You are on page 1of 297

‫ﺷﺒﻜﺔ‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫اً‬
‫س�بيل‪ ،‬وأوضح هلم طريق اهلداية‬ ‫احلمد هلل الذي س�هل لعباده املتقني إىل مرضاته‬
‫وجع�ل اتب�اع الرس�ول عليها اً‬
‫دليًل�‪ ،‬واختذهم عبيدً ا له فأق�روا له بالعبودي�ة ومل يتخذوا‬
‫م�ن دون�ه اً‬
‫وكيل‪ ،‬وكتب يف قلوهبم اإليامن ملا رضوا باهلل ر ًبا وباإلسلام دينًا‪ .‬وأش�هد أن‬
‫ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له شهادة أشهد هبا مع الشاهدين‪ ،‬وأحتملها عن اجلاهدين‪،‬‬
‫وأدخرها عند اهلل عدة ليوم الدين‪.‬‬

‫وأشهد أن حممدً ا عبده املصطفى‪ ،‬ونبيه املرتىض‪ ،‬ورسوله الصادق املصدوق‪ ،‬صىل‬
‫تسليم‪.‬‬
‫اً‬ ‫اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فم�ن فض�ل اهلل علين�ا‪ ،‬وم�ن عناية اهلل بن�ا أن جيل لنا أم�ر اجلنة ووص�ف نعيمها‪،‬‬
‫وأكَّ�د خلوده�ا وكامهلا من غري نك�د وال تنغيص وال نقص‪ ،‬وال ح�ر وال برد‪ ،‬وال تعب‬
‫وال صخب وال نصب‪ ،‬وال عجز وال هرم‪.‬‬

‫فاجلن�ة‪ ..‬ما اجلنة‪ ،‬والفردوس ما الف�ردوس‪ ،‬ال مثيل هلا‪ ،‬فهي نور يتألأل‪ ،‬ورحيانة‬
‫هتتز‪ ،‬وقرص مشيد‪ ،‬وهنر مضطرب‪ ،‬وثمرة نضيجة‪ ،‬وحلل كثرية‪ ،‬وزوجة حسناء مجيلة‪،‬‬
‫وفاكهة وخرضة‪ ،‬وحربة ونعمة‪ ،‬يف حملة عالية هبية‪ ،‬يف جنة عدن عند مليك مقتدر‪.‬‬

‫بناه�ا اهلل ‪ c‬لعب�اده املتقني أحس�ن بن�اء‪ ،‬ومألها من كرامته ورمحت�ه ورضوانه؛‬
‫بناؤه�ا أحس�ن بناء وأمجل بناء وأتم بناء وأكمل بن�اء‪ ،‬كيف ال يكون ذلك‪ ،‬وهي لبنة من‬
‫ذه�ب ولبنة من فضة‪ ،‬مالطها املس�ك‪ ،‬وحصباؤها اللؤلؤ والياق�وت واجلوهر‪ ،‬وتراهبا‬
‫الزعفران‪ ،‬وس�قفها عرش الرمح�ن‪ ،‬غرفها مبنية ُيرى ظاهرها م�ن باطنها‪ ،‬ويرى باطنها‬

‫‪5‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪6‬‬
‫من ظاهرها‪ ،‬من دخلها ينعم وال يبأس‪ ،‬وخيلد ال يموت‪ ،‬ال تبىل ثيابه‪ ،‬وال يفني شبابه‪،‬‬
‫ق�ال ‪« :0‬فيه ��ا ما ال عني رأت‪ ،‬وال أُ ُذ ٌن مسعت‪ ،‬وال خطر على قلب بش ��ر»‪ ،‬ثم‬
‫قرأ هذه اآلية‪[ :‬ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ] [‪.)1(]17 - 16 :0‬‬

‫أيضا ما تش�تهيه‬
‫ويف اجلن�ة كل م�ا يريده املرء ويتمناه‪ ،‬بل وفوق ما يتمناه‪ ،‬وله فيها ً‬
‫نفسه ُّ‬
‫وتلذ به عينه‪.‬‬

‫‪ [ :6‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ]‬
‫[‪]71 :M‬‬

‫ري من الدنيا وما فيها»(‪ ،)2‬وكذلك‬


‫وقال ‪« :0‬موضع سوط يف اجلنة خ ٌ‬
‫من فضل اهلل علينا ومن عنايته بنا أن بني لنا يف كتابه وعىل لسان رسوله ‪ 0‬الطرق‬
‫واملسالك التي تدلنا وهتدينا إىل طريق اجلنة‪ ،‬ويف هذا الكتاب «الطريق إىل اجلنة» قمت‬
‫بفضل اهلل وعونه بوصف اجلنة وأهلها‪ ،‬واألعامل الصاحلة التي تكون طري ًقا لإلنسان إىل‬
‫اجلن�ة‪ ،‬وقد اس�تعنت بع�د اهلل ‪ D‬ببعض اآليات الطيبات ‪ -‬وكله�ا طيب ‪ -‬وجمموعة‬
‫من األحاديث الصحيحة الثابتة عن رس�ول اهلل ‪ ،0‬وكذلك بعض اآلثار الطيبة‬
‫اً‬
‫س�ائل اهلل ‪ D‬أن جيعلني وإخواين املسلمني من ُسكّان الفردوس األعىل‪ ،‬إنه عىل ذلك‬
‫ّ‬
‫وصل اللهم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫قدير‪ ،‬وباإلجابة جدير‪،‬‬

‫كتبه‬

‫حدائق كفر الدوار – البحرية‬


‫يف ‪2013 – 1432‬م‬

‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3250‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2825‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪7‬‬

‫صفة الجنة وأصناف نعيمها‬


‫قال الغزايل ‪َ V‬ما ملخصه‪:‬‬
‫اعلم أن تلك الدار التي عرفت مهومها وغمومها تقابلها دار أخرى فتأمل نعيمها‬
‫ورسوره�ا‪ ،‬ف�إن من بع�د من أحدمه�ا اس�تقر ال حمالة يف األخ�رى‪ ،‬فاس�تثر اخلوف من‬
‫قلبك بطول الفكر يف أهوال اجلحيم‪ ،‬واس�تثر الرجاء بطول الفكر يف النعيم املقيم ألهل‬
‫اجلنان‪ ،‬وس�ق نفس�ك بس�وط اخلوف وقدها بزمام الرجاء إىل الرصاط املستقيم‪ ،‬فبذلك‬
‫تن�ال امللك العظيم وتس�لم من العذاب األليم‪ ،‬فتفك�ر يف أهل اجلنة ويف وجوههم نرضة‬
‫النعي�م‪ ،‬يس�قون من رحيق خمت�وم‪ ،‬متكئني عىل أرائك منصوبة عىل أط�راف أهنار مطردة‬
‫باخلمر والعس�ل‪ ،‬وحمفوفة بالغلمان والولدان‪ ،‬مزينة باحلور العني من اخلريات احلس�ان‬
‫كأهنن الياقوت واملرجان مل يطمثهن إنس قبلهم وال جان‪ ،‬آمنات من اهلرم مقصورات يف‬
‫اخليام‪ ،‬ثم يطاف عليهم وعليهن بأكواب وأباريق وكأس من معني بيضاء لذة للشاربني‪،‬‬
‫ويط�وف عليهم ُخ�دام وولدان كأمثال اللؤل�ؤ املكنون جزاء بام كان�وا يعملون‪ ،‬يف مقام‬
‫أمين يف جن�ات وعي�ون‪ ،‬يف جن�ات وهن�ر يف مقعد ص�دق عند ملي�ك مقت�در‪ ،‬ينظرون‬
‫فيه�ا إىل وج�ه املل�ك الكريم وق�د أرشق�ت يف وجوههم نضرة النعي�م‪ ،‬ال يرهقهم قرت‬
‫وال ذل�ة ب�ل عب�اد مكرم�ون‪ ،‬وبأن�واع التحف من رهب�م يتعاه�دون‪ ،‬فهم فيام اش�تهت‬
‫أنفسهم خالدون‪ ،‬ال خيافون فيها وال حيزنون‪ ،‬وهم من ريب املنون آمنون‪ ،‬فهم يتنعمون‬
‫ويأكل�ون من أطعمتها ويرشبون من أهنارها لبنا ومخرا وعسلا‪ ،‬فيا عجبا ممن يؤمن بدار‬
‫ه�ذه صفتها‪ ،‬ويوقن بأن�ه ال يموت أهلها‪ ،‬وال حتل الفجائع بمن ن�زل بفنائها‪ ،‬وال تنظر‬
‫األح�داث بعين التغيير إىل أهلها كي�ف يأنس بدار ق�د أذن اهلل يف خراهب�ا‪ ،‬وهينأ بعيش‬
‫دوهن�ا‪ ،‬واهلل ل�و مل يك�ن فيها إال سلامة األبدان م�ع األمن من املوت واجل�وع والعطش‬
‫جديرا بأن هيجر الدنيا بسببها‪ ،‬وأن ال يؤثر عليها ما الترصم‬
‫ً‬ ‫وسائر أصناف احلدثان لكان‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪8‬‬
‫والتنغص من رضورته – كيف وأهلها ملوك آمنون ويف أنواع الرسور متمتعون‪ ،‬هلم فيها‬
‫ما يش�تهون‪ ،‬وهم بفناء العرش حيرضون‪ ،‬وإىل وجه اهلل الكريم ينظرون‪ ،‬وينالون بالنظر‬
‫إىل وج�ه اهلل م�ا ال ينظرون معه إىل س�ائر نعيم اجلنان وال يلتفت�ون‪ ،‬وهم عىل الدوام بني‬
‫أصن�اف ه�ذه النعم يترددون‪ ،‬وهم من زواهل�ا آمنون‪ ،‬عن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪ :‬قال‬
‫رس�ول اهلل ‪« :0‬ين ��ادي من ��اد‪ :‬يا أهل اجلن ��ة إن لكم أن تصحوا فال تس ��قموا‬
‫أبدا‪ ،‬وإن لكم أن‬ ‫أبدا‪ ،‬وإن لكم أن حتيوا فال متوتوا ً‬
‫أبدا‪ ،‬وإن لكم أن تشبوا فال تهرموا ً‬ ‫ً‬
‫تنعموا فال تبأسوا أبدًا‪ ،‬فذلك قول اهلل ‪[ :D‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ](‪.]43 :C[ )1‬‬
‫اجلنة فوق ما خيطر بالبال أو يدور يف اخليال‪ ،‬وإن موضع س ٍ‬
‫وط منها خري من الدنيا‬ ‫َ‬
‫وما فيها‪:‬‬

‫ع�ن أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬ق ��ال اهلل ‪:D‬‬
‫أع ��ددت لعب ��ادي الصاحل�ي�ن م ��ا ال ع�ي�ن رأت‪ ،‬وال أذن مسع ��ت‪ ،‬وال خط ��ر عل ��ى قل ��ب‬
‫بش ��ر»‪ ،‬مص�داق ذل�ك يف كت�اب اهلل‪[ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﮬ] [‪]17 : 0‬‬

‫وثبت عن ابن عباس ‪ L‬أنه قال‪ :‬ليس يف الدنيا يشء مما يف اجلنة إال األسماء‪،‬‬
‫فليس العسل كالعسل‪ ،‬وليس اخلمر كاخلمر‪ ،‬وليس العنب كالعنب‪.‬‬

‫ومهما ق�رأت يف وصف نعيمه�ا وخطر نعيمها ببال�ك من متاعه�ا وعجائبها فهي‬
‫أعجب مما قرأت وأطيب مما خطر عىل قلبك‪،‬وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫(‪« )1‬إحي�اء عل�وم الدي�ن» (‪ )2999 – 2997‬باختص�ار وترصف واحلديث رواه مس�لم (‪،)175/17‬‬
‫والرتمذي (‪.)125 ،124/12‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري (‪ ،)318/6‬ومسلم (‪ :)166/17‬وابن ماجه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪9‬‬
‫‪« :0‬لق ��اب ق ��وس أحدك ��م يف اجلن ��ة خ�ي�ر مم ��ا طلع ��ت علي ��ه الش ��مس أو‬
‫تغرب»(‪.)1‬‬

‫مقرا ألحبابه‬
‫ق�ال ابن القيم ‪ :V‬وكيف يقدر قدر دار خلقه�ا اهلل بيده وجعلها ً‬
‫ومأله�ا م�ن رمحته وكرامته ورضوانه‪ ،‬ووص�ف نعيمها بالفوز العظي�م‪ ،‬وملكها بامللك‬
‫الكبير‪ ،‬وأودعه�ا اخلري بحذافيره‪ ،‬وطهرها من كل عيب وآفة ونقص‪ ،‬فإن س�ألت عن‬
‫أرضها وتربتها فهي املس�ك والزغفران‪ ،‬وإن س�ألت عن سقفها فهو عرش الرمحن‪ ،‬وإن‬
‫س�ألت عن مالطها فهو املس�ك األذفر‪ ،‬وإن س�ألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ واجلوهر‪،‬‬
‫وإن س�ألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب‪ ،‬وإن س�ألت عن أش�جارها فام فيها‬
‫ش�جرة إال وس�اقها من ذهب أو فضة ال من احلطب واخلش�ب‪ ،‬وإن س�ألت عن ثامرها‬
‫فأمثال القالل‪ ،‬ألني من الزبد وأحىل من العسل‪ ،‬وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون‬
‫من رقائق احللل‪ ،‬وإن سألت عن أهنارها فأهنار من لبن مل يتغري طعمه وأهنار من مخر لذة‬
‫للشاربني وأهنار من عسل مصفى‪.‬‬

‫ابتداء‪ :‬أين اجلنة؟‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري (‪ ،)320/6‬ورواه مسلم بلفظ‪« :‬لغدوة يف سبيل اهلل أو روحة» (‪،)26/13‬‬
‫والرتمذي (‪.)155/7‬‬
‫يل‪ِ .‬ق َ‬
‫يل‪:‬‬ ‫ب ُ‬ ‫ال‪ِ :‬ج رْ ِ‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َه َذا؟ َق َ‬ ‫يل َف ِق َ‬ ‫ب ُ‬ ‫الساب َع ِة َف ْ‬
‫اس َت ْف َت َح ِج رْ ِ‬ ‫السماء َّ‬ ‫ففي احلديث‪ُ « :‬ث َّم َع َر َج إِلىَ َّ‬ ‫ ‬
‫�ال‪َ :‬ق ْد ُب ِع َث إِ َلي ِه َف ُف ِت � َ�ح ل َنا‪َ ،‬فإِ َذا أَ َنا‬
‫يل‪َ :‬و َق ْد ُب ِع َث إِل ْيه؟ َق � َ‬ ‫م َّم� � ٌد ‪ِ 0‬ق َ‬ ‫�ك؟ قال‪ :‬حُ َ‬ ‫َم � ْ�ن َم َع � َ‬
‫وَ‬
‫ون أَ ْل َف َم َل ٍك‬ ‫ك َّل َي ْوم َس ْب ُع َ‬ ‫َد ُخ ُل ُه ُ‬ ‫اهي َم ‪ُ 0‬م ْس ِندًا َظ ْه َر ُه إِلىَ ا ْل َب ْي ِت ال َـم ُ‬
‫عمور‪ ،‬وَإِ َذا ُه َو ي ْ‬ ‫ِبإِ ْب َر ِ‬
‫كا ْل ِقلاَ ِل‬ ‫ث ُر َها َ‬ ‫ْـمن َتهَي‪ ،‬وإ َذا َو َر ُقهَا كآ َذان ا ْل ِف َي َل ِة‪ ،‬وَإ َذا مَ َ‬ ‫لاَ َي ُعود َ‬
‫ُون إِ َل ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َذ َه َب ِبي إِلىَ ِس� � ْـد َر ِة ال ُ‬
‫ِ‬
‫أن يَن َع َتهَا ِم ْن‬ ‫َس� � َتطي ُع ْ‬ ‫لق اهلل ي ْ‬ ‫َق ��أل َ‪َ :‬ف َل َّم ��ا َغ ِش� � َيهَا ِم ْن أَ ْمر اهلل َما َغ ِش � َ�ي َت َغ�َّي�رَّ ْت َف َما أَ َح ٌد ِم � ْ�ن َخ ِ‬
‫ُح ْس ِنهَا»‪.‬‬
‫صحيح‪ :‬البخاري [‪ ،]7507‬ومسلم [‪.]162‬‬ ‫ ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪10‬‬
‫إذا سألت عن اجلنة فهي فوق السامء السابعة؛ وذلك ملا تقدمت اإلشارة إليه من أن‬
‫النبي ‪ 0‬رآها ليلة املعراج بعد أن جتاوز السماء السابعة‪ ،‬فقد رأى سدرة املنتهي‪،‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ] [‪.]15 - 14 :g‬‬

‫فوق اجلنة عرش الرمحن كام جاء يف احلديث عن رس�ول اهلل ‪ 0‬وقد تقدم‪،‬‬
‫ح ِن»‪.‬‬
‫الر مْ َ‬
‫ش َّ‬‫ففيه أن النبي ‪ 0‬قال يف شأن الفردوس‪« :‬وفوق ُه َع ْر ُ‬

‫ُشم كذلك عن ُبعد‪:‬‬


‫ورائحة اجلنة تُوجد عن ُبعد وت ُّ‬
‫اما»(‪.)1‬‬ ‫من َم ِسري ِة أر َب ِع َ‬
‫ني َع ً‬ ‫وج ُد ْ‬ ‫ففي احلديث‪« :‬وإِ َّن ِر َ‬
‫حيها ل ُي َ‬
‫ون ُأ ُح ٍد»(‪ .)2‬وهناك روايات‬ ‫ولق�د قال أنس بن النرض يوم ُأ ُحد‪« :‬إِنيَّ َأ ِجدُ حِ‬
‫رِي َها ُد َ‬
‫أخرى‪.‬‬
‫فم�ن الناس من يش�م رائح�ة اجلنة عن ب ٍ‬
‫عد‪ ،‬ومنهم من يش�مها عن مس�افة أقرب‬ ‫ُ‬
‫وأقرب‪.‬‬

‫وأهل الجنة يعرفونها قبل دخولها‪:‬‬

‫‪ [ :6‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ] [‪.]6 - 4 :U‬‬

‫أما عن أسامء اجلنة وما أطلق عليها فمن ذلك‪:‬‬


‫دار السالم‪ [ :6 :‬ﭼ ﭽ ﭾ] [‪.]127 :A‬‬
‫قال بعض أهل العلم‪ :‬سميت بذلك؛ ألهنا دار السالمة من كل ٍ‬
‫بلية وكل آفة وكل‬
‫مكروه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3166‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]2805‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪11‬‬
‫أيض�ا‪ :‬ه�ي دار اهلل(‪)1‬؛ ألن اهلل ه�و السلام‪ ،‬فالسلام اس�م من أسماء اهلل‬
‫وقي�ل ً‬
‫‪.D‬‬
‫دائم ُيل َّق�ون فيها التحية والسلام‪ ،‬كام ق�ال ‪ [ :c‬ﭑ ﭒ‬
‫وألن أه�ل اجلن�ة اً‬
‫ﭓ ﭔ] [‪ ،]44 :2‬وكما ق�ال ‪ [ :c‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ] [‪.]24 - 23 :O‬‬

‫وكام قال ‪[ :c‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ] [‪.]58 :8‬‬

‫وكام قال‪[ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] [‪ ،]26 - 25 :m‬وهي‬


‫أيضا جنة اخللد‪.‬‬
‫ً‬

‫‪[ :6‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ] [‪.]15 :l‬‬

‫وس�ميت هبذا االسم؛ ألن أهلها يخُ َّلدون فيها وال يتحولون عنها‪ ،‬وال يبغون عنها‬
‫حول (أي‪ :‬اً‬
‫حتول)‪.‬‬ ‫اً‬
‫وألن نعيمهم فيها ال ينقطع وال يفني وال يبيد‪.‬‬
‫‪[ :6‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ] [‪.]54 : C‬‬
‫َو‪[ :6‬ﰌ ﰍ ﰎ] [‪.]108 :K‬‬
‫َو‪ [ :6‬ﭝ ﭞ ﭟ] [‪.]35 :O‬‬
‫َو‪[ :6‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] [‪.]48 :S‬‬

‫أيضا جنة املأوى‪:‬‬


‫وتسمى ً‬
‫‪[ :6‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ] [‪.]15 - 14 :g‬‬
‫قيل‪ :‬ألن أرواح الشهداء وأرواح املؤمنني تأوي إليها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ويف احلديث‪« :‬فأستأذن عىل ريب يف داره»‪ .‬رواه البخاري [‪.]7440‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪12‬‬
‫ومن أمسائها دار املُقامة‪:‬‬
‫ق�ال أه�ل اإليمان‪ [ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ] [‪.]35 - 34 : 6‬‬

‫وقي�ل عنه�ا دار املقام�ة‪ ،‬واهلل أعل�م؛ لك�ون أهله�ا يقيم�ون فيه�ا ويس�توطنوهنا‬
‫وال خيرجون منها‪.‬‬
‫ومنها ً‬
‫أيضا جنات عدن‪:‬‬
‫‪[ :6‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ] [‪.]61 :a‬‬
‫َو‪[ :6‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ] [‪.]12 :w‬‬
‫وقوله‪ :‬عدن‪ ،‬أي‪ :‬إقامة‪.‬‬

‫ومنها مقعد صدق‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ]‬
‫[‪]55 - 54 :i‬‬

‫ومنها قدم صدق‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ] [‪.]2 :I‬‬

‫أيضا‪ :‬املقام األمني‪:‬‬


‫ويطلق عليها ً‬
‫‪[ :6‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ] [‪.]51 : O‬‬
‫لكونه آمنًا من كل ٍ‬
‫آفة وسوء ومكروه‪.‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫وهي جنات النعيم ً‬
‫‪ [ :6‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ] [‪.]8 : x‬‬
‫وذلك ملا فيها من صنوف النعيم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪13‬‬
‫والفردوس جن ٌة من اجلنان وهي أفضلها وأعالها‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪[ :6‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ] [‪.]107 : Y‬‬

‫س‬ ‫وق�د قال النبي ‪ 0‬ألم حارثة‪« :‬إِ َّنها ِج َن ��ا ٌن وإِ َّن ا ْب َن ِك َقد أَ َص َ‬
‫اب ال ِف ْر َد ْو َ‬
‫ِم ْنهَا»(‪.)1‬‬

‫ين يف َس ِبيل‬ ‫اه ِد َ‬ ‫َّها اهلل ِل ْل ُم َج ِ‬ ‫النبي ‪« :0‬إِ َّن فيِ الجْ َ َّن ِة ِما َئ َة َد َر َجة أَ َعد َ‬ ‫وقال ُّ‬
‫س‬‫اس �َ�أ ُلو ُه ا ْل ِف ْر َد ْو َ‬
‫ض‪َ ،‬فإِ َذا َس �َ�أ ْل ُت ُم اهلل َف ْ‬ ‫أَْ‬ ‫ك َما َبينْ َ َّ‬ ‫الد َر َجتَينْ ِ َ‬ ‫اهلل َما َبينْ َ َّ‬
‫السَ��ما ِء َوال ْر ِ‬
‫حن َو ِم ْن ُه َت َف َّج ُر أَ ْنهَا ُر الجْ َ َّن ِة»‪.‬‬ ‫الر مْ َ‬
‫ش َّ‬ ‫َفإِ َّن ُه أَ ْو َس ُط الجْ َ َّن ِة َوأَ ْع َلى الجْ َ َّن ِة أ َرا ُه َف ْوق ُه َع ْر ُ‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري‪« ،‬فتح» (‪.)11/6‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪14‬‬

‫دخول أهل الجنة الجنة‬


‫ُيحشرون إليها وفودً ا مكرمين‪:‬‬

‫‪[ :6‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪.]85 :a‬‬

‫ُ‬
‫ويساقون إليها جماعات جماعات‪:‬‬

‫‪[ :6‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ] [‪.]73 :E‬‬

‫ثم إن اجلنة تقرتب من أهلها وتش�تاق إليهم‪ ،‬وتفتح هلم أبواهبا وتس�تقبلهم اخلزنة‬
‫بحف�اوة وترحي�ب‪ ،‬فق�د ق�ال ‪[ :c‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ] [‪ .]31 :a‬أي‪ :‬أهنا‬
‫ُأدنيت و ُق ِّربت‪.‬‬

‫َو‪[ :6‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ] [‪.]50 :C‬‬

‫وقال ‪[ :n‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ] [‪.]73 : E‬‬

‫أما عرض الجنة وطولها‪:‬‬

‫فطوهلا ال يعلمه إال اهلل ‪ ،D‬أما عرضها فقد قال ‪ [ :c‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬


‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ] [‪َ ،]132 : 4‬و‪[ :6‬ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪ .]21 :o‬ف�إذا كان هذا العرض فام ظنك‬
‫بالطول‪.‬‬

‫أما عن بناء الجنة‪:‬‬

‫فلبن�ة من ذهب‪ ،‬ولبن�ة من فضة‪ ،‬وهناك جنت�ان بناؤمها كله م�ن ذهب‪ ،‬وأخريان‬
‫بناؤمها كله من فضة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪15‬‬

‫ان ِمن َذ ٍ‬
‫هب آ ِني ُتهُما َو َما ِف ِ‬
‫يه َما‬ ‫ففي احلديث وسيأيت – إن شاء اهلل ‪َ :- c‬‬
‫«ج َّن َت ِ‬
‫يه َما»‪.‬‬ ‫وج َّنتان ِمن ِف َّض ِة آنيته َ‬
‫ُما َو َما ِف ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫بس�ند قد يحُ َّس�ن مثله عن أيب هريرة قال‪ :‬قلت يا رس�ول اهلل‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وعند ابن راهويه‬
‫ما بناء اجلنة؟ قال‪« :‬لبنة من ذهب‪ ،‬ولبنة من فضة‪ ،‬ومالطها املسك‪ ،‬وتربتها الزغفران‪،‬‬
‫وحصبتها اللؤلؤ‪َ ،‬م ْن يدخلها ينعم ال يبأس‪ ،‬وال خيرق ثيابه‪ ،‬وال يبلى شبابه»‪.‬‬

‫أما عن أبوابها فهي ثمانية أبواب‪:‬‬

‫ففي «الصحيح»(‪ )2‬من حديث س�هل بن س�عد الس�اعدي ‪ I‬قال‪« :‬فيِ اجلن َِّة‬
‫َثامنِي ُة أبواب»‪.‬‬

‫ويف «صحي�ح مس�لم» م�ن حدي�ث عم�ر ‪ I‬ع�ن رس�ول اهلل ‪:0‬‬
‫ول‪ :‬أَ ْش� � َه ُد أَ ْن لاَ إِ َل َه‬‫«م ��ا ِم ْن ُك � ْ�م ِم ْن أَ َح ٍد َي َت َو َّض ُأ‪َ ،‬ف ُي ْب ِل ُغ ‪ -‬أَ ْو َف ُي ْس ��ب ُغ ا ْل َو ُضو َء ‪ُ ، -‬ث َّم َي ُق ُ‬
‫َ‬
‫َد ُخ ُل ِم ْن‬ ‫الث َما ِن َي ُة ي ْ‬
‫اب الجْ َ َّن ِة َّ‬‫م َّمً��دا َع ْب ُد اهلل َو َر ُس ��و ُل ُه إِلاَّ ُف ِت َحت َل ُه أَ ْبَ��و ُ‬ ‫إِلاَّ اهلل‪َ ،‬وأَ َّن حُ َ‬
‫أَ ِّيهَا َشا َء»(‪.)3‬‬

‫ومنها باب للصائمني‪ ،‬وباب للمجاهدين‪ ،‬وباب للصالة‪ ،‬وباب للصدقة‪ ...‬وغري‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ففي «الصحيحني» من حديث أيب هريرة ‪ :I‬س�معت رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫ُع َي ِم ْن أَ ْب َواب – َي ْعنِي‪:‬‬ ‫«م ْن أَ ْن َف َق َز ْو َجينْ ِم ْن َش � ْ�ي ٍء ِم ْن أَْ‬


‫ال ْش� � َيا ِء فيِ َس � ِ�بيل اهلل د ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقول‪َ :‬‬
‫الصلاَ ِة‪َ ،‬و َم ْن‬
‫َاب َّ‬ ‫ان ِم ْن أَ ْه � ٍِ�ل َّ‬
‫الصلاَ ِة د ِ‬
‫ُع َي ِم ْن ب ِ‬ ‫كَ‬ ‫ي‪َ ،‬ف َم ْن َ‬ ‫الجْ َنَّ� َة – َي ��ا َع ْب َد اهلل َه َذا َخ رْ ٌ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪« :‬مسند إسحاق» (‪.)317/1‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3257‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]234‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪16‬‬
‫ُع َي ِم ْن ب ِ‬
‫َاب‬ ‫الص َد َق ِة د ِ‬‫ان ِم ْن أَ ْه ِل َّ‬‫كَ‬ ‫َاب الجْ ِ هَا ِد‪َ ،‬و َم ْن َ‬
‫ُع َي ِم ْن ب ِ‬ ‫ان ِم ْن أَ ْه ِل الجْ ِ هَا ِد د ِ‬
‫كَ‬ ‫َ‬
‫َّان»‪.‬‬
‫الري ِ‬ ‫َاب َّ‬
‫ام َوب ِ‬ ‫الص َي ِ‬
‫َاب َّ‬ ‫ُع َي ِم ْن ب ِ‬ ‫ام د ِ‬ ‫ان ِم ْن أَ ْه ِل ِّ‬
‫الص َي ِ‬ ‫كَ‬ ‫الص َد َق ِة‪َ ،‬و َم ْن َ‬
‫َّ‬

‫�ول اهلل؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫�ال َأ ُبو َبك ٍْر‪َ :‬م�ا َعلىَ َه َذا ا َّل ِذي ُي ْد َعى ِمن َْها ُك ِّل َها َأ َحدٌ َيا َر ُس َ‬ ‫ف َق َ‬
‫ُم يَا أَبَا َب ْك ٍر»(‪.)1‬‬
‫ون ِم ْنه ْ‬‫َوأَ ْر ُجو أَ ْن َت ُك َ‬

‫أما عن عدد الجنات‪:‬‬

‫فال�ذي وقفت عليه بالدلي�ل أهنا يف اجلملة أربع؛ وذل�ك لقوله ‪[ :c‬ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ] [‪ ،]46 :k‬ثم قال بعد ذلك‪[ :‬ﯪ ﯫ ﯬ] [‪.]62 :k‬‬

‫تان ِم ْن َذ َه ٍب‬
‫يه َما‪َ ،‬و َج َّن ِ‬ ‫ان ِم ْن ِف َّض ٍة آ ِن َي ُته َ‬
‫ُما َو َما ِف ِ‬ ‫«ج َّن َت ِ‬ ‫ولقول النبي ‪َ :0‬‬
‫ِّه � ْ�م إِلاَّ ِردَا ُء ا ْل ِك رْبيَا ِء َع َلى‬
‫يه َما‪َ ،‬و َما َبينْ َ ا ْل َق� � ْو ِم َو َبينْ َ أَ ْن َي ْن ُظ ُروا إِلىَ َرب ِ‬ ‫آ ِن َي ُته َ‬
‫ُم ��ا َو َم ��ا ِف ِ‬
‫َو ْج ِه ِه فيِ َج َّن ِة َع ْد ٍن»(‪ ،)2‬وقد تكون واهلل أعلم جنات كثرية ومتعددة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3666‬ومسلم [‪.]1027‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4878‬ومسلم [‪.]180‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪17‬‬

‫عدد درجات الجنات‬


‫قول�ه ‪ [ :c‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘﰙ‬
‫ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ] [‪.]76 - 75 :c‬‬

‫َ‬
‫اهدين فيِ‬‫للم َج‬ ‫اجل َّن ��ة َمائ َة َد َر َج ��ة أَ َعد َ‬
‫َّه ��ا اهلل ُ‬ ‫وق�ول النب�ي ‪« :0‬إِ َّن يف َ‬
‫َسبي ِل ِه»(‪.)1‬‬

‫سج َد ًة إال َر َف َع َك اهلل ِبهَا َد َر َج ًة»(‪.)2‬‬ ‫وقوله ‪َ « :0‬فإِ َّن َك ْ‬


‫لن َت ُ‬
‫سج َد هلل ْ‬
‫رآن اق� � َرأ وار َت ِق و َر ِّتل‪ ،‬ف ��إِ َّن َم ْن ِز َل َت َك ِع ْن َد‬ ‫وقول�ه ‪ُ « :0‬يق � ُ‬
‫�ال لصاحب ال ُق ِ‬
‫آخر آي ٍة َتقر ُؤ َها»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫ويف اجلنة منزل ٌة ال تنبغي إال ٍ‬
‫لعبد من عباد اهلل‪:‬‬
‫يرجوها رس�ولنا ‪ 0‬لنفسه‪ ،‬أال وهي الوسيلة؛ ففي احلديث‪« :‬إِ َذا سمَ ِ ْع ُت ُم‬
‫ول‪ُ ،‬ث َّم َص ُّلوا َع َل � َّ�ي‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن َص َّلى َع َل � َّ�ي َصلاَ ًة َص َّلى اهلل‬ ‫ْـم� � َؤ ِّذ َن َف ُقو ُل ��وا ِم َ‬
‫ثل م ��ا َي ُق ُ‬ ‫ال ُ‬
‫َع َل ْي ِه ِبهَا َع ْش ًرا‪ُ ،‬ث َّم َس ُلوا اهلل ِلي ال َوسي َل َة‪َ ،‬فإِ َّنهَا َم ْن ِز َل ٌة فيِ الجْ َ َّنة لاَ َت ْن َب ِغي إِلاَّ ِل َع ْب ٍد ِم ْن‬
‫اع ُة»(‪.)4‬‬ ‫ون أَ َنا ُه َو‪َ ،‬ف َم ْن َس َأ َل ِلي ال َوسيل َة َح َّل ْت َل ْه َّ‬
‫الش َف َ‬ ‫ك َ‬ ‫ِع َباد اهلل‪َ ،‬وأَ ْر ُجو أَ ْن أَ ُ‬

‫خالصا أبيض‪ ،‬ومنها‬


‫ً‬ ‫وإذا دخ�ل أهل اجلنة اجلنة وج�دوا تربتها – تراهبا – مس�كًا‬
‫مواط�ن‪ :‬تربته�ا زغفران؛ أما احلىص الذي هبا فهو قطع كبرية من لؤلؤ‪ .‬فلقد س�أل النبي‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬وقد تقدم‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]488‬‬
‫(‪ )3‬إس�ناده حس�ن‪ :‬أخرج�ه أب�و داود (‪ ،)153/2‬والرتم�ذي (‪ ،)232/8‬وق�ال‪ :‬ه�ذا حديث حس�ن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم (م�ع الن�ووي ‪ ،)85/4‬وج�اء ذك�ر الوس�يلة ً‬
‫أيضا عن�د البخاري (م�ع الفتح‬
‫‪.)399/8‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ 0‬ابن صياد عن تربة اجلنة فقال‪ :‬درمكة بيضاء مس�ك خالص‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫َق»(‪.)1‬‬ ‫‪َ :0‬‬
‫«صد َ‬

‫ويف بع�ض الرواي�ات‪ :‬أن الذي س�أل هو ابن صياد‪ ،‬والذي أجاب هو رس�ول اهلل‬
‫‪ ،0‬واألمر يف ذلك قريب‪.‬‬

‫أيضا قطع اللؤلؤ الكبرية العظيمة‪:‬‬


‫ووجدوا فيها ً‬
‫ويف «الصحيحين»(‪ )2‬م�ن حديث أن�س ‪ I‬عن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪:‬‬
‫ْـم ْس ُك»‪.‬‬
‫الل ْو ُل َؤ وإِ َذا ُت َرا ُبهَا ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫«أُد ِ‬
‫ْخ ْل ُت الجْ َ َّن َة َفإ َذا ِفيها َج َن ِاب ُذ(‪ُّ )3‬‬

‫أنهار الجنة‪:‬‬
‫أهنارا ال يعلم عددها إِال اهلل ‪:D‬‬
‫ووجدوا فيها ً‬
‫‪ [ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ] [‪.]25 :2‬‬

‫ويف آية أخرى‪[ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ] [‪.]9 :I‬‬

‫ومن هذه األنهار‪:‬‬


‫أهنار من ماء غري آسن‪ ،‬وأهنار من لبن مل يتغري طعمه‪ ،‬وأهنار من مخر لذة للشاربني‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وأهنار من عسل مصفى‪.‬‬

‫‪[ :6‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ] [‪.]15 :U‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2928‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]349‬ومسلم [‪.]163‬‬
‫(‪ )3‬يعني – واهلل أعلم – اللؤلؤ الكبري‪ ،‬فاجلنابذ مجع جنبذة وهي كل يشء مرتفع مستدير‪ ،‬ويف احلديث‬
‫اخليمة درة جموفة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪19‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ب َر‬
‫ْـم ��ا ِء َو حَْ‬
‫ب َر ال َ‬ ‫ويف احلدي�ث(‪ )1‬ع�ن رس�ول اهلل ‪« :0‬إِ َّن فيِ الجْ َ َّنِ��ة حَْ‬
‫ك َما َبينْ َ‬ ‫ين َسبيل اهلل‪َ ،‬ما َبينْ َ ال ّد َر َجتَينْ ِ َ‬ ‫ب َر َّ‬
‫الل نَ ِ‬ ‫ا ْل َع َس ِل َو حَْ‬
‫اه ِد َ فيِ‬ ‫لم َج ِ‬
‫ّها اهلل ِل ُ‬ ‫أعد َ‬ ‫ب‪َ ،‬‬
‫اس َأ ُلو ُه ا ْل ِف ِر َد ْو َ‬
‫س‪َ ،‬فإِ َّن ُه أَ ْو َس ُط الجْ َ َّن ِة َوأَ ْع َلى الجْ َ َّن ِة‬ ‫ض‪َ ،‬فإِذا َسأل ُتم اهلل َف ْ‬ ‫الس � َ�ما ِء َواأل ْر ِ‬
‫َّ‬
‫ح ِن َو ِم ْن ُه َت َف َّج ُر أَ ْنهَا ُر الجْ َ َّن ِة»(‪.)3‬‬
‫الر مْ َ‬
‫ش َّ‬ ‫َو َف ْو َق ُه َع ْر ُ‬

‫وفيهم ��ا نه ��ران ظاه ��ران ونه ��ران باطن ��ان‪ :‬أال ومه�ا س�يحان وجيح�ان والنيل‬
‫والفرات‪.‬‬
‫ُ‬
‫والنيل‬ ‫ان وال ُف ُ‬
‫رات‬ ‫وج ْي َح ُ‬ ‫ففي احلديث عن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪َ :‬‬
‫«س� � ْي َح ُ‬
‫ان َ‬
‫اجلن ِة»(‪.)4‬‬ ‫ٌّ َ‬
‫كل ِم ْن أ ْنه ِ‬
‫َار َّ‬

‫وهذان النهران الظاهران الباطنان خيرجان من ساق سدرة املنتهى‪:‬‬


‫فف�ي «الصحيحني»(‪ )5‬من حديث مال�ك بن صعصعة قال‪ :‬قال النبي ‪:0‬‬
‫«ب ْي َن ��ا أَ َن ��ا نائم ِعن � َ�د ال َب ْي ِت‪ »...‬فذكر احلدي�ث وفيه‪َ ...« :‬و ُر ِف َع � ْ�ت ِلي ِس � ْ�د َر ُة ال ُ‬
‫ْـم ْن َتهَي‪،‬‬
‫�ول‪ ،‬فيِ أَ ْص ِلهَا أَ ْر َب َع� � ُة أَ ْنهَار‪:‬‬ ‫ك َأ ّن� � ُه آ َذ ُ‬
‫ان ا ْل ُف ُي � ِ‬ ‫ك َأن� � ُه ِقلاَ ُل َه َج� � َر‪َ ،‬و َو َر ُق َه ��ا َ‬ ‫َف ��إِ َذا َن ْب ُق َه ��ا َ‬
‫�ان َف ِفي الجْ َ َّن ِة‪،‬‬ ‫�ال‪ :‬أَ َّما ا ْل َباط َن � ِ‬
‫يل َف َق � َ‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َس ��أ ْل ُت ِج رْ ِ‬ ‫اه َر ِ‬ ‫ان َظ ِ‬ ‫�ان‪َ ،‬و َن ْه� � َر ِ‬
‫َاط َن � ِ‬
‫ان ب ِ‬ ‫َن ْه� � َر ِ‬
‫ات»‪.‬‬ ‫الن ُ‬
‫يل َوا ْل ُف َر ُ‬ ‫ان ِّ‬‫اه َر ِ‬
‫الظ ِ‬‫َوأَ َّما َّ‬

‫وفي الجنة نهر الحياة‪:‬‬


‫أخ�رج البخاري ومس�لم(‪ )6‬من حديث أيب س�عيد اخلدري ع�ن النبي ‪0‬‬

‫(‪ )1‬صحيح لشواهده‪ :‬رواه الرتمذي [‪.]2571‬‬


‫(‪ )2‬والبح�ر ُيطلق أحيانًا عىل النهر؛ وذلك التس�اعه‪ ،‬فالبحر يطلق عىل اليشء الواس�ع‪ ،‬ومنه احلديث يف‬
‫لبحرا» أي واسع اخلطو رسيع‪.‬‬
‫شأن الفرس‪« :‬وإن وجدناه ً‬
‫(‪ )3‬قال ابن القيم ‪ V‬يف «حادي أألرواح»‪.‬‬
‫ وأهنار اجلنة تتفجر من أعالها ثم تنحدر نازلة إىل أقىص درجاهتا‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3207‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2839‬‬
‫(‪ )6‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]7439‬ومسلم [‪.]183‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪20‬‬
‫ول الجْ َ َّبا ُر‪:‬‬‫ون َف َي ُق ُ‬ ‫ْـملاَ ِئ َك ُة َوال ُ‬
‫ْـم ْؤم ُن َ‬ ‫ون َوال َ‬ ‫قال‪ ..:‬فذكر احلديث وفيه‪َ ...« :‬ف َي ْش َف ُع َّ‬
‫الن ِب ُّي َ‬
‫اما َق ِد ْ ُ ُ َ ْ َ َ‬
‫امت ِحش ��وا‪ ،‬ف ُيلق ْون فيِ‬ ‫النار َف ُي ْخ � ِ�ر ُج أَ ْق َو ً‬
‫ض َق ْب َض ًة ِم � َ�ن َّ‬ ‫اعت‪َ ،‬ف َي ْق ِب ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َب ِق َي ��ت ش� �ف َ يِ‬
‫َ َ َ َ ْ ُ لحْ َ ُ‬ ‫لحْ َ َ ْ ُ َ‬ ‫لجْ َ َّ َ ُ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن َه � ٍ�ر ِبأف� � َوا ِه ا ن� � ِة ُيقال له‪َ :‬م ��ا ُء ا َيا ِة‪ ،‬ف َين ُبت ��ون فيِ َحافت ْي ِه ك َما تن ُب ��ت ا َّبة فيِ‬
‫ان إِلىَ‬‫كَ‬ ‫�ج َر ِة‪َ ،‬ف َما َ‬ ‫الص ْخ َرة َوإِلىَ َجا ِن ِب َّ‬
‫الش � َ‬ ‫وه ��ا إِلىَ َجا ِن ِب َّ‬ ‫الس� � ْي ِل َق ْد َرأَ ْي ُت ُم َ‬‫حي � ِ�ل َّ‬ ‫مَ ِ‬
‫ك َأ َّن ُه ُم‬‫ون َ‬‫ض‪َ ،‬ف َي ْخ ُر ُج َ‬ ‫ان أَ ْب َي َ‬
‫كَ‬ ‫الظ ِّل َ‬ ‫ان ِم ْنهَا إِلىَ ِّ‬ ‫كَ‬ ‫ان أَ ْخ َض َر‪َ ،‬و َما َ‬ ‫كَ‬ ‫مس ِم ْنهَا َ‬ ‫الش ِ‬ ‫َّ‬
‫ول أَ ْه ُل الجْ َ َّن ِة‪َ :‬ه ُؤلاَ ء ُع َت َقا ُء‬‫ون الجْ َ َّن َة َف َي ُق ُ‬ ‫الل ْؤ ُل ُؤ‪َ ،‬ف ُي ْج َع ُل ِر َق ِاب ِه ُم خْ َ‬
‫ال َوا ِتي ُم‪َ ،‬ف َي ْد ُخ ُل َ‬
‫فيِ‬
‫ُّ‬
‫ل ْم‪َ :‬ل ُك ْم َما َرأَ ْي ُت ْم‬ ‫َّمو ُه َف ُي َق � ُ‬ ‫لاَ‬ ‫ح ��ن أَد َ‬
‫�ال هَ ُ‬ ‫ي َقد ُ‬ ‫ي َع َم ٍل َع ِم ُلو ُه َو َخ رْ ٍ‬ ‫ْخ َل ُه� � ُم الجْ َ َّن� � َة ِب َغ رْ ِ‬ ‫الر مْ َ‬‫َّ‬
‫َو ِم ْث ُل ُه َم َع ُه»‪.‬‬

‫ومما ورد يف وصف الكوثر‪:‬‬


‫ما أخرجه مسلم(‪ )1‬يف «صحيحه» من حديث أنس قال‪َ :‬ب ْينَا َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ‪0‬‬
‫ظه ِرنَا إِ ْذ َأ ْغ َفى إِ ْغ َفا َءةً‪ُ ،‬ث َّم َر َفع َر ْأ َس� ُه ُم َت َب ِّس اًًم� َف ُق ْلنَا‪َ :‬ما َأ ْض َحك َ‬
‫َك َيا َر ُسول‬ ‫ات َي ْو ِم َبينْ َ َأ ُ‬
‫َذ َ‬
‫ِ‬
‫�ور ٌة َف َق َر َأ‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم [ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫اهلل؟ َق َال‪ُ « :‬أن ِِْز َل ْت َعليَّ آن ًفا ُس َ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ] [‪.]3 - 1 :S‬‬

‫�م‪َ .‬ق َال‪َ « :‬ف َّإن ُه َن ْه ٌر َو َع َد ِن ِيه‬‫رون َما ا ْل َك ْو َث ُر؟» َف ُق ْلنَا‪ :‬اهلل َو َر ُس�و ُل ُه َأ ْع َل ُ‬
‫�م َق َال‪« :‬أَ َت ْد َ‬ ‫ُث َّ‬
‫وم‪،‬‬
‫الن ُج ِ‬ ‫امة‪ ،‬آ ِن َي ُت ُه َع َد ُد ُّ‬ ‫ض َت ِر ُد َع َل ْي ِه أُ َّم يِت َي ْو َم ا ْل ِق َي َ‬
‫ري‪ُ ،‬ه َو َح ْو ٌ‬
‫ك ِث ٌ‬ ‫ي َ‬‫َربِّي ‪َ D‬ع َلي ِه َخ رْ ٌ‬
‫َع َد َك؟»‪.‬‬ ‫ول‪َ :‬ما َت ْد ِري َما أَ ْح َد َث ْت ب ْ‬ ‫ول‪َ :‬ر ِّب إِ َّن ُه ِم ْن أُ َّمت َف َي ُق ُ‬‫ُم َف َأ ُق ُ‬
‫َف ُي ْخ َت َل ُج ا ْل َع ْب ُد ِم ْنه ْ‬
‫يِ‬
‫وفي الجنة ُترع كذلك‪:‬‬

‫نبي‬ ‫فعند أمحد بس�ند صحيح من حديث أيب هري�رة أن النبي ‪ 0‬قال‪ِ :‬‬
‫«م رَ‬
‫اجلن ِة»(‪.)2‬‬
‫َه َذا ع َلى ُترع ٍة ِم ْن ُترع َّ‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪]400‬‬
‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]8706‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]1347‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪21‬‬

‫وفي الجنة عيون كذلك‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ] [‪.]45 :S‬‬
‫ومن هذه العيون السلسبيل‪ ،‬ومنها التسنيم‪ ،‬ومنها الكافور‪.‬‬
‫‪[ :6‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ] [‪،]28 - 27 :e‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ] [‪،]18 - 17 :Q‬‬
‫َو‪[ :6‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ] [‪.]6 - 5 : Q‬‬

‫وق�د قال بعض أهل العلم‪ :‬إن هذه العيون املذكورة – تس�نيم‪ ،‬وسلس�بيل‪ ،‬وعني‬
‫الكاف�ور – كلها معدة للمقربني‪ ،‬ولكنها ختلط ومت�زج ألصحاب اليمني‪ ،‬فاملقربون منها‬
‫رص ًف�ا خالص ًة صافي ًة مل تُش�ب – أي‪ :‬مل يخُ لط – بغريها‪ .‬أم�ا أصحاب اليمني فتُمزج هلم‬
‫ه�ذه العي�ون بغريها‪ ،‬ودل على ذلك ما ذكر من اآليات الكريمات‪ ،‬فقد قال ‪[ :c‬ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ] [‪.]27 - 22 : e‬‬

‫أي‪ :‬وخليطه من تس�نيم‪ ،‬وإذا سألت عن التسنيم؟ وجدت جوا ًبا‪[ :‬ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ] [‪ .]28 :e‬أي‪ :‬يرشب منها املقربون‪.‬‬

‫مزجا ويرشب هبا املقربون‬


‫فهي متزج ألصحاب اليمني – الذين هم هاهنا األبرار – ً‬
‫رص ًفا‪.‬‬

‫أيض�ا قول�ه ‪[ :c‬ﮂ ﮃ ﮄ] [‪،]50 :k‬‬


‫هذا؛ومم�ا ورد يف ذك�ر العي�ون ً‬
‫وقوله ‪[ :c‬ﯺ ﯻﯼ] [‪.]66 : k‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪22‬‬

‫وفي الجنة روضات‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ] [‪.]22 :K‬‬

‫اجلن ِة»(‪.)1‬‬ ‫ومنربي َر ْوض ٌة ِمن ِري ِ‬


‫َاض َّ‬ ‫وقال النبي ‪َ :0‬‬
‫«ما ب َ‬
‫ني َب ْي يِت ِ‬

‫وشجر الجنة كبير وظله ممدو د‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﮐ ﮑ] [‪[ ،]30 :m‬ﯔ ﯕ ﯖ] [‪.]57 :6‬‬
‫ويف «الصحيحين»(‪ )2‬م�ن حدي�ث أيب هري�رة ‪ I‬عن رس�ول اهلل ‪0‬‬
‫اك ُب ِظ ِّلهَا ِما َئ َة َس َن ٍة لاَ ي ْ‬
‫َق َط ُعهَا»‪ ،‬واقرءوا إن‬ ‫قال‪« :‬إِ َّن فيِ الجْ نة َل َش َج َر ًة ي ِ‬
‫الر ِ فيِ‬
‫ري َّ‬
‫َس ُ‬
‫شئتم‪[ :‬ﮐ ﮑ] [‪.]30 :m‬‬

‫ويف ما ورد من حديث أيب سعيد اخلدري ‪ I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬إِن فيِ‬
‫َّ‬
‫َق َط ُعهَا»(‪.)3‬‬
‫ام ال ي ْ‬ ‫الس ِ َ َ‬
‫ري َع ِمائة َع ٍ‬ ‫اك ُب الجْ َ َوا َد ال ُ‬
‫ْـم َض َّم َر َّ‬ ‫الر ِ‬
‫ري َّ‬ ‫الجْ َ َّن ِة َش َج َر ًة ي ِ‬
‫َس ُ‬

‫فاكهة الجنة وثمرها‪:‬‬

‫أم�ا ع�ن فاكه�ة اجلنة وثمرها‪ ،‬فاجلن�ة فيها من كل صن�وف الفاكهة م�ا علمنا منها‬
‫وم�ا مل نعل�م‪ .‬وق�د ق�ال ‪[ :c‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ] [‪ ،]55 :O‬قيل‪:‬‬
‫آمنني من انقطاعها ومرضهتا‪.‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ] [‪.]51 :C‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1195‬ومسلم [‪.]1390‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3252‬ومسلم [‪.]2826‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4881‬ومسلم [‪.]2828‬‬
‫ وقوله‪« :‬املضمر» بضم امليم األوىل وتش�ديد امليم الثانية صفة للخيل املعلوف بطريقة معينة‪ ،‬وهي هنا‬
‫تعلف حتى تسمن ثم ال تعلف إال قوتًا لتخف‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪23‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪ ]33 - 32 :m‬أي‪ :‬ال تك�ون‬
‫يف وقت دون وقت‪ ،‬وال متنع من أرادها فثامرها قريبة دانية يقطفون منها كيف شاءوا‪.‬‬
‫‪[ :6‬ﮱ ﯓ] [‪ [ :6 ،]23 :C‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ] [‪َ ،]14 :Q‬و‪[ :6‬ﮝ ﮞ ﮟ] [‪ ،]54 :k‬أي‪ :‬أن ثم�ر اجلنتين‬
‫متدل وقريب‪.‬‬
‫يف اجلن�ة الس�در املخض�ود‪ ،‬واملخض�ود الذي قد خضد(‪ )1‬ش�وكه أي نُ�زع وقطع‬
‫فلا ش�وك فيه‪ ،‬والطلح املنضود – وهو امل�وز ‪ ، -‬فيها [ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ] [‪.]99 :A‬‬
‫فيها زرع ونخيل‪[ :6 ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ] [‪َ ،]68 :k‬و‪[ :6‬ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ] [‪.]52 :k‬‬

‫وعمو ًما ففيها من كل الثمرات‪[ :6 ،‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ]‬


‫[‪]15 :U‬‬

‫ق�ال ابن القيم ‪ :V‬وأم�ا الطلح‪ ،‬فأكثر املفرسين قالوا‪ :‬إنه ش�جرة املوز‪ :‬وهذا‬
‫قول عيل بن أيب طالب وابن عباس وأيب هريرة وأيب سعيد اخلدري‪.‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪ :‬بل هو ش�جر عظام طوال وهو شجر البوادي الكثري الشوك‬
‫عند العرب‪ ،‬قال حادهيم‪:‬‬
‫َغ � ��دًا َت � � َر ْي� � َ�ن ال � َّ‬
‫�ط� � ْل � َ�ح َوالجْ ِ � � َب� ��ال‬ ‫َب� � � َّ�ش � � � َر َه� � ��ا َد ِل� � �ي� � � ُل� � � َه � ��ا َو َق � � � � ��ال‬
‫وهلذا الشجر نور ورائحة طيبة وظل ظليل‪ ،‬وقد نضد باحلمل والثمر مكان الشوك‪،‬‬
‫وق�ال ابن قتيبة‪« :‬هو الذي نضد باحلم�ل أو بالورق واحلمل من أوله إىل آخره‪ ،‬فليس له‬
‫ساق بارز»‪.‬‬
‫ثامرا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وقيل‪ :‬خمضود بمعنى موفور اً‬
‫محل‪ ،‬أي أن الشجر قد امتأل ً‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪24‬‬
‫وقال مرسوق‪ :‬اجلنة نضد من أسفلها إىل أعالها‪ ،‬وأهنارها جتري يف غري أخدود»‪.‬‬

‫وق�ال اللي�ث‪« :‬الطلح ش�جر أم غيالن له ش�وك أحجن من أعظم العضاة ش�وكًا‬
‫وأصلبه عو ًدا وأجوده صم ًغا»‪ .‬قال أبو إس�حاق‪« :‬جيوز أن يعني به شجر أو غيالن؛ ألن‬
‫ن�ورا طيب الرائحة جدًّ ا‪ ،‬فوعدوا بام حيبون مثل�ه إال أن فضله عىل ما يف الدنيا كفضل‬
‫ل�ه ً‬
‫سائر ما يف اجلنة عىل سائر ما يف الدنيا‪ ،‬فإنه ليس يف اجلنة مما يف الدنيا إال األسامء‪ ،‬والظاهر‬
‫أن من فرس الطلح املنضود باملوز إنام أراد التمثيل به؛ حلسن نضده وإال فالطلح يف اللغة‪:‬‬
‫هو الشجر العظام من شجر البوادي – واهلل أعلم –»‪.‬‬
‫ٌ‬
‫غرف وبيوت ومساكن وقصور‪ ،‬وكذلك بها خيام‪:‬‬ ‫والجنة بها‬

‫أم�ا الغرف‪ :‬فقد قال ‪ [ :c‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬


‫ﯰ ﯱ ﯲ] [‪.]20 :E‬‬

‫َو‪[ :6‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ] [‪.]37 :4‬‬

‫َو‪[ :6‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ]‬


‫[‪]75 :l‬‬

‫ويف احلديث(‪ )1‬عن رس�ول اهلل ‪« :0‬إِ َّن أَ ْه َل الجْ َ َّن ِة َل َي رَتا َء ْو َن أَ ْه َل ا ْل ُغ َر ِف‬
‫ْـم ْش ِر ِق أَ ِو ال َ‬
‫ْـم ْغ ِر ِب‬ ‫ال ُف ِق ِم َن ال َ‬ ‫ُّر َّي ا ْل َغاب َر(‪ِ )2‬م ْن أُْ‬ ‫تا َء ْو َن ا ْل َك ْو َ‬
‫ك َب الد ِّ‬ ‫ك َما َت رَ َ‬ ‫ِم ْن َف ْو ِق ِهم َ‬
‫ِ‬
‫اء لاَ َي ْب ُل ُغ َها َغيرْ ُ ُه ْم؟ َق َال‪َ « :‬ب َلى‬ ‫ول اهلل تِ ْل َك من َِاز ُل الأْ َنْبِي ِ‬
‫ُم» َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ِل َت َف ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اض ِل َما َب ْي َنه ْ‬
‫ني»‪.‬‬‫ْـم ْر َس ِل َ‬‫آم ُنوا باهلل َو َص َّد ُقوا ال ُ‬‫ال َ‬ ‫َو َّال ِذي َن ْف ِسي ِب َي ِده ِر َج ٌ‬

‫أما البيوت‪ :‬فقد قالت امرأة فرعون‪[ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ] [‪.]11 :6‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]2831‬والبخاري [‪.]3256‬‬


‫(‪ )2‬الدري‪ :‬العظيم شديد اإلضاءة‪ ،‬والغابر‪ :‬الذي تدىل للغروب وبعد عن العيون‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪25‬‬
‫اجل َّن ِة»(‪ .)1‬ويف‬
‫َ‬ ‫َُ ً‬ ‫ً يَ‬ ‫ولق�د ق�ال النبي ‪ َ :0‬يَ‬
‫«م ْن بَن هلل َب ْيتا بَن اهلل له َب ْيتا فيِ‬
‫«مسجدا»‪ ،‬واحلديث هبذا متواتر(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫رواية‪:‬‬
‫أما املساكن‪ :‬فقد قال ‪ [ :c‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ] [‪.]12 :w‬‬
‫أم ��ا القصور‪ :‬ففي «الصحي�ح»(‪ )3‬من حديث أيب هريرة ‪ I‬قال‪َ « :‬ب ْينَا َأنَا ن َِائ ٌم‬
‫ب َقصرْ ٍ َف ُق ْل ُت‪َ :‬لمِ ْن َه َذا ا ْل َقصرْ ُ ‪َ .‬ف َقا ُلوا‪ :‬لِ ُع َم َر ْب ِن‬
‫َر َأ ْيتُنِي فيِ الجْ َنَّة‪َ ،‬فإِ َذا ا ْم َر َأ ٌة َتت ََو َّض ُأ إِلىَ َجانِ ِ‬
‫دبرا»‪َ ،‬ف َبكَى ُع َم ُر َو َق َال َأ َع َل ْي َك َأ َغ ُار َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل؟‪.‬‬ ‫الخْ َ َّط ِ‬
‫اب‪َ ،‬ف َذك َْر ُت َغيرْ َ َت ُه َف َو َّل ْي ُت ُم ً‬
‫وقد ُأمر النبي ‪ )4(0‬أن ُيبرش خدجية ببيت يف اجلنة من قصب ال صخب فيه‬
‫وال نصب‪ .‬أما اخليام‪ :‬فقد قال ‪[ :c‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ] [‪.]72 :k‬‬
‫ل ْي َم ًة ِم ْن ُل ْؤ ُل َؤ ٍة‬‫ويف احلديث عن رس�ول اهلل ‪« :0‬إِ َّن ِل ْل ُم ْؤ ِمن الجْ َ َّن ِة خَ َ‬
‫فيِ‬
‫ْـم ْؤ ِم ُن‪،‬‬ ‫َط � ُ‬
‫�وف َع َل ْي ِه� � ُم ال ُ‬ ‫ون ي ُ‬‫ون ِمي�ًل�اً ِل ْل ُم ْؤ ِم � ِ�ن ِفيهَا أَ ْه ُل َ‬ ‫م َّو َف� � ٍة‪ُ ،‬ط هُ‬
‫ولا ِس � ُّ�ت َ‬ ‫اح � َ�د ٍة جُ َ‬
‫َو ِ‬
‫َع ًضا»(‪.)5‬‬ ‫فَلاَ َي َرى ب ْ‬
‫َع ُضه ْ‬
‫ُم ب ْ‬
‫وأهل اجلنة ينزلون منها حيث شاءوا‪ ،‬ويتبوءون منها حيث أرادوا‪[ :‬ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ] [‪.]74 :E‬‬
‫وفي الجنة كنوز لمن قال‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‪:‬‬
‫كما يف «الصحي�ح» م�ن حديث أيب موس�ى األش�عري ‪ ،I‬فقد قال ل�ه النبي‬
‫�ال‪َ :‬علىَ َكن ِْز ِم� ْن ُكن ِ‬
‫ُوز‬ ‫وز الجْ َ َّن� � ِة ‪َ -‬أ ْو َق َ‬ ‫�ك َع َل ��ى َ‬
‫ك ِل َم� � ٍة ِم � ْ�ن ُ‬ ‫‪« :0‬أَلاَ أَد ُّ‬
‫ُل � َ‬
‫ك ُن ِ‬
‫الجْ َن َِّة–»‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬بلىَ ‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬لاَ َح ْو َل َولاَ ُق َّو َة إِلاَّ ِباهلل»(‪.)6‬‬

‫(‪ )2‬أعني أنه يف أعىل درجات الصحة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]450‬ومسلم [‪.]533‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3242‬ومسلم [‪.]2395‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3820‬ومسلم [‪.]2432‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3243‬ومسلم [‪.]2838‬‬
‫(‪ )6‬صحيح‪ :‬رواه مسلم (مع النووي ‪ ،)27/17‬وللحديث طرق ُأخر‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪26‬‬

‫ُسرر الجنة وفرشها ووسائدها‪:‬‬

‫أ َما عن السرُّ ر والفرش‪ ،‬فالسرُّ ر مرفوعة عالية‪[ :6 ،‬ﮛ ﮜ ﮝ]‬


‫[‪]13 :o‬‬

‫وهي مصفوفة كذل�ك‪ ،‬ليس بعضها خلف بعض‪ ،‬وال بعيدً ا عن بعض‪:6 ،‬‬
‫[ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁﮂ ﮃ] [‪.]20 :e‬‬
‫أيضا – أي‪ :‬منسوجة – وقيل‪ :‬مرصعة باجلواهر‪.‬‬
‫وهي موضونة ً‬
‫أيض�ا األرائك‪ :‬وهي األرسة – مجع رسير – يف احلجال‪ ،‬وأش�به ما يرى يف‬
‫وهن�اك ً‬
‫زماننا به مع الفارق بني متاع الدنيا واآلخرة – الرسير الذي مع الناموسية‪.‬‬
‫أما النمارق‪ :‬وهي الوسائد‪ ،‬فهي كثرية مصفوفة‪.‬‬
‫أما السجاجيد املفروشة على األرضيات‪ :‬فقد قال ‪[ :c‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ] (‪ ،]76 : k[ )1‬وهذه هي ال ُبسط‪.‬‬

‫أما عن آنية اجلنة وقدورها وصحافها‪:‬‬


‫ففيه�ا اآلني�ة والصحاف‪ ،‬وفيها األك�واب واألباري�ق والكؤوس‪ ،‬وفيه�ا آنية من‬
‫ذهب‪ ،‬وآنية من فضة‪.‬‬

‫�ان ِم ��ن َذه � ٍ‬


‫�ب آ ِني ُت ُهم ��ا‬ ‫وق�د تق�دم احلدي�ث ع�ن رس�ول اهلل ‪َ :0‬‬
‫«ج َّن َت � ِ‬
‫يه َما»(‪.)2‬‬ ‫وج َّنتان ِمن ِف َّض ٍة آنيته َ‬
‫ُما َو َما ِف ِ‬ ‫يه َما َ‬
‫َو َما ِف ِ‬
‫�ب َوا ْل ِف َّض ِة‬ ‫ويف احلدي�ث ع�ن رس�ول اهلل ‪« :0‬لاَ َت ْش� � َربُوا آ ِن َي� � ِة َّ‬
‫الذ َه � ِ‬ ‫فيِ‬
‫الد ْن َيا َو َل ُك ْم فيِ آْال ِخ َر ِة» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫َولاَ َت ُ‬
‫أكلوا يف ِص َحا ِفهَا‪َ ،‬فإِ َّنهَا هَ ُ‬
‫ل ْم فيِ ُّ‬

‫(‪ )1‬ولقد ورد يف «صحيح البخاري» [‪ ]4858‬أن النبي ‪ 0‬يف قصة رؤيته جلربيل أنه صلوات اهلل‬
‫وسالمه عليه رأى رفر ًفا قد سد األفق‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5831‬ومسلم [‪.]2067‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬وقد تقدم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪27‬‬
‫َو‪ [ :6‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ] [‪.]71 :M‬‬
‫َو‪ [ :6‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ]‬
‫[‪]16 - 15 :Q‬‬

‫ويقول ‪[ :c‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ]‬
‫[‪]18 - 17 :m‬‬

‫أم ��ا ع ��ن لب ��اس أهل اجلن ��ة وثيابهم‪ :‬فق�د ق�ال ‪[ :c‬ﯿ ﰀ ﰁ]‬
‫أيضا‪[ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ] [‪.]12 :Q‬‬
‫[‪ ،]23 :g‬وقال ‪ً c‬‬
‫اآلخ َر ِة»(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫الد ْن َيا مل ي ْ ُ‬
‫َلبسه فيِ‬
‫س َ‬
‫احل ِري َر يف ُّ‬ ‫«م ْن َل ِب َ‬
‫وقال ‪َ :0‬‬

‫أما عن ألوان الثياب فمنها األخضر‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] [‪.]21 :Q‬‬
‫َو‪ [ :6‬ﮮ ﮯ ﮰ] [‪.]31 :Y‬‬

‫ويف اجلنة مناديل‪:‬‬


‫ِ ِ‬
‫�ي ‪ُ 0‬ج َّب ُة‬ ‫أخ�رج البخاري م�ن حديث أنس ‪ I‬ق�ال‪ُ :‬أ ْهد َي ل ْلنَّبِ ِّ‬
‫(‪)2‬‬

‫م َّم ٍد ِب َي ِده‬
‫س حُ َ‬ ‫َّاس ِمن َْها‪َ ،‬ف َقال‪َ « :‬و َّال ِذي َن ْف ُ‬ ‫ب الن ُ‬ ‫نهي َع ِن الحْ َ ِر ِير‪َ ،‬ف َع ِج َ‬ ‫س‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َي َ‬ ‫ُس�نْدُ ٍ‬
‫ْن ُم َعا ٍذ فيِ الجْ َ َّن ِة أَ ْح َس ُن ِم ْن َه َذا»‪.‬‬ ‫َل َـم َنا ِد ُ‬
‫يل َس ْع ِد ب ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫ويف رواية عند البخاري(‪ )3‬من حديث الرباء بن عازب ‪ I‬قال‪ُ :‬أتيِ َ َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ‪:0‬‬ ‫ون ِم ْن ُح ْسنِ ِه َولِينِ ِه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫وب ِم ْن َح ِر ٍير َف َج َع ُلوا َي ْع َج ُب َ‬‫‪ 0‬بِ َث ٍ‬
‫ْن ُم َعاذ يف الجْ َ َّن ِة أَ ْف َض ُل ِم ْن َه َذا»‪.‬‬ ‫يل َس ْع ِد ب ِ‬‫« َل َـم َنا ِد ُ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5832‬ومسلم [‪.]2073‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3248‬ومسلم [‪.]2468‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3249‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪28‬‬
‫أما عن احللي‪:‬‬
‫فلق�د ق�ال ‪[ :c‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ] [‪.]23 :g‬‬

‫أما عن طعام أهل اجلنة وشرابهم‪:‬‬


‫فاعل�م أن�ه ليس يف اجلنة ج�وع وال ُعري وال ظمأ وال ح�ر‪ [ :6 ،‬ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ] [‪.]119 - 118 :c‬‬

‫وأول طعام يأكله أهل اجلنة زيادة كبد النون‪:‬‬


‫فف�ي «الصحيح»(‪ )1‬أن النبي ‪ 0‬قال‪َ « :‬وأَ َّما أَ َّو ُل َط َعام يَأك ُل ُه ُ‬
‫أهل َّ‬
‫اجلن ِة‬ ‫ِ‬
‫وت»‪.‬‬ ‫ِزيَاد ُة َ‬
‫ك ِب ِد ُح ٍ‬
‫ويف «صحيح مس�لم»(‪ )2‬أن هيود ًّيا س�أل النب�ي ‪ 0‬فقال‪َ :‬فَم�اَ تحُ ْ َفت ُُه ْم ِح َ‬
‫ني‬
‫ِ‬
‫رها؟ َق َال‪ُ « :‬ي ْن َح ُر‬ ‫�ون»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فماَ غ َذ ُاؤ ُه ْم َعَل�ىَ إِ ْث َ‬ ‫ك ِب ِد ُّ‬
‫الن � ِ‬ ‫�ون الجْ َنَّ� َة؟ َق َال‪« :‬زيَا َد ُة َ‬
‫َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ِ‬ ‫ان ي َْأ ُ‬
‫ك ُل ِم ْن أَ ْط َرا ِفهَا»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فماَ شرَ َ ابهُ ُ ْم َع َل ْيه؟ َق َال‪ِ :‬‬
‫«م ْن َعينْ ٍ‬ ‫كَ‬ ‫ل ْم َث ْو ُر الجْ َ َّن ِة َّالذي َ‬
‫هَ ُ‬
‫ِفيهَا ُت َس َّمى َس ْل َس ِبيل»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪.‬‬

‫حلم‪ ،‬وحلم طري كذلك‪:‬‬


‫وفيها ٌ‬
‫‪[ :6‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ] [‪َ ،]22 :e‬و‪[ :6‬ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ] [‪ ،]21 :m‬وتق�دم أن فيه�ا أسماكًا وحيتانً�ا‪ ،‬فتق�دم أهن�م يأكل�ون أول‬
‫ما يأكلون زيادة كبد النون‪ ،‬وبعد ذلك ُينحر هلم ثور اجلنة الذي كان يأكل من أطرافها‪.‬‬

‫أما صنوف الفاكهة‪:‬‬


‫فكلها هنالك باجلنة يتنعم هبا أهلها كيف شاءوا‪.‬‬

‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]315‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3329‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪29‬‬
‫كام قال ‪[ :c‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ] [‪.]52 : k‬‬
‫وكام قال‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ] [‪.]68 :k‬‬
‫وكام قال‪[ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ] [‪.]57 :8‬‬
‫فكل صنوف الفاكهة موجودة‪ ،‬التي عرفناها والتي مل نعرفها‪.‬‬
‫وكذلك كل صنوف احللوى‪ ،‬وما يستلذ به من الطعام والرشاب فهنالك باجلنة‪ ،‬إذ‬
‫اهلل قال‪[ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ] [‪.]71 :M‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ] [‪.]102 : e‬‬
‫وعمو ًما فلهم يف اجلنة ما تشتهي أنفسهم وهم فيها خالدون‪ ،‬وكام قال ‪[ :c‬ﰝ‬
‫ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ] [‪.]35 :a‬‬

‫ففي «الصحيحني» من حديث أيب س�عيد اخلدري عن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪:‬‬


‫ُك ْم‬ ‫ك َما َي ْك َف ُأ أَ َحد ُ‬‫اح َد ًة‪َ ،‬ي َت َك َّف ُؤ َه ��ا الجْ َ َّبا ُر ِب َي ِد ِه‪َ ،‬‬
‫ام ِة ُخ ْب َز ًة َو ِ‬ ‫ض َي ْو َم ا ْل ِق َي َ‬ ‫�ون أَال ْر ُ‬
‫« َت ُك � ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫�ار َك َّ‬
‫الرحمْ َ ُن َع َل ْي َك‬ ‫ل ْه ِل الجْ َ َّن ��ة» َف َأتَى َر ُج ٌل م َن ا ْل َي ُهود َف َق َال‪َ :‬ب َ‬ ‫الس� � َفر‪ُ ،‬ن ُزلاَّ أِ َ‬
‫ُخ ْب َز َت� � ُه فيِ َّ‬
‫ُون الأْ َ ْر ُض‬‫�و َم ا ْل ِق َي ِام ِة؟ َق َال‪َ « :‬ب َلى»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬تك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي�ا َأ َبا ا ْل َقاس� ِم‪َ ،‬ألاَ ُأ ْخبرِ ُ َك بِن ُُز ِل َأ ْه ِِل الجْ َنَّة َي ْ‬
‫احدَ ةً‪َ ،‬كماَ َق َال النَّبِ ُّي ‪َ ،0‬فنَ َظ َر النَّبِي ‪ 0‬إِ َل ْينَا ُث َّم َض ِح َك َحتَّى َبدَ ْت‬ ‫ُخب َز ًة و ِ‬
‫ْ َ‬
‫ُون َقا ُلوا‪َ :‬و َما َه َذا؟ َق َال‪َ :‬ث ْو ٌر‬ ‫اج ُذ ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬ألاَ ُأ ْخبرِ ُ َك بِإِ َد ِام ِه ْم؟ َق َال‪ :‬إِ َدا ُم ُه ْم َبالاَ ٌم َون ٌ‬ ‫ن ََو ِ‬
‫ُون َي ْأك ُُل ِم ْن َز ِائدَ ِة كَبِدِهمِ َ ا َس ْب ُع َ‬
‫ون َأ ْل ًفا‪.‬‬ ‫َون ٌ‬

‫وأهل اجلنة يتلذذون بطعامهم وشرابهم‪:‬‬


‫فقد قال ‪[ :c‬ﯕ ﯖ ﯗ] [‪.]24 :C‬‬

‫ورزق أهل اجلنة يأتيهم فيها بكر ًة وعش ًيا‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ] [‪.]62 :a‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

30
]‫ [ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬:6 ،‫ويأتيهم كذلك يف كل وقت وحني‬
]57 :8[




‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪31‬‬

‫أما عن نساء أهل الجنة‬


‫فقد جاء يف شأهنن ما ييل‪:‬‬

‫قوله ‪[ :c‬ﮰ ﮱ] [‪ ]57 :6‬قيل‪ :‬مطهرة من احليض والنفاس واملذي‬


‫واملني والبول والتغوط والنخامة والبزاق‪.‬‬
‫وقي�ل‪ :‬مطه�رة م�ن اإلث�م واألذى‪ ،‬وقيل‪ :‬مطه�رات م�ن ِّ‬
‫الغل واحلقد واحلس�د‬
‫والغرور‪.‬‬

‫وجاء يف وصفهن أنهن حور عني‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ] [‪.]56 - 51 :O‬‬
‫وجاء يف وصفهن ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫أهنن [ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ] [‪]56 :k‬؛ وقوله‪[ :‬ﮧ‬
‫ﮨ] أي‪ :‬غاضات البرص إال عىل األزواج‪ ،‬فال ينظرن إىل غري األزواج‪.‬‬
‫وقوله ‪[ :c‬ﮩ ﮪ] أي‪ :‬مل يفض بكارهتن بجامع إنس قبلهم وال جان‪.‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وجاء يف وصفهن ً‬
‫أهن�ن [ﭥ ﭦ ﭧ] [‪ ،]72 : k‬أي‪ :‬مقيمات يف اخلي�ام ال حيبب�ن كث�رة‬
‫اخلروج(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬قال ابن القيم ‪ :V‬وصفهن ‪ n‬بقرص الطرف يف ثالثة مواضع‪ :‬أحدها‪ -‬هذا‪ ،‬والثاني‪ -‬قوله‬
‫‪ c‬يف «الصافات»‪[ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ] [‪.]48 :A‬‬
‫ والثالث‪ -‬قوله ‪ c‬يف «سورة ص»‪[ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ] [‪.]52:C‬‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪32‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وجاء يف وصفهن ً‬
‫قوله ‪[ :c‬ﯖ ﯗ ﯘ] [‪.]58 :k‬‬

‫وجاء يف وصفهن‪:‬‬
‫أهنن [ﭛ ﭜ ﭝ] [‪ ]70 :k‬قيل يف تفسيرها‪ :‬خريات األخالق‪ ،‬حس�ان‬
‫الوجوه‪ .‬قال ابن القيم ‪ V‬يف «حادي األرواح»‪:‬‬

‫َو‪[ :6‬ﭛ ﭜ ﭝ] [‪ ،]70 :k‬فاخليرات مج�ع خيرة وهي خمففة من‬


‫خرية كسيدة ولينة‪ ،‬وحسان مجع حسنة فهن خريات الصفات واألخالق والشيم حسان‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫ = واملفرسون كلهم عىل أن املعنى‪ :‬قرصن طرفهن عىل أزواجهن فال يطمحن إىل غريهم‪.‬‬
‫ وقي�ل‪ :‬قصرن ط�رف أزواجهن عليهن‪ ،‬فلا يدعهم حس�نهن ومجاهلن أن ينظ�روا إىل غريهن‪ ،‬وهذا‬
‫صحي�ح من جه�ة املعنى‪ ،‬وأما م�ن جهة اللفظ فق�ارصات صفة مضاف�ة إىل الفاعل كحس�ان الوجه‬
‫وأصله قارص طرفهن أي ليس بطامح متعد‪.‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ وقال ً‬
‫ قال ‪ c‬يف وصفهن‪[ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ] [‪ ،]72 :k‬املقصورات املحبوسات‪.‬‬
‫ ق�ال أبو عبيدة‪ :‬خدرن يف اخليام‪ ،‬وكذلك قال مقاتل‪ :‬حمبوس�ات يف اخلي�ام‪ ،‬وفيه معنى آخر وهو‪ :‬أن‬
‫يك�ون املراد أهنن حمبوس�ات عىل أزواجهن ال يردن غريهم وه�م يف اخليام‪ ،‬وهذا معنى قول من قال‪:‬‬
‫قرصن عىل أزواجهن فال يردن غريهم وال يطمحن إىل من سواهم‪ .‬ذكره الفراء‪.‬‬
‫ قل�ت‪ :‬وه�ذا معنى‪ [ :‬ﰁ ﰂ] لكن أولئك قارصات بأنفس�هن وه�ؤالء مقصورات‪ ،‬وقوله‬
‫‪ [ :c‬ﭦ ﭧ] عىل هذا القول‪ :‬صفة احلور أي ه َّن يف اخليام‪.‬‬
‫معمول ملقصورات وكأن أرباب هذا القول فرسوا من أن يكن حمبوسات يف اخليام ال يفارقنها‬ ‫اً‬ ‫ وليس‬
‫إىل الغرف والبساتني‪.‬‬
‫ وأصح�اب الق�ول األول يجُ يب�ون ع�ن ه�ذا‪ :‬ب�أن اهلل ‪ n‬وصفه�ن بصف�ات النس�اء املخ�درات‬
‫املصونات؛ وذلك أكمل يف الوصف وال يلزم من ذلك أهنن ال يفارقن اخليام إىل الغرف والبساتني كام‬
‫أن نس�اء امللوك ودوهنم من النس�اء املخدرات املصونات ال يمتنع أن خيرجن يف س�فر وغريه إىل متنزه‬
‫وبس�تان ونحوه‪ ،‬فوصفهن الالزم هلن القرص يف البيت‪ ،‬ويعرض هلن مع اخلدم اخلروج إىل البس�اتني‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪33‬‬
‫وجاء يف وصفهن‪:‬‬
‫قوله ‪[ :c‬ﮡ ﮢ ﮣ] [‪ ،]35 : m‬قيل‪ :‬املعنى خلقناهن خل ًقا جديدً ا‪.‬‬
‫جزا ش�م ًطا أنش�أهن اهلل إنش�ا ًء بعد الكرب واهلرم‬
‫وقيل ذلك بعد أن ُك َّن يف الدنيا ُع ً‬
‫أبكارا بعد أن ُك َّن ثيبات يف الدنيا‪ ،‬وأصبحن حس�ناوات‬
‫ً‬ ‫ال�ذي كان يف الدني�ا‪ ،‬فأصبحن‬
‫جزا‪.‬‬
‫بعد أن كن دميامت‪ ،‬وأصبحن شابات بعد أن كن ُع ً‬

‫وج ��اء يف وصفه ��ن‪ :‬قول�ه ‪[ :c‬ﮥ ﮦ] [‪ ]36 :m‬أي‪ :‬فصريناه�ن‬


‫أبكارا بعد أن كُن ثيبات‪.‬‬
‫ً‬
‫أيض�ا‪[ :‬ﮨ ﮩ] [‪ ،]37 :m‬أي‪ :‬متحبب�ات إىل‬
‫وق�ال ‪ c‬يف وصفه�ن ً‬
‫أزواجهن‪ ،‬حمسنات للتبعل‪ ،‬مطيعات لألزواج‪ ،‬وقوله‪[ :‬ﮩ] أي‪ :‬يف سن واحدة‪.‬‬

‫وجاء يف وصفهن كذلك‪ :‬أهنن [ﭘ ﭙ] [‪ ،]33 :U‬والكواعب‪ :‬هن النواهد‬


‫مج�ع ناه�دة‪ ،‬قيل‪ :‬والناه�د والكاعب هي التي تكع�ب ثدهيا وتفلك واس�تدار‪ ،‬فأصبح‬
‫كالرمان ليست متدلية إىل أسفل‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬من س�نة رس�ول اهلل ‪َ « :0‬ل َر ْوح ٌة فيِ َس � ِ�بيل اهلل‬ ‫وج�اء يف وصفه�ن ً‬
‫ك ْم ِم َن الجْ َ َّن� � ِة‪ ،‬أَ ْو َم ْو ِض ُع قيد‬ ‫قوس أَ َح ِد ُ‬‫�اب ِ‬ ‫الد ْن َيا َو َما ِفيهَا‪َ ،‬و َل َق � ُ‬‫أَ ْو َغ � ْ�د َو ٌة َخ�ٌي�رٌ ِم � َ�ن ُّ‬
‫ام َرأَة ِم � ْ�ن أَ ْه ِل الجْ َ َّن ِة َّ‬
‫اط َل َع ْت إِلىَ‬ ‫الد ْن َيا َو َما ِفيهَا‪َ ،‬و َل ْو أَ َّن ْ‬ ‫�و َط ُه ‪َ -‬خ رٌْ‬ ‫ِ‬
‫�ْي� ِم َن ُّ‬ ‫‪َ -‬ي ْعن�ي‪َ :‬س ْ‬
‫ي ِم َن الدنيا‬ ‫حيا‪َ ،‬و َل َن ِصي ُفهَا َع َلى َر ْأ ِس� �هَا َخ رْ ٌ‬ ‫لت ُه ِر ً‬ ‫ُما‪َ ،‬ولمََأَْ‬
‫ل َضا َء ْت َما َب ْي َنه َ‬‫ال ْرض أََ‬ ‫أَ ْه ��ل أَْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫َو َما ِفيهَا» ‪.‬‬

‫أما عن عدد زوجات الرجل من أهل اجلنة‪ :‬فقد ورد فيها مما وقفت عليه ما ييل‪:‬‬
‫أولاً ‪ -‬قوله ‪[ :c‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ] [‪ ،]25 :2‬وقوله ‪« :0‬ل ُك ِّل‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]2796‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪34‬‬
‫صال‪ ...‬م َنها‪:‬‬ ‫ند اهلل ِس � ُّ‬
‫�ت ِخ ٍ‬ ‫يد ِع َ‬ ‫ان»(‪ .)1‬وقوله ‪َّ :0‬‬
‫«للش � ِ�ه ِ‬ ‫ُم َز ْوج َت ِ‬
‫امرئ ِم ْنه ْ‬
‫ِ‬
‫ني»(‪.)2‬‬
‫ور ال ِع ِ‬ ‫ني من ُ‬
‫احل ِ‬ ‫و ُي َز َّو ُج اثن َت ِ‬
‫ني َو َسب ِع َ‬
‫اح َد ٍة جموفة ُط هُ َ‬
‫ولا‬ ‫وقوله ‪« : 0‬إِ َّن ِل ْلم ْؤ ِم ِن يف الجْ َّنة خليمة ِم ْن ُل ْؤ ُل َؤة َو ِ‬
‫َع َضا»(‪.)3‬‬
‫ُم ب ْ‬ ‫يطوف َع َل ْي ِه ْم الـمؤمن فال يرى ب ْ‬
‫َع ُضه ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِس ُّتون ميال‪ِ ،‬ل ْلم ُؤ ِم ِن فيهَا أَ ْه ُل َ‬
‫ون‬

‫وق�د ورد أن الرج�ل يف اجلن�ة ُيعط�ي ق�وة مائة رج�ل يف األكل والشرب واجلامع‬
‫والشهوة‪ ،‬ففي «املسند» وعبد بن محيد وغريمها من حديث زيد بن أرقم ‪ I‬قال‪ :‬جاء‬
‫اس ِم َأ َل ْس َت ت َْز ُعم َأ َّن َأ ْه َل الجْ َن َِّة‬
‫رجل من أهل الكتاب إىل النبي ‪ 0‬فقال‪ :‬يا َأبا ال َق ِ‬
‫َ َ‬
‫�ول اهلل‬ ‫ون؟ َو َق َال لأِ َ ْص َحابِ ِه‪ :‬إِ ْن َأ َق َّر ليِ بهِ َ ِذ ْه َخ َص ْم ُت ُه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫َي ْأ ُك ُل�ون فيه�ا َو َيشرْ َ ُب َ‬
‫ْـم ْط َع ِم‬ ‫‪َ « :0‬ب َل ��ى‪َ ،‬و َّال ِذي َن ْف ِس ��ي ِب َي ِد ِه إِ َّن أَ َحد ُ‬
‫َه ْم َل ُي ْع َطي ُق � َّ�و َة ِما َئ ِة َر ُج ٍل فيِ ال َ‬
‫ود ٌي‪َ :‬فإِ َّن ا َّل ِذي َي ْأك ُُل َو َيشرْ َ ُب َتك ُ‬
‫ُون‬ ‫الش � ْ�ه َوة َوالجْ َماع»‪ ،‬قال‪َ :‬ف َقال َله ا ْليه ِ‬
‫ُ َُ‬ ‫ْـم ْش� � َر ِب َو َّ ِ‬‫َوال َ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ‪« :0‬حاج ُة أَ َح ِد ِه ْم َع َر ٌق َي ِف ُ‬
‫يض ِم ْن ُج ُلو ِد ِه ْم‬ ‫اجة‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َقال َر ُس ُ‬
‫َل ُه الحْ َ َ‬
‫ْـم ْس ِك َفإَِذا ا ْل َب ْط ُن َق ْد َض ُم َر»(‪.)4‬‬
‫يح ال ِ‬ ‫ُْ‬
‫ِمثل ِر ِ‬
‫أما عن اجلماع‪ :‬فقد تقدَّ م أن الرجل من أهل اجلنة ُي ْع َطى قوة مائة رجل يف األكل‬
‫والرشب واجلامع والشهوة‪.‬‬
‫وأخرجه البزار وهو صحيح عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أنفيض‬
‫إىل نس�ائنا يف اجلنة؟ قال‪« :‬إي والذي نفس ��ي بيده‪ ،‬إن الرجل ل ُيفضي يف اليوم الواحد‬
‫إىل مائة عذراء»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬وقد تقدم‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]1663‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3243‬ومسلم [‪.]2838‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه عبد بن محيد يف «املنتخب» [‪ ،]263‬وأمحد يف «املسند» (‪.)367/4‬‬
‫(‪« )5‬كشف األستار» (‪.)198/4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪35‬‬
‫وقال بعض العلامء يف تفسير قول�ه ‪[ :c‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ]‬
‫[‪ ]55 :8‬إن منها مجاع العذارى‪.‬‬
‫وهل حتمل النساء يف اجلنة؟‬
‫يف اجلملة ليس هناك ٌ‬
‫محل إال إذا اشتهاه أهل اجلنة‪.‬‬
‫وقد أخرج الرتمذي من حديث أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫�اع ٍة‪َ ،‬‬ ‫ان مَح ُل� � ُه ْ‬
‫ووض ُع� � ُه َو َس � َّ�ن ُه يف َس � َ‬ ‫كَ‬ ‫اجلن� � ِة‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫«ال ُـم ِ َ‬
‫ك َما‬ ‫ؤم � ُ�ن إِذا اش� �تهي ال َول � َ�د فيِ‬
‫َيش� � َتهي»(‪ .)1‬وأخرج هناد بن الرسي يف «الزهد»(‪ )2‬بس�ند حس�ن إىل أسامء بنت أيب بكر‬
‫ـمنْتَهي َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ J‬قال�ت‪ :‬س ِ‬
‫�ول‪َ :‬و ُذك َر َل� ُه س�دْ َر ُة ا ْل ُ‬
‫�ول اهلل ‪ 0‬ي ُق ُ‬ ‫�م ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َ‬
‫اك ٍب»‪َ .‬ش َّك‬ ‫َس َت ِظ ُّل ِبظلها َما َئ ُة َر ِ‬ ‫اك ُب فيِ ِظ ِّل ا ْل َف َن ِن ِم ْنهَا ِما َئ َة َس� � َن ٍة‪ ،‬أَ ْو ي ْ‬ ‫الر ِ‬
‫�ر َّ‬ ‫«ي ِ‬
‫َس�ي ُ‬
‫ث َر َها ا ْل ِقلاَ ُل»‪.‬‬ ‫ك َأ َّن مَ َ‬ ‫هب َ‬ ‫اش َّ‬ ‫يحَ ْ َيي « ِف َيها ِف َر ُ‬
‫الذ ِ‬
‫أهل الجنة ال يبولون وال يتغوطون‪:‬‬

‫ويف «صحيح مس�لم»(‪ )3‬من حديث جابر ‪ I‬قال‪ :‬س�معت النبي ‪0‬‬
‫�ون(‪ )5‬ولاَ َي ُيو ُل � َ‬
‫�ون‬ ‫ُون(‪ )4‬وال َي ْت ُف ُل � َ‬ ‫يق�ول‪« :‬إِ َّن أَ ْه � َ�ل الجْ َ َّن� � ِة يأكل ��ون فيه ��ا َو ْ‬
‫يش� � َرب َ‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه الرتمذي (مع التحفة ‪ )285/7‬بسند حسن‪.‬‬


‫أيضا (‪.)249/7‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه «الزهد» (‪ ،)48/1‬وأخرجه الرتمذي ً‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2835‬‬
‫ُون» مذهب أهل الس�نة وعامة املس�لمني أن أهل اجلنة يأكلون‬ ‫ك ُل َ‬
‫ون ِفهَا َوي ْ‬
‫َش� � َرب َ‬ ‫(‪« )4‬إِ َّن أَ ْه � َ�ل الجْ َ َّن� � ِة ي َْأ ُ‬
‫دائًم� ال آخر له وال انقطاع‬
‫تنعم اً‬
‫فيه�ا ويرشبون ويتنعم�ون بذلك وبغريه من مالذها وأن�واع نعيمها‪ ،‬اً‬
‫أب�دً ا‪ ،‬وأن تنعمه�م بذلك عىل هيئة تنعم أهل الدنيا‪ ،‬إال ما بينهام من التفاضل يف اللذة والنفاس�ة التي‬
‫ال تشارك نعيم الدنيا إال يف التسمية وأصل اهليئة‪ ،‬وإال يف أهنم ال يبولون وال يتغوطون وال يمتخطون‬
‫وال يبصق�ون‪ .‬وقد دلت دالئل القرآن والس�نة يف هذه األحاديث التي ذكرها مس�لم وغريه؛ أن نعيم‬
‫اجلنة دائم ال انقطاع له أبدً ا‪.‬‬
‫(‪ )5‬وال يتفلون‪ :‬بكرس الفاء وضمها‪ ،‬حكامها اجلوهري وغريه‪ ،‬أي‪ :‬ال يبصقون‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪36‬‬
‫ون»‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬فماَ َب ُال الطعام؟ َق َال‪ُ :‬‬
‫«ج َش ��ا ٌء(‪َ )1‬و َر ْش � ٌ�ح؛ َ‬
‫ك َر ْشح‬ ‫ي َت ِخ ُط َ‬‫ون َولاَ مَْ‬
‫َولاَ َي َت َغ َّو ُط َ‬
‫س»‪.‬‬‫الن َف َ‬
‫ون َّ‬ ‫ك َما ُت ْله ُ‬
‫َم َ‬ ‫يد َ‬ ‫يح َو َّ‬
‫الت ْح ِم َ‬ ‫ون َّ‬
‫الت ْس ِب َ‬ ‫َم َ‬ ‫ْـم ْس ِك‪ُ ،‬ي ْله ُ‬
‫ال ِ‬
‫أيضا من حدي�ث جابر بن عب�د اهلل يقول‪ :‬قال رس�ول اهلل‬ ‫ويف رواي�ة ع�ن مس�لم ً‬
‫�ون َولاَ ميْ َت ِخ ُط � َ‬
‫�ون‬ ‫ُون َولاَ َي َت َغ َّو ُط � َ‬ ‫‪َ « :0‬ي � ْ�أ ُ‬
‫ك ُل أه � ُ�ل الجْ َ َّن� � ِة ِفي َه ��ا َوي ْ‬
‫َش� � َرب َ‬
‫الت ْس � ِ�بيح َوالحْ َ ْم َد‬
‫ون َّ‬ ‫�ك‪ُ ،‬ي ْله ُ‬
‫َم َ‬ ‫رش � ِ�ح المِْ ْس � ِ‬
‫ك ْ‬ ‫ُم َذ َ‬
‫اك ُج َش ��ا ٌء َ‬ ‫َولاَ َي ُبو ُل ��ون‪َ ،‬و َل ِكن َط َع ُ‬
‫امه ْ‬
‫س»‪.‬‬ ‫الن َف َ‬
‫ون َّ‬ ‫ك َما ُت ْله ُ‬
‫َم َ‬ ‫َ‬

‫خدم أهل الجنة‪:‬‬

‫أما عن خدم أهل اجلنة فهم [ﭓ ﭔ] [‪.]17 :m‬‬


‫بيض شديدو البياض‪ ،‬ال يتغري شكلهم بتغري الزمان‪.‬‬
‫عددهم كثري جدًّ ا ٌ‬
‫‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ] [‪َ ،]17 :m‬و‪[ :6‬ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] [‪.]19 : Q‬‬

‫فهم كاللؤلؤ املكنون يف حس�نهم ومجاهلم‪ ،‬وعددهم يف غاية من الكثرة‪ ،‬يلبون كل‬
‫الطلبات وال يتأخرون‪ ،‬وكام وصفهم ريب [ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] [‪.]19 : Q‬‬
‫ٍ‬
‫لس�ن‬ ‫ال يتسرب إليهم املش�يب‪ ،‬وال تتقدم هبم األعامر‪ ،‬وال يتغريون عن حالتهم‬
‫تقدم هبم‪.‬‬

‫أما عن مساعهم وكالمهم‪:‬‬


‫لغو يف اجلنة‪ ،‬وال تأثيم‪ ،‬فإذا سمعوا سمعوا كل خري‪ ،‬وإذا تكلموا تكلموا بكل‬
‫فال ٌ‬
‫هادئ‪ ،‬قلوهبم مطمئنة‪ ،‬أذهب اهلل عنهم احلزن‪ ،‬ورزقهم اهلل األمن واألمان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫خري‪ ،‬باهلم‬

‫(‪ )1‬جشاء‪ :‬هو تنفس املعدة من االمتالء‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪37‬‬
‫هناك أماكن وأسواق للفسح والزيارات‪:‬‬
‫اً‬
‫ومجال‪ ،‬فيجدون أهليهم‬ ‫يأتوهنا كل مجعة فريجعون إىل أهليهم‪ ،‬وقد ازدادوا حسنًا‬
‫اً‬
‫ومجال‪.‬‬ ‫أيضا من بعدهم حسنًا‬
‫قد ازدادوا ً‬

‫يتحادثون فيام بينهم بام كان منهم يف دنياهم وي َّط ِلعون أحيانًا عىل أهل النار ليزدادوا‬
‫شكرا عىل ما امتن اهلل به عليهم‪ :‬من السالمة والنجاة وفسيح اجلنان وواسع املنازل‪.‬‬
‫ً‬
‫اً‬
‫ح�ول‪،‬‬ ‫إن نعيمه�م ال ي�زول وال يتح�ول‪ :‬وه�م اآلخ�رون ال يبغ�ون ع�ن اجلن�ة‬
‫وال يريدون عنها اً‬
‫حتول‪.‬‬

‫لق�د حببت إليه�م اجلنة وأحبتهم هي األخ�رى‪ ،‬لقد رضوا عن معيش�تهم فهم يف‬
‫عيشة راضية‪.‬‬
‫إهنم يف نعيم مقيم ال موت وال شيخوخة وال هرم‪.‬‬
‫ينعمون بتكليم اهلل هلم أجل تنعم‪ ،‬ويسعدون بذلك أعظم سعادة‪.‬‬
‫يتلذذون بالنظر إىل وجه اهلل الكريم‪ ،‬وتلك أعظم ٍ‬
‫لذة وأمتها وأكملها‪.‬‬
‫يحُ ُّل اهلل عليهم رضوانه فال يسخط عليهم بعده أبدً ا‪.‬‬
‫وخيدم أهل اجلنة [ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ] [‪َ ،]24 :e‬و‪[ :6‬ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] [‪.)1(]19 :Q‬‬

‫(‪ )1‬ق�ال اب�ن القي�م ‪ V‬يف كتاب�ه «ح�ادي األرواح»‪ :‬ق�ال أب�و عبي�دة والف�راء‪ :‬خمل�دون ال هيرمون‬
‫وال يتغريون‪ .‬قال‪ :‬والعرب تقول للرجل إذا كرب ومل يشمط‪ :‬إنه ملخلد‪ ،‬وإذا مل تذهب أسنانه من الكرب‬
‫قيل‪ :‬هو خملد‪ .‬وقال آخرون‪ :‬خملدون مقرطون مس�ورون أي يف آذاهنم القرطة‪ ،‬ويف أيدهيم األساور‪،‬‬
‫وهذا اختيار ابن األعرايب قال‪ :‬خملدون مقرطون باخللدة ومجعها خلد وهي القرطة‪.‬‬
‫ وروى عمرو عن أبيه‪ :‬خلد جاريته إذا حالها باخللد وهي القرطة‪ ،‬وخلد إذا أسن ومل يشب‪ ،‬وكذلك‬
‫قال سعيد بن جبري‪ .‬واحتج هؤالء بحجتني‪:‬‬
‫ إحداهم ��ا‪ -‬أن اخلل�ود عام لكل من يف اجلنة‪ ،‬فال بد أن يكون الول�دان موصوفني بتخليد خمتص هبم‪،‬‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪38‬‬

‫وهل في الجنة مراضع لألطفال‪:‬‬

‫أخ�رج البخاري(‪ )1‬يف «صحيحه» م�ن حديث الرباء ‪ I‬عن النبي ‪0‬‬

‫رض ًعا فيِ اجلن َِّة»‪.‬‬


‫قال‪ :‬ملا مات إبراهيم‪« :‬إِ َّن له م ِ‬
‫ُ ُ‬

‫أهل الجنة يتزاورون‪:‬‬


‫بعضا ويتحدثون م ًعا بطي�ب الكالم‪ ،‬ويتذاكرون‬
‫نع�م يتزاورون‪ ،‬ويزور بعضه�م ً‬
‫م�ا كان بينهم من أم�ور الدني�ا‪[ :6 .‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ] [‪.]57 - 50 :A‬‬

‫وهل خيرجون من بيوهتم للفس�حة والزي�ارة واالجتامع يف أماكن ُأخر ثم يرجعون‬


‫إىل بيوهتم؟‪.‬‬

‫=‬
‫وذلك هو القرطة‪.‬‬
‫ احلجة الثانية‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬
‫أع� �ج ��ازه��ن رواك�� ��د الكثبان‬ ‫وخم� �ل ��دات ب��ال �ل �ج�ين كأمنا‬
‫ ق�ال أألول�ون‪ :‬اخللد هو البقاء‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬غلمان ال يموتون‪ .‬وقول ترمجان القرآن يف هذا كاف‬
‫– وهذا قول جماهد والكلبي ومقاتل‪ -‬قالوا‪ :‬ال يكربون وال هيرمون وال يتغريون‪ ،‬ومجعت طائفة بني‬
‫القولين وقال�وا‪ :‬هم ولدان ال يعرض هلم الكرب واهلرم‪ ،‬ويف آذاهن�م القرطة‪ ،‬فمن قال‪ :‬مقرطون أراد‬
‫ه�ذا املعن�ى أن كوهنم ولدان أمر الزم هلم وش�بههم ‪ n‬باللؤلؤ املنثور ملا فيه من البياض وحس�ن‬
‫منثورا فائدتان‪:‬‬
‫ً‬ ‫اخللقة ويف كونه‬
‫ إحداهما‪ -‬الداللة عىل أهنم غري معطلني‪ ،‬بل مبثوثون يف خدمتهم وحوائجهم‪.‬‬
‫منثورا وال سيام عىل بساط من ذهب أو حرير كان أحسن ملنظره وأهبى من‬
‫ً‬ ‫ والثاني‪ -‬أن اللؤلؤ إذا كان‬
‫كونه جممو ًعا يف مكان واحد‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3255‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪39‬‬
‫فنع�م‪ ،‬إن ذل�ك لكائ�ن إن ش�اء اهلل‪ .‬ففي اجلن�ة م�كان جيتمعون فيه‪ ،‬وهو س�وق‬
‫اجلنة‪.‬‬

‫ففي «صحيح مسلم»(‪ )1‬من حديث أنس بن مالك ‪ I‬أن رسول اهلل ‪0‬‬
‫ُب ِر ُ ّ َ (‪ُ َ َ )4‬‬ ‫ج َع ٍة(‪َ ،)3‬ف َته ُّ‬‫ك َّل مُ ُ‬ ‫قال‪« :‬إِ َّن الجْ َ َّن ِة َل ُسو ًقا(‪ ،)2‬يَأ ُتو َنهَا ُ‬
‫يح ا ِلش َما ِل ‪ ،‬فت ْحثو فيِ‬ ‫فيِ‬
‫ون إِلىَ أَ ْه ِل ْ‬
‫يهم َو َق ِد ا ْزدَادُوا ُح ْس� � ًنا‬ ‫ُون ُح ْس� � ًنا َو مَجالاً َفيرَْ ِج ُع َ‬ ‫وه ِه ْم َو ِث ِي ِاب ِه ْم‪َ ،‬ف َي ْزدَاد َ‬
‫َو ُج ِ‬
‫جالاً َف َي ُقو ُلون‪َ :‬وأَ ْن ُت ْم‬
‫َع َد َنا ُح ْس� � ًنا َو مَ َ‬
‫ْت ب ْ‬ ‫ل � ْ�م أَ ْه ُل ُ‬
‫وه ْم‪َ :‬واهلل َل َق ْد ا ْز َدد مُْ‬ ‫ج� �الاً َف َي ُق ُ‬
‫ول هَ ُ‬ ‫َو مَ َ‬
‫جال»‪.‬‬
‫َع َد َنا ُح ْس ًنا َو مَ َ‬ ‫َواهلل َل َق ِد ا ْز َدد مُْ‬
‫ْت ب ْ‬
‫أما عن مساع أهل اجلنة‪:‬‬
‫اً‬
‫باطًل� م�ن الق�ول‪،‬‬ ‫فأه�ل اجلن�ة [ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ] [‪ ،]25 : m‬أي‪:‬‬
‫[ﭻ ﭼ] أي‪ :‬وال أي ق�ول جيل�ب اآلث�ام‪[ ،‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] [‪ ،]26 : m‬أي‪ :‬ما‬
‫يسمعونه هو الكالم اآلمن من اآلثام والذنوب واملعايص‪.‬‬

‫أيضا السالم الذي ُيلقى عليهم‪ ،‬سال ًما من رهبم كام قال ‪[ :n‬ﭨ‬
‫ويسمعون ً‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ] [‪َ .]58 : 8‬و‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ] [‪.]44 : 2‬‬

‫وسلا ًما م�ن املالئك�ة‪ [ :6 ،‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬


‫ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ] [‪َ ،]24 - 23 : O‬و‪[ :6‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ] [‪.]73 :E‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2833‬‬


‫(‪ )2‬لسو ًقا‪ :‬املراد بالسوق جممع هلم‪ ،‬جيتمعون كام جيتمع الناس يف الدنيا يف السوق‪.‬‬
‫(‪ )3‬يأتونها كل مجعة‪ :‬أي‪ :‬يف مقدار كل مجعة‪ ،‬أي‪ :‬أس�بوع‪ ،‬وليس هناك حقيقة أس�بوع‪ ،‬لفقد الشمس‬
‫والليل والنهار‪ ،‬والسوق يذكر ويؤنث‪ ،‬وهو أفصح‪.‬‬
‫(‪ )4‬الش ��مال‪ :‬هي التي تأيت من دبر القبلة‪ .‬قال القايض‪ :‬وخص ريح اجلنة بالشمال؛ ألهنا ريح املطر عند‬
‫العرب‪ ،‬كانت هتب من جهة الشام وهبا يأيت سحاب املطر‪ ،‬وكانوا يرجون السحاب الشامية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪40‬‬

‫وق�ال عد ٌد من أهل العلم قوله ‪ [ :c‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ] [‪،]15 : v‬‬


‫قالوا‪ :‬احلربة اللذة والسامع‪ ،‬وحيربون أي‪ :‬يسمعون ما تلذ األذن بسامعه وتنعم بسامعه‪.‬‬

‫وليس فيها حر وال زمهرير‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ] [‪.]13 : Q‬‬

‫وهذه منزلة آخر أهل اجلنة دخولاً ‪:‬‬


‫أخ�رج البخ�اري ومس�لم(‪ )1‬م�ن حدي�ث اب�ن مس�عود ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال النبي‬
‫ُخولاً ؛ َر ُج ٌل‬ ‫آخ َر أَ ْه � ِ�ل الجْ َ َّن ِة د ُ‬ ‫وجا ِم ْنهَا‪َ ،‬و ِ‬ ‫�ار ُخ ُر ً‬ ‫آخ َر أَ ْهل َّ‬ ‫‪« :0‬إ ِّن ��ي أََ‬
‫ل ْع َل� � ُم ِ‬
‫الن � ِ‬ ‫ِ‬
‫ْخل الجْ َ َّن� � َة‪َ ،‬ف َي ْأ ِتيهَا‪َ ،‬ف ُي َخ َّي ُل إ َل ْي� � ِه أَ َّنهَا َم أْ َ‬
‫لي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫�ول اهلل‪ :‬ا ْذ َه ْب َفاد ُ ِ‬ ‫ك ْب ًوا َف َي ُق � ُ‬ ‫�ار َ‬ ‫ِم � َ�ن َّ‬
‫الن � ِ‬
‫ْخ � ِ�ل الجْ َ َّن َة‪َ ،‬ف َي ْأ ِتيهَا‪َ ،‬ف ُي َخ َّي ُل‬ ‫ول‪ :‬ا ْذ َه ْب َفاد ُ‬ ‫لي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫�ول‪ :‬يَا َر ِّب َو َج ْد ُتهَا َم أْ َ‬
‫َفيرَْ ج� � ُع َف َي ُق � ُ‬
‫�ول‪ :‬ا ْذ َه ْب َفاد ُ‬
‫ْخ ِل الجْ َ َّن َة‪،‬‬ ‫لى‪َ .‬ف َي ُق � ُ‬ ‫�ول‪ :‬يَا َر ِّب َو َج ْد ُتهَا َم أْ َ‬‫لي‪َ ،‬فيرَْ ج ُع َف َي ُق � ُ‬ ‫إ َل ْي� � ِه أَ َّن َه ��ا َم أْ َ‬
‫ِ‬
‫ول‪:‬‬‫الد ْن َيا – َف َي ُق ُ‬
‫ال ُّ‬ ‫الا – أَ ْو إِ َّن َل َك ِم ْث َل َع َش� � َر ِة أَ ْم َث ِ‬ ‫الد ْن َيا‪َ ،‬و َع َش� � َر َة أَ ْم َث هِ َ‬
‫َفإِ َّن َل َك ِم ْث َل ُّ‬
‫�ول اهلل ‪0‬‬ ‫�ك»‪َ ،‬ف َل َقدْ َر َأ ْي ُت َر ُس َ‬ ‫ْـم ِل � ُ‬
‫�ت ال َ‬ ‫�ك ِم يِّن – َوأَ ْن � َ‬ ‫�خ ُر ِم�ِّن�يِّ – أَ ْو َت ْض َح � ُ‬ ‫َت ْس � َ‬
‫اك أَ ْد َنى أَ ْه ِل الجْ َ َّن ِة َم ْن ِز َل ًة»‪.‬‬‫ول‪َ « :‬ذ َ‬ ‫َان َي ُق ُ‬‫اج ُذ ُه‪َ ،‬وك َ‬ ‫َض ِح َك َحتَّى َبدَ ت ن ََو ِ‬

‫ويف «صحيح مس�لم»(‪ )2‬من حديث ابن مس�عود ‪ I‬أن رسول اهلل ‪0‬‬

‫النا ُر َم َّر ًة‪،‬‬ ‫َد ُخ ُل الجْ َ َّن َة َر ُج ٌل‪َ ،‬ف ْه َو ي ِ‬


‫مَْش ��ي َم � َّ�ر ًة‪َ ،‬و َي ْك ُبو َم َّر ًة‪َ ،‬و َت ْس� � َف ُع ُه َّ‬ ‫«آخ� � ُر َم ْن ي ْ‬‫ق�ال‪ِ :‬‬
‫نا ِني ِم ْن ِك‪َ ،‬ل َق ْد أَ ْع َطا ِني اهلل َش� � ْي ًئا‬ ‫َف ��إ َذا َم ��ا َجا َو َز َها ا ْل َت َف َت إِ َل ْيهَا َف َق َ‬
‫ال‪َ :‬ت َبا َر َك َّال ِذي جَ َّ‬ ‫ِ‬
‫ول‪ :‬أَ ْي َر ِّب أَ ْد ِن يِن ِم ْن َه ِذ ِه‬ ‫ت َف ُع َل ُه َش َج َر ٌة ف َي ُق ُ‬ ‫ني َو آْال ِخ َ‬
‫رين‪َ ،‬ف رُْ‬ ‫َما أَ ْع َطا ُه أَ َحدًا ِم َن أَْ‬
‫ال َّو ِل َ‬
‫ْن آ َد َم َل َع ِّلي إِ ْن‬
‫ول اهلل ‪ :D‬يَا اب َ‬ ‫�ج َر ِة‪َ ،‬ف أِ َ‬
‫ل ْس� � َت ِظ َّل ِب ِظ ِّلهَا‪َ ،‬وأَ ْش� � َر َب ِم ْن َما ِئهَا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َّ‬
‫الش � َ‬
‫َس َأ َل ُه َغ رْ َ‬
‫ي َها‪َ ،‬و َر ُّب ُه ي ْ‬
‫َع ِذ ُرهُ؛‬ ‫اه ُد ُه أَ ْن لاَ ي ْ‬
‫ول‪ :‬لاَ يَا َر ِّب‪َ ،‬و ُي َع ِ‬ ‫أَ ْع َط ْي ُت َكهَا َس َأ ْل َت يِن َغ رْ َ‬
‫ي َها‪َ .‬ف َي ُق ُ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6571‬ومسلم [‪.]186‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]187‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪41‬‬
‫َش� � َر ُب ِم ْن َما ِئهَا‪،‬‬ ‫ب َل� � ُه َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُي ْد ِني� � ِه ِم ْنهَا‪َ ،‬ف َي ْس� � َت ِظ ُّل ِب ِظ ِّلهَا‪َ ،‬وي ْ‬ ‫ل َّن� � ُه َي� � َرى َما لاَ َص رْ َ‬ ‫أِ َ‬
‫ل ْش� � َر َب ِم ْن‬ ‫ول‪ :‬أَ ْي َر ِّب أَ ْد ِنن ِم ْن َه ِذه‪ ،‬أِ َ‬ ‫الولىَ َف َي ُق ُ‬ ‫�ج َر ٌة ِه َي أَ ْح َس � ُ�ن ِم َن أُْ‬ ‫ُث َّم ُت ْر َف ُع َل ُه َش � َ‬
‫يِ‬
‫اه ْد ِني أَ ْن لاَ َت ْس َأ َل يِن‬ ‫ْن آ َد َم أَلمَْ ُت َع ِ‬ ‫ول‪ :‬يَا اب َ‬ ‫ي َها‪َ .‬ف َي ُق ُ‬ ‫ظلها لاَ أَ ْس َأ ُل َك َغ رْ َ‬ ‫ظل ِب ِّ‬ ‫َما ِئهَا‪َ ،‬وأَ ْس َت َّ‬
‫ي َها‪،‬‬ ‫َس � َ�أ َل ُه َغ رْ َ‬
‫اه ُد ُه أَ ْن لاَ ي ْ‬ ‫ي َها‪َ ،‬ف ُي َع ِ‬ ‫ول‪َ :‬ل َع ِّلي إِ ْن أَ ْد َن ْي ُت َك م ْنهَا َت ْس � َ�أ ُل يِن َغ رْ َ‬ ‫ي َها؟ َف َي ُق ُ‬ ‫ِغ رْ َ‬
‫َش� � َر ُب ِم ْن َما ِئهَا‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ب َل ُه َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُي ْد ِنيه ِم ْنهَا‪َ ،‬ف َي ْسَ��ت ِظ ُّل ِب ِظ ِّلهَا‪َ ،‬وي ْ‬ ‫َو َر ُّب ُه َي َرى َما لاَ َص رْ َ‬
‫ول‪ :‬أَ ْي َر ِّب أَ ْد ِن يِن ِم ْن َه ِذ ِه‬ ‫الو َل َيينْ ِ َف َي ُق ُ‬ ‫ُت ْر َف ُع َل ُه َش َج َر ٌة ِع ْن َد بَاب الجْ َ َّن ِة ِه َي أَ ْح َس ُن ِم َن أُْ‬
‫ِ‬
‫اه ْد ِني‬ ‫ابن آ َد َم أَلمَْ ُت َع ِ‬‫ول‪ :‬يَا َ‬ ‫ي َها َف َي ُق ُ‬ ‫ل ْس� � َت ِظ َّل ِب ِظ ِّلهَا‪َ ،‬وأَ ْش� � َر َب ِم ْن َما ِئهَا‪ ،‬لاَ أَ ْس َأ ُل َك َغ رْ َ‬ ‫أِ َ‬
‫ل َّن َه َي َرى‬ ‫َع � ِ�ذ ُرهُ؛ أِ َ‬
‫ي َها‪َ ،‬و َر ُّب ُه ي ْ‬‫�ال‪َ :‬ب َلى يَا َر ِّب َه ِذ ِه لاَ أَ ْس � َ�أ ُل َك َغ رْ َ‬ ‫ي َه ��ا؟ َق � َ‬ ‫أَ ْن لاَ َت ْس � َ�أ َل يِن َغ رْ َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ب َل ُه َع َل ْي َه‪َ ،‬ف ُي ْد ِني ِه ِم ْنهَا‪َ ،‬فإ َذا أَ ْد َنا ُه ِم ْنهَا َف َي ْس � َ�م ُع أَ ْص َوات أَ ْه ِل الجْ َ َّن ِة َف َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫َما لاَ َص رْ َ‬
‫�ك أَ ْن أَ ْع ِط َي َك ُّ‬
‫الد ْن َيا‬ ‫َض ِري�ِن�يِ ِم ْن َك أَ ُي ْر ِضي � َ‬ ‫ْن آ َد َم َما ي ْ‬ ‫�ول‪َ :‬ي ��ا اب َ‬‫ْخ ْل ِني َه ��ا‪َ .‬ف َي ُق � ُ‬‫أَ ْي َر ِّب أَد ِ‬
‫ني؟»‪.‬‬ ‫ْز ُئ ِم يِّن َوأَ ْن َت َر ُّب ا ْل َعالمَِ َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ :‬يَا َر ِّب أ َت ْس َته ِ‬ ‫َو ِم ْث َلهَا َم َعهَا؟ َق َ‬

‫ود َف َق َال‪َ :‬ألاَ ت َْس َ�أ ُلونيِ ِم َّم َأ ْض َح ُك؟ َف َقا ُلوا‪ِ :‬م َّم ت َْض َح ُك؟ َق َال‪:‬‬ ‫َف َض ِح َك ابن مس�ع ٍ‬
‫ْ ُ َ ْ ُ‬
‫«م ْن ِض ْح ِك‬ ‫ول اهلل؟ َق َال‪ِ :‬‬‫ول اهلل ‪َ ،0‬ف َقا ُلوا‪ِ :‬م َّم ت َْض َح ُك َيا َر ُس َ‬ ‫َهك ََذا َض ِح َك َر ُس ُ‬
‫ْز ُئ ِم ْن َك‬ ‫لاَ َ‬ ‫ْز ُئ ِم يِّن َوأَ ْن َت َر ُّب ا ْل َعالمَِ َ‬
‫ني‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ني َق َ َ‬ ‫َر ِّب ا ْل َعالمَِ َ‬
‫ول‪ :‬إِ ِّني أ ْسَ��ته ِ‬ ‫ال‪ :‬أ َت ْسَ��ته ِ‬ ‫ني ِح َ‬
‫َو َل ِك يِّن َع َلى َما أَ َشا ُء َقا ِد ٌر»‪.‬‬

‫وهل في الجنة دواب؟‬


‫لقد قال ‪[ :c‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪.]85 : a‬‬
‫قال بعض أهل العلم‪ :‬أي‪ :‬ركبانًا عىل اإلبل‪َ ،‬و‪[ :6‬ﭤ ﭥ ﭦ]‬
‫[‪]57:8‬‬

‫حب أهل الجنة للجنة ورضاهم بها‪:‬‬


‫عظيم وال يرغبون يف التحول عنها‪ [ :6 ،‬ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫وأهل اجلنة حيبوهنا ح ًّبا اً‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪42‬‬
‫ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ] [‪]108–107 :Y‬؛‬
‫أخرج البخاري(‪ )1‬يف «صحيحه» من حديث أنس بن مالك ‪ I‬عن النبي ‪0‬‬

‫الد ْن َي ��ا‪َ ،‬وأَ َّن َل ُه ُّ‬


‫الد ْن َيا‬ ‫َس � ُّ�ر ُه أَ ْن َي ْر َ‬
‫جع إِلىَ ُّ‬ ‫ييُ‬ ‫ُوت َل� � ُه ِع ْن َد اهلل َخ رْ ٌ‬ ‫ق�ال‪َ :‬‬
‫«م ��ا ِم � ْ�ن َع ْب ٍد مَي ُ‬
‫َس ُّر ُه أَ ْن َي ْرج َع إِلىَ ُّ‬
‫الد ْن َيا َف ُي ْق َت َل‬ ‫الشهَا َد ِة َفإِ َّن ُه ي ُ‬
‫يد لمَِا َي َرى ِم ْن َف ْض ِل َّ‬ ‫الش ِه َ‬ ‫َو َما ِفيهَا‪ ،‬إِلاَّ َّ‬
‫َم َّر ًة أُ ْخ َرى»‪.‬‬

‫فهم راضون بما هم فيه‪:‬‬

‫‪[ :6‬ﮩ ﮪ ﮫ] [‪ ،]21 :C‬ولق�د تق�دم قوهل�م لرهب�م ملا س�أهلم هل‬
‫رضيتم فقالوا‪ :‬وما لنا ال نرىض وقد أعطيتنا ما مل تُعط أحدً ا من خلقك‪.‬‬

‫ولقد ق�ال ‪[ :c‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬


‫ﭮ ﭯ ﭰ] [‪.]30 - 27 :q‬‬

‫بال‪:‬‬
‫وأهل الجنة في هدوء ٍ‬
‫‪[ :6‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ]‬
‫[‪]5 - 4 :U‬‬

‫دوام النعيم والعافية ألهل الجنة‪:‬‬

‫دائم‪ ،‬ففي «صحيح مس�لم»(‪ )2‬من حديث أيب س�عيد‬


‫وأهل اجلنة يف صحة وعافية اً‬
‫اخلدري وأيب هريرة ‪ I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪ُ « :‬ي َنا ِدي ُم َنا ٍد‪ :‬إِ َّن َل ُك ْم أَ ْن َت ِص ُّحوا‬
‫َف�َل�اَ َت ْس� � َق ُموا أَ َب ��دًا‪َ ،‬وإِ َّن َل ُك ْم أَ ُن تحَْ َي ْوا َف�َل�اَ تمَ ُ و ُتوا أَبَدًا‪َ ،‬وإِ َّن َل ُك ْم أَ ْن َت ِش � ُّ�بوا فَلاَ َت ْه َر ُموا‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]2795‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2837‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪43‬‬
‫أَ َب � ً�دا‪َ ،‬وإِ َّن َل ُك � ْ�م أَ ْن َت ْن َع ُموا فَلاَ َت ْب َأ ُس ��وا أَ َب ��دًا»‪َ ،‬ف َذلِ َ‬
‫ك َق ْو ُل� ُه ‪[ :D‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ] [‪.]43 : C‬‬

‫ونعيم الجنة ال يزول وال يفنى وال يبيد‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﭚ ﭛ ﭜ] [‪.]8 : 8‬‬
‫َو‪[ :6‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ] [‪.]73 : E‬‬
‫َو‪ [ :6‬ﰌ ﰍ ﰎ] [‪ ]108 : K‬أي‪ :‬غري مقطوع‪.‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭝ ﭞ ﭟ] [‪.]35 : O‬‬
‫َو‪[ :6‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] [‪.]48 : S‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ] [‪.]54 : C‬‬
‫اجلن ِة إِ َّن َل ُك � ْ�م أَ ْن َت ِص ُّحوا فَلاَ َت ْس� � َق ُموا‬
‫ويف احلدي�ث أن مناد ًي�ا ين�ادي‪« :‬يَا أَه � َ�ل َّ‬
‫َدا‪َ ،‬وإِ َّن َل ُك ْم أَ ْن َت ِش � ُّ�بوا فَلاَ َت ْه َر ُموا أَب ً‬
‫َدا‪َ ،‬وإِ َّن َل ُك ْم‬ ‫أَ َب � ً�دا‪َ ،‬وإِ َّن َل ُك � ْ�م أَ ْن تحَْ َي� � ْوا فَلاَ تمَ ُ و ُتوا أَب ً‬
‫أَ ْن َت ْن َع ُموا فَلاَ َت ْب َأ ُسوا أَبَدًا»‪ .‬وكذلك ففي احلديث(‪ )1‬عن رسول اهلل ‪ُ « :0‬ي ْؤ َتى‬
‫ك ْبش أَ ْم َل َح» – زاد أبو ك ٍ‬
‫ُريب‪ :‬فيوقف بني اجلنة والنار‪ .‬واتفقا يف باقي‬ ‫ك َه ْي َئ ِة َ‬
‫ْـم ْو ِت َ‬
‫ِبال َ‬
‫َنظ ُرون‪ ،‬ويقولون‪َ :‬ن َع ْم‬ ‫ون َه َذا؟ َف َيشرئ ُبون وي ُ‬ ‫اجلنة َه ْل َت ْع ِر ُف َ‬
‫هل َّ‬ ‫احلديث‪ ،‬ف ُيقال‪ :‬يَا أَ َ‬
‫َنظ ُ‬
‫رون‬ ‫ون وي ُ‬ ‫ون َه َذا؟ َق َ‬
‫ال‪ :‬ف َيش� � َرئ ُب َ‬ ‫الن ِار!! َه ْل َتعر ُف َ‬
‫هل َّ‬ ‫ُقال‪ :‬يَا أَ َ‬
‫ال‪ :‬وي ُ‬ ‫ْـم ْو ُت‪َ .‬ق َ‬
‫َه � َ�ذا ال َ‬
‫هل َ‬
‫اجل َّن ِة ُخلو ٌد‬ ‫ال‪ :‬يَا أَ َ‬ ‫ال‪ُ :‬ث َّم ُي َق ُ‬ ‫ال‪ :‬ف ُيؤم ُر ِب ِه َف ُي ُ‬
‫ذبح‪َ .‬ق َ‬ ‫ـموت‪َ ،‬ق َ‬ ‫و َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ه َذا ال ُ‬
‫وت»‪.‬‬ ‫وت‪ ،‬ويَا أَ َهل َّ‬
‫الن ِار ُخلو ٌد َفال َم َ‬ ‫َفال َم َ‬

‫َق َال‪ُ :‬ث َّم َقر َأ َر ُس ُ‬


‫�ول اهلل ‪ [ :0‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ] [‪ ،]39 : a‬و َأ َشار ِ‬
‫بيده إِىل الدُّ نْيا‪.‬‬ ‫َ َ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4730‬ومسلم [‪.]2849‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪44‬‬

‫أما االس�تثناء الواق�ع يف قول�ه ‪ [ :c‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬


‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ] [‪ ،]108 :K‬فألهل العلم أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ -‬أن هذا االستثناء إلعالمهم بأهنم مع خلودهم فإنام هم يف مشيئته‪ ،‬كام قال‬
‫‪[ :c‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ] [‪.]86 :W‬‬
‫وكام قال ‪[ :c‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ] [‪ ،]24 : K‬فهذا دال عىل أن األمور‬
‫كلها بمشيئة اهلل‪.‬‬

‫وال موت في الجنة‪:‬‬


‫فف�ي «الصحيحين»(‪ )1‬من طري�ق نافع أن عبد اهلل قال‪ :‬إن رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫النا َر‪ُ ،‬ث َّم َي ُقو ُم ُم� � َؤ ِّذ ٌن َب ْي َنه ْ‬


‫ُم‬ ‫�ار َّ‬ ‫ُد ِخ ُل أَ ْه َل َّ‬
‫الن � ِ‬ ‫ُد ِخ � ُ�ل اهلل أَ ْه َل الجْ َ َّن ِة الجْ َ َّن ��ة‪َ ،‬وي ْ‬
‫ق�ال‪« :‬ي ْ‬
‫يما ُه َو ِفي ِه»‪.‬‬ ‫ك ٌّل َخا ِل ٌد ِف َ‬ ‫الن ِار لاَ َم ْو َت‪ُ ،‬‬
‫ول‪ :‬يَا أَ ْه َل الجْ َ َّن ِة لاَ َم ْو َت‪َ ،‬ويَا أَ ْه َل َّ‬ ‫َف َي ُق ُ‬

‫ويف رواي�ة يف «الصحيح»(‪ )2‬كذلك عن عبد اهلل بن عمر أن رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫ي َع َل‬‫ْـم ْو ِت َح َّتى جُْ‬‫الن ِار‪ِ ،‬جي َء ِبال َ‬ ‫الن ِار إِلىَ َّ‬‫ق�ال‪« :‬إِ َذا َصا َر أَ ْه � ُ�ل الجْ َ َّن ِة إِلىَ الجْ َ َّن ِة‪َ ،‬وأَ ْه ُل َّ‬
‫ُذ َب � ُ�ح‪ُ ،‬ث َّم ُي َنا ِدي ُم َن ��ا ٍد‪ :‬يَا أَ ْه َل الجْ َ َّن� � ِة لاَ َم ْو َت‪َ ،‬و َي ��ا أَ ْه َل َّ‬
‫الن ِار‬ ‫الن ��ار‪ُ ،‬ث َّم ي ْ‬
‫َب�ْي�نْ َ الجْ َ َّن� � ِة َو َّ‬
‫الن ِار ُح ْز ًنا إِلىَ ُح ْز ِنهم»‪.‬‬ ‫لاَ َم ْو َت‪َ ،‬ف َي ْزدَا ُد أَ ْه ُل الجْ َ َّن ِة َف َر ّحا إِلىَ َف َر ِح ِه ْم‪َ ،‬و َي ْزدَا ُد أَ ْه ُل َّ‬

‫تكليم اهلل ألهل الجنة‪:‬‬


‫فنعم� ٌة م�ن اهلل ‪ D‬على أه�ل اجلن�ة أن�ه يكلمه�م‪ ،‬وق�د تقدمت بذل�ك بعض‬
‫�خ ُط عل ْي ُكم ب ْ‬
‫َع � َ�د ُه أبَدًا»‪،‬‬ ‫أس � َ‬‫األحادي�ث‪ ،‬كقول�ه ‪« :n‬أَ ِح � ُّ�ل علي ُك � ْ�م ِرض َوا ِني َف�َل�اَ ْ‬
‫يس بي َن ُه وبَي َن ُه‬‫ام ٍة َل َ‬
‫رب ُه يَو َم ال ِق َي َ‬ ‫أح ٍد إِ اًّل َس� � ُي ُ‬
‫كلم ُه ُّ‬ ‫«ما ِمن ُكم ِم ْن َ‬
‫وكقوله ‪َ :0‬‬
‫ُت مُ َ‬
‫رجان»‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6544‬ومسلم [‪.]2850‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2548‬ومسلم [‪.]2850‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪45‬‬

‫ولقد قال ‪ c‬يف شأن أقوام من أهل النار‪[ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬


‫ﯴﯵﯶ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ] [‪،]77:4‬‬
‫َّ‬
‫فدل هذا باملفهوم عىل أن أهل اجلنة يكلمهم اهلل ‪ .D‬وكذا فإنه سبحانه ينظر إليهم‪.‬‬

‫ورهبم يف اجلنة يحُ ييهم واملالئكة تحُ ِّييهم‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ] [‪.]44 : 2‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ] [‪.]58 : 8‬‬
‫وق�ال ‪[ :n‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ] [‪.]24 –23 : O‬‬

‫ولق�د ذكر اهلل ‪ E‬أهل اجلنة‪ ،‬وش�ي ًئا مما أعده هل�م يف جنات النعيم‪ ،‬ثم قال‬
‫‪[ :n‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ] [‪.]61 – 60 : A‬‬
‫َو‪[ :6‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ] [‪.]20 : Q‬‬
‫وأفض�ل م�ا يرون�ه ويتل�ذذون برؤيته على اإلطالق رؤي�ة وجه رهب�م ذي اجلالل‬
‫واإلك�رام‪ ،‬أخرج مس�لم(‪ )1‬من حديث صهيب ‪ I‬عن النب�ي ‪ 0‬قال‪« :‬إِ َذا‬
‫ون‪:‬‬ ‫ُون َش ��ي ًئا أَ ِزيد ُ‬
‫ُك ْم؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫ول اهلل ‪ُ :F‬ت ِريد َ‬ ‫ال‪َ :‬ي ُق ُ‬ ‫َخ � َ�ل أَ ْه ُل الجْ َ َّن ��ة الجْ َ َّن َة َق َ‬
‫دَ‬
‫اب‪،‬‬‫�ف الحْ ِ َج َ‬‫ال‪َ :‬ف َي ْك ِش � ُ‬ ‫وه َن ��ا‪ ،‬أَلمَْ ُت ْد ِخ ْل َنا الجْ َ َّن� � َة‪َ ،‬و ُت َن ِّج َنا ِم َن َّ‬
‫النار؟ َق َ‬ ‫�ض ُو ُج َ‬ ‫أَلمَْ ُت َب ِّي � ْ‬
‫الن َظر إِلىَ َربِّهم ‪ .»D‬ثم تلا هذه اآلية‪[ :‬ﭒ‬ ‫َف َم ��ا أُ ْع ُط ��وا َش� � ْي ًئا أَ َح َّب إِ َل ْي ِه ْم ِم � َ�ن َّ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ] [‪.]26 : I‬‬
‫ومن األدلة على رؤية املؤمنني ربهم يوم القيامة ولقائهم به‪:‬‬
‫قوله ‪[ :c‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ] [‪.]23 - 22 : O‬‬
‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]181‬وقد انتقد هذا احلديث عىل اإلمام مس�لم‪ ،‬انتق�ده الدارقطني يف كتابه‬
‫«التتبع»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪46‬‬
‫قال عد ٌد من أهل العلم‪ :‬تنظر إىل رهبا‪.‬‬
‫ومن األدلة ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫قول�ه ‪[ :c‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ] [‪ ،]26 : I‬وقول�ه ‪[ :c‬ﰝ ﰞ ﰟ‬
‫ﰠ ﰡ ﰢ] [‪.]35 :a‬‬
‫وقد جاء يف تفسري الزيادة أهنا النظر إىل وجه اهلل ‪ ،F‬وقد تقدم قري ًبا‪.‬‬
‫وقوله ‪« :0‬إِ َّن ُك ْم َس رَت ْو َن َر َّب ُك ْم ِع َيا ًنا»‪.‬‬
‫وذلك كام ورد يف احلديث الذي أخرجه البخاري ومس�لم(‪ )1‬يف «صحيحيهام» من‬
‫�ي ‪َ ،0‬فنَ َظ َر إِلىَ ا ْل َق َم ِر َل ْي َل ًة –‬ ‫ِ‬
‫حدي�ث جري�ر بن عبد اهلل ‪ I‬قال‪ُ :‬كنَّا عنْدَ النَّبِ ِّ‬
‫ون فيِ ُر ْؤيَت ِه‪،‬‬ ‫ام َ‬ ‫ك َما َت َر ْو َن َه َذا ا ْل َق َم َر‪ ،‬لاَ ُت َض ُّ‬ ‫َي ْعنِي‪ :‬ا ْل َبدْ َر – َف َق َال‪« :‬إِ َّن ُك ْم َس�ََت�رَ ْو َن َر ّب ُك ْم َ‬
‫وبهَا َفاف َع ُلوا»‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫س َو َق ْب َل ُغ ُر ِ‬ ‫اس� � َت َط ْع ُت ْم أَ ْن لاَ ُت ْغ َل ُبوا َع َلى َصلاَ ٍة َق ْب َل ُط ُلوع َّ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫َفإِ ِن ْ‬
‫ِ‬
‫َق َر َأ‪[ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ] [‪.]39 : a‬‬
‫ومن األدلة ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫قول�ه ‪ c‬يف ش�أن الكف�ار‪[ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ] [‪،]15 : e‬‬
‫فاملفهوم املخالف أن أهل اإليامن ليسوا عن رهبم بمحجوبني‪.‬‬

‫ومن أفضل ما ُيعطاه املؤمنون يف اجلنة أن اهلل حيل عليهم رضوانه فال يسخط عليهم‬
‫بعده أبدً ا‪:‬‬
‫فف�ي «الصحيحين» (‪)2‬من حديث أيب س�عيد اخل�دري‪ :‬أن النبي ‪ 0‬قال‪:‬‬
‫بي ْي َك َر َّب َنا َو َسْ��ع َدي َ‬
‫ْك‪.‬‬ ‫أل ْه � ِ�ل الجْ َ َّن ِة‪ :‬يَا أَ ْه َل الجْ َ َّن ِة! َف َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪َ :‬ل َّ‬ ‫«إِ َّن اهلل ‪َ F‬ي ُق � ُ‬
‫�ول ِ‬
‫ون‪َ :‬و َما َل َنا ال َن ْر َضى‪َ ،‬و َق ْد أَ ْع َط ْي َت َنا َما لمَْ ُت ْع ِط أَ َحدًا ِم ْن‬
‫ول‪َ :‬ه ْل َر ِضي ُت ْم؟ َف َي ُقو ُل َ‬
‫َف َي ُق ُ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]554‬ومسلم [‪.]633‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6549‬ومسلم [‪.]2829‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪47‬‬
‫ول‪ :‬أَ َنا أُ ْع ِطي ُك ْم أَ ْف َض َل ِم ْن ِذ َل َك َقا ُلوا‪ :‬يَا َر ِّب!! َوأَ ُّي َش ْي ٍء أَ ْف َض ُل ِم ْن َذ ِل َك؟‬
‫َخ ْل ِق َك‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪ :‬أُ ِح ُّل َع َل ْي ُك ْم ِر ْض َوا ِني فَلاَ أَ ْس َخ ُط َع َل ْي ُك ْم ب ْ‬
‫َع َد ُه أَبَدًا»‪.‬‬ ‫َف َي ُق ُ‬

‫اً‬
‫دخول اجلنة بعد نبيهم ‪:0‬‬ ‫وأمة حممد ‪ 0‬أول األمم‬
‫فف�ي «صحي�ح مس�لم» (‪)1‬م�ن حدي�ث أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬قال رس�ول اهلل‬
‫اب ِم ْن‬‫ام ِة‪ ،‬بيد كل أمة أوت ��وا ا ْل ِك َت َ‬ ‫�اب ُقون َي� � ْو َم ا ْل ِق َي َ‬
‫الس � ِ‬
‫ون َّ‬ ‫«ن � ُ�ن آْال ِخ ُر َ‬ ‫‪ :0‬حَْ‬
‫اخ َت َل ُفوا ِفي� � ِه‪َ ،‬ف َغدًا ِل ْل َي ُه ��و ِد َوب ْ‬
‫َع َد َغ ٍد‬ ‫َق ْب ِل َن ��ا‪َ ،‬وأُو ِتي َن ��ا ِم � ْ�ن ب ْ‬
‫َع ِد ِه � ْ�م‪َ ،‬فه َ‬
‫َذا ا ْل َي ْو ُم َّال � ِ�ذي ْ‬
‫لن َصا َرى»‪.‬‬
‫ِل َّ‬

‫وم�ن ه�ذه األمة س�بعون أل ًف�ا‪ ،‬ويف الروايات س�بعامئة أل�ف يدخل�ون اجلنة بغري‬
‫حساب‪:‬‬

‫وانظ ��ر إىل صفته ��م يف أثن ��اء الدخول‪ :‬ففي «الصحيحني» من حديث س�هل بن‬
‫ون أَ ْل ًفا – أَ ْو َس� � ْب ُع‬ ‫س�عد ‪ I‬ع�ن النبي ‪ 0‬ق�ال‪َ « :‬ل َي ْد ُخ َل َّن ِم ْن أُ َّمت َس� � ْب ُع َ‬
‫يِ‬
‫ُم َع َلى ُص ��و َر ِة ا ْل َق َم ِر َل ْي َل َة‬ ‫وهه ْ‬ ‫َد ُخ � َ�ل ِ‬
‫آخ ُر ُه ْم‪ُ ،‬و ُج ُ‬ ‫ل ْم َح َّتى ي ْ‬ ‫�ف – لاَ ي ْ‬
‫َد ُخ � ُ�ل أَ َّو هُ ُ‬ ‫ِما َئ� � ِة أَ ْل � ٍ‬
‫بعضا»(‪.)3‬‬ ‫بعضهُم ً‬ ‫«آخ ُذ ُ‬ ‫(‪)2‬‬
‫ا ْل َب ْد ِر» ‪ .‬ويف رواية‪ِ :‬‬
‫ونبينا حممد ‪ 0‬أول من تُفتح له اجلنة‪:‬‬
‫واجلنة ال تُفتح أبواهبا ألحد قبل هذا النبي الكريم ‪.0‬‬
‫أخ�رج مس�لم يف(‪« )4‬صحيح�ه» م�ن حديث أنس ب�ن مالك قال‪ :‬قال رس�ول اهلل‬
‫ال ِاز ُن‪َ :‬م ْن أَ ْن َت؟ َف َأ ُ‬
‫قول‪:‬‬ ‫ام ِة‪َ ،‬ف َأ ْس َت ْف ِت ُح َف َي ُق ُ‬
‫ول خْ َ‬ ‫َاب الجْ َ َّن ِة َي ْو َم ا ْل ِق َي َ‬
‫‪« :0‬آ ِتي ب َ‬
‫ول‪ :‬ب َك أُ ِم ْر ُت ال أَ ْف َت ُح أِ َ‬
‫ل َح ٍد َق ْب َل َك»‪.‬‬ ‫م َّمدٌ‪َ .‬ف َي ُق ُ ِ‬
‫حُ َ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]855‬واللفظ له‪ ،‬وأصله عند البخاري [‪.]3486‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3247‬ومسلم [‪.]219‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]197‬‬ ‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6554‬ومسلم [‪.]219‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪48‬‬
‫َ‬
‫اجل َّن ِة»‪.‬‬ ‫ََ َ ُ َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ويف «صحيح مسلم» أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬أنا أ َّول ش ِف ٍ‬
‫يع فيِ‬
‫أما عن أهل اجلنة فأهلها أهل اإلسالم‪:‬‬
‫أه�ل اإليمان‪ ،‬أه�ل التوحي�د‪ ،‬فاجلن�ة ال يدخله�ا إال نفس مس�لمة كام ق�ال النبي‬
‫فس ُمسلم ٌة»(‪.)2‬‬ ‫َد ُخ ُل َّ‬
‫اجلن َة إال َن ٌ‬ ‫‪ ،0‬فقد أمر اً‬
‫بالل أن ُينادي يف الناس‪« :‬ال ي ْ‬

‫ولقد قال أهل اجلنة ألهل النار ملا سألوهم‪[ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬


‫ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ] [‪.]50 : C‬‬

‫َو‪[ :6‬ﭺ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬


‫ﮈ ﮉ] [‪.]72 : 8‬‬

‫إن أهل الجنة هم المتقون(‪:)3‬‬


‫وصفه�م اهلل بقول�ه‪[ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ] [‪.]134 :4‬‬

‫أال فليصبر الفقراء‪:‬‬


‫فف�ي «الصحي�ح»(‪ )4‬م�ن حديث عم�ران بن حصين عن النب�ي ‪ 0‬قال‪:‬‬
‫ك َث َر أَ ْه ِلهَا‬
‫ْت أَ ْ‬
‫الن ِار َفرأَي ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َُْ‬ ‫َّ َ ُ لجْ َ َّ َ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫«اطل ْع ��ت فيِ ا ن ِة ف َرأيْت أكث� � َر أ ْه ِلهَا الفق َرا َء‪َ ،‬واطل ْعت فيِ‬
‫الن َسا َء»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫َد ُخ ُل ا ْل ُف ّق� � َرا ُء الجْ َ َّن َة َق ْب � َ�ل أَْ‬
‫ال ْغ ِن َيا ِء‬ ‫ويف احلدي�ث ع�ن رس�ول اهلل ‪« :0‬ي ْ‬
‫س ِما َئ ِة َعام»(‪.)5‬‬ ‫خِ َ‬
‫ب ْم ِ‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]196‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6606‬ومسلم [‪ ،]111‬ويف بعض الروايات «إال املؤمنون»‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3241‬ومسلم [‪.]2738‬‬ ‫(‪ )3‬الذين اتقوا الرشك باهلل‪.‬‬
‫(‪ )5‬إسناده صحيح‪ :‬رواه الرتمذي (‪.)2354 ،2353‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪49‬‬
‫كبريا فيام بينهم‪ ،‬ويتفاوت�ون يف الدرجات تفاوتًا‬ ‫اً‬
‫تفاضل ً‬ ‫إن أه�ل اجلن�ة يتفاضلون‬
‫أعظم بكثري من ذلك التفاوت يف درجات الدنيا‪.‬‬

‫‪[ :6‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ]‬


‫[‪]21 : W‬؛ َو‪[ :6‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ] [‪،]163 : 4‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ] [‪.]4 : E‬‬
‫وأهل اجلنة يف اجلملة ينقسمون إىل قسمني‪ :‬السابقني املقربني‪ ،‬وأصحاب اليمني‪.‬‬
‫ولقد ُذكر هذان القسامن يف عدة سور من كتاب اهلل ‪ ،D‬فقد قال ‪[ :c‬ﮥ‬
‫ﯔﯕ‬ ‫ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ] [‪.]11 – 7 : m‬‬

‫ويف آخر الس�ورة قال ‪[ :c‬ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ‬


‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ] [‪.]94 – 88 :m‬‬

‫أما عن أول زمر ٍة تدخل اجلنة فال اختالف بينهم وال تباغض‪:‬‬
‫ففي «الصحيحني»(‪ )1‬من حديث أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫�ون ِفيهَا‪،‬‬ ‫«أَ َّو ُل ُز ْم� � َر ٍة َتل � ُ�ج الجْ َ َّن� � َة ُصو َر ُت ُه � ْ�م َع َلى ُص ��و َر ِة ا ْل َق َم � ِ�ر َل ْي َل َة ا ْل َب � ْ�د ِر‪ ،‬لاَ َي ْب ُص ُق � َ‬
‫ام ُر ُه� � ُم أَْ‬
‫ال ُل َّو ُة‪،‬‬ ‫مِ‬ ‫�ب َوا ْل ِف َّض� � ُة‪َ ،‬و جَ َ‬ ‫الذ َه � ُ‬‫�ون‪ ،‬آ ِن َي ُت ُه � ْ�م ِفي َه ��ا َّ‬‫�ون‪َ ،‬ولاَ َي َت َغ َّو ُط � َ‬
‫ي َت ِخط � َ‬ ‫َولاَ مَْ‬
‫الل ْح ِم‬ ‫ان ُي� � َرى ُم ُّخ ُس ��و ِق ِهما ِم � ْ�ن َو َرا ِء َّ‬ ‫�ك‪َ ،‬و ِل� � ُك ِّل َو ِ‬
‫اح � ٍ�د ِم ْن ُه � ْ�م َز ْو َج َت ِ‬ ‫ْـم ْس � ُ‬
‫�ح ُه ُم ال ِ‬ ‫َو َر ْش � ُ‬
‫ون اهلل ُب ْك َر ًة‬ ‫ُس � ِّ�ب ُح َ‬
‫اح ٌد ي َ‬‫ُم َق ْل ٌب َو ِ‬ ‫�ض‪ُ ،‬ق ُلو ُبه ْ‬ ‫اغ � َ‬‫ُم‪َ ،‬ولاَ َت َب ُ‬ ‫اخ ِتلاَ َف َب ْي َنه ْ‬ ‫ِم � َ�ن الحْ ُ ْس � ِ�ن‪ ،‬لاَ ْ‬
‫َو َع ِش ًّيا»‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3245‬ومسلم [‪.]2834‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪50‬‬
‫والغل منزوع من صدورهم‪:‬‬
‫‪[ :6‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ] [‪.]47 : S‬‬

‫ذراعا‪:‬‬
‫وطوهلم عند دخول اجلنة ستون ً‬
‫ففي «الصحيحني» من حديث أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫ال‪ :‬ا ْذ َه ْب َف َس � ِّ�ل ْم‬‫اعا‪َ ،‬ف َل ًما َخ َل َق ُه َق َ‬ ‫«‪َ ...‬خ َل َق اهلل ‪ D‬آ َد َم َع َلى ُصو َر ِت ِه ُطو ُل ُه ِس � ُّ�ت َ‬
‫ون ذ َر ً‬
‫يي ُبو َن َك‪َ ،‬فإِ َّنهَا تحَ ِ َّي ُت َك‬ ‫وس‪َ ،‬ف ْ‬
‫اس َت ِم ْع َما جُ ِ‬ ‫ْـملاَ ِئ َكة ُج ُل ٌ‬ ‫َع َلى أُو َل ِئ َك َّ‬
‫الن َفر َو ُه ْم َن َف ٌر ِم َن ال َ‬
‫ح ُة اهلل‪،‬‬ ‫الس�َل�اَ ُم َع َل ْي ُك ْم‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َّ :‬‬
‫الس�َل�اَ م َع َل ْي َك َو َر مْ َ‬ ‫�ال‪َ :‬ف َذ َه َب َف َقال َّ‬ ‫تك َق � َ‬ ‫َوتحَ ِ َّي� � ُة ُذ ِّر ِي َ‬
‫ون‬ ‫ال‪َ :‬ف ُك ُّل َم ْن ي ْ‬
‫َد ُخ � ُ�ل الجْ َ َّن َة َع َلى ُصو َر ِة آدم‪َ ،‬و ُطو ُل ُه ِس � ُّ�ت َ‬ ‫�ال‪َ :‬ف� � َزادُو ُه َو َر مْ َ‬
‫ح� � ُة اهلل‪َ ،‬ق َ‬ ‫َق � َ‬
‫َع َد ُه َح َّتى آْال َن»(‪.)1‬‬ ‫اعا‪َ ،‬ف َل ْم َي َز ِل خْ َ‬
‫ال ْل ُق َي ْن ُق ُ‬
‫ص بْ‬ ‫ِذ َر ً‬

‫ووجوه أهل اجلنة ناضرة بيضاء‪:‬‬


‫‪[ :6‬ﭙﭚﭛ] [‪َ ،]22:O‬و‪[ :6‬ﯗﯘﯙ] [‪،]106:4‬‬
‫وكام هو معلوم فإهنا قلوب أهل اإليامن‪ .‬وجوههم مسفرة ضاحكة مستبرشة‪.‬‬

‫وفي الجنة سادة وسيدات‪:‬‬


‫فسيد الشهداء محزة بن عبد املطلب ‪.)2(I‬‬
‫وسيدا شباهبا احلسن واحلسني ‪. )3(L‬‬
‫وسيدة نسائها فاطمة بنت رسول اهلل ‪. )4(0‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3336‬ومسلم [‪.]2841‬‬


‫(‪ )2‬حس�ن بمجموع طرقه‪ :‬رواه احلاكم يف «املس�تدرك» (‪ ،)195/3‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح‬
‫اجلامع» برقم [‪.]1234‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)3/3‬والرتمذي [‪.]3768‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3623‬ومسلم [‪ ،]2450‬واحلاكم يف «املستدرك» (‪.)151/3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪51‬‬

‫عتقاء اهلل‪:‬‬
‫يف «الصحيحني» من حديث أيب س�عيد اخلدري ‪ I‬أن النبي ‪ 0‬قال‪:‬‬
‫اً‬
‫طويل‪ ،‬وفيه‪« :‬فيقول اهلل ‪ :D‬شفعت املالئكة وشفع النبيون وشفع‬ ‫‪...‬فذكر حدي ًثا‬
‫قوما‬
‫املؤمن ��ون‪ ،‬ومل يب ��ق إِال أرح ��م الرامحني‪ ،‬فيقبض قبضة من الن ��ار فيخرج منها ً‬
‫محم ��ا‪ ،‬فيلقيهم يف نهر يف أفواه اجلن ��ة يقال له نهر‬
‫�را ق ��ط قد عادوا ً‬
‫مل يعمل ��وا خ�ي ً‬
‫يل الس ��يل‪ ،‬أال ترونها تكون إىل احلجر‬
‫ح ِ‬ ‫احلي ��اة‪ ،‬فيخرج ��ون كما خترج احلبة يف مَ ِ‬
‫أو إىل الشجر ما يكون إىل الشمس أُ َص ْي ِف ُر َوأُ َخ ْي ِض ُر‪ ،‬وما يكون منها إىل الظل يكون‬
‫أبيض»‪.‬‬
‫فقال�وا‪ :‬يا رس�ول اهلل كأنك كنت ترع�ي بالبادية‪ .‬قال‪« :‬فيخرج ��ون كاللؤلؤ يف‬
‫رقابه ��م اخل ��وامت‪ ،‬يعرفه ��م أهل اجلنة ه ��ؤالء عتق ��اء اهلل الذين أدخله ��م اهلل اجلنة‬
‫بغ�ي�ر عم ��ل عمل ��وه وال خ�ي�ر قدموه‪ ،‬ثم يق ��ول ادخلوا اجلن ��ة فما رأيتم ��وه فهو لكم‪.‬‬
‫فيقول ��ون‪ :‬ربنا أعطيتنا ما مل تعط أح � ً�دا من العاملني فيقول‪ :‬لكم عندي أفضل من‬
‫ه ��ذا فيقول ��ون‪ :‬يا ربنا‪ ،‬أي ش ��ي ٍء أفضل من هذا؟ فيقول‪ :‬رضاي فال أس ��خط عليكم‬
‫أبدا»(‪.)1‬‬
‫بعده ً‬
‫وهناك خلق ُينشئهم اهلل ‪ D‬للجنة‪ ،‬فيدخلهم إياها‪:‬‬
‫لا َخ ْل ًقا»(‪.)2‬‬ ‫ففي احلديث‪« :‬وأَ َّما َّ‬
‫اجلن ُة َفإِ َّن اهلل ي ُ‬
‫ُنشئ هَ َ‬
‫ويف اجلنة سادة وشيوخ‪ ،‬بعد األنبياء واملرسلني‪:‬‬
‫شيوخ كأيب بكر وعمر ‪ ،L‬سيدا شيوخ أهل اجلنة ما خال األنبياء واملرسلني‪،‬‬
‫وحسين ‪ ، L‬وسيد الش�هداء محزة ‪ ،I‬وسيدة النساء‬
‫ٌ‬ ‫وس�يدا الش�باب حس ٌن‬
‫فاطمة ‪.J‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]7439‬ومسلم [‪ ،]183‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4850‬ومسلم [‪.]2847‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪52‬‬
‫وأهل اجلنة يف اجلمل ِة قسمان‪:‬‬
‫[ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ] [‪.]11 – 10 :m‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬أصحاب اليمني‪ ،‬وكل قسم ينقسم إىل أقسام عديدة‪.‬‬
‫وأهنارا‬ ‫إذا دخلوها وجدوا فيها أهنارا كثرية‪ ،‬وجدوا فيها أهنارا من ٍ‬
‫ماء غري آس�ن‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وأهنارا من عسل مصفى!!‪.‬‬
‫ً‬ ‫وأهنارا من مخر لذة للشاربني‪،‬‬
‫ً‬ ‫من لبن مل يتغري طعمه‪،‬‬
‫وجدوا فيها كذلك النيل والفرات وسيحان وجيحان!!‪.‬‬
‫وج�دوا كذل�ك فيها هنر احلي�اة‪ ،‬الذي يلقى فيه م�ن خرج من النار مس�و ًدا حمرت ًقا‬
‫ف ُيلقى يف النهر فريجع أمجل ما كان وأحسن ما كان‪.‬‬

‫وج�دوا كذلك احل�وض والكوثر‪ ،‬وج�دوا حوض النبي حمم�د ‪ ،0‬ماؤه‬


‫أبيض من اللبن وأحىل من العسل‪ ،‬وعدد آنيته أكثر من عدد نجوم السامء‪ ،‬من رشب منه‬
‫رشب ًة مل يظمأ بعدها أبدً ا‪.‬‬
‫وجدوا الرتع والعيون اجلارية‪ ،‬والعيون الفوارة‪.‬‬
‫روحا ورحيانًا وجنة نعيم‪.‬‬
‫وجدوا روضات اجلنات‪ ،‬وجدوا احلدائق‪ ،‬وجدوا ً‬
‫وج�دوا القصور التي ال يعلم حس�نها ومجاهلا إال اهلل‪ ،‬فقد بنيت بالذهب والفضة‪،‬‬
‫آنيتها وصحافها وقدورها وقواريرها وما فيها من ذهب وفضة‪.‬‬

‫وكذل�ك فهنالك املس�اكن والبي�وت والغرف واخليام‪ ،‬اخليم�ة درة جموفة طوهلا يف‬
‫السامء ستون اً‬
‫ميل‪ ،‬للمؤمن فيها أهلون ال يراهم اآلخرون‪.‬‬

‫ثم هم عىل تفاوت يف الدرجات‪ :‬فأقوام يف أعىل عليني‪ ،‬وأقوام دون ذلك يف الفضل‬
‫والنعيم‪[ :6 ،‬ﮆﮇ ﮈﮉ ﮊ] [‪.]21 : W‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪53‬‬

‫أدنى أهل الجنة منزلة‪:‬‬

‫عن املغرية بن ش�عبة ‪ I‬عن النبي ‪« :0‬إن موس ��ى ‪ S‬سأل ربه‪:‬‬
‫م ��ا أدن ��ى أهل اجلنة منزلة؟ فقال‪ :‬رجل جييء بعد ما دخل أهل اجلنة اجلنة فيقال‪:‬‬
‫ل ��ه ادخل اجلنة فيقول‪ :‬رب كيف وقد نزل الناس منازهلم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال‬
‫ل ��ه‪ :‬أترض ��ى أن يكون لك مثل ملك من مل ��وك الدنيا؟ فيقول‪ :‬رضيت رب‪ ،‬فيقول له‪:‬‬
‫لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال يف اخلامس ��ة‪ :‬رضيت رب‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا لك وعش ��رة‬
‫أمثاله‪ ،‬ولك ما اش ��تهت نفس ��ك ول ��ذت عينك‪ ،‬فيقول‪ :‬رضيت رب‪ ،‬ق ��ال‪ :‬رب فأعالهم‬
‫منزل ��ة‪ .‬ق ��ال‪ :‬أولئك الذي ��ن أردت غرس كرامتهم بيدي‪ ،‬وختم ��ت عليها فلم تر عني‬
‫ومل تسمع أذن ومل خيطر على قلب بشر»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري (‪ ،)419/11‬ومسلم (‪.)45/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪54‬‬

‫قراءة القرآن‬
‫ع�ن عب�د اهلل بن عمرو ع�ن النبي ‪ 0‬ق�ال‪« :‬يقال لصاحب الق ��رآن‪ :‬اقرأ‬
‫وارتق ورتل كما كنت ُترتل يف الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫والق ��رآن الكري ��م‪ :‬أكرم اهلل به هذه األمة‪ ،‬ففيه نبأ ما قبلها‪ ،‬وخرب ما بعدها‪ ،‬وحكم‬
‫م�ا بينه�ا‪ ،‬وهو الفصل لي�س باهلزل‪ ،‬من تركه من جبار قصم�ه اهلل‪ ،‬ومن ابتغى اهلدى يف‬
‫غيره أضل�ه اهلل‪ ،‬وه�و حبل اهلل املتين‪ ،‬والذكر احلكي�م والرصاط املس�تقيم‪ ،‬وهو الذي‬
‫ال تزيغ به األهواء‪ ،‬وال تلتبس به ألسنة الضعفاء‪ ،‬وال يشبع منه العلامء‪ ،‬ال يخَ ْ َل ُق عن كثرة‬
‫الرد‪ ،‬وال تنتهي عجائبه‪ ،‬من قال به صدق‪ ،‬ومن َع ِمل به ُأ ِجر‪ ،‬ومن حكم به عَدَ ل‪ ،‬ومن‬
‫دعا إليه ُه ِد َي إىل رصاط مستقيم‪ .‬ألفاظه إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة‪ ،‬وإذا النت‬
‫ٍ‬
‫ومعان هي عذوب ٌة ترويك من ماء البيان‪ ،‬ور َّق ٌة تسرتوح منها نسيم‬ ‫فأنفاس احلياة اآلخرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫اجلنان‪ ،‬ونور تبرص به يف مرآة اإليامن وجه الزمان‪ ،‬وهو نور اهلل يف أفق الدنيا حتى تزول‪،‬‬
‫ومعن�ى اخللود يف دول�ة األرض إىل أن تزول‪ ،‬حتدَّ ى اهلل ‪ c‬ب�ه اإلنس واجلن‪ ،‬ثم قرن‬
‫التحدي بالتأنيب والتقريع‪ ،‬ثم اس�تفزهم بعد ذلك مجلة واحدة‪ ،‬فقال‪[ :‬ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬

‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ]‬
‫[‪]24 - 23 :2‬‬

‫فقط�ع هل�م أهنم ل�ن يفعلوا‪ ،‬وهي كلمة يس�تحيل أن تكون إال م�ن اهلل‪ ،‬وال يقوهلا‬
‫عريب يف العرب أبدً ا‪ ،‬وقد س�معوها واس�تقرت فيهم ودارت عىل األلس�نة‪ ،‬وعرفوا أهنا‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]1464‬والرتمذي [‪ ،]2914‬وصححه الش�يخ األلباين يف «املش�كاة» برقم‬
‫[‪.]2134‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪55‬‬
‫تنف�ي عنه�م الدهر نف ًيا‪ ،‬وتعجزهم إىل آخر األبد‪ ،‬فام فعلوا وال طمعوا قط أن يفعلوا(‪.)1‬‬
‫وط�ارت اآلي�ة بعجزهم‪ ،‬وس�جلته عليه�م‪ ،‬ورس�مته عىل ألس�نتهم‪ ،‬فلما رأوا مهمهم‬
‫ال تسمو إىل ذلك‪ ،‬وال تقارب املطمعة فيه‪ ،‬وقد انقطع هبم كل سبيل إىل املعارضة‪ ،‬بذلوا‬
‫حجته‪ ،‬هتوينًا عىل أنفسهم‬
‫توهن ّ‬
‫له السيف وعارضوه بأنفسهم وأمواهلم‪ ،‬وانرصفوا عن ُّ‬
‫بكالم من الكالم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ساحر‪ ،‬وشاعر‪ ،‬وجمنون‪ ،‬ورجل يكتب أساطري األولني‪ ،‬وإنام‬
‫إقرارا منهم بالعجز(‪.)2‬‬
‫يعلمه برش‪ ،‬وأمثال ذلك مما أخذت به احلجة عليهم‪ ،‬وكان ً‬
‫والقرآن الكريم هو صوت احلق الذي قامت به الس�موات واألرض‪ ،‬ومعانيه هي‬
‫األش�عة التي تأل�ف فيها الوحي األعىل‪ ،‬وتع�رض هلا األولون واآلخرون‪ ،‬واس�تطاعوا‬
‫هبا ‪ -‬إن شاءوا ‪ -‬أن يعرفوا‪ :‬من أين جاءوا ؟ وكيف حييون؟ وإىل أين يصريون؟‬

‫صحي�ح أن الق�رآن مل ينزل إال منذ أربعة عرش قرنًا من الزمان‪ ،‬بيد أن معانيه قديمة‬
‫جديدة‪ .‬ففيها خالصة كاملة للرساالت األوىل‪ ،‬وللنصائح التي بذلت لإلنسانية من فجر‬
‫وجوده�ا‪ .‬فالقرآن ملتقى رائع للحكم البالغة التي قرعت آذان األمم يف ش�تى العصور‪،‬‬
‫واستعراض دقيق لألشفية الساموية التي احتاجت إليها األرض اً‬
‫جيل بعد جيل‪.!! ..‬‬

‫إن�ه لذلك جممع احلقائق الثابتة‪ ،‬وجملي عناية اهلل بعباده مذ خلقوا‪ ،‬وإىل اليوم‪ ،‬وإىل‬
‫أن تن َف َّض هذه الدنيا(‪.)3‬‬

‫(‪« )1‬تأم�ل نظ�م اآلية جتد عج ًبا‪ ،‬فقد بالغ يف تقريعهم واس�تفزازهم ليثبت أن الق�درة فيهم عىل املعارضة‬
‫كق�درة املي�ت عىل أعمال احلياة‪ ،‬لن تكون ولن تق�ع ! فقال هل�م‪[ :‬ﯺ ﯻ]‪ ،‬أي‪ :‬هذا منكم فوق‬
‫القوة وفوق االستعانة وفوق الزمن‪ ،‬ثم جعلهم وقو ًدا‪ ،‬ثم قرهنم إىل احلجارة‪ ،‬ثم سماَّ هم كافرين‪ ،‬فلو‬
‫أن هل�م ق�وة بعد ذلك النفجرت‪ ،‬ولكن الرماد غري النار» من تعليق األس�تاذ‪/‬عبد اهلل املنش�اوي عىل‬
‫«إعجاز القرآن» للرافعي‪ ،‬ص‪. ]147[ :‬‬
‫(‪« )2‬إعجاز القرآن»‪ ،‬ص‪ )147-146( :‬للرافعي‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن حزم ‪.‬‬
‫(‪« )3‬نظرات يف القرآن»‪ ،‬ص‪ ]10[ :‬للشيخ الغزايل‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪56‬‬

‫فضل القرآن وتالو ته‪:‬‬

‫فق�د وص�ف اهلل الق�رآن بأوص�اف عظيم�ة وجليل�ة منه�ا‪ :‬أن�ه ه�دى للمتقين‪،‬‬
‫‪[ :4‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ] [‪ ،]2 - 1 :2‬وه�و ه�دى‬
‫للناس‪ ،‬قال اهلل ‪[ :D‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ] [‪.]185 :2‬‬

‫ووصف�ه اهلل ‪ D‬بأنه روح حتيا به القل�وب‪[ :6 ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬


‫ﭖ] [‪.]52 :K‬‬

‫وه�و ال�ذي هيدي للطريق املس�تقيم‪ ،‬وحيمل البش�ارات العظيم�ة‪ ،‬قال اهلل ‪:D‬‬
‫[ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ] [‪.]10 - 9 :W‬‬

‫َو‪[ :6‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ] [‪.]27 :Y‬‬

‫َو‪[ :6‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ] [‪.]29 :6‬‬

‫َو‪[ :6‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ‬


‫ﮁ ﮂﮃ] [‪.]121 :2‬‬
‫وعن أيب ُأمامة الباهيل ‪ I‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ 0‬يقول‪« :‬اقرأُوا‬
‫القرآن ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفي ًعا ألصحابه‪ .‬اقرأوا الزهراوين(‪ :)1‬البقرة‪ ،‬وسورة‬

‫(‪ )1‬الزهراوين‪ :‬سميتا بذلك لنورمها وهدايتهام‪ ،‬وعظم أجرمها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪57‬‬
‫آل عمران‪ ،‬فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان(‪ )1‬أو غيايتان‪ ،‬أو كأنهما‬
‫اجان عن أصحابهما‪ ،‬اقرأُوا سورة البقرة‪ ،‬فإن أخذها‬
‫صواف تحُ َّ‬
‫ٍّ‬ ‫فرقان(‪ )2‬من طري‬
‫بركة وتركها حسرة‪ ،‬وال يستطيعها البطلة(‪.)4(»)3‬‬

‫وقال ‪« :0‬خريكم من تعلم القرآن وعلمه»(‪.)5‬‬


‫وقال ‪« :O‬من قرأ حر ًفا من كتاب اهلل فله حسنة‪ ،‬واحلسنة بعشر‬
‫أمثاهلا‪ ،‬ال أقول‪ :‬أمل حرف‪ ،‬ولكن‪ :‬ألف حرف‪ ،‬والم حرف‪ ،‬وميم حرف»(‪.)6‬‬

‫وق�ال ‪« :0‬يق ��ال لصاح ��ب القرآن‪ :‬اق ��رأ وارتق ورتل كم ��ا كنت ترتل‬
‫يف الدني ��ا‪ ،‬ف ��إن منزلتك عند آخ ��ر آية تقرؤها»(‪ ،)7‬ويف هذا الش�هر الكريم‪ ،‬الذي نزل‬
‫في�ه ال�روح األمين‪ ،‬بالق�رآن الكريم‪ ،‬على قلب س�يد املرس�لني‪ ،‬فاس�تقبلته أذن اخلري‪،‬‬
‫بألطف إش�ارة‪ ،‬وب َّلغه لس�ان الص�دق بأمجل عب�ارة‪ .‬كان ‪ O‬يتدارس القرآن‬
‫م�ع جربيل ‪ ،S‬يس�معه ويتدب�ره ويتل�وه‪ ،‬ويتأمل عربه‪ .‬قال اب�ن عباس ‪:L‬‬
‫«كان النب�ي ‪ 0‬أجود الناس باخلير‪ ،‬وكان أجود ما يكون يف رمضان‪ ،‬حني يلقاه‬
‫جربيل ‪ ،S‬وكان جربيل يلقاه كل ليلة يف رمضان حتى ينس�لخ‪ ،‬يعرض عليه النبي‬
‫‪ 0‬القرآن‪ ،‬فإذا لقيه جربيل ‪ S‬كان أجود باخلري من الريح املرسلة»(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬الغاممة‪ ،‬والغياية‪ :‬كل يشء أظل اإلنسان فوق رأسه‪ ،‬وقال العلامء‪ :‬واملراد أن ثواهبام يأيت كغاممتني‪ ،‬أو‬
‫يأيت األجر مثل قطيع الطري ومجاعته‪.‬‬
‫(‪ )3‬البطلة‪ :‬السحرة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬فرقان‪ :‬قطعتان‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]804‬والرتمذي [‪.]2883‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪. ]5027‬‬
‫(‪ )6‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]2910‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]6469‬‬
‫(‪ )7‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]1464‬والرتمذي [‪ ،]2914‬وصححه الش�يخ األلباين يف «املش�كاة» برقم‬
‫[‪.]2134‬‬
‫(‪ )8‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]1145‬ومس�لم [‪ ،]758‬وأب�و داود [‪ ،]4733‬وأمح�د [‪ ،]3821‬وابن‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪58‬‬
‫وم�ع ه�ذا كان حيب أن يس�معه م�ن غريه‪ ،‬وكان جيل�س مع أصحاب�ه فيقول البن‬
‫علي القرآن»‪ ،‬فيندفع يقرأ حتى إذا بلغ قول اهلل ‪[ :D‬ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫مسعود‪« :‬اقرأ َّ‬
‫ﮊﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ] [ ‪ ،]41 :6‬ق�ال‪« :‬حس ��بك»‪ ،‬ق�ال اب�ن‬
‫مسعود‪ :‬فنظرت فإذا عيناه تذرفان(‪.)1‬‬

‫ويس�تمع أليب موس�ى األش�عري ‪ I‬ثم يقول له‪« :‬لو رأيتين وأنا أستمع إىل‬
‫قراءتك البارحة‪ ،‬لقد أوتيت مزما ًرا من مزامري آل داود»(‪ ،)2‬فقال أبو موسى‪ :‬لو علمت‬
‫حتبريا‪ ،‬واملعنى‪ :‬جلملت صويت أكثر وأكثر‪:‬‬
‫يا رسول اهلل أنك تستمع يل حلربته لك ً‬
‫ان َم ْن أَ ْس َ‬
‫رى‬ ‫ُز ال َق ْل َب ُس ْب َح َ‬ ‫َس َر ْي َت َته ُّ‬ ‫آن وال� َّ�ل � ْي� ُ�ل َغا ِف ٌل‬
‫�ك ي��ا ُق � � ْر ُ‬
‫سمَ ِ � ْع � ُت� َ‬
‫َو ُط ْف َنا ُر ُب��و َع ا ْل� َك� ْو ِن نمَْ َل ُؤ َها أَ ْج َرا‬ ‫الد ْن َيا َف َأ ْش َر َق ُص ْب ُحهَا‬ ‫َف َت ْح َنا ِب َك ُّ‬
‫علو همة السلف في تالوة القرآن‪:‬‬

‫كان عثمان ب�ن عف�ان ‪ I‬ال يكاد املصح�ف يفارق حجره‪ .‬فقي�ل له يف ذلك‪:‬‬
‫فقال‪ :‬إنه مبارك جاء به مبارك‪ ،‬وقال‪ :‬لو طهرت قلوبنا ملا شبعت من كالم اهلل ‪.D‬‬

‫عيل يوم ال أنظر فيه إىل عهد اهلل (أي‪ :‬املصحف)‪ ،‬قالت امرأته‬
‫وإين ألك�ره أن ي�أيت َّ‬
‫يوم الدار‪ :‬اقتلوه أو دعوه‪ ،‬واهلل لقد كان خيتم القرآن يف ركعة(‪.)3‬‬

‫وقي�ل لناف�ع‪ :‬م�ا كان َي ْصن َُع اب ُن عم�ر يف منزله؟ ق�ال‪ :‬ال تُطيقون�ه‪ ،‬الوضوء لكل‬
‫صالة‪ ،‬واملصحف فيام بينهام(‪.)4‬‬

‫=‬
‫ماجه [‪. ]1366‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5055‬ومسلم [‪. ]800‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5048‬ومسلم [‪. ]793‬‬
‫(‪« )3‬البداية والنهاية» (‪ )225/7‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬
‫(‪« )4‬تاريخ دمشق» (‪ )128/31‬البن عساكر‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪59‬‬
‫وعن أيب س�عيد اخلدري ‪ ،I‬أن ُأسيد بن حضري بينام هو ليلة يقرأ يف مربده‬
‫(‪)1‬‬

‫فخش�يت‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪ ،‬قال ُأس�يد‪:‬‬
‫إذا جالت(‪ )2‬فرس�ه فقرأ‪ ،‬ثم جالت أخرى‪ ،‬فقرأ‪ ،‬ثم جالت ً‬
‫أن تطأ حييى‪ ،‬فقمت إليها‪ ،‬فإذا مثل ال ُظلة‪ ،‬فوق رأيس فيها أمثال الرسج عرجت يف اجلو‬
‫حت�ى م�ا أراها ق�ال‪ :‬فغدوت عىل رس�ول اهلل ‪ 0‬فقل�ت‪ :‬يا رس�ول اهلل! بينام أنا‬
‫البارح�ة يف ج�وف الليل أق�رأ يف مربدي‪ ،‬إذ جالت فريس‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪:0‬‬
‫أيضا‪ .‬فقال رسول اهلل ‪« :0‬اقرأ ابن‬
‫«اقرأ ابن حضري!» قال‪ :‬فقرأت‪ .‬ثم جالت ً‬
‫حضري» قال‪ :‬فانرصفت‪ ،‬وكان حييى قري ًبا منها خش�يت أن تطأه‪ ،‬فرأيت مثل الظلة فيها‬
‫أمثال الرسج عرجت يف اجلو حتى ما أراها‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬تلك املالئكة‬
‫كانت تستمع لك ولو قرأت ألصبحت يراها الناس ما تسرت منهم»(‪.)3‬‬

‫نظرا‪ ،‬ويقوم به الليل‪،‬‬


‫وكان ع�روة بن الزبري يقرأ ربع الق�رآن كل يوم يف املصحف ً‬
‫فام تركه إال ليلة ُقطعت رجله(‪.)4‬‬
‫وروى أبو قالبة عن أيب ا ُملهلب‪ :‬أن متيم الداري كان خيتم القرآن يف سبع(‪.)5‬‬
‫وروى الث�وري‪ :‬أن الربي�ع ب�ن ُخثيم‪ ،‬كان يدخ�ل الداخل ويف حج�ره املصحف‬
‫فيغطيه(‪.)6‬‬
‫وقال حييى بن أيوب‪ :‬حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا َي ْل َز ُمو َن ُه‪ ،‬أن وكي ًعا‬
‫كان ال ينام حتى يقرأ جزءه من كل ٍ‬
‫ليلة ُث ُل َث القرآن‪ ،‬ثم يقوم يف آخر الليل فيقر ُأ ا ُمل َف َّص َل‪،‬‬
‫الفجر(‪.)7‬‬
‫ُ‬ ‫ثم جيلس فيأخذ يف االستغفار حتى يطلع‬
‫(‪ )2‬جالت‪ :‬أي وثبت‪.‬‬ ‫(‪ )1‬املربد‪ :‬هو املوضع الذي ييبس فيه التمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]796‬وأمحد (‪.)81/3‬‬
‫(‪« )4‬سري أعالم النبالء» (‪ )426/4‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬
‫(‪ )5‬املصدر السابق (‪. )230/3‬‬
‫(‪« )6‬سري أعالم النبالء» (‪ )130/4‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬
‫(‪ )7‬املصدر السابق (‪. )148/9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪60‬‬
‫قال أمحد بن س�لمة النيس�ابوري احلاف�ظ‪ :‬كان هنا ٌد ‪ V‬كثري الب�كاء‪ ،‬فرغ يو ًما‬
‫م�ن الق�راءة لنا‪ ،‬فتوضأ وجاء إىل املس�جد فصلى إىل الزوال وأنا معه باملس�جد‪ ،‬ثم رجع‬
‫إىل منزل�ه فتوض�أ‪ ،‬وجاء فصىل الظهر‪ ،‬وأخذ يق�رأ يف املصحف حتى صىل املغرب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقلت لبعض جريانه‪ :‬ما أصربه عىل العبادة ! قال‪ :‬هذه عبادتُه بالنهار منذ س�بعني س�نة‪،‬‬
‫فكيف لو رأيت عبادته بالليل‪ ،‬وكان يقال له راهب الكوفة(‪.)1‬‬
‫وقال عمرو بن عبد الرمحن بن حمرييز‪ :‬كان جدي ِ‬
‫خيتُم يف ِّ‬
‫كل مجعة‪ ،‬وربام فرشنا له‬
‫فلم ينم عليه(‪.)2‬‬

‫فه�ل لن�ا أن نعيش مع الق�رآن الكريم‪ ،‬وهل لن�ا أن نعرف عظمة الق�رآن الكريم‪،‬‬
‫ونورا وإرشا ًقا مع القرآن الكريم‪.‬‬
‫فنقرأه ونتدبره ونتعهده‪ ،‬فنمأل حياتنا سعادة ً‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬تاريخ اإلسالم» (‪ )531/18‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬دار الصفا‪.‬‬


‫(‪« )2‬سري أعالم النبالء» (‪ )495/4‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪61‬‬

‫الصيام‬
‫فعن سهل بن سعد‪ ،‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬إن يف اجلنة بابًا يُقال له‪ :‬الريان‪،‬‬
‫يُدع ��ى ي ��وم القيام ��ة‪ :‬أين الصائم ��ون؟ فمن كان م ��ن الصائمني دخل ��ه‪ ،‬ومن دخله‬
‫أبدا»(‪.)1‬‬
‫مل يظمأ ً‬

‫وعن أيب س�عيد اخلدري ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من صام ً‬
‫يوما‬
‫َع َد اهلل وجهه عن النار سبعني خري ًفا»(‪.)2‬‬
‫يف سبيل اهلل‪ ،‬ب َّ‬
‫والص�وم خطة واضحة لتزكية القلب‪ ،‬ودعم اإليامن‪ ،‬واحتس�اب التعب واملش�قة‬
‫عند اهلل‪ ،‬فليس الصوم معركة ُمبهمة ضد اجلسد‪ ،‬ولكنه رياضة هلا هدف‪ ،‬وغراس تُرجى‬
‫من�ه ثامر‪ ،‬فه�و امتناع عن مطاوعة طبائع الغضب واالس�تفزاز‪ ،‬وه�و امتناع عن الطبائع‬
‫املادية للبطن والفرج‪ ،‬فهو حيرر إرادة اإلنسان وجيعلها منقادة ألوامر اهلل ‪.D‬‬

‫فعن أيب صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة ‪ I‬يقول‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫«ق ��ال اهلل ‪ :D‬كل عم ��ل اب ��ن آدم له إال الصي ��ام‪ ،‬فإنه لي وأنا أج ��زي به‪ ،‬والصيام‬
‫ل ُل ُ‬
‫وف‬ ‫ُج َّن ٌة‪ ،‬فإذا كان يوم صوم أحدكم‪ ،‬فال ام ُر ٌؤ صائم‪ ،‬والذي نفس حممد بيده خَ َ‬
‫َف ِم الصائم أطيب عند اهلل يوم القيامة من ريح املس ��ك‪ ،‬وللصائم فرحتان يفرحهما‪:‬‬
‫إذا أفطر فرح بفطره‪ ،‬وإذا لقي رب ُه بصومه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ]1896‬دون مجلة الظمأ‪ ،‬والرتمذي [‪.]1640‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2804‬ومسلم [‪ ،]1153‬وأمحد [‪ ،]7977‬وابن ماجه [‪.]1718‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1904‬ومسلم [‪ ،]1151‬وأبو داود [‪ ،]363‬والنسائي [‪ ،]2214‬وأمحد‬
‫[‪ ،]7174‬وابن ماجه [‪.]1327‬‬
‫ قال النووي‪ :‬أما فرحته عند فطره فبسببها متام عبادته وسالمتها من املفسدات‪ ،‬وما يرجوه من ثواهبا‪،‬‬
‫وأما فرحته عند لقاء ربه فبام يراه من جزائه وتذكر نعمة اهلل عليه بتوفيقه لذلك‪ ،‬انظر‪« :‬رشح النووي‬
‫=‬ ‫عىل مسلم» [‪.]24914‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪62‬‬
‫الر ْه َب ُ‬
‫ان‬ ‫�ير َه��ا ُّ‬
‫�ب َع� ِ�ب ِ‬ ‫َح� َّ�ن� ْ�ت ِل� ِ‬
‫�ط �ي� ِ‬ ‫‪......................‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬من صام رمضان إميا ًنا‬
‫واحتس ��ابًا غف ��ر له ما تق ��دم من ذنبه‪ ،‬ومن قام ليل ��ة القدر إميا ًنا واحتس ��ابًا عفر له‬
‫ما تقدم من ذنبه»(‪.)1‬‬
‫وعن�ه ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬إذا كان رمض ��ان ُف ِّت َح ��ت أب ��واب‬
‫وس ْل ِس َلت الشياطني»(‪.)2‬‬
‫وغ ِّل َقت أبواب جهنم‪ُ ،‬‬
‫الرمحة‪ُ ،‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو ‪ L‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬الصيام والقرآن‬
‫يش ��فعان للعبد يوم القيامة‪ ،‬يقول الصيام‪ :‬أي رب منعته الطعام والش ��هوات بالنهار‬
‫َف َش ِّفعْين فيه‪ ،‬ويقول القرآن‪ ،‬منعته النوم بالليل فشفعين فيه قال‪َ :‬ف ُي َش َّف َعان»(‪.)3‬‬
‫=‬
‫ وق�ال الق�ايض عي�اض‪ :‬خلوف ف�م الصائم جيازي�ه اهلل ‪ c‬به يف اآلخ�رة فتكون نكهت�ه أطيب من‬
‫ري�ح املس�ك كام أن دم الش�هيد يكون رحيه ريح املس�ك‪ ،‬وقيل‪ :‬حيص�ل لصاحبه من الث�واب أكثر ممَّا‬
‫حيصل لصاحب املس�ك‪ ،‬وقيل‪ :‬رائحته عند املالئكة أطيب من رائحة املس�ك عندنا‪« ،‬رشح النووي»‬
‫(‪.)250/4‬‬
‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]2014‬ومس�لم [‪ ،]760‬وأب�و داود [‪ ،]1371‬والرتم�ذي [‪،]638‬‬
‫والنسائي [‪ ،]2204‬وأمحد [‪ ،]7278‬وابن ماجه [‪.]1130‬‬
‫ قال احلافظ ابن حجر‪ :‬املراد باإلميان‪ :‬االعتقاد بحق فرضيته‪ ،‬واملراد باالحتساب‪ :‬طلب الثواب من‬
‫اهلل ‪ .D‬انظر‪« :‬فتح الباري» [‪ ]29614‬للحافظ ابن حجر‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]1899‬ومس�لم [‪ ،]1079‬والرتم�ذي [‪ ،]682‬والنس�ائي [‪،]2106‬‬
‫وأمح�د [‪ ،]7148‬واب�ن ماج�ه [‪ ]133‬ق�ال القايض عي�اض‪ :‬حيتمل أنه على ظاه�ره وحقيقته‪ ،‬وأن‬
‫تفتيح أبواب اجلنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطني عالمة عىل دخول الشهر وتعظيم حلرمته‪،‬‬
‫ويك�ون التصفي�د ليمنعوا من إيذاء الصائ�م‪ ،‬وحيتمل أن يكون فتح أبواب اجلنة عب�ارة عن ما يفتحه‬
‫اهلل ‪ c‬عىل عباده من الطاعات يف هذا الش�هر‪ ،‬والتي ال تقع يف غريه عمو ًما كالصيام والقيام وفعل‬
‫اخلريات‪ ،‬واالنكفاف عن كثري من املخالفات‪ ،‬وهذه أسباب لدخول اجلنة وأبواب هلا‪ ،‬فيقل إغواؤهم‬
‫وإيذاؤهم‪ ،‬ف ُي َعدُّ ون كاملص َّفدين‪ ،‬ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء‪ ،‬ولناس دون ناس‪ ،‬وانظر‪:‬‬
‫«فتح الباري» (‪ )137/4‬للحافظ ابن حجر‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]1633‬وأمح�د [‪ ]6626‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح اجلامع»‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪63‬‬
‫وعن أيب س�عيد اخلدري ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من صام ً‬
‫يوما‬
‫َع َد اهلل وجهه عن النار سبعني خري ًفا»(‪.)1‬‬
‫يف سبيل اهلل‪ ،‬ب َّ‬

‫وع�ن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إذا كان أول ليلة من‬
‫شهر رمضان ُص ِّف َدت الشياطني ومردة اجلن‪ ،‬وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب‪،‬‬
‫وفتح ��ت أب ��واب اجلنة فلم يغل ��ق منها باب‪ ،‬وين ��ادي منا ٍد‪ :‬يا باغي الش ��ر أقصر‪ ،‬وهلل‬
‫كل ليلة»(‪.)2‬‬
‫عتقا ُء من النار‪ ،‬وذلك ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫وعن عثامن ‪ I‬قال‪ :‬س�معت رس�ول اهلل ‪ 0‬يقول‪« :‬الصيام ُج َّنة‬
‫من النار‪ ،‬كجنة أحدكم من القتال»(‪.)4‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬الصل ��وات اخلمس‪،‬‬
‫واجلمع ��ة إىل اجلمع ��ة‪ ،‬ورمض ��ان إىل رمض ��ان مكف ��رات مل ��ا بينه ��ن إذا اجتنب ��ت‬
‫الكبائر»(‪.)5‬‬

‫= برقم [‪.]3882‬‬
‫ق�ال اجلزائري‪ :‬الش�فاعة تنقس�م يوم القيامة إىل قس�مني‪ ،‬ش�فاعة منفي�ة متا ًما ال حقيقة هل�ا وال واقع‬ ‫ ‬
‫وال وج�ود‪ ،‬وش�فاعة ثابت�ة واقع�ة هلا حقيق�ة ووجود‪ ،‬ومن ص�ور الش�فاعة الثابتة‪ :‬ش�فاعة الصيام‬
‫والقرآن‪ ،‬انظر‪« :‬عقيدة املؤمن»‪ ،‬ص‪ ]159[ :‬للجزائري‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة مجال البايب‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2804‬ومسلم [‪ ،]1153‬وأمحد [‪ ]7977‬وابن ماجه [‪.]1718‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]682‬وابن ماجه [‪ ]1642‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح الرتغيب»‬
‫برقم [‪.]966‬‬
‫(‪ُ )3‬جنة؛ أي‪ :‬وقاية وسرت من النار‪ ،‬أو مما يؤدي بالعبد إليها من الشهوات‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]1639‬وأمحد (‪ )341/3‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح الرتغيب»‬
‫برقم [‪.]971‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]233‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪64‬‬
‫وعن سهل بن سعد‪ ،‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬إن يف اجلنة بابًا يقال له الريان‪،‬‬
‫يُدع ��ى ي ��وم القيام ��ة يقال‪ :‬أي ��ن الصائمون ؟ فم ��ن كان من الصائم�ي�ن دخله‪ ،‬ومن‬
‫أبدا»(‪.)1‬‬
‫دخله مل يظمأ ً‬

‫وع�ن أن�س بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬دخ�ل رمضان‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن هذا‬
‫الشهر قد حضركم‪ ،‬فيه ليلة خري من ألف شهر‪ ،‬من ُح ِر َمها فقد ُح ِر َم اخلري كله‪،‬‬
‫وال يحُْ َر ُم خريها إال حمروم»(‪.)2‬‬

‫وعنه ‪ ،I‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬ثالث دعوات ال ترد‪ ،‬دعوة الوالد‪ ،‬ودعوة‬
‫الصائم‪ ،‬ودعوة املسافر»(‪.)3‬‬

‫الصيام عبادة األنبياء‪:‬‬

‫كان ‪ I‬أعبد الناس‪ ،‬وأش�دهم هلل خشية‪ ،‬يصوم فيواصل الليل بالنهار‪ ،‬ثالثة‬
‫أي�ام وأربعة أيام ال يأكل ش�ي ًئا‪ ،‬ف�أراد الصحابة ‪ M‬أن يواصل�وا كام يواصل‪ ،‬فقال‬
‫‪« :0‬إني لست كهيئتكم‪ ،‬إني أبيت يطعمين ربي ويسقيين»(‪.)4‬‬

‫ُيفيض اهلل عليه من احلكم واملعارف والفتوحات واإلهلامات ما يس�د مسد الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬ف ُيعطي�ه قوة اآلكل والش�ارب‪ ،‬فيقوى عىل العبادة من غير ضعف يف القوة‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ]1896‬دون مجلة الظمأ‪ ،‬والرتمذي [‪ ،]1640‬وصححه الشيخ األلباين يف‬
‫«صحيح الرتغيب» برقم [‪.]969‬‬
‫(‪ )2‬حس�ن‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]1644‬والنس�ائي [‪ ،]2106‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح الرتغيب»‬
‫[‪.]989‬‬
‫(‪ )3‬حسن‪ :‬رواه البيهقي (‪ ،)345/3‬والضياء يف «األحاديث املختارة»‪ )74/6( ،‬وحسنه الشيخ األلباين‬
‫يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]3032‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1964‬ومسلم [‪ ،]1105‬وأبو داود [‪ ،]2360‬والرتمذي [‪ ،]778‬وأمحد‬
‫[‪.]6125‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪65‬‬
‫وال ك اََل ٍل يف اإلحس�اس‪ ،‬يصوم ‪ O‬يف الس�فر والش�مس حارة‪ ،‬وقد التهب‬
‫اجلو‪.‬‬
‫قال أبو الدرداء ‪« :I‬لقد رأيتُنا ورس�ول اهلل يف بعض أس�فاره يف اليوم احلار‪،‬‬
‫الشديد احلر‪ ،‬وإن الرجل ليضع يده عىل رأسه من شدة احلر‪ ،‬وما يف القوم أحد صائم إال‬
‫رسول اهلل ‪ 0‬وعبد اهلل بن رواحة(‪.)1‬‬
‫وعن أيب س�لمة ‪ I‬قال‪ :‬س�ألت عائش�ة ‪ J‬عن صوم النبي ‪،0‬‬
‫فقال�ت‪« :‬كان يص�وم حتى نق�ول‪ :‬قد صام‪ ،‬ويفطر حت�ى نقول‪ :‬قد أفط�ر‪ ،‬ومل َأ َر ُه صام‬
‫شهرا إال رمضان‪ ،‬وما رأيته أكثر صيا ًما منه يف شعبان»(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫وس�ئلت عائش�ة زوج النبي ‪« :I‬أكان رس�ول اهلل ‪ 0‬يصوم من كل‬
‫ش�هر ثالث�ة أي�ام ؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقيل هلا‪ :‬من أي أيام الش�هر كان يص�وم؟ قالت‪ :‬مل يكن‬
‫يبايل من أيام الشهر يصوم»(‪.)3‬‬

‫صيام داو د ‪:S‬‬


‫فعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ L‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬أحب‬
‫الص�ل�اة إىل اهلل ص�ل�اة داود ‪ ،S‬وأح ��ب الصي ��ام إىل اهلل صي ��ام داود‪ ،‬كان ين ��ام‬
‫يوما»(‪.)4‬‬
‫يوما ويُفط ُر ً‬
‫نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه‪ ،‬ويصوم ً‬
‫علو همة السلف ‪ X‬في الصيام‪:‬‬
‫لقد عطر الس�لف ‪ X‬صفحات التاريخ بعبري تقواهم‪ ،‬ونس�يم تعبدهم‪ ،‬فكان‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬روه البخاري [‪ ،]208‬وابن ماجه [‪.]1162‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1969‬أبو داود [‪ ،]2103‬والرتمذي [‪ ،]736‬والنسائي [‪.]2351‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1160‬وأبو داود [‪ ،]2117‬والرتمذي [‪ ،]763‬وابن ماجه [‪.]1709‬‬
‫(‪ )4‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]1131‬ومس�لم [‪ ]1159‬وأب�و داود [‪ ،]2448‬واب�ن ماجه [‪،]1712‬‬
‫وأمحد [‪ ،]6789‬والنسائي [‪.]2388‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪66‬‬
‫عثمان ‪ I‬حظ�ه م�ن النه�ار اجلود والصي�ام‪ ،‬وم�ن الليل الس�جود والقي�ام‪ُ ،‬مبرش‬
‫بالبلوى‪ ،‬منعم بالنجوى(‪.)1‬‬

‫فع�ن الزبير ب�ن عبد اهلل‪ ،‬عن ج�دة له يقال هل�ا‪ :‬موهيمة قال�ت‪ :‬كان عثامن يصوم‬
‫الدهر‪ ،‬ويقوم الليل إال هجعة من أوله‪ ،‬قتلوه وهو صائم(‪.)2‬‬
‫ترس ُد الصوم(‪.)3‬‬
‫وقال عروة‪ :‬كانت عائشة ‪ُ J‬‬
‫ودخل األشرت النخعي عىل أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب ‪ I‬وهو قائم يصيل‬
‫بالليل‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني صوم بالنهار‪ ،‬وسهر بالليل‪ ،‬وتعب فيام بني ذلك‪ ،‬فلام فرغ‬
‫عيل من صالته قال‪ :‬سفر اآلخرة طويل فيحتاج إىل قطعه بسري الليل(‪.)4‬‬
‫ٌّ‬
‫َف� � � � ْل� � � � ّي� � � � َذ ْر َع� � � � ْن� � � � ُه ال�� � َّ�ت�� ��وان�� � ِ�ي‬ ‫�ك الجْ ِ � � � � َن�� � � ِ‬
‫�ان‬ ‫َم � � � � ْ�ن ُي � � � � ��ر ْد م � � � ْل� � � َ‬

‫إِلىَ ُن � � � � � � � ��ور ا ْل� � � � � � � � ُق� � � � � � � � ْر ِ‬


‫آن‬ ‫َو ْل� � � ُي� � �ق � � ْ�م يف ُظ� � � ْل � � َ�م� � � ِة ال� � َّ�ل � � ْي� � ِ�ل‬
‫�ش ال�� � ُّ�د ْن� � �ي� � �اَ َف� � � ِ‬
‫�ان‬ ‫َف � � � � ��إِ َّن َع � � � ْي� � � َ‬ ‫�ص � � � ْو ِم‬‫�ص� � � ِّ�ل َص� � � � ْو ًم � � ��ا ِب� � � َ‬ ‫َو ْل�� � � ُي� � � َ‬
‫وقال محاد بن زيد‪ :‬كان س�عيد بن املس�يب يرسد الصوم‪ ،‬وقال الشعبي‪ُ :‬غشيِ عىل‬
‫ٍ‬
‫صائف‪ ،‬وكانت عائش�ة قد تبنَّ ْت ُه فس�مي ابنته عائشة‪ ،‬وكان ال يعيص ابنته‬ ‫ٍ‬
‫مرسوق يف يوم‬
‫ش�ي ًئا‪ ،‬ق�ال‪ :‬فنزلت إليه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬أفط�ر وارشب‪ ،‬قال‪ :‬ما أردت يب يا بني ُة؟ قالت‬
‫الرفق‪ ،‬قال‪ :‬يا بنية‪ ،‬إنام طلب الرفق لنفيس يف يوم مقداره مخسني ألف سنة(‪.)5‬‬

‫(‪« )1‬حلية األولياء» [‪ ]5511‬أليب نعيم‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة السعادة‪.‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق [‪.]5611‬‬
‫(‪« )3‬حسن األسوة» (‪ )331/1‬ملحمد صديق خان‪ ،‬ط‪ :‬دار العقيدة‪.‬‬
‫(‪« )4‬حلي�ة األولي�اء» (‪ )8/1‬أليب نعي�م‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الس�عادة‪« ،‬سير أعلام النبلاء» (‪ )132/4‬لإلمام‬
‫الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬
‫(‪« )5‬تاريخ بغداد» (‪ )234/13‬للخطيب البغدادي‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن حزم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪67‬‬
‫وق�ال املبارك بن فضالة‪ :‬دخلت عىل ثابت ال ُبناين يف مرضه‪ ،‬وهو يف ُع ُل ٍّو له‪ ،‬وكان‬
‫ال ي�زال ُيذكِّ�ر أصحابه‪ ،‬فلام دخلنا عليه‪ ،‬قال‪ :‬يا إخوتاه مل أقدر أن أصيل كام كنت أصيل‪،‬‬
‫ومل أقدر أن أصوم كام كنت أصوم‪ ،‬ومل أقدر أن أنزل إىل أصحايب فأذكر اهلل معهم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ثالث فال تد ْعني يف الدنيا س�اعة‪ ،‬إذا حبستني أن أصيل كام أريد‪،‬‬ ‫اللهم إذا حبس�تني عن‬
‫وأصوم كام أريد‪ ،‬وأذكرك كام أريد‪ ،‬فال تدعني يف الدنيا ساعة‪ ،‬فامت من وقته»(‪.)1‬‬

‫وكان أبو الدرداء يقول‪ :‬صلوا يف ظلمة الليل ركعتني لظلمة القبور‪ ،‬وصوموا يو ًما‬
‫شديدً ا حره حلر يوم النشور‪ ،‬وتصدقوا بصدقة لرش يوم عسري(‪.)2‬‬

‫وبكى أحد الس�لف عند موته فلام ُس�ئل قال‪ :‬أبكي ألن يصوم الصائمون ولس�ت‬
‫فيهم‪ ،‬وأن يصيل املصلون ولست فيهم‪ ،‬فهو حزين ُمشفق عىل ترك هذه العبادات‪ ،‬وعىل‬
‫ترك تلك الطاعات‪.‬‬
‫ٍّ�ر ِض� � َّ�د َط� � ْب � ٍ�ع ُم� � َع � َّ�و ِد‬
‫ِع�� � َب� ��ا َد َة ِس� �‬ ‫�وم َغ رَْ‬
‫�ْي� ُم ْق َع ِد‬ ‫�ان ال �ص� ِ‬‫ُخ� ْ�ذ يف ب �ي� ِ‬
‫َو َف� ْ‬ ‫الصباَ‬ ‫اإل ْل ِف ِم ْن َح ِ‬
‫ْـم َت َع َّو ِد‬
‫وب ال ُ‬ ‫�ط� ً�م��ا َع� ْ�ن ال ْ‬
‫ْـمح ُب ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫با ِل َف ْق ِد ِ‬
‫َو َص رْ ً‬
‫ي مخُْ ِل ِف َم ْو ِع ِد‬ ‫ي ِزي َغ رْ َ‬ ‫الص ْو ُم جَْ‬‫َل ُه َّ‬ ‫َف ِث ْق في ِه با ْل َو ْع ِد القديم ِم ْن َّالذي‬
‫م َّم ِد‬ ‫�ان ِل� ِ�دي� ِ�ن حُ َ‬ ‫ك�� ٍ‬ ‫�س أَ ْر َ‬ ‫�ام� ُ‬‫ل� ِ‬ ‫خَ َ‬ ‫الصيام َّ‬
‫فإن ُه‬ ‫ِ‬ ‫شهر‬
‫�ظ على ِ‬ ‫َو َح��ا ِف� ْ‬
‫عبد‬
‫�ان ِل ُي ِ‬ ‫اب الجْ � � َن � ِ‬‫َو ُت � ْ�ف� � َت � ُ�ح أ ْب � � � َو ُ‬ ‫اب اجل �ح �ي� ِ�م إذا أَ َت ��ى‬ ‫ُت � َغ� َّ�ل� ُ�ق أَ ْب� � � � َو ُ‬
‫أل ْه � ِ�ل ال� ِّ�ر َض��ا ِف� ِ�ي � ِه َوأَ ْه� � ِ�ل َّ‬ ‫َ‬ ‫عيم َو ُحو ُر َها‬ ‫ُت�� َز ْخ�� َر ُف َج� َّ�ن� ُ َّ‬
‫الت َع ُّب ِد‬ ‫�ات الن ِ‬
‫ت ُص ِد‬ ‫�ض� َل� ْ�ت َف ْل رَْ‬
‫�ف ش�ه� ٍ�ر ُف� ِّ‬ ‫َع� ْ�ن أَ ْل � ِ‬ ‫�ص � ُه اهلل ال�ع�ظ�ي� ُم ِب َل ْي َل ٍة‬ ‫وق ��د َخ� َّ‬
‫ْـم َت َع ِّب ِد‬ ‫عظ ْم ِب َأ ْج ِر ال ُ‬ ‫َوأَ ِ‬ ‫ْر َغا ِف ً‬ ‫اطع َّ‬ ‫أل ْن� ِ َ‬ ‫َف� َ�أ ْر ِغ� ْ�م َ‬
‫ص ال ُ‬ ‫ْـم ْخ ِل ِ‬ ‫ال‬ ‫الشه ِ‬ ‫�ف ق ِ ِ‬
‫ك ِّل ُمو ٍه َو ُم ْف ِس ِد‬
‫َو ُص ْن َص ْو َم ُه َع ْن ُ‬ ‫َف � ُق� ْ�م َل� ْي� َل� ُه َو ْ‬
‫أط�� ِ�و َن � َه��ا َر َك َصا ِئ ًما‬

‫(‪« )1‬حلية األولياء» (‪ )320/2‬أليب نعيم‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة السعادة‪.‬‬


‫(‪« )2‬سري أعالم النبالء» (‪ )137/4‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪68‬‬
‫فليكث�ر املس�لم من صي�ام النافلة بعد رمض�ان‪ ،‬كالصيام يف ش�هر اهلل املحرم‪ ،‬فعن‬
‫أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬أفضل الصيام بعد رمضان‪ ،‬ش ��هر‬
‫اهلل احملرم‪ ،‬وأفضل الصالة بعد الفريضة‪ ،‬صالة الليل»(‪ ،)1‬وصيام س�تة أيام من ش�هر‬
‫ش�وال‪ ،‬فع�ن أيب أي�وب األنص�اري ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬من صام‬
‫رمضان‪ ،‬ثم أتبعه س ًتا من شوال‪ ،‬كان كصيام الدهر»(‪.)2‬‬

‫وصيام يوم وإفطار يوم‪ ،‬ويومي االثنني واخلميس‪ ،‬ويوم عاشوراء‪ ،‬وثالثة أيام من‬
‫كل شهر(‪.)3‬‬

‫فع�ن أيب قت�ادة األنص�اري ‪ I‬قال‪ :‬س�ئل النبي ‪ 0‬عن صي�ام الدهر‬
‫فقال‪« :‬ال صام وال أفطر»‪ ،‬أو «ما صام وما أفطر» قال‪ :‬فسئل عن صوم يومني وإفطار‬
‫ي�وم قال‪« :‬ليت أن اهلل َّ‬
‫قوانا لذلك» قال‪ :‬وس�ئل عن صوم يوم وإفطار يوم‪ ،‬قال‪« :‬ذاك‬
‫صوم داود ‪ ،»S‬قال‪ :‬وسئل عن صوم يوم اإلثنني‪ ،‬قال‪« :‬ذاك يوم ولدت فيه‪ ،‬ويوم‬
‫علي فيه» قال‪ :‬فقال‪« :‬صوم ثالث ٍة من كل شهر‪ ،‬ورمضان إىل رمضان‪،‬‬
‫بُعثت» أو «أنزل ّ‬
‫صوم الدهر» قال‪ :‬وسئل عن صوم يوم عرفة‪ ،‬فقال‪« :‬يكفر السنة املاضية»(‪.)4‬‬

‫واإلكثار من الصيام يف شهر شعبان‪ ،‬ذلكم الشهر الذي بني رجب ورمضان‪ ،‬الذي‬
‫يغفل عن كثري من الناس‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]1163‬وأبو داود [‪ ،]2429‬والرتمذي [‪ ،]740‬والدرامي [‪ ،]1759‬وابن‬
‫ماجه [‪.]2742‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]1164‬وأبو داود [‪ ،]2433‬والرتمذي [‪ ،]759‬والدرامي [‪ ،]1755‬وابن‬
‫ماجه [‪.]1716‬‬
‫بيضا الستضاءة السامء‬
‫(‪ )3‬هي الثالث عرش‪ ،‬والرابع عرش‪ ،‬واخلامس عرش‪ ،‬من كل شهر قمري وسميت ً‬
‫فيها بنور القمر‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]1162‬واللفظ ل�ه‪ ،‬وأبو داود [‪ ،]2425‬والدارم�ي [‪ ،]1751‬وابن ماجه‬
‫[‪.]1730‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪69‬‬
‫فعن أيب س�لمة ‪ I‬قال‪ :‬س�ئلت عائش�ة ‪ J‬عن صوم النبي ‪،0‬‬
‫فقال�ت‪« :‬كان يص�وم حتى نق�ول‪ :‬قد صام‪ ،‬ويفط�ر حتى نقول‪ :‬قد أفط�ر‪ ،‬ومل أره صام‬
‫شهرا إال رمضان‪ ،‬وما رأيته أكثر صيا ًما منه يف شعبان»(‪.)1‬‬
‫ً‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬تقدم خترجيه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪70‬‬

‫أهل الصالة ومنازلهم‬


‫عن أيب هريرة ‪ ،I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬من غدا إىل املسجد أو راح أعد‬
‫اهلل له ُنزل ُه من اجلنة كلما غدا أو راح»(‪.)1‬‬
‫وع�ن ُبري�دة ‪ I‬ع�ن النب�ي ‪ 0‬ق�ال‪« :‬بش ��ر املش ��ائني يف الظلم إىل‬
‫املساجد بالنور التام يوم القيامة»(‪.)2‬‬
‫وع�ن أيب بك�ر بن أيب موس�ى عن أبيه أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬من صلى‬
‫الربدين دخل اجلنة»(‪.)3‬‬
‫وعن يعىل بن أمية قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬من صلى ثنيت عشرة ركعة‬
‫بالنهار أو بالليل بنى اهلل ‪ D‬له بي ًتا يف اجلنة»(‪.)4‬‬

‫الص�ل�اة‪ :‬م�ن أعظم العب�ادات ش�أنًا‪ ،‬وأوضحها ُبرهانً�ا‪ ،‬فهي أول م�ا أوجبه اهلل‬
‫‪ c‬على عب�اده‪ ،‬وهي أول ما حياس�ب عليه العبد ي�وم القيامة‪ ،‬وهي الرك�ن الثاين من‬
‫أركان اإلسلام وعموده‪ ،‬وهي العالمة الفارقة بني املسلم والكافر‪ ،‬وهي رأس القربان‪،‬‬
‫وغ�رة الطاع�ات‪ ،‬عم�ر اهلل بأنوارها قل�وب العباد بفت�ح الباب‪ ،‬ورف�ع احلجاب‪ ،‬وهي‬
‫املعين ال�ذي ال ينفد‪ ،‬وهي املوعد املخت�ار لاللتقاء بالنبع ال�ذي ال يغيض‪ ،‬وهي الروح‬
‫والندى والظالل يف اهلاجرة‪ ،‬وهي زاد الطريق‪ ،‬ومدد الروح‪ ،‬وجالء القلب‪ ،‬وهي النور‬
‫والربهان‪ ،‬والعهد الذي بني اإلنس�ان وبني ربه‪ ،‬وهي الصلة املبارشة بني اإلنس�ان الفاين‬
‫وم�واله الباق�ي‪ ،‬وهي تربي�ة للنفس‪ ،‬وهتذيب لل�روح‪ ،‬وتُنري القلوب بما تغرس فيه من‬
‫إجالل اهلل وعظمته‪ ،‬وتسعد املرء وجتمله بمكارم األخالق‪.‬‬
‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]429‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح الرتغيب» برقم [‪.]738‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]561‬والرتمذي [‪ ]223‬وصححه‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]574‬ومسلم [‪.]635‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه النسائي [‪ ،]1810‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]1354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪71‬‬
‫وهي من صفات املؤمنني املفلحني‪ ،‬قال اهلل ‪ [ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ] [‪.]3 - 1 :i‬‬

‫وه�ي من صفات الناجني من اهللع واجل�زع‪ ،‬قال اهلل ‪[ :D‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬


‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ]‬
‫[‪]23 - 19 :E‬‬

‫وتنه�ى ع�ن الفحش�اء واملنك�ر‪[ :6 ،‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬


‫ﮆ] [‪.]45 :t‬‬

‫وه�ي م�ن أحب األعمال إىل اهلل ‪ ،c‬فعن عبد اهلل بن مس�عود ‪ I‬قال‪ :‬قال‬
‫رس�ول اهلل ‪« :0‬أح ��ب األعم ��ال إىل اهلل الص�ل�اة لوقتها‪ ،‬ثم ب ��ر الوالدين ثم‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل»(‪.)1‬‬

‫وه�ي آخر وصية وىص هبا رس�ول اهلل ‪ 0‬أمته عند موت�ه‪ ،‬فقال‪« :‬الصالة‬
‫الصالة‪ ،‬وما ملكت أميانكم»(‪.)2‬‬

‫وهي آخر ما يفقد من الدين‪ ،‬فإذا ضاعت ضاع الدين كله‪ ،‬فعن أيب ُأمامة ‪I‬‬
‫قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬ل ُت ْن َق َض َّن ُع َرى اإلس�ل�ام ُعروة ُعروة‪ ،‬فكلما انتقضت‬
‫نقضا احلكم‪ ،‬وآخرهن الصالة»(‪.)3‬‬
‫تشبث الناس باليت تليها‪ ،‬فأوهلن ً‬
‫ُعروة‪َّ ،‬‬

‫عبادة الصالة وتعظيم قدرها‪:‬‬


‫فعبادة الصالة وضعت عىل أكمل الوجوه وأحسنها التي ُيعبد هبا اخلالق ‪،F‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]527‬ومسلم [‪.]85‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]321‬وابن ماجه [‪ ]2697‬من حديث أم س�لمة‪ ،‬وصححه الش�يخ األلباين يف‬
‫«صحيح اجلامع» برقم [‪.]3873‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)251/5‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]5075‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪72‬‬
‫عب�ادة تضمن�ت التعظيم له بجميع اجلوارح‪ ،‬من نطق اللس�ان‪ ،‬وعمل اليدين والرجلني‬
‫وال�رأس وحواس�ه‪ ،‬وس�ائر أج�زاء الب�دن‪ ،‬كل يأخذ حظه م�ن احلكمة يف ه�ذه العبادة‬
‫العظيم�ة‪ ،‬املش�تملة عىل الثن�اء واحلمد والتمجي�د والتس�بيح والتكبري‪ ،‬وش�هادة احلق‪،‬‬
‫والقي�ام بين ي�دي الرب مقام العب�د الذليل اخلاضع املرب�وب‪ ،‬ثم التذل�ل يف هذا املقام‪،‬‬
‫والترضع والتقرب إليه بكالمه‪ ،‬ثم انحناء الظهر ُذ اًل له وخضو ًعا واستكانة‪ ،‬ثم استواؤه‬
‫قائم ليس�تعد خلضوع أكمل له من اخلضوع األول‪ ،‬وهو السجود من قيام‪ ،‬فيضع أرشف‬
‫اً‬
‫يشء في�ه وه�و الوجه عىل الرتاب خش�و ًعا لعزت�ه‪ ،‬وقد انكرس له قلبه‪ ،‬وذل له جس�مه‪،‬‬
‫وخشعت له جوارحه‪ ،‬ثم يستوي قاعدً ا يترضع له‪ ،‬ويتذلل بني يديه‪ ،‬ويسأله من فضله‪،‬‬
‫ثم يعود إىل حاله من الذل واخلش�وع واالستكانة‪ ،‬فال يزال هذا د ْأ ُب ُه حتى يقيض صالته‪،‬‬
‫فيجلس عند إرادة االنرصاف منها ُم ْثن ًيا عىل ربه‪ُ ،‬م َس ِّل اًم عىل نبيه ‪ ،0‬وعىل عباده‪،‬‬
‫ثم يصيل عىل رسوله(‪.)1‬‬

‫الصالة عبادة المالئكة‪:‬‬

‫وخل ًقا‪ ،‬الطاهرون ذاتًا وصفة‬


‫فاملالئكة هم عباد اهلل املكرمون‪ ،‬الكرام عىل اهلل َخل ًقا ُ‬
‫اً‬
‫وأفعال‪ ،‬املطيعون هلل ‪ ،c‬القائمون بأمره‪ ،‬خلقهم اهلل من نور لعبادته‪ ،‬فهم ال يعصون‬
‫اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ ،‬ومن أعظم عباداهتم الصالة‪ ،‬فهم يقومون ويركعون‬
‫ويس�جدون‪ ،‬فعن حكيم بن ح�زام ‪ I‬قال‪ :‬بينام رس�ول اهلل ‪ 0‬يف أصحابه‬
‫إذ قال هلم‪« :‬أتس ��معون ما أمسع؟» قالوا‪ :‬ما نس�مع من يشء‪ ،‬قال‪« :‬إني أمسع أطيط‬
‫السماء‪ ،‬وما ُتال ُم أن َت ِئ َّط‪ ،‬وما فيها موضع شرب إال عليه ملك ساجد أو قائم»(‪.)2‬‬

‫(‪« )1‬أحب األعامل إىل اهلل»‪ ،‬ص‪ ]55[ :‬للمصنف‪ ،‬ط‪ :‬دار اإليامن‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الطرباين يف «الكبري» (‪ ،)153/1‬والطحاوي يف «مش�كل اآلثار» (‪ ،)43/2‬وصححه‬
‫الش�يخ األلباين يف «صحيح اجلام�ع» برقم [‪ ،]95‬وانظر‪« :‬الصحيح�ة» [‪ ،]852‬وقال‪ :‬صحيح عىل‬
‫رشط مسلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪73‬‬

‫الصالة عبادة األنبياء والمرسلين‪:‬‬

‫ق�ال اهلل ‪ c‬ع�ن نبي�ه إبراهي�م ‪[ :S‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ‬


‫ﯩ ﯪ ﯫ] [‪.]40 :Q‬‬

‫وقال ‪ c‬عن نبيه إسماعيل ‪[ :S‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬


‫ﭶ] [‪.]55 :a‬‬

‫وقال ‪ c‬عن نبيه زكريا ‪[ :S‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ]‬


‫[‪]39 :4‬‬

‫وق�ال ‪ D‬عن مري�م ‪[ :P‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ]‬


‫[‪.]43 :4‬‬
‫وق�ال ‪ D‬ع�ن عيس�ى ‪[ :S‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪.]31 :a‬‬

‫وكان�ت هذه الش�عرية العظيمة وتلك الفريضة اجلليلة‪ ،‬هلا قدس�ية خاصة وتعظيم‬
‫كبير يف حي�اة النب�ي ‪ ،0‬كان إذا أذن امل�ؤذن ق�ام ع�ن أهل�ه كأن�ه ال يعرفه�م‬
‫وال يعرفونه‪ ،‬فعن األسود قال‪ :‬سألت عائشة ‪ :J‬ما كان النبي ‪ 0‬يصنع يف‬
‫بيت�ه؟ قال�ت‪ :‬كان يكون يف مهنة أهله (تعني‪ :‬يف خدمة أهله) فإذا حرضت الصالة خرج‬
‫إىل الصالة(‪ )1‬ومل ال؟ وهو القائل ‪« :0‬وجعلت قرة عيين يف الصالة»(‪.)2‬‬
‫ق�ال امل�روزي ‪ :V‬ل�و مل ُيس�تدل على أن الصلاة أح�ب األعمال إىل اهلل إال‬
‫ب الصالة‪ ،‬وج ْعل قرة عينه فيها دون سائر‬ ‫ِ‬
‫بام ألزم قلب حبيبه املصطفى ‪ 0‬م ْن ُح ِّ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه النسائي [‪ ،]3939‬وأمحد [‪ ،]285‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم‬
‫[‪.]3124‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪74‬‬
‫األعمال كله�ا‪ ،‬وإن كان محُ ًّبا جلميع الطاعات‪ ،‬ولكنه خص فأخرب أن قرة عينه جعلت يف‬
‫الصالة لربه كفاه ذلك اً‬
‫دليل عىل تعظيم قدر الصالة(‪.)1‬‬

‫وكان ‪ 0‬إذا حزبه أمر‪ ،‬أو نزلت به نازلة‪ ،‬أو اشتدت عليه األمور‪ ،‬أو ضاقت‬
‫عليه الضوائق‪ ،‬فأصابه يشء من احلزن واهلم والغم‪ ،‬قال‪« :‬أرحنا هبا يا بالل»(‪.)2‬‬
‫�ح� ��ا َرا‬ ‫ُق � ْ�دس � َّ�ي� � ٍة تحُْ ��ي ��ي ب�� َه��ا َ‬
‫األ ْس� � َ‬ ‫�ال ِب َن ْغ َمة‬‫أَ ْط � � � � ِ�ر ِب ال � ُّ�د ْن� � َي ��ا ِب� �ل� ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ِم� �ي�ل َ�ا ِد ِه َو َي � ْب � َق��ى َص � ْو ُت � ُك� ْ�م َقهَّا َرا‬ ‫�وت َص� � � ْو ُت ا ْل�� َب� ْ�غ� ِ�ي َو ْأدًا ف‬ ‫ِل�� َي� ُ�م� َ‬
‫ْ‬
‫فيِ ال � � � � � � َو َرى َو َر ِّت� � � � � � ِ�ل ِ‬
‫اإل ْن� � � � � � � َذا َرا‬ ‫يد َك‬‫�ال ا ْل � َع � ْز ِم أَ ِع � ْ�د َن ِش َ‬
‫ُق� ْ�م َي��ا ِب�ل َ‬
‫ُج� � � َ�ذ ًذا َو َف � � � ِّ�ر ْق َع� � ْب� � َد َه ��ا خْ‬ ‫َع ال� َّ�ت� َ�م��ا ِث�ي� َ�ل َّال�ِت�يِ َق� ْ�د ُص�� ِّ�و َر ْت‬
‫ال� � � َّ�وا َرا‬ ‫َود ِ‬
‫�ون ا ْل� � � َع�� ��ا َرا‬
‫ال� � � َّ�رس � � � ُولِوَيحُ ِ � � � � ُّ�ب� � � � َ‬ ‫�ون َه�� ْ�د َى‬‫أَ َف � َ�م ��ا ِل�� َق�� ْو ِم��ي ال يحُ ِ � ُّ�ب � َ‬
‫رخص يف التهاون يف‬ ‫حت�ى يف وقت الش�دة يف وقت القتال‪ ،‬والتحام الصف�وف مل ُي ِّ‬
‫أمر الصالة‪.‬‬

‫فف�ي غزوة األح�زاب(‪ ،)3‬تحَ َّز َبت األع�راب عىل رس�ول اهلل ‪ 0‬حتى جمُِ َع‬
‫ُ‬
‫ثالث جبهات عىل رس�ول اهلل‬ ‫ل�ه عرشة آالف مقاتل م�ن اليهود واملرشكين واملنافقني‪،‬‬
‫‪ 0‬وأصحاب�ه‪ ،‬وكان ع�دد املس�لمني ثالثة آالف مقاتل حتى ش�غلوه عن صالة‬
‫العرص‪.‬‬
‫فدع�ا ‪ 0‬عليه�م وق�ال‪« :‬مأل اهلل قبوره ��م وبيوتهم نا ًرا‪ ،‬كما حبس ��ونا‬
‫وشغلونا عن الصالة الوسطى حتى غابت الشمس»(‪.)4‬‬

‫(‪« )1‬تعظيم قدر الصالة» (‪ )331/1‬للمروزي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الدار‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]4985‬وأمحد [‪ ،]364‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم‬
‫[‪.]3095‬‬
‫(‪ )3‬غزوة األحزاب‪ :‬هي غزوة اخلندق‪ ،‬كانت يف شوال سنة مخس من اهلجرة عىل الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2931‬ومسلم [‪ ،]627‬وأمحد [‪ ]617‬من حديث عيل بن أيب طالب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪75‬‬
‫وصاله�ا بني العش�اءين ‪ -‬بين املغرب والعش�اء ‪ -‬فأن�زل اهلل صلاة اخلوف(‪،)1‬‬
‫يصليها املس�لم يف وق�ت احلرب والقتال والتح�ام الصفوف‪[ :4 ،‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ] [ ‪.]102 :6‬‬

‫فلا صالة للرجل يف بيته إلاَّ ِم ْن ع�ذر(‪ ،)2‬ولذلك قال ‪« :O‬من مسع‬
‫املن ��ادي بالص�ل�اة فلم مينعه م ��ن اتباعه عذر‪ ،‬مل ُت ْ‬
‫قبل منه الص�ل�ا ُة اليت صلى» قيل‪:‬‬
‫وما العذر يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬خوف أو مرض»(‪ ،)3‬وجاء رجل أعمى إىل النبي ‪0‬‬

‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬ليس يل قائد يالئمني إىل املسجد‪ ،‬فهل يل رخصة أن أصيل يف بيتي؟‪،‬‬
‫فقال له النبي ‪« :0‬هل تسمع النداء بالصالة؟» قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فأجب»(‪.)4‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬لقد همم ��ت أن آمر بالصالة‬
‫فتق ��ام‪ ،‬ثم آمر رج�ًل�اً فيصلى بالناس‪ ،‬ثم أنطلق معي برج ��ال معهم حزم من حطب‬
‫حر َق عليهم بيوتهم بالنار»(‪.)5‬‬ ‫إىل قوم ال يشهدون الصالة ُ‬
‫فأ ِّ‬

‫(‪ )1‬قال اخلطايب‪ :‬صالة اخلوف أنواع‪ ،‬صالها النبي ‪ 0‬يف أيام خمتلفة وأشكال متباينة يتحرى فيها‬
‫ما هو أحوط للصالة وأبلغ يف احلراسة‪ ،‬فهي عىل اختالف صورها ُمتفقة املعنى‪ ،‬انظر‪« :‬رشح النووي‬
‫عىل مسلم» (‪ ،)312/3‬ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬
‫(‪ )2‬األعذار‪ :‬كاملرض واخلوف الشديد واملطر الشديد ونحو ذلك‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ]551‬من حديث ابن عباس ‪ ،L‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح‬
‫اجلامع» برقم [‪.]6300‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]653‬وأبو داود [‪ ]254‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]644‬ومس�لم [‪ ،]651‬وأب�و داود [‪ ،]549‬والرتم�ذي [‪ ،]217‬وأمحد‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪76‬‬
‫وع�ن عب�د اهلل بن بردة ‪ I‬ع�ن أبيه قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬العهد‬
‫الذي بيننا وبينهم الصالة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر»(‪.)1‬‬

‫وع�ن عب�د اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬أمرت أن أقاتل‬
‫ً‬
‫حممدا رسول اهلل‪ ،‬ويقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا‬ ‫الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن‬
‫ال ��زكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذل ��ك عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها‪ ،‬وحس ��ابهم على‬
‫اهلل»(‪ ،)2‬ور َّبى ‪ O‬اجليل املبارك والرعيل األول من أصحابه عىل تعظيم قدر‬
‫تعظيم ألوامر اهلل‪ ،‬وكانوا مرضب املثل يف التبكري إىل الصالة‪،‬‬
‫اً‬ ‫الصالة‪ ،‬فكانوا أكثر الناس‬
‫وحضور صالة اجلامعة‪.‬‬

‫مس�لم فليحافظ‬
‫اً‬ ‫ق�ال عبد اهلل بن مس�عود ‪ :I‬من رسه أن يلقى اهلل ‪ c‬غدً ا‬
‫على هؤالء الصل�وات حيث ُينادى هبن‪ ،‬ف�إن اهلل رشع لنبيكم ‪ُ 0‬س�نن اهلُدى‪،‬‬
‫وإهنن من ُسنن اهلُدى‪ ،‬ولو أنكم صليتم يف بيوتكم كام يصيل هذا املتخلف يف بيته لرتكتم‬
‫ُسنة نبيكم‪ ،‬ولو تركتم ُسنة نبيكم لضللتم‪ ،‬ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم‬
‫النفاق‪ ،‬ولقد كان الرجل ُيؤيت به يهُ ادى بني الرجلني‪ ،‬حتى ُيقام يف الصف(‪.)3‬‬

‫وق�ال مطر ال�وراق‪ :‬كانوا يبيعون ويشترون ولك�ن كان أحدهم إذا س�مع الندا َء‬
‫وميزانه يف يده خفضه وأقبل عىل الصالة(‪.)4‬‬

‫=‬
‫[‪ ،]3743‬وابن ماجه [‪.]791‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]2621‬والنسائي [‪ ،]463‬وأمحد [‪ ،]355‬وابن ماجه [‪ ،]1079‬وصححه‬
‫الشيخ األلباين يف «املشكاة» برقم [‪.]574‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]25‬ومس�لم [‪ ،]22‬والرتم�ذي [‪ ،]2608‬وأمح�د [‪ ،]67‬واب�ن ماج�ه‬
‫[‪.]3927‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]654‬وأمحد [‪.]4355‬‬
‫(‪« )4‬صفة الصفوة» (‪ )235/2‬أليب نعيم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪77‬‬
‫وق�ال طاووس‪ :‬ما رأي�ت مصل ًيا كهيئة عبد اهلل بن عمر ‪ L‬كان أش�د الناس‬
‫اً‬
‫استقبال للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه(‪.)1‬‬
‫وقال عبد اهلل بن واقد‪« :‬رأيت ابن عمر يصيل فلو رأيته رأيته مقلول ًّيا(‪.)3(»)2‬‬
‫وقت صالة إال وقد أخذت ُأهبتها‪،‬‬
‫عيل ُ‬
‫وهلل در س�عيد بن املس�يب‪ :‬قال‪ :‬ما دخل َّ‬
‫عيل قضا ُء فرض إال وأنا إليه مشتاق(‪.)4‬‬
‫وال دخل َّ‬
‫وقال عبد املنعم بن إدريس‪ :‬صىل س�عيد بن املس�يب الغداة بوضوء العتمة مخسني‬
‫ٍ‬
‫رجل يف الصالة منذ مخسين‬ ‫س�نة‪ ،‬وق�ال‪ :‬ما فاتتني التكبيرة األوىل‪ ،‬وما نظ�رت يف قفا‬
‫سنة(‪.)5‬‬
‫�ام ِدي َنا‬ ‫ُ‬ ‫ْـم َعا ِلي‬ ‫�اب َذ َّل � � ُل� ��وا ُس� � ُب � َ�ل ال ُ‬ ‫َش� � َب�� ٌ‬
‫اإل ْس �ل� ِ‬‫َو َم ��ا َع�� َرف��وا ِس� � َوى ِ‬
‫�اب فيِ ا ْل� ُدن�ي��ا ُغ ُصو ًنا‬ ‫مي��ا َط � َ‬ ‫َ‬
‫ك� ِ�ر ً‬ ‫َت � � َع� � َّ�ه � � َد ُه� � ْ�م َف�� َ�أ ْن� � َب� � َت� � ُه�� ْ�م َن� � َب ��ا ًت ��ا‬
‫ُك � َّ�و َن ا ْل �ـ� َ�م � َع��ا ِق� َ�ل َوالحْ ُ ُصو َنا‬
‫َي� �د ُ‬ ‫ك َما ًة‬‫ك��ا ُن��وا ُ‬ ‫إِ َذا َش� ِ�ه �دُوا ا ْل� َو َغ��ي َ‬
‫�اج � ِ�دي� � َن ��ا‬ ‫اإل ْش� � � َف�� � ِ‬
‫�اق إِال َس � ِ‬ ‫ِم � � ْ�ن ِ‬ ‫َوإِ ْن َج� � َّ�ن ا ْل �ـ� َ�م� َ�س��ا ُء َف�ل�ا َت� � َر ُ‬
‫اه � ْ�م‬
‫�ص ��ا ُح � � � ًرا أَ ِم��ي�� ًن��ا‬
‫َش� � َب ��ا ًب ��ا مخُْ � � ِل � ً‬ ‫اإل ْس��ل��ا ُم َق ْو ِمي‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ك� � َذ ِل ��ك أ ْخ� � � َر َج ِ‬
‫َف� � َي�� ْ�أ َب���ى أَ ْن ُي � َّ�ق� � َي � َ�د أَ ْو َي�� ُه��و َن��ا‬ ‫�ف ُت ْبن‬ ‫ك�� ْي� َ‬ ‫َو َع � َّ�ل � َ�م� � ُه ا ْل� � َك� � َر َ‬
‫ام� � َة َ‬
‫وق�ال احلس�ن عن راهب هذه األمة عام�ر بن قيس‪ :‬كان عامر يق�ول‪ :‬من ُأ ْق ِر ُئ ؟‬
‫قرئ‬
‫�م القرآن‪ ،‬ثم يقوم فيصيل إىل الظهر‪ ،‬ثم يصلي إىل العرص‪ ،‬ثم ُي ُ‬ ‫ن�اس‪َ ،‬ف ْي ْق ِرئ ُُه ُ‬
‫فيأتي�ه ٌ‬
‫ينرصف إىل منزل�ه فيأكل رغي ًفا وينام‬
‫ُ‬ ‫الن�اس إىل املغرب‪ ،‬ثم يصيل ما بني العش�اءين‪ ،‬ثم‬
‫َ‬
‫يتسح ُر رغي ًفا وخيرج(‪.)6‬‬
‫َّ‬ ‫نومة خفيفة‪ ،‬ثم يقوم لصالته‪ ،‬ثم‬

‫مقلوليا‪ :‬املتجايف الذي يتملل وال يستقر‪.‬‬


‫ًّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪ )1‬املصدر السابق (‪.)230/2‬‬
‫(‪« )4‬صفة الصفوة» (‪ )254/1‬البن اجلوزي‪.‬‬ ‫(‪« )3‬سري أعالم النبالء» (‪.)223/3‬‬
‫(‪« )6‬تاريخ اإلسالم» (‪.)26/3‬‬ ‫(‪ )5‬املصدر السابق (‪.)254/1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪78‬‬
‫وع�ن أيب احلسين املجاش�عي‪ ،‬قال‪ :‬قي�ل لعامر بن عب�د قيس‪ :‬أتحُ دِّ ُ‬
‫ث نفس�ك يف‬
‫الصالة؟ قال‪ُ :‬أحدِّ ُثها بالوقوف بني يدي اهلل ومنرصيف(‪.)1‬‬

‫قال الذهبي‪ :‬قيل‪ :‬كان عامر ال يزال يصيل من طلوع الشمس إىل العرص‪ ،‬فينرصف‬
‫وقد انتفخت ساقاه‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أمار ًة بالسوء‪ ،‬إنام ُخ ِل ْق ِ‬
‫ت للعبادة(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫وقال أبو حيالة‪ :‬كان الربيع بن ُخثيم ُيقاد إىل الصالة وبه الفالج ‪ -‬الش�لل ‪ -‬فقيل‬
‫حبوا(‪.)3‬‬
‫حي عىل الصالة‪ ،‬فإن استطعتم فأتوها ولو ً‬
‫له‪ :‬قد رخص لك‪ .‬قال‪ :‬إين أسمع َّ‬
‫وقال وكيع بن اجلراح‪ :‬كان األعمش قري ًبا من س�بعني سنة مل تفته التكبرية األوىل‪،‬‬
‫كان من النُساك‪ ،‬وكان محُ اف ًظا عىل الصالة يف اجلامعة والصف األول(‪.)4‬‬

‫ثاب�ت بن عمر بن عبد اهلل بن الزبري‪ :‬س�مع املؤذن ي�ؤذن لصالة املغرب وهو جيود‬
‫مرضا ش�ديدً ا ‪ -‬مرض الوف�اة ‪ -‬فقال ألبنائه‪ :‬امحلوين إىل املس�جد‪،‬‬
‫بنفس�ه‪ ،‬وق�د مرض ً‬
‫فقال�وا‪ :‬أن�ت مريض واهلل قد عذرك‪ ،‬قال‪ :‬أس�مع ح�ي عىل الصالة‪ ،‬ح�ي عىل الفالح‪،‬‬
‫وأصيل يف البيت؟‪ ،‬واهلل لتحملوين إىل املسجد‪ ،‬فحملوه فقبضته املالئكة وهو يف السجدة‬
‫األخرية‪.‬‬

‫قال أحد أبنائه‪ :‬كان أيب إذا صىل الفجر دعا اهلل وسأله أن يتوفاه عىل امليتة احلسنة(‪.)5‬‬
‫وامليتة احلسنة‪ :‬أن يتوىف اهلل العبد وهو ساجد‪.‬‬
‫�راز ُت َو َّش ُح‬
‫�ط� ِ‬ ‫�ور َو ُف � � � ُر ٍ‬
‫ش ِب��ال� َّ‬ ‫ُق � ً‬
‫�ص � ٍ‬ ‫�اج� ِ�د ال إِىل‬ ‫أَ ِح � ُّ�ن ْ‬
‫اش� ِت� َي��ا ًق��ا ِل� ْل� َ�م�س� ِ‬

‫(‪« )1‬سري أعالم النبالء» (‪.)17/4‬‬


‫(‪« )2‬سري أعالم النبالء» (‪.)18/4‬‬
‫(‪« )3‬صفة الصفوة» (‪.)228/6‬‬
‫(‪« )4‬سري أعالم النبالء» (‪.)38/4‬‬
‫(‪« )5‬سري أعالم النبالء» (‪ ،)220/5‬وانظر‪« :‬صفة الصفوة» (‪.)131/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪79‬‬
‫أَ ِج � � ْ�د ُق � � َّ�ر ًة ِل�� ْل�� َع�ْي�نْ ِ ِف �ي � َه��ا َوأُ ْف� � ِل � ُ�ح‬ ‫أُ َص � ِّ�ل ��ي اش � ِت � َي��ا ًق��ا ِل � ْل � َع �ل� ِّ�ي َل َع َّلن‬
‫ُّون أَسمْ َ ُح‬ ‫َ‬ ‫�ث ِفيهَا ِع� ُّ�ز َق ْل ِبـي َح َيا ُت ُه‬
‫َح َيا ٌة أل ْج ِل ا ْل َغا ِلي ِبالد ِ‬ ‫َوا ْل�ـ� ُ�م� ْك� ُ‬
‫طلق ال يرك�ع إذا افتتح‬ ‫وق�ال س�فيان بن عيينة‪ :‬س�معت عبد الكريم يق�ول‪ :‬كان ٌ‬
‫القراءة حتى يبلغ العنكبوت‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إين أشتهي أن أقوم حتى يشتكي ُصلبي(‪.)1‬‬
‫وقال حييى بن س�عيد‪ :‬ما رأيت اً‬
‫رجل أفضل من سفيان الثوري لوال احلديث‪ ،‬كان‬
‫يصلي ما بني الظهر والعرص‪ ،‬واملغرب والعش�اء صالة‪ ،‬فإذا س�مع مذاكرة احلديث ترك‬
‫الصالة وجاء(‪.)2‬‬

‫وقال وهب‪ :‬رأيت س�فيان يف احلرم بعد املغرب‪ ،‬صىل ثم س�جد س�جدة فلم يرفع‬
‫حتى نودي للعشاء(‪.)3‬‬

‫حفصة بنت سيرين‪ :‬فاقت الرجال يف ش�وقها إىل الصالة‪ ،‬ولزومها مسجد بيتها‪،‬‬
‫مكثت يف صالهتا ثالثني سنة ال خترج إال حلاجة أو قائلة‪ ،‬وكانت تدخل مسجدها فتصيل‬
‫فيه الظهر والعرص واملغرب والعشاء والصبح‪ ،‬وال تزال فيه حتى يرتفع النهار فرتكع‪ ،‬ثم‬
‫خترج‪ ،‬فيكون عند ذلك وضوؤها ونومها‪.‬‬

‫وكان ابنه�ا اهلُزي�ل جيمع هلا احلط�ب يف الصيف‪ ،‬فيكرسه ويأخ�ذ القصب فيفلقه‪،‬‬
‫ف�إذا وجدت حفصة أمه بر ًدا يف الش�تاء جاء بالكانون فوضع�ه خلفها وهي يف مصالها‪،‬‬
‫ثم يقعد فيوقد بذلك احلطب وقو ًدا ال يؤذهيا هبا دخانه ويدفئها(‪.)4‬‬
‫ال‬ ‫�ت ال� ِّ�ن� َ�س��ا ُء َع � َل��ى ِّ‬
‫الر َج ِ‬ ‫�ض � َل� ِ‬
‫َل � ُف� ِّ‬ ‫ك� َ�م��ا َذ َ‬
‫ك ْر َنا‬ ‫�ان ال� ِّ�ن� َ�س��ا ُء َ‬
‫ك� َ‬‫َف� َل� ْو َ‬

‫(‪« )1‬حلية األولياء» (‪ ،)65/3‬وانظر‪« :‬سري أعالم النبالء» (‪.)601/4‬‬


‫(‪« )2‬احللية» (‪ ،)63/7‬وانظر‪« :‬السري» (‪.)67/7‬‬
‫(‪« )3‬السري» (‪.)182/7‬‬
‫(‪« )4‬صفة الصفوة» (‪.)20/4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪80‬‬
‫الل‬ ‫�ر َف � ْ‬
‫�خ� � ٌر ِل ْل ِه ِ‬ ‫ال ْس��م َّ‬
‫َو َم � ��ا ال � َّ�ت � ْ�ذ ِ‬
‫ك�ي ُ‬ ‫س َع ْي ٌب‬
‫الش ْم ِ‬ ‫َّ ْ ُ‬
‫َو َم��ا التأ ِنيث ِ ِ‬
‫فأين املبكِّرون إىل املس�اجد؟‪ ،‬وأين أصحاب الصف األول‪ ،‬وأين املحافظون عىل‬
‫التكبيرة األوىل ؟‪ ،‬فإن املس�اجد تش�تكي إىل اهلل القطيعة‪ ،‬وقلة املصلين‪ ،‬فكثري من أهل‬
‫اإلسلام ‪ -‬إال من رحم اهلل ‪ -‬جعلوا هذه الصلاة حجر عثرة يف طريق عملهم‪ ،‬فقدموا‬
‫العم�ل والبح�ث عن املال‪ ،‬ومصادر الكس�ب عن الصالة‪ ،‬أكلوا نع�م اهلل التي ال تحُ ىص‬
‫يشء يفكرون فيه يف حياهتم‪،‬‬ ‫ونس�وا حقه‪ ،‬وأمهلوا ش�عائره‪ ،‬وجعلوا هذه الفريضة آخر ٍ‬

‫فمن أين يأيت النرص؟‪ ،‬ومن أين يأيت التمكني؟‪ ،‬ومن أين يأيت اخلري والفضل؟‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫�ج � � َل � � ُة َ‬
‫َو َل�� � ِك� � ْ�ن أَ ْي � � � َ�ن َص� � � � ْو ٌت ِم � � ْ�ن ِب �ل ِ‬
‫�ال‬ ‫ٍّ�ي‬ ‫األ َذان ِب � � ُك� � ِّ�ل َح��‬ ‫َو َج � � ْل� � َ‬
‫ُك� ْ�م ِم � َ�ن ا ْل � ُع� َّ�ب��ا ِد َخ ِ‬
‫�ج �د ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ال‬ ‫َو َم� ْ�س� ِ‬ ‫َم �ن��ا ِئ � ُرك� ْ�م َع��ل� ْ�ت فيِ ك���ل َس � ٍ‬
‫�اح‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫�اج� � � ِ�د َن� � ��ا ا ْل� � � ِف�� � َ�س�� � ْ‬
‫�اح‬ ‫�ط� � � � � ُ‬ ‫�ص � � � َن � � � ُع َ‬
‫األ ْب� � � � � َ‬ ‫ال ُت� � � ْ‬
‫فيِ َم� � � َ�س� � � ِ‬ ‫�ال إِال‬
‫ِظ � � ِّ�ل َ‬
‫�اح‬
‫�ح � ْ‬‫�ص � َ‬ ‫�ث ال � ِّ‬ ‫األ َح� � ��ا ِدي� � � ِ‬ ‫فيِ‬ ‫فيِ َر ْو َض � � � � � � � � � � � � � ِة ا ْل� � � � � � � ُق� � � � � � � ْر ِ‬
‫آن‬
‫َو َر ٌق َت � � � � � � � � � � � ْ�ذ ُرو ُه ال � � � � ِّ�ر َي � � � � ْ‬
‫�اح‬ ‫�ب ِب� � � َغ� � � ْي� � �ـ�� � ِ�ر َع � � � ِق � � �ي� � � َ�د ٍة‬ ‫َش� � � � ْع�� � � ٌ‬
‫�ان َح� � � � َّ�ي َع� � � َل � ��ى ا ْل� � � ِك� � � َف � � ْ‬
‫�اح‬ ‫َخ� � � � � َ‬ ‫�ان َح � � َّ�ي َع� � َل ��ى ال � َّ‬
‫�ص�ل�ا ِة‬ ‫َم � � ْ�ن َخ� � � َ‬

‫فوائد وثمرات الصالة‬


‫محو الخطايا ورفع الدرجات‪:‬‬

‫‪[ :4‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬


‫ﯗ ﯘ ﯙ ] [‪.]114 :K‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪81‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬أال أدلكم على ما ميحو‬
‫اهلل ب ��ه اخلطاي ��ا ويرف ��ع به الدرجات»‪ ،‬قالوا‪ :‬بىل يا رس�ول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬إس ��باغ الوضوء‬
‫عل ��ى امل ��كاره‪ ،‬وكث ��رة اخلط ��ى إىل املس ��اجد‪ ،‬وانتظار الص�ل�اة بعد الص�ل�اة‪ ،‬فذلكم‬
‫الرباط»(‪.)1‬‬

‫استغفار المالئكة للمصلي‪:‬‬

‫فع�ن أيب هري�رة ‪ I‬أن النب�ي ‪ 0‬ق�ال‪« :‬ال ي ��زال العب ��د يف الص�ل�اة‬
‫ما كان يف مصال ُه ينتظر الصالة‪ ،‬واملالئكة تقول‪ :‬اللهم اغفر له‪ ،‬اللهم ارمحه‪ ،‬حتى‬
‫ينصرف أو يحُْ ِد َث»(‪.)2‬‬

‫إظالل اهلل للعبد يوم القيامة‪:‬‬

‫فعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول ‪« :0‬س ��بعة يظلهم اهلل يف ظله‬
‫يوم ال ظل إال ظله‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وش ��اب نش ��أ يف عبادة اهلل‪ ،‬ورجل قلبه معلق باملساجد‪،‬‬
‫ورجالن حتابا يف اهلل اجتمعا عليه وتفرقا عليه‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى‬
‫ال تعلم مشا ُل ُه ما تنفق ميينه‪ ،‬ورجل ذكر اهلل خال ًيا ففاضت عيناه»(‪.)3‬‬

‫النور التام يوم القيامة‪:‬‬

‫عن بريدة ‪ I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬بشر املشائني يف الظلم إىل املساجد‬
‫بالنور التام يوم القيامة»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]825‬ومسلم [‪ ،]667‬واملكاره‪ :‬هي الربد الشديد‪ ،‬أو املرض الذي يكسل‬
‫صاحبه عن احلركة ونحو ذلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]477‬ومسلم [‪.]649‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]660‬ومسلم [‪.]1031‬‬
‫(‪ )4‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]561‬والرتمذي [‪ ،]223‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحح اجلامع»‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪82‬‬

‫البراءة من النار‪:‬‬

‫ع�ن أن�س ‪ I‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬من صل ��ى هلل أربعني ً‬
‫يوما‬
‫يف مجاع ��ة‪ ،‬ي ��درك التكب�ي�رة األوىل‪ ،‬كت ��ب ل ��ه براءتان‪ :‬ب ��راءة من النار‪ ،‬وب ��راءة من‬
‫النفاق»(‪.)1‬‬

‫سبب لدخول الجنة‪:‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬


‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ] [‪.]11- 9 :i‬‬
‫الله�م أرنا احل�ق ح ًقا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرن�ا الباطل اً‬
‫باطل وارزقن�ا اجتنابه‪ ،‬ونبهنا‬
‫إىل اغتن�ام أوق�ات املهلة‪ ،‬وأيقظنا من رق�دة الفضلة‪ ،‬وصىل اهلل عىل نبين�ا حممد وعىل آله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫=‬
‫برقم [‪.]2823‬‬
‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]259‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]6365‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪83‬‬

‫الحج‬
‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬احلج املربور ليس له‬
‫جزاء إال اجلنة‪ ،‬وعمرتان تكفران ما بينهما من الذنوب»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل‪« :0‬م ��ن أتى ه ��ذا البيت‬
‫فلم يرفث ومل يفسق رجع كما ولدته أمه»(‪.)2‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬م ��ن حج فل ��م يرفث‬
‫ومل يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه»(‪.)3‬‬

‫وعن ابن عباس ‪ L‬قال‪ :‬بينام رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته ‪-‬‬
‫قال النبي ‪« :0‬اغسلوه مباء وسدر‪ ،‬وكفنوه يف ثوبني‪ ،‬وال حتنطوه وال ختمروا‬
‫رأسه‪ ،‬فإنه يبعث يوم القيامة ملب ًيا»(‪.)4‬‬

‫فضل المتابعة بين العمرة والعمرة‪:‬‬

‫ع�ن أيب هريرة ‪ I‬قال‪« :‬العمرة إىل العمرة كفارة ملابينهما‪ ،‬واحلج املربور‬
‫ليس له جزاء إال اجلنة»(‪.)5‬‬

‫قوله‪« :‬العمرة إىل العمرة كفارة ملا بينهما» أشار ابن عبد الرب إىل أن املراد تكفري‬
‫الصغائر قال‪ :‬وذهب بعض العلامء من عرصنا إىل تعميم ذلك‪ ،‬ثم بالغ يف اإلنكار عليه‪.‬‬
‫واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فامذا العمرة؟‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أمحد [‪.]10199‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]3357‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪.]816‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]1265‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1773‬ومسلم [‪ ،]1349‬ومالك يف «املوطأ» [‪.]990‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪84‬‬
‫واجلواب‪ :‬أن تكفري العمرة مقيد بزمنها‪ ،‬وتكفري االجتناب عام جلميع عمر العبد‪،‬‬
‫فتغاي�را من هذه احليثية‪.‬وأما مناس�بة احلديث ألحد ش�قي الرتمجة وه�و وجوب العمرة‬
‫فمش�كل‪ ،‬بخالف الش�ق اآلخر وهو فضلها فإنه واضح‪ ،‬وكأن املصنف واهلل أعلم أشار‬
‫إىل م�ا ورد يف بع�ض طرق احلديث املذكور وهو م�ا أخرجه الرتمذي ‪ I‬وغريه من‬
‫حدي�ث ابن مس�عود ‪ I‬مرفو ًع�ا «تابعوا بني احل ��ج والعمرة ف ��إن متابعة بينهما‬
‫تنف ��ي الذن ��وب والفقر كما ينفي الكري خبث احلديد‪ .‬ولي ��س للحجة املربورة ثواب‬
‫إال اجلنة»‪ ،‬فإن ظاهره التسوية بني أصل احلج والعمرة فيوافق قول ابن عباس ‪:L‬‬
‫مربورا قدر زائ�د‪ ،‬ووقع عند‬
‫ً‬ ‫«إهن�ا لقرينته�ا يف كت�اب اهلل»وأم�ا إذا اتصف احلج بكون�ه‬
‫أمح�د وغيره من حديث جاب�ر مرفو ًعا‪« :‬احلج امل�ب�رور ليس له ج ��زاء إال اجلنة»‪ .‬قيل‬
‫يا رسول اهلل‪ 0‬ما بر احلج؟ قال‪« :‬إطعام الطعام وإفشاء السالم»‪ ،‬ففي هذا تفسري‬
‫املراد بالرب يف احلج‪ ،‬ويستفاد من حديث ابن مسعود ‪ I‬املذكور املراد بالتفكري املبهم‬
‫يف حدي�ث أيب هري�رة‪ ،I ،‬ويف حديث الباب داللة عىل اس�تحباب االس�تكثار من‬
‫االعتامر خال ًفا لقول من قال يكره أن يعتمر يف السنة أكثر من مرة كاملالكية وملن قال مرة‬
‫يف الش�هر من غريهم واس�تدل هلم بأنه ‪ 0‬مل يفعلها إال من س�نة إىل س�نة‪ ،‬وأفعاله‬
‫على الوجوب أو الندب‪ ،‬وتعقب بأن املندوب مل ينحرص يف أفعاله‪ ،‬فقد كان يرتك اليشء‬
‫وهو يستحب فعله لرفع املشقة عن أمته‪ ،‬وقد ندب إىل ذلك بلفظه فثبت االستحباب من‬
‫متلبسا بأعامل احلج‪ ،‬إال ما نقل‬
‫ً‬ ‫غري تقييد‪ .‬واتفقوا عىل جوازها يف مجيع األيام ملن مل يكن‬
‫عن احلنفية أنه يكره يف يوم عرفة ويوم النحر وأيام الترشيق(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬فتح الباري» البن حجر(‪.)471/5‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪85‬‬

‫الحياء‬
‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪«:0‬احلياء من اإلميان واإلميان‬
‫يف اجلنة‪ ،‬والبذاء من اجلفاء واجلفاء يف النار»(‪.)1‬‬

‫احلياء‪ :‬أمارة صادقة عىل طبيعة اإلنسان‪ ،‬فهو يكشف عن قيمة إيامنه ومقدار أدبه‪.‬‬
‫وعىل حسب حياة القلب‪ ،‬يكون خلق احلياء‪ ،‬وقلة احلياء من موت القلب والروح‪ ،‬فكلام‬
‫كان القل�ب أحي�ا كان احلياء أتم‪ ،‬وهو يتولد من رؤي�ة اآلالء ورؤية التقصري‪ ،‬وحقيقته‪:‬‬
‫خلق يبعث عىل ترك القبائح‪ ،‬ويمنع من التفريط يف حق صاحب احلق‪.‬‬
‫ٌ‬

‫اهلل ‪ D‬حيي يحب الحياء‪:‬‬


‫عن سلامن ‪ I‬أن رسول اهلل‪ 0‬قال‪« :‬إن اهلل ٌ‬
‫حيي كريم‪ ،‬يستحي أن‬
‫يرفع الرجل إليه يديه أن يردهما صف ًرا خائبتني»(‪.)2‬‬
‫وعن يعىل بن ُأمية‪ ،I‬أن رسول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬إن اهلل ‪ٌّ c‬‬
‫حيي ستري‬
‫حيب احلياء والسرت‪ ،‬فإذا اغتسل أحدكم فليسترت»(‪.)3‬‬
‫نوع آخر‪ ،‬ال تدركه‬
‫ق�ال اب�ن القيم ‪« :V‬أما حيا ُء الرب ‪ c‬من عب�ده‪ ،‬فذاك ٌ‬
‫األفهام‪ ،‬وال تكيفه العقول‪ ،‬فإنه حيا ٌء كرم وبر وجود وجالل‪ ،‬فإنه ‪ٌّ F‬‬
‫حيي كريم‪،‬‬
‫صفرا‪ ،‬ويستحي أن يعذب ذا شيبة شابت‬
‫يس�تحي من عبده‪ ،‬إذا رفع إليه يديه أن يردمها ً‬
‫يف اإلسالم»(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ]2140‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]3547‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]1488‬والرتم�ذي [‪ ،]3556‬وق�ال الرتمذي «حس�ن غريب»وصححه‬
‫الشيخ األلباين يف «صحيح الرتمذي» (‪ ،)179/3‬و«صحيح ابن ماجه» (‪.)331/2‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]4012‬والنس�ائي [‪ ،]407‬والبيهق�ي(‪ ،)161/6‬وأمح�د (‪،)224/4‬‬
‫وصححه الشيخ األلباين يف «اإلرواء» (‪ ،)367/7‬و«صحيح سنن النسائي» (‪.)87/1‬‬
‫(‪« )4‬مدارج السالكني» (‪ )261/2‬البن القيم‪ ،‬ط‪ :‬دار األدب العريب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪86‬‬
‫حيي»‪ :‬فعيل من احلياء‪ ،‬أي‪ :‬كثري احلياء‪ ،‬ووصفه‬
‫وقال املباركفوري‪« :‬قوله‪ :‬إن اهلل ٌّ‬
‫‪ c‬باحلياء يحُ مل عىل ما يليق به‪ ،‬كسائر صفاته‪ ،‬نؤمن هبا وال نكيفها» (‪. )1‬‬

‫وقال املناوي‪« :‬قال التوربش�تي‪ :‬وإنام كان اهلل حيب احلياء والستر‪ ،‬ألهنام خصلتان‬
‫ُيفضيان به ‪ -‬إىل التخلق بأخالق اهلل»(‪.)2‬‬

‫وق�ال اب�ن قي�م اجلوزية ‪« :V‬م�ن واف�ق اهلل يف صفة م�ن صفات�ه‪ ،‬قادته تلك‬
‫الصف�ة إلي�ه بزمامها‪ ،‬وأدخلت�ه عىل ربه‪ ،‬وأدنت�ه وقربته من رمحته‪ ،‬وصريت�ه حمبو ًبا‪ ،‬فإنه‬
‫حيب املؤمن‬
‫قوي ُ‬
‫حي�ب العلامء‪ٌ ،‬‬
‫س�بحانه رحيم حي�ب الرمحاء‪ ،‬كريم يحُ ب الكرماء‪ ،‬عليم ُ‬
‫حيي يحُ �ب أهل احلياء‪ ،‬مجي�ل حيب أهل‬
‫القوي‪،‬وه�و أح�ب إلي�ه من املؤم�ن الضعيف‪ٌّ ،‬‬
‫وتر حيب الوتر»(‪.)3‬‬
‫اجلامل ٌ‬
‫فضائل الحياء‪:‬‬

‫احلياة ُخ ُل ٌق عظيم‪ ،‬ومقا ٌم كبري‪ ،‬ويكفي أنه صفة من صفات رب العاملني‪.‬‬


‫فع�ن عب�د اهلل بن مس�عود ‪ I‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن مما أدرك‬
‫الناس من كالم النبوة األوىل‪ :‬إذا مل تستح فاصنع ما شئت»(‪.)4‬‬

‫وع�ن عب�د اهلل بن عباس ‪ L‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن لكل دين‬
‫ُخل ًقا‪ ،‬وإن ُخ ُلق اإلسالم احلياء»(‪. )5‬‬

‫(‪« )1‬حتفة األحوذي» (‪ )544/9‬للمباركفوري‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن حزم‪.‬‬


‫(‪« )2‬فيض القدير» (‪ )228/2‬للمناوي‪ ،‬ط‪ :‬دار إحياء الرتاث‪.‬‬
‫(‪« )3‬اجلواب الكايف»‪ ،‬ص‪ ]77[ :‬البن القيم‪ ،‬ط‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬وانظر‪« :‬احلياء ُخلق اإلسالم» (‪)22/20‬‬
‫ملحمد اسامعيل املقدم‪ ،‬ط‪ :‬دار الصفوة‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3296‬وأمحد (‪ ،)121/4‬وابن ماجه [‪.]4183‬‬
‫(‪ )5‬حسن‪ :‬رواه ابن ماجه [‪ ،]4181‬وحسنه األلباين يف «صحيح اجلامع»برقم [‪]2145‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪87‬‬
‫وع�ن عم�ران بن ُحصين ‪ I‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬احلياء خ ٌ‬
‫ري‬
‫كله»(‪.)1‬‬

‫أيض�ا ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬احلي ��اء ال يأت ��ي إال‬
‫وعن�ه ً‬
‫خبري»(‪.)2‬‬

‫وعن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن احلياء واإلميان‬
‫ُقرنا مجي ًعا‪ ،‬فإذا ُرفع أحدهما ُرفع اآلخر»(‪.)3‬‬

‫وعن أيب أمامة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬احلياء والعي(‪ )4‬شعبتان‬
‫من اإلميان‪ ،‬والبذاء والبيان(‪ )5‬شعبتان من النفاق»(‪.)6‬‬

‫وع�ن عب�د اهلل ب�ن عم�ر ‪ L‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬احلي ��اء من‬
‫اإلميان»(‪.)7‬‬
‫ل� �ف ��ظ ال� �ن�ب�ي وخ �ي��ر ك� �ل ��ه فيه‬ ‫إن احل �ي��اء م��ن اإلمي� ��ان ج ��اء به‬
‫ول� �ي ��س ي� �ع ��رف ه� ��ذا غ�ي�ر منتبه‬ ‫فليتصف كل من ي��رى مشاهده‬
‫م� � ��راق� � ��ب ق� �ل� �ب���ه ل� � � ��دى تقلبه‬ ‫م�س�ت�ي�ق��ظ غ�ي�ر ن� ��وام وال كسل‬
‫جاء التخلق باألمساء فاحظ به‬ ‫إن احل��ي��ي م ��ن أمس� ��اء اهلل وقد‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]37‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5766‬ومسلم [‪.]37‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه احلاكم يف «املس�تدرك» (‪ ،)73/1‬والبيهقي يف ُ‬
‫«شعب اإليامن» (‪ ،)140/6‬والبخاري‬
‫يف «األدب املفرد» [‪ ،]1313‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]1599‬‬
‫(‪ )4‬العي‪ :‬سكوت اللسان خشية الوقوع فيام ال حيل‪ )5( .‬البيان‪ :‬فصاحة اللسان وإن كان بغري حق‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]2027‬وأمحد(‪ ،)269/5‬واحلاكم (‪ ،)51/1‬وصححه الشيخ األلباين يف‬
‫«صحيح اجلامع»برقم [‪.]3196‬‬
‫(‪ )7‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]36‬والرتمذي [‪.]2615‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪88‬‬
‫وقال أعرايب من طيئ‪:‬‬
‫وال ال ��دن� �ي ��ا إذا ذه � ��ب احل� �ي ��ا ُء‬ ‫ف�ل�ا وأب� �ي ��ك م ��ا يف ال �ع �ي��ش خري‬
‫وي �ب �ق��ى ال� � ُع ��و ُد م��ا ب �ق��ى اللحا ُء‬ ‫ي �ع �ي��ش امل�� ��ر ُء م ��ا اس �ت �ح �ي��ا خبري‬
‫وقال الشاعر طرفة بن العبد‪:‬‬
‫ي ��دل ع�ل��ى ف�ض��ل ال �ك��ري��م حياؤ ُه‬ ‫�ك فإمنا‬ ‫ح� �ي � َ‬
‫�اؤك ف��اح �ف �ظ � ُه ع �ل �ي� َ‬
‫ر يف وج�� � ٍه إذا ق� � َّ�ل م� ��ا ُؤه‬
‫وال خ �ي� َ‬ ‫إذا ق�� َّ�ل م� ��ا ُء ال ��وج� � ِه ق��ل ح��ي ��ا ُؤ ُه‬
‫قالت أم املؤمنني عائشة ‪« :J‬احلياء رأس مكارم األخالق»‪.‬‬
‫وق�ال ابن عط�اء‪« :‬العلم األكرب‪ :‬اهليبة واحلياء‪ ،‬فإذا ذهب�ت اهليبة واحلياء‪ ،‬مل يبق‬
‫فيه خري‪ ،‬أي يف القلب»‪.‬‬
‫ِ‬
‫وحش�ة ما س�بق منك من‬ ‫وق�ال ذو الن�ون‪« :‬احلي�اء وج�ود اهليب�ة يف القل�ب‪ ،‬مع‬
‫ربك»‪.‬‬

‫وق�ال أب�و العباس املؤدب‪« :‬قال السري‪ :‬إن احلياء واألنس يطرق�ان القلب‪ ،‬فإذا‬
‫وجدا فيه الزهد والورع‪ :‬ح َّطا‪ ،‬وإالَّ َر َحالَ»‪.‬‬

‫وقال الفضيل‪« :‬مخس من عالمات الش�قاء‪ :‬القسوة يف القلب‪ ،‬ومجود العني‪ ،‬وقلة‬
‫احلياء‪ ،‬والرغبة يف الدنيا‪ ،‬وطول األمل»‪.‬‬
‫وقال أبو عيل الدقاق‪« :‬احليا ُء ترك الدعوى بني يدي اهلل ‪.»D‬‬
‫وقال أبو بكر‪«:‬ربام ُأصيل هلل ‪ c‬ركعتني‪ ،‬فأنرصف عنهام وأنا بمنزلة من ينرصف‬
‫عن الرسقة‪ ،‬من احلياء»‪.‬‬
‫ولباسه التقوى‪ ،‬وزينته احلياء»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقال وهب بن منبه‪« :‬اإليامن عريان‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪89‬‬
‫وقال احلسن‪« :‬احلياء والتكرم خصلتان من خصال اخلري‪ ،‬مل يكونا يف ٍ‬
‫عبد إال رفعه‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اهلل هبام»‪.‬‬
‫وقال األصمعي‪« :‬س�معت أعراب ًيا يقول‪ :‬من كس�اه احلي�اء ثوبه‪ ،‬خفى عن الناس‬
‫عيب ُه»‪.‬‬
‫ويف التفسري‪ [ :‬ﭾ ﭿ ﮀﮁ ] [‪ .]26 :C‬قالوا‪ :‬احلياء‪.‬‬
‫«واحلي�اء متام الكرم‪ ،‬ومواطن الرض�ا‪ ،‬وممهد الثناء‪ ،‬وموفر العقل‪ ،‬ومعظم القدر‪،‬‬
‫وداع إىل الرغبة»‪.‬‬
‫جمريا»(‪.)1‬‬
‫ربا‪ ،‬ومن الذم ً‬
‫وقيل‪« :‬كفي باحلياء عىل اخلري دليالً‪ ،‬وعن السالمة خم ً‬
‫قال العرجي‪:‬‬
‫ب� �ك ��ل ق �ب �ي��ح ك � ��ان م� �ن ��ه جدير‬ ‫إذا ُح� � � � ِ�ر َم امل � � ��ر ُء احل � �ي� ��ا َء فإنه‬
‫م�� �ب� ��اح وج� � ��دن� � ��اه خ� �ن���ا وغ � � ��رور‬ ‫ل� ��ه ق� �ح ��ة يف ك� ��ل ش � ��يء وس� ��ره‬
‫ول�ل�س�م��ع م �ن��ه يف ال �ع �ظ��ات نفور‬ ‫ي��رى الشتم مدحا وال��دن��اءة رفعة‬
‫ب �غ �ي��ض إل� �ي ��ه م� ��ا ي��ش�ي�ن كثري‬ ‫ووج� ��ه احل��ي��اء م�ل�ب��س ج �ل��د رقة‬
‫ح�ل�ي��م ل ��دى ج�ه��ل اجل �ه��ول وقور‬ ‫ل� � ��ه رغ� � �ب�� ��ة يف أم � � � � ��ره وجت� � ��رد‬

‫أقسام الحياء‪:‬‬
‫قال ابن القيم ‪« :V‬ينقسم احلياء إىل عرشة أوجه‪ :‬حياء اجلناية‪ .‬وحياء التقصري‪.‬‬
‫وحي�اء اإلجلال‪ .‬وحياء الكرم‪ .‬وحياء احلش�مة‪ .‬وحياء اس�تصغار النف�س واحتقارها‬
‫وحياء املحبة‪ .‬وحياء العبودية‪ .‬وحياء رشف وعزة‪ .‬وحياء ا ُملستحي من نفسه»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬ه�ذه اآلث�ار م�ن كتاب «م�كارم األخلاق»‪ :‬ص‪ .]16[:‬البن أيب الدني�ا‪ ،‬ط‪ :‬دار املع�ارف‪ ،‬و«هبجة‬
‫املجال�س» (‪ )590/1‬الب�ن عب�د البر‪« ،‬ولب�ان اآلدب»‪ ،‬ص‪ .)287 - 284( :‬ألس�امة ب�ن منقذ‪،‬‬
‫ط‪ :‬مكتبة السنة‪.‬‬
‫(‪« )2‬مدارج السالكني» ( ‪ )261/2‬لإلمام ابن القيم‪ ،‬ط‪ :‬دار األدب العريب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪90‬‬
‫ً‬
‫أوالـ حياء الجناية‪:‬‬

‫أفرارا مني يا آدم‪،‬‬


‫ومن ��ه‪ :‬حي�اء آدم ‪ S‬ملا فر هار ًبا يف اجلنة‪ ،‬ق�ال اهلل ‪ c‬له‪ً :‬‬
‫قال‪ :‬ال يا رب‪ ،‬بل حيا ًء منك‪.‬‬

‫ومنه‪ :‬حياء األنبياء ‪ Q‬يف عرصات القيامة‪ ،‬وليس عندهم ما ُيزري بمراتبهم‬
‫العالية السامية‪.‬‬

‫فع�ن أن�س ‪ I‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬جيم ��ع اهلل الناس ي ��وم القيامة‪،‬‬
‫فيهتمون لذلك‪ ،‬فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إىل ربنا‪ ،‬حتى يُرحينا من مكاننا هذا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيأتون آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت آدم أبو اخللق‪ ،‬خلقك اهلل بيده‪ ،‬ونفخ فيك من ُروحه‪ ،‬وأمر‬
‫املالئكة فسجدُوا لك‪ ،‬اشفع لنا عند ربك حتى يرحينا من مكاننا هذا‪ .‬فيقول‪ُ :‬‬
‫لست‬
‫نوحا‪ :‬أول‬
‫هناك ��م‪ ،‬فيذك ��ر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬فيس ��تحي ربه منها‪..‬ولكن ائت ��وا ً‬
‫ُ‬
‫هناكم‪ .‬فيذكر‬ ‫نوحا‪ ،‬فيقول‪ :‬لس � ُ‬
‫�ت‬ ‫رس ��ول بعثه اهلل إىل أهل األرض‪ .‬قال‪ :‬فيأتون ً‬
‫خطيئته اليت أصاب‪ ،‬فيستحي ربه منها‪ ..‬ولكن ائتوا إبراهيم الذي اختذه اهلل خليلاً ‪.‬‬
‫فيأت ��ون إبراهيم‪ ،‬فيقول‪ :‬لس ��ت هناكم‪ .‬وذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬فيس ��تحي ربه‬
‫منها‪ .‬ولكن ائتو موسى الذي كلمه اهلل‪ ،‬وأعطاه التوراة قال‪ :‬فيأتون موسى‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫لس � ُ‬
‫�ت هناكم‪ .‬ويذكر خطيئته اليت أصاب‪ ،‬فيستحي ربه منها‪ ..‬ولكن ائتو عيسى‬
‫روح اهلل وكلمته‪ ،‬فيأتون عيسى روح اهلل وكلمته فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ولكن ائتوا‬
‫عبدا غفر اهلل له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫حممدا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫«فيأتون�ن�ي‪ ،‬فأس ��تأذن عل ��ى ربي‪ ،‬ف ُي� � ْؤ َذن لي‪ ،‬ف ��إذا أنا رأيت ��ه وقعت س � ً‬
‫�اجدا‪ ،‬فيدعين‬
‫ما شاء اهلل‪ ،‬فيقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬ارفع‪ ،‬قل يُسمع‪ ،‬سل تعطه‪ ،‬اشفع تشفع»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]7002‬ومسلم [‪.]193‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪91‬‬
‫ريت بين أن ُأبعث فأدخل‬
‫ق�ال حمم�د بن حات�م‪ :‬قال ال ُفضي�ل بن عياض‪« :‬ل�و ُخ ُ‬
‫اجلن�ة‪ ،‬وبين أن ال ُأبعث‪ ،‬ال خترت أن ال أبعث»‪ .‬قيل ملحمد بن حات�م هذا من احلياء‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم وش�هد الفضيل ‪ V‬املوقف األرشف يوم عرفات‪ ،‬فرفع رأس�ه إىل السماء‪،‬‬
‫وقد قبض عىل حليته‪ ،‬وهو يبكي بكاء الثكيل‪ ،‬ويقول‪«:‬واسوأتاه منك‪ ،‬وإن عفوت!!»‪.‬‬
‫يا حسرة القلب من ألطاف معناه‬ ‫يا خجلة العبد من إحسان سيده‬
‫واخ �ج �ل�تي واح �ي��ائ��ي ح�ي�ن ألقاه‬ ‫ف �ك��م أس� ��أت وب��اإلح��س��ان قابلين‬
‫وق ��د رآن ��ي ع�ل��ى م��ا ل�ي��س يرضاه‬ ‫يا نفس كم خبفي اللطف عاملين‬
‫وم � ��ا أق � � ��ال ع � �ث� ��اري ث� ��م إال هو‬ ‫يا نفس كم زل��ة زل��ت بها قدمي‬
‫وص� ��اب� ��ري ف��ي��ه إي� �ق ��ا ًن ��ا ب���رؤي���ا ُه‬ ‫يا نفس توبي إىل موالك واجتهدي‬

‫أجزع! ومن‬
‫ُ‬ ‫اجلزع‪ ،‬قال‪ :‬مايل ال‬
‫ُ‬ ‫ملا احتُرض األسود بن يزيد بكى‪ ،‬فقيل له‪« :‬ما هذا‬
‫صنعت! إن‬
‫ُ‬ ‫أح�ق بذلك مني! واهلل ل�و ُأ ُ‬
‫تيت باملغفرة من اهلل ‪ D‬ألمهني احلي�اء منه مما‬ ‫ُ‬
‫الرجل ليكون بينه وبني الرجل الذنب الصغري فيعفو عنه‪ ،‬وال ُ‬
‫يزال مستحي ًيا منه‪.»..‬‬
‫ه� ��ذا وإن ق ��دم ��وا ع �ل��ى اجلنات‬ ‫ي��ا ح �س��ر َة ال�ع��اص�ين عند معادهم‬
‫س �ت�ر ال �ق �ب �ي��ح ف��ي��اهل��ا ح��س��رات‬ ‫ل��و مل يكن إال احل �ي��اء م��ن الذي‬
‫قال احلس�ن‪« :‬لو مل نبك إال للحياء من ذلك املقام‪ ،‬لكان ينبغي لنا أن نبكي فنُطيل‬
‫البكاء»‪.‬‬

‫دخ�ل أبو حامد اخللقاين عىل اإلمام أمحد‪ ،‬إمام أهل الس�نة واجلامعة‪ ،‬فأنش�ده هذه‬
‫األبيات‪.‬‬
‫أم � � � ��ا اس � �ت � �ح � �ي � �ي� ��ت ت��ع��ص��ي�ن�ي‬ ‫إذا م� � � � ��ا ق� � � � � � ��ال ل� � � � ��ي رب � � ��ي‬
‫وب� � � ��ال� � � �ع � � � �ص� � � �ي� � � ��ان ت � ��أت� � �ي �ن��ي‬ ‫وتخُ � � �ف � ��ى ال � ��ذن � ��ب م � ��ن خلقي‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪92‬‬
‫ُي � � � �ع� � � ��ات � � � �ب � �ن ��ي وي� � �ق� � �ص� � �ي �ن��ي‬ ‫ف � � � � �م� � � � ��ا ق� � � � � ��ول� � � � � ��ي ل � � � � � � ��ه مل � ��ا‬

‫فأم�ره اإلمام أمحد بإعادهتا‪ ،‬فأعادها عليه‪ ،‬فدخل غرفته وأغلق عىل نفس�ه وجعل‬
‫ُيردد هذه األبيات ويبكي‪.‬‬
‫فال تقل خلوت ولكن قل على ُ‬
‫رقيب‬ ‫�وم���ا‬
‫إذا م� ��اخ � �ل� ��وت ال � ��ده � ��ر ي�� ً‬
‫أو أن م� ��ا تخُ � �ف� �ي ��ه ع� �ن ��ه يغيب‬ ‫وال حت� �س�ب�ن اهلل ي �غ �ف��ل طرفة‬
‫‬
‫وال��ن��ف��س داع� �ي ��ة إىل الطغيان‬ ‫وإذا خ� �ل���وت ب ��ري� �ب ��ة يف ظلمة‬
‫إن ال � ��ذي خ �ل��ق ال� �ظ�ل�ام يراني‬ ‫فاستحي م��ن نظر اإلل��ه و ُق��ل هلا‬

‫حياء التقصير‪:‬‬

‫تسبيحا ال ينقطع ال يف الليل وال يف النهار‪،‬‬


‫ً‬ ‫كحياء املالئكة الذين يسبحون هلل ‪c‬‬
‫ومس�تغرقني يف طاع�ة اهلل ‪ ،D‬وه�م يفخرون عىل بني اإلنس�ان بذل�ك‪ ،‬وحق هلم أن‬
‫يفخروا‪ ،‬ومع هذا فإذا كان يوم القيامة قالوا‪:‬سبحانك ما عبد ناك حق عبادتك‪.‬‬

‫حياء اإلجالل‪:‬‬

‫ه�و حياء املعرفة‪ ،‬وعىل حس�ب معرفة العبد بربه يكون حي�اؤه منه‪ ،‬قال عمرو بن‬
‫مألت‬
‫ُ‬ ‫كنت ألش�د الناس حياء من رس�ول اهلل ‪ ،0‬فام‬
‫العاص ‪« :I‬واهلل‪ ،‬إن ُ‬
‫عيني من رسول اهلل ‪ 0‬وال راجعته بام أريد‪ ،‬حتى حلق باهلل ‪ ،D‬حيا ًء منه»(‪.)1‬‬
‫اً‬
‫إجالل لكبار الصحابة ممن‬ ‫وهاهو عبد اهلل بن عمر ‪ L‬يف موقف يظهر حياءه‬
‫هم أس ُن منه‪:‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)204/4‬وصححه الشيخ األلباين يف«صحيح اجلامع» برقم [‪.]2357‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪93‬‬
‫فع�ن عب�د اهلل ب�ن عم�ر ‪ ،L‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬إن من الش ��جر‬
‫ش ��جرة ال يس ��قط ورقها‪ ،‬وهي مثل املس ��لم‪ ،‬حدثوني ما هي؟» فوقع الناس يف ش�جر‬
‫فاستحييت‪ ،‬فقالوا يا رسول اهلل‪ ،‬أخربنا‬
‫ُ‬ ‫البادية‪ ،‬ووقع يف نفيس أهنا النخلة‪ .‬قال عبد اهلل‪:‬‬
‫هبا‪ .‬فقال رسول اهلل‪« :0‬هي النخلة»‪ .‬قال عبد اهلل‪ :‬فحدثت أيب بام وقع يف نفيس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ألن تكون قلتها أحب إىل من أن يكون يل كذا وكذا(‪.)1‬‬
‫أط� � � � � ��رق� � � � � ��ت م� � � � � ��ن إج � �ل ��ال� � � ��ه‬ ‫أش�� � � � �ت� � � � ��اق� � � � ��ه ف� � � � � � � � � � ��إذا ب � � � ��دا‬
‫وص� � � � � � �ي � � � � � ��ان � � � � � ��ة جل� � � �م�� � ��ال�� � ��ه‬ ‫ال خ� � � �ي� � � �ف � � ��ة ب � � � � � ��ل ه�� �ي�� �ب� ��ة‬
‫وال� � � � �ع� � � � �ي � � � ��ش يف إق� � � �ب � � ��ال � � ��ه‬ ‫امل� � � � � � � � � � � � � ��وت يف إدب� � � � � � � � � � � � � ��اره‬
‫خ� � �ي � ��ال � ��ه‬ ‫ط � � � �ي� � � ��ف‬ ‫وأروم‬ ‫وأص� � � � � � � � ��د ع� � � �ن�� � ��ه إذا ب�� � ��دا‬

‫حياء الكرم‪:‬‬

‫كحي�اء النب�ي ‪ 0‬م�ن الق�وم الذي�ن دعاه�م إىل وليم�ة زين�ب‪ ،‬وطول�وا‬
‫اجلل�وس عنده‪ ،‬فقام واس�تحيا أن يقول هلم‪ :‬انرصف�وا‪ ،‬فقال اهلل ‪[ :D‬ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ] [‪.]53 :2‬‬

‫حياء الحشمة‪:‬‬

‫كحياء عيل بن أيب طالب أن يس�أل رسول اهلل ‪ 0‬عن املذى‪ ،‬ملكان ابنته منه‪:‬‬
‫كنت رجالً مذاء‪ ،‬فأمرت املقداد أن يس�أل النبي ‪ 0‬فس�أله‪،‬‬
‫عن عيل ‪ I‬قال‪ُ :‬‬
‫كنت رجالً مذاء‪ ،‬فأمرت رجالً أن يسأل‬
‫فقال‪« :‬فيه الوضوء»‪ .‬ولفظه يف رواية أخرى‪ُ :‬‬
‫‪ -‬ملكان ابنته ‪ -‬فسأل‪ ،‬فقال‪« :‬توضأ واغسل ذكرك»(‪.)2‬‬ ‫النبي‪0‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]61‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]176‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم[‪ ،]303‬وأبو داود [‪ ،]206‬والنسائي [‪.]157‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪94‬‬

‫حياء االستحقار واستصغار النفس‪:‬‬

‫واستصغارا‬
‫ً‬ ‫احتقارا لش�أن نفسه‪،‬‬
‫ً‬ ‫كحياء العبد من ربه ‪ D‬حني يس�أله حوائجه‪،‬‬
‫هلا‪.‬‬

‫حياء المحبة‪:‬‬

‫هو حياء املحب من حمبوبه‪ ،‬حتى إنه إذا خطر عىل قلبه يف غيبته‪ ،‬هاج احلياء من قلبه‬
‫وأحس به يف وجهه وال يدري ما سببه‪.‬‬

‫حياء العبودية‪:‬‬

‫هو حياء ممتزج من حمبة وخوف‪ ،‬ومشاهدة عدم صالح عبوديته ملعبوده‪ ،‬وأن قدره‬
‫أعىل وأجل منها‪ ،‬فعبوديته له تستوجب استحياءه منه‪ ،‬ال حمالة‪.‬‬

‫حياءُ الشرف والعزة‪:‬‬

‫أما حياء الشرف والعزة‪ :‬فحياء النفس العظيمة الكبرية إذا صدر منها ما هو دون‬
‫قدرها‪ ،‬من بذل أو عطاء وإحسان‪ ،‬فإنه يستحي ‪ -‬مع بذله ‪ -‬حياء رشف وعزة‪.‬‬
‫ع�ن معاوي�ة ب�ن حي�دة ‪ I‬قال‪ :‬قل�ت‪ :‬ي�ا رس�ول اهلل‪ ،‬عوراتنا ما ن�أيت منها‬
‫ن�ذر‪ ،‬قال‪« :‬احف ��ظ عورتك إال من زوج ��ك أو ما ملكت ميينك»‪ .‬قلت‪ :‬يا رس�ول‬
‫وم�ا ُ‬
‫اهلل‪ ،‬إذا كان القوم بعضهم يف بعض‪ ،‬قال‪« :‬إن اس ��تطعت أن ال يرينها أحد‪ ،‬فال ترينها‬
‫أحدا»‪.‬‬
‫ً‬

‫قل�ت‪ :‬ي�ا رس�ول اهلل‪ ،‬إذا كان أحدنا خال ًي�ا‪ ،‬قال‪« :‬اهلل أحق أن يس ��تحيا منه من‬
‫الناس»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]4017‬والرتمذي [‪ ،]2769‬وأمحد (‪ ،)3/5‬واحلاكم (‪ ،)199/4‬وحس�نه‬


‫ُ‬
‫الشيخ األلباين يف «آداب الزفاف»‪ ،‬ص‪.]112[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪95‬‬
‫ق�ال بالل بن س�عد‪« :‬ال تنظر إىل صغر اخلطيئ�ة‪ ،‬ولكن انظر إىل كربياء من واجهته‬
‫هبا»‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬خال رجل بامرأة فأرادها عىل الفاحش�ة‪ ،‬فقالت له‪« :‬انظر هل يرانا‬
‫من أحد‪ ،‬فقال هلا‪ :‬ما يرانا إال الكواكب‪ .‬فقالت له‪ :‬فأين مكوكبها؟!»‬

‫فع�ن اب�ن مس�عود ‪ ،I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال ذات ي�وم ألصحاب�ه‪:‬‬
‫«اس ��تحيوا م ��ن اهلل حق احلياء» قالوا‪ :‬إنا نس�تحي يا رس�ول اهلل‪ .‬ق�ال‪« :‬ليس ذاكم‪،‬‬
‫ولكن»‪.‬‬
‫م�ن اس�تحيا م�ن اهلل ح�ق احلي�اء‪ ،‬فليحف�ظ الرأس وم�ا وع�ي‪ ،‬وليحف�ظ البطن‬
‫وم�ا ح�وى‪ ،‬وليذكر املوت والبىل‪ ،‬ومن أراد اآلخرة ترك زينة الدنيا‪ .‬فمن فعل ذلك فقد‬
‫استحيا من اهلل حق احلياء»(‪.)1‬‬

‫حيفظ الرأس وما وعى‪ :‬بجميع حواس�ه الظاهرة والباطنة‪ ،‬فال يس�تعملها إال فيام‬
‫حي�ل‪ .‬وحيف ��ظ البطن وما حوى‪ :‬ما مجعه جوفه باتصاله به م�ن القلب والفرج واليدين‬
‫والرجلني‪ ،‬فال يستعمل منها شي ًئا أحدها‪ -‬هذا‪.‬‬
‫وثانيهما‪ -‬اس�تحياؤه من اآلخذ حتى كأنه هو اآلخذ الس�ائل‪ ،‬حتى إن بعض أهل‬
‫الك�رم ال تُطاوعه نفس�ه بمواجهته ملن ُيعطيه حي�ا ًء منه‪،‬وهذا يدخل يف حياء التلوم؛ ألنه‬
‫يستحي من خجلة اآلخذ‪.‬‬
‫حياء المرء من نفسه‪:‬‬
‫وأما حياء املرء من نفس�ه‪ :‬فهو حياء النف�وس الرشيفة العزيزة الرفيعة‪ ،‬من رضاها‬
‫لنفس�ها بالنقص‪ ،‬وقناعتها بالدون‪ ،‬فيجد نفس�ه ُمس�تحي ًيا من نفسه حتى ّ‬
‫كأن له نفسني‪،‬‬

‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]2588‬واحلاك�م (‪ ،)323/4‬وحس�نه الش�يخ األلباين يف «صحيح س�نن‬
‫الرتمذي» (‪.)299/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪96‬‬
‫يستحي بإحدامها من األخرى‪ ،‬وهذا أكمل ما يكون من احلياء‪ ،‬فإن العبد إذا استحيا من‬
‫نفسه‪ ،‬فهو بأن يستحي من غريه أجدر(‪.)1‬‬
‫مراتب االستحياء‪:‬‬
‫املرتبة األوىل ــ االستحياء من اهلل‪:‬‬
‫وإل� � �ي� � �ه � ��م ي�� �ت � ��وج � ��ه امل� �ت� �ظ� �ل ��م‬ ‫ي� ��ا م� ��ن ي� �ش�ي�ر إل� �ي� �ه ��م املتكلم‬
‫وج � ��واحن � ��ي أب� � � � ً�دا حت� ��ن إليكم‬ ‫وشغلتم كلمي ب�ك��م وجوارحي‬
‫وإذا مس��ع��ت ف �م �ن �ك��م أو عنكم‬ ‫وإذا نظرت فلست أنظر غريكم‬
‫وإذا س ��أل ��ت ال� �ك ��ائ� �ن ��ات فعنكم‬ ‫وإذا نطقت ففي صفات مجالكم‬
‫وب ��ذك ��رك ��م يف خ �ل��وت��ي أت ��رمن‬ ‫وإذا روي� ��ت ف �م��ن ط �ه��ور شرابكم‬
‫املرتب ��ة الثاني ��ة‪ -‬االس ��تحياء م ��ن املالئك ��ة‪ :‬احلياء من أخلاق املالئك�ة كام يبني‬
‫عن�ه حدي�ث أم املؤمنني عائش�ة ‪ J‬مرفو ًعا‪« :‬أال أس ��تحي من رجل تس ��تحي منه‬
‫املالئكة؟!»(‪.)2‬‬
‫ق�ال اب�ن قي�م اجلوزي�ة ‪« :V‬ق�ال بع�ض الصحاب�ة ‪« : I‬إن معك�م من‬
‫ال يفارقكم‪ ،‬فاس�تحيوا منهم‪ ،‬وأكرموهم»‪ .‬وال أألم ممن ال يس�تحي من الكريم العظيم‬
‫القدر‪ ،‬وال يجُ له وال يوقره‪ ،‬وقد نبه سبحانه عىل هذا املعنى بقوله‪ [ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ] [‪ .]12 - 10:c‬أي‪ :‬اس�تحيوا م�ن ه�ؤالء احلافظين الك�رام‪ ،‬وأكرموه�م‪،‬‬
‫وأجلوه�م أن ي�روا منكم ما تس�تحيون أن يراك�م عليه من هو مثلك�م‪ ،‬واملالئكة تتأذى‬
‫مم�ا يت�أذى منه بنو آدم‪ ،‬ف�إذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعىص بين يديه‪ ،‬وإن كان قد‬
‫يعمل مثل عمله‪ ،‬فام الظن بأذى الكرام الكاتبني؟!»(‪.)3‬‬
‫(‪« )1‬مدارج السالكني» (‪ )263 - 261/2‬لإلمام ابن القيم‪ ،‬ط‪ :‬دار األدب العريب‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2401‬‬
‫(‪« )3‬اجلواب الكايف ملن سأل عن الدواء الشايف»‪ ،‬ص‪ )128 - 127( :‬البن قيم اجلوزية‪ ،‬ط‪ :‬دار الدعوة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪97‬‬
‫املرتبة الثالثة‪ -‬االس ��تحياء من النفس‪ :‬من اس�تحيا من الناس‪ ،‬ومل يس�تحي من‬
‫أخس عنده من غريه‪ ،‬ألنه يراها أحقر من أن يس�تحيا منها‪ .‬ومن اس�تحيا‬
‫نفس�ه‪ ،‬فنفس�ه ُ‬
‫منها‪ ،‬ومل يستحي من اهلل‪ ،‬فلعدم معرفته باهلل ‪ ،D‬فحق اإلنسان إذا هم بقبيح أن يتصور‬
‫رب يف نفس�ه‪ ،‬ولذلك ال يستحي من‬
‫أحدً ا من نفس�ه كأنه يراه‪ ،‬فاإلنس�ان يس�تحي ممن يك ُ‬
‫احليوان‪ ،‬وال من األطفال‪ ،‬وال من الذين ال يميزون‪ ،‬ويستحي من العامل أكثر مما يستحي‬
‫من اجلاهل‪ ،‬ومن اجلامعة‪ ،‬أكثر مما يستحي من الواحد‪ ،‬ومن ثم قال بعض السلف‪« :‬من‬
‫عمل يف الرس عمالً يستحي منه يف العالنية‪ ،‬فليس لنفسه عنده ٌ‬
‫قدر»‪.‬‬

‫املرتبةالرابعة ــ االس ��تحياء من الناس‪ :‬احلياء من الناس خ ُلق حس�ن مجيل‪ ،‬يمنع‬
‫من املعايب‪ ،‬ويشيع اخلري والعفاف‪ ،‬و ُيعود النفس ركوب اخلصال املحمودة‪.‬‬
‫قال حذيفة ‪« :I‬ال خري فيمن ال يستحي من الناس»‪.‬‬
‫وق�ال جماهد‪« :‬لو أن املس�لم مل يصب من أخي�ه إال أن حياءه منه يمنعه من املعايص‬
‫لكفاه»‪.‬‬

‫وق�ال بعضه�م‪« :‬أحي حياءك بمجالس�ة من ُيس�تحيا من�ه»‪ ،‬فال أحد من الفس�قة‬
‫إال وه�و يس�تحي من عم�ل القبيح عىل أعني أه�ل الصالح وذوى اهليئ�ات والفضل أن‬
‫يروه وهو فاعله‪ ،‬واهلل مطلع عىل مجيع أفعال خلقه‪ ،‬فالعبد إذا اس�تحيا من ربه اس�تحياءه‬
‫م�ن رجل صال�ح من قومه‪ ،‬جتن�ب مجيع املعايص‪ ،‬فياهل�ا من وصية ما أبلغه�ا! وموعظة‬
‫حكم عىل أفع�ال املرء وجعله ضاب ًطا‬
‫م�ا أمجعه�ا!! وقد نصب النبي ‪ 0‬هذا احلياء اً‬
‫وميزانًا فقال‪« :0‬ما كرهت أن يراه الناس‪ ،‬فال تفعله إذا خلوت»(‪.)1‬‬

‫(‪)1‬حسن‪ :‬رواه ابن حبان يف «روضة العقالء»‪ ،‬ص‪ ،]260[ :‬والضياء يف «املختارة» (‪ ،)449/1‬وحسنه‬
‫الشيخ األلباين يف الصحيحة برقم[‪.]1055‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪98‬‬

‫أمثلة ونماذج عظيمة من خلق الحياء‬


‫حياءُ نبي اهلل موسى ‪:S‬‬

‫لقد كان احليا ُء رشيعة األنبياء‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫ريا‪ ،‬ال يُرى من جلده شيء‪ ،‬استحيا ًء منه»(‪.)1‬‬ ‫«إن موسى كان رج ً‬
‫ال حييا ست ً‬

‫حياءُ رسول اهلل ‪:0‬‬

‫ع�ن أيب س�عيد اخل�دري ‪ I‬قال‪« :‬كان رس�ول اهلل ‪ 0‬أش�د حي�ا ًء من‬
‫العذراء يف خدرها‪ ،‬فإذا رأى شي ًئا كره ُه‪ ،‬عرفناه يف وجهه»(‪.)2‬‬

‫وع�ن عائش�ة ‪ J‬قال�ت‪« :‬س�ألت ام�رأة النب�ي ‪ :0‬كيف تغتس�ل من‬


‫حيضتها؟ قالت‪ :‬فذكرت أنه علمها كيف تغتس�ل‪ ،‬ثم تأخذ فرص ًة من مسك فتطهر هبا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬كيف أتطهر هبا‪ ،‬قال‪ :‬تطهري هبا سبحان اهلل!!» واسترت بيده عىل وجهه‪.‬‬

‫وعرفت ما أراد النبي‪ ،0‬فقلت‪ :‬تتبعي هبا أثر‬


‫ُ‬ ‫قالت عائشة‪ :‬واجتذبتها إىل‪،‬‬
‫الدم»(‪.)3‬‬
‫ذه � � � ��ب وك� � � ��ل ب�� �ي� ��وت� ��ه ضخم‬ ‫إن ال � �ب � �ي� ��وت م� � �ع � ��ادن ف� �ن� �ج ��اره‬
‫إن ال � � �ن � � �س� � ��اء مب � �ث � �ل� ��ه ُع � �ق� ��م‬ ‫ع�ق��م ال �ن �س��اء ف�ل��ن ي �ل��دن شبيه ُه‬
‫س� � �ي � ��ان م � �ن� ��ه ال�� ��وف�� ��ر وال� � �ع � ��دم‬ ‫ُم � �ت � �ه � �ل� ��ل ب� � � �ـ «ال» م� �ت� �ب ��اع ��د‬
‫س� �ق � ً�م ��ا ول� �ي���س جب��س��م��ه ُس� �ق� � ُم‬ ‫ن� ��زر ال� �ك�ل�ام م ��ن احل� �ي ��اء ختاله‬
‫حياء عثمان بن عفان ‪:I‬‬
‫اخللق الكريم‪.‬‬
‫لقد اختص اهلل ‪ D‬عثامن بن عفان ‪ I‬بمزية خاصة يف هذا ُ‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪،]3223‬والرتمذي [‪ ،]3221‬وأمحد (‪.)514/2‬‬


‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]3332‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3745‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪99‬‬
‫فعن عائش�ة ‪ J‬قالت‪« :‬كان رس�ول اهلل ‪ 0‬مضطج ًعا يف بيتي‪ ،‬كاش ًفا‬
‫ع�ن فخذيه‪ ،‬أو س�اقيه‪ ،‬فاس�تأذن أبو بكر‪ ،‬ف�أذن له‪ ،‬وهو عىل تلك احل�ال‪ ،‬فتحدث‪ ،‬ثم‬
‫اس�تأذن عمر فأذن له‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬فتحدث‪ ،‬ثم اس�تأذن عثامن‪ ،‬فجلس عثامن‪ ،‬فجلس‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬وس�وى ثيابه‪ ،‬فدخل فتحدث‪ ،‬فلام خرج قالت عائش�ة ‪:J‬‬
‫دخل أبو بكر فلم هتتش له‪ ،‬ومل تباله‪ ،‬ثم دخل عمر فلم هتتش له ومل تباله‪ ،‬ثم دخل عثامن‬
‫فجلست وسويت ثيابك!! فقال‪« :‬أال أستحي من رجل تستحي منه املالئكة؟!»(‪.)1‬‬

‫وذكر الحسن البصري عثمان ‪ I‬وحياءه‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫«إن كان ليك�ون يف البي�ت‪ ،‬والب�اب عليه مغلق‪ ،‬فام يضع عن�ه الثوب ليفيض عليه‬
‫املاء‪ ،‬يمنعه احلياء أن ُيقيم ُصلبه»‪.‬‬
‫حياءُ أبي موسى األشعري ‪:I‬‬
‫قال قتادة ‪« :V‬كان أبو موس�ى إذا اغتس�ل يف بيت مظلم حتادب‪ ،‬وحنى ظهره‬
‫قائم»‪.‬‬
‫حتى يأخذ ثوبه‪ ،‬وال ينتصب اً‬
‫وقال أنس ‪« :I‬كان أبو موسى األشعري ‪ I‬إذا نام لبس ثو ًبا عند النوم‬
‫خمافة أن تنكشف عورته»‪.‬‬
‫وع�ن عبادة ب�ن نيس قال‪« :‬رأي أبو موس�ى قو ًما يقف�ون يف املاء بغير ُأ ُزر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«ألن أم�وت ثم ُأنشر‪ ،‬ثم أموت ثم ُأنرش‪ ،‬ثم أموت ثم ُأنرش‪ ،‬أحب إىل من أن أفعل مثل‬
‫هذا»‪.‬‬
‫حياء محمد بن الفضل ‪:V‬‬
‫خط�وت أربعني س�نة خط�و ًة لغري اهلل‪ ،‬وأربعني س�نة‬
‫ُ‬ ‫ق�ال حمم�د ب�ن الفضل‪« :‬ما‬
‫نظرت يف يشء أستحسن ُه حيا ًء من اهلل»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ما‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2401‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪100‬‬

‫حياء عامر بن قيس ‪:V‬‬


‫خارجا‪ ،‬أما ختاف األسد؟‬
‫ً‬ ‫تبيت‬
‫قال أبو عمران اجلويني‪ :‬قيل لعامر بن قيس‪ :‬إنك ُ‬
‫قال‪ :‬إين ألستحي من ريب أن أخاف شي ًئا دونه»‪.‬‬

‫أبو مسلم الخوالني ‪:V‬‬


‫فعلت ش�ي ًئا‬
‫ُ‬ ‫عيل‪ :‬أنني منذ ثالثني س�نة ما‬
‫ق�ال أبو مس�لم اخلوالين‪« :‬من نعمة اهلل َّ‬
‫ُيستحيا منه‪ ،‬إال قريب من أهيل»‪.‬‬

‫عمرو بن سيرين ‪:V‬‬


‫قال حممد بن سيرين‪« :‬ما غش�يت امرأة قط‪ ،‬ال يف يقظة وال يف نوم غري أم عبد اهلل‪،‬‬
‫وإين ألرى املرأة يف املنام‪ ،‬فأعلم أهنا ال حتل يل‪ ،‬فأرصف برصي»‪.‬‬
‫قال بعضهم‪« :‬ليت عقيل يف اليقظة كعقل حممد بن سريين يف املنام»(‪.)1‬‬
‫ك � � � ��ل ب � � �ك� � ��ل ف � � �ه� � ��و م� �ش� �ت� �ب ��ه‬ ‫ي� � �ق� � �ظ � ��ات � ��ه وم� � � �ن � � ��ام � � ��ه ش� � ��رع‬
‫زج � � � ��رت � � � ��ه ع� � �ف� � �ت � ��ه ف� �ي� �ن� �ت� �ب ��ه‬ ‫إن ه � � ��م يف ح�� �ل� ��م ب� �ف ��اح� �ش ��ة‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬هذه اآلثار من كتاب «مكارم األخالق»ص‪ ]20[ :‬البن أيب الدنيا‪ ،‬كتاب «احلياء»‪ ،‬ص‪ ]29[ :‬للشيخ‬
‫«رهبان الليل» (‪)366/1‬‬
‫حممد إسماعيل‪ ،‬وكتاب «احللي�ة» (‪ )157 - 156/4‬أليب نُعيم‪ ،‬وكت�اب ُ‬
‫للعفاين‪ ،‬وكتاب «سري أعالم النبالء» (‪ )190 -189/5‬للذهبي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪101‬‬

‫الصدق‬
‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ] [‪.]119 :8‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ ،I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬عليكم بالصدق‪،‬‬
‫ف ��إن الص ��دق يه ��دي إىل الرب‪ ،‬وإن ال�ب�ر يهدي إىل اجلن ��ة‪ ،‬وما ي � ُ‬
‫�زال الرجل يصدق‪،‬‬
‫ويتح ��رى الص ��دق‪ ،‬حتى يُكتب عند اهلل صدي ًقا‪ ،‬وإياك ��م والكذب‪ ،‬فإن الكذب يهدي‬
‫إىل الفج ��ور‪ ،‬وإن الفج ��ور يه ��دي إىل الن ��ار‪ ،‬وما يزال الرجل يك ��ذب ويتحرى الكذب‪،‬‬
‫حتى يُكتب عند اهلل كذابًا»(‪.)1‬‬
‫والصدق‪ :‬هو منزل القوم األعظم‪ ،‬الذي منه ُ‬
‫تنشأ مجيع منازل السالكني‪ .‬والطريق‬
‫األق�وم ال�ذي من مل َيرس عليه فهو م�ن املنقطعني اهلالكني‪ .‬وبه متيز أه�ل النفاق من أهل‬
‫وس�كان اجلنان م�ن أهل النريان‪ .‬وهو س�يف اهلل يف أرضه ال�ذي ما وضع عىل‬
‫اإليمان‪ُ ،‬‬
‫يشء إال قطع�ه‪ ،‬وال واج�ه باطالً إال أرداه ورصعه‪ ،‬من صال به مل تُرد صولته‪ ،‬ومن نطق‬
‫ُ‬
‫وحمك األح�وال‪ ،‬واحلامل عىل اقتحام‬ ‫ب�ه علت على اخلصوم كلمت ُه‪ ،‬فهو روح األعامل‪،‬‬
‫األه�وال‪ ،‬والب�اب ال�ذي دخل منه الواصل�ون إىل حرضة ذي اجلالل‪ .‬وهو أس�اس بناء‬
‫الدي�ن‪ ،‬وعمود فس�طاط اليقني‪ ،‬ودرجته تالي�ة لدرجة «النبوة» التي ه�ي أرفع العاملني‪.‬‬
‫وم�ن مس�اكنهم يف اجلنات‪ :‬جت�رى العيون واألهنار إىل مس�اكن الصديقين‪ .‬كام كان من‬
‫ٌ‬
‫متصل ومعني‪.‬‬ ‫قلوهبم إىل قلوهبم يف هذه الدار مد ٌد‬
‫فضائل الصدق‪:‬‬
‫قد أمر اهلل ‪ D‬أهل اإليامن أن يكونوا مع الصادقني‪ ،‬وخص ا ُملنعم عليهم بالنبيني‬
‫والصديقني والش�هداء والصاحلني‪ ،‬فقال ‪[ :c‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ] [‪.]119 :G‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6094‬ومسلم [‪.]2607‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪102‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ] [‪.]69 :6‬‬

‫وال يزال اهلل ُيمدهم بأن ُعمه وألطافه إحس�انًا منه وتوفي ًقا‪.‬وهلم مرتب ُة املعية مع اهلل‪،‬‬
‫فإن اهلل مع الصادقني‪.‬وهلم منزل ُة القرب منه‪ ،‬إذ درجتهم منه ثاين درجة النبيني‪.‬‬

‫وأخرب ‪ c‬عن أهل الرب‪ ،‬وأثنى عليهم بأحس�ن أعامهلم ‪ -‬من اإليامن واإلسلام‪،‬‬
‫والصدق�ة‪ ،‬والصبر ‪ -‬بأهنم أه�ل الص�دق‪ ،‬فق�ال‪[ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ]‬
‫[‪]177 :2‬‬

‫وه�ذا رصيح يف أن «الصدق» باألعامل الظاهرة والباطنة‪ ،‬وأن «الصدق» هو مقام‬


‫اإلسالم واإليامن‪.‬‬

‫وقس�م اهلل ‪ D‬الن�اس إىل ص�ادق ومنافق‪ ،‬فق�ال ‪[ :n‬ﭦ ﭧ ﭨ‬


‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ] [‪.]24 :2‬‬

‫ك�ذب وإيامن إال‬


‫ٌ‬ ‫أساس�ه الك�ذب‪ ،‬فال جيتمع‬ ‫ُ‬
‫والنفاق ُ‬ ‫واإليمان أساس�ه الصدق‪،‬‬
‫حمارب لآلخر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وأحدُ مها‬

‫وأخرب ‪ n‬أنه يف يوم القيامة ال ينفع العبد و ُينجيه من عذابه إال صد ُقه‪:6،‬‬
‫[ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ] [‪.]119 :8‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪103‬‬

‫وقد أمر اهلل رس�وله أن يس�أله أن جيعل ُمدخله وخمرجه على الصدق‪ ،‬فقال ‪:c‬‬
‫[ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ]‬
‫[‪]80 :W‬‬

‫ٍ‬
‫صدق يف اآلخرين‪،‬‬ ‫وأخرب عن خليله إبراهيم ‪ 0‬أنه س�أله أن هيب له لس�ان‬
‫فقال ‪ [ :c‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ] [‪.]84 :n‬‬

‫وبشر عباده بأن هلم قدم صدق‪ ،‬ومقعد صدق‪ ،‬فقال ‪[ :c‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ] [‪.]2 :I‬‬

‫َو‪[ :6‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ]‬


‫[‪]55 - 54 :i‬‬

‫وحقيق� � ُة الص ��دق يف هذه األش ��ياء‪ :‬وهو ُ‬


‫احلق الثابت املتصل ب�اهلل‪ ،‬واملوصل إىل‬
‫اهلل‪.‬‬
‫وهو ما كان به وله‪ ،‬من األقوال واألعامل‪ ،‬وجزا ُء ذلك يف الدنيا ويف اآلخرة‪.‬‬
‫فمدخ�ل الصدق‪ ،‬وخمُرج الص�دق أن يكون دخو ُله وخروجه ح ًّق�ا ثابتًا باهلل‪ ،‬ويف‬
‫كمخرجه ‪ 0‬هو وأصحابه يوم بدر‪ ،‬وكذل�ك ُمدخ ُله ‪ 0‬املدينة‬
‫مرضات�ه‪ُ .‬‬
‫كان ُمدخ�ل ص�دق ب�اهلل وهلل‪ ،‬وابتغ�اء مرض�اة اهلل‪ ،‬فاتصل ب�ه التأييد والظف�ر والنرص‪،‬‬
‫ُ‬
‫وإدراك ما طلبه يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صدق‬ ‫�رج كان ب�اهلل وهلل‪ ،‬فصاح ُبه ضام ٌن على اهلل‪ ،‬فهو مخُ ُ‬
‫�رج‬ ‫ٍ‬
‫دخ�ل ومخُ ٍ‬ ‫ف�كُل ُم‬
‫دخ ُل صدق‪.‬‬
‫و ُم َ‬

‫وكان بعض السلف إذا خرج من داره رفع رأسه إىل السامء‪ ،‬وقال‪« :‬اللهم إين أعوذ‬
‫بك أن أخرج خمرجا ال أكون فيه ضامنًا عليك»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪104‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ] [‪.]19 :o‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮩ ﮪ ] [‪.]35 :2‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ] [‪.]21 :U‬‬

‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬عن النبي‪ ،0‬قال‪« :‬إن الصدق يهدي إىل‬
‫الرب‪ ،‬وإن الرب يهدي إىل اجلنة‪ ،‬وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند اهلل صدي ًقا‪ ،‬وإن‬
‫الكذب يهدي إىل الفجور‪ ،‬وإن الفجوريهدي إىل النار‪ ،‬وإن الرجل ليكذب حتى يكتب‬
‫عند اهلل كذابًا»(‪.)1‬‬

‫وعن أيب حممد احلس�ن بن عيل بن أيب طالب ‪ ،I‬قال‪ :‬حفظت من رس�ول اهلل‬
‫‪« :0‬دع م ��ا يريب ��ك(‪ )2‬إىل م ��ا ال يري ُب ��ك‪ ،‬ف ��إن الص ��دق ُطمأنين� � ٌة‪ ،‬والك ��ذب‬
‫ريب ٌة»(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بدري‬
‫ٌ‬ ‫وعن أيب ثابت‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب س�عيد‪،‬وقيل أيب الوليد‪ ،‬س�هل بن حنيف وهو‬
‫‪ :I‬أن النب�ي ‪ ،0‬ق�ال‪« :‬من س ��أل اهلل ‪ c‬الش ��هادة بصدق بلغ� � ُه منازل‬
‫الشهداء وإن مات على فراشه»(‪.)5‬‬

‫وع�ن أيب س�فيان صخر بن حرب ‪ I‬يف حديث�ه الطويل يف قصة هرقل‪ ،‬وقال‬
‫هرق�ل‪ :‬فامذا يأمرك�م؟ ‪ -‬يعني النبي ‪ - 0‬قال أبو س�فيان‪ُ :‬ق ُ‬
‫لت‪ :‬يقول‪« :‬اعبدوا‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6094‬ومسلم [‪.]2607‬‬


‫(‪ )2‬ما يربيك‪ :‬اترك ما تشك يف ح ّله واعدل إىل ما ال تشك فيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتمذي[‪ ،]2518‬والنس�ائي [‪ ،]5220‬وصححه الش�يخ األلباين يف «الظالل» برقم‬
‫[‪.]179‬‬
‫(‪ )4‬بدري‪ :‬شهد غزوة بدر‪ ،‬واملشاهد كلها مع رسول اهلل ‪.0‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1909‬ويف احلديث‪ :‬أن صدق القلب سبب لبلوغ األرب‪ ،‬وأن من نوى شي ًئا‬
‫من عمل الرب أثيب عليه وإن مل يتفق له عمله‪« .‬دليل الفاحلني» (‪.)258/1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪105‬‬
‫اهلل وحده ال تشركوا به شي ًئا‪ ،‬واتركوا ما يقول آباؤكم‪ ،‬ويأمرنا بالصالة والصدق‪،‬‬
‫والعفاف‪ ،‬والصلة»(‪.)1‬‬

‫وعن أيب خالد حكيم بن حزام ‪ ،I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬البيعان‬
‫باخليار ما مل يتفرقا‪ ،‬فإن صدقا وبينا بُورك هلما‪ ،‬وإن كتما وكذبا حُمقت بركة‬
‫بيعهما»(‪.)2‬‬

‫وق�ال عب�د اهلل بن مس�عود‪« :‬إن الرجل ليص�دق ويتحرى الص�دق حتى ما يكون‬
‫للفج�ور يف قلب�ه موضع ٍ‬
‫إبرة يس�تقر في�ه‪ .‬وإن الرج�ل ليكذب ويتح�رى الكذب حتى‬ ‫ُ‬
‫ما يكون للرب يف قلبه موضع ٍ‬
‫إبرة يستقر فيه»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وقال الصديق ‪« :I‬عليكم بالصدق‪ ،‬فإنه مع الرب ومها يف اجلنة»‪.‬‬
‫وق�ال إبراهي�م اخل�واص‪« :‬الصادق ال ت�راه إال يف ف�رض يؤديه‪ ،‬أو فض�ل ُ‬
‫يعمل‬
‫فيه»‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعامل اهلل بصدق‪ ،‬أحب إىل من أن أرضب‬ ‫وقال يوسف بن أسباط‪« :‬ألن أبيت ليلة‬
‫بسيفي يف سبيل اهلل»‪.‬‬
‫وقال احلارث ا ُملحاسبي‪« :‬الصادق هو الذي ال يبايل لو خرج كل ٍ‬
‫قدر له يف قلوب‬
‫ب اطالع الناس عىل مثاقيل الذر من حسن عمله»‪.‬‬
‫اخللق من أجل صالح قلبه‪ ،‬وال يحُ ُ‬
‫سهل ب ُن عبد اهلل‪ُ :‬‬
‫«أول خيانة الصديقني‪ :‬حديثهم مع أنفسهم»‪.‬‬ ‫وقال ُ‬
‫وقال أبو قراب النخشبي‪« :‬إذا صدق العبدُ يف العمل وجد حالوته قبل أن يعمله‪،‬‬
‫فإذا أخلص فيه وجد ريح اجلنة قبل أن يقاتل»‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري[‪ ،]7‬ومس�لم [‪ ،]1773‬والعف ��اف‪ :‬الك�ف ع�ن املحارم وخ�وارم املروءة‪.‬‬
‫والصلة‪ :‬صلة األرحام‪« .‬دليل الفاحلني» (‪.)257/1‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2079‬ومسلم [‪.]1532‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪106‬‬
‫وقال حممد بن س�عيد املروزي‪« :‬إذا طلب�ت اهلل بالصدق‪ ،‬آتاك اهلل ‪ c‬مرآة بيدك‬
‫تبرص كل يشء من عجائب الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫وقال حممد بن كعب‪« :‬إنام يكذب الكاذب من مهانة نفسه عليه»‪.‬‬
‫جلنيد‪« :‬الصادق يتقلب يف اليوم أربعني مرة‪ ،‬وا ُملرائي يثبت عىل حالة واحدة‬
‫وقال ا ُ‬
‫أربعني سنة»‪.‬‬

‫وق�ال بعضه�م‪« :‬م�ن مل يؤد الف�رض الدائ�م‪ ،‬مل يقبل من�ه الفرض املؤق�ت‪ .‬قيل‪:‬‬
‫وما الفرض الدائم؟ قال‪ :‬الصدق»‪.‬‬
‫وقيل‪« :‬من طلب اهلل بالصدق‪ ،‬أعطاه اهلل مرآة يبرص فيها احلق والباطل»‪.‬‬
‫وقيل‪« :‬ثالث ال تخُ طئ الصادق‪ :‬احلالوة‪ ،‬واملالح ُة واهليبة»‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪107‬‬

‫درجات الصدق‬

‫الصدق في القول‪:‬‬
‫قال اجلنيد‪« :‬حقيقة الصدق‪ :‬أن تصدق يف موطن ال ُينجيك منه إال الكذب»‪.‬‬
‫يصلح الكذب يف هزل وال جد‪ ،‬وال أن يعد‬
‫ُ‬ ‫وقال عبد اهلل بن مسعود ‪« :I‬ال‬
‫أحدكم حبيبه شي ًئا ثم ال ينجزه به»‪.‬‬

‫وقال إسماعيل بن ُعبي�د اهلل املخزومي‪« :‬أمرين عبدُ امللك بن م�روان أن ُأعلم بنيه‬
‫الصدق كام أعلمهم القرآن‪ ،‬وأن أجنبهم الكذب وإن كان فيه القتل»‪.‬‬

‫كذبت مذ علمت‬
‫ُ‬ ‫كلم عمر بن عبد العزيز الوليد يف يشء فقال له‪« :‬كذبت‪.‬فقال عمر‪ :‬ما‬
‫أن الكذب ُيشني صاحبه»‪.‬‬
‫كذبت وأن يل الدنيا وما فيها»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقال مطرف‪« :‬ما ُأحب أين‬
‫وق�ال إي�اس بن معاوي�ة ‪« :V‬ما يسرين أين كذبت كذب�ة فغفرها اهلل ‪ D‬يل‬
‫ويعلم هبا أيب ‪ -‬معاوية بن قرة ‪ »-‬يعين‪ :‬إجالالً ألبيه‬
‫ُ‬ ‫و ُأعطى عليها عرشة آالف درهم‪،‬‬
‫ال يطلع عليه‪.‬‬

‫وق�ال الفضيل بن عياض‪« :‬ما من ُمضغة ُ‬


‫أحب إىل اهلل من لس�ان صدوق‪ ،‬وما من‬
‫ٍ‬
‫مضغة أبغض إىل اهلل من لسان كذوب»‪.‬‬
‫وقال أبو سليامن‪« :‬اجعل الصدق مطيتك‪ ،‬واحلق سيفك‪ ،‬واهلل غاية طلبتك»‪.‬‬
‫ُ‬
‫الصدق وسيلته‪ ،‬كان الرضا من اهلل جائزته»‪.‬‬ ‫وقال‪« :‬من كان‬
‫ُ‬
‫«الص�دق س�يف اهلل يف أرض�ه‪ ،‬ما وضع على يشء إال‬ ‫وق�ال ذو الن�ون املصري‪:‬‬
‫قطعه»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪108‬‬

‫الصدق في النية واإلرادة‪:‬‬


‫وذل�ك يرجع إىل اإلخلاص‪ ،‬وهو أن يكون ال باعث له يف احلركات والس�كنات‬
‫ش�وب من حظوظ النفس بطل صدق الني�ة‪ ،‬وصاح ُبه جيوز أن‬
‫ٌ‬ ‫إال اهلل ‪ ،c‬إن مازج�ه‬
‫ُيس�مى كاذ ًبا‪ .‬ففي احلديث‪« :‬أول من تُس�عر هبم النار»‪ :‬كذبت بل أردت أن ُيقال‪ :‬فالن‬
‫عامل»(‪.)1‬‬
‫فإن�ه مل ُيكذب�ه ومل يق�ل له‪«:‬مل تعم�ل» ولكن كذب�ه يف إرادته ونيت�ه‪ ،‬قال ‪ c‬عن‬
‫املنافقني‪[ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ] [‪.]107 :G‬‬
‫إخالصه إىل إخالص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فمن شهد يف إخالصه اإلخالص‪ ،‬احتاج‬

‫الصدق في العزم‪:‬‬
‫فإن اإلنس�ان قد يقدم العزم عىل العمل‪ ،‬فيقول مثالً يف نفس�ه‪« :‬إن رزقني اهلل اً‬
‫مال‬
‫تصدق�ت بجميعه»‪ .‬وهذه العزيمة قد يصادفها من نفس�ه‪ ،‬وه�ي عزيمة جازمة صادقة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وقد يكون يف عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق يف العزيمة‪.‬‬
‫والص ��ادق يف عزمه‪ :‬هو الذي تصادف عزيمته يف اخلريات كلها قوة تامة ليس فيها‬
‫ميل وال ضعف وال تردد‪ ،‬بل تسخو نفسه أبدً ا بالعزم املصمم اجلازم عىل اخلريات‪ ،‬وهو‬
‫كما قال عم�ر‪« :I‬ألن أقدم فترضب ُعنق�ي‪ ،‬أحب إىل من أن أتأم�ر عىل قوم فيهم‬
‫أبو بكر ‪.»I‬‬
‫ومرات�ب الصديقين يف العزائم ختتلف‪ ،‬فق�د يصادف الع�زم‪ ،‬وال ينتهي به إال أن‬
‫ي�ريض بالقتل فيه‪ ،‬ولكن إذا ُخىل ورأيه ُيق�دم‪ ،‬ولو ُذكر له حديث القتل مل ينقض عزمه‪،‬‬
‫بل يف الصادقني واملؤمنني من لو ُخري بني أن ُيقتل هو أو أبو بكر‪ ،‬كانت حياته أحب إليه‬
‫من حياة أيب بكر الصديق‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]1475‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪109‬‬

‫الصدق في الوفاء بالعزم‪:‬‬


‫ف�إن النفس قد تس�خو بالعزم يف احلال‪ ،‬إذ ال مش�قة يف الوعد والع�زم‪ ،‬فإذا ُحقت‬
‫احلقائق‪ ،‬وما جت الشهوات‪ ،‬وانجلت العزيمة مل يتحقق الوفاء بالعزم‪.‬‬
‫‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ] [‪.]23 :2‬‬

‫�ميت ب�ه ‪،-‬‬


‫ق�ال أن�س ب�ن مال�ك ‪ :I‬ق�ال عم�ي أن�س ب�ن النضر ‪ُ -‬س ُ‬
‫«بدرا» مع رسول اهلل‪0‬فكرب عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أول مشهد قد شهده رسول اهلل‬
‫ومل يشهد ً‬
‫غبت عنه! أما واهلل لئن أراين اهلل مشهدً ا مع رسول اهلل ‪ 0‬فيام بعد لريين‬
‫‪ُ 0‬‬
‫اهلل ما أصنع‪ ..‬قال‪ :‬فهاب أن يقول غريها‪ ..‬فش�هد مع رس�ول اهلل ‪ 0‬يوم « ُأ ُحد»‬
‫من العام القابل‪ ،‬فاس�تقبله س�عد بن معاذ ‪I‬فقال‪:‬يا أبا عمرو‪ ،‬إىل أين؟ قال‪ :‬واها‬
‫بض�ع وثامنون ما بني‬
‫ٌ‬ ‫لري�ح اجلنة أجدُ ه�ا دون أحد‪ ..‬فقاتل حتى قتل‪ ،‬فوجد يف جس�ده‬
‫رضبة وطعنة ورمية‪ ،‬فقالت عمتي الربيع بنت النرض‪ :‬فام عرفت أخي إال ببنانه‪..‬ونزلت‬
‫ه�ذه اآلي�ة‪[ :‬ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ] [‪.)1(]23:2‬‬
‫هلل دره م�ن صادق رباين!! جيد حالوة العمل قب�ل الرشوع فيه‪ ،‬جيد ريح اجلنة قبل‬
‫أن يقاتل! وما هذا إال لصدقه يف الوفاء والعزم‪.‬‬

‫الصدق في األعمال‪:‬‬
‫قصد ه�ي الرياء‪ ،‬وإن كانت عن غير ٍ‬
‫قصد‪ ،‬يفوت هبا‬ ‫خمالف�ة الظاه�ر للباطن عن ٍ‬

‫الص�دق‪ ،‬فقد يمشي الرجل عىل هيئة الس�كوت والوق�ار وليس باطن�ه موصو ًفا بذلك‬
‫الوقار‪ ،‬فهذا غري صادق يف عمله‪ ،‬وإن مل يكن مرائ ًيا‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3805‬ومسلم [‪ ،]1903‬والرتمذي [‪.]3201‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪110‬‬
‫ق�ال يزي�د بن احلارث‪« :‬إذا اس�توت رسيرة العب�د وعالنيته فذل�ك النصف‪ ،‬وإذا‬
‫كان�ت رسيرته أفض�ل من عالنيته فذلك الفضل‪ ،‬وإذا كان�ت عالنيته أفضل من رسيرته‬
‫فذلك اجلور»‪.‬‬

‫وقال عبد الواحد بن زيد‪« :‬كان احلسن إذا أمر بيشء كان من أعمل الناس به‪ ،‬وإذا‬
‫هنى عن يشء كان من أترك الناس له‪ ،‬ومل أر أحدً ا قط أشبه رسيرة بعالنية منه»‪.‬‬

‫عاملت الناس فيام بيني وبينهم باألمانة‪،‬‬


‫ُ‬ ‫وكان أبو عبد الرمحن الزاهد يقول‪«:‬إهلي‪،‬‬
‫وعاملتك فيام بيني وبينك باخليانة» ويبكي‪.‬‬

‫وقال أبو يعقوب النهر جوري‪« :‬الصدق موافقة احلق يف الرس والعالنية»‪.‬‬

‫الصدق في مقامات الدين‪:‬‬


‫ومنها‪ :‬الصدق يف املحاسبة واملجاهدة والتوبة‪.‬‬
‫ق�ال جعفر الص�ادق‪ :‬الصدق هو املجاهدة‪ ،‬وأن ال ختتار على اهلل غريه‪ ،‬كام مل خيرت‬
‫عليك غريك‪[ :6 ،‬ﮨ ﮩ] [‪.]78 :g‬‬

‫والص�دق يف التوبة يكون بالتوب�ة النصوح‪ ،‬ال يعود إىل الذنب مرة ثانية حتى يعود‬
‫اللبن يف الرضع‪.‬‬

‫الصدق في التوكل‪:‬‬

‫أن ي�رد عليك م�وارد الفاقات‪ ،‬فال تس�موإال إىل من إليه الكفايات‪ ،‬واالستسلام‬
‫لتدبير ال�رب لك فيما يفعله بك‪ ،‬ال فيما أمرك بفعل�ه‪ ،‬وأن تنزل أمورك كله�ا باهلل طل ًبا‬
‫واضطرارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫واختيارا‪ ،‬ال حترجا‬
‫ً‬
‫قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن رج ً‬
‫ال من بين إس ��رائيل سأل بعض بين إسرائيل‬
‫أن يُسلفه ألف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬ائتين بالشهداء أُشهدهم‪ .‬فقال‪ :‬كفى باهلل شهيدًا»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪111‬‬
‫ق�ال‪ :‬فأتن�ي بالكفيل‪ .‬قال كفى ب�اهلل كفيالً‪ .‬ق�ال‪ :‬صدقت‪ :‬فدفعه�ا إليه إىل أجل‬
‫مس�مى فخرج يف البحر فقىض حاجته‪ ،‬ثم التمس مرك ًبا يركبها يقدم عليها لألجل الذي‬
‫أجل�ه‪ ،‬فل�م جيد مرك ًبا‪ ،‬فأخذ خش�بة‪ ،‬فنقرها‪ ،‬فأدخل فيها ألف دين�ار‪ ،‬وصحيفة منه إىل‬
‫صاحب�ه‪ ،‬ث�م زج(‪ )1‬موضعها‪ ،‬ثم أتى هبا إىل البحر‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم إنك تعلم أين تس�لفت‬
‫فالن�ا أل�ف دينار‪ ،‬فس�ألني كفيال فقلت‪ :‬كفى باهلل كفيال‪ ،‬وس�ألني ش�هيدً ا فقلت‪ :‬كفى‬
‫ب�اهلل ش�هيدً ا‪ .‬فرىض بك‪ ،‬وإين جهدت أن أجد مرك ًبا أبعث إلي�ه الذي له فلم أجد‪ ،‬وإين‬
‫أس�تودعكها»‪ .‬فرمى هبا البح�ر‪ ،‬حتى وجلت(‪ .)2‬فيه‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬فخرج الرجل الذي‬
‫كان أسلفه‪ ،‬ينظر لعله جيد مرك ًبا قد جاء بامله‪ ،‬فإذا باخلشبة التي فيها املال‪ ،‬فأخذها ألهله‬
‫حط ًب�ا‪ ،‬فلام نرشها وجد املال والصحيفة‪ ،‬ثم قدم الذي كان أس�لفه‪ ،‬فأتى باأللف دينار‪،‬‬
‫وق�ال‪ :‬واهلل ما زل�ت جاهدً ا يف طلب مركب آلتيك باملك‪ ،‬فام وج�دت مرك ًبا قبل الذي‬
‫أتيت فيه‪ .‬قال‪ :‬كنت بعثت إىل ش�ي ًئا‪ ،‬قال‪ُ :‬أخربك أين مل أجد مرك ًبا قبل الذي جئت فيه‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال‪ :‬فإن اهلل قد أدى عنك الذي بعثت يف اخلشبة‪ .‬فانرصف باأللف دينار راشدً ا»(‪.)3‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬زج‪ :‬أي سوى موضع النقر وأصلحه‪.‬‬


‫(‪ )2‬وجلت‪ :‬دخلت‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3143‬وأمحد (‪.)348/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪112‬‬

‫الصدقة‬

‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬سبعة يظلهم اهلل يف ظله»‬
‫وذكر منهم‪« :‬رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ال تعلم مشاله ما تنفق ميينه»(‪.)1‬‬
‫وعن�ه ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬من أنفق زوجني يف س ��بيل اهلل ُنودي من‬
‫أب ��واب اجلن ��ة يا عبد اهلل‪ ،‬هذا خري‪ ،‬فمن كان من أهل الصالة دُعي من باب الصالة‪،‬‬
‫ومن كان من أهل اجلهاد دُعي من باب اجلهاد‪ ،‬ومن كان من أهل الصيام دُعي من‬
‫باب الريان‪ ،‬ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة»‪ .‬فقال أبو بكر ‪I‬‬
‫بأيب أنت وأمي يا رسول اهلل‪ ،‬ما عىل من ُدعى من تلك األبواب من رضورة‪ ،‬فهل ُيدعى‬
‫أحد من تلك األبواب كلها قال‪« :‬نعم‪ ،‬وأرجو أن تكون منهم»(‪.)2‬‬

‫والصدق ��ة‪ :‬توث�ق ُعري املودة بني املس�لمني‪ ،‬وجتلب التآل�ف والتنارص والتعاضد‬
‫بينهم‪ ،‬وهي واجب تقتضيه األخوة اإليامنية‪ ،‬واإلنفاق والتصدق عىل الفقراء واملحتاجني‬
‫معنى عظيم من املعاين اإليامنية املباركة‪ ،‬ولذلك حث عليه الش�ارع احلكيم‪ ،‬لس�د حاجة‬
‫الفقراء‪ ،‬الذين جيوعون إذا ش�بع الناس‪ ،‬ويس�هرون إذا نام الن�اس‪ ،‬ويبكون إذا ضحك‬
‫الن�اس‪ ،‬الذين يلبس�ون الثياب املمزقة‪ ،‬واألحذية املرقعة‪ ،‬عث�رت هبم العواثر‪ ،‬وأبادهتم‬
‫السنون الغوابر‪ ،‬وبرتت أعامرهم احلادثات البواتر‪ ،‬واختطفتهم العقبات الكوارس‪.‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ] [‪.]261 :2‬‬

‫ق�ال القرطب�ي ‪[ :V‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ] كمث�ل زارع زرع يف األرض‬


‫حبة‪ ،‬فأنبتت احلبة س�بع س�نابل‪ ،‬يف كل س�نبلة مائة حبة‪ ،‬فش�به املتصدق بالزارع‪ ،‬وشبه‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]660‬ومسلم [‪.]1031‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]1897‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪113‬‬
‫الصدق�ة بالب�ذر‪ ،‬فيعطي�ه اهلل بكل صدقة له س�بعامئة حس�نة‪ ،‬ثم ق�ال‪[ :‬ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ] أي‪ :‬عىل س�بعامئة‪ ،‬فيكون مثل املتصدق كمثل الزارع حني يكون حاذ ًقا يف عمله‪،‬‬
‫ويك�ون الب�ذر جيدً ا وتكون األرض عامرة‪ ،‬يكون الزرع أكثر‪ ،‬فكذلك املتصدق إذا كان‬
‫حلا‪ ،‬واملال طي ًبا‪ ،‬ويضعه موضعه‪ ،‬يصري أكثر(‪.)1‬‬
‫صا ً‬
‫وق�ال ‪[ :D‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ] [‪.]267 :2‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :I‬أمرهم باإلنفاق من أطيب املال وأجوده وأنفس�ه‪ ،‬وهناهم‬
‫عن التصدق برذالة املال ودنيئه‪ ،‬وهو خبيثه‪ ،‬فإن اهلل طيب ال يقبل إال طي ًبا(‪. )2‬‬

‫وعن�ه ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬ما من ي ��وم يصبح العباد فيه إال‬
‫مل ��كان ين ��زالن فيقول أحدهما‪ :‬اللهم أعط منف ًقا خل ًف ��ا‪ ،‬ويقول اآلخر‪ :‬اللهم أعط‬
‫ممس ًكا تل ًفا»(‪.)3‬‬

‫وعن�ه ‪ I‬أنه ق�ال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من تصدق بع ��دل مترة من‬
‫كسب طيب ‪ -‬وال يقبل اهلل إال الطيب ‪ -‬فإن اهلل يتقبلها بيمينه‪ ،‬ثم يربيها لصاحبها‬
‫كما يربي أحدكم فلوه(‪ )4‬حتى تكون مثل اجلبل»(‪.)5‬‬

‫وعن�ه ‪ I‬يبل�غ به النبي ‪ 0‬قال‪«:‬ق ��ال اهلل ‪ :F‬يا ابن آدم أنفق‪،‬‬
‫أُنفق عليك»(‪.)6‬‬

‫(‪« )1‬اجلامع ألحكام القرآن» (‪ )529/2‬لإلمام القرطبي‪ ،‬ط‪ :‬النور اإلسالمية‪.‬‬


‫(‪« )2‬تفسري القرآن العظيم» (‪ )327/1‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬
‫(‪ )4‬فلوه‪ُ :‬مهره‪.‬‬ ‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري[‪ ،]1442‬ومسلم [‪.]1010‬‬
‫(‪ )6‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]993‬‬ ‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1410‬ومسلم [‪.]1014‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪114‬‬
‫مل � ��والك حي �ف �ظ �ه��ا ف��أن��ت مضيع‬ ‫يا صاحب األموال صنها بقرضها‬
‫لصدمتها األث� ��واب وال� ��روح تنزع‬ ‫ق��ري �ب��ا ي ��وات� �ي ��ك ال �ق �ض��ا مبني ٍة‬

‫وكان ‪ O‬أزه�د الناس‪ ،‬وأعلم الناس‪ ،‬وأحلم الناس‪ ،‬وأطيب الناس‪،‬‬


‫وأبر الناس‪ ،‬وأجود الناس‪ ،‬مع فقره وجوعه وظمئه وحاجته‪ ،‬وكان يمر اهلالل واهلالل‬
‫وال يوق�د يف بيت�ه نار لطعام‪ ،‬وليس يف بيته إال األس�ودان ‪ -‬امل�اء والتمر الرديء ‪ -‬وينام‬
‫على احلصري واخلصف‪ ،‬حتى إنه ليؤث�ر يف جنبه الرشيف‪ ،‬ومع هذا كان يعطي عطاء من‬
‫ال خيشى الفقر‪.‬‬

‫فعن جابر ‪ I‬قال‪« :‬ما سئل النبي ‪ 0‬عن يشء قط فقال‪ :‬ال»(‪.)1‬‬
‫ل���وال ال �ت �ش �ه��د ك��ان��ت الؤه نعم‬ ‫م � ��ا ق� � � ��ال‪ :‬ال‪ ،‬إال يف تشهده‬
‫وع�ن أنس ‪ I‬ق�ال‪« :‬كان النبي ‪ 0‬أحس�ن الناس‪ ،‬وأج�ود الناس‪،‬‬
‫وأشجع الناس»(‪.)2‬‬

‫وق�ال عب�د اهلل بن عباس ‪« :I‬كان رس�ول اهلل ‪ 0‬أجود الناس باخلري‪،‬‬
‫وكان أجود ما يكون يف رمضان‪ ،‬حني يلقاه جربيل ‪ ،S‬وكان جربيل يلقاه كل ليلة‬
‫يف رمضان‪ ،‬حتى ينس�لخ‪ ،‬يعرض عليه النبي ‪ 0‬القرآن‪ ،‬فإذا لقيه جربيل ‪S‬‬
‫كان أجود باخلري من الريح املرسلة»(‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6033‬ومسلم [‪.]2307‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6024‬ومسلم [‪.]2311‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1902‬ومسلم [‪ ،]1108‬وأمحد [‪ ،]2616‬وقال احلافظ ابن حجر‪ :‬وجه‬
‫التشبيه بني أجوديته ‪ 0‬باخلري وأجودية الريح املرسلة‪ ،‬أن املرادبالريح الرمحة التي يرسلها اهلل‬
‫‪ c‬إلنزال الغيث العام الذي يكون س�ب ًبا إلصابة األرض امليتة‪ ،‬فيعم خريه وبره الفقري وذا احلاجة‬
‫ومن هو بصفة الغني والكفاية‪ .‬انظر‪« :‬فتح الباري» (‪ )39/4‬للحافظ ابن حجر‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪115‬‬
‫وعن س�هل بن س�عد ‪ I‬قال‪ :‬ج�اءت امرأة إىل النبي‪0‬ببردة فقالت‪:‬‬
‫حمتاج�ا إليها‪ ،‬فلبس�ها‪ ،‬فرآها عليه‬
‫يا رس�ول اهلل‪ ،‬أكس�وك ه�ذه‪ ،‬فأخذها النبي‪ً 0‬‬
‫رج�ل من الصحابة‪ ،‬فقال يا رس�ول اهلل‪ :‬ما أحس�ن هذه! فاكس�نيها‪ ،‬فق�ال‪« :‬نعم»‪ ،‬فلام‬
‫ق�ام النبي‪ 0‬المه أصحابه فقالوا‪ :‬ما أحس�نت حني رأيت النبي ‪ 0‬أخذها‬
‫حمتاجا إليها‪ ،‬ثم س�ألته إياها‪ ،‬وقد عرفت أنه ال يس�أل شي ًئا فيمنعه‪ ،‬فقال رجوت بركتها‬
‫ً‬
‫حني لبسها النبي ‪ 0‬لعيل أكفن فيها(‪.)1‬‬

‫غنم بني‬
‫وما س�ئل رس�ول اهلل ‪ 0‬ش�ي ًئا إال أعطاه‪ ،‬قال‪ :‬فجاءه رجل فأعطاه اً‬
‫جبلين‪ .‬فرج�ع إىل قوم�ه‪ ،‬فقال‪ :‬يا قوم‪ :‬أس�لموا‪ .‬ف�إن حممدً ا يعطي عطاء من ال خيش�ى‬
‫الفاقة(‪.)2‬‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫ث �ن��اه��ا ل�ق�ب��ض مل جت �ب��ه أنامله‬ ‫ت �ع��ود ب �س��ط ال �ك��ف ح �ت��ى ل��و أنه‬
‫فلجته امل �ع��روف واجل���ود ساحله‬ ‫هو البحر من أي النواحي أتيته‬
‫جل � ��اد ب� �ه ��ا ف �ل �ي �ت��ق اهلل سائله‬ ‫ول��و مل ت�ك��ن يف ك�ف��ه غ�ير روحه‬
‫وريب ‪ O‬اجلي�ل املبارك والرعيل األول عىل اجلود‪ ،‬وعىل العطاء‪ ،‬وعىل‬
‫االس�تهانة بزخ�ارف الدنيا وزينتها اجلوف�اء‪ ،‬وإليك أخي الكريم بع�ض النامذج املباركة‬
‫التي قدمت أعظم اجلود وأجزل العطاء‪.‬‬

‫أبو بكر الصديق األكبر‪:‬‬

‫قال عمر بن اخلطاب ‪ :I‬أمرنا رس�ول اهلل ‪ 0‬يو ًما أن نتصدق‪ ،‬فوافق‬
‫ذلك ماالً عندي‪ ،‬فقلت‪ :‬اليوم أس�بق أبا بكر إن س�بقته يو ًما‪ ،‬فجئت بنصف مايل‪ ،‬فقال‬

‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2312‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]2093‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪116‬‬
‫رسول اهلل ‪« :0‬ما أبقيت ألهلك؟» فقال‪ :‬مثله‪ ،‬قال‪ :‬وأتى أبو بكر بكل ما عنده‪،‬‬
‫فقال له رس�ول اهلل ‪« :0‬ما أبقيت ألهلك؟» قال‪ :‬أبقيت هلم اهلل ورس�وله‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ال أسابقك إىل يشء أبدً ا(‪.)1‬‬
‫مت� �ش ��ي روي � � ��دا وجت � ��ي يف األول‬ ‫م � ��ن ل � ��ي مب� �ث ��ل س� �ي��رك امل ��دل ��ل‬
‫الفاروق عمر أبو حفص‪:‬‬
‫ق�ال األعمش‪ :‬كن�ت يو ًما عند عمر‪ ،‬فأت�ى باثنني وعرشين ألف دره�م‪ ،‬فلم يقم‬
‫كثريا ما يتصدق‬
‫من جملس�ه حتى فرقها‪ ،‬وكان إذا أعجب�ه يشء من ماله تصدق به‪ ،‬وكان ً‬
‫بالسكر‪ ،‬فقيل له يف ذلك فقال‪ :‬إين أحبه‪ ،‬وقد قال اهلل ‪[ :c‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ] (‪.]92 :4[ )2‬‬
‫ذو النورين عثمان بن عفان‪:‬‬
‫اشرتى بئر رومة بخمسة وثالثني ألف درهم وجعلها للغني والفقري وابن السبيل‪،‬‬
‫وجهز جيش العرسة‪.‬‬
‫فعن أيب عبد الرمحن أن عثامن ‪ I‬حني ُحورص‪ ،‬أرشف عليهم وقال‪:‬أنش�دكم‬
‫اهلل‪ ،‬وال أنش�د إال أصحاب النبي‪ :0‬ألستم تعلمون أن رسول اهلل ‪ 0‬قال‪:‬‬
‫«من حفر رومة فله اجلنة»؟ فحفرهتا‪ ،‬ألستم تعلمون أنه قال‪« :‬من جهز جيش العسرة‬
‫فله اجلنة»؟ فجهزته؟ قال‪ :‬فصدقوه بام قال(‪.)3‬‬
‫أبو الحسن علي بن أبي طالب‪:‬‬
‫كان ي�وزع الصدقات‪ ،‬والذهب والفضة والدقيق والتمر عىل الفقراء واملحتاجني‪،‬‬
‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]1678‬والرتمذي [‪ ،]3675‬والدرامي [‪ ،]1667‬وحس�نه الش�يخ األلباين‬
‫يف «املشكاة» برقم [‪.]6021‬‬
‫(‪« )2‬الدر املنضود يف ذم البخل ومدح اجلود» ص‪ ]64[ :‬للمناوي‪ ،‬ط‪ :‬دار الصحابة‪.‬‬
‫خمترصا [‪ ،]2778‬والرتمذي [‪ ،]3703‬وأمحد[‪.]457‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪117‬‬
‫ثم يأمر بامء فيتوضأ ويصيل ركعتني ويقول‪ :‬اللهم اش�هد‪ ،‬اللهم اش�هد‪ ،‬اللهم اشهد‪ ،‬أين‬
‫ما ادخرت ألهيل حبة وال متر ًة وال زبيبة‪.‬‬

‫ق�ال علي بن األرقم‪ :‬س�معت أيب يقول‪ :‬رأيت عليا وهو يبيع س�ي ًفا له يف الس�وق‬
‫ويقول‪ :‬من يشتري مني هذا الس�يف؟ فوالذي فلق احلبة‪ ،‬لطاملا كش�فت به الكرب عن‬
‫وجه الرسول‪ ،0‬ولو كان عندي إزار ما بعته(‪.)1‬‬

‫أبو طلحة ‪:I‬‬

‫فع�ن أنس ق�ال‪ :‬كان أبو طلحة أكثر األنص�ار باملدينة ماالً م�ن نخل‪ ،‬وكان أحب‬
‫أمواله بريحاء‪ ،‬وكانت مس�تقبلة املس�جد‪ ،‬وكان رسول اهلل يدخلها ويرشب من ماء فيها‬
‫طي�ب‪ ،‬فلام نزلت هذه اآلي�ة [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ] [‪ ]92 :4‬قام أبو طلحة إىل رسول اهلل ‪ 0‬فقال يا رسول اهلل‪ :‬إن اهلل‬
‫‪ F‬يق�ول‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ]‬
‫[‪ ،]92:4‬وإن أح�ب أم�وايل إىل بريحاء‪ ،‬وإهنا صدقة هلل‪ .‬فقال رس�ول اهلل ‪:0‬‬
‫«ب � ٍ�خ(‪ )2‬وذل ��ك مال رابح‪ ،‬وقد مسعت ما قلت‪ ،‬وإني أرى أن جتعلها يف األقربني»‪ ،‬فقال‬
‫أبو طلحة‪ :‬أفعل يا رسول اهلل‪ ،‬فقسمها أبو طلحة يف أقاربه وبني عمه»(‪.)3‬‬

‫جعفر الطيار ‪:I‬‬

‫اب�ن ع�م النب�ي‪ 0‬وصاحبه‪ ،‬نم�وذج يف الب�ذل والعط�اء والتضحي�ة‪ ،‬قال‬


‫‪ 0‬فيه‪« :‬رأيت جعف ًرا يطري يف اجلنة مع املالئكة»(‪.)4‬‬

‫(‪« )1‬صفة الصفوة» (‪ )134/1‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التجارية‪.‬‬


‫بخ‪ :‬كلمة تقال عند تفخيم األمر‪ ،‬وتعظيمه يف اخلري‪.‬‬
‫(‪ٍ )2‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري[‪ ،]1461‬ومسلم[‪.]898‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي[‪ ،]3763‬وصححه الشيخ األلباين يف الصحيحة برقم [‪.]1226‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪118‬‬
‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪« :‬ما احت ��ذى النعال وال انتع ��ل‪ ،‬وال ركب املطايا‬
‫وال ركب الكور(‪ )1‬بعد رسول ‪ 0‬أفضل من جعفر بن أبي طالب »(‪.)2‬‬

‫أي‪ :‬يف اجلود والكرم‪.‬‬

‫نماذج أخرى من زوجاته ‪:0‬‬

‫عن عبد اهلل بن الزبري ‪ I‬قال‪ :‬ما رأيت امرأتني قط أجود من عائش�ة وأسماء‪،‬‬
‫أما عائش�ة فكان�ت جتمع اليشء إىل اليشء‪ ،‬حت�ى إذا اجتمع عندها وضعته‪ ،‬وأما أسماء‬
‫فكانت ال تدخر شي ًئا لغد(‪.)3‬‬

‫وع�ن حممد بن سيرين‪ :‬أن عمر بعث إىل س�ودة بغرارة دراه�م‪ ،‬فقالت‪ :‬ما هذه؟‬
‫قالوا‪ :‬دراهم‪ ،‬قالت‪ :‬يف الغرارة مثل التمر؟ يا جارية بلغيني القنع(‪ ،)4‬ففرقتها(‪.)5‬‬

‫في�ا أصحاب األم�وال والعق�ارات‪ ،‬ويا أصح�اب املراكب الوطيئ�ات‪ ،‬واألبراج‬


‫السامقات املنيفات‪ ،‬سوف تذهب هذه األموال وخترب هذه الدور‪.‬‬
‫ف� ��امل� ��ال ع� ��اري� ��ة وال� �ع� �م ��ر رح� ��ال‬ ‫اهلل أع �ط��اك ف��اب��ذل م��ن عطيته‬
‫وإن جي� ��ر ي� �ع ��ذب م��ن��ه سلسال‬ ‫املال كاملاء إن حتبس سواقيه يأسن‬
‫فالتع�رف على الفقراء واأليت�ام واملحتاجين‪ ،‬واإلنفاق يف أوجه اخلير ميدان من‬
‫اخلريات‪ ،‬وصلة وإحسان للفقراء الذين أناخ الفقر عليهم رحاله‪ ،‬وعضهم البؤس بنابه‪،‬‬
‫وأوجعهم بكالبه‪ ،‬الذين ال موارد هلم‪ ،‬فابحث عنهم‪ ،‬واطرق باهبم‪ ،‬وتفقد أحواهلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكور‪ :‬الرجل‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]3764‬وأمحد [‪ ،]9089‬وقال الش�يخ األلباين‪ :‬صحيح اإلسناد موقوف‪،‬‬
‫وانظر‪« :‬صحيح سنن الرتمذي» [‪.]3764‬‬
‫(‪« )3‬صفة الصفوة» (‪ )58/2‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التجارية‪.‬‬
‫(‪« )5‬الطبقات الكربى» (‪ )44/8‬البن سعد‪ ،‬ط‪ :‬دار صادر‪.‬‬ ‫(‪ )4‬القنع‪ :‬الطبق‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪119‬‬
‫ق�ال اب�ن عب�اس ‪ :I‬س�ادات الن�اس يف الدني�ا األس�خياء‪ ،‬ويف اآلخ�رة‬
‫األتقياء(‪.)1‬‬
‫وقيل ملعاوية‪ :‬من أحب الناس إليك؟ قال‪ :‬من كثرت أياديه عندي‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فإن مل يكن؟ قال‪ :‬من كثرت أيادي عنده(‪.)2‬‬
‫وقال الفضيل‪ :‬نعم السائلون حيملون أزوادنا إىل اآلخرة بغري أجرة‪،‬حتى يضعوها‬
‫يف امليزان بني يدي اهلل ‪.)3(c‬‬

‫وبدارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وق�ال احلس�ن البصري‪ :‬عج ًبا لك ي�ا ابن آدم‪ ،‬تنفق يف ش�هواتك إرسا ًف�ا‬
‫وتبخل يف مرضاة ربك بدرهم‪ ،‬ستعلم يا ُلكع مقامك عنده غدً ا(‪.)4‬‬

‫مسرورا ببذله‪ ،‬مترب ًع�ا بعطائه‪ ،‬ال يتلمس‬


‫ً‬ ‫وقال بعض الس�لف‪ :‬الس�خي من كان‬
‫عرض دنيا فيحبط عمله‪ ،‬وال طلب مكافأة فيسقط شكره(‪.)5‬‬

‫‪[ :4‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ] [‪.]92:4‬‬

‫فحرك�وا مهمكم إىل اخلري وفرجوا‪ ،‬وحثوا املسير إىل الب�ذل وأدجلوا‪ ،‬وأقلعوا عن‬
‫احل�رص على املال وعرج�وا‪ ،‬وآثروا الفقري بشيء مما جتمع�ون‪[ .‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ] وحيكم‪ ،‬السير حثيث‪ ،‬وال منجد لكم وال مغي�ث‪ ،‬فبادروا بالصدقة عىل‬
‫الفقراء واملعدمني‪ ،‬وأنفقوا من أطيب ما تكسبون [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ]‬
‫ك�م قطع�ت اآلمال بتا‪ ،‬كم مصيف ما أربع وال ش�تى‪ ،‬كم عازم عىل إخراج املال ما تأيت‪،‬‬
‫حريصا ما يستقر‪ ،‬يا طال ًبا‬
‫ً‬ ‫س�بقته أحداث املنون [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ] يا‬

‫(‪« )1‬صالح األمة يف علو اهلمة» (‪ )612/2‬للشيخ سيد العفاين‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق (‪.)612/2‬‬ ‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)612/2‬‬
‫(‪ )5‬املصدر السابق (‪.)612/2‬‬ ‫(‪ )4‬املصدر السابق (‪.)612/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪120‬‬
‫للدني�ا ما يق�ر‪ ،‬إن كنت تصدق بالثواب فتصدق يف الرس‪ ،‬باملحبوب‪[ :4 ،‬ﭑ‬
‫وش�حيحا بالنقري‪ ،‬يا ممس�كًا يداك‬
‫ً‬ ‫اً‬
‫بخيًل� بالفتي�ل‪،‬‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ] ي�ا‬
‫باإلحس�ان متى متري‪ ،‬ختتار لنفس�ك األج�ود ولربك احلقري‪ ،‬وما ال يصل�ح لك من املتاع‬
‫تعطيه الفقري‪[ :4 ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ] اكتسابك عىل أهوائك‬
‫أنفقت‪ ،‬أغرقت نفس�ك يف الش�هوات وما تصدقت‪ ،‬ونسيت احلساب غدً ا وما أشفقت‪،‬‬
‫ف�إذا رمحت الفقري واملس�كني‪ ،‬أعطيت الردى وال�دون‪[ :4 ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ] أما املس�كني أخوك من الوالدين‪ ،‬فكيف كففت عن إعطائه اليدين‪،‬‬
‫كيف حتث عىل النفل والزكاة عليك دين‪ ،‬وأنتم فيها تأولون‪[ :4 ،‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ] جتمع الدينار عىل الدينار لغريك‪ ،‬وغدً ا ينساك من ادخرت له كل‬
‫خريك‪ ،‬وما تزودت منه ش�ي ًئا لسيرك‪ ،‬هذا لعمري هو اجلنون‪[ :4 ،‬ﭑ ﭒ‬
‫ً‬
‫مستوحش�ا يف قربه بعد طول‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ] يا وحيدً ا عام قليل رمس�ه(‪ ،)1‬يا‬
‫خريا نفعه يف حبسه [ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫أنسه‪ ،‬لو قدم ً‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ] [‪.)2(]9 :s‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬


‫ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ] [‪.]35 :G‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬ما م ��ن صاحب ذهب‬
‫وال فض ��ة ال ي ��ؤدي منه ��ا حقها‪ ،‬إال إذاكان يوم القيامة صفح ��ت له صفائح من نار‪،‬‬
‫فأمح ��ي عليه ��ا يف نار جهنم فيكوي بها جنبه وجبينه وظهره‪ ،‬كلما بردت أعيدت له‬

‫(‪ )1‬رمسه‪ :‬أي قربه‪.‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪ )611- 610/2‬بترصف بسيط‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪121‬‬
‫يف يوم مقداره مخسني ألف سنة‪ ،‬حتى يقضى بني الناس فريى سبيله إما إىل اجلنة‬
‫أو إىل النار»(‪.)1‬‬
‫وع�ن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من آتاه اهلل مالاً‬
‫شجاعا أقرع ‪ -‬أي ثعبانًا ‪ -‬له زبيبتان يطوقه يوم‬
‫ً‬ ‫مل يؤد زكاته مثل له يوم القيامة‬
‫القيامة ثم يأخذه بلهزمتيه ‪ -‬أي شدقيه ‪ -‬ثم يقول‪ :‬أنا مالك‪ .‬أنا كنزك»(‪.)2‬‬
‫وال ت�ت�رك��ن ل �ل �ش��ام �ت�ين وحسد‬ ‫وأ ّد زك� � ��اة امل� � ��ال ح� �ي ��ا وطيبا‬
‫ال تشقى إىل النار يف غد‬ ‫ب��ذا غاف ً‬ ‫وإي� ��اك وال �ب �خ��ل امل �ش�ين ف�لا تكن‬
‫ف�م��ن مل ي��زك امل ��ال ل�ي��س مبهتد‬ ‫تطوعا‬
‫ً‬ ‫أال إن �ه��ا ف ��رض ول �ي �س��ت‬
‫فيا بئس جمموع ملن كان معتد‬ ‫ي��ط��وق��ه ي � ��وم ال��ق��ي��ام��ة معذ ًبا‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]987‬وأبو داود [‪ ،]1658‬وأمحد [‪.]7509‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1403‬والنسائي [‪ ،]2482‬وأمحد [‪.]8447‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪122‬‬

‫التوكل على اهلل‬

‫ع�ن عم�ران بن ُحصني أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬يدخل اجلن ��ة من أميت‬
‫س ��بعون أل ًفا بغري حس ��اب»‪ ،‬قالوا‪ :‬من هم يارس�ول اهلل؟ قال‪« :‬هم الذين ال يسرتقون‬
‫وال يتطريون وال يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»(‪.)1‬‬

‫والت ��وكل ه ��و‪ :‬تفويض األمر إىل اهلل‪ ،‬وصدق اعتامد القل�ب عىل اهلل وحده‪ ،‬وهو‬
‫عب�ادة من العب�ادات القلبية‪ ،‬التي يتعبد هبا اإلنس�ان لربه وخالق�ه‪ ،‬فهو ‪ n‬كاف من‬
‫استكفاه‪ ،‬ومنقذ من يراقبه وخيشاه‪ ،‬ومعز من أطاعه واتقاه‪ ،‬فكفى به ول ًيا وكفى به اً‬
‫وكيل‪،‬‬
‫جريل‪ ،‬ومن توكل عليه فاز بنرصته وسلك اً‬
‫سبيل‪.‬‬ ‫اً‬ ‫من الذ به نال من محايته ح ًظا‬

‫ق�ال ‪[ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ]‬
‫[‪]11 :Q‬‬

‫وق�ال ‪[ :D‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ] [‪.]58 :l‬‬

‫وقال ‪[ :D‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ] [‪.]3 :4‬‬

‫وأفضل املتوكلني عىل اهلل ‪ D‬هم األنبياء والرسل ‪ ،e‬الذين حققوا‬


‫كامل التوكل عىل اهلل‪ ،‬فهم يف املرتبة األوىل‪.‬‬
‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ] [‪.]12 :Q‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5705‬ومسلم [‪.]374‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪123‬‬
‫وقال اهلل عن نبيه هود ‪[ :S‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ] [‪.]56 :K‬‬

‫وقال ‪ D‬عن خطيب األنبياء وحجة املرس�لني وفصيح الرسل شعيب ‪:S‬‬
‫[ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ]‬
‫[‪]88 :K‬‬

‫وأعظ ��م التوكل وأنفعه‪ :‬الت�وكل عىل اهلل يف أمر اآلخرة‪ ،‬ودخ�ول اجلنة والنجاة‬
‫من النار‪ ،‬ونرصة الدين‪ ،‬وإعالء كلمة اهلل ‪ .D‬وهذه العبادة تقف مع اإلنسان يف وقت‬
‫الشدة‪ ،‬ويف وقت املحنة‪ ،‬ويف وقت الضيق‪.‬‬

‫ف�إذا دمهتك األمور‪ ،‬وكثرت علي�ك اهلموم‪ ،‬وازدادت بك اخلطوب‪ ،‬فإنه ال منجا‬
‫وال ملجأ لك إال اهلل ‪.D‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫ﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈ ﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝﮞﮟ ﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮮ‬


‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣ ﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰﯱﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﯿﰀ ﭑ‬
‫ﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟ ﭠﭡ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪124‬‬
‫ﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳ‬

‫ﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂ‬


‫ﮃﮄﮅﮆ ﮇ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ] [‪.]68 - 45:e‬‬

‫قسم أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم‪،‬‬


‫قال احلافظ ابن كثري ‪ :V‬أقسم اخلليل اً‬
‫أي ليحرصن عىل أذاهم وتكسريهم بعد أن يولوا مدبرين إىل عيدهم‪[ ،‬ﭑ ﭒ]‬
‫أي‪ :‬حطا ًما [ﭓ ﭔ ﭕ] إال الصنم الكبري‪[ ،‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ] حني رجعوا‬
‫وشاهدوا ما فعله اخلليل بأصنامهم من اإلهانة واإلذالل‪[ ،‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ] قال�وا‪[ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ] عىل رؤوس األش�هاد يف املأل األكرب وحاكموه‪،‬‬
‫فلما دحضت حجتهم‪،‬وب�ان عجزهم‪ ،‬وظهر احلق‪ ،‬واندفع الباطل‪ ،‬عدلوا إىل اس�تعامل‬
‫كثريا‪،‬‬
‫ج�اه ملكه�م‪ ،‬فقال�وا‪[ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ] فجمعوا حط ًبا ً‬
‫حتى أن املرأة كانت مترض فتنذر إن عوفيت أن حتمل حط ًبا إلحراق إبراهيم‪ ،‬ثم جعلوه‬
‫نارا‪ ،‬ف�كان هلا رشر عظيم‪ ،‬وهلب مرتف�ع‪ ،‬مل توقد نار‬
‫يف جوب�ة م�ن األرض وأرضموها ً‬
‫قط مثلها‪ ،‬وجعلوا إبراهيم ‪ S‬يف كفة املنجنيق(‪ ،)1‬فلام ألقوه قال‪ :‬حسبي اهلل ونعم‬
‫الوكيل(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫واأل ْس � � ��د ت� ��زأر يف رب���ا الصحراء‬ ‫ول �ق��د ذك��رت��ك وال� �ظ�ل�ام خميم‬
‫حل �س �ب �ت�ني ش� �ل ��وا م� ��ن األش �ل��اء‬ ‫يف وح� �ش ��ة ل ��و غ �ب��ت ع�ن�ي ساعة‬

‫(‪ )1‬املنجنيق‪ :‬هو آلة كانت تستعمل يف احلرب مثل املدفع‪.‬‬


‫(‪« )2‬تفسري القرآن العظيم» (‪ )193 - 191/3‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪125‬‬
‫خ �ل��ق ال� ��وج� ��ود م� �ص ��ور األح� �ي ��اء‬ ‫ضل الرفيق فلست أدع��و غري من‬
‫ه�ذه العب�ارة املباركة‪ ،‬وتل�ك القوة الفتاك�ة اهلائلة‪ ،‬قاهلا حمم�د ‪ 0‬يف وقت‬
‫الش�دة‪ ،‬وتنفس هبا يف وقت الضيق‪ ،‬ملا خرج من أحد‪ ،‬وقتل من أصحابه سبعون اً‬
‫رجل‪،‬‬
‫ودخلت حلق املغفر يف وجهه الرشيف وكرست رباعيته‪ ،‬وهو يف وقت الشدة ويف وقت‬
‫كافرا‪ ،‬أرسل له عميالً من العمالء‪،‬‬
‫الضيق‪ ،‬أرس�ل له أبو سفيان بن حرب‪ ،‬وكان آنذاك ً‬
‫وأجريا من األجراء‪ ،‬قال‪ :‬إن أبا سفيان وأصحابه [ﯼ ﯽ ﯾ] اجلموع ليستأصلوكم‬
‫ً‬
‫[ﯿ] وال تأتوهم [ﰀ] ذلك القول [ﰁ] وتصدي ًقا باهلل ويقينًا [ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ](‪.)1‬‬

‫ق�ال اب�ن عباس ‪ :I‬حس�بنا اهلل ونع�م الوكيل‪ ،‬قاهل�ا إبراهيم ‪ 0‬حني‬
‫ألق�ى يف النار‪ ،‬وقاهلا حممد ‪ 0‬حني قال�وا‪[ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ] [‪.)2(]174 -173 :4‬‬

‫وعن جابر بن عبد اهلل ‪ I‬قبل نجد‪ ،‬فلام قفل رسول اهلل ‪ 0‬قفل معهم‪،‬‬
‫فأدركته�م القائل�ة(‪ )3‬يف واد كثري العض�اة (‪ ،)4‬فنزل رس�ول اهلل ‪ 0‬وتفرق الناس‬
‫يستظلون بالشجر‪ ،‬ونزل رسول اهلل ‪0‬حتت سمرة(‪ )5‬فعلق هبا سيفه‪ ،‬ونمنا نومة‪،‬‬
‫ف�إذا رس�ول اهلل ‪ 0‬يدعون�ا‪ ،‬وإذا عن�ده أعرايب‪ ،‬فق�ال‪« :‬إن ه�ذا اخرتط»(‪)6‬عىل‬
‫س�يفي وأنا نائم‪ ،‬فاس�تيقظت وهو يف يده صلتا(‪ ،)7‬وقال‪ :‬من يمنعك مني؟ قلت‪ :‬اهلل ‪-‬‬
‫ثال ًث�ا»ومل يعاقبه وجلس(‪ )8‬ويف رواية أيب بكر اإلسماعييل يف صحيحه‪ :‬قال‪ :‬من يمنعك‬

‫(‪« )1‬حماسن التأويل» (‪ )177/2‬جلامل الدين القاسمي‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة التاريخ العريب بترصف بسيط‪.‬‬
‫(‪ )3‬القائلة‪ :‬أي وقت الظهرية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]4564‬‬
‫(‪ )5‬مسرة‪ :‬الشجرة من الطلح‪.‬‬ ‫(‪ )4‬العضاة‪ :‬الشجر الذي له شوك‪.‬‬
‫اً‬
‫مسلول‪.‬‬ ‫(‪ )7‬صلتا‪ :‬أي‬ ‫(‪ )6‬اخرتط السيف‪ :‬أي سله وهو يف يده‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2910‬ومسلم [‪.]843‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪126‬‬
‫مني؟ قال‪«:‬اهلل»‪ ،‬فسقط السيف من يده‪ ،‬فأخذ رسول اهلل ‪ 0‬السيف‪ ،‬فقال‪« :‬من‬
‫يمنعك مني؟»‪ ،‬فقال‪ :‬كن خري آخذ‪ ،‬فقال‪« :‬تش�هد أن ال إله إال اهلل وأين رس�ول اهلل؟»‪،‬‬
‫قال‪ :‬ال ‪ ،‬ولكني أعاهدك أن ال أقاتلك‪ ،‬وال أكون مع قوم يقاتلونك‪ .‬فخىل سبيله‪ ،‬فأتى‬
‫أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬جئتكم من عند خري الناس‪ ،‬وصدق‪.‬‬
‫ف� ��إن ص �ف��ات��ه ج �ل��ت ع ��ن احلصر‬ ‫م � � � ��اذا ي� � �ق� ��ول ال�� ��واص� � �ل�� ��ون له‬
‫ه�ذا املشرك هم بقت�ل النبي ‪ ،0‬وحاش�اه أن يفع�ل ذل�ك‪ ،‬ألن اهلل يقول‪:‬‬
‫[ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ] [‪.]67:8‬‬
‫فوض ‪ 0‬أمره إىل اهلل‪ ،‬وتوكل عليه‪ ،‬فسقط السيف من يد املرشك‪.‬‬
‫من ف� ��امل�� �خ� ��اوف ك� �ل� �ه ��ن أم � ��ان‬ ‫وإذا ال �ع �ن��اي��ة الح �ظ �ت��ك عيونها‬
‫مهاج�را من مك�ة إىل املدينة‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫وخي�رج ‪ 0‬ه�و وصاحب�ه الصديق األكرب‪،‬‬
‫يأوي إىل غار‪ ،‬فيأيت املرشكون ويرضبون حصار الغار بسيوفهم‪ ،‬حتى أصبح املوت قري ًبا‬
‫من رأسه ‪ 0‬هو وصاحبه‪ ،‬فيتوكل عىل احلي الذي ال يموت‪.‬‬

‫قال أبو بكر الصديق‪ :‬نظرت إىل أقدام املرشكني ونحن يف الغار وهم عىل رؤوسنا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رس�ول اهلل‪ ،‬لو أن أحدهم نظر حتت قدميه ألبرصنا‪ .‬فقال‪« :‬ما ظنك يا أبا بكر‬
‫باثنني اهلل ثالثهام»(‪.)1‬‬
‫ف��إن��ه ال��رك��ن إن خانتك أركان‬ ‫معتصما‬
‫ً‬ ‫ف��ال��زم يديك حببل اهلل‬
‫كذلك نبي اهلل موس�ى ‪ ،S‬صاح هب�ذه الكلمة يف وقت الضيق‪ ،‬وتكلم هبا يف‬
‫وق�ت املحنة‪ ،‬ملا طارده فرعون بجنوده‪ ،‬حتى أصبح البحر من أمام موس�ى‪ ،‬والعدو من‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3653‬ومسلم [‪.]2381‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪127‬‬
‫خلف�ه‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ][‪ ،]61 :n‬البحر أمامنا والعدو‬
‫خلفنا‪ ،‬فقال الواثق بربه املتوكل عليه‪[ :‬ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ] [‪.]62 :n‬‬

‫فضرب موس�ى بعص�اه البح�ر فانفل�ق‪[ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ‬


‫ﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ] [‪.]66 - 63 :n‬‬

‫وأغ�رق اهلل ه�ذا الكافر ال�ذي ق�ال‪ [ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ] فأجراها اهلل‬


‫فوق رأسه‪.‬‬
‫ن��واص��ي دواب ل �ل��ذي ش ��اء تهرع‬ ‫وم� ��ا األم � ��ر وال� �ت ��دب�ي�ر إال ملالك‬
‫ف��م��ق��دور ب��ال �ق �ه��ر ال ش ��ك واق ��ع‬ ‫ففوض إليه األم��ر إن كنت عاملًا‬
‫لدى امللك األعلى سوى الذل موضع‬ ‫وه� ��ل ل��ذل �ي��ل ع ��اج ��ز ع �ن��د فاقة‬
‫أك���ف ال�ب�راي ��ا ب��احل��وائ��ج ترفع‬ ‫أال ي��ا غ �ي��اث امل�س�ت�غ�ي��ث وم ��ن له‬
‫ع �ب��ودي��ة ي �ص �ف��و ل��دي �ه��ا التطوع‬ ‫على بابك األمسى تراميت خاض ًعا‬
‫التوكل على اهلل سبب في جلب الرزق وزيادته‪:‬‬

‫فعن عمر ‪ I‬قال‪ :‬س�معت رس�ول اهلل‪ ،0‬يقول‪« :‬ل ��و أنكم توكلون‬
‫مخاصا(‪ )1‬وتروح بطا ًنا(‪،)3(»)2‬‬
‫ً‬ ‫على اهلل حق توكله لرزقكم كما يرزق الطري‪ ،‬تغدو‬
‫ف�اهلل ‪ D‬يري�د م�ن العبد أن يك�ون يف توكله عىل اهلل مث�ل هذه الطي�ور التي خترج من‬
‫أعشاش�ها يف الصباح الباكر‪ ،‬ضامرة البطون جائعة‪ ،‬فتتوكل عىل مسبب األسباب فتعود‬

‫مخاصا‪ :‬ضامرة البطون‪.‬‬


‫ً‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )2‬بطا ًنا‪ :‬ممتلئة البطون‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]2344‬واب�ن ماج�ه [‪ ،]4164‬واب�ن حب�ان «إحس�ان» [‪ ،]73‬وأمح�د‬
‫(‪ ،)30/1‬واحلاكم‪ ،)318/4( ،‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]5254‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪128‬‬
‫آخر النهار وقد امتألت بطوهنا بالطعام‪ ،‬فعىل اإلنس�ان أن يكون لديه عمل‪ ،‬وأن يبحث‬
‫ع�ن مص�ادر الرزق‪ ،‬وأن يكتس�ب امل�ال احلالل‪ ،‬يأخذ باألس�باب ويتوكل عىل مس�بب‬
‫األسباب ‪.E‬‬
‫وع �ل �م��ت أن رزق� ��ي س ��وف يأتيين‬ ‫إن� � � � � ��ي ت� � ��وك � � �ل� � ��ت ع � � �ل� � ��ى اهلل‬
‫التوكل على اهلل سبب في نجاة العبد من النار‪:‬‬

‫فع�ن عب�د اهلل بن عب�اس ‪ L‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬عرضت على‬
‫األم ��م ‪ ،‬فرأي ��ت النيب ومعه الرهيط(‪ ،)1‬والنيب ومعه الرجل والرجالن‪ ،‬والنيب وليس‬
‫معه أحد‪ ،‬إذ رفع لي س ��واد عظيم فظننت أنهم أمتى‪ ،‬فقيل لي‪ :‬هذا موس ��ى وقومه‪،‬‬
‫ولكن انظر إىل األفق(‪ ،)2‬فنظرت فإذا سواد عظيم‪ ،‬فقيل لي‪ :‬انظر إىل األفق اآلخر‪،‬‬
‫ف ��إذا س ��واد عظيم‪ ،‬فقيل لي‪ :‬هذه أمتك ومعهم س ��بعون(‪ )3‬أل ًف ��ا يدخلون اجلنة بغري‬
‫حساب وال عذاب»‪.‬‬

‫ثم هنض فدخل منزله‪ ،‬فخاض الناس يف أولئك الذين يدخلون اجلنة بغري حساب‬
‫وال ع�ذاب‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬فلعلهم الذين صحبوا رس�ول اهلل ‪ ،0‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫فلعله�م الذين ولدوا يف اإلسلام فلم يرشكوا باهلل ش�ي ًئا‪ ،‬وذكروا أش�ياء‪ ،‬فخرج عليهم‬
‫رس�ول اهلل ‪ 0‬فق�ال‪« :‬ما ال ��ذي ختوضون في ��ه؟»‪ ،‬فأخربوه فق�ال‪« :‬هم الذين‬

‫(‪ )1‬الرهيط‪ :‬هم دون عرشة أنفس‪.‬‬


‫(‪ )2‬األفق‪ :‬الناحية واجلانب‪.‬‬
‫(‪ )3‬وق�د ورد يف بع�ض الروايات الصحيحة أن مع كل واحد من الس�بعني أل ًفا س�بعني أل ًفا ً‬
‫أيضا‪ ،‬فتكون‬
‫النتيج�ة بع�د الضرب (‪49 = 70000 × 70000‬ملي�ون) ه�ؤالء يدخل�ون اجلن�ة بغير حس�اب‬
‫وال ع�ذاب‪ ،‬اللهم اجعلنا منهم‪ .‬انظر‪« :‬رشح رياض الصاحلني» (‪ )377/1‬للش�يخ صالح‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫البرصة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪129‬‬
‫ال يرقون(‪ ،)1‬وال يسرتقون(‪ ،)2‬وال يتطريون(‪)3‬وعلى ربهم يتوكلون» فقال عكاشة بن‬
‫حمص�ن‪ :‬ادع اهلل أن جيعلني منهم‪ .‬فقال ‪« :0‬أنت منهم»‪ ،‬ثم قام رجل آخر فقال‪:‬‬
‫ادع اهلل أن جيعلني منهم‪ ،‬فقال‪« :‬سبقك بها عكاشة»(‪.)4‬‬

‫التوكل على اهلل حصن من الشيطان‪:‬‬

‫الت�وكل على اهلل ‪ D‬حص�ن م�ن مكائد الش�يطان‪ ،‬وه�و ورد ينبغي على العبد‬
‫املحافظ�ة عليه عن�د خروجه من بيته‪ .‬فعن أم س�لمة ‪ J‬أن النبي ‪ 0‬كان إذا‬
‫خرج من بيته قال‪« :‬بس ��م اهلل‪ ،‬توكلت على اهلل‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل‪،‬‬
‫أو أزل أُزل‪ ،‬أو أظلم أو أُظلم‪ ،‬أو أجهل أو جيهل علي»(‪.)5‬‬

‫وعن أنس ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من قال ‪ -‬يعني إذا خرج من‬
‫بيته ‪ -‬بسم اهلل توكلت على اهلل‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬يقال له‪ :‬هديت وكفيت‬
‫ووقيت‪ ،‬وتنحى(‪ )6‬عنه الشيطان»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬قال الشيخ العثيمني ‪ :V‬هذا لفظ مسلم دون رواية البخاري‪ ،‬وذلك ألن معنى «ال يرقون» كلمة‬
‫غير صحيح�ة‪ ،‬وال تصح ع�ن النبي ‪ 0‬ألن معنى «ال يرق�ون» أي‪ :‬ال يقرؤون عىل املرىض‪.‬‬
‫وهذا باطل‪ ،‬فإن الرس�ول ‪ 0‬كان يرقى املرىض‪ .‬انظر‪« :‬رشح رياض الصاحلني» (‪)378/1‬‬
‫للشيخ العثيمي‪ ،‬ط‪ :‬دار البرصة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال يسرتقون‪ :‬ال يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم إذا أصاهبم يشء؟‬
‫(‪ )3‬ال يتطريون‪ :‬ال يتشاءمون ويعتمدون عىل اهلل وحده‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5705‬ومسلم [‪ ،]220‬الرتمذي [‪ ،]2446‬وأمحد (‪.)271/1‬‬
‫(‪ )5‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]5094‬والرتم�ذي [‪ ،]3427‬والنس�ائي [‪ ،]285‬وابن ماجه [‪،]3884‬‬
‫وصححه الشيخ األلباين يف «املشكاة» برقم [‪ .]2442‬وانظر‪« :‬الكلم الطيب» [‪.]59‬‬
‫(‪ )6‬تنحي عنه‪ :‬أي مال عن جهته وطريقه‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]5095‬والرتمذي [‪ ،]3426‬وصححه الش�يخ األلباين يف «املش�كاة» برقم‬
‫[‪ ،]2443‬وانظر‪« :‬الكلم الطيب» [‪.]58‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪130‬‬
‫ويف رواي�ة أيب داود‪« :‬فيق ��ول ‪ -‬يعين‪ :‬ش ��يطان آخر‪ :‬كيف ل ��ك برجل قد هدي‬
‫وكفي ووقي؟»‪.‬‬
‫فهل مثل هذه الفضائل تُضيع‪ ،‬وهل مثل هذه الفضائل ُيستهان هبا‪.‬‬

‫التوكل على اهلل ورد من أوراد النوم‪:‬‬

‫التوكل عىل اهلل ‪ D‬ورد من أوراد النوم‪ ،‬إذا أيت اإلنسان فراشه لينام يستحب له‬
‫املحافظة عليه‪ ،‬ففي ذلك اخلري والفضل‪ ،‬وبركة اتباع السنة‪.‬‬

‫فع�ن البراء بن عازب ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬يا فالن‪ ،‬إذا أويت‬
‫إىل فراشك فقل‪ :‬اللهم أسلمت نفسي إليك‪ ،‬ووجهت وجهي إليك‪ ،‬ال ملجأ وال منجا‬
‫من ��ك إال إلي ��ك‪ ،‬آمن ��ت بكتابك الذي أنزل ��ت‪ ،‬وبنبيك الذي أرس ��لت‪ .‬فإنك إن مت من‬
‫�را»(‪ ،)1‬ويف رواي�ة يف الصحيحني‪،‬‬
‫ليلت ��ك م ��ت على الفط ��رة‪ ،‬وإن أصبحت أصبت خ�ي ً‬
‫ع�ن البراء ق�ال‪ :‬ق�ال يل رس�ول اهلل ‪« :0‬إذا أتي ��ت مضجعك فتوض ��أ وضوءك‬
‫للصالة‪ ،‬ثم اضطجع على شقك األمين‪ ،‬وقل‪ »...‬وذكر نحوه ثم قال‪« :‬واجعلهن آخر‬
‫ما تقول»(‪ ،)2‬فينبغي علينا أن نحسن توكلنا عىل اهلل‪ ،‬ونفوض أمرنا إليه يف كل أحوالنا‪،‬‬
‫ويف كل أوقاتن�ا‪ ،‬ف�إن عب�ادة الت�وكل ثمرة من ثمرات عب�ادة اليقني‪ ،‬ف�إن أصدقنا اعتامد‬
‫قلوبنا عىل اهلل وحده عشنا سعداء مطمئنني‪ ،‬وحصل لنا مقصودنا يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫ل�ي�س��ت م��ع ال �ص �ف��راء واحلمراء‬ ‫إن ال�غ�ن��ائ��م يف ال�ت��وك��ل والرضا‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]7488‬ومسلم [‪.]2710‬‬


‫(‪ )2‬ففي هذا احلديث ثالث س�نن مهمة ومس�تحبة‪ ،‬وليس�ت بواجب�ة‪ :‬الوضوء عن�د إرادة النوم‪ ،‬والنوم‬
‫على الش�ق األيمن‪ ،‬وذكر اهلل ‪ c‬خامت�ة عمله‪ ،‬انظر‪« :‬رشح النووي عىل مس�لم» (‪ )31/9‬لإلمام‬
‫النووي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪131‬‬
‫واخ� � ��رج م ��ن األدوار واحلكماء‬ ‫فاشدد حيازيم الرحيل إىل األوىل‬
‫م � ��ا وع� � � ��ده وع� � � � � ً�دا ب� �غ�ي�ر وف � ��اء‬ ‫امل � � ��وت ح� �ت ��م ي� � ��وم ي� ��أت� ��ي وع� ��ده‬
‫ع ��اش ال�ط�ب�ي��ب ومل مي��ت بالداء‬ ‫ل��و أن ع �م � ًرا م��ن ط�ب�ي��ب يشرتي‬
‫دار ال� �ف� �ن ��اء ل �ي �س��ت ب�� ��دار بقاء‬ ‫ال ع� ��ز ل��ل��دن��ي��ا ال ��دن� �ي ��ة أهلها‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪132‬‬

‫الصبر‬

‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬يقول اهلل ‪ :D‬إذا أخذت‬
‫كرمي�ت�ي عب � ٍ�د فصرب واحتس ��ب مل يكن ج ��زاؤه‪ ،‬إال اجلنة»(‪ ،)1‬وع�ن عقبة بن عامر‪،‬‬
‫ع�ن النب�ي ‪ ،0‬قال‪« :‬من كان ل ��ه ثالث بنات فصرب عليهن كن له س�ت ً‬
‫�را من‬
‫النار»(‪.)2‬‬
‫والص�ب�ر ه ��و‪ :‬حب�س النفس عن اجل�زع؛ أي‪ :‬منعها م�ن االستسلام للجزع‪ ،‬كي‬
‫ال يرتت�ب علي�ه فعل ما ال ينبغ�ي فعله‪ ،‬وحبس النفس عن اجل�زع يمنعها عن حمارم اهلل‪،‬‬
‫بأداء فرائض اهلل‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :V‬الصرب حبس النفس عن التس�خط باملقدور‪ ،‬وحبس اللسان‬
‫عن الش�كوى‪ ،‬وحبس اجل�وارح عن املعصية‪ ،‬فم�دار الصرب عىل ه�ذه األركان الثالثة‪،‬‬
‫فإذا قام هبا العبد كام ينبغي انقلبت املحنة يف حقه منحة‪ ،‬واس�تحالت البلية عطية‪ ،‬وصار‬
‫املكروه حمبو ًبا‪.‬‬
‫ف�إن اهلل ‪ E‬مل يبتل�ه ليهلكه‪ ،‬وإنما ابتاله ليمتحن صبره وعبوديته‪ ،‬فإن هلل‬
‫‪ c‬على العب�د عبودت�ه يف الرضاء كام له علي�ه عبودية يف الرساء‪ ،‬ول�ه عبودية عليه فيام‬
‫يكره كام له عليه عبودية فيام حيب(‪.)3‬‬
‫وقيل‪ :‬هو خلق فاضل من أخالق النفس يمتنع به من فعل ما ال حيسن وال جيمل‪،‬‬
‫وهو قوة من قوى النفس التي هبا صالح شأهنا وقوام أمرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه الطبراين يف«الكبير» [‪ ،]1172‬وصححه الش�يخ األلباين يف «صحي�ح اجلامع» برقم‬
‫[‪.]2534‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه الطبراين يف «الكبري» [‪ ،]14246‬وصححه الش�يخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم‬
‫[‪.]3547‬‬
‫(‪« )3‬موارد الظمآن» (‪ )41/2‬لعبد العزيز املحمد السليامن‪ ،‬ط‪ :‬وقفية‪ ،‬الطبعة احلادية عرش‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪133‬‬
‫وقي�ل‪ :‬هو التباعد ع�ن املخالفات‪ ،‬والس�كون عند جترع غص�ص البلية‪ ،‬وإظهار‬
‫الغني مع حلول الفقر بساحات املعيشة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو الوقوف مع البالء بحسن األدب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو الغني يف البلوى بال ظهور شكوى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬جترع املرارة من غري تعبس‪.‬‬
‫فضل الصرب‪ :‬أما فضل الصرب يف القرآن فقد بينه اهلل ‪:D‬‬
‫‪[ :4‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ] [‪.]155 :2‬‬

‫وقال ‪[ :D‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ]‬


‫[‪]153 :2‬‬

‫وق�ال ‪[ :D‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ] [‪.]200:4‬‬

‫وق�ال ‪[ :D‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ‬


‫ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ] [‪.]10 :E‬‬

‫وقال ‪[ :D‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ] [‪.]43 :K‬‬


‫وقال ‪[ :D‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ] [‪.]31 :U‬‬

‫واآليات يف األمر بالصرب وبيان فضله كثرية معروفة‪ ،‬وأما فضله يف الس�نة فقد بينه‬
‫‪ 0‬يف أحاديث عديدة‪:‬‬

‫فعن أيب مالك احلارث بن عاصم األشعري ‪ ،I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫«الطه ��ور ش ��طر اإلمي ��ان‪ ،‬واحلمد هلل مت�ل�أ امليزان‪ ،‬وس ��بحان اهلل واحلم ��د هلل متآلن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪134‬‬
‫ما بني السماء واألرض‪ ،‬والصالة نور‪ ،‬والصدقة برهان‪ ،‬والصرب ضياء‪ ،‬والقرآن حجة‬
‫لك أو عليك(‪ ،)1‬كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها»(‪.)2‬‬

‫وع�ن أيب حيي�ي صهيب بن س�نان ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬عج ًبا‬
‫ألمر املؤمن إن أمره كله خري‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته س ��راء ش ��كر‬
‫ريا له»(‪.)3‬‬
‫ريا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صرب فكان خ ً‬
‫فكان خ ً‬
‫ناس�ا من األنصار‬
‫وعن أيب س�عيد س�عد بن مالك بن س�نان اخلدري ‪ :I‬أن ً‬
‫س�ألوا رسول اهلل ‪ 0‬فأعطاهم‪ ،‬ثم س�ألوه فأعطاهم‪ ،‬حتى نفذ ما عنده‪ ،‬فقال هلم‬
‫حني أنفق كل يشء بيده‪« :‬ما يكن عندي من خري فلن أدخره عنكم ‪ ،‬ومن يستعفف يعفه‬
‫خريا وأوس�ع‬
‫اهلل‪ ،‬وم�ن يس�تغن يغنه اهلل‪ ،‬وم�ن يتصرب يصربه اهلل‪ ،‬وما أعطى أحد عطاء ً‬
‫من الصرب»(‪.)4‬‬
‫وق�ال عمر بن عبد العزي�ز‪ :‬ما أنعم اهلل عىل عبد نعمة فانتزعه�ا منه فعاضه مكاهنا‬
‫خريا مما انتزعه‪.‬‬
‫الصرب إال كان ما عوضه ً‬
‫وقال سفيان بن عيينة يف قوله ‪[ :c‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ‬
‫رؤوسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ][‪ .]24 :0‬ملا أخذوا برأس األمر جعلناهم‬

‫(‪ )1‬حج�ة ل�ك إذا امتثلت أوام�ره واجتنبت نواهيه‪ ،‬وحجة علي�ك إن مل متتثل أوام�ره ومل جتتنب نواهيه‪.‬‬
‫خاصا بالقرآن بل يش�مل كل العلوم الرشعي�ة فام علمناه‬
‫«دلي�ل الفاحلين» (‪ ،)171/1‬وه�ذا لي�س ً‬
‫إما أن يكون حجة لنا وإما أن يكون حجة علينا‪ ،‬فإن عملنا به فهو حجة لنا وإن مل نعمل به فهو حجة‬
‫علينا‪ ،‬وهو وبال أي إثم وعقوبة‪ .‬انظر‪« :‬فتح ذي اجلالل واإلكرام» (‪.)41/1‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]223‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2999‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري [‪ ،]1469‬ومس�لم [‪ ،]1053‬ويف احلديث‪ :‬احلث عىل التعفف والقناعة‪ ،‬والصرب عىل‬
‫ضي�ق العي�ش وغريه من مكاره الدنيا‪ ،‬انظر‪« :‬رشح النووي عىل مس�لم» (‪ )145/4‬لإلمام النووي‪،‬‬
‫ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪135‬‬
‫قال الغزايل‪ :‬إذا اس�تحكمت األزمات وتعقدت حباهلا‪ ،‬وترادفت الضوائق وطال‬
‫ليلها‪ ،‬فالصرب وحده هو الذي يش�ع للمس�لم النور العاصم من التخبط‪ ،‬واهلداية الواقية‬
‫من القنوط‪ ،‬والصرب فضيلة حيتاج إليها املسلم يف دينه ودنياه‪ ،‬والبد أن يبني عليها أعامله‬
‫وآماله وإال كان اً‬
‫هازل‪ ...‬فاملس�لم جيب أن يوطن نفس�ه عىل احتامل املكاره دون ضجر‪،‬‬
‫وانتظار النتائج مهام بعدت‪ ،‬ومواجهة األعباء مهام ثقلت‪ ،‬بقلب مل يتعلق به ريبة‪ ،‬وعقل‬
‫ال تطيش به كربة‪.‬‬

‫جي�ب أن يظل موفور الثقة‪ ،‬بادي الثبات‪ ،‬ال يرتاع لغيمة تظهر يف األفق ولو تبعتها‬
‫أخ�رى وأخرى‪ ،‬بل يبقى موقن�ا بأن بوادر الصفو البد آتية‪ ،‬وأن م�ن احلكمة ارتقاهبا يف‬
‫س�كون ويقين‪ ،‬ش�عاره [ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ] [‪ .]18 :M‬هيت�ف م�ع أويل الع�زم‪« :‬يا أقدام الصرب‬
‫احتميل‪ ،‬فقد القليل‪ ،‬يطمع يف نيل الثواب األعظم»‪[ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ][‪،]10:E‬‬
‫وق�د أكد اهلل ‪ c‬أن ابتالء الناس ال حميص عنه‪ ،‬حتى يأخذوا أهبتهم للنوازل املتوقعة‪،‬‬
‫فال تذهلهم املفآجات‪ ،‬ويرضعوا هلا(‪[ )1‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ] [‪.]31 :U‬‬

‫وصدق الناظم حني قال‪:‬‬


‫فلما دهتنا مل ت��زدن��ا بها علما!‬ ‫عرفنا الليالي قبل م��ا نزلت بنا‬

‫وال ش�ك أن مواجهة األحداث ببصرية مستنرية واس�تعداد كامل أجدى لإلنسان‬
‫وأنفع‪ ،‬وأدنى إىل إحكام شئونه وأقرب‪[ :6 .‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫(‪« )1‬خلق املسلم»‪ ،‬ص‪ ]131[ :‬للغزايل‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن اجلوزي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪136‬‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ] [‪.]186 :4‬‬

‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫ويف ال ��رواح إىل ال�ط��اع��ات والبكر‬ ‫اصرب على مضض اإلدالج يف السحر‬
‫ل �ل �ص�بر ع��اق �ب��ة حم� �م ��ودة األث ��ر‬ ‫إن � ��ي رأي� � ��ت ويف األي� � � ��ام جتربة‬
‫واستصحب الصرب إال فاز بالظفر‬ ‫وق�� ��ل م� ��ن ج� ��د يف أم�� ��ر تطلبه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ل �ك��ن ع��واق �ب��ه أح �ل��ى م��ن العسل‬ ‫وال �ص�بر م�ث��ل امس ��ه م��ر مذاقته‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أح � � � � � � ��زان وج� � � � ��دران� � � � ��ه ال � �ض� ��ر‬ ‫ب �ن��ى اهلل ل�ل�أخ��ي��ار ب �ي �ت��ا مس ��اؤه‬
‫وق���ال هل��م م�ف�ت��اح ب��اب�ك��م الصرب‬ ‫وأدخ � �ل � �ه� ��م ف� �ي ��ه وأغ� � �ل � ��ق ب��اب��ه‬
‫أقس ��ام الصرب‪ :‬ينقس�م الصرب إىل ثالثة أقس�ام‪ :‬صرب عىل األوامر والطاعات حتى‬
‫يؤدهي�ا‪ ،‬وصرب عن املناه�ي واملخالفات حتى ال يقع فيها‪ ،‬وصبر عىل األقدار واألقضية‬
‫حت�ى ال يتس�خط عليها‪ ،‬وهذه األن�واع الثالثة هي الت�ي قيل فيها‪« :‬الب�د للعبد من أمر‬
‫يفعله‪ ،‬وهنى جيتنبه‪ ،‬وقدر يصرب عليه»‪.‬‬
‫وينقس�م باعتب�ار األح�كام اخلمس�ة إىل واجب‪ ،‬ومن�دوب‪ ،‬وحمظ�ور‪ ،‬ومكروه‪،‬‬
‫ومباح‪.‬‬
‫فالواج ��ب‪ :‬الصبر ع�ن املحرم�ات‪ ،‬والصبر على أداء الواجب�ات‪ ،‬والصبر عند‬
‫املصائب‪.‬‬
‫واملن ��دوب‪ :‬الصبر عن املكروهات‪ ،‬والصرب عىل املس�تحبات‪ ،‬والصبر عن مقابلة‬
‫اجلاين بمثل فعله‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪137‬‬
‫واحملظور‪ :‬الصرب عىل الطعام والرشاب حتى يموت‪ ،‬والصرب عن امليتة والدم وحلم‬
‫اخلنزي�ر عند االضطرار إذا خ�اف برتكه املوت‪ ،‬ومن الصرب املحظور صرب اإلنس�ان عىل‬
‫ما يقصد هالكه من س�بع أو حية أو حريق أو كافر يريد قتله‪ ،‬بخالف استسلامه وصربه‬
‫يف الفتنة وقتال املسلمني‪ ،‬فإنه مباح له بل يستحب كام دلت عليه النصوص الكثرية‪.‬‬

‫واملكروه‪ :‬صربه عىل املكروه‪ ،‬وصربه عن فعل املستحب‪ ،‬وكذلك الصرب عىل الطعام‬
‫والرشاب واللباس ومجاع أهله حتى يترضر بذلك بدنه‪.‬‬

‫واملب ��اح‪ :‬ه�و الصبر عن كل فعل مس�توى الطرفني ُخير بني فعل�ه وتركه والصرب‬
‫عليه‪.‬‬

‫جبال الصبر وعلو همتهم عند المصائب‪:‬‬

‫جع�ل اهلل ‪ n‬الصبر جوا ًدا ال يكبو‪ ،‬وصار ًما ال ينب�و‪ ،‬وجندً ا ال هيزم‪ ،‬وحصنًا‬
‫ال هي�دم‪ ،‬وال يثل�م‪ ،‬فه�و والنصر أخ�وان ش�قيقان‪ ،‬وه�و أنصر لصاحبه م�ن الرجال‬
‫بلا عدة وال ع�دد‪ ،‬وحمله من الظف�ر حمل الرأس من اجلس�د‪ ،‬وللصابري�ن معية مع اهلل‪،‬‬
‫ظف�روا فيه�ا بخريي الدني�ا واآلخرة‪ ،‬وفازوا فيه�ا بنعمه الظاهرة والباطن�ة‪ ،‬ولقد جعل‬
‫اهلل ‪ n‬اإلمام�ة يف الدين منوطة بالصرب واليقني‪ ،‬فقال ‪ c‬وبقوله اهتدى املهتدون‪:‬‬
‫[ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ] [‪.]24 :0‬‬

‫رؤوسا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال ابن عيينة‪« :‬ملا أخذوا برأس األمر‪ ،‬صاروا‬
‫وأخبر ‪ n‬عن حمبت�ه للصابري�ن بقول�ه‪[ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] [‪.]146 :4‬‬

‫وأوىص عباده باالس�تعانة بالصرب والصالة عىل نوائب الدنيا والدين‪ ،‬فقال ‪:c‬‬
‫[ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ] [‪.]45 :2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪138‬‬

‫وجعل الفوز باجلنة والنجاة من النار ال حيظى هبا إال الصابرون‪ ،‬فقال ‪[ :c‬ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ] [‪.]111:i‬‬
‫وأخرب أن الصرب واملغفرة من العزائم التي جتارة أرباهبا ال تبور‪ ،‬فقال ‪[ :c‬ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ] [‪.]43 :K‬‬
‫وكذلك قيل‪ :‬الصرب من معامل العظمة وش�ارات الكامل‪ ،‬ومن دالئل هيمنة النفس‬
‫على م�ا حوله‪ ،‬ولذل�ك كان «الصبور» من أسماء اهلل احلس�نى‪ ،‬فهو يتمه�ل وال يتعجل‬
‫ويبط�ئ بالعقاب إن أرسع الناس باجلريمة‪ ،‬ويرس�ل أقداره لتعم�ل عملها عىل الرغبات‬
‫الفائزة‪ ،‬واملشاعر الثائرة‪.‬‬
‫والصرب من عنارص الرجولة الناضجة والبطولة النادرة‪ ،‬فإن أثقال احلياة ال يطيقها‬
‫املهازي�ل‪ ،‬وامل�رء إذا كان لدي�ه متاع ثقي�ل يريد نقله‪ ،‬مل يس�تأجر له أطف�االً أو مرىض أو‬
‫خوارين‪ ،‬إنام ينتقي له ذوي الكواهل الصلبة‪ ،‬واملناكب الشداد‪ ،‬كذلك احلياة‪ ،‬ال ينهض‬
‫برسالتها الكربى‪ ،‬وال ينقلها من طور إىل طور إال رجال عاملقة‪ ،‬وأبطال صابرون‪ ،‬ومن‬
‫ثم كان نصيب القادة من العناء والبالء مكاف ًئا ملا أتوا من مواهب‪ ،‬وملا أدوا من أعامل‪.‬‬
‫وأصبر الن�اس على الطاع�ة وعلى البلاء وع�ن املع�ايص األنبي�اء والرس�ل‬
‫‪ ،e‬ث�م األمثل فاألمثل‪ ،‬ولذلك ملا س�ئل رس�ول اهلل ‪ :0‬أي الناس‬
‫أش�د بالء؟ قال‪« :‬األنبياء‪ ،‬ثم األمثل‪ .‬يبتلى الناس على قدر دينهم‪ ،‬فمن ثخن دينه‬
‫اش ��تد ب�ل�اؤه‪ ،‬ومن ضعف دينه ضعف ب�ل�اؤه‪ .‬وإن الرجل ليصيبه البالء حتى ميش ��ي‬
‫على األرض ما عليه خطيئة»(‪.)1‬‬
‫فاختلاف أنصب�ة الناس من اجله�د والتبعة واهلم�وم الكبرية يع�ود إىل طاقتهم يف‬
‫التحمل والثبات‪.‬‬
‫(‪ )1‬حسن صحيح‪ :‬رواه ابن ماجه [‪ ،]4023‬وقال األلباين‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪139‬‬

‫صبر النبي ‪:0‬‬


‫فعن أنس ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬ولد لي الليلة غالم‪ ،‬فس ��ميته‬
‫باس ��م أبي إبراهيم» ثم دفعه إىل أم سيف‪ ،‬امرأة قني(‪ )1‬يقال له‪ :‬أبو سيف‪،‬فانطلق يأتيه‪،‬‬
‫واتبعته‪ ،‬فانتهينا عىل أيب س�يف‪ ،‬وهو ينفخ بكريه‪ ،‬قد امتأل البيت دخانًا‪.‬فأرسعت امليش‬
‫بني يدي رسول اهلل ‪ .0‬فقلت‪ :‬يا أبا سيف! أمسك‪.‬‬

‫ج�اء رس�ول اهلل ‪ 0‬فأمس�ك‪ .‬فدع�ا النب�ي ‪ 0‬بالصب�ي‪ .‬فضم�ه‬


‫إلي�ه‪ ،‬وق�ال م�ا ش�اء اهلل أن يقول‪ .‬فق�ال أنس‪ :‬لق�د رأيته وه�و يكيد(‪ )2‬بنفس�ه بني يدي‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬فدمعت عينا رس�ول اهلل ‪ ،0‬فق�ال‪« :‬تدمع العني‪ ،‬وحيزن‬
‫القلب‪ ،‬وال نقول إال ما يرضي ربنا‪ .‬واهلل! يا إبراهيم! إنا بك حملزونون»(‪.)3‬‬

‫صبر نبي اهلل أيوب ‪:S‬‬

‫وص�ف اهلل ‪ c‬بالصبر خاصة أوليائ�ه وأحبابه‪ ،‬فقال ع�ن أيوب ‪[ :S‬ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ]‪ ،‬ثم أثنى عليه فقال‪[ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪ ﭫ ﭬ] [‪ ،]44 :C‬فكم كان صربه حتى رضب به املثل‪ ،‬وكم كان أدبه يف صربه‬
‫إذ قال ‪[ :c‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ] [‪.]83 :e‬‬
‫صبر نبي اهلل موسي ‪:S‬‬
‫ناس�ا يف‬
‫فعن ابن مس�عود ‪ I‬قال‪ :‬ملا كان يوم حنني آثر رس�ول اهلل ‪ً 0‬‬

‫(‪ )2‬يكيد بنفسه‪ :‬أي جيود هبا‪ ،‬ومعناه‪ :‬وهو يف النزع وشدة االحتضار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬قني‪ :‬حداد‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1303‬ومسلم [‪.]2315‬‬
‫ وق�ال الن�ووي‪ :‬قول�ه‪ :‬فدمع�ت عين�ا رس�ول اهلل ‪ 0‬إىل آخره فيه ج�واز الب�كاء عىل املرض‬
‫واحل�زن‪ ،‬وأن ذل�ك ال خيال�ف الرضا بالق�در‪ ،‬بل هو رمحة جعله�ا اهلل يف قلوب عب�اده‪ ،‬وإنام املذموم‬
‫الن�دب والنياح�ة‪ ،‬والويل والثبور‪ ،‬ونحو ذلك من الق�ول الباطل‪ ،‬وهلذا قال ‪« :0‬وال نقول‬
‫إال ما يرضي ربنا»‪ .‬انظر‪« :‬رشح النووي عىل مسلم» (‪ ،)68/8‬ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪140‬‬
‫القس�مة‪ ،‬فأعطى األقرع ب�ن حابس مائة من اإلبل‪ ،‬وأعطى عيين�ة بن حصن مثل ذلك‪،‬‬
‫ناسا من أرشاف العرب وآثرهم يومئذ يف القسمة‪ ،‬فقال رجل‪:‬‬
‫وأعطى ً‬
‫واهلل إن ه�ذه قس�مة م�ا عدل فيه�ا‪ ،‬وما أريد فيه�ا وجه اهلل‪ ،‬فقل�ت‪ :‬واهلل ألخربن‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬فأتيت�ه فأخربته بام قال‪ ،‬فتغري وجهه حت�ى كان كالرصف‪.‬ثم قال‪:‬‬
‫«فمن يعدل إذا مل يعدل اهلل ورس ��وله؟» ثم قال‪« :‬يرحم اهلل موس ��ى قد أوذى بأكثر‬
‫من هذا فصرب»‪ ،‬فقلت‪ :‬ال جرم ال أرفع إليه بعدها حدي ًثا(‪.)1‬‬

‫صور من صبر الصحابة ‪M‬‬


‫عروة بن الزبير «جبل من جبال الصبر»‪:‬‬
‫ق�ال ابن قيم‪ :‬قدم عروة بن الزبري على الوليد بن عبد امللك ومعه ابنه حممد‪ ،‬وكان‬
‫م�ن أحس�ن الناس وجها‪ ،‬فدخ�ل يو ًما عىل الوليد يف ثي�اب ويش(‪ ،)2‬وله غدير تان وهو‬
‫يضرب بيده‪ ،‬فقال الوليد‪ :‬هكذا تكون فتيان قريش فعانه(‪ ،)3‬فخرج من عنده متوس�نًا‪،‬‬
‫فوق�ع يف إصطب�ل ال�دواب فلم ت�زل الدواب تط�ؤه بأرجله�ا حتى مات‪ ،‬ث�م إن اآلكلة‬
‫وقع�ت يف رج�ل عروة‪ ،‬فبعث إليه الوليد األطباء‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن مل تقطعها رست إىل باقي‬
‫اجلس�د فتهلك‪ .‬فعزم عىل قطعها‪ ،‬فنرشوها باملنش�ار‪ ،‬فلام صار املنش�ار إىل القصبة وضع‬
‫رأس�ه عىل الوس�ادة س�اعة‪ ،‬فغش�ى عليه‪ ،‬ثم أفاق والعرق يتحدر عىل وجهه وهو هيلل‬
‫ويكبر‪ ،‬فأخذه�ا وجعل يقلبها يف يده‪ ،‬ث�م قال‪«:‬أما والذي محلني علي�ك‪ ،‬إنه ليعلم أين‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3150‬ومسلم [‪.]1062‬‬


‫ ويف احلدي�ث‪ :‬دلي�ل عىل أن لإلمام أن يعطي من يري يف عطيته املصلحة ولو أكثر من غريه‪ - ،‬إذا كان‬
‫يف هذا مصلحة لإلسلام ‪ -‬وليس�ت مصلحة ش�خصية حيايب من حيب ويمنع من ال حيب ‪ -‬وزاد يف‬
‫العطاء فإن هذا إليه‪ ،‬وهو مسئول أمام اهلل‪ ،‬وال حيل ألحد أن يعرتض عليه فإن اعرتض عليه فقد ظلم‬
‫نفسه‪ .‬انظر‪« :‬رشح رياض الصاحلني» (‪ )147/1‬للشيخ العثيمني ‪ ،V‬ط‪ :‬دار البصرية‪.‬‬
‫(‪ )3‬فعانه‪ :‬أي حسده وأصابه بعينه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ثياب وشي‪ :‬أي معلمة وخمططة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪141‬‬
‫ما مشيت بك إىل حرام‪ ،‬وال إىل معصية‪ ،‬وال إىل ما ال يريض اهلل‪ .‬ثم أمر هبا فغسلت وطيبت‬
‫وكفنت يف قطيفة‪ ،‬ثم بعث هبا إىل مقابر املسلمني‪ ،‬فلام قدم من عند الوليد إىل املدينة‪ ،‬تلقاه‬
‫أهل بيته وأصدقاؤه يعزونه‪ ،‬فجعل يقول‪[ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] [‪،]62:Y‬‬
‫ومل يزد عليه‪ ،‬ثم إنه قال‪« :‬إن سلبت فلطاملا أعطيت‪ ،‬وإن أخذت فطاملا أبقيت‪ ،‬وأبقيت‬
‫لنا فيك األمل‪ ،‬يا بر يا وصول»(‪.)1‬‬
‫وم��ا محلتين حن��و فاحشة رجلي‬ ‫ل�ع�م��رك م��ا م���ددت ك�ف��ي لريبة‬
‫وال ق��ادن��ي هل��ا مسعي وال بصري‬ ‫وال دل �ن�ي ف��ك��ري هل ��ا وال عقلي‬
‫إال وق� � ��د أص � ��اب � ��ت ف� �ت ��ى قبلي‬ ‫وأع� �ل ��م أن���ي مل ت �ص �ب�ني مصيبة‬
‫أم سليم «الرميصاء» وعلوهمتها في الصبر‪:‬‬

‫ع�ن أنس ‪ I‬ق�ال‪ :‬كان ابن أليب طلحة ‪ I‬يش�تكي‪ ،‬فخ�رج أبو طلحة‪،‬‬
‫فقبض الصبي‪ ،‬فلام رجع أبو طلحة‪ ،‬قال‪ :‬ما فعل ابني؟ قالت أم س�ليم وهي أم الصبي‪:‬‬
‫هو أس�كن ما كان‪ ،‬فقربت إليه العش�اء فتعش�ى‪ ،‬ثم أصاب منها‪ ،‬فلام فرغ‪ ،‬قالت‪ :‬واروا‬
‫الصب�ي‪ ،‬فلما أصب�ح أب�و طلح�ة أت�ى رس�ول اهلل ‪ 0‬فأخبره‪ ،‬فقال‪« :‬أعرس ��تم‬
‫الليل ��ة؟»‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬اللهم بارك هلما»‪ ،‬فولدت غال ًما‪ ،‬فقال يل أبو طلحة‪ :‬امحله‬
‫حت�ي ت�أيت به النب�ي‪ ،0‬وبعث معه بتم�رات‪ ،‬فق�ال‪« :‬أمعه ش ��يء؟» قلت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫مترات‪ .‬فأخذها النبي فمضغها‪ ،‬ثم أخذها من فيه فجعلها يف ّيف الصبي‪ ،‬ثم حنكه وسامه‬
‫عبد اهلل(‪.)2‬‬

‫(‪« )1‬تاري�خ اإلسلام» (‪ )247/6‬لإلم�ام الذهب�ي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكت�اب الع�ريب‪ ،‬وانظر‪« :‬هتذي�ب الكامل»‬
‫(‪ )21 - 20/20‬للمزي‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5470‬ومسلم [‪.]2144‬‬
‫ ويف احلدي ��ث فوائ ��د منها‪ :‬دليل عىل قوة صرب أم س�ليم ‪ ،J‬وفيه ج�واز التورية‪ ،‬أي أن يتكلم‬
‫اإلنس�ان بكالم ختالف نيته ما يف ظاهر هذا الكالم‪ ،‬وفيه أنه يس�تحب التس�مية بعبد اهلل‪ ،‬انظر‪« :‬رشح‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪142‬‬
‫ويف رواي�ة للبخاري‪ :‬قال ابن عيينة‪ :‬فقال رجل من األنصار‪ :‬فرأيت تس�عة أوالد‬
‫كلهم قد قرأوا القرآن‪ ،‬يعين‪ :‬من أوالد عبد اهلل املولود‪.‬‬
‫ل�ف�ض�ل��ت ال �ن �س��اء ع �ل��ى الرجال‬ ‫ف�ل��و ك��ان ال�ن�س��اء ك�م��ا ذكرنا‬
‫وم� � ��ا ال� �ت���ذك�ي�ر ف� �خ ��ر للهالل‬ ‫وم��ا التأنيث الس��م الشمس عيب‬
‫امرأة من أهل الجنة‪:‬‬

‫ع�ن عط�اء ب�ن أيب رباح قال‪ :‬قال يل اب�ن عباس ‪ :I‬أال أري�ك امرأة من أهل‬
‫اجلنة؟ فقلت‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬هذه املرأة السوداء أتت النبي‪ ،0‬فقالت‪ :‬إين أرصع‪ ،‬وإين‬
‫أتكش�ف‪ ،‬ف�ادع اهلل ‪ c‬يل‪ ،‬قال‪«:‬إن ش ��ئت ص�ب�رت ولك اجلنة‪ ،‬وإن ش ��ئت دعوت اهلل‬
‫‪ c‬أن يعافي ��ك» فقال�ت‪ :‬أصرب‪ ،‬فقالت‪ :‬إين أتكش�ف فادع اهلل أن ال أتكش�ف‪ ،‬فدعا‬
‫هلا(‪.)1‬‬

‫ما يعين على الصبر والرضا في البالء‪:‬‬

‫الصبر عىل البالء من آكد املن�ازل يف طريق حمبة اهلل للعبد‪ ،‬وهو بضاعة الصديقني‪،‬‬
‫وهو من أعظم الطاعات والقربات التي حيبها اهلل ‪ ،D‬وحيب أهلها‪[ :6 ،‬ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ] [‪ .]146 :4‬وق�د جع�ل اهلل ‪ D‬ث�واب الصبر بغري حس�اب‪:6 ،‬‬
‫[ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ‬
‫ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ] [‪.]10 :E‬‬

‫ودون�ك أخ�ي الكري�م أهم األس�باب الت�ي تعني عىل الصبر والرضا عن�د نزول‬
‫البالء‪:‬‬
‫= رياض الصاحلني» (‪ )150/1‬البن عثيمني‪ ،‬ط‪ :‬دار البصرية‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5652‬ومسلم [‪.]2576‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪143‬‬

‫‪1‬ـ مالحظة حسن الجزاء‪:‬‬

‫فعلى حس�ب مالحظته والوث�وق به ومطالعت�ه‪ ،‬خيف محل البالء لش�هود العوض‬
‫م�ن اهلل ‪[ :4 .D‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ] [‪.]10 :E‬‬

‫وعن أيب حييي صهيب بن س�نان قال رس�ول اهلل ‪« :0‬عج ًبا ألمر املؤمن إن‬
‫ريا له‪،‬‬
‫أمره كله خري‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن‪ :‬إن أصابته س ��راء ش ��كر فكان خ ً‬
‫ريا له»(‪.)1‬‬
‫وإن أصابته ضراء صرب فكان خ ً‬

‫‪2‬ـ انتظار روح الفرج‪:‬‬


‫يعني راحته ونسيمه ولذته‪ ،‬فإن انتظاره ومطالعته وتر ُّقبه خيفف محل املشقة‪.‬‬
‫ي � ��دق خ� �ف ��اه ع���ن ف��ه��م ال��ذك��ي‬ ‫وك� � � ��م هلل م� � ��ن ل�� �ط� ��ف خفي‬
‫‪ 3‬ـ تهوين البلية‪:‬‬
‫بأن يعد اإلنسان نعم اهلل عليه الظاهرة والباطنة وأياديه عنده‪ ،‬فإن عجز عن عدها‪،‬‬
‫وأيس من حرصها‪ ،‬هان عليه ما هو فيه من البالء ورآه ‪ -‬بالنسبة إىل أيادي اهلل ونعمه ‪-‬‬
‫كقطرة من بحر‪.‬‬

‫‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ] [‪.]34 :Q‬‬

‫‪ 4‬ـ النظر في حال من ابتلى بمثل هذا البالء‪:‬‬


‫قالت اخلنساء‪:‬‬
‫ع �ل��ى إخ ��وان� �ه ��م ل �ق �ت �ل��ت نفسي‬ ‫ول � ��وال ك� �ث ��رة ال��ب��اك�ي�ن حولي‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2999‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪144‬‬
‫أع� ��زي ال �ن �ف��س ع �ن �ه��م بالتأسي‬ ‫وم � ��ا ي� �ب� �ك ��ون م� �ث ��ل أخ � ��ي ولكن‬
‫‪ 5‬ـ فتح باب الدعاء‪:‬‬
‫فاملصائ�ب تفت�ح على العبد أبوا ًب�ا من العب�ادات‪ ،‬كالدع�اء‪ ،‬واإلناب�ة‪ ،‬والرجاء‪،‬‬
‫‪ [ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ] [‪.]33 :v‬‬

‫فيا أخا اإلسالم‪:‬‬


‫وط� ��ب ن �ف� ً�س��ا إذا ح �ك��م القضاء‬ ‫دع األي � � � � ��ام ت� �ف� �ع ��ل م� � ��ا ت� �ش ��اء‬
‫ف� �م���ا حل� � � � ��وادث ال� ��دن � �ي� ��ا ب� �ق ��اء‬ ‫وال جت� � ��زع حل � ��ادث � ��ة ال� �ل� �ي ��ال ��ي‬
‫وش �ي �م �ت��ك ال��س��م��اح��ة وال� ��وف� ��اء‬ ‫وك��ن رج�ل ً�ا على األه� ��وال ً‬
‫جلدا‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪145‬‬

‫الجهاد في سبيل اهلل‬


‫ع�ن أيب هري�رة ‪ ،I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬تكفل اهلل مل ��ن جاهد يف‬
‫س ��بيله‪ ،‬ال خيرج ��ه إال اجله ��اد يف س ��بيله وتصدي ��ق كلمات ��ه‪ ،‬بأن يدخل ��ه اجلنة‪ ،‬أو‬
‫يرجع ��ه إىل مس ��كنه الذي خرج منه ‪ -‬مع ما نال ‪ -‬م ��ن أجر أو غنيمة»(‪ ،)1‬وعن عباية‬
‫ب�ن رفاعة ق�ال أدركني أبو عب�س وأنا أذه�ب إىل اجلمعة فقال س�معت النبي ‪0‬‬

‫يقول‪« :‬من اغربت قدماه يف سبيل اهلل حرمه اهلل على النار»(‪.)2‬‬

‫واجلهاد يف سبيل اهلل‪ :‬مأخوذ من اجلهد‪ ،‬وهو الطاقة واملشقة‪ ،‬يقال‪ :‬جاهد جها ًدا‬
‫أو جماهدة‪ ،‬إذا اس�تفرغ وس�عه‪ ،‬وبذل طاقته‪ ،‬وحتمل املش�اق يف مقاتل�ة العدو ومدافعته‬
‫وال يس�مى اجلهاد جه�ا ًدا حقيق ًيا إال إذا قصد به وجه اهلل‪ ،‬وأري�د به إعالء كلمته‪ ،‬ورفع‬
‫راية احلق‪ ،‬ومطاردة الباطل‪ ،‬وبذل النفس يف مرضاة اهلل‪ ،‬فإذا أريد به يشء دون ذلك من‬
‫حظ�وظ الدنيا‪ ،‬فإنه ال يس�مى جها ًدا عىل احلقيقة‪ ،‬فمن قات�ل ليحظى بمنصب‪ ،‬أو يظفر‬
‫بمغن�م‪ ،‬أو ليظهر ش�جاعة‪ ،‬أو لينال ش�هرة‪ ،‬فإنه ال نصيب له م�ن األجر‪ ،‬والحظ له يف‬
‫الثواب(‪.)3‬‬

‫فضل الجهاد والشهادة في سبيل اهلل‪:‬‬

‫قال اهلل ‪[ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬


‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ] [‪.]216 :2‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3123‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]907‬‬
‫(‪« )3‬أحب األعامل إىل اهلل»‪ ،‬ص‪ ]73[ :‬ملس�عد حسين حممد‪ ،‬ط‪ :‬دار اإليامن‪ ،‬و«هؤالء حيبهم اهلل»‪ ،‬ص‪:‬‬
‫[‪ ]95‬ملسعد حسني حممد‪ ،‬ط‪ :‬دار الكنوز‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪146‬‬
‫وق�ال ‪[ :D‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﮤ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯﮰ ﮱﯓ‬


‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ]‬
‫[‪]171 -169 :4‬‬

‫وق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ] [‪.]95 :6‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬


‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ] [‪.]39 -38 :G‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬


‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ] [‪.]73 :G‬‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬


‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ] [‪.]111 :G‬‬

‫قال اهلل ‪[ :D‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬


‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ] [‪.]11 - 10:w‬‬ ‫ﮮ ﮯﮰﮱﯓ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪147‬‬
‫وعن أنس ‪ I‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬ما أحد يدخل اجلنة حيب أن يرجع‬
‫إىل الدني ��ا وأن ل ��ه م ��ا على األرض من ش ��يء إال الش ��هيد‪ ،‬فإنه يتمن ��ى أن يرجع إىل‬
‫الدنيا فيقتل عشر مرات‪ ،‬ملا يرى من الكرامة»(‪.)1‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬والذي نفس ��ي بيده لوددت‬
‫أن أغزو يف سبيل اهلل فأقتل‪ ،‬ثم أغزو فأقتل‪ ،‬ثم أغزو فأقتل»(‪.)2‬‬

‫وعن املقدام بن معدي كرب‪I‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬للشهيد عند‬


‫اهلل س ��ت خصال‪ ،‬يغفر له عند أول دفعة من دمه‪ ،‬ويرى مقعده من اجلنة‪ ،‬وجيار من‬
‫عذاب القرب‪ ،‬ويأمن من الفزع األكرب‪ ،‬وحيلى حلة اإلميان‪ ،‬ويزوج من احلور العني‪،‬‬
‫ويشفع يف سبعني إنسا ًنا من أقاربه»(‪.)3‬‬

‫وع�ن أنس بن مالك‪ I‬قال‪ :‬س�معت رس�ول اهلل ‪0‬يقول‪« :‬لغدوة يف‬
‫سبيل اهلل أو روحة خري من الدنيا وما فيها»(‪.)4‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪0‬يقول‪« :‬مثل اجملاهد يف‬
‫سبيل اهلل كمثل الصائم القائم القانت بآيات اهلل‪ ،‬ال يفرت من صيام وال صالة‪ ،‬حتى‬
‫يرجع اجملاهد يف سبيل اهلل»(‪.)5‬‬

‫وعنه ‪ I‬قال‪ :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ‪ 0‬فقال‪ :‬دلني عىل عمل يعدل‬
‫اجله�اد‪ ،‬ق�ال‪« :‬ال أج ��ده‪ ،‬هل تس ��تطيع إذا خرج اجملاه ��د أن تدخل مس ��جدك فتقوم‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2877‬والرتمذي [‪ ،]1662‬وأمحد [‪.]1733‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]36‬ومسلم [‪ ،]1876‬وأمحد [‪.]8962‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]1663‬وقال‪ :‬حس�ن صحيح‪ ،‬وابن ماج�ه [‪ ،]2799‬واللفظ له‪ ،‬وأمحد‬
‫[‪ ،]1314‬وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]3213‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2792‬ومسلم [‪ ،]1880‬والرتمذي [‪.]1649‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2785‬ومسلم [‪ ،]1878‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي [‪.]1619‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪148‬‬
‫وال تفرت وتصوم وال تفطر؟» قال‪ :‬ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة ‪ :I‬إن فرس‬
‫املجاهد ليستن طوله فيكتب له حسنات(‪.)1‬‬

‫وعن أيب س�عيد اخلدري ‪ I‬قال‪ :‬قيل يا رس�ول اهلل‪ :‬أي الناس أفضل؟ فقال‬
‫رسول اهلل ‪« :0‬مؤمن جماهد يف سبيل اهلل بنفسه وماله»‪ .‬قالوا‪ :‬ثم من؟ قال‪:‬‬
‫«مؤمن يف شعب من الشعاب يتقي اهلل ويدع الناس شره»(‪.)2‬‬

‫وعن عبد اهلل بن مس�عود ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬أحب األعمال‬
‫إىل اهلل‪ :‬الصالة لوقتها‪ ،‬بر الوالدين‪ ،‬ثم اجلهاد يف سبيل اهلل»(‪.)3‬‬

‫ورحم اهلل عبد اهلل بن املبارك حيث قال‪:‬‬


‫ل �ع �ل �م��ت أن� ��ك يف ال� �ع� �ب ��ادة تلعب‬ ‫ي��ا ع��اب��د احل��رم�ي�ن ل��و أبصرتنا‬
‫ف� �ن� �ح ��ورن ��ا ب ��دم ��ائ� �ن ��ا تتخضب‬ ‫م��ن ك��ان خيضب خ��ده بدموعه‬
‫ف�خ�ي��ول�ن��ا ي ��وم ال�ص�ب�ي�ح��ة تتعب‬ ‫أو ك���ان ي�ت�ع��ب خ�ي�ل��ه يف باطل‬
‫وه ��ج ال�س�ن��اب��ك وال �غ �ب��ار األطيب‬ ‫ري���ح ال �ع �ب�ير ل �ك��م وحن���ن عبرينا‬
‫ق� ��ول ص �ح �ي��ح ص�� ��ادق ال يكذب‬ ‫ول� �ق ��د أت� ��ان� ��ا م� ��ن م� �ق ��ال نبينا‬
‫أن�� ��ف ام � � ��رئ وغ � �ب� ��ار ن�� ��ار تلهب‬ ‫ال ي� �س� �ت ��وى غ� �ب ��ار خ� �ي ��ل اهلل يف‬
‫ل �ي��س ال �ش �ه �ي��د مب �ي��ت ال يكذب‬ ‫ه� ��ذا ك� �ت ��اب اهلل ي �ن �ط��ق بيننا‬
‫ولق�د كان اإلم�ام األوحد‪ ،‬والداعية األول‪ ،‬أعىل البرشي�ة مهة يف اجلهاد‪ ،‬فقد كان‬
‫‪ 0‬أش�جع الن�اس‪ ،‬وأقواه�م قل ًبا‪ ،‬وأثبته�م جنانًا‪ ،‬وق�د حرض املواق�ف الصعبة‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2784‬ومسلم [‪.]1887‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2786‬ومسلم [‪.]1888‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري [‪ ،]527‬ومس�لم[‪ ، ]85‬وأب�و داود [‪ ،]431‬والنس�ائي [‪ ،]611‬وأمح�د‬
‫[‪.]26983‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪149‬‬
‫املش�هورة‪ ،‬وف�ر الكامة عنه غير مرة‪ ،‬وهو ثابت ال يبرح‪ ،‬ومقبل ال يدب�ر وال يتزحزح‪،‬‬
‫وما من ش�جاع إال وقد أحصيت له فرة أو فرتة س�واه‪ ،‬فإنه مل يفر قط وحاش�اه من ذلك‪،‬‬
‫ثم حاشاه‪.‬‬

‫ق�ال علي ب�ن أيب طالب ‪ : I‬كنا إذا اش�تد الب�أس(‪ ،)1‬وامحرت احل�دق اتقينا‬
‫برسول اهلل ‪ 0‬فام يكون أحد أقرب إىل العدو منه‪ ،‬وقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ‬
‫بأسا(‪.)2‬‬
‫بالنبي ‪ ،0‬وهو أقربنا إىل العدو‪ ،‬وكان من أشد الناس يومئذ ً‬
‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬والذي نفسي بيده لوددت‬
‫أني أقتل يف سبيل اهلل ثم أحيا‪ ،‬ثم أقتل‪ ،‬ثم أحيا‪ ،‬ثم أقتل»(‪.)3‬‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫كأنك يف جفن ال��ردى وه��و نائم‬ ‫وق �ف��ت وم��ا يف امل ��وت ش��ك لواقف‬
‫ووج� �ه ��ك ّ‬
‫وض� � ��اع وث� �غ ��رك باسم‬ ‫مت��ر ب��ك األب �ط��ال كلمى هزمية‬
‫قال الش�يخ عائض القرين ‪ :5‬كان ‪ 0‬أثبت الناس قل ًبا‪ ،‬كان كالطود‬
‫ال يتزع�زع وال يتزل�زل‪ ،‬وال خي�اف التهدي�د والوعي�د‪ ،‬وال ترهبه املواق�ف واألزمات‪،‬‬
‫وال هتزه احلوادث وامللامت‪ ،‬فوض أمره لربه‪ ،‬وتوكل عليه‪ ،‬وأناب إليه‪ ،‬وريض بحكمه‪،‬‬
‫واكتف�ى بنصره‪ ،‬ووث�ق بوعده‪ ،‬كان خي�وض املعارك بش�خصه الكري�م‪ ،‬يعرض روحه‬
‫للمنايا‪ ،‬ويقدم نفسه للموت غري هائب ‪ ،‬وال خائف‪ ،‬ومل يفر من معركة قط‪ ،‬وال يرتاجع‬
‫خطوة ساعة حيمي الوطيس‪ ،‬وتقوم احلرب عىل ساق‪ ،‬وترشع السيوف‪ ،‬ومتتشق الرماح‪،‬‬
‫وهت�وى الرؤوس‪ ،‬ويدور كأس املنايا عىل النف�وس‪ ،‬فهو يف تلك اللحظة أقرب أصحابه‬

‫(‪ )1‬اشتد البأس‪ :‬أي إذا اشتدت احلرب‪ ،‬استقبلنا العدو به ‪ 0‬وجعلناه لنا وقاية‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]9654‬وصححه العالمة أمحد شاكر يف حتقيق املسند برقم [‪.]346‬‬
‫(‪ )3‬تقدم خترجيه‪ ،‬ص‪.]104[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪150‬‬
‫إىل اخلط�ر‪ ،‬حيتملون أحيانًا وهو صامد جماهد‪ ،‬ال يكرتث بالعدو ولو كثر عدده‪ ،‬وال يأبه‬
‫اخلصم ولو قوي بأسه‪ ،‬بل كان يعدل الصفوف‪ ،‬ويشجع املقاتلني‪ ،‬ويتقدم الكتائب‪:‬‬
‫أدب � ��ت يف ه� ��ول ال� � ��ردي أبطاهلا‬ ‫أن ��ت ال �ش �ج��اع إذا ل�ق�ي��ت كتيبة‬
‫(‪)1‬‬
‫ال م ��ن ي��ك��ذب ق��ول��ه أف� �ع ��اهل ��ا‬ ‫وإذا وع � ��دت وف� �ي ��ت ف �ي �م��ا قلته‬
‫ولقد ريب ‪ O‬اجليل املبارك والرعيل األول عىل اجلهاد‪ ،‬وعىل الشجاعة‬
‫واالستهانة بزخارف الدنيا وزينتها اجلوفاء‪ ،‬فقدموا أعظم التضحيات‪ ،‬ومحلوا أرواحهم‬
‫عىل أيادهيم‪ ،‬وقدموها للواحد األحد‪.‬‬

‫قال الشيخ حممد بن إسامعيل ‪ :5‬علم الرعيل األول من صفوة املسلمني أن‬
‫وخريا ال يتناهى‪ ،‬وأيقنوا أن اجلنة حتت ظالل السيوف‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫يف اجلهاد فضالً ال يضاهي‪،‬‬
‫ال�ري األعظ�م يف رشب كئوس احلتوف‪ ،‬فش�مروا للجهاد عن س�اق االجتهاد‪ ،‬ونفروا‬
‫إىل ذوي الكفر والعناد‪ ،‬من ش�تى أصناف العباد‪ ،‬وجهزوا اجليوش والرسايا‪ ،‬وبذلوا يف‬
‫س�بيل اهلل العطاي�ا‪ ،‬وأقرضوا األم�وال ملن يضاعفها ويزكيها‪ ،‬ودفعوا س�لع النفوس من‬
‫غير مماطلة ملشترهيا‪ ،‬ورضبوا الكافرين فوق األعناق‪ ،‬واس�تعذبوا م�ن املنية مر املذاق‪،‬‬
‫وباعوا احلياة الفانية بالعيش الباقي‪ ،‬ونرشوا أعالم اإلسالم يف اآلفاق(‪.)2‬‬

‫وه�ؤالء األبط�ال ال حيصون عدة‪ ،‬وال حي�اط هبم كثرة‪ ،‬املمدوح�ون بقوله ‪:c‬‬
‫[ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ] [‪.]29 :W‬‬

‫(‪« )1‬حممد كأنك تراه»‪ ،‬ص‪ ]37[ :‬للشيخ عائض القرين‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن حزم‪.‬‬
‫(‪« )2‬علو اهلمة»‪ ،‬ص‪ ]298[ :‬للشيخ حممد إسامعيل‪ ،‬ط‪ :‬دار العقيدة للرتاث‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪151‬‬
‫ولقد جتلت شجاعتهم ‪ :M‬يوم بدر‪ ،‬ويوم أحد‪ ،‬ويوم اخلندق‪ ،‬ويوم احلديبية‪،‬‬
‫ويوم حنني‪ ،‬بل يف كل الغزوات واملعارك‪.‬‬
‫قال أبو احلس�ن الندوي‪ :‬ولقد بعث اإليامن يف قلوهبم ش�جاعة خارجة عن العادة‪،‬‬
‫وحنينً�ا غري ًبا إىل اجلنة‪ ،‬واس�تهانة نادرة باحلياة‪ ،‬متثلوا اآلخ�رة وجتلت هلم اجلنة بنعامئها‪،‬‬
‫كأهنم يروهنا رأي العني‪ ،‬فطاروا إليها طريان احلامم الزاجل ال يلوي عىل يشء(‪.)1‬‬
‫فف�ي غزوة ب�در‪ ،‬التي مجعت بني اآلباء واألبناء‪ ،‬اختلف�ت بينهام العقائد‪ ،‬ففصلت‬
‫بينهام السيوف‪.‬‬
‫قال املقداد بن األس�ود يوم بدر‪ :‬يا رس�ول اهلل امض ملا أمرك اهلل فنحن معك‪ ،‬واهلل‬
‫م�ا نق�ول لك كام قال�ت بنو إرسائي�ل ملوس�ى ‪[ :S‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ] [‪ ،]24 :8‬ولك�ن اذهب‬
‫أنت وربك فقاتال إنا معكام مقاتلون(‪.)2‬‬
‫وق�ال س�عد ب�ن مع�اذ‪ :‬فام�ض مل�ا أردت‪ ،‬فنح�ن مع�ك‪ ،‬فوال�ذي بعث�ك باحلق‬
‫ل�و اس�تعرضت بنا البحر فخضته خلضناه معك‪ ،‬ما ختلف من�ا رجل واحد‪ ،‬وما نكره أن‬
‫رب يف احل�رب صدق عند اللقاء‪ ،‬ولع�ل اهلل يريك منا ما تقربه‬
‫لص ٌ‬
‫نلق�ى عدون�ا غدً ا‪ ،‬وإنا ُ‬
‫عينك‪ ،‬فرس عىل بركة اهلل(‪.)3‬‬

‫وإليك أخي الكريم‪ :‬بعض الصور من شجاعتهم وجهادهم‪:‬‬


‫فع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪ :‬انطلق رس�ول اهلل ‪ 0‬وأصحابه حتى س�بقوا‬
‫املرشكني إىل بدر‪ ،‬وجاء املرشكون‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬قوموا إىل جنةعرضها‬

‫(‪« )1‬ماذا خرس العامل بانحطاط املسلمني»‪ ،‬ص‪ ]135[ :‬أليب احلسن الندوي‪ ،‬ط‪ :‬وقفية لالحتاد اإلسالمي‬
‫العاملي للمنظامت الطالبية‪.‬‬
‫(‪« )2‬الرحيق املختوم» ص‪ ]180[ :‬لصفي الرمحن املباركفوري‪ ،‬ط‪ :‬دار العلوم العربية‪.‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق‪ :‬ص‪.]189[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪152‬‬
‫الس ��موات واألرض»‪ ،‬ق�ال عمير بن احلامم‪ :‬ب�خ بخ(‪ ،)1‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬ما‬
‫حيمل ��ك عل ��ى قولك بخ بخ؟»‪ ،‬قال ‪ :‬ال واهلل يا رس�ول اهلل إال رجاء أن أكون من أهلها‪،‬‬
‫ق�ال‪« :‬فإنك م ��ن أهلها»‪ .‬قال فأخرج مت�رات من قرنه فجعل يأكل منه�ن‪ ،‬ثم قال‪ :‬لئن‬
‫حيي�ت حت�ى آكل مت�رايت إهنا حلي�اة طويلة‪ ،‬فرمى م�ا كان معه من التمر ث�م قاتلهم حتى‬
‫قتل(‪.)2‬‬
‫وتكتم�ل ملحمة الش�جاعة واجلهاد يف غ�زوة أحد‪ ،‬يوم أن أتى عب�د اهلل بن عمرو‬
‫اً‬
‫متعجل‪ ،‬فاغتسل وحتنط‪ ،‬ولبس أكفانه‪ ،‬وكرس غمد سيفه عىل‬ ‫األنصاري نش�ي ًطا عاجالً‬
‫جابرا ابنه بإخوته‪ ،‬وكن سبع بنات‪ ،‬فقاتل قتاالً شديدً ا حتى قتل‪ ،‬فبكت‬
‫ركبتيه‪ ،‬وأوىص ً‬
‫أخته‪ ،‬فقال ‪« :0‬ما زالت املالئكة تظله بأجنحتها حتى رفع»(‪.)3‬‬
‫ث�م ق�ال جلاب�ر ‪« : I‬ما كل�م اهلل أحدً ا قط إال م�ن وراء حج�اب‪ ،‬وأحيا أباك‬
‫كفاحا ‪ -‬من غري ترمج�ان ‪ ، -‬فقال‪ :‬عبدي‪ ،‬متن عىل أعطك‪ .‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬حتييني‬
‫فكلم�ة ً‬
‫فأقت�ل في�ك ثانية‪ .‬قال الرب عزوجل‪ :‬إنه قد س�بق أهنم إليه�ا ال يرجعون‪ ،‬قال‪ :‬يا رب‪،‬‬
‫فأبلغ من ورائي»(‪.)4‬‬
‫فأن�زل اهلل ‪[ :c‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ] [‪.]169 :4‬‬

‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫حتت العجاجة فما حادوا وما انكشفوا‬ ‫وق��ات �ل��ت م�ع�ن��ا األم�ل��اك يف أح� ��د‬

‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]1901‬‬ ‫(‪ )1‬بخ‪ :‬كلمة تقال عند تفخيم األمر وتعظيمه يف اخلري‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1293‬ومسلم [‪ ،]2471‬وأمحد [‪ ،]2388‬والنسائي [‪.]1842‬‬
‫(‪ )4‬حس�ن‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]3010‬وابن ماجه[‪ ،]2800‬وحس�نة الشيخ األلباين يف «صحيح سنن ابن‬
‫ماجه» برقم [‪.]3815‬‬
‫(‪ )5‬عن س�عد بن أيب وقاص ‪ I‬قال‪« :‬رأيت عن يمني رس�ول اهلل ‪ 0‬وعن شماله يوم أحد‬
‫=‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪153‬‬
‫إي � ��اك ن �ع �ب��د م ��ن س �ل �س��اهل��ا رشفوا‬ ‫ف � �س � �ع � � ٌد وال � �ق � �ع � �ق� ��اع ق� � ��د ع� �ب��روا‬
‫ج �ث �م��ان ح�ن�ظ�ل��ة وال� � ��روح ختتطف‬ ‫أم �ل�اك رب ��ي مب ��اء امل� ��زن ق��د غسلوا‬
‫م��ن غ�ير ت��رمج��ان زحي��ت ل��ه احلجب‬ ‫وك � �ل� ��م اهلل م� ��ن أوس شهيدهم‬
‫وع�ن إس�حاق بن س�عد بن أيب وق�اص ‪ L‬ق�ال‪ :‬حدثني أيب أن عب�د اهلل بن‬
‫جح�ش ق�ال يوم أحد‪ :‬أال ندعو اهلل؟ فخلوا يف ناحية فدعا س�عد فقال‪ :‬يا رب إذا لقيت‬
‫العدو‪ ،‬فلقني رجالً ش�ديدً ا ح�رده‪ ،‬أقاتله ويقاتلني‪ ،‬ثم ارزقني الظف�ر عليه حتى أقتله‪،‬‬
‫وآخذ سلبه‪ .‬فأمن عبد اهلل بن جحش‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬اللهم ارزقني رجالً ش�ديدً ا حرده(‪ ،)1‬ش�ديدً ا بأسه‪ ،‬أقاتله فيك ويقاتلني‪،‬‬
‫ثم يأخذين فيجدع ‪ -‬يقطع ‪ -‬أنفي وأذين‪ ،‬فإذا لقيتك غدً ا‪ .‬قلت‪ :‬من جدع أنفك وأذنك‪:‬‬
‫فأقول‪ :‬فيك ويف رسولك‪ .‬فتقول‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫خريا من دعويت‪ ،‬لقد رأيته آخر النهار‪،‬‬
‫قال س�عد‪ :‬كانت دعوة عبد اهلل بن جحش ً‬
‫وإن أنفه وأذنه ملعلقتان يف خيط(‪.)2‬‬
‫وعن أنس ‪ I‬قال‪ :‬غاب عمي أنس بن النرض عن قتال بدر‪ ،‬فقال‪ :‬يا رس�ول‬
‫اهلل غبت عن أول قتال‪ ،‬لئن أش�هدين اهلل قتال املرشكني لريين اهلل ما أصنع‪ ،‬فلام كان يوم‬

‫= رجلين عليهما ثي�اب بيض وم�ا رأيتهام قبل وال بع�د»‪ ،‬صحي�ح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4045‬ومس�لم‬
‫[‪ ،]2306‬ويف رواية‪« :‬أحدمها عن يمينه واآلخر عن يساره‪ ،‬يقاتالن عنه كأشد القتال»‪.‬‬
‫ قال احلافظ‪ :‬مها جربيل وميكائيل ‪ ،R‬قال النووي‪ :‬فيه بيان كرامة النبي ‪ 0‬عىل اهلل‪،‬‬
‫وإكرام�ه إياه‪ ،‬بإنزال املالئكة تقاتل معه ي�وم أحد‪ ،‬وأن قتاهلم مل خيتص بيوم بدر‪ ،‬وهذا هو الصواب‪،‬‬
‫خال ًف�ا مل�ن زعم اختصاصه‪ ،‬فهذا رصيح يف الرد عليه‪ ،‬واحلديث ي�دل عىل ذلك‪ ،‬وفيه فضيلة الثياب‬
‫البي�ض‪ ،‬وأن رؤي�ة املالئك�ة مل ختتص باألنبي�اء‪ ،‬بل يراهم الصحاب�ة واألولياء‪ ،‬وفيه منقبة لس�عد بن‬
‫أيب وقاص ‪ .I‬انظر‪« :‬رشح النووي عىل مسلم» (‪ ،)59/8‬ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬
‫(‪ )1‬حرده‪ :‬أي غضبه‪.‬‬
‫(‪« )2‬صف�ة الصفوة» (‪ )385/1‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التجارية‪ ،‬وانظر‪« :‬حياة الصحابة» (‪)443/1‬‬
‫للكاندهلوي)‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة العرصية‪ ،‬و«حلية األولياء» (‪ )109/1‬أليب نعيم‪ :‬ط‪ :‬مطبعة السعادة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪154‬‬
‫أحد‪ ،‬وانكشف املسلمون‪ ،‬قال‪ :‬اللهم إين أعتذر إليك مما صنع هؤالء ‪ -‬يعني أصحابه‪-‬‬
‫وأب�رأ إليك مم�ا صنع هؤالء ‪ -‬يعني املرشكني ‪ -‬ثم تقدم فاس�تقبله س�عد بن معاذ فقال‪:‬‬
‫يا سعد بن معاذ‪ ،‬اجلنة ورب النرض‪ ،‬إين ِ‬
‫أجدُ رحيها من دون ُأ ُحد‪ ،‬قال سعد‪ :‬فام استطعت‬
‫يا رسول اهلل ما صنع‪.‬‬

‫قال أنس‪ :‬فوجدنا به بض ًعا وثامنني رضبة بالسيف أو طعنة بالرمح‪ ،‬أو رمية بالسهم‪،‬‬
‫ووجدناه قد قتل‪ ،‬وقد مثل به املرشكون‪ ،‬فام عرفه أحد إال أخته ببنانه‪ ،‬قال أنس‪ :‬كنا نرى‬
‫أن هذه اآلية نزلت فيه ويف أشباهه‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ](‪.]23 :2[ )1‬‬
‫وعن شداد بن اهلاد ‪ :I‬أن رجالً من األعراب جاء إىل النبي ‪ 0‬فآمن به‬
‫واتبعه ثم قال‪ :‬أهاجر معك‪ .‬فأوىص به النبي ‪ 0‬بعض أصحابه‪ ،‬فلام كانت غزوة‬
‫غنم النبي ‪ 0‬سبيا فقسم له‪ ،‬فأعطى أصحابه ما قسم له‪ ،‬وكان يرعى ظهرهم‪ ،‬فلام‬
‫جاء دفعوا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا ؟ قالوا‪ :‬قسم قسمه لك النبي ‪.0‬‬
‫فأخ�ذه فج�اء ب�ه إىل النب�ي ‪ 0‬فق�ال‪ :‬م�ا ه�ذا؟ قال‪« :‬قس ��مته ل ��ك» قال‪:‬‬
‫يا رسول اهلل ما عىل هذا اتبعتك‪ ،‬ولكن اتبعتك عىل أن أرمي ها هنا ‪ -‬وأشار إىل حلقه‪-‬‬
‫بسهم فأموت فأدخل اجلنة‪ .‬فقال ‪« :0‬إن تصدق اهلل يصدقك»‪.‬‬
‫فلبث�وا اً‬
‫قليًل� ثم هنض�وا يف قتال العدو‪ ،‬فأت�ى به النبي ‪ 0‬حيم�ل قد أصاب‬
‫السهم حيث أشار‪ ،‬فقال النبي‪« :0‬أهو هو؟» قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ق�ال‪« :‬صدق اهلل فصدقه»‪ ،‬ثم كفنه النبي‪ 0‬يف جبته‪ ،‬ثم قدمه فصىل عليه‪،‬‬
‫فكان فيام ظهر من صالته‪« :‬اللهم هذا عبدك خرج مهاج ًرا‪ ،‬فقتل ش � ً‬
‫�هيدا‪ ،‬انا ش ��هيد‬
‫على ذلك»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3805‬ومسلم [‪ ،]1903‬والرتمذي [‪.]3201‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه النسائي [‪ ،]1845‬وصححه الشيخ األلباين يف «املشكاة» برقم [‪.]1497‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪155‬‬
‫وانظر أخي الكريم إىل هذه الصورة العظيمة‪ ،‬التي ترضب أعظم وأروع األمثلة يف‬
‫البذل والعطاء والشجاعة والتضحية‪.‬‬
‫كان عم�رو ب�ن اجلموع‪ I‬من أنص�ار النبي ‪ 0‬الذين آمن�وا به‪ ،‬وآووا‬
‫ونرصوا‪ ،‬وكان أعرج ش�ديد العرج ‪ ،I‬ورزقه اهلل أربعة من الولد يغزون مع النبي‬
‫‪ ،0‬إال أن نفس�ه كانت تتوق إىل الشهادة‪ ،‬فلام رأى املسلمني يف بدر قد أعزهم اهلل‬
‫ونرصهم‪ ،‬وبرشهم النبي ‪ 0‬فقال‪« :‬ولعل اهلل اطلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا‬
‫ما شئتم فقد وجبت لكم اجلنة ‪ -‬أو قد غفر لكم‪.)1(»-‬‬
‫فتاقت نفس�ه للجنة وللمغف�رة‪ ،‬فلام نادى املنادي يوم أحد‪ ،‬ح�ي عىل اجلهاد‪ ،‬أراد‬
‫اخلروج مع رسول اهلل ‪ ،0‬إال أن أبناءه قالوا‪ :‬إن اهلل جعل لك رخصة فلو قعدت‪،‬‬
‫ونح�ن نكفي�ك‪ ،‬وقد وضع اهلل عنك اجلهاد‪ .‬فأتى عمرو رس�ول اهلل ‪ 0‬فقال‪ :‬إن‬
‫بن�ي ه�ؤالء يمنعونني أن أجاهد مع�ك‪ .‬وواهلل إين ألرجو أن أستش�هد فأطأ بعرجتي يف‬
‫اجلن�ة‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬أما أنت فقد وضع اهلل عن ��ك اجلهاد»‪ ،‬وقال لبنيه‪:‬‬
‫«وم ��ا عليك ��م أن تدع ��وه‪ ،‬لع ��ل اهلل ‪ D‬أن يرزق ��ه الش ��هادة»‪ ،‬فخ�رج مع رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬فقتل يوم أحد شهيدً ا(‪.)2‬‬
‫وع�ن أيب برزة األس�لمي أن النب�ي ‪ 0‬كان يف مغزى(‪ )3‬له‪ ،‬فأف�اء اهلل عليه‪،‬‬
‫فق�ال ألصحابه‪« :‬ه ��ل تفقدون من أحد؟»‪ -‬قال�وا‪ :‬نعم‪ ،‬فالنًا وفالنً�ا وفالنًا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«ه ��ل تفق ��دون من أحد؟»‪ ،‬قال�وا‪ :‬نعم‪ ،‬فالنًا وفالنًا وفالنًا‪ ،‬ثم ق�ال‪« :‬هل تفقدون من‬
‫أح ��د؟»‪ ،‬قال�وا‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬لكني أفق�د جليبيبا‪ ،‬فاطلبوه»‪ ،‬فطل�ب يف القتىل‪ ،‬فوجدوه إىل‬
‫جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه‪ ،‬فأتى النبي ‪ 0‬فوقف عليه‪ ،‬فقال‪« :‬قتل سبعة ثم‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3983‬ومسلم [‪.]2494‬‬
‫(‪« )2‬سير أعالم النبالء» (‪ )157/3‬للذهبي‪ ،‬ط‪« :‬مكتبة الصفا»‪ ،‬وانظر‪« :‬أسد الغابة» (‪ )208/4‬البن‬
‫األثري‪ ،‬ط‪« :‬دار الفكر»‪ ،‬و«صفة الصفوة» (‪ )147/1‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬دار احلديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغزى له‪ :‬أي يف سفر غزو‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪156‬‬
‫قتلوه‪ ،‬هذا مين وأنا منه» قال‪ :‬فوضعه عىل ساعديه‪ ،‬ليس له إال ساعدا النبي ‪0‬‬

‫قال‪ :‬فحفر له ووضع يف قربه‪ ،‬ومل يذكر اً‬


‫غسل‪.‬‬

‫وعن ابن مس�عود ‪ I‬ق�ال‪ :‬قال النبي ‪« :0‬ملا أصي ��ب إخوانكم بأحد‪،‬‬
‫جع ��ل اهلل أرواحه ��م يف أج ��واف طري خضر‪ ،‬ترد اجلنة وتأكل م ��ن مثارها‪ ،‬وتأوي إىل‬
‫قنادي ��ل من ذه ��ب معلقة بالعرش‪ ،‬فلم ��ا وجدوا طيب مأكلهم ومش ��ربهم ومقيلهم‬
‫قال ��وا‪ :‬م ��ن يبل ��غ إخوانن ��ا عنا أنن ��ا أحي ��اء يف اجلنة نرزق‪ ،‬لئ�ل�ا ينكل ��وا عند احلرب‬
‫وال يزهدوا يف اجلهاد؟ قال اهلل ‪ :c‬أنا أبلغهم عنكم»(‪.)1‬‬
‫فهل بعد ذلك فضل؟ وهل بعد ذلك خري؟ وهل بعد ذلك مطلب؟ ورحم اهلل ابن‬
‫القيم حيث قال‪:‬‬
‫ال� �ن ��اط� �ق ��ون ب� ��أص� ��دق األق � � ��وال‬ ‫ال� �ق���ان� �ت���ون امل� �خ� �ب� �ت ��ون لربهم‬
‫ب � � � �ت � �ل ��اوة وت � � � �ض� � � ��رع وس � � � � ��ؤال‬ ‫حي� �ي���ون ل �ي �ل �ه��م ب� �ط ��اع ��ة ربهم‬
‫م �ث��ل ان��ه��م��ال ال���واب���ل اهلطال‬ ‫وعيونهم جت��ري بقبض دموعهم‬
‫ل� �ع ��دوه ��م م���ن اش� �ج ��ع األب� �ط ��ال‬ ‫يف ال�ل�ي��ل ره �ب��ان وع �ن��د جهادهم‬
‫ي��ت��س ��اب��ق��ون ب� �ص���احل األع� �م���ال‬ ‫وإذا ب� ��دا ع �ل��م ال���ره���ان رأيتهم‬
‫وب� � �ه � ��ا أش� � �ع � ��ة ن � � � ��وره امل� �ت�ل�ال ��ي‬ ‫ب��وج��وه �ه��م أث ��ر ال �س �ج��ود لربهم‬
‫يف س � ��ورة ال �ف �ت��ح امل��ب�ي�ن العالي‬ ‫ول�ق��د أب ��ان ل��ك ال�ك�ت��اب صفاتهم‬
‫ق � � � � ��وم حي� � �ب� � �ه � ��م ذوو إدالل‬ ‫وب��راب��ع ال�س�ب��ع ال �ط��ول صفاتهم‬
‫(‪)2‬‬
‫وب��ه��ل أت� ��ى وب� �س ��ورة األن � �ف� ��ال‬ ‫وب � ��راءة واحل��ش��ر ف�ي�ه��ا صفاتهم‬
‫ق�ال الش�يخ عبد اهلل ناصح علوان‪ :‬فنحن ‪ -‬جيل اإلسلام الي�وم ‪ -‬إذا هنجنا هنج‬
‫اجلدود يف التزام اإلسلام‪ ،‬ورسنا سري السلف يف اجلهاد‪ ،‬والتضحية والصرب واملصابرة‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1887‬وأبو داود [‪ ،]2520‬وابن ماجه [‪.]2801‬‬


‫(‪« )2‬إغاثة اللهفان»‪ ،‬ص‪ ]217[ :‬البن القيم‪ ،‬ط‪ :‬در العقيدة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪157‬‬
‫والثبات واالستبسال‪ ،‬فسوف نحقق بأيدينا عز اإلسالم‪ ،‬ونبني بسواعدنا دولة اإلسالم‪،‬‬
‫ونس�تعيد بتأيي�د اهلل املجد‪ ،‬والعظم�ة‪ ،‬واخللود‪ ،‬ونرجع خري أم�ة أخرجت للناس‪ ،‬ألننا‬
‫رج�ال‪ ،‬وس�لفنا رجال‪ ،‬وقد امتدح اهلل س�بحانه عزائم الرج�ال حني قال‪[ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ]‬
‫[‪]23 :2‬‬

‫َو‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ] [‪.]37 :t‬‬
‫وما يضري جيل اإلسالم اليوم‪ ،‬أن يكونوا يف الظاهر رجاالً ويف املعنى اً‬
‫جبال‪.‬‬
‫ورحم اهلل حممد إقبال حني قال‪:‬‬
‫ف� � ��وق ه� ��ام� ��ات ال� �ن� �ج���وم م� �ن ��ارا‬ ‫من ذا الذي رفع السيوف لريفع امسك‬
‫ص��رن��ا ع �ل��ى م ��وج ال �ب �ح��ار حب ��ا ًرا‬ ‫ك �ن��ا ج� �ب ��ا ً‬
‫ال يف اجل� �ب ��ال ورمب ��ا‬
‫ق �ب��ل ال �ك �ت��ائ��ب ي �ف �ت��ح األم� �ص ��ارا‬ ‫مب �ع��اب��د اإلف� ��رن� ��ج ك� ��ان أذان� �ن ��ا‬
‫س �ج��دات �ن��ا واألرض ت �ق��ذف ن ��ارا‬ ‫مل ت�ن��س إف��ري�ق�ي��ا وال صحراؤها‬
‫�وم ��ا غ � ً‬
‫�امش ��ا ج� �ب ��ا ًرا‬ ‫مل خن ��ش ي � ً‬ ‫ك �ن��ا ن� �ق��دم ل �ل �س �ي��وف ص ��دورن ��ا‬
‫خ� �ض ��راء ت �ن �ب��ت ح��وهل��ا األزه � ��ارا‬ ‫�أن ظ��ل السيف ظ��ل حديقة‬ ‫وك � َّ‬
‫ن� �ص ��ب امل� �ن ��اي ��ا ح ��ول� �ن ��ا أس � � ��وارا‬ ‫ل��و خن��ش ط��اغ��وت��ا حي��ارب �ن��ا ولو‬
‫ص��ن��ع ال� ��وج� ��ود وق� � ��در األق � � ��دارا‬ ‫ن��دع��و ج��ه��ا ًرا ال إل ��ه س ��وى الذي‬
‫ن ��رج ��و ث� ��واب� ��ك م �غ �ن �م��ا وج� � ��وارا‬ ‫ورؤوس� � �ن � ��ا ي� ��ا رب ف � ��وق أكفنا‬
‫فنهدمها ون �ه��دم ف��وق�ه��ا الكفارا‬ ‫ك��ن��ا ن� ��رى األص � �ن� ��ام م���ن ذهب‬
‫(‪)1‬‬
‫كنزا وص��اغ احللي والدينارا‬ ‫ل��و ك ��ان غ�ي�ر امل�س�ل�م�ين حلازها‬

‫(‪« )1‬تربية األوالد يف اإلسالم» (‪ )922/2‬للشيخ عبد اهلل ناصح علوان‪ ،‬ط‪« .‬دار السالم»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪158‬‬

‫العدل‬
‫عن عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن املقسطني عند اهلل على‬
‫مناب ��ر من نور عن ميني الرمح ��ن ‪ D‬وكلتا يديه ميني الذين يعدلون يف حكمهم‬
‫وأهليهم وما ولوا»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬سبعة يظلهم اهلل يف ظله‬
‫يوم ال ظل إال ظله»‪ ،‬وذكر منهم «إمام عادل»(‪.)2‬‬
‫والع ��دل‪ :‬والع�دل‪ ،‬والعدال�ة‪ ،‬والع�ادل‪ ،‬واملعادل�ة‪ ،‬كله�ا مأخ�وذة م�ن اس�م‬
‫«العدالة»‪.‬‬
‫والعادل هو‪ :‬الذي مجع العدالة يف نفسه والعدل يف حكمه‪ ،‬فهو الذي يتبع أمر اهلل‪،‬‬
‫فيضع كل يشء يف موضعه من غري إفراط وال تفريط‪ ،‬وال تأخذه يف اهلل لومة الئم‪.‬‬
‫ق�ال اب�ن اجل�وزي ‪ :V‬اإلمام الع�ادل زم�ام األم�ور‪ ،‬ونظام احلق�وق‪ ،‬وقوام‬
‫احل�دود‪ ،‬والقط�ب ال�ذي عليه م�دار الدنيا‪ ،‬وهو مح�ى اهلل يف بالده‪ ،‬وظل�ه املمدود عىل‬
‫عب�اده‪ ،‬ب�ه يمتنع حريمهم‪ ،‬وينتصر مظلومهم‪ ،‬وينقم�ع ظاملهم‪ ،‬ويأم�ن خائفهم‪ ،‬واهلل‬
‫‪ D‬يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن(‪.)3‬‬
‫وقال احلسن بن أيب احلسن البرصي ‪:V‬‬
‫اإلم ��ام الع ��ادل‪ :‬ق�وام كل مائل‪ ،‬وقص�د كل حائر‪ ،‬وصالح كل فاس�د‪ ،‬وقوة كل‬
‫ضعيف‪ ،‬ونصفة كل مظلوم‪ ،‬ومفزع كل ملهوف‪.‬‬
‫واإلم ��ام الع ��ادل‪ :‬كالراع�ي الش�فيق عىل إبل�ه‪ ،‬الرفيق هب�ا‪ ،‬الذي يرت�اد هلا أطيب‬
‫املراعي‪ ،‬ويذودها عن مراتع التهلكة‪ ،‬وحيميها من السباع‪ ،‬ويكنها من أذى احلر والقر‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1827‬وأمحد [‪.]2735‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري [‪ ،]1442‬ومسلم [‪.]1010‬‬
‫(‪« )3‬الشفاء يف مواعظ امللوك واخللفاء»‪ ،‬ص‪ ]43[ :‬لإلمام ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة شباب اجلامعة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪159‬‬
‫كرها‪،‬‬
‫كرها‪ ،‬ووضعته ً‬
‫واإلمام العادل‪ :‬كاألم الش�فيقة الربة الرفيقة بولدها‪ ،‬محلته ً‬
‫وربته طفالً‪ ،‬تسهر بسهره‪ ،‬وتسكن بسكونه‪ ،‬ترضعه تارة وتفطمه أخرى‪ ،‬وتفرح بعافيته‪،‬‬
‫وتغتم بشكايته‪.‬‬
‫واإلم ��ام الع ��ادل‪ :‬ويص اليتام�ى‪ ،‬وخ�ازن املس�اكني‪ ،‬ي�ريب صغريه�م‪ ،‬ويم�ون‬
‫كبريهم‪.‬‬
‫واإلمام العادل‪ :‬هو القائم بني اهلل وعباده‪ ،‬يس�مع كالم اهلل ويس�معهم‪ ،‬وينظر إىل‬
‫اهلل ‪ ،‬ويرهيم‪ ،‬وينقاد إىل اهلل ويقودهم(‪.)1‬‬
‫وجمم�ع الق�ول يف ذلك أن يق�ال‪ ،‬عدالة اإلمام هي تنفيذ الع�دل يف األرض وذلك‬
‫بتطبيق كتاب اهلل عىل عباد اهلل‪.‬‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫وال س� � ��راة إذا ج��ه��اهل��م س � ��ادوا‬ ‫ال يصلح الناس فوضى ال سراة هلم‬
‫وال ع� �م ��اد إذا مل ت � ��رس أوت � ��اد‬ ‫وال� �ب� �ي ��ت ال ي� �ب�ن�ي إال ل� ��ه عمد‬
‫يوما فقد بلغوا األمر الذي كادوا‬
‫ً‬ ‫ف�� � ��إن جت � �م� ��ع أوت � � � � ��اد وأع� � �م � ��دة‬

‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬


‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ]‬
‫[‪]26 :C‬‬

‫وق�ال ‪ [ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ] [‪.]25 :o‬‬

‫(‪« )1‬العقد الفريد» (‪ )36 - 35/1‬البن عبد ربه األندليس‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن خزيمة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪160‬‬
‫وقال ‪[ :D‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ] [‪.]8 :8‬‬

‫وقال ‪[ :D‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ] [‪.]58 :6‬‬

‫وق�ال ‪[ :D‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ] [‪.]90 :U‬‬

‫وع�ن عب�د اهلل ب�ن عم�رو ب�ن الع�اص ‪ I‬قال‪:‬ق�ال رس�ول ‪« :0‬إن‬
‫املقس ��طني عن ��د اهلل على منابر من ن ��ور عن ميني الرمحن ‪ D‬ـ وكلتا يديه ميني‪-‬‬
‫الذين يعدلون يف حكمهم وأهليهم وما ولوا» (‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال ‪« :0‬س ��بعة يظله ��م اهلل يف ظله يوم‬
‫ال ظ ��ل إال ظل ��ه‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وش ��اب نش ��أ يف عب ��ادة اهلل‪ ،‬ورجل قلبه معلق باملس ��اجد‪،‬‬
‫ورج�ل�ان حتاب ��ا يف اهلل‪ ،‬اجتمع ��ا علي ��ه وتفرق ��ا عليه‪ ،‬ورج ��ل دعته ام ��رأة ذات منصب‬
‫ومج ��ال‪ ،‬فقال‪ :‬إن ��ي أخاف اهلل‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاه ��ا حتى ال تعلم مشاله‬
‫ما تنفق ميينه‪ ،‬ورجل ذكر اهلل خال ًيا ففاضت عيناه»(‪.)2‬‬

‫وعنه ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬ثالثة ال يرد اهلل دعاءهم‪ ،‬الذاكر‬
‫ريا‪ ،‬واملظلوم‪ ،‬واإلمام املقسط»(‪.)3‬‬
‫اهلل كث ً‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1827‬وأمحد [‪.]2735‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1442‬ومسلم [‪.]1010‬‬
‫(‪ )3‬حس�ن‪ :‬رواه البيهقي يف «ش�عب اإليامن» وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪،]3064‬‬
‫وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]1211‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪161‬‬
‫وعن أيب بكرة ‪ I‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ 0‬يقول‪« :‬من أكرم سلطان‬
‫اهلل ‪ F‬يف الدني ��ا أكرم ��ه اهلل ي ��وم القيامة‪ ،‬ومن أهان س ��لطان اهلل ‪ F‬يف‬
‫الدنيا أهانه اهلل يوم القيامة»(‪.)1‬‬

‫وقال الثوري ‪« :V‬صنفان إذا صلحا صلحت األمة‪ ،‬وإذا فسدا فسدت األمة‪:‬‬
‫السلطات والعلامء»(‪.)2‬‬

‫وقال ابن القيم‪« :‬قسم اهلل طريق احلكم بني الناس إىل احلق وهو الوحي الذي أنزله‬
‫اهلل عىل رسوله‪ ،‬وإىل اهلوى وهو ما خالفه»‪.‬‬
‫وقال ‪« :D‬أعاملكم عاملكم‪ ،‬فإن واليتنا من جنس أعاملنا»(‪.)3‬‬
‫وقال أبو حازم األعرج‪« :‬اإلمام سوق‪ ،‬فام نفق عنده جلب إليه»(‪.)4‬‬
‫وقال بعض احلكامء‪« :‬الناس تبع إلمامهم يف اخلري والرش» (‪.)5‬‬
‫وقيل ‪«:‬إذا صلحت العني صلحت سواقيها»(‪.)6‬‬

‫وقي�ل‪ :‬ال س�لطان إال بالرجال‪ ،‬وال رجال إال بمال‪ ،‬وال مال بعامرة‪ ،‬وال عامرة إال‬
‫بعدل(‪. )7‬‬
‫وقي�ل‪ :‬املل�ك والع�دل أخوان ال غن�ى بأحدمها ع�ن اآلخر‪ ،‬فاملل�ك أس والعدل‬
‫حارس‪ ،‬والبناء ما مل يكن له أس فمهدوم‪ ،‬وامللك ما مل يكن له حارس فضائع(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)42/5‬والطياليس(‪ )167/2‬الشطر الثاين من احلديث‪ ،‬وابن حبان يف «الثقات»‬
‫(‪ ،)2591/4‬والرتمذي [‪ ،]2225‬وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]2297‬‬
‫(‪« )2‬حلية األولياء» (‪ )5/7‬أليب نعيم‪ ،‬ط‪ :‬مطبعة السعادة‪.‬‬
‫(‪« )3‬أعالم املوقعني» (‪ )8/1‬البن القيم‪ ،‬ط‪ :‬دار النفائس‪.‬‬
‫(‪« )4‬ترطيب األفواه بذكر من يظلهم اهلل» (‪ )104/1‬للدكتور سيد العفاين‪ ،‬ط‪ :‬دار العفاين‪.‬‬
‫(‪ )6‬املصدر السابق (‪.)104/1‬‬ ‫(‪ )5‬املصدر السابق (‪.)104/1‬‬
‫(‪ )8‬املصدر السابق(‪.)104/1‬‬ ‫(‪ )7‬املصدر السابق (‪.)104/1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪162‬‬
‫وقال سعيد بن سويد‪ :‬إن لإلسالم حائ ًطا مني ًعا‪ ،‬وبا ًبا وثي ًقا‪ ،‬فحائط اإلسالم احلق‪،‬‬
‫وبابه العدل‪ ،‬وال يزال اإلسالم مني ًعا ما اشتدت السلطات‪ ،‬وليست شدة السلطات اً‬
‫قتل‬
‫بالسيف وال رض ًبا بالسوط‪ ،‬ولكن قضاء باحلق وأخذا بالعدل(‪.)1‬‬

‫وأعدل الناس رسول اهلل‪ :0‬فهو أطيب الناس‪ ،‬وأعدل الناس‪ ،‬وأبر الناس‪،‬‬
‫وأزهد الناس‪ ،‬وأجود الناس‪ ،‬وأعبد الناس وأشدهم هلل خشية‪.‬‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫بيت من الطني أو كهف من العلم‬ ‫كفاك عن كل قصر شاهق عمده‬
‫نصب اخليام اليت من أروع اخليم‬ ‫ت�ب�ن��ى ال�ف�ض��ائ��ل أب � ً‬
‫�راج ��ا مشيدة‬
‫ع�ل��ى ش�ه��ى م��ن األك �ل�ات واألدم‬ ‫إذا ملوك ال��ورى صفوا موائدهم‬
‫عذب من الوحي أو عذب من الكلم‬ ‫ص�ف�ف��ت م��ائ��دة ل �ل��روح مطعمها‬

‫فعن أنس ‪I‬قال‪ :‬قال رسول ‪« :0‬إن اهلل ‪ c‬هو‪ :‬اخلالق‪ ،‬القابض‪،‬‬
‫الباسط‪ ،‬الرزاق‪ ،‬واملسعر‪ ،‬وإني ألرجو أن ألقى اهلل‪ ،‬وال يطلبين أحد مبظلمة ظلمتها‬
‫إياه يف دم وال مال»(‪.)2‬‬
‫مل يظهر العدل يف أرض ومل يقم‬ ‫أك � ��رم ب ��ه ه ��ادي ��ا ل� ��وال هدايته‬
‫وه�ذا موقف يضرب أروع األمثلة يف عدله‪0‬وهو يقدم نفس�ه للقصاص‪:‬‬
‫بينام كان رس�ول اهلل ‪ 0‬يعدل صفوف جيش�ه‪ ،‬مر بسواد بن ُغزية‪ ،‬وهوخارج عن‬
‫«اس�ت َِو يا س�واد»‪ ،‬وهنا قال س�واد‪ :‬قد‬ ‫الص�ف‪ ،‬فطعن�ه يف بطنه بع�ود كان يف يده اً‬
‫قائل‪ْ :‬‬
‫أوجعتن�ي يا رس�ول اهلل‪ ،‬وقد بعثك اهلل باحلق والعدل‪ ،‬ثم طلب من الرس�ول ‪0‬‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق(‪.)104/1‬‬


‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪،]3451‬والرتم�ذي [‪ ،]1314‬واب�ن ماج�ه [‪ ،]2200‬وصححه الش�يخ‬
‫األلباين يف «غاية املرام» [‪ ،]323‬وانظر‪« :‬الروض النضري» [‪.]405‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪163‬‬
‫أن يعط�ي القص�اص من نفس�ه اً‬
‫قائًل�‪« :‬أقدين» فل�م يرتدد ‪ ،0‬وكش�ف عن بطنه‬
‫‪ 0‬ليقتص منه س�واد قائًال له‪« :‬اس�تقد»‪ .‬ولكن س�واد اً‬
‫بدل من أن يطعن يف بطن‬
‫قصاص�ا‪ ،‬أخ�ذ يقبله�ا‪ ،‬فقال ل�ه الرس�ول ‪« :0‬ما محل ��ك على هذا‬
‫ً‬ ‫رس�ول اهلل‬
‫يا سواد؟» قال‪ :‬يا رسول اهلل حرض ما ترى ‪ -‬يعني‪ :‬القتال ‪ -‬فأردت أن يكون آخر العهد‬
‫بك أن يمس جلدي جلدك» فدعا له الرسول ‪ 0‬بخري(‪.)1‬‬
‫وأن� � ��ت ال � �ي� ��وم أغ� �ل ��ى م� ��ا لدينا‬ ‫ن��س��ي��ن��ا يف ودادك ك � ��ل غ ��ال‬
‫ل� �ن���ا ش � � ��رف ن� �ل ��ام وم � � ��ا علينا‬ ‫ن� �ل��ام ع� �ل ��ى حم��ب��ت��ك��م ويكفى‬
‫ل� �ع� �م ��ر اهلل ب � �ع� ��دك م � ��ا سلينا‬ ‫ت� �س��ل��ى ال�� �ن� ��اس ب ��ال ��دن� �ي ��ا وإن� ��ا‬
‫وربى ‪ O‬خلفاءه األربعة عىل العدل واخلري والفضل‪.‬‬
‫الصديق األكرب‪« :‬حالب شياه اليتامى»‪.‬‬
‫ال�ذي ق�ال ‪ 0‬في�ه ه�و وعمر ‪« :I‬ه ��ذان الس ��مع والبص ��ر»‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫أبا بكر وعمر(‪.)2‬‬
‫كان ‪ I‬يقول‪« :‬إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه‪ ،‬وإن أضعفكم‬
‫عندي القوي حتى آخذ منه احلق»(‪.)3‬‬
‫وق�ال علي ب�ن أيب طالب ‪ I‬وهو يع�دد مناقب الصديق بع�د وفاته‪« :‬مل يكن‬
‫ألح�د في�ك مهم�ز‪ ،‬وال قائل في�ك مغمز‪ ،‬وال في�ك مطم�ع‪ ،‬وال عندك ه�وادة ألحد‪،‬‬
‫الضعي�ف الذلي�ل عندك قوي‪ ،‬حتى تأخذ بحقه‪ ،‬والقوي العزيز عندك ذليل حتى يؤخذ‬
‫منه احلق‪ ،‬والقريب عندك يف ذلك سواء»(‪.)4‬‬
‫(‪« )1‬حياة الصحابة» (‪ )284/2‬للكاندهلوي‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة العرصية‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ]3671‬ع�ن عب�د اهلل بن حنطب‪ ،‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح‬
‫اجلامع» برقم [‪ ،]7004‬وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]814‬‬
‫(‪« )3‬صفة الصفوة» (‪ )260/1‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬مطبعة السعادة‪.‬‬
‫(‪« )4‬جممع الزوائد» (‪ )48/9‬للهيثمي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة القديس‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪164‬‬
‫وقالت أنيس�ة ‪« :J‬نزل فينا أبو بكر ثالث س�نني‪ ،‬س�نتني قبل أن يستخلف‪،‬‬
‫وسنة بعد ما استخلف‪ ،‬فكان جواري احلي يأتينه بغنمهن‪ ،‬فيحلبهن هلن»(‪.)1‬‬

‫عجوزا‪ ،‬فكان إذا جاءها‬


‫ً‬ ‫وع�ن أيب صالح الغفاري أن عمر بن اخلطاب كان يتعهد‬
‫وجد غريه قد س�بقه إليها فأصلح ما أرادت‪ ،‬فجاءها غري مرة كي ال يس�بق إليها‪ ،‬فوجد‬
‫أبا بكر هو الذي جييئها‪ ،‬وهو يومئذ خليفة‪ ،‬فقال عمر‪« :‬أنت هو لعمري!»‪.‬‬

‫ورحم اهلل عبد احلليم املرصي حيث قال‪:‬‬


‫غ ��دا امل ��وت منها للبقية حاس ًيا‬ ‫�وم��ا ع� �ج ��و ًزا بدارها‬
‫رأي ع �م��ر ي� ً‬
‫فقد عدمت يف املسلمني مواس ًيا‬ ‫ف �ق��ال‪ :‬أواس �ي �ه��ا وأق �ض��ى أمورها‬
‫فألفى هلا يف نهره الفجر غاش ًيا‬ ‫مضى غاشيا يف نهره الصبح دارها‬
‫ومن ذا الذي يبدو له ما بدا ليا؟‬ ‫فقال هلا‪ :‬من كان يف احلي سابقي‬
‫فيجمع أش �ت��ات��ي وي��رح��م م��ا بيا‬ ‫فقالت كريم يعرتي الدار سحرة‬
‫وأرص ��د س�ب��ا ًق��ا إىل اخل�ير ساع ًيا‬ ‫فقال‪ :‬سأحيي الليل أرعى طروقه‬
‫ول�ك�ن��ه ال�ص��دي��ق م��ن ك��ان باد ًيا‬ ‫فشق رواق الليل عن رونق الضحى‬
‫وم ��ا مح�ل�ت��ه ال�ن�ف��س إال املعاليا‬ ‫فألقى الكلى(‪ )2‬عن عاهل عز قبلها‬
‫وه � �ي� ��أ ف� �ي ��ه ل� �ل� �ق���دور األث ��اف� �ي ��ا‬ ‫وألقى العصا يف جانب من خبائها‬
‫س ��واك أب��ا ب�ك��ر وال ك�ن��ت راضيا‬ ‫فصاح به الفاروق‪ :‬ما كان سابقي‬
‫إذا أه �ل �ه��ا ن � ��ادوا أج� ��اب املناديا‬ ‫أيف ك��ل دار م��ن أب ��ي ب �ك��ر ام��رؤ‬
‫وال م �ش �ت��ك إال مت �ث �ل��ت آس� �ي ��ا!‬ ‫أال ع� ��ائ� ��ل إال مت��ث��ل��ت كافال‬

‫(‪« )1‬الطبقات الكربى» (‪ )186/3‬البن سعد‪ ،‬ط‪ :‬دار صادر‪.‬‬


‫(‪ )2‬الكلى‪ :‬مجع كلية وهي‪ :‬ما حيمل فيها املاء‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪165‬‬
‫أمير المؤمنين عمر وعدله‪:‬‬
‫الذي قال فيه رسول اهلل ‪ 0‬هو وأبو بكر‪« :‬هذان سيدا كهول أهل اجلنة من‬
‫األولني واآلخرين‪ ،‬إال النبيني واملرسلني‪ ،‬ال ختربمها يا عيل»‪ ،‬يعني‪ :‬أبا بكر وعمر(‪.)1‬‬
‫كان ‪ I‬إذا أتاه اخلصامن برك عىل ركبتيه‪ ،‬وقال‪« :‬اللهم أعني عليهام‪ ،‬فإن كل‬
‫واحد منهام يريدين عن ديني»(‪.)2‬‬
‫وع�ن عب�د الرمحن ب�ن غنم قال‪ :‬س�معت عم�ر بن اخلط�اب يقول‪« :‬وي�ل لديان‬
‫األرض من ديان السامء يوم يلقونه‪ ،‬إال من أمر بالعدل فقىض باحلق‪ ،‬ومل يقض عىل هوى‪،‬‬
‫وال عىل قرابة‪ ،‬وال عىل رغبة وال رهبة‪ ،‬وجعل كتاب اهلل مرآ ًة بني عينيه»(‪.)3‬‬
‫موقف عمر مع أبي سفيان‪:‬‬
‫ع�ن عبد الرمحن بن حاطب عن أبيه قال‪« :‬قدمنا مكة مع عمر ‪ ،I‬فأقبل أهل‬
‫مكة يس�عون‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أبو س�فيان حبس مس�يل املاء علينا ليه�دم منازلنا‪ ،‬فأقبل‬
‫أحجارا‪ ،‬فقال له‪ :‬ارفع هذا‪ ،‬فرفعه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫عمر ومعه الدرة‪ ،‬فإذا أبو س�فيان قد نصب‬
‫أحجارا كثرية ‪ -‬مخس�ة أو س�تة ‪ -‬ثم اس�تقبل عم�ر الكعبة فقال‪:‬‬
‫ً‬ ‫وهذا وهذا‪ ،‬حتى رفع‬
‫«احلمد هلل الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه»(‪.)4‬‬
‫حكمت‪ ،‬فعدلت‪ ،‬فأمنت‪ ،‬فنمت يا عمر‪:‬‬
‫نائم يف مس�جد‬
‫ع�ن أن�س بن مال�ك ‪ I‬قال‪ :‬رأى اهلرم�زان عمر بن اخلطاب اً‬
‫املدينة فقال‪« :‬هذا واهلل هو امللك اهلنيء»(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]3665‬واب�ن ماج�ه [‪]95‬عن علي وأنس‪ ،‬وصححه الش�يخ األلباين يف‬
‫«صحيح اجلامع» برقم [‪ ،]7005‬وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]822‬‬
‫(‪« )2‬مناقب أمري املؤمنني عمر» ص‪ ]94[ :‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫خمترصا‪ ،‬وقال األلباين يف «خمترص العلو»‬
‫ً‬ ‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه سمواية يف «فوائده» [‪ ]38‬والدرامي [‪]104‬‬
‫ص‪ ،]103[ :‬وإسناده صحيح‪.‬‬
‫(‪« )4‬مناقب أمري املؤمنني عمر»‪ ،‬ص‪ ]97[ :‬البن اجلوزي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪« )5‬تاريخ دمشق‪ ،‬مناقب عمر بن اخلطاب» ص‪ ]272[ :‬البن عساكر‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪166‬‬
‫وصدق حافظ إبراهيم حني قال‪:‬‬
‫ب�ي�ن ال��رع �ي��ة ع �ط�لا وه ��و راعيها‬ ‫قد راع صاحب كسرى أن رأى عمرا‬
‫سورا من اجلند واألحراس حيميها‬ ‫وع� �ه ��ده مب��ل��وك ال� �ف ��رس أن هلا‬
‫ف�ي��ه اجل�لال��ة يف أمس ��ى معانيها‬ ‫رآه م �س �ت �غ��ر ًق��ا يف ن ��وم ��ه ف���رأى‬
‫ب�ب�ردة ك��اد ط��ول العهد يبليها‬ ‫فوق الثري حتت ظل الدوح مشتم ً‬
‫ال‬
‫م��ن األك��اس�ير وال��دن �ي��ا بأيديها‬ ‫ف �ه��ان يف عينيه م��ا ك ��ان يكربه‬
‫وأصبح اجليل بعد اجليل يرويها‬ ‫وق� ��ال ق��ول��ة ح��ق أص �ب �ح��ت مث ً‬
‫ال‬
‫ف�ن�م��ت ن ��وم ق��ري��ر ال �ع�ين هانيها‬ ‫أم� �ن ��ت مل ��ا أق� �م ��ت ال� �ع ��دل بينهم‬
‫ذو النورين عثمان الرحيم العادل‪:‬‬
‫الذي قال فيه ‪« :0‬ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم»(‪.)1‬‬
‫ردد ذلك مرتني أو ثالثا‪ .‬ومل ال؟ وهو الذي جهز جيش العرسة‪ ،‬واشرتى بئر رومة‬
‫بخمسة وثالثني ألف درهم جعلها للغني والفقري وابن السبيل‪.‬‬
‫وق�ال‪ :‬حب�ب إىل م�ن الدنيا ثالث‪« :‬إش�باع اجليع�ان‪ ،‬وكس�وة العري�ان‪ ،‬وتالوة‬
‫القرآن»(‪.)2‬‬
‫يغض�ب ‪ I‬عىل خادم له يو ًما‪ ،‬فيع�رك أذنه حتى يوجعه‪ ،‬ثم رسعان ما يدعو‬
‫خادم�ه ويأمره أن يقتص من�ه فيعرك أذنه‪ ،‬ويأبى اخلادم‪ ،‬ويأمره يف حزم فيطيع‪« :‬اش�دد‬
‫يا غالم‪ ،‬فإن قصاص الدنيا أرحم من قصاص اآلخرة»(‪.)3‬‬
‫ق�ال حنين بن املنذر‪« :‬ش�هدت عثمان بن عف�ان‪ ،‬وأت�ى بالوليد قد صلى الصبح‬
‫ركعتني‪ ،‬ثم قال‪ :‬أزيدكم؟‬
‫(‪ )1‬تقدم خترجيه‪ ،‬ص‪.]62[ :‬‬
‫(‪« )2‬البداية والنهاية» (‪ )125/7‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة اإليامن‪.‬‬
‫(‪« )3‬ترطيب األفواه بذكر من يظلهم اهلل» (‪ )153/1‬للدكتور سيد العفاين‪ ،‬ط‪ :‬دار العفاين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪167‬‬
‫فش�هد علي�ه رجلان ‪ -‬أحدمه�ا مح�ران ‪ -‬أن�ه رشب اخلمر‪ ،‬وش�هد آخ�ر أنه رآه‬
‫يتقي�أ‪ ،‬فق�ال عثمان‪ :‬إن�ه مل يتقي�أ حت�ى رشهبا‪ ،‬فق�ال‪ :‬يا علي‪ ،‬فاجل�ده‪ ،‬فقال علي‪ :‬قم‬
‫يا حسن فاجلده‪ ،‬فقال احلسن‪ :‬ول حارها من توىل قارها(‪ - )1‬فكأنه وجد عليه ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫يا عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬قم فاجلده‪ ،‬فجلده ‪ -‬وعيل يعد ‪ -‬حتى بلغ أربعني‪ ،‬فقال‪ :‬أمسك‪،‬‬
‫ث�م قال‪ :‬جل�د النبي ‪ 0‬أربعني وجل�د أبو بكرأربعني‪ ،‬وعم�ر ثامنني‪ ،‬وهذا أحب‬
‫إيل»(‪.)2‬‬
‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫إذا قيل إن السيف أمضى من العصا‬ ‫أمل ت��ر أن ال�س�ي��ف ي�ن�ق��ص قدره‬
‫علي بن أبي طالب أبو الحسن‪:‬‬
‫ما زانته الخالفة‪ ،‬بل زانها بعدله‪:‬‬
‫كان ‪ I‬يقول فصالً‪ ،‬وحيكم عدالً‪ ،‬كانت حظوظه مع نفسه يف طهرها وعدهلا‬
‫وتقاها رابية ووافية‪ ،‬وكان عدله س�ام ًقا يبقى عىل مر الزمان ً‬
‫منارا لذوي الرش�د والنهي‪،‬‬
‫وكان والؤه للعدل والء مطبو ًعا‪ ،‬والء فطرة‪ ،‬ووالء يقني‪.‬‬
‫مل�ا توىل اخلالفة صعد املنبر يوم اجلمعة‪ :‬وقال‪« :‬أهيا الرع�اء‪ ،‬إن لرعيتكم حقو ًقا‪:‬‬
‫احلكم بالعدل‪ ،‬والقسمة بالسوية‪ ،‬وما من حسنة أحب إىل اهلل من حكم إمام عادل»‪.‬‬
‫وق�ال ‪« :I‬أأقنع من نفيس أن يقال‪« :‬أمري املؤمنني» ثم ال أش�ارك املؤمنني يف‬
‫م�كاره الزمان؟ واهلل لو ش�ئت لكان يل من صفو هذا العس�ل‪ ،‬ولب�اب هذا الرب‪ ،‬ومناعم‬
‫هذه الثياب‪ ،‬ولكن هيهات أن يغلبني اهلوى‪ ،‬فأبيت مباطنًا وحويل بطون غرثي(‪ )3‬وأكباد‬
‫حرى(‪.»)4‬‬
‫(‪ )1‬ول حاره�ا م�ن توىل قارها‪ :‬ول ش�ديدها من ت�وىل هنيها‪ ،‬والقار‪ :‬أي ول العقوب�ة والرضب من توىل‬
‫العمل والنفع‪.‬‬
‫(‪« )2‬أسد الغابة» (‪ )453/5‬البن األثري‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬
‫(‪ )4‬حرى‪ :‬يبست من عطش أو حزن‪.‬‬ ‫(‪ )3‬غرثي‪ :‬جوعى‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪168‬‬
‫ل� �ي ��س ب� �ه ��ا ل� �ل� �ص ��احل�ي�ن معرج‬ ‫ع �ف��اء ع �ل��ى دن �ي��ا رح �ل��ت لغريها‬
‫أبي حسن والغسل من حيث خيرج‬ ‫ك� ��دأب ع �ل��ي يف امل ��واط ��ن كلها‬
‫وهلل أوس آخ� � � � � ��رون وخ� � � ��زرج‬ ‫سيخرج اهلل من عامل الغيب ناص ًرا‬
‫قال عيل بن ربيعة‪ :‬جاء ابن النباح إىل عيل بن أيب طالب فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬امتأل‬
‫بيت مال املسلمني من صفراء وبيضاء‪ ،‬فقال‪ :‬اهلل أكرب!! فقام متوك ًئا عىل ابن النباح حتى‬
‫قام عىل بيت مال املسلمني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وك � � � ��ل ج � � � ��ان ي � � � ��ده إىل فيه‬ ‫ه � � � ��ذا ج � � �ن� � ��اي وخ � � � �ي� � � ��اره فيه‬
‫ي�ا ابن النباح‪ ،‬عيل بأش�ياع الكوفة‪ ،‬قال فنودي يف الن�اس‪ ،‬فأعطى مجيع ما يف بيت‬
‫مال املسلمني‪ ،‬وهو يقول‪ :‬يا صفراء‪ ...‬ويا بيضاء‪ ...‬غري غريي‪.‬‬
‫حتى ما بقي منه دينار وال درهم‪ ،‬ثم أمر بنضحه‪ ،‬وصىل فيه ركعتني(‪.)1‬‬
‫وع�ن علي بن األرقم‪ ،‬ع�ن أبي�ه‪ ،‬قال‪«:‬رأيت عل ًيا وهو يبيع س�ي ًفا له يف الس�وق‪،‬‬
‫ويق�ول‪ :‬من يشتري مني هذا الس�يف‪ ،‬فوال�ذي فلق احلبة لطاملا كش�فت به الكرب عن‬
‫وجه رسول اهلل ‪ ،0‬ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته(‪.»)2‬‬
‫خت��اف ع�ل��ى احلنيفة أن تضاما‬ ‫ب� ��روح� ��ي إذ جي � ��ود خب �ي�ر نفس‬
‫�ام� ��ا‬
‫ك� �ف���ى ب� �ك� �ت���اب رب � �ك� ��م إم� � ً‬ ‫قصاصا‬
‫ً‬ ‫ب�ن�ي ال� �ع ��دل إن ش �ئ �ت��م‬
‫آخ � � � � ��اف ع� �ل� �ي� �ك���م أال ي� �ق ��ام ��ا‬ ‫ك�� �ت� ��اب اهلل ال ت � �غ � �ل� ��وا ف ��إن ��ي‬
‫وج � � � ��اور يف م� �ن���ازهل���ا ال� �س�ل�ام ��ا‬ ‫إىل دار ال� � �س �ل��ام ق� �ض ��ى على‬
‫ه�ذا كان حاهل�م وديدهنم يف خالفتهم ‪ ،M‬صلح�وا يف حكمهم وخالفتهم‪،‬‬
‫فصلحت البالد وأمن العباد‪.‬‬

‫(‪« )1‬حلية األولياء» (‪ )83/1‬أليب نعيم‪ ،‬ط‪ :‬مطبعة السعادة‪.‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)83/1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪169‬‬
‫وهلل در شوقي حني قال‪:‬‬
‫ف�ل�ا ت�ق�ي�س��ن أم �ل�اك ال � ��ورى بهم‬ ‫خ�ل�ائ ��ف اهلل ج� �ل ��وا ع ��ن م ��وازن ��ة‬
‫وكأبن عبد العزيز اخلاشع احلشم‬ ‫م��ن يف ال�بري��ة ك��ال�ف��اروق معدله‬
‫بعد اجلالئل يف األف�ع��ال واخلدم‬ ‫وم�� � ��ا ب� �ل ��اء أب�� � ��ي ب � �ك� ��ر مبتهم‬
‫أضلت احللم من كهل وحمتلم‬ ‫ب ��احل ��زم ح� ��اط ال ��دي ��ن يف حمن‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪170‬‬

‫أسماء اهلل الحسنى‬


‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن هلل تسعة وتسعني ً‬
‫امسا‪،‬‬
‫مائة إال واحدًا‪ ،‬من أحصاها دخل اجلنة»(‪.)1‬‬
‫وأسماء اهلل كلها حسنى‪ ،‬وصفاته كلها ُعليا وس�ميت حسنى لداللتها عىل أحسن‬
‫مس�مى‪ ،‬وأرشف مدلول‪ ،‬وتوحيد اهلل يف األسماء يقتيض اإليامن بكل اس�م س�مى اهلل به‬
‫نفسه‪ ،‬وما دل عليه هذا االسم من معنى أو صفة‪ ،‬وبام يتعلق‪ ،‬هبذا االسم من آثار‪ ،‬وهذا‬
‫اإليامن هو أصل الدين‪ ،‬وركن التوحيد‪ ،‬وأول الواجبات‪ ،‬وآخر الواجبات‪.‬‬
‫‪[ :4‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ] [‪ ،]180:C‬وع�ن أيب هري�رة‬
‫‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل‪« :0‬إن هلل تس ��عة وتس ��عني ً‬
‫امسا‪ ،‬مائة إال واحدًا‪،‬‬
‫من أحصاها دخل اجلنة»‪.‬‬
‫ومعن ��ى أحصاه ��ا‪ :‬أي حفظه�ا وأطاقه�ا‪ ،‬وتعب�د هلل ‪ c‬هبا وهي األق�وال التي‬
‫وردت يف تفسري هذا احلديث‪ ،‬وورد اإلحصاء بمعنى احلفظ‪ ،‬وهو قول البخاري(‪.)2‬‬
‫لكن ال شك أن من حفظ األلفاظ ومل يقم بحقها يف العبادة مل يكن ذلك هو اإلحصاء‬
‫املقتيض لدخول اجلنة‪ ،‬بل حيصيها لكي يتعبد هلل ‪ c‬هبا‪ ،‬ويدعو اهلل ‪ c‬هبا‪ ،‬وهذا هو‬
‫معن�ى‪ :‬أطاقه�ا أي أطاق القيام بح�ق كل منها‪ ،‬بدعاء الرب ‪ c‬به‪ ،‬وبش�هود آثار هذا‬
‫االس�م يف الوجود‪ ،‬واس�تحضار عظمة اهلل ‪ ،c‬واستحضار قدرته‪ ،‬واستحضار علمه‬
‫‪ c‬باألوائل واألواخر‪ ،‬والظواهر والبواطن‪.‬‬
‫اسًم� من مجلة أسامء اهلل ‪ ،c‬وحرصها ومجعها مل يرد به‬
‫وهذه التس�عة والتسعون اً‬
‫حديث صحيح عن النبي ‪ ،0‬ولكن مجعها أهل العلم من القرآن والسنة كي يتعبد‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2677‬والرتمذي [‪ ،]3506‬وابن ماجه [‪.]3860‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪« :‬معارج القبول» (‪ )98/1‬ط‪ :‬مركز اهلدى للدراسات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪171‬‬

‫هب�ا الن�اس‪ ،‬وينتفعوا هبا يف دعاء اهلل ‪ ،c‬وكي يطلبها الناس وجيتهدوا يف طلبها‪ ،‬وهذه‬
‫األسماء ذكرت يف الكتاب والس�نة‪ ،‬ولكنها غري حمددة بعدد حتى جيتهد الناس يف الدعاء‬
‫بكل األسماء احلسنى املوجودة يف الكتاب والسنة‪ ،‬لكي يكون بذلك قد دعا اهلل بالتسعة‬
‫اسم‪ ،‬وشبيه ذلك قول النبي ‪ 0‬عن يوم اجلمعة‪« :‬فيه ساعة ال يوافقها‬
‫والتسعني اً‬
‫عبد مسلم وهو يصلي يسأل اهلل شي ًئا إال أعطاه إياه»(‪ ،)1‬حتى وإن قلنا هي آخر ساعة‬
‫بع�د العرص‪ ،‬فنحن ال نعرفه�ا حتديدً ا‪ ،‬فالذي يمكث من العصر إىل املغرب يوم اجلمعة‬
‫يذكر اهلل‪ ،‬س�وف يدرك هذه الساعة‪ ،‬وكذلك ليلة القدر يف العرش األواخر‪ ،‬لكن أية ليلة‬
‫ه�ي مل نعرفه�ا؟؟ ولكن نطلبه�ا يف العرش األواخر كلها حتى ن�درك ليلة القدر‪ .‬فكذلك‬
‫اسم‪ ،‬وندعو اهلل هبا‪ ،‬ونتعبد اهلل هبا‪ ،‬فالسبيل لذلك أن نتعبد‬
‫لكي ندرك التسعة والتسعني اً‬
‫بكل ما ورد يف الكتاب والسنة(‪.)2‬‬

‫اسم‪ ،‬ويدلل عىل ذلك قول‬


‫وأسماء اهلل ‪ c‬ليست منحرصة يف التسعة والتسعني اً‬
‫النب�ي ‪« :0‬الله ��م إن ��ي عبدك وابن عب ��دك وابن أمتك‪ ،‬ناصي�ت�ي بيدك‪ٍ ،‬‬
‫ماض‬
‫يف حكمك‪ ،‬عدل يف قضاؤك‪ ،‬أس ��ألك بكل اس ��م هو لك مسيت به نفس ��ك‪ ،‬أو أنزلته يف‬
‫كتاب ��ك‪ ،‬أو علمته ً‬
‫أحدا من خلقك‪ ،‬أو اس ��تأثرت ب ��ه يف علم الغيب عندك‪ ،‬أن جتعل‬
‫القرآن العظيم ربيع قليب‪ ،‬ونور صدري‪ ،‬وجالء حزني‪ ،‬وذهاب همي»(‪.)3‬‬

‫وهذه األسامء احلسنى دالة عىل صفات اهلل ‪ ،c‬وهذه الصفات تنقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫صفات ذات وصفات أفعال‪:‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6037‬ومسلم [‪ ]852‬واللفظ له من حديث أيب هريرة ‪. I‬‬
‫(‪ )2‬املنة‪ :‬رشح اعتقاد أهل السنة بترصف واختصار (‪ )62- 61‬للشيخ يارس برهامي ط‪ :‬دار اخللفاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د [‪ ،]3712‬واب�ن حبان [‪ ]973‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «الصحيحة» برقم‬
‫[‪.]199‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪172‬‬

‫أولاً ‪-‬مثال لصفات الذات‪:‬‬

‫كالنفس‪ ،‬واحلياة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والس�مع‪ ،‬والبرص‪ ،‬والوجه‪ ،‬واليد‪ ،‬والرجل‪ ،‬وامللك‪،‬‬


‫والعظم�ة‪ ،‬والكربياء‪ ،‬واإلصبع‪ ،‬والعني‪ ،‬والغن�ى‪ ،‬والقدم‪ ،‬والرمحة‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬والقوة‪،‬‬
‫والعزة‪ ،‬واخلربة‪ ،‬والوحدانية‪ ،‬واجلالل‪ ،‬وهي ال تنفك عن اهلل الزمة له‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬مثال لصفات الفعل‪:‬‬


‫ً‬

‫كاالس�تواء‪ ،‬والن�زول‪ ،‬والضح�ك‪ ،‬واملج�يء‪ ،‬والعج�ب‪ ،‬والف�رح‪ ،‬وال�رىض‪،‬‬


‫واحل�ب‪ ،‬والكره‪ ،‬والس�خط‪ ،‬واإلتيان‪ ،‬واملقت‪ ،‬واألس�ف‪ ،‬وهذه يق�ال هلا قديمة النوع‬
‫حادثة اآلحاد‪ ،‬وهي متعلقة بمشيئة اهلل وقدرته(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬الكواشف اجللية عن معاين الواسطية» (ص‪ )430- 429 :‬للشيخ عبد العزيز السلامن‪ ،‬ط‪« .‬مكتبة‬
‫الرياض احلديثة»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪173‬‬

‫حسن الخلق‬
‫جملسا‬
‫ً‬ ‫عن جابر بن عبد اهلل ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬أقربكم مين‬
‫يوم القيامة أحسنكم خل ًقا»(‪.)1‬‬
‫وحس ��ن اخلل ��ق‪ :‬أفضل أعامل الصديقين‪ ،‬وهو عىل التحقيق ش�طر الدين‪ ،‬وثمرة‬
‫جماه�دة املتقين‪ ،‬ورياضة املتعبدين‪ ،‬واألخالق الس�يئة هي الس�موم القاتلة‪ ،‬واملهلكات‬
‫الدامغ�ة‪ ،‬واملخ�ازي الفاضح�ة‪ ،‬واخلبائ�ث املبع�دة عن ج�وار رب العاملين‪ ،‬املنخرطة‬
‫بصاحبها يف س�لك الش�ياطني‪ ،‬وهي األبواب املفتوحة إىل نار اهلل املوقدة‪ ،‬التي تطلع عىل‬
‫األفئدة‪ ،‬كام أن األخالق اجلميلة هي األبواب املفتوحة من القلب إىل نعيم اجلنان‪ ،‬وجوار‬
‫الرمحن‪ ،‬واألخالق اخلبيثة أمراض القلوب‪ ،‬وأسقام النفوس‪ ،‬إال أنه مرض يفوت حياة‬
‫األبد‪ ،‬وأين منه املرض الذي ال يفوت إال حياة اجلسد؟‬
‫ومهما اش�تدت عناية األطباء بضب�ط قوانني العالج لألب�دان‪ - ،‬وليس يف مرضها‬
‫إال ف�وت احلياة الفانية ‪ -‬فالعناي�ة بضبط قوانني العالج ألمراض القلوب ‪ -‬ويف مرضها‬
‫فوت حياة باقية ‪ -‬أوىل‪.‬وهذا النوع من الطب واجب تعلمه عىل كل ذي لب‪ ،‬إذ ال خيلو‬
‫قل�ب من القلوب عن أس�قام لو أمهلت تراكمت‪ ،‬وترادفت العل�ل وتظاهرت‪ ،‬فيحتاج‬
‫العبد إىل تأنق يف معرفة علمها وأس�باهبا‪ ،‬ثم التش�مري يف عالجها وإصالحها‪ ،‬فمعاجلتها‬
‫ه�و املراد بقول�ه ‪[ :c‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ][‪ ،]9 :u‬وإمهاهلا هو املراد بقوله‪[ :‬ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ](‪،]10 :u[ )2‬ولقد حدد رسول اهلل ‪ 0‬الغاية األوىل من بعثته‪،‬‬
‫واملنهاج املبني من دعوته‪ ،‬بقوله‪« :‬إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أمحد [‪]6767‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]1176‬‬
‫(‪« )2‬إحياء علوم الدين» (‪ )171/3‬أليب حامد الغزايل‪ ،‬ط‪ :‬دار اجليل‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]1400‬والبخاري يف «األدب املفرد» [‪ ،]27‬وأمحد (‪ )218/2‬من حديث‬
‫أيب هريرة ‪ ،I‬وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪174‬‬
‫ن� �ظ ��ر اإلل � � ��ه هل� ��ا ف� �ب���دل حاهلا‬ ‫إن ال �ب�ري� ��ة ي � ��وم م��ب��ع��ث أمح ��د‬
‫خ �ي�ر ال �ب�ري� ��ة جن��م��ه��ا وه�ل�اهل ��ا‬ ‫بل ك��رم اإلنسان حني اختار من‬
‫فكأن الرس�الة التي خطت جمراها يف تاريخ احلياة‪ ،‬وبذل صاحبها ‪ 0‬جهدً ا‬
‫كبريا يف مد ش�عاعها‪ ،‬ومجع الناس حوهلا‪ ،‬ال تنش�د أكثر من تدعيم فضائلها‪ ،‬وإنارة آفاق‬
‫ً‬
‫الكامل أمام أعينهم حتى يسعوا إليها عىل بصرية‪.‬‬
‫وإنما رشع�ت العبادات يف اإلسلام‪ ،‬واعتبرت أركانًا يف اإليامن من أجل حس�ن‬
‫اخللق‪ ،‬والقرآن الكريم والسنة املطهرة يكشفان بوضوح عن هذه احلقائق‪:‬‬
‫فالصلاة املفروض�ة الواجبة عندما أمرنا اهلل هبا أبان احلكمة م�ن إقامتها‪ ،‬فقال اهلل‬
‫‪[ :c‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] [‪.]45 :t‬‬
‫وال�زكاة املفروضة هي يف احلقيقة غرس ملش�اعر احلنان والرأفة‪ ،‬وتوطيد لعالقات‬
‫التعارف واأللفة بني شتى الطبقات‪[ :4 ،‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ] [‪.]103 :G‬‬
‫وكذل�ك رشع اإلسلام الص�وم‪ ،‬فلم ينظر إليه على أنه حرم�ان مؤقت من بعض‬
‫دائم من ش�هواهتا املحظورة‪،‬‬
‫األطعم�ة واألرشب�ة‪ ،‬بل اعتربه خط�وة إىل حرمان النف�س اً‬
‫وإقرارا هلذا املعنى قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من مل يدع قول الزور‬
‫ً‬ ‫ونزواهت�ا املنك�رة‪،‬‬
‫والعمل به‪ ،‬فليس هلل حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه»(‪.)1‬‬

‫كذل�ك احلج قال اهلل ‪ [ :c‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬


‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ] [‪.]197 :2‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1903‬وأبو داود [‪ ،]3262‬والرتمذي [‪ ،]707‬وابن ماجه [‪.]1689‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪175‬‬
‫فهذا العرض املجمل لبعض العبادات التي اش�تهر هبا اإلسلام‪ ،‬وعرفت عىل أهنا‬
‫أركانه األصلية‪ ،‬نس�تبني منه متانة األوارص التي تربط الدين باخللق‪ ،‬إهنا عبادات متباينة‬
‫يف جوهره�ا ومظهره�ا‪ ،‬ولكنها تلتقي عند الغاية التي وضحها رس�ول اهلل ‪ 0‬يف‬
‫قوله‪« :‬إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق»(‪.)1‬‬

‫فضيلة حسن الخلق‪:‬‬

‫إن حس�ن اخللق ركن اإلسلام العظي�م‪ ،‬الذي ال قيام للدين بدون�ه‪ ،‬وإن املؤمنني‬
‫يتفاضل�ون يف اإليمان‪ ،‬وإن أفضلهم أحس�نهم خل ًقا‪ ،‬وكذلك يتفاوت�ون يف الظفر بحب‬
‫ظفرا بحب�ه والقرب منه هم‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬والق�رب منه ي�وم القيام�ة‪ ،‬وأكثرهم ً‬
‫الذين حسنت أخالقهم‪ ،‬فعن أيب ثعلبة اخلشني‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬إن أحبكم‬
‫إل ��ي وأقربكم مين يف اآلخرة حماس ��نكم أخال ًقا‪ ،‬وإن أبغضك ��م إلي وأبعدكم مين يف‬
‫اآلخرة مساويكم أخال ًقا‪ ،‬الثرثارون املتفيهقون املتشدقون»(‪.)2‬‬

‫وع�ن جاب�ر ب�ن عب�د اهلل ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬أقربكم مين‬
‫جملسا يوم القيامة أحسنكم خل ًقا»(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫وع�ن أيب الدرداء ‪ I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬ما من ش ��يء أثقل يف امليزان‬
‫من حسن اخللق»(‪.)4‬‬

‫(‪« )1‬أح�ب األعمال إىل اهلل» (ص‪ )121 - 120:‬للمؤلف‪ ،‬ط‪ :‬دار اإليامن‪ ،‬واحلديث تقدم خترجيه‪ ،‬ص‪:‬‬
‫[‪.]174‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]17661‬والطرباين يف «الكبري» [‪ ،]588‬وابن حبان [‪ ]1917‬موارد‪ ،‬وصححه‬
‫الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]1535‬‬
‫(‪ )3‬حسن‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]6767‬وحسنة الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع » برقم [‪.]1176‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]4798‬والرتمذي [‪ ،]2087‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع»‬
‫برقم [‪.]1118‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪176‬‬
‫وعن عائش�ة ‪ J‬قالت‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن املؤمن ليدرك حبسن‬
‫خلقه درجة الصائم القائم»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب ذر ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬اتق اهلل حيثما كنت‪ ،‬وأتبع‬
‫السيئة احلسنة متحها‪ ،‬وخالق الناس خبلق حسن»(‪.)2‬‬

‫أركان حسن الخلق‪:‬‬


‫قال ابن القيم ‪ :I‬حسن اخللق يقوم عىل أربعة أركان ال يتصور قيام ساقه إال‬
‫عليها‪ ،‬وهي‪ :‬الصرب‪ ،‬والعفة‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والعدل‪.‬‬
‫أولاً ‪ -‬الص�ب�ر‪ :‬فالصبر حيمله عىل االحتمال وكظم الغيظ‪ ،‬وك�ف األذى‪ ،‬واحللم‬
‫واألناة والرفق‪،‬وعدم الطيش والعجلة‪.‬‬
‫ثان ًي ��ا‪ -‬العف ��ة‪ :‬فالعف�ة حتمله على اجتناب الرذائ�ل والقبائح من الق�ول والفعل‪،‬‬
‫وحتمله عىل احلياء وهو رأس كل خري‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ -‬الشجاعة‪ :‬فالشجاعة حتمله عىل عزة النفس‪ ،‬وإيثار معايل األخالق والشيم‪،‬‬
‫وعىل البذل والندى‪.‬‬
‫راب ًع ��ا‪ -‬الع ��دل‪ :‬فالع�دل حيمل�ه عىل اعت�دال أخالقه‪ ،‬وتوس�طه فيها بين اإلفراط‬
‫والتفري�ط‪ ،‬وحيمل�ه على خلق اجل�ود والس�خاء وعىل الش�جاعة التي هي بين الغضب‬
‫واملهانة(‪.)3‬‬
‫وأعظم الناس خل ًقا‪ ،‬وأوفاهم للعهود وأوصلهم للرحم‪ ،‬وأعظمهم شفقة ورمحة‪،‬‬
‫وأشدهم تواض ًعا‪ ،‬رسول اهلل ‪ 0‬كان يسمى قبل البعثة بالصادق األمني‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]4798‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]5082‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]4583‬والرتم�ذي [‪ ]2676‬وقال‪ :‬حس�ن صحيح‪ ،‬واب�ن ماجه [‪،]34‬‬
‫وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]2543‬‬
‫(‪« )3‬مدارج السالكني» (‪ )310/2‬لإلمام ابن القيم‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتاب العريب بترصف بسيط واختصار‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪177‬‬
‫قال املباركفوري ‪ :V‬كان ‪ O‬حمىل بصفات الكامل املنقطعة النظري‪،‬‬
‫وأدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬حتى خاطبه مثن ًيا فقال‪[ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ] [‪.]4 :A‬‬

‫وكان�ت هذه اخلالل مما قرب إليه النفوس‪ ،‬وحببه إىل القلوب‪ ،‬وصريه قائدً ا هتوى‬
‫أفواجا(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫إليه األفئدة‪ ،‬وأالن من شكيمة قومه بعد اإلباء‪ ،‬حتى دخلوا يف دين اهلل‬

‫وق�ال ال�رازي ‪ :V‬األخلاق احلمي�دة‪ ،‬واألفع�ال املرضية كان�ت ظاهرة منه‬


‫ٍ‬
‫س�تول عليها‪ ،‬فإنه‬ ‫‪ ،O‬ودل�ت اآلية عىل أنه مس�تعل عىل ه�ذه األخالق‪ ،‬و ُم‬
‫بالنس�بة إىل هذه األخلاق اجلميلة كاملوىل بالنس�بة للعبد‪ ،‬كانت عظيم�ة عالية الدرجة‪،‬‬
‫كأهنا لقوهتا وشدة كامهلا من جنس أرواح املالئكة(‪.)2‬‬

‫فع�ن أن�س ‪ I‬ق�ال‪ :‬خدمت النبي ‪ 0‬عرش س�نني فام ق�ال يل أف قط‪،‬‬
‫وما قال ليشء صنعته‪ :‬مل صنعته؟ وال ليشء تركته‪ :‬مل تركته؟ وكان رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫من أحسن الناس خل ًقا‪.)3(...‬‬


‫وع�ن عائش�ة ‪ J‬قال�ت‪« :‬ما خري رس�ول اهلل ‪ 0‬بني أمري�ن إال اختار‬
‫إثم كان أبعد الناس عنه‪ ،‬وما انتقم لنفس�ه إال أن تنتهك‬
‫إثم‪ ،‬فإن كان اً‬
‫أيرسمه�ا م�ا مل يكن اً‬
‫حرمة اهلل فينتقم هلل هبا»(‪.)4‬‬
‫وع�ن عبد اهلل ب�ن عباس ‪ L‬قال‪« :‬كان رس�ول اهلل ‪ 0‬أج�ود الناس‪،‬‬
‫وكان أج�ود م�ا يكون يف رمضان حني يلق�اه جربيل‪ ،‬وكان جربيل يلق�اه يف كل ليلة من‬
‫رمضان فيدارسه القرآن‪ ،‬فلرسول اهلل ‪ 0‬أجود باخلري من الريح املرسلة»(‪.)5‬‬
‫(‪« )1‬الرحيق املختوم»‪ ،‬ص‪ ]425[ :‬لصفي الرمحن املباركفوري‪ ،‬ط‪ :‬دار العلوم العربية‪.‬‬
‫(‪« )2‬مفاتح الغيب» (‪ )651 - 649/15‬لفخر الدين الرازي‪ ،‬ط‪ :‬دار الغد العريب‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]2330‬والرتمذي [‪.]2015‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3560‬ومسلم [‪.]2327‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1902‬ومسلم [‪ ،]1108‬وأمحد [‪.]2616‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪178‬‬
‫وع�ن أيب س�عيد اخل�دري ‪ I‬قال‪« :‬كان رس�ول اهلل ‪ 0‬أش�د حياء من‬
‫العذراء يف خدرها‪ ،‬وإذا كره شي ًئا ُعرف يف وجهه»(‪.)1‬‬
‫وع�ن عائش�ة ‪ J‬قال�ت‪« :‬كان ‪ 0‬خيصف نعله‪ ،‬وخيي�ط ثوبه‪ ،‬ويعمل‬
‫بيده كام يعمل أحدكم يف بيته»(‪.)2‬‬
‫برشا من البرش‪،‬‬
‫وقي�ل هلا ‪ :J‬ما كان رس�ول اهلل يعمل يف بيته؟ قال�ت‪« :‬كان ً‬
‫ويلب شاته»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫يفيل ثوبه‪،‬‬
‫وريب ‪ O‬اجليل املبارك والرعيل األول من أصحابه عىل أحسن األخالق‪،‬‬
‫فكانت أخالقهم عىل الرب والرشاد‪ ،‬فكان ال يصدر منهم إال ما هو حسن ومجيل‪.‬‬
‫وإليك ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬بعض النامذج والصور املباركة من أخالق السلف ‪،X‬‬
‫ومن تأسى هبم من التابعني ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬علنا نقتدي هبم‪ ،‬فإن مل نستطع فنحبهم‬
‫يف اهلل‪ ،‬فإن املرء حيرش مع من أحب‪ ،‬واخلليل عىل دين خليله‪ ،‬واهلل ‪ D‬يقرن األصناف‬
‫مع أصنافهم‪ ،‬واألشباه مع أشباهبم‪ ،‬واألنواع مع أنواعهم‪:‬‬
‫ل� �ع� �ل ��ي أن أن�� � ��ال ب� �ه ��م شفاعة‬ ‫أح� ��ب ال��ص��احل�ي�ن ول��س��ت منهم‬
‫ول � ��و ك��ن��ا س� � ��واء يف البضاعة‬ ‫وأك � � ��ره م� ��ن جت� ��ارت� ��ه املعاصي‬
‫س�ب رجل عبد اهلل بن عباس ‪ ،L‬فلام فرغ قال‪ :‬يا عكرمة هل للرجل حاجة‬
‫فتقضيها؟ فنكس الرجل رأس�ه واس�تحى‪ ،‬وعن عيل بن احلسين بن عيل أنه سبه رجل‪،‬‬
‫فرمى إليه بخميصة كانت عليه‪ ،‬وأمر له بألف درهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3562‬ومسلم [‪ ،]2320‬وابن ماجه [‪ ،]4180‬وأمحد [‪.]11700‬‬


‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]24861‬وابن حبان [‪ ،]5677‬وصححه الش�يخ األلباين يف «صحيح األدب‬
‫املفرد» برقم [‪.]419‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]342‬وأمحد [‪ ،]26304‬والبخاري يف «األدب املفرد» [‪ ،]541‬وصححه‬
‫الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]671‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪179‬‬
‫وإن ك �ث��رت م �ن��ه ع �ل��ى اجلرائم‬ ‫سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب‬
‫ش��ري��ف وم �ش��روف وم�ث�ل��ي مقاوم‬ ‫وم ��ا ال �ن��اس إال واح ��د م��ن ثالثة‬
‫وأت� �ب���ع ف��ي��ه احل� ��ق واحل�� ��ق الزم‬ ‫ف��أم��ا ال���ذي ف��وق��ي ف��أع��رف قدره‬
‫إج ��اب� �ت ��ه ع ��رض ��ي وإن الم الئم‬ ‫وأما الذي دوني فإن قال صنت عن‬
‫تفضلت إن الفضل باحللم حاكم‬ ‫وأم��ا ال��ذي مثلي ف��إن زل أو هفا‬
‫وش�تم رجل س�لامن الفاريس فرد عليه وقال‪ :‬إن خفت موازيني فأنا رش مما تقول‪،‬‬
‫وإن ثقلت موازيني مل يرضين ما تقول‪.‬‬
‫وش�تم رج�ل الربيع بن خيثم ‪ ،V‬ف�رد عليه وقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬س�مع اهلل كالمك‪،‬‬
‫وإن دون اجلنة عقبة‪ ،‬إن قطعتها مل يرضين ما تقول‪ ،‬وإن مل أقطعها فأنا رش مما تقول‪.‬‬
‫وقالت له امرأه‪ :‬يا مرائي‪ ،‬فقال‪ :‬ما عرفني غريك‪.‬‬
‫وقال عيل بن يزيد‪ :‬أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول‪ ،‬فأطرق عمر‬
‫زمنًا طويالً‪ ،‬ثم قال‪ :‬أردت أن يس�تفزين الشيطان بعز السلطان‪ ،‬فأنال منك اليوم ما تناله‬
‫مني غدً ا‪.‬‬
‫وش�تم رجل األحنف بن قيس‪ ،‬فس�كت عن�ه‪ ،‬وأعاد الرجل فس�كت عنه‪ ،‬وأعاد‬
‫فسكت عنه‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬واهلفاه‪ ،‬ما يمنعه من أن يرد عيل إال هواين عنده‪.‬‬
‫وش�تمه رجل وجع�ل يتبعه حتى بلغ حي�ه‪ .‬فقال األحنف‪ :‬يا ه�ذا إن كان بقي يف‬
‫نفسك يشء فهاته وانرصف‪ ،‬ال يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره‪.‬‬
‫وقال رجل ملالك بن دينار‪ :‬بلغني أنك ذكرتني بس�وء!! قال‪ :‬أنت لست أكرم عيل‬
‫من نفيس‪ ،‬إين إذا فعلت ذلك أهديت لك حسنايت‪.‬‬
‫وق�ال رج�ل لعم�ر بن عب�د العزيز‪ :‬أش�هد أنك م�ن الفاس�قني‪ ،‬قال‪ :‬لي�س تقبل‬
‫شهادتك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪180‬‬
‫ورضب رج�ل ق�دم حكيم فأوجعه‪ ،‬فلم يغض�ب‪ ،‬فقيل له يف ذل�ك‪ ،‬فقال‪ :‬أقمته‬
‫مقام حجر تعثرت به‪ ،‬فذبحت الغضب‪.‬‬

‫وق�ال حيي�ي بن منده‪ :‬كان عمي س�ي ًفا عىل أهل البدع‪ ،‬وهو أكبر من أن يثنى عليه‬
‫قاهرا لنفس�ه‪ ،‬عظيم‬
‫آم�را باملعروف‪ ،‬ناهيا ع�ن املنكر‪ ،‬كثري الذكر‪ً ،‬‬
‫مثلي‪ ،‬كان ‪ -‬واهلل ‪ً -‬‬
‫احللم‪ ،‬كثري العلم‪ ،‬قرأت عليه قول ش�عبة‪ :‬من كتبت عنه حدي ًثا فأنا له عبد‪ :‬فقال عمي‪:‬‬
‫من كتب عني حدي ًثا فأنا له عبد‪.‬‬

‫وقال خطيب املوصيل أبو الفضل‪ :‬حدثني أيب قال‪ :‬توجهت من املوصل سنة ‪ 459‬هـ‬
‫إىل أيب إس�حاق ‪ -‬يعني‪ :‬الشيرازي ‪ -‬فلام حرضت عنده رحب يب وقال‪ :‬من أين أنت؟‬
‫فقلت‪ :‬من املوصل‪ .‬قال‪ :‬مرح ًبا‪ ،‬أنت بلديي‪ .‬قلت‪ :‬يا سيدي أنت من فريوز آباد؟ قال‪:‬‬
‫مجعتنا س�فينة نوح؟ فش�اهدت من حس�ن أخالقه‪ ،‬ولطائفه‪ ،‬وزهده ما حبب إىل لزومه‪،‬‬
‫فصحبته إىل أن مات‪.‬‬

‫مها ـ وتوضأ يف دجلة‪ ،‬فجاء‬


‫وقيل‪ :‬إن أبا إس�حاق نزع عاممته ـ وكانت بعرشين در ً‬
‫لص فأخذها‪ ،‬وترك عاممة رديئة بدهلا‪ ،‬فطلع الش�يخ فلبس�ها‪ ،‬وما شعر حتى سألوه وهو‬
‫يدرس‪ ،‬فقال‪ :‬لعل الذي أخذها حمتاج‪.‬‬

‫كان الفضي�ل ب�ن عياض ‪ V‬إذا قيل ل�ه‪ :‬إن فالنًا يقع يف عرض�ك يقول‪ :‬واهلل‬
‫ألغيظ�ن م�ن أمره ‪ -‬يعن�ي إبليس ‪ -‬ثم يقول‪ :‬الله�م إن كان صاد ًقا فاغف�ريل‪ ،‬وإن كان‬
‫كاذ ًبا فاغفر له‪.‬‬

‫وش�تم رجل بكر بن عبد اهلل املزين ‪ V‬فبالغ يف ش�تمه وهو س�اكت فقيل له أال‬
‫تش�تمه كام ش�تمك؟ فقال‪ :‬إين ال أعرف له ش�ي ًئا من املساوئ حتى أشتمه به‪ ،‬وال حيل يل‬
‫أن أرميه بالكذب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪181‬‬
‫وش�تم رجل اإلم�ام أمحد بن حنبل وس�به‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا أمح�د‪ ،‬أال رددت عيل هذا‪،‬‬
‫فق�ال‪ :‬فأي�ن الق�رآن إذن؟ أال يق�ول اهلل‪[ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ] [‪.]63 :l‬‬

‫وقي�ل لألحنف بن قيس‪ :‬من أين تعلمت احللم؟ فقال‪ :‬من قيس بن عاصم‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫وما بلغ حلمه؟ قال‪ :‬بينام هو جالس يف داره‪ ،‬إذ أتته جارية بس�فود عليه ش�واء‪ ،‬فس�قط‬
‫من يدها‪ ،‬فوقع عىل ابن صغري له فامت‪ ،‬فدهشت اجلارية‪ ،‬فقال هلا‪ :‬ال روع عليك‪ ،‬أنت‬
‫حرة لوجه اهلل ‪.c‬‬

‫وقال رجل لسامل بن عبد اهلل ‪ :V‬يا شيخ السوء‪ ،‬فقال له سامل‪ :‬ما أراك أبعدت‬
‫يا أخي(‪.)1‬‬
‫كما اكتسى الزهر زهر الروض باملطر‬ ‫ت�ك�س��و احمل��ام��د وج ��ه امل� ��رء بهجتها‬
‫ول �ي��س مي�ح��و امل��زاي��ا س��ال��ف العصر‬ ‫خي�ل��د ال��ذك��ر مح���دًا ط ��اب منشؤه‬
‫مت � �ي� ��زوا ب �ي �ن �ه��م يف خ �ل �ق��ة ال��ص��ور‬ ‫مت�ي��ز ال �ن��اس ب��ال�ف�ض��ل امل �ب�ين كما‬
‫وب��ال�ف�ض��ائ��ل ك��ان ال �ف��رق يف البشر‬ ‫ب � �ق� ��در م� �ع ��رف ��ة اإلن� � �س � ��ان قيمته‬
‫وأي ف � �ض� ��ل إلب�� ��ري�� ��ز ع � �ل� ��ى م� ��در‬ ‫م ��ا ال �ف �ض��ل يف ب���زة ت��زه��و برونقها‬
‫ويف م � �ك� ��ارم جت��ل��و ص � ��دق مفتخر‬ ‫وإمن� � ��ا ال� �ف� �ض ��ل يف ع� �ل ��م ويف أدب‬
‫أخ �ل�اق س ��وء أت ��ت م��ن س� ��ارح البقر‬ ‫ف� �ل ��ا ت � � �س� � ��او ب � � ��أخ� �ل ��اق م� �ه���ذب���ة‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ه�ذه األمثل�ة والنامذج خمترصة من كتاب «صالح األمة »(‪ 253/5‬ـ‪ )272‬للش�يخ س�يد بن حسين‬
‫العفاين‪ ،‬ط‪ :‬مؤسس�ة الرس�الة‪ ،‬وانظر‪ :‬كتاب «الرتبية عىل منهج أهل الس�نة»‪ ،‬ص‪)148 - 146( :‬‬
‫للشيخ أمحد فريد‪ ،‬ط‪ :‬الدار السلفية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪182‬‬

‫الحب في اهلل‬
‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬سبعة يظلهم اهلل يف ظله‬
‫يوم ال ظل إال ظله»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وذكر منهم‪« :‬ورجالن حتابا يف اهلل اجتمعا عليه وتفرقا عليه»‬
‫وعنه ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن اهلل ‪ c‬يقول‪ :‬أين املتحابون‬
‫جباللي؟ اليوم أظلهم يف ظلي يوم ال ظل إال ظلي»(‪.)2‬‬
‫واحل�ب يف اهلل‪ :‬أصل عظيم من أصول الدين‪ ،‬ولذلك قال ‪« :0‬أوثق عرى‬
‫اإلميان املواالة يف اهلل‪ ،‬واملعاداة يف اهلل‪ ،‬واحلب يف اهلل‪ ،‬والبغض يف اهلل»(‪.)3‬‬
‫وقال ‪« :0‬من أحب هلل‪ ،‬وأبغض هلل‪ ،‬وأعطى هلل‪ ،‬ومنع هلل‪ :‬فقد اس ��تكمل‬
‫اإلمي ��ان»(‪ ،)4‬وه�ذه املحبة وتلك األخوة ال قدر للعب�د يف حتصيلها وال دفعها‪ ،‬ألهنا من‬
‫أعمال القل�وب‪ ،‬والقلوب بيد اهلل ‪ ،D‬وبين إصبعني من أصابعه يقلبها كيف يش�اء‪،‬‬
‫ولذلك قال اهلل ‪[ :D‬ﮂ ﮃ ﮄ ] [‪.]103 :4‬‬
‫وقال ‪[ :D‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ] [‪.]63 :E‬‬
‫ولعظ�م ه�ذه املحبة وتلك األخوة‪ ،‬وأهنا س�بب يف نجاح املجتمعات اإلسلامية‪،‬‬
‫ملا هاجر ‪ 0‬من مكة إىل املدينة كان أول ما بدأ به هو بناء املسجد‪ ،‬ثم قام بعمل من‬
‫أروع ما سجله التاريخ‪ ،‬وهو املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2566‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1423‬ومسلم [‪.]1031‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه الطبراين يف «الكبير» (‪ ،)215/11‬برقم [‪ ]11537‬من حدي�ث عبد اهلل بن عباس‪،‬‬
‫وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪ ،]2539‬وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]1728‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ]4681‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي [‪ ]2521‬من حديث أمامه‪ ،‬وصححه الشيخ‬
‫األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪ ،]5965‬وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]380‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪183‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :V‬ثم آخى رسول اهلل بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬يف دار أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬وكانوا تس�عني رجالً‪ ،‬نصفهم من املهاجرين‪ ،‬ونصفهم من األنصار‪ ،‬آخى بينهم‬
‫عىل املواس�اة‪ ،‬ويتوارث�ون بعد املوت دون ذوي األرحام إىل حين وقعة بدر‪ ،‬ملا أنزل اهلل‬
‫‪ [ :c‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ] [‪ ]75 :E‬رد التوارث‪ ،‬دون عقد‬
‫األخوة(‪.)1‬‬

‫ق�ال الغ�زايل‪ :‬فذاب�ت عصبي�ات اجلاهلية‪،‬وف�وارق الل�ون والوطن‪ ،‬فلا محية إال‬
‫لإلسالم‪ ،‬وال يتقدم أحد أو يتأخر إال بمروءته وتقواه‪ ،‬وقد جعل ‪ 0‬هذه األخوة‬
‫ناف�ذا‪ ،‬ال لف ًظا فار ًغا‪ ،‬وعملاً يرتبط بالدماء واألموال‪ ،‬ال حتية تثرثر هبا األلس�نة‪،‬‬
‫عق�دً ا ً‬
‫وال يقوم هلا أثر‪ ،‬وكانت عواطف اإليثار واملواساة واملؤانسة متتزج يف هذه األخوة‪ ،‬ومتأل‬
‫املجتمع اجلديد بأروع األمثال(‪.)2‬‬

‫ولق�د رضب أصح�اب النب�ي ‪ 0‬أروع األمثل�ة يف ص�دق األخ�وة يف اهلل‪،‬‬


‫واحلب يف اهلل ‪ ،c‬فاستحقوا املدح والثناء من اهلل ‪.D‬‬

‫‪[ :4‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ] [‪.]29 :W‬‬

‫وق�ال ‪[ :D‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ] [‪.]9 :s‬‬
‫س � ��ادة ال� �ق ��وم وأر ب � � ��اب النجابة‬ ‫ب�ل��غ األش � ��واق واحل���ب الصحابة‬
‫ب���ل ل� �ي ��وث ب� ��در ب���ل أس� � ��ود غابة‬ ‫ه��م مح ��اة ال��دي��ن أب��ط��ال ال ��ردى‬
‫رب � �ن� ��ا يف ن � � ��اره األخ � � � ��رى أذاب� � ��ه‬ ‫ح� �ب� �ه ��م دي � � ��ن وم � � ��ن يبغضهم‬
‫(‪« )1‬زاد املعاد يف هدى خري العباد» (‪ )56/2‬لإلمام ابن القيم‪ ،‬ط‪ :‬املطبعة العرصية‪.‬‬
‫(‪« )2‬فقه السرية»‪ ،‬ص‪ )141 - 140( :‬للشيخ الغزايل‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتاب العريب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪184‬‬
‫وإلي�ك أخي الكري�م نموذجني مباركني يرضب�ان أروع األمثلة يف صدق احلب يف‬
‫اهلل واألخوة يف اهلل‪.‬‬

‫فع�ن إبراهي�م ب�ن س�عد ‪ I‬عن أبي�ه عن جده‪ ،‬ق�ال‪ :‬مل�ا قدم�وا املدينة آخى‬
‫رس�ول اهلل ‪ 0‬بني عبد الرمحن بن عوف وسعد بن الربيع‪ ،‬قال سعد لعبد الرمحن‪:‬‬
‫إين أكث�ر األنصار اً‬
‫مال فاقس�م مايل نصفين‪ ،‬ويل امرأتان فانظر أعجبهام إليك فس�مها يل‬
‫أطلقها‪ ،‬فإذا انقضت عدهتا فتزوجها‪ ،‬قال‪ :‬بارك اهلل لك يف أهلك ومالك(‪.)1‬‬

‫وعن أيب موسى األشعري ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن األشعريني‬
‫إذا أرمل ��وا يف الغ ��زو‪ ،‬أو قل طعام عياهلم باملدينة‪ ،‬مجعوا م ��ا كان عندهم من طعام‬
‫يف ثوب واحد ثم قس ��موه بينهم يف إناء واحد بالس ��وية‪ ،‬فهم مين وأنا منهم»(‪ .)2‬ح ًقا‬
‫ناجحا لكثري من‬
‫ً‬ ‫فقد كانت هذه املؤاخاة حكمة فذة‪ ،‬وسياسة صائبة رشيدة‪ ،‬وحال رائ ًعا‬
‫املشاكل التي يواجهها املسلمون‪.‬‬

‫وهذه األخوة وتلك املحبة أقوى من أخوة النسب واللون والوطن‪ ،‬ففي غزوة بدر‬
‫الت�ي مجعت بين اآلباء واألبناء‪ ،‬اختلفت بينهام العقائد‪ ،‬ففصلت بينهام الس�يوف‪ ،‬جتلت‬
‫يف ه�ذه الغ�زوة مناظر رائعة برزت فيه�ا قوة العقيدة‪ ،‬والثبات عىل املب�دأ فال يتقدم أحد‬
‫وال يتأخر إال باإلسالم‪.‬‬

‫فف�ي هذه الغزوة قتل عمر بن اخلطاب ‪ I‬خاله العاص بن هش�ام بن املغرية‪،‬‬
‫وقت�ل أبو عبيدة بن اجلراح أباه‪ ،‬ونادى أبو بكر ‪I‬ابنه عبد الرمحن ‪ -‬وهو يومئذ مع‬
‫املرشكني ‪ -‬فقال‪ :‬أين مايل يا خبيث؟ فقال عبد الرمحن‪ :‬مل يبق غري شكة(‪ )3‬ويعبوب(‪،)4‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3781‬والرتمذي [‪ ،]1933‬وابن ماجه [‪.]1907‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2486‬ومسلم [‪.]2500‬‬
‫(‪ )4‬اليعبوب‪ :‬الفرس كثري اجلري‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الشكة‪ :‬السالح‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪185‬‬
‫وصارم يقتل ضالل الشيب(‪ ،)1‬وبعد انتهاء املعركة مر مصعب بن عمري العبدري بأخيه‬
‫أيب عزي�ز بن عمري‪ ،‬الذي خاض املعركة ضد املس�لمني‪ ،‬مر به وأحد األنصار يش�د يده‪،‬‬
‫فق�ال مصعب لألنصاري‪ :‬ش�د يدي�ك به‪ ،‬فإن أم�ه ذات متاع‪ ،‬لعلها تفدي�ه منك‪ ،‬فقال‬
‫أبو عزيز ألخيه مصعب‪ :‬أهذه وصايتك يب؟ فقال مصعب‪ :‬إنه ‪ -‬أي األنصاري ‪ -‬أخي‬
‫دونك(‪.)2‬‬

‫حقوق الحب في اهلل واألخوة في اهلل‪:‬‬

‫ث�م اعلم يا رعاك اهلل‪ ،‬أن هذه املحبة وتلك األخوة هلا حقوق كثرية جيب مراعاهتا‪،‬‬
‫والقي�ام بحقها‪ ،‬فأخوك املس�لم ل�ه عليك حقوق متع�ددة‪ ،‬منها حق يف امل�ال‪ ،‬والنفس‪،‬‬
‫واللس�ان‪ ،‬والعفو والصفح‪ ،‬والدعاء‪ ،‬واإلخلاص‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والتخفيف لآلالم‪ ،‬وترك‬
‫التكلف‪ ،‬وغري ذلك من احلقوق املرتتبة عىل ذلك‪.‬‬

‫وإليك أخي الكريم ‪ -‬أهم وأعظم هذه احلقوق‪:‬‬


‫ً‬
‫أوال‪ -‬حق المال‪:‬‬
‫ينبغي ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك‪،‬‬
‫وأن تتفق�د أوقات حاجت�ه‪ ،‬وال تغفل عن أحواله‪ ،‬كام ال تغفل عن أحوال نفس�ك‪ ،‬وأن‬
‫تنزله منزلة نفسك‪ ،‬وترىض بمشاركته إياك يف مالك‪.‬‬

‫كان أبو هريرة ‪ I‬إذا أتاه رجل فقال‪ :‬إين أريد أن أؤاخيك يف اهلل‪ ،‬قال أتدري‬
‫م�ا ح�ق اإلخاء؟ قال‪ :‬عرفني‪ .‬ق�ال‪ :‬ال تكون أحق بدينارك ودرمه�ك مني‪ ،‬قال‪ :‬مل أبلغ‬
‫هذه املنزلة بعد‪ ،‬قال ‪ :‬فاذهب عني(‪.)3‬‬

‫(‪« )1‬الرحيق اخلتوم»‪ ،‬ص‪ ]193[ :‬للشيخ املباركفوري‪ ،‬ط‪ :‬الدار العربية‪.‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.]193[ :‬‬
‫(‪« )3‬منهاج املسلم»‪ ،‬ص‪ ]123[ :‬للشيخ أبو بكر اجلزائري‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة دار الرتاث‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪186‬‬
‫وقال عبد اهلل بن عمر ‪ :I‬أتى علينا زمان وما نرى أحدً ا منا أنه أحق بالدينار‬
‫والدرهم من أخيه املسلم‪ ،‬وإنا يف زمان الدينار والدرهم أحب إلينا من أخينا املسلم(‪.)1‬‬
‫وقال احلسن‪ :‬كان أحدهم يشق إزاره بينه وبني أخيه نصفني(‪.)2‬‬
‫وصدق فيهم قول القائل‪:‬‬
‫وم � � ��ن ي � �ض� ��ر ن� �ف� �س ��ه لينفعك‬ ‫إن أخ���اك احل ��ق م��ن ك ��ان معك‬
‫ش� �ت���ت ف� �ي���ه مش� �ل���ه ليجمعك‬ ‫وم� ��ن إذا ري� ��ب ال���زم���ان صدعك‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أخ��وك ال��ذي آخ��اك عند الشدائد‬ ‫وكل الناس إخ��وان الرخاء وإمنا‬
‫وإليك أخي الكريم بعض الصور من حقوق األخوة يف املال‪:‬‬
‫لق�ي حكي�م بن حزام عبد اهلل بن الزبري ‪ -‬بع�د ما قتل الزبري ‪ -‬فقال‪ :‬كم ترك أخي‬
‫علي�ه م�ن الدين؟ ق�ال‪ :‬ألفي ألف‪ ،‬قال‪ :‬عيل منهما ألف ٍ‬
‫أل�ف(‪)3‬وكان عامر بن عبد اهلل‬
‫ابن الزبري يتحني العباد وهم س�جود‪ :‬أبا حازم‪ ،‬وصفوان بن س�ليم‪ ،‬وسليامن بن سحيم‬
‫‪ -‬وأشباههم ‪ -‬فيأتيهم بالرصر فيها الدينار والدرهم‪ ،‬فيضعها عند نعاهلم‪ ،‬حيث حيسون‬
‫هبا وال يشعرون بمكانه(‪.)4‬‬

‫ودخل زين العابدن بن احلسين عىل حممد بن أسامة بن زيد يعوده‪ ،‬فبكى حممد بن‬
‫أس�امة‪ ،‬فقال له‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬عيل دين‪ ،‬قال‪ :‬وكم هو؟ قال‪ :‬مخس�ة عرش ألف دينار‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هي عيل(‪.)5‬‬

‫(‪« )1‬وصايا الرسول ‪ )108/2( »0‬للشيخ سعد يوسف‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)108/2‬‬
‫(‪ )3‬كتاب «اإلخوان»‪ ،‬ص‪ ]219[ :‬البن أيب الدنيا‪ ،‬ط‪ :‬دار االعتصان‪.‬‬
‫(‪ )4‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.]219[ :‬‬
‫(‪« )5‬البداية والنهاية» (‪ )105/9‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪187‬‬
‫وروى أن مرسو ًق�ا ا َّدان دينً�ا ثقيلاً‪ ،‬وكان عىل أخيه خيثم�ة دين‪ ،‬فذهب مرسوق‬
‫فقىض دين خيثمة وهو ال يعلم‪ ،‬وذهب خيثمة فقىض دين مرسوق وهو ال يعلم(‪.)1‬‬
‫ولقى احلس�ن البرصي بعض إخوانه‪ ،‬فلام أراد أن يفارقه خلع عاممته وألبسها إياه‪،‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقال‪«:‬إذا أتيت أهلك فبعها واستنفق ثمنها»‬
‫وقال أبو إس�حاق األقرع‪ :‬رأيت عبد اهلل بن املبارك خيرج من عند س�فيان بن عيينة‬
‫مسرورا طيب النفس‪ ،‬فقيل له يف ذلك‪ ،‬فق�ال‪ :‬وما يمنعني من ذلك؟ حدثني ابن عيينة‬
‫ً‬
‫خبيصا(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫بأربعني حدي ًثا وأطعمني‬
‫وروي أن فتحا املوصيل جاء إىل صديق له يقال له عيسى التامر‪ ،‬فلم جيده يف املنزل‪،‬‬
‫فق�ال للخادم�ة‪ :‬أخرج�ي يل كيس أخي فأخرجت�ه‪ ،‬فأخذ منه درمهني‪ ،‬وجاء عيس�ى إىل‬
‫منزل�ه‪ ،‬فأخربت�ه اجلاري�ة بذلك‪ ،‬فق�ال‪ :‬إن كنت صادق�ة‪ ،‬فأنت حرة‪ ،‬فنظر ف�إذا هي قد‬
‫صدقت‪ ،‬فأعتقت(‪.)4‬‬

‫ثانيا‪ -‬اإلعانة بالنفس في قضاء الحاجات‪:‬‬


‫ً‬
‫قال حذيفة العدوي‪ :‬انطلقت يوم الريموك أطلب ابن عم يل‪ ،‬ومعي يشء من املاء‪،‬‬
‫وأنا أقول‪ :‬إن كان به رمق س�قيته‪ ،‬فإذا أنا به‪ ،‬فقلت له‪ :‬أس�قيك؟ فأش�ار برأسه أن نعم‪،‬‬
‫فإذا أنا برجل يقول‪ :‬آه آه ‪ ،‬فأشار هشام أن انطلق إليه‪ ،‬فجئته فإذا هو قد مات‪ ،‬فرجعت‬
‫إىل هش�ام ف�إذا ه�و قد م�ات‪ ،‬فرجع�ت إىل ابن عمي فإذا ه�و قد مات‪ ،‬رمح�ة اهلل عليهم‬
‫مجي ًعا(‪.)5‬‬

‫(‪« )1‬إحياء علوم الدين» (‪ )189/2‬للغزايل‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الشعب‪.‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)189/2‬‬
‫(‪« )3‬لطائف املعارف»‪ ،‬ص‪ ]260[ :‬البن رجب احلنبيل‪ ،‬دار ابن حزم‪.‬‬
‫(‪« )4‬منهاج القاصدين»‪ ،‬ص‪ ]92[ :‬البن قدامه‪ ،‬مكتبة‪ :‬اهلدى النبوي‪.‬‬
‫(‪« )5‬إحياء علوم الدين» (‪ )274/3‬للغزايل‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الشعب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪188‬‬
‫وكان بع�ض الس�لف يتفق�د عي�ال أخي�ه وأوالده بع�د موت�ه أربعين س�نة‪ ،‬يقوم‬
‫بحاجته�م‪ ،‬ويتردد كل ي�وم إليهم‪ ،‬ويموهنم من مال�ه‪ ،‬فكانوا ال يفق�دون من أبيهم إال‬
‫عينه‪ ،‬بل كانوا يرون منه ما مل يروا من أبيهم يف حياته‪.‬‬

‫وكان الواح�د منهم يرتدد إىل باب أخيه ويس�أل ويق�ول‪ :‬هل لكم زيت؟ هل لكم‬
‫ملح؟ هل لكم حاجة؟!‬

‫فأي�ن وصفن�ا أن�ا وأن�ت م�ن ه�ذه األوص�اف؟ أي�ن ش�جرة الزيت�ون من ش�جر‬
‫الصفصاف‪.‬‬
‫ليس السليم إذا مشى كاملقعد‬ ‫ال تعرضن ب��ذك��رن��ا يف ذكرهم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ف��م��ا ع�� ��داه ف�ل�ا ذك� ��ر وال شان‬ ‫ت� ��ارخي � �ن� ��ا م � ��ن ه� � � ��ؤالء م� �ب���داه‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ -‬الحق في اللسان‪:‬‬

‫ينبغي عىل املسلم أن خيربأخاه املسلم بمحبته إياه‪ ،‬قال ‪« :0‬إذا أحب الرجل‬
‫أخاه فليخربه أنه حيبه»(‪.)1‬‬

‫قال عمر ‪ :I‬ثالث يصفني لك ود أخيك‪ :‬أن تسلم عليه إذا لقيته‪ ،‬وتوسع له‬
‫يف املجلس‪ ،‬وتدعوه بأحب األسامء إليه(‪.)2‬‬
‫ومنه‪ :‬أن تشكره عىل صنيعه يف حقك‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬السكوت عن كل ما يكره مجلة وتفصيالً‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]5114‬والرتمذي [‪ ،]2515‬والنسائي يف «الكربى» [‪ ،]10034‬وصححه‬


‫الشيخ األلباين يف «صحيح سنن أيب داود» برقم [‪.]5114‬‬
‫(‪« )2‬وصايا الرسول» (‪ )110/2‬للشيخ سعد أبو عزيز‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪189‬‬
‫ومن ��ه‪ :‬الس�كوت عن ذك�ر عيوبه يف حض�وره وغيبته‪ ،‬وع�ن الرد علي�ه ومماراته‪،‬‬
‫وعن الس�ؤال عما يكره ظهوره من أحوال�ه‪ ،‬والذب عن عرضه‪ ،‬ومحايت�ه ونرصته‪ .‬قال‬
‫‪« :0‬املس ��لم أخو املس ��لم‪ ،‬ال يظلمه‪ ،‬وال خيذله‪ ،‬وال يكذبه‪ ،‬وال حيقره‪ ،‬التقوى‬
‫هاهنا ‪ -‬وأشار إىل صدره ثالث مرات ‪ -‬حبسب امرئ من الشر أن حيقر أخاه املسلم‪،‬‬
‫كل املسلم على املسلم حرام‪ :‬دمه وماله وعرضه»(‪.)1‬‬
‫خيفي القبيح ويظهر اإلحسانا‬ ‫وت� ��رى ال �ك��ري��م إذا ت �ص��رم وصله‬
‫خيفي اجلميل ويظهر البهتانا‬ ‫وت�� ��رى ال �ل �ئ �ي��م إذا ت �غ�ي�ر وصله‬
‫رابعا‪ -‬العفو عن الزالت‪:‬‬
‫ً‬

‫فم�ن حقوق األخوة العفو عن الزالت‪ ،‬والتغايض عن اهلفوات‪ ،‬وستر العيوب‪،‬‬


‫رسا أو عالنية فال يقطع مودته‪ ،‬وال هيمل أخوته‪،‬‬
‫وحس�ن الظن به‪ ،‬وإن ارتكب معصية ً‬
‫ب�ل ينتظر توبت�ه وأوبته‪ ،‬فإن أرص قطعه‪ ،‬مع اإلبقاء عىل إس�داء النصيح�ة له‪ ،‬ومواصلة‬
‫املوعظة رجاء أن يتوب اهلل عليه‪.‬‬
‫قال الفضيل‪ :‬الفتوة‪ :‬الصفح عن زالت اإلخوان(‪.)2‬‬
‫وقال‪ :‬من طلب أخا بال عيب بقي بال أخ(‪.)3‬‬
‫وقال عبد اهلل بن حممد‪ :‬املؤمن يطلب املعاذير‪ ،‬واملنافق يطلب الزالت(‪.)4‬‬
‫وعن بعض ما فيه ميت وهو عاتب‬ ‫ومن ال يغمض عينه عن صديقه‬
‫جيدها وال يبقى له الدهر صاحب‬ ‫وم� ��ن ت �ت �ب��ع ج� ��اه� ��دًا ك ��ل عثرة‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]2564‬وأمحد (‪ ،)277/2‬والبيهقي (‪.)303/7‬‬


‫(‪« )2‬مواقف إيامنية»‪ ،‬ص‪ ]481[ :‬للشيخ أمحد فريد‪ ،‬ط‪ :‬دار الصفوة‪.‬‬
‫(‪« )3‬وصايا الرسول ‪ )111/2( »0‬للشيخ سعد أبو عزيز‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪« )4‬آداب الصحبة»‪ ،‬ص‪ ]44[ :‬أليب عبد الرمحن السلمي‪ ،‬ط‪ :‬دار الصحابة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪190‬‬
‫منزها عن كل عيب مل جتد‪ ،‬ومن غلبت حماسنه‬
‫أخا ً‬‫فإنك أهيا األخ الكريم إن طلبت ً‬
‫عىل مساويه فهو الغاية‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬التخفيف وترك التكلف والتكليف‪:‬‬


‫ً‬
‫فمن حقوق األخوة أن ال يكلف املس�لم أخاه ما يش�ق عليه‪ ،‬بل ال يقصد بمحبته‬
‫إلاّ وجه اهلل‪ ،‬والتربك بدعائه‪ ،‬واالس�تئناس بنصحه‪ ،‬واالس�تفادة من علمه‪ ،‬واالستعانة‬
‫به عىل دينه بعد اهلل ‪.D‬‬

‫قال عيل ‪ : I‬رش األصدقاء من تكلف لك‪ ،‬ومن أحوجك إىل مداراة‪ ،‬وأجلأك‬
‫إىل اعتذار(‪.)1‬‬

‫وق�ال الفضيل‪ :‬إنام تقاطع الناس بالتكلف‪ ،‬يزور أحدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه‬
‫ذلك عنه(‪.)2‬‬

‫وقال بعض الس�لف‪ :‬من س�قطت كلفته دام�ت ألفته‪ ،‬ومن خف�ت مؤونته دامت‬
‫مودت�ه‪ ،‬وإن س�قوط الكلفة موجب لألنس‪ ،‬ومذهب للوحش�ة‪ ،‬وه�و أن يفعل يف بيت‬
‫أخيه أربع خصال‪ :‬أن يأكل يف بيته‪ ،‬ويدخل اخلالء عنده‪ ،‬ويصيل معه‪ ،‬ويبيت عنده‪ ،‬فإذا‬
‫فعل ذلك فقد تم اإلخاء(‪.)3‬‬

‫سادسا‪ -‬الوفاء واإلخالص‪:‬‬


‫ً‬
‫ومعن ��ى الوفاء‪ :‬الثبات عىل احلب وإدامته‪ ،‬فهذا احلب ال يزيد بالطاعة وال ينقص‬
‫باجلف�اء‪ ،‬وه�ذا احلب ثابت ودائم حتى بعد موته‪ ،‬بع�د املوت مع أوالده وأصدقائه‪ ،‬فإن‬

‫(‪« )1‬وصايا الرسول ‪ )114/2( »0‬سعد أبو عزيز‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)114/2‬‬
‫(‪«)3‬منهاج املسلم»‪ ،‬ص‪ ]125[ :‬للشيخ أبو بكر اجلزائري‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة دار الرتاث‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪191‬‬
‫احل�ب إنام يراد لآلخرة‪ ،‬فإن انقطع قبل املوت حبط العمل‪ ،‬وضاع الس�عي‪ ،‬ولذلك قال‬
‫‪« :0‬ورجالن حتابا يف اهلل‪ ،‬اجتمعا عليه وتفرقا عليه»(‪.)1‬‬

‫وم�ن الوف�اء أن ال يتغري حاله م�ن التواضع مع أخيه وإن ارتفع ش�أنه‪ ،‬واتس�عت‬
‫واليته‪ ،‬وعظم جاهه‪.‬‬

‫قال بعض السلف البنه‪:‬‬


‫يا بني ال تصحب من الناس إال من إذا افتقرت إليه قرب منك‪ ،‬وإن استغنيت عنه‬
‫مل يطم�ع في�ك‪ ،‬وإن علت مرتبته مل يرتفع عليك‪ ،‬ومن متام الوفاء أن تكون ش�ديد اجلزع‬
‫من املفارقة(‪.)2‬‬

‫ورحم اهلل من قال‪:‬‬


‫سوى فرقة األحباب هينة اخلطب‬ ‫وج��دت مصيبات الزمان مجيعها‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ف � �م� ��رض� ��ت م�� ��ن ج� ��زع� ��ي عليه‬ ‫م� � � � � ��رض احل � � �ب � � �ي� � ��ب ف � �ع� ��دت� ��ه‬
‫ف �ب ��رئ� � ��ت م�� � ��ن ن � � �ظ� � ��ري إل � �ي� ��ه‬ ‫وأت�� � � � � ��ى احل� � �ب� � �ي�� ��ب ي� � �ع � ��ودن � ��ي‬
‫سابعا‪ -‬الدعاء له في حياته وبعد مماته‪:‬‬
‫ً‬

‫ق�ال ‪« :0‬دع ��وة امل ��رء ألخي ��ه بظه ��ر الغيب مس ��تجابة‪ ،‬عند رأس ��ه ملك‬
‫موكل‪ ،‬كلما دعا ألخيه قال امللك املوكل به‪ :‬آمني‪ ،‬ولك مبثل»(‪.)3‬‬

‫وكان أبو داود ‪ :I‬يدعو خللق كثري من إخوانه يسميهم بأسامئهم(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1423‬ومسلم [‪.]1031‬‬


‫(‪« )2‬وصايا الرسول» (‪ )113/2‬للشيخ سعد أبو عزيز‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1535‬وأبو داود [‪ ،]1534‬واخلرائطي يف «مكارم األخالق» [‪.]787‬‬
‫(‪« )4‬منهاج القاصدين»‪ ،‬ص‪ ]96[ :‬البن قدامة املقديس‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة اهلدي النبوي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪192‬‬
‫وكان اإلمام أمحد بن حنبل‪ :‬يدعو يف السحر لستة نفر من أصحابه(‪.)1‬‬
‫وقال حممد بن يوسف‪ :‬أين مثل األخ الصالح؟ أهلك يقتسمون مرياثك‪ ،‬ويتنعمون‬
‫بام خلفت‪ ،‬وهو منفرد بحزنك‪ ،‬مهتم بام قدمت وما رصت إليه‪ ،‬يدعو لك يف ظلمة الليل‬
‫وأنت حتت أطباق الثرى(‪.)2‬‬

‫وقال بعض الس�لف‪ :‬الدعاء لألموات بمنزل�ة اهلدايا لألحياء‪ ،‬يفرحون بذلك كام‬
‫يفرح احلي باهلدية(‪.)3‬‬

‫فوائد وثمرات الحب في اهلل واألخوة في اهلل‪:‬‬


‫إن للح�ب يف اهلل واألخ�وة يف دينه فوائد عظيمة‪ ،‬وثم�رات حمققة‪ ،‬ومنافع مجة‪ ،‬يف‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإليك أخي الكريم بعض هذه الفوائد والثمرات الطيبة املباركة‪.‬‬

‫أولاً ‪ -‬الحب في اهلل عالمة على اإليمان‪:‬‬

‫طعم‬
‫إن احل�ب يف اهلل عالم�ة عىل اإليمان‪ ،‬فإنه ال يكتم�ل إيامن العب�د‪ ،‬وال يذوق اً‬
‫لإليمان حت�ى حي�ب يف اهلل ‪ D‬ويبغ�ض هلل ‪ .F‬فع�ن أن�س ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال‬
‫النب�ي‪« :0‬ث�ل�اث من كن في ��ه وجد بهن حالوة اإلميان‪ :‬أن يكون اهلل ورس ��وله‬
‫أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن حيب املرء ال حيبه إال هلل‪ ،‬وأن يكره أن يعود يف الكفر كما‬
‫يكره أن يقذف يف النار»(‪.)4‬‬

‫وقال ‪« :0‬أوثق عرى اإلميان احلب يف اهلل‪ ،‬والبغض يف اهلل»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.]96[ :‬‬


‫(‪« )2‬وصايا الرسول ‪ »0‬للشيخ سعد أبو العزيز‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪« )3‬وصايا الرسول» (‪ )113/2‬للشيخ سعد أبو العزيز‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]16‬ومسلم [‪.]67‬‬
‫(‪ )5‬تقدم خترجيه صفحة رقم [‪.]120‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪193‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ I‬عن النبي ‪0‬قال‪« :‬من سره أن جيد طعم اإلميان‪،‬‬
‫فليحب املرء ال حيبه إال هلل»(‪.)1‬‬
‫وأب �غ��ض لبغض اهلل أه��ل التمرد‬ ‫وأحبب حلب اهلل من كان مؤم ًنا‬
‫غاو ومعتد‬
‫كذلك الربء من كل ٍ‬ ‫وما الدين إال احلب والبغض والوال‬
‫ثانيا‪ -‬الحب في اهلل يجلب محبة اهلل للعبد‪:‬‬
‫ً‬
‫فع�ن أيب إدريس اخلوالين أنه قال‪ :‬دخلت مس�جد دمش�ق‪ ،‬فإذا فتى ب�راق الثنايا‪،‬‬
‫وإذا اختلفوا يف يشء أسندوه إليه‪ ،‬وصدروا عن رأيه‪ ،‬فسألت عنه‪ ،‬فقيل‪ :‬معاذ بن جبل‪،‬‬
‫فلام كان الغد هجرت‪ ،‬فوجدته قد سبقني بالتهجري‪ ،‬ووجدته يصيل‪ .‬قال‪ :‬فانتظرته حتى‬
‫قىض صالته‪ ،‬ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه‪ ،‬ثم قلت‪ :‬واهلل إين ألحبك هلل‪ .‬فقال‪:‬‬
‫آهلل‪ .‬فقلت‪ :‬آهلل‪ .‬وأخذ بحبوة ردائي‪ ،‬فجذبني إليه وقال‪ :‬أبرش فإين س�معت رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يق�ول‪« :‬ق ��ال اهلل ‪ :F‬وجب ��ت حمب�ت�ي للمتحاب�ي�ن يف‪ ،‬واملتزاورين يف‪،‬‬
‫واملتباذلني يف»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ I‬عن رسول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬إن رج ً‬
‫ال زار ً‬
‫أخا له يف قرية‬
‫أخرى‪ ،‬فأرصد اهلل له مل ًكا على مدرجته(‪ ،)3‬فلما أتى عليه قال‪ :‬أين تريد؟ قال‪ً :‬‬
‫أخا‬
‫لي يف هذه القرية‪ ،‬قال‪ :‬فهل له عليك من نعمة تربها؟(‪)4‬قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أني أحبه يف اهلل‬
‫‪ ،D‬قال‪ :‬فإني رسول اهلل إليك‪ ،‬إن اهلل أحبك كما أحببته فيه»(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)298/2‬واحلاكم (‪ ،)168/4‬والبغوي يف «رشح الس�نة» (‪ ،)53/13‬وحسنه‬
‫الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]6188‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د (‪ ،)232/5‬ومال�ك يف «املوطأ» (‪ ،)953/2‬واحلاك�م (‪ ،)169/4‬وابن جبان‬
‫[‪ ،]575‬والبغ�وي يف «رشح الس�نة» (‪ ،)50/13‬وصحح�ه احلاك�م على رشط الش�يخني ووافق�ه‬
‫الذهب�ي‪ ،‬انظ�ر‪« :‬رشح املوطأ» للزرقاين (‪ ،)350/4‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح اجلامع»‬
‫برقم [‪.]4331‬‬
‫(‪ )3‬املدرجة‪ :‬الطريق‪ )4( .‬تربها‪ :‬تقوم هبا وتسعى يف إصالحها‪ )5( .‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2567‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪194‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ -‬الحب في اهلل سبب في إظالل اهلل للعبد يوم القيامة‪:‬‬

‫فع�ن أيب هريرة ‪ I‬ق�ال‪ :‬قال رس�ول اهلل‪« :0‬إن اهلل ‪ c‬يقول‪ :‬أين‬
‫املتحابون جباللي؟ اليوم أظلهم يف ظلي يوم ال ظل إال ظلي»(‪.)1‬‬

‫وعن�ه ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال ‪« :0‬س ��بعة يظله ��م اهلل يف ظله ي ��وم ال ظل إال‬
‫ظله»‪ ،‬وذكر منهم‪« :‬ورجالن حتابا يف اهلل اجتمعا عليه وتفرقا عليه»(‪.)2‬‬

‫فينبغ�ي علين�ا أن نس�عى لكل س�بب يوج�ب امل�ودة واملحبة بين املس�لمني‪ ،‬فإنه‬
‫ال يمك�ن التع�اون عىل اخلري والرب والتقوى إال باحلب يف اهلل‪ ،‬واألخوة يف دينه ‪،F‬‬
‫ف�إذا طبقن�ا هذه املحب�ة وتلك األخ�وة‪ ،‬تطبي ًقا عمل ًي�ا اعتقاديا‪ ،‬كام طبقه�ا اجليل املبارك‬
‫والرعي�ل األول من أصحاب النبي‪ ،0‬انترش اخلريوالفضل‪ ،‬وزالت معاين الغربة‬
‫والوحشة والشقاق واالختالف‪ ،‬وسعد اجلميع‪.‬‬

‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫والدهر كالعيد واألوق��ات أوقات‬ ‫قوم مضوا كانت الدنيا بهم نزها‬
‫وخ �ف��ض ع �ي��ش ن�ق�ي�ض��ه وأوق� ��ات‬ ‫ع��دل وأم ��ن وإح �س��ان وب ��ذل ندى‬
‫وحن���ن يف ص���ور األح� �ي ��اء أم���وات‬ ‫ماتوا وعشنا فهم عاشوا مبوتتهم‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2566‬‬


‫(‪ )2‬تقدم خترجيه‪ ،‬ص‪.]131[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪195‬‬

‫حفظ اللسان‬
‫عن س�هل بن سعد ‪I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :0‬من يضمن لي ما بني‬
‫حلييه‪ ،‬وما بني رجليه‪ ،‬أضمن له اجلنة»(‪.)1‬‬
‫اللس ��ان‪ :‬م�ن أخطر األعضاء عىل اإلنس�ان‪ ،‬وهو من أعظم البلاء عليه يف الدنيا‪،‬‬
‫حتى إنك قد جتد من ُيشار إليه بالدين و ُيشار له بالبنان‪ ،‬قد يتحفظ من أن يقع يف احلرام‪،‬‬
‫أو يتعام�ل بالرب�ا‪ ،‬أو يغش يف البيع والرشاء‪ ،‬لكنه قد ال يتحفظ وال يتحرز من خطر هذا‬
‫سبع ضار‪ ،‬وثعبان ينهش‪ ،‬إنه صغري‬
‫اللسان‪ ،‬فاللسان أمره عجيب‪ ،‬وخطره غريب‪ ،‬فهو ٌ‬
‫وجرمه‪.‬‬
‫حجمه‪ ،‬عظيم خطره ُ‬
‫وي �ب �ق��ى ال��ده��ر م��ا ج ��رح اللسان‬ ‫وج� � ��رح ال� �س� �ي ��ف ت ��دم� �ل ��ه فيربا‬
‫‬
‫ويف بصري غض‪ ،‬ويف منطقي صمت‬ ‫وإذا مل يكن يف السمع منى تصون‬
‫يوما فما ُصمت‬
‫وإن قلت‪ :‬إني ُصمت ً‬ ‫فحظي إذا من صومي اجلوع والظمأ‬
‫وجرمه‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك حذر اهلل ‪ D‬من خطر اللسان ُ‬
‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ] [‪.]18 -17 :a‬‬
‫قال العالمة السعدي‪[ :‬ﭡ ﭢ ﭣ] أي‪ :‬يتلقيان عن العبد أعامله كلها‪ ،‬واحد‬
‫[ﭤ ﭥ] يكتب احلسنات‪ ،‬واآلخر [ﭦ ﭧ ] يكتب السيئات‪ ،‬وكل منهام [ﭨ]‬
‫بذلك متهيئ لعمله الذي أعد له‪ ،‬مالزم لذلك(‪.)2‬‬
‫[ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ] خير أو رش [ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ] أي‪ :‬مراق�ب ل�ه‪ ،‬حارض حلاله‪،‬‬
‫كام قال ‪ [ :c‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ] [‪.]12 - 10 :c‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6474‬ومسلم [‪.]2408‬‬


‫(‪« )2‬تيسري الكريم الرمحن» (‪ )84/5‬للعالمة السعدي‪ ،‬ط‪ :‬دار املدين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪196‬‬
‫وق�ال ‪[ :D‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ] [‪.]12 - 11 :Y‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬إنام رضب اهلل هذا املثل للغيبة‪ ،‬ألن أكل حلم امليت حرام مستقذر‪،‬‬
‫وقبح يف النفوس‪.‬‬
‫وكذا الغيبة حرام يف الدين ٌ‬
‫وق�ال قت�ادة‪ :‬كام يمتنع أحدك�م أن يأكل حلم أخيه ميتًا‪ ،‬كذل�ك جيب أن يمتنع من‬
‫غيبته ح ًيا‪.‬‬
‫واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة‪ ،‬ألن عادة العرب بذلك جارية‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وإن هدموا جمدي بنيت هلم جمدًا‬ ‫ف ��إن أك �ل��وا حل�م��ي وف���رت حلومهم‬
‫أيض�ا من زالت اللس�ان وزلقاته‪ ،‬فعن‬
‫وح�ذر الص�ادق املصدوق ‪ً O‬‬
‫جابر ‪ ،I‬قال‪:‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬املس ��لم من س ��لم املس ��لمون من لسانه‬
‫ويده»(‪.)2‬‬
‫وع�ن أيب س�عيد ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إذا أصب ��ح ابن آدم فإن‬
‫األعض ��اء ُ‬
‫كله ��ا تكفر اللس ��ان‪ ،‬فتقول‪ :‬ات ��ق اهلل فينا‪ ،‬فإمنا حنن بك‪ ،‬فإن اس ��تقمت‬
‫استقمنا‪ ،‬وإن أعوججت اعوججنا»(‪.)3‬‬

‫(‪« )1‬اجلامع ألحكام القرآن» (‪ )335/16‬لإلمام القرطبي‪ ،‬ط‪ :‬النور اإلسالمية‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ]41‬واللف�ظ ل�ه‪ ،‬وأمح�د بنح�وه (‪ ،)372/3‬وابن حب�ان [‪ ،]197‬واحلاكم‬
‫(‪.)10/1‬‬
‫(‪ )3‬حس�ن‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]2407‬وأمحد [‪ ،]9613‬وأبو نعيم (‪ ،)309/4‬وحس�نه الشيخ األلباين يف‬
‫«املشكاة» برقم [‪ ،]4838‬ومعنى «تكفر اللسان»‪ :‬تذل وختضع له‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪197‬‬
‫وعن أيب بكر ‪ ، I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬ليس شيء من اجلسد إال‬
‫يشكو ذرب اللسان على حدته»(‪.)1‬‬

‫وع�ن عقبة ب�ن نافع ‪ I‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رس�ول اهلل‪ ،‬ما النجاة؟‪ ،‬قال‪« :‬أمس ��ك‬
‫عليك لسانك‪ ،‬وليسعك بيتك‪ ،‬وابك على خطيئتك»(‪.)2‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة‬
‫بأسا‪ ،‬يهوى بها سبعني خري ًفا يف النار»(‪. )3‬‬
‫ال يرى بها ً‬
‫وعن�ه ‪ I‬أنه س�مع رس�ول اهلل ‪0‬يق�ول‪« :‬إن العبد ليتكل ��م بالكلمة‬
‫ما يتبني ما فيها يهوي بها يف النار‪ ،‬أبعد ما بني املشرق واملغرب»(‪.)4‬‬

‫وعن معاذ ‪ I‬قال‪ :‬كنت مع النبي ‪ 0‬يف سفر‪ ،‬فأصبحت يو ًما قري ًبا منه‬
‫ونحن نسري‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أخربين بعمل يدخلني اجلنة‪ ،‬ويباعدين من النار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عظيما‪ ،‬وإنه ليسري على من يسره اهلل عليه‪ :‬تعبد اهلل ال تشرك به شي ًئا‪،‬‬
‫ً‬ ‫«لقد سألت‬
‫وتقي ��م الصالة‪ ،‬وتؤتي ال ��زكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ ،‬وحتج البيت» ثم قال‪« :‬أال أدلك عىل‬
‫أب�واب اخلري؟ الصوم جنة‪ ،‬والصدقة تطفئ اخلطيئة‪ ،‬كام يطفئ املاء النار‪ ،‬وصالة الرجل‬
‫يف جوف الليل» ثم قرأ‪[ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ] [‪.]16 :0‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو يعىل [‪ ]5‬وابن السني يف «عمل اليوم والليلة» [‪ ،]7‬والبيهقي يف «الشعب» واللفظ‬
‫ل�ه (‪ ،)347/2‬وصحح�ه الش�يخ األلب�اين يف «الصحيحة» برق�م [‪ ،]535‬و«ذرب اللس�ان»‪ :‬حدته‬
‫ورشه وفحشه‪.‬‬
‫(‪ )2‬حس�ن‪ :‬رواه أمح�د (‪،)259/5‬وابن املبارك يف «الزهد» [‪ ،]134‬وحس�نه الرتمذي يف صحيحه برقم‬
‫[‪ ،]2416‬وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]890‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]2314‬وأمحد (‪ ،)236/2‬وابن ماجه [‪ ،]3206‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫بأس�ا» أي‪ :‬ال يتأملها بخاطره‪ ،‬وال يتفكر‬
‫يف «صحيح س�نن ابن ماجه» برقم [‪« ،]2314‬وال يرى هبا ً‬
‫يف عاقبتها‪ ،‬وال يظن أهنا تؤثر شي ًئا‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6477‬ومسلم [‪.]2988‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪198‬‬
‫حت�ى بل�غ [ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ] [‪ ،]17 :0‬ثم قال‪« :‬أال أخربك برأس األمر‬
‫وعم ��وده وذروة س ��نامه؟» قلت‪ :‬بىل يا رس�ول اهلل‪ ،‬ق�ال‪« :‬رأس األمر اإلس�ل�ام‪ ،‬وعموده‬
‫الص�ل�اة‪ ،‬وذروة س ��نامه اجلهاد»‪ ،‬ثم قال‪« :‬أال أخربك مب�ل�اك ذلك كله؟» قلت‪ :‬بىل‪،‬‬
‫فأخ�ذ بلس�انه فق�ال‪« :‬تك ��ف عليك ه ��ذا»‪ ،‬قلت‪ :‬ي�ا نبي اهلل‪ ،‬وإن�ا ملؤاخذون بما نتكلم‬
‫ب�ه؟ فق�ال‪« :‬ثكلتك أمك ي ��ا معاذ‪ ،‬وهل يكب الن ��اس يف النار عل ��ى وجوههم ‪ -‬أو على‬
‫مناخرهم ‪ -‬إال حصائد ألسنتهم»(‪.)1‬‬

‫فبهذا اللسان يزرع اإلنسان يف هذه الدنيا احلسنات والسيئات‪،‬ثم حيصد يوم القيامة‬
‫رشا حصد الندامة‪.‬‬
‫خريا حصد الكرامة‪ ،‬ومن زرع ً‬
‫ما زرع‪ ،‬فمن زرع ً‬
‫وع�ن س�هل بن س�عد ‪ I‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬م ��ن يضمن لي‬
‫ما بني حلييه(‪ ،)2‬وما بني رجليه(‪ ،)3‬أضمن له اجلنة»(‪.)4‬‬

‫ضم�ن ‪ 0‬اجلن�ة ملن أدى احلق الذي عىل لس�انه‪ ،‬فكفه ع�ن الكالم املحرم‪،‬‬
‫واس�تعمله يف مرض�اة اهلل‪ ،‬وأدى احلق الذي عىل فرج�ه فكفه عن احلرام عينه ووضعه يف‬
‫احلالل‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ I‬أن النبي ‪0‬قال‪« :‬هل تدرون ما الغيبة»؟ قالوا‪ :‬اهلل‬
‫ورس�وله أعل�م‪ ،‬قال‪« :‬ذكرك أخاك مبا يكره»‪ ،‬قيل‪ :‬أرأي�ت إن كان يف أخي ما أقول‪،‬‬
‫قال‪« :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن مل يكن فيه فقد بهته»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]2616‬وأمحد (‪ ،)237/5‬وابن ماج�ه [‪ ،]3209‬واحلاكم (‪،)413/2‬‬


‫وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]412‬‬
‫(‪ )3‬املراد «مبا بني رجليه»‪ :‬أي فرجه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬املراد «مبا بني حلييه»‪ :‬أي لسانه‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]6474‬ومسلم [‪.]2408‬‬
‫(‪ )5‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]2589‬وأبو داود [‪ ،]4874‬والرتم�ذي [‪ ،]1934‬والدرامي (‪،)299/2‬‬
‫وأمحد (‪.)386/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪199‬‬
‫وعن عائش�ة ‪ J‬قالت‪ :‬قلت للنبي ‪:0‬حس�بك م�ن صفية كذا وكذا‪،‬‬
‫ق�ال بع�ض الرواة‪ :‬تعن�ي أهنا قصرية‪ ،‬فق�ال‪« :‬لقد قلت كلمة لو مزج ��ت مباء البحر‬
‫ملزجته»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب برزة األسلمي والرباء بن عازب ‪ L‬قاال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫«يا معشر من آمن بلسانه‪ ،‬ومل يدخل اإلميان يف قلبه ال تغتابوا املسلمني‪ ،‬وال تتبعوا‬
‫عوراته ��م‪ ،‬فإن ��ه م ��ن تتبع عورة أخيه املس ��لم‪ ،‬تتب ��ع اهلل عورته‪ ،‬ومن تتب ��ع اهلل عورته‪،‬‬
‫يفضحه ولو يف جوف بيته»(‪.)2‬‬
‫وع�ن أيب بكرة ‪ I‬قال‪ :‬بينام أن أمايش رس�ول اهلل ‪ 0‬وهو آخذ بيدي‪،‬‬
‫ورجل عىل يساره‪ ،‬فإذا نحن بقربين أمامنا‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪« :0‬إنهما ل ُيعذبان‪،‬‬
‫وم ��ا يُعذب ��ان يف كب�ي�ر! فأيكم يأتي�ن�ي جبريدة؟» فاس�تبقنا فس�بقته‪ ،‬فأتيت�ه بجريدة‪،‬‬
‫فكرسها نصفني فألقى عىل ذا القرب قطعة‪ ،‬وعىل ذا القرب قطعة‪ ،‬ثم قال‪« :‬إنه يهون عليهما‬
‫ما كانتا رطبتني‪ ،‬وما يعذبان إال يف الغيبة والبول»(‪.)3‬‬
‫وعن جابر ‪ I‬قال‪ :‬كنا عند النبي‪0‬فهبت ريح منتنة‪ ،‬فقال رس�ول اهلل‬
‫‪« :0‬أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون املؤمنني»(‪.)4‬‬
‫وح��ظ��ك م ��وف ��ور وع ��رض ��ك صني‬ ‫ف��إن شئت أن حتيا ودي �ن��ك سامل‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]4875‬وأمح�د (‪ ،)206/6‬وصححه الش�يخ األلباين يف «صحيح س�نن‬
‫الرتمذي» برقم [‪.]2633‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه داود [‪ ،]4880‬وأمح�د (‪ ،)420/4‬والبيهق�ي يف «الدالئ�ل» (‪ ،)256/6‬وصحح�ه‬
‫الشيخ األلباين يف «املشكاة» برقم [‪.]5044‬‬
‫(‪ )3‬حسن صحيح‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)39/5‬وابن ماجه [‪ ،]349‬والبيهقي يف «عذاب القرب»‪ ،‬ص‪،]137[ :‬‬
‫وانظر‪« :‬صحيح الرتغيب» [‪.]154‬‬
‫(‪ )4‬حسن‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)301/3‬والبخاري يف «األدب املفرد» [‪ ،]732‬وحسنه الشيخ األلباين يف «غاية‬
‫املرام» برقم [‪.]429‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪200‬‬
‫ف �ك �ل��ك ع � � ��ورات ول� �ل� �ن ��اس ألسن‬ ‫لسانك ال تذكر ب��ه ع��ورة مؤمن‬
‫فصنها وق��ل ي��ا ع�ين للناس أعني‬ ‫وإن ع�ي�ن��ك أب� ��دت إل �ي��ك مساوئا‬
‫‬
‫ال ي� � �ل � ��دع� � �ن � ��ك إن� � � � ��ه ث � �ع � �ب� ��ان‬ ‫ف���اح ��ذر ل �س��ان��ك أي� �ه ��ا اإلن� �س ��ان‬
‫ف� �ي ��ه اهل � � � ��وان وك � �ل� ��ه خ� �س ��ران‬ ‫واهلل إن ال � �ـ � �م� ��وت زل� � ��ة لفظة‬
‫كان الس�لف الصالح ‪ M‬ورمحهم اهلل ‪ ،c‬يلجمون ألسنتهم بلجام الرشع‪،‬‬
‫ورضبوا يف ذلك أروع األمثلة‪:‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ :I‬لو سخرت من كلب خشيت أن أكون كل ًبا‪ ،‬وإين أكره أن‬
‫رجالً فار ًغا‪ ،‬ليس يف عمل آخرته وال دنياه(‪.)1‬‬
‫أرى ُ‬
‫وقال الفضيل‪ :‬خصلتان تقسيان القلب‪ :‬كثرة الكالم‪ ،‬وكثرة األكل(‪.)2‬‬
‫وقال طاووس‪ :‬لساين سبع إن أرسلته أكلني(‪.)3‬‬
‫قلت ش�ي ًئا قط إذا‬
‫وق�ال م�ورق العجبلي‪ :‬تعلم�ت الصمت يف عرش س�نني‪ ،‬وم�ا ُ‬
‫غضبت أندم عليه إذا زال غضبي(‪.)4‬‬
‫وقال احلسن البرصي‪ :‬ما عقل دينه من مل حيفظ لسانه(‪.)5‬‬
‫وقال ‪ :V‬ال تس�تقيم أمانة رجل حتى يس�تقيم لس�انه‪ ،‬وال يستقيم لسانه حتى‬
‫يس�تقيم قلبه(‪ ،)6‬وقال ابن مس�عود ‪ :I‬والذي ال إله غريه‪ ،‬ما عىل ظهر األرض من‬
‫ٍ‬
‫لسان(‪:)7‬‬ ‫يشء أحوج إىل طول سجن من‬

‫(‪« )1‬سري أعالم النبالء» (‪ )440/8‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬


‫(‪« )2‬حلية األولياء» (‪ )120/3‬أليب نعيم‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة السعادة‪.‬‬
‫(‪« )3‬سري أعالم النبالء» (‪ )354/4‬لإلمام الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الصفا‪.‬‬
‫(‪« )5‬الزهد»‪ ،‬ص‪ ]43[ :‬لإلمام أمحد‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬ ‫(‪ )4‬املصدر السابق (‪.)354/4‬‬
‫(‪« )6‬إحياء علوم الدين» (‪ )120/3‬للغزايل‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التجارية‪.‬‬
‫(‪« )7‬الزهد»‪ ،‬ص‪ ]162[ :‬لإلمام أمحد‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪201‬‬
‫أح � ��ق ب� �ط ��ول س��ج��ن م� ��ن لسان‬ ‫حت �ف��ظ م��ن ل �س��ان��ك ل �ي��س شيء‬
‫قال آخر‪:‬‬
‫أل� �ق���اك يف ش��ن��ع��اء ل��ي��س ثقال‬ ‫إن ال��ل��س��ان إذا ح �ل �ل��ت بعقاله‬
‫فهذه ‪ -‬أخي املسلم ‪ -‬بعض النصوص الصحيحة الرصحية التي تبني أن من أعظم‬
‫أس�باب االس�تقامة عىل اإليامن‪ ،‬كف هذا اللس�ان عن كل كالم محُ رم‪ ،‬فاللسان له ميدان‬
‫رحب فس�يح يف طاعة اهلل وذكره‪ ،‬وأوىل للمرء بدالً من أن يس�تعمل لس�انه يف املعايص‪،‬‬
‫أن يس�تعمله يف ذكر اهلل‪ ،‬ويرقى به أعىل الدرج�ات فيقرأ القرآن‪ ،‬ويأمر باملعروف وينهى‬
‫عن املنكر‪ ،‬فكل كالم الينهى عن الفحش�اء واملنكر ال يزيد صاحبه إال ُبعدً ا‪ ،‬وال ُيورث‬
‫صاحبه إال مقتًا ور ًدا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪202‬‬

‫قراءة‬
‫سورة اإلخالص وحبها‬
‫ع�ن أن�س بن مالك‪ ،‬ق�ال‪ :‬كان رجل من األنص�ار يؤمهم‪ ،‬يف مس�جد قباء‪ ،‬فكان‬
‫كلما افتت�ح س�ورة‪ ،‬يقرأ هلم يف الصلاة‪ ،‬فقرأ هب�ا‪ ،‬افتتح ب�ـ‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ] حتى‬
‫يفرغ منها‪ ،‬ثم يقرأ بسورة أخرى معها‪ ،‬وكان يصنع ذلك يف كل ركعة‪ ،‬فك َّلمه أصحابه‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬إنك تقرأ هبذه الس�ورة‪ ،‬ثم ال ترى أهنا جتزئك‪ ،‬حتى تقرأ بس�ورة أخرى‪ ،‬فإما أن‬
‫تقرأ هبا‪ ،‬وإما أن تدعها‪ ،‬وتقرأ بسورة أخرى‪ ،‬قال‪ :‬ما أنا بتاركها‪ ،‬إن أحببتم أن أؤمكم هبا‬
‫فعل�ت‪ ،‬وإن كرهتم تركتكم‪ ،‬وكانوا يرونه أفضلهم‪ ،‬وكرهوا أن يؤمهم غريه‪ ،‬فلام أتاهم‬
‫النب�ي ‪ 0‬أخبروه اخلبر‪ ،‬فق�ال‪« :‬أيا فالن‪ ،‬م ��ا مينعك مما يأمر ب ��ه أصحابك؟‬
‫وما حيملك أن تقرأ هذه السورة يف كل ركعة؟» فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إين أحبها‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ‪« :0‬إن حبها أدخلك اجلنة»(‪.)1‬‬

‫وعن عمرة بنت عبد الرمحن وكانت يف حجر عائشة زوج النبي‪0‬عن عائشة‬
‫أن النب�ي ‪ 0‬بع�ث رجال عىل رسية‪ ،‬وكان يقرأ ألصحابه يف صالته فيختم بـ [ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ] فلام رجعوا ذكروا ذلك للنبي ‪ 0‬فقال‪« :‬س ��لوه ألي ش ��يء يصنع‬
‫ذل ��ك»‪ .‬فس�ألوه فقال ألهن�ا صفة الرمحن‪ ،‬وأن�ا أحب أن أقرأ هبا‪ .‬فق�ال النبي ‪:0‬‬
‫«أخربوه أن اهلل حيبه»(‪.)2‬‬

‫قول�ه‪« :‬ما مينعك وما حيملك» س�أله ع�ن أمرين فأجابه بقول�ه‪ :‬إين أحبها‪ ،‬وهو‬
‫جواب عن الثاين مستلزم لألول بانضامم يشء آخر وهو إقامة السنة املعهودة يف الصالة‪،‬‬
‫فاملانع مركب من املحبة واألمر املعهود‪ ،‬واحلامل عىل الفعل املحبة وحدها‪ ،‬ودل تبشريه‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه صحيح البخاري [‪ ]774‬تعلي ًقا بصيغة اجلزم‪ ،‬والرتمذي [‪.]3147‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]7375‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪203‬‬
‫ل�ه باجلنة عىل الرضا بفعله‪ ،‬وعرب بالفعل امل�ايض يف قوله«أدخلك»وإن كان دخول اجلنة‬
‫مس�تقبل حتقي ًقا لوقوع ذلك‪ ،‬قال نارص الدين ابن املنري‪ :‬يف هذا احلديث أن املقاصد تغري‬
‫اً‬
‫أح�كام الفع�ل؛ ألن الرجل لو ق�ال إن احلامل له عىل إعادهتا أن�ه ال حيفظ غريها ألمكن‬
‫أن يأم�ره بحفظ غريها‪ ،‬لكنه اعت�ل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه‪ .‬قال‪ :‬وفيه دليل‬
‫عىل جواز ختصيص بعض القرآن بميل النفس إليه واالستكثار منه وال يعد ذلك هجرانا‬
‫لغريه‪ ،‬وفيه ما يشعر بأن سورة اإلخالص مكية(‪.)1‬‬
‫وعن أنس‪ ،‬أن اً‬
‫رجل قال‪ :‬واهلل إين ألحب هذه السورة [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ]‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ‪« :0‬حبك إياها أدخلك اجلنة»(‪.)2‬‬

‫وعن أنس بن مالك‪ ،‬أن النبي ‪ 0‬قال لرجل‪ :‬مل تلزم قراءة قل هو اهلل أحد؟‬
‫(‪)3‬‬
‫قال الرجل‪ :‬إين أحبها‪ ،‬قال النبي ‪« :0‬فإن حبك إياها أدخلك اجلنة»‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬فتح الباري» البن حجر(‪.)150/3‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري[‪]774‬معل ًقا وسنن الدرامى[‪.]3498‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه أيب عوانة [‪ ،]3194‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم[‪.]2754‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪204‬‬

‫حفظ وقراءة سورة الملك‬


‫ع�ن أن�س ‪ I‬قال‪:‬قال رس�ول اهلل‪« :0‬س ��ورة من الق ��رآن‪ ،‬ما هي إال‬
‫ثالثون آية‪ ،‬خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته اجلنة‪ ،‬وهي سورة تبارك»(‪.)1‬‬

‫وع�ن ابن عب�اس قال‪ :‬رضب بعض أصحاب النب�ي‪ 0‬خباءه عىل قرب وهو‬
‫ال حيس�ب أنه قرب فإذا فيه إنس�ان يقرأ س�ورة تب�ارك الذي بيده امللك حت�ى ختمها‪ ،‬فأتى‬
‫النبي ‪ 0‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إين رضبت خبائي عىل قرب وأنا ال أحسب أنه قرب فإذا‬
‫فيه إنس�ان يقرأ س�ورة تبارك امللك حتى ختمها‪ .‬فقال رسول اهلل ‪« :0‬هى املانعة‬
‫هي املنجية من عذاب القرب»(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه الطبراين يف «األوس�ط» [‪ ]3796‬ويف «الصغير» [‪ ،]491‬وحس�نه الش�يخ األلباين يف‬
‫«صحيح اجلامع» [‪.]6472‬‬
‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه الرتمذي [‪ :]3133‬وحسنه الشيخ األلباين وانظر‪« :‬الصحيحة» [‪.]1140‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪205‬‬

‫كثرة االستغفار‬
‫عن بشري بن كعب العدوي قال‪ :‬حدثني شداد بن أوس عن النبي ‪« :0‬سيد‬
‫االستغفار أن تقول اللهم أنت ربي‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬خلقتين وأنا عبدك وأنا على عهدك‬
‫ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنيب‪،‬‬
‫اغفر لي‪ ،‬فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت»‪ .‬قال‪« :‬ومن قاهلا من النهار موق ًنا بها‪ ،‬فمات‬
‫م ��ن يومه قبل أن ميس ��ى‪ ،‬فه ��و من أهل اجلنة‪ ،‬وم ��ن قاهلا من الليل وه ��و موقن بها‪،‬‬
‫فمات قبل أن يصبح‪ ،‬فهو من أهل اجلنة»(‪.)1‬‬

‫وعن ش�داد بن أوس‪ ،‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬سيد االستغفار أن يقول‬
‫العب ��د‪ :‬الله ��م أنت ربي‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬خلقتين وأنا عب ��دك‪ ،‬وأنا على عهدك ووعدك‬
‫م ��ا اس ��تطعت‪ ،‬أبوء لك بالنعمة‪ ،‬وأبوء لك بذنيب‪ ،‬فأغف ��ر لي‪ ،‬إنه ال يغفر الذنوب إال‬
‫أن ��ت‪ .‬ف ��إن‪ ،‬قاهلا بعدم ��ا يصبح موق ًنا بها ثم م ��ات‪ ،‬كان من أهل اجلن ��ة‪ ،‬وإن‪ ،‬قاهلا‬
‫بعدما ميسي موق ًنا بها‪ ،‬كان من أهل اجلنة»(‪.)2‬‬

‫وع�ن ش�داد ب�ن أوس‪ ،‬أن رس�ول اهلل ‪0‬ق�ال ل�ه‪« :‬أال أدل ��ك عل ��ى س ��يد‬
‫االس ��تغفار؟ أن تق ��ول‪ :‬اللهم أن ��ت إهلي ال إله إال أنت‪ ،‬خلقتين وأن ��ا عبدك‪ ،‬وأنا على‬
‫عه ��دك ووعدك ما اس ��تطعت‪ ،‬أعوذ بك من ش ��ر م ��ا صنعت وأبوء ل ��ك بنعمتك على‪،‬‬
‫وأب ��وء ل ��ك بذنوبي فاغفرلي فإنه ال يغفر الذن ��وب إال أنت‪ ،‬ما من عبد يقوهلا فيأتيه‬
‫قدره يف يومه قبل ميسي‪ ،‬أو يف مسائه قبل يصبح‪ ،‬إال كان من أهل اجلنة(‪.»)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]6306‬‬


‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه اب�ن حب�ان (‪ ]933[ )213/3‬وصحح�ه الش�يخ األلباين يف «صحي�ح اجلامع» برقم‬
‫[‪.]2547‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه ابن أيب ش�يبة يف مصنفه (‪ ]30053[ )296/10‬وصححه الش�يخ األلباين يف «صحيح‬
‫اجلامع» برقم [‪.]3542‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪206‬‬
‫وع�ن عبد اهلل بن برس‪ ،I ،‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬طوبي ملن وجد‬
‫يف صحيفته استغفا ًرا»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البزار [‪ ،]3508‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]2354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪207‬‬

‫ما يقول بعد الوضوء‬


‫عن عقبة بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬كانت علينا رعاية اإلبل‪ ،‬فجاءت نوبتي‪ ،‬فروحتها بعيش‪،‬‬
‫قائم حي�دث الناس‪ ،‬فأدرك�ت من قوله‪« :‬ما من مس ��لم‬
‫فأدرك�ت رس�ول اهلل ‪ 0‬اً‬
‫يتوضأ‪ ،‬فيحس ��ن وض ��وءه‪ ،‬ثم يقوم فيصل ��ي ركعتني‪ ،‬مقبل عليهم ��ا بقلبه ووجهه‪،‬‬
‫إال وجب ��ت ل ��ه اجلنة‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ما أجود هذه‪ ،‬فإذا قائل بني يدي يقول‪ :‬اليت قبلها‬
‫أجود‪ ،‬فنظرت‪ ،‬فإذا عمر‪ ،‬قال‪ :‬إني قد رأيتك جئت آن ًفا قال‪ :‬ما منكم من أحد يتوضأ‪،‬‬
‫فيبل ��غ‪ ،‬أو فيس ��بغ الوض ��وء‪ ،‬ث ��م يقول‪ :‬أش ��هد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حمم ��دًا عبد اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬إال فتحت له أبواب اجلنة الثمانية‪ ،‬يدخل من أيها شاء»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب إدري�س اخل�والين‪ ،‬وأيب عثمان النه�دي‪ :‬أن عمر بن اخلط�اب قال‪ :‬قال‬
‫رس�ول اهلل ‪« :0‬م ��ن توض ��أ فأحس ��ن الوضوء ثم ق ��ال‪ :‬أش ��هد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال ش ��ريك له‪ ،‬وأن حممدًا عبده ورس ��وله‪ ،‬اللهم اجعلين من التوابني‪ ،‬واجعلين‬
‫من املتطهرين‪ ،‬فتحت له مثانية أبواب اجلنة يدخل من أيها شاء»(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]234‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]55‬وصححه الشيخ األلباين يف «املشكاة» بر قم [‪.]3547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪208‬‬

‫فضل األذان‬
‫عن ابن عمر أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬من أذن ثنتى عش ��رة س ��نة وجبت له‬
‫اجلنة وكتب له بتأذينه يف كل يوم ستون حسنة ولكل إقامة ثالثون حسنة»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬يغف ��ر للم ��ؤذن م ��د صوت ��ه‬
‫ويش ��هد له كل رطب ويابس‪ ،‬وش ��اهد الصالة يكتب له مخس وعش ��رون ويكفر عنه‬
‫ما بينهما»(‪.)2‬‬

‫وع�ن طلح�ة بن حييي عن عمه قال‪ :‬كنت عند معاوية بن أيب س�فيان فجاءه املؤذن‬
‫يدع�وه إىل الصلاة فقال معاوية س�معت رس�ول اهلل ‪ 0‬يق�ول‪« :‬املؤذنون أطول‬
‫الناس أعنا ًقا يوم القيامة»(‪.)3‬‬

‫إذا بعث الناس فإن املؤذنني يكون هلم ميزة ليست لغريهم وهي أهنم أطول الناس‬
‫وإظهارا لرشفهم ألهنم يؤذنون ويعلنون بتكبري اهلل‬
‫ً‬ ‫أعنا ًقا فيعرفون بذلك تنوهيا لفضلهم‬
‫عزوجل وتوحيده والشهادة لرسوله‪ 0‬بالرسالة والدعوة إىل الصالة وإىل الفالح‬
‫يعلنوهنا من األماكن العالية‪ ،‬وهلذا كان جزاؤهم من جنس العمل أن تعلو رءوسهم وأن‬
‫تعلو وجهوههم‪ ،‬وذلك بإطالة أعناقهم يوم القيامة‪ ،‬وهذا يدل عىل أنه ينبغي لإلنسان أن‬
‫حيرص عىل أن يكون مؤذنًا حتى لو كان يف نزهة هو وأصحابه فإنه ينبغي أن يبادر لذلك‬
‫ق�ال ‪ :0‬ل�و يعلم الناس ما يف النداء ثم مل جيدوا إال أن يس�تهموا عليه الس�تهموا‬
‫وكذلك من فضيلة األذان ما رواه أبو سعيد اخلدري ‪ I‬عن النبي‪« :0‬أنه ما‬
‫من إنس وال جن وال ش ��يء يس ��مع صوت املؤذن إال شهد له بذلك يوم القيامة»‪ ،‬وهذا‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه ابن ماجه [‪ ،]777‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح سنن ابن ماجه» [‪.]594‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]10193‬وصححه الشيخ األلباين يف «الرتغيب والرتهيب» [‪.]2354‬‬
‫(‪ )3‬صحح‪ :‬رواه مسلم [‪.]387‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪209‬‬
‫أيض�ا من فضائل األذان أن صاحبه يش�هد له يوم القيامة بأن�ه من املؤذنني تنوهيا لفضله‪،‬‬
‫ً‬
‫وبيانًا لثوابه‪ ،‬فاحلاصل أن األذان له فضل عظيم وأنه ينبغي لإلنس�ان أن يكون مؤذنًا إال‬
‫أن�ه إذا كان هن�اك مؤذن رات�ب فإنه ال حيل ألح�د أن يتجاوز ويؤذن عن�ه إال إذا كان قد‬
‫وكله أو ما أشبه ذلك وقد قال النبي ‪« :0‬ال َي ُؤ َّم َّن الرجل الرجل يف سلطانه إال‬
‫بإذنه»(‪.)1‬‬
‫القول بعد إقامة الصالة‬
‫ع�ن جاب�ر بن عبد اهلل أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬من قال حني يس ��مع النداء‬
‫ً‬
‫حممدا الوسيلة والفضيلة‪ ،‬وابعثه‬ ‫اللهم رب هذه الدعوة التامة والصالة القائمة آت‬
‫مقاما حممودًا الذي وعدته‪ ،‬حلت له شفاعيت يوم القيامة»(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫ق�ال الطح�اوي‪ :‬وقد روى عن الرس�ول ‪ 0‬أنه كان يقول عن�د األذان غري‬
‫م�ا ج�اء يف احلدي�ث ويأم�ر به‪ ،‬وذلك ما روى عن س�عد ب�ن أيب وقاص عن رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬أنه قال‪« :‬من قال حني يس ��مع املؤذن أش ��هد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك‬
‫له وأن حممدًا عبده ورسوله رضيت باهلل ربًا ومبحمد رسولاً وباإلسالم دي ًنا‪ .‬غفر له‬
‫ذنبه»(‪.)3‬‬
‫وعن أيب ذر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ 0‬وهو يصيل ذات ليلة وهو يردد آية‬
‫حتى أصبح‪ ،‬هبا يركع‪ ،‬وهبا يس�جد [ﯯﯰ ﯱ ﯲ]‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رس�ول اهلل‪،‬‬
‫م�ا زلت تردد هذه اآلية حتى أصبحت‪ ،‬قال‪ :‬إين س�ألت ريب الش�فاعة ألمتي وهي نائلة‬
‫ملن ال يرشك باهلل شي ًئا(‪.)4‬‬

‫(‪« )1‬رشح رياض الصاحلني» البن عثيمني (‪.)216/4‬‬


‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]877‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]614‬‬
‫(‪ )4‬حس�ن‪ :‬رواه أيب ش�يبة (‪ ،]32427[ )497/11‬وحس�نه الش�يخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم‬
‫[‪.]3547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪210‬‬

‫ثواب ذكر اهلل‬


‫بعد صالة الصبح‬
‫ع�ن س�هل بن معاذ بن أن�س اجلهني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬من‬
‫صلى صالة الفجر‪ ،‬ثم قعد يذكر اهلل حتى تطلع الشمس‪ ،‬وجبت له اجلنة»(‪.)1‬‬

‫وعن احلس�ن بن عيل قال‪ :‬سمعت جدي رسول اهلل ‪ 0‬يقول‪« :‬ما من عبد‬
‫يصل ��ي ص�ل�اة الصبح‪ ،‬ث ��م جيلس يذكر اهلل حت ��ى تطلع الش ��مس إال كان ذلك له‬
‫حجابًا من النار»(‪.)2‬‬

‫وعن احلس�ن بن عيل‪ ،‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من صلى الفجر ثم قعد‬
‫يف جملس ��ه يذكر اهلل ‪ c‬حتى تطلع الش ��مس‪ ،‬ثم قام فصلى ركعتني حرمه اهلل‬
‫على النار أن تلفحه»(‪.)3‬‬

‫وعن عمرة قالت‪ :‬سمعت أم املؤمنني ‪ -‬يعني‪ :‬عائشة ‪ -‬تقول‪ :‬سمعت رسول اهلل‬
‫‪ 0‬يقول‪« :‬من صلى الفجر ‪ -‬أو قال‪ :‬الغداة ‪ -‬فقعد يف مقعده‪ ،‬فلم يلغ بشيء‬
‫من أمر الدنيا‪ ،‬ويذكر اهلل حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم‬
‫ولدته أمه‪ ،‬ال ذنب له»(‪.)4‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أمحد (‪ ]15708[ )438/3‬ومسند أيب يعىل املوصيل [‪.]1487‬‬
‫(‪ )2‬حس�ن‪ :‬رواه الطبراين يف «املعج�م األوس�ط» [‪ ،]11538‬ويف «املعج�م الصغير» [‪ ،]1138‬ورواه‬
‫البيهقي يف «شعب اإليامن» [‪ ،]2826‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» [‪.]4234‬‬
‫(‪ )3‬حسن‪ :‬رواه البيهقي يف «شعب اإليامن» [‪ ،]2826‬وحسنه الشيخ األلباين [‪.]3547‬‬
‫(‪ )4‬حس�ن‪ :‬رواه أب�و يعلى املوصلي يف مس�نده [‪ ،]4365‬وحس�نه الش�يخ األلباين يف «صحي�ح اجلامع»‬
‫[‪.]2354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪211‬‬

‫المحافظة على الذكر دبر الصلوات الخمس‬


‫ع�ن عبد اهلل بن عم�رو عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬خصلت ��ان أو خلتان ال حيافظ‬
‫عليهم ��ا عب ��د مس ��لم إال دخل اجلنة هما يس�ي�ر وم ��ن يعمل بهما قليل يس ��بح يف دبر‬
‫كل صالة عش� � ًرا وحيمد عش� � ًرا ويكرب عش� � ًرا فذلك مخس ��ون ومائة باللس ��ان وألف‬
‫ومخس ��مائة يف املي ��زان ويك�ب�ر أرب ًعا وثالثني إذا أخذ مضجع ��ه وحيمد ثال ًثا وثالثني‬
‫ويس ��بح ثال ًثا وثالثني فذلك مائة باللس ��ان وألف يف امليزان»‪ .‬فلقد رأيت رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يعقدها بيده قالوا يا رسول اهلل كيف مها يسري ومن يعمل هبام قليل قال‪« :‬يأتي‬
‫أحدكم ‪ -‬يعين الشيطان ‪ -‬يف منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه يف صالته فيذكره‬
‫حاجة قبل أن يقوهلا»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]5067‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح سنن أيب داود» [‪.]4233‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪212‬‬

‫قراءة سورتي‬
‫قل يا أيها الكافرون وسورة اإلخالص‬
‫عن شيخ أدرك النبي ‪ 0‬قال‪ :‬خرجت مع النبي ‪ 0‬يف سفر فمر برجل‬
‫يق�رأ‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ] قال‪« :‬أما هذا فقد برئ من الش ��رك»‪ .‬قال‪ :‬وإذا آخر‬
‫يقرأ [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ]‪ ،‬فقال النبي‪« :0‬بها وجبت له اجلنة»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب احلس�ن التيم�ي قال‪ :‬س�معت رجلا يقول‪ :‬كنت أسير مع رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يف ليلة ظلامء‪ ،‬فسمع اً‬
‫رجل يقرأ قل يا أهيا الكافرون فقال رسول اهلل ‪:0‬‬
‫«أما هذا فقد برئ من الشرك» ورسنا فسمعنا اً‬
‫رجل يقرأ قل هو اهلل أحد فقال‪« :‬أما هذا‬
‫اً‬
‫وشامل فام رأيت أحدً ا(‪.)2‬‬ ‫فقد غفر له» فكففت راحتي ألنظر من هو‪ ،‬فنظرت يمينًا‬

‫متابعة المؤذن كما يقول‬


‫عن حفص بن عاصم بن عمر بن اخلطاب عن أبيه عن جده عمر بن اخلطاب قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪« :0‬إذا قال املؤذن اهلل أكرب اهلل أكرب‪ .‬ثم قال أشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل‪ .‬قال‪ :‬أش ��هد أن ال إله إال اهلل ثم قال‪ :‬أش ��هد أن حممدًا رس ��ول اهلل‪ .‬قال‪ :‬أشهد‬
‫أن حمم � ً�دا رس ��ول اهلل‪ .‬ث ��م قال‪ :‬حي على الصالة‪ .‬قال‪ :‬ال ح ��ول وال قوة إال باهلل‪ .‬ثم‬
‫ق ��ال‪ :‬ح ��ي على الفالح‪ .‬قال‪ :‬ال حول وال ق ��وة إال باهلل‪ .‬ثم قال‪ :‬اهلل أكرب اهلل أكرب‪.‬‬
‫قال‪ :‬اهلل أكرب اهلل أكرب‪ .‬ثم قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ .‬قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ .‬من قلبه‪ .‬دخل‬
‫اجلنة»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د (‪ ،]17057[ )64/4‬وصحح�ه الش�يخ األلب�اين يف «صحي�ح اجلام�ع» برق�م‬
‫[‪.]3547‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه البيهق�ي يف «دالئ�ل النبوة» [‪ ]3014‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح اجلامع»‬
‫[‪.]1324‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]385‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪213‬‬

‫قول سبحان اهلل والحمد هلل‬


‫وال إله إال اهلل واهلل أكبر‬
‫عن ابن مس�عود قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬لقيت إبراهيم ليلة أس ��رى بي‬
‫فق ��ال يا حممد أقرئ أمتك مين الس�ل�ام وأخربهم أن اجلن ��ة طيبة الرتبة عذبة املاء‬
‫وأنها قيعان وأن غراسها سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب»(‪.)1‬‬

‫غرس�ا فق�ال‪:‬‬
‫وع�ن أيب هري�رة أن رس�ول اهلل ‪ 0‬م�ر ب�ه وه�و يغ�رس ً‬
‫غراسا يل‪ .‬قال‪« :‬أال أدلك على غراس خري لك‬
‫«يا أبا هريرة ما الذي تغرس؟»‪ .‬قلت‪ً :‬‬
‫من هذا؟»‪ .‬قال‪ :‬بىل يا رسول اهلل‪ .‬قال‪« :‬قل سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل‬
‫أكرب يغرس لك بكل واحدة شجرة يف اجلنة»(‪.)2‬‬

‫وع�ن أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬خذوا جنتكم‪ ،‬خذوا جنتكم»‪،‬‬
‫قال�وا‪ :‬ي�ا رس�ول اهلل‪ ،‬من عدو حرض‪ ،‬ق�ال‪« :‬ال‪ ،‬ولكن م ��ن النار‪ ،‬قولوا‪ :‬س ��بحان اهلل‪،‬‬
‫واحلم ��د هلل‪ ،‬وال إل ��ه إال اهلل‪ ،‬واهلل أك�ب�ر‪ ،‬فإنه ��ن يأت�ي�ن ي ��وم القيام ��ة مس ��تقدمات‬
‫وجمنبات‪ - ،‬وهن الباقيات الصاحلات»(‪.)3‬‬

‫وع�ن جاب�ر ‪ I‬ع�ن النب�ي ‪ 0‬قال‪« :‬م ��ن ق ��ال س ��بحان اهلل العظيم‬
‫وحبمده‪ .‬غرست له خنلة يف اجلنة»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ]3798‬حسنة الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]2547‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه ابن ماجه [‪ ،]3939‬وصحيح سنن ابن ماجه [‪.]3069‬‬
‫(‪ )3‬حس�ن‪ :‬رواه الطبراين يف «الكبير» مس�ند أيب هري�رة (‪ ،)657 ،142‬ورواه اب�ن أيب ش�يبة يف مصنفه‬
‫(‪ ،]29722[ )393/10‬والنسائي [‪ ،]10617‬واحلاكم [‪.]1985‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]3513‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪ ،‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]6426‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪214‬‬

‫ال حول وال قوة إال باهلل‬


‫كنز من كنوز الجنة‬
‫عن أيب موس�ى قال‪ :‬كنا مع النبي‪ 0‬يف س�فر فجعل الناس جيهرون بالتكبري‬
‫فق�ال النب�ي ‪« :0‬أيه ��ا الن ��اس أربع ��وا على أنفس ��كم إنك ��م ليس تدع ��ون أصم‬
‫وال غائ ًب ��ا إنك ��م تدعون مسي ًع ��ا قري ًبا وهو معك ��م»‪ ،‬قال وأنا خلفه وأن�ا أقول ال حول‬
‫وال ق�وة إال ب�اهلل فقال‪« :‬ي ��ا عبد اهلل بن قيس أال أدلك على كن ��ز من كنوز اجلنة»‪.‬‬
‫فقلت بىل يا رسول اهلل‪ .‬قال‪« :‬قل ال حول وال قوة إال باهلل»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب موس�ى األش�عري قال‪ :‬أخذ النب�ي ‪ 0‬يف عقبة ‪ -‬أو ق�ال يف ثنية‪،‬‬
‫ق�ال ‪ -‬فلما عال عليها رجل نادى فرف�ع صوته ال إله إال اهلل واهلل أكرب‪ .‬قال ورس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬عىل بغلته قال‪« :‬فإنكم ال تدعون أصم وال غائ ًبا»‪ .‬ثم قال «يا أبا موس ��ى ‪ -‬أو‬
‫ي ��ا عب ��د اهلل أال أدلك على كلمة من كنز اجلنة»؟ قل�ت بىل‪ .‬قال‪« :‬ال حول وال قوة‬
‫إال باهلل»(‪.)2‬‬

‫وعن أبي هريرة‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬أال أعلمك ‪ -‬أو قال ‪ -‬أال‬
‫أدلك على كلمة من حتت العرش‪ ،‬من كنز اجلنة؟ تقول‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‪،‬‬
‫فيقول اهلل ‪ :D‬أسلم عبدي واستسلم»(‪.)3‬‬

‫وع�ن عم�رو ب�ن ميم�ون‪ ،‬ق�ال‪ :‬ق�ال أب�و هري�رة‪ :‬ق�ال يل نب�ي اهلل ‪:0‬‬
‫«يا أبا هريرة‪ ،‬أال أدلك على كلمة كنز من كنز اجلنة حتت العرش؟» قال‪ :‬قلت‪:‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]2704‬والبخاري [‪ ]6384‬واللفظ ملسلم‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]6409‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه احلاك�م [‪ ،]54‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح اجلام�ع» [‪ ،]2614‬و«صحيح‬
‫الرتغيب» [‪.]1580‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪215‬‬
‫بلى‪ ،‬ف�داك أيب وأمي‪ ،‬ق�ال‪« :‬أن تقول‪ :‬ال قوة إال باهلل ‪ -‬قال أبو بلج‪ :‬وأحس ��ب أنه قال‬
‫‪ -‬فإن اهلل ‪ D‬يقول‪ :‬أس ��لم عبدي‪ ،‬واستس ��لم» قال‪ :‬فقلت لعمرو‪ :‬قال أبو بلج‪ :‬قال‬
‫عم�رو‪ :‬قل�ت أليب هريرة‪ :‬ال ح�ول وال قوة إال ب�اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬ال‪ ،‬إنها يف س ��ورة الكهف‪:‬‬
‫ولوال إذ دخلت جنتك قلت‪ :‬ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أمحد يف مسنده [‪.]8650‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪216‬‬

‫فضل قراءة‬
‫آية الكرسي بعد كل صالة‬
‫ع�ن حمم�د ب�ن زي�اد األهل�اين‪ ،‬ق�ال‪ :‬س�معت أب�ا أمام�ة‪ ،‬يقول‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل‬
‫‪« :0‬م ��ن قرأ آية الكرس ��ي دبر كل صالة مكتوب ��ة مل مينعه من دخول اجلنة‪،‬‬
‫إال املوت»(‪.)1‬‬

‫ما يقوله عند النوم‬


‫وعن رافع بن خديج ‪ I‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬إذا أضطجع أحدكم على‬
‫جنب ��ه األمين ثم قال‪ :‬اللهم إني أس ��لمت نفس ��ي إليك ووجهت وجه ��ي إليك وأجلأت‬
‫ظه ��ري إلي ��ك وفوضت أم ��ري إليك ال ملجأ وال منج ��ا منك إال إلي ��ك أو من بكتابك‬
‫وبرسلك‪ ،‬فإن مات من ليلته دخل اجلنة»(‪.)2‬‬

‫وع�ن البراء بن ع�ازب قال‪ :‬ق�ال النب�ي ‪« :0‬إذا أتيت مضجع ��ك فتوضأ‬
‫وضوءك للصالة‪ ،‬ثم اضطجع على شقك األمين‪ ،‬ثم قل‪ :‬اللهم أسلمت وجهي إليك‪،‬‬
‫وفوضت أمري إليك‪ ،‬وأجلأت ظهري إليك‪ ،‬رغبة ورهبة إليك‪ ،‬ال ملجأ وال منجا منك‬
‫إال إليك‪ ،‬اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت‪ ،‬وبنبيك الذي أرس ��لت‪ .‬فإن مت من ليلتك‬
‫فأن ��ت عل ��ى الفط ��رة‪ ،‬واجعلهن آخر م ��ا تتكلم ب ��ه»‪ ،‬قال فرددهتا على النبي ‪0‬‬

‫فلام بلغت‪« :‬اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت»‪.‬‬


‫قلت ورسولك‪ .‬قال‪« :‬ال» ونبيك الذي أرسلت(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه الطبراين [‪ ،]7408‬وصحح�ه الش�يخ األلب�اين يف «الصحيح�ة» [‪ ،]972‬و«صحيح‬


‫اجلامع» [‪.]6464‬‬
‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه الرتمذي يف سننه [‪.]3723‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]247‬ومسلم [‪.]7057‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪217‬‬
‫وع�ن الرباء بن عازب‪ ،‬عن النبي‪ ،0‬أنه ق�ال لرجل‪ :‬إذا أخذت مضجعك‬
‫فق�ل‪ :‬اللهم إين أس�لمت نفسي إليك‪ ،‬ووجهت وجه�ي إليك‪ ،‬وفوض�ت أمري إليك‪،‬‬
‫وأجل�أت ظه�ري إلي�ك رهبة ورغبة إلي�ك‪ ،‬ال منج�ى‪ ،‬وال ملجأ من�ك إال إليك‪ ،‬آمنت‬
‫بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت مت عىل الفطرة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه (‪ ،]29908[ )246/10‬وابن حبان يف صحيحه (‪)337/12‬‬
‫[‪.]5527‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪218‬‬

‫اإلكثار‬
‫من الصالة عليه ‪0‬‬

‫عن عبد اهلل بن مسعود أن رسول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬أوىل الناس بي يوم القيامة‬
‫أكثرهم على صالة»(‪.)1‬‬

‫وعن أيب أمامة قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪«:0‬أكثروا على من الصالة يف كل‬
‫ي ��وم مجع ��ة فإن أميت تعرض على يف كل يوم مجعة‪،‬فمن كان أكثرهم على صالة‬
‫كان أقربهم مين منزلة»(‪.)2‬‬

‫قوله‪« :‬أوىل الناس يب» أي‪ :‬أقرهبم يب أو أحقهم بشفاعتي «أكثرهم عىل صالة» ألن‬
‫كث�رة الصالة منبئة عن التعظيم املقتيض للمتابعة الناش�ئة عن املحبة الكاملة املرتبة عليها‬
‫حمبة اهلل ‪.c‬‬

‫‪[ :6‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ] [ ‪.]31:4‬‬

‫ق�ال اب�ن حبان عقب هذا احلدي�ث‪ .‬يف هذا اخلرب بيان صحيح على أن أوىل الناس‬
‫برس�ول اهلل ‪ 0‬يف القيامة يكون أصحاب احلديث؛ إذ ليس يف هذه األمة قوم أكثر‬
‫صالة عليه منهم‪ ،‬وقال غريه‪ :‬ألهنم يصلون عليه قوالً وفعالً كذا يف املرقاة(‪.)3‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي يف سننه [‪.]486‬‬


‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه البيهقي يف «السنن الكربى» (‪ ]6208[ )249/3‬حسن لغريه‪.‬‬
‫(‪« )3‬حتفة األحوذي» (‪.)20/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪219‬‬

‫أداء حقوق الزوج‬


‫عن احلصني بن حمصن أن عمة له أتت النبي ‪ 0‬يف حاجة ففرغت من حاجتها‬
‫فق�ال هلا النب�ي ‪« :0‬أذات زوج أنت؟»‪ .‬قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬كيف أنت له؟»‪ .‬قالت‬
‫ما آلوه ما عجزت عنه‪ .‬قال‪« :‬فانظري أين أنت منه فإمنا هو جنتك ونارك»(‪.)1‬‬

‫وعن عبد الرمحن بن عوف قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إذا صلت املرأة مخسها‬
‫وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل هلا أدخلي اجلنة من أي أبواب‬
‫اجلنة شئت»(‪.)2‬‬

‫وعن أم سلمة ‪ J‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬أميا امرأة ماتت وزوجها‬
‫عنها راض دخلت اجلنة»(‪.)3‬‬

‫«إذا صلت املرأة مخس ��ها» املكتوبات اخلمس «وصامت ش ��هرها» رمضان غري أيام‬
‫احلي�ض إن كان «وحفظ ��ت» ويف رواية أحصنت «فرجها» عن اجلامع املحرم والس�حاق‬
‫«وأطاع ��ت زوجه ��ا» يف غير معصي�ة «دخل ��ت» مل يقل تدخل إش�ارة إىل حتق�ق الدخول‬
‫نصوحا أو عف�ى عنها‪ ،‬واملراد‬
‫ً‬ ‫«اجلن ��ة» إن اجتنب�ت مع ذلك بقية الكبائ�ر أو تابت توبة‬
‫مع الس�ابقني األولني وإال فكل مس�لم ال بد أن يدخل اجلنة وإن دخل النار «فإن قلت»‬
‫فام وجه اقتصاره عىل الصوم والصالة ومل يذكر بقية األركان اخلمس�ة التي بنى اإلسلام‬
‫عليها «قلت» لغلبة تفريط النساء يف الصالة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان احلليل‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د [‪ ،]19519‬واحلميدي [‪ ،]377‬واحلاك�م [‪ ،]2719‬وصححه ووافقه الذهبي‬


‫وهو كام قاال‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د [‪ ،]1683‬وابن حب�ان [‪ ،]4163‬و«صحيح اجلامع» [‪ ،]660‬و«مس�ند البزار»‬
‫[‪ ،]7480‬و«املعجم الكبري» للطرباين ‪ ]991[ )411/19( -‬من طرق «صحيح»‪.‬‬
‫(‪ )3‬حس�ن‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]1194‬واب�ن ماج�ه [‪ ،]1927‬واحلاك�م [‪ ،]7328‬وصحح�ه ووافق�ه‬
‫الذهبي!!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪220‬‬
‫وألن الغالب أن املرأة ال مال هلا جتب زكاته ويتحتم فيه احلج فأناط احلكم بالغالب وحثها‬
‫عىل مواظبة فعل ما هو الزم هلا بكل حال واحلفظ والصون واحلراسة‪ ،‬والفرج يطلق عىل‬
‫القبل والدبر ألن كل واحد منفرج أي منفتح وأكثر استعامله عر ًفا يف القبل(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬فيض القدير»‪« ،‬رشح اجلامع الصغري» [‪.]725‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪221‬‬

‫سقي العطشان‬
‫عن أيب هريرة عن النبي‪« :0‬أن رجلاً رأى كل ًبا يأكل الثري من العطش‪،‬‬
‫فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه‪ ،‬فشكر اهلل له فأدخله اجلنة»(‪.)1‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬بينا رجل ميش ��ي فاش ��تد‬
‫عليه العطش‪ ،‬فنزل بئ ًرا فشرب منها‪ ،‬ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث‪ ،‬يأكل الثري من‬
‫العط ��ش‪ ،‬فق ��ال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فمأل خفه ثم أمس ��كه بفيه‪ ،‬ثم رقى‪،‬‬
‫أجرا قال‪:‬‬
‫فسقى الكلب فشكر اهلل له‪ ،‬فغفر له»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وإن لنا يف البهائم ً‬
‫«يف كل رطبة أجر»(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]173‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2363‬ومسلم [‪.]5996‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪222‬‬

‫زيارة اإلخوان‬
‫عن أيب هريرة عن النبي ‪ 0‬أن رجال زار أخا له يف قرية أخرى فأرصد اهلل له‬
‫عىل مدرجته ملكا فلام أتى عليه قال‪« :‬أين تريد؟» قال‪ :‬أريد أخا يل يف هذه القرية‪ .‬قال‪:‬‬
‫«هل لك عليه من نعمة تربها؟» قال‪ :‬ال‪ ،‬غري أين أحببته يف اهلل ‪ .D‬قال‪« :‬فإني رسول‬
‫اهلل إليك بأن اهلل قد أحبك كما أحببته فيه»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أن�س‪ ،‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬ما من عبد مس ��لم أتى أخاه يزوره يف اهلل‬
‫إال ناداه مناد من الس ��ماء أن طبت وطابت لك اجلنة‪ .‬وإال قال اهلل يف ملكوت عرش ��ه‪:‬‬
‫عبدي زارني وعلي قراه فلم يرض له بثواب دون اجلنة»(‪.)2‬‬

‫وعن أنس بن مالك عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬أال أخربكم برجالكم يف اجلنة؟»‬


‫قلنا‪ :‬بىل يا رس�ول اهلل‪ .‬قال‪« :‬النيب يف اجلنة والصديق يف اجلنة‪ ،‬والش ��هيد يف اجلنة‪،‬‬
‫واملول ��ود يف اجلن ��ة‪ ،‬والرج ��ل ي ��زور أخاه يف ناحي ��ة املصر ال ي ��زوره إال هلل يف اجلنة‪ ،‬أال‬
‫أخربكم بنسائكم يف اجلنة؟» قلنا‪ :‬بىل يا رسول اهلل قال‪« :‬كل ودود ولود إذا غضبت‬
‫أو أس ��يء إليه ��ا أو غض ��ب زوجه ��ا قالت‪ :‬هذه ي ��دي يف يدك ال أكتح ��ل بغمض حتى‬
‫ترضى»(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫مريضا أو زار أخا له يف‬ ‫وعن أيب هريرة قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من عاد‬
‫اهلل ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من اجلنة منزل»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ - ]6714‬املدرجة‪ :‬الطريق ‪ -‬ترب‪ :‬حتفظ وتراعى وتربى‪.‬‬
‫(‪« )2‬املتحابين يف اهلل» [‪ ،]24‬و«الفوائ�د الش�هري بالغيالنيات» أليب بكر الش�افعي [‪ ،]1054‬و«املطالب‬
‫العالية» للحافظ ابن حجر العسقالين [‪ ،]2698‬و«مسند البزار» [‪ ]6466‬حسن‪.‬‬
‫(‪« )3‬املعجم الكبري» للطرباين ‪ ،]15637[ )7 /14( -‬و«املعجم األوسط» للطرباين [‪ ،]1810‬و«شعب‬
‫اإليامن» للبيهقي [‪ ،]8738‬و«الصحيحة» [‪ ،]287‬و«صحيح اجلامع» [‪.]2604‬‬
‫(‪ )4‬حسن‪ :‬رواه الرتمذي [‪]2139‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح سنن الرتمذي» [‪.]1633‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪223‬‬

‫التجاوز عن المعسر‬
‫ع�ن حذيف�ة ‪ I‬عن النب�ي ‪« :0‬أن رجال مات فدخ ��ل اجلنة فقيل له‬
‫م ��ا كنت تعمل ق ��ال فإما ذكر وإما ذكر‪ .‬فقال إني كنت أبايع الناس فكنت أنظر‬
‫املعسر وأجتوز يف السكة أو يف النقد‪ .‬فغفر له»(‪.)1‬‬
‫وع�ن ربع�ي بن ح�راش عن حذيفة قال‪« :‬أت ��ى اهلل بعبد من عب ��اده آتاه اهلل مالاً‬
‫فق ��ال ل ��ه م ��اذا عمل ��ت يف الدنيا ـ ق ��ال وال يكتم ��ون اهلل حدي ًث ��ا ‪ ،‬قال‪ :‬ي ��ا رب آتيتين‬
‫مال ��ك فكن ��ت أبايع الناس وكان من خلقى اجلواز فكنت أتيس ��ر على املوس ��ر وأنظر‬
‫املعس ��ر‪ .‬فق ��ال اهلل أن ��ا أحق بذا منك جتاوزوا عن عبدي»‪ ،‬فق�ال عقبة بن عامر اجلهني‬
‫وأبو مسعود األنصاري هكذا سمعناه من يف رسول اهلل‪.)2(0‬‬

‫وعن أيب مس�عود قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬حوسب رجل ممن كان قبلكم‬
‫فلم يوجد له من اخلري ش ��يء إال أنه كان خيالط الناس وكان موس� � ًرا فكان يأمر‬
‫غلمان ��ه أن يتج ��اوزوا عن املعس ��ر قال‪ :‬ق ��ال اهلل ‪ :D‬حنن أحق بذل ��ك منه جتاوزوا‬
‫عنه»(‪.)3‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬كان رجل يداي ��ن الناس فكان‬
‫يق ��ول لفت ��اه إذا أتيت معس� � ًرا فتج ��اوز عنه لع ��ل اهلل يتجاوز عنا‪ .‬فلق ��ى اهلل فتجاوز‬
‫عنه»(‪.)4‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]4078‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]4079‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]4080‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]4081‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪224‬‬

‫عزل األذى عن الطريق‬


‫عن أيب برزة األس�لمي قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رس�ول اهلل‪ ،‬دلني عىل عمل يدخلني اجلنة أو‬
‫أنتفع به‪ .‬قال‪« :‬اعزل األذى عن طريق املسلمني»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة أن رس�ول اهلل ‪0‬ق�ال‪« :‬بينما رجل ميش ��ي بطريق وجد‬
‫غصن شوك على الطريق فأخره فشكر اهلل له فغفر له»(‪.)2‬‬
‫وع�ن أيب هري�رة ق�ال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬م ��ر ٌ‬
‫رجل بغصن ش ��جرة على‬
‫ظه ��ر طري ��ق فقال واهلل ألحنني هذا عن املس ��لمني ال يؤذيهم‪ .‬فأدخل اجلنة»(‪)3‬وعن‬
‫أيب هريرة عن النبي‪0‬قال‪« :‬لقد رأيت رجلاً يتقلب يف اجلنة يف شجرة من ظهر‬
‫الطريق كانت تؤذي الناس»(‪.)4‬‬

‫وعن أيب هريرة أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬إن ش ��جرة كانت تؤذي املس ��لمني‬
‫فجاء رجل فقطعها فدخل اجلنة»(‪.)5‬‬

‫وع�ن أب�ان ب�ن صمعة حدثني أبو ال�وازع حدثني أب�و برزة قال‪ :‬قل�ت‪ :‬يا نبي اهلل‬
‫علمني شي ًئا أنتفع به قال‪« :‬اعزل األذى عن طريق املسلمني»(‪.)6‬‬

‫ع�ن أيب ال�درداء‪ ،‬ع�ن النب�ي ‪ 0‬ق�ال‪« :‬م ��ن أخ ��رج م ��ن طريق املس ��لمني‬
‫ش ��ي ًئايؤذيهم كت ��ب اهلل ل ��ه ب ��ه حس ��نة‪ ،‬وم ��ن كت ��ب ل ��ه عن ��ده حس ��نة أدخل ��ه به ��ا‬
‫اجلنة»(‪.)7‬‬

‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]6835‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أمحد يف مسنده [‪.]203233‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]6837‬‬ ‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]6836‬‬
‫(‪ )6‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]6839‬‬ ‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]6838‬‬
‫(‪ )7‬صحي�ح‪ :‬رواه الطبراين يف «املعج�م الكبير» (‪ ،]1752[ )253 /20‬وانظ�ر‪« :‬صحي�ح اجلام�ع»‬
‫[‪ ،]5985‬و«الصحيحة» [‪.]2306‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪225‬‬
‫وعن زيد أنه سمع أبا سالم يقول‪ :‬حدثني عبد اهلل بن فروخ أنه سمع عائشة تقول‬
‫إن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬إنه خلق كل إنس ��ان من بين آدم على س ��تني وثالمثائة‬
‫مفصل فمن كرب اهلل ومحد اهلل وهلل وسبح اهلل واستغفر اهلل وعزل حج ًرا عن طريق‬
‫عظما عن طريق الناس وأمر مبعروف أو نهى عن منكر عدد تلك‬
‫الناس أو شوكة أو ً‬
‫الستني والثالمثائة السالمي فإنه ميشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار»(‪.)1‬‬

‫هذه األحاديث املذكورة يف الباب ظاهرة يف فضل إزالة األذى عن الطريق‪ ،‬س�واء‬
‫حج�را يعثر به‪ ،‬أو ق�ذرا‪ ،‬أو جيفة وغري‬
‫ً‬ ‫كان األذى ش�جرة ت�ؤذي‪ ،‬أو غصن ش�وك‪ ،‬أو‬
‫ذلك‪ .‬وإماطة األذى عن الطريق من ش�عب اإليامن كام س�بق يف احلديث الصحيح‪ .‬وفيه‬
‫رضرا(‪.)2‬‬
‫التنبيه عىل فضيلة كل ما نفع املسلمني‪ ،‬وأزال عنهم ً‬
‫مسلما سرته اهلل يف الدنيا‬
‫ً‬ ‫وعن مسلمة بن خملد‪ ،‬أن النبي‪0‬قال‪« :‬من سرت‬
‫واآلخ ��رة‪ ،‬وم ��ن جنى مكروبًا‪ ،‬فك اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن كان يف‬
‫حاجة أخيه كان اهلل يف حاجته»(‪.)3‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2377‬‬


‫(‪« )2‬رشح النووي عىل مسلم» (‪.)450/8‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه عبد الرازق يف مصنفه [‪.]18937‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪226‬‬

‫ترك الحسد والغش‬


‫جلوسا مع رسول اهلل ‪ 0‬فقال‪« :‬يطلع‬
‫ً‬ ‫عن أنس بن مالك ‪ I‬قال‪ :‬كنا‬
‫اآلن عليك ��م رج ��ل من أه ��ل اجلنة»‪ .‬فطلع رجل من األنصار تنط�ف حليته من وضوئه‪،‬‬
‫وق�د تعلق نعليه بيده الشمال‪ .‬فلما كان الغد قال النبي ‪ 0‬مث�ل ذلك‪ ،‬فطلع ذلك‬
‫أيضا‪،‬‬
‫الرج�ل مث�ل املرة األوىل‪ .‬فلما كان اليوم الثالث ق�ال النبي ‪ 0‬مث�ل مقالته ً‬
‫فطل�ع ذلك الرجل على مثل حاله األوىل‪ .‬فلام قام النبي ‪ 0‬تبعه عبد اهلل بن عمرو‬
‫فقال‪ :‬إين الحيت أيب‪ ،‬فأقسمت أن ال أدخل عليه ثال ًثا‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى‬
‫متيض فعلت؟ قال‪ :‬نعم قال أنس‪ :‬فكان عبد اهلل حيدث أنه بات معه تلك الثالث الليايل‪،‬‬
‫فلم يره يقوم من الليل شي ًئا‪ ،‬غري أنه إذا تعار ‪ -‬تقلب عىل فراشه ‪ ،-‬ذكر اهلل ‪ ،D‬وكرب‬
‫حت�ى يق�وم لصالة الفج�ر‪ .‬قال عب�د اهلل‪ :‬غري أين مل أس�معه يقول إال خيرً ا‪ .‬فلام مضت‬
‫الثلاث اللي�ايل‪ ،‬وك�دت أن أحتقر عمله قل�ت‪ :‬يا عبد اهلل‪،‬مل يكن بين�ي وبني أيب غضب‬
‫وال هجرة»‪ ،‬ولكني س�معت رس�ول اهلل ‪0‬يقول لنا ثالث مرات‪« :‬يطلع عليكم‬
‫اآلن رج ��ل من أهل اجلنة»‪ .‬فطلعت أنت الثلاث املرات‪ ،‬فأردت أن آوي إليك‪ ،‬فأنظر‬
‫م�ا عمل�ك فأقتدى بك‪ ،‬فلم أرك عملت كثري عمل‪ ،‬فام الذي بلغ بك ما قال رس�ول اهلل‬
‫‪0‬؟ قال‪ :‬ما هو إال ما رأيت‪ .‬قال‪ :‬فلام وليت دعاين فقال‪ :‬ما هو إال ما رأيت‪ ،‬غري‬
‫أين ال أجد يف نفيس ألحد من املس�لمني ً‬
‫غش�ا‪ ،‬وال أحس�د أحدً ا عىل خري أعطاه اهلل إياه‪.‬‬
‫فقال عبد اهلل‪ :‬هذه التي بلغت بك‪ ،‬وهي التي ال نطيق (‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د [‪ ،]13034‬والنس�ائي يف «الكبرى» [‪ ،]10633‬وصححه الش�يخ األلباين يف‬
‫«صحيح اجلامع» برقم [‪.]3547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪227‬‬

‫إفشاء السالم‪ ،‬وإطعام الطعام‬


‫والصالة بالليل والناس نيام‬
‫ع�ن عبد اهلل بن سلام ‪ I‬قال‪ :‬مل�ا قدم النبي ‪ 0‬املدين�ة انجفل الناس‬
‫قبل�ه(‪ ،)1‬وقي�ل‪ :‬ق�د ق�دم رس�ول اهلل ‪ ،0‬قد ق�دم رس�ول اهلل ‪ ،0‬قد قدم‬
‫رس�ول اهلل ‪ .0‬ثال ًثا‪ ،‬فجئت يف الناس ألنظر‪ ،‬فلام تبينت وجهه‪ ،‬عرفت أن وجهه‬
‫لي�س بوج�ه كذاب‪ ،‬ف�كان أول يشء س�معته تكلم به أن ق�ال‪« :‬يا أيها الناس! أفش ��وا‬
‫السالم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا األرحام‪ ،‬وصلوا بالليل والناس نيام‪ ،‬تدخلوا اجلنة‬
‫بسالم»(‪.)2‬‬
‫أخي املسلم‪ :‬يف هذه «الوصية» يصف «عبد اهلل بن سالم ‪ I‬أمارة من أمارات‬
‫الصدق التي الح سناؤها‪ ،‬وظهر ضياؤها عىل رسول اهلل ‪ ،0‬فيقول‪:‬‬
‫«فجئ ��ت يف الن ��اس ألنظ ��ر‪ ،‬فلم ��ا تبين ��ت وجه ��ه‪ ،‬عرف ��ت أن وجهه لي ��س بوجه‬
‫كذاب»‪ ..‬فدل ذلك عىل أن للصدق ش�ارات‪ ،‬وللكذب عالمات‪ .‬لقد كان رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬من أمجل الناس خل ًقا وخل ًقا‪ ،‬كان كام وصفه عيل بن أيب طالب‪« :‬أجود الناس‬
‫صدرا‪ ،‬وأصدق الناس هلجة‪ ،‬وألينهم عريكة‪ ،‬وأكرمهم عرشة‪ ،‬من رآه بدهية هابه‪ ،‬ومن‬
‫ً‬
‫خالطه معرفة أحبه‪ ،‬يقول ناعته(‪ ،)3‬مل أر قبله وال بعده مثله ‪.»0‬‬
‫إيضاحا فيقول‪« :‬رأيت رس�ول اهلل ‪0‬‬
‫ً‬ ‫ويزيدجابر بن س�مرة ‪ I‬األمر‬
‫يف ليلة إضحيان(‪ ،)4‬وعليه حلة محراء‪ ،‬فجعلت أنظر إليه وإىل القمر‪ ،‬فلهو عندي أحسن‬
‫من القمر»(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬اجنفل الناس قبله؛ أي‪ :‬ذهبوا مرسعني نحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪ ،]2673‬واب�ن ماج�ه [‪ ،]2648‬وصحح�ه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح‬
‫اجلامع» برقم [‪.]3547‬‬
‫(‪ )4‬إضحيان؛ أي‪ :‬مضيئة مقمرة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ناعته؛ أي‪ :‬واصفه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي‪ ،]2345[ ،‬وصححه األلباين يف «خمترص الشامئل»‪ ،‬ص‪.]27[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪228‬‬
‫وعن أيب إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬سأل رجل الرباء بن عازب‪ :‬أكان وجه رسول اهلل ‪0‬‬

‫مثل السيف؟قال‪« :‬ال‪ ،‬بل مثل القمر»(‪.)1‬‬

‫مع الوصية‪:‬‬

‫قوله ‪« :0‬يا أيها الناس! أفشوا السالم»‪ :‬دعوة كريمة من نبي اهلل تدعوهم‬
‫لنرش الوئام وإفشاء السالم‪ ..‬إن املجتمع املتحاب بروح اهلل‪ ،‬امللتقى عىل شعائر اإلسالم‪،‬‬
‫يقيم إخاء العقيدة مقام إخاء النس�ب‪ ،‬وربما ربت رابطة اإليامن عىل رابطة الدم‪ ..‬واحلق‬
‫أن أوارص األخوة يف اهلل هى التي مجعت أبناء اإلسالم أول مرة‪ ،‬وأقامت دولته‪ ،‬ورفعت‬
‫رايته‪ ،‬وعليها اعتمد رس�ول اهلل يف تأس�يس أمة صابرت هجامت الوثنية احلاقدة وس�ائر‬
‫اخلصوم املرتبصني‪ ،‬ثم خرجت بعد رصاع طويل وهي رفيعة العامد وطيدة األركان‪ .‬عىل‬
‫حني ذاب أعداؤها وهلكوا‪.‬‬

‫إن األم�ور تذك�ر بأضداده�ا‪ ،‬ويف عرصنا ه�ذا يذكرنا جتمع اليهود ح�ول باطلهم‬
‫وتطلعهم إىل إقامة ملك هلم‪.‬‬

‫وجميئه�م من املرشق واملغرب نافرين إىل األرض املقدس�ة‪ ،‬تاركني أوطاهنم األوىل‬
‫وما ضمت من ثروات وذكريات يذكرنا هذا االنبعاث عن عقيدة باطلة باالنبعاث األغر‬
‫الذي وقع من أربعة عرش قرنًا‪ ،‬حني يمم املس�لمون من كل فج ش�طر«املدينة»وهاجروا‬
‫من مواطنهم األوىل إىل الوطن الذي اختاروه ليقيموا فيه أول دولة لإلسالم‪.‬‬

‫كانت املدينة التي احتضنت اإلسلام وجمدت كلمت�ه تقيم العالقات بني القاطنني‬
‫والوافدين عىل التباذل يف ذات اهلل‪ ،‬واإليثار عن سماحة رائعة‪ ،‬واملس�اواة بني األنس�اب‬
‫واألجناس‪ ،‬وتبادل االحرتام واحلب‪ ،‬وإشاعة الفضل‪ ،‬وتقديس احلق‪ ،‬وإسداء املعروف‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]2354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪229‬‬
‫ع�ن رغبة في�ه ال عن تكليف به‪ :‬ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ‬
‫ﯽ] [‪.]9 :s‬‬

‫وه�ذه عالئم اإلخ�اء الصحيح‪ ،‬إخاء العقي�دة اخلالصة لوج�ه اهلل‪ ،‬ال إخاء املنافع‬
‫الزائلة‪ ،‬وال إخاء الغايات الدنيا‪.‬‬

‫وكانت تعاليم اإلسلام ترعى هذا اإلخاء حت�ى ال يعدو عليه ما يكدره‪ ،‬فال جيوز‬
‫ملسلم أن يسبب ألخيه قل ًقا‪ ،‬أو يثري يف نفسه فز ًعا‪.‬‬
‫مسلما»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ويف احلديث‪« :‬ال حيل ملسلم أن يروع‬
‫وقال رسول اهلل ‪« :0‬من أشار إىل أخيه حبديدة فإن املالئكة تلعنه حتى‬
‫ينتهي‪ ،‬وإن كان أخاه ألبيه وأمه»(‪.)2‬‬
‫اً‬
‫ش�امل‪ ،‬ب�ث يف أكن�اف املجتم�ع السلام‬ ‫وهب�ذه الوصاي�ا كان�ت األخ�وة تأمينً�ا‬
‫والطمأنينة‪.)3(..‬‬
‫وهذا هو املقصود من قوله ‪« :0‬أفشوا السالم»‪.‬‬
‫أجرا حس�نًا‪ :‬فعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال‬
‫ثم أثاب اإلسلام عىل إلقاء السالم ً‬
‫رس�ول اهلل ‪« :0‬ل ��ن تدخل ��وا اجلن ��ة حت ��ى تؤمنوا‪ ،‬ول ��ن تؤمنوا حت ��ى حتابوا‪،‬‬
‫أال أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟ أفشوا السالم بينكم»(‪.)4‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو‪ :‬أن اً‬
‫رجل سأل رسول اهلل ‪ :0‬أي اإلسالم خري؟‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪]1523‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]2354‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]1235‬‬
‫(‪« )3‬خلق املسلم»‪ ،‬ص‪ )177 ،176( :‬لإلمام الغزايل‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2754‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪230‬‬
‫قال‪« :‬تطعم الطعام‪ ،‬وتقرأ الس�ل�ام على من عرفت‪ ،‬ومن مل تعرف» متفق عليه‪.‬‬
‫وجعل اإلسلام رد السلام من حق املس�لم عىل أخيه املسلم‪ :‬فعن أيب هريرة ‪ I‬أن‬
‫رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬حق املس ��لم على املسلم مخس‪ :‬رد السالم‪ ،‬وعيادة املريض‪،‬‬
‫واتباع اجلنائز‪ ،‬وإجابة الدعوة‪ ،‬وتشميت العاطس»(‪.)1‬‬

‫وجعل كذلك إفش�اء السلام طري ًقا للمع�ايل‪ :‬فعن أيب ال�درداء ‪ I‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪« :0‬أفشوا السالم كي تعلوا»(‪.)2‬‬

‫والبادئ بالسالم أوىل الناس باهلل ‪ :!!c‬فعن أيب أمامة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪« :0‬إن أوىل الناس باهلل من بدأهم بالسالم»(‪.)3‬‬

‫آداب إلقاء السالم‪:‬‬


‫وض�ع اإلسلام آدا ًبا إللقاء السلام‪ ،‬من ذلك‪ :‬قوله ‪« :0‬يس ��لم الراكب‬
‫على املاشي‪ ،‬واملاشي على القاعد‪ ،‬واملاشيان أيهما بدأ‪ ،‬فهو أفضل»(‪.)4‬‬

‫ع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إذا انته ��ى أحدكم إىل‬
‫اجمللس فليسلم‪ ،‬فإذا أراد أن يقوم فليسلم‪ ،‬فليست األوىل بأحق من اآلخرة»(‪.)5‬‬

‫وعن أنس‪ ،‬قال‪ :‬كنا إذا كنا مع رس�ول اهلل ‪ 0‬فتفرق بيننا ش�جرة فإذا التقينا‬
‫يسلم بعضنا عىل بعض(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬ومسلم [‪.]1234‬‬


‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه الطرباين بإسناد حسن «الرتغيب» [‪ ،]3984‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع»‬
‫[‪.]1354‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬انظر‪« :‬صحيح سنن أيب داود» [‪.]4328‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البزار وابن حبان‪ ،‬وقال اهليثمي‪ :‬رجاله رجال الصحيح‪« .‬املجمع» (‪.)36/8‬‬
‫(‪ )5‬حسن صحيح‪ :‬انظر‪« :‬صحيح سنن أيب داود» [‪.]4340‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطرباين بإسناد حسن‪« ،‬الرتغيب» [‪.]3989‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪231‬‬
‫وعن عمران بن حصني ‪ I‬قال‪ :‬جاء رجل إىل النبي ‪ 0‬فقال‪« :‬السالم‬
‫عليكم»‪.‬‬

‫ف�رد عليه ث�م جلس‪ ،‬فقال النبي ‪« :0‬عرش»‪ .‬ثم جاء آخر‪ ،‬فقال‪« :‬الس�ل�ام‬
‫عليكم ورمحة اهلل»‪ .‬فرد فجلس‪ ،‬فقال‪« :‬عشرون»‪ .‬ثم جاء آخر ‪ ،‬فقال‪« :‬السالم عليكم‬
‫ورمحة اهلل وبركاته»‪ .‬فرد‪ ،‬فجلس‪ ،‬فقال‪« :‬ثالثون»(‪.)1‬‬

‫واس�تبدال هذه التحية املباركة بغريها مما ابتدعه الناس مثل‪« :‬صباح اخلري» وغري‬
‫ذل�ك‪ ،‬يفوت على الناس هذا الثواب الكبري‪ ،‬أضف إىل ذلك ضياع هذه الس�نة املباركة‪،‬‬
‫واإلعانة عىل موهتا بني الناس‪.‬‬

‫قوله ‪« :0‬وأطعموا الطعام»‪ ،‬دعوة للجود‪ ،‬وحث عىل اإليثار‪.‬‬

‫واعل�م ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬أن أرشف مالب�س الدنيا‪ ،‬وأزين حللها‪ ،‬وأجلبها حلمد‪،‬‬
‫وأدفعها لذم وأسرتها لعيب‪ :‬كرم طبيعة يتحىل هبا السمح الرسي‪ ،‬واجلواد السخي‪.‬‬

‫ولو مل يكن يف الكرم إال أنه صفة من صفات اهلل ‪ c‬تسمى هبا لكفى‪ ،‬فهو الكريم‬
‫كريم من خلقه‪ ،‬فقد تسمى باسمه‪ ،‬واحتذى عىل صفته(‪.)2‬‬
‫‪ ،D‬ومن كان اً‬
‫قال رسول اهلل ‪ 0‬يف احلديث الصحيح‪« :‬إن اهلل كريم حيب الكرم‪ ،‬وحيب‬
‫معالي األخالق‪ ،‬ويكره سفسافها»‪.‬‬

‫أخ ��ي‪ :‬وما ق�در كرسة تعطيها؟‪ ،‬أو ما س�معت أن ال�رب يربيه�ا‪ ،‬فرياها صاحبها‬
‫كجب�ل أحد‪ ،‬أفريغب عن مث�ل هذا اخلري أحد؟!!‪ .‬واعجبا للقم�ة كانت قليلة فكثرت‪،‬‬
‫وفانية فبقيت‪ ،‬وحمفوفة(‪ )3‬فحفظت‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬أيب داود [‪ ،]4327‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]2345‬‬
‫(‪ )3‬حمفوفة‪ :‬زائلة‪.‬‬ ‫(‪« )2‬العقد الفريد» (‪ )225/1‬البن عبد ربه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪232‬‬
‫أما علمت أن الصدقة إذا صدقت يف إخراجها نفس تقى‪ ،‬تقى ميتة السوء‪ ،‬وتطفئ‬
‫غضب الرب؟!‪.‬‬

‫إن اللقم�ة إذا أكلت صارت أذى وقبائح يف احلش‪ ،‬وإذا تصدقت هبا صارت ذات‬
‫مدائح عند العرش‪.‬‬
‫إن الصدقة رسيعة اخللف‪ ،‬وحافظة بعد املوت للخلف‪.‬‬
‫واعل�م أن إنف�اق حب�ة يثم�ر ل�ك الوف�اق واملحب�ة [ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ]‬
‫[‪ .]261 :2‬ث�م ق�در أنك ال تثاب عىل ه�ذه اللقمة‪ ،‬أين احلنو على األخ والرمحة؟! قد‬
‫ومسافرا‪ ،‬فإذا فضلت لقامت ألقاهن عىل‬
‫ً‬ ‫حارضا‬
‫ً‬ ‫كافرا(‪ ،)1‬وكان يطعم‬
‫كان حاتم الطائي ً‬
‫الرمل‪ ،‬وقال‪« :‬إهنن جارات» ‪ -‬يعني النمل ‪.!! -‬‬

‫كان الصاحل�ون يثورون إىل اإليثار وأنت رصاصة(‪[ )2‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬


‫ﯽ] [‪.]9 :s‬‬
‫ت� �س ��ام� �ع ��وا ب� �ك ��ري ��م ن� ��ال� ��ه ع ��دم‬ ‫وك ��ان ال �ك��رام وأب �ن��اء ال �ك��رام إذا‬
‫منهم ويرجع باقيهم وق��د ندموا‬ ‫ت �س��اب �ق��وا ف �ي��واس �ي��ه أخ� ��و كرم‬
‫وي�ن�ك��رون على املعطى إذا علموا‬ ‫فاليوم صاروا يعدون الندى سر ًفا‬
‫فال�زم فعل اخلير مكانك‪ ،‬وأطعم الرب إمكانك‪ ،‬وأقرض رب�ك فقد ربك‪ ،‬وعامل‬
‫م�والك بام أوالك‪ ،‬وال تردن س�ائال بلا‪ ،‬فإنه موت عنده بل بلى‪ ،‬وال تكن من البخالء‪.‬‬
‫وقانا اهلل وإياك أدوى داء‪.‬‬
‫قال ‪« :0‬وأى داء أدوى من البخل؟!»‪.‬‬
‫واعلم يا أخي أنه ما قال املجد‪ :‬واطرباه حتى يصيح املال‪ :‬واحرباه‪.‬‬

‫(‪ )2‬يرضب اً‬


‫مثل يف سوء اهتامم الرجل بشأن صاحبه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هو والد عدي بن حاتم ‪.I‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪233‬‬
‫ول � �ل � �ح� ��وادث وال� � � � ��وارث م� ��ا ي ��دع‬ ‫يعين البخيل جبمع امل ��ال مدته‬
‫وغ�ي�ره���ا ب���ال���ذي ت �ب �ن �ي��ه ينتفع‬ ‫ك� ��دودة ال �ق��ز م��ا تبنيه يهدمها‬
‫‪[ :6‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ] [‪.]39 :4‬‬
‫قال رسول اهلل ‪« :0‬قال اهلل ‪ :D‬أنفق أنفق عليك»(‪.)1‬‬
‫وقال رسول اهلل ‪« :0‬أنفق يا بالل‪ ،‬وال ختش من ذى العرش إقالل»(‪.)2‬‬
‫كي�ف ينقص ملك هو قيمة! أب�واب العباد مغلقة‪ ،‬ومفاتيح األب�واب بيدية‪ ،‬وبابه‬
‫مفتوح ملن دعاه(‪.)3‬‬

‫وقال رس�ول اهلل ‪« :0‬أميا مس ��لم كس ��ا مس � ً‬


‫�لما ثوبًا على عرى‪ ،‬كساه‬
‫�لما على ج ��وع‪ ،‬أطعمه اهلل ‪c‬‬
‫وأيا مس ��لم أطعم مس � ً‬
‫اهلل تع ��اىل من خضر اجلنة‪ ،‬مُّ‬
‫مسلما على ظمأ‪ ،‬سقاه اهلل ‪ c‬يوم‬
‫ً‬ ‫يوم القيامة من مثار اجلنة‪ ،‬وأميا مسلم سقى‬
‫القيامة من الرحيق املختوم»(‪.)4‬‬

‫وع�ن عب�د اهلل ب�ن مس�عود‪ ،‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬جت ��اوزوا عن ذنب‬
‫السخي‪ ،‬فإن اهلل آخذ بيده كلما عثر»(‪.)5‬‬

‫وقال ‪« :0‬أفضل األعمال أن تدخل على أخيك املؤمن س ��رو ًرا‪ ،‬أو تقضى‬
‫عنه دي ًنا‪ ،‬أو تطعمه خب ًزا»(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬ومسلم [‪]1247‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البزار وغريه‪ ،‬وانظر‪« :‬صحيح اجلامع» [‪.]1508‬‬
‫(‪« )3‬صالح األمة» (‪ )507،508/2‬للشيخ العفاين‪.‬‬
‫(‪ )4‬حسن‪ :‬رواه أمحد [‪ ،]2/534‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]2547‬‬
‫(‪ )5‬حسن‪ :‬رواه الدراقطني وغريه‪.‬‬
‫(‪)6‬حسن‪ :‬رواه القضاعي [‪ ،]2354‬وانظر‪« :‬صحيح اجلامع» [‪.]3289‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪234‬‬

‫صور ومواقف من حياة أهل الكرم‪:‬‬

‫األش ��عريون‪ :‬ومثل أعىل يف الكرم‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن األش ��عريني إذا‬
‫أرمل ��وا يف الغ ��زو أو قل طعام عياهلم باملدينة‪ ،‬جعلوا م ��ا كان عندهم يف ثوب واحد‪،‬‬
‫ثم اقتسموه بينهم يف إناء واحد بالسوية‪ ،‬فهم منى وأنا منهم»(‪.)1‬‬

‫صهيب ‪ I‬على الطريق‪:‬‬


‫فقد كان ‪ I‬كثري اإلنفاق يف سبيل اهلل‪ ،‬يرسف يف إطعام الطعام!!‬
‫قال محزة لصهيب‪ :‬فيك رسف يف الطعام!‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إين سمعت رسول اهلل ‪0‬يقول‪« :‬خياركم من أطعم الطعام»(‪.)2‬‬
‫ومن قبل هؤالء‪ :‬س�يد الكرماء ‪ ،0‬ومواقف النبي ‪ 0‬يف اجلود أكثر‬
‫من أن حتىص‪ ،‬نذكر منها‪ :‬عن سهل بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬جاءت امرأة إىل النبي ‪ 0‬بربدة‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬أكسوك هذه‪.‬‬

‫حمتاجا إليها‪ ،‬فلبس�ها‪ ،‬فرآه�ا عليه رجل م�ن الصحابة‪،‬‬


‫ً‬ ‫فأخذه�ا النب�ي ‪0‬‬

‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما أحسن هذه‪ ،‬فاكسنيها!‪.‬‬


‫فقال‪« :‬نعم»‪.‬‬
‫فلما ق�ام النب�ي ‪ ،0‬الم�ه أصحاب�ه فقال�وا‪ :‬ما أحس�نت حني رأي�ت النبي‬
‫حمتاجا إليها‪ ،‬ثم سألته إياها‪ ،‬وقد عرفت أنه ال يسأل شي ًئا فيمنعه‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ 0‬أخذها‬
‫فقال‪« :‬رجوت بركتها حني لبسها النبي‪ ،0‬لعىل أكفن فيها!!»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬ومسلم [‪.]1274‬‬


‫(‪ )2‬حس�ن‪ :‬رواه أب�و الش�يخ يف كت�اب «الث�واب»‪ ،]1254[ ،‬وق�ال الش�يخ األلباين‪« :‬حس�ن»‪ .‬وانظر‪:‬‬
‫«صحيح الرتغيب» (‪.)396/1‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]2547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪235‬‬
‫وكان ج�وده ‪ 0‬بجمي�ع أنواع اجلود م�ن بذل العلم واملال‪ ،‬وبذل نفس�ه هلل‬
‫‪ c‬يف إظهار دينه وهداية عباده‪ ،‬وإيصال النفع إليهم بكل طريق‪ ،‬من إطعام جائعهم‪،‬‬
‫ووعظ جاهلهم‪ ،‬وقضاء حوائجهم‪ ،‬وحتمل أثقاهلم‪ ،‬ومل يزل ‪ 0‬عىل هذه اخلصال‬
‫احلميدة منذ نشأ‪ ،‬وهلذا قالت له خدجية ‪ J‬يف أول مبعثه‪« :‬واهلل ال خيزيك اهلل ً‬
‫أبدا‪،‬‬
‫إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتقرى الضيف‪ ،‬وحتمل الكل‪ ،‬وتكس ��ب املعدوم‪ ،‬وتعني على نوائب‬
‫احلق»‪ .‬ثم تزايدت هذه اخلصال فيه بعد البعثة‪ ،‬وتضاعفت أضعا ًفا كثرية‪.‬‬

‫ويف «صحيح مس�لم» عن أنس‪ ،‬قال‪:‬ما س�ئل رسول اهلل ‪ 0‬شي ًئا إال أعطاه‪،‬‬
‫غنم بني جبلين‪ ،‬فرجع إىل قومه فق�ال‪ :‬يا قوم‪ ،‬أس�لموا فإن حممدً ا‬
‫فج�اء رج�ل فأعطاه اً‬
‫يعطي عطاء من ال خيشى الفقر‪.‬‬
‫ث �ن��اه��ا ل�ق�ب��ض مل جت �ب��ه أنامله‬ ‫ت �ع��ود ب �س��ط ال �ك��ف ح �ت��ى ل��و أنه‬
‫ك��أن��ك تعطيه ال��ذي أن��ت سائله‬ ‫ت� � � ��راه إذا م � ��ا ج� �ئ� �ت ��ه متهلل‬
‫فلجته امل �ع��روف واجل���ود ساحله‬ ‫هو البحر من أي النواحي أتيته‬
‫جل � ��اد ب� �ه ��ا ف �ل �ي �ت��ق اهلل سائله‬ ‫ول��و مل ي�ك��ن يف ك�ف��ه غ�ير روحه‬
‫أبو المساكين «جعفر بن أبي طالب»‪:‬‬

‫ع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪« :‬ما احت�ذى النعال‪ ،‬وال ركب املطايا بعد رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬أفضل من جعفر بن أيب طالب»(‪ .)1‬يعني‪ :‬يف اجلود والكرم‪.‬‬

‫جعفرا أبا املس�اكني‪ .‬كان يذهب بنا إىل‬


‫ً‬ ‫أيضا ‪ -‬قال‪ :‬كنا نس�مى‬
‫وعن أيب هريرة ‪ً -‬‬
‫بيته‪ ،‬فإذا مل جيد لنا شي ًئا‪ ،‬أخرج إلينا عكة(‪ )2‬أثرها عسل‪ ،‬فنشقها ونلعقها(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪]1254‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» [‪.]1234‬‬
‫(‪ )2‬العكة‪ :‬ظرف السمن‪.‬‬
‫(‪ )3‬حسن‪ :‬أورده الذهبي يف «السري» (‪.)217/2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪236‬‬

‫سعد بن عبادة ‪ I‬على الطريق‪:‬‬

‫ص�ح عن «ع�روة ب�ن الزبري» أنه ق�ال‪ :‬كان منادى «س�عد ب�ن عبادة» ين�ادي عىل‬
‫(‪)1‬‬
‫وحلم فليأت سعدا‪.‬‬
‫شحم اً‬
‫أطمه ‪ :‬من كان يريد اً‬
‫وكان «س�عد» يق�ول‪« :‬الله�م ه�ب يل مح�دً ا‪ ،‬وه�ب يل جم�دً ا‪ ،‬وال جم�دإال بفعال‪،‬‬
‫وال فعال إال بامل‪ ،‬اللهم إنه ال يصلحني القليل‪ ،‬وال أصلح عليه»(‪.)2‬‬

‫وولده قيس عىل األثر‪ :‬فعن جابر ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬بعثهم يف بعث‪،‬‬
‫عليهم «قيس بن سعد بن عبادة» فجهدوا‪ ،‬فنحر هلم «قيس بن سعد» تسع ركائب‪.‬‬

‫ق�ال عم�رو يف حديث�ه‪ :‬فق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن اجل ��ود مل ��ن ش ��يمة ذلك‬
‫البيت»(‪.)3‬‬
‫وي�� � ��زرع إال يف م �ن��اب �ت��ه النخل‬ ‫وه ��ل ي�ن�ب��ت اخل �ط��ى إال وشيجه‬
‫فيا أخا اإلسالم‪ :‬هكذا كان أهل اجلودوالكرم‪ ،‬فكن عىل األثر‪ ،‬وهبداهم اقتده‪.‬‬

‫قول�ه ‪« :0‬وصل ��وا األرحام»‪ :‬فمر احلدي�ث عن صلة الرح�م‪ .‬ونذكر هنا‬
‫بعض فوائد صلة األرحام‪ :‬فمن فوائد صلة الرحم‪:‬‬

‫‪ -1‬قوله ‪« :0‬من سره أن يبسط له يف رزقه‪ ،‬وأن ينسأ له يف أثره فليصل‬


‫رمحه»(‪.)4‬‬
‫ومعنى‪« :‬ينسأ»؛ أي‪ :‬يؤخر له‪« .‬يف أثره»؛ أي‪ :‬يف أجله‪:‬‬

‫(‪ )1‬األطم‪ :‬احلصن‪.‬‬


‫(‪« )2‬صالح األمة» (‪ )536/2‬للشيخ العفاين‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه الدراقطني يف «املس�تجاد»‪ ،‬ص‪ ،]69[ :‬وصححه الش�يخ األلباين يف «صحيح اجلامع»‬
‫برقم [‪.]1354‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]3547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪237‬‬
‫ال ينقضي العمر حتى ينتهي األثر‬ ‫وامل � ��رء م ��ا ع���اش مم� ��دود ل ��ه أمل‬
‫‪ -2‬وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن اهلل ليعمر بالقوم الديار‪،‬‬
‫بغضا هل ��م!!»‪ .‬قي�ل‪ :‬وكيف ذاك‬
‫ويثم ��ر هل ��م األم ��وال وم ��ا نظر إليه ��م منذ خلقه ��م ً‬
‫يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬بصلتهم أرحامهم»(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬وع�ن اب�ن عم�ر‪ ،‬قال‪ :‬أتى رجل رس�ول اهلل ‪ 0‬فق�ال‪ :‬إين أذنبت ذن ًبا‬
‫عظيًم� فه�ل يل من توبة؟ فقال‪« :‬هل لك من أم؟» ق�ال‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬فهل لك من خالة؟»‪.‬‬
‫اً‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬فربها»(‪.)2‬‬
‫فدل ذلك عىل أن الرب وصلة الرحم من أسباب تكفري السيئات‪.‬‬

‫قول ��ه ‪« :0‬وصلوا باللي ��ل والناس نيام»‪ :‬دليل عىل أمهية قيام الليل‪ ،‬واهلل‬
‫‪ c‬م�دح القائمين بين يديه والناس ني�ام‪ ،‬فق�ال ‪[ :D‬ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ] [‪.]17 - 16 :0‬‬

‫‪[ :6‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ] [‪.]18 - 15 :c‬‬
‫وك ��م تقضت هل��م ب��ال�ل�ي��ل لذات‬ ‫كم قد صفت لقلوب القوم أوقات‬
‫ذكر احلبيب وصرف الدمع كاسات‬ ‫والليل دس�ك��رة العشاق جيمعهم‬
‫وم��ن س��واه��م أن��اس بالكرى ماتوا‬ ‫م ��ات ��وا ف��أح �ي��اه��م إح� �ي ��اء ليلهم‬
‫ت �ه �ت �ك��وا وص �ب��ت م �ن �ه��م صبابات‬ ‫مل��ا جتلى هل��م واحل�ج��ب ق��د رفعت‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه الطبراين يف «الرتغي�ب» [‪ .]3711‬و صحح�ه الش�يخ األلب�اين يف «صحي�ح اجلامع»‬
‫[‪.]1354‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي [‪ ،]1554‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح سنن الرتمذي» [‪.]2354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪238‬‬
‫وأظ� �ه���رت س ��ر م �ع �ن��اه��م إش � ��ارات‬ ‫وغيبتهم عن األك��وان يف حجب‬
‫ص ��ب هل ��م ب �ق �ي��ام ال �ل �ي��ل ع� ��ادات‬ ‫ساقي القلوب هو احملبوب يشهده‬
‫(‪)1‬‬
‫ول�ل��وص��ول م��ن اهل �ج��ران آف ��ات‬ ‫إذا صفا الوقت خافوا من تكدره‬
‫وع�ن عب�د اهلل بن عم�رو‪ ،‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل‪« :0‬من قام بعش ��ر آيات‪،‬‬
‫مل يكت ��ب م ��ن الغافل�ي�ن‪ ،‬ومن ق ��ام مبائة آية كتب م ��ن القانتني ومن ق ��ام بألف آية‬
‫كتب من املقنطرين»(‪.)2‬‬

‫صور ومواقف من حياة «رهبان الليل»‪:‬‬


‫كان عىل رأس هؤالء القوم س�يد العابدين ‪ :0‬عن املغرية بن شعبة ‪I‬‬
‫أن النب�ي ‪ 0‬صلى حت�ى انتفخت قدم�اه‪ ،‬فقيل ل�ه أتكلف هذا وق�د غفر اهلل لك‬
‫ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟‬
‫فقال‪« :‬أفال أكون عبدًا شكو ًرا»(‪.)3‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ I‬قال‪ :‬صليت مع رسول اهلل ‪ 0‬فأطال حتى مهمت‬
‫بأمر سوء‪.‬‬
‫قيل‪ :‬وما مهمت به؟ قال‪ :‬مهمت أن أجلس وأدعه(‪.)4‬‬
‫قيام عمر بن الخطاب ‪:I‬‬

‫ق�ال اب�ن كثير ‪« :V‬كان ‪ -‬أي‪ :‬عمر ‪ -‬يصيل بالناس العش�اء ث�م يدخل بيته‪،‬‬
‫فال يزال يصيل إىل الفجر!!»‪.‬‬

‫(‪« )1‬طبقات الشافعية» (‪.)201/9‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]2354‬وانظر‪« :‬صحيح اجلامع» [‪.]6315‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬ومسلم [‪.]1247‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2547‬ومسلم [‪.]1247‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪239‬‬
‫وكان ‪ I‬يق�ول ملعاوية بن خديج‪« :‬لئن منت بالنهار ألضيعن الرعية‪ ،‬ولئن‬
‫منت بالليل ألضيعن نفسي‪ ،‬فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟!»(‪.)1‬‬

‫قيام أيب رحيانة ‪ :I‬عن موىل أليب رحيانة‪ ،‬قال‪ :‬قفل أبو رحيانة من بعث غزا فيه‪،‬‬
‫فلام انرصف أتى أهله فتعش�ى من عش�ائه‪ ،‬ثم دعا بوضوء فتوضأ منه‪ ،‬ثم قام إىل مسجده‬
‫فقرأ س�ورة‪ ،‬ثم أخرى‪ ،‬فلم يزل كذلك مكانه‪ ،‬كلام فرغ من س�ورة افتتح األخرى‪ ،‬حتى‬
‫إذا أذن املؤذن من الس�حر‪ ،‬ش�د عليه ثيابه‪ ،‬فأتته امرأته‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا رحيانة‪ ،‬قد غزوت‬
‫فتعبت يف غزوتك‪ ،‬ثم قدمت إىل‪ ،‬مل يكن يل منك حظ ونصيب!!‪.‬‬
‫فقال‪ :‬بىل‪ ،‬واهلل ما خطرت يل عىل بال‪ ،‬ولو ذكرتك لكان لك عىل حق!!‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فام الذي يشغلك يا أبا رحيانة؟‪.‬‬
‫ق�ال‪ :‬مل ي�زل هيوى قلب�ي فيام وص�ف اهلل يف جنته من لباس�ها وأزواجه�ا ونعيمها‬
‫ولذاهتا‪ ،‬حتى سمعت املؤذن»(‪.)2‬‬

‫أخي‪ :‬هكذا كانوا‪ ،‬فبهداهم اقتده‪ ،‬تدخل اجلنة ‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬بسالم‪ ،‬واستعن باهلل‬
‫وال تعجز‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬الزهد»‪ ،‬ص‪ ]122[ :‬لإلمام أمحد‪.‬‬


‫(‪« )2‬الزهد والرقائق»‪ ،‬ص‪ ]304[ :‬البن املبارك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪240‬‬

‫الخوف من اهلل‬
‫قال اهلل ‪[ :D‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ] [‪.]46 :k‬‬

‫وقال اهلل ‪ [ :D‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ]‬


‫[‪]41 - 40:W‬‬

‫واخل ��وف م ��ن اهلل‪ :‬ال ي�راد به ما خيط�ر بالبال م�ن الرعب كاستش�عار اخلوف من‬
‫األسد‪ ،‬بل إنام يراد به الكف عن املعايص واختيار الطاعات‪.‬‬

‫ولذل�ك قيل‪ :‬ال يعد خائ ًفا من كان للذن�وب تاركًا‪ ،‬والتخويف من اهلل‪ :‬هو احلث‬
‫عىل التحرز‪ ،‬وعىل ذلك قوله ‪[ :c‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ] [‪.]16 :E‬‬

‫ق�ال اإلم�ام ابن القيم‪ :‬منزلة «اخل�وف»‪ :‬من أجل منازل الطري�ق وأنفعها للقلب‪.‬‬
‫وهى فرض عىل كل أحد‪.‬‬
‫‪[ :4‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ] [‪.]175:4‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭻ ﭼ] [‪.]40 :2‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ] [‪.]44 :8‬‬
‫وم�دح أهله يف كتابه وأثنى عليهم فقال‪[ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ]‪ -‬إىل‬
‫قوله‪[ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ] [‪.]61 - 57 :i‬‬

‫ويف «املس�ند» والرتمذي عن عائش�ة ‪ J‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬قول اهلل‪:‬‬
‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ] [‪.]60 :i‬‬

‫أهو الذي يزين‪ ،‬ويرشب اخلمر‪ ،‬ويرسق؟‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪241‬‬
‫ق�ال‪« :‬ال‪ ،‬ي�ا ابن�ة الصدي�ق‪ .‬ولكن�ه الرجل يصوم ويصلي ويتص�دق‪ .‬وخياف أن‬
‫ال يقبل منه»(‪.)1‬‬

‫ق�ال احلس�ن‪« :‬عملوا واهلل بالطاعات‪ ،‬واجتهدوا فيه�ا‪ ،‬وخافوا أن ترد عليهم‪ ،‬إن‬
‫املؤمن مجع إحسانًا وخشية‪ ،‬واملنافق مجع إساء ًة وأمنًا»‪.‬‬
‫و«الوجل» و«اخلوف» و«اخلشية» و«الرهبة» ألفاظ متقاربة غري مرتادفة‪.‬‬
‫قال اجلنيد ‪« :V‬اخلوف توقع العقوبة عىل جمارى األنفاس»‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اخلوف اضطراب القلب وحركته من تذكر املخوف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اخلوف قوة العلم بمجارى األحكام‪ ،‬وهذا سبب اخلوف‪ ،‬ال أنه نفسه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اخلوف هرب القلب من حلول املكروه عند استشعاره‪.‬‬
‫و«اخلشية» أخص من اخلوف‪ .‬فإن اخلشية للعلامء باهلل‪.‬‬

‫‪ [ :4‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] [‪ .]28 :6‬فه�ى خ�وف مقرون‬


‫بمعرفة‪.‬‬
‫وقال النبي ‪«0‬إني أتقاكم هلل‪ ،‬وأشدكم له خشية»(‪.)2‬‬
‫فصاحب اخلوف‪ :‬يلتجئ إىل اهلرب‪ ،‬واإلمساك‪.‬‬
‫وصاحب اخلشية‪ :‬يلتجئ إىل االعتصام بالعلم‪.‬‬
‫ومثلها مثل من ال علم له بالطب‪ ،‬ومثل الطبيب احلاذق‪ ،‬فاألول يلتجئ إىل احلمية‬
‫واهلرب‪ .‬والطبيب يلتجئ إىل معرفته باألدوية واألدواء‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أمحد (‪ ،)159/6‬والرتمذي [‪ ،]3175‬واحلاكم (‪ )393/2‬وصححه الش�يخ األلباين‬


‫يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]3547‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]12354‬ومسلم [‪.]1547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪242‬‬
‫قال أبو حفص‪« :‬اخلوف سوط اهلل‪ ،‬يقوم به الشاردين عن بابه»‪.‬‬
‫وق�ال‪« :‬اخل�وف رساج يف القل�ب‪ ،‬به يبرص م�ا فيه من اخلري والشر‪ ،‬وكل أحد إذا‬
‫خفت�ه هرب�ت منه إال اهلل ‪ ،D‬فإنك إذا خفته هربت إلي�ه»‪ .‬فاخلائف هارب من ربه إىل‬
‫ربه‪.‬‬
‫قال أبو سليامن ‪« :V‬ما فارق اخلوف قل ًبا إال خرب»‪.‬‬
‫وق�ال إبراهي�م ب�ن س�فيان ‪« :V‬إذا س�كن اخل�وف القل�وب أح�رق مواضع‬
‫الشهوات منها‪ ،‬وطرد الدنيا عنها»‪.‬‬

‫واخل�وف لي�س مقصو ًدا لذاته‪ ،‬بل ه�و مقصود لغريه قصد الوس�ائل‪ ،‬وهلذا يزول‬
‫بزوال اخلوف‪ ،‬فإن أهل اجلنة ال خوف عليهم وال هم حيزنون(‪.)1‬‬

‫فضيلة الخوف والترغيب فيه‪:‬‬

‫اعل�م ‪ -‬أخ�ي الكري�م ‪ -‬أن فضل اخلوف ت�ارة يع�رف بالتأمل واالعتب�ار‪ ،‬وتارة‬
‫باآليات واألخبار‪.‬‬

‫أم ��ا االعتب ��ار‪ :‬فس�بيله أن فضيل�ة اليشء بق�در غنائ�ه يف اإلفضاء إىل س�عادة لقاء‬
‫اهلل ‪ c‬يف اآلخ�رة‪ ،‬إذ ال مقصود س�وى الس�عادة‪ ،‬وال س�عادة للعب�د إال يف لقاء مواله‬
‫والقرب منه‪ ،‬فكل ما أعان عليه فله فضيلة‪ ،‬وفضيلته بقدر غايته‪ ،‬وقد ظهر أنه ال وصول‬
‫إىل سعادة لقاء اهلل يف اآلخرة إال بتحصيل حمبته واألنس به يف الدنيا‪ ،‬وال حتصل املحبة إال‬
‫باملعرفة‪ ،‬وال حتصل املعرفة إال بدوام الفكر‪ ،‬وال حيصل األنس إال باملحبة ودوام الذكر‪،‬‬
‫وال تتيرس املواظبة عىل الذكر والفكر إال بانقطاع حب الدنيا من القلب‪ ،‬وال ينقطع ذلك‬
‫إال برتك لذات الدنيا وشهواهتا وال يمكن ترك املشتهيات إال بقمع الشهوات‪ ،‬وال تنقمع‬

‫(‪« )1‬هتذيب مدارج السالكني» البن القيم (‪ .)237 ،236‬الشيخ‪/‬حممد بيومي‪ ،‬ط‪« :‬مكتبة اإليامن»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪243‬‬
‫الشهوة بيشء كام تنقمع بنار اخلوف‪ ،‬فاخلوف هو النار املحرقة للشهوات‪ ،‬فإن فضله بقدر‬
‫ما حيرق من الش�هوات وبقدر ما يكف عن املعايص وحيث عىل الطاعات‪ ،‬وخيتلف ذلك‬
‫باختلاف درجات اخل�وف‪ ،‬وكيف ال يكون اخلوف ذا فضيلة وب�ه حتصل العفة والورع‬
‫والتقوى واملجاهدة وهي األعامل الفاضلة املحمودة التي تقرب إىل اهلل زلفى‪.‬‬

‫وأم ��ا بطري ��ق االقتباس من اآلي ��ات واألخبار‪ :‬فما ورد يف فضيل�ة اخلوف خارج‬
‫ع�ن احلرص‪ ،‬وناهي�ك داللة عىل فضيلة مج�ع اهلل ‪ c‬للخائفني اهل�دى والرمحة والعلم‬
‫والرض�وان وهى جمامع مقامات أه�ل اجلنان‪[ :4 :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ] [‪.]154 :C‬‬
‫‪[ :4‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] [‪ .]28 :6‬وصفه�م بالعل�م‬
‫خلشيتهم‪.‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ] [‪.]8 :8‬‬
‫وكل ما دل عىل فضيلة العلم دل عىل فضيلة اخلوف؛ ألن اخلوف ثمرة العلم‪.‬‬

‫ومن األحاديث‪:‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬س�معت رس�ول اهلل ‪ 0‬يقول‪« :‬س ��بعة يظلهم‬
‫اهلل يف ظله يوم ال ظل إال ظله‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وشاب نشأ يف عبادة اهلل‪ ،‬ورجل قلبه معلق‬
‫باملس ��اجد‪ ،‬ورج�ل�ان حتابا يف اهلل‪ ،‬اجتمعا عليه‪ ،‬وتفرقا علي ��ه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات‬
‫منص ��ب ومجال فقال‪ :‬إن ��ي أخاف اهلل‪ ،‬ورجل تصدق بصدق ��ة فأخفاها حتى ال تعلم‬
‫مشاله ما تنفق ميينه‪ ،‬ورجل ذكر اهلل خال ًيا ففاضت عيناه»(‪.)1‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ :I‬أن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬كان رجل يس ��رف على نفس ��ه‬
‫مل ��ا حض ��ره املوت قال لبنيه‪ :‬إذا أنا مت فأحرقوني ث ��م اطحنوني‪ ،‬ثم ذروني يف الريح‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]660‬ومسلم [‪.]1031‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪244‬‬
‫ف ��واهلل لئ ��ن ق ��در اهلل عل ��ى ليعذب�ن�ي عذابًا ما عذب ��ه ً‬
‫أحدا‪ ،‬فلم ��ا مات فع ��ل به ذلك‪،‬‬
‫فأم ��ر اهلل األرض فق ��ال‪ :‬امجعي ما فيك ففعل ��ت‪ ،‬فإذا هو قائم فقال‪ :‬ما محلك على‬
‫ما صنعت؟ قال‪ :‬خشيتك يا رب‪ ،‬أو قال‪ :‬خمافتك‪ ،‬فغفر له»(‪.)1‬‬

‫أيضا ‪ -‬عن النبي ‪ 0‬فيام يروي ع�ن ربه ‪ C‬أنه قال‪:‬‬


‫وع�ن أيب هري�رة ‪ً -‬‬
‫«وعزتي ال أمجع على عبدي خوفني وأمنني‪ :‬إذا خافين يف الدنيا أمنته يوم القيامة‪،‬‬
‫وإذا أمنين يف الدنيا أخفته يف اآلخرة»(‪.)2‬‬

‫وق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬ال يل ��ج الن ��ار أحد بكى من خش ��ية اهلل ‪ c‬حتى‬
‫يعود اللنب يف الضرع»(‪.)3‬‬

‫ومن اآلثار‪:‬‬

‫ق�ال ذو الن�ون ‪« :V‬م ��ن خ ��اف اهلل ‪ c‬ذاب قلب ��ه‪ ،‬واش ��تد حب ��ه‪ ،‬وصح له‬
‫لبه»‪.‬‬

‫وكان أبو احلسني الرضير يقول‪«:‬عالمة السعادة خوف الشقاوة‪ ،‬ألن اخلوف زمام‬
‫بني اهلل ‪ c‬وبني عبده‪ ،‬فإذا انقطع زمامه هلك مع اهلالكني»‪.‬‬

‫وقيل للحسن‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬كيف نصنع؟ نجالس أقوا ًما خيوفوننا حتى تكاد قلوبنا‬
‫تطير! فق�ال‪« :‬واهلل إنك إن ختالط ً‬
‫أقواما خيوفونك حتى يدركك أمن‪ ،‬خري لك من‬
‫أقواما يؤمنوك حتى يدركك اخلوف»‪.‬‬
‫أن تصحب ً‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬مسلم [‪.]2354‬‬


‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه ابن حبان يف [‪ ،]547‬وحسنه األلباين «صحيح اجلامع» [‪.]4332‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪« .‬صحيح اجلامع» [‪ ،]7778‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫يف «صحيح اجلامع» [‪.]2454‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪245‬‬
‫وقال أبو سليامن الداراين ‪ :V‬ما تغرغرت عني بامئها إال مل يرهق وجه صاحبها‬
‫بحارا من النريان‪،‬‬
‫قتر وال ذلة يوم القيامة‪ ،‬فإن س�الت دموعه أطفأ اهلل بأول قط�رة منها ً‬
‫ولو أن رجال بكى يف أمة ما عذبت تلك األمة»(‪.)1‬‬

‫األسباب الباعثة على الخوف‬


‫‪ -1‬التصديق بالوعيد‪ ،‬وما أعده اهلل للعاصين‪:‬‬

‫اعل�م ‪ -‬أهي�ا األخ الكري�م ‪ -‬أن اخلوف من وعيد اهلل ‪ c‬وم�ا أعده للعاصني يف‬
‫اآلخرة‪ ..‬من األسباب الباعثة عىل اخلوف من اهلل يف هذه احلياة‪...‬‬

‫فإن تأملت رحلة الدار اآلخرة وما يمر اإلنسان به منذ خروج روحه إىل دار املستقر‬
‫إما يف اجلنة وإما يف النار هاج اخلوف عليك‪ ..‬فأحرق موضع الشهوات منك‪ ..‬وحتركت‬
‫أعضاؤك بالعطاء‪ .‬واستقامت عىل الطريق‪.‬‬

‫أخي‪:‬‬
‫أل � � � � �ي� � � � ��س امل � � � � � � � � ��وت ي � ��أت� � �ي � ��ك‬ ‫ه � � � � ��ب ال� � � ��دن � � � �ي� � � ��ا ت� � ��وات � � �ي� � ��ك‬
‫وظ � � � � � � � ��ل امل�� � � � �ث� � � � ��ل ي � �ك�� �ف�� �ي� ��ك‬ ‫ف� � � �م � � ��ا ت � � �ص � � �ن� � ��ع ب�� ��ال�� ��دن� � �ي�� ��ا‬
‫دع ال� � � ��دن�� � � �ي� � � ��ا ل� � �ش � ��ان� � �ي � ��ك‬ ‫أال ي� � � � ��ا ط� � � ��ال� � � ��ب ال�� ��دن� � �ي�� ��ا‬
‫ك� � � � � � ��ذاك ال � � � ��ده � � � ��ر ي� �ب� �ك� �ي ��ك‬ ‫ك � � �م� � ��ا أض � � �ح � � �ك� � ��ك ال� � ��ده� � ��ر‬
‫أيها اإلنسان‪:‬‬
‫ب� � ��أن امل� �ن���اي���ا ب��غ��ت��ة ستعاجله‬ ‫وكيف يلذ العيش من كان موق ًنا‬
‫وت �س �ك �ن��ه ال �ق�ب�ر ال� ��ذي ه ��و آهله‬ ‫ف�ت�س�ل�ب��ه م �ل � ًك��ا ع �ظ �ي� ً�م��ا وحن ��وه‬
‫س��ري� ًع��ا ويبلى جسمه ومفاصله‬ ‫ويذهب رسم الوجه من بعد موته‬

‫(‪« )1‬اإلحياء» (‪.)237/4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪246‬‬

‫حكاية‪:‬‬
‫«ي�روي أن عيس�ى ‪ S‬مر يف نفر م�ن أصحابه بجمجمة نخ�رة هائلة فقال له‬
‫أصحاب�ه‪ :‬ي�ا روح اهلل لو دعوت اهلل ‪ c‬أن ينطق لن�ا هذه اجلمجمة حتى ختربنا بام رأته‬
‫من العجائب لرجونا أن ننتفع بذلك»‪.‬‬
‫ق�ال‪ :‬فصلى عيس�ى ‪ S‬ركعتين ودع�ا اهلل ‪ c‬فأنطقه�ا اهلل ‪ D‬فقال�ت‬
‫اجلمجمة‪:‬‬
‫يا روح اهلل سل عام تريد فقد أمرين اهلل ‪ c‬أن أخربك بام سألت عنه‪.‬‬
‫فقال عيسى ‪ :S‬من كنت يف هذه الدنيا؟‬
‫فقال�ت اجلمجم�ة‪ :‬ي�ا روح اهلل كن�ت ملك هذه األرض‪ ،‬عش�ت فيها ألف س�نة‪،‬‬
‫وول�دت أل�ف ولد‪ ،‬وفتح�ت ألف مدين�ة‪ ،‬وهزمت أل�ف جيش‪ ،‬وقتل�ت ألف جيش‪،‬‬
‫وقتل�ت أل�ف ملك جبار‪ ،‬ثم كان بعد ذلك كله امل�وت‪ ،‬ولقد امتحنت هذا الدهر فلم أر‬
‫شي ًئا أنفع من الزهد يف الدنيا‪ ،‬ومل أر هالك كل أحد إال يف احلرص والطمع‪ ،‬ومل أجد العز‬
‫إال يف الرضا بام قسم اهلل ‪.)1(»D‬‬
‫‪ -2‬الخوف من موت الفجأة‪:‬‬
‫أيض�ا من األس�باب الباعثة عىل اخلوف ‪ -‬وقد مر معن�ا ‪ -‬حديث ابن عمر‪:‬‬
‫وه�ذا ً‬
‫«إذا أصبحت فال تنتظر املساء‪ ،‬وإذا أمسيت فال تنتظر الصباح»‪.‬‬

‫واهلل ‪ c‬يقول‪[ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ]‬


‫[‪]11 :i‬‬

‫وع�ن أيب هري�رة ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬ب ��ادروا باألعم ��ال‬
‫س ��ب ًعا‪ :‬ه ��ل تنتظ ��رون إال فق� � ًرا منس� � ًيا‪ ،‬أو غن ��ى مطغ ًي ��ا‪ ،‬أو ً‬
‫مرضا مفس ��دًا‪ ،‬أو ً‬
‫هرما‬

‫(‪« )1‬املواعظ واملجالس» [‪.]100‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪247‬‬
‫مفن ��دًا‪ ،‬أو مو ًت ��ا جمه� � ًزا‪ ،‬أو الدجال فش ��ر غائب ينتظر‪ ،‬أو الس ��اعة‪ ،‬فالس ��اعة أدهى‬
‫وأمر»(‪.)1‬‬

‫فاحذر يا عبد اهلل أن يفجأك املوت وأنت عىل معصية‪ ،‬فال تنفعك حينئذ توبة‪.‬‬

‫واعلم ‪ -‬أخي املسلم ‪ -‬أن من مات عىل يشء بعث عليه!! فاللهم إنا نعوذ بك من‬
‫خزيك‪ ،‬وكشف سرتك‪ ،‬ونسيان ذكرك‪.‬‬

‫ق�ال اإلمام احلس�ن ‪« :V‬من مل يمت فجأة‪ ،‬مرض فج�أة‪ ،‬فاتقوا اهلل واحذروا‬
‫مفاجأة ربكم»‪.‬‬

‫وعن عبيد بن خالد السلمي ‪ I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬موت الفجأة أخذة‬
‫أسف»(‪.)2‬‬
‫ورواه أمحد عن عائشة ‪ J‬بلفظ‪« :‬إهنا راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر»‪.‬‬

‫‪ -3‬الخوف من سوء الخاتمة‪ ،‬وتقلب القلب‪:‬‬


‫أيضا ‪ -‬من األسباب الباعثة عىل اخلوف‪.‬‬
‫وهذا ‪ً -‬‬
‫وسوء اخلامتة والعياذ باهلل عىل رتبتني‪ :‬إحداهما‪ -‬أعظم من األخرى‪.‬‬
‫فأما الرتبة العظيمة اهلائلة‪ :‬فأن يغلب عىل القلب عند س�كرات املوت وظهور‬
‫أهواله‪ :‬إما الشك‪ ،‬وإما اجلحود‪ ،‬فتقبض الروح عىل حال غلبة اجلحود أو الشك‪ ،‬فيكون‬
‫ما غلب عىل القلب من عقدة اجلحود حجا ًبا بينه وبني اهلل ‪ c‬أبدً ا‪ ،‬وذلك يقتىض البعد‬
‫الدائم والعذاب املخلد‪.‬‬

‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حس�ن [‪ ،]2354‬وحسنة الش�يخ األلباين يف «صحيح اجلامع»‬
‫[‪.]2354‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]2667‬وصححه الشيخ األلباين يف «املشكاة» [‪.]1611‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪248‬‬
‫والثانية‪ -‬وهي دوهنا أن يغلب عىل قلبه عند املوت حب أمر من أمور الدنيا وشهوة‬
‫م�ن ش�هواهتا‪ ،‬فيتمثل ذلك يف قلبه ويس�تغرقه حت�ى ال يبقى يف تلك احلالة متس�ع لغريه‬
‫منكسا رأسه إىل الدنيا وصار ًفا‬
‫ً‬ ‫فيتفق قبض روحه يف تلك احلال فيكون استغراق قلبه به‬
‫وجه�ه إليها‪ .‬ومهام انرصف الوجه عن اهلل ‪ c‬حصل احلجاب‪ ،‬ومهام حصل احلجاب‬
‫نزل العذاب هذا‪ ،‬واألسباب املفضية إىل سوء اخلامتة كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬االعتقاد يف ذات اهلل ‪ c‬وصفاته وأفعاله خالف احلق‪.‬‬
‫‪ -2‬ضعف اإليامن يف األصل‪ ،‬ثم استيالء حب الدنيا عىل القلب‪.‬‬
‫‪ -3‬كثرة املعايص واإلرصار عليها‪ ،‬مثل البدع‪ ،‬والنفاق‪ ،‬والكرب‪ ،‬والزنا‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫خوف الصالحين من سوء الخاتمة‪:‬‬

‫اعل�م أن النبي ‪ 0‬كان يتعوذ باهلل ‪ c‬من فتنة املحيا واملامت‪ ،‬وكان يس�أل‬
‫ربه التثبيت‪ ،‬وهو املؤيد بالوحي!‬

‫ف�كان يدع�و‪« :‬اللهم إني أع ��وذ بك من اهلدم‪ ،‬وأعوذ بك م ��ن الرتدي‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫من احلرق والغرق واهلرم‪ ،‬وأعوذ بك أن يتخبطين الشيطان عند املوت‪ ،‬وأعوذ بك أن‬
‫أموت لدي ًغا»(‪.)1‬‬

‫وكان ‪ 0‬يتع�وذ آخ�ر كل صلاة‪ ،‬هب�ذا التع�وذ‪« :‬الله ��م إني أع ��وذ بك من‬
‫ع ��ذاب الق�ب�ر‪ ،‬وم ��ن ع ��ذاب جهنم‪ ،‬وم ��ن فتنة احملي ��ا واملمات‪ ،‬ومن ش ��ر فتنة املس ��يح‬
‫الدجال»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه داود [‪.]1373‬وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪ ،]5354‬وقال اخلطايب‬
‫‪-‬يف ختب�ط الش�يطان عند املوت ‪« :-‬وذلك أن يس�توىل عىل اإلنس�ان حينئذ‪ ،‬فيضل�ه وحيول بينه وبني‬
‫التوبة‪ ...‬أو يؤيسه من رمحة اهلل ويكره إليه املوت»‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4324‬ومسلم [‪.]1534‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪249‬‬
‫وع�ن أن�س ‪ I‬ق�ال ‪ :‬كان رس�ول اهلل ‪ 0‬يكث�ر أن يق�ول‪« :‬ي ��ا مقلب‬
‫القلوب ثبت قليب على دينك»‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا نبي اهلل آمنا بك وبام جئت به‪ ،‬فهل ختاف علينا؟‬
‫قال‪« :‬نعم إن القلوب بني إصبعني من أصابع اهلل يقلبها كيف يشاء»(‪.)1‬‬
‫أخي‪:‬‬
‫فإذا كان هذا حال النبي ‪ !0‬فام ظنك بحال من هو دونه‪.‬؟!!‬
‫كان س�هل ب�ن عب�د اهلل يقول‪« :‬خوف الصديقني من س�وء اخلامت�ة عند كل خطرة‬
‫وعند كل حركة‪ ،‬وهم الذين وصفهم اهلل ‪ c‬إذ قال‪[ :‬ﭕ ﭖ ] [‪.]60 :i‬‬

‫وملا احترض «سفيان الثوري» جعل يبكي وجيزع‪ ،‬فقيل له‪:‬‬


‫يا أبا عبد اهلل عليك بالرجاء فإن عفو اهلل أعظم من ذنوبك؟‬
‫فق�ال‪ :‬أو على ذنويب أبكي! لو علمت أين أموت على التوحيد مل أبال بأن ألقى اهلل‬
‫بأمثال اجلبال من اخلطايا‪.‬‬

‫«وحكى عن بعض اخلائفني(‪ )2‬أنه أوىص بعض إخوانه فقال‪:‬‬


‫إذا حرضتن�ي الوف�اة فاقعد عن�د رأيس‪ ،‬فإن رأيتن�ي مت عىل التوحي�د فخذ مجيع‬
‫وس�كرا وانثره عىل صبيان أهل البلد‪ ،‬وقل هذا عرس املنفلت(‪،)3‬‬
‫ً‬ ‫لوزا‬
‫ما أملكه فاشتر ً‬
‫وإن م�ت على غري التوحيد فأعلم الن�اس بذلك حتى ال يغرتوا بش�هود جنازيت ليحرض‬
‫جنازيت من أحب عىل بصرية لئال يلحقني الرياء بعد الوفاة!!‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪« :‬صحي�ح س�نن الرتم�ذي» [‪ ،]1739‬وابن ماج�ه [‪ ،]3834‬وصححه الش�يخ األلباين يف‬
‫«الصحيحة» برقم [‪.]1543‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو طالب املكي صاحب كتاب «قوت القلوب»‪ .‬انظر‪« :‬البداية والنهاية» (‪.)408/6‬‬
‫(‪ )3‬املنفلت‪ :‬لعله يقصد املنفلت من النار‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪250‬‬
‫ق�ال‪ :‬وبم أعل�م ذلك؟ «فذكر عالم�ة‪ ،‬فرأى عالم�ة التوحيد عند موته فاشترى‬
‫السكر واللوز وفرقه»(‪.)1‬‬

‫وملا حرضت الوفاة «الفضيل بن عياض» غشى عليه ثم أفاق وقال‪« :‬يا بعد سفرى‬
‫وقلة زادى»(‪.)2‬‬
‫وملا حرض «أبا هريرة» الوفاة بكى‪ ،‬فقيل له ما يبكيك؟‬
‫قال‪«:‬يبكين�ي بعد املفازة‪ ،‬وقلة الزاد‪ ،‬وضعف اليقني‪ ،‬والعقبة الكؤود التي املهبط‬
‫(‪)3‬‬
‫منها إما إىل اجلنة وإما إىل النار!!»‬

‫أخي املس ��لم‪« :‬فإذا كان خوف العارفني مع رسوخ أقدامهم وقوة إيامهنم وخوفهم‬
‫من سوء اخلامتة فكيف ال خيافه الضعفاء!!»‪.‬‬
‫إهلي‪:‬‬
‫أ ِل� �ل� � ّزاد أب �ك��ي أم ل �ط��ول مسافيت‬ ‫أن���ا زادي ق �ل �ي��ل م ��ا أراه مبلغي‬
‫ف��أي��ن رج��ائ��ي ف �ي��ك أي ��ن حمبيت‬ ‫أحت ��رق�ن�ي ب��ال �ن��ار ي ��ا غ��اي��ة املنى‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ك�ذا يف «اإلحي�اء» (‪ )172/4‬وال�ذي يف «البداية» (‪« : )409 ،408/6‬قال أبو القاس�م بن رسات‪:‬‬
‫دخلت عىل شيخنا «أيب طالب» وهو يموت فقلت له‪:‬أوص‪ ،‬فقال‪ :‬إذا ختم يل بخري فانثر عىل جنازيت‬
‫وس�كرا‪ .‬فقلت‪ :‬كيف أعلم بذلك؟ فقال‪ :‬اجلس عندي وي�دك فإن قبضت عىل يدك فاعلم أنه‬ ‫ً‬ ‫ل�وزا‬
‫ً‬
‫قبضا شديدً ا‪ ،‬فلام رفع عىل جنازته نثرت‬
‫ختم يل بخري‪ .‬قال ‪ :‬ففعلت‪ .‬فلام حان فراقه قبض عىل يدى ً‬
‫اللوز والسكر عىل نعشه!!» قلت‪ :‬وهذه الرواية أوىل بالقبول‪.‬‬
‫(‪« )2‬اغتنام األوقات يف الباقيات الصاحلات» لعبد العزيز السلامن‪ ،‬ص‪.]1045[ :‬‬
‫(‪ )3‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.]147[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪251‬‬

‫ثمرات الخوف من اهلل‬


‫من ثمرات اخلوف من اهلل‪:‬‬

‫‪ -1‬دخول الجنة‪:‬‬
‫‪[ :4‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ] [‪.]46 :k‬‬
‫وع�ن اب�ن عب�اس ‪ L‬قال‪ :‬مل�ا أنزل اهلل ‪ D‬على نبيه ‪0‬ه�ذه اآلية‪:‬‬
‫[ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ] [‪.]6 :6‬‬

‫تاله�ا رس�ول اهلل ‪0‬ذات يوم عىل أصحاب�ه فخر فتى مغش� ًيا عليه‪ ،‬فوضع‬
‫النب�ي ‪0‬يده عىل فؤاده فإذا هو يتحرك‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬يا فتى قل‪:‬‬
‫ال إله إال اهلل» فقاهلا‪ ،‬فبرشه باجلنة‪ ،‬فقال أصحابه‪ :‬يا رسول اهلل أمن بيننا؟‬

‫قال‪« :‬أو ما سمعتم قوله ‪[ :c‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ]‬


‫[‪]14 :Q‬‬

‫قصة‪:‬‬
‫ذكر احلافظ ابن عساكر يف ترمجة «عمرو بن جامع» من تارخيه‪:‬‬
‫أن شا ًبا كان يتعبد يف املسجد‪ ،‬فهويته امرأة فدعته إىل نفسها‪ ،‬فام زالت به حتى كاد‬
‫يدخل معها املنزل‪ ،‬فذكر هذه اآلية‪:‬‬

‫[ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ]‬
‫[‪]201 :C‬‬

‫فخر مغش ًيا عليه‪ ،‬ثم أفاق فأعادها‪ ،‬فامت‪ ،‬فجاء عمر‪ I‬فعزى فيه أباه‪ ،‬وكان‬
‫ق�د دف�ن اً‬
‫ليل فذهب عىل قربه بمن معه‪ ،‬ثم ناداه عمر فقال‪ :‬يا فتى‪[ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ] [‪.]46 :k‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪252‬‬
‫فأجابه الفتى من داخل القرب‪« :‬يا عمر قد أعطانيهام ريب ‪ D‬يف اجلنة مرتني»(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬الخوف من اهلل سبب للهداية والتوفيق‪:‬‬

‫‪[ :6‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ] [‪.]23 :8‬‬

‫فاخلوف من اهلل ‪ c‬نعمة عظيمة‪ ،‬وهو س�بب هداية العبد وتوفيقه وس�عادته يف‬
‫الدارين‪.‬‬

‫واملراد يف اآلية بقوله ‪[ :c‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‪.]...‬‬

‫أي أنع�م عليهما بنعم�ة اخلوف م�ن اهلل أو أنعم عليهما باإليامن واليقين‪ ،‬أو أنعم‬
‫عليهام بس�بب خوفهام من اهلل بالتوفيق واهلداية إىل قول احلق‪ ،‬وحض قومهام عىل القتال‬
‫واالستجابة ألمر اهلل‪ ،‬وأيا ما كان املراد‪ ،‬فاحلاصل أن اخلوف نعمة(‪.)2‬‬

‫‪ -3‬الخوف من اهلل من أهم أسباب النصر والتمكين‪:‬‬

‫‪[ :4‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ] [‪.]14 - 13 :Q‬‬

‫‪ -4‬الخوف من اهلل يحفظ العبد من المعاصي‪:‬‬


‫‪[ :4‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ] [‪.]28 - 27 :8‬‬

‫(‪« )1‬تفسري ابن كثري» (‪.)442/2‬‬


‫(‪« )2‬اخلوف من اهلل»‪ ،‬ص [‪ ]13‬للدكتور عبد احلميد هنداوي‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪253‬‬
‫وع�ن اب�ن عمر ‪ I‬قال‪ :‬قلام كان رس�ول اهلل ‪ 0‬يق�وم من جملس حتى‬
‫يدع�و هب�ؤالء الكلمات ألصحاب�ه‪« :‬الله ��م اقس ��م لن ��ا من خش ��يتك ما حي ��ول بيننا‬
‫وب�ي�ن معاصي ��ك‪ ،‬وم ��ن طاعتك م ��ا تبلغنا به جنتك‪ .‬وم ��ن اليقني ما ته ��ون به علينا‬
‫مصائ ��ب الدني ��ا‪ ،‬ومتعنا بأمساعنا وأبصارنا وقوتنا م ��ا أحييتنا‪ ،‬واجعله الوارث منا‪،‬‬
‫واجع ��ل ثأرن ��ا على من ظلمنا‪ ،‬وانصرنا على من عادانا‪ ،‬وال جتعل مصيبتنا يف ديننا‪،‬‬
‫وال جتعل الدنيا أكرب همنا‪ ،‬وال مبلغ علمنا‪ ،‬وال تسلط علينا من ال يرمحنا»(‪.)1‬‬

‫أخي املسلم‪:‬‬
‫وه�ذا اخل�وف‪ ،‬هو املح�رك للعبد نح�و املعايل‪ ..‬وهو س�لم الصع�ود إىل رمحة اهلل‬
‫ورضوان�ه‪ ..‬وه�و الوقود الداف�ع لقيام الليل وصي�ام النهار وعمل الطاع�ات واجتناب‬
‫املحرمات‪«:‬من خاف أدجل‪ ،‬ومن أدجل بلغ املنزل‪ ،‬أال إن س ��لعة اهلل غالية أال إن س ��لعة‬
‫اهلل اجلنة»‪.‬‬
‫م��ن��ازل��ك األوىل وف �ي �ه��ا املخيم‬ ‫ف �ح��ي ع �ل��ى ج� �ن ��ات ع� ��دن فإنها‬
‫ن�� �ع� ��ود إىل أوط � ��ان� � �ن � ��ا ون��س��ل��م‬ ‫ول �ك �ن �ن��ا س�ب�ي ال� �ع ��دو ف �ه��ل ترى‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬حس�ن‪ :‬رواه الرتم�ذي [‪« ،]2783‬الكل�م الطي�ب» (‪ ،)169/225‬وحس�نه الش�يخ األلب�اين يف‬
‫«الصحيحة» [‪.]4354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪254‬‬

‫العطف على اليتامى‬


‫عن س�هل قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬أنا وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا»‪،‬‬
‫وأشار بالسبابة والوسطى‪ ،‬وفرج بينهام شي ًئا(‪.)1‬‬
‫ع�ن أيب ال�درداء ‪ I‬قال‪ :‬أتى النبي ‪ 0‬رجل يش�كو قس�وة قلبه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«أحت ��ب أن يل�ي�ن قلب ��ك‪ ،‬وتدرك حاجت ��ك؟ ارحم اليتيم‪ ،‬وامس ��ح رأس ��ه‪ ،‬وأطعمه من‬
‫طعامك يلن قلبك‪ ،‬وتدرك حاجتك»(‪.)2‬‬
‫ويف هذه الوصية املباركة‪ ،‬أرش�دك الرسول ‪ 0‬إىل الدواء الشايف‪ ،‬واجلواب‬
‫الكايف لعالج قسوة قلبك‪ ،‬وتعسري أمرك إنه يتمثل يف ثالثة أمور‪« :‬ارحم اليتيم‪ ،‬وامسح‬
‫رأسه‪ ،‬وأطعمه من طعامك»‪ ..‬تكن الثمرة‪« :‬يلن قلبك وتدرك حاجتك»‪.‬‬

‫من هو اليتيم؟‬
‫اليتي ��م يف اللغ ��ة‪ :‬هو من مات أب�واه أو أحدمها فانفرد عنهما أو عن واحد منهام‪،‬‬
‫فاليتي�م يف اللغ�ة االنفراد ‪ -‬يقال درة يتيمة أي فريدة يف نوعها‪ ،‬ودار يتيمة أي ال جياورها‬
‫يتيم؛ ألن الرب‬
‫بيت من أي جهة من جهاهتا األربع‪ .‬وقيل‪ :‬معناه اإلبطاء‪ ،‬وقد سمى اليتيم اً‬
‫يبطئ عنه‪ .‬هذا معنى اليتيم يف اللغة‪.‬‬
‫أم�ا يف اصطالح الفقهاء‪ :‬فمعناه أخص من هذا املعنى‪ ،‬فاليتيم عندهم هو «صغري‬
‫مات أبوه»‪.‬‬
‫فإذا بلغ زال وصف اليتم عنه وأصبح اً‬
‫رجل ييل أموره بنفس�ه ما دام رش�يدً ا‪ ،‬وقد‬
‫يتيم باعتبار ما كان‪ ،‬لغرض من األغراض البالغية كاملبالغة يف احلث‬
‫يس�مى بعد البلوغ اً‬
‫عىل دفع ماله إليه عند بلوغه الرشد والتحذير من أكل يشء منه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]5304‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه الطرباين يف «الكبري» (‪ )2/1354‬وقال الشيخ األلباين‪« :‬صحيح»‪.‬‬
‫ انظر‪« :‬صحيح اجلامع» [‪ ،]80‬و«الصحيحة» [‪.]854‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪255‬‬

‫كام قال ‪[ :c‬ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ] [‪.]2 :6‬‬


‫وم�ن املعل�وم أهن�م ال يؤتون أمواهل�م إال بعد البل�وغ وحينئذ ي�زول عنهم وصف‬
‫اليتم‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬مل مل يعترب الشرع من فقد أمه ً‬


‫يتيما كالذي فقد أباه؟‬
‫اجلواب‪ :‬ألن األب هو الذي يعول الصغري ويرعى ش�ئونه ويقوم بتأديبه وتعليمه‪،‬‬
‫وكثريا ما جيد ولده فيه العطف واحلنان ما يعوضه عن أمه(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫الترغيب في اإلحسان إلى اليتامى وكفالتهم‪:‬‬

‫وردت النص�وص الرشعي�ة حتث عىل كفالة اليتيم واإلحس�ان إلي�ه‪ ..‬وتبني عظيم‬
‫الثواب ملن يقوم بذلك‪:‬‬
‫‪[ :4‬ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ] [‪.]220 :2‬‬
‫َو‪[ :6‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ] [‪.]9 :y‬‬
‫وقهره‪ :‬أذاه‪ ..‬وس�به‪ ..‬وش�تمه‪ ..‬ورضب�ه‪ ..‬وجتويفه‪ ..‬وإهانته‪ ،‬وتكليفه بام يش�ق‬
‫عليه‪.‬‬

‫وعن س�هل بن سعد ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬أنا وكافل اليتيم‬
‫يف اجلنة هكذا»‪ ،‬وأشار بالسبابة والوسطى‪ ،‬وفرج بينهام(‪.)2‬‬

‫وعن عمرو بن مالك القشيري ‪ I‬قال‪ :‬س�معت رسول اهلل ‪ 0‬يقول‪:‬‬


‫يتيما من أبوين مسلمني إىل طعامه وشرابه وجبت له اجلنة»(‪.)3‬‬
‫«من ضم ً‬
‫(‪« )1‬الفقة الواضح» (‪.)179/2‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]5304‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه أمح�د(‪ ،)344/4‬وصحح�ه الش�يخ ش�عيب األرن�ؤوط يف «حتقي�ق املس�ند» برق�م‬
‫[‪.]5437‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪256‬‬
‫وعن زرارة بن أيب أوىف‪ ،‬عن رجل من قومه يقال له «مالك» أو «ابن مالك» سمع‬
‫النبي ‪ 0‬يقول‪« :‬من ضم ً‬
‫يتيما بني مس ��لمني يف طعامه وش ��رابه حتى يستغنى‬
‫عن ��ه وجبت له اجلن ��ة البتة‪ ،‬ومن أدرك والديه أو أحدهما ث ��م مل يربهما دخل النار‪،‬‬
‫فأبعده اهلل‪ ،‬وأميا مسلم أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار»(‪.)1‬‬

‫وع�ن أن�س بن مال�ك ‪ I‬عن النب�ي ‪0‬قال‪« :‬الس ��اعي عل ��ى األرملة‬
‫واملس ��كني كاجملاهد يف س ��بيل اهلل»‪ ،‬وأحس�به قال‪« :‬وكالقائم ال يفرت وكالصائم‬
‫ال يفطر»(‪.)2‬‬

‫من أحق بكفالة اليتيم؟‬


‫أوىل الن�اس بكفالة اليتيم أقرهبم إليه من جه�ة العصبة‪ ،،‬فإن مل يوجد له قريب من‬
‫عصبته كفله أقرب الناس إليه من جهة رمحه كجده من أمه‪ ،‬وخاله‪ ،‬فإن مل يوجد له قريب‬
‫م�ن جه�ة أمه‪ ،‬أوىص احلاك�م به من يق�وم بكفالته أو أحلق�ه بدار م�ن دور رعاية األيتام‬
‫املنترشة يف طول البالد وعرضها‪.‬‬

‫وقد رغب اإلسلام القادرين من أهل الرب والصالح يف كفالة اليتامى‪ ،‬واإلحسان‬
‫إليه�م‪ ،‬وحف�ظ أمواهلم والعمل عىل إعدادهم جس�م ًيا‪ ،‬ونفس� ًيا‪ ،‬وعقل ًي�ا حتى يصريوا‬
‫اً‬
‫رجال صاحلني‪.‬‬

‫وأب�اح اهلل ‪ c‬ألولي�اء اليتامى أن خيلط�وا طعامهم بطعامه�م ورشاهبم برشاهبم‬


‫رف ًع�ا للح�رج ودف ًعا للمش�قة برشط أن يك�ون ذلك بقصد اإلصلاح وتوخي العدل يف‬
‫القسمة بقدر اإلمكان‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬أخرج�ه أمح�د (‪ )344/4‬بإس�ناد حس�ن‪ .‬وصحح�ه األرن�ؤوط يف حتقي�ق «املس�ند» برقم‬
‫[‪.]3547‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬ومسلم[‪.]3547‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪257‬‬
‫فقال جل شأنه‪[ :‬ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ] [‪.]220 :2‬‬

‫وع�ن ابن عباس ‪ ،L‬قال‪ :‬ملا أنزل اهلل ‪[ :c‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬


‫ﯕ ] [‪.]34 :W‬‬
‫و[ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ] [‪.]10 :6‬‬
‫انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه ورشابه فجعل يفضل من طعامه‬
‫فيحبس له‪ ،‬حتى يأكله أو يفسد‪ ،‬فاشتد ذلك عليهم‪ ،‬فذكروا ذلك لرسول اهلل ‪.0‬‬
‫فأن�زل اهلل ‪[ :c‬ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ] [‪ ،]220 :2‬فخلط�وا‬
‫طعامهم بطعامه ورشاهبم برشابه(‪.)1‬‬

‫فقد دلت اآلية عىل جواز الترصف يف مال اليتيم بام فيه مصلحته العاجلة أو اآلجلة‬
‫من بيع ورشاء وغري ذلك فيجوز لوىل اليتيم أن يتجر له يف ماله فيجعل لنفس�ه من الربح‬
‫بقدر عمله لو اجتر يف مال شخص آخر(‪.)2‬‬

‫حكم األكل من ماله‪:‬‬


‫ع�ن أيب س�عيد اخلدري ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال يف «املع�راج»‪« :‬فإذا‬
‫أن ��ا برجال وقد وكل بهم رج ��ال يفكون حلاهم‪ ،‬وآخرون جييئون بالصخور من النار‬
‫فيقذفونها وخترج من أدبارهم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا جربيل من هؤالء؟»‪.‬‬
‫ظلما إمنا يأكلون يف بطونهم نا ًرا»(‪.)3‬‬
‫قال‪« :‬الذين يأكلون أموال اليتامى ً‬

‫(‪ )2‬نفس املرجع (‪.)183/2‬‬ ‫(‪« )1‬الفقه الواضح» (‪.)182/2‬‬


‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه البيهق�ي يف «الدالئ�ل» (‪ ،)2/354‬وصحح�ه الش�يخ األلب�اين يف «صحي�ح اجلامع»‬
‫[‪.]2354‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪258‬‬
‫ظلم يوم القيامة وهلب النار خيرج من‬
‫قال الس�ندي ‪« :V‬حيرش آكل مال اليتيم اً‬
‫فيه ومن مسامعه وأنفه وعينه كل من رآه يعرف أنه آكل مال اليتيم»(‪.)1‬‬

‫فقريا فأكل من ماله باملعروف بقدر قيامه عليه‬


‫قال العلامء‪« :‬فكل وىل ليتيم إذا كان ً‬
‫يف مصاحله وتنمية ماله فال بأس عليه‪ ،‬وما زاد عىل املعروف فسحت حرام؛ لقوله ‪:c‬‬
‫[ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ] [‪.]6 :6‬‬

‫ويف األكل باملعروف أربعة أقوال‪:‬‬


‫أحدها‪ -‬أنه األخذ عىل وجه القرض‪.‬‬
‫والثاني‪ -‬األكل بقدر احلاجة من غري إرساف‪.‬‬
‫والثالث‪ -‬أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم اً‬
‫عمل‪.‬‬
‫والرابع‪ -‬أنه األخذ عند الرضورة فإن أيرس قضاه وإن مل يورس فهو يف حل»‪ ،‬وهذه‬
‫األقوال ذكرها ابن اجلوزي يف تفسريه‪.‬‬

‫الترهيب من ظلم اليتيم وهضم حقه‪:‬‬

‫‪[ :6‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ]‬


‫[‪]2- 1 :Q‬‬

‫فجع�ل اهلل ‪ c‬هن�ر اليتي�م وزجره عالمة م�ن عالمات التكذي�ب بالدين‪ ،‬وهذه‬
‫عالمة شؤم‪ ،‬وطالع نحس والعياذ باهلل‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل ‪« :0‬اجتنبوا السبع املوبقات ‪ -‬أي‪ :‬املهلكات ‪.»-‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل وما هن؟‬

‫(‪« )1‬الكبائر» للذهبي [‪ ،]68‬ط‪ :‬دار الدعوة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪259‬‬
‫قال‪« :‬الرشك باهلل‪ ،‬والس�حر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم إال باحلق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل‬
‫مال اليتيم‪ ،‬والتوىل يوم الزحف‪ ،‬وقذف املحصنات الغافالت املؤمنات»(‪.)1‬‬

‫أخي املسلم‪:‬‬
‫وبعد أن ذكرنا فضل اإلحسان إىل اليتيم‪ ،‬والرتهيب من ظلمه وهضم حقه‪ ،‬وتبني‬
‫لك الرشد من الغي‪ ..‬فأي الطريقني ختتار؟‪.‬‬

‫أخي‪:‬‬
‫صغارا‪ ..‬ال متلك هلم وال لنفسها قوتًا‬
‫ً‬ ‫كم من أرملة مات «عائلها» وترك هلا أوال ًدا‬
‫وال غذاء!!‬

‫يتضورون جو ًعا‪ ...‬وال جتد يدً ا حانية تش�بع‬


‫َّ‬ ‫ك�م من أرملة تن�ام طاوية‪ ..‬وأطفاهلا‬
‫جوعتهم‪ ..‬وال متسح دمعتهم!!‬

‫ك�م م�ن يتيم‪ ..‬ينظ�ر إىل آب�اء أصحابه وكل أب يض�ع يده يف يد ول�ده ويصطحبه‬
‫ليشرتى له كسوة أو طعا ًما‪ ..‬وال جيد يدً ا رحيمة متسك بيده!!‬
‫يا ترى ما ذنبه؟!‪.‬‬
‫ملاذا قست القلوب؟!‪ ..‬ملاذا جفت أصابع املسلمني عن اخلري؟!‬
‫ملاذا جفت منابع الرمحة؟!‪ ..‬ملاذا مات احلنان؟!‬
‫أهذه أخالق قوم يؤمنون باهلل واليوم اآلخر؟!‬
‫ملاذا ال نحض عىل طعام املسكني؟!‬
‫ملاذا ال نكرم اليتيم؟!‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2354‬ومسلم [‪.]2447‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪260‬‬
‫أخي‪:‬‬
‫أتعل�م أن نبيين كريمين «موس�ى ويوش�ع ‪ »R‬قام�ا ببناء ج�دار لغالمني‬
‫يتيمني؟!! أي فضل بعد هذا الفضل؟!‬
‫أال تريد السري عىل هذا الطريق الكريم؟!‬

‫أخي‪:‬‬
‫أتعلم أن بيننا «أغنياء» يموتون من كثرة الشبع؟! ويمرضون من األرش والبطر؟!‬
‫ح ًّق�ا‪ ،‬ويل لألغني�اء من الفقراء ي�وم القيامة‪ ..‬ويل هلم‪ .‬أتعل�م أن كالب األغنياء‬
‫يتقلبون يف النعيم‪ ..‬وأطفالنا اليتامى يبكون من ظلم املسلمني؟!‬
‫كم من طفل يتيم حيتاج لبسمة!!‬
‫كم من طفل يتيم حيتاج لرمحة!!‬
‫كم من طفل يتيم إذا مرض ال جتد والدته اً‬
‫مال تشرتى به دواء ملرضها ومرضه!!‬

‫أيها الناس‪:‬‬
‫الرامحون يرمحهم الرمحن‪ ،‬ارمحوا من يف األرض يرمحكم من يف السامء‪.‬‬
‫ع�ن عمرو بن حبيب ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬خاب عبد وخس ��ر‬
‫مل جيعل اهلل ‪ c‬يف قلبه رمحة للبشر»(‪.)1‬‬

‫الصالحون وإكرام اليتيم‪:‬‬


‫حلا‪ ،‬يرضب به املث�ل يف جماهدة النفس‪،‬‬
‫كان أبو القاس�م الدين�وري ‪ V‬ثقة صا ً‬
‫والتعفف والتقشف واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬رآه بعضهم وقد اشرتى دجاجة‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أبو نعيم يف «املعرفة» (‪ ،)1/25‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» [‪.]3205‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪261‬‬
‫وحل�واء فتعجب من ذل�ك فاتبعه إىل دار فيه امرأة وهلا أيت�ام فدفعها إليهم‪ ،‬وملا حرضته‬
‫الوفاة جعل يقول‪« :‬سيدى هلذه الساعة خبأتك»(‪.)1‬‬

‫فيا أخا اإلسالم‪:‬‬


‫يا من تشكو قسوة قلبك‪ ..‬وتعسري أمرك‪ ..‬وتبحث عن الدواء‪ ..‬ال تذهب بعيدً ا‪...‬‬
‫فها هو دواؤك بني يديك‪ :‬امسح عىل رأس اليتيم‪.‬‬

‫وارحم يتمه‪ ..‬وأطعمه من طعامك‪..‬‬

‫يربأ س�قمك‪ ..‬وتش�فى من مرضك‪ ..‬و«يلن قلبك‪ ..‬وتدرك حاجتك»‪ .‬وفقنا اهلل‬
‫وإياك‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬البداية والنهاية» (‪ )431/6‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪262‬‬

‫بر الوالدين‬
‫عن معاوية بن جامهة الس�لمي‪ ،‬أن جامه�ة ‪ I‬أتى النبي ‪ ،0‬فقال‪ :‬إين‬
‫أردت أن أغ�زو مع�ك وجئت أستشيرك قال‪« :‬أل ��ك والدة؟» قال‪ :‬نعم‪ .‬ق�ال‪« :‬فاذهب‬
‫فالزمها‪ ،‬فإن اجلنة حتت رجلها»(‪.)1‬‬

‫وبر الوالدين من أوجب احلقوق عىل اإلنسان بعد حق اهلل‪ ،‬وحق رسوله ‪،0‬‬
‫ولعظ�م ه�ذا احلق وجاللة ق�دره عند اهلل ‪ ،c‬قرن�ه بتوحيده يف كتاب�ه العزيز‪ ،‬قال اهلل‬
‫‪[ :c‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ] [‪.]36 :6‬‬

‫ق�ال القاس�مي ‪ :V‬يأم�ر ‪ c‬عب�اده بعبادته وح�ده‪ ،‬فهو املس�تحق منهم أن‬
‫يوحدوه وال يرشكوا به ش�ي ًئا من الرشك‪ ،‬ثم أوىص باإلحس�ان إىل الوالدين‪ ،‬إثر تصدير‬
‫تنبيها عىل جاللة ش�أن‬
‫م�ا يتعل�ق بحق�وق اهلل ‪ ،c‬التي هي آك�د احلقوق وأعظمه�ا‪ً ،‬‬
‫الوالدين(‪.)2‬‬

‫َو‪[ :6‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮰﮱﯓ ﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ] [‪.]24 - 23 :W‬‬
‫قال القرطبي ‪ :V‬أي أمر وألزم وأوجب‪.‬‬
‫ق�ال اب�ن عب�اس ‪ : I‬وليس ه�ذا قضاء حكم ب�ل هو قضاء أم�ر‪ ،‬أمر ‪n‬‬
‫بعبادت�ه وتوحي�ده‪ ،‬وجعل ب�ر الوالدين مقرونً�ا بذلك‪ ،‬ويكون ذلك بربمها واإلحس�ان‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه ابن أيب شيبة [‪]4145‬وحسنة الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]3547‬‬
‫ وانظر‪« :‬حاشية السندي» (‪.)409/5‬‬
‫(‪« )2‬حماسن التأويل» (‪ )290/2‬حممد مجال الدين القاسمي ط‪ :‬مؤسسة التاريخ العريب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪263‬‬
‫إليهام يف حالة الكرب؛ ألهنا احلالة التي حيتاجان فيها إىل بره‪ ،‬فال يقول هلام ما يكون فيه أدنى‬
‫متذكرا تعبهام يف الرتبية(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫تربم‪ ،‬ويكون لينًا لطي ًفا اً‬
‫رحيم متذلال داع ًيا هلام‪،‬‬
‫فيا وي��ح شخص غ�ير خالقه أما‬ ‫حتما‬
‫قضى اهلل أن ال تعبدوا غريه ً‬
‫وكم منحا وقت احتياجك من نعما‬ ‫بربهما فاألجر يف ذل��ك والرمحا‬
‫تواصل مما شقها البؤس والغما‬ ‫وأم � � ��ك ب���ات���ت ب �ث �ق �ل��ك تشتكي‬
‫مشقا يذيب اجللد واللحم والعظما‬ ‫ويف الوضع كم قاست وعند والدها‬
‫وع�ن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬رغ ��م أنفه(‪ )2‬رغم أنفه‪،‬‬
‫رغ ��م أنف ��ه»‪ ،‬قيل‪ :‬من يا رس�ول اهلل؟‪ ،‬ق�ال ‪« :‬م ��ن أدرك أبويه عند الك�ب�ر أحدهما أو‬
‫كليهما ثم مل يدخل اجلنة»(‪.)3‬‬
‫وع�ن عبد اهلل بن عمرو ‪ ،I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪ :‬لرجل اس�تأذنه يف‬
‫اجلهاد‪« :‬أحي والداك؟»‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬ففيهما فجاهد»(‪.)4‬‬

‫بر األم مقدم على بر األب‪:‬‬


‫فاألم فضلت على األب بثالثة حقوق؛ ألنها تعرضت لشدائد ثالث‪:‬‬
‫األوىل‪ -‬أهن�ا محل�ت‪ ،‬والثانية‪ -‬ألهنا وضعت‪ ،‬والثالث ��ة‪ -‬ألهنا أرضعت‪ ،‬أما األب‬
‫فقد محل ابنه يف ظهره نطفة‪ ،‬وليلة أمه ما فكر فيه ولكن فكر يف قضاء شهوته‪.‬‬
‫‪[ :4‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ] [‪.]14 :x‬‬
‫(‪« )1‬اجلامع ألحكام القرآن» [‪ ]3816‬للقرطبي ط‪ :‬النور اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرغ ��ام‪ :‬ه�و الرتاب‪ ،‬رغم أنفه‪ :‬أي لصق بالتراب‪ ،‬واملعنى‪ :‬ذل وخزى من قرص يف برمها عند ذلك‪،‬‬
‫وفاته دخول اجلنة‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]2551‬والبخ�اري يف «األدب املفرد» [‪ ،]21‬والرتم�ذي [‪ ،]3539‬وأمحد‬
‫[‪.]8538‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3004‬ومسلم [‪ ،]2549‬وأبو داود [‪ ،]3530‬والرتمذي [‪.]1671‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪264‬‬
‫ق�ال الزخمشري ‪ :V‬تضعف فوق ضع�ف‪ ،‬ويتزايد ضعفه�ا ويتضاعف؛ ألن‬
‫ثقل وضع ًفا(‪.)1‬‬
‫احلمل كلام ازداد وعظم‪ ،‬ازدادت اً‬

‫وعن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ‪ 0‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫من أحق الناس بحس�ن صحابتي؟ قال‪« :‬أمك»‪ ،‬قال ثم من؟ قال‪« :‬أمك»‪ ،‬قال ثم من؟‬
‫قال‪« :‬أمك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪« :‬ثم أبوك»(‪.)2‬‬

‫وع�ن املقدام بن معدي ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن اهلل يوصيكم‬
‫بأمهاتك ��م‪ ،‬ث ��م يوصيك ��م بأمهاتك ��م‪ ،‬ث ��م يوصيك ��م بآبائك ��م‪ ،‬ث ��م يوصيك ��م باألقرب‬
‫فاألقرب»(‪.)3‬‬
‫ك� �ث�ي�رك ي� ��ا ه�� ��ذا ل���دي���ه يسري‬ ‫ألم� � ��ك ح � ��ق ل � ��و ع� �ل� �م ��ت كبري‬
‫هل � ��ا م � ��ن ج � ��واه � ��ا َّأن � � � � � ٌة وزف �ي��ر‬ ‫ويف ل�ي�ل��ة ب��ات��ت ب�ث�ق�ل��ك تشتكي‬
‫ف�ك��م غ�ص��ص منها ال �ف��ؤاد يطري‬ ‫ويف الوضع لو تدري عليك مشقة‬
‫وم� ��ا ح �ج��ره��ا إال ل ��دي ��ك سرير‬ ‫وكم غسلت عنك األذى بيمينها‬
‫وم���ن ث��دي �ه��ا ش� ��راب ل��دي��ك منري‬ ‫وت �ف��دي��ك مم��ا ت�ش�ت�ك�ي��ه بنفسها‬
‫ح� �ن���وا وإش � �ف� ��ا ًق� ��ا وأن � � ��ت صغري‬ ‫وك� ��م ج ��اع ��ت وأع��ط��ت��ك قوتها‬
‫وط� ��ال ع�ل�ي��ك األم� ��ر وه ��و قصري‬ ‫ف �ض �ي �ع �ت �ه��ا مل� ��ا ك �ب��رت جهالة‬
‫وواه���ا ألع�م��ى ال�ق�ل��ب وه��و بصري‬ ‫ف � ��آه ل � ��ذي ع� �ق ��ل وي� �ت� �ب ��ع اهل� ��وى‬
‫ف� ��أن� ��ت مل � ��ا ت� ��دع� ��و إل�� �ي� ��ه فقري‬ ‫ف��دون��ك ف��ارغ��ب يف عميم دعائها‬

‫(‪« )1‬الكشاف» (‪ )494/3‬للزخمرشي‪ ،‬ط‪ :‬دار الريان‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5971‬ومسلم [‪.]2548‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري يف «األدب املفرد» [‪ ،]60‬واللفظ له‪ ،‬وابن ماجه [‪ ،]3661‬وأمحد [‪]17121‬‬
‫وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]1666‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪265‬‬

‫بر الوالدين بعد موتهما‪:‬‬

‫ع�ن أيب هري�رة ‪ I‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪« :‬إذا مات اإلنس ��ان انقطع‬
‫عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صاحل يدعو له»(‪.)1‬‬

‫وعن�ه ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬ترف ��ع للميت بعد موت ��ه درجة‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬أى رب! أي شيء هذه؟ فيقال‪ :‬ولدك استغفر لك»(‪.)2‬‬
‫وع�ن عب�د اهلل بن عب�اس ‪ L‬أن اً‬
‫رجل ق�ال للنب�ي‪ :0‬إن أمي توفيت‬
‫أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال‪« :‬نعم»‪ ،‬قال‪« :‬فإن لي خمر ًفا(‪ ،)3‬فأنا أش ��هدك أني قد‬
‫تصدقت به عنها(‪.»)4‬‬
‫صور من البر‪:‬‬
‫ال�ب�ر‪ :‬اس�م جامع للخري‪ ،‬وب�ر الوالدين فريض�ة الزمة‪ ،‬ال ينكره�ا إال املتوغل يف‬
‫النذالة والآلمة‪ ،‬ولن يس�تطيع األبناء مهام قدموا جمازاة اآلباء واألمهات‪،‬عىل ما قاموا به‬
‫نحوه�م يف الطفولة والرجولة‪ ،‬من عطف ورعاية وتربية وعناية‪ ،‬إال أن جيد الولد الوالد‬
‫‪ -‬أو الوالدة ‪ -‬عبدً ا مملوكًا فيشرتيه باملال ويعتقه‪ ،‬فبذلك يكون قد أداه حقه‪.‬‬

‫وإليك أخي الكريم بعض صور الرب املباركة‪:‬‬


‫فع�ن عب�د اهلل بن عم�ر ‪ L‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬بينم ��ا ثالثة نفر‬
‫يتماش ��ون‪ ،‬أخذه ��م املطر‪ ،‬فمال ��وا إىل غار يف جبل‪ ،‬فاحنطت عل ��ى فم غارهم صخرة‬
‫م ��ن اجلبل‪ ،‬فأطبق ��ت عليهم‪ ،‬فق ��ال بعضهم لبع ��ض‪ :‬انظروا أعم� �الاً عملتموها هلل‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]1631‬وأبو داود [‪ ،]2880‬والنسائي [‪ ،]3651‬وأمحد [‪.]8830‬‬


‫(‪ )2‬حسن‪ :‬رواه ابن ماجه [‪ ،]3660‬وحسنة الشيخ األلباين يف «الصحيحة» برقم [‪.]1598‬‬
‫(‪ )3‬املخرف‪ :‬النخل‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2756‬وأبو داود [‪ ،]2882‬والرتمذي [‪.]669‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪266‬‬
‫صاحل ��ة‪ ،‬فادع ��وا اهلل به ��ا‪ ،‬لعله يفرجه ��ا‪ ،‬فقال أحده ��م‪ :‬اللهم إن ��ه كان لي والدان‬
‫ش ��يخان كبريان‪ ،‬ولي صبية صغار‪ ،‬كنت أرعى عليهم‪ ،‬فإذا رجعت عليهم‪ ،‬فحلبت‪،‬‬
‫بدأت بوالدى أسقيهما قبل ولدي‪ ،‬وإنه قد نأى بي الشجر(‪ ،)1‬فما أتيت حتى أمسيت‪،‬‬
‫فوجدتهما قد ناما‪ ،‬فحلبت كما كنت أحلب‪ ،‬فجئت باحلالب‪ ،‬فقمت عند رأسهما‪،‬‬
‫أكره أن أوقظهما‪ ،‬وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما‪ ،‬والصبية يتضاغون(‪)2‬عند قدمي‪،‬‬
‫فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم‪ ،‬حتى طلع الفجر‪ ،‬فإذا كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء‬
‫وجهك‪ ،‬فأفرج لنا فرجة نرى منها السماء‪ ،‬ففرج اهلل هلم حتى يروا الشمس‪.)3(»...‬‬
‫من عظم اخلطاب‪ ،‬وجاللة املقام‪ ،‬وقوة اجلواب‪ ،‬صخرة عاتية زحزحها اهلل كرامة‬
‫للوالد والوالدة‪ ،‬وبسبب هذه الصورة املرشقة من صور الرب‪.‬‬

‫وهذا منوذج آخر‪ ،‬وصورة أخرى من صور الرب والفضل‪:‬‬


‫يف ع�ام م�ن األعوام جاء احلجيج ليحجوا إىل بيت اهلل احلرام‪ ،‬وبني األلوف املؤلفة‬
‫م�ن احلجيج‪ ،‬حاج من أهل اليمن‪ ،‬حيمل أمه على كتفيه‪ ،‬ويطوف هبا حول البيت‪ ،‬ألهنا‬
‫عجوز ال تس�تطيع السير عىل قدميها‪ ،‬ورأى هذا الرجل اليمني أن من الواجب عليه أن‬
‫يكاف�ئ اجلميل‪ ،‬فهذه األم العجوز التي ال تس�تطيع السير عىل قدميه�ا‪ ،‬كان يف فرتة من‬
‫اً‬
‫وطفل يف أحش�ائها‪ ،‬محلته ووضعت�ه وأرضعته وقبلته ونظفته‪،‬‬ ‫الفترات جنينًا يف بطنها‪،‬‬
‫سهرت لينام‪ ،‬وجاعت ليشبع‪ ،‬وظمئت لريوى‪ ،‬وظن هذا الرجل اليمنى أنه كافأها ح ًقا‬
‫بحق‪ ،‬قال‪ :‬أبو بردة بن أيب موسى األشعري أن عبد اهلل بن عمر رأى هذا الرجل يطوف‬
‫بالبيت‪ ،‬وقد محل أمه وراء ظهره ويقول‪:‬‬
‫إن أذع� � � ��رت رك ��اب� �ه ��ا مل أذع� ��ر‬ ‫إن� � � � ��ي هل� � � ��ا ب� � �ع �ي��ره � ��ا امل � ��ذل � ��ل‬
‫(‪ )1‬نأى بي الشجر؛ أي‪ :‬بعد املرعى‪.‬‬
‫(‪ )2‬يتضاغون‪ :‬يرصخون باكني‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2215‬ومسلم [‪ ،]2743‬وابن حبان [‪« ]497‬موارد»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪267‬‬

‫اهلل ربي ذو الجالل األكبر‬

‫ف�ه��ل ت ��رى ج��ازي�ت�ه��ا ي��ا اب ��ن عمر‬ ‫مح� �ل� �ت� �ه ��ا أك�� �ث� ��ر مم � ��ا محلت‬
‫ثم قال‪ :‬يا ابن عمر! أتراين جزيتها؟‪ ،‬قال‪ :‬ال وال بزفرة واحدة(‪.)1‬‬
‫ق�ال حمم�د بن س�عد‪« :‬كان ملعرس بن ك�دام أم عابدة‪،‬فكان حيمل هل�ا لبدً ا‪ ،‬ويميش‬
‫معها حتى يدخلها املسجد‪ ،‬فيبسط هلا اللبد‪ ،‬فتقوم فتصيل‪ ،‬ويتقدم هو إىل مقدم املسجد‪،‬‬
‫فيصلي ث�م يقع�د‪ ،‬وجيتمع إليه م�ن يري�د‪ ،‬فيحدثهم‪ ،‬ثم ينصرف إليها فيحم�ل لبدها‪،‬‬
‫وينرصف معها»(‪.)2‬‬

‫وهذا عبد اهلل بن عوف‪:‬‬


‫نادته أمه فأجاهبا‪ ،‬فعال صوته صوهتا‪ ،‬فأعتق رقبتني(‪.)3‬‬
‫وهذا أبو احلسن بن احلسني بن عيل بن أيب طالب ‪ :I‬زين العابدين‪ ،‬كان كثري‬
‫البر بأمه‪ ،‬حتى قيل له‪« :‬إنك من أبر الناس بأمك‪ ،‬ولس�نا ن�راك تأكل معها يف صحفة»‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أخاف أن تسبق يدى إىل ما سبقت إليه عينها‪ ،‬فأكون قد عققتها(‪.)4‬‬

‫صور من العقوق‪:‬‬

‫ص�ورا مرشفة للبر والفضل واخلري‪ ،‬فهن�اك صور رديئة ومش�ينة‪،‬‬


‫ً‬ ‫فكما أن هن�اك‬
‫ين�دى هلا اجلبني يف إيذاء الوالدين‪ ،‬وس�بهام وعصياهنام‪ ،‬ومد اليد بالس�وء إليهام‪ ،‬ولعنهام‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه البخ�اري يف «األدب املف�رد» [‪ ،]11‬وعبد اهلل بن املبارك [‪ ،]95‬والبيهقي يف «ش�عب‬
‫اإليامن» [‪ ،]741‬وصححه الشيخ األلباين يف «رشح صحيح األدب املفرد» برقم [‪.]11‬‬
‫ والزفرة‪ :‬هو ما تتعرض له املرأة عند الوضع من تردد النفس حتى ختتلف األضالع‪.‬‬
‫(‪« )2‬صفة الصفوة» (‪.)25/4‬‬
‫(‪« )3‬حلية األولياء» (‪.)39/3‬‬
‫(‪« )4‬سري أعالم النبالء» (‪.)125/4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪268‬‬
‫وغيبتهام‪ ،‬والكذب عليهام‪ ،‬وهنرمها وقهرمها وتوبيخهام‪ ،‬والتأفف منهام‪ ،‬والدعاء عليهام‪،‬‬
‫والتلك�ؤ يف قضاء ش�ؤوهنام‪ ،‬كل ذلك عقوق ونكران للجميل‪ ،‬تئ�ن له الفضيلة‪ ،‬وتبكي‬
‫اً‬
‫فضًل� عن املتدي�ن‪ ،‬والعجيب أن اهلل‬ ‫ل�ه امل�روءة‪ ،‬وتأب�اه الديانة‪ ،‬وال ي�رىض به العاقل‪،‬‬
‫قرن يف كتابه الكريم توحيده وعبادته وطاعته املتضمنة لطاعته وطاعة رس�وله ‪0‬‬

‫ق�رن بذلك حق الوالدين‪ ،‬وقرن ‪ O‬اإلرشاك باهلل بعقوق الوالدين‪ ،‬ومما جاء‬
‫يف العق�وق‪ ،‬وجرم�ه وقبحه وإثمه‪ ،‬وأنه من أكبر الكبائر‪ ،‬وأعظم الذن�وب‪ ،‬قول النبي‬
‫‪« :0‬إن اهلل ح ��رم عليك ��م عقوق األمهات ومن ًع ��ا وهات‪ ،‬ووأد البنات‪ ،‬وكره لكم‬
‫قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال وإضاعة املال»(‪.)1‬‬

‫وعن أيب بكرة ‪ I‬قال‪ :‬كنا عند رسول اهلل فقال‪« :‬أال أنبئكم بأكرب الكبائر؟»‬
‫‪ -‬ثال ًثا ‪ -‬قلنا بىل يا رس�ول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬اإلش ��راك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وكان متك ًئا‬
‫فجلس»‪ ،‬وقال‪« :‬أال وقول الزور‪ ،‬أال وش ��هادة الزور‪ ،‬أال وش ��هادة الزور»‪ ،‬فام زال يكررها‬
‫حتى قلنا‪« :‬ال يسكت»‪ ،‬ويف رواية‪ :‬وحتى قلنا‪ :‬ليته سكت(‪.»)2‬‬

‫وعن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬أن رس�ول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬إن من الكبائر شتم‬
‫الرج ��ل والدي ��ه»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رس�ول اهلل! وهل يش�تم الرج�ل والديه؟‪ ،‬قال‪« :‬نعم يس ��ب‬
‫أبا الرجل فيسب أباه‪ ،‬ويسب أمه‪ ،‬فيسب أمه»(‪.)3‬‬

‫صورا‬
‫ً‬ ‫وه�ذه بع�ض األدلة عىل حتريم العقوق‪ ،‬والذي يعيش مش�اكل الن�اس جيد‬
‫س�يئة للعقوق والظلم‪ ،‬واحليف واجلور‪ ،‬تدوي يف جمتمعاتنا‪ ،‬من ش�باب قس�ت قلوهبم‪،‬‬
‫وعمي�ت بصائره�م‪ ،‬فام عرفوا ح ًقا للوالد وال الوالدة‪ ،‬ذكر أن ش�ا ًبا كان مك ًبا عىل اللهو‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ]5975‬من حديث املغرية بن شعبة‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2694‬ومسلم [‪ ،]87‬والرتمذي [‪.]2302‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2973‬ومسلم [‪ ،]90‬والرتمذي [‪ ،]1903‬وأبو داود [‪.]5141‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪269‬‬
‫كثريا ما يعظ ه�ذا االبن‪ ،‬ويقول له‬
‫واللع�ب‪ ،‬ال يفي�ق عنه‪ ،‬وكان ل�ه والد صاحب دين‪ً ،‬‬
‫ي�ا بن�ي‪ :‬احذر هفوات الش�باب وعثراته‪ ،‬فإن هلل س�طوات ونقامت‪ ،‬ما ه�ي من الظاملني‬
‫ببعي�د‪ ،‬وكان إذا أل�ح علي�ه زاد يف العقوق‪ ،‬وجار على أبيه‪ ،‬وملا كان ي�وم من األيام ألح‬
‫عىل ابنه بالنصح عىل عادته‪ ،‬فمد الولد يده عىل أبيه‪ ،‬فحلف األب جمتهدً ا ليأتني بيت اهلل‬
‫احل�رام‪ ،‬ويتعلق بأس�تار الكعبة‪ ،‬ويدعو عىل ولده‪ ،‬فخرج حت�ى انتهى إىل البيت احلرام‪،‬‬
‫فتعلق بأستار الكعبة‪ ،‬وأنشأ يقول‪:‬‬
‫ع��رض املهامة من ق��رب وم��ن بعد‬ ‫يا من إليه أتى احلجج قد قطعوا‬
‫ي��دع��وه مبتهلاً ب��ال��واح��د الصمد‬ ‫إن ��ي أت�ي�ت��ك ي��ا م��ن ال خي�ي��ب من‬
‫فخذ حبقي ي��ا رمح��ان م��ن ولدى‬ ‫ه��ذى م�ن��ازل ال يرتد م��ن عقيقى‬
‫ي��ا م��ن ت �ق��دس مل ي��ول��د ومل يلد‬ ‫وش� ��ل م �ن��ه حب� ��ول م �ن��ك جانبه‬
‫قيل‪ :‬إنه ما استتم كالمه حتى يبس شق ولده األيمن‪ ،‬نعوذ باهلل من العقوق(‪.)1‬‬
‫اً‬
‫طويل‪ ،‬حتى تقدم به السن فمل منه وسئم‪،‬‬ ‫وروى‪ :‬أن شا ًبا قام عىل خدمة أبيه زمنًا‬
‫فأخذه يو ًما عىل ظهر دابة‪ ،‬وخرج به إىل الصحراء‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني إىل أين تذهب يب؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يا أبتاه لقد أتعبتني‪ ،‬وأسأمتني‪ ،‬والبد من ذبحك‪.‬‬

‫ق�ال‪ :‬يا بني أهكذا جزاء اإلحس�ان؟‪ ،‬ق�ال‪ :‬البد من ذبحك‪ .‬قال‪ :‬ي�ا بني إن كان‬
‫والبد‪ ،‬فاذبحني عند تلك الصخرة هناك‪ ،‬قال‪ :‬يا أبتاه ما يفيدك أن أذبحك هنا أو هناك‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا بني اذبحني عند تلك الصخرة‪ ،‬فقد ذبحت أيب عندها‪ ،‬ولك يا بني مثلها‪ ،‬واجلزاء‬
‫م�ن جنس العمل‪ ،‬وال يظلم ربك أحدً ا(‪ )2‬فهذه صورة أخرى من صور العقوق والظلم‬
‫واجلور‪.‬‬

‫(‪« )1‬موارد الظمآن» (‪ )435/2‬عبد العزيز املحمد السلامن‪ ،‬ط‪ :‬البحوث العلمية واإلفتاء‪.‬‬
‫(‪« )2‬وبالوالدين إحسانًا»‪ ،‬ص‪ ]105[ :‬للشيخ‪ :‬سعيد عبد العظيم‪ ،‬ط‪ :‬دار العقيدة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪270‬‬
‫في�ا أهيا املضيع ألوكد احلق�وق‪ ،‬املعتاض عن بر الوالدين بالعقوق‪ ،‬النايس ملا جيب‬
‫علي�ه‪ ،‬الغاف�ل عما بني يديه‪ ،‬ب�ر الوالدين علي�ك دين‪ ،‬وأن�ت تتعاطاه باتباع الشين(‪،)1‬‬
‫تطلب اجلنة بزعمك‪ ،‬وهي حتت أقدام أمك‪ ،‬محلتك يف بطنها تس�عة أش�هر‪ ،‬كأهنا تس�ع‬
‫حج�ج(‪ ،)2‬وكابدت عند وضعك ما يذيب املهج(‪)3‬وأرضعت�ك من ثدهيا لبنًا‪ ،‬وأطارت‬
‫ألجلك وس�نًا(‪ ،)4‬وغس�لت بيمينها عنك األذى‪ ،‬وآثرتك عىل نفس�ها بالغذا‪ ،‬وصريت‬
‫لك حجرها مهدً ا‪ ،‬وأنالتك إحسانًا ورفدً ا(‪.)5‬‬

‫فإن أصابك مرض أو ش�كاية‪ ،‬أظهرت من األس�ف فوق النهاية‪ ،‬وأطالت احلزن‬
‫والنحي�ب‪ ،‬وبذلت ماهلا للطبي�ب‪ ،‬ولو خريت بني حياتك وموهتا‪ ،‬آلثرت حياتك بأعىل‬
‫وجه�ارا‪ ،‬فلام‬
‫ً‬ ‫رسا‬
‫م�رارا‪ ،‬فدعت ل�ك بالتوفيق ً‬
‫ً‬ ‫صوهت�ا‪ ،‬ه�ذا وقد عاملتها بس�وء اخللق‬
‫احتاج�ت عن�د الكرب إلي�ك‪ ،‬جعلتها من أهون األش�ياء عليك‪ ،‬فش�بعت وه�ي جائعة‪،‬‬
‫وروي�ت وه�ي ضائع�ة‪ ،‬وقدم�ت عليها أهل�ك ومال�ك يف اإلحس�ان‪ ،‬وقابل�ت أيادهيا‬
‫بالنس�يان‪ ،‬وصعب عليك أمرها وهو يسير‪ ،‬وطال عليك عمرها وهو قصري‪ ،‬وهجرهتا‬
‫وماهلا بعد اهلل سواك نصري‪ ،‬هذا وموالك قد هناك عن التأفيف‪ ،‬وعاتبك يف حقها بعتاب‬
‫لطيف‪ ،‬س�تعاقب يف دنياك بعقوق البنني‪ ،‬ويف أخراك بالبعد عن رب العاملني [ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ] [‪.)6(]10 :g‬‬
‫ت� �ع ��ل مب� ��ا أدن � � ��ى إل � �ي� ��ك وتنهل‬ ‫غ ��ذوت ��ك م ��ول ��ودا وع �ل �ت��ك يافعا‬
‫ل� ��ذك� ��رك إال س� ��اه�� � ًرا أمتلمل‬ ‫إذا ليلة ن��اب�ت��ك بالسقم مل أبت‬
‫ط��رق��ت ب ��ه دون � ��ي وع��ي�ن�ي تهمل‬ ‫ك��أن��ي أن��ا امل �ط��روق دون��ك بالذي‬

‫(‪ )2‬حجج‪ :‬سنني‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الشني‪ :‬العيب والقبح‪.‬‬


‫(‪ )4‬وس ًنا‪ :‬أخذ يف النعاس‪.‬‬ ‫(‪ )3‬املهج‪ :‬الروح‪.‬‬
‫(‪ )5‬الرفد‪ :‬العطاء والصلة‪.‬‬
‫(‪« )6‬الكبائر»‪ ،‬ص‪ ]46[ :‬لإلمام شمس الدين الذهبي‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة التجارية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪271‬‬
‫ل �ت �ع �ل��م أن امل� � ��وت ح� �ت ��م مؤجل‬ ‫خت��اف ال��ردى نفسي عليك وإنها‬
‫إليها م��دى م��ا كنت فيك أؤمل‬ ‫ف�ل�م��ا ب�ل�غ��ت ال �س��ن وال �غ��اي��ة اليت‬
‫ك ��أن ��ك أن � ��ت امل� �ن� �ع ��م املتفضل‬ ‫جعلت جزائي منك غلظة وفظاظة‬
‫ويف رأيك التفنيد لو كنت تعقل‬ ‫ومس� �ي� �ت�ن�ي ب���اس���م امل� �ف� �ن ��د رأي� ��ه‬
‫ب ��رد ع �ل��ى أه ��ل ال� �ص ��واب موكل‬ ‫ت� � � ��راه م � �ع� ��را ل� �ل� �خ�ل�اف ك ��أن ��ه‬
‫فعلت كما اجل��ار اجمل ��اور يفعل‬ ‫ف �ل �ي �ت��ك إذ مل ت� ��رع ح���ق أبوتي‬
‫ع �ل��ى مب��ال��ي دون م��ال��ك تبخل‬ ‫ف��أول �ي �ت�ني ح��ق اجل� ��وار ومل تكن‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪272‬‬

‫صلة الرحم‬
‫ع�ن أيب أي�وب قال‪ :‬جاء رج�ل إىل النبي ‪ 0‬فق�ال‪ُ :‬دلني على عمل أعمله‬
‫يدنيني من اجلنة ويباعدين من النار‪ .‬قال‪« :‬تعبد اهلل ال تش ��رك به ش ��ي ًئا وتقيم الصالة‬
‫وتؤت ��ي ال ��زكاة وتص ��ل ذا رمح ��ك»‪ ،‬فلما أدب�ر قال رس�ول اهلل ‪« :0‬إن متس ��ك‬
‫مبا أمر به دخل اجلنة»(‪.)1‬‬
‫فإن صلة الرحم موجبة لرضا الرب عن العبد يف الدنيا‪ ،‬وموجبة لثوابه يف اآلخرة‪،‬‬
‫وأهنا س�بب لبس�ط الرزق وتوس�يعه‪ ،‬وس�بب الربكة يف العمر‪ ،‬وهذه األش�ياء حمببة إىل‬
‫العبد‪.‬‬
‫وهذه الرحم التي يرتاحم هبا األقرباء هي خلق من خلق اهلل ‪ ،c‬قال ‪:0‬‬
‫«إن اهلل خلق اخللق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت‪ :‬هذا مقام العائذ بك من‬
‫القطيع ��ة‪ ،‬ق ��ال‪ :‬نعم أما ترضني أن أصل م ��ن وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪ :‬فذاك لك»‪ .‬ثم قال ‪ :0‬اقرءوا إن شئتم‪[ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ][‪،)2(]23-22 :U‬‬
‫فف�ي هذا احلدي�ث الرشيف بني ‪ 0‬أن الرح�م تتعلق بالعرش الكريم‪ ،‬وتش�تكي‬
‫إىل اهلل األرح�ام املهج�ورة واملقطوعة‪ ،‬وصلة الرحم واجبة‪ ،‬من وصلها وصله اهلل‪ ،‬ومن‬
‫قطعها قطعه اهلل‪.‬‬
‫قال اهلل ‪[ :D‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ] [‪.]1 :6‬‬
‫قال الضحاك‪ :‬أي اتقوا اهلل الذي تعاقدون به‪ ،‬واتقوا األرحام أن تقطعوها‪ ،‬ولكن‬
‫بروها وصلوها(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]13‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]4830‬ومسلم [‪ ]554‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪« )3‬تفسري القرآن العظيم» (‪ )459/1‬للحافظ ابن كثري‪ ،‬ط‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪273‬‬

‫والرحم نوعان‪ :‬رحم عامة‪ ،‬ورحم خاصة‬


‫فالرح ��م العامة‪ :‬هي رحم الدي�ن‪ ،‬وجيب صلتها بمالزمة اإليامن‪ ،‬واملحبة ألهله‪،‬‬
‫ونرصهت�م‪ ،‬وترك مضاره�م‪ ،‬والعدل بينه�م‪ ،‬والنصفة يف معاملته�م‪ ،‬والقيام بحقوقهم‬
‫الواجبة‪ ،‬واملس�تحبة‪ ،‬كتمريض املرىض‪ ،‬وتغس�يل املوتى‪ ،‬وغري ذلك من احلقوق املرتتبة‬
‫عليهم‪.‬‬

‫والرح ��م اخلاص ��ة‪ :‬ه�ي القرابة القريبة للرج�ل من جهة أبيه وأم�ه‪ ،‬وهم املعنيون‬
‫بقول اهلل ‪[ :c‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ] [‪.]75 :E‬‬

‫فتج�ب هل�م احلق�وق اخلاص�ة وزي�ادة‪ ،‬كالنفق�ة عليه�م وتفق�د أحواهل�م‪ ،‬وترك‬
‫التغاف�ل ع�ن تعاهده�م يف أوقات رضوراهتم‪ ،‬وتتأك�د يف حقهم حق�وق الرحم العامة‪،‬‬
‫حتى إذا تزامحت احلقوق بدئ باألق�رب فاألقرب‪ ،‬وأقرهبم اآلباء واألمهات‪،‬واألجداد‬
‫وأوالده�م‪ ،‬واألعمام والعمات وأوالدهم‪ ،‬واألخ�وال واخلاالت وأوالده�م‪ ،‬ولذلك‬
‫قال ‪ 0‬ملا س�ئل عن أحق الناس بحس�ن املصاحبة؟‪ ،‬قال‪« :‬أم ��ك»‪ .‬قال‪ :‬ثم من؟‬
‫ق�ال‪« :‬أمك»‪ .‬قال ثم من؟ ق�ال‪« :‬أمك»‪ .‬قال ثم من؟قال‪« :‬أب ��وك»(‪ ،)1‬وعن املقداد بن‬
‫معدي ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬إن اهلل يوصيكم بأمهاتكم‪ ،‬ثم يوصيكم‬
‫بآبائكم‪ ،‬ثم يوصيكم باألقرب فاألقرب»(‪.)2‬‬

‫صلة الرحم واجبة وإن قاطعوك‬


‫ناجح�ا يف صل�ة أرحام�ه‪ ،‬ينبغي أن يص�ل رمح�ه وإن قطعه‬
‫ً‬ ‫حت�ى يك�ون الرج�ل‬
‫أقرباؤه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5971‬ومسلم [‪.]2548‬‬


‫(‪ )2‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]5139‬والرتم�ذي [‪ ،]1897‬والبخ�اري يف «األدب املفرد» [‪ ،]3‬وأمحد‬
‫[‪ ،]17121‬وصححه الشيخ األلباين يف «الصحيحة» [‪.]1666‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪274‬‬
‫فعن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬أن رسول اهلل ‪ 0‬قال‪« :‬ليس الواصل باملكافئ‪،‬‬
‫ولكن الواصل الذي إذا قطعت رمحه وصلها»(‪.)1‬‬

‫بأي شيء يصل اإلنسان رحمه؟‬

‫حت�ى يتحقق للرج�ل النجاح يف صلة أرحام�ه‪ ،‬ينبغي عليه أن يكث�ر من زيارهتم‪،‬‬
‫واإلهداء إليهم‪ ،‬والس�ؤال عنهم‪،‬وتفقد أحواهلم‪ ،‬والتصدق عىل فقريهم‪ ،‬والتلطف مع‬
‫غنيهم‪ ،‬واحرتام كبريهم‪ ،‬وتكون كذلك باس�تضافتهم‪ ،‬وحس�ن استقباهلم‪ ،‬ومشاركتهم‬
‫يف أفراحهم‪ ،‬وإجابة دعوهتم‪ ،‬وعيادة مرضاهم ومواساهتم يف أحزاهنم‪ ،‬كام تكون بالدعاء‬
‫هلم‪ ،‬وسالمة الصدر نحوهم‪ ،‬كام تكون بدعوهتم إىل اهلدى‪ ،‬وأمرهم باملعروف‪ ،‬وهنيهم‬
‫عن املنكر‪.‬‬

‫قال النووي ‪« :V‬صلة الرحم هي اإلحس�ان إىل األقارب عىل حسب الواصل‬
‫واملوص�ول‪ ،‬فت�ارة تكون باملال‪ ،‬وت�ارة تكون باخلدم�ة‪ ،‬وتارة تكون بالزيارة والسلام‪،‬‬
‫وغري ذلك»(‪.)2‬‬

‫وقال ابن أيب محزة‪« :‬صلة الرحم تكون باملال‪ ،‬وبالعون عند احلاجة‪ ،‬وبدفع الرضر‪،‬‬
‫وبطالق�ة الوج�ه‪ ،‬وبالدعاء‪ ،‬واملعن�ى اجلامع لذل�ك‪ :‬إيصال ما أمكن م�ن اخلري‪ ،‬وقطع‬
‫ما أمكن من الرش بحسب الطاقة»(‪.)3‬‬

‫وق�ال البلب�اين‪« :‬امل�راد بصلة الرح�م مواالهتم‪ ،‬وحمبته�م أكثر م�ن غريهم ألجل‬
‫قرابتهم‪ ،‬وتأكيد املبادرة إىل صلحهم عند عداوهتم‪ ،‬واالجتهاد يف إيصال كفايتهم بطيب‬
‫نف�س عند فقره�م‪ ،‬واإلرساع إىل مس�اعدهتم‪ ،‬ومعاونتهم عند حاجته�م‪ ،‬ومراعاة جرب‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]5991‬وأبو داود [‪ ،]1697‬والرتمذي [‪.]1908‬‬


‫(‪ )3‬املصدر السابق (ص‪.)30 :‬‬ ‫(‪« )2‬أحب األعامل إىل اهلل»‪ ،‬ص‪.]29[ :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪275‬‬
‫قلوهب�م‪ ،‬مع التعطف والتلطف هب�م‪ ،‬وتقديمهم يف إجابة دعوهت�م‪ ،‬والتواضع معهم يف‬
‫غناه وفقرهم»(‪.)1‬‬

‫فوائد وثمرات صلة األرحام‪:‬‬

‫إن لصل�ة الرحم فوائد مجة‪ ،‬وثمرات حمققة‪ ،‬ونتائج حس�نة يف حياة املس�لم‪ ،‬وبعد‬
‫وفاته‪ ،‬وإليك أخي الكريم بعض فوائد وثمرات صلة الرحم‪:‬‬

‫‪ -1‬صلة الرحم من اإليمان باهلل‪:‬‬


‫فاإليمان بضع وس�بعون ش�عبة‪ ،‬أعاله�ا ال إل�ه إال اهلل‪ ،‬كلم�ة التوحي�د‪ ،‬وأدناها‬
‫‪ -‬وليس فيها دين ‪ -‬إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬وصلة الرحم من اإليامن باهلل‪.‬‬

‫فع�ن أيب هري�رة ‪ I‬قال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬م ��ن كان يؤمن باهلل‬
‫والي ��وم اآلخر فليكرم ضيفه‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليصل رمحه‪ ،‬ومن‬
‫ريا أو ليصمت»(‪.)2‬‬
‫كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خ ً‬

‫‪ -2‬صلة الرحم سبب في زيادة الرزق والبركة في العمر‪:‬‬


‫فعن أنس بن مالك ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من أحب أن يبس ��ط‬
‫له يف رزقه وينسأله يف أثره‪ ،‬فليصل رمحه»(‪.)3‬‬

‫فانظر ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬كيف رتب النبي ‪ 0‬عىل صلة الرحم أمرين حمققني‪،‬‬
‫ومها بس�ط الرزق وتوس�يعه‪ ،‬واإلنساء يف األثر‪ ،‬وجعل اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬فكام أن‬
‫اإلنس�ان وصل رمحه بالرب واإلحس�ان‪ ،‬وأدخل على قلوهبم الرسور‪ ،‬وص�ل اهلل عمره‪،‬‬
‫وبس�ط رزقه ووس�عه‪ ،‬وفتح له أبواب اخلري والرزق ما مل خيطر له عىل بال‪ ،‬وبارك له فيه‪،‬‬

‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]6138‬‬ ‫(‪ )1‬املصدر السابق (ص‪.)30 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]2557‬ومسلم [‪ ،]2067‬وأمحد [‪.]13519‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪276‬‬
‫فك�م من إنس�ان وهبه اهلل قوة يف جس�مه‪ ،‬ورزانة يف عقله‪ ،‬ومض�اء يف عزيمته‪ ،‬وبركة يف‬
‫علم�ه وعمله‪ ،‬فكانت حياته حافل�ة ومليئة باألعامل اجلليلة‪ ،‬فهذه حياة ناجحة وطويلة‪،‬‬
‫وإن كان�ت يف احلس�اب قصرية؛ ألن املقي�اس احلقيقي للحياة املبارك�ة بجالئل األعامل‪،‬‬
‫وكثرة اآلثار‪ ،‬وليس بالشهور واألعوام‪.‬‬

‫وصدق من قال‪:‬‬
‫ت� �ق ��در أع� �م ��ار ال� ��رج� ��ال بأعمال‬ ‫�ام��ا وإمنا‬
‫فتى ع��اش أع �م��اال ج�س� ً‬
‫‪ -3‬صلة الرحم من أحب األعمال إلى اهلل‪:‬‬
‫فعن رجل من خثعم قال‪« :‬أتيت النبي ‪ 0‬وهو يف رجل من أصحابه فقلت‪:‬‬
‫أنت تزعم أنك رسول؟‪ ،‬قال‪« :‬نعم»‪ ،‬قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل‪ :‬أي األعامل أحب إىل اهلل‪.‬‬
‫قال‪« :‬اإلميان باهلل»‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل ثم مه؟ قال‪« :‬ثم صلة الرحم»‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫يا رسول اهلل ثم مه؟ قال‪« :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر»‪.‬‬

‫قال‪ :‬قلت يا رس�ول اهلل‪ :‬أي األعامل أبغض إىل اهلل؟‪ ،‬قال‪« :‬اإلشراك باهلل»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قل�ت يا رس�ول اهلل ثم مه؟ ق�ال‪« :‬ثم قطيعة الرحم»‪ ،‬قال‪ :‬قلت يا رس�ول اهلل ثم مه؟‪،‬‬
‫قال‪« :‬ثم األمر باملنكر‪ ،‬والنهي عن املعروف»(‪.)1‬‬

‫‪ -4‬صلة الرحم سبب لمغفرة الذنوب‪:‬‬

‫فع�ن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪ :‬أتى النبي ‪0‬رجل فقال‪ :‬إين أذنبت ذن ًبا‬
‫عظيًم�‪ ،‬فه�ل يل من توب�ة؟ فقال النبي ‪« :0‬هل لك م ��ن أم؟» قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬فهل‬
‫اً‬
‫لك من خالة؟»‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬فربها»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬حسن‪ :‬رواه أبو يعىل يف مسنده [‪ ،]6839‬وحسنه الشيخ األلباين يف «صحيح اجلامع» برقم [‪.]166‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1844‬والرتمذي [‪ ،]1904‬وأمحد [‪.]2984‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪277‬‬

‫‪ -5‬صلة الرحم والتصدق عليهم تضاعف الثواب‪:‬‬

‫فعن أنس ‪ I‬قال‪ :‬كان أبو طلحة أكثر األنصار باملدينة من نخل‪ ،‬وكان أحب‬
‫أمواله إليه بريحاء‪ ،‬وكانت مستقبلة املسجد‪ ،‬وكان رسول اهلل ‪ 0‬يدخلها ويرشب‬
‫من ماء فيها طيب‪ ،‬فلام نزلت هذه اآلية‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ]‬
‫[‪]92 :4‬‬

‫قام أبو طلحة إىل رس�ول اهلل‪ 0‬فقال‪ :‬يا رس�ول اهلل‪ :‬إن اهلل ‪ F‬يقول‪:‬‬
‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ]‪ ،‬وإن أح�ب أم�وايل إىل بريح�اء‪ ،‬وإهن�ا صدق�ة هلل‪.‬‬
‫فق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬بخ(‪)1‬وذلك مال رابح»‪ ،‬وقد س�معت م�ا قلت‪ ،‬وإين أرى‬
‫أن جتعلها يف األقربني‪ ،‬فقال أبو طلحة‪ :‬أفعل يا رس�ول اهلل‪ ،‬فقس�مها أبو طلحة يف أقاربه‬
‫وبني عمه(‪.)2‬‬

‫حتى إنك ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬لو ابتليت بقريب يضمر لك العداوة‪ ،‬ويظهر البغضاء‪،‬‬
‫م�ع فقره وش�دة حاجته‪ ،‬فه�و أوىل بصدقتك؟ وإن عىص اهلل فيك‪ ،‬فأط�ع اهلل فيه‪ ،‬فنحن‬
‫أمرنا أن نتقى اهلل فيمن مل يتق اهلل فينا‪ ،‬فإذا تصدقت عليه وهو هبذه احلالة فإن اهلل يضاعف‬
‫لك الثواب واألجر إن شاء اهلل ‪ ،c‬ولعل صدقتك له‪ ،‬وإحسانك إليه يكونان سب ًبا يف‬
‫زوال عداوته عليك‪ ،‬ودوام حمبته لك‪.‬‬

‫‪[ :4‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ]‬


‫[‪]34 :I‬‬

‫فعلين�ا أن نعتن�ي وهنت�م بصلة األرح�ام‪ ،‬فإن ذلك في�ه نجاحنا وفالحن�ا يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬كلمة بخ‪ :‬تقال عند تفخيم األمر‪ ،‬وتعظيمه يف اخلري‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]1416‬ومسلم [‪.]898‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪278‬‬
‫(‪)1‬‬
‫طلب العلم‬
‫عن أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬من س ��لك طري ًقا يلتمس‬
‫علما‪ ،‬سهل اهلل له به طري ًقا إىل اجلنة»(‪.)2‬‬
‫فيه ً‬
‫لق�د ح�ث اإلسلام عىل التعلي�م وطل�ب العلم‪ ،‬وجعل�ه فريضة عىل كل مس�لم‪،‬‬
‫فع�ن أن�س ‪ I‬ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ‪« :0‬طل ��ب العلم فريض ��ة على كل‬
‫مسلم»(‪.)3‬‬

‫وق�د بين اهلل ‪ D‬أن من نعمه العظيمة عىل اإلنس�ان‪ ،‬ومن كامل كرمه تعاىل عليه‪،‬‬
‫أن�ه علم�ه ما مل يعلم‪ ،‬فرشفه وكرمه بالعلم‪ ،‬ونقله من ظلم�ة اجلهل إىل نور العلم‪ ،‬فالعلم‬
‫ن�ور وحي�اة‪ ،‬واجله�ل ظالم وم�وت‪ ،‬والعلم غ�ذاء ال�روح كما أن الطعام غ�ذاء البدن‪،‬‬
‫وال حيتاج العلم لتعريفه؛ ألنه أبني من أن يبني‪ ،‬وأوضح من أن يوضح‪ ،‬وطلب العلم يبدأ‬
‫من�ذ الصغر‪ ،‬ويس�تمر حتى املامت‪ ،‬وخالف ذلك فإن املتعلم مأم�ور بأن يدعو اهلل ليزيده‬
‫علًم�؛ ألن العلم ال ينتهي‪ ،‬وقد بلغ رس�ول اهلل ‪ 0‬م�ن العلم ما ال يمكن لغريه من‬
‫اً‬
‫‪.]114‬‬ ‫البرش أن يصل إليه‪ ،‬فقد أمره اهلل ‪ D‬بقوله‪[ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ] [‪:c‬‬

‫ولي�س يف الق�رآن كله أم�ر بالدعاء بطلب االزدي�اد من يشء إال م�ن العلم‪ ،‬وهذا‬
‫واض�ح الدالل�ة يف فضل العل�م‪ ،‬واملراد بالعلم العل�م الرشعي الذي يتلق�اه املتعلم عىل‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]1308‬والرتمذي [‪ ]2646‬وصححه الشيخ األلباين يف «صحيح الرتغيب»‬
‫(‪.)67/1‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪« :‬إحياء علوم الدين» (‪ )48 - 7/1‬للغزايل‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬و«فتح الباري» (‪)166 - 59/1‬‬
‫للحاف�ظ ابن حجر‪ ،‬ط‪ :‬الريان‪ ،‬و«اجلامع ألحكام الق�رآن» (‪ )27/4‬لإلمام القرطبي (‪ ،)27/4‬ط‪:‬‬
‫املنار‪ ،‬و«فيض القدير» (‪ )263/4‬للمناوي‪ ،‬ط‪ :‬املكتبة العربية‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحي�ح‪ :‬رواه اب�ن ماج�ه [‪ ،]224‬وصححه الش�يخ األلب�اين يف «صحيح اجلامع» برق�م [‪،]3913‬‬
‫و«املشكاة» برقم [‪.]218‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪279‬‬
‫أي�دي العلماء‪ ،‬وليس هناك أدنى ش�ك يف أن هذا العلم من أرشف العل�وم التي يتعلمها‬
‫اإلنس�ان يف حيات�ه‪ ،‬ومن أعظمها على اإلطالق‪ ،‬ثم بعد ذلك ي�أيت العلم الدنيوي الذي‬
‫مرورا بمرحلة االبتدائية‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫يتلقاه اإلنس�ان يف املدارس‪ ،‬بد ًءا من س�نوات عمره األوىل‬
‫اإلعدادي�ة‪ ،‬ث�م الثانوية‪ ،‬ثم اجلامعية‪ ،‬ثم الدراس�ات العليا التي حيص�ل فيها املتعلم عىل‬
‫شهادة «املاجيستري» ثم «الدكتوراه»‪.‬‬

‫وال ش�ك أن ح�رص املس�لم عىل طلب العل�م الرشعي واملواظبة على ذلك‪ ،‬يدل‬
‫خريا؛ لقول النبي ‪« :0‬من ي ��رد اهلل به خ ً‬
‫ريا يفقهه يف‬ ‫على أن اهلل ‪ D‬أراد ب�ه ً‬
‫الدين»(‪ ،)1‬فهذا بيان ظاهر لفضل العلامء عىل سائر الناس‪ ،‬ولفضل التفقه يف الدين عىل‬
‫سائر العلوم‪ ،‬ويفهم من احلديث أن من مل يتفقه يف الدين فقد حرم اخلري‪.‬‬

‫ومهما تعلم اإلنس�ان ووصل إىل أعىل الدرجات يف العلم يظ�ل هناك من يفوقه يف‬
‫العلم؛ مصدا ًقا لقول اهلل ‪[ :c‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ]‬
‫[‪]76 :M‬‬

‫بل مل يؤت من العلم إال القليل‪[ :6 ،‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ]‬


‫[‪]85 :W‬‬

‫فضل العلم‪:‬‬

‫إن اخلاصي�ة التي يتميز هبا اإلنس�ان عن كثري من املخلوقات هي العلم‪ ،‬فاإلنس�ان‬
‫إنس�ان بما حيمله من علم فيكون رشي ًف�ا ألجله‪ ،‬وليس ذلك بقوة ش�خصه أو عظمته أو‬
‫شجاعته أو كثرة أكله أومجاعه‪ ،‬فاجلمل أقوى منه‪ ،‬والفيل أعظم منه‪ ،‬واألسد أشجع منه‪،‬‬
‫والثور أوسع بطنًا منه‪ ،‬وأصغر العصافري أقوى عىل السفاد(‪ )2‬منه‪ ،‬بل مل خيلق اإلنسان إال‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ]71‬من حديث محيد بن عبد الرمحن‪.‬‬


‫(‪ )2‬السفاد‪ :‬نزو الذكر عىل األنثى‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪280‬‬
‫للعل�م‪ ،‬وإن فضل العل�م الرشعي عظيم جدً ا‪ ،‬وأكرب من أن يبني بكلامت‪ ،‬ويكفي أن اهلل‬
‫‪ c‬يرفع املؤمن عىل غريه درجات بحسب ما تعلمه من علم‪[ :4 ،‬ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ] [‪.]11 :q‬‬

‫أي يرفع اهلل املؤمن العامل عىل املؤمن غري العامل‪ ،‬ورفعه الدرجات تدل عىل الفضل‪،‬‬
‫إذ امل�راد ب�ه كثرة الثواب‪ ،‬وبه ترتفع الدرجات‪ ،‬ورفعتها تش�مل املعنوي�ة يف الدنيا‪ :‬بعلو‬
‫املنزلة وحسن الصيت‪ ،‬واحلسية يف اآلخرة‪ :‬بعلو املنزلة يف اجلنة‪.‬‬
‫َو‪[ :6‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ] [‪.]18 :4‬‬
‫فانظ�ر كيف بدأ ‪ E‬بنفس�ه‪ ،‬وثنى باملالئكة‪ ،‬وثلث بأه�ل العلم‪ ،‬ففي هذه‬
‫اآلية دليل عىل رشف العلامء وفضلهم‪ ،‬فإنه لو كان أحد أرشف من العلامء لقرهنم باسمه‬
‫واس�م مالئكته كام قرن اس�م العلامء‪ ،‬ولو كان يشء أرشف من العلم ألمر اهلل ‪ c‬نبيه‬
‫‪ 0‬أن يس�أله املزيد منه‪ ،‬كام أمر أن يس�تزيده من العل�م‪ ،‬وعن أيب الدرداء ‪I‬‬
‫قال‪ :‬قال رس�ول اهلل ‪« :0‬وإن املالئكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم‪ ،‬وإن‬
‫الع ��امل ليس ��تغفر ل ��ه من يف الس ��موات وم ��ن يف األرض‪ ،‬واحليتان يف ج ��وف املاء‪ ،‬وإن‬
‫فضل العامل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب‪ ،‬وإن العلماء‬
‫درهم ��ا‪ ،‬وإمنا ورثوا العلم فمن أخذه‬
‫ورث ��ة األنبي ��اء‪ ،‬وإن األنبياء مل يورثوا دينا ًرا وال ً‬
‫أخذ حبظ وافر»(‪.)1‬‬

‫نحوا‬
‫فاملالئكة تنظر لطالب العلم بعني البهاء واجلالل‪ ،‬فتعظمه وتوقره‪ ،‬وتفعل له ً‬
‫مم�ا يفع�ل م�ع األنبياء؛ ألن العلماء ورثتهم‪ ،‬وأي منص�ب يزيد عىل منصب من تش�تغل‬
‫مالئكة الساموات واألرض واحليتان يف البحر باالستغفار له؟!‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]3641‬والرتمذي [‪ ،]2682‬وابن ماجه [‪ ،]223‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫يف «صحيح الرتغيب» (‪.)33/1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪281‬‬
‫وطالب العلم بني اجلهال بمنزلة احلي بني األموات‪ ،‬وإن أجر طالب العلم وثوابه‬
‫لعظيم وكبري‪.‬‬

‫ق�ال اب�ن عباس ‪ :I‬خري س�ليامن ‪ S‬بين العلم واملال واملل�ك‪ ،‬فاختار‬
‫العلم‪ ،‬فأعطى املال وامللك معه‪.‬‬

‫وإذا كان طالب العلم ‪ -‬س�واء أكان العلم الرشعي الديني أم أحد العلوم الدنيوية‬
‫حريصا عىل النجاح يف اكتساب العلم‪ ،‬واالستفادة منه‪ ،‬فيام يعود عليه بالنفع يف‬
‫ً‬ ‫املباحة ‪-‬‬
‫دني�اه وآخرته‪ ،‬فالبد م�ن االلتزام والعلم بالرشوط واآلداب املطلوبة منه يف هذا املجال‪،‬‬
‫حتى يتحقق ما يصبو إليه‪ ،‬ويكون له األجر يف ذلك‪ ،‬اً‬
‫فضل من اهلل ونعمة‪ ،‬فوق ما سوف‬
‫ينتفعه من علمه من املنافع الدنيوية‪.‬‬

‫وإليك أخي الكريم‬


‫بعض اآلداب المتعلقة بطلب العلم‬
‫أولاً ‪ -‬القصد بالعلم وجه اهلل ‪:c‬‬

‫إن أول وأهم آداب ورشط النجاح يف طلب العلم‪ ،‬أن يقصد به وجه اهلل ‪ ،c‬مثل‬
‫م�ا هو مطل�وب يف كل عبادة‪ ،‬وأن يكون قصده يف احلال حتلي�ة باطنه وجتميله بالفضيلة‪،‬‬
‫ويف امل�آل الق�رب من اهلل ‪ n‬والرتقي إىل جوار املأل األعىل م�ن املالئكة املقربني‪ ،‬فإذا‬
‫قص�د به ذل�ك كتب اهلل له األج�ر والثواب يف كل خطوة يمش�يها يف طل�ب العلم‪ ،‬فعن‬
‫أيب هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬من سلك طري ًقا يلتمس فيه ً‬
‫علما‪،‬‬
‫سهل اهلل له طري ًقا إىل اهلل»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه أبو داود [‪ ،]1308‬والرتمذي [‪ ،]2646‬وابن ماجه [‪ ،]225‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫يف «صحيح الرتغيب» (‪.)67/1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪282‬‬
‫أجرا ونف ًعا‬
‫حت�ى الدراس�ة والعلم الدني�وي املباح إذا قصد ب�ه وجه اهلل فإن له ب�ه ً‬
‫ورفعة ال حمالة‪ ،‬كأن يتعلم الطب ليداوي املسلمني‪ ،‬ويكفيهم عن احلاجة إىل األطباء غري‬
‫املس�لمني‪ ،‬أو يتعلم السياس�ة لتطبيق الرشيعة اإلسلامية‪ ،‬وإقامة دولة اإلسالم‪ ،‬وهكذا‬
‫بالنس�بة لكل علم من العل�وم األخرى املباحة واملفي�دة للبرشية‪[ :4 ،‬ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ] [‪.]8 - 7:A‬‬

‫أما إذا قصد بطلب العلم غري وجه اهلل ‪ ،c‬مثل أن يقصد به الرياسة واملال واجلاه‬
‫ومماراة الس�فهاء ومباهاة األقران‪ ،‬فعاقبة ذلك س�يئة جدً ا‪ ،‬وتعد اً‬
‫فشًل� ذري ًعا‪ ،‬وأي فشل‬
‫أعظ�م من أن يك�ون نصيبه احلرمان من اجلنة‪ ،‬ودخوله الن�ار؟!‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪I‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :0‬من تعلم ً‬
‫علما مما يبتغى به وجه اهلل ‪ ،D‬ال يتعلمه‬
‫عرضا من الدنيا مل جيد عرف اجلنة يوم القيامة»(‪ )1‬يعني ‪ -‬رحيها ‪-‬‬
‫إال ليصيب به ً‬
‫وه�ذا يش�مل من يتعلم الطب أو اهلندس�ة أو السياس�ة أو غري ذلك من العل�وم ليتباهى‬
‫بذلك‪ ،‬ويتعاىل عىل الناس‪ ،‬ويتطاول عليهم‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬تطهير النفس‪:‬‬


‫ً‬

‫إن الصلاة الت�ي ه�ي م�ن أعامل الب�دن ال تص�ح إال بتطهري البدن ع�ن األحداث‬
‫واألخب�اث بواس�طة الغس�ل والوض�وء‪ ،‬وكذلك العلم ه�و من أعمال الباطن ال يصح‬
‫عامرة القلب به إال بعد طهارته من األخالق اخلبيثة واألوصاف النجس�ة‪:4 ،‬‬
‫[ﭢ ﭣ ﭤ ] [‪ ،]28 :G‬فاملشرك ق�د يكون نظيف البدن والثياب‪ ،‬حس�ن‬
‫اهليئة والش�كل‪ ،‬ومع ذلك فهو نجس‪ ،‬أي باطنه ملطخ باخلبائث‪ ،‬فنجاسة الباطن عبارة‬
‫عما جيتن�ب ويطلب البعد عنه من األخالق الرديئة‪ ،‬واألوص�اف الذميمة‪ ،‬مثل الغضب‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه أب�و داود [‪ ،]3664‬وابن ماجه [‪ ،]252‬وصححه الش�يخ األلب�اين‪ .‬وانظر‪« :‬اقتضاء‬
‫العلم» رقم [‪.]102‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪283‬‬
‫والشهوة واحلقد واحلسد والكرب والعجب‪ ،‬وغري ذلك من النجاسات التي تعيق أو متنع‬
‫عامرة القلب بالعلم‪.‬‬

‫وكذل�ك عىل املتعل�م أن جيتنب املعايص‪ ،‬حتى يس�تفيد مما يتعلمه م�ن حيث كونه‬
‫اً‬
‫عمًل� هلل ‪ c‬إذا قص�د به التقرب إىل اهلل ‪ ،D‬فاملعايص تنكت يف القلب نكتًا س�وداء‬
‫إىل أن يعلوه الران‪ ،‬فال يس�تفيد من علم‪ ،‬وال يثبت فيه صالح‪ ،‬ويضعف فهمه وحفظه‪،‬‬
‫قال عيل بن خرشم‪ :‬سمعت وكيع بن اجلراح يقول‪ :‬استعينوا عىل احلفظ برتك املعصية‪.‬‬

‫وكان وكي�ع ‪ V‬آية من آيات اهلل يف احلف�ظ‪ ،‬حتى قال فياض بن زهري‪ :‬ما رأينا‬
‫بيد وكيع كتا ًبا قط‪ ،‬كان يقرأ كتبه من حفظه‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ -‬التواضع وعدم التكبر‪:‬‬

‫قال عمر‪ :‬تفقهوا قبل أن تس�ودوا‪ .‬قال أبو عبد اهلل «البخاري»‪ :‬وبعد أن تس�ودوا‪،‬‬
‫وق�د تعل�م أصحاب النبي ‪ 0‬يف كرب س�نهم‪ ،‬فقد تكون الس�يادة واملناصب س�ب ًبا‬
‫يف االنصراف ع�ن التعلي�م؛ ألن الرئي�س قد يمنعه الكبر واالحتش�ام أن جيلس جملس‬
‫املتعلمين‪ ،‬وهل�ذا قال مال�ك ‪ V‬عن عيب القضاء‪ :‬إن الق�ايض إذا عزل ال يرجع إىل‬
‫جملسه الذي كان يتعلم فيه‪.‬‬

‫وق�ال الش�افعي‪ :‬إذا تص�در احل�دث فاته عل�م كثري‪ .‬قال أب�و عبيد‪ :‬معن�اه تفقهوا‬
‫صغار‪ ،‬قبل أن تصريوا س�ادة‪ ،‬فتمنعكم األنف�ة عن األخذ عمن هو دونكم فتبقوا‬
‫ٌ‬ ‫وأنتم‬
‫اً‬
‫جهال‪.‬‬

‫وهلذا كان عىل اإلنس�ان أن يس�تغل صغره وشبابه يف اكتس�اب العلم‪ ،‬قبل أن يتبوأ‬
‫منص ًبا من املناصب التي يمكن أن تكون س�ب ًبا يف منعه من طلب العلم وثني الركب عند‬
‫العلامء واملعلمني‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪284‬‬
‫فم�ن رشوط النج�اح يف اكتس�اب العل�م وآداب�ه أن ال يتكبر عىل العل�م وال عىل‬
‫املعل�م‪ ،‬وال يتأم�ر عىل معلم‪ ،‬بل يلق�ى إليه زمام أمره‪ ،‬ويذع�ن لنصيحته إذعان املريض‬
‫اجلاهل للطبيب املش�فق احل�اذق‪ ،‬وينبغي أن يتواضع ملعلم�ه‪ ،‬ويطلب الثواب والرشف‬
‫بخدمت�ه‪ ،‬ق�ال الش�عبي‪ :‬صىل زيد بن ثابت عىل جن�ازة فقربت إليه بغلت�ه لريكبها‪ ،‬فجاء‬
‫اب�ن عب�اس فأخذ بركابه‪ ،‬فق�ال زيد‪ :‬خل عنه يا ابن عم رس�ول اهلل ‪ ،0‬فقال ابن‬
‫عب�اس‪ :‬هكذا نفعل بالعلماء والكرباء‪ ،‬فقبل زيد بن ثابت يده وق�ال‪ :‬هكذا نفعل بأهل‬
‫بي�ت نبينا ‪ ،0‬فال ينال العلم إال بالتواضع وإلقاء الس�مع‪[ :4 ،‬ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ] [‪.]37:a‬‬

‫وه�ذه بع�ض اآلداب الت�ي ينبغي على املتعلم أن يأخذه�ا يف اعتب�اره‪ ،‬ويعمل هبا‬
‫تواض ًع�ا للعل�م واملعلم‪ ،‬قال عيل ‪ : I‬إن من حق املعلم أن ال تكثر عليه بالس�ؤال‪،‬‬
‫وال تعنت�ه باجل�واب‪ ،‬وال تل�ح عليه إذا كس�ل‪ ،‬وال تأخ�ذ بثوبه إذا هنض‪ ،‬وال تفش�ى له‬
‫رسا‪ ،‬وال تغتاب�ن أح�دً ا عن�ده‪ ،‬وال تطلب�ن عثرت�ه‪ ،‬وإن زل قبل�ت معذرت�ه‪ ،‬وعليك أن‬
‫ً‬
‫توقره وتعظمه هلل ‪ ،c‬ما دام حيفظ أمر اهلل ‪ ،c‬وإن كانت له حاجة سبقت القوم إىل‬
‫خدمته‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬احلياء‪.‬‬
‫ومن موانع التعليم التي ينبغي للمتعلم أن جيتنبها ً‬
‫قال جماهد‪ :‬ال يتعلم العلم مستحى وال مستكرب‪.‬‬
‫وقالت عائش�ة ‪ :J‬نعم النساء نس�اء األنصار‪ ،‬مل يمنعهن احلياء أن يتفقهن يف‬
‫الدين‪.‬‬

‫وعن أم س�لمة ‪ J‬قالت‪ :‬جاءت أم س�ليم إىل رس�ول اهلل ‪ 0‬فقالت‪:‬‬


‫يا رسول اهلل‪ ،‬إن اهلل ال يستحي من احلق‪ ،‬فهل عىل املرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪285‬‬
‫النبي ‪« :0‬إذا رأت املاء»‪ ،‬فغطت أم سلمة ‪ -‬يعني وجهها ‪ -‬وقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫أو حتتلم املرأة؟ قال‪« :‬نعم‪ ،‬تربت ميينك‪ ،‬فبم يشبهها ولدها؟»(‪.)1‬‬

‫فاحلياء من اإليامن‪ ،‬وهو الرشعي الذي يقع عىل وجه اإلجالل واالحرتام لألكابر‪،‬‬
‫وهو حممود‪ ،‬وأما ما يقع سب ًبا لرتك أمر رشعي فهو مذموم‪ ،‬وليس هو بحياء رشعي‪ ،‬وإنام‬
‫ه�و ضعف ومهانة‪ ،‬فعىل املتعلم أن يرتك العجز والتكرب؛ ملا يؤثر كل منهام من النقص يف‬
‫التعليم‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬العلم قبل القول والعمل‪:‬‬


‫ً‬

‫الب�د مل�ن يريد النج�اح يف التعليم‪ ،‬أن يعلم ب�أن العلم يكون قب�ل القول والعمل؛‬
‫لقول اهلل ‪[ :c‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ] [‪.]19 :U‬‬

‫فب�دأ بالعل�م ث�م العمل‪ ،‬وأعظم األش�ياء رتب�ة يف حق اآلدم�ي الس�عادة األبدية‪،‬‬
‫وأفضل األش�ياء ما هو وس�يلة إليها‪ ،‬ولن يتوصل إليها إال بالعلم والعمل‪ ،‬وال يتوصل‬
‫إىل العم�ل إال بالعلم بكيفية العمل‪ ،‬فأصل الس�عادة يف الدنيا واآلخرة هو العلم فهو إ ًذا‬
‫أفضل األعامل‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬التدرج بالعلم‪:‬‬


‫ً‬
‫إن العل�وم مرتب�ة ترتي ًب�ا رضور ًيا‪ ،‬وبعضها طري�ق إىل بعض‪ ،‬وهذا ما نش�هده من‬
‫ترتيب املراحل الدراس�ية والصفوف‪ ،‬ابتداء م�ن الصف األول االبتدائي وما بعده حتى‬
‫املرحل�ة اجلامعية‪ ،‬وهك�ذا يكون أي فن من فن�ون العلم‪ ،‬ومن مجلته�ا العلوم الرشعية‪،‬‬
‫فعىل طالب العلم الرشعي أن يراعي الرتتيب‪ ،‬ويبتدئ باألهم فاملهم‪ ،‬واملوفق من راعي‬
‫ذلك الرتتيب والتدرج‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]130‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪286‬‬

‫سادسا‪ -‬العمل بالعلم‪:‬‬


‫ً‬
‫إن أحد أهم وس�ائل النجاح يف اكتس�اب العلم هو العمل بام يتعلمه اإلنسان لكي‬
‫ينتف�ع ب�ه يف دينه ودني�اه وآخرته‪ ،‬وقد كان رس�ول اهلل ‪ 0‬يتعوذ م�ن العلم الذي‬
‫ال ينف�ع‪ ،‬ويدع�و اهلل ‪ c‬ب�أن ينفعه بما يعلمه ربه ‪ ،c‬فع�ن زيد بن أرق�م قال‪ :‬كان‬
‫رسول اهلل ‪ 0‬يقول‪« :‬اللهم إني أعوذ بك من علم ال ينفع»(‪.)1‬‬

‫خريا له يف الدنيا‬
‫قال احلسن‪« :‬إن الرجل ليصيب الباب من العلم فيعمل به فيكون ً‬
‫وما فيها لو كانت له فجعلها يف اآلخرة»‪ ،‬وقال‪« :‬كان الرجل إذا طلب العلم مل يلبث أن‬
‫يري ذلك يف برصه وختشعه ولسانه ويده وصلته وزهده»‪.‬‬
‫وقد قال اهلل ‪[ :c‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ] [‪.]9 :E‬‬
‫أي‪ :‬إن الذي�ن يعلم�ون هم الذي�ن ينتفعون بعلمهم ويعملون ب�ه‪ ،‬فأما من مل ينتفع‬
‫بعلمه‪ ،‬ومل يعمل به فهو بمنزلة من مل يعلم‪.‬‬

‫قال عيل ‪ :I‬يا محلة العلم اعملوا به‪ ،‬فإنام العامل من عمل بام علم‪ ،‬ووافق علمه‬
‫عمله‪ ،‬وس�يكون أقوام حيملون العلم ال جياوز تراقيهم‪ ،‬خيالف عملهم علمهم‪ ،‬وختالف‬
‫رسيرهتم عالنيتهم‪ ،‬جيلس�ون حل ًقا فيباهي بعضه�م ً‬
‫بعضا‪ ،‬حتى إن الرجل ليغضب عىل‬
‫جليسه أن جيلس إىل غريه ويدعه‪ ،‬أولئك ال تصعد أعامهلم يف جمالسهم تلك إىل اهلل‪.‬‬
‫فيجب عىل املعلم أن يكون اً‬
‫عامل بعلمه‪ ،‬فال يكذب قوله فعله‪ ،‬فإذا خالف العمل‬
‫العلم منع الرش�د‪ ،‬وكل من أكل أو رشب ش�ي ًئا وقال للن�اس ال تأكلوه وال ترشبوه فإنه‬
‫س�م مهلك س�خر الناس ب�ه واهتموه‪ ،‬وزاد حرصهم عىل ما هنوا عن�ه فيقولون‪ :‬لو ال أنه‬
‫طيب ولذيذ ملا كان يستأثر به‪ ،‬ولذلك قيل يف املعنى‪:‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪.]2722‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪287‬‬
‫ع � ��ار ع �ل �ي��ك إذا ف �ع �ل��ت عظيم‬ ‫ال ت��ن��ه ع���ن خ��ل��ق وت���أت���ي مثله‬
‫قال اهلل ‪[ :D‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ] [‪.]44 :2‬‬
‫ولذلك كان وزر العامل يف معاصيه أكثر من وزر اجلاهل‪ ،‬إذ يزل بزلته ناس كثريون‬
‫ويقتدون به‪ ،‬ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل هبا إىل يوم القيامة‪.‬‬

‫متعلم‪ ،‬وال تكون بالعل�م عا ًملا حتى‬


‫اً‬ ‫ق�ال أب�و الدرداء‪ :‬ال تك�ون عا ًملا حتى تك�ون‬
‫تكون به اً‬
‫عامل‪.‬‬

‫وق�ال أب�و حاتم‪ :‬العاقل ال يش�تغل يف طلب العلم إال وقص�ده العمل به‪ ،‬ألنه من‬
‫فخرا وجتبرً ا‪ ،‬وللعمل تركًا وتضيي ًعا‪ ،‬فيكون فس�اده يف‬
‫س�عى فيه لغري ما وصفن�ا ازداد ً‬
‫املتأسين ب�ه فيه أكثر من فس�اده يف نفس�ه‪ ،‬وقال مالك ب�ن دينار‪:‬إذا طل�ب الرجل العلم‬
‫ليعمل به رسه علمه‪.‬‬

‫وأختم هذا الباب هبذه القصيدة النافعة يف طلب العلم‪.‬‬


‫وس��ال � ًك��ا يف ط��ري��ق ال�ع�ل��م أحزا ًنا‬ ‫ي ��ا ت ��ارك ��ا مل ��راض ��ي اهلل أوط ��ا ًن ��ا‬
‫من أكمل الناس ميزا ًنا ورجحانا‬ ‫ف��ال�ع�ل��م أف �ض��ل م�ط�ل��وب وطالبه‬
‫إن رمت فو ًزا لدى الرمحن موالنا‬ ‫والعلم ن��ور فكن بالعلم معتصما‬
‫واجل��اه �ل��ون أخ��ف ال �ن��اس ميزا ًنا‬ ‫وه��و ال�ن�ج��اة وف�ي��ه اخل�ي�ر أمجعه‬
‫واجلهل خيفضه لوكان ما كانا‬ ‫ً‬
‫منخفضا‬ ‫والعلم يرفع بي ًتا كان‬
‫وأوضع الناس من قد كان حريا ًنا‬ ‫وأرف���ع ال �ن��اس أه��ل ال�ع�ل��م منزلة‬
‫بل كان باجلهل ممن نال خسرا ًنا‬ ‫ال يهتدي لطريق احل��ق من عمه‬
‫ال ي��در م��ا زان��ه يف ال�ن��اس أو شانا‬ ‫تلقاه بني ال��ورى باجلهل منكس ًرا‬
‫وال �ن��اس ت�ع��رف��ه ب��ال�ف�ض��ل إذعانا‬ ‫وال�ع�ل��م يرفعه ف��وق ال ��ورى ً‬
‫درجا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪288‬‬
‫ي �ن��ال ب��ال�ع�ل��م غ �ف��را ًن��ا ورض ��وا ًن ��ا‬ ‫وط��ال��ب ال�ع�ل��م إن يظفر ببغيته‬
‫ال إن كنت يقظانا‬ ‫ال تبتغي ب��د ً‬ ‫ً‬
‫جمتهدا ما عشت حمتس ًبا‬ ‫فاطلبه‬
‫أو ف��ات��ه ن ��ال خ �س��را ًن��ا ونقصانا‬ ‫م��ن ن��ال��ه ن��ال يف ال��داري��ن منزلة‬
‫ومل ي�ك��ن ن��ال ب�ع��د اجل��د عرفانا‬ ‫وب � ��اذل اجل���د يف حت�ص�ي�ل��ه زم ًنا‬
‫ع �ن��د اإلل� ��ه وال ي��ول �ي��ه خسرا ًنا‬ ‫ف �ل��ن ي �ض �ي��ع ل ��ه س �ع��ي وال عمل‬
‫ي� �ن ��ال م ��ن رب� �ن ��ا ع� �ف� � ًوا ورض ��و ًن ��ا‬ ‫فطالب العلم إن أصفى سريرته‬
‫مي��ا وإحسا ًنا‬ ‫ف�ض�ًل�اً وج ��ودًا وت�ك��ر ً‬ ‫ف��ال�ع�ل��م ي��رف�ع��ه يف اخل �ل��د منزلة‬
‫(‪)1‬‬
‫ورمح��ة منه إح�س��ا ًن��ا ورضوا ًنا‬ ‫واهلل ي��ول��ي��ه أل� �ط ��ا ًف ��ا ومغفرة‬

‫‪‬‬

‫(‪« )1‬م�وارد الظم�آن» (‪ )98 - 97/1‬للش�يخ عب�د العزي�ز املحمد الس�لامن الطبعة الثامن�ة عرشة‪ ،‬طبعة‬
‫وقفية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪289‬‬

‫اإليمان والعمل الصالح‬


‫ِ‬
‫ق�ال اهلل ‪[ :D‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ] [‪.]82 :2‬‬

‫َو‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ] [‪.]122 :6‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ I‬عن النبي ‪ 0‬قال‪« :‬من آمن باهلل ورس ��وله‪ ،‬وأقام‬
‫الص�ل�اة‪ ،‬وص ��ام رمض ��ان‪ ،‬كان ًّ‬
‫حق ��ا عل ��ى اهلل أن يدخله اجلنة‪ ،‬هاجر يف س ��بيل اهلل‬
‫أو جلس يف أرضه اليت ولد فيها»‪ .‬قالوا يا رسول اهلل أفال نُن ِّبئ الناس بذلك‪.‬‬

‫ق�ال‪« :‬إن يف اجلنة مائة درجة أعدها اهلل للمجاهدين يف س ��بيله‪ ،‬كل درجتني‬
‫ما بينهما كما بني الس ��ماء واألرض‪ ،‬فإذا س ��ألتم اهلل فس ��لوه الفردوس‪ ،‬فإنه أوسط‬
‫اجلنة وأعلى اجلنة‪ ،‬وفوقه عرش الرمحن‪ ،‬ومنه تفجر أنهار اجلنة»(‪.)1‬‬
‫اإلميان يف اللغة معناه‪ :‬التصديق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ربا عن قول إخوة يوس�ف ألبيهم‪[ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫قال اهلل ‪ :D‬خم ً‬
‫ﭻ] [‪.]17 :M‬‬

‫قال العالمة السعدي ‪ :V‬أي‪ :‬أنك ال تصدقنا(‪.)2‬‬


‫واإلميان يف الش ��رع‪ :‬هو ِ‬
‫اإليامن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر‬ ‫ِ‬
‫خريه ورشه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪.]7423‬‬


‫(‪« )2‬تيسري الكريم الرمحن» (‪ )504/2‬للعالمة‪ /‬السعدي‪ ،‬ط‪ .‬دار املدين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪290‬‬
‫‪[ :4‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ] [‪.]177 :2‬‬

‫َو‪[ :6‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ]‬
‫اإلس�لام ِ‬
‫واإليامن‬ ‫[‪ ،]285 :2‬وهذا ما أجاب به الرس��ول ‪ 0‬جربيل ملا س��أله عن ِ‬
‫ِ‬
‫واإلحسان‪.‬‬

‫فعن عمر بن اخلطاب ‪ I‬قال‪ :‬بينام نحن عند رس��ول اهلل ‪ 0‬ذات يوم؛ إذ‬
‫طلع علينا رجل ش��ديد بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الش��عر‪ ،‬ال يرى عليه أثر السفر‪ .‬وال يعرفه‬
‫منا أحد‪ .‬حتى جلس إىل النَّبي ‪ 0‬فأس��ند ركبتيه إِىل ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه عىل فخذيه‪،‬‬
‫ِ‬
‫وقال‪« :‬يا حممد أخربين عن اإلسالم»‪ .‬فقال رسول اهلل ‪ِ :0‬‬
‫«اإلسالم‪ :‬أن تشهد أن‬
‫ال إل ��ه إِال اهلل وأن حمم ��دًا رس ��ول اهلل ‪ ،0‬وتقي ��م الص�ل�اة‪ ،‬وتؤت ��ي ال ��زكاة‪،‬‬
‫وتصوم رمضان‪ ،‬وحتج البيت‪ ،‬إن اس ��تطعت إليه س ��بيل»‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فعجبنا‬
‫اإلميان»‪ .‬ق�ال‪« :‬أن تؤمن ب ��اهلل‪ ،‬ومالئكته‪،‬‬
‫ل�ه يس�أله ويصدقه‪ .‬ق�ال‪« :‬فأخربني ع ��ن ِ‬
‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خريه وشره»‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال «فأخربني عن‬
‫اإلحسان»‪ .‬قال‪« :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه‪ ،‬فإِن مل تكن تراه فإِنه يراك»‪ .‬قال‪ :‬فأخربين‬
‫ِ‬
‫عن الساعة‪ .‬قال‪« :‬ما املسئول عنها بأعلم من السائل» قال‪ :‬فأخربين عن أماراهتا قال‪:‬‬
‫«أن تلد األمة َر َّب َتها‪ ،‬وأن ترى احلفاة العراة‪ ،‬العالة رعاء الشاة‪ ،‬يتطاولون يف البنيان»‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪291‬‬
‫قال‪ :‬ثم انطلق‪ .‬فلبثت مل ًّيا‪ ،‬ثم قال يل‪« :‬يا عمر أتدري من السائل؟»‪ ،‬قلت اهلل ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال‪« :‬فإِنه جربيل‪ .‬أتاكم يعلمكم دينكم»(‪.)1‬‬
‫فه�ذا احلدي�ث حديث عظي�م يف مقام النب�وة وتعلم الدين‪ ،‬فهو فهرس ِ‬
‫اإلسلام‪،‬‬
‫إِذا ص�ح القول‪ ،‬فقد قس�م ‪ 0‬في�ه الدين إِىل ثالث درجات‪ :‬أعالها ِ‬
‫اإلحس�ان‪،‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬ومسمى ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فجعل هناك فر ًقا بني مسمى ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬ثم ِ‬
‫وأوس�طها ِ‬
‫اإلحس�ان‪ ،‬فكل حمس�ن مؤم�ن‪ ،‬وكل مؤمن مس�لم‪ ،‬وليس كل مؤمن حمس�نًا‪،‬‬ ‫ومس�مى ِ‬
‫واإليمان يدخل فيه ِ‬
‫اإلسلام‪،‬‬ ‫اإليمان‪ِ ،‬‬
‫فاإلحس�ان يدخ�ل في�ه ِ‬
‫وال كل مس�لم مؤمنً�ا‪ِ ،‬‬
‫فاملحسنون أخص من املؤمنني‪ ،‬واملؤمنون أخص من املسلمني‪.‬‬
‫ف�إِذا صل�ح القل�ب ِ‬
‫باإليمان‪ ،‬صلح اجلس�د ِ‬
‫باإلسلام‪ ،‬لذلك ق�ال ‪ 0‬يف‬
‫حديث جربي�ل ‪ ،S‬هذا جربيل أتاكم ليعلمكم دينكم‪ ،‬وقال ‪« :0‬أال وإِن‬
‫يف اجلسد مضغة‪ ،‬إذا صلحت صلح اجلسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد اجلسد كله‪ ،‬أال‬
‫وهي القلب»(‪.)2‬‬

‫فاإلسالم‪ :‬هو األعامل الظاهرة‪ ،‬كالشهادتني‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلج؛‬


‫ِ‬
‫لقول النَّبي ‪« :0‬بين ِ‬
‫اإلسالم على مخس‪ :‬شهادة أن ال إله إِال اهلل وأن حممدًا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬واحلج‪ ،‬وصوم رمضان»(‪.)3‬‬
‫واإلميان‪ :‬هو ِ‬
‫اإليامن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورس�له‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خريه‬ ‫ِ‬
‫ورشه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]50‬ومس�لم [‪ ،]8‬واللفظ له‪ ،‬وأبو داود [‪ ،]4695‬والرتمذي [‪،]2610‬‬
‫والنسائي [‪ ،]4990‬وابن ماجه [‪.]63‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]52‬ومسلم [‪ ،]1599‬وأمحد [‪.]18287‬‬
‫(‪ )3‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]8‬ومسلم [‪ ،]16‬والرتمذي [‪ ،]2609‬والنسائي [‪.]5001‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪292‬‬
‫والس�نَّة مجُ ر ًدا‪ ،‬وتارة يقرن ِ‬
‫باإلسلام‪ ،‬وتارة يقرن‬ ‫واإلمي ��ان‪ :‬ت�ارة يذكر يف القرآن ُّ‬
‫ِ‬
‫بالعمل الصالح‪.‬‬

‫‪[ :4‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ] [‪.]277 :2‬‬

‫َو‪[ :4‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ] [‪.]2 - 1 :E‬‬

‫‪ [ :4‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯ ﮰ‬
‫ﯙ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ] [‪.]35 :2‬‬

‫َو‪[ :4‬ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ] [‪ ،]14 :Y‬وع��ن‬

‫أيب هري��رة ‪ ،I‬ع��ن النبي ‪ 0‬قال‪ِ :‬‬


‫«اإلميان بضع وس ��بعون ش ��عبة‪ ،‬أو بضع‬
‫وستون شعبة‪ ،‬فأفضلها قول‪ :‬ال إله إِال اهلل‪ ،‬وأدناها إِماطة األذى عن الطريق»(‪.)1‬‬
‫وع�ن أن�س ب�ن مالك ‪ I‬ق�ال النَّب�ي ‪« :0‬ال يؤم ��ن أحدكم حتى‬
‫أكون أحب إليه من ولده ووالده‪ ،‬والناس أمجعني»(‪.)2‬‬
‫وعن أيب س�عيد اخل�دري ‪ I‬قال س�معت النَّبي ‪ 0‬يق�ول‪« :‬من رأى‬
‫منكم منك ًرا فليغريه بيده‪ ،‬فإِن مل يس ��تطع فبلس ��انه‪ ،‬فإِن مل يس ��تطع فبقلبه‪ ،‬وذلك‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]9‬ومسلم [‪ ،]35‬واللفظ له‪ ،‬والنسائي [‪ ،]5004‬وابن ماجه [‪.]57‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]15‬ومسلم [‪ ،]44‬والنسائي [‪ ،]5013‬وابن ماجه [‪.]67‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪293‬‬
‫اإلميان»(‪ ،)1‬وعن أنس بن مالك ‪ ،I‬عن النَّبي ‪ 0‬قال‪« :‬ال يؤمن‬
‫أضع ��ف ِ‬
‫أحدكم حتى حيب ألخيه ما حيب لنفسه»(‪.)2‬‬

‫واإلميان‪ :‬هو اعتقاد وقول وعمل‪ ،‬اعتقاد بالقلب‪ ،‬وقول باللس�ان‪ ،‬وعمل القلب‬
‫ِ‬
‫واللس�ان واجل�وارح‪ ،‬وقد يكون هذا ِ‬
‫اإليمان فرائض‪ ،‬ورشائع‪ ،‬وحدو ًدا‪ ،‬وس�ننًا‪ ،‬فمن‬
‫اإليامن‪ ،‬ومن مل يستكملها مل يستكمل ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫استكملها فقد استكمل ِ‬
‫وهذا ِ‬
‫اإليامن يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص باملعصية‪.‬‬
‫قال شيخ ِ‬
‫اإلسلام ابن تيمية ‪ :V‬املأثور عن أصحابنا وأئمة التابعني‪ ،‬ومجهور‬
‫السنَّة واجلامعة أن ِ‬
‫اإليامن قول‬ ‫الس�لف وهو مذهب أهل احلديث‪ ،‬وهو املنس�وب ألهل ُّ‬
‫وعمل‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص باملعصية(‪.)3‬‬

‫وقال الشيخ حافظ بن أمحد حكمي ‪ :V‬وعىل هذا إمجاع األئمة املعتد بإِمجاعهم‪،‬‬
‫اإليامن‪ ،‬قول وعمل‪ ،‬ويزيد وينقص‪ ،‬وإِذا كان ينقص بالفتور عن الذكر‪ ،‬فألن ينقص‬
‫أن ِ‬
‫بفعل املعايص من باب أوىل(‪.)4‬‬

‫ويدلل عىل ذلك قول اهلل ‪[ :c‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ‬


‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ] [‪.]76 :a‬‬

‫َو‪[ :6‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ‬


‫ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ] [‪.]22 :2‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه مسلم [‪ ،]49‬والرتمذي [‪ ،]2172‬والنسائي [‪.]5009‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]13‬واللفظ له‪ ،‬ومس�لم [‪ ،]45‬والرتمذي [‪ ،]2515‬والنس�ائي [‪،]115‬‬
‫وابن ماجه [‪.]66‬‬
‫(‪ )3‬جمموع فتاوي شيخ ِ‬
‫اإلسالم (‪ )505/7‬ط‪ .‬دار الرمحة‪.‬‬
‫(‪« )4‬معارج القبول» (‪ )103/4‬الشيخ حافظ أمحد حكمي ط‪ .‬مركز اهلدى للدراسات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪294‬‬
‫َو‪[ :4‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ] [‪.] 4:W‬‬
‫َو‪[ :4‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ] [‪.]17 :U‬‬
‫َو‪[ :4‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ] [‪.]31 :M‬‬

‫وعن حنظلة األس�دي وكان من كتاب رس�ول اهلل ‪ 0‬ق�ال‪ :‬لقيني أبو بكر‬
‫فق�ال‪ :‬كيف أنت؟ يا حنظلة! قال قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ .‬قال‪ :‬س�بحان اهلل! ما تقول؟‪ ،‬قال‬
‫قلت‪ :‬نكون عند رسول اهلل ‪ 0‬فإِذا خرجنا من عند رسول اهلل ‪ 0‬عافسنا‬
‫كثريا‪.‬‬
‫األزواج واألوالد والضيعات‪ ،‬فنسينا ً‬
‫ق�ال‪ ،‬أبو بكر‪ ! :‬فواهلل! إِنا لنلق�ي مثل هذا‪ ،‬فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا عىل‬
‫رس�ول اهلل ‪ 0‬قل�ت‪ :‬ناف�ق حنظل�ة يا رس�ول اهلل‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪:0‬‬
‫«وما ذاك»؟‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! نكون عندك تذكرنا بالنار واجلنة‪ ،‬حتى كأنا رأى عني‪،‬‬
‫كثريا‪ .‬فقال رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫فإذا خرجنا من عندك‪ ،‬عافسنا األزواج واألوالد والضيعات‪ .‬نسينا ً‬
‫‪« :0‬وال ��ذي نفس ��ي بي ��ده! ل ��و تدومون على م ��ا تكونون عن ��دي‪ ،‬ويف الذكر‪،‬‬
‫لصافحتكم املالئكة على فرشكم ويف طرقكم‪ ،‬ولكن يا حنظلة ساعة وساعة»(‪ )1‬ثالث‬
‫مرات‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬صحي�ح‪ :‬رواه مس�لم [‪ ،]2750‬والرتم�ذي [‪ ،]2514‬واب�ن ماج�ه [‪ ،]4239‬وأمح�د [‪،]17814‬‬


‫والطرباين يف «الكبري» [‪ ،]3490‬والبيهقي يف «الشعب» [‪.]1028‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪295‬‬

‫تفاضل أهل اإليمان‬


‫اإليامن يف قلوهبم‪ ،‬ويف أعامل ِ‬
‫اإليامن‬ ‫اإليامن يتفاضلون ويتفاوتون يف مراتب ِ‬
‫فأهل ِ‬
‫الظاهرة‪ ،‬واهلل قسمهم بمقتىض حكمته‪ ،‬وجعلهم يف ذلك مراتب ودرجات‪.‬‬

‫‪[ :4‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ] [‪.]32 :6‬‬

‫ق�ال احلافظ ابن كثري ‪ :V‬الظامل لنفس�ه وهو املفرط يف فع�ل بعض الواجبات‪،‬‬
‫املرتك�ب لبع�ض املحرمات‪ ،‬واملقتصد هو امل�ؤدي للواجبات الت�ارك للمحرمات‪ ،‬وقد‬
‫يترك بع�ض املس�تحبات‪ ،‬ويفعل بع�ض املكروه�ات‪ ،‬والس�ابق باخلريات ه�و الفاعل‬
‫للواجبات واملستحبات‪ ،‬التارك للمحرمات واملكروهات(‪.)1‬‬

‫وق�ال الش�يخ حاف�ظ بن أمح�د حكم�ي ‪ :V‬قس�م اهلل ‪ c‬الناجين منهم إِىل‬
‫مقتصدين‪ ،‬وهم األبرار أصحاب اليمني‪ ،‬الذين اقترصوا عىل التزام الواجبات‪ ،‬واجتناب‬
‫املحرمات‪ ،‬فلم يزيدوا عىل ذلك‪ ،‬ومل ينقصوا منه‪.‬‬

‫وإىل س ��ابق باخلريات‪ :‬وهم املقربون الذي�ن تقربوا بالنوافل بعد الفرائض وتركوا‬
‫ما ال بأس به خو ًفا مما به بأس‪ ،‬وما زالوا يتقربون إِىل اهلل ‪ c‬بذلك‪ ،‬حتى كان سمعهم‬
‫الذي يسمعون به‪ ،‬وبرصهم الذي يبرصون به‪ ،‬فبه يسمعون‪ ،‬وبه يبرصون‪ ،‬وبه يبطشون‪،‬‬
‫وبه يمشون‪ ،‬وبه يمشون‪ ،‬وبه ينطقون‪ ،‬وبه يفعلون(‪.)2‬‬

‫ويدل�ل على ذلك ما ثبت يف الصحيحني عن أيب س�عيد اخلدري ‪ I‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪« :0‬بينا أنا نائم‪ ،‬رأيت الناس يعرضون َّ‬
‫علي وعليهم قمص‪ ،‬منها‬

‫(‪« )1‬تفسري القرآن العظيم» (‪ )562/3‬للحافظ ابن كثري ط‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬


‫(‪« )2‬معارج القبول» (‪ )104/4‬للشيخ حافظ بن أمحد حكمي‪ ،‬ط‪ :‬مركز اهلدى للدراسات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪296‬‬
‫م ��ا بل ��غ َّ‬
‫الث ْد َي‪ ،‬ومنها ما بلغ دون ذلك‪ ،‬وعرض عل ��ى عمر بن اخلطاب‪ ،‬عليه قميص‬
‫جيره»‪ ،‬قال‪ :‬فامذا أولت ذلك يا رسول اهلل؟‪ ،‬قال‪« :‬الدين»(‪.)1‬‬

‫وعنه ‪ I‬قال‪ :‬سمعت النَّبي ‪ 0‬يقول‪« :‬من رأى منكم منك ًرا فليغريه‬
‫اإلميان»(‪.)2‬‬
‫بيده‪ ،‬فإِن مل يستطع فبلسانه‪ ،‬فإِن مل يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف ِ‬
‫العمل الصالح‪:‬‬

‫قال القاسمي‪ :‬من عادة التنزيل العزيز أنه ال يذكر فيه آية يف الوعيد إال ويتلوها آية‬
‫يف الوع�د وذل�ك لفوائد؛ منها‪ :‬ليظهر بذلك عدل�ه ‪ .n‬ألنه ملا حكم بالعذاب الدائم‬
‫املرصين عىل الكفر‪ ،‬وجب أن حيكم بالنعيم الدائم عىل ّ‬
‫املرصين عىل اإليامن؛ ومنها‪:‬‬ ‫عىل ّ‬
‫أن املؤم�ن الب�د وأن يعتدل خوفه ورجاؤه‪ ،‬وذلك االعت�دال ال حيصل إال هبذا الطريق؛‬
‫ومنه�ا‪ :‬أن�ه يظهر بوعده كامل رمحت�ه‪ ،‬وبوعيده كامل حكمته‪ ،‬فيصري ذلك س�ب ًبا للعرفان‬
‫ِّ‬
‫وصل اللهم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫هذا واهلل أعلم‬

‫كتبه‬

‫عضو احتاد ال ُك ّتاب املسلمني‬


‫ومؤلف برابطة العامل اإلسالمي برقم (ج‪)745 /‬‬

‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬رواه البخاري [‪ ،]3691‬ومسلم [‪ ،]2390‬واللفظ له‪ ،‬والنسائي [‪.]5011‬‬


‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬سبق خترجه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪Z‬‬
‫مقدمة‪5..............................................................................‬‬

‫وصف اجلنة‪7........................................................................‬‬

‫قراءة القرآن‪54......................................................................‬‬

‫الصيام ‪61...........................................................................‬‬

‫أهل الصالة ومنازهلم‪70.............................................................‬‬

‫احلج ‪83.............................................................................‬‬

‫احلياء ‪85............................................................................‬‬

‫الصدق ‪101........................................................................‬‬

‫الصدقة ‪112........................................................................‬‬

‫التوكل عىل اهلل ‪122.................................................................‬‬

‫الصرب‪132..........................................................................‬‬

‫اجلهاد يف سبيل اهلل‪145..............................................................‬‬

‫العدل‪158..........................................................................‬‬

‫أسامء اهلل احلسنى ‪170...............................................................‬‬

‫حسن اخللق‪173....................................................................‬‬

‫احلب يف اهلل ‪182....................................................................‬‬

‫‪297‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪298‬‬
‫حفظ اللسان ‪195...................................................................‬‬

‫قراءة سورة اإلخالص وحبها‪202...................................................‬‬

‫حفظ وقراءة سورة امللك ‪204.......................................................‬‬

‫كثرة االستغفار‪205.................................................................‬‬

‫ما يقول بعد الوضوء ‪207...........................................................‬‬

‫فضل األذان‪208....................................................................‬‬

‫القول بعد إقامة الصالة‪209.........................................................‬‬

‫الذكر بعد صالة الصبح ‪210........................................................‬‬

‫الذكر دبر كل صالة‪211............................................................‬‬

‫قراءة سوريت [ﭑ ﭒ ﭓ] وسورة اإلخالص ‪212......................‬‬

‫متابعة املؤذن ‪212...................................................................‬‬

‫قول سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب ‪213..............................‬‬

‫ال حول وال قوة إال باهلل ‪214........................................................‬‬

‫فضل قراءة آية الكريس بعد كل صالة‪216...........................................‬‬

‫ما يقوله عند النوم ‪216..............................................................‬‬

‫اإلكثار من الصالة عليه ‪218............................................. 0‬‬

‫أداء حقوق الزوج ‪219..............................................................‬‬

‫سقي العطشان ‪221.................................................................‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪299‬‬
‫زيارة اإلخوان‪222..................................................................‬‬

‫التجاوز عن املعرس ‪223.............................................................‬‬

‫عزل األذى عن الطريق‪224.........................................................‬‬

‫ترك احلسد والغش ‪226.............................................................‬‬

‫إفشاء السالم‪ ،‬وإطعام الطعام‪227...................................................‬‬

‫اخلوف من اهلل‪240..................................................................‬‬

‫العطف عىل اليتامى‪254.............................................................‬‬

‫بر الوالدين‪262.....................................................................‬‬

‫صلة الرحم ‪272....................................................................‬‬

‫طلب العلم ‪278....................................................................‬‬

‫اإليامن والعمل الصالح ‪289........................................................‬‬

‫فهرس ‪297.........................................................................‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net



You might also like