You are on page 1of 12

‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪.

‬‬

‫المادة‪ :‬أصول العقدية‬ ‫االسم‪ :‬محمود علي الدين مهيمين‪.‬‬


‫للدكتور‪ :‬الشيخ زياد عبد اللطيف الحميد‬
‫الشعبة‪)١٥٥( :‬‬

‫كتاب مجموعة رسائل في التوحيد واإليمان مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد‬
‫الوهاب الجزء األول ‪ -‬الرسالة الحادية عشر ثماني حاالت استنبطها محمد بن عبد الوهاب من‬
‫قوله تعالى قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فال أعبد الذين تعبدون من دون هللا ‪-‬‬
‫المكتبة الشاملة‬
‫في الموضوع ذكر فيها الحاال التي استنبطها الشبخ محمد بن عبد الوهاب؛‬
‫مثل ‪ :‬العباد لغير هللا وحده مطلقا‪ ،‬وحال الناس اذا عرف الشرك وتركه وبغضه ‪ ،‬ال يفطف‬
‫لما يريد هللا من قلبه‪ ،‬وذكر فيها أن اإلنسان إذا عرف هذه الحاالت المذكورة المستنبطة من‬
‫هذه اآلت‪ ،‬اا بد من مذهب ينتسب به‪.‬‬

‫فإذا عرفت هذا‪ ،‬وعرفت أن دعوتهم الصالحين وتعلقهم عليهم أنهم يقولون‪ :‬ما نريد إال الشفاعة‪،‬‬
‫وأن النبي صلى هللا عليه وسلم قاتلهم ليخلصوا الدعوة هلل‪ ،‬ويكون الدين كله هلل‪ ،‬وعرفت أن هذا‬
‫هو التوحيد الذي هو أفرض من الصالة والص‪55‬وم‪ ،‬ويغف‪55‬ر هللا لمن أتى ب‪55‬ه ي‪55‬وم القيام‪55‬ة وال يغف‪55‬ر‬
‫لمن جهله ولو كان عابدا‪ ،‬وعرفت أن ذلك هو الشرك باهلل الذي ال يغفر هللا لمن فعله‪ ،‬وه‪55‬و عن‪55‬د‬
‫هللا أعظم من الزنى وقتل النفس‪ ،‬مع أن صاحبه يريد به التقرب من هللا‪ ،‬ثم مع هذا ع‪55‬رفت أم‪55‬را‬
‫آخر وهو أن أكثر الناس ما عرف هذا‪ ،‬منهم العلم‪55‬اء ال‪55‬ذين يس‪55‬مونهم العلم‪55‬اء في س‪55‬دير والوش‪55‬م‬
‫وغيرهم إذا قالوا‪ :‬نحن موحدون هللا‪ ،‬نعرف ما ينفع وال يضر إال هللا‪ ،‬وأن الصالحين ال ينفع‪55‬ون‬
‫وال يضرون‪ ،‬وعرفت أنهم ال يعرفون إال التوحيد‪ ،‬توحيد الكفار‪ ،‬توحيد الربوبي‪55‬ة‪ ،‬ع‪55‬رفت ك‪55‬بر‬
‫نعمة هللا عليك‪ ،‬خصوصا إذا تحققت أن الذي يواجه هللا وال يعرف التوحيد‪ ،‬أو عرف‪55‬ه ولم يعم‪55‬ل‬
‫به‪ ،‬أنه خالد في النار ولو كان من أعبد الناس‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬إنَّهُ َم ْن يُ ْش ِر ْك بِاهَّلل ِ فَقَ ْد َح‪َّ 5‬ر َم هَّللا ُ‬
‫ار}‬
‫ص ٍ‬‫َعلَ ْي ِه ْال َجنَّةَ َو َمْأ َواهُ النَّا ُر َو َما لِلظَّالِ ِمينَ ِم ْن َأ ْن َ‬
‫وصلى هللا على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‬
‫ما ذكره الشيخ بن غنام عن حال نجد في وقت محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫حال نجد أي وقت محمد بن عبد الوهاب‬
‫حيث كانا كثير من العامة في ذلك الوقت يأتون إلى بعد القبور واألضرحة‪.‬‬

‫االعتقاد في األولياء والغلو فيهم كان هذا االنحراف العقدي من اهم المسائل التي اتحد فيها النزاع بين الشيخ محمد‬
‫بن عبد الوهاب رحمه هللا وبين حصومه‪.‬‬

‫واالعتقاد في األشجار بين تلك األشجار وقع فيها الغلو واالعتقاد في األحجار يزعمون أنها ما هي هللا في الجبل‬
‫لمراتي أنت تسمى بنت االمير‪.‬‬

‫فليس صحيحا القول بأنه وجود الشركيات و عدم وجود العلماء والقضاة والمؤلفات الصحيحة ولكن الحقيقة هي أن‬
‫ذلك العلم أوالئك العلماء لم يبادر وا باالنكار والتغيير كما بدر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا و اإلمام محمد‬
‫بن سعود رحمه هللا‬
‫‪.‬تلخيص سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب‬

‫هو شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد ابن مشرف‬
‫التميمي نسبا ً من الوهبة من تميم‪ ،‬ولد فِي بلدة ال ُع َيين ِة سنة ‪1115‬هـ ‪ ،‬ونشأ فيها‬
‫نشأة صالحة فحفظ القرآن قبل بلوغه عشر سنين‪ ،‬وتتلمذ على والده قاضي‬
‫العيينة‪ ،‬وظهرت عليه أمارات النبوغ من حدة الذهن وقوة الحفظ وحسن الفهم‬
‫‪.‬وفرط الذكاء وعلو الهمة‬
‫زو َجه أبوه وهو ابن اثني عشر عاما ً بعدما عرف بلوغه ونبوغه‪ ،‬وق َّد َمه ليؤم‬ ‫َو َّ‬
‫فحج ثم أقام بمكة مدة يسيرة جلس فيها‬‫َّ‬ ‫بالحج‬
‫ِّ‬ ‫الناس لمعرفته باألحكام‪َ ،‬وَأذِنَ له‬
‫إلى بعض علمائها وأخذ عنهم‪ ،‬ثم قصد المدينة فمكث فيها شهرين‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫العيينة مواصالً طلبه للعلم وقراءته على والده؛ فقرأ على صغر سنه كتبا ً كثيرة‬
‫في التفسير والحديث والفقه والسيرة وغيرها واعتنى بفقه اإلمام أحمد وما كتبه‬
‫فقهاء المذهب المتقدمين ‪ ،‬وانتقد بعض ما في المنتهى واإلنصاف وبين مخالفته‬
‫لنصوص اإلمام أحمد‪ ،‬وناظر في المسائل الفقهية أباه وع َّمه وكانا من الفقهاءـ‬
‫وتبين لهم نبوغه وعلمه وفهمه‪ ،‬وكان مما عرف عنه سرعة الكتابة والجد في‬
‫‪.‬العلم والعمل مع الهمة العالية والعزيمة القوية‬
‫ثم حج مرة أخرى سنة ‪ 1136‬هـ وزار المدينة وتتلمذ فيها على الشيخ محمد حياة‬
‫السندي‪ ،‬والشيخ عبد هللا ابن سيف النجدي‪ ،‬وساءه ما رأى من فشو الغلو‬
‫ومظاهر الشرك في المدينة من تعظيم القباب والقبور وما يفعله بعض زوار القبر‬
‫‪.‬النبوي من المنكرات‬
‫فسأل شيخه محمد حياة السندي عما يراه من شركيات الزوار فأجابه على الفور‪:‬‬
‫‪ {.‬إن هؤالء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}‬
‫ولم يطق الشيخ مايرى من االستغاثة بقبر النبي صلى هللا عليه وسلم وقبور‬
‫الصحابة وتعظيم األحجار واألشجار فرجع إلى بلدته يطلب العلم ويقرأ ويكتب‬
‫ويحرر ويناقش ويناظر ويدعو إلى التوحيد وينكر مظاهر الشرك من تعظيم‬
‫‪.‬األشجار واألحجار والقبور والمقامات وعبادة غير هللا عز وجل‬
‫وكانت بالد نجد وغيرها قد غلب عليها الجهل والشرك؛ فكان في العيينة وحدها‬
‫سبع عشرة شجرة يعظمها العوام‪ ،‬ويعلقون عليها التعاليق‪ ،‬ويأتونها لطلب‬
‫‪.‬الحاجات‪،‬ـ منها شجرة قريوة والذئب وغيرها‬
‫وفي الجبيلة قبر يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬يطوف الناس حوله ويقدمون له النذور ويطلبون منه الشفاعات وقضاء‬
‫‪.‬الحاجات‬
‫وفي شعب البليداء نخلة تس َّمى فحل الفحول يأتيها العوام والنساء لطلب الولد‬
‫والزوج‪ ،‬وقد ذكر بعض العلماء أن المرأة إذا تأخر زواجها أتت تلك النخلة‬
‫فض َّمتها وقالت‪:‬يا فحل الفحولـ أريد زوجا ً قبل الحول!!‪ ،‬وكان ُي َع َّل ُق على تلك‬
‫النخلة التعاليق من الخرق وغيرها‪ ،‬و ُيفعل عندها من المنكرات والشركيات ما هللا‬
‫‪.‬به عليم‪ ،‬والعياذ باهلل‬
‫وفي شعب غبيراء مقام ضرار بن األزور‪ ،‬وفي الدرعية مقام كهف األعمى‬
‫ومغارة بنت األمير‪ ،‬وغيرها من المقامات التي يأتيها العوام ويقدمون لها‬
‫‪.‬القرابين‬
‫وفيها شجرة تسمى الطرفية تع َّلق عليها التعليقات من الخرق ونحوها لطلب قضاء‬
‫‪.‬الحاجات ودفع المكاره‬
‫وفيها أيضا ً رجل يدعى (تاج) يزعمون أنه من المجذوبين فيتبركون به ويعتقدون‬
‫فيه االعتقادات الباطلة والشرك الصريح في الربوبية واأللوهية مع ما يحكى من‬
‫‪.‬فسقه وانحالله‬
‫وفي الخرج شمسان وإدريس وغيرهما ُيدْ َعون من دون هللا وتقدم لهم النذور‬
‫‪.‬والقرابين‬
‫بل كان في كثير من البيوت زوايا يسمونها زاوية الجن يوضع لهم فيها األكل‬
‫‪.‬واألشياء النفيسة لطلب حمايتهم ونصرهم‬
‫وانتشر في تلك القرى وما حولها السحر والكهانة والسلب والنهب‪ ،‬وانتشرت‬
‫‪.‬الطرق الصوفية والخرافات والجهل‬
‫وكان مما أعان على انتشار الشرك والجهل والغلو طائفة من علماء السوء‬
‫والمتعالمين كانوا يكتبون التمائم والحجب ويبيعونها للعوام‪ ،‬ويحثونهم على الغلو‬
‫في الصالحين ويوهمونهم أنه من أفضل القربات إلى رب العالمين‪ ،‬وزين لهم‬
‫‪.‬الشيطان أعمالهم؛ فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل‬
‫فكان الشيخ يحزن لغربة اإلسالم وانتشار الشرك والجهل ويأسف لما آل إليه حال‬
‫‪.‬الناس‬
‫وأدرك أنه يجب عليه أن يبين للناس حقيقة اإلسالم‪ ،‬ويجدد معالم الدين ليخرج‬
‫الناس من الظلمات إلى النور بإذن هللا؛ فبدأ بالدعوة إلى توحيد هللا‪ ،‬وإنكار مظاهر‬
‫الشرك في بلدته العيينة فلقي أذى شديداً واستهزاءاً وجرت له محن فأشار عليه‬
‫‪.‬والده بالرحلة إلى العراق لالزدياد من العلم‬

‫مر باألحساء ونزل على الشيخ عبد هللا بن محمد ابن عبد‬
‫وفي طريقه إلى العراق َّ‬
‫اللطيف األحسائي وأخذ عنه‪ ،‬ثم رحل إلى البصرة ونزل في محلة المجموعة عند‬
‫س في مدرسته‬
‫‪.‬الشيخ محمد المجموعي و َد َر َ‬
‫وكانت البصرةُ يأتيها بعض التجار من نجد فعرفوا الشيخ ووشوا به إلى أهل‬
‫البصرة أنه ينكر القباب والمشاهد‪ ،‬ولما بلغت الوشاية متس ِّل َم البصرة (واليها)‬
‫عمر آغا َأ َم َر به فُأحضِ َر؛ فلما ك َّلمه رأى منه علما ً غزيراً وفهما ً وعقالًـ وذكاء؛‬
‫فقال له‪ :‬أنت ال تصلح أن تبقى طالباً‪ ،‬بل ينبغي أن ِّ‬
‫تدرس في البصرة‪ ،‬ف ُعقِدَ ت له‬
‫حلقة كبيرة للتدريس حضرها الوالي والقاضي شهاب الدين الموصلي وحضرها‬
‫كذلك شيخه محمد المجموعي‪ ،‬فاجتهد الشيخ في التعليم والدعوة إلى التوحيد‪،‬‬
‫ساده وأعداؤه وخافوا‬‫وبدأ تأليف كتاب التوحيد وهو في البصرة؛ فشرق بذلك ُح َّ‬
‫‪.‬على ما بأيدهم من وسائل الشرك التي يأكلون بها أموال الناس ظلما ً وزوراً‬
‫ولم يزل الشيخ يدرس وهم يتربصون به الدوائر حتى صدر أمر الخليفة العثماني‬
‫بعزل الوالي عمر آغا وتعيين جرجيد آغا واليا ً على البصرة؛ فعين األخير قاضيا ً‬
‫جديداً على البصرة يدعى حسين اإلسالمبولي؛ فنشط أعداء الشيخ في الوشاية به‬
‫مرة أخرى؛ فُأ ْحضِ َر لسماع ما لديه وعرض ما يدعو إليه‪ ،‬وحضر القاضي‬
‫المجلس؛ فلما سمعوا منه زادت حظوته عندهم وعرفوا قدره‪ ،‬وطلب منه القاضي‬
‫َ‬
‫س في مدرسته؛ فباشر الشيخ التدريس فيها‬
‫يدر َ‬
‫‪.‬أن ِّ‬
‫فما كان من حساده وأعدائه إال تهديده بالقتل إن لم يغادر البصرة؛ فخرج منها‬
‫ظهراً في شدة الحر يمشي على رجليه متوجها ً إلى بلدة الزبير ‪ ،‬فلما بلغ منتصف‬
‫ص َر به رجل من أهل الزبير ‪-‬يقال له أبو حميدان ‪-‬‬
‫الطريق سقط من اإلعياء؛ـ ف َب ُ‬
‫‪.‬من أهل العلم والصالح كان مجتازاً بالطريق فحمله وأكرمه‬
‫فأقام في الزبير مدة يأخذ عن علمائها حتى بلغه خبر انتقال والده من العيينة إلى‬
‫حريمالء سنة ‪1139‬هـ إثر خالف بينه وبين أميرها‪ ،‬فقفل راجعا ً إلى نجد ‪ ،‬ومر‬
‫في طريقه باألحساء والتقى الشيخ عبد هللا بن فيروز أبا محمد الكفيف‪ ،‬ووجد‬
‫سره وأبهجه‪ ،‬ولقي‬
‫عنده من كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ما َّ‬
‫قاضي األحساء الشيخ عبد هللا بن عبد اللطيف األحسائي وتذاكرا وتناظرا في‬
‫‪.‬مسائل في اإليمان‪ ،‬ثم رجع إلى نجد‬
‫وذكر حفيدُه الشيخ عبد الرحمن بن حسن أنه حج بعدها فلما قضى الح َّج وقف في‬
‫هللا تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته‪ ،‬وأن يرزقه القبول‬
‫‪.‬الملتزم‪ ،‬وسأل َ‬
‫ثم قصد المدينة مع الحاج يريد الشام‪ ،‬فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه‬
‫وسلبوه‪ ،‬وأخذوا ما معه وشجوا رأسه‪ ،‬وعاقه ذلك عن مسيره مع ال ُح َّجاج؛ فقدم‬
‫المدينة بعد أن خرج الحاج منها‪ ،‬فأقام بها‪ ،‬وحضر عند العلماء إذ ذاك‪ ،‬منهم‬
‫محمد حياة السندي‪ ،‬وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها‪ ،‬وقراءة لبعضها‪،‬‬
‫ووجد فيها بعض الحنابلة‪ ،‬فكتب كتاب الهدي البن القيم بيده‪ ،‬وكتب متن‬
‫البخاري‪ ،‬وحضر في النحو‪ ،‬وحفظ ألفية ابن مالك‪ ،‬ثم رجع إلى نجد وهم على‬
‫الحالة التي ال يحبها هللا وال يرضاها‪ ،‬من الشرك بعبادة األموات واألشجار‬
‫واألحجار والجن‪ ،‬فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد‪ ،‬وإخالص العبادة بجميع أنواعها‬
‫هلل تعالى‪ ،‬وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر؛‬
‫‪.‬والناس يتبعه منهم الواحد واإلثنان‬
‫وكان والد الشيخ قد ُع ِّينَ قاضيا ً في حريمالء لما انتقل إليها‪ ،‬فأقام الشيخ عنده‬
‫يقرأ ويبحث ويلخص‪ ،‬وأقبل إقباالً كبيراً على كتب شيخ اإلسالم وتلميذه ابن القيم‬
‫ففهم مقاصدها فهما ً حسناً‪ ،‬واختصر بعضها فازداد نوراً وبصيرة وعلما ً راسخا ً‬
‫وتأصيالً متيناً‪ ،‬وظل على هذه الحال حتى مات أبوه سنة ‪1153‬هـ ‪ ،‬ثم أوذي‬
‫الشيخ وتسلط عليه بعض األشرار وهموا بالفتك به لما أحسوا منه العزم على‬
‫إقامة الحدود على قطاع الطريق ومن يقوم بالسلب والنهب‪ ،‬حتى بلغ بهم األمر‬
‫أن تسوروا عليه بيته ليقتلوه ولكن هللا سلمه ونجاه؛ فخرج من حريمالء إلى‬
‫العيينة؛ فرحب به أميرها عثمان ابن معمر وأيده على الدعوة إلى التوحيد ووعده‬
‫المناصرة والتأييد؛ فاستبشر الشيخ وسر لذلك‪ ،‬فأظهر الدعوة‪ ،‬وأنشأ مدرسة في‬
‫العيينة وفد إليه الطالب‪ ،‬فاشتهرت دعوة الشيخ‪ ،‬وبارك هللا فيها؛ حتى بلغ ذكرها‬
‫‪.‬األقطار‬
‫األمير على قطع األشجار التي كانت تعظم في العيينة فقطعوها‪،‬ـ‬
‫َ‬ ‫وحث الشي ُخ‬
‫وذهبوا بكتيبة إلى الجبيلة لهدم قبة زيد بن الخطاب فلما ه َّم الشيخ بضرب القبة‬
‫خرج إليه سدنتها وادعوا أن من يتجرأ على هذه القبة يصيبه شر وبالء وتشل‬
‫يده؛ فلم يأ َبه الشيخ بهم وبإيعادهم‪ ،‬وأحجم بعض من كان معه‪ ،‬فتقدم الشيخ إلى‬
‫القبة بالمعول وضربها بيده‪ ،‬وبدأ يهدمها؛ فلما شرع في ذلك أعانه من كان معه‬
‫حتى أزالوها والكتيبة تحرسهم من أهل الجبيلة الذين كانوا يعظمون تلك القبة‬
‫ويعبدونها من دون هللا تعالى وكانوا لوال ما رأوا من المقاتلين عازمين على‬
‫الصغار حتى‬
‫حمايتها ومنع الشيخ من هدمها‪ ،‬ولكن هللا كف أيديهم وألزمهم َّ‬
‫‪ُ .‬ه ِد َمت وهم ينظرون‬
‫وشمر الشيخ عن ساعد الجد في الدعوة اإلصالحية‪ ،‬وصبر على ما أصابه من‬
‫أذى‪ ،‬وهيأ هللا له من يعينه ويؤيده‪ ،‬وكتب إلى علماء األقطار يدعوهم إلى محاربة‬
‫مظاهر الشرك والغلو‪ ،‬فاستجاب بعضهم‪ ،‬واستنكف آخرون وذموه واجتهدوا في‬
‫تنفير الناس منه‪ ،‬واتهموه بما هو بريء منه حسداً وبغياً‪ ،‬وزعموا أنه أتى‬
‫بمذهب خامس ودين جديد‪ ،‬حتى وشوا به إلى أمير األحساء لهدمه القباب وإقامته‬
‫الحدود‪ ،‬وكان أمير األحساء مهيبا ً َّ‬
‫معظما ً يخافه كثير من األمراء؛ فكتب إلى أمير‬
‫العيينة يتوعده أن يقطع عنه الخراج ويقطع السبيل على تجار العيينة إلى العراق‬
‫إن لم يقتل الشيخ؛ فكانت تلك فتنة عظيمة ألمير العيينة لم يثبت فيها ولم يوفق‬
‫فطلب من الشيخ مغادرة البلدة خوفا ً من أمير األحساء؛ وكان ذلك‬
‫َ‬ ‫لنصرة الدعوة؛‬
‫سنة ‪1158‬هـ‪ ،‬فخرج الشيخ إلى الدرعية وهو يردد قول هللا تعالى‪{ :‬ومن يتق هللا‬
‫‪ .‬يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث ال يحتسب}‬
‫ُذك َِر أنه خرج منها ماشيا ً أول النهار ووصل الدرعية آخر النهار‪ ،‬فلما أن وصلها‬
‫نزل على رجل من تالميذه يدعى ابن سويلم؛ فضاقت به األرض بما رحبت‪،‬‬
‫وخاف من أمير الدرعية إن هو آواه‪ ،‬فلم يزل الشيخ يس ِّكنه ويعظه حتى اطمأنت‬
‫األمير‬
‫َ‬ ‫نفسه‪ ،‬وبلغ زوجة األمير خبر الشيخ‪ ،‬وكانت امرأة صالحة فاضلة؛ َفح َّث ِ‬
‫ت‬
‫على قبول دعوة الشيخ ونصرته‪ ،‬وحثه الصالحونـ على ذلك؛ فقام أمير الدرعية‬
‫محمد بن سعود بزيارة الشيخ في منزل مضيفه تعظيما ً لقدر العلم وأهله وقال له‪:‬‬
‫‪.‬أبشر باألمن والمساعدة والنصرة‬

‫فقال له الشيخ‪ :‬وأنت أبشر بالنصر والتمكين؛ فهذا دين هللا من نصره نصره هللا‪،‬‬
‫‪.‬ومن أيده أيده هللا‬
‫فتبايعا على نصرة دين هللا تعالى وحماية دعوة التوحيد وأال يرحل الشيخ عنهم‬
‫‪.‬بعد ذلك‬
‫فأقام الشيخ الدروس ورتبها للعامة وطالب العلم فتوافد الناس على هذه المدرسة‬
‫من الدرعية وما حولها من القرى وفرحوا بالعلم النافع الذي لم يعهدوا تدريسه‬
‫وبيانه بمثل بيان الشيخ وحسن تعليمه‪ ،‬وكان يعلم العامة وطالب العلم المبتدئين‬
‫األصول الثالثة يلقنهم إياها تلقيناً‪ ،‬وألف لهم المناهج وأبدأ وأعاد في تقرير‬
‫مسائل التوحيد بما يناسب أفهامهم حتى فهموها ورسخت معانيها في نفوسهم ‪،‬‬
‫مع حثه أهل الدرعية على القيام بمصالحهم ومنع المكوس عنهم‪ ،‬وأحبه الناس‬
‫وعرفوا قدره؛ فكان مسموع الكلمة لديهم‪ ،‬مهيب المجلس‪ ،‬معظم القدر‪ ،‬مع قربه‬
‫من الضعفاء والمساكين‪ ،‬وسعيه في أمور الخير واإلصالح‪ ،‬وكان األمير يحرص‬
‫على حضور دروسه ويلزم أبناءه حضورها حتى تخرج على يديه جماعات من‬
‫الطالب فهموا معاني التوحيد وعرفوا أحكام الدين‪ ،‬وبصرهم الشيخ بما يجب‬
‫عليهم من الدعوة إلى توحيد هللا ونبذ الشرك حتى أحس منهم قوة على بيان الحق‬
‫‪.‬والدعوة إليه‬
‫وكاتب العلماء واألمراء والوجهاء وحثهم على نصرة دين هللا تعالى وبين لهم‬
‫خطورة الرضى بالشرك وإقراره وأقام الحجج وكشف ال ُّ‬
‫ش َبه فأجابه الموفقون‪،‬ـ‬
‫‪.‬وعاداه آخرون‬
‫‪:‬وكان المعادون فئتين‬
‫ش َب َه وين ِّف ُرونَ‬
‫فئة‪ :‬أهل بغي وحسد من علماء السوء والمتعالمين؛ كانوا يثيرون ال ُّ‬
‫الناس ويبثون األكاذيب والبهتان العظيم على الشيخ ودعوته‬
‫َ‬ ‫‪.‬‬
‫والفئة األخرى‪ :‬أصحاب ظلم وجهل من األمراء واألعيان أ َّلبوا على الشيخ‬
‫‪.‬وقاوموا دعوته خوفا ً على مناصبهم وما يأخذونه ظلما ً من أموال الناس‬
‫وحمي وطيس المكاتبات والمناظرات والحرب الكالمية والمساجالت بين الشيخ‬
‫وخصومه حتى رفعت راية الجهاد‪ ،‬وقام الشيخ بمعاونة أمير الدرعية ومشاركته‬
‫بالجهاد في سبيل هللا عز وجل؛ ففتح هللا لهم البالد وتوحدت الكلمة على التوحيد‬
‫‪.‬وأعزهم هللا ونصرهم على أعدائهم بالحجة والبيان والسيف والسنان‬
‫ولما كان عام ‪ 1179‬هـ توفي األمير محمد بن سعود رحمه هللا‪ ،‬فخلفه ابنه عبد‬
‫‪.‬العزيز تلميذ الشيخ وأول من تلقب باإلمام فأكمل مسيرة والده‬
‫وكان الشيخ متوليا ً أمور السلم والحرب والمال‪ ،‬فلما كان عام ‪1188‬هـ فوض‬
‫الشيخ لإلمام عبد العزيز أمور المسلمين وسلمه بيت المال وأوصاه خيراً‪ ،‬ثم‬
‫انقطع للعبادة والتعليم‪ ،‬وكان اإلمام يستشيره في حربه وسلمه ويصدر عن رأيه‬
‫‪.‬ومشورته‬
‫وبقي األمر على هذه الحال حتى توفي الشيخ سنة ‪1206‬هـ عن اثنين وتسعين‬
‫عاماً‪ ،‬فرحمه هللا رحمة واسعة‪ ،‬ورفع درجته في المهديين‪ ،‬وخلفه في عقبه في‬
‫‪.‬الغابرين‪ ،‬وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر‬

‫‪ ١‬قرأت مؤلَّف الشيخ محمد بن عبدالوهاب قراءةً سريعةً الموسوم بـكتاب التوحيد فوجدت أنه لم يذكر فيه‬ ‫‪-‬‬
‫غيرهما من األقوال إال شيئا‬
‫َ‬ ‫إال األدلة من الوحيين وتفاسيرها المعتمدة من السلف والعلماء‪ ،‬ولم يذكر فيه‬
‫قليال‪ ،‬وذلك دال على اقتصاره في مصدر التلقي على الوحي كتابا وسنة‪ ،‬خالفا على ما عليه أهل البدع‬
‫المعرضين عن الوحيين الخائضين في دين هللا بعقولهم وأذواقهم‪.‬‬
‫‪ -٢‬لم يرد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد أقو َل الفلسفة وأصحاب األهواء والبدع وال يخوض فيه علم‬
‫الكالم والفلسفة‪ ،‬بل يقتصر ببيان ما عليه دليل من القرآن والحديث في العقيدة والمنهج‪.‬‬

‫‪ -٣‬فالشيخ رحمه هللا تعالى لم يرد في ذلك الكتاب عند توضيح معاني اآليات واألحاديث وتفسير مضمونهما إال‬
‫بأقوال السلف وأئمة أهل السنة والجماعة‪ ،‬ويالحظ أنه لم يذكر قط أقاويل أصحاب األهواء والبدع‪.‬‬

‫‪ -٤‬ال يخفى علينا أن بعض المؤلفين يقلدون ويتعصبون على شيوخهم و َمن تقدم عليهم حياةً وعل ًما وعمرا ولو كانوا‬
‫مخالفين فيما دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬بل الشيخ ينبذ التقليد ويتجرد كتابه لدالئل الكتاب والسنة مهما كان مخالفوها‪.‬‬
‫‪ -٥‬يظهر الشيخ رحمه هللا تعالى في كتابه أنه حريص في البحث عن الحق وتحريه والتزامه به وإن كان األمر‬
‫يخالفه في بداية األمر‪ ،‬وال يتعصب لرأيه ويتراجع عنه متى ظهر أنه يخالف الكتاب والسنة‪ ،‬ومن ذلك شهادته على‬
‫قبوله الحق ولو كان صادرا من عبدهللا عيسى أحد خصومه وممن دونه في أمر مسألة ما‪ ,‬فذلك دليل على حرصه‬
‫على البحث الحق والتزامه به مهما كان صاحبه‪.‬‬

‫وهذا أرجو أن يكون هذا الموضوع أو البحث مقبوال عند سماحتكم وصلى هللا وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجميعن‪.‬‬

You might also like