You are on page 1of 154

1

‫الدر النضيد على كتاب التوحيد‬

‫‪2‬‬
‫االهداء‬
‫‪ -‬إلى القائد الرائد‬

‫‪ -‬إلى من وقف صامدا أمام التحديات العالمية ليرفع صوت اإلسالم ‪ .‬مدافعا ً عنه ‪ ،‬وموضحا ً حقيقته وأهدافه‬

‫‪ -‬وإلى من انتزع االعتراف من زعماء غير مسلمين بأن االسالم اليحول بين اإلنسان وبين التطور العلمي ‪ ،‬والتقدم‬
‫الحضاري‪.‬‬

‫‪ -‬إلى الذي شق طرقه بين الصفوف ليعلن الدعوة إلى تضامن المسلمين و وحدة كلمتهم‪.‬‬

‫‪ -‬وإلى الذي وقف وسط الزحام في شجاعة المؤمن ليؤكد ان العز للمسلمين اال بالتمسك باإلسالم ‪ ،‬والثبات على العقيدة‬
‫الخالصة هلل وحده ‪.‬‬

‫‪ -‬إلى الرجل الذي أخذ مكانه بين زعماء العالم عن جدارة واستحقاق‪.‬‬

‫‪ -‬وإلى الرجل الذي عمل وممل بجد وإخالص السعاد امته و وطنه‪.‬‬

‫‪ -‬إلى داعية التوحيد ‪ ،‬فيصل بن عبدالعزيز أهدي في تقدير واحترام بمجهود فكري‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة ‪.‬‬
‫بين يدي الكتاب حينما يفكر أخي فضيلة األستاذ الشيخ سعيد بن عبد العزيز الجندول في وضع شرح مبسط لكتاب التوحيد‬
‫للعالمة شيخ االسالم محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا ورضي عنه ‪ ...‬فانه يضع بتفكيره االستكمال الطبيعي الواضح للنهج‬
‫االسالمي الذي أخذ به نفسه منذ أن كان فتى يافعا ثم رجال مكتمل الرجولة ‪ .‬ثم هو اذ يدفع بتفكيره إلى البروز فيضع‬
‫الشرح الوافي للكتاب انما يضع قدمه باذن هللا في بداية خطوات طوال نحو أهداف كبيرة ‪ ،‬ولن يتساءل القارئ أبدا عن‬
‫االهداف ألنها واضحة ومشرقة ‪ .‬عمل كل المصلحين لبلوغها وتحملوا في سبيلها الكثير من النصب والمشقة و األذى ‪.‬‬
‫وستظل القافلة منطلقة بمشيئة هللا ما بقيت حياة ‪ ،‬وما بقي أحياء ‪.‬‬

‫وأغلى األهداف وأعالها منزلة وشأوا ( تنقية ) العقيدة من كل الشوائب ‪ ،‬وتصحيح الصلة بين العبد وربه على أساس‬
‫راسخ ونقي من عبادته وحده ال شريك له ‪ ،‬وصرف كل أنواع العبادة له دون غيره وااللتزام بما أمر به ‪ ،‬وممارسة ذلك‬
‫واقعا عمليا لتسعد باالحياء حياتهم ‪ ،‬و ليلتقي الراحلون بفضل من ربهم ‪ -‬بالنعيم المقيم والسعادة األبدية التي ال تنتهي ‪.‬‬

‫وشيخ االسالم محمد بن عبد الوهاب عليه رحمه هللا كان رجال يستحق التاريخ أن يقف بجواره ليحكي للدنيا قصة ايمانه‬
‫العميق بر به ‪ ،‬وعزيمته التي ال حد لها لكي يحول ذلك االيمان إلى واقع يمارسه كل الناس ‪ ،‬وتختفي معه كل االنحرافات‬
‫واألصنام والطواغيت ألنها باطلة باطلة‪..‬‬

‫وانتصرت دعوة الشيخ التي كان فيها رحمه هللا ‪ -‬مجددا لما اندثر من معالم العقيدة الصحيحة مزيال لما تعلقها من أباطيل‬
‫وضالالت ‪ ،‬وشاء هللا أن يتحقق انتصاره بفضل هللا ثم بفضل ايمانه العميق ومؤازرة األئمة من آل سعود الكرام‬
‫المجاهدين ليضعوا بذلك مجتمعين اللبنة األولى للدولة المسلمة التي تنفرد باحتكامها إلى كتاب هللا وسنة رسوله قوال وعمال‬
‫‪ ...‬والكتاب الذي بين أيدينا اآلن هو نتيجة دراسة فاحصة واستيعاب واضح قام بهما فضيلة الشيخ سعيد لمؤلف الشيخ‬
‫اإلمام رحمه هللا أنتهت به إلى وضع شرح جيد له يكمل فائدته ‪ ،‬ويبسط أهدافه وهو من أقدر رجالنا اليوم على ما فعل وله‬
‫من إلمامه وقراءاته والتزامه الواضح ما يرشحه الجادة ما صنع والقدرة على صنع غيره ‪.‬‬

‫نفع هللا به واثابه و وفقه و رحم شيخنا شيخ االسالم محمد بن عبد الوهاب وكل الداعين إلى دين هللا على بصيرة‪.‬‬

‫وزير التعليم العالى‬

‫الشيخ حسن بن عبدهللا آل الشيخ‬

‫‪4‬‬
‫تمهيد‬
‫الحمد هلل الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ أحد وأصلي وأسلم على خاتم النبيين والمرسل إلى‬
‫الناس أجمعين ‪ .‬وبعد ‪-:‬‬

‫فمنذ مدة غير قصيرة وأنا تراودني فكرة القيام بعمل يجعل كتاب التوحيد لالمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه‬
‫هللا كتابا يعيش أحداث هذا العصر باالسلوب و اللغة التي يفهمها العالم والمتعلم ومنذ عام أو يزيد بدأت في القاء األضواء‬
‫على هذا الكتاب بأسلوب جديد وصياغة جديدة ‪ ،‬وطريقة مبتكرة ‪ ،‬و استطعت بعون من هللا أن أخضع الكثير من مواضيع‬
‫الكتاب التي كانت تعالج مشاكل معينة في عصر الشيخ رحمه هللا لمعالجة بعض المشاكل المعاصرة‬

‫والعطاء القارئ ايضاحا أكثر فان الدافع الذي جعلني أفكر في عمل كهذا أمور ثالثة ‪-:‬‬

‫األول ‪ :‬أن صاحب هذا الكتاب رحمة هللا عليه رحمة واسعة ‪ ،‬وجزاه عن االسالم و المسلمين أفضل ما يجازی به دعاة‬
‫الخير ورواد االصالح ‪ ،‬له الفضل الكبير في تصحيح عقيدة هذه األمة وتنوير أفكارها من ظلمات الجهل وعبادة غير هللا ‪،‬‬
‫حتى تطهرت هذه األرض من عبادة المخلوقين وأصبح التوحيد شعار الدولة واالمة كلها ‪ ،‬يلتفون حوله مؤمنين موحدين ‪،‬‬
‫ورجل أنقذ هللا به هذه البالد من فساد العقيدة ‪ ،‬وكافح وجاهد حتى رجع الناس إلى دينهم الصحيح صابرا ً محتسبا ً ‪ ،‬يستحق‬
‫منا وفاءا بحقه و اعترافا بفضله أن نجدد ذكره في األذهان ‪ ،‬ونحيي ما خلفه لنا من علم و فكر ‪ ،‬ولم أجد ما أسهم به في‬
‫هذا المجال سوى محاولة مخلصة لشرح كتابه هذا بطريقة جديدة تختلف تماما عن الطريقة القديمة المعروفة ‪ ،‬وهذا هو‬
‫كل ما قدرت عليه بالنسبة لرجل مصلح يعيش دائما في قلوبنا ‪ ،‬النه اخلص هلل فخلد هللا ذكره ‪ ،‬وسيبقى حيا في النفوس‬
‫إلى االبد ان شاء هللا‪...‬‬

‫الثاني ‪ :‬اقتناعي التام بان كتابا كهذا كان سببا في هداية الكثير من الناس في هذه البالد وغيرها ال بد وان تكون الفائدة منه‬
‫في عصرنا هذا أعم وأشمل أذا ما قدم للقارئ بطريقة مبتكرة ‪ ،‬ولقد حاولت أن أسلك هذا السبيل بقدر ما أملك من طاقة‬
‫فكرية ‪ ،‬ولعلي قد توصلت إلى بعض النتائج المرضية ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬الموجات االلحادية التي تجرف الكثير من أبناء المسلمين لتخرجهم عن اسالمهم عن طريق التشكيك في العقيدة‬
‫تارة ‪ ،‬واالغراء بالمال و غيره تارة اخرى تحتم على كل غيور على دين هللا أن يقدم الخوانه المسلمين ما عساه أن يكون‬
‫عاصما لهم عن االنحراف عن عقيدة التوحيد ‪.‬‬

‫وانطالقا من صالح نية المؤلف رحمه هللا وما أداه هذا الكتاب من دور كبير في الحفاظ على صفاء عقيدة التوحيد في هذه‬
‫البالد وغيرها ‪ ،‬وايمانا بان المسلم بدون عقيدة تربطه باهلل مباشرة و بال واسطة مخلوق ال يستحق أن يسمي مسلما‬
‫بالمعنى الذي أراده هللا ‪.‬‬

‫فقد شاء هللا أن يتحول األمر من فكرة الى حقيقة‪.‬‬

‫ولقد كان حرصي شديدا في أن يتجه هذا الشرح اتجاها يختلف عن الشروح القديمة من ناحية االسلوب و الطريقة ‪،‬‬
‫والتعرف لبعض االمور التي رأيت أن الضرورة تدعو إلى ذكرها دون ان اخرج عن اطار الكتاب أو التجاوز معاني‬
‫اآليات واألحاديث الواردة فيه وحسبي من ذلك كله نفعا عاما ‪ .‬و الخير قصدت ‪ -‬وما توفيقي اال باهلل عليه توكلت واليه‬
‫أنيب‪.‬‬

‫سعيد بن عبد العزيز الجندول‬

‫ترجمة موجزة عن المؤلف»‬

‫نسبه ‪:‬‬

‫هو داعية التوحيد أبو عبد هللا محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي ‪ ،‬علم من‬
‫أعالم االسالم و مصلح من المصلحين الكبار ‪.‬‬

‫مولده ونشأته ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ولد هذا المجدد رحمه هللا في بلدة من بالد نجد تسمى " بالعيينة " تقع شماال عن مدينة الرياض ‪ -‬عام ‪ 111۰‬هجرية ونشأ‬
‫بها ولما يبلغ العاشرة من عمره اال وقد أكمل القرآن الكريم حفظا ‪.‬‬

‫طلبه العلم ‪:‬‬

‫وعلى يد والده الذي كان قاضيا آنذاك بدأ يوسع معلوماته في الفقه وغيره ‪ :‬وجريا على رغبة العلماء في طلب المزيد من‬
‫العلم ‪ -‬سافر رحمه هللا من بالد نجد إلى الحجاز ‪ ،‬وهناك بدأ يتلقى العلوم عن علماء مكة والمدينة ‪ ،‬ثم انتقلت به الرغبة‬
‫إلى المزيد من المعرفة فذهب إلى البصرة ‪ ،‬وتعلم فيها من علم الحديث والفقه والنحو الشيء الكثير ‪.‬‬

‫عودته الى نجد ‪:‬‬

‫عاد بعد هذه الرحلة إلى بلده واستقر به المقام عند والده ببلدة حريمالء يواصل طلب العلم عليه ‪ ،‬ويعكف على قراءة‬
‫التفاسير للقرآن الكريم ‪ ،‬وشروح السنة وكتب أعالم االسالم مثل کتب شيخ االسالم ابن تيمية و ابن القيم رحمهما هللا‪.‬‬

‫وهنا صنف كتابه هذا ‪ -‬کتاب التوحيد ‪ -‬و قيل انه صنفه بالبصرة ‪ ،‬وسواء أكان صنفه بالبصرة أو حريمالء فهو كتاب‬
‫يحارب ما عليه الناس من بدع و خرافات ‪ ،‬تخالف التوحيد الخالص هلل ‪..‬‬

‫ولقي الشيخ رحمه هللا في سبيل دعوته الناس إلى التوحيد أنواعا من األذى مما اضطره إلى االنتقال من حريمالء إلى‬
‫العيينة ‪ ،‬وفيها وجد من أميرها ابن معمر مساندة وتشجيعا ‪ ،‬فأخذ رحمه هللا يدعو إلى هللا‬

‫حتى أزال كل معالم الوثنية هناك ‪ ،‬اال أن هذه المساندة لم تدم ‪ ،‬وذلك أن حاكم االحساء والقطيف سليمان بن عريعر خاف‬
‫من انتشار دعوة الشيخ التي قد تكون سببا في االطاحة بسلطانه ‪ ،‬فكتب البن معمر يطلب منه اخراج الشيخ من العيينة‬
‫واال فسوف يقوم بغزو لبالده ‪ .‬ولما لم يكن ابن معمر قادرا على الدفاع عن بلده طلب من الشيخ مغادرة العيينة فخرج‬
‫متجها نحو الدرعية ‪ ،‬وفي هذه البلدة تقابل مع أميرها محمد بن سعود بن مقرن فأكرمه ‪ ،‬و وعده بالمعاونة في نشر‬
‫دعوته ‪ ،‬وهنا أخذ الشيخ رحمه هللا يوضح لألمير محمد حقيقة ما يدعو اليه ‪ ،‬وأن هدفه الوحيد هو ارجاع الناس إلى‬
‫العقيدة الصحيحة وترك عبادة األوثان ‪ ،‬فانشرح صدر األمير ‪ ،‬وأستقرت هذه الدعوة في قلبه ‪ ،‬وتعاهد معه على النصرة‬
‫و الحماية والجهاد الى أن يظهر هللا دينه ‪ ،‬وسار الرجالن جنبا إلى جنب يدعوان الناس إلى دين هللا وترك عبادة األصنام‬
‫إلى أن تطهرت البالد من عبادة غير هللا ‪.‬‬

‫انتشار دعوة الشيخ في الخارج ‪:‬‬

‫ولم تبق دعوة هذا المصلح الكبير رحمه هللا محصورة في نجد بل انتشرت عن طريق الوافدين إلى مكة للحج و العمرة في‬
‫أقطار كثيرة وتأثر بها رجال االصالح االسالمي في العراق ‪ ،‬و الشام ‪ ،‬ومصر ‪ ،‬والهند ‪ ،‬كما انتقلت عن الطريق نفسه‬
‫الى كل من السودان و سومطرة ‪ ،‬وصار لها أنصار ‪ ،‬و مؤيدون ‪ -‬بدعون لها ويدافعون عنها ‪ ،‬ولقد بلغ تأثيرها من القوة‬
‫حدا لم يبلغه تأثير دعوة أخرى منذ عهد بعيد‪.‬‬

‫شيوخه ‪:‬‬

‫تتلمذ رحمه هللا بالمدينة المنورة على الشيخ عبد هللا بن ابراهيم بن سيف ‪ ،‬وأخذ عنه الكثير من العام وأجازه بالحديث‬
‫المشهور المسلسل في األولية ‪ « ،‬الراحمون يرحمهم الر حمن » من طريقين ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬من طريق ابن مفلح عن شيخ االسالم احمد بن تيمية وينتهي إلى األمام أحمد ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬من طريق عبد الرحمن بن رجب عن ابن القيم عن ابن تيمية وينتهي إلى اإلمام أحمد‪.‬‬

‫كما أجازه الشيخ بكل ما في ثبت الشيخ عبد الباقي الحنبلي شيخ مشايخ وقته قراءة و علما و تعليقا‪ ..‬صحيح البخاري‬
‫بسنده إلى مؤلفه ‪ ،‬وصحيح مسلم وشروح الصحيحين وسنن الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وأبي داود ‪ ،‬وابن ماجة ومؤلفات‬
‫الدارمي بسنده المتصل الى مؤلفه ‪ ،‬و مسند اإلمام الشافعي ‪ ،‬وموطأ مالك ‪ ،‬ومسند اإلمام أحمد الى غير ذلك مما ثبت في‬
‫ثبت الشيخ عبد الباقي ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ومن مشايخه أيضا الشيخ علي أفندي الداغستاني ‪ ،‬والشيخ اسماعيل العجلوني ‪ ،‬والشيخ عبد اللطيف العفالقي االحسائي ‪،‬‬
‫والشيخ محمد العفالقي االحسائي ‪ ،‬والشيخ محمد المجموعي و غيرهم ‪.‬‬

‫مؤلفاته ‪:‬‬
‫ألف رحمه هللا مجموعة من الكتب منها تفسير سورة الفاتحة ‪ -‬مختصر صحيح البخاري ‪ -‬مختصر السيرة النبوية ‪-‬‬
‫نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم النبيين ‪ -‬کتاب التوحيد ‪ -‬أصول األيمان ‪ -‬کتاب الكبائر‪-‬‬

‫کشف الشبهات ‪ -‬ثالثة األصول ‪ -‬مختصر االنصاف والشرح الكبير ‪ -‬آداب المشي إلى الصالة ‪ -‬أحاديث الفتن ‪ -‬مختصر‬
‫زاد المعاد ‪ -‬المسائل التي خالف فيها رسول هللا أهل الجاهلية ‪ ،‬ورسائل عديدة أخرى أغلبها يدور حول موضوع التوحيد ‪.‬‬

‫منهجه في الدعوة ‪:‬‬


‫لم يكن للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا مذهب مختص به كما يزعم ذلك أعداؤه وانما هو سلفي العقيدة ‪ ،‬حنبلي‬
‫المذهب ‪ ،‬والذين يطلقون على دعوة الشيخ رحمة هللا عليه اسم ( الوهابية ) ويز عمون أنها ابتدعت مذهبا جديدا ‪ -‬انما هم‬
‫أحد رجلين أما جاهل بحقيقة هذه الدعوة أو عدو لألسالم يريد صد الناس عن دعوة الحق ‪ -‬ولقد حاول أعداء هذه الدعوة‬
‫بأكاذيبهم ومفترياتهم أن يعزلوها عن بقية أنحاء العالم االسالمي ‪ ،‬وأن يحصروها في نطاق الجزيرة العربية لكن هللا الذي‬
‫يؤيد عباده المصلحين ‪ ،‬لم يترك لهذا الحصار أن يدوم طويال ‪ ،‬فقد هيأ لهذه الدعوة الخالصة هلل أن تنتشر في كل مكان‬
‫رغم الصعوبات التي وضعت في طريقها وشراسة االعداء الذين يشوهون حقيقها|‬

‫ولقد تأثر بهذه الدعوة واقتبس من مبادئها رجال لهم مكانة في االسالم والدعوة اليه ‪ -‬كجمال الدين األفغاني ‪ -‬بأفغانستان ‪،‬‬
‫ومحمد عبده بمصر ‪ ،‬وجمال الدين القاسمي بالشام ‪ ،‬وخير الدين التونسي بتونس ‪ ،‬وصديق خان في بهو بال و أمير علي‬
‫في كلكته و غيرهم‪.‬‬

‫وعلى هذا فدعوة الشيخ رحمه هللا لم تزد على أنها دعوة للمسلمين إلى الرجوع إلى توحيد هللا ‪ ،‬واالبتعاد عن البدع‬
‫والخرافات التي طغت على حياتهم فأبعدتهم عن العقيدة الصافية التي كان عليها الرسول عليه الصالة والسالم وأصحابه‬
‫ومن سار على نهجهم من المسلمين وهذا هو المنهج الذي سار عليه رحمه هللا دعوة إلى التوحيد ‪ ،‬وابتعاد عن الشرك ‪،‬‬
‫ونبذ للبدع والخرافات التي ما أنزل هللا بها من سلطان ‪.‬‬

‫المفترون عليه ‪:‬‬


‫لقيت دعوة االصالح هذه معارضة شديدة من أصحاب البدع والخرافات فراحوا يختلقون ضدها األكاذيب ‪ ،‬ويفترون على‬
‫صاحبها أشياء ما قالها ‪ ،‬ولم يقلها لينفروا بذلك الناس عن هذه الدعوة النقية الطاهرة ‪ ،‬فقالوا عنه ‪ :‬انه يكفر المسلمين ‪،‬‬
‫وأن أتباعه ال يحبون الرسول عليه الصالة والسالم و أشياء كثيرة ينسبونها إلى صاحب هذه الدعوة ‪ ،‬ما كان القصد منها‬
‫سوى تشويه الحقائق و ابعاد الناس عن اتباع هذه الدعوة التي كان هدفها األساسي انقاذ الناس من الشرك واالتجاه إلى‬
‫عبادة الواحد الذي ال شريك له ‪ ،‬ولقد نجح أولئك المفترون في تشويه حقيقة هذه الدعوة باعتبارها مذهبا جديدا يخالف‬
‫المذاهب األربعة وساعد على ذلك بعض علماء الضالل الذين ألفوا كتبا نفرت المسلمين أكثر عن اتباع هذه الدعوة‬
‫االصالحية ‪.‬‬

‫لكن الحقائق لم تلبث أن أظهرت للناس في جالء ووضوح أن دعوة الشيخ رحمه هللا لم تكن سوى دعوة الى العقيدة‬
‫الصافية النابعة من كتاب هللا وسنة رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ومن هنا بدأ الناس يفهمون هذه الدعوة على حقيقتها‬
‫واعترف لصاحبها بأنه من كبار المصلحين و المجددين رحمه هللا ورضي عنه ‪.‬‬

‫المنصفون له ‪:‬‬
‫أ‪ -‬رأي بعض علماء المسلمين في دعوته ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫قال عنه الشيخ محمد رشيد رضا رحمه هللا لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانين يجددون لهذه‬
‫األمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة ‪ ،‬وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين و تأويل الجاهلين كما‬
‫ورد في األحاديث ‪.‬‬

‫ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤالء العدول المجددين ‪ ،‬قام يدعو إلى تجريد التوحيد ‪ ،‬و اخالص‬
‫العبادة هلل وحده ‪ ،‬بما شرعه في كتابه ‪ ،‬وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وترك البدع والمعاصي‬
‫واقامة شعائر اإلسالم المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة تنهدت لمناهضته واضطهاده ‪ .‬القوى الثالث قوة الدولة‬
‫والحكام ‪ ،‬وقوة أنصارهم من علماء النفاق ‪ ،‬وقوة العوام الطغام‪.‬‬

‫وقال عالمة العراق الشيخ محمود شكري اللوسي رحمه هللا كان الشيخ محمد من بيت علم في نواحي نجد ‪ .‬وكان أبوه‬
‫الشيخ عبد الوهاب عالما فقيها على مذهب األمام أحمد ‪ ،‬وكان قاضيا في بلد العيينة ‪ ،‬ثم في حريمالء ‪ ،‬وذلك في أوائل‬
‫القرن الثاني عشر وله معرفة تامة بالحديث والفقه وله أسئلة وأجوبة وكان والد عبد الوهاب الشيخ سليمان عالما فقيها أعلم‬
‫علماء نجد في عصره ‪ ،‬له اليد الطولى في العلم وانتهت اليه رياسة العلم في نجد ‪ -‬صنف و درس وأفتی اال أن الشيخ‬
‫محمدا لم يكن على طريقة أبيه وجده ‪ ،‬وكان شديد التعصب للسنة ‪ ،‬كثير االنكار على من خالف الحق من العلماء‪.‬‬

‫والحاصل أنه كان من العلماء اآلمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكان يعلم الناس الصالة و أحكامها وسائر أركان‬
‫الدين ويأمر بالجماعات ‪.‬‬

‫وقد جد في تعليم الناس وحثهم على الطاعة وأمرهم بتعلم أصول االسالم وشرائطه ‪ ،‬وسائر أحكام الدين ‪ ،‬وأمر جميع أهل‬
‫البالد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد صالة الصبح ‪ ،‬وبين العشائين بمعرفة هللا ‪ ،‬ومعرفة دين االسالم ‪ ،‬ومعرفة‬
‫أركانه ومعرفة النبي محمد صلى هللا عليه وسلم ونسبه ومبعثه و هجرته‬

‫وأول ما دعا اليه كلمة التوحيد ‪ ،‬وسائر العبادات التي ال تنبغي اال هللا ‪ ،‬كالدعاء والذبح ‪ ،‬والنذر ‪ ،‬والخوف ‪ ،‬والرجاء ‪،‬‬
‫والخشية والرغبة ‪ ،‬والتوكل ‪ ،‬واالنابة ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬

‫فلم يبق أحد من عوام أهل نجد ‪ ،‬جاهال باحكام دين االسالم بل كلهم تعلموا ذلك ‪ ،‬بعد أن كانوا جاهلين ‪ ،‬اال الخواص منهم‬
‫انتفع الناس به من هذه الجهة الحميدة أي سير ته المرضية و ارشاده النافع‪.‬‬

‫وقال العالمة الشيخ علي الطنطاوي متحدثا عنه في كتابه " محمد بن عبد الوهاب " ذکر فشو البدع قبل والدة الشيخ «‬
‫محمد » كما قال ‪ ،‬واعتقد الناس النفع والضرر بالرسول والصالحين ‪ ،‬وبالقبور واألشجار ‪ ،‬والقباب ‪ ،‬والمزارات ‪،‬‬
‫فيطلبون منهم الحاجات ‪ ،‬ويرجعون في الشدائد اليهم ‪ ،‬وينذرون لهم ‪ ،‬ويذبحون لهم ‪ ،‬وأشتد تعظيم األموات ‪ .‬وكان حظ‬
‫نجد في هذه الجاهلية الجديدة أكبر الحظوظ ‪ .‬فقد اجتمع على أهله الجهل والبداوة والفقر واالنقسام في كل ناحية من نواحي‬
‫نجد من األمراء بمقدار ما كان فيها من القرى‬

‫ففي كل قرية أمير وفي كل ناحية جمعية أمم ‪ ،‬وكان في كل إمارة قبر عليه بناء او شجرة لها أسطورة يقوم عليها سادن‬
‫من شياطين األنس ‪ -‬يزين للناس الكفر ويدعوهم إلى االعتقاد بالقبر والذبح له والتبرك به والدعاء عنده ‪ .‬ثم ذكر شجرة‬
‫تسمى شجرة الذئب ‪ ،‬وقبر « زيد بن الخطاب » و ذلك على سبيل المثال‬

‫قال ‪ :‬وكان العلماء قلة ‪ ،‬والحكام عتاة ظلمة ‪ ،‬والناس فوضى يغزو بعضهم بعضا ‪ ،‬ويعدو قويهم على ضعيفهم‪.‬‬

‫في تلك البيئة نشأ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا فرأى شمس اإلسالم إلى أفول ‪ ،‬ورأي ظلمة الكفر الى امتداد و شمول‬
‫‪.‬‬

‫وأراد هللا له الخير فقدر له أن يكون أحد الذين أخبر الرسول انهم يبعثون ليجددوا لهذه األمة دينها ‪ ،‬بل لقد كان أحق بهذا‬
‫الوصف من كل من وصف به في تاريخنا ‪.‬‬

‫فقد حقق هللا على يديه عودة نجد إلى التوحيد الصحيح والدين الحق ‪ ،‬وااللفة بعد االختالف ‪ ،‬والوحدة بعد االنقسام‪.‬‬

‫وال أقول ‪ :‬أن الرجل كامل فالكمال هلل ‪.‬‬

‫وال أقول ‪ :‬انه معصوم فالعصمة لألنبياء ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وال أقول ‪ :‬انه عار عن العيوب و االخطاء ‪.‬‬

‫ولكن أقول أن هذه اليقظة ‪ ،‬التي عمت نجدا ثم امتدت حتى جاوزته إلى أطراف الجزيرة‪ ،‬ثم إلى ما حولها ‪ ،‬ثم امتدت‬
‫حتى وصلت إلى آخر بالد االسالم ‪ ،‬ليست اال حسنة من حسناته عند هللا أن شاء هللا‬

‫وتحدث عنه الدكتور طه حسين‬

‫فقال ‪ :‬أن الباحث عن الحياة العقلية واألدبية في جزيرة العرب ‪ ،‬ال يستطيع أن يهمل حركة عنيفة نشأت فيها أثناء القرن‬
‫الثامن عشر ‪،‬‬

‫فلفتت اليها العالم الحديث في الشرق والغرب ‪ ،‬واضطرته أن يهتم بأمرها وأحدثت فيها آثارا خطيرة ‪ ،‬هان شأنها بعض‬
‫الشيء ولكنها عادت فاشتدت في هذه األيام ‪ ،‬وأخذت تؤثر ال في الجزيرة وحدها بل في عالقاتها باألمم األوربية‪.‬‬

‫هذه الحركة هي حركة الوهابيين ‪ ،‬التي أحدثها محمد بن عبد الوهاب شيخ من شيوخ نجد‪.‬‬

‫إلى أن قال ‪ :‬قلت أن هذا المذهب الجديد قديم معنی ‪ .‬والواقع انه جديد بالنسبة إلى المعاصرين ‪ ،‬ولكنه قديم في حقيقة‬
‫األمر ‪ .‬ألنه ليس اال الدعوة القوية إلى اإلسالم الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية‬

‫هو الدعوة إلى االسالم ‪ ،‬كما جاء به النبي صلى هللا عليه وسلم خالصا هلل ملغيا كل واسطة بين هللا وبين الناس‪.‬‬

‫هو احياء لالسالم و تطهير له ‪ ،‬مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج االختالط بغير العرب‪.‬‬

‫فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة ‪ ،‬إلى أن قال ‪.‬‬

‫ولوال أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب وحاربوه في داره بقوة وأسلحة ال عهد ألهل البادية بها ‪-‬‬
‫لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر ‪ ،‬والثالث عشر الهجري كما وحد ظهور‬
‫االسالم کلمتهم في القرن األول‪.‬‬

‫ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية واالدبية عند العرب فقد كان هذا األثر عظيما خطيرا من نواح‬
‫مختلفة ‪ ،‬فهو قد أيقظ النفس العربية فوضع أمامها مثال أعلى أحبته وجاهدت في سبيله ‪ ،‬بالسيف و القلم والسنان ‪ ،‬و هو‬
‫لفت المسلمين جميعا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬رأي بعض الغربيين في دعوته‬

‫جاء في دائرة المعارف البريطانية وهي تتحدث عن الوهابية قولها‬

‫الوهابية ‪ :‬اسم لحركة التطهير في االسالم ‪ .‬والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده ‪ ،‬ويهملون كل ما سواها ‪ .‬وأعداء‬
‫الوهابية هم أعداء اإلسالم الصحيح‪.‬‬

‫وقال ستودارد االمريكي مؤلف « حاضر العالم االسالمي » ‪ :‬كان العالم االسالمي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ ‪،‬‬
‫ومن التدلي واالنحطاط أعمق درکه فاربد جوه و طبقت الظلمة على صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه ‪ ،‬وانتشر فيه‬
‫فساد األخالق واآلداب إلى أن قال‬

‫وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء ‪ ،‬فالبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس ‪ ،‬سجفا من الخرافات ‪ ،‬وقشور‬
‫الصوفية وخلت المساجد من ارباب الصلوات ‪ .‬وكثر عدد األدعياء الجهالء وطوائف الفقراء والمساكين ‪ .‬يخرجون من‬
‫مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ‪ .‬ويوهمون الناس بالباطل والشبهات ‪ ،‬ويرغبونهم في‬
‫الحج إلى قبور األولياء ‪ ،‬ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور ‪.‬‬

‫و غابت عن الناس فضائل القرآن ‪ ،‬فصار يشرب الخمر واألفيون في كل مكانوانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات‬
‫على غير خشية والاستحياء ونال مكة المكرمة ‪ ،‬والمدينة المنورة ‪ ،‬ما نال غير هما من سائر مدن االسالم ‪.‬‬

‫وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين ‪ ،‬وهطوا مهبطا بعيد القرار‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فلو عاد صاحب الرسالة إلى األرض في ذلك العصر ورأي ما كان يدعى االسالم ‪ ،‬لغضب وأطلق اللعنة على من‬
‫استحقها من المسلمين ‪ ،‬كما يعلن المرتدون ‪ ،‬وعبدة األوثان‪.‬‬

‫و فيما العالم االسالمي مستغرق في هجعته ‪ ،‬ومدلج في ظلمته اذا بصوت يدوي من قلب صحراء شبه الجزيرة مهد‬
‫االسالم يوقظ المؤمنين ‪ ،‬ويدعوهم إلى اإلصالح ‪ ،‬والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم‪.‬‬

‫فكان الصارخ لهذا الصوت انما هو المصلح المشهور الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية ‪ ،‬فاشتعلت‬
‫واتقدت ‪ ،‬واندلعت ألسنتها الى كل زاوية من زوايا العالم االسالمي ‪.‬‬

‫ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على اصالح النفوس واستعادة المجد االسالمي القديم و العز التليد‬

‫تبدت تباشير صبح االسالم ‪ ،‬ثم بدأت اليقظة الكبرى في علم االسالم‪.‬‬

‫وقال برنادلوس العالم الفرنسي في كتابه العرب في التاريخ‪.‬‬

‫وباسم االسالم الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن األول نادي محمد بن عبد الوهاب باالبتعاد عن جميع ما أضيف‬
‫للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعة خرافية غريبة عن االسالم الصحيح‪.‬‬

‫وقال الدكتور داكبرت المؤرخ األلماني في كتابه عبد العزيز ‪:‬‬

‫كان آلل سعود إلى جانب سيفهم الذي يستخدمونه في الفتح سالح معنوي آخر ‪ .‬يدينون له بأعظم قسط من نجاحهم ‪ .‬ذلك‬
‫السالح من صنع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أحد رجال الدين المطاردين في سبيل عقيدتهم ‪ ،‬والذي لجأ إلى الدرعية‬
‫عاصمة آل سعود في ذلك الحين ‪ ،‬فلقي لديهم الحماية و األمان ‪ .‬وكانت تمأل قلب محمد بن عبد الوهاب فكرة تجديد القوى‬
‫العربية على أساس ديني ناسبا إلى ابتعادهم عن سيرة السلف الصالح ‪ .‬وانقسامهم الى شيع ‪ .‬والى ابتعادهم عن خلقهم‬
‫العربي األصيل ‪ .‬سبب تالشيهم الذي جعلهم في متناول النفوذ االجنبي ‪ .‬إلى أن قال ‪ :‬ورأي الشيخ أن سبب االنقاذ هو‬
‫الرجوع الى تعاليم الدين المشروعة ‪ ،‬الى تعاليم الرسول الصحيحة ‪.‬‬

‫فراح يبشر بوحي من ضميره وعقيدته بمحاربة البدع التي أدخلت على االسالم عبر العصور الغابرة ‪ ،‬والضال المضل‬
‫من تقارير علماء الدين غير مقيم وزنا اال لما نص عليه القرآن صراحة ‪ ،‬أو لما يمكن نسبته بصورة قاطعة للنبي محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وراح يحارب بكل قواه المستمدة من عقيدته الصلبة تقديس األولياء ‪ ،‬وجعلهم واسطة بين هللا وبين‬
‫الناس ‪ .‬وينادي بهدم األضرحة ‪ ،‬ومزارات األولياء ‪ ،‬و ازالة معالمها اقتداءا بالنبي الكريم ‪ .‬الذي حارب بدعة تقديس‬
‫الهياكل ‪ .‬وعبادة األصنام الموروثة من الجاهلية ‪.‬‬

‫و بعد فقد جاهد هذا المصلح الكبير رحمه هللا في سبيل ارجاع المسلمين إلى االسالم الصحيح جهاد الدعاة المخلصين‬
‫معرضا حياته للخطر صابرا محتسبا إلى أن توفي عام ‪ 12۰6‬هجرية فرحمه هللا رحمة واسعة وجزاه عن االسالم و‬
‫المسلمين خير الجزاء وجمعنا به في جنات الخلد اللهم استجب يا رب العالمين ‪.‬‬

‫‪1۰‬‬
‫نبذة موجزة عن شارح الكتاب‬
‫االسم ‪ :‬سعيد بن عبد العزيز الجندول‬

‫ولد في ليلي عاصمة بالد األفالج عام ‪ 1391‬ه‬

‫حياته العلمية ‪:‬‬

‫عندما بلغ الثامنة من عمره أدخله والده في مدرسة يتعلم فيها القرآن الكريم ‪ ،‬وبعد أن أكمل حفظ القرآن نظرا ً بدأ يحفظه‬
‫عن ظهر قلب وما أن بلغ الثالثة عشرة من عمره إال وقد أكمل حفظ القرآن الكريم كله‬

‫وبتوجيه من والده الذي حرص أن يحذو حذوه في طلب العلم أخذ يحفظ بعض الكتب الصغيرة في الحديث والتوحيد والفقه‬
‫و خالل هذه الفترة من حياته سافر إلى الرياض حيث كانت ملتقى رواد العلم من جميع أنحاء المملكة وحيث تعقد حلقات‬
‫العلم في المساجد بدأ ينهل فيها من مناهل المعرفة ‪ ،‬ولم يكن له من عمل سوى طلب العلم ‪.‬‬

‫وفي مسجد من مساجد الرياض ‪ ،‬حيث توجد غرف يسكن بها الوافدون إلى هناك لطلب العلم ‪ ،‬سكن في غرفة متواضعة‬
‫داخل المسجد مستغال كل وقته في طلب العلم ‪ ،‬وبقي متنقال بين حلقات العلم ‪ ،‬يختار منها ما يروق له من علوم اللغة‬
‫والفقه والتوحيد والحديث و غيرها من علوم الشريعة ‪ ،‬وبقي في الرياض يتابع تعليمه على نظام الحلقات حتى عام ‪136۰‬‬
‫ه حيث انتقل إلى الحجاز يطلب المزيد من العلم وفي مكة المكرمة أخذ يتابع تعليمه على بعض المشائخ في المسجد الحرام‬
‫وبقي بها مدة غير طويلة ‪ ،‬انتقل بعدها إلى الطائف وهناك التحق بدار التوحيد و فيها حصل على الشهادة االبتدائية‬
‫والشهادة الثانوية وبعد اكماله الدراسة المرحلة الثانوية انتقل إلى مكة لمواصلة دراسته العالية بكلية الشريعة ‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 137۰‬ه حصل على شهادة كلية الشريعة ( الليسانس ) ‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1379‬ه حضر دورة قصيرة في الجامعة األمريكية لالطالع على أحدث الطرق التربوية للتعليم في المرحلة‬
‫االبتدائية‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1384‬ه حصل على شهادة تدريب في التخطيط التربوي من المركز اإلقليمي لتدريب كبار موظفي التعليم في‬
‫الدول العربية ‪.‬‬

‫حياته الوظيفية ‪:‬‬

‫بدأت حياته الوظيفية مع بداية عام ‪ 1363‬ه‪ .‬حين أن عين عضوا في هيئة األمر بالمعروف‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 137۰‬ه و بعد حصوله على شهادة الليسانس من كلية الشريعة بمكة عين إماما وخطيبا في المسجد الحرام‬

‫وفي العام نفسه عين مديرا للمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة ‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1381‬ه عين مساعد المدير التعليم بمكة ‪.‬‬

‫ثم نقل إلى جهاز وزارة المعارف بالرياض في وظيفة مساعد مدير عام التعليم الثانوي‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1389‬ه نقل ليعمل مساعدا لمدير عام التعليم‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1391‬هـ صدر األمر الملكي بتعيينه نائبا لرئيس هيئة التأديب‪.‬‬

‫بعض مشايخه‪:‬‬

‫بعض المشائخ الذين أخذ عنهم العلم على طريق الحلقات هم ‪:‬‬

‫‪ -1‬الشيخ عبدهللا بن حسن آل الشيخ ‪.‬‬

‫‪ - 2‬الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -3‬الشيخ محمد بن مانع‪.‬‬

‫أما الذين تلقى عنهم العلم على الطريقة الحديثة للتعلم في دار التوحيد وكلية الشريعة فهم كثير وأغلبهم من علماء األزهر ‪.‬‬

‫النشاطات األخرى ‪:‬‬

‫شارك في عدة مؤتمرات تعليمية دولية ‪ ،‬وأسندت إليه مهمات أخرى تعليمية في بعض الدول العربية‬

‫عضو في اللجنة الفرعية للتعليم ‪ ،‬وأحد أعضاء اللجنة العليا للتوعية االسالمية ‪.‬‬

‫مؤلفاته ‪:‬‬

‫له من المؤلفات حتى اآلن ‪:‬‬

‫‪ -1‬كتاب التوحيد والتهذيب ‪ ،‬کتاب مدرسي ‪ -‬مقرر على طلبة السنة النهائية للمرحلة الثانوية بقسميها العلمي واألدبي‪.‬‬

‫‪ -2‬کتاب مدرسي في التفسير وعلومه ‪ -‬مقرر على طلبة معاهد إعداد المعلمين ‪.‬‬

‫‪ -3‬کتاب الدر النضيد ‪ ،‬شرح على كتاب التوحيد لالمام المجدد الشيخ ‪ ،‬محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬رحمه هللا ‪.‬‬

‫‪ - 4‬دفاع عن اإلسالم ‪ ،‬وهو اآلن مشارف على النهاية ‪.‬‬

‫‪ - 5‬الجنس الناعم في ظل االسالم ‪ ،‬مهيأ للطبع‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫باب التوحيد وقول هللا تعالى ( وما خلقت الجن واالنس اال‬
‫ليعبدون ) اآلية (‪ - 56‬الذاريات ) ‪.‬‬
‫وقوله ( ولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت ) اآلية (‪ - 36‬النحل ) ‪.‬‬

‫وقوله ( وقضى ربك اال تعبدوا اال اياه وبالوالدين إحسانا ) اآلية (‪ - 23‬االسراء )‪.‬‬

‫وقوله ( واعبدوا هللا وال تشركوا به شيئا ) اآلية (‪ - 36‬النساء ) ‪.‬‬

‫وقوله ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم اال تشركوا به شيئا ) اآليات (‪ - 1۰1‬االنعام )‪.‬‬

‫قال ابن مسعود رضي هللا عنه ‪ ،‬من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى هللا عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله‬
‫تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وأن هذا صراطی مستقيما ) اآلية (‪ - 1۰3‬االنعام )‪.‬‬

‫وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه قال ‪ :‬كنت رديف النبي صلى هللا عليه وسلم على حمار فقال لي ‪ « :‬يا معاذ أتدري ما‬
‫حق هللا على العباد وما حق العباد على هللا » فقلت ‪ :‬هللا ورسوله أعلم قال ‪ :‬حق هللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به‬
‫شيئا ‪ ،‬وحق العباد على هللا أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا » قلت ‪ :‬يا رسول هللا أفال أبشر الناس قال «ال تبشرهم‬
‫فيتكلوا » أخرجاه في الصحيحين‪.‬‬

‫فيه مسائل‪:‬‬

‫الحكمة في خلق الجن و األنس ‪.‬‬ ‫االولى ‪:‬‬

‫أن العبادة هي التوحيد ألن الخصومة فيه ‪.‬‬ ‫الثانية ‪:‬‬

‫أن من لم يأت به لم يعبد هللا ففيه معنى قوله ( وال أنتم عابدون ما أعبد ) ‪.‬‬ ‫الثالثة ‪:‬‬

‫الحكمة في ارسال الرسل‪.‬‬ ‫الرابعة ‪:‬‬

‫أن الرسالة عمت كل أمة‪.‬‬ ‫الخامسة ‪:‬‬

‫أن دين االنبياء واحد‪.‬‬ ‫السادسة ‪:‬‬

‫المسألة الكبيرة أن عبادة هللا ال تحصل اال بالكفر بالطاغوت ففيه معنى قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن‬ ‫السابعة ‪:‬‬
‫باهلل ) االية‪.‬‬

‫أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون هللا ‪.‬‬ ‫الثامنة ‪:‬‬

‫التاسعة ‪ :‬عظم شأن ثالث االيات المحكمات في سورة االنعام عند السلف و فيها عشر مسائل أولها النبي عن الشرك ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬اآليات المحكمات في سورة االسراء وفيها ثماني عشرة مسألة بدأها هللا بقوله ( ال تجعل مع هللا الها أخر فتقعد‬
‫مذموما مخذوال ) وختمها بقوله ( وال تجعل مع هللا الها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) ونبهنا هللا سبحانه على عظم‬
‫شأن هذه المسألة بقوله ( ذلك مما اوحي اليك ربك من الحكمة ) ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة بدأها هللا تعالى بقوله ( واعبدوا هللا ‪ ،‬وال تشركوا به شيئا‬
‫)‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬التنبيه على وصية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند موته ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬معرفة حق هللا تعالى علينا ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الرابعة عشرة ‪ :‬معرفة حق العباد عليه ‪ .‬اذا أدوا حقه ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬أن هذه المسألة ال يعرفها أكثر الصحابة ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬جواز كتمان العلم للمصلحة ‪.‬‬

‫السابعة عشرة ‪ :‬استحباب بشارة المسلم بما يسره ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬الخوف من االتكال على سعة رحمة هللا ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬قول المسئول عما ال يعلم ‪ :‬هللا ورسوله أعلم ‪.‬‬

‫العشرون ‪ :‬جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض ‪.‬‬

‫الحادية والعشرون ‪ :‬تواضعه صلى هللا عليه وسلم لركوب الحمار مع األرداف عليه ‪.‬‬

‫الثانية و العشرون ‪ :‬جواز االرداف على الدابة ‪.‬‬

‫الثالثة والعشرون ‪ :‬فضيلة معاذ بن جبل ‪.‬‬

‫الرابعة والعشرون ‪ :‬عظم شأن هذه المسألة ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد رحمة هللا عليه من هذا الباب ‪ ،‬بيان أن العبادة ال تجوز اال هلل الواحد ‪ ،‬خالق هذا الكون و مدبره ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب خمس ايات و حديث و احد‪.‬‬

‫فاآلية األولى ‪ :‬من هذه اآليات الخمس ‪ ،‬توضح أن الحكمة في خلق الجن واالنس هي أن يعبدوه وحده ‪ ،‬وعبادة هللا تتمثل‬
‫في اتباع أوامره ‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه ‪ ،‬مما ورد في كتابه العزيز أو سنة رسوله الثابتة الصحيحة ‪ ،‬وعبادة هللا معناها‬
‫التذلل الكامل ‪ ،‬والخضوع التام ‪ ،‬واالعتراف الجازم ‪ ،‬بأن هللا رب كل شيء وخالقه و المتصرف فيه ‪ ،‬وأن العبادة ال‬
‫تصح اال له دون غيره ‪.‬‬

‫واآلية الثانية ‪ :‬فيها أخبار من هللا ‪ ،‬أنه بعث في كل جيل من الناس رسوال يدعوهم إلى عبادة هللا ‪ ،‬واجتناب عبادة‬
‫الطاغوت‪ ،‬ومعنی هذا أن رساالت األنبياء كلها من نوح إلى موسى وعيسى ومحمد عليهم الصالة و السالم – تلتقي حول‬
‫نقطة واحدة هي األمر بعبادة هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬والنهي عن عبادة غيره ‪ ،‬ومثل هذه اآلية قول هللا تعالى ( وما أرسلنا‬
‫من قبلك من رسول اال نوحي اليه ‪ -‬أنه ال اله اال أنا فاعبدون )‪.‬‬

‫واآلية الثالثة ‪ ( :‬وقضى ربك أال تعبدوا اال اياه ) فيها األمر من هللا اآل يعبد غيره ‪ ،‬ألن العبادة نهاية التعظيم ‪ ،‬وال يليق‬
‫ذلك اال بالخالق العظيم الواحد االحد جل جالله‪.‬‬

‫وكما أمر با فراده بالعبادة ‪ ،‬أمر كذلك باالحسان إلى الوالدين ‪ .‬فقال « وبالوالدين إحسانا » يعني وأن تحسنوا إلى الوالدين‬
‫وتبر وهما ‪.‬‬

‫وتفصل األية بعد ذلك ما يجب من االحسان للوالدين فتقول ‪ ( :‬أما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كالهما فال تقل لهما أف‬
‫وال تنهرهما )‪.‬‬

‫يعني اذا بلغ والداك أو أحدهما حالة الشيخوخة وصار عاجزا‪.‬‬

‫فال تتأفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذى منه الناس عادة ‪ ،‬ولكن عليك بالصبر واحتساب الثواب عند هللا ‪،‬‬
‫كما صبرا عليك في صغرك ‪ ( .‬وال تنهرهما ) يعني ال تسمعهما كالما يسيء إلى مشاعرهما ( وقل لهما قوال كريما )‬

‫‪14‬‬
‫يعني كالما حسنا مشعرا باالدب و االحترام ۔ واالعتراف لهما بالفضل واالحسان ‪ ( .‬و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة‬
‫) أي تواضع لهما في رحمة وشفقة ( وقل رب ارحمهما ) في كبر هما وبعد وفاتهما (كما ربياني صغير ) ‪.‬‬

‫أما اآلية الرابعة ‪ :‬ففيها األمر بعبادة هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬وتأتي بعدها اآلية الخامسة واألخيرة في هذا الباب والتي‬
‫تسمى بآية الحقوق العشرة ‪ ،‬وهي قوله تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) يعني قل يا محمد لهؤالء الذين اتبعوا‬
‫أهواءهم بعبادة غير هللا ‪ ،‬وتحليلهم أو تحريمهم أشياء لم تكن بأمر من هللا ‪ ،‬أقبلوا الي أقص ما حرم هللا عليکم ‪ ،‬يقينا ال‬
‫ظنا وال تخرصا ‪ ،‬وانما هو وحي من هللا الذي يملك حق التحريم و التحليل ‪ ،‬وقد بدأت اآلية الكريمة بأكبر المحرمات‬
‫وأشدها إفسادا للعقل و العقيدة ‪ ،‬وهو الشرك فقالت ‪:‬‬

‫‪ ( -1‬أن ال تشركوا به شيئا ) أي ومما اتلوه عليكم و أوصيكم به ‪ ،‬اال تشركوا باهلل شيئا من مخلوقاته التي أوجدها بقدرته‬
‫و ارادته وأخضعها السلطانه ‪ ،‬وعبوديته ( ان كل من في السموات واألرض األ آنتي الرحمن عبدا ) ‪.‬‬

‫‪ ( -2‬وبالوالدين إحسانا ) يعني واحسنوا بالوالدين إحسانا ‪ ،‬ولعظم عناية هللا ببر الوالدين أن جعله ثاني الوصايا العشر‬
‫وقرنه بعبادته كما قرن شکرهما بشكره ‪ ،‬في سورة لقمان بقوله ‪ ( :‬أن أشكر لي ولوالديك ) والمراد ببر الوالدين هنا‬
‫احترامهما ‪ ،‬واالبتعاد عن كل ما يسيء إلى مشاعرهما ‪ ،‬أو ينغص عليهما حياتهما وطاعتهما في كل أمر ‪ ،‬اال اذا كان‬
‫ذلك األمر فيه معصية هللا فال طاعة لمخلوق في معصية الخالق ‪.‬‬

‫‪ ( -3‬وال تقتلوا أوالدكم من أمالق(‪ )1‬نحن نرزقکم و اياهم ) أي ومما وصاكم به هللا ‪ -‬اال تقتلوا أوالدكم خوفا من فقر‬
‫يحل بكم فاني راز قكم و اياهم ‪ ،‬وكان الناس قبل االسالم يئدون بناتهم خشية العار ‪ ،‬ويقتلون أبناءهم الصغار خوفا من‬
‫الفقر فحرم هللا ذلك تحريما قاطعا ‪ ،‬واخبر في آية من كتابه العزيز ‪ :‬أنه ما من دابة في االرض اال على هللا رزقها ‪.‬‬

‫‪ ( -4‬وال تقربوا الفواحش(‪ )2‬ما ظهر(‪ )3‬منها وما بطن(‪ ) )4‬أي ابتعدوا عن فعل كل أمر مستقبح في نظر االسالم ‪،‬‬
‫سرا أو علنا فاهلل سبحانه و تعالى ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء‬

‫‪ ( - 5‬وال تقتلوا النفس التي حرم هللا اال بالحق ) أي ال تقتلوا النفس التي حرم هللا قتلها باالسالم اال بالحق يعني اال بسبب‬
‫جرم أمر الشرع بقتلها من أجله ‪ ،‬كما ورد بذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي هللا‬
‫عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪( :‬ال يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ال اله اال هللا ‪ ،‬وأن محمدا رسول هللا اآل‬
‫بأحدى ثالث ‪ -‬الثيب الزاني (‪ ، 1) 75‬والنفس بالنفس(‪ ، )6‬والتارك(‪ )7‬لدينه المفارق للجماعة )‪.‬‬

‫‪2‬أو التي حرم قتلها بالعهد لما رواه الترمذي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬من قتل معاهدا له ذمة هللا وذمة‬
‫رسوله فقد اخفر بذمة هللا فال يرح رائحة الجنة ‪ ،‬وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا ) ( ذلكم وصاكم به لعلكم‬
‫تعقلون ) أي أن هللا تعالى وصاكم بهذه الوصايا ليعد كم لتعقل ما فيه الخير فتفعلوه ‪ ،‬وما فيه الشر فتترکوه ‪.‬‬

‫‪ ( -6‬وال تقربوا مال اليتيم اال بالتي هي أحسن ) يعني ال تقربوا مال اليتيم اذا وليتم على أمره أو كانت لكم وصاية عليه‬
‫اآل بتنميته بالتجارة وغيرها مما يعود عليه بالربح ( حتى يبلغ أشده ) يعني حتى يبلغ سن الرشد ‪ ،‬فاذا بلغ الرشد وصار‬
‫أهال للتصرف فيه بعقل ومعرفة فسلموه اليه ‪.‬‬

‫‪ ( - 7‬وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) أي وأتموا الكيل اذا كلتم للناس أو كلتم عليهم النفسكم ‪ ،‬وكذلك اذا وزنتم للناس أو‬
‫وزنتم النفسكم وقوله ( بالقسط) أي بالعدل سواء لكم أو عليكم ‪ ( .‬ال نكلف نفسا إال وسعها ) أي ال نكلف من يبيع أو‬

‫‪1‬‬

‫(‪ )1‬االمالق ‪ :‬الفقر‬


‫(‪ )2‬الفواحش ‪ :‬هي األمور التي حرمها االسالم کالزنا ‪ ،‬واللواط ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬والكبر ‪ ،‬و الحسد ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬بكل أنواعه ‪ ،‬واآلثام‬
‫بكل صورها‬
‫(‪ )3‬ما ظهر ‪ :‬ما يفعل علنا‬
‫(‪ )4‬ما بطن ‪ :‬ما يفعل سرا‬
‫(‪ )5‬الثيب ‪ :‬هو الذي قد تزوج‬
‫(‪ )6‬النفس بالنفس ‪ :‬معناه قتل القاتل عمدا بغير حق‬
‫(‪ )7‬التارك لدينه ‪ :‬معناه المرتد عن اإلسالم‬

‫‪15‬‬
‫يشتري أن يكيل أو يزن بحيث ال يزيد أو ينقص الكيل أو الوزن ‪ ،‬حبة أو تمرة ‪ ،‬وانما يتحرى العدل واإلنصاف ‪ ،‬سواء‬
‫له أو عليه ‪ ،‬فاذا حصل خطأ غير مقصود فان هللا ال يحاسبه على ذلك ‪.‬‬

‫‪ ( -8‬واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي ) يعني كما يجب عليكم العدل في األفعال کالوزن والكيل كذلك يجب عليكم‬
‫العدل في االقوال ‪ ،‬اذا حكمتم أو شهد تم على أحد ‪ ،‬ولو كان المحكوم عليه ‪ ،‬أو المشهود له من ذوي القرابة ‪.‬‬

‫‪ ( -9‬و بعهد هللا أوفوا ) أي أمركم بالوفاء بعهد هللا ‪ ،‬وهذا شامل لكل عهد يلتزم به اإلنسان أمام هللا ‪ .‬وأهم عهد التزم به‬
‫االنسان أمام ربه حين آمن به وبرسله ‪ ،‬هو امتثال أمره واجتناب نهيه ‪ .‬لذا كان لزاما عليه الوفاء بهذا العهد أينما كان‬
‫وحيثما وجد ‪ ( .‬ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) أي ذلكم الذي تلوته عليكم ‪ ،‬ووصيتكم به ‪ ،‬رجاء أن تتذكروا فتتعظوا ‪،‬‬
‫وتتواصوا بترك ما أنتم عليه من أعمال تخالف شرع هللا و دينه‪.‬‬

‫‪ ( -1۰‬وأن هذا صراطی مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله ) اي وأن هذا القرآن ‪ ،‬هو المنهاج‬
‫المستقيم ‪ ،‬الذي ادعوكم اليه فاتبعوه ‪ .‬وال تسلكوا سبل الضالالت فتفرقوا شيعا وأحزابا فتضلوا عن طريق هللا ‪ ،‬طريق‬
‫االسالم فتصيروا إلى الضياع والشقاء و الهالك ‪.‬‬

‫( ذ لكم وصاكم به لعلكم تتقون ) أي ذلك األمر باتباع الصراط المستقيم ‪ ،‬وصاكم عسى أن تتقوا هللا فال تقعوا في محذور‬
‫يعرضكم السخطه ‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يأتي حديث معاذ رضي هللا عنه وفيه أمور ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬تواضع نبي هللا عليه الصالة والسالم في ركوب الحمار الذي يأنف كثير من الناس من الركوب عليه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الطريقة التربوية في احالل االستفهام بدال من طرح السؤال مباشرة لما في ذلك من استثارة انتباه المسئول ‪،‬‬
‫ورسوخ ما سيقال في ذهنه ‪ ،‬وذلك في قول الرسول عليه السالم لمعاذ ( أتدري ما حق هللا على العباد ؟ و ما حق العباد‬
‫على هللا ؟ )‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬اعتراف المسلم بعجزه عن الشيء الذي ال يعلم حكمه من شريعة هللا ‪ ،‬وذلك في جواب معاذ لرسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم حين قال ( هللا ورسوله أعلم ) ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬معنى قول الرسول صلى هللا عليه وسلم «حق هللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا وحق العباد على هللا‬
‫اال يعذب من ال يشرك به شيئا » وهذا يعني أن هللا حقا على العباد ‪ ،‬وأن للعباد حقا على هللا ‪ ،‬اال أن هناك فرقا بين حق‬
‫هللا على العباد ‪ ،‬وحق العباد على هللا ‪ .‬فإفراد هللا بالعبادة حق واجب على كل المخلوقين من األنس والجن أما حق العباد‬
‫على هللا فهو حق تفضل و احسان أوجبه هللا على نفسه ‪ ،‬ووعد هللا صدق كما قال تعالى ‪ ( :‬وكان حقا علينا نصر‬
‫المؤمنين ) ‪.‬‬

‫الخامس ‪ :‬استحباب ادخال السرور على نفس المسلم ‪ ،‬وذلك في قول معاذ رضي هللا عنه (أفال أبشر الناس)‬

‫السادس ‪ :‬جواز كتمان العلم اذا كان فيه مصلحة وذلك في قول الرسول عليه الصالة والسالم لمعاذ «ال تبشرهم فيتكلوا »‬
‫يعني ال تخبرهم فيخفف ذلك من عزيمة التنافس في أعمال الخير في نفوسهم ‪ ،‬ويمكن أن يكون المعنى ال تخبرهم فيعتقد‬
‫من ال علم عنده بأن من مات ال يشرك باهلل شيئا ال يعاقبه هللا على ما فعل من ذنوب وآثام فيتمادى في المعصية ‪ ،‬ويسير‬
‫في طريق الضالل ‪.‬‬

‫والخالصة من هذا الباب ‪:‬‬

‫أ ‪ :‬أن علم التوحيد هو أصل الدين وأهم العلوم االسالمية النه هو المدخل إلى اإلسالم ‪ ،‬والنه بحدد مكانة الخالق من‬
‫المخلوق ‪.‬‬

‫ب ‪ :‬أن تعلمه فرض عين على كل مسلم ومسلمة ‪.‬‬

‫ج ‪ :‬االقتناع التام بأن هللا اله واحد ‪ -‬احد فرد صمد ال شريك له في عبادته ‪.‬‬

‫د ‪ :‬ان التوحيد ينقسم إلى ثالثة أنواع ‪:‬‬


‫‪16‬‬
‫األول ‪ :‬توحيد الربوبية يعني االعتقاد بأن هللا رب كل شيء وخالقه لكن االعتراف بهذا النوع وحده ال يكفي لدخول‬
‫االنسان في االسالم ‪ ،‬بدليل أن المشركين قديما كانوا يقرون بأن هللا وحده خالق كل شيء ‪ ،‬ومع هذا اعتبر هم القرآن‬
‫مشركين ‪ ،‬جاء ذلك في قول هللا سبحانه وتعالى ( وما يؤمن أكثرهم باهلل األ وهم مشركون)‬

‫الثاني ‪ :‬توحيد األلوهية ‪ -‬يعني اإليمان بأن هللا وحده ال شريك له في عبادته ‪ ،‬وهذا هو التوحيد الذي نزلت به الكتب‬
‫السماوية ‪ ،‬ودعا إليه جميع الرسل من نوح إلى محمد عليهم الصالة والسالم ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬توحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وهو اثبات جميع أسماء هللا وصفاته ‪ -‬التي جاء بها القرآن الكريم ‪ ،‬أو وردت في‬
‫األحاديث الصحيحة عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من غير تشبيه وال تعطيل ‪ ،‬كما قال هللا تعالى ( ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير) ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب‬
‫وقول هللا تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ) االية (‪ -82‬االنعام)‬

‫عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( من شهد أن ال اله اال هللا وحده ال‬
‫شريك له ‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد هللا ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ‪ ،‬وأن الجنة حق‬
‫والنار حق أدخله هللا الجنة على ما ما كان من العمل ) أخرجاه ‪.‬‬

‫ولهما في حديث عتبان ( فان هللا حرم على النار من قال ال اله اال هللا يبتغي بذلك وجه هللا )‬

‫وعن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( قال موسى ‪ :‬يا رب علمني شيئا اذكرك‬
‫وادعوك به ‪ ،‬قال ‪ :‬قل يا موسي ال اله اال هللا ‪ .‬قال يا رب كل عبادك يقولون هذا ‪ .‬قال ‪ :‬يا موسى لو أن السموات السبع‬
‫وعامر هن ‪ -‬غيري ‪ -‬واألرضين السبع في كفة وال اله اال هللا في كفة مالت بهن ال اله اال هللا ) رواه ابن حبان والحاكم‬
‫وصححه ‪ .‬وللترمذي وحسنه عن انس ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول قال هللا تعالى يا ابن آدم ‪ ،‬لو أتيتني‬
‫بقراب األرض خطايا ‪ ،‬ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا ‪ ،‬ألتيتك بقرابها مغفرة ‪.‬‬

‫فيه مسائل‬

‫سعة فضل هللا ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫األولى‬

‫ثواب كثرة التوحيد عند هللا ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫الثانية‬

‫تكفيره مع ذلك للذنوب ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫الثالثة‬

‫‪ :‬تفسير اآلية التي في سورة األنعام ‪.‬‬ ‫الرابعة‬

‫تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫الخامسة‬

‫أنك اذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنی قول ال اله اال هللا ويتبين لك خطأ‬ ‫السادسة ‪:‬‬
‫المغرورين ‪.‬‬

‫التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫السابعة‬

‫كون األنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل ال اله اال هللا ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫الثامنة‬

‫التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫التاسعة‬

‫النص على أن االرضين سبع كالسموات ‪.‬‬ ‫العاشرة ‪:‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬أن لهن عمارا‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬إثبات الصفات خالفا لالشعرية ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬انك اذا عرفت حديث أنس عرفت أن قوله في حديث عتبان ( فان هللا حرم على النار من قال ال إله اال هللا‬
‫يبتغي بذلك وجه هللا) انه ترك الشرك ليس قولها باللسان ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي هللا ورسوليه ‪ .‬الخامسة عشرة ‪ :‬معرفة اختصاص عيسی‬
‫بكونه كلمة هللا ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬معرفة كونه روحا منه ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫السابعة عشرة ‪ :‬معرفة فضل اإليمان بالجنة والنار ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬معرفة قوله ( على ما كان من العمل ) ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬معرفة أن الميزان له کفتان ‪.‬‬

‫العشرون ‪ :‬معرفة ذكر الوجه ‪.‬‬

‫‪:‬الهدف‬

‫قصد الداعية المجدد رحمه هللا بيان أن ما أعد هللا من جزاء عظيم للذين خلصت نفوسهم من كل عقيدة اال عقيدة التوحيد‬
‫القائمة على العبادة الخالصة لرب العباد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وأربعة أحاديث ‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة مرتبطة بآيتين قبلها هما قول هللا سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وحاجه قومه قال اتحاجوني في هللا وقد هداني ‪ ،‬وال‬
‫أخاف ما تشرکون به اال أن يشاء ربي شيئا ‪ ،‬وسع ربي كل شيء علما ‪ ،‬أفال تتذكرون ؟ وكيف أخاف ما أشركتم وال‬
‫تخافون انكم أشركتم باهلل ما لم ينزل به عليكم سلطانا ؟ فأي الفريقين أحق باألمن ان کنتم تعلمون ؟ ‪ .‬الذين آمنوا ولم‬
‫يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون )‪.‬‬

‫والمعنى االجمالي لهاتين اآليتين أن قوم ابراهيم عليه السالم جادلوه في أمر التوحيد حين أنكر عليهم عبادة األصنام وقالوا‬
‫له ‪ :‬أنا سائرون على ما وجدنا عليه آباءنا من اتخاذ اآللهة شفعاء عند هللا ‪ ،‬وهذا ال ينا في االيمان باهلل ‪ ،‬وخوفوا ابراهيم‬
‫من أن تمسه آلهتهم بمكروه أذا هو استمر في انكار عبادتهم لالصنام والكواكب وغيرها ‪ .‬فرد عليهم ابراهيم عليه السالم‬
‫جدالهم ‪ ،‬كما حكى ذلك عنه القرآن بقوله ‪( :‬قال اتحاجوني في هللا وقد هداني ) يعني اتجادلوني في أمر التوحيد الذي‬
‫هداني هللا اليه ‪ ،‬وتخوفونني من أصنام ال تضر وال تنفع ‪ ،‬إني ال أخاف من معبوداتكم التي تعبدونها من دون هللا ‪ ،‬ولن‬
‫تستطيع اصابتي بسوء اآل بمشيئة هللا وارادته ‪ .‬واذا فأنا ال أخاف اال من هللا وحده ثم عاد ابراهيم عليه السالم في تعجب و‬
‫بحجة مقنعة ليقول لهؤالء المشركين كما حكى عنه القرآن الكريم بقوله ‪ ( :‬وكيف أخاف ما أشركتم وال تخافون أنكم‬
‫أشركتم باهلل ما لم ينزل به عليكم سلطانا ) يعني عجبا لكم ايها المجادلون السالكون غير طريق هللا ‪ ،‬تطلبون مني أن أخاف‬
‫من مخلوقات ضعيفة هزيلة وال تخافون هللا في شرككم معه أحدا في عبادته ‪ ،‬كان ينبغي لكم أن تخافوا من غضب هللا‬
‫وعقابه ‪ ،‬فيما ارتكبتموه من جرم في حق هللا بدال من تخويفكم لي من أشياء ما أنزل هللا بها من سلطان ‪ .‬ثم قال ‪ ( :‬فأي‬
‫الفريقين أحق باألمن ) يعني أيهما أحق باألمن ‪ -‬فريق الموحدين الذين اخلصوا العبادة هلل ‪ ،‬أو فريق المشركين الذين‬
‫سلكوا سبيل الضالل ( ان کنتم تعلمون ) اي ان كان لديكم علم بذلك ‪ .‬وهنا يفصل هللا بين ابراهيم وقومه في األمر فيوضح‬
‫من يستحق االمن ‪ ،‬من هؤالء الفريقين اذ يقول ‪ ( :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون ) أي‬
‫الذين آمنوا باهلل ايمانا ال تردد فيه وال شرك هم الذين يمنحهم أمنه وسعادته ‪ ،‬أما أولئك الذين أشركوا مع هللا أحدا في‬
‫عبادته فانه ال أمان لهم من عذاب هللا وسيلقون جزاءهم يوم القيامة ‪.‬‬

‫وحينما نزلت اآلية الكريمة شق ذلك على الصحابة رضوان هللا عليهم ظنا منهم ‪ ،‬أن الظلم المذكور فيها ‪ -‬هو ظلم االنسان‬
‫نفسه ‪ ،‬فبين لهم الرسول صلى هللا عليه وسلم أن الظلم الوارد في اآلية معناه الشرك ‪ ،‬وليس كل ظلم يقع فيه المسلم ‪ ،‬فعن‬
‫عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال لما نزلت ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ) شق ذلك على أصحاب رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا رسول هللا فأينا ال يظلم نفسه فقال ‪ :‬أنه ليس الذي تعنون ‪ .‬ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح‬
‫( يا بني ال تشرك باهلل ان الشرك لظلم عظيم ) ؟ انما هو الشرك‪.‬‬

‫وبعد هذه اآلية الكريمة ‪.‬‬

‫يأتي الحديث األول في هذا الباب ‪ ،‬وهو حديث عبادة بن الصامت رضي هللا عنه ‪ ،‬وبه أمور خمسة من آمن بها وعمل بما‬
‫تدل عليه في الظاهر والباطن أدخله هللا الجنة ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫األول ‪ :‬قول الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬من شهد أن ال اله اال هللا وحده ال شريك له ) يعني من آمن في صدق و‬
‫يقين ‪ ،‬بأن لهذا الكون الها أوجده من العدم ‪ ،‬واعترف بالوحدانية المطلقة هلل وتجرد من كل عبادة لغيره ‪ ،‬وعمل بما تدل‬
‫عليه شهادة أن ال اله اال هللا من اتباع أوامر هللا و اجتناب نواهيه قوال وعمال ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬قوله « وأن محمدا رسول هللا » يعني من أعتقد اعتقادا ال ال يقبل الشك بأن محمدا عليه الصالة والسالم رسول‬
‫من عند هللا أرسله هللا الى االنس والجن برسالة شاملة كاملة ‪ ،‬وانه خاتم النبيين ‪ ،‬وأن رسالته خاتمة الرساالت ‪ ،‬وآمن بأنه‬
‫عبد من عباد هللا شرفه هللا بحمل رسالته إلى العالم فصدقه فيما أحبر ‪ ،‬وأطاعه فيما أمر ‪ ،‬وابتعد عما نهى عنه وزجر ‪،‬‬
‫وعرف له قدره وأنزله المنزلة الرفيعة التي منحها له ربه وأحبه أكثر من ولده ووالده ‪ ،‬والناس أجمعين ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬قوله وأن عيسى عبد هللا ورسوله ‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى مريم و روح منه يعني من اعتقد أن عيسى عليه الصالة‬
‫والسالم عبد من عباد هللا و رسول من رسله ‪ ،‬وأنه ليس ابن سفاح كما يزعم ذلك اليهود ‪ ،‬وليس هو هللا ‪ ،‬أو ابن هللا ‪ ،‬أو‬
‫ثالث ثالثة كما يزعم ذلك النصاری ‪ -‬بل هو عبد من عباد هللا شرفه بحمل رسالته إلى قومه يدعوهم إلى عبادة هللا وحده ال‬
‫شريك له وقد جاء اعتراف عيسی عليه السالم بعبوديته هلل ‪ ،‬وهو ما يزال صبيا في مهده ‪ ،‬اذ يقول القرآن الكريم في ذلك‬
‫من سورة مريم (‪ ( )36 - 29‬فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ؟ قال ‪ :‬إني عبد هللا أتاني الكتاب‬
‫وجعلني نبيا ‪ :‬وجعلني مباركا أينما كنت ‪ ،‬وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا‬
‫والسالم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسی بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون و ما كان له أن يتخذ‬
‫من ولد سبحانه اذا قضی أمرا فانما يقول له كن فيكون ‪ ،‬وان هللا ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) وانه وجد من‬
‫كلمة كن الدالة على التكوين ‪ ،‬وآية هللا في خلق عيسی بكلمته من غير وساطة أب وجعله بشرا سويا بما نفخ فيه من روحه‬
‫‪ ،‬کآيته في خلق آدم بكلمته ‪ ،‬وما نفخ فيه من روحه ‪ ،‬فخلقهما جاء على غير الطريقة المألوفة لدى الناس (أن مثل عيسی‬
‫عند هللا كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) وأن كلمة ( وروح منه ) ال تدل على أن عيسى عليه السالم جزء‬
‫من هللا كما يزعم ذلك بعض النصارى ‪ ،‬بمعنى انه ابنه تعالى هللا األحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا‬
‫أحد ‪.‬‬

‫وانما المقصود بكلمة ( روح منه ) أنه روح من تلك األرواح التي استخرجها هللا من صلب آدم وأخذ عليها العهد والميثاق‬
‫بقوله ‪ ( :‬ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) ‪ -‬اآلية ‪ ،‬ومن هنا فان كلمة ( روح منه )‬

‫تعم كل المخلوقات كما قال هللا تعالى ‪ ( :‬وسخر لكم ما في السموات وما في األرض جميعا منه ) يعني خلقا وايجادا ‪،‬‬
‫وعيسی كذلك أوجده هللا كسائر المخلوقات ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬قوله ( والجنة حق ‪ ،‬أي واعتقد ان الجنة التي أعدها هللا للطائعين من عباده حقيقة ال شك فيها ‪ ،‬وانها المقر‬
‫االخير للمؤمنين به السالكين سبيل رسوله كما قال تعالى ‪ ( :‬وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من‬
‫تحتها األنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم‬
‫فيها خالدون )‪.‬‬

‫الخامس ‪ ( :‬والنار حق ) اي و اعتقد ان النار التي توعد هللا بها الكافرين و المنافقين حقيقة ال ريب فيها كما قال هللا تعالى‬
‫‪ ( :‬فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) االية (‪ 24‬سورة البقرة )‬

‫هذه األمور الخمسة من آمن بها في صدق و ايمان فان هللا ( يدخله الجنة على ما كان من العمل ‪ ،‬وفي هذا ضمان بدخول‬
‫الجنة لمن مات على التوحيد ‪ ،‬حتى لو مات وهو يمارس المعاصي ‪ ،‬فان هللا أما أن يتجاوز عنه وهو أهل للعفو والغفران‬
‫‪ ،‬وأما أن يعذبه على قدر معصيته ‪ ،‬ثم يدخله الجنة ‪ ،‬وهذه مزية كبيرة لمن مات موحدا هلل في عبادته )‪.‬‬

‫الحديث الثاني ‪ -‬حديث عتبان و فيه ( أن هللا حرم على النار من قال ال اله اال هللا يبتغي بذلك وجه هللا )‬

‫وفيه داللة صريحة على أن من اعترف هلل بالوحدانية ‪ ،‬ولم يشرك مع هللا أحدا في عبادته ‪ ،‬وأدى ما تستلزمه ال اله اال هللا‬
‫قوال وعمال فان هللا يمنحه الضمان من دخول النار ‪ ،‬واالمان من دخول النار هو مطلب العباد ‪ ،‬والزهاد ‪ ،‬والصالحين ‪.‬‬

‫ويأتي الحديث الثالث حديث أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه و هو يحكي قصة موسى عليه السالم مع ربه ‪ ،‬فقد طلب‬
‫موسی من ربه أن يعلمه دعاء يسأله به ‪ ،‬ويثني به عليه ‪ .‬فقال له ربه ‪ :‬يا موسی ‪ :‬قل ال اله اال هللا فقال موسى لربه ( كل‬
‫عبادك يقولون هذا وأنا أطلب منك دعاء تخصني به)‪ .‬فقال له القادر العظيم ‪ :‬يا موسى لو أن السموات السبع وما فيهن من‬
‫المخلوقات واالرضين السبع في كفة ميزان وال اله اال هللا في الكفة األخرى ‪ ،‬مالت بهن ال اله اال هللا ‪ ،‬وهذا فيه داللة‬

‫‪2۰‬‬
‫على أن ال اله اال هللا هي أفضل شيء يمكن أن يذكر هللا به ‪ ،‬ومما ورد في فضلها وعظيم شأنها‪ ،‬ما ورد في حديث عبد‬
‫هللا بن عمرو عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخالئق يوم القيامة فينشر له‬
‫تسعة وتسعون سجال كل سجل مد البصر ثم يقال ‪ :‬أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول ‪ :‬ال يا رب فيقال‬
‫‪ :‬أفلك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول ‪ :‬ال‪ .‬فيقال بلى ‪ ،‬أن لك عندنا حسنة وانه ال ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة‬
‫فيها ‪ :‬أشهد أن ال اله اال هللا ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت ؟ فيقال ‪:‬‬
‫إنك ال تظلم ‪ ،‬فتوضع السجالت في كفة و البطاقة في كفة ‪ ،‬فطاشت السجالت ‪ ،‬وثقلت البطاقة )‪.‬‬

‫أما الحديث الرابع واألخير في هذا الباب فهو الحديث القدسي وفيه وعد من هللا لمن مات ال يشرك باهلل شيئا أن يجزيه‬
‫على ذلك بمغفرة ذنوبه مهما كانت‪ ،‬كثرتها ‪ ،‬وهذا يدل على فضل التوحيد وكثرة تكفيره للذنوب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب‬
‫وقول هللا تعالى ( ان ابراهيم كان أمة قانتا هلل حنيفا ولم يك من المشركين ) االية (‪ – 12۰‬النحل ) ‪.‬‬

‫و قال ( والذين هم بربهم ال يشركون ) اآلية (‪ - 59‬المؤمنين )‪.‬‬

‫عن حصين بن عبد الرحمن قال ‪ :‬كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة فقلت ‪ :‬أنا ثم قلت‬
‫‪ :‬أما اني لم اكن في صالة ولكن لدغت قال ‪ :‬فما صنعت ؟ قلت ارتقيت قال ‪ :‬فما حملك على ذلك ؟ قلت حديث حدثناه‬
‫الشعبي قال ‪ :‬وما حدثكم ؟ قلت حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال ‪ :‬ال رقية اآل من عين أو حمة ‪ .‬قال ‪ :‬قد أحسن من‬
‫انتهى إلى ما سمع‪ ،‬ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( عرضت علي االمم فرأيت النبي ومعه‬
‫الرهط و النبي ومعه الرجل والرجالن ‪ ،‬والنبي وليس معه أحد ‪ ،‬اذ رفع لي سواد عظيم ‪ ،‬فظننت انهم أمتي ‪ ،‬فقيل لي هذا‬
‫موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي‪ :‬هذه أمتك ‪ ،‬ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب وال عذاب ) ثم‬
‫نهض فدخل منزله ‪ ،‬فخاض الناس في اولئك فقال بعضهم ‪ :‬فلعلهم الذين صحبوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬فلعلهم الذين ولدوا في االسالم فلم يشركوا باهلل شيئا ‪ ،‬وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فأخبروه فقال ( هم الذين ال يسترقون وال يكتوون وال يتطيرون ‪ ،‬وعلى ربهم يتوكلون‪ .‬فقام عكاشة بن محصن فقال ‪ :‬ادع‬
‫هللا أن يجعلني منهم‪ :‬قال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع هللا أن‬

‫يجعلني منهم ‪ ،‬فقال ( سبقك بها عكاشه )‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬معرفة مراتب الناس في التوحيد ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ما معنى تحقيقه ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ثناؤه سبحانه على ابراهيم بكونه لم يك من المشركين ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ثناؤه على سادات االولياء بسالمتهم من الشرك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬عمق علم الصحابة لمعرفتهم انهم لم ينالوا ذلك اال بعمل ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬حرصهم على الخير ‪.‬‬

‫التاسعة‪ :‬فضيلة هذه األمة بالكمية والكيفية ‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬فضيلة أصحاب موسی ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬عرض األمم عليه ‪ -‬عليه السالم ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬قلة من استجاب لالنبياء ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة‪ :‬أن من لم يجبه أحد يأتي وحده‪.‬‬

‫الخامسة عشره ‪ :‬ثمرة هذا العلم وهو عدم االغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫السادسه عشرة ‪ :‬الرخصة في الرقية من العين والحمة ‪.‬‬

‫السابعة عشرة‪ :‬عمق علم السلف لقوله ‪ :‬قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا ‪ .‬فعلم أن الحديث‬

‫‪..‬األول ال يخالف الثاني ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬بعد السلف عن مدح اإلنسان بما ليس فيه ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬قوله ( أنت منهم ) علم من أعالم النبوة ‪.‬‬

‫العشرون ‪ :‬فضيلة عكاشة ‪.‬‬

‫الحادية والعشرون ‪ :‬استعمال المعاريض ‪.‬‬

‫الثانية والعشرون ‪ :‬حسن خلقه صلى هللا عليه و سلم ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد من هذا الباب بيان ما أعده هللا للذين أخلصوا هللا في أيمانهم واتجهوا اليه وحده في عبادتهم ‪ ،‬من نعيم‬
‫خالد هو دخول الجنة ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أيتان و حديثان‪.‬‬

‫اآلية األولى من هاتين اآليتين قول هللا تعالى ‪ ( :‬ان ابراهيم كان أمة قانتا هلل حنيفا ولم يبك من المشركين ) والمعنى أن هللا‬
‫تعالى جلت عظمته ‪ .‬مدح عبده ورسوله وخليله أمام الحنفاء ووالد االنبياء بجملة صفات هي الغاية في تحقيق التوحيد ‪.‬‬

‫فوصفه أوال ‪ :‬بأنه وحده كان أمة ‪ ،‬يعني قدوة للمؤمنين ورئيسا للموحدين ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬انه كان قانتا يعني مداوما على طاعة هللا ‪ ،‬قائما بأمره في صدق ويقين ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬انه كان حنيفا ‪ ،‬والحنيف معناه المائل عن الدين الباطل ‪ ،‬الى الدين الحق ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬انه ما كان من المشركين ‪ -‬يعني لم يكن سائرا على ما سارعليه المشركون من عبادة األصنام والكواكب ‪ ،‬وانما‬
‫كان موحدا هللا مؤمنا به مخلصا له في عبادته ‪ ،‬وهذا هو تحقيق التوحيد ‪.‬‬

‫واآلية الثانية هنا هي قوله تعالى ‪ ( :‬والذين هم بربهم ال يشركون) أي الذين ال يعبدون معه غيره ‪ ،‬ويعتقدون في ايمان‬
‫صادق ‪ ،‬بان هللا وحده أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‪.‬‬

‫و بعد هاتين اآليتين يأتي حديث حصين رضي هللا عنه وفيه يحكي قصة حصلت له في مجلس سعيد بن جبير هو وجماعة‬
‫معه اذ سأل سعيد من عنده قائال ( أيكم رأي الكوكب الذي انقض البارحة ‪ ،‬يعني من منكم شاهد النجم الذي سقط البارحة‬
‫قال حصين ‪ :‬قلت أنا ‪ ،‬ولحرص السلف الصالح ومنهم حصين رضي هللا عنه على البعد عن مدح االنسان بما ليس فيه ‪،‬‬
‫وخوفا من أن يكون في كالمه ‪ ،‬ايهام للسامعين بأنه حينما شاهد النجم أنه كان في عبادة فيكون ذلك رياءا ‪ ،‬أستدرك قائال‬
‫و أما اني لم اكن في صالة ولكني لدغت ) يعني أن عقربا لدغته ‪ ،‬قال له سعيد رضي هللا عنه ‪ :‬فما صنعت ‪ .‬يعني ما‬
‫فعلت ‪ ،‬قلت ( ارتقيت ) يعني طلبت من يعالجني ‪ ،‬بالرقية والرقية تكون اما بقراءة بعض آيات من القرآن الكريم ‪ ،‬أو‬
‫ادعية مأثورة عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬قال سعيد « فما حملك على ذلك ‪ ،‬يعني ما دليلك على جواز هذا العمل‬
‫الذي عملته ‪ ،‬قال حصين ‪ :‬قلت حديث حدثناه الشعبي ‪ ،‬قال سعيد وما حدثكم ‪ ،‬قال حصين ‪ ،‬حدثنا عن بريدة بن الحصيب‬
‫أنه قال ‪ :‬ال رقية اال من عين أو حمة ‪ .‬يعني ال رقية أقرب إلى الشفاء ‪ -‬من االصابة بالعين والحمة ‪ -‬بضم الحاء وتخفيف‬
‫الميم ‪ -‬سم العقرب وغيرها من الحشرات السامة قال سعيد في أدب العالم ‪ :‬قد أحسن من انتهى إلى ما سمع يعني قد أحسن‬
‫عمال من عمل شيئا عن علم ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫قال سعيد رضي هللا عنه ‪ ،‬ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه قال ‪ ( :‬عرضت علي االمم ) الحديث‬
‫هنا لم يتعرض المكان وزمان العرض ولذا سوف ال نتعرض له اآلن اال اذا ورد ما يدل على ذلك ‪ ،‬قوله ‪ ( :‬فرأيت النبي‬
‫ومعه الرهط ) يعني أنه عليه السالم رأي في هذا العرض بعض األنبياء ‪ ،‬وليس معه من أتباعه اال أشخاص قليلون يبلغ‬
‫عددهم العشرة )‪.‬‬

‫‪.‬قوله ‪ ( :‬والنبي معه الرجل والرجالن ‪ ،‬والنبي وليس معه أحد ) ورأى كذلك بعض األنبياء ‪ ،‬وليس معه سوى رجل أو‬
‫رجلين ‪ ،‬ومنهم من ليس معه أحد وهذا يدل على أن األكثرية الساحقة من الناس ال يسيرون على هدي انبيائهم وأن‬
‫الصادقين هللا في توحيدهم أقل بكثير من ذوي النفوس المنحرفة عن طريق الهدى ‪ -‬كما تشير إلى ذلك اآلية الكريمة ( وان‬
‫تطع أكثر من في األرض يضلوك عن سبيل هللا ) ‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬اذ رفع لي سواد عظيم ) يعني رأيت في األفق البعيد أشياء ال أستطيع تمييزها لبعدها‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬فظننت أنهم أمتي ) و ذلك ألن بعد االشياء عن النظر يجعل االنسان ال يدرك غير الصورة فقط‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬فقيل لي هذا موسى وقومه ) وفي هذا دليل على كثرة أتباع موسى عليه السالم ‪ ،‬من بني إسرائيل ‪ .‬وقد ورد في‬
‫صحيح مسلم ( ولكن انظر إلى األفق ) ولم يذكره المصنف فلعله سقط من األصل الذي نقل الحديث منه ‪ ،‬قوله ( فنظرت‬
‫فإذا سواد عظيم ‪ ،‬فقيل لي ‪ :‬هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وال عذاب ‪ ،‬قوله ( ثم نهض ) يعني‬
‫قام من بين أصحابه و دخل بيته ( فخاض الناس في أولئك ) أي فبدأ الصحابة يتساءلون فيما بينهم ‪ ،‬ويتباحثون فيمن يكون‬
‫أولئك الذين يحصلون على هذا الفضل العظيم ‪ ،‬ليعملوا مثلهم ‪ .‬الى أن خرج عليهم الرسول عليه السالم فقال ‪ ( :‬هم الذين‬
‫ال يسترقون ) أي ال يطلبون من أحد أن يرقيهم ‪ ،‬توكال على هللا و اعتمادا على أن المرض حصل بأمر هللا ‪ ،‬والشفاء انما‬
‫يكون بأمر من هللا ‪ ،‬ومن تمام التوكل على هللا تفويض االمر اليه ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬وال يكتوون ) يعني ال يسألون غير هم أن‬
‫يكويهم ‪ ،‬استسالما لقضاء هللا وقدره ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬وال يتطيرون ) أي ال يتشاءمون بالطيور وللتطير باب سيأتي ان شاء هللا‬
‫‪.‬‬

‫قوله ‪« :‬وعلى ربهم يتوكلون » يعني أنهم لعمق ايمانهم ‪ ،‬يفوضون أمرهم إلى هللا ‪ ،‬رضاء بقضاءه و قدره ‪ ،‬وليس معنى‬
‫هذا أنهم يحرمون تعاطي أسباب الشفاء من المرض ‪ ،‬ولكنهم يتركون األمور المكروهة مع احتياجهم اليها توكال على هللا‬
‫و إلتجاءا اليه ‪.‬‬

‫لكن تعاطي أسباب العالج في الحقيقة ال ينافي التوكل على هللا ‪ ،‬فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم انه قال ‪ ( :‬الشفاء في ثالث ‪ :‬شربة عسل ‪ ،‬وشرطة محجم ‪ ،‬وكية نار ‪ ،‬وأنا أنهي أمتي عن الكي ) ‪،‬‬
‫وفي لفظ آخر «وما أحب أن اکتوي ) وكالم النبي عليه السالم في تحديد الشفاء في ثالثة أشياء جاء في وقت لم تكن‬
‫الوسائل العالجية فيه متوفرة ‪ ،‬كما هو الحال في عصرنا هذا لكنه عليه الصالة و السالم أخبر أنه ما من مرض اآل ويوجد‬
‫له عالج وما هو حاصل االن من تطور في عالم الطب فيه دليل على أن نبي هللا عليه السالم ال ينطق عن الهوى ‪ ،‬وال‬
‫يقول اآل ما هو حق فقد تطور الطب تطورا كبيرا استطاع من خالله القضاء على كثير من األمراض ورغم هذا التطور‬
‫فما تزال هناك بعض األمراض يقف أمامها الطب عاجزا عن ايجاد عالج لها ‪ -‬حتى عصرنا هذا ‪ ،‬جاء هذا الخبر في‬
‫حديث أبي هريرة رضي هللا عنه الوارد في الصحيحين ‪ -‬حيث يقول ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (ما أنزل هللا‬
‫من داء اآل أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله )‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬فقام عكاشة بن محصن فقال ‪ :‬ادع هللا أن يجعلني منهم قال ‪ :‬أنت منهم ) وفي هذا بشارة عظيمة يبشر بها‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم واحدة من أصحابه ‪ .‬وعكاشة هذا من بني أسد بن خزيمة ‪ ،‬كان من السابقين إلى االسالم ‪،‬‬
‫شهد بدرا وقاتل فيها ‪ ،‬واستشهد في قتال الردة مع خالد بن الوليد رضي هللا عنه ‪ :‬ولعل الرسول عليه السالم قد بشره‬
‫بالجنة لما يعلمه عنه من صدق مع هللا ‪ ،‬وألنه ممن شهد بدرا وقد جاء في الحديث ( لعل هللا اطلع على أهل بدر فقال ‪:‬‬
‫اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )‪ ،‬والراجح أن عكاشة رضي هللا عنه حينما طلب من الرسول عليه الصالة والسالم الدعاء‬
‫له قال ‪ ( :‬اللهم اجعله منهم ) كما وردت بذلك رواية البخاري فاستجاب هللا دعاءه فقال لعكاشة أنت منهم‪.‬‬

‫قوله ‪( :‬ثم قام رجل آخر فقال ادع هللا أن يجعلني منهم ) وألن الرجل لم يكن له من الفضل والسبق في االسالم مثل ما‬
‫لعكاشة ‪ ،‬وخوفا من أن يقوم ثالث ورابع ويطلب كل من كان حاضرا الدعاء له بدخول الجنة سد الباب بقوله عليه السالم ‪:‬‬
‫( سبقك بها عكاشة ) ‪ .‬ولما يتمتع به نبي هللا من أدب رفيع وحسن خلق لم يقل لذلك الرجل ‪ :‬لست منهم فيجرح بذلك‬
‫إحساسه ‪ ،‬ولكنه قال سبقك بها عكاشة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫باب الخوف من الشرك‬
‫وقول هللا تعالى ( ان هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) اآلية (‪ - 48‬النساء ) ‪.‬‬

‫وقال الخليل عليه السالم ( واجنبني وبني أن نعبد األصنام ) اآلية (‪ - 3۰‬ابراهيم ) ‪.‬‬

‫وفي الحديث ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر ) فسئل عنه فقال ( الرياء) وعن ابن مسعود رضي هللا عنه أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (من مات وهو يدعو هلل ندا دخل النار ) رواه البخاري ولمسلم عن جابر رضي هللا‬
‫عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( من لقي هللا ال يشرك به شيئا دخل الجنة ‪ ،‬ومن لقيه يشرك به شيئا دخل‬
‫النار) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬الخوف من الشرك‬

‫الثانية ‪ :‬أن الرياء من الشرك ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أنه من الشرك األصغر ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬قرب الجنة والنار ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬الجمع بين قربهما في حديث واحد‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬انه من لقيه ال يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ولو كان من أعبد الناس ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة األصنام ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬اعتباره بحال االكثر لقوله ( رب انهن أضللن و كثيرا من الناس )‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬فيه تفسير (ال اله اال هللا ) كما ذكره البخاري ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬فضيلة من سلم من الشرك ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد أمام الدعوة قدس هللا روحه من هذا الباب بيان العقاب الرهيب لمن مات مشركا باهلل في عبادته ‪ .‬وتوضيح خطأ ما‬
‫يعتقده كثير من الناس من أن خطر الشرك قد زال بزوال الجاهليات األولى ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان و ثالثة أحاديث ‪.‬‬

‫فاآلية األولى قيل في سبب نزولها انه لما نزل قول هللا تعالى ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة‬
‫هللا ‪ ،‬ان هللا يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ) ‪.‬‬

‫قام النبي صلى هللا عليه وسلم على المنبر فتالها على الناس فقام اليه رجل فقال ‪ :‬والشرك باهلل فسکت مرتين أو ثالثا‬
‫فنزلت هذه اآلية ( ان هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) واآلية الكريمة هذه فيها تحذير من العاقبة‬
‫المؤلمة لمن لقي هللا مشركا ‪ ،‬وفيها إخبار بأن كل ذنب يمكن أن يتجاوز هللا عنه اال الشرك باهلل في عبادته ‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أنه أعظم ذنب يمكن أن يلقى االنسان به ربه ‪ .‬ولذا جاء في االية (ان هللا ال يغفر أن يشرك به ) ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ألن الشرك معناه انزال المخلوق منزلة الخالق ‪ ،‬ورفع العبد إلى مقام االله والعبادة كلها بجميع صورها حق من حقوق هللا‬
‫فاذا سلب هذا الحق وأعطي لمخلوق كان معنى ذلك تسوية المخلوق بالخالق ‪ ،‬وجعل الفقير العاجز مكان القادر القاهر ‪،‬‬
‫وفي هذا اعتداء على حق هللا وتقليل من شأن رب العالمين ‪ ،‬من هنا كان الشرك أعظم الذنوب جرما ‪ ،‬وأشدها عقابا من‬
‫أي ذنب آخر ‪ ،‬جاء ذلك في قول هللا تعالى ‪ ( :‬انه من يشرك باهلل فقد حرم هللا عليه الجنة ‪ ،‬ومأواه النار وما للظالمين من‬
‫أنصار ) واآلية هنا تشمل كل مشرك على وجه األرض ‪ ،‬ال فرق في ذلك بين عبدة البقر والنار وال بين أهل الكتاب من‬
‫يهود أو نصاری ‪ ،‬وال بين من اتخذ الهه هواه من دهريين وغيرهم ‪ ،‬كل هؤالء وأمثالهم من عبدة األصنام واألوثان اذا‬
‫ماتوا على الشرك استحقوا الخلود في النار وبعد أن أوضح هللا سبحانه أنه ال يغفر لمن مات وهو مشرك بين أن ما دون‬
‫الشرك من الذنوب يغفره لمن يشاء من عباده ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) يعني أن من مات وعليه ذنوب‬
‫وهو غير مشرك فانه يكون تحت مشيئة هللا ‪ ،‬ان شاء عفا عنه ‪ ،‬وان شاء عذبه على قدر ذنبه ‪.‬‬

‫أما اآلية الثانية في هذا الباب فهي قوله تعالى ( واجنبني وبني أن نعبد األصنام ) ‪.‬‬

‫واآلية الكريمة تشير إلى طلب ابراهيم عليه السالم من ربه أن يجنبه و بنيه عبادة األصنام ‪ .‬ويثبته هو وبنيه على التوحيد‬
‫‪ ،‬وقد استجاب هللا دعاءه فجعل بنيه أنبياء ‪ ،‬وجنبهم عبادة األصنام‪.‬‬

‫بعد هاتين اآليتين يأتي الحديث األول في هذا الباب وفيه أن النبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬أخبر أن أشد ما يخافه على أمته‬
‫الشرك األصغر ‪ ،‬ولما سئل عليه السالم عن الشرك األصغر قال ‪ :‬الرياء والرياء هو أن يعمل االنسان أعماال في‬
‫ظاهرها أنها هللا ‪ ،‬ولكنه يريد من هذا العمل شيئا آخر هو ثناء الناس عليه ‪ ،‬ووصفه بالصالح والتقوى ‪ ،‬لكن هذا النوع‬
‫من الشرك ال يخرج المسلم عن دينه ‪.‬‬

‫أما الحديث الثاني ‪ ،‬وهو حديث ابن مسعود ففيه أن من مات وهو يدعو هلل ندا دخل النار ‪ ،‬والند معناه الشريك ‪ ،‬فمن جعل‬
‫هللا شريکا في عبادته من نبي أو ولي أو أي مخلوق آخر يعظمه كما يعظم هللا ‪ ،‬أو يخافه كما يخاف من هللا ‪ ،‬أو يرجوه‬
‫كما يرجو هللا ‪ ،‬أو يتوكل عليه كما يتوكل على هللا ‪ .‬فقد جعله مساويا هلل و شبيها له ولذا فقد أشرك مع هللا شركا أكبر ‪،‬‬
‫ويخرج بسببه من االسالم ‪ ،‬ويستحق به دخول النار ‪.‬‬

‫والحديث األخير في الباب هو حديث جابر رضي هللا عنه وفيه أن من فارق الحياة متجردا من كل عبودية اال هللا دخل‬
‫الجنة ‪ .‬اال أن كانت عليه ذنوب كبيرة ‪ ،‬فهو تحت مشيئة هللا ان شاء غفر له وادخله الجنة ‪ ،‬وان شاء عذبه على قدر ذنبه‬
‫وأدخله الجنة‪.‬‬

‫وان من مات مشركا مع هللا في عبادته دخل النار ‪ .‬ولذا فان على المسلم أن يكون حذرا من الوقوع في الشرك الذي ال‬
‫يغفره هللا ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫باب الدعاء الى شهادة أن ال اله اال هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى هللا على بصيرة ) االية (‪ - 1۰8‬يوسف )‬

‫عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له « انك تأتي قوما من‬
‫أهل الكتاب » فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة أن ال اله اال هللا وفي رواية الى أن يوحدوا هللا ‪ ،‬فإن هم أطاعوك لذلك‬
‫فاعلمهم ان هللا افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ‪ ،‬فان هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن هللا افترض عليهم‬
‫صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ‪ ،‬فان هم أطاعوك لذلك فاياك وكرائم أموالهم ‪ ،‬واتق دعوة المظلوم فانه ليس‬
‫بينها وبين هللا حجاب ‪ ،‬أخرجاه ‪ .‬ولهما عن سهل بن سعد ‪ .‬رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال يوم‬
‫خيبر (العطين الراية غدا رجال يحب هللا ورسوله ‪ ،‬ويحبه هللا ورسوله يفتح هللا على يديه فبات الناس يدركون ليلتهم ‪،‬‬
‫أيهم يعطاها ‪ ،‬فلما أصبحوا غدوا على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال ‪ ( :‬أين علي بن أبي‬
‫طالب ) فقيل هو يشتكي عينيه ‪ ،‬فارسلوا اليه فأتي به فبصق في عينيه ودعا له ‪ ،‬فبرأ كأن لم يكن به وجع ‪ ،‬فأعطاه الراية‬
‫فقال ‪ ( :‬انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى اإلسالم وأخبرهم بما يجب عليهم من حق هللا تعالى فيه فوهللا‬
‫الن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم ‪ .‬پدوکون ‪ :‬أي يخوضون‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أن الدعوة إلى هللا طريق من اتبعه صلى هللا عليه‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬التنبيه على االخالص ألن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ان البصيرة من الفرائض ‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬من دالئل حسن التوحيد ‪ :‬كونه تنزيها هللا تعالى عن المسبة ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن من قبح الشرك كونه مسبة هلل ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬وهي من أهمها ابعاد المسلم عن المشركين لئال بصير منهم ولو لم يشرك‪.‬‬

‫السابعة‪ :‬كون التوحيد أول واجب ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬أنه يبدأ به قبل كل شيء حتى الصالة ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬أن معنی ( أن يوحدوا هللا ) معنی شهادة أن ال اله اال هللا ‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬أن اإلنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو ال يعرفها ‪ ،‬أو يعرفها وهو ال يعمل بها‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬التنبيه على التعليم بالتدريج ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬البداءة باالهم فاالهم ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬مصرف الزكاة ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة‪ :‬كشف العالم الشبه عن المتعلم ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة‪ :‬النهي عن كرائم األموال‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬اتقاء دعوة المظلوم ‪.‬‬

‫السابعة عشرة ‪ :‬االخبار بأنها ال تحجب ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الثامنة عشرة ‪ :‬من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات االولياء من المشقة والجوع والوباء‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬قوله ( العطين الراية ) الخ علم من أعالم النبوة ‪.‬‬

‫العشرون ‪ :‬تفله في عينيه علم من أعالمها أيضا ‪.‬‬

‫الحادية والعشرون ‪ :‬فضيلة علي رضي هللا عنه ‪.‬‬

‫الثانية والعشرون ‪ :‬فضل الصحابة في دوكهم تلك الليلة وشغلهم عن بشارة الفتح ‪.‬‬

‫الثالثة والعشرون ‪ :‬االيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعی ‪.‬‬

‫الرابعة و العشرون ‪ :‬األدب في قوله ( على رسلك )‪.‬‬

‫الخامسة والعشرون ‪ :‬الدعوة إلى اإلسالم قبل القتال ‪.‬‬

‫السادسة والعشرون ‪ :‬انه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا ‪.‬‬

‫السابعة والعشرون ‪ :‬الدعوة بالحكمة لقوله ( أخبرهم بما يجب عليهم ) ‪.‬‬

‫الثامنة و العشرون ‪ :‬المعرفة بحق هللا تعالى في االسالم ‪.‬‬

‫التاسعة والعشرون ‪ :‬ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد‪.‬‬

‫الثالثون ‪ :‬الحلف على الفتيا‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد االمام المصلح رحمه هللا من هذا الباب بيان وجوب دعوة الناس إلى توحيد هللا و اخالص العبادة له ‪ ،‬والبعد عن كل‬
‫ما يلوث عقيدة المسلم من شرك أو بدع أو خرافات ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية واحدة وحديثان ‪.‬‬

‫اآلية الكريمة بعد أن بين هللا سبحانه وتعالى في آيات سابقة لهذه اآلية الدليل القاطع على وجود هللا المتمثل في هذا الكون‬
‫المحير للعقل في احكامه ودقة نظامه ‪ ،‬وخفاء أسراره ‪ ،‬وما عليه البشر من غفلة عن التفكير في آيات هللا الدالة على‬
‫وحدانيته ‪.‬‬

‫أمر رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬أن يخبر الناس بأن طريقه هي الدعوة إلى توحيد هللا واخالص العبادة له وحده ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫( قل هذه سبيلي أدعو إلى هللا على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان هللا وما أنا من المشركين) أي قل يا محمد هذه الدعوة‬
‫التي أدعو اليها ‪ ،‬والطريقة التي أنا سائر عليها ‪ ،‬من الدعوة إلى توحيد هللا واخالص العبادة له ومحاربة األصنام واألوثان‬
‫‪ ،‬هي سنتي ومنهاجي ( ادعو إلى هللا ) إلى توحيد هللا الواحد األحد ( على بصيرة ) أي على علم قاطع بما ادعو اليه ‪( ،‬‬
‫أنا ) وكذلك يدعو اليه ( من اتبعني ) يعني من آمن بي واتبع طريقتي ‪ ( .‬وسبحان هللا ) يعني أنزه هللا وأعظمه ‪ ،‬عن‬
‫الشركاء واالنداد ‪( ،‬وما أنا من المشركين ) أي ما أنا من أنكر نعمة هللا عليه فأشرك معه في عبادته‪.‬‬

‫بعد اآلية الكريمة هذه يأتي حديث بعث معاذ بن جبل رضي هللا عنه إلى اليمن ‪ ،‬داعيا لتوحيد هللا وحاكما ينفذ شريعة هللا ‪،‬‬
‫على ضوء توجيهات الرسول عليه الصالة و السالم ‪ .‬التي جاء فيها قوله ‪ ( :‬انك تأتي قوما من أهل الكتاب ) بشير بذلك‬
‫إلى اليهود والنصارى الذين يمثلون األكثرية من سكان اليمن في ذلك الزمن ‪ ،‬وكأن النبي عليه الصالة والسالم بهذا يقول‬
‫لمعاذ كن مستعدا لمواجهة مجادلة قد تحصل بينك ‪ ،‬وبين أولئك اليهود والنصارى ومع هذا فقد حدد عليه الصالة والسالم‬
‫لمعاذ رضي هللا عنه االشياء التي يدعوهم اليها بأمور خمسة رتبها و احدا بعد اآلخر فقال ‪ ( :‬فليكن أول ما تدعوهم اليه‬
‫شهادة أن ال اله اال هللا ) وفي رواية إلى أن يوحدوا هللا و بهذا وضح الرسول عليه السالم بداية الطريق إلى الدخول في‬

‫‪28‬‬
‫االسالم وبين أن أول نقطة يبدأ بها االنسان ليكون مسلما هي الشهادة القاطعة بأن هللا واحد ال شريك له في عبادته وأنه ال‬
‫معبود بحق في هذا الوجود غيره وما من نبي جاء قبل محمد عليه السالم األ وهو يفتتح رسالته بالدعوة إلى االعتراف‬
‫بالعبودية المطلقة هلل رب العالمين ‪ -‬كما أشار إلى ذلك قول هللا جلت قدرته ( وما أرسلنا من قبلك من رسول اال نوحي‬
‫اليه أنه ال اله اال أنا فاعبدون ) ومن هنا يتضح أن رساالت األنبياء كلها تلتقي حول نقطة واحدة هي توجيه البشرية إلى‬
‫االعتراف بوحدانية هللا ‪ ،‬واخالص العبادة له وحده قوله ‪ ( :‬وفي رواية إلى أن يوحدوا هللا ) يعني ادعهم إلى أن يوحدوا‬
‫هللا ‪.‬‬

‫وألن كل عمل ال يقوم على توحيد هللا فهو باطل ‪ ،‬وغير مقبول عند هللا ‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ( فان هم أطاعوك‬
‫لذلك ‪ -‬اي فان استجابوا إلى ما دعوتهم اليه من توحيد هللا والكفر بكل معبود غيره فأعلمهم أن هللا افترض عليهم خمس‬
‫صلوات في كل يوم وليلة وهذا دليل على أهمية الصالة اذ تأتي في المرتبة الثانية بعد كلمة التوحيد ‪ ،‬فاذا هم امتثلوا بذلك‬
‫وأقاموا الصالة ) فاعلمهم ان هللا افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقراهم‪ ،‬وألن الزكاة قرينة الصالة فقد‬
‫جاءت في المرتبة الثالثة ‪ ،‬ولذا ورد في حديث البن مسعود رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قوله ( أمرت‬
‫بإقام الصالة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬ومن لم يزك فال صالة له كما جاء ذكرها أيضا مقترنا بالصالة في قول هللا تعالى ( وما‬
‫أمروا اال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) هذه الزكاة المفروضة‬
‫تؤخذ من أهل الثراء وتوزع على الفقراء وهذه ميزة ال توجد في غير االسالم وفي توجيه الرسول عليه السالم بتوزيع‬
‫الزكاة على الفقراء دون أن يتعرض ألهل الزكاة الثمانية الوارد ذكرهم في القرآن الكريم دليل على أنهم أولى بها من غير‬
‫هم‪ ،‬و ادراكا من الرسول عليه السالم لحب االنسان لماله ‪ ،‬ولو أنه في الحقيقة مال هللا ‪ ،‬وخوفا من أن ال يأخذ معاذ‬
‫رضي هللا عنه للزكاة اآل أفضل المال وأحسنه ‪ ،‬فتتأثر نفوس أهل األموال فيخرجونها و هم کارهون ‪ ،‬قال النبي عليه‬
‫السالم لمعاذ ‪ ( :‬فان هم أطاعوك لذلك فاياك وكرائم أموالهم ) أي احذر أن تأخذ أجود ما لديهم من اإلبل أو الغنم أو‬
‫غيرها وانما عليك بالوسط فهو أقرب الى اخراج الزكاة عن طيب نفس ‪ ،‬وحتى ال تكون هناك تفرقة في معاملة الناس ‪،‬‬
‫ولتحقيق العدالة بين جميع أفراد المسلمين حذر ‪ :‬الرسول عليه السالم معاذا من عاقبة الظلم فقال ‪( :‬واتق دعوة المظلوم‬
‫فانه ليس بينها وبين هللا حجاب ) أي احذر أن تفرق بين الناس في‬

‫معاملتك ‪ ،‬أو تحابي في أمر من أمورك أو تأخذ أحدا بغير حق‪ ،‬فان هذا ظلم ‪ ،‬ودعوة المظلوم ال شيء يحجبها عن هللا‬
‫فكن على حذر منها ‪ ،‬وفي الحديث اشارة إلى أن الحاكم اذا ولى احدا على أمور المسلمين ‪ ،‬ينبغي له أن يوجهه‬
‫بالتوجيهات التي يرضى عنها هللا ‪ ،‬محذرا له من كل ظلم أو حيف أو انحراف وفي نهاية هذا الباب يأتي حديث سهل بن‬
‫سعد رضي هللا عنه وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال في غزوة خيبر (العطين الراية غدا رجال يحب هللا ورسوله‬
‫ويحبه هللا ورسوله يفتح هللا على يديه )‪.‬‬

‫وفي هذا الجزء من الحديث أمران ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬وصف ذلك الرجل الذي سوف يتسلم الراية بأنه يحب هللا ورسوله ويحبه هللا ورسوله ‪ ،‬وهذا دليل على شدة‬
‫ارتباط ذلك الرجل باهلل ‪ ،‬وعمق ايمانه برسالة محمد نبي هللا‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬اخباره عليه السالم بأن فتح خيبر يكون على يديه وهذا دليل من أدلة نبوته عليه السالم ‪ ،‬فقد فتح هللا خيبر بقيادة‬
‫ذلك الرجل المؤمن الصالح‪.‬‬

‫قوله ‪ :‬فبات الناس يدركون ليلتهم انهم يعطاها ‪ ،‬فلما أصبحوا غدوا إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كلهم يرجو أن‬
‫يعطاها ( أي أن الناس في تلك الليلة أخذوا يخمنون من يكون ذلك الرجل السعيد الذي سيحوز فضل حمل راية الحق ‪،‬‬
‫وألن الوصف الذي وصف به الرسول عليه السالم ذلك الرجل ‪ ،‬وهو حب هللا ورسوله ينطبق على أصحاب رسول هللا ‪،‬‬
‫ألنهم جميعا يحبون هللا ورسوله فقد ظن كل واحد منهم أنه صاحب الراية ‪ ،‬و حينما اجتمعوا عند رسول هللا عليه السالم‬
‫في خشوع المؤمنين ‪ ،‬قال ( أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل هو يشتكي عينيه فأرسلوا اليه ‪ ،‬فأتي به ‪ .‬فبصق في عينيه ‪،‬‬
‫ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال ‪ :‬أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى اإلسالم ‪ ،‬واخبر‬
‫هم بما يجب عليهم من حق هللا فيه فوهللا ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم ) يعني أن الرسول عليه‬
‫السالم وهو يبحث بين الحاضرين عن علي رضي هللا عنه شعر الصحابة رضي هللا عنهم انه هو صاحب الراية ‪ ،‬وجاء‬
‫علي رضي هللا عنه إلى رسول هللا أرمد يقوده أحد الصحابة و جلس إلى رسول هللا في أدب المؤمن أمام نبي هللا و بقليل‬
‫( وكانت راية رسول هللا صلى هللا‬ ‫من ريق رسول هللا في عيني علي ودعاء له بالشفاء برأ في الحال ‪ ،‬فأعطاه الراية‬
‫عليه وسلم مكتوب عليها ال اله اال هللا محمد رسول هللا ) وقال له ‪ ( :‬انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ) أي أذهب‬

‫‪29‬‬
‫برفق و من غير عجلة ‪ -‬حتى تنزل قريبا منهم في أرضهم وهذه سياسة حربية حكيمة يعلمها القائد االعلى لقائد من قواد‬
‫جيوشه اذ يأمره أن يكون قريبا من االعداء ليستطلع أخبارهم وليدخل الرعب في قلوبهم ‪ ،‬ليس عن طريق االندفاع وراء‬
‫العواطف الملتهبة بدون تعقل ‪ ،‬وال عن طريق اظهار القوة بالصراخ والضجيج دون تحسب للعواقب ‪ ،‬وانما عن طريق‬
‫التخطيط المحكم وأخذ األمور بالتعقل والحكمة وبعد النظر ‪.‬‬

‫قوله ( ثم ادعهم إلى االسالم ‪ ،‬أي بعد أن تنزل بساحتهم في ثبات المؤمن الواثق من نصر هللا ‪ ،‬أطلب منهم الدخول في‬
‫االسالم ‪ ،‬فاذا شهدوا أن ال اله اال هللا وأن محمدا رسول هللا ‪ -‬فأخبرهم بما يجب عليهم من حق هللا تعالى فيه ) يعني اذا‬
‫أسلموا فأخبرهم في رفق ولين بما أوجب هللا عليهم في االسالم ‪ -‬من صالة ‪ ،‬وزكاة ‪ ،‬وحج وغير ذلك مما أمر هللا به وما‬
‫نهى عنه من کفر و انحراف ‪ ،‬أو فسوق وعصيان ‪.‬‬

‫قوله ‪( :‬فوهللا ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم ) يعني لو خرج رجل من الكفر الى االسالم بسبب‬
‫دعوتك ‪ .‬كان ذلك أفضل مما لو تصدقت بما في الوجود من ناقة حمراء ‪ ،‬أو خير لك من امتالك ما على األرض من ناقة‬
‫حمراء ‪ ،‬والحديث يحتمل المعنيين ‪ ،‬وهذا دليل أكيد على أن اجر هداية الناس إلى الخير ال يعدله اجر ‪ ،‬وأن االسالم ال‬
‫يأمر بقتال االعداء اال بعد رفضهم لدين هللا ‪ ،‬وتهديدهم لدعوة رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫‪3۰‬‬
‫باب تفسير التوحيد ‪ ،‬وشهادة أن ال اله اال هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) ‪ ،‬اآلية (‪ - 17‬اإلسراء )‬

‫وقوله ( واذ قال ابراهيم البيه وقومه انني براء مما تعبدون اال الذي فطر في فانه سيهدين ) اآلية (‪ - 27 ، 29‬الزخرف‬
‫)‬

‫وقوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ) اآلية (‪ - 31‬التوبة )‬

‫وقوله ( ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا ) اآلية (‪ – 1۰9‬البقرة )‬

‫في الصحيح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( من قال ال اله اال هللا وكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله ودمه ‪،‬‬
‫وحسابه على هللا عز وجل )‪.‬‬

‫وشرح هذه الترجمة ما بعدها من األبواب ‪ .‬فيه أكبر المسائل وأهمها وهو تفسير التوحيد ‪ ،‬وتفسير الشهادة ‪ ،‬وبينها بأمور‬
‫واضحة ( منها ) آية االسراء ‪ ،‬بين فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ‪ ،‬ففيها بيان أن هذا الشرك هو‬
‫الشرك األكبر و( منها ) آية براءة ‪ ،‬بين فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ‪ ،‬وبين انهم لم‬
‫يؤمروا اال بأن يعبدوا الها واحدا ‪ ،‬مع أن تفسيرها الذي ال اشکال فيه ‪ :‬طاعة العلماء والعباد في غير المعصية ‪ ،‬الدعائهم‬
‫اياهم ‪.‬‬

‫و ( منها ) قول الخليل عليه السالم للكفار ( انني براء مما تعبدون ‪ ،‬اال الذي فطر في ) فاستثنى من المعبودين ربه ‪.‬‬
‫وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه المواالة هي تفسير شهادة أن ال اله اال هللا فقال ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم‬
‫يرجعون ) ‪.‬‬

‫و ( منها ) آية البقرة في الكفار الذين قال هللا فيهم ( وما هم بخارجين من النار ) ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب هللا ‪ ،‬فدل‬
‫على أنهم يحبون هللا حبا عظيما ولم يدخلهم في االسالم ‪ .‬فكيف بمن أحب الند أكبر من حب هللا ‪ ،‬فكيف بمن لم يحب اال‬
‫الند وحده ولم يحب هللا ‪ .‬و ( منها ) قوله صلى هللا عليه وسلم ( من قال ال اله اال هللا وكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله‬
‫ودمه ‪ ،‬وحسابه على هللا ) وهذا من أعظم ما يبين معنى ال اله اال هللا ‪ ،‬فانه لم يجعل التلفظ بها عاصمة للدم و المال ‪ ،‬بل‬
‫وال معرفة معناها مع لفظها ‪ ،‬بل وال االقرار بذلك ‪ ،‬بل وال كونه ال يدعو اال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬بل ال يحرم ماله و‬
‫دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون هللا ‪ ،‬فان شك أو توقف لم يحرم ماله و دمه فيا لها من مسألة ما أعظمها‬
‫وأجلها ‪ ،‬ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد رحمه هللا من هذا الباب زيادة االيضاح لمعنى كلمة التوحيد الذي تقدم الكالم عليه في االبواب السابقة‬
‫‪ ،‬لما في اآليات المذكورة في هذا الباب من زيادة ايضاح ‪ ،‬ولحرص الشيخ رحمه هللا على صفاء عقيدة المسلم أورد هذا‬
‫الباب لما فيه من معان جديدة ينبغي للمسلم معرفتها ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربع آيات و حديث و احد ‪.‬‬

‫فاآلية األولى ‪ :‬مرتبطة بأية قبلها وهي قوله تعالى ‪ ( :‬قل ادعوالذين زعمتم من دونه فال يملكون كشف الضر عنكم وال‬
‫تحويال ) أي يقول هللا لنبيه ورسوله ‪ :‬قل لهؤالء الذين يعبدون المخلوقين ‪ -‬اطلبوا من هؤالء الذين تزعمون أنهم آلهة اذا‬
‫نزل بكم مكروه ‪ ،‬أن يزيلوا عنكم الضر ‪ ،‬وانظروا هل يقدرون على ذلك أنهم ال يقدرون على دفع الضر أو جلب النفع ‪،‬‬
‫وانما الذي يقدر على ذلك هو هللا خالقكم وخالقهم ‪.‬‬

‫وبعد أن بين هللا ألولئك المشركين عدم قدرة من يزعمون أنهم آلهة ‪ ،‬على رفع الضر أو جلب النفع ‪ ،‬بين أن أولئك‬
‫المعبودين كانوا يتقربون إلى هللا بطاعته ‪ ،‬ولم يجعلوا بينهم وبين هللا و اسطة من المخلوقين فقال ‪ ( :‬أولئك الذين‬

‫‪31‬‬
‫يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ) أي أن هؤالء الذين تدعونهم أيها المشركون من دون هللا ‪ ،‬كانت وسيلتهم إلى ربهم انما‬
‫هي العمل الصالح الذي يقربهم من هللا ‪ ،‬وأعظم ما يقربهم إلى ربهم هو اخالصهم العبادة له ‪ ،‬وعدم اشراكهم معه احدا في‬
‫عبادته ‪ ،‬أيا كان من المخلوقين ‪ ،‬ال كما تفعلون أنتم من دعائكم غير هللا في جلب الخير أو دفع الشر ( أيهم أقرب ) أي أن‬
‫أولئك الذين تعبدونهم بدعائكم لهم في كشف الضر عنكم ‪ ،‬انما هم من عباد هللا الموحدين الذين يتقربون إلى هللا باتباع ما‬
‫أمر به ‪ ،‬ومخالفة ما نهى عنه أمال في رضائه و مغفرته ‪ ،‬فهم كغيرهم من عباد هللا ‪ ،‬ال يملكون ألنفسهم نفعا وال ضرا ‪،‬‬
‫وال موتا وال حياة وال نشورا ‪ ،‬فكيف تعبدونهم بدعائكم لهم ؟‪.‬‬

‫( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) أي أنهم يتقربون إلى هللا بالعمل الصالح يرجون رحمته ‪ ،‬و بابتعادهم عن مخالفة أمر‬
‫هللا يخافون عذابه ‪ ،‬ثم ذكر السبب في خوفهم من العذاب ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬ان عذاب ربك كان محذورا ) أي أن عذاب هللا جدير‬
‫بأن يخافه كل احد ‪ -‬المالئكة واالنبياء الصالحون‪ ،‬واألولياء ‪ ،‬الزعماء والرؤساء ‪ ،‬األغنياء والفقراء‪.‬‬

‫واآلية الثانية ‪ :‬في هذا الباب هي قوله تعالى ( وإذ قال ابراهيم ألبيه وقومه انني براء مما تعبدون ‪ ،‬اال الذي فطر في فانه‬
‫سيهدين ) وتوضيح المعنى في هذه اآلية أن هللا جلت قدرته ذكر في آية سابقة لهذه االية أن الذي جعل الكفار ينحرفون عن‬
‫توحيد هللا ‪ ،‬و اخالص العبادة له هو تقليدهم لمن سبقهم من اآلباء واألجداد وكما فعل المشركون السابقون ‪ ،‬فعلت قريش‬
‫حين رفضت دعوة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألنها تعارض ما عليه أباؤهم وأجدادهم من عبادة األصنام واألوثان ‪،‬‬
‫وألن ابراهيم عليه السالم ترك دين آبائهم وأجدادهم وعدل عنه إلى توحيد هللا ‪ ،‬فان هللا أمر نبيه أن يذكر لقومه كيف أن‬
‫ابراهيم تبرأ من أبيه وقومه حين رآهم عاكفين على عبادة األصنام وقال لهم ‪ :‬اني براء مما تعبدون ‪ .‬اال من عبادة هللا‬
‫الذي خلقني ‪ ،‬والذي سيهديني إلى طريق الهدى والخير ‪ .‬والنبي عليه السالم وهو يحكي لقومه قصة ابراهيم عليه السالم‬
‫يقول لهم بطريق غير مباشر ‪ :‬وأنا كذلك براء مما تعبدون من دون هللا ‪ ،‬وقوله تعالى ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم‬
‫يرجعون ) اي وجعل كلمة التوحيد باقية في ذريته يقتدي به فيها من هداه هللا منهم ‪ ،‬لعلهم يرجعون إلى دين الوحدانية‬
‫الذي كان عليه ابراهيم عليه السالم‪.‬‬

‫واآلية الثالثة ‪ :‬في هذا الباب ‪ ،‬مرتبطة بأية قبلها ‪ .‬هي قوله تعالى ( وقالت اليهود عزير ابن هللا وقالت النصارى المسيح‬
‫ابن هللا ‪ ،‬ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم هللا أني يؤفكون ) اآلية ( التوبة ‪ ( )3۰ -‬اتخذوا‬
‫أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ‪ ،‬والمسيح بن مريم ‪ ،‬وما أمروا اال ليعبدوا الها واحدا ال اله اال هو سبحانه عما‬
‫يشركون) (‪) .)31‬‬

‫وقوله تعالى ‪ ( :‬وقالت اليهود عزير ابن هللا ) أي أن اليهود زعموا ان عزير ابن هللا وهذا كذب پرده قول هللا تعالى ‪( :‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪ ،‬قل هو هللا أحد ‪ ،‬هللا الصمد ‪ ،‬لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد )‬

‫فاهلل تعالى قدره لم يكن له ولد وال والد ‪ ،‬وزعم اليهود أن هلل ولد اسمه عزير زعم ال مستند له ‪ ،‬وال دليل عليه‪.‬‬

‫( وقالت النصارى المسيح ابن هللا ) أي كما أن اليهود قالوا عزير ابن هللا كذلك قالت النصارى ‪ :‬المسيح ابن هللا ‪ .‬أفكار‬
‫وآراء تخالف العقل ‪ ،‬وال تقوم على برهان قطعي أو ظني ‪ ،‬ورأى النصارى هذا پرده قول هللا تعالى ( ما اتخذ هللا من ولد‬
‫‪ ،‬وما كان معه من اله اذا الذهب كل اله بما خلق ولعال بعضهم على بعض سبحان هللا عما يصفون ) ولفساد هذه االراء و‬
‫بعدها عن العقل والواقع ‪ ،‬جاء قول هللا تعالى ‪ ( :‬ذلك قولهم بأفواههم ) يعني أن ذلك الذي تقوله اليهود في عزير ‪ ،‬وما‬
‫تقوله النصارى في المسيح ‪ ،‬انما هو كالم تتفوه به ألسنتهم دون أن يكون له نصيب من الحقيقة ‪ ،‬و بهذا المعنى جاءت‬
‫اآلية الكريمة تقول ‪ ( :‬وينذر الذين قالوا اتخذ هللا ولدا ‪ ،‬ما لهم به من علم وال آلبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم ‪ ،‬أن‬
‫يقولون اآل كذبا )‬

‫قوله ‪ ( :‬يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ) أي أن قولهم هذا شبيه بقول من سبقهم من مشركي العرب حينما قالوا ‪ :‬أن‬
‫المالئكة بنات هللا ‪ ،‬تعالى هللا عن قولهم و تقدس ‪ .‬ولهذا قال ‪ ( :‬قاتلهم هللا )‬

‫اي أبعدهم هللا ( أنى يؤفكون ) ثم فصل قوله ‪ ( :‬يضاهئون قول الذين كفروا من قبل بقوله تعالى ‪ ( :‬اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم اربابا من دون هللا و المسيح بن مريم ) االحبار المقصود بهم العلماء والرهبان العباد ‪ ،‬يعني أن كال من اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا رؤساء الدين لديهم اربابا ‪ ،‬فاليهود اعطوا أحبارهم حق التشريع لهم وأطاعوهم في ذلك ‪ ،‬والنصارى‬
‫أعطواحق التشريع‪ .‬لرهبانهم وأطاعوهم في ذلك ‪ ،‬والمعنى أن هللا تعالى سمى الذين يشرعون للبشر تشريعات ‪ ،‬تحل ما‬
‫حرم هللا ‪ ،‬أو تحرم ما أحله هللا سماهم أربابا ‪ ،‬ألن التشريع للعباد من حق رب العالمين ‪ ،‬فاذا جاء انسان بتشريع مخالف‬
‫لتشريع هللا ‪ ،‬واطاعه الناس عن علم بذلك كان ذلك عبادة له من دون هللا ‪ ،‬يؤيد هذا ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي‬

‫‪32‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم تال هذه اآلية على عدي بن حاتم الطائي ‪ ،‬فقال يا رسول هللا لسنا نعبدهم ‪ ،‬قال ‪ :‬أليس يحلون لكم ما‬
‫حرم هللا فتحلونه ‪ ،‬ويحرمون ما أحل هللا فتحرمونه ‪ ،‬قال ‪ :‬بلى ‪ .‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬فتلك عبادتهم ‪ ،‬ومعنى‬
‫هذا أن النبي عليه السالم اعتبر طاعة المشرعين للناس تشريعا يخالف تشريع هللا عبادة لهؤالء المشرعين ‪ ،‬ألنه شرك‬
‫أكبر مخالف لمدلول شهادة أن ال اله اال هللا ‪ ،‬قوله تعالى ‪ ( :‬وما أمروا اال ليعبدوا الها واحدا ) أي وما أمر اليهود‬
‫والنصارى على لسان موسی و عيسی عليهما السالم ‪ ،‬اال أن يعبدوا الها واحدا هو هللا جل جالله ( ال اله اال هو ) أي ال‬
‫معبود بحق سواه ( سبحانه عما يشركون ) أي تعالى وتنزه عن كل شريك في ألوهيته أو ربوبيته ‪.‬‬

‫اآلية الرابعة ‪ :‬في هذا الباب هي قوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا ‪ ،‬والذين آمنوا‬
‫أشد حبا هلل ) ‪.‬‬

‫أي ومن الناس من يجعل هللا أمثاال و نظراء يسوون بينهم وبين هللا في المحبة والطاعة والتعظيم ‪ ،‬وهذا شرك في المحبة‬
‫‪ ،‬والشرك هو أعظم الذنوب على االطالق ‪ ،‬ولذا جاء في الصحيحين عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال ‪ :‬قلت يا‬
‫رسول هللا أي الذنب أعظم ‪ ،‬قال ( أن تجعل هلل ندا و‪ 3‬هو خلقك ) وفي اآلية دليل على أن أولئك المشركين كانوا يحبون‬
‫هللا ‪ ،‬ولكنهم حينما جعلوا هلل أندادا پرجونهم كما يرجون هللا ‪ ،‬ويخافون منهم كما يخافون من هللا ‪ ،‬ويلتجئون اليهم كما‬
‫يلتجئون إلى هللا ‪ ،‬صاروا مشركين باهلل شركا أكبر‬

‫قوله ‪ ( :‬والذين آمنوا أشد حبا هلل ) أي أن المؤمنين الصادقين ال يعدل حبهم هللا حب ‪ ،‬وان حبهم هلل أشد من حب أهل‬
‫األنداد ألندادهم ‪ ،‬ولتمكن هذا الحب اإللهي في قلوبهم ‪ ،‬لم يستطع الشرك أن ينفذ إلى عقيدتهم القائمة على العبودية‬
‫الخالصة هلل وحده ‪ ،‬ومن مستلزمات هذه المحبة الربانية أن تكون تصرفات المسلم متفقة مع أوامر هللا‬

‫وبعد هذه اآليات يختتم المؤلف رحمه هللا هذا الباب بالحديث الذي جاء فيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( من قال ‪ :‬ال‬
‫اله اال هللا ‪ ،‬وكفر بما يعبد من دون هللا ‪ ،‬حرم ماله ‪ ،‬ودمه ‪ ،‬وحسابه على هللا عز و جل )‬

‫هذا الحديث أورده المؤلف رحمة هللا عليه لما فيه من داللة على أن تلفظ االنسان بكلمة التوحيد ‪ ،‬ال تنفع في عصمة ماله‬
‫ودمه ما لم يقترن بها كفره بكل ما يعبد من دون هللا ‪ ،‬معنى هذا أن االنسان اذا قال ال اله اال هللا ‪ ،‬ولم يعمل بما تدل عليه‬
‫من الكفر بكل معبود سوى هللا وما تستلزمه من اداء فرائض هللا كان حالل الدم والمال كما جاء بذلك حديث ابن عمر في‬
‫الصحيحين أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال اله اال هللا ‪ ،‬وأن محمدا‬
‫رسول هللا ويقيموا الصالة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪ ،‬فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم اال بحقها وحسابهم على هللا‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬وحسابهم على هللا ) يعني أن االنسان اذا قال ‪ :‬ال اله اال هللا ‪ ،‬ولم يعمل ما يناقضها ظاهرا ‪ :‬والتزم فرائض‬
‫االسالم ‪ ،‬حرم ماله و دمه ‪ ،‬ألن الحكم على الشيء الظاهر ‪ ،‬أما أن يقول االنسان ال اله اال هللا و هو في داخل نفسه ال‬
‫يؤمن بمعناها ‪ ،‬فهذا شيء إلى هللا ألنه هو المطلع على خفايا النفوس ‪ ،‬وهو الذي سوف يحاسبه يوم القيامة على ذلك‪.‬‬

‫)‪3(1‬‬ ‫الند ‪ :‬هو المثيل‬


‫‪33‬‬
‫باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البالء أو‬
‫دفعه‬

‫(( قل أفرأيتم ما تدعون من دون هللا أن أرادني هللا بضرهل هن كاشفات ضره ) اآلية (‪ – 38‬الزمر‬ ‫وقول هللا تعالى ‪:‬‬

‫عن عمران بن حصين رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه و سلم رأى رجال في يده حلقة من صفر فقال ( ما هذه ) ؟‬
‫قال ‪ :‬من الواهنة فقال ( انزعها فانها ال تزيدك اال وهنا ‪ ،‬فانك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ) رواه أحمد بسند ال بأس‬
‫به ‪ ،‬وله عن عقبة بن عامر‪.‬‬

‫رضي هللا عنه مرفوعا « من تعلق تميمة فال أتم هللا له و من تعلق ودعة فال ودع هللا له » وفي رواية « من تعلق تميمة‬
‫فقد أشرك ‪ ،‬والبن أبي حاتم عن حذيفة رضي هللا عنه أنه رأى رجال في يده خيط من الحمى فقطعه وتال قوله تعالى ( وما‬
‫يؤمن أكثرهم باهلل األ وهم مشركون ) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح ‪ ،‬فيه شاهد الكالم الصحابة أن الشرك األصغر أكبر الكبائر‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬انه لم يعذر بالجهالة ‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬أنها ال تنفع في العاجلة بل تضر لقوله ( ال تزيدك اال وهنا ) ‪.‬‬

‫الخامسة‪ :‬اإلنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك ‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬التصريح بأن من علق شيئا وكل اليه ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬التصريح بأن من علق تميمة فقد أشرك ‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك ‪.‬‬

‫التاسعة‪ :‬تالوة حذيفة اآلية دليل على أن الصحابة يستدلون باآليات التي في األكبر على االصغر كما ذكر ابن عباس في‬
‫آية البقرة ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬أن تعليق الودع عن العين من ذلك‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬الدعاء على من تعلق تميمة أن هللا ال يتم له ‪ ،‬ومن تعلق ودعة فال ودع هللا له ‪ ،‬أي ال ترك هللا له‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد شيخ االسالم رحمه هللا من هذا الباب بيان أن تعلق القلب بغير هللا في جلب النفع أو دفع الضر شرك ‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب ‪ -‬آية وحديثان ‪-‬‬

‫اآلية الكريمة هذه تبدأ بقوله تعالى ‪ ( :‬ولئن سألتهم من خلق السماوات واألرض ليقولن هللا ؟ قل أفرأيتم ما تدعون من دون‬
‫هللا ان ارادني هللا بضر هل هن كاشفات ضره أو أراد في برحمة هل هن ممسكات رحمته ‪ ،‬قل ‪ :‬حسبي هللا عليه يتوكل‬
‫المتوكلون ) ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫في آية سابقة لهذه اآلية ذكر أن هللا سبحانه و تعالى وحده هو الذي يقدر على دفع المصائب والنكبات عن العباد ‪ ،‬وأن كل‬
‫نفع أو ضر ال يكون اآل بارادته وأمره وفي هذه اآلية يقيم الدليل على جهل عبدة المخلوقين باشراکهم مع هللا في العبادة‬
‫التي هي حق من حقوق هللا فقال ‪ ( :‬ولئن سألتهم من خلق السماوات واالرض ليقولن هللا ) أي أن هؤالء المشركين لو‬
‫سئلوا عن خالق هذه السموات واالرض لما ترددوا في االعتراف بأنه هللا سبحانه و تعالى ‪ ،‬فاذا كان األمر كذلك فكيف‬
‫استباحوا ألنفسهم عبادة غير الخالق أو أشركوا معه مخلوقا في عبادته ‪.‬‬

‫ال شك أن الجهل هو الذي حملهم على ذلك ‪ ،‬واال فكيف يعتر فون بأن هللا سبحانه وتعالى هو خالق السموات واالرض ثم‬
‫يعبدون معه غيره ‪ ،‬وقد وبخهم هللا على ذلك بقوله ‪ ( :‬قل أفرأيتم ما تدعون من دون هللا أن أرادني هللا بضر هل هن‬
‫كاشفات ضره ‪ ،‬أو ارادني برحمته‬

‫هل هن ممسكات رحمته ؟ ) أي قولوا لهذه اآللهة التي تدعونها من دون هللا لكشف المصائب والمحن عنكم ‪ ،‬أو لجلب‬
‫السعادة أو الخير لكم ‪ ،‬هل هي قادرة على شيء من ذلك ؟ الحقيقة التي ال ريب فيها أنها عاجزة تمام العجز عن الوقوف‬
‫أمام شيء يريده هللا لإلنسان من سعادة أو شقاء ‪ ،‬وألجل هذا فال ينبغي االعتماد على مخلوق ضعيف في جلب السراء أو‬
‫دفع الضراء ‪ ،‬وانما يجب االعتماد على الواحد القادر على كل شيء ( قل حسبي هللا ) أي هللا کافيني من كل شيء فال‬
‫أخاف غيره ( عليه يتوكل المتوكلون ) أي عليه وحده يعتمد المؤمنون في كل أمورهم وفي الحديث ( من أحب أن يكون‬
‫أقوى الناس فليتوكل على هللا ‪ ،‬ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد هللا عز وجل أوثق منه بما في يديه ‪ ،‬ومن‬
‫أحب أن يكون أكرم الناس فليتق هللا عز وجل ‪.‬‬

‫يأتي بعد هذه اآلية الكريمة حديث عمران بن حصين رضي هللا عنه وفيه داللة على أن التفاتة القلب الى غير هللا في طلب‬
‫الخير أو دفع المكروه شرك ‪ ،‬ولذا حينما رأى أن النبي صلى هللا عليه وسلم حلقة من صفر في يد ذلك الرجل المذكور في‬
‫الحديث ‪ ،‬سأله في استنكار بقوله ‪ ( :‬ما هذه ) قال الرجل من الواهنة يعني أنه لبسها لتمنع عنه ألم الواهنة ‪ ،‬فقال النبي‬
‫عليه السالم ‪ ( :‬أنزعها فأنها ال تزيدك اآل وهنا ) أي اخلعها من يدك فانها ال تزيدك اال ألما فوق ألم ‪ :‬ثم قال ‪ ( :‬فانك لو‬
‫مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ) وفي هذا تحذير من الوقوع في أي نوع من أنواع الشرك ‪ ،‬ولو كان أصغر ‪ -‬ألن الشرك‬
‫أعظم جرما من الذنوب الكبيرة ‪.‬‬

‫والحديث الثاني في هذا الباب حديث عقبة بن عامر رضي هللا عنه ‪.‬‬

‫‪4‬الذي ورد فيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪( :‬من تعلق تميمة فال أتم هللا له ‪ ،‬ومن تعلق ودعة (‪ )2‬فال ودع هللا له‬
‫)‪.‬‬

‫هذا الحديث الشريف فيه دعاء من الرسول عليه السالم على كل من علق قلبه بغير هللا في طلب خير أو دفع شر ‪ -‬و دعاء‬
‫الرسول عليه السالم مستجاب من هللا فقال ‪ ( :‬من تعلق تميمة فال أتم هللا له) والمعنى أن العرب قبل بعثة الرسول عليه‬
‫السالم ‪ ،‬كانوا يعلقون على أوالدهم خرزات يسمونها التمائم ‪ ،‬اعتقادا منهم بأن هذه الخرزات تمنع عنهم االصابة بالعين ‪،‬‬
‫وتبعد عنهم اآلفات فلما جاء اإلسالم أبطل هذا االعتقاد ‪ .‬ومثل هذا االعتقاد الجاهلي ‪ ،‬ما يفعله اليوم كثير من الناس من‬
‫تعليق الحجب التي يقوم بعملها جهلة و دجالون في رقاب أوالدهم ‪ ،‬ظنا منهم بأن هذه الحجب تمنع عن أوالدهم العين ‪،‬‬
‫نفس ما كان يعتقده الناس في الجاهلية وألن هذا االعتقاد يؤدي باالنسان الى نوع من أنواع الشرك ‪ ،‬دعا الرسول عليه‬
‫السالم على كل من فعل هذا بقوله ‪ ( :‬فال أتم هللا له ) أي ال أتم هللا له الشفاء ‪ ،‬وال رفع عنه البالء ومثل هذا قوله عليه‬
‫السالم ‪ :‬و من تعلق ودعة فال ودع هللا له ‪ ،‬أي ال ترکه هللا في راحة وهدوء ‪ ،‬وفي نهاية هذا الباب يذكر المصنف رحمه‬
‫هللا رواية ابن أبي حاتم أن حذيفة رضي هللا عنه ‪ -‬رأى رجال في يده خيط من الحمى فقطعه و تال قوله تعالى ‪ ( :‬وما‬
‫يؤمن أكثرهم باهلل اال وهم مشركون ) وفي رواية اخرى أن حذيفة دخل على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه ثم تال‬
‫اآلية الكريمة السابقة وفي فعل حذيفة هذا ‪ ،‬و انكاره وتالوته لآلية الكريمة دليل على أن الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫يستدلون بما أنزل هللا في الشرك األكبر على الشرك األصغر لدخوله في مسمى الشرك ‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫(‪ )1‬الواهنة ‪ :‬عرق يصيب المنكب و اليد كلها ‪ ،‬وهو مرض يصيب الرجال دون النساء‬
‫شء يخرج من البحر يشبه الصدف‬ ‫(‪ )2‬الودع ‪ :‬ي‬
‫‪35‬‬
‫باب ما جاء في الرقي والتمائم‬
‫في الصحيح عن أبي بشير االنصاري رضي هللا عنه أنه كان مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل‬
‫رسوال أن ال يبقين في رقبة بعير قالدة من وتر أو قالدة اال قطعت ‪.‬‬

‫وعن ابن مسعود رضي هللا عنه قال ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول أن الرقى والتمائم والتولة شرك ‪،‬‬
‫رواه أحمد وأبو داود وعن عبد هللا ابن عكيم مرفوعا ( من تعلق شيئا وكل اليه ) رواه أحمد والترمذي‪.‬‬

‫التمائم ‪ :‬شيء يعلق على األوالد عن العين ‪ ،‬لكن اذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف ‪ ،‬وبعضهم لم‬
‫يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود رضي هللا عنه ‪ ،‬والرقي ‪ :‬هي التي تسمى العزائم ‪ ،‬وخص منه‬
‫الدليل ما خال من الشرك ‪ ،‬فقد رخص فيه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من العين والحمة والتولة ‪ :‬شيء يصنعونه‬
‫يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها و الرجل إلى امرأته‬

‫وروى أحمد عن رويفع قال ‪ :‬قال لي رسول هللا صلى هللا عليه سلم ( يا رويفع ‪ ،‬لعل الحياة تطول بك ‪ ،‬فأخبر الناس أن‬
‫من عقد الحيته أو تقلد وترا ‪ ،‬أو استنجی برجيع دابة أو عظم ‪ ،‬فان محمدا بريء منه ) وعن سعيد بن جبير قال ( من‬
‫قطع نميمة من انسان كان كعدل رقبه )‬

‫رواه وكيع وله عن ابراهيم قال ‪ :‬كانوا يكرهون التمائم كلها ‪ ،‬من القرآن وغير القرآن ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير الرقى والتمائم ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير التولة ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن هذه الثالث كلها من الشرك من غير استثناء ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن الرقية بالكالم الحق من العين والحمة ليس من ذلك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ان التميمة اذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء هل هي من ذلك أم ال؟‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أن تعليق األوتار على الدواب عن العين من ذلك ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬الوعيد الشديد على من علق و ترا‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬فضل ثواب من قطع تميمة من انسان ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬أن كالم ابراهيم ال يخالف ما تقدم من االختالف الن مراده اصحاب عبد هللا بن مسعود‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الداعية إلى التوحيد رحمه هللا من هذا الباب ‪ ،‬بيان ما له صلة بالشرك من الرقي وما ليس كذلك وحكم التمائم ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربعة أحاديث ‪.‬‬

‫األول ‪ :‬حديث أبي بشير االنصاري ‪ ،‬وبيانه أن النبي عليه السالم أرسل زيد بن حارثة رضي هللا عنه ‪ ،‬ليزيل كل القالئد‬
‫التي يجدها على االبل وغيرها من الدواب ‪ ،‬وقصة القالئد هذه أن الناس في عصر الجاهلية ‪ ،‬ولعدم وجود عقيدة تجعلهم‬
‫يؤمنون بأن األمر كله هلل والنفع والضر جميعه بيد هللا ‪ ،‬كانوا اذا بدأ تقادم العهد على وتر القوس ‪ ،‬ولم يعد صالحا للعمل‬
‫قطعوه ‪ ،‬وقلدوا به أعناق األبل والخيل وغيرهما من الدواب اعتقادا منهم بأن هذا العمل يدفع العين عن دوابهم ‪ ،‬ولما كان‬

‫‪36‬‬
‫تعليق األوتار والتمائم والقالئد ال يرد قضاء قضاه هللا وأن هذا العمل يجعل القلب يميل إلى غير هللا ‪ ،‬أمر النبي عليه‬
‫السالم زيدا‪ ،‬أن ال يترك قالدة اال قطعها ‪ ،‬وشبيه بهذا ما يفعله بعض الجهال اليوم من وضع حذاء قديم على واجهة عمارة‬
‫أو متجر أو غير ذلك خوفا من االصابة بالعين ‪ .‬كل هذه و نظائرها نهی عنها االسالم وحذر منها ‪ ،‬لما لها من تأثير على‬
‫عقيدة المسلم القائمة على االيمان‬

‫بأن النفع والضر بيد هللا وحده ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وفيه أمور ثالثة ‪:‬‬

‫‪ )1(5‬الرقي وتنقسم إلى قسمين رقي مباحة ‪ ،‬ورقی محرمة‬

‫فالرقى المباحة هي التي تكون بكالم هللا ‪ ،‬وأسمائه ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬والمأثور من االدعية الثابتة عن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وقد ثبت عن الرسول عليه السالم أنه رقی ورقي ‪ ،‬وقال في حديث (ال بأس بالرقى ما لم تكن شركا ) ومن‬
‫األدعية المأثورة عن الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬قوله ( أذهب البأس رب الناس ‪ ،‬واشف أنت الشافي ‪ ،‬ال شفاء إال‬
‫شفاؤك ‪ ،‬شفاء ال يغادر سقما ) وبقدر ما يكون قرب المؤمن من هللا ‪ ،‬بقدر ما تكون استجابة دعائه منه عاجلة و سريعة‬
‫في شفاء المريض ‪.‬‬

‫أما الرقي غير المباحة فهي التي يستعان فيها بغير هللا ‪ ،‬كما يفعل ذلك أصحاب الدجل الذين يكتبون لبعض المرضى‬
‫الجهلة ‪ -‬طالسم وحروفا مقطعة ‪ ،‬وأدعية شركية ‪ ،‬وأسماء جن أو شياطين وما إلى ذلك من الوسائل المخالفة لشرع هللا و‬
‫دينه ‪.‬‬

‫(‪ )2‬التمائم ‪ -‬و تنقسم إلى نوعين نوع محرم وهو الذي يعلق على األوالد والدواب وغيرها من خرز وغيره‪ ،.‬اعتقادا بأن‬
‫هذا يدفع اإلصابة بالعين وهو اعتقاد يؤدي باالنسان إلى نوع من أنواع الشرك ‪ ،‬حينما يعتقد أن هناك من يستطيع جلب‬
‫الخير أو دفع الشر دون ارادة هللا ‪ .‬و نوع مختلف في جوازه ‪ ،‬وهو تعليق التمائم اذا كانت من القرآن الكريم وأسماء هللا‬
‫وصفاته ‪ ،‬فمن علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم من رخص في تعليق التمائم ‪ ،‬اذا كانت من القرآن أو أسماء هللا‬
‫وصفاته ‪ ،‬حاملين حديث ابن مسعود هذا على التمائم التي فيها شرك ‪ .‬و منهم من لم يرخص في ذلك ‪ ،‬استدالال بعموم‬
‫النبي الوارد في الحديث ‪ ،‬ولهذا قال ابراهيم النخعي ‪ ،‬كان أصحاب عبد هللا بن مسعود يكرهون التمائم كلها من القرآن‬
‫وغير القرآن ‪ ،‬وفي فضل قطع التمائم جاء قول سعيد بن جبير ‪ :‬من قطع تميمة من انسان كان كعدل رقبة ‪.‬‬

‫(‪ )3‬التوله ‪ -‬هي نوع من أنواع السحر يعمله كثير من الجهال لتوثيق عرى المحبة بين كل من الزوجين ‪ ،‬ولما فيه من‬
‫التفات القلب إلى غير هللا في دفع المضار أو جلب المنافع صار شرکا ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬حديث ابن عكيم ‪ ،‬وفيه أخبار من الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬بأن من ارتبط قلبه باهلل صادقا ‪ ،‬والتجأ اليه‬
‫مخلصا ‪ ،‬سهل هللا له أمره وحفظه مما يكره ‪ ،‬ورزقه من حيث ال يحتسب ‪ ،‬ومن علق قلبه بغير هللا أو طلب من مخلوق‬
‫شيئا دون هللا خذله هللا جزاء لعمله ‪ ،‬و بهذا المعنى يقول عطاء الخراساني ( لقيت وهب بن منيه وهو يطوف بالبيت فقلت‬
‫حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز قال ‪ :‬نعم أوحى هللا تبارك وتعالى إلى داود ‪ :‬يا داود أما وعزتي و‬
‫عظمتي ال يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي ‪ ،‬أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن ‪ ،‬واألرضون‬
‫السبع ومن فيهن ‪ ،‬اال جعلت له من بينهن مخرجا ‪ ،‬وعزتي وعظمتي ال يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني ‪ ،‬أعرف‬
‫ذلك من نيته اآل قطعت أسباب السماء من يده ‪ ،‬وأسخت االرض من تحت قدميه ‪ ،‬ثم ال أبالي بأي أوديتها هلك )‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬من أحاديث الباب حديث رويفع وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمر رويفعا أن يخبر الناس بتبرؤ الرسول‬
‫عليه السالم ‪ ،‬ممن فعل أحد أمور ثالثة ‪- :‬‬

‫(‪ )1‬تبرؤه ممن عقد لحيته على طريقة االعاجم الذين يفتلونها ويعقدونها تكبرا وتعاظما ‪ ،‬أو على طريقة المتشبهين‬
‫بالنساء الذين يعالجون لحاهم لتتعقد كما تفعل النساء في لف شعورهن ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرق ‪ :‬ه الت تسىم العزائم‪5‬‬


‫ي ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫شء يعلق عىل األوالد خوفا من االصابة بالعي ‪ ،‬وتعمل التمائم عادة من خرز وغيه‬ ‫‪:‬‬ ‫التمائم‬ ‫(‪)2‬‬
‫ي‬
‫‪37‬‬
‫(‪ )2‬ممن تقلد وترا أي تميمة لما في ذلك من االتجاه إلى غير هللا ‪.‬‬

‫(‪ )3‬من استنجی برجيع دابة أو عظم ‪ ،‬وقد ورد في سبب المنع من االستنجاء بالروث أو العظم ‪ ،‬حديث البن مسعود‬
‫رصي هللا عنه أورده مسلم في صحيحه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ ( :‬ال تستنجوا بالروث وال بالعظام فانه زاد‬
‫اخوانكم من الجن )‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما‬
‫و قول هللا تعالى ( أفرأيتم الالت و العزي ) اآليات (‪ 2۰، 19‬النجم ) ‪.‬‬

‫عن أبي واقد الليثي قال ‪ :‬خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر ‪ ،‬وللمشركين سدرة‬
‫يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم ‪ ،‬يقال لها ذات أنواط‪ ،‬فمررنا بسدرة فقلنا ‪ :‬يا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط كما‬
‫لهم ذات أنواط ‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( هللا أكبر ‪ ،‬انهاء السنن ‪ ،‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو‬
‫اسرائيل لموسى ( اجعل لنا الها كما لهم آلهة ‪ ،‬قال انكم قوم تجهلون ) لتركبن سنن من كان قبلكم ) رواه الترمذي‬
‫وصححه‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬تفسير آية النجم ‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬معرفة صورة االمر الذي طلبوا ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬کو نهم لم يفعلوا ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬كونهم قصدوا التقرب إلى هللا بذلك لظنهم انه يحبه ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬انهم اذا جهلوا هذا فغيرهم أولى بالجهل ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أن لهم من الحسنات والوعد بالمغفرة ما ليس لغيرهم ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يعذرهم بل رد عليهم بقوله هللا أكبر أنها السنن ‪ ،‬لتتبعن سنن من كان قبلكم فغلظ‬
‫االمر بهذه الثالث ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬األمر الكبير وهو المقصود ‪ :‬أنه أخبر أن طلبتهم كطلبة بني اسرائيل لما قالوا ‪ .‬لموسى اجعل لنا الها ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬أن نفي هذا من معنى ال اله اال هللا مع دقته و خفائه على أولئك‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬انه حلف على الفتيا ‪ ،‬وهو ال يحلف اال لمصلحة ‪.‬‬

‫الحادية عشرة‪ :‬أن الشرك فيه أكبر وأصغر النهم لم يرتدوا بهذا‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬قوله ونحن حدثاء عهد بكفر فيه أن غيرهم ال يجهل ذلك ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬التكبير عند التعجب خالفا لمن كرهه‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬سد الذرائع ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة‪ :‬النهي عن التشبه بأهل الجاهليه ‪.‬‬

‫السادسة عشرة‪ :‬الغضب عند التعليم ‪.‬‬

‫السابعة عشرة‪ :‬القاعدة الكلية لقوله ( انها السنن ) ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬أن هذا من أعالم النبوة لكونه وتع كما أخبر ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة‪ :‬أن كل ما ذم هللا به اليهود والنصارى في القرآن انه لنا ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫العشرون ‪ :‬انه متقرر عندهم أن العبادات مبناها على األمر فصار فيه التنبيه على مسائل القبر ‪ :‬أما ( من ربك ) فواضح‬
‫‪ ،‬وأما من نبيك فمن أخباره بأنبياء الغيب ‪ ،‬وأما ( ما دينك ) فمن قولهم ( اجعل لنا الها ) إلى آخره ‪.‬‬

‫الحادية والعشرون ‪ :‬أن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين ‪.‬‬

‫الثانية والعشرون ‪ :‬أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه ال يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لقولهم ( و نحن‬
‫حدثاء عهد بكفر )‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الداعية الكبير رحمه هللا من هذا الباب أن طلب البركة من الجمادات من أشجار أو أحجار ودعائها ‪ ،‬واالعتماد عليها‬
‫‪ ،‬واالستعانة بها شرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وحديث و احد‪ .‬فاآلية الكريمة تأتي بعد آيات قبلها تثبت أن محمدا عليه الصالة والسالم نبي من‬
‫عند هللا سائر على طريق الهدى ‪ ،‬ال ينطق عن الهوى ‪ ،‬وال يقول للبشر اال ما أمره هللا بتبليغه لهم ‪ ،‬وأنه عرج به إلى‬
‫السماء ‪ ،‬ورأى فيها من عجائب هللا وآياته ما يجعل االنسان يركع أمام هذه العظمة الجبارة ‪ ،‬التي ترمز إلى عظمة الخالق‬
‫جل جالله ‪ .‬وبعد أن بين الرسول عليه السالم ما شاهده في ليلة المعراج من أشياء تجعل العقل البشري يسلم بأن هذا‬
‫الخالق العظيم هو الذي يستحق العبادة دون غيره ‪ ،‬جاءت هذه اآلية ‪ ،‬فيها تقريع وتوبيخ ألولئك الذين يدعون غير هللا‬
‫تقول ‪ ( :‬أفرأيتم الالت والعزى ‪ ،‬ومناة الثالثة األخرى ) أي ‪ ،‬أفبعد ما سمعتم أيها المشركون ما أخبركم به محمد من آيات‬
‫هللا الكبرى ‪ ،‬تجعلون هذه االصنام الحقيرة الضعيفة ‪ ،‬الالت والعزى ومناة ‪ ،‬شركاء مع هللا ‪ ،‬وهذه االصنام كان العرب‬
‫قبل بعثة الرسول عليه السالم يعبدونها ‪ -‬فالالت عبارة عن صخرة بيضاء بالطائف ‪ ،‬كانت ثقيف و من تبعها من القبائل‬
‫يعظمونها و يفتخرون بها ‪ ،‬وقال ابن عباس رضي هللا عنه «كان رجال يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره »‬
‫وكان هذا الرجل كما ذكر ابن عباس رضي هللا عنه يبيع السويق والسمن عند صخرة ‪ ،‬ويسلئون عليها فلما مات عبدت‬
‫ثقيف تلك الصخرة تعظيما لصاحب السويق ‪ ،‬والظاهر أنه ال تناقض بين القولين في معنى الالت ‪ ،‬فثقيف عبدت القبر‬
‫والصخرة معا ‪ ،‬وكانت قريش فقد أقامت بناء على هذه الصخرة إلى أن بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المغيرة بن‬
‫شعبة فهدمه ‪ ،‬والعزى عبارة عن شجرة بنخلة بين مكة والطائف ‪ ،‬كانت قريش تعظمها ‪ ،‬وما زالت حتى بعث الرسول‬
‫عليه الصالة والسالم خالد بن الوليد فقطعها ‪.‬‬

‫أما مناة فهي عبارة عن صخرة بالمشلل ‪ .‬عند قديد بين مكة والمدينة وكانت هذيل وخزاعة يعظمونها ‪ ،‬وما زالت حتى‬
‫بعث رسول هللا عليا بن أبي طالب رضي هللا عنه فهدمها عام الفتح ‪.‬‬

‫بعد هذه اآلية الكريمة يأتي حديث أبي واقد الليثي رضي هللا عنه وفيه يخبر أنهم كانوا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫في غزوة الفتح وكانوا قريبي عهد بالكفر ‪ ،‬وبين حنين والطائف ‪ ،‬وبتأثير من بقية من تلك العادات التي كانوا يفعلونها في‬
‫الجاهلية وتأثرا بما رأوه من عكوف المشركين حول سدرة يعظمونها ‪ ،‬ويعلقون عليها أسلحتهم طلبا للبركة ‪ ،‬قالوا يا‬
‫رسول هللا اجعل لنا ذات انواط ) أي خصص لنا شجرة نقيم عندها و تعظمها و نعلق عليها أسلحتنا للبركة ‪ ،‬مثل ما يفعل‬
‫اولئك الناس بتلك السدرة ‪ ،‬ظنا منهم لقرب دخولهم في االسالم ‪ -‬أن هذا األمر محبوب عند هللا مقرب منه ‪ .‬فقال النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬في تعجب و استغراب ‪ ( :‬هللا أكبر ) أي أنزه هللا و أجله عن جعل شريك له في أي أمر ال يصلح‬
‫اال له ‪ ،‬وكان النبي عليه الصالة و السالم اذا سمع من أحد ما ال يليق باللله يستعمل التكبير والتسبيح ثم قال ‪ ( :‬أنها السنن‬
‫) اي الطرق ثم حلف الرسول عليه الصالة والسالم وهو الصادق المصدوق أن مطلبهم هذا شبيه بمطلب بني اسرائيل‬
‫لموسى عليه السالم ‪ ،‬حين قالوا له ( اجعل لنا الها كما لهم آلهة ) بجامع أن كال من المطلبين ‪ ،‬مناف لتوحيد هللا ‪ .‬فبنوا‬
‫اسرائيل طلبوا من موسى عليه السالم أن يجعل لهم إلها يعبدونه من دون هللا ‪ ،‬وهؤالء طلبوا من الرسول عليه السالم أن‬
‫يجعل لهم شجرة يعظمونها ‪ ،‬ويعكفون عندها ‪ ،‬ويتبركون بها وكل هذا شرك باهلل يدفع اليه الجهل بما يجب هللا من حقوق‬
‫على عباده ‪ ،‬ولذا قال ( انكم قوم تجهلون ) ثم أنهى الحديث عليه السالم بقوله ‪ ( :‬لتركبن سنن من كان قبلكم ) اي لتسيرن‬
‫على منهج من كان قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم ‪ ،‬ولقد وقع ما أخبر به عليه السالم اذ سار كثير من المسلمين‬
‫على طريقة اليهود والنصارى في اشراكهم المخلوقين مع هللا و استهتارهم بأوامر شريعته ‪ ،‬واستحاللهم ما حرمه عليهم ‪،‬‬
‫وغير ذلك مما تأثر به كثير من المسلمين ‪ ،‬من عادات و أخالق اليهود والنصارى ‪ ،‬التي ال تتفق مع تعاليم شريعة االسالم‬

‫‪4۰‬‬
‫و بهذا المعنى جاء الحديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ‪ ،‬حتى لو‬
‫دخلوا جحر ضب لدخلتموه ‪ ،‬قالوا يا رسول هللا ‪ :‬اليهود والنصارى قال ‪ :‬فمن ؟ ) يعني من يكون غيرهم ‪.‬‬

‫والخالصة ‪:‬‬

‫من هذا الباب أن من تبرك بانسان أو جماد أو حيوان طالبا منه معظما له معتقدا فيه جلب النفع أو دفع المكروه كان عمله‬
‫هذا شركا يستحق عليه عقاب المشركين باهلل ‪ ،‬ومثل هذا ما يفعله كثير من المسلمين من التبرك بقبور األولياء والصالحين‬
‫وغير ذلك مما يتنافى مع عقيدة التوحيد ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫باب ما جاء في الذبح لغير هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( قل ان صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له ) االية (‪ - 113 ، 192‬االنعام )‬
‫وقوله ( فصل لربك وانحر ) االية (‪ - 2‬الكوثر ) عن علي رضي هللا عنه قال ‪ :‬حدثني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫بأربع كلمات ‪ :‬لعن هللا من ذبح لغير هللا ‪ .‬لعن هللا من لعن والديه ‪ ،‬لعن هللا من آوى محدثا ‪ ،‬لعن هللا من غير منار األرض‬
‫) رواه مسلم ‪.‬‬

‫وعن طارق بن شهاب أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬وكيف ذلك يا رسول هللا ؟ قال ( مر رجالن على قوم لهم صنم ال يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا الحدهما‬
‫قرب ‪ .‬قال ‪ :‬ليس عندي شيء أقرب قالوا له قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله ‪ ،‬فدخل النار وقالوا لالخر قرب فقال‬
‫ما كنت ألقرب الحد شيئا دون هللا عز وجل فضربوا عنقه ‪ ،‬فدخل الجنة ) رواه أحمد ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير ( ان صالتي ونسكي )‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير ( فصل لربك وانحر )‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬البداءة بلعن من ذبح لغير هللا ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬لعن من لعن والديه ‪ .‬ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬لعن من آوى محدثا وهو الرجل يحدث شيئا يجب فيه حق هللا فيلتجي إلى من يجيره من ذلك ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬لعن من غير منار األرض وهي المراسيم التي تفرق بين حقك من االرض وحق جارك فتغير ها بتقديم أو‬
‫تأخير ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬الفرق بين لعن المعين ‪ ،‬ولعن أهل المعصية على سبيل العموم‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬هذه القصة العظيمة وهي قصة الذباب ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين‪ ،‬كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبهم مع كونهم لم يطلبوا‬
‫اال العمل الظاهر ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬أن الذي دخل النار مسلم ‪ ،‬ألنه لو كان كافرا لم يقل دخل النار في ذباب ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬فيه شاهد للحديث الصحيح ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله و النار مثل ذلك ) ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬معرفة أن عمل القلب هو المقصود االعظم حتى عند عبدة األوثان‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد مؤلف الكتاب رحمه هللا بيان أن من تقرب إلى غير هللا بأي نوع من أنواع العبادة مالية كانت أو بدنية ظاهرة أو‬
‫باطنة فقد أشرك مع هللا في عبادته ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان و حديثان‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فاآلية األولى من هاتين اآليتين قوله تعالى ‪ ( :‬قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ) فيها أمر من هللا‬
‫لنبيه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬أن يخبر أولئك المنحرفين عن توحيد هللا ‪ ،‬إلى عبادة األصنام ‪ ،‬يدعونها ويذبحون لها ‪ ،‬بأن‬
‫صالته ‪ ،‬وذبحه وكل أعماله التي يعملها هلل رب العالمين ‪ ،‬بهذه العقيدة يحي و على هذا المنهج يموت ( ال شريك له‬
‫وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) أي ال شريك له في عبادته ( وبذلك أمرت ) يعني و بتوحيد هللا و اخالص العبادة له‬
‫أمرني ربي ( وأنا أول المسلمين ) اي وانا أول الطائعين المنقادين إلى امتثال أوامر هللا ‪ ،‬واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫أما اآلية الثانية فهي قوله تعالى ‪ ( :‬فصل لربك وانحر ) وفي اآلية األمر من هللا لنبيه بأن تكون صالته ونحره هلل وحده ‪،‬‬
‫وألن الصالة هي أعظم العبادات البدنية ‪ ،‬فقد رمز بها إلى أن تكون جميع العبادات البدنية خالصة هلل ‪ ،‬كما أن النحر هو‬
‫أعظم العبادات المالية فقد رمز به إلى أن تكون جميع العبادات المالية خالصة هلل دون غيره‪.‬‬

‫ويأتي بعدهاتين اآليتين ‪ :‬حديث علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه دعاء من الرسول عليه السالم بالطرد واإلبعاد‬
‫عن رحمة هللا لمن أقدم على أمر من أمور أربعة فقال‬

‫(‪ ( )1‬لعن هللا من ذبح لغير هللا ) أي أبعد هللا من رحمته من تقرب بذبح اي شيء لغير هللا ‪ -‬يشمل ذلك ما يذبحه عبدة‬
‫األصنام آللهتهم تقر با اليها وما يذكر عند ذبحه اسم نبي أو ولي أو صالح ‪ ،‬ومثله ما يذبح للجن من أجل شفاء مريض أو‬
‫على عتبات بعض البيوت خوفا من دخول العفاريت ‪ ،‬أو ما يذبح باسم الزار أو غيره مما يفعله الجهال بشريعة هللا من‬
‫أمور تخرج االنسان من عبادة هللا إلى عبودية المخلوقين ‪ ،‬وهذا شرك يؤرث صاحبه أسوأ العواقب ‪ ،‬وال بد هنا من التنبيه‬
‫إلى أن كل ما أهل به لغير هللا يحرم أكله‪.‬‬

‫(‪ ( )2‬لعن هللا من لعن والديه ) أي من كان سببا في سب والديه و قد سئل الرسول عليه الصالة و السالم عن كيفية سب‬
‫الرجل والديه ‪ ،‬فأجاب ( يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) ورد ذلك عنه في حديث صحيح جاء فيه ( من‬
‫الكبائر شتم الرجل والديه ) ‪.‬‬

‫(‪ ( )3‬لعن هللا من آوى محدثا)‪ 6‬أي منع أخذ الحق الذي يجب عليه لآلخرين ‪ ،‬وبقدر ما يكون حجم الحق العام أو الخاص‬
‫كبيرا ‪ ،‬بقدر ما يكون اثم المجير أعظم ‪.‬‬

‫(‪ ( )4‬لعن هللا من غير منار األرض ) أي أحدث تغييرا بتقديم أو تأخير في العالمات التي توضح الحدود بين الناس في‬
‫أمالكهم ‪ ،‬وذلك لما يترتب على هذا التغيير من أمور أهمها سفك الدماء التي حرم هللا أن تسفك بغير حق تحدده شريعة هللا‬
‫‪ .‬وفي نهاية الباب برد حديث طارق بن شهاب وفيه أن الرسول‬

‫صلى هللا عليه وسلم أخبر الصحابة رضوان هللا عليهم أن رجال دخل الجنة بسبب ذباب ‪ ،‬وأن رجال آخر دخل النار بسبب‬
‫ذباب ‪ ،‬لكن الصحابة ‪ .‬وهم الذين ال يراودهم شك في صدق الرسول عليه الصالة والسالم في كل ما يقول تعجبوا ‪ -‬کيف‬
‫أن حشرة حقيرة مستقذرة تكون سببا في دخول الجنة أو النار ‪ ،‬لكن الرسول عليه السالم سرعان ما أزال عن أذهانهم ذلك‬
‫التعجب ‪ ،‬إذ أجابهم على سؤلهم بقوله ( مر رجالن على قوم لهم صنم ال يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا ) أي ال يمر بهذا‬
‫الصنم أحد وال يتعداه جتى يقرب اليه شيئا مهما كان تافها ‪ ،‬وعند مرور هذين الرجلين على هذا الصنم ‪ :‬قال أصحابه‬
‫ألحد الرجلين ‪ ،‬قدم قربانا للصنم فقال ‪( :‬ليس عندي شيء أقرب أي ليس لدي ما اقربه ‪ ( :‬قالوا له قرب ولو ذبابا ‪ ،‬وألن‬
‫الذباب شيء حقير في نظره ‪ ،‬والعتقاده أن شيئا كهذا ال يوقعه في الشرك ( فقرب ذبابا فخلوا سبيله ‪ ،‬فدخل النار ) وفي‬
‫هذا داللة على أن التفات القلب لغير هللا ‪ ،‬هو الذي يوقع في متاهات الشرك باهلل ‪ ،‬وأن عبدة األوثان يدركون أن أهم شيء‬
‫لالنحراف باالنسان عن توحيد هللا ‪ ،‬هو اتجاه القلب الى غير هللا واال لما طلبوا من ذلك الرجل أن يقرب لصنمهم ولو ذبابا‬
‫‪ ،‬مع ادراكهم لتفاهته وحقارتهوقالو لآلخر قرب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما كنت القرب الحد شيئا دون هللا عز وجل ‪ ،‬فضربوا عنقه‬
‫فدخل الجنة ( أي ليس من الحق وال من العدل أن التفت بقلبي عن هللا الذي ال يستحق العبادة غيره إلى مخلوق ضعيف‬
‫مثلي ‪ ،‬فضربوا عنقه فدخل الجنة ‪ ،‬وفي هذا داللة على ما يلقاه أهل التوحيد من نعيم خالد عند هللا ‪ ،‬وأي نعيم أفضل من‬
‫نعيم الجنة ‪.‬‬

‫ذلك‪6‬‬ ‫ئ‬
‫فيلتج إىل من يجيه من‬ ‫(‪ )1‬محدثا ‪ :‬المحدث هو الشخص الذي يقوم بعمل يلزمه بسببه حق هللا‬
‫‪43‬‬
‫باب ال يذبح هلل بمكان يذبح فيه لغير هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( ال تقم فيه أبدا ) االية (‪ - 1۰8‬التوبة )‬

‫عن ثابت بن الضحاك رضي هللا عنه قال ‪ :‬نذر رجل أن ينحر ابال ببوانة فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ « :‬هل‬
‫كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد » ؟ قالوا ال ‪ .‬قال « فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا ‪ :‬ال ‪ ،‬فقال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم » أوف بنذرك فانه ال وفاء لنذر في معصية هللا ‪ ،‬وال فيما ال يملك ابن آدم » رواه ابو داود ‪ ،‬و‬
‫اسناده على شرطهما ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير قوله ( ال تقم فيه أبدا )‬

‫الثانية ‪ :‬أن المعصية قد تؤثر في األرض وكذلك الطاعة ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬رد المسألة المشكلة إلى المسألة البينة ليزول االشكال ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬استفصال المفتي اذا احتاج الى ذلك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن تخصيص البقعة بالنذر ال بأس به إذا خال من الموانع‬

‫السادسة ‪ :‬المنع منه اذا كان فيه وثن من أوثان إلجاهلية ‪ ،‬ولو بعد زوالها ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬المنع منه اذا كان فيه عيد من أعيادهم ولو بعد زواله ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬انه ال يجوز الوفاء بما نذر في تلك البقعة النه نذر معصية‬

‫التاسعة ‪ :‬الحذر من مشابهة المشركين في اعيادهم ولو لم يقصده ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬ال نذر في معصية ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬ال نذر البن آدم فيما ال يملك ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد مؤلف الكتاب رحمة هللا عليه من هذا الباب ‪ ،‬بيان عدم عدم جواز الذبح هلل في المكان الذي يذبح فيه لغير هللا منعا‬
‫ألي وسيلة قد تكون سببا في النهاية إلى الوقوع في الشرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وحديث ‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ‪ ( :‬والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا‬
‫لمن حارب هللا ورسوله من قبل ‪ ،‬وليحلفن ان اردنا اال الحسني وهللا يشهد انهم لكاذبون ال تقم فيه أبدا لمسجد أسس على‬
‫التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ‪ ،‬فيه رجال يحبون أن يتطهروا وهللا يحب المطهرين ) أفمن أسس بنيانه على تقوى‬
‫من هللا ورضوان خير من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ‪ ،‬وهللا ال يهدي القوم الظالمين و ال‬
‫يزال بنيانهم الذي بنواريبة في قلوبهم اال ان تقطع قلوبهم ‪ ،‬وهللا عليم حكيم ) اآليات (‪ – 11۰ - 1۰7‬التوبة )‪.‬‬

‫هذه اآليات من كتاب هللا ‪ ،‬قيل في سبب نزولها ‪ ،‬أن رجال من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب كان قد تنصر ‪ ،‬وكان‬
‫يقيم بالمدينة إلى أن قدم الرسول عليه الصالة والسالم اليها مهاجرة ‪ ،‬فخرج هاربا إلى مكة وألب المشركين على رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬و حاول استمالة األنصار إلى الوقوف معه ضد الرسول عليه السالم ‪ ،‬ولما لم يجد تجاوبة منهم و‬

‫‪44‬‬
‫بعد وقعة أحد ‪ ،‬فر إلى هرقل ملك الروم يطلب مساعدته في حرب الرسول عليه السالم فوعده هرقل بذلك ‪ ،‬فكتب ابو‬
‫عامر بذلك إلى جماعة من المنافقين يخبرهم أنه سيقدم يجيش لقتال محمد وأمرهم أن يبنوا مكانا يقيم فيه اذا قدم عليهم ‪،‬‬
‫فبنوا مسجدا بجانب مسجد قباء وبعد الفراغ من بنائه ‪ ،‬وقبل خروج النبي عليه السالم إلى غزوة تبوك ‪ ،‬سألوه أن يصلي‬
‫في المسجد ‪ ،‬وذكروا انهم انما بنوه للضعفاء وأهل العلة في الليالي الباردة والمطيرة ‪ ،‬فقال لهم عليه الصالة و السالم ‪ -‬أنا‬
‫على سفر ولكن اذا رجعنا ان شاء هللا ‪ ،‬ولما قفل عليه السالم إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه و بينها اال مسافة قصيرة ‪،‬‬
‫نزل جبريل عليه السالم يخبر بأن الغرض من هذا المسجد انما هو محاولة التفريق بين جماعة المؤمنين ‪ ،‬فبعث الرسول‬
‫عليه السالم من يهدمه قبل وصوله الى المدينة فهدم ‪ .‬هذا هو سبب نزول هذه اآليات من كتاب هللا والمعنى اآليات ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ( :‬والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا و تفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب هللا ورسوله من قبل )‬
‫يعني أن هذا المسجد لم يبن من أجل العبادة ‪ ،‬وانما كان الهدف منه مضارة المؤمنين الذين يصلون في مسجد قباء الذي‬
‫بناه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد مقدمه مهاجرا من مكة إلى المدينة واتخاذه مكانا للطعن فيما جاء به من دين هللا ‪،‬‬
‫والتفريق بين جماعة المؤمنين الذين يجتمعون للصالة في مسجد واحد ‪ ،‬وجعله ملجأ لمحاربة هللا ورسوله‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬وليحلفن ان اردنا اال الحسني ‪ ،‬وهللا يشهد انهم لكاذبون)‪.‬‬

‫أي وهللا يعلم كذبهم في انهم ما بنوه من أجل الرحمة بالضعفاء ‪ ،‬وانما بنوه من اجل االفساد في األرض‬

‫ولذا قال هللا عز وجل لنبيه عليه السالم ‪ ( :‬ال تقم فيه ابدا ) أي ال تصل فيه ابدا ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم‬
‫أحق أن تقوم فيه ) أي أن مسجدا اسس من أول يوم على التقوى ‪ ،‬أولى من غيره بالقيام فيه مصليا ‪ ،‬والمراد بالمسجد‬
‫مسجد قباء ‪ ،‬وقيل مسجد الرسول عليه السالم بالمدينة ‪ ،‬وال تعارض بين القولين فقد أسس كل من المسجدين على التقوى‬
‫من أول يوم شرع في بنائه‪.‬‬

‫( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) أي يحبون أن يتطهروا الطهارة الحسية ‪ ،‬طهارة الثوب والبدن ‪ ،‬والطهارة بالوضوء ‪،‬‬
‫والطهارة المعنوية صفاء القلب و نقاء النفس والطهارة من الذنوب ( وهللا يحب المطهرين ) اي وهللا يحب المتطهرين من‬
‫كل ما يخالف ما أمر به عباده من اتباع أو امر ‪ ..‬و اجتناب نواهيه‪.‬‬

‫و المناسبة التي جعلت المؤلف رحمه هللا يذكر هذه اآلية في هذا الباب هي أن األمكنة التي تعد لعمل أشياء فيها معصية هللا‬
‫‪ ،‬ال يصح عمل عبادة فيها هلل ‪ ،‬فكما أن مسجد الضرار أقيم لمحاربة هللا ورسوله ‪ ،‬و نهی هللا نبيه عن الصالة فيه ‪ ،‬وهدم‬
‫ثم ترك مكانا لرمي النفايات ‪ .‬كذلك األمكنة التي يذبح فيها لغير هللا ‪ ،‬ال يصح أن يعمل فيها شيئا هلل ‪ ،‬وفي اآلية الكريمة‬
‫اثبات المحبة هللا ‪ ،‬وانه يحب من عباده المؤمنين به الطائعين له ‪ ،‬يأتي بعد هذه اآليات من كتاب هللا حديث ثابت بن‬
‫الضحاك ‪ ،‬وفيه يحكي قصة ذلك الرجل الذي نذر آن ولد له ولد ذكر أن ينحر‪.‬‬

‫على راس بوانة (‪7)1‬عدة من الغنم ‪ ،‬فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن جواز ذلك ‪ ،‬وقبل أن يجيبه عليه السالم على‬
‫سؤاله ‪ ،‬سأل قائال ‪ :‬هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد » قالوا ‪ :‬ال ‪ .‬قال ‪ « :‬فهل كان فيها عيد من أعيادهم ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬ال‪ .‬فقال عليه السالم ‪ « :‬أوف بنذرك فانه ال وفاء لنذر في معصية هللا وال فيما ال يملك بن آدم » وفي هذا داللة على أن‬
‫األمكنة واألزمنة التي يعتاد المشركون الذبح فيها لغير هللا ‪ ،‬ال يجوز الذبح فيها هلل ‪ ،‬ولو بعد ازالة الوثن من مكانه ‪ ،‬فلو‬
‫نذر انسان ان يذبح هلل في مكان أو زمان اعتاد المشركون أن يذبحوا فيه لغير هللا فان هذا النذر ال يجوز الوفاء به النه نذر‬
‫معصية ‪ -‬سدا الذريعة الشرك ‪ ،‬و بعدا عن مشابهة المشركين‪.‬‬

‫كما أن في الحديث داللة على أن من نذر شيئا ال يملكه ال يلزمه الوفاء به لعدم قدرته على الوفاء بما التزم به ‪ ،‬مثال ذلك‬
‫لو قال انسان هللا علي أن أتصدق بمال فالن ‪ -‬فإن هذا النذر ال يلزم الوفاء به ‪.‬‬

‫ينبع‪7‬‬ ‫ن‬
‫(‪ )1‬بوانة ‪ :‬قيل انه مكان يق أسفل مكة دون يلملم ‪ ،‬وقيل هضبة من وراء‬
‫‪45‬‬
‫باب من الشرك النذر لغير هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( يوفون بالنذر ) اآلية ( ‪ - 7‬اإلنسان ) قوله ( وما انفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فان هللا يعلمه ) اآلية (‬
‫‪ 27۰‬البقرة ) ‪.‬‬

‫وفي الصحيح عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ( من نذر أن يطيع هللا فليطعه ‪ ،‬ومن نذر‬
‫أن يعصى هللا فال يعصه )‪.‬‬

‫فيه مسائل‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬وجوب الوفاء بالنذر ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬اذا ثبت كونه عبادة هلل فصرفه إلى غيره شرك‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن نذر المعصية ال يجوز الوفاء به‪.‬‬

‫الهدف‬

‫قصد الشيخ قدس هللا روحه من هذا الباب بيان أن النذر هلل عبادة يجب الوفاء به وأن صرف هذه العبادة لغير هللا شرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان و حديث ‪.‬‬

‫فاآلية األولى ‪ :‬بعد أن بين هللا في آية سابقة لها ما أعده هللا لعباده الطائعين من نعيم خالد في غرف الجنات ‪ ،‬ذکر ما ألجله‬
‫استحقوا هذا النعيم العظيم فقال ( يوفون بالنذر ) أي يؤدون ما أوجبوه على أنفسهم من نذر هلل تقربا اليه‪.‬‬

‫( ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي ويخافون يوم الحساب فيتبعوا أوامر هللا ‪ ،‬ويجتنبوا ما نهى عنه ‪.‬‬

‫واآلية الثانية ‪ :‬فيها االخبار بأن كل بذل أو عطاء يعلمه هللا سيجازی عليه أن خيرا أو غيره ‪ ،‬فقال سبحانه و تعالى ( وما‬
‫أنفقتم من نفقة ) في خير كان أو في شر ‪ ،‬سرا كانت أو عالنية ( أو نذرتم من نذر ) يعني نذر طاعة أو معصية ( فان هللا‬
‫يعلمه ) أي فان هللا يعلم ذلك ‪ ،‬وسيجازي المخلصين على اعمالهم بالثواب العظيم ‪ ،‬ويحاسب العصاة والمرائين على‬
‫أفعالهم‪.‬‬

‫بعد هاتين اآليتين يأتي حديث عائشة (‪8)1‬رضي هللا عنها وفيه قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ « :‬من نذر أن يطيع‬
‫هللا فليطعه » أي فينفذ ما نذره من طاعة هللا ‪ ،‬مثال ذلك لو قال انسان آن شفي هللا أي من المرض ال تصدقن بكذا من‬
‫المال ‪ ،‬وجب عليه ذلك اذا حصل الشفاء لوالده ‪ ،‬قوله ‪« :‬و من نذر أن يعصى هللا فال يعصه » أي فال يفعل ‪ ،‬ولذا أخرج‬
‫النسائي عن عمران بن الحصين قال ‪ :‬قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ « :‬النذر نذران فما كان من نذر طاعة هلل‬
‫فذاك هلل تعالى ‪ ،‬وفيه الوفاء ‪ ،‬وما كان من نذر في معصية هلل فذاك للشيطان ‪ ،‬وال وفاء فيه ‪ ،‬ويكفره ما يكفر اليمين »‪.‬‬

‫والخالصة من هذا الباب أن كل نذر لغير هللا ‪ ،‬كالنذر لالصنام و االوثان و قبور األولياء والضالحين شرك حذر هللا منه‬
‫ونهي عنه ‪ ،‬لما فيه من التفات القلب إلى غير هللا ‪ ،‬والتفات القلب إلى غير هللا تعظيما و اجالال يتنافى مع عقيدة التوحيد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫رض هللا عنه ‪ ،‬أصغر زوجات الرسول‬‫المؤمني ‪ ،‬ابنة أب بكر الصديق ن‬
‫ن‬ ‫ه أم‬ ‫رض هللا عنها‬‫(‪ )1‬عائشة ن‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫فف ذلك خالف‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم اال خديجة ي‬
‫عليه السالم ‪ ،‬وأفقه النساء مطلقا ‪ ،‬وأفضل أزواج ي‬
‫‪46‬‬
‫باب من الشرك االستعاذة بغير هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( وانه كان رجال من االنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) االية (‪ - 1‬الجن ) وعن خولة بنت‬
‫حکيم رضي هللا عنها قالت ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول « من نزل منزال فقال ‪ :‬أعوذ بكلمات هللا‬
‫التامات من شر ما خلق ‪ ،‬لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك » رواه مسلم ‪.‬‬

‫فيه مسائل‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية الجن ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬كونه من الشرك ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬االستدالل على ذلك بالحديث ‪ ،‬ألن العلماء استدلوا به على ان كلمات هللا غير مخلوقة ‪ ،‬قالوا ألن االستعاذة‬
‫بالمخلوق شرك ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن كون الشيء تحصل به مصلحه دنيوية من كف شر أو جلب نفع ال يدل على أنه ليس من الشرك ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ‪ ،‬التنبيه على أن االستعاذة باهلل عبادة ‪ ،‬وصرفها لغيره شرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫وردت تحت هذا الباب آية وحديث‬

‫فاآلية الشريفة ‪ .‬جاء فيها قول هللا تعالى ‪ ( :‬وانه كان رجال من االنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) ( الجن ‪-‬‬
‫‪ )6‬وقصة االنس مع الجن هذه تتلخص في أنه كان من عادة العرب في الجاهلية اذا نزلوا واديا مخيفا ‪ ،‬أو مكانا موحشا ‪،‬‬
‫يعوذون بزعيم ذلك المكان من أذى الجان ‪ .‬اذ كان يقول أحدهم اذا خاف على نفسه بواد قفر ‪ :‬أعوذ بسيد هذا الوادي من‬
‫( زادوهم رهقا ) أي خوفا وانما ‪ ،‬و ايراد هذه اآلية في هذا‬ ‫سفهاء قومه ‪ ،‬فلما رأت الجن من االنس هذا الخوف‬
‫الباب لالستدالل بها على أن االستعاذة باهلل عبادة من العبادات‪.‬‬

‫كما قال هللا سبحانه و تعالى ‪ ( :‬وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهلل انه هو السميع العليم ) وما كان عبادة هللا كان‬
‫صرفه لغير هللا شركا ً ‪ .‬ومن هنا صار االلتجاء إلى غير هللا و االستعاذة به من المصائب والنكبات ‪ ،‬سواء كان المستعاذ‬
‫به من الجن أو االنس شركا مع هللا في عبادته‪.‬‬

‫وبعد هذه اآلية الكريمة يأتي حديث خولة (‪ 9) 1‬بنت حکيم رضي هللا عنها وفيه توجيه من الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫إلى دعاء يقوله المسلم اذا نزل منزال يحفظه هللا به من كل سوء حتى يرحل من ذلك المنزل ‪ ،‬فيقول عليه السالم ‪ « :‬من‬
‫نزل منزال فقال أعوذ بكلمات هللا التامة أي أستعيذ باهلل وبأسمائه وصفاته والتجيء اليه وعتصم به « من شر ما خلق» ‪-‬‬
‫اي من شر أي مخلوق من االنس أو الجن أو الحيوان ‪ ،‬أو الهوام أو غير ذلك مما به شر فاذا قال هذا الدعاء لم يضره‬
‫شيء حتى پر حل من منزله ذلك ‪.‬‬

‫السالم‪9‬‬ ‫للنت عليه‬


‫الت وهبت نفسها ي‬
‫ه ي‬ ‫(‪ )1‬خوله ‪ :‬ي‬
‫‪47‬‬
‫باب من الشرك أن يستغيث بغير هللا أو يدعو غيره‬
‫وقول هللا تعالى ( وال تدع من دون هللا ما ال ينفعك وال يضرك فان فعلت فانك اذا من الظالمين ‪ ،‬وان يمسسك هللا بضر‬
‫فال كاشف اله اال هو ) االية ( ‪ - 1۰7 ، 1۰9‬يونس ) وقوله ( ان الذين تعبدون من دون هللا ال يملكون لكم رزقا فابتغوا‬
‫عند هللا الرزق واعبدوه و اشكروا له إليه ترجعون ) االية (‪ -17‬العنكبوت) وقوله (و من أضل ممن يدعو من دون هللا من‬
‫ال يستجيب له الى يوم القيامة ) االيتين (‪ - 6 ،5‬األحقاف ) وقوله ( أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء) االية (‬
‫‪ – 22‬النمل )‬

‫وروى الطبراني باسناده أنه كان في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم ‪ :‬قوموا بنا‬
‫نستغث برسول هللا صلى هللا عليه وسلم من هذا المنافق ‪ .‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم « انه ال يستغاث بي ‪ ،‬وانما‬
‫يستغاث باهلل» ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫من عطف العام على الخاص ‪.‬‬


‫األولى ‪ :‬أن عطف الدعاء على االستغاثة (‪1۰ )1‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير قوله ( وال تدع من دون هللا ماال ينفعك وال يضرك ) ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ان هذا هو الشرك األكبر ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن أصلح الناس لو يفعله ارضاء لغيره صار من الظالمين ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬تفسير اآلية التي بعدها ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬كون ذلك ال ينفع في الدنيا مع كونه كفرا ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬تفسير اآلية الثالثة ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬أن طلب الرزق ال ينبغي اال من هللا ‪ ،‬كما أن الجنة و ال تطلب اال منه‬

‫التاسعة التاسعة ‪ :‬تفسير اآلية الرابعة ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬انه ال أضل ممن دعا غير هللا ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬انه غافل عن دعاء الداعي ال يدري عنه ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬أن تلك الدعوة سبب لبعض المدعو للداعي وعداوته تفسد‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬تسمية تلك الدعوة عبادة للمدعو ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬كفر المدعو بتلك العبادة ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬أن هذه االمور سبب كونه أضل الناس ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬تفسير اآلية الخامسة ‪.‬‬

‫‪1۰‬‬ ‫(‪ )1‬االستغاثة ‪ :‬طلب الغوث ‪ ،‬والفرق ن‬


‫بي االستغاثة والدعاء ‪ ،‬أن االستغاثة ال تكون اال عند حدوث‬
‫مكروه ‪ ،‬اما الدعاء فليس له وقت محدد ‪ ،‬وعىل هذا فكل استغاثة دعاء ‪ ،‬وليس كل دعاء استغاثة‬
‫‪48‬‬
‫السابعة عشرة ‪ :‬األمر العجيب وهو اقرار عبدة األوثان بأنه ال يجيب المضطر اال هللا ‪ ،‬وألجل هذا يدعونه في الشدائد‬
‫مخلصين له الدين ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬حماية المصطفى صلى هللا عليه وسلم حمى التوحيد والتأدب مع هللا‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المؤلف رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان أن دعاء هللا و االستغاثة (‪ )1‬به من أعظم العبادات ‪ ،‬والتوجه بهذه العبادة‬
‫إلى غيره شرك‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربع آيات و حديث و احد‬

‫والمعنى اآلية األولى قوله تعالى ‪ ( :‬وال تدع من دون هللا ما ال ينفعك وال يضرك ) ( يونس ‪ ) 1۰6 -‬أي ال تدع دعاء‬
‫عبادة ‪ ،‬ما ال يستطيع النفع أو الضر في الدنيا وال في اآلخرة ‪ ،‬والخطاب هنا موجه للرسول عليه السالم ولكنه عام لكل‬
‫الناس ‪ ( .‬فان فعلت فانك اذا من الظالمين ) أي فان فعلت هذا بأن دعوت غيره كنت من الظالمين ‪ ،‬والمراد بالظلم هنا‬
‫الشرك كما حكى هللا ذلك عن قول لقمان البنه ( يا بني ال تشرك باهلل ان الشرك لظلم عظيم ) ثم أكد هللا سبحانه و تعالى‬
‫عجز تلك المعبودات ‪ ،‬و تكذيب ما يقال من أنها تقدر على شفاء االمراض‪ ،‬أو تكشف األسقام فقال تعالى ( وان يمسسك‬
‫هللا بضر فال كاشف له اآل هو ) اي وان يرد هللا بك ضرا ‪ -‬مرضا في نفسك أو مصيبة في ولدك ‪ ،‬أو كارثة في مالك ‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك من المصائب التي تنال االنسان في هذه الحياة ‪ ،‬فال كاشف له اال هو ‪ ،‬النه وحده صاحب الملك و القهر و‬
‫العطاء والمنع ‪ ،‬والضر والنفع ( وان يردك بخير فال راد لفضله يصيب به يشاء من عباده ) اي وان يردك بنعمة وسعادة‬
‫‪ ،‬وخير وتوفي ق ‪ ،‬فال أحد يقدر على منعه ‪ ،‬وليس في استطاعة مخلوق أن يحول بينك وبين ما اراده ‪ ،‬و بأمره وتدبيره‬
‫يصيب بالخير من يشاء من عباده لحكمة يعلمها هو ( وهو الغفور الرحيم ) أي غفور لمن تاب اليه بعد شركه ‪ ،‬ورحيم‬
‫يفرح بتوبة عبده اذا أقبل عليه مؤمنا تائبا‪.‬‬

‫واآلية الثانية في هذا الباب مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ( و ابراهيم اذ قال لقومه اعبدوا هللا واتقوه ذلكم خير لكم ان‬
‫کنتم تعلمون * انما تعبدون من دون هللا أو ثانا وتخلقون افكا أن الذين تعبدون من دون هللا ال يملكون لكم رزقا فابتغوا عند‬
‫هللا الرزق و اعبدوه و اشكروا له اليه ترجعون ) ( العنكبوت ‪) 17 ، 19 -‬‬

‫و المعنى لقوله تعالى ‪ ( :‬واذ قال ابراهيم البيه وقومه اعبدوا هللا واتقوه ) اي اعبدوا هللا وال تشركوا معه أحدا في عبادته ‪،‬‬
‫واتقوا غضبه في اتباع ما أمركم به و بعد کم عما نهى عنه ( ذالكم خير لكم ان کنتم تعلمون ) أي ذلك الذي أمرتكم به من‬
‫عبادة هللا وحده ‪ ،‬خير لكم مما أنتم عليه ‪ ،‬أن كان لديكم علم تميزون به بين ما ينفعكم وما يضركم‪.‬‬

‫ثم بين فساد ما هم عليه من شرك و غيره فقال ‪ ( :‬انما تعبدون من دون هللا أو ثانا وتخلقون افكا ) اي انما تلك المخلوقات‬
‫التي تعبدونها من دون هللا ‪ ،‬انما هي تماثيل تصنعونها بأيديكم ‪ ،‬ثم تسمونها آلهة كذبا و بهتانا ‪ ،‬وهي في الحقيقة جمادات‬
‫ال تشفع وال تنفع ‪ ،‬وحتي يتأكد هذا المعنى ‪ -‬جاءت هذه اآلية تقول ‪ ( :‬إن الذين تعبدون من دون هللا ال يملكون لكم رزقا )‬
‫يعني أن هذه األوثان التي تعبدونها على اختالف أشكالها ‪ ،‬وأنواعها ال تستطيع أن تأتي لكم بشيء يدفع عنكم الفقر أو‬
‫المرض ‪ ،‬أو يجلب لكم الرخاء والصحة ‪ ،‬فاذا كان هذا هو واقعها فكيف تعبدونها؟ وانطالقا من هذه الحقيقة حقيقة عجز‬
‫تلك االصنام عن أن تنفع بشيء النها ال تملك شيئا ‪ ،‬وانما الذي يملك الرزق و غيره هو هللا القادر على كل شيء ‪ -‬جاء‬
‫قول هللا تعالى ‪ ( :‬فابتغوا عند هللا الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون ) أي فاطلبوا الرزق من هللا ال من غيره ‪،‬‬
‫وابتغاء الرزق من عند هللا عبادة أمر هللا بها ‪ .‬واعبدوه ‪ ،‬اخلصوا له العبادة واشكروا له نعمه التي انعم بها عليكم ‪-‬‬
‫وراقبوه في جميع اعمالكم ‪ ،‬فانكم راجعون اليه يوم القيامة ‪ -‬وسيجازي كل عامل بعمله أن خيرا فخيرا ‪ ،‬وان شرا فشر‪.‬‬

‫أما اآلية الثالثة فهي مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ( قل أرأيتم ما تدعون من دون هللا أروني ماذا خلقوا من األرض ؟‬
‫أم لهم شرك في السموات ‪ ،‬ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم ان کنتم صادقين ‪ ،‬ومن أضل ممن يدعو من دون‬
‫هللا من ال يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ؟ * واذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم‬
‫کافرين) ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫والمعنى أن هللا سبحانه وتعالى ‪ -‬يأمر نبيه عليه السالم أن يقول األولئك المشركين ‪ :‬أخبروني عن هذه اآللهة التي‬
‫تعبدونها من دون هللا ‪ -‬هل خلقت شيئا من هذه األرض التي تعيش عليها هذه الكائنات الهائلة من البشر وغيرهم ‪ ،‬وهل‬
‫لهم أي مشاركة في خلق السموات وما فيهن مما يعلم و ما ال يعلم ‪ ،‬أن كان كذلك ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة‬
‫من علم ان کنتم صادقين ) اذا كنتم تعتقدون أن لهم دخال في خلق السموات واألرض ‪ ،‬فأتوا بأي برهان عقلي أو نقلي‬
‫على ذلك ‪ ،‬ان کنتم صادقين في قولكم ‪ ،‬واال فعودوا إلى عقولكم ‪ ،‬وال تعبدوا اآل من يستحق العبادة وليس أحد غير هللا‬
‫الواحد األحد الذي ال شريك له في ملكه‬

‫وفي توبيخ لهؤالء المشركين لعبادة من ال يعقل وال يقدر جاء قول هللا تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون هللا من ال‬
‫يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) ‪ -‬أي ال أحد أكثر ضالال ممن يدعو غير هللا من أحجار صماء ال‬
‫تسمع وال تستجيب للدعاء ‪ ،‬وبعد أن أوضحت اآلية عجز تلك اآللهة عن أي نفع التباعها في الدنيا ‪ ،‬جاءت اآلية بعدها‬
‫لتوضيح حالتهم معها في اآلخرة ( واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) أي واذا جمع الناس في‬
‫موقف الحساب يوم القيامة ‪ ،‬تبرأت تلك اآللهة من أتباعها قائلة ‪ :‬ما أمرناهم بعبادتنا وال شعرنا بعبادتهم أيانا تبرأنا اليك‬
‫ربنا من عبادتهم‪.‬‬

‫وتأتي اآلية الرابعة و االخيرة في هذا الباب في ارتباط وثيق بآيتين قبلها وآيتين بعدها لذا كان ال بد من ذكر هذه اآليات ‪-‬‬
‫ليظهر وجه االستدالل واضحا من اآلية الكريمة ‪ ،‬وتبدأ اآليات من كتاب هللا بقوله تعالى‬

‫( أمن خلق السموات واألرض ‪ ،‬وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ‪ ،‬ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أاله‬
‫مع هللا بل هم قوم يعدلون و أمن جعل األرض قرارا وجعل خاللها أنهارا وجعل لها رو اسي وجعل بين البحرين حاجزا‬
‫أاله مع هللا بل أكثرهم ال يعلمون * أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء األرض أاله مع هللا قليال ما‬
‫تذكرون ‪ -‬أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أاله مع هللا ‪ -‬تعالى هللا عما‬
‫يشركون و أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء واألرض أاله مع هللا قل هاتوا برهانكم ان کنتم صادقين )‬
‫اآليات (‪ 64 - 6۰‬النمل )‬

‫المعنى في قوله تعالى ‪ ( :‬أمن خلق السموات واالرض وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم‬
‫أن تنبتوا شجرها ) اي ايما أحق بالعبادة المخلوقات الهزيلة العاجزة عن النفع والضر ‪ ،‬أم هللا الذي خلق السموات‬
‫واألرض بما فيها من كواكب وأفالك ‪ ،‬وجبال وانهار ‪ ،‬وأنزل من السماء مطرا أنبت به الحدائق والبساتين التي تدخل‬
‫البهجة على كل نفس بمنظرها الرائع ‪ ،‬وأزهارها ذات االشكال المختلفة و االنواع المتعددة التي تعطي الدليل القاطع على‬
‫قدرة الخالق العظيم جل جالله ‪ ،‬والبرهان الذي ال يقبل الشك على عجز البشر عن خلق أي شيء حتى ورقة من شجرة ‪.‬‬
‫ولذا قال هللا تعالى ‪ ( :‬ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) أي لوال ارادة هللا و انزاله المطر ليكون سببا في انبات األرض‬
‫باألشجار والزرع ما قدرتم على شيء من هذا ومع هذا العجز الواضح ‪ ،‬تجعلون المخلوق شريكا للخالق في عبادته ‪ ،‬ولذا‬
‫جاء قوله تعالى ‪ ( :‬أاله مع هللا ؟ ) أي ابعد ما أعترفتم به و قام الدليل عليه من أن هللا خالق السموات واألرض ومن فيهن‬
‫‪ ،‬وما بينهما تجعلون معه آلهة تعبدونها وهي ال تملك شيئا ‪ ،‬وال تنفع بشيء ‪ ،‬وحتي يظهر أن هؤالء المشركين يسيرون‬
‫أي بل‬
‫( بل هم قوم يعدلون)‪11‬‬ ‫في طريق غير طريق هللا المستقيم ‪ -‬جاء قول هللا تعالى مبينا هذا االنحراف قائال‬
‫هم قوم منحرفون عن الطريق المستقيم طريق التوحيد ‪ ،‬إلى الطريق الملتوية طرق الشرك والضالالت وحتى يؤكد جل‬
‫جالله أحقيته بالعبادة ‪ ،‬ويوبخ أولئك الذين يعبدون معه غيره قال تعالى ( أمن جعل األرض قرارا ‪ ،‬وجعل خاللها أنهارا ‪،‬‬
‫وجعل لها رواسي ‪ ،‬وجعل بين البحرين‬

‫حاجزا ) أي أيها المشركون من أولى بالعبادة ؟ هذه المخلوقات الضعيفة العاجزة عن نفع أو ضر أم هللا الذي جعل األرض‬
‫مستقرا لالنسان والحيوان ‪ ،‬وأجرى فيها االنهار للزروع واألشجار والحياة االنسان والدواب ‪ ،‬وأوجد فيها الجبال الثابتة‬
‫لتستطيع المخلوقات الحياة عليها بأمان و اطمئنان ‪ ،‬وجعل بقدرته العظيمة حاجزا بين المياه المالحة و العذبة ‪ ،‬لينتفع كل‬
‫مخلوق بما يناسبه ‪ ( .‬أاله مع هللا ) أي أبعد هذا البيان تجعلون المخلوقين في منزلة الخالق‪ ،‬انه وال شك عمل يدل على‬
‫الجهل باهلل ولذا قال تعالى ( بل أكثرهم ال يعلمون ) أي أن اكثر أولئك الذين وقعوا في الشرك ال يدركون عظمة هللا ‪ ،‬وال‬
‫ما يترتب على شركهم من عواقب مؤلمة ‪ ،‬واال لما اشركوا معه أحدا في عبادته ‪ ،‬وهنا تأتي آية الباب ‪ ،‬فيها توبيخ من هللا‬
‫ألولئك الذين انحرفوا بعقيدتهم إلى غير هللا ‪ ،‬فقال ( أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء االرض )‬
‫؟ أي من الذي يجيب دعوة المكروب اذا اتجه اليه طالبا کشف ضره ‪ ،‬ومن يجعلكم خلفاء األرض بعمارتها و استخراج‬

‫ن‬
‫بمعت يميلون عن الطريق المستقيم إىل الطرق الملتوية‬ ‫(‪ )1‬يعدلون ‪:‬‬

‫‪5۰‬‬
‫خير انتها ‪ ،‬هللا الذي يفعل ذلك ‪ ،‬أم معبوداتكم ؟ هللا وال شك هو الذي يقدر على ذلك ‪ ،‬فاذا كان األمر كذلك فلماذا تشركون‬
‫معه في عبادته ‪ ،‬وألن اإلنسان كثيرا ما ينسی نعم هللا عليه ‪ ،‬فيشكره عليها باتباع أوامره واجتناب نواهيه ‪ ،‬جاء قول هللا‬
‫تعالى ‪ ( :‬قليال ما تذكرون ) أي تذكركم لنعم هللا قليل ‪ ،‬واال لو اعترفتم بنعم هللا ما أشركتم معه أحدا في عبادته ‪ ،‬ثم يزيد‬
‫هللا المنحرفين عن عقيدة التوحيد ‪ ،‬تأنيبا مذكرا لهم أيضا بنعم هللا عليهم ‪ ،‬فيقول ‪ ( :‬أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ‪،‬‬
‫ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ) أي من يدلكم اذا ضللتم الطريق في ظلمات البر والبحر بما خلق هللا من نجوم‬
‫ثابتة ومتحركة ‪ ،‬هللا أم الذين تعبدونهم ‪ ،‬ومن يرسل الرياح أمام المطر الحياء االرض بعد موتها هللا أم اآللهة الصماء‬
‫التي ال تسمع وال تفقه وال أحد في الحقيقة يستطيع القول بأن مخلوقا ما هو الذي أوجد النجوم لتكون عالمات يهتدي بها‬
‫الناس في أسفارهم في البر والبحر ‪ ،‬أو ارسل الرياح لتحمل السحاب من مكان إلى آخر حسب ارادة هللا ‪ ،‬واذا كان األمر‬
‫كذلك فما وجه صرف أي نوع من العبادة لغير هللا ‪ ،‬ولذا قال تعالى ( أاله مع هللا ) وقوله ( تعالى هللا عما يشركون ) أي‬
‫تقدس و تنزه عن كل شريك ‪ :‬على أي شكل وبأي صورة كان ‪.‬‬

‫وزيادة في توبيخ المشركين وحتى ال يبقى عذر لمعتذر جاء قول هللا تعالى ( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من‬
‫السماء واألرض ) اي من الذي أوجد الكون كله من ال شيء ومن الذي يفنيه ثم يعيده حيا بعد موته ومن الذي ينزل الغيث‬
‫من أجل رزق العباد ‪ ،‬هللا أم اآللهة التي يصنعها البشر بأيديهم ثم يعبدونها سفها وجهال ؟ هللا وال شيء غير هللا ‪ ،‬ولذا جاء‬
‫قول هللا تعالى ‪ ( :‬أاله مع هللا ) أي أبعد هذه البراهين التي ال تقبل الجدل تعبدون مع هللا غيره ‪ ،‬وفي لهجة صارمة و‬
‫تكذيبا لما يزعمه بعض عبدة األوثان أن في مقدورها جلب النفع أو دفع الضر عن اآلخرين ‪ ،‬و بصيغة توحي بالتحدي‬
‫ألبر از برهان على زعيم عبدة االوثان ‪ ،‬جاء أمر هللا لنبيه عليه السالم أن يطلب منهم الدليل على صدق ما يزعمون اذ‬
‫قال جل جالله ‪ ( :‬قل هاتوا برهانكم ان کنتم صادقين ) أي أعطوا الدليل القاطع على ما تزعمون لكنهم لن يجدوا دليال‬
‫على ذلك اال ما حكى هللا في القرآن عن المشركين األولين بقولهم ( انا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )‬
‫بعد هذه اآليات من كتاب هللا المقدس يأتي الحديث الذي رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه أن‬
‫منافقا بالمدينة كان يؤذي المؤمنين ‪ ،‬فقال بعض منهم ‪ :‬قوموا بنا نستغيث برسول هللا صلى هللا عليه و سلم من هذا المنافق‬
‫‪ ،‬فقال النبي عليه السالم أنه ال يستغاث بي وانما يستغاث باهلل عز وجل » لفظ الحديث واضح في النهي عن االستغاثة‬
‫بغير هللا بأي صورة وعلى أي شكل سواء كان المستغاث به قادرا على االغاثة أو غير قادر ‪ ،‬والني عليه السالم حينما‬
‫قال ‪ ( :‬ال يستغاث في وانما يستغاث باهلل ) وهو في ذلك الوقت قادر على كف أذى ذلك المنافق ‪ .‬انما كان ذلك سدا لكل‬
‫ذريعة قد تؤدي إلى الشرك ‪ ،‬واآل فان االستغاثة به عليه السالم والحالة هذه جائزة ‪ ،‬ألنها استغاثة بحي حاضر قادر ‪.‬‬

‫والخالصة‪:‬‬

‫ان االستغاثة تنقسم إلى نوعين‬

‫النوع األول ‪ :‬االستغاثة المحرمة ‪ ،‬وهي االستغاثة بالميت أو الغائب الذي ال يقدر على االغاثة مثال ذلك ما يفعله الجهال ‪:‬‬
‫عند قبور األنبياء والصالحين من دعاء ال يليق اال باهلل ‪ ،‬كقولهم يا سيدي الولي الفالني ‪ .‬أو الصالح الفالني ‪ ،‬استغيث بك‬
‫في حل مشكلتي ‪ ،‬أو أنا في جوارك فانقذني من فقري أو مرضي أو غير ذلك من األمور التي توقع في الشرك باهلل في‬
‫عبادته ‪ ،‬وعلى هذا فكل من جعل بينه وبين هللا وسائط من المخلوقين من أموات أو غائبين يدعوهم ويتوكل عليهم ‪ ،‬فقد‬
‫أشرك باهلل شركا أكبر ‪ ،‬وقد حرم هللا الجنة على من أشرك باهلل شركا أكبر ‪ ،‬كما جاء بذلك كتاب هللا بقوله ( انه من يشرك‬
‫باهلل فقد حرم هللا عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار )‪.‬‬

‫‪.‬النوع الثاني ‪ :‬االستغاثة الجائزة ‪ ،‬وهي االستغاثة بحي حاضر قادر ‪ ،‬مثال ذلك لو أن إنسانا هجم عليه عدو ليقتله أو سبع‬
‫ليفترسه أو لص ليسرق منزله ‪ ،‬فاستغاث بأقرب انسان عنده لينقذه من الخطر كان ذلك جائزا ‪ ،‬وعلى هذا فان االستغاثة‬
‫اذا كانت بانسان حي حاضر قادر ‪ ،‬تكون جائزة ‪ ،‬وهنا يمكن أن نقول باختصار ان االستغاثة اذا كانت بميت أو جماد أو‬
‫غائب تكون شركا ‪ ،‬واذا كانت بأنسان حي حاضر قادر لم تكن شرکا‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( أيشركون ماال يخلق شيئا وهم يخلقون ‪ ،‬وال يستطيعون لهم نصرا ) االية ( ‪ - 192 ، 191‬األعراف‬
‫) وقوله ‪ ( :‬والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) االية ( ‪ - 14 ، 13‬فاطر )‬

‫وفي الصحيح عن انس قال ‪ :‬شج النبي صلى هللا عليه وسلم يوم احد وكسرت رباعيته فقال (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم )‬
‫فنزلت ( ليس لك من األمر شيء ) و فيه عن ابن عمر رضي هللا عنه أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول اذا‬
‫رفع رأسه من الركوع في الركعة األخيرة من الفجر « اللهم العن فالنا و فالنا بعدما يقول « سمع هللا لمن حمده ربنا ولك‬
‫الحمد » فأنزل هللا ‪ ( :‬ليس لك من األمر شيء ) اآلية وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث‬
‫ابن هشام ‪ ،‬فنزلت ( ليس لك من األمر شيء ) وفيه عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال ‪ :‬قام رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم حين أنزل عليه ( وأنذر عشيرتك األقربين ) فقال ‪ ( :‬يا معشر قريش ‪ -‬أو كلمه نحوها اشتروا انفسكم ‪ ،‬ال أغني‬
‫عنكم من هللا شيئا ‪ ،‬يا عباس بن عبد المطلب ال أغني عنك من هللا شيئا ‪ ،‬يا صفية عمة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال‬
‫أغني عنك من هللا شيئا ‪ ،‬ويا فاطمة بنت محمد ‪ ،‬سليني من مالي ما شئت ال أغني عنك من هللا شيئا) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير اآليتين ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬قصة أحد‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قنوت سيد المرسلين وخلفه سادات األولياء يؤمنون في الصالة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن المدعو عليهم كفار‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬انهم فعلوا أشياء ما فعلها غالب الكفار ‪ .‬منها شجهم لنبيهم وحرصهم على قتله ‪ ،‬ومنها التمثيل بالقتلى مع انهم‬
‫بنو عمهم ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أنزل هللا عليه في ذلك ( ليس لك من األمر شيء ) ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬أو يتوب عليهم أو يعذبهم ‪ -‬فتاب عليهم فآمنوا‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬القنوت في النوازل ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬تسمية المدعو عليهم في الصالة بأسمائهم وأسماء آبائهم‬

‫العاشرة ‪ :‬لعنه المعين في القنوت ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬قصته صلى هللا عليه وسلم لما نزل عليه ( وأنذر عشيرتك األقربين )‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬جده صلى هللا عليه وسلم في هذا االمر بحيث فعل ما نسب بسببه إلى الجنون ‪ ،‬وكذلك لو يفعله مسلم اآلن‬
‫‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬قوله لألبعد و االقرب (ال أغنى عنك من هللا شيئا) فاذا صرح وهو سيد المرسلين أنه ال يغني من هللا شيئا‬
‫عن سيدة نساء العالمين ‪ ،‬وآمن االنسان انه ال يقول اال الحق ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اآلن تبين له‬
‫التوحيد‪ ،‬وغربة الدين‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان سفه عقول الذين يجعلون المخلوقين شركاء للخالق في عبادته ويرفعون العبد‬
‫المخلوق العاجز الى منزلة الخالق المعبود القاهر فوق عباده‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان ‪ ،‬وقصة ‪ ،‬وحديثان‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫فاآلية األولى ‪ :‬جاء فيها قوله تعالى ‪ ( :‬أيشركون ما ال يخلق شيئا وهم يخلقون ) أي أيشركون مع هللا في عبادته مخلوقين‬
‫ال يقدرون على خلق‪ .‬شيء ‪ -‬كما قال هللا في آية أخرى في كتابه العزيز ‪ ( :‬أن الذين تدعون من دون هللا لن يخلقوا ذبابا‬
‫ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه ‪ ،‬ضعف الطالب والمطلوب ‪ ،‬وال يستطيعون لهم نصرا وال‬
‫أنفسهم ينصرون ) أي وزيادة على عجزهم عن خلق أي شيء ‪ ،‬فهم عاجزون ايضا عن رفع المحن والكوارث عن‬
‫العابدين لهم ‪ ،‬وهم ايضا كذلك عاجزون عن نصر انفسهم حينما يلم بهم خطب ‪ ،‬ووصف االنسان بالعجز عن الخلق وعن‬
‫الحصول على النصر اال بأمر هللا ‪ ،‬وصف ينطبق على كل مخلوق ال فرق في ذلك بين نبي وملك وال بين ولي أو صالح‬
‫أو غيرهم ‪ ،‬ولذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهو المرسل من عند هللا للبشر يهديهم إلى الخير ‪ ،‬يطلب النصر على‬
‫المشركين من عند هللا ‪ ،‬فيقول في الدعاء الوارد عنه ( اللهم أنت عضدي و نصيري ‪ ،‬بك أحول ‪ ،‬وبك أصول ‪ ،‬وبك‬
‫أقاتل ) فاذا كان نبي هللا عليه الصالة والسالم يدعو ربه بالنصر على األعداء ‪ ،‬لعلمه أن النصر ال يكون إال من عند هللا ‪،‬‬
‫فكيف يقال بأن تلك االصنام تجلب النصر التباعها وهي حجارة صماء ‪ ،‬أو مخلوقون غابوا تحت التراب‪.‬‬

‫واآلية الثانية ‪ :‬قوله تعالى ‪ ( :‬والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) أي أيها المشركون مع هللا في عبادته أن‬
‫هؤالء الذين تدعونهم من المخلوقين مالئكة كانوا أو أنبياء ‪ ،‬صالحين أو أولياء أو غيرهم ‪ -‬عاجزون عن تحقيق أي شيء‬
‫تطلبونه منهم ‪ ،‬حتى القطمير وهو شيء ال قيمة له ال يستطيعون تحقيقه فيما لو طلبتموه منهم ‪ ،‬فاذا كان هذا هو الحال‬
‫بالنسبة لتلك المعبودات فكيف تدعونها من دون هللا ‪ ،‬ثم اكد القرآن الكريم هذا العجز بأن نفي عنهم سماع الدعاء ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫( ان تدعوهم ال يسمعوا دعائكم ) أي ال يدرون ماذا تقول النهم ما بين ميت ذاب جسمه في التراب أو فارق الحياة إلى‬
‫حياة برزخية ‪ -‬هللا أعلم بكيفيتها ‪ ،‬أو آخر غائب ‪ ،‬وهؤالء كلهم ال يستطيعون سماع الدعاء ‪ ،‬واذا كانوا ال يسمعون الدعاء‬
‫فما الفائدة من دعائهم ‪ ،‬وعلى فرض أنهم سمعوا الدعاء فانهم ال يستجيبون له‪ ،‬وزيادة على ذلك يتبرأون يوم القيامة من‬
‫معبودبهم ‪ ،‬ويكفرون بعبادتهم لهم ‪ .‬كما جاءت بذلك اآلية الكريمة ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) قوله ‪ ( :‬وال ينبئك‬
‫مثل خيبر ) أي ال يخبرك بأن هذه المعبودات من دون هللا ‪ -‬عاجزة عن النفع أو الضر ‪ ،‬وأنها ال تسمع وال تستجيب‬
‫للدعاء ‪ ،‬وأنها تتبرأ من عبادة أولئك المشركين يوم القيامة ‪.‬‬

‫مثل خبير وهو هللا سبحانه وتعالى الذي ال تخفى عليه خافية بعد هاتين اآليتين ‪ ،‬تأتي قصة شج النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫رأسه في موقعة أحد (‪ )2‬وكسرت رباعيته (‪،)3‬‬ ‫‪ ،‬وتتلخص هذه القصة في أن النبي عليه الصالة والسالم شج (‪12)1‬‬
‫ويقول ابن هشام ‪ :‬أن أبا سعيد الخدري قال ‪ :‬أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى هللا عليه وسلم وأن‬
‫عبد هللا بن شهاب الزهري هو الذي شجه في وجهه ‪ ،‬وأن عبد هللا ابن قمئة هو الذي جرحه في وجنته ‪ ،‬وأن حلقتين من‬
‫حلق المغفر دخلتا في وجنته ‪ ،‬وأن مالك بن سنان هو الذي مص الدم من وجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وابتلعه ‪،‬‬
‫فقال له عليه السالم ‪« :‬لن تمسك النار » وذكر ابن اسحاق في المغازي عن أنس قال ‪ ( :‬كسرت رباعية النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم يوم أحد و شج وجهه ‪ ،‬فجعل الدم يسيل على وجهه ‪ ،‬وجعل يمسح الدم وهو يقول ‪ :‬كيف يفلح قوم خضبوا‬
‫وجه نبيهم ‪ ،‬وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل هللا اآلية الكريمة ( ليس لك من األمر شيء ) أي ليس لك من أمر العباد اآل‬
‫تنفيذ ما آمرك به ‪ ،‬أما غير ذلك فلي وحدي ‪ ،‬أتصرف فيه كيف‬

‫أشاء وبهذا المعنى جاء قول هللا تعالى ‪ ( :‬قل ان االمر كله هلل ) وقوله النبيه عليه السالم ‪ ( :‬انك ال تهدي من أحببت ولكن‬
‫هللا يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) وفي هذه القصة أمران ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬أن األنبياء كغيرهم من البشر تصيبهم المحن والمصائب ويطرأ عليهم كما يطرأ على غيرهم من هموم‬
‫وأحزان بل ويالقون من متاعب الحياة من اجل هداية الناس أكثر مما يالقي غيرهم من البشر وما حصل للرسول عليه‬
‫الصالة و السالم في موقعة أحد ‪ ،‬وما حصل له من قبل من أذى المشركين في كل من مكة والطائف هو من من هذا القبيل‬
‫‪ ،‬ومن قبل محمد عليه الصالة و السالم في تحمل متاعب الحياة من أجل هداية الخلق ‪ ،‬ما حصل لالنبياء قبله ابراهيم ‪ ،‬و‬
‫موسی ‪ ،‬وعيسی عليهم الصالة و السالم من أذى قومهم‪.‬‬

‫القطمي ‪ :‬هو الغالف الرقيق الذي يكون عىل نواة التمر‬


‫ر‬ ‫(‪)1‬‬
‫بشي يحدث تمزقا يف جلدة الرأس ‪ ،‬ثم استعمل يف بقية األعضاء‬‫(‪ )2‬الشج ف األصل ‪ :‬الضب عىل الرأس ر ئ‬
‫ي‬
‫أحد ‪ :‬جبل يبعد نحو ميل من المدينة إىل الشمال قال عنه الرسول عليه السالم ‪ :‬أحد جبل يحبنا و نحبه‬
‫(‪)3‬‬
‫ه كل سن بعد ثنية و لالنسان أرب ع رباعیات‬
‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫الرباعية‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪53‬‬
‫األمر الثاني ‪ :‬اذا كان الرسول عليه السالم وهو نبي هللا وخاتم رسله ال يملك من األمر اآل ما أمره هللا به فغيره أولى اآل‬
‫يملك شيئا ‪ ،‬وفي هذا حجة على أولئك الذين يطلبون من غير هللا جلب نفع أو دفع ضر ‪.‬‬

‫وفي الحديث األول في هذا الباب ‪ ،‬حديث ابن عمر رضي هللا عنه أن الرسول عليه السالم بعدما شج وكسرت رباعيته‬
‫أخذ بعد أن يرفع رأسه من الركعة األخيرة من الفجر يدعو على أفراد المشركين ‪ ،‬صفوان بن أمية ‪ ،‬وسهيل بن عمرو ‪،‬‬
‫( ليس لك من األمر شيء أو يتوب عليهم‬ ‫والحارث بن هشام ‪ ،‬فما استجيب له هذا الدعاء ‪ ،‬وأنزل هللا قوله تعالى ‪:‬‬
‫أو يعذبهم ) أي أن هللا سبحانه وتعالى صاحب االمر يتصرف فيه كيف يشاء ‪ ،‬ولقد أسلم هؤالء فتاب هللا عليهم وتجاوز‬
‫عن سيئاتهم ‪ ،‬ألن االسالم يمحو ما سبقه من ذنوب و آثام ‪.‬‬

‫رضي هللا عنه وفيه أن الرسول عليه الصالة والسالم بعدما أنزلت عليه‬ ‫وفي نهاية الباب يأتي حديث أبي هريرة (‪13)1‬‬
‫هذه اآلية من كتاب هللا ( وأنذر عشيرتك األقربين ) صعد عليه السالم الصفا ‪ ،‬ثم نادى واصباحاه فلما اجتمع اليه الناس ‪:‬‬
‫« فقال يا معشر قريش أشتروا أنفسكم ‪ ،‬أي اعملوا ما ينجيكم من عذاب هللا ‪ ،‬باخالص العبادة له وحده ال شريك له «‬
‫فاني ال أغنى عنكم من هللا شيئا » أي فان قرابتكم مني ال تحول بينكم وبين عقاب هللا ‪ ،‬وانما الذي يقيكم من ذلك هو البعد‬
‫عن الشرك وما تقدمونه من عمل صالح يرضى عنه هللا ‪ ،‬وبعد هذا االنذار والتخويف لالقربين من عشيرته ‪ ،‬وجه االنذار‬
‫إلى عمه قائال ‪« :‬يا عباس بن عبد المطلب ال أغنى عنك من هللا شيئا ‪ ،‬فاتجه إلى هللا مخلصا له العبادة فما أنا بقادر على‬
‫نفعك ان أنت خالفت أمر هللا ‪ ،‬ثم اتجه بالنداء إلى عمته قائال (يا صفية عمة رسول هللا ال أغني عنك من هللا شيئا أي‬
‫احذري من أن يتجه قلبك إلى غير هللا عابدا متذلال ‪ ،‬فينالك عقاب من هللا ال أقدر على دفعه ) وفي نهاية الحديث يتجه‬
‫باالنذار والتخويف الى ابنته فاطمة ويعلن لها على مشهد من الناس بأنه ال يقدر على دفع العقاب عنها يوم القيامة ان هي‬
‫خالفت أمر هللا ‪ ،‬اذ قال عليه السالم ‪ « :‬يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ال أغنى عنك من هللا شيئا و اخبار‬
‫النبي عليه الصالة والسالم ال قاربه االقربين بأنه ال يغني عنهم من هللا شيئا ‪ ،‬دليل على أن غير الرسول عليه السالم في‬
‫عدم نفع أحد أو ضره من باب أولى وأن المخلوق أي مخلوق كان ال يجوز سؤاله اال فيما يقدر عليه في الدنيا ‪ ،‬أما غير‬
‫ذلك فال يطلب اال من هللا المالك القهار‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫صخر‬ ‫رض هللا عنه ‪ :‬اسمه عبد الرحمن بن‬
‫(‪ )1‬أبو هريرة ي‬
‫‪54‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال‬
‫ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ) االية ( ‪ - ۲۳‬سبأ )‪.‬‬
‫في الصحيح عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « اذا قضى هللا األمر في السماء ضربت‬
‫المالئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ( حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟‬
‫قالوا ‪ :‬الحق وهو العلي الكبير ) فيسمعها مسترق السمع و مسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان بكفه‬
‫فحرفها وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ‪ ،‬ثم يلقيها اآلخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر‬
‫أو الكاهن فربما ادركه الشهاب قبل أن يلقيها ‪ ،‬وربما القاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة ‪ .‬فيقال ‪ :‬أليس قد قال لنا‬
‫يوم كذا وكذا ‪ :‬كذا وكذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء‪.‬‬

‫وعن النواس بن سمعان رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « اذا أراد هللا تعالى أن يوحي باالمر‬
‫تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة ‪ -‬أو قال رعدة ‪ -‬شديدة ‪ ،‬خوفا من هللا عز وجل ‪ ،‬فاذا سمع ذلك أهل السموات‬
‫صعقوا وخروا هلل سجدا ‪ ،‬فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ‪ ،‬فيكلمه هللا من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على المالئكة‬
‫كلما مر بسماء سأله مالئكتها ‪ :‬ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل ‪ :‬قال الحق وهو العلي الكبير ‪ ،‬فيقولون كلهم مثل‬
‫ما قال جبريل ‪ ،‬فينتهي جبريل بالوحي الى حيث أمره هللا عز وجل ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير اآلية ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ما فيها من الحجة على ابطال الشرك خصوصا من تعلق على الصالحين وهي اآلية التي قيل أنها تقطع عروق‬
‫شجرة الشركة من القلب ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تفسير قوله ( قالوا الحق ‪ ،‬وهو العلي الكبير ) ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬سبب سؤالهم عن ذلك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن جبريل يجيبهم بعد ذلك بقوله ‪ :‬قال كذا وكذا‬

‫السادسة ‪ :‬ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬أنه يقول ألهل السموات كلهم ‪ .‬النهم يسألونه‬

‫‪ :‬أن الغشي يعم أهل السموات كلهم الثامنة‬

‫التاسعة ‪ :‬ارتجاف السموات لكالم هللا ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره هللا ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬ذكر استراق الشياطين ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬صفة ركوب بعضهم بعضا ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬كون الكاهن يصدق بعض االحيان ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬كونه يكذب معها مائة كذبة ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬أنه لم يصدق كذبه اال بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬قبول النفوس للباطل ‪ -‬كيف يتعلقون بواحدة وال و يعتبر ون بمائة ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫السابعة عشرة ‪ :‬كونهم يلقى بعضهم إلى بعض تلك الكلمة ويحفظونها ويستدلون بها ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬اثبات الصفات خالفا لألشعرية المعطلة ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬التصريح بأن تلك الرجفة والغشي خوفا من هللا عز وجل ‪.‬‬

‫العشرون ‪ :‬أنهم يخرون هلل سجدا ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان جهل من يتجه الى غير هللا بأي نوع من أنواع العبادة‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وحديثان‬

‫فاآلية الكريمة جزء من آية مرتبطة بأية قبلها هي قوله تعالى ‪ ( :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون هللا ال يملكون مثقال ذرة‬
‫في السموات وال في األرض وما لهم فيهما من شرك ‪ ،‬وما له منهم من ظهير * وال تنفع الشفاعة عنده اال لمن اذن له‬
‫حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ) اآلية ( ‪ - 23 ،22‬سبأ ) وقوله ‪ ( :‬قل ادعوا‬
‫الذين زعمتم من دون هللا ) أي قل يا محمد لهؤالء المشركين اذا المت بكم المصائب والمحن ‪ ،‬فالجؤوا إلى معبوداتكم التي‬
‫تزعمون أنها تنفع وتضر ‪ ،‬طالبين منها ازالة الضرر عنكم ثم انظروا هل تستطيع شيئا من ذلك ‪ ،‬اذا فعلتم ذلك ‪ ،‬وعلمتم‬
‫أن ال قدرة لها على نفع أو ضر فما هو المبرر لتعلق قلوبكم بها ‪ ،‬ودعائكم لها ‪ ،‬ناسين أو متناسين خالق هذه المعبودات‬
‫القادر على النفع والضر ‪.‬‬

‫وفي أسلوب يكشف عجز أولئك المعبودين جاء قول هللا تعالى ( ال يملكون مثقال ذرة في السموات وال في األرض ) أي‬
‫أن الذين تدعونهم أيها المشركون من دون هللا ‪ ،‬ال يملكون مثقال ذرة في السموات وال في األرض فكيف تدعونهم‬
‫وتطلبون منهم نفعا أو ضرا ‪ ،‬وهم في منتهی االفالس من كل شيء ‪ ،‬و بهذا المعنى جاءت اآلية الكريمة من كتاب هللا‬
‫تقول ‪ ( :‬والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) وقوله تعالى ( وما لهم فيهما من شرك ) أي وما لهؤالء‬
‫المعبودين من مشاركة في خلق السموات و األرض ‪ ،‬فيكون لهم شيء من الملك وانما الملك للمتفرد بخلق هذا الكون كله‬
‫‪ .‬لذا فهو وحده الذي يستحق العبادة دون غيره ‪.‬‬

‫وزيادة في نفي أي معاونة من أي من تلك اآللهة التي يعبدها أولئك المشركون في خلق أي شيء في السموات أو األرض‬
‫جاء قول هللا تعالى ‪ ( :‬وما له منهم من ظهير ) إي وما له من معين في خلق هذا الكون من تلك اآللهة وال غيرها من‬
‫المخلوقات ‪.‬‬

‫وتأكيدا لعجز تلك اآللهة حتى عن الشفاعة الحد اال اذا اذن هللا في ذلك جاء قول هللا تعالى ( وال تنفع الشفاعة عنده اال لمن‬
‫اذن له ) وهو ال بأذن بالشفاعة اال ألهل التوحيد أما الكافرون باهلل المشركون معه في عبادته فهو ال يأذن في الشفاعة لهم‬
‫‪.‬‬

‫قوله ( حتى اذا فزع عن قلوبهم ) أي زال عنهم الرعب والخوف ‪ :‬قال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا قال ربنا القول‬
‫الحق ( وهو العلي ) أي صاحب العلو المطلق ‪ -‬على القدر ‪ ،‬وعلو القهر ‪ ،‬وعلو الذات ‪ -‬فهو تعالى عال على عرشه ‪،‬‬
‫بائن من خلقه ‪ ،‬مهيمن عليهم ‪ ،‬مطلع على جميع أمورهم ‪ ،‬كما قال هللا تعالى ‪ ( :‬أن ربكم هللا الذي خلق السموات‬
‫واألرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) ( الكبير) أي الذي ال أكبر وال أجل وال أعظم منه تعالى و تقدس ‪.‬‬

‫بعد هذه اآليات من كتاب هللا العزيز يأتي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه وفيه يوضح الرسول عليه الصالة والسالم مدي‬
‫خوف المالئكة من هللا فيقول ‪ ( :‬اذا قضى هللا األمر في السماء ) اي اذا تكلم هللا بالوحي لجبريل بما يريده (ضربت‬
‫المالئكة بأجنحتها خضعانا) لقوله ‪ ،‬أي ارتجفت المالئكة في خوف و ذهول مما عساه أن يأمر به هللا جل جالله ‪.‬‬

‫قوله ‪« :‬كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ‪ ،‬أي كأن الصوت الذي تسمعه المالئكة صوت سلسلة على حجر أملس ‪-‬‬
‫هذا الصوت ينساب متغلغال في أجسام المالئكة في فزع شديد إلى أن يأتيهم جبريل عليه السالم فيخبرهم باألمر فيزول‬
‫عنهم الخوف ‪ -‬حتى اذا عادوا إلى هدوئهم ( قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق ) أي قال بعضهم لبعض ‪ :‬قال هللا الحق‬

‫‪56‬‬
‫النهم يعلمون أمام العلم أن هللا ال يقول اال الحق ‪ ،‬قوله فيسمعها مسترق السمع أي فتسمع الشياطين ما قضاه هللا ووصف‬
‫سفيان بن عيينة كيفية استراقهم للسمع بصعود بعضهم على بعض ‪ ،‬حتى اذا سمع االعلى منهم الكلمة اعطاها لمن تحته ‪.‬‬
‫وهكذا حتى تصل إلى الساحر أو الكاهن في األرض ‪.‬‬

‫قوله « فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ‪ ،‬أي أن الشهاب أحيانا يحول بين الشيطان وبين استراق السمع وأحيانا يستمع‬
‫الكلمة قبل أن يصل اليه الشهاب فيكذب معها الكاهن أو الساحر مائة كذبة ‪ ،‬بمعنی أن الكاهن أو الساحر اذا أخبر الناس‬
‫أن شيئا سيقع كما أخبره بذلك الشيطان الذي استرق السمع من السماء فوقع ‪ ،‬صدقه الناس في كل ما يقول ‪ -‬وهكذا كلما‬
‫سمعت الشياطين عن طريق استراق السمع من السماء أمر قضاه هللا أخبروا السحرة والكهان فزادوا عليه كذبا كثيرا‬
‫فيصدقهم الناس‪.‬‬

‫وفي الحديث أمور منها ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن هللا يتكلم اذا شاء بكالم يسمعه المالئكة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن هللا تعالى وتقدس عال على خلقه علوا يليق بجالله وعظمته ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬أن المالئكة يخافون من هللا خوفا شديدا شأنهم في ذلك شأن كل مخلوق اعترف هللا بالعبودية المطلقة‬

‫پرجو رحمته ويخشى عذابه ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬أن للسماء حراسة من الشهب وغيرها تمنع من استراق السمع وغيره ‪ ،‬هذه الحراسة لم تكن مشددة قبل بعثة‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ولذا كانت الشياطين من الجن تسترق السمع من السماء ‪ ،‬األ اذا حالت الشهب بينهم وبين‬
‫التمكن من ذلك إلى أن بعث الرسول عليه الصالة والسالم فشددت الحراسة حتى لم تعد الشياطين بقادرة على استراق‬
‫السمع بحال من األحوال ‪.‬‬

‫وفي نهاية الباب يأتي حديث النواس بن سمعان ‪ ،‬وفيه االخبار من الرسول عليه الصالة والسالم بما يحصل للسموات‬
‫عند سماعها الكالم هللا من ارتجاف ورعب فيقول عليه الصالة والسالم اذا اراد هللا أن يوحي باألمر ‪ ،‬أخذت السموات منه‬
‫رجفة أو قال رعده خوفا من هللا عز وجل أي إذا أراد هللا أن يتكلم بالوحي ارتجفت السموات خوفا من هللا جلت قدرته ‪،‬‬
‫وحينما تسمع السموات کالم هللا وتخاف منه ‪ ،‬فان ذلك يعني أنها ال اكثر من أنها جزء من هذا الكون الهائل الذي يخاف‬
‫من هللا ويخضع لعظمته ‪ ،‬جاء ذلك صريحا في كتاب هللا اذ يقول ‪ ( :‬تسبح له السموات السبع واألرض ومن فيهن ‪ ،‬وان‬
‫من شيء اال يسبح بحمده ‪ ،‬ولكن ال تفقهون تسبيحهم ‪ ،‬انه كان حليما ً غفورا ) واذا كان كل شيء يسبح بحمد هللا ‪ ،‬وأن‬
‫اعضاء االنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من أعمال في الدنيا ‪ -‬حيث تقول اآلية الكريمة ‪ ( :‬يوم تشهد عليهم ألسنتهم‬
‫وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) فليس هذا من الغرابة في قليل أو كثير بالنسبة لقدرة هللا الذي أوجد هذا الكون من ال‬
‫شيء ‪ .‬أقول هذا لربما يقول قائل كيف يمكن للسماء أن تسمع والعضاء االنسان أن تتكلم ‪ ،‬لكننا إذا نظرنا إلى ما وصل‬
‫اليه االنسان بما منحه هللا من عقل و تفكير من قدرة على اختراع أشياء كثيرة ‪ -‬سهلت له الكثير من وسائل حياته ‪ ،‬ادرکنا‬
‫أن قدرة هللا التي جعلت السماء تسمع واالعضاء تتكلم أمرا في غاية السهولة ‪ ،‬ألم تر إلى االنسان وهو يتصارع مع جاذبية‬
‫كوكبنا األرض بوسائله العلمية لينفذ منها إلى كوكب آخر ‪ ،‬واليه وقد اخترع آلة تلتقط األصوات من جميع أنحاء الدنيا‬
‫ليسمعها االنسان في أي مكان من العالم ‪ ،‬ثم اليه وقد اخترع االجهزة الحاسبة واآلالت الحافظة للصوت والصورة ‪ ،‬وما‬
‫إلى ذلك من مخترعات عجيبة وغريبة ‪.‬‬

‫اذا كانت هذه هي قدرة االنسان المخلوق الضعيف فكيف بقدرة الخالق الذي ال يعجزه شيء في األرض وال في السماء‪.‬‬

‫قوله ‪ « :‬فاذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا هلل سجدا » أي فاذا سمع أهل السموات کالم هللا خروا سجدا هلل في‬
‫اغماء و ذهول ‪ .‬قوله « فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ‪ ،‬وهذا فيه داللة على منزلة جبريل عليه السالم عند هللا «‬
‫فيكلمه هللا من وحيه بما أراد ‪ ،‬ثم يمر جبريل على المالئكة كلما مر بسماء ‪ ،‬سأله مالئكتها ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول‬
‫جبريل قال الحق وهو العلي الكبير ‪ ،‬فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره هللا عز وجل‬
‫‪ ،‬وفي هذا داللة صريحة على أن لكل سماء حدودا تفصلها عن األخرى ‪ .‬لكن كيفية هذه الحدود ال نعرفها ‪ ،‬هلل وحده يعلم‬
‫‪ ،‬أما نحن البشر فال تعلم من أمور الغيب اال ما أخذناه عن كتاب هللا أو سنة رسوله عليه الصالة و السالم‬

‫والخالصة ‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫انه اذا كانت مالئكة الرحمن الذين ال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ‪ ،‬يرتجفون خوفا من هللا ‪ ،‬فغير هم من‬
‫البشر أولى بالخضوع أمام هللا ‪ ،‬واالعتراف له بالعبودية الخالصة ومن هنا يكون التوجه إلى غير هللا بالعبادة ألي مخلوق‬
‫مهما كانت منزلته شركا ً ال يغفره هللا ‪ -‬اال بالتوبة الصادقة واالقبال المخلص على هللا‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫باب الشفاعة‬

‫وقول هللا تعالى ( وأنذر به الذين يخافون أن بحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي وال شفيع لعلهم يتقون ) اآلية ( ‪51‬‬
‫‪ -‬األنعام ) وقوله ( قل فى الشفاعة جميعا ) اآلية ( ‪ - 44‬الزمر ) وقوله ( من ذا الذي يشفع عنده اال باذنه ) االية ( ‪2۰۰‬‬
‫‪ -‬البقرة ) وقوله ( وكم من ملك في السموات ال تغني شفاعتهم شيئا اال من بعد أن يأذن هللا لمن يشاء ويرضى) االية (‪26‬‬
‫‪ -‬النجم ) وقوله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون هللا ال يملكون مثقال ذرة في السموات وال في االرض ) اآليتين (‪،22‬‬
‫‪ - 23‬سبأ)‬

‫قال ابو العباس ‪ :‬نفي هللا عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفي أن يكون لغيره ملك أو قسط منه ‪ ،‬أو يكون عونا هلل ‪،‬‬
‫ولم يبق اآل الشفاعة فبين أنها ال تنفع اال لمن اذن له الرب كما قال ( وال يشفعون األ لمن ارتضى ) فهذه الشفاعة التي‬
‫يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن وأخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أنه « يأتي فيسجد لربه ويحمده‬
‫‪ -‬ال يبدأ بالشفاعة أوال ‪ -‬ثم يقال له ‪ :‬ارفع رأسك ‪ ،‬وقل يسمع ‪ ،‬وسل تعط ‪ ،‬واشفع تشفع »‪ .‬وقال له أبو هريرة ‪ :‬من‬
‫أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال ‪ « :‬من قال ال اله اال هللا خالصا من قلبه » فتلك الشفاعة الهل االخالص باذن هللا ‪ ،‬وال تكون‬
‫لمن أشرك باهلل ‪ ،‬وحقيقته أن هللا سبحانه هو الذي يتفضل على أهل االخالص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع‬
‫ليكرمه وينال المقام المحمود ‪ .‬فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك ‪ ،‬ولهذا أتت الشفاعة باذنه في مواضع ‪ ،‬وقد‬
‫بين النبي صلى هللا عليه وسلم أنها ال تكون اال ألهل التوحيد واالخالص انتهى كالمه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير اآليات‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬صفة الشفاعة المنفية ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬صفة الشفاعة المثبتة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ذكر الشفاعة الكبرى ‪ ،‬وهي المقام المحمود ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬صفة ما يفعله صلى هللا عليه وسلم وأنه ال يبدأ بالشفاعة بل يسجد ‪ ،‬فاذا أذن هللا له شفع ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬ما أسعد الناس بها ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬أنها ال تكون لمن أشرك باهلل‬

‫الثامنة ‪ :‬بيان حقيقتها‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان الشفاعة ما يصح منها وما ال يصح ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب خمس آيات و حديث واحد‪.‬‬

‫فاآلية األولى جاء فيها قوله تعالى ‪ ( :‬وانذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم ) أي حذر بما يوحي اليك المؤمنين‬
‫ذوي القلوب الخائفة من هللا ‪ ،‬الراجية لما عنده من ثواب عظيم ‪ ( ،‬ليس لهم من دونه ولي وال شفيع ) أي بأن ليس لهم يوم‬
‫القدوم على هللا من ولي ينفعهم وال شفيع يعول بينهم وبين عذاب هللا ‪ ( .‬لعلهم يتقون ) أي عساهم اذا علموا أن االعتماد‬
‫على االولياء و االتكال على الشفعاء ال يفيد ‪ ،‬يتوجهون إلى هللا بالعمل الصالح وااليمان الصادق ليقيهم من عذاب هللا‪.‬‬

‫واآلية الثانية مرتبطة بأية قبلها ‪ ،‬هي قوله تعالى ‪ ( :‬أم اتخذوا من دون هللا شفعاء ؟؟ قل أولو كانوا ال يملكون شيئا وال‬
‫يعقلون و قل هللا الشفاعة جميعا له ملك السموات و االرض ثم اليه ترجعون ) ( ‪ 44 ، 43‬الزمر ) قوله تعالى ‪ ( :‬أم‬

‫‪59‬‬
‫اتخذوا من دون هللا شفعاء ) أم هنا بمعنی بل ‪ ،‬أي بل اتخذ المنحرفون عن توحيد هللا آلهتهم التي يعبدونها من دون هللا ‪،‬‬
‫من أجل أن تشفع لهم عند هللا في قضاء أمورهم وهذا شرك باهلل ‪ ،‬ولذا أمر هللا رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬أن يقول لهم‬
‫( قل أولو كانوا ال يملكون شيئا وال يعقلون ) أي ولو أن اآللهة من بشر أو جماد‪.‬‬

‫ال تملك شيئا وال تعقل شيئا تعبدونها بطلبكم الشفاعة منها ‪ ،‬والشك أن عمال كهذا يدل على الجهل و عدم الفهم ‪ ،‬وحتى‬
‫يعلم أولئك المشركون أن الشفاعة كلها ملك هلل وأن أي مخلوق ال يستطيع أن يشفع اال باذن من هللا ‪ ،‬جاء قول هللا تعالى ‪:‬‬
‫( قل هلل الشفاعة جميعا ) أمر من هللا النبيه عليه السالم أن يقول ألولئك المشركين ‪ ،‬ولكل من تعلق قلبه بغير هللا في كل‬
‫زمان ومكان إن الشفاعة ال تطلب اال من هللا ‪ ،‬وأنه ليس من حق أحد أن يشفع ألحد اال بعد اذن من هللا ثم بين السبب في‬
‫أن الشفاعة كلها هلل فقال تعالى في آخر اآلية ( له ملك السموات واالرض ثم اليه ترجعون ) أي هو المالك لكل ما في‬
‫الوجود ‪ ،‬فال يستحق العبادة غيره ‪ ،‬وال يتصرف أحد في ملكه اال باذنه ‪ ،‬واليه يرجع الخلق فيجازي كال ما يستحقه ‪ ،‬أن‬
‫خيرا فخيرا وان شرا فشراً‪.‬‬

‫وتأتي اآلية الثالثة لتقرر أن ال أحد يقدر على الشفاعة األبعد اذن من هللا تعالى ‪ ،‬وذلك اذ يقول تعالى ‪ ( :‬من ذا الذي يشفع‬
‫عنده اال باذنه ) أي من ذلك الذي يتجرأ على الشفاعة األبعد اذن من هللا له بذلك ‪.‬‬

‫وفي تيئيس للمشركين ولكل من اتجه الى غير هللا في كل زمان و مكان من أن يحصلوا على فائدة من عبادة غير هللا ‪-‬‬
‫جاءت اآلية الرابعة لتقرر هذا فتقول ‪ ( :‬وكم من ملك في السموات ال تغنی شفاعتهم شيئا اال من بعد أن يأذن هللا لمن يشاء‬
‫ويرضى ) و المعني هنا ال يختلف عن معنی اآلية السابقة في الشفاعة وأنها ال تكون اال بعد اذن هللا ‪ -‬حتى المالئكة‬
‫المطهرون من اآلثام والمعاصي ال يتجرأون على الشفاعة اال بعد اذن هللا لهم بذلك ‪ ،‬فاذا كان هذا هو الحال بالنسبة‬
‫للمالئكة المقربين عند هللا تعالى ‪ ،‬فغير هم أولى بعدم القدرة على الشفاعة اال بعد اذن من هللا ‪ ،‬ومن هنا يتضح أن أولئك‬
‫الذين يطلبون الشفاعة من مخلوقين فارقوا الحياة ‪ ،‬أو جمادات ال تسمع انما يسببون ألنفسهم البعد من هللا ‪ ،‬أدركوا ذلك أم‬
‫لم يدركوه‬

‫أما اآلية الخامسة فقد تقدم الكالم عليها في الباب السابق لهذا الباب وكالم شيخ االسالم ابن تيمية رحمه هللا تقدم معناه في‬
‫اآليات السابقة في الباب ايضا‪.‬‬

‫وفي نهاية الباب يأتي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه وفيه انه لما سأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن من أسعد الناس‬
‫بشفاعته قال عليه الصالة والسالم ‪ « :‬من قال ‪ :‬ال اله اال هللا خالصا من قلبه » وهذا الحديث فيه داللة على أن شفاعة‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ال تكون األ للموحدين المخلصين من قلوبهم ‪ ،‬وبهذا المعنى جاء الحديث في‬

‫صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل‬
‫نبي دعوته ‪ ،‬واني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي يوم القيامة فهي نائلة ان شاء هللا من مات ال يشرك باهلل شيئا)‪.‬‬

‫والخالصة أن الشفاعه نوعان ‪:‬‬

‫النوع األول ‪:‬‬

‫شفاعة نفاها القرآن الكريم وأخبر أنها ال تقبل وهي الشفاعة للكفار والمشركين كما جاء ذلك في قوله تعالى ‪ ( :‬فما تنفعهم‬
‫شفاعة الشافعين ) وقوله تعالى ‪ ( :‬والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم اال ليقربونا إلى هللا زلفي ان هللا يحكم بينهم‬
‫فيما هم فيه يختلفون ‪ ،‬أن هللا ال يهدي من هو كاذب کفار ) وفي هذا ابطال لكل شفاعة تطلب من غير هللا فالذين يتجهون‬
‫إلى األرض يدعون من توارى تحتها من أنبياء أو أولياء ‪ ،‬أو صالحين أو غيرهم من المخلوقين ‪ ،‬يدعونهم ويتوكلون‬
‫عليهم انما يبعدون أنفسهم عن هللا بشركهم في العبادة ‪ ،‬ألن طلب الشفاعة من هللا عبادة و طلبها من غيره شرك ‪.‬‬

‫النوع الثاني‪:‬‬

‫شفاعة أثبتها القرآن الكريم وهي الشفاعة للموحدين ‪ ،‬وال تحصل هذه الشفاعة اال بشرطين ‪.‬‬

‫األول ‪ :‬اذن هللا للشافع بالشفاعة كما قال هللا تعالى ‪ ( :‬من ذا الذي يشفع عنده األباذنه )‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬رضاه عن المشفوع له بالشفاعة كما قال تعالى ( وال يشفعون‪ .‬اال لمن ارتضى ) وهو سبحانه وتعالى ال يرضى‬
‫اال عن الذين اخلصوا العبادة له وحده‬

‫‪6۰‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( انك ال تهدي من أحببت ) اآلية ( ‪- 56‬‬
‫القصص )‬

‫في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال ‪ :‬لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وعنده عبد‬
‫هللا بن أبي أمية وأبو جهل ‪ ،‬فقال له يا عم‪ ،‬قل ال اله اال هللا كلمة أحاج لك بها عند هللا فقاال له ‪ :‬أترغب عن ملة عبد‬
‫المطلب ؟ فأعاد عليه النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأعادا ‪ ،‬فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب ‪ ،‬وأبي أن يقول ال‬
‫اله اال هللا ‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم «ال ستغفرن لك ما لم أنه عنك » فأنزل هللا عز وجل ( ما كان للنبي والذين‬
‫آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) ‪ ،‬وأنزل في أبي طالب ( انك ال تهدي من احبت ولكن هللا يهدي من يشاء )‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير قوله ( انك ال تهدي من احببت ولكن هللا يهدي من يشاء )‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير قوله ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين )‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬وهي المسألة الكبرى تفسير قوله ( قل ال اله اال هللا ) بخالف ما عليه من يدعي العلم ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي صلى هللا عليه وسلم اذا قال للرجل «قل ال اله اال هللا ‪ ،‬فقبح هللا من‬
‫ابو جهل أعلم منه بأهل االسالم‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬جده صلى هللا عليه و سلم و مبالغته في إسالم عمه ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬الرد على من زعم اسالم عبد المطلب و اسالفه ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬كونه صلى هللا عليه وسلم استغفر له فلم يغفر له ‪ ،‬بل نهي عن ذلك‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬مضرة أصحاب السوء على االنسان‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬مضرة تعظيم االسالف واألكابر ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬الشبهة للمبطلين في ذلك االستدالل أبي جهل بذلك ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬الشاهد لكون األعمال بالخواتيم ‪ ،‬ألنه لو قالها لنفعته ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين ‪ ،‬ألن في القصة أنهم لم يجادلوه اال بها مع مبالغته صلى هللا‬
‫عليه وسلم وتکريره ‪ -‬فألجل عظمتها ووضوحها عندهم اقتصروا عليها‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المصلح الكبير رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان أن الرسول عليه الصالة والسالم ال يملك هداية التوفيق ‪ ،‬وشرح‬
‫الصدر لأليمان ‪ ،‬وانما الذي يملك ذلك هللا سبحانه وتعالى كما ورد ذلك في كتابه العزيز ‪ ( :‬فمن يرد هللا أن يهديه يشرح‬
‫صدره لألسالم ‪ ،‬ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) وانما الذي يملكه عليه الصالة‬
‫والسالم هداية الدعوة واالرشاد ‪ ،‬كما قال هللا تعالى ( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم )‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وحديث واحد‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فاآلية الكريمة ‪ -‬جاء فيها قوله تعالى ‪ ( :‬انك ال تهدي من أحبت ولكن هللا يهدي من يشاء ) أي انك ال تقدر على هداية من‬
‫أحببت ‪ ،‬وانما عليك البالغ ‪ ،‬وهللا يهدي من يشاء وله الحكمة البالغة ‪ ،‬وبهذا المعنى جاءت هذه اآلية من كتاب هللا تعالى ‪:‬‬
‫( ليس عليك هداهم ولكن هللا يهدي من يشاء ) وقوله تعالى ‪ ( :‬وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) و الهداية المنفية‬
‫هنا عن النبي صلى هللا عليه وسلم هي هداية التوفيق والقبول ‪ ،‬وقوله تعالى ( وهو أعلم بالمهتدين ) أي هو أعلم بمن لديه‬
‫االستعداد للهداية ‪ ،‬ومن طبعه االنكار والجحود والعناد ‪.‬‬

‫وبعد هذه اآلية من كتاب هللا يأتي حديث ابن المسيب وفيه يحكي قصة الرسول عليه السالم مع عمه ابي طالب حينما‬
‫حضرته الوفاة فيقول ‪ :‬لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعنده عبد هللا بن أبي أمية و ابو‬
‫جهل فقال له « يا عم قل ال اله اال هللا كلمة أحاج لك بها عند هللا ‪ ،‬أي اعترف هلل بالوحدانية ‪ ،‬أجد وسيلة أطلب بها لك‬
‫منزلة رفيعة عند هللا ‪ ،‬لكن أبا طالب وهو رجل ذو مكانة في قومه لم يستطع أن يعرض نفسه لالهانة ‪ ،‬ومركزه لالنهيار‬
‫ألنه يدرك تماما أن كلمة ( ال اله اال هللا ) تعني البراءة من الشرك ‪ ،‬واالتجاه الى هللا بالقلب واللسان والجوارح ‪ ،‬وهذا‬
‫معناه التنكر لما عليه‪.‬قومه من عبادة لالوثان‪.‬‬

‫وبتأثير من جلساء السوء عبد هللا بن أبي أمية ‪ ،‬وأبي جهل حين قاال له في استفهام يشبه التحذير «أترغب عن ملة عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬أي أتترك دين آبائك وأجدادك ‪ -‬أجاب ابو طالب رسول هللا عليه السالم بقوله ‪ « :‬لوال أن تعيرني قريش ‪،‬‬
‫يقولون ما حمله على ذلك اال جزعه من الموت ‪ -‬ألقررت بها عينك ‪ ،‬ومع حرص الرسول عليه الصالة والسالم على‬
‫إسالم عمه فقد فارق ابو طالب الدنيا دون أن يدخل في االسالم ‪ ،‬ولعل في ذلك حكمة ‪ ،‬هي أن يؤكد الخالق العظيم للناس‬
‫جميعا أن هداية التوفيق وشرح الصدر لالسالم هللا وحده ‪ ،‬قوله ‪ « :‬فاعاد عليه النبي صلى هللا عليه وسلم فأعادا » أي‬
‫فأعاد عليه السالم الدعوة للدخول في اإلسالم ‪ ،‬فاعادا تذكيره بأن هذا يتنافى مع ملة عبد المطلب ‪ ،‬التي هي الشرك باهلل‬
‫في العبادة قوله ‪ « :‬فكان آخر ما قال ‪ :‬هو على ملة عبد المطلب ‪ ،‬أي سيبقى على ما كان عليه آباؤه ‪ -‬قوله ‪ :‬واي آن‬
‫يقول «ال اله اال هللا » وفي هذا تأكيد من راوي الحديث بأن أبا طالب قد بقي على دين عبد المطلب ‪ ،‬وفي هذا رد على‬
‫من زعم أن أبا طالب دخل في االسالم ‪.‬‬

‫قوله ‪ :‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬ال ستغفرن لك ما لم أنه عنك ‪ ،‬أي ال طلبن لك المغفرة ما لم يهني هللا عن ذلك) ‪،‬‬
‫وقد وقع ما كان يتوقعه عليه السالم من عدم السماح له باالستغفار لعمه ‪ ،‬فقد أنزل هللا عز وجل في ذلك قوله تعالى ‪ ( :‬ما‬
‫كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربي ) كما أنزل فيه أيضا قوله تعالى ( إنك ال تهدي من‬
‫أحببت ولكن هللا يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين )‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫باب ما جاء أن سبب کفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في‬
‫الصالحين‬
‫وقول هللا عز وجل ( يا أهل الكتاب ال تغلوا في دينكم وال تقولوا على هللا اال الحق ) ( ‪ - 171‬النساء ) وفي الصحيح عن‬
‫ابن عباس رضي هللا عنهما في قول هللا تعالى ( وقالوا ال تذرن آلهتكم وال تذرن ودا وال سواعا وال يغوث ويعوق ونسرا )‬
‫اآلية ( ‪ - 23‬نوح ) قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ‪ ،‬فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى‬
‫مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ‪ ،‬ولم تعبد حتى اذا هلك أولئك و نسي العلم عبدت ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم ‪ :‬قال غير واحد من السلف ‪ :‬لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ‪ ،‬ثم طال عليهم االمد‬
‫فعبدوهم ‪.‬‬

‫وعن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال «ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ‪ ،‬انما أنا عبد فقولوا ‪ :‬عبد‬
‫هللا ورسوله » اخرجاه ‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( اياکم والغلو ‪ ،‬فانما أهلك من كان قبلكم الغلو ) ولمسلم عن ابن مسعود رضي‬
‫هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪( :‬هلك المتنطعون ) قالها ثالثا‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة االسالم ورأى من قدرة هللا و تقليبه للقلوب العجب‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬معرفة أن أول شرك حدث على وجه األرض أنه بشبهة الصالحين ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أنه أول شيء غير به دين االنبياء وما سبب ذلك مع معرفة أن هللا أرسلهم ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل‪.‬‬

‫فاألول ‪ :‬محبة الصالحين‬

‫والثاني ‪ :‬فعل أناس من أهل العلم والدين شيئا أرادوا به خيرا فظن من بعدهم أنهم ارادوا به غيره‬

‫السادسة ‪ :‬تفسير اآلية التي في سورة نوح ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬جبلة اآلدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬أن فيه شاهدا لما نقل عن السلف أن البدعة سبب الكفر ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬معرفة الشيطان بما تؤول اليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬معرفة القاعدة الكلية وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول اليه ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬مضرة العكوف على القبر ألجل عمل صالح‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬معرفة النهي عن التماثيل والحكمة من ازالتها ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬معرفة عظم شأن هذه القصة وشدة الحاجة اليها مع الغفلة عنها ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الرابعة عشرة ‪ :‬وهي اعجب واعجب قرائتهم إياها في كتب التفسير والحديث ومعرفتهم بمعنى الكالم وكون هللا حال‬
‫بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح هو أفضل العبادات ‪ ،‬واعتقدوا أن ما نهى هللا رسوله عنه فهو الكفر‬
‫المبيح للدم و المال ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬التصريح بأنهم لم يريدوا اال الشفاعة ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور ارادوا ذلك ‪.‬‬

‫السابعة عشرة ‪ :‬البيان العظيم في قوله «ال تطروني» الخ فصلوات هللا وسالمه على من بلغ البالغ المبين ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬نصيحته إيانا بهالك المتنطعين ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬التصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم ‪ ،‬ففيها بيان معرفة قدر وجوده و مضرة فقده‬

‫العشرون ‪ :‬أن سبب فقد العلم موت العلماء ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان أن الغلو في المخلوقين يؤدي في النهاية إلى الشرك باهلل‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية واحدة واربعة أحاديث‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة جاء فيها قوله تعالى ( يا أهل الكتاب ال تغلو في دينكم وال تقولوا على هللا اال الحق ) أي ال تتجاوزوا الحد‬
‫في التعظيم ‪ ،‬والخطاب هنا وان كان موجها ألهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) اال أنه يشمل جميع البشر في النهي عن‬
‫االرتفاع بالمخلوق عن منزلة العبودية إلى مقام األلوهية ‪ ،‬كما فعل ذلك النصارى في تعظيمهم لعيسى عليه الصالة‬
‫والسالم الى درجة العبادة ‪ ،‬وكما يفعله الكثير من الجهال من تجاوز للحد في تعظيم األنبياء واألولياء والصالحين مما أدى‬
‫بالكثير منهم إلى الخروج عن دائرة التوحيد الى منحدر الشرك الذي هو أعظم الذنوب جرما عند هللا‪.‬‬

‫بعد هذه اآلية من كتاب هللا يأتي الحديث األول بهذا الباب ‪ ،‬وهو حديث ابن عباس رضي هللا عنه الذي يحكي فيه قصة‬
‫األصنام ‪ ،‬ود ‪ ،‬وسواعا ‪ ،‬ويغوث ‪ ،‬ويعوق ‪ ،‬ونسرا ‪ ،‬بأنها كانت اسماء الرجال صالحين من قوم نوح ‪ ،‬ولمعرفة‬
‫الشيطان بحب الناس في عهد نوح عليه السالم لهؤالء الرجال الصالحين ‪ ،‬وإلدراکه بما يؤول اليه الغلو من مفاسد كبيرة ‪،‬‬
‫أوحى الى أتباعهم الذين يقتدون بهم ‪ ،‬بعد أن ماتوا أن يجعلوا لهم تماثيل على صورهم ‪ ،‬ويضعوها في مجالسهم ‪،‬‬
‫ويسموها بأسمائهم لكي يتمثلوهم فيكون ذلك أدعى إلى االقتداء بهم في العبادة ‪ ،‬وفعلوا ذلك عن حسن نية ‪ ،‬ولم تعبد هذه‬
‫االصنام حتى مات أولئك الذين صوروا تلك األصنام وفشا الجهل في الناس ‪ .‬فجاء أبليس وقد تهيأت نفوس الناس لتقبل‬
‫الخرافة بسبب الجهل ‪ ،‬فقال لهم ‪ ،‬أن من كان قبلكم كانوا يعبدونهم ‪ ،‬ويستسقون بهم المطر ‪ ،‬وبهذا زين لهم عبادة األصنام‬
‫‪ ،‬فوقعوا في الشرك بسبب الغلو في محبة الصالحين ‪ ،‬وكان هذا أول شرك حدث في األرض ‪ ،‬وعن طريق غواية‬
‫الشيطان ومالحقته لالنسان ليبقى دائما في متاهات الضالل والبعد عن هللا ‪ ،‬انتقلت هذه االصنام الى العرب فيما بعد‬

‫فكان رد ‪ :‬لكلب‬

‫وسواع ‪ :‬لهذيل‬

‫ويغوث ‪ :‬لغطيف بالجرف عند سبأ ‪.‬‬

‫ويعوق ‪ :‬لهمدان‬

‫ونسر ‪ :‬لحمير آل ذي الكالع ‪.‬‬

‫وسرت عدوى الغلو في المخلوقين في البالد االسالمية كلها إلى أن انقلب األمر إلى عبادة من دون هللا ‪ .،‬ففي نجد‬
‫والحجاز كانت هناك أصنام وأوثان يقصدها الناس لطلب الشفاعة ‪ ،‬وجلب الرخاء إلى أن جاء داعية التوحيد الشيخ ابن‬

‫‪64‬‬
‫عبد الوهاب رحمه هللا فقضى على كل مظاهر الوثنية في هذه البالد ‪ .‬وفي مصر ما يزال الناس حتى اليوم يطوفون حول‬
‫قبر أحمد البدوي وغيره داعين مبتهلين ومقدمين له النذور من دون هللا وفي العراق هناك حيث يتجه الجهال إلى مشهد‬
‫علي والحسين وعبد القادر الجيالني وغيرهم من البشر طالبين منه في تذلل و خشوع ‪ -‬الشفاعة ‪ ،‬وجلب السعادة ‪ .‬وما من‬
‫بلد اسالمي اال ويوجد فيه قبر أو مشهد ‪ ،‬أو صنم أو طاغوت ‪ ،‬يضج حوله الجهال ملتمسين منه الخير والبركة ‪ ،‬وهو‬
‫عمل ال يرضى عنه هللا ‪ ،‬النه ليس من االسالم في شيء ‪ ،‬وكل هذا سببه مجاوزة الحد في تعظيم المخلوقين ‪ ،‬ببناء القباب‬
‫على القبور وزخرفتها وإنارتها بالشموع وغيرها ‪ ،‬وأحاطتها بهالة من القداسة والتعظيم ‪ ،‬الشيء الذي أدى بالناس في‬
‫النهاية إلى الوقوع في الشرك باهلل تعالى ‪.‬‬

‫الحديث الثاني في الباب هو حديث عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم نهي عن تجاوز‬
‫الحد في مدحه تواضعا منه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وخوفا من أن يتطور األمر إلى رفعه إلى منزلة ال تليق بالمخلوق ‪ :‬اذ‬
‫قال عليه السالم ‪( :‬ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) ‪» .‬‬

‫قوله ‪« :‬ال تطروني » أي ال تمدحوني بالباطل وال تتجاوزوا الحد في مدحي ولذا ورد في حديث عنه عليه السالم جاء فيه‬
‫« أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم وال يستهوينكم الشيطان ‪ -‬أنا محمد ابن عبد هللا ما أحب أن ترفعوني فوق‬
‫منزلتي التي أنزلني هللا عز وجل» ومع نهيه عليه السالم فقد تجاوز كثير من المسلمين الحد في مدحه ونسبوا اليه بعض‬
‫ما هو من خصائص هللا تعالى ‪ :‬فقد زعم أصحاب الخرافة الجهلة بدين هللا ‪ ،‬أنه عليه الصالة والسالم يعلم مفاتيح الغيب‬
‫التي ال يعلمها اال هللا ‪ ،‬كما ورد ذلك في قول هللا تعالى ‪ ( :‬وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها اال هو ‪ ،‬ويعلم ما في البر والبحر‬
‫وما تسقط من ورقة اال يعلمها وال حبة في ظلمات األرض وال رطب وال يابس اال في كتاب مبين ) لكن النبي عليه السالم‬
‫نفي عن نفسه هذا الزعم في تلك اآلية الكريمة من سورة األعراف ‪ ( :‬قل ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا اال ما شاء هللا ‪،‬‬
‫ولو كنت أعلم الغيب الستكثرت من الخير وما مسني السوء ) وشبيه بهذا ما يدعيه الدجالون من أصحاب الطرق الصوفية‬
‫وغيرهم من أن النبي صلى هللا عليه وسلم يحضر مجالس الذكر التي يعقدونها بمناسبة مولد الرسول عليه السالم أو غير‬
‫ذلك من الموالد البدعية التي استحدثها الجهال وأعداء االسالم ‪ ،‬ليشوهوا حقيقة دين هللا بمثل هذه الخرافات التي ال تقوم‬
‫على دليل من شريعة رب العالمين ‪.‬‬

‫قوله ( كما أطرت النصارى ابن مريم ) أي تتعدوا الحدود في ا رفعي الى منزلة فوق التي منحني هللا إياها فتقعوا فيما وقع‬
‫فيه النصارى من كفر باهلل بسبب تجاوزهم الحد في تعظيمهم لنبي هللا عيسى عليه الصالة و السالم الذي آل بهم إلى أن‬
‫يرفعوه من منزلة العبودية إلى مقام اإلله المعبود كما جاء ذلك في كتاب هللا ‪ ( :‬لقد كفر الذين قالوا ان هللا هو المسيح بن‬
‫مريم )‪.‬‬

‫وحتى ال تقع أمة االسالم فيما وقع فيه النصارى من كفر باهلل بسبب مجاوزة الحد في التعظيم نهى الرسول عليه السالم‬
‫عن مجاوزة الحد في المدح ‪ .‬وحتى يقيم الحجة على كل من أراد أن يتجاوز الحد في تعظيمه قال عليه السالم ‪« :‬انما أنا‬
‫عبد ‪ .‬فقولوا ‪ :‬عبد هللا و رسوله » أي ال توغلوا في مدحي ‪ ،‬فانما أنا عبد من عباد هللا ‪ ،‬ورسول من أرسله ‪ ،‬الذين‬
‫أرسلهم إلى البشر ليخرجوهم من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق جل جالله والرسول عليه الصالة والسالم حينما قال ‪:‬‬
‫«انما أنا عبد » يشير بذلك إلى أمرين‪.‬‬

‫األول ‪ :‬اعتزازه بعبوديته هلل تعالى واعترافه بأن المخلوق مهما كانت منزلته عالية عند هللا فانه ال يخرج عن كونه عبد هللا‬
‫‪ ،‬ولهذا السبب صار من يتجه بأي نوع من أنواع العبادة للمالئكة أو االنبياء أو األولياء أو الصالحين مشركا مع هللا في‬
‫عبادته ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أنه رسول من عند هللا للبشرية كافة وكل األنبياء من أولهم نوح عليه السالم إلى آخرهم محمد عليه السالم ‪ ،‬كان‬
‫أول شيء يدعون الناس اليه عبادة هللا وحده ‪ ،‬وترك عبادة المخلوقين ‪ ،‬وما كان لنبي أن يرضى بصرف ما هو حق من‬
‫حقوق هللا ألي مخلوق في األرض وال في السماء ‪.‬‬

‫وتعظيم الرسول عليه السالم وحبه ‪ ،‬وال يكون اال باالهتداء بهديه والسير على طريقته ‪ ،‬كما جاء في قول هللا تعالى ‪ ( :‬قل‬
‫ان کنتم تحبون هللا فاتبعوني يحببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم)‪.‬‬

‫أما الغلو فيه بصرف أي نوع من أنواع العبادة له فأمر يخالف شرع هللا و دينه‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الحديث الرابع في هذا الباب هو ما جاء فيه هي الرسول عليه السالم عن الغلو ‪ ،‬واخباره بأنه كان سببا في اهالك أمم‬
‫سابقة ‪ ،‬وهذا دليل على العواقب السيئة التي تنتج عن الغلو في جميع األعمال قلبية كانت أو جسمية ‪.‬‬

‫وآخر حديث هو حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وفيه اخبار الرسول عليه السالم بخطورة التنطع ألنه نوع من الغلو ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ابو السعادات ‪ :‬المتنطعون هم المتعمقون الغالون في الكالم ‪ ،‬المتكلمون من أقصى حلوقهم ‪ ،‬مأخوذ من النطع ‪،‬‬
‫وهو الغار األعلى من الفم ‪ ،‬ثم استعمل في كل متعمق قوال وفعال ‪ ،‬ومن أمثلة التنطع االمتناع عن الزواج ابتعادا عن‬
‫االستمتاع بمالذ الحياة ‪ ،‬ولبس الخشن من الثياب بدال من لبس الثياب األنيقة الناعمة ‪ ،‬والتضييق على الناس في أشياء‬
‫مختلف عليها بين علماء الشريعة ‪ ،‬والحكم على األشياء تحليال أو تحريما دونما دليل واضح من شريعة هللا ‪ ،‬ولخطورة‬
‫تكلف األمور بترك ما أباحه هللا لعباده ‪ ،‬قال عليه السالم ‪ « :‬هلك المتنطعون ‪ ،‬قالها ثالثا » أي قال هلك المتنطعون ‪،‬‬
‫هلك المتنطعون ‪ -‬هلك المتنطعون ‪ ،‬وتكريره عليه السالم ‪ ،‬الكالم ثالث مرات دليل على أهميته ‪ ،‬وعلى ما يترتب على‬
‫التنطع من نتائج سيئة ال على االنسان المتنطع فحسب ‪ ،‬وانما ايضا على االسالم نفسه الذي يظهر بسبب هذا الغلو بمظهر‬
‫المتناقض أحيانا ‪ ،‬والحائل بين الناس وبين التمتع بالمباح من مباهج الحياة مرة أخرى ‪ ،‬وهو بريء من هذا وذاك بدليل‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قل من حرم زينة هللا التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) وقوله تعالى ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند‬
‫كل مسجد وكلوا واشربوا وال تسرفوا انه ال يحب المسرفين )‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬أن الغلو في الدين أمر مذموم ‪ ،‬حذر عنه الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬بقوله ‪ :‬إن هذا الدين يسر ولن يشاد‬
‫الدين أحد األ غلبه فسددوا وقاربوا ‪ ،‬وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ‪ -‬كما روى ذلك البخاري في‬
‫صحيحه عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫باب ( ما جاء من التغليظ فيمن عبد هللا عند قبر رجل صالح‬
‫فكيف اذا عبده )‬

‫في الصحيح عن عائشة رضي هللا عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة‬
‫وما فيها من الصور فقال ( أولئك اذا مات فيهم الرجل الصالح ‪ -‬أو العبد الصالح ‪ -‬بنوا على قبره مسجدا ‪ ،‬وصوروا فيه‬
‫تلك الصور ‪ ،‬أولئك شرار الخلق عند هللا ‪ ،‬فهؤالء جمعوا بين فتنتين فتنة القبور وفتنة التماثيل )‪.‬‬

‫ولهما عنها قالت ‪ :‬لما نزل برسول هللا صلى هللا عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم بها كشفها ‪ ،‬فقال‬
‫وهو كذلك ( لعنة هللا على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا ولوال ذلك أبرز قبره ‪ ،‬غير‬
‫أنه خشي أن يتخذ مسجدا ‪ .‬أخرجاه‬

‫ولمسلم عن جندب بن عبد هللا قال ‪ :‬سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول ( اني ابرأ إلى هللا‬
‫أن يكون لي منكم خليل ‪ ،‬فان هللا قد اتخذني خليال كما اتخذ ابراهيم خليال ‪ ،‬ولو كنت متخذا من أمتي خليال التخذت أبا‬
‫بكر خليال ‪ ،‬اال وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ‪ ،‬اال فال تتخذوا القبور مساجد ‪ -‬فاني أنهاكم عن‬
‫ذلك) ‪ ،‬فقد نهى عنه في آخر حياته ثم انه لعن ‪ -‬وهو في السباق ‪ -‬من فعله ‪ .‬والصالة عندها من ذلك ‪ ،‬وان لم بين مسجد‬
‫‪ ،‬وهو معنى قولها خشي أن يتخذ مسجدا ‪ -‬فان الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا ‪ ،‬وكل موضع قصدت الصالة‬
‫فيه فقد اتخذ مسجدا ‪ ،‬بل كل موضع يصلي فيه يسمی مسجدا ‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه و سلم ‪ .‬جعلت لي األرض مسجدا‬
‫وطهورا ‪.‬‬

‫وألحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي هللا عنه مرفوعا «آن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ‪ ،‬والذين‬
‫يتخذون القبور مساجد » ورواه ابو حاتم في صحيحه ‪.‬‬

‫فيه مسائل‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬ما ذكر الرسول فيمن بنى مسجدا يعبد هللا فيه عند قبر رجل صالح ‪ ،‬ولو صحت نية الفاعل‬

‫الثانية ‪ :‬النهي عن التماثيل وغلظ االمر في ذلك‬

‫الثالثة ‪ :‬العبرة في مبالغته صلى هللا عليه وسلم في ذلك كيف بين لهم هذا اوال ‪ ،‬ثم قبل موته بخمس قال ما قال ‪ ،‬ثم لما‬
‫كان النزع لم يكتف بما تقدم ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬انه من سنن اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬لعنه إياهم على ذلك ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬آن مراده صلى هللا عليه وسلم تحذيره إيانا عن قبره‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬العلة في عدم ابر از قبره ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬في معنى اتخاذه مسجدا ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬انه قرن بين من اتخذها مسجدا ‪ ،‬وبين من تقوم عليه الساعة ‪ ،‬فذكر الذريعة إلى الشرك قبل وقوعه مع خاتمته‬
‫‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الحادية عشرة ‪ :‬ذكره في خطبته قبل موته بخمس الرد على الطائفتين اللتين هما شر أهل البدع ‪ .‬بل اخرجهم بعض‬
‫السلف من الثنتين والسبعين فرقة‪ .‬وهم الرافضة ‪ ،‬والجهمية ‪ ،‬و بسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور ‪ ،‬وهم أول‬
‫من بني عليها المساجد ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬ما بلي به صلى هللا عليه وسلم من شدة النز ع ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬ما أكرم به من الخلة ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬التصريح بأنها أعلى المحبة ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬التصريح بأن الصديق ‪ ،‬أفضل الصحابة ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬االشارة الى خالفته ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ المجدد رحمة هللا عليه ‪ ،‬من هذا الباب االبتعاد عن كل وسيلة قد تؤدي إلى أي نوع من أنواع الشرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربعة أحاديث ‪.‬‬

‫عنها للرسول صلى هللا عليه وسلم بأنها لما هاجرت مع زوجها أبي سلمه إلى الحبشة‬ ‫أولها حديث أم سلمة رضي هللا‪14‬‬
‫بعد اضطهاد مرير من المشركين ‪ ،‬رأت هناك كنيسة فيها تصاوير ‪ ،‬فقال لها الرسول عليه الصالة والسالم ‪ :‬مخبرا لها‬
‫عن دافع أولئك الناس ‪ ،‬بأنهم اذا مات فيهم الرجل الصالح ‪ ،‬أو العبد الصالح ‪ :‬بنوا على قبره مسجدا ‪ -‬يعني مكانا للعبادة ‪،‬‬
‫وصوروا فيه تلك الصور التي رأتها أم سلمة ثم وضح عليه السالم أن عمال كهذا ضالل وبعد عن هللا اذ قال عليه السالم ‪:‬‬
‫أولئك شرار الخلق عند هللا ‪ ،‬أي أولئك الذين يعملون هذا العمل هم شرار الخلق عند هللا ‪ ،‬لما سنوه من سنة سيئة أدت بمن‬
‫جاء من بعدهم إلى عبادة غير هللا ‪ ،‬وفي هذا دليل على تحريم بناء المساجد على القبور‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬فهؤالء جمعوا بين فتنتين ‪ :‬فتنة القبور ‪ ،‬وفتنة التماثيل )‪.‬‬

‫هذا الكالم الشيخ االسالم ابن تيمية رحمه هللا ‪ ،‬وقد أورده الشيخ محمد رحمه هللا للتنبيه على ما وقع فيه الجهال من‬
‫االفتتان بالقبور و التماثيل‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬حديث عائشة وفيه تخبر رضي هللا عنها بأن الرسول صلى هللا عليه و سلم‬

‫عندما ظهرت عليه عالمات الوفاة وحان التحاقه بالرفيق األعلى ‪ ،‬جعل يضع كساءا له على وجهه ‪ ،‬فاذا غطي به وجهه‬
‫أزاله عنه فقال وهو كذلك ‪« :‬لعنة هللا على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدا ‪ ،‬أي أبعد هللا اليهود والنصارى‬
‫وطردهم من رحمته ‪ ،‬بسبب جعلهم قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬ومعنى هذا أن كل من فعل مثل فعل اليهود والنصارى فقد‬
‫استحق االبعاد من رحمة هللا ‪ ،‬وكلمة «يحذر ما صنعوا » ليست من قول النبي صلى هللا عليه وسلم فيما يظهر ‪ ،‬وانما‬
‫هي من كالم عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬ومعنى يحذر ما صنعوا ‪ ،‬يعني أن النبي صلى هللا عليه وسلم بهذا الكالم يحذر أمته‬
‫أن تفعل كما فعل اليهود والنصارى من اتخاذ القبور مساجد فيكون ذلك سببا في عبادة القبور ‪ ،‬قوله ‪ ( :‬ولوال ذلك أبرز‬
‫قبره‪ ،‬غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ) يعني لوال الخوف من اتخاذ قبره مسجدا لجعل بارزا في البقيع ‪ ،‬مع قبور الصحابة‬
‫رضي هللا عنهم ‪ ،‬لكنه أمر أن يدفن في المكان الذي توفي فيه ‪ ،‬وقيل أن الصحابة رضي هللا عنهم هم الذين خشوا فيما لو‬
‫أبرز قبره أن يغلو فيه الناس فبقي في مكانه الذي توفي فيه ‪.‬‬

‫أب أمية بن المغية بن عبد هللا بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫(‪ )1‬أم سلمة ‪ :‬أسمها هند بنت ي‬
‫أب سلمة سنة أرب ع من الهجرة‬
‫تزوجها الرسول عليه الصالة والسالم بعد ي‬
‫(‪ )2‬الكنيسه ‪ :‬مكان العبادة لدى النصاری‬
‫‪68‬‬
‫الثالث ‪ :‬حديث جندب بن عبد هللا وفيه يقول ‪ :‬أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪« :‬إني أبرأ إلى هللا أن يكون‬
‫لي منكم خليل » أي اني أعلن في عزم وتصميم بأني أمتنع عما ال يجوز لي فعله من اتخاذ أحد تتجاوز مودته في قلبي‬
‫مكانة الحب الى مقام الخلة ‪ -‬التي هي نهاية الحب ‪.‬‬

‫ألن الحب الذي يملك على االنسان مشاعره وأحاسيسه ‪ ،‬ويطغى على عقله وفكره ‪ ،‬ينبغي أال يكون اال هللا ‪ .‬صاحب‬
‫الفضل واالحسان ‪ ،‬وقوله ( فان هللا قد اتخذني خليال كما اتخذ ابراهيم خليال) ‪ ،‬بمعنى أن هللا جلت قدرته منحه المكانة‬
‫الرفيعة من حبه ‪ -‬كما منحها البراهيم عليه السالم ‪ -‬لذا وألن قلبه عليه الصالة و السالم قد امتأل بحب هللا وتعظيمه ‪ ،‬لم‬
‫يتخذ له خليال من البشر‪ ،‬وقال ‪ « :‬لو كنت متخذا من أمتي خليال التخذت أبا بكر خليال » أي لو كان في نيتي أن أجعل‬
‫لي خليال من البشر لكان أبا بكر ‪ ،‬وفي هذا داللة على ما يحتله أبو بكر من مكانة رفيعة في نفس رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كما أن فيه اشارة إلى أولويته بالخالفة ‪ ،‬واستخالفه عليه الصالة والسالم له في الصالة بالناس في مرض موته‬
‫يؤيد أنه أحق بالخالفة من غيره ‪ .‬ولذا انتخبه الصحابة للخالفة ‪ ،‬فكان أول خليفة لرسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬اال وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬اال فال تتخذوا القبور مساجد ‪ ،‬فإني أنهاكم عن ذلك )‪.‬‬

‫في هذا المقطع من الحديث خبر ‪ ،‬ونهي ‪.‬‬

‫الخبر ‪ :‬انه عليه السالم أخبر أن اليهود والنصارى كانوا يصلون هلل في مدافن أنبيائهم ‪ ،‬ويتوجهون بالصالة إلى قبورهم‬
‫‪.‬‬

‫والنبي ‪ :‬أنه بعد أن أمر اال يتخذ المسلمون القبور مساجد قال ‪ ( :‬فاني أنهاكم عن ذلك ‪ ،‬أي أنهاكم أن تفعلوا كما فعل من‬
‫كان قبلكم ممن جعل القبور مساجد) ‪ .‬قوله ‪ :‬فقد نهى عنه في آخر حياته إلى آخر الحديث كلمة من كالم شيخ االسالم ابن‬
‫تيمية رحمه هللا ‪ ،‬وال شك أن نهيه عليه السالم عن الصالة عند القبور ‪ ،‬وان كانت الصالة هلل ‪ ،‬و لعنه من فعل ذلك ‪ ،‬كان‬
‫المقصود منه ابعاد المسلم عن كل وسيلة يمكن أن تؤدي إلى أي نوع من أنواع الشرك مع هللا في عبادته‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬حديث ابن مسعود رضي هللا عنه الذي جاء فيه قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬أن من شرار الناس من‬
‫تدركهم الساعة وهم أحياء ‪ ،‬والذين يتخذون القبور مساجد )‪.‬‬

‫ويتضمن هذا الحديث أمرين‪.‬‬

‫األول ‪ :‬أن تغييرات فكرية و خلقية ستحصل في المجتمع البشري ‪ ،‬بنحرف معها االنسان عن طريق هللا الذي أنزل به‬
‫كتبه ‪ ،‬وأرسل به رسله ‪ .‬ولقد وقع هذا كما أخبر عليه السالم ‪ ،‬فالمجتمع العالمي اآلن يتجه إلى منحدر رهيب من التفسخ‬
‫واالنحالل ‪ ،‬و انکار أن يكون لهذا الكون خالق أوجده من العدم ‪.‬‬

‫ومعنى هذا أن وقتا سيأتي تتنكر فيه أغلب المجتمعات البشرية لكل القيم واألخالق ‪ ،‬ويصبح فيه الناس بال دين وال أخالق‬
‫‪ ،‬ومجتمع هذا شأنه ‪ ،‬مجتمع أشرار وال شك ‪ -‬يشير إلى هذا المقطع األول من الحديث ( ان من شرار الناس من تدركهم‬
‫الساعة وهم أحياء )‪.‬‬

‫ومعنى هذا أن الذين تقوم عليهم الساعة وهم أحياء انما هم من شرار الناس وما ذلك اال لما يعيشه الناس أو أغلبهم في ذلك‬
‫الزمن من حياة تحكمها الشهوات واألهواء ‪ ،‬وتتغلب عليها نوازع الشر و عوامل الفساد‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد وما ذلك اآل ألن الصالة عند القبور ‪ ،‬وبناء المساجد عليها ‪ ،‬وسيلة‬
‫من وسائل الوقوع في الشرك الذي هو أشد الذنوب جرما ‪ ،‬وأسوأها مصيرا ‪ ،‬وأقبحها نهاية ‪ ،‬لهذا ذكر الرسول عليه‬
‫السالم ‪ -‬أن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد ‪ .‬وال ريب أن من تنكر لفضل هللا عليه ‪ ،‬وأشرك معه أحدا في‬
‫عبادته ‪ ،‬فهو من شرار خلق هللا عمال ومصيرا‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أو ثانا تعبد‬
‫من دون هللا‬

‫روی مالك في الموطأ ‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ ( :‬اللهم ال تجعل قبري وثنا يعبد‪ ،‬اشتد غضب هللا على‬
‫قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )‬

‫والبن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد ( أفرأيتم الالت والعزى ) قال ‪ :‬كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا‬
‫على قبره ‪ .‬وكذا قال ابو الجوزاء عن ابن عباس ‪ :‬كان يلت السويق للحاج‪.‬‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬لعن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد‪.‬‬
‫والسرج ‪ .‬رواه أهل السنن ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير االوثان ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير العبادة‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أنه صلى هللا عليه وسلم لم يستعذ اال مما يخاف وقوعه ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قرئه بهذا اتخاذ قبور األنبياء مساجد ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ذكر شدة الغضب من هللا‬

‫السادسة ‪ :‬وهي من أهمها معرفة صفة عبادة الالت التي هي من أكبر األوثان ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬معرفة أنه قبر رجل صالح ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬انه اسم صاحب القبر وذكر معنى التسمية ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬لعنه زوارات القبور ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬لعنه من أسرجها ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المؤلف رحمه هللا من هذا الباب التحذير من تعظيم قبور الصالحين وان مجاوزة الحد في تعظيمها يؤدي في النهاية‬
‫إلى عبادتها من دون هللا ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫أورد الشيخ رحمه هللا تحت هذا الباب حديثين وروايتين لالستدالل بهما على التحذير من الغلو (‪ )1‬في تعظيم القبور الى‬
‫درجة تتنافى مع التوحيد الخالص هلل رب العالمين ‪ -‬فأورد حديث مالك(‪ )2‬الذي جاء فيه دعاء الرسول عليه الصالة و‬
‫السالم بأن ال يجعل قبره وثنا يعبد ‪ ،‬وفي دعاء الرسول هذا تحذير للبشرية من االتجاه إلى الوثنية على أي شكل من‬
‫أشكالها القديم أو الحديث‪.‬‬

‫وقد استجاب هللا دعاء رسوله ‪ ،‬فصان قبره من العبادة وحماه من الوثنية ‪ ،‬وبعد أن وجه الرسول دعاء المستجاب ‪ ،‬أخبر‬
‫أن غضب هللا كان شديدا على الذين يجعلون قبور أنبيائهم مساجد ‪ ،‬وفي هذا الشارة إلى تحريم البناء على القبور ‪ ،‬وتحريم‬
‫الصالة عندها وتحذير من التورط فيما وقع فيه اليهود والنصارى من عبادة أنبيائهم بسبب الغلو فيهم‪.‬‬

‫‪7۰‬‬
‫عن مجاهد في قول هللا ( أفرأيتم الالت والعزى ) تقريع وتوبيخ لسخفاء العقول من الناس‬
‫وفي رواية ابن جرير(‪15 )1‬‬
‫الذين يحملهم الغلو على عبادة البشر كما فعل أولئك الذين عبدوا الالت ‪ ،‬ذلك الرجل الصالح الذي كان يلت السويق (‪)2‬‬
‫للناس ( وفي رواية أبي الجوزاء كان يلت السويق للحاج ) فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ووضعوا له صورة ‪،‬‬
‫وعبدوها ‪ .‬أو على عبادة الجماد كما فعلت قريش من عبادة العزي ‪ ،‬تلك الشجرة التي كانت بين مكة والطائف ‪ ،‬إلى أن‬
‫قطعها خالد بن الوليد رضي هللا عنه بأمر من رسول هللا صلى هللا عليه و سلم ‪.‬‬

‫و المناسبة التي أورد الشيخ هذه الرواية من أجلها هي أن الغلو في ذلك الرجل لصالحه حمل الناس في عهده على أن‬
‫يجعلوا قبره وثنا من أوثان الجاهلية يقصده الناس للعبادة التي هي من خصائص هللا وحده ‪.‬‬

‫وحديث ابن عباس قصد المؤلف منه ايضاح تحريم زيارة القبور للنساء ألمرين ‪-:‬‬

‫األول ‪ :‬أن المرأة رقيقة العاطفة ‪ ،‬سريعة الجزع ‪ ،‬قليلة الصبر ‪ ،‬وهذه الطباع ربما تدفعها إلى ازعاج الناس بالعويل‬
‫والبكاء داخل القبور ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أنه لو فتح الباب أمام النساء لزيارة القبور فان ذلك سوف يؤدي إلى أمور محرمة وسوف يتخذ كثير ممن ال تؤثر‬
‫زيارة القبور في نفوسهم شيئا هذه االمكنة ملتقى للوصول إلى أغراض ال يرضى عنها هللا جل جالله‪.‬‬

‫وما تحريم البناء على القبور واضاءتها اآل من أجل الحيلولة دون تعظيمها الذي يوقع في عبادة المخلوقين ‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬

‫حرص االسالم كل الحرص على تحرير نفس المسلم من العبودية اآل هللا وحده ولهذا سأل الرسول عليه السالم ربه أن ال‬
‫يجعل قبره وثنا يعبد‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫(‪ )1‬الغلو ‪ :‬مجاوزة الحدود ي‬
‫حددها هللا‬
‫الت‬
‫(‪ )2‬مالك ‪ :‬هو مالك بن أنس أمام دار الهجرة واحد األئمة األربعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن جرير ‪ :‬هو االمام الحافظ محمد ابن جریر بن یزید الطيي ‪ ،‬يقول بن خزيمة ال أعلم عىل وجه‬
‫األرض أعلم من محمد بن جریر‬
‫(‪ )4‬السويق ‪ :‬دقيق الحنطة أو الشعي ‪ ،‬لته ( بله بالماء أو السمن )‬
‫‪71‬‬
‫باب ما جاء في حماية المصطفى صلى هللا عليه وسلم جناب‬
‫التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك‬
‫وقول هللا تعالى ( لقد جاء کم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) االية (‬
‫التوبة – ‪)128‬‬

‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال تجعلوا بيوتكم قبورا وال تجعلوا قبري عيدا ‪،‬‬
‫وصلوا علي فان صالتكم تبلغني حيث كنتم ‪ ،‬رواه أبو داود باسناد حسن رواته‬

‫وعن علي بن الحسين أنه رأى رجال يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى هللا عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو ‪ ،‬فنهاه‬
‫وقال ‪ :‬اال أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪( :‬ال تتخذوا قبري عيدا وال‬
‫بيوتكم قبورا ‪ ،‬وصلوا علي فان تسليمكم يبلغني أين كنتم ) رواه في المختار ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية براءة ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ابعاد أمته عن هذا الحمى غاية البعد ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬نهيه عن زيارة القبور على وجه مخصوص ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬نهيه عن االكثار من الزيارة ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬حثه على النافله في البيت‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬أنه متقرر عندهم أنه ال يصلي في المقبرة‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬تعليله ذلك بأن صالة الرجل وسالمه عليه يبلغه وان بعد فال حاجة إلى ما يتوهمه من اراد القرب‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬كونه صلى هللا عليه وسلم في البرزخ تعرض عليه أعمال أمته في الصالة و السالم عليه‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المولف رحمه هللا من هذا الباب بيان أن كل األسباب والوسائل التي قد تقرب من الشرك ينبغي البعد عنها‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ذكر المؤلف رحمة هللا عليه في أول هذا الباب اآلية القرآنية ليدلل بها على أن هللا سبحانه أرسل إلى العرب رسوال من‬
‫جنسهم ‪ ،‬يؤلمه أشد األلم أن ينالهم مكروه في الدنيا أو يحل بهم عقاب في اآلخرة و من هنا جاء حرصه على هدايتهم‬
‫وصالح شأنهم ورأفته ورحمته بهم ‪ .‬ومن رأفته ورحمته بهم ‪ ،‬أن يوجههم إلى ما يقيهم من الوقوع فيما وقع فيه‬
‫المشركون من انحراف عن توحيد هللا‪.‬‬

‫وجاء حديث أبي هريرة بعد اآلية الكريمة وبه ثالثة أمور من الرسول صلى هللا عليه و سلم‬

‫األول ‪ :‬قوله ‪ ( :‬ال تجعلوا بيوتكم قبورا ) بمعنى ال تعطلوا بيوتكم من القراءة والصالة فيها ‪ ،‬فتكون كأنها قبور وفي هذا‬
‫اشارة إلى النبي عن العبادة عند القبور‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ )16‬بمعنى ال تحددوا مكانا أو زمانا معينا للسالم على‬
‫الثاني ‪ :‬قوله ‪ ( :‬وال تجعلوا قبري عيدا ) (‪1‬‬

‫الثالث ‪ :‬قوله ‪ ( :‬وصلوا علي فان صالتكم تبلغني حيث كنتم ) بمعنى أن صالتكم علي تصلني في أي مكان كنتم ‪ ،‬كما‬
‫ورد بذلك الحديث الوارد في السالم ( أن هلل مالئكة سياحين يبلغوني عن أمتي السالم) اذا فال حاجة الى تخصيص مكان‬
‫أو زمان من أجل السالم علي ‪.‬‬

‫يؤكد هذا ما جاء في نهي على بن الحسين رضي هللا عنه لذلك الرجل الذي كان يجي الى فرجة كانت عند قبر النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو ‪ ،‬وأورد دليال على ذلك حديثا سمعه من أبيه عن جده عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فذكر نفس الحديث الذي رواه أبو هريرة في أول هذا الباب وهذا فيه داللة صريحة على أن المجيء إلى قبر الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم لتحري اجابة الدعاء عنده ليس مما شرعه هللا و رسوله لهذه األمة وغير رسول هللا من البشر أحق‬
‫بعدم تحري اجابة الدعاء عند قبره ‪ ،‬وكل ذلك من أجل البعد بالعقيدة الخالصة هللا عن أن تتلوث من قريب أو بعيد بأي‬
‫تعظيم ألي شيء تكون نتيجته اشراك مع هللا في عبادته ‪.‬‬

‫ئ‬
‫للش يتكرر مجيئه سواء كان هذا التكرر اسبوعيا أو شهريا أو سنويا‬ ‫(‪ )1‬العيد ‪ :‬اسم‬
‫ه المدخل الصغي‬‫(‪ )2‬الفرجة ‪ :‬ي‬
‫‪73‬‬
‫باب ما جاء أن بعض هذه األمة يعبد األوثان‬
‫والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤالء‬‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت ‪17‬‬
‫اهدى من الذين آمنوا سبيال ) ( النساء ‪ )۰1 -‬وقول هللا تعالى ‪ ( :‬قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند هللا من لعنه هللا‬
‫وغضب عليه ‪ ،‬وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ) االية ( المائدة ‪ )6۰ -‬وقول هللا تعالى ‪ ( :‬قال الذين غلبوا‬
‫على أمر دم لنتخذن عليه مسجدا ) ( الكهف – ‪.)21‬‬

‫عن أبي سعيد رضي هللا عنه ‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال لتتبعن ستن من كان قبلكم حذو القذه بالقذه حتى لو‬
‫دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا ‪ :‬يا رسول هللا اليهود والنصارى ؟ قال ‪ :‬فمن ‪ .‬أخرجاه‬

‫ولمسلم عن ثوبان رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال أن هللا طوى لي االرض فرأيت مشارقها‬
‫ومغاربها ‪ ،‬وان أمتي يبلغ ملكها ما زوى لي منها واعطيت الكنزين األحمر واألبيض وأني سألت ربي ألمتي أن ال يهلكها‬
‫بسنة عامة ‪ ،‬وأن ال يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون‬
‫بعضهم يهلك بعضا ويسي بعضهم بعضا ‪ ،‬ورواه البرقاني في صحيحه وزاد ( وانما أخاف على أمتي االئمة المضلين )‬
‫واذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ‪ .‬وال تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين ‪ ،‬وحتى تعبد فئات‬
‫من أمتي األوثان وانه سيكون في أمتي ثالثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ال نبي بعدي ( وال تزال طائفة‬
‫من أمتي على الحق منصورة ال يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر هللا تبارك و تعالى)‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬تفسير آية النساء‬

‫تفسير آية المائدة الثانية ‪:‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تفسير آية الكهف ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬وهي أهمها ما معنى االيمان بالجبت والطاغوت هل هو اعتقاد قلب أو هو موافقة أصحابها مع بعضها ومعرفة‬
‫بطالنها‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬قولهم ان الكفار الذين يعرفون كفرهم أهدى سبيال من المؤمنين‬

‫السادسة ‪ :‬وهي المقصود بالترجمة أن هذا ال بد أن يوجد في هذه األمة كما تقرر في حديث أبي سعيد ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬التصريح بوقوعها أعني عبادة األوثان في هذه األمة في جموع كثيرة‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬العجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه بأنه من هذه األمة ‪ ،‬وان‬
‫الرسول حق ‪ ،‬وان القرآن حق ‪ ،‬وفيه أن محمدا خاتم النبيين ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح وقد خرج‬
‫المختار في آخر عصر الصحابة وتبعه فئات كثيرة ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬البشارة بأن الحق ال يزول بالكلية ‪ ،‬كما زال فيما مضى بل ال تزال عليه طائفة ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬اآلية العظمى أنهم مع قلتهم ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬أن ذلك الشرط إلى قيام الساعة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجبت ‪ :‬المراد به هنا الخرافات‬


‫(‪ )2‬الطاغوت ‪ :‬ما تكون عبادته و االيمان به سببا للخروج عن الحق‬
‫بمعت انكم ستعملون ما يعملونه سواء بسواء‬‫ن‬ ‫(‪ )3‬القذه ‪:‬‬
‫‪74‬‬
‫الثانية عشرة ‪ :‬ما فيهن من اآليات العظيمة‪ .‬منها أخباره بأن هللا زوی له المشارق والمغارب وأخبر بمعنى ذلك فوقع كما‬
‫أخبر بخالف الجنوب والشمال واخباره بأنه منع الثالثة ‪ ،‬و اخباره بوقوع السيف و أنه ال يرفع اذا وقع ‪ ،‬واخباره بظهور‬
‫المتنبئين في هذه األمة ‪ ،‬واخباره ببقاء الطائفة المنصورة وكل هذا وقع كما أخبر مع أن كل واحد منها أبعد ما يكون في‬
‫العقول ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬حصر الخوف على أمته من األئمة المضلين ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬التنبيه على معنى عبادة األوثان‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫في هذا الباب التأكيد على أن ما أخبر به محمد رسول هللا عليه الصالة والسالم من أمور غيبية سوف تقع ‪ ،‬وأهمها ارتداد‬
‫بعض هذه األمة عن االسالم ‪ ،‬وقد وقعت كلها كما أخبر وسيأتي تفصيل ذلك‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫أورد المؤلف رحمه هللا تحت هذا الباب ثالث آيات من كتاب هللا العزيز وحديثين عن رسول هللا عليه السالم‪.‬‬

‫فاآلية األولى من سورة النساء تشير إلى حرمان اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ‪ ،‬من هدايته بتعظيمهم غير هللا‬
‫بالعبادة و مساعدتهم للمشركين على المؤمنين باهلل ورسوله ‪ ،‬و انكارهم لدعوة رسول هللا وعدم ايمانهم به مع علمهم بأنه‬
‫رسول هللا الذي اخبرت عنه كتبهم التوراة واالنجيل ‪ ،‬ووجه االستدالل بهذه اآلية أنه مطلوب من اليهود كغيرهم من البشر‬
‫االيمان بالدين االسالمي الحنيف الذي جاء به محمد عليه السالم ولكنهم لم يؤمنوا بل عاندوا وبقوا على ما هم عليه من‬
‫کفر و عناد‪.‬‬

‫واآلية الثانية من سورة المائدة وبعد أن نبي هللا في اآلية قبلها عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دونه وأنه ال يواليهم‬
‫اال مرضى القلوب من المنافقين اعاد النبي في هذه اآلية عن مواالة الكفار عامة الذين اتخذوا دين هللا هزوا و لعبا وأخبر‬
‫عما هو شر منهم فقال ‪ :‬من لعنه هللا وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ‪ ،‬والمقصود من‬
‫االستدالل بهذه اآلية قوله تعالى ‪( :‬عبد الطاغوت ) ‪.‬‬

‫واآلية الثالثة من سورة الكهف وبعد أن ذكر هللا قصة الفئة المؤمنة من الشباب الذين أووا إلى الكهف فرارا بدينهم من‬
‫عبادة غير هللا والذين بقوا فيه نياما ثالثمائة سنين و ازدادوا تسعا ‪ ،‬أخبر أن الفريق اآلخر الذين كانوا في شك من قدرة هللا‬
‫على أحياء الموتى بعد أن عثروا عليهم اتفقوا على أن يبنوا عليهم مسجدا يصلي فيه الناس واتخاذ المساجد على أضرحة‬
‫االولياء والصالحين والتمسج بأعتابها ‪ ،‬وثنية مقنعة و عودة إلى عبادة األوثان و ذلك اشراك باهلل في ربوبيته وعبادته‪.‬‬

‫ثم بعد هذه اآليات الثالث وما جاء فيها يأتي حديث أبي سعيد رضي هللا عنه ليقرر حقيقة نعيشها اآلن تلك هي تقليد‬
‫المسلمين لليهود والنصارى في أفعالهم وأعمالهم وتصرفاتهم وهذه عالمة من العالمات التي تؤكد لكل البشر أن محمدا‬
‫عليه الصالة والسالم رسول من عند هللا وقد وقع ما أخبر به من ال ينطق عن الهوى ‪ ،‬فقد اتبع كثير من المسلمين اليهود‬
‫والنصارى في االلحاد واالنحرافات الخلقية فكثير من المسلمين يستبيحون ألنفسهم كل اآلثام والذنوب تقليدا لليهود‬
‫والنصارى حتى في العبادة قلدوهم فيها ‪ -‬فالنصارى المتدينون ال يذهبون إلى الكنيسة اال في يوم االحد ‪ ،‬وكذلك كثير من‬
‫المسلمين ال يأتون للصالة في المسجد اال يوم الجمعة ‪ ،‬وربما أن بعضهم ال يصلي الصالة اال يوم الجمعة ‪ ،‬ولم يكن‬
‫نصيب المرأة المسلمة في هذا التقليد الضار بأقل من نصيب الرجل بل هي تزيد عليه بتقليدها للمرأة اليهودية والنصرانية‬
‫في عرض جسدها عاريا من لباس الحياء والحشمة ‪ ،‬وفي اختالطها في وقاحة واستهتار بالرجال في المنتزهات ‪،‬‬
‫والنوادي العامة وفي عدم احترامها لعفتها وشرفها وكرامتها ‪ ،‬وأعظم من هذا وذاك أن النصارى يصنعون لبعض‬
‫زعمائهم تماثيل على صورهم تكون أحيانا من الحجر وتكون من النحاس وغيره ‪.‬‬

‫وتوضع هذه التماثيل في الميادين العامة ‪ ،‬كما توضع في بيوت خاصة ‪ ،‬وكذلك اتباعا للنصارى قام بعض المسلمين في‬
‫بعض البالد االسالمية بصنع تماثيل لبعض زعماء المسلمين ووضعت هذه التماثيل في الميادين العامة وفي أمكنة خاصة ‪،‬‬
‫كما قاموا بتشييد قباب على قبور من يقال أنهم من أولياء هللا الصالحين ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ثم في نهاية الباب يورد الشيخ رحمه هللا حديث ثوبان الذي أخبر فيه الرسول عليه السالم بأن هللا بقدرته طوى له األرض‬
‫حتى جعل ينظر إلى ما سوف تملكه امته منها في أقاصي المشرق والمغرب وأن أشياء عشرة وردت في الحديث سوف‬
‫تحدث في السنين القادمة من الزمان وقد حدثت كما أخبر وهذه االشياء العشرة ‪-:‬‬

‫أولها ‪ :‬أن ملك امته امتد غربا إلى أقصى طنجة من بالد المغرب وشرقا إلى ما وراء خراسان وكثيرا من بالد الصين‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬استولى المسلمون على ملك قيصر ملك الروم وكنوزه و هو ما عبر عنه الرسول صلى هللا عليه وسلم باألحمر اي‬
‫الذهب ألنه النقد الغالب في بالد الروم وكذا ملك كسرى ملك الفرس وكنوزه و هو ما عبر عنه عليه السالم باالبيض اي‬
‫الفضة ألنه النقد الغالب في بالد الفرس وذلك في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي هللا عنه ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن هللا سبحانه استجاب لطلب نبيه لم يسلط على أمته هالکا عاما بسبب تتابع السنين المجدبة‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أن هللا لم يسلط على كافة المسلمين عدوا خارجيا يستولي على جميع البالد االسالمية إلى أن يحدث االختالف فيما‬
‫بينهم وكان ذلك ما حدث فيوم أن كان المسلمون مشدودين برباط عقيدة اإلسالم الخالصة الصافية كانوا في قمة المجد‬
‫ومركز القوة ولم يستطع أي عدو خارجي مهما كانت قوته أن يستولي على بالد المسلمين وحرماتهم إلى أن انتشرت‬
‫الخالفات فيما بينهم وأخذ بعضهم يأكل بعضا كما تأكل النار حصيلتها من الحطب وهنا وجد العدو الخارجي طريقا للتسلط‬
‫عليهم واالستيالء على بالدهم‪.‬‬

‫الخامس ‪ :‬وقع ما تخوف منه الرسول عليه السالم من وجود قادة وزعماء وعلماء وعباد كان لهم النصيب األوفي في‬
‫االنحراف باالمة عن طريق هللا المستقيم الى الطرق المنحرفة التي أدت بكثير من المسلمين إلى التنكر العقيدتهم و‬
‫اسالمهم فكثير من قادة وزعماء المسلمين انحرفوا بسياسة بالدهم الى اتجاهات تخالف اتجاه االسالم تمام المخالفة ‪ ،‬وعدد‬
‫من علماء المسلمين تساهل في التوسل باالموات وبناء القباب على القبور مما أوقع في الشرك باهلل ومجموعات من العباد‬
‫عرضوا اإلسالم عن طريق حياتهم الخاملة الكسولة في صورة ممقوتة مشوهة ‪ ،‬وضللوا عن طريق خرافاتهم كثيرا من‬
‫جهال المسلمين وعرضوا االسالم نفسه االنتقادات كثيرة من أعدائه والكائدين له ‪.‬‬

‫السادس ‪ :‬بقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي هللا عنه لم يرفع السيف إلى وقتنا هذا واألدلة حية نعيشها و نراها‬
‫رأي العين فكل المجازر البشرية التي حصلت في المدى البعيد والقريب في البالد االسالمية وبين المسلمين أهل البلد‬
‫الواحد ال من أجل الغيرة على دين هللا وانما محاولة للحصول على مراكز الحكم انما هو تأكيد لما أخبر به الرسول عليه‬
‫السالم‪.‬‬

‫السابع ‪ :‬ارتد عامة العرب عن اإلسالم بعد وفاة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعبدت جماعات كثيرة األوثان وما تزال‬
‫جماعات كثيرة إلى عصرنا هذا ترتد عن اإلسالم إلى االلحاد و انکار هللا كما توجد حتى اآلن جماعات تعكف حول قبور‬
‫من يقال عنهم أنهم عباد صالحون يستغيثون بهم بينما هم في عجز تام عن تحقيقه‪.‬‬

‫الثامن ‪ :‬وتصديقا الخبار الرسول صلى هللا عليه وسلم فقد ادعى النبوة في عهده عليه السالم االسود العنسي و مسيلمة‬
‫الكذاب وفي عهد أبي بكر ادعى النبوة طليحة بن خويلد وسجاح بنت المنذر ‪ ،‬وفي أول خالفة ابن الزبير ادعى النبوة‬
‫المختار بن أبي عبيد الثقفي ‪ ،‬وفي عهد عبد الملك بن مروان خرج الحارث الكذاب مدعيا النبوة وفي خالفة بني العباس‬
‫خرج عدد من الكذابين يدعون النبوة ‪ ،‬وما يزال اناس من وقت آلخر يدعون النبوة ففي عام ‪ 12۰9‬ه ادعى محمد علي‬
‫الشيرازي البابي النبوة ‪ ،‬ومن قلب البابية نبتت حركة البهائية التي يتزعمها الميرزا حسين علي المازندراني ‪ ،‬وفي عام‬
‫‪ 1327‬ه ادعی النبوة زعيم القاديانية الميرزا غالم أحمد والذي عرف مذهبه بالمذهب القادياني ‪ ،‬ويوجد اآلن في أمريکا‬
‫شخص يدعى اليجا محمد يدعي لنفسه النبوة ويقول ‪ :‬أنه نبي السود ‪ ،‬وكل هذه المذاهب وجدت من أجل تشويه اإلسالم ‪،‬‬
‫وافساد عقائد المسلمين ‪ .‬وتحديد الرسول الكذابين بثالثين ليس المقصود به حصر الكذابين في نطاق هذا العدد وانما كان‬
‫يقصد الذين يشتهر أمرهم على نطاق واسع ويكون لهم أتباع كثيرون ‪.‬‬

‫التاسع ‪ :‬كان قول هللا سبحانه وتعالى ‪ ( :‬ما كان محمد ابا أحد من رجالکم ولکن رسول هللا وخاتم النبيين ) واضحا في أن‬
‫محمدا خاتم النبيين كما أخبر بذلك في الحديث وألجل هذا فان كل مدع للنبوة بعد محمد كذاب تجب محاربته ‪.‬‬

‫العاشر ‪ :‬بالرغم من المحاربة المستمرة لالسالم منذ بزوغ شمسه الى يومنا هذا والدسائس والمكائد التي تحاك ضد كل‬
‫الدعاة اليه و المدافعين عنه فانه ما تزال هناك جماعات تقف في صمود وايمان داعية لالسالم ومدافعة عنه رغم ما تعانيه‬

‫‪76‬‬
‫هذه الجماعات من قتل وتشريد واضطهاد ولكن هللا دائما يقف مع أهل الحق ينصرهم ويشد من أزرهم ولن يتخلى عنهم‬
‫ابدا حتى يأذن بفناء هذه األرض ألن هللا جل جالله ال يخلف وعده و قد وعد بأنه ال يتخلى عن عباده المؤمنين‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫باب ما جاء في السحر ‪.‬‬
‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬ولقد علموا لمن اشتراه ما له في اآلخرة من خالق ) ( البقرة ‪ )1۰2 -‬وقوله ‪ ( :‬يؤمنون بالجبت‬
‫والطاغوت ) ( النساء ‪ )۰1 -‬قال عمر ‪ :‬الجبت السحر ‪ ،‬والطاغوت الشيطان ‪ ،‬وقال جابر ‪ :‬الطواغيت كهان كان ينزل‬
‫عليهم الشيطان في كل حي واحد‬

‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال ‪ « :‬اجتنبوا السبع الموبقات » قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫هللا و ما هن ؟ قال ‪ « :‬الشرك باهلل و السحر وقتل النفس التي حرم هللا اال بالحق ‪ ،‬وأكل الربا وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتولي‬
‫يوم الزحف وقذف المحصنات الغافالت المؤمنات»‪.‬‬

‫وعن جندب مرفوعا « حد الساحر ضربه بالسيف » رواه الترمذي و قال الصحيح أنه موقوف ‪.‬‬

‫وفي صحيح البخاري عن مجالة بن عبده قال ‪ :‬کتب عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال ‪:‬‬
‫فقتلنا ثالثة سواحر ‪ ،‬وصح عن حفصة رضي هللا عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت وكذلك صح عن جندب‬
‫قال أحمد عن ثالثة من أصحاب النبي صلى هللا عليه و سلم ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية البقرة ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية النساء ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تفسير الجبت والطاغوت و الفرق بينهما ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن الطاغوت قد يكون من الجن وقد يكون من االنس ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أن الساحر يكفر ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬انه يقتل وال يستتاب ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬وجود هذا في المسلمين على عهد عمر ‪ ،‬فكيف بعده ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المؤلف رحمه هللا من هذا الباب بيان أن من تعلم السحر وعمل به کفر ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ذكر الشيخ المصلح رحمه هللا تحت هذا الباب لبيان تحريم تعاطي السحر(‪18)1‬وحكم فاعله آيتين وحديثا مرفوعا ‪،‬‬
‫وحديثا موقوفا وثالثة آثار ففي اآلية األولى نص صريح على أن السحر كان يعلم ويلقن وهو اما حيلة وشعوذة كما يفعل‬
‫ذلك من يسمون أنفسهم بقراء الكف ‪ ،‬و من يزعمون أن الجن مسخرون لهم ‪ ،‬كما حصل لسحرة فرعون الذين استعانوا‬
‫بالزئبق على اظهار الحبال والعصي بصورة الحيات والثعابين حتى خيل إلى الناس أنها تسعى ‪.‬‬

‫وإما حقيقه كما ورد ذلك في قول هللا سبحانه و تعالى ‪ ( :‬ومن شر النفاثات في العقد ) ألنه لو لم يكن حقيقة لم يأمر هللا‬
‫نبيه باالستعاذة من شر السواحر الالتي يعقدن العقد وينفثن فيها ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ ( :‬فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء‬
‫وزوجه ) و مهما يكن من أمر فان السحر سبب من األسباب فاذا أصيب أحد بضرر منه فانما ذلك بارادة هللا ‪ ،‬ولقد أورد‬

‫‪18‬‬
‫سببه‬ ‫)‪ (1‬السحر ‪ :‬لغة ما لطف مأخذه ن‬
‫وخف‬
‫ي‬
‫‪78‬‬
‫الشيخ رحمه هللا هذه اآلية مستدال بها على أن فريقا من أهل الكتاب كذبوا الرسول صلى هللا عليه وسلم والكتاب الذي أنزل‬
‫عليه ( القرآن ) ونبذوا بهذا التكذيب التوراة التي تثبت أن محمدا رسول من عند هللا وأتبع فريق من أحبار اليهود وعلمائهم‬
‫الذين نبذوا التوراة تجاهال منهم بما هم عالمون به واتبعوا السحر الذي تلته الشياطين في عهد سليمان بن داود وعملوا به‬
‫وألجل هذا أخبر هللا أن هؤالء الذين اختاروا علم السحر وعملوا به وأنكروا ما أثبتته التوراة من نبوة محمد عليه السالم‬
‫أنهم ال نصيب لهم في اآلخرة ‪.‬‬

‫أما اآلية الثانية ( يؤمنون بالجبت والطاغوت ) فقد سبق الكالم عليها في الباب السابق ‪.‬‬

‫اال أن عمر رضي هللا عنه في هذا الباب فسر الجبت بالسحر والطاغوت بالشيطان ويقول جابر بن عبد هللا ‪ :‬الطواغيت‬
‫كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد يعني كان لكل قبيلة من القبائل کاهن يفصل في مشكالتهم ‪ ،‬وينزل عليه‬
‫الشيطان بخبر السماء إلى أن حرست السماء بالشهب ‪ ،‬بعد مبعث الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫وجاء حديث أبي هريرة بعد هاتين اآليتين ليأمر باالبتعاد عن سبعة أشياء خطيرة لما تسببه من عقوبات في الدنيا واآلخرة‬
‫‪ ،‬و المناسبة التي ذكر الحديث من أجلها في هذا الباب هي كلمة السحر لبيان أن السحر من السبع المهلكات وقد جاء‬
‫ترتيب هذه السبع الموبقات على النحو التالي ‪- :‬‬

‫‪ )1‬الشرك باهلل ‪ ،‬وبدأ به ألنه ليس هناك ذنب أعظم من الشرك باهلل فاهلل ال يغفر لمن مات مشركا ‪ ،‬وال يدخله الجنة‬
‫ومأواه النار خالدا فيها ‪.‬‬

‫‪ )2‬السحر وقد جاء في المرتبة الثانية لخطورته على إفساد العقائد ‪ ،‬وضرره الذي يتعدى إلى اآلخرين ‪.‬‬

‫‪ ) 3‬قتل المسلم بغير حق ومثله قتل المعاهد بدون جريمة و لجسامة الجريمة في قتل المسلم بغير حق قررته الشريعة ‪،‬‬
‫جاء قول هللا تعالى موضحا الجزاء ‪ ( :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب هللا عليه ولعنه )‪ .‬كما جاء‬
‫في تحريم قتل المعاهد بغير جريمة ينتفي بها عهده قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة‬
‫الجنة ) ‪.‬‬

‫‪ )4‬أكل الربا ‪ -‬ولشدة تحريمه ألنه أكل االموال الناس بالباطل قال عنه الرسول عليه السالم ‪ :‬الربا نيف وسبعون حوبا‬
‫أيسرها مثل آن ينكح الرجل امه ‪.‬‬

‫‪ )5‬التعدي على مال اليتيم بعدم المحافظة عليه واالفساد فيه بأي طريق كان ولقد توعد هللا الذين يفسدون أموال اليتامى‬
‫باألكل وغيره ظلما وعدم اهتمام باألمانة في قوله تعالى ‪ ( :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم‬
‫نارا وسيصلون سعيرا ) ‪.‬‬

‫‪ )6‬االنهزام وقت المالقاة مع الكفار في المعركة وذلك لما يترتب عليه من اضعاف معنويات االخرين المشتركين في‬
‫القتال وألن الهروب من المعركة يسبب انتصارا للكفار على المسلمين ‪ ،‬لذا توعد هللا الفارين من المعركة جبنا وهلعا‬
‫بغضب هللا كما جاء في اآلية الكريمة ( ومن يولهم يومئذ دبره اآل متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من هللا‬
‫ومأواه جهنم وبئس المصير)‪.‬‬

‫‪ )7‬آخر األمور السبعة المهلكة اتهام المؤمنات العفيفات باالنحراف وعدم االستقامة وذلك لما يترتب على هذا من سمعة‬
‫غير كريمة قد تحرمها من الحياة الزوجية السعيدة ‪ ،‬وتخلع على ذويها ثوبا من العار والفضيحة ‪ ،‬ولحساسية هذا المسلك‬
‫وفظاعته قال هللا سبحانه و تعالى ( إن الذين يرمون المحصنات الغافالت المؤمنات لعنوا في الدنيا واآلخرة ولهم عذاب‬
‫عظيم )‪.‬‬

‫بعد حديث أبي هريرة هذا جاء حديث جندب الذي قال عنه الترمذي أنه موقوف و خبر بجاله بن عبده عن عمر بن‬
‫الخطاب رضي هللا عنه وكذا خبر حفصة ومثله خبر جندب وكلها تدل على جواز قتل الساحر ‪ ،‬قال اإلمام أحمد بن حنبل‬
‫صح قتل الساحر عن ثالثة من أصحاب النبي صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫باب بيان شيء من أنواع السحر‬
‫قال أحمد حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا عوف عن حيان بن العالء ‪ ،‬حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال «أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت » قال عوف ‪ :‬العيافة ‪ -‬زجر الطير و الطرق ‪ :‬الخط‬
‫يخط باالرض و الجبت قال الحسن ‪ :‬رنة الشيطان ‪ .‬اسناده جيد وألبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه‬
‫‪.‬‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة‬
‫من السحر زاد ما زاد ) رواه أبو داود و اسناده صحيح ‪.‬‬

‫وللنسائي في حديث أبي هريرة « من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ‪ ،‬ومن سحر فقد أشرك و من تعلق شيئا وكل اليه»‬

‫وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « أال هل انبئكم ما العضه ؟ هي النميمة ‪ ،‬القالة بين الناس »‬
‫رواه مسلم‬

‫ولهما عن ابن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ « :‬أن من البيان لسحرا»‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أن العيافة والطرق و الطيرة من الجبت ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير العيافة والطرق والطيرة‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن علم النجوم من أنواع السحر ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن العقد مع النفث من ذلك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن النميمة من ذلك ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أن بعض الفصاحة منه ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫المقصود من ذكر هذا الباب ‪ ،‬توضيح بعض أنواع من السحر كان أهل الجاهلية يعتقدون أن لها تأثيرا في سعادتهم أو‬
‫شقاوتهم في نصرهم أو هزيمتهم ‪ ،‬وبيان أن هذه االشياء التي يعتقدون أنها تكشف شيئا من علم المستقبل انما هي خرافة ال‬
‫تستند إلى حقيقة علمية وليست من باب خوارق العادات أو كرامة األولياء ‪ .‬الشرح ‪:‬‬

‫أورد الشيخ رحمه هللا تحت هذا الباب خمسة أحاديث وكل حديث منها يدل على نوع معين من أنواع السحر‬

‫فحديث قطن بن قبيصة ‪ ،‬يدل على أن العيافة ‪ -‬وهي التفاؤل والظن بأن أسماء الطيور وأصواتها وممراتها تدل على أشياء‬
‫قد تكون حسنة أو قبيحة ‪ ،‬وقد تكون عالمة على خير أو شر ‪ ،‬وكمثال على ما كان يعتقده العرب قبل االسالم ‪ ،‬أن الطير‬
‫اذا مر من فوقهم واتجه ذات اليمين تفاءلوا بأن شيئا فيه فائدة سوف يحصل لهم ‪ ،‬أما اذا اتجه نحو الشمال فان هذا يعني‬
‫أن شيئا غير محبوب سيقع عليهم وكذلك اذا كان اسم الطير أو صوته محبوبا أو مكروها لهم تكون نفس النتيجة حسبما‬
‫كانوا يعتقدون ‪.‬‬

‫كما يدل على أن الطرق ‪ .‬وهو الخط على األرض و مثله ما يفعله بعض الدجالين من رجال و نساء من الضرب بالودع و‬
‫الحصى وادعائهم أن هذا يكشف االشياء المجهولة ‪.‬‬

‫وقد أورد الشيخ رحمه هللا هذا الحديث لالستدالل على أن العيافة والطرق من السحر ‪ ،‬أما كلمة الطيرة فستأتي في بابها ان‬
‫شاء هللا‬

‫‪8۰‬‬
‫وحديث ابن عباس الذي جاء فيه ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد أقتبس شعلة من السحر )‪ ،‬سيأتي الكالم عليه في باب‬
‫التنجيم آن شاء هللا‪.‬‬

‫ورواية النسائي عن أبي هريرة ‪ .‬استدل بها على أن عقد الخيوط أو الشعر أو غير ذلك و النفخ فيها بقصد التأثير نوع من‬
‫أنواع السحر و من تعلم السحر القائم على الطالسم والتقرب إلى الشياطين لالستعانة بهم في جلب األذى لآلخرين صار‬
‫مشركا كما ورد في آخر هذا الحديث ان من تعلق شيئا وكل اليه فمن تعلق قلبه باهلل حفظه من كل سوء ووقاه من كل‬
‫مكروه ‪ ،‬و من تعلق قلبه بعلم السحر المحرم واالعتماد على شياطين الجن واالنس ‪ -‬ضاع و هلك ‪.‬‬

‫وحديث ابن مسعود الذي هو الحديث الرابع في هذا الباب فيه أن النميمة تحدث في افساد العالقات بين الناس أكثر مما‬
‫يفعله السحر ‪.‬‬

‫وقد ذكر عن ابن كثير رحمه هللا أن النمام والكذاب يفسد في الساعة الواحدة بمقدار ما يفسده الساحر في السنة ‪ ،‬وقد اعتبر‬
‫الشيخ رحمه هللا النميمة نوعا من أنواع السحر ‪ ،‬يجامع أن كال من السحر والنميمة مفسد للعالقات التي أمر هللا أن تبقى‬
‫دائما في صفاء ونقاء ‪.‬‬

‫وآخر حديث ورد في هذا الباب قول الرسول عليه السالم « ان من البيان لسحرا »‪.‬‬

‫وقد سمي البيان سحرا اما لرقة الكالم وروعة األسلوب وصفاء الفكرة بحيث يستولي المتكلم على عقول السامعين‬
‫ومشاعرهم وهذا سحر حالل اذا استخدم في أغراض الخير و اسعاد الناس ‪ ،‬وسمي هذا العمل سحرا على المجاز ال على‬
‫الحقيقة أن الكالم الرقيق واالسلوب الرائع والفكرة الصافية كل هذه األمور تفعل فعلها في استمالة القلوب كما يفعل السحر‬
‫في النفس‪.‬‬

‫وإما لقدرة المتكلم بأسلوب مؤثر على وضع الحق في قالب الباطل أو الباطل في صيغة الحق وهذا حرام ألنه أيضا يشبه‬
‫السحر من هذا الوجه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫باب ما جاء في الكهان و نحوهم‬
‫روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ « . « :‬من أتى‬
‫عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صالة أربعين يوما‬

‫وعن أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ « :‬من أتی کاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم » رواه أبو داود‬

‫ولالربعة و الحاكم وقال صحيح على شرطهما عن أبي هريرة من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل‬
‫على محمد صلى هللا عليه و سلم ‪.‬‬

‫وألبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفا‪.‬‬

‫وعن عمران بن حصين مرفوعا « ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتی‬
‫کاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى هللا عليه وسلم رواه البزار باسناد جيد ورواه الطبراني في‬
‫األوسط باسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله « ومن أتی » إلى آخره‬

‫قال البغوي ‪ :‬العراف ‪ :‬الذي يدعي معرفة األمور بمقدمات يستدل بها على المسروق و مكان الضالة ونحو ذلك ‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫هو الكاهن والكاهن ‪ :‬هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل ‪ .‬وقيل ‪ :‬الذي يخبر عما في الضمير ‪ ،‬وقال ابو العباس‬
‫ابن تيمية ‪ :‬العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة األمور بهذه الطرق ‪ ،‬وقال ابن عباس في‬
‫قوم يكتبون «أبا جاد » وينظرون في النجوم ‪ :‬ما أرى من فعل ذلك له عند هللا من خالق ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أنه ال يجتمع تصديق الكاهن مع االيمان بالقرآن ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬التصريح بأنه كفر ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ذكر من تكهن له ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ذكر من تطير له ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ذكر من سحر له ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬ذكر من تعلم «أبا جاد » ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬ذكر الفرق بين الكاهن والعراف ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب النهي عن تصديق الكهان وغيرهم من أصحاب الدجل والشعوذة وأن تصديقهم‬
‫مناف للتوحيد‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربعة أحاديث كلها تدل على التحذير من اتيان الكاهن و تصديقه فيما يقول ‪ ،‬وقد وردت هذه‬
‫األحاديث األربعة بألفاظ متقاربة ‪.‬‬

‫‪ « .‬ففي الحديث األول « من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صالة أربعين يوما‬

‫‪82‬‬
‫وفي الحديث الثاني داللة صريحة على أن من ذهب إلى كاهن معتقدا أنه يستطيع كشف الغيبيات فانه يكفر ‪ ،‬لكنه كفر ال‬
‫يخرج المسلم من دائرة االسالم ‪.‬‬

‫أما الحديث الثالث فيدل على ما دل عليه الحديث السابق له لكنه قال من أتى عرافا أو كاهنا‪.‬‬

‫واذا نظرنا إلى األحاديث الثالثة نجد أن الحديث األول ورد فيه ذكر العراف و الحديث الثاني ورد فيه ذكر الكاهن ‪ -‬و‬
‫الحديث الثالث ورد فيه ذكر الكاهن والعراف معا ‪ -‬وحتى ال يكون هناك لبس في المعنى فان العراف اسم يشمل كل‬
‫المشعوذين بما فيهم الكهان و المنجمين ‪ ،‬و قارئي الكف ‪ ،‬وضاربي الودع وغيرهم من المرتزقة الذين يدعون الكرامات‬
‫وكشف الحجاب‪.‬‬

‫أما الحديث الرابع واألخير في هذا الباب ( حديث عمران بن حصين ) فيه داللة واضحة على براءة الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم ممن تطير ‪ -‬يعني باشر عمل الطير ة بنفسه ‪ ،‬أو تطير له أي قبل أن تعمل الطيرة من أجله ‪ ،‬وتقدم الكالم على‬
‫الطيرة في باب سابق ‪ ،‬أو تكهن يعني باشر عمل الكهانة بنفسه أو تكهن له أي قبل أن تعمل الكهانة من أجله ‪ .‬أو سحر ‪:‬‬
‫يعني باشر عمل السحر بنفسه أو سحر له ‪ ،‬أي قبل أن يعمل السحر من أجله ‪ ،‬وتقدم الكالم على السحر وأنواعه في باب‬
‫سابق وفي آخر الحديث جاء ‪ :‬أن من أتی کاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫باب « ما جاء في النشرة«‬

‫عن جابر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سئل عن النشرة فقال ( هي من عمل الشيطان ) رواه أحمد بسند جيد ‪ ،‬وأبو‬
‫داود وقال سئل احمد عنها فقال ابن مسعود يكره هذا كله ‪.‬‬

‫وفي البخاري عن قتاده ‪ :‬قلت البن المسيب ‪ :‬رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر ؟ قال ‪ :‬ال بأس به انما‬
‫يريدون به االصالح ‪ ،‬فأما ما ينفع فلم ينه عنه ‪ .‬انتهی ‪.‬‬

‫وروي عن الحسن أنه قال ‪ :‬ال يحل السحر اال ساحر قال ابن القيم ‪ :‬النشرة حل السحر عن المسحور ‪ ،‬وهي نوعان ‪ :‬حل‬
‫بسحر مثله ‪ ،‬وهو الذي من عمل الشيطان و عليه يحمل قول الحسن ‪ ،‬فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب ‪،‬‬
‫فيبطل عمله عن المسحور ‪ ،‬والثاني النشرة بالرقية والتعوذات واألدوية والدعوات المباحة فهذا جائز‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن النشرة ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬الفرق بين المنهي عنه و المرخص فيه مما يزيل االشكال‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان النشرة ما يصح منها وما ال يصح والنشرة هي حل السحر عن المسحور ‪ -‬وهي‬
‫نوعان كما ذكرها ابن القيم رحمه هللا نوع محرم و هو حل السحر بسحر مثله و سبب تحريم هذا النوع أن الناشر يتقرب‬
‫إلى الشياطين بأعمال غير مباحة من أجل الحصول على مساعدتهم في ابطال السحر عن المسحور وهذا يتنافى مع‬
‫التوحيد و نوع حالل وهو حل السحر عن المسحور عن طريق االبتهال الى هللا والدعوات المخلصة اليه في أن يزيل عن‬
‫المسحور ما به من سحر ‪ ،‬وكذلك عن طريق االدوية المباحة ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫جاء تحت هذا الباب ثالثة أسئلة و أثر واحد‬

‫األول ‪ :‬سئل الرسول صلى هللا عليه وسلم عن النشرة فقال (هي من عمل الشيطان ) والمقصود بالنشرة هنا تلك التي كان‬
‫أهل الجاهلية يعملونها ‪ ،‬وهي حل السحر بسحر مثله ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أجاب عنه اإلمام أحمد بن حنبل بقوله أن ابن مسعود يكره هذا كله ( يعني أنه يكره النشرة )‬

‫الثالث ‪ :‬أما السؤال الثالث فمن قتاده البن المسيب يسأله فيه عن رجل عمل له سحر حال بينه وبين مباشرة زوجته ‪،‬‬
‫أيصح حل السحر عنه أم ال ؟ فيجيبه ابن المسيب بأن ال بأس بذلك ما دام األمر لالصالح ‪.‬‬

‫و نفع الناس ‪ .‬ولكن قول ابن المسيب هذا يحمل على أنه يقصد حل السحر بالطريق المباح‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب ورد األثر عن الحسن انه قال ال يحل السحر اال ساحر وهذا معناه انه ال يستطيع حل السحر اال من‬
‫تعلم السحر ‪ ،‬وقد تقدم لنا أن من تعلم السحر للعمل به كافر‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫باب ما جاء في التطير‬
‫( قالوا طائركم‬ ‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬اال انما طائرهم عند هللا ولكن أكثرهم ال يعلمون ) االية (‪ - 131‬األعراف ) وقوله ‪:‬‬
‫معكم ) االية (‪ - 19‬يس )‪.‬‬

‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪« :‬ال عدوی وال طيرة وال هامة ‪ ،‬وال صفر »‬
‫أخرجاه ‪ .‬زاد مسلم « وال نوء ‪ ،‬وال غول » ولهما عن أنس قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ال عدوی وال‬
‫طيرة ‪ ،‬ويعجبني الفأل قالوا ‪ :‬وما الفأل ؟ قال ‪ « :‬الكلمة الطيبة » وألبي داود بسند صحيح ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬قال‬
‫ذكرت الطيرة عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬أحسنها الفأل ‪ ،‬وال ترد مسلما فاذا رأى أحدكم ما يكره فليقل ‪:‬‬
‫اللهم ال يأتي بالحسنات اال أنت ‪ ،‬وال يدفع السيئات اال أنت ‪ ،‬وال حول وال قوة اال بك»‪.‬‬

‫وله من حديث ابن مسعود مرفوعا « الطيرة شرك ‪ ،‬الطيرة شرك وما منا اال ‪ ...‬ولكن هللا يذهبه بالتوكل » رواه أبو داود‬
‫والترمذي ‪ .‬وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود وأحمد من حديث ابن عمرو « من ردته الطيرة عن حاجته فقد‬
‫اشرك ‪ ،‬قالوا فما كفارة ذلك ؟ قال أن يقول ‪ :‬اللهم ال خير اال خيرك ‪ ،‬وال طير اآل طيرك ‪ ،‬وال اله غيرك وله من حديث‬
‫الفضل بن العباس «انما الطيرة ما أمضاك أو ردك»‪.‬‬

‫فيه مسائل‪:‬‬

‫‪ .‬األولى ‪ :‬التنبيه على قوله « اال انما طائرهم عند هللا » مع قوله طائركم معكم‬

‫الثانية ‪ :‬نفى العدوي ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬نفي الطيرة‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬نفي الهامة ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬نفي الصفر‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أن الفأل ليس من ذلك بل مستحب ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬تفسير الفأل ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬أن الواقع في القلب من ذلك مع كراهته ال يضر بل يذهبه هللا بالتوكل ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬ذكر ما يقوله من وجده ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬التصريح بأن الطيرة شرك ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬تفسير الطيرة المذمومة ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ابطال العقيدة القائمة على أن شيئا ما من مخلوقات هللا يستطيع أن يأتي بخير لالنسان‬
‫أو يدفع عنه شرا دون ارادة من هللا ‪ ،‬وأن ما يعتقده الناس قديما وحديثا من أن للطير أو األيام أو الشهور دخال في السعادة‬
‫أو الشقاء ‪ -‬انما هو خرافة أبطلها االسالم لمنافاته للتوحيد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان وستة أحاديث كلها تدل على النهي عن التطير ففي اآلية األولى يوضح هللا موقف آل فرعون‬
‫الجائر من موسى عليه السالم والذي يتلخص في أنه إذا أصابهم خير وخصب وسعة في الرزق قالوا هذا بسبب خصوبة‬

‫‪85‬‬
‫أرضنا ‪ ،‬ونتيجة ألعمالنا ‪ ،‬واذا أصابهم مرض أو جدب أو غير ذلك من األمور المزعجة لهم قالوا هذا بسبب شؤم موسى‬
‫وقومه ‪.‬‬

‫( فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يطير وا بموسى ومن معه ) فنفى هللا هذا االعتقاد بقوله ( اال انما‬
‫طائرهم عند هللا ولكن أكثرهم ال يعلمون ) يعني أن كل ما يصيبهم من خير أو شر انما هو بقضاء هللا وقدره‪.‬‬

‫وفي اآلية الثانية من سورة يس اخبار عن تكذيب أهل انطاكية ( قرية ببالد الروم ) للحواريين الذين أرسلهم عيسى عليه‬
‫السالم اليهم ليعبدوا هللا وحده ‪ ،‬ويتركوا عبادة األوثان ‪ ،‬ولكنهم أصروا على بقائهم على الكفر باهلل مهددين الرسل بأن‬
‫دعوتهم إلى التوحيد فيها شؤم بسبب استمالة بعضهم إلى عبادة هللا و تفرق كلمتهم نحو االتجاه إلى التوحيد أو البقاء على‬
‫الوثنية ‪ ،‬فرد عليهم الرسل بأن سبب شؤمهم انما هو بسبب اشراكهم باهلل وكفرهم وضاللهم ‪.‬‬

‫بعد هاتين اآليتين تأتي األحاديث وفي كل حديث منها استدالل على شيء او أشياء مما هو ممنوع اعتقاده‪.‬‬

‫فحديث أبي هريرة رضي هللا عنه يوضح بطالن ما يعتقده الناس فينفي أن األمراض بطبيعتها تعدي اآلخرين دون ارادة‬
‫من هللا وان للطيور في مرورها ذات اليمين أو ذات اليسار ‪ ،‬أو مجيئها من األمام أو الخلف أي تأثير في حياة الناس من‬
‫حصول الخير أو الشر كما كان يعتقد ذلك أهل الجاهلية في السوانح وهي الطيور التي تمر من ناحية اليمين ‪ ،‬والبوارح‬
‫وهي التي تمر من ناحية اليسار ‪ ،‬والناطح والنطيح وهو الذي يأتي من االمام ‪ ،‬والقاعد والقعيد وهو الذي يجيء من‬
‫الخلف ‪.‬‬

‫كما نفى الوهم القائم في أذهان بعض الجهال من أن وقوع البومة على بيت من البيوت معناه انذار بموت أحد سكان ذلك‬
‫البيت ‪.‬‬

‫وأخبر بأن شهر صفر كغيره من الشهور وأن ما يعتقده الجهال من أنه أشهر مشئوم اعتقاد خاطئ أبطله االسالم ‪ ،‬وقوله‬
‫في رواية مسلم وال نوء سيأتي الكالم عليه في بابه ‪.‬‬

‫قوله وال غول ‪ :‬يعني ان الغول ال تؤثر مع ذكر هللا والتوكل عليه والغيالن هي أشباح من الجن والشياطين تتلون أمام‬
‫عيون الناس في الليل في صور مختلفة و تضلهم عن الطريق في الفالة فيهلكون ‪.‬‬

‫ويأتي بعد حديث أبي هريرة هذا حديث أنس وفيه زياده ويعجبي الفأل قالوا ‪ :‬وما الفأل ‪ -‬قال الكلمة الطيبة وفي هذا داللة‬
‫على أن التفاؤل ليس من الطيرة التي نهى عنها‪ .‬ألنه حسن ظن باهلل ‪ ،‬أما التشاؤم فهو سوء ظن باهلل وعالمة ايمان اإلنسان‬
‫أن يكون حسن الظن باهلل في كل لحظة من لحظات حياته ‪.‬‬

‫وفي رواية عقبة بن عامر أثبت الرسول صلى هللا عليه وسلم أن الفأل من الطيرة ولكنه فرق بينهما لما بينهما من‬
‫االختالف فالفأل فيه نفع ‪ ،‬والتشاؤم فيه مضرة ‪ ،‬ولهذا قال الرسول عليه السالم أحسنها الفأل ‪ .‬ثم أخبر أن الطيرة ال ترد‬
‫مسلما ‪ .‬وأشار إلى دعاء يقوله االنسان عندما يرى ما يكره ( اللهم ال يأتي بالحسنات اال أنت وال يدفع السيئات اال أنت وال‬
‫حول وال قوة اال بك )‪.‬‬

‫ويأتي بعد رواية عقبة حديث ابن مسعود وفيه اشارة صريحة إلى تحريم الطيرة وانها من الشرك النها تنافي التوكل على‬
‫هللا وتجعل االنسان يعتقد أن الطيرة فيها نفع أو ضرر والنفع والضرر بيد هللا وحده ‪ ،‬فاذا تعلق قلب اإلنسان بشيء غير‬
‫هللا في النفع أو الضرر كان ذلك شركا ‪ ،‬وليس هناك من شيء يذهب الطيرة غير التوكل على هللا ‪ ،‬واعتقاد انه هو‬
‫صاحب االمر والنهي واالرادة ‪.‬‬

‫و بعد رواية عقبة يجيء حديث ابن عمرو بمعنى جديد وهو أن من عزم على فعل شيء فرأى أو سمع شيئا تشاءم منه‬
‫فعدل عن فعل ذلك الشيء كان ذلك شركا ‪ ،‬لكن اذا وقع التشاؤم في قلب االنسان ثم عدل عنه وسار في تنفيذ ما هو عازم‬
‫على فعله ‪ ،‬فإن كفارة ذلك التشاؤم الذي وقع في القلب ذلك الدعاء اللهم ال خير اال خيرك وال طير اال طيرك وال اله‬
‫غيرك و في نهاية هذا الباب يأتي حديث الفضل ليبين أن الطيرة التي نهى عنها انما هي تلك التي تمنع االنسان من‬
‫مواصلة السير فيما عزم عليه أو تدفع به إلى تنفيذ ما يريده ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫باب ما جاء في التنجيم‬
‫قال البخاري في صحيحه ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬خلق هللا هذه النجوم الثالث زينة للسماء ‪ ،‬ورجوما للشياطين ‪ ،‬وعالمات يهتدى بها‬
‫‪ .‬فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه ‪ ،‬و تكلف ما ال علم له به ‪ .‬انتهى‬

‫وكره قتادة تعلم منازل القمر ‪ .‬ولم يرخص ابن عيينة فيه ذكره حرب عنهما ‪ .‬ورخص في تعلم المنازل احمد و اسحاق ‪.‬‬

‫وعن أبي موسى قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالثة ال يدخلون الجنة ‪ ،‬مدمن الخمر ‪ ،‬و قاطع الرحم ‪،‬‬
‫ومصدق بالسحر رواه أحمد وابن حبان في صحيحه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬الحكمة في خلق النجوم ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬الرد على من زعم غير ذلك ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ذكر الخالف في تعلم المنازل ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬الوعيد فيمن صدق بشيء من السحر ولو عرف انه باطل‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب توضيح أن علم النجوم ينقسم إلى نوعين نوع يسمى علم التسيير وهو معرفة حركة‬
‫النجوم وتنقالتها وتحديد منازلها سواء عن طريق النظر بالعين المجردة أو بواسطة اآلالت المقربة ‪ ،‬وهذا العلم مباح لعدم‬
‫تعارضه مع العقيدة الخالصة هلل‪.‬‬

‫ونوع يسمى علم التأثير وهو االعتقاد بأن للنجوم والكواكب تأثيرا على ما يحدث على هذه األرض من حرب أو سلم أو‬
‫حياة أو موت أو نجاح أو فشل أو قدوم غائب أو شفاء مريض وهذا العلم محرم ألنه وهم وفيه تعارض مع ما اختص هللا‬
‫به نفسه من علم الغيب ‪ ،‬وهو الى جانب هذا شرك ألن نسبة الحوادث الى غير هللا شرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أثر عن قتادة بين فيه أن هذه النجوم التي نشاهدها في السماء خلقت من أجل أمور ثالثة ‪-:‬‬

‫أولها ‪ :‬أنها زينة للسماء و فيها بهجة و عبرة ‪.‬‬

‫ثانيها ‪ :‬أنها بمثابة قذائف نارية لحماية السماء من الشياطين وهذا ما و يعرف في عصرنا بالشهب الكونية ‪.‬‬

‫ثالثها ‪ :‬أنها عالمات يستدل بها المسافرون وغيرهم في البر والبحر على جهة سيرهم ومعرفة القبلة لصالتهم ‪.‬‬

‫فاذا زعم أحد فيها غير هذه الثالثة فقد أخطأ في زعمه وكلف نفسه شيئا ال يعلمه بعد أثر قتادة هذا ورد خالف حول جواز‬
‫تعلم منازل القمر فقتادة يكرهه وابن عيينة لم يرخص فيه ‪ ،‬واحمد وابن اسحاق رخصا فيه والحقيقة أن تعلم منازل القمر‬
‫مثل تعلم النجوم ‪ ،‬فاذا كان الهدف من تعلم منازل القمر يتعلق بأشياء علمية تتعلق بمصالح الناس في حياتهم فهذا مباح ‪،‬‬
‫وان كان الهدف من تعلم المنازل االعتقاد بأن المنازل القمر المختلفة أي تأثير على الحوادث التي تقع على األرض مثل‬
‫السعادة والتعاسة ‪ ،‬والربح والخسارة ‪ ،‬والصحة والمرض مثال فهذا ال يجوز‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يأتي حديث أبي موسى ليقرر أن جزاء شديدا و مؤلما ينتظر مدمن الخمر يعني المداوم على شربها‬
‫وذلك لما للخمر من مضرة على العقل و الجسم و المجتمع‪ ،‬والقاطع للرحم يعني القاطع صلته بأقاربه و المانع خيره عنهم‬

‫‪87‬‬
‫والمصدق بالسحر وقد تقدم الكالم عليه في بابه والشاهد من هذا الحديث قوله ‪ :‬ومصدق بالسحر ‪ .‬ألن تعلم النجوم‬
‫لالعتقاد بأنه لها تأثيرا على الحوادث االرضية يقوم على الوهم والتخمين و الظن الكاذب وهذا نوع من السحر‬

‫‪88‬‬
‫باب ما جاء في االستسقاء باألنواء‬
‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬وتجعلون رزقكم انكم تكذبون ( الواقعة – ‪.)82‬‬

‫عن أبي مالك األشعري رضي هللا عنه ‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬أربع في أمتي من أمر الجاهلية ال‬
‫يتركونهن ‪ :‬الفخر باألحساب ‪ ،‬والطعن في االنساب ‪ ،‬واالستسقاء بالنجوم ‪ ،‬والنياحة ) وقال ‪ ( :‬النائحة اذا لم تتب قبل‬
‫موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطر آن و درع من جرب ) رواه مسلم‬

‫ولهما عن زيد بن خالد رضي هللا عنه قال ‪ :‬صلى بنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صالة الصبح بالحديبية على اثر‬
‫سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال ( هل تدرون ماذا قال ربكم ) ؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم قال ‪ :‬قال‬
‫‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل هللا ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب و أما من قال‬
‫مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ‪.‬‬

‫ولهما من حديث ابن عباس معناه وفيه ‪ :‬قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل هللا هذه اآلية ( فال أقسم بمواقع النجوم‬
‫) إلى قوله ( تكذبون ) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية الواقعة ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ذكر األربع التي من أمر الجاهلية ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ذكر الكفر في بعضها ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن من الكفر ما ال يخرج عن الملة ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬قوله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬بسبب نزول النعمة ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬التفطن لاليمان في هذا الموضع ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬التفطن للكفر في هذا الموضع ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬التفطن لقوله لقد صدق نوء كذا وكذا ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬اخراج العالم للمتعلم المسألة باالستفهام عنها ‪ .‬لقوله أتدرون ماذا قال ربكم‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬وعيد النائحة ‪.‬‬

‫الهدف‪:‬‬

‫القصد من هذا الباب بيان إن نسبة نزول المطر إلى وجود القمر في منزلة من منازله الثمانية والعشرين ‪ ،‬أو إلى طلوع‬
‫نجم أو غروبه أمر يتنافى مع توحيد هللا اذا اعتقد القائل بأن للقمر أو النجوم أي تأثير في نزول المطر ‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫ذكر الشيخ رحمه هللا ورضى عنه تحت هذا الباب آية واحدة‪.‬‬

‫و ثالثة أحاديث ففي اآلية الكريمة ينكر هللا على الذين ينسبون نزول المطر إلى االنواء و يعتقدون أن لها دخال في ذلك ‪،‬‬
‫كما يعتقد ذلك المنكرون لوجود هللا الذين ينسبون كل مظاهر هذا الكون إلى الطبيعة ‪ ،‬فيقول ‪ ( :‬وتجعلون رزقكم أنكم‬
‫تكذبون ) يعني وتجعلون شکر رزقكم اذا مطر تم ( انكم تكذبون ) أن هللا هو الذي أنزله وتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫على أن ذلك ال يعني انکار نزول المطر في أوقات معينة من السنة بارادة هللا ال بتأثير الظواهر الطبيعة من طلوع نجم او‬
‫أفوله كما يعتقد ذلك الطبيعيون الذين ينسبون كل شيء إلى الطبيعة ‪.‬‬

‫ويأتي بعد هذه اآلية حديث أبي مالك األشعري الذي أخبر فيه الرسول عليه السالم أن أمورا أربعة مما كان يفعله الناس‬
‫في الجاهلية ال يتركها الناس حتى بعد دخولهم في االسالم هذه األمور األربعة هي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬الفخر باالحساب يعني تعالي بعض الناس على بعض بمفاخر آبائهم وأجدادهم و اعتقادهم بأنهم أفضل من غيرهم‬
‫من عباد هللا رغم قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ( أال أن هللا قد أذهب عنكم عبية الجاهلية ‪ ،‬وفخرها باآلباء انما هو‬
‫مؤمن تقي أو فاجر شقي الناس بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام أنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن‬
‫أهون على هللا من الجعالن )‬

‫ثانيا ‪ :‬الطعن في االنساب ‪ ،‬يعني التقليل من شأن بعض فئات معينة من المجتمع بسبب عدم معرفة انتسابهم الى قبيلة‬
‫معروفة من قبائل العرب ‪ ،‬رغم أن القرآن جعل مقياس التفاضل فيما بين البشر االستقامة في طاعة هللا ( يا أيها الناس انا‬
‫خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم ) ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستسقاء بالنجوم ‪ ،‬يعني االعتقاد بأن المنازل القمر و مطالع النجوم تأثيرا في نزول المطر كما كان يعتقد ذلك‬
‫أهل الجاهلية فهذا االعتقاد شرك ألن المطر ال ينزل اآل بارادة هللا و أمره ‪ ،‬وليس لمنازل القمر أو النجوم دخل في ذلك ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬النياحه ‪ ،‬يعني رفع الصوت بالبكاء عند نزول المصائب أو عمل أي شيء يدل على الجزع مما قدره هللا وقضاه‬
‫كما يفعله الكثير من الناس اليوم عندما يموت لهم قريب أو صديق ‪.‬‬

‫وهذه األمور األربعة ما يزال الناس متمسكين بها كما أخبر بذلك الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬والشاهد من هذا الحديث‬
‫قوله االستسقاء بالنجوم ‪.‬‬

‫ثم يورد الشيخ رحمه هللا بعد حديث أبي مالك حديث زيد بن خالد ليدلل به على أن من اعتقد ان للنجوم تأثيرا في نزول‬
‫المطر فهو كافر باهلل‪.‬‬

‫فيقول زيد أن الرسول صلى هللا عليه وسلم صلى بهم صالة الصبح بالحديبية بعد مطر نزل في تلك الليلة وبعد أن انتهى‬
‫من صالته سأل الناس قائال ‪ :‬هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا ‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪.‬‬

‫قال ‪ ( :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل هللا ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من‬
‫قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) والمعنى أن من نسب نزول المطر إلى هللا صار من المؤمنين‬
‫باهلل ألن هللا هو الذي يملك انزال المطر دون غيره ‪.‬‬

‫وان من نسب نزول المطر إلى النجوم أو غيرها من المخلوقات فهو كافر باهلل الن النجوم وكل المخلوقات ال دخل لها في‬
‫التصرف في ملك هللا وال تستطيع أن تؤثر في شيء دون ارادة هللا‪.‬‬

‫‪9۰‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا ) اآلية ( البقرة ‪ ) 165 -‬وقوله ‪ ( :‬قل ان‬
‫كان آباؤكم وأبناؤكم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬أحب اليكم من هللا ورسوله ) اآلية ( التوبة ‪)24‬‬

‫عن أنس أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال (ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )‬
‫اخرجاه‪.‬‬

‫ولهما عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( ثالث من كن فيه وجد بهن حالوة اإليمان ‪ :‬أن يكون هللا ورسوله‬
‫أحب اليه مما سواهما وان يحب المرء ال يحبه اال هللا وأن يكره أن يعود في الكفر بعد اذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف‬
‫في النار ) وفي رواية ( ال يجد احد حالوة اإليمان حتى ) إلى آخره ‪.‬‬

‫وعن ابن عباس قال من أحب في هللا ‪ ،‬وابغض في هللا ‪ ،‬ووالى في هللا ‪ ،‬وعادي في هللا ‪ ،‬فانما تنال والية هللا بذلك ‪ ،‬ولن‬
‫يجد عبد طعم االيمان وان كثرت صالته وصومه ‪ -‬حتى يكون كذلك ‪ ،‬وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا و‬
‫ذلك ال يجدي على أهاه شيئا ‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وقال ابن عباس في قوله « وتقطعت بهم االسباب » قال ‪ :‬المودة‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية البقرة ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية براءة ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬وجوب محبته صلى هللا عليه وسلم على النفس واألهل والمال ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن نفي اإليمان ال يدل على الخروج من االسالم ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ان لاليمان حالوة قد تجدها العبد وقد ال يجدها ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أعمال القلب األربع التي ال تنال والية هللا اال بها وال تجد أحد طعم االمان اال بها‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬فهم الصحابي للواقع ‪ :‬أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا‪.‬‬

‫‪.‬الثامنة ‪ :‬تفسير ( وتقطعت بهم االسباب )‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬أن من المشركين من يحب هللا حبا شديدا ‪.‬‬

‫العاشرة ‪ :‬الوعيد على من كانت الثمانية احب اليه من دينه ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬أن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة هللا فهو الشرك االكبر‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب التنبيه على أن من جعل هلل مساويا في المحبة و الطاعة و التعظيم فهو مشرك ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان و حديثان وأثرآن ‪.‬‬

‫ففي اآلية األولى مخبر هللا عن أولئك النوع من البشر الذين يرفعون قادتهم وزعماءهم إلى منزلة فوق منزلتهم البشرية‬
‫فيحبونهم كحب هللا ويتقربون اليهم كما يتقربون إلى هللا فال يطلبون من هللا شيئا اال عن طريقهم وبواسطتهم ‪ ،‬ومعنى هذا‬
‫أنهم يلتجئون اليهم كما يلتجئون الى هللا لهذا خرجوا من دائرة التوحيد إلى مستنقع الشرك ‪ ،‬وصاروا عبيدا لمخلوقين مثلهم‬
‫‪ ،‬فأورثهم هللا حسرة وشقاء في الدار االخرة بسبب بعدهم عن التوحيد الخالص هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫وفي اآلية الثانية ‪ :‬وبعد أن أعلن براءته ورسوله من المشركين و آذنهم بنبذ عهدهم بعد أن ثبت أنه ال عهد لهم كره بعض‬
‫ضعفاء االيمان من المسلمين قتال المشركين لسببين ‪-:‬‬

‫‪91‬‬
‫أوال ‪ :‬وجود رابطة القربي بين المسلمين وبعض المشركين ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬طمعهم في أن يدخل اولئك المشركون في االسالم ‪ .‬و لكن هللا بين في هذه اآلية والتي قبلها بأن فضل االيمان باهلل‬
‫والجهاد في سبيله ال يكمل اال بايثار حب هللا ورسوله وترك والية الكافرين لهذا قال هللا ‪ :‬جلت قدرته ‪ ،‬لرسول هللا عليه‬
‫الصالة و السالم ‪ :‬قل لهؤالء الضعفاء األمان من المسلمين ‪ :‬ان کنتم تفضلون حب اآلباء واالبناء و االخوة و االزواج ‪،‬‬
‫والعشيرة و االموال والتجارة و المساكن على حب هللا ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقابا من هللا يحل بكم عاجال‬
‫أو آجال ‪.‬‬

‫يأتي بعد هاتين اآليتين حديث أنس رضي هللا عنه ليعلن نقص امان المسلم إذا لم يكن حب الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫في نفسه أعظم وأعمق من حب الوالد والولد ومن الناس اجمعين ‪ ،‬وذلك لما له عليه السالم من فضل على البشر في‬
‫هدايتهم للخير ‪ ،‬وابعادهم عن مواطن الشر ثم يتلو حديث أنس هذا حديثه الثاني ليوضح فيه أن لذة االيمان‪.‬‬

‫تتحقق للنفس عند أمور ثالثة ‪-:‬‬

‫األول ‪ :‬أن يكون هللا ورسوله أحب إلى االنسان من كل شيء في هذا الوجود مهما كانت منزلته أو مكانته ‪ ،‬و هذه النظرة‬
‫الرفيعة يصبح االنسان ذا صلة باهلل الن هللا دائما في قلبه يأمره ما يجب وينهاه عما ال يحب ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬اال يكون الغرض من حب المسلم ألخيه الطمع في الحصول على منفعة من منافع الدنيا أو مصلحة من مصالح‬
‫الحياة ‪ ،‬وانما يكون حبه هلل وحده ألن هذه المحبة هي التي تبقى خالدة مع الزمن ‪ ،‬ونجد المسلم لها لذة في قلبه النها قائمة‬
‫على الحب في هللا ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن يكره عودته إلى الكفر بعد أن أنعم هللا عليه باالسالم كما يكره القاءه في قلب النار وكما يكره ذلك لنفسه يكره‬
‫الخيه المسلم خروجه عن االسالم إلى اليهودية أو النصرانية أو غيرهما من الديانات األخرى التي نسخها االسالم بقول هللا‬
‫تعالى ( ومن يبتغ غير اإلسالم دينا فلن يقبل منه وهو في اآلخرة من الخاسرين )‪.‬‬

‫أو اعتناق المعتقد االلحادي المعروف بالمذهب الشيوعي القائم على انکار وجود هللا الخالق لهذا الكون‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يورد الشيخ رحمه هللا هذين االثرين وکالهما عن ابن عباس رضي هللا عنه في األثر االول يقرر‬
‫رضي هللا عنه أن االنسان لن يجد لذة االيمان و ان کثرت عبادته هلل حتى يحب اهل الصالح وااليمان والتقون ۔ محبة‬
‫خالصة هلل حتى وان لم يكن يعرفهم ويكره أهل الكفر والذنوب والمعاصي ولو كانوا من ذوي القربی ‪ ،‬وهذه صفات من‬
‫صفات اولياء هللا المؤمنين كما قال هللا جلت قدرته و تنزهت أسماؤه وصفاته ( اال أن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم‬
‫يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ) ويختتم ابن عباس أثره بقوله ‪ :‬وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا و ذلك ال‬
‫يجدى على أهله شيئا ‪ ،‬فاذا كان هذا قد حدث في عهد ابن عباس ‪ ،‬فكيف لو شاهد عصرنا هذا الذي ثقل فيه ظل الرجل‬
‫الصالح على الكثير من الناس ‪ ،‬و وحل محله في المحبة والتقدير أصحاب الفسق والفجور والعصيان‪.‬‬

‫واألثر الثاني يوضح تبرؤ الرؤساء الذين أضلوا اتباعهم وتقطع الروابط فيما بينهم وذلك حينما يرون العذاب يوم القيامة‬
‫بسبب ما اقترفوه من ذنوب وسيئات وتبرؤ التابعين من الذين اتبعوهم وجعلوهم أندادا هلل في المحبة والتعظيم ولكن أنى‬
‫ينفع التابعين و المتبوعين الندم و قد و اجهوا الحساب وجها لوجه ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ‪ ،‬فال تخافوهم وخافون أن کنتم مؤمنين ) االية ( النساء ‪) 17۰ -‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬انما يعمر مساجد هللا من آمن باهلل واليوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ولم يخش اال هللا) االية ( التوبة ‪)18 -‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬ومن الناس من يقول آمنا باهلل فإذا أوذي في هللا جعل فتنة الناس كعذاب هللا ) اآلية ( العنكبوت ‪. ) 1۰-‬‬

‫عن أبي سعيد رضي هللا عنه مرفوعا «أن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط هللا ‪ ،‬وأن تحمدهم على رزق هللا وأن‬
‫تذمهم على ما لم يؤتك هللا ‪ ،‬أن رزق هللا ال يجره حرص حريص ‪ ،‬وال يرده كراهية کاره»‪.‬‬

‫وعن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال ‪ « :‬من التمس رضي هللا بسخط الناس رضي هللا عنه‬
‫وأرضى عنه الناس ومن التمس رضى الناس بسخط هللا سخط هللا عليه وأسخط عليه الناس » ‪ .‬رواه ابن حبان في‬
‫صحيحه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية آل عمران‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية براءة‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬تفسير آية العنكبوت ‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬أن اليقين يضعف ويقوي ‪.‬‬

‫الخامسة‪ :‬عالمة ضعفه و من ذلك هذه الثالث ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬ان اخالص الخوف هللا من الفرائض ‪.‬‬

‫السابعة‪ :‬ذكر ثواب من فعله ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬ذكر عقاب من ترکه ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن الخوف من األصنام واألوثان وكل المعبودات من دون هللا يتنافى مع التوحيد‬
‫الخالص الخالق هذه الكون كله ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب ثالث آيات ‪ ،‬وحديثان‪.‬‬

‫في اآلية األولى ‪ ،‬اخبار ‪ ،‬ونهي وأمر‪ .‬اخبار بأن عبدة القبور يتملكهم الخوف من أصنامهم وأوثانهم العتقادهم أنهم‬
‫ينفعون ويضرون واذا ما انكر عليهم أهل التوحيد عبادتهم لتلك االوثان واالصنام خوفوهم بأنهم ان لم يتركوا هذا اإلنكار‬
‫عليهم فان هذه االصنام سوف تسبب لهم الكثير من المصائب ‪.‬‬

‫فنهى هللا المؤمنين عن أن يدخل الخوف إلى نفوسهم ألن ذلك إنما هو من وحي الشيطان وأمرهم اال تخافوا اال منه ألنه هو‬
‫المالك لكل شيء وبيده النفع والضر ‪ ،‬ويمكن أن نقسم الخوف من حيث درجاته إلى ثالثة أقسام‪.‬‬

‫االول ‪ :‬شرك وهو الخوف من غير هللا كالخوف من األصنام واألوثان ‪ ،‬واالعتقاد أنها تنفع أو تضر ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬حرام و هو ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجاراة للناس في أمور غير مباحة بسبب الخوف من‬
‫كالمهم ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الثالث ‪ :‬مباح ‪ ،‬وهو الطبيعي ‪ ،‬كالخوف من الفقر والمرض ومن العدو والحيوانات المفترسة كاالسود والنمور والذئاب‬
‫وغيرها ‪.‬‬

‫وفي اآلية الثانية يخبر هللا سبحانه أنه ال يقوم بعمارة مساجد هللا اال من وحد هللا وآمن به ربا وخالقا ‪ ،‬وصدق بيوم القيامة‬
‫والجنة والنار وحافظ على الصالة في خشوع وذلة وخضوع واعطى الزكاة برضاء وايمان و اقتناع ‪ ،‬ولم يخش اال هللا ‪.‬‬
‫والمراد بالخشية هنا العبادة والتعظيم ‪ ،‬ومتى ما عظم االنسان بشرا تعظيم عبودية وخشي أن ينفعه أو يضره من دون هللا‬
‫كان ذلك شركا ‪ ،‬لكن اذا خشي االنسان من ظلم ظالم أو تأثير فاسق او غدر غادر فان هذا ال محذور فيه ‪.‬‬

‫أما اآلية الثالثة فيخبر هللا تعالى فيها أن من الناس من يدعي االيمان بلسانه فاذا حصلت له فتنة في ايمانه أو عقيدته ارتد‬
‫عن إسالمه خوفا من الناس ولهذا فالناس منقسمون في الدين إلى ثالثة أقسام ‪ ،‬قسم صلب العقيدة ‪ ،‬عميق االيمان باهلل و‬
‫قسم کافر مجاهر بكفره و عناده ‪ ،‬وهذان القسمان يشير اليهما قول هللا الكريم ‪ ( :‬فليعلمن هللا الذين صدقوا وليعلمن‬
‫الكاذبين ) ‪.‬‬

‫اما القسم الثالث فهو مذبذب يبين االيمان بلسانه ويبطن الكفر في قلبه ‪.‬‬

‫يشير إلى هذا القسم قول هللا سبحانه وتعالى ‪ ( :‬ومن الناس من يقول آمنا باهلل فاذا أوذي في هللا جعل فتنة الناس كعذاب‬
‫هللا)‬

‫يأتي بعد هذه اآليات حديث أبي سعيد وفيه أن بعض أشياء يعملها االنسان تدل على ضعف ايمانه ‪ ،‬وقد حصر هذه االشياء‬
‫في أمور ثالثة ‪- :‬‬

‫األول ‪ :‬ارضاء الناس ما يسخط هللا من ذلك على سبيل المثال ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجاراة االرضاء‬
‫رغبات الناس ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬حمد الناس على رزق من عند هللا قدره على يد أحد منهم وهيأ اسبابه وهذا ال يتنافى مع االعتراف بما يقدمه‬
‫الناس بعضهم البعض من معروف و احسان ‪ -‬بدليل قول الرسول عليه السالم ( من صنع اليكم معروفا فكافئوه ‪ .‬فان لم‬
‫تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه )‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬ذم الناس على شيء لم يرده هللا ‪ ،‬ألن هللا سبحان هو المعطي وهو المانع ‪ ،‬والناس انما هم واسطة يقدر هللا الرزق‬
‫عن طريقهم ومن هنا كان ذم الناس على شيء لم يرده هللا دليال على ضعف يقين االنسان باهلل ‪.‬‬

‫وفي آخر هذا الحديث اخبر الرسول عليه السالم أن رزق هللا ال يأتي عن طريق الحرص والمهارة والمغامرة وال يمتنع‬
‫عن طريق الحسد والكراهية فما اراده هللا كان وما لم يرده لم يكن‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يرد حديث عائشة رضي هللا عنها مبينا أمرا كثيرا ما يقع فيه الناس بسبب ضعف ايمانهم فيقول أن‬
‫من يطلب رضاء هللا بسخط الناس فان هللا يرضى عنه ‪ ،‬ويرضى عنه الناس مثال هذا لو أن حاكما من حكام المسلمين أو‬
‫زعيما من زعمائهم دفعه ايمانه إلى القيام بدعوة خيرة تجمع كلمة المسلمين ‪ ،‬وتعيدهم إلى اسالمهم من جديد ‪ ،‬ونال في‬
‫سبيل ذلك سخط القادة والزعماء ‪ ،‬ومعارضة السخفاء و السفهاء فان هللا يرضى عنه ويرضى عنه الناس‪.‬‬

‫كما أن من بطلب رضاء الناس بسخط هللا فان هللا يسخط عليه ‪ ،‬ويسخط عليه الناس ‪ ،‬مثال ذلك لو ان حاكما من حكام‬
‫المسلمين أو زعيما من زعمائهم اراد أن ينحرف بعقيدة األمة ‪ ،‬ونظام حياتها إلى طريق غير طريق اإلسالم ‪ ،‬واستخدم‬
‫لهذا الغرض احدا من العلماء ليخضع نصوص الشريعة ‪ ،‬ويتحايل على شرحها وتأويلها بما يتالءم مع اهداف ذلك الحاكم‬
‫المنحرف واغراضه فان ذلك العالم يكون قد أرضى الناس بسخط هللا لذا فان هللا يسخط عليه ‪ ،‬ويسخط عليه الناس ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫باب قول هللا تعالى ‪ ( :‬وعلى هللا فتوكلوا ان کنتم مؤمنين ) (‬
‫المائدة ‪ ) ۲۳ -‬وقوله ‪ ( :‬انما المؤمنون الذين اذا ذكر هللا‬
‫وجلت قلوبهم ) اآلية ( االنفال ‪ )۲ -‬وقوله ‪ ( :‬يا أيها النبي‬
‫حسبك هللا ) اآلية ( االنفال ‪ ) 64 -‬وقوله ( ومن يتوكل على‬
‫هللا فهو حسبه ) اآلية ( الطالق ‪.)۳ -‬‬

‫عن ابن عباس قال ( حسبنا هللا ونعم الوكيل ) قالها ابراهيم عليه السالم حين التي في النار و قالها محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم حين قالوا له « ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانة » رواه البخاري والنسائي ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬ان التوكل من الفرائض ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬انه من شروط االيمان ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تفسير آية األنفال ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬تفسير اآلية في اخرها‬

‫الخامسة ‪ :‬تفسير آية الطالق ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬عظم شأن هذه الكلمة وانها قول ابراهيم عليه السالم و محمد صلى هللا عليه وسلم في الشدائد‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫مراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن التوحيد ال يتحقق كماله اال بالتوكل على هللا‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربع آيات وأثر واحد ‪ .‬ففي اآلية األولى اشارة صريحة إلى أن شرط االيمان الصحيح هو التوكل‬
‫على هللا وحده و مفهوم هذا أن التوكل على المخلوقين فيما ال يقدر عليه اال هللا شرك ال يتجاوز هللا عنه اال بالتوبة الصادقة‬
‫‪.‬‬

‫وفي اآلية الثانية ‪ -‬يصف هللا المؤمنين المخلصين في إيمانهم بأنهم هم الذين اجتمعت فيهم خصال خمس ‪- :‬‬

‫األولى ‪ :‬أنهم اذا ذكر هللا فزعت قلوبهم لعظمة هللا ووعده ووعيده ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬اذا تليت عليهم آيات هللا زادتهم يقينا واطمئنانا ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أنهم يتوكلون على هللا وحده وال يفوضون امورهم إلى غيره ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬انهم يؤدون الصالة في صورتها الكاملة في مناجاة وخشوع ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬انهم ينفقون بعض ما اعطاهم هللا من مال في الزكاة وفي طريق الخير ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫وفي اآلية الثالثة أخبار من هللا أنه يكفي نبيه عليه السالم واتباعه المؤمنين كل ما يهمهم من أمر األعداء ‪ ،‬ومثل هذه اآلية‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬

‫( قل حسبي هللا عليه يتوكل المتوكلون ) ‪ .‬فاذا كان المؤمنون دائما متوكلين على هللا ‪ ،‬ملتجئين اليه بقولهم ( حسبنا هللا‬
‫ونعم الوكيل ) فأولى بأنبيائه أن يكونوا أكمل توحيدا وتوكال من غيرهم ‪.‬‬

‫أما اآلية الرابعة ‪ -‬فيخبر هللا فيها أن من يكل أمره إلى هللا ‪ ،‬ويفوض اليه مصيره فان هللا يكفيه ما أهمه في دنياه وآخرته ‪،‬‬
‫وليس معنى هذا أن يترك المسلم العمل لطلب الرزق اعتمادا على التوكل على هللا فما هذا أمر اإلسالم ‪ ،‬ولكن المطلوب‬
‫من المسلم أن يستغل كل طاقاته للعمل مما يجلب له السعادة في الدنيا واآلخرة ‪ ،‬مع التوكل على هللا ‪ ،‬واالعتقاد بأن ما‬
‫شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن ‪.‬‬

‫يأتي بعد هذه اآليات األثر الوارد عن ابن عباس رضي هللا عنه وفيه أن ابراهيم حينما حطم أصنام المشركين اتفقوا على‬
‫ان يقتلوه حرقا بالنار فلما القوه في قلبها وهي تلتهب قال ‪ :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل فجاءه المدد من هللا مسرعا ففقدت النار‬
‫حرارتها كما قال هللا سبحانه وتعالى ( قلنا يا نار کوني بردا وسالما على ابراهيم )‪.‬‬

‫و قالها محمد عليه السالم حينما بلغه خبر تصميم المشركين على قتاله هو وأصحابه كما ذكر هللا ذلك بقوله ( الذين قال‬
‫لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا هللا ونعم الوكيل ) فاالعتماد على هللا والتوكل عليه‬
‫‪ ،‬يقوى من عزيمة المؤمن ويعمق من ايمانه باهلل‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا اال‬
‫القوم الخاسرون ) االية ( االعراف ‪ ) ۹۹ -‬وقوله ‪ ( :‬ومن‬
‫يقنط من رحمة ربه اال الضالون ) االية ( الحجر ‪) 56 -‬‬

‫عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال ( الشرك باهلل ‪ ،‬واليأس من روح هللا و األمن من‬
‫مكر هللا ) ‪.‬‬

‫وعن ابن مسعود قال ‪ :‬اكبر الكبائر األشراك باهلل واألمن من مكر هللا و القنوط من رحمة هللا واليأس من روح هللا ‪ ،‬رواه‬
‫عبد الرزاق ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية االعراف ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية الحجر ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬شدة الوعيد فيمن أمن مكر هللا ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬شدة الوعيد في القنوط ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫اراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن األمن من مكر هللا والقنوط من رحمة هللا ذنبان عظيمان منافيان لكمال التوحيد‬
‫‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان و حديث و أثر ‪.‬‬

‫ففي اآلية األولى وبعد أن بين سبحانه وتعالى في آية سابقة أخذه ألهل القرى الذين كذبوا رسلهم واصروا على الشرك‬
‫والمعاصي ‪ ،‬ذكر في أول هذه اآلية أن أهل مكة ومن حولهم من أهل القرى و غيرهم من الناس لو استجابوا لدعوة‬
‫الرسول محمد عليه الصالة والسالم وانتهوا عما نهاهم عنه من الشرك باهلل ‪ ،‬لوسع هللا عليهم في الخير وفتح عليهم بركات‬
‫من السماء واألرض ‪ ،‬ولكنهم كذبوه و استمروا في شركهم وفسادهم فخوفهم هللا نزول العذاب بهم بقوله ‪ ( :‬أفأمنوا مكر‬
‫هللا فال يأمن مكر هللا إال القوم الخاسرون) ‪.‬‬

‫واآلية الثانية تحكي استعظام ابراهيم عليه السالم نعمة هللا عليه مولود في وقت بلغ فيه الشيخوخة التامة وذلك من غير‬
‫استبعاد لقدرة ربه القادر على كل شيء ‪.‬‬

‫فقد جاءت المالئكة مبشرين له بولد في وقت لم تجر العادة بأنجاب اوالد لمثل من هو في سنه ‪ ،‬ولذا قال لهم متعجبا ‪( :‬‬
‫أبشرتموني على ان مسني الكبير فيم تبشرون) ‪ .‬فأجابته المالئكة مؤكدين ما بشروه به ( قالوا بشرناك بالحق فال تكن من‬
‫القانطين ) ‪ .‬اليائسين من خرق العادة فاهلل قادر على كل شيء ‪ .‬فأجاهم ابراهيم هذه اآلية ( قال ومن يقنط من رحمة ربه‬
‫اال الضالون ) يعني ال ييأس من رحمة هللا اال من أخطأ سبيل الصواب ‪.‬‬

‫من هاتين اآليتين يظهر أن االستمرار في الذنوب واآلثام استهتارا و عدم خوف من عقاب هللا مناف لكمال التوحيد ‪.‬‬

‫كما أن اليأس من رحمة هللا ‪ .‬واستبعاد قبول التوبة كذلك مناف لكمال التوحيد‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫يأتي بعد هاتين اآليتين حديث ابن عباس رضي هللا عنه وفيه أن اكبر الكبائر االشراك باهلل وألنه أعظم الذنوب جميعا فقد‬
‫قال هللا سبحانه و تعالى ‪ ( :‬انه من يشرك باهلل فقد حرم هللا عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) ‪ .‬واليأس‬
‫من روح هللا يعني قطع األمل والرجاء في هللا وقد قال هللا تعالى ( قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من‬
‫رحمة هللا ) ( واألمن من مكر هللا ) االستمرار في الذنوب والمعاصي من غير خوف من هللا مع متابعة هللا نعمه وخيراته‬
‫على ذلك االنسان المستهتر المعاند ‪ ،‬كما قال هللا سبحانه و تعالى ( سنستدرجهم من حيث ال يعلمون وأملي لهم ان كيدي‬
‫متين ) ‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يأتي أثر بن مسعود رضي هللا عنه وليس فيه زيادة عما ورد في الحديث السابق له سوى كلمة ( و‬
‫القنوط من رحمة هللا ) والقنوط هو أعلى درجات اليأس ‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬هي أن اإلنسان الذي يطلب كمال التوحيد هو الذي يسير في حياته بين الخوف والرجاء ‪ ،‬والخوف من هللا في‬
‫ارتكاب المعاصي والذنوب ‪ ،‬وعدم اليأس من رحمة هللا في قبول التوبة والتجاوز عن الهفوات إذا وقع في ذنب أو معصية‬
‫‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫باب ( من االيمان باهلل الصبر على أقدار هللا ) ‪.‬‬
‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬ومن يؤمن باهلل يهد قلبه ) اآلية ( التغابن‪)11-‬‬

‫قال علقمة ‪ :‬هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند هللا فيرضى ويسلم ‪.‬‬

‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ « :‬اثنتان في الناس هما بهم كفر ‪ :‬الطعن في‬
‫النسب ‪ ،‬والنياحة على الميت ‪ ،‬ولهما عن ابن مسعود مرفوعا « ليس منا من ضرب الخدود ‪ ،‬وشق الجيوب و دعا‬
‫بدعوى الجاهلية»‬

‫وعن أنس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « اذا اراد هللا بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ‪ ،‬واذا أراد بعبده‬
‫للشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة وقال النبي صلى هللا عليه وسلم «آن عظم الجزاء مع عظم البالء وان هللا‬
‫اذا أحب قوما ابتالهم ‪ ،‬فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط » ‪ .‬حسنه الترمذي ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية التغابن ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن هذا من االيمان باهلل‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬الطعن في النسب ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬عالمة ارادة هللا بعبده الخير ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬عالمة حب هللا للعبد ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬تحريم السخط ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬ثواب الرضا بالبالء ‪.‬‬

‫الهدف‪:‬‬

‫قصد رحمه هللا من هذا الباب بيان أن الصبر على أقدار هللا المؤلمة يقتضيه كمال التوحيد وان عدم الجزع مما قدره هللا‬
‫دليل على عمق ايمان المسلم‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية واحدة و اربعة أحاديث‪.‬‬

‫ففي أول هذه اآلية جاء قول هللا تعالى ‪ ( :‬ما أصاب من مصيبة اال باذن هللا ) يعني أن كل ما يحدث في هذه الحياة انما هو‬
‫بقضاء هللا وقدره ‪ ،‬لذا فال يجزع االنسان عندما يحصل له ما يكره ثم بين آن االيمان يضيء القلب ‪ ،‬فقال ( ومن يؤمن‬
‫باهلل يهد قلبه ) أي أن من صبر على المعصيبة و احتسب مثوبة ذلك عند هللا فان هللا يشرح صدره ويمنحه استراحة النفس‬
‫واطمئنان القلب ( وهللا بكل شيء عليم ) يعني أن هللا مطلع على كل ما في هذا الكون من ما نعلمه وما ال نعلمه و له‬
‫الحكمة فيما يقضيه ويقدره ‪.‬‬

‫ويمثل علقمة لمن ينطبق عليه معنى اآلية الكريمة فيقول ( هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند هللا فيرضى ويسلم‬
‫)‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫يأتي بعد هذا حديث أبي هريرة رضي هللا عنه وفيه أن الطعن في االنساب والنياحة على الميت أمران من أمور الجاهلية‬
‫يجب االبتعاد عنهما ‪ ،‬وقد تقدم الكالم عليهما في باب االستسقاء بالنجوم ولكن المصنف هنا ذكر هما ألن النياحة تنافي‬
‫الصبر على اقدار هللا‪.‬‬

‫يتلو هذا الحديث حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وفيه وعيد وتخويف لمن جزع من قضاء هللا وقدره ‪.‬‬

‫فيقول أن الرسول عليه السالم قال « ليس منا من ضرب الخدود » يعني ليس من طريقتنا وال من تعاليم شريعتنا (‪19)1‬‬
‫ضرب الخدود تبرما و عدم رضا مما يقدره هللا و عبر بضرب الخدود عن الجزع ألن الناس الذين ال يملكون القدرة على‬
‫الصبر يقومون عادة بضرب خدودهم عند حلول المصائب والكوارث ‪ ،‬و مثل ضرب الخدود شق الجيوب كل منهما يدل‬
‫على عدم الرضا بقضاء هللا وقدره ‪ « ،‬ودعا بدعوى الجاهلية » وهذا يحتمل أمرين اما ان يراد به دعاء الشخص‬
‫المصاب على نفسه بالويل والثبور وعظائم األمور واما ان يراد به الدعوة إلى العصبية الجاهلية لاللتفاف حول العنصر‬
‫والجنس بدال من العقيدة والدين ‪ ،‬كما يفعل ذلك دعاة القومية العربية مثال ‪.‬‬

‫وفي الحديث الثالث حديث أنس دليل على أن المصائب في الحياة تكون سببا في مغفرة الذنوب واآلثام ‪ ،‬لذا فهي في الواقع‬
‫نعمة ‪ ،‬ألن تعجيل العقوبة في الدنيا خير أراده هللا لعبده « اذا أراد هللا بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا » «كما أن‬
‫هللا إذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ‪ ،‬بمعنى أن من العصاة و المنحرفين من يتركه هللا هائما‬
‫في ضالله غارقا في رذائله حتى اذا جاء يوم القيامة يحمل أوزاره وشاهد الجزاء الذي ينتظره تذكر انه كان مجرما في‬
‫حق هللا بسبب انتها که لمحارمه وعصيانه له ولكن أنى ينفع ذلك التذكر والجزاء العادل حاصل ال محالة ‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يأتي قول الرسول صلى هللا عليه وسلم (أن عظم الجزاء مع عظم البالء )‪ .‬بمعنى أنه كلما كان البالء‬
‫عظيما كلما كان الجزاء عظيما ‪ ،‬لكن بشرط وجود الصبر والرضا بقضاء هللا رضاء کامال ( و قوله وان هللا إذا أحب‬
‫قوما ابتالهم ) بمعنى أن ابتالء هللا الحد من المسلمين دليل على حبه له ‪ ،‬و امتحان االيمانه وصبره فمن رضي بهذا‬
‫االمتحان و تحمل وصبر فله الرضاء ومن سخط من هذا االبتالء وجزع ولم يصبر فله السخط من هللا‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫(‪ )1‬ال ن‬


‫يخف ما يراه االمامان الجليالن أحمد بن حنبل وسفيان الثوري من كراهية تأويل نصوص الوعيد ‪،‬‬
‫ن‬
‫لكن خوفا من تمسك بعض الناس بظاهر الحديث يق اخراج المرتكب لهذا األمر من دائرة االسالم ذكرت‬
‫ذلك‬
‫‪1۰۰‬‬
‫باب ما جاء في الرياء وقول هللا تعالى ‪ ( :‬قل انما انا بشر‬
‫مثلكم يوحى إلي انما الهكم اله واحد ) اآلية ( الكهف –‬
‫‪)۱۱۰‬‬

‫عن أبي هريرة مرفوعا قال هللا تعالى ‪ ( :‬انا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عمال أشرك معي فيه غيري تركته‬
‫وشرکه ) رواه مسلم‪.‬‬

‫وعن أبي سعيد مرفوعا « اال أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال » ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا رسول هللا ‪ .‬قال «‬
‫الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي ‪ ،‬فيزين صالته لما يرى من نظر رجل » رواه أحمد‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية الكهف ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬األمر العظيم في رد العمل الصالح اذا دخله شيء لغير هللا‪.‬‬

‫ذكر السبب الموجب لذلك و هو كمال الغني‪ .‬الثالثة ‪:‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن من األسباب أنه خير الشركاء ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬خوف النبي صلى هللا عليه وسلم على أصحابه من الرياء ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أنه فسر ذلك بأن المرء يصلى هلل لكن يزينها لما يرى من نظر رجل اليه‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ‪ ،‬بيان أن العمل اذا لم يكن خالصا هلل فهو مناف للتوحيد وأن أولئك الذين يكثرون من‬
‫األعمال الصالحة من أجل أن يصفهم الناس بالتقوى والصالح ‪ ،‬أنما هم مخادعون ولن يقبل هللا منهم تلك األعمال ألنها‬
‫ليست هلل ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية واحدة وحديثان‪.‬‬

‫فاآلية فيها أمر من هللا لنبيه عليه الصالة و السالم ‪ ،‬أن يعلم الناس انه بشر ال يعلم شيئا من األمور الغيبية وغيرها اال ما‬
‫أوحى هللا به اليه من أمور أهمها أن العبودية ال تكون اال هلل وحده وأن من يطمع في رضاء هللا ‪ ،‬فليخلص العبادة له‪ .‬دون‬
‫سواه ‪ ،‬وال يشرك مع هللا في عبادته شركا أكبر كما يفعل ذلك عبدة األصنام واألوثان وال شرکا خفيا كما يفعل ذلك أهل‬
‫الرياء ‪ ،‬والسبب في تسميته بالشرك الخفي أنه عمل قلب ال يعلمه اال هللا ‪ ،‬فصاحب الرياء يظهر أن عمله هلل ‪ ،‬و هو‬
‫يقصد ثناء الناس ومدحهم ‪ ،‬أو التوصل بذلك العمل إلى غرض من أغراض الدنيا‪.‬‬

‫يأتي بعد هذه اآلية حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه أن من قصد بعمله غير هللا جازاه هللا على عمله السيء ولم‬
‫يقبل منه ذلك العمل ألنه لم يكن خالصا هلل‪.‬‬

‫وفي نهاية الباب يأتي خبر أبي سعيد أن الرسول عليه الصالة والسالم أخبر أنه تخاف على أمته من الشرك الخفي اكثر‬
‫من خوفه عليهم من فتنة المسيح الدجال وحينما سألوه عن هذا الشيء الخطير قال ‪ « :‬الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي‬
‫فيزين صالته لما يرى من نظر رجل » ‪ ،‬و هذا دليل على خطورة الرياء و على ضعف ايمان المرائي و فساد قلبه ‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬أن الرياء شرك لكنه ال يخرج المسلم من دائرة االسالم‬

‫‪1۰1‬‬
‫باب من الشرك إراحة االنسان بعمله الدنيا ‪.‬‬
‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها ال يبخسون ‪ ،‬أولئك الذين ليس لهم‬
‫في االخرة اال النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) (هود ‪. ) 16 -15‬‬

‫في الصحيح عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تعس عبد الدينار ‪ ،‬تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد‬
‫الخميصة ‪ ،‬تعس عبد الخميلة ‪ ،‬ان اعطي رضي وان لم يعط سخط ‪ .‬تعس و انتكس ‪ ،‬واذا شيك فال انتقش ‪ ،‬طوبى لعبد‬
‫آخذ بعنان فرسه في سبيل هللا ‪ ،‬أشعث رأسه ‪ ،‬مغبرة قدماه ‪ ،‬إن كان في الحراسة كان في الحراسة ‪ ،‬وان كان في الساقة‬
‫كان في الساقة ‪ ،‬أن استأذن لم يؤذن له ‪ ،‬وان شفع لم يشفع ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬ارادة االنسان الدنيا بعمل اآلخرة ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية هود ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تسمية االنسان المسلم عبد الدينار والدرهم والخميصة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬تفسير ذلك بأنه أن أغطي رضى وان لم يعط سخط‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬قوله ‪ ( :‬تعس و انتكس )‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬قوله واذا شيك فال انتقش ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬الثناء على المجاهد الموصوف بتلك الصفات‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا في هذا الباب بيان أن من قصد بعمله الصالح أمرا دنيويا كان عمله هذا منافية للتوحيد‬

‫وهذا الباب قريب في معناه من باب الرياء اال ان بينهما فرقا دقيقا قد ال يتضح للكثير من الناس فالرياء هو أن يتظاهر‬
‫االنسان بالصالح والتقوى طلبا لمدح الناس وثنائهم ‪.‬‬

‫اما ارادة اإلنسان بعمله الدنيا ‪ ،‬فهو أن يعمل االنسان اعماال صالحة يقصد منها الحصول على المال مثل أن يأمر‬
‫بالمعروف وينهي عن المنكر للحصول على الوظيفة أو يحافظ على الصالة ليتحصل على وظيفة االمامة مثال ‪ ،‬أو يتعلم‬
‫العلم من أجل الدنيا ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وحديث‪.‬‬

‫ففي اآلية الكريمة اخبار بأن من كان همه من األعمال الصالحة التي يعملها لتمتع بزخارف الدنيا وما بها من نعيم ‪ ،‬دون‬
‫اهتمام باآلخرة ‪ ،‬أو استعداد للجنة باالعمال الصالحة الخالصة هلل فان هللا يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوفير أسباب‬
‫السعادة لهم فيعطيهم من األموال واألوالد ما يشعرون معه بنعيم الحياة حتى اذا جاء يوم القيامة لم يجدوا لهم رصيدا من‬
‫( أولئك الذين ليس لهم في اآلخرة اال النار وحبط ما‬ ‫األعمال الصالحة ‪ .‬فيتحقق فيهم قول هللا سبحانه و تعالى ‪:‬‬
‫صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون ) يعني هؤالء الذين ال هم لهم في الدنيا اال التمتع بملذات الحياة ‪ ،‬ليس لهم في اآلخرة‬
‫اال النار ‪ ،‬ألن ما عملوه من أعمال لم يقصدوا بها التقرب إلى هللا ‪ ،‬وانما من أجل الوصول إلى غايات دنيوية وقد أعطاهم‬
‫هللا جزاء أعمالهم في الدنيا فصاروا من الخاسرين في اآلخرة ‪.‬‬

‫‪1۰2‬‬
‫لفساد أعمالهم وعدم قبولها عند هللا جل جالله ‪ ،‬ويأتي بعد هذه اآلية الكريمة حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪ .‬وفيه ما‬
‫هو دعاء بلفظ الخبر من الرسول عليه الصالة والسالم بالشقاء لمن استولى حب المال على قلبه ‪ .‬حتى صار بمنزلة العبد‬
‫له فقال ‪ :‬تعس عبد الدينار ‪ ،‬تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد الخميصة ‪ ،‬تعس عبد الخميلة ‪ ،‬الدينار ‪ :‬يعني به الذهب ‪-‬‬
‫والدرهم‪ :‬يقصد به الفضة ‪ -‬الخميصة ‪ ،‬والخميلة ‪ :‬يشير بهما إلى نوع من الثياب الفاخرة الناعمة والمقصود بهذا كله تعلق‬
‫القلب بحب الدنيا تعلقا يجعله مستعبدا لها معتمدا عليها ‪ ،‬وهذا ينافي حقيقة العبودية هلل وقد وصف الرسول صلى هللا عليه‬
‫و سلم عابد المال بصفة تتالءم مع منزلة الدنيا في قلبه فقال أن أعطي من الدنيا رضي وان لم يعط منها سخط وهذا دليل‬
‫على استيالء حب المال على قلبه ولهذا قال عليه الصالة و السالم ( تعس وانتكس ) يعني حصل له شقاء بعد شقاء ألن‬
‫رضاءه وسخطه لم يكن هلل وانما من اجل الدنيا ‪ .‬واذا شيك فال انتقش دعاء ايضا من الرسول عليه السالم بلفظ الخبر بأنه‬
‫إذا أصابته شوكة ال يستطيع على اخراجها بالمنقاش و معلوم ما لبقاء الشوكة في الجسم من ألم نفسي وجسمي و قلق و از‬
‫عاج إلى أن تخرج منه ‪ ،‬اذا فدعاء الرسول عليه السالم بهذه الدعوة دليل على عدم رضائه عن عبدة المال ‪ ،‬وسوء‬
‫المصير الذي ينتظرهم ‪ ،‬ثم بعد أن بين حالة عبدة المال وما يالقونه في اآلخرة من خسارة و إفالس بين أوصافا أخرى ‪،‬‬
‫ألناس يختلفون عن هؤالء في نظرتهم للحياة ‪ ،‬وما ينتظر هم من حسن جزاء عند هللا ‪ ،‬فقال طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه‬
‫في سبيل هللا ‪ ،‬ثم ذكر أوصاف ذلك الرجل بأمور أربعة ‪.‬‬

‫األول ‪ :‬أنه اشعث الرأس ‪ ،‬وهذا يشير إلى أنه ال نشغاله بالجهاد في سبيل هللا لم يكن لديه من الوقت ما يتيح له اصالح‬
‫شعر رأسه و تنظيمه وإبعاد التراب عنه ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أنه مغبر القدمين للسبب نفسه‪.‬‬

‫إن كان في حراسة الجيش فتنبه لتحركات العدو وإن كان في مؤخرة الجيش فكذلك يقظة وحذر ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أنه ال جاه وال منزلة له عند القادة والزعماء ‪ ،‬لذا فانه و ال يؤذن له إذا استأذن للدخول عندهم ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أنه لو اراد أن يشفع في أمر من األمور فان شفاعته ال تقبل وال تنفذ ‪ .‬و مقارنة بسيطة بين العابد هلل والعابد للمال‬
‫‪ ،‬إن العابد هلل يعيش حياة قاسية ‪ ،‬وأنه ال جاه له وال منزلة لدى الناس ‪.‬‬

‫و عابد المال يعيش حياة ناعمة ‪ ،‬وله المكان األول في اإلكرام ‪ ،‬والتقدير واالحترام ولكن األمر في اآلخرة يختلف ‪ ،‬فعابد‬
‫المال يذهب الى النار ‪ ،‬والعابد هلل يذهب إلى الجنة ‪.‬‬

‫وليس معنى هذا أن ينقطع المسلم للعبادة ‪ ،‬ويترك طلب الرزق في الدنيا ألن هذا ليس من االسالم ‪ ،‬ولكن المطلوب من‬
‫المسلم أن يبحث عن الرزق الحالل بكل الوسائل الشريفة النزيهة ليستعين به على طاعة هللا ‪ ،‬وليبذل منه في طرق الخير‬
‫‪ ،‬على أن ال يحتل حب الدنيا مكانة هللا في قلبه ‪.‬‬

‫‪1۰3‬‬
‫باب من اطاع العلماء واألمراء في تحريم ما أحل هللا أو‬
‫تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا من دون هللا‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬يوشك أن تنزل عليکم حجارة من السماء اقول ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و تقولون قال أبو‬
‫بكر وعمر ‪ .‬وقال أحمد بن حنبل ‪ :‬عجبت لقوم عرفوا اإلسناد و صحته ‪ ،‬يذهبون إلى رأي سفيان ‪ ،‬وهللا تعالى يقول (‬
‫فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ) اتدري ما الفتنة ؟ الفتنة ‪ :‬الشرك ‪ ،‬لعله اذا رد‬
‫بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ‪.‬‬

‫عن عدي بن حاتم انه سمع النبي صلى هللا عليه وسلم يقرأ هذه اآلية ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون هللا ) اآلية‬
‫( التوبة ‪ . )31 -‬فقلت له انا لسنا نعبدهم ‪ .‬قال ‪ « :‬أليس يحرمون ما أحل هللا فتحرمونه ‪ ،‬ويحلون ما حرم هللا فتحلونه ؟‬
‫فقلت بلى قال ‪ :‬فتلك عبادتهم » رواه أحمد والترمذي وحسنه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية النور‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية براءة ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬التنبيه على معنى العبادة التي انكرها عدي ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬تمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر وتمثيل احمد بسفيان‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬تغير االحوال إلى هذه الغاية حتى صار عند االكثر عبادة الرهبان هي أفضل األعمال ‪ ،‬وتسمى الوالية ‪.‬‬
‫وعبادة األحبار هي العلم والفقه ثم تغيرت األحوال إلى أن عبد من دون هللا من ليس من الصالحين ‪ ،‬وعبد بالمعنى الثاني‬
‫من هو من الجاهلين ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن مصدر التشريع هو هللا وحده وان من اطاع العلماء واألمراء والعباد وغيرهم‬
‫في تحريم ما أحله هللا ‪ ،‬أو تحليل ما حرمه هللا فقد جعلهم أربابا من دون هللا ‪ ،‬والربوبة تستلزم األلوهية ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أثر عن ابن عباس ‪ ،‬وقول لالمام أحمد وحديث عن عدي بن حاتم‪.‬‬

‫فأثر ابن عباس رضي هللا عنه فيه تحذير من عقاب ينزل على من يستدل بقول احد على تحليل شيء أو تحريمه مع‬
‫مخالفته لقول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقصة هذا التحذير انه حصل نقاش بين ابن عباس وبين بعض الصحابة في‬
‫هل األفراد بالحج أفضل أم التمتع بالعمرة الى الحج افضل ‪ ،‬وكان ابن عباس يرى أن التمتع أفضل من األفراد ‪ ،‬ويستدل‬
‫على قوله بقول الرسول صلى هللا عليه وسلم «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهللت بالحج و لجعلتها عمرة ‪ ،‬غير‬
‫أن بعض الصحابة يرى أن األفراد افضل استدالال برأي أبي بكر وعمر في ذلك فأجابهم ابن عباس قائال يوشك أن تنزل‬
‫عليکم حجارة من السماء أقول قال رسول هللا و تقولون قال أبو بكر وعمر ‪.‬‬

‫وقول االمام احمد رحمه هللا فيه انكار على الذين يعرفون اسناد الحديث وصحته ثم يتركونه تقليدا لعالم من العلماء مهما‬
‫كان فضله وعلمه اما من ال يعرف االسناد وصحته لقصوره عن فهم الحديث السبب من األسباب فال حرج عليه في أن‬
‫يقلد من يرى فيه العلم والتقوى ‪ ،‬ولتأكيد االنكار أورد االمام رحمه هللا اآلية الكريمة ‪ ( :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره‬
‫أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ‪.‬‬

‫‪1۰4‬‬
‫ثم فسر الفتنة بأنها الشرك وزاد على ذلك بأن من رد بعض قول الرسول صلى هللا عليه و سلم ر ما يقع في قلبه زيغ‬
‫فيهلك ‪.‬‬

‫وعلى العموم فقد نهى األئمة رحمهم هللا عن تقليدهم اذا استبانت سنة رسول هللا عليه الصالة والسالم يقول أبو حنيفة‬
‫رحمه هللا ‪ ،‬اذا جاء الحديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فعلى الرأس والعين ‪ ،‬و اذا جاء عن الصحابة رضي هللا‬
‫عنهم فعلى الرأس والعين و اذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال ‪ ،‬ويقول االمام الشافعي رحمه هللا ‪ :‬اذا صح‬
‫الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي الحائط ‪.‬‬

‫ويقول اإلمام مالك رحمه هللا ‪ :‬كل يؤخذ من قوله ويترك اال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫يأتي بعد هذا الحديث حديث عدي بن حاتم رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه دليل واضح على أن طاعة العلماء و العباد أو غيرهم من‬
‫قادة أو زعماء في معصية هللا عبادة لهم من دون هللا ‪.‬‬

‫والخالصة من هذا كله ‪-:‬‬

‫‪ )1‬أن قول الرسول صلى هللا عليه وسلم مقدم على قول كل أحد وانه ال يصح التقليد باتباع رأي أي شخص في التحليل‬
‫والتحريم مع مخالفته للنص الوارد عن الرسول عليه السالم ‪.‬‬

‫‪ )2‬آن باب االجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة لمن كان أهال له ‪.‬‬

‫‪ )3‬آن طاعة العلماء والقادة والزعماء وغيرهم في تحليل ما حرم هللا أو تحريم ما أحل هللا شرك أكبر ال يغفره هللا‪.‬‬

‫‪1۰5‬‬
‫باب قول هللا تعالى ‪ ( :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا‬
‫بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك بريدون أن يتحاكموا إلى‬
‫الطاغوت ‪ ،‬وقد أمروا أن يكفروا به ‪ ،‬ويريد الشيطان أن‬
‫يضلهم ضالال بعيدا ) اآليات ( النساء ‪ )6۰ -‬وقوله ‪ ( :‬واذا‬
‫قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا انما نحن مصلحون)‬
‫االية ( البقرة ‪) ۱۱ -‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬وال تفسدوا في األرض بعد اصالحها ) (ادعوه خوفا وطمعا أن رحمة هللا قريب من المحسنين )( األعراف ‪-‬‬
‫‪ ) 56‬وقوله ‪ ( :‬أفحكم الجاهلية يبغون ) اآلية ( المائدة – ‪)5۰‬‬

‫عن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪« :‬ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » قال‬
‫النووي حديث صحيح ‪ ،‬رويناه في كتاب الحجه باسناد صحيح ‪.‬‬

‫وقال الشعبي ‪ :‬كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي ‪ :‬نتحاكم الى محمد ‪ -‬ألنه عرف أنه ال‬
‫يأخذ الرشوة ‪ -‬وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود ‪ .‬لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ‪ .‬فاتفقا أن يأتيا کاهنا في جهينة فيتحاكما اليه‬
‫فتزلت ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) االية ‪ .‬وقيل نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما ‪ :‬نترافع إلى النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم وقال اآلخر ‪ :‬إلى كعب بن األشرف ‪.‬ثم تر افعا إلى عمر فذكر له احدهما القصة ‪ ،‬فقال للذي لم يرض برسول هللا‬
‫صلى هللا عليه و سلم ‪ :‬أكذلك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فضربه بالسيف فقتله ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬تفسير آية النساء وما فيها من االعانة على فهم الطاغوت ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية البقرة ( واذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض )‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تفسير آية االعراف ( وال تفسدوا في األرض بعد اصالحها )‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬تفسير ( أفحكم الجاهلية يبغون ) ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ما قاله الشعبي في سبب نزول اآلية األولى ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬تفسير االيمان الصادق والكاذب ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬قصة عمر مع المنافق ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬كون االيمان ال يحصل ألحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫اراد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ‪ ،‬التوضيح بأن كل تحاكم ال يقوم على شريعة هللا تحاكم باطل ألنه ينافي التوحيد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أربع آيات وقول للشعبي في سبب نزول اآلية األولى ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) اآلية وحديث‬
‫واحد ‪.‬‬

‫‪1۰6‬‬
‫فاآلية األولى ‪ :‬فيها اشارة إلى تناقض أولئك الذين يدعون االيمان بالقرآن وما سبقه من الكتب السماوية ‪ ،‬ثم يفعلون ما‬
‫تخالف ذلك من التحاكم إلى الكهنة والدجالين ومدعي الكشف والوالية ‪ ،‬او ما يصنعه البشر من أنظمة أو قوانين تخالف‬
‫شرع هللا ودينه ‪.‬‬

‫وفي اآلية اشارة إلى أن التحاكم إلى الطاغوت ‪ ،‬واستبدال احكام هللا بأحكام تخالف شريعته خروج عن االسالم ‪.‬‬

‫وسبب نزول هذه اآلية كما ذكر في آخر هذا الباب أن رجلين اختصما فقال أحدهما نترافع إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫وقال اآلخر تترافع إلى كعب بن األشرف ثم ترافعا إلى عمر ‪ ،‬فذكر له أحدهما القصة ‪ ،‬فقال للذي لم يرض برسول هللا ‪:‬‬
‫أكذلك قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فضربه بالسيف فقتله ‪.‬‬

‫وفي اآلية الثانية ‪ :‬نهي عن الفساد بكل انواعه وصوره و تصوير الواقع المفسدين في األرض في كل مكان وزمان ‪( ،‬‬
‫واذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض ) بمحاربة التوحيد ‪ ،‬والدعوة إلى الفتنة ‪ ،‬وعدم الرضاء بالتحاكم الى شريعة هللا ( قالوا‬
‫انما نحن مصلحون ) وفي اجابتهم هذه خداع وتضليل ‪ ،‬ألنهم يعلمون تمام العلم فساد ما يفعلونه بدافع من طمع في مركز‬
‫‪ ،‬او انحراف في خلق ‪ ،‬وهذا شأن كل المفسدين في األرض حينما يريدون االنحراف بالبشر عن طريق هللا ‪ ،‬الى طرق‬
‫المتاهات والشرور ‪ ،‬يدعون أنهم مصلحون حتى ولو أخرجوا الناس عن دينهم ‪ ،‬واستباحوا محارمهم ‪ ،‬ونهبوا أموالهم فهم‬
‫يدعون أنهم مصلحون‪ ،‬ولكن هللا سبحانه وتعالى كذبهم بقوله ‪ ( :‬اال انهم هم المفسدون ) المفسدون ظاهرا وباطنا وأن‬
‫ادعاءهم االصالح ال حقيقة له في واقع االمر ‪.‬‬

‫وفي اآلية الثالثة ‪ ،‬نهي عن االفساد في األرض بعد أن انعم هللا عليها باالصالح ‪ ،‬وهذا يشمل افساد العقول بالكفر بعد‬
‫االيمان و افساد النفوس بالفجور بعد الصالح والتقوى ‪ ،‬و افساد تعاليم الخالق باستبدالها بآراء المخلوقين بها ‪.‬‬

‫أما اآلية الرابعة فهي تنكر في شدة على الذين يختارون حكم الجاهلية القائم على الجور و الهوى ‪ ،‬على حكم هللا المبني‬
‫على العدل وعدم التحيز‪ .‬وسبب نزول هذه اآلية ‪ ،‬أن بني النضير وبني قريظة كانت بينهم خصومة ‪ ،‬فتحاكموا إلى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وطلب بعضهم من الرسول عليه الصالة والسالم أن يحكم بينهم ما كان عليه أهل الجاهلية‬
‫من التفاضل والتمييز بين الناس في األحكام بجعل دية القرظي ضعفي دية النضيري ‪ ،‬فقال عليه السالم « القتلى بواء » (‬
‫سواء) فقال بنو النضير نحن ال نرضى بذلك ‪.‬‬

‫بعد هذه اآليات األربع يأتي حديث ابن عمر وفيه اشارة صريحة إلى نقص االيمان لدى كل شخص ال تكون نفسه راضية‬
‫رضاء تاما ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم من أحكام و اوامر وتوجيهات ‪ ،‬والخالصة من هذا الباب كله ‪ ،‬أن كل‬
‫من رفض الحكم بكتاب هللا وسنة نبيه عليه السالم ‪ ،‬واستبدل بها غيرها من آراء البشر فهو كافر ‪ ،‬يدل على ذلك داللة‬
‫قاطعة قول هللا سبحانه و تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الكافرون )‪.‬‬

‫‪1۰7‬‬
‫باب من جحد شيئا من األسماء والصفات ‪.‬‬
‫وقول هللا تعالى ‪ ( :‬وهم يكفرون بالر حمن ) اآلية ( الرعد‪) 3۰ -‬‬

‫وفي صحيح البخاري قال علي ‪ :‬حدثوا الناس ما يعرفون أتريدون أن يكذب هللا ورسوله ‪.‬‬

‫وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس أنه رأى رجال انتفض لما سمع حديثا عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم في الصفات استنكارا لذلك فقال ‪ :‬ما فرق هؤالء ؟ يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه ‪.‬‬

‫ولما سمعت قريش رسول هللا صلى عليه و سلم يذكر الرحمن انكروا ذلك فأنزل هللا فيهم ( وهم يكفرون بالرحمن )‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬عدم االيمان بجحد شيء من األسماء والصفات ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية الرعد ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ترك التحديث بما ال يفهم السامع ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ذكر العلة أنه يفضي إلى تكذيب هللا ورسوله ولو لم يتعمد المنكر ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬كالم ابن عباس لمن استنكر شيئا من ذلك وانه هلكة‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان ما يترتب على جحود شيء من اسماء هللا أو صفاته‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية ‪ ،‬و روايتان احداهما عن علي والثانية رواية عبد الرزاق عن ابن عباس ‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة قيل في سبب نزولها أن المشركين جحدوا اسم الرحمن والقصة باختصار كما رواها قتادة أن النبي عليه‬
‫الصالة و السالم حينما أراد أن يعقد صلح الحديبية بينه و بين المشركين أمر أن تبدأ وثيقة الصلح بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫فقال المشركون ‪ :‬ال نعرف الرحمن وكان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فقال أصحابه دعنا نقاتلهم فقال‪ :‬ال‪ ،‬اكتبوا ما‬
‫يريدون ثم قال هللا لرسوله عليه السالم ‪ ( :‬قل هو ربي‬

‫ال اله اال هو ) يعني قل لهؤالء الضالين المشركين أن الرحمن الذي كفرتم به ( هو خالقي ومعبودي عليه توكلت في جميع‬
‫أموري واليه متاب ) يعني اليه وحده توبتي ‪.‬‬

‫وقريب من هؤالء الجهمية وبعض من المعتزلة القائلين إن الرحمة ال تدل على صفة قائمة باهلل ‪ ،‬ونظرتهم هذه قائمة على‬
‫أن اثبات صفات هللا يستلزم اثبات آن له جسما ‪ ،‬وهذا فيه تشبيه للخالق بالمخلوقين ‪ ،‬ونتيجة لهذه النظرية الخاطئة عطلوا‬
‫هللا من صفاته ‪ ،‬مخالفين بذلك أهل السنة والجماعة ‪ ،‬الذين يصفون هللا ما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من‬
‫( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ‪.‬‬ ‫غير تشبيه وال تعطيل ‪ ،‬كما قال هللا سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫يأتي بعد هذه اآلية قول علي رضي هللا عنه ‪ ،‬وسبب هذا أن القصاصين كثروا في عهده حتى وصل بهم األمر إلى ذكر‬
‫احاديث غريبة وغير صحيحة ‪ ،‬والشيء الذي يخشي معه الشك فيما هو صحيح من سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فأمر علي رضي هللا عنه أولئك القصاصين اال يحدثوا العوام من الناس اال ما هو واضح و مفيد لهم في عقيدتهم وعباداتهم‬
‫‪ ،‬ومعامالتهم دون التوسع في أشياء فوق مدارك عقولهم‬

‫‪1۰8‬‬
‫وفي آخر هذا الباب ترد رواية عبد الرزاق عن ابن عباس ‪ ،‬و فيها ان ابن عباس رضي هللا عنه ‪ ،‬استغرب من رجل ممن‬
‫ينكر صفات هللا ينزعج عندما سمع حديثا عن الرسول صلى هللا عليه وسلم في صفات هللا ‪ ،‬مع أن صفات هللا ثابتة في‬
‫القرآن والسنة ‪ ،‬وهي صفات کمال ‪ ،‬يجب على المسلم أن يؤمن بها ‪ ،‬ويسلم بأن لكل منها مدلوال خاصا يليق بجالل هللا‬
‫وعظمته ‪ .‬وفي نهاية الباب تأتي الرواية ‪ ..‬أن قريشا خينما سمعت النبي عليه الصالة و السالم يذكر الرحمن أنكروا ذلك‬
‫فأنزل هللا (وهم يكفرون بالرحمن) و قصة هذا اإلنكار أن المشركين سمعوا النبي عليه السالم يقول في دعائه وهو ساجد‬
‫« يا رحمن يارحيم » فقالوا ان محمدا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى فانزل هللا ( قل ادعو هللا أو ادعوا‬
‫الرحمن أيا ما تدعوا فله األسماء الحسنی)‪.‬‬

‫والخالصة ‪:‬‬

‫أن صفات هللا التي وردت في القرآن الكريم أو سنة رسول هللا عليه الصالة والسالم صفات حقيقية يجب اثباتها هلل كما‬
‫يعتقد ذلك أهل السنة و الجماعة‪.‬‬

‫‪1۰9‬‬
‫باب قول هللا تعالى ‪ ( :‬يعرفون نعمة هللا ثم ينكرونها ) اآلية‬
‫( النحل ‪ ) ۸۳ -‬قال مجاهد ما معناه ‪ :‬هو قول الرجل ‪ :‬هذا‬
‫مالي ورثته عن آبائی ‪ .‬وقال عون بن عبد هللا ‪ :‬يقولون لوال‬
‫فالن لم يكن كذا ‪.‬‬
‫وقال ابن قتيبة ‪ :‬يقولون هذا بشفاعة آلهتنا و قال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه « أن هللا تعالى قال ‪ :‬اصبح‬
‫من عبادي مؤمن بي وكافر » الحديث وقد تقدم ‪ -‬وهذا كثير في الكتاب والسنة ‪ ،‬يذم سبحانه من يضيف انعامه إلى غيره‬
‫‪ ،‬ويشرك به ‪ .‬قال بعض السلف ‪ :‬هو كقولهم كانت الريح طيبة و المالح حاذقا ونحو ذلك مما هو جار على السنة كثير‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير معرفة النعمة وانکارها ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬معرفة أن هذا جار على ألسنة كثير ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تسمية هذا الكالم انكار للنعمة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬اجتماع الضدين في القلب ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب بيان ذم الذين ينسبون نعم هللا إلى غيره لمنافاته ذلك لكمال التوحيد‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد في هذا الباب آية واحدة و بعض أمثلة عليها‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة هذه مرتبطة بايتين قبلها هما قول هللا سبحانه ( وهللا جعل لكم من بيوتكم سكنا ‪ ،‬وجعل لكم من جلود األنعام‬
‫بيوتا تستحقونها يوم ظعنكم ‪ ،‬ويوم اقامتكم ومن أصوافها ‪ ،‬وأوبارها وأشعارها أثاثا لكم و متاعا إلى حين وهللا جعل لكم‬
‫مما خلق ظالال ‪ ،‬وجعل لكم من الجبال اكنانا ‪ ،‬وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم‬
‫لعلكم تسلمون ‪ ،‬فان تولوا فانما عليك البالغ المبين ‪ ،‬يعرفون نعمة هللا ثم ينكرونها ‪ ،‬واكثرهم الكافرون) ‪.‬‬

‫ومن سياق اآلية نرى أن هللا تعالى بعد أن عدد على المنكرين لنعمه هذه النعم الكبيرة فجعل لهم بيوتا من الحجارة ‪،‬‬
‫وغيرها يسكنونها و من جلود االنعام وأصواف الضأن و أوبار االبل ‪ ،‬و اشعار المعز أثاثا للبيوت ولباسا لألجسام إلى‬
‫جانب البيوت الخفيفة الحمل التي يأوون اليها في نزهاتهم و أسفارهم (الخيام و الخدور وغيرها) ‪.‬‬

‫ومن الجبال معاقل و حصونا يلجأون اليها في وقت السلم والحرب ‪ ،‬وثيابا من القطن وغيره تقيهم الحر ‪ ،‬و دروعا تمنع‬
‫عنهم بأس السالح ‪.‬‬

‫بين أنهم يعرفون أن هذه النعم كلها من هللا ‪ ،‬ولكنهم مع هذا االعتراف‪ ،‬ينكرونها بأفعالهم ‪ ،‬اذ ينسبون النعم إلى شفاعة‬
‫آلهتهم ‪ ،‬او الى مجهود آبائهم أو غير ذلك مما يشعر بعدم االعتراف بأن هللا سبحانه وتعالى هو صاحب الفضل دائما وأبدا‬
‫‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬ان كل من ينسب النعم إلى غير هللا فقد أوقع نفسه في نوع من انواع الشرك ‪.‬‬

‫باب قول هللا تعالى ( فال تجعلوا هلل أندادة وأنتم تعلمون ) االية ( ‪ 22‬البقرة )‪.‬‬

‫‪11۰‬‬
‫قال ابن عباس في اآلية األنداء هو الشرك ‪ ،‬أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ‪ ،‬وهو أن تقول ‪ :‬وهللا‬
‫وحياتك يا فالن وحياتي ‪ ،‬وتقول ‪ :‬لو ال كليبة هذا ألتانا اللصوص‪ ،‬ولوال البط في الدار ألتي اللصوص‪ .‬وقول الرجل‬
‫لصاحبه ‪ :‬ما شاء هللا وشئت ‪ ،‬وقول الرجل ‪ :‬لوال هللا و فالن ‪ ،‬ال تجعل فيها فالنا ‪ ،‬هذا كله به شرك رواه ابن أبي حاتم‬
‫‪.‬‬

‫وعن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال « من حلف بغير هللا فقد كفر ‪ ،‬أو أشرك »‬
‫رواه الترمذي وحسنه ‪ ،‬وصححه الحاكم ‪.‬‬

‫وقال ابن مسعود ‪ :‬ألن أحلف باهلل كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ‪.‬‬

‫وعن حذيفة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه و سلم قال «ال تقولوا ما شاء هللا وشاء فالن ‪ ،‬ولكن قولوا ‪ :‬ما شاء‬
‫هللا ثم شاء فالن » رواه أبو داود بسند صحيح ‪.‬‬

‫وجاء عن ابراهيم النخعي أنه يكره ‪ :‬أعوذ باهلل وبك ‪ ،‬ويجوز أن يقول باهلل ثم بك ‪ ،‬قال ‪ :‬ويقول لوال هللا ثم فالن وال‬
‫تقولوا ‪ :‬لوال هللا و فالن ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية البقرة في األنداد ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن الصحابة يفسرون اآلية النازلة في الشرك األكبر بأنها و نعم االصغر ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن الحلف بغير هللا شرك‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬انه اذا حلف بغير هللا صادقا فهو اكبر من اليمين الغموس ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬الفرق بين الواو وثم في اللفظ ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب التنبيه على أن أولئك الذين يرفعون المخلوق الى درجة الخالق ويساوون بينه وبين هللا‬
‫انما هم مشركون مع هللا في عبادته ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب هذه اآلية تفسير البن عباس لكلمة األنداد وحديثان وقوالن‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة في بدايتها أمر من هللا للبشر بأن يتجهوا اليه بالعبادة دون غيره ‪ ،‬مذكرا لهم أنه صاحب الفضل واالنعام في‬
‫خلقهم من العدم إلى الوجود ‪ ،‬وفوق هذا جعل األرض فراشا لهم و السماء بناء ‪ ،‬وانزل لهم المطر فتفجرت االرض‬
‫بالثمار والزروع ‪ ،‬فنعموا بخيرات هللا ‪ ،‬وعاشوا في نعمة من هللا ولهذا وبعد أن عدد هللا عليهم هذه النعم الكثيرة ‪ ،‬وأنه هو‬
‫المنعم بها وصاحب الفضل فيها دون غيره ؟‬

‫قال ‪ ( :‬فال تجعلوا هلل أندادا وأنتم تعلمون ) ‪ .‬يعني فال تجعلوا هلل شركاء في عبادته ‪.‬‬

‫وقد فسر ابن عباس رضی هللا عنه األنداد بأنهم الشركاء و وصف الشرك بوصف دقيق وخفي فقال ‪ :‬هو أخفى من دبيب‬
‫النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ‪ .‬ثم مثل هذا الشرك الخفي بقوله ‪ :‬وهو أن تقول وهللا وحياتك يا فالن وحياتي ‪،‬‬
‫ولوال كليبة هذا ألتانا اللصوص ‪ ،‬ولوال البط في الدار ألتي اللصوص وقول الرجل لصاحبه ما شاء هللا وشئت ‪ ،‬وقول‬
‫الرجل لوال هللا و فالن ‪ .‬ال تجعل فيها فالن هذا كله به شرك ‪.‬‬

‫وبسبب خفاء هذا الشرك األصغر كثيرا ما يقع فيه الناس ‪ ،‬والسبب الذي جعل هذه الكلمات تجعل المتكلم بها مشركا ‪ ،‬أن‬
‫الواو تقتضي مساواة المعطوف للمعطوف عليه ‪ ،‬فاذا قال أحد لوال هللا والرئيس ‪ ،‬فكأنه جعل الرئيس هذا مساويا هلل في‬
‫األمر والتصرف والتدبير ‪ ،‬وهذا شرك لكن لو قال ‪ :‬لوال هللا ثم الرئيس لم يكن ذلك شركا ‪ ،‬ألن ثم ليست كالواو تقتضي‬

‫‪111‬‬
‫مساواة المعطوف للمعطوف عليه ‪ ،‬وانما تقتضي التعقيب والتراخي ‪ ،‬يعني أن مساعدة الرئيس جاءت بعد أمر هللا و‬
‫ارادته متأخرة عنه ‪ ،‬ومن هنا يظهر الفرق بين لفظ الواو وثم ‪.‬‬

‫ولذا ورد هنا في حديث حذيفة عن النبي عليه السالم قوله ‪« :‬ال تقولوا ‪ :‬ما شاء هللا وشاء فالن ولكن قولوا ما شاء هللا ثم‬
‫شاء فالن » و بهذا المعنى جاءت رواية ابراهيم النخعي الواردة في هذا الباب ‪.‬‬

‫يأتي بعد تفسير ابن عباس هذا حديث عمر رضي هللا عنه وفيه دليل صريح على كفر من حلف بغير هللا‪.‬‬

‫وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه هللا في قرة عيون الموحدين ‪ ،‬تعليقا على هذا الحديث بأنه كفر دون كفر يعني‬
‫أنه كفر ال يخرج عن االسالم ‪.‬‬

‫ولخطورة الحلف بغير هللا ‪ ،‬وأنه اكبر من الذنوب الكبيرة ‪ ،‬قال ابن مسعود رضي هللا عنه ‪ :‬ألن احلف باهلل كاذبا أحب‬
‫إلي من أن أحلف بغيره صادقا ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف باهلل ‪.‬‬
‫عن ابن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪( :‬ال تحلفوا بآبائكم ‪ ،‬من حلف باهلل فليصدق ‪ ،‬ومن حلف له باهلل‬
‫فليرض ‪ ،‬و من لم يرض فليس من هللا) رواه ابن ماجه بسند حسن‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن الحلف باآلباء ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬األمر للمحلوف له باهلل أن يرضي ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬وعيد من لم يرض ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ايضاح أن عدم االقتناع بالحلف باهلل دليل على ضعف اإليمان وعدم استشعار النفس‬
‫لعظمة هللا وجالله ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫لم يرد تحت هذا الباب سوى حديث واحد هو حديث ابن عمر رضي هللا عنه و قد احتوى على أربعة أمور ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬النهي عن الحلف باآلباء ومثله الحلف بالكعبة و النبي والحياة والشرف وما أشبه ذلك من مخلوقات هللا والسبب في‬
‫هذا أن الحلف تعظيم واستشعار في القلب بعظمة المحلوف به والتعظيم القائم على خضوع القلب عبادة والعبادة ال تكون‬
‫اال هللا وحده لذا كان الحلف بغير هللا شركا ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬األمر بعدم الكذب في الحلف باهلل ‪ ،‬وذلك أن الكذب في حد ذاته رذيلة من الرذائل ‪ ،‬واذا كان في حق هللا كان اكبر‬
‫جرما ‪ .‬وقد أوجب هللا الصدق بقوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين ) وحذر من الكذب بقوله‬
‫تعالى ( انما يفتري الكذب الذين ال يؤمنون بآيات هللا )‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن يكون المسلم حسن الظن بأخيه المسلم اذا خلف له باهلل على شيء فيرضى ويسلم ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬خطورة عدم الرضا بالحلف باهلل ‪ ،‬كما ورد في آخر الحديث و من لم يرض فليس من هللا‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫باب قول ما شاء هللا وشئت ‪.‬‬
‫عن قتيلة أن يهوديا اتى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬انكم تشركون ‪ ،‬تقولون ‪ :‬ما شاء هللا وشئت ‪ ،‬وتقولون ‪ :‬والكعبة‬
‫‪ .‬فأمرهم النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ‪ :‬ورب الكعبة ‪ ،‬وأن يقولوا ‪ :‬ما شاء هللا ثم شئت ‪.‬‬
‫رواه النسائي وصححه‬

‫وله أيضا عن ابن عباس أن رجال قال للنبي صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ما شاء هللا وشئت ‪ :‬فقال « أجعلتني هلل ندا ‪ .‬ما شاء هللا‬
‫وحده » ‪ .‬والبن ماجه ‪ ،‬عن الطفيل أخي عائشة ألمها قال رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود ‪ ،‬قلت انكم ألنتم القوم ‪،‬‬
‫لوال أنكم تقولون عزير ابن هللا ‪ ،‬قالوا وانتم ألنتم القوم ‪ ،‬لوال انكم تقولون ‪ :‬ماشاء هللا وشاء محمد ‪ ،‬ثم مررت بنفر من‬
‫النصارى ‪ ،‬فقلت انكم ألنتم القوم ‪ ،‬لوال أنكم تقولون المسيح ابن هللا ‪ ،‬قالوا وأنتم ألنتم القوم ‪ ،‬لوال أنكم تقولون ما شاء هللا‬
‫وشاء محمد ‪ ،‬فلما اصبحت أخبرت بها من اخبرت ثم أتيت النبي صلى هللا عليه وسلم فأخبرته ‪ ،‬قال ‪« :‬هل أخبرت بها‬
‫أحدا» ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال فحمد هللا واثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد فان طفال رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منکم و انكم قلتم‬
‫كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ‪ ،‬فال تقولوا ما شاء هللا وشاء محمد ولكن قولوا ‪ :‬ما شاء هللا وحده‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬معرفة اليهود بالشرك األصغر ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬فهم االنسان اذا كان له هوی ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم أجعلتني هللا ندا ؟ ‪ .‬فكيف بمن قال ‪ :‬يا أكرم الخلق مالي من الوذ به سواك ‪ ،‬والبيتين‬
‫بعده ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن هذا ليس من الشرك األكبر لقوله « يمنعني كذا وكذا » ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬انها قد تكون سببا لشرع بعض االحكام ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد االمام المجدد رحمه هللا من هذا الباب توجيه المسلم إلى العقيدة الصافية القائمة على التوحيد الخالص وان التلفظ‬
‫مثل ما ورد في ترجمة الباب مناف لكمال التوحيد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديثان القتيلة و ابن عباس ‪ ،‬ورؤيا منامية للطفيل بن عبد هللا‪.‬‬

‫والحديثان أولهما ‪ :‬ينهي عن الحلف بالكعبة ‪ ،‬وعن مساواة احد مع هللا في المشيئة وحتى ال يقع االنسان في امر نہی عنه‬
‫هللا أمر الرسول من أراد أن يحلف أن يقول ورب الكعبة ‪ ،‬وان يقول ما شاء هللا ثم شئت ‪ ،‬وقد مر بنا تفصيل لهذا المعنى‬
‫في باب قول هللا تعالى ( فال تجعلوا هللا اندادا و انتم تعلمون ) ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬فيه سد ألي منفذ يمكن أن يؤدي إلى أي نوع من انواع الشرك اذ أنكر الرسول عليه السالم على الرجل ذلك‬
‫الوارد ذكره في الحديث قوله ‪ :‬ما شاء هللا وشئت ‪ ،‬قائال ‪ :‬أجعلتني هلل ندا ‪ .‬ثم وجهه إلى أن يجعل المشيئة هلل وحده قائال ‪:‬‬
‫قل ما شاء هللا وحده ‪.‬‬

‫وفي آخر الباب تأتي رؤيا الطفيل المنامية فيرويها لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويأمر الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫أصحابه أال يقولوا ما شاء هللا وشاء محمد ولكن ليقولوا ‪ :‬ما شاء هللا وحده ‪ ،‬وهذا فيه دليل على حرص الرسول عليه‬
‫الصالة والسالم على أن تكون عقيدة المسلم خالصة هلل ‪ ،‬بعيدة عن كل ما يؤثر على صفاء هذه العقيدة الخالصة هلل رب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫باب من سب الدهر فقد آذى هللا‬
‫وقول هللا تعالى ( وقالوا ما هي اال حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا اال الدهر ) في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬قال هللا تعالى يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يسب الدهر ‪ ،‬وأنا الدهر ‪ ،‬اقلب الليل والنهار ‪.‬‬

‫وفي رواية ال تسبوا الدهر ‪ ،‬فان هللا هو الدهر ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن سب الدهر ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تسميته أذى هلل ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬التأمل في قوله ( فان هللا هو الدهر )‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أنه قد يكون سابا ولو لم يقصد بقلبه ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد رحمه هللا من هذا الباب الكشف عن جهل أولئك الذين يسبون الدهر وينسبون اليه ما يصادفهم من‬
‫منغصات في هذه الحياة‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذه الترجمة آية وحديث قدسي‪.‬‬

‫فاآلية القرآنية الكريمة تتحدث عن انکار دهرية الكفار ومن تبعهم من مشركي العرب للبعث واعتقادهم أن الدهر هو الذي‬
‫يسبب لهم المتاعب ويجر عليهم النكبات وأن موتهم أمر طبيعي يتم بفعل الزمن ‪ .‬و عقيدتهم هذه قائمة على أنهم بعد موتهم‬
‫‪ ،‬يحيا أبناؤهم من بعدهم ‪ ،‬ثم يموت أبناؤهم ويحيا أبناؤهم من بعدهم وهكذا إلى ما ال نهاية له ‪ ،‬وعلى ضوء هذه العقيدة‬
‫فال حياة عندهم بعد الموت وال ثواب وال عقاب ‪ ،‬وال جنة ‪ ،‬وال نار ‪ ،‬وانما هي أيام تتالحق الفناء الناس لكن هللا أخبر أن‬
‫هذا االعتقاد مجرد أوهام وظنون ‪ ،‬ولهذا قال هللا تعالى (وما لهم بذلك من علم إن هم اال يظنون) يعني أن اعتقادهم انه‬
‫ليست هناك حياة غير هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬وأن الدهر هو الذي يسبب الهالك للبشر اعتقاد ال يستند إلى منطق أو دليل ‪.‬‬

‫وتتناول اآلية الكريمة ‪ ،‬العقيدة الشيوعية القائمة على انکار وجود هللا ‪ ،‬وهذا هو أعلى مراتب الكفر ‪ ،‬وأخطر انواع‬
‫الجهل ‪ ،‬النه ما من‬

‫ذرة في األرض وال في السماء ‪ ،‬اال وهي تؤكد أن هذا الكون بكل ما فيه من صغير أو كبير متحرك أو ساكن انما كان‬
‫بارادة هللا وقدرته ‪ ،‬وليس للصدفة فيه أدني نصيب ‪ ،‬ذلك أنه لو كان للصدفة أي نوع من أنواع التأثير ‪ ،‬لما كان هذا‬
‫الكون في تركيبه ودقته و تنظيمه ‪ ،‬على هذا النحو من األحكام واالتقان ‪ ،‬فالشمس مثال نراها في كل يوم تطلع من جهة‬
‫معينة ‪ .‬ثم تغيب في جهة معينة ‪ ،‬متخذة لها مسارا وضع بدقة متناهية ‪ ،‬ومثل الشمس في دقة نظامها ‪ ،‬جميع الكواكب في‬
‫تحركاتها ‪ ،‬في مداراتها المختلفة منذ أن خلقها هللا ‪ ،‬والى أن يأذن هللا بفناء هذا الكون ‪.‬‬

‫يأتي بعد اآلية في هذا الباب الحديث القدسي ‪ ،‬وفيه النهي عن سب الدهر ‪ ،‬والسبب في هذا النبي أن العرب في الجاهلية‬
‫كانوا إذا أصابهم مكروه ‪ ،‬أو شدة قالوا ‪ :‬يا خيبة الدهر ‪ ،‬اعتقادا منهم بأن الدهر هو سبب هذه الكوارث فيسبونه ‪ ،‬وسبهم‬
‫للدهر ‪ ،‬انما هو سب هلل ألن الفاعل في الحقيقة هو هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬أما األيام والشهور فهي مخلوقة هلل وليس لها تأثير‬
‫في شيء دون ارادة هللا‪.‬‬

‫و شبيه بالذين ينسبون الكوارث للدهر ‪ ،‬أولئك الذين ينسبون حدوث الزالزل والبراكين ‪ ،‬ونحو ذلك إلى الطبيعة وحدها ‪،‬‬
‫فالكل يعيش في متاهة عقلية ‪ ،‬وضالل مهلك‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫والخالصة ‪:‬‬

‫أن كل شيء في هذا الوجود خاضع الرادة هللا و تدبيره ‪ ،‬وأن األيام والشهور ال تنفع أحدا وال تضره ‪ ،‬وأن من انكر‬
‫وجود هللا أو لم يصدق بالحياة اآلخرة ‪ ،‬فهو كافر يستحق الخلود في النار ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫باب التسمي بقاضي القضاة و نحوه‬
‫في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه و سلم قال (أن أخنع اسم عند هللا رجل تسمى ملك األمالك ‪ ،‬ال‬
‫مالك اال هللا) ‪.‬‬

‫قال سفيان ‪ :‬مثل شاهان شاه ‪ .‬وفي رواية « أغيظ رجل على هللا يوم القيامة وأخبثه » قوله « أخنع » يعني ‪ :‬أوضع ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن التسمي ملك األمالك‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن ما في معناه مثله كما قال سفيان ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬التفطن للتغليظ في هذا ونحوه مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬التفطن أن هذا ال جالل هللا سبحانه ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المؤلف رحمه هللا بهذا الباب بهذا ان أن المبالغة في تعظيم المخلوق باطالق األوصاف الحقيقية هللا عليه كملك‬
‫الملوك وقاضي القضاة أمر يتنافى مع كمال التوحيد ‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث ورواية‪.‬‬

‫فالحديث فيه التحذير من التسمى ملك األمالك ‪ ،‬ألن ملك األمالك في الحقيقة هو هللا سبحانه وتعالى صاحب الملك المطلق‬
‫‪ ،‬يعطى الملك من عباده لمن يشاء ‪ ،‬وينزعه ممن يشاء ‪ ،‬ولفظ ملك الملوك يوحي بالتعظيم الذي يشبه تعظيم الخالق وهذا‬
‫ال يجوز ‪ ،‬وشبيه في النهي بالتسمي ملك الملوك التسمي بقاضي القضاة قياسا على ملك الملوك ‪ ،‬ألن قاضي القضاة ‪،‬‬
‫معناه احكم الحاكمين ‪ ،‬وأحكم الحاكمين في الواقع هو هللا وحده‪.‬‬

‫وأما الرواية فتأتي بلفظ آخر فتقول ‪ ( :‬أغيظ رجل على هللا يوم القيامة ‪ ،‬وأخبثه ‪ ..‬الخ )‪.‬‬

‫يعني أن من تسمي بهذا االسم أو غيره من األسماء التي توحي بالتعظيم المتكلف الباعث على الكبر ‪ ،‬والتعاظم على الناس‬
‫‪ ،‬فان هللا يبغضه ‪ ،‬ويسقط هيبته ‪ ،‬و احترامه بين البشر ‪ ،‬ويؤيد هذا حديث عوف عن جالس عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( اشتد غضب هللا على من قتله نبي ‪ ،‬واشتد غضب هللا على رجل تسمی ملك االمالك ال‬
‫مالك اال هللا عز وجل ) ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫باب احترام أسماء هللا تعالى و تغيير االسم ألجل ذلك‬

‫عن أبي شريح انه كان يكنى أبا الحكم ‪ ،‬فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم «ان هللا هو الحكم واليه الحكم » فقال ان قومي‬
‫اذا اختلفوا في شيء آتوني فحكمت بينهم ‪ ،‬فرضي كال الفريقين ‪ .‬فقال « ما أحسن هذا فما لك من الولد ؟ قلت ‪ :‬شريح و‬
‫مسلم وعبد هللا ‪ :‬قال فمن اكبرهم ؛ « قلت ‪ :‬شريح ‪ .‬قال ‪ :‬فأنت ابو شريح » رواه أبو داوود وغيره ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬احترام صفات هللا و أسماء هللا ولو لم يقصد معناه ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تغير االسم ألجل ذلك ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬اختيار اكبر األبناء للكنية ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية اإلسالم من هذا الباب بيان األمر باحترام اسماء هللا وعدم التسمي بها تعظيما لذاته و اعترافا مقام العبودية له‬
‫وحماية لجانب التوحيد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث أبي شريح هذا ‪ ،‬وفيه أن أبا شريح الخزاعي كان رجال مرضيا في قومه لما عرف عنه من‬
‫انصاف و عدم تحيز ‪ ،‬فكانوا يلجاون اليه عن تراض ‪ ،‬ليقوم بالصلح فيما بينهم من خالفات ‪ ،‬فكنوه باني الحكم ‪ ،‬وما زال‬
‫الناس يکنونه بهذه الكنية حتى غير الرسول عليه الصالة والسالم كنيته من أبي الحكم إلى ابي شريح و السبب في تغيير‬
‫ذلك ‪ ،‬ما ذكره الرسول صلى هللا عليه وسلم في هذا الحديث بقوله (أن هللا هو الحكم واليه الحكم )‪.‬‬

‫فاهلل هو الحكم واليه الحكم في الدنيا و يوم القيامة ‪ ،‬كما قال هللا تعالى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى هللا ) وقوله (‬
‫فان تنازعتم في شيء فردوه الى هللا والرسول ان کنتم تؤمنون باهلل واليوم االخر ‪ ،‬ذلك خير وأحسن تأويال ) و الحكم إلى‬
‫هللا معناه الحكم إلى كتابه العزيز ‪ ،‬والحكم إلى رسوله هو الحكم اليه في حياته والى سنته بعد بعد مماته ‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬أن أبا شريح هذا لم يكن يقضي بين الناس بأحكام ملزمة كما يفعل ذلك الطواغيت الذين يحكمون بغير ما‬
‫أنزل هللا ‪ ،‬وانما كان يحل خالفات قومه عن طريق الصلح القائم على التراضي ‪ ،‬وهذا أمر محمود و مطلوب من كل أحد‬
‫‪ ،‬كما قال هللا سبحانه و تعالى ( ال خير في كثير من نجو اهم اال من أمر بصدقة أو معروف أو اصالح بين الناس ) ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫باب من هزل بشيء فيه ذكر هللا أو القرآن أو الرسول ‪.‬‬
‫وقول هللا تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قال أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) اآلية ( ‪– 9۰‬‬
‫التوبة ) ‪.‬‬

‫عن ابن عمر و محمد بن کعب وزيد بن أسلم وقتادة ‪ -‬دخل حديث بعضهم في بعض انه قال رجل في غزوة تبوك ‪ :‬ما‬
‫رأينا مثل قرائنا هؤالء ‪ ،‬أرغب بطونا ‪ ،‬وال اكذب السنا ‪ ،‬وال أجبن عند اللقاء ‪ -‬يعني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأصحابه القراء ‪ -‬فقال له عوف بن مالك ‪ :‬كذبت ‪ ،‬و لكنك منافق ‪ ،‬ألخبرن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فذهب‬
‫عوف إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليخبره ‪ ،‬فوجد القرآن قد سبقه ‪ ،‬فجاء ذلك الرجل إلى رسول هللا ‪ ،‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ‪ -‬فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬انما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق ‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬كأني أنظر اليه متعلقا بنسعة ناقة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأن الحجارة تنكب رجليه ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫انما كنا نخوض ونلعب ‪ ،‬فيقول له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) ؟ ما يلتفت اليه‬
‫وما يزيد عليه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬وهي العظيمة أن من هزل بهذا فهو كافر ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن هذا تفسير اآلية فيمن فعل ذلك كائنا من كان ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬الفرق بين النميمة والنصيحة هلل ولرسوله ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬الفرق بين العفو الذي يحبه هللا و بين الغلظة على اعداء هللا ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن من األعذار ما ال ينبغي أن يقبل ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد صاحب الكتاب رحمه هللا من هذا الباب بيان کفر من استهزأ باهلل أو آياته أو رسوله ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية وسبب نزولها‪ .‬فاآلية الكريمة جاءت بين آيتين مرتبطتين بها تمام االرتباط ‪،‬‬

‫وحتى تكون الصورة متكاملة في الذهن نذكر اآليات الثالث حسب ترتيبها القرآنييحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة‬
‫تنبئهم بما في قلوبهم ‪ ( ،‬قل استهزئوا أن هللا مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب ؟ قل أباهلل‬
‫وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ‪ .‬ال تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا‬
‫مجرمين) ‪ ،‬واآليات الثالث جاءت لفضح حال من أحوال المنافقين وقد بدأت اآلية األولى من هذه اآليات الثالث بيان حذر‬
‫المنافقين الشديد من نزول سورة تكشف ما تنطوي قلوبهم عليه من شك في الوحي ورسالة الرسول عليه الصالة والسالم ‪،‬‬
‫وتوضح ترددهم بين االيمان والكفر لهذا كانت أحاديثهم في مجالسهم الخاصة ال تكون لذيذة ومسلية إال حينما تقوم على‬
‫االستهزاء والسخرية من الرسول عليه السالم وأصحابه القراء ‪ ،‬كما حدث ذلك في غزوة تبوك حينما أخذ جماعة من‬
‫المنافقين يتندرون كعادتهم بني هللا وصحابته ‪ ،‬بقولهم ‪ :‬ما رأينا مثل قراءنا هؤالء أرغب بطونا يعنون أكثر شرها في‬
‫األكل من غيرهم ‪ ،‬وال أكذب ألسنا ‪ ،‬يعنون أنهم ال يصدقون في أقوالهم ‪ ،‬وهذا معناه ‪ ،‬أن الرسول عليه السالم غير‬
‫صادق في قوله بأنه رسول من عند هللا ‪ ،‬وأن القرآن الكريم كالم هللا ‪ ،‬وفي تكذيب الرسول عليه السالم فيما جاء به من‬
‫عند هللا تكذيب لكتاب هللا ‪ ،‬وتكذيب کتاب هللا تكذيب لذات هللا ‪ ،‬وهذا كفر صريح ‪ ،‬وال أجبن عند اللقاء ‪ ،‬يعنون أنهم ليسوا‬
‫شجعانا عند مالقاة االعداء ‪ ،‬وهذا كله كذب يعرفه المنافقون أنفسهم قبل غيرهم ‪ ،‬لكن ارتيابهم في صدق الرسول عليه‬
‫السالم جعلهم مذبذبين فال هم بالمؤمنين الصادقين في أيمانهم ‪ ،‬وال هم بالكافرين الجازمين بالكفر ‪ ،‬ولهذا السبب لم‬
‫يتورعوا عن وصف الرسول وأصحابه بأوصاف لم يقصدوا من ورائها سوى التشويه ‪ ،‬وتنفير الناس عن دين هللا ولذا‬
‫أراد هللا أن يظهر هم على حقيقتهم ‪ ،‬فنزلت اآلية الكريمة (قل أبا هللا وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟)‪.‬‬

‫‪12۰‬‬
‫يعني هل ضاقت عليكم طرق الكالم فلم تجدوا ما تتسلون به في هزل وسخرية اال هللا وآياته ورسوله ‪ ،‬فأخذتم تطلقون‬
‫ألسنتكم بما ال يليق باهلل وكتابه ورسوله ‪ ،‬ثم بعد ذلك تظنون أن اعتذاركم بأن ما تتكلمون به انما هو لمجرد التسلية‬
‫والتلهي ( ال تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانکم ) بمعنى أن عذركم غير مقبول وستلقون الجزاء على ذلك‪.‬‬

‫وشبيه بأولئك المنافقين أصحاب القلوب المنحرفة في عصرنا والمعروفين باسم الالدينيين من وثنيين و ملحدين ‪ ،‬في‬
‫سخريتهم من الدين ‪ ،‬واستهزائهم بتعاليمه ‪ ،‬واحتقارهم للدعاة اليه والمدافعين عنه ‪ ،‬ومثل هؤالء اليهود والنصارى في‬
‫محاربتهم لالسالم ‪ ،‬وكرههم للمسلمين ‪ ،‬و انکار رسالة محمد عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫باب ما جاء في قول هللا تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا من‬
‫بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن‬
‫رددت إلى ربي ان لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما‬
‫عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) اآلية ( فصلت ‪)5۰ -‬‬

‫قال مجاهد ‪ :‬هذا بعملي وأنا محقوق به وقال ‪ :‬ابن عباس يريد من عندي وقوله ( قال انما أوتيته على علم عندي ) قال‬
‫قتادة ‪ :‬على علم مني بوجوه المكاسب وقال آخرون على علم من هللا اني له أهل وهذا معنی قول مجاهد ‪ :‬أوتيته على‬
‫شرف ‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول وان ثالثة من بني اسرائيل ‪ (:‬أبرص وأقرع وأعمى ‪ .‬أراد‬
‫هللا أن يبتليهم فبعث اليهم ملكا فأتى األبرص فقال ‪ :‬أي شئ أحب اليك ؟ قال ‪ :‬لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد‬
‫قذرني الناس به ‪ .‬قال فمسحه فذهب عنه قذره ‪ ،‬وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ‪ .‬قال فأي المال أحب اليك ؟ قال االبل ‪-‬‬
‫أو البقر شك اسحاق – فأعطي ناقه عشراء ‪ ،‬وقال بارك هللا لك فيها ‪ .‬قال فأتى األقرع فقال أي شي أحب اليك ؟ قال شعر‬
‫حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه ‪ ،‬وأعطى شعرا حسنا فقال أي المال أحب اليك ؟ قال البقر‬
‫‪ ،‬أو االبل ‪ ،‬فأعطى بقرة حامال ‪ ،‬قال بارك هللا لك فيها ‪ .‬فأتى األعمى فقال أي شئ أحب اليك ؟ قال ‪ :‬أن يرد هللا الي‬
‫بصري فابصر به الناس ‪ ،‬فمسحه ‪ ،‬فرد هللا اليه بصره قال ‪ :‬فأي المال أحب اليك ؟ قال ‪ :‬الغنم فأعطي شاة والدة فأنتج‬
‫هذان وولد هذا ‪ ،‬فكان لهذا واد من االبل ‪ ،‬ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ‪ ،‬قال ثم انه أتى األبرص في صورته‬
‫وهيئته فقال ‪ :‬رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ‪ ،‬فال بالغ لي اليوم اال باهلل ثم بك ‪ ،‬أسألك ‪ -‬بالذي أعطاك‬
‫اللون الحسن و الجلد الحسن و المال ‪ -‬بعيرا أتبلغ به في سفري ‪ .‬فقال ‪ :‬الحقوق كثيرة ‪ .‬فقال له ‪ -‬كأني أعرفك ألم تكن‬
‫أبرص يقذرك الناس ‪ ،‬فقيرا فأعطاك هللا عز وجل المال ؟ فقال ‪ :‬إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ‪ .‬فقال ‪ :‬إن كنت‬
‫كاذبا فصيرك هللا إلى ما كنت ‪ .‬قال ‪ :‬وأتى األقرع في صورته ‪ ،‬فقال له مثل ما قال لهذا ‪ ،‬ورد عليه مثل ما رد عليه هذا‬
‫‪ .‬فقال ان كنت كاذبا فصيرك هللا إلى ما كنت ‪ .‬قال ‪ :‬واتي األعمى في صورته ‪ ،‬فقال رجل مسكين و ابن سبيل ‪ .‬قد‬
‫انقطعت بي الحبال في سفري ‪ ،‬فال بالغ لي اليوم اال باهلل ثم بك‪ ،‬أسألك ‪ -‬بالذي رد عليك بصرك ‪ -‬شاة أتبلغ بها في‬
‫سفري ‪ .‬فقال ‪ :‬قد كنت أعمى فرد هللا الي بصري ‪ ،‬فخذ ما شئت ودع ما شئت ‪ ،‬فوهللا ال أجهدك اليوم بشي أخذته هلل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أمسك مالك فانما ابتليتم ‪ ،‬فقد رضي هللا عنك وسخط على صاحبيك ) ‪ .‬أخرجاه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير اآلية ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ما معنى ( ليقولن هذا لي ) ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ما معنى قوله ( أوتيته على علم عندي ) ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ما في هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة ‪.‬‬

‫الهدف‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان عقاب هللا لالنسان الذي ينعم عليه بالكثير من المال ‪ ،‬ثم ال يشكره وال يعترف‬
‫بفضله ‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية واحدة وأربعة أقوال في معنى قوله ( ليقولن هذا لي ) وحديث واحد‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ففي اآلية الكريمة بين هللا نكران االنسان لنعمة هللا عليه ‪ .‬وجحوده فضله فقال سبحانه و تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا‬
‫من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ) يعني ولئن رفعنا عنه الشدة والضيق وأعطيناه الصحة و الغني ‪ ،‬ليقولن انکارا وعدم‬
‫اعتراف بفضل هللا عليه ( هذا لي ) أي بسبب جهادي وكفاحي ثم يزيد االنكار كفرا حين ينكر قيام الساعة ‪ ،‬وأنه ال جنة‬
‫وال نار وال ثواب وال عقاب ( وما أظن الساعة قائمة ) ثم يقول في عناد و استکبار ‪ :‬وحتى لو كان هناك بعث فان لي‬
‫عند هللا في اآلخرة من الخير والنعيم مثل ما لدي في الدنيا ( ولئن رجعت إلى ربي ان لي عنده للحسنی ) لكن هللا جلت‬
‫قدرته بين أن األمر ليس كذلك فقال في آخر اآلية ( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) يعني‬
‫فلنخبرن هؤالء الكافرين يوم القيامة بما عملوه من ذنوب وآثام و انکارلليوم اآلخر ‪ ،‬ولنجازينهم على ذلك بعذاب غليظ ال‬
‫مفر منه وال محيد لهم عنه‪.‬‬

‫وقد قيل في تفسير قوله ‪ ( :‬ليقولن هذا لي ) أربعة أقوال كلها تدور حول معنى واحد هو نكران االنسان لفضل هللا عليه ‪،‬‬
‫وأنه حصل على هذا النعيم بسببه هو دون غيره ‪.‬‬

‫ثم يأتي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ليقص علينا قصة أولئك الرجال الثالثة ‪ ،‬األبرص واالقرع واألعمي ‪ ،‬الذين أنعم‬
‫هللا على كل واحد منهم بأفضل ما يتمناه في حياته ‪ ،‬فاالبرص أعطاه هللا لونا حسنا وجلدا حسنا و ماال كثيرا‪.‬‬

‫واالقرع منحه هللا شعرا جميال وماال غزيرا ‪ ،‬واالعمى أعاد اليه بصره ورزقه ماال وفيرا ‪ ،‬وبين مظاهر هذه النعمة‬
‫الكبيرة التي أنعم هللا بها على هؤالء الثالثة وحتى تكون في قصتهم هذه عبرة للمنکرين الفضل هللا الجاحدين لنعمته بعث‬
‫اليهم ملكا في صورة رجل فقير يطلب المساعدة من فضل هللا الذي أنعم به عليهم ‪ ،‬فجاء الى االبرص فسأله باهلل الذي أنعم‬
‫عليه باللون الحسن و الجلد الحسن و المال الكثير أن يعطيه بعيرا واحدا من هذا المال الكثير فاعتذر له وأنكر نعمة هللا‬
‫عليه ‪ ،‬وذهب الى األقرع ففعل مثل ما فعل األبرص وأتى األعمى وقال له كما قال لكل من األبرص ‪ ،‬واالقرع فاعترف‬
‫بنعمة هللا عليه ‪ ،‬وقال له ‪ :‬خذ ما تشاء من المال ولن أردك عن شئ تريد أخذه منه ‪ ،‬و العبرة في هذا الحديث تتلخص في‬
‫أمرين ‪- :‬‬

‫األول ‪ :‬أن كال من األبرص واالقرع تناسی فضل هللا وأنكر نعمته عليه فأعاده هللا كما كان فقيرا ممقوتا مسخوطا عليه‬
‫من هللا‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أن االعمى وقد اعترف بفضل هللا عليه ‪ ،‬بارك هللا في ماله ومنحه رضوانه ولذا قال له الملك امسك عليك مالك ‪،‬‬
‫فانما ابتليتم فقد رضي هللا عنك وسخط على صاحبيك‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( فلما آتاهما صالحا جعال له شركاء فيما‬
‫آتاهما فتعالى هللا عما يشركون ) اآلية (‪ – ۱۹۰‬األعراف ) ‪.‬‬

‫قال ابن حزم ‪ :‬اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير هللا كعبد عمر وعبد الكعبة وما أشبه ذلك ‪ ،‬حاشا عبد المطلب ‪.‬‬

‫وعن ابن عباس في اآلية قال ‪ :‬لما تغشاها آدم حملت ‪ ،‬فأتاهما ابليس فقال ‪ :‬إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة‬
‫لتطيعاني أو ألجعلن له قرني ايل فيخرج من بطنك فيشقه ‪ ،‬وألفعلن ‪ ،‬وألفعلن ‪ -‬يخوفهما ‪ .‬سمياه عبد الحارث‪ .‬فأبيا أن‬
‫يطيعاه فخرج ميتا ‪ .‬ثم حملت ‪ ،‬فأتاهما فقال لهما مثل قوله فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما ‪،‬‬
‫فأدركهما حب الولد ‪ ،‬فسمياه عبد الحارث فذلك قوله ( جعال له شركاء فيما آتاهما ) رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وله بسند صحيح‬
‫‪.‬عن قتادة قال ‪ :‬شركاء في طاعته ‪ ،‬ولم يكن في عبادته ‪ ،‬وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله ( لئن آتانا صالحا ) قال ‪:‬‬
‫أشفقا اال يكون انسانا وذكر معناه عن الحسن و سعيد و غير هما ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تحريم كل اسم معبد لغير هللا‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير اآلية ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن هذا الشرك في مجرد تسمية لم يقصد حقيقتها ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن هبة هللا للرجل البنت السوية من النعم ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ذكر السلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان تحريم كل اسم معبد لغير هللا ‪ ،‬كعبد الكعبة ‪ ،‬وعبد الرسول ‪ ،‬وعبد الحسين ‪ ،‬وما‬
‫أشبه هذه االسماء التي توحي بالعبودية لغير هللا لما في ذلك من منافاة لكمال التوحيد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية ‪ ،‬وحكاية البن حزم ‪ ،‬وأثر ألبن عباس رضي هللا عنه في قوله تعالى ( جعال له شركاء فيما‬
‫آتاهما )‪.‬‬

‫رحمه هللا تقول أن العلماء في عصره اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير هللا ‪ ،‬ومثل لذلك بعبد‬
‫فحكاية بن حزم (‪2۰ )1‬‬
‫عمر ‪ ،‬وعبد الكعبة ‪ ،‬و استثنى اسم عبد المطلب والسبب في هذه التسمية أن ‪ -‬المطلب قدم الى مكة من المدينة و معه‬
‫شيبة ابن أخيه هاشم وقد تغير لونه بسبب حرارة الشمس ‪ ،‬فظنه أهل مكة عبدا للمطلب ‪ -‬فقالوا هذا عبد المطلب فعلق به‬
‫هذا االسم فصار ال يدعى اال به ‪ ،‬واال فاسمه الحقيقي شيبة (‪)2‬‬

‫وعلى هذا ال وجه االستثناء ابن حزم اسم عبد المطلب من تحريم تعبيد االسم لغير هللا وما جاء في قول الرسول صلى هللا‬
‫عليه و سلم ‪ :‬أنا ابن عبد المطلب فهو من باب األخبار باالسم الذي اشتهر به المسمى دون غيره وليس من باب انشاء‬
‫التسمية وباب األخبار يجوز فيه ما ال يجوز في باب االنشاء ‪.‬‬

‫عام‪20‬‬ ‫ن‬
‫توق‬
‫القرطت الظاهري ‪ ،‬عالم األندلس ي‬
‫ي‬ ‫عىل بن احمد بن سعيد بن حزم‬
‫(‪ )1‬ابن حزم هو ابو محمد ي‬
‫‪ 456‬ه‬
‫(‪ )2‬شیبه هذا هو الذي حفر زمزم ‪ ،‬وصارت له سقايته و لذريته من بعده‬
‫‪124‬‬
‫وأما أثر ابن عباس رضي هللا عنه في اآلية فهو قوله أن آدم لما تغشی حواء وحملت أتاهما الشيطان ‪ ،‬وذكرهما بأنه هو‬
‫صاحبهما الذي أخرجهما من الجنة ‪ ،‬وأنهما اذا لم يسميا هذا الجنين بعبد الحارث ‪ ،‬فسوف ال يعيش فلم يطيعاه فخرج‬
‫المولود ميتا ‪ ،‬ثم حملت للمرة الثانية فقال لهما مثل ما قال في المرة االولى فلم يطبعاه ‪ ،‬فخرج المولود ميتا ‪ ،‬وفي المرة‬
‫الثالثة ‪ ،‬أعاد عليهما التهديد ‪ ،‬فأدركتهما العاطفة البشرية ‪ ،‬فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى ( جعال له شركاء فيما‬
‫آتاهما ) ‪.‬‬

‫وقد قال ابن عباس رضي هللا عنه ‪ :‬شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته ‪ ،‬يعني أن آدم وحواء عليهما السالم لم يريدا من‬
‫التسمية بعبد الحارث أن يكون عبدا لغير هللا ‪ ،‬كما كان يريد بذلك ابليس وانما أرادا مجرد التسمية ‪ .‬وعلى هذا فالشرك هنا‬
‫انما هو لمجرد التسمية ‪.‬‬

‫وذهب بعض العلماء إلى أن المراد من السياق في اآلية الكريمة ليس آدم وحواء وإنما المراد منه ذريتهما ‪ ،‬ولذا فالمراد‬
‫بالزجين الجنس الذكر و األنثي (فردان معينان ‪ ،‬ولهذا قال هللا تعالى ‪ ( :‬فتعال هللا عما يشركون ) والجنس يصدق ببعض‬
‫أفراده ‪ ،‬والمقصود من اآلية بيان ما طرأ على ذرية آدم من انحراف نحو اإلشراك مع هللا ‪ ،‬ولذا يقول الحافظ بن كثير‬
‫رحمه هللا إن اآلثار التي وردت في نسبة الشرك إلى آدم وحواء إنما هي وهللا أعلم كانت من دسائس اليهود ‪.‬‬

‫‪ 197 -139‬ه الطبعة الثالثة‬

‫والذي تميل إليه النفس ويتفق مع مقام أو نبي من أنبياء هللا ‪ ،‬ميزه هللا عن غيره بسجود المالئكة له ‪ ،‬أن المراد في اآلية‬
‫الكريمة ليس آدم وحواء وإنما ذريتهما ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( وهلل األسماء الحسنی فادعوه بها وذروا‬
‫الذين يلحدون في أسمائه ) اآلية (‪ – ۱۸۰‬األعراف) ‪.‬‬

‫ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( يلحدون في اسمائه ) ‪ :‬يشركون‪ .‬وعنه ‪ :‬سموا الالت من اآلله ‪ ،‬والعزى من العزيز ‪،‬‬
‫وعن األعمش ‪ :‬يدخلون فيها ما ليس منها ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬اثبات األسماء ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬كونها حسنی ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬األمر بدعائه بها ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ترك من عارض من الجاهلين الملحدين ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬تفسير االلحاد فيها ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬الوعيد لمن الحد‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن التوسل إلى هللا ال يكون اال باالسماء الحسنی ‪ ،‬وصفاته العليا ‪ ،‬وأن ما يفعله‬
‫بعض الناس من التوسل إلى هللا باالموات ال يجيزه االسالم لمنافاته للتوحيد‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫‪ )21‬واآلية الكريمة تقول ‪ :‬أن أسماء هللا‬


‫ورد تحت هذا الباب هذه اآلية ‪ ،‬و ثالثة أقوال على قوله تعالى ( يلحدون ) (‪1‬‬
‫فيها أجمل المعاني وأكمل الصفات فادعوه بها عند سؤالكم له وطلبكم منه ‪ ،‬وأتركوا الذين يغيرون أسماءه بوضعها لغيره‬
‫مما عبد من دونه ‪.‬‬

‫فان هللا سوف يجازيهم على الحادهم على ذلك حيث يقول في آخر هذه االية ( سيجزون ما كانوا يعملون )‬

‫تأتي بعد هذه اآلية األقوال الثالثة ‪ ،‬وكلها تدور حول نقطة واحدة هي الميل بأسماء هللا عما تدل عليه‬

‫وقد ورد حديث رواه الشيخان عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬ان هلل تسعة وتسعين اسما مئة اال‬
‫واحدا من أحصاها دخل الجنة وهذه األسماء كما ورد في بعض األحاديث هي‪:‬‬

‫هو هللا الذي ال اله اال هو الرحمن الرحيم ‪ ،‬الملك ‪ .‬القدوس ‪ .‬السالم ‪ .‬المؤمن ‪ .‬المهيمن ‪ .‬العزيز ‪ .‬الجبار ‪ .‬المتكبر ‪.‬‬
‫الخالق ‪ .‬البارئ ‪ .‬المصور ‪ .‬الغفار ‪ .‬القهار ‪ .‬الوهاب ‪ .‬الرزاق ‪ .‬الفتاح ‪ .‬العليم ‪ .‬القابض‬

‫الباس ط ‪ .‬الحافض ‪ .‬الرافع ‪ .‬المعز ‪ .‬المذل ‪ .‬السميع البصير ‪ .‬الحكم ‪ .‬العدل ‪ .‬اللطيف ‪ .‬الخبير ‪ ،‬الحليم ‪ .‬العظيم ‪ .‬الغفور‬
‫‪ .‬الشكور ‪ .‬العلي ‪ .‬الكبير ‪ .‬الحفيظ ‪ .‬المغيث ‪ .‬الحسيب ‪ .‬الجليل ‪ .‬الكريم ‪ .‬الرقيب ‪ .‬المجيب ‪ .‬الواسع ‪ .‬الحكيم ‪ .‬الودود ‪.‬‬
‫المجيد ‪ .‬الباعث ‪ .‬الشهيد ‪ .‬الحق ‪ .‬الوكيل ‪ .‬القوي ‪ .‬المتين ‪ .‬الولي ‪ .‬الحميد ‪ .‬المحصى ‪ .‬المبدئ ‪ .‬المعيد المحيي ‪.‬‬
‫المميت ‪ .‬الحي القيوم ‪ .‬الواجد‪ .‬الماجد ‪ .‬الواحد ‪ .‬الصمد ‪ .‬القادر ‪ .‬المقتدر ‪ .‬المقدم ‪ .‬المؤخر ‪ .‬االول ‪ .‬اآلخر ‪ .‬الظاهر ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اليمي أو اليسار ‪ ،‬ومعناه بالنسبة السماء هللا الميل بألفاظها أو‬
‫ر‬ ‫(‪ )1‬االلحاد ‪ -‬معناه الميل عن الوسط إىل جهة‬
‫معانيها عن طريق الحق ‪ .‬اما بالتحريف أو التأويل أو بما يتناف مع وصفها بالحسي‬
‫بالشيخي ‪ -‬البخاري ومسلم‬
‫ر‬ ‫(‪ )2‬المراد‬
‫‪126‬‬
‫الباطن ‪ .‬الوالي ‪ .‬المتعالي ‪ .‬البر ‪ .‬التواب ‪ .‬المنتقم ‪ .‬العفو ‪ .‬الرؤوف ‪ .‬مالك الملك ذو الجالل واالكرام ‪ .‬المقسط ‪ .‬الجامع‬
‫‪ .‬الغني ‪ .‬المغني ‪ .‬المانع ‪ .‬الضار ‪ .‬النافع ‪ .‬النور ‪ .‬الهادي ‪ .‬البديع ‪ .‬الباقي ‪ .‬الوارث ‪ .‬الرشيد ‪ .‬الصبور‪. .‬‬

‫والخالصة من هذا الباب ‪:‬‬

‫‪ )1‬أن التوسل إلى هللا باالموات ال يجوز ‪.‬‬

‫‪ )2‬ان االنسان إذا أراد أن يطلب من هللا فليتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ‪ ،‬وباالعمال الصالحة‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫باب (ال يقال السالم على هللا)‬
‫في الصحيح عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال ‪ :‬كنا اذا کنا مع النبي صلى هللا عليه وسلم في الصالة ‪ ،‬قلنا ‪ ،‬السالم على‬
‫هللا من عباده ‪ ،‬السالم على فالن وفالن ‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم (ال تقولوا السالم على هللا فان هللا هو السالم )‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير السالم ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أنه تحية ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬انها ال تصلح هلل ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬العلة في ذلك ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬تعليمهم التحية التي تصلح هلل‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا بهذا الباب بيان الي عن قول السالم على هللا‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث واحد هو حديث ابن مسعود رضي هللا عنه و فيه أن الرسول عليه الصالة والسالم قال‬
‫ألصحابه ‪ :‬ال تقولوا ‪ :‬السالم على هللا فان هللا هو السالم ‪ ،‬والسبب في هذا النبي من الرسول الصحابه أن السالم ‪ :‬اسم‬
‫من أسماء هللا ‪ ،‬فاهلل هو السالم ومنه السالم ‪ ،‬فاذا قال اإلنسان السالم على هللا كان معنى ذلك دعاء هلل بالسالمة و هذا ال‬
‫يجوز في حق هللا ‪ ،‬ألن هللا كامل كماال مطلقا من كل عيب ‪ ،‬أو نقص ‪ ،‬فال يحتاج إلى دعاء أحد ‪ ،‬وانما الخلق هم‬
‫المحتاجون إلى أن يمنحهم هللا السالم والخير والسعادة ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫باب قول ‪ :‬اللهم اغفر لي ان شئت ‪.‬‬
‫في الصحيح عن أبي هريرة ‪ .‬ان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (ال يقل أحدكم ‪ :‬اللهم اغفر لي ان شئت ‪ ،‬اللهم‬
‫ارحمني ان شئت ‪ ،‬ليعزم المسألة ‪ ،‬فان هللا ال مكره له )‪ .‬ولمسلم ( وليعظم الرغبة فان هللا ال يتعاظمه شي أعطاه ) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن االستثناء في الدعاء ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬بيان العلة في ذلك ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قوله ليعزم المسألة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬اعظام الرغبة ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬التعليل لهذا االمر ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب ‪ ،‬بيان عدم جواز قول اللهم اغفر لي أن شئت وما أشبهه ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬ورواية مسلم وحديث أبي هريرة هذا فيه نهي صريح عن تقييد‬
‫استجابة الدعاء من هللا بشرط المشيئة ‪ ،‬وأمر صريح بأن من أراد أن يدعو ربه أن يدعوه بما يشاء ‪ .‬بال قيد وال شرط ‪،‬‬
‫ذلك أن هللا جلت قدرته أغنى األغنياء وأكرم األكرمين ‪ ،‬وقد أمر عباده أن يدعوه ووعدهم باستجابة دعائهم ‪ .‬وفي نهاية‬
‫الحديث وضح الرسول عليه السالم سبب النهي ‪ .‬عن قول اللهم اغفر لي ان شئت و نحوه ) بقوله ( فان هللا ال مكره له ) (‬

‫يعني أن هللا سبحانه وتعالى لجوده وكرمه وألنه المالك لهذا الوجود كله ولحبه في أن يتوجه اليه عباده بالدعاء ‪ ،‬ليعطيهم‬
‫ما يشاؤن ‪ ،‬ليس في حاجة إلى أن يقول الداعي له أن شئت ألنه يعطي ال خوفا من كفر احد ‪ .‬وال طمعا في ايمان أحد ‪،‬‬
‫فهو الغني عن كل البشر ‪ ،‬و البشر فقراء و محتاجون اليه ‪.‬‬

‫ولهذا فهو غير مكره على شئ ‪ ،‬بعكس المخلوقين فانهم ‪ ،‬ال يعطون اال طمعا في شي أو خوفا من شي ‪ ،‬ويعطون في‬
‫أكثر األحيان وهم كارهون ‪.‬‬

‫أما رواية مسلم ففيها زيادة هي ( وليعظم الرغبة ‪ ،‬فان هللا ال يتعاظمه شئ اعطاه ) يعني اذا سأل االنسان ربه فليسأل ما‬
‫يشاء ‪ -‬وال يتعاظمه الشئ الذي طلبه ‪ ،‬ألن هللا بيده ملكوت السموات واألرض ‪ ،‬وكل شي عظيم في نفس اإلنسان هو‬
‫حقير وصغير عند هللا ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫باب ال يقول عبدي و أمتي‬
‫في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (ال يقل أحدکم اطعم ربك ‪ ،‬وضئ ربك ‪ ،‬وليقل سيدي‬
‫وموالي وال يقل أحدكم عبدي و أمتي وليقل فتاي و فتاتي و غالمي) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن قول ‪ :‬عبدي و أمتي ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ال يقول العبد ربي وال يقال أطعم ربك ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تعليم األول قول فتاي و فتاتي و غالمي ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬تعليم الثاني قول سيدي وموالي ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬التنبيه للمراد وهو تحقيق التوحيد حتى في األلفاظ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد رحمة هللا عليه من هذا الباب النهي عن استعمال االلفاظ التي وردت في الحديث ابعادا لتشبيه‬
‫المخلوقين بالخالق العظيم ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث أبي هريرة هذا وفيه نهيان وأمران‪.‬‬

‫األمر األول النهي عن قول ‪ :‬اطعم ربك ‪ ،‬وضئ ربك ‪ ،‬هذا اللفظ وان كان جائزا لغة اال انه ال يجوز شرعا ‪ ،‬وذلك أبعادا‬
‫للمسلم عن التشريك مع هللا حتى في األلفاظ ‪ ،‬ألن هللا هو رب العالمين خلقهم ورزقهم و بيده مصير هم ‪ ،‬فاذا أطلق هذا‬
‫اللفظ على شخص كان معنی ذلك أنه شارك هللا في وصف الربوبية ‪ ،‬حتى ولو لم يكن ذلك مقصودا ‪ ،‬وبدال من وقوع‬
‫المسلم في محظور ‪ ،‬أمر الرسول عليه السالم باستعمال لفظ آخر ال محذور منه حين قال ‪ ( :‬وليقل سيدي وموالي) ‪.‬‬

‫األمر الثاني ‪ -‬النهي عن قول (عبدي و أمتي ) وهذا اللفظ وان كان جائزا لغة اال انه ال يجوز شرعا ‪ ،‬و ذلك حرصا على‬
‫بقاء عقيدة المسلم القائمة على العبودية الخالصة هلل رب العالمين ‪ ،‬فاذا أطلق هذا اللفظ على شخص كان معنى ذلك أنه‬
‫شارك هللا في وصفه بااللوهية ‪ ،‬حتى ولو لم يكن ذلك مقصودا ‪ ،‬وبدال من الوقوع فيما هو غير جائز ‪ ،‬أمر الرسول عليه‬
‫الصالة والسالم باستعمال لفظ آخر ال محذور فيه حين قال ‪ ( :‬وليقل فتاي وفتاتي ) ‪.‬‬

‫‪13۰‬‬
‫باب ال يرد من سأل باهلل‬
‫عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « من استعاذ باهلل فأعيذوه ومن سأل باهلل فأعطوه ‪ ،‬ومن دعاكم‬
‫فأجيبوه ‪ ،‬ومن صنع اليكم معروفا فكافئوه ‪ ،‬فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه » ‪ .‬رواه أبو‬
‫داود والنسائي بسند صحيح ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬اعاذة من استعاذ باهلل ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬اعطاء من سأل باهلل ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬اجابة الدعوة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬المكافأة على الصنيعة ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن الدعاء مكافأة لمن لم يقدر اال عليه ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬قوله ( حتی تراوا انكم قد كافأتموه )‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد رحمه هللا من هذا الباب بيان النبي عن رد السائل اذا سأل باهلل ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث ابن عمر وفيه أربعة أمور ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬قول الرسول عليه الصالة و السالم ( من سأل باهلل فأعطوه ) ‪.‬‬

‫وظاهر هذا الكالم النهي عن رد السائل اذا سأل باهلل ‪ ،‬ومعنی هذا انه يجب على المسلم ألخيه المسلم حينما يسأله باهلل في‬
‫أمر من األمور ‪ ،‬ازالة ضرر مثال ‪ ،‬أو مشاركة في رأي ‪ ،‬أو مساعدة في حل مشكلة ‪ ،‬أن يبادر الجابة طلبه تعظيما لمن‬
‫سأل به و هو هللا جلت قدرته ‪ .‬أما اذا كان سؤاله باهلل من أجل الحصول على شي من المال ‪ ،‬فان كان في غير حاجة‬
‫ملجئة له إلى السؤال فذلك حرام عليه وال تجب اجابة طلبه ‪ ،‬وان كان فقيرا فانه يجب على بيت مال المسلمين أن يعطيه‬
‫بقدر حاجته ‪ ،‬ألنه فرد من أفراد المسلمين وله حق في بيت المال ‪ ،‬وعلى من عنده فضل مال من المسلمين أن يساعده مما‬
‫أعطاه هللا واال فالجميع آثمون ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬قوله ‪ :‬ومن استعاذ باهلل فأعيذوه ‪ .‬وهذا يعني أن المسلم اذا استعاذ باهلل أعيذ ‪ ،‬كما فعل الرسول عليه السالم ‪ ،‬فقد‬
‫روى أنه أراد أن يتزوج بأمرأة جميلة فقيل لها اذا كنت ترغبين أن يحبك فقولي له اذا دخل عليك أعوذ باهلل منك ‪ ،‬ففعلت‬
‫المسكينة عن حسن نية ما قيل لها ‪ ،‬فقال لها الرسول عليه الصالة و السالم ‪ ،‬لقد عذت بمعاذ ‪ -‬الحقي بأهلك‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬قوله ‪ :‬ومن دعاكم فأجيبوه‬

‫وهذا يعني أن من حق المسلم على أخيه اال يرفض دعوته اذا دعاه للتحدث اليه أو تناول طعام في بيته ‪ .‬لما في هذا من‬
‫توثيق روابط األخوة و المحبة فيما بين المسلمين ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬قوله ‪ ( :‬ومن صنع اليكم معروفا فكافئوه ‪ ،‬فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له ‪ ،‬حتى ترو أنكم قد كافأتموه ) ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وفي هذا أمر بالمجازاة على المعروف ‪ ،‬وفي ذلك حث على البذل والعطاء وتبادل المصالح بين الناس ‪ ،‬وفي حالة عدم‬
‫القدرة على المجازاة على المعروف بالمال ‪ ،‬أرشد الرسول عليه الصالة والسالم إلى شئ آخر ينوب عنه وهو الدعاء فقال‬
‫‪ ( :‬فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا انكم قد كافأتموه) ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫باب ال يسأل بوجه هللا اال الجنة‬

‫عن جابر قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «ال يسأل بوجه هللا اال الجنة » رواه أبو داود ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن أن يسأل بوجه هللا اال غاية المطالب ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬اثبات صفة الوجه ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان المنع من السؤال بوجه هللا ‪ -‬في أمر من أمور الدنيا ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث واحد هو حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنه وفيه داللة على النهي عن السؤال بوجه هللا‬
‫اال في طلب الجنة التي هي أمنية كل مؤمن باهلل ‪ -‬أما السؤال بوجه هللا في أمور سهلة من أمور الحياة مثل السؤال في‬
‫زيادة المال وكثرة األوالد والصحة والسعادة مثال فال يجوز ذلك كما هو مفهوم الحديث ‪ ،‬وهذا الحديث ال تعارض بينه‬
‫وبين ما ورد في بعض األحاديث التي ورد فيها السؤال بوجه هللا ‪ ،‬كما ورد في دعاء النبي عليه الصالة والسالم لدى‬
‫منصرفه من الطائف وقد كذبته ثقيف حين قال ‪ :‬اللهم اليك أشكو ضعف قولي ‪ ،‬وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب‬
‫المستضعفين وانت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري ‪ ،‬أن لم يكن بك غضب علي فال أبالي ‪،‬‬
‫غير أن عافيتك أوسع لي ‪ ( ،‬وفي آخر الدعاء ) أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ‪ ،‬وصلح عليه أمر الدنيا‬
‫واآلخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل بي سخطك ‪ ،‬لك العتبى حتى ترضى ‪ ،‬وال حول وال قوة اال بك‪.‬‬

‫وعدم التعارض بين الحديث وهذا الدعاء وأمثاله انه دعاء فيما يقرب إلى الجنة ‪ ،‬وليس دعاء من أجل أمر من أمور‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫باب ما جاء في اللو‬
‫وقول هللا تعالى ( يقولون لو كان لنا من األمر شي ما قتلنا ههنا ) اآليه (‪ - 1۰9‬آل عمران ) وقوله ( الذين قالوا الخوانهم‬
‫وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ) اآلية (‪ - 198‬آل عمران ) في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫قال ( احرص على ما ينفعك واستعن باهلل وال تعجزن وان أصابك شيئ فال تقل لو اني فعلت لكان كذا وكذا ‪ ،‬ولكن قل ‪:‬‬
‫قدر هللا وما شاء فعل فان (لو) تفتح عمل الشيطان)‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير اآليتين في آل عمران ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬النهي الصريح عن قول « لو » اذا أصابك شيء ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬تعليل المسألة بأن ذلك يفتح عمل الشيطان ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬االرشاد الى الكالم الحسن ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬األمر بالحرص على ما ينفع مع االستعانة باهلل ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬النهي عن ضد ذلك وهو العجز ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب النهي عن الجزع و عدم الصبر عند المصائب ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان ‪ ،‬وحديث و احد‪.‬‬

‫فاآلية األولى قال الزبير في سبب نزولها ‪ ،‬لقد رأيتني مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف ‪ ،‬فأرسل‬
‫هللا علينا النوم ‪ ،‬وهللا اني ال سمع معتب بن قشير والنعاس يغشاني ‪ ،‬ما أسمعه اال كالحلم يقول ‪ :‬لو كان لنا من األمر شيء‬
‫ما قتلنا ها هنا ‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل ( يقولون لو كان لنا من األمر شيء ما قتلنا ها هنا ) ‪.‬‬

‫يعني يقول بعض هؤالء المنافقين لبعض ‪ ،‬في جزع و عدم ايمان بقضاء هللا وقدره ‪ ،‬لو كان النصر بأيدينا كما يدعي ذلك‬
‫محمد لما قتل من المسلمين من قتل فرد هللا عليهم هذا الزعم ‪ ،‬قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتبت عليهم القتل إلى‬
‫مضاجعهم يعني لو بقيتم في بيوتكم ولم تخرجوا للقتال ‪ ،‬الخرج منكم من أراد هللا له القتل كما هو مقدر في اللوح المحفوظ‬
‫وعلى هذا فكلمة (لو) ال ترد قدرا أراده هللا‪.‬‬

‫واآلية الثانية ‪ ،‬تحكي قصة عبد هللا بن أبي و أصحابه الذين أشاروا على بعض من خرج مع الرسول عليه السالم في‬
‫غزوة أحد بعدم الخروج معه ‪ .‬فلما قتلوا قال ابن أبي ومن تخلف معه عن الجهاد أن أولئك الذين قتلوا لو سمعوا مشورتنا‬
‫‪ ،‬وأطاعوا رأينا وقعدوا عن القتال لما قتلوا ‪ -‬فرد هللا عليهم قولهم هذا بقوله تعالى ( قل فادرأوا عن أنفسكم الموت ان كنتم‬
‫صادقين ) يعني ان كان سالمتكم من الموت بسبب قعودكم عن القتال في سبيل هللا فادفعوا عن انفسكم انواع الموت ‪ ،‬التي‬
‫تأتي بصور مختلفة و أسباب متعددة ‪ ،‬ومن هنا فان كلمة لوال تقف أمام شيء مقدر من عند هللا‪.‬‬

‫يأتي بعد هاتين اآليتين ‪ -‬حديث أبي هريرة ‪ ،‬وفيه األمر بحرص المسلم على عمل ما ينفعه في حياته وآخرته من طلب‬
‫رزق حالل ‪ ،‬وعمل صالح يقر به من ربه طالبا االعانة من هللا ومحذرا له من العجز ألن العجز أمر مستقبح في نظر‬
‫االسالم ‪ ،‬وفي آخر الحديث نهي عن استعمال كلمة (لو) لما فيها من عدم الصبر بقضاء هللا وقدره ‪ ،‬فقال (واذ أصابك‬
‫شيء فال تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ‪ ،‬ولكن قل قدر هللا وما شاء فعل ‪ ،‬فان (لو) تفتح عمل الشيطان) و عمل‬
‫الشيطان يتمثل في عدم الرضاء بما قدره هللا وقضاه ‪ ،‬وعدم الرضا بما قدره هللا دليل على ضعف االيمان لدى االنسان‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫باب النهي عن سب الريح‬
‫عن أبي بن كعب رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬ال تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا «‬
‫اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها ‪ ،‬وخير ما أمرت به ‪ ،‬ونعوذ بك من شر هذه الريح ‪ ،‬وشر ما فيها وشر‬
‫ما با مرت به » صححه الترمذي ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬النهي عن سب الريح ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬االرشاد إلى الكالم النافع اذا رأى االنسان ما يكره ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬االرشاد الى أنها مأمورة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬انها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد اإلمام رحمة هللا عليه بهذا الباب بيان ان سب الريح يعني أنها هي الجالبة لألذى بنفسها دون أمر من هللا وفي هذا‬
‫منافاة لكمال التوحيد هلل الذي بيده األمر والتدبير ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث واحد هو حديث أبي بن كعب وفيه نهی و ارشاد فالني جاء في كلمة ‪ ( :‬ال تسبوا الريح ) ألن‬
‫الريح مخلوقة من مخلوقات هللا يأمرها هللا بأن تثير السحاب ‪ ،‬وتحمله على متنها تذهب به حيث يريد هللا فتفعل كما جاء‬
‫ذلك في قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويأمرها بأن تلقح السحاب بالماء ‪،‬‬
‫وتنقل اللقاح لالشجار فتنفذ كما قال هللا تعالى ‪ ( :‬وأرسلنا الرياح لواقح ) ‪ .‬ويأمرها بأن تدمر كل شيء ‪ ،‬وتقضي على كل‬
‫شيء فال تتأخر ‪ ،‬كما فعلت بأمر من هللا لعاد ‪ .‬حين جاء ذلك في قوله تعالى (وأما‪ ،‬عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية‬
‫سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية ‪ ،‬فهل ترى لهم من باقية) وعلى‬
‫هذا فالريح قد تأتي بخير ‪ ،‬وقد تجلب مكروها ‪ .‬لكن ذلك كله بتوجيه من هللا لها ولهذا ال معنى لسبها ‪ .‬اما االرشاد في‬
‫قوله عليه السالم ‪ ( :‬فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا ‪ :‬اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ‪.‬‬
‫ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به )‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬أنه ال يجوز منب الريح ألن سبها سب هللا ألنه هو الذي أمرها‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية ‪،‬‬
‫يقولون هل لنا من األمر من شيء‪ .‬قل أن األمر كله هلل ) ‪.‬‬
‫اآلية ( ‪ - ۱54‬آل عمران ) وقوله ( الظانين باهلل ظن السوء‬
‫‪ ،‬عليهم دائرة السوء ) ‪ .‬اآلية ( الفتح‪. ) 6-‬‬

‫قال ابن القيم في اآلية األولى ‪ :‬فسر هذا الظن بأنه سبحانه ال ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل ‪ .‬وفسر بظنهم أن ما‬
‫أصابهم لم يكن بقدر هللا وحكمته ‪ ،‬ففسر بانكار الحكمة ‪ ،‬وانکار القدر ‪ ،‬وانکار أن يتم أمر رسوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأن يظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح وانما كان هذا ظن السوء‬
‫النه ظن غير ما يليق به سبحانه وما يليق بحكمته وحمده و وعده الصادق ‪ ،‬فمن ظن انه يديل الباطل على الحق ادالة‬
‫مستقرة يضمحل معها الحق ‪ ،‬او أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره ‪ ،‬أو انكر أن يكون قدره بحكمة بالغة يستحق‬
‫عليها الحمد ‪ ،‬بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ‪ ،‬واكثر الناس يظنون باهلل‬
‫ظن السوء فيما يختص هم وفيما يفعله بغيرهم ‪ ،‬وال يسلم من ذلك اال من عرف هللا و أسماءه وصفاته و موجب حكمته‬
‫وحمده ‪ .‬فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا وليتب إلى هللا ويستغفره من ظنه بر به ظن السوء ‪ .‬ولو فتشت من فتشت‬
‫الرأيت عنده تعنتا على القدر ومالمة له ‪ ،‬وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر ‪ ،‬وفتش نفسك هل انت سالم‬
‫؟ فان تنج منها فان تنج منها تنج من ذي عظيمة وإال فاني ال أخالك ناجيا‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تفسير آية آل عمران ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تفسير آية الفتح ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬االخبار بأن ذلك انواع ال تحصر ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أنه ال يسلم من ذلك اال من عرف االسماء والصفات وعرف نفسه‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه بهذا الباب التحذير من سوء الظن باهلل جل جالله ‪ .‬ألن سوء الظن باهلل يقدح في توحيد األنسان‬
‫‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آيتان و تفسير ألبن القيم لكلمة الظن فاآلية األولى من هاتين اآليتين تتحدث عن اعتقاد فريق من‬
‫المحاربين مع الرسول عليه السالم في غزوة أحد حينما أصابهم الهلع واستولى عليهم الخوف وقت هزيمتهم بأن ما حصل‬
‫لهم من هزيمة وقتل ليس بسبب تنازعهم وعصيانهم للرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وانما ألن هللا لم يحقق وعده لمحمد‬
‫بالنصر على اعدائه ‪ ،‬وهذا فيه سوء ظن باهلل ولهذا قال تعالى ( يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية ) يعني يظنون باهلل‬
‫ظنا ال يليق به سبحانه وتعالى وذلك عندما كانوا يقولون في انفسهم لو كان محمد نبيا ‪ :‬ما انتصر المشركون على‬
‫المسلمين في هذه المعركة ‪ ،‬ولذا حكى هللا عنهم قولهم ‪ :‬بقوله سبحانه ( يقولون هل لنا من االمر من شيء ) ‪.‬‬

‫يعني يقول بعضهم لبعض على سبيل االستفهام االنكاري ‪ ،‬هل حصلنا على شيء من النصر الذي قال محمد ان هللا و عده‬
‫به فرد هللا عليهم هذا الزعم بقوله تعالى ‪ ( :‬قل أن األمر كله هلل ) أي أن كل ما تجري في هذا الكون من نصر أو هزيمة‬
‫أو غير ذلك انما هو بارادة هللا ولحكية يراها جلت قدرته ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫و نصر هللا لنبيه وللمؤمنين من بعده إلى يوم القيامة ال يمنع أن تكون الحرب سجاال لكن النصر في النهاية دائما يكون‬
‫للمؤمنين كما قال هللا سبحانه ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) ‪.‬‬

‫وهنا فضح هللا أولئك الذين يبطنون اإلنكار والتكذيب بالرسول عليه السالم ‪ ،‬وعدم الوثوق بوعد هللا بقوله ( يخفون في‬
‫أنفسهم ما ال يبدون لك ) و بقية هذه اآلية تقدم بيانها في باب ما جاء في اللو ‪.‬‬

‫اما اآلية الثانية في هذا الباب فتتحدث عن العذاب الذي أعده هللا للذين ظنوا انه ال ينصر رسوله ‪ ،‬أو انه يتخلى عن عباده‬
‫المؤمنين به الصادقين معه ‪ ،‬فقال ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين باهلل ظن السوء عليهم‬
‫دائرة السوء ‪ ،‬وغضب هللا عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا )‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬أن من ظن أن هللا ال ينصر عباده المؤمنين أو ال يتجاوز عن هفوات التائبين ‪ ،‬أو ال يعدل بين الناس اجمعين‬
‫‪ ،‬أو ال يفي بوعده للطائعين ‪ ،‬ووعيده للعاصين ‪ ،‬فقد ظن باهلل ظن السوء‪ ،‬وهو أمر يعرض االنسان وال شك لغضب هللا و‬
‫عقابه‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫باب ما جاء في منكري القدر‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬والذي نفس ابن عمر بيده ‪ ،‬لو كان الحدهم مثل أحد ذهبا ثم انفقه في سبيل هللا ما قبله هللا منه حتى يؤمن‬
‫بالقدر ‪ .‬ثم استدل بقول النبي صلى هللا عليه وسلم « اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر ‪ ،‬وتؤمن‬
‫بالقدر خيره وشره » رواه مسلم‪.‬‬

‫وعن عبادة بن الصامت انه قال البنه ‪ .‬يا بني انك لن تجد طعم االيمان حتى تعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك وما‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك ‪ .‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ « :‬أن أول ما خلق هللا القلم فقال له ‪ :‬اكتب فقال‬
‫رب وماذا أكتب ؟ قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة « يا بني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول «‬
‫من مات على غير هذا فليس مني » وفي رواية الحمد « أول ما خلق هللا تعالى القلم فقال له ‪ :‬اكتب ‪ ،‬فجرى في تلك‬
‫الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة »‪.‬‬

‫وفي رواية البن وهب ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه هللا بالنار » ‪.‬‬

‫وفي المسند والسن عن ابن الديلمي قال أتيت أبي بن كعب فقلت ‪ :‬في نفسي شيء من القدر ‪ ،‬فحدثني بشيء لعل هللا يذهبه‬
‫من قلبي فقال ‪:‬‬

‫لو انفقت مثل احد ذهبا ما قبله هللا منك حتى تؤمن بالقدر ‪ ،‬وتعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك ‪ .‬وما أخطأك لم يكن‬
‫ليصيبك ‪ ،‬ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار ‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت عبد هللا بن مسعود وحذيفة ابن اليمان وزيد بن ثابت ‪،‬‬
‫فكلهم حدثني مثل ذلك عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬بيان فرض االيمان بالقدر ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬بيان كيفية االيمان به ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬احباط عمل من لم يؤمن به ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬األخبار بأن احدا ال يجد طعم االيمان حتى يؤمن به ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ذكر اول ما خلق هللا ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أنه جرى بالمقادير في تلك الساعة إلى قيام الساعة ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬براءته صلى هللا عليه و سلم ممن لم يؤمن به ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬عادة السلف في ازالة الشبهة بسؤال العلماء ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬أن العلماء اجابوه بما يزيل الشبهة و ذلك أنهم نسبوا الكالم الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقط ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن انكار القدر مناف للتوحيد لما في ذلك من نسبة األفعال لغير هللا‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب ثالثة أحاديث أولها ‪ :‬الحديث الذي رواه ابن عمر رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪ ( :‬االيمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله ‪ ،‬واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) وهذا الحديث فيه داللة‬
‫واضحة على أن القدر ركن من اركان اإليمان الستة ‪ .‬وان من انكره فقد انكر اصال من هذه األصول ولخطورة هذا‬
‫اإلنكار اقسم ابن عمر رضي هللا عنه بأن هللا ال يتقبل صدقة من انسان مهما كانت هذه الصدقة عظيمة حتى يؤمن بالقدر ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫وثانيها ‪ :‬حديث عبادة بن الصامت الذي قال فيه ‪ ( :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول أن أول ما خلق هللا القلم‬
‫فقال له ‪ :‬اكتب ‪ .‬فقال ‪ :‬يا رب وماذا اكتب ؟ فقال ‪ :‬اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة وقد ورد هذا الحديث برواية‬
‫أخرى عن األمام أحمد « أن أول ما خلق هللا القلم فقال ‪ :‬اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة »‬
‫وحديث عبادة ورواية اإلمام أحمد فيهما داللة على أن كل ما يجري في هذا الكون منذ أن خلقه هللا إلى قيام الساعة انما‬
‫جاء نتيجة القدر هللا ‪ ،‬ولهذا قال عبادة البنه يا بني انك لن تجد طعم االيمان حتى تعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك وما‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك ‪ ،‬وفي آخر حديث عبادة هذا قال البنه يا بني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ :‬من‬
‫مات على غير هذا فليس مني)‬

‫وهذا هو معنى االيمان بالقدر ‪ .‬اعتقاد االنسان بأن ما كان وما يكون انما هو بأمر هللا و تدبيره ‪ ،‬ومن اعتقد غير ذلك فقد‬
‫عرض نفسه لخطر كبير ‪ ،‬ولذا ورد في رواية ابن وهب قول الرسول عليه الصالة والسالم ( من لم يؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره أحرقه هللا بالنار ) ‪.‬‬

‫أما الحديث األخير ‪ :‬حديث أبي بن كعب فهو ال يختلف في معناه عن معنى الحديثين السابقين في هذا الباب‬

‫والخالصة من هذا الباب ‪:‬‬

‫أن هللا سبحانه وتعالى قدر مقادير ‪ .‬الكائنات قبل خلق السموات واألرض ‪ ،‬وانه ما من شيء يحدث في هذا الكون اال بقدر‬
‫من هللا ‪ .‬وهنا ربما يرد سؤال ليقول اذا كان هللا سبحانه قد قدر كل شيء ‪ ،‬فما الفائدة من العمل ؟ والجواب عن هذا جاء‬
‫في حديث رواه علي بن ابي طالب رضي هللا عنه بقوله ‪ :‬كنا في جنازة في بقيع الغرقه ‪ -‬فاتی رسول هللا صلى هللا عليه و‬
‫سلم فقعد و قعدنا من حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكث بمخصرته ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ما منكم من أحد ‪ ،‬ما من نفس منفوسة‬
‫اال وقد كتب هللا مكانها من الجنة والنار ‪ ،‬واال قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل ‪ :‬يا رسول هللا اال نمكث على كتابنا‬
‫وندع العمل ؟ فقال ‪ :‬من كان من أهل السعادة فسييسر إلى عمل أهل السعادة ‪ ،‬ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر الى عمل‬
‫أهل الشقاوة ‪.‬‬

‫وليس معنى هذا أن االنسان مسلوب االرادة مجبور على ما يأتيه من اعمال صالحة أو فاسدة ‪ .‬ألن هللا سبحانه و تعالى‬
‫حين خلق االنسان ‪ ،‬اعطاه العقل ليميز به بين الخير والشر ‪ .‬ومنحه االرادة لتحول بينه وبين نوازع الفساد واالنحراف و‬
‫االنسان بعد ذلك هو الذي اختار و بطوع ارادته إلى الطريق الذي يرتضيه لنفسه ‪.‬‬

‫مثال يوضح هذا المعنى ‪ -‬تلميذ تعمد أن ال ينجح في االمتحان فأعطى اجابة سيئة فرسب ‪ .‬اليس ذلك باختياره كما انه‬
‫ايضا باختياره لو اراد النجاح الجتهد و اعطى اجابة حسنة و نجح ‪.‬‬

‫مثال آخر ‪ :‬شخص ما عزم على االقدام على فعل امر محرم ثم رجع من نفسه اليس قد فعل ذلك باختياره ؟‬

‫مثال ثالث ‪ :‬شخص تعمد خيانة عقيدته وامته لسبب ما اليس ذلك باختياره ؟‬

‫هذه امثلة وغيرها كثير البطال عقيدة الذين يقولون ان العبد مسير وليس له ارادة يحمي بها نفسه من الوقوع في االخطاء ‪،‬‬
‫والدليل المنطقي على فساد هذه العقيدة ( عقيدة الجبر ) اننا لو قلنا ان االنسان ليس له اختيار فيما يفعله في هذه الحياة فان‬
‫هذا القول يؤدي بنا إلى نتائج خطيرة من اهمها انه اذا تعدى شخص على آخر فقتله ‪ ،‬أو سرق ماله ‪ -‬أو زنی أو شرب‬
‫خمرا أو فعل غير ذلك من الجرائم ‪ ،‬فانه ال عقاب عليه في ذلك ما دام انه مجبور ليس له اختيار في ذلك ومعنى ذلك‬
‫الفوضى بكل معانيها و فساد النظام االجتماعي بكل صوره وهذا شيء ال يقره العقل‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫باب ( ما جاء في المصورين)‬
‫عن ابي هريرة قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( قال هللا تعالى ‪ :‬ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ‪ ،‬فليخلقوا‬
‫ذرة ‪ ،‬أو ليخلقوا حبة ‪ ،‬و ليخلقوا شعيرة ) أخرجاه ‪ .‬ولهما عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫قال ( أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق هللا ) ولهما عن ابن عباس سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول ‪( :‬كل مصور في النار ‪ .‬يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم ) ولهما عنه مرفوعا ( من صور‬
‫صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح ‪ ،‬وليس بنافخ ) ‪.‬‬

‫( اال تدع‬ ‫ولمسلم عن أبي الهياج قال ‪ :‬قال لي علي ‪ :‬اال أبعثك على ما بعثني عليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫صورة اال طمستها وال قبرا مشرفا اال سويته ) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬التغليظ الشديد في المصورين ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬التنبيه على العلة وهو ترك األدب مع هللا لقوله ( ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقي )‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬التنبيه على قدرته وعجزهم لقوله ( فليخلقوا ذرة أو و شعيرة)‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬التصريح بانهم أشد الناس عذابا ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن هللا يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في‬

‫السادسة ‪ :‬انه يكلف أن ينفخ فيها الروح ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬األمر بطمسها اذا وجدت ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد داعية التوحيد رحمه هللا من هذا الباب بيان عقوبة المصورين الذين يضاهئون خلق هللا حماية لعقيدة التوحيد في‬
‫النفوس من كل شبهة وثنية ‪ ،‬وخوفا من أن تتحول تلك الصور من بعد زمن إلى آلهة تعبد من دون هللا كما حدث ذلك لقوم‬
‫ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب خمسة أحاديث ‪ ،‬أربعة تتحدث عن عذاب المصورين الذين يضاهئون خلق هللا ‪ ،‬والحديث الخامس‬
‫يوضح كيفية ازالة الصور و القبور المرفوعة عن األرض بشكل بارز عن القبور األخرى‪.‬‬

‫واألحاديث األربعة ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬الحديث القدسي الذي رواه ابو هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه أن هللا سبحانه وتعالى بين أنه ال أحد أظلم من الذي‬
‫يحاول أن يتشبه باهلل في الخلق ‪ ،‬وذلك بتصوير أشياء على شكل ما خلق هللا من انسان أو حيوان أو غير ذلك مما له روح‬
‫‪ ،‬وحتي يظهر هللا عجز المصورين تحداهم اذا كانوا يقدرون على مشابهة هللا في الخلق من العدم ‪ ،‬أن يخلقوا ذرة ‪ ،‬أو‬
‫حبة ‪ ،‬أو شعيرة‪ ،‬ولكنهم قطعا ال يستطيعون ذلك وحتى العالم كله بكل وسائله العلمية لو أراد أن يخلق ذرة أو ذيا با ما‬
‫استطاع ذلك أبدا وهذا يدل على العجز الكامل لالنسان عن أن يضاهي هللا في شيء من خلقه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬حديث عائشة رضي هللا عنها وفيه ان عذابا شديدا يوم القيامة للذين يضاهئون بخلق هللا لما ارتكبوه من ذنب كبير ال‬
‫يرضى عنه هللا‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬حديث ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ ،‬وفيه أن هللا يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في جهنم ‪.‬‬

‫‪14۰‬‬
‫والحديث الرابع ‪ :‬عنه أيضا أن هللا اظهارا لعجز المصور يكلفه يوم القيامة بأن يجعل في كل صورة حياة حقيقية ‪ ،‬لكنه لن‬
‫يقدر على ذلك‪.‬‬

‫أما الحديث الخامس و االخير في هذا الباب ‪ :‬حديث علي رضي هللا عنه ففيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمره بطمس‬
‫الصور وتسوية القبور المرتفعة ببناء أو غيره و السبب في ذلك أن الصور فيها مضاهاة لخلق ‪ ،‬ورفع القبور بالبناء عليها‬
‫أو غيره مدعاة لتعظيمها ووسيلة من الوسائل المؤدية الى الشرك باهلل‪.‬‬

‫والخالصة من هذا الباب ‪:‬‬

‫تحريم التصوير‪ ،‬لكن األحاديث الواردة فيه لم تفرق في التحريم بين الصور المجسمة والصور التي ال جسم لها ‪،‬‬
‫ولعموميات هذه األحاديث وغيرها ‪ ،‬حصل الخالف بين العلماء في التصوير ‪ ،‬منهم من حرم الصور بدون استثناء سواء‬
‫كانت الصورة مجسمة أو غير مجسمة ومنهم من قصر التحريم على الصور المجسمة دون غيرها ‪.‬‬

‫دليل من نهی عن الصور بدون استثناء االحاديث الواردة في هذا الباب والتي لم تفرق في النهي بين صورة وأخرى‬
‫وحديث ال تدخل المالئكة بيتا فيه صورة ‪ .‬عام لم يفرق بين الصورة التي لها ظل ‪ ،‬والتي ال ظل لها وغير ذلك من‬
‫احاديث وردت في هذا المعنى واذا فالنهي عام ‪ ،‬وعلى هذا فكل تصوير ألي مخلوق له روح حرام ‪ ،‬النها مضاهاة الخلق‬
‫هللا اال أن أصحاب هذا الرأي قالوا أن المحرم من الصور ما کان کامال ‪ ،‬أما اذا أزيل عضو ال تمكن الحياة بدونه فهي‬
‫مباحة ‪ .‬كما أباحوا من الصور الفوتغرافية ما توجبه الضرورة أو تقتضيه المصلحة العامة مثل البطاقات الشخصية‬
‫وجوازات السفر ‪ ،‬وصور المشبوهين ‪ ،‬وما شابهها‪.‬‬

‫اما من قصر التحريم على الصور المجسمة فانه يري أن كل ما ورد في التصوير والصور من الوعيد انما يقصد به‬
‫الصور المجسمة ‪ ،‬ألنها هي التي فيها مشابهة للوثنيين الذين يصنعون أصنامهم بأيديهم ثم يقومون بتعظيمها و تقديسها ‪،‬‬
‫ومثل هذا ما يفعله الناس اليوم من تلك التماثيل التي توضع في الميادين العامة تخليدا لذكرى قائد أو زعيم ‪ ،‬وعلى هذا فان‬
‫أصحاب هذا الرأي ال پرون حرمة في تصوير ما ال ظل له مثل النقوش والصور التي توضع على الفرش والثياب وكذلك‬
‫الصور الشمسية ‪ ،‬اللهم اال ما كان منها مخالفا لآلداب اإلسالمية ‪ .‬مثل صور النساء العاريات و شبه العاريات ‪ ،‬وكذا ما‬
‫تفعله دور العرض من تصوير للنساء في أوضاع مبتذلة ‪ ،‬وبطريقة مثيرة للفتنة ‪ -‬فان هذا محرم‪ .‬أما غير ذلك من الصور‬
‫التي ال ظل لها فغير منهي عنها ‪ .‬ويستدلون على رأيهم هذا بما رواه مسلم في صحيحه عن بسر بن سعيد عن زيد بن‬
‫خالد عن ابي طلحة صاحب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪« :‬ان المالئكة ال تدخل‬
‫بيتا فيه صورة » قال بسر ثم اشتكى زيد بعد ذلك فعدناه فاذا على بابه ستر فيه صورة قال ‪ :‬فقلت لعبيد هللا الخوالني‬
‫ربيب ميمونة زوج النبي صلى هللا عليه و سلم ( وكان معه ) الم يخبرنا زيد عن الصور يوم األول ؟ فقال عبيد هللا ‪ :‬ألم‬
‫تسمعه حين قال ‪ :‬اال رقما في ثوب ‪ ...‬ومعنى هذا أن الرقم في الثوب وما اشبهه ال يدخل في المنهي عنه من التصوير ‪.‬‬

‫والحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي هللا عنها قالت ‪ :‬كان لنا ستر فيه تمثال طائر ‪ ،‬وكان الداخل اذا دخل استقبله‬
‫فقال ‪ :‬لي رسول هللا عليه السالم ‪ « :‬حولي هذا فاني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا » وعلى هذا فان الرسول عليه‬
‫الصالة و السالم لم يأمر ها بتقطيع الستر‪ ،‬وانما امر ها بتحويله من مكانه و لو كان ذلك محر ما لم يسمح ببقائه في بيته ‪،‬‬
‫ومن أجل هذا وذاك يتبين أن المقصود من الصور المحرمة هي الصور المجسمة اما ما ليس لها ظل فال تدخل في الوعيد‬
‫المذكور في األحاديث الواردة في ‪ .‬هذا المعنى اال ما خرج منها عن آداب االسالم كصور النساء العاريات و نحوها مما‬
‫حرمته أو نهت عنه تعاليم االسالم ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫باب ما جاء في كثرة الحلف‬
‫وقول هللا تعالى ( واحفظوا ايمانکم ) االية (‪ - 89‬المائدة ) عن ابي هريرة قال ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول « الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب » أخرجاه ‪.‬‬

‫وعن سلمان أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال « ثالثة ال يكلمهم هللا وال يزكيهم ولهم عذاب أليم ‪ ،‬أشيمط زان ‪،‬‬
‫وعائل مستکبر ‪ ،‬ورجل جعل هللا بضاعته ‪ ،‬ال يشتري اال بيمينه ‪ ،‬وال يبيع اال بيمينه » رواه الطبراني بسند صحيح وفي‬
‫الصحيح عن عمران بن حصين رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( خير امتي قرني ‪ .،‬ثم الذين‬
‫يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬قال عمران ‪ :‬فال أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثالثا ؟ ثم ان بعد كم قوما يشهدون وال‬
‫يستشهدون ‪ ،‬ويخونون وال يؤتمنون ‪ ،‬وينذرون وال يوفون‪ ،‬ويظهر فيهم السمن ) ‪.‬‬

‫وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم يجيء‬
‫قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته » و قال ابراهيم ‪ :‬كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬الوصية بحفظ االيمان ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬االخبار بأن الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬الوعيد الشديد فيمن ال يبيع اال بيمينه وال يشتري اال بيمينه ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬ذم الدين يحلفون وال يستحلفون ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬ثناؤه صلى هللا عليه وسلم على القرون الثالثة أو األربعة وذكر ما يحدث بعدهم ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬ذم الذين يشهدون وال يستشهدون ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬كون السلف يضربون الصغار على الشهادة و العهد ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن كثرة الحلف دليل على استخفاف اإلنسان بعظمة هللا ‪ ،‬وفي هذا منافاة لكمال‬
‫التوحيد ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية واحدة و اربعة أحاديث‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة ‪ ،‬تأمر بعدم الحلف في كل أمر من األمور ‪ ،‬واالكثار من االيمان الصادقة ‪ ،‬فضال عن االيمان الكاذبة ‪ .‬كما‬
‫قال هللا سبحانه وتعالى ( وال تجعلوا هللا عرضة اليمانكم )‪ ،‬وذلك لما في كثرة الحلف من االستخفاف باهلل و عدم تعظيمه‬
‫في القلب ‪.‬‬

‫يأتي بعد هذه اآلية الكريمة حديث أبي هريرة و فيه بيان لما يتصف به الكثير من الناس في تعاملهم مع اآلخرين من‬
‫صفات ال تتفق و خلق المسلم ‪ ،‬وابرز هذه الصفات في التعامل استخفاف اإلنسان بالحلف باهلل كذبا كلما أراد أن يبيع شيئا‬
‫من متاع الدنيا ليحصل على ربح اكثر ‪.‬‬

‫مثال ‪ :‬يوضح هذا المعنى رجل اشتری بستانا بعشرة آالف لاير ثم رغب في بيعه فجاءه شخص يريد شراءه فسأل البائع‬
‫عن الثمن الذي اشتراه به فأخذ يحلف له باهلل انه أشتراه يخمسة عشر الف لاير ‪ .‬فيصدق المشتري أنه اشتراه بهذا المبلغ‬
‫من المال و األمر ليس كذلك ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫لذا قال النبي عليه السالم في هذا الحديث ( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة )‪ ،‬يعني أن الحلف ربما يكون سببا للبيع‬
‫بزيادة ‪ ،‬لكن هللا ال يبارك في كسب يقوم على مخالفة أمر هللا‪.‬‬

‫ثم يأتي بعد حديث أبي هريرة ‪ ،‬حديث سلمان رضي هللا عنه وفيه أن ثالثة أصناف من الناس ال يكلمهم هللا يوم القيامة ‪،‬‬
‫وال يزكيهم ولهم عذاب اليم ‪ .‬وذلك بسبب اغراقهم في االثم و استمرارهم في فعل المعصية ‪.‬‬

‫األول من هذه االصناف الثالثة كما ورد في الحديث ( اشميط زان ) وقد ضو عف له العذاب ‪ ،‬الستمراره على معصية‬
‫هللا في سن كان ينبغي له فيه أن يحاسب نفسه ‪ ،‬ويقبل فيه على ربه ‪ ،‬ويتوب اليه من ذنوبه ‪ ،‬لكن استمراره على المعصية‬
‫‪ ،‬دليل على تمكن الفجور من نفسه ‪ ،‬و عدم خوفه من هللا ‪ ،‬فأغلظ هللا له في العقوبة ‪.‬‬

‫مستکبر ) وسبب تغليظ العقوبة له تكبره وتعاظمه ‪ ،‬بدون داع لذلك ‪.‬‬
‫والثاني ‪ ،‬كما ورد في الحديث ‪ ( -‬عائل (‪22 )2‬‬
‫(وان كان التكبر مذمومة للغني والفقير ) لكن تكبر الفقير دليل على انطباع النفس على هذا الخلق الذميم‪ ،‬لذا عظمت‬
‫عقوبته ‪.‬‬

‫اما الصنف الثالث ‪ -‬كما ورد في الحديث «رجل جعل هللا بضاعته ال يشتري اال بيمينه وال يبيع اال بيمينه‬

‫و سبب تغليظ العقوبة له ‪ ،‬حلفه باهلل كلما اراد البيع أو الشراء و هذا دليل على االستخفاف بعظمة هللا‬

‫اما الحديث الثالث في هذا الباب فهو حديث عمران بن حصين رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه اخبار عن امرين‬

‫األول ‪ :‬ان افضل االمة االسالمية ‪ ،‬في عمق اإليمان ‪ ،‬وصفاء العقيدة ‪ ،‬ونقاء النفس ‪ ،‬وفي الصالح ‪ ،‬والتقوى ‪ ،‬وبذل‬
‫النفس والمال في سبيل الدعوة إلى هللا ‪ ،‬والدفاع عن دينه هم القرن الذين كان فيهم الرسول صلى هللا عليه وسلم ثم يليهم‬
‫في األفضلية القرن الثاني ‪ ،‬ثم يأتي في الدرجة الثالثة أهل القرن الثالث ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬انه بعد هذه القرون المفضلة ‪ .‬يضعف وازع االيمان في القلوب ‪ ،‬وتبدأ درجة من االنحدار في األخالق فيأتي قوم‬
‫يحرصون على أن يشهدوا قبل أن تطلب منهم الشهادة و دون أن يتحروا الصدق في شهادتهم ‪ ،‬وأناس ال أمانة لهم‪ ،‬فهم‬
‫غارقون في الخيانة ال يتورعون عنها ‪ ،‬وال يحيدون عن مزاولتها و غيرهم ال يوفون بما أوجب هللا عليهم من نذر نذروه‬
‫هللا ‪ .‬وآخرون منغمسون في نعيم الدنيا غير مهتمين بأمور اآلخرة ‪ ،‬فسمنت أجسامهم ‪ ،‬وكل هذه األمور قد حصلت في‬
‫الناس اليوم وهي من األمور الغيبية التي أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أنها ستقع ووقعت كما اخبر عليه الصالة و‬
‫السالم ألنه ال ينطق عن الهوى‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الباب يأتي الحديث الرابع حديث ابن مسعود رضي هللا عنه وليس به زيادة عما ورد بالحديث السابق له‬
‫(حديث عمران بن حصين) سوى ما ورد به من اخبار الرسول صلى هللا عليه وسلم بأن قوما‬

‫بعد ذهاب القرون الثالثة يأتون‪ ،‬وقد وصفهم الرسول عليه الصالة و السالم بوصف يدل على ضعف في ايمانهم وعدم‬
‫خوف من هللا في قلوبهم ‪ ،‬اذ يقول عليه السالم ‪( :‬ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته ) وقد وقع هذا‬
‫كما أخبر عليه السالم ‪ ،‬وحدث ما هو اكبر جر ما منه‪.‬‬

‫اذ وجد من يعرض نفسه الداء الشهادة كذبا وزورا في مقابل أخذ شيء قليل من المال كما هو الحال في كثير من البلدان‬
‫‪.‬‬

‫وخاتمة الباب قول ابراهيم النخعي بأن أهل زمانهم كانوا يضربونهم وهم صغار على كلمة اشهد باهلل لقد كان كذا وعلي‬
‫عهد هللا لقد كان كذا ‪ ،‬حتى ال تصبح هذه عادة تستمر معهم عندما يصبحون مكلفين ‪.‬‬

‫الشيب‬
‫‪22‬‬ ‫(‪ )1‬االشيمط ‪ :‬هو الرجل الذي وخطه‬
‫(‪ )2‬العائل ‪ :‬الفقي‬
‫‪143‬‬
‫باب ما جاء في ذمة هللا وذمة نبيه‬
‫وقول هللا تعالى ( وأوفوا بعهد هللا إذا عاهدتم وال تنقضوا االيمان بعد توكيدها ) اآلية (‪ - 91‬النحل )‬

‫عن بريدة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى هللا ومن معه من‬
‫المسلمين خيرا فقال ‪ ( :‬أغزوا بسم هللا في سبيل هللا ‪ ،‬قاتلوا من كفر باهلل ‪ ،‬أغزوا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال‬
‫تقتلوا وليدا ‪ ،‬واذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثالث خصال ‪ -‬أو خالل ‪ -‬فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف‬
‫عنهم ‪ ،‬ثم ادعهم إلى اإلسالم ‪ ،‬فان أجابوك فاقبل منهم ‪ .‬ثم ادعهم إلى التحول من دارهم الى دار المهاجرين ‪ ،‬واخبرهم‬
‫انهم أن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين ‪ ،‬وعليهم ما على المهاجرين فان ابوا أن يتحولوا منها فأخبر هم انهم كأعراب‬
‫المسلمين يجري عليهم حكم هللا تعالى ‪ ،‬وال يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ‪ ،‬اال أن يجاهدوا مع المسلمين فان‪ ،‬هم ابوا‬
‫فاسألهم الجزية ‪ ،‬فان هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ‪ ،‬فان هم ابو فاستعن باهلل و قاتلهم ‪ ،‬واذا حاصرت اهل حصن‬
‫فأرادوك أن تجعل لهم ذمة هللا وذمة نبيه فال تجعل لهم ذمة هللا وذمة نبيه ‪ ،‬ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فانكم أن‬
‫تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم اهون من أن تخفروا ذمة هللا وذمة نبيه ‪ .‬واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنز لهم‬
‫على حكم هللا ‪ ،‬فال تنزلهم على حكم هللا ‪ ،‬ولكن انزلهم على حكمك ‪ ،‬فانك ال تدري اتصيب فيهم حكم هللا أم ال ؟) رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬الفرق بين ذمة هللا وذمة نبيه وذمة المسلمين ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬االرشاد الى اقل االمرين خطرا‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قوله ( اغزوا بسم هللا في سبيل هللا ) ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قوله ( قاتلوا من كفر باهلل ) ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬قوله ( استعن باهلل و قاتلهم )‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬الفرق بين حكم هللا وحكم العلماء ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬في كون الصحابي يحكم عند الحاجة بحكم ال يدری ايوافق حكم هللا أم ال؟‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمة هللا عليه من هذا الباب وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق تعظيما هلل ‪ ،‬وتنفيذا للعهد الذي اعطي باسمه‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب آية ‪ ،‬وحديث واحد‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة فيها األمر من هللا بالوفاء بالعهود والمواثيق ‪ ،‬والمحافظة على االيمان المؤكدة ‪ .‬سواء كانت هذه العهود‬
‫والمواثيق بين فرد و فرد ‪ ،‬أو جماعة وجماعة ‪ ،‬أو بين دولة وأخرى أو بين مسلم وكافر فالعهد التزام امام هللا ويجب‬
‫الوفاء به ‪ ،‬ولهذا قال هللا سبحانه وتعالى (وال تنقضوا االيمان بعد توكيدها و قد جعلتم هللا عليكم كفيال ) ‪.‬‬

‫يعني ال تخالفوا ما عقدتم فيه اإليمان ‪ ،‬فتكذبوا ‪ ،‬و تنقضوه بعد ابرأمه ‪ ،‬وقد جعلتم هللا كفيال على الوفاء بهذا العهد ( ان‬
‫هللا يعلم ما تفعلون ) بهذه العهود والمواثيق ‪ -‬أتبرون و تلتزمون بالوفاء بها أو تنقضونها و تتركون الوفاء بها فتكونون‬
‫بذلك قد خالفتم أمر هللا و نهيه ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫بعد هذه اآلية الكريمة يأتي حديث بريدة رضي هللا عنه ‪ ،‬وهو يحتوي على توجيهات و تعليمات للمجاهدين في سبيل هللا‬
‫‪23‬‬
‫فيقول بريدة رضي هللا عنه ‪ :‬أن الرسول صلى هللا عليه وسلم كان إذا أمر أميرا على جيش(‪ )1‬أو سرية (‪« )2‬‬
‫أوصاه » بتقوى هللا و من معه من المسلمين خيرا يعني أمره أن يكون قدوة حسنة لغيره ‪ ،‬وأن يعامل من معه من‬
‫المسلمين معاملة تشعرهم بالعزة والكرامة ‪ ،‬و تدفعهم إلى االستبسال في المعركة ‪ .‬وهذا عامل من عوامل النصر ثم بعد‬
‫هذه الوصية يقول لهم اغزوا باسم هللا في سبيل هللا ‪ ،‬يعني ابدأوا مستعينين باهلل متوكلين عليه مخلصين له ‪ « .‬قاتلوا من‬
‫كفر باهلل » يعني ال تستثنوا أحدا من الكفار سوی من کان بيكم و بينه عهد ‪ ،‬وغير المحاربين عادة كالرهبان والنساء‬
‫والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ‪ ،‬فان هؤالء ال يصح قتلهم اال اذا اشتركوا في القتال بأي شكل من األشكال فان قتلهم جائز‬
‫‪.‬‬

‫(اغزوا وال تغلوا ) يعني ال تأخذوا من الغنيمة شيئا قبل قسمتها‪.‬‬

‫( وال تغدروا ) يعني ال تنقضوا العهد الذي قطعتموه على أنفسكم ألن نقض العهد دليل على عدم تعظيم هللا‪.‬‬

‫( وال تمثلوا ) يعني ال تشوهوا بالقتيل ‪ .‬يجدع انفه أو قطع أذنيد مثال ‪.‬‬

‫(وال تقتلوا وليدا ) يعني طفال صغيرا‪.‬‬

‫وبعد هذه التوجيهات النبوية ‪ ،‬أمر عليه الصالة و السالم قائد الجيش اذا القى الكفار ‪ ،‬وقبل أن يبدأ القتال بأن يعرض‬
‫عليهم ثالثة أمور‪.‬‬

‫األول ‪ :‬أن يدعوهم إلى اإلسالم ‪ .‬فان وافقوا وأعلنوا اسالمهم ‪ ،‬وجب الكف عن قتالهم ‪ ،‬وهذا دليل على أن المسلمين ال‬
‫يقاتلون من أجل الحصول على الدنيا ‪ ،‬وانما من اجل هداية الناس الى دين هللا فاذا دخلوا في االسالم « دعاهم إلى الهجرة‬
‫من دارهم إلى دار المهاجرين » يعني المدينة وكان ذلك مستحبا أو واجبة ‪ ،‬على كل من أسلم من أهل مكة أو غيرها قبل‬
‫الفتح ‪ ،‬و أما بعد الفتح فقد قال الرسول عليه الصالة و السالم ‪ :‬ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد و نية ‪.‬‬

‫وأخبرهم انهم ان فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين «الخ » يعني من استحقاق الفيء والغنيمة و غير ذلك وان أبوا التحول فهم‬
‫كسائر المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة وال غزو‪ .‬تجري عليهم احكام االسالم وليس لهم نصيب من الغنيمة أو‬
‫الفيء اال اذا جاهدوا مع المسلمين‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬اذا لم يوافقوا على الدخول في االسالم ‪ ،‬و أعلنوا بقاءهم على دينهم أن يطلب فرض الجزية عليهم ‪ ،‬فان وافقوا‬
‫وجب الكف عن قتالهم ‪ ،‬وفي هذا داللة على أن اكراه الناس بالقوة للدخول في االسالم أمر غير متفق عليه ‪( .‬ال اکراه في‬
‫الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها وهللا سميع عليم )‬
‫‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن رفضوا الدخول في االسالم ولم يقبلوا دفع الجزية ‪ ،‬فليقاتلهم مستعينا باهلل معتمدا عليه ‪ ،‬ثم قال عليه الصالة‬
‫والسالم مختتما توجيهاته و تعليماته المير الجيش ‪.‬‬

‫( واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة هللا وذمة نبيه ‪ ...‬الخ ) يعني اذا قمت بحصار بلدة ‪ ،‬أو مدينة أو‬
‫غيرها ‪ ،‬وطلب منك أهلها اعطاءهم العهد والميثاق على سالمة أرواحهم وأموالهم ‪ ،‬فال تعطهم العهد باسم هللا وال باسم‬
‫نبيه ولكن اقطع لهم عهدا على نفسك وأصحابك ‪ .‬حتى اذا حصل نقض لهذا العهد من جانب جاهل من افراد الجيش ‪ ،‬كان‬
‫ذلك أهون من نقض عهد اعطي باسم هللا أو اسم نبيه ‪.‬‬

‫( واذا ارادوك أن تنتز لهم على حكم هللا ‪ ..‬الخ ) ‪ .‬يعني إذا طلب منك أهل حصن أن تفك الحصار عنهم على حكم هللا فال‬
‫تفعل ‪ ،‬فربما ال تدري أتصيب حكم هللا أم تخطيء ‪ ،‬ولكن أنزلهم على حكمك حتى اذا أخطأت في الحكم يكون أسهل من‬
‫انزالهم على حكم هللا‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫(‪ )1‬الجيش ‪ :‬ما كان أكي من‬


‫الرسية‬
‫(‪ )2‬الرسية أربعمائة من الخيل ونحوها‬
‫‪145‬‬
‫باب ال يستشفع باهلل على خلقه‬
‫عن جبير بن مطعم قال ‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال يا رسول هللا نهكت االنفس ‪ ،‬وجاع العيال ‪،‬‬
‫وهلكت األموال ۔ فاستسق لنا ربك ‪ ،‬فانا نستشفع باهلل عليك ‪ ،‬وبك على هللا ‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم « سبحان هللا‬
‫‪ ،‬سبحان هللا » فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه « ثم قال النبي صلى هللا عليه وسلم » ويحك أتدري ما‬
‫هللا ؟‪ .‬آن شأن هللا أعظم من ذلك ‪ ،‬انه ال يستشفع باهلل على أحد من خلقه ( وذكر الحديث رواه أبو داود ) ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬اإلنكار على من قال نستشفع باهلل عليك ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬تغيره تغيرا عرف في وجوه اصحابه من هذه الكلمة ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أنه لم ينكر عليه قوله نستشفع بك على هللا ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬التنبيه على تفسير سبحان هللا ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن المسلمين يسألونه االستسقاء‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد شيخ االسالم رحمه هللا النهي عن االستشفاع باهلل على أحد من خلقه ‪ ،‬تعظيما لذاته ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديث واحد‪ ،‬هو حديث جبير هذا و فيه يذكر قصة اعرابي جاء إلى الرسول عليه الصالة و السالم ‪،‬‬
‫يشكو له الفقر والجوع و هالك األموال بسبب تأخر نزول األمطار عليهم ‪ ،‬ويسأله أن يدعو هللا لهم بتنزيل المطر لتسعد‬
‫نفوسهم وتحيا مواشيهم ‪ ،‬ويذهب الجوع عن أوالدهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا نستشفع باهلل عليك وبك على هللا فأخذ الرسول عليه‬
‫السالم يرد التسبيح ‪ ،‬ويقول ‪ :‬سبحان هللا سبحان هللا‪.‬‬

‫ثم قال لالعرابي ‪ « :‬ويحك أتدري ما هللا ؟ أن شأن هللا أعظم من ذلك انه ال يستشفع باهلل على أحد من خلقه » يعني أن هللا‬
‫أعظم وأجل من أن يستشفع به على احد من خلقه مهما كانت منزلة ذلك المخلوق ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫باب ما جاء في األقسام على هللا‬
‫عن جندب بن عبدهللا قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « قال رجل وهللا ال يغفر هللا لفالن ‪ :‬فقال هللا عز وجل ‪-‬‬
‫من ذا الذي يتألی على أن ال أغفر لفالن ؟ اني قد غفرت له و أحبطت عملك » رواه مسلم‪.‬‬

‫وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة ‪ :‬تكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬التحذير من التألي على هللا‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬كون النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن الجنة مثل ذلك ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬فيه شاهد لقوله أن الرجل ليتكلم بالكلمة «الخ » ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬أن الرجل قد يغفر له بسبب هو من اكره االمور اليه ‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد المؤلف رحمه هللا من هذا الباب التحذير من الحلف على هللا ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب ‪ ،‬حديث و احد هو حديث جندب بن عبد هللا رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه أن اإلنسان قد يقول كالما ‪ ،‬ال‬
‫يرى فيه بأسا فيكون سببا في هالکه‪ .‬كما في قصة ذلك الرجل مع صاحبة المذكورة في هذا الحديث ‪ ،‬والتي يرويها ابو‬
‫هريرة رضي هللا عنه بشيء من التفصيل فيقول اني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ :‬أن رجلين من بني‬
‫اسرائيل متحابين ‪ ،‬احدهما مجتهد في العبادة ‪ ،‬واآلخر كأنه يقول ‪ :‬مذنب فجعل يقول ‪ :‬أقصر عما أنت فيه ‪ ،‬قال فيقول ‪:‬‬
‫خلني وربي ‪ ،‬قال فوجده يوما على ذنب استعظمه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اقصر ‪ .‬فقال ‪ :‬خلني وربي ابعثت علي رقيبا فقال ‪ :‬وهللا ال‬
‫يغفر هللا لك وال يدخلك الجنة أبدا قال ‪ :‬فبعث هللا اليهما ملكا فقبض ارواحهما ‪ ،‬فاجتمعا عنده ‪ ،‬فقال للمذنب ‪ :‬ادخل الجنة‬
‫برحمتي ‪ ،‬وقال لآلخر ‪ :‬اتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال ‪ :‬ال يا رب قال ‪ :‬اذهبوا به إلى النار ‪ .‬قال أبو‬
‫هريرة رضي هللا عنه ‪ :‬والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ‪ .‬ولهذا جاء في الحديث من ذا الذي يتألي علي‬
‫اال أغفر لفالن ؟ إني قد غفرت له و أحبطت عملك ‪ ،‬وفي هذه القصة تحذير للذين يودون أبواب رحمة هللا أمام عباده‬
‫المذنبين ويحلفون انه ال يغفر لهم ذنوبهم ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫باب (ما جاء في حماية النبي صلى هللا عليه وسلم حمى‬
‫التوحيد و سده طرق الشرك )‬

‫عن عبد هللا بن الشخير قال ‪ :‬انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقلثا ‪ :‬أنت سيدنا ‪ ،‬فقال « السيد هللا‬
‫تبارك و تعالى » قلنا ‪ :‬وأفضلنا فضال ‪ ،‬وأعظمنا طوال ‪ ،‬فقال «قولوا بقولكم ‪ ،‬أو بعض قولكم وال يستجرينكم الشيطان »‬
‫رواه أبو داود بسند جيد ‪.‬‬

‫وعن أنس رضي هللا عنه أن أناسا قالوا ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬ياخيرنا و ابن خيرنا ‪ ،‬وسيدنا و ابن سيدنا ‪ .‬فقال «يا أيها الناس‬
‫‪ ،‬قولوا بقولكم ‪ ،‬وال يستهوينكم الشيطان ‪ .‬أنا محمد عبد هللا ورسوله ‪ ،‬ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني هللا‬
‫عز وجل » رواه النسائي بسند جيد ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تحذير الناس من الغلو ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ما ينبغي أن يقول من قيل له أنت سيدنا ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قوله ( اليستجرينکم الشيطان ) مع انهم لم يقولوا اال الحق ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قوله (ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي )‪.‬‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب التحذير من كل ما ينافي عقيدة التوحيد ‪ ،‬أو يضعفها في قلب المسلم ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب حديثان‪.‬‬

‫أولهما ‪ :‬حديث عبد هللا بن الشخير رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه التحذير من الغلو في المدح ألنه قد يؤدي بالممدوح إلى نوع من‬
‫الغرور والتعاظم ‪ ،‬الذي يتنافى مع الذل والخضوع هلل رب العالمين ‪ ،‬ولهذا عندما قال وفد بني عامر لرسول هللا عليه‬
‫الصالة و السالم أنت سيدنا فقال ‪ :‬السيد هللا ‪ .‬ثم قال في آخر الحديث « قولوا بقولكم أو بعض قولكم ‪ ،‬وال يستجرينکم‬
‫الشيطان ‪ ،‬وقال في حديث آخر «ال تطروني ‪ -‬كما أطرت النصارى ابن مريم انما أنا عبد فقولوا ‪ :‬عبد هللا ورسوله‪.‬‬

‫وثانيهما ‪ :‬حديث أنس رضي هللا عنه ‪ ،‬و فيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم کره مدح أولئك الناس وقال ‪( :‬قولوا بقولكم أو‬
‫بعض قولكم وال يستهوينكم الشيطان ‪ ،‬انا محمد عبد هللا ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي انزلني هللا عز‬
‫وجل)‪.‬‬

‫والخالصة ‪:‬‬

‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم كره ان يقال له سيدنا مع أن هذا جائز بدليل قول النبي صلى هللا عليه وسلم لالنصار «‬
‫قوموا إلى سيدکم » يعني بذلك سعد بن معاذ رضي هللا عنه ‪ ،‬كما أنه حذر من الغلو في المدح لما أن من نتائج سيئة ‪ ،‬كل‬
‫ذلك من اجل المحافظة على العقيدة القائمة على االعتراف بالعبودية هلل وحده ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫باب ما جاء في قول هللا تعالى )وما قدروا هللا حق قدره ‪،‬‬
‫واألرض جميعا قبضته يوم القيامة) اآلية ( ‪ - 67‬الزمر)‬
‫عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال جاء حبر من األحبار الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال يا محمد ‪ ،‬أنا نجد أن هللا‬
‫يجعل السموات على اصبع ‪ ،‬واالرضين على اصبع ‪ ،‬والشجر على اصبع ‪ ،‬و الماء على اصبع ‪ ،‬والثرى على اصبع ‪،‬‬
‫وسائر الخلق على اصبع ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنا الملك فضحك النبي صلى هللا عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم‬
‫قرأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( وما قدروا هللا حق قدره و األرض جميعا قبضته يوم القيامة ) االية ‪.‬‬

‫وفي رواية لمسلم والجبال والشجر على اصبع ‪ ،‬ثم يهزهن فيقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أنا هللا ‪ .‬وفي رواية للبخاري ‪ « :‬يجعل‬
‫السموات على اصبع والماء و الثرى على اصبع ‪ ،‬وسائر الخلق على اصبع ‪ .‬أخرجاه « ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا »‬
‫يطوي هللا السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أين الجبارون ‪ -‬أين المتكبرون ؟ ثم يطوي‬
‫االرضين السبع ‪ ،‬ثم يأخذهن بشماله ثم يقول ‪ -‬أنا الملك ‪ ،‬أين الجبارون ؟ أين المتكبر ون ؟‪.‬‬

‫وروي عن ابن عباس قال ‪ :‬ما السموات السبع واألرضون السبع في کف الرحمن اال كخردلة في يد أحدكم وقال ابن‬
‫جرير ‪ :‬حدثني يونس أنبأنا ابن وهب قال ‪ :‬قال ابن زيد ‪ :‬حدثني ابي قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « ما‬
‫السموات السبع في الكرسي اال كدراهم سبعة القيت في ترس » قال ابو ذر ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‬
‫« ما الكرسي في العرش االكحلقة من حديد القيت بين ظهري فالة من األرض »‪.‬‬

‫وعن ابن مسعود قال بين سماء الدنيا و التي تليها خمسمائة عام و بين كل سماء و سماء خمسمائة عام ‪ ،‬وبين السماء‬
‫السابعة والكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي و الماء خمسمائة عام ‪ ،‬والعرش فوق الماء ‪ ،‬وهللا فوق العرش ‪ ،‬ال يخفى‬
‫عليه شيء من أعمالكم ‪ .‬أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد هللا ‪ .‬ورواه بنحوه المسعودي‬
‫عن عاصم عن أبي وائل عن عبد هللا ‪ .‬قال الحافظ الذهبي رحمه هللا تعالى قال ‪ :‬وله طرق ‪.‬‬

‫وعن العباس بن عبد المطلب قال ‪ :‬رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « هل تدرون كم بين السماء واألرض » ؟ قلنا هللا‬
‫ورسوله أعلم قال ‪ :‬بينهما مسيرة خمسمائة سنة و من كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة‬
‫خمسمائة سنة ‪ ،‬وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله و اعاله كما بين السماء واألرض ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعالى فوق‬
‫ذلك و ليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم ‪ ،‬اخرجه أبو داود وغيره ‪.‬‬

‫فيه مسائل ‪:‬‬

‫االولى ‪ :‬تفسير قوله ( واألرض جميعا قبضته ) ‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه ولم ينكروها ولم يتأولوها ‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬أن الحبر لما ذكرها للنبي صلى هللا عليه و سلم صدقه و نزل القرآن بتقرير ذلك ‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬وقوع الضحك من رسول هللا صلى هللا عليه و سلم عند ذكر الحبر هذا العلم العظيم‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬التصريح بذكر اليدين وأن السموات في اليد اليمني واالرضين في اليد األخرى‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬التصريح بتسميتها الشمال ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬ذكر الجبارين و المتكبرين عند ذلك ‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬قوله کخردلة في كف أحدكم ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬عظم الكرسي بالنسبة إلى السموات ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫العاشرة ‪ :‬عظمة العرش بالنسبة إلى الكرسي ‪.‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬أن العرش غير الكرسي و الماء ‪.‬‬

‫الثانية عشرة ‪ :‬كم بين كل سماء إلى سماء ‪.‬‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬كم بين السماء السابعة والكرسي ‪.‬‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬كم بين الكرسي و الماء ‪.‬‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬أن العرش فوق الماء ‪.‬‬

‫السادسة عشرة ‪ :‬أن هللا فوق العرش ‪.‬‬

‫السابعة عشرة‪ :‬كم بين السماء واألرض ‪.‬‬

‫الثامنة عشرة ‪ :‬كثف كل سماء خمسمائة سنة ‪.‬‬

‫التاسعة عشرة ‪ :‬أن البحر الذي فوق السموات بين اعاله وأسفله مسيرة خمسمائة سنة ‪ ،‬وهللا سبحانه و تعالى أعلم‬

‫الهدف ‪:‬‬

‫قصد الشيخ رحمه هللا من هذا الباب بيان أن من عبد مع هللا غيره ولم يقدره حق قدره ‪ ،‬لم يعظمه التعظيم الواجب له ‪.‬‬

‫الشرح ‪:‬‬

‫ورد تحت هذا الباب أية واحدة واربعة أحاديث‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة جاء فيها قوله تعالى (وما قدروا هللا حق قدره ) يعني أن الذين يعبدون مع هللا غيره ‪ ،‬لم يعرفوا هللا حق‬
‫المعرفة ‪ ،‬ولم يعظموه التعظيم الالئق به ‪ ( ،‬واألرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) يعني أن‬
‫األرض كلها ومن فيها ملکه و تحت قهره يتصرف فيها كيف يشاء ‪ ،‬وكذا السموات خاضعة المره و ارادته ‪ ،‬يطويها كما‬
‫يريد ومع هذه القدرة اإللهية الجبارة يشرك المخلوق مع هللا في عبادته مخلوقا ضعيفا ال يستطيع لنفسه ضرا وال نفعا ‪ ،‬وال‬
‫موتا ‪ ،‬وال حياة ‪ ،‬وال نشورا ‪ ،‬ولذا قال تعالى في آخر اآلية ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) يعني تقدس وتعالى عن كل‬
‫شريك ‪.‬‬

‫وسبب نزول هذه االية كما ذكر ذلك الشيخان البخاري ومسلم أن رجال من أهل الكتاب جاء إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا القاسم أبلغك أن هللا تعالى يجعل الخالئق على اصبع والسموات على اصبع واألرضين على اصبع والشجر‬
‫على اصبع والثرى على اصبع وسائر الخالئق على اصبع ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنا الملك ؟ فضحك النبي صلى هللا عليه وسلم حتى‬
‫بدت نواجذه تصديقا لكالم الحبر‪.‬‬

‫ومثل هذا الحديث الدال على عظمة هللا التي ال نهاية لها ‪ ،‬وعلى قدرته التي ال نظير لها حديث ابن عمر الوارد فيه أن هللا‬
‫جلت قدرته يطوي السموات يوم القيامة ‪ ،‬ثم يأخذهن بيمينه ‪ ،‬ويطوي االراضين السبع ويأخذهن بشماله ‪.‬‬

‫ويرد بعد حديث ابن عمر هذا ‪ ،‬رواية عن ابن عباس رضي هللا عنه يبين فيها أن حجم االرضين السبع في كف الرحمن‬
‫جلت عظمته ‪ ،‬كحجم الخردلة (‪ )1‬في كف اإلنسان ‪ ،‬وهذا اشعار بعظمة الخالق لهذا الكون كله ثم يأتي بعد رواية ابن‬
‫عباس رضي هللا عنه ‪ ،‬حديث من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوضح فيه أن حجم السموات السبع بالنسبة لضخامة‬
‫كرسي الرحمن جل وعال ‪ -‬تشبه حجم سبعة دراهم وضعت في ترس)‬

‫‪15۰‬‬
‫يأتي بعد ذلك حديث أبي ذر رضي هللا عنه ‪ ،‬ليبين ضخامة عرش الرحمن بالنسبة للكرسي بأنه كحلقة من حديد ‪ ،‬وضعت‬
‫من األرض ‪.‬‬
‫في وسط فالة (‪24)3‬‬

‫وفي آخر الباب يأتي حديث ابن مسعود رضي هللا عنه ‪ ،‬وحديث العباس بن عبد المطلب رضي هللا عنه وكالهما يتحدثان‬
‫عن المسافات الهائلة التي تفصل بين كل سماء وسماء ثم المسافات المذهلة التي تفصل بين هذه السموات السبع ‪ ،‬وبين‬
‫الكرسي والعرش ‪ ،‬و اشياء يقف العقل امامها مؤمنا بالعظمة المطلقة هللا جل شأنه ‪.‬‬

‫والخالصة ‪ :‬أن كل األحاديث الواردة في هذا الباب تدل على عظمة هللا التي ال حدود لها ‪ ،‬وعلى أنه القادر على كل شيء‬
‫‪ ،‬والقاهر لكل شيء ‪ ،‬وان هذا الكون كله كبيره وغيره ‪ ،‬خاضع خضوعا تاما المره و ارادته ‪ -‬كما وردت في بعض‬
‫احاديث الباب كلمة ‪ ،‬كف الرحمن ‪ ،‬وان هللا يضع السموات على اصبع وانه سبحانه وتعالى يطوي السموات السبع ثم‬
‫يأخذهن بيمينه ‪ ،‬ويطوي االرضين السبع ثم يأخذهن بشماله وكل هذه صفات هللا مذهب اهل السنة والجماعة فيها ‪ -‬اثباتها‬
‫على ما يليق بجالل هللا وعظمته ‪ ،‬اثباتا بال تمثيل ‪ ،‬وتنزيها بال تعطيل ‪ ،‬كما ورد في آخر حديث ابن مسعود أن هللا فوق‬
‫العرش ‪ -‬ال يخفى عليه شيء من أعمال العباد ‪ ،‬وقد ورد في استواء هللا على عرشه آيات كثيرة من كتاب هللا ‪ ،‬منها قوله‬
‫تعالى ‪( :‬ان ربكم هللا الذي خلق السموات واألرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) و مذهب أهل السنة و الجماعة‬
‫في استواء هللا على عرشه ال يختلف عن مذهبهم في آيات الصفات االخرى ‪ ،‬فهم يثبتون ان هللا مستو على عرشه مطلع‬
‫على خلقه ‪ ،‬ويقولون االستواء غير مجهول ‪ ،‬والكيف غير معقول و االيمان به واجب و السؤال عنه بدعة ‪.‬‬

‫وبعد‬

‫بعون من هللا بدأت ‪ ،‬وبتوفيق منه انتهيت سائال منه جلت قدرته أن يجعله عمال خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به ‪ ،‬وآخر‬
‫دعوانا ان الحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الثفاء )‬
‫ه حبة صغية جدا ( حبة‬ ‫(‪ )1‬الخردله ي‬
‫ن‬
‫يتف به المقاتل ضبات السيف‬
‫(‪ )2‬اليس ‪ -‬هو ما ي‬
‫(‪ )3‬الفالة ‪ :‬األرض الواسعة‬
‫‪151‬‬
‫جدول المحتويات‬
‫الدر النضيد على كتاب التوحيد ‪2 ................................. ................................ ................................‬‬
‫االهداء ‪3 ........................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫مقدمة ‪4 .......................... ................................ ................................ ................................ .‬‬
‫تمهيد ‪5 ............................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫مؤلفاته ‪7 ......................... ................................ ................................ ................................ :‬‬
‫منهجه في الدعوة ‪7 .............. ................................ ................................ ................................ :‬‬
‫المفترون عليه ‪7 ................. ................................ ................................ ................................ :‬‬
‫المنصفون له ‪7 ................... ................................ ................................ ................................ :‬‬
‫نبذة موجزة عن شارح الكتاب ‪11 ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب التوحيد وقول هللا تعالى ( وما خلقت الجن واالنس اال ليعبدون ) اآلية (‪ - 56‬الذاريات ) ‪13 .......................... .‬‬
‫باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ‪18 ...................... ................................ ................................‬‬
‫باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ‪22 ............... ................................ ................................‬‬
‫باب الخوف من الشرك ‪25 ....................................... ................................ ................................‬‬
‫باب الدعاء الى شهادة أن ال اله اال هللا ‪27 ....................... ................................ ................................‬‬
‫باب تفسير التوحيد ‪ ،‬وشهادة أن ال اله اال هللا ‪31 ................ ................................ ................................‬‬
‫باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البالء أو دفعه ‪34 .......................... ................................‬‬
‫باب ما جاء في الرقي والتمائم ‪36 ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما ‪39 .................... ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في الذبح لغير هللا ‪42 ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب ال يذبح هلل بمكان يذبح فيه لغير هللا ‪44 ...................... ................................ ................................‬‬
‫باب من الشرك النذر لغير هللا ‪46 ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب من الشرك االستعاذة بغير هللا ‪47 ............................ ................................ ................................‬‬
‫باب من الشرك أن يستغيث بغير هللا أو يدعو غيره ‪48 ......................................... ................................‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ) االية ( ‪ - 23‬سبأ )‪55.‬‬
‫باب الشفاعة ‪59 ................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( انك ال تهدي من أحببت ) اآلية ( ‪ - 56‬القصص ) ‪61 ................... ................................‬‬
‫باب ما جاء أن سبب کفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ‪63 ................... ................................‬‬
‫باب ( ما جاء من التغليظ فيمن عبد هللا عند قبر رجل صالح فكيف اذا عبده ) ‪67 ............. ................................‬‬
‫باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أو ثانا تعبد من دون هللا ‪7۰ ................. ................................‬‬
‫باب ما جاء في حماية المصطفى صلى هللا عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك ‪72 ..............‬‬
‫باب ما جاء أن بعض هذه األمة يعبد األوثان ‪74 ................ ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في السحر ‪78 ...................................... ................................ ................................ .‬‬
‫باب بيان شيء من أنواع السحر ‪8۰ .............................. ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في الكهان و نحوهم ‪82 ............................. ................................ ................................‬‬

‫‪152‬‬
‫باب « ما جاء في النشرة« ‪84 .................................. ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في التطير ‪85 ........................................ ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في التنجيم ‪87 ........................................ ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في االستسقاء باألنواء ‪89 ........................... ................................ ................................‬‬
‫باب قول هللا تعالى ‪ ( :‬وعلى هللا فتوكلوا ان کنتم مؤمنين ) ( المائدة ‪ ) 23 -‬وقوله ‪ ( :‬انما المؤمنون الذين اذا ذكر هللا‬
‫وجلت قلوبهم ) اآلية ( االنفال ‪ )2 -‬وقوله ‪ ( :‬يا أيها النبي حسبك هللا ) اآلية ( االنفال ‪ ) 64 -‬وقوله ( ومن يتوكل على‬
‫هللا فهو حسبه ) اآلية ( الطالق ‪95 ........................ ................................ ................................ .)3 -‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا اال القوم الخاسرون ) االية ( االعراف ‪ ) 99 -‬وقوله ‪ ( :‬ومن يقنط‬
‫من رحمة ربه اال الضالون ) االية ( الحجر ‪97 ........................................ ................................ ) 56 -‬‬
‫باب ( من االيمان باهلل الصبر على أقدار هللا ) ‪99 ............. ................................ ................................ .‬‬
‫باب ما جاء في الرياء وقول هللا تعالى ‪ ( :‬قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلي انما الهكم اله واحد ) اآلية ( الكهف – ‪)11۰‬‬
‫‪1۰1 ............................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب من الشرك إراحة االنسان بعمله الدنيا ‪1۰2 ............... ................................ ................................ .‬‬
‫باب من اطاع العلماء واألمراء في تحريم ما أحل هللا أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا من دون هللا ‪1۰4 ................‬‬
‫باب قول هللا تعالى ‪ ( :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك بريدون أن يتحاكموا إلى‬
‫الطاغوت ‪ ،‬وقد أمروا أن يكفروا به ‪ ،‬ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا ) اآليات ( النساء ‪ )6۰ -‬وقوله ‪ ( :‬واذا قيل‬
‫لهم ال تفسدوا في األرض قالوا انما نحن مصلحون) االية ( البقرة ‪1۰6 ............... ................................ ) 11 -‬‬
‫باب من جحد شيئا من األسماء والصفات ‪1۰8 ................ ................................ ................................ .‬‬
‫باب قول هللا تعالى ‪ ( :‬يعرفون نعمة هللا ثم ينكرونها ) اآلية ( النحل ‪ ) 83 -‬قال مجاهد ما معناه ‪ :‬هو قول الرجل ‪ :‬هذا‬
‫مالي ورثته عن آبائی ‪ .‬وقال عون بن عبد هللا ‪ :‬يقولون لوال فالن لم يكن كذا ‪11۰ ......................................... .‬‬
‫باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف باهلل ‪113 .................... ................................ ................................ .‬‬
‫باب قول ما شاء هللا وشئت ‪114 ............................... ................................ ................................ .‬‬
‫باب من سب الدهر فقد آذى هللا ‪116 ............................. ................................ ................................‬‬
‫باب التسمي بقاضي القضاة و نحوه ‪118 ........................ ................................ ................................‬‬
‫باب احترام أسماء هللا تعالى و تغيير االسم ألجل ذلك ‪119 ..................................... ................................‬‬
‫باب من هزل بشيء فيه ذكر هللا أو القرآن أو الرسول ‪12۰ .................................. ................................ .‬‬
‫باب ما جاء في قول هللا تعالى ( ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن‬
‫رددت إلى ربي ان لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) اآلية ( فصلت ‪122 )5۰ -‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( فلما آتاهما صالحا جعال له شركاء فيما آتاهما فتعالى هللا عما يشركون ) اآلية (‪ – 19۰‬األعراف )‬
‫‪124 .............................. ................................ ................................ ................................ .‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( وهلل األسماء الحسنی فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) اآلية (‪ – 18۰‬األعراف) ‪126 .. .‬‬
‫باب (ال يقال السالم على هللا) ‪128 ............................... ................................ ................................‬‬
‫باب قول ‪ :‬اللهم اغفر لي ان شئت ‪129 ........................ ................................ ................................ .‬‬
‫باب ال يقول عبدي و أمتي ‪13۰ .................................. ................................ ................................‬‬
‫باب ال يرد من سأل باهلل ‪131 .................................... ................................ ................................‬‬
‫باب ال يسأل بوجه هللا اال الجنة ‪133 ............................. ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في اللو ‪134 ......................................... ................................ ................................‬‬

‫‪153‬‬
‫باب النهي عن سب الريح ‪135 ................................... ................................ ................................‬‬
‫باب قول هللا تعالى ( يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية ‪ ،‬يقولون هل لنا من األمر من شيء‪ .‬قل أن األمر كله هلل ) ‪.‬‬
‫اآلية ( ‪ - 154‬آل عمران ) وقوله ( الظانين باهلل ظن السوء ‪ ،‬عليهم دائرة السوء ) ‪ .‬اآلية ( الفتح‪136 ............. . ) 6-‬‬
‫باب ما جاء في منكري القدر ‪138 ............................... ................................ ................................‬‬
‫باب ( ما جاء في المصورين) ‪14۰ ............................. ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في كثرة الحلف ‪142 ................................ ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في ذمة هللا وذمة نبيه ‪144 .......................... ................................ ................................‬‬
‫باب ال يستشفع باهلل على خلقه ‪146 .............................. ................................ ................................‬‬
‫باب ما جاء في األقسام على هللا ‪147 ............................ ................................ ................................‬‬
‫باب (ما جاء في حماية النبي صلى هللا عليه وسلم حمى التوحيد و سده طرق الشرك ) ‪148 .................................‬‬
‫باب ما جاء في قول هللا تعالى )وما قدروا هللا حق قدره ‪ ،‬واألرض جميعا قبضته يوم القيامة) اآلية ( ‪ - 67‬الزمر) ‪149 ..‬‬

‫‪154‬‬

You might also like