Professional Documents
Culture Documents
كتاب مجموعة رسائل في التوحيد واإليمان مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد
الوهاب الجزء األول -الرسالة الحادية عشر ثماني حاالت استنبطها محمد بن عبد الوهاب من
قوله تعالى قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فال أعبد الذين تعبدون من دون هللا -
المكتبة الشاملة
في الموضوع ذكر فيها الحاال التي استنبطها الشبخ محمد بن عبد الوهاب؛
مثل :العباد لغير هللا وحده مطلقا ،وحال الناس اذا عرف الشرك وتركه وبغضه ،ال يفطف
لما يريد هللا من قلبه ،وذكر فيها أن اإلنسان إذا عرف هذه الحاالت المذكورة المستنبطة من
هذه اآلت ،اا بد من مذهب ينتسب به.
فإذا عرفت هذا ،وعرفت أن دعوتهم الصالحين وتعلقهم عليهم أنهم يقولون :ما نريد إال الشفاعة،
وأن النبي صلى هللا عليه وسلم قاتلهم ليخلصوا الدعوة هلل ،ويكون الدين كله هلل ،وعرفت أن هذا
هو التوحيد الذي هو أفرض من الصالة والص55وم ،ويغف55ر هللا لمن أتى ب55ه ي55وم القيام55ة وال يغف55ر
لمن جهله ولو كان عابدا ،وعرفت أن ذلك هو الشرك باهلل الذي ال يغفر هللا لمن فعله ،وه55و عن55د
هللا أعظم من الزنى وقتل النفس ،مع أن صاحبه يريد به التقرب من هللا ،ثم مع هذا ع55رفت أم55را
آخر وهو أن أكثر الناس ما عرف هذا ،منهم العلم55اء ال55ذين يس55مونهم العلم55اء في س55دير والوش55م
وغيرهم إذا قالوا :نحن موحدون هللا ،نعرف ما ينفع وال يضر إال هللا ،وأن الصالحين ال ينفع55ون
وال يضرون ،وعرفت أنهم ال يعرفون إال التوحيد ،توحيد الكفار ،توحيد الربوبي55ة ،ع55رفت ك55بر
نعمة هللا عليك ،خصوصا إذا تحققت أن الذي يواجه هللا وال يعرف التوحيد ،أو عرف55ه ولم يعم55ل
به ،أنه خالد في النار ولو كان من أعبد الناس ،كما قال تعالىِ{ :إنَّهُ َم ْن يُ ْش ِر ْك بِاهَّلل ِ فَقَ ْد َحَّ 5ر َم هَّللا ُ
ار}
ص ٍَعلَ ْي ِه ْال َجنَّةَ َو َمْأ َواهُ النَّا ُر َو َما لِلظَّالِ ِمينَ ِم ْن َأ ْن َ
وصلى هللا على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
ما ذكره الشيخ بن غنام عن حال نجد في وقت محمد بن عبد الوهاب.
حال نجد أي وقت محمد بن عبد الوهاب
حيث كانا كثير من العامة في ذلك الوقت يأتون إلى بعد القبور واألضرحة.
االعتقاد في األولياء والغلو فيهم كان هذا االنحراف العقدي من اهم المسائل التي اتحد فيها النزاع بين الشيخ محمد
بن عبد الوهاب رحمه هللا وبين حصومه.
واالعتقاد في األشجار بين تلك األشجار وقع فيها الغلو واالعتقاد في األحجار يزعمون أنها ما هي هللا في الجبل
لمراتي أنت تسمى بنت االمير.
فليس صحيحا القول بأنه وجود الشركيات و عدم وجود العلماء والقضاة والمؤلفات الصحيحة ولكن الحقيقة هي أن
ذلك العلم أوالئك العلماء لم يبادر وا باالنكار والتغيير كما بدر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا و اإلمام محمد
بن سعود رحمه هللا
.تلخيص سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
هو شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد ابن مشرف
التميمي نسبا ً من الوهبة من تميم ،ولد فِي بلدة ال ُع َيين ِة سنة 1115هـ ،ونشأ فيها
نشأة صالحة فحفظ القرآن قبل بلوغه عشر سنين ،وتتلمذ على والده قاضي
العيينة ،وظهرت عليه أمارات النبوغ من حدة الذهن وقوة الحفظ وحسن الفهم
.وفرط الذكاء وعلو الهمة
زو َجه أبوه وهو ابن اثني عشر عاما ً بعدما عرف بلوغه ونبوغه ،وق َّد َمه ليؤم َو َّ
فحج ثم أقام بمكة مدة يسيرة جلس فيهاَّ بالحج
ِّ الناس لمعرفته باألحكامَ ،وَأذِنَ له
إلى بعض علمائها وأخذ عنهم ،ثم قصد المدينة فمكث فيها شهرين ،ثم رجع إلى
العيينة مواصالً طلبه للعلم وقراءته على والده؛ فقرأ على صغر سنه كتبا ً كثيرة
في التفسير والحديث والفقه والسيرة وغيرها واعتنى بفقه اإلمام أحمد وما كتبه
فقهاء المذهب المتقدمين ،وانتقد بعض ما في المنتهى واإلنصاف وبين مخالفته
لنصوص اإلمام أحمد ،وناظر في المسائل الفقهية أباه وع َّمه وكانا من الفقهاءـ
وتبين لهم نبوغه وعلمه وفهمه ،وكان مما عرف عنه سرعة الكتابة والجد في
.العلم والعمل مع الهمة العالية والعزيمة القوية
ثم حج مرة أخرى سنة 1136هـ وزار المدينة وتتلمذ فيها على الشيخ محمد حياة
السندي ،والشيخ عبد هللا ابن سيف النجدي ،وساءه ما رأى من فشو الغلو
ومظاهر الشرك في المدينة من تعظيم القباب والقبور وما يفعله بعض زوار القبر
.النبوي من المنكرات
فسأل شيخه محمد حياة السندي عما يراه من شركيات الزوار فأجابه على الفور:
{.إن هؤالء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}
ولم يطق الشيخ مايرى من االستغاثة بقبر النبي صلى هللا عليه وسلم وقبور
الصحابة وتعظيم األحجار واألشجار فرجع إلى بلدته يطلب العلم ويقرأ ويكتب
ويحرر ويناقش ويناظر ويدعو إلى التوحيد وينكر مظاهر الشرك من تعظيم
.األشجار واألحجار والقبور والمقامات وعبادة غير هللا عز وجل
وكانت بالد نجد وغيرها قد غلب عليها الجهل والشرك؛ فكان في العيينة وحدها
سبع عشرة شجرة يعظمها العوام ،ويعلقون عليها التعاليق ،ويأتونها لطلب
.الحاجات،ـ منها شجرة قريوة والذئب وغيرها
وفي الجبيلة قبر يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب رضي هللا
عنهما ،يطوف الناس حوله ويقدمون له النذور ويطلبون منه الشفاعات وقضاء
.الحاجات
وفي شعب البليداء نخلة تس َّمى فحل الفحول يأتيها العوام والنساء لطلب الولد
والزوج ،وقد ذكر بعض العلماء أن المرأة إذا تأخر زواجها أتت تلك النخلة
فض َّمتها وقالت:يا فحل الفحولـ أريد زوجا ً قبل الحول!! ،وكان ُي َع َّل ُق على تلك
النخلة التعاليق من الخرق وغيرها ،و ُيفعل عندها من المنكرات والشركيات ما هللا
.به عليم ،والعياذ باهلل
وفي شعب غبيراء مقام ضرار بن األزور ،وفي الدرعية مقام كهف األعمى
ومغارة بنت األمير ،وغيرها من المقامات التي يأتيها العوام ويقدمون لها
.القرابين
وفيها شجرة تسمى الطرفية تع َّلق عليها التعليقات من الخرق ونحوها لطلب قضاء
.الحاجات ودفع المكاره
وفيها أيضا ً رجل يدعى (تاج) يزعمون أنه من المجذوبين فيتبركون به ويعتقدون
فيه االعتقادات الباطلة والشرك الصريح في الربوبية واأللوهية مع ما يحكى من
.فسقه وانحالله
وفي الخرج شمسان وإدريس وغيرهما ُيدْ َعون من دون هللا وتقدم لهم النذور
.والقرابين
بل كان في كثير من البيوت زوايا يسمونها زاوية الجن يوضع لهم فيها األكل
.واألشياء النفيسة لطلب حمايتهم ونصرهم
وانتشر في تلك القرى وما حولها السحر والكهانة والسلب والنهب ،وانتشرت
.الطرق الصوفية والخرافات والجهل
وكان مما أعان على انتشار الشرك والجهل والغلو طائفة من علماء السوء
والمتعالمين كانوا يكتبون التمائم والحجب ويبيعونها للعوام ،ويحثونهم على الغلو
في الصالحين ويوهمونهم أنه من أفضل القربات إلى رب العالمين ،وزين لهم
.الشيطان أعمالهم؛ فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل
فكان الشيخ يحزن لغربة اإلسالم وانتشار الشرك والجهل ويأسف لما آل إليه حال
.الناس
وأدرك أنه يجب عليه أن يبين للناس حقيقة اإلسالم ،ويجدد معالم الدين ليخرج
الناس من الظلمات إلى النور بإذن هللا؛ فبدأ بالدعوة إلى توحيد هللا ،وإنكار مظاهر
الشرك في بلدته العيينة فلقي أذى شديداً واستهزاءاً وجرت له محن فأشار عليه
.والده بالرحلة إلى العراق لالزدياد من العلم
مر باألحساء ونزل على الشيخ عبد هللا بن محمد ابن عبد
وفي طريقه إلى العراق َّ
اللطيف األحسائي وأخذ عنه ،ثم رحل إلى البصرة ونزل في محلة المجموعة عند
س في مدرسته
.الشيخ محمد المجموعي و َد َر َ
وكانت البصرةُ يأتيها بعض التجار من نجد فعرفوا الشيخ ووشوا به إلى أهل
البصرة أنه ينكر القباب والمشاهد ،ولما بلغت الوشاية متس ِّل َم البصرة (واليها)
عمر آغا َأ َم َر به فُأحضِ َر؛ فلما ك َّلمه رأى منه علما ً غزيراً وفهما ً وعقالًـ وذكاء؛
فقال له :أنت ال تصلح أن تبقى طالباً ،بل ينبغي أن ِّ
تدرس في البصرة ،ف ُعقِدَ ت له
حلقة كبيرة للتدريس حضرها الوالي والقاضي شهاب الدين الموصلي وحضرها
كذلك شيخه محمد المجموعي ،فاجتهد الشيخ في التعليم والدعوة إلى التوحيد،
ساده وأعداؤه وخافواوبدأ تأليف كتاب التوحيد وهو في البصرة؛ فشرق بذلك ُح َّ
.على ما بأيدهم من وسائل الشرك التي يأكلون بها أموال الناس ظلما ً وزوراً
ولم يزل الشيخ يدرس وهم يتربصون به الدوائر حتى صدر أمر الخليفة العثماني
بعزل الوالي عمر آغا وتعيين جرجيد آغا واليا ً على البصرة؛ فعين األخير قاضيا ً
جديداً على البصرة يدعى حسين اإلسالمبولي؛ فنشط أعداء الشيخ في الوشاية به
مرة أخرى؛ فُأ ْحضِ َر لسماع ما لديه وعرض ما يدعو إليه ،وحضر القاضي
المجلس؛ فلما سمعوا منه زادت حظوته عندهم وعرفوا قدره ،وطلب منه القاضي
َ
س في مدرسته؛ فباشر الشيخ التدريس فيها
يدر َ
.أن ِّ
فما كان من حساده وأعدائه إال تهديده بالقتل إن لم يغادر البصرة؛ فخرج منها
ظهراً في شدة الحر يمشي على رجليه متوجها ً إلى بلدة الزبير ،فلما بلغ منتصف
ص َر به رجل من أهل الزبير -يقال له أبو حميدان -
الطريق سقط من اإلعياء؛ـ ف َب ُ
.من أهل العلم والصالح كان مجتازاً بالطريق فحمله وأكرمه
فأقام في الزبير مدة يأخذ عن علمائها حتى بلغه خبر انتقال والده من العيينة إلى
حريمالء سنة 1139هـ إثر خالف بينه وبين أميرها ،فقفل راجعا ً إلى نجد ،ومر
في طريقه باألحساء والتقى الشيخ عبد هللا بن فيروز أبا محمد الكفيف ،ووجد
سره وأبهجه ،ولقي
عنده من كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ما َّ
قاضي األحساء الشيخ عبد هللا بن عبد اللطيف األحسائي وتذاكرا وتناظرا في
.مسائل في اإليمان ،ثم رجع إلى نجد
وذكر حفيدُه الشيخ عبد الرحمن بن حسن أنه حج بعدها فلما قضى الح َّج وقف في
هللا تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته ،وأن يرزقه القبول
.الملتزم ،وسأل َ
ثم قصد المدينة مع الحاج يريد الشام ،فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه
وسلبوه ،وأخذوا ما معه وشجوا رأسه ،وعاقه ذلك عن مسيره مع ال ُح َّجاج؛ فقدم
المدينة بعد أن خرج الحاج منها ،فأقام بها ،وحضر عند العلماء إذ ذاك ،منهم
محمد حياة السندي ،وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها ،وقراءة لبعضها،
ووجد فيها بعض الحنابلة ،فكتب كتاب الهدي البن القيم بيده ،وكتب متن
البخاري ،وحضر في النحو ،وحفظ ألفية ابن مالك ،ثم رجع إلى نجد وهم على
الحالة التي ال يحبها هللا وال يرضاها ،من الشرك بعبادة األموات واألشجار
واألحجار والجن ،فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد ،وإخالص العبادة بجميع أنواعها
هلل تعالى ،وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر؛
.والناس يتبعه منهم الواحد واإلثنان
وكان والد الشيخ قد ُع ِّينَ قاضيا ً في حريمالء لما انتقل إليها ،فأقام الشيخ عنده
يقرأ ويبحث ويلخص ،وأقبل إقباالً كبيراً على كتب شيخ اإلسالم وتلميذه ابن القيم
ففهم مقاصدها فهما ً حسناً ،واختصر بعضها فازداد نوراً وبصيرة وعلما ً راسخا ً
وتأصيالً متيناً ،وظل على هذه الحال حتى مات أبوه سنة 1153هـ ،ثم أوذي
الشيخ وتسلط عليه بعض األشرار وهموا بالفتك به لما أحسوا منه العزم على
إقامة الحدود على قطاع الطريق ومن يقوم بالسلب والنهب ،حتى بلغ بهم األمر
أن تسوروا عليه بيته ليقتلوه ولكن هللا سلمه ونجاه؛ فخرج من حريمالء إلى
العيينة؛ فرحب به أميرها عثمان ابن معمر وأيده على الدعوة إلى التوحيد ووعده
المناصرة والتأييد؛ فاستبشر الشيخ وسر لذلك ،فأظهر الدعوة ،وأنشأ مدرسة في
العيينة وفد إليه الطالب ،فاشتهرت دعوة الشيخ ،وبارك هللا فيها؛ حتى بلغ ذكرها
.األقطار
األمير على قطع األشجار التي كانت تعظم في العيينة فقطعوها،ـ
َ وحث الشي ُخ
وذهبوا بكتيبة إلى الجبيلة لهدم قبة زيد بن الخطاب فلما ه َّم الشيخ بضرب القبة
خرج إليه سدنتها وادعوا أن من يتجرأ على هذه القبة يصيبه شر وبالء وتشل
يده؛ فلم يأ َبه الشيخ بهم وبإيعادهم ،وأحجم بعض من كان معه ،فتقدم الشيخ إلى
القبة بالمعول وضربها بيده ،وبدأ يهدمها؛ فلما شرع في ذلك أعانه من كان معه
حتى أزالوها والكتيبة تحرسهم من أهل الجبيلة الذين كانوا يعظمون تلك القبة
ويعبدونها من دون هللا تعالى وكانوا لوال ما رأوا من المقاتلين عازمين على
الصغار حتى
حمايتها ومنع الشيخ من هدمها ،ولكن هللا كف أيديهم وألزمهم َّ
ُ .ه ِد َمت وهم ينظرون
وشمر الشيخ عن ساعد الجد في الدعوة اإلصالحية ،وصبر على ما أصابه من
أذى ،وهيأ هللا له من يعينه ويؤيده ،وكتب إلى علماء األقطار يدعوهم إلى محاربة
مظاهر الشرك والغلو ،فاستجاب بعضهم ،واستنكف آخرون وذموه واجتهدوا في
تنفير الناس منه ،واتهموه بما هو بريء منه حسداً وبغياً ،وزعموا أنه أتى
بمذهب خامس ودين جديد ،حتى وشوا به إلى أمير األحساء لهدمه القباب وإقامته
الحدود ،وكان أمير األحساء مهيبا ً َّ
معظما ً يخافه كثير من األمراء؛ فكتب إلى أمير
العيينة يتوعده أن يقطع عنه الخراج ويقطع السبيل على تجار العيينة إلى العراق
إن لم يقتل الشيخ؛ فكانت تلك فتنة عظيمة ألمير العيينة لم يثبت فيها ولم يوفق
فطلب من الشيخ مغادرة البلدة خوفا ً من أمير األحساء؛ وكان ذلك
َ لنصرة الدعوة؛
سنة 1158هـ ،فخرج الشيخ إلى الدرعية وهو يردد قول هللا تعالى{ :ومن يتق هللا
.يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث ال يحتسب}
ُذك َِر أنه خرج منها ماشيا ً أول النهار ووصل الدرعية آخر النهار ،فلما أن وصلها
نزل على رجل من تالميذه يدعى ابن سويلم؛ فضاقت به األرض بما رحبت،
وخاف من أمير الدرعية إن هو آواه ،فلم يزل الشيخ يس ِّكنه ويعظه حتى اطمأنت
األمير
َ نفسه ،وبلغ زوجة األمير خبر الشيخ ،وكانت امرأة صالحة فاضلة؛ َفح َّث ِ
ت
على قبول دعوة الشيخ ونصرته ،وحثه الصالحونـ على ذلك؛ فقام أمير الدرعية
محمد بن سعود بزيارة الشيخ في منزل مضيفه تعظيما ً لقدر العلم وأهله وقال له:
.أبشر باألمن والمساعدة والنصرة
فقال له الشيخ :وأنت أبشر بالنصر والتمكين؛ فهذا دين هللا من نصره نصره هللا،
.ومن أيده أيده هللا
فتبايعا على نصرة دين هللا تعالى وحماية دعوة التوحيد وأال يرحل الشيخ عنهم
.بعد ذلك
فأقام الشيخ الدروس ورتبها للعامة وطالب العلم فتوافد الناس على هذه المدرسة
من الدرعية وما حولها من القرى وفرحوا بالعلم النافع الذي لم يعهدوا تدريسه
وبيانه بمثل بيان الشيخ وحسن تعليمه ،وكان يعلم العامة وطالب العلم المبتدئين
األصول الثالثة يلقنهم إياها تلقيناً ،وألف لهم المناهج وأبدأ وأعاد في تقرير
مسائل التوحيد بما يناسب أفهامهم حتى فهموها ورسخت معانيها في نفوسهم ،
مع حثه أهل الدرعية على القيام بمصالحهم ومنع المكوس عنهم ،وأحبه الناس
وعرفوا قدره؛ فكان مسموع الكلمة لديهم ،مهيب المجلس ،معظم القدر ،مع قربه
من الضعفاء والمساكين ،وسعيه في أمور الخير واإلصالح ،وكان األمير يحرص
على حضور دروسه ويلزم أبناءه حضورها حتى تخرج على يديه جماعات من
الطالب فهموا معاني التوحيد وعرفوا أحكام الدين ،وبصرهم الشيخ بما يجب
عليهم من الدعوة إلى توحيد هللا ونبذ الشرك حتى أحس منهم قوة على بيان الحق
.والدعوة إليه
وكاتب العلماء واألمراء والوجهاء وحثهم على نصرة دين هللا تعالى وبين لهم
خطورة الرضى بالشرك وإقراره وأقام الحجج وكشف ال ُّ
ش َبه فأجابه الموفقون،ـ
.وعاداه آخرون
:وكان المعادون فئتين
ش َب َه وين ِّف ُرونَ
فئة :أهل بغي وحسد من علماء السوء والمتعالمين؛ كانوا يثيرون ال ُّ
الناس ويبثون األكاذيب والبهتان العظيم على الشيخ ودعوته
َ .
والفئة األخرى :أصحاب ظلم وجهل من األمراء واألعيان أ َّلبوا على الشيخ
.وقاوموا دعوته خوفا ً على مناصبهم وما يأخذونه ظلما ً من أموال الناس
وحمي وطيس المكاتبات والمناظرات والحرب الكالمية والمساجالت بين الشيخ
وخصومه حتى رفعت راية الجهاد ،وقام الشيخ بمعاونة أمير الدرعية ومشاركته
بالجهاد في سبيل هللا عز وجل؛ ففتح هللا لهم البالد وتوحدت الكلمة على التوحيد
.وأعزهم هللا ونصرهم على أعدائهم بالحجة والبيان والسيف والسنان
ولما كان عام 1179هـ توفي األمير محمد بن سعود رحمه هللا ،فخلفه ابنه عبد
.العزيز تلميذ الشيخ وأول من تلقب باإلمام فأكمل مسيرة والده
وكان الشيخ متوليا ً أمور السلم والحرب والمال ،فلما كان عام 1188هـ فوض
الشيخ لإلمام عبد العزيز أمور المسلمين وسلمه بيت المال وأوصاه خيراً ،ثم
انقطع للعبادة والتعليم ،وكان اإلمام يستشيره في حربه وسلمه ويصدر عن رأيه
.ومشورته
وبقي األمر على هذه الحال حتى توفي الشيخ سنة 1206هـ عن اثنين وتسعين
عاماً ،فرحمه هللا رحمة واسعة ،ورفع درجته في المهديين ،وخلفه في عقبه في
.الغابرين ،وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر
١قرأت مؤلَّف الشيخ محمد بن عبدالوهاب قراءةً سريعةً الموسوم بـكتاب التوحيد فوجدت أنه لم يذكر فيه -
غيرهما من األقوال إال شيئا
َ إال األدلة من الوحيين وتفاسيرها المعتمدة من السلف والعلماء ،ولم يذكر فيه
قليال ،وذلك دال على اقتصاره في مصدر التلقي على الوحي كتابا وسنة ،خالفا على ما عليه أهل البدع
المعرضين عن الوحيين الخائضين في دين هللا بعقولهم وأذواقهم.
-٢لم يرد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد أقو َل الفلسفة وأصحاب األهواء والبدع وال يخوض فيه علم
الكالم والفلسفة ،بل يقتصر ببيان ما عليه دليل من القرآن والحديث في العقيدة والمنهج.
-٣فالشيخ رحمه هللا تعالى لم يرد في ذلك الكتاب عند توضيح معاني اآليات واألحاديث وتفسير مضمونهما إال
بأقوال السلف وأئمة أهل السنة والجماعة ،ويالحظ أنه لم يذكر قط أقاويل أصحاب األهواء والبدع.
-٤ال يخفى علينا أن بعض المؤلفين يقلدون ويتعصبون على شيوخهم و َمن تقدم عليهم حياةً وعل ًما وعمرا ولو كانوا
مخالفين فيما دل عليه الكتاب والسنة ،بل الشيخ ينبذ التقليد ويتجرد كتابه لدالئل الكتاب والسنة مهما كان مخالفوها.
-٥يظهر الشيخ رحمه هللا تعالى في كتابه أنه حريص في البحث عن الحق وتحريه والتزامه به وإن كان األمر
يخالفه في بداية األمر ،وال يتعصب لرأيه ويتراجع عنه متى ظهر أنه يخالف الكتاب والسنة ،ومن ذلك شهادته على
قبوله الحق ولو كان صادرا من عبدهللا عيسى أحد خصومه وممن دونه في أمر مسألة ما ,فذلك دليل على حرصه
على البحث الحق والتزامه به مهما كان صاحبه.
وهذا أرجو أن يكون هذا الموضوع أو البحث مقبوال عند سماحتكم وصلى هللا وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله
وصحبه أجميعن.