Professional Documents
Culture Documents
املتٌفى :لٍلت السبت ،يف الثاهن أً العاشر هن شير ربٍع اَخر ،سنت 165ىـ
نسبته الشرٌفة
هو سٌد السادات ،وإمام أهل الوالٌات ،السٌد الشرٌف ،الشٌخ القطب ،الفرد
الغوث ،إمام الفرٌقٌن ،وموضح الطرٌقٌن ،سٌد العارفٌن ،وقبلة الوافدٌن :
عبد القادر بن أبً صالح موسى جنكً دوست بن عبد هللا بن ٌحٌى بن محمد بن
داود بن موسى بن عبد هللا بن موسى بن عبد هللا بن الحسن المثنى بن الحسن السبط
وأم سٌدنا بن أمٌر المإمنٌن علً بن أبً طالب -رضً هللا عنهم أجمعٌن، -
الحسن :هً سٌدة نساء العالمٌن فاطمة الزهراء ابنت سٌد المرسلٌن محمد صلى هللا
علٌه وآله وسلم .
1
● ووالدة اإلمام الجٌالنً :هً أم الخٌر فاطمة بنت أبً عبد هللا الصومعً ،لها حظ
من الخٌر والصالح ،ولها قدم فً الزهد واإلصالح .
_ سمع منها كثٌرا تقول ( :كان ولدي عبد القادر ال ٌرضع فً نهار رمضان ) ،
حتى أنهم إذا ش ّكوا فً دخول شهر رمضان أو خروجه ..شاهدوه .
_ وأخوه الشٌخ أبو أحمد ،سنه دون سنه ،وقد نشؤ نشؤة صالحة ،ومات بجٌالن
شابا .
والدته ونشأته
ولِد سٌدنا عبد القادر -رضً هللا عنه -بجٌالن (تقع بعد طبرستان) سنة 4٧٤هـ
أو 4٧1هـ ،وقدم بغداد وهو ابن ثمان عشرة سنة ،أي عام 4٤٤هـ .
_ وهو منسوب إلى جٌل -بكسر الجٌم ، -وٌقال أٌضا جٌالنً ..نسبة إلى جده
جٌالن ،وهو أبو عبد هللا الصومعً ،وهو من صلحاء جٌالن وزهادهم ،وكانت له
أحوال عظٌمة ،وكرامات خارقة ،وكان مُجاب الدعوة ،وكان -الشٌخ عبد القادر
الجٌالنً -به -أي بجدهٌُ -عرف ؛ ألنه –أي الشٌخ عبد القادر -سبطه .
● قال سٌدنا الحبٌب عٌدروس بن عمر الحبشً -رضً هللا عنه: -
( أن من سمى ولده عبد القادر فً الغالب أنه ٌسلم واألمر هلل ) .
● وكان سٌدنا الشٌخ عبد القادر الجٌالنً أدم اللون ،نحٌف البدن ،ربع القامة ،
عرٌض الصدر ،عرٌض اللحٌة ،طوٌلها ،أسمر ،مقرون الحاجبٌن ،له صوت
جهوري .
أمرك ؟ قال :على
َ َ
بنٌت ● وقال محمد بن القابد :قلت للشٌخ عبد القادر :على ما
ُ
كذبت قط . الصدق ،ما
2
وقد تفقه سٌدنا الشٌخ عبد القادر -رحمه هللا -بؤبً الوفا علً بن عقٌل ،وأبً
الخطاب محفوظ بن أحمد ،وأبً الحسٌن محمد بن القاضً أبً ٌعلى ،وأبً سعٌد
المبارك بن علً المخزومً ،مذهبا ً وخالفا ً وفروعا ً وأصوالً .
_ واستمع الحدٌث النبوي من جماعة ،منهم :أبو غالب محمد بن الحسن الباقالنً ،
ومحمد بن عبد الكرٌم ،ومحمد بن علً مٌمون ،وغٌرهم .
_ وقرأ األدب على أبً ٌحٌى زكرٌا بن علً التبرٌزي ،وصحب الشٌخ العارف
باهلل حماد بن مسلم الدباس ،وأخذ عنه علم الطرٌقة ،وتؤ ّدب به .
_ ولقً جماعة من أكابر المشاٌخ ،وتلقى عنهم العلوم الشرعٌة ،والفنون الدٌنٌة ،
ح َكم من ثم أظهره هللا تعالى للخلق ،وأوقع له القبول ،والهٌبة والجالل ،وأظهر ال ِ
قلبه على لسانه ،وعمر مدرسة أستاذه أبً سعٌد المخزومً ،ووسعها جداً ،
وتصدر للتدرٌس بها ،والفتوى والوعظ ،وقصده الطلبة من العلماء والصلحاء .
_ وانتهت إلٌه تربٌة المرٌدٌن بالعراق ،و ُسلّمت إلٌه أَ ِزمّة المعارف ،فؤصبح قطب
الوقت المرجوع إلٌه .
_ وص ّنف كتبا ً مفٌدة ،وأملى فوابد مزٌدة ،وتلمذ له ٌ
خلق كثٌر ،ولبس منه الخرقة
خالبق ال ٌُحصون ،وإلٌه ٌرجع جمهور شٌوخ الٌمن .
أتى سٌدنا الشٌخ عبد القادر إلى أمه ،وقال لها :هبٌنً هلل ؛ ألنً أرٌد المسٌر إلى
بغداد ؛ ألشتغل بالعلم وأزور الصالحٌن ،وهو صغٌراً ،فقالت له :عندي ثمانون
دٌناراً ورث ُتها من أبٌك ،فتر َكت ألخً أربعٌن ،وخٌّطت لً فً ثوبً تحت إبطً
أربعٌن ،وأذِنت لً فً السفر .
وعاهدتنً على الصدق فً كل أحوالً ،فسافرت مع قافلة صغٌرة تطلب بغداد ،
ول ّما تجاوزنا همدان ،وكنا بؤرض فالة ..خرج علٌنا ستون فارسا ً ،فؤخذوا القافلة ،
ولم ٌتعرض لً أحد ،وكلما مر بً واحد منهم ..قال لً ٌ :ا فقٌر ما معك ؟ قلت :
3
أربعٌن دٌناراً ،فقال :وأٌن هً؟ قلت مخٌّطة فً ثوبً تحت إبطً ،وظن أنً
استهزئ به ،فتركنً وانصرف ،فمرّ بً واحد آخر ،فقال لً مثل األول ،فؤجبته
بمثله ،فتركنً وانصرف .
فاجتمعا عند مقدمهم ،فؤخبراه بما سمعاه منً ،فقال علً به ،فؤُتً بً إلٌه ،وإذا
قلت أربعٌن دٌناراً ،قال
هم على تل ٌقتسمون أموال القافلة ،فقال لً :ما معك؟ ُ
قلت مخٌطة فً ثوبً تحت إبطً ..فؤمر بثوبً ففُتِق ،فوجدها . وأٌن هً ؟ ُ
قلت :أمً عاهدتنً على الصدق ،فؤنا ال أخون عهدها،ُ فقال :ما حملك على هذا ؟
فبكى وقال :أنت لم تخن عهد أمك ،وأنا لً الٌوم كذا وكذا سنة أخون عهد ربً ،
فتاب على ٌدي ،فقال له أصحابه ( :أنت كنت مقدمنا فً قطع الطرٌق ،فؤنت اآلن
مقدمنا فً التوبة ) ،فتابوا كلهم على ٌدي ،وردوا القافلة ما أخذوا منهم ،فهم أول
من تاب على ٌدي .
منها :أنه مكث خمسا ً وعشرٌن سنة متجرداً ،سابحا ً فً براري العراق .
وأربعٌن سنة ٌصلً الصبح بوضوء العشاء .
وخمس عشرة سنة ٌصلً العشاء ،ثم ٌستفتح القرآن وهو واقف على رجل واحدة
وٌده فً وتد مضروب فً حابط ؛ خوفا من النوم ،،حتى ٌنتهً إلى آخر القرآن فً
الس َحر .
وكان ٌمكث الثالثة األٌام إلى األربعة األٌام ،وال ٌجد ما ٌقتات به .
وكان ٌمشً حافٌا ً فً الشوك وغٌره .
وكان سكوته أكثر من كالمه .
وكان ٌقول :ما هالنً شًء إال سلكته ،وما غلبتنً نفسً فٌما ترٌده قط ،وال
أعجبنً شًء من زٌنة الدنٌا قط منذ كنت صغٌراً .
4
وذكر سٌدنا اإلمام الحداد -رضً هللا عنه -أن للمتوكل الصادق ثالث عالمات .. ،
إلى أن قال :
ومن هذا القبٌل ما حُكً أن سٌدي الشٌخ عبد القادر الجٌالنً نفع هللا به :كان ٌتكلم
فً القدَر ،فسقطت علٌه حٌّة عظٌمة ،ففزع الحاضرون فرقا ً منها ،فالتفّت على
عنق الشٌخ ،ودخلت من أحد كمٌه وخرجت من َ
اآلخر ،والشٌخ نفع هللا به ثابت لم
ٌضطرب ولم ٌقطع كالمه .
5
وذكروا فً مناقبه :أ ّنه كان لسٌدي عبد القادر ولد ،وذات مرّ ة قال لوالده أنا
باذاكر ،فقال له رخصة ،فقام ٌذاكر والمجلس مالن ،وال قصّر الولد جاب اآلٌات
القرآنٌة واألحادٌث النبوٌة ،ولكن ال قلب خشع وال عٌن دمعت من مذاكرته ..حتى
قام واحد من أهل المجلس وقال لهم :أرٌحونا من هذا الرجل .
بعد ذلك قام سٌدنا عبد القادر ،وقال لهم ( :البارحة أهل الدار أخذوا دجاجة
وطبخوها وبعد جات الهرّ ة وأكلتها) ..فبكوا أهل المجلس كلهم ،فعرف الولد إن
()1
عاده ما معه شًء مما مع أبوه .
وقال محمد بن الخضر عن أبٌه :خدمته ثلث عشر سنة ،فما رأٌ ُته امتخط وال
تنخ َع ،وال قعدت علٌه ُذبابة ،وال قام ألحد ،وال جلس على بساط ملك ،وال أكل
ّ
لهم طعاما ً .
قال الشٌخ أبو عبد هللا القرشً :الشٌخ عبد القادر ،سٌد أهل زمانه ،عارفٌن ،
وأولٌاء ،وعلماء ،ومشابخ .
وقال الشٌخ إبراهٌم األعزب :الشٌخ عبد القادر ،سٌدنا ،وشٌخ المحققٌن ،وإمام
الصدٌقٌن ،وحُجة العارفٌن ،وقدوة السالكٌن ،إلى رب العالمٌن .
()1
ُ
سافرت إلى العجم ، ترجم :
وفً {غِبطة الناظر} ما لفظه :قال الشٌخ عبد الوهاب ابن ال ُم َ
قلت لوالدي :أرٌد أن أتكلم على الناس بحضرتك ، رجعت إلى بغداد ُ ..
ُ وتف ّن ُ
نت فً العلوم ،فلما
تجر
قلب ولم ِفصعدت الكرسً وتكلمت بما شاء هللا من العلوم والمواعظ ،فلم ٌخشع ٌ ُ فإذن لً ،
كنت صائماً ،ف َقلَ ْت لً أم ٌحٌى
فنزلت وصعد فقالُ :ُ دمعة ،وضجوا بوالدي أن ٌتكلم علٌهم ،
بوٌضات ،وجعلتها فً سكرجة ،فجاءت السنور فرمت بها فانكسرت ،فض ّج أهل المجلس
بالصراخ ،فلما نزل قلت له فً ذلك ؟ فقال ٌا بنً أنت ُم ِدل ٌّ بسفرك ،أسافرت إلى هنا ؟ وأشار
بإصبعه إلى السماء .
ُ
فكنت بعد ذلك أصعد الكرسً وأتكلم على الناس بفنون العلم ،ووالدي ٌسمع، قال عبد الوهاب:
فال ٌتأثر أحد ،ثم أنزل فٌصعد والدي فٌقولٌ( :ا بله الشجاعة صبر ساعة) فض ّج أهل المجلس ،
ُ
فكنت أسأله عن ذلك ..فٌقول :أنت المتكلم عنك ،وأنا المتكلم عن غٌري .
6
وقال الحافظ أبو سعٌد :دٌّن صالح ،خٌّر ،كثٌر الذكر ،دابم الفكر ،سرٌع
الدمعة .
وعن الشٌخ العماد محمد بن إبراهٌم المقدسً :أنه سمع الشٌخ الموفق ٌقول :
كان الشٌخ عبد القادر ممن انتهت إلٌه الرٌاسة علما ً وعمالً ،وحاالً وفُتٌا ً .
وقال الشٌخ المعمّر المعروف بـ(جراده) :ما رأت عٌنً أحسن ُخلقا ً وال أوسع
صدراً وال أكرم نفسا ً وال أعطف قلبا ً وال أحفظ عهداً من الشٌخ عبد القادر .
وقال الحافظ الذهبً :عبد القادر الجٌلً الحنبلً الزاهد ،صاحب الكرامات
والمقامات ،وشٌخ الحنابلة ..إلى أن قال :وكان عدٌم النظٌر ،بعٌد الصٌت ،رأسا ً
فً العلم والعمل .
وقال سٌدنا اإلمام عبد هللا بن علوي الحداد -رضً هللا عنه: -
اثنان ٌغار منهما أهل الباطن ،وٌحسدونهما أهل الظاهر ،الشٌخ عبد القادر ،
واإلمام الغزالً .
قال ابن الجوزي فً {مرآة الزمان} :كانت الفتاوى تؤتً إلٌه من بالد العراق
وغٌرها ،فما كانت تبٌت عنده فتوى ،وكان ٌفتً على مذهب اإلمام الشافعً
ومذهب اإلمام أحمد بن حنبل .
مهر فً ذلك الفن حتى ٌفوق
وكان كل من اشتغل علٌه من بفن من الفنون َ ..
أقرانه ،وٌُحتاج إلٌه .
و ُنقل عن األكابر :أن الشٌخ كان ٌُقرئ فً ثالثة عشر علما ً ،وكان ٌبدأ فً
مدرسته بدرس من التفسٌر ،ودرس من الحدٌث ،ودرس من الفقه ،ودرس من
الخالف ،وكان ٌُقرأ علٌه طرفً النهار فً التفسٌر والحدٌث والفقه واألصول
والنحو ،و ُتقرأ علٌه القراءات بالرواٌات بعد الظهر .
٧
العجم إلى بغداد ،
المترجم :جاءت فتوى من بالد َ
َ وقال الشٌخ عبد الرزاق ابن
فعرضت على علمابهم ،فلم ٌجٌبوا عنها بشًء ،وهً :
( رج ٌل حلف بالطلقات الثالث أنه ٌعبد هللا عبادة ٌنفرد بها دون جمٌع الناس فً
وقت تلبسه بها ) ،فؤحضروها إلى والدي ،فكتب على الفور ٌُ ( :خلّى له الطواف
اسبوعا ً وحده ..فٌنح ّل ٌمٌنه ) .
قال رضً هللا عنه :الخلق حجابك عن نفسك ،ونفسك حجابك عن ربك .
وقال رضً هللا عنه :ما دمت ترى الخلق ..ال ترى نفسك ،ما دمت ترى نفسك
ال ترى ربك .
وقال رضً هللا عنه :الدنٌا اشتغال ،واآلخرة أهوال ،والعبد بٌنهما ما ٌستقر
قراره إال إلى جنة أو نار .
وقال رضً هللا عنه ُ :كن مع الحق كؤن ال خلق ،و ُكن مع الخلق كؤن ال نفس .
لسٌدنا عبد القادر الجٌالنً نحو ثالثٌن ولد ،منهم :الشٌخان :عبد الرزاق ،
وعبدالوهاب .
ومن ذرٌته مولى العرض ،واسمه (سرور) .
٤
ولنقبض عنان القلم ؛ فإن أحوال الشٌخ عبدالقادر تبهر العقل ،وٌتعذر علٌنا
إحصاء ما فٌه من الفضل .
وقد أثنى علٌه أهل عصره وقدموه ،وكان ٌؤخذ القلوب بكالمه ومواعظه ،وتخرج
به الكثٌر ،وشهرته فً األقطار معروفة ،ومناقبه ال ُتحصى ،وهً أكثر من أن
ُتستقصى .
قال ابن الجوزي :توفى سٌدنا الشٌخ عبد القادر الجٌالنًِ -رحمه هللا -لٌلة السبت ،
ثامن شهر ربٌع اآلخر ،سنة إحدى وستٌن وخمسمابة ،و ُدفن فً بغداد ،وقد أفرده
الناس بعدة من التآلٌف .
وقال ابن النجار بسنده ..إلى أن قال :توفى عاشر ربٌع اآلخر ،سنة إحدى وستٌن
وخمسمابة ،وله تسعون سنة ،وصلى علٌه ولده عبد الوهاب .
رمحه اهلل رمحة األبرار ،ومجعنا وإياه يف دار القرار ،وأعاد اهلل علينا من بركاته،
وقدّس أسراره ،ونفعنا به وبعلومه يف الدارين ،وجزاه اهلل عن األمّة واإلسالم خرياً
آمني .
المصادر :تثبٌت الفإاد ،ورسالة المعاونة ،وشرح العٌنٌة ،وكالم الحبٌب علوي
بن شهاب ،وتراجم مختصرة ،ومقدمة كتاب الغنٌة ،وغبطة الناظر .
9