Professional Documents
Culture Documents
2
االهداء
-إلى القائد الرائد
-إلى من وقف صامدا أمام التحديات العالمية ليرفع صوت اإلسالم .مدافعا ً عنه ،وموضحا ً حقيقته وأهدافه
-وإلى من انتزع االعتراف من زعماء غير مسلمين بأن االسالم اليحول بين اإلنسان وبين التطور العلمي ،والتقدم
الحضاري.
-إلى الذي شق طرقه بين الصفوف ليعلن الدعوة إلى تضامن المسلمين و وحدة كلمتهم.
-وإلى الذي وقف وسط الزحام في شجاعة المؤمن ليؤكد ان العز للمسلمين اال بالتمسك باإلسالم ،والثبات على العقيدة
الخالصة هلل وحده .
-إلى الرجل الذي أخذ مكانه بين زعماء العالم عن جدارة واستحقاق.
-وإلى الرجل الذي عمل وممل بجد وإخالص السعاد امته و وطنه.
-إلى داعية التوحيد ،فيصل بن عبدالعزيز أهدي في تقدير واحترام بمجهود فكري.
3
مقدمة .
بين يدي الكتاب حينما يفكر أخي فضيلة األستاذ الشيخ سعيد بن عبد العزيز الجندول في وضع شرح مبسط لكتاب التوحيد
للعالمة شيخ االسالم محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا ورضي عنه ...فانه يضع بتفكيره االستكمال الطبيعي الواضح للنهج
االسالمي الذي أخذ به نفسه منذ أن كان فتى يافعا ثم رجال مكتمل الرجولة .ثم هو اذ يدفع بتفكيره إلى البروز فيضع
الشرح الوافي للكتاب انما يضع قدمه باذن هللا في بداية خطوات طوال نحو أهداف كبيرة ،ولن يتساءل القارئ أبدا عن
االهداف ألنها واضحة ومشرقة .عمل كل المصلحين لبلوغها وتحملوا في سبيلها الكثير من النصب والمشقة و األذى .
وستظل القافلة منطلقة بمشيئة هللا ما بقيت حياة ،وما بقي أحياء .
وأغلى األهداف وأعالها منزلة وشأوا ( تنقية ) العقيدة من كل الشوائب ،وتصحيح الصلة بين العبد وربه على أساس
راسخ ونقي من عبادته وحده ال شريك له ،وصرف كل أنواع العبادة له دون غيره وااللتزام بما أمر به ،وممارسة ذلك
واقعا عمليا لتسعد باالحياء حياتهم ،و ليلتقي الراحلون بفضل من ربهم -بالنعيم المقيم والسعادة األبدية التي ال تنتهي .
وشيخ االسالم محمد بن عبد الوهاب عليه رحمه هللا كان رجال يستحق التاريخ أن يقف بجواره ليحكي للدنيا قصة ايمانه
العميق بر به ،وعزيمته التي ال حد لها لكي يحول ذلك االيمان إلى واقع يمارسه كل الناس ،وتختفي معه كل االنحرافات
واألصنام والطواغيت ألنها باطلة باطلة..
وانتصرت دعوة الشيخ التي كان فيها رحمه هللا -مجددا لما اندثر من معالم العقيدة الصحيحة مزيال لما تعلقها من أباطيل
وضالالت ،وشاء هللا أن يتحقق انتصاره بفضل هللا ثم بفضل ايمانه العميق ومؤازرة األئمة من آل سعود الكرام
المجاهدين ليضعوا بذلك مجتمعين اللبنة األولى للدولة المسلمة التي تنفرد باحتكامها إلى كتاب هللا وسنة رسوله قوال وعمال
...والكتاب الذي بين أيدينا اآلن هو نتيجة دراسة فاحصة واستيعاب واضح قام بهما فضيلة الشيخ سعيد لمؤلف الشيخ
اإلمام رحمه هللا أنتهت به إلى وضع شرح جيد له يكمل فائدته ،ويبسط أهدافه وهو من أقدر رجالنا اليوم على ما فعل وله
من إلمامه وقراءاته والتزامه الواضح ما يرشحه الجادة ما صنع والقدرة على صنع غيره .
نفع هللا به واثابه و وفقه و رحم شيخنا شيخ االسالم محمد بن عبد الوهاب وكل الداعين إلى دين هللا على بصيرة.
4
تمهيد
الحمد هلل الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ أحد وأصلي وأسلم على خاتم النبيين والمرسل إلى
الناس أجمعين .وبعد -:
فمنذ مدة غير قصيرة وأنا تراودني فكرة القيام بعمل يجعل كتاب التوحيد لالمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه
هللا كتابا يعيش أحداث هذا العصر باالسلوب و اللغة التي يفهمها العالم والمتعلم ومنذ عام أو يزيد بدأت في القاء األضواء
على هذا الكتاب بأسلوب جديد وصياغة جديدة ،وطريقة مبتكرة ،و استطعت بعون من هللا أن أخضع الكثير من مواضيع
الكتاب التي كانت تعالج مشاكل معينة في عصر الشيخ رحمه هللا لمعالجة بعض المشاكل المعاصرة
والعطاء القارئ ايضاحا أكثر فان الدافع الذي جعلني أفكر في عمل كهذا أمور ثالثة -:
األول :أن صاحب هذا الكتاب رحمة هللا عليه رحمة واسعة ،وجزاه عن االسالم و المسلمين أفضل ما يجازی به دعاة
الخير ورواد االصالح ،له الفضل الكبير في تصحيح عقيدة هذه األمة وتنوير أفكارها من ظلمات الجهل وعبادة غير هللا ،
حتى تطهرت هذه األرض من عبادة المخلوقين وأصبح التوحيد شعار الدولة واالمة كلها ،يلتفون حوله مؤمنين موحدين ،
ورجل أنقذ هللا به هذه البالد من فساد العقيدة ،وكافح وجاهد حتى رجع الناس إلى دينهم الصحيح صابرا ً محتسبا ً ،يستحق
منا وفاءا بحقه و اعترافا بفضله أن نجدد ذكره في األذهان ،ونحيي ما خلفه لنا من علم و فكر ،ولم أجد ما أسهم به في
هذا المجال سوى محاولة مخلصة لشرح كتابه هذا بطريقة جديدة تختلف تماما عن الطريقة القديمة المعروفة ،وهذا هو
كل ما قدرت عليه بالنسبة لرجل مصلح يعيش دائما في قلوبنا ،النه اخلص هلل فخلد هللا ذكره ،وسيبقى حيا في النفوس
إلى االبد ان شاء هللا...
الثاني :اقتناعي التام بان كتابا كهذا كان سببا في هداية الكثير من الناس في هذه البالد وغيرها ال بد وان تكون الفائدة منه
في عصرنا هذا أعم وأشمل أذا ما قدم للقارئ بطريقة مبتكرة ،ولقد حاولت أن أسلك هذا السبيل بقدر ما أملك من طاقة
فكرية ،ولعلي قد توصلت إلى بعض النتائج المرضية .
الثالث :الموجات االلحادية التي تجرف الكثير من أبناء المسلمين لتخرجهم عن اسالمهم عن طريق التشكيك في العقيدة
تارة ،واالغراء بالمال و غيره تارة اخرى تحتم على كل غيور على دين هللا أن يقدم الخوانه المسلمين ما عساه أن يكون
عاصما لهم عن االنحراف عن عقيدة التوحيد .
وانطالقا من صالح نية المؤلف رحمه هللا وما أداه هذا الكتاب من دور كبير في الحفاظ على صفاء عقيدة التوحيد في هذه
البالد وغيرها ،وايمانا بان المسلم بدون عقيدة تربطه باهلل مباشرة و بال واسطة مخلوق ال يستحق أن يسمي مسلما
بالمعنى الذي أراده هللا .
ولقد كان حرصي شديدا في أن يتجه هذا الشرح اتجاها يختلف عن الشروح القديمة من ناحية االسلوب و الطريقة ،
والتعرف لبعض االمور التي رأيت أن الضرورة تدعو إلى ذكرها دون ان اخرج عن اطار الكتاب أو التجاوز معاني
اآليات واألحاديث الواردة فيه وحسبي من ذلك كله نفعا عاما .و الخير قصدت -وما توفيقي اال باهلل عليه توكلت واليه
أنيب.
نسبه :
هو داعية التوحيد أبو عبد هللا محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي ،علم من
أعالم االسالم و مصلح من المصلحين الكبار .
5
ولد هذا المجدد رحمه هللا في بلدة من بالد نجد تسمى " بالعيينة " تقع شماال عن مدينة الرياض -عام 111۰هجرية ونشأ
بها ولما يبلغ العاشرة من عمره اال وقد أكمل القرآن الكريم حفظا .
وعلى يد والده الذي كان قاضيا آنذاك بدأ يوسع معلوماته في الفقه وغيره :وجريا على رغبة العلماء في طلب المزيد من
العلم -سافر رحمه هللا من بالد نجد إلى الحجاز ،وهناك بدأ يتلقى العلوم عن علماء مكة والمدينة ،ثم انتقلت به الرغبة
إلى المزيد من المعرفة فذهب إلى البصرة ،وتعلم فيها من علم الحديث والفقه والنحو الشيء الكثير .
عاد بعد هذه الرحلة إلى بلده واستقر به المقام عند والده ببلدة حريمالء يواصل طلب العلم عليه ،ويعكف على قراءة
التفاسير للقرآن الكريم ،وشروح السنة وكتب أعالم االسالم مثل کتب شيخ االسالم ابن تيمية و ابن القيم رحمهما هللا.
وهنا صنف كتابه هذا -کتاب التوحيد -و قيل انه صنفه بالبصرة ،وسواء أكان صنفه بالبصرة أو حريمالء فهو كتاب
يحارب ما عليه الناس من بدع و خرافات ،تخالف التوحيد الخالص هلل ..
ولقي الشيخ رحمه هللا في سبيل دعوته الناس إلى التوحيد أنواعا من األذى مما اضطره إلى االنتقال من حريمالء إلى
العيينة ،وفيها وجد من أميرها ابن معمر مساندة وتشجيعا ،فأخذ رحمه هللا يدعو إلى هللا
حتى أزال كل معالم الوثنية هناك ،اال أن هذه المساندة لم تدم ،وذلك أن حاكم االحساء والقطيف سليمان بن عريعر خاف
من انتشار دعوة الشيخ التي قد تكون سببا في االطاحة بسلطانه ،فكتب البن معمر يطلب منه اخراج الشيخ من العيينة
واال فسوف يقوم بغزو لبالده .ولما لم يكن ابن معمر قادرا على الدفاع عن بلده طلب من الشيخ مغادرة العيينة فخرج
متجها نحو الدرعية ،وفي هذه البلدة تقابل مع أميرها محمد بن سعود بن مقرن فأكرمه ،و وعده بالمعاونة في نشر
دعوته ،وهنا أخذ الشيخ رحمه هللا يوضح لألمير محمد حقيقة ما يدعو اليه ،وأن هدفه الوحيد هو ارجاع الناس إلى
العقيدة الصحيحة وترك عبادة األوثان ،فانشرح صدر األمير ،وأستقرت هذه الدعوة في قلبه ،وتعاهد معه على النصرة
و الحماية والجهاد الى أن يظهر هللا دينه ،وسار الرجالن جنبا إلى جنب يدعوان الناس إلى دين هللا وترك عبادة األصنام
إلى أن تطهرت البالد من عبادة غير هللا .
ولم تبق دعوة هذا المصلح الكبير رحمه هللا محصورة في نجد بل انتشرت عن طريق الوافدين إلى مكة للحج و العمرة في
أقطار كثيرة وتأثر بها رجال االصالح االسالمي في العراق ،و الشام ،ومصر ،والهند ،كما انتقلت عن الطريق نفسه
الى كل من السودان و سومطرة ،وصار لها أنصار ،و مؤيدون -بدعون لها ويدافعون عنها ،ولقد بلغ تأثيرها من القوة
حدا لم يبلغه تأثير دعوة أخرى منذ عهد بعيد.
شيوخه :
تتلمذ رحمه هللا بالمدينة المنورة على الشيخ عبد هللا بن ابراهيم بن سيف ،وأخذ عنه الكثير من العام وأجازه بالحديث
المشهور المسلسل في األولية « ،الراحمون يرحمهم الر حمن » من طريقين :
أحدهما :من طريق ابن مفلح عن شيخ االسالم احمد بن تيمية وينتهي إلى األمام أحمد .
والثاني :من طريق عبد الرحمن بن رجب عن ابن القيم عن ابن تيمية وينتهي إلى اإلمام أحمد.
كما أجازه الشيخ بكل ما في ثبت الشيخ عبد الباقي الحنبلي شيخ مشايخ وقته قراءة و علما و تعليقا ..صحيح البخاري
بسنده إلى مؤلفه ،وصحيح مسلم وشروح الصحيحين وسنن الترمذي ،والنسائي ،وأبي داود ،وابن ماجة ومؤلفات
الدارمي بسنده المتصل الى مؤلفه ،و مسند اإلمام الشافعي ،وموطأ مالك ،ومسند اإلمام أحمد الى غير ذلك مما ثبت في
ثبت الشيخ عبد الباقي .
6
ومن مشايخه أيضا الشيخ علي أفندي الداغستاني ،والشيخ اسماعيل العجلوني ،والشيخ عبد اللطيف العفالقي االحسائي ،
والشيخ محمد العفالقي االحسائي ،والشيخ محمد المجموعي و غيرهم .
مؤلفاته :
ألف رحمه هللا مجموعة من الكتب منها تفسير سورة الفاتحة -مختصر صحيح البخاري -مختصر السيرة النبوية -
نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم النبيين -کتاب التوحيد -أصول األيمان -کتاب الكبائر-
کشف الشبهات -ثالثة األصول -مختصر االنصاف والشرح الكبير -آداب المشي إلى الصالة -أحاديث الفتن -مختصر
زاد المعاد -المسائل التي خالف فيها رسول هللا أهل الجاهلية ،ورسائل عديدة أخرى أغلبها يدور حول موضوع التوحيد .
ولقد تأثر بهذه الدعوة واقتبس من مبادئها رجال لهم مكانة في االسالم والدعوة اليه -كجمال الدين األفغاني -بأفغانستان ،
ومحمد عبده بمصر ،وجمال الدين القاسمي بالشام ،وخير الدين التونسي بتونس ،وصديق خان في بهو بال و أمير علي
في كلكته و غيرهم.
وعلى هذا فدعوة الشيخ رحمه هللا لم تزد على أنها دعوة للمسلمين إلى الرجوع إلى توحيد هللا ،واالبتعاد عن البدع
والخرافات التي طغت على حياتهم فأبعدتهم عن العقيدة الصافية التي كان عليها الرسول عليه الصالة والسالم وأصحابه
ومن سار على نهجهم من المسلمين وهذا هو المنهج الذي سار عليه رحمه هللا دعوة إلى التوحيد ،وابتعاد عن الشرك ،
ونبذ للبدع والخرافات التي ما أنزل هللا بها من سلطان .
لكن الحقائق لم تلبث أن أظهرت للناس في جالء ووضوح أن دعوة الشيخ رحمه هللا لم تكن سوى دعوة الى العقيدة
الصافية النابعة من كتاب هللا وسنة رسوله عليه الصالة والسالم ،ومن هنا بدأ الناس يفهمون هذه الدعوة على حقيقتها
واعترف لصاحبها بأنه من كبار المصلحين و المجددين رحمه هللا ورضي عنه .
المنصفون له :
أ -رأي بعض علماء المسلمين في دعوته :
7
قال عنه الشيخ محمد رشيد رضا رحمه هللا لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانين يجددون لهذه
األمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة ،وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين و تأويل الجاهلين كما
ورد في األحاديث .
ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤالء العدول المجددين ،قام يدعو إلى تجريد التوحيد ،و اخالص
العبادة هلل وحده ،بما شرعه في كتابه ،وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى هللا عليه وسلم ،وترك البدع والمعاصي
واقامة شعائر اإلسالم المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة تنهدت لمناهضته واضطهاده .القوى الثالث قوة الدولة
والحكام ،وقوة أنصارهم من علماء النفاق ،وقوة العوام الطغام.
وقال عالمة العراق الشيخ محمود شكري اللوسي رحمه هللا كان الشيخ محمد من بيت علم في نواحي نجد .وكان أبوه
الشيخ عبد الوهاب عالما فقيها على مذهب األمام أحمد ،وكان قاضيا في بلد العيينة ،ثم في حريمالء ،وذلك في أوائل
القرن الثاني عشر وله معرفة تامة بالحديث والفقه وله أسئلة وأجوبة وكان والد عبد الوهاب الشيخ سليمان عالما فقيها أعلم
علماء نجد في عصره ،له اليد الطولى في العلم وانتهت اليه رياسة العلم في نجد -صنف و درس وأفتی اال أن الشيخ
محمدا لم يكن على طريقة أبيه وجده ،وكان شديد التعصب للسنة ،كثير االنكار على من خالف الحق من العلماء.
والحاصل أنه كان من العلماء اآلمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكان يعلم الناس الصالة و أحكامها وسائر أركان
الدين ويأمر بالجماعات .
وقد جد في تعليم الناس وحثهم على الطاعة وأمرهم بتعلم أصول االسالم وشرائطه ،وسائر أحكام الدين ،وأمر جميع أهل
البالد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد صالة الصبح ،وبين العشائين بمعرفة هللا ،ومعرفة دين االسالم ،ومعرفة
أركانه ومعرفة النبي محمد صلى هللا عليه وسلم ونسبه ومبعثه و هجرته
وأول ما دعا اليه كلمة التوحيد ،وسائر العبادات التي ال تنبغي اال هللا ،كالدعاء والذبح ،والنذر ،والخوف ،والرجاء ،
والخشية والرغبة ،والتوكل ،واالنابة ،وغير ذلك .
فلم يبق أحد من عوام أهل نجد ،جاهال باحكام دين االسالم بل كلهم تعلموا ذلك ،بعد أن كانوا جاهلين ،اال الخواص منهم
انتفع الناس به من هذه الجهة الحميدة أي سير ته المرضية و ارشاده النافع.
وقال العالمة الشيخ علي الطنطاوي متحدثا عنه في كتابه " محمد بن عبد الوهاب " ذکر فشو البدع قبل والدة الشيخ «
محمد » كما قال ،واعتقد الناس النفع والضرر بالرسول والصالحين ،وبالقبور واألشجار ،والقباب ،والمزارات ،
فيطلبون منهم الحاجات ،ويرجعون في الشدائد اليهم ،وينذرون لهم ،ويذبحون لهم ،وأشتد تعظيم األموات .وكان حظ
نجد في هذه الجاهلية الجديدة أكبر الحظوظ .فقد اجتمع على أهله الجهل والبداوة والفقر واالنقسام في كل ناحية من نواحي
نجد من األمراء بمقدار ما كان فيها من القرى
ففي كل قرية أمير وفي كل ناحية جمعية أمم ،وكان في كل إمارة قبر عليه بناء او شجرة لها أسطورة يقوم عليها سادن
من شياطين األنس -يزين للناس الكفر ويدعوهم إلى االعتقاد بالقبر والذبح له والتبرك به والدعاء عنده .ثم ذكر شجرة
تسمى شجرة الذئب ،وقبر « زيد بن الخطاب » و ذلك على سبيل المثال
قال :وكان العلماء قلة ،والحكام عتاة ظلمة ،والناس فوضى يغزو بعضهم بعضا ،ويعدو قويهم على ضعيفهم.
في تلك البيئة نشأ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا فرأى شمس اإلسالم إلى أفول ،ورأي ظلمة الكفر الى امتداد و شمول
.
وأراد هللا له الخير فقدر له أن يكون أحد الذين أخبر الرسول انهم يبعثون ليجددوا لهذه األمة دينها ،بل لقد كان أحق بهذا
الوصف من كل من وصف به في تاريخنا .
فقد حقق هللا على يديه عودة نجد إلى التوحيد الصحيح والدين الحق ،وااللفة بعد االختالف ،والوحدة بعد االنقسام.
8
وال أقول :انه عار عن العيوب و االخطاء .
ولكن أقول أن هذه اليقظة ،التي عمت نجدا ثم امتدت حتى جاوزته إلى أطراف الجزيرة ،ثم إلى ما حولها ،ثم امتدت
حتى وصلت إلى آخر بالد االسالم ،ليست اال حسنة من حسناته عند هللا أن شاء هللا
فقال :أن الباحث عن الحياة العقلية واألدبية في جزيرة العرب ،ال يستطيع أن يهمل حركة عنيفة نشأت فيها أثناء القرن
الثامن عشر ،
فلفتت اليها العالم الحديث في الشرق والغرب ،واضطرته أن يهتم بأمرها وأحدثت فيها آثارا خطيرة ،هان شأنها بعض
الشيء ولكنها عادت فاشتدت في هذه األيام ،وأخذت تؤثر ال في الجزيرة وحدها بل في عالقاتها باألمم األوربية.
هذه الحركة هي حركة الوهابيين ،التي أحدثها محمد بن عبد الوهاب شيخ من شيوخ نجد.
إلى أن قال :قلت أن هذا المذهب الجديد قديم معنی .والواقع انه جديد بالنسبة إلى المعاصرين ،ولكنه قديم في حقيقة
األمر .ألنه ليس اال الدعوة القوية إلى اإلسالم الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية
هو الدعوة إلى االسالم ،كما جاء به النبي صلى هللا عليه وسلم خالصا هلل ملغيا كل واسطة بين هللا وبين الناس.
هو احياء لالسالم و تطهير له ،مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج االختالط بغير العرب.
فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة ،إلى أن قال .
ولوال أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب وحاربوه في داره بقوة وأسلحة ال عهد ألهل البادية بها -
لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر ،والثالث عشر الهجري كما وحد ظهور
االسالم کلمتهم في القرن األول.
ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية واالدبية عند العرب فقد كان هذا األثر عظيما خطيرا من نواح
مختلفة ،فهو قد أيقظ النفس العربية فوضع أمامها مثال أعلى أحبته وجاهدت في سبيله ،بالسيف و القلم والسنان ،و هو
لفت المسلمين جميعا.
الوهابية :اسم لحركة التطهير في االسالم .والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده ،ويهملون كل ما سواها .وأعداء
الوهابية هم أعداء اإلسالم الصحيح.
وقال ستودارد االمريكي مؤلف « حاضر العالم االسالمي » :كان العالم االسالمي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ ،
ومن التدلي واالنحطاط أعمق درکه فاربد جوه و طبقت الظلمة على صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه ،وانتشر فيه
فساد األخالق واآلداب إلى أن قال
وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء ،فالبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس ،سجفا من الخرافات ،وقشور
الصوفية وخلت المساجد من ارباب الصلوات .وكثر عدد األدعياء الجهالء وطوائف الفقراء والمساكين .يخرجون من
مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات .ويوهمون الناس بالباطل والشبهات ،ويرغبونهم في
الحج إلى قبور األولياء ،ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور .
و غابت عن الناس فضائل القرآن ،فصار يشرب الخمر واألفيون في كل مكانوانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات
على غير خشية والاستحياء ونال مكة المكرمة ،والمدينة المنورة ،ما نال غير هما من سائر مدن االسالم .
وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين ،وهطوا مهبطا بعيد القرار.
9
فلو عاد صاحب الرسالة إلى األرض في ذلك العصر ورأي ما كان يدعى االسالم ،لغضب وأطلق اللعنة على من
استحقها من المسلمين ،كما يعلن المرتدون ،وعبدة األوثان.
و فيما العالم االسالمي مستغرق في هجعته ،ومدلج في ظلمته اذا بصوت يدوي من قلب صحراء شبه الجزيرة مهد
االسالم يوقظ المؤمنين ،ويدعوهم إلى اإلصالح ،والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم.
فكان الصارخ لهذا الصوت انما هو المصلح المشهور الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية ،فاشتعلت
واتقدت ،واندلعت ألسنتها الى كل زاوية من زوايا العالم االسالمي .
ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على اصالح النفوس واستعادة المجد االسالمي القديم و العز التليد
تبدت تباشير صبح االسالم ،ثم بدأت اليقظة الكبرى في علم االسالم.
وباسم االسالم الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن األول نادي محمد بن عبد الوهاب باالبتعاد عن جميع ما أضيف
للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعة خرافية غريبة عن االسالم الصحيح.
كان آلل سعود إلى جانب سيفهم الذي يستخدمونه في الفتح سالح معنوي آخر .يدينون له بأعظم قسط من نجاحهم .ذلك
السالح من صنع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أحد رجال الدين المطاردين في سبيل عقيدتهم ،والذي لجأ إلى الدرعية
عاصمة آل سعود في ذلك الحين ،فلقي لديهم الحماية و األمان .وكانت تمأل قلب محمد بن عبد الوهاب فكرة تجديد القوى
العربية على أساس ديني ناسبا إلى ابتعادهم عن سيرة السلف الصالح .وانقسامهم الى شيع .والى ابتعادهم عن خلقهم
العربي األصيل .سبب تالشيهم الذي جعلهم في متناول النفوذ االجنبي .إلى أن قال :ورأي الشيخ أن سبب االنقاذ هو
الرجوع الى تعاليم الدين المشروعة ،الى تعاليم الرسول الصحيحة .
فراح يبشر بوحي من ضميره وعقيدته بمحاربة البدع التي أدخلت على االسالم عبر العصور الغابرة ،والضال المضل
من تقارير علماء الدين غير مقيم وزنا اال لما نص عليه القرآن صراحة ،أو لما يمكن نسبته بصورة قاطعة للنبي محمد
صلى هللا عليه وسلم ،وراح يحارب بكل قواه المستمدة من عقيدته الصلبة تقديس األولياء ،وجعلهم واسطة بين هللا وبين
الناس .وينادي بهدم األضرحة ،ومزارات األولياء ،و ازالة معالمها اقتداءا بالنبي الكريم .الذي حارب بدعة تقديس
الهياكل .وعبادة األصنام الموروثة من الجاهلية .
و بعد فقد جاهد هذا المصلح الكبير رحمه هللا في سبيل ارجاع المسلمين إلى االسالم الصحيح جهاد الدعاة المخلصين
معرضا حياته للخطر صابرا محتسبا إلى أن توفي عام 12۰6هجرية فرحمه هللا رحمة واسعة وجزاه عن االسالم و
المسلمين خير الجزاء وجمعنا به في جنات الخلد اللهم استجب يا رب العالمين .
1۰
نبذة موجزة عن شارح الكتاب
االسم :سعيد بن عبد العزيز الجندول
عندما بلغ الثامنة من عمره أدخله والده في مدرسة يتعلم فيها القرآن الكريم ،وبعد أن أكمل حفظ القرآن نظرا ً بدأ يحفظه
عن ظهر قلب وما أن بلغ الثالثة عشرة من عمره إال وقد أكمل حفظ القرآن الكريم كله
وبتوجيه من والده الذي حرص أن يحذو حذوه في طلب العلم أخذ يحفظ بعض الكتب الصغيرة في الحديث والتوحيد والفقه
و خالل هذه الفترة من حياته سافر إلى الرياض حيث كانت ملتقى رواد العلم من جميع أنحاء المملكة وحيث تعقد حلقات
العلم في المساجد بدأ ينهل فيها من مناهل المعرفة ،ولم يكن له من عمل سوى طلب العلم .
وفي مسجد من مساجد الرياض ،حيث توجد غرف يسكن بها الوافدون إلى هناك لطلب العلم ،سكن في غرفة متواضعة
داخل المسجد مستغال كل وقته في طلب العلم ،وبقي متنقال بين حلقات العلم ،يختار منها ما يروق له من علوم اللغة
والفقه والتوحيد والحديث و غيرها من علوم الشريعة ،وبقي في الرياض يتابع تعليمه على نظام الحلقات حتى عام 136۰
ه حيث انتقل إلى الحجاز يطلب المزيد من العلم وفي مكة المكرمة أخذ يتابع تعليمه على بعض المشائخ في المسجد الحرام
وبقي بها مدة غير طويلة ،انتقل بعدها إلى الطائف وهناك التحق بدار التوحيد و فيها حصل على الشهادة االبتدائية
والشهادة الثانوية وبعد اكماله الدراسة المرحلة الثانوية انتقل إلى مكة لمواصلة دراسته العالية بكلية الشريعة .
وفي عام 137۰ه حصل على شهادة كلية الشريعة ( الليسانس ) .
وفي عام 1379ه حضر دورة قصيرة في الجامعة األمريكية لالطالع على أحدث الطرق التربوية للتعليم في المرحلة
االبتدائية.
وفي عام 1384ه حصل على شهادة تدريب في التخطيط التربوي من المركز اإلقليمي لتدريب كبار موظفي التعليم في
الدول العربية .
بدأت حياته الوظيفية مع بداية عام 1363ه .حين أن عين عضوا في هيئة األمر بالمعروف.
وفي عام 137۰ه و بعد حصوله على شهادة الليسانس من كلية الشريعة بمكة عين إماما وخطيبا في المسجد الحرام
وفي العام نفسه عين مديرا للمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة .
ثم نقل إلى جهاز وزارة المعارف بالرياض في وظيفة مساعد مدير عام التعليم الثانوي.
وفي عام 1391هـ صدر األمر الملكي بتعيينه نائبا لرئيس هيئة التأديب.
بعض مشايخه:
بعض المشائخ الذين أخذ عنهم العلم على طريق الحلقات هم :
11
-3الشيخ محمد بن مانع.
أما الذين تلقى عنهم العلم على الطريقة الحديثة للتعلم في دار التوحيد وكلية الشريعة فهم كثير وأغلبهم من علماء األزهر .
شارك في عدة مؤتمرات تعليمية دولية ،وأسندت إليه مهمات أخرى تعليمية في بعض الدول العربية
عضو في اللجنة الفرعية للتعليم ،وأحد أعضاء اللجنة العليا للتوعية االسالمية .
مؤلفاته :
-1كتاب التوحيد والتهذيب ،کتاب مدرسي -مقرر على طلبة السنة النهائية للمرحلة الثانوية بقسميها العلمي واألدبي.
-2کتاب مدرسي في التفسير وعلومه -مقرر على طلبة معاهد إعداد المعلمين .
-3کتاب الدر النضيد ،شرح على كتاب التوحيد لالمام المجدد الشيخ ،محمد بن عبد الوهاب -رحمه هللا .
12
باب التوحيد وقول هللا تعالى ( وما خلقت الجن واالنس اال
ليعبدون ) اآلية ( - 56الذاريات ) .
وقوله ( ولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت ) اآلية ( - 36النحل ) .
وقوله ( وقضى ربك اال تعبدوا اال اياه وبالوالدين إحسانا ) اآلية ( - 23االسراء ).
وقوله ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم اال تشركوا به شيئا ) اآليات ( - 1۰1االنعام ).
قال ابن مسعود رضي هللا عنه ،من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى هللا عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله
تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم -إلى قوله -وأن هذا صراطی مستقيما ) اآلية ( - 1۰3االنعام ).
وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه قال :كنت رديف النبي صلى هللا عليه وسلم على حمار فقال لي « :يا معاذ أتدري ما
حق هللا على العباد وما حق العباد على هللا » فقلت :هللا ورسوله أعلم قال :حق هللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به
شيئا ،وحق العباد على هللا أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا » قلت :يا رسول هللا أفال أبشر الناس قال «ال تبشرهم
فيتكلوا » أخرجاه في الصحيحين.
فيه مسائل:
أن من لم يأت به لم يعبد هللا ففيه معنى قوله ( وال أنتم عابدون ما أعبد ) . الثالثة :
المسألة الكبيرة أن عبادة هللا ال تحصل اال بالكفر بالطاغوت ففيه معنى قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن السابعة :
باهلل ) االية.
التاسعة :عظم شأن ثالث االيات المحكمات في سورة االنعام عند السلف و فيها عشر مسائل أولها النبي عن الشرك .
العاشرة :اآليات المحكمات في سورة االسراء وفيها ثماني عشرة مسألة بدأها هللا بقوله ( ال تجعل مع هللا الها أخر فتقعد
مذموما مخذوال ) وختمها بقوله ( وال تجعل مع هللا الها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) ونبهنا هللا سبحانه على عظم
شأن هذه المسألة بقوله ( ذلك مما اوحي اليك ربك من الحكمة ) .
الحادية عشرة :آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة بدأها هللا تعالى بقوله ( واعبدوا هللا ،وال تشركوا به شيئا
).
الثانية عشرة :التنبيه على وصية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند موته .
13
الرابعة عشرة :معرفة حق العباد عليه .اذا أدوا حقه .
التاسعة عشرة :قول المسئول عما ال يعلم :هللا ورسوله أعلم .
الحادية والعشرون :تواضعه صلى هللا عليه وسلم لركوب الحمار مع األرداف عليه .
الهدف :
قصد داعية التوحيد رحمة هللا عليه من هذا الباب ،بيان أن العبادة ال تجوز اال هلل الواحد ،خالق هذا الكون و مدبره .
الشرح :
فاآلية األولى :من هذه اآليات الخمس ،توضح أن الحكمة في خلق الجن واالنس هي أن يعبدوه وحده ،وعبادة هللا تتمثل
في اتباع أوامره ،واجتناب ما نهى عنه ،مما ورد في كتابه العزيز أو سنة رسوله الثابتة الصحيحة ،وعبادة هللا معناها
التذلل الكامل ،والخضوع التام ،واالعتراف الجازم ،بأن هللا رب كل شيء وخالقه و المتصرف فيه ،وأن العبادة ال
تصح اال له دون غيره .
واآلية الثانية :فيها أخبار من هللا ،أنه بعث في كل جيل من الناس رسوال يدعوهم إلى عبادة هللا ،واجتناب عبادة
الطاغوت ،ومعنی هذا أن رساالت األنبياء كلها من نوح إلى موسى وعيسى ومحمد عليهم الصالة و السالم – تلتقي حول
نقطة واحدة هي األمر بعبادة هللا وحده ال شريك له ،والنهي عن عبادة غيره ،ومثل هذه اآلية قول هللا تعالى ( وما أرسلنا
من قبلك من رسول اال نوحي اليه -أنه ال اله اال أنا فاعبدون ).
واآلية الثالثة ( :وقضى ربك أال تعبدوا اال اياه ) فيها األمر من هللا اآل يعبد غيره ،ألن العبادة نهاية التعظيم ،وال يليق
ذلك اال بالخالق العظيم الواحد االحد جل جالله.
وكما أمر با فراده بالعبادة ،أمر كذلك باالحسان إلى الوالدين .فقال « وبالوالدين إحسانا » يعني وأن تحسنوا إلى الوالدين
وتبر وهما .
وتفصل األية بعد ذلك ما يجب من االحسان للوالدين فتقول ( :أما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كالهما فال تقل لهما أف
وال تنهرهما ).
فال تتأفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذى منه الناس عادة ،ولكن عليك بالصبر واحتساب الثواب عند هللا ،
كما صبرا عليك في صغرك ( .وال تنهرهما ) يعني ال تسمعهما كالما يسيء إلى مشاعرهما ( وقل لهما قوال كريما )
14
يعني كالما حسنا مشعرا باالدب و االحترام ۔ واالعتراف لهما بالفضل واالحسان ( .و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة
) أي تواضع لهما في رحمة وشفقة ( وقل رب ارحمهما ) في كبر هما وبعد وفاتهما (كما ربياني صغير ) .
أما اآلية الرابعة :ففيها األمر بعبادة هللا وحده ال شريك له ،وتأتي بعدها اآلية الخامسة واألخيرة في هذا الباب والتي
تسمى بآية الحقوق العشرة ،وهي قوله تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) يعني قل يا محمد لهؤالء الذين اتبعوا
أهواءهم بعبادة غير هللا ،وتحليلهم أو تحريمهم أشياء لم تكن بأمر من هللا ،أقبلوا الي أقص ما حرم هللا عليکم ،يقينا ال
ظنا وال تخرصا ،وانما هو وحي من هللا الذي يملك حق التحريم و التحليل ،وقد بدأت اآلية الكريمة بأكبر المحرمات
وأشدها إفسادا للعقل و العقيدة ،وهو الشرك فقالت :
( -1أن ال تشركوا به شيئا ) أي ومما اتلوه عليكم و أوصيكم به ،اال تشركوا باهلل شيئا من مخلوقاته التي أوجدها بقدرته
و ارادته وأخضعها السلطانه ،وعبوديته ( ان كل من في السموات واألرض األ آنتي الرحمن عبدا ) .
( -2وبالوالدين إحسانا ) يعني واحسنوا بالوالدين إحسانا ،ولعظم عناية هللا ببر الوالدين أن جعله ثاني الوصايا العشر
وقرنه بعبادته كما قرن شکرهما بشكره ،في سورة لقمان بقوله ( :أن أشكر لي ولوالديك ) والمراد ببر الوالدين هنا
احترامهما ،واالبتعاد عن كل ما يسيء إلى مشاعرهما ،أو ينغص عليهما حياتهما وطاعتهما في كل أمر ،اال اذا كان
ذلك األمر فيه معصية هللا فال طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
( -3وال تقتلوا أوالدكم من أمالق( )1نحن نرزقکم و اياهم ) أي ومما وصاكم به هللا -اال تقتلوا أوالدكم خوفا من فقر
يحل بكم فاني راز قكم و اياهم ،وكان الناس قبل االسالم يئدون بناتهم خشية العار ،ويقتلون أبناءهم الصغار خوفا من
الفقر فحرم هللا ذلك تحريما قاطعا ،واخبر في آية من كتابه العزيز :أنه ما من دابة في االرض اال على هللا رزقها .
( -4وال تقربوا الفواحش( )2ما ظهر( )3منها وما بطن( ) )4أي ابتعدوا عن فعل كل أمر مستقبح في نظر االسالم ،
سرا أو علنا فاهلل سبحانه و تعالى ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء
( - 5وال تقتلوا النفس التي حرم هللا اال بالحق ) أي ال تقتلوا النفس التي حرم هللا قتلها باالسالم اال بالحق يعني اال بسبب
جرم أمر الشرع بقتلها من أجله ،كما ورد بذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي هللا
عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال( :ال يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ال اله اال هللا ،وأن محمدا رسول هللا اآل
بأحدى ثالث -الثيب الزاني ( ، 1) 75والنفس بالنفس( ، )6والتارك( )7لدينه المفارق للجماعة ).
2أو التي حرم قتلها بالعهد لما رواه الترمذي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( :من قتل معاهدا له ذمة هللا وذمة
رسوله فقد اخفر بذمة هللا فال يرح رائحة الجنة ،وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا ) ( ذلكم وصاكم به لعلكم
تعقلون ) أي أن هللا تعالى وصاكم بهذه الوصايا ليعد كم لتعقل ما فيه الخير فتفعلوه ،وما فيه الشر فتترکوه .
( -6وال تقربوا مال اليتيم اال بالتي هي أحسن ) يعني ال تقربوا مال اليتيم اذا وليتم على أمره أو كانت لكم وصاية عليه
اآل بتنميته بالتجارة وغيرها مما يعود عليه بالربح ( حتى يبلغ أشده ) يعني حتى يبلغ سن الرشد ،فاذا بلغ الرشد وصار
أهال للتصرف فيه بعقل ومعرفة فسلموه اليه .
( - 7وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) أي وأتموا الكيل اذا كلتم للناس أو كلتم عليهم النفسكم ،وكذلك اذا وزنتم للناس أو
وزنتم النفسكم وقوله ( بالقسط) أي بالعدل سواء لكم أو عليكم ( .ال نكلف نفسا إال وسعها ) أي ال نكلف من يبيع أو
1
15
يشتري أن يكيل أو يزن بحيث ال يزيد أو ينقص الكيل أو الوزن ،حبة أو تمرة ،وانما يتحرى العدل واإلنصاف ،سواء
له أو عليه ،فاذا حصل خطأ غير مقصود فان هللا ال يحاسبه على ذلك .
( -8واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي ) يعني كما يجب عليكم العدل في األفعال کالوزن والكيل كذلك يجب عليكم
العدل في االقوال ،اذا حكمتم أو شهد تم على أحد ،ولو كان المحكوم عليه ،أو المشهود له من ذوي القرابة .
( -9و بعهد هللا أوفوا ) أي أمركم بالوفاء بعهد هللا ،وهذا شامل لكل عهد يلتزم به اإلنسان أمام هللا .وأهم عهد التزم به
االنسان أمام ربه حين آمن به وبرسله ،هو امتثال أمره واجتناب نهيه .لذا كان لزاما عليه الوفاء بهذا العهد أينما كان
وحيثما وجد ( .ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) أي ذلكم الذي تلوته عليكم ،ووصيتكم به ،رجاء أن تتذكروا فتتعظوا ،
وتتواصوا بترك ما أنتم عليه من أعمال تخالف شرع هللا و دينه.
( -1۰وأن هذا صراطی مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله ) اي وأن هذا القرآن ،هو المنهاج
المستقيم ،الذي ادعوكم اليه فاتبعوه .وال تسلكوا سبل الضالالت فتفرقوا شيعا وأحزابا فتضلوا عن طريق هللا ،طريق
االسالم فتصيروا إلى الضياع والشقاء و الهالك .
( ذ لكم وصاكم به لعلكم تتقون ) أي ذلك األمر باتباع الصراط المستقيم ،وصاكم عسى أن تتقوا هللا فال تقعوا في محذور
يعرضكم السخطه .
وفي نهاية هذا الباب يأتي حديث معاذ رضي هللا عنه وفيه أمور :
أوال :تواضع نبي هللا عليه الصالة والسالم في ركوب الحمار الذي يأنف كثير من الناس من الركوب عليه .
ثانيا :الطريقة التربوية في احالل االستفهام بدال من طرح السؤال مباشرة لما في ذلك من استثارة انتباه المسئول ،
ورسوخ ما سيقال في ذهنه ،وذلك في قول الرسول عليه السالم لمعاذ ( أتدري ما حق هللا على العباد ؟ و ما حق العباد
على هللا ؟ ).
ثالثا :اعتراف المسلم بعجزه عن الشيء الذي ال يعلم حكمه من شريعة هللا ،وذلك في جواب معاذ لرسول هللا صلى هللا
عليه وسلم حين قال ( هللا ورسوله أعلم ) .
الرابع :معنى قول الرسول صلى هللا عليه وسلم «حق هللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا وحق العباد على هللا
اال يعذب من ال يشرك به شيئا » وهذا يعني أن هللا حقا على العباد ،وأن للعباد حقا على هللا ،اال أن هناك فرقا بين حق
هللا على العباد ،وحق العباد على هللا .فإفراد هللا بالعبادة حق واجب على كل المخلوقين من األنس والجن أما حق العباد
على هللا فهو حق تفضل و احسان أوجبه هللا على نفسه ،ووعد هللا صدق كما قال تعالى ( :وكان حقا علينا نصر
المؤمنين ) .
الخامس :استحباب ادخال السرور على نفس المسلم ،وذلك في قول معاذ رضي هللا عنه (أفال أبشر الناس)
السادس :جواز كتمان العلم اذا كان فيه مصلحة وذلك في قول الرسول عليه الصالة والسالم لمعاذ «ال تبشرهم فيتكلوا »
يعني ال تخبرهم فيخفف ذلك من عزيمة التنافس في أعمال الخير في نفوسهم ،ويمكن أن يكون المعنى ال تخبرهم فيعتقد
من ال علم عنده بأن من مات ال يشرك باهلل شيئا ال يعاقبه هللا على ما فعل من ذنوب وآثام فيتمادى في المعصية ،ويسير
في طريق الضالل .
أ :أن علم التوحيد هو أصل الدين وأهم العلوم االسالمية النه هو المدخل إلى اإلسالم ،والنه بحدد مكانة الخالق من
المخلوق .
ج :االقتناع التام بأن هللا اله واحد -احد فرد صمد ال شريك له في عبادته .
الثاني :توحيد األلوهية -يعني اإليمان بأن هللا وحده ال شريك له في عبادته ،وهذا هو التوحيد الذي نزلت به الكتب
السماوية ،ودعا إليه جميع الرسل من نوح إلى محمد عليهم الصالة والسالم .
الثالث :توحيد األسماء والصفات ،وهو اثبات جميع أسماء هللا وصفاته -التي جاء بها القرآن الكريم ،أو وردت في
األحاديث الصحيحة عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من غير تشبيه وال تعطيل ،كما قال هللا تعالى ( ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير) .
17
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
وقول هللا تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ) االية ( -82االنعام)
عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( من شهد أن ال اله اال هللا وحده ال
شريك له ،وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد هللا ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،وأن الجنة حق
والنار حق أدخله هللا الجنة على ما ما كان من العمل ) أخرجاه .
ولهما في حديث عتبان ( فان هللا حرم على النار من قال ال اله اال هللا يبتغي بذلك وجه هللا )
وعن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( قال موسى :يا رب علمني شيئا اذكرك
وادعوك به ،قال :قل يا موسي ال اله اال هللا .قال يا رب كل عبادك يقولون هذا .قال :يا موسى لو أن السموات السبع
وعامر هن -غيري -واألرضين السبع في كفة وال اله اال هللا في كفة مالت بهن ال اله اال هللا ) رواه ابن حبان والحاكم
وصححه .وللترمذي وحسنه عن انس :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول قال هللا تعالى يا ابن آدم ،لو أتيتني
بقراب األرض خطايا ،ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا ،ألتيتك بقرابها مغفرة .
فيه مسائل
أنك اذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنی قول ال اله اال هللا ويتبين لك خطأ السادسة :
المغرورين .
كون األنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل ال اله اال هللا . : الثامنة
التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه . : التاسعة
الثالثة عشرة :انك اذا عرفت حديث أنس عرفت أن قوله في حديث عتبان ( فان هللا حرم على النار من قال ال إله اال هللا
يبتغي بذلك وجه هللا) انه ترك الشرك ليس قولها باللسان .
الرابعة عشرة :تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي هللا ورسوليه .الخامسة عشرة :معرفة اختصاص عيسی
بكونه كلمة هللا .
18
السابعة عشرة :معرفة فضل اإليمان بالجنة والنار .
:الهدف
قصد الداعية المجدد رحمه هللا بيان أن ما أعد هللا من جزاء عظيم للذين خلصت نفوسهم من كل عقيدة اال عقيدة التوحيد
القائمة على العبادة الخالصة لرب العباد .
الشرح :
فاآلية الكريمة مرتبطة بآيتين قبلها هما قول هللا سبحانه وتعالى ( :وحاجه قومه قال اتحاجوني في هللا وقد هداني ،وال
أخاف ما تشرکون به اال أن يشاء ربي شيئا ،وسع ربي كل شيء علما ،أفال تتذكرون ؟ وكيف أخاف ما أشركتم وال
تخافون انكم أشركتم باهلل ما لم ينزل به عليكم سلطانا ؟ فأي الفريقين أحق باألمن ان کنتم تعلمون ؟ .الذين آمنوا ولم
يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون ).
والمعنى االجمالي لهاتين اآليتين أن قوم ابراهيم عليه السالم جادلوه في أمر التوحيد حين أنكر عليهم عبادة األصنام وقالوا
له :أنا سائرون على ما وجدنا عليه آباءنا من اتخاذ اآللهة شفعاء عند هللا ،وهذا ال ينا في االيمان باهلل ،وخوفوا ابراهيم
من أن تمسه آلهتهم بمكروه أذا هو استمر في انكار عبادتهم لالصنام والكواكب وغيرها .فرد عليهم ابراهيم عليه السالم
جدالهم ،كما حكى ذلك عنه القرآن بقوله ( :قال اتحاجوني في هللا وقد هداني ) يعني اتجادلوني في أمر التوحيد الذي
هداني هللا اليه ،وتخوفونني من أصنام ال تضر وال تنفع ،إني ال أخاف من معبوداتكم التي تعبدونها من دون هللا ،ولن
تستطيع اصابتي بسوء اآل بمشيئة هللا وارادته .واذا فأنا ال أخاف اال من هللا وحده ثم عاد ابراهيم عليه السالم في تعجب و
بحجة مقنعة ليقول لهؤالء المشركين كما حكى عنه القرآن الكريم بقوله ( :وكيف أخاف ما أشركتم وال تخافون أنكم
أشركتم باهلل ما لم ينزل به عليكم سلطانا ) يعني عجبا لكم ايها المجادلون السالكون غير طريق هللا ،تطلبون مني أن أخاف
من مخلوقات ضعيفة هزيلة وال تخافون هللا في شرككم معه أحدا في عبادته ،كان ينبغي لكم أن تخافوا من غضب هللا
وعقابه ،فيما ارتكبتموه من جرم في حق هللا بدال من تخويفكم لي من أشياء ما أنزل هللا بها من سلطان .ثم قال ( :فأي
الفريقين أحق باألمن ) يعني أيهما أحق باألمن -فريق الموحدين الذين اخلصوا العبادة هلل ،أو فريق المشركين الذين
سلكوا سبيل الضالل ( ان کنتم تعلمون ) اي ان كان لديكم علم بذلك .وهنا يفصل هللا بين ابراهيم وقومه في األمر فيوضح
من يستحق االمن ،من هؤالء الفريقين اذ يقول ( :الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون ) أي
الذين آمنوا باهلل ايمانا ال تردد فيه وال شرك هم الذين يمنحهم أمنه وسعادته ،أما أولئك الذين أشركوا مع هللا أحدا في
عبادته فانه ال أمان لهم من عذاب هللا وسيلقون جزاءهم يوم القيامة .
وحينما نزلت اآلية الكريمة شق ذلك على الصحابة رضوان هللا عليهم ظنا منهم ،أن الظلم المذكور فيها -هو ظلم االنسان
نفسه ،فبين لهم الرسول صلى هللا عليه وسلم أن الظلم الوارد في اآلية معناه الشرك ،وليس كل ظلم يقع فيه المسلم ،فعن
عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال لما نزلت ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ) شق ذلك على أصحاب رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم فقالوا :يا رسول هللا فأينا ال يظلم نفسه فقال :أنه ليس الذي تعنون .ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح
( يا بني ال تشرك باهلل ان الشرك لظلم عظيم ) ؟ انما هو الشرك.
يأتي الحديث األول في هذا الباب ،وهو حديث عبادة بن الصامت رضي هللا عنه ،وبه أمور خمسة من آمن بها وعمل بما
تدل عليه في الظاهر والباطن أدخله هللا الجنة .
19
األول :قول الرسول عليه الصالة والسالم ( :من شهد أن ال اله اال هللا وحده ال شريك له ) يعني من آمن في صدق و
يقين ،بأن لهذا الكون الها أوجده من العدم ،واعترف بالوحدانية المطلقة هلل وتجرد من كل عبادة لغيره ،وعمل بما تدل
عليه شهادة أن ال اله اال هللا من اتباع أوامر هللا و اجتناب نواهيه قوال وعمال .
الثاني :قوله « وأن محمدا رسول هللا » يعني من أعتقد اعتقادا ال ال يقبل الشك بأن محمدا عليه الصالة والسالم رسول
من عند هللا أرسله هللا الى االنس والجن برسالة شاملة كاملة ،وانه خاتم النبيين ،وأن رسالته خاتمة الرساالت ،وآمن بأنه
عبد من عباد هللا شرفه هللا بحمل رسالته إلى العالم فصدقه فيما أحبر ،وأطاعه فيما أمر ،وابتعد عما نهى عنه وزجر ،
وعرف له قدره وأنزله المنزلة الرفيعة التي منحها له ربه وأحبه أكثر من ولده ووالده ،والناس أجمعين .
الثالث :قوله وأن عيسى عبد هللا ورسوله ،وكلمته ألقاها إلى مريم و روح منه يعني من اعتقد أن عيسى عليه الصالة
والسالم عبد من عباد هللا و رسول من رسله ،وأنه ليس ابن سفاح كما يزعم ذلك اليهود ،وليس هو هللا ،أو ابن هللا ،أو
ثالث ثالثة كما يزعم ذلك النصاری -بل هو عبد من عباد هللا شرفه بحمل رسالته إلى قومه يدعوهم إلى عبادة هللا وحده ال
شريك له وقد جاء اعتراف عيسی عليه السالم بعبوديته هلل ،وهو ما يزال صبيا في مهده ،اذ يقول القرآن الكريم في ذلك
من سورة مريم ( ( )36 - 29فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ؟ قال :إني عبد هللا أتاني الكتاب
وجعلني نبيا :وجعلني مباركا أينما كنت ،وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا
والسالم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسی بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون و ما كان له أن يتخذ
من ولد سبحانه اذا قضی أمرا فانما يقول له كن فيكون ،وان هللا ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) وانه وجد من
كلمة كن الدالة على التكوين ،وآية هللا في خلق عيسی بكلمته من غير وساطة أب وجعله بشرا سويا بما نفخ فيه من روحه
،کآيته في خلق آدم بكلمته ،وما نفخ فيه من روحه ،فخلقهما جاء على غير الطريقة المألوفة لدى الناس (أن مثل عيسی
عند هللا كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) وأن كلمة ( وروح منه ) ال تدل على أن عيسى عليه السالم جزء
من هللا كما يزعم ذلك بعض النصارى ،بمعنى انه ابنه تعالى هللا األحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا
أحد .
وانما المقصود بكلمة ( روح منه ) أنه روح من تلك األرواح التي استخرجها هللا من صلب آدم وأخذ عليها العهد والميثاق
بقوله ( :ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) -اآلية ،ومن هنا فان كلمة ( روح منه )
تعم كل المخلوقات كما قال هللا تعالى ( :وسخر لكم ما في السموات وما في األرض جميعا منه ) يعني خلقا وايجادا ،
وعيسی كذلك أوجده هللا كسائر المخلوقات .
الرابع :قوله ( والجنة حق ،أي واعتقد ان الجنة التي أعدها هللا للطائعين من عباده حقيقة ال شك فيها ،وانها المقر
االخير للمؤمنين به السالكين سبيل رسوله كما قال تعالى ( :وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من
تحتها األنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم
فيها خالدون ).
الخامس ( :والنار حق ) اي و اعتقد ان النار التي توعد هللا بها الكافرين و المنافقين حقيقة ال ريب فيها كما قال هللا تعالى
( :فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) االية ( 24سورة البقرة )
هذه األمور الخمسة من آمن بها في صدق و ايمان فان هللا ( يدخله الجنة على ما كان من العمل ،وفي هذا ضمان بدخول
الجنة لمن مات على التوحيد ،حتى لو مات وهو يمارس المعاصي ،فان هللا أما أن يتجاوز عنه وهو أهل للعفو والغفران
،وأما أن يعذبه على قدر معصيته ،ثم يدخله الجنة ،وهذه مزية كبيرة لمن مات موحدا هلل في عبادته ).
الحديث الثاني -حديث عتبان و فيه ( أن هللا حرم على النار من قال ال اله اال هللا يبتغي بذلك وجه هللا )
وفيه داللة صريحة على أن من اعترف هلل بالوحدانية ،ولم يشرك مع هللا أحدا في عبادته ،وأدى ما تستلزمه ال اله اال هللا
قوال وعمال فان هللا يمنحه الضمان من دخول النار ،واالمان من دخول النار هو مطلب العباد ،والزهاد ،والصالحين .
ويأتي الحديث الثالث حديث أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه و هو يحكي قصة موسى عليه السالم مع ربه ،فقد طلب
موسی من ربه أن يعلمه دعاء يسأله به ،ويثني به عليه .فقال له ربه :يا موسی :قل ال اله اال هللا فقال موسى لربه ( كل
عبادك يقولون هذا وأنا أطلب منك دعاء تخصني به) .فقال له القادر العظيم :يا موسى لو أن السموات السبع وما فيهن من
المخلوقات واالرضين السبع في كفة ميزان وال اله اال هللا في الكفة األخرى ،مالت بهن ال اله اال هللا ،وهذا فيه داللة
2۰
على أن ال اله اال هللا هي أفضل شيء يمكن أن يذكر هللا به ،ومما ورد في فضلها وعظيم شأنها ،ما ورد في حديث عبد
هللا بن عمرو عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( :يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخالئق يوم القيامة فينشر له
تسعة وتسعون سجال كل سجل مد البصر ثم يقال :أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول :ال يا رب فيقال
:أفلك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول :ال .فيقال بلى ،أن لك عندنا حسنة وانه ال ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة
فيها :أشهد أن ال اله اال هللا ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .فيقول :يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت ؟ فيقال :
إنك ال تظلم ،فتوضع السجالت في كفة و البطاقة في كفة ،فطاشت السجالت ،وثقلت البطاقة ).
أما الحديث الرابع واألخير في هذا الباب فهو الحديث القدسي وفيه وعد من هللا لمن مات ال يشرك باهلل شيئا أن يجزيه
على ذلك بمغفرة ذنوبه مهما كانت ،كثرتها ،وهذا يدل على فضل التوحيد وكثرة تكفيره للذنوب.
21
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وقول هللا تعالى ( ان ابراهيم كان أمة قانتا هلل حنيفا ولم يك من المشركين ) االية ( – 12۰النحل ) .
عن حصين بن عبد الرحمن قال :كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة فقلت :أنا ثم قلت
:أما اني لم اكن في صالة ولكن لدغت قال :فما صنعت ؟ قلت ارتقيت قال :فما حملك على ذلك ؟ قلت حديث حدثناه
الشعبي قال :وما حدثكم ؟ قلت حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال :ال رقية اآل من عين أو حمة .قال :قد أحسن من
انتهى إلى ما سمع ،ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( عرضت علي االمم فرأيت النبي ومعه
الرهط و النبي ومعه الرجل والرجالن ،والنبي وليس معه أحد ،اذ رفع لي سواد عظيم ،فظننت انهم أمتي ،فقيل لي هذا
موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي :هذه أمتك ،ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب وال عذاب ) ثم
نهض فدخل منزله ،فخاض الناس في اولئك فقال بعضهم :فلعلهم الذين صحبوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقال
بعضهم :فلعلهم الذين ولدوا في االسالم فلم يشركوا باهلل شيئا ،وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
فأخبروه فقال ( هم الذين ال يسترقون وال يكتوون وال يتطيرون ،وعلى ربهم يتوكلون .فقام عكاشة بن محصن فقال :ادع
هللا أن يجعلني منهم :قال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع هللا أن
السابعة :عمق علم الصحابة لمعرفتهم انهم لم ينالوا ذلك اال بعمل .
الخامسة عشره :ثمرة هذا العلم وهو عدم االغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة .
22
السادسه عشرة :الرخصة في الرقية من العين والحمة .
السابعة عشرة :عمق علم السلف لقوله :قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا .فعلم أن الحديث
الثامنة عشرة :بعد السلف عن مدح اإلنسان بما ليس فيه .
الهدف :
قصد داعية التوحيد من هذا الباب بيان ما أعده هللا للذين أخلصوا هللا في أيمانهم واتجهوا اليه وحده في عبادتهم ،من نعيم
خالد هو دخول الجنة .
الشرح :
اآلية األولى من هاتين اآليتين قول هللا تعالى ( :ان ابراهيم كان أمة قانتا هلل حنيفا ولم يبك من المشركين ) والمعنى أن هللا
تعالى جلت عظمته .مدح عبده ورسوله وخليله أمام الحنفاء ووالد االنبياء بجملة صفات هي الغاية في تحقيق التوحيد .
فوصفه أوال :بأنه وحده كان أمة ،يعني قدوة للمؤمنين ورئيسا للموحدين .
ثانيا :انه كان قانتا يعني مداوما على طاعة هللا ،قائما بأمره في صدق ويقين .
ثالثا :انه كان حنيفا ،والحنيف معناه المائل عن الدين الباطل ،الى الدين الحق .
رابعا :انه ما كان من المشركين -يعني لم يكن سائرا على ما سارعليه المشركون من عبادة األصنام والكواكب ،وانما
كان موحدا هللا مؤمنا به مخلصا له في عبادته ،وهذا هو تحقيق التوحيد .
واآلية الثانية هنا هي قوله تعالى ( :والذين هم بربهم ال يشركون) أي الذين ال يعبدون معه غيره ،ويعتقدون في ايمان
صادق ،بان هللا وحده أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
و بعد هاتين اآليتين يأتي حديث حصين رضي هللا عنه وفيه يحكي قصة حصلت له في مجلس سعيد بن جبير هو وجماعة
معه اذ سأل سعيد من عنده قائال ( أيكم رأي الكوكب الذي انقض البارحة ،يعني من منكم شاهد النجم الذي سقط البارحة
قال حصين :قلت أنا ،ولحرص السلف الصالح ومنهم حصين رضي هللا عنه على البعد عن مدح االنسان بما ليس فيه ،
وخوفا من أن يكون في كالمه ،ايهام للسامعين بأنه حينما شاهد النجم أنه كان في عبادة فيكون ذلك رياءا ،أستدرك قائال
و أما اني لم اكن في صالة ولكني لدغت ) يعني أن عقربا لدغته ،قال له سعيد رضي هللا عنه :فما صنعت .يعني ما
فعلت ،قلت ( ارتقيت ) يعني طلبت من يعالجني ،بالرقية والرقية تكون اما بقراءة بعض آيات من القرآن الكريم ،أو
ادعية مأثورة عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،قال سعيد « فما حملك على ذلك ،يعني ما دليلك على جواز هذا العمل
الذي عملته ،قال حصين :قلت حديث حدثناه الشعبي ،قال سعيد وما حدثكم ،قال حصين ،حدثنا عن بريدة بن الحصيب
أنه قال :ال رقية اال من عين أو حمة .يعني ال رقية أقرب إلى الشفاء -من االصابة بالعين والحمة -بضم الحاء وتخفيف
الميم -سم العقرب وغيرها من الحشرات السامة قال سعيد في أدب العالم :قد أحسن من انتهى إلى ما سمع يعني قد أحسن
عمال من عمل شيئا عن علم .
23
قال سعيد رضي هللا عنه ،ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه قال ( :عرضت علي االمم ) الحديث
هنا لم يتعرض المكان وزمان العرض ولذا سوف ال نتعرض له اآلن اال اذا ورد ما يدل على ذلك ،قوله ( :فرأيت النبي
ومعه الرهط ) يعني أنه عليه السالم رأي في هذا العرض بعض األنبياء ،وليس معه من أتباعه اال أشخاص قليلون يبلغ
عددهم العشرة ).
.قوله ( :والنبي معه الرجل والرجالن ،والنبي وليس معه أحد ) ورأى كذلك بعض األنبياء ،وليس معه سوى رجل أو
رجلين ،ومنهم من ليس معه أحد وهذا يدل على أن األكثرية الساحقة من الناس ال يسيرون على هدي انبيائهم وأن
الصادقين هللا في توحيدهم أقل بكثير من ذوي النفوس المنحرفة عن طريق الهدى -كما تشير إلى ذلك اآلية الكريمة ( وان
تطع أكثر من في األرض يضلوك عن سبيل هللا ) .
قوله ( :اذ رفع لي سواد عظيم ) يعني رأيت في األفق البعيد أشياء ال أستطيع تمييزها لبعدها.
قوله ( :فظننت أنهم أمتي ) و ذلك ألن بعد االشياء عن النظر يجعل االنسان ال يدرك غير الصورة فقط.
قوله ( :فقيل لي هذا موسى وقومه ) وفي هذا دليل على كثرة أتباع موسى عليه السالم ،من بني إسرائيل .وقد ورد في
صحيح مسلم ( ولكن انظر إلى األفق ) ولم يذكره المصنف فلعله سقط من األصل الذي نقل الحديث منه ،قوله ( فنظرت
فإذا سواد عظيم ،فقيل لي :هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وال عذاب ،قوله ( ثم نهض ) يعني
قام من بين أصحابه و دخل بيته ( فخاض الناس في أولئك ) أي فبدأ الصحابة يتساءلون فيما بينهم ،ويتباحثون فيمن يكون
أولئك الذين يحصلون على هذا الفضل العظيم ،ليعملوا مثلهم .الى أن خرج عليهم الرسول عليه السالم فقال ( :هم الذين
ال يسترقون ) أي ال يطلبون من أحد أن يرقيهم ،توكال على هللا و اعتمادا على أن المرض حصل بأمر هللا ،والشفاء انما
يكون بأمر من هللا ،ومن تمام التوكل على هللا تفويض االمر اليه ،وقوله ( :وال يكتوون ) يعني ال يسألون غير هم أن
يكويهم ،استسالما لقضاء هللا وقدره ،وقوله ( :وال يتطيرون ) أي ال يتشاءمون بالطيور وللتطير باب سيأتي ان شاء هللا
.
قوله « :وعلى ربهم يتوكلون » يعني أنهم لعمق ايمانهم ،يفوضون أمرهم إلى هللا ،رضاء بقضاءه و قدره ،وليس معنى
هذا أنهم يحرمون تعاطي أسباب الشفاء من المرض ،ولكنهم يتركون األمور المكروهة مع احتياجهم اليها توكال على هللا
و إلتجاءا اليه .
لكن تعاطي أسباب العالج في الحقيقة ال ينافي التوكل على هللا ،فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي
صلى هللا عليه وسلم انه قال ( :الشفاء في ثالث :شربة عسل ،وشرطة محجم ،وكية نار ،وأنا أنهي أمتي عن الكي ) ،
وفي لفظ آخر «وما أحب أن اکتوي ) وكالم النبي عليه السالم في تحديد الشفاء في ثالثة أشياء جاء في وقت لم تكن
الوسائل العالجية فيه متوفرة ،كما هو الحال في عصرنا هذا لكنه عليه الصالة و السالم أخبر أنه ما من مرض اآل ويوجد
له عالج وما هو حاصل االن من تطور في عالم الطب فيه دليل على أن نبي هللا عليه السالم ال ينطق عن الهوى ،وال
يقول اآل ما هو حق فقد تطور الطب تطورا كبيرا استطاع من خالله القضاء على كثير من األمراض ورغم هذا التطور
فما تزال هناك بعض األمراض يقف أمامها الطب عاجزا عن ايجاد عالج لها -حتى عصرنا هذا ،جاء هذا الخبر في
حديث أبي هريرة رضي هللا عنه الوارد في الصحيحين -حيث يقول :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (ما أنزل هللا
من داء اآل أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ).
قوله ( :فقام عكاشة بن محصن فقال :ادع هللا أن يجعلني منهم قال :أنت منهم ) وفي هذا بشارة عظيمة يبشر بها
الرسول عليه الصالة والسالم واحدة من أصحابه .وعكاشة هذا من بني أسد بن خزيمة ،كان من السابقين إلى االسالم ،
شهد بدرا وقاتل فيها ،واستشهد في قتال الردة مع خالد بن الوليد رضي هللا عنه :ولعل الرسول عليه السالم قد بشره
بالجنة لما يعلمه عنه من صدق مع هللا ،وألنه ممن شهد بدرا وقد جاء في الحديث ( لعل هللا اطلع على أهل بدر فقال :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ،والراجح أن عكاشة رضي هللا عنه حينما طلب من الرسول عليه الصالة والسالم الدعاء
له قال ( :اللهم اجعله منهم ) كما وردت بذلك رواية البخاري فاستجاب هللا دعاءه فقال لعكاشة أنت منهم.
قوله ( :ثم قام رجل آخر فقال ادع هللا أن يجعلني منهم ) وألن الرجل لم يكن له من الفضل والسبق في االسالم مثل ما
لعكاشة ،وخوفا من أن يقوم ثالث ورابع ويطلب كل من كان حاضرا الدعاء له بدخول الجنة سد الباب بقوله عليه السالم :
( سبقك بها عكاشة ) .ولما يتمتع به نبي هللا من أدب رفيع وحسن خلق لم يقل لذلك الرجل :لست منهم فيجرح بذلك
إحساسه ،ولكنه قال سبقك بها عكاشة.
24
باب الخوف من الشرك
وقول هللا تعالى ( ان هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) اآلية ( - 48النساء ) .
وقال الخليل عليه السالم ( واجنبني وبني أن نعبد األصنام ) اآلية ( - 3۰ابراهيم ) .
وفي الحديث ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر ) فسئل عنه فقال ( الرياء) وعن ابن مسعود رضي هللا عنه أن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (من مات وهو يدعو هلل ندا دخل النار ) رواه البخاري ولمسلم عن جابر رضي هللا
عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( من لقي هللا ال يشرك به شيئا دخل الجنة ،ومن لقيه يشرك به شيئا دخل
النار) .
السابعة :انه من لقيه ال يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ولو كان من أعبد الناس .
الثامنة :المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة األصنام .
التاسعة :اعتباره بحال االكثر لقوله ( رب انهن أضللن و كثيرا من الناس ).
العاشرة :فيه تفسير (ال اله اال هللا ) كما ذكره البخاري .
الهدف :
قصد أمام الدعوة قدس هللا روحه من هذا الباب بيان العقاب الرهيب لمن مات مشركا باهلل في عبادته .وتوضيح خطأ ما
يعتقده كثير من الناس من أن خطر الشرك قد زال بزوال الجاهليات األولى .
الشرح :
فاآلية األولى قيل في سبب نزولها انه لما نزل قول هللا تعالى ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة
هللا ،ان هللا يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ) .
قام النبي صلى هللا عليه وسلم على المنبر فتالها على الناس فقام اليه رجل فقال :والشرك باهلل فسکت مرتين أو ثالثا
فنزلت هذه اآلية ( ان هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) واآلية الكريمة هذه فيها تحذير من العاقبة
المؤلمة لمن لقي هللا مشركا ،وفيها إخبار بأن كل ذنب يمكن أن يتجاوز هللا عنه اال الشرك باهلل في عبادته ،وهذا يدل
على أنه أعظم ذنب يمكن أن يلقى االنسان به ربه .ولذا جاء في االية (ان هللا ال يغفر أن يشرك به ) .
25
ألن الشرك معناه انزال المخلوق منزلة الخالق ،ورفع العبد إلى مقام االله والعبادة كلها بجميع صورها حق من حقوق هللا
فاذا سلب هذا الحق وأعطي لمخلوق كان معنى ذلك تسوية المخلوق بالخالق ،وجعل الفقير العاجز مكان القادر القاهر ،
وفي هذا اعتداء على حق هللا وتقليل من شأن رب العالمين ،من هنا كان الشرك أعظم الذنوب جرما ،وأشدها عقابا من
أي ذنب آخر ،جاء ذلك في قول هللا تعالى ( :انه من يشرك باهلل فقد حرم هللا عليه الجنة ،ومأواه النار وما للظالمين من
أنصار ) واآلية هنا تشمل كل مشرك على وجه األرض ،ال فرق في ذلك بين عبدة البقر والنار وال بين أهل الكتاب من
يهود أو نصاری ،وال بين من اتخذ الهه هواه من دهريين وغيرهم ،كل هؤالء وأمثالهم من عبدة األصنام واألوثان اذا
ماتوا على الشرك استحقوا الخلود في النار وبعد أن أوضح هللا سبحانه أنه ال يغفر لمن مات وهو مشرك بين أن ما دون
الشرك من الذنوب يغفره لمن يشاء من عباده ،فقال ( :ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) يعني أن من مات وعليه ذنوب
وهو غير مشرك فانه يكون تحت مشيئة هللا ،ان شاء عفا عنه ،وان شاء عذبه على قدر ذنبه .
أما اآلية الثانية في هذا الباب فهي قوله تعالى ( واجنبني وبني أن نعبد األصنام ) .
واآلية الكريمة تشير إلى طلب ابراهيم عليه السالم من ربه أن يجنبه و بنيه عبادة األصنام .ويثبته هو وبنيه على التوحيد
،وقد استجاب هللا دعاءه فجعل بنيه أنبياء ،وجنبهم عبادة األصنام.
بعد هاتين اآليتين يأتي الحديث األول في هذا الباب وفيه أن النبي عليه الصالة والسالم ،أخبر أن أشد ما يخافه على أمته
الشرك األصغر ،ولما سئل عليه السالم عن الشرك األصغر قال :الرياء والرياء هو أن يعمل االنسان أعماال في
ظاهرها أنها هللا ،ولكنه يريد من هذا العمل شيئا آخر هو ثناء الناس عليه ،ووصفه بالصالح والتقوى ،لكن هذا النوع
من الشرك ال يخرج المسلم عن دينه .
أما الحديث الثاني ،وهو حديث ابن مسعود ففيه أن من مات وهو يدعو هلل ندا دخل النار ،والند معناه الشريك ،فمن جعل
هللا شريکا في عبادته من نبي أو ولي أو أي مخلوق آخر يعظمه كما يعظم هللا ،أو يخافه كما يخاف من هللا ،أو يرجوه
كما يرجو هللا ،أو يتوكل عليه كما يتوكل على هللا .فقد جعله مساويا هلل و شبيها له ولذا فقد أشرك مع هللا شركا أكبر ،
ويخرج بسببه من االسالم ،ويستحق به دخول النار .
والحديث األخير في الباب هو حديث جابر رضي هللا عنه وفيه أن من فارق الحياة متجردا من كل عبودية اال هللا دخل
الجنة .اال أن كانت عليه ذنوب كبيرة ،فهو تحت مشيئة هللا ان شاء غفر له وادخله الجنة ،وان شاء عذبه على قدر ذنبه
وأدخله الجنة.
وان من مات مشركا مع هللا في عبادته دخل النار .ولذا فان على المسلم أن يكون حذرا من الوقوع في الشرك الذي ال
يغفره هللا .
26
باب الدعاء الى شهادة أن ال اله اال هللا
وقول هللا تعالى ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى هللا على بصيرة ) االية ( - 1۰8يوسف )
عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له « انك تأتي قوما من
أهل الكتاب » فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة أن ال اله اال هللا وفي رواية الى أن يوحدوا هللا ،فإن هم أطاعوك لذلك
فاعلمهم ان هللا افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ،فان هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن هللا افترض عليهم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ،فان هم أطاعوك لذلك فاياك وكرائم أموالهم ،واتق دعوة المظلوم فانه ليس
بينها وبين هللا حجاب ،أخرجاه .ولهما عن سهل بن سعد .رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال يوم
خيبر (العطين الراية غدا رجال يحب هللا ورسوله ،ويحبه هللا ورسوله يفتح هللا على يديه فبات الناس يدركون ليلتهم ،
أيهم يعطاها ،فلما أصبحوا غدوا على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال ( :أين علي بن أبي
طالب ) فقيل هو يشتكي عينيه ،فارسلوا اليه فأتي به فبصق في عينيه ودعا له ،فبرأ كأن لم يكن به وجع ،فأعطاه الراية
فقال ( :انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى اإلسالم وأخبرهم بما يجب عليهم من حق هللا تعالى فيه فوهللا
الن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم .پدوکون :أي يخوضون.
األولى :أن الدعوة إلى هللا طريق من اتبعه صلى هللا عليه.
الثانية :التنبيه على االخالص ألن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه.
الرابعة :من دالئل حسن التوحيد :كونه تنزيها هللا تعالى عن المسبة .
السادسة :وهي من أهمها ابعاد المسلم عن المشركين لئال بصير منهم ولو لم يشرك.
التاسعة :أن معنی ( أن يوحدوا هللا ) معنی شهادة أن ال اله اال هللا .
العاشرة :أن اإلنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو ال يعرفها ،أو يعرفها وهو ال يعمل بها.
27
الثامنة عشرة :من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات االولياء من المشقة والجوع والوباء.
التاسعة عشرة :قوله ( العطين الراية ) الخ علم من أعالم النبوة .
الثانية والعشرون :فضل الصحابة في دوكهم تلك الليلة وشغلهم عن بشارة الفتح .
الثالثة والعشرون :االيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعی .
السادسة والعشرون :انه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا .
السابعة والعشرون :الدعوة بالحكمة لقوله ( أخبرهم بما يجب عليهم ) .
الهدف :
قصد االمام المصلح رحمه هللا من هذا الباب بيان وجوب دعوة الناس إلى توحيد هللا و اخالص العبادة له ،والبعد عن كل
ما يلوث عقيدة المسلم من شرك أو بدع أو خرافات .
الشرح :
اآلية الكريمة بعد أن بين هللا سبحانه وتعالى في آيات سابقة لهذه اآلية الدليل القاطع على وجود هللا المتمثل في هذا الكون
المحير للعقل في احكامه ودقة نظامه ،وخفاء أسراره ،وما عليه البشر من غفلة عن التفكير في آيات هللا الدالة على
وحدانيته .
أمر رسوله عليه الصالة والسالم ،أن يخبر الناس بأن طريقه هي الدعوة إلى توحيد هللا واخالص العبادة له وحده .فقال :
( قل هذه سبيلي أدعو إلى هللا على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان هللا وما أنا من المشركين) أي قل يا محمد هذه الدعوة
التي أدعو اليها ،والطريقة التي أنا سائر عليها ،من الدعوة إلى توحيد هللا واخالص العبادة له ومحاربة األصنام واألوثان
،هي سنتي ومنهاجي ( ادعو إلى هللا ) إلى توحيد هللا الواحد األحد ( على بصيرة ) أي على علم قاطع بما ادعو اليه ( ،
أنا ) وكذلك يدعو اليه ( من اتبعني ) يعني من آمن بي واتبع طريقتي ( .وسبحان هللا ) يعني أنزه هللا وأعظمه ،عن
الشركاء واالنداد ( ،وما أنا من المشركين ) أي ما أنا من أنكر نعمة هللا عليه فأشرك معه في عبادته.
بعد اآلية الكريمة هذه يأتي حديث بعث معاذ بن جبل رضي هللا عنه إلى اليمن ،داعيا لتوحيد هللا وحاكما ينفذ شريعة هللا ،
على ضوء توجيهات الرسول عليه الصالة و السالم .التي جاء فيها قوله ( :انك تأتي قوما من أهل الكتاب ) بشير بذلك
إلى اليهود والنصارى الذين يمثلون األكثرية من سكان اليمن في ذلك الزمن ،وكأن النبي عليه الصالة والسالم بهذا يقول
لمعاذ كن مستعدا لمواجهة مجادلة قد تحصل بينك ،وبين أولئك اليهود والنصارى ومع هذا فقد حدد عليه الصالة والسالم
لمعاذ رضي هللا عنه االشياء التي يدعوهم اليها بأمور خمسة رتبها و احدا بعد اآلخر فقال ( :فليكن أول ما تدعوهم اليه
شهادة أن ال اله اال هللا ) وفي رواية إلى أن يوحدوا هللا و بهذا وضح الرسول عليه السالم بداية الطريق إلى الدخول في
28
االسالم وبين أن أول نقطة يبدأ بها االنسان ليكون مسلما هي الشهادة القاطعة بأن هللا واحد ال شريك له في عبادته وأنه ال
معبود بحق في هذا الوجود غيره وما من نبي جاء قبل محمد عليه السالم األ وهو يفتتح رسالته بالدعوة إلى االعتراف
بالعبودية المطلقة هلل رب العالمين -كما أشار إلى ذلك قول هللا جلت قدرته ( وما أرسلنا من قبلك من رسول اال نوحي
اليه أنه ال اله اال أنا فاعبدون ) ومن هنا يتضح أن رساالت األنبياء كلها تلتقي حول نقطة واحدة هي توجيه البشرية إلى
االعتراف بوحدانية هللا ،واخالص العبادة له وحده قوله ( :وفي رواية إلى أن يوحدوا هللا ) يعني ادعهم إلى أن يوحدوا
هللا .
وألن كل عمل ال يقوم على توحيد هللا فهو باطل ،وغير مقبول عند هللا ،قال عليه الصالة والسالم ( فان هم أطاعوك
لذلك -اي فان استجابوا إلى ما دعوتهم اليه من توحيد هللا والكفر بكل معبود غيره فأعلمهم أن هللا افترض عليهم خمس
صلوات في كل يوم وليلة وهذا دليل على أهمية الصالة اذ تأتي في المرتبة الثانية بعد كلمة التوحيد ،فاذا هم امتثلوا بذلك
وأقاموا الصالة ) فاعلمهم ان هللا افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقراهم ،وألن الزكاة قرينة الصالة فقد
جاءت في المرتبة الثالثة ،ولذا ورد في حديث البن مسعود رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قوله ( أمرت
بإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،ومن لم يزك فال صالة له كما جاء ذكرها أيضا مقترنا بالصالة في قول هللا تعالى ( وما
أمروا اال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ،ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) هذه الزكاة المفروضة
تؤخذ من أهل الثراء وتوزع على الفقراء وهذه ميزة ال توجد في غير االسالم وفي توجيه الرسول عليه السالم بتوزيع
الزكاة على الفقراء دون أن يتعرض ألهل الزكاة الثمانية الوارد ذكرهم في القرآن الكريم دليل على أنهم أولى بها من غير
هم ،و ادراكا من الرسول عليه السالم لحب االنسان لماله ،ولو أنه في الحقيقة مال هللا ،وخوفا من أن ال يأخذ معاذ
رضي هللا عنه للزكاة اآل أفضل المال وأحسنه ،فتتأثر نفوس أهل األموال فيخرجونها و هم کارهون ،قال النبي عليه
السالم لمعاذ ( :فان هم أطاعوك لذلك فاياك وكرائم أموالهم ) أي احذر أن تأخذ أجود ما لديهم من اإلبل أو الغنم أو
غيرها وانما عليك بالوسط فهو أقرب الى اخراج الزكاة عن طيب نفس ،وحتى ال تكون هناك تفرقة في معاملة الناس ،
ولتحقيق العدالة بين جميع أفراد المسلمين حذر :الرسول عليه السالم معاذا من عاقبة الظلم فقال ( :واتق دعوة المظلوم
فانه ليس بينها وبين هللا حجاب ) أي احذر أن تفرق بين الناس في
معاملتك ،أو تحابي في أمر من أمورك أو تأخذ أحدا بغير حق ،فان هذا ظلم ،ودعوة المظلوم ال شيء يحجبها عن هللا
فكن على حذر منها ،وفي الحديث اشارة إلى أن الحاكم اذا ولى احدا على أمور المسلمين ،ينبغي له أن يوجهه
بالتوجيهات التي يرضى عنها هللا ،محذرا له من كل ظلم أو حيف أو انحراف وفي نهاية هذا الباب يأتي حديث سهل بن
سعد رضي هللا عنه وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال في غزوة خيبر (العطين الراية غدا رجال يحب هللا ورسوله
ويحبه هللا ورسوله يفتح هللا على يديه ).
األول :وصف ذلك الرجل الذي سوف يتسلم الراية بأنه يحب هللا ورسوله ويحبه هللا ورسوله ،وهذا دليل على شدة
ارتباط ذلك الرجل باهلل ،وعمق ايمانه برسالة محمد نبي هللا.
الثاني :اخباره عليه السالم بأن فتح خيبر يكون على يديه وهذا دليل من أدلة نبوته عليه السالم ،فقد فتح هللا خيبر بقيادة
ذلك الرجل المؤمن الصالح.
قوله :فبات الناس يدركون ليلتهم انهم يعطاها ،فلما أصبحوا غدوا إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كلهم يرجو أن
يعطاها ( أي أن الناس في تلك الليلة أخذوا يخمنون من يكون ذلك الرجل السعيد الذي سيحوز فضل حمل راية الحق ،
وألن الوصف الذي وصف به الرسول عليه السالم ذلك الرجل ،وهو حب هللا ورسوله ينطبق على أصحاب رسول هللا ،
ألنهم جميعا يحبون هللا ورسوله فقد ظن كل واحد منهم أنه صاحب الراية ،و حينما اجتمعوا عند رسول هللا عليه السالم
في خشوع المؤمنين ،قال ( أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل هو يشتكي عينيه فأرسلوا اليه ،فأتي به .فبصق في عينيه ،
ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال :أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى اإلسالم ،واخبر
هم بما يجب عليهم من حق هللا فيه فوهللا ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم ) يعني أن الرسول عليه
السالم وهو يبحث بين الحاضرين عن علي رضي هللا عنه شعر الصحابة رضي هللا عنهم انه هو صاحب الراية ،وجاء
علي رضي هللا عنه إلى رسول هللا أرمد يقوده أحد الصحابة و جلس إلى رسول هللا في أدب المؤمن أمام نبي هللا و بقليل
( وكانت راية رسول هللا صلى هللا من ريق رسول هللا في عيني علي ودعاء له بالشفاء برأ في الحال ،فأعطاه الراية
عليه وسلم مكتوب عليها ال اله اال هللا محمد رسول هللا ) وقال له ( :انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ) أي أذهب
29
برفق و من غير عجلة -حتى تنزل قريبا منهم في أرضهم وهذه سياسة حربية حكيمة يعلمها القائد االعلى لقائد من قواد
جيوشه اذ يأمره أن يكون قريبا من االعداء ليستطلع أخبارهم وليدخل الرعب في قلوبهم ،ليس عن طريق االندفاع وراء
العواطف الملتهبة بدون تعقل ،وال عن طريق اظهار القوة بالصراخ والضجيج دون تحسب للعواقب ،وانما عن طريق
التخطيط المحكم وأخذ األمور بالتعقل والحكمة وبعد النظر .
قوله ( ثم ادعهم إلى االسالم ،أي بعد أن تنزل بساحتهم في ثبات المؤمن الواثق من نصر هللا ،أطلب منهم الدخول في
االسالم ،فاذا شهدوا أن ال اله اال هللا وأن محمدا رسول هللا -فأخبرهم بما يجب عليهم من حق هللا تعالى فيه ) يعني اذا
أسلموا فأخبرهم في رفق ولين بما أوجب هللا عليهم في االسالم -من صالة ،وزكاة ،وحج وغير ذلك مما أمر هللا به وما
نهى عنه من کفر و انحراف ،أو فسوق وعصيان .
قوله ( :فوهللا ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم ) يعني لو خرج رجل من الكفر الى االسالم بسبب
دعوتك .كان ذلك أفضل مما لو تصدقت بما في الوجود من ناقة حمراء ،أو خير لك من امتالك ما على األرض من ناقة
حمراء ،والحديث يحتمل المعنيين ،وهذا دليل أكيد على أن اجر هداية الناس إلى الخير ال يعدله اجر ،وأن االسالم ال
يأمر بقتال االعداء اال بعد رفضهم لدين هللا ،وتهديدهم لدعوة رسول هللا عليه الصالة والسالم .
3۰
باب تفسير التوحيد ،وشهادة أن ال اله اال هللا
وقول هللا تعالى ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) ،اآلية ( - 17اإلسراء )
وقوله ( واذ قال ابراهيم البيه وقومه انني براء مما تعبدون اال الذي فطر في فانه سيهدين ) اآلية ( - 27 ، 29الزخرف
)
وقوله ( ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا ) اآلية ( – 1۰9البقرة )
في الصحيح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( من قال ال اله اال هللا وكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله ودمه ،
وحسابه على هللا عز وجل ).
وشرح هذه الترجمة ما بعدها من األبواب .فيه أكبر المسائل وأهمها وهو تفسير التوحيد ،وتفسير الشهادة ،وبينها بأمور
واضحة ( منها ) آية االسراء ،بين فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ،ففيها بيان أن هذا الشرك هو
الشرك األكبر و( منها ) آية براءة ،بين فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ،وبين انهم لم
يؤمروا اال بأن يعبدوا الها واحدا ،مع أن تفسيرها الذي ال اشکال فيه :طاعة العلماء والعباد في غير المعصية ،الدعائهم
اياهم .
و ( منها ) قول الخليل عليه السالم للكفار ( انني براء مما تعبدون ،اال الذي فطر في ) فاستثنى من المعبودين ربه .
وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه المواالة هي تفسير شهادة أن ال اله اال هللا فقال ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم
يرجعون ) .
و ( منها ) آية البقرة في الكفار الذين قال هللا فيهم ( وما هم بخارجين من النار ) ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب هللا ،فدل
على أنهم يحبون هللا حبا عظيما ولم يدخلهم في االسالم .فكيف بمن أحب الند أكبر من حب هللا ،فكيف بمن لم يحب اال
الند وحده ولم يحب هللا .و ( منها ) قوله صلى هللا عليه وسلم ( من قال ال اله اال هللا وكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله
ودمه ،وحسابه على هللا ) وهذا من أعظم ما يبين معنى ال اله اال هللا ،فانه لم يجعل التلفظ بها عاصمة للدم و المال ،بل
وال معرفة معناها مع لفظها ،بل وال االقرار بذلك ،بل وال كونه ال يدعو اال هللا وحده ال شريك له ،بل ال يحرم ماله و
دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون هللا ،فان شك أو توقف لم يحرم ماله و دمه فيا لها من مسألة ما أعظمها
وأجلها ،ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع.
الهدف :
قصد داعية التوحيد رحمه هللا من هذا الباب زيادة االيضاح لمعنى كلمة التوحيد الذي تقدم الكالم عليه في االبواب السابقة
،لما في اآليات المذكورة في هذا الباب من زيادة ايضاح ،ولحرص الشيخ رحمه هللا على صفاء عقيدة المسلم أورد هذا
الباب لما فيه من معان جديدة ينبغي للمسلم معرفتها .
الشرح :
فاآلية األولى :مرتبطة بأية قبلها وهي قوله تعالى ( :قل ادعوالذين زعمتم من دونه فال يملكون كشف الضر عنكم وال
تحويال ) أي يقول هللا لنبيه ورسوله :قل لهؤالء الذين يعبدون المخلوقين -اطلبوا من هؤالء الذين تزعمون أنهم آلهة اذا
نزل بكم مكروه ،أن يزيلوا عنكم الضر ،وانظروا هل يقدرون على ذلك أنهم ال يقدرون على دفع الضر أو جلب النفع ،
وانما الذي يقدر على ذلك هو هللا خالقكم وخالقهم .
وبعد أن بين هللا ألولئك المشركين عدم قدرة من يزعمون أنهم آلهة ،على رفع الضر أو جلب النفع ،بين أن أولئك
المعبودين كانوا يتقربون إلى هللا بطاعته ،ولم يجعلوا بينهم وبين هللا و اسطة من المخلوقين فقال ( :أولئك الذين
31
يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ) أي أن هؤالء الذين تدعونهم أيها المشركون من دون هللا ،كانت وسيلتهم إلى ربهم انما
هي العمل الصالح الذي يقربهم من هللا ،وأعظم ما يقربهم إلى ربهم هو اخالصهم العبادة له ،وعدم اشراكهم معه احدا في
عبادته ،أيا كان من المخلوقين ،ال كما تفعلون أنتم من دعائكم غير هللا في جلب الخير أو دفع الشر ( أيهم أقرب ) أي أن
أولئك الذين تعبدونهم بدعائكم لهم في كشف الضر عنكم ،انما هم من عباد هللا الموحدين الذين يتقربون إلى هللا باتباع ما
أمر به ،ومخالفة ما نهى عنه أمال في رضائه و مغفرته ،فهم كغيرهم من عباد هللا ،ال يملكون ألنفسهم نفعا وال ضرا ،
وال موتا وال حياة وال نشورا ،فكيف تعبدونهم بدعائكم لهم ؟.
( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) أي أنهم يتقربون إلى هللا بالعمل الصالح يرجون رحمته ،و بابتعادهم عن مخالفة أمر
هللا يخافون عذابه ،ثم ذكر السبب في خوفهم من العذاب ،فقال ( :ان عذاب ربك كان محذورا ) أي أن عذاب هللا جدير
بأن يخافه كل احد -المالئكة واالنبياء الصالحون ،واألولياء ،الزعماء والرؤساء ،األغنياء والفقراء.
واآلية الثانية :في هذا الباب هي قوله تعالى ( وإذ قال ابراهيم ألبيه وقومه انني براء مما تعبدون ،اال الذي فطر في فانه
سيهدين ) وتوضيح المعنى في هذه اآلية أن هللا جلت قدرته ذكر في آية سابقة لهذه االية أن الذي جعل الكفار ينحرفون عن
توحيد هللا ،و اخالص العبادة له هو تقليدهم لمن سبقهم من اآلباء واألجداد وكما فعل المشركون السابقون ،فعلت قريش
حين رفضت دعوة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألنها تعارض ما عليه أباؤهم وأجدادهم من عبادة األصنام واألوثان ،
وألن ابراهيم عليه السالم ترك دين آبائهم وأجدادهم وعدل عنه إلى توحيد هللا ،فان هللا أمر نبيه أن يذكر لقومه كيف أن
ابراهيم تبرأ من أبيه وقومه حين رآهم عاكفين على عبادة األصنام وقال لهم :اني براء مما تعبدون .اال من عبادة هللا
الذي خلقني ،والذي سيهديني إلى طريق الهدى والخير .والنبي عليه السالم وهو يحكي لقومه قصة ابراهيم عليه السالم
يقول لهم بطريق غير مباشر :وأنا كذلك براء مما تعبدون من دون هللا ،وقوله تعالى ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم
يرجعون ) اي وجعل كلمة التوحيد باقية في ذريته يقتدي به فيها من هداه هللا منهم ،لعلهم يرجعون إلى دين الوحدانية
الذي كان عليه ابراهيم عليه السالم.
واآلية الثالثة :في هذا الباب ،مرتبطة بأية قبلها .هي قوله تعالى ( وقالت اليهود عزير ابن هللا وقالت النصارى المسيح
ابن هللا ،ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم هللا أني يؤفكون ) اآلية ( التوبة ( )3۰ -اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ،والمسيح بن مريم ،وما أمروا اال ليعبدوا الها واحدا ال اله اال هو سبحانه عما
يشركون) () .)31
وقوله تعالى ( :وقالت اليهود عزير ابن هللا ) أي أن اليهود زعموا ان عزير ابن هللا وهذا كذب پرده قول هللا تعالى ( :
بسم هللا الرحمن الرحيم ،قل هو هللا أحد ،هللا الصمد ،لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفوا أحد )
فاهلل تعالى قدره لم يكن له ولد وال والد ،وزعم اليهود أن هلل ولد اسمه عزير زعم ال مستند له ،وال دليل عليه.
( وقالت النصارى المسيح ابن هللا ) أي كما أن اليهود قالوا عزير ابن هللا كذلك قالت النصارى :المسيح ابن هللا .أفكار
وآراء تخالف العقل ،وال تقوم على برهان قطعي أو ظني ،ورأى النصارى هذا پرده قول هللا تعالى ( ما اتخذ هللا من ولد
،وما كان معه من اله اذا الذهب كل اله بما خلق ولعال بعضهم على بعض سبحان هللا عما يصفون ) ولفساد هذه االراء و
بعدها عن العقل والواقع ،جاء قول هللا تعالى ( :ذلك قولهم بأفواههم ) يعني أن ذلك الذي تقوله اليهود في عزير ،وما
تقوله النصارى في المسيح ،انما هو كالم تتفوه به ألسنتهم دون أن يكون له نصيب من الحقيقة ،و بهذا المعنى جاءت
اآلية الكريمة تقول ( :وينذر الذين قالوا اتخذ هللا ولدا ،ما لهم به من علم وال آلبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم ،أن
يقولون اآل كذبا )
قوله ( :يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ) أي أن قولهم هذا شبيه بقول من سبقهم من مشركي العرب حينما قالوا :أن
المالئكة بنات هللا ،تعالى هللا عن قولهم و تقدس .ولهذا قال ( :قاتلهم هللا )
اي أبعدهم هللا ( أنى يؤفكون ) ثم فصل قوله ( :يضاهئون قول الذين كفروا من قبل بقوله تعالى ( :اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم اربابا من دون هللا و المسيح بن مريم ) االحبار المقصود بهم العلماء والرهبان العباد ،يعني أن كال من اليهود
والنصارى اتخذوا رؤساء الدين لديهم اربابا ،فاليهود اعطوا أحبارهم حق التشريع لهم وأطاعوهم في ذلك ،والنصارى
أعطواحق التشريع .لرهبانهم وأطاعوهم في ذلك ،والمعنى أن هللا تعالى سمى الذين يشرعون للبشر تشريعات ،تحل ما
حرم هللا ،أو تحرم ما أحله هللا سماهم أربابا ،ألن التشريع للعباد من حق رب العالمين ،فاذا جاء انسان بتشريع مخالف
لتشريع هللا ،واطاعه الناس عن علم بذلك كان ذلك عبادة له من دون هللا ،يؤيد هذا ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي
32
صلى هللا عليه وسلم تال هذه اآلية على عدي بن حاتم الطائي ،فقال يا رسول هللا لسنا نعبدهم ،قال :أليس يحلون لكم ما
حرم هللا فتحلونه ،ويحرمون ما أحل هللا فتحرمونه ،قال :بلى .فقال النبي صلى هللا عليه وسلم :فتلك عبادتهم ،ومعنى
هذا أن النبي عليه السالم اعتبر طاعة المشرعين للناس تشريعا يخالف تشريع هللا عبادة لهؤالء المشرعين ،ألنه شرك
أكبر مخالف لمدلول شهادة أن ال اله اال هللا ،قوله تعالى ( :وما أمروا اال ليعبدوا الها واحدا ) أي وما أمر اليهود
والنصارى على لسان موسی و عيسی عليهما السالم ،اال أن يعبدوا الها واحدا هو هللا جل جالله ( ال اله اال هو ) أي ال
معبود بحق سواه ( سبحانه عما يشركون ) أي تعالى وتنزه عن كل شريك في ألوهيته أو ربوبيته .
اآلية الرابعة :في هذا الباب هي قوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا ،والذين آمنوا
أشد حبا هلل ) .
أي ومن الناس من يجعل هللا أمثاال و نظراء يسوون بينهم وبين هللا في المحبة والطاعة والتعظيم ،وهذا شرك في المحبة
،والشرك هو أعظم الذنوب على االطالق ،ولذا جاء في الصحيحين عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال :قلت يا
رسول هللا أي الذنب أعظم ،قال ( أن تجعل هلل ندا و 3هو خلقك ) وفي اآلية دليل على أن أولئك المشركين كانوا يحبون
هللا ،ولكنهم حينما جعلوا هلل أندادا پرجونهم كما يرجون هللا ،ويخافون منهم كما يخافون من هللا ،ويلتجئون اليهم كما
يلتجئون إلى هللا ،صاروا مشركين باهلل شركا أكبر
قوله ( :والذين آمنوا أشد حبا هلل ) أي أن المؤمنين الصادقين ال يعدل حبهم هللا حب ،وان حبهم هلل أشد من حب أهل
األنداد ألندادهم ،ولتمكن هذا الحب اإللهي في قلوبهم ،لم يستطع الشرك أن ينفذ إلى عقيدتهم القائمة على العبودية
الخالصة هلل وحده ،ومن مستلزمات هذه المحبة الربانية أن تكون تصرفات المسلم متفقة مع أوامر هللا
وبعد هذه اآليات يختتم المؤلف رحمه هللا هذا الباب بالحديث الذي جاء فيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( من قال :ال
اله اال هللا ،وكفر بما يعبد من دون هللا ،حرم ماله ،ودمه ،وحسابه على هللا عز و جل )
هذا الحديث أورده المؤلف رحمة هللا عليه لما فيه من داللة على أن تلفظ االنسان بكلمة التوحيد ،ال تنفع في عصمة ماله
ودمه ما لم يقترن بها كفره بكل ما يعبد من دون هللا ،معنى هذا أن االنسان اذا قال ال اله اال هللا ،ولم يعمل بما تدل عليه
من الكفر بكل معبود سوى هللا وما تستلزمه من اداء فرائض هللا كان حالل الدم والمال كما جاء بذلك حديث ابن عمر في
الصحيحين أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال اله اال هللا ،وأن محمدا
رسول هللا ويقيموا الصالة ،ويؤتوا الزكاة ،فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم اال بحقها وحسابهم على هللا.
قوله ( :وحسابهم على هللا ) يعني أن االنسان اذا قال :ال اله اال هللا ،ولم يعمل ما يناقضها ظاهرا :والتزم فرائض
االسالم ،حرم ماله و دمه ،ألن الحكم على الشيء الظاهر ،أما أن يقول االنسان ال اله اال هللا و هو في داخل نفسه ال
يؤمن بمعناها ،فهذا شيء إلى هللا ألنه هو المطلع على خفايا النفوس ،وهو الذي سوف يحاسبه يوم القيامة على ذلك.
(( قل أفرأيتم ما تدعون من دون هللا أن أرادني هللا بضرهل هن كاشفات ضره ) اآلية ( – 38الزمر وقول هللا تعالى :
عن عمران بن حصين رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه و سلم رأى رجال في يده حلقة من صفر فقال ( ما هذه ) ؟
قال :من الواهنة فقال ( انزعها فانها ال تزيدك اال وهنا ،فانك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ) رواه أحمد بسند ال بأس
به ،وله عن عقبة بن عامر.
رضي هللا عنه مرفوعا « من تعلق تميمة فال أتم هللا له و من تعلق ودعة فال ودع هللا له » وفي رواية « من تعلق تميمة
فقد أشرك ،والبن أبي حاتم عن حذيفة رضي هللا عنه أنه رأى رجال في يده خيط من الحمى فقطعه وتال قوله تعالى ( وما
يؤمن أكثرهم باهلل األ وهم مشركون ) .
الثانية :أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح ،فيه شاهد الكالم الصحابة أن الشرك األصغر أكبر الكبائر.
الرابعة :أنها ال تنفع في العاجلة بل تضر لقوله ( ال تزيدك اال وهنا ) .
التاسعة :تالوة حذيفة اآلية دليل على أن الصحابة يستدلون باآليات التي في األكبر على االصغر كما ذكر ابن عباس في
آية البقرة .
الحادية عشرة :الدعاء على من تعلق تميمة أن هللا ال يتم له ،ومن تعلق ودعة فال ودع هللا له ،أي ال ترك هللا له.
الهدف :
قصد شيخ االسالم رحمه هللا من هذا الباب بيان أن تعلق القلب بغير هللا في جلب النفع أو دفع الضر شرك .
الشرح:
اآلية الكريمة هذه تبدأ بقوله تعالى ( :ولئن سألتهم من خلق السماوات واألرض ليقولن هللا ؟ قل أفرأيتم ما تدعون من دون
هللا ان ارادني هللا بضر هل هن كاشفات ضره أو أراد في برحمة هل هن ممسكات رحمته ،قل :حسبي هللا عليه يتوكل
المتوكلون ) .
34
في آية سابقة لهذه اآلية ذكر أن هللا سبحانه و تعالى وحده هو الذي يقدر على دفع المصائب والنكبات عن العباد ،وأن كل
نفع أو ضر ال يكون اآل بارادته وأمره وفي هذه اآلية يقيم الدليل على جهل عبدة المخلوقين باشراکهم مع هللا في العبادة
التي هي حق من حقوق هللا فقال ( :ولئن سألتهم من خلق السماوات واالرض ليقولن هللا ) أي أن هؤالء المشركين لو
سئلوا عن خالق هذه السموات واالرض لما ترددوا في االعتراف بأنه هللا سبحانه و تعالى ،فاذا كان األمر كذلك فكيف
استباحوا ألنفسهم عبادة غير الخالق أو أشركوا معه مخلوقا في عبادته .
ال شك أن الجهل هو الذي حملهم على ذلك ،واال فكيف يعتر فون بأن هللا سبحانه وتعالى هو خالق السموات واالرض ثم
يعبدون معه غيره ،وقد وبخهم هللا على ذلك بقوله ( :قل أفرأيتم ما تدعون من دون هللا أن أرادني هللا بضر هل هن
كاشفات ضره ،أو ارادني برحمته
هل هن ممسكات رحمته ؟ ) أي قولوا لهذه اآللهة التي تدعونها من دون هللا لكشف المصائب والمحن عنكم ،أو لجلب
السعادة أو الخير لكم ،هل هي قادرة على شيء من ذلك ؟ الحقيقة التي ال ريب فيها أنها عاجزة تمام العجز عن الوقوف
أمام شيء يريده هللا لإلنسان من سعادة أو شقاء ،وألجل هذا فال ينبغي االعتماد على مخلوق ضعيف في جلب السراء أو
دفع الضراء ،وانما يجب االعتماد على الواحد القادر على كل شيء ( قل حسبي هللا ) أي هللا کافيني من كل شيء فال
أخاف غيره ( عليه يتوكل المتوكلون ) أي عليه وحده يعتمد المؤمنون في كل أمورهم وفي الحديث ( من أحب أن يكون
أقوى الناس فليتوكل على هللا ،ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد هللا عز وجل أوثق منه بما في يديه ،ومن
أحب أن يكون أكرم الناس فليتق هللا عز وجل .
يأتي بعد هذه اآلية الكريمة حديث عمران بن حصين رضي هللا عنه وفيه داللة على أن التفاتة القلب الى غير هللا في طلب
الخير أو دفع المكروه شرك ،ولذا حينما رأى أن النبي صلى هللا عليه وسلم حلقة من صفر في يد ذلك الرجل المذكور في
الحديث ،سأله في استنكار بقوله ( :ما هذه ) قال الرجل من الواهنة يعني أنه لبسها لتمنع عنه ألم الواهنة ،فقال النبي
عليه السالم ( :أنزعها فأنها ال تزيدك اآل وهنا ) أي اخلعها من يدك فانها ال تزيدك اال ألما فوق ألم :ثم قال ( :فانك لو
مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ) وفي هذا تحذير من الوقوع في أي نوع من أنواع الشرك ،ولو كان أصغر -ألن الشرك
أعظم جرما من الذنوب الكبيرة .
والحديث الثاني في هذا الباب حديث عقبة بن عامر رضي هللا عنه .
4الذي ورد فيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( :من تعلق تميمة فال أتم هللا له ،ومن تعلق ودعة ( )2فال ودع هللا له
).
هذا الحديث الشريف فيه دعاء من الرسول عليه السالم على كل من علق قلبه بغير هللا في طلب خير أو دفع شر -و دعاء
الرسول عليه السالم مستجاب من هللا فقال ( :من تعلق تميمة فال أتم هللا له) والمعنى أن العرب قبل بعثة الرسول عليه
السالم ،كانوا يعلقون على أوالدهم خرزات يسمونها التمائم ،اعتقادا منهم بأن هذه الخرزات تمنع عنهم االصابة بالعين ،
وتبعد عنهم اآلفات فلما جاء اإلسالم أبطل هذا االعتقاد .ومثل هذا االعتقاد الجاهلي ،ما يفعله اليوم كثير من الناس من
تعليق الحجب التي يقوم بعملها جهلة و دجالون في رقاب أوالدهم ،ظنا منهم بأن هذه الحجب تمنع عن أوالدهم العين ،
نفس ما كان يعتقده الناس في الجاهلية وألن هذا االعتقاد يؤدي باالنسان الى نوع من أنواع الشرك ،دعا الرسول عليه
السالم على كل من فعل هذا بقوله ( :فال أتم هللا له ) أي ال أتم هللا له الشفاء ،وال رفع عنه البالء ومثل هذا قوله عليه
السالم :و من تعلق ودعة فال ودع هللا له ،أي ال ترکه هللا في راحة وهدوء ،وفي نهاية هذا الباب يذكر المصنف رحمه
هللا رواية ابن أبي حاتم أن حذيفة رضي هللا عنه -رأى رجال في يده خيط من الحمى فقطعه و تال قوله تعالى ( :وما
يؤمن أكثرهم باهلل اال وهم مشركون ) وفي رواية اخرى أن حذيفة دخل على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه ثم تال
اآلية الكريمة السابقة وفي فعل حذيفة هذا ،و انكاره وتالوته لآلية الكريمة دليل على أن الصحابة رضي هللا عنهم
يستدلون بما أنزل هللا في الشرك األكبر على الشرك األصغر لدخوله في مسمى الشرك .
4 ( )1الواهنة :عرق يصيب المنكب و اليد كلها ،وهو مرض يصيب الرجال دون النساء
شء يخرج من البحر يشبه الصدف ( )2الودع :ي
35
باب ما جاء في الرقي والتمائم
في الصحيح عن أبي بشير االنصاري رضي هللا عنه أنه كان مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل
رسوال أن ال يبقين في رقبة بعير قالدة من وتر أو قالدة اال قطعت .
وعن ابن مسعود رضي هللا عنه قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول أن الرقى والتمائم والتولة شرك ،
رواه أحمد وأبو داود وعن عبد هللا ابن عكيم مرفوعا ( من تعلق شيئا وكل اليه ) رواه أحمد والترمذي.
التمائم :شيء يعلق على األوالد عن العين ،لكن اذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف ،وبعضهم لم
يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود رضي هللا عنه ،والرقي :هي التي تسمى العزائم ،وخص منه
الدليل ما خال من الشرك ،فقد رخص فيه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من العين والحمة والتولة :شيء يصنعونه
يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها و الرجل إلى امرأته
وروى أحمد عن رويفع قال :قال لي رسول هللا صلى هللا عليه سلم ( يا رويفع ،لعل الحياة تطول بك ،فأخبر الناس أن
من عقد الحيته أو تقلد وترا ،أو استنجی برجيع دابة أو عظم ،فان محمدا بريء منه ) وعن سعيد بن جبير قال ( من
قطع نميمة من انسان كان كعدل رقبه )
رواه وكيع وله عن ابراهيم قال :كانوا يكرهون التمائم كلها ،من القرآن وغير القرآن .
الرابعة :أن الرقية بالكالم الحق من العين والحمة ليس من ذلك .
الخامسة :ان التميمة اذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء هل هي من ذلك أم ال؟.
التاسعة :أن كالم ابراهيم ال يخالف ما تقدم من االختالف الن مراده اصحاب عبد هللا بن مسعود
الهدف :
قصد الداعية إلى التوحيد رحمه هللا من هذا الباب ،بيان ما له صلة بالشرك من الرقي وما ليس كذلك وحكم التمائم .
الشرح :
األول :حديث أبي بشير االنصاري ،وبيانه أن النبي عليه السالم أرسل زيد بن حارثة رضي هللا عنه ،ليزيل كل القالئد
التي يجدها على االبل وغيرها من الدواب ،وقصة القالئد هذه أن الناس في عصر الجاهلية ،ولعدم وجود عقيدة تجعلهم
يؤمنون بأن األمر كله هلل والنفع والضر جميعه بيد هللا ،كانوا اذا بدأ تقادم العهد على وتر القوس ،ولم يعد صالحا للعمل
قطعوه ،وقلدوا به أعناق األبل والخيل وغيرهما من الدواب اعتقادا منهم بأن هذا العمل يدفع العين عن دوابهم ،ولما كان
36
تعليق األوتار والتمائم والقالئد ال يرد قضاء قضاه هللا وأن هذا العمل يجعل القلب يميل إلى غير هللا ،أمر النبي عليه
السالم زيدا ،أن ال يترك قالدة اال قطعها ،وشبيه بهذا ما يفعله بعض الجهال اليوم من وضع حذاء قديم على واجهة عمارة
أو متجر أو غير ذلك خوفا من االصابة بالعين .كل هذه و نظائرها نهی عنها االسالم وحذر منها ،لما لها من تأثير على
عقيدة المسلم القائمة على االيمان
الثاني :حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وفيه أمور ثالثة :
فالرقى المباحة هي التي تكون بكالم هللا ،وأسمائه ،وصفاته ،والمأثور من االدعية الثابتة عن رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم ،وقد ثبت عن الرسول عليه السالم أنه رقی ورقي ،وقال في حديث (ال بأس بالرقى ما لم تكن شركا ) ومن
األدعية المأثورة عن الرسول عليه الصالة والسالم ،قوله ( أذهب البأس رب الناس ،واشف أنت الشافي ،ال شفاء إال
شفاؤك ،شفاء ال يغادر سقما ) وبقدر ما يكون قرب المؤمن من هللا ،بقدر ما تكون استجابة دعائه منه عاجلة و سريعة
في شفاء المريض .
أما الرقي غير المباحة فهي التي يستعان فيها بغير هللا ،كما يفعل ذلك أصحاب الدجل الذين يكتبون لبعض المرضى
الجهلة -طالسم وحروفا مقطعة ،وأدعية شركية ،وأسماء جن أو شياطين وما إلى ذلك من الوسائل المخالفة لشرع هللا و
دينه .
( )2التمائم -و تنقسم إلى نوعين نوع محرم وهو الذي يعلق على األوالد والدواب وغيرها من خرز وغيره ،.اعتقادا بأن
هذا يدفع اإلصابة بالعين وهو اعتقاد يؤدي باالنسان إلى نوع من أنواع الشرك ،حينما يعتقد أن هناك من يستطيع جلب
الخير أو دفع الشر دون ارادة هللا .و نوع مختلف في جوازه ،وهو تعليق التمائم اذا كانت من القرآن الكريم وأسماء هللا
وصفاته ،فمن علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم من رخص في تعليق التمائم ،اذا كانت من القرآن أو أسماء هللا
وصفاته ،حاملين حديث ابن مسعود هذا على التمائم التي فيها شرك .و منهم من لم يرخص في ذلك ،استدالال بعموم
النبي الوارد في الحديث ،ولهذا قال ابراهيم النخعي ،كان أصحاب عبد هللا بن مسعود يكرهون التمائم كلها من القرآن
وغير القرآن ،وفي فضل قطع التمائم جاء قول سعيد بن جبير :من قطع تميمة من انسان كان كعدل رقبة .
( )3التوله -هي نوع من أنواع السحر يعمله كثير من الجهال لتوثيق عرى المحبة بين كل من الزوجين ،ولما فيه من
التفات القلب إلى غير هللا في دفع المضار أو جلب المنافع صار شرکا .
الثالث :حديث ابن عكيم ،وفيه أخبار من الرسول عليه الصالة والسالم ،بأن من ارتبط قلبه باهلل صادقا ،والتجأ اليه
مخلصا ،سهل هللا له أمره وحفظه مما يكره ،ورزقه من حيث ال يحتسب ،ومن علق قلبه بغير هللا أو طلب من مخلوق
شيئا دون هللا خذله هللا جزاء لعمله ،و بهذا المعنى يقول عطاء الخراساني ( لقيت وهب بن منيه وهو يطوف بالبيت فقلت
حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز قال :نعم أوحى هللا تبارك وتعالى إلى داود :يا داود أما وعزتي و
عظمتي ال يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي ،أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن ،واألرضون
السبع ومن فيهن ،اال جعلت له من بينهن مخرجا ،وعزتي وعظمتي ال يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني ،أعرف
ذلك من نيته اآل قطعت أسباب السماء من يده ،وأسخت االرض من تحت قدميه ،ثم ال أبالي بأي أوديتها هلك ).
الرابع :من أحاديث الباب حديث رويفع وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمر رويفعا أن يخبر الناس بتبرؤ الرسول
عليه السالم ،ممن فعل أحد أمور ثالثة - :
( )1تبرؤه ممن عقد لحيته على طريقة االعاجم الذين يفتلونها ويعقدونها تكبرا وتعاظما ،أو على طريقة المتشبهين
بالنساء الذين يعالجون لحاهم لتتعقد كما تفعل النساء في لف شعورهن .
( )3من استنجی برجيع دابة أو عظم ،وقد ورد في سبب المنع من االستنجاء بالروث أو العظم ،حديث البن مسعود
رصي هللا عنه أورده مسلم في صحيحه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( :ال تستنجوا بالروث وال بالعظام فانه زاد
اخوانكم من الجن ).
38
باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما
و قول هللا تعالى ( أفرأيتم الالت و العزي ) اآليات ( 2۰، 19النجم ) .
عن أبي واقد الليثي قال :خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر ،وللمشركين سدرة
يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم ،يقال لها ذات أنواط ،فمررنا بسدرة فقلنا :يا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط كما
لهم ذات أنواط ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( هللا أكبر ،انهاء السنن ،قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو
اسرائيل لموسى ( اجعل لنا الها كما لهم آلهة ،قال انكم قوم تجهلون ) لتركبن سنن من كان قبلكم ) رواه الترمذي
وصححه.
الرابعة :كونهم قصدوا التقرب إلى هللا بذلك لظنهم انه يحبه .
السابعة :أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يعذرهم بل رد عليهم بقوله هللا أكبر أنها السنن ،لتتبعن سنن من كان قبلكم فغلظ
االمر بهذه الثالث .
الثامنة :األمر الكبير وهو المقصود :أنه أخبر أن طلبتهم كطلبة بني اسرائيل لما قالوا .لموسى اجعل لنا الها .
التاسعة :أن نفي هذا من معنى ال اله اال هللا مع دقته و خفائه على أولئك.
العاشرة :انه حلف على الفتيا ،وهو ال يحلف اال لمصلحة .
الحادية عشرة :أن الشرك فيه أكبر وأصغر النهم لم يرتدوا بهذا.
الثانية عشرة :قوله ونحن حدثاء عهد بكفر فيه أن غيرهم ال يجهل ذلك .
الثامنة عشرة :أن هذا من أعالم النبوة لكونه وتع كما أخبر .
التاسعة عشرة :أن كل ما ذم هللا به اليهود والنصارى في القرآن انه لنا .
39
العشرون :انه متقرر عندهم أن العبادات مبناها على األمر فصار فيه التنبيه على مسائل القبر :أما ( من ربك ) فواضح
،وأما من نبيك فمن أخباره بأنبياء الغيب ،وأما ( ما دينك ) فمن قولهم ( اجعل لنا الها ) إلى آخره .
الحادية والعشرون :أن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين .
الثانية والعشرون :أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه ال يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لقولهم ( و نحن
حدثاء عهد بكفر ).
الهدف :
قصد الداعية الكبير رحمه هللا من هذا الباب أن طلب البركة من الجمادات من أشجار أو أحجار ودعائها ،واالعتماد عليها
،واالستعانة بها شرك .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب آية وحديث و احد .فاآلية الكريمة تأتي بعد آيات قبلها تثبت أن محمدا عليه الصالة والسالم نبي من
عند هللا سائر على طريق الهدى ،ال ينطق عن الهوى ،وال يقول للبشر اال ما أمره هللا بتبليغه لهم ،وأنه عرج به إلى
السماء ،ورأى فيها من عجائب هللا وآياته ما يجعل االنسان يركع أمام هذه العظمة الجبارة ،التي ترمز إلى عظمة الخالق
جل جالله .وبعد أن بين الرسول عليه السالم ما شاهده في ليلة المعراج من أشياء تجعل العقل البشري يسلم بأن هذا
الخالق العظيم هو الذي يستحق العبادة دون غيره ،جاءت هذه اآلية ،فيها تقريع وتوبيخ ألولئك الذين يدعون غير هللا
تقول ( :أفرأيتم الالت والعزى ،ومناة الثالثة األخرى ) أي ،أفبعد ما سمعتم أيها المشركون ما أخبركم به محمد من آيات
هللا الكبرى ،تجعلون هذه االصنام الحقيرة الضعيفة ،الالت والعزى ومناة ،شركاء مع هللا ،وهذه االصنام كان العرب
قبل بعثة الرسول عليه السالم يعبدونها -فالالت عبارة عن صخرة بيضاء بالطائف ،كانت ثقيف و من تبعها من القبائل
يعظمونها و يفتخرون بها ،وقال ابن عباس رضي هللا عنه «كان رجال يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره »
وكان هذا الرجل كما ذكر ابن عباس رضي هللا عنه يبيع السويق والسمن عند صخرة ،ويسلئون عليها فلما مات عبدت
ثقيف تلك الصخرة تعظيما لصاحب السويق ،والظاهر أنه ال تناقض بين القولين في معنى الالت ،فثقيف عبدت القبر
والصخرة معا ،وكانت قريش فقد أقامت بناء على هذه الصخرة إلى أن بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المغيرة بن
شعبة فهدمه ،والعزى عبارة عن شجرة بنخلة بين مكة والطائف ،كانت قريش تعظمها ،وما زالت حتى بعث الرسول
عليه الصالة والسالم خالد بن الوليد فقطعها .
أما مناة فهي عبارة عن صخرة بالمشلل .عند قديد بين مكة والمدينة وكانت هذيل وخزاعة يعظمونها ،وما زالت حتى
بعث رسول هللا عليا بن أبي طالب رضي هللا عنه فهدمها عام الفتح .
بعد هذه اآلية الكريمة يأتي حديث أبي واقد الليثي رضي هللا عنه وفيه يخبر أنهم كانوا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
في غزوة الفتح وكانوا قريبي عهد بالكفر ،وبين حنين والطائف ،وبتأثير من بقية من تلك العادات التي كانوا يفعلونها في
الجاهلية وتأثرا بما رأوه من عكوف المشركين حول سدرة يعظمونها ،ويعلقون عليها أسلحتهم طلبا للبركة ،قالوا يا
رسول هللا اجعل لنا ذات انواط ) أي خصص لنا شجرة نقيم عندها و تعظمها و نعلق عليها أسلحتنا للبركة ،مثل ما يفعل
اولئك الناس بتلك السدرة ،ظنا منهم لقرب دخولهم في االسالم -أن هذا األمر محبوب عند هللا مقرب منه .فقال النبي
صلى هللا عليه وسلم ،في تعجب و استغراب ( :هللا أكبر ) أي أنزه هللا و أجله عن جعل شريك له في أي أمر ال يصلح
اال له ،وكان النبي عليه الصالة و السالم اذا سمع من أحد ما ال يليق باللله يستعمل التكبير والتسبيح ثم قال ( :أنها السنن
) اي الطرق ثم حلف الرسول عليه الصالة والسالم وهو الصادق المصدوق أن مطلبهم هذا شبيه بمطلب بني اسرائيل
لموسى عليه السالم ،حين قالوا له ( اجعل لنا الها كما لهم آلهة ) بجامع أن كال من المطلبين ،مناف لتوحيد هللا .فبنوا
اسرائيل طلبوا من موسى عليه السالم أن يجعل لهم إلها يعبدونه من دون هللا ،وهؤالء طلبوا من الرسول عليه السالم أن
يجعل لهم شجرة يعظمونها ،ويعكفون عندها ،ويتبركون بها وكل هذا شرك باهلل يدفع اليه الجهل بما يجب هللا من حقوق
على عباده ،ولذا قال ( انكم قوم تجهلون ) ثم أنهى الحديث عليه السالم بقوله ( :لتركبن سنن من كان قبلكم ) اي لتسيرن
على منهج من كان قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم ،ولقد وقع ما أخبر به عليه السالم اذ سار كثير من المسلمين
على طريقة اليهود والنصارى في اشراكهم المخلوقين مع هللا و استهتارهم بأوامر شريعته ،واستحاللهم ما حرمه عليهم ،
وغير ذلك مما تأثر به كثير من المسلمين ،من عادات و أخالق اليهود والنصارى ،التي ال تتفق مع تعاليم شريعة االسالم
4۰
و بهذا المعنى جاء الحديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ،حتى لو
دخلوا جحر ضب لدخلتموه ،قالوا يا رسول هللا :اليهود والنصارى قال :فمن ؟ ) يعني من يكون غيرهم .
والخالصة :
من هذا الباب أن من تبرك بانسان أو جماد أو حيوان طالبا منه معظما له معتقدا فيه جلب النفع أو دفع المكروه كان عمله
هذا شركا يستحق عليه عقاب المشركين باهلل ،ومثل هذا ما يفعله كثير من المسلمين من التبرك بقبور األولياء والصالحين
وغير ذلك مما يتنافى مع عقيدة التوحيد .
41
باب ما جاء في الذبح لغير هللا
وقول هللا تعالى ( قل ان صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له ) االية ( - 113 ، 192االنعام )
وقوله ( فصل لربك وانحر ) االية ( - 2الكوثر ) عن علي رضي هللا عنه قال :حدثني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
بأربع كلمات :لعن هللا من ذبح لغير هللا .لعن هللا من لعن والديه ،لعن هللا من آوى محدثا ،لعن هللا من غير منار األرض
) رواه مسلم .
وعن طارق بن شهاب أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب ،
قالوا :وكيف ذلك يا رسول هللا ؟ قال ( مر رجالن على قوم لهم صنم ال يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا الحدهما
قرب .قال :ليس عندي شيء أقرب قالوا له قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله ،فدخل النار وقالوا لالخر قرب فقال
ما كنت ألقرب الحد شيئا دون هللا عز وجل فضربوا عنقه ،فدخل الجنة ) رواه أحمد .
الرابعة :لعن من لعن والديه .ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك .
الخامسة :لعن من آوى محدثا وهو الرجل يحدث شيئا يجب فيه حق هللا فيلتجي إلى من يجيره من ذلك .
السادسة :لعن من غير منار األرض وهي المراسيم التي تفرق بين حقك من االرض وحق جارك فتغير ها بتقديم أو
تأخير .
السابعة :الفرق بين لعن المعين ،ولعن أهل المعصية على سبيل العموم.
التاسعة :كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم .
العاشرة :معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين ،كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبهم مع كونهم لم يطلبوا
اال العمل الظاهر .
الحادية عشرة :أن الذي دخل النار مسلم ،ألنه لو كان كافرا لم يقل دخل النار في ذباب .
الثانية عشرة :فيه شاهد للحديث الصحيح ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله و النار مثل ذلك ) .
الثالثة عشرة :معرفة أن عمل القلب هو المقصود االعظم حتى عند عبدة األوثان.
الهدف :
قصد مؤلف الكتاب رحمه هللا بيان أن من تقرب إلى غير هللا بأي نوع من أنواع العبادة مالية كانت أو بدنية ظاهرة أو
باطنة فقد أشرك مع هللا في عبادته .
الشرح :
42
فاآلية األولى من هاتين اآليتين قوله تعالى ( :قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ) فيها أمر من هللا
لنبيه عليه الصالة والسالم ،أن يخبر أولئك المنحرفين عن توحيد هللا ،إلى عبادة األصنام ،يدعونها ويذبحون لها ،بأن
صالته ،وذبحه وكل أعماله التي يعملها هلل رب العالمين ،بهذه العقيدة يحي و على هذا المنهج يموت ( ال شريك له
وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) أي ال شريك له في عبادته ( وبذلك أمرت ) يعني و بتوحيد هللا و اخالص العبادة له
أمرني ربي ( وأنا أول المسلمين ) اي وانا أول الطائعين المنقادين إلى امتثال أوامر هللا ،واجتناب نواهيه.
أما اآلية الثانية فهي قوله تعالى ( :فصل لربك وانحر ) وفي اآلية األمر من هللا لنبيه بأن تكون صالته ونحره هلل وحده ،
وألن الصالة هي أعظم العبادات البدنية ،فقد رمز بها إلى أن تكون جميع العبادات البدنية خالصة هلل ،كما أن النحر هو
أعظم العبادات المالية فقد رمز به إلى أن تكون جميع العبادات المالية خالصة هلل دون غيره.
ويأتي بعدهاتين اآليتين :حديث علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ،وفيه دعاء من الرسول عليه السالم بالطرد واإلبعاد
عن رحمة هللا لمن أقدم على أمر من أمور أربعة فقال
( ( )1لعن هللا من ذبح لغير هللا ) أي أبعد هللا من رحمته من تقرب بذبح اي شيء لغير هللا -يشمل ذلك ما يذبحه عبدة
األصنام آللهتهم تقر با اليها وما يذكر عند ذبحه اسم نبي أو ولي أو صالح ،ومثله ما يذبح للجن من أجل شفاء مريض أو
على عتبات بعض البيوت خوفا من دخول العفاريت ،أو ما يذبح باسم الزار أو غيره مما يفعله الجهال بشريعة هللا من
أمور تخرج االنسان من عبادة هللا إلى عبودية المخلوقين ،وهذا شرك يؤرث صاحبه أسوأ العواقب ،وال بد هنا من التنبيه
إلى أن كل ما أهل به لغير هللا يحرم أكله.
( ( )2لعن هللا من لعن والديه ) أي من كان سببا في سب والديه و قد سئل الرسول عليه الصالة و السالم عن كيفية سب
الرجل والديه ،فأجاب ( يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) ورد ذلك عنه في حديث صحيح جاء فيه ( من
الكبائر شتم الرجل والديه ) .
( ( )3لعن هللا من آوى محدثا) 6أي منع أخذ الحق الذي يجب عليه لآلخرين ،وبقدر ما يكون حجم الحق العام أو الخاص
كبيرا ،بقدر ما يكون اثم المجير أعظم .
( ( )4لعن هللا من غير منار األرض ) أي أحدث تغييرا بتقديم أو تأخير في العالمات التي توضح الحدود بين الناس في
أمالكهم ،وذلك لما يترتب على هذا التغيير من أمور أهمها سفك الدماء التي حرم هللا أن تسفك بغير حق تحدده شريعة هللا
.وفي نهاية الباب برد حديث طارق بن شهاب وفيه أن الرسول
صلى هللا عليه وسلم أخبر الصحابة رضوان هللا عليهم أن رجال دخل الجنة بسبب ذباب ،وأن رجال آخر دخل النار بسبب
ذباب ،لكن الصحابة .وهم الذين ال يراودهم شك في صدق الرسول عليه الصالة والسالم في كل ما يقول تعجبوا -کيف
أن حشرة حقيرة مستقذرة تكون سببا في دخول الجنة أو النار ،لكن الرسول عليه السالم سرعان ما أزال عن أذهانهم ذلك
التعجب ،إذ أجابهم على سؤلهم بقوله ( مر رجالن على قوم لهم صنم ال يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا ) أي ال يمر بهذا
الصنم أحد وال يتعداه جتى يقرب اليه شيئا مهما كان تافها ،وعند مرور هذين الرجلين على هذا الصنم :قال أصحابه
ألحد الرجلين ،قدم قربانا للصنم فقال ( :ليس عندي شيء أقرب أي ليس لدي ما اقربه ( :قالوا له قرب ولو ذبابا ،وألن
الذباب شيء حقير في نظره ،والعتقاده أن شيئا كهذا ال يوقعه في الشرك ( فقرب ذبابا فخلوا سبيله ،فدخل النار ) وفي
هذا داللة على أن التفات القلب لغير هللا ،هو الذي يوقع في متاهات الشرك باهلل ،وأن عبدة األوثان يدركون أن أهم شيء
لالنحراف باالنسان عن توحيد هللا ،هو اتجاه القلب الى غير هللا واال لما طلبوا من ذلك الرجل أن يقرب لصنمهم ولو ذبابا
،مع ادراكهم لتفاهته وحقارتهوقالو لآلخر قرب ،فقال :ما كنت القرب الحد شيئا دون هللا عز وجل ،فضربوا عنقه
فدخل الجنة ( أي ليس من الحق وال من العدل أن التفت بقلبي عن هللا الذي ال يستحق العبادة غيره إلى مخلوق ضعيف
مثلي ،فضربوا عنقه فدخل الجنة ،وفي هذا داللة على ما يلقاه أهل التوحيد من نعيم خالد عند هللا ،وأي نعيم أفضل من
نعيم الجنة .
ذلك6 ئ
فيلتج إىل من يجيه من ( )1محدثا :المحدث هو الشخص الذي يقوم بعمل يلزمه بسببه حق هللا
43
باب ال يذبح هلل بمكان يذبح فيه لغير هللا
وقول هللا تعالى ( ال تقم فيه أبدا ) االية ( - 1۰8التوبة )
عن ثابت بن الضحاك رضي هللا عنه قال :نذر رجل أن ينحر ابال ببوانة فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم فقال « :هل
كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد » ؟ قالوا ال .قال « فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا :ال ،فقال رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم » أوف بنذرك فانه ال وفاء لنذر في معصية هللا ،وال فيما ال يملك ابن آدم » رواه ابو داود ،و
اسناده على شرطهما .
الثالثة :رد المسألة المشكلة إلى المسألة البينة ليزول االشكال .
السادسة :المنع منه اذا كان فيه وثن من أوثان إلجاهلية ،ولو بعد زوالها .
السابعة :المنع منه اذا كان فيه عيد من أعيادهم ولو بعد زواله .
الثامنة :انه ال يجوز الوفاء بما نذر في تلك البقعة النه نذر معصية
الهدف :
قصد مؤلف الكتاب رحمة هللا عليه من هذا الباب ،بيان عدم عدم جواز الذبح هلل في المكان الذي يذبح فيه لغير هللا منعا
ألي وسيلة قد تكون سببا في النهاية إلى الوقوع في الشرك .
الشرح :
فاآلية الكريمة مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ( :والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا
لمن حارب هللا ورسوله من قبل ،وليحلفن ان اردنا اال الحسني وهللا يشهد انهم لكاذبون ال تقم فيه أبدا لمسجد أسس على
التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ،فيه رجال يحبون أن يتطهروا وهللا يحب المطهرين ) أفمن أسس بنيانه على تقوى
من هللا ورضوان خير من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ،وهللا ال يهدي القوم الظالمين و ال
يزال بنيانهم الذي بنواريبة في قلوبهم اال ان تقطع قلوبهم ،وهللا عليم حكيم ) اآليات ( – 11۰ - 1۰7التوبة ).
هذه اآليات من كتاب هللا ،قيل في سبب نزولها ،أن رجال من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب كان قد تنصر ،وكان
يقيم بالمدينة إلى أن قدم الرسول عليه الصالة والسالم اليها مهاجرة ،فخرج هاربا إلى مكة وألب المشركين على رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم ،و حاول استمالة األنصار إلى الوقوف معه ضد الرسول عليه السالم ،ولما لم يجد تجاوبة منهم و
44
بعد وقعة أحد ،فر إلى هرقل ملك الروم يطلب مساعدته في حرب الرسول عليه السالم فوعده هرقل بذلك ،فكتب ابو
عامر بذلك إلى جماعة من المنافقين يخبرهم أنه سيقدم يجيش لقتال محمد وأمرهم أن يبنوا مكانا يقيم فيه اذا قدم عليهم ،
فبنوا مسجدا بجانب مسجد قباء وبعد الفراغ من بنائه ،وقبل خروج النبي عليه السالم إلى غزوة تبوك ،سألوه أن يصلي
في المسجد ،وذكروا انهم انما بنوه للضعفاء وأهل العلة في الليالي الباردة والمطيرة ،فقال لهم عليه الصالة و السالم -أنا
على سفر ولكن اذا رجعنا ان شاء هللا ،ولما قفل عليه السالم إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه و بينها اال مسافة قصيرة ،
نزل جبريل عليه السالم يخبر بأن الغرض من هذا المسجد انما هو محاولة التفريق بين جماعة المؤمنين ،فبعث الرسول
عليه السالم من يهدمه قبل وصوله الى المدينة فهدم .هذا هو سبب نزول هذه اآليات من كتاب هللا والمعنى اآليات .
قوله تعالى ( :والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا و تفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب هللا ورسوله من قبل )
يعني أن هذا المسجد لم يبن من أجل العبادة ،وانما كان الهدف منه مضارة المؤمنين الذين يصلون في مسجد قباء الذي
بناه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد مقدمه مهاجرا من مكة إلى المدينة واتخاذه مكانا للطعن فيما جاء به من دين هللا ،
والتفريق بين جماعة المؤمنين الذين يجتمعون للصالة في مسجد واحد ،وجعله ملجأ لمحاربة هللا ورسوله.
أي وهللا يعلم كذبهم في انهم ما بنوه من أجل الرحمة بالضعفاء ،وانما بنوه من اجل االفساد في األرض
ولذا قال هللا عز وجل لنبيه عليه السالم ( :ال تقم فيه ابدا ) أي ال تصل فيه ابدا ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم
أحق أن تقوم فيه ) أي أن مسجدا اسس من أول يوم على التقوى ،أولى من غيره بالقيام فيه مصليا ،والمراد بالمسجد
مسجد قباء ،وقيل مسجد الرسول عليه السالم بالمدينة ،وال تعارض بين القولين فقد أسس كل من المسجدين على التقوى
من أول يوم شرع في بنائه.
( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) أي يحبون أن يتطهروا الطهارة الحسية ،طهارة الثوب والبدن ،والطهارة بالوضوء ،
والطهارة المعنوية صفاء القلب و نقاء النفس والطهارة من الذنوب ( وهللا يحب المطهرين ) اي وهللا يحب المتطهرين من
كل ما يخالف ما أمر به عباده من اتباع أو امر ..و اجتناب نواهيه.
و المناسبة التي جعلت المؤلف رحمه هللا يذكر هذه اآلية في هذا الباب هي أن األمكنة التي تعد لعمل أشياء فيها معصية هللا
،ال يصح عمل عبادة فيها هلل ،فكما أن مسجد الضرار أقيم لمحاربة هللا ورسوله ،و نهی هللا نبيه عن الصالة فيه ،وهدم
ثم ترك مكانا لرمي النفايات .كذلك األمكنة التي يذبح فيها لغير هللا ،ال يصح أن يعمل فيها شيئا هلل ،وفي اآلية الكريمة
اثبات المحبة هللا ،وانه يحب من عباده المؤمنين به الطائعين له ،يأتي بعد هذه اآليات من كتاب هللا حديث ثابت بن
الضحاك ،وفيه يحكي قصة ذلك الرجل الذي نذر آن ولد له ولد ذكر أن ينحر.
على راس بوانة (7)1عدة من الغنم ،فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن جواز ذلك ،وقبل أن يجيبه عليه السالم على
سؤاله ،سأل قائال :هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد » قالوا :ال .قال « :فهل كان فيها عيد من أعيادهم ،قالوا
:ال .فقال عليه السالم « :أوف بنذرك فانه ال وفاء لنذر في معصية هللا وال فيما ال يملك بن آدم » وفي هذا داللة على أن
األمكنة واألزمنة التي يعتاد المشركون الذبح فيها لغير هللا ،ال يجوز الذبح فيها هلل ،ولو بعد ازالة الوثن من مكانه ،فلو
نذر انسان ان يذبح هلل في مكان أو زمان اعتاد المشركون أن يذبحوا فيه لغير هللا فان هذا النذر ال يجوز الوفاء به النه نذر
معصية -سدا الذريعة الشرك ،و بعدا عن مشابهة المشركين.
كما أن في الحديث داللة على أن من نذر شيئا ال يملكه ال يلزمه الوفاء به لعدم قدرته على الوفاء بما التزم به ،مثال ذلك
لو قال انسان هللا علي أن أتصدق بمال فالن -فإن هذا النذر ال يلزم الوفاء به .
ينبع7 ن
( )1بوانة :قيل انه مكان يق أسفل مكة دون يلملم ،وقيل هضبة من وراء
45
باب من الشرك النذر لغير هللا
وقول هللا تعالى ( يوفون بالنذر ) اآلية ( - 7اإلنسان ) قوله ( وما انفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فان هللا يعلمه ) اآلية (
27۰البقرة ) .
وفي الصحيح عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( من نذر أن يطيع هللا فليطعه ،ومن نذر
أن يعصى هللا فال يعصه ).
فيه مسائل:
الثانية :اذا ثبت كونه عبادة هلل فصرفه إلى غيره شرك.
الهدف
قصد الشيخ قدس هللا روحه من هذا الباب بيان أن النذر هلل عبادة يجب الوفاء به وأن صرف هذه العبادة لغير هللا شرك .
الشرح :
فاآلية األولى :بعد أن بين هللا في آية سابقة لها ما أعده هللا لعباده الطائعين من نعيم خالد في غرف الجنات ،ذکر ما ألجله
استحقوا هذا النعيم العظيم فقال ( يوفون بالنذر ) أي يؤدون ما أوجبوه على أنفسهم من نذر هلل تقربا اليه.
( ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي ويخافون يوم الحساب فيتبعوا أوامر هللا ،ويجتنبوا ما نهى عنه .
واآلية الثانية :فيها االخبار بأن كل بذل أو عطاء يعلمه هللا سيجازی عليه أن خيرا أو غيره ،فقال سبحانه و تعالى ( وما
أنفقتم من نفقة ) في خير كان أو في شر ،سرا كانت أو عالنية ( أو نذرتم من نذر ) يعني نذر طاعة أو معصية ( فان هللا
يعلمه ) أي فان هللا يعلم ذلك ،وسيجازي المخلصين على اعمالهم بالثواب العظيم ،ويحاسب العصاة والمرائين على
أفعالهم.
بعد هاتين اآليتين يأتي حديث عائشة (8)1رضي هللا عنها وفيه قول الرسول صلى هللا عليه وسلم « :من نذر أن يطيع
هللا فليطعه » أي فينفذ ما نذره من طاعة هللا ،مثال ذلك لو قال انسان آن شفي هللا أي من المرض ال تصدقن بكذا من
المال ،وجب عليه ذلك اذا حصل الشفاء لوالده ،قوله « :و من نذر أن يعصى هللا فال يعصه » أي فال يفعل ،ولذا أخرج
النسائي عن عمران بن الحصين قال :قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « :النذر نذران فما كان من نذر طاعة هلل
فذاك هلل تعالى ،وفيه الوفاء ،وما كان من نذر في معصية هلل فذاك للشيطان ،وال وفاء فيه ،ويكفره ما يكفر اليمين ».
والخالصة من هذا الباب أن كل نذر لغير هللا ،كالنذر لالصنام و االوثان و قبور األولياء والضالحين شرك حذر هللا منه
ونهي عنه ،لما فيه من التفات القلب إلى غير هللا ،والتفات القلب إلى غير هللا تعظيما و اجالال يتنافى مع عقيدة التوحيد.
8
رض هللا عنه ،أصغر زوجات الرسولالمؤمني ،ابنة أب بكر الصديق ن
ن ه أم رض هللا عنها( )1عائشة ن
ن ي ي ي ي
فف ذلك خالف
النت صىل هللا عليه وسلم اال خديجة ي
عليه السالم ،وأفقه النساء مطلقا ،وأفضل أزواج ي
46
باب من الشرك االستعاذة بغير هللا
وقول هللا تعالى ( وانه كان رجال من االنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) االية ( - 1الجن ) وعن خولة بنت
حکيم رضي هللا عنها قالت :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول « من نزل منزال فقال :أعوذ بكلمات هللا
التامات من شر ما خلق ،لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك » رواه مسلم .
فيه مسائل:
الثالثة :االستدالل على ذلك بالحديث ،ألن العلماء استدلوا به على ان كلمات هللا غير مخلوقة ،قالوا ألن االستعاذة
بالمخلوق شرك .
الخامسة :أن كون الشيء تحصل به مصلحه دنيوية من كف شر أو جلب نفع ال يدل على أنه ليس من الشرك .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ،التنبيه على أن االستعاذة باهلل عبادة ،وصرفها لغيره شرك .
الشرح :
فاآلية الشريفة .جاء فيها قول هللا تعالى ( :وانه كان رجال من االنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) ( الجن -
)6وقصة االنس مع الجن هذه تتلخص في أنه كان من عادة العرب في الجاهلية اذا نزلوا واديا مخيفا ،أو مكانا موحشا ،
يعوذون بزعيم ذلك المكان من أذى الجان .اذ كان يقول أحدهم اذا خاف على نفسه بواد قفر :أعوذ بسيد هذا الوادي من
( زادوهم رهقا ) أي خوفا وانما ،و ايراد هذه اآلية في هذا سفهاء قومه ،فلما رأت الجن من االنس هذا الخوف
الباب لالستدالل بها على أن االستعاذة باهلل عبادة من العبادات.
كما قال هللا سبحانه و تعالى ( :وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهلل انه هو السميع العليم ) وما كان عبادة هللا كان
صرفه لغير هللا شركا ً .ومن هنا صار االلتجاء إلى غير هللا و االستعاذة به من المصائب والنكبات ،سواء كان المستعاذ
به من الجن أو االنس شركا مع هللا في عبادته.
وبعد هذه اآلية الكريمة يأتي حديث خولة ( 9) 1بنت حکيم رضي هللا عنها وفيه توجيه من الرسول صلى هللا عليه وسلم
إلى دعاء يقوله المسلم اذا نزل منزال يحفظه هللا به من كل سوء حتى يرحل من ذلك المنزل ،فيقول عليه السالم « :من
نزل منزال فقال أعوذ بكلمات هللا التامة أي أستعيذ باهلل وبأسمائه وصفاته والتجيء اليه وعتصم به « من شر ما خلق» -
اي من شر أي مخلوق من االنس أو الجن أو الحيوان ،أو الهوام أو غير ذلك مما به شر فاذا قال هذا الدعاء لم يضره
شيء حتى پر حل من منزله ذلك .
وروى الطبراني باسناده أنه كان في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم :قوموا بنا
نستغث برسول هللا صلى هللا عليه وسلم من هذا المنافق .فقال النبي صلى هللا عليه وسلم « انه ال يستغاث بي ،وانما
يستغاث باهلل» .
الثانية :تفسير قوله ( وال تدع من دون هللا ماال ينفعك وال يضرك ) .
الرابعة :أن أصلح الناس لو يفعله ارضاء لغيره صار من الظالمين .
الثامنة :أن طلب الرزق ال ينبغي اال من هللا ،كما أن الجنة و ال تطلب اال منه
الثانية عشرة :أن تلك الدعوة سبب لبعض المدعو للداعي وعداوته تفسد
الخامسة عشرة :أن هذه االمور سبب كونه أضل الناس .
الثامنة عشرة :حماية المصطفى صلى هللا عليه وسلم حمى التوحيد والتأدب مع هللا.
الهدف :
قصد المؤلف رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان أن دعاء هللا و االستغاثة ( )1به من أعظم العبادات ،والتوجه بهذه العبادة
إلى غيره شرك
الشرح :
والمعنى اآلية األولى قوله تعالى ( :وال تدع من دون هللا ما ال ينفعك وال يضرك ) ( يونس ) 1۰6 -أي ال تدع دعاء
عبادة ،ما ال يستطيع النفع أو الضر في الدنيا وال في اآلخرة ،والخطاب هنا موجه للرسول عليه السالم ولكنه عام لكل
الناس ( .فان فعلت فانك اذا من الظالمين ) أي فان فعلت هذا بأن دعوت غيره كنت من الظالمين ،والمراد بالظلم هنا
الشرك كما حكى هللا ذلك عن قول لقمان البنه ( يا بني ال تشرك باهلل ان الشرك لظلم عظيم ) ثم أكد هللا سبحانه و تعالى
عجز تلك المعبودات ،و تكذيب ما يقال من أنها تقدر على شفاء االمراض ،أو تكشف األسقام فقال تعالى ( وان يمسسك
هللا بضر فال كاشف له اآل هو ) اي وان يرد هللا بك ضرا -مرضا في نفسك أو مصيبة في ولدك ،أو كارثة في مالك ،أو
غير ذلك من المصائب التي تنال االنسان في هذه الحياة ،فال كاشف له اال هو ،النه وحده صاحب الملك و القهر و
العطاء والمنع ،والضر والنفع ( وان يردك بخير فال راد لفضله يصيب به يشاء من عباده ) اي وان يردك بنعمة وسعادة
،وخير وتوفي ق ،فال أحد يقدر على منعه ،وليس في استطاعة مخلوق أن يحول بينك وبين ما اراده ،و بأمره وتدبيره
يصيب بالخير من يشاء من عباده لحكمة يعلمها هو ( وهو الغفور الرحيم ) أي غفور لمن تاب اليه بعد شركه ،ورحيم
يفرح بتوبة عبده اذا أقبل عليه مؤمنا تائبا.
واآلية الثانية في هذا الباب مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ( و ابراهيم اذ قال لقومه اعبدوا هللا واتقوه ذلكم خير لكم ان
کنتم تعلمون * انما تعبدون من دون هللا أو ثانا وتخلقون افكا أن الذين تعبدون من دون هللا ال يملكون لكم رزقا فابتغوا عند
هللا الرزق و اعبدوه و اشكروا له اليه ترجعون ) ( العنكبوت ) 17 ، 19 -
و المعنى لقوله تعالى ( :واذ قال ابراهيم البيه وقومه اعبدوا هللا واتقوه ) اي اعبدوا هللا وال تشركوا معه أحدا في عبادته ،
واتقوا غضبه في اتباع ما أمركم به و بعد کم عما نهى عنه ( ذالكم خير لكم ان کنتم تعلمون ) أي ذلك الذي أمرتكم به من
عبادة هللا وحده ،خير لكم مما أنتم عليه ،أن كان لديكم علم تميزون به بين ما ينفعكم وما يضركم.
ثم بين فساد ما هم عليه من شرك و غيره فقال ( :انما تعبدون من دون هللا أو ثانا وتخلقون افكا ) اي انما تلك المخلوقات
التي تعبدونها من دون هللا ،انما هي تماثيل تصنعونها بأيديكم ،ثم تسمونها آلهة كذبا و بهتانا ،وهي في الحقيقة جمادات
ال تشفع وال تنفع ،وحتي يتأكد هذا المعنى -جاءت هذه اآلية تقول ( :إن الذين تعبدون من دون هللا ال يملكون لكم رزقا )
يعني أن هذه األوثان التي تعبدونها على اختالف أشكالها ،وأنواعها ال تستطيع أن تأتي لكم بشيء يدفع عنكم الفقر أو
المرض ،أو يجلب لكم الرخاء والصحة ،فاذا كان هذا هو واقعها فكيف تعبدونها؟ وانطالقا من هذه الحقيقة حقيقة عجز
تلك االصنام عن أن تنفع بشيء النها ال تملك شيئا ،وانما الذي يملك الرزق و غيره هو هللا القادر على كل شيء -جاء
قول هللا تعالى ( :فابتغوا عند هللا الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون ) أي فاطلبوا الرزق من هللا ال من غيره ،
وابتغاء الرزق من عند هللا عبادة أمر هللا بها .واعبدوه ،اخلصوا له العبادة واشكروا له نعمه التي انعم بها عليكم -
وراقبوه في جميع اعمالكم ،فانكم راجعون اليه يوم القيامة -وسيجازي كل عامل بعمله أن خيرا فخيرا ،وان شرا فشر.
أما اآلية الثالثة فهي مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ( قل أرأيتم ما تدعون من دون هللا أروني ماذا خلقوا من األرض ؟
أم لهم شرك في السموات ،ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم ان کنتم صادقين ،ومن أضل ممن يدعو من دون
هللا من ال يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ؟ * واذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم
کافرين) .
49
والمعنى أن هللا سبحانه وتعالى -يأمر نبيه عليه السالم أن يقول األولئك المشركين :أخبروني عن هذه اآللهة التي
تعبدونها من دون هللا -هل خلقت شيئا من هذه األرض التي تعيش عليها هذه الكائنات الهائلة من البشر وغيرهم ،وهل
لهم أي مشاركة في خلق السموات وما فيهن مما يعلم و ما ال يعلم ،أن كان كذلك ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة
من علم ان کنتم صادقين ) اذا كنتم تعتقدون أن لهم دخال في خلق السموات واألرض ،فأتوا بأي برهان عقلي أو نقلي
على ذلك ،ان کنتم صادقين في قولكم ،واال فعودوا إلى عقولكم ،وال تعبدوا اآل من يستحق العبادة وليس أحد غير هللا
الواحد األحد الذي ال شريك له في ملكه
وفي توبيخ لهؤالء المشركين لعبادة من ال يعقل وال يقدر جاء قول هللا تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون هللا من ال
يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) -أي ال أحد أكثر ضالال ممن يدعو غير هللا من أحجار صماء ال
تسمع وال تستجيب للدعاء ،وبعد أن أوضحت اآلية عجز تلك اآللهة عن أي نفع التباعها في الدنيا ،جاءت اآلية بعدها
لتوضيح حالتهم معها في اآلخرة ( واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) أي واذا جمع الناس في
موقف الحساب يوم القيامة ،تبرأت تلك اآللهة من أتباعها قائلة :ما أمرناهم بعبادتنا وال شعرنا بعبادتهم أيانا تبرأنا اليك
ربنا من عبادتهم.
وتأتي اآلية الرابعة و االخيرة في هذا الباب في ارتباط وثيق بآيتين قبلها وآيتين بعدها لذا كان ال بد من ذكر هذه اآليات -
ليظهر وجه االستدالل واضحا من اآلية الكريمة ،وتبدأ اآليات من كتاب هللا بقوله تعالى
( أمن خلق السموات واألرض ،وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ،ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أاله
مع هللا بل هم قوم يعدلون و أمن جعل األرض قرارا وجعل خاللها أنهارا وجعل لها رو اسي وجعل بين البحرين حاجزا
أاله مع هللا بل أكثرهم ال يعلمون * أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء األرض أاله مع هللا قليال ما
تذكرون -أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أاله مع هللا -تعالى هللا عما
يشركون و أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء واألرض أاله مع هللا قل هاتوا برهانكم ان کنتم صادقين )
اآليات ( 64 - 6۰النمل )
المعنى في قوله تعالى ( :أمن خلق السموات واالرض وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم
أن تنبتوا شجرها ) اي ايما أحق بالعبادة المخلوقات الهزيلة العاجزة عن النفع والضر ،أم هللا الذي خلق السموات
واألرض بما فيها من كواكب وأفالك ،وجبال وانهار ،وأنزل من السماء مطرا أنبت به الحدائق والبساتين التي تدخل
البهجة على كل نفس بمنظرها الرائع ،وأزهارها ذات االشكال المختلفة و االنواع المتعددة التي تعطي الدليل القاطع على
قدرة الخالق العظيم جل جالله ،والبرهان الذي ال يقبل الشك على عجز البشر عن خلق أي شيء حتى ورقة من شجرة .
ولذا قال هللا تعالى ( :ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) أي لوال ارادة هللا و انزاله المطر ليكون سببا في انبات األرض
باألشجار والزرع ما قدرتم على شيء من هذا ومع هذا العجز الواضح ،تجعلون المخلوق شريكا للخالق في عبادته ،ولذا
جاء قوله تعالى ( :أاله مع هللا ؟ ) أي ابعد ما أعترفتم به و قام الدليل عليه من أن هللا خالق السموات واألرض ومن فيهن
،وما بينهما تجعلون معه آلهة تعبدونها وهي ال تملك شيئا ،وال تنفع بشيء ،وحتي يظهر أن هؤالء المشركين يسيرون
أي بل
( بل هم قوم يعدلون)11 في طريق غير طريق هللا المستقيم -جاء قول هللا تعالى مبينا هذا االنحراف قائال
هم قوم منحرفون عن الطريق المستقيم طريق التوحيد ،إلى الطريق الملتوية طرق الشرك والضالالت وحتى يؤكد جل
جالله أحقيته بالعبادة ،ويوبخ أولئك الذين يعبدون معه غيره قال تعالى ( أمن جعل األرض قرارا ،وجعل خاللها أنهارا ،
وجعل لها رواسي ،وجعل بين البحرين
حاجزا ) أي أيها المشركون من أولى بالعبادة ؟ هذه المخلوقات الضعيفة العاجزة عن نفع أو ضر أم هللا الذي جعل األرض
مستقرا لالنسان والحيوان ،وأجرى فيها االنهار للزروع واألشجار والحياة االنسان والدواب ،وأوجد فيها الجبال الثابتة
لتستطيع المخلوقات الحياة عليها بأمان و اطمئنان ،وجعل بقدرته العظيمة حاجزا بين المياه المالحة و العذبة ،لينتفع كل
مخلوق بما يناسبه ( .أاله مع هللا ) أي أبعد هذا البيان تجعلون المخلوقين في منزلة الخالق ،انه وال شك عمل يدل على
الجهل باهلل ولذا قال تعالى ( بل أكثرهم ال يعلمون ) أي أن اكثر أولئك الذين وقعوا في الشرك ال يدركون عظمة هللا ،وال
ما يترتب على شركهم من عواقب مؤلمة ،واال لما اشركوا معه أحدا في عبادته ،وهنا تأتي آية الباب ،فيها توبيخ من هللا
ألولئك الذين انحرفوا بعقيدتهم إلى غير هللا ،فقال ( أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء االرض )
؟ أي من الذي يجيب دعوة المكروب اذا اتجه اليه طالبا کشف ضره ،ومن يجعلكم خلفاء األرض بعمارتها و استخراج
ن
بمعت يميلون عن الطريق المستقيم إىل الطرق الملتوية ( )1يعدلون :
5۰
خير انتها ،هللا الذي يفعل ذلك ،أم معبوداتكم ؟ هللا وال شك هو الذي يقدر على ذلك ،فاذا كان األمر كذلك فلماذا تشركون
معه في عبادته ،وألن اإلنسان كثيرا ما ينسی نعم هللا عليه ،فيشكره عليها باتباع أوامره واجتناب نواهيه ،جاء قول هللا
تعالى ( :قليال ما تذكرون ) أي تذكركم لنعم هللا قليل ،واال لو اعترفتم بنعم هللا ما أشركتم معه أحدا في عبادته ،ثم يزيد
هللا المنحرفين عن عقيدة التوحيد ،تأنيبا مذكرا لهم أيضا بنعم هللا عليهم ،فيقول ( :أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ،
ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ) أي من يدلكم اذا ضللتم الطريق في ظلمات البر والبحر بما خلق هللا من نجوم
ثابتة ومتحركة ،هللا أم الذين تعبدونهم ،ومن يرسل الرياح أمام المطر الحياء االرض بعد موتها هللا أم اآللهة الصماء
التي ال تسمع وال تفقه وال أحد في الحقيقة يستطيع القول بأن مخلوقا ما هو الذي أوجد النجوم لتكون عالمات يهتدي بها
الناس في أسفارهم في البر والبحر ،أو ارسل الرياح لتحمل السحاب من مكان إلى آخر حسب ارادة هللا ،واذا كان األمر
كذلك فما وجه صرف أي نوع من العبادة لغير هللا ،ولذا قال تعالى ( أاله مع هللا ) وقوله ( تعالى هللا عما يشركون ) أي
تقدس و تنزه عن كل شريك :على أي شكل وبأي صورة كان .
وزيادة في توبيخ المشركين وحتى ال يبقى عذر لمعتذر جاء قول هللا تعالى ( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من
السماء واألرض ) اي من الذي أوجد الكون كله من ال شيء ومن الذي يفنيه ثم يعيده حيا بعد موته ومن الذي ينزل الغيث
من أجل رزق العباد ،هللا أم اآللهة التي يصنعها البشر بأيديهم ثم يعبدونها سفها وجهال ؟ هللا وال شيء غير هللا ،ولذا جاء
قول هللا تعالى ( :أاله مع هللا ) أي أبعد هذه البراهين التي ال تقبل الجدل تعبدون مع هللا غيره ،وفي لهجة صارمة و
تكذيبا لما يزعمه بعض عبدة األوثان أن في مقدورها جلب النفع أو دفع الضر عن اآلخرين ،و بصيغة توحي بالتحدي
ألبر از برهان على زعيم عبدة االوثان ،جاء أمر هللا لنبيه عليه السالم أن يطلب منهم الدليل على صدق ما يزعمون اذ
قال جل جالله ( :قل هاتوا برهانكم ان کنتم صادقين ) أي أعطوا الدليل القاطع على ما تزعمون لكنهم لن يجدوا دليال
على ذلك اال ما حكى هللا في القرآن عن المشركين األولين بقولهم ( انا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )
بعد هذه اآليات من كتاب هللا المقدس يأتي الحديث الذي رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه ،وفيه أن
منافقا بالمدينة كان يؤذي المؤمنين ،فقال بعض منهم :قوموا بنا نستغيث برسول هللا صلى هللا عليه و سلم من هذا المنافق
،فقال النبي عليه السالم أنه ال يستغاث بي وانما يستغاث باهلل عز وجل » لفظ الحديث واضح في النهي عن االستغاثة
بغير هللا بأي صورة وعلى أي شكل سواء كان المستغاث به قادرا على االغاثة أو غير قادر ،والني عليه السالم حينما
قال ( :ال يستغاث في وانما يستغاث باهلل ) وهو في ذلك الوقت قادر على كف أذى ذلك المنافق .انما كان ذلك سدا لكل
ذريعة قد تؤدي إلى الشرك ،واآل فان االستغاثة به عليه السالم والحالة هذه جائزة ،ألنها استغاثة بحي حاضر قادر .
والخالصة:
النوع األول :االستغاثة المحرمة ،وهي االستغاثة بالميت أو الغائب الذي ال يقدر على االغاثة مثال ذلك ما يفعله الجهال :
عند قبور األنبياء والصالحين من دعاء ال يليق اال باهلل ،كقولهم يا سيدي الولي الفالني .أو الصالح الفالني ،استغيث بك
في حل مشكلتي ،أو أنا في جوارك فانقذني من فقري أو مرضي أو غير ذلك من األمور التي توقع في الشرك باهلل في
عبادته ،وعلى هذا فكل من جعل بينه وبين هللا وسائط من المخلوقين من أموات أو غائبين يدعوهم ويتوكل عليهم ،فقد
أشرك باهلل شركا أكبر ،وقد حرم هللا الجنة على من أشرك باهلل شركا أكبر ،كما جاء بذلك كتاب هللا بقوله ( انه من يشرك
باهلل فقد حرم هللا عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار ).
.النوع الثاني :االستغاثة الجائزة ،وهي االستغاثة بحي حاضر قادر ،مثال ذلك لو أن إنسانا هجم عليه عدو ليقتله أو سبع
ليفترسه أو لص ليسرق منزله ،فاستغاث بأقرب انسان عنده لينقذه من الخطر كان ذلك جائزا ،وعلى هذا فان االستغاثة
اذا كانت بانسان حي حاضر قادر ،تكون جائزة ،وهنا يمكن أن نقول باختصار ان االستغاثة اذا كانت بميت أو جماد أو
غائب تكون شركا ،واذا كانت بأنسان حي حاضر قادر لم تكن شرکا.
51
باب قول هللا تعالى ( أيشركون ماال يخلق شيئا وهم يخلقون ،وال يستطيعون لهم نصرا ) االية ( - 192 ، 191األعراف
) وقوله ( :والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) االية ( - 14 ، 13فاطر )
وفي الصحيح عن انس قال :شج النبي صلى هللا عليه وسلم يوم احد وكسرت رباعيته فقال (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم )
فنزلت ( ليس لك من األمر شيء ) و فيه عن ابن عمر رضي هللا عنه أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول اذا
رفع رأسه من الركوع في الركعة األخيرة من الفجر « اللهم العن فالنا و فالنا بعدما يقول « سمع هللا لمن حمده ربنا ولك
الحمد » فأنزل هللا ( :ليس لك من األمر شيء ) اآلية وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث
ابن هشام ،فنزلت ( ليس لك من األمر شيء ) وفيه عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قام رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم حين أنزل عليه ( وأنذر عشيرتك األقربين ) فقال ( :يا معشر قريش -أو كلمه نحوها اشتروا انفسكم ،ال أغني
عنكم من هللا شيئا ،يا عباس بن عبد المطلب ال أغني عنك من هللا شيئا ،يا صفية عمة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال
أغني عنك من هللا شيئا ،ويا فاطمة بنت محمد ،سليني من مالي ما شئت ال أغني عنك من هللا شيئا) .
الثالثة :قنوت سيد المرسلين وخلفه سادات األولياء يؤمنون في الصالة .
الخامسة :انهم فعلوا أشياء ما فعلها غالب الكفار .منها شجهم لنبيهم وحرصهم على قتله ،ومنها التمثيل بالقتلى مع انهم
بنو عمهم .
الحادية عشرة :قصته صلى هللا عليه وسلم لما نزل عليه ( وأنذر عشيرتك األقربين ).
الثانية عشرة :جده صلى هللا عليه وسلم في هذا االمر بحيث فعل ما نسب بسببه إلى الجنون ،وكذلك لو يفعله مسلم اآلن
.
الثالثة عشرة :قوله لألبعد و االقرب (ال أغنى عنك من هللا شيئا) فاذا صرح وهو سيد المرسلين أنه ال يغني من هللا شيئا
عن سيدة نساء العالمين ،وآمن االنسان انه ال يقول اال الحق ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اآلن تبين له
التوحيد ،وغربة الدين.
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان سفه عقول الذين يجعلون المخلوقين شركاء للخالق في عبادته ويرفعون العبد
المخلوق العاجز الى منزلة الخالق المعبود القاهر فوق عباده.
الشرح :
52
فاآلية األولى :جاء فيها قوله تعالى ( :أيشركون ما ال يخلق شيئا وهم يخلقون ) أي أيشركون مع هللا في عبادته مخلوقين
ال يقدرون على خلق .شيء -كما قال هللا في آية أخرى في كتابه العزيز ( :أن الذين تدعون من دون هللا لن يخلقوا ذبابا
ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه ،ضعف الطالب والمطلوب ،وال يستطيعون لهم نصرا وال
أنفسهم ينصرون ) أي وزيادة على عجزهم عن خلق أي شيء ،فهم عاجزون ايضا عن رفع المحن والكوارث عن
العابدين لهم ،وهم ايضا كذلك عاجزون عن نصر انفسهم حينما يلم بهم خطب ،ووصف االنسان بالعجز عن الخلق وعن
الحصول على النصر اال بأمر هللا ،وصف ينطبق على كل مخلوق ال فرق في ذلك بين نبي وملك وال بين ولي أو صالح
أو غيرهم ،ولذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم ،وهو المرسل من عند هللا للبشر يهديهم إلى الخير ،يطلب النصر على
المشركين من عند هللا ،فيقول في الدعاء الوارد عنه ( اللهم أنت عضدي و نصيري ،بك أحول ،وبك أصول ،وبك
أقاتل ) فاذا كان نبي هللا عليه الصالة والسالم يدعو ربه بالنصر على األعداء ،لعلمه أن النصر ال يكون إال من عند هللا ،
فكيف يقال بأن تلك االصنام تجلب النصر التباعها وهي حجارة صماء ،أو مخلوقون غابوا تحت التراب.
واآلية الثانية :قوله تعالى ( :والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) أي أيها المشركون مع هللا في عبادته أن
هؤالء الذين تدعونهم من المخلوقين مالئكة كانوا أو أنبياء ،صالحين أو أولياء أو غيرهم -عاجزون عن تحقيق أي شيء
تطلبونه منهم ،حتى القطمير وهو شيء ال قيمة له ال يستطيعون تحقيقه فيما لو طلبتموه منهم ،فاذا كان هذا هو الحال
بالنسبة لتلك المعبودات فكيف تدعونها من دون هللا ،ثم اكد القرآن الكريم هذا العجز بأن نفي عنهم سماع الدعاء ،فقال :
( ان تدعوهم ال يسمعوا دعائكم ) أي ال يدرون ماذا تقول النهم ما بين ميت ذاب جسمه في التراب أو فارق الحياة إلى
حياة برزخية -هللا أعلم بكيفيتها ،أو آخر غائب ،وهؤالء كلهم ال يستطيعون سماع الدعاء ،واذا كانوا ال يسمعون الدعاء
فما الفائدة من دعائهم ،وعلى فرض أنهم سمعوا الدعاء فانهم ال يستجيبون له ،وزيادة على ذلك يتبرأون يوم القيامة من
معبودبهم ،ويكفرون بعبادتهم لهم .كما جاءت بذلك اآلية الكريمة ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) قوله ( :وال ينبئك
مثل خيبر ) أي ال يخبرك بأن هذه المعبودات من دون هللا -عاجزة عن النفع أو الضر ،وأنها ال تسمع وال تستجيب
للدعاء ،وأنها تتبرأ من عبادة أولئك المشركين يوم القيامة .
مثل خبير وهو هللا سبحانه وتعالى الذي ال تخفى عليه خافية بعد هاتين اآليتين ،تأتي قصة شج النبي صلى هللا عليه وسلم
رأسه في موقعة أحد ( )2وكسرت رباعيته (،)3 ،وتتلخص هذه القصة في أن النبي عليه الصالة والسالم شج (12)1
ويقول ابن هشام :أن أبا سعيد الخدري قال :أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى هللا عليه وسلم وأن
عبد هللا بن شهاب الزهري هو الذي شجه في وجهه ،وأن عبد هللا ابن قمئة هو الذي جرحه في وجنته ،وأن حلقتين من
حلق المغفر دخلتا في وجنته ،وأن مالك بن سنان هو الذي مص الدم من وجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وابتلعه ،
فقال له عليه السالم « :لن تمسك النار » وذكر ابن اسحاق في المغازي عن أنس قال ( :كسرت رباعية النبي صلى هللا
عليه وسلم يوم أحد و شج وجهه ،فجعل الدم يسيل على وجهه ،وجعل يمسح الدم وهو يقول :كيف يفلح قوم خضبوا
وجه نبيهم ،وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل هللا اآلية الكريمة ( ليس لك من األمر شيء ) أي ليس لك من أمر العباد اآل
تنفيذ ما آمرك به ،أما غير ذلك فلي وحدي ،أتصرف فيه كيف
أشاء وبهذا المعنى جاء قول هللا تعالى ( :قل ان االمر كله هلل ) وقوله النبيه عليه السالم ( :انك ال تهدي من أحببت ولكن
هللا يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) وفي هذه القصة أمران :
األمر األول :أن األنبياء كغيرهم من البشر تصيبهم المحن والمصائب ويطرأ عليهم كما يطرأ على غيرهم من هموم
وأحزان بل ويالقون من متاعب الحياة من اجل هداية الناس أكثر مما يالقي غيرهم من البشر وما حصل للرسول عليه
الصالة و السالم في موقعة أحد ،وما حصل له من قبل من أذى المشركين في كل من مكة والطائف هو من من هذا القبيل
،ومن قبل محمد عليه الصالة و السالم في تحمل متاعب الحياة من أجل هداية الخلق ،ما حصل لالنبياء قبله ابراهيم ،و
موسی ،وعيسی عليهم الصالة و السالم من أذى قومهم.
وفي الحديث األول في هذا الباب ،حديث ابن عمر رضي هللا عنه أن الرسول عليه السالم بعدما شج وكسرت رباعيته
أخذ بعد أن يرفع رأسه من الركعة األخيرة من الفجر يدعو على أفراد المشركين ،صفوان بن أمية ،وسهيل بن عمرو ،
( ليس لك من األمر شيء أو يتوب عليهم والحارث بن هشام ،فما استجيب له هذا الدعاء ،وأنزل هللا قوله تعالى :
أو يعذبهم ) أي أن هللا سبحانه وتعالى صاحب االمر يتصرف فيه كيف يشاء ،ولقد أسلم هؤالء فتاب هللا عليهم وتجاوز
عن سيئاتهم ،ألن االسالم يمحو ما سبقه من ذنوب و آثام .
رضي هللا عنه وفيه أن الرسول عليه الصالة والسالم بعدما أنزلت عليه وفي نهاية الباب يأتي حديث أبي هريرة (13)1
هذه اآلية من كتاب هللا ( وأنذر عشيرتك األقربين ) صعد عليه السالم الصفا ،ثم نادى واصباحاه فلما اجتمع اليه الناس :
« فقال يا معشر قريش أشتروا أنفسكم ،أي اعملوا ما ينجيكم من عذاب هللا ،باخالص العبادة له وحده ال شريك له «
فاني ال أغنى عنكم من هللا شيئا » أي فان قرابتكم مني ال تحول بينكم وبين عقاب هللا ،وانما الذي يقيكم من ذلك هو البعد
عن الشرك وما تقدمونه من عمل صالح يرضى عنه هللا ،وبعد هذا االنذار والتخويف لالقربين من عشيرته ،وجه االنذار
إلى عمه قائال « :يا عباس بن عبد المطلب ال أغنى عنك من هللا شيئا ،فاتجه إلى هللا مخلصا له العبادة فما أنا بقادر على
نفعك ان أنت خالفت أمر هللا ،ثم اتجه بالنداء إلى عمته قائال (يا صفية عمة رسول هللا ال أغني عنك من هللا شيئا أي
احذري من أن يتجه قلبك إلى غير هللا عابدا متذلال ،فينالك عقاب من هللا ال أقدر على دفعه ) وفي نهاية الحديث يتجه
باالنذار والتخويف الى ابنته فاطمة ويعلن لها على مشهد من الناس بأنه ال يقدر على دفع العقاب عنها يوم القيامة ان هي
خالفت أمر هللا ،اذ قال عليه السالم « :يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ال أغنى عنك من هللا شيئا و اخبار
النبي عليه الصالة والسالم ال قاربه االقربين بأنه ال يغني عنهم من هللا شيئا ،دليل على أن غير الرسول عليه السالم في
عدم نفع أحد أو ضره من باب أولى وأن المخلوق أي مخلوق كان ال يجوز سؤاله اال فيما يقدر عليه في الدنيا ،أما غير
ذلك فال يطلب اال من هللا المالك القهار.
13
صخر رض هللا عنه :اسمه عبد الرحمن بن
( )1أبو هريرة ي
54
باب قول هللا تعالى ( حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال
ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ) االية ( - ۲۳سبأ ).
في الصحيح عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « اذا قضى هللا األمر في السماء ضربت
المالئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ( حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا :ماذا قال ربكم ؟
قالوا :الحق وهو العلي الكبير ) فيسمعها مسترق السمع و مسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان بكفه
فحرفها وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ،ثم يلقيها اآلخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر
أو الكاهن فربما ادركه الشهاب قبل أن يلقيها ،وربما القاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة .فيقال :أليس قد قال لنا
يوم كذا وكذا :كذا وكذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
وعن النواس بن سمعان رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « اذا أراد هللا تعالى أن يوحي باالمر
تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة -أو قال رعدة -شديدة ،خوفا من هللا عز وجل ،فاذا سمع ذلك أهل السموات
صعقوا وخروا هلل سجدا ،فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ،فيكلمه هللا من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على المالئكة
كلما مر بسماء سأله مالئكتها :ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل :قال الحق وهو العلي الكبير ،فيقولون كلهم مثل
ما قال جبريل ،فينتهي جبريل بالوحي الى حيث أمره هللا عز وجل .
الثانية :ما فيها من الحجة على ابطال الشرك خصوصا من تعلق على الصالحين وهي اآلية التي قيل أنها تقطع عروق
شجرة الشركة من القلب .
الخامسة :أن جبريل يجيبهم بعد ذلك بقوله :قال كذا وكذا
العاشرة :أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره هللا .
الخامسة عشرة :أنه لم يصدق كذبه اال بتلك الكلمة التي سمعت من السماء .
السادسة عشرة :قبول النفوس للباطل -كيف يتعلقون بواحدة وال و يعتبر ون بمائة .
55
السابعة عشرة :كونهم يلقى بعضهم إلى بعض تلك الكلمة ويحفظونها ويستدلون بها .
التاسعة عشرة :التصريح بأن تلك الرجفة والغشي خوفا من هللا عز وجل .
الهدف :
قصد داعية التوحيد رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان جهل من يتجه الى غير هللا بأي نوع من أنواع العبادة
الشرح :
فاآلية الكريمة جزء من آية مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ( :قل ادعوا الذين زعمتم من دون هللا ال يملكون مثقال ذرة
في السموات وال في األرض وما لهم فيهما من شرك ،وما له منهم من ظهير * وال تنفع الشفاعة عنده اال لمن اذن له
حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ) اآلية ( - 23 ،22سبأ ) وقوله ( :قل ادعوا
الذين زعمتم من دون هللا ) أي قل يا محمد لهؤالء المشركين اذا المت بكم المصائب والمحن ،فالجؤوا إلى معبوداتكم التي
تزعمون أنها تنفع وتضر ،طالبين منها ازالة الضرر عنكم ثم انظروا هل تستطيع شيئا من ذلك ،اذا فعلتم ذلك ،وعلمتم
أن ال قدرة لها على نفع أو ضر فما هو المبرر لتعلق قلوبكم بها ،ودعائكم لها ،ناسين أو متناسين خالق هذه المعبودات
القادر على النفع والضر .
وفي أسلوب يكشف عجز أولئك المعبودين جاء قول هللا تعالى ( ال يملكون مثقال ذرة في السموات وال في األرض ) أي
أن الذين تدعونهم أيها المشركون من دون هللا ،ال يملكون مثقال ذرة في السموات وال في األرض فكيف تدعونهم
وتطلبون منهم نفعا أو ضرا ،وهم في منتهی االفالس من كل شيء ،و بهذا المعنى جاءت اآلية الكريمة من كتاب هللا
تقول ( :والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) وقوله تعالى ( وما لهم فيهما من شرك ) أي وما لهؤالء
المعبودين من مشاركة في خلق السموات و األرض ،فيكون لهم شيء من الملك وانما الملك للمتفرد بخلق هذا الكون كله
.لذا فهو وحده الذي يستحق العبادة دون غيره .
وزيادة في نفي أي معاونة من أي من تلك اآللهة التي يعبدها أولئك المشركون في خلق أي شيء في السموات أو األرض
جاء قول هللا تعالى ( :وما له منهم من ظهير ) إي وما له من معين في خلق هذا الكون من تلك اآللهة وال غيرها من
المخلوقات .
وتأكيدا لعجز تلك اآللهة حتى عن الشفاعة الحد اال اذا اذن هللا في ذلك جاء قول هللا تعالى ( وال تنفع الشفاعة عنده اال لمن
اذن له ) وهو ال بأذن بالشفاعة اال ألهل التوحيد أما الكافرون باهلل المشركون معه في عبادته فهو ال يأذن في الشفاعة لهم
.
قوله ( حتى اذا فزع عن قلوبهم ) أي زال عنهم الرعب والخوف :قال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا قال ربنا القول
الحق ( وهو العلي ) أي صاحب العلو المطلق -على القدر ،وعلو القهر ،وعلو الذات -فهو تعالى عال على عرشه ،
بائن من خلقه ،مهيمن عليهم ،مطلع على جميع أمورهم ،كما قال هللا تعالى ( :أن ربكم هللا الذي خلق السموات
واألرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) ( الكبير) أي الذي ال أكبر وال أجل وال أعظم منه تعالى و تقدس .
بعد هذه اآليات من كتاب هللا العزيز يأتي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه وفيه يوضح الرسول عليه الصالة والسالم مدي
خوف المالئكة من هللا فيقول ( :اذا قضى هللا األمر في السماء ) اي اذا تكلم هللا بالوحي لجبريل بما يريده (ضربت
المالئكة بأجنحتها خضعانا) لقوله ،أي ارتجفت المالئكة في خوف و ذهول مما عساه أن يأمر به هللا جل جالله .
قوله « :كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ،أي كأن الصوت الذي تسمعه المالئكة صوت سلسلة على حجر أملس -
هذا الصوت ينساب متغلغال في أجسام المالئكة في فزع شديد إلى أن يأتيهم جبريل عليه السالم فيخبرهم باألمر فيزول
عنهم الخوف -حتى اذا عادوا إلى هدوئهم ( قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق ) أي قال بعضهم لبعض :قال هللا الحق
56
النهم يعلمون أمام العلم أن هللا ال يقول اال الحق ،قوله فيسمعها مسترق السمع أي فتسمع الشياطين ما قضاه هللا ووصف
سفيان بن عيينة كيفية استراقهم للسمع بصعود بعضهم على بعض ،حتى اذا سمع االعلى منهم الكلمة اعطاها لمن تحته .
وهكذا حتى تصل إلى الساحر أو الكاهن في األرض .
قوله « فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ،أي أن الشهاب أحيانا يحول بين الشيطان وبين استراق السمع وأحيانا يستمع
الكلمة قبل أن يصل اليه الشهاب فيكذب معها الكاهن أو الساحر مائة كذبة ،بمعنی أن الكاهن أو الساحر اذا أخبر الناس
أن شيئا سيقع كما أخبره بذلك الشيطان الذي استرق السمع من السماء فوقع ،صدقه الناس في كل ما يقول -وهكذا كلما
سمعت الشياطين عن طريق استراق السمع من السماء أمر قضاه هللا أخبروا السحرة والكهان فزادوا عليه كذبا كثيرا
فيصدقهم الناس.
أوال :أن هللا يتكلم اذا شاء بكالم يسمعه المالئكة .
ثانيا :أن هللا تعالى وتقدس عال على خلقه علوا يليق بجالله وعظمته .
ثالثا ً :أن المالئكة يخافون من هللا خوفا شديدا شأنهم في ذلك شأن كل مخلوق اعترف هللا بالعبودية المطلقة
رابعا ً :أن للسماء حراسة من الشهب وغيرها تمنع من استراق السمع وغيره ،هذه الحراسة لم تكن مشددة قبل بعثة
الرسول صلى هللا عليه وسلم ولذا كانت الشياطين من الجن تسترق السمع من السماء ،األ اذا حالت الشهب بينهم وبين
التمكن من ذلك إلى أن بعث الرسول عليه الصالة والسالم فشددت الحراسة حتى لم تعد الشياطين بقادرة على استراق
السمع بحال من األحوال .
وفي نهاية الباب يأتي حديث النواس بن سمعان ،وفيه االخبار من الرسول عليه الصالة والسالم بما يحصل للسموات
عند سماعها الكالم هللا من ارتجاف ورعب فيقول عليه الصالة والسالم اذا اراد هللا أن يوحي باألمر ،أخذت السموات منه
رجفة أو قال رعده خوفا من هللا عز وجل أي إذا أراد هللا أن يتكلم بالوحي ارتجفت السموات خوفا من هللا جلت قدرته ،
وحينما تسمع السموات کالم هللا وتخاف منه ،فان ذلك يعني أنها ال اكثر من أنها جزء من هذا الكون الهائل الذي يخاف
من هللا ويخضع لعظمته ،جاء ذلك صريحا في كتاب هللا اذ يقول ( :تسبح له السموات السبع واألرض ومن فيهن ،وان
من شيء اال يسبح بحمده ،ولكن ال تفقهون تسبيحهم ،انه كان حليما ً غفورا ) واذا كان كل شيء يسبح بحمد هللا ،وأن
اعضاء االنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من أعمال في الدنيا -حيث تقول اآلية الكريمة ( :يوم تشهد عليهم ألسنتهم
وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) فليس هذا من الغرابة في قليل أو كثير بالنسبة لقدرة هللا الذي أوجد هذا الكون من ال
شيء .أقول هذا لربما يقول قائل كيف يمكن للسماء أن تسمع والعضاء االنسان أن تتكلم ،لكننا إذا نظرنا إلى ما وصل
اليه االنسان بما منحه هللا من عقل و تفكير من قدرة على اختراع أشياء كثيرة -سهلت له الكثير من وسائل حياته ،ادرکنا
أن قدرة هللا التي جعلت السماء تسمع واالعضاء تتكلم أمرا في غاية السهولة ،ألم تر إلى االنسان وهو يتصارع مع جاذبية
كوكبنا األرض بوسائله العلمية لينفذ منها إلى كوكب آخر ،واليه وقد اخترع آلة تلتقط األصوات من جميع أنحاء الدنيا
ليسمعها االنسان في أي مكان من العالم ،ثم اليه وقد اخترع االجهزة الحاسبة واآلالت الحافظة للصوت والصورة ،وما
إلى ذلك من مخترعات عجيبة وغريبة .
اذا كانت هذه هي قدرة االنسان المخلوق الضعيف فكيف بقدرة الخالق الذي ال يعجزه شيء في األرض وال في السماء.
قوله « :فاذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا هلل سجدا » أي فاذا سمع أهل السموات کالم هللا خروا سجدا هلل في
اغماء و ذهول .قوله « فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ،وهذا فيه داللة على منزلة جبريل عليه السالم عند هللا «
فيكلمه هللا من وحيه بما أراد ،ثم يمر جبريل على المالئكة كلما مر بسماء ،سأله مالئكتها ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول
جبريل قال الحق وهو العلي الكبير ،فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره هللا عز وجل
،وفي هذا داللة صريحة على أن لكل سماء حدودا تفصلها عن األخرى .لكن كيفية هذه الحدود ال نعرفها ،هلل وحده يعلم
،أما نحن البشر فال تعلم من أمور الغيب اال ما أخذناه عن كتاب هللا أو سنة رسوله عليه الصالة و السالم
والخالصة :
57
انه اذا كانت مالئكة الرحمن الذين ال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،يرتجفون خوفا من هللا ،فغير هم من
البشر أولى بالخضوع أمام هللا ،واالعتراف له بالعبودية الخالصة ومن هنا يكون التوجه إلى غير هللا بالعبادة ألي مخلوق
مهما كانت منزلته شركا ً ال يغفره هللا -اال بالتوبة الصادقة واالقبال المخلص على هللا.
58
باب الشفاعة
وقول هللا تعالى ( وأنذر به الذين يخافون أن بحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي وال شفيع لعلهم يتقون ) اآلية ( 51
-األنعام ) وقوله ( قل فى الشفاعة جميعا ) اآلية ( - 44الزمر ) وقوله ( من ذا الذي يشفع عنده اال باذنه ) االية ( 2۰۰
-البقرة ) وقوله ( وكم من ملك في السموات ال تغني شفاعتهم شيئا اال من بعد أن يأذن هللا لمن يشاء ويرضى) االية (26
-النجم ) وقوله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون هللا ال يملكون مثقال ذرة في السموات وال في االرض ) اآليتين (،22
- 23سبأ)
قال ابو العباس :نفي هللا عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفي أن يكون لغيره ملك أو قسط منه ،أو يكون عونا هلل ،
ولم يبق اآل الشفاعة فبين أنها ال تنفع اال لمن اذن له الرب كما قال ( وال يشفعون األ لمن ارتضى ) فهذه الشفاعة التي
يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن وأخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أنه « يأتي فيسجد لربه ويحمده
-ال يبدأ بالشفاعة أوال -ثم يقال له :ارفع رأسك ،وقل يسمع ،وسل تعط ،واشفع تشفع » .وقال له أبو هريرة :من
أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال « :من قال ال اله اال هللا خالصا من قلبه » فتلك الشفاعة الهل االخالص باذن هللا ،وال تكون
لمن أشرك باهلل ،وحقيقته أن هللا سبحانه هو الذي يتفضل على أهل االخالص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع
ليكرمه وينال المقام المحمود .فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك ،ولهذا أتت الشفاعة باذنه في مواضع ،وقد
بين النبي صلى هللا عليه وسلم أنها ال تكون اال ألهل التوحيد واالخالص انتهى كالمه .
الخامسة :صفة ما يفعله صلى هللا عليه وسلم وأنه ال يبدأ بالشفاعة بل يسجد ،فاذا أذن هللا له شفع .
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان الشفاعة ما يصح منها وما ال يصح .
الشرح :
فاآلية األولى جاء فيها قوله تعالى ( :وانذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم ) أي حذر بما يوحي اليك المؤمنين
ذوي القلوب الخائفة من هللا ،الراجية لما عنده من ثواب عظيم ( ،ليس لهم من دونه ولي وال شفيع ) أي بأن ليس لهم يوم
القدوم على هللا من ولي ينفعهم وال شفيع يعول بينهم وبين عذاب هللا ( .لعلهم يتقون ) أي عساهم اذا علموا أن االعتماد
على االولياء و االتكال على الشفعاء ال يفيد ،يتوجهون إلى هللا بالعمل الصالح وااليمان الصادق ليقيهم من عذاب هللا.
واآلية الثانية مرتبطة بأية قبلها ،هي قوله تعالى ( :أم اتخذوا من دون هللا شفعاء ؟؟ قل أولو كانوا ال يملكون شيئا وال
يعقلون و قل هللا الشفاعة جميعا له ملك السموات و االرض ثم اليه ترجعون ) ( 44 ، 43الزمر ) قوله تعالى ( :أم
59
اتخذوا من دون هللا شفعاء ) أم هنا بمعنی بل ،أي بل اتخذ المنحرفون عن توحيد هللا آلهتهم التي يعبدونها من دون هللا ،
من أجل أن تشفع لهم عند هللا في قضاء أمورهم وهذا شرك باهلل ،ولذا أمر هللا رسوله عليه الصالة والسالم ،أن يقول لهم
( قل أولو كانوا ال يملكون شيئا وال يعقلون ) أي ولو أن اآللهة من بشر أو جماد.
ال تملك شيئا وال تعقل شيئا تعبدونها بطلبكم الشفاعة منها ،والشك أن عمال كهذا يدل على الجهل و عدم الفهم ،وحتى
يعلم أولئك المشركون أن الشفاعة كلها ملك هلل وأن أي مخلوق ال يستطيع أن يشفع اال باذن من هللا ،جاء قول هللا تعالى :
( قل هلل الشفاعة جميعا ) أمر من هللا النبيه عليه السالم أن يقول ألولئك المشركين ،ولكل من تعلق قلبه بغير هللا في كل
زمان ومكان إن الشفاعة ال تطلب اال من هللا ،وأنه ليس من حق أحد أن يشفع ألحد اال بعد اذن من هللا ثم بين السبب في
أن الشفاعة كلها هلل فقال تعالى في آخر اآلية ( له ملك السموات واالرض ثم اليه ترجعون ) أي هو المالك لكل ما في
الوجود ،فال يستحق العبادة غيره ،وال يتصرف أحد في ملكه اال باذنه ،واليه يرجع الخلق فيجازي كال ما يستحقه ،أن
خيرا فخيرا وان شرا فشراً.
وتأتي اآلية الثالثة لتقرر أن ال أحد يقدر على الشفاعة األبعد اذن من هللا تعالى ،وذلك اذ يقول تعالى ( :من ذا الذي يشفع
عنده اال باذنه ) أي من ذلك الذي يتجرأ على الشفاعة األبعد اذن من هللا له بذلك .
وفي تيئيس للمشركين ولكل من اتجه الى غير هللا في كل زمان و مكان من أن يحصلوا على فائدة من عبادة غير هللا -
جاءت اآلية الرابعة لتقرر هذا فتقول ( :وكم من ملك في السموات ال تغنی شفاعتهم شيئا اال من بعد أن يأذن هللا لمن يشاء
ويرضى ) و المعني هنا ال يختلف عن معنی اآلية السابقة في الشفاعة وأنها ال تكون اال بعد اذن هللا -حتى المالئكة
المطهرون من اآلثام والمعاصي ال يتجرأون على الشفاعة اال بعد اذن هللا لهم بذلك ،فاذا كان هذا هو الحال بالنسبة
للمالئكة المقربين عند هللا تعالى ،فغير هم أولى بعدم القدرة على الشفاعة اال بعد اذن من هللا ،ومن هنا يتضح أن أولئك
الذين يطلبون الشفاعة من مخلوقين فارقوا الحياة ،أو جمادات ال تسمع انما يسببون ألنفسهم البعد من هللا ،أدركوا ذلك أم
لم يدركوه
أما اآلية الخامسة فقد تقدم الكالم عليها في الباب السابق لهذا الباب وكالم شيخ االسالم ابن تيمية رحمه هللا تقدم معناه في
اآليات السابقة في الباب ايضا.
وفي نهاية الباب يأتي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه وفيه انه لما سأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن من أسعد الناس
بشفاعته قال عليه الصالة والسالم « :من قال :ال اله اال هللا خالصا من قلبه » وهذا الحديث فيه داللة على أن شفاعة
الرسول صلى هللا عليه وسلم ال تكون األ للموحدين المخلصين من قلوبهم ،وبهذا المعنى جاء الحديث في
صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( :لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل
نبي دعوته ،واني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي يوم القيامة فهي نائلة ان شاء هللا من مات ال يشرك باهلل شيئا).
شفاعة نفاها القرآن الكريم وأخبر أنها ال تقبل وهي الشفاعة للكفار والمشركين كما جاء ذلك في قوله تعالى ( :فما تنفعهم
شفاعة الشافعين ) وقوله تعالى ( :والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم اال ليقربونا إلى هللا زلفي ان هللا يحكم بينهم
فيما هم فيه يختلفون ،أن هللا ال يهدي من هو كاذب کفار ) وفي هذا ابطال لكل شفاعة تطلب من غير هللا فالذين يتجهون
إلى األرض يدعون من توارى تحتها من أنبياء أو أولياء ،أو صالحين أو غيرهم من المخلوقين ،يدعونهم ويتوكلون
عليهم انما يبعدون أنفسهم عن هللا بشركهم في العبادة ،ألن طلب الشفاعة من هللا عبادة و طلبها من غيره شرك .
النوع الثاني:
شفاعة أثبتها القرآن الكريم وهي الشفاعة للموحدين ،وال تحصل هذه الشفاعة اال بشرطين .
األول :اذن هللا للشافع بالشفاعة كما قال هللا تعالى ( :من ذا الذي يشفع عنده األباذنه ).
الثاني :رضاه عن المشفوع له بالشفاعة كما قال تعالى ( وال يشفعون .اال لمن ارتضى ) وهو سبحانه وتعالى ال يرضى
اال عن الذين اخلصوا العبادة له وحده
6۰
باب قول هللا تعالى ( انك ال تهدي من أحببت ) اآلية ( - 56
القصص )
في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال :لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وعنده عبد
هللا بن أبي أمية وأبو جهل ،فقال له يا عم ،قل ال اله اال هللا كلمة أحاج لك بها عند هللا فقاال له :أترغب عن ملة عبد
المطلب ؟ فأعاد عليه النبي صلى هللا عليه وسلم ،فأعادا ،فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب ،وأبي أن يقول ال
اله اال هللا ،فقال النبي صلى هللا عليه وسلم «ال ستغفرن لك ما لم أنه عنك » فأنزل هللا عز وجل ( ما كان للنبي والذين
آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) ،وأنزل في أبي طالب ( انك ال تهدي من احبت ولكن هللا يهدي من يشاء )
األولى :تفسير قوله ( انك ال تهدي من احببت ولكن هللا يهدي من يشاء ).
الثانية :تفسير قوله ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ).
الثالثة :وهي المسألة الكبرى تفسير قوله ( قل ال اله اال هللا ) بخالف ما عليه من يدعي العلم .
الرابعة :أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي صلى هللا عليه وسلم اذا قال للرجل «قل ال اله اال هللا ،فقبح هللا من
ابو جهل أعلم منه بأهل االسالم.
الخامسة :جده صلى هللا عليه و سلم و مبالغته في إسالم عمه .
السابعة :كونه صلى هللا عليه وسلم استغفر له فلم يغفر له ،بل نهي عن ذلك.
الحادية عشرة :الشاهد لكون األعمال بالخواتيم ،ألنه لو قالها لنفعته .
الثانية عشرة :التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين ،ألن في القصة أنهم لم يجادلوه اال بها مع مبالغته صلى هللا
عليه وسلم وتکريره -فألجل عظمتها ووضوحها عندهم اقتصروا عليها.
الهدف :
قصد المصلح الكبير رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان أن الرسول عليه الصالة والسالم ال يملك هداية التوفيق ،وشرح
الصدر لأليمان ،وانما الذي يملك ذلك هللا سبحانه وتعالى كما ورد ذلك في كتابه العزيز ( :فمن يرد هللا أن يهديه يشرح
صدره لألسالم ،ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) وانما الذي يملكه عليه الصالة
والسالم هداية الدعوة واالرشاد ،كما قال هللا تعالى ( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم ).
الشرح :
61
فاآلية الكريمة -جاء فيها قوله تعالى ( :انك ال تهدي من أحبت ولكن هللا يهدي من يشاء ) أي انك ال تقدر على هداية من
أحببت ،وانما عليك البالغ ،وهللا يهدي من يشاء وله الحكمة البالغة ،وبهذا المعنى جاءت هذه اآلية من كتاب هللا تعالى :
( ليس عليك هداهم ولكن هللا يهدي من يشاء ) وقوله تعالى ( :وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) و الهداية المنفية
هنا عن النبي صلى هللا عليه وسلم هي هداية التوفيق والقبول ،وقوله تعالى ( وهو أعلم بالمهتدين ) أي هو أعلم بمن لديه
االستعداد للهداية ،ومن طبعه االنكار والجحود والعناد .
وبعد هذه اآلية من كتاب هللا يأتي حديث ابن المسيب وفيه يحكي قصة الرسول عليه السالم مع عمه ابي طالب حينما
حضرته الوفاة فيقول :لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعنده عبد هللا بن أبي أمية و ابو
جهل فقال له « يا عم قل ال اله اال هللا كلمة أحاج لك بها عند هللا ،أي اعترف هلل بالوحدانية ،أجد وسيلة أطلب بها لك
منزلة رفيعة عند هللا ،لكن أبا طالب وهو رجل ذو مكانة في قومه لم يستطع أن يعرض نفسه لالهانة ،ومركزه لالنهيار
ألنه يدرك تماما أن كلمة ( ال اله اال هللا ) تعني البراءة من الشرك ،واالتجاه الى هللا بالقلب واللسان والجوارح ،وهذا
معناه التنكر لما عليه.قومه من عبادة لالوثان.
وبتأثير من جلساء السوء عبد هللا بن أبي أمية ،وأبي جهل حين قاال له في استفهام يشبه التحذير «أترغب عن ملة عبد
المطلب ،أي أتترك دين آبائك وأجدادك -أجاب ابو طالب رسول هللا عليه السالم بقوله « :لوال أن تعيرني قريش ،
يقولون ما حمله على ذلك اال جزعه من الموت -ألقررت بها عينك ،ومع حرص الرسول عليه الصالة والسالم على
إسالم عمه فقد فارق ابو طالب الدنيا دون أن يدخل في االسالم ،ولعل في ذلك حكمة ،هي أن يؤكد الخالق العظيم للناس
جميعا أن هداية التوفيق وشرح الصدر لالسالم هللا وحده ،قوله « :فاعاد عليه النبي صلى هللا عليه وسلم فأعادا » أي
فأعاد عليه السالم الدعوة للدخول في اإلسالم ،فاعادا تذكيره بأن هذا يتنافى مع ملة عبد المطلب ،التي هي الشرك باهلل
في العبادة قوله « :فكان آخر ما قال :هو على ملة عبد المطلب ،أي سيبقى على ما كان عليه آباؤه -قوله :واي آن
يقول «ال اله اال هللا » وفي هذا تأكيد من راوي الحديث بأن أبا طالب قد بقي على دين عبد المطلب ،وفي هذا رد على
من زعم أن أبا طالب دخل في االسالم .
قوله :فقال النبي صلى هللا عليه وسلم ( :ال ستغفرن لك ما لم أنه عنك ،أي ال طلبن لك المغفرة ما لم يهني هللا عن ذلك) ،
وقد وقع ما كان يتوقعه عليه السالم من عدم السماح له باالستغفار لعمه ،فقد أنزل هللا عز وجل في ذلك قوله تعالى ( :ما
كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربي ) كما أنزل فيه أيضا قوله تعالى ( إنك ال تهدي من
أحببت ولكن هللا يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ).
62
باب ما جاء أن سبب کفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في
الصالحين
وقول هللا عز وجل ( يا أهل الكتاب ال تغلوا في دينكم وال تقولوا على هللا اال الحق ) ( - 171النساء ) وفي الصحيح عن
ابن عباس رضي هللا عنهما في قول هللا تعالى ( وقالوا ال تذرن آلهتكم وال تذرن ودا وال سواعا وال يغوث ويعوق ونسرا )
اآلية ( - 23نوح ) قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ،فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى
مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ،ولم تعبد حتى اذا هلك أولئك و نسي العلم عبدت .
وقال ابن القيم :قال غير واحد من السلف :لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ،ثم طال عليهم االمد
فعبدوهم .
وعن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال «ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ،انما أنا عبد فقولوا :عبد
هللا ورسوله » اخرجاه .
وقال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( اياکم والغلو ،فانما أهلك من كان قبلكم الغلو ) ولمسلم عن ابن مسعود رضي
هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( :هلك المتنطعون ) قالها ثالثا.
األولى :أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة االسالم ورأى من قدرة هللا و تقليبه للقلوب العجب.
الثانية :معرفة أن أول شرك حدث على وجه األرض أنه بشبهة الصالحين .
الثالثة :أنه أول شيء غير به دين االنبياء وما سبب ذلك مع معرفة أن هللا أرسلهم .
والثاني :فعل أناس من أهل العلم والدين شيئا أرادوا به خيرا فظن من بعدهم أنهم ارادوا به غيره
السابعة :جبلة اآلدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد .
الثامنة :أن فيه شاهدا لما نقل عن السلف أن البدعة سبب الكفر .
التاسعة :معرفة الشيطان بما تؤول اليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل .
العاشرة :معرفة القاعدة الكلية وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول اليه .
الثالثة عشرة :معرفة عظم شأن هذه القصة وشدة الحاجة اليها مع الغفلة عنها .
63
الرابعة عشرة :وهي اعجب واعجب قرائتهم إياها في كتب التفسير والحديث ومعرفتهم بمعنى الكالم وكون هللا حال
بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح هو أفضل العبادات ،واعتقدوا أن ما نهى هللا رسوله عنه فهو الكفر
المبيح للدم و المال .
السادسة عشرة :ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور ارادوا ذلك .
السابعة عشرة :البيان العظيم في قوله «ال تطروني» الخ فصلوات هللا وسالمه على من بلغ البالغ المبين .
التاسعة عشرة :التصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم ،ففيها بيان معرفة قدر وجوده و مضرة فقده
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان أن الغلو في المخلوقين يؤدي في النهاية إلى الشرك باهلل.
الشرح :
فاآلية الكريمة جاء فيها قوله تعالى ( يا أهل الكتاب ال تغلو في دينكم وال تقولوا على هللا اال الحق ) أي ال تتجاوزوا الحد
في التعظيم ،والخطاب هنا وان كان موجها ألهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) اال أنه يشمل جميع البشر في النهي عن
االرتفاع بالمخلوق عن منزلة العبودية إلى مقام األلوهية ،كما فعل ذلك النصارى في تعظيمهم لعيسى عليه الصالة
والسالم الى درجة العبادة ،وكما يفعله الكثير من الجهال من تجاوز للحد في تعظيم األنبياء واألولياء والصالحين مما أدى
بالكثير منهم إلى الخروج عن دائرة التوحيد الى منحدر الشرك الذي هو أعظم الذنوب جرما عند هللا.
بعد هذه اآلية من كتاب هللا يأتي الحديث األول بهذا الباب ،وهو حديث ابن عباس رضي هللا عنه الذي يحكي فيه قصة
األصنام ،ود ،وسواعا ،ويغوث ،ويعوق ،ونسرا ،بأنها كانت اسماء الرجال صالحين من قوم نوح ،ولمعرفة
الشيطان بحب الناس في عهد نوح عليه السالم لهؤالء الرجال الصالحين ،وإلدراکه بما يؤول اليه الغلو من مفاسد كبيرة ،
أوحى الى أتباعهم الذين يقتدون بهم ،بعد أن ماتوا أن يجعلوا لهم تماثيل على صورهم ،ويضعوها في مجالسهم ،
ويسموها بأسمائهم لكي يتمثلوهم فيكون ذلك أدعى إلى االقتداء بهم في العبادة ،وفعلوا ذلك عن حسن نية ،ولم تعبد هذه
االصنام حتى مات أولئك الذين صوروا تلك األصنام وفشا الجهل في الناس .فجاء أبليس وقد تهيأت نفوس الناس لتقبل
الخرافة بسبب الجهل ،فقال لهم ،أن من كان قبلكم كانوا يعبدونهم ،ويستسقون بهم المطر ،وبهذا زين لهم عبادة األصنام
،فوقعوا في الشرك بسبب الغلو في محبة الصالحين ،وكان هذا أول شرك حدث في األرض ،وعن طريق غواية
الشيطان ومالحقته لالنسان ليبقى دائما في متاهات الضالل والبعد عن هللا ،انتقلت هذه االصنام الى العرب فيما بعد
فكان رد :لكلب
وسواع :لهذيل
ويعوق :لهمدان
وسرت عدوى الغلو في المخلوقين في البالد االسالمية كلها إلى أن انقلب األمر إلى عبادة من دون هللا .،ففي نجد
والحجاز كانت هناك أصنام وأوثان يقصدها الناس لطلب الشفاعة ،وجلب الرخاء إلى أن جاء داعية التوحيد الشيخ ابن
64
عبد الوهاب رحمه هللا فقضى على كل مظاهر الوثنية في هذه البالد .وفي مصر ما يزال الناس حتى اليوم يطوفون حول
قبر أحمد البدوي وغيره داعين مبتهلين ومقدمين له النذور من دون هللا وفي العراق هناك حيث يتجه الجهال إلى مشهد
علي والحسين وعبد القادر الجيالني وغيرهم من البشر طالبين منه في تذلل و خشوع -الشفاعة ،وجلب السعادة .وما من
بلد اسالمي اال ويوجد فيه قبر أو مشهد ،أو صنم أو طاغوت ،يضج حوله الجهال ملتمسين منه الخير والبركة ،وهو
عمل ال يرضى عنه هللا ،النه ليس من االسالم في شيء ،وكل هذا سببه مجاوزة الحد في تعظيم المخلوقين ،ببناء القباب
على القبور وزخرفتها وإنارتها بالشموع وغيرها ،وأحاطتها بهالة من القداسة والتعظيم ،الشيء الذي أدى بالناس في
النهاية إلى الوقوع في الشرك باهلل تعالى .
الحديث الثاني في الباب هو حديث عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم نهي عن تجاوز
الحد في مدحه تواضعا منه عليه الصالة والسالم ،وخوفا من أن يتطور األمر إلى رفعه إلى منزلة ال تليق بالمخلوق :اذ
قال عليه السالم ( :ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) » .
قوله « :ال تطروني » أي ال تمدحوني بالباطل وال تتجاوزوا الحد في مدحي ولذا ورد في حديث عنه عليه السالم جاء فيه
« أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم وال يستهوينكم الشيطان -أنا محمد ابن عبد هللا ما أحب أن ترفعوني فوق
منزلتي التي أنزلني هللا عز وجل» ومع نهيه عليه السالم فقد تجاوز كثير من المسلمين الحد في مدحه ونسبوا اليه بعض
ما هو من خصائص هللا تعالى :فقد زعم أصحاب الخرافة الجهلة بدين هللا ،أنه عليه الصالة والسالم يعلم مفاتيح الغيب
التي ال يعلمها اال هللا ،كما ورد ذلك في قول هللا تعالى ( :وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها اال هو ،ويعلم ما في البر والبحر
وما تسقط من ورقة اال يعلمها وال حبة في ظلمات األرض وال رطب وال يابس اال في كتاب مبين ) لكن النبي عليه السالم
نفي عن نفسه هذا الزعم في تلك اآلية الكريمة من سورة األعراف ( :قل ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا اال ما شاء هللا ،
ولو كنت أعلم الغيب الستكثرت من الخير وما مسني السوء ) وشبيه بهذا ما يدعيه الدجالون من أصحاب الطرق الصوفية
وغيرهم من أن النبي صلى هللا عليه وسلم يحضر مجالس الذكر التي يعقدونها بمناسبة مولد الرسول عليه السالم أو غير
ذلك من الموالد البدعية التي استحدثها الجهال وأعداء االسالم ،ليشوهوا حقيقة دين هللا بمثل هذه الخرافات التي ال تقوم
على دليل من شريعة رب العالمين .
قوله ( كما أطرت النصارى ابن مريم ) أي تتعدوا الحدود في ا رفعي الى منزلة فوق التي منحني هللا إياها فتقعوا فيما وقع
فيه النصارى من كفر باهلل بسبب تجاوزهم الحد في تعظيمهم لنبي هللا عيسى عليه الصالة و السالم الذي آل بهم إلى أن
يرفعوه من منزلة العبودية إلى مقام اإلله المعبود كما جاء ذلك في كتاب هللا ( :لقد كفر الذين قالوا ان هللا هو المسيح بن
مريم ).
وحتى ال تقع أمة االسالم فيما وقع فيه النصارى من كفر باهلل بسبب مجاوزة الحد في التعظيم نهى الرسول عليه السالم
عن مجاوزة الحد في المدح .وحتى يقيم الحجة على كل من أراد أن يتجاوز الحد في تعظيمه قال عليه السالم « :انما أنا
عبد .فقولوا :عبد هللا و رسوله » أي ال توغلوا في مدحي ،فانما أنا عبد من عباد هللا ،ورسول من أرسله ،الذين
أرسلهم إلى البشر ليخرجوهم من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق جل جالله والرسول عليه الصالة والسالم حينما قال :
«انما أنا عبد » يشير بذلك إلى أمرين.
األول :اعتزازه بعبوديته هلل تعالى واعترافه بأن المخلوق مهما كانت منزلته عالية عند هللا فانه ال يخرج عن كونه عبد هللا
،ولهذا السبب صار من يتجه بأي نوع من أنواع العبادة للمالئكة أو االنبياء أو األولياء أو الصالحين مشركا مع هللا في
عبادته .
الثاني :أنه رسول من عند هللا للبشرية كافة وكل األنبياء من أولهم نوح عليه السالم إلى آخرهم محمد عليه السالم ،كان
أول شيء يدعون الناس اليه عبادة هللا وحده ،وترك عبادة المخلوقين ،وما كان لنبي أن يرضى بصرف ما هو حق من
حقوق هللا ألي مخلوق في األرض وال في السماء .
وتعظيم الرسول عليه السالم وحبه ،وال يكون اال باالهتداء بهديه والسير على طريقته ،كما جاء في قول هللا تعالى ( :قل
ان کنتم تحبون هللا فاتبعوني يحببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم).
أما الغلو فيه بصرف أي نوع من أنواع العبادة له فأمر يخالف شرع هللا و دينه.
65
الحديث الرابع في هذا الباب هو ما جاء فيه هي الرسول عليه السالم عن الغلو ،واخباره بأنه كان سببا في اهالك أمم
سابقة ،وهذا دليل على العواقب السيئة التي تنتج عن الغلو في جميع األعمال قلبية كانت أو جسمية .
وآخر حديث هو حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وفيه اخبار الرسول عليه السالم بخطورة التنطع ألنه نوع من الغلو ،
قال :ابو السعادات :المتنطعون هم المتعمقون الغالون في الكالم ،المتكلمون من أقصى حلوقهم ،مأخوذ من النطع ،
وهو الغار األعلى من الفم ،ثم استعمل في كل متعمق قوال وفعال ،ومن أمثلة التنطع االمتناع عن الزواج ابتعادا عن
االستمتاع بمالذ الحياة ،ولبس الخشن من الثياب بدال من لبس الثياب األنيقة الناعمة ،والتضييق على الناس في أشياء
مختلف عليها بين علماء الشريعة ،والحكم على األشياء تحليال أو تحريما دونما دليل واضح من شريعة هللا ،ولخطورة
تكلف األمور بترك ما أباحه هللا لعباده ،قال عليه السالم « :هلك المتنطعون ،قالها ثالثا » أي قال هلك المتنطعون ،
هلك المتنطعون -هلك المتنطعون ،وتكريره عليه السالم ،الكالم ثالث مرات دليل على أهميته ،وعلى ما يترتب على
التنطع من نتائج سيئة ال على االنسان المتنطع فحسب ،وانما ايضا على االسالم نفسه الذي يظهر بسبب هذا الغلو بمظهر
المتناقض أحيانا ،والحائل بين الناس وبين التمتع بالمباح من مباهج الحياة مرة أخرى ،وهو بريء من هذا وذاك بدليل
قوله تعالى ( :قل من حرم زينة هللا التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) وقوله تعالى ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند
كل مسجد وكلوا واشربوا وال تسرفوا انه ال يحب المسرفين ).
والخالصة :أن الغلو في الدين أمر مذموم ،حذر عنه الرسول صلى هللا عليه وسلم ،بقوله :إن هذا الدين يسر ولن يشاد
الدين أحد األ غلبه فسددوا وقاربوا ،وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة -كما روى ذلك البخاري في
صحيحه عن أبي هريرة رضي هللا عنه.
66
باب ( ما جاء من التغليظ فيمن عبد هللا عند قبر رجل صالح
فكيف اذا عبده )
في الصحيح عن عائشة رضي هللا عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة
وما فيها من الصور فقال ( أولئك اذا مات فيهم الرجل الصالح -أو العبد الصالح -بنوا على قبره مسجدا ،وصوروا فيه
تلك الصور ،أولئك شرار الخلق عند هللا ،فهؤالء جمعوا بين فتنتين فتنة القبور وفتنة التماثيل ).
ولهما عنها قالت :لما نزل برسول هللا صلى هللا عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم بها كشفها ،فقال
وهو كذلك ( لعنة هللا على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا ولوال ذلك أبرز قبره ،غير
أنه خشي أن يتخذ مسجدا .أخرجاه
ولمسلم عن جندب بن عبد هللا قال :سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول ( اني ابرأ إلى هللا
أن يكون لي منكم خليل ،فان هللا قد اتخذني خليال كما اتخذ ابراهيم خليال ،ولو كنت متخذا من أمتي خليال التخذت أبا
بكر خليال ،اال وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ،اال فال تتخذوا القبور مساجد -فاني أنهاكم عن
ذلك) ،فقد نهى عنه في آخر حياته ثم انه لعن -وهو في السباق -من فعله .والصالة عندها من ذلك ،وان لم بين مسجد
،وهو معنى قولها خشي أن يتخذ مسجدا -فان الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا ،وكل موضع قصدت الصالة
فيه فقد اتخذ مسجدا ،بل كل موضع يصلي فيه يسمی مسجدا ،كما قال صلى هللا عليه و سلم .جعلت لي األرض مسجدا
وطهورا .
وألحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي هللا عنه مرفوعا «آن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ،والذين
يتخذون القبور مساجد » ورواه ابو حاتم في صحيحه .
فيه مسائل:
األولى :ما ذكر الرسول فيمن بنى مسجدا يعبد هللا فيه عند قبر رجل صالح ،ولو صحت نية الفاعل
الثالثة :العبرة في مبالغته صلى هللا عليه وسلم في ذلك كيف بين لهم هذا اوال ،ثم قبل موته بخمس قال ما قال ،ثم لما
كان النزع لم يكتف بما تقدم .
السابعة :آن مراده صلى هللا عليه وسلم تحذيره إيانا عن قبره.
العاشرة :انه قرن بين من اتخذها مسجدا ،وبين من تقوم عليه الساعة ،فذكر الذريعة إلى الشرك قبل وقوعه مع خاتمته
.
67
الحادية عشرة :ذكره في خطبته قبل موته بخمس الرد على الطائفتين اللتين هما شر أهل البدع .بل اخرجهم بعض
السلف من الثنتين والسبعين فرقة .وهم الرافضة ،والجهمية ،و بسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور ،وهم أول
من بني عليها المساجد .
الثانية عشرة :ما بلي به صلى هللا عليه وسلم من شدة النز ع .
الهدف :
قصد الشيخ المجدد رحمة هللا عليه ،من هذا الباب االبتعاد عن كل وسيلة قد تؤدي إلى أي نوع من أنواع الشرك .
الشرح :
عنها للرسول صلى هللا عليه وسلم بأنها لما هاجرت مع زوجها أبي سلمه إلى الحبشة أولها حديث أم سلمة رضي هللا14
بعد اضطهاد مرير من المشركين ،رأت هناك كنيسة فيها تصاوير ،فقال لها الرسول عليه الصالة والسالم :مخبرا لها
عن دافع أولئك الناس ،بأنهم اذا مات فيهم الرجل الصالح ،أو العبد الصالح :بنوا على قبره مسجدا -يعني مكانا للعبادة ،
وصوروا فيه تلك الصور التي رأتها أم سلمة ثم وضح عليه السالم أن عمال كهذا ضالل وبعد عن هللا اذ قال عليه السالم :
أولئك شرار الخلق عند هللا ،أي أولئك الذين يعملون هذا العمل هم شرار الخلق عند هللا ،لما سنوه من سنة سيئة أدت بمن
جاء من بعدهم إلى عبادة غير هللا ،وفي هذا دليل على تحريم بناء المساجد على القبور.
قوله ( :فهؤالء جمعوا بين فتنتين :فتنة القبور ،وفتنة التماثيل ).
هذا الكالم الشيخ االسالم ابن تيمية رحمه هللا ،وقد أورده الشيخ محمد رحمه هللا للتنبيه على ما وقع فيه الجهال من
االفتتان بالقبور و التماثيل.
الثاني :حديث عائشة وفيه تخبر رضي هللا عنها بأن الرسول صلى هللا عليه و سلم
عندما ظهرت عليه عالمات الوفاة وحان التحاقه بالرفيق األعلى ،جعل يضع كساءا له على وجهه ،فاذا غطي به وجهه
أزاله عنه فقال وهو كذلك « :لعنة هللا على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدا ،أي أبعد هللا اليهود والنصارى
وطردهم من رحمته ،بسبب جعلهم قبور أنبيائهم مساجد ،ومعنى هذا أن كل من فعل مثل فعل اليهود والنصارى فقد
استحق االبعاد من رحمة هللا ،وكلمة «يحذر ما صنعوا » ليست من قول النبي صلى هللا عليه وسلم فيما يظهر ،وانما
هي من كالم عائشة رضي هللا عنها ،ومعنى يحذر ما صنعوا ،يعني أن النبي صلى هللا عليه وسلم بهذا الكالم يحذر أمته
أن تفعل كما فعل اليهود والنصارى من اتخاذ القبور مساجد فيكون ذلك سببا في عبادة القبور ،قوله ( :ولوال ذلك أبرز
قبره ،غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ) يعني لوال الخوف من اتخاذ قبره مسجدا لجعل بارزا في البقيع ،مع قبور الصحابة
رضي هللا عنهم ،لكنه أمر أن يدفن في المكان الذي توفي فيه ،وقيل أن الصحابة رضي هللا عنهم هم الذين خشوا فيما لو
أبرز قبره أن يغلو فيه الناس فبقي في مكانه الذي توفي فيه .
أب أمية بن المغية بن عبد هللا بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية .
14
( )1أم سلمة :أسمها هند بنت ي
أب سلمة سنة أرب ع من الهجرة
تزوجها الرسول عليه الصالة والسالم بعد ي
( )2الكنيسه :مكان العبادة لدى النصاری
68
الثالث :حديث جندب بن عبد هللا وفيه يقول :أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول « :إني أبرأ إلى هللا أن يكون
لي منكم خليل » أي اني أعلن في عزم وتصميم بأني أمتنع عما ال يجوز لي فعله من اتخاذ أحد تتجاوز مودته في قلبي
مكانة الحب الى مقام الخلة -التي هي نهاية الحب .
ألن الحب الذي يملك على االنسان مشاعره وأحاسيسه ،ويطغى على عقله وفكره ،ينبغي أال يكون اال هللا .صاحب
الفضل واالحسان ،وقوله ( فان هللا قد اتخذني خليال كما اتخذ ابراهيم خليال) ،بمعنى أن هللا جلت قدرته منحه المكانة
الرفيعة من حبه -كما منحها البراهيم عليه السالم -لذا وألن قلبه عليه الصالة و السالم قد امتأل بحب هللا وتعظيمه ،لم
يتخذ له خليال من البشر ،وقال « :لو كنت متخذا من أمتي خليال التخذت أبا بكر خليال » أي لو كان في نيتي أن أجعل
لي خليال من البشر لكان أبا بكر ،وفي هذا داللة على ما يحتله أبو بكر من مكانة رفيعة في نفس رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم ،كما أن فيه اشارة إلى أولويته بالخالفة ،واستخالفه عليه الصالة والسالم له في الصالة بالناس في مرض موته
يؤيد أنه أحق بالخالفة من غيره .ولذا انتخبه الصحابة للخالفة ،فكان أول خليفة لرسول هللا صلى هللا عليه و سلم.
قوله ( :اال وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ،اال فال تتخذوا القبور مساجد ،فإني أنهاكم عن ذلك ).
الخبر :انه عليه السالم أخبر أن اليهود والنصارى كانوا يصلون هلل في مدافن أنبيائهم ،ويتوجهون بالصالة إلى قبورهم
.
والنبي :أنه بعد أن أمر اال يتخذ المسلمون القبور مساجد قال ( :فاني أنهاكم عن ذلك ،أي أنهاكم أن تفعلوا كما فعل من
كان قبلكم ممن جعل القبور مساجد) .قوله :فقد نهى عنه في آخر حياته إلى آخر الحديث كلمة من كالم شيخ االسالم ابن
تيمية رحمه هللا ،وال شك أن نهيه عليه السالم عن الصالة عند القبور ،وان كانت الصالة هلل ،و لعنه من فعل ذلك ،كان
المقصود منه ابعاد المسلم عن كل وسيلة يمكن أن تؤدي إلى أي نوع من أنواع الشرك مع هللا في عبادته.
الرابع :حديث ابن مسعود رضي هللا عنه الذي جاء فيه قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ( :أن من شرار الناس من
تدركهم الساعة وهم أحياء ،والذين يتخذون القبور مساجد ).
األول :أن تغييرات فكرية و خلقية ستحصل في المجتمع البشري ،بنحرف معها االنسان عن طريق هللا الذي أنزل به
كتبه ،وأرسل به رسله .ولقد وقع هذا كما أخبر عليه السالم ،فالمجتمع العالمي اآلن يتجه إلى منحدر رهيب من التفسخ
واالنحالل ،و انکار أن يكون لهذا الكون خالق أوجده من العدم .
ومعنى هذا أن وقتا سيأتي تتنكر فيه أغلب المجتمعات البشرية لكل القيم واألخالق ،ويصبح فيه الناس بال دين وال أخالق
،ومجتمع هذا شأنه ،مجتمع أشرار وال شك -يشير إلى هذا المقطع األول من الحديث ( ان من شرار الناس من تدركهم
الساعة وهم أحياء ).
ومعنى هذا أن الذين تقوم عليهم الساعة وهم أحياء انما هم من شرار الناس وما ذلك اال لما يعيشه الناس أو أغلبهم في ذلك
الزمن من حياة تحكمها الشهوات واألهواء ،وتتغلب عليها نوازع الشر و عوامل الفساد.
الثاني :من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد وما ذلك اآل ألن الصالة عند القبور ،وبناء المساجد عليها ،وسيلة
من وسائل الوقوع في الشرك الذي هو أشد الذنوب جرما ،وأسوأها مصيرا ،وأقبحها نهاية ،لهذا ذكر الرسول عليه
السالم -أن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد .وال ريب أن من تنكر لفضل هللا عليه ،وأشرك معه أحدا في
عبادته ،فهو من شرار خلق هللا عمال ومصيرا.
69
باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أو ثانا تعبد
من دون هللا
روی مالك في الموطأ :أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( :اللهم ال تجعل قبري وثنا يعبد ،اشتد غضب هللا على
قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )
والبن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد ( أفرأيتم الالت والعزى ) قال :كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا
على قبره .وكذا قال ابو الجوزاء عن ابن عباس :كان يلت السويق للحاج.
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :لعن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد.
والسرج .رواه أهل السنن .
الثالثة :أنه صلى هللا عليه وسلم لم يستعذ اال مما يخاف وقوعه .
السادسة :وهي من أهمها معرفة صفة عبادة الالت التي هي من أكبر األوثان .
الهدف :
قصد المؤلف رحمه هللا من هذا الباب التحذير من تعظيم قبور الصالحين وان مجاوزة الحد في تعظيمها يؤدي في النهاية
إلى عبادتها من دون هللا .
الشرح :
أورد الشيخ رحمه هللا تحت هذا الباب حديثين وروايتين لالستدالل بهما على التحذير من الغلو ( )1في تعظيم القبور الى
درجة تتنافى مع التوحيد الخالص هلل رب العالمين -فأورد حديث مالك( )2الذي جاء فيه دعاء الرسول عليه الصالة و
السالم بأن ال يجعل قبره وثنا يعبد ،وفي دعاء الرسول هذا تحذير للبشرية من االتجاه إلى الوثنية على أي شكل من
أشكالها القديم أو الحديث.
وقد استجاب هللا دعاء رسوله ،فصان قبره من العبادة وحماه من الوثنية ،وبعد أن وجه الرسول دعاء المستجاب ،أخبر
أن غضب هللا كان شديدا على الذين يجعلون قبور أنبيائهم مساجد ،وفي هذا الشارة إلى تحريم البناء على القبور ،وتحريم
الصالة عندها وتحذير من التورط فيما وقع فيه اليهود والنصارى من عبادة أنبيائهم بسبب الغلو فيهم.
7۰
عن مجاهد في قول هللا ( أفرأيتم الالت والعزى ) تقريع وتوبيخ لسخفاء العقول من الناس
وفي رواية ابن جرير(15 )1
الذين يحملهم الغلو على عبادة البشر كما فعل أولئك الذين عبدوا الالت ،ذلك الرجل الصالح الذي كان يلت السويق ()2
للناس ( وفي رواية أبي الجوزاء كان يلت السويق للحاج ) فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ووضعوا له صورة ،
وعبدوها .أو على عبادة الجماد كما فعلت قريش من عبادة العزي ،تلك الشجرة التي كانت بين مكة والطائف ،إلى أن
قطعها خالد بن الوليد رضي هللا عنه بأمر من رسول هللا صلى هللا عليه و سلم .
و المناسبة التي أورد الشيخ هذه الرواية من أجلها هي أن الغلو في ذلك الرجل لصالحه حمل الناس في عهده على أن
يجعلوا قبره وثنا من أوثان الجاهلية يقصده الناس للعبادة التي هي من خصائص هللا وحده .
وحديث ابن عباس قصد المؤلف منه ايضاح تحريم زيارة القبور للنساء ألمرين -:
األول :أن المرأة رقيقة العاطفة ،سريعة الجزع ،قليلة الصبر ،وهذه الطباع ربما تدفعها إلى ازعاج الناس بالعويل
والبكاء داخل القبور .
الثاني :أنه لو فتح الباب أمام النساء لزيارة القبور فان ذلك سوف يؤدي إلى أمور محرمة وسوف يتخذ كثير ممن ال تؤثر
زيارة القبور في نفوسهم شيئا هذه االمكنة ملتقى للوصول إلى أغراض ال يرضى عنها هللا جل جالله.
وما تحريم البناء على القبور واضاءتها اآل من أجل الحيلولة دون تعظيمها الذي يوقع في عبادة المخلوقين .
الخالصة:
حرص االسالم كل الحرص على تحرير نفس المسلم من العبودية اآل هللا وحده ولهذا سأل الرسول عليه السالم ربه أن ال
يجعل قبره وثنا يعبد.
15
( )1الغلو :مجاوزة الحدود ي
حددها هللا
الت
( )2مالك :هو مالك بن أنس أمام دار الهجرة واحد األئمة األربعة.
( )3ابن جرير :هو االمام الحافظ محمد ابن جریر بن یزید الطيي ،يقول بن خزيمة ال أعلم عىل وجه
األرض أعلم من محمد بن جریر
( )4السويق :دقيق الحنطة أو الشعي ،لته ( بله بالماء أو السمن )
71
باب ما جاء في حماية المصطفى صلى هللا عليه وسلم جناب
التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
وقول هللا تعالى ( لقد جاء کم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) االية (
التوبة – )128
عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال تجعلوا بيوتكم قبورا وال تجعلوا قبري عيدا ،
وصلوا علي فان صالتكم تبلغني حيث كنتم ،رواه أبو داود باسناد حسن رواته
وعن علي بن الحسين أنه رأى رجال يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى هللا عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو ،فنهاه
وقال :اال أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( :ال تتخذوا قبري عيدا وال
بيوتكم قبورا ،وصلوا علي فان تسليمكم يبلغني أين كنتم ) رواه في المختار .
الثامنة :تعليله ذلك بأن صالة الرجل وسالمه عليه يبلغه وان بعد فال حاجة إلى ما يتوهمه من اراد القرب.
التاسعة :كونه صلى هللا عليه وسلم في البرزخ تعرض عليه أعمال أمته في الصالة و السالم عليه
الهدف :
قصد المولف رحمه هللا من هذا الباب بيان أن كل األسباب والوسائل التي قد تقرب من الشرك ينبغي البعد عنها.
الشرح :
ذكر المؤلف رحمة هللا عليه في أول هذا الباب اآلية القرآنية ليدلل بها على أن هللا سبحانه أرسل إلى العرب رسوال من
جنسهم ،يؤلمه أشد األلم أن ينالهم مكروه في الدنيا أو يحل بهم عقاب في اآلخرة و من هنا جاء حرصه على هدايتهم
وصالح شأنهم ورأفته ورحمته بهم .ومن رأفته ورحمته بهم ،أن يوجههم إلى ما يقيهم من الوقوع فيما وقع فيه
المشركون من انحراف عن توحيد هللا.
وجاء حديث أبي هريرة بعد اآلية الكريمة وبه ثالثة أمور من الرسول صلى هللا عليه و سلم
األول :قوله ( :ال تجعلوا بيوتكم قبورا ) بمعنى ال تعطلوا بيوتكم من القراءة والصالة فيها ،فتكون كأنها قبور وفي هذا
اشارة إلى النبي عن العبادة عند القبور.
72
)16بمعنى ال تحددوا مكانا أو زمانا معينا للسالم على
الثاني :قوله ( :وال تجعلوا قبري عيدا ) (1
الثالث :قوله ( :وصلوا علي فان صالتكم تبلغني حيث كنتم ) بمعنى أن صالتكم علي تصلني في أي مكان كنتم ،كما
ورد بذلك الحديث الوارد في السالم ( أن هلل مالئكة سياحين يبلغوني عن أمتي السالم) اذا فال حاجة الى تخصيص مكان
أو زمان من أجل السالم علي .
يؤكد هذا ما جاء في نهي على بن الحسين رضي هللا عنه لذلك الرجل الذي كان يجي الى فرجة كانت عند قبر النبي صلى
هللا عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو ،وأورد دليال على ذلك حديثا سمعه من أبيه عن جده عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
فذكر نفس الحديث الذي رواه أبو هريرة في أول هذا الباب وهذا فيه داللة صريحة على أن المجيء إلى قبر الرسول
صلى هللا عليه وسلم لتحري اجابة الدعاء عنده ليس مما شرعه هللا و رسوله لهذه األمة وغير رسول هللا من البشر أحق
بعدم تحري اجابة الدعاء عند قبره ،وكل ذلك من أجل البعد بالعقيدة الخالصة هللا عن أن تتلوث من قريب أو بعيد بأي
تعظيم ألي شيء تكون نتيجته اشراك مع هللا في عبادته .
ئ
للش يتكرر مجيئه سواء كان هذا التكرر اسبوعيا أو شهريا أو سنويا ( )1العيد :اسم
ه المدخل الصغي( )2الفرجة :ي
73
باب ما جاء أن بعض هذه األمة يعبد األوثان
والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤالءوقول هللا تعالى ( :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت 17
اهدى من الذين آمنوا سبيال ) ( النساء )۰1 -وقول هللا تعالى ( :قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند هللا من لعنه هللا
وغضب عليه ،وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ) االية ( المائدة )6۰ -وقول هللا تعالى ( :قال الذين غلبوا
على أمر دم لنتخذن عليه مسجدا ) ( الكهف – .)21
عن أبي سعيد رضي هللا عنه ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال لتتبعن ستن من كان قبلكم حذو القذه بالقذه حتى لو
دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا :يا رسول هللا اليهود والنصارى ؟ قال :فمن .أخرجاه
ولمسلم عن ثوبان رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال أن هللا طوى لي االرض فرأيت مشارقها
ومغاربها ،وان أمتي يبلغ ملكها ما زوى لي منها واعطيت الكنزين األحمر واألبيض وأني سألت ربي ألمتي أن ال يهلكها
بسنة عامة ،وأن ال يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون
بعضهم يهلك بعضا ويسي بعضهم بعضا ،ورواه البرقاني في صحيحه وزاد ( وانما أخاف على أمتي االئمة المضلين )
واذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة .وال تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين ،وحتى تعبد فئات
من أمتي األوثان وانه سيكون في أمتي ثالثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ال نبي بعدي ( وال تزال طائفة
من أمتي على الحق منصورة ال يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر هللا تبارك و تعالى).
الرابعة :وهي أهمها ما معنى االيمان بالجبت والطاغوت هل هو اعتقاد قلب أو هو موافقة أصحابها مع بعضها ومعرفة
بطالنها.
السادسة :وهي المقصود بالترجمة أن هذا ال بد أن يوجد في هذه األمة كما تقرر في حديث أبي سعيد .
السابعة :التصريح بوقوعها أعني عبادة األوثان في هذه األمة في جموع كثيرة.
الثامنة :العجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه بأنه من هذه األمة ،وان
الرسول حق ،وان القرآن حق ،وفيه أن محمدا خاتم النبيين ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح وقد خرج
المختار في آخر عصر الصحابة وتبعه فئات كثيرة .
التاسعة :البشارة بأن الحق ال يزول بالكلية ،كما زال فيما مضى بل ال تزال عليه طائفة .
الهدف :
في هذا الباب التأكيد على أن ما أخبر به محمد رسول هللا عليه الصالة والسالم من أمور غيبية سوف تقع ،وأهمها ارتداد
بعض هذه األمة عن االسالم ،وقد وقعت كلها كما أخبر وسيأتي تفصيل ذلك.
الشرح :
أورد المؤلف رحمه هللا تحت هذا الباب ثالث آيات من كتاب هللا العزيز وحديثين عن رسول هللا عليه السالم.
فاآلية األولى من سورة النساء تشير إلى حرمان اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ،من هدايته بتعظيمهم غير هللا
بالعبادة و مساعدتهم للمشركين على المؤمنين باهلل ورسوله ،و انكارهم لدعوة رسول هللا وعدم ايمانهم به مع علمهم بأنه
رسول هللا الذي اخبرت عنه كتبهم التوراة واالنجيل ،ووجه االستدالل بهذه اآلية أنه مطلوب من اليهود كغيرهم من البشر
االيمان بالدين االسالمي الحنيف الذي جاء به محمد عليه السالم ولكنهم لم يؤمنوا بل عاندوا وبقوا على ما هم عليه من
کفر و عناد.
واآلية الثانية من سورة المائدة وبعد أن نبي هللا في اآلية قبلها عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دونه وأنه ال يواليهم
اال مرضى القلوب من المنافقين اعاد النبي في هذه اآلية عن مواالة الكفار عامة الذين اتخذوا دين هللا هزوا و لعبا وأخبر
عما هو شر منهم فقال :من لعنه هللا وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ،والمقصود من
االستدالل بهذه اآلية قوله تعالى ( :عبد الطاغوت ) .
واآلية الثالثة من سورة الكهف وبعد أن ذكر هللا قصة الفئة المؤمنة من الشباب الذين أووا إلى الكهف فرارا بدينهم من
عبادة غير هللا والذين بقوا فيه نياما ثالثمائة سنين و ازدادوا تسعا ،أخبر أن الفريق اآلخر الذين كانوا في شك من قدرة هللا
على أحياء الموتى بعد أن عثروا عليهم اتفقوا على أن يبنوا عليهم مسجدا يصلي فيه الناس واتخاذ المساجد على أضرحة
االولياء والصالحين والتمسج بأعتابها ،وثنية مقنعة و عودة إلى عبادة األوثان و ذلك اشراك باهلل في ربوبيته وعبادته.
ثم بعد هذه اآليات الثالث وما جاء فيها يأتي حديث أبي سعيد رضي هللا عنه ليقرر حقيقة نعيشها اآلن تلك هي تقليد
المسلمين لليهود والنصارى في أفعالهم وأعمالهم وتصرفاتهم وهذه عالمة من العالمات التي تؤكد لكل البشر أن محمدا
عليه الصالة والسالم رسول من عند هللا وقد وقع ما أخبر به من ال ينطق عن الهوى ،فقد اتبع كثير من المسلمين اليهود
والنصارى في االلحاد واالنحرافات الخلقية فكثير من المسلمين يستبيحون ألنفسهم كل اآلثام والذنوب تقليدا لليهود
والنصارى حتى في العبادة قلدوهم فيها -فالنصارى المتدينون ال يذهبون إلى الكنيسة اال في يوم االحد ،وكذلك كثير من
المسلمين ال يأتون للصالة في المسجد اال يوم الجمعة ،وربما أن بعضهم ال يصلي الصالة اال يوم الجمعة ،ولم يكن
نصيب المرأة المسلمة في هذا التقليد الضار بأقل من نصيب الرجل بل هي تزيد عليه بتقليدها للمرأة اليهودية والنصرانية
في عرض جسدها عاريا من لباس الحياء والحشمة ،وفي اختالطها في وقاحة واستهتار بالرجال في المنتزهات ،
والنوادي العامة وفي عدم احترامها لعفتها وشرفها وكرامتها ،وأعظم من هذا وذاك أن النصارى يصنعون لبعض
زعمائهم تماثيل على صورهم تكون أحيانا من الحجر وتكون من النحاس وغيره .
وتوضع هذه التماثيل في الميادين العامة ،كما توضع في بيوت خاصة ،وكذلك اتباعا للنصارى قام بعض المسلمين في
بعض البالد االسالمية بصنع تماثيل لبعض زعماء المسلمين ووضعت هذه التماثيل في الميادين العامة وفي أمكنة خاصة ،
كما قاموا بتشييد قباب على قبور من يقال أنهم من أولياء هللا الصالحين .
75
ثم في نهاية الباب يورد الشيخ رحمه هللا حديث ثوبان الذي أخبر فيه الرسول عليه السالم بأن هللا بقدرته طوى له األرض
حتى جعل ينظر إلى ما سوف تملكه امته منها في أقاصي المشرق والمغرب وأن أشياء عشرة وردت في الحديث سوف
تحدث في السنين القادمة من الزمان وقد حدثت كما أخبر وهذه االشياء العشرة -:
أولها :أن ملك امته امتد غربا إلى أقصى طنجة من بالد المغرب وشرقا إلى ما وراء خراسان وكثيرا من بالد الصين.
الثاني :استولى المسلمون على ملك قيصر ملك الروم وكنوزه و هو ما عبر عنه الرسول صلى هللا عليه وسلم باألحمر اي
الذهب ألنه النقد الغالب في بالد الروم وكذا ملك كسرى ملك الفرس وكنوزه و هو ما عبر عنه عليه السالم باالبيض اي
الفضة ألنه النقد الغالب في بالد الفرس وذلك في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي هللا عنه .
الثالث :أن هللا سبحانه استجاب لطلب نبيه لم يسلط على أمته هالکا عاما بسبب تتابع السنين المجدبة.
الرابع :أن هللا لم يسلط على كافة المسلمين عدوا خارجيا يستولي على جميع البالد االسالمية إلى أن يحدث االختالف فيما
بينهم وكان ذلك ما حدث فيوم أن كان المسلمون مشدودين برباط عقيدة اإلسالم الخالصة الصافية كانوا في قمة المجد
ومركز القوة ولم يستطع أي عدو خارجي مهما كانت قوته أن يستولي على بالد المسلمين وحرماتهم إلى أن انتشرت
الخالفات فيما بينهم وأخذ بعضهم يأكل بعضا كما تأكل النار حصيلتها من الحطب وهنا وجد العدو الخارجي طريقا للتسلط
عليهم واالستيالء على بالدهم.
الخامس :وقع ما تخوف منه الرسول عليه السالم من وجود قادة وزعماء وعلماء وعباد كان لهم النصيب األوفي في
االنحراف باالمة عن طريق هللا المستقيم الى الطرق المنحرفة التي أدت بكثير من المسلمين إلى التنكر العقيدتهم و
اسالمهم فكثير من قادة وزعماء المسلمين انحرفوا بسياسة بالدهم الى اتجاهات تخالف اتجاه االسالم تمام المخالفة ،وعدد
من علماء المسلمين تساهل في التوسل باالموات وبناء القباب على القبور مما أوقع في الشرك باهلل ومجموعات من العباد
عرضوا اإلسالم عن طريق حياتهم الخاملة الكسولة في صورة ممقوتة مشوهة ،وضللوا عن طريق خرافاتهم كثيرا من
جهال المسلمين وعرضوا االسالم نفسه االنتقادات كثيرة من أعدائه والكائدين له .
السادس :بقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي هللا عنه لم يرفع السيف إلى وقتنا هذا واألدلة حية نعيشها و نراها
رأي العين فكل المجازر البشرية التي حصلت في المدى البعيد والقريب في البالد االسالمية وبين المسلمين أهل البلد
الواحد ال من أجل الغيرة على دين هللا وانما محاولة للحصول على مراكز الحكم انما هو تأكيد لما أخبر به الرسول عليه
السالم.
السابع :ارتد عامة العرب عن اإلسالم بعد وفاة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعبدت جماعات كثيرة األوثان وما تزال
جماعات كثيرة إلى عصرنا هذا ترتد عن اإلسالم إلى االلحاد و انکار هللا كما توجد حتى اآلن جماعات تعكف حول قبور
من يقال عنهم أنهم عباد صالحون يستغيثون بهم بينما هم في عجز تام عن تحقيقه.
الثامن :وتصديقا الخبار الرسول صلى هللا عليه وسلم فقد ادعى النبوة في عهده عليه السالم االسود العنسي و مسيلمة
الكذاب وفي عهد أبي بكر ادعى النبوة طليحة بن خويلد وسجاح بنت المنذر ،وفي أول خالفة ابن الزبير ادعى النبوة
المختار بن أبي عبيد الثقفي ،وفي عهد عبد الملك بن مروان خرج الحارث الكذاب مدعيا النبوة وفي خالفة بني العباس
خرج عدد من الكذابين يدعون النبوة ،وما يزال اناس من وقت آلخر يدعون النبوة ففي عام 12۰9ه ادعى محمد علي
الشيرازي البابي النبوة ،ومن قلب البابية نبتت حركة البهائية التي يتزعمها الميرزا حسين علي المازندراني ،وفي عام
1327ه ادعی النبوة زعيم القاديانية الميرزا غالم أحمد والذي عرف مذهبه بالمذهب القادياني ،ويوجد اآلن في أمريکا
شخص يدعى اليجا محمد يدعي لنفسه النبوة ويقول :أنه نبي السود ،وكل هذه المذاهب وجدت من أجل تشويه اإلسالم ،
وافساد عقائد المسلمين .وتحديد الرسول الكذابين بثالثين ليس المقصود به حصر الكذابين في نطاق هذا العدد وانما كان
يقصد الذين يشتهر أمرهم على نطاق واسع ويكون لهم أتباع كثيرون .
التاسع :كان قول هللا سبحانه وتعالى ( :ما كان محمد ابا أحد من رجالکم ولکن رسول هللا وخاتم النبيين ) واضحا في أن
محمدا خاتم النبيين كما أخبر بذلك في الحديث وألجل هذا فان كل مدع للنبوة بعد محمد كذاب تجب محاربته .
العاشر :بالرغم من المحاربة المستمرة لالسالم منذ بزوغ شمسه الى يومنا هذا والدسائس والمكائد التي تحاك ضد كل
الدعاة اليه و المدافعين عنه فانه ما تزال هناك جماعات تقف في صمود وايمان داعية لالسالم ومدافعة عنه رغم ما تعانيه
76
هذه الجماعات من قتل وتشريد واضطهاد ولكن هللا دائما يقف مع أهل الحق ينصرهم ويشد من أزرهم ولن يتخلى عنهم
ابدا حتى يأذن بفناء هذه األرض ألن هللا جل جالله ال يخلف وعده و قد وعد بأنه ال يتخلى عن عباده المؤمنين.
77
باب ما جاء في السحر .
وقول هللا تعالى ( :ولقد علموا لمن اشتراه ما له في اآلخرة من خالق ) ( البقرة )1۰2 -وقوله ( :يؤمنون بالجبت
والطاغوت ) ( النساء )۰1 -قال عمر :الجبت السحر ،والطاغوت الشيطان ،وقال جابر :الطواغيت كهان كان ينزل
عليهم الشيطان في كل حي واحد
عن أبي هريرة رضي هللا عنه ،أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال « :اجتنبوا السبع الموبقات » قالوا :يا رسول
هللا و ما هن ؟ قال « :الشرك باهلل و السحر وقتل النفس التي حرم هللا اال بالحق ،وأكل الربا وأكل مال اليتيم ،والتولي
يوم الزحف وقذف المحصنات الغافالت المؤمنات».
وعن جندب مرفوعا « حد الساحر ضربه بالسيف » رواه الترمذي و قال الصحيح أنه موقوف .
وفي صحيح البخاري عن مجالة بن عبده قال :کتب عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال :
فقتلنا ثالثة سواحر ،وصح عن حفصة رضي هللا عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت وكذلك صح عن جندب
قال أحمد عن ثالثة من أصحاب النبي صلى هللا عليه و سلم .
الثامنة :وجود هذا في المسلمين على عهد عمر ،فكيف بعده .
الهدف :
قصد المؤلف رحمه هللا من هذا الباب بيان أن من تعلم السحر وعمل به کفر .
الشرح :
ذكر الشيخ المصلح رحمه هللا تحت هذا الباب لبيان تحريم تعاطي السحر(18)1وحكم فاعله آيتين وحديثا مرفوعا ،
وحديثا موقوفا وثالثة آثار ففي اآلية األولى نص صريح على أن السحر كان يعلم ويلقن وهو اما حيلة وشعوذة كما يفعل
ذلك من يسمون أنفسهم بقراء الكف ،و من يزعمون أن الجن مسخرون لهم ،كما حصل لسحرة فرعون الذين استعانوا
بالزئبق على اظهار الحبال والعصي بصورة الحيات والثعابين حتى خيل إلى الناس أنها تسعى .
وإما حقيقه كما ورد ذلك في قول هللا سبحانه و تعالى ( :ومن شر النفاثات في العقد ) ألنه لو لم يكن حقيقة لم يأمر هللا
نبيه باالستعاذة من شر السواحر الالتي يعقدن العقد وينفثن فيها ،وقوله تعالى ( :فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء
وزوجه ) و مهما يكن من أمر فان السحر سبب من األسباب فاذا أصيب أحد بضرر منه فانما ذلك بارادة هللا ،ولقد أورد
18
سببه ) (1السحر :لغة ما لطف مأخذه ن
وخف
ي
78
الشيخ رحمه هللا هذه اآلية مستدال بها على أن فريقا من أهل الكتاب كذبوا الرسول صلى هللا عليه وسلم والكتاب الذي أنزل
عليه ( القرآن ) ونبذوا بهذا التكذيب التوراة التي تثبت أن محمدا رسول من عند هللا وأتبع فريق من أحبار اليهود وعلمائهم
الذين نبذوا التوراة تجاهال منهم بما هم عالمون به واتبعوا السحر الذي تلته الشياطين في عهد سليمان بن داود وعملوا به
وألجل هذا أخبر هللا أن هؤالء الذين اختاروا علم السحر وعملوا به وأنكروا ما أثبتته التوراة من نبوة محمد عليه السالم
أنهم ال نصيب لهم في اآلخرة .
أما اآلية الثانية ( يؤمنون بالجبت والطاغوت ) فقد سبق الكالم عليها في الباب السابق .
اال أن عمر رضي هللا عنه في هذا الباب فسر الجبت بالسحر والطاغوت بالشيطان ويقول جابر بن عبد هللا :الطواغيت
كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد يعني كان لكل قبيلة من القبائل کاهن يفصل في مشكالتهم ،وينزل عليه
الشيطان بخبر السماء إلى أن حرست السماء بالشهب ،بعد مبعث الرسول صلى هللا عليه وسلم.
وجاء حديث أبي هريرة بعد هاتين اآليتين ليأمر باالبتعاد عن سبعة أشياء خطيرة لما تسببه من عقوبات في الدنيا واآلخرة
،و المناسبة التي ذكر الحديث من أجلها في هذا الباب هي كلمة السحر لبيان أن السحر من السبع المهلكات وقد جاء
ترتيب هذه السبع الموبقات على النحو التالي - :
)1الشرك باهلل ،وبدأ به ألنه ليس هناك ذنب أعظم من الشرك باهلل فاهلل ال يغفر لمن مات مشركا ،وال يدخله الجنة
ومأواه النار خالدا فيها .
)2السحر وقد جاء في المرتبة الثانية لخطورته على إفساد العقائد ،وضرره الذي يتعدى إلى اآلخرين .
) 3قتل المسلم بغير حق ومثله قتل المعاهد بدون جريمة و لجسامة الجريمة في قتل المسلم بغير حق قررته الشريعة ،
جاء قول هللا تعالى موضحا الجزاء ( :ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب هللا عليه ولعنه ) .كما جاء
في تحريم قتل المعاهد بغير جريمة ينتفي بها عهده قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة
الجنة ) .
)4أكل الربا -ولشدة تحريمه ألنه أكل االموال الناس بالباطل قال عنه الرسول عليه السالم :الربا نيف وسبعون حوبا
أيسرها مثل آن ينكح الرجل امه .
)5التعدي على مال اليتيم بعدم المحافظة عليه واالفساد فيه بأي طريق كان ولقد توعد هللا الذين يفسدون أموال اليتامى
باألكل وغيره ظلما وعدم اهتمام باألمانة في قوله تعالى ( :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم
نارا وسيصلون سعيرا ) .
)6االنهزام وقت المالقاة مع الكفار في المعركة وذلك لما يترتب عليه من اضعاف معنويات االخرين المشتركين في
القتال وألن الهروب من المعركة يسبب انتصارا للكفار على المسلمين ،لذا توعد هللا الفارين من المعركة جبنا وهلعا
بغضب هللا كما جاء في اآلية الكريمة ( ومن يولهم يومئذ دبره اآل متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من هللا
ومأواه جهنم وبئس المصير).
)7آخر األمور السبعة المهلكة اتهام المؤمنات العفيفات باالنحراف وعدم االستقامة وذلك لما يترتب على هذا من سمعة
غير كريمة قد تحرمها من الحياة الزوجية السعيدة ،وتخلع على ذويها ثوبا من العار والفضيحة ،ولحساسية هذا المسلك
وفظاعته قال هللا سبحانه و تعالى ( إن الذين يرمون المحصنات الغافالت المؤمنات لعنوا في الدنيا واآلخرة ولهم عذاب
عظيم ).
بعد حديث أبي هريرة هذا جاء حديث جندب الذي قال عنه الترمذي أنه موقوف و خبر بجاله بن عبده عن عمر بن
الخطاب رضي هللا عنه وكذا خبر حفصة ومثله خبر جندب وكلها تدل على جواز قتل الساحر ،قال اإلمام أحمد بن حنبل
صح قتل الساحر عن ثالثة من أصحاب النبي صلى هللا عليه و سلم.
79
باب بيان شيء من أنواع السحر
قال أحمد حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا عوف عن حيان بن العالء ،حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم قال «أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت » قال عوف :العيافة -زجر الطير و الطرق :الخط
يخط باالرض و الجبت قال الحسن :رنة الشيطان .اسناده جيد وألبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه
.
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة
من السحر زاد ما زاد ) رواه أبو داود و اسناده صحيح .
وللنسائي في حديث أبي هريرة « من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ،ومن سحر فقد أشرك و من تعلق شيئا وكل اليه»
وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « أال هل انبئكم ما العضه ؟ هي النميمة ،القالة بين الناس »
رواه مسلم
ولهما عن ابن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « :أن من البيان لسحرا».
الهدف :
المقصود من ذكر هذا الباب ،توضيح بعض أنواع من السحر كان أهل الجاهلية يعتقدون أن لها تأثيرا في سعادتهم أو
شقاوتهم في نصرهم أو هزيمتهم ،وبيان أن هذه االشياء التي يعتقدون أنها تكشف شيئا من علم المستقبل انما هي خرافة ال
تستند إلى حقيقة علمية وليست من باب خوارق العادات أو كرامة األولياء .الشرح :
أورد الشيخ رحمه هللا تحت هذا الباب خمسة أحاديث وكل حديث منها يدل على نوع معين من أنواع السحر
فحديث قطن بن قبيصة ،يدل على أن العيافة -وهي التفاؤل والظن بأن أسماء الطيور وأصواتها وممراتها تدل على أشياء
قد تكون حسنة أو قبيحة ،وقد تكون عالمة على خير أو شر ،وكمثال على ما كان يعتقده العرب قبل االسالم ،أن الطير
اذا مر من فوقهم واتجه ذات اليمين تفاءلوا بأن شيئا فيه فائدة سوف يحصل لهم ،أما اذا اتجه نحو الشمال فان هذا يعني
أن شيئا غير محبوب سيقع عليهم وكذلك اذا كان اسم الطير أو صوته محبوبا أو مكروها لهم تكون نفس النتيجة حسبما
كانوا يعتقدون .
كما يدل على أن الطرق .وهو الخط على األرض و مثله ما يفعله بعض الدجالين من رجال و نساء من الضرب بالودع و
الحصى وادعائهم أن هذا يكشف االشياء المجهولة .
وقد أورد الشيخ رحمه هللا هذا الحديث لالستدالل على أن العيافة والطرق من السحر ،أما كلمة الطيرة فستأتي في بابها ان
شاء هللا
8۰
وحديث ابن عباس الذي جاء فيه ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد أقتبس شعلة من السحر ) ،سيأتي الكالم عليه في باب
التنجيم آن شاء هللا.
ورواية النسائي عن أبي هريرة .استدل بها على أن عقد الخيوط أو الشعر أو غير ذلك و النفخ فيها بقصد التأثير نوع من
أنواع السحر و من تعلم السحر القائم على الطالسم والتقرب إلى الشياطين لالستعانة بهم في جلب األذى لآلخرين صار
مشركا كما ورد في آخر هذا الحديث ان من تعلق شيئا وكل اليه فمن تعلق قلبه باهلل حفظه من كل سوء ووقاه من كل
مكروه ،و من تعلق قلبه بعلم السحر المحرم واالعتماد على شياطين الجن واالنس -ضاع و هلك .
وحديث ابن مسعود الذي هو الحديث الرابع في هذا الباب فيه أن النميمة تحدث في افساد العالقات بين الناس أكثر مما
يفعله السحر .
وقد ذكر عن ابن كثير رحمه هللا أن النمام والكذاب يفسد في الساعة الواحدة بمقدار ما يفسده الساحر في السنة ،وقد اعتبر
الشيخ رحمه هللا النميمة نوعا من أنواع السحر ،يجامع أن كال من السحر والنميمة مفسد للعالقات التي أمر هللا أن تبقى
دائما في صفاء ونقاء .
وآخر حديث ورد في هذا الباب قول الرسول عليه السالم « ان من البيان لسحرا ».
وقد سمي البيان سحرا اما لرقة الكالم وروعة األسلوب وصفاء الفكرة بحيث يستولي المتكلم على عقول السامعين
ومشاعرهم وهذا سحر حالل اذا استخدم في أغراض الخير و اسعاد الناس ،وسمي هذا العمل سحرا على المجاز ال على
الحقيقة أن الكالم الرقيق واالسلوب الرائع والفكرة الصافية كل هذه األمور تفعل فعلها في استمالة القلوب كما يفعل السحر
في النفس.
وإما لقدرة المتكلم بأسلوب مؤثر على وضع الحق في قالب الباطل أو الباطل في صيغة الحق وهذا حرام ألنه أيضا يشبه
السحر من هذا الوجه.
81
باب ما جاء في الكهان و نحوهم
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « . « :من أتى
عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صالة أربعين يوما
وعن أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « :من أتی کاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى
هللا عليه وسلم » رواه أبو داود
ولالربعة و الحاكم وقال صحيح على شرطهما عن أبي هريرة من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد صلى هللا عليه و سلم .
وعن عمران بن حصين مرفوعا « ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتی
کاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى هللا عليه وسلم رواه البزار باسناد جيد ورواه الطبراني في
األوسط باسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله « ومن أتی » إلى آخره
قال البغوي :العراف :الذي يدعي معرفة األمور بمقدمات يستدل بها على المسروق و مكان الضالة ونحو ذلك .وقيل :
هو الكاهن والكاهن :هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل .وقيل :الذي يخبر عما في الضمير ،وقال ابو العباس
ابن تيمية :العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة األمور بهذه الطرق ،وقال ابن عباس في
قوم يكتبون «أبا جاد » وينظرون في النجوم :ما أرى من فعل ذلك له عند هللا من خالق .
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب النهي عن تصديق الكهان وغيرهم من أصحاب الدجل والشعوذة وأن تصديقهم
مناف للتوحيد.
الشرح :
ورد تحت هذا الباب أربعة أحاديث كلها تدل على التحذير من اتيان الكاهن و تصديقه فيما يقول ،وقد وردت هذه
األحاديث األربعة بألفاظ متقاربة .
« .ففي الحديث األول « من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صالة أربعين يوما
82
وفي الحديث الثاني داللة صريحة على أن من ذهب إلى كاهن معتقدا أنه يستطيع كشف الغيبيات فانه يكفر ،لكنه كفر ال
يخرج المسلم من دائرة االسالم .
أما الحديث الثالث فيدل على ما دل عليه الحديث السابق له لكنه قال من أتى عرافا أو كاهنا.
واذا نظرنا إلى األحاديث الثالثة نجد أن الحديث األول ورد فيه ذكر العراف و الحديث الثاني ورد فيه ذكر الكاهن -و
الحديث الثالث ورد فيه ذكر الكاهن والعراف معا -وحتى ال يكون هناك لبس في المعنى فان العراف اسم يشمل كل
المشعوذين بما فيهم الكهان و المنجمين ،و قارئي الكف ،وضاربي الودع وغيرهم من المرتزقة الذين يدعون الكرامات
وكشف الحجاب.
أما الحديث الرابع واألخير في هذا الباب ( حديث عمران بن حصين ) فيه داللة واضحة على براءة الرسول عليه الصالة
والسالم ممن تطير -يعني باشر عمل الطير ة بنفسه ،أو تطير له أي قبل أن تعمل الطيرة من أجله ،وتقدم الكالم على
الطيرة في باب سابق ،أو تكهن يعني باشر عمل الكهانة بنفسه أو تكهن له أي قبل أن تعمل الكهانة من أجله .أو سحر :
يعني باشر عمل السحر بنفسه أو سحر له ،أي قبل أن يعمل السحر من أجله ،وتقدم الكالم على السحر وأنواعه في باب
سابق وفي آخر الحديث جاء :أن من أتی کاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى هللا عليه و سلم.
83
باب « ما جاء في النشرة«
عن جابر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سئل عن النشرة فقال ( هي من عمل الشيطان ) رواه أحمد بسند جيد ،وأبو
داود وقال سئل احمد عنها فقال ابن مسعود يكره هذا كله .
وفي البخاري عن قتاده :قلت البن المسيب :رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر ؟ قال :ال بأس به انما
يريدون به االصالح ،فأما ما ينفع فلم ينه عنه .انتهی .
وروي عن الحسن أنه قال :ال يحل السحر اال ساحر قال ابن القيم :النشرة حل السحر عن المسحور ،وهي نوعان :حل
بسحر مثله ،وهو الذي من عمل الشيطان و عليه يحمل قول الحسن ،فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب ،
فيبطل عمله عن المسحور ،والثاني النشرة بالرقية والتعوذات واألدوية والدعوات المباحة فهذا جائز.
الثانية :الفرق بين المنهي عنه و المرخص فيه مما يزيل االشكال
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان النشرة ما يصح منها وما ال يصح والنشرة هي حل السحر عن المسحور -وهي
نوعان كما ذكرها ابن القيم رحمه هللا نوع محرم و هو حل السحر بسحر مثله و سبب تحريم هذا النوع أن الناشر يتقرب
إلى الشياطين بأعمال غير مباحة من أجل الحصول على مساعدتهم في ابطال السحر عن المسحور وهذا يتنافى مع
التوحيد و نوع حالل وهو حل السحر عن المسحور عن طريق االبتهال الى هللا والدعوات المخلصة اليه في أن يزيل عن
المسحور ما به من سحر ،وكذلك عن طريق االدوية المباحة .
الشرح :
األول :سئل الرسول صلى هللا عليه وسلم عن النشرة فقال (هي من عمل الشيطان ) والمقصود بالنشرة هنا تلك التي كان
أهل الجاهلية يعملونها ،وهي حل السحر بسحر مثله .
الثاني :أجاب عنه اإلمام أحمد بن حنبل بقوله أن ابن مسعود يكره هذا كله ( يعني أنه يكره النشرة )
الثالث :أما السؤال الثالث فمن قتاده البن المسيب يسأله فيه عن رجل عمل له سحر حال بينه وبين مباشرة زوجته ،
أيصح حل السحر عنه أم ال ؟ فيجيبه ابن المسيب بأن ال بأس بذلك ما دام األمر لالصالح .
و نفع الناس .ولكن قول ابن المسيب هذا يحمل على أنه يقصد حل السحر بالطريق المباح.
وفي نهاية هذا الباب ورد األثر عن الحسن انه قال ال يحل السحر اال ساحر وهذا معناه انه ال يستطيع حل السحر اال من
تعلم السحر ،وقد تقدم لنا أن من تعلم السحر للعمل به كافر.
84
باب ما جاء في التطير
( قالوا طائركم وقول هللا تعالى ( :اال انما طائرهم عند هللا ولكن أكثرهم ال يعلمون ) االية ( - 131األعراف ) وقوله :
معكم ) االية ( - 19يس ).
عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « :ال عدوی وال طيرة وال هامة ،وال صفر »
أخرجاه .زاد مسلم « وال نوء ،وال غول » ولهما عن أنس قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ال عدوی وال
طيرة ،ويعجبني الفأل قالوا :وما الفأل ؟ قال « :الكلمة الطيبة » وألبي داود بسند صحيح ،عن عقبة بن عامر ،قال
ذكرت الطيرة عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال :أحسنها الفأل ،وال ترد مسلما فاذا رأى أحدكم ما يكره فليقل :
اللهم ال يأتي بالحسنات اال أنت ،وال يدفع السيئات اال أنت ،وال حول وال قوة اال بك».
وله من حديث ابن مسعود مرفوعا « الطيرة شرك ،الطيرة شرك وما منا اال ...ولكن هللا يذهبه بالتوكل » رواه أبو داود
والترمذي .وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود وأحمد من حديث ابن عمرو « من ردته الطيرة عن حاجته فقد
اشرك ،قالوا فما كفارة ذلك ؟ قال أن يقول :اللهم ال خير اال خيرك ،وال طير اآل طيرك ،وال اله غيرك وله من حديث
الفضل بن العباس «انما الطيرة ما أمضاك أو ردك».
فيه مسائل:
.األولى :التنبيه على قوله « اال انما طائرهم عند هللا » مع قوله طائركم معكم
الثامنة :أن الواقع في القلب من ذلك مع كراهته ال يضر بل يذهبه هللا بالتوكل .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ابطال العقيدة القائمة على أن شيئا ما من مخلوقات هللا يستطيع أن يأتي بخير لالنسان
أو يدفع عنه شرا دون ارادة من هللا ،وأن ما يعتقده الناس قديما وحديثا من أن للطير أو األيام أو الشهور دخال في السعادة
أو الشقاء -انما هو خرافة أبطلها االسالم لمنافاته للتوحيد .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب آيتان وستة أحاديث كلها تدل على النهي عن التطير ففي اآلية األولى يوضح هللا موقف آل فرعون
الجائر من موسى عليه السالم والذي يتلخص في أنه إذا أصابهم خير وخصب وسعة في الرزق قالوا هذا بسبب خصوبة
85
أرضنا ،ونتيجة ألعمالنا ،واذا أصابهم مرض أو جدب أو غير ذلك من األمور المزعجة لهم قالوا هذا بسبب شؤم موسى
وقومه .
( فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يطير وا بموسى ومن معه ) فنفى هللا هذا االعتقاد بقوله ( اال انما
طائرهم عند هللا ولكن أكثرهم ال يعلمون ) يعني أن كل ما يصيبهم من خير أو شر انما هو بقضاء هللا وقدره.
وفي اآلية الثانية من سورة يس اخبار عن تكذيب أهل انطاكية ( قرية ببالد الروم ) للحواريين الذين أرسلهم عيسى عليه
السالم اليهم ليعبدوا هللا وحده ،ويتركوا عبادة األوثان ،ولكنهم أصروا على بقائهم على الكفر باهلل مهددين الرسل بأن
دعوتهم إلى التوحيد فيها شؤم بسبب استمالة بعضهم إلى عبادة هللا و تفرق كلمتهم نحو االتجاه إلى التوحيد أو البقاء على
الوثنية ،فرد عليهم الرسل بأن سبب شؤمهم انما هو بسبب اشراكهم باهلل وكفرهم وضاللهم .
بعد هاتين اآليتين تأتي األحاديث وفي كل حديث منها استدالل على شيء او أشياء مما هو ممنوع اعتقاده.
فحديث أبي هريرة رضي هللا عنه يوضح بطالن ما يعتقده الناس فينفي أن األمراض بطبيعتها تعدي اآلخرين دون ارادة
من هللا وان للطيور في مرورها ذات اليمين أو ذات اليسار ،أو مجيئها من األمام أو الخلف أي تأثير في حياة الناس من
حصول الخير أو الشر كما كان يعتقد ذلك أهل الجاهلية في السوانح وهي الطيور التي تمر من ناحية اليمين ،والبوارح
وهي التي تمر من ناحية اليسار ،والناطح والنطيح وهو الذي يأتي من االمام ،والقاعد والقعيد وهو الذي يجيء من
الخلف .
كما نفى الوهم القائم في أذهان بعض الجهال من أن وقوع البومة على بيت من البيوت معناه انذار بموت أحد سكان ذلك
البيت .
وأخبر بأن شهر صفر كغيره من الشهور وأن ما يعتقده الجهال من أنه أشهر مشئوم اعتقاد خاطئ أبطله االسالم ،وقوله
في رواية مسلم وال نوء سيأتي الكالم عليه في بابه .
قوله وال غول :يعني ان الغول ال تؤثر مع ذكر هللا والتوكل عليه والغيالن هي أشباح من الجن والشياطين تتلون أمام
عيون الناس في الليل في صور مختلفة و تضلهم عن الطريق في الفالة فيهلكون .
ويأتي بعد حديث أبي هريرة هذا حديث أنس وفيه زياده ويعجبي الفأل قالوا :وما الفأل -قال الكلمة الطيبة وفي هذا داللة
على أن التفاؤل ليس من الطيرة التي نهى عنها .ألنه حسن ظن باهلل ،أما التشاؤم فهو سوء ظن باهلل وعالمة ايمان اإلنسان
أن يكون حسن الظن باهلل في كل لحظة من لحظات حياته .
وفي رواية عقبة بن عامر أثبت الرسول صلى هللا عليه وسلم أن الفأل من الطيرة ولكنه فرق بينهما لما بينهما من
االختالف فالفأل فيه نفع ،والتشاؤم فيه مضرة ،ولهذا قال الرسول عليه السالم أحسنها الفأل .ثم أخبر أن الطيرة ال ترد
مسلما .وأشار إلى دعاء يقوله االنسان عندما يرى ما يكره ( اللهم ال يأتي بالحسنات اال أنت وال يدفع السيئات اال أنت وال
حول وال قوة اال بك ).
ويأتي بعد رواية عقبة حديث ابن مسعود وفيه اشارة صريحة إلى تحريم الطيرة وانها من الشرك النها تنافي التوكل على
هللا وتجعل االنسان يعتقد أن الطيرة فيها نفع أو ضرر والنفع والضرر بيد هللا وحده ،فاذا تعلق قلب اإلنسان بشيء غير
هللا في النفع أو الضرر كان ذلك شركا ،وليس هناك من شيء يذهب الطيرة غير التوكل على هللا ،واعتقاد انه هو
صاحب االمر والنهي واالرادة .
و بعد رواية عقبة يجيء حديث ابن عمرو بمعنى جديد وهو أن من عزم على فعل شيء فرأى أو سمع شيئا تشاءم منه
فعدل عن فعل ذلك الشيء كان ذلك شركا ،لكن اذا وقع التشاؤم في قلب االنسان ثم عدل عنه وسار في تنفيذ ما هو عازم
على فعله ،فإن كفارة ذلك التشاؤم الذي وقع في القلب ذلك الدعاء اللهم ال خير اال خيرك وال طير اال طيرك وال اله
غيرك و في نهاية هذا الباب يأتي حديث الفضل ليبين أن الطيرة التي نهى عنها انما هي تلك التي تمنع االنسان من
مواصلة السير فيما عزم عليه أو تدفع به إلى تنفيذ ما يريده .
86
باب ما جاء في التنجيم
قال البخاري في صحيحه :قال قتادة :خلق هللا هذه النجوم الثالث زينة للسماء ،ورجوما للشياطين ،وعالمات يهتدى بها
.فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه ،و تكلف ما ال علم له به .انتهى
وكره قتادة تعلم منازل القمر .ولم يرخص ابن عيينة فيه ذكره حرب عنهما .ورخص في تعلم المنازل احمد و اسحاق .
وعن أبي موسى قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالثة ال يدخلون الجنة ،مدمن الخمر ،و قاطع الرحم ،
ومصدق بالسحر رواه أحمد وابن حبان في صحيحه .
الرابعة :الوعيد فيمن صدق بشيء من السحر ولو عرف انه باطل.
الهدف :
مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب توضيح أن علم النجوم ينقسم إلى نوعين نوع يسمى علم التسيير وهو معرفة حركة
النجوم وتنقالتها وتحديد منازلها سواء عن طريق النظر بالعين المجردة أو بواسطة اآلالت المقربة ،وهذا العلم مباح لعدم
تعارضه مع العقيدة الخالصة هلل.
ونوع يسمى علم التأثير وهو االعتقاد بأن للنجوم والكواكب تأثيرا على ما يحدث على هذه األرض من حرب أو سلم أو
حياة أو موت أو نجاح أو فشل أو قدوم غائب أو شفاء مريض وهذا العلم محرم ألنه وهم وفيه تعارض مع ما اختص هللا
به نفسه من علم الغيب ،وهو الى جانب هذا شرك ألن نسبة الحوادث الى غير هللا شرك .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب أثر عن قتادة بين فيه أن هذه النجوم التي نشاهدها في السماء خلقت من أجل أمور ثالثة -:
ثانيها :أنها بمثابة قذائف نارية لحماية السماء من الشياطين وهذا ما و يعرف في عصرنا بالشهب الكونية .
ثالثها :أنها عالمات يستدل بها المسافرون وغيرهم في البر والبحر على جهة سيرهم ومعرفة القبلة لصالتهم .
فاذا زعم أحد فيها غير هذه الثالثة فقد أخطأ في زعمه وكلف نفسه شيئا ال يعلمه بعد أثر قتادة هذا ورد خالف حول جواز
تعلم منازل القمر فقتادة يكرهه وابن عيينة لم يرخص فيه ،واحمد وابن اسحاق رخصا فيه والحقيقة أن تعلم منازل القمر
مثل تعلم النجوم ،فاذا كان الهدف من تعلم منازل القمر يتعلق بأشياء علمية تتعلق بمصالح الناس في حياتهم فهذا مباح ،
وان كان الهدف من تعلم المنازل االعتقاد بأن المنازل القمر المختلفة أي تأثير على الحوادث التي تقع على األرض مثل
السعادة والتعاسة ،والربح والخسارة ،والصحة والمرض مثال فهذا ال يجوز.
وفي نهاية هذا الباب يأتي حديث أبي موسى ليقرر أن جزاء شديدا و مؤلما ينتظر مدمن الخمر يعني المداوم على شربها
وذلك لما للخمر من مضرة على العقل و الجسم و المجتمع ،والقاطع للرحم يعني القاطع صلته بأقاربه و المانع خيره عنهم
87
والمصدق بالسحر وقد تقدم الكالم عليه في بابه والشاهد من هذا الحديث قوله :ومصدق بالسحر .ألن تعلم النجوم
لالعتقاد بأنه لها تأثيرا على الحوادث االرضية يقوم على الوهم والتخمين و الظن الكاذب وهذا نوع من السحر
88
باب ما جاء في االستسقاء باألنواء
وقول هللا تعالى ( :وتجعلون رزقكم انكم تكذبون ( الواقعة – .)82
عن أبي مالك األشعري رضي هللا عنه ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :أربع في أمتي من أمر الجاهلية ال
يتركونهن :الفخر باألحساب ،والطعن في االنساب ،واالستسقاء بالنجوم ،والنياحة ) وقال ( :النائحة اذا لم تتب قبل
موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطر آن و درع من جرب ) رواه مسلم
ولهما عن زيد بن خالد رضي هللا عنه قال :صلى بنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صالة الصبح بالحديبية على اثر
سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال ( هل تدرون ماذا قال ربكم ) ؟ قالوا :هللا ورسوله أعلم قال :قال
:أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل هللا ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب و أما من قال
مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب .
ولهما من حديث ابن عباس معناه وفيه :قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل هللا هذه اآلية ( فال أقسم بمواقع النجوم
) إلى قوله ( تكذبون ) .
الخامسة :قوله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ،بسبب نزول النعمة .
التاسعة :اخراج العالم للمتعلم المسألة باالستفهام عنها .لقوله أتدرون ماذا قال ربكم.
الهدف:
القصد من هذا الباب بيان إن نسبة نزول المطر إلى وجود القمر في منزلة من منازله الثمانية والعشرين ،أو إلى طلوع
نجم أو غروبه أمر يتنافى مع توحيد هللا اذا اعتقد القائل بأن للقمر أو النجوم أي تأثير في نزول المطر .
الشرح:
ذكر الشيخ رحمه هللا ورضى عنه تحت هذا الباب آية واحدة.
و ثالثة أحاديث ففي اآلية الكريمة ينكر هللا على الذين ينسبون نزول المطر إلى االنواء و يعتقدون أن لها دخال في ذلك ،
كما يعتقد ذلك المنكرون لوجود هللا الذين ينسبون كل مظاهر هذا الكون إلى الطبيعة ،فيقول ( :وتجعلون رزقكم أنكم
تكذبون ) يعني وتجعلون شکر رزقكم اذا مطر تم ( انكم تكذبون ) أن هللا هو الذي أنزله وتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا .
89
على أن ذلك ال يعني انکار نزول المطر في أوقات معينة من السنة بارادة هللا ال بتأثير الظواهر الطبيعة من طلوع نجم او
أفوله كما يعتقد ذلك الطبيعيون الذين ينسبون كل شيء إلى الطبيعة .
ويأتي بعد هذه اآلية حديث أبي مالك األشعري الذي أخبر فيه الرسول عليه السالم أن أمورا أربعة مما كان يفعله الناس
في الجاهلية ال يتركها الناس حتى بعد دخولهم في االسالم هذه األمور األربعة هي :
أوال :الفخر باالحساب يعني تعالي بعض الناس على بعض بمفاخر آبائهم وأجدادهم و اعتقادهم بأنهم أفضل من غيرهم
من عباد هللا رغم قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ( أال أن هللا قد أذهب عنكم عبية الجاهلية ،وفخرها باآلباء انما هو
مؤمن تقي أو فاجر شقي الناس بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام أنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن
أهون على هللا من الجعالن )
ثانيا :الطعن في االنساب ،يعني التقليل من شأن بعض فئات معينة من المجتمع بسبب عدم معرفة انتسابهم الى قبيلة
معروفة من قبائل العرب ،رغم أن القرآن جعل مقياس التفاضل فيما بين البشر االستقامة في طاعة هللا ( يا أيها الناس انا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم ) .
ثالثا :االستسقاء بالنجوم ،يعني االعتقاد بأن المنازل القمر و مطالع النجوم تأثيرا في نزول المطر كما كان يعتقد ذلك
أهل الجاهلية فهذا االعتقاد شرك ألن المطر ال ينزل اآل بارادة هللا و أمره ،وليس لمنازل القمر أو النجوم دخل في ذلك .
رابعا :النياحه ،يعني رفع الصوت بالبكاء عند نزول المصائب أو عمل أي شيء يدل على الجزع مما قدره هللا وقضاه
كما يفعله الكثير من الناس اليوم عندما يموت لهم قريب أو صديق .
وهذه األمور األربعة ما يزال الناس متمسكين بها كما أخبر بذلك الرسول صلى هللا عليه وسلم ،والشاهد من هذا الحديث
قوله االستسقاء بالنجوم .
ثم يورد الشيخ رحمه هللا بعد حديث أبي مالك حديث زيد بن خالد ليدلل به على أن من اعتقد ان للنجوم تأثيرا في نزول
المطر فهو كافر باهلل.
فيقول زيد أن الرسول صلى هللا عليه وسلم صلى بهم صالة الصبح بالحديبية بعد مطر نزل في تلك الليلة وبعد أن انتهى
من صالته سأل الناس قائال :هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا :هللا ورسوله أعلم.
قال ( :أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل هللا ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من
قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) والمعنى أن من نسب نزول المطر إلى هللا صار من المؤمنين
باهلل ألن هللا هو الذي يملك انزال المطر دون غيره .
وان من نسب نزول المطر إلى النجوم أو غيرها من المخلوقات فهو كافر باهلل الن النجوم وكل المخلوقات ال دخل لها في
التصرف في ملك هللا وال تستطيع أن تؤثر في شيء دون ارادة هللا.
9۰
باب قول هللا تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا ) اآلية ( البقرة ) 165 -وقوله ( :قل ان
كان آباؤكم وأبناؤكم -إلى قوله -أحب اليكم من هللا ورسوله ) اآلية ( التوبة )24
عن أنس أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال (ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )
اخرجاه.
ولهما عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( ثالث من كن فيه وجد بهن حالوة اإليمان :أن يكون هللا ورسوله
أحب اليه مما سواهما وان يحب المرء ال يحبه اال هللا وأن يكره أن يعود في الكفر بعد اذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف
في النار ) وفي رواية ( ال يجد احد حالوة اإليمان حتى ) إلى آخره .
وعن ابن عباس قال من أحب في هللا ،وابغض في هللا ،ووالى في هللا ،وعادي في هللا ،فانما تنال والية هللا بذلك ،ولن
يجد عبد طعم االيمان وان كثرت صالته وصومه -حتى يكون كذلك ،وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا و
ذلك ال يجدي على أهاه شيئا .رواه ابن جرير ،وقال ابن عباس في قوله « وتقطعت بهم االسباب » قال :المودة.
الثالثة :وجوب محبته صلى هللا عليه وسلم على النفس واألهل والمال .
السادسة :أعمال القلب األربع التي ال تنال والية هللا اال بها وال تجد أحد طعم االمان اال بها.
السابعة :فهم الصحابي للواقع :أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا.
الحادية عشرة :أن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة هللا فهو الشرك االكبر.
الهدف :
مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب التنبيه على أن من جعل هلل مساويا في المحبة و الطاعة و التعظيم فهو مشرك .
الشرح :
ففي اآلية األولى مخبر هللا عن أولئك النوع من البشر الذين يرفعون قادتهم وزعماءهم إلى منزلة فوق منزلتهم البشرية
فيحبونهم كحب هللا ويتقربون اليهم كما يتقربون إلى هللا فال يطلبون من هللا شيئا اال عن طريقهم وبواسطتهم ،ومعنى هذا
أنهم يلتجئون اليهم كما يلتجئون الى هللا لهذا خرجوا من دائرة التوحيد إلى مستنقع الشرك ،وصاروا عبيدا لمخلوقين مثلهم
،فأورثهم هللا حسرة وشقاء في الدار االخرة بسبب بعدهم عن التوحيد الخالص هلل رب العالمين .
وفي اآلية الثانية :وبعد أن أعلن براءته ورسوله من المشركين و آذنهم بنبذ عهدهم بعد أن ثبت أنه ال عهد لهم كره بعض
ضعفاء االيمان من المسلمين قتال المشركين لسببين -:
91
أوال :وجود رابطة القربي بين المسلمين وبعض المشركين .
ثانيا :طمعهم في أن يدخل اولئك المشركون في االسالم .و لكن هللا بين في هذه اآلية والتي قبلها بأن فضل االيمان باهلل
والجهاد في سبيله ال يكمل اال بايثار حب هللا ورسوله وترك والية الكافرين لهذا قال هللا :جلت قدرته ،لرسول هللا عليه
الصالة و السالم :قل لهؤالء الضعفاء األمان من المسلمين :ان کنتم تفضلون حب اآلباء واالبناء و االخوة و االزواج ،
والعشيرة و االموال والتجارة و المساكن على حب هللا ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقابا من هللا يحل بكم عاجال
أو آجال .
يأتي بعد هاتين اآليتين حديث أنس رضي هللا عنه ليعلن نقص امان المسلم إذا لم يكن حب الرسول عليه الصالة والسالم
في نفسه أعظم وأعمق من حب الوالد والولد ومن الناس اجمعين ،وذلك لما له عليه السالم من فضل على البشر في
هدايتهم للخير ،وابعادهم عن مواطن الشر ثم يتلو حديث أنس هذا حديثه الثاني ليوضح فيه أن لذة االيمان.
األول :أن يكون هللا ورسوله أحب إلى االنسان من كل شيء في هذا الوجود مهما كانت منزلته أو مكانته ،و هذه النظرة
الرفيعة يصبح االنسان ذا صلة باهلل الن هللا دائما في قلبه يأمره ما يجب وينهاه عما ال يحب .
الثاني :اال يكون الغرض من حب المسلم ألخيه الطمع في الحصول على منفعة من منافع الدنيا أو مصلحة من مصالح
الحياة ،وانما يكون حبه هلل وحده ألن هذه المحبة هي التي تبقى خالدة مع الزمن ،ونجد المسلم لها لذة في قلبه النها قائمة
على الحب في هللا .
الثالث :أن يكره عودته إلى الكفر بعد أن أنعم هللا عليه باالسالم كما يكره القاءه في قلب النار وكما يكره ذلك لنفسه يكره
الخيه المسلم خروجه عن االسالم إلى اليهودية أو النصرانية أو غيرهما من الديانات األخرى التي نسخها االسالم بقول هللا
تعالى ( ومن يبتغ غير اإلسالم دينا فلن يقبل منه وهو في اآلخرة من الخاسرين ).
أو اعتناق المعتقد االلحادي المعروف بالمذهب الشيوعي القائم على انکار وجود هللا الخالق لهذا الكون.
وفي نهاية هذا الباب يورد الشيخ رحمه هللا هذين االثرين وکالهما عن ابن عباس رضي هللا عنه في األثر االول يقرر
رضي هللا عنه أن االنسان لن يجد لذة االيمان و ان کثرت عبادته هلل حتى يحب اهل الصالح وااليمان والتقون ۔ محبة
خالصة هلل حتى وان لم يكن يعرفهم ويكره أهل الكفر والذنوب والمعاصي ولو كانوا من ذوي القربی ،وهذه صفات من
صفات اولياء هللا المؤمنين كما قال هللا جلت قدرته و تنزهت أسماؤه وصفاته ( اال أن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم
يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ) ويختتم ابن عباس أثره بقوله :وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا و ذلك ال
يجدى على أهله شيئا ،فاذا كان هذا قد حدث في عهد ابن عباس ،فكيف لو شاهد عصرنا هذا الذي ثقل فيه ظل الرجل
الصالح على الكثير من الناس ،و وحل محله في المحبة والتقدير أصحاب الفسق والفجور والعصيان.
واألثر الثاني يوضح تبرؤ الرؤساء الذين أضلوا اتباعهم وتقطع الروابط فيما بينهم وذلك حينما يرون العذاب يوم القيامة
بسبب ما اقترفوه من ذنوب وسيئات وتبرؤ التابعين من الذين اتبعوهم وجعلوهم أندادا هلل في المحبة والتعظيم ولكن أنى
ينفع التابعين و المتبوعين الندم و قد و اجهوا الحساب وجها لوجه .
92
باب قول هللا تعالى ( انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ،فال تخافوهم وخافون أن کنتم مؤمنين ) االية ( النساء ) 17۰ -
وقوله ( :انما يعمر مساجد هللا من آمن باهلل واليوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ولم يخش اال هللا) االية ( التوبة )18 -
وقوله ( :ومن الناس من يقول آمنا باهلل فإذا أوذي في هللا جعل فتنة الناس كعذاب هللا ) اآلية ( العنكبوت . ) 1۰-
عن أبي سعيد رضي هللا عنه مرفوعا «أن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط هللا ،وأن تحمدهم على رزق هللا وأن
تذمهم على ما لم يؤتك هللا ،أن رزق هللا ال يجره حرص حريص ،وال يرده كراهية کاره».
وعن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال « :من التمس رضي هللا بسخط الناس رضي هللا عنه
وأرضى عنه الناس ومن التمس رضى الناس بسخط هللا سخط هللا عليه وأسخط عليه الناس » .رواه ابن حبان في
صحيحه .
الهدف :
مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن الخوف من األصنام واألوثان وكل المعبودات من دون هللا يتنافى مع التوحيد
الخالص الخالق هذه الكون كله .
الشرح :
في اآلية األولى ،اخبار ،ونهي وأمر .اخبار بأن عبدة القبور يتملكهم الخوف من أصنامهم وأوثانهم العتقادهم أنهم
ينفعون ويضرون واذا ما انكر عليهم أهل التوحيد عبادتهم لتلك االوثان واالصنام خوفوهم بأنهم ان لم يتركوا هذا اإلنكار
عليهم فان هذه االصنام سوف تسبب لهم الكثير من المصائب .
فنهى هللا المؤمنين عن أن يدخل الخوف إلى نفوسهم ألن ذلك إنما هو من وحي الشيطان وأمرهم اال تخافوا اال منه ألنه هو
المالك لكل شيء وبيده النفع والضر ،ويمكن أن نقسم الخوف من حيث درجاته إلى ثالثة أقسام.
االول :شرك وهو الخوف من غير هللا كالخوف من األصنام واألوثان ،واالعتقاد أنها تنفع أو تضر .
الثاني :حرام و هو ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجاراة للناس في أمور غير مباحة بسبب الخوف من
كالمهم .
93
الثالث :مباح ،وهو الطبيعي ،كالخوف من الفقر والمرض ومن العدو والحيوانات المفترسة كاالسود والنمور والذئاب
وغيرها .
وفي اآلية الثانية يخبر هللا سبحانه أنه ال يقوم بعمارة مساجد هللا اال من وحد هللا وآمن به ربا وخالقا ،وصدق بيوم القيامة
والجنة والنار وحافظ على الصالة في خشوع وذلة وخضوع واعطى الزكاة برضاء وايمان و اقتناع ،ولم يخش اال هللا .
والمراد بالخشية هنا العبادة والتعظيم ،ومتى ما عظم االنسان بشرا تعظيم عبودية وخشي أن ينفعه أو يضره من دون هللا
كان ذلك شركا ،لكن اذا خشي االنسان من ظلم ظالم أو تأثير فاسق او غدر غادر فان هذا ال محذور فيه .
أما اآلية الثالثة فيخبر هللا تعالى فيها أن من الناس من يدعي االيمان بلسانه فاذا حصلت له فتنة في ايمانه أو عقيدته ارتد
عن إسالمه خوفا من الناس ولهذا فالناس منقسمون في الدين إلى ثالثة أقسام ،قسم صلب العقيدة ،عميق االيمان باهلل و
قسم کافر مجاهر بكفره و عناده ،وهذان القسمان يشير اليهما قول هللا الكريم ( :فليعلمن هللا الذين صدقوا وليعلمن
الكاذبين ) .
اما القسم الثالث فهو مذبذب يبين االيمان بلسانه ويبطن الكفر في قلبه .
يشير إلى هذا القسم قول هللا سبحانه وتعالى ( :ومن الناس من يقول آمنا باهلل فاذا أوذي في هللا جعل فتنة الناس كعذاب
هللا)
يأتي بعد هذه اآليات حديث أبي سعيد وفيه أن بعض أشياء يعملها االنسان تدل على ضعف ايمانه ،وقد حصر هذه االشياء
في أمور ثالثة - :
األول :ارضاء الناس ما يسخط هللا من ذلك على سبيل المثال ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجاراة االرضاء
رغبات الناس .
الثاني :حمد الناس على رزق من عند هللا قدره على يد أحد منهم وهيأ اسبابه وهذا ال يتنافى مع االعتراف بما يقدمه
الناس بعضهم البعض من معروف و احسان -بدليل قول الرسول عليه السالم ( من صنع اليكم معروفا فكافئوه .فان لم
تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ).
الثالث :ذم الناس على شيء لم يرده هللا ،ألن هللا سبحان هو المعطي وهو المانع ،والناس انما هم واسطة يقدر هللا الرزق
عن طريقهم ومن هنا كان ذم الناس على شيء لم يرده هللا دليال على ضعف يقين االنسان باهلل .
وفي آخر هذا الحديث اخبر الرسول عليه السالم أن رزق هللا ال يأتي عن طريق الحرص والمهارة والمغامرة وال يمتنع
عن طريق الحسد والكراهية فما اراده هللا كان وما لم يرده لم يكن.
وفي نهاية هذا الباب يرد حديث عائشة رضي هللا عنها مبينا أمرا كثيرا ما يقع فيه الناس بسبب ضعف ايمانهم فيقول أن
من يطلب رضاء هللا بسخط الناس فان هللا يرضى عنه ،ويرضى عنه الناس مثال هذا لو أن حاكما من حكام المسلمين أو
زعيما من زعمائهم دفعه ايمانه إلى القيام بدعوة خيرة تجمع كلمة المسلمين ،وتعيدهم إلى اسالمهم من جديد ،ونال في
سبيل ذلك سخط القادة والزعماء ،ومعارضة السخفاء و السفهاء فان هللا يرضى عنه ويرضى عنه الناس.
كما أن من بطلب رضاء الناس بسخط هللا فان هللا يسخط عليه ،ويسخط عليه الناس ،مثال ذلك لو ان حاكما من حكام
المسلمين أو زعيما من زعمائهم اراد أن ينحرف بعقيدة األمة ،ونظام حياتها إلى طريق غير طريق اإلسالم ،واستخدم
لهذا الغرض احدا من العلماء ليخضع نصوص الشريعة ،ويتحايل على شرحها وتأويلها بما يتالءم مع اهداف ذلك الحاكم
المنحرف واغراضه فان ذلك العالم يكون قد أرضى الناس بسخط هللا لذا فان هللا يسخط عليه ،ويسخط عليه الناس .
94
باب قول هللا تعالى ( :وعلى هللا فتوكلوا ان کنتم مؤمنين ) (
المائدة ) ۲۳ -وقوله ( :انما المؤمنون الذين اذا ذكر هللا
وجلت قلوبهم ) اآلية ( االنفال )۲ -وقوله ( :يا أيها النبي
حسبك هللا ) اآلية ( االنفال ) 64 -وقوله ( ومن يتوكل على
هللا فهو حسبه ) اآلية ( الطالق .)۳ -
عن ابن عباس قال ( حسبنا هللا ونعم الوكيل ) قالها ابراهيم عليه السالم حين التي في النار و قالها محمد صلى هللا عليه
وسلم حين قالوا له « ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانة » رواه البخاري والنسائي .
السادسة :عظم شأن هذه الكلمة وانها قول ابراهيم عليه السالم و محمد صلى هللا عليه وسلم في الشدائد
الهدف :
مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن التوحيد ال يتحقق كماله اال بالتوكل على هللا.
الشرح :
ورد تحت هذا الباب أربع آيات وأثر واحد .ففي اآلية األولى اشارة صريحة إلى أن شرط االيمان الصحيح هو التوكل
على هللا وحده و مفهوم هذا أن التوكل على المخلوقين فيما ال يقدر عليه اال هللا شرك ال يتجاوز هللا عنه اال بالتوبة الصادقة
.
وفي اآلية الثانية -يصف هللا المؤمنين المخلصين في إيمانهم بأنهم هم الذين اجتمعت فيهم خصال خمس - :
األولى :أنهم اذا ذكر هللا فزعت قلوبهم لعظمة هللا ووعده ووعيده .
الثانية :اذا تليت عليهم آيات هللا زادتهم يقينا واطمئنانا .
الثالثة :أنهم يتوكلون على هللا وحده وال يفوضون امورهم إلى غيره .
الخامسة :انهم ينفقون بعض ما اعطاهم هللا من مال في الزكاة وفي طريق الخير .
95
وفي اآلية الثالثة أخبار من هللا أنه يكفي نبيه عليه السالم واتباعه المؤمنين كل ما يهمهم من أمر األعداء ،ومثل هذه اآلية
قوله تعالى :
( قل حسبي هللا عليه يتوكل المتوكلون ) .فاذا كان المؤمنون دائما متوكلين على هللا ،ملتجئين اليه بقولهم ( حسبنا هللا
ونعم الوكيل ) فأولى بأنبيائه أن يكونوا أكمل توحيدا وتوكال من غيرهم .
أما اآلية الرابعة -فيخبر هللا فيها أن من يكل أمره إلى هللا ،ويفوض اليه مصيره فان هللا يكفيه ما أهمه في دنياه وآخرته ،
وليس معنى هذا أن يترك المسلم العمل لطلب الرزق اعتمادا على التوكل على هللا فما هذا أمر اإلسالم ،ولكن المطلوب
من المسلم أن يستغل كل طاقاته للعمل مما يجلب له السعادة في الدنيا واآلخرة ،مع التوكل على هللا ،واالعتقاد بأن ما
شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن .
يأتي بعد هذه اآليات األثر الوارد عن ابن عباس رضي هللا عنه وفيه أن ابراهيم حينما حطم أصنام المشركين اتفقوا على
ان يقتلوه حرقا بالنار فلما القوه في قلبها وهي تلتهب قال :حسبنا هللا ونعم الوكيل فجاءه المدد من هللا مسرعا ففقدت النار
حرارتها كما قال هللا سبحانه وتعالى ( قلنا يا نار کوني بردا وسالما على ابراهيم ).
و قالها محمد عليه السالم حينما بلغه خبر تصميم المشركين على قتاله هو وأصحابه كما ذكر هللا ذلك بقوله ( الذين قال
لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا هللا ونعم الوكيل ) فاالعتماد على هللا والتوكل عليه
،يقوى من عزيمة المؤمن ويعمق من ايمانه باهلل.
96
باب قول هللا تعالى ( أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا اال
القوم الخاسرون ) االية ( االعراف ) ۹۹ -وقوله ( :ومن
يقنط من رحمة ربه اال الضالون ) االية ( الحجر ) 56 -
عن ابن عباس :أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال ( الشرك باهلل ،واليأس من روح هللا و األمن من
مكر هللا ) .
وعن ابن مسعود قال :اكبر الكبائر األشراك باهلل واألمن من مكر هللا و القنوط من رحمة هللا واليأس من روح هللا ،رواه
عبد الرزاق .
الهدف :
اراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن األمن من مكر هللا والقنوط من رحمة هللا ذنبان عظيمان منافيان لكمال التوحيد
.
الشرح:
ففي اآلية األولى وبعد أن بين سبحانه وتعالى في آية سابقة أخذه ألهل القرى الذين كذبوا رسلهم واصروا على الشرك
والمعاصي ،ذكر في أول هذه اآلية أن أهل مكة ومن حولهم من أهل القرى و غيرهم من الناس لو استجابوا لدعوة
الرسول محمد عليه الصالة والسالم وانتهوا عما نهاهم عنه من الشرك باهلل ،لوسع هللا عليهم في الخير وفتح عليهم بركات
من السماء واألرض ،ولكنهم كذبوه و استمروا في شركهم وفسادهم فخوفهم هللا نزول العذاب بهم بقوله ( :أفأمنوا مكر
هللا فال يأمن مكر هللا إال القوم الخاسرون) .
واآلية الثانية تحكي استعظام ابراهيم عليه السالم نعمة هللا عليه مولود في وقت بلغ فيه الشيخوخة التامة وذلك من غير
استبعاد لقدرة ربه القادر على كل شيء .
فقد جاءت المالئكة مبشرين له بولد في وقت لم تجر العادة بأنجاب اوالد لمثل من هو في سنه ،ولذا قال لهم متعجبا ( :
أبشرتموني على ان مسني الكبير فيم تبشرون) .فأجابته المالئكة مؤكدين ما بشروه به ( قالوا بشرناك بالحق فال تكن من
القانطين ) .اليائسين من خرق العادة فاهلل قادر على كل شيء .فأجاهم ابراهيم هذه اآلية ( قال ومن يقنط من رحمة ربه
اال الضالون ) يعني ال ييأس من رحمة هللا اال من أخطأ سبيل الصواب .
من هاتين اآليتين يظهر أن االستمرار في الذنوب واآلثام استهتارا و عدم خوف من عقاب هللا مناف لكمال التوحيد .
كما أن اليأس من رحمة هللا .واستبعاد قبول التوبة كذلك مناف لكمال التوحيد.
97
يأتي بعد هاتين اآليتين حديث ابن عباس رضي هللا عنه وفيه أن اكبر الكبائر االشراك باهلل وألنه أعظم الذنوب جميعا فقد
قال هللا سبحانه و تعالى ( :انه من يشرك باهلل فقد حرم هللا عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) .واليأس
من روح هللا يعني قطع األمل والرجاء في هللا وقد قال هللا تعالى ( قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من
رحمة هللا ) ( واألمن من مكر هللا ) االستمرار في الذنوب والمعاصي من غير خوف من هللا مع متابعة هللا نعمه وخيراته
على ذلك االنسان المستهتر المعاند ،كما قال هللا سبحانه و تعالى ( سنستدرجهم من حيث ال يعلمون وأملي لهم ان كيدي
متين ) .
وفي نهاية هذا الباب يأتي أثر بن مسعود رضي هللا عنه وليس فيه زيادة عما ورد في الحديث السابق له سوى كلمة ( و
القنوط من رحمة هللا ) والقنوط هو أعلى درجات اليأس .
والخالصة :هي أن اإلنسان الذي يطلب كمال التوحيد هو الذي يسير في حياته بين الخوف والرجاء ،والخوف من هللا في
ارتكاب المعاصي والذنوب ،وعدم اليأس من رحمة هللا في قبول التوبة والتجاوز عن الهفوات إذا وقع في ذنب أو معصية
.
98
باب ( من االيمان باهلل الصبر على أقدار هللا ) .
وقول هللا تعالى ( :ومن يؤمن باهلل يهد قلبه ) اآلية ( التغابن)11-
قال علقمة :هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند هللا فيرضى ويسلم .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « :اثنتان في الناس هما بهم كفر :الطعن في
النسب ،والنياحة على الميت ،ولهما عن ابن مسعود مرفوعا « ليس منا من ضرب الخدود ،وشق الجيوب و دعا
بدعوى الجاهلية»
وعن أنس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « اذا اراد هللا بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ،واذا أراد بعبده
للشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة وقال النبي صلى هللا عليه وسلم «آن عظم الجزاء مع عظم البالء وان هللا
اذا أحب قوما ابتالهم ،فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط » .حسنه الترمذي .
الرابعة :شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية .
الهدف:
قصد رحمه هللا من هذا الباب بيان أن الصبر على أقدار هللا المؤلمة يقتضيه كمال التوحيد وان عدم الجزع مما قدره هللا
دليل على عمق ايمان المسلم.
الشرح :
ففي أول هذه اآلية جاء قول هللا تعالى ( :ما أصاب من مصيبة اال باذن هللا ) يعني أن كل ما يحدث في هذه الحياة انما هو
بقضاء هللا وقدره ،لذا فال يجزع االنسان عندما يحصل له ما يكره ثم بين آن االيمان يضيء القلب ،فقال ( ومن يؤمن
باهلل يهد قلبه ) أي أن من صبر على المعصيبة و احتسب مثوبة ذلك عند هللا فان هللا يشرح صدره ويمنحه استراحة النفس
واطمئنان القلب ( وهللا بكل شيء عليم ) يعني أن هللا مطلع على كل ما في هذا الكون من ما نعلمه وما ال نعلمه و له
الحكمة فيما يقضيه ويقدره .
ويمثل علقمة لمن ينطبق عليه معنى اآلية الكريمة فيقول ( هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند هللا فيرضى ويسلم
).
99
يأتي بعد هذا حديث أبي هريرة رضي هللا عنه وفيه أن الطعن في االنساب والنياحة على الميت أمران من أمور الجاهلية
يجب االبتعاد عنهما ،وقد تقدم الكالم عليهما في باب االستسقاء بالنجوم ولكن المصنف هنا ذكر هما ألن النياحة تنافي
الصبر على اقدار هللا.
يتلو هذا الحديث حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وفيه وعيد وتخويف لمن جزع من قضاء هللا وقدره .
فيقول أن الرسول عليه السالم قال « ليس منا من ضرب الخدود » يعني ليس من طريقتنا وال من تعاليم شريعتنا (19)1
ضرب الخدود تبرما و عدم رضا مما يقدره هللا و عبر بضرب الخدود عن الجزع ألن الناس الذين ال يملكون القدرة على
الصبر يقومون عادة بضرب خدودهم عند حلول المصائب والكوارث ،و مثل ضرب الخدود شق الجيوب كل منهما يدل
على عدم الرضا بقضاء هللا وقدره « ،ودعا بدعوى الجاهلية » وهذا يحتمل أمرين اما ان يراد به دعاء الشخص
المصاب على نفسه بالويل والثبور وعظائم األمور واما ان يراد به الدعوة إلى العصبية الجاهلية لاللتفاف حول العنصر
والجنس بدال من العقيدة والدين ،كما يفعل ذلك دعاة القومية العربية مثال .
وفي الحديث الثالث حديث أنس دليل على أن المصائب في الحياة تكون سببا في مغفرة الذنوب واآلثام ،لذا فهي في الواقع
نعمة ،ألن تعجيل العقوبة في الدنيا خير أراده هللا لعبده « اذا أراد هللا بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا » «كما أن
هللا إذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ،بمعنى أن من العصاة و المنحرفين من يتركه هللا هائما
في ضالله غارقا في رذائله حتى اذا جاء يوم القيامة يحمل أوزاره وشاهد الجزاء الذي ينتظره تذكر انه كان مجرما في
حق هللا بسبب انتها که لمحارمه وعصيانه له ولكن أنى ينفع ذلك التذكر والجزاء العادل حاصل ال محالة .
وفي نهاية هذا الباب يأتي قول الرسول صلى هللا عليه وسلم (أن عظم الجزاء مع عظم البالء ) .بمعنى أنه كلما كان البالء
عظيما كلما كان الجزاء عظيما ،لكن بشرط وجود الصبر والرضا بقضاء هللا رضاء کامال ( و قوله وان هللا إذا أحب
قوما ابتالهم ) بمعنى أن ابتالء هللا الحد من المسلمين دليل على حبه له ،و امتحان االيمانه وصبره فمن رضي بهذا
االمتحان و تحمل وصبر فله الرضاء ومن سخط من هذا االبتالء وجزع ولم يصبر فله السخط من هللا.
عن أبي هريرة مرفوعا قال هللا تعالى ( :انا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عمال أشرك معي فيه غيري تركته
وشرکه ) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد مرفوعا « اال أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال » ؟ قالوا :بلى يا رسول هللا .قال «
الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي ،فيزين صالته لما يرى من نظر رجل » رواه أحمد.
الثانية :األمر العظيم في رد العمل الصالح اذا دخله شيء لغير هللا.
الخامسة :خوف النبي صلى هللا عليه وسلم على أصحابه من الرياء .
السادسة :أنه فسر ذلك بأن المرء يصلى هلل لكن يزينها لما يرى من نظر رجل اليه
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ،بيان أن العمل اذا لم يكن خالصا هلل فهو مناف للتوحيد وأن أولئك الذين يكثرون من
األعمال الصالحة من أجل أن يصفهم الناس بالتقوى والصالح ،أنما هم مخادعون ولن يقبل هللا منهم تلك األعمال ألنها
ليست هلل .
الشرح :
فاآلية فيها أمر من هللا لنبيه عليه الصالة و السالم ،أن يعلم الناس انه بشر ال يعلم شيئا من األمور الغيبية وغيرها اال ما
أوحى هللا به اليه من أمور أهمها أن العبودية ال تكون اال هلل وحده وأن من يطمع في رضاء هللا ،فليخلص العبادة له .دون
سواه ،وال يشرك مع هللا في عبادته شركا أكبر كما يفعل ذلك عبدة األصنام واألوثان وال شرکا خفيا كما يفعل ذلك أهل
الرياء ،والسبب في تسميته بالشرك الخفي أنه عمل قلب ال يعلمه اال هللا ،فصاحب الرياء يظهر أن عمله هلل ،و هو
يقصد ثناء الناس ومدحهم ،أو التوصل بذلك العمل إلى غرض من أغراض الدنيا.
يأتي بعد هذه اآلية حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ،وفيه أن من قصد بعمله غير هللا جازاه هللا على عمله السيء ولم
يقبل منه ذلك العمل ألنه لم يكن خالصا هلل.
وفي نهاية الباب يأتي خبر أبي سعيد أن الرسول عليه الصالة والسالم أخبر أنه تخاف على أمته من الشرك الخفي اكثر
من خوفه عليهم من فتنة المسيح الدجال وحينما سألوه عن هذا الشيء الخطير قال « :الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي
فيزين صالته لما يرى من نظر رجل » ،و هذا دليل على خطورة الرياء و على ضعف ايمان المرائي و فساد قلبه .
1۰1
باب من الشرك إراحة االنسان بعمله الدنيا .
وقول هللا تعالى ( :من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها ال يبخسون ،أولئك الذين ليس لهم
في االخرة اال النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) (هود . ) 16 -15
في الصحيح عن أبي هريرة قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تعس عبد الدينار ،تعس عبد الدرهم ،تعس عبد
الخميصة ،تعس عبد الخميلة ،ان اعطي رضي وان لم يعط سخط .تعس و انتكس ،واذا شيك فال انتقش ،طوبى لعبد
آخذ بعنان فرسه في سبيل هللا ،أشعث رأسه ،مغبرة قدماه ،إن كان في الحراسة كان في الحراسة ،وان كان في الساقة
كان في الساقة ،أن استأذن لم يؤذن له ،وان شفع لم يشفع .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا في هذا الباب بيان أن من قصد بعمله الصالح أمرا دنيويا كان عمله هذا منافية للتوحيد
وهذا الباب قريب في معناه من باب الرياء اال ان بينهما فرقا دقيقا قد ال يتضح للكثير من الناس فالرياء هو أن يتظاهر
االنسان بالصالح والتقوى طلبا لمدح الناس وثنائهم .
اما ارادة اإلنسان بعمله الدنيا ،فهو أن يعمل االنسان اعماال صالحة يقصد منها الحصول على المال مثل أن يأمر
بالمعروف وينهي عن المنكر للحصول على الوظيفة أو يحافظ على الصالة ليتحصل على وظيفة االمامة مثال ،أو يتعلم
العلم من أجل الدنيا .
الشرح :
ففي اآلية الكريمة اخبار بأن من كان همه من األعمال الصالحة التي يعملها لتمتع بزخارف الدنيا وما بها من نعيم ،دون
اهتمام باآلخرة ،أو استعداد للجنة باالعمال الصالحة الخالصة هلل فان هللا يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوفير أسباب
السعادة لهم فيعطيهم من األموال واألوالد ما يشعرون معه بنعيم الحياة حتى اذا جاء يوم القيامة لم يجدوا لهم رصيدا من
( أولئك الذين ليس لهم في اآلخرة اال النار وحبط ما األعمال الصالحة .فيتحقق فيهم قول هللا سبحانه و تعالى :
صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون ) يعني هؤالء الذين ال هم لهم في الدنيا اال التمتع بملذات الحياة ،ليس لهم في اآلخرة
اال النار ،ألن ما عملوه من أعمال لم يقصدوا بها التقرب إلى هللا ،وانما من أجل الوصول إلى غايات دنيوية وقد أعطاهم
هللا جزاء أعمالهم في الدنيا فصاروا من الخاسرين في اآلخرة .
1۰2
لفساد أعمالهم وعدم قبولها عند هللا جل جالله ،ويأتي بعد هذه اآلية الكريمة حديث أبي هريرة رضي هللا عنه .وفيه ما
هو دعاء بلفظ الخبر من الرسول عليه الصالة والسالم بالشقاء لمن استولى حب المال على قلبه .حتى صار بمنزلة العبد
له فقال :تعس عبد الدينار ،تعس عبد الدرهم ،تعس عبد الخميصة ،تعس عبد الخميلة ،الدينار :يعني به الذهب -
والدرهم :يقصد به الفضة -الخميصة ،والخميلة :يشير بهما إلى نوع من الثياب الفاخرة الناعمة والمقصود بهذا كله تعلق
القلب بحب الدنيا تعلقا يجعله مستعبدا لها معتمدا عليها ،وهذا ينافي حقيقة العبودية هلل وقد وصف الرسول صلى هللا عليه
و سلم عابد المال بصفة تتالءم مع منزلة الدنيا في قلبه فقال أن أعطي من الدنيا رضي وان لم يعط منها سخط وهذا دليل
على استيالء حب المال على قلبه ولهذا قال عليه الصالة و السالم ( تعس وانتكس ) يعني حصل له شقاء بعد شقاء ألن
رضاءه وسخطه لم يكن هلل وانما من اجل الدنيا .واذا شيك فال انتقش دعاء ايضا من الرسول عليه السالم بلفظ الخبر بأنه
إذا أصابته شوكة ال يستطيع على اخراجها بالمنقاش و معلوم ما لبقاء الشوكة في الجسم من ألم نفسي وجسمي و قلق و از
عاج إلى أن تخرج منه ،اذا فدعاء الرسول عليه السالم بهذه الدعوة دليل على عدم رضائه عن عبدة المال ،وسوء
المصير الذي ينتظرهم ،ثم بعد أن بين حالة عبدة المال وما يالقونه في اآلخرة من خسارة و إفالس بين أوصافا أخرى ،
ألناس يختلفون عن هؤالء في نظرتهم للحياة ،وما ينتظر هم من حسن جزاء عند هللا ،فقال طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه
في سبيل هللا ،ثم ذكر أوصاف ذلك الرجل بأمور أربعة .
األول :أنه اشعث الرأس ،وهذا يشير إلى أنه ال نشغاله بالجهاد في سبيل هللا لم يكن لديه من الوقت ما يتيح له اصالح
شعر رأسه و تنظيمه وإبعاد التراب عنه .
إن كان في حراسة الجيش فتنبه لتحركات العدو وإن كان في مؤخرة الجيش فكذلك يقظة وحذر .
الثالث :أنه ال جاه وال منزلة له عند القادة والزعماء ،لذا فانه و ال يؤذن له إذا استأذن للدخول عندهم .
الرابع :أنه لو اراد أن يشفع في أمر من األمور فان شفاعته ال تقبل وال تنفذ .و مقارنة بسيطة بين العابد هلل والعابد للمال
،إن العابد هلل يعيش حياة قاسية ،وأنه ال جاه له وال منزلة لدى الناس .
و عابد المال يعيش حياة ناعمة ،وله المكان األول في اإلكرام ،والتقدير واالحترام ولكن األمر في اآلخرة يختلف ،فعابد
المال يذهب الى النار ،والعابد هلل يذهب إلى الجنة .
وليس معنى هذا أن ينقطع المسلم للعبادة ،ويترك طلب الرزق في الدنيا ألن هذا ليس من االسالم ،ولكن المطلوب من
المسلم أن يبحث عن الرزق الحالل بكل الوسائل الشريفة النزيهة ليستعين به على طاعة هللا ،وليبذل منه في طرق الخير
،على أن ال يحتل حب الدنيا مكانة هللا في قلبه .
1۰3
باب من اطاع العلماء واألمراء في تحريم ما أحل هللا أو
تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا من دون هللا
وقال ابن عباس :يوشك أن تنزل عليکم حجارة من السماء اقول :قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و تقولون قال أبو
بكر وعمر .وقال أحمد بن حنبل :عجبت لقوم عرفوا اإلسناد و صحته ،يذهبون إلى رأي سفيان ،وهللا تعالى يقول (
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ) اتدري ما الفتنة ؟ الفتنة :الشرك ،لعله اذا رد
بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
عن عدي بن حاتم انه سمع النبي صلى هللا عليه وسلم يقرأ هذه اآلية ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ) اآلية
( التوبة . )31 -فقلت له انا لسنا نعبدهم .قال « :أليس يحرمون ما أحل هللا فتحرمونه ،ويحلون ما حرم هللا فتحلونه ؟
فقلت بلى قال :فتلك عبادتهم » رواه أحمد والترمذي وحسنه .
الرابعة :تمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر وتمثيل احمد بسفيان.
الخامسة :تغير االحوال إلى هذه الغاية حتى صار عند االكثر عبادة الرهبان هي أفضل األعمال ،وتسمى الوالية .
وعبادة األحبار هي العلم والفقه ثم تغيرت األحوال إلى أن عبد من دون هللا من ليس من الصالحين ،وعبد بالمعنى الثاني
من هو من الجاهلين .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن مصدر التشريع هو هللا وحده وان من اطاع العلماء واألمراء والعباد وغيرهم
في تحريم ما أحله هللا ،أو تحليل ما حرمه هللا فقد جعلهم أربابا من دون هللا ،والربوبة تستلزم األلوهية .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب أثر عن ابن عباس ،وقول لالمام أحمد وحديث عن عدي بن حاتم.
فأثر ابن عباس رضي هللا عنه فيه تحذير من عقاب ينزل على من يستدل بقول احد على تحليل شيء أو تحريمه مع
مخالفته لقول الرسول صلى هللا عليه وسلم ،وقصة هذا التحذير انه حصل نقاش بين ابن عباس وبين بعض الصحابة في
هل األفراد بالحج أفضل أم التمتع بالعمرة الى الحج افضل ،وكان ابن عباس يرى أن التمتع أفضل من األفراد ،ويستدل
على قوله بقول الرسول صلى هللا عليه وسلم «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهللت بالحج و لجعلتها عمرة ،غير
أن بعض الصحابة يرى أن األفراد افضل استدالال برأي أبي بكر وعمر في ذلك فأجابهم ابن عباس قائال يوشك أن تنزل
عليکم حجارة من السماء أقول قال رسول هللا و تقولون قال أبو بكر وعمر .
وقول االمام احمد رحمه هللا فيه انكار على الذين يعرفون اسناد الحديث وصحته ثم يتركونه تقليدا لعالم من العلماء مهما
كان فضله وعلمه اما من ال يعرف االسناد وصحته لقصوره عن فهم الحديث السبب من األسباب فال حرج عليه في أن
يقلد من يرى فيه العلم والتقوى ،ولتأكيد االنكار أورد االمام رحمه هللا اآلية الكريمة ( :فليحذر الذين يخالفون عن أمره
أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .
1۰4
ثم فسر الفتنة بأنها الشرك وزاد على ذلك بأن من رد بعض قول الرسول صلى هللا عليه و سلم ر ما يقع في قلبه زيغ
فيهلك .
وعلى العموم فقد نهى األئمة رحمهم هللا عن تقليدهم اذا استبانت سنة رسول هللا عليه الصالة والسالم يقول أبو حنيفة
رحمه هللا ،اذا جاء الحديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فعلى الرأس والعين ،و اذا جاء عن الصحابة رضي هللا
عنهم فعلى الرأس والعين و اذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال ،ويقول االمام الشافعي رحمه هللا :اذا صح
الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي الحائط .
ويقول اإلمام مالك رحمه هللا :كل يؤخذ من قوله ويترك اال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .
يأتي بعد هذا الحديث حديث عدي بن حاتم رضي هللا عنه ،وفيه دليل واضح على أن طاعة العلماء و العباد أو غيرهم من
قادة أو زعماء في معصية هللا عبادة لهم من دون هللا .
)1أن قول الرسول صلى هللا عليه وسلم مقدم على قول كل أحد وانه ال يصح التقليد باتباع رأي أي شخص في التحليل
والتحريم مع مخالفته للنص الوارد عن الرسول عليه السالم .
)2آن باب االجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة لمن كان أهال له .
)3آن طاعة العلماء والقادة والزعماء وغيرهم في تحليل ما حرم هللا أو تحريم ما أحل هللا شرك أكبر ال يغفره هللا.
1۰5
باب قول هللا تعالى ( :ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا
بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك بريدون أن يتحاكموا إلى
الطاغوت ،وقد أمروا أن يكفروا به ،ويريد الشيطان أن
يضلهم ضالال بعيدا ) اآليات ( النساء )6۰ -وقوله ( :واذا
قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا انما نحن مصلحون)
االية ( البقرة ) ۱۱ -
وقوله ( :وال تفسدوا في األرض بعد اصالحها ) (ادعوه خوفا وطمعا أن رحمة هللا قريب من المحسنين )( األعراف -
) 56وقوله ( :أفحكم الجاهلية يبغون ) اآلية ( المائدة – )5۰
عن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « :ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » قال
النووي حديث صحيح ،رويناه في كتاب الحجه باسناد صحيح .
وقال الشعبي :كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي :نتحاكم الى محمد -ألنه عرف أنه ال
يأخذ الرشوة -وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود .لعلمه أنهم يأخذون الرشوة .فاتفقا أن يأتيا کاهنا في جهينة فيتحاكما اليه
فتزلت ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) االية .وقيل نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما :نترافع إلى النبي صلى هللا عليه
وسلم وقال اآلخر :إلى كعب بن األشرف .ثم تر افعا إلى عمر فذكر له احدهما القصة ،فقال للذي لم يرض برسول هللا
صلى هللا عليه و سلم :أكذلك ؟ قال :نعم .فضربه بالسيف فقتله .
االولى :تفسير آية النساء وما فيها من االعانة على فهم الطاغوت .
الثانية :تفسير آية البقرة ( واذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض ).
الثالثة :تفسير آية االعراف ( وال تفسدوا في األرض بعد اصالحها ).
الثامنة :كون االيمان ال يحصل ألحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم
الهدف :
اراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ،التوضيح بأن كل تحاكم ال يقوم على شريعة هللا تحاكم باطل ألنه ينافي التوحيد .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب أربع آيات وقول للشعبي في سبب نزول اآلية األولى ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) اآلية وحديث
واحد .
1۰6
فاآلية األولى :فيها اشارة إلى تناقض أولئك الذين يدعون االيمان بالقرآن وما سبقه من الكتب السماوية ،ثم يفعلون ما
تخالف ذلك من التحاكم إلى الكهنة والدجالين ومدعي الكشف والوالية ،او ما يصنعه البشر من أنظمة أو قوانين تخالف
شرع هللا ودينه .
وفي اآلية اشارة إلى أن التحاكم إلى الطاغوت ،واستبدال احكام هللا بأحكام تخالف شريعته خروج عن االسالم .
وسبب نزول هذه اآلية كما ذكر في آخر هذا الباب أن رجلين اختصما فقال أحدهما نترافع إلى النبي صلى هللا عليه وسلم
وقال اآلخر تترافع إلى كعب بن األشرف ثم ترافعا إلى عمر ،فذكر له أحدهما القصة ،فقال للذي لم يرض برسول هللا :
أكذلك قال :نعم ،فضربه بالسيف فقتله .
وفي اآلية الثانية :نهي عن الفساد بكل انواعه وصوره و تصوير الواقع المفسدين في األرض في كل مكان وزمان ( ،
واذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض ) بمحاربة التوحيد ،والدعوة إلى الفتنة ،وعدم الرضاء بالتحاكم الى شريعة هللا ( قالوا
انما نحن مصلحون ) وفي اجابتهم هذه خداع وتضليل ،ألنهم يعلمون تمام العلم فساد ما يفعلونه بدافع من طمع في مركز
،او انحراف في خلق ،وهذا شأن كل المفسدين في األرض حينما يريدون االنحراف بالبشر عن طريق هللا ،الى طرق
المتاهات والشرور ،يدعون أنهم مصلحون حتى ولو أخرجوا الناس عن دينهم ،واستباحوا محارمهم ،ونهبوا أموالهم فهم
يدعون أنهم مصلحون ،ولكن هللا سبحانه وتعالى كذبهم بقوله ( :اال انهم هم المفسدون ) المفسدون ظاهرا وباطنا وأن
ادعاءهم االصالح ال حقيقة له في واقع االمر .
وفي اآلية الثالثة ،نهي عن االفساد في األرض بعد أن انعم هللا عليها باالصالح ،وهذا يشمل افساد العقول بالكفر بعد
االيمان و افساد النفوس بالفجور بعد الصالح والتقوى ،و افساد تعاليم الخالق باستبدالها بآراء المخلوقين بها .
أما اآلية الرابعة فهي تنكر في شدة على الذين يختارون حكم الجاهلية القائم على الجور و الهوى ،على حكم هللا المبني
على العدل وعدم التحيز .وسبب نزول هذه اآلية ،أن بني النضير وبني قريظة كانت بينهم خصومة ،فتحاكموا إلى
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وطلب بعضهم من الرسول عليه الصالة والسالم أن يحكم بينهم ما كان عليه أهل الجاهلية
من التفاضل والتمييز بين الناس في األحكام بجعل دية القرظي ضعفي دية النضيري ،فقال عليه السالم « القتلى بواء » (
سواء) فقال بنو النضير نحن ال نرضى بذلك .
بعد هذه اآليات األربع يأتي حديث ابن عمر وفيه اشارة صريحة إلى نقص االيمان لدى كل شخص ال تكون نفسه راضية
رضاء تاما ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم من أحكام و اوامر وتوجيهات ،والخالصة من هذا الباب كله ،أن كل
من رفض الحكم بكتاب هللا وسنة نبيه عليه السالم ،واستبدل بها غيرها من آراء البشر فهو كافر ،يدل على ذلك داللة
قاطعة قول هللا سبحانه و تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الكافرون ).
1۰7
باب من جحد شيئا من األسماء والصفات .
وقول هللا تعالى ( :وهم يكفرون بالر حمن ) اآلية ( الرعد) 3۰ -
وفي صحيح البخاري قال علي :حدثوا الناس ما يعرفون أتريدون أن يكذب هللا ورسوله .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس أنه رأى رجال انتفض لما سمع حديثا عن النبي
صلى هللا عليه وسلم في الصفات استنكارا لذلك فقال :ما فرق هؤالء ؟ يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه .
ولما سمعت قريش رسول هللا صلى عليه و سلم يذكر الرحمن انكروا ذلك فأنزل هللا فيهم ( وهم يكفرون بالرحمن ).
الرابعة :ذكر العلة أنه يفضي إلى تكذيب هللا ورسوله ولو لم يتعمد المنكر .
الخامسة :كالم ابن عباس لمن استنكر شيئا من ذلك وانه هلكة.
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان ما يترتب على جحود شيء من اسماء هللا أو صفاته.
الشرح :
ورد تحت هذا الباب آية ،و روايتان احداهما عن علي والثانية رواية عبد الرزاق عن ابن عباس .
فاآلية الكريمة قيل في سبب نزولها أن المشركين جحدوا اسم الرحمن والقصة باختصار كما رواها قتادة أن النبي عليه
الصالة و السالم حينما أراد أن يعقد صلح الحديبية بينه و بين المشركين أمر أن تبدأ وثيقة الصلح بسم هللا الرحمن الرحيم
فقال المشركون :ال نعرف الرحمن وكان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فقال أصحابه دعنا نقاتلهم فقال :ال ،اكتبوا ما
يريدون ثم قال هللا لرسوله عليه السالم ( :قل هو ربي
ال اله اال هو ) يعني قل لهؤالء الضالين المشركين أن الرحمن الذي كفرتم به ( هو خالقي ومعبودي عليه توكلت في جميع
أموري واليه متاب ) يعني اليه وحده توبتي .
وقريب من هؤالء الجهمية وبعض من المعتزلة القائلين إن الرحمة ال تدل على صفة قائمة باهلل ،ونظرتهم هذه قائمة على
أن اثبات صفات هللا يستلزم اثبات آن له جسما ،وهذا فيه تشبيه للخالق بالمخلوقين ،ونتيجة لهذه النظرية الخاطئة عطلوا
هللا من صفاته ،مخالفين بذلك أهل السنة والجماعة ،الذين يصفون هللا ما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من
( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . غير تشبيه وال تعطيل ،كما قال هللا سبحانه وتعالى :
يأتي بعد هذه اآلية قول علي رضي هللا عنه ،وسبب هذا أن القصاصين كثروا في عهده حتى وصل بهم األمر إلى ذكر
احاديث غريبة وغير صحيحة ،والشيء الذي يخشي معه الشك فيما هو صحيح من سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
فأمر علي رضي هللا عنه أولئك القصاصين اال يحدثوا العوام من الناس اال ما هو واضح و مفيد لهم في عقيدتهم وعباداتهم
،ومعامالتهم دون التوسع في أشياء فوق مدارك عقولهم
1۰8
وفي آخر هذا الباب ترد رواية عبد الرزاق عن ابن عباس ،و فيها ان ابن عباس رضي هللا عنه ،استغرب من رجل ممن
ينكر صفات هللا ينزعج عندما سمع حديثا عن الرسول صلى هللا عليه وسلم في صفات هللا ،مع أن صفات هللا ثابتة في
القرآن والسنة ،وهي صفات کمال ،يجب على المسلم أن يؤمن بها ،ويسلم بأن لكل منها مدلوال خاصا يليق بجالل هللا
وعظمته .وفي نهاية الباب تأتي الرواية ..أن قريشا خينما سمعت النبي عليه الصالة و السالم يذكر الرحمن أنكروا ذلك
فأنزل هللا (وهم يكفرون بالرحمن) و قصة هذا اإلنكار أن المشركين سمعوا النبي عليه السالم يقول في دعائه وهو ساجد
« يا رحمن يارحيم » فقالوا ان محمدا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى فانزل هللا ( قل ادعو هللا أو ادعوا
الرحمن أيا ما تدعوا فله األسماء الحسنی).
والخالصة :
أن صفات هللا التي وردت في القرآن الكريم أو سنة رسول هللا عليه الصالة والسالم صفات حقيقية يجب اثباتها هلل كما
يعتقد ذلك أهل السنة و الجماعة.
1۰9
باب قول هللا تعالى ( :يعرفون نعمة هللا ثم ينكرونها ) اآلية
( النحل ) ۸۳ -قال مجاهد ما معناه :هو قول الرجل :هذا
مالي ورثته عن آبائی .وقال عون بن عبد هللا :يقولون لوال
فالن لم يكن كذا .
وقال ابن قتيبة :يقولون هذا بشفاعة آلهتنا و قال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه « أن هللا تعالى قال :اصبح
من عبادي مؤمن بي وكافر » الحديث وقد تقدم -وهذا كثير في الكتاب والسنة ،يذم سبحانه من يضيف انعامه إلى غيره
،ويشرك به .قال بعض السلف :هو كقولهم كانت الريح طيبة و المالح حاذقا ونحو ذلك مما هو جار على السنة كثير.
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان ذم الذين ينسبون نعم هللا إلى غيره لمنافاته ذلك لكمال التوحيد.
الشرح :
فاآلية الكريمة هذه مرتبطة بايتين قبلها هما قول هللا سبحانه ( وهللا جعل لكم من بيوتكم سكنا ،وجعل لكم من جلود األنعام
بيوتا تستحقونها يوم ظعنكم ،ويوم اقامتكم ومن أصوافها ،وأوبارها وأشعارها أثاثا لكم و متاعا إلى حين وهللا جعل لكم
مما خلق ظالال ،وجعل لكم من الجبال اكنانا ،وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم
لعلكم تسلمون ،فان تولوا فانما عليك البالغ المبين ،يعرفون نعمة هللا ثم ينكرونها ،واكثرهم الكافرون) .
ومن سياق اآلية نرى أن هللا تعالى بعد أن عدد على المنكرين لنعمه هذه النعم الكبيرة فجعل لهم بيوتا من الحجارة ،
وغيرها يسكنونها و من جلود االنعام وأصواف الضأن و أوبار االبل ،و اشعار المعز أثاثا للبيوت ولباسا لألجسام إلى
جانب البيوت الخفيفة الحمل التي يأوون اليها في نزهاتهم و أسفارهم (الخيام و الخدور وغيرها) .
ومن الجبال معاقل و حصونا يلجأون اليها في وقت السلم والحرب ،وثيابا من القطن وغيره تقيهم الحر ،و دروعا تمنع
عنهم بأس السالح .
بين أنهم يعرفون أن هذه النعم كلها من هللا ،ولكنهم مع هذا االعتراف ،ينكرونها بأفعالهم ،اذ ينسبون النعم إلى شفاعة
آلهتهم ،او الى مجهود آبائهم أو غير ذلك مما يشعر بعدم االعتراف بأن هللا سبحانه وتعالى هو صاحب الفضل دائما وأبدا
.
والخالصة :ان كل من ينسب النعم إلى غير هللا فقد أوقع نفسه في نوع من انواع الشرك .
باب قول هللا تعالى ( فال تجعلوا هلل أندادة وأنتم تعلمون ) االية ( 22البقرة ).
11۰
قال ابن عباس في اآلية األنداء هو الشرك ،أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ،وهو أن تقول :وهللا
وحياتك يا فالن وحياتي ،وتقول :لو ال كليبة هذا ألتانا اللصوص ،ولوال البط في الدار ألتي اللصوص .وقول الرجل
لصاحبه :ما شاء هللا وشئت ،وقول الرجل :لوال هللا و فالن ،ال تجعل فيها فالنا ،هذا كله به شرك رواه ابن أبي حاتم
.
وعن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « من حلف بغير هللا فقد كفر ،أو أشرك »
رواه الترمذي وحسنه ،وصححه الحاكم .
وقال ابن مسعود :ألن أحلف باهلل كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا .
وعن حذيفة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه و سلم قال «ال تقولوا ما شاء هللا وشاء فالن ،ولكن قولوا :ما شاء
هللا ثم شاء فالن » رواه أبو داود بسند صحيح .
وجاء عن ابراهيم النخعي أنه يكره :أعوذ باهلل وبك ،ويجوز أن يقول باهلل ثم بك ،قال :ويقول لوال هللا ثم فالن وال
تقولوا :لوال هللا و فالن .
الثانية :أن الصحابة يفسرون اآلية النازلة في الشرك األكبر بأنها و نعم االصغر .
الرابعة :انه اذا حلف بغير هللا صادقا فهو اكبر من اليمين الغموس .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب التنبيه على أن أولئك الذين يرفعون المخلوق الى درجة الخالق ويساوون بينه وبين هللا
انما هم مشركون مع هللا في عبادته .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب هذه اآلية تفسير البن عباس لكلمة األنداد وحديثان وقوالن.
فاآلية الكريمة في بدايتها أمر من هللا للبشر بأن يتجهوا اليه بالعبادة دون غيره ،مذكرا لهم أنه صاحب الفضل واالنعام في
خلقهم من العدم إلى الوجود ،وفوق هذا جعل األرض فراشا لهم و السماء بناء ،وانزل لهم المطر فتفجرت االرض
بالثمار والزروع ،فنعموا بخيرات هللا ،وعاشوا في نعمة من هللا ولهذا وبعد أن عدد هللا عليهم هذه النعم الكثيرة ،وأنه هو
المنعم بها وصاحب الفضل فيها دون غيره ؟
قال ( :فال تجعلوا هلل أندادا وأنتم تعلمون ) .يعني فال تجعلوا هلل شركاء في عبادته .
وقد فسر ابن عباس رضی هللا عنه األنداد بأنهم الشركاء و وصف الشرك بوصف دقيق وخفي فقال :هو أخفى من دبيب
النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل .ثم مثل هذا الشرك الخفي بقوله :وهو أن تقول وهللا وحياتك يا فالن وحياتي ،
ولوال كليبة هذا ألتانا اللصوص ،ولوال البط في الدار ألتي اللصوص وقول الرجل لصاحبه ما شاء هللا وشئت ،وقول
الرجل لوال هللا و فالن .ال تجعل فيها فالن هذا كله به شرك .
وبسبب خفاء هذا الشرك األصغر كثيرا ما يقع فيه الناس ،والسبب الذي جعل هذه الكلمات تجعل المتكلم بها مشركا ،أن
الواو تقتضي مساواة المعطوف للمعطوف عليه ،فاذا قال أحد لوال هللا والرئيس ،فكأنه جعل الرئيس هذا مساويا هلل في
األمر والتصرف والتدبير ،وهذا شرك لكن لو قال :لوال هللا ثم الرئيس لم يكن ذلك شركا ،ألن ثم ليست كالواو تقتضي
111
مساواة المعطوف للمعطوف عليه ،وانما تقتضي التعقيب والتراخي ،يعني أن مساعدة الرئيس جاءت بعد أمر هللا و
ارادته متأخرة عنه ،ومن هنا يظهر الفرق بين لفظ الواو وثم .
ولذا ورد هنا في حديث حذيفة عن النبي عليه السالم قوله « :ال تقولوا :ما شاء هللا وشاء فالن ولكن قولوا ما شاء هللا ثم
شاء فالن » و بهذا المعنى جاءت رواية ابراهيم النخعي الواردة في هذا الباب .
يأتي بعد تفسير ابن عباس هذا حديث عمر رضي هللا عنه وفيه دليل صريح على كفر من حلف بغير هللا.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه هللا في قرة عيون الموحدين ،تعليقا على هذا الحديث بأنه كفر دون كفر يعني
أنه كفر ال يخرج عن االسالم .
ولخطورة الحلف بغير هللا ،وأنه اكبر من الذنوب الكبيرة ،قال ابن مسعود رضي هللا عنه :ألن احلف باهلل كاذبا أحب
إلي من أن أحلف بغيره صادقا .
112
باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف باهلل .
عن ابن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( :ال تحلفوا بآبائكم ،من حلف باهلل فليصدق ،ومن حلف له باهلل
فليرض ،و من لم يرض فليس من هللا) رواه ابن ماجه بسند حسن.
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ايضاح أن عدم االقتناع بالحلف باهلل دليل على ضعف اإليمان وعدم استشعار النفس
لعظمة هللا وجالله .
الشرح :
لم يرد تحت هذا الباب سوى حديث واحد هو حديث ابن عمر رضي هللا عنه و قد احتوى على أربعة أمور :
األول :النهي عن الحلف باآلباء ومثله الحلف بالكعبة و النبي والحياة والشرف وما أشبه ذلك من مخلوقات هللا والسبب في
هذا أن الحلف تعظيم واستشعار في القلب بعظمة المحلوف به والتعظيم القائم على خضوع القلب عبادة والعبادة ال تكون
اال هللا وحده لذا كان الحلف بغير هللا شركا .
الثاني :األمر بعدم الكذب في الحلف باهلل ،وذلك أن الكذب في حد ذاته رذيلة من الرذائل ،واذا كان في حق هللا كان اكبر
جرما .وقد أوجب هللا الصدق بقوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين ) وحذر من الكذب بقوله
تعالى ( انما يفتري الكذب الذين ال يؤمنون بآيات هللا ).
الثالث :أن يكون المسلم حسن الظن بأخيه المسلم اذا خلف له باهلل على شيء فيرضى ويسلم .
الرابع :خطورة عدم الرضا بالحلف باهلل ،كما ورد في آخر الحديث و من لم يرض فليس من هللا.
113
باب قول ما شاء هللا وشئت .
عن قتيلة أن يهوديا اتى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال :انكم تشركون ،تقولون :ما شاء هللا وشئت ،وتقولون :والكعبة
.فأمرهم النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا :ورب الكعبة ،وأن يقولوا :ما شاء هللا ثم شئت .
رواه النسائي وصححه
وله أيضا عن ابن عباس أن رجال قال للنبي صلى هللا عليه وسلم :ما شاء هللا وشئت :فقال « أجعلتني هلل ندا .ما شاء هللا
وحده » .والبن ماجه ،عن الطفيل أخي عائشة ألمها قال رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود ،قلت انكم ألنتم القوم ،
لوال أنكم تقولون عزير ابن هللا ،قالوا وانتم ألنتم القوم ،لوال انكم تقولون :ماشاء هللا وشاء محمد ،ثم مررت بنفر من
النصارى ،فقلت انكم ألنتم القوم ،لوال أنكم تقولون المسيح ابن هللا ،قالوا وأنتم ألنتم القوم ،لوال أنكم تقولون ما شاء هللا
وشاء محمد ،فلما اصبحت أخبرت بها من اخبرت ثم أتيت النبي صلى هللا عليه وسلم فأخبرته ،قال « :هل أخبرت بها
أحدا» ؟ قلت :نعم .قال فحمد هللا واثنى عليه ،ثم قال :أما بعد فان طفال رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منکم و انكم قلتم
كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ،فال تقولوا ما شاء هللا وشاء محمد ولكن قولوا :ما شاء هللا وحده.
الثالثة :قوله صلى هللا عليه وسلم أجعلتني هللا ندا ؟ .فكيف بمن قال :يا أكرم الخلق مالي من الوذ به سواك ،والبيتين
بعده .
الرابعة :أن هذا ليس من الشرك األكبر لقوله « يمنعني كذا وكذا » .
الهدف :
قصد االمام المجدد رحمه هللا من هذا الباب توجيه المسلم إلى العقيدة الصافية القائمة على التوحيد الخالص وان التلفظ
مثل ما ورد في ترجمة الباب مناف لكمال التوحيد .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديثان القتيلة و ابن عباس ،ورؤيا منامية للطفيل بن عبد هللا.
والحديثان أولهما :ينهي عن الحلف بالكعبة ،وعن مساواة احد مع هللا في المشيئة وحتى ال يقع االنسان في امر نہی عنه
هللا أمر الرسول من أراد أن يحلف أن يقول ورب الكعبة ،وان يقول ما شاء هللا ثم شئت ،وقد مر بنا تفصيل لهذا المعنى
في باب قول هللا تعالى ( فال تجعلوا هللا اندادا و انتم تعلمون ) .
114
وثانيهما :فيه سد ألي منفذ يمكن أن يؤدي إلى أي نوع من انواع الشرك اذ أنكر الرسول عليه السالم على الرجل ذلك
الوارد ذكره في الحديث قوله :ما شاء هللا وشئت ،قائال :أجعلتني هلل ندا .ثم وجهه إلى أن يجعل المشيئة هلل وحده قائال :
قل ما شاء هللا وحده .
وفي آخر الباب تأتي رؤيا الطفيل المنامية فيرويها لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويأمر الرسول عليه الصالة والسالم
أصحابه أال يقولوا ما شاء هللا وشاء محمد ولكن ليقولوا :ما شاء هللا وحده ،وهذا فيه دليل على حرص الرسول عليه
الصالة والسالم على أن تكون عقيدة المسلم خالصة هلل ،بعيدة عن كل ما يؤثر على صفاء هذه العقيدة الخالصة هلل رب
العالمين .
115
باب من سب الدهر فقد آذى هللا
وقول هللا تعالى ( وقالوا ما هي اال حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا اال الدهر ) في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي
صلى هللا عليه وسلم قال :قال هللا تعالى يؤذيني ابن آدم ،يسب الدهر ،وأنا الدهر ،اقلب الليل والنهار .
الهدف :
قصد داعية التوحيد رحمه هللا من هذا الباب الكشف عن جهل أولئك الذين يسبون الدهر وينسبون اليه ما يصادفهم من
منغصات في هذه الحياة.
الشرح :
فاآلية القرآنية الكريمة تتحدث عن انکار دهرية الكفار ومن تبعهم من مشركي العرب للبعث واعتقادهم أن الدهر هو الذي
يسبب لهم المتاعب ويجر عليهم النكبات وأن موتهم أمر طبيعي يتم بفعل الزمن .و عقيدتهم هذه قائمة على أنهم بعد موتهم
،يحيا أبناؤهم من بعدهم ،ثم يموت أبناؤهم ويحيا أبناؤهم من بعدهم وهكذا إلى ما ال نهاية له ،وعلى ضوء هذه العقيدة
فال حياة عندهم بعد الموت وال ثواب وال عقاب ،وال جنة ،وال نار ،وانما هي أيام تتالحق الفناء الناس لكن هللا أخبر أن
هذا االعتقاد مجرد أوهام وظنون ،ولهذا قال هللا تعالى (وما لهم بذلك من علم إن هم اال يظنون) يعني أن اعتقادهم انه
ليست هناك حياة غير هذه الحياة الدنيا ،وأن الدهر هو الذي يسبب الهالك للبشر اعتقاد ال يستند إلى منطق أو دليل .
وتتناول اآلية الكريمة ،العقيدة الشيوعية القائمة على انکار وجود هللا ،وهذا هو أعلى مراتب الكفر ،وأخطر انواع
الجهل ،النه ما من
ذرة في األرض وال في السماء ،اال وهي تؤكد أن هذا الكون بكل ما فيه من صغير أو كبير متحرك أو ساكن انما كان
بارادة هللا وقدرته ،وليس للصدفة فيه أدني نصيب ،ذلك أنه لو كان للصدفة أي نوع من أنواع التأثير ،لما كان هذا
الكون في تركيبه ودقته و تنظيمه ،على هذا النحو من األحكام واالتقان ،فالشمس مثال نراها في كل يوم تطلع من جهة
معينة .ثم تغيب في جهة معينة ،متخذة لها مسارا وضع بدقة متناهية ،ومثل الشمس في دقة نظامها ،جميع الكواكب في
تحركاتها ،في مداراتها المختلفة منذ أن خلقها هللا ،والى أن يأذن هللا بفناء هذا الكون .
يأتي بعد اآلية في هذا الباب الحديث القدسي ،وفيه النهي عن سب الدهر ،والسبب في هذا النبي أن العرب في الجاهلية
كانوا إذا أصابهم مكروه ،أو شدة قالوا :يا خيبة الدهر ،اعتقادا منهم بأن الدهر هو سبب هذه الكوارث فيسبونه ،وسبهم
للدهر ،انما هو سب هلل ألن الفاعل في الحقيقة هو هللا سبحانه وتعالى ،أما األيام والشهور فهي مخلوقة هلل وليس لها تأثير
في شيء دون ارادة هللا.
و شبيه بالذين ينسبون الكوارث للدهر ،أولئك الذين ينسبون حدوث الزالزل والبراكين ،ونحو ذلك إلى الطبيعة وحدها ،
فالكل يعيش في متاهة عقلية ،وضالل مهلك.
116
والخالصة :
أن كل شيء في هذا الوجود خاضع الرادة هللا و تدبيره ،وأن األيام والشهور ال تنفع أحدا وال تضره ،وأن من انكر
وجود هللا أو لم يصدق بالحياة اآلخرة ،فهو كافر يستحق الخلود في النار .
117
باب التسمي بقاضي القضاة و نحوه
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه و سلم قال (أن أخنع اسم عند هللا رجل تسمى ملك األمالك ،ال
مالك اال هللا) .
قال سفيان :مثل شاهان شاه .وفي رواية « أغيظ رجل على هللا يوم القيامة وأخبثه » قوله « أخنع » يعني :أوضع .
الثالثة :التفطن للتغليظ في هذا ونحوه مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه .
الهدف :
قصد المؤلف رحمه هللا بهذا الباب بهذا ان أن المبالغة في تعظيم المخلوق باطالق األوصاف الحقيقية هللا عليه كملك
الملوك وقاضي القضاة أمر يتنافى مع كمال التوحيد .
الشرح:
فالحديث فيه التحذير من التسمى ملك األمالك ،ألن ملك األمالك في الحقيقة هو هللا سبحانه وتعالى صاحب الملك المطلق
،يعطى الملك من عباده لمن يشاء ،وينزعه ممن يشاء ،ولفظ ملك الملوك يوحي بالتعظيم الذي يشبه تعظيم الخالق وهذا
ال يجوز ،وشبيه في النهي بالتسمي ملك الملوك التسمي بقاضي القضاة قياسا على ملك الملوك ،ألن قاضي القضاة ،
معناه احكم الحاكمين ،وأحكم الحاكمين في الواقع هو هللا وحده.
وأما الرواية فتأتي بلفظ آخر فتقول ( :أغيظ رجل على هللا يوم القيامة ،وأخبثه ..الخ ).
يعني أن من تسمي بهذا االسم أو غيره من األسماء التي توحي بالتعظيم المتكلف الباعث على الكبر ،والتعاظم على الناس
،فان هللا يبغضه ،ويسقط هيبته ،و احترامه بين البشر ،ويؤيد هذا حديث عوف عن جالس عن أبي هريرة قال :قال
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( اشتد غضب هللا على من قتله نبي ،واشتد غضب هللا على رجل تسمی ملك االمالك ال
مالك اال هللا عز وجل ) .
118
باب احترام أسماء هللا تعالى و تغيير االسم ألجل ذلك
عن أبي شريح انه كان يكنى أبا الحكم ،فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم «ان هللا هو الحكم واليه الحكم » فقال ان قومي
اذا اختلفوا في شيء آتوني فحكمت بينهم ،فرضي كال الفريقين .فقال « ما أحسن هذا فما لك من الولد ؟ قلت :شريح و
مسلم وعبد هللا :قال فمن اكبرهم ؛ « قلت :شريح .قال :فأنت ابو شريح » رواه أبو داوود وغيره .
األولى :احترام صفات هللا و أسماء هللا ولو لم يقصد معناه .
الهدف :
قصد داعية اإلسالم من هذا الباب بيان األمر باحترام اسماء هللا وعدم التسمي بها تعظيما لذاته و اعترافا مقام العبودية له
وحماية لجانب التوحيد .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث أبي شريح هذا ،وفيه أن أبا شريح الخزاعي كان رجال مرضيا في قومه لما عرف عنه من
انصاف و عدم تحيز ،فكانوا يلجاون اليه عن تراض ،ليقوم بالصلح فيما بينهم من خالفات ،فكنوه باني الحكم ،وما زال
الناس يکنونه بهذه الكنية حتى غير الرسول عليه الصالة والسالم كنيته من أبي الحكم إلى ابي شريح و السبب في تغيير
ذلك ،ما ذكره الرسول صلى هللا عليه وسلم في هذا الحديث بقوله (أن هللا هو الحكم واليه الحكم ).
فاهلل هو الحكم واليه الحكم في الدنيا و يوم القيامة ،كما قال هللا تعالى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى هللا ) وقوله (
فان تنازعتم في شيء فردوه الى هللا والرسول ان کنتم تؤمنون باهلل واليوم االخر ،ذلك خير وأحسن تأويال ) و الحكم إلى
هللا معناه الحكم إلى كتابه العزيز ،والحكم إلى رسوله هو الحكم اليه في حياته والى سنته بعد بعد مماته .
والخالصة :أن أبا شريح هذا لم يكن يقضي بين الناس بأحكام ملزمة كما يفعل ذلك الطواغيت الذين يحكمون بغير ما
أنزل هللا ،وانما كان يحل خالفات قومه عن طريق الصلح القائم على التراضي ،وهذا أمر محمود و مطلوب من كل أحد
،كما قال هللا سبحانه و تعالى ( ال خير في كثير من نجو اهم اال من أمر بصدقة أو معروف أو اصالح بين الناس ) .
119
باب من هزل بشيء فيه ذكر هللا أو القرآن أو الرسول .
وقول هللا تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قال أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) اآلية ( – 9۰
التوبة ) .
عن ابن عمر و محمد بن کعب وزيد بن أسلم وقتادة -دخل حديث بعضهم في بعض انه قال رجل في غزوة تبوك :ما
رأينا مثل قرائنا هؤالء ،أرغب بطونا ،وال اكذب السنا ،وال أجبن عند اللقاء -يعني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
وأصحابه القراء -فقال له عوف بن مالك :كذبت ،و لكنك منافق ،ألخبرن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فذهب
عوف إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليخبره ،فوجد القرآن قد سبقه ،فجاء ذلك الرجل إلى رسول هللا ،صلى هللا
عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته -فقال :يا رسول هللا ،انما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق .
قال ابن عمر :كأني أنظر اليه متعلقا بنسعة ناقة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وأن الحجارة تنكب رجليه ،وهو يقول :
انما كنا نخوض ونلعب ،فيقول له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) ؟ ما يلتفت اليه
وما يزيد عليه .
الثانية :أن هذا تفسير اآلية فيمن فعل ذلك كائنا من كان .
الرابعة :الفرق بين العفو الذي يحبه هللا و بين الغلظة على اعداء هللا .
الهدف :
قصد صاحب الكتاب رحمه هللا من هذا الباب بيان کفر من استهزأ باهلل أو آياته أو رسوله .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب آية وسبب نزولها .فاآلية الكريمة جاءت بين آيتين مرتبطتين بها تمام االرتباط ،
وحتى تكون الصورة متكاملة في الذهن نذكر اآليات الثالث حسب ترتيبها القرآنييحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة
تنبئهم بما في قلوبهم ( ،قل استهزئوا أن هللا مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب ؟ قل أباهلل
وآياته ورسوله كنتم تستهزئون .ال تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا
مجرمين) ،واآليات الثالث جاءت لفضح حال من أحوال المنافقين وقد بدأت اآلية األولى من هذه اآليات الثالث بيان حذر
المنافقين الشديد من نزول سورة تكشف ما تنطوي قلوبهم عليه من شك في الوحي ورسالة الرسول عليه الصالة والسالم ،
وتوضح ترددهم بين االيمان والكفر لهذا كانت أحاديثهم في مجالسهم الخاصة ال تكون لذيذة ومسلية إال حينما تقوم على
االستهزاء والسخرية من الرسول عليه السالم وأصحابه القراء ،كما حدث ذلك في غزوة تبوك حينما أخذ جماعة من
المنافقين يتندرون كعادتهم بني هللا وصحابته ،بقولهم :ما رأينا مثل قراءنا هؤالء أرغب بطونا يعنون أكثر شرها في
األكل من غيرهم ،وال أكذب ألسنا ،يعنون أنهم ال يصدقون في أقوالهم ،وهذا معناه ،أن الرسول عليه السالم غير
صادق في قوله بأنه رسول من عند هللا ،وأن القرآن الكريم كالم هللا ،وفي تكذيب الرسول عليه السالم فيما جاء به من
عند هللا تكذيب لكتاب هللا ،وتكذيب کتاب هللا تكذيب لذات هللا ،وهذا كفر صريح ،وال أجبن عند اللقاء ،يعنون أنهم ليسوا
شجعانا عند مالقاة االعداء ،وهذا كله كذب يعرفه المنافقون أنفسهم قبل غيرهم ،لكن ارتيابهم في صدق الرسول عليه
السالم جعلهم مذبذبين فال هم بالمؤمنين الصادقين في أيمانهم ،وال هم بالكافرين الجازمين بالكفر ،ولهذا السبب لم
يتورعوا عن وصف الرسول وأصحابه بأوصاف لم يقصدوا من ورائها سوى التشويه ،وتنفير الناس عن دين هللا ولذا
أراد هللا أن يظهر هم على حقيقتهم ،فنزلت اآلية الكريمة (قل أبا هللا وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟).
12۰
يعني هل ضاقت عليكم طرق الكالم فلم تجدوا ما تتسلون به في هزل وسخرية اال هللا وآياته ورسوله ،فأخذتم تطلقون
ألسنتكم بما ال يليق باهلل وكتابه ورسوله ،ثم بعد ذلك تظنون أن اعتذاركم بأن ما تتكلمون به انما هو لمجرد التسلية
والتلهي ( ال تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانکم ) بمعنى أن عذركم غير مقبول وستلقون الجزاء على ذلك.
وشبيه بأولئك المنافقين أصحاب القلوب المنحرفة في عصرنا والمعروفين باسم الالدينيين من وثنيين و ملحدين ،في
سخريتهم من الدين ،واستهزائهم بتعاليمه ،واحتقارهم للدعاة اليه والمدافعين عنه ،ومثل هؤالء اليهود والنصارى في
محاربتهم لالسالم ،وكرههم للمسلمين ،و انکار رسالة محمد عليه الصالة والسالم .
121
باب ما جاء في قول هللا تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا من
بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن
رددت إلى ربي ان لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما
عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) اآلية ( فصلت )5۰ -
قال مجاهد :هذا بعملي وأنا محقوق به وقال :ابن عباس يريد من عندي وقوله ( قال انما أوتيته على علم عندي ) قال
قتادة :على علم مني بوجوه المكاسب وقال آخرون على علم من هللا اني له أهل وهذا معنی قول مجاهد :أوتيته على
شرف .
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول وان ثالثة من بني اسرائيل (:أبرص وأقرع وأعمى .أراد
هللا أن يبتليهم فبعث اليهم ملكا فأتى األبرص فقال :أي شئ أحب اليك ؟ قال :لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد
قذرني الناس به .قال فمسحه فذهب عنه قذره ،وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا .قال فأي المال أحب اليك ؟ قال االبل -
أو البقر شك اسحاق – فأعطي ناقه عشراء ،وقال بارك هللا لك فيها .قال فأتى األقرع فقال أي شي أحب اليك ؟ قال شعر
حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه ،وأعطى شعرا حسنا فقال أي المال أحب اليك ؟ قال البقر
،أو االبل ،فأعطى بقرة حامال ،قال بارك هللا لك فيها .فأتى األعمى فقال أي شئ أحب اليك ؟ قال :أن يرد هللا الي
بصري فابصر به الناس ،فمسحه ،فرد هللا اليه بصره قال :فأي المال أحب اليك ؟ قال :الغنم فأعطي شاة والدة فأنتج
هذان وولد هذا ،فكان لهذا واد من االبل ،ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ،قال ثم انه أتى األبرص في صورته
وهيئته فقال :رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ،فال بالغ لي اليوم اال باهلل ثم بك ،أسألك -بالذي أعطاك
اللون الحسن و الجلد الحسن و المال -بعيرا أتبلغ به في سفري .فقال :الحقوق كثيرة .فقال له -كأني أعرفك ألم تكن
أبرص يقذرك الناس ،فقيرا فأعطاك هللا عز وجل المال ؟ فقال :إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر .فقال :إن كنت
كاذبا فصيرك هللا إلى ما كنت .قال :وأتى األقرع في صورته ،فقال له مثل ما قال لهذا ،ورد عليه مثل ما رد عليه هذا
.فقال ان كنت كاذبا فصيرك هللا إلى ما كنت .قال :واتي األعمى في صورته ،فقال رجل مسكين و ابن سبيل .قد
انقطعت بي الحبال في سفري ،فال بالغ لي اليوم اال باهلل ثم بك ،أسألك -بالذي رد عليك بصرك -شاة أتبلغ بها في
سفري .فقال :قد كنت أعمى فرد هللا الي بصري ،فخذ ما شئت ودع ما شئت ،فوهللا ال أجهدك اليوم بشي أخذته هلل .
فقال :أمسك مالك فانما ابتليتم ،فقد رضي هللا عنك وسخط على صاحبيك ) .أخرجاه .
الهدف:
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان عقاب هللا لالنسان الذي ينعم عليه بالكثير من المال ،ثم ال يشكره وال يعترف
بفضله .
الشرح:
ورد تحت هذا الباب آية واحدة وأربعة أقوال في معنى قوله ( ليقولن هذا لي ) وحديث واحد.
122
ففي اآلية الكريمة بين هللا نكران االنسان لنعمة هللا عليه .وجحوده فضله فقال سبحانه و تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا
من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ) يعني ولئن رفعنا عنه الشدة والضيق وأعطيناه الصحة و الغني ،ليقولن انکارا وعدم
اعتراف بفضل هللا عليه ( هذا لي ) أي بسبب جهادي وكفاحي ثم يزيد االنكار كفرا حين ينكر قيام الساعة ،وأنه ال جنة
وال نار وال ثواب وال عقاب ( وما أظن الساعة قائمة ) ثم يقول في عناد و استکبار :وحتى لو كان هناك بعث فان لي
عند هللا في اآلخرة من الخير والنعيم مثل ما لدي في الدنيا ( ولئن رجعت إلى ربي ان لي عنده للحسنی ) لكن هللا جلت
قدرته بين أن األمر ليس كذلك فقال في آخر اآلية ( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) يعني
فلنخبرن هؤالء الكافرين يوم القيامة بما عملوه من ذنوب وآثام و انکارلليوم اآلخر ،ولنجازينهم على ذلك بعذاب غليظ ال
مفر منه وال محيد لهم عنه.
وقد قيل في تفسير قوله ( :ليقولن هذا لي ) أربعة أقوال كلها تدور حول معنى واحد هو نكران االنسان لفضل هللا عليه ،
وأنه حصل على هذا النعيم بسببه هو دون غيره .
ثم يأتي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ليقص علينا قصة أولئك الرجال الثالثة ،األبرص واالقرع واألعمي ،الذين أنعم
هللا على كل واحد منهم بأفضل ما يتمناه في حياته ،فاالبرص أعطاه هللا لونا حسنا وجلدا حسنا و ماال كثيرا.
واالقرع منحه هللا شعرا جميال وماال غزيرا ،واالعمى أعاد اليه بصره ورزقه ماال وفيرا ،وبين مظاهر هذه النعمة
الكبيرة التي أنعم هللا بها على هؤالء الثالثة وحتى تكون في قصتهم هذه عبرة للمنکرين الفضل هللا الجاحدين لنعمته بعث
اليهم ملكا في صورة رجل فقير يطلب المساعدة من فضل هللا الذي أنعم به عليهم ،فجاء الى االبرص فسأله باهلل الذي أنعم
عليه باللون الحسن و الجلد الحسن و المال الكثير أن يعطيه بعيرا واحدا من هذا المال الكثير فاعتذر له وأنكر نعمة هللا
عليه ،وذهب الى األقرع ففعل مثل ما فعل األبرص وأتى األعمى وقال له كما قال لكل من األبرص ،واالقرع فاعترف
بنعمة هللا عليه ،وقال له :خذ ما تشاء من المال ولن أردك عن شئ تريد أخذه منه ،و العبرة في هذا الحديث تتلخص في
أمرين - :
األول :أن كال من األبرص واالقرع تناسی فضل هللا وأنكر نعمته عليه فأعاده هللا كما كان فقيرا ممقوتا مسخوطا عليه
من هللا.
الثاني :أن االعمى وقد اعترف بفضل هللا عليه ،بارك هللا في ماله ومنحه رضوانه ولذا قال له الملك امسك عليك مالك ،
فانما ابتليتم فقد رضي هللا عنك وسخط على صاحبيك.
123
باب قول هللا تعالى ( فلما آتاهما صالحا جعال له شركاء فيما
آتاهما فتعالى هللا عما يشركون ) اآلية ( – ۱۹۰األعراف ) .
قال ابن حزم :اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير هللا كعبد عمر وعبد الكعبة وما أشبه ذلك ،حاشا عبد المطلب .
وعن ابن عباس في اآلية قال :لما تغشاها آدم حملت ،فأتاهما ابليس فقال :إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة
لتطيعاني أو ألجعلن له قرني ايل فيخرج من بطنك فيشقه ،وألفعلن ،وألفعلن -يخوفهما .سمياه عبد الحارث .فأبيا أن
يطيعاه فخرج ميتا .ثم حملت ،فأتاهما فقال لهما مثل قوله فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما ،
فأدركهما حب الولد ،فسمياه عبد الحارث فذلك قوله ( جعال له شركاء فيما آتاهما ) رواه ابن أبي حاتم ،وله بسند صحيح
.عن قتادة قال :شركاء في طاعته ،ولم يكن في عبادته ،وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله ( لئن آتانا صالحا ) قال :
أشفقا اال يكون انسانا وذكر معناه عن الحسن و سعيد و غير هما .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان تحريم كل اسم معبد لغير هللا ،كعبد الكعبة ،وعبد الرسول ،وعبد الحسين ،وما
أشبه هذه االسماء التي توحي بالعبودية لغير هللا لما في ذلك من منافاة لكمال التوحيد .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب آية ،وحكاية البن حزم ،وأثر ألبن عباس رضي هللا عنه في قوله تعالى ( جعال له شركاء فيما
آتاهما ).
رحمه هللا تقول أن العلماء في عصره اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير هللا ،ومثل لذلك بعبد
فحكاية بن حزم (2۰ )1
عمر ،وعبد الكعبة ،و استثنى اسم عبد المطلب والسبب في هذه التسمية أن -المطلب قدم الى مكة من المدينة و معه
شيبة ابن أخيه هاشم وقد تغير لونه بسبب حرارة الشمس ،فظنه أهل مكة عبدا للمطلب -فقالوا هذا عبد المطلب فعلق به
هذا االسم فصار ال يدعى اال به ،واال فاسمه الحقيقي شيبة ()2
وعلى هذا ال وجه االستثناء ابن حزم اسم عبد المطلب من تحريم تعبيد االسم لغير هللا وما جاء في قول الرسول صلى هللا
عليه و سلم :أنا ابن عبد المطلب فهو من باب األخبار باالسم الذي اشتهر به المسمى دون غيره وليس من باب انشاء
التسمية وباب األخبار يجوز فيه ما ال يجوز في باب االنشاء .
عام20 ن
توق
القرطت الظاهري ،عالم األندلس ي
ي عىل بن احمد بن سعيد بن حزم
( )1ابن حزم هو ابو محمد ي
456ه
( )2شیبه هذا هو الذي حفر زمزم ،وصارت له سقايته و لذريته من بعده
124
وأما أثر ابن عباس رضي هللا عنه في اآلية فهو قوله أن آدم لما تغشی حواء وحملت أتاهما الشيطان ،وذكرهما بأنه هو
صاحبهما الذي أخرجهما من الجنة ،وأنهما اذا لم يسميا هذا الجنين بعبد الحارث ،فسوف ال يعيش فلم يطيعاه فخرج
المولود ميتا ،ثم حملت للمرة الثانية فقال لهما مثل ما قال في المرة االولى فلم يطبعاه ،فخرج المولود ميتا ،وفي المرة
الثالثة ،أعاد عليهما التهديد ،فأدركتهما العاطفة البشرية ،فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى ( جعال له شركاء فيما
آتاهما ) .
وقد قال ابن عباس رضي هللا عنه :شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته ،يعني أن آدم وحواء عليهما السالم لم يريدا من
التسمية بعبد الحارث أن يكون عبدا لغير هللا ،كما كان يريد بذلك ابليس وانما أرادا مجرد التسمية .وعلى هذا فالشرك هنا
انما هو لمجرد التسمية .
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد من السياق في اآلية الكريمة ليس آدم وحواء وإنما المراد منه ذريتهما ،ولذا فالمراد
بالزجين الجنس الذكر و األنثي (فردان معينان ،ولهذا قال هللا تعالى ( :فتعال هللا عما يشركون ) والجنس يصدق ببعض
أفراده ،والمقصود من اآلية بيان ما طرأ على ذرية آدم من انحراف نحو اإلشراك مع هللا ،ولذا يقول الحافظ بن كثير
رحمه هللا إن اآلثار التي وردت في نسبة الشرك إلى آدم وحواء إنما هي وهللا أعلم كانت من دسائس اليهود .
والذي تميل إليه النفس ويتفق مع مقام أو نبي من أنبياء هللا ،ميزه هللا عن غيره بسجود المالئكة له ،أن المراد في اآلية
الكريمة ليس آدم وحواء وإنما ذريتهما ،وهللا أعلم .
125
باب قول هللا تعالى ( وهلل األسماء الحسنی فادعوه بها وذروا
الذين يلحدون في أسمائه ) اآلية ( – ۱۸۰األعراف) .
ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( يلحدون في اسمائه ) :يشركون .وعنه :سموا الالت من اآلله ،والعزى من العزيز ،
وعن األعمش :يدخلون فيها ما ليس منها .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن التوسل إلى هللا ال يكون اال باالسماء الحسنی ،وصفاته العليا ،وأن ما يفعله
بعض الناس من التوسل إلى هللا باالموات ال يجيزه االسالم لمنافاته للتوحيد.
الشرح :
فان هللا سوف يجازيهم على الحادهم على ذلك حيث يقول في آخر هذه االية ( سيجزون ما كانوا يعملون )
تأتي بعد هذه اآلية األقوال الثالثة ،وكلها تدور حول نقطة واحدة هي الميل بأسماء هللا عما تدل عليه
وقد ورد حديث رواه الشيخان عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :ان هلل تسعة وتسعين اسما مئة اال
واحدا من أحصاها دخل الجنة وهذه األسماء كما ورد في بعض األحاديث هي:
هو هللا الذي ال اله اال هو الرحمن الرحيم ،الملك .القدوس .السالم .المؤمن .المهيمن .العزيز .الجبار .المتكبر .
الخالق .البارئ .المصور .الغفار .القهار .الوهاب .الرزاق .الفتاح .العليم .القابض
الباس ط .الحافض .الرافع .المعز .المذل .السميع البصير .الحكم .العدل .اللطيف .الخبير ،الحليم .العظيم .الغفور
.الشكور .العلي .الكبير .الحفيظ .المغيث .الحسيب .الجليل .الكريم .الرقيب .المجيب .الواسع .الحكيم .الودود .
المجيد .الباعث .الشهيد .الحق .الوكيل .القوي .المتين .الولي .الحميد .المحصى .المبدئ .المعيد المحيي .
المميت .الحي القيوم .الواجد .الماجد .الواحد .الصمد .القادر .المقتدر .المقدم .المؤخر .االول .اآلخر .الظاهر .
21
اليمي أو اليسار ،ومعناه بالنسبة السماء هللا الميل بألفاظها أو
ر ( )1االلحاد -معناه الميل عن الوسط إىل جهة
معانيها عن طريق الحق .اما بالتحريف أو التأويل أو بما يتناف مع وصفها بالحسي
بالشيخي -البخاري ومسلم
ر ( )2المراد
126
الباطن .الوالي .المتعالي .البر .التواب .المنتقم .العفو .الرؤوف .مالك الملك ذو الجالل واالكرام .المقسط .الجامع
.الغني .المغني .المانع .الضار .النافع .النور .الهادي .البديع .الباقي .الوارث .الرشيد .الصبور. .
)2ان االنسان إذا أراد أن يطلب من هللا فليتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ،وباالعمال الصالحة.
127
باب (ال يقال السالم على هللا)
في الصحيح عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال :كنا اذا کنا مع النبي صلى هللا عليه وسلم في الصالة ،قلنا ،السالم على
هللا من عباده ،السالم على فالن وفالن ،فقال النبي صلى هللا عليه وسلم (ال تقولوا السالم على هللا فان هللا هو السالم ).
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا بهذا الباب بيان الي عن قول السالم على هللا.
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث واحد هو حديث ابن مسعود رضي هللا عنه و فيه أن الرسول عليه الصالة والسالم قال
ألصحابه :ال تقولوا :السالم على هللا فان هللا هو السالم ،والسبب في هذا النبي من الرسول الصحابه أن السالم :اسم
من أسماء هللا ،فاهلل هو السالم ومنه السالم ،فاذا قال اإلنسان السالم على هللا كان معنى ذلك دعاء هلل بالسالمة و هذا ال
يجوز في حق هللا ،ألن هللا كامل كماال مطلقا من كل عيب ،أو نقص ،فال يحتاج إلى دعاء أحد ،وانما الخلق هم
المحتاجون إلى أن يمنحهم هللا السالم والخير والسعادة .
128
باب قول :اللهم اغفر لي ان شئت .
في الصحيح عن أبي هريرة .ان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (ال يقل أحدكم :اللهم اغفر لي ان شئت ،اللهم
ارحمني ان شئت ،ليعزم المسألة ،فان هللا ال مكره له ) .ولمسلم ( وليعظم الرغبة فان هللا ال يتعاظمه شي أعطاه ) .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ،بيان عدم جواز قول اللهم اغفر لي أن شئت وما أشبهه .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ،ورواية مسلم وحديث أبي هريرة هذا فيه نهي صريح عن تقييد
استجابة الدعاء من هللا بشرط المشيئة ،وأمر صريح بأن من أراد أن يدعو ربه أن يدعوه بما يشاء .بال قيد وال شرط ،
ذلك أن هللا جلت قدرته أغنى األغنياء وأكرم األكرمين ،وقد أمر عباده أن يدعوه ووعدهم باستجابة دعائهم .وفي نهاية
الحديث وضح الرسول عليه السالم سبب النهي .عن قول اللهم اغفر لي ان شئت و نحوه ) بقوله ( فان هللا ال مكره له ) (
يعني أن هللا سبحانه وتعالى لجوده وكرمه وألنه المالك لهذا الوجود كله ولحبه في أن يتوجه اليه عباده بالدعاء ،ليعطيهم
ما يشاؤن ،ليس في حاجة إلى أن يقول الداعي له أن شئت ألنه يعطي ال خوفا من كفر احد .وال طمعا في ايمان أحد ،
فهو الغني عن كل البشر ،و البشر فقراء و محتاجون اليه .
ولهذا فهو غير مكره على شئ ،بعكس المخلوقين فانهم ،ال يعطون اال طمعا في شي أو خوفا من شي ،ويعطون في
أكثر األحيان وهم كارهون .
أما رواية مسلم ففيها زيادة هي ( وليعظم الرغبة ،فان هللا ال يتعاظمه شئ اعطاه ) يعني اذا سأل االنسان ربه فليسأل ما
يشاء -وال يتعاظمه الشئ الذي طلبه ،ألن هللا بيده ملكوت السموات واألرض ،وكل شي عظيم في نفس اإلنسان هو
حقير وصغير عند هللا .
129
باب ال يقول عبدي و أمتي
في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (ال يقل أحدکم اطعم ربك ،وضئ ربك ،وليقل سيدي
وموالي وال يقل أحدكم عبدي و أمتي وليقل فتاي و فتاتي و غالمي) .
الثانية :ال يقول العبد ربي وال يقال أطعم ربك .
الهدف :
قصد داعية التوحيد رحمة هللا عليه من هذا الباب النهي عن استعمال االلفاظ التي وردت في الحديث ابعادا لتشبيه
المخلوقين بالخالق العظيم .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث أبي هريرة هذا وفيه نهيان وأمران.
األمر األول النهي عن قول :اطعم ربك ،وضئ ربك ،هذا اللفظ وان كان جائزا لغة اال انه ال يجوز شرعا ،وذلك أبعادا
للمسلم عن التشريك مع هللا حتى في األلفاظ ،ألن هللا هو رب العالمين خلقهم ورزقهم و بيده مصير هم ،فاذا أطلق هذا
اللفظ على شخص كان معنی ذلك أنه شارك هللا في وصف الربوبية ،حتى ولو لم يكن ذلك مقصودا ،وبدال من وقوع
المسلم في محظور ،أمر الرسول عليه السالم باستعمال لفظ آخر ال محذور منه حين قال ( :وليقل سيدي وموالي) .
األمر الثاني -النهي عن قول (عبدي و أمتي ) وهذا اللفظ وان كان جائزا لغة اال انه ال يجوز شرعا ،و ذلك حرصا على
بقاء عقيدة المسلم القائمة على العبودية الخالصة هلل رب العالمين ،فاذا أطلق هذا اللفظ على شخص كان معنى ذلك أنه
شارك هللا في وصفه بااللوهية ،حتى ولو لم يكن ذلك مقصودا ،وبدال من الوقوع فيما هو غير جائز ،أمر الرسول عليه
الصالة والسالم باستعمال لفظ آخر ال محذور فيه حين قال ( :وليقل فتاي وفتاتي ) .
13۰
باب ال يرد من سأل باهلل
عن ابن عمر قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « من استعاذ باهلل فأعيذوه ومن سأل باهلل فأعطوه ،ومن دعاكم
فأجيبوه ،ومن صنع اليكم معروفا فكافئوه ،فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه » .رواه أبو
داود والنسائي بسند صحيح .
الهدف :
قصد رحمه هللا من هذا الباب بيان النبي عن رد السائل اذا سأل باهلل .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث ابن عمر وفيه أربعة أمور :
األول :قول الرسول عليه الصالة و السالم ( من سأل باهلل فأعطوه ) .
وظاهر هذا الكالم النهي عن رد السائل اذا سأل باهلل ،ومعنی هذا انه يجب على المسلم ألخيه المسلم حينما يسأله باهلل في
أمر من األمور ،ازالة ضرر مثال ،أو مشاركة في رأي ،أو مساعدة في حل مشكلة ،أن يبادر الجابة طلبه تعظيما لمن
سأل به و هو هللا جلت قدرته .أما اذا كان سؤاله باهلل من أجل الحصول على شي من المال ،فان كان في غير حاجة
ملجئة له إلى السؤال فذلك حرام عليه وال تجب اجابة طلبه ،وان كان فقيرا فانه يجب على بيت مال المسلمين أن يعطيه
بقدر حاجته ،ألنه فرد من أفراد المسلمين وله حق في بيت المال ،وعلى من عنده فضل مال من المسلمين أن يساعده مما
أعطاه هللا واال فالجميع آثمون .
الثاني :قوله :ومن استعاذ باهلل فأعيذوه .وهذا يعني أن المسلم اذا استعاذ باهلل أعيذ ،كما فعل الرسول عليه السالم ،فقد
روى أنه أراد أن يتزوج بأمرأة جميلة فقيل لها اذا كنت ترغبين أن يحبك فقولي له اذا دخل عليك أعوذ باهلل منك ،ففعلت
المسكينة عن حسن نية ما قيل لها ،فقال لها الرسول عليه الصالة و السالم ،لقد عذت بمعاذ -الحقي بأهلك.
وهذا يعني أن من حق المسلم على أخيه اال يرفض دعوته اذا دعاه للتحدث اليه أو تناول طعام في بيته .لما في هذا من
توثيق روابط األخوة و المحبة فيما بين المسلمين .
الرابع :قوله ( :ومن صنع اليكم معروفا فكافئوه ،فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له ،حتى ترو أنكم قد كافأتموه ) .
131
وفي هذا أمر بالمجازاة على المعروف ،وفي ذلك حث على البذل والعطاء وتبادل المصالح بين الناس ،وفي حالة عدم
القدرة على المجازاة على المعروف بالمال ،أرشد الرسول عليه الصالة والسالم إلى شئ آخر ينوب عنه وهو الدعاء فقال
( :فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا انكم قد كافأتموه) .
132
باب ال يسأل بوجه هللا اال الجنة
عن جابر قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «ال يسأل بوجه هللا اال الجنة » رواه أبو داود .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان المنع من السؤال بوجه هللا -في أمر من أمور الدنيا .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث واحد هو حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنه وفيه داللة على النهي عن السؤال بوجه هللا
اال في طلب الجنة التي هي أمنية كل مؤمن باهلل -أما السؤال بوجه هللا في أمور سهلة من أمور الحياة مثل السؤال في
زيادة المال وكثرة األوالد والصحة والسعادة مثال فال يجوز ذلك كما هو مفهوم الحديث ،وهذا الحديث ال تعارض بينه
وبين ما ورد في بعض األحاديث التي ورد فيها السؤال بوجه هللا ،كما ورد في دعاء النبي عليه الصالة والسالم لدى
منصرفه من الطائف وقد كذبته ثقيف حين قال :اللهم اليك أشكو ضعف قولي ،وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب
المستضعفين وانت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري ،أن لم يكن بك غضب علي فال أبالي ،
غير أن عافيتك أوسع لي ( ،وفي آخر الدعاء ) أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ،وصلح عليه أمر الدنيا
واآلخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل بي سخطك ،لك العتبى حتى ترضى ،وال حول وال قوة اال بك.
وعدم التعارض بين الحديث وهذا الدعاء وأمثاله انه دعاء فيما يقرب إلى الجنة ،وليس دعاء من أجل أمر من أمور
الدنيا.
133
باب ما جاء في اللو
وقول هللا تعالى ( يقولون لو كان لنا من األمر شي ما قتلنا ههنا ) اآليه ( - 1۰9آل عمران ) وقوله ( الذين قالوا الخوانهم
وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ) اآلية ( - 198آل عمران ) في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
قال ( احرص على ما ينفعك واستعن باهلل وال تعجزن وان أصابك شيئ فال تقل لو اني فعلت لكان كذا وكذا ،ولكن قل :
قدر هللا وما شاء فعل فان (لو) تفتح عمل الشيطان).
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب النهي عن الجزع و عدم الصبر عند المصائب .
الشرح :
فاآلية األولى قال الزبير في سبب نزولها ،لقد رأيتني مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف ،فأرسل
هللا علينا النوم ،وهللا اني ال سمع معتب بن قشير والنعاس يغشاني ،ما أسمعه اال كالحلم يقول :لو كان لنا من األمر شيء
ما قتلنا ها هنا ،فأنزل هللا عز وجل ( يقولون لو كان لنا من األمر شيء ما قتلنا ها هنا ) .
يعني يقول بعض هؤالء المنافقين لبعض ،في جزع و عدم ايمان بقضاء هللا وقدره ،لو كان النصر بأيدينا كما يدعي ذلك
محمد لما قتل من المسلمين من قتل فرد هللا عليهم هذا الزعم ،قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتبت عليهم القتل إلى
مضاجعهم يعني لو بقيتم في بيوتكم ولم تخرجوا للقتال ،الخرج منكم من أراد هللا له القتل كما هو مقدر في اللوح المحفوظ
وعلى هذا فكلمة (لو) ال ترد قدرا أراده هللا.
واآلية الثانية ،تحكي قصة عبد هللا بن أبي و أصحابه الذين أشاروا على بعض من خرج مع الرسول عليه السالم في
غزوة أحد بعدم الخروج معه .فلما قتلوا قال ابن أبي ومن تخلف معه عن الجهاد أن أولئك الذين قتلوا لو سمعوا مشورتنا
،وأطاعوا رأينا وقعدوا عن القتال لما قتلوا -فرد هللا عليهم قولهم هذا بقوله تعالى ( قل فادرأوا عن أنفسكم الموت ان كنتم
صادقين ) يعني ان كان سالمتكم من الموت بسبب قعودكم عن القتال في سبيل هللا فادفعوا عن انفسكم انواع الموت ،التي
تأتي بصور مختلفة و أسباب متعددة ،ومن هنا فان كلمة لوال تقف أمام شيء مقدر من عند هللا.
يأتي بعد هاتين اآليتين -حديث أبي هريرة ،وفيه األمر بحرص المسلم على عمل ما ينفعه في حياته وآخرته من طلب
رزق حالل ،وعمل صالح يقر به من ربه طالبا االعانة من هللا ومحذرا له من العجز ألن العجز أمر مستقبح في نظر
االسالم ،وفي آخر الحديث نهي عن استعمال كلمة (لو) لما فيها من عدم الصبر بقضاء هللا وقدره ،فقال (واذ أصابك
شيء فال تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ،ولكن قل قدر هللا وما شاء فعل ،فان (لو) تفتح عمل الشيطان) و عمل
الشيطان يتمثل في عدم الرضاء بما قدره هللا وقضاه ،وعدم الرضا بما قدره هللا دليل على ضعف االيمان لدى االنسان.
134
باب النهي عن سب الريح
عن أبي بن كعب رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :ال تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا «
اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها ،وخير ما أمرت به ،ونعوذ بك من شر هذه الريح ،وشر ما فيها وشر
ما با مرت به » صححه الترمذي .
الثانية :االرشاد إلى الكالم النافع اذا رأى االنسان ما يكره .
الهدف :
قصد اإلمام رحمة هللا عليه بهذا الباب بيان ان سب الريح يعني أنها هي الجالبة لألذى بنفسها دون أمر من هللا وفي هذا
منافاة لكمال التوحيد هلل الذي بيده األمر والتدبير .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث واحد هو حديث أبي بن كعب وفيه نهی و ارشاد فالني جاء في كلمة ( :ال تسبوا الريح ) ألن
الريح مخلوقة من مخلوقات هللا يأمرها هللا بأن تثير السحاب ،وتحمله على متنها تذهب به حيث يريد هللا فتفعل كما جاء
ذلك في قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويأمرها بأن تلقح السحاب بالماء ،
وتنقل اللقاح لالشجار فتنفذ كما قال هللا تعالى ( :وأرسلنا الرياح لواقح ) .ويأمرها بأن تدمر كل شيء ،وتقضي على كل
شيء فال تتأخر ،كما فعلت بأمر من هللا لعاد .حين جاء ذلك في قوله تعالى (وأما ،عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية ،فهل ترى لهم من باقية) وعلى
هذا فالريح قد تأتي بخير ،وقد تجلب مكروها .لكن ذلك كله بتوجيه من هللا لها ولهذا ال معنى لسبها .اما االرشاد في
قوله عليه السالم ( :فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا :اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به .
ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به ).
والخالصة :أنه ال يجوز منب الريح ألن سبها سب هللا ألنه هو الذي أمرها.
135
باب قول هللا تعالى ( يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية ،
يقولون هل لنا من األمر من شيء .قل أن األمر كله هلل ) .
اآلية ( - ۱54آل عمران ) وقوله ( الظانين باهلل ظن السوء
،عليهم دائرة السوء ) .اآلية ( الفتح. ) 6-
قال ابن القيم في اآلية األولى :فسر هذا الظن بأنه سبحانه ال ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل .وفسر بظنهم أن ما
أصابهم لم يكن بقدر هللا وحكمته ،ففسر بانكار الحكمة ،وانکار القدر ،وانکار أن يتم أمر رسوله صلى هللا عليه وسلم
وأن يظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح وانما كان هذا ظن السوء
النه ظن غير ما يليق به سبحانه وما يليق بحكمته وحمده و وعده الصادق ،فمن ظن انه يديل الباطل على الحق ادالة
مستقرة يضمحل معها الحق ،او أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره ،أو انكر أن يكون قدره بحكمة بالغة يستحق
عليها الحمد ،بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ،واكثر الناس يظنون باهلل
ظن السوء فيما يختص هم وفيما يفعله بغيرهم ،وال يسلم من ذلك اال من عرف هللا و أسماءه وصفاته و موجب حكمته
وحمده .فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا وليتب إلى هللا ويستغفره من ظنه بر به ظن السوء .ولو فتشت من فتشت
الرأيت عنده تعنتا على القدر ومالمة له ،وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر ،وفتش نفسك هل انت سالم
؟ فان تنج منها فان تنج منها تنج من ذي عظيمة وإال فاني ال أخالك ناجيا.
الرابعة :أنه ال يسلم من ذلك اال من عرف االسماء والصفات وعرف نفسه.
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه بهذا الباب التحذير من سوء الظن باهلل جل جالله .ألن سوء الظن باهلل يقدح في توحيد األنسان
.
الشرح :
ورد تحت هذا الباب آيتان و تفسير ألبن القيم لكلمة الظن فاآلية األولى من هاتين اآليتين تتحدث عن اعتقاد فريق من
المحاربين مع الرسول عليه السالم في غزوة أحد حينما أصابهم الهلع واستولى عليهم الخوف وقت هزيمتهم بأن ما حصل
لهم من هزيمة وقتل ليس بسبب تنازعهم وعصيانهم للرسول عليه الصالة والسالم ،وانما ألن هللا لم يحقق وعده لمحمد
بالنصر على اعدائه ،وهذا فيه سوء ظن باهلل ولهذا قال تعالى ( يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية ) يعني يظنون باهلل
ظنا ال يليق به سبحانه وتعالى وذلك عندما كانوا يقولون في انفسهم لو كان محمد نبيا :ما انتصر المشركون على
المسلمين في هذه المعركة ،ولذا حكى هللا عنهم قولهم :بقوله سبحانه ( يقولون هل لنا من االمر من شيء ) .
يعني يقول بعضهم لبعض على سبيل االستفهام االنكاري ،هل حصلنا على شيء من النصر الذي قال محمد ان هللا و عده
به فرد هللا عليهم هذا الزعم بقوله تعالى ( :قل أن األمر كله هلل ) أي أن كل ما تجري في هذا الكون من نصر أو هزيمة
أو غير ذلك انما هو بارادة هللا ولحكية يراها جلت قدرته .
136
و نصر هللا لنبيه وللمؤمنين من بعده إلى يوم القيامة ال يمنع أن تكون الحرب سجاال لكن النصر في النهاية دائما يكون
للمؤمنين كما قال هللا سبحانه ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) .
وهنا فضح هللا أولئك الذين يبطنون اإلنكار والتكذيب بالرسول عليه السالم ،وعدم الوثوق بوعد هللا بقوله ( يخفون في
أنفسهم ما ال يبدون لك ) و بقية هذه اآلية تقدم بيانها في باب ما جاء في اللو .
اما اآلية الثانية في هذا الباب فتتحدث عن العذاب الذي أعده هللا للذين ظنوا انه ال ينصر رسوله ،أو انه يتخلى عن عباده
المؤمنين به الصادقين معه ،فقال ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين باهلل ظن السوء عليهم
دائرة السوء ،وغضب هللا عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا ).
والخالصة :أن من ظن أن هللا ال ينصر عباده المؤمنين أو ال يتجاوز عن هفوات التائبين ،أو ال يعدل بين الناس اجمعين
،أو ال يفي بوعده للطائعين ،ووعيده للعاصين ،فقد ظن باهلل ظن السوء ،وهو أمر يعرض االنسان وال شك لغضب هللا و
عقابه.
137
باب ما جاء في منكري القدر
وقال ابن عمر :والذي نفس ابن عمر بيده ،لو كان الحدهم مثل أحد ذهبا ثم انفقه في سبيل هللا ما قبله هللا منه حتى يؤمن
بالقدر .ثم استدل بقول النبي صلى هللا عليه وسلم « اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر ،وتؤمن
بالقدر خيره وشره » رواه مسلم.
وعن عبادة بن الصامت انه قال البنه .يا بني انك لن تجد طعم االيمان حتى تعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك وما
أخطأك لم يكن ليصيبك .سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول « :أن أول ما خلق هللا القلم فقال له :اكتب فقال
رب وماذا أكتب ؟ قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة « يا بني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول «
من مات على غير هذا فليس مني » وفي رواية الحمد « أول ما خلق هللا تعالى القلم فقال له :اكتب ،فجرى في تلك
الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة ».
وفي رواية البن وهب :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه هللا بالنار » .
وفي المسند والسن عن ابن الديلمي قال أتيت أبي بن كعب فقلت :في نفسي شيء من القدر ،فحدثني بشيء لعل هللا يذهبه
من قلبي فقال :
لو انفقت مثل احد ذهبا ما قبله هللا منك حتى تؤمن بالقدر ،وتعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك .وما أخطأك لم يكن
ليصيبك ،ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار .قال :فأتيت عبد هللا بن مسعود وحذيفة ابن اليمان وزيد بن ثابت ،
فكلهم حدثني مثل ذلك عن النبي صلى هللا عليه وسلم .حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه .
الرابعة :األخبار بأن احدا ال يجد طعم االيمان حتى يؤمن به .
السادسة :أنه جرى بالمقادير في تلك الساعة إلى قيام الساعة .
التاسعة :أن العلماء اجابوه بما يزيل الشبهة و ذلك أنهم نسبوا الكالم الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقط .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن انكار القدر مناف للتوحيد لما في ذلك من نسبة األفعال لغير هللا.
الشرح:
ورد تحت هذا الباب ثالثة أحاديث أولها :الحديث الذي رواه ابن عمر رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه
قال ( :االيمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله ،واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) وهذا الحديث فيه داللة
واضحة على أن القدر ركن من اركان اإليمان الستة .وان من انكره فقد انكر اصال من هذه األصول ولخطورة هذا
اإلنكار اقسم ابن عمر رضي هللا عنه بأن هللا ال يتقبل صدقة من انسان مهما كانت هذه الصدقة عظيمة حتى يؤمن بالقدر .
138
وثانيها :حديث عبادة بن الصامت الذي قال فيه ( :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول أن أول ما خلق هللا القلم
فقال له :اكتب .فقال :يا رب وماذا اكتب ؟ فقال :اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة وقد ورد هذا الحديث برواية
أخرى عن األمام أحمد « أن أول ما خلق هللا القلم فقال :اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة »
وحديث عبادة ورواية اإلمام أحمد فيهما داللة على أن كل ما يجري في هذا الكون منذ أن خلقه هللا إلى قيام الساعة انما
جاء نتيجة القدر هللا ،ولهذا قال عبادة البنه يا بني انك لن تجد طعم االيمان حتى تعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك وما
أخطأك لم يكن ليصيبك ،وفي آخر حديث عبادة هذا قال البنه يا بني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول :من
مات على غير هذا فليس مني)
وهذا هو معنى االيمان بالقدر .اعتقاد االنسان بأن ما كان وما يكون انما هو بأمر هللا و تدبيره ،ومن اعتقد غير ذلك فقد
عرض نفسه لخطر كبير ،ولذا ورد في رواية ابن وهب قول الرسول عليه الصالة والسالم ( من لم يؤمن بالقدر خيره
وشره أحرقه هللا بالنار ) .
أما الحديث األخير :حديث أبي بن كعب فهو ال يختلف في معناه عن معنى الحديثين السابقين في هذا الباب
أن هللا سبحانه وتعالى قدر مقادير .الكائنات قبل خلق السموات واألرض ،وانه ما من شيء يحدث في هذا الكون اال بقدر
من هللا .وهنا ربما يرد سؤال ليقول اذا كان هللا سبحانه قد قدر كل شيء ،فما الفائدة من العمل ؟ والجواب عن هذا جاء
في حديث رواه علي بن ابي طالب رضي هللا عنه بقوله :كنا في جنازة في بقيع الغرقه -فاتی رسول هللا صلى هللا عليه و
سلم فقعد و قعدنا من حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكث بمخصرته ،ثم قال :ما منكم من أحد ،ما من نفس منفوسة
اال وقد كتب هللا مكانها من الجنة والنار ،واال قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل :يا رسول هللا اال نمكث على كتابنا
وندع العمل ؟ فقال :من كان من أهل السعادة فسييسر إلى عمل أهل السعادة ،ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر الى عمل
أهل الشقاوة .
وليس معنى هذا أن االنسان مسلوب االرادة مجبور على ما يأتيه من اعمال صالحة أو فاسدة .ألن هللا سبحانه و تعالى
حين خلق االنسان ،اعطاه العقل ليميز به بين الخير والشر .ومنحه االرادة لتحول بينه وبين نوازع الفساد واالنحراف و
االنسان بعد ذلك هو الذي اختار و بطوع ارادته إلى الطريق الذي يرتضيه لنفسه .
مثال يوضح هذا المعنى -تلميذ تعمد أن ال ينجح في االمتحان فأعطى اجابة سيئة فرسب .اليس ذلك باختياره كما انه
ايضا باختياره لو اراد النجاح الجتهد و اعطى اجابة حسنة و نجح .
مثال آخر :شخص ما عزم على االقدام على فعل امر محرم ثم رجع من نفسه اليس قد فعل ذلك باختياره ؟
مثال ثالث :شخص تعمد خيانة عقيدته وامته لسبب ما اليس ذلك باختياره ؟
هذه امثلة وغيرها كثير البطال عقيدة الذين يقولون ان العبد مسير وليس له ارادة يحمي بها نفسه من الوقوع في االخطاء ،
والدليل المنطقي على فساد هذه العقيدة ( عقيدة الجبر ) اننا لو قلنا ان االنسان ليس له اختيار فيما يفعله في هذه الحياة فان
هذا القول يؤدي بنا إلى نتائج خطيرة من اهمها انه اذا تعدى شخص على آخر فقتله ،أو سرق ماله -أو زنی أو شرب
خمرا أو فعل غير ذلك من الجرائم ،فانه ال عقاب عليه في ذلك ما دام انه مجبور ليس له اختيار في ذلك ومعنى ذلك
الفوضى بكل معانيها و فساد النظام االجتماعي بكل صوره وهذا شيء ال يقره العقل.
139
باب ( ما جاء في المصورين)
عن ابي هريرة قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( قال هللا تعالى :ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ،فليخلقوا
ذرة ،أو ليخلقوا حبة ،و ليخلقوا شعيرة ) أخرجاه .ولهما عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
قال ( أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق هللا ) ولهما عن ابن عباس سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
يقول ( :كل مصور في النار .يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم ) ولهما عنه مرفوعا ( من صور
صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح ،وليس بنافخ ) .
( اال تدع ولمسلم عن أبي الهياج قال :قال لي علي :اال أبعثك على ما بعثني عليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
صورة اال طمستها وال قبرا مشرفا اال سويته ) .
الثانية :التنبيه على العلة وهو ترك األدب مع هللا لقوله ( ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ).
الخامسة :أن هللا يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في
الهدف :
قصد داعية التوحيد رحمه هللا من هذا الباب بيان عقوبة المصورين الذين يضاهئون خلق هللا حماية لعقيدة التوحيد في
النفوس من كل شبهة وثنية ،وخوفا من أن تتحول تلك الصور من بعد زمن إلى آلهة تعبد من دون هللا كما حدث ذلك لقوم
ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر.
الشرح :
ورد تحت هذا الباب خمسة أحاديث ،أربعة تتحدث عن عذاب المصورين الذين يضاهئون خلق هللا ،والحديث الخامس
يوضح كيفية ازالة الصور و القبور المرفوعة عن األرض بشكل بارز عن القبور األخرى.
أوال :الحديث القدسي الذي رواه ابو هريرة رضي هللا عنه ،وفيه أن هللا سبحانه وتعالى بين أنه ال أحد أظلم من الذي
يحاول أن يتشبه باهلل في الخلق ،وذلك بتصوير أشياء على شكل ما خلق هللا من انسان أو حيوان أو غير ذلك مما له روح
،وحتي يظهر هللا عجز المصورين تحداهم اذا كانوا يقدرون على مشابهة هللا في الخلق من العدم ،أن يخلقوا ذرة ،أو
حبة ،أو شعيرة ،ولكنهم قطعا ال يستطيعون ذلك وحتى العالم كله بكل وسائله العلمية لو أراد أن يخلق ذرة أو ذيا با ما
استطاع ذلك أبدا وهذا يدل على العجز الكامل لالنسان عن أن يضاهي هللا في شيء من خلقه .
ثانيا :حديث عائشة رضي هللا عنها وفيه ان عذابا شديدا يوم القيامة للذين يضاهئون بخلق هللا لما ارتكبوه من ذنب كبير ال
يرضى عنه هللا.
ثالثا :حديث ابن عباس رضي هللا عنهما ،وفيه أن هللا يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في جهنم .
14۰
والحديث الرابع :عنه أيضا أن هللا اظهارا لعجز المصور يكلفه يوم القيامة بأن يجعل في كل صورة حياة حقيقية ،لكنه لن
يقدر على ذلك.
أما الحديث الخامس و االخير في هذا الباب :حديث علي رضي هللا عنه ففيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمره بطمس
الصور وتسوية القبور المرتفعة ببناء أو غيره و السبب في ذلك أن الصور فيها مضاهاة لخلق ،ورفع القبور بالبناء عليها
أو غيره مدعاة لتعظيمها ووسيلة من الوسائل المؤدية الى الشرك باهلل.
تحريم التصوير ،لكن األحاديث الواردة فيه لم تفرق في التحريم بين الصور المجسمة والصور التي ال جسم لها ،
ولعموميات هذه األحاديث وغيرها ،حصل الخالف بين العلماء في التصوير ،منهم من حرم الصور بدون استثناء سواء
كانت الصورة مجسمة أو غير مجسمة ومنهم من قصر التحريم على الصور المجسمة دون غيرها .
دليل من نهی عن الصور بدون استثناء االحاديث الواردة في هذا الباب والتي لم تفرق في النهي بين صورة وأخرى
وحديث ال تدخل المالئكة بيتا فيه صورة .عام لم يفرق بين الصورة التي لها ظل ،والتي ال ظل لها وغير ذلك من
احاديث وردت في هذا المعنى واذا فالنهي عام ،وعلى هذا فكل تصوير ألي مخلوق له روح حرام ،النها مضاهاة الخلق
هللا اال أن أصحاب هذا الرأي قالوا أن المحرم من الصور ما کان کامال ،أما اذا أزيل عضو ال تمكن الحياة بدونه فهي
مباحة .كما أباحوا من الصور الفوتغرافية ما توجبه الضرورة أو تقتضيه المصلحة العامة مثل البطاقات الشخصية
وجوازات السفر ،وصور المشبوهين ،وما شابهها.
اما من قصر التحريم على الصور المجسمة فانه يري أن كل ما ورد في التصوير والصور من الوعيد انما يقصد به
الصور المجسمة ،ألنها هي التي فيها مشابهة للوثنيين الذين يصنعون أصنامهم بأيديهم ثم يقومون بتعظيمها و تقديسها ،
ومثل هذا ما يفعله الناس اليوم من تلك التماثيل التي توضع في الميادين العامة تخليدا لذكرى قائد أو زعيم ،وعلى هذا فان
أصحاب هذا الرأي ال پرون حرمة في تصوير ما ال ظل له مثل النقوش والصور التي توضع على الفرش والثياب وكذلك
الصور الشمسية ،اللهم اال ما كان منها مخالفا لآلداب اإلسالمية .مثل صور النساء العاريات و شبه العاريات ،وكذا ما
تفعله دور العرض من تصوير للنساء في أوضاع مبتذلة ،وبطريقة مثيرة للفتنة -فان هذا محرم .أما غير ذلك من الصور
التي ال ظل لها فغير منهي عنها .ويستدلون على رأيهم هذا بما رواه مسلم في صحيحه عن بسر بن سعيد عن زيد بن
خالد عن ابي طلحة صاحب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « :ان المالئكة ال تدخل
بيتا فيه صورة » قال بسر ثم اشتكى زيد بعد ذلك فعدناه فاذا على بابه ستر فيه صورة قال :فقلت لعبيد هللا الخوالني
ربيب ميمونة زوج النبي صلى هللا عليه و سلم ( وكان معه ) الم يخبرنا زيد عن الصور يوم األول ؟ فقال عبيد هللا :ألم
تسمعه حين قال :اال رقما في ثوب ...ومعنى هذا أن الرقم في الثوب وما اشبهه ال يدخل في المنهي عنه من التصوير .
والحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي هللا عنها قالت :كان لنا ستر فيه تمثال طائر ،وكان الداخل اذا دخل استقبله
فقال :لي رسول هللا عليه السالم « :حولي هذا فاني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا » وعلى هذا فان الرسول عليه
الصالة و السالم لم يأمر ها بتقطيع الستر ،وانما امر ها بتحويله من مكانه و لو كان ذلك محر ما لم يسمح ببقائه في بيته ،
ومن أجل هذا وذاك يتبين أن المقصود من الصور المحرمة هي الصور المجسمة اما ما ليس لها ظل فال تدخل في الوعيد
المذكور في األحاديث الواردة في .هذا المعنى اال ما خرج منها عن آداب االسالم كصور النساء العاريات و نحوها مما
حرمته أو نهت عنه تعاليم االسالم .
141
باب ما جاء في كثرة الحلف
وقول هللا تعالى ( واحفظوا ايمانکم ) االية ( - 89المائدة ) عن ابي هريرة قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
يقول « الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب » أخرجاه .
وعن سلمان أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال « ثالثة ال يكلمهم هللا وال يزكيهم ولهم عذاب أليم ،أشيمط زان ،
وعائل مستکبر ،ورجل جعل هللا بضاعته ،ال يشتري اال بيمينه ،وال يبيع اال بيمينه » رواه الطبراني بسند صحيح وفي
الصحيح عن عمران بن حصين رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( خير امتي قرني .،ثم الذين
يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،قال عمران :فال أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثالثا ؟ ثم ان بعد كم قوما يشهدون وال
يستشهدون ،ويخونون وال يؤتمنون ،وينذرون وال يوفون ،ويظهر فيهم السمن ) .
وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،ثم يجيء
قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته » و قال ابراهيم :كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار .
الثالثة :الوعيد الشديد فيمن ال يبيع اال بيمينه وال يشتري اال بيمينه .
السادسة :ثناؤه صلى هللا عليه وسلم على القرون الثالثة أو األربعة وذكر ما يحدث بعدهم .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن كثرة الحلف دليل على استخفاف اإلنسان بعظمة هللا ،وفي هذا منافاة لكمال
التوحيد .
الشرح :
فاآلية الكريمة ،تأمر بعدم الحلف في كل أمر من األمور ،واالكثار من االيمان الصادقة ،فضال عن االيمان الكاذبة .كما
قال هللا سبحانه وتعالى ( وال تجعلوا هللا عرضة اليمانكم ) ،وذلك لما في كثرة الحلف من االستخفاف باهلل و عدم تعظيمه
في القلب .
يأتي بعد هذه اآلية الكريمة حديث أبي هريرة و فيه بيان لما يتصف به الكثير من الناس في تعاملهم مع اآلخرين من
صفات ال تتفق و خلق المسلم ،وابرز هذه الصفات في التعامل استخفاف اإلنسان بالحلف باهلل كذبا كلما أراد أن يبيع شيئا
من متاع الدنيا ليحصل على ربح اكثر .
مثال :يوضح هذا المعنى رجل اشتری بستانا بعشرة آالف لاير ثم رغب في بيعه فجاءه شخص يريد شراءه فسأل البائع
عن الثمن الذي اشتراه به فأخذ يحلف له باهلل انه أشتراه يخمسة عشر الف لاير .فيصدق المشتري أنه اشتراه بهذا المبلغ
من المال و األمر ليس كذلك .
142
لذا قال النبي عليه السالم في هذا الحديث ( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة ) ،يعني أن الحلف ربما يكون سببا للبيع
بزيادة ،لكن هللا ال يبارك في كسب يقوم على مخالفة أمر هللا.
ثم يأتي بعد حديث أبي هريرة ،حديث سلمان رضي هللا عنه وفيه أن ثالثة أصناف من الناس ال يكلمهم هللا يوم القيامة ،
وال يزكيهم ولهم عذاب اليم .وذلك بسبب اغراقهم في االثم و استمرارهم في فعل المعصية .
األول من هذه االصناف الثالثة كما ورد في الحديث ( اشميط زان ) وقد ضو عف له العذاب ،الستمراره على معصية
هللا في سن كان ينبغي له فيه أن يحاسب نفسه ،ويقبل فيه على ربه ،ويتوب اليه من ذنوبه ،لكن استمراره على المعصية
،دليل على تمكن الفجور من نفسه ،و عدم خوفه من هللا ،فأغلظ هللا له في العقوبة .
مستکبر ) وسبب تغليظ العقوبة له تكبره وتعاظمه ،بدون داع لذلك .
والثاني ،كما ورد في الحديث ( -عائل (22 )2
(وان كان التكبر مذمومة للغني والفقير ) لكن تكبر الفقير دليل على انطباع النفس على هذا الخلق الذميم ،لذا عظمت
عقوبته .
اما الصنف الثالث -كما ورد في الحديث «رجل جعل هللا بضاعته ال يشتري اال بيمينه وال يبيع اال بيمينه
و سبب تغليظ العقوبة له ،حلفه باهلل كلما اراد البيع أو الشراء و هذا دليل على االستخفاف بعظمة هللا
اما الحديث الثالث في هذا الباب فهو حديث عمران بن حصين رضي هللا عنه ،وفيه اخبار عن امرين
األول :ان افضل االمة االسالمية ،في عمق اإليمان ،وصفاء العقيدة ،ونقاء النفس ،وفي الصالح ،والتقوى ،وبذل
النفس والمال في سبيل الدعوة إلى هللا ،والدفاع عن دينه هم القرن الذين كان فيهم الرسول صلى هللا عليه وسلم ثم يليهم
في األفضلية القرن الثاني ،ثم يأتي في الدرجة الثالثة أهل القرن الثالث .
الثاني :انه بعد هذه القرون المفضلة .يضعف وازع االيمان في القلوب ،وتبدأ درجة من االنحدار في األخالق فيأتي قوم
يحرصون على أن يشهدوا قبل أن تطلب منهم الشهادة و دون أن يتحروا الصدق في شهادتهم ،وأناس ال أمانة لهم ،فهم
غارقون في الخيانة ال يتورعون عنها ،وال يحيدون عن مزاولتها و غيرهم ال يوفون بما أوجب هللا عليهم من نذر نذروه
هللا .وآخرون منغمسون في نعيم الدنيا غير مهتمين بأمور اآلخرة ،فسمنت أجسامهم ،وكل هذه األمور قد حصلت في
الناس اليوم وهي من األمور الغيبية التي أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أنها ستقع ووقعت كما اخبر عليه الصالة و
السالم ألنه ال ينطق عن الهوى.
وفي نهاية هذا الباب يأتي الحديث الرابع حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وليس به زيادة عما ورد بالحديث السابق له
(حديث عمران بن حصين) سوى ما ورد به من اخبار الرسول صلى هللا عليه وسلم بأن قوما
بعد ذهاب القرون الثالثة يأتون ،وقد وصفهم الرسول عليه الصالة و السالم بوصف يدل على ضعف في ايمانهم وعدم
خوف من هللا في قلوبهم ،اذ يقول عليه السالم ( :ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته ) وقد وقع هذا
كما أخبر عليه السالم ،وحدث ما هو اكبر جر ما منه.
اذ وجد من يعرض نفسه الداء الشهادة كذبا وزورا في مقابل أخذ شيء قليل من المال كما هو الحال في كثير من البلدان
.
وخاتمة الباب قول ابراهيم النخعي بأن أهل زمانهم كانوا يضربونهم وهم صغار على كلمة اشهد باهلل لقد كان كذا وعلي
عهد هللا لقد كان كذا ،حتى ال تصبح هذه عادة تستمر معهم عندما يصبحون مكلفين .
الشيب
22 ( )1االشيمط :هو الرجل الذي وخطه
( )2العائل :الفقي
143
باب ما جاء في ذمة هللا وذمة نبيه
وقول هللا تعالى ( وأوفوا بعهد هللا إذا عاهدتم وال تنقضوا االيمان بعد توكيدها ) اآلية ( - 91النحل )
عن بريدة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى هللا ومن معه من
المسلمين خيرا فقال ( :أغزوا بسم هللا في سبيل هللا ،قاتلوا من كفر باهلل ،أغزوا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال
تقتلوا وليدا ،واذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثالث خصال -أو خالل -فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف
عنهم ،ثم ادعهم إلى اإلسالم ،فان أجابوك فاقبل منهم .ثم ادعهم إلى التحول من دارهم الى دار المهاجرين ،واخبرهم
انهم أن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين ،وعليهم ما على المهاجرين فان ابوا أن يتحولوا منها فأخبر هم انهم كأعراب
المسلمين يجري عليهم حكم هللا تعالى ،وال يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ،اال أن يجاهدوا مع المسلمين فان ،هم ابوا
فاسألهم الجزية ،فان هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ،فان هم ابو فاستعن باهلل و قاتلهم ،واذا حاصرت اهل حصن
فأرادوك أن تجعل لهم ذمة هللا وذمة نبيه فال تجعل لهم ذمة هللا وذمة نبيه ،ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فانكم أن
تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم اهون من أن تخفروا ذمة هللا وذمة نبيه .واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنز لهم
على حكم هللا ،فال تنزلهم على حكم هللا ،ولكن انزلهم على حكمك ،فانك ال تدري اتصيب فيهم حكم هللا أم ال ؟) رواه
مسلم .
األولى :الفرق بين ذمة هللا وذمة نبيه وذمة المسلمين .
السابعة :في كون الصحابي يحكم عند الحاجة بحكم ال يدری ايوافق حكم هللا أم ال؟
الهدف :
قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق تعظيما هلل ،وتنفيذا للعهد الذي اعطي باسمه.
الشرح :
فاآلية الكريمة فيها األمر من هللا بالوفاء بالعهود والمواثيق ،والمحافظة على االيمان المؤكدة .سواء كانت هذه العهود
والمواثيق بين فرد و فرد ،أو جماعة وجماعة ،أو بين دولة وأخرى أو بين مسلم وكافر فالعهد التزام امام هللا ويجب
الوفاء به ،ولهذا قال هللا سبحانه وتعالى (وال تنقضوا االيمان بعد توكيدها و قد جعلتم هللا عليكم كفيال ) .
يعني ال تخالفوا ما عقدتم فيه اإليمان ،فتكذبوا ،و تنقضوه بعد ابرأمه ،وقد جعلتم هللا كفيال على الوفاء بهذا العهد ( ان
هللا يعلم ما تفعلون ) بهذه العهود والمواثيق -أتبرون و تلتزمون بالوفاء بها أو تنقضونها و تتركون الوفاء بها فتكونون
بذلك قد خالفتم أمر هللا و نهيه .
144
بعد هذه اآلية الكريمة يأتي حديث بريدة رضي هللا عنه ،وهو يحتوي على توجيهات و تعليمات للمجاهدين في سبيل هللا
23
فيقول بريدة رضي هللا عنه :أن الرسول صلى هللا عليه وسلم كان إذا أمر أميرا على جيش( )1أو سرية (« )2
أوصاه » بتقوى هللا و من معه من المسلمين خيرا يعني أمره أن يكون قدوة حسنة لغيره ،وأن يعامل من معه من
المسلمين معاملة تشعرهم بالعزة والكرامة ،و تدفعهم إلى االستبسال في المعركة .وهذا عامل من عوامل النصر ثم بعد
هذه الوصية يقول لهم اغزوا باسم هللا في سبيل هللا ،يعني ابدأوا مستعينين باهلل متوكلين عليه مخلصين له « .قاتلوا من
كفر باهلل » يعني ال تستثنوا أحدا من الكفار سوی من کان بيكم و بينه عهد ،وغير المحاربين عادة كالرهبان والنساء
والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ،فان هؤالء ال يصح قتلهم اال اذا اشتركوا في القتال بأي شكل من األشكال فان قتلهم جائز
.
( وال تغدروا ) يعني ال تنقضوا العهد الذي قطعتموه على أنفسكم ألن نقض العهد دليل على عدم تعظيم هللا.
( وال تمثلوا ) يعني ال تشوهوا بالقتيل .يجدع انفه أو قطع أذنيد مثال .
وبعد هذه التوجيهات النبوية ،أمر عليه الصالة و السالم قائد الجيش اذا القى الكفار ،وقبل أن يبدأ القتال بأن يعرض
عليهم ثالثة أمور.
األول :أن يدعوهم إلى اإلسالم .فان وافقوا وأعلنوا اسالمهم ،وجب الكف عن قتالهم ،وهذا دليل على أن المسلمين ال
يقاتلون من أجل الحصول على الدنيا ،وانما من اجل هداية الناس الى دين هللا فاذا دخلوا في االسالم « دعاهم إلى الهجرة
من دارهم إلى دار المهاجرين » يعني المدينة وكان ذلك مستحبا أو واجبة ،على كل من أسلم من أهل مكة أو غيرها قبل
الفتح ،و أما بعد الفتح فقد قال الرسول عليه الصالة و السالم :ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد و نية .
وأخبرهم انهم ان فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين «الخ » يعني من استحقاق الفيء والغنيمة و غير ذلك وان أبوا التحول فهم
كسائر المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة وال غزو .تجري عليهم احكام االسالم وليس لهم نصيب من الغنيمة أو
الفيء اال اذا جاهدوا مع المسلمين.
الثاني :اذا لم يوافقوا على الدخول في االسالم ،و أعلنوا بقاءهم على دينهم أن يطلب فرض الجزية عليهم ،فان وافقوا
وجب الكف عن قتالهم ،وفي هذا داللة على أن اكراه الناس بالقوة للدخول في االسالم أمر غير متفق عليه ( .ال اکراه في
الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها وهللا سميع عليم )
.
الثالث :أن رفضوا الدخول في االسالم ولم يقبلوا دفع الجزية ،فليقاتلهم مستعينا باهلل معتمدا عليه ،ثم قال عليه الصالة
والسالم مختتما توجيهاته و تعليماته المير الجيش .
( واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة هللا وذمة نبيه ...الخ ) يعني اذا قمت بحصار بلدة ،أو مدينة أو
غيرها ،وطلب منك أهلها اعطاءهم العهد والميثاق على سالمة أرواحهم وأموالهم ،فال تعطهم العهد باسم هللا وال باسم
نبيه ولكن اقطع لهم عهدا على نفسك وأصحابك .حتى اذا حصل نقض لهذا العهد من جانب جاهل من افراد الجيش ،كان
ذلك أهون من نقض عهد اعطي باسم هللا أو اسم نبيه .
( واذا ارادوك أن تنتز لهم على حكم هللا ..الخ ) .يعني إذا طلب منك أهل حصن أن تفك الحصار عنهم على حكم هللا فال
تفعل ،فربما ال تدري أتصيب حكم هللا أم تخطيء ،ولكن أنزلهم على حكمك حتى اذا أخطأت في الحكم يكون أسهل من
انزالهم على حكم هللا.
الهدف :
قصد شيخ االسالم رحمه هللا النهي عن االستشفاع باهلل على أحد من خلقه ،تعظيما لذاته .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب حديث واحد ،هو حديث جبير هذا و فيه يذكر قصة اعرابي جاء إلى الرسول عليه الصالة و السالم ،
يشكو له الفقر والجوع و هالك األموال بسبب تأخر نزول األمطار عليهم ،ويسأله أن يدعو هللا لهم بتنزيل المطر لتسعد
نفوسهم وتحيا مواشيهم ،ويذهب الجوع عن أوالدهم ،فقال :أنا نستشفع باهلل عليك وبك على هللا فأخذ الرسول عليه
السالم يرد التسبيح ،ويقول :سبحان هللا سبحان هللا.
ثم قال لالعرابي « :ويحك أتدري ما هللا ؟ أن شأن هللا أعظم من ذلك انه ال يستشفع باهلل على أحد من خلقه » يعني أن هللا
أعظم وأجل من أن يستشفع به على احد من خلقه مهما كانت منزلة ذلك المخلوق .
146
باب ما جاء في األقسام على هللا
عن جندب بن عبدهللا قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « قال رجل وهللا ال يغفر هللا لفالن :فقال هللا عز وجل -
من ذا الذي يتألی على أن ال أغفر لفالن ؟ اني قد غفرت له و أحبطت عملك » رواه مسلم.
وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة :تكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته .
الهدف :
قصد المؤلف رحمه هللا من هذا الباب التحذير من الحلف على هللا .
الشرح :
ورد تحت هذا الباب ،حديث و احد هو حديث جندب بن عبد هللا رضي هللا عنه ،وفيه أن اإلنسان قد يقول كالما ،ال
يرى فيه بأسا فيكون سببا في هالکه .كما في قصة ذلك الرجل مع صاحبة المذكورة في هذا الحديث ،والتي يرويها ابو
هريرة رضي هللا عنه بشيء من التفصيل فيقول اني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول :أن رجلين من بني
اسرائيل متحابين ،احدهما مجتهد في العبادة ،واآلخر كأنه يقول :مذنب فجعل يقول :أقصر عما أنت فيه ،قال فيقول :
خلني وربي ،قال فوجده يوما على ذنب استعظمه ،فقال :اقصر .فقال :خلني وربي ابعثت علي رقيبا فقال :وهللا ال
يغفر هللا لك وال يدخلك الجنة أبدا قال :فبعث هللا اليهما ملكا فقبض ارواحهما ،فاجتمعا عنده ،فقال للمذنب :ادخل الجنة
برحمتي ،وقال لآلخر :اتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال :ال يا رب قال :اذهبوا به إلى النار .قال أبو
هريرة رضي هللا عنه :والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته .ولهذا جاء في الحديث من ذا الذي يتألي علي
اال أغفر لفالن ؟ إني قد غفرت له و أحبطت عملك ،وفي هذه القصة تحذير للذين يودون أبواب رحمة هللا أمام عباده
المذنبين ويحلفون انه ال يغفر لهم ذنوبهم .
147
باب (ما جاء في حماية النبي صلى هللا عليه وسلم حمى
التوحيد و سده طرق الشرك )
عن عبد هللا بن الشخير قال :انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقلثا :أنت سيدنا ،فقال « السيد هللا
تبارك و تعالى » قلنا :وأفضلنا فضال ،وأعظمنا طوال ،فقال «قولوا بقولكم ،أو بعض قولكم وال يستجرينكم الشيطان »
رواه أبو داود بسند جيد .
وعن أنس رضي هللا عنه أن أناسا قالوا :يا رسول هللا ،ياخيرنا و ابن خيرنا ،وسيدنا و ابن سيدنا .فقال «يا أيها الناس
،قولوا بقولكم ،وال يستهوينكم الشيطان .أنا محمد عبد هللا ورسوله ،ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني هللا
عز وجل » رواه النسائي بسند جيد .
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب التحذير من كل ما ينافي عقيدة التوحيد ،أو يضعفها في قلب المسلم .
الشرح :
أولهما :حديث عبد هللا بن الشخير رضي هللا عنه ،وفيه التحذير من الغلو في المدح ألنه قد يؤدي بالممدوح إلى نوع من
الغرور والتعاظم ،الذي يتنافى مع الذل والخضوع هلل رب العالمين ،ولهذا عندما قال وفد بني عامر لرسول هللا عليه
الصالة و السالم أنت سيدنا فقال :السيد هللا .ثم قال في آخر الحديث « قولوا بقولكم أو بعض قولكم ،وال يستجرينکم
الشيطان ،وقال في حديث آخر «ال تطروني -كما أطرت النصارى ابن مريم انما أنا عبد فقولوا :عبد هللا ورسوله.
وثانيهما :حديث أنس رضي هللا عنه ،و فيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم کره مدح أولئك الناس وقال ( :قولوا بقولكم أو
بعض قولكم وال يستهوينكم الشيطان ،انا محمد عبد هللا ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي انزلني هللا عز
وجل).
والخالصة :
أن النبي صلى هللا عليه وسلم كره ان يقال له سيدنا مع أن هذا جائز بدليل قول النبي صلى هللا عليه وسلم لالنصار «
قوموا إلى سيدکم » يعني بذلك سعد بن معاذ رضي هللا عنه ،كما أنه حذر من الغلو في المدح لما أن من نتائج سيئة ،كل
ذلك من اجل المحافظة على العقيدة القائمة على االعتراف بالعبودية هلل وحده .
148
باب ما جاء في قول هللا تعالى )وما قدروا هللا حق قدره ،
واألرض جميعا قبضته يوم القيامة) اآلية ( - 67الزمر)
عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال جاء حبر من األحبار الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال يا محمد ،أنا نجد أن هللا
يجعل السموات على اصبع ،واالرضين على اصبع ،والشجر على اصبع ،و الماء على اصبع ،والثرى على اصبع ،
وسائر الخلق على اصبع ،فيقول :أنا الملك فضحك النبي صلى هللا عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم
قرأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( وما قدروا هللا حق قدره و األرض جميعا قبضته يوم القيامة ) االية .
وفي رواية لمسلم والجبال والشجر على اصبع ،ثم يهزهن فيقول :أنا الملك ،أنا هللا .وفي رواية للبخاري « :يجعل
السموات على اصبع والماء و الثرى على اصبع ،وسائر الخلق على اصبع .أخرجاه « ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا »
يطوي هللا السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ،ثم يقول :أنا الملك ،أين الجبارون -أين المتكبرون ؟ ثم يطوي
االرضين السبع ،ثم يأخذهن بشماله ثم يقول -أنا الملك ،أين الجبارون ؟ أين المتكبر ون ؟.
وروي عن ابن عباس قال :ما السموات السبع واألرضون السبع في کف الرحمن اال كخردلة في يد أحدكم وقال ابن
جرير :حدثني يونس أنبأنا ابن وهب قال :قال ابن زيد :حدثني ابي قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « ما
السموات السبع في الكرسي اال كدراهم سبعة القيت في ترس » قال ابو ذر :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول
« ما الكرسي في العرش االكحلقة من حديد القيت بين ظهري فالة من األرض ».
وعن ابن مسعود قال بين سماء الدنيا و التي تليها خمسمائة عام و بين كل سماء و سماء خمسمائة عام ،وبين السماء
السابعة والكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي و الماء خمسمائة عام ،والعرش فوق الماء ،وهللا فوق العرش ،ال يخفى
عليه شيء من أعمالكم .أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد هللا .ورواه بنحوه المسعودي
عن عاصم عن أبي وائل عن عبد هللا .قال الحافظ الذهبي رحمه هللا تعالى قال :وله طرق .
وعن العباس بن عبد المطلب قال :رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « هل تدرون كم بين السماء واألرض » ؟ قلنا هللا
ورسوله أعلم قال :بينهما مسيرة خمسمائة سنة و من كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة
خمسمائة سنة ،وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله و اعاله كما بين السماء واألرض ،وهللا سبحانه وتعالى فوق
ذلك و ليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم ،اخرجه أبو داود وغيره .
الثانية :أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه ولم ينكروها ولم يتأولوها .
الثالثة :أن الحبر لما ذكرها للنبي صلى هللا عليه و سلم صدقه و نزل القرآن بتقرير ذلك .
الرابعة :وقوع الضحك من رسول هللا صلى هللا عليه و سلم عند ذكر الحبر هذا العلم العظيم.
الخامسة :التصريح بذكر اليدين وأن السموات في اليد اليمني واالرضين في اليد األخرى.
149
العاشرة :عظمة العرش بالنسبة إلى الكرسي .
التاسعة عشرة :أن البحر الذي فوق السموات بين اعاله وأسفله مسيرة خمسمائة سنة ،وهللا سبحانه و تعالى أعلم
الهدف :
قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن من عبد مع هللا غيره ولم يقدره حق قدره ،لم يعظمه التعظيم الواجب له .
الشرح :
فاآلية الكريمة جاء فيها قوله تعالى (وما قدروا هللا حق قدره ) يعني أن الذين يعبدون مع هللا غيره ،لم يعرفوا هللا حق
المعرفة ،ولم يعظموه التعظيم الالئق به ( ،واألرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) يعني أن
األرض كلها ومن فيها ملکه و تحت قهره يتصرف فيها كيف يشاء ،وكذا السموات خاضعة المره و ارادته ،يطويها كما
يريد ومع هذه القدرة اإللهية الجبارة يشرك المخلوق مع هللا في عبادته مخلوقا ضعيفا ال يستطيع لنفسه ضرا وال نفعا ،وال
موتا ،وال حياة ،وال نشورا ،ولذا قال تعالى في آخر اآلية ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) يعني تقدس وتعالى عن كل
شريك .
وسبب نزول هذه االية كما ذكر ذلك الشيخان البخاري ومسلم أن رجال من أهل الكتاب جاء إلى النبي صلى هللا عليه وسلم
فقال :يا أبا القاسم أبلغك أن هللا تعالى يجعل الخالئق على اصبع والسموات على اصبع واألرضين على اصبع والشجر
على اصبع والثرى على اصبع وسائر الخالئق على اصبع ،فيقول :أنا الملك ؟ فضحك النبي صلى هللا عليه وسلم حتى
بدت نواجذه تصديقا لكالم الحبر.
ومثل هذا الحديث الدال على عظمة هللا التي ال نهاية لها ،وعلى قدرته التي ال نظير لها حديث ابن عمر الوارد فيه أن هللا
جلت قدرته يطوي السموات يوم القيامة ،ثم يأخذهن بيمينه ،ويطوي االراضين السبع ويأخذهن بشماله .
ويرد بعد حديث ابن عمر هذا ،رواية عن ابن عباس رضي هللا عنه يبين فيها أن حجم االرضين السبع في كف الرحمن
جلت عظمته ،كحجم الخردلة ( )1في كف اإلنسان ،وهذا اشعار بعظمة الخالق لهذا الكون كله ثم يأتي بعد رواية ابن
عباس رضي هللا عنه ،حديث من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوضح فيه أن حجم السموات السبع بالنسبة لضخامة
كرسي الرحمن جل وعال -تشبه حجم سبعة دراهم وضعت في ترس)
15۰
يأتي بعد ذلك حديث أبي ذر رضي هللا عنه ،ليبين ضخامة عرش الرحمن بالنسبة للكرسي بأنه كحلقة من حديد ،وضعت
من األرض .
في وسط فالة (24)3
وفي آخر الباب يأتي حديث ابن مسعود رضي هللا عنه ،وحديث العباس بن عبد المطلب رضي هللا عنه وكالهما يتحدثان
عن المسافات الهائلة التي تفصل بين كل سماء وسماء ثم المسافات المذهلة التي تفصل بين هذه السموات السبع ،وبين
الكرسي والعرش ،و اشياء يقف العقل امامها مؤمنا بالعظمة المطلقة هللا جل شأنه .
والخالصة :أن كل األحاديث الواردة في هذا الباب تدل على عظمة هللا التي ال حدود لها ،وعلى أنه القادر على كل شيء
،والقاهر لكل شيء ،وان هذا الكون كله كبيره وغيره ،خاضع خضوعا تاما المره و ارادته -كما وردت في بعض
احاديث الباب كلمة ،كف الرحمن ،وان هللا يضع السموات على اصبع وانه سبحانه وتعالى يطوي السموات السبع ثم
يأخذهن بيمينه ،ويطوي االرضين السبع ثم يأخذهن بشماله وكل هذه صفات هللا مذهب اهل السنة والجماعة فيها -اثباتها
على ما يليق بجالل هللا وعظمته ،اثباتا بال تمثيل ،وتنزيها بال تعطيل ،كما ورد في آخر حديث ابن مسعود أن هللا فوق
العرش -ال يخفى عليه شيء من أعمال العباد ،وقد ورد في استواء هللا على عرشه آيات كثيرة من كتاب هللا ،منها قوله
تعالى ( :ان ربكم هللا الذي خلق السموات واألرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) و مذهب أهل السنة و الجماعة
في استواء هللا على عرشه ال يختلف عن مذهبهم في آيات الصفات االخرى ،فهم يثبتون ان هللا مستو على عرشه مطلع
على خلقه ،ويقولون االستواء غير مجهول ،والكيف غير معقول و االيمان به واجب و السؤال عنه بدعة .
وبعد
بعون من هللا بدأت ،وبتوفيق منه انتهيت سائال منه جلت قدرته أن يجعله عمال خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به ،وآخر
دعوانا ان الحمد هلل رب العالمين .
24
الثفاء )
ه حبة صغية جدا ( حبة ( )1الخردله ي
ن
يتف به المقاتل ضبات السيف
( )2اليس -هو ما ي
( )3الفالة :األرض الواسعة
151
جدول المحتويات
الدر النضيد على كتاب التوحيد 2 ................................. ................................ ................................
االهداء 3 ........................... ................................ ................................ ................................
مقدمة 4 .......................... ................................ ................................ ................................ .
تمهيد 5 ............................. ................................ ................................ ................................
مؤلفاته 7 ......................... ................................ ................................ ................................ :
منهجه في الدعوة 7 .............. ................................ ................................ ................................ :
المفترون عليه 7 ................. ................................ ................................ ................................ :
المنصفون له 7 ................... ................................ ................................ ................................ :
نبذة موجزة عن شارح الكتاب 11 ................................ ................................ ................................
باب التوحيد وقول هللا تعالى ( وما خلقت الجن واالنس اال ليعبدون ) اآلية ( - 56الذاريات ) 13 .......................... .
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب 18 ...................... ................................ ................................
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب 22 ............... ................................ ................................
باب الخوف من الشرك 25 ....................................... ................................ ................................
باب الدعاء الى شهادة أن ال اله اال هللا 27 ....................... ................................ ................................
باب تفسير التوحيد ،وشهادة أن ال اله اال هللا 31 ................ ................................ ................................
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البالء أو دفعه 34 .......................... ................................
باب ما جاء في الرقي والتمائم 36 ................................ ................................ ................................
باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما 39 .................... ................................ ................................
باب ما جاء في الذبح لغير هللا 42 ................................ ................................ ................................
باب ال يذبح هلل بمكان يذبح فيه لغير هللا 44 ...................... ................................ ................................
باب من الشرك النذر لغير هللا 46 ................................ ................................ ................................
باب من الشرك االستعاذة بغير هللا 47 ............................ ................................ ................................
باب من الشرك أن يستغيث بغير هللا أو يدعو غيره 48 ......................................... ................................
باب قول هللا تعالى ( حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ) االية ( - 23سبأ )55.
باب الشفاعة 59 ................... ................................ ................................ ................................
باب قول هللا تعالى ( انك ال تهدي من أحببت ) اآلية ( - 56القصص ) 61 ................... ................................
باب ما جاء أن سبب کفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين 63 ................... ................................
باب ( ما جاء من التغليظ فيمن عبد هللا عند قبر رجل صالح فكيف اذا عبده ) 67 ............. ................................
باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أو ثانا تعبد من دون هللا 7۰ ................. ................................
باب ما جاء في حماية المصطفى صلى هللا عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك 72 ..............
باب ما جاء أن بعض هذه األمة يعبد األوثان 74 ................ ................................ ................................
باب ما جاء في السحر 78 ...................................... ................................ ................................ .
باب بيان شيء من أنواع السحر 8۰ .............................. ................................ ................................
باب ما جاء في الكهان و نحوهم 82 ............................. ................................ ................................
152
باب « ما جاء في النشرة« 84 .................................. ................................ ................................
باب ما جاء في التطير 85 ........................................ ................................ ................................
باب ما جاء في التنجيم 87 ........................................ ................................ ................................
باب ما جاء في االستسقاء باألنواء 89 ........................... ................................ ................................
باب قول هللا تعالى ( :وعلى هللا فتوكلوا ان کنتم مؤمنين ) ( المائدة ) 23 -وقوله ( :انما المؤمنون الذين اذا ذكر هللا
وجلت قلوبهم ) اآلية ( االنفال )2 -وقوله ( :يا أيها النبي حسبك هللا ) اآلية ( االنفال ) 64 -وقوله ( ومن يتوكل على
هللا فهو حسبه ) اآلية ( الطالق 95 ........................ ................................ ................................ .)3 -
باب قول هللا تعالى ( أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا اال القوم الخاسرون ) االية ( االعراف ) 99 -وقوله ( :ومن يقنط
من رحمة ربه اال الضالون ) االية ( الحجر 97 ........................................ ................................ ) 56 -
باب ( من االيمان باهلل الصبر على أقدار هللا ) 99 ............. ................................ ................................ .
باب ما جاء في الرياء وقول هللا تعالى ( :قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلي انما الهكم اله واحد ) اآلية ( الكهف – )11۰
1۰1 ............................... ................................ ................................ ................................
باب من الشرك إراحة االنسان بعمله الدنيا 1۰2 ............... ................................ ................................ .
باب من اطاع العلماء واألمراء في تحريم ما أحل هللا أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا من دون هللا 1۰4 ................
باب قول هللا تعالى ( :ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك بريدون أن يتحاكموا إلى
الطاغوت ،وقد أمروا أن يكفروا به ،ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا ) اآليات ( النساء )6۰ -وقوله ( :واذا قيل
لهم ال تفسدوا في األرض قالوا انما نحن مصلحون) االية ( البقرة 1۰6 ............... ................................ ) 11 -
باب من جحد شيئا من األسماء والصفات 1۰8 ................ ................................ ................................ .
باب قول هللا تعالى ( :يعرفون نعمة هللا ثم ينكرونها ) اآلية ( النحل ) 83 -قال مجاهد ما معناه :هو قول الرجل :هذا
مالي ورثته عن آبائی .وقال عون بن عبد هللا :يقولون لوال فالن لم يكن كذا 11۰ ......................................... .
باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف باهلل 113 .................... ................................ ................................ .
باب قول ما شاء هللا وشئت 114 ............................... ................................ ................................ .
باب من سب الدهر فقد آذى هللا 116 ............................. ................................ ................................
باب التسمي بقاضي القضاة و نحوه 118 ........................ ................................ ................................
باب احترام أسماء هللا تعالى و تغيير االسم ألجل ذلك 119 ..................................... ................................
باب من هزل بشيء فيه ذكر هللا أو القرآن أو الرسول 12۰ .................................. ................................ .
باب ما جاء في قول هللا تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن
رددت إلى ربي ان لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) اآلية ( فصلت 122 )5۰ -
باب قول هللا تعالى ( فلما آتاهما صالحا جعال له شركاء فيما آتاهما فتعالى هللا عما يشركون ) اآلية ( – 19۰األعراف )
124 .............................. ................................ ................................ ................................ .
باب قول هللا تعالى ( وهلل األسماء الحسنی فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) اآلية ( – 18۰األعراف) 126 .. .
باب (ال يقال السالم على هللا) 128 ............................... ................................ ................................
باب قول :اللهم اغفر لي ان شئت 129 ........................ ................................ ................................ .
باب ال يقول عبدي و أمتي 13۰ .................................. ................................ ................................
باب ال يرد من سأل باهلل 131 .................................... ................................ ................................
باب ال يسأل بوجه هللا اال الجنة 133 ............................. ................................ ................................
باب ما جاء في اللو 134 ......................................... ................................ ................................
153
باب النهي عن سب الريح 135 ................................... ................................ ................................
باب قول هللا تعالى ( يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية ،يقولون هل لنا من األمر من شيء .قل أن األمر كله هلل ) .
اآلية ( - 154آل عمران ) وقوله ( الظانين باهلل ظن السوء ،عليهم دائرة السوء ) .اآلية ( الفتح136 ............. . ) 6-
باب ما جاء في منكري القدر 138 ............................... ................................ ................................
باب ( ما جاء في المصورين) 14۰ ............................. ................................ ................................
باب ما جاء في كثرة الحلف 142 ................................ ................................ ................................
باب ما جاء في ذمة هللا وذمة نبيه 144 .......................... ................................ ................................
باب ال يستشفع باهلل على خلقه 146 .............................. ................................ ................................
باب ما جاء في األقسام على هللا 147 ............................ ................................ ................................
باب (ما جاء في حماية النبي صلى هللا عليه وسلم حمى التوحيد و سده طرق الشرك ) 148 .................................
باب ما جاء في قول هللا تعالى )وما قدروا هللا حق قدره ،واألرض جميعا قبضته يوم القيامة) اآلية ( - 67الزمر) 149 ..
154