You are on page 1of 9

‫بسن اهلل الرمحن الرحٍن‬

‫ترمجت خمتصرة لصاحب احلٌلٍت ‪ :‬سٍدنا اإلهام حمً الدٌن ‪:‬‬

‫( عبد القادر اجلٍالنً ) رضً اهلل عنو ًقدّس سره‬

‫املتٌفى‪ :‬لٍلت السبت ‪ ،‬يف الثاهن أً العاشر هن شير ربٍع اَخر ‪ ،‬سنت ‪ 165‬ىـ‬

‫اجلَيْلـِي املشهىرُ زَاكِي املَنبَعِ )‬ ‫( والشيخُ مُحيي الدينِ فردُ زمانِهِ‬

‫نسبته الشرٌفة‬

‫هو سٌد السادات ‪ ،‬وإمام أهل الوالٌات ‪ ،‬السٌد الشرٌف ‪ ،‬الشٌخ القطب ‪ ،‬الفرد‬
‫الغوث ‪ ،‬إمام الفرٌقٌن ‪ ،‬وموضح الطرٌقٌن ‪ ،‬سٌد العارفٌن ‪ ،‬وقبلة الوافدٌن ‪:‬‬
‫عبد القادر بن أبً صالح موسى جنكً دوست بن عبد هللا بن ٌحٌى بن محمد بن‬
‫داود بن موسى بن عبد هللا بن موسى بن عبد هللا بن الحسن المثنى بن الحسن السبط‬
‫وأم سٌدنا‬ ‫بن أمٌر المإمنٌن علً بن أبً طالب ‪-‬رضً هللا عنهم أجمعٌن‪، -‬‬
‫الحسن ‪ :‬هً سٌدة نساء العالمٌن فاطمة الزهراء ابنت سٌد المرسلٌن محمد صلى هللا‬
‫علٌه وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫● ووالدة اإلمام الجٌالنً ‪ :‬هً أم الخٌر فاطمة بنت أبً عبد هللا الصومعً ‪ ،‬لها حظ‬
‫من الخٌر والصالح ‪ ،‬ولها قدم فً الزهد واإلصالح ‪.‬‬
‫_ سمع منها كثٌرا تقول ‪ ( :‬كان ولدي عبد القادر ال ٌرضع فً نهار رمضان ) ‪،‬‬
‫حتى أنهم إذا ش ّكوا فً دخول شهر رمضان أو خروجه ‪ ..‬شاهدوه ‪.‬‬
‫_ وأخوه الشٌخ أبو أحمد ‪ ،‬سنه دون سنه ‪ ،‬وقد نشؤ نشؤة صالحة ‪ ،‬ومات بجٌالن‬
‫شابا ‪.‬‬

‫والدته ونشأته‬

‫ولِد سٌدنا عبد القادر ‪-‬رضً هللا عنه‪ -‬بجٌالن (تقع بعد طبرستان) سنة ‪4٧٤‬هـ‬
‫أو ‪4٧1‬هـ ‪ ،‬وقدم بغداد وهو ابن ثمان عشرة سنة ‪ ،‬أي عام ‪4٤٤‬هـ ‪.‬‬
‫_ وهو منسوب إلى جٌل ‪-‬بكسر الجٌم‪ ، -‬وٌقال أٌضا جٌالنً ‪ ..‬نسبة إلى جده‬
‫جٌالن ‪ ،‬وهو أبو عبد هللا الصومعً ‪ ،‬وهو من صلحاء جٌالن وزهادهم ‪ ،‬وكانت له‬
‫أحوال عظٌمة ‪ ،‬وكرامات خارقة ‪ ،‬وكان مُجاب الدعوة ‪ ،‬وكان ‪-‬الشٌخ عبد القادر‬
‫الجٌالنً‪ -‬به ‪-‬أي بجده‪ٌُ -‬عرف ؛ ألنه –أي الشٌخ عبد القادر‪ -‬سبطه ‪.‬‬

‫● قال سٌدنا الحبٌب عٌدروس بن عمر الحبشً ‪-‬رضً هللا عنه‪: -‬‬
‫( أن من سمى ولده عبد القادر فً الغالب أنه ٌسلم واألمر هلل ) ‪.‬‬

‫● وكان سٌدنا الشٌخ عبد القادر الجٌالنً أدم اللون ‪ ،‬نحٌف البدن ‪ ،‬ربع القامة ‪،‬‬
‫عرٌض الصدر ‪ ،‬عرٌض اللحٌة ‪ ،‬طوٌلها ‪ ،‬أسمر ‪ ،‬مقرون الحاجبٌن ‪ ،‬له صوت‬
‫جهوري ‪.‬‬
‫أمرك ؟ قال‪ :‬على‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بنٌت‬ ‫● وقال محمد بن القابد ‪ :‬قلت للشٌخ عبد القادر‪ :‬على ما‬
‫ُ‬
‫كذبت قط ‪.‬‬ ‫الصدق ‪ ،‬ما‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬وقد تفقه سٌدنا الشٌخ عبد القادر ‪-‬رحمه هللا‪ -‬بؤبً الوفا علً بن عقٌل ‪ ،‬وأبً‬
‫الخطاب محفوظ بن أحمد ‪ ،‬وأبً الحسٌن محمد بن القاضً أبً ٌعلى ‪ ،‬وأبً سعٌد‬
‫المبارك بن علً المخزومً ‪ ،‬مذهبا ً وخالفا ً وفروعا ً وأصوالً ‪.‬‬
‫_ واستمع الحدٌث النبوي من جماعة ‪ ،‬منهم ‪ :‬أبو غالب محمد بن الحسن الباقالنً ‪،‬‬
‫ومحمد بن عبد الكرٌم ‪ ،‬ومحمد بن علً مٌمون ‪ ،‬وغٌرهم ‪.‬‬
‫_ وقرأ األدب على أبً ٌحٌى زكرٌا بن علً التبرٌزي ‪ ،‬وصحب الشٌخ العارف‬
‫باهلل حماد بن مسلم الدباس ‪ ،‬وأخذ عنه علم الطرٌقة ‪ ،‬وتؤ ّدب به ‪.‬‬
‫_ ولقً جماعة من أكابر المشاٌخ ‪ ،‬وتلقى عنهم العلوم الشرعٌة ‪ ،‬والفنون الدٌنٌة ‪،‬‬
‫ح َكم من‬ ‫ثم أظهره هللا تعالى للخلق ‪ ،‬وأوقع له القبول‪ ،‬والهٌبة والجالل‪ ،‬وأظهر ال ِ‬
‫قلبه على لسانه ‪ ،‬وعمر مدرسة أستاذه أبً سعٌد المخزومً ‪ ،‬ووسعها جداً ‪،‬‬
‫وتصدر للتدرٌس بها ‪ ،‬والفتوى والوعظ ‪ ،‬وقصده الطلبة من العلماء والصلحاء ‪.‬‬
‫_ وانتهت إلٌه تربٌة المرٌدٌن بالعراق ‪ ،‬و ُسلّمت إلٌه أَ ِزمّة المعارف ‪ ،‬فؤصبح قطب‬
‫الوقت المرجوع إلٌه ‪.‬‬
‫_ وص ّنف كتبا ً مفٌدة ‪ ،‬وأملى فوابد مزٌدة ‪ ،‬وتلمذ له ٌ‬
‫خلق كثٌر ‪ ،‬ولبس منه الخرقة‬
‫خالبق ال ٌُحصون ‪ ،‬وإلٌه ٌرجع جمهور شٌوخ الٌمن ‪.‬‬

‫أول من تاب على ٌدٌه‬

‫أتى سٌدنا الشٌخ عبد القادر إلى أمه ‪ ،‬وقال لها‪ :‬هبٌنً هلل ؛ ألنً أرٌد المسٌر إلى‬
‫بغداد ؛ ألشتغل بالعلم وأزور الصالحٌن ‪ ،‬وهو صغٌراً ‪ ،‬فقالت له‪ :‬عندي ثمانون‬
‫دٌناراً ورث ُتها من أبٌك ‪ ،‬فتر َكت ألخً أربعٌن ‪ ،‬وخٌّطت لً فً ثوبً تحت إبطً‬
‫أربعٌن ‪ ،‬وأذِنت لً فً السفر ‪.‬‬
‫وعاهدتنً على الصدق فً كل أحوالً ‪ ،‬فسافرت مع قافلة صغٌرة تطلب بغداد ‪،‬‬
‫ول ّما تجاوزنا همدان ‪ ،‬وكنا بؤرض فالة ‪ ..‬خرج علٌنا ستون فارسا ً ‪ ،‬فؤخذوا القافلة ‪،‬‬
‫ولم ٌتعرض لً أحد ‪ ،‬وكلما مر بً واحد منهم ‪ ..‬قال لً ‪ٌ :‬ا فقٌر ما معك ؟ قلت ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫أربعٌن دٌناراً ‪ ،‬فقال‪ :‬وأٌن هً؟ قلت مخٌّطة فً ثوبً تحت إبطً‪ ،‬وظن أنً‬
‫استهزئ به ‪ ،‬فتركنً وانصرف ‪ ،‬فمرّ بً واحد آخر ‪ ،‬فقال لً مثل األول ‪ ،‬فؤجبته‬
‫بمثله ‪ ،‬فتركنً وانصرف ‪.‬‬
‫فاجتمعا عند مقدمهم ‪ ،‬فؤخبراه بما سمعاه منً ‪ ،‬فقال علً به ‪ ،‬فؤُتً بً إلٌه ‪ ،‬وإذا‬
‫قلت أربعٌن دٌناراً ‪ ،‬قال‬
‫هم على تل ٌقتسمون أموال القافلة ‪ ،‬فقال لً‪ :‬ما معك؟ ُ‬
‫قلت مخٌطة فً ثوبً تحت إبطً ‪ ..‬فؤمر بثوبً ففُتِق ‪ ،‬فوجدها ‪.‬‬ ‫وأٌن هً ؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬أمً عاهدتنً على الصدق ‪ ،‬فؤنا ال أخون عهدها‪،‬‬‫ُ‬ ‫فقال ‪ :‬ما حملك على هذا ؟‬
‫فبكى وقال‪ :‬أنت لم تخن عهد أمك ‪ ،‬وأنا لً الٌوم كذا وكذا سنة أخون عهد ربً ‪،‬‬
‫فتاب على ٌدي ‪ ،‬فقال له أصحابه ‪ ( :‬أنت كنت مقدمنا فً قطع الطرٌق ‪ ،‬فؤنت اآلن‬
‫مقدمنا فً التوبة ) ‪ ،‬فتابوا كلهم على ٌدي ‪ ،‬وردوا القافلة ما أخذوا منهم ‪ ،‬فهم أول‬
‫من تاب على ٌدي ‪.‬‬

‫من مجاهداته و أحواله العظٌمة ‪-‬رضً هللا عنه‪-‬‬

‫‪ ‬منها ‪ :‬أنه مكث خمسا ً وعشرٌن سنة متجرداً ‪ ،‬سابحا ً فً براري العراق ‪.‬‬
‫‪ ‬وأربعٌن سنة ٌصلً الصبح بوضوء العشاء ‪.‬‬
‫‪ ‬وخمس عشرة سنة ٌصلً العشاء ‪ ،‬ثم ٌستفتح القرآن وهو واقف على رجل واحدة‬
‫وٌده فً وتد مضروب فً حابط ؛ خوفا من النوم ‪ ،،‬حتى ٌنتهً إلى آخر القرآن فً‬
‫الس َحر ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان ٌمكث الثالثة األٌام إلى األربعة األٌام ‪ ،‬وال ٌجد ما ٌقتات به ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان ٌمشً حافٌا ً فً الشوك وغٌره ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان سكوته أكثر من كالمه ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان ٌقول‪ :‬ما هالنً شًء إال سلكته ‪ ،‬وما غلبتنً نفسً فٌما ترٌده قط ‪ ،‬وال‬
‫أعجبنً شًء من زٌنة الدنٌا قط منذ كنت صغٌراً ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ ‬وذكر سٌدنا اإلمام الحداد ‪-‬رضً هللا عنه‪ -‬أن للمتوكل الصادق ثالث عالمات ‪.. ،‬‬
‫إلى أن قال ‪:‬‬
‫ومن هذا القبٌل ما حُكً أن سٌدي الشٌخ عبد القادر الجٌالنً نفع هللا به ‪ :‬كان ٌتكلم‬
‫فً القدَر ‪ ،‬فسقطت علٌه حٌّة عظٌمة ‪ ،‬ففزع الحاضرون فرقا ً منها ‪ ،‬فالتفّت على‬
‫عنق الشٌخ‪ ،‬ودخلت من أحد كمٌه وخرجت من َ‬
‫اآلخر‪ ،‬والشٌخ نفع هللا به ثابت لم‬
‫ٌضطرب ولم ٌقطع كالمه ‪.‬‬

‫من مناقبه وأخالقه ‪-‬رضً هللا عنه‪-‬‬

‫‪ ‬كان ٌكتب ما ٌقوله فً مجلسه أربعمابة محبرة ‪.‬‬


‫‪ ‬وزار ‪-‬نفع هللا به‪ -‬مرة الشٌخ معروف الكرخً ‪ ،‬فقال‪ :‬السالم علٌك ٌا شٌخ‬
‫معروف ‪ ،‬عبرتنا بدرجة ‪ ،‬ثم زاره بعد مدة ‪ ،‬فقال‪ :‬السالم علٌك ٌا شٌخ معروف‪،‬‬
‫عبرناك بدرجتٌن ‪ ،‬فقال له من القبر ‪ :‬وعلٌك السالم ٌا سٌد أهل زمانه ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان ‪-‬رضً هللا‪ٌ -‬جالس الضعفاء ‪ ،‬وٌصبر على طلبة العلم ‪ ،‬وٌتفقد من غاب‬
‫من أصحابه ‪ ،‬وٌسؤل عن شبونهم ‪ ،‬وٌحفظ و ّدهم ‪ ،‬وٌعفو عن سٌباتهم ‪ ،‬وٌص ّدق من‬
‫حلف له وٌخفً علمه فٌه ‪ ،‬وال ٌظن صدٌقه أن أحداً أكرم علٌه منه ‪ ،‬ولٌس أشد‬
‫حٌاء منه ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان ٌقبل الهدٌة ‪ ،‬وٌكافا علٌها ‪ ،‬وٌقبل النذور وٌؤكل منها ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان ٌخبز له كل ٌوم ‪ ..‬أربعمابة أو خمسمابة أرغفة ‪ٌ ،‬إتى بها آخر النهار ‪،‬‬
‫وٌفرق منها على من حضر ‪ِ ،‬كسره كسره ‪ ،‬والباقً ٌإخره لنفسه ‪.‬‬
‫‪ ‬وكان مع جاللة قدره وعلو منزلته و سعة علمه ‪ٌ :‬قف مع الصغٌر وٌوقر الكبٌر‪،‬‬
‫وٌبدأ بالسالم ‪ ،‬وٌجالس الضعٌف ‪ ،‬وٌتواضع للفقراء ‪ ،‬وٌتعاظم على الرفعاء ‪ ،‬فما‬
‫كان ٌقوم ألحد من العظماء وال األعٌان ‪ ،‬وال ألم بباب وزٌر قط ‪ ،‬وال سلطان ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد تاب على ٌدٌه معظم أهل بغداد ‪ ،‬وأسلم أكثر الٌهود والنصارى ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ‬وذكروا فً مناقبه ‪ :‬أ ّنه كان لسٌدي عبد القادر ولد ‪ ،‬وذات مرّ ة قال لوالده أنا‬
‫باذاكر ‪ ،‬فقال له رخصة ‪ ،‬فقام ٌذاكر والمجلس مالن ‪ ،‬وال قصّر الولد جاب اآلٌات‬
‫القرآنٌة واألحادٌث النبوٌة ‪ ،‬ولكن ال قلب خشع وال عٌن دمعت من مذاكرته ‪ ..‬حتى‬
‫قام واحد من أهل المجلس وقال لهم ‪ :‬أرٌحونا من هذا الرجل ‪.‬‬
‫بعد ذلك قام سٌدنا عبد القادر ‪ ،‬وقال لهم ‪( :‬البارحة أهل الدار أخذوا دجاجة‬
‫وطبخوها وبعد جات الهرّ ة وأكلتها) ‪ ..‬فبكوا أهل المجلس كلهم ‪ ،‬فعرف الولد إن‬
‫(‪)1‬‬
‫عاده ما معه شًء مما مع أبوه ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال محمد بن الخضر عن أبٌه ‪ :‬خدمته ثلث عشر سنة ‪ ،‬فما رأٌ ُته امتخط وال‬
‫تنخ َع ‪ ،‬وال قعدت علٌه ُذبابة ‪ ،‬وال قام ألحد ‪ ،‬وال جلس على بساط ملك ‪ ،‬وال أكل‬
‫ّ‬
‫لهم طعاما ً ‪.‬‬

‫من ثناء العلماء علٌه‬

‫‪ ‬قال الشٌخ أبو عبد هللا القرشً ‪ :‬الشٌخ عبد القادر ‪ ،‬سٌد أهل زمانه ‪ ،‬عارفٌن ‪،‬‬
‫وأولٌاء ‪ ،‬وعلماء ‪ ،‬ومشابخ ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الشٌخ إبراهٌم األعزب ‪ :‬الشٌخ عبد القادر ‪ ،‬سٌدنا ‪ ،‬وشٌخ المحققٌن ‪ ،‬وإمام‬
‫الصدٌقٌن ‪ ،‬وحُجة العارفٌن ‪ ،‬وقدوة السالكٌن ‪ ،‬إلى رب العالمٌن ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫سافرت إلى العجم ‪،‬‬ ‫ترجم ‪:‬‬
‫وفً {غِبطة الناظر} ما لفظه ‪ :‬قال الشٌخ عبد الوهاب ابن ال ُم َ‬
‫قلت لوالدي‪ :‬أرٌد أن أتكلم على الناس بحضرتك ‪،‬‬ ‫رجعت إلى بغداد ‪ُ ..‬‬
‫ُ‬ ‫وتف ّن ُ‬
‫نت فً العلوم ‪ ،‬فلما‬
‫تجر‬
‫قلب ولم ِ‬‫فصعدت الكرسً وتكلمت بما شاء هللا من العلوم والمواعظ ‪ ،‬فلم ٌخشع ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فإذن لً ‪،‬‬
‫كنت صائماً‪ ،‬ف َقلَ ْت لً أم ٌحٌى‬
‫فنزلت وصعد فقال‪ُ :‬‬‫ُ‬ ‫دمعة ‪ ،‬وضجوا بوالدي أن ٌتكلم علٌهم ‪،‬‬
‫بوٌضات‪ ،‬وجعلتها فً سكرجة ‪ ،‬فجاءت السنور فرمت بها فانكسرت ‪ ،‬فض ّج أهل المجلس‬
‫بالصراخ ‪ ،‬فلما نزل قلت له فً ذلك ؟ فقال ٌا بنً أنت ُم ِدل ٌّ بسفرك ‪ ،‬أسافرت إلى هنا ؟ وأشار‬
‫بإصبعه إلى السماء ‪.‬‬

‫ُ‬
‫فكنت بعد ذلك أصعد الكرسً وأتكلم على الناس بفنون العلم ‪ ،‬ووالدي ٌسمع‪،‬‬ ‫قال عبد الوهاب‪:‬‬
‫فال ٌتأثر أحد ‪ ،‬ثم أنزل فٌصعد والدي فٌقول‪ٌ( :‬ا بله الشجاعة صبر ساعة) فض ّج أهل المجلس ‪،‬‬
‫ُ‬
‫فكنت أسأله عن ذلك ‪ ..‬فٌقول‪ :‬أنت المتكلم عنك ‪ ،‬وأنا المتكلم عن غٌري ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ ‬وقال الحافظ أبو سعٌد ‪ :‬دٌّن صالح ‪ ،‬خٌّر ‪ ،‬كثٌر الذكر ‪ ،‬دابم الفكر ‪ ،‬سرٌع‬
‫الدمعة ‪.‬‬
‫‪ ‬وعن الشٌخ العماد محمد بن إبراهٌم المقدسً ‪ :‬أنه سمع الشٌخ الموفق ٌقول ‪:‬‬
‫كان الشٌخ عبد القادر ممن انتهت إلٌه الرٌاسة علما ً وعمالً ‪ ،‬وحاالً وفُتٌا ً ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الشٌخ المعمّر المعروف بـ(جراده) ‪ :‬ما رأت عٌنً أحسن ُخلقا ً وال أوسع‬
‫صدراً وال أكرم نفسا ً وال أعطف قلبا ً وال أحفظ عهداً من الشٌخ عبد القادر ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الحافظ الذهبً ‪ :‬عبد القادر الجٌلً الحنبلً الزاهد ‪ ،‬صاحب الكرامات‬
‫والمقامات ‪ ،‬وشٌخ الحنابلة ‪ ..‬إلى أن قال ‪ :‬وكان عدٌم النظٌر ‪ ،‬بعٌد الصٌت ‪ ،‬رأسا ً‬
‫فً العلم والعمل ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال سٌدنا اإلمام عبد هللا بن علوي الحداد ‪-‬رضً هللا عنه‪: -‬‬
‫اثنان ٌغار منهما أهل الباطن ‪ ،‬وٌحسدونهما أهل الظاهر ‪ ،‬الشٌخ عبد القادر ‪،‬‬
‫واإلمام الغزالً ‪.‬‬

‫فٌما جاء فً سعة علمه‬

‫‪ ‬قال ابن الجوزي فً {مرآة الزمان} ‪ :‬كانت الفتاوى تؤتً إلٌه من بالد العراق‬
‫وغٌرها ‪ ،‬فما كانت تبٌت عنده فتوى ‪ ،‬وكان ٌفتً على مذهب اإلمام الشافعً‬
‫ومذهب اإلمام أحمد بن حنبل ‪.‬‬
‫مهر فً ذلك الفن حتى ٌفوق‬
‫‪ ‬وكان كل من اشتغل علٌه من بفن من الفنون ‪َ ..‬‬
‫أقرانه ‪ ،‬وٌُحتاج إلٌه ‪.‬‬
‫‪ ‬و ُنقل عن األكابر ‪ :‬أن الشٌخ كان ٌُقرئ فً ثالثة عشر علما ً ‪ ،‬وكان ٌبدأ فً‬
‫مدرسته بدرس من التفسٌر‪ ،‬ودرس من الحدٌث‪ ،‬ودرس من الفقه‪ ،‬ودرس من‬
‫الخالف ‪ ،‬وكان ٌُقرأ علٌه طرفً النهار فً التفسٌر والحدٌث والفقه واألصول‬
‫والنحو ‪ ،‬و ُتقرأ علٌه القراءات بالرواٌات بعد الظهر ‪.‬‬

‫‪٧‬‬
‫العجم إلى بغداد ‪،‬‬
‫المترجم ‪ :‬جاءت فتوى من بالد َ‬
‫َ‬ ‫‪ ‬وقال الشٌخ عبد الرزاق ابن‬
‫فعرضت على علمابهم ‪ ،‬فلم ٌجٌبوا عنها بشًء ‪ ،‬وهً ‪:‬‬
‫( رج ٌل حلف بالطلقات الثالث أنه ٌعبد هللا عبادة ٌنفرد بها دون جمٌع الناس فً‬
‫وقت تلبسه بها ) ‪ ،‬فؤحضروها إلى والدي ‪ ،‬فكتب على الفور ‪ٌُ ( :‬خلّى له الطواف‬
‫اسبوعا ً وحده ‪ ..‬فٌنح ّل ٌمٌنه ) ‪.‬‬

‫نبذة من بلٌغ كالمه‬

‫‪ ‬قال رضً هللا عنه ‪ :‬الخلق حجابك عن نفسك ‪ ،‬ونفسك حجابك عن ربك ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال رضً هللا عنه ‪ :‬ما دمت ترى الخلق ‪ ..‬ال ترى نفسك ‪ ،‬ما دمت ترى نفسك‬
‫ال ترى ربك ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال رضً هللا عنه ‪ :‬الدنٌا اشتغال ‪ ،‬واآلخرة أهوال ‪ ،‬والعبد بٌنهما ما ٌستقر‬
‫قراره إال إلى جنة أو نار ‪.‬‬
‫‪ ‬وقال رضً هللا عنه ‪ُ :‬كن مع الحق كؤن ال خلق ‪ ،‬و ُكن مع الخلق كؤن ال نفس ‪.‬‬

‫أوالده رضً هللا عنهم‬

‫‪ ‬لسٌدنا عبد القادر الجٌالنً نحو ثالثٌن ولد ‪ ،‬منهم ‪ :‬الشٌخان ‪ :‬عبد الرزاق ‪،‬‬
‫وعبدالوهاب ‪.‬‬
‫ومن ذرٌته مولى العرض ‪ ،‬واسمه (سرور) ‪.‬‬

‫‪٤‬‬
‫ولنقبض عنان القلم ؛ فإن أحوال الشٌخ عبدالقادر تبهر العقل ‪ ،‬وٌتعذر علٌنا‬
‫إحصاء ما فٌه من الفضل ‪.‬‬
‫وقد أثنى علٌه أهل عصره وقدموه ‪ ،‬وكان ٌؤخذ القلوب بكالمه ومواعظه ‪ ،‬وتخرج‬
‫به الكثٌر ‪ ،‬وشهرته فً األقطار معروفة ‪ ،‬ومناقبه ال ُتحصى ‪ ،‬وهً أكثر من أن‬
‫ُتستقصى ‪.‬‬

‫وفاته رحمه هللا‬

‫قال ابن الجوزي ‪ :‬توفى سٌدنا الشٌخ عبد القادر الجٌالنًِ ‪-‬رحمه هللا‪ -‬لٌلة السبت ‪،‬‬
‫ثامن شهر ربٌع اآلخر ‪ ،‬سنة إحدى وستٌن وخمسمابة ‪ ،‬و ُدفن فً بغداد ‪ ،‬وقد أفرده‬
‫الناس بعدة من التآلٌف ‪.‬‬
‫وقال ابن النجار بسنده ‪ ..‬إلى أن قال ‪ :‬توفى عاشر ربٌع اآلخر ‪ ،‬سنة إحدى وستٌن‬
‫وخمسمابة ‪ ،‬وله تسعون سنة ‪ ،‬وصلى علٌه ولده عبد الوهاب ‪.‬‬

‫رمحه اهلل رمحة األبرار ‪ ،‬ومجعنا وإياه يف دار القرار ‪ ،‬وأعاد اهلل علينا من بركاته‪،‬‬

‫وقدّس أسراره ‪ ،‬ونفعنا به وبعلومه يف الدارين ‪ ،‬وجزاه اهلل عن األمّة واإلسالم خرياً‬

‫آمني ‪.‬‬

‫المصادر ‪ :‬تثبٌت الفإاد ‪ ،‬ورسالة المعاونة ‪ ،‬وشرح العٌنٌة ‪ ،‬وكالم الحبٌب علوي‬
‫بن شهاب ‪ ،‬وتراجم مختصرة ‪ ،‬ومقدمة كتاب الغنٌة ‪ ،‬وغبطة الناظر ‪.‬‬

‫مجع ًترتٍب ‪ :‬حسني بن عبد اإللو بن أبً بكر العلٌي‬

‫‪9‬‬

You might also like