯣ ﯤ]،
وإن شئت عفونا عنك ،فقال :العفو يا أمري املؤمنني ال أعود إىل مثل ذلك.
[تنبيه الغافلني ص]173
الس َق ّ
طي ألعب وأنا ابن سبع سنني، قال اجلنيد :كنت بني يدي رَّ ِ
الس ّي َّ
وبني يديه مجاعة يتكلمون يف الشكر ،فقال يل :يا غالم ،ما الشكر؟ فقلت:
أن ال يعىص اهلل بنعمه ،فقال يل :أخشى أن يكون حظك من اهلل لسانَك ،قال
اجلنيد :فال أزال أبكي عىل هذه الكلمة التي قاهلا الرسى يل.
[تاريخ بغداد ]168/8
172
الل�ســـان
قال املطلب بن عكاشة املزين :قدمنا إىل أمري املؤمنني اهلادي شهو ًدا
عىل رجل منا شتم ً
قريشا ،وختطى إىل ذكر رسول اهلل ،Hفجلس لنا
جملسا أحرض فيه فقهاء زمانه ومن كان باحلرضة عىل بابه ،وأحرض الرجل
ً
وأحرضنا ،فشهدنا عليه بام سمعنا منه ،فتغيرّ وجه اهلادي ،ثم نكّس رأسه
ورفعه ،فقال :إين سمعت أيب املهدي حيدّ ث عن أبيه املنصور ،عن أبيه حممد
ابن عيل ،عن أبيه عيل بن عبد اهلل ،عن أبيه عبد اهلل بن عباس Lقال:
«من أراد هوان قريش أهانه اهلل» ،وأنت يا عدو اهلل مل ترض بأن أردت ذلك
من قريش حتى ختطيت إىل ذكر رسول اهلل H؟! ارضبوا عنقه ،فام
[تاريخ بغداد ]7/15 برحنا حتى قتل.
دخل ٌ
رجل من الزهاد عىل هارون الرشيد يو ًما ،فقال :يا هارون،
رش أم فرعون؟ قال:
اتق اهلل ،فأخذه فخال به ،وقال :يا هذا أنصفني ،أنا ٌّ
بل فرعون ،قال :فأنت خري أم موسى؟ قال :بل موسى ،قال :أفام تعلم أن
اهلل تعاىل ملا بعثه وأخاه إليه قال[ :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ] ،وقد جبهتني بأغلظ
أخذت ،قال :أخطأت
َ بت وال بأخالق الصاحلني
األلفاظ فال بأدب اهلل تأ ّد َ
وأنا أستغفر اهلل ،فقال :غفر اهلل لك ،وأمر له بعرشين ألف درهم ،فأبى أن
[املنتظم ]328/8 يأخذها.
173
ال�صـــدق
الصـــدق
دخل سليامن بن يسار عىل هشام بن عبد امللك ،فقال :يا سليامن ،من
الذي توىل كربه منهم؟ قال :عبد اهلل بن أيب ابن سلول ،قال :كذبت ،هو عيل،
فدخل ابن شهاب ،فسأله هشام ،فقال :هو عبد اهلل بن أيب ،قال :كذبت،
هو عيل ،فقال :أنا أكذب ال أبا لك! فواهلل لو نادى م ٍ
ناد من السامء أن اهلل ُ
أحل الكذب ما كذبت ،حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص عن
[سري أعالم انلبالء ]339/5 عائشة أن الذي توىل كربه عبد اهلل بن أيب.
قال أبو جعفر املنصور هلشام بن عروة حني دخل عليه :يا أبا املنذر،
ترشب سوي ًقا بقصبة
ُ وأنت
َ تذكر يوم دخلت عليك أنا وإخويت اخلالئف
ُ
َي َراع ،فلام خرجنا من عندك قال لنا أبونا :اعرفوا هلذا الشيخ ح ّقه؛ فإنه
ال يزال يف قومكم بقي ٌة ما بقي؟ قال :ال ُ
أذكر ذلك يا أمري املؤمنني ،فلماّ خرج
هشام قيل له :يذكِّرك أمري املؤمنني ما ت َُم ُّت به إليه فتقول :ال أذكره! فقال:
[تاريخ بغداد ]56/16
خريا.
يعودين اهلل يف الصدق إال ً
أذكر ذلك ،ومل ِّ
مل أكن ُ
حمُ ِل إىل اإلمام البخاري بضاعة أنفذها إليه فالن ،فاجتمع بعض
التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح مخسة آالف درهم ،فقال هلم :انرصفوا
الليلة .فجاءه من الغد جتار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عرشة
174
ال�صـــدق
آالف درهم ،فر َّدهم وقال :إين نويت البارحة أن أدفع إليهم بام طلبوا -يعني
الذين طلبوا أول مرة -ودفع بربح مخسة آالف درهم ،وقال :ال أحب أن
[تاريخ بغداد ]330/2 أنقض نيتي.
وجه املتوكل إىل أمحد بن املعذل وغريه من العلامء بجمعهم يف داره ،ثم
ّ
خرج عليهم فقام الناس كافة عدا أمحد ،فقال املتوكل لعبيد اهلل :هذا ال يرى
بيعتنا؟ فقال :بىل يا أمري املؤمنني ،ولكن يف برصه سوء ،يريد العذر عنه ،فقال
أمحد :يا أمري املؤمنني ،ما يف برصي سوء ولكن نزهتك من عذاب اهلل؛ قال
قياما فليتبوأ مقعده من النار».
النبي « :Hمن أراد أن ميتثل له الرجال ً
قال القايض أبو بكر حممد بن عبد الباقي بن حممد البزاز األنصاري:
جوع شديد
ٌ جماورا بمكة حرسها اهلل تعاىل ،فأصابني يو ًما من األيام
ً كنت
ُ
كيسا من إبريسم مشدو ًدا برشابة
فوجدت ً
ُ مل أجد شي ًئا أدفع به عني اجلوع،
فوجدت فيه عقدً ا من
ُ أيضا ،فأخذته وجئت به إىل بيتي ،فح َل ْلته
من إبريسم ً
فخرجت فإذا الشيخ ينادي عليه ،وم َعه خرقة فيها مخسامئة
ُ لؤلؤ مل َأر مثله،
دينار وهو يقول :هذا ملن َيرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ ،فقلت :أنا
حمتاج وأنا جائع ،فآخذ هذا الذهب فأنتفع به وأرد عليه الكيس ،ف ُقلت
له :تعال إ َّيل ،فأخذته وجئت به إىل بيتي ،فأعطاين عالمة الكيس وعالمة
175
ال�صـــدق
الرشابة وعالمة اللؤلؤ وعَدَ َده واخليط الذي هو َمشدُ ود به ،فأخرجته و َدفعته
إليه .فسلم إ ّيل مخسامئة دينار ،فام أخذهتا ،وقلت :جيب عيل أن أعيده إليك
كثريا فلم أقبل ذلك
عيل ًوال آخذ له جزا ًء ،فقال يل :ال بد أن تأخذ ،ألح َّ
وركبت البحر
ُ خرجت من مكة
ُ منه ،فرتكني ومىض .وأما ما كان مني فإين
وسلمت أنا عىل قطعة من
ُ فانكرس املركب وغرق الناس وهلكت أمواهلم
فوصلت إىل جزيرة فيها
املركب ،فبقيت ُمدّ ًة يف البحر ال أدري أين أذهبَ ،
دت يف بعض املساجد فسمعوين أقرأ فلم يبق يف تلك اجلزيرة أحد
قوم ،فق َع ُ
إال جاء إ ّيل وقال :ع ِّلمني القرآن ،فحصل يل من أولئك القوم يشء كثري من
رأيت يف ذلك املسجد أورا ًقا من مصحف ،فأخذهتا أقرأ فيها
ُ املال .ثم إين
فقالوا يل :حتسن تكتب؟ فقلت :نعم ،فقالوا :علمنا اخلط ،فجاءوا بأوالدهم
أيضا من ذلك يشء كثري،
فكنت أعلمهم ،فحصل يل ً
ُ من الصبيان والشباب،
فقالوا يل بعد ذلك :عندنا صب ّي ٌة يتيمة وهلا يشء من الدنيا نريد أن تتزوج
فامتنعت ،فقالوا :ال بد ،وألزموين ،فأجبتهم إىل ذلك ،فلام زفوها إ َّيل
ُ هبا،
مددت عيني أنظر إليها ،فوجدت ذلك العقد بعينه مع َّل ًقا يف عنقها ،فام كان
ُ
كرست قلب هذه اليتيمة من
َ يل حينئذ شغل إال النظر إليه ،فقالوا :يا شيخ،
فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا
ُ نظرك إىل هذا العقد ومل تنظر إليها،
فقلت :ما بكم؟
ُ ورصخوا بالتهليل والتكبري ،حتى بلغ إىل مجيع أهل اجلزيرة،
فقالوا :ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية ،وكان يقول :ما
عيل هذا العقد ،وكان يدعو ويقول:
وجدت يف الدنيا مسلماً إال هذا الذي رد َّ
ُ
فبقيت معها
ُ اللهم امجع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي ،واآلن قد حصلت،
176
ال�صـــدق
ورزقت منها بولدين .ثم إهنا ماتت فورثت العقد أنا وولداي ،ثم مات
ُ مدة
الولدان فحصل العقد يل فبعته بامئة ألف دينار ،وهذا املال الذي ترون معي
[ذيل طبقات احلنابلة ]443 /1 من بقايا ذلك املال.
177
املعا�صــي
املعاصــي
سمر املنصور ذات ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسريهم وأهنم مل يزالوا عىل
استقامة حتى أفىض أمرهم إىل أبنائهم املرتفني فكانت مهمهم من عظيم شأن
امللك وجاللة قدره قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول يف معايص اهلل
ومساخطه جهلاً منهم باستدراج اهلل وأمنًا ملكره ،فسلبهم اهلل العز ونقل عنهم
النعمة .فقال له صالح بن عيل :يا أمري املؤمنني ،إن عبد اهلل بن مروان ملا دخل
أرض النوبة هار ًبا فيمن معه سأل ملك النوبة عنهم فأخرب ،فركب إىل عبد
اهلل فكلمه بكالم عجيب يف هذا النحو ال أحفظه وأزعجه عن بلده ،فإن رأى
أمري املؤمنني أن يدعو به من احلبس بحرضتنا يف هذه الليلة ويسأله عن ذلك،
فأمر املنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال :يا أمري املؤمنني ،قدمت أرض
النوبة بأثاث سلم يل فافرتشته هبا وأقمت ثال ًثا ،فأتاين ملك النوبة وقد ُخبرِّ
أمرنا ،فدخل عيل رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد عىل األرض ومل يقرب
الثياب ،فقلت :ما يمنعك أن تقعد عىل ثيابنا؟ قال :ألين ملك ،وحق عىل
كل ملك أن يتواضع لعظمة اهلل إذ رفعه .ثم قال يل :مل ترشبون اخلمر وهي
حمرمة عليكم؟ قلت :اجرتأ عىل ذلك عبيدنا وأتباعنا ألن امللك زال عنا.
قال :فلم تطأون الزروع بدوابكم والفساد حمرم عليكم؟ قلت :يفعل ذلك
جهالنا .قال :فلم تلبسون الديباج واحلرير وتستعملون الذهب والفضة
وذلك حمرم عليكم؟ قلت :ذهب امللك منا وقل أنصارنا فانترصنا بقوم من
العجم دخلوا يف ديننا فلبسوا ذلك عىل الكره منا .قال :فأطرق مل ًّيا وجعل
178
املعا�صــي
يقلب يديه وينكت يف األرض ويقول :عبيدنا وأتباعنا دخلوا يف ديننا وزال
مرارا ثم قال :ليس ذلك كام ذكرت ،بل أنتم قوم استحللتم
امللك عنا! يردده ً
ما حرم عليكم وركبتم ما عنه هنيتم وظلمتم فيام ملكتم ،فسلبكم اهلل العز
وألبسكم الذل بذنوبكم ،وهلل فيكم نقمة مل تبلغ غايتها وأخاف أن حيل بكم
العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم ،وإنام الضيافة ثالثة أيام فتزودوا ما
[عيون األخبار ]205-204/1 احتجتم إليه وارحتلوا عن بلدي ،ففعلت ذلك.
دخل الزهري عىل الوليد بن عبد امللك ،فقال له :ما حديث حيدثنا به
أهل الشام؟ قال :وما هو يا أمري املؤمنني؟ قال حيدثوننا أن اهلل إذا اسرتعى
عبدً ا رعية كتب له احلسنات ومل يكتب له السيئات ،قال :باطل يا أمري
أنبي خليفة أكرم عىل اهلل أم خليفة غري نبي؟ قال بل نبي خليفة،
املؤمننيّ ،
قال :فإن اهلل يقول لنبيه داود[ :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ
ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ] ،فهذا وعيد يا أمري املؤمنني لنبي خليفة؛ فام
ظنك بخليفة غري نبي؟ قال :إن الناس ليغروننا عن ديننا.
[العقد الفريد ]57/1
وشى رجل ببرس بن سعيد إىل الوليد بن عبد امللك أنه يطعن عىل األمراء
ويعيب بني مروان ،فأرسل إليه والرجل عنده ،فجيء به والرجل ترعد
179
املعا�صــي
فرائصه ،فأدخل عليه ،فسأله عن ذلك ،فأنكره وقال :ما فعلت ،فالتفت إىل
الرجل فقال :يا برس ،هذا يشهد عليك فنظر إليه برس وقال :هكذا؟ فقال:
نعم ،فنكس رأسه وجعل ينكت يف األرض ،ثم رفع رأسه فقال :اللهم قد
كنت صاد ًقا فأرين به آية ،قال :فانكب
شهد بام قد علمت أين مل أقله ،فإن ُ
[تهذيب الكمال ]74/4 الرجل عىل وجهه ،فلم يزل يضطرب حتى مات.
180
املعا�صــي
قال رجل للحسن البرصي :إن فالنًا قد اغتابك! ،فبعث إليه طب ًقا من
فأردت أن أكافئك عليها،
ُ أهديت يل حسناتك
َ الر َطب ،وقال :بلغني أنك
ُّ
[تنبيه الغافلني ص]164 ُ
فاعذرين؛ فإين ال أقدر أن أكافئك هبا عىل التامم!.
181
احلقائق والأوهام
احلقائق واألوهام
قال جبري بن نفري :ملا فتحت قربص وفرق بني أهلها فبكى بعضهم إىل
جالسا وحده يبكي ،فقلت :يا أبا الدرداء ،ما ُيبكيك
ً رأيت أبا الدرداء
بعض ٍُ
اخللق عىل
َ يف يو ٍم َّ
أعز اهلل فيه اإلسالم وأهله؟ قال :وحيك يا جبري ،ما أهون
أمر اهلل D أمره! بينا هي أم ٌة قاهر ٌة ظاهر ٌة هلم ُ
امللك تركوا َ اهلل إذا هم تركوا َ
[الزهد لإلمام أمحد ]266/1 فصاروا إىل ما ترى.
عن الصلت املخزومي قال :قال أبو هريرة :Iدعيت إىل عرس
فأتيتهم يف ثيايب هذه ،فردين البواب فرجعت وأبدلت ثيايب ثم جئت فدخلت،
182
احلقائق والأوهام
قال :فأرسل كمه ،فقال :كل ،كل! فقيل له :سبحان اهلل ،الكم يأكل؟!
[إصالح املال البن أيب ادلنيا ص]130 غفر اهلل لك ،فقال :إنام ُدع َي ْت ثيايب هذه.
قال معاوية بن قرة :دخلت عىل مسلم بن يسار ،فقلت :ما عندي من
كثري عمل ،إال أين أرجو اهلل Dوأخاف منه ،فرفع رأسه إ َّيل كاملذعور،
فقال يل :كيف قلت؟ قال :قلت :ما عندي من كبري عمل ،إال أين أرجو اهلل
Dوأخاف منه ،قال :فقال :ما شاء اهلل ،ما شاء اهلل ،من خاف من يشء
عبد عرضتخوف ٍِ بحذر منه ،ومن رجا شي ًئا طلبه ،وما أدري ما َح ْس ُ
له شهو ٌة فلم يدعها ملا خياف أو ابتيل ببالء فلم يصرب عليه ملا يرجوه؟! قال
[الزهد لإلمام أمحد ص]428 معاوية :فإذا أنا زكيت نفيس وأنا ال أعلم.
اشرتى أصحاب اإلمام الشافعي له جارية ،فلام كان الليل أقبل عىل
الدرس واجلارية تنتظر اجتامعه معها ،فلم يلتفت إليها ،فلام أصبحت سارت
183
احلقائق والأوهام
قال حممد بن غسان بن عبد الرمحن صاحب صالة الكوفة :دخلت عىل
والديت يوم نحر فوجدت عندها امرأة َب ْرزة يف ثياب رثة ،فقالت والديت:
أتعرف هذه؟ قلت :ال ،قالت :هذه عتابة أم جعفر الربمكي ،فأقبلت عليها
بوجهي وأكرمتها ،وحتادثنا ساعة ثم قلت :يا أماه ،ما أعجب ما رأيت؟
قالت :لقد أتى عيل عيد مثل هذا وعىل رأيس أربعمئة وصيفة وإين ألعد ابني
عا ًّقا يل ولقد أتى عيل هذا العيد وما مناي إال جلد شاتني أفرتش أحدمها
فرحا،
وألتحف اآلخر ،قال :فدفعت هلا مخسمئة درهم فكادت متوت ً
[الوايف بالوفيات ]126 /11 ومل تزل ختتلف إلينا حتى فرق الدهر بيننا.
184
احلقائق والأوهام
مرض
قال أمحد بن حممد أمري البرصة :حدثني أيب قال :كنت أحد من َّ
الواثق يف علته التي مات فيها ،فكنت قائماً بني يدي الواثق أنا ومجاعة من
األولياء واملوايل واخلدم إذ حلقته غشية فام شككنا أنه قد مات ،فقال بعضنا
لبعض :تقدموا فاعرفوا خربه ،فام جرس أحد منهم يتقدم فتقدمت أنا ،فلام
رصت عند رأسه وأردت أن أضع يدي عىل أنفه أعترب نفسه حلقته إفاقة
ففتح عينيه ،فكدت أن أموت فز ًعا من أن يراين قد مشيت يف جملسه إىل غري
وعثرت به،
ُ رتبتي ،فرتاجعت إىل خلف وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة املجلس
فاتكأت عليه فاندق سيفي وكاد أن يدخل يف حلمي وجيرحني ،فسلمت
وخرجت ،فاستدعيت سي ًفا ومنطقة أخرى فلبستها وجئت حتى وقفت يف
مرتبتي ساعة ،فتلف الواثق تل ًفا مل تشك مجاعتنا فيه ،فتقدمت فشددت حلييه
وغمضته وسجيته ووجهته إىل القبلة ،وجاء الفراشون فأخذوا ما حتته يف
املجلس لريدوه إىل اخلزائن؛ ألن مجيعه مثبت عليهم ،وترك وحده يف البيت،
وقال يل ابن أيب دؤاد القايض :إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة وال بد أن
يكون أحدنا حيفظ امليت إىل أن يدفن ،فأحب أن تكون أنت ذلك الرجل وقد
كنت من أخصهم به يف حياته ،وذلك أنه اصطنعني واختصني حتى لقبني
الواثقي باسمه ،فحزنت عليه حزنًا شديدً ا ،فقلت :دعوين وامضوا ،فرددت
َّ
باب املجلس وجلست يف الصحن عند الباب أحفظه ،وكان املجلس يف
بستان عظي ِم أجربة وهو بني بستانني ،فحسست بعد ساعة يف البيت بحركة
أفزعتني ،فدخلت أنظر ما هي ،فإذا بجرذون من دواب البستان قد جاء حتى
185
احلقائق والأوهام
استل عني الواثق فأكلها ،فقلت :ال إله إال اهلل ،هذه العني التي فتحها منذ
ساعة فاندق سيفي هيبة هلا صارت طعمة لدابة ضعيفة.
[تاريخ بغداد ]22 /16
بعث هارون الرشيد إىل حممد بن السامك يف آخر شعبان فأحرضه ،فقال
له حييى بن خالد :أتدري مل بعث إليك أمري املؤمنني؟ قال :ال أدري ،قال له
حييى بن خالد :بعث ملا بلغه عنك من حسن دعائك للخاصة والعامة ،فقال له
ابن السامك :أما ما بلغ أمري املؤمنني عني من ذلك فبسرت اهلل الذي سرته عيل،
ولوال سرته مل يبق لنا ثناء وال التقاء عىل مودة ،فالسرت هو الذي أجلسني بني
وجها أحسن من وجهك ،فال حترق
يديك يا أمري املؤمنني ،إين واهلل ما رأيت ً
وجهك بالنار ،قال :فبكى هارون بكاء شديدً ا ،ثم دعا بامء فاستسقى ،فأيت
بقدح فيه ماء ،فقال :يا أمري املؤمنني ،أكلمك بكلمة قبل أن ترشب هذا املاء؟
قال :قل ما أحببت ،قال :يا أمري املؤمنني ،لو منعت هذه الرشبة إال بالدنيا
وما فيها أكنت تفتدهيا بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك؟ فقال :نعم ،قال:
فارشب ر ًّيا بارك اهلل فيك ،فلام فرغ من رشبه قال له :يا أمري املؤمنني ،أرأيت
لو منعت إخراج هذه الرشبة منك إال بالدنيا وما فيها ،أكنت تفتدي ذلك
بالدنيا وما فيها؟ قال :نعم ،قال :يا أمري املؤمنني ،فام تصنع بيشء رشبة ماء
خري منه؟ قال :فبكى هارون واشتد بكاؤه ،قال :فقال حييى بن خالد :يا ابن
السامك قد آذيت أمري املؤمنني ،فقال له :وأنت يا حييى فال يغرنك ر ِ
فاه َية. َ
[تاريخ بغداد ]347 /3
186
البدعـــة
البدعــــة
قدم رجل من بني متيم يقال له :صبيغ بن ِعسل املدينة وكانت عنده
كتب ،فجعل يسأل عن متشابه القرآن ،فبلغ ذلك عمر ،Iفبعث له
وقد أعدَّ له عراجني النخل ،فلام دخل عليه جلس ،فقال له :من أنت؟ قال:
أنا صبيغ ،فقال عمر :وأنا عمر عبد اهلل ،ثم أهوى إليه فجعل يرضبه بتلك
العراجني حتى شجه ،فجعل الدم يسيل عىل وجهه ،فقال :حسبك يا أمري
[اإلبانة ]610 – 609/2 املؤمنني ،فقد واهلل ذهب الذي كنت أجد يف رأيس.
بلغ عبد اهلل بن مسعود Iأن معضدً ا وأصحا ًبا له خرجوا من
الكوفة ونزلوا قري ًبا يتعبدون ،فأتاهم ،فقال هلم :ما محلكم عىل ما صنعتم؟
قالوا :أحببنا أن نخرج من ُغامر الناس نتعبد ،فقال عبد اهلل :لو أن الناس
فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا.
[الزهد البن املبارك ص]390
قال عمرو بن سلمة الكويف :كنا نجلس عىل باب عبد اهلل بن مسعود قبل
صالة الغداة ،فإذا خرج مشينا معه إىل املسجد فجاءنا أبو موسى األشعري
فقالَ :
أخ َرج إليكم أبو عبد الرمحن بعد؟ قلنا :ال ،فجلس معنا حتى خرج،
فلام خرج قمنا إليه مجي ًعا ،فقال له أبو موسى :يا أبا عبد الرمحن ،إين رأيت
187
البدعـــة
188
البدعـــة
عليه من غري أن يأتيه فرضبه رض ًبا عني ًفا ،فلام رأى اجلد من أبيه قال :قد
علمت ،إنام تريد نفيس ،فعىل ماذا؟ فام رد عليه شي ًئا فجعل يرضبه ،فقال:
يا أبت ،إين ال أعود ،فكان إذا مر هبم يدعونه يقول :ال.
[ابلدع البن وضاح ]46 /1
قال عبد امللك بن عمر بن عبد العزيز ألبيه :يا أمري املؤمنني ،ما أنت
قائل لربك غدً ا إذا سألك فقال :رأيت بدعة فلم متتها ،أو سنة فلم حتيها؟
ني ،إن قومك قد شدّ وا هذا األمر عقدة عقدة وعروة عروة،
فقال له :يا ُب ّ
عيل فت ًقا تكثر
ومتى ما أريد مكابرهتم عىل انتزاع ما يف أيدهيم مل آمن أن يفتقوا ّ
عيل من أن هيراق يف سببي حمجمة من دم، ُ
أهون ّ ُ
لزوال الدنيا فيه الدماء ،واهلل
َأوما ترىض أن ال يأيت عىل أبيك يوم من أيام الدنيا إال وهو يميت فيه بدعة
وحييي فيه سنة حتى حيكم اهلل بيننا باحلق وهو خري احلاكمني؟
[صفة الصفوة ]132/2
قال حممد بن عيل بن حرب :سمعت أبا داود الطياليس قال :جهد وكيع
أن يسمع من زائدة بن قدامة حدي ًثا واحدً ا ،فلم يسمع حتى خرج من الدنيا،
قال :فقلت أليب داود :وكيف سمعت أنت؟ قال :كان يستشهد رجلني
عدلني عىل أن هذا صاحب مجاعة وليس بصاحب بدعة ،فإذا شهد عدالن
حدثه ،قال أبو داود :وكنت بمنى وحرض سفيان ،فكان يكرمني ويقول:
ذاكرين بحديث أيب بسطام ،فقلت لسفيان :أحب أن تكلم زائدة يف أمري
189
البدعـــة
حتى حيدثني ،فجاء إىل زائدة ،فقال :يا أبا الصلت ،حدث صاحبي هذا؛ فإنه
[اجلامع ألخالق الراوي ]333/1 صاحب سنة ومجاعة ،فقال :نعم يا أبا عبد اهلل.
ّهم
انرصف اإلمام مالك يو ًما فلحقه رجل يقال له أبو اجلويرية مت ٌ
باإلرجاء ،فقال :اسمع مني ،قال :احذر أن أشهد عليك ،قال :واهلل ما أريد
إال احلق ،فإن كان صوا ًبا فقل به ،أو فتكلم ،قال :فإن غلبتني؟ قال :اتبعني،
قال :فإن غلبتك؟ قال :اتبعتك ،قال :فإن جاء رجل فك َّل َمنا فغل َبنا؟ قال:
اتبعناه .فقال مالك :يا هذا ،إن اهلل بعث حممدً ا ٍ H
بدين واحد وأراك
[سري أعالم انلبالء ]106/8 تتن ّقل.
قال املزين :قلت :إن كان أحدٌ يخُ ِرج ما يف ضمريي وما تع ّلق به خاطري
فرصت إليه وهو يف مسجد مرص ،فلام جثوت بني
ُ من أمر التوحيد فالشافعي،
يديه قلت :هجس يف ضمريي مسألة يف التوحيد فعلمت أن أحدً ا ال يعلم
علمك ،فام الذي عندك؟ فغضب ثم قال :أتدري أين أنت؟ قلت :نعم ،قال:
َ
H هذا املوضع الذي أغرق اهلل فيه فرعون ،أ َب َل َغك أن رسول اهلل
أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت :ال ،قال :هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت :ال،
قال :تدري كم نجماً يف السامء؟ قلت :ال ،قال :فكوكب منها تعرف جنسه
مم خلق؟ قلت :ال ،قال :فيشء تراه بعينك من اخللق لستطلوعه أفولهّ ،
تعرفه ،تتكلم يف علم خالقه؟! ثم سألني عن مسألة يف الوضوء فأخطأت
190
البدعـــة
فيها ،ففرعها عىل أربعة أوجه ،فلم أصب يف يشء منه ،فقال :يشء حتتاج إليه
يف اليوم مخس مرات تدع علمه وتتكلف علم اخلالق! إذا هجس يف ضمريك
ذلك فارجع إىل اهلل وإىل قوله تعاىل[ :ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ
ِ
فاستد ّل باملخلوق ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ] اآلية،
فتبت.
عىل اخلالق ،وال تتكلف علم ما مل يبلغه عقلكُ ،
[سري أعالم انلبالء ]31/10
قال مطرف بن عبد اهلل بن الشخري :كنا نأيت زيد بن صوحان وكان
يقول :يا عباد اهلل ،أكرموا وأمجلوا ،فإنام وسيلة العباد إىل اهلل بخصلتني:
اخلوف والطمع ،فأتيته ذات يو ٍم وقد كتبوا كتا ًبا فنسقوا كال ًما من هذا
النحو :إن اهلل ربنا وحممدً ا نبينا والقرآن إمامنا ،ومن كان معنا كنا وكنا له،
ومن خالفنا كانت يدنا عليه ،وكنا وكنا ،قال :فجعل يعرض الكتاب عليهم
رجلاً رجلاً ،فيقولون :أقررت يا فالن ،حتى انتهوا إ ّيل ،فقالوا :أقررت
يا غالم؟ قلت :ال ،قال :ال تعجلوا عىل الغالم ،ما تقول يا غالم؟ قلت:
إن اهلل قد أخذ عيل عهدً ا يف كتابه ،فلن أحدث عهدً ا سوى العهد الذي أخذه
أقر به أحدٌ منهم .قال قائل
عيل! فرجع القوم من عند آخرهم ،ما ّ
اهلل ّ D
[حلية األويلاء ]204/2 ملطرف :كم كنتم؟ قال :زهاء ثالثني رجلاً .
191
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
قال عبد اهلل بن املبارك :كنت عند مالك بن أنس وهو حيدثنا ،فجاءت
ست عرشة مرة ،ومالك يتغري لونه ويتصرب وال يقطع
عقرب فلدغته ّ
ٌ
وتفرق الناس قلت له:
حديث رسول اهلل ،Hفلام فرغ من املجلس َّ
صربت إجاللاً حلديث
ُ يا أبا عبد اهلل لقد رأيت منك عج ًبا ،قال :نعم ،أنا
[تاريخ دمشق ]313/36 رسول اهلل .H
192
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
كان عطاء بن أيب رباح عبدً ا أسود المرأة من أهل مكة ،وجاء سليامن
ٍ
عطاء هو وابناه ،فجلسوا إليه وهو يصيل ،فلام ابن عبد امللك أمري املؤمنني إىل
حول قفاه إليهم، صىل انفتل إليهم ،فام زالوا يسألونه عن مناسك احلج ،وقد ّ
ابني ال تَنِيا يف طلب العلم؛ فإين
ثم قال سليامن البنيه :قوما ،فقاما فقال :يا ّ
[صفة الصفوة ]525/2 ال أنسى ذ ّلنا بني يدي هذا العبد األسود.
193
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
عامرا بالفقهاء
كان جملس احلسن بن عيل بن العباس امللقب نظام امللك ً
وأئمة املسلمني وأهل التد ُّين حتى كانوا يشغلونه عن مهامت الدولة ،فقال
له بعض كتابه :هذه الطائفة من العلامء قد بسطتهم يف جملسك حتى شغلوك
مت أن ال يوصل أحد منهم إال بإذن،
وهنارا ،فإن تقدّ َ
ً عن مصالح الرعية ليلاً
وإذا وصل جلس بحيث ال يضيق عليك جملسك ،فقال :هذه الطائفة أركان
اإلسالم ،وهم مجال الدنيا واآلخرة ،ولو أجلست كلاًّ منهم عىل رأيس
[املنتظم ]303/16 الستقللت هلم ذلك.
194
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
قال محاد بن اإلمام أيب حنيفة :رأيت احلسن بن عامرة وأيب انتهيا إىل
قنطرة ،فقال له أيب :تقدم ،فقال :أتقدم؟ تقدم أنت فإنك أفقهنا وأعلمنا
[اجلامع ألخالق الراوي ]171/1 وأفضلنا.
قال أبو عبد اهلل املعيطي :رأيت أبا بكر ابن عياش بمكة فأتاه سفيان بن
عيينة ،فربك بني يديه ،فجعل أبو بكر يقول له :يا سفيان ،كيف أنت؟
يا سفيان ،كيف عيال أبيك؟ قال :فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث ،فقال
[اجلامع ألخالق الراوي ]320/1 سفيان :ال تسألني ما دام هذا الشيخ قاعدً ا.
قال أبو بكر ابن عياش :مات ُع َمر بن سعيد أخو سفيان فأتيناه نعزيه،
غاص بأهله وفيهم عبد اهلل بن إدريس ،إذ أقبل أبو حنيفة يف
فإذا املجلس ٌّ
حترك من جملسه ثم قام فاعتنقه ،وأجلسه يف موضعه
مجاعة معه ،فلام رآه سفيان ّ
وقعد بني يديه ،قال أبو بكر :فاغتظت عليه ،وقال ابن إدريس :وحيك ،أال
ترى؟ فجلسنا حتى تفرق الناس ،فقلت لعبد اهلل بن إدريس :ال تقم حتى
195
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
196
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
إذا ركبت أنا معك ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا ،قال:
فواعدته العرص وركبنا مجي ًعا ،فواهلل لقد كان كام قال ،لقد أصابنا من تراب
العقيق ،قال :فتقدم ٌ
رجل فقرع الباب ،فخرجت إلينا جارية سوداء فقال هلا
األمري :قويل ملوالك :إين بالباب ،فدخلت فأبطأت ثم خرجت فقالت :إن
موالي يقرئك السالم ويقول :إن كانت مسألة فارفعها يف رقعة خيرج إليك
اجلواب ،وإن كان للحديث فقد عرفت يوم املجلس فانرصف ،فقال هلا:
ٍ
مهمة ،قال :فدخلت ثم خرجت ٍ
حاجة قويل له :معي كتاب وايل مكة إليه يف
كريس ،فوضعت ،ثم إذا أنا باملك قد خرج وعليه املهابة والوقار،
ّ ويف يدها
وهو شيخ ُطوال مسنون اللحية ،فجلس وهو متط ِّلس ،فدفع الوايل الكتاب
من يده ،ثم قال :يا سبحان اهلل ،وصار علم رسول اهلل Hيؤخذ
فقلت له:
ُ فتقدمت إليه
ُ فرأيت الوايل وقد هت َّيبه أن يكلمه،
ُ بالرسائل؟! قال:
ومن قصتي ،فلام أن سمع كالمي ومن حايل ِ أصلحك اهلل إين رجل م َّطلبي ِ
نظر إ ّيل ساع ًة وكان ملالك فراسة فقال يل :ما اسمك؟ فقلت :حممد ،فقال يل:
يا حممد اتق اهلل واجتنب املعايص؛ فإنه سيكون لك شأن من الشأن ،ثم قال:
نعم وكرامة إذا كان غدً ا جتيء وجييء من يقرأ لك املوطأ ،فقلت :فإين أقوم
ظاهرا والكتاب يف يدي ،فكلام
ً بالقراءة ،فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأه
هتيبت مالكًا وأريد أن أقطع القراءة أعجبه حسن قراءيت وإعرايب ،يقول يل:
باهلل يا فتى زد! حتى قرأته يف أيام يسرية.
[تاريخ دمشق ]285/51
197
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
198
ف�ضل العلم وتعظيم العلماء
قال حممد بن رافع :كنت مع أمحد وإسحاق عند عبد الرزاق ،فجاءنا يوم
الفطر فخرجنا مع عبد الرزاق إىل املصىل ومعنا ناس كثري ،فلام رجعنا دعانا
عبد الرزاق إىل الغداء ،ثم قال ألمحد وإسحاق :رأيت اليوم منكام عج ًبا،
مل تكبرِّ ا! فقال أمحد وإسحاق :يا أبا بكر! كنا ننتظر هل تكرب فنكرب ،فلام رأيناك
مل تكرب أمسكنا ،قال :وأنا كنت أنظر إليكام ،هل تكربان فأكرب.
[سري أعالم انلبالء ]566 /9
199
الإن�صــــاف
اإلنصـــاف
200
الإن�صــــاف
قال عبد الرمحن بن مهدي :كنا يف جنازة فيها عبيد اهلل بن احلسن وهو
عىل القضاء ،فلام وضع الرسير جلس وجلس الناس حوله ،فسألته عن مسألة
فغلط فيها ،فقلت :أصلحك اهلل ،القول يف هذه املسألة كذا وكذا ،إال أين
مل أرد هذه ،إنام أردت أن أرفعك إىل ما هو أكرب منها ،فأطرق ساعة ثم رفع
رأسه ،فقال :إذن أرجع وأنا صاغر إذن أرجع وأنا صاغر ،لأَ ن أكون ذن ًبا يف
[تاريخ بغداد ]7/12 رأسا يف الباطل.
أحب إ ّيل من أن أكون ً
احلق ُّ
قال أبو بكر ابن العريب :أخربين حممد بن قاسم العثامين غري مرة
قال :وصلت الفسطاط مرة ،فجئت جملس الشيخ أيب الفضل اجلوهري
وحرضت كالمه عىل الناس ،فكان مما قال يف أول جملس جلست إليه :إن
النبي Hطلق وظاهر وآىل ،فلام خرج تبعته حتى بلغت معه إىل منزله
يف مجاعة ،فجلس معنا يف الدهليز وعرفهم أمري؛ فإنه رأى إشارة الغربة
ومل يعرف الشخص قبل ذلك يف الواردين عليه ،فلام انفض عنه أكثرهم قال
يل :أراك غري ًبا ،هل لك من كالم؟ قلت :نعم .قال جللسائه :أفرجوا له عن
كالمه ،فقاموا وبقيت وحدي معه ،فقلت له :حرضت املجلس اليوم متربكًا
201
الإن�صــــاف
بك ،وسمعتك تقول :آىل رسول اهلل Hوصدقت ،وطلق رسول اهلل
Hوصدقت ،وقلت :وظاهر رسول اهلل ،Hوهذا مل يكن
وال يصح أن يكون؛ ألن الظهار منكر من القول وزور ،وذلك ال جيوز أن
يقع من النبي ،Hفضمني إىل نفسه وق َّبل رأيس ،وقال يل :أنا تائب
خريا .ثم انقلبت عنه وبكرت إىل جملسه
من ذلك ،جزاك اهلل عني من معلم ً
يف اليوم الثاين ،فألفيته قد سبقني إىل اجلامع وجلس عىل املنرب ،فلام دخلت
من باب اجلامع ورآين نادى بأعىل صوته :مرح ًبا بمعلمي ،افسحوا ملعلمي،
فتطاولت األعناق إيل وحدَّ َقت األبصار نحوي ،وتعرفني يا أبا بكر ،يشري
إىل عظيم حيائه؛ فإنه كان إذا سلم عليه أحد أو فاجأه خجل لعظيم حيائه
بج َّلنار ،وتبادر الناس إ َّيل يرفعونني عىل األيدي
وامحر حتى كأن وجهه طيل ُ
ّ
ويتدافعوين حتى بلغت املنرب ،وأنا لعظم احلياء ال أعرف يف أي بقعة أنا من
غاص بأهله ،وأسال احلياء بدين عر ًقا ،وأقبل الشيخ عىل
األرض واجلامع ٌّ
اخللق فقال هلم :أنا معلمكم وهذا معلمي؛ ملا كان باألمس قلت لكم :آىل
رسول اهلل Hوطلق وظاهر ،فام كان أحد منكم فقه عني وال ر ّد
عيل ،فاتبعني إىل منزيل وقال يل كذا وكذا -وأعاد ما جرى بيني وبينه ،-وأنا
تائب عن قويل باألمس وراجع عنه إىل احلق ،فمن سمعه ممن حرض فال يعول
خريا؛ وجعل حيفل يف الدعاء
عليه ،ومن غاب فليبلغه من حرض ،فجزاه اهلل ً
واخللق يؤمنون.
[أحاكم القرآن ]249-248/1
202
الإن�صــــاف
قال صاحب أخبار الدول املنقطعة :ومن مجلة ما سعى تاج امللك يف
نظام امللك الوزير أن قال للسلطان :إنه ينفق يف كل سنة عىل أرباب املدارس
والرباطات ثالثامئة ألف دينار ،ولو ج ّيش هبا ً
جيشا لبلغ باب القسطنطينية،
فاستحرض النظام واستفرسه عىل احلال ،فقال :يا سلطان العامل ،إين أنا رجل
شيخ ،ولو نودي عيل ملا زادت قيمتي عىل ثالثة دنانري ،وأنت حدث لو نودي
دينارا ،وقد أعطاك اهلل تعاىل وأعطاين بك
عليك ما زادت قيمتك عىل ثالثني ً
ما مل يعطه أحدً ا من خلقه ،أفال نعوضه عن ذلك يف محلة دينه وحفظة كتابه
ثالثامئة ألف دينار؟ ثم إنك تنفق عىل اجليوش املحاربة يف كل سنة ستة أضعاف
هذا املال ،مع أن أقواهم وأرماهم ال تبلغ رميته ميلاً وال يرضب بسيفه إال ما
قرب منه ،وأنا أج ّيش لك هبذا املال ً
جيشا تصل من الدعاء سهامه إىل الغرض
ال حيجبها يشء عن اهلل تعاىل ،فبكى السلطان وقال :يا أبت ،استكثر من
اجليش ،واألموال مبذولة لك ،والدنيا بني يديك.
[وفيات األعيان ]287/5
203
�أدب طلب العلم
قال احلسني بن حربويه :سألت أبا عبيد القاسم بن سالم قلت :أسأل
عن مسألتني ،قال :ما مها؟ قلت[ :ﭗ ﭘ ﭙ] ما األيد؟ قال :القوة،
قلت[ :ﭳ ﭴ ﭵ] قال :القوة ،واألبصار العقول ،هكذا يروى
يف التفسري ،قلت :ما بال إحدامها ثبتت فيه الياء واألخرى حذفت؟ قال:
قلت مسألتني يرمحك
عمل الكاتب ،فاندفعت أسأل عن مسألة أخرى ،قالَ :
اهلل ،قلت :ما أحسب حرض املجلس أحد أبعد منزلاً مني ،قال :وإن كان،
[اجلامع ألخالق الراوي ]304/1 يرمحك اهلل ،فالصدق.
قال الربيع صاحب اإلمام الشافعي :جئنا عبد اهلل بن وهب للسامع
واجتمع عىل بابه خلق كثري ،فقام ليفتح ،فلام فتح ازدمحنا للدخول فسقط
وشج وجهه ،فقال :ما هذا إال اخل ّفة وقلة الوقار ونحو هذا ،واهلل أسمعتكم
204
�أدب طلب العلم
اليوم حر ًفا ،ثم قعد وقعدنا ،فلام رأى ما بنا من اهلدوء قال :أين سكينة العلم؟
[ترتيب املدارك ]238 /3 إنام أنا أك ِّفر عن يميني وأسمعكم ،فك ّفر وأسمعنا.
قال حممد بن جعفر من ذرية جعفر بن أيب طالب :كلم صديق أليب
مالكًا يف أن أسمع منه ،فقال :قل له فليأت ،فكنت أختلف إليه ،فآيت وأنا
ُم ِد ٌّل بموضعي ونسبي من النبي ،Hفأختطى الناس إىل وسادة مالك
احتقارا يل ،فساءين ذلك
ً وهو عليها متكئ ،فام يتزحزح ويريني أنه مل يرين
منه حتى شكوته بذلك إىل أيب وإىل مجاعة أصحايب ،فبعثوا إليه يستبطونه
يف ذلك ،ويسألونه إكرامي وأثريت يف املجلس ،فقال للرسول :ما هو عندنا
وغريه إال سواء ،إنام هي عافاك اهلل جمالس العلم السابق إليها أحق هبا ،قال:
فجريت واهلل عىل ذلك حتى كنت آيت وقد أخذوا املجالس ،فام يوسع يل
[اجلامع ألخالق الراوي ]305/1 أحد ،فأستدين حيث وجدت.
ٍ
مالك أكتب عنه ،فسئل قال إسامعيل ابن ابنة السدّ ي :كنت يف جملس
فريضة فيها اختالف بني أصحاب النبي Hفأجاب فيها بجواب ٍ عن
زيد بن ثابت ،فقلت :فام قال فيها عيل بن أيب طالب ،وعبد اهلل بن مسعود؟
فأومأ إىل احلجبة ،فلام مهوا يب حارضهتم وحارضوين فأعجزهتم ،وبقيت
حمربيت وكتبي بني يدي مالك ،فلام أراد أن ينرصف قال له احلجبة :ما نعمل
بكتب الرجل وحمربته؟ قال :اطلبوه وال هتيجوه بسوء حتى تأتوين به،
205
�أدب طلب العلم
فجاؤوا إ ّيل ورفقوا يب حتى جئت معهم ،فقال يل :من أين أنت؟ فقلت :من
أهل الكوفة ،فقال يل :إن أهل الكوفة قو ٌم معهم معرفة بأقدار العلامء ،فأين
خ ّلفت األدب؟ قلت :إنام ذاكرتك ألستفيد ،فقال :إن عل ًّيا وعبد اهلل ال ينكر
فضلهام ،وأهل بلدنا عىل قول زيد ،وإذا كنت بني ظهراين قوم فال تبدأهم بام
[تاريخ دمشق ]318/71 ال يعرفون فيبد َأك منهم ما تكرهه.
قال محدان ابن األصبهاين :كنت عند رشيك ،فأتاه بعض ولد املهدي،
فاستند إىل احلائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه ،فأعاد عليه فلم يلتفت
إليه ،فقال :كأنك تستخف بأوالد اخلالفة ،قال :ال ،ولكن العلم أزين عند
أهله من أن يضيعوه ،فجثا عىل ركبتيه ثم سأله ،فقال رشيك :هكذا يطلب
[اجلامع ألخالق الراوي ]198/1 العلم.
206
�أدب طلب العلم
وكل املأمون الفراء يلقن ابنيه النحو ،فلام كان يو ًما أراد الفراء أن ينهض
إىل بعض حوائجه ،فابتدرا إىل نعل الفراء يقدمانه له ،فتنازعا أهيام يقدمه ثم
اصطلحا عىل أن يقدم كل واحد منهام فر ًدا ،فقدماها ،وكان املأمون له عىل
كل يشء صاحبُ ،فرفع ذلك إليه يف اخلرب ،فوجه إىل الفراء فاستدعاه ،فلام
دخل عليه قال له :من أعز الناس؟ قال :ما أعرف أعز من أمري املؤمنني ،قال:
بىل! من إذا هنض تقاتل عىل تقديم نعليه وليا عهد املسلمني ،حتى ريض كل
واحد أن يقدم له فر ًدا .قال :يا أمري املؤمنني لقد أردت منعهام عن ذلك ولكن
حرصا
َ خشيت أن أدفعهام عن مكرمة سبقا إليها ،أو أكرس نفوسهام عن رشيفة
عليها ،وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن واحلسني ركابيهام حني
خرجا من عنده ،فقال له بعض من حرض :أمتسك هلذين احلدثني ركابيهام
وأنت أسن منهام؟ قال له :اسكت يا جاهل ،ال يعرف الفضل ألهل الفضل
إال ذوو الفضل ،قال له املأمون :لو منعتهام عن ذلك ألوجعتك لو ًما وعت ًبا،
وألزمتك ذن ًبا ،وما وضع ما فعاله من رشفهام ،بل رفع من قدرمها وبينَّ َ عن
جوهرمها ،وقد ثبتت يل خم َّيلة الفراسة بفعلهام ،فليس يكرب الرجل -وإن كان
كبريا -عن ثالث :عن تواضعه لسلطانه ،ووالده ،ومعلمه العلم.
ً
[تاريخ بغداد ]156-155/14
207
اجلد يف التعلم
اجلد في التعلم
قال ابن عباس :Lملا قبض رسول اهلل Hقلت لرجل من
األنصار :هلم فلنسأل أصحاب رسول اهلل ،Hفإهنم اليوم كثري،
قال :واعج ًبا لك يا ابن عباس ،أترى الناس يفتقرون إليك ويف الناس من
أصحاب رسول اهلل Hمن فيهم؟ قال :فرتك ذاك ،وأقبلت أنا أسأل
أصحاب رسول اهلل Hعن احلديث ،فإن كان ليبلغني احلديث عن
الرجل فآيت بابه وهو قائل فأتوسد ردائي عىل بابه تَسفي الريح عيل من
الرتاب فيخرج فيقول :يا ابن عم رسول اهلل ،ما جاء بك؟ أال أرسلت إيل
فآتيك ،فأقول :أنا أحق أن آتيك ،فأسأله عن احلديث .فعاش ذلك الرجل
األنصاري حتى رآين وقد اجتمع الناس حويل يسألوين ،فيقول :هذا الفتى
[اجلامع ألخالق الراوي ]159-158/1 كان أعقل مني.
قال أمحد بن بقي بن خملد :رحل أيب من مكة إىل بغداد ،وكان جل بغيته
مالقاة أمحد بن حنبل ،قال :فلام قربت بلغتني املحنة وأنه ممنوع ،فاغتممت
غماًّ شديدً ا فاحتللت بغداد واكرتيت بيتًا يف فندق ثم أتيت اجلامع وأنا أريد
أن أجلس إىل الناس ،فدفعت إىل حلقة نبيلة ،فإذا برجل يتكلم يف الرجال،
فقيل يل :هذا حييى بن معني ،ففرجت يل فرجة فقمت إليه فقلت :يا أبا زكريا
-رمحك اهلل -رجل غريب ٍ
ناء عن وطنه حيب السؤال فال تستجفني ،فقال:
208
اجلد يف التعلم
209
اجلد يف التعلم
وويل بعده من كان عىل مذهب السنة ،فظهر أمحد وعلت إمامته ،وكانت
ترضب إليه آباط اإلبل ،فكان يعرف يل حق صربي ،فكنت إذا أتيت حلقته
فسح يل ويقص عىل أصحاب احلديث قصتي معه ،فكان يناولني احلديث
مناولة ويقرؤه عيل وأقرؤه عليه ،واعتللت فعادين يف َخ ْل ٍق معه.
[تاريخ اإلسالم ]527-526 /6
ذكر عبد الرزاق أمحدَ بن حنبل ،فدمعت عيناه فقال :بلغني أن نفقته
ِنفدت ،فأخذت بيده ،فأقمته خلف هذا الباب وأشار إىل بابه وما معي ومعه
أحد ،فقلت :إنه ال جيتمع عندنا دنانري ،وإذا بعنا الغلة شغلناها يف يشء،
وقد وجدت عند النساء عرشة دنانري فخذها ،فأرجو أن ال تنفقها حتى يتهيأ
عندنا يشء ،فقال يل :يا أبا بكر ،لو قبلت شي ًئا من الناس قبلت منك.
[صفة الصفوة ]481/1
ملا قرأ أبو احلسني أمحد بن حممد النوري القرآن ألزمه أبوه أن يكون معه
يف الدكان ،فكان إذا أصبح أخذ روز مانجا ودواة ،وذهب يسأل عن علم ما
جهل من كتاب اهلل تعاىل ،ويكتب ما يقال له ،ثم يأيت أباه فيزجره عن غيابه،
مر به
ويتهدده وربام رضبه ،وإذا بعثه يف حاجة أخذ ألواحه معه ،فيسأل من ّ
من أهل العلم ،وربام رضبه أبوه عىل ذلك أحيانًا .فقال له أبوه يو ًما :ليت
شعري ما تريد بعلمك هذا؟ قال :أريد أن أعرف اهلل تعاىل ،وأتعرف عليه.
فقال :كيف تعرفه؟ قال :أعرفه بتفهم أمره وهنيه! قال :وكيف تتعرف إليه؟
210
اجلد يف التعلم
قال :أتعرف إليه بالعمل بام علمني .فقال له أبوه :ال أعرض لك يف أمرك ما
[أنباء جنباء األبناء ص]156 بقيت.
211
اجلد يف التعلم
بمرص سبعة أشهر مل نأكل فيها مرقة، َ قال عبد الرمحن بن أيب حاتم :كنا
مقسم ملجالس ّ
الشيوخ وبالليل الن َّْسخ واملقابلة ،فأتينا يو ًما أنا ورفيق ك ُُّل ِ
هنارنا ّ
يل ً
شيخا ،فقالوا :هو عليل ،فرأينا يف طريقنا سمكة أعجبتْنا فاشرتيناه ،فلام
ومض ْينا إىل املجلس،
إصالحه َ
ُ جملس فلم ُي ْم ِكنَّا
ٍ وقت
رصنا إىل البيت حرض ُ
فلم ن ََز ْل حتى أتى عليه ثالثة أيام وكاد أن يتغري ،فأكلناه ني ًئا ،مل يكن لنا فرا ٌغ
براحة اجلسد.ِ العلم ستطاع أن نعطيه من يشويه .ثم قال :ال ُي
ُ ُ
[سري أعالم انلبالء ]266/13
212
اجلد يف التعلم
قال أبو حاتم الرازي :سألنا عبد اهلل بن مسلمة القعنبي أن يقرأ لنا
املوطأ ،فقال :ائتوا بالغداة ،فقلنا :إنا نجلس عند احلجاج ابن الشاعر ،قال:
فإذا فرغتم ،قلنا :نأيت مسلم بن إبراهيم ،قال :فإذا فرغتم ،قلنا :يكون وقت
الظهر ونأيت أبا حذيفة النهدي ،قال :فبعد العرص ،قلنا :نأيت حازم بن حممد
الغفاري ،قال :فبعد املغرب ،فكنا نأتيه ليلاً فيخرج وعليه لبد ماحتته يشء يف
الصيف يف احلر الشديد ،فيقرأ لنا وهو عىل جسده ،ولو أراد ألُعطي الكثري.
[ترتيب املدارك ]199/3
قال احلافظ ابن القيرساين :أقمت بتنيس مدة عىل أيب حممد ابن احلداد
ونظرائه ،فضاق يب فلم يبق معي غري درهم ،وكنت أحتاج إىل حرب وكاغد،
فرتددت يف رصفه يف احلرب أو الكاغد أو اخلبز ،ومىض عىل هذا ثالثة أيام مل
أطعم فيها ،فلام كان بكرة اليوم الرابع قلت يف نفيس :لو كان يل اليوم كاغد
مل يمكني أن أكتب من اجلوع ،فجعلت الدرهم يف فمي وخرجت ألشرتي
خبزا ،فبلعته ووقع عيل الضحك ،فلقيني صديق وأنا أضحك ،فقال :ما
ً
أضحكك؟ قلت :خري ،فألح عيل وأبيت أن أخربه فحلف بالطالق لتصدقني
فأخربته ،فأدخلني منزله وتكلف أطعمة ،فلام خرجنا لصالة الظهر اجتمع
به بعض وكالء عامل تنيس ابن قادوس ،فسأله عني فقال :هو هذا ،قال:
إن صاحبي منذ شهر أمر يب أن أوصل إليه كل يوم عرشة دراهم قيمتها ربع
[سري أعالم انلبالء ]367/19 دينار وسهوت عنه ،فأخذ منه ثالث مائة وجاء هبا.
213
اجلد يف التعلم
قال القايض أبو احلسن الدامغاين :كنت يف صبويت متشاغلاً بالبطالة غري
ملتفت إىل العلم ،فأحرضين أيب وقال يل :يا بني ،لست أبقى لك أبدً ا ،فخذ
دينارا وافتح لك دكان خباز وتكسب ،فقلت له :ما هذا الكالم؟
ً عرشين
قال :فافتح دكان بزاز ،فقلت :كيف تقول يل هذا وأنا ابن قايض القضاة عبد
اهلل الدامغاين؟ قال :فام أراك تطلب العلم ،فقلت :اذكر يل الدرس الساعة،
عيل.
فذكر يل فأقبلت عىل االشتغال بالعلم ،واجتهدت ففتح اهلل تعاىل ّ
[نصيحة الودل البن اجلوزي ص]7
قال أبو بكر ابن العريب :كان أبو الفضل املراغي يقرأ بمدينة السالم،
فكانت الكتب تأيت إليه من بلده فيضعها يف صندوق وال يقرأ منها واحدً ا
خمافة أن يطلع فيها عىل ما يزعجه أو يقطع به عن طلبه ،فلام كان بعد مخسة
غرضا من الطلب وعزم عىل الرحيل شد رحله وأبرز كتبه
أعوام وقىض ً
وأخرج تلك الرسائل وقرأ منها ما لو أن واحدة منها قرأها يف وقت وصوهلا
ورحل عىل دابته
ما متكن بعدها من حتصيل حرف من العلم ،فحمد اهلل تعاىل َّ
ُقامش ُه وخرج إىل باب احللبة طريق خراسان ،وتقدمه الكري بالدابة ،وأقام
هو عىل فامي يبتاع منه سفرته؛ فبينام هو حياول ذلك معه إذ سمعه يقول
لفامي آخر :أي ُف ُل ،أما سمعت العامل يقول يعني الواعظ :إن ابن عباس
يجُ ِّوز االستثناء ولو بعد سنة ،لقد اشتغل بايل بذلك منه منذ سمعته يقوله
صحيحا ملا قال اهلل تعاىل أليوب[ :ﭜ
ً متفكرا؛ ولو كان ذلك
ً وظللت فيه
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ] ،وما الذي كان يمنعه من أن يقول حينئذ :قل
214
اجلد يف التعلم
إن شاء اهلل؟ فلام سمعته يقول ذلك قلت :بلد يكون الفاميون به من العلم يف
هذه املرتبة أخرج عنه إىل املراغة؟ ال أفعله أبدً ا؛ واقتفى أثر الكري وحلله من
[أحاكم القرآن ]154/2 الكراء ورصف رحله ،وأقام هبا حتى مات.
215
جادة التعلم
جادة التعلم
قال ابن عباس :Lقدم عىل عمر Iرجل فجعل عمر يسأله
عن الناس ،فقال :يا أمري املؤمنني ،قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا ،فقلت:
واهلل ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا يف القرآن هذه املسارعة ،فزبرين عمر
ثم قال :مه ،فانطلقت إىل منزيل مكتئ ًبا حزينًا ،فقلت :قد كنت نزلت من
هذا بمنزلة وال أراين إال قد سقطت من نفسه ،فاضطجعت عىل فرايش حتى
عادين نسوة أهيل وما يب وجع ،فبينا أنا عىل ذلك قيل يل :أجب أمري املؤمنني،
فخرجت فإذا هو قائم عىل الباب يتنظرين ،فأخذ بيدي ثم خال يب فقال :ما
الذي كرهت مما قال الرجل آن ًفا؟ قلت :يا أمري املؤمنني ،إن كنت أسأت فإين
أستغفر اهلل وأتوب إليه وأنزل حيث أحببت ،قال :لتخربين ،قلت :متى ما
يسارعوا هذه املسارعة حيت ُّقوا ومتى ما حيتقوا خيتصموا ومتى ما اختصموا
خيتلفوا ومتى ما خيتلفوا يقتتلوا ،قال :هلل أبوك ،لقد كنت أكتمها الناس حتى
[سري أعالم انلبالء ]349/ 3 جئت هبا.
قال رؤبة بن العجاج :أتيت النسابة البكري ،فقال يل :من أنت؟ قلت:
وعرفت ،فام جاء بك؟ قلت :طلب العلم،
رؤبة بن العجاج ،قال :قرصت ّ
سكت مل يسألوين وإن تكلمت
ُّ قال :لعلك من قو ٍم أنا بني أظهرهم إن
مل يعوا عني؟ قلت :أرجو أن ال أكون منهم ،قال :أتدري ما آفة املروءة؟
216
جادة التعلم
قلت :ال ،فأخربين ،قال :جريان السوء إن رأوا حسنًا دفنوه وإن رأوا سي ًئا
وهجنة ونكدً ا ،فآفته النسيان،
أذاعوه ،ثم قال يل :يا رؤبة ،إن للعلم آفة ُ
وهجنته أن تضعه عند غري أهله ،ونكده الكذب فيه.
[جامع بيان العلم وفضله ]450-449/1
قال ابن أيب احلواري :أتينا فضيل بن عياض سنة مخس وثامنني ومائة
ونحن مجاعة ،فوقفنا عىل الباب فلم يأذن لنا بالدخول ،فقال بعضهم :إن
ٍ
ليشء فسيخرج لتالوة القرآن ،فأ َم ْرنا قارئًا فقرأ ،فا َّطلع علينا خارجا كان
ً
من ك َّوة ،فقلنا :السالم عليك ورمحة اهلل ،فقال :وعليكم السالم ،فقلنا :كيف
217
جادة التعلم
أنت يا أبا عيل؟ وكيف حالك؟ فقال :أنا من اهلل يف عافية ومنكم يف أذى،
ٌ
حدث يف اإلسالم ،فإنا هلل وإنا إليه راجعون ،ما هكذا يطلب وإن ما أنتم فيه
العلم ،ولكنا كنَّا نأيت املسجد فال نرى أنفسنا أهلاً للجلوس معهم يف ِ
احل َلق
مر احلديث سألناهم إعادته وقيدناه،
فنجلس دوهنم ونسرتق السمع ،فإذا َّ
وأنتم تطلبون العلم باجلهل ،وقد ض َّيعتم كتاب اهلل ،ولو طلبتم كتاب اهلل
لوجدتم فيه شفاء ملا تريدون .قلنا :قد تعلمنا القرآن .قال :إن يف تعليمكم
القرآن شغلاً ألعامركم وأعامر أوالدكم ،قلنا :كيف يا أبا عيل؟ قال :لن
تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه وحمكمه ومتشاهبه وناسخه ومنسوخه،
فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كالم فضيل وابن عيينة .ثم قال :أعوذ باهلل
السميع العليم من الشيطان الرجيم ،بسم اهلل الرمحن الرحيم [ﮂ ﮃ
ﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ].
[اتلذاكر ألفضل األذاكر للقرطيب ص]69
مرارا،
مريضا شديد املرض ،فعاده اإلمام أبو حنيفة ً
ً كان أبو يوسف
فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلاً فاسرتجع ثم قال :لقد كنت أؤملك بعدي
للمسلمني ،ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثري ،ثم رزق العافية
وخرج من العلة ،فأخرب أبو يوسف بقول أيب حنيفة فيه ،فارتفعت نفسه
جملسا يف الفقه وقرص عن لزوم
وانرصفت وجوه الناس إليه ،فعقد لنفسه ً
جملسا وأنه قد بلغه
جملس أيب حنيفة ،فسأل عنه فأخرب أنه قد عقد لنفسه ً
218
جادة التعلم
كالمك فيه ،فدعا رجلاً كان له عنده قدر ،فقال :رص إىل جملس يعقوب فقل
له :ما تقول يف رجل دفع إىل قصار ثو ًبا ليقرصه بدرهم فصار إليه بعد أيام
يف طلب الثوب ،فقال له القصار :ما لك عندي يشء وأنكره ،ثم إن رب
مقصورا ،أله أجرة؟ فإن قال :له أجرة،
ً الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب
فقل :أخطأت ،وإن قال :ال أجرة له ،فقل :أخطأت ،فصار إليه ،فسأله فقال
أبو يوسف :له األجرة ،فقال :أخطأت ،فنظر ساعة ،ثم قال :ال أجرة له،
فقال :أخطأت ،فقام أبو يوسف من ساعته ،فأتى أبا حنيفة ،فقال له :ما جاء
بك إال مسألة القصار؟ قال :أجل ،قال :سبحان اهلل ،من قعد يفتي الناس
جملسا يتكلم يف دين اهلل وهذا قدره ال حيسن أن جييب يف مسألة من
وعقد ً
اإلجارات؟ فقال :يا أبا حنيفة ،ع ّلمني ،فقال :إن كان قرصه بعد ما غصبه
فال أجرة له؛ ألنه قرصه لنفسه ،وإن كان قرصه قبل أن يغصبه فله األجرة؛
ألنه قرصه لصاحبه ،ثم قال :من ظن أنه يستغني عن التع ّلم فليبك عىل
[تاريخ بغداد ]479-478/15 نفسه.
قال أبو جعفر القطيعي :دخلت عىل أيب عبد اهلل -يعني اإلمام أمحد،-
فقلت :أتوضأ بامء النورة؟ قال :ما أحب ذلك ،قلت :أتوضأ بامء ِ
الباقلاَ ء؟
قال :ما أحب ذلك ،قلت :أتوضأ بامء الورد؟ قال :ما أحب ذلك ،قال:
فسكت ،فقال:
ُّ فقمت ،فتعلق بثويب ثم قال :أيش تقول إذا دخلت املسجد؟
وأيش تقول إذا خرجت من املسجد؟ فسكت ،فقال :اذهب فتعلم هذا.
[طبقات احلنابلة ]41/1
219
جادة التعلم
قال املزين :كنت أنظر يف الكالم قبل أن َيقدَ م الشافعي ،فلام قدم
ٍ
مسألة من الكالم ،فقال يل :تدري أين أنت؟ قلت :نعم، أتيته فسألته عن
يف مسجد الفسطاط ،قال يل :أنت يف تاران -تاران موضع يف بحر القلزم
فأجبت ،فأدخل شي ًئا
ُ عيل مسألة يف الفقه
ال تكاد تسلم منه سفينة -ثم ألقى ّ
فجعلت كلام
ُ فأجبت بغري ذلك ،فأدخل شي ًئا أفسد جوايب،
ُ أفسد جوايب،
أجبت بيشء َأ َ
فسده ،ثم قال يل :هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل ُ
الناس يدخله مثل هذا ،فكيف الكالم يف رب العاملني ،الذي فيه الزلل كثري؟
[سري أعالم انلبالء ]25/10 فرتكت الكالم ،وأقبلت عىل الفقه.
قال ياقوت احلموي :وإليها -يعني مدينة مرو -ينسب عبد الرمحن بن
أمحد بن عبد اهلل أبو بكر الق ّفال املروزي وحيد زمانه ً
فقها وعلماً ،رحل إىل
وخترج
الناس وصنّف وظهرت بركته ،وهو أحد أركان مذهب الشافعيّ ،
به مجاعة وانترش علمه يف اآلفاق ،وكان ابتداء اشتغاله بالفقه عىل كرب السن،
حدثني بعض فقهاء مرو بفنني من قراها أن الق ّفال الشايش صنع قفلاً
ومفتاحا وزنه دانق واحد ،فأعجب الناس به جدًّ ا وسار ذكره وبلغ خربه إىل
ً
الق ّفال هذا ،فصنع قفلاً مع مفتاحه وزنه ّ
طسوج ،وأراه الناس فاستحسنوه
ومل يشع له ذكر ،فقال يو ًما لبعض من يأنس إليه :أال ترى ّ
كل يشء يفتقر
إىل احلظ؟ عمل الشايش قفلاً وزنه دانق وطنّت به البالد ،وعملت أنا قفلاً
بمقدار ربعه ما ذكرين أحد! فقال له :إنام الذكر بالعلم ال باألقفال ،فرغب
220
جادة التعلم
يف العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعني سنة ،وجاء إىل شيخ من أهل
وعرفه رغبته فيام رغب فيه ،فل ّقنه أول كتاب املزين ،وهو« :هذا كتاب
مرو ّ
وكرر عليه هذه الثالثة ألفاظ من العشاء إىل
اخترصته» ،فرقي إىل سطحه ّ
أن طلع الفجر ،فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها ،فضاق صدره وقال:
أيش أقول للشيخ؟ وخرج من بيته فقالت له امرأة من جريانه :يا أبا بكر
لقد أسهرتنا البارحة يف قولك« :هذا كتاب اخترصته» ،فتل َّقنها منها وعاد إىل
شيخه وأخربه بام كان منه ،فقال له :ال يصدّ نّك هذا عن االشتغال؛ فإنك إذا
الزمت احلفظ واالشتغال صار لك عادة ،فجدّ والزم االشتغال حتى كان
منه ما كان ،فعاش ثامنني سنة أربعني جاهلاً وأربعني عا ًملا.
[معجم ابلدلان ]116/5
221
لغــة العــــرب
لغة العرب
فقلت هلا :قاتلك اهلل ما أفصحك وأبلغك! فقالت :وهل ترك القرآن
لذي فصاحة بالغة؟! فقلت هلا :أتقرءين القرآن؟ قالت :نعم ،وأعرف آية
مجعت أمرين وهنيني وخربين وبشارتني ،فقلت :وما هي؟ قالت :قوله تعاىل:
222
لغــة العــــرب
[ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
[قالدة انلحر ]423 /2 ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ].
قال ابن بكري النحوي :ملا قدم احلسن بن سهل العراق أحب أن جيمع
بني مجاعة من أهل األدب ،فأحرض أبا عبيدة واألصمعي ونرص بن عيل
اجلهضمي وحرضت معهم ،فابتدأ احلسن فنظر يف رقاع كانت بني يديه
للناس يف حاجاهتم فو َّقع عليها ،وكانت مخسني رقعة ،ثم أمر فدفعت إىل
اخلازن ،ثم أفضنا يف ذكر احلفاظ ،فذكرنا مجاعة ،فالتفت أبو عبيدة وقال :ما
الغرض أهيا األمري يف ذكر من مىض؟! هاهنا من يقول :إنه ما قرأ كتا ًبا قط
فاحتاج إىل أن يعود فيه وال دخل قلبه يشء وخرج عنه! فالتفت األصمعي،
فقال :إنام يريدين هبذا القول ،واألمر يف ذلك عىل ما حكى ،وأنا أقرب إليه:
قد نظر األمري يف مخسني رقعة ،وأنا أعيد ما فيها وما و َّقع به عىل رقعة رقعة،
فأحرضت الرقاع ،فقال األصمعي :سأل صاحب الرقعة األوىل كذا واسمه
كذا ووقع له بكذا ،والرقعة الثانية والثالثة ،حتى مر يف نيف وأربعني رقعة!
فالتفت إليه نرص بن عيل اجلهضمي ،وقال :أهيا الرجل ،أبق عىل نفسك من
[نزهة األبلاء يف طبقات األدباء ]98/1 العني ،فكف األصمعي.
قال الوزير أبو بكر ابن الوزير أيب مروان ابن زهر :بينا أنا قاعد يف دهليز
دارنا وعندي رجل ناسخ أمرته أن يكتب يل كتاب األغاين ،فجاء الناسخ
223
لغــة العــــرب
بالكراريس التي كتبها؛ فقلت له :أين األصل الذي كتبت منه ألقابل معك
به؟ قال :ما أتيت به معي؛ فبينا أنا معه يف ذلك إذ دخل الدهليز علينا رجل
َب ُّذ اهليئة ،عليه ثياب غليظة أكثرها صوف ،وعىل رأسه عاممة قد الثها من
غري إتقان هلا ،فحسبته ملا رأيته من بعض أهل البادية ،فسلم وقعد وقال
يل :يا بني ،استأذن يل عىل الوزير أيب مروان ،فقلت له :هو نائم -هذا بعد
الصبا وما رأيت من
أن تكلفت جوابه غاية التكلف ،محلني عىل ذلك نزوة ِّ
خشونة هيئة الرجل -ثم سكت عني ساعة وقال :ما هذا الكتاب الذي
بأيديكام؟ فقلت له :ما سؤالك عنه؟ فقال :أحب أن أعرف اسمه؛ فإين كنت
أعرف أسامء الكتب ،فقلت :هو كتاب األغاين ،فقال :إىل أين بلغ الكاتب
منه؟ قلت :بلغ موضع كذا ،وجعلت أحتدث معه عىل طريق السخرية به
والضحك عىل قالبه ،فقال :وما لكاتبك ال يكتب؟ قلت :طلبت منه األصل
الذي يكتب منه ألعارض به هذه األوراق فقال :مل أجئ به معي ،فقال :يا
بني ،خذ كراريسك وعارض ،قلت :بامذا؟ وأين األصل؟ قال :كنت أحفظ
هذا الكتاب يف مدة صباي ،فتبسمت من قوله ،فلام رأى تبسمي قال :يا
واوا وال فاء،
بني ،أمسك عيل ،فأمسكت عليه وجعل يقرأ ،فواهلل إن أخطأ ً
الس ْفر وآخره ،فرأيت
نحوا من كراستني ،ثم أخذت له يف وسط ِّ
قرأ هكذا ً
حفظه يف ذلك كله سواء فاشتد عجبي ،وقمت مرس ًعا حتى دخلت عىل أيب،
فأخربته باخلرب ووصفت له الرجل ،فقام كام هو من فوره وكان ملت ًّفا برداء
ليس عليه قميص وخرج حارس الرأس حايف القدمني ال ير ُفق عىل نفسه وأنا
بني يديه وهو يوسعني لو ًما ،حتى ترامى عىل الرجل وعانقه ،وجعل يقبل
224
لغــة العــــرب
قال ابن مرزوق التلمساين :حرضت جملس شيخنا العلاّ مة نخبة الزمان
ابن عرفة أول جملس حرضته ،فقرأ [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] فجرى
بيننا مذاكرة رائقة وأبحاث حسنة فائقة ،منها :أنه قال :قرئ «يعشو» بالرفع
و«نق ِّيض» باجلزم ،ووجهها أبو حيان بكالم ما فهمته ،وذكر يف النسخة خللاً
وذكر بعض ذلك الكالم ،فاهتديت إىل متامه فقلت :يا سيدي ،معنى ما ذكر
بمن املوصولة لشبهها بالرشطية ملا تضمنتها من معنى
أن جزم «نق ِّيض» َ
الرشط ،وإذا كانوا يعاملون املوصول الذي ال يشبه لفظه لفظ الرشط بذلك
فام يشبه لفظه لفظ الرشط أوىل بتلك املعاملة ،فوافق وفرح ،كام أن اإلنصاف
عيل مجاعة من أهل املجلس وطالبوين بإثبات
كان طبعه ،وعند ذلك أنكر ّ
225
لغــة العــــرب
معاملة املوصول معاملة الرشط ،فقلت هلم :نصهم عىل دخول الفاء يف خرب
املوصول يف نحو الذي يأتيني فله درهم من ذلك ،فنازعوين يف ذلك ،وكنت
حديث عهد بحفظ التسهيل ،فقلت :قال ابن مالك فيام يشبه املسألة :وقد
تشبيها بجواب الرشط .وأنشدت من شواهد
ً جيزمه متسبب عن صلة الذي
املسألة قول الشاعر:
رغم عواقب ما صنع
تصبه على ٍ كذاكالذييبغيعلىالناسظاملًا
226
التفقـــه
التفقـــه
قال اإلمام أبو حنيفة :كنت أنظر يف الكالم حتى بلغت فيه مبل ًغا
ُيشار إ ّيل فيه باألصابع ،وكنا نجلس بالقرب من حلقة محاد بن أيب سليامن،
فجاءتني امرأة يو ًما فقالت يل :رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة ،كم
يطلقها؟ فلم ِ
أدر ما أقول ،فأمرهتا أن تسأل محا ًدا ثم ترجع ختربين ،فسألته
227
التفقـــه
كان اإلمام الشافعي يف جملس اإلمام مالك بن أنس وهو غالم ،فجاء
رجل إىل مالك فاستفتاه ،فقال :إين حلفت بالطالق الثالث إن هذا البلبل
ال هيدأ من الصياح ،فقال له مالك :قد حنثت ،فمىض الرجل ،فالتفت
الشافعي إىل بعض أصحاب مالك فقال :إن هذه الفتيا خطأُ ،فأخرب مالك
بذلك ،وكان مالك مهيب املجلس ال جيرس أحد أن يرا ّده ،وربام جاء صاحب
228
التفقـــه
الرشطة فوقف عىل رأسه إذا جلس يف جملسه ،فقالوا ملالك :إن هذا الغالم
يزعم أن هذه الفتيا إغفال وخطأ! فقال له مالك :من أين قلت هذا؟ فقال
له الشافعي أليس أنت الذي رويت لنا عن النبي Hيف قصة فاطمة
بنت قيس Jأهنا قالت للنبي :Hإن أبا جهم ومعاوية خطباين،
فقال « :Hأما أبو جهم فال يضع العصا عن عاتقه ،وأما معاوية فصعلوك
ال مال له» .فهل كانت عصا أيب جهم دائماً عىل عاتقه؟ وإنام أراد من ذلك
األغلب ،فعرف مالك حمل الشافعي ومقداره .قال الشافعي :فلام أردت
أن أخرج من املدينة جئت إىل مالك فودعته ،فقال يل مالك حني فارقته:
يا غالم ،اتق اهلل تعاىل وال تطفئ هذا النور الذي أعطاكه اهلل باملعايص.
[حياة احليوان الكربى]226/1
قال حممد بن سامعة :كنت أدعو عيسى بن أبان أن يأيت حممد بن احلسن،
فيقول :هؤالء قوم خيالفون احلديث ،وكان عيسى حسن احلفظ للحديث،
فصىل معنا يو ًما الصبح ،وكان يو َم جملس حممد ،فلم أفارقه حتى جلس يف
املجلس ،فلام فرغ حممد أدنيته إليه وقلت :هذا ابن أخيك ِ
أبان ِ
بن صدقة
الكاتب ومعه ذكا ٌء ومعرفة باحلديث ،وأنا أدعوه إليك فيأبى ويقول :إنا
نخالف احلديث ،فأقبل عليه وقال له :يا بني ،ما الذي رأيتنا نخالفه من
احلديث؟ ال تشهد علينا حتى تسمع منا ،فسأله يومئذ عن مخسة وعرشين با ًبا
من احلديث ،فجعل حممد بن احلسن جييبه عنها وخيربه بام فيها من املنسوخ
ويأيت بالشواهد والدالئل ،فالتفت إ َّيل بعد ما خرجنا ،فقال :كان بيني وبني
229
التفقـــه
ملا أن اطمأنت باألمري عبد املؤمن الدار مجع الفقهاء ،إما الختبار
فحكي عن أيب عبد اهلل ابن زرقون
مذهبهم أو محلهم عىل مذهب ابن حزمُ ،
جامع االستذكار واملنتقى قال :كنت فيمن مجعهم ،فقام عىل رأسه كات ُبه
ووزيره أبو جعفر ابن عطية فخطب خطبة خمترصة ،ثم رد رأسه إىل الفقهاء
وقال هلم :بلغ سيدنا أن قو ًما من أويل العلم تركوا كتاب اهلل وسنة رسوله
Oوصاروا حيكمون بني الناس ويفتون هبذه الفروع واملسائل التي
ال أصل هلا يف الرشع ،أو كال ًما هذا معناه ،وقد َأ َمر أن من فعل ذلك بعد هذا
اليوم و َن َظر يف يشء من الفروع واملسائل عوقب العقاب الشديد و ُف ِعل به
كذا وكذا ،وسكت ،ورفع األمري عبد املؤمن رأسه إليه وأشار عليه باجللوس
فجلس ،وقال :سمعتم ما قال؟ فقال له الطلبة :نعم ،قال :وسمعنا أن عند
القوم تألي ًفا من هذه الفروع يسمونه الكتاب -يعني املدونة -وأهنم إذا قال
هلم قائل مسألة من السنة ومل تكن فيه أو خمالِفة له قالوا :ما هي يف الكتاب أو
ما هو مذهب الكتاب ،وليس ثم كتاب يرجع إليه إال كتاب اهلل تعاىل وسنة
رسوله ،Hقال :وأرعد وأبرق يف التخويف والتحذير من النظر يف
هذه الكتب ،والفقها ُء سكوت ،ثم قال :ومن العجب أهنم يقولون أقوالاً
برأهيم وليست من الرشع ،أو قال من الدين ،فيقولون :من طرأ عليه خلل
230
التفقـــه
يف صالته يعيد يف الوقت ،فيتحكمون يف دين اهلل تعاىل؛ ألهنا إما صحيحة
فال إعادة أو باطلة فيعيد أبدً ا ،فيا ليت شعري من أين أخذوه! فصمت القوم
ومل جيبه أحد حلدة األمر واإلنكار.
قال ابن زرقون :فحملتني الغرية عىل أن تكلمت وتلطفت يف الكالم
هلم وأن اهلل تعاىل أحيى هبم احلق وأهله وأمات الباطل وأهله وذكرت نحو
هذا املنحى ،وقلت :إن ُأذن يل يف اجلواب تكلمت وأديت نصيحتي ،وهي
أيضا! وكررها فقلت :ثبت يف الصحيح
عيل :وهي السنة ً ِ
السنة ،فقال كاملنكر َّ
«أن رجلاً دخل عىل رسول اهلل Hوصىل ثم جاء وسلم عليه فرد
عليه وقال :ارجع ِّ
فصل فإنك مل تصل حتى فعل ذلك ثالث مرات ثم قال
له :والذي بعثك باحلق ما أحسن غري هذا فعلمني ،فقال له :إذا افتتحت
الصالة »...إىل آخر احلديث فأمره بإعادة الوقتية ومل يأمره بإعادة ما خرج
وقته من الصلوات ،فعىل هذا بنى الفقهاء أمرهم فيمن دخل عليه خلل يف
الصالة ،فلام أصغى إيل اتسع يل القول فقلت له :يا سيدي ،مجيع ما يف هذا
مبني عىل الكتاب والسنة وأقوال السلف واإلمجاع ،وإنام اخترصه
الكتاب ّ
الفقهاء تقري ًبا ملن ينظر فيه من املتعلمني والطالبني ،فانطلقت ألسنة الفقهاء
احلارضين حينئذ ووافقوين عىل ما قلت ،ثم دعا فقال :اللهم وفقنا يا رب
العاملني ،وقام إىل منزله فقال الوزير :أقدمت عىل سيدنا اليوم يا فقيه،
سكت للحقتني عقوبة اهلل تعاىل ،فكنت أدخل بعد ذلك عىل
ُّ فقلت لو
[فتح العيل املالك ]103 -102 /1 عبد املؤمن فأرى منه الرب التام والتكرمة.
231
التفقـــه
قال عبد اهلل بن املبارك :سأل رجل أبا حنيفة عن خوخة أراد أن يفتحها
يف حائط له يف داره ،فقال :افتح ما شئت وال تطلع عىل جارك ،فأتى به جاره
إىل ابن أيب ليىل فمنعه منه ،فشكا إىل أيب حنيفة ،قال :فافتح فيه با ًبا فجاء
ليفتح الباب ،فأتى به إىل ابن أيب ليىل فمنعه ،فقال :كم قيمة حائطك؟ قال:
ثالثة دنانري ،قال :هي لك عيل واذهب فاهدم احلائط من أوله إىل آخره،
فجاءه هيدمه ،فمنعه فأتى به إىل ابن ايب ليىل ،فقال :هيدم حائطه وتسألني أن
أمنعه من ذلك! اذهب فاهدمه واصنع ما شئت! قال :فلم َعنَّيتني ومنعتني
من فتح خوخة وكان ذلك أهون عيل؟ قال :إذا كان يذهب إىل من يدله عىل
[أخبار أيب حنيفة وأصحابه ص]31 خطئي فكيف أصنع إذا تبني اخلطأ؟!
232
التفقـــه
قال عبيد اهلل بن عمرو :كنت يف جملس األعمش ،فجاءه رجل فسأله
عن مسألة فلم جيبه فيها ،ونظر فإذا أبو حنيفة ،فقال :يا نعامن ،قل فيها ،قال:
القول فيها كذا ،قال :من أين؟ قال :من حديث كذا أنت حدثتناه ،قال :فقال
[جامع بيان العلم وفضله ]1030/2 األعمش :نحن الصيادلة وأنتم األطباء.
233
الكتب والكتابة
الكتب والكتابة
بعث الوزير أبو أيوب أمحد بن حممد بن شجاع غالمه إىل أيب عبد اهلل
ابن األعرايب يسأله املجيء إليه ،فعاد إليه الغالم فقال :قد سألته ذلك فقال
يل :عندي قو ٌم من األعراب فإذا قضيت أريب معهم أتيت ،قال الغالم :وما
رأيت عنده أحدً ا إال أين رأيت بني يديه كت ًبا ينظر فيها ،فينظر يف هذا مرة
ُ
ويف هذا مرة ،ثم ما شعرنا حتى جاء ،فقال له أبو أيوب :إنه ما رأى عندك
قضيت أريب معهم أتيت!
ُ قلت له :أنا مع قوم من األعراب فإذا
أحدً ا وقد َ
فأنشد:
أل��� ّب���اء م��أم��ون��ون غ��ي�� ًب��ا ومشهدا ل��ن��ا ج��ل��س��ا ٌء م���ا من ّ
����ل حديثهم
وع���ق�ًل�اً وت���أدي��� ًب���ا ورأيً������ا مسدّدا يفيدوننا من علمهم علم ما مضى
234
الكتب والكتابة
وال نتقي منهم ل��س��ا ًن��ا وال يدا فال فتن ًة خنشى وال س��وء ِعشر ٍة
وإن ق��ل��ت أح��ي��اء ف��ل��س��ت َّ
مفندا كاذب
ٌ فإن قلت أم��وات فما أنت
[معجم األدباء ]2533/6
قال أبو زكرياء التربيزي :رأيت نسخة من كتاب اجلمهرة البن دريد
باعها أبو احلسن الفايل بخمسة دنانري من القايض أيب بكر ابن بديل التربيزي
ومحلها إىل تربيز ،فنسخت أنا منها نسخة ،فوجدت يف بعض املجلدات رقعة
بخط الفايل فيها:
فقد طال شوقي بعدها وحنيين أنست بها عشرين ح��ولاً وبعتها
ول��و خ ّلدتين يف السجون ديوني وم���ا ك���ان ظ�ّن�يّ أن�ن�ي سأبيعها
ص��غ��ار ع��ل��ي��ه��م ت��س��ت��ه ّ��ل شؤوني ول��ك��ن ل��ض��ع��ف واف��ت��ق��ار وصبية
م��ق��ال��ة م���ش ّ
���وي ال����ف����ؤاد حزين ف��ق��ل��ت ومل أم��ل��ك س��واب��ق عربة
ضنني
ِ رب ب���ه ّ
���ن ك����رائ����م م����ن ّ وقد خترج احلاجات يا أ ّم مالك
فأريت القايض أبا بكر الرقعة واألبيات ،فتوجع وقال :لو رأيتها قبل
[معجم األدباء ]1647 /4 هذا لرددهتا عليه ،وكان الفايل قد مات.
ذكر أبو بكر ابن اخلاضبة أنه كان ليلة من الليايل قاعدً ا ينسخ شي ًئا من
احلديث بعد أن مىض قطعة من الليل ،قال :وكنت ضيق اليد ،فخرجت فأرة
كبرية وجعلت تعدو يف البيت ،وإذا بعد ساعة قد خرجت أخرى ،وجعال
235
الكتب والكتابة
قال حممد بن سليامن اجلوهري :كنا نصحب اجلاحظ عىل سائر أحواله
من جد وهزل ،فخرجنا يو ًما لنزهة ،فبينا نحن عىل باب جامع البرصة ننتظر
شي ًئا أردناه إذ عارضتنا امرأة معها أوراق مقطعة ،فعرضت ذلك علينا فلم
نجد فيها طائلاً فرتكناها وانرصفنا ،وختلف معها اجلاحظ ونحن ننتظره،
فأطال ثم رأيناه قد وزن هلا شي ًئا وأخذ األوراق وقال :انتظروين ،ومىض
هبا إىل منزله ،فلام عاد أخذنا هنزأ به ونقول :فزت بقطعة من العلم وافرة،
وضحكنا ،فقال :أنتم محقى ،واهلل إن فيها ما ال يوجد إال فيها ،ولكنكم
[تقييد العلم ص ]137 جهال ال تعرفون النفيس من اخلسيس.
236
الكتب والكتابة
استعار رجل من أيب حامد أمحد بن أيب طاهر اإلسفرائيني الفقيه كتا ًبا،
فرآه أبو حامد يو ًما وقد أخذ عليه عن ًبا ،ثم إن الرجل سأله بعد ذلك أن يعريه
كتا ًبا ،فقال تأتيني إىل املنزل ،فأتاه فأخرج الكتاب إليه يف طبق وناوله إياه،
فاستنكر الرجل ذلك وقال :ما هذا؟ فقال له أبو حامد :هذا الكتاب الذي
طلبته ،وهذا طبق تضع عليه ما تأكله .فعلم بذلك ما كان من ذنبه.
[تقييد العلم ص]149
237
الر�سوخ يف العلم
الرسوخ في العلم
ُذ ِكر عند عمر بن اخلطاب Iأبو بكر Iفبكى ،وقالَ :و ِد ْد ُت
أن عميل ك َّله ُ
مثل عمله يو ًما واحدً ا من أيامه ،وليلة واحدة من لياليه ،أما
النبي Hإِىل الغار ،فلام انتهيا إليه قال :واهلل
ليلتُه فالليل ُة التي سار مع ِّ
فكسحه،ال تدخله حتى أدخله قبلك ،فإن كان فيه يشء أصابني دونك ،فدخل َ
فش َّق إزاره وسدَّ ها به ،فبقي منها اثنان فألقمهام ِر ْجليه،
فوجد يف جانبه ُث َق ًبا َ
ثم قال لرسول اهلل :Hادخل ،فدخل النبي Hووضع رأسه
ِ
يتحر ْك خماف َة أن ينتبه يف حجره ونام ،ف ُلد َغ أبو بكر يف ِر ْجله من ا ُ
جلحر ،ومل َّ
النبي ،Hفقال :ما لك النبي ،Hفسقطت دموعه عىل وجه ِّ ُّ
يا أبا بكر؟ قالُ :ل ِد ُ ِ
النبي ،Hفذهب غت فداك َأيب و ُأ ِّمي ،فتفل عليه ُّ
النبي
ُّ ما جيده ،ثم انتقض عليه ،وكان سبب موته .وأما يو ُمه فلام ُقبض
Hارتدت العرب ،وقالوا :ال ن َُؤ ِّدي زكاة ،فقال :لو منعوين ِعقالاً
وار ُف ْق هبم ،فقال رسول اهللَ ،تأ َّل ِ
ِ فقلت :يا خليف َة
الناس َْ ف ُ جلاهدتهُ م عليه،
وتم الدِّ ي ُن،
الوحي َّ
ُ أج َّبار يف اجلاهلية َ
وخ َّوار يف اإلسالم؟ إنه قد انقطع يلَ :
[جامع األصول ]605/8 أينْ ُق ُ
ص وأنا َح ّي؟».
238
الر�سوخ يف العلم
املؤمنني ،ما يبكيك؟ فواهلل إن هذا ملن مواطن الشكر ،قال عمر :إن هذا واهلل
ما ُأ ْعطِ َي ُه قو ٌم يو ًما إال ُألقي بينهم العداوة والبغضاء.
[الزهد أليب داود ص]81
239
الر�سوخ يف العلم
وأكل منها ثامنية ،وبقى له سبعة أكلها صاحب الدراهم وأكل لك واحدة من
تسعة ،فلك واحد بواحدك ،وله سبعة ،فقال الرجل رضيت اآلن.
[تاريخ اخللفاء ص]139
غاب عن امرأة زوجها ،ثم جاء وهي حامل ،فرفعها إىل عمر فأمر
برمجها ،فقال معاذ :إن يكن لك عليها سبيل فال سبيل لك عىل ما يف بطنها،
فقال عمر :احبسوها حتى تضع ،فوضعت غال ًما له ثنيتان ،فلام رآه أبوه
قال :ابني ابني ،فبلغ ذلك عمر ،فقال :عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ،
[مصنف ابن أيب شيبة ]543 /5 لوال معاذ هلك عمر.
قال حممد بن أيب حاتم الوراق النحوي :قلت أليب عبد اهلل حممد بن
َ
حفظ إسامعيل البخاري :كيف كان بدء أمرك يف طلب احلديث؟ قالُ :أ ِهل ُ
مت
احلديث وأنا يف ال ُكتّاب ،قال :وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال :عرش سنني
الداخيل
ّ أو أقل ،ثم خرجت من الكتاب بعد العرش ،فجعلت أختلف إىل
وغريه ،وقال يو ًما فيام كان يقرأ للناس« :سفيان عن أيب الزبري عن إبراهيم»،
فقلت له :يا أبا فالن إن أبا الزبري مل يروه عن إبراهيم ،فانتهرين ،فقلت له:
ارجع إىل األصل إن كان عندك ،فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال يل :كيف
هو يا غالم؟ قلت :هو الزبري بن عدي بن إبراهيم ،فأخذ القلم مني وأحكم
كتابه ،فقال :صدقت ،فقال له بعض أصحابه :ابن كم كنت إذ رددت عليه؟
240
الر�سوخ يف العلم
قال أبو بكر ابن زنجويه :قدمت مرص ،فأتيت أمحد بن صالح فسألني:
من أين أنت؟ قلت :من بغداد ،قال :أين منزلك من منزل أمحد بن حنبل؟
قلت :أنا من أصحابه ،فقال :تكتب يل موضع منزلك؛ فإين أريد أن أوايف
العراق حتى جتمع بيني وبني أمحد بن حنبل ،فكتبت له ،فواىف أمحد بن صالح
سنة اثنتي عرشة إىل عفان ،فسأل عني فلقيني ،فقال :املوعد الذي بيني وبينك،
فذهبت به إىل أمحد بن حنبل ،فاستأذنت له فقلت :أمحد بن صالح بالباب،
وقربه وقال له :بلغني عنك أنك مجعت حديث
ورحب به َّ
فأذن له فقام إليه َّ
الزهري فتعال حتى نتذاكر ما روى الزهري عن أصحاب النبي ،H
فجعال يتذاكران ال ُي ْغ ِرب أحدمها عىل اآلخر حتى فرغا ،وما رأيت أحسن
من مذاكرهتام ،ثم قال أمحد بن حنبل ألمحد بن صالح :تعال حتى نتذاكر
ما روى الزهري عن أوالد أصحاب النبي ،Hفجعال يتذاكران
241
الر�سوخ يف العلم
وال يغرب أحدمها عىل اآلخر ،إىل أن قال أمحد بن حنبل ألمحد بن صالح:
عند الزهري عن حممد بن جبري بن مطعم عن عبد الرمحن بن عوف قال:
يسرني أن لي حمُ ْ �� َر النعم وأن لي حلف املطيبني»،
قال النبي « :Hما ُ
فقال أمحد بن صالح ألمحد بن حنبل :أنت األستاذ ،وتذكر مثل هذا؟ فجعل
أمحد يبتسم ويقول :رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح عبد الرمحن بن
إسحاق فقال :من رواه عن عبد الرمحن؟ فقال :حدثناه رجالن ثقتان:
إسامعيل بن علية وبرش بن املفضل ،فقال أمحد بن صالح ألمحد بن حنبل:
عيل ،فقال أمحد :من الكتاب ،فقام فدخل وأخرج
سألتك باهلل إال ما أمليته ّ
الكتاب وأمىل عليه ،فقال أمحد بن صالح ألمحد بن حنبل :لو مل أستفد بالعراق
[طبقات احلنابلة ]49-48/1 كثريا ،ثم و ّدعه وخرج.
إال هذا احلديث كان ً
قال حاشد بن إسامعيل :كان أبو عبد اهلل حممد بن إسامعيل -يعني
البخاري -خيتلف معنا إىل مشايخ البرصة وهو غالم ،فال يكتب حتى أتى عىل
ذلك أيام ،فكنا نقول له :إنك ختتلف معنا وال تكتب ،فام معناك فيام تصنع؟
عيل ما
عيل وأحلحتام فاعرضا ّ
فقال لنا بعد ستة عرش يو ًما :إنكام قد أكثرمتا ّ
كتبتام ،فأخرجنا ما كان عندنا فزاد عىل مخسة عرش ألف حديث ،فقرأها كلها
عن ظهر القلب حتى جعلنا ن ِ
ُحكم كتبنا عىل حفظه ،ثم قال :أترون أين أختلف
هدرا وأضيع أيامى؟! فعرفنا أنه ال يتقدمه أحد .قال :وكان أهل املعرفة من
ً
أهل البرصة َي ْعدُ ون خلفه يف طلب احلديث وهو شاب حتى يغلبوه عىل نفسه،
242
الر�سوخ يف العلم
وجيلسونه يف بعض الطريق ،فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه ،وكان
[تاريخ بغداد ]334/2 أبو عبد اهلل عند ذلك شا ًّبا مل خيرج وجهه.
ذكر ابن حيان أن طاغية الروم وعد القايض أبا بكر الباقالين باالجتامع
معه يف حمفل من حمافل النرصانية ليو ٍم سامه ،فحرض القايض أبو بكر وقد
احتفل املجلس وبولغ يف زينته ،فأدناه امللك وألطف سؤاله ،وأجلسه
عىل كريس دون رسيره بقليل ،وامللك يف أبهّ ته وخاصته ورجال مملكته
عىل مراتبهم ،وجاء البطرك ق ِّيم ديانتهم آخر الناس وحوله أتباعه يتلون
األناجيل ويبخرون بالعود الرطب يف زي حسن ،فلام توسط املجلس قام
امللك ورجاله تعظيماً له ،فقضوا حقه ومسحوا أعطافه ،وأجلسه إىل جنبه،
وأقبل عىل القايض أيب بكر فقال له :يا فقيه :البطرك قيم الديانة وويل النِّحلة،
فسلم القايض عليه أحفل سالم ،وسأله أحفى سؤال ،وقال له :كيف األهل
والولد؟ فعظم قوله هذا عليه وعىل مجيعهم وطبقوا عىل وجوههم ،وأنكروا
قول أيب بكر عليه ،فقال :يا هؤالء ،تستعظمون هلذا اإلنسان اختاذ الصاحبة
والولد وتربأون به عن ذلك وال تستعظمونه لربكم عز وجهه فتضيفون
إليه ذلك؟ سبة هلذا الرأي ما أبني غلطه! فسقط يف أيدهيم ومل يردوا جوا ًبا،
وتداخلتهم له هيبة عظيمة وانكرسوا .ثم قال امللك للبطرك :ما ترى يف أمر
هذا الرجل؟ قال :تقىض حاجته وتالطف صاحبه وخترج هذا العراقي عن
بلدك من يومك إن قدرت ،وإال مل تأمن الفتنة عىل النرصانية منه ،ففعل امللك
243
الر�سوخ يف العلم
قال القايض أمحد بن بديل الكويف :بعث إ َّيل املعتز رسولاً بعد رسول،
طاق فأتيت بابه ،فقال احلاجب :يا شيخ ،نعليك!ٍ فلبست ك ُّمتِي ولبست نعليَ
فلم ألتفت إليه ودخلت الباب الثاين ،فقال احلاجب :نعليك ،فلم ألتفت إليه
فأخلع
َ فدخلت إىل الثالث ،فقال :يا شيخ ،نعليك ،فقلت :أبالواد املقدس أنا
نعيل؟! فدخلت بنعيل فرفع جمليس وجلست عىل مصاله ،فقال :أتعبناك أبا
جعفر ،فقلت :أتعبتني وأذعرتني ،فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال :ما
أيضا؟ أال جئتني؟
أردنا إال اخلري ،أردنا نسمع العلم ،فقلت :وتسمع العلم ً
فإن العلم يؤتى وال يأيت ،قال :نعتب أبا جعفر ،فقلت له :غلبتني بحسن
أدبك ،اكتب ،فأخذ الكاتب القرطاس والدواة ،فقلت له :أتكتب حديث
رسول اهلل Hيف قرطاس بمداد؟ قال :فيم يكتب؟ قلت :يف رق
بحرب ،فجاءوا برق وحرب ،فأخذ الكاتب يريد أن يكتب ،فقلت :اكتب
بخطك ،فأومأ إيل أنه ال يكتب ،فأمليت عليه حديثني أسخن اهلل هبام عينيه!
فسئل :أي حديثني؟ فقال :قلت :قال رسول اهلل « :Hمن اسرتعي
رعية فلم حيطها بالنصيحة حرم اهلل عليه اجلنة» ،والثاين« :ما من أمري عشرة
[تاريخ بغداد ]80/5 إال يؤتى به يوم القيامة مغلو ».
244
الر�سوخ يف العلم
شدّ عبد اهلل املعروف باملحتال صاحب القريوان الفاطمي يف طلب أهل
العلم ليرشقهم ،فطلب الشيخ أبا سعيد ابن أخي هشام وأبا حممد التبان وأبا
القاسم بن شبلون وأبا حممد ابن أيب زيد وأبا احلسن القابيس ،فاجتمعوا يف
مسجد ابن اللجام واتفقوا عىل الفرار ،فقال هلم ابن التبان :أنا أميض إليه
وأكفيكم مؤونة االجتامع ويكون كل واحد منكم يف داره .ويقال إهنم أرادوا
السري إىل عبد اهلل ،فقال هلم :أنا أميض إليه أبيع روحي من اهلل دونكم؛ ألنكم
إن ُأيت عليكم وقع عىل اإلسالم وهن .ويقال إنه قال لعبد اهلل ملا دخل عليه:
جئتك عن قوم إيامهنم مثل اجلبال أقلهم يقينًا أنا .فحدث بعض من حرض
قال :كنت مع عبد اهلل وقد احتفل جملسه بأصحابه وفيهم الداعيان أبو طالب
وأبو عبد اهلل ،لعنهم اهلل ،وقد وجه إىل ابن التبان فإذا به داخل وعيناه تَو َّقدان
كأهنام عينا شجاع ،فدخل وسلم فقال :أبطأت عنا يا أبا حممد ،فقال :يف
شغلك ،كتاب ألفته يف فضائل أهل البيت الساعة أتاين به املجلد ودفعه إيل،
فقال :يا أبا حممد ،ناظر هؤالء الدعاة ،قال :يف ماذا؟ قال :يف فضائل أهل
البيت ،فقال هلام :ما حتفظان يف ذلك؟ فقال له أبو طالب :أنا أحفظ حديثان -
وحلن -ثم سأل اآلخر ،فقال له :وأنا أحفظ حديثان ،فقال :فام ذان احلديثان
اللذان حتفظ أنت؟ فقال له :مها حيفظان حديثان -ونطق بلحنهام -وأنا
أحفظ يف ذلك تسعني حدي ًثا ،فأوىل هبام الرجوع إيل .ثم قال عبد اهلل :يا أبا
حممد ،من أفضل أبو بكر أو عيل؟ قال :ليس هذا موضعه .فقال :ال بد ،فقال:
أبو بكر أفضل من عيل ،فقال عبد اهلل :أيكون أبو بكر أفضل من مخسة
جربيل Sسادسهم؟ فقال أبو حممد :أيكون عيل أفضل من اثنني اهلل
245
الر�سوخ يف العلم
ثالثهام؟ إين أقول لك ما بني الوجهني وأنت تأتيني بأخبار اآلحاد! فضاق
عبد اهلل وقال :فمن أفضل عائشة أو فاطمة؟ فقال له :هذا آخر سؤالك األول،
قال :ال بد ،قال :عائشة Jوسائر أزواج النبي Hأفضل من
فاطمة ،قال :من أين؟ فقال له قال اهلل تعاىل[ :ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦﭧ ﭨ ﭩ] ،فيقال إن بعض الدعاة قال له يف هذه املسألة :أهيام أفضل
امرأة أبوها رسول اهلل Hوأمها خدجية الكربى وزوجها عيل بن أيب
طالب ابن عم رسول اهلل Hوولداها احلسن واحلسني سيدا شباب
أهل اجلنة أو امرأة أمها أم رومان وأبوها عبد اهلل ابن أيب قحافة؟ فقال له
أبو حممد :أهيام أفضل عندك امرأة إذا طلقها زوجها أو مات عنها تزوجها
زوجا أو امرأة إذا مات عنها زوجها أو طلقها مل حتل ألحد؟ فيحكى
عرشون ً
أن أبا عبد اهلل قال له :يا أبا حممد ،أنت شيخ املؤمنني ومن يوثق بك ،ادخل
العهد وخذ البيعة ،فعطف عليه أبو حممد وقال له :شيخ له ستون سنة يعرف
حالل اهلل وحرامه ويرد عىل اثنتني وسبعني فرقة يقال له هذا؟ لو نرشت بني
اثنني ما فارقت مذهب مالك .فلم يعارضه وقال ملن حوله :امضوا معه،
فخرجوا ومعهم سيوف مصلتة ،فمر بجامعة من الناس ممن أحرض ألخذ
الدعوة ،فوقف عليهم فقال :تثبتوا ،ليس بينكم وبني اهلل Dإال اإلسالم،
فإذا فارقتموه هلكتم .فرتك عبد اهلل طلب بقية الشيوخ بعد ذلك املجلس.
[ترتيب املدارك ]255-252 /6
246
تبليــغ العلم
تبليغ العلم
حار شديد
قال أبو ربيعة فهد بن عوف :جئنا إىل محاد بن سلمة يف يوم ٍّ
احلر ،وصلينا معه الظهر ،وكان محاد صاحب ليل ،وظننا أنه صائم فرمحناه
مما به من اجلهد ،وأمجعنا عىل أن ننرصف عنه ال نسأله عن يشء ،فتفرقنا
وبقي من بقي ،فركع بعد الفريضة وخرج من املسجد ،وسار يف الطريق يف
الشمس ،فانربى له غالم حدث ،فسأله عن يشء معه ،فوقف يف الشمس
معه يسائله وحيدثه ،فقال له بعض مشيخة املسجد :يا أبا سلمة ،انرصف
أصحابنا عنك ملا رأوا بك من الضعف ووقفت مع هذا الغالم يف الشمس
حتدثه! قال :رأيت يف هذه الليلة كأين أسقي فسيلة أصب املاء يف أصلها،
[اجلامع ألخالق الراوي ]313/1 فتأولت رؤياي هذا الغالم حني سألني.
قال إسامعيل بن عياش :كان ابن أيب حسني املكي يدنيني ،فقال له
أصحاب احلديث :نراك تقدم هذا الغالم الشامي وتؤثره علينا ،فقال :إين
أؤمله ،فسألوه يو ًما عن حديث حدث به عن شهر« :إذا مجع الطعام أرب ًعا
فقد كمل» ،فذكر ثال ًثا ونيس الرابعة ،فسألني عن ذلك ،فقال يل :كيف
حدثتكم؟ فقلت :حدثتنا عن شهر «أنه إذا مجع الطعام أرب ًعا فقد كمل :إذا
كان أوله حاللاً ،وسمي عليه اهلل حني يوضع ،وكثرت عليه األيدي ،ومحد اهلل
[اجلامع ألخالق الراوي ]312/1 حني يرفع» ،فأقبل عىل القوم فقال :كيف ترون؟
247
تبليــغ العلم
قال إبراهيم بن اجلراح تلميذ القايض أيب يوسف :أتيت أبا يوسف
أعوده فوجدته مغمى عليه ،فلام أفاق قال يل :يا إبراهيم ،أيام أفضل ىف رمي
اجلامر أن يرميها الرجل راجلاً أو راك ًبا؟ فقلت :راجلاً ،فقال :أخطأت،
فقلت :راك ًبا ،فقال يل :أخطأت،ثم قال :أما ما كان يوقف عنده للدعاء
فاألفضل أن يرميه راجلاً ،وأما ما كان ال يوقف عنده فاألفضل أن يرميه
راك ًبا ،ثم قمت من عنده ،فام بلغت باب داره حتى سمعت الرصاخ عليه،
[طبقات احلنفية ]36/1 وإذا هو قد مات.
ملا محل أبو داود السجستاين ابنه إىل أمحد بن صالح ليسمع منه وكان إذ
ذاك أمر َد أنكر أمحد بن صالح عىل أيب داود إحضاره ابنه املجلس ،فقال له
أبو داود :هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى ،فامتحنه بام أردت،
ٍ
حينئذ ومل حيدِّ ث أمرد فسأله عن أشياء أجابه ابن أيب داود عن مجيعها ،فحدَّ ثه
[تاريخ بغداد ]319/5 غريه.
قال حممد بن فراس العطار :كان الوليد بن عتبة يقرأ علينا يف مسجد
باب اجلابية مصنفات الوليد بن مسلم ،وكان رجل جييء وقد فاته ُثلث
املجلسُ ،ربع املجلس أو أقل أو أكثر ،وكان الشيخ يعيده عليه ،فلام كثر ذلك
عىل الوليد بن عتبة منه قال له :يا هذا ،أي يشء بليت بك ،اهلل حممود ،لئن
مل جتئ مع الناس من أول املجلس ال أعدت عليك شي ًئا ،قال :يا أبا العباس،
248
تبليــغ العلم
أنا رجل معيل ،ويل دكان يف بيت هليا ،فإن مل أشرت هلا حوجياهتا من غدوة ثم
أغلق وأجيء أعدو وإال خشيت أن يفوتني معايش ،فقال له الوليد بن عتبة:
ال أراك ههنا مرة أخرى ،فكان الوليد بن عتبة يقرأ علينا املجلس ،ويأخذ
الكتاب ويمر إىل بيت هليا حتى يقرأ عليه املجلس يف دكانه.
[اجلامع ألخالق الراوي ]204-203/1
قال هارون بن عبد اهلل احلامل :جاءين أمحد بن حنبل بالليل ،فدق عيل
الباب ،فقلت :من هذا؟ فقال :أنا أمحد ،فبادرت أن خرجت إليه ،فمساين
ومسيته ،قلت :حاجة يا أبا عبد اهلل؟ قال :نعم ،شغلت اليوم قلبي ،قلت:
بامذا يا أبا عبد اهلل؟ قال :جزت عليك اليوم وأنت قاعد حتدث الناس يف
الفيء والناس يف الشمس بأيدهيم األقالم والدفاتر ،ال تفعل مرة أخرى ،إذا
[اجلامع ألخالق الراوي ]411/1 قعدت فاقعد مع الناس.
أتى رجل األعمش فجعل حيدثه ،فقال الرجل :زدين يف السامع؛ فإين
أصم ،قال :ليس ذاك لك ،فقال :بيني وبينك أول طالع ،فطلع َر َقبة بن مسقلة
فأخرباه القصة ،فقال لألعمش :عليك أن تزيده ،قال :ومل؟ قال :ألنك
تقدر أن تزيد يف صوتك وهو ال يقدر أن يزيد يف سمعه ،فقال األعمش:
[اجلامع ألخالق الراوي ]413/1 صدقت.
249
الفتــــوى
الفتــــوى
قال عمري بن سعيد :سألت علقمة عن مسألة ،فقال :ائت َعبيدة فاسأله،
فأتيت عبيدة فقال :ائت علقمة ،فقلت :علقمة أرسلني إليك ،فقال :ائت
مرسو ًقا فاسأله ،فأتيت مرسو ًقا ،فسألته فقال :ائت علقمة فاسأله ،فقلت:
علقمة أرسلني إىل عبيدة ،وعبيدة أرسلني إليك ،فقال :ائت عبد الرمحن بن
أيب ليىل ،فأتيت عبد الرمحن بن أيب ليىل ،فسألته فكرهه ،ثم رجعت إىل علقمة
فأخربته ،قال :كان يقال :أجرؤ القوم عىل الفتيا أدناهم علماً .
[أخالق العلماء لآلجري ص ]103
قال أبو بكر األثرم :سمعت أمحد وقد عاوده السائل يف عرشة دنانري
ومائة درهم ،فقال أبو عبد اهلل :برأيي أستعفي منها ،وأخربك أن فيها اختال ًفا؛
250
الفتــــوى
فإن من الناس من قال :يزكي كل نوع عىل حدة ،ومنهم من يرى أن جيمع
عيل تقول :فام تقول أنت فيها؟ ما تقول أنت فيها؟ وما عسى أن
وتلح َّ
بينهامُّ ،
أقول فيها وأنا أستعفي منهاٌّ ،
كل قد اجتهد ،فقال له رجل :ال بد أن نعرف
مذهبك يف هذه املسألة حلاجتنا إليها ،فغضب وقال :أي ٍ
يشء بد؟ إذا هاب ُّ
قلت فإنام هو رأي وإنام
الرجل شي ًئا حيمل عىل أن يقول فيه؟ ثم قال :وإن ُ
العلم ما جاء من فوق ،ولعلنا أن نقول القول ثم نرى بعده غريه .ثم ذكر
أبو عبد اهلل حديث عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أنه قيل له :يكتبون
رأيك ،قال :يكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدً ا .قال أبو بكر األثرم :ومل يزل
به السائل حتى جعل جينح لقول من ال يرى اجلمع بينهام ،وكأين رأيت مذهبه
[جامع بيان العلم وفضله ]774/1 أن يزكى كل نوع منهام عىل حدته.
قال أبو إسحاق ابن شا ْقال :ملا جلست يف جامع املنصور رويت عن
أمحد أن رجلاً سأله فقال :إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون ً
فقيها؟
قال :ال ،قال :فامئتي ألف؟ قال :ال ،قال :فثالثامئة ألف؟ قال :ال ،قال:
فأربعامئة ألف حديث؟ قال :فقال بيده هكذا -وحرك يده -فقال يل رجل:
فأنت هو ذا حتفظ هذا املقدار حتى هو ذا تفتي الناس؟ فقلت :عافاك اهلل ،إن
كنت أنا ال أحفظ هذا املقدار فإين هو ذا ُأفتي بقول من كان حيفظ هذا املقدار
[طبقات احلنابلة ]164/2 وأكثر منه.
251
الفتــــوى
قال الليث بن سعد :كنت أسمع بذكر أيب حنيفة فأمتنى أن أراه ،فإين
متقصفني عىل رجل ،فسمعت رجلاً يقول :يا أبا
ّ لبمكة إذ رأيت الناس
أزوجه حنيفة ،فقلت :إنه هو ،فقال :إين ذو ٍ
مال وأنا من خراسان ويل ابن ِّ
املرأة وأنفق عليه املال الكثري فيط ّلقها فيذهب مايل ،وأشرتي له اجلارية
باملال الكثري فيعتقها فيذهب مايل ،فهل من حيلة؟ قال أبو حنيفة :أدخله
زوجها إياه، ِ ٍ
فاشرتها لنفسك ،ثم ّ جارية سوق الرقيق ،فإذا وقعت عينه عىل
فإن ط ّلقها رجعت مملوكة لك ،وإن أعتقها مل جيز عتقه ،قال الليث :فواهلل
ما أعجبني صوابه كام أعجبني رسعة جوابه.
[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص ]37-36
قال عبد اهلل بن مسلمة القعنبي :دخلت عىل مالك بن أنس يف مرضه
الذي مات فيه فسلمت عليه ثم جلست ،فرأيته يبكي فقلت :يا أبا عبد اهلل،
ما الذي يبكيك؟ فقال يل :يا ابن قعنب ،وما يل ال أبكي ومن أحق بالبكاء
مني؟ واهلل لوددت أين رضبت لكل مسألة أفتيت فيها برأيي بسوط سوط،
وقد كانت يل السعة فيام قد سبقت إليه ،وليتني مل أفت بالرأي ،أو كام قال.
[وفيات األعيان ]138/4
قال احلارث بن أسد :ملا أردنا وداع مالك دخلت عليه أنا وابن القاسم
وابن وهب ،فقال له ابن وهب :أوصنا ،فقال :اتق اهلل وانظر عن من تنقل،
وقال البن القاسم :اتق اهلل وانرش ما سمعت ،وقال يل :اتق اهلل وعليك بتالوة
252
الفتــــوى
القرآن .قال احلارث :مل يرين أهلاً للعلم ،وقال حممد بن حارث :رأيت يف
بعض الروايات أنه كان يستفتى فال يفتي ويقول :مل يرين مالك أهلاً للعلم.
[ترتيب املدارك ]322 /3
ذكر األوزاعي اخلردل وكان حي ّبه أو يتداوى به ،فقال رجل من أهل
صفورية :أنا أبعث إليك منه يا أبا عمرو؛ فإنه ينبت عندنا كثري بري ،فبعث
إليه منه برصة وبعث بمسائل ،فبعث األوزاعي باخلردل اىل السوق ،فباعه
فرصها يف رقعته وأجابه يف املسائل ،وكتب إليه :إنه
فلوساَّ ،
ً وأخذ ثمنه
مل حيملني عىل ما صنعت يشء تكرهه ،ولكن كانت معه مسائل فخفت أن
[تاريخ دمشق ]198/35 يكون كهيئة الثمن هلا.
أرسل أسد بن الفرات وهو قاض إىل سحنون وعون وابن رشيد
وموسى الصامدحي ،فسأهلم عن مسألة يف األحكام ،فأجاب فيها ابن رشيد
وعون ،وأبى فيها سحنون عن اجلواب .فلام أخرجوا عذاله يف تركه ،فقال
هلام :منعني أنكام بدرمتا باجلواب فأخطأمتا ،وكرهت أن أخالفكام فندخل
خريا واعرتفا،
فجزياه ً
عليه إخوانًا ونخرج أعداء ،وبني هلام وجه خطأمهاَّ ،
[ترتيب املدارك ]75/4 ورجعا إىل أسد فأخرباه برجوعهام.
253
الفتــــوى
254
الق�ضــــاء
القضـــاء
كان عىل قضاء املدائن سعدُ بن حذيفة بن اليامن ،فك َّلمه اب ُن جعدة بن
نار ،فقال له سعد بن حذيفة :ضع إصبعك ٍ
هبرية يف يشء من احلكم وبني يديه ٌ
هذه يف هذه النار ،قال :سبحان اهلل ،تأمرين أن ُأحرق بعض جسدي؟ قال:
[تاريخ بغداد ]178/10 فأنت تأمرين أن أحرق جسدي كله.
قال أبو يوسف :اجتمعنا عند أيب حنيفة يف يوم مطري يف نفر من أصحابه،
منهم داود الطائي والقاسم بن معن وعافية بن يزيد وحفص بن غياث ووكيع
مسار قلبي
ّ بن اجلراح ومالك بن مغول وزفر ،فأقبل علينا بوجهه وقال :أنتم
وجالء حزين وأرسجت لكم الفقه وأجلمته ،وقد تركت الناس يطؤونَ
أعقابكم ويلتمسون ألفاظكم ،ما منكم واحد إال وهو يصلح للقضاء،
فسألتكم باهلل وبقدر ما وهب اهلل لكم من جاللة العلم ما صنتموه عن ذلك
االستئجار ،وإن ُبيل أحد منكم بالقضاء فعلم من نفسه خربة سرتها اهلل عن
العباد مل جيز قضاؤه ومل يطب له رزقه ،فإن دفعته رضورة إىل الدخول فيه
ّ
وليصل اخلمس يف مسجده وينادي عند كل صالة: فال حيتجبن عن الناس،
من له حاجة؟ فإذا صىل العشاء نادى ثالثة أصوات :من له حاجة؟ ثم دخل
مرضا ال يستطيع اجللوس معه أسقط من رزقه بقدرإىل منزله ،فإن مرض ً
مرضه ،وأيام إما ٍم ّ
غل في ًئا أو جار يف حكم بطلت إمامته ومل جيز حكمه.
[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص]28
255
الق�ضــــاء
استودع رجل رجلاً من أمناء إياس مالاً وخرج املستودع إىل مكة ،فلام
إياسا فأخربه ،فقال له إياس :أ َع ِل َم بك أنك أتيتني؟
رجع طلبه فجحده ،وأتى ً
قال :ال ،قال :فنازعته عند أحد؟ قال :ال ،مل يعلم هبذا أحد ،قال :فانرصف
واكتم أمرك ثم عد إيل بعد يومني .فمىض الرجل ،فدعا إياس أمينه ذلك
وقال :قد اجتمع عندي مال كثري أريد أن أسلمه إليك ،أفحصني منزلك؟
قال :نعم ،قالَ :فأ ِعدّ موض ًعا للامل وقو ًما حيملونه .وعاد الرجل إىل إياس
فقال له[ :قل له ]:إين أخرب القايض .فأتى الرجل صاحبه فقال :مايل وإال
أتيت القايض وشكوت إليه حايل وأخربته بأمري ،فدفع إليه ماله ،فرجع
الرجل إىل إياس فقال :قد أعطاين املال .وجاء األمني إىل إياس لوعده فزبره
[وفيات األعيان ]466/1 وانتهره وقال :ال تقربني ،خائن.
256
الق�ضــــاء
ثم قال :امض إليه الساعة وطالِ ْبه ،فقلت :من يوصلني؟ فقال :امض إىل صايف
فعرفه ما قلت لك،
وصلت ِّ
َ هم ،فإذا ٌ
رسول أنفذتك يف ُم ٍّ احلرمي وقل :إنك
مثلت بني يدي
ُ فجئت فقلت لصايف ذلك ،فأوصلني وكان آخر النهار ،فلام
ف ،فقلت له: متشو ٌ
ِّ أمرا عظيماً قد حدث ،وقال :هيه قل ،كأنه
اخلليفة ظ َّن أن ً
وقوف احلسن بن سهل ،وفيها ما قدَ إين أيل لعبد احلميد قايض أمري املؤمنني
جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إىل
ُ أمري املؤمنني إىل قرصه ،وملا
أدخله ُ
أن أجبي ما عىل أمري املؤمنني ،وأنفذين الساع َة قاصدً ا هبذا السبب ،وأمرين
مفكرا ،ثم قال:
ً هم ألَ ِص َل ،قال :فسكت ساعة أن أقول :إين حرضت يف ُم ٍّ
أصاب عبد احلميد ،يا صايف هات الصندوق ،قال :فأحرضه صندو ًقا لطي ًفا،
فقال :كم جيب لك؟ فقلت :الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات
أرب ُعامئة دينار ،قال :كيف ِح ْذ ُقك بالنقد والوزن؟ قلت :أعرفهام ،قال :هاتوا
ميزانًا ،فجاءوا بميزان حراين حسن عليه حلية ذهب وأخرج من الصندوق
دنانري عينًا ،فوزن منها أربع مائة دينار ،فوزنتها بامليزان وقبضتها وانرصفت
وفرقه يف
إىل أيب خازم باخلرب ،فقال :أضفها إىل ما اجتمع من الوقف عندك ِّ
ففعلت ذلك ،فكثر شكر الناس أليب خازم هبذا
ُ تؤخ ْر ذلك، ٍ
غد يف سبله ،وال ِّ
السبب وإقدامه عىل اخلليفة بمثل ذلك وشكرهم للمعتضد يف إنصافه.
[تاريخ بغداد ]338/12
دع�ا أب�و جعف�ر املنصور اإلم�ام أب�ا حنيفة إىل القض�اء فامتن�ع ،فقال:
أترغب عام نحن فيه؟ فقال :ال أصلح للقضاء ،قال له :كذبت ،قال :قد حكم
257
الق�ضــــاء
علي أمير املؤمنين أين ال أصلح؛ ألن�ه نسبن�ي إىل الكذب ،فإن كن�ت كاذ ًبا
ّ
فال أصلح ،وإن كنت صاد ًقا فقد أخربتك أين ال أصلح ،فحبسه.
[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص ]26
حرض اثنان إىل القايض خري بن نعيم عند أذان املغرب ،فتحاكام يف مجل،
فرصفهام ،وتشاغل بصالة املغرب ،فحرضا إليه يف اليوم الثاين ،فقال أحدمها:
اشرتيت من هذا مجلاً باثني عرش ً
دينارا ،فخرج به عيب واضح فقال :ما أر ّده
إال بحكم حاكم ،فلم حتكم بيننا أمس ،فامت اجلمل باملناخ ،فيكون يف كييس
أبت احلكم بينكام .ووزن له ثمن
أو كيسه؟ فقال خري :بل يف كييس؛ لكوين مل َّ
[رفع اإلرص ص]155 اجلمل.
258
الق�ضــــاء
قال وكيع بن اجلراح :قدمنا عىل هارون أنا وعبد اهلل بن إدريس
وحفص بن غياث ،فأقعدَ نا بني الرسيرين ،فكان أول ما دعا به أنا ،فقال يل
هارون :يا وكيع ،قلت :لبيك يا أمري املؤمنني ،قال :إن أهل بلدك طلبوا مني
ِ
وصالح ما رأيت أن ُأشرْ ِ كَك يف أمانتي
سم ْوا ،وقد ُ
وسم ْوك يل فيمن َّ
قاض ًيا َّ
أدخل فيه من أمر هذه األمة ،فخذ عهدك وامض ،فقلت :يا أمري املؤمنني
أنا شيخ كبري ،وإحدى عيني ذاهبة واألخرى ضعيفة ،فقال هارون :اللهم
كنت
غفرا ،خذ عهدك أهيا الرجل وامض ،فقلت :يا أمري املؤمنني واهلل لئن ُ
ً
صاد ًقا إنه لينبغي أن تقبل مني ،ولئن كنت كاذ ًبا فام ينبغي أن تويل القضاء
فخرجت ودخل ابن إدريس ،وكان هارون قد وسم له
ُ كذا ًبا ،فقال :اخرج،
من ابن إدريس وسم ،يعني خشونة جانبه ،فدخل فسمعنا صوت ركبتيه عىل
األرض حني برك ،وما سمعناه يسلم إال سال ًما خف ًّيا ،فقال له هارون :أتدري
259
الق�ضــــاء
260
الق�ضــــاء
ثم قال يل :رمحتَه ال رمحك اهلل ،يف الدنيا أحد يرحم مثل ذا؟ ثم التفت إىل
فخضبت
َ دخلت إىل سوق ٍ
أسد َ علمت حني
ُ حفص ،فقال له :يا حفص قد
ودخلت احلامم أنك ستيل القضاء ،ال واهلل ال كلمتك حتى متوت،
َ حليتك
[تاريخ بغداد ]69/11 فام كلمه حتى مات.
قال عمر بن اهلياج بن سعيد :أتت امرأة يو ًما رشيكًا القايض وهو
يف جملس احلكم ،فقالت :أنا باهلل ثم بالقايض ،امرأة من ولد جرير بن
إهيا عنك اآلن ،من
عبد اهلل صاحب النبي ،Hور ّددت الكالم ،فقالً :
ٌ
بستان عىل شاطئ الفرات، ظلمك؟ فقالت :األمري موسى بن عيسى ،كان يل
يل فيه نخل ورثته عن آبائي ،وقاسمت إخويت ،وبنيت بيني وبينهم حائ ًطا،
وجعلت فيه فارسيا يف ٍ
بيت حيفظ النخل ويقوم ببستاين ،فاشرتى األمري موسى ُ
ًّ
بن عيسى من إخويت مجي ًعا ،وساومني وأرغبني فلم أبعه ،فلام كان يف هذه
فأصبحت ال أعرف من نخيل
ُ الليلة بعث بخمسامئة فاعل فاقتلعوا احلائط،
شي ًئا ،واختلط بنخل إخويت ،فقال :يا غالم ،طينة ،فختم ،ثم قال هلا :اميض
إىل بابه حتى حيرض معك ،فجاءت املرأة بالطينة فأخذها احلاجب ودخل عىل
موسى ،فقال :أعدى رشيك عليك ،قال :ادع يل صاحب الرشط ،فدعا به،
رأيت أعجب من أمرك ،امرأة
فقال :امض إىل رشيك ،فقل :يا سبحان اهلل ،ما ُ
عيل ،قال :يقول له صاحب الرشط :إن رأى
تصح أعديتَها ّ
ّ ا ّدعت دعوى مل
األمري أن يعفيني فليفعل ،فقال :امض ويلك ،فخرج فأمر غلامنه أن يتقدموا
261
الق�ضــــاء
إىل احلبس بفراش وغريه من آلة احلبس ،فلام جاء فوقف بني يدي رشيك
فأدى الرسالة قال :خذ بيده فضعه يف احلبس ،قال :قد واهلل يا أبا عبد اهلل
مت ما يصلحني إىل احلبس ،وبلغ موسى
عرفت أنك تفعل يب هذا فقدّ ُ
ُ
أي يشءفوجه احلاجب إليه ،فقال :هذا من ذاك رسولّ ،
ابن عيسى اخلربّ ،
عليه؟ فلام وقف بني يديه وأدى الرسالة ،قالِ :
أحلقه بصاحبه ،فحبس ،فلام
صىل األمري العرص بعث إىل إسحاق بن الصباح األشعثي ومجاعة من وجوه
الكوفة من أصدقاء رشيك ،فقال :امضوا إليه فأبلغوه السالم وأعلموه أنه قد
فم َض ْوا وهو جالس يف مسجده بعد العرص
استخف يب وأين لست كالعا ّمةَ ،
ّ
فدخلوا فأبلغوه الرسالة ،فلام انقىض كالمهم قال هلم :ما يل ال أراكم جئتم يف
غريه من الناس ك ّلمتموين؟ َمن ههنا من فتيان ّ
احلي فيأخذ كل واحد منكم
بيد رجل فيذهب به إىل احلبس؟ ال ينم واهلل إال فيه! قالوا :أجا ٌّد أنت؟ قال:
ح ًّقا حتى ال تعودوا برسالة ظامل ،فحبسهم ،وركب موسى بن عيسى يف الليل
إىل باب احلبس ،ففتح الباب وأخرجهم مجي ًعا ،فلام كان الغد وجلس رشيك
السجان فأخربه فدعا بالقمطر فختمها ووجه هبا إىل منزله وقال
ّ للقضاء جاء
لغالمه :أحلقني بثقيل إىل بغداد ،واهلل ما طلبنا هذا األمر منهم ولكن أكرهونا
عليه ،ولقد ضمنوا لنا اإلعزاز فيه إذ تقلدناه هلم ،ومىض نحو قنطرة الكوفة
إىل بغداد ،وبلغ موسى بن عيسى اخلرب فركب يف موكبه فلحقه ،وجعل
يناشده اهلل ويقول :يا أبا عبد اهلل ،تث ّبت ،انظر ،إخوانك حتبسهم دع أعواين؟
ٍ
ببارح أو ولست
ُ قال :نعم ،ألهنم َم َش ْوا لك يف ٍ
أمر مل جيب عليهم امليش فيه،
ُي َر ُّدوا مجي ًعا إىل احلبس ،وإال مضيت إىل أمري املؤمنني فاستعفيته مما ق ّلدين،
262
الق�ضــــاء
السجان
ّ وأمر بر ّدهم مجي ًعا إىل احلبس وهو واهلل واقف يف مكانه حتى جاءه
يدي
فقال :قد رجعوا إىل احلبس ،فقال ألعوانه :خذوا بلجامه ،قودوه بني ّ
مجي ًعا إىل جملس احلكم ،فمروا به بني يديه حتى أدخل املسجد ،وجلس جملس
ِ
خصمك قد القضاء ،ثم قال :اجلويرية املتظلمة ِمن هذا ،فجاءت ،فقال :هذا
حرض وهو جالس معها بني يديه ،فقال :أولئك خيرجون من احلبس قبل كل
يشء ،قال :أما اآلن فنعم ،أخرجوهم ،قال :ما تقول فيام تدّ عيه هذه؟ قال:
صد َق ْت ،قالُ :فر ّد مجيع ما ُأ ِخ َذ منها ،وتبني حائطها يف وقت واحد رسي ًعا
كام هدم ،قال :أفعل ،قال :بقي لك يشء؟ قال :تقول املرأة :بيت الفاريس
لك يشء تدعينه؟ ومتاعه ،قال :يقول موسى بن عيسى :ويرد ذلك ،بقي ِ
قال ابن أخي القايض بكار :قدم عىل عمي رجل من البرصة له علم
وقربه وأدناه ،وذكر أنه كان معه يف املكتب ،فمضت
وزهادة ونسك فأكرمه ّ
به األيام فجاء يف شهادة ومعه شاهدان من شهود مرص ،فأديا عند عمي فام
قبل شهادته ،فقلت لعمي :هذا رجل زاهد وأنت تعرفه ،قال :يا ابن أخي
صغارا وكنا عىل مائدة عليها أرز وفيه حلوى،
ً ما رددت شهادته إال أنه كنا
فنقبت األرز بإصبعي فقال يل :أخرقتها لتغرق أهلها؟ فقلت له :أهتزأ
263
الق�ضــــاء
بكتاب اهلل تعاىل عىل الطعام! ثم أمسكت عن كالمه مدة ،وما أقدر عىل قبوله
[وفيات األعيان ]281/1 وأنا أذكر ذلك منه.
قال أبو القاسم عبيد اهلل بن سليامن :كنت أكتب ملوسى بن بغا ،وكنّا
بالري وقاضيها إذ ذاك أمحد بن بديل الكويف ،فاحتاج موسى أن جيمع ضيع ًة
هناك كان له فيها سهام ويعمرها ،وكان فيها سهم ليتيم ،فرصت إىل أمحد بن
بديل أو فاستحرضت أمحد بن بديل وخاطبته يف أن يبيع علينا حصة اليتيم
ويأخذ الثمن ،فامتنع ،وقال :ما باليتيم حاجة إىل البيع ،وال آمن أن أبيع ماله
وهو مستغن عنه فيحدث عىل املال حادثة فأكون قد ضيعته عليه ،فقلت :إنا
نعطيك يف ثمن حصته ضعف قيمتها ،فقال :ما هذا يل بعذر يف البيع ،والصورة
يف املال إذا كثر مث ُلها إذا ّ
قل ،فأدرته بكل لون وهو يمتنع ،فأضجرين ،فقلت
له :أهيا القايض ،أال تفعل؟ فإنه موسى بن بغا! فقال يل :أعزك اهلل ،إنه اهلل
،Fفاستحييت من اهلل أن أعاوده بعد ذلك وفارقته ،فدخلت عىل
موسى ،فقال :ما عملت يف الضيعة؟ فقصصت عليه احلديث ،فلام سمع
إنه اهلل بكى ،وما زال يكررها ،ثم قال :ال تعرض هلذه الضيعة ،وانظر يف أمر
هذا الشيخ الصالح ،فإن كانت له حاجة فاقضها ،فأحرضته ،وقلت له :إن
األمري قد أعفاك من أمر الضيعة ،وذلك أين رشحت له ما جرى بيننا ،وهو
يعرض عليك قضاء حوائجك ،فدعا له ،وقال :هذا الفعل أحفظ لنعمته
264
الق�ضــــاء
فأطلقت
ُ وما يل حاجة إال إدرار رزقي؛ فإنه تأخر منذ شهور وأرضين ذلك،
[تاريخ بغداد ]80/5 له جار َي ُه.
ملا شاور إبراهيم بن األغلب أمري القريوان العلامء فيمن ييل القضاء
اختلفوا عليهُ ،
فذكر له عيسى بن مسكني ،فقال أمحد بن ناجي :واهلل أهيا
األمري ،صاحبنا عند سحنون مجع اهلل فيه خالل اخلري بأرسها ،فوجه فيه
إىل الساحل فأيت به ويف املجلس محديس وغريه ،فقال له ابراهيم :أتدري مل َ
بعثت إليك؟ فقال :ال ،قال :ألشاورك يف رجل قد مجع خالل اخلري أردت أن
أوليه القضاء وأمل به شعث هذه األمة فامتنع؟ قالِ :
ألزمه أن يلبي ،قال :متنّع، ّ
قال يجُ رب عىل ذلك ،قال :امتنع ،قال :يجُ لد ،قال :قم فأنت هو ،قال :ما أنا
بالذي وصفت ،ومتنع ،فأخذ األمري بمجامع ثيابه وقرب السيف من نحره،
فخوفه ابراهيم وحلف له بغليظ األيامن لئن مل ِ
تل فتقدم إليه عيسى بنحرهّ ،
ألقتلنّك ،فلام رأى منه ما رأى أي :ما ال قدرة له عليه أراد أن يشدد عليه يف
اشرتط ما أحببت ،قال :أستعفيك يف كل شهر ،قال :نعم ،قال: الرشط ،قالِ :
اكتبه ففعل ،قال :وأمحلك وبني عمك وجندك وفقهاء املسلمني وأغنيائهم
أعزي
يف درجة واحدة ،قال :اكتب ففعل ،قال :وال توجه ورائي وال ّ
وال أهنّي وال أشيع وال ألتقي ،فمتى مل ِ
توف يل برشط عزلت نفيس ،قال: ّ
[ترتيب املدارك ]337-334 /4 نعم ،وعرض عليه الصلة ،والكسوة فامتنع.
265
الق�ضــــاء
كتب يوسف بن تاشفني إىل قايض الـمرية حممد بن حييى عرف بابن
البكراء يأمره بفرض املعونة ويرسل إليه هبا ،فامتنع حممد بن حييى من
فرضها ،وكتب إليه خيربه أنه ال جيوز له فرضها ،فجاوبه األمري خيربه بأن
القضاة عنده والفقهاء قد أباحوا له فرضها وأن عمر بن اخلطاب Iقد
فرضها يف زمانه ،فراجعه القايض :احلمد هلل الذي إليه مآبنا وعليه حسابنا،
وبعد فإنه بلغني كتابك تذكر فيه ما كان من تأخري عن املعونة وقبضها
اقتضاها ،فالقضاة I وأن القضاة والفقهاء أفت َْوك بقبضها وأن عمر
صاحب رسول اهلل
َ عمر قد اقتضاها فكان والفقهاء إىل النار دون زبانية؛ ْ
فإن ُ
Hووزيره وضجي َعه يف قربه ،وال شك يف عدله ،وأنت لست مصاح ًبا
لرسول اهلل Hوال وزيره وال ضجي ًعا له يف قربه ،وقد ُيشك يف
عدلك ،وما اقتضاها عمر حتى دخل املسجد بحرضة من كان معه من
درهم يف بيت مال املسلمني ينفقه
ٌ الصحابة Mوحلف أن ليس عنده
عليهم ،فإن كان الفقهاء والقضاة قد أنزلوك كمنزلته يف العدل فاهلل حسيبهم
وسائلهم عىل تق ُّلدهم ذلك فلتدخل املسجد بحرضة َمن هناك من أهل العلم
ٍ
وحينئذ جتب وحتلف أن ليس عندك يف بيت مال املسلمني درهم تنفقه عليهم،
تقويتك ،واهلل تعاىل عىل ذلك كله احلق ،والسالم عليك ورمحة اهلل وبركاته.
أمرا. ِ
فلام بلغ ذلك أبا يعقوب وعظه اهلل بقوله ومل ُيعدْ عليه يف ذلك ً
[املعيار املعرب ]132/11
266
�صيانة العلم
صيانة العلم
بعث عامل من العامل إىل سعيد بن املسيب بخمسة آالف درهم ،فقال
له الرسول :بعث هبذا إليك -أصلحك اهلل -لتنفقها وجتعلها يف حاجتك،
قال :وسعيد جا ٌّد جمدٌّ حياسب غالمه يف نصف درهم يدعيه ِق َبله ،والغالم
يقول :ليس لك عندي يشء ،قال سعيد للرسول :اذهب إىل عملك ،ثم
أيضا ،فقال :اغرب عني ،وأبى أن يأخذها منه ،وكلمه
عرضها عليه الرسول ً
أحب إ َّيل
إنسان يف تركه أن يأخذها ،فقال له ابن املسيب :هذا النصف درهم ُّ
[اجلامع ألخالق الراوي ]361/1 منها.
قدم سليامن بن عبد امللك املدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها،
فصىل بالناس الظهر ثم فتح باب املقصورة واستند إىل املحراب واستقبل
الناس بوجهه ،فنظر إىل صفوان بن سليم عن غري معرفة ،فقال :يا عمر ،من
هذا الرجل؟ ما رأيت سمتًا أحسن منه ،قال :يا أمري املؤمنني ،هذا صفوان بن
كيسا فيه مخسامئة دينار ،فأيت بكيس فيه مخسامئة دينار،
سليم ،قال :يا غالمً ،
فقال خلادمه :ترى هذا الرجل القائم يصيل ،فوصفه للغالم حتى أثبته،
فخرج الغالم بالكيس حتى جلس إىل صفوان ،فلام نظر إليه صفوان ركع
وسجد ثم سلم فأقبل عليه ،فقال :ما حاجتك؟ قال :أمرين أمري املؤمنني
-وهو ذا ينظر إليك -إىل أن أدفع إليك هذا الكيس فيه مخسامئة دينار وهو
يقول :استعن هبذه عىل زمانك وعىل عيالك ،فقال صفوان للغالم :ليس أنا
267
�صيانة العلم
بالذي أرسلت إليه ،فقال له الغالم :ألست صفوان بن سليم؟ قال :بىل ،أنا
صفوان بن سليم ،قال :وإليك أرسلت ،قال :اذهب فاستثبت فإذا استثبت
فهلم ،فقال الغالم :فأمسك الكيس معك وأذهب ،قال :ال ،إن أمسكت
فقد أخذت ،ولكن اذهب فاستثبت وأنا ههنا جالس ،فوىل الغالم ،وأخذ
صفوان نعليه وخرج ،فلم ير هبا حتى خرج سليامن من املدينة.
[حلية األويلاء ]160 /3
268
�صيانة العلم
ملا حج هارون وقدم املدينة بعث إىل مالك بكيس فيه مخسامئة دينار
فلام قىض نسكه وانرصف وقدم املدينة بعث إليه أن أمري املؤمنني حيب
يزامل مالكًا إىل مدينة السالم ،فقال للرسول :قل له إن الكيس بخامته ،قال
رسول اهلل « :Hواملدينة خري هلم لو كانوا يعلمون» ،فرتكه.
[اجلرح واتلعديل ]30 /1
قال أبو عبيد :كنا مع حممد بن احلسن إذ أقبل الرشيد فقام الناس كلهم
إال حممد بن احلسن فإنه مل يقم ،وكان احلسن بن زياد معتل القلب عىل حممد
ابن احلسن ،فقام ودخل ،ودخل الناس من أصحاب اخلليفة ،فأمهل الرشيد
يسريا ثم خرج اإلذن ،فقام حممد بن احلسن فجزع أصحابه له ،فأدخل فأمهل
ً
مرسورا ،قال :قال يل :ما لك مل تقم مع الناس؟ فقلت:
ً ثم خرج طيب النفس
كرهت أن أخرج عن الطبقة التي جعلتني فيها؛ إنك أهلتني للعلم فكرهت
أن أخرج إىل طبقة اخلدمة التي هي خارجة منه ،وإن ابن عمك H
جاء رجل من أصحاب املعتضد إىل إبراهيم احلريب بعرشة آالف درهم
من عند املعتضد يسأله عن أمري املؤمنني أن يفرق ذلك ،فرده ،فانرصف
269
�صيانة العلم
الرسول ثم عاد فقال :إن أمري املؤمنني يسألك أن تفرقه يف جريانك ،فقال:
عافاك اهلل ،هذا مال مل نشغل أنفسنا بجمعه فال نشغلها بتفرقته ،قل ألمري
[طبقات احلنابلة ]88/1 املؤمنني :إن تركتنا وإال حتولنا من جوارك.
قال جعفر بن حييى الربمكي :ما رأينا مثل عيسى بن يونس ،أرسلنا إليه
فاعتل قبل أن يرجع ،فقلنا له :يا أبا عمر ،قد ُأمر لك بعرشة
ّ بالرقة،
فأتانا ّ
آالف ،فقال :هيه ،فقلت :هي مخسون أل ًفا ،فقال يل :ال حاجة يل فيها ،فقلت:
ومل؟ أما واهلل ال هنيتكها ،هي واهلل مائة ألف ،قال :ال واهلل ،ال يتحدث أهل
العلم أين أكلت للسنّة ثمنًا ،أال كان هذا قبل أن ترسلوا إ ّيل؟ فأما عىل احلديث
[املنتظم ]196/9
فواهلل ال رشبة ماء وال ِ
إهليلجة!
بعث األمري خالد بن أمحد الذهيل وايل بخاري إىل حممد بن إسامعيل
البخاري أن امحل إ ّيل كتاب «اجلامع» و«التاريخ» وغريمها ألسمع منك،
فقال حممد بن إسامعيل لرسوله :أنا ال أذل العلم وال أمحله إىل أبواب الناس،
فإن كانت لك إىل يشء منه حاجة فاحرضين يف مسجدي أو يف داري ،فإن
مل يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من املجلس ليكون يل عذر عند اهلل يوم
القيامة ،إين ال أكتم العلم لقول النبي « :Hمن سئل عن علم فكتمه
أجلم بلجام من نار» .وكان سبب الوحشة بينهام هذا.
[تهذيب الكمال ]464/24
270
�صيانة العلم
قال أبو بكر ابن جابر خادم أيب داود السجستاين :كنت مع أيب داود
ببغداد ،فصلينا املغرب إذ ُقرع الباب ،ففتحته فإذا خادم يقول :هذا األمري
أبو أمحد املوفق يستأذن ،فدخلت إىل أيب داود فأخربته بمكانه فأذن له ،فدخل
وقعد ،ثم أقبل عليه أبو داود فقال :ما جاء باألمري يف مثل هذا الوقت؟ فقال:
ٌ
خالل ثالث ،فقال :وما هي؟ قال :تنتقل إىل البرصة فتتخذها وطنًا لريحل
إليك طلبة العلم من أقطار األرض فتعمر بك؛ فإهنا قد خربت وانقطع عنها
الناس ملا جرى من حمنة الزنج ،فقال :هذه واحدة ،هات الثانية ،قال :وتروي
جملسا
ألوالدي كتاب السنن ،فقال :نعم ،هات الثالثة ،قال :وتفرد هلم ً
للرواية؛ فإن أوالد اخللفاء ال يقعدون مع العامة ،فقال :أما هذه فال سبيل
[طبقات احلنابلة ]162/1 إليها؛ ألن الناس رشيفهم ووضيعهم يف العلم سواء.
كان أبو جعفر املنصور قد استخفى عند رجل فأكرمه ،فلام أفضت
اخلالفة إليه قدم عليه ذلك الرجل هينئه ،فأكرمه أبو جعفر ،وقال له :سل
حاجتك ،فقال له :أنت تعلم أين من اهلل يف نعمة ،ما يل حاجة إال أين أشتهي
أن حيدثني األعمش ،فاكتب إليه كتا ًبا ليحدثني ،فكتب له أبو جعفر كتا ًبا
بخطه إىل األعمش يعرفه فيه وجوب حقه عليه ويأمره بأن حيدثه ،فلام مىض
الرجل بالكتاب واىف باب األعمش فد ّقه ،وكان األعمش يكره أن يدق عليه
بابه ،فقال :من ذا؟ ادخل ،فدخل واألعمش يلخف كُس ًبا للشاة فقال له:
ما لك؟ فقال :هذا كتاب أمري املؤمنني إليك ،فقال :هاته فأخذه ثم قال:
271
�صيانة العلم
يا برسة ،فرفعت رأسها ،فجعل يضفرها الكتاب حتى أكلته ،ثم قال :أيش
فيه؟ قال :فيه أن حتدثني ،فقال :ما أحدثك بحرف ،فقال :سبحان اهلل يا أبا
حممد ،يكتب إليك أمري املؤمنني يف يشء فال تفعله ،فقال :واهلل ما أحدثك
[اجلامع ألخالق الراوي ]337/1 وال أحدث قو ًما أنت فيهم.
قال جعفر بن محدويه :كنا بالكوفة عىل باب قبيصة بن عقبة ومعنا
ُد َلف بن أيب ُد َلف بن عبد العزيز ومعه اخلدم ،فأبطأ قبيصة باخلروج ،فدنا
خادم وقال :ابن ملك اجلبل عىل الباب وأنت تبطئ؟ فخرج وعليه إزار ويف
طرفه ِكرس ،فقال :من ريض من الدنيا هبذا أيش يعمل بابن ملك اجلبل ،واهلل
[اجلامع ألخالق الراوي ]336/1 ال حدثته ،ودخل ور َّد الباب.
272
�صيانة العلم
واكتب :أما بعد :وأنت فصبحك اهلل بام صبح به أولياءه وأهل طاعته ،إنا
أدركنا العلامء وهم ال يأتون أحدً ا ،فإن وقعت مسألة فأتنا فسلنا عام بدا لك،
وإن أتيتني فال تأتني إال وحدك ،وال تأتني بخيلك ورجلك ،فال أنصحك
وال أنصح نفيس والسالم ،فبينا أنا عنده جالس إذ دق داق الباب ،فقال:
يا صبية ،اخرجي فانظري من هذا ،قالت :هذا حممد بن سليامن ،قال :قويل
له يدخل وحده ،فدخل فسلم ثم جلس بني يديه ،ثم ابتدأ فقال :ما يل إذا
نظرت إليك امتألت رع ًبا ،فقال محاد :سمعت ثابتًا البناين يقول :سمعت
أنس بن مالك يقول :سمعت رسول اهلل Hيقول« :إن العامل إذا أراد
بعلمه وجه اهلل هابه كل شيء ،وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء»،
فقال :ما تقول يرمحك اهلل يف رجل له ابنان وهو عن أحدمها أرىض ،فأراد
أن جيعل له يف حياته ثلثي ماله ،قال :ال تفعل رمحك اهلل؛ فإين سمعت ثابتًا
H البناين يقول :سمعت أنس بن مالك يقول :سمعت رسول اهلل
يقول« :إن اهلل إذا أراد أن يعذب عبده بامله وفقه عند موته لوصية جائرة»،
قال :فحاجة إليك ،قال :هات ،ما مل تكن رزية يف دين ،قال :أربعني ألف
درهم تأخذها تستعني هبا عىل ما أنت عليه ،قال :ارددها عىل من ظلمته هبا،
قال :واهلل ما أعطيك إال ما ورثته ،قال :ال حاجة يل فيها ،ازوها عني زوى
اهلل عنك أوزارك ،قال :فغري هذا ،قال :هات ،ما مل يكن رزية يف دين ،قال:
تأخذها فتقسمها ،قال :فلعيل إن عدلت يف قسمها أن يقول بعض من مل يرزق
منها :إنه مل يعدل يف قسمها فيأثم ،ازوها عني زوى اهلل عنك أوزارك.
[اجلامع ألخالق الراوي ]363-362/1
273
�صيانة العلم
274
�صيانة العلم
يا أبا أيوب؟ قال :بعثت إ َّيل أن تعال فحدثني ،العامل يأيت أو يؤتى؟ قال:
ال أعود يا أبا أيوب ،قال :ال تعودن ليشء من هذا ،إن أردت احلديث فهذا
[اجلامع ألخالق الراوي ]370/1 جمليس.
أخذ ابن هبرية أبا حنيفة ،فأراده عىل والية القضاء ،فأبى فحبسه ،فقيل
أليب حنيفة :إنه حلف أن ال خيرجك حتى تيل له ،وإنه يريد بناء ،فتول له عد
اللبِن ،فقال :لو سألني أن أعد له أبواب املسجد مل أفعل.
[مناقب اإلمام أيب حنيفة وصاحبيه ص ]25
ملا دخل ربيعة بن أيب عبد الرمحن عىل الوليد بن يزيد وهو خليفة قال:
يا ربيعة ،حدثنا ،قال :ما أحدث شي ًئا .فلام خرج من عنده قال :أال تعجبون
عيل كام يقرتح عىل املغنية :حدثنا يا ربيعة؟.
من هذا الذي يقرتح ّ
[اجلامع ألخالق الراوي ]336/1
أتى اب َن املبارك ابن وايل خراسان ،فسأله أن حيدثه ،فأبى عليه ومل حيدثه،
فلام خرج خرج معه ابن املبارك إىل باب الدار ،فقال له :يا أبا عبد الرمحن،
سألتك أن حتدثني فلم حتدثني ،وخرجت معي إىل باب الدار ،فقال :أما
نفيس فأهنتها لك ،وأما حديث رسول اهلل Hفإين ُأ ِج ُّله عنك.
[اجلامع ألخالق الراوي ]336/1
275
العمل بالعلم
العمل بالعلم
قرأ أبو طلحة األنصاري Lسورة براءة ،فلام أتى عىل هذه اآلية:
ً
شيوخا وشبا ًبا، يستنفرنا D [ﭑ ﭒ ﭓ] قال :أرى ربنا
ني ،فقال بنوه :يرمحك اهلل ،قد غزوت مع رسول اهلل H
أي َب ّ
جهزوين ْ
حتى مات ،ومع أيب بكر Iحتى مات ،ومع عمر ،Iفنحن نغزو
عنك ،فأبى فجهزوه فركب البحر فامت ،فلم جيدوا له جزيرة يدفنونه فيها إال
[الزهد لإلمام أمحد ص]429 بعد سبعة أيام ،فلم يتغري فدفنوه فيها.
276
العمل بالعلم
قال أبو عمرو ابن محدان :كان والدي أبو جعفر يصيل صالة املغرب مع
أيب عثامن يعني سعيد بن إسامعيل ،وربام أقام يف بعض الليايل حتى يصيل معه
فخرجت
ُ خرجت إىل مسجد أيب عثامن،
ُ صالة العشاء اآلخرة ،فإذا أبطأ علينا
ليل ًة من الليايل إىل مسجد أيب عثامن ،فخرج علينا لصالة العشاء اآلخرة
ورجعت مع أيب إىل البيت ،فقلت
ُ وعليه إزار ورداء ،فصىل بنا ثم دخل داره،
أليب :يا أبت ،أبو عثامن قد أحرم؟ فقال :ال ،ولكنه هو ذا يسمع مني املسند
الصحيح الذي خرجته عىل كتاب مسلم ،فإذا سمع ٍ
بسنة مل يكن استعملها َّ
عيل
أحب أن يستعملها يف يومه وليلته ،وإنه سمع يف مجلة ما قرئ ّ
فيام مىض َّ
فأحب أن يستعمل تلك السنة قبل
َّ أن النبي Hصىل يف إزار ورداء،
[اجلامع ألخالق الراوي ]145/1 أن يصبح.
ع�ن عب�د الرمح�ن الطبي�ب ،وهو طبي�ب اإلم�ام أمحد ب�ن حنبل وبرش
فكن�ت أدخل عىل بشر فأقول
ُ احل�ايف ،ق�ال :اعتّل�اّ مجي ًع�ا يف مكان واح�د،
ل�ه :كي�ف جت�دك يا أب�ا نصر؟ ق�ال :فيحم�د اهلل تعاىل ،ث�م خيبرين فيقول:
277
العمل بالعلم
أمح�د اهلل إليك ،أجد كذا وكذا ،وأدخل على أيب عبد اهلل فأقول :كيف جتدك
بشرا ٌ
عليل ،وأسأله ي�ا أب�ا عبد اهلل؟ فيقول :بخري ،فقل�ت له يو ًما :إن أخاك ً
عمن أخذ
بحال�ه فيخبرين ،فيب�دأ بحمد اهلل تعاىل ث�م خيربين ،فقال يل :سل�ه ّ
هذا؟ فقلت له :إين أهابه أن أساله ،فقال :قل له :قال لك أخوك أبو عبد اهلل:
فعرفته ما قال ،فقال يل :أبو عبد اهلل ال يريد
عمن أخذت هذا؟ فدخلت عليه ّ
ّ
الشيء إال باإلسن�اد :أزه�ر عن ابن عون ع�ن ابن سريين :إذا مح�د اهللَ تعاىل
العبدُ قبل الش�كوى مل تكن ش�كوى ،إنام أقول لك :أجد كذا أعرف قدرة اهلل
فمضي�ت إىل أيب عبد اهلل فعرفته ما قال ،فكنت
ُ فخرجت من عنده
ُ تع�اىل ّيف،
بعد ذلك إذا دخلت عليه يقول :أمحد اهلل إليك ،ثم يذكر ما جيد.
[املنتظم ]168 ،167/12
قال قاسم بن إسامعيل بن عيل :كنا بباب برش بن احلارث ،فخرج إلينا
فقلنا :يا أبا نرص ،حدثنا ،فقال :أتؤدون زكاة احلديث؟ قلت له :يا أبا نرص،
وللحديث زكاة؟ قال :نعم ،إذا سمعتم احلديث فام كان يف ذلك من عمل أو
[اجلامع ألخالق الراوي ]143/1 صالة أو تسبيح استعملتموه.
278
�سيا�سة النا�س
سياسة الناس
جيء بتاج كرسى إىل عمر Iفقال :إن قو ًما أدوا هذا ألمناء ،فقال
عيل :Iإن القوم رأوك عففت فعفوا ،ولو رتعت لرتعوا.
ّ
[حمض الصواب ]625 /2
َخ َلل حليته حتى طبخ هلم ،ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ،ثم
خرج وربض بحذائهم كأنه َس ُبع خفت أن أك ّلمه ،فلم يزل كذلك حتى لعب
الصبيان وضحكوا .ثم قام فقال :يا أسلم ،تدري مل ربضت بحذائهم؟ قلت:
279
�سيا�سة النا�س
ال ،قال :رأيتهم يبكون ،فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون،
[تاريخ دمشق ]352/44 فلام ضحكوا طابت نفيس.
قال عمر بن اخلطاب أليب موسى :Lادع يل كاتبك ليقرأ لنا صح ًفا
جاءت من الشام ،فقال أبو موسى :إنه ال يدخل املسجد :قال عمر :أبه
جنابة؟ قال :ال ،ولكنه نرصاين ،فرفع يده ،فرضب فخذه حتى كاد يكرسها
ثم قال :ما لك قاتلك اهلل؟! أما سمعت قول اهلل [ :Dﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ]؟! أال اختذت رجلاً حنيف ًّيا؟ فقال أبو موسى:
له دينه ويل كتابته ،فقال عمر :ال أكرمهم إذ أهاهنم اهلل وال أعزهم إذ أذهلم
280
�سيا�سة النا�س
عن عبد اهلل بن عمر Lقال :اشرتيت إبلاً وارجتعتُها إىل احلمى،
نت قدمت هبا ،فدخل عمر Iالسوق فرأى إبلاً سامنًا ،فقال :ملن فلام ِ
سم ْ
بخ ٍ
بخ، هذه اإلبل؟ فقيل :لعبد اهلل بن عمر ،فجعل يقول :يا عبد اهلل بن عمر! ٍ
اب ُن أمري املؤمنني ،فجئته أسعى ،فقلت :ما لك يا أمري املؤمنني؟ قال :ما هذه
اإلبل؟ قلت :إبل اشرتيتها وبعثت هبا إىل احلمى أبتغي ما يبتغي املسلمون،
قال :يقالْ :ارعوا إبل ابن أمري املؤمنني ،اسقوا إبل ابن أمري املؤمنني ،يا عبد اهلل
ابن عمر ،اغد عىل رأس مالك واجعل باقيه يف بيت مال املسلمني.
[حمض الصواب ]606/2
مرا عىل
خرج عبد اهلل وعبيد اهلل ابنا عمر يف جيش إىل العراق ،فلام قفال ّ
وسهل ،وقال:
أيب موس�ى األش�عري Mوهو أمري البرصة ،فرح�ب هبام ّ
ل�و أق�در لكام عىل أم�ر أنفعكام به لفعلت ،ث�م قال :بىل ،ها هن�ا مال من مال
اهلل ،أريد أن أبعث به إىل أمري املؤمنني وأسلفكام ،فتبتاعان به من متاع العراق
ث�م تبيعانه باملدين�ة ،فتؤ ّديان رأس املال إىل أمري املؤمنين ويكون لكام الربح،
فق�اال :وددن�ا ،ففعل وكت�ب إىل عمر بن اخلط�اب أن يأخذ منهما املال ،فلام
قدم�ا على عمر قالّ :
أكل اجليش أسلف كام أسلفكما ،فقاال :ال ،فقال عمر:
أ ّدي�ا امل�ال وربح�ه .فأما عبد اهلل فسك�ت ،وأما عبيد اهلل فق�ال :ما ينبغي لك
ي�ا أمير املؤمنني لو هلك امل�ال أو نقص لضمنّ�اه ،فقال :أ ّدي�ا املال ،فسكت
عب�د اهلل وراجع�ه عبي�د اهلل ،فق�ال رجل من جلس�اء عمر :يا أمير املؤمنني،
281
�سيا�سة النا�س
ملا ويل احلجاج بن يوسف احلرمني بعد قتل عبد اهلل بن الزبري L
282
�سيا�سة النا�س
283
�سيا�سة النا�س
للخصومة يف أمته ،أما واهلل ال تنجو هناك إال بحجة تضمن لك النجاة ،فأفق
عىل نفسك أو دع ،فقد قال رسول اهلل « :Hكلكم راع وكلكم مسؤول
جالسا وكان متك ًئا ،فقال :كذبت لعمر اهلل
ً عن رعيته» ،فاستوى عبد امللك
و َم ُق ّت ولؤمت يف ما جئت به ،قد ظن بك احلجاج ما مل جيده فيك ،وربام
ظن اخلري بغري أهله ،قم فأنت الكاذب املائن احلاسد ،قال :فقمت واهلل
ما أبرص طري ًقا ،فلام خلفت السرت حلقني الحق من قبله فقال للحاجب:
احبس هذا ،وأدخل أبا حممد احلجاج ،فلبثت مل ًّيا ال أشك أهنام يف أمري ثم
خرج اإلذن ،فقال :قم يا ابن طلحة فادخل ،فلام كشف يل السرت لقيني احلجاج
وأنا داخل وهو خارج فاعتنقني وق َّبل ما بني عيني ثم قال :إذا جزى اهلل
خريا بفضل تواصلهام فجزاك اهلل أفضل ما جزى به ً
أخا ،فواهلل لئن املتآخيني ً
سلمت لك ألرفعن ناظرك وألعلني كعبك وألتبعن الرجال غبار قدميك،
فقلت :هيزأ يب ،فلام وصلت إىل عبد امللك أدناين حتى أجلسني يف جمليس
األول ثم قال :يا ابن طلحة ،لعل أحدً ا من الناس شاركك يف نصيحتك؟
قلت :ال واهلل وال أعلم أحدً ا كان أظهر عندي معرو ًفا وال أوضح يدً ا من
احلجاج ،ولو كنت حماب ًيا أحدً ا بديني لكان هو ولكني آثرت اهلل ورسوله
Hواملسلمني ،فقال :قد علمت أنك آثرت اهلل عزوجل ورسوله،
ولو أردت الدنيا لكان لك يف احلجاج أمل ،وقد أزلت احلجاج عن احلرمني
استصغارا هلام،
ً كرهت من واليته عليهام ،وأعلمته أنك استنزلتني له عنهام
َ ملا
ووليته العراقني ملا هناك من األمور التي ال يرخصها إال مثله ،وأعلمته أنك
استدعيتني إىل التولية له عليهام استزادة له ليلزمه من ذمامك ما يؤدي به عني
284
�سيا�سة النا�س
إليك أجر نصيحتك ،فاخرج معه ،فإنك غري ذام صحبته مع تقريظه إياك
[تاريخ دمشق ]142/7
ِ
ويدك عنده ،فخرجت عىل هذه اجلملة.
285
�سيا�سة النا�س
عبد اهلل بن مالك :إىل كم حتبس هذا الرجل؟ قال :حتى يرد إىل سلمة األمحر
أربع مائة درهم ،فر َّد عىل سلمة أربع مائة ،فجاء سلم ُة إىل رشيك فتشكَّر له،
كل َمن سألك ما َلك أعطيتَه إياه؟!
ضعيفُّ ،
ُ فقال له :يا
[تاريخ بغداد ]188/10
ملا ويل عمر بن عبد العزيز أتت عمة له إىل فاطمة امرأته ،فقالت :إين
أريد كالم أمري املؤمنني ،قالت هلا :اجليس حتى يفرغ ،فجلست فإذا بغالم
رساجا ،فقالت هلا فاطمة :إن كنت تريدينه فاآلن ،إذا كان يف
ً قد أتى فأخذ
حوائج العامة كتب عىل الشمع وإذا صار إىل حاجة نفسه دعا برساجه،
فقامت فدخلت عليه ،فإذا بني يديه أقراص ويشء من ملح وزيت وهو
يتعشى ،فقالت :يا أمري املؤمنني ،أتيت بحاجة يل ثم رأيت أن أبدأ بك قبل
حاجتي ،قال :وما ذاك يا عمة؟ قالت :لو اختذت لك طعا ًما ألني من هذا،
قال :ليس عندي يا عمة ،ولو كان عندي لفعلت ،قالت :يا أمري املؤمنني،
كان عمك عبد امللك جيري عيل كذا وكذا ،ثم كان أخوك الوليد فزادين،
ثم وليت أنت فقطعته عني ،قال :يا عمة ،إن عمي عبد امللك وأخي الوليد
وأخي سليامن كانوا يعطونك من مال املسلمني ،وليس ذاك املال يل فأعطيكه،
ولكني أعطيك مايل إن شئت ،قالت :وما ذاك يا أمري املؤمنني؟ قال :عطائي
مائتا دينار فهي لك ،قالت :وما يبلغ مني عطاؤك؟ قال :فليس أملك غريه
[سرية عمر بن عبد العزيز البن عبد احلكم ]60 فانرصفت عنه.
ْ يا عمة،
286
�سيا�سة النا�س
قال زياد بن أيب زياد :أرسلني ابن عياش بن أيب ربيعة إىل عمر بن عبد
العزيز يف حوائج له فدخلت عليه وعنده كاتب يكتب فقلت :السالم عليكم،
فقال :وعليكم السالم ثم انتبهت فقلت :السالم عليك يا أمري املؤمنني
قلت ،والكاتب يقرأ
ورمحة اهلل فقال :يا ابن زياد ،إنا لسنا ننكر األوىل التي َ
عليه مظامل جاءت من البرصة فقال يل :اجلس فجلست عىل ُأس ُك ّفة الباب
الص َعداء ،فلام فرغ أخرج من كان يف البيت
وهو يقرأ عليه وعمر يتنفس ُّ
حتى وصي ًفا كان فيه ثم قام يميش إيل حتى جلس بني يدي ووضع يديه عىل
استدفأت يف مدرعتك هذه -وعيل مدرعة من
َ ركبتي ثم قال :يا ابن أيب زياد،
صوف -واسرتحت مما نحن فيه! ثم سألني عن صلحاء أهل املدينة رجاهلم
ونسائهم ،فام ترك منهم أحدً ا إال سألني عنه وسألني عن أمور كان أمر هبا
باملدينة فأخربته ،ثم قال :يا ابن أيب زياد ،أما ترى ما وقعت فيه؟ قلت :أبرش يا
خريا ،قال :هيهات هيهات ثم بكى حتى جعلت
أمري املؤمنني إين ألرجو لك ً
خريا ،قال:
بعض ما تصنع؛ فإين أرجو لك ً
أرثي له ،قلت :يا أمري املؤمننيَ ،
ِ
هيهات هيهاتَ ،أشت ُم وال ُأشتَم و َأرضب وال ُأ َ
رضب وأوذي وال أوذى ،ثم
بكى حتى جعلت أرثي له ،فأقمت حتى قىض حوائجي...وكتب إىل موالي
[الزهد لإلمام أمحد ص]242 يسأله أن يبيعني منه ،فأبى وأعتقني.
دخل ناس من احلرورية عىل عمر بن عبد العزيز فذاكروه شي ًئا ،فأشار
إليه بعض جلسائه أن يرعبهم ويتغري عليهم ،فلم يزل عمر يرفق هبم حتى
287
�سيا�سة النا�س
أخذ عليهم ورضوا منه أن يرزقهم ويكسيهم ما بقي ،فخرجوا عىل ذلك ،فلام
خرجوا رضب عمر ركبة رجل يليه من أصحابه فقال :يا فالن ،إذا قدرت
عىل دواء تشفي به صاحبك دون الكي فال تكوينه أبدً ا.
[سرية ومناقب عمر بن عبد العزيز البن اجلوزي ]77-76/1
كان بريد عمر بن عبد العزيز ال يعطيه أحد من الناس إذا خرج كتا ًبا
إال محله ،فخرج بريد من مرص فدفعت إليه فرتونة السوداء موالة ذي أصبح
قصريا وأنه ُيقتحم عليها منه فيرسق دجاجها،
ً كتا ًبا تذكر فيه أن هلا حائ ًطا
فكتب :بسم اهلل الرمحن الرحيم ،من عبد اهلل عمر أمري املؤمنني إىل فرتونة
السوداء موالة ذي أصبح بلغني كتابك وما ذكرت من قرص حائطك وأنه
يدخل عليك منه فيرسق دجاجك ،فقد كتبت لك كتا ًبا إىل أيوب بن رشحبيل
-وكان أيوب عامله عىل صالة مرص وحرهبا -آمره أن يبني لك ذلك حتى
حيصنه لك مما ختافني إن شاء اهلل والسالم .وكتب إىل أيوب بن رشحبيل:
من عبد اهلل عمر أمري املؤمنني إىل ابن رشحبيل أما بعد فإن فرتونة موالة
ذي أصبح كتبت إيل تذكر قرص حائطها وأنه يرسق منه دجاجها وتسأل
حتصينه هلا ،فإذا جاءك كتايب هذا فاركب أنت بنفسك إليه حتى حتصنه هلا،
فلام جاء الكتاب إىل أيوب ركب ببدنه حتى أتى اجليزة يسأل عن فرتونة حتى
وقع عليها ،وإذا هي سوداء مسكينة ،فأعلمها بام كتب به أمري املؤمنني فيها
288
�سيا�سة النا�س
289
�سيا�سة النا�س
قال حييى الغساين :ملا والين عمر بن عبد العزيز Vاملوصل قدمتها،
فكتبت إىل عمر أعلمه حال البلد، ُ فوجدهتا من أكرب البالد رس ًقا ونق ًبا،
وأسأله آخذ من الناس باملظِنّة وأرضهبم عىل التهمة ،أو آخذهم بالب ّينة وما
جرت عليه عادة الناس؟ فكتب إ ّيل أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه
احلق فال أصلحهم اهلل ،قال حييى :ففعلت ذلك فام
صلحهم ّ السنّة ،فإن مل ي ِ
ُ
خرجت من املوصل حتى كانت من أصلح البالد وأقله رس ًقا ونق ًبا.
[حلية األويلاء ]271/5
بالر َبض
كان اإلمام قرعوس بن محيد الثقفي ممن اهتم بالتهيج والقيام َّ
عىل السلطان – أي :احلكم بن هشام ،-فسيق فيمن سيق مل َّب ًبا ووقف به حتت
النطع ،وكلمه فتى عىل لسان األمري ،وقال له :مثلك من أهل الديانة واألمانة
أمر كم كان هيتك من الستور ويستحل
يف العلم يتابع السفلة؟ فلو نفذ هلم ٌ
من الفروج إىل أن يقوم إمام يريح الناس ،فقال :معاذ اهلل أن أفعل وأن أقع
290
�سيا�سة النا�س
يف مثل هذا بيد أو لسان ،فقد سمعت مالكًا والثوري يقوالن :سلطان جائر
سبعني سنة خري من أمة سائبة ساعة من هنار .فقال له احلكَم :أنت سمعت
291
التوا�صي باحلق
التواصي باحلق
292
التوا�صي باحلق
293
التوا�صي باحلق
قال أمحد بن سعيد الرباطي :قدمت عىل أمحد بن حنبل فجعل ال يرفع
رأسه إيل ،فقلت :يا أبا عبد اهلل ،إنه يكتب عنى بخراسان ،وإن عاملتني هبذه
املعاملة رموا بحديثي ،فقال يل :يا أمحد ،هل بد يوم القيامة من أن يقال :أين
عبد اهلل بن طاهر وأتباعه؟ انظر أين تكون أنت منه؟ قال :قلت يا أبا عبد
اهلل ،إنام والين أمر الرباط ،لذلك دخلت فيه ،قال :فجعل يكرر عيل :يا أمحد،
هل بد يوم القيامة من أن يقال :أين عبد اهلل بن طاهر وأتباعه؟ فانظر أين
قال حممد بن أيب عتاب األعني :أتيت آدم العسقالين فقلت له :عبد اهلل
ابن صالح كاتب الليث بن سعد يقرئك السالم ،قال :ال تقرئه مني السالم،
فقلت له :مل؟ قال :ألنه قال :القرآن خملوق ،فأخربته بعذره وأنه أظهر الندامة
وأخرب الناس بالرجوع ،فقال :أقرئه مني السالم ،فقلت له بعد :إين أريد
أن أخرج إىل بغداد فلك حاجة؟ قال :نعم ،إذا أتيت بغداد فائت أمحد بن
حنبل ،فأقرئه مني السالم ،وقل له :يا هذا ،اتق اهلل ،وتقرب إىل اهلل بام أنت
فيه ،وال يستفزنك أحد؛ فإنك إن شاء اهلل مرشف عىل اجلنة ،وقل له :حدثنا
الليث بن سعد حدثنا حممد بن عجالن عن أيب الزناد عن األعرج عن أيب
هريرة Iقال :قال رسول اهلل « :Hمن أرادكم على معصية اهلل
فال تطيعوه» ،فأتيت أمحد بن حنبل يف السجن ،فدخلت عليه فسلمت عليه
294
التوا�صي باحلق
وأقرأته السالم ،وقلت له هذا الكالم واحلديث ،فأطرق أمحد إطراقة ثم رفع
رأسه فقال :رمحه اهلل ح ًّيا وميتًا ،فلقد أحسن يف النصيحة.
[طبقات احلنابلة ]331/1
كتب عمر بن عبد العزيز إىل سامل بن عبد اهلل بن عمر :أما بعد ،فإن اهلل
Dابتالين بام ابتالين به من هذا األمر عن غري مشورة وال طلب له ،ولكن
ِ
فاسأل اهلل الذي ابتالين بام ابتالين أن يعينني عليه ،فإذا كان ما قدر اهلل ،D
جاءك كتايب هذا فابعث إ ّيل بكتب عمر بن اخلطاب وقضائه وسريته يف أهل
الذمة؛ فإين متّبع أثره وسائر بسريته إن أعانني اهلل عىل ذلك والسالم ،فكتب
إليه سامل :جاءين كتابك تذكر أن اهلل Dابتالك بام ابتالك به من هذا األمر
من غري طلب وال مشورة كان منك ،ولكن ما كان قدر اهلل أن يبتليك ،فأسأل
اهلل الذي ابتالك بام ابتالك به أن يعينك عليه؛ فإنك لست يف زمان عمر وليس
نويت احلق وأردتَه أعانك اهلل عليه وأتاح لك عاملاً
َ عندك رجال عمر ،فإن
وأتاك هبم من حيث ال حتتسب؛ فإن عون اهلل عىل قدر النية ،فمن متت نيته
تم عون اهلل له ،ومن قرصت نيته قرص من العون بقدر ما قرص منه،
يف اخلري ّ
[الزهد لإلمام أمحد ص]245-244 والسالم.
قال فضيل بن عياض :ملا دخل عيل هارون أمري املؤمنني ،قلت :يا
وجها
ً أمرا عظيماً ،أما إين ما رأيت أحدً ا أحسن
حسن الوجه! لقد كلفت ً
منك ،فإن قدرت أن ال تسود هذا الوجه بلفحة من النار فافعل .قال :عظني.
295
التوا�صي باحلق
قلت :بامذا أعظك؟ هذا كتاب اهلل بني الدفتني ،انظر ماذا عمل بمن أطاعه
غوصا شديدً ا،
وماذا عمل بمن عصاه ،إين رأيت الناس يغوصون عىل النار ً
ويطلبوهنا طل ًبا حثي ًثا ،أما واهلل ،لو طلبوا اجلنة بمثلها أو أيرس لنالوها .فقال:
عد إيل ،فقلت :لو مل تبعث إيل مل آتك ،وإن انتفعت بام سمعت عدت إليك.
[سري أعالم انلبالء ]436/8
قال أبو جعفر األنباري :ملا حمُ ل أمحد إىل املأمون أخربت فعربت
الفرات ،فإذا هو جالس يف اخلان فسلمت عليه ،فقال :يا أبا جعفر ،تعنيت،
فقلت :يا هذا ،أنت اليوم رأس ،والناس يقتدون بك ،فواهلل لئن أجبت إىل
خلق القرآن ليجيب ّن خلق ،وإن أنت مل جتب ليمتنع ّن خلق من الناس كثري،
ومع هذا فإن الرجل إن مل يقتلك فإنك متوت ،ال بدّ من املوت ،فاتق اهلل
وال جتب ،فجعل أمحد يبكي ،ويقول :ما شاء اهلل ،ثم قال :يا أبا جعفر ،أعد
[سري أعالم انلبالء ]238/11 عيل ،فأعدت عليه وهو يقول :ما شاء اهلل.
ّ
قال صالح بن اإلمام أمحد :حمُ ِل أيب وحممد بن نوح من بغداد مق َّيدَ ْي ِن،
فرصنا معهام إىل األنبار ،فسأل أبو بكر األحول أيب :يا أبا عبد اهلل ،إن ُع ِر ْض َت
عىل السيف جتيب؟ قال :ال ،ثم ُسيرِّ ا ،فسمعت أيب يقول :رصنا إىل الرحبة،
ورحلنا منها يف جوف الليل ،فعرض لنا رجل فقال :أيكم أمحد بن حنبل؟
فقيل له :هذا ،فقال للجامل :عىل رسلك ،ثم قال :يا هذا ،ما عليك أن تقتل
ههنا ،وتدخل اجلنة! ثم قال :أستودعك اهلل ،ومىض ،فسألت عنه ،فقيل يل:
296
التوا�صي باحلق
هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر يف البادية ،يقال له :جابر بن
[سري أعالم انلبالء ]241/11 عامر ،يذكر بخري.
297
احل�سبـــة
احلسبـــة
قال أبو سعيد اخلدري :Iخرجت مع مروان وهو أمري املدينة يف
رب بناه كثري بن الصلت ،فإذا مروان
أضحى أو الفطر ،فلام أتينا املصىل إذا من ٌ
فجبذت بثوبه ،فجبذين فارتفع فخطب قبل
ُ يريد أن يرقاه قبل أن يصيل،
الصالة ،فقلت له :غيرَّ تم واهلل! فقال :أبا سعيد قد ذهب ما تعلم ،فقلت:
ما أعلم واهلل خري مما ال أعلم ،فقال :إن الناس مل يكونوا جيلسون لنا بعد
[صحيح ابلخاري ]226/1 الصالة ،فجعلتها قبل الصالة.
دخل جامع املحاريب عىل احلجاج ،فجعل احلجاج يشكو سوء طاعة
أهل العراق وقبح مذهبهم ،فقال له جامع :أما إنه لو أحبوك ألطاعوك ،عىل
298
احل�سبـــة
أهنم ما شنئوك لنسبك وال لبلدك وال لذات نفسك ،فدع عنك ما يبعدهم
منك إىل ما يقرهبم إليك ،والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك،
وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك .قال احلجاج :ما أرى أن
أرد بني اللكيعة إىل طاعتي إال بالسيف ،قال :أهيا األمري ،إن السيف إذا القى
السيف ذهب اخليار ،قال احلجاج :اخليار يومئذ هلل ،قال :أجل ،ولكنك
ال تدري ملن جيعله اهلل ،فغضب وقال :يا هناه ،إنك من حمارب ،فقال جامع:
إذا ما القنا أمسى من الطعن أمحرا سينا وك��ن��ا حماربًا
وللحرب مُ ّ
فقال احلجاج :واهلل لقد مهمت بأن أخلع لسانك فأرضب به وجهك .قال
فغضب األمري
ُ جامع :إن صدَ قناك أغضبناك ،وإن غششناك أغضبنا اهلل،
[العقد الفريد ]53/ 2 أهون علينا من غضب اهلل ،قال :أجل ،وسكت.
قال عبد الرمحن بن زياد بن أنعم اإلفريقي :كنت أطلب العلم مع أيب
جعفر املنصور قبل اخلالفة ،فأدخلني منزله ،فقدم إيل طعا ًما ال حلم فيه ثم
قال :يا جارية ،عندك حلواء؟ قالت :ال ،قال :وال التمر؟ قالت :ال ،فاستلقى
وقرأ[ :ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ] [األعراف ]129:فلام ويل اخلالفة
وفدت إليه ،فقال :كيف سلطاين من سلطان بني أمية؟ قلت :ما رأيت يف
سلطاهنم من اجلور شي ًئا إال رأيته يف سلطانك ،فقال :إنا ال نجد األعوان،
قلت :قال عمر بن عبد العزيز :إن السلطان بمنزلة السوق جيلب إليها ما
فاجرا أتوه بفجورهم ،فأطرق.
ينفق فيها ،فإن كان ًّبرا أتوه بربهم ،وإن كان ً
[تاريخ اخللفاء ]99/1
299
احل�سبـــة
قال سفيان الثوري :أدخلت عىل املهدي بمنى ،فسلمت عليه باإلمرة،
فقال :أهيا الرجل ،طلبناك فأعجزتنا ،فاحلمد هلل الذي جاء بك ،فارفع إلينا
وجورا ،فاتق اهلل وليكن منك يف ذلك
ً حاجتك ،فقلت :قد مألت األرض ظلماً
عربة ،فطأطأ رأسه ،ثم قال :أرأيت إن مل أستطع دفعه؟ قلت :ختليه وغريك،
فطأطأ رأسه ثم قال :ارفع إلينا حاجتك ،قلت :أبناء املهاجرين واألنصار
ومن تبعهم بإحسان بالباب ،فاتق اهلل وأوصل إليهم حقوقهم ،فطأطأ رأسه،
فقال :أهيا الرجل! ارفع إلينا حاجتك ،قلت :وما أرفع؟ حدثني إسامعيل بن
مها،
أنفقت؟ قال :بضعة عرش در ً
َ حج عمر ،فقال خلازنه :كم
أيب خالد قالّ :
[سري أعالم انلبالء ]264/7 أمورا ال تطيقها اجلبال.
وإين أرى ههنا ً
قال صالح بن بشري املري :دخلت عىل املهدي بالرصافة ،فلام مثلت
بني يديه قلت :يا أمري املؤمنني ،امحل هلل ما أكلمك به اليوم؛ فإن أوىل الناس
300
احل�سبـــة
باهلل أمحلهم لغلظة النصيحة فيه ،وجدير بمن له قرابة برسول اهلل H
أن يرث أخالقه ويأتم هبديه ،وقد ورثك اهلل من فهم العلم وإنارة احلجة
مريا ًثا قطع به عذرك ،فمهام ادعيت من حجة أو ركبت من شبهة مل يصح
لك فيهام برهان من اهلل حل بك من سخط اهلل بقدر ما جتاهلته من العلم أو
أقدمت عليه من شبهة الباطل ،واعلم أن رسول اهلل Hخصم من
خالف يف أمته يبتزها أحكامها ،ومن كان حممد Hخصمه كان اهلل
حججا تضمن
ً خصمه ،فأعدّ ملخاصمة اهلل وخماصمة رسول اهلل H
لك النجاة أو استسلم للهلكة ،واعلم أن أبطأ الرصعى هنض ًة رصيع هوى،
آخ ُذهم بكتاب اهلل وسنة نبيه ،H
وأن أثبت الناس قد ًما يوم القيامة َ
فمثلك ال يكابر بتجديد املعصية ،ولكن متثل له اإلساءة إحسانًا ويشهد له
عليها خونة العلامء ،وهبذه احلبالة تصيدت الدنيا نظراءك ،فأحسن احلمل
فقد أحسنت إليك األداء ،فبكى املهدي ثم أمر له بيشء فلم يقبله.
[وفيات األعيان ]495/2
وقدمت،
ُ عيل
ق�ال األوزاع�ي :بعث عبد اهلل بن عيل إ َّيل ،فاش�تدّ ذل�ك ّ
فدخل�ت والن�اس ِسامط�ان – َص ّفان -فقال :م�ا تقول يف خمرجن�ا وما نحن
ُ
في�ه؟ قل�ت :أصل�ح اهلل األمري ،قد كان بين�ي وبني داود بن علي مودة ،قال:
لتخبرين ،فتفك�رت ،ثم قل�ت :ألصدقن�ه ،واستبسلت للم�وت ،ثم رويت
قضي�ب ينكت ب�ه ،ثم قال:
ٌ ل�ه ع�ن حييى بن سعي�د حديث األعمال ،وبيده
ي�ا عب�د الرمحن! م�ا تقول يف قت�ل أهل هذا البي�ت؟ قلت :حدثن�ي حممد بن
301
احل�سبـــة
قت���ل املس���لم إال يف ثالث »...احلديث ،فقال :أخبرين عن اخلالفة ،وصية لنا من
رس�ول اهلل H؟ فقل�ت :ل�و كانت وصية م�ن رسول اهلل H
م�ا ترك علي Iأحدً ا يتقدمه ،ق�ال :فام تقول يف أموال بن�ي أمية؟ قلت:
إن كان�ت هلم حاللاً فهي عليك ح�رام ،وإن كانت عليهم حرا ًما فهي عليك
[سري أعالم انلبالء ]124/7 أحرم ،فأمرين ،فأخرجت.
علمت
َ رتا ،فقال :أما
مر املهلب بن أيب صفرة عىل مالك بن دينار متبخ ً ّ
ني؟ فقال امله َّلب :أما تعرفني؟ قال :بىل، الص َّف ِ ِ
أهنا مشي ٌة يكرهها اهلل إال بني َّ
حتمل ال َع ِذرة،
أولك نطفة م ِذرة وآخرك جيف ٌة َق ِذرة وأنت فيام بني ذلك ِ
َ ّ
[سري أعالم انلبالء ]362/5 حق املعرفة. فانكرس ،وقال :اآلن عرفتني َّ
قال القايض ابن أيب يعىل :ويف سنة أربع وستني وأربعامئة اجتمع الرشيف
أبو جعفر ومعه احلنابلة يف جامع القرص وأدخلوا معهم أبا إسحاق الشريازي
وأصحابه وطلبوا من الدولة قلع املواخري وتتبع املفسدين واملفسدات ومن
يبيع النبيذ وضرَ ْ ب دراهم تقع هبا املعاملة عوض القراضة ،فتقدم اخلليفة
املفسدات وكُبِ َست الدور وأريقت األنبذة ووعدوا بقلع
ُ بذلك ،فهرب
املواخري ومكاتبة عضد الدولة برفعها والتقدم برضب الدراهم التي يتعامل
هبا ،فلم يقنع الرشيف وال أبو إسحاق هبذا الوعد ،وبقي الرشيف مدة طويلة
302
احل�سبـــة
مهاجرا هلم .وحكى أبو املعايل صالح بن شافع عمن حدثه أن الرشيف
ً متعت ًبا
رأى حممدً ا وكيل اخلليفة حني غرقت بغداد سنة ست وستني وجرى عىل دار
وهم يف غاية التخبط ،فقال الرشيف أبو جعفر :يا حممد،
اخلالفة العجائب ُ
فقال له :لبيك يا سيدنا ،فقال له :قل له :كتبنا وكتبتم ،وجاء جوابنا قبل
جوابكم ،يشري إىل قول اخلليفة :سنكاتب يف رفع املواخري ،ويريد بجوابه:
[طبقات احلنابلة مع اذليل ]18/3 الغرق وما جرى فيه.
بمرأى ومسمع ،فليتق اهلل أمري املؤمنني وليسع باملفاداة فيهم وليخرج من
حجة اهلل عليه؛ فإن اهلل قال لنبيه[ :ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ
ﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ] ،واهلل يا أمري املؤمنني ما هلم
303
احل�سبـــة
قدم العز بن عبد السالم إىل مرص من دمشق بسبب أن سلطاهنا الصالح
إسامعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف ،فأنكر عليه
الشيخ عز الدين ،وترك الدعاء له يف اخلطبة ،وساعده يف ذلك الشيخ مجال
الدين أبو عمرو بن احلاجب املالكي ،فغضب السلطان منهام ،فخرجا إىل
الديار املرصية ،فأرسل السلطان إىل الشيخ عز الدين وهو يف الطريق قاصدً ا
يتلطف به يف العود إىل دمشق ،فاجتمع به والينه ،وقال له :ما نريد منك
شي ًئا إال أن تنكرس للسلطان ،وتقبل يده ال غري ،فقال الشيخ له :يا مسكني،
واد وأنا يف ٍ
واد! ما أرضاه يقبل يدي فضلاً عن أن أقبل يده! يا قوم ،أنتم يف ٍ
واحلمد هلل الذي عافانا مما ابتالكم ،فلام وصل إىل مرص تلقاه سلطاهنا الصالح
[حسن املحارضة ]161/2 نجم الدين أيوب وأكرمه ،وواله قضاء مرص.
304
احل�سبـــة
اإلمامة يا أمري املؤمنني! فأطرق وقال :ما محلك عىل فعلك؟ قال :شفقة منِّي
ونفسه خملصة
الدن؟ فذكر أنه كان يكرس الدنان ُعليك! قال :كيف َس ِلم هذا ّ
نفسه فارتاب فيها ،فرتكه. خاشعة ،فلام وصل إىل هذا ِّ
الدن أعج َبتْه ُ
[سري أعالم انلبالء ]76/14
استأذن عىل املأمون بعض شيوخ الفقهاء ،فأذن له ،فلام دخل عليه رأى
بني يديه رجلاً هيود ًّيا كات ًبا كانت له عنده منزلة وقربة لقيامه بام يرصفه فيه
ويتواله من خدمته ،فلام رآه الفقيه قال -وقد كان املأمون أومأ إليه باجللوس
:-أتأذن يل يا أمري املؤمنني يف إنشاد بيت حرض قبل أن أجلس ،قال :نعم،
فأنشد:
����������اذب
ُ ي������زع������م ه����������ذا أن����������ه ك إن ال�������ذي ُش����� ّرف�����ت م����ن أجله
وأشار إىل اليهودي ،فخجل املأمون ووجم ثم أمر حاجبه بإخراج اليهودي
مسحو ًبا عىل وجهه وأنفذ عهدً ا با ّطراحه وإبعاده وأال يستعان بأحد من أهل
[بهجة املجالس ]35/1 الذمة يف يشء من أعامله.
305
احل�سبـــة
306
احل�سبـــة
كثريا وختمتني
ً احلجرة الرشيفة ،فأمسكهام وحرض إىل منزهلام ،فرأى فيه مالاً
وكت ًبا يف الرقائق ومل ير فيه شي ًئا غري ذلك ،فأثنى عليهام أهل املدينة بخري
كثري وقالوا :إهنام صائامن الدهر مالزمان الصلوات يف الروضة الرشيفة
وزيارة النبي Hوزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت،
وال ير ّدان سائلاً قط بحيث سدّ ا خلة أهل املدينة يف هذا العام املجدب ،فقال
السلطان :سبحان اهلل! ومل يظهر شي ًئا مما رآه ،وبقي السلطان يطوف يف البيت
حمفورا ينتهي إىل صوب احلجرة
ً حصريا يف البيت فرأى رسدا ًبا
ً بنفسه ،فرفع
الرشيفة فارتاعت الناس لذلك ،وقال السلطان عند ذلك :اصدقاين حالكام،
زي
ورضهبام رض ًبا شديدً ا ،فاعرتفا بأهنام نرصانيان بعثهام النصارى يف ّ
حجاج املغاربة ،وأمالومها بأموال عظيمة وأمرومها بالتحيل يف يشء عظيم
خ ّيلته هلم أنفسهم ،وتومهوا أن يمكنهم اهلل منه وهو الوصول إىل اجلناب
الرشيف ويفعلوا به ما ز ّينه هلم إبليس يف النقل وما يرتتب عليه ،فنزال يف
أقرب رباط إىل احلجرة الرشيفة ،وفعال ما تقدم ،وصارا حيفران ليلاً ،ولكل
منهام حمفظة جلد عىل زي املغاربة ،والذي جيتمع من الرتاب جيعله كل منهام
يف حمفظته وخيرجان إلظهار زيارة البقيع فيلقيانه بني القبور ،وأقاما عىل ذلك
مدة ،فلام قربا من احلجرة الرشيفة أرعدت السامء وأبرقت وحصل رجيف
عظيم بحيث خيل انقالع تلك اجلبال ،فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة،
واتفق إمساكهام واعرتافهام ،فلام اعرتفا وظهر حاهلام عىل يديه ورأى تأهيل
اهلل له لذلك دون غريه بكى بكا ًء شديدً ا وأمر برضب رقاهبام ،فقتال حتت
الشباك الذي ييل احلجرة الرشيفة وهو مما ييل البقيع ،ثم أمر بإحضار رصاص
307
احل�سبـــة
عظيم وحفر خند ًقا عظيماً إىل املاء حول احلجرة الرشيفة كلها ،وأذيب ذلك
رصاصا إىل
ً سورا
الرصاص ومأل به اخلندق ،فصار حول احلجرة الرشيفة ً
املاء ،ثم عاد إىل ملكه وأمر بإضعاف النصارى وأمر أال يستعمل كافر يف
عمل من األعامل ،وأمر مع ذلك بقطع املكوس مجي ًعا.
[وفاء الوفاء ]187-186/2
308
املــــــوت
املـــــوت
ملا رشب عمر Iاللبن فخرج من طعنته قال :اهلل أكرب ،وعنده
لوددت أين
ُ إن من غررمتوه ملغرور، ٌ
رجال يثنون عليه ،فنظر إليهم فقالّ :
طلعت عليه الشمس وما
ْ دخلت فيها ،لو كان يل اليو َم ما
ُ خرجت منها كام
ُ
[املتمنني البن أيب ادلنيا ص]29 الفتديت به من هول املطلع.
ُ غربت
ْ
قال عثامن بن عفان :Iأنا آخركم عهدً ا بعمر ،دخلت عليه ورأسه
يف حجر ابنه عبد اهلل بن عمر ،فقال له :ضع خدي باألرض ،فقال :هل
فخذي واألرض إال سواء؟ قال :ضع خدي باألرض ال أ ّم لك ،يف الثانية أو
309
املــــــوت
الثالثة ،ثم شبك بني رجليه ،فسمعته يقول« :وييل وويل ألمي إن مل يغفر اهلل
[الزهد أليب داود ص]64 يل» حتى فاضت نفسه.
عن ذكوان حاجب عائشة Jأنه جاء عبد اهلل بن عباس يستأذن
فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد اهلل بن عبد الرمحن ،فقلت:
ُ عىل عائشة،
فأكب عليها ابن أخيها عبد اهلل ،فقال :هذا عبد اهلل
ّ هذا ابن عباس يستأذن،
ابن عباس يستأذن وهي متوت ،فقالت :دعني من ابن عباس ،فقال :يا أمتاه،
إن ابن عباس من صاحلي بنيك ،ليسلم عليك ويودعك ،فقالت :ائذن له
أيضا ،فقال :ما
إن شئت ،قال :فأدخلته ،فلام جلس قال :أبرشي ،فقالتً :
بينك وبني أن تلقي حممدً ا Hواألحبة إال أن خترج الروح من اجلسد،
أحب نساء رسول اهلل Hإىل رسول اهلل ،ومل يكن رسول اهلل ِ
كنت
ّ
ِ ْ ِ
وسقطت قالدتُك ليلة األبواء ،فأصبح رسول اهلل H حيب إال طي ًبا،
ّ
حتى يصبح يف املنزل ،وأصبح الناس ليس معهم ماء ،فأنزل اهلل :D
ِ
سببك وما أنزل اهلل Dهلذه األمة [ﭺ ﭻ ﭼ ] ،فكان ذلك يف
من الرخصة ،وأنزل اهلل براءتك من فوق سبع ساموات جاء به الروح األمني،
فأصبح ليس هلل مسجد من مساجد اهلل يذكر فيه اهلل إال يتىل فيه آناء الليل
لوددت أين
ُ وآناء النهار ،فقالت :دعني َ
منك يا ابن عباس ،والذي نفيس بيده
[مسند اإلمام أمحد ]2496 كنت نس ًيا منس ًّيا.
ُ
310
املــــــوت
311
املــــــوت
أصبحت
َ فقلت له :كيف
ُ دخلت عىل الشافعي عند وفاته،
ُ قال املزين:
أصبحت من الدنيا راحلاً وإلخواين مفار ًقا وبكأس
ُ يا أستاذ؟ فقال:
املنية شار ًبا وعىل اهلل وار ًدا ولسوء أعاميل مالق ًيا ،فال أدري نفيس إىل اجلنة
تصري فأهنيها أم إىل النار فأعزهيا ،فقلتِ :ع ْظني ،فقال يل :اتق اهلل ،وم ِّثل
اآلخر َة يف قلبك واجعل املوت نصب عينيك ،وال تنس موقفك بني يدي
اهلل ،وخف من اهلل ،Dواجتنب حمارمه وأ ِّد فرائضه ،وكن مع اهلل حيث
كنت ،وال تستصغرن نِ َعم اهلل عليك وإن ق ّلت ،وقابلها بالشكر ،وليكن
ذكرا ،ونظرك عربة ،اعف عن من ظلمك ،وصل تفكرا ،وكالمك ً
صمتك ً
من قطعك ،وأحسن إىل من أساء إليك ،واصرب عىل النائبات ،واستعذ
باهلل من النار بالتقوى ،فقلت :زدين ،فقال :ليكن الصدق لسانك ،والوفاء
عامدك ،والرمحة ثمرتك ،والشكر طهارتك ،واحلق جتارتك ،والتودد زينتك،
والكياسة فطنتك ،والطاعة معيشتك ،والرضا أمانتك ،والفهم بصريتك،
والرجاء اصطبارك ،واخلوف جلبابك ،والصدقة حرزك ،والزكاة حصنك،
312
املــــــوت
313
املــــــوت
حدثنا أبو عاصم عن عبد احلميد بن جعفر عن صالح ،ومل جياوز .والباقون
الس ْوق :حدثنا بندار قال :حدثنا أبو عاصم
سكتوا ،فقال أبو زرعة وهو يف َّ
قال :حدثنا عبد احلميد بن جعفر عن صالح بن أيب عريب عن كثري بن ُمرة
احلرضمي عن معاذ بن جبل قال :قال رسول اهلل « :Hمن كان آخر
[تاريخ بغداد ]33/12 كالمه ال إله إال اهلل دخل اجلنة» ،وتويف.
عن حييى بن عون ،قال :دخلت مع سحنون عىل ابن القصار وهو
مريض ،فقال :ما هذا القلق؟ قال له :املوت والقدوم عىل اهلل ،قال له
سحنون :ألست مصد ًقا بالرسل والبعث واحلساب واجلنة والنار ،وأن
أفضل هذه األمة أبو بكر ثم عمر ،والقرآن كالم اهلل غري خملوق ،وأن اهلل
يرى يوم القيامة ،وأنه عىل العرش استوى ،وال خترج عىل األئمة بالسيف
وإن جاروا؟ قال :إي واهلل ،فقال :مت إذا شئت ،مت إذا شئت.
[سري أعالم انلبالء ]67/12
قال احلافظ أبو موسى عبد اهلل بن احلافظ عبد الغني املقديس :مرض
مرضا شديدً ا منعه من الكالم والقيام،
والدي يف ربيع األول سنة ستامئة ً
كثريا ما أسأله :ما تشتهي؟ فيقول:
واشتدّ به مدة ستة عرش يو ًما ،وكنت ً
أشتهي اجلنة ،أشتهي رمحة اهلل تعاىل ،ال يزيد عىل ذلك .فلام كان يوم االثنني
حار من احلامم يغسل ٍ
جئت إليه ،وكان عاديت أبعث من يأيت كل يوم بكرة بامء ٍّ
أطرافه ،فلام جئنا باملاء عىل العادة مدّ يده ،فعرفت أنه يريد الوضوء ،فوضأته
314
املــــــوت
وقت صالة الفجر ،ثم قال :يا عبد اهلل ،قم ِّ
فصل بنا وخ ّفف ،فقمت فصليت
جالسا ،فلام انرصف الناس جئت ،فجلست عند رأسه
ً باجلامعة ،وصىل معنا
وقد استقبل القبلة ،فقال يل :اقرأ عند رأيس سورة يس ،فقرأهتا ،فجعل يدعو
اهلل وأنا أؤمن ،فقلت :ههنا دواء قد عملناه ترشبه؟ فقال :يا بني ما بقي إال
املوت ،فقلت :ما تشتهي شي ًئا؟ قال :أشتهي النظر إىل وجه اهلل تعاىل ،فقلت:
راض وعن إخوتك ،وقد أجزت ٍ ٍ
راض؟ قال :بىل واهلل ،أنا عنك ما أنت عني
لك وإلخوتك والبن أختك إبراهيم .وأوصاين أيب عند موته :ال تضيعوا
هذا العلم الذي تعبنا عليه -يعني احلديث -فقلت :ما تويص بيشء؟ قال :ما
عيل يشء ،قلت :توصيني بوصية ،قال :يا بني،
يل عىل أحد يش ٌء وال ألحد ّ
أوصيك بتقوى اهلل واملحافظة عىل طاعته ،فجاء مجاعة يعودونه فسلموا عليه
فر ّد عليهم .وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال :ما هذا احلديث؟ اذكروا
اهلل تعاىل ،قولوا :ال إله إال اهلل ،فقالوها ثم قاموا ،فجعل يذكر اهلل وحيرك
شفتيه بذكره ويشري بعينيه ،فدخل رجل فسلم عليه وقال له :ما تعرفني
يا سيدي؟ فقال :بىل ،فقمت ألناوله كتا ًبا من جانب املسجد فرجعت وقد
[ذيل طبقات احلنابلة ]44-43/3 خرجت روحه.
315
الفهـــــر�س
y
املقدمة5.................................................................
العقــــل7..............................................................
القلـــب16.............................................................
معرفة النفس19.........................................................
خمالطة الناس21.........................................................
امللــ�ذات24............................................................
تربية النفس27..........................................................
علو اهلمة30.............................................................
إصالح املـــال37.......................................................
اإلخـــالص40.........................................................
التع ُّبـــد44.............................................................
الصـــالة49............................................................
القـــرآن52.............................................................
الذكـــر55.............................................................
الدعــــاء57............................................................
خوف اهلل وخشيته64....................................................
اإلنفــــاق69...........................................................
316
الفهـــــر�س
الصـــوم82............................................................
احلــــج84.............................................................
الصبـــر87.............................................................
االبتـــالء91............................................................
العفـــو103............................................................
األخالق احلسنــة110..................................................
بـر الوالدين وصلة الرح�م113..........................................
النســـاء117...........................................................
تربية األوالد129........................................................
الزهد والورع136.......................................................
التوكـــل142..........................................................
مصاحبة األخيـــار147.................................................
حمبة اخلري للناس155....................................................
التواضـــع159.........................................................
االستشــارة161........................................................
االشتغال بام يعني166...................................................
احللم واألنـــاة169.....................................................
اللســـان172..........................................................
الصـــدق174..........................................................
املعايص178............................................................
احلقائق واألوهام182...................................................
317
الفهـــــر�س
البدعــــة187..........................................................
فضل العلم وتعظيم العلماء192.........................................
اإلنصـــاف200........................................................
أدب طلب العلم204....................................................
اجلد يف التعلم208.......................................................
جادة التعلم216.........................................................
لغة العرب222..........................................................
التفقـــه227............................................................
الكتب والكتابة234.....................................................
الرسوخ يف العل�م238...................................................
تبليغ العلم 247.........................................................
الفتــــوى250.........................................................
القضـــاء255..........................................................
صيانة العلم267........................................................
العمل بالعلم276.......................................................
سياسة الناس279.......................................................
التوايص باحلق292......................................................
احلسبـــة298...........................................................
املـــــوت309..........................................................
الفهرس316............................................................
318
مالحظات للقارئ لتدوين الفوائد:
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
319
مالحظات للقارئ لتدوين الفوائد:
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
...............................................................................................
...............................................................................................
..............................................................................................
320