You are on page 1of 165

‫الـمُحتوىُ‬

‫مقدمة‪1...................................................................................................‬‬
‫للسائل املُرتاب املُستهدي يف م ّد األكف واأليدي‪3..............................‬‬
‫صواب الجواب ّ‬
‫َ‬
‫مقدمة الصاعقة يف الرد عىل أخناث الصعافقة ‪60................................................‬‬
‫باب فيما ثبت من االثار واألخبار يف ذم ذكر مساوئ األئمة املسلمني‪ ،‬وأن ذلك منبع الفتن‬
‫والخروج‪65.................................................................................................‬‬
‫باب يف ذكر األسباب التي نقموا بها عىل الخليفة البغدادي وعماله‪98 .........................‬‬
‫باب يف اجتهاد الحاكم‪99 ................................................................................‬‬
‫باب يف تولية املرتد‪105...................................................................................‬‬
‫باب يف ذكر خرب "ما ننطيها"‪107.....................................................................‬‬
‫قولهم‪ :‬ماهذه الدولة التي َال يكتب اإلمام فيها عقيدته‪110.......................................‬‬
‫قاعدة يف التعامل مع الخليفة وما ظهر منه من أخطاء ومظالم‪114............................‬‬
‫باب ذكر قولهم أن أبا بكر قد وىل الدبر ولم يقاتل‪123............................................‬‬
‫باب ذكر أخبار من أنكر علنا‪125......................................................................‬‬
‫باب فيما يستدل به أهل األهواء عىل ما وقع بأهل اإلسالم وبيان جهلهم‪131.................‬‬
‫من درر الشيخ أبي أسامة الغريب –تقبله الله‪157...............................................-‬‬
‫بسمُاللهُالرحمنُالرحيم‬
‫[وَهوَُحَ س ِبي]‬

‫ظ ِهريًا ِّل ْلمُجْ ِر ِم َ‬


‫ني } ربنا ال تجعلنا من أعوان الظاملني‪.‬‬ ‫} َقا َل َربِّ ِبمَ ا أَنْعَ مْ َت عَ ََل َّ َف َل ْن أ َ ُك َ‬
‫ون َ‬

‫بتوفيق الله نستعني‪ ،‬ولعظمته نستكني‪ ،‬وبما ّ‬


‫وّ به النبيني من يريعته ندين‪ ،‬ونستهديه إىل‬
‫الرصاط املستقيم‪ ،‬الذي أنعم الله به عىل النبيني والصديقني والشهداء والصالحني‪ ،‬وصىل الله‬
‫وسلم عىل خاتم النبيني وسيد املرسلني‪ ،‬وعىل آله وصحبه والتابعني أما بعد‪:‬‬
‫يقول أقل الخليقة‪ ،‬بل ال يشء يف الحقيقة‪ ،‬الراجي رحمة الله الصمد الجليل‪ ،‬أبو مارية الرويس‬
‫هداه الله سواء السبيل‪:‬‬
‫فقد أتى علينا برهة من الدَّهر وأنا راغب يف تصنيف مصنّف للرد عىل الفرق الخارجة عىل‬
‫الجماعة‪ ،‬وإنصاف إبراهيم القريشِّ ‪ ،‬إمام املسلمني الذي بايعناه واجتمعنا حوله من مشارق‬
‫األرض و مغاربها‪-‬أصلحه الله وهداه للحق يف كل األمور‪ -‬إذِ األمر كما قال األوَّ لون‪َّ ،‬‬
‫أن هؤالء‬
‫املبتدعة يأتون إىل أمور ال يفسق بها عامي من العوام فيكفرون بها خليفة دولة اإلسالم‪ ،‬غري‬
‫أنني استرشت شيخي أبا الحارث ‪-‬فرج الله عنا وعنه‪)1(-‬فنهاني عن الكتابة‪ ،‬حتى ال تكون‬
‫السنة وبطالن مذاهب هؤالء املبتدعة‪ ،‬لكن ّملا حدث يف‬ ‫ِ‬ ‫فتنة للموحدين‪ ،‬عىل صحّ ة مذهب أهل‬
‫أمرنا ما حدث بدولة الخالفة ‪-‬نرصها الله وأعاد لها العز والتمكني‪ -‬مما كان الله قد قضاه‬
‫وقدّر كونه مما ال محيص ألح ٍد وال موئل عمّ ا قىض الله‪ ،‬وكثري من نسائنا وإخواننا غري مصدقني‬
‫ملا ح ّل بنا‪ ،‬وقد أعضل البأس‪ ،‬واشتمل من بعضهم اليأس‪ ،‬وعظمت البلية‪ ،‬وكثرت الحرية‪،‬‬

‫(‪ )1‬شيخي املجاهد الصابر أبو الحارث القحطاني‪ ،‬من أوائل املجاهدين ومن كبار طلبة الشيخني أبي حمزة وأبي‬
‫مارية البغداديني‪ ،‬والشيخ عَل الخضري –فك الله أرسه‪ -‬وجمع كبري من علمائنا‪ ،‬تربى عىل كتب السلف واألثر كالسنة‬
‫لحرب والرازيني والاللكائي وأبي عيىس وغريها الكثري والكثري‪ ،‬ومن صحت مصادر تلقيه وخلصت كان أحق‬
‫بالهداية‪ ،‬وأشهد الله تعاىل أني لم أعرف مثله بني املجاهدين اتباعا للسلف حذو القذة بالقذة‪ ،‬فرج الله عنا وعنه‬
‫وكفانا وإياه ير الضالني‪.‬‬
‫املحقق‪ ،‬فخشيت أن يخالطوا أرباب الكالم والجدال ‪ ،‬ويلبَّس‬ ‫َّ‬ ‫واملخ َّلط أكرب يف الصدور من‬
‫عليهم كما لبِّس عىل العوام واألغمار األغتام ‪ ،‬وتخوَّ فت أن يميل بعضهم عن الحق والصواب‬
‫من القول إىل البهت والضالل وفظيع األقوال‪ ،‬ثم بلغتني أسفار فِ رق الخوارج من مرجئة وغالة‬
‫وما حوَت من األصفار‪ ،‬والدرادم امليِّتة والدراهم املزيفة ‪ ،‬إذا تحققها البصري وتأملها الخبري‬
‫عَ لِم أن ظاهرها الجودة وباطنها الفساد‪ ،‬فاحتسبت يف تصنيف كتاب ألهوائهم باتِك‪ ،‬وإلطباق‬
‫ابُللسائ ِِلُاملرتَابُاملستَهدِ يُ‬
‫َّ‬ ‫صوَابُالجَ وَ‬ ‫ضاللهم وإحقاقه هاتِك‪ ،‬وأسميته بعد إذ أمليته ‪َ :‬‬
‫عافقةُ‪ُ،‬ضمّ نته مما جاء يف‬ ‫ناثُالص َ‬
‫َّ‬ ‫خ‬‫قةُِفُالردُِّعىلُأ َ ْ‬
‫َّ‬ ‫الصاعِ‬ ‫ف ُوَاأليدِيُ ِ‬
‫ويليه ُ َّ‬ ‫ِِف ُمَ دُِّاألَك ِّ‬
‫الصحب والتابعني وما روي عنهم وصحَّ بنقل أهل‬ ‫القران الكريم ثم السنة ثم أخبار األولني من َّ‬
‫موصوال إليهم‪ ،‬وما ذكروه يف كتبهم وال يكون عىل وجه األرض أحد أعلم بالكتاب والسنة‬ ‫ً‬ ‫العدالة‬
‫وقليال مما حدثني به الثقات باألسانيد العالية‪ ،‬ومن أسندك فقد أحالك‪ ،‬قال سفيان‬ ‫ً‬ ‫منهم ‪،‬‬
‫الثوري رحمه الله(‪")1‬اإلسناد سالح املؤمن‪ ،‬فإذا لم يكن معه سالح فبأي يشء يقاتل؟" ؛ ليعلم‬
‫الناظر يف كتابنا هذا ممن وفقه الله إلدراك الحق والصواب بني الجايف واملفرط صحة مذهب‬
‫أهل السنة وبطالن مذاهب أهل األهواء والبدع‪ ،‬لكن وأنا أجمع نُقول أعالم السنَّة‪ ،‬ابتغا َء تثبيت‬
‫َّ‬
‫خاصة‪،‬‬ ‫إخواننا وأخواتنا الذين يشهد الله وحده ويعلم حبِّي لهم وحزني ملا ح َّل بهم يف الباغوز‬
‫ُتوقع من ا ُملفسد حفيد "األشرت النخعي" أبي محمد الديري (الهاميش) ‪ ،‬حوى‬ ‫إذْ نُرش كالم م َّ‬
‫نقضه بتناقضه‪ ،‬وقصصا ساقها يف غري موضعها‪،‬‬ ‫بطالنًا كثريًا وهذيانًا مع قليل من الحق َ‬
‫السبع ورقات‪ ،‬وإهمال السياق يورث‬ ‫بعضها أقدم من قدومه للدولة وبعضها زمن تعميم َّ‬
‫الغلط يف الحكم‪ ،‬فقبح الله الديري وكل من أق َّر رسالته‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحطة ‪37 /‬‬


‫قال صاحب اإلحكام‪" :‬فإن السياق طريق إىل بيان املجمالت وتعيني املحتمالت وتنزيل‬
‫الكالم عىل املقصود منه"‪ ،‬قال اإلمام ابن القيم‪" :‬السياق يرشد إىل تبيني املجمل‪ ،‬وتعيني‬
‫املحتمل‪ ،‬والقطع بعدم احتمال غري املراد‪ ،‬وتخصيص العام‪ ،‬وتقييد املطلق‪ ،‬وتنوع الداللة‪،‬‬
‫وهذا من أعظم القرائن الدالة عىل مراد املتكلم‪ ،‬فمن أهمله غلط يف نظره‪ ،‬وغالط يف مناظرته‪،‬‬
‫فانظر إىل قوله تعاىل‪( :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم) كيف تجد سياقه يدل عىل أنه الذليل‬
‫(‪)1‬‬
‫الحقري"‬
‫ورمى ‪-‬الديري‪ -‬العبد الفقري بالدفاع عن الظلمة وقد تربَّأت يف تلك وهذه من كل ظالم‬
‫ومظلمة‪ ،‬وتشبيه إبراهيم بعثمان ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬والله ما يقوله مُؤمن‪ ،‬ثم أخذ يقمش‬
‫الركيك و زعمه أنني قلت عن‬ ‫وسجعه الغثيث املستسمج َّ‬ ‫بهذيانه ا ُملعتاد وتك ّلفه املذموم َ‬
‫الصابوني وما من عادتي التدليس والبرت كهذا الديري‬ ‫الطاهر األمري وإنَّما أنا ناقل ملا رواه َّ‬
‫سكت لكان أسرت له ولشيخه‪ ،‬لكنَّه أبى إال أن‬‫َ‬ ‫وسيأتي بيان ذلك تباعً ا بإذن الله تعاىل‪ ،‬ولو‬
‫َّ‬
‫ألثقلن رواحله‪ ،‬حتى ال يغرتَّ مُغرتٌّ بزماجره‪ ،‬وال يقع واقع يف حبائله‬ ‫يفضح نفسه‪ ،‬فتالله‬
‫واملحقق يعرف أن ال عربة بكالم الديري‬ ‫ِّ‬ ‫وسواخره وإن كان السكوت عن الباطل إماتة له‪،‬‬
‫فيمن ذكرهم‪ ،‬فهم أعدا ٌء له وخصوم‪ ،‬والعد ُّو ال يقبل قوله يف عدوِّ ه‪.‬‬
‫ثم إني حاولت االختصار ما استطعت‪ ،‬ولو قصدت اإلطالة والتخفيق لوضعت يف الر ِّد عليه‬
‫تفرست يف شيخه املرداوي منذ الصفحة األوىل‬ ‫وأصحا ِبه وذكر مساوئهم املجلدات‪ ،‬وقد َّ‬
‫لكثرة عالمات التعجُّ ب أنه شيخه "النوفَل"‪ ،‬فصدقني أح ُد اإلخوة الذين طالعوا نسب‬
‫النوفَل "الحالك" فوجدوه مرداويًّا‪ ،‬ووالله ما رأيت أجهل من هذا الديري وصحبه وما‬
‫استطاعوا حتى تمويه حقيقة شخص فكيف بنصح دولة والقيام بأمورها؟ ومثل هؤالء يف‬
‫تعظيم بعضهم كقول القائل‪:‬‬
‫ومماُيزهدنيُِفُأرضُأندلسُ*ُاسماءُمعتمدُفيهاُوُمعتضد‬
‫ألقابُمملكةُِفُغريُموضعهاُ*ُكالهرُيحكيُانتفاخاُصولةُاألسد‬

‫وحالهم يف تضعيف الصحيح وتصحيح الضعيف‪ ،‬كاملروي عن رأس املعتزلة برش املرييس‪:‬‬
‫ييس‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬يَا أَبَا عَ ْب ِد‬‫روَى الخالل بسند ِه إىل الْحَ َس َن ب َْن ا ْلب ََّز ِار‪ ،‬قال‪ :‬جَ ا َء َرجُ ٌل إ ِ َىل ا ْل ِم ِّر ِ ِّ‬
‫ون‪:‬‬ ‫ِيث عَ ِن الن َّ ِب ِّي ﷺ َر َد ْدتُهُ‪َ .‬قا َل‪ :‬ي َُقولُ َ‬ ‫ِيث‪َ ،‬ف ُك َّلمَ ا ذَ َك ُروا ا ْلحَ د َ‬
‫صحَ ابَ ا ْلحَ د ِ‬‫الرحْ مَ ِن‪ ،‬أُذَا ِك ُر أ َ ْ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬بدائع الفوائد‬

‫‪-1-‬‬
‫ون‪ :‬أَن ْ َت َكافِ ٌر‪َ .‬قا َل‪:‬‬ ‫أَن ْ َت َكافِ ٌر‪َ .‬قا َل‪َ :‬‬
‫صد َُقوا‪ .‬إِذَا ذَ َك ُروا ا ْلحَ د َ‬
‫ِيث عَ ِن الن َّ ِب ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َر َد ْدتَ ُه‪ ،‬ي َُقولُ َ‬
‫اْضبْ ُه ِبعِ َّل ٍة‪َ ،‬ف ُق ْل‪َ :‬ل ُه عِ َّل ٌة‪.‬‬ ‫ِيث الن َّ ِب ِّي ﷺ ُق ْل‪َ :‬‬
‫صد َْق َت‪ ،‬ث ُ َّم ْ ِ‬ ‫صنَعُ‪َ .‬قا َل‪ :‬إِذَا ذَ َك ُروا حَ د َ‬ ‫ْف أ َ ْ‬‫َف َكي َ‬

‫ثم أبرش يا ديري‪ ،‬فقد عُ جلت لك البرشى يف حياتك وتُقبَّل دعاءك‪ ،‬فوالله ما أعرف مسلمً ا‬
‫نرش رسالتك إال استنكرها‪ ،‬وإنما اكتفى بتداولها من ال يكرتث ألمثاله كأبي محمود الزنديق‬
‫وصحبه‪ ،‬وأحسنهم املسطح أبو همام التونيس(‪ )1‬الذي كنت تشهد عليه بالضالل وتغتابه‪،‬‬
‫نسأل الله السالمة‪.‬‬
‫فمن ما ال أقابله عليه‬ ‫طعن واللعن مما ال يصدر عن مؤمن آمن بربه‪ِ ،‬‬ ‫وأمَّ ا ما ارتكبه من ال َّ‬
‫وفجورا أنه لعن من ثبت‬ ‫ً‬ ‫عزوجل‪ ،‬ويكفيه كفرانًا‬
‫بمثل صنيعه‪ ،‬بل أكِل مكافأته إىل الله َّ‬
‫وقاتل ومنهم من ُقتل يف الباغوز (‪)2‬بينما ف َّر هذا الديري وصحبه‪ ،‬وال أدري من أين لهم‬
‫ألجل الهرب تلقاء تركيا ومناطق الدِّرع‪ ،‬وكما قال‪ :‬أمن ك ِّد آبائهم أو ك ِّد‬
‫بالـ‪ ٥٠‬ألف دوالر ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫أمهاتهم؟ أم من رسقة أموال املسلمني؟‬
‫صد ََق ٍة يَتْبَعُ هَ ا أ َ ًذى وَ ال َّل ُه َغن ٌِّي حَ لِي ٌم‬ ‫وف وَ مَ ْغفِ َر ٌة َخ ْريٌ ِم ْن َ‬ ‫َقال الله تعاىل‪َ ﴿ :‬قوْ ٌل مَ عْ ُر ٌ‬
‫اس‬ ‫صد ََقا ِت ُك ْم ِبا ْلمَ ِّن وَ ْ َ‬
‫األ َذىٰ َكا َّلذِي يُنْفِ ُق مَ ا َل ُه ِرئَا َء الن َّ ِ‬ ‫ِين آمَ نُوا َال تُب ِْطلُوا َ‬ ‫﴿‪ ﴾٢٦٣‬يَا أَيُّهَ ا ا َّلذ َ‬
‫ص ْلدًا ﴾‬ ‫رت َك ُه َ‬ ‫ان عَ َلي ِْه تُ َرابٌ َفأ َ َ‬
‫صابَ ُه وَ ا ِب ٌل َف َ َ‬ ‫ص ْفوَ ٍ‬‫وَال ي ُْؤ ِم ُن ِبال َّل ِه وَ ا ْليَوْ ِم ْاْلخِ ِر َفمَ ثَلُ ُه َكمَ ث َ ِل َ‬
‫َ‬

‫حديث ابن عم َر أنه قال‪" :‬ال يَ ُكون املُؤمن لعَّ انًا"‪ ،‬ومسل ٌم من حديث أبي‬
‫ِ‬ ‫وروَى الرتمذيّ من‬
‫وال شفعَ اء يو َم القيَامة"‪ ،‬وقد زع َم النقل عن َ‬
‫"فقهاء‬ ‫الدرداء‪" :‬ال يكو ُن اللعانُون شهدَاء َ‬
‫لعن املُسل ِم َّ‬
‫املعني حرا ٌم باإلجماع"‪.‬‬ ‫افعي‪" :‬اِعلم أن َ‬ ‫الش ّ‬ ‫ريمي ّ‬
‫البج ّ‬ ‫املذاهب"‪َ ،‬‬
‫أفغابَ عن ُه قو ُل ِ‬
‫طربان ِّي بإسنَادٍ جيِّد عَ ن سلمَ ة بن األكوَع َريضَ الله عن ُه أنَّه َقال‪ُ " :‬كنَّا إذَا رأينَا َّ‬
‫الرجُل‬ ‫َروَى ال َ‬
‫ذرة تعظيم‬ ‫من ال َكبائِر" ‪ ،‬ووالله العظيم أن من يف قلبه َّ‬ ‫أخاه رأينَا أن ُه َقد أتَى بابًا َ‬ ‫يلعَ ُن َ‬

‫(‪ )1‬املسطح‪ :‬أي أنه يرى األرض مسطحة وأن ناسا كذبت وغري ذلك من الرتهات التي يؤمن بها أصحاب نظرية‬
‫املؤامرة‪ ،‬فال ريب أن يرى وأمثاله الدولة مؤامرة "بعثية" لجني املال‪.‬‬
‫(‪ )2‬منهم الشيخ أبو أسماء التونيس ‪-‬صاحب صوتية االتفاقية املستفيضة‪ ،-‬والشيخ أبو آصف التونيس [وقد‬
‫حدثني أخي الحبيب أبو عبد الله املهاجر رحمه الله ‪-‬وهو ممن ثبت بالباغوز‪ -‬أن أبا آصف كان أحسن وايل‬
‫شهدته مدينة الرقة]‪ ،‬وأبو عمر وأبو أنس املرصيان‪ ،‬بل أبو املنذر الحربي وأبو العباس الجزراوي وأبو عبد‬
‫العزيز وميرسة وغريهم الكثري والكثري‪ ،‬وسيأتي الحديث عليهم إن شاء الله‪.‬‬
‫(‪ )3‬سيأتي ذكر قصة الهاشمي ونهبه للمال العام‬

‫‪-2-‬‬
‫ألهل العلم الربانيني ‪-‬بحق‪ -‬ال يخالف طريقهم‪ ،‬فكيف بإجماعاتهم التي نقضها هذا األنوك‬
‫الخارجي وصحبه‪ ،‬وكفى بها داللة عىل كذبه‪.‬‬
‫رس أ َ ْو ُمتَعَ ذِّ ٌر َل ِك ْن‬‫يل ُمتَعَ ِّ ٌ‬ ‫يل التَّ ْف ِص ِ‬‫ال ا ْل ُملُوكِ عَ َىل َس ِب ِ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ‪":‬وَ ا ْل َك َال ُم ِيف أَحْ وَ ِ‬
‫ات‬ ‫وَسيِّئَ ٌ‬
‫ات َ‬ ‫اس ِممَّ ْن َل ُه حَ َسن َ ٌ‬ ‫يَنْبَغِ ي أ َ ْن نَعْ َل َم ِم ْن حَ ي ُْث ا ْلجُ مْ َل ِة‪ :‬أَنَّهُ ْم ُه ْم وَ َغ ْري ُُه ْم ِم ْن الن َّ ِ‬
‫ط‬ ‫رشو ٌ‬ ‫ِلش ْخ ِص مَ ْ ُ‬ ‫وص ا ْلوَ عْ ِد ل َّ‬‫ص ِ‬ ‫وص ا ْلوَ عِ ي ِد ‪ .‬وَ تَنَاوُ ُل ن ُ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫وص ا ْل َوعْ ِد أ َ ْو ن ُ ُ‬‫ص ِ‬ ‫ون ِبهَ ا ِيف ن ُ ُ‬‫ْخلُ َ‬ ‫يَد ُ‬
‫الرجُ ُل ي َُقا ِت ُل‬ ‫ِلسن َّ ِة َف ِإ َّن الن َّ ِب َّي ﷺ { قِ ي َل َل ُه ‪َّ :‬‬ ‫ِصا لِوَجْ ِه ال َّل ِه مُوَ افِ ًقا ل ُّ‬ ‫ون عَ مَ لُ ُه َخال ً‬ ‫ِبأ َ ْن يَ ُك َ‬
‫ون َكلِمَ ُة‬ ‫يل ال َّل ِه ؟ َف َقا َل ‪ :‬مَ ْن َقاتَ َل ِلتَ ُك َ‬ ‫َشجَ اعَ ًة وَ ي َُقا ِت ُل حَ ِمي ًَّة وَ ي َُقا ِت ُل ِلي َُقا َل ؟ َفأَيُّ ذَ ِل َك ِيف َس ِب ِ‬
‫يل ال َّل ِه } "‪.‬‬ ‫ال َّل ِه هِ َي ا ْلعُ ْليَا َفهُ َو ِيف َس ِب ِ‬
‫ط بأن ال يكون متأوِّ ًال وال مجتهدًا مخطئًا ‪،‬‬
‫نصوص الوعي ِد للشخص مرشو ٌ‬
‫ُ‬ ‫وكذلك تناول‬
‫َّ‬
‫فإن الله عفا لهذه األمَّ ة الخطأ والنسيان ‪" ،‬وكثريٌ من تأويالت املتقدمني وما يعرض لهم‬
‫فيها من الشبهات معروفة يحصل بها من الهوى والشهوات ‪ ،‬فيأتون ما يأتونه بشبهة‬
‫ٍ‬
‫بحسنات ماحية‬ ‫وشهوة" ‪ ،‬والسيئات التي يرتكبها أهل الذنوب تزول بالتوبة ‪ ،‬وقد تزول‬
‫ومصائب مكفرة ‪ ،‬وقد تزول بصال ِة املسلمني عليه وبشفاعة النبي ﷺ يوم القيامة يف أهل‬
‫الكبائر ‪.‬‬
‫"فلهذا كان أهل العلم يختارون فيمن عُ رف بالظلم ونحوه مع أنه مسلم له أعمال صالحة‬
‫يف الظاهر ‪ -‬كالحجاج بن يوسف وأمثاله ‪ -‬أنهم ال يلعنون أحدًا منهم بعينه ‪ ،‬بل يقولون‬
‫كما قال الله تعاىل ‪ { :‬أال لعنة الله عىل الظاملني } فيلعنون من لعنه الله ورسوله بشكل عام‬
‫‪ ،‬كقوله ﷺ { لعن الله الخمر وعارصها ومعترصها وبائعها ومشرتيها وساقيها وشاربها‬
‫وحاملها واملحمولة إليه واكل ثمنها } وال يلعنون املعني كما ثبت يف صحيح البخاري وغريه‬
‫ان الن َّ ِب ُّي ﷺ يَجْ ِلد ُُه ‪َ ،‬فأُت َِي ِب ِه مَ َّر ًة ‪،‬‬
‫َرشبُ ا ْل َخمْ َر ‪ ،‬وَ َك َ‬ ‫ان ي ْ َ‬ ‫ان يُدْعَ ى حِ مَ ًارا وَ َك َ‬ ‫{ أ َ َّن َرجُ ًال َك َ‬
‫َف َلعَ ن َ ُه َرجُ ٌل ‪َ ،‬ف َقا َل الن َّ ِب ُّي ﷺ َال تَ ْلعَ ن ْ ُه ‪َ ،‬ف ِإن َّ ُه يُحِ بُّ ال َّل َه َ‬
‫وَر ُسو َل ُه }"‪.‬‬
‫ذلك ألن اللعنة من باب الوعيد والوعيد العام ‪ -‬ال يقطع به للشخص املعني ‪ -‬ألحد األسباب‬
‫املذكورة من توبة ‪،‬أو حسنات ماحية‪ ،‬أو مصائب مكفرة ‪،‬أو شفاعة مقبولة ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬
‫وطائفة من العلماء يلعنون املعني كيزيد بن معاوية‪ ،‬وطائفة بإزاء هؤالء يقولون بل نحبه‬
‫ملا فيه من اإليمان الذي أمرنا الله أن نوايل عليه ‪ ،‬إذ ليس بكافر ‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫ً‬
‫مطلقا [ فإن العبد قد يكون‬ ‫ً‬
‫مطلقا ‪ ،‬وال نحب معينًا‬ ‫واملُختار عند األمة ‪ :‬أنا ال نلعن معينًا‬
‫فيه سبب هذا وسبب هذا ] إذا اجتمع فيه من حب األمرين ‪ ،‬إذ كان من أصول أهل السنة‬
‫الشخص الواحد تجتمع فيه حسنات وسيئات فيثاب عىل‬ ‫‪-‬التي فارقوا بها الخوارج‪ : -‬أن َّ‬
‫حسناته ويعاقب عىل سيئاته ‪ ،‬ويحمد عىل حسناته ويذم عىل سيئاته ‪ ،‬وأنه من وجه مريض‬
‫محبوب ومن وجه بغيض مسخوط ‪ ،‬فلهذا كان ألهل اإلحداث ‪ :‬هذا الحُ كم ‪.‬‬
‫وأما أهل التأويل املحض الذين يسوغ تأويلهم‪ :‬فأولئك مجتهدون مخطئون‪ :‬خطؤهم‬
‫مغفور لهم وهم ُمثابون عىل ما أحسنوا فيه من حسن قصدهم واجتهادهم يف طلب الحق‬
‫واتباعه‪ ،‬كما قال النبي ﷺ {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ‪ ،‬وإذا اجتهد الحاكم‬
‫فأخطأ فله أجر}"‪.‬‬
‫يأخذ ما وافق هواه وهو‬‫كحاطب ليل‪ ،‬فتجده ُ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫بالغث والسمني‬ ‫وهذا الديري قد استشهد‬
‫ينقل عن كتاب الهروي "ذ ّم الكالم" وفيه تكفري األشعري األول فكيف باملتأخرين املُنكرين‬
‫طلني؟ وال أراه إال كالذي زعم أن الناقض الثالث "مختلف فيه" ثم يف الهامش‬ ‫للعل ِّو املع ِّ‬
‫تجده يذكر كتاب السنة لحرب وإجماع الرازيني وقد ذكرا االتفاق عليه‪ ،‬وهذا كثري يف‬
‫الرشعيني ‪-‬إال من رحم الله‪[ -‬الجهل بكتب األولني ونقض إجماعات السلف كما سيأتي]‪،‬‬
‫وينسب ضالله للتابعني وأساس كالمه مبني عىل مخالفات ابن حزم (‪)1‬واألشاعرة الجهمية‬
‫التي نقضناها بفضل الله يف األبكار‪.‬‬
‫فاملوحِّ د املُسلم ال يكرتث لكالم هؤالء إن لم يكن له عاضد من كالم أهل النقل والحديث‪ ،‬وإن‬
‫ً‬
‫مالزمة له وأقربهم له وأصحّ هم اعتقادًا‪.‬‬ ‫تعارض قوالن عن إما ٍم واحد أخذنا بكالم أكثرهم‬

‫أصحابه‪َ ،‬فهل كان‬


‫ِ‬ ‫لنقض إجماع أهل الحِ ديث داللَ ًة عىل جهله وجهل‬
‫فسد قد تمسك بكالم ابن حز ٍم ِ‬ ‫(‪ )1‬وهذا املُ ِ‬
‫دليال؟ فإن ابن حزم كان عىل مذهب الظاهرية‪ ،‬وهم ال يعتدون بأي إجماع بعد‬ ‫ابن حزم يقر أصال باإلجماع ً‬
‫الصحابة‪ ،‬بل وعدَّهم بعضهم من جملة العوام‪ ،‬قال القرطبي يف كتابه (املفهم)‪" :‬من التزم هذه الفضائح وجمد‬
‫هذا الجمود حقيق أن ال يعد من العلماء‪ ،‬بل وال يف الوجود‪ ،‬وقد أحسن القايض أبو بكر حيث قال‪ :‬إن أهل الظاهر‬
‫ليسوا من العلماء وال من الفقهاء فال يعتد بخالفهم بل هم من جملة العوام" انتهى كالم القرطبي‪.‬‬
‫وابن حزم متناقض يف مسألة االجماع‪ ،‬فقد ألف كتابني‪ ،‬األول (اإلحكام) قال فيه‪" :‬وإنما علينا طلب أحكام‬
‫القرآن‪ ،‬والسنة الثابتة عن رسول الله ﷺ ‪ ،‬إذ ليس يف الدين سواهما أصال‪ ،‬وال معنى لطلبنا هل أجمع عىل ذلك‬
‫الحكم أم اختلف فيه" (‪.)٤/٥٣٩‬‬
‫ثم ألف كتابَ مراتب اإلجماع وفيه يقول‪" :‬فإن اإلجماع قاعدة من قواعد امللة الحنيفية‪ ،‬يُرجع إليه‪ ،‬ويُفزع نحوه‪،‬‬
‫ني تناقض ابن حزم‬ ‫ويكفر من خالفه إذا قامت عليه الحجة"‪ ،‬وكتابه هذا قد نقض ُه ابن تيمية رحمه الله وب َ‬
‫ال َكبري‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫روى عبد الرزاق‪ ،‬عن معمّ ر‪ ،‬عن الزهري أنه قال‪" :‬الحائض تقيض الصوم"‪ ،‬قلت‪ :‬عمّ ن؟‬
‫(‪)1‬‬
‫قال‪" :‬هذا ما اجتمع الناس عليه وليس يف كل يشء نجد اإلسناد"‪.‬‬
‫ونحن ولله الحمد واملنة‪ ،‬معنا أصحُّ إجماع‪ ،‬من أخري الناس‪ ،‬علماء الحديث‪ ،‬نقله باإلسناد‬
‫الذهبي حرب والرازي وابن راهويه واإلمام أبو بكر األثرم – رحمهم الله‪)2(-‬كما يف ناسخ‬
‫الحديث ومنسوخه‪ ،‬قال‪" :‬ثم تواترت األحاديث عن النبي ﷺ فكثرت عنه‪ ،‬وعن الصحابة‬
‫واألئمة بعدهم ‪-‬ريض الله عنهم‪ -‬يأمرون بالكف‪ ،‬ويكرهون الخروج‪ ،‬وينسبون من‬
‫خالفهم يف ذلك إىل فراق الجماعة‪ ،‬ومذهب الحرورية وترك السنة"‪.‬‬
‫وقد صدق رحمه الله حني قال وكأنه يقصد الديري‪" :‬و إنما هذا من مكايد إبليس من‬
‫جنوده‪ ،‬يقول ألحدهم أنت أنت‪ ،‬ومن مثلك‪ ،‬فقل! فقد قال غريك؛ ثم يلقي يف قلبه اليشء و‬
‫ليس هناك سعة يف علم‪ ،‬فيزين عنده أن يبتدئه ليشمت به‪ ،‬و إن كل محدثة بدعة‪ ،‬و كل‬
‫بدعة ضاللة‪ ،‬و كل ضاللة يف النار"‪.‬‬
‫وإني سأبني تناقض الديري يف رسالته‪ ،‬ومقتىض كالمه‪ ،‬واملستور الذي كذب فيه‪ ،‬إقامة‬
‫للحجة عليه وعىل أمثاله من املبتدعة وتبيانا لكذبه‪ ،‬فمن اقتطع كالمً ا ودلس يف حق ٍ‬
‫يقة‬
‫بان بُطالن كل ما نطق به عند ذوي األلباب‪ ،‬وذلك باختصار لطول الرسالة وكثرة‬ ‫واحدة َ‬
‫كالم هؤالء‪ ،‬وال حول وال قوة إال بالله‪.‬‬
‫فأقولُبعدُالتوكلُعىلُالله‪ :‬ابتدأ كتابه بتقديم شيخه املرداوي له‪ ،‬وتضخيمه للديري‬
‫ٍ‬
‫مملكة يف غري موضعها‪ ،‬ثم انتقل إىل مقدمة خبّاب ‪-‬وأنا أشهد ويعلم الله أن غالب‬ ‫بألقاب‬
‫أتباع الديري اليوم قد وقعوا يف خباب هذا ونسبوه للكذب والفجور يف الخصومة‪ ،-‬الذي‬

‫(‪ )1‬مصنف عبد الرزاق (‪.]١٢٨٠[ )٣٣٢ :١‬‬


‫(‪ )2‬قال أبو بكر الخالل‪ :‬كان األثرم جليل القدر‪ ،‬حافظا‪ ،‬وكان عاصم بن عَل ملا قدم بغداد‪ ،‬طلب رجال يخرج‬
‫له فوائد يمليها‪ ،‬فلم يجد يف ذلك الوقت غري أبي بكر األثرم‪ ،‬فكأنه ملا راه لم يقع منه موقعا لحداثة سنه‪.‬‬
‫فقال ل ه أبو بكر‪ :‬أخرج كتبك‪ .‬فجعل يقول له‪ :‬هذا الحديث خطأ وهذا غلط‪ ،‬وهذا كذا‪ .‬قال‪ :‬فرس عاصم بن عَل‬
‫به‪ ،‬وأمىل قريبا من خمسني مجلسا ‪.‬وكان يعرف الحديث ويحفظ‪ .‬فلما صحب أحمد بن حنبل ترك ذلك‪ ،‬وأقبل‬
‫عىل مذهب أحمد‪.‬سمعت أبا بكر املروذي يقول‪ :‬قال األثرم‪ :‬كنت أحفظ ‪-‬يعني‪ :‬الفقه واالختالف‪ -‬فلما صحبت‬
‫أحمد بن حنبل تركت ذلك كله‪.‬وكان معه تيقظ عجيب‪ ،‬حتى نسبه يحيى بن معني‪ ،‬ويحيى بن أيوب املقابري‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كان أحد أبوي األثرم جنيا ‪.‬ثم قال الخالل‪ :‬وأخربني أبو بكر بن صدقة‪ ،‬سمعت أبا القاسم بن الختَل ‪،‬‬
‫قال‪:‬قام رجل فقال‪ :‬أريد من يكتب يل من ك تاب الصالة ما ليس يف كتب أبي بكر بن أبي شيبة‪.‬فقلنا له‪ :‬ليس‬
‫لك إال أبو بكر األثرم‪.‬قال‪ :‬فوجهوا إليه ورقا‪ ،‬فكتب ست مائة ورقة من كتاب الصالة‪.‬قال‪ :‬فنظرنا‪ ،‬فإذا ليس يف‬
‫كتاب ابن أبي شيبة منه يشء ‪.‬قلت‪ :‬كان عاملا بتواليف ابن أبي شيبة‪ ،‬الزمه مدة‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫مدح نفسه قبل االنتقال ملدح غريه كما هي عادتهم ‪-‬ويا لإلخالص‪ ،-‬إىل أن قال‪" :‬لقد سعت‬
‫الدولة عرب وسائل كثرية وأهمها إعالمها إىل طمس رموز األمة فأسقطوا اإلمام أسامة"‪.‬‬
‫ُ‬
‫يعرف الفرق بني‬ ‫قلت‪ :‬أما هذا القويعدي املحرتق ‪-‬أعني خباب‪ -‬فكذابٌ كبري‪ ،‬ومقدِّس ال‬
‫الطمس وبني انتقاد مخالفة قد يقع فيها املسلم‪ ،‬وهذا اإلمام أحمد قال عن شيخه عبد‬
‫الرحمن بن مهدي‪" ،‬ومن ابن مهدي؟"‪ ،‬وقال‪" :‬ابن املبارك لم ينزل من السماء"‪ ،‬وكالم‬
‫الضالل فكل كالم عندهم طعن وإسقاط‪ ،‬حتى قال قائلهم‬ ‫العلماء يف هذا كثري‪ ،‬أما هؤالء ُ‬
‫نفوس أحدنا‬
‫ِ‬ ‫لهاجس أن يأتي يف‬ ‫ٍ‬ ‫باللفظ‪" :‬قادة قاعدة االمام أسامة خط أحمر‪ ،‬ال نسمح‬
‫وينال من منزلتهم"‪ ،‬فلمّ ا غفر الله تعاىل لإلنسان ما يحدث به نفسه مالم يعمله كما يف‬
‫األثر‪ ،‬وملا كان الشيطان يوسوس للمسلم حتى يقول له‪" :‬من ربك"‪ ،‬وذاك رصيح اإليمان‬
‫كما يف حديث أبي هريرة مرفوعً ا‪.‬تجد هؤالء "الصوفية الجدد" ال يسمحون ملجرد‬
‫"هاجس" وأن يُتحدث يف من هو دون األنبياء والرسل والصحابة والتابعني منزلة ‪ ،‬وال‬
‫عجب فقد ُروي عن أمثال هؤالء أن الواحد منهم قبَّل األرض التي ُقتل فيها شيخه‪ ،‬و والله‬
‫ما طعنت الدولة بأسامة ‪-‬رحمه الله‪ -‬بل أثنت عليه وسمته املُجدِّد ‪ ،‬بل و ُك ِّفرت ألجل ذبَّها‬
‫عنه‪ ،‬وباهل الشيخ أبو سليمان الشامي من زعم ذلك وعاش بعد مباهلته زمنًا حتى ُقتل‬
‫طا‪ ،‬فأين برهان هذا ّ‬
‫األفاك؟‬ ‫مقبال مراب ً‬
‫ً‬

‫قال‪" :‬ووصفوا الشيخني عليا الخضري ونارصا الفهد باملضطربني منهجيا"‪ ،‬وهذا جه ٌل‬
‫آخر وتدليس ب َِّني قبَّح الله املد ِّلسني‪ ،‬وكيف تفعل ذلك؟ فشيخنا أبو محمد الفرقان من‬
‫مُحبي الشيخ الخضري‪ ،‬وممن اهت َّم بكتبه‪ ،‬بل له إجازات وأسانيد متَّصلة به عرب أبي مارية‬
‫ٍ‬
‫مخالفات يُعذر فيها‬ ‫فيما أذكر ‪،‬وإنما مَ نَعت "مكتبة الهمة" الرسائل التي احتوت عىل‬
‫الشيوخ وال يُعذر من اتَّبعهم‪ ،‬قال ابن املبارك‪" :‬ولقد أخربني املعتمر بن سليمان قال‪ :‬رآني‬
‫أبي وأنا أنشد الشعر فقال يل يا بني ال تنشد الشعر‪ ،‬فقلت له يا أب َِت كان الحسن ينشد‬
‫وكان ابن سريين ينشد‪ ،‬فقال يل‪ :‬أي بُني إن أخذت برشِّ ما يف الحسن وبرشِّ ما يف ابن سريين‬
‫اجتمع في َك الرش كله"‪ ،‬وقال سليمان التيمي‪" :‬إنك إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك‬
‫الرش كله"‪ ،‬وهذا محل إجماع كما ذكر ابن عبد الرب‪ ،‬بل مكتب البحوث أخرج رسالة‬
‫موسومة ب"التوضيحات لبعض أعمال مكتب البحوث والدراسات"‪ ،‬جاء فيها أنهم ردوا‬
‫عىل "الغالة" القائلني بأن الرافضة ُك َّفار أصليون‪ ،‬فهل الشيخ الخضري بينهم؟‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫ثم قال‪" :‬قابلت كثريا‪...‬ينكرون ويخالفون هؤالء يف ظلمهم وسفكهم الدماء بغري حق"‬
‫خاصا بشيوخه؟ وما من مسلم موحد إال وينكر ال ُّ‬
‫ظلم‬ ‫ً‬ ‫وكأن هذا األنوك يظن إنكار هذا‬
‫ِ‬
‫دغدغة مشاعر البلهة بالقصص‬ ‫وسفك الدماء بغري حق‪ ،‬وهذا الديري وصحبه اعتمدوا عىل‬
‫املد َّلسة املنقوضة والحكايات املوضوعة‪ ،‬والسنِّي ال يكرتث لكل هذا‪ ،‬بل ينكر بحسب نهج‬
‫األوَّ لني ويربأ إىل الله من الظلم والظاملني ومع ذلك ال يخرج عىل والة الجور بل يصرب كما‬
‫تقدم نقله وكما سيأتي‪.‬‬
‫قال‪" :‬وهذا هو ما يحصل عندما يناصحهم ناصح يهاجمون شخصه بكل نقيصة وبهتان‪،‬‬
‫ال يتجرؤون عىل مواجهة الحجج"‪ ،‬فيا سبحان الله!‪ ،‬يرى القذاة يف عني أخيه ويعمى عن‬
‫أحصينا عدد لعنات الهاشمي لخصومه مذ‬‫َ‬ ‫الجذع يف عينه ‪،‬والجمل ال ينظر إىل رقبته‪ ،‬ولو‬
‫ولدته أمه لفاقت عدد نجوم السماء‪.‬‬
‫ثم ذكر قصيدة ضعيفة فيها ركاكة وبعض أبيات غري مستقيمة الوزن‪ ،‬تشدَّق فيها‬
‫صاحبها وتك َّلف ابتغاء الح ِّ‬
‫ط من قدر خصومه‪ ،‬وما ْضَّ هم‪.‬‬
‫ً‬
‫صادقا يف ادعائه فليتُب‬ ‫إىل أن ابتدأ الديري بالتودُّد ألهل الثغور وتهييج عواطفهم‪ ،‬وإن كان‬
‫وليعد للسنَّة وال والله لن ينفعه أصحابه وال أشياخه‪ ،‬وهو قد رمى كل الناس بسوادِ الوجه‪،‬‬
‫كوجه شيخه ‪-‬نسأل الله السالمة‪ ،-‬والديريّ نفسه يطعن يف‬ ‫ِ‬ ‫وما رأيت وجهً ا أسودًا كالحا ً‬
‫"الشعيطي" وهو أقرب لها ؛ إىل أن قال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أنساب الناس وهو ُّ‬
‫أحق بها‪ ،‬فما رميناه بـ‬
‫ً‬
‫محضا بل والله لقد‬ ‫"وليعلم الواقف عىل كتابي هذا أن الدولة لم تكن يومً ا من األيام يرً ا‬
‫غلب خريها يرَّ ها وال ينكر ذلك إال حاسد أو أعمى"‪ ،‬قلت‪ :‬قد شهد عىل نفسه بالعمى‬
‫والحسد‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} وقال‪{ :‬ومن كان‬
‫يف هذه أعمى فهو يف االخرة أعمى وأضل سبيال}‪.‬‬
‫والحق أنها أسبابٌ كثرية جدا سنأتي عىل‬‫ُّ‬ ‫ثم ذكر سببان زعم أنهما وراء ما حصل اليوم‪،‬‬
‫ذكرها إن شاء الله‪ ،‬ومنها‪ :‬أن خراب املمالك تابع لخراب امللوك‪ ،‬وخراب امللوك سببه خراب‬
‫بطلبة عل ٍم بسطاء شديدي التملق‪ ،‬وهذا الديري نفسه قد أراد رفع‬ ‫ِ‬ ‫العلماء‪ ،‬ولقد ابتلينا‬
‫طاب املرصي ملا قال‪" :‬مكتب البحوث علماء سالطني‪ ،‬بل منهم من يسب‬ ‫دعوى عىل خ ّ‬
‫معاوية"‪ ،‬وساب معاوية هو الديري فيما نُسب له من أكثر من طريق‪ ،‬وقد أنكر ذلك وإن‬
‫ِ‬
‫ثبوت التهمة يف حقه‪ ،‬ومنها أنه نقل يف كتابه هذا ذمَّ ا ألهل الشام ‪-‬‬ ‫كانت القرائن دا َّلة عىل‬
‫غري مسند‪ -‬زمن عَل ‪-‬ريض الله عنه‪ ، -‬وما أهل الشام إال معاوية وعمرو ريض الله عنهما‪.‬‬

‫‪-7-‬‬
‫قال املروذي يف أخبار الشيوخ‪ :‬سمعت محمد بن الحسني يقول‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬عن‬
‫سفيان‪ :‬إن سليمان جاء إىل حلقة فيها طاوس‪ ،‬قال‪ :‬فما التفت إليه‪ ،‬قال‪ :‬فلما قام قيل له‪:‬‬
‫إن ه ذا أمري املؤمنني‪ ،‬فقال‪ :‬عىل عمد عملت به‪ ،‬ليعلم أن يف الخلق من ال يبايل بدنياه‪ ،‬أو‬
‫كلمة نحوها‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬سمعت عبد الصمد بن يزيد يقول‪ :‬قال فضيل‪ :‬ليس االمر الناهي الذي يدخل عليهم‬
‫ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬ثم يدعونه إىل طعامهم ويرابهم فيجيبهم‪ ،‬االمر الناهي الذي اعتزلهم‬
‫(‪)1‬‬
‫ولم يدخل عليهم‪ ،‬فهو االمر الناهي‬
‫ثم قال ‪-‬أذله الله‪" :-‬ومن أهم إنجازاتها واألصنام التي حطمتها [وذكر ‪ ١٠‬إنجازات]"‪،‬‬
‫إنجاز ذكره‬
‫ٍ‬ ‫ملؤمن عثرة‪ ،‬وكل‬
‫ٍ‬ ‫واملسلم ليتعجَّ ب من سوادِ قلب هذا الشخص‪ ،‬فال والله ما أق َّل‬
‫لألمري ‪-‬أصلحه الله ووفقه‪ -‬والعدناني والفرقان ‪-‬فرق الله بينه وبني النار‪ -‬يد طوىل فيه‪،‬‬
‫ومن ذلك قوله‪" :‬نرش يف ربوعها التوحيد‪...‬بعد ذلك اإلصدار"‪ ،‬وال ش َّك أن املُتسبِّب يف نرش‬
‫هذا التوحيد والدال عليه لَصاحب خري عظيم وإن ز َّل ‪-‬فرق الله بينه وبني النار وأدخله‬
‫الخفي املُبتىل يف سبيل الله أبا محمد الفرقان‪ ،‬وقد سألت شيخي أبا‬ ‫ِّ‬ ‫الجنة‪ ،-‬أعني الشيخ‬
‫الحارث ‪-‬وهو شدي ٌد عىل الظلمة كثريُ اإلنكار عليهم‪ ،-‬فقلت له‪" :‬أيصحُّ يف الفرقان يشء‬
‫وسنيته مذ زمن‬ ‫مما يُقال"‪ ،‬فقال يل ‪-‬بعد كالم طويل حول سرية الشيخ وأقدميَّته ودعوته ُ‬
‫حُ كم البعث‪" : -‬تاريخه أبيض وطيِّب وعملُه ُمبارك‪ ،‬ومثله تُقال لهم الزالت"‪ ،‬وأما البيان‬
‫بت عن كل شيوخهم أن قالوا‪" :‬ليس فيه بدعة وال كال ٌم‬ ‫الذي يدندن حوله هذا الديري فقد ث َ َ‬
‫باطل"‪ ،‬بل وقع املرصي والبنعَل عليه وشاركوا فيه ‪( .‬األدلة يف الصفحة التالية)‬
‫إىل أن قال‪" :‬وما رأيت رجال مسلما يف قلبه ذرة من إنصاف إال ويخرج من فلتات لسانه‬
‫ذكر محاسن الدولة وفضلها واستقرارها بقرارها وعنفوانها وقوتها وإرهابها ألعداء األمة"‪،‬‬
‫وهذا من أعجب العجب‪ ،‬فهل قاد هذه الدولة جَ ُّد الديريّ أم ج ُّد املنصفني نحو كل هذا؟‬
‫يستحق ولو دعوة باملغفرة أو الصالح والهداية؟ بل‬ ‫ُّ‬ ‫وهل هذا املتسبِّب يف كل هذا الخري ال‬
‫واملتجرئ عىل أعراض‬
‫ِّ‬ ‫إنِّي أرجو من الله تعاىل أن يكون أبو محمد الديري املتقوّ ل عىل الله‬
‫تأىل عىل الله فحبط عمله وغفر لخصومه‪ ،‬ويف الحديث عند مسلم‪" :‬أن رجال‬ ‫املسلمني ممن َّ‬

‫(‪ )1‬أخبار الشيوخ‪ ،‬رقم‪٥٣/٥٤:‬‬

‫‪-8-‬‬
‫قال‪ :‬والله ال يغفر الله لفالن‪ ،‬وإن الله تعاىل قال‪ :‬من ذا الذي يتأىل عَل أن ال أغفر لفالن‪،‬‬
‫فإني قد غفرت لفالن‪ ،‬وأحبطت عملك"‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫الشيخ أبي همَّ ا ٍم بل هو استكمَ ال‬
‫ِ‬ ‫كتابي َهذَا َليس ردًّا عىل كتاب أخي وحَ بيبي‬
‫َ‬ ‫ث ّم َقال‪" :‬وإن‬
‫طريق الذي أرا َد سلو َكه"‪ ،‬ثم كتبَ يف الحَ اشية‪" :‬ولقد ُختم بني إبراهيم‬ ‫وسري عىل ال ّ‬
‫طريقته َ‬ ‫ل َ‬
‫والبنعَل أن تربأ كالهما من بعضهما"‪.‬‬

‫فقوله أنه استكمَ ال ِ‬


‫لطريقته‪ ،‬و والله‬ ‫قلت‪ :‬قد اجتمع يف الديري كذبٌ وتدليس‪ ،‬أما الكذبُ َ‬
‫طريقهم هذه‪ ،‬بَل كتب كتابًا نرشه "مكتب البحوث" وُسم‬ ‫خالف أبو هما ٍم ‪-‬رحمه الله‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫قد‬
‫عىل غالب ما نقله الديري‬‫بـ‪" :‬التحذير عن معصية األمري والتخذيل عن النفري" وفيه ر ٌّد َ‬
‫ودلس فيه‪ ،‬وأما التدليس‪ ،‬فما نقله يف الصفحة الخمسني‪ ،‬أن آخر كالم الشيخ تركي أن‬
‫َ‬
‫الشيخ تركي قص َد‬ ‫"ادعوا عىل هؤالء يف قيامكم ال ّليل"‪ ،‬والصواب ‪-‬إن صحّ نقله‪ :-‬أن‬
‫ٍ‬
‫لحظة من حياته‬ ‫خصومَ ه كعبد النارص وأبي حفص‪ ،‬و َلم يقصد الخليفة‪ ،‬بل كان إىل آخر‬
‫محسنًا الظ َّن به يري ُد لقاءَه‪ ،‬والديري نفس ُه قال ذلك يف نصيحته املشؤومة‪ ،‬كما ذكر الديري‬
‫خطبته ‪ -‬قدوم أبي همام وإهداء أمري املؤمنني له مسدسه (يف إشارة‬ ‫ِ‬ ‫ايضا يف رثائه له ‪-‬يف‬
‫منه إىل قرب الشيخ البنعَل من الخليفة وتقديرهما لبعضهما) ‪ ،‬وهو –أي الديري‪ -‬والله‬
‫أمرا كهذا ثم ذكره يف رثائه عىل سبيل الثناء‬ ‫فكيف علم ً‬ ‫َ‬ ‫زور وكذاب و َّ‬
‫وضاع‪،‬‬ ‫شاهد ٍ‬
‫واإلجالل وهل يُرثى املقتول بيشء ندم عليه وتراجع عنه! فالقصتان متناقضتان فإما أنه‬
‫ّ‬
‫واملحصلة النهائية أنه يمتهن الكذب! وأما شهادة‬ ‫كان يكذب يف خطبته وإما كذب يف كتابه‬
‫الزور‪ ،‬فحدث وال حرج‪ ،‬وان ُ‬
‫ظر إىل ما كتب ُه الديري ّملا كان داخل الدَّولة ‪-‬وقد كتب يف رسا ِ‬
‫لته‬
‫هذه أنه يعلم بما سماه جهل الخليفة وظلم الدولة منذُ أن ي‬
‫وُيل إبراهيم إماما ‪ ، -‬فقد قال‬

‫‪- 10 -‬‬
‫الديري يف املُقتَضب‪.." :‬بقيا ِم خالفة عىل منهاج الصادق األمني‪ ،‬تعيد إىل اإلسالم مجده‬
‫وقال‪" :‬لقد من الله علينَا يف هذا العرص بأن أحيانا حتّى نرى ثمرة جهاد‬ ‫الدفني"‪َ ،‬‬
‫املجاهدين‪ ،‬وتضحيَات املُ َضحني‪ ،‬التي لم تذهب سدى‪ ،‬بل بارك الله فيها‪...‬فأقر الله أعني‬
‫املوحدين ببيعة الخليفة"‪ ،‬بل الديريّ دعا بتوفيق الله للجنة املفوضة بعد نرشها التعميم!‬
‫وذلك ِيف الثالث عرش من رمضان‪ ،‬ومثل هذا كثري فيه ويف أقرانه من املتملقني الحادين عن‬
‫منهج السلف والتابعني‪(.‬الدليل مُرفق)‬

‫كفر الشيخ تركي‪ ،‬أكان‬ ‫ثم يُقال لهذا الكذاب‪-‬الذي ثبت كذبه بالدليل‪َ ،-‬هب أن إبراهيم َّ‬
‫الغالة لي ِّكفروه ويخرجوا عليه لعدم تكفريه له؟ بل حجته ‪-‬املقتطعة‪ -‬يف هذا "التكفري"‬ ‫ُ‬
‫املزعوم ما نقله ‪-‬وهو الكذوب‪-‬أن أبا بكر قال‪" :‬أفىض إىل ما قدَّم"‪ ،‬فأين هذا اللفظ‬
‫جهال من ير ُّد املُحكم‬
‫ً‬ ‫الرصيح؟ بل كيف يُفهم أصالً من هذا تكفريًا ويف أي لغة؟ وأجهل‬
‫السفيه الخارجي‪ ،‬وكيف يُويل أبو‬ ‫الثابت الظاهر الرصيح بني أبي بكر وتركي إىل كالم هذا َّ‬
‫بكر كافراً؟‪ ،‬بل أقسم بالله العَل العظيم أن الشيخ القحطاني لو حدَّث الديري بما زعم من‬

‫‪- 11 -‬‬
‫تكفري إبراهيم لرتكي –تقبله الله‪ -‬لذكرها يف نصيحته املشؤومة من قبل‪ ،‬وال والله ما فعلها‪،‬‬
‫أفحدَّثه إذًا بعد ما ُقتل يف املنام أم ّ‬
‫تجىل له بني الهوام؟‬
‫أن الشيخ القحطاني أراد قتل إبراهي َم(‪ )1‬وأبي حفص وأبي الحسن وعبد النارص‪،‬‬ ‫أما قوله َّ‬
‫فهذا إما أن يكون كذبًا منه و وضعً ا ‪-‬وهو الراجح(‪ ،-)2‬أو واقعً ا –وهذا مُستبعد‪ ،-‬فإن كان‬
‫تنزال ً‪ -‬فلم يكن باستطاعته فعله ولو حَ ِرص لضعفه ‪-‬وفق املعايري الكونية‪ ،-‬ولنئ‬ ‫كذلك ‪ُّ -‬‬
‫وقربه‬
‫فعلها فـوالله هي أكرب الغدر و أفحشه‪ ،‬وهل هذا جزا ُء إبراهيم إذ أحبَّه ووثِق به َّ‬
‫وذبَّ عنه حتى كان عمر يناديه بوالدي؟ ثم ها هو الديري الكذاب يزعُ م أن عمرا قد كان‬
‫كثري الغيبة لـ "والده" بل َه َّم بقتله غيلة‪ ،‬وقد قال ﷺ‪" :‬لكل غادر لواء يوم القيامة"‪،‬‬
‫كافرا والقاتل مسلمً ا‪ ،‬قال اإلمام ابن القيم‪" :‬وقطعً ا‬
‫وقتل الغيلة ال عفو فيه وإن كان املقتول ً‬
‫ً‬
‫مطلقا دفعً ا‬ ‫وكفا لرشهم رأى اإلمام مالك ومن وافقه أن القاتل غيلة يقتل‬ ‫ألذى املخادعني ً‬
‫لرشِّ ه‪ "...‬و والله ما الغدر بشيمة أهل الجاهلية‪ ،‬وهذا األنوك قد جعله عىل سبيل املدح شيمة‬
‫أن هذه منقصة مثلبة ‪ ،‬وإن لم يكن هذا طعنًا‬ ‫ً‬
‫شيخا صالحً ا‪ ،‬ولو كان يعقِ ل لعرف َّ‬ ‫من يراه‬
‫مق هذا الديري قام بسلخ الشيخ‬ ‫رصيحً ا بالشيخ القحطاني فال أدري مالطعن ؟ فلحُ ِ‬
‫وجرده من خصال العلماء والنبالء‪ ،‬وحتى هذا الكالم ال‬ ‫القحطاني من كل سجيَّة طيبة َّ‬
‫يخدم هدفه فمن يقرأه سيتبادر لذهنه "إن كان الرأس غدارا فكيف بالتابع؟" وحق‬
‫إلبراهيم أن يتمثل قائال ‪-‬لو صح كالم الديري‪:-‬‬
‫ويعلمُمنيُأنُشيمتيُالوفاُ*ُبمجديُوأنُعمراُشيمتهُالغدرُ‬

‫لكان منقبة للخليفة ‪-‬لذبِّه عنه ومنع خصومه من‬‫َ‬ ‫القحطاني‬


‫ّ‬ ‫و والله لو ثبَت هذا يف الشيخ‬
‫التسلط عليه ‪-‬وما رسالة أبي مسلم ببعيدة‪ ،-‬ولكانت مذمة ال يمحوها الدهر يف ّ‬
‫حق عمر‪،‬‬
‫ولقي َل ِ‬
‫فيه مادامت السماوات واألرض أنه غدَّار متملق‪ ،‬هذا غري أن الديري ذك َر أن مقالة‬
‫الشيخ القحطاني هذه له كانت يف آخر رمضان‪ ،‬ورسالت ُه املشؤومة يف شوال‪ ،‬فما حمله عىل‬

‫(‪ )1‬هناك مقولة تقول "إن كنت كذوبا ً فكن ذكوراً" ألن الكذب مع ضعف الذاكرة مفضوح ‪ ،‬فالديري هنا‬
‫فضح نفسه فهو يقول أنه اجتمع بالشيخ القحطاني أواخر رمضان ‪،‬ويعني هذا قبل نصيحته املشؤومة التي‬
‫كتبها يف شوال وقبل أن تهدر الدولة دمه‪ ،‬وهذا معناه أنه قد أهدر دم الخليفة واملتحدث الرسمي ودعا لقتلهم‬
‫حتى قبل أن تهدر الدولة دمه هو فتأمل!‬
‫يلتق أحدا يف رمضان أبدا ً إال أبو مسلم املرصي ال الهاميش وال غريه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ألن الشيخ القحطاني لم ِ‬
‫‪- 12 -‬‬
‫تأخري البيان عن وقت الحاجة؟ وهو نفسه زعم أن الشيخ القحطاني رفض قتل الدولة‬
‫طاب وأْضابه وأنه ما جاز قتلهم إال أن يرفعوا السيف!‪ ،‬والقحطاني ‪ِ -‬وفق كالم‬ ‫للح َّ‬
‫الديري‪ -‬ال مانع عنده من الغدر بأشخاص بات معهم ليلة يف بيت واحد فال يرى بأسا ً من‬
‫قتلهم وهم نائمون؟ وفيهم من لم يُعرف بغل ّو؟ وهذا كقوله أن "أبا عثمان النجدي" قد‬
‫عملية داخل مق ّر اللجنة أثناء اجتماعهم‪ ،‬وهذا غد ٌر آخر وسفاهة‪ ،‬فكيف‬ ‫ٍ‬ ‫رغب يف تنفيذ‬
‫يُق ِدم املرء عىل قتل نفسه ألجل قتل مسلم؟ وما الفرق بني أبي عثمان وبني أبي عبد الرحمن‬
‫أترتس بهم العدو؟ والديري‬‫التونيس؟ وماذا عن بقية املسلمني املتواجدين يف ذلك االجتماع‪َ ،‬‬
‫هذا يصدق فيه قول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪-‬عن الشيعة‪ ،‬يجعلون ما هو "مذمة‬
‫فاحشة" منقبة ملن يعظمونه‪ ،‬ولقد نقل ابن األثري يف كتابه الكامل عن ابن التميمي الحنبَل‬
‫يف أبي يعىل القايض أنه قال عنه ‪-‬حاشا السامعني ورفع الله قدر القراء‪" :-‬لقد خري أبو‬
‫خرية ال يغسلها املاء"‪ ،‬ولقد والله فعلها الديري وسبط ابن‬ ‫ً‬ ‫يعىل الفراء عىل الحنابلة‬
‫ً‬
‫شيوخا لهم علموا أم لم يعلموا‪.‬‬ ‫عىل من يرونهم‬‫النجدية(‪َ )1‬‬

‫ث َّم ثقِ ف ينق ُل عن األشاعرة والشيعة وَكل من جرحه أهل العلم بالحديث أو كفروه أو رموه‬
‫ورا وبهتانًا خروج الصحابة للحرة واستحسانهم لذلك‬ ‫ٍ‬
‫ببدعة‪ ،‬واألدهى من ذلك أن نسب ز ً‬
‫‪-‬واألصل أنه كال ُم ابن حزم‪ ،-‬والصحيح أنهم أنكروا ذلك‪ ،‬وندم من خرج يف الحرة وأهل‬
‫الجماجم ندما كبريًا‪.‬‬
‫الله ب ِْن م ُِطي ٍع‬‫الله بْ ُن عُ مَ َر إ ِ َىل عَ بْ ِد ِ‬ ‫قال مسلم يف صحيحه بإسناده عَ ْن نَافِ ٍع‪َ ،‬قا َل‪ :‬جَ ا َء عَ بْ ُد ِ‬
‫الرحْ مَ ِن‬‫ط َرحُ وا َأل ِبي عَ بْ ِد َّ‬ ‫ان‪َ ،‬زمَ َن ي َِزي َد ب ِْن ُمعَ ِاوي ََة‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬ا ْ‬ ‫ان ِم ْن أَمْ ِر ا ْلحَ َّر ِة مَ ا َك َ‬
‫ني َك َ‬
‫حِ َ‬
‫الله ﷺ ي َُقولُ ُه‪:‬‬ ‫ِو َسا َد ًة‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬إِنِّي َل ْم آ ِت َك َألجْ ل َِس‪ ،‬أَتَيْتُ َك ِ ُألحَ ِّدث َ َك حَ دِيثًا َس ِمعْ ُت َر ُسو َل ِ‬
‫الله ﷺ ي َُقو ُل‪ :‬مَ ْن َخ َل َع يَدًا ِم ْن َ‬
‫طاعَ ٍة‪َ ،‬لقِ َي ال َّل َه يَوْ َم ا ْلقِ يَامَ ِة ال َ حُ جَّ َة َلهُ‪ ،‬وَ مَ ْن‬ ‫َس ِمعْ ُت َر ُسو َل ِ‬
‫ات ِميتَ ًة جَ ِاه ِلي ًَّة‪.‬‬
‫ات وَ َلي َْس ِيف عُ نُقِ ِه بَيْعَ ٌة‪ ،‬مَ َ‬
‫مَ َ‬

‫ري مبايعً ا لعبد امللك‬ ‫أصال يزيدا حتى يخرجَ عليه‪َ ،‬‬
‫وال كان ابن الزب ِ‬ ‫وأما الحسني فلم يبايع ً‬
‫بل هم من خرج عليه كما عند أهل العلم بالحديث والنَّقل‪ ،‬وأما الحجَّ اج بن يوسف الثقفي‬
‫كافرا وكفره عندهم فيه من الله برهان بما سمعوه منه و رأوه‪ ،‬ال بنقل‬ ‫ً‬ ‫فكانوا يرونه‬
‫خارجي مُغايل مُصاب بمتالزمة اللعن يلعن الحجر والشجر‪ ،‬وهنا فائدة‪ ،‬فالحجاج وإن‬
‫السلف‪ ،‬فهذا أنس بن مالك يصرب الناس عن الخروج عليه ‪ ،‬وظلم ُه‬ ‫اختُلف يف تكفريه بني َّ‬

‫(‪ )1‬املدعو أبو صهيب النجدي‬


‫‪- 13 -‬‬
‫ٌ‬
‫مستفيض بينهم‪ ،‬واإلمام أحمد يكره لعنه ‪-‬والكراهة عند أحمد التحريم‪ ،-‬وهذا سبي ُل أهل‬
‫الخوارج فدونَه أبا محم ٍد الدِّيري‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يرى سبي َل‬ ‫ِّ‬
‫الحق‪ ،‬ومن أراد أن َ‬
‫روى الخال ُل بإسناد ِه قال‪ :‬وأخربني محم ُد ب ُن عَل قال‪ :‬ثنا صالح أنه قال ألبيه‪ :‬الرج ُل‬
‫يُذك ُر عنده الحجاجُ أو غري ُه فيلعنهُ؟ قال‪ :‬ال يعجبني لو عرب فقال‪ :‬أال ُ‬
‫لعنة ِ‬
‫الله عىل الظاملني‪،‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ابن سريين أن ُه قال‪ :‬املسك ُ‬
‫ني أبو محمد‪.‬‬ ‫وروى عن ِ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫اج َف َقا َل‪:‬‬ ‫َري ب ِْن عَ دِ يي َقا َل‪ :‬أتَيْنَا أن َ َس ب َْن مَ الِكٍ َف َش َكوْ نَا إ ِ َلي ِْه مَ ا ن َ ْل َقى ِم ْن ا ْلحَ جَّ ِ‬ ‫وعَ ْن ُّ‬
‫الزب ْ ِ‬
‫اص ِربُوا؛ َف ِإن َّ ُه َال يَأْتِي عَ َليْ ُك ْم َزمَ ا ٌن إ ِ َّال ا َّلذِي بَعْ د َُه َ ٌّ‬
‫ير ِمن ْ ُه حَ تَّى تَ ْل َقوْ ا َربَّ ُك ْم َس ِمعْ تُ ُه ِم ْن ن َ ِبيِّ ُك ْم‬ ‫ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫خالف فيها ابن حز ٍم الظاهريّ أعال َم السنة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ثم ذك َر غري ذل َك من الشقاشق والخوافق التي‬
‫نقال عن القايض عياض [يف الصفحة ‪- ]٤٣‬وقد برته قبحه الله وأذله ‪ ،-‬قال‪:‬‬ ‫إىل أن نق َل ً‬
‫ط ْت َ‬
‫طاعَ ته‪ ،‬وَ وَجَ بَ‬ ‫ِلرش ِع أ َ ْو ِبدْعَ ة َخ َرجَ عَ ْن حُ ْكم ا ْل ِوَاليَة‪َ ،‬‬
‫وَس َق َ‬ ‫ط َرأ َ عَ َلي ِْه ُك ْفر وَ تَ ْغ ِيري ل َّ ْ‬ ‫َ‬
‫"ف َل ْو َ‬
‫ني ا ْلقِ يَام عَ َلي ِْه ونصبُ إما ٍم عادِ ل"‪.‬‬ ‫عَ َىل ا ْلم ُْسل ِِم َ‬

‫صب إِمَ ام عَ ادِ ل إ ِ ْن‬ ‫وَخ ْلعه وَ ن َ ْ‬ ‫ني ا ْلقِ يَام عَ َلي ِْه ‪َ ،‬‬ ‫اها‪" :‬وَ وَ جَ بَ عَ َىل ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫والتتمَّ ة التي َ‬
‫أخف َ‬
‫وَال ي َِجب ِيف‬ ‫طائ َِف ٍة وَجَ بَ عَ َلي ِْه ْم ا ْلقِ يَام ِب َخ ْل ِع ا ْل َكافِ ر ‪َ ،‬‬ ‫أَمْ َكنَهُ ْم ذَ ِل َك ‪َ ،‬ف ِإ ْن َل ْم ي ََقع ذَ ِل َك إ ِ َّال ِل َ‬
‫اج ْر ا ْل ُم ْسلِم عَ ْن‬ ‫ظنُّوا ا ْل ُقد َْرة عَ َلي ِْه ‪َ ،‬ف ِإ ْن تَحَ َّق ُقوا ا ْلعَ جْ ز َل ْم ي َِجب ا ْلقِ يَام ‪ ،‬وَ لْيُهَ ِ‬ ‫ا ْل ُمبْتَدِع إ ِ َّال إِذَا َ‬
‫ِيفة فِ ْسق‬ ‫ط َرأ َ عَ َىل ا ْل َخل َ‬
‫اس ٍق اِبْ ِتدَاء ‪َ ،‬ف َل ْو َ‬ ‫أ َ ْرضه إ ِ َىل َغ ْري َها ‪ ،‬وَ يَفِ ّر ِبدِين ِِه ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬‬
‫وَال تَنْعَ قِ د ل َِف ِ‬
‫السنَّة ِم ْن‬ ‫وَقا َل جَ مَ اهِ ري أ َ ْهل ُّ‬ ‫رتتَّب عَ َلي ِْه فِ تْنَة وَحَ ْرب ‪َ ،‬‬ ‫َقا َل بَعْ ضه ْم ‪ :‬ي َِجب َخ ْلعه إ ِ َّال أ َ ْن تَ َ َ‬
‫ظ ْلم وَ تَعْ ِطيل ا ْلحُ ُقوق ‪ ،‬وَ َال ي ُْخ َلع وَ َال‬ ‫ني ‪َ :‬ال يَنْعَ ِزل ِبا ْلفِ ْس ِق وَ ال ُّ‬ ‫ا ْل ُف َقهَ اء وَ ا ْلمُحَ ِّد ِث َ‬
‫ني وَ ا ْل ُمتَ َك ِّل ِم َ‬
‫ايض‬ ‫يث ا ْلوَ ِاردَة ِيف ذَ ِل َك َقا َل ا ْل َق ِ‬ ‫ِألحَ ادِ ِ‬‫يَجُ وز ا ْل ُخ ُروج عَ َلي ِْه ِبذَ ِل َك ‪ ،‬بَ ْل ي َِجب وَعْ ظه وَ تَ ْخ ِويفه ؛ ل ْ َ‬
‫وَق ْد اِدَّعَ ى أَبُو بَ ْكر بْن مُجَ اهِ د ِيف َهذَا ْ ِاإلجْ مَ اع ‪ ،‬وَ َق ْد َر َّد عَ َلي ِْه بَعْ ضه ْم َهذَا ِبقِ يَا ِم ا ْلحَ َسن‬ ‫‪َ :‬‬
‫األوَّ ل‬‫الصدْر ْ َ‬ ‫ني وَ َّ‬ ‫ظ ِميَّة ِم ْن التَّا ِبعِ َ‬ ‫الزب َْري وَ أ َ ْهل ا ْلمَ دِينَة عَ َىل بَنِي أُمَ يَّة ‪ ،‬وَ ِبقِ يَا ِم جَ مَ اعَ ة عَ ْ‬ ‫وَ ابْن ُّ‬
‫األمْ ر أ َ ْهله ِيف أَئِمَّ ة ا ْلعَ دْل ‪،‬‬ ‫األ ْشعَ ث ‪ ،‬وَ تَأَوَّ َل َهذَا ا ْل َقائِل َقوْ له ‪ :‬أ َ َّال نُن َ ِازع ْ َ‬ ‫عَ َىل ا ْلحَ جَّ اج مَ َع اِبْن ْ َ‬
‫اه َر‬‫ظ َ‬ ‫الرشع وَ َ‬ ‫وَحُ جَّ ة ا ْلجُ مْ هُ ور أ َ َّن قِ يَامه ْم عَ َىل ا ْلحَ جَّ اج َلي َْس ِبمُجَ َّردِ ا ْلفِ ْسق ‪ ،‬بَ ْل َلمَّ ا َغ َّريَ ِم ْن َّ ْ‬

‫(‪ )1‬كتاب السنة ‪٨٥١ /‬‬


‫(‪ )2‬روا ُه البخاري ‪٧٠٨٦ /‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫ص َل ْ ِاإلجْ مَ اع عَ َىل مَ نْع ا ْل ُخ ُروج‬ ‫ان أ َ ً‬
‫وَّال ث ُ َّم حَ َ‬ ‫ِم ْن ا ْل ُك ْفر ‪َ ،‬قا َل ا ْل َق ِ‬
‫ايض ‪ :‬وَقِ ي َل ‪ :‬إ ِ َّن َهذَا ا ْلخِ َالف َك َ‬
‫عَ َلي ِْه ْم ‪ ،‬وَ اَل َّله أَعْ َلم"‬
‫كفرا بواحً ا"‪،‬‬
‫وما قاله عياض يف املبتدع باطل يخالف رصيح الحديث الصحيح‪" :‬إال أن تروا ً‬
‫كفرا بواحً ا‪ ،‬وقد خالف يف ذلك هو إجماع السلف الذي نقله غري واحد كاإلمام‬
‫والبدعة ليست ً‬
‫أحمد وابن بطة واْلجري وغريهم‪ ،‬وهذا من جنس تخليطهم يف مسائل الصفات والقدر‬
‫تجرأ أحد عىل تضعيف األحاديث الثابتة يف السمع لوالة الجور حتى أتى‬ ‫واإليمان(‪ ،)1‬وما َّ‬
‫ضالل وقعت فيه بسبب أعالم السنَّة والحديث ‪-‬‬
‫ٍ‬ ‫شيخ الديري "الحالك" منقذا األمَّ ة من‬
‫وحاشاهم‪ ،-‬فقبح الله العقول املختنثة‪.‬‬

‫إحقاق بدعته‬
‫ِ‬ ‫وبالجُ م َلة فقد ثبت لك ِّل مسل ٍم تدليس وكذب وبرت هذا الديري الكالم ألجل‬
‫ّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫وهواه‪ ،‬واملُسلم يكفِ يه إجمَ اع السلف ‪-‬رحمهم الله‪ -‬فال يُمكن أن يخرجوا عن‬
‫قال ابن عبد الرب املالكي يف التمهيد‪" :‬وإىل منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من املعتزلة‬
‫وعامة الخوارج"‬

‫طا َل‬ ‫ُون إِبْ َ‬ ‫ون ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْلعَ ْق ِل وَ ا ْلعِ ْل ِم أ َ َّن َقوْمً ا ي ُِريد َ‬ ‫َقال ابن بطة يف اإلبانة‪" :‬وَ ْليَعْ َل ِم ا ْلم ُْؤ ِمن ُ َ‬
‫ف َق ْلبُ ُه ِبأَنَّهُ ْم‬ ‫وَضعُ َ‬ ‫ون عَ َىل مَ ْن َق َّل عِ ْل ُم ُه َ‬ ‫السن َّ ِة‪َ ،‬فهُ ْم يُمَ ُ‬
‫وِّه َ‬ ‫وس آث َ ِار ا ْلعِ ْل ِم وَ ُّ‬ ‫الرشيعَ ِة وَ ُد ُر َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ون‬ ‫ون‪ ،‬وَ لَ ُه ي َُخال ُِف َ‬ ‫اب ال َّل ِه يَهْ ُرب َ‬
‫ُون وَ عَ ن ْ ُه يُ ْد ِب ُر َ‬ ‫وَه ْم ِم ْن ِكتَ ِ‬ ‫ون ِب ِه‪ُ ،‬‬ ‫اب ال َّل ِه وَ يَعْ مَ لُ َ‬
‫ون إ ِ َىل ِكتَ ِ‬
‫يَدْعُ َ‬
‫اها ْاألَ َكا ِب ُر عَ ِن ْاألَ َكا ِب ِر وَ ن َ َق َلهَ ا أ َ ْه ُل‬‫ول ال َّل ِه ﷺ َروَ َ‬ ‫وَ ذَ ِل َك أَنَّهُ ْم إِذَا َس ِمعُ وا ُسن َّ ًة ُر ِوي َْت عَ ْن َر ُس ِ‬
‫ني عَ َىل ِصحَّ تِهَ ا أَوْ‬ ‫األمَ ان َ ِة وَ أَجْ مَ َع أَئِمَّ ُة ا ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫ان مَ وْ ِض َع ا ْل ُقدْوَ ِة وَ ْ َ‬ ‫ا ْلعَ دَا َل ِة وَ ْ َ‬
‫األمَ ان َ ِة‪ ،‬وَ مَ ْن َك َ‬
‫ف عَ َليْهَ ا وَ تَ َل َّقوْ َها ِب َّ‬
‫الر ِّد َلهَ ا"‪.‬‬ ‫السن َّ َة ِبا ْلخِ َال ِ‬
‫ضوا ِت ْل َك ُّ‬ ‫حَ َك َم ُف َقهَ ُاؤ ُه ْم ِبهَ ا‪ ،‬عَ َار ُ‬

‫ً‬
‫حجازا‬ ‫الرازيني [أبي زرعة وأبي حاتم]‪" :‬أدركنَا العلما َء يف جميع األمصار‬ ‫جاء ِيف عقيدة َّ‬
‫عىل األئمَّ ة‪ ،‬وَال القتَا َل ِيف الفتنة‪،‬‬ ‫نرى ُ‬
‫الخ ُروج َ‬ ‫وعراقا ومرصً ا وشامً ا ويمنًا" وفيها‪َ :‬‬
‫"وال َ‬ ‫ً‬
‫ماض منذُ َ‬
‫بعث الله‬ ‫وأن الجهاد ٍ‬ ‫ونَسمَ ع ونُطي ُع َملن و ّاله الله أمْ رنَا وال ِ‬
‫ننز ُع يدًا من طاعَ ة ّ‬
‫األمر من أئمَّ ة املُسلمني ال يبطلُه َيشء"‪.‬‬
‫الساعة م َع أويل ِ‬ ‫إىل قيَام َّ‬‫نبيَّه ﷺ َ‬

‫(‪ )1‬مستفا ٌد من ِ‬
‫بحث أحد اإلخوة بترصف يسري‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫خلف ك ِّل بر َ‬
‫وفاجر‪ ،‬والجهَ ا ُد م َع كل‬ ‫َ‬ ‫قال الرببهاري يف يرح السنة‪" :‬ومَ ن َقال‪َّ :‬‬
‫الصالة‬
‫فقد خ َرج ِمن ِ‬
‫قول‬ ‫بالصالح‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫السلطان َّ‬
‫بالسيف‪ ،‬ودعَ ا له ْم‬ ‫عىل ّ‬ ‫َ‬
‫خليفة‪ ،‬و َلم يَر ُ‬
‫الخروج َ‬
‫الخوارج أوله وآخِ ره"‪.‬‬
‫ِ‬
‫وأهل‬
‫ِ‬ ‫األثر‪،‬‬
‫وأصحاب ِ‬
‫ِ‬ ‫الكرماني ‪-‬رحمه الله‪" :-‬هذا مذهبُ أئمَّ ِة العل ِم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقال اإلمَ ام حَ ربٌ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وأدركت‬ ‫النبي ﷺ إىل يومنا هذا‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫السن َّ ِة املعروفني بها‪ ،‬املُقتدى بهم فيها‪ِ - ،‬من لدُن أصحاب‬ ‫ُّ‬
‫والشا ِم وغريهم عليها‪ ،‬فمن خالف شيئا ً ِمن‬ ‫جاز‪َّ ،‬‬
‫العراق‪ ،‬والحِ ِ‬
‫ِ‬ ‫أدركت ِمن عُ لما ِء ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫مَ ن‬
‫منهج‬‫ِ‬ ‫الجماعة‪ ،‬زائ ٌل عن‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫طعن فيها‪ ،‬أو عابَ قائلها؛ فهو مُبتد ٌع‪ ،‬خارجٌ ِمن‬ ‫املذاهب‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫هذه‬
‫الزبري‬‫وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد‪ ،‬وعبد الله بن ُّ‬ ‫َ‬ ‫وسبيل ِّ‬
‫الحق‪ ،‬وهو مذهبُ ‪ :‬أحمدَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السن َّ ِة‬
‫ُّ‬
‫جالسنا‪،‬وأخذنا عنهم العَ لمَ‪ ،‬فكان من قولهم‬
‫ْ‬ ‫الحُ ميدي‪ ،‬وسعيد بن منصور‪ ،‬وغريهم ممن‬
‫‪ .....‬وفيها‪" :‬وال تخرجوا عىل األئمة بالسيف وإن جاروا"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬حدثنا سعيد بن منصور‪ ،..‬عن أنَس بن مالك‪َ ،‬قال‪َ :‬قال ُ‬
‫رسول الله ﷺ ‪" :‬الجها ُد‬
‫وال عد ُل عادل"‪.‬‬ ‫اض منذُ بعثَني الله إىل أن َ‬
‫يقاتل آخر أمتي الدجال‪ ،‬ال يُيطل ُه جور جائر‪َ ،‬‬ ‫مَ ٍ‬
‫الرحمن بن يزيد‪ ،‬وأبو جحيفة‪ ،‬وإبراهيم‬ ‫كان عبد ّ‬ ‫وروى بإسناده عن األعمَ ش‪َ ،‬قال‪َ :‬‬
‫فقا َل رج ٌل من َ‬
‫القوم‪ :‬أ َكانُوا ي ْك َرهون‬ ‫إمرة الحجَّ اج‪َ ...‬‬ ‫َ‬
‫النخعي‪ ،‬وعَ مارة بن عمَ ري يَغ ُزون يف َ‬
‫يخفون فِ يه‪ ،‬ويُعجبهم"‪.‬‬ ‫ذلك؟‪َ ،‬قال‪َ :‬ال‪ ،‬بَل ّ‬

‫وروى عن الحسن أنه َكان يَقول‪" :‬أرب ٌع من أمر اإلسالم إىل ُّ‬
‫السلطان‪ :‬الحكم والفيء‬
‫والجهَ اد والجُ معة‪.‬قلت ‪-‬أي أبو إسحاق‪-‬لهشام‪ :‬وإن بَروا وفجروا‪َ ،‬قال‪ :‬وإن بروا‬
‫وفجروا"‪.‬‬
‫ثم نقل الديري بعدها كالمً ا لإلمام مالك ليس فيه ما ذهب إليه‪ ،‬وما انف َّك يكذب عىل الناس‬
‫وينافقهم‪ ،‬وليته لم يذكر قضية أبي جعفر الحطاب الذي رفع يف حقه الشيخ تركي البنعَل‬
‫والقحطاني‪-‬تقبلهم الله‪ -‬التقارير الكثرية‪.‬‬
‫فقد حدثني أبو متاب الهاشمي‪ ،‬أخربه شيخي أبو الحارث القحطاني‪ ،‬قال‪" :‬ناظر البنعَل‬
‫الحطاب يف سجنه‪ ،‬ولم تكن مناظرة عادلة‪ ،‬فلما رفع مناظرته لإلمام قتل الحطاب"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬وقد سجن الحطاب بسبب جلوسه مع بعض الخوارج وسكوته عن كالمهم يف الخروج عىل اإلمام‪ ،‬وكان هذا‬
‫لوحده كافيا للحكم عليه لكن الشيخ البنعَل جلس معه وناظره حتى ينظر يف أمره ويف ثبوت التهمة يف حقه‪.‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫وأما قول الديري يف هامش [الصفحة ‪ ]٤٥‬وكان أبو النور يقول‪" :‬أنا ال أعتقل إال من يكفر‬
‫الخليفة‪ ،‬وكان قلة من السفهاء يرصِّ ح بتكفري أبي حنيفة والنووي وابن حجر والقرطبي‬
‫وابن عساكر وغريهم فال ينالهم أحد بأذى وسوء! ولكن االقرتاب من ابن عواد اقرتاب من‬
‫صنمهم وطاغوتهم‪ ،‬وهذا يدل عىل أن األمر سياسة ال دين"‪.‬‬
‫وجهله بكالم السلف! فقد ُسئل اإلمَ ا ُم‬ ‫ِ‬ ‫بس َفاهة هذا الديريّ ‪،‬‬‫برصنَا أكثر َ‬ ‫ُقلت‪ :‬هذَا والله َّ‬
‫ضوا لهم‪ُ ،‬قلت‪ :‬وأيُّ َيش ٍء‬ ‫عرضون وَ يُ َك ّفرون؟ َقال‪َ :‬ال َّ‬
‫تعر ُ‬ ‫أحمَ د عَ ن َقو ٍم من أهل ال ِبدَع يَتَ َّ‬
‫وال ي َُقاتلهم‬
‫وَردعَ هم َ‬
‫وَقال‪ :‬عَ ىل اإلما ِم منعُ هم َ‬ ‫وأخوَ ات‪َ .‬‬ ‫كر ُه أن يُحبَسوا؟ َقال‪ :‬لهم والد ٌ‬
‫َات َ‬ ‫تَ َ‬
‫مبتدع داعية‪ :‬يُحبَس‪ ،‬وقال ‪ُ:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ان الحروريّ داعِ ً‬
‫ية‪ ،‬ي ُقتَل‪ ،‬ويف‬ ‫َّإال أن يجْ تَمعوا لحر ِبه‪ ،‬فإن َك َ‬
‫ظم َف َساده‪.‬‬
‫ارجي لِع َ‬
‫ِّ‬ ‫تل َ‬
‫الخ‬ ‫إىل َق ِ‬‫َف ِإ ْن َسبُّوا اإلمَ ا َم عَ َّز َر ُه ْم (‪ )1‬وَ ذهبَ اإلمام مالك َ‬

‫فالذي يكفر الخليفة املسلم ويدعو لهذه البدعة الخبيثة يُحبس عند السلف‪ ،‬بينما هذا‬
‫أمورا لهم فيها سلف‪ ،‬بل هو نقل من كتاب‬‫الديريّ الجاهل يريد معاقبة الناس العتقادهم ً‬
‫ذم الكالم للهروي وكله تكفري ألبي الحسن األشعري ‪،‬وغالب من ذكرهم من متأخري‬
‫األشاعرة ينكرون علو الله عىل خلقه ويكفرون املثبتني ويزعمون أنهم مجسمة ‪-‬وهذا كفر‬
‫كما يف السلسلة املنهجية‪ ،-‬وأبو حنيفة قد أجمع السلف عىل تجريحه‪ ،‬ونقل ذلك صاحب‬
‫الحائية‪ ،‬قال أبو بكر بن أبي داود‪" :‬الوقيعة يف أبي حنيفة إجماع من العلماء؛ ألن إمام‬
‫البرصة أيوب السختياني‪ :‬وقد تكلم فيه‪ ،‬وإمام الكوفة الثوري‪ :‬وقد تكلم فيه‪ ،‬وإمام‬
‫الحجاز مالك‪ :‬وقد تكلم فيه‪ ،‬وإمام مرص الليث بن سعد‪ :‬وقد تكلم فيه‪ ،‬وإمام الشام‬
‫األوزاعي‪ :‬وقد تكلم فيه‪ ،‬وإمام خراسان عبدالله بن املبارك‪ :‬وقد تكلم فيه؛ فالوقيعة فيه‬
‫(‪)2‬‬
‫إجماع من العلماء يف جميع االفاق"‬
‫قلت‪ :‬وهذا حرب الكرماني وقد نقل اإلجماع عىل التك ُّل ِم فيه‪ ،‬وأبو إسحاق الفزاري تك َّلم‬ ‫ُ‬
‫فيه‪ ،‬وحماد بن سلمة تك َّلم فيه‪ ،‬وعبد الله بن أحمد مأل كتابه السنة بالكالم فيه‪ ،‬وعبد‬
‫العقوبة؟‬ ‫يستحقون ُ‬
‫ُّ‬ ‫الرحمن بن مهديّ تكلم فيه‪ ،‬أك ّل هؤالء‬
‫ص ِاريِّ ‪َ ،‬س ِمعْ ُت‬ ‫قال يوسف ابن عبد الهادي املربد يف جمع الجيوش والدساكر ‪ -‬وَ ِب ِه إ ِ َىل َ‬
‫األن ْ َ‬
‫َّاس النَّهَ اوَ نْدِيَّ عَ َىل ا ِإلن ْ َك ِار عَ َىل أ َ ْه ِل‬
‫والن‪ :‬وَجَ ْدنَا أَبَا ا ْلعَ ب ِ‬
‫أَحْ مَ َد ب َْن حَ مْ َز َة‪ ،‬وَ أَبَا عَ َِل ي ا ْلحَ دَّادَ‪ ،‬ي َُق ِ‬
‫ظ َم َشأْن ِِه ِيف ِاإلن ْ َك ِار عَ َىل أ َ ِبي ا ْل َفوَ ِار ِس ا ْلقرماسين ِِّي‪،‬‬ ‫األ ْشعَ ِري َِّة‪ ،‬وَ ذَ َك َر أَعْ َ‬
‫ري َ‬ ‫ا ْل َكال ِم‪ ،‬وَ تَ ْكفِ ِ‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف للمرداوي ‪١٧٧٣:/‬‬


‫(‪ )2‬الكامل البن عدي ‪٨/٢٤١‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫ص ِاريِّ ‪َ ،‬س ِمعْ ُت أَحْ مَ َد ب َْن حَ مْ َز َة‪ ،‬ي َُقو ُل‪َ :‬لمَّ ا ْ‬
‫اشتَ َّد‬ ‫ف وَ احِ دٍ‪ _.‬وَ ِب ِه إ ِ َىل َ‬
‫األن ْ َ‬ ‫وَهِ جْ َران ِِه إِيَّا ُه لِحَ ْر ٍ‬
‫ف َشي ٍْخ‬‫يت أ َ ْل َ‬ ‫َني النَّهَ اوَ نْدِ يِّ وَأ َ ِبي ا ْل َفوَ ِار ِس‪َ ،‬سأَلُوا أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه الدِّين َ ِ‬
‫وَريَّ ‪َ ،‬ف َقا َل‪َ :‬لقِ ُ‬ ‫ا ْل ِهجْ َرا ُن ب ْ َ‬
‫عَ َىل مَ ا عَ َلي ِْه النَّهَ اوَ نْدِيُّ ؛‬
‫وهذا الديري قد نقل كالم الهروي غري ما مرة‪ ،‬أفغاب عليه أن من يكفر األشاعرة إنما يعتمد‬
‫عىل هذا الكتاب بشكل كبري ثم كتب السنة واالعتقاد عند السلف ورسالة السجزي وغريها؟‬
‫َ‬
‫اإلنصاف لذك َر أن الدولة –‬ ‫وإال فلو أرا َد‬ ‫عىل دغدَغة َ‬
‫املشاعر‪َّ ،‬‬ ‫وبالجُ م َلة َفهذا ِ‬
‫الديري يَعتَم ُد َ‬
‫طأ الذِي َال تُ ُ‬
‫وافقه‪.‬‬ ‫حجر والنوويّ وأبي حنيفة وغريهم من الخ َ‬‫ٍ‬ ‫َك َكيَان‪-‬تعتربُ تكفريَ ابن‬

‫الفضل التميمي وهو‬‫ِ‬ ‫معرش الحنَابلة" [يف الصفحة ‪ ]٥٢‬واستشه َد بكال ِم أبي‬ ‫ث ّم َقال‪" :‬يا َ‬
‫انتقدهم العلمَ اء ملخالفتهم‬ ‫من متكلمي الحنابلة كابن عقيل وابن الجوزي‪ ،‬وهؤالء كلهم َ‬
‫اإلمام أحمد يف األصول والفروع‪ ،‬وأبو الفضل كان صاحبًا ِألبي بكر الباقالني األشعريّ فأي‬
‫وهم أعيان تالمذة أحمد وأصحابه من‬ ‫حنبلة هذه؟ وهل يرت ُك العاقل كال َم من تقدم ذكرهم ُ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫لتعرف أن هذا املبتد َع الديريّ‬ ‫كفر ُه ابن حزم‬ ‫أهل النقل لكالم املتكلمني؟ والباقالني هذا قد َّ‬
‫بعضا‪ ،‬كما أن من ذكرهم من "الشيوخ" يف رسالته يضلل‬ ‫ينقل عن أناس كفر بعضهم ً‬
‫ني أن ٌه َقال‬ ‫َ‬
‫الباقال ّ‬ ‫طوامه ْم مَ ا حكاه السمناني عَ ن‬ ‫بعضا‪ ،‬قا َل اب ُن حَ زم‪" :‬من َ‬
‫ً‬ ‫بعضهم‬
‫َ‬
‫بعدها إىل حني‬ ‫الرسالة وما‬ ‫وقته يف حَ ال ِّ‬‫أهل ِ‬ ‫أفضل ِ‬ ‫النبي ﷺ َ‬‫ِّ‬ ‫واختَ ُلفوا يف وجُ وب َكون‬
‫نقول‪.‬‬ ‫الصحيح وبه ُ‬ ‫اقالني وهذا هو َّ‬ ‫طه آخ ُرون و َقال الب َّ‬
‫مَ وته فأوجَ ب ذَلك قائلُون وأسق َ‬

‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫عرص‬‫قال أبو محمدٍ‪ :‬وهذا والله ال ُكفر الذِي َال خفاء به إذ جوَّ ز أن ي ُكون أح ٌد ممَّ ن يف ْ‬
‫ﷺ فمَ ا بعده أفضل من رسول الله ﷺ وما أنكرنا عىل أحمَ د بن خابط الدون هذَا إذ قال‬
‫النبي ﷺ هذا مع َقول هذا املستخف الباقالني الذي ذ َكره عنه‬ ‫ِّ‬ ‫أن أبَا ذر كان أزه َد من‬
‫يرط اإلمامة أن ي ُكون اإلمام أفضل‬ ‫ِ‬ ‫السمناني يف كتابه ال َكبري يف كتاب اإلمامة منه أن من‬
‫أهل زمَ انه‪.‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫يكون يف النَّاس غري الرسل َ‬
‫أفضل‬ ‫َ‬ ‫قال أبو محمَّ د‪ :‬يا للعيَارة بالدِّين يجوز عنه هذا ال َكافر أن‬
‫رسول الله ﷺ وال يجوز عندَه أن يَل اإلمامة أحَ د يوجَ د يف النَّاس أفضل منه ثم حمقه‬ ‫من ُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ُ‬
‫تكليف ما ال يطاق"‬ ‫أيضا يف هذَا حمق عتيق ألنه‬ ‫ً‬

‫قلت‪ :‬ونحن نري ُد إخراج املسلمني من االختالف إىل االجتماع فخرجَ علينَا هذا الديريّ يبغي‬
‫ُ‬
‫وينقض كالمه وهو ينق ُل كالم من كف َر سابقه! أفهؤالء‬ ‫جم َع املجاهدين عىل االختالف!‬
‫يتبعُ هم املسل ُم ويرتك ما اجتم َع عليه أهل الحديث؟ ث َّم إن هذا املدلِس لو قيل فيه‪" :‬ما ولد‬
‫َ‬
‫لصدق القائل‪ ،‬فكتابُ أبي الفضل‬ ‫مولود أشأم عىل اإلسالم يف عرصنا من أبي محمد الديري"‬
‫هذَا "اعتقاد اإلمام املبجل أحمد بن حنبل" نسب فيه التميمي إىل اإلمام أحم َد ما ليس من‬
‫ُ‬
‫أفيصدق يف مسألة الخليفة الظالم ؟‬ ‫األصول‬
‫ِ‬ ‫عقيدته يف‬
‫الصفات الالزمَ ة كالحياة و الصفات‬
‫بني ِّ‬‫الفرق ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫طريقة إبن كالب ىف‬ ‫قال ابن تيمية "وسل َك‬
‫االختيارية وأن الرب يقوم به األول دون الثاني كثري من املتأخرين من أصحاب مالك‬
‫والشافعي وأحمد كالتميميني أبى الحسن التميمي وابنه أبى الفضل التميمي وابن ابنه رزق‬
‫الله التميمي وعىل عقيدة الفضل التي ذكر أنها عقيدة أحمد أعتمد أبو بكر البيهقي فيما‬
‫(‪)2‬‬
‫مناقب أحم َد من االعتقاد"‬
‫ِ‬ ‫ذكره من‬
‫الباقالني من املودة‬
‫ّ‬ ‫بكر بن‬
‫الفضل التميمي وبني القايض أبي ٍ‬ ‫"وكان بني أبي َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫كتابه الذي صنفه‬ ‫ٌ‬
‫معروف مشهو ٌر ولهذا اعتم َد الحافظ أبو ب ْكر البيهقي يف‬ ‫والصحبَة ما ه َو‬
‫ِيف مناقب اإلمام أحمَ د ملا ذكر اعتقاده اعتمد عىل ما نقله من كالم أبي الفضل عبد الواحد‬
‫بن أبي الحسن التميمي وله يف هذَا البَاب مصنَّف ذكر فيه من اعتقاد أحمد مَ ا فهمه ولم‬
‫نفسه وجعل يقو ُل وكان أبو عبدالله وهو‬ ‫ِ‬ ‫ألفاظه وإنما ذكر جمل االعتقاد ِ‬
‫بلفظ‬ ‫ِ‬ ‫يذكر فيه‬
‫بحسب ما فهمه ورآه‬
‫ِ‬ ‫بمنزلة من يصنِّف كتابًا يف الفقه عىل رأي بعض األئمة ويذك ُر مذهب ُه‬
‫وإن كان غريه بمذهب ذلك اإلمام أعلم منه بألفاظه وأفهم ملقاصده فإن الناس يف نقل‬
‫الرشيعة ومن املعْ لوم أن أحَ دهم يقول حكم الله‬ ‫بمنزلتهم يف نقل َّ‬
‫ِ‬ ‫األئمة قد يكونُون‬
‫ِ‬ ‫مذاهب‬
‫صاحب الرشيعة بحسب ما بلغه وفهم ُه‬ ‫ِ‬ ‫كذا أو حكم الرشيعة كذَا بحسب ما اعتقدَه عن‬
‫(‪)3‬‬
‫وإن كان غريه أعل َم بأقوال صاحب الرشيعة وأعماله وأفه َم ملراده"‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفصل ‪٤٨/٢‬‬


‫(‪ )2‬مجموع الفتاوى ‪٣٦٧/١٢‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى ‪٣٦٧/١٢‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫قلت‪ :‬فه َذا املد ّلس الديري اختَار كال َم من نسبَ لإلما ِم أحم َد ما هو عىل خالفه‪ ،‬وال ش َّك أن‬
‫أعلم الناس باإلمام أحمد أصحابه‪ ،‬كعبد الله ابنه‪ ،‬وصالح‪ ،‬وأبي بكر الخالل‪ ،‬واملروزي‪،‬‬
‫واملروذي‪ ،‬وحرب‪ ،‬والرازي‪ ،‬وأبي عيىس وغريهم الكثري ‪-‬رحمهم الله‪ ،-‬وك ّلهم نقلوا عن ُه‬
‫الخروج عىل الواثق وهو يقول بخلق‬ ‫الصرب وعدم الخروج عىل الظاملني‪ ،‬بل نَاظر يف عد ِم ُ‬
‫القرآن ويمتح ُن الناس يف ذلك‪ ،‬وبالجملة فمذهب أحمد معروف يف حقن الدماء‪ ،‬رحمه الله‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫وأما قوله أن الخليفة إبراهيم ال يحفظ القران‪ ،‬فال يحتاجُ لردي‪ ،‬ومعلوم كذبُ ُه وبطالنه‪ ،‬وقد‬
‫نحتج بسرية عمر ‪-‬ريض الله عنه‪-‬وعدد من العلماء ممن ال يحفظون القران َّ‬
‫وأن العمل‬
‫أهم من العلم وغري ذلك‪ ،‬وما رواه الذهبي عن تصحيف ابن أبي شيبة رحمه الله وعدم‬
‫حفظه للقران وإن كان بعضهم قد ضعف الروايات املروية يف حقه‪.‬‬
‫وأما ما نقله عن املقديس فتدليس رصيح وبرت للكالم عن سياقه الرئييس الصحيح‪ ،‬وأما‬
‫قوله‪" :‬والله حسبنا يف العدناني حني كذب عىل األمة وزعم أن ابن عواد عالم عامل وغش‬
‫األمة واملسلمني"‪ ،‬ويف الحاشية‪" :‬نعم أقولها بملئ فمي‪ :‬نعم‪ ،‬لقد كذب عىل الله وعىل األمة"‪.‬‬

‫فيقال‪ :‬هال أخرب الديري املبتدع سبب قصيدته التي رثى بها الشيخ العدناني؟‬

‫َ‬
‫الشيخ العدناني دون أن يقع األخري يف ناقض! وال تحقق‬ ‫أن أبا محمد الديري َّ‬
‫كفر‬ ‫والسبب‪َّ :‬‬
‫كفره ألجل الهوى ‪ ،‬والكل علم بهذا ومع ذلك لم يقتله أحد‪ ،‬بل‬‫من الرشوط واملوانع بل َّ‬
‫توبيخا ً‬
‫بليغا! وبقاء‬ ‫ً‬ ‫طرده الشيخ أبو همام البنعَل من مكتب البحوث بسببها و وبَّخه‬
‫الديري عىل قيد الحياة لوحده ٍ‬
‫كاف يف بيان بطالن ما يزعمه‪.‬‬
‫ثم إن الديري بقوله أن الشيخ العدناني كذب عىل الله فقد كفره من جديد‪ ،‬وهذا الخارجي‬
‫له غلو يف التكفري شديد أكثر ممن يرميهم بالغلو‪ ،‬فالعدناني قال‪" :‬وما أدراكم من أبو بكر‪،‬‬
‫إن كنتم تتساءلون عنه‪ ،‬فإنه حسيني قريش من ساللة أهل البيت األطهار‪ ،‬عالم عامل عابد‬
‫مجاهد" إىل أن قال‪" :‬والله عىل ما شهدت شهيد"‪.‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫فهيا يا تالمذة الديري وأتباعه‪ ،‬كفروا العدناني كشيخكم بعدما كنتم تزعمون نرش مآثره‬
‫وحبه‪ ،‬فقد قال أهل العلم املحققون‪ :‬من أشهد الله كاذبا‪ ،‬أو قال يعلم الله كاذبا‪ ،‬فقد كذب‬
‫عىل الله‪ ،‬وهو كافر بذلك‪.‬‬
‫ثم قال يف [ الصفحة ‪" ]٥٣‬قال ابن رجب‪ :‬وهذا يدل عىل جهاد األمراء باليد"‬
‫والصواب‪ ،‬أن ابن‬ ‫َّ‬ ‫قلت‪ :‬لقد برت هذا "الهاشمي" املد ِّلس ‪-‬قتله الله‪ -‬كالم ابن رجب ً‬
‫أيضا‪،‬‬
‫ِ‬
‫باملعروف وأنهاه عن‬ ‫الس َ‬
‫لطان‬ ‫قلت البن عباس‪ :‬آم ُر ُّ‬ ‫رجب قال‪ " :‬قال سعي ُد ب ُن جبري‪ُ :‬‬
‫عدت‪ ،‬فقال يل مث َل‬ ‫ُ‬ ‫ْت‪ ،‬فقال يل مث َل ذلك‪ ،‬ثم‬‫فت أن يقتُ َلك‪ ،‬فال‪ ،‬ثم عُ د ُ‬ ‫املنكر؟ قال‪ْ :‬‬
‫إن خِ َ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫كنت الب َّد فاعالً‪ ،‬ففيما بينَك وبينه ‪،‬وقال طاووس‪ :‬أتى رج ٌل َ‬
‫ابن عب ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬إ ْن َ‬
‫السلطان فآمره وأنهاهُ؟ قا َل‪ :‬ال تكن ل ُه ً‬
‫فتنة‪ ،‬قا َل‪ :‬أفرأيت إ ْن أمرني‬ ‫فقال‪ :‬أال أقو ُم إىل هذا ُّ‬
‫حديث ابن مسعود الذي‬ ‫َ‬ ‫الله؟ قال‪ :‬ذلك الَّذي تريد‪ْ ،‬‬
‫فكن حينئ ٍذ رجالً‪ .‬وقد ذكرنا‬ ‫بمعصية ِ‬
‫ِ‬
‫لوف‪ ،‬فمن جاهدَهم بيدِه‪ ،‬فهو مؤم ٌن"‪ ...‬الحديث‪ ،‬وهذا يد ُّل عىل‬ ‫فيه‪":‬يخلف من بعدهم ُخ ٌ‬
‫جهاد األمرا ِء باليد‪ ،‬وقد استنكر اإلما ُم أحمد هذا الحديث يف رواية أبي داود ‪ ،‬وقال‪ :‬هو‬
‫وْر األئمة‪ .‬وقد يجاب عن ذلك‪:‬‬ ‫بالصرب عىل جَ ِ‬ ‫خالف األحاديث التي أمر رسول الله ﷺ فيها َّ‬ ‫ُ‬
‫صالح‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫نص عىل ذلك أحم ُد أيضا ً يف رواية‬ ‫بأن التَّغيريَ بالي ِد ال يستلز ُم القتا َل‪ .‬وقد َّ‬ ‫َّ‬
‫أن يُزي َل بيده ما فعلوه‬ ‫والسالح‪ ،‬وحينئ ٍذ فجها ُد األمرا ِء باليد ْ‬ ‫بالسيف ِّ‬ ‫ليس َّ‬ ‫التَّغيريُ باليد َ‬
‫يكرس آالت املالهي التي لهم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أو يُبطل‬ ‫خمورهم أو ِ َ‬ ‫َ‬ ‫أن يُريق‬ ‫ِم َن املنكرات‪ ،‬مثل ْ‬
‫َاب‬‫ظلم إن كان له ُقدر ٌة عىل ذلك‪ ،‬وَ ُك ُّل َهذَا جَ ا ِئ ٌز‪ ،‬وَ َلي َْس ُه َو ِم ْن ب ِ‬ ‫بيده ما أمروا به ِم َن ال ُّ‬
‫وَر َد النَّهْ ُي عَ نْهُ‪َ ،‬ف ِإ َّن َهذَا أ َ ْكث َ ُر مَ ا ي ُْخ ََش ِمن ْ ُه أ َ ْن ي ُْقتَ َل‬ ‫وج عَ َلي ِْه ِم ا َّلذِي َ‬ ‫وَال ِم َن ا ْل ُخ ُر ِ‬ ‫قِ تَال ِِهمْ‪َ ،‬‬
‫السي ِْف‪َ ،‬في ُْخ ََش ِمن ْ ُه ا ْلفِ تَ ُن ا َّلتِي تُ َؤدِّي إ ِ َىل َس ْفكِ دِ مَ ا ِء‬ ‫ْاْل ِم ُر وَحْ د َُه‪ ،‬وَ أَمَّ ا ا ْل ُخ ُروجُ عَ َلي ِْه ْم ِب َّ‬
‫اإل ْقدَا ِم عَ َىل ْ ِاإلن ْ َك ِار عَ َىل ا ْل ُملُوكِ أ َ ْن ي ُْؤذِ يَ أ َ ْه َل ُه أ َ ْو ِجريَانَهُ‪َ ،‬ل ْم يَنْبَ ِغ‬
‫يش ِيف ْ ِ‬‫ني‪ .‬نَعَ مْ‪ ،‬إ ِ ْن َخ ِ َ‬ ‫ا ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫َاض‬ ‫األ َذى إ ِ َىل َغ ْ ِريهِ ‪َ ،‬ك َذ ِل َك َقا َل ا ْل ُف َضيْ ُل بْ ُن عِ ي ٍ‬ ‫ض َلهُ ْم حِ ين َ ِئذٍ‪ ،‬لِمَ ا فِ ِيه ِم ْن تَعَ دِّي ْ َ‬ ‫َل ُه التَّعَ ُّر ُ‬
‫ط‪ ،‬أ َ ِو ا ْلحَ ب َْس‪ ،‬أ َ ِو ا ْل َقيْدَ‪ ،‬أ َ ِو‬ ‫السوْ َ‬‫ْف‪ ،‬أ َ ِو َّ‬ ‫السي َ‬‫اف ِمنْهُ ْم عَ َىل ن َ ْف ِس ِه َّ‬ ‫وَ َغ ْري ُُه‪ ،‬وَمَ َع َهذَا‪َ ،‬فمَ تَى َخ َ‬
‫األئِمَّ ُة عَ َىل ذَ ِل َك‪،‬‬‫ص َْ‬ ‫ط أَمْ ُر ُه ْم وَ نَهْ يُهُ مْ‪َ ،‬‬
‫وَق ْد ن َ َّ‬ ‫األ َذى‪َ ،‬س َق َ‬ ‫ال‪ ،‬أ َ ْو نَحْ َو ذَ ِل َك ِم َن ْ َ‬
‫الن َّ ْف َي‪ ،‬أ َ ْو أ َ ْخذَ ا ْلمَ ِ‬
‫ان‪َ ،‬ف ِإ َّن َسي َْف ُه مَ ْسلُو ٌل‬ ‫ط ِ‬ ‫ِلس ْل َ‬
‫ض ل ُّ‬ ‫اق وَ َغ ْري ُُهمْ‪َ ،‬قا َل أَحْ مَ دُ‪َ :‬ال يَتَعَ َّر ُ‬ ‫ِمنْهُ ْم مَ ا ِل ٌك وَ أَحْ مَ ُد َوإ ِ ْسحَ ُ‬
‫"‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫قال العقيَل يف كتاب الضعفاء‪ ،‬حدثنا محمد بن عمرو املروزي حدثنا سليمان بن معبد أبو‬
‫داود قال‪ :‬حدثنا األصمعي قال‪ " :‬قيل للكذاب‪ :‬ما يحملك عىل الكذب؟ قال‪ :‬لو تغرغرت به‬
‫مرة ما نسيت حالوته"‪.‬‬
‫وقال‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن زكريا قال‪ :‬حدثنا إبراهيم األصبهاني ‪ ،‬عن ابن أخي‬
‫األصمعي عن عمه ‪ ،‬قال‪ " :‬قال كذاب‪ :‬إذا رأيت من هو أكذب مني دير بي حسدا له"‬
‫وأبو محمد الديري هذا يصدق فيه ما روي عن محمد الطياليس‪ ،‬قال‪ :‬صىل أحمد بن حنبل‬
‫ويحيى بن معني يف مسجد الرصافة فقام بني أيديهم قصاص فقال حدثنا أحمد بن حنبل‬
‫ويحيى بن معني قاال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫ﷺ ‪ " :‬من قال ال إله إال الله خلق الله كل كلمة منها طريا منقاره من ذهب وريشه من‬
‫مرجان " وأخذ يف قصة نحو عرشين ورقة فجعل أحمد بن حنبل ينظر إىل يحيى بن معني‬
‫ويحيى ينظر إىل أحمد‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت حدثته بهذا‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما سمعت بهذا إال الساعة‪،‬‬
‫فلما فرغ من قصصه وأخذ القطيعات‪ ،‬ثم قعد ينتظر بقيتها قال له يحيى بن معني بيده‬
‫تعا ل فجاء متوهما النوال‪ ،‬فقال له يحيى من حدثك بهذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬أحمد بن حنبل‬
‫ويحيى بن معني‪ ،‬فقال أنا يحيى بن معني وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط يف حديث‬
‫رسول الله ﷺ ‪ ،‬فإن كان البد والكذب فعىل غرينا فقال له‪ :‬أنت يحيى بن معني ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬لم أزل أسمع أن يحيى بن معني أحمق ما تحققته إال الساعة‪ ،‬قال له يحيى كيف‬
‫علمت أنى أحمق ؟ قال كأن ليس يف الدنيا يحيى بن معني وأحمد بن حنبل غريكما‪ ،‬قد‬
‫كتبت عن سبعة عرش أحمد بن حنبل ويحيى بن معني‪ ،‬فوضع أحمد كمه عىل وجهه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫دعه يقوم فقام كاملستهزئ بهما‪.‬‬
‫وأنا عىل يقني أن الديري ماحدَّثه أح ٌد بيشء‪ ،‬وهو لم يكتف بأن كذب عىل األحياء واألموات‬
‫من شيوخنا‪ ،‬بل كذب عىل القايض عياض‪ ،‬واإلمام أحمد‪ ،‬وابن رجب‪ ،‬والبرصي‪ ،‬والتابعني‪،‬‬
‫فلك يوم طويل أمام الله يا أيُّها الكذَّاب وشيخك الحالك معك وكل من أق َّر وريقاتك املتهافِ تة‬
‫املليئَة بالظلم والحيف والبطالن‪ ،‬والفتوى توقيع عن الله‪ ،‬فلقد تقولت عىل الله أعظم‬
‫َ‬
‫وافرتيت عىل السلف‪.‬‬ ‫التقول‪،‬‬

‫(‪ )1‬قيل أن الحكاية موضوعة والله أعلم بالصواب‪.‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫قال يف نفس الصفحة‪" :‬وأهم ما سبق من نصوص الحنابلة قول أبي الفضل التميمي ناقال‬
‫عن اإلمام أحمد"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هاهو يدلس من جديد‪ ،‬فأبو الفضل هذا تويف سنة ‪ ٤١٠‬هجرية واإلمام أحمد تويف‬
‫سنة ‪ ٢٤١‬هجرية‪ ،‬وبينهما ‪ ١٦٩‬سنة! فلماذا يُوهم هذا الكذَّاب الناس أن التميمي نقل‬
‫ً‬
‫مخالفا‬ ‫العقيدة عن أحمد وقد تقدم كالم اإلمام ابن تيمية أن أبا الفضل هذا ينقل ما يفهمه‬
‫كالم اإلمام أحمد يف مسائل كثرية جدا ومنها هذه املسألة‪.‬‬
‫ثم قال يف نفس [الصفحة ‪" ]٥٣‬بل هذا ما رصح به جماعة من أئمة الحنابلة كأبي الوفاء‬
‫ابن عقيل وابن الجوزي وابن رزين ‪-‬وذكر كالم املرداوي‪."-‬‬
‫قلت‪ :‬ابن عقيل وابن الجوزي من املتكلمني وقد ذمهم أهل العلم‪ ،‬وانظر لزامً ا رسالة اإلمام‬
‫أبي الفضل العلثي إىل ابن الجوزي ملعرفة اعتقاده الحائد عن اعتقاد السلف وأهل السنة‪.‬‬
‫وأمّ ا ما نقله عن اإلمام املرداوي‪ ،‬فتدليس جديد والله املستعان‪ ،‬وهو يتعمد مخالفة السلف‪،‬‬
‫ولو أكمل كالم املرداوي لعلم املسلمون مذهب أحمد‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪ -‬كما يف اإلنصاف(‪:)1‬‬
‫"ظاهر قوله (وهم الذين يخرجون عىل اإلمام بتأويل سائغ) أنه سواء كان اإلمام عادال أو‬
‫ال‪ ،‬وهو املذهب‪ ،‬وعليه جماهري األصحاب‪ ،‬وجوز ابن عقيل‪ ،‬وابن الجوزي الخروج عىل إمام‬
‫غري عادل‪ ،‬وذكرا خروج الحسني عىل يزيد إلقامة الحق‪ ،‬وهو ظاهر كالم ابن رزين عىل ما‬
‫تقدم‪ .‬قال يف الفروع‪ :‬ونصوص اإلمام أحمد رحمه الله‪ :‬إن ذلك ال يحل ‪ ،‬وأنه بدعة مخالف‬
‫للسنة وآمره بالصرب‪ ،‬وأن السيف إذا وقع‪ ،‬عمت الفتنة وانقطعت السبل‪ ،‬فتسفك الدماء‪،‬‬
‫وتستباح األموال‪ ،‬وتنتهك املحارم "‪ ،‬وهذا الديري وشيوخه يستحبون البدعة عىل السنة‪،‬‬
‫نسأل الله الثبات والسالمة‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن‪" :‬وأهل العلم [‪ ]...‬متفقون عىل طاعة‬
‫من تغلب عليهم يف املعروف‪ ،‬يرون نفوذ أحكامه‪ ،‬وصحة إمامته‪ ،‬ال يختلف يف ذلك اثنان‪،‬‬
‫ويرون املنع من الخروج عليهم بالسيف وتفريق األمة‪ ،‬وإن كان األئمة فسقة ما لم يروا‬
‫كفرا بواحً ا ونصوصهم يف ذلك موجودة عن األئمة األربعة وغريهم وأمثالهم ونظرائهم"‪.‬‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف ‪.٥٨/٢٧‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫ثم تحدث يف [ الصفحة ‪ ] ٥٤‬عن الشيخ أبي بالل الحربي تقبله الله‪ ،‬وما علمنا عنه استهانة‬
‫بالدماء‪ ،‬فاألص ُل الكذب فيما رماه به هذا الكذاب الذي كذب عىل السلف فكيف بمن هو‬
‫دونهم‪ ،‬واألغربُ أن من أعان هذا الخارجي عىل ِ‬
‫نرش رسالته هم قو ٌم قاموا برثاء الشيخ أبي‬
‫بالل ونسبوه للعلم وأنه الشيخ املجاهد‪ ،‬ولله يف خلقه شؤون‪.‬‬
‫إىل أن قال‪" :‬فإليكم معرشَ الشافعية من أهل اليمن وسيناء والفلبني والصومال غياث‬
‫خطبكم من خطيبكم وعاملكم"‪ ،‬ثم ذكر كالم الجويني وهو أشعري تاب من االعتزال‪ ،‬وليت ُه‬
‫ً (‪)1‬‬
‫نقل كالم اإلمام الشافعي رحمه الله مبايرة‪.‬‬

‫الرعِ يَّة أ َ ْن ي ُ‬
‫َص َّد م ُْرتَ ِكبَ‬ ‫ني ‪-‬يريد الجويني‪ : -‬وَ ي َُسوغ ِْلحَ ادِ َّ‬ ‫"قا َل إِمَ ام ا ْلحَ َرمَ ْ ِ‬ ‫قال النووي‪َ :‬‬
‫وَشهْ ر ِس َالح ‪َ .‬ف ِإ ْن اِنْتَهَ ى‬ ‫ص ِب قِ تَال َ‬ ‫ا ْل َك ِبريَة َوإ ِ ْن َل ْم يَنْدَفِ ع عَ نْهَ ا ِب َقوْ ِل ِه مَ ا َل ْم يَنْتَ ِه ْ َ‬
‫األمْ ر إ ِ َىل ن َ ْ‬
‫ظ ْل ُم ُه وَ َغ ْش ُم ُه ‪ ،‬وَ َل ْم‬
‫ظهَ َر ُ‬ ‫وَقت ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ان َقا َل ‪َ :‬وإِذَا جَ ا َر وَ ِايل ا ْل ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫الس ْل َ‬ ‫ط َْ‬
‫األمْ ر ِب ُّ‬ ‫َْ‬
‫األمْ ر إ ِ َىل ذَ ِل َك َر َب َ‬
‫طؤ عَ َىل َخ ْلعه وَ َل ْو‬ ‫صنِيعه ِبا ْل َقوْ ِل ‪َ ،‬ف ِ َأل ْه ِل ا ْلحَ ِّل وَا ْلعَ ْقد التَّوَ ا ُ‬ ‫يَن ْ َز ِجر حِ ني ُز ِج َر عَ ْن ُسوء َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ص ِب ا ْلحُ ُروب"‬ ‫األ ْسلِحَ ة وَ ن َ ْ‬ ‫ِب َشهْ ِر ْ َ‬

‫قلت‪ :‬وهذا قول الخوارج‪ ،‬وهو خالف ما عليه أهل السنة وما جاء يف اْلثار الصحيحة قال‬
‫ُرس ب ِْن َسعِ ي ٍد عَ ْن جُ نَا َد َة‬ ‫ري عَ ْن ب ْ ِ‬ ‫وَه ٍب عَ ْن عَ مْ ٍرو عَ ْن بُ َك ْ ٍ‬ ‫البخاري‪ :‬حَ َّدثَنَا إ ِ ْسمَ اعِ ي ُل حَ َّدثَنِي ابْ ُن ْ‬
‫ِيث‬‫ِّث ِبحَ د ٍ‬ ‫ص َلحَ َك ال َّل ُه حَ د ْ‬ ‫يض ُق ْلنَا أ َ ْ‬ ‫وَه َو مَ ِر ٌ‬‫الص ِام ِت ُ‬ ‫َخ ْلنَا عَ َىل عُ بَا َد َة ب ِْن َّ‬ ‫ب ِْن أ َ ِبي أُمَ ي ََّة َقا َل د َ‬
‫يَن ْ َفعُ َك ال َّل ُه ِب ِه َس ِمعْ تَ ُه ِم ْن الن َّ ِب ِّي ﷺ َقا َل دَعَ انَا الن َّ ِب ُّي ﷺ َفبَايَعْ نَا ُه َف َقا َل فِ يمَ ا أ َ َخذَ عَ َليْن َا‬
‫ُرسنَا وَ أَث َ َر ًة عَ َليْنَا وَ أ َ ْن َال نُن َ ِاز َع‬
‫رسنَا وَ ي ْ ِ‬ ‫طاعَ ِة ِيف مَ ن ْ َش ِطنَا وَمَ ْك َرهِ نَا وَ عُ ْ ِ‬ ‫السمْ ِع وَ ال َّ‬ ‫أ َ ْن بَايَعَ نَا عَ َىل َّ‬
‫ٌ (‪)3‬‬
‫األمْ َر أ َ ْه َل ُه إ ِ َّال أ َ ْن تَ َروْ ا ُك ْف ًرا بَوَ احً ا عِ ن ْ َد ُك ْم ِم ْن ال َّل ِه فِ ِيه ب ُْر َهان‪.‬‬
‫َْ‬

‫وروى مسلم عن مُحَ مَّ د ْب ُن ا ْل ُمثَنَّى ‪ ،‬وَ مُحَ مَّ ُد بْ ُن ب ََّش ٍار ‪َ ،‬قاال َ ‪ :‬حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد ْب ُن جَ عْ َف ٍر ‪ ،‬حَ َّدثَنَا‬
‫ْض ِم ِّي ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِب ِيه ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬سأ َ َل َس َلمَ ُة‬ ‫ُشعْ ب َُة ‪ ،‬عَ ْن ِسمَ اكِ ب ِْن حَ ْر ٍب ‪ ،‬عَ ْن عَ ْل َقمَ َة ب ِْن وَ ائ ٍِل ا ْلحَ ْ َ‬
‫الله ‪ ،‬أ َ َرأَي َْت إ ِ ْن َقامَ ْت عَ َليْنَا أُمَ َرا ُء ي َْسأَلُونَا‬
‫الله ﷺ ‪َ ،‬ف َقا َل ‪ :‬يَا ن َ ِب َّي ِ‬ ‫بْ ُن ي َِزي َد ا ْلجُ عْ فِ ُّي َر ُسو َل ِ‬

‫(‪ )1‬وهنا إشارة لغباء هذا الديري الشديد‪ ،‬فغالب من يلتحق بالجهاد عامة والدولة خاصة ال يتمذهب بمذهب‬
‫أصال‪ ،‬وإنما يتبع الراجح من كالم السلف‪ ،‬هذا إن كان صاحب علم وعقل أما إن كان جاهال كهذا الديري وأمثاله‬
‫فيأخذ من كل من هب ودب ما وافق هواه‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف يرح مسلم ‪١٣١/١‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري ‪٧٠٥٥ /‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫ض عَ ن ْ ُه ‪ ،‬ث ُ َّم َسأ َ َل ُه ِيف‬ ‫ض عَ ن ْ ُه ‪ ،‬ث ُ َّم َسأ َ َل ُه ‪َ ،‬فأَعْ َر َ‬
‫حَ َّقهُ ْم وَ يَمْ نَعُ ونَا حَ َّقنَا ‪َ ،‬فمَ ا تَأ ْ ُم ُرنَا ؟ َفأَعْ َر َ‬
‫اسمَ عُ وا وَ أ َ ِطيعُ وا ‪َ ،‬ف ِإنَّمَ ا عَ َلي ِْه ْم مَ ا‬ ‫وَقا َل ‪ْ :‬‬ ‫األ ْشعَ ُث ْب ُن َقي ٍْس ‪َ ،‬‬ ‫الثَّا ِني َِة ‪ ،‬أ َ ْو ِيف الثَّا ِلث َ ِة ‪َ ،‬فجَ ذَبَ ُه َ‬
‫ْ ُ (‪)1‬‬
‫حُ مِّ لُوا ‪ ،‬وَ عَ َليْ ُك ْم مَ ا حُ مِّ لتم ‪.‬‬
‫الله ﷺ َقا َل ‪َ :‬ستَ ُكو ُن‬ ‫ص ٍن ‪ ،‬عَ ْن أ ُ ِّم َس َلمَ َة ‪ ،‬أ َ َّن َر ُسو َل ِ‬ ‫ضب ََّة ب ِْن ِمحْ َ‬‫وعن عَ ِن ا ْلحَ َس ِن ‪ ،‬عَ ْن َ‬
‫ف ب َِرئ َ ‪ ،‬وَمَ ْن أَن ْ َك َر َس ِل َم ‪ ،‬وَ َلك ِْن مَ ْن َر ِ َ‬
‫يض وَ تَابَ َع َقالُوا ‪:‬‬ ‫ون ‪َ ،‬فمَ ْن عَ َر َ‬ ‫أُمَ َرا ُء َفتَعْ ِر ُف َ‬
‫ون وَ تُن ْ ِك ُر َ‬
‫َّ (‪)2‬‬
‫صلوْ ا‪.‬‬‫أ َ َفالَ ن ُ َقا ِتلُهُ ْم ؟ َقا َل ‪ :‬ال َ ‪ ،‬مَ ا َ‬
‫يه‬‫وأما الجويني‪ ،‬فأترك شيخ اإلسالم يرد عليه‪ ،‬قال رحمه الله‪َ " :‬ف َل ْو تَأَمَّ َل أَبُو ا ْلمَعَ ِايل وَ ذَ ِو ِ‬
‫ا ْل ِكتَابَ ا َّلذِي أَن ْ َك ُرو ُه َلوَجَ دُوا فِ ِيه مَ ا ي َْخ ِصمُهُ مْ‪ ،‬وَ َلكِ ْن أَبُو ا ْلمَ عَ ِايل مَ َع َف ْر ِط ذَ َكائ ِِه وَحِ ْر ِص ِه‬
‫ال‬ ‫ان َقلِي َل ا ْلمَ عْ ِر َف ِة ِب ْاْلث َ ِار النَّب َِوي َِّة وَ َلعَ َّل ُه َل ْم يُ َ‬
‫طا ِل ْع عِ َّالتِهَ ا ِبحَ ٍ‬ ‫عَ َىل ا ْلعِ ْل ِم وَ عُ لُ ِّو َقد ِْرهِ ِيف َفن ِّ ِه َك َ‬
‫وَسن َ ِن أ َ ِبي دَاوُد وَ الن َّ َسائ ِِّي‬‫ني ا ْلب َُخ ِاريُّ وَ م ُْس ِل ٌم ُ‬ ‫الصحِ يحَ ْ ِ‬ ‫حَ تَّى يَعْ َل َم مَ ا فِ ِيه‪َ ،‬ف ِإن َّ ُه َل ْم يَ ُك ْن َل ُه ِب َّ‬
‫ان مَ َع حِ ْرصه عَ َىل‬ ‫ط ِإ وَ نَحْ وه وَ َك َ‬ ‫ْف ِبا ْلمُوَ َّ‬ ‫ص ًال َف َكي َ‬ ‫السن َ ِن عِ ْل ٌم أ َ ْ‬ ‫الرت ِْمذِ يِّ وَ أَمْ ثَال َهذِهِ ُّ‬ ‫وَ ِّ‬
‫طن ِِّي وَ أَبُو ا ْلحَ َس ِن‬ ‫ِاالحْ تِجَ اج ِيف مَ َسائِل ا ْلخِ َالف ِيف ا ْلفِ ْق ِه إنَّمَ ا عُ مْ َدتُ ُه ُسن َ ُن أ َ ِبي ا ْلحَ َس ِن الد َ‬
‫َّار ُق ْ‬
‫يث ا ْلم ُْستَ ْغ َربَ َة‬
‫األحَ ادِ َ‬ ‫السن َ َن َك ْي يَذْ ُك َر فِ يهَ ا ْ َ‬ ‫ف َه ِذهِ ُّ‬ ‫صن َّ َ‬ ‫ِيث َف ِإن َّ ُه إنَّمَ ا َ‬ ‫مَ َع إتْمَ ا ِم إمَ امَ ت ِِه ِيف ا ْلحَ د ِ‬
‫يث الْمَ ْشهُ و َر ُة ِيف‬ ‫األحَ ادِ ُ‬ ‫إىل ِمثْل ِِه‪َ ،‬فأَمَّ ا ْ َ‬ ‫ط ُر َقهَ ا‪َ ،‬ف ِإنَّهَ ا هِ َي ا َّلتِي يُحْ تَاجُ فِ يهَ ا َ‬ ‫ِيف ا ْلفِ ْق ِه وَ يَجْ مَ َع ُ‬
‫ان مُجَ َّر ُد ِاال ْكت َِفا ِء ِب ِكتَا ِب ِه ِيف َهذَا‬ ‫ان ي َْستَ ْغنِي عَ نْهَ ا ِيف ذَ ِل َك َفلِهَ ذَا َك َ‬ ‫ني وَ َغ ْ ِريهِ مَ ا َف َك َ‬‫الصحِ يحَ ْ ِ‬ ‫َّ‬
‫ول ْ ِاإل ْس َال ِم‪ ،‬وَ اعْ تُ ِربَ ذَ ِل َك ِبأ َ َّن ِكتَابَ أ َ ِبي ا ْلمَ عَ ِايل‪ ،‬ا َّلذِي ُه َو ن ُ ْخب َُة‬ ‫ص ِ‬ ‫ث جَ هْ ًال عَ ِظيمً ا ِبأ ُ ُ‬ ‫ُور ُ‬‫َاب ي ِ‬‫ا ْلب ِ‬
‫يح ا ْلب َُخ ِاريِّ‬
‫صحِ ِ‬ ‫إىل َ‬ ‫ِيث وَ احِ ٌد مَ عْ ُز ٌّو َ‬ ‫دِراي َِة ا ْلمَ ذْ َه ِب " َلي َْس فِ ي ِه حَ د ٌ‬ ‫ط َل ِب ِيف َ‬ ‫عُ مْ ِرهِ نِهَ اي َُة ا ْلمَ ْ‬
‫ِيث ِيف ا ْلب َُخ ِاريِّ َكمَ ا ذَ َك َر ُه‪.‬‬ ‫ِيث وَ احِ ٌد ِيف الْب َْسمَ َل ِة وَ لَي َْس ذَ ِل َك ا ْلحَ د ُ‬ ‫َّإال حَ د ٌ‬

‫الشافِ عِ ِّي عَ َىل أَن َّ ُه َلي َْس َلهُ ْم وَجْ ٌه ِيف‬ ‫صحَ ابُ َّ‬ ‫ول ْ ِاإل ْس َال ِم اتَّ َف َق أ َ ْ‬‫ص ِ‬ ‫وَ ِلقِ َّل ِة عِ ْل ِم ِه وَ عِ ْل ِم أَمْ ثَال ِِه ِبأ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّغ أ َ ْ‬
‫ْف‬‫وع ا ْلفِ ْق ِه َكي َ‬ ‫صحَ ابُ ُه أ ْن يُعْ تَ َّد ِبخِ َالفِ ِه ْم ِيف مَ ْسأ َل ٍة ِم ْن ُف ُر ِ‬ ‫الشافِ عِ ِّي‪َ ،‬ف ِإذَا َل ْم ي َُسو ْ‬ ‫مَ ذْ َه ِب َّ‬
‫صحَ ابُ ُه عَ َىل أَن َّ ُه َال يَجُ و ُز أ َ ْن يُتَّ َخذَ إمَ امً ا ِيف مَ ْسأ َ َل ٍة وَ احِ َد ٍة‬ ‫ري َه َذا؟ َوإ ِ َذا اتَّ َف َق أ َ ْ‬ ‫يَ ُكو ُن حَ الُهُ ْم ِيف َغ ْ ِ‬
‫ِّين مَ َع ا ْلعِ ْل ِم ِبأَن َّ ُه إنَّمَ ا نِي َل َق ْد ُر ُه عِ ن ْ َد‬
‫ول الد ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ْف يُتَّ َخذُ إمَ امً ا ِيف أ ُ ُ‬ ‫وع َف َكي َ‬ ‫ِم ْن مَ َسائ ِِل ا ْل ُف ُر ِ‬
‫الشافِ عِ ِّي م َُؤ َّس ٌس‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪َ ِ ،-‬أل َّن مَ ذْ َهبَ َّ‬
‫الشافِ عِ ِّي ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫اص ِة وَ ا ْلعَ امَّ ِة ِبتَبَحُّ ِرهِ ِيف مَ ذْ َه ِب َّ‬ ‫ا ْل َخ َّ‬
‫ني َغايَتُ ُه فِ ِيه أَن َّ ُه يُوجَ ُد ِمن ْ ُه ن َ ْق ٌل جَ مَ عَ ُه‬‫وَهذَا ا َّلذِي ْارتَ َف َع ِب ِه عِ ن ْ َد ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫السن َّ ِة‪َ ،‬‬ ‫اب وَ ُّ‬ ‫عَ َىل ا ْل ِكتَ ِ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪٤٨١٠ /‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪٤٨٢٨ /‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫ص‬ ‫ْف ِبا ْل َك َال ِم ا َّلذِي ن َ َّ‬ ‫ِين َلهُ ْم وُجُ وهٌ‪َ ،‬ف َكي َ‬ ‫ط َن َل ُه َف َال يُجْ عَ ُل إمَ امً ا فِ ِيه َك ْ َ‬
‫األئِمَّ ِة ا َّلذ َ‬ ‫أ َ ْو بَحْ ٌث تَ َف َّ‬
‫وَق ْد بَيَّن َّا أ َ َّن مَ ا جَ عَ َل ُه‬
‫ظ ُم ِمنْهُ؟ ‪َ ،‬‬ ‫الرشكِ ِباَل َّل ِه ذَنْبٌ أَعْ َ‬ ‫األئِمَّ ِة عَ َىل أَن َّ ُه َلي َْس بَعْ َد ِّ ْ‬
‫الشافِ عِ ُّي وَ َسا ِئ ُر ْ َ‬
‫َّ‬
‫ص ْت عَ َلي ِْه ْ َ‬
‫األئِمَّ ُة‪ ،‬وَ ِلهَ ذَا‬ ‫ص َل دِ ين ِِه ِيف ْ ِاإل ْر َشادِ وَ َّ‬
‫الش ِام ِل وَ َغ ْ ِريهِ مَ ا ُه َو ِبعَ يْن ِِه ِم ْن ا ْل َك َال ِم الَّذِي ن َ َّ‬ ‫أَ ْ‬
‫وَخ َّليْت أ َ ْه َل ْ ِاإل ْس َال ِم‬ ‫وْت‪َ :‬ل َق ْد ُخ ْض ُت ا ْلبَحْ َر ا ْلخِ َض َّم َ‬ ‫وَق َت ا ْلمَ ِ‬ ‫طاهِ ٍر أَن َّ ُه َقا َل ْ‬‫َروَى عَ ن ْ ُه ابْ ُن َ‬
‫إن َل ْم يُد ِْر ْكنِي َربِّي ِب َرحْ مَ ت ِِه َفا ْلوَ يْ ُل ِالب ِْن‬ ‫َخ ْلت ِيف الَّذِي نَهَ وْ نِي عَ نْهُ‪ ،‬وَ ْاْل َن ْ‬ ‫وَ عُ لُومَ هُ ْم وَ د َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُوت عَ َىل عَ قِ ي َد ِة أُمِّ ي أ َ ْو عَ َقا ِئ ِد عَ جَ ائ ِِز نَي َْسابُو َر"‬ ‫وَها أَنَا أَم ُ‬ ‫ا ْلجُ وَ يْن ِِّي‪َ ،‬‬

‫والشاهد قوله أن الجويني ليس إماما ال يف األصول وال يف الفروع‪.‬‬

‫قال اإلمام الجليل أبو الحسن محمد بن عبد امللك الكرجي ‪-‬رحمه الله‪ " :-‬ولم يزل األئمة‬
‫الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إىل األشعري‪ ،‬ويتربؤون مما بنى األشعري مذهبه‬
‫عليه‪ ،‬وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه‪ ،‬عىل ما سمعت عدة من املشايخ‬
‫واألئمة ‪ -‬منهم الحافظ املؤتمن بن أحمد بن عَل الساجي ‪ -‬يقولون‪ :‬سمعنا جماعة من‬
‫املشايخ الثقات‪ ،‬قالوا‪ :‬كان الشيخ أبو حامد أحمد ابن أبي طاهر اإلسفرايني إمام األئمة‪،‬‬
‫الذي طبق األرض علما ً وأصحابا ً إذا سعى إىل الجمعة من قطعية الكرج إىل جامع املنصور‪،‬‬
‫يدخل الرباط املعروف بالزوزي املحاذي للجامع‪ ،‬ويقبل عىل من حْض‪ ،‬ويقول‪ :‬اشهدوا‬
‫عَل بأن القرآن كالم الله غري مخلوق‪ ،‬كما قاله اإلمام ابن حنبل‪ ،‬ال كما يقوله الباقالني‪،‬‬
‫وتكرر لك منه جمعات‪ ،‬فقيل له يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬حتى ينترش يف الناس ويف أهل الصلح‪،‬‬
‫ويشيع الخرب يف أهل البالد‪ :‬أني بريء مما هم عليه ‪ -‬يعني األشعرية ‪ -‬وبريء من مذهب‬
‫أبي بكر بن الباقالني‪ ،‬فإن جماعة من املتفقهة الغرباء يدخلون عىل الباقالني خفية‬
‫ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه‪ :‬فإذا رجعوا إىل بالدهم أظهروا بدعتهم ال محالة‪ ،‬فيظن‬
‫ظان أنهم مني تعلموه قبل‪ ،‬وأنا ما قلته‪ ،‬وأنا بريء من مذهب الباقالني وعقيدته "‬
‫قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي اإلمام أبا منصور الفقيه األصبهاني يقول‪:‬‬
‫سمعت شيخنا اإلمام أبا بكر الزاذقاني يقول‪ :‬كنت يف درس الشيخ أبي حامد اإلسفرايني‪،‬‬
‫وكان ينهي أصحابه عن الكالم‪ ،‬وعن الدخول عىل الباقالني‪ ،‬فبلغه أن نفرا ً من أصحابه‬
‫يدخلون عليه خفية لقراءة الكالم‪ ،‬فظن أني معهم ومنهم‪ ،‬وذكر قصة قال يف آخرها‪ :‬إن‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكربى ‪٦١٦/٦‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫الشيخ أبا حامد قال يل‪ :‬يا بني‪ ،‬قد بلغني أنك تدخل عىل هذا الرجل ‪ -‬يعني الباقالني ‪-‬‬
‫فإياك وإياه‪ ،‬فإنه مبتدع يدعو الناس إىل الضاللة‪ ،‬وإال فال تحْض مجليس‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا عائذ‬
‫(‪)1‬‬
‫بالله مما قيل‪ ،‬وتائب إليه‪ ،‬وأشهدوا عىل أني ال أدخل إليه "‬
‫الاللكائي اإلجماع عىل عدم الخروج‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وأما كال ُم أئمة الشافعيّة من أهل السنّة‪ ،‬فقد نق َل منهم‬
‫قال رحمه الله‪" :‬وال يحل قتال السلطان وال الخروج عليه ألحد من الناس فمن فعل ذلك‬
‫فهو مبتدع عىل غري السنة والطريق"(‪ )2‬وقال‪" :‬وال يحل قتال السلطان وال الخروج عليه‬
‫ألحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع عىل غري السنة"(‪ ،)3‬وقد تقدّم نقل إجماع الرازيني‪،‬‬
‫و قال أبو عثمان الصابوني يف عقيدة أصحاب الحديث‪" :‬وال يرون الخروج عليهم بالسيف‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وإن رأوا منهم العُ دول عن العدل إىل الجور والحيف"‪.‬‬
‫وقال أبو بكر اإلسماعيَل‪" :‬ويرون ‪-‬أي أهل السنة والجماعة‪ -‬صال َة الجمعة وغريها خلف‬
‫فرض الجمعة‪ ،‬وأمر بإتيانها ً‬
‫فرضا‬ ‫عزوج َّل‪َ -‬‬‫فاجرا‪ ،‬فإن الله ‪َّ -‬‬
‫ً‬ ‫برا كان أو‬
‫كل إمام مسلم‪ً ،‬‬
‫مطلقا مع علمه تعاىل بأن القائمني يكون منهم الفاجر والفاسق‪ ،‬ولم يستثن وقتا دون‬
‫وقت‪ ،‬وال أمرا بالنِّداء للجمعة دون أمر‪ .‬ويرون جهاد الكفار معهم وإن كانوا جورة‪ ،‬ويرون‬
‫الدعاء لهم باإلصالح والعطف إىل العدل وال يرون الخروج بالسيف عليهم وال قتال الفتنة‬
‫(‪)5‬‬
‫ويرون قتال الفئة الباغية مع اإلمام العادل إذا كان ووجد عىل يرطهم يف ذلك"‪.‬‬
‫فهذا كالم أهل السنة من الشافعية‪ ،‬ومن زعم خالف هذا فهو كذاب‪ ،‬وأما ما نقل ُه عن‬
‫العمراني فقد تعمد التدليس فيه وإخفاء الكالم‪ ،‬إذ العمراني قال‪" :‬إن فسق اإلمام فهل‬
‫ّ‬
‫ينخلع؟ فيه ثالثة أوجه حكاها الجويني"‪ ،‬فهو كالم الجويني األشعري يتكرر‪ ،‬وقد تقدم‬
‫قول أهل السنة واألثر‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفصول يف األصول إلزاما لذوي البدع والفضول ص‪٣٩/‬‬


‫(‪ )2‬يرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ‪.١٦١/١‬‬
‫(‪ )3‬نفس املصدر ‪١٦٨/١‬‬
‫(‪ )4‬قال رحمه الله‪" :‬سألني إخوان يف الدين أن أجمع لهم فصول يف أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا‬
‫من أئمة الدين وعلماء املسلمني والسلف الصالح‪ ،‬وهدوا ودعوا الناس إليها يف كل حني‪ ،‬ونهوا عما يضادها‬
‫وينافيها جلة املؤمنني املصدقني املتقني‪ ،‬ووالوا يف اتباعها وعادوا فيها‪ ،‬وبدعوا وكفروا من اعتقد فيها‪ ،‬وأحرزوا‬
‫لنفسهم وملن دعوهم إليها بركتها وخريها‪ ،‬وأفضوا إىل ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها‪ ،‬واستمساكهم بها‪،‬‬
‫وإرشاد العباد إليها‪ ،‬وحملهم إياهم عليها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬اعتقاد أهل الحديث ‪٧٧/٧٦‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫ثم قال الديري يف [ الصفحة ‪" ]٥٦‬وأما أنتم يا أحبابنا يف أرض خراسان" وقمش وكذب‬
‫إىل أن قال‪" :‬ألستم عىل مذهب أبي حنيفة النعمان؟!"‬
‫َّ‬
‫سكت لكان أسرت لك‪ ،‬أما علمت أن من بايع‬ ‫وأنا أجيبه مكانهم‪ :‬ال يَا أنوك‪ ،‬ولقد قلنا لو‬
‫تمسكها باألثر؟ وأن إخواننا هناك يُض ِّللون األحناف و‬
‫الدولة منهم إنما فعل ألجل َّ‬
‫ا َملاتُريدِية والديوبندية؟ ومن كان منهم عىل مذهب أبي حنيفة فهو يأخذ بكالم الطحاوي‬
‫أصال‪ ،‬غري أن هذا الديري قد جلب عىل نفسه املصائب‪ ،‬وروى ما يظنه له وهو عليه‪.‬‬‫ً‬

‫فنقل كالمً ا للمعلمي يتحدث فيه عن مذهب أبي حنيفة وأنه كان يرى السيف‪ ،‬وهذا كان‬
‫سبب إجماع السلف عىل تجريحه وتبديعه وتضليله زياد ًة عىل الرأي ومخالفة السنة‬
‫والحيل‪.‬‬

‫َخ ْلنَا عَ َىل عَ ْب ِد‬ ‫الرحِ ي ِم‪ِ ،‬م ْن أ َ ْه ِل مَ ْر َو َقا َل د َ‬ ‫روى عبد الله بن أحمد قال حَ َّدثَنِي عَ بْ َدةُ بْ ُن عَ بْ ِد َّ‬
‫يز‪ :‬يَا أَبَا‬ ‫يز ب ِْن أ َ ِبي ِر ْزمَ َة نَعُ ود ُُه أَنَا وَ أَحْ مَ ُد بْ ُن َشبُّوَ ي ِْه وَ عَ َِل ُّ بْ ُن يُون ُ َس َف َقا َل ِيل عَ بْ ُد ا ْلعَ ِز ِ‬ ‫ا ْلعَ ِز ِ‬
‫اش ِه َف َقا َل َس ِمعْ ُت اب َْن‬ ‫رب ُكمْ‪ ،‬وَ أ َ ْخ َرجَ ِبيَدِهِ عَ ْن فِ َر ِ‬ ‫يه عَ ن ْ ُك ْم َفأ ُ ْخ ِ ُ‬
‫ط ِو ِ‬‫رس ُكن ْ ُت أ َ ْ‬‫َسعِ يدٍ‪ ،‬عِ نْدِي ِ ٌّ‬
‫صبُعِ ِه‪،‬‬ ‫ِيف َة َكذَا وَعَ َق َد ِبأ ُ ْ‬ ‫وْزاعِ َّي يَ ُقو ُل‪« :‬احْ تَمَ ْلنَا عَ ْن أ َ ِبي حَ ن َ‬ ‫ا ْل ُمب ََاركِ ي َُقو ُل‪َ :‬س ِمعْ ُت ْ َ‬
‫األ َ‬
‫صبُعِ ِه الثَّا ِلث َ ِة ا ْلعُ يُوبَ‬‫صبُعِ ِه الثَّا ِني َِة‪ ،‬وَ احْ تَمَ ْلنَا عَ ن ْ ُه َكذَا وَ عَ َق َد ِبأ ُ ْ‬ ‫وَ احْ تَمَ ْلنَا عَ ن ْ ُه َكذَا وَعَ َق َد ِبأ ُ ْ‬
‫ْف عَ َىل أُمَّ ِة مُحَ مَّ ٍد ﷺ َل ْم ن َ ْق ِد ْر أ َ ْن‬ ‫السي ُ‬ ‫ْف عَ َىل أُم َِّة مُحَ مَّ ٍد ﷺ َف َلمَّ ا جَ ا َء َّ‬ ‫السي ُ‬ ‫حَ تَّى جَ ا َء َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫نَحْ تِمَ َلهُ"‪.‬‬

‫الرجُ ِل‪ ،‬ي ُِري ُد أ َ ْن ي َْسأ َ َل‪ ،‬عَ ِن َّ ْ‬


‫اليش ِء‪،‬‬ ‫وسأل عبد الله أباه أحمد‪ ،‬قال‪َ :‬سأ َ ْل ُت أ َ ِبي َرحِ مَ ُه ال َّل ُه عَ ِن َّ‬
‫وَم ْن‬‫الرأْي ِ‬ ‫اب َّ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫ْض ِة َقوْ ٍم ِم ْن أ َ ْ‬ ‫ط َال ِق وَ َغ ْ ِريهِ ِيف حَ ْ َ‬
‫ان ِيف ال َّ‬ ‫ِم ْن أَمْ ِر دِ ين ِِه مَ ا يُبْتَ َىل ِب ِه ِم َن ْ َ‬
‫األيْمَ ِ‬
‫يف ْ ِاإل ْسنَادِ وَ ا ْل َق ِويَّ ْ ِاإل ْسنَادِ َفلِمَ ْن‬‫الضعِ َ‬ ‫ِيث َّ‬ ‫ون ا ْلحَ د َ‬ ‫ون وَ َال يَعْ ِر ُف َ‬ ‫ظ َ‬ ‫ِيث َال يَحْ َف ُ‬‫اب ا ْلحَ د ِ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫ان ِم ْن قِ َّل َة مَ عْ ِر َفت ِِهمْ؟ َقا َل‪ :‬ي َْسأ َ ُل‬ ‫ِيث عَ َىل مَ ا َك َ‬ ‫صحَ ابَ ا ْلحَ د ِ‬ ‫الرأْي أ َ ْو أ َ ْ‬
‫صحَ ابَ َّ‬ ‫ي َْسأ َ ُل‪ ،‬أ َ ْ‬
‫ِيث َخ ْريٌ ِم ْن َرأْي أ َ ِبي حَ نِيفة"‬
‫َ َ (‪)2‬‬
‫يف ا ْلحَ د ِ‬‫الضعِ ُ‬ ‫الرأْي‪َّ ،‬‬ ‫صحَ ابَ َّ‬ ‫وَال ي َْسأ َ ُل أ َ ْ‬
‫ِيث َ‬‫صحَ ابَ ا ْلحَ د ِ‬ ‫أَ ْ‬

‫(‪ )1‬السنة لعبد الله ‪١٨٥/١‬‬


‫(‪ )2‬السنة ‪١٨١‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫األ ْشيَبُ ‪َ ،‬قا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت أَبَا ي ُ‬
‫ُوس َ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ُوَس ْ َ‬ ‫وقال‪ :‬حَ َّدثَنِي أَبُو ا ْل َف ْض ِل ا ْل ُخ َر َ‬
‫اسان ُِّي‪ ،‬ثنا ا ْلحَ َس ُن ْب ُن م َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ْف» ُق ْل ُت‪َ :‬فأَن ْ َت؟ َقا َل‪« :‬مَ عَ اذَ ال َّل ِه»‪.‬‬ ‫ِيف َة ي ََرى َّ‬
‫السي َ‬ ‫ان أَبُو حَ ن َ‬ ‫ي َُقو ُل‪َ « :‬ك َ‬

‫الجصاص والذي طعن فيه بكل السلف‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬ ‫وسفهه ينق ُل كالم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جهله‬ ‫وهذا الديريّ عىل‬
‫حيث يقول‪" :‬وكان أبو إسحاق قد خرج إىل البرصة‪ ،‬وهذا إنما‬ ‫ُ‬ ‫ذلك ما يف [الصفحة ‪، ]٥٨‬‬
‫أنكره عليه األغمار الذين بهم ُفقِ د األمر باملعروف والنهي عن املنكر حتى تغلب الظاملون‬
‫عىل أمور اإلسالم"‪ .‬وهذا طعن رصيح بكل السلف الذين ذمَّ وا أبا حنيفة ونهوا عن الخروج‪،‬‬
‫وجُ رأة كبرية من هذا الديري وشيخه الحالك‪ ،‬مع أنه لقلة عقله أشار إىل قصة الفزاري يف‬
‫الحاشية‪ ،‬وهي بتمامها هكذا‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬نا محمد بن احمد بن ابي عون النسائي نا احمد بن حكيم أبو عبد‬
‫الرحمن هذا الباب بتمامه من م فقط وكأنه املروزي نا احمد بن سليمان نا االصمعي عبد‬
‫امللك بن قريب قال‪ :‬كنت عند هارون أمري املؤمنني وأبو يوسف بجانبه إذ دخل عليه أبو‬
‫إسحاق الفزاري فأقيم من بعيد قال‪ :‬فنظر إليه هارون فقال‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون وقع‬
‫الشيخ موقع سوء‪ ،‬قال‪ :‬وإذا الرجل عزيم رصيم‪ .‬قال‪ :‬فقال له هارون‪ :‬أنت الذي تحرم‬
‫لبس السواد؟ قال ‪ :‬فقال معاذ الله يا أمري املؤمنني أنا من أهل بيت سنة وجماعة ولقد‬
‫خرجت مرة يف بعض هذه الثغور وخرج أخي مع إبراهيم إىل البرصة فقال يل أستاذ هذا [‬
‫يعني أبا حنيفة شيخ أبا يوسف] ‪ :‬ملخرج اخيك مع إبراهيم أحب إيل من مخرجك‪ .‬وهو‬
‫يرى السيف فيكم‪ ،‬فلعل هذا الجالس بجنبك أخربك بهذا‪ ،‬عىل هذا وعىل أستاذه عذاب الله‬
‫وغضبه‪ .‬قال فما زال هارون يقول له‪ :‬اد ُن حتى أقعده فوق أبي يوسف‪ ،‬وأبو يوسف‬
‫(‪)2‬‬
‫منكس رأسه‪ ،‬قال‪ :‬فقال له‪ :‬يا أبا إسحاق قد أمرنا لك بثالثة آالف دينار وبغل وفرس"‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مبتدعة‬ ‫الرأي‪ :‬وهم‬ ‫الــسنَّة‪" :‬و أصحـابُ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الكرماني ‪-‬رحم ُه ال ّٰله‪ -‬يف‬
‫ُّ‬ ‫َقال اإلمَ ا ُم حربٌ‬
‫َاسا و استحسانًا‪ ،‬وهم ي ُ‬
‫ُخالف َ‬
‫ون اْلثا َر‪،‬‬ ‫األثر‪ ،‬يرون الد َ‬
‫ّين رأيًا و قِ ي ً‬ ‫السنَّة و ِ‬‫ضالَّل‪ ،‬أعــدا ُء ُّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫حنيفة ومن‬ ‫السالم و يتَّخذو َن أبا‬
‫الصالة و َّ‬ ‫سول ِ‬
‫عليه َّ‬ ‫الر ِ‬ ‫ُّون عىل ّ‬ ‫َ‬
‫الحديث‪ ،‬و يرد َ‬ ‫َ‬
‫ُبطلون‬ ‫وي‬
‫ني ممن قال بهذا‪ ،‬أو‬ ‫ضاللة بأب َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫يقولون بقولهم؛ فأيُّ‬ ‫يدينون بدينهم‪ ،‬و‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بقوله إمامً ا‪ ،‬و‬ ‫قال‬
‫ِ‬
‫أصحابه؛‬ ‫َ‬
‫حنيفة و‬ ‫أصحابه‪ ،‬و يتَّ ِب ُع رأيَ أبي‬
‫ِ‬ ‫سول و‬
‫الر ِ‬ ‫مثل هذا؟!‪ ،‬يَرت ُك قو َل ّ‬ ‫َ‬
‫كان عىل ٰ ِ‬
‫فكفى بهذا َغيًّا مُرديًا‪ ،‬و طغيانًا‪ ،‬و َردًّا"‬
‫ٰ‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‬


‫(‪ )2‬تقدمة الجرح والتعديل ص‪٢٦٩‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫َ‬
‫يكفرون بالعجائب كتكفريهم من يقول‬ ‫وأما كال ُم ابن الشحنة‪ ،‬فمعلوم عن األحناف أنهم‬
‫مسيجد ومصيحف ومن يستثني يف اإليمان وغري ذلك‪.‬‬
‫قال يف [ الصفحة ‪" ] ٦٠‬ويا أهل األثر أال يكفيكم حديث [وذكر حديث مسلم والذي فيه‪:‬‬
‫فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن]"‬
‫قلت‪ :‬قد تقدم الرد عليه يف برته كالم ابن رجب الحنبَل ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬قال‪" :‬وقد استنكر‬
‫اإلمام أحمد هذا الحديث يف رواية أبي داود‪ ،‬وقال‪ :‬هو خالف األحاديث التي أمر رسول الله‬
‫ﷺ فيها بالصرب عىل جور األئمة‪ .‬وقد يجاب عن ذلك بأن التغيري باليد ال يستلزم القتال‪.‬‬
‫وقد نص عىل ذلك أحمد أيضا يف رواية صالح‪ ،‬فقال‪ :‬التغيري باليد ليس بالسيف والسالح‪،‬‬
‫وحينئذ فجهاد األمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من املنكرات‪ ،‬مثل أن يريق خمورهم‬
‫أو يكرس آالت املالهي التي لهم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له‬
‫قدرة عىل ذلك‪ ،‬وكل هذا جائز‪ ،‬وليس هو من باب قتالهم‪ ،‬وال من الخروج عليهم الذي ورد‬
‫النهي عنه‪ ،‬فإن هذا أكثر ما يخَش منه أن يقتل اْلمر وحده"‪.‬‬
‫قال أبو بكر األثرم يف ناسخ الحديث ومنسوخه‪" :‬وروى عامر بن السمت عن معاوية بن‬
‫إسحاق عن عطاء بن يسار عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال‪ :‬سيكون أمراء ‪-‬فذكر من‬
‫فعلهم ثم قال‪ -‬فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن‬
‫جاهدهم بقلبه فهو مؤمن"‪.‬‬
‫وهذا ً‬
‫أيضا خالف األحاديث‪ ،‬وهو إسناد لم يسمع حديث عن ابن مسعود بهذا اإلسناد غريه‪،‬‬
‫وقد جاء اإلسناد الواضح عن ابن مسعود بخالفه‪.‬‬
‫روى األعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال ‪" :‬سرتون بعدي أثرة‬
‫وأمورا تنكرونها" قالوا‪ :‬فما تأمرنا يا رسول الله؟‪ .‬قال‪" :‬تؤدون الحق الذي عليكم‪،‬‬
‫ً‬ ‫وفتنًا‬
‫وتسألون الله الذي لكم"‪.‬‬
‫وهذا عن ابن مسعود‪ ،‬وذاك عن ابن مسعود‪ ،‬وهذا أثبت اإلسنادين‪ ،‬وهو موافق األحاديث‪،‬‬
‫وذاك لها مخالف‪ ،‬ثم تواترت األحاديث عن النبي ﷺ فكثرت عنه‪ ،‬وعن الصحابة واألئمة‬
‫بالكف ‪ ،‬ويكرهون الخروج وينسبون من خالفهم يف‬ ‫ِّ‬ ‫بعدهم ‪-‬ريض الله عنهم‪ -‬يأمرون‬
‫ذلك إىل فراق الجماعة ومذهب الحرورية وترك السنة‪.‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫مع أن الطحاوي قال‪" :‬وال نرى الخروج عىل أئمتنا ووالة أمورنا وإن جاروا‪ ،‬وال ندعو‬
‫عليهم‪ ،‬وال ننزع يدًا من طاعتهم‪ ،‬ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة‪ ،‬ما لم‬
‫يأمروا بمعص ية‪ ،‬وندعو لهم بالصالح واملعافاة"‪ .‬وهذا ليس من اعتقاد أبي حنيفة الذي‬
‫تقدم أنه يرى السيف‪ ،‬لكنه مما اعتمده األحناف القريبون ألهل األثر واستقروا عليه‪.‬‬
‫قال ابن أبي العز الحنفي عند يرحه لقول الطحاوي‪" :‬وال نرى الخروج عىل أئمتنا ووالة‬
‫أمورنا‪ ،‬وإن جاروا ‪ ،" ...‬قال‪ ... " :‬وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فألنه يرتتب عىل الخروج‬
‫من طاعتهم من املفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم‪ ،‬بل يف الصرب عىل جورهم تكفري‬
‫السيئات ومضاعفة األجور‪ ،‬فإن الله ما سلطهم علينا إال لفساد أعمالنا‪ ،‬والجزاء من جنس‬
‫صا َب ُك ْم ِم ْن‬‫العمل‪ ،‬فعلينا االجتهاد يف االستغفار والتوبة وإصالح العمل‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬وَ مَ ا أ َ َ‬
‫ظال ِِم َ‬
‫ني‬ ‫وَيل بَعْ َض ال َّ‬ ‫م ُِصيب ٍَة َف ِبمَ ا َك َسب َْت أَيْدِي ُك ْم وَ يَعْ ُفو عَ ْن َك ِث ٍ‬
‫ري} ‪ ...‬وقال تعاىل‪{ :‬وَ َكذَ ِل َك ن ُ ِّ‬
‫ُون} فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم األمري فليرتكوا الظلم ‪...‬‬ ‫بَعْ ضا ً ِبمَ ا َكانُوا يَ ْك ِسب َ‬
‫(‪)1‬‬
‫"‬

‫ثم قال كما يف [ الصفحة ال‪" ]٦٤‬وتذكروا سعيد بن جبري وأحمد بن نرص الخزاعي وعلماء‬
‫بغداد الذين وقفوا يف وجه الباطل"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما سعيد فكان يرى كفر الحجاج هو ومن خرج معه‪ ،‬وأما أحمد بن نرص فكان‬
‫طل الصفات؟‬ ‫حاكمه الواثق املعتزيل! فهل الخليفة يقول بخلق القرآن أم يع ِّ‬

‫يىس ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬س ِمعْ ُت حَ نْبَالً ي َُقو ُل ِيف ِو َالي َ ِة ا ْلوَ اث ِِق ‪ :‬اجْ تَمَ َع ُف َقهَ ا ُء‬ ‫ربنِي عَ َِل ُّ ْب ُن عِ َ‬ ‫قال الخالل‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫اص ٍم‬ ‫وَف ْض ُل بْ ُن عَ ِ‬ ‫طبَخِ ُّي ‪َ ،‬‬ ‫ب َْغدَا َد إ ِ َىل أ َ ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪ ،‬أَبُو بَ ْك ِر بْ ُن عُ بَيْ ٍد ‪َ ،‬وإِب َْراهِ ي ُم بْ ُن عَ َِل ي ا ْلمَ ْ‬
‫استَأْذَن ْ ُت َلهُ ْم ‪َ ،‬ف َقالُوا ‪ :‬يَا أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪َ ،‬هذَا َ‬
‫األمْ ُر َق ْد تَ َف َاق َم‬ ‫اؤوا إ ِ َىل أ َ ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪َ ،‬ف ْ‬ ‫‪َ ،‬فجَ ُ‬
‫ُون ؟ َقالُوا‬ ‫ري ذَ ِل َك ‪َ ،‬ف َقا َل َلهُ ْم أَبُو عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪َ :‬فمَ ا تُ ِريد َ‬ ‫ظهَ َار ُه ل َِخ ْل ِق ا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن وَ َغ ْ ِ‬ ‫ون إ ِ ْ‬‫وَف َشا ‪ ،‬يَعْ ن ُ َ‬‫َ‬
‫وَقا َل‬ ‫ظ َر ُه ْم أَبُو عَ بْ ِد ال َّل ِه َساعَ ًة ‪َ ،‬‬ ‫طان ِِه ‪َ ،‬فنَا َ‬ ‫‪ :‬أ َ ْن ن ُ َش ِاو َر َك ِيف أَنَّا َل ْسنَا ن َ ْر ََض ِب ِإمْ َرت ِِه ‪ ،‬وَ ال َ ُس ْل َ‬
‫ني ‪ ،‬وَ ال َ‬‫صا ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫طاعَ ٍة ‪ ،‬وَ ال َ تَ ُش ُّقوا عَ َ‬‫َلهُ ْم ‪ :‬عَ َليْ ُك ْم ِبالنَّك َِر ِة ِب ُقلُو ِب ُك ْم ‪ ،‬وَ ال َ تَ ْخ َلعُ وا يَدًا ِم ْن َ‬
‫اص ِربُوا حَ تَّى ي َْس َ ِرتيحَ‬‫ظ ُروا ِيف عَ اقِ ب َِة أَمْ ِر ُك ْم ‪ ،‬وَ ْ‬ ‫ني مَ عَ ُك ُم ‪ ،‬ان ْ ُ‬‫تَ ْسفِ ُكوا دِ مَ ا َء ُك ْم وَ دِ مَ ا َء ا ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫َخ ْل ُت أَنَا وَ أ َ ِبي عَ َىل‬
‫ظ ُه وَ مَ َضوْ ا ‪ ،‬وَ د َ‬‫اج ٍر ‪ ،‬وَ دَا َر ِيف ذَ ِل َك َك َال ٌم َك ِثريٌ َل ْم أ َحْ َف ْ‬
‫بَ ٌّر ‪ ،‬أ َ ْو ي ُْس َرتَاحَ ِم ْن َف ِ‬

‫(‪ )1‬يرح العقيدة الطحاوية (ص‪)370‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫أ َ ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه بَعْ دَمَ ا مَ َضوْ ا ‪َ ،‬ف َقا َل أ َ ِبي َأل ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪ :‬ن َ ْسأ َ ُل ال َّل َه َّ‬
‫الس َالمَ َة َلنَا ُ‬
‫وَألمَّ ِة مُحَ مَّ ٍد ‪،‬‬
‫صوَ ابٌ ؟ ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬ال َ ‪َ ،‬هذَا‬ ‫وَمَ ا أُحِ بُّ َألحَ ٍد أ َ ْن ي َْفعَ َل َهذَا ‪َ ،‬‬
‫وَقا َل أ َ ِبي ‪ :‬يَا أ َبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪َ ،‬هذَا عِ ن ْ َد َك َ‬
‫ْضب ََك‬‫الص ِ ِرب ‪ ،‬ث ُ َّم ذَ َك َر أَبُو عَ بْ ِد ال َّل ِه َقا َل ‪َ :‬قا َل الن َّ ِب ُّي ﷺ ‪( :‬إ ِ ْن َ َ‬‫ف اْلث َ ِار ا َّلتِي أ ُ ِم ْرنَا فِ يهَ ا ِب َّ‬ ‫خِ َال ُ‬
‫الص ِ ِرب ‪َ ،‬قا َل عَ ْب ُد ال َّل ِه ْب ُن مَ ْسعُ و ٍد ‪ :‬وَ ذَ َك َر َك َالمً ا َل ْم‬‫اص ِربْ) ‪َ ،‬فأَمَ َر ِب َّ‬ ‫رب ‪َ ،‬وإ ِ ْن ‪َ . . .‬وإ ِ ْن َف ْ‬ ‫َف ْ‬
‫اص ِ ْ‬
‫َ َ ُ (‪)1‬‬
‫أحْ فظهْ‪.‬‬
‫ايض أَبُو‬‫وأما نسبة الخروج ألحمد بن نرص‪ ،‬فرواها الخطيب يف تاريخه‪ ،‬قال حَ َّدثَنِي ا ْل َق ِ‬
‫ربنِي مُحَ مَّ د بْن يَحْ يَى‬ ‫عَ بْد ال َّل ِه الصيمري‪َ ،‬قا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ د بْن عمران املرزباني‪َ ،‬قا َل‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫ان أَحْ مَ د بْن نرص [‪.]...‬‬ ‫الصويل‪َ ،‬قا َل‪َ :‬ك َ‬

‫واملرزباني هذا معتزيل‪ ،‬والصويل العب شطرنج بينه وبني نرص ‪ ١٠٠‬سنة ونيف‪ ،‬وال يوجد‬
‫مخلوقي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أصال كالم رصيح يف خروجه بالسيف‪ ،‬وإنما هي كلمة حق قالها أمام طاغية كافر‬
‫والديري يتعمد التدليس فيأتي بقصص موضوعة‪ ،‬وأخرى مطروحة وقليل منها صحيح‬
‫لكنها يف كفار حتى يزعم أن الخروج عىل الظالم ليس ببدعة‪ ،‬والظلم منه املعصية فعىل‬
‫مذهب الديري يجب الخروج عىل الحاكم إن وقع يف معصية ولو من الصغائر وهذا من‬
‫سفاهة الخارجي وصحبه‪.‬‬
‫ثم قال مخاطبا أهل العراق يف [ الصفحة ‪" ] ٦٤‬واذكروا الشيوخ األجلة وليدًا الجبوري‬
‫والحلبويس وأبا محمود حسام الناجي وغريهم من خياركم وأيرافكم‪ ...‬وما علمنا عن‬
‫حالهم والله إال الخري‪ ،‬وما بلغنا منهم إال ذمًّ ا لسرية ابن عواد وحاله وعدم رضا بطغيانه‬
‫وتجربه"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا تدليس آخر‪ ،‬فال سبيل لهذا الديري إىل الجبوري والحلبويس‪ ،‬وإنما اعتم َد كالم‬
‫"حسام الناجي" الذي قاله وهو تحت طائلة األرس‪ ،‬ففي أيِّ مذهب تُقبل شهادة املسلم‬
‫الناجي ما يدين‬
‫ّ‬ ‫املكره األسري عند أنجس خلق الله الرافضة؟ ومع ذلك فإن يف كالم حسام‬
‫الديري‪َ ،‬قال حسام يف برنامج صناعة املوت ‪-‬وقد كررها يف كل الربامج التي ظهر فيها‪:-‬‬
‫[الدقيقة ‪" ]٢‬أواخر ‪ ٢٠٠٧‬ملا أطلق رساحي يف خطبة جمعة كنت أخطب وإذا شفت ‪-‬‬
‫رأيت‪ -‬الرجل جالس هو ومناف الراوي فبعد الخطبة عرفت أنه سيطرق بابي‪ً ،‬‬
‫فعال طرق‬
‫بابي‪ ،‬وضيَّفته قعد يمي ‪-‬بجانبي‪ -‬قدَّمت لهم وجبة الغذاء قال يل أنت ترجع تباير عملك‬

‫(‪ )1‬السنة" للخالل ‪)87 - 85( 103 /1‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫أنت يفيدنا علمك وأنت خطيب فقلت له ‪ ...‬أريد أن اكمل تحصيَل العلمي والدرايس لكنه‬
‫أرصّ "‪ .‬وحسام قد قال عن الشيخ البغدادي [الشيخ إبراهيم] وأنه كان يقدِّمونه يف الصالة‬
‫من بني كل سجناء بوكا وهذا داللة عىل علمه وإتقانه للقرآن خالفا ملا قاله هذا الخارجي‬
‫الكذاب‪ ،‬حتى الخوارج قد عُ رفوا بالصدق أما أبو محمد الديري فقد عُ رف بالفجور ‪-‬نسأل‬
‫ُ‬
‫ينقض كالم‬ ‫الله السالمة‪ ، -‬وتحدث ‪-‬أي حسام‪ -‬عن اهتمام الخليفة بأهل العلم وهو ما‬
‫الديري بالكلية‪ِ ،‬زد عليه أنه مسجون عند الرافضة‪ ،‬ولو قبلنا كالمه املدين للدولة لكان‬
‫األوىل بنا أن نقبل كالم الشيخني الخضري ونارص الفهد ملا استجوبهما املرتد القرني وأظهرا‬
‫الرتاجع املنسوخ‪ ،‬وهذا الديري وصحبه يأتون بما هو عليهم فيجعلونه لهم‪ ،‬تمامً ا‬
‫كالرافيض الذي رد عليه شيخ اإلسالم ابن تيمية يف منهاج السنة النبوية‪.‬‬
‫وقال الكذاب‪" :‬فقد حاربته العصابة الخبيثة حتى أكرهته عىل الخروج من الدولة حني لم‬
‫يصرب عىل املنكرات منهم" ‪ ،‬وهذا الكالم لم يقله ال أصحاب حسام وال حسام وال الرافضة‪،‬‬
‫رأس الرشعيني وكان يريد أن يوليه منصب الرشعي العام‬‫بل قالوا أن الخليفة جعله عىل ِ‬
‫لكنه اعتقل بكمني للرافضة يف الطريق!‬
‫قال املستجوب لحسام يف [ الدقيقة ‪" ] ١٥‬كيف ُكلفت لتكون مفتي الدولة يف العراق‬
‫والشام؟"‬
‫قال حسام‪" :‬هذا عىل ضوء اتِّصال جاء من القايض قال توكل عىل الله وروح للشام أخي‬
‫الكريم قلت لك حاولت الذهاب لكن عىل أساس اذهب للموصل ومن املوصل للشام لكن ما‬
‫حصلت الفرصة وبعدها بيوم أو يومني اعتقلت"‪ ،‬وحسام قد رد عىل املقديس دفاعً ا عن‬
‫ِ‬
‫بنفسه‪.‬‬ ‫الخالفة‪ ،‬ولو وصلته هذه الوريقات التي خ َّ‬
‫طها الديري لنقضها‬
‫ُ‬
‫فاستقرأت كل إنتاج‪ ....‬إىل ما‬ ‫قال الديري يف حاشية [ الصفحة ال‪" ]٦٤‬ولقد من الله عَل‬
‫قب َل تعيني ابن عواد أمريًا عليها‪ ،‬وجمعت يف ذلك جزءًا أبني فيه أن عقيدة الجماعة سنية‬
‫سلفية نقية بحمد الله خالف ما آل إليه حال الجماعة"‪.‬‬
‫السنة فكيف سيبني ما زعمه؟ ثم هو قد‬‫قلت‪ :‬قد تبني لكل عاقل أن هذا الديري ال يعرف ُ‬
‫رمى أصحابه بالبدعة‪ ،‬فالقحطاني كان عندهم الرشعي العام والديري زعم أن السنة‬
‫انقطعت بتولية اإلمام وهذا ظاهر من سياق كالمه‪ ،‬وهكذا ألف ليلة وليلة من كذب الديري‬
‫وهرطقاته التي ليس ْلخرها سقف‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫ثم ذك َر بعدها ما سمَّ اه أوجه سقوط الوالية‪ ،‬وروى كالمً ا لسفيان بن عيينة وغريه وليس‬
‫فيه ما ذهب إليه بل دلس من جديد‪ ،‬فالحديث عن ظلم وفسق "طارئ" عىل اإلمام ال عن‬
‫شخص هو ظالم يف أصله ثم يوىل عىل الناس‪ ،‬وأما ما رواه عبد الرزاق عن طاووس فاملناوأة‬
‫املعاداة وتحمل عىل نهي املنكر وليس فيها ما يريد هذا الديري من القتال والخروج‪ ،‬وهي‬
‫تُحمل عىل ما حمله اإلمام أحمد يف حديث ابن مسعود وقد تكلمنا كثريًا يف هذا كما تقدم‪،‬‬
‫ومن العجب ترحُّ مه عىل ابن خلدون األشعري واعتباره عالمة‪ ،‬أخفي عىل هذا األنوك أن ابن‬
‫خلدون كان يكتب مؤلفاته تقربًا من امللوك؟ بل لقي حاكم الترت الكافر!‬
‫واألمر كما قال اإلمام ابن تيمية‪" :‬وأما أهل العِ لم والدين والفضل فال يرخصون ألحد فيما‬
‫نهى الله عنه من معصية والة األمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه‪ ،‬كما قد‬
‫(‪)1‬‬
‫السنة والدين قديما ً وحديثاً‪ ،‬ومن سرية غريهم"‬
‫عُ رف من عادات أهل ُ‬
‫والديري دائما ما يكرر "كيف يوىل عليكم هذا الشخص فيفتك بكم ويظلمكم"‪ ،‬وكأنه نيس‬
‫أنه كما تكونوا يوىل عليكم‪ ،‬قال الطرطويش‪" :‬لم أزل أسمع الناس يقولون‪ :‬أعمالكم‬
‫عُ مّ الكم‪ ،‬كما تكونوا َّ‬
‫يوىل عليكم‪ ،‬إىل أن ظفرت بهذا املعنى يف القرآن؛ قال الله تعاىل‪{ :‬‬
‫وكذلك نويل بعض الظاملني بعضا ً }‬
‫وكان يقال‪ :‬ما أنكرت من زمانك فإنما أفسده عليك عملك ‪ ،‬وقال عبد امللك بن مروان‪" :‬ما‬
‫أنصفتمونا يا معرش الرعية‪ ،‬تريدون منا سرية أبي بكر وعمر وال تسريون فينا وال يف‬
‫أنفسكم بسريتهما‪ ،‬نسأل الله أن يعني كل عىل كل" ‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬قالت بنو إرسائيل‪" :‬إلهنا‬
‫أنت يف السماء ونحن يف األرض فكيف نعرف رضاك من سخطك؟ فأوحى الله تعاىل إىل‬
‫بعض أنبيائهم‪ :‬إذا استعملت عليكم خياركم فقد رضيت عنكم‪ ،‬وإذا استعملت عليكم‬
‫(‪)2‬‬
‫يراركم فقد سخطت عليكم"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪ " :‬وليس يف الحكمة اإللهية أن يويل عىل األيرار الفجار إال من يكون من‬
‫جنسهم فحيثما تكونوا يو َّل عليكم‪ ،‬وملا كان الصدر األول من هذه األمة خري القرون وأبرها‬
‫كانت والتهم كذلك‪ ،‬فلما شابوا شابت لهم الوالة‪ ،‬وحكمة الله ج َّل جالله تأبى أن يويل علينا‬
‫يف مثل هذه األزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز فضالً عن أبي بكر وعمر‪ ،‬بل والتنا‬

‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى ‪٣٥/١٢‬‬


‫(‪ )2‬رساج امللوك ص‪٩٤‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫عىل قدرنا‪ ،‬ووالة من قبلنا عىل قدرهم‪ ،‬وكل من األمرين موجب للحكمة‪ ،‬وإذا غرينا ما‬
‫(‪)1‬‬
‫بأنفسنا غري الله بنا وغري ما حولنا "‬
‫وأما رميه الشيخ العدناني بالظلم والجور والفجور‪ ،‬فأهون من تكفريه إيَّاه الذي تقدَّم‪،‬‬
‫ومن ذكرهم قد خالفوا األمر بالثَّبات فكان ما نرى اليوم ‪ ،‬إذ أول مدينة سقطت وكانت‬
‫بداية االنسحابات هي مدينة "منبج"‪ ،‬واملضحك أن هذا الديري قد صنف رسالة سماها‪:‬‬
‫"تنبيه املجاهدين األبرار إىل أن التحيز الباطل هو التويل والفرار"‪ ،‬فما حكم من يقع يف هذا‬
‫التحيز الباطل؟‬
‫ثم قال يف [حاشية الصفحة ‪" ]73‬ولم يعط حقه بل ظلم وأوذي وكاد أن يقتله ابن عواد‬
‫وحزبه‪ ،‬ثم سجنوه يف املوصل فلم يخرجه من سجنه إال تقدم الرافضة واقتحامهم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كذب الديري من جديد‪ ،‬حدثني شيخي أبو الحارث القحطاني‪ ،‬قال‪ ":‬أرسل الخليفة‬ ‫ُ‬
‫بعد رسالته ‪-‬يريد رسالة كتبها أبو الرباء العنزي يذم فيها العدناني وأبا محمد الفلوجي‪-‬‬
‫أن قضيته ‪-‬قضية أبي الرباء العنزي ‪ -‬عندي‪ ،‬واعتقله يف نينوى‪ ،‬وعفا عنه الخليفة إبان‬
‫نازلة املوصل بعد ُكتب رفعت له تتشفع ألبي الرباء وق ِبل شفاعتهم فيه ‪-‬أي كان يريد‬
‫إطالق رساحه قبل تدخل بعضهم‪ -‬منهم أبو سارة الظفريي رحمه الله"‬
‫وأما حادثة أبي الحسن فقد شهد عىل كذب الهاشمي جمع من اإلخوة وأشهدوا الله تعاىل‬
‫حاالت فرديَّة وقد تكرر بعضها بالرقة‪ ،‬وهو نفسه‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫كذبه‪ ،‬وما ذكره يف نازلة املوصل‬ ‫عىل‬
‫شهد عىل ذلك‪ ،‬وأما زعمه يف [حاشية الصفحة ال‪ ] ٧٥‬بأن الشيخ األنباري‪" :‬حني خالف‬
‫سياستهم العفنة تحالفوا عليه وأرسلوه إىل أقايص والية دجلة للرباط وهو املكان الذي ظهر‬
‫فيه يف اإلصدار وحتى بعد مقتله لم يعطوه حقه من اإلشادة والرثاء واإلعالم"‪.‬‬
‫ثي شخص كما فعل بشيخنا أبي عَل‪- ،‬وهذا الديري‬ ‫فهذا كذبٌ وظلم وحيف‪ ،‬و والله ما ُر َ‬
‫الفاجر ما عنده ذرة من إنصاف وعدل‪ ،‬وهو يتشدق بأن بعضهم ق َّدم فلذات كبده يف سبيل‬
‫الله‪ ،‬والشيخ أبو بكر البغدادي قدم ابنه حذيفة كذلك‪ ،‬وأهله يف السجن وكذلك أبو الحسن‪،‬‬
‫فلماذا لم يخرج هؤالء من السجن باملال؟ وملاذا لم نجد هؤالء يف تركيا واملالديف ونيويورك‬
‫بسبائك الذهب كما يزعم هؤالء السفلة؟ بل أين ُرثي أو ظهر الفرقان والعدناني وأبو معتز‬
‫والبيالوي وأبو صالح حيفا وأبو بكر وأبو أيمن وأبو حمزة وأبو مارية وغريهم الكثري؟ فإن‬

‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة ‪٢٥٣/١‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫كان هؤالء قد أعطوا من اإلشادة دون ما أعطي الشيخ األنباري‪ ،‬فمن نال إشاد ًة أكثر منه؟‬
‫أم يجب أن يُوضع للشيخ مرقد أو تمثال أو نصب تذكاري حتى يعدها إشادة؟ وبالجملة‬
‫فالشيخ أبو عَل –تقبله الله‪ -‬اعرتض عىل مسألة إدارية ‪-‬تتعلق بالسبي خالف صاحبه‬
‫ورفيق دربه وأخاه سعود النارص "أبو معتز القريش"‪ -‬والحظ كيف الهاشمي يسمي‬
‫السبي الذي هو حكم يرعي "سياسة عفنة" وطلب الشيخ بنفسه أن يُعفى من مناصبه‬
‫ث َّم تفرغ للتدريس والتعليم قبل أن يُوىل مسؤوال عىل بيت املال إىل أن استشهد تقبله الله‬
‫كما نحسبه‪ ،‬وأحسن ما سمعت يف هذا‪ ،‬ما حدثني به شيخي أبو الحارث عن شيخنا عبد‬
‫الباسط القريش(‪ ،)1‬أنه قال ‪-‬لسائل سأله عن ابتعاد الشيخ األنباري يف ذلك الوقت‪" :-‬لكل‬
‫زمن ووقت رجاله وانتهى"‪ ،‬زاد أبو الحارث‪" :‬وللعلم هي مسألة إدارية بحتة وليست‬
‫عقدية‪ ،‬وزالت؛ هي إدارية تتعلق يف كيفية إدارة بعض املرافق وبعض اإلشكاالت"‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬فإذا تشاجر مسلمان يف قضية و مضت وال تعلق للناس بها‬
‫وال يعرفون حقيقتها كان كالمهم فيها كالمً ا بال علم وال عدل يتضمن أذاهما بغري حق ولو‬
‫عرفوا أنهما مذنبان أو مخطئان لكان ذكر ذلك من غري مصلحة راجحة من باب الغيبة‬
‫املذمومة"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وهؤالء املبتدعة غرضهم التكفري أو التفسيق للخلفاء الثالثة بأشياء ال يفسق بها‬
‫واحد من الوالة‪ ،‬فكيف يفسق بها أولئك؟ ومعلوم أن مجرد قول الخصم ‪-‬يف خصمه‪ -‬ال‬
‫يوجب القدح يف واحد منها‪ ،‬وكذلك كالم أحد املتشاجرين يف االخر"‬

‫السجون‪ ،‬وال أحد ينكر وجود مظالم وقعت يف حق كثري من اإلخوة‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ً‬
‫قصصا من‬ ‫ثم نقل‬
‫ومسائل الجاسوسية واإلخبار اعتُمد فيها عىل القرائن وكان أول من تحدث يف ذلك ‪-‬حسب‬

‫(‪ )1‬شيخنا املجاهد عبد الباسط القريش‪ ،‬بدراني من مدينة الفلوجة‪ ،‬من أوائل من حمل السالح ضد االحتالل‬
‫الصليبي‪ ،‬كان مقربا من مشايخنا أبي أنس الشامي وأنس أبي الحارث وأبي رغد وجراح وغريهم وكان موضع‬
‫ريا‬
‫ثقتهم هو وأبو نبيل العراقي [أبو املغرية القحطاني]‪ ،‬قاتل يف الفلوجة و زوبع وأبي غريب وبغداد وكان أم ً‬
‫الستخبارات القاعدة ثم الدولة‪ ،‬ابتَل باألرس ثم خرج فصار مرافقا لوزير الحرب يف الدولة ساعتها ثم أرس مع‬
‫أبي نبيل وكررا محاوالت الفرار إىل أن يرس الله لهما‪ ،‬ومن ثم صار معاونا للشيخ أبي عمر التونيس أمري الحدود‪،‬‬
‫قبل أن يُنقل إلدارة العمل الخارجي برفقة الشيخ العدناني وبقي هناك حتى قتل تقبله الله ‪-‬وجميع من تقدم‬
‫ذكرهم ‪-‬يف الجنان‪ ،‬وقد كان من خيار اإلخوة شجاع متواضع كتوم لألرسار همه العمل‪ ،‬محب للمهاجرين‪ ،‬فقد‬
‫أهله وابنه يف سبيل الله وقتل بالرقة تقبله الله ورحمه‪.‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫كتاب الجاسوس املسلم"‪ ،‬لكثرة الجواسيس وصعوبة‬
‫ِ‬ ‫علمي" الشيخ أبو يحيى الليبي يف‬
‫معرفة هوياتهم‪.‬‬
‫ونحن ال نقول إال ما قاله اإلمام أحمد ‪-‬رحمه الله‪ :-‬ربِّ غ َّر هذا الديري الفاجر حلمك حتى‬
‫تجرأ عىل عبادك باللعن والشتم‪ ،‬فاللهم إن يكن قد كذب وظلم وافرتى ودلس‪ ،‬فاكفنا مؤنته‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫عاجال غري آجل‪.‬‬
‫وقال الفاجر يف [الصفحة ‪" ]٨٠‬أليس قد غصب الفيء وتمتع هو وعصابته الحاكمة‬
‫باألموال والسبايا"‪ ،‬وهذا من املضحكات‪ ،‬فهذا الديري نفسه قبل نصيحته املشؤومة كتب‬
‫رسالة للخليفة حول الغنائم ودعا له ول َّلجنة املفوَّ ضة ‪-‬وهذا بعد مقتل الشيخ تركي البنعَل‬
‫والتعميم فتأمل– وقال فيها أن له مكتبة تناهز الـ‪ ١٠‬آالف دوالر‪ ،‬فيا ُسبحان الله‪ ،‬من أين‬
‫له بهذه األموال؟ بل استفيض عن بعض أتباعه البيع عىل بيع إخوتهم يف السبايا ‪ ،‬حتى‬
‫صنف عبد الله القريش رسالة يف ن ُصحهم‪ ،‬وكان لدى كثري من "شيوخه" سبايا وأموال‪،‬‬
‫ً‬
‫مطلقا؟ ولو قال‬ ‫والدولة قد أعطت للمهاجرين املنازل والكفاالت‪ ،‬فأين هذا الغصب هكذا‬
‫ريا لقلنا ربما‪ ،‬لكن هذا الديري ظلم بلسانه ثم زعم الخروج عىل الظلمة‪.‬‬ ‫أن هناك تقص ً‬

‫بل وحدثني أحد الثقاة أن هذا ال ِّلص الديري أفتى لبعض األغرار ومرتكبي كبرية الفرار‬
‫بجواز بيع السيَّارات التي سلمتها لهم الدولة ‪-‬وذلك ألعمالهم وليقضوا حوائجهم عليها‪-‬‬
‫ومنهم أبو حفص البحريني الذي أورده يف كالمه‪ ،‬فقد أخربهم الديري أن يبيعوها ويأخذوا‬
‫وأن الهاشمي نفسه ابتدأهم وباع سيارة من نوع ‪ H-100‬كانت‬ ‫ثمنها للخروج والفرار‪َّ ،‬‬
‫قد ُس ِّلمت له فنهب ثمنها وهرب! فهذا ال ِّ‬
‫طمْ ل العُ مْ روط لم يكتف فقط بالرسقة بل فعلها‬
‫ًّ‬
‫ُستحال لها وأفتى بجوازها ونرش هذه الفتوى يف األوساط‪-‬سوّ د الله وجهه‪ )1(-‬ثم بعدها‬ ‫م‬
‫يسوّق علينا الرشف ويتحدث وكأنَّه فضيلة نادرة تميش عىل األرض وهو من جمع النقائص‬
‫كلها‪ ،‬بل وزاد عليها املتاجرة باملسلمني املستضعفني من يتامى وأرامل وأرسى وأسريات‬
‫وهو من نهب أموالهم وأكلها بال وجه حق –علما ً أن بعض هذه السيارات هي أوقاف‪،-‬‬
‫نعوذ بالله من صفاقة الوجه وصالبة الخد وانعدام الدين والحياء والجرأة عىل حدود الله‪.‬‬

‫(‪ )1‬ذات املصدر ذكر أن شيخ الهاشمي "الحالك" قبحه الله هو من أفتى له بذلك –وال عجب فإن الحالك قد‬
‫عُ رف بالرسقات العلمية‪ ،-‬حرامي يأخذ "علم النهب" من حرامي آخر ‪-‬حرم الله عليهم الجنة‪-‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫وأما مسألة الغنائم ففيها تفصيل يطول ذكره‪ ،‬وأما قول ُه "لم يعرف أن الفرار حْض معركة‬
‫واحدة"‪ ،‬فكذب وظلم‪ ،‬بل حْض أكثر مما حْضه هذا الديري وكثري من أقرانه مجتمعني‪،‬‬
‫وهي مسرية سنني طويلة من الجهاد واألرس والقتال واملعارك وأبو بكر األنصاري ليس‬
‫بمن يُجهل عند أهل املعرفة‪ ،‬بل قوله هذا يلزم منه رمي جمع كبري ممن ذكرهم بشهادة‬
‫الزور وعىل رأسهم الشيخ تركي البنعَل‪-‬تقبله الله‪ -‬الذي قال يف رسالته "مدوا األيادي"‬
‫أن أبا أبكر شيخ مجاهد قائد كتائب املجاهدين‪ ،‬واستفيض عنه مشاركته يف معركة الطبقة‬
‫ومطار إعزاز‪ ،‬وأمَّ ا حديثه عن تغيري املكان فمما يضحك اللبيب‪ ،‬وهذا عمر ‪-‬ريض الله عنه‪-‬‬
‫منعه أصحابه من الغزو وأشاروا إليه بأن يضع مكانه من يثق فيه‪ ،‬ورجع من الشام قبل‬
‫أن يصل إليها ملا بلغه خرب الطاعون‪ ،‬وهذا قبل أن يبلغه حديث رسول الله ﷺ فتأمل‪ ،‬ومثل‬
‫هذا كثري‪ ،‬وسلطان الخالفة واسع‪ ،‬واملسلمون قد سئموا من الفرقة‪ ،‬وهم يريدون إمامً ا‬
‫يجتمعون حوله وقد حصل‪ ،‬وهذا ماال يريد فهمه الديري‪ ،‬فإنما همُّ ه الفرقة والفتنة وإراقة‬
‫الدماء أعاذنا الله من يره وير أمثاله‪ ،‬وأما كالمه يف من صور النساء‪ ،‬فهو إقامة للحجة‬
‫ألف مرة‪ ،‬ولقد بلغنا خرب استشهاد أخينا الزبري‬ ‫عىل من خذلهم‪ ،‬وهم والله أرجل منه بألف ِ‬
‫الشيشاني وأهله يف الباغوز‪ ،‬فنسأل الله أن يتقبلهم ويرحمهم برحمته‪.‬‬
‫ثم نقل يف [الصفحة ‪ ]٨٥‬كالم ابن حز ٍم الظاهريّ ‪ ،‬وقد أجاب الشيخ تركي البنعَل –تقبله‬
‫الله‪ -‬يف كتاب التحذير عن معصية األمري عن ما نقله هذا الديري ‪-‬وقد نسخ بكتابه هذا‬
‫"قا َل ابْ ُن ا ْل ُمنْذ ِِر وَ اَلَّذِي عَ َلي ِْه أ َ ْه ُل ا ْلعِ ْل ِم أ َ َّن‬ ‫ماقرره يف كتاب الحلك القديم‪ ،-‬قال الصنعاني‪َ :‬‬
‫ظ عَ ن ْ ُه ِم ْن عُ َلمَ ا ِء‬ ‫يل ‪َّ ،‬إال أ َ َّن ُك َّل مَ ْن يُحْ َف ُ‬ ‫ري تَ ْف ِص ٍ‬ ‫ظ ْلمً ا ِب َغ ْ ِ‬‫ِلرجُ ِل أ َ ْن يَد َْف َع عَ مَّ ا ذُ ِك َر إذَا أ ُ ِري َد ُ‬
‫ل َّ‬
‫وْرهِ وَ تَ ْركِ‬ ‫الص ْ ِرب عَ َىل جَ ِ‬ ‫األمْ ِر ِب َّ‬ ‫ان ل ِْْلث َ ِار ا ْلوَ ِار َد ِة ِب ْ َ‬ ‫ط ِ‬ ‫اس ِتثْنَا ِء ُّ‬
‫الس ْل َ‬ ‫ني عَ َىل ْ‬ ‫ِيث َكا ْلمُجْ ِمعِ َ‬ ‫ا ْلحَ د ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫ا ْلقِ يَا ِم عَ َلي ِْه"‬
‫وكالم ابن حز ٍم هذا الذي نقله الديري مقتطع‪ ،‬وهو تأويل الظاهري السخيف لحديث‬
‫رسول الله ﷺ ‪" :‬وإن ْضب ظهرك وأخذ مالك"‪ ،‬فقال ابن حزم‪ :‬وإن ْضب ظهرك يف حد‬
‫وأخذ مالك يف الحق‪ ،‬وهذه سفاهة وجهل بلغة العرب‪ ،‬بل هي من طمطمة العجوم وهمهمة‬
‫علوج الروم أقرب‪ ،‬فكيف يصربه بما هو حق؟ بل عىل تأويل ابن حزم هذا فمن السليم أن‬

‫(‪ )1‬سبل السالم ‪٤٦٤/٥‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫يقال "اصرب وأطع وإن ويل عليك عبد قريش عادل يحكمك برشع الله ويطلب منك الزكاة‬
‫والصالة"‪ ،‬وهذا ال يقوله عاقل‪.‬‬
‫ربنَا مُحَ مَّ ٌد ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬أَنْبَأ َ وَ كِي ٌع ‪ ،‬عَ ْن ُس ْفي َ‬
‫َان ‪ ،‬عَ ْن إِب َْراهِ ي َم ب ِْن عَ بْ ِد َ‬
‫األعْ َىل ‪ ،‬عَ ْن‬ ‫قال الخالل‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫ُسوَ يْ ِد ب ِْن َغ َف َل َة ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬قا َل ِيل عُ مَ ُر ‪ :‬يَا أَبَا أُمَ ي ََّة ‪ ،‬إِنِّي ال َ أَد ِْري ‪َ ،‬لعَ َِّل ال َ أ َ ْل َقا َك بَعْ َد عَ ِامي َهذَا‬
‫رب‬
‫اص ِ ْ‬‫رب ‪َ ،‬وإ ِ ْن حَ َرمَ َك َف ْ‬ ‫اص ِ ْ‬ ‫اسمَ ْع َل ُه وَ أ َ ِط ْع ‪َ ،‬وإ ِ ْن َ َ‬
‫ْضبَ َك َف ْ‬ ‫‪َ ،‬ف ِإ ْن أُمِّ َر عَ َليْ َك عَ بْ ٌد حَ ب ِ ٌّ‬
‫َيش مُجَ دَّ ٌع َف ْ‬
‫َ (‪)1‬‬
‫ُون دِ ينِي ‪ ،‬وَ ال َ تُ َف ِار ِق ا ْلجَ مَ اعَ ة‪.‬‬
‫طاعَ ًة ‪ ،‬د َِمي د َ‬ ‫ص دِ ين َ َك ‪َ ،‬ف ُق ْل ‪َ :‬سمْ عً ا وَ َ‬ ‫‪َ ،‬وإ ِ ْن أ َ َرا َد أَمْ ًرا يُنْقِ ُ‬

‫وأما قو ُل الديريّ يف [ الصفحة ‪ ]٨٩‬أن املال قسم عىل غري مستحقيه‪ ،‬فهو من األثرة التي‬
‫ِ‬
‫كقوله يف نصيحته املشؤومة أن أبناء رسول الله ﷺ يموتون من‬ ‫يُصرب عليها ابتداء‪ ،‬ثم هي‬
‫الجوع‪ ،‬وقد كذب فهو ي َّدعي الهاشمية وكانت له مكتبة لوحدها تناهز ‪ ١٠‬الف دوالر‪ ،‬فهل‬
‫عاقال يموت من الجوع ومعه مكتبة بهذا الثمن؟ وما نصح الديري إال بعد أن خرس‬ ‫ً‬ ‫رأيتم‬
‫مكتبته وأما قبلها فكانت الدولة "خالفة عىل منهاج الصادق األمني ﷺ تعيد لإلسالم مجده‬
‫الدفني"‪ ،‬ولقد شابه الديري هذا أجداده الخوارج ممن خرجوا عىل عثمان ‪-‬ريض الله عنه‪-‬‬
‫‪ ،‬فلقد نقموا عليه عطاياه ألهل بيته من بني أمية‪ ،‬وهذا ما ينقمه الديري كما زعم‪.‬‬

‫أيضا لم يسلم من تدليس الديري‪ ،‬فنقل كالمً ا له يف كتاب الصالة‬‫والشافعي ‪-‬رحمه الله‪ً -‬‬
‫حذف كلمة ذكرها ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬قال الشافعي‪" :‬ألن‬‫َ‬ ‫حول من أ َّم قومً ا وهم له كارهون‪ ،‬ثم‬
‫هذا طباع ال يملكه من نفسه ومتى ويل وهو كما أحب له فتغري وجب عىل االوايلا عزله وعليه‬
‫أن ال يَل له‪ .‬ولو توىل رج ٌل أمر قوم أكثرهم له كارهون لم يكن عليه يف ذلك مأثم إن شاء‬
‫الله تعاىل إال أن يكون ترك الوالية خريا له أحبوه‪ ،‬أو كرهوه"‬
‫ثم ذكر كالم املتكلمني الذين تقدم بيا ُن مخالفتهم لإلمام أحمد ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬إىل أن قال‪:‬‬
‫"وقد استمرت الدولة نحو خمس سنوات تحكم مناطق شاسعة من العراق والشام ‪-‬ال أعلم‬
‫ظ واحدٌ" لكتاب‬ ‫وأنا عىل اطالع يف هذا األمر‪ -‬أنه تخرج من معاهد تحفيظ القرآن "حاف ٌ‬
‫الله تعاىل"ثم أردف قائال‪" :‬وال أعلم معهدا نجحَ يف إخراج حفظة كتاب الله إال معهد أبي‬
‫آية"‬

‫(‪ )1‬السنة للخالل ‪٥٤‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫وهذه ال تحتاج لتعليق‪ ،‬فهذا السفيه يتحدث بكال ٍم غري مفهوم‪ ،‬ليستقر عىل كالم واحد‪ ،‬هل‬
‫تخرج حافظ واحد لكتاب الله أم لم يتخرج؟ مع أن كالمه هذا معلوم بطالنه عند السامة‬
‫والعامة‪ ،‬ولكم حفظ أبناء إخواننا كتاب الله يف املعاهد وتخرجوا‪.‬‬
‫ثم أتى هذا البغاث األحمق بثالثة االثاثي‪ ،‬وزعم أنه استفتى الشيخ أبا نصار‪ ،‬وهنا لفتة‬
‫مهمة‪ ،‬وهي أن الشيخ أبا عبد الرب الكويتي كان شديدًا عىل شيخ الديري "الحايك"‪ ،‬يشن‬
‫عليه الحمالت وعىل ما يتداوله الناس من تصانيفه‪ ،‬وهذا حال كثري من شيوخنا ‪-‬رحمهم‬
‫الله‪ ،-‬ملعرفتهم بشذوذ هذا الشخص عن منهج السلف املتقدمني وجُ رأته الكبرية‪ ،‬والشيخ‬
‫أبو نصار ‪-‬حفظه الله وفرج عنه‪َّ ،-‬ملا شاهد مناظرة الحايك للفلسطيني‪ ،‬قال عن الحايك‪:‬‬
‫"الذي ظهر يل منه أنه ضعيف بعلم الحديث ‪،‬متعلق بالغرائب ‪،‬لحانة بالقول ضعيف‬
‫الحفظ"‪ ،‬فليذهب بها الديري معه اْلن‪.‬‬
‫إمامة الحاكم‪ ،‬فقياس باطل ال يقابل‬ ‫ِ‬ ‫إمامة إمام يف الصالة عىل‬ ‫َ‬ ‫وأما قياسه كراهة قوم‬
‫النصوص الرصيحة‪ ،‬وترك اإلمام األعظم اإلمامة يرتتب عليه مفاسد كبرية أكرب من مفاسد‬
‫ربنَا جَ ِري ُر بْ ُن حَ ِاز ٍم‬ ‫ربنَا عَ َّفا ُن ْب ُن م ُْس ِل ٍم ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬ ‫ترك إمامة املصلني‪ ،‬قال ابن سعد‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫الله بْ ُن عُ مَ َر َقا َل ‪َ :‬قا َل ِيل عُ ثْمَ ا ُن‬ ‫ربنِي يَعْ َىل بْ ُن حَ كِ ي ٍم ‪ ،‬عَ ْن نَافِ ٍع َقا َل ‪ :‬حَ َّدثَنِي عَ بْ ُد ِ‬ ‫َقا َل ‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫األ ْخن َ ِس ‪َ ،‬قا َل ‪ُ :‬ق ْل ُت ‪ :‬مَ ا‬ ‫ريةُ بْ ُن َ‬ ‫َّار ‪ :‬مَ ا تَ َرى فِ يمَ ا أ َ َشا َر ِب ِه عَ ََل َّ ا ْلمُغِ َ‬ ‫صو ٌر ِيف الد ِ‬ ‫وَه َو مَ حْ ُ‬ ‫‪ُ ،‬‬
‫ُون َخ ْلعِ ي ‪َ ،‬ف ِإ ْن َخ َلعْ ُت تَ َر ُكونِي ‪َ ،‬وإ ِ ْن َل ْم أ َ ْخ َل ْع‬ ‫أ َ َشا َر ِب ِه عَ َليْ َك ؟ َقا َل ‪ :‬إ ِ َّن َه ُؤ َال ِء ا ْل َقوْ َم ي ُِريد َ‬
‫ُخ َّلدًا ِيف ال ُّدنْيَا ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬ال َ ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬فهَ ْل يَمْ ِل ُكو َن‬ ‫رت ُك م َ‬ ‫َقتَلُونِي ‪َ ،‬قا َل ‪ُ :‬ق ْل ُت ‪ :‬أ َ َرأَي َْت إ ِ ْن َخ َلعْ َت تُ ْ َ‬
‫ُون عَ َىل َقتْ ِل َك؟ َقا َل‪ :‬ال َ‪،‬‬ ‫ا ْلجَ ن َّ َة وَالنَّا َر ؟ َقا َل ‪ :‬ال َ ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬ف ُق ْل ُت ‪ :‬أ َ َرأَي َْت إ ِ ْن َل ْم تَ ْخ َل ْع َه ْل ي َِزيد َ‬
‫ط َقوْ ٌم عَ َىل أ َ ِم ِريهِ ْم َخ َلعُ و ُه‪ ،‬ال َ تَ ْخ َل ْع‬ ‫السن َّ َة ِيف ِاإل ْس َال ِم‪ُ ،‬ك َّلمَ ا َسخِ َ‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬فالَ أ َ َرى أ َ ْن تُ ُس َّن َهذِهِ ُّ‬
‫ص َك ُه ال َّلهُ‪ )1(.‬مع أن هذا الديري أطلق القياس ‪-‬الباطل ابتداء‪ ،-‬واإلمام إن كرهه‬ ‫يصا َقمَّ َ‬ ‫َق ِم ً‬
‫باطال فاإلثم عىل من كرهه ‪ ،‬قال أبو عيىس الرتمذي‪":‬‬ ‫ً‬ ‫حقا والحق‬ ‫شخص أنوك يرى الباطل ً‬
‫ظا ِل ٍم‬‫ري َ‬ ‫ان ِاإلمَ ا ُم َغ ْ َ‬ ‫ون َف ِإذَا َك َ‬ ‫الرجُ ُل َقوْ مً ا وَ ُه ْم َل ُه َك ِار ُه َ‬ ‫وَق ْد َك ِر َه َقوْ ٌم ِم ْن أ َ ْه ِل العِ ْل ِم‪ :‬أ َ ْن يَ ُؤ َّم َّ‬‫َ‬
‫الث َ ٌة َفالَ‬ ‫ان أ َ ْو ث َ َ‬
‫اق ِيف َهذَا‪ :‬إِذَا َك ِر َه وَاحِ ٌد أ َ ْو اثْن َ ِ‬ ‫وقا َل أَحْ مَ دُ‪َ ،‬وإ ِ ْسحَ ُ‬ ‫اإلث ْ ُم عَ َىل مَ ْن َك ِر َه ُه‪َ ،‬‬ ‫َف ِإنَّمَ ا ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫القوْ ِم"‬‫ُص َِّل َ ِب ِه ْم حَ تَّى يَ ْك َر َه ُه أ َ ْكث َ ُر َ‬‫بَأ ْ َس أ َ ْن ي َ‬

‫(‪ )1‬الطبقات ‪ ٢٩٧٨‬وإسناده صحيح‪.‬‬


‫(‪ )2‬جامع الرتمذي ‪٤٦٤/١‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫واإلمام املكروه ال يخرج عليه أصال بنص صحيح من الصادق املصدوق‪ ،‬روى مسلم يف‬
‫وْزاعِ ُّي‬ ‫يىس بْ ُن يُون ُ َس ‪ ،‬حَ َّدثَنَا َ‬
‫األ َ‬ ‫ربنَا عِ َ‬‫ظ َِل ُّ ‪ ،‬أ َ ْخ َ َ‬
‫اق بْ ُن إِب َْراهِ ي َم ا ْلحَ ن ْ َ‬‫صحيحه‪ ،‬قال حَ َّدثَنَا إ ِ ْسحَ ُ‬
‫ف ب ِْن مَ الِكٍ‬ ‫ظ َة ‪ ،‬عَ ْن عَ وْ ِ‬ ‫َّان ‪ ،‬عَ ْن م ُْس ِل ِم ب ِْن َق َر َ‬ ‫‪ ،‬عَ ْن ي َِزي َد ب ِْن ي َِزي َد ب ِْن جَ ا ِب ٍر ‪ ،‬عَ ْن ُر َزي ِْق ب ِْن حَ ي َ‬
‫ون عَ َليْ ُك ْم‬‫ُص ُّل َ‬ ‫ِين تُحِ بُّونَهُ ْم وَ يُحِ بُّون َ ُك ْم ‪ ،‬وَ ي َ‬ ‫الله ﷺ َقا َل ‪ :‬خِ يَا ُر أَئِمَّ ِت ُك ُم ا َّلذ َ‬ ‫ول ِ‬ ‫‪ ،‬عَ ْن َر ُس ِ‬
‫ضون َ ُك ْم ‪ ،‬وَ تَ ْلعَ نُونَهُ ْم وَ يَ ْلعَ نُون َ ُك ْم ‪،‬‬ ‫ضونَهُ ْم وَ يُبْغِ ُ‬ ‫ِين تُبْغِ ُ‬‫وَيرا ُر أَئِمَّ ِت ُك ُم ا َّلذ َ‬ ‫ص ُّل َ‬
‫ون عَ َلي ِْه ْم ‪َ ِ ،‬‬ ‫وَ تُ َ‬
‫ال َة ‪َ ،‬وإِذَا َرأ َيْتُ ْم‬ ‫السي ِْف ؟ َف َقا َل ‪ :‬ال َ ‪ ،‬مَ ا أ َ َقامُوا فِ ي ُك ُم َّ‬
‫الص َ‬ ‫الله ‪ ،‬أ َ َفالَ نُنَا ِبذُ ُه ْم ِب َّ‬
‫قِ ي َل ‪ :‬يَا َر ُسو َل ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫طاعَ ٍة‪.‬‬‫ِم ْن وُ الَ ِت ُك ْم َشيْئًا تَ ْك َر ُهون َ ُه ‪َ ،‬فا ْك َر ُهوا عَ مَ َل ُه ‪ ،‬وَ ال َ تَن ْ ِزعُ وا يَدًا ِم ْن َ‬

‫ثم قال يف [ الصفحة ‪" ] ٩٨‬بدعته وتكفريه للمسلمني واستحالل دمائهم"‪ ،‬وهو هنا يرمي‬
‫خصومه بما أتى به‪ ،‬وقد بينا أنه ُمستحِ ٌّل للسيف ُمبتدِ ع حائد عن نهج أهل السنة‪ ،‬بل‬
‫الحرج الخروج والقتال وسفك الدماء فقبحه الله وأذله‪ ،‬وذك َر أبياتا‬
‫يبتغي يف هذا الزمن ِ‬
‫ركيكة لشخص يهرف بما ال يعرف‪ ،‬وقد بينَّا قبلها أن شيوخهم وافقوا عىل بيان املكتب‬
‫الرشعي ملتابعة الدواوين الرشعية‪.‬‬
‫ثم ذكر ألف ليلة وليلة من القصص لتربير وضعه‪ ،‬والعجيب أنه أقر بالعمل يف مكتب‬
‫البحوث ثم الحسبة ‪-‬وقد طلب لديوان الفيء واملغانم‪ ،-‬ثم بعدها قال أنه لم يطلب منصبًا‬
‫وال قضا ًء وال توىل شيئا من ذلك‪ ،‬ونسب ألبي يارس البلجيكي ‪-‬أبي أحمد العراقي وقد كان‬
‫أمورا عظيمة‪ ،‬وهدفه وراء ذلك تخويف الخليفة بأن ال ثقة يوثق ِ‬
‫به‬ ‫اليد اليمنى للعدناني‪ً -‬‬
‫‪ ،‬ثم قمش ودلس يف الحقائق وقدح يف أسيادهِ‪ ،‬وما نقموا عىل الفرقان ‪-‬فرق الله بينه وبني‬
‫النار‪ِ -‬سوى امتحانهم بمحض السنة‪ ،‬وهاهنا طرفة‪ ،‬وهي أن شيخنا الفرقان كان يسأل‬
‫الرشعيني‪":‬ما تقولون يف الخروج عىل الحاكم الظالم"‪ ،‬ولع َّل هذا ما جعل هذا املبتدع ينقم‬
‫عليه كل هذه النقمة مع أن شيخنا أبا محمد أق ّل الوالة ظلمً ا ‪ ،‬وال أعلم عنه أن أمر بسفك‬
‫دم خصم من خصومه وال ممن علم عنهم شتمه والقدح فيه وهم ُكثر ‪ -‬ولقد كان شيخهم‬
‫الشامي منذ خروجه من السجن وهو يحاول االنقالب عىل الفرقان وبلغ به أن شتمه يف‬
‫وجهه خالل اجتماع يف رمضان جمع الشيخ أبا محمد والعدناني‪-‬تقبله الله‪ -‬وكان معهم‬
‫عبد الباسط وأبو أحمد ‪-‬وهذا نفاه شيخهم‪ -‬وما رد الفرقان عليه وال أمر بسجنه‪ ،‬وإنما‬
‫رد بعدها العدناني ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬وكذلك كان الكذاب املسطح أبو همام التونيس يغتاب‬
‫الشيخ ويشتمه والشيخ ‪-‬رحمه الله‪ -‬يعلم بذلك وال يهتم!‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪٤٨٣٢‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫ولقد حدثني أبو سعد العتيبي رحمه الله حيا وميتا‪ ،‬بعد أن سألته عن الشيخ الفرقان‪،‬‬
‫فقال يل‪" :‬لقد ظهر يل تقيًّا رحمه الله‪ ،‬وجعله الله يل سببا فحال بيني وبني ما يشتهون"‬
‫‪-‬يعني مسه بسوء بعد أن رفعوا يف حقه التقارير‪-‬‬
‫ثم روى حكاية يكذبها العقل‪ ،‬فزعم أن الخليفة و عماله قد بحثوا وكتبوا ملدة أربعة أشهر‬
‫تعميم السبع ورقات‪ ،‬وهذه لعَ مري هرطقة ال مثيل لها‪ ،‬فالنساء يف منازلها علمت أن‬
‫التعميم كان ردة فعل من قبل بعضهم قد ُكتب برسعة بعد صوتية معتصم التونيس التي‬
‫انترشت قبل التعميم بشهر واحد إىل شهرين! وهذا كقوله أن أبا سعد الشمايل كان واليا‬
‫عىل الرقة‪ ،‬وال أدري يف أي زمن؟ فوالة الرقة هم‪ :‬أبو أيوب الرقي‪ ،‬أبو محمد العدناني‪ ،‬أبو‬
‫داوود اإلماراتي‪ ،‬أبو آصف التونيس‪ ،‬أبو عبد الرحمن الجزراوي التميمي وهو آخرهم‪.‬‬
‫وأما مسألة االمتحان فسيأتي الحديث عنها والتفصيل فيها‪ ،‬وبيان جهل هؤالء النوكى‬
‫بكتب السلف ومصنفات السنة‪ ،‬ورجحان منهج الفرقان عىل منهجهم وأنه ما خالف السنة‬
‫يف فعله‪ ،‬مع أن الفرقان أمري وامتحان العاملني عنده مندوب إليه‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه‬
‫الله‪ " :-‬فإذا أراد اإلنسان أن يصاحب املؤمن أو أراد املؤمن أن يصاحب أحدا وقد ذكر عنه‬
‫الفجور وقيل إنه تاب منه أو كان ذلك مقوال عنه سواء كان ذلك القول صدقا أو كذبا‪ :‬فإنه‬
‫يمتحنه بما يظهر به بره أو فجوره وصدقه أو كذبه وكذلك إذا أراد أن يويل أحدا والية‬
‫امتحنه؛ كما أمر عمر بن عبد العزيز غالمه أن يمتحن ابن أبي موَس ملا أعجبه سمته ‪،‬فقال‬
‫له‪ :‬قد علمت مكاني عند أمري املؤمنني فكم تعطيني إذا أيرت عليه بواليتك؟ فبذل له ماال‬
‫عظيما‪ ،‬فعلم عمر أنه ليس ممن يصلح للوالية ‪،‬وكذلك يف املعامالت وكذلك الصبيان‬
‫واملماليك الذين عرفوا أو قيل عنهم الفجور وأراد الرجل أن يشرتيه بأنه يمتحنه فإن املخنث‬
‫كالبغي وتوبته كتوبتها‪ .‬ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس وتارة تكون‬
‫(‪)1‬‬
‫بالجرح والتعديل وتارة تكون باالختبار واالمتحان "‬
‫وعن عبد الرحمن بن مهدي قال‪ :‬بلغني أن شعبة قال لرشيك‪ :‬كيف ال تجيز شهادة املرجئة؟‬
‫(‪)2‬‬
‫قال‪" :‬وكيف أجيز شهادة قوم يزعمون أن الصالة ليست من اإليمان؟"‬

‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى ‪٣٣٠/١٥‬‬


‫(‪ )2‬رواه عبد الله بن أحمد ‪ ٣٣٤/١‬والخالل ‪٥٨٥/٣‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫قال هشام ‪-‬بن عمار‪ :-‬لقيت شهابا وأنا شاب يف سنة أربع وسبعني فقال يل‪" :‬إن لم تكن‬
‫(‪)1‬‬
‫قدريا وال مرجئا حدثتك‪ ،‬وإال لم أحدثك"‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يف ّ من هذين يشء‪.‬‬
‫[وقد صنف األئمة يف مسألة االمتحان وصنف املقديس الشريازي أبو الفرج رحمه الله كتاب‬
‫االمتحان السني من البدعي]‪.‬‬
‫وأما ما ذكره عن الشيخ القحطاني‪-‬تقبله الله‪ -‬إن س ّلمنا بقوله "تنزالً"‪ ،‬فليس من يروط‬
‫اإلمامة أن يكون اإلمام متكلمً ا محبًا للكالم واملصطلحات املحدثة‪ ،‬وكلما خرج علينا يرعي‬
‫ِ‬
‫وصحبه‪ ،‬ثم كذب عىل البنعَل الذي‬ ‫ببدعة لزمنا أن نتبعه فيها؟ وهذا من هرطقات الديري‬
‫تحدث عن مناصب اإلمام يف رسالته‪ ،‬ومعلوم أن الشيخ البغدادي كان يُناظر املرجئة يف‬ ‫َ‬
‫بوكا ثم كان يرعيًا يف الفلوجة وقاضيًا ثم الرشعي العام لوالية األنبار‪ ،‬والبنعَل قد قال عن‬
‫العدناني أنه كان وليًّا من أولياء الله يميش عىل األرض وذلك بعد مقتله يف إذاعة البيان‪،‬‬
‫فهل خفي عليه وهو من الزم ُه أنه كذب عىل الله وعىل األمَّ ة كما ادعى هذا األنوك اللعان؟ بل‬
‫من سفاهته وخارجيته أن مدح ترامب وأقال عثرته وهو الكافر ولم يفعلها لألمري املسلم!‬
‫‪ ،‬مع أن قوله يف [ الصفحة ‪" ]١١٠‬يف أي ملة يحق للسلطان منع نرش العلم"‪ ،‬فيه من‬
‫التدليس ما الله به عليم‪ ،‬فالدولة ال تمنع نرش العلم‪ ،‬ولكن تمنع البعض من نسبة اجتهاداته‬
‫لعقيدتها‪ ،‬وتمنع نرش الكالم الزائد‪ ،‬مع أن السلف كانوا يكرهون التصنيف‪.‬‬
‫قال امليموني‪ :‬سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل‪ ،‬وسئل عن أصحاب الرأي‪ ،‬يكتب عنهم ؟‬
‫فقال‪ :‬قال عبد الرحمن‪ ،‬هو ابن مهدي‪ :‬إذا وضع الرجل كتابا‪ ،‬من هذه الكتب‪ ،‬أرى أن ال‬
‫يكتب عنه الحديث‪ ،‬قال أحمد‪ :‬وما تصنع بالرأي‪ ،‬ويف الحديث ما يغنيك عنه‪.‬‬

‫قال ابن هانىء‪ُ :‬سئل أحمد بن حنبل‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ ،‬يروى عنه؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قيل‪ :‬فأبو يوسف‬
‫‪-‬صاحب أبي حنيفة‪-‬؟ قال‪ :‬كأنه أمثلهم‪ .‬ثم قال‪ :‬كل من وضع الكتب‪ ،‬فال يعجبني‪ ،‬ويجرد‬
‫الحديث‪ )2(.‬وقال أحمد‪ :‬ال يعجبني يشء من وضع الكتب‪ ،‬ومن وضع شيئا فهو مبتدع‪.‬‬

‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء ‪٢٨٥/٨‬‬


‫(‪ )2‬مسائل ابن هانىء ‪٢٣٦٨‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫وقال ابن هانى‪ :‬سألت أحمد عن كتاب مالك والشافعي أحب إليك أو كتب أبي حنيفة وأبي‬
‫يوسف؟ فقال‪ :‬الشافعي أعجب ايل‪ ،‬هذا إن كان وضع كتابا‪ ،‬فهؤالء يفتون بالحديث [يعني‬
‫(‪)1‬‬
‫مالكا والشافعي] وهذا يفتي بالرأي [يعني أبا حنيفة] فكم بني هذين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأنا أشهد أن هؤالء أصحاب رأي فـ لإلمام منعهم من نرش كتبهم‪ ،‬مع أن املرابطني‬
‫حرقوا كتب الغزايل وكان هذا ديدن أهل العلم املتقدمني‪ ،‬ومن العجائب أن هذا الهاشمي‬
‫كان يحرق كتب العثيمني ملا كان بالحسبة وهي أحسن مما يهرطقون به ‪-‬عىل ضالل بلعام‬
‫آل سعود‪ -‬فتأمل كيف أنه يمنع العلم حسب فكره العقيم‪.‬‬
‫وقال ابن هانىء‪ :‬سمعت أحمد‪ ،‬وسأله رجل من أردبيل‪ ،‬عن رجل يقال له‪ :‬عبد الرحمن‪،‬‬
‫وضع كتابا‪ .‬فقال اإلمام أحمد‪ :‬قولوا له‪ :‬أحد من أصحاب النبي ﷺ فعل هذا؟ أو أحد من‬
‫التابعني؟ فاغتاظ اإلمام أحمد‪ ،‬وشدد يف أمره‪ ،‬ونهى عنه‪ .‬وقال‪ :‬انهوا الناس عنه‪ ،‬وعليك‬
‫(‪)2‬‬
‫بالحديث‪.‬‬
‫وكتب صاحب لعبد الرحمن بن مهدي يف الرد عىل أهل الرأي لكنه رد بكالم طويل‪ ،‬فقال‬
‫له ابن مهدي ‪-‬رحمه الله‪" :-‬إنما يرد عليه بآثار رسول الله ﷺ وآثار الصالحني ‪ ،‬فأما ما‬
‫(‪)3‬‬
‫قلت فر ٌد للباطل بالباطل"‬
‫وروى ابن عدي قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر املطريي‪ ،‬أخربنا يزيد بن الهيثم‪ ،‬أخربنا بشار‬
‫الخفاف قال‪ :‬قال يل عبد الرحمن بن مهدي‪" :‬ويكتب حديث النبي ﷺ ما وجدته عن ثقة‪،‬‬
‫ثم تتبع أصحاب رسول الله ﷺ عن الثقات ثم يكتب حديث التابعني‪ ،‬ثم ال كتاب بعد‬
‫(‪)4‬‬
‫ذلك"‪.‬‬

‫اب ال َّل ِه تَعَ َ‬


‫اىل فِ يهَ ا‪،‬‬ ‫وقال الاللكائي‪" :‬ث ُ َّم أ َ ْستَ ِد ُّل عَ َىل ِصحَّ ِة مَ ذَاهِ ِب أ َ ْه ِل ُّ‬
‫السن َّ ِة ِبمَ ا َ‬
‫وَر َد ِيف ِكتَ ِ‬
‫ْت ِيف أَحَ دِهِ مَا‬
‫ْت فِ ِيهمَ ا جَ ِميعً ا ذَ َك ْرتُهُ مَ ا‪َ ،‬وإ ِ ْن وَجَ د ُ‬ ‫ول ال َّل ِه ﷺ َف ِإ ْن وَجَ د ُ‬ ‫وَ ِبمَ ا ُر ِويَ عَ ْن َر ُس ِ‬
‫وَر ُسولُ ُه أ َ ْن ي ُْقتَدَى ِب ِهمْ‪،‬‬
‫ِين أَمَ َر ال َّل ُه َ‬ ‫ُون ْْل َخ ِر ذَ َك ْرتُ ُه‪َ ،‬وإ ِ ْن َل ْم أ َ ِج ْد فِ ِيهمَ ا إ ِ َّال عَ ِن َّ‬
‫الصحَ اب َِة ا َّلذ َ‬ ‫د َ‬

‫(‪ )1‬املسائل ‪١٩٠٨/١٩٠٩‬‬


‫(‪ )2‬املسائل ‪١٩١١‬‬
‫(‪ )3‬الحلية ‪٩/٩‬‬
‫(‪ )4‬الكامل البن عدي ‪١/١٩٩‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫اه َدت ِِه ُم ا ْلوَحْ َي وَ التَّن ْ ِزي َل‪ ،‬وَمَ عْ ِر َفت ِِه ْم مَ عَ ان َِي‬ ‫وَ يُهْ تَدَى ِبأ َ ْقوَ ال ِِهمْ‪ ،‬وَ ي ُْستَ َضا َء ِبأَنْوَ ِارهِ مْ؛ ِلم َُش َ‬
‫ان‪ ،‬ا َّلذ َ‬
‫ِين‬ ‫ني َلهُ ْم ِب ِإحْ َس ٍ‬ ‫صحَ ا ِب يي َفعَ ِن التَّا ِبعِ َ‬ ‫التَّأ ْ ِوي ِل‪ ،‬احْ تَجَ جْ ُت ِبهَ ا‪َ ،‬ف ِإ ْن َل ْم يَ ُك ْن فِ يهَ ا أَث َ ٌر عَ ْن َ‬
‫اه ْم َق ْد أَجْ مَ عُ وا‬ ‫الز ْل َفى‪َ ،‬ف ِإذَا َرأَيْن َ ُ‬
‫الش َفا ُء وَ ا ْلهُ دَى‪ ،‬وَ التَّ َديُّ ُن ِب َقوْ ِل ِه ُم ا ْل ُق ْرب َُة إ ِ َىل ال َّل ِه وَ ُّ‬
‫ِيف َقوْ ِل ِه ُم ِّ‬
‫يش ٍء عَ وَّ ْلنَا عَ َلي ِْه‪ ،‬وَمَ ْن أَن ْ َك ُروا َقوْ َل ُه أ َ ْو َردُّوا عَ َلي ِْه ِبدْعَ تَ ُه أ َ ْو َك َّف ُرو ُه حَ َكمْ نَا ِب ِه‬ ‫عَ َىل َ ْ‬
‫ط ِري َق َة‬ ‫ون َه ِذهِ ال َّ‬ ‫ظ َ‬ ‫ول ال َّل ِه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬إ ِ َىل يَوْ ِمنَا َهذَا َقوْ ٌم يَحْ َف ُ‬ ‫وَ اعْ تَ َق ْدنَاهُ‪.‬وَ َل ْم يَ َز ْل ِم ْن َلد ُْن َر ُس ِ‬
‫ان ِيف ْ ِاإل ْس َال ِم‬ ‫َاع‪.‬وَ َك َ‬ ‫ط ُر َق ِاالتِّب ِ‬ ‫ط ِر َ‬
‫يق ِة لِجَ هْ ل ِِه ُ‬ ‫ون ِبهَ ا‪َ ،‬وإِنَّمَ ا َه َل َك مَ ْن حَ ا َد عَ ْن َهذِهِ ال َّ‬ ‫وَ يَتَ َديَّن ُ َ‬
‫ف‬ ‫اب ِلتُعْ َر َ‬ ‫ُون‪ ،‬أَذْ ُك ُر أ َ َس ِاميَهُ ْم ِيف ابْ ِتدَا ِء َهذَا ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫يق ُة َقوْ ٌم مَ عْ دُود َ‬ ‫ط ِر َ‬
‫مَ ْن ي ُْؤ َخذُ عَ ن ْ ُه َه ِذهِ ال َّ‬
‫يق َة‪ ،‬وَ أ َ ْر َش ُدون َا إ ِ َىل‬
‫ط ِر َ‬‫ظوا عَ َليْنَا َهذِهِ ال َّ‬ ‫الرتحُّ ُم عَ َلي ِْه ْم وَ الدُّعَ ا ُء َلهُ مْ؛ لِمَ ا حَ فِ ُ‬ ‫أ َ َس ِام ِيهمْ‪ ،‬وَ يُ ْكث َ َر َّ َ‬
‫لسن َّ ِة‬
‫يل " ا ُّ‬ ‫ظ ِم ِه عَ َىل َس ِب ِ‬ ‫اب وَ ن َ ْ‬ ‫ِيف َهذَا ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫صن ِ‬ ‫الرشيعَ ِة‪ ،‬وَ َل ْم آ ُل جَ هْ دًا ِيف تَ ْ‬ ‫ُسن َ ِن َه ِذهِ َّ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫وَ ا ْلجَ مَ اعَ ِة"‬
‫قال أبو داود‪ :‬سمعت أحمد وقد قال له رجل‪ :‬جامع سفيان نعمل به؟ قال‪ :‬عليك باْلثار ‪.‬‬
‫قال أبو داود‪ُ :‬‬
‫قلت ألحمد‪ :‬الرجل يسأل عن املسألة فأدله عىل إنسان يسأله؟ قال‪ :‬إذا كان‬
‫يعني‪ ،‬الذي أرشد إليه‪ :‬يتبع ويفتي بالسنة‪ ،‬فقيل ألحمد‪ :‬إنه يريد االتباع وليس كل قوله‬
‫يصيب؟ فقال‪ :‬ومن يصيب يف كل يشء؟ قلت‪ :‬يفتي برأي مالك‪ ،‬قال‪" :‬ال تتقلد من مثل هذا‬
‫(‪)2‬‬
‫بيشء" "‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬سمعت أبي وأبا زرعة‪ :‬يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع‪ ،‬ويغلظان يف‬
‫ذلك أشد التغليظ‪ ،‬وينكران وضع الكتب برأي يف غري آثار‪ ،‬وينهيان عن مجالسة أهل الكالم‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والنظر يف كتب املتكلمني"‬
‫قال ابن أبي يعىل‪" :‬وإنما لم يكن للمتقدمني من أئمة السنة والدين تصنيف يف الفقه‪ ،‬وال‬
‫يرون وضع الكتب وال الكالم إنما كانوا يحفظون السنن واْلثار ويجمعون األخبار ويفتون‬
‫(‪)4‬‬
‫بها"‬
‫روى عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي وذكر وضع كتب فقال‪ :‬أكرهها هذا أبو حنيفة‬
‫وضع كتابا فجاء أبو يوسف ووضع كتابا وجاء محمد بن الحسن فوضع كتابا فهذا ال‬

‫(‪ )1‬يرح السنة ‪١/٢٩‬‬


‫(‪ )2‬مسائل أحمد برواية أبي داود ‪١٧٧٩/١٨١٩‬‬
‫(‪ )3‬الاللكائي ‪١/١٧٩‬‬
‫(‪ )4‬طبقات الحنابلة ‪١/٦‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫انقضاء له كلما جاء رجل وضع كتابا وهذا مالك وضع كتابا وجاء الشافعي أيضا وجاء‬
‫هذا يعني أبا ثور وهذه الكتب وضعها بدعة‪ ،‬كلما جاء رجل وضع كتابا ويرتك حديث‬
‫رسول الله ﷺ وأصحابه!"‪ )1(.‬قال أبو داود‪ :‬عن أحمد يقول‪ :‬ال يعجبني رأي مالك وال رأي‬
‫(‪)2‬‬
‫أحد‬

‫قلت‪ :‬ومثل هذا كثري‪ ،‬وغاية ما يكتبه هذا الهاشمي وأمثاله سجع غثيث‪ ،‬وقصائد ركيكة‬
‫وكالم كثري ورأي وبرت وتدليس كما تقدم‪ ،‬بل يرد األحاديث الصحيحة التي صحَّ حها كل‬
‫علماء السنة األساطني وتلقوها بالقبول‪.‬‬
‫قال الطرطويش املالكي‪" :‬فلما عمل ‪-‬يقصد الغزايل الذي يذكر هذا الديري كالمه كثريا يف‬
‫كتابه هذا ويعتربه عمد ًة‪ -‬كتابه سماه "إحياء علوم الدين" عمد يتكلم يف علوم األحوال‬
‫ومراقي الصوفية‪ ،‬وكان غري دري بها وال خبري بمعرفتها‪ ،‬فسقط عىل أم رأسه فال يف علماء‬
‫املسلمني قر‪ ،‬وال يف أحوال الزاهدين استقر‪ ،‬شحن كتابه بالكذب عىل رسول الله ﷺ ‪ ،‬فال‬
‫أعلم كتابا ً عىل بسيط األرض يف مبلغ علمي أكثر كذبا عىل رسول الله ﷺ منه‪ ،‬سبكه بمذاهب‬
‫الفالسفة ومعاني "رسائل إخوان الصفاء" وهم قوم يرون النبوة اكتساباً‪ ،‬وليس النبي يف‬
‫زعمهم أكثر من شخص فاضل تخلق بمحاسن األخالق‪ ...‬إىل أن قال‪" :‬وأما ما ذكرت من‬
‫إحراق الكتاب بالنار فإنه إن ترك انترش بني ظهور الخلق‪ ،‬ومن ال معرفة له بسمومه‬
‫القاتلة‪ ،‬وخيف عليهم أن يعتقدوا صحة ما سطر فيه مما هو ضالل‪ ،‬فيحرق قياسا ً عىل ما‬
‫أحرقه الصحابة ريض الله عنهم من صحائف املصحف التي كان فيها اختالف اللفظ‬
‫ونقص آي منه‪ ...‬ويف دونه من الكتب غنية وكفاية إلخواننا املسلمني‪ ،‬وطبقات الصالحني‪،‬‬
‫ومعظم من وقع يف عشق هذا الكتاب رجال صالحون ال معرفة لهم بما يلزم العقل وأصول‬
‫(‪)3‬‬
‫الديانات‪ ،‬وال يفهمون اإللهيات‪ ،‬وال يعلمون حقائق الصفات"‬
‫وقال القايض عياض‪" :‬أبو حامد ذو األنباء الشنيعة والتصانيف الفظيعة‪ ،‬غال يف طريق‬
‫التصوف‪ ،‬وتجرد لنرص مذهبهم‪ ،‬وصار داعية يف ذلك‪ ،‬وألف فيه تواليفه املشهورة‪ ،‬أخذ‬

‫(‪ )1‬مسائل عبد الله بن أحمد ألبيه ‪١٥٨٢‬‬


‫(‪ )2‬املسائل ‪١٧٧٨‬‬
‫(‪ )3‬سري أعالم النبالء ‪٣٣٤/١٩‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫عليه فيها مواضع‪ ،‬وساءت به ظنون أمة‪ ،‬والله أعلم برسه‪ ،‬ونفذ أمر السلطان عندنا‬
‫(‪)1‬‬
‫باملغرب‪ ،‬وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها‪ ،‬فامتثل ذلك"‪.‬‬
‫ات عَ َىل‬ ‫صحَ ابَ ا ْل ِوَالي َ ِ‬ ‫وَز َرات ِِه وَ أ َ ْ‬
‫َري َة عَ َىل َ‬ ‫وَيل َ ا ْلخِ َال َف َة أ َ َق َّر اب َْن ُهب ْ َ‬
‫ذكر صاحب الكامل ‪ ":‬وَ َلمَّ ا ِ‬
‫ان ِبئْ َس‬ ‫وَقا َل‪ :‬وَ َك َ‬‫ايض اب ِْن ا ْلم َُر َّخ ِم َ‬ ‫وَقب ََض عَ َىل الْ َق ِ‬ ‫الْضائِبَ ‪َ ،‬‬ ‫وس وَ َّ َ‬ ‫ِوَاليَات ِِهمْ‪ ،‬وَ أ َ َزا َل ا ْل ُم ُك َ‬
‫ان ِم ْن عُ لُو ِم‬ ‫الرحْ ب َِة مَ ا َك َ‬ ‫ا ْلحَ ا ِكمُ‪ ،‬وَ أ َ َخذَ ِمن ْ ُه مَ ًاال َك ِثريًا‪ ،‬وَ أُخِ ذَ ْت ُكتُبُ ُه َفأُحْ ِر َق ِمنْهَ ا ِيف َّ‬
‫الص َفا "‪ ،‬وَمَ ا َشا َك َلهُ مَ ا‪،‬‬ ‫ان َّ‬ ‫الش َفا ِء " ِالب ِْن ِسينَا‪ ،‬وَ ِكتَابُ " إ ِ ْخوَ ِ‬ ‫ان ِمنْهَ ا‪ِ :‬كتَابُ " ِّ‬ ‫ا ْل َف َال ِس َف ِة‪َ ،‬ف َك َ‬
‫ير أ َ ْن يَ ُقو َم‬ ‫ان أ ُ ْستَاذُ الد ِ‬
‫َّار يُمَ ِّكنُهُ‪ ،‬وَ تَ َق َّد َم إ ِ َىل ا ْلوَ ِز ِ‬ ‫الر َؤ َسا ِء‪ ،‬وَ َك َ‬ ‫ِيس ُّ‬ ‫ِّين ب َْن َرئ ِ‬‫ض َد الد ِ‬ ‫َ‬
‫وَق َّد َم عَ ُ‬
‫وَرتَّبَ مَ َكان َ ُه أَبَا جَ عْ َف ٍر عَ بْ َد‬ ‫ايض ا ْل ُق َضا ِة أَبَا ا ْلحَ َس ِن عَ َِل َّ ب َْن أَحْ مَ َد الدَّامَ َغا ِن َّي‪َ ،‬‬ ‫َلهُ‪ ،‬وَ عَ َز َل َق ِ‬
‫ا ْلوَ احِ ِد الث َّ َقفِ َّي‪َ ،‬‬
‫وَخ َل َع عَ َلي ِْه"‪.‬‬
‫برأ املأمون املعتزيل‪ ،‬وترامب الكافر و ّملح إىل أن هذا األمر‬
‫ومن كذب هذا الديري وجهله أن َّ‬
‫ما فعله أحد قط‪ ،‬والصواب خالف ذلك‪ ،‬وأن حرق ُكتب املخالف أو إتالفها هو فعل شائع‬
‫مستفيض سواء عند الكفار أو املسلمني‪ ،‬ولكنه لشدة جهله ال يعرف ذلك‪.‬‬
‫وَق ِف‬‫اس ا ْل ْ‬
‫وْىل عَ َىل ُكتُ ِب الن َّ ِ‬‫استَ َ‬ ‫ان الطويس ُمنَجِّ مً ا لِهُ َوال ُك َو ْ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ":‬وَ َك َ‬
‫الر َقائ ِِق يُعْ دِ مُهَ ا وَ أ َ َخذَ ُكتُبَ ال ِّ‬
‫طبِّ‬ ‫ِيث وَ ا ْلفِ ْق ِه وَ َّ‬ ‫ان ُكتُبُ ْ ِاإل ْس َال ِم ِمث ْ ُل التَّ ْف ِس ِ‬
‫ري وَ ا ْلحَ د ِ‬ ‫وَ ا ْل ِم ْلكِ َف َك َ‬
‫َّ ُ (‪)2‬‬
‫وَ النُّجُ و ِم وَ ا ْل َف ْل َس َف ِة وَ ا ْلعَ َر ِبي َِّة َفهَ ِذهِ عِ نْد َُه هِ َي ا ْل ُكتُبُ الْمُعَ ظمَ ة"‪.‬‬
‫صوْ ر‪،‬‬ ‫وقال الذهبي يف السري يف ترجمة املنصور ‪ ":‬ث ُ َّم تَم ّلك ابْن َغا ِنيَة َق ْلعَ ة حَ مَّ اد‪َ ،‬ف َسا َر ا َملن ْ ُ‬
‫صوْر ِبن َ ْف ِس ِه‪َ ،‬فكرس‬ ‫مزقهُ م‪َ ،‬ف َسا َر ا َملن ْ ُ‬
‫اهم ابْن َغا ِنيَة َف ّ‬ ‫التق ُ‬ ‫اسرت ّد ِبجَ ايَة‪ ،‬وَ جَ هَّ َز جَ يْشه‪َ ،‬ف َ‬ ‫وَ ْ‬
‫وَق َّد َم جيشه عليهم أخاه يحيى‪،‬‬ ‫ات ِيف خيمَ ِة أ َ َ‬
‫عرابيَة‪َ ،‬‬ ‫الجراح‪َ ،‬فمَ َ‬ ‫ابْن َغا ِنيَة‪ ،‬وَ ذَ َهبَ ُمث ْ َخنا ً ِب َ‬
‫صة‪،‬‬ ‫صوْر َق ْف َ‬ ‫اسرت ّد ا َملن ْ ُ‬ ‫ط ِويْ َلة‪ ،‬وَ ْ‬‫فانحاز بهم إىل الصحراء مَ َع ا ْلعَ َرب‪ ،‬وَجَ َر ْت َل ُه حُ ُروْب َ‬
‫قشف‪،‬‬ ‫وَتز َّهد‪ ،‬وَ تَ ّ‬ ‫ص ْرباً‪ ،‬ث ُ َّم ن َ ِدم‪َ ،‬‬ ‫وَقتَ َل ِيف أ َ ْهلهَ ا‪َ ،‬فأَرسف‪ ،‬ث ُ َّم قتل عَ مَّ يه ُس َليْمَ ان وَ عُ مَ ر َ‬ ‫َ‬
‫ظاهِ ر‪ ،‬وَ أ َعرض عَ ِن ا َملا ِل ِكيَّة‪ ،‬وَ أَحرق مَ ا ال َ ي َ‬
‫ُحَص‬ ‫ِني‪ ،‬وَ مَ ال إ ِ َىل ال َّ‬
‫الص َلحَ اء وَ املُحَ ِّدث ْ َ‬
‫وَجَ الِس ُّ‬
‫ِم ْن ُكتُب ُ‬
‫الف ُروْع‪.‬‬
‫ْت َ‬
‫األحمَ ال ي ُْؤتَى ِبهَ ا‪َ ،‬فتُحرق‪ ،‬وَتهدَّد عَ َىل‬ ‫َقا َل عَ بْ ُد الوَ احِ ِد ب ُن عَ َِلي‪ُ :‬كنْت َ‬
‫بفاس‪َ ،‬فشهد ُ‬
‫االشتغال ِب ُ‬
‫الف ُروْع"‪.‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪٣٢٧/١٩‬‬


‫(‪ )2‬مجموع الفتاوى ‪207/13‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫قلت‪ :‬انظر كيف أن ميله ملذهب ابن حزم جعله يحرق كتب املالكية يف الفروع وهم‬
‫يتمسكون باألثر ! واملالكية أنفسهم قد أحرقوا كتب ابن حزم‪ ،‬ومن مسائل اإلمام إسحاق‬
‫بن راهويه أن ال يشء عىل محرق كتب الجهمية‪ ،‬بل استحسن السلف ذلك أشد االستحسان‬
‫ً‬
‫مرسوقة! وال أعرف شخصا أنكر هذا سوى الديري وصحبه النوكى‪.‬‬ ‫وإن كانت‬
‫والدولة قد نرشت العلم والسنة والتوحيد‪ ،‬وطبعت الكتب‪ ،‬لكن سياسة شيخنا الفرقان ‪-‬‬
‫تقبله الله‪ -‬كانت كراهية نرش كتب املعارصين وخاصة أمثال هذا الديري‪ ،‬مستشهدا بكالم‬
‫اإلمام أحمد رحمه الله الذي رواه ابن بطة يف اإلبانة‪ ،‬قال‪" :‬أهلكهم وضع الكتب‪ ،‬تركوا آثار‬
‫رسول الله ﷺ وأقبلوا عىل الكالم"‪.‬‬
‫ض ِع ا ْل ُكتُ ِب‪ :‬فِ يهَ ا تَ ْف ِصي ٌل‪َ ،‬لي َْس َهذَا مَ وْ ِضعَ هُ‪،‬‬ ‫قال ابن القيم يف الطرق الحكمية ‪ ":‬وَ مَ ْسأ َ َل ُة وَ ْ‬
‫السن َّ ِة‪،‬‬
‫آن وَ ُّ‬ ‫اض عَ ْن ا ْل ُق ْر ِ‬ ‫َوإِنَّمَ ا َك ِر َه أَحْ مَ ُد ذَ ِل َك‪ ،‬وَمَ ن َ َع ِمنْهُ‪ :‬لِمَ ا فِ ِيه ِم ْن ِاال ْشت َِغ ِ‬
‫ال ِب ِه‪ ،‬وَ ْ ِاإلعْ َر ِ‬
‫ال ل ِْْل َرا ِء وَ ا ْلمَ ذَاهِ ِب‬
‫ط ٍ‬‫وَالسن َّ ِة وَالذَّبِّ عَ نْهُ مَ ا‪َ ،‬وإِبْ َ‬
‫آن ُّ‬ ‫رص ا ْل ُق ْر ِ‬
‫َف ِإذَا َكان َ ْت ا ْل ُكتُبُ ُمتَ َضمِّ ن َ ًة ِلن َ ْ ِ‬
‫ال‪،‬‬‫ِضا ِء ا ْلحَ ِ‬ ‫اجب ًَة وَ م ُْستَحَ ب ًَّة وَ ُمبَاحَ ًة‪ِ ،‬بحَ َس ِب ْاقت َ‬ ‫وَق ْد تَ ُكو ُن وَ ِ‬ ‫ُخال َِف ِة َلهُ مَ ا َف َال بَأ ْ َس ِبهَ ا‪َ ،‬‬ ‫ا ْلم َ‬
‫وَ اَل َّل ُه أَعْ َلمُ‪.‬‬
‫صودُ‪ :‬أ َ َّن َه ِذهِ ا ْل ُكتُبَ ا ْلم ُْشتَ ِم َل َة عَ َىل ا ْل َكذ ِِب وَ ا ْل ِبدْعَ ِة ي َِجبُ إتْ َال ُفهَ ا َوإِعْ دَامُهَ ا‪ ،‬وَهِ َي أَوْ َىل‬ ‫وَ ا ْلمَ ْق ُ‬
‫ظ ُم ِم ْن َ َ‬
‫ْض ِر‬ ‫ْض َر َها أ َعْ َ‬
‫ف آ ِني َِة ا ْل َخمْ ِر‪َ ،‬ف ِإ َّن َ َ‬ ‫ف‪َ ،‬وإِتْ َال ِ‬ ‫ف َآال ِت ال َّلهْ ِو وَ ا ْلمَ عَ ِاز ِ‬ ‫ِبذَ ِل َك ِم ْن إتْ َال ِ‬
‫رس أَوَ انِي ا ْل َخمْ ِر َ‬
‫وَش ِّق ِز َقاقِ هَ ا"‬ ‫ان ِيف َك ْ ِ‬ ‫ضمَ َ‬ ‫ان فِ يهَ ا‪َ ،‬كمَ ا َال َ‬ ‫ضمَ َ‬ ‫وَال َ‬
‫َه ِذهِ ‪َ ،‬‬

‫ليس فيها كالم للسلف‪ ،‬قيل لك بل فيها آثار صحيحة‬ ‫فإن قيل وهذه املسائل –كالتكفري‪َ -‬‬
‫وآيات ُمحكمة‪ ،‬ولهذا نهى شيخنا الفرقان ‪-‬تقبله الله‪ -‬عن الخوض يف تلك املصطلحات‬
‫التي ما أنزل الله بها من سلطان‪ ،‬واالكتفاء بما عليه الفقهاء والعلماء الذين هم أعلم من‬
‫هذا املبتدع وصحبه أو الرشعيني وعدم سلوك مسالك لم يسبقنا لها أحد من العاملني‪ ،‬قال‬
‫أحمد يف رواية املروذي‪ :‬إذا سئلت عن مسألة ال أعرف فيها خربًا قلت فيها بقول الشافعي‪،‬‬
‫ألنه إمام عالم من قريش‪ ،‬وقد قال النبي ﷺ ‪" :‬عالم قريش يمأل األرض علما"‬
‫قال الرببهاري‪-‬رحمه الله‪" :-‬واعلم أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب‪ ،‬ولكن العالم من‬
‫اتبع الكتاب والسنة وإن كان قليل العلم والكتب‪ ،‬ومن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب‬
‫بدعة وإن كان كثري الرواية والكتب"(‪ )1‬وأكرب دليل عىل صحة كالم الرببهاري‪ ،‬هو هذا‬

‫(‪ )1‬يرح السنة للرببهاري ‪٥٢‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫الديري الهاشمي فله من التصانيف الكثري والكثري وهذا الكتاب الذي نرد عليه وابتغى به‬
‫فتنة الناس قد أخرجه يف أكثر من ‪ ٢٠٠‬صفحة وكله تدليس وكالم ورأي ومخالفة لرصيح‬
‫وصحيح السنة واألثر‪ ،‬ف ِبم فاز وماذا نال ؟ سوى دعاء املسلمني عليه‪ ،‬وإظهار جهله‬
‫وسفاهته وكذبه وتدليسه‪ ،‬نعوذ بالله من الحور بعد الكور‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كلُالعلومُسوىُالقرآنُمشغلةُُ**ُُإالُالحديثُوالفقهُِفُالدين‬
‫العلمُماُقيلُفيهُحدثناُُُ**ُُُُوماُسواهُفوسواسُالشياطنيُ‬

‫قال يف [ الصفحة ‪" ]١١٢‬أحلف بالله‪ ...‬أن أبا يعقوب لم يكن يعرف مكاني‪ ،‬وال كيف‬
‫يصل إيل‪ ،‬ولم أقابله طول مدة اختفائي إال مرة واحدة يف جلسة مطولة قبل خروجي بثالثة‬
‫أيام فحسب"‪.‬‬
‫وهذا تناقض جديد‪ ،‬فالديري يقر أنه التقى به‪ ،‬فهل التقى به يف جرم بعيد؟ ثم ذكر ما‬
‫يدين املقديس أبا يعقوب‪ ،‬بل قال عنه أنه "أبهت" أمام حجج هذا الديري‪ ،‬فلعمر الله إن‬
‫فأف لهؤالء "العلماء" الذين يَبهتون أمام الديري وحججه الضعيفة‬ ‫كان هذا صحيحً ا‪ِّ ،‬‬
‫طالع ولو قليل‬ ‫السقيمة وآرائه املتخبطة وبرته للكالم الذي يعرف كل طويلب عل ٍم عنده ا ِّ‬
‫بكتب العلماء أنه قد برت ودلس‪ ،‬فكيف بمن وَ يل َ منصب اإلفتاء يف الدولة؟ والعجيب أن‬
‫شيعة هذا الديري يتناقلون هذه الرسالة وفيها طعن يف شيخهم وتجهيل له‪ ،‬ثم ذكر كالمً ا‬
‫تنزلنا له وصدقناها‬ ‫ريا وفيه زعم أن الشيخ القحطاني‪-‬تقبله الله‪ -‬حدثه بمسائل لو َّ‬ ‫كث ً‬
‫لكانت قدحً ا فيه ‪ ،‬فهو قد صوَّره كثرثار ال يُستأمن عىل كلمة‪ ،‬واملضحك أن هذا الديري‬
‫الكذاب ينقل كالمً ا هو نفسه ال يفهمه‪ ،‬فال يعرف الفرق بني الشيخ أبي أنس العراقي‬
‫الشايب أمري بيت املال‪ ،‬وبني أبي أنس وايل الفرات‪ ،‬وبني أبي أنس القائد العسكري‪ ،‬وإنما‬
‫يتحدث ألجل الحديث‪ ،‬ونسب ألحدهم [وقد قتل قبل سنتني ونصف] الرجوع للميادين! ‪-‬‬
‫التي سقطت قبل سنة ونيف‪ ،-‬فال أدري أعاد من الربزخ ليأخذ الذهب أم عادت له الروح‪.‬‬
‫بعد ذلك يقال‪ :‬أما عرف الديري أن السالمة أوىل؟ وما حمله عىل اقتحام هذه املهلكات‬
‫والحديث يف أناس أفضوا إىل ما ق َّدموا دون تثبت؟‪ ،‬وهو يظلم من لم يقع يف يش ٍء بسبب‬
‫اختالطه وتخبطه نسأل الله السالمة والعافية‪.‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫وبني تهافته وغياب عقله‪ ،‬فقال يف [الصفحة ‪" ]١٥١‬قصف‬ ‫ثم أتى بالقاصمة لظهره‪َّ ،‬‬
‫مدينة مارع بالكلور‪ ...‬لكن فيها من عوام املسلمني من ال يحل قتله وال استباحة دمه"‪ ،‬ثم‬
‫قال يف الحاشية‪" :‬ومن لطف الله أنه لم يكن حينها يف مارع من عوام املسلمني أحد"‪.‬‬
‫وال أدري ما هذا الهذيان وماهذه الهلوسات وأي لغة يتحدث بها هذا الكذاب؟‪ ،‬وما علمت‬
‫عن مدينة يغيب عنها "عوام املسلمون" يف لحظة! ولم يقل لعلهم درسوا األمر وانتظروا‬
‫خروج عوام املسلمني لقصفها كما أكد هو ‪-‬غياب عوام املسلمني‪ -‬إن صحت هذه‬
‫الهرطقات التي ينقض بعضها بعضا‪ ،‬والديري يكثر يف كالمه مثل هذا‪ ،‬وحسبنا الله فيه‬
‫ويف من أقر رسالته هذه التي تلهي املسلمني عن نرصة أهلهم‪ ،‬بل تعمد نرشها يف أشد‬
‫األوقات‪ ،‬وياليتها حملت مادة علمية وفائدة ألمة اإلسالم‪ ،‬بل جهود سنة لو استغلها فيما‬
‫هو خري له وللمسلمني ألفلح والله املستعان‪ ،‬وأعجب العجب أن هؤالء يدعون إىل ذم التقول‬
‫عىل الله بغري علم‪ ،‬وهم والله يتقولون عىل الله بغري علم وعندهم جهل كبري بما عليه السلف‬
‫الصالح كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫وههُ ْم م ُْسوَ َّد ٌة أ َ َلي َْس ِيف جَ هَ ن َّ َم مَ ثْوً ى‬
‫ِين َكذَبُوا عَ َىل ال َّل ِه وُجُ ُ‬
‫﴿وَ يَوْ َم ا ْلقِ يَامَ ِة تَ َرى ا َّلذ َ‬
‫ين﴾‬ ‫ِل ْل ُمتَ َك ِّ ِرب َ‬

‫ثم ذكر ما زعم أن الشيخ القحطاني‪-‬تقبله الله‪ -‬أخربهم به‪ ،‬واألمر كما قيل أن من ن َّم إليك‬
‫نم عليك‪ ،‬ومن رفع التقارير إىل الوالة البد وأن يرفع التقارير "عىل" الوالة‪ ،‬وسيأتي مزيد‬
‫رد عىل ماسمي ب"ما ننطيها"‪.‬‬
‫قال يف [الصفحة ‪"]١٥٣‬ومعلوم أن عداوتهم لطلبة العلم ليس لدنيا بل ألجل دين‪،‬‬
‫فأبغضوهم ملا حملوه من علم‪ ،‬فهو الصفة الجامعة للرشعيني"‪ ،‬ولعمر الله أنها من‬
‫املضحكات‪ ،‬ومن أراد أن يرى ما حملوه من علم فدونه هذا الديري وعلمه املبتور‪- .‬والكالم‬
‫عىل هذا وأمثاله‪-‬‬
‫كلمة نُسبت لشيخنا الفرقان ‪-‬فرق الله بينه وبني النار‪ -‬بكلمة الزنادقة األوائل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ثم شبَّه‬
‫العدناني قبله‪ ،‬والعجيب أن هذا األنوك الذي‬
‫ّ‬ ‫ولعل هذا املغايل يكفر الشيخ فقد كفر الشيخ‬
‫شيخه وينقل عن األشاعرة وأهل الرأي ممن أجمع‬ ‫ِ‬ ‫يرد األحاديث الصحيحة ويضعِّ فها مع‬
‫"أهل الحديث" عىل تجريحهم وتكفري بعضهم‪ ،‬شبه نفسه وَ أمثاله بأهل الحديث! وهذه‬
‫ٌ‬
‫مسبة كربى ألعالم السنة‪.‬‬ ‫لعمري‬

‫‪- 50 -‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َقا َل اإلمام أ َحْ مَ د‪" :‬من دل عَ َىل صاحب رأي ليفتنه فقد أعان عَ َىل هدم اإلسالم"‬
‫الرأ ْ ِي ا ْلم َ‬
‫ُخال ُِف َ‬
‫ون‬ ‫ف عَ نْهُ_ يعني أحمد_ ِيف أَن َّ ُه َال ي َْستَ ْفتِي أ َ ْه َل َّ‬
‫قال اإلمام ابن القيم‪ ":‬وَ َال خِ َال َ‬
‫ُ (‪)2‬‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ ‪ ،‬وَ ِباَل َّل ِه التَّوْفِ يق"‬
‫ل ُِسن َّ ِة َر ُس ِ‬
‫الس ِام ُّي‪ ،‬وَحَ َّدثَنَا َسعِ ي ُد بْ ُن يَعْ ُقوبَ‬
‫الرحْ مَ ِن َّ‬ ‫قال العقيَل يف الضعفاء حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن عَ بْ ِد َّ‬
‫وْن ي َُقو ُل‪ :‬مَ ا وُ ِل َد ِيف‬
‫اق َقا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت اب َْن عَ ٍ‬ ‫طا ْل َقان ُِّي ‪َ ،‬قا َل ‪ ،‬حَ َّدثَنَا م َُؤمَّ ٌل‪ ،‬عَ ْن عُ مَ َر ب ِْن إ ِ ْسحَ َ‬‫ال َّ‬
‫ْف تَأ ْ ُخذُ َ‬
‫ون دِ ين َ ُك ْم عَ ْن َرجُ ٍل َق ْد ُخ ِذ َل ِيف عَ ْ‬
‫ظ ِم دِ ين ِِه‪.‬‬ ‫ْ ِاإل ْس َال ِم مَ وْ لُو ٌد أ َ ْشأ َ َم ِم ْن أَبَى حَ ن َ‬
‫ِيف َة ‪ ،‬وَ َكي َ‬

‫فهل كل من ذم أبا حنيفة زنديق؟ ألنه طعن بـ"يرعي"؟‬


‫قال املروزي حدثني عَل بن سعيد النسوي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أحمد بن حنبل ‪ « :‬يقول لهؤالء‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬أصحاب أبي حنيفة ‪ :‬ليس لهم برص بيشء من الحديث ‪ ،‬ما هو إال الجرأة »‬
‫الشافِ عِ َّي‪ ،‬ي َُقو ُل‪ُ " :‬ق ْل ُت‬ ‫األعْ َىل‪َ ،‬قا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت َّ‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ثنا أ َ ِبي‪ ،‬ثنا يُون ُ ُس ْب ُن عَ بْ ِد َ‬
‫ان يَنْبَغِ ي‬ ‫ِيف َة‪َ ،‬ف َقا َل ِيل مُحَ مَّ ُد بْ ُن ا ْلحَ َس ِن‪ :‬مَ ا َك َ‬ ‫ِلمُحَ مَّ ِد ب ِْن ا ْلحَ َس ِن يَوْ مً ا‪ ،‬وَ ذَ َك َر مَ ا ِل ًكا وَ أَبَا حَ ن َ‬
‫ِصاحِ ِب ُك ْم أ َ ْن ي ُْفت َِي ي ُِري ُد مَ ا ِل ًكا‪ُ ،‬ق ْل ُت‪ :‬ن َ َش ْدتُ َك ال َّلهَ‪،‬‬‫ِيف َة‪ ،‬وَال ل َ‬ ‫ِصاحِ ِبنَا أ َ ْن ي َْس ُك َت يَعْ نِي أَبَا حَ ن َ‬ ‫ل َ‬
‫اب ال َّل ِه؟ َقا َل‪ :‬ال َّلهُ َّم نَعَ ْم "‪.‬‬ ‫ان عَ الِمً ا ِب ِكتَ ِ‬‫صاحِ بَنَا يَعْ نِي مَ ا ِل ًكا َك َ‬ ‫أَتَعْ َل ُم أ َ َّن َ‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ ؟ َقا َل‪ :‬ال َّلهُ َّم نَعَ مْ‪.‬‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬فن َ َش ْدتُ َك ال َّلهَ‪ ،‬أَتَعْ َل ُم أ َ َّن َ‬
‫صاحِ بَنَا َك َ‬
‫ان عَ الِمً ا ِبحَ دِ ِ‬
‫يث َر ُس ِ‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ ؟ َقا َل‪ :‬نَعَ مْ‪.‬‬
‫اب َر ُس ِ‬ ‫ِالف أ َ ْ‬
‫صحَ ِ‬ ‫اخت ِ‬ ‫ُق ْل ُت‪ :‬وَ َك َ‬
‫ان عَ الِمً ا ِب ْ‬

‫ُق ْل ُت‪ :‬أ َ َك َ‬


‫ان عَ اقِ ال؟ َقا َل‪ :‬ال‪.‬‬
‫اب ال َّل ِه عَ َّز وَجَ َّل؟‬ ‫صاحِ بَ َك يَعْ نِي أَبَا حَ ن َ‬
‫ِيف َة‪َ ،‬ك َ‬
‫ان جَ اهِ ال ِب ِكتَ ِ‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬فن َ َش ْدتُ َك ال َّلهَ‪ ،‬أَتَعْ َل ُم أ َ َّن َ‬
‫َقا َل‪ :‬نَعَ مْ‪.‬‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ ؟ ‪،‬‬
‫اب َر ُس ِ‬ ‫ِالف أ َ ْ‬
‫صحَ ِ‬ ‫اخت ِ‬‫ول ال َّل ِه ﷺ ‪ ،‬وَجَ اهِ ال ِب ْ‬ ‫ُق ْل ُت‪ :‬وَ َك َ‬
‫ان جَ اهِ ال ِبحَ د ِ‬
‫ِيث َر ُس ِ‬
‫َقا َل‪ :‬نَعَ مْ‪.‬‬

‫(‪ )1‬طبقات الحنابلة ‪٥٤/١‬‬


‫(‪ )2‬إعالم املوقعني ‪٦٣/٥‬‬
‫(‪ )3‬الوتر ‪٥٢‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫ُق ْل ُت‪ :‬أ َ َك َ‬
‫ان عَ اقِ ال؟ ‪َ ،‬قا َل‪ :‬نَعَ مْ‪.‬‬
‫صلُحُ ا ْل ُفتْيَا إِال ِبهَ ا‪ ،‬وَ يُخِ ُّل وَ احِ َد ًة‪ ،‬وَ ي ُْخ ِطئ ُ َ‬
‫صاحِ بُ َك‬ ‫صاحِ ِبنَا ث َ ٌ‬
‫الث ال تَ ْ‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬فتَجْ تَ ِم ُع ِيف َ‬
‫صاحِ ِبنَا أ َ ْن ي َْس ُك َت؟‬
‫ِصاحِ ِب ُك ْم أ َ ْن يَتَ َك َّلمَ‪ ،‬وَ ال ِل َ‬
‫ثَالثًا‪ ،‬وَ يَ ُكو ُن فِ ِيه وَ احِ َد ٌة‪َ ،‬فتَ ُقو َل‪ :‬ال يَنْبَغِ ي ل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫!‬

‫وقال عبد الله بن أحمد حدثني أبي قال حدثنا إسحاق بن عيىس الطباع عن بن عيينة قال‪:‬‬
‫قلت لسفيان الثوري لعله يحملك عىل أن تفتي أنك ترى من ليس بأهل للفتوى يفتي فتفتي‬
‫(‪)2‬‬
‫قال أبي ‪:‬يعني أبا حنيفة‪.‬‬
‫قال الخطيب البغدادي‪ :‬حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ د بن عَل بن مخلد الوراق لفظا‪ ،‬قال‪ :‬يف كتابي عن أبي‬
‫بكر مُحَ مَّ د بن عبد الله بن صالح األبهري الفقيه املالكي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا بكر بن أبي داود‬
‫السجستاني‪ ،‬يوما وهو يقول ألصحابه‪ :‬ما تقولون يف مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه‪،‬‬
‫والشافعي وأصحابه‪ ،‬واألوزاعي وأصحابه‪ ،‬والحسن بن صالح وأصحابه‪ ،‬وسفيان الثوري‬
‫وأصحابه‪ ،‬وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬ال تكون مسألة أصح من هذه‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فقال‪ :‬هؤالء كلهم اتفقوا عىل تضليل أبي حنيفة‪.‬‬
‫وأما ما ذكره بعدها عىل لسان أبي زيد العيثاوي يف سجنه تحت إكراه الرافضة‪ ،‬فهو يدينهُ‪،‬‬
‫ألن الحادثة التي تحدث بها أبو زيد هي اقرتاح أبي أسماء التونيس ‪-‬تقبله الله‪ -‬إخراجَ‬
‫أماكن آمنة وكان ذلك ممكن ًا‪ ،‬لكن ت َد ُّخل أعضاء مكتب البحوث أفشل ذلك ملا‬
‫ٍ‬ ‫املهاجرات إىل‬
‫زعموا أنه خيانة‪ ،‬وقد حُ ِّق َق بعدها مع أبي أسماء يف السجن بهذه التهمة كما استفيض‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ملسبة يف جبني مكتب البحوث ال يمسحها‬ ‫جعلها الله كفارة لذنوبه‪ ،‬وإن إفشال فكرته تلك‬
‫الدهر‪.‬‬
‫ثم ثقف يعيد ما تقدم ردنا عليه ويذكر كالم األشاعرة وكالم من وقع يف التشيع كابن‬
‫الوزير‪ ،‬وأعجب العجائب ما ذكره يف حاشية [ الصفحة ‪ ، ]١٨٥‬فالثقالن يعلمان أنه تلميذ‬
‫ِ‬
‫شيخه‪" :‬يقال أن املرء إذا تكلم يف غري فنه‬ ‫صاحب الضيائية‪ ،‬وما أحسن ما قال بعضهم يف‬

‫(‪ )1‬آداب الشافعي ص‪١٥٤‬‬


‫(‪ )2‬العلل ‪٢٤٥٦‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ الخطيب ‪٥١٦/١٥‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫ً‬
‫فضال عن غريه"‪ ،‬وبالجملة فما‬ ‫أتى بالعجائب‪ ،‬والحايك إذا تكلم يف فنه يأتي بالعجائب‬
‫بذكر مسألة تضعي ِ‬
‫فه لألحاديث‬ ‫ِ‬ ‫ذكر ُه فيما تبقى من كتابه قد تقدم الرد عليه‪ ،‬وسأكتفي‬
‫الصحيحة املتواترة ‪-‬وهو نقل لكالم شيخه‪ ،-‬ثم نرشع بعون الله يف فصول الكتاب‪.‬‬
‫ربنَا مُحَ مَّ ٌد ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬أَنْبَأ َ وَ كِي ٌع ‪ ،‬عَ ْن ُس ْفي َ‬
‫َان ‪ ،‬عَ ْن إِب َْراهِ ي َم ب ِْن عَ بْ ِد َ‬
‫األعْ َىل ‪ ،‬عَ ْن‬ ‫قال الخالل‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫ُسوَ يْ ِد ب ِْن َغ َف َل َة ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬قا َل ِيل عُ مَ ُر ‪ :‬يَا أَبَا أُمَ ي ََّة ‪ ،‬إِنِّي ال َ أَد ِْري ‪َ ،‬لعَ َِّل ال َ أ َ ْل َقا َك بَعْ َد عَ ِامي َهذَا‬
‫رب‬
‫اص ِ ْ‬‫اص ِربْ ‪َ ،‬وإ ِ ْن حَ َرمَ َك َف ْ‬ ‫اسمَ ْع َل ُه وَ أ َ ِط ْع ‪َ ،‬وإ ِ ْن َ َ‬
‫ْضبَ َك َف ْ‬ ‫‪َ ،‬ف ِإ ْن أُمِّ َر عَ َليْ َك عَ بْ ٌد حَ ب ِ ٌّ‬
‫َيش مُجَ دَّ ٌع َف ْ‬
‫َ (‪)1‬‬
‫ُون دِ ينِي ‪ ،‬وَ ال َ تُ َف ِار ِق ا ْلجَ مَ اعَ ة‪.‬‬
‫طاعَ ًة ‪ ،‬د َِمي د َ‬ ‫ص دِ ين َ َك ‪َ ،‬ف ُق ْل ‪َ :‬سمْ عً ا وَ َ‬ ‫‪َ ،‬وإ ِ ْن أ َ َرا َد أَمْ ًرا يُنْقِ ُ‬
‫وهذا األثر ضعف ُه شيخ الديري‪ ،‬لكنك مع ذلك تج ُد إمام الحديث واألثر أحمد بن حنبل‬
‫يقول عن إسناده أنه جيد‪.‬‬

‫قال الخالل أ َ ْخ َ َ‬
‫ربنِي عَ بْ ُد الْمَ لِكِ ‪ ،‬وَ حَ َّدثَنِي ابْ ُن حَ نْب ٍَل‪ ،‬عَ ِن اب ِْن مَ هْ دِ يي ‪ ،‬عَ ْن ُس ْفي َ‬
‫َان‪ ،‬عَ ْن إِب َْراهِ ي َم‬
‫وه ْم بَيْعَ هَ ا؛ ا ْل َخمْ َر‪،‬‬
‫يض ال َّل ُه عَ نْهُ‪ :‬وَ ُّل ُ‬‫األعْ َىل‪ ،‬عَ ْن ُسوَ يْدِ ب ِْن َغ َف َل َة ِيف َقوْ ِل عُ مَ َر‪َ ،‬ر ِ َ‬ ‫ب ِْن عَ بْ ِد َ‬
‫(‪)2‬‬
‫رش َها‪ .‬قلت‪ :‬كيف إسناده؟ َقا َل‪ :‬إسناد جيد‬ ‫وَ ا ْلخِ ن ْ ِزي َر‪ ،‬نُعَ ِّ ُ‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬قال أبو زرعة يف حديث رواه حفص بن غياث عن محمد بن قيس عن‬
‫حبيب بن أبي ثابت قال كان عمر ال يجيز نكاحا يف عام سنة يعني مجاعة قيل ألبي زرعة‬
‫(‪)3‬‬
‫ما ترى يف هذا قال هو مرسل ولكن عمر أهاب أن أراد قوله"‪.‬‬
‫َ‬
‫فكيف بسن ٍد‬ ‫وأبو زرعة إمام ال يقارن بهؤالء ومع ذلك احتج بهذا األثر مع كونه منقطعً ا‪،‬‬
‫وصفه اإلمام أحمد بأنه جيد وليس يف رواته ضعيف؟ مع أن عادة األئمة التسامح يف اْلثار‬
‫املوقوفة كاحتجاج اإلمام أحمد بخرب مجالد عن الشعبي وقبوله رواية ليث بن أبي سليم عن‬
‫طاوس وهو ضعيف واحتماله حديث أبي معرش بن عبد الرحمن السندي عن محمد بن‬
‫(‪)4‬‬
‫كعب القرظي لرواية أبي معرش املبايرة عن شيخه محمد‪.‬‬

‫(‪ )1‬السنة للخالل ‪٥٤‬‬


‫(‪ )2‬أحكام امللل ‪١٧٣‬‬
‫(‪ )3‬املراسيل ‪٨٤‬‬
‫(‪ )4‬انظر طبقات الحنابلة ‪ ١٠١/١‬وسرية اإلمام أحمد رواية صالح ص‪ ١٢٧:‬وماجاء يف ترجمة أبي معرش قي‬
‫تهذيب الكمال‪.‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫وكل هذا ال يقارن بسند حكم عليه إمام السنة أحمد بن حنبل بأنه جيد ويعضده تواتر‬
‫ألجل شخص معارص فهو أضل من حمار أهله‪.‬‬‫األحاديث‪ ،‬فال شك أن من رد هذا ِ‬
‫يىس بْ ُن يُون ُ َس ‪ ،‬حَ َّدثَنَا‬ ‫ربنَا عِ َ‬ ‫ظ َِل ُّ ‪ ،‬أ َ ْخ َ َ‬
‫اق ْب ُن إِب َْراهِ ي َم ا ْلحَ ن ْ َ‬‫قال اإلمام مسلم حَ َّدثَنَا إ ِ ْسحَ ُ‬
‫ف‬ ‫ظ َة ‪ ،‬عَ ْن عَ وْ ِ‬ ‫َّان ‪ ،‬عَ ْن م ُْس ِل ِم ب ِْن َق َر َ‬ ‫وْزاعِ ُّي ‪ ،‬عَ ْن ي َِزي َد ب ِْن ي َِزي َد ب ِْن جَ ا ِب ٍر ‪ ،‬عَ ْن ُر َزي ِْق ب ِْن حَ ي َ‬ ‫َ‬
‫األ َ‬
‫ون‬‫ُص ُّل َ‬ ‫ِين تُحِ بُّونَهُ ْم وَ يُحِ بُّون َ ُك ْم ‪ ،‬وَ ي َ‬ ‫الله ﷺ َقا َل ‪ :‬خِ يَا ُر أَئِمَّ ِت ُك ُم ا َّلذ َ‬ ‫ول ِ‬ ‫ب ِْن مَ الِكٍ ‪ ،‬عَ ْن َر ُس ِ‬
‫ضونَهُ ْم وَ يُبْغِ ُضون َ ُك ْم ‪ ،‬وَ تَ ْلعَ نُونَهُ ْم‬ ‫ِين تُبْغِ ُ‬ ‫وَيرا ُر أَئِمَّ ِت ُك ُم الَّذ َ‬
‫ون عَ َلي ِْه ْم ‪َ ِ ،‬‬ ‫ص ُّل َ‬
‫عَ َليْ ُك ْم وَ تُ َ‬
‫ال َة‬
‫الص َ‬‫السي ِْف ؟ َف َقا َل ‪ :‬ال َ ‪ ،‬مَ ا أ َ َقامُوا فِ ي ُك ُم َّ‬ ‫الله ‪ ،‬أ َ َفالَ نُنَا ِبذُ ُه ْم ِب َّ‬
‫وَ يَ ْلعَ نُون َ ُك ْم ‪ ،‬قِ ي َل ‪ :‬يَا َر ُسو َل ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫طاعَ ٍة‪.‬‬‫‪َ ،‬وإِذَا َرأَيْتُ ْم ِم ْن وُ الَ ِت ُك ْم َشيْئًا تَ ْك َر ُهون َ ُه ‪َ ،‬فا ْك َر ُهوا عَ مَ َل ُه ‪ ،‬وَ ال َ تَن ْ ِزعُ وا يَدًا ِم ْن َ‬

‫وقال أيضا ً حَ َّدثَنَا دَاوُ ُد بْ ُن ُر َشيْ ٍد ‪ ،‬حَ َّدثَنَا ا ْلوَ ِلي ُد ‪ ،‬يَعْ نِي اب َْن م ُْس ِل ٍم ‪ ،‬حَ َّدثَنَا عَ بْ ُد َّ‬
‫الرحْ مَ ِن ْب ُن‬
‫َّان ‪ ،‬أَن َّ ُه َس ِم َع م ُْس ِل َم ب َْن َق َر َ‬
‫ظ َة‬ ‫وَه َو ُر َزي ُْق بْ ُن حَ ي َ‬ ‫وْىل بَنِي َف َز َار َة ‪ُ ،‬‬ ‫ربنِي مَ َ‬ ‫ي َِزي َد ب ِْن جَ ا ِب ٍر ‪ ،‬أ َ ْخ َ َ‬
‫األ ْشجَ عِ َّي ‪ ،‬ي َُقو ُل ‪َ :‬س ِمعْ ُت‬ ‫ف ب َْن مَ الِكٍ َ‬ ‫األ ْشجَ عِ ِّي ‪ ،‬ي َُقو ُل ‪َ :‬س ِمعْ ُت عَ وْ َ‬ ‫ف ب ِْن مَ الِكٍ َ‬ ‫‪ ،‬اب َْن عَ ِّم عَ وْ ِ‬
‫ون‬‫ُص ُّل َ‬
‫ون عَ َلي ِْه ْم وَ ي َ‬‫ص ُّل َ‬ ‫الله ﷺ ي َُقو ُل ‪ :‬خِ يَا ُر أَئِمَّ ِت ُك ُم ا َّلذ َ‬
‫ِين تُحِ بُّونَهُ ْم وَ يُحِ بُّون َ ُك ْم ‪ ،‬وَ تُ َ‬ ‫َر ُسو َل ِ‬
‫ضون َ ُك ْم ‪ ،‬وَ تَ ْلعَ نُونَهُ ْم وَ يَ ْلعَ نُون َ ُك ْم ‪َ ،‬قالُوا ‪ُ :‬ق ْلنَا‬‫ِين تُبْغِ ُضونَهُ ْم وَ يُبْغِ ُ‬ ‫وَيرا ُر أَئِمَّ ِت ُك ُم الَّذ َ‬
‫عَ َليْ ُك ْم ‪َ ِ ،‬‬
‫ال َة ‪ ،‬ال َ ‪ ،‬مَ ا أ َ َقامُوا‬‫الص َ‬ ‫الله ‪ ،‬أ َ َفالَ نُنَا ِبذُ ُه ْم عِ ن ْ َد ذَ ِل َك ؟ َقا َل ‪ :‬ال َ ‪ ،‬مَ ا أ َ َقامُوا فِ ي ُك ُم َّ‬ ‫‪ :‬يَا َر ُسو َل ِ‬
‫الله ‪َ ،‬ف ْليَ ْك َر ْه مَ ا يَأ ْ ِتي ِم ْن‬
‫ال ‪َ ،‬ف َرآ ُه يَأْتِي َشيْئًا ِم ْن مَ عْ ِصي َِة ِ‬ ‫ال َة ‪ ،‬أَال َ مَ ْن ِ‬
‫وَيل َ عَ َلي ِْه وَ ٍ‬ ‫الص َ‬
‫فِ ي ُك ُم َّ‬
‫الله ‪ ،‬وَ ال َ يَن ْ ِزعَ َّن يَدًا ِم ْن َ‬
‫طاعَ ٍة‪.‬‬ ‫مَ عْ ِصي َِة ِ‬

‫ِيث ‪ :‬آل َّل ِه ‪ ،‬يَا أَبَا ا ْل ِم ْقدَا ِم ‪،‬‬ ‫ني حَ َّدثَنِي ِبهَ ذَا ا ْلحَ د ِ‬ ‫َقا َل ابْ ُن جَ ا ِب ٍر ‪َ :‬ف ُق ْل ُت ‪ :‬يَعْ نِي ِل ُر َزي ٍْق ‪ ،‬حِ َ‬
‫وْفا ‪ ،‬ي َُقو ُل ‪َ :‬س ِمعْ ُت‬ ‫ظ َة ي َُقو ُل ‪َ :‬س ِمعْ ُت عَ ً‬ ‫َلحَ َّدث َ َك ِبهَ ذَا ‪ ،‬أ َ ْو َس ِمعْ َت َهذَا ِم ْن م ُْس ِل ِم ب ِْن َق َر َ‬
‫الله ﷺ ؟ َقا َل ‪َ :‬فجَ ثَا عَ َىل ُر ْكبَتَي ِْه ْ‬
‫وَاستَ ْقبَ َل ا ْلقِ بْ َل َة ‪َ ،‬ف َقا َل ‪ :‬إِي وَ ال َّل ِه الَّذِي ال َ إ ِ َل َه إِال َّ‬ ‫َر ُسو َل ِ‬
‫ف ب َْن مَ الِكٍ ‪ ،‬ي َُقو ُل ‪َ :‬س ِمعْ ُت َر ُسو َل‬ ‫ظ َة ‪ ،‬ي َُقو ُل ‪َ :‬س ِمعْ ُت عَ وْ َ‬ ‫ُه َو ‪َ ،‬ل َس ِمعْ تُ ُه ِم ْن م ُْس ِل ِم ب ِْن َق َر َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِ‬
‫الله ﷺ ‪.‬‬
‫ظ َأل ِبي‬ ‫ان ا ْل ِم ْسمَ عِ ُّي ‪ ،‬وَ مُحَ مَّ ُد ْب ُن ب ََّش ٍار ‪ ،‬جَ ِميعً ا عَ ْن مُعَ اذٍ ‪ ،‬وَ ال َّل ْف ُ‬ ‫وقال‪ :‬وحَ َّدثَنِي أَبُو َغ َّس َ‬
‫وَه َو ابْ ُن هِ َشا ٍم الد َّْستُوَ ائ ُِّي ‪ ،‬حَ َّدثَنِي أ َ ِبي ‪ ،‬عَ ْن َقتَا َد َة ‪ ،‬حَ َّدثَنَا ا ْلحَ َس ُن‬‫ان ‪ ،‬حَ َّدثَنَا مُعَ اذٌ ‪ُ ،‬‬ ‫َغ َّس َ‬
‫ص ٍن ا ْلعَ ن َ ِزيِّ ‪ ،‬عَ ْن أ ُ ِّم َس َلمَ َة ‪َ ،‬زو ِْج الن َّ ِب ِّي ﷺ ‪ ،‬عَ ِن الن َّ ِب ِّي ﷺ أَن َّ ُه َقا َل ‪:‬‬ ‫ضب ََّة ب ِْن ِمحْ َ‬ ‫‪ ،‬عَ ْن َ‬
‫ون ‪َ ،‬فمَ ْن َك ِر َه َف َق ْد ب َِرئ َ ‪ ،‬وَمَ ْن أَن ْ َك َر َف َق ْد َس ِل َم ‪،‬‬ ‫إِن َّ ُه ي ُْستَعْ مَ ُل عَ َليْ ُك ْم أُمَ َرا ُء ‪َ ،‬فتَعْ ِر ُف َ‬
‫ون وَ تُن ْ ِك ُر َ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪]١٨٥٤-٦٥[-٤٨٣٢‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪٦٦-٤٨٣٣‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫ص َّلوْ ا‪ )1(.‬أَيْ مَ ْن‬
‫الله ‪ ،‬أَال َ ن ُ َقا ِتلُهُ ْم ؟ َقا َل ‪ :‬ال َ ‪ ،‬مَ ا َ‬
‫يض وَ تَابَ َع ‪َ ،‬قالُوا ‪ :‬يَا َر ُسو َل ِ‬ ‫وَ َلك ِْن مَ ْن َر ِ َ‬
‫َك ِر َه ِب َق ْل ِب ِه وَ أَن ْ َك َر ِب َق ْل ِب ِه‪.‬‬
‫يع ا ْلعَ تَك ُِّي ‪ ،‬حَ َّدثَنَا حَ مَّ ا ٌد ‪ ،‬يَعْ نِي اب َْن َزيْ ٍد ‪ ،‬حَ َّدثَنَا ا ْلمُعَ َّىل بْ ُن ِزيَادٍ ‪،‬‬ ‫قال‪ :‬وحَ َّدثَنِي أَبُو َّ‬
‫الر ِب ِ‬
‫الله ﷺ‬ ‫ص ٍن ‪ ،‬عَ ْن أ ُ ِّم َس َلمَ َة ‪َ ،‬قا َل ْت ‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل ِ‬ ‫ضب ََّة ب ِْن ِمحْ َ‬ ‫وَهِ َشا ٌم ‪ ،‬عَ ِن ا ْلحَ َس ِن ‪ ،‬عَ ْن َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ري أَن َّ ُه َقا َل ‪َ :‬فمَ ْن أَن ْ َك َر َف َق ْد ب َِرئ َ ‪ ،‬وَ مَ ْن َك ِر َه َف َق ْد َس ِلمَ‪.‬‬
‫ِبنَحْ ِو ذَ ِل َك ‪َ ،‬غ ْ َ‬
‫ون َقا َل‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫ربنَا ُشعْ ب َُة‪،‬‬ ‫الخ َّال ُل َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا ي َِزي ُد بْ ُن َها ُر َ‬
‫وقال الرتمذي حَ َّدثَنَا الحَ َس ُن بْ ُن عَ َِل ي َ‬
‫عَ ْن ِسمَ اكِ ب ِْن حَ ْر ٍب‪ ،‬عَ ْن عَ ْل َقمَ َة ب ِْن وَ ائ ِِل ب ِْن حُ جْ ٍر‪ ،‬عَ ْن أ َ ِب ِيه َقا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت َر ُسو َل ال َّل ِه ﷺ‬
‫ان عَ َليْنَا أُمَ َرا ُء يَمْ نَعُ ونَا حَ َّقنَا وَ ي َْسأَلُونَا حَ َّقهُ مْ؟ َف َقا َل َر ُسو ُل‬
‫وَرجُ ٌل َسأ َ َل ُه َف َقا َل‪ :‬أ َ َرأَي َْت إ ِ ْن َك َ‬
‫َ‬
‫ِيث حَ َس ٌن‬‫اسمَ عُ وا وَ أ َ ِطيعُ وا َف ِإنَّمَ ا عَ َلي ِْه ْم مَ ا حُ مِّ لُوا وَ عَ َليْ ُك ْم مَ ا حُ مِّ ْلتُ ْم»‪َ :‬هذَا حَ د ٌ‬‫ال َّل ِه ﷺ ‪ْ « :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫صحِ يحٌ‬ ‫َ‬
‫وقال مسلم حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن ا ْلعَ َال ِء ا ْلهَ مْ دَان ُِّي أَبُو ُك َري ٍْب ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬حَ َّدثَنَا أَبُو مُعَ ِاوي ََة ‪ ،‬عَ ِن‬
‫الله ب َْن مَ ْسعُ و ٍد ِيف د َِارهِ ‪َ ،‬ف َقا َل‬ ‫األ ْسوَ دِ ‪ ،‬وَ عَ ْل َقمَ َة ‪َ ،‬قاال َ ‪ :‬أَتَيْنَا عَ بْ َد ِ‬ ‫األعْ مَ ِش ‪ ،‬عَ ْن إِب َْراهِ ي َم ‪ ،‬عَ ِن َ‬ ‫َ‬
‫ان وَ ال َ إ ِ َقامَ ٍة ‪َ ،‬قا َل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص َّىل َه ُؤ َال ِء َخ ْل َف ُك ْم ؟ َف ُق ْلنَا ‪ :‬ال َ ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬ف ُقومُوا َف َ‬ ‫‪ :‬أَ َ‬
‫ص ُّلوا ‪َ ،‬ف َل ْم يَأم ُْرنَا ِبأذَ ٍ‬
‫اْلخ َر عَ ْن ِشمَ ال ِِه ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬ف َلمَّ ا‬ ‫وَ ذَ َهبْنَا ِلن َ ُقو َم َخ ْل َف ُه ‪َ ،‬فأ َ َخذَ ِبأَيْدِينَا َفجَ عَ َل أَحَ َدنَا عَ ْن ي َِمين ِِه وَ َ‬
‫َني َفخِ ذَي ِْه‬‫ْخ َلهُ مَ ا ب ْ َ‬‫َني َك َّفي ِْه ‪ ،‬ث ُ َّم أَد َ‬ ‫ْضبَ أَيْ ِديَنَا وَ َ‬
‫طب ََّق ب ْ َ‬ ‫وَضعْ نَا أَيْ ِديَنَا عَ َىل ُر َك ِبنَا ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬ف َ َ‬ ‫َر َك َع َ‬
‫يقاتِهَ ا ‪ ،‬وَ ي َْخن ُ ُقونَهَ ا‬ ‫ال َة عَ ْن ِم َ‬ ‫الص َ‬‫ون َّ‬ ‫ص َّىل ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬إِن َّ ُه َستَ ُكو ُن عَ َليْ ُك ْم أُمَ َرا ُء ي َُؤ ِّخ ُر َ‬‫‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬ف َلمَّ ا َ‬
‫التَ ُك ْم‬‫ص َ‬‫يقاتِهَ ا ‪ ،‬وَ اجْ عَ لُوا َ‬ ‫ال َة ل ِِم َ‬ ‫الص َ‬‫ص ُّلوا َّ‬ ‫ُوه ْم َق ْد َفعَ لُوا ذَ ِل َك ‪َ ،‬ف َ‬‫ير ِق ا ْلمَ وْ تَى ‪َ ،‬ف ِإذَا َرأَيْتُم ُ‬ ‫إ ِ َىل َ َ‬
‫ص ُّلوا جَ ِميعً ا ‪َ ،‬وإِذَا ُكنْتُ ْم أ َ ْكث َ َر ِم ْن ذَ ِل َك ‪َ ،‬ف ْلي َُؤمَّ ُك ْم أ َحَ ُد ُك ْم ‪،‬‬ ‫الث َ ًة َف َ‬
‫مَ عَ هُ ْم ُسبْحَ ًة ‪َ ،‬وإِذَا ُكنْتُ ْم ث َ َ‬
‫ظ ُر‬‫َني َك َّفي ِْه ‪َ ،‬ف َل َكأ َنِّي أَن ْ ُ‬ ‫طب ِّْق ب ْ َ‬ ‫َوإِذَا َر َك َع أَحَ ُد ُك ْم َف ْلي ُْف ِر ْش ذِ َراعَ ي ِْه عَ َىل َفخِ ذَي ِْه ‪ ،‬وَ ْليَجْ نَأ ْ ‪ ،‬وَ لْيُ َ‬
‫َ َ ُ (‪)4‬‬
‫الله ﷺ فأ َراهمْ‪.‬‬ ‫ول ِ‬ ‫صا ِب ِع َر ُس ِ‬ ‫ف أَ َ‬ ‫إ ِ َىل ْ‬
‫اخ ِت َال ِ‬
‫يع َّ‬
‫الز ْه َران ُِّي‬ ‫ف بْ ُن هِ َشا ٍم ‪ ،‬حَ َّدث َنَا حَ مَّ ا ُد بْ ُن َزيْ ٍد (ح) َقا َل ‪ :‬وَحَ َّدثَنِي أَبُو َّ‬
‫الر ِب ِ‬ ‫وقال حَ َّدثَنَا َخ َل ُ‬
‫ان ا ْلجَ وْ ن ِِّي ‪ ،‬عَ ْن عَ بْ ِد ِ‬
‫الله ب ِْن‬ ‫‪ ،‬وَ أَبُو َك ِام ٍل ا ْلجَ حْ د َِريُّ ‪َ ،‬قاال َ ‪ :‬حَ َّدثَنَا حَ مَّ ا ٌد ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِبي عِ مْ َر َ‬
‫ون‬ ‫ْف أَن ْ َت إِذَا َكان َ ْت عَ َليْ َك أ ُ َ‬
‫مَرا ُء ي َُؤ ِّخ ُر َ‬ ‫الص ِام ِت ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِبي ذَ ير ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬قا َل ِيل َر ُسو ُل ِ‬
‫الله ‪َ :‬كي َ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪٦٣-٤٨٢٩‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪٦٤-٤٨٣٠‬‬
‫(‪ )3‬جامع الرتمذي ‪ ،٢١٩٩‬ورواها مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪]٢٦-٥٣٤[-١١٢٨‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫وَقتِهَ ا ؟ َقا َل ‪ُ :‬ق ْل ُت ‪َ :‬فمَ ا تَأ ْ ُم ُرنِي ؟ َقا َل ‪َ :‬‬
‫ص ِّل‬ ‫ال َة عَ ْن ْ‬ ‫الص َ‬
‫ون َّ‬ ‫وَقتِهَ ا ؟ ‪ ،‬أ َ ْو ‪ ،‬ي ُِميتُ َ‬ ‫ال َة عَ ْن ْ‬‫الص َ‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ف ‪ :‬عَ ْن ْ‬
‫وَقتِهَ ا‪.‬‬ ‫ِوَقتِهَ ا ‪َ ،‬ف ِإ ْن أَد َْر ْكتَهَ ا مَ عَ هُ ْم ‪َ ،‬ف َ‬
‫ص ِّل ‪َ ،‬ف ِإنَّهَ ا َل َك نَافِ َل ٌة‪ .‬وَ َل ْم يَذْ ُك ْر َخ َل ٌ‬ ‫ال َة ل ْ‬
‫الص َ‬‫َّ‬
‫يع َّ‬
‫الز ْه َران ُِّي‬ ‫ف بْ ُن هِ َشا ٍم ‪ ،‬حَ َّدثَنَا حَ مَّ ا ُد بْ ُن َزيْ ٍد (ح) َقا َل ‪ :‬وَحَ َّدثَنِي أَبُو َّ‬
‫الر ِب ِ‬ ‫وقال حَ َّدثَنَا َخ َل ُ‬
‫الله ب ِْن‬‫ان ا ْلجَ وْ ن ِِّي ‪ ،‬عَ ْن عَ بْ ِد ِ‬ ‫‪ ،‬وَ أَبُو َك ِام ٍل ا ْلجَ حْ د َِريُّ ‪َ ،‬قاال َ ‪ :‬حَ َّدثَنَا حَ مَّ ا ٌد ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِبي عِ مْ َر َ‬
‫ون‬ ‫ْف أَن ْ َت إِذَا َكان َ ْت عَ َليْ َك أ ُ َ‬
‫مَرا ُء ي َُؤ ِّخ ُر َ‬ ‫الله ‪َ :‬كي َ‬ ‫الص ِام ِت ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِبي ذَ ير ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬قا َل ِيل َر ُسو ُل ِ‬ ‫َّ‬
‫ص ِّل‬‫وَقتِهَ ا ؟ َقا َل ‪ُ :‬ق ْل ُت ‪َ :‬فمَ ا تَأ ْ ُم ُرنِي ؟ َقا َل ‪َ :‬‬ ‫ال َة عَ ْن ْ‬ ‫وَقتِهَ ا ؟ ‪ ،‬أ َ ْو ‪ ،‬ي ُِميتُو َن َّ‬
‫الص َ‬ ‫ال َة عَ ْن ْ‬ ‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ف ‪ :‬عَ ْن ْ‬
‫وَقتِهَ ا‪.‬‬ ‫ِوَقتِهَ ا ‪َ ،‬ف ِإ ْن أَد َْر ْكتَهَ ا مَ عَ هُ ْم ‪َ ،‬ف َ‬
‫ص ِّل ‪َ ،‬ف ِإنَّهَ ا َل َك نَافِ َل ٌة‪ .‬وَ َل ْم يَذْ ُك ْر َخ َل ٌ‬ ‫ال َة ل ْ‬‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫أفبعد هذا التواتر يجادل مجادل؟ مع أني لم أذكر ما رواه أصحاب املسانيد واملصنفات‬
‫وما أفتى به األئمة كأحمد يف مسائل الكوسج وغريه‪ ،‬وكتب السنة ألئمة األثر مليئة بمثل‬
‫هذا فمن ترك كل هذه اْلثار الصحيحة املتواترة وذهب يبحث عما يريض هواه فال ش َّك يف‬
‫بدعته‪ ،‬واألعجب أن هذا الديري قد نقل ذم األئمة لبعض األعيان أنهم يرون السيف عىل‬
‫سبيل مدحهم‪ ،‬وهذه سفاهة وربي‪.‬‬
‫قال األثرم يف ناسخ الحديث ومنسوخه ‪ ":‬وهذا الحديث أيضا ً مخالف لألحاديث‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫أن هشام بن حسان وقتادة رويا عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة عن النبي‬
‫ﷺ قال‪" :‬سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء‪ ،‬ومن كره فقد‬
‫سلم‪ ،‬ولكن من ريض وتابع"‪ .‬قالوا‪ :‬أفال نقاتلهم؟ قال‪" :‬ال ما صلوا"‪.‬‬
‫فهذا عن أم سلمة‪ ،‬وذاك عن أم سلمة‪ ،‬وهذا أثبت اإلسنادين‪ ،‬وهذا موافق لألحاديث‪ ،‬وذاك‬
‫مخالف لها‪ ،‬وهذا ضبة بن محصن الذي وفد عمر يشكو أبا موَس حتى جمع بينه وبينه‬
‫وكان له قدر عظيم‪ ،‬وذلك اإلسناد ليس بثابت‪.‬‬
‫ومما يخالفه أيضا ً حديث جرير بن عبد الله عن النبي ﷺ قال‪" :‬إذا أتاكم املصدق فال‬
‫يفارقكم إال عن رَض"‪ .‬ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ "سيأتيكم ركب‬
‫مبغضون‪ -‬يعنى املصدقني‪ -‬فأدوا إليهم صدقاتكم وارضوهم فإن من تمام زكاتك‬
‫مرضاهم"‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪]٢٣٨-٦٤٨[-١٤٠٩‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪]٢٣٨-٦٤٨[-١٤٠٩‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫وروى عامر بن السمت عن معاوية بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن ابن مسعود عن‬
‫النبي ﷺ قال‪" :‬سيكون أمراء‪ -‬فذكر من فعلهم ثم قال‪ -‬فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪،‬‬
‫ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن"‪.‬‬
‫وهذا أيضا ً خالف األحاديث‪ ،‬وهو إسناد لم يسمع حديث عن ابن مسعود بهذا اإلسناد غريه‪،‬‬
‫وقد جاء اإلسناد الواضح عن ابن مسعود بخالفه‪.‬‬
‫روى األعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال‪" :‬سرتون بعدي أثرة‬
‫وفتنا ً وأمورا ً تنكرونها"‪ .‬قالوا‪ :‬فما تأمرنا يا رسول الله‪ .‬قال‪" :‬تودون الحق الذي عليكم‪،‬‬
‫وتسألون الله الذي لكم"‪.‬وهذا عن ابن مسعود‪ ،‬وذاك عن ابن مسعود‪ ،‬وهذا أثبت اإلسنادين‪،‬‬
‫وهو موافق لألحاديث‪ ،‬وذاك مخالف‪ ،‬ثم تواترت األحاديث عن النبي ﷺ فكثرت عنه‪ ،‬وعن‬
‫الصحابة واألئمة بعدهم‪ -‬ريض الله عنهم‪ -‬يأمرون بالكف‪ ،‬ويكرهون الخروج‪ ،‬وينسبون‬
‫من خالفهم يف ذلك إىل فراق الجماعة‪ ،‬ومذهب الحرورية وترك السنة‪".‬‬

‫السنة ِممَّ ا اجْ تمع‬ ‫أصول ّ‬ ‫وقال امللطي يف التنبيه والرد ‪ ":‬وَ ا َّلذِي ثَبت عَ ن مُحَ مَّ د بن عكاشة أَن ُ‬
‫ُوسف ا ْلف ْريَا ِب ّي‬ ‫وس ْفيَان بن عُ يَيْنَة وَ مُحَ مّ د بن ي ُ‬ ‫اصم ُ‬ ‫عَ َلي ِْه ا ْل ُف َقهَ اء وَ ا ْلعُ َلمَ اء ِمنْهُ م عَ َل ّ بن عَ ِ‬
‫وَشعَ يْب وَ مُحَ مّ د بن عمر ا ْلوَ اقِ دِيّ وشابة بن سوار وَ ا ْلفضل بن ُد َك ْني ا ْل ُك ِويف وَ عبد ا ْلعَ ِزيز بن‬ ‫ُ‬
‫الرحْ مَ ن‬ ‫وَسعِ يد بن عُ ثْمَ ان وازهر وابو عبد َّ‬ ‫قبيصة َ‬
‫َ‬ ‫ابان ا ْل ُك ِويف وَ عبد الله بن دَاوُد ويعىل بن‬
‫النْض بن ُشمَ يْل وَ أحمد بن َخالِد ال ِّدمَ ْشقِ ي والوليد بن مُسلم‬ ‫وَز َه ْري ابْن نعيم وَ ْ‬ ‫املقرى ُ‬
‫اهوَ يْه وَيحيى بن‬ ‫قريش والرواد بن ا ْلجراح ا ْلعَ ْس َق َالنِي وَيحيى بن يحيى َوإ ِ ْسحَ اق بن َر َ‬ ‫ا ْل ِ‬
‫صحَ اب‬ ‫ون َرأينَا أ َ ْ‬ ‫الْضير كلهم ي َُقولُ َ‬ ‫الرحْ مَ ن بن مهْ دي وَ أَبُو مُعَ ِاويَة َّ ِ‬ ‫طان وَ عبد َّ‬ ‫سعيد ا ْلق َّ‬
‫الص ْرب عىل حكم الله‬ ‫ضا ِب َق َضاء الله وَ التَّ ْسلِيم ألمر الله وَ َّ‬ ‫الر َ‬
‫ون‪ِّ :‬‬ ‫َر ُسول الله ﷺ َكانُوا ي َُقولُ َ‬
‫قدر َخريه‬ ‫األ ْخذ ِبمَ ا أَمر الله النَّهْ ي عَ مَّ ا نهى الله عَ ن ُه وَ ْ ِاإل ْخ َالص ِبا ْلعَ مَ ِل لله وَ ْ ِاإليمَ ان ِبا ْل ِ‬ ‫وَ ْ َ‬
‫ني وَ ا ْلجهَ اد مَ َع‬ ‫ويره من الله وَترك املراء والجدال والخصومات ِيف الدّين وَ ا ْلمسح عىل ا ْل ُخ َّف ْ ِ‬
‫يزيد وَينْقص َقول وَ عمل‬ ‫ات من أهل ا ْلقبْ َلة سنة وَ ْ ِاإليمَ ان ِ‬ ‫الص َالة عىل من مَ َ‬ ‫أهل ا ْلقبْ َلة وَ َّ‬
‫وَال يخرج‬ ‫ان ِمنْهُ م من عدل أَو جور َ‬ ‫طان عىل مَ ا َك َ‬ ‫الس ْل َ‬
‫الص ْرب تَحت لِوَ اء ُّ‬ ‫وَ ا ْل ُق ْرآن َك َالم الله وَ َّ‬
‫السي ِْف َوإِن جاروا"‬ ‫األمَ َراء ِب َّ‬ ‫عىل ْ ُ‬

‫‪- 57 -‬‬
‫الص ْل ُت بْ ُن مَ ْسعُ و ٍد‬‫ني َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا َّ‬ ‫قال اْلجري حَ َّدثَنَا أَبُو عَ بْ ِد ال َّل ِه أَحْ مَ ُد بْ ُن مُحَ مَّ ِد ب ِْن َشاهِ َ‬
‫ان َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا ا ْلمُعَ َّىل بْ ُن ِزيَادٍ َقا َل‪ :‬قِ ي َل ِل ْلحَ َس ِن‪ :‬يَا أَبَا َسعِ يدٍ‪،‬‬ ‫َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا جَ عْ َف ُر ْب ُن ُس َليْمَ َ‬
‫ْ (‪)1‬‬ ‫ني َرأَى ُمن ْ َك ًرا َفأَن ْ َك َر ُه‪َ ،‬ف َ‬
‫وَق َع فِ يمَ ا ُه َو أَن ْ َك ُر ِمنهُ‪.‬‬ ‫َخ َرجَ َخ ِار ِج ٌّي ِبا ْل ُخ َريْب َِة ‪َ ،‬ف َقا َل‪ " :‬ا ْل ِم ْسكِ ُ‬

‫وهؤالء يريدون فتنة أخرى تسفك فيها الدماء وتهتك األعراض وترشد العوائل فوق هذا‬
‫الترشد‪ ،‬و والله الجتماع املسلمني عىل إمام وإن كان "رمزيًا وهميًا" ألحسن من الفرقة‪،‬‬
‫وهذا ما أشار إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية ملا قال أن ستني سنة تحت إمام جائر أحسن من‬
‫ليلة بال سلطان‪ ،‬قال ابن تيمية‪ " :‬ولهذا من كان حالفا ً عىل ما أمر الله به ورسوله من‬
‫طاعة والة األمور و مناصحتهم أو الصالة أو الزكاة أو صوم رمضان أو أداء األمانة والعدل‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬ال يجوز ألح ٍد أن يفتيه بمخالفة ما حلف عليه والحنث يف يمينه‪ ،‬وال يجوز له‬
‫أن يستفتي يف ذلك‪ .‬ومن أفتى مثل هؤالء بمخالفة ما حلفوا عليه والحنث يف أيمانهم فهو‬
‫مفت بغري دين اإلسالم‪ ،‬بل لو أفتى آحاد العامة بأن يفعل خالف ما‬‫مفرت عىل الله الكذب‪ٍ ،‬‬‫ٍ‬
‫حلف عليه من الوفاء يف عقد بيع أو نكاح أو إجاره أو غري ذلك مما يجب عليه الوفاء به من‬
‫العقود التي يجب الوفاء بها وإن لم يحلف عليها‪ ،‬فإذا حلف كان أوكد‪ ،‬فمن أفتى مثل هذا‬
‫بجواز نقض هذه العقود والحنث يف يمينه كان مفرتيا ً عىل الله الكذب مفتيا ً بغري دين‬
‫اإلسالم‪ ،‬فكيف إذا كان ذلك يف معاقدة والة األمور التي هي أعظم العقود التي أمر الله‬
‫(‪)2‬‬
‫بالوفاء بها"‬
‫وأما ما نسب ُه للمقديس أبي يعقوب‪ ،‬فقد شهد تالمذة األخري بأنه قال عن فضيحة الهاشمي‪،‬‬
‫سابقا‪ ،‬لكل ساقطة القطة‪ ،‬وعىل قدر الوجه تكون‬‫ً‬ ‫أن فيها كذبا ومغالطات‪ ،‬وكما قلت‬
‫املاشطة‪ ،‬وإىل الله تعاىل نربأ من الديري وصحبه‪ ،‬ومن ظلم الظاملني‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرشيعة ‪٤٨‬‬


‫(‪ )2‬قاعدة جليلة يف طاعة والة األمور البن تيمية ص‪٣٧-٣٦:‬‬

‫‪- 58 -‬‬
- 59 -
‫حمنُالرحيمُ‬
‫ّ‬ ‫ُاللهُالر‬
‫َّ‬ ‫ِبس ِم‬
‫ُ‬

‫تنزيهه عمَّ ا ن َ َسب إليه‬


‫ِ‬ ‫الله أحم ُد عىل ما أطلق به لسانِي‪ ،‬وأظهر بنطق بيانـي‪ ،‬من‬
‫نهج ال ُهدى وسبيـل‬ ‫الض َّالل الجَ احدون‪ ،‬حادُوا عن ِ‬‫املتقوِّ لون‪ ،‬وافتـرى عليه وعىل ن ِبيِّه ُّ‬
‫فعمي عليهم لفرط ضاللهم وعظيم‬ ‫َ‬ ‫الحق بالتَّحقيـق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وعجزت أفهامهم عن إدراكِ‬ ‫التوفيق‪ِ ،‬‬
‫تكذيبـه وجحدوا الحَ َّق بدل‬
‫ِ‬ ‫ط املُستقيم وسواء الرصاط‪ ،‬فصدّقوا الباطل بد َل‬ ‫الرصا ُ‬
‫غبائهم ِّ‬
‫بريَّتِه‪ ،‬ونَقوت ُه من َخ ِ‬
‫ليقته‪ُ.‬‬ ‫التصديـق‪ ،‬وأشه ُد أن محمدًا عبد ُه ورسول ُه صفوت ُه من ِ‬
‫َّ‬
‫ُبأبطلُالكالم‪ُ،‬الساعيةُ‬ ‫ِ‬
‫مـر‪ُ،‬الناطقة‬ ‫ّملاُنَمَ تُأعناق ُّ‬
‫ُالرعاعُالغثـر‪ُ،‬وأينعَ تُرؤوس ُالغثا ِء ُالغ‬
‫ِ‬
‫ُالجماعة ُوَ دولة ُاإلسالم‪ُ،‬‬ ‫ُوالخوافق ُواألثالم ُض َّد‬
‫ِ‬ ‫إلضالل ُاألنام ُ ِبنَرش َّ‬
‫ُالش ِ‬
‫قاشق ُواألوهام‪،‬‬
‫مُعىلُالصحيح ُأغدرُ‬
‫ِ‬ ‫ا‬
‫اُوكسال‪ُ،‬ه‬ ‫ذاقُتأخر‬
‫ا‬ ‫‪ُ،‬ومنُالح‬ ‫ا‬
‫عاعُجهال ِ‬ ‫منُالر‬
‫ّ‬ ‫وماذا َك ُإالُإلحساسهمُ‬
‫ٍ‬
‫‪ُ،‬ذووُألسنة ُطوالُ‬ ‫الخليقة‪ُ،‬وأجهل ُالنَّاسُبالحقيقةُ‪-‬إالُمنُرحمَ هُال ّلـهُمنهمُوشذُعنهم‪-‬‬
‫ٌُبعدُهدىُكانواُعليهُإالُأوتواُالجدال"ُكماُقالُأحسنُالب َ ِ‬
‫َرشُ‬ ‫ِ‬ ‫وكثرةُقيلُوقال‪ُ،‬و‪"ُ:‬ماُض َّلُقوم‬
‫ٍ‬
‫الخليـقةﷺ ُ‬ ‫وأصدقُ َ‬

‫ش ُرضرُهؤالءُالقعديةُاملارقة‪ُ،‬ومنُاستغ ّل ُكالمهمُمنُالض َّاللُالزنادقة‪ُ،‬ومُروقهمُ‬ ‫اُف َ ُ‬


‫ف َلمّ َُ‬
‫منُجماعةُاملسلمنيُبعدُغدرهمُباإلمامُوتخذيل ِِهم ُاألنامُعنُنرصةُدولةُاإلسالمُحتَّىُشمّ رُ‬
‫ُالركبُُ‬‫ُاألغفال ُعن ُأكمامهم ُفو َُّلوا ُاألدبار‪ُ ،‬وش َُّدت ُإىل ُديار ُالكفر ّ‬‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ُوالسوقة‬ ‫الس َّذج ُالجُّ هال‬
‫حـال‪ُ،‬ونقضواُبيعة ُأشهدواُعليهاُالواحدُالقهارُ‪َ ُ،‬فخذلواُإخوانهمُاألبرار‪ُ،‬إذُذا َك ُوبعدُ‬ ‫ا‬ ‫والر‬
‫ُِّ‬
‫يارفـة ُاملهرةُالحذاقُلردُعاديةُهاتهُالطوائفُوماُحوىُ‬ ‫ِ‬ ‫التوكلُعىلُاللهُتعاىلُثمُغياب َّ‬
‫ُالص‬ ‫ِ‬
‫كالمهاُمنُالضالل‪ُ،‬وشنيعُاملقال‪ُ،‬والحججُاملحال‪ُ،‬كانُواجبااُالردُعليهمُوبيانُمنهاجُالسنةُ‬
‫ِنقض ُأقاويلهمُالرديّة‪ُ،‬فاستخراجُخارجيَّاتهمُباملناقِ يش‪ُ،‬والردُعىلُماُيستد ُّل ُبهُ‬ ‫النبويةُل ِ‬
‫أهلُالغفلةُمنُالناسُعىلُسو ُِء ُمذهبهم‪ُ،‬فيحذروهمُعىلُأنفسهمُوعىلُأوالدهمُوأهليـهم‪ُ،‬‬
‫محتسبنيُمنافحنيُعنُدينُاللهُثمُالجماعة‪ُ،‬طالبنيُبهُماُعندُاللهُصابرينُغريُخالعيُيدُ‬
‫ِ‬
‫خناثُ‬ ‫َّ‬
‫ُبالصاعقـة‪ُِ،‬فُالردُعىلُأ‬ ‫ِّ‬
‫منُطاعة‪ُ،‬فكانُهذاُالسفرُاملخترصُوالفكرُاملعترصُاملوسوم‬
‫ًّاُعىلُكلُمأبون ُومأفونُريضُبالدون‪ُ،‬ولعكاءُزاهقةُزاعقة‪ُ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الصعافقـة‪ُ،‬دفعا اُللبوائق‪ُ،‬ورد‬ ‫َّ‬
‫ُعىلُأمر ُالُينادىُ‬
‫ٍ‬ ‫ُشعري‪ُ،‬ما ُحمله‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫األولني‪ُ،‬فليت‬ ‫ِ‬
‫ممنُرفعُعقريته‪ُ،‬ومابه ُطرقُلقبولُآثارُ‬
‫الزاهق‪ُ،‬بالقاهرُالفالق‪ُ،‬والباهرُالفائق‪ُ،‬وماُ‬ ‫وليده؟ُفدلَّسُِفُالحقائقُوسمَّ ىُ‪ِ -‬بحَ قُ‪-‬الباطلُ ّ‬
‫ارق‪ُ،‬سيـ َم ُالقعديةُالسباتُعىلُالنمارق‪ُ،‬والذلُِفُ‬ ‫ِ‬ ‫رضَّ ُطعنُاألحجارُبالنجومُالكو َكبَ ُال َّ‬
‫ط‬
‫ُأهال ُوَ ال ُمن ُمستحقيه‪ُ ،‬ال ّلهمُ‬ ‫املخانق‪ُ ،‬والكري ُِف ُاملفارق‪ُ ،‬فأما ُاإلقبال ُفلم ُيكونوا ُله ُيوما ا ا‬

‫‪- 60 -‬‬
‫ا‪ُ،‬وسالمةُأهلُاألوثانُمنُفورُماُيخرجُ‬
‫ِ‬ ‫ار‬ ‫ا‬
‫بتسليطُألسنتهمُعىلُأهلُاإلسالمُعدوالُكانواُأوُفجَّ َ‬
‫منُرؤوسهم‪.‬‬

‫ريُمعر ُوفٍُُيذ َكر‪ُ،‬‬ ‫ا‬


‫ُللمسلمُأنُيتمثلُقائال‪ُ:‬أشكواُإىلُاللهُعجَ ريُوبجَ ري‪ُ،‬بنيُمنُأطا َعُِفُغ ِ‬‫فح ّق‬
‫فاستح ّلُوياليتهُلمُيفعلُماُحرمُاللهُعليه‪ُِ،‬ظانًّاُأنهُيعذر‪ُ،‬وبنيُمنُكرهُماُأوجبهُاللهُعليه‪ُ،‬‬
‫َ‬
‫فاستحلُالسيف ُأوُأحلهُلغري ِه ُدونُمبارشة‪ُ،‬اتخذُوصاياُالسلفُوراءهُظهريًّا‪ُ،‬ونبذُاملتواترُ‬
‫ُرسابـا‪ُ،‬والرسابُصوابـا‪ُ،‬وجعلُمنُاألخذُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫منُاألخبارُوكذبُبصحيحُاآلثار‪ُ،‬فتوهمُالصوابَ‬
‫بآثارُالصحابةُوالسلفُاحتطابـا‪ُ،‬وكلُواح ٍدُمنهماُيدعيُأنهُعىلُالسنة‪ُ،‬وأنهُعىلُالجماعةُ‬
‫ِ‬
‫ولوُكانُوحده‪ُ،‬ياُعجباُكلُالعجب!ُعجبُيميتُالقلب‪ُ،‬ويشغلُالفهم‪ُ،‬ويكثرُاألحزان‪ُ،‬منُ‬
‫تظافرُهؤالءُالقومُعىلُباطلهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫غريُشيمتهُ*ُومنُسجيتهُاإلدغالُوامللقُ‬ ‫ياُأيهاُاملتحيلُ‬

‫دعُالتخلقُيبعدُعنكُأولهُ*ُإنُالتحيلُيأتيُدونهُالخلقُ‬

‫ٍ‬
‫والُيؤاتيكُفيماُنابُمنُحدثُ*ُإالُأخوُثـقة‪ُ،‬فانظرُبمنُتثقُُ‬

‫ً‬
‫سبيـال سوى هذا‬ ‫فال تعجبوا إخواني إن وجدتُم يف كالمي قسو ًة‪ ،‬فما ترك لنا َ‬
‫طغام األحالم‬
‫ْضبت فأوجع فإن املالمة واحدة!‪ ،‬وأحس ُن منه قول الله تعاىل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫السبيل‪ ،‬والعرب تقول‪ :‬إذا‬
‫ظلِم}‪.‬‬‫السو ِء ِم َن ا ْل َقوْ ِل إِال َّ مَ ن ُ‬
‫{ال َّ يُحِ بُّ ال ّل ُه ا ْلجَ هْ َر ِب ُّ‬

‫قا َل ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪" :-‬فمتى ظلم املخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي‬
‫وقت ُه ُم أحوجُ فيه إىل االجتماع‬
‫أحسن"‪ .‬وأي ظل ٍم أعظ ُم من السعي لثل ِم جماعة املسلمني يف ٍ‬
‫بعضا‪ ،‬فهذي أخواتنَا قد أحسنت الظن بالثابتني عىل‬ ‫ً‬ ‫كالبنيان املرصوص‪ ،‬يش ّد بعضه‬
‫ألهل الشقاق والنفاق والثبور!‬
‫الثغور‪ ،‬ويف أهل الثغور سماعون ِ‬
‫ظهرُ‬ ‫ُفتي اَّةُ*ُ َو َ‬
‫ُقدُنَحَ َلُالجَ نبانُوُاحدَودَبَ ُال َّ‬ ‫كون َ‬
‫ىُأنُتَ َ‬
‫ْ‬ ‫عَ جو ٌزُترجّ‬
‫ُهلُيصلِحُالعَ ّ‬
‫طارُماُأمَ اتَهُالدَّهرُُ‬ ‫َ‬
‫بغيُشبابَهاُ*ُ َو َ‬‫ارُتَ‬
‫ط ِ‬‫سُإىلُالعَ ّ‬
‫تَد ُّ‬

‫قيل لإلمام أحمد بن حنبل‪-‬رحمه الله‪ :-‬الرجل يصوم ويصَل ويعتكف أحب إليك أو يتكلم‬
‫يف أهل البدع؟ قال‪" :‬إذا قام وصىل واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم يف أهل البدع فإنما‬
‫هو للمسلمني"‪.‬‬
‫وقال شيخ البخاري الحميدي‪" :‬والله! ألن أغزو هؤالء الذين يردون حديث رسول الله ‪..‬‬
‫أحب إيل من أغزو عدتهم من األتراك"‪.‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫وقال بعضهم ألحمد بن حنبل‪" :‬يثقل عَل أن أقول فالن كذا وكذا" فقال ‪-‬رحمه الله‪" :-‬إذا‬
‫وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟"‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫سكت أنت‬
‫قال اإلمام ابن بطة العكربيّ يف اإلبانة‪" :‬هم أشد فتنة من الدجال وكالمهم ألصق من الجرب‬
‫وأحرق للقلوب من اللهب فال تجالسوهم"‪.‬‬
‫تقي الدين ابن تيمية‪" :‬وهذه حقيقة قول السلف واألئمة أن الدعاة إىل البدع ال‬
‫وقال اإلمام ّ‬
‫تقبل شهادتهم وال يُصىل خلفهم وال يؤخذ عنهم العلم وال يناكحون فهذه عقوبة لهم حتى‬
‫ينتهوا"‪.‬‬
‫ري وتقديس أهل العل ِم قد دعوا الستحالل السيف عىل‬
‫قلت‪ :‬وهؤالء القعدة من دعاة التعي ِ‬
‫السلف املبني عىل نصوص قطعية‪ ،‬وهم يف ذلك بني ُمنكر‬‫ِ‬ ‫وال ِة الجور‪ ،‬مخالفني إجماع‬
‫بنفسه عن السماع لهم إذ ك ُّل حقيقة تخرج من أفواههم‬
‫ِ‬ ‫وجاحد له‪ ،‬فعىل املسلم أن يرفق‬
‫معها أكاذيبُ كثري ٌة وَأباطيل‪.‬قال إمام األئمة الحسن البرصي‪":‬أترغبون عن ذكر الفاجر؟‪،‬‬
‫اذكروه بما فيه كي يحذره الناس"‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز ‪":‬من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنق" (‪ .)1‬وقال عمران‬
‫(‪)2‬‬
‫القصري‪" :‬إياكم واملنازعة والخصومة‪ ،‬وإياكم وهؤالء الذين يقولون‪ :‬أرأيت أرأيت"‬
‫قال سالم بن أبي مُطيع ‪" :‬إن ً‬
‫رجال من أصحاب األهواء قال أليوب السختياني‪ :‬يا أبا بكر‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أسألك عن كلمة‪ ،‬فوىل أيوب‪ ،‬وجعل يشري بإصبعه‪ :‬وال نصف كلمة"‬
‫قال أسماء بن عبيد‪" :‬دخل رجالن من أهل األهواء عىل ابن سريين‪ ،‬فقاال‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬نحدثك‬
‫ِّ‬
‫لتقومان عني أو‬ ‫بحديث‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قاال‪ :‬فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫َّ‬
‫ألقومن‪ .‬قال‪ :‬إني خشيت أن يقرآ عَل َّ آية فيحرفاها فيق َّر ذلك يف قلبي"‬
‫قال سعيد بن عنبسة‪" :‬ما ابتدع رجل بدعة إال غل صدره عىل املسلمني‪ ،‬واختلجت منه‬
‫األمانة"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارمي ‪68/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن بطة يف الكربى ص‪.405‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اْلجري يف الرشيعة ‪440/1‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه الدارمي ‪81/1‬‬


‫(‪ )5‬أخرجه ابن بطة يف الرشح واإلبانة ص‪152‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫كان ابن طاووس جالسا فجاء رجل من املعتزلة‪ ،‬قال‪ :‬فجعل يتكلم‪ ،‬قال‪ :‬فأدخل ابن‬
‫طاووس إصبعيه يف أذنيه قال‪ :‬وقال البنه‪ :‬أي بني‪ ،‬أدخل إصبعيك يف أذنيك واشدد وال‬
‫تسمع من كالمه شيئًا‪ ،‬قال معمر‪ :‬يعني أن القلب ضعيف"(‪.)1‬‬
‫وعن ابن عمر ‪-‬ريض الله عنهما‪ -‬أنه جاءه رجل فقال‪ :‬إن فالنا يقرأ عليك السالم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫"بلغني أنه قد أحدث‪ ،‬فإن كان أحدث فال تقرأ عليه السالم"‪.‬‬
‫وأحس ُن من ذلك‪ ،‬ما روَ ى الحافظ ابن منده بإسناد ِه عن عبد الله بن عمـرو ريض الله‬
‫عنهما قال‪ :‬قال رســول الله ﷺ‪" :‬لك ِّل عامل فرتة‪ ،‬ولك ِّل فرتة يرة‪ ،‬فمن كانت فرتته إىل‬
‫سنتي‪ ،‬فقد أفلح"‪.‬‬
‫اإلنكار عليهم من خفيت‬‫ِ‬ ‫وقد يستعظ ُم بعض إخواننَا الكالم يف هؤالء‪ ،‬ويعارض مذهبنَا يف‬
‫أمرا اِجتم َع عىل ذَمِّ ه وأهله الصحابة‪ ،‬ومن تبعهم من التابعني‬ ‫عليه مقاالتهم‪ ،‬فنقو ُل‪َّ :‬‬
‫إلن ً‬ ‫ِ‬
‫الصالحني واألساطني املستبرصين كحمَّ اد والثوري والبرصي وابن املبارك وابن مهدي‬
‫إسحاق ومن تبعهم من تالمذته ُم كأحمد بن حنبل وابن‬ ‫ٍ‬ ‫والزهريّ وابن عيينة والثوري وأبي‬
‫املديني وأقرانهم ث َّم نقل إجما َع كل هؤالء األثرم بن اإلسكايف ّ وابن‬
‫ّ‬ ‫راهويه وابن معني وابن‬
‫ببعض السلف احتما ُل‬‫ِ‬ ‫الكرمــاني فالرازيّان ألم ٌر خطيــر عظيم‪ ،‬حتى بلغ‬
‫ّ‬ ‫املنذر وحرب‬
‫أمور كثرية َّإال هذا األمر‪.‬‬
‫ٍ‬

‫َخ ْلنَا عَ َىل عَ بْ ِد‬ ‫الرحِ ي ِم‪ِ ،‬م ْن أ َ ْه ِل مَ ْر َو َقا َل د َ‬ ‫قال عبد الله بن اإلمام أحمد‪ ،‬حَ َّدثَنِي عَ بْ َد ُة بْ ُن عَ بْ ِد َّ‬
‫يز‪ :‬يَا أَبَا‬ ‫يز ب ِْن أ َ ِبي ِر ْزمَ َة نَعُ ود ُُه أَنَا وَ أَحْ مَ ُد بْ ُن َشبُّوَ ي ِْه وَ عَ َِل ُّ بْ ُن يُون ُ َس َف َقا َل ِيل عَ بْ ُد ا ْلعَ ِز ِ‬ ‫ا ْلعَ ِز ِ‬
‫اش ِه َف َقا َل َس ِمعْ ُت اب َْن‬ ‫رب ُكمْ‪ ،‬وَ أ َ ْخ َرجَ ِبيَدِهِ عَ ْن فِ َر ِ‬ ‫يه عَ ن ْ ُك ْم َفأ ُ ْخ ِ ُ‬
‫ط ِو ِ‬‫رس ُكن ْ ُت أ َ ْ‬‫َسعِ يدٍ‪ ،‬عِ نْدِي ِ ٌّ‬
‫صبُعِ ِه‪،‬‬ ‫ِيف َة َكذَا وَعَ َق َد ِبأ ُ ْ‬ ‫وْزاعِ َّي ي َُقو ُل‪« :‬احْ تَمَ ْلنَا عَ ْن أ َ ِبي حَ ن َ‬ ‫ا ْل ُمب ََاركِ ي َُقو ُل‪َ :‬س ِمعْ ُت ْ َ‬
‫األ َ‬
‫صبُعِ ِه الثَّا ِلث َ ِة ا ْلعُ يُوبَ‬‫صبُعِ ِه الثَّا ِني َِة‪ ،‬وَ احْ تَمَ ْلنَا عَ ن ْ ُه َكذَا وَ عَ َق َد ِبأ ُ ْ‬ ‫وَ احْ تَمَ ْلنَا عَ ن ْ ُه َكذَا وَعَ َق َد ِبأ ُ ْ‬
‫ْف عَ َىل أُمَّ ِة مُحَ مَّ ٍد ﷺ َل ْم ن َ ْق ِد ْر أ َ ْن‬ ‫السي ُ‬ ‫ْف عَ َىل أُمَّ ِة مُحَ مَّ ٍد ﷺ َف َلمَّ ا جَ ا َء َّ‬ ‫السي ُ‬ ‫حَ تَّى جَ ا َء َّ‬
‫َ (‪)3‬‬
‫نَحْ تِمَ ل ُه»‬

‫(‪ )1‬أخرجه الاللكائي ‪152/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الدارمي ‪68/1‬‬
‫(‪ )3‬كتاب السنة ‪185/1‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫الدارمي ‪-‬رحمه الله‪َ " :-‬‬
‫ولوال مابدأكم هذا‬ ‫ّ‬ ‫بمقال شيخنا عثمان بن سعيد‬
‫ِ‬ ‫وحس ِب َي االمتثا ُل‬
‫بذكر كالمه‪ ]...[ ،‬فدعا ًء إىل‬
‫ِ‬ ‫املبتدع وبثها فيكم‪ ،‬ملا اشتغلنا‬
‫ِ‬ ‫املعارض بإذاعة ضالالت‬
‫الطريق املثىل‪ ،‬ومحاماة عن ضعفاء الناس وأهل الغفلة من النساء والصبيان أن يضلوا بها‪،‬‬
‫فقه وبرص وال‬‫أو أن يفتتنوا‪ ،‬إذ بثها فيهم "رجا ٌل" كان يشري إليهم بعضهم بيشء من ٍ‬
‫يفطنون لعثراتهم إن هم غشوا‪ ،‬فيكونوا من أخواتها عىل حذر"‪.‬‬
‫ُ‬
‫نوافق ونستند‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬ ‫عىل الله نعتمد‪ ،‬وبالله نعتضد يف صحة ما إىل الكتاب والسنة‬
‫همُلبعضُ*ُعيلَُّفقدُأصابهمُانتقــامُ‬
‫ٍ‬ ‫عوىُ"البؤساء"ُبعض‬
‫إذاُأرسلتُ"صاعقة"اُعليهمُ*ُرأواُأخرىُتَحَ َّرقُفاستدامــواُ‬

‫‪- 64 -‬‬
‫ِ‬
‫ُاألئمةُ‬‫ُمساوئ‬
‫ِ‬ ‫ُواألخبار ُِِفُ َذم ِ‬
‫ُِّذكر‬ ‫ِ‬ ‫ُمنُاآلثار‬
‫ِ‬ ‫َت‬‫بابُفيمَ اُثَبـ َ‬
‫ني‪ُ،‬وأنُذل َكُمَ نْبـَعُالفِ تَنُوَ الخروجُ‬
‫َّ‬ ‫امل ِ‬
‫سلم‬

‫صومَ َك قعديّة‪ ،‬فما هؤالء؟‬‫أن ُخ ُ‬


‫وزعمت َّ‬
‫َ‬ ‫استفتحت كتاب َك هذَا‬
‫َ‬ ‫َقد ُ‬
‫يقول قا ِئ ٌل‪ :‬ها َ‬
‫أنت ذا‬
‫للناس دون اإلقدا ِم عليه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫يرون الخروجَ َو يُزيِّنونه‬ ‫في َُقال‪ :‬أص ُل القعدة أنهم خوارج‬
‫قال األزهري‪" :‬القعد‪ :‬جمع قاعد‪ ،‬و القعدي من الخوارج الذي يرى رأي القعدة الذين‬
‫ري عَل ي ومعاوية وأبي موَس وبن العاص ريض الله عنهم‪-‬‬ ‫يرون التحكيم ‪-‬يشري إىل تكف ِ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ًّ‬
‫حقا‪ ،‬غري أنهم قعدوا عن الخروج عىل الناس"‪.‬‬
‫قا َل صاحب التهذيب‪" :‬القعد الخوارج‪ ،‬كانوا ال يرون بالحرب‪ ،‬بل ينكرون عىل أمراء الجور‬
‫(‪)2‬‬
‫حسب الطاقة‪ ،‬ويدعون إىل رأيهم‪ ،‬ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه"‬
‫رؤوس الخوارج من القعدية‬‫وقال أيضا يف اإلصابة يف ترجمة عمران بن حطان‪" :‬وكان من ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫بفتحتني وهم الذين يحسنون لغريهم الخروج عىل املسلمني وال يبايرون القتال"‬
‫روى أبو داود يف مسائل أحمد عن عبد الله بن محمد الضعيف أنه قال‪" :‬قعد الخوارج هم‬
‫أخبث الخوارج"‪.‬‬

‫امرئ ليس له برصٌ يهديه‪ ،‬وال قائد يرشده‪ ،‬دعا الهوى فأجابهُ‪ ،‬وقاده‬
‫ٍ‬ ‫وكتبُ هؤال ِء ككتاب‬
‫زاعمون أنهم عىل السنَّة‬
‫َ‬ ‫فاتَّبعه‪ ،‬ولعمري ما ِ‬
‫أدري مرادهم حينما يخت ِتمُونها وهم فيها‬
‫فيه من التهدي ِد والوعيد الشديدِ‪ ،‬الذي مط َلعهُ‪:‬‬
‫يسار عىل ما ِ‬
‫بشعر نرص بن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلف‬ ‫وسبيل‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫ُ*ُخليقُأنُيكونُلهُرضامُ‬ ‫ُالرمادُوميضُنار‬
‫ٍ‬ ‫أرىُخل َل‬
‫فإنُالنارُبالزندينُتورىُ*ُوإنُالحربُأولهاُالكالمُ‬

‫(‪ )1‬مُعجم تهذيب اللغة ‪3006/3‬‬


‫(‪ )2‬التهذيب ‪114/8‬‬
‫(‪ )3‬اإلصابة ‪.30/ 5‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫ي‬
‫بحق أولها الكالمُ‪ ،‬ولهذا كانوا هم أشد الخوارج‪ ،‬وكان أولهم ذو الخويرصة‬ ‫فالحربُ‬
‫النجديّ حني قال‪" :‬اعدل يا محمد فإنك لم تعدل"‪.‬‬
‫ِ‬
‫مصنفه‪ ،‬قال‪ :‬حدَّثنا أبو مسعود ح َّدثنا أبو مسعود‪ ،‬ثنا أبو داود‪،‬‬ ‫روى ابن أبي شيبة يف‬
‫ح َّدثنا يريك‪ ،‬عن عثمان بن املغرية‪ ،‬عن زيد بن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قام رأس الخوارج إىل عَل‪،‬‬
‫يقال‪ :‬الجعد بن بعجة‪ ،‬فقال‪ :‬اتق الله فإنك ميت‪ ،‬وإنك تعرف سبيل املحسنني من سبيل‬
‫املسيئني‪ - ،‬واملحسن عنده عمر‪ ،‬وامليسء عنده عثمان ‪ -‬اتق الله فإنك ميت قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكني‬
‫مقتول من ْضبة عىل الهامة‪ ،‬هامة نفسه‪ ،‬يخضب هذه‪ ،‬يعني لحيته‪ ،‬عهد معهود‪ ،‬وقضاء‬
‫مقيض‪ ،‬وقد خاب من افرتى‪ .‬وعاتبوه يف لباسه‪ ،‬فقال‪ :‬لباس هذا أبعد من الكرب‪ ،‬وأجدر أن‬
‫(‪)1‬‬
‫يقتدي بي املسلم‬

‫فصل‬
‫عت عبد الله بن محم ٍد أبا محم ٍد َّ‬
‫الضعيف‬ ‫سم ُ‬ ‫مسائل أحمد‪ِ :‬‬
‫ِ‬ ‫السجستانِي يف‬ ‫َقال أبو داود ّ‬
‫الخوارج‪ ،‬وقعد الجهمية الواقفة"‪ .‬وسأ َل عبد الله أبَاه أحمد‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أخبث‬ ‫الخوارج هم‬
‫ِ‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫"قعَّ ُد‬
‫ير من الجَ هميَّة"‪.‬‬‫"هم َ ٌّ‬
‫فقال‪ُ :‬‬ ‫بن حنبل عَ ن الواقِ َفة َ‬

‫أمراء‬ ‫ون بالحَ رب‪ ،‬بل يُنْك ُرون َ‬


‫عىل َ‬ ‫ير َ‬‫وارج‪ ،‬كانُوا ال َ‬
‫الخ ِ‬ ‫صاحِ بُ التَّهذيب‪ُ :‬‬
‫"القعد َ‬ ‫َ‬
‫وقا َل َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِّنون مَ ع ذَل َك ُ‬
‫الخ ُروج ويحَ ِّسنونه"‬ ‫إىل َرأيهم‪ ،‬ويُزي َ‬ ‫الجُ ور حَ َسب ال َّ‬
‫طاقة‪ ،‬وَيدعُ ون َ‬
‫وارج من َ‬
‫القعدية‬ ‫الخ ِ‬ ‫رؤوس َ‬ ‫بن حطان‪" :‬و َكان من ُ‬ ‫اإلصابة ِيف تَرجمَ ة عِ َ‬
‫مران ِ‬ ‫وقال ً‬
‫أيضا يف َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ون القِ تَال"‬ ‫عىل املُس ِلمني وَال ِ‬
‫يباير َ‬ ‫الخروجَ َ‬ ‫ُحسنون َ‬
‫لغ ِريهم ُ‬ ‫َ‬
‫بفتحتَني ُ‬
‫وهم الذ َ‬
‫ِين ي ِّ‬

‫الفساد‪ ،‬لهذا عدَّهم السلف‬ ‫ظاهر ِه يَغِ يبُ عن ُه ماحَ وَ ى بَاطنه من َ‬ ‫والنّاظ ُر لكال ِم الوَ ِ‬
‫اقفة ِيف َ‬
‫ً‬
‫ديانة وحُ بًّا يف‬ ‫القعَّ ِد من الخوارج‪ ،‬لزعمهم أنّهم ما تحدَّثوا إال‬ ‫أخبث الجهميَّة‪ ،‬وهذا حا ُل ُ‬
‫لبيعة أشهدوا ربهم عليهَ ا‪ ،‬ويعينُهم عليه أ ٌ‬
‫ناس‬ ‫ٍ‬ ‫وأباطيل ‪،‬وإخفاؤهم َ‬
‫نقضهم‬ ‫ِ‬ ‫عِ ل ٍم ك ُّله كال ٌم‬
‫ممن كتبوا العل َم ‪-‬بزعمهم‪ -‬وادَّعوا معرفته‪ ،‬مع إنكارهم بعض املظال ِم وكثريا من املسائل‬

‫(‪ )1‬مصنف ابن ابي شيبة ‪٩١٨/‬‬


‫(‪ )2‬التهذيب ‪114/8‬‬
‫(‪ )3‬اإلصابة ‪3/ 5‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫االجتهادية املنوطة باألئمة ‪،‬وَ أمور من السنة أنكروها لجهلهم بعلم األولني وتتبعهم علوم‬
‫ْض ُر هؤالء والغال ِة عىل الجماعة والدِّين أعظم من ْضر األسلحة والقنابل ملن‬ ‫املتأخرين‪ ،‬و َل َ َ‬
‫الكذب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفواههم من‬ ‫َ‬
‫نطقت به‬ ‫وحقيقة مقصدهِ م وما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملعرفة لواز ِم أقوالِهم‬ ‫وفق ُه الله‬
‫األرض من‬
‫ِ‬ ‫وضوع والكالم ا َملطروح الذي ال يَقول ُه مؤم ٌن عن نسا ِء املجاهدين خرية أهل‬ ‫ا َمل ُ‬
‫األنصار واملُهَ اجرين وتخذيلهم عن النفري والعمل‪ ،‬وقد هتف العلم بالعمَ ل فإن أجابه وإال‬
‫صدق شيخي أبو الحارث فرج‬ ‫َ‬ ‫الكالب من القعد املثبطني‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ارتحل‪ ،‬ويا فرحة الكفرة بهؤال ِء‬
‫والطرفان َّ‬
‫كفراها"‪ ،‬كما قِ يل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الله عنَّا وعنه حني قال يل‪" :‬الطرفان خرجَ ا عىل الدَّولة‬
‫يُحراشُمَ اُيصيدُُ‬
‫ٌ‬ ‫ُ*ُوماُيدر‬
‫ِ‬ ‫تَ َكا َل ِ‬
‫بتُالضبَاءُعىلُحِ ٍ‬
‫راش‬

‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬نهانا كرباؤنا من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫"ال تسبُّوا أمراءكم‪ ،‬وال تغشوهم‪ ،‬وال تبغضوهم‪ ،‬واتقوا الله واصربوا‪ ،‬فإن األمر قريب"‬
‫قال أبو الدرداء ‪-‬ريض الله عنه‪" :-‬إياكم ولعن الوالة‪َّ ،‬‬
‫فإن لعنهم الحالقة‪ ،‬وبغضهم‬
‫العاقرة" قيل‪ :‬يا أبا الدرداء‪ ،‬فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما ال نحب؟ قال‪" :‬اصربوا‪ ،‬فإن‬
‫(‪)2‬‬
‫الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم باملوت"‬
‫(‪)3‬‬
‫قال أبو إسحاق السبيعي ‪-‬رحمَ ُه الل ُه‪" :-‬ما سب قوم أمريهم إال حرموا خريه"‬
‫قال أبو مجلز ‪-‬رحمَ ُه الل ُه‪" :-‬سب اإلمام الحالقة‪ ،‬ال أقول حالقة الشعر‪ ،‬ولكن حالقة‬
‫(‪)4‬‬
‫الدين"‪.‬‬
‫فإن الطعن عليهم هي‬ ‫قال أبو إدريس الخوالني ‪-‬رحمَ ُه الل ُه‪" : -‬إياكم والطعن عىل األئمة‪َّ ،‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫الحالقة‪ ،‬حالقة الدين ليس حالقة الشعر‪ ،‬أال َّ‬
‫إن الطاعنني هم الخائبون ويرار األيرار"‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابن أبي عاصم يف السنة‬


‫(‪ )2‬رواه ابن أبي عاصم يف السنة‬
‫(‪ )3‬رواه ابن عبد الرب يف التمهيد (‪)٢٨٧/٢١‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن زنجويه يف األموال‬
‫(‪ )5‬رواه ابن زنجويه يف األموال‬

‫‪- 67 -‬‬
‫وال أكرب إفساد يف األرض من اإلعانة عىل قتل اإلمام ولو بالكالم الستقرار الخالفة حال حكمه‬
‫وازدهارها وتعظيمه الشديد للقران والسنة وإن ز َّل فسيئاته وسط حسناته كنقطة سوء‬
‫يف بحر محيط‪ ،‬ومثله أحق من غريه بالدعاء وإقالة العثرات‪.‬‬
‫قال عبد الله بن عكيم ‪-‬رحمَ ُه الل ُه‪" :-‬ال أعني عىل دم خليفة أبدًا بعد عثمان ‪-‬ريض الله‬
‫عنه‪ ،"-‬فقيل له‪ :‬يا أبا معبد أ َو أعنت عىل دمه؟ فيقول‪" :‬إني أعد ذكر مساوئه عونًا عىل‬
‫(‪)1‬‬
‫دمه"‪.‬‬
‫وعن أبي الدرداء ريض الله عنه أنه قال‪" :‬إن أول نفاق املرء طعنه عىل إمامه"(‪.)2‬‬
‫وعن زائدة بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬قلت ملنصور بن املعتمر‪ :‬إذا كنت صائمً ا أنال من السلطان؟‬
‫(‪)3‬‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬فأنال من أصحاب األهواء؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ً‬
‫معروفا الكرخي قال‪":‬من لعن إمامه حُ رم عدله"‬ ‫وعن ابن حكمان‪ ،‬أن‬
‫و عن أبي جمرة الضبعي قال‪" :‬ملا بلغني تحريق البيت خرجت إىل مكة‪ ،‬واختلفت إىل ابن‬
‫عباس‪ ،‬حتى عرفني واستأنس بي‪ ،‬فسببت الحجَّ اج عند ابن العباس فقال‪ :‬ال تكن عونًا‬
‫للشيطان (‪.)5‬‬
‫وعن إبراهيم بن ميرسة عن طاووس قال‪ ":‬ذكرت األمراء عند ابن عباس فانربك فيهم رجل‬
‫فتطاول حتى ما أرى يف البيت أطول منه ‪ ،‬فسمعت ابن عباس يقول‪§« :‬ال تجعل نفسك‬
‫فتنة للقوم الظاملني» ‪ ،‬فتقارص حتى ما أرى يف البيت أقرص منه" (‪.)6‬‬
‫وعن زياد بن كسيب العدوى قال‪ :‬كنت مع أبي بكرة تحت منرب ابن عامر –وهو يخطب‬
‫وعليه ثياب رقاق– فقال أبو بالل‪ :‬أنظروا إىل أمرينا يلبس ثياب الفساق‪.‬فقال أبو بكرة‪:‬‬
‫اسكت‪ ،‬سمعت رسول الله يقول‪ :‬من أهان سلطان الله يف األرض أهانه الله"(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابن سعد يف الطبقات(‪ )١١٥/٦‬ويعقوب بن سفيان يف املعرفة(‪.)٢٣١/١‬‬


‫(‪ )2‬البيهقي يف شعب اإليمان وابن عبد الرب يف التمهيد‬
‫(‪ )3‬الصمت وآداب اللسان البن أبي الدنيا‪ ،‬ورواه أبو نعيم يف الحلية‬
‫(‪ )4‬مناقب معروف الكرخي وأخباره‪.‬‬
‫(‪ )5‬التاريخ الكبري للبخاري‬
‫(‪ )6‬مصنف ابن أبي شيبة‬
‫(‪ )7‬رواه الرتمذي‬

‫‪- 68 -‬‬
‫الص ِام ِت‪َ ،‬قا َل‪َ :‬ق ِد َم أَبُو ذَ ير عَ َىل عُ ثْمَ ا َن‬ ‫ان ا ْلجَ وْ ن ِِّي‪َ ،‬قا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت عَ بْ َد ال َّل ِه ب َْن َّ‬ ‫وع ْن أ َ ِبي عِ َ‬
‫مْر َ‬
‫اس‪ ،‬أَتَحْ َسبُنِي ِم ْن َقوْ ٍم أَحْ َسبُ ُه َقا َل‪:‬‬ ‫ْخ َل الن َّ ُ‬ ‫الشا ِم‪َ ،‬ف َقا َل‪ْ :‬افتَ ِح ا ْلبَابَ حَ تَّى يَد ُ‬ ‫ان ِم َن َّ‬ ‫ب ِْن عَ َّف َ‬
‫الرمْ ي َِة‪ ،‬ث ُ َّم َال‬‫السهْ ِم ِم َن َّ‬ ‫وق َّ‬ ‫ِّين ُم ُر َ‬ ‫ون ِم َن الد ِ‬ ‫آن‪َ ،‬ال يُجَ ِاو ُز تَ َراقِ يَهُ مْ‪ ،‬يَمْ ُر ُق َ‬ ‫ءون ا ْل ُق ْر َ‬
‫ي َْق َر َ‬
‫ِيق ِة‪ ،‬وَ ال َّل ِه َل ْو أَمَ ْرتَنِي أ َ ْن أ َ ْقعُ َد َلمَ ا‬ ‫السهْ ُم عَ َىل َفوْقِ ِه‪ُ ،‬ه ْم َ ُّ‬
‫ير ا ْل َخ ْل ِق وَ ا ْل َخل َ‬ ‫ُون حَ تَّى يَعُ و َد َّ‬ ‫يَعُ ود َ‬
‫طل ِْق‬ ‫ري‪َ ،‬ل ْم أ ُ ْ‬
‫ُقمْ ُت أَبَدًا‪ ،‬وَ َل ْو أَمَ ْرتَنِي أ َ ْن أ َ ُقومَ‪َ ،‬ل ُقمْ ُت مَ ا مَ َل َكتْنِي ِرجْ َاليَ ‪ ،‬وَ َل ْو َربَطتنِي عَ َىل ا ْلبَعِ ِ‬
‫اها‪َ ،‬ف ِإذَا عَ بْ ٌد‬ ‫الربَذَ َة‪َ ،‬فأَتَ َ‬ ‫استَأْذَنَهُ‪ ،‬أ َ ْن يَأْت َِي َّ‬ ‫طل ُِقنِي‪َ ،‬قا َل‪ :‬ث ُ َّم ْ‬ ‫ون أَن ْ َت ا َّلذِي تُ ْ‬ ‫ن َ ْف ِيس حَ تَّى تَ ُك َ‬
‫وْصانِي‬ ‫ص ا ْلعَ بْدُ‪َ ،‬فقِ ي َل َلهُ‪ :‬تَ َق َّدمْ‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬إ ِ َّن َخل ِِيَل أ َ َ‬ ‫ي َُؤمُّ هُ مْ‪َ ،‬ف َقالُوا‪ :‬أَبُو َذ ير‪ ،‬أَبُو ذَ ير‪َ ،‬فن َ َك َ‬
‫صنَعْ َت مَ َر َق ًة َفأ َ ْك ِث ْر مَ اء ََها‬ ‫اف‪َ ،‬وإِذَا َ‬ ‫ط َر ِ‬ ‫دَّع ْ َ‬
‫األ ْ‬ ‫َيش‪ ،‬مُجَ ِ‬ ‫اسمَ عْ‪ ،‬وَ أ َ ِطعْ‪ ،‬وَ َل ْو لِعَ بْ ٍد حَ ب ِ ي‬ ‫ِبث َ َال ٍث‪« ،‬أ َ ِن ْ‬
‫الص َال َة ل ْ‬
‫ِوَقتِهَ ا‪َ ،‬ف ِإ ْن‬ ‫ص َِّل َ َّ‬ ‫وف‪ ،‬وَ أ َ ْن تُ َ‬‫ري ِت َك‪َ ،‬فأ َ ِصبْهُ ْم ِمنْهَ ا ِبمَ عْ ُر ٍ‬ ‫ظ ْر إ ِ َىل أ َ ْه ِل بَي ٍْت ِم ْن ِج َ‬ ‫ث ُ َّم ان ْ ُ‬
‫ص َالتَ َك‪َ ،‬و إِ ْن َال َف ِه َي َل َك نَافِ َل ٌة (‪.)1‬‬ ‫ص َّىل ُكن ْ َت َق ْد أَحْ َر ْزت َ‬ ‫وَق ْد َ‬ ‫أَد َْر ْك َت ْ ِاإلمَ ا َم َ‬

‫قلت‪ :‬وقد روى غري واحد من األئمة هذا الخرب‪ ،‬وفيه أن أبا ذر تكلم بهذا الكالم قبل ظهور‬
‫الخوارج وخروجهم عىل األئمة بالسيف‪ ،‬وقد كان ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬شديد اإلنكار عىل الوالة‬
‫ِ‬
‫مذهبه إىل أن اعتزل الناس وتوجه تلقاء الربذة‪،‬‬ ‫بسبب تركهم الزهد الذي كان يراه واجبًا يف‬
‫فعال َم برأ ذمت ُه وقال ما قاله إال أن يكون اإلنكار العلني الشديد عىل اإلمام املسلم الظالم‬
‫جرسا تعرب منه الخوارج‪.‬‬‫ً‬
‫عَ ْن ُسوَ يْ ِد ب ِْن َغ َف َل َة‪َ ،‬قا َل‪ :‬أ َ َخذَ عُ مَ ُر ِبيَدِي‪َ ،‬ف َقا َل‪ " :‬يَا أَبَا أُمَ ي ََّة‪ ،‬إِنِّي وَ ال َّل ِه َال أَد ِْري َلعَ َّلنَا َال‬
‫ان عَ بْدًا حَ ب َِشيًّا‬ ‫ن َ ْلتَقِ ي بَعْ َد يَوْ ِمنَا َهذَا‪َ ،‬فاتَّ ِق َربَّ َك َكأَن َّ َك تَ َرا ُه إ ِ َىل يَوْ ٍم تَ ْل َقاهُ‪ ،‬وَ أ َ ِط ِع ْ ِاإلمَ امَ‪ ،‬وإ ِ ْن َك َ‬
‫ص‬ ‫اص ِربْ‪َ ،‬وإ ِ ْن أَمَ َر َك ِبأَمْ ٍر يَن ْ ُق ُ‬
‫اص ِربْ‪َ ،‬وإ ِ ْن أ َ َهان َ َك َف ْ‬ ‫اص ِربْ‪َ ،‬وإ ِ ْن جَ َرمَ َك َف ْ‬ ‫ْض َب َك َف ْ‬ ‫مُجَ دَّعً ا‪ ،‬إ ِ ْن َ َ‬
‫ُون دِ ينِي‪َ ،‬ف َال تُ َف ِار ِق ا ْلجَ مَ اعَ َة (‪.)2‬‬ ‫طاعَ ًة د َِمي د َ‬ ‫دِ ين َ َك‪َ ،‬ف ُق ْل‪َ :‬سمْ عً ا وَ َ‬

‫ان دَا ٍع‪،‬‬ ‫ْف أَنْتُ ْم إِذَا َخ َرجَ فِ ي ُك ْم دَاعِ يَ ِ‬ ‫َري‪ ،‬أَن َّ ُه َقا َل لِجُ َل َسائ ِِه يَوْ مً ا‪َ « :‬كي َ‬
‫الرحْ مَ ِن ب ِْن جُ ب ْ ٍ‬‫عَ ْن عَ ْب ِد َّ‬
‫ُون؟» َقالُوا‪ :‬ن ُ ِجيبُ الدَّاعِ َي إ ِ َىل‬ ‫ان ال َّل ِه َفأَيُّهُ ْم تُ ِجيب َ‬ ‫َاع يَدْعُ و إ ِ َىل ُس ْل َ‬
‫ط ِ‬ ‫اب ال َّل ِه وَ د ٍ‬‫يَدْعُ و إ ِ َىل ِكتَ ِ‬
‫ان ال َّل ِه‪َ ،‬ف ِإ َّن ال َّل َه َال‬
‫ط ِ‬‫اب ال َّل ِه‪َ ،‬ف َقا َل‪« :‬إِذَ ْن تَهْ ِل ُكوا وَ تَ ِضلُوا َب ْل أ َ ِجيبُوا ا َّلذِي دَعَ ا ُك ْم إ ِ َىل ُس ْل َ‬ ‫ِكتَ ِ‬
‫طان ِِه وَ ِكتَا ِب ِه" (‪.)3‬‬ ‫ني ُس ْل َ‬‫ي َُف ِّر ُق َب ْ َ‬

‫(‪ )1‬األموال البن زنجويه‬


‫(‪ )2‬األموال البن زنجويه‬
‫(‪ )3‬األموال البن زنجويه‬

‫‪- 69 -‬‬
‫وْق أَيْد ِ‬
‫ِيه ْم َفمَ ْن ن َ َك َث َف ِإنَّمَ ا‬ ‫ون ال َّل َه يَ ُد ال َّل ِه َف َ‬
‫ِين يُبَا ِيعُ ون َ َك إِنَّمَ ا يُبَا ِيعُ َ‬
‫قال الله تعاىل‪{ :‬إ ِ َّن ا َّلذ َ‬
‫ِيه أَجْ ًرا عَ ِظيمً ا } (‪.)1‬‬ ‫اه َد عَ َليْ ُه ال َّل َه َف َسي ُْؤت ِ‬ ‫يَن ْ ُك ُث عَ َىل ن َ ْف ِس ِه وَمَ ْن أ َ َ‬
‫وْىف ِبمَ ا عَ َ‬

‫يض الل ُه عَ ن ْ ُه َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل الله ﷺ‪« :‬مَ ْن َرأَى ِم ْن أ َ ِم ِريهِ َشيْئا ً يَ ْك َر ُههُ‪،‬‬ ‫ّاس َر ِ َ‬ ‫وَ عَ ْن اب ِْن عَ ب ٍ‬
‫ات‪َ ،‬ف ِميتَ ٌة جَ اهِ ِلي ٌّة»(‪.)2‬‬
‫َص ِربْ‪َ ،‬فإن ّ ُه مَ ْن َفا َر َق الجَ مَ اعَ َة ِش ْربا ً َفمَ َ‬
‫َفلي ْ‬
‫يض الل ُه عَ ن ْ ُه َقا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت َر ُسو َل الله ﷺ ي َُقو ُل‪« :‬مَ ْن َخ َل َع‬ ‫وَ عَ ْن جُ نْد ُِب ب ِْن عَ بْ ِدالله البَجَ َِل ّ َر ِ َ‬
‫ات ِميتَ ًة‬‫ات وَ َلي َْس يف عُ نُقِ ِه بَيْعَ ٌة مَ َ‬
‫طاعَ ٍة َلقِ َى الل َه يَوْ َم القِ يَامَ ِة ال َ حُ جَّ َة َلهُ‪ ،‬وَ مَ ْن مَ َ‬
‫يَدًا ِم ْن َ‬
‫جَ اهِ ِليَّ ًة»(‪.)3‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن الخوارج ‪":‬ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا به جملة‬
‫املسلمني وأئمتهم إحداهما‪ :‬خروجهم عن السنة‪ ،‬وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة أو ما ليس‬
‫(‪)4‬‬
‫بحسنة حسنة"‬
‫قال شهر بن حوشب ‪ :‬حدثتني أسماء ‪ :‬أن أبا ذر كان يخدم النبي ﷺ ‪ ،‬فإذا فرغ من‬
‫خدمته ‪ ،‬أوى إىل املسجد ‪ ،‬وكان هو بيته ‪ ،‬فدخل النبي ﷺ فوجده منجدال يف املسجد ‪،‬‬
‫فنكته رسول الله ﷺ برجله ‪ ،‬حتى استوى جالسا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أال أراك نائما ؟ قال ‪ :‬فأين أنام‬
‫‪ ،‬هل يل من بيت غريه ؟ فجلس إليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬كيف أنت إذا أخرجوك منه ؟ قال ‪ :‬ألحق‬
‫بالشام ؛ فإن الشام أرض الهجرة ‪ ،‬وأرض املحرش ‪ ،‬وأرض األنبياء ‪ ،‬فأكون رجال من أهلها‬
‫‪ -‬قال له ‪ :‬كيف أنت إذا أخرجوك من الشام ؟ قال ‪ :‬أرجع إليه ؛ فيكون بيتي ومنزيل ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية ؟ قال ‪ :‬آخذ إذا سيفي فأقاتل حتى أموت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فكرش إليه رسول الله ﷺ ‪ ،‬وقال ‪ :‬أدلك عىل خري من ذلك ؟ قال ‪ :‬بىل ‪ ،‬بأبي وأمي يا‬
‫(‪)5‬‬
‫رسول الله ‪.‬قال ‪ :‬تنقاد لهم حيث قادوك ‪ ،‬حتى تلقاني وأنت عىل ذلك ‪.‬‬
‫ويف املسند ‪ :‬أخربنا أبو املغرية‪ ،‬قال رسول الله ﷺ ‪ :‬ما أظلت الخْضاء وال أقلت الغرباء من‬
‫ذي لهجة أصدق وال أوىف من أبي ذر‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتح‪10 :‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‬
‫(‪ )4‬الفتاوى (‪)72/19‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد يف مسنده‬

‫‪- 70 -‬‬
‫ضوا عَ ََل َّ ذَا ُك ْم‬ ‫وهذا أبو ذر ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬ينصح املسلمني قائال‪ " ،‬يَا أ َ ْه َل ِاإل ْسال ِم ‪ ،‬ال تَعْ ِر ُ‬
‫ان‬ ‫ان َفال تَوْ ب ََة َل ُه ‪ ،‬وَ ال َّل ِه َل ْو أ َ َّن عُ ثْمَ َ‬
‫ط َ‬ ‫الس ْل َ‬ ‫ان ‪َ ،‬ف ِإن َّ ُه مَ ْن أَذَ َّل ُّ‬
‫ط َ‬ ‫‪-‬يريد الخروج‪ ،-‬وَ ال تُ ِذ ُّلوا ُّ‬
‫الس ْل َ‬
‫وَرأَي ُْت أ َ َّن‬
‫وَص َرب ُْت وَ احْ تَ َسب ُْت َ‬ ‫طعْ ُت َ‬ ‫طوَ ِل جَ ب ٍَل ‪َ ،‬ل َس ِمعْ ُت وَ أ َ َ‬ ‫طوَ ِل َخ َشب ٍَة ‪ ،‬أ َ ْو أ َ ْ‬ ‫ص َلبَنِي عَ َىل أ َ ْ‬
‫َ‬
‫رش ِق وَ ا ْلمَ ْغ ِرب‬ ‫َني األُ ُف ِق إ ِ َىل األُ ُف ِق ‪ ،‬أ َ ْو َقا َل ‪ :‬مَ ا ب ْ َ‬
‫َني ا ْلمَ ْ ِ‬ ‫رينِي مَ ا ب ْ َ‬ ‫ذَا َك َخ ْريٌ ِيل ‪ ،‬وَ َل ْو َس َّ َ‬
‫اىل‪" :-‬وَحَ َّدثَنَا ا ْلفِ ْريَا ِب ُّي َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا يَعْ ُقوبُ‬ ‫َقا َل مُحَ مَّ ُد بْ ُن ا ْلحُ َس ْ ِ‬
‫ني ْاْلجُ ِّريُّ ‪َ - ،‬رحِ مَ ُه ال َّل ُه تَعَ َ‬
‫َ‬
‫بْ ُن إِب َْراهِ ي َم َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا َسعِ ي ُد بْ ُن عَ ِام ٍر َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا َس َّال ُم بْ ُن أ ِبي م ُِط ٍ‬
‫يع‪َ ،‬رحِ مَ ُه ال َّل ُه تَعَ ا َىل‪،‬‬
‫اختَ َل ُفوا ِيف ِاال ْس ِم‪،‬‬ ‫دَع َخوَ ِارجَ ‪ ،‬وَ ي َُقو ُل‪ :‬إ ِ َّن ا ْل َخوَ ِارجَ ْ‬ ‫صحَ ابَ ا ْل ِب ِ‬ ‫ان أَيُّوبُ ي َُسمِّ ي أ َ ْ‬ ‫َقا َل‪َ « :‬ك َ‬
‫(‪)1‬‬
‫السي ِْف»"‪.‬اهـ‬ ‫وَ اجْ تَمَ عُ وا عَ َىل َّ‬
‫وْزاعِ ُّي ‪ ،‬عَ ْن مَ ْخ َل ٍد ‪،‬‬‫ُصعَ ٍب ا ْل َق ْر َق َسائ ُِّي ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬حَ َّدثَنَا َ‬
‫األ َ‬ ‫و قال ابن سعد‪:‬أ َ ْخ َ َ‬
‫ربنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن م ْ‬
‫وَه ِ‬
‫ات‬ ‫السن َّ ِة ‪َ ،‬ف َقا َل ‪ :‬دَعْ نَا ِم ْن َهذَا َ‬ ‫عَ ْن أَيُّوبَ ‪ ،‬عَ ْن أبي قِ الب ََة ‪َ ،‬قا َل ‪ " :‬إِذَا حَ َّدث ْ َت َّ‬
‫الر ُج َل ِب ُّ‬
‫ضا ٌّل " ‪.‬‬ ‫ِكتَابَ ال َّل ِه ‪َ ،‬فاعْ َل ْم أَن َّ ُه َ‬

‫قال أحمد عن محمد بن مصعب ‪ :‬ال بأس به‪ ،‬وقال‪ :‬حديثه عن األوزاعي مقارب‪ ،‬وسئل هل‬
‫تروي عنه؟ فقال‪ :‬نعم‬
‫وُهي ٍْب ‪ ،‬عَ ْن أَيُّوبَ ‪ ،‬عَ ْن‬ ‫ربن َا عَ َّفا ُن ْب ُن م ُْس ِل ٍم ‪ ،‬وَ أَحْ مَ ُد بْ ُن إ ِ ْسحَ َ‬
‫اق ‪ ،‬عَ ْن َ‬ ‫و قال ابن سعد‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫السي َ‬
‫ْف " ‪.‬‬ ‫استَحَ َّل َّ‬ ‫أبي قِ الب ََة ‪َ ،‬قا َل ‪ " :‬مَ ا ابْتَدَ َع َرجُ ٌل ِبدْعَ ًة إِال ْ‬
‫اب ‪ ،‬حَ َّدثَنَا حَ مَّ ا ُد بْ ُن َزيْ ٍد ‪ ،‬عَ ْن أَيُّوبَ ‪ ،‬عَ ْن‬ ‫يقول الفريابي‪ :‬حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن عُ بَيْ ِد ب ِْن حِ َس ٍ‬
‫الضال َل ِة ‪ ،‬وَال أ َ َرى مَ ِصري َُه ْم إِال إ ِ َىل الن َّ ِار َفجَ ِّربْهُ ْم‬ ‫األ ْهوَ ا ِء أ َ ْه ُل َّ‬
‫أ َ ِبي قِ الب ََة ‪َ ،‬قا َل ‪ " :‬إ ِ َّن أ َ ْه َل َ‬
‫ان‬ ‫اق َك َ‬ ‫السي ِْف ‪َ ،‬وإ ِ َّن الن ِّ َف َ‬
‫ُون َّ‬ ‫األمْ ُر د َ‬‫اهى ِب ِه َ‬ ‫َف ِإن َّ ُه َلي َْس أَحَ ٌد يَنْتَحِ ُل َقوْ ال أ َ ْو َقا َل ‪َ :‬رأْيًا‪َ ،‬فيَتَن َ َ‬
‫ون‬ ‫ِين ي ُْؤذُ َ‬
‫وَمنْهُ ُم ا َّلذ َ‬ ‫نئ آتَانَا ِم ْن َف ْضلِه‪ِ ، "...‬‬ ‫ْضوبًا " َقا َل ‪ :‬وَ تَال "وَ ِمنْهُ ْم مَ ْن عَ َ‬
‫اه َد ال َّل َه َل ِ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ف َقوْ لُهُ ْم وَ اجْ تَمَعُ وا ِيف َّ‬
‫الش ِّك‬ ‫ات ‪َ "...‬قا َل ‪ " :‬وَ ْ‬
‫اختَ َل َ‬ ‫الصد ََق ِ‬
‫وَمنْهُ ْم مَ ْن يَ ْل ِم ُز َك ِيف َّ‬ ‫الن َّ ِب َّي ‪ِ ،...‬‬
‫(‪)2‬‬
‫السي ِْف "‪.‬اهـ‬ ‫ف َقوْ لُهُ ْم وَ اجْ تَمَ عُ وا ِيف َّ‬ ‫ِيب‪َ ،‬وإ ِ َىل َه ُؤال ِء ْ‬
‫اختَ َل َ‬ ‫وَ التَّ ْكذ ِ‬
‫دَع ُك َّلهَ ْم َخوَ ِارجَ ‪ ،‬وَ ي َُقو ُل ‪ " :‬إ ِ َّن‬
‫صحَ ابَ ا ْل ِب ِ‬ ‫ان أَيُّوبُ ي َُسمِّ ي أ َ ْ‬
‫يع‪َ :‬ك َ‬ ‫َ‬
‫و قال َسال ُم بْ ُن أ ِبي م ُِط ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫اختَ َل ُفوا ِيف ْ‬
‫االس ِم وَ اجْ تَمَ عُ وا عَ َىل َّ‬
‫السي ِْف ‪.‬‬ ‫ا ْل َخوَ ِارجَ ْ‬

‫"الرشيعَ ُة" لْلجري‪)2057 ،5/2549( ،‬‬ ‫(‪ِ َّ )1‬‬


‫(‪ )2‬يف القدر‪327‬‬
‫َ‬
‫الفريابي بسند صحيح ‪ /335‬حَ َّدثَنَا يَعْ ُقوبُ ‪ ،‬حَ َّدثَنَا َسعِ ي ُد بْ ُن عَ ِام ٍر ‪ ،‬حَ َّدثَنَا َسال ُم بْ ُن أ ِبي م ُِط ٍ‬
‫يع ‪ ،‬به‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫روى ابن شاهني عن سفيان الثوري‪ :‬أنه قال ‪ :‬اتقوا هذه األهواء املضلة ‪ ،‬قيل له ‪ :‬بني لنا ‪-‬‬
‫رحمك الله ‪ -‬فقال سفيان ‪ :‬أما املرجئة فيقولون ‪ ...‬ذكر شيئا ً من أقوالهم إىل ان قال ‪ :‬وهم‬
‫(‪)1‬‬
‫يرون السيف عىل أهل القبلة‬
‫وروى عبد الله بن أحمد يف " السنة " بإسناد صحيح عن أبي إسحاق الفزاري قال ‪ :‬سمعت‬
‫(‪)2‬‬
‫سفيان واألوزاعي يقولون ‪ :‬إن قول املرجئة يخرج اىل السيف‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ ":‬وهذه طريقة خيار هذه األمة قديما وحديثا وهى واجبة عىل كل مكلف‬
‫وهى متوسطة بني طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن‬
‫قلة العلم وبني طريقة املرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة األمراء مطلقا وإن لم‬
‫(‪)3‬‬
‫يكونوا أبرارا"‬
‫(‪)4‬‬
‫قال الرببهاري ‪" :‬واعلم أن األهواء كلها ردية تدعو كلها إىل السيف"‬
‫اس ِم عُ مَ ُر ْب ُن أَحْ مَ َد ا ْلجَ وْ َه ِريُّ َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا ا ْلفِ ْريَا ِب ُّي‪َ ،‬قا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا‬ ‫قال ابن بطة حَ َّدثَنِي أَبُو الْ َق ِ‬
‫َار‪ ،‬عَ ْن ثَا ِب ِت ب ِْن ثَوْ ب َ‬
‫َان‪،‬‬ ‫اص ٍم‪َ ،‬قا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا ا ْلوَ ِلي ُد بْ ُن م ُْس ِل ٍم‪ ،‬عَ ْن إِب َْراهِ ي َم ب ِْن ِجد ٍ‬ ‫رص بْ ُن عَ ِ‬ ‫نَ ْ ُ‬
‫وري َِّة‪َ ،‬غ ْريَ أَن َّ َك‬ ‫وال‪ ،‬ي َُقو ُل‪ :‬وَ يْحَ َك يَا َغي َْال ُن َر ِكب َْت ِبهَ ِذهِ ْ ُ‬
‫األمَّ ِة ِم ْضمَ ا َر ا ْلحَ ُر ِ‬ ‫َقا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت مَ ْكحُ ً‬
‫اب ا ْل َخمْ ِر‬ ‫صحَ ِ‬ ‫ني أ َ ْ‬ ‫األمَّ ِة ِمن ْ َك أ َ ْخوَ ُ‬
‫ف ِم َن ا ْلم َُز ِّققِ َ‬ ‫السي ِْف‪ ،‬وَ ال َّل ِه َ َألنَا عَ َىل َه ِذهِ ْ ُ‬
‫َال تَ ْخ ُرجُ عَ َلي ِْه ْم ِب َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫"‬
‫قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ‪-‬رحمه الله‪" :-‬أصول السنة عندنا‪ :‬التمسك بما كان‬
‫عليه أصحاب رسول الله ﷺ واالقتداء بهم وترك البدع‪ ،‬وكل بدعة فهي ضاللة‪ ،‬وترك‬
‫الخصومات والجلوس مع أصحاب األهواء‪ ،‬وترك املراء والجدال والخصومات يف الدين‪.‬فذكر‬
‫أمورا ً ثم قال‪ :‬والسمع والطاعة لألئمة وأمري املؤمنني الرب والفاجر‪ ،‬ومن ويل الخالفة فاجتمع‬
‫الناس عليه ورضوا به‪ ،‬ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمري املؤمنني‪ .‬والغزو‬
‫ماض مع األمراء إىل يوم القيامة‪ ،‬الرب والفاجر ال يرتك‪ ،‬وقسمة الفيء وإقامة الحدود إىل‬
‫ماض ليس ألحد أن يطعن عليهم وال ينازعهم‪ ،‬ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة‪،‬‬ ‫األئمة ٍ‬

‫(‪ )1‬رواه ابن شاهني يف الكتاب اللطيف ( ‪) 17‬‬

‫(‪ )2‬السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ( ‪) 363‬‬


‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى (‪)508/28‬‬
‫(‪ )4‬يرح السنة ‪١٣٦‬‬
‫(‪ )5‬االبانة البن بطة ‪1962‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫من دفعها إليهم أجزأت عنه برا ً كان أو فاجراً‪.‬وصالة الجمعة خلفه وخلف من َّ‬
‫وىل جائزة‬
‫تامة ركعتني‪ ،‬من أعادهما فهو مبتدع تارك لْلثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة‬
‫يشء‪ ،‬إذا لم ير الصالة خلف األئمة من كانوا برهم وفاجرهم‪ ،‬فالسنة أن تصَل معهم‬
‫ركعتني من أعادهما فهو مبتدع‪ ،‬وتدين بأنها تامة وال يكن يف صدرك من ذلك شك‪.‬ومن‬
‫خرج عىل إمام املسلمني وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخالفة بأي وجه كان‬
‫بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا املسلمني وخالف اْلثار عن رسول الله ﷺ‪،‬‬
‫فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية‪ .‬وال يحل قتال السلطان وال الخروج عليه ألحد‬
‫(‪)1‬‬
‫من الناس‪ ،‬فمن فعل ذلك فهو مبتدع عىل غري السنة والطريق"‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ -‬رحمه الله‪ -‬أيضاً‪" .:‬هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب األثر‪ ،‬وأهل السنة‬
‫املتمسكني بعروقها املعروفني بها‪ ،‬املقتدى بهم فيها‪ ،‬من لدن أصحاب النبي ﷺ إىل يومنا‬
‫هذا‪ ،‬وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغريهم عليها‪ ،‬فمن خالف شيئا ً‬
‫من هذه املذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة‪ ،‬زائل عن منهج‬
‫السنة وسبيل الحق "‪.‬‬
‫وذكر أمورا ً من أصول االعتقاد منها قوله‪ ... " :‬واالنقياد إىل من واله الله أمركم‪ ،‬ال تنزع‬
‫يدا ً من طاعته‪ ،‬وال تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ً ومخرجاً‪ ،‬وال تخرج عىل‬
‫السلطان‪ ،‬وتسمع وتطيع‪ ،‬وال تنكث بيعة‪ ،‬فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق‬
‫للجماعة‪ ،‬وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية‪ ،‬فليس لك أن تطيعه ألبتة‪ ،‬وليس لك أن‬
‫(‪)2‬‬
‫تخرج عليه وال تمنعه حقه"‬
‫وقال اإلمام البخاري‪ -‬رحمه الله‪" :-‬لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز‬
‫ومكة واملدينة والكوفة والبرصة وواسط وبغداد والشام ومرص ‪ ...‬وذكر جماعة منهم ثم‬
‫قال‪ :‬ما رأيت واحدا ً منهم يختلف يف هذه األشياء ‪ ...‬فذكر أمورا ً منها‪ :‬وأن ال ننازع األمر‬
‫أهله لقول النبي ﷺ‪" :‬ثالث ال يَغِ ل عليهن قلب امرىء مسلم‪ :‬إخالص العمل لله‪ ،‬وطاعة‬
‫والة األمر‪ ،‬ولزوم جماعتهم‪ ،‬فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وأن ال يرى السيف عىل أمة‬

‫(‪ )1‬يرح االعتقاد لاللكائي (‪ )160،161/1‬وهو من رواية عبدوس عن اإلمام احمد‬


‫(‪ )2‬طبقات الحنابلة البن أبي يعَل (‪ )27-24 /1‬وهو من رواية أبي العباس ِاإلصطخري عن اإلمام أحمد‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وقال الفضيل‪ :‬لو كانت يل دعوة مستجابة لم أجعلها إال يف إمام‪ ،‬ألنه إذا صلح‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلمام أمن البالد والعباد‪ .‬قال ابن املبارك‪ :‬يا معلم الخري من يجزي عىل هذا غريك"‬
‫قال ابن بطة‪ :‬وقد أجمعت العلماء من أهل الفقه والعلم والنسك والعباد والزهاد من أول‬
‫هذه األمة إىل وقتنا هذا‪ :‬أن صالة الجمعة والعيدين ومنى وعرفات والغزو والحج والهدي‬
‫طاءَهم الخراج والصدقات واألعشار جائز‪ ،‬والصالة يف املساجد‬ ‫مع كل أمري بر وفاجر‪ ،‬وإعْ َ‬
‫العظام التي بنوها‪ ،‬وامليش عىل القناطر والجسور التي عقدوها‪ ،‬والبيع والرشاء وسائر‬
‫التجارة والزراعة والصنائع كلها يف كل عرص‪ ،‬ومع كل أمري جائز عىل حكم الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ال يْض املحتاط لدينه واملتمسك بسنة نبيه ﷺ ظلم ظالم وال جور جائر إذا كان ما يأتيه‬
‫هو عىل حكم الكتاب والسنة‪ ،‬كما أنه لو باع واشرتى يف زمن اإلمام العادل بيعا ً يخالف‬
‫الكتاب والسنة لم ينفعه عدل اإلمام‪ ،‬واملحاكمة إىل قضاتهم ورفع الحدود والقصاص‬
‫وانتزاع الحقوق من أيدي الظلمة بأمرائهم ويرطهم‪ ،‬والسمع والطاعة ملن والوه وإن كان‬
‫عبدا ً حبشيا ً إال يف معصيته الله عز وجل‪ ،‬فليس ملخلوق فيها طاعة‪ ،‬ثم من بعد ذلك اعتقاد‬
‫الديانة بالنصيحة لألئمة وسائر األمة يف الدين والدنيا ومحبة الخري لسائر املسلمني‪ ،‬تحب‬
‫لهم ما تحب نفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك"(‪.)2‬‬
‫وقال أبو منصور معمر بن أحمد األصبهاني "ثم من السنة االنقياد لألمراء والسلطان بأنه‬
‫ال يخرج عليهم بالسيف وإن جاروا‪ ،‬وأن يسمعوا له وأن يطيعوا وإن كان عبدا ً حبشيا ً‬
‫أجدع‪ ،‬ومن السنة الحج معهم والجهاد معهم وصالة الجمعة والعيدين خلف كل بر‬
‫وفاجر"‪.)3(.‬‬
‫قال ابن تيمية قبل موته‪" :‬إني قد أحللت السلطان امللك النارص‪ ،‬من حبسه إياي لكونه فعل‬
‫ذلك مقلدًا غريه معذورا‪ ،‬ولم يفعله لحظ نفسه‪ ،‬بل ملا بلغه مما ظنه حقا من مب ِّلغه‪ ،‬والله‬
‫يعلم إنه بخالفه"(‪.)4‬‬
‫قال‪ -‬رحمه الله‪" :-‬ولهذا كان املشهور من مذهب أهل السنة أنهم ال يرون الخروج عىل‬
‫األئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم‪ ،‬كما دلت عىل ذلك األحاديث الصحيحة‬

‫(‪ )1‬يرح االعتقاد لاللكائي (‪)176-172/1‬‬


‫(‪ )2‬الرشح واإلبانة (ص ‪ 175‬و‪)281-276‬‬
‫(‪ )3‬الحجة يف بيان املحجة للتيمي (‪)242-235/1‬‬
‫(‪ )4‬األعالم العلية يف مناقب ابن تيمية للبزار ‪82/‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫املستفيضة عن النبي ﷺ؛ ألن الفساد يف القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم‬
‫بدون قتال وال فتنة‪ ،‬فال يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما‪ ،‬ولعله ال يكاد يعرف طائفة‬
‫خرجت عىل ذي سلطان إال وكان يف خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي‬
‫أزالته" (‪.)1‬‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬ويف صحيح مسلم عن أبي هريرة ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫ﷺ‪" :‬عليك بالسمع والطاعة يف عرسك ويرسك‪ ،‬ومنشطك ومكرهك‪ ،‬وأثرة عليك"‪ ،‬ومعنى‬
‫قوله‪" :‬وأثرة عليك"و"أثرة علينا"أي‪ :‬وإن استأثر والة األمور عليك فلم ينصفوك ولم‬
‫يعطوك حقك‪ ،‬كما يف الصحيحني عن أسيد بن حضري‪ -‬ريض الله عنه‪ -‬أن رجالً من األنصار‬
‫خال برسول الله ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬أال تستعملني كما استعملت فالناً؟ فقال‪" :‬إنكم ستلقون بعدي‬
‫أثرة‪ ،‬فاصربوا حتى تلقوني عىل الحوض"‬
‫وهذا كما يف الصحيحني عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪" :‬إنها تكون‬
‫بعدي أثرة وأمور تنكرونها"يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال‪" :‬تؤدون‬
‫الحق الذي عليكم‪ ،‬وتسألون الله الذي لكم"‬
‫في‬ ‫ً‬
‫سلمة بن يزيد الجُ عْ ُّ‬ ‫ويف صحيح مسلم عن وائل بن حُ جْ ر – ريض الله عنه‪ -‬قال‪ :‬سأل‬
‫رسول الله ﷺ فقال‪ :‬يا رسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم‪ ،‬ويمنعونا حقنا‬
‫فما تأمرنا؟ فأعرض عنه‪ ،‬ثم سأله‪ ،‬فأعرض ثم سأله يف الثانية أو يف الثالثة فجذبه األشعث‬
‫ابن قيس فقال رسول الله ﷺ "اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬فإنما عليهم ما حُ مِّ لوا‪ ،‬وعليكم ما حُ مِّ لتم"‬
‫(‪)2‬‬

‫وقال‪" :‬ويف صحيح مسلم عن أبي هريرة‪ -‬ريض الله عنه‪ -‬عن رسول الله ﷺ أنه قال‪:‬‬
‫ً‬
‫جاهلية‪ ،‬عن قاتل تحت راية عُ مِّ ي ٍَّة‪،‬‬ ‫"من خرج من الطاعة‪ ،‬وفارق الجماعة فمات مات ً‬
‫ميتة‬
‫جاهلية"‪ .‬ويف لفظ‪" :‬ليس من أمتي من‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فقتلة‬ ‫يغضب لعصبية‪ ،‬أو يدعو إىل عصية ُ‬
‫فقتل‬
‫خرج عىل أمتي يْضب برها وفاجرها‪ ،‬وال يتحاشا من مؤمنها‪ ،‬وال يفي لذي عهدها‪ ،‬فليس‬
‫مني ولست منه " ‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬هو الذي يخرج من طاعة ويل األمر ويفارق الجماعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة (‪)391/3‬‬


‫(‪ )2‬قاعدة مخترص يف طاعة والة األمور البن تيمية ص‪٣٣‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫والثاني‪ .‬هو الذي يقاتل ألجل العصبية والرياسة ال يف سبيل الله‪ ،‬كأهل األهواء مثل قيس‬
‫ويمن‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬مثل الذي يقطع الطريق فيقتل من لقيه من مسلم وذمي‪ ،‬ليأخذ ماله‪ ،‬وكالحرورية‬
‫(‪)1‬‬
‫املارقني الذين قاتلهم عَل بن أبي طالب‪-‬ريض الله عنه‪-‬‬
‫َقا َل ابن شهاب‪ :‬فقام مُعَ ِاويَة عشية ِيف الناس‪ ،‬فأثنى عَ َىل ال َّله جل ثناؤه ِبمَ ا ُه َو أ َ ْهلُهُ‪ ،‬ث ُ َّم‬
‫ان متكلما ِيف األمر فليطلع لنا قرنه‪َ ،‬قا َل ابن عمر‪ :‬فأطلقت حبوتى‪،‬‬ ‫َقا َل‪ :‬أَمَّ ا بَعْ ُد‪ ،‬فمن َك َ‬
‫فأردت ان اقول قوال يتكلم فِ ِيه رجال قاتلوا أباك عَ َىل ِاإل ْسالم‪ ،‬ث ُ َّم خشيت أن أقول كلمة‬
‫تفرق الجماعة‪ ،‬أو يسفك فِ يهَ ا دم‪ ،‬أو أحمل فِ يهَ ا عَ َىل غري رأي‪ ،‬فكان مَ ا وعد ال َّله عز وجل‬
‫ِيف الجنان أحب إيل من ذَ ِل َك فلما انرصف إ ِ َىل املنزل جاءني حبيب بن مسلمة َف َقا َل‪ :‬مَ ا منعك‬
‫أن تتكلم حني سمعت الرجل يتكلم؟ قلت‪ :‬أردت ذَ ِل َك‪ ،‬ث ُ َّم خشيت أن أقول كلمة تفرق بني‬
‫جميع‪ ،‬أو يسفك فِ يهَ ا دم‪ ،‬أو أحمل فِ يهَ ا عَ َىل غري رأي‪ ،‬فكان مَ ا وعد ال َّله عَ َّز وَجَ َّل من الجنان‬
‫أحب إيل من ذَ ِل َك َقا َل‪َ :‬قا َل حبيب‪ :‬فقد عصمت‬
‫ربنَا هِ َشا ٌم عَ ْن مَ عْ مَ ٍر عَ ْن ُّ‬
‫الز ْه ِريِّ‬ ‫ُوَس أ َ ْخ َ َ‬
‫قال البخاري يف صحيحه‪ :‬حَ َّدثَنِي إِب َْراهِ ي ُم بْ ُن م َ‬
‫َخ ْل ُت‬‫اوُس عَ ْن عِ ْك ِرمَ َة ب ِْن َخا ِل ٍد عَ ْن اب ِْن عُ مَ َر َقا َل د َ‬ ‫ط ٍ‬ ‫ربنِي ابْ ُن َ‬ ‫عَ ْن َسا ِل ٍم عَ ْن اب ِْن عُ مَ َر َقا َل وَ أ َ ْخ َ َ‬
‫اس مَ ا تَ َري َْن َف َل ْم يُجْ عَ ْل ِيل ِم ْن ْ َ‬
‫األمْ ِر‬ ‫ان ِم ْن أَمْ ِر الن َّ ِ‬‫ف ُق ْل ُت َق ْد َك َ‬ ‫ط ُ‬ ‫ص َة وَ ن َ ْسوَ اتُهَ ا تَن ْ ُ‬‫عَ َىل حَ ْف َ‬
‫اس َك عَ نْهُ ْم ُف ْر َق ٌة َفلَ ْم تَدَعْ ُه حَ تَّى‬ ‫ون ِيف احْ ِتبَ ِ‬ ‫يش ٌء َف َقا َل ْت ا ْلحَ ْق َف ِإنَّهُ ْم يَنْتَ ِظ ُرون َ َك وَ أ َ ْخ ََش أ َ ْن يَ ُك َ‬ ‫َ ْ‬
‫ط ِل ْع َلنَا‬ ‫ان ي ُِري ُد أ َ ْن يَتَ َك َّل َم ِيف َهذَا ْ َ‬
‫األمْ ِر َف ْليُ ْ‬ ‫طبَ مُعَ ِاوي َُة َقا َل مَ ْن َك َ‬ ‫اس َخ َ‬ ‫ذَ َهبَ َف َلمَّ ا تَ َف َّر َق الن َّ ُ‬
‫وَم ْن أ َ ِب ِيه َقا َل حَ ِبيبُ بْ ُن مَ ْس َلمَ َة َفهَ َّال أَجَ بْتَ ُه َقا َل عَ بْ ُد ال َّل ِه َفحَ َل ْل ُت‬ ‫َق ْرن َ ُه َف َلنَحْ ُن أَحَ ُّق ِب ِه ِمن ْ ُه ِ‬
‫يت أ َ ْن أ َ ُقو َل‬ ‫األمْ ِر ِمن ْ َك مَ ْن َقاتَ َل َك وَ أَبَا َك عَ َىل ْ ِاإل ْس َال ِم َف َخ ِش ُ‬ ‫وَهمَ مْ ُت أ َ ْن أ َ ُقو َل أَحَ ُّق ِبهَ ذَا ْ َ‬ ‫حُ بْوَ تِي َ‬
‫ان َقا َل‬ ‫َني ا ْلجَ مْ ِع وَ تَ ْسفِ ُك ال َّد َم وَ يُحْ مَ ُل عَ نِّي َغ ْريُ ذَ ِل َك َفذَ َك ْر ُت مَ ا أَعَ َّد ال َّل ُه ِيف ا ْل ِجن َ ِ‬ ‫َكلِمَ ًة تُ َف ِّر ُق ب ْ َ‬
‫اق وَ نَوْ َساتُهَ ا‬ ‫ظ َت وَ عُ ِصمْ َت َقا َل مَ حْ مُو ٌد عَ ْن عَ بْ ِد َّ‬
‫الر َّز ِ‬ ‫حَ ِبيبٌ حُ فِ ْ‬

‫وهذا عَل ‪-‬ريض الله عنه أخرب أبا موَس بالتنازل إن كان يف تنازله خري وائتالف‪.‬‬
‫األ َسدِيُّ ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬ح َّدثَنِي يَحْ يَى بْ ُن مُهَ َّل ٍب ‪ ،‬عَ ْن‬ ‫قال ابن أبي شيبة ‪ :‬حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن ا ْلحَ َس ِن َ‬
‫اض عَ َىل َش َفت ِِه ‪:‬‬ ‫وَه َو عَ ٌّ‬‫ني ُ‬ ‫ان ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬حَ َّدثَنِي مَ ْن َس ِم َع عَ ِليًّا يقول يَوْ َم ِص ِّف َ‬ ‫ُس َليْمَ َ‬
‫ان ب ِْن ِمهْ َر َ‬
‫ُوَس َفاحْ ُك ْم وَ َل ْو ح َّز عُ نُقِ ي‪.‬‬ ‫األمْ َر يَ ُكو ُن َه َكذَا مَ ا َخ َرجْ ت ‪ ،‬اذْ َهبْ يَا أَبَا م َ‬ ‫َل ْو عَ لِمْ ت أ َ َّن َ‬

‫(‪ )1‬نفس املصدر السابق ص‪٤١:‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫صال ٍِح ‪ ،‬أ َ َّن عَ ِليًّا ‪َ ،‬قا َل َأل ِبي م َ‬
‫ُوَس ‪:‬‬ ‫األعْ مَ ُش ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِبي َ‬
‫ري ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬ح َّدثَنَا َ‬
‫وقال حَ َّدثَنَا ابْ ُن نُمَ ْ ٍ‬
‫(‪)1‬‬
‫احْ ُك ْم وَ َل ْو تح ُّز عُ نُقِ ي‪.‬‬
‫قال صاحب الرياض النْضة يف مناقب العرشة‪" :‬ثم ذكر معنى ما قبله من حديث ابن‬
‫عباس ثم قال‪ :‬فقالت األنصار‪ :‬والله ما نحسدكم عىل خري ساقه الله إليكم وما أحد من خلق‬
‫الله تعاىل أحب إلينا وال أعز علينا وال أرَض عندنا منكم‪ ،‬ونحن نشفق مما بعد اليوم فلو‬
‫رجال من األنصار فجعلناه مكانه كذلك أبدًا‪ ،‬وكان‬ ‫رجال منكم فإذا هلك اخرتنا ً‬‫جعلتم اليوم ً‬
‫ذلك أجدر أن يشفق القريش إن زاغ أن ينقض عليه األنصاري وأن يشفق األنصاري إن زاغ‬
‫أن ينقض عليه القريش فقال عمر‪ :‬ال ينبغي هذا األمر وال يصلح إال لرجل من قريش‪ ،‬ولن‬
‫(‪)2‬‬
‫ترَض العرب إال به ولن تعرف اإلمارة إال له‪ ،‬والله ما يخالفنا أحد إال قتلناه"‬
‫وقال‪" :‬ومبادرة أبي بكر وعمر إىل البيعة عىل ما تضمنه حديث ابن إسحاق وموَس بن‬
‫عقبة إنما كان مراعاة ملصلحة املسلمني وخشية اضطراب أمر األمة وافرتاق كلمتهم‪ ،‬ال‬
‫حرصا عىل اإلمامة‪ .‬وقد رصح بذلك أبو بكر يف خطبته عىل ما سيأتي يف الذكر بعده؛ ولذلك‬‫ً‬
‫دل يف البيعة عىل غريه وخيش أن يخرج األمر عن قريش‪ ،‬فال تدين العرب ملن يقوم به من‬
‫غري قريش‪ ،‬فيتطرق الفساد إىل أمر األمة ولم يحْض معه يف السقيفة من قريش غري عمر‬
‫وأبي عبيدة فلذلك دل عليهما ولم يمكنه ذكر غريهما ممن كان غائبًا خشية أن يتفرقوا عن‬
‫ذلك املجلس من غري إبرام أمر وال إحكامه فيفوت املقصود‪ ،‬ولو وعدوا بالطاعة ملن غاب‬
‫منهم حينئذ ما أمنهم عىل تسويل أنفسهم إىل الرجوع عن ذلك‪ ،‬فكان من النظر السديد‬
‫(‪)3‬‬
‫واألمر الرشيد مبادرته وعقد البيعة والتوثق منهم فيها يف حالته الراهنة"‬
‫وقال‪" :‬فإن قيل‪ :‬ألي معنى أرسل عَل إىل أبي بكر‪ :‬أن ائتنا وهال سعى إليه وقد اتضح له‬
‫الحق؟ قلنا‪ :‬لم يكن إرساله إليه ترفعً ا وال تعاظمً ا‪ ،‬ال والله وال يحل اعتقاد ذلك‪ ،‬وكيف‬
‫يعتقد ذلك وهو يريد مبايعته واالنقياد له‪ ،‬وإنما كان ذلك ملعنى اقتضاه الحال وهو طلب‬
‫اختالئه به خشية أن يقع عتاب عىل الصورة الظاهرة بني العامة‪ ،‬فربما وقع اعرتاض من‬
‫محق أو تعرض من ذي غرض فيكثر اللغط وترتفع األصوات فال يتوفر عىل إبداء العذر‪،‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬ائتنا وحدك؛ دفعً ا للتشاجر املتوقع بحسب اإلمكان وكان عىل ثقة من الخلوة يف‬

‫(‪ )1‬املصنف ‪39007‬‬


‫(‪ )2‬ص‪237:‬‬
‫(‪ )3‬ص‪238:‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫بيته دون مكان آخر‪ ،‬فلذلك أرسل إليه ليأتيه فيه‪ ،‬ثم اعتذر إليه بما اعتذر‪ ،‬من اعتقد خالف‬
‫ذلك فقد حاد عن الحق وجنح إىل الباطل بل اقتحمه"(‪.)1‬‬
‫ومن تأمل عمل عَل ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬وجد فيه فوائد كثرية جدا‪ ،‬منها حرصه عىل الجماعة‪،‬‬
‫وخوفه من الفتنة‪ ،‬وفيه نقض ملنهج هؤالء القعد يف الجهر بتعيري اإلمام واإلساءة له وإهدار‬
‫دمه دون اعتبار بما قد يرتتب عىل ذلك‪.‬‬
‫روى الطربي يف تاريخه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبيد الله بن سعيد‪َ ،‬قا َل‪ :‬حَ َّدثَنِي عَ مِّ ي يَعْ ُقوبُ ‪َ ،‬قا َل‪:‬‬
‫رش‬‫َرش‪ ،‬عَ ْن جَ ا ِب ٍر‪َ ،‬قا َل‪َ :‬قا َل َسعْ ُد ْب ُن عُ بَا َد َة يَوْ مَ ِئ ٍذ َأل ِبي بَ ْك ٍر‪:‬إِن َّ ُك ْم يَا مَ عْ َ َ‬ ‫ْف‪ ،‬عَ ْن ُمب ِّ ٍ‬ ‫حَ َّدثَنَا َسي ٌ‬
‫ربتُمُونِي عَ َىل الْبَيْعَ ِة‪َ ،‬ف َقالُوا‪ :‬إِنَّا َل ْو‬ ‫وْمي أَجْ َ ْ‬ ‫ين حَ َس ْدتُمُونِي عَ َىل ِاإلمَ َارةِ‪َ ،‬وإِن َّ َك َ‬
‫وَق ِ‬ ‫اج ِر َ‬ ‫ا ْلمُهَ ِ‬
‫رص َت إ ِ َىل ا ْلجَ مَ اعَ ِة ُكن ْ َت ِيف سعه‪ ،‬ولكنا اجربنا عَ َىل ا ْلجَ مَ اعَ ِة‪َ ،‬فال إ ِ َقا َل َة‬ ‫أَجْ َ ْ‬
‫ربنَا َك عَ َىل ا ْل ُف ْر َق ِة َف ِ ْ‬
‫ْضب ََّن الذى فيه عيناك(‪.)2‬‬ ‫طاعَ ٍة‪ ،‬أ َ ْو َف َّر ْق َت جَ مَ اعَ ًة‪َ ،‬لن َ ْ ِ‬
‫نئ ن َ َزعْ َت يَدًا ِم ْن َ‬ ‫فِ يهَ ا‪َ ،‬ل ِ ْ‬

‫وَسعْ دًا وَ عَ ْب َد‬


‫َري َ‬‫الزب ْ َ‬ ‫ان وَ ُّ‬‫اس ثَالث َ َة أَيَّا ٍم‪ ،‬وَ أَدْخِ ْل عَ ِليًّا وَ عُ ثْمَ َ‬ ‫ص ِّل ِبالن َّ ِ‬ ‫ِصهَ ي ٍْب‪َ :‬‬ ‫وقال‪" :‬وَ َقا َل ل ُ‬
‫األمْ ِر‪ُ ،‬‬
‫وَق ْم عَ َىل‬ ‫يش َء َل ُه ِم َن َ‬ ‫ْض عَ بْ َد ال َّل ِه ب َْن عُ مَ َر وَال َ ْ‬ ‫ط ْلحَ َة إ ِ ْن َق ِدمَ‪ ،‬وَ أَحْ ِ ْ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫الرحْ مَ ِن ب َْن عَ وْ ٍ‬ ‫َّ‬
‫اْضبْ َرأ ْ َس ُه‬ ‫اشد َْخ َرأ ْ َس ُه‪ -‬أ َ ِو ْ ِ‬ ‫ضوا َرجُ ال وَ أَبَى وَ احِ ٌد َف ْ‬ ‫وَر ُ‬‫ُوس ِهمْ‪َ ،‬ف ِإ ِن اجْ تَمَ َع َخم َْس ٌة َ‬ ‫ُرء ِ‬
‫يض‬‫ُوسهُ مَ ا‪َ ،‬ف ِإ ْن َر ِ َ‬ ‫اْضبْ ُرء َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف ْ ِ‬ ‫ضوا َرجُ ال ِمنْهُ ْم وَ أَبَى اثْن َ ِ‬ ‫السي ِْف‪َ -‬وإ ِ ِن اتَّ َف َق أ َ ْربَعَ ٌة َف َر ُ‬ ‫ِب َّ‬
‫ني حَ َك َم َل ُه‬ ‫ثَالث َ ٌة َرجُ ال ِمنْهُ ْم وَ ثَالث َ ٌة َرجُ ال ِمنْهُ مْ‪َ ،‬فحَ ِّكمُوا عَ بْ َد ال َّل ِه ابن عُ مَ َر‪َ ،‬فأَيُّ ا ْل َف ِر َ‬
‫يق ْ ِ‬
‫ِين فِ ِيه ْم عَ بْ ُد‬‫ضوْ ا ِبحُ ْك ِم عَ بْ ِد ال َّل ِه ب ِْن عُ مَ َر َف ُكونُوا مَ َع الَّذ َ‬ ‫َف ْلي َْختَا ُروا َرجُ ال ِمنْهُ مْ‪َ ،‬ف ِإ ْن َل ْم ي َْر َ‬
‫(‪)3‬‬
‫اس"‬ ‫ني إ ِ ْن َرغِ بُوا عَ مَّ ا اجْ تَ َم َع عَ َلي ِْه الن َّ ُ‬‫ف‪ ،‬وَ ْاقتُلُوا ا ْلبَاقِ َ‬ ‫الرحْ مَ ِن بْ ُن عَ وْ ٍ‬
‫َّ‬
‫وفيه عظم أمر الجماعة عند صحابة رسول الله ﷺ‪ ،‬والخوف من الفرقة ومفاسدها‪.‬‬

‫وقد كان أبو بكر الصديق استدعى عثمان بن عفان قبل موته‪ ،‬فقال له‪" :‬اكتب‪ :‬بسم الله‬
‫أغمي‬
‫َ‬ ‫عه َد أبو بكر بن أبي قحافة إىل املسلمني‪ ،‬أمّ ا بعد‪ "...‬لكن‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما ِ‬
‫ُ‬
‫استخلفت عليكم‬ ‫عليه يف تلك اللحظة قبل أن يكمل كالمه‪ ،‬فكتب عثمان‪" :‬أمَّ ا بعد فإني قد‬
‫طاب ولم آلكم خريا"‪ .‬وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان‪" :‬اقرأ‬ ‫عمر بن الخ ّ‬

‫(‪ )1‬ص‪250:‬‬
‫(‪ )2‬الجزء الثالث صفحة ‪223‬‬
‫(‪ )3‬الجزء الرابع صفحة ‪229‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫فت أن يختلف الناس إن ُم ُّت‬
‫كرب أبو بكر وقال‪" :‬أراك خِ َ‬ ‫عَلّ"‪ ،‬فقرأ عثمان‪ ،‬وعندما انتهى َّ‬
‫يف غشيتي؟"‪ ،‬قال‪" :‬نعم"‪ ،‬فقال‪" :‬جزاك الله خريا ً عن اإلسالم وأهله"‪.‬‬
‫ال‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪ -‬ن َ ِد َم عَ َىل أُم ٍ‬
‫ُور َفعَ َلهَ ا ِم َن ا ْلقِ تَ ِ‬ ‫طال ٍِب ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ‪" :‬وَ عَ َِل ُّ بْ ُن أ َ ِبي َ‬
‫يس بَعْ د ََها وَأ َ ْستَ ِم ّْر وَ أَجْ مَ ُع‬ ‫ف أ َ ِك ُ‬ ‫ان ي َُقو ُل‪َ :‬ل َق ْد عَ جَ ْز ُت عَ جْ َز ًة َال أَعْ تَ ِذ ْر ‪َ ...‬سوْ َ‬ ‫وَ َغ ْ ِريهِ ‪ ،‬وَ َك َ‬
‫وَسعْ ُد‬ ‫ني‪ِ " :‬ل َّل ِه َد ُّر مَ َقا ٍم َقامَ ُه عَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن عُ مَ َر َ‬‫ان ي َُقو ُل َلي َِايل َ ِص ِّف َ‬ ‫رشوَ َك َ‬ ‫ِيت ا ْل ُمنْتَ ِ ْ‬
‫الشت َ‬ ‫الرأْيَ َّ‬‫َّ‬
‫ان ي َُقو ُل‪ " :‬يَا‬ ‫ط َر ُه َلي َِسريٌ " وَ َك َ‬ ‫ان إِثْمً ا إ ِ َّن َخ َ‬ ‫ان ِب ًّرا إ ِ َّن أَجْ َر ُه َلعَ ِظيمٌ‪َ ،‬وإ ِ ْن َك َ‬ ‫بْ ُن مَ الِكٍ ؛ إ ِ ْن َك َ‬
‫ين َسن َ ًة‬ ‫رش َ‬ ‫ات َقبْ َل َهذَا ِبعِ ْ ِ‬ ‫األمْ َر يَبْلُ ُغ إ ِ َىل َهذَا‪ ،‬وَ َّد أَبُو َك َل ْو مَ َ‬‫ظ َّن أَبُو َك أ َ َّن ْ َ‬‫حَ َس ُن يَا حَ َس ُن مَ ا َ‬
‫ان ي َُقو ُل‪َ " :‬ال تَ ْك َر ُهوا إِمَ َار َة مُعَ ِاوي ََة‪َ ،‬ف َل ْو َق ْد َف َق ْدتُمُو ُه‬ ‫ني تَ َغ َّريَ َك َال ُمهُ‪ ،‬وَ َك َ‬
‫"‪.‬وَ ِلمَ ا َرجَ َع ِم ْن ِص ِّف َ‬
‫ني‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪ِ -‬م ْن وَجْ هَ ْ ِ‬‫وَق ْد ُر ِويَ َهذَا عَ ْن عَ َِل ي ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫طايَ ُر عَ ْن َكوَ اهِ لِهَ ا "‪َ .‬‬ ‫ُوس تَتَ َ‬ ‫الرء َ‬ ‫َل َرأَيْتُ ُم ُّ‬
‫اس وَ تَ َف ُّر َقهُ مْ‪،‬‬ ‫ف الن َّ ِ‬ ‫األحْ وَ ا َل ِيف آخِ ِر ْ َ‬
‫األمْ ِر‪ ،‬وَ ُر ْؤيَت ِِه ْ‬
‫اخت َِال َ‬ ‫أ َ ْو ث َ َالث َ ٍة‪ .‬وَ تَوَ اتَ َر ِت ْاْلثَا ُر ِب َك َر َ‬
‫اهت ِِه ْ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫استَ ْدبَ َر مَ ا َفعَ َل مَ ا َفعَ َل‪".‬‬ ‫استَ ْقبَ َل ِم ْن أَمْ ِرهِ مَ ا ْ‬ ‫الرش الَّذِي أَوْجَ بَ أَن َّ ُه َل ِو ْ‬ ‫وَ َكث ْ َر َة َّ ِّ‬
‫ان‪،‬‬‫وَر ُسولِ ِه ِبحَ َس ِب ْ ِاإلمْ َك ِ‬ ‫طاعَ ِة ال َّل ِه َ‬ ‫ُون ِيف َ‬ ‫السن َّ ِة يَجْ تَ ِهد َ‬ ‫"ففِ ي ا ْلجُ مْ َل ِة أ َ ْه ُل ُّ‬‫قال شيخ اإلسالم‪َ :‬‬
‫وَقا َل الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪« " :-‬إِذَا أَمَ ْرتُ ُك ْم ِبأَمْ ٍر َفأْتُوا‬ ‫طعْ تُمْ}(‪َ )2‬‬ ‫استَ َ‬ ‫{فاتَّ ُقوا ال َّل َه مَ ا ْ‬
‫اىل‪َ :‬‬ ‫َكمَ ا َقا َل تَعَ َ‬
‫اش‬ ‫ص َال ِح ا ْلعِ بَادِ ِيف ا ْلمَ عَ ِ‬ ‫اىل بَعَ َث مُحَ مَّ دًا ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬ب َ‬ ‫ُون أ َ َّن ال َّل َه تَعَ َ‬
‫طعْ تُ ْم» "‪ ،‬وَ يَعْ َلم َ‬ ‫استَ َ‬ ‫ِمن ْ ُه مَ ا ْ‬
‫ص َالحٌ وَ َف َسا ٌد َرجَّ حُ وا‬ ‫ان ا ْلفِ عْ ُل فِ ِيه َ‬ ‫الص َال ِح وَ نَهَ ى عَ ِن ا ْل َف َسادِ ‪َ ،‬ف ِإذَا َك َ‬ ‫وَ ا ْلمَ عَ ادِ ‪ ،‬وَ أَن َّ ُه أَمَ َر ِب َّ‬
‫ان َف َساد ُُه أ َ ْكث َ َر ِم ْن‬ ‫ص َالحُ ُه أ َ ْكث َ َر ِم ْن َف َسادِ هِ َرجَّ حُ وا فِ عْ َلهُ‪َ ،‬وإ ِ ْن َك َ‬ ‫ان َ‬ ‫اجحَ ِمنْهُ مَ ا‪َ ،‬ف ِإذَا َك َ‬ ‫الر ِ‬ ‫َّ‬
‫صال ِِح وَ تَ ْك ِميل ِهَ ا‪،‬‬ ‫يل ا ْلمَ َ‬ ‫اىل بَعَ َث َر ُسو َل ُه ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬بتَحْ ِص ِ‬ ‫ص َالحِ ِه َرجَّ حُ وا تَ ْر َكهُ‪َ .‬ف ِإ َّن ال َّل َه تَعَ َ‬ ‫َ‬
‫ور‬‫ص ِ‬ ‫ِيف ٌة ِم َن ا ْل ُخ َل َفا ِء‪َ ،‬كي َِزي َد وَ عَ بْ ِد ا ْلمَ لِكِ وَ ا ْلمَ ن ْ ُ‬ ‫وَىل َخل َ‬ ‫اس ِد وَ تَ ْقلِيل ِهَ ا‪َ .‬ف ِإذَا تَ َّ‬ ‫يل ا ْلمَ َف ِ‬ ‫وَ تَعْ ِط ِ‬
‫ُوَىل َغ ْري ُُه َكمَ ا ي َْفعَ لُ ُه مَ ْن ي ََرى‬ ‫وَ َغ ْ ِريهِ مْ‪َ ،‬ف ِإمَّ ا أ َ ْن ي َُقا َل‪ :‬ي َِجبُ مَ نْعُ ُه ِم َن ا ْل ِوَالي َ ِة وَقِ تَالُ ُه حَ تَّى ي َّ‬
‫وَق َّل مَ ْن َخ َرجَ عَ َىل إِمَ ا ٍم ذِي‬ ‫ص َلحَ ت ِِه‪َ .‬‬ ‫ظ ُم ِم ْن مَ ْ‬ ‫اسدٌ‪َ ،‬ف ِإ َّن مَ ْف َس َد َة َهذَا أَعْ َ‬ ‫ْف‪َ ،‬فهَ ذَا َرأْيٌ َف ِ‬ ‫السي َ‬ ‫َّ‬
‫ري‪".‬‬ ‫الرش أَعْ َ‬
‫ظ َم ِممَّ ا تَوَ َّل َد ِم َن ا ْل َخ ْ ِ‬ ‫ان مَ ا تَوَ َّل َد عَ َىل فِ عْ ل ِِه ِم َن َّ ِّ‬
‫ان إ ِ َّال َك َ‬ ‫ط ٍ‬ ‫ُس ْل َ‬

‫صحَ ابُهُ مْ‪َ ،‬ف َال‬ ‫وَه ِز َم أ َ ْ‬


‫األ ْشعَ ِث وَ ابْ ُن ا ْلمُهَ َّل ِب وَ َغ ْري ُُه ْم َفهُ ِزمُوا ُ‬ ‫وقال‪ :‬وَ أَمَّ ا أ َ ْه ُل ا ْلحَ َّر ِة وَابْ ُن ْ َ‬
‫ص َالحُ‬‫وَال َ‬‫ِّين َ‬ ‫ص َالحُ الد ِ‬ ‫ص ُل ِب ِه َ‬ ‫اىل َال يَأ ْ ُم ُر ِبأَمْ ٍر َال يَحْ ُ‬ ‫وَال أَب َْقوْ ا ُدنْيَا‪ .‬وَ ال َّل ُه تَعَ َ‬
‫أ َ َقامُوا دِ ينًا َ‬
‫وَم ْن أ َ ْه ِل ا ْلجَ ن َّ ِة‪َ ،‬ف َلي ُْسوا أ َ ْف َض َل ِم ْن عَ َِل ي‬
‫ني ِ‬‫ان َفاعِ ُل ذَ ِل َك ِم ْن أَوْ ِليَا ِء ال َّل ِه ا ْل ُمتَّقِ َ‬ ‫ال ُّدنْيَا‪َ ،‬وإ ِ ْن َك َ‬
‫ال‪ ،‬وَ ُه ْم أَعْ َ‬
‫ظ ُم َقد ًْرا‬ ‫َري وَ َغ ْ ِريهِ مْ‪ ،‬وَمَ َع َهذَا َل ْم يُحْ مَ دُوا مَ ا َفعَ لُو ُه ِم َن ا ْلقِ تَ ِ‬ ‫ط ْلحَ َة وَ ُّ‬
‫الزب ْ ِ‬ ‫وَ عَ ائ َِش َة وَ َ‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة جزء ‪ 6‬ص‪209‬‬


‫ور ُة التَّ َغاب ُِن‪16 :‬‬
‫(‪ُ )2‬س َ‬
‫‪- 79 -‬‬
‫ِّين َخ ْل ٌق‪.‬‬ ‫ان فِ ِيه ْم ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْلعِ ْل ِم وَ الد ِ‬ ‫عِ ن ْ َد ال َّل ِه وَأَحْ َس ُن ِني ًَّة ِم ْن َغ ْ ِريهِ مْ‪.‬وَ َكذَ ِل َك أ َ ْه ُل ا ْلحَ َّر ِة َك َ‬
‫ِّين‪ ،‬وَ ال َّل ُه ي َْغفِ ُر َلهُ ْم [ ُك ِّل ِهمْ]‬‫ان فِ ِيه ْم َخ ْل ٌق ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْلعِ ْل ِم وَ الد ِ‬ ‫األ ْشعَ ِث َك َ‬ ‫صحَ ابُ اب ِْن ْ َ‬ ‫وَ َكذَ ِل َك أ َ ْ‬
‫الشاعِ ُرعَ وَ ى‬ ‫األ ْشعَ ِث‪ :‬أَي َْن ُكن ْ َت يَا عَ ِام ُر؟ َقا َل‪ُ :‬كن ْ ُت حَ ي ُْث ي َُقو ُل َّ‬ ‫ِلشعْ ِب ِّي ِيف فِ تْن َ ِة اب ِْن ْ َ‬
‫‪.‬وَق ْد قِ ي َل ل َّ‬
‫َ‬
‫صابَتْنَا فِ تْن َ ٌة َل ْم ن َ ُك ْن فِ يهَ ا‬ ‫ْت أ َ ِطريُ‪.‬أ َ َ‬ ‫صوَّ َت إِن ْ َسا ٌن َف ِكد ُ‬ ‫استَأْن َ ْس ُت ِبالذِّئْ ِب إِذْ عَ وَى ‪ ...‬وَ َ‬ ‫الذِّئْبُ َف ْ‬
‫َرصيُّ ي َُقو ُل‪ :‬إ ِ َّن ا ْلحَ جَّ اجَ عَ ذَابُ ال َّل ِه‪َ ،‬ف َال‬ ‫ان ا ْلحَ َس ُن ا ْلب ْ ِ‬ ‫وَال َفجَ َر ًة أ َ ْق ِويَا َء‪.‬وَ َك َ‬ ‫ب ََر َر ًة أَتْقِ يَاءَ‪َ ،‬‬
‫اىل ي َُقو ُل‪{ :‬وَ َل َق ْد‬ ‫ْض ِع‪َ ،‬ف ِإ َّن ال َّل َه تَعَ َ‬ ‫تَد َْفعُ وا عَ ذَابَ ال َّل ِه ِبأَيْدِي ُكمْ‪ ،‬وَ َلك ِْن عَ َليْ ُك ْم ِب ِاال ْس ِت َكان َ ِة وَ التَّ َ ُّ‬
‫ط ْل ُق‬ ‫ان َ‬ ‫ون‪ ]76 :‬وَ َك َ‬ ‫ور ُة ا ْلم ُْؤ ِمن ُ َ‬‫[س َ‬ ‫ون} ُ‬ ‫ْضعُ َ‬ ‫استَ َكانُوا ل َِرب ِِّه ْم وَ مَ ا يَتَ َ َّ‬ ‫اب َفمَ ا ْ‬ ‫اه ْم ِبا ْلعَ ذَ ِ‬ ‫أ َ َخذْن َ ُ‬
‫طاعَ ِة‬ ‫يب ي َُقو ُل‪ :‬اتَّ َقوُا ا ْلفِ تْن َ َة ِبالتَّ ْقوَى‪َ .‬فقِ ي َل َلهُ‪ :‬أَجْ ِم ْل َلنَا التَّ ْقوَى‪َ .‬ف َقا َل‪ :‬أ َ ْن تَعْ مَ َل ِب َ‬ ‫بْ ُن حَ ِب ٍ‬
‫اف عَ ذَابَ‬ ‫ور ِم َن ال َّل ِه تَ َخ ُ‬ ‫رت َك مَ عْ ِصي ََة ال َّل ِه عَ َىل ن ُ ٍ‬ ‫ور ِم َن ال َّل ِه‪ ،‬تَ ْرجُ و َرحْ مَ َة ال َّل ِه‪ ،‬وَ أ َ ْن تَ ْ ُ‬ ‫ال َّل ِه عَ َىل ن ُ ٍ‬
‫ال ِيف‬ ‫وْن عَ ِن ا ْل ُخ ُر ِ‬
‫وج وَ ا ْلقِ تَ ِ‬ ‫ني يَنْهَ َ‬ ‫اض ُل ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ان أ َ َف ِ‬‫ال َّل ِه‪َ .‬روَ ا ُه أَحْ مَ ُد وَ ابْ ُن أ َ ِبي ال ُّدنْيَا‪.‬وَ َك َ‬
‫وْن عَ ا َم‬ ‫ني َ‬
‫وَغ ْري ُُه ْم يَنْهَ َ‬ ‫وَسعِ ي ُد بْ ُن ا ْلم َُسي َِّب وَ عَ َِل ُّ بْ ُن ا ْلحُ َس ْ ِ‬ ‫ان عَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن عُ مَ َر َ‬ ‫ا ْلفِ تْن َ ِة‪َ ،‬كمَ ا َك َ‬
‫وْن عَ ِن‬ ‫َرصيُّ وَ مُجَ اهِ ٌد وَ َغ ْري ُُهمَ ا يَنْهَ َ‬ ‫ان ا ْلحَ َس ُن ا ْلب ْ ِ‬ ‫وج عَ َىل ي َِزيدَ‪ ،‬وَ َكمَ ا َك َ‬ ‫ا ْلحَ َّر ِة عَ ِن ا ْل ُخ ُر ِ‬
‫ال ِيف ا ْلفِ تْن َ ِة‬ ‫السن َّ ِة عَ َىل تَ ْركِ ا ْلقِ تَ ِ‬ ‫استَ َق َّر أَمْ ُر أ َ ْه ِل ُّ‬ ‫األ ْشعَ ِث‪ .‬وَ ِلهَ ذَا ْ‬ ‫وج ِيف فِ تْن َ ِة اب ِْن ْ َ‬ ‫ا ْل ُخ ُر ِ‬
‫ون‬‫ون َهذَا ِيف عَ َقا ِئدِهِ مْ‪ ،‬وَ يَأ ْ ُم ُر َ‬ ‫وَصا ُروا يَذْ ُك ُر َ‬ ‫الصحِ يحَ ِة الثَّا ِبتَ ِة عَ ِن الن َّ ِب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬‬ ‫يث َّ‬ ‫ِألحَ ادِ ِ‬ ‫لْ َ‬
‫ان َق ْد َقاتَ َل ِيف ا ْلفِ تْن َ ِة َخ ْل ٌق َك ِثريٌ ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْلعِ ْل ِم‬ ‫األئِمَّ ِة وَ تَ ْركِ قِ تَال ِِهمْ‪َ ،‬وإ ِ ْن َك َ‬ ‫وْر ْ َ‬ ‫الص ْ ِرب عَ َىل جَ ِ‬ ‫ِب َّ‬
‫ِّين"‪.‬‬‫وَ الد ِ‬
‫اق َلمَّ ا َكاتَبُو ُه ُكتُبًا‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪ -‬أ َ ْن ي َْخ ُرجَ إ ِ َىل أ َ ْه ِل ا ْلعِ َر ِ‬
‫ني ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫وقال‪" :‬وَ ِلهَ َذا َلمَّ ا أ َ َرا َد ا ْلح َُس ْ ُ‬
‫الرحْ مَ ِن‬ ‫َّاس وَ أ َ ِبي َب ْك ِر ب ِْن عَ بْ ِد َّ‬ ‫ِّين‪َ ،‬كاب ِْن عُ مَ َر وَ اب ِْن عَ ب ٍ‬ ‫اض ُل أ َ ْه ِل ا ْلعِ ْل ِم وَ الد ِ‬ ‫ري ًة أ َ َشا َر عَ َلي ِْه أ َ َف ِ‬‫َك ِث َ‬
‫ظن ِّ ِه ْم أَن َّ ُه ي ُْقتَ ُل‪ ،‬حَ تَّى إ ِ َّن بَعْ َضهُ ْم َقا َل‪:‬‬ ‫ب ِْن ا ْلحَ ِار ِث ب ِْن ِه َشا ٍم أ َ ْن َال ي َْخ ُرجَ ‪ ،‬وَ َغ َلبَ عَ َىل َ‬
‫وَه ْم‬‫وج‪ُ .‬‬ ‫الش َفاعَ ُة َ َألمْ َس ْكتُ َك وَ مَ نَعْ تُ َك ِم َن ا ْل ُخ ُر ِ‬ ‫وْال َّ‬ ‫وَقا َل بَعْ ُضهُ مْ‪َ :‬ل َ‬ ‫ِيل‪َ .‬‬ ‫أ َ ْستَوْ دِ عُ َك ال َّل َه ِم ْن َقت ٍ‬
‫وَر ُسولُ ُه إِنَّمَ ا يَأ ْ ُم ُر‬‫ني‪ .‬وَ ال َّل ُه َ‬ ‫ص َلحَ ِة ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ص َلحَ ت ِِه وَ مَ ْ‬ ‫طا ِلب َ‬
‫ُون لِمَ ْ‬ ‫ُون ن َ ِصيحَ تَ ُه َ‬ ‫اصد َ‬ ‫ِيف ذَ ِل َك َق ِ‬
‫األمْ َر عَ َىل مَ ا َقا َل ُه‬ ‫َني أ َ َّن ْ َ‬ ‫الرأْيَ ي ُِصيبُ تَ َار ًة وَ ي ُْخ ِطئ ُ أ ُ ْخ َر َ‬
‫ى‪.‬فتَب َّ َ‬ ‫الص َال ِح َال ِبا ْل َف َسادِ ‪َ ،‬لكِ َّن َّ‬ ‫ِب َّ‬
‫ط َغا ُة‬ ‫ظ َلمَ ُة ال ُّ‬ ‫ص َلحَ ُة ُدنْيَا‪َ ،‬ب ْل تَمَ َّك َن أُو َل ِئ َك ال َّ‬ ‫ين وَ َال مَ ْ‬ ‫ص َلحَ ُة دِ ٍ‬‫وج َال مَ ْ‬ ‫أولَ ِئ َك‪ ،‬وَ َل ْم يَ ُك ْن ِيف ا ْل ُخ ُر ِ‬
‫ُ‬
‫وَقتْل ِِه ِم َن ا ْل َف َسادِ‬‫وج ِه َ‬ ‫ان ِيف ُخ ُر ِ‬ ‫ظلُومً ا َش ِهيدًا‪ ،‬وَ َك َ‬ ‫ول ال َّل ِه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬حَ تَّى َقتَلُو ُه مَ ْ‬ ‫ِم ْن ِسب ِْط َر ُس ِ‬
‫ص ْل‬ ‫الرش َل ْم يَحْ ُ‬ ‫ري وَ د َْف ِع َّ ِّ‬ ‫يل ا ْل َخ ْ ِ‬
‫صد َُه ِم ْن تَحْ ِص ِ‬ ‫ص َل َل ْو َقعَ َد ِيف بَ َل ِدهِ ‪َ ،‬ف ِإ َّن مَ ا َق َ‬ ‫مَ ا َل ْم يَ ُك ْن حَ َ‬
‫ِرش عَ ِظي ٍم‪.‬‬ ‫وَصا َر ذَ ِل َك َسبَبًا ل َ ي‬ ‫ص ا ْل َخ ْريُ ِبذَ ِل َك‪َ ،‬‬ ‫وج ِه َ‬
‫وَقتْل ِِه‪ ،‬وَ ن َ َق َ‬ ‫الرش ِب ُخ ُر ِ‬ ‫يشءٌ‪ ،‬بَ ْل َزا َد َّ ُّ‬ ‫ِمن ْ ُه َ ْ‬
‫ان ِممَّ ا أَوْجَ بَ ا ْلفِ تَ َن‪.‬‬ ‫ان َقتْ ُل عُ ثْمَ َ‬ ‫ني ِممَّ ا أَوْجَ بَ ا ْلفِ تَ َن‪َ ،‬كمَ ا َك َ‬ ‫ان َقتْ ُل ا ْلحُ َس ْ ِ‬ ‫وَ َك َ‬

‫‪- 80 -‬‬
‫األئِمَّ ِة وَ تَ ْركِ‬ ‫َني أ َ َّن مَ ا أَمَ َر ِب ِه الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬م َن َّ‬
‫الص ْ ِرب عَ َىل جَ وْ ِر ْ َ‬ ‫"وَهذَا ُك ُّل ُه ِممَّ ا يُب ِّ ُ‬
‫وقال‪َ :‬‬
‫ف ذَل َِك‬ ‫اش وَ ا ْلمَ عَ ادِ ‪ ،‬وَ أ َ َّن مَ ْن َخا َل َ‬ ‫ور ِل ْلعِ بَادِ ِيف ا ْلمَ عَ ِ‬ ‫األ ُم ِ‬‫ص َلحُ ْ ُ‬ ‫وج عَ َلي ِْه ْم ُه َو أ َ ْ‬ ‫قِ تَال ِِه ْم وَ ا ْل ُخ ُر ِ‬
‫ص َالحٌ بَ ْل َف َسادٌ‪ .‬وَ ِلهَ ذَا أَثْنَى الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬عَ َىل ا ْلحَ َس ِن‬ ‫ص ْل ِبفِ عْ ل ِِه َ‬ ‫ُخ ِطئًا َل ْم يَحْ ُ‬ ‫ُمتَعَ مِّ دًا أ َ ْو م ْ‬
‫ني» "وَ َل ْم يُث ْ ِن‬ ‫ني ِم َن ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ني عَ ِظيمَ تَ ْ ِ‬ ‫ُصلِحُ ال َّل ُه ِب ِه ب ْ َ‬
‫َني فِ ئَتَ ْ ِ‬ ‫وَسي ْ‬ ‫ِب َقوْ ِل ِه‪« " :‬إ ِ َّن ابْنِي َهذَا َسيِّ ٌد َ‬
‫وَال م َُف َار َق ٍة ِل ْلجَ مَ اعَ ِة‪".‬‬
‫طاعَ ٍة َ‬ ‫وَال ن َ ْز ِع يَ ٍد ِم ْن َ‬ ‫وج عَ َىل ْ َ‬
‫األئِمَّ ِة َ‬ ‫وَال ِب ُخ ُر ٍ‬ ‫ال ِيف فِ تْن َ ٍة َ‬ ‫عَ َىل أَحَ ٍد َال ِبقِ تَ ٍ‬
‫(‪)1‬‬

‫َفصل‬

‫قالت "القعَّ د"‪ :‬قد ظلم إبراهيم رعيته وال منقبة له‪ ،‬بل ما عرفنا عنه ِسوى السوء وقتل‬
‫ورثة األنبياء بغري حق‪ ،‬وعدم االقتصاص من قتلتهم‪ .‬وقالت "الغالة والنظامية"‪ :‬بل قتل‬
‫املوحدين وفتن املؤمنني واملؤمنات الذين يكفرون املرشكني‪.‬‬

‫فقلت لهم‪ :‬قال الله تعاىل‪ { :‬وال يجرمنكم شنان قوم عىل ٰ أال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوىٰ‬
‫واتقوا الله إن الله خبري بما تعملون }‪.‬‬
‫قال إمام األئمة عبد الرحمن بن مهدي‪" :‬أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم‪ ،‬وأهل األهواء‬
‫ال يكتبون إال مالهم"‪.‬‬
‫أما زعم القعَّ د أن ال منقبة له فكفران للخري وإفك وبهتان‪ ،‬بل لو لم يكن من سريته ِسوى‬
‫تعليم عوام سلطانه ورعيَّته التوحيد ‪-‬وأرض الشام‪ ،‬قد تسلط عليها القبورية واملعطلة‬
‫لسنني طويلة جدا‪ -‬وتعظيم شعائر ال ِّدين ‪ ،‬وجهاد املرشكني ‪،‬واألمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكرات والبدع والرشك ‪،‬وتجديد معالم الدين بعد سنني طويلة ج ًدا من القحط‪ ،‬بعدما‬
‫أجدبت األرض وفرت فيها اإلسالم حتى ِكدنا نقول أنها الن ِّهاية لوال موعود ربنا‪ ،‬لكفى بها‬
‫حسنة ومنقبة له وتاجً ا عىل رأسه ورأس كل من ساهم يف ذلك وإن رغمت أنوف املكابرين‪.‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية الجزء الرابع من الصفحة ‪ 527‬اىل ‪531‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫قال ابن كثري يف ترجمة أبي القاسم الاللكائي ‪-‬رحمهما الله تعاىل‪" :-‬ورآه بعضهم يف املنام‬
‫(‪)1‬‬
‫فقال‪ :‬ما فعل الله بك؟ قال‪ :‬غفر يل‪ ،‬قال‪ :‬بم؟ قال‪ :‬بيشء قليل من السنة أحييته‪.‬‬
‫الفرس‬ ‫الصخرة التي تكرست عليها أطماع ُ‬
‫ولو لم ت ُكن من مناقِ به إال أن جيشه كان هو َّ‬
‫ً‬
‫وسحقا –‬ ‫ً‬
‫وتحريقا‬ ‫ً‬
‫تقتيال‬ ‫املجوس فراحوا يجرجرون خيباتهم بعد أن أعمل فيهم جيشه‬
‫والزال بفضل الله‪ -‬واليوم جيشه هو الوحيد يف األرض الذي يصد عادية الروافض عن بالد‬
‫اإلسالم ولوال الله ثم هم لكان محمد عَل جعفري يتجول يف شوارع األحساء‪ ،‬فاملسلمون‬
‫جميعً ا يدينون له‪.‬‬
‫ولو ما َل ُه من حسنة إال ردم السجون وتحريرها –وقد حرر قرابة ‪ 5‬آالف أسرية من سجن‬
‫بادوش‪-‬لكفى بها حسنة ولحُ َّق لكل مسلم أن يجعله تاج عىل رأسه ‪ ،‬ولو ماتأتينا من‬
‫مناقِ به إال جمعه للمجاهدين املتناثرين يف كل أصقاع األرض تحت إمام واحد وراية واحدة‬
‫وإعالنه للخالفة وكرسه للحدود وإقامة دولة إسالمية ترشئب لها أعناق املسلمني‪.‬‬

‫وقال‪" :‬وقد ذكر غري واحد‪ :‬أن الهنود بذلوا للسلطان محمود أمواال جزيلة ليرتك لهم هذا‬
‫الصنم األعظم‪ ،‬فأشار من أشار من األمراء عىل السلطان محمود بأخذ األموال وإبقاء هذا‬
‫الصنم لهم‪ ،‬فقال‪ :‬حتى أستخري الله عز وجل‪ .‬فلما أصبح قال‪ :‬إني فكرت يف األمر الذي‬
‫ذكر فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة‪ :‬أين محمود الذي كرس الصنم؟ أحب إيل من أن يقال‬
‫الذي ترك الصنم ألجل ما يناله من الدنيا‪ ،‬ثم عزم فكرسه ‪-‬رحمه الله‪ ]...[ -‬ونرجو من‬
‫الله له يف االخرة الثواب الجزيل الذي مثقال دانق منه خري من الدنيا وما فيها‪ ،‬مع ما حصل‬
‫له من الثناء الجميل الدنيوي‪ ،‬فرحمه الله وأكرم مثواه"‪.‬‬
‫فأين هذا من مئات األصنام األثرية بالعراق والشام والقباب التي لو أراد بيعها لكفته ير‬
‫القصف والعصف والفتداها الكفرة منه بألوف من الجواهر واملرجان‪ ،‬من تماثيل سومر‬
‫وبابل وروم تدمر وما حوت قالعُ هم ومسارحُ هم‪َ ،‬أفيقال بعد هذا أن ال منقبة له؟ {كربت‬
‫كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إال كذبا}‬
‫وأما زعم الغالة أنه قتل املوحدين‪ ،‬فكلمة حق أريد بها باطل‪ ،‬إن كان قصدهم قتله الزاني‬
‫بعد إحصان‪ ،‬والواقع يف اللواط‪ ،‬وقاطع الطريق ومن ال يُدفع يرُّ ه إال بالقتل‪ٌّ ،‬‬
‫فحق ال مرية‬

‫(‪ )1‬البداية والنهاية ‪.٣٠/١٤‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫فيه‪ ،‬وإن كنا ال نزعم أنها "يوتوبيا" مثالية‪ ،‬بل وُ جدت مظال ُم كثرية جدًا‪ ،‬وأخطاء ننكر‬
‫عىل أصحابها ونربأ إىل الله من أفعالهم بحسب الحال ومآالت األفعال وما سار عليه السلف‪،‬‬
‫دون فضح وتشهري وتعيري كما القعد‪.‬‬
‫وقولهم أنه قتل املوحِّ د لتكفريه املرشك فباطل تعرف السامة والعامة بُطالنه‪ ،‬وهو الذي ما‬
‫قوتل إال ألجل تكفريه املرشكني ومعاداته لهم يف وقت تجد فيه الغالة يف ديار الردة مختبئني‬
‫ال دين ًا نرصوا وال توحي ًدا أظهروا وهم "كفار يف عقائدهم الباطلة" لعدم إظهارهم العداوة‬
‫التي يشرتطونها عىل الناس‪.‬‬
‫أخربنا أحمد أبو سليمان الشامي(‪-)1‬وأنا أذكر املعنى ال اللفظ‪ ،-‬قال‪ :‬حدثني الشيخ أبو‬
‫محمد الحسيني الفرقان‪" :‬ما قتلت الدولة ُمغاليًا ملجرد تكفريه مسلمً ا ‪،‬وإنما قتلت من‬
‫استحل السيف عىل املسلمني وأظهر القول بالخروج عىل جماعتهم أو أقره أو دعا إليه"‪.‬‬
‫وقال أبو يحيى املرصي(‪ : ،)2‬حدثني ثقة تونيس‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الشيخ أبو محمد الفرقان‪:‬‬
‫طاب مع جماعة من الخوارج فدعوا إىل الخروج عىل اإلمام واستحالل‬ ‫"جلس أبو جعفر الح َّ‬
‫السيف عىل املسلمني‪ ،‬فقال لهم أبو جعفر‪ :‬انتظروا‪- ،‬ولعله قال اصربوا‪ ،-‬ولم ينكر عليهم‬
‫وهو املقدم فيهم"‪.‬‬
‫حدثني أبو متاب الهاشمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الحارث القحطاني‪" :‬إنما قتل الحطاب بعد‬
‫أن ناظره أبو همَّ ام البنعَل يف سجنه"‪.‬‬
‫قال الشافعي يف كتاب األم ‪":‬ولو أن قوما أظهروا رأيَ الخوارج ‪،‬وتجنبوا جماعات الناس‬
‫وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم ألنهم عىل حرمة اإليمان لم يصريوا إىل الحال التي أمر الله‬
‫عز وجل بقتالهم"‬
‫وق ال الشافعي ‪ :‬أخربنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم األزرقي الغساني عن أبيه أن‬
‫عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز‪":‬‬
‫إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السالح فأشهروا عليهم وإن ْضبوا‬
‫فاْضبوهم"‪.‬‬

‫(‪ )1‬أبو سليمان؛ ثقة صدوق له أوهام‪ ،‬قتل تقبله الله مقبال غري مدبر مرابطا عىل ثغور الرقة‪.‬‬

‫الجنان وكل شهداء‬


‫ِ‬ ‫الرقة تقبله الله يف‬
‫صار ّ‬ ‫وإنصاف‪ُ ،‬قتِل ِيف ِ‬
‫آخر حِ َ‬ ‫َ‬ ‫صاحِ ب ٍ‬
‫عدل‬ ‫(‪ )2‬أخونَا أبو يحيَى ٌ‬
‫ثقة حَ ِي ّي‪َ ،‬‬
‫دولة الخالفة‪.‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫وسئل اإلمام أحمد عن قوم من أهل البدع يتعرضون ويكفرون؟ قال‪ :‬ال تعرضوا لهم‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وأي يشء تكره أن يحبسوا؟ قال‪ :‬لهم والدات وأخوات‪ .‬وقال‪ :‬عىل اإلمام منعهم ‪-‬يريد سبه‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وردعهم وال يقاتلهم إال أن يجتمعوا لحربه‪ ،‬فإن كان الحروري داعية‪ ،‬يقتل‪.‬‬
‫وذهب اإلمام مالك إىل قتل الخارجي لعظم فساده‪ ،‬والريب أن يرَّ هؤالء ُ‬
‫الغالة إن لم يمكن‬
‫دفعه إال بالقتل لقتلوا ‪ ،‬كما هو املروي عن جمع من العلماء‪ ،‬الستحاللهم دماء املسلمني‬
‫وأموالهم وزعمهم أن سبي الحرائر الطاهرات من نساء املجاهدين جائز‪ ،‬والله أعىل وأعلم‪.‬‬
‫وأماُقولُالقعدُأنهُقتلُورثةُالنبيني ‪ُ.‬‬

‫والحجة عىل هذه العصابة ما سمعناه من الشيخ أبي بكر البغدادي وتعظيمه ألهل العلم‬
‫الربانيني وتأكيده الدائم عىل فكاك أرساهم وهو األصل الواجب استصحابه والذي ال يزيله‬
‫شك‪.‬‬
‫قال‪" :‬وال يفوتني أن أذكر األرسى يف سجون الطواغيت‪ ،‬فال والله ما نسيناكم‪ ..‬وأخص‬
‫األرسى يف ك ِّل مَ كان‬
‫َ‬ ‫وصيَّتِي ل ُكم َ‬
‫إخراجَ‬ ‫َّ‬
‫"وإن ِ‬ ‫طلبة العلم يف سجون ال سلول"‪َ )2(.‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫وصا طلبَة الع ْلم ِيف سجُ ون ال َّ‬
‫طوَ اغيت"‬ ‫ُ‬
‫وخص ً‬
‫وما عدم قتل قتلة شيوخنا ‪-‬تقبلهم الله‪ -‬هو تعطيل لحكم الله ‪-‬هكذا مطلقا‪ ،-‬بل هو من‬
‫جنس ما ادعته الرافضة يف فعل عثمان مع عبيد الله بن عمر ملا قتل الهرمزان‪ ،‬واإلمام قد‬
‫يظن أن قاتل صاحبكم ظهرت له شبهة من جنس تلك الشبهة أنه أعان عىل دم أبي محمد‬
‫ظلم كشيخنا‬ ‫بذكر مكانه ‪-‬ومسألتنا نظرية لغلبة كالم األعداء فيها‪ ،‬وليس الحديث عن من ُ‬
‫الحبيب أبي أسامة الغريب رحمه الله‪-‬وقال شيخ اإلسالم‪" :‬ولو قدر أن املقتول معصوم‬
‫الدم يحرم قتله‪ ،‬لكن كان القاتل متأوال يعتقد حل قتله لشبهة ظاهرة‪ ،‬صار ذلك شبهة‬
‫تدرأ القتل عن القاتل"‪ .‬وإذا كان عبيد الله بن عمر متأوال يعتقد أن الهرمزان أعان عىل قتل‬
‫أبيه‪ ،‬وأنه يجوز له قتله‪ ،‬صارت هذه شبهة يجوز أن يجعلها املجتهد مانعة من وجوب‬
‫(‪)4‬‬
‫القصاص‪ ،‬فإن مسائل القصاص فيها مسائل كثرية اجتهادية"‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف للمرداوي ص‪.١٧٧٣:‬‬


‫ً‬
‫وثقاال}‪.‬‬ ‫ً‬
‫خفافا‬ ‫(‪ )2‬كلمته الصوتيّة‪{ :‬انفروا‬
‫(‪ )3‬كلمته الصوتية‪{ :‬هذَا ما وعدنا الله ُ‬
‫وَرسول}ه‪.‬‬
‫(‪ )4‬منهاج السنة النبوية‪.٢٨١/٦ ،‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫قال شيخ اإلسالم تقي الدين‪" :‬وكان عمر بن الخطاب يأمر بقتل الربيئة وهو الناطور‬
‫لقطاع الطريق‪ .‬وإذا كان الهرمزان ممن أعان عىل قتل عمر جاز قتله يف أحد القولني‬
‫قصاصا‪ .‬وعمر هو القائل يف املقتول بصنعاء‪ " :‬لو تماأل عليه أهل صنعاء ألقدتهم به"‪.‬‬
‫ً‬
‫وأيضا فقد تنازع الناس يف قتل األئمة‪ :‬هل يقتل قاتلهم ح ًّدا أو قصاصا؟ عىل قولني يف‬
‫مذهب أحمد وغريه‪ .‬أحدهما‪ :‬أنهم يقتلون حدا‪ ،‬كما يقتل القاتل يف املحاربة حدا‪ ،‬ألن قتل‬
‫األئمة فيه فساد عام أعظم من فساد قطاع الطريق‪ ،‬فكان قاتلهم محاربا لله ورسوله‪،‬‬
‫ساعيا يف األرض فسادا‪ .‬وعىل هذا خرجوا فعل الحسن بن عَل ‪ -‬ريض الله عنهما ‪ -‬ملا قتل‬
‫ابن ملجم قاتل عَل‪ ،‬وكذلك قتل قتلة عثمان‪ .‬و إذا كان الهرمزان ممن أعان عىل قتل عمر‬
‫كان من املفسدين يف األرض املحاربني‪ ،‬فيجب قتله لذلك"‪.‬‬
‫"وقد ذكرنا تنازع العلماء يف قتل األئمة‪ :‬هل هو من باب الفساد الذي يجب قتل صاحبه‬
‫حتما‪ ،‬كالقاتلني ألخذ املال؟ أم قتلهم كقتل اْلحاد الذين يقتل أحدهم االخر لغرض خاص‬
‫فيه‪ ،‬فيكون عىل قاتل أحدهم القود؟ وذكرنا يف ذلك قولني‪ ،‬وهما قوالن يف مذهب أحمد‬
‫وغريه‪ ،‬وذكرهما القايض أبو يعىل وغريه‪ .‬فمن قال‪ :‬إن قتلهم حد‪ .‬قال‪ :‬إن جنايتهم توجب‬
‫من الفتنة والفساد أكثر مما يوجبه جناية بعض قطاع الطريق ألخذ املال‪ ،‬فيكون قاتل‬
‫(‪)1‬‬
‫األئمة من املحاربني لله ورسوله‪ ،‬الساعني يف األرض فسادا‪.‬‬
‫مع أنه قد يقال أن الخليفة ال يعرف بخصوص هذا أصال‪ ،‬قال صاحب القواصم‪" :‬وأما‬
‫تع ُّلقهم بأن الكتاب وجد مع راكب ‪،‬أو مع غالمه –ولم يقل أحد قط إنه كان غالمه– إىل عبد‬
‫الله بن سعد بن أبي رسح‪ .‬يأمره بقتل حامليه‪ ،‬فقد قال لهم عثمان‪ :‬إما أن تقيموا شاهدين‬
‫عىل ذلك وإال فيميني أني ما كتبت وال أمرت‪ ،‬وقد يكتب عىل لسان الرجل‪ ،‬ويْضب عىل‬
‫(‪)2‬‬
‫خطه‪ ،‬وينقش عىل خاتمه"‬

‫(‪ )1‬وهذا يدخل فيه فعل الديري ورفاقه‬


‫(‪ )2‬وال يظنن ظان أني أجادل أو أدافع عن الظلمة وظلمهم‪ ،‬أو الوالة وحكمهم‪ ،‬فال ناقة يل يف ذلك وال جمل‪،‬‬
‫وأعوذ بالله ثم أعوذ بالله ثم أعوذ بالله ثالثًا أن أكون من املجادلني عن الظاملني أو املدافعني عنهم‪ ،‬وإنما حمل‬
‫العبد الفقري عىل الكتابة غياب اإلنصاف والعدل‪ ،‬والتقول عىل الله بغري علم ‪-‬وال أنا بأهل الدعاء ذلك‪ ،-‬وقد تقدم‬
‫تدليس وبرت وكذب الغاشمي عىل السلف وكيف بنى أحكاما صعبة جدا عىل أقوال برتها‪ ،‬فلم يكن للعبد الفقري‬
‫سوى كتابة ما كتبته والله املستعان‪ ،‬نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا برحمته واملسلمني‪.‬‬

‫‪- 85 -‬‬
‫ُ‬
‫فصلُ‬

‫وقد رصَّ ح األولون ‪ ،‬وكانوا من أعالم الناس‪ ،‬بعدم مدح يزيد وال لعنه‪ ،‬وهو من هو يف أعماله‬
‫وقتله حفيد رسول الله ﷺ وما حصل من املوبقات يف زمنه‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬تجد سرية أولئك‬
‫األعالم يف يزيد‪ ،‬ما رواه شيخ اإلسالم ابن تيمية يف املجموع‪" :‬والقول الثالث أنه كان ملكا‬
‫كافرا ولكن‬
‫ً‬ ‫من ملوك املسلمني له حسنات وسيئات ولم يولد إال يف خالفة عثمان ولم يكن‬
‫جرى بسببه ما جرى من مرصع الحسني ‪،‬وفعل ما فعل بأهل الحرة ولم يكن صاحبًا وال‬
‫من أولياء الله الصالحني وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة‪ .‬ثم افرتقوا‬
‫ثالث فرق؛ فرقة لعنته وفرقة أحبته وفرقة ال تسبه وال تحبه وهذا هو املنصوص عن اإلمام‬
‫أحمد وعليه املقتصدون من أصحابه وغريهم من جميع املسلمني‪.‬قال صالح بن أحمد قلت‬
‫ألبي إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد فقال يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واالخر‬
‫(‪)1‬‬
‫فقلت يا أبت فلماذا ال تلعنه فقال يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحدا"‬
‫قال ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ ":‬وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر باملعازف ويرب الخمر‬
‫والغنا والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكالب والنطاح بني الكباش والدباب والقرود‪ ،‬وما‬
‫من يوم إال يصبح فيه مخمورا‪ ،‬وكان يشد القرد عىل فرس مرسجة بحبال ويسوق به‪،‬‬
‫ويلبس القرد قالنس الذهب‪ ،‬وكذلك الغلمان‪ ،‬وكان يسابق بني الخيل‪ ،‬وكان إذا مات القرد‬
‫حزن عليه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته‪.‬وذكروا عنه غري ذلك والله أعلم‬
‫بصحة ذلك"‪.‬‬
‫قال الطرباني‪ :‬حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج املرصي‪ ،‬ثنا يحيى بن بكري‪ ،‬حدثني الليث‪،‬‬
‫قال‪ :‬أبى الحسني بن عَل ‪-‬ريض الله عنهما‪ -‬أن يستأرس‪ ،‬فقاتلوه فقتلوه‪ ،‬وقتلوا ابنيه‬
‫وأصحابه الذين قاتلوا منه بمكان يقال له الطف‪ ،‬وانطلق بعَل بن حسني‪ ،‬وفاطمة بنت‬
‫حسني‪ ،‬وسكينة بنت حسني إىل عبيد الله بن زياد‪ ،‬وعَل يومئذ غالم قد بلغ‪ ،‬فبعث بهم إىل‬
‫يزيد بن معاوية‪ ،‬فأمر بسكينة فجعلها خلف رسيره لئال ترى رأس أبيها وذوي قرابتها‪،‬‬

‫كتاب مجموع الفتاوى‪ /‬ص‪483‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫وعَل بن الحسني ‪-‬ريض الله عنهما‪ -‬يف غل‪ ،‬فوضع رأسه‪ ،‬فْضب عىل ثنيتي الحسني ريض‬
‫الله عنه‪ ،‬فقال‪:‬نفلق هاما من رجال أحبة ‪ ...‬إلينا وهم كانوا أعق وأظلما‬
‫فقال عَل بن الحسني ‪-‬ريض الله عنه‪{ :-‬ما أصاب من مصيبة يف األرض وال يف أنفسكم إال‬
‫يف كتاب من قبل أن نربأها إن ذلك عىل الله يسري} فثقل عىل يزيد أن يتمثل ببيت شعر‪،‬‬
‫وتال عَل آية من كتاب الله عز وجل‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬بل بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثري‪.‬‬
‫فقال عَل ريض الله عنه‪« :‬أما والله لو رانا رسول الله ﷺ مغلولني ألحب أن يخلينا من‬
‫الغل» ‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فخلوهم من الغل‪ .‬قال‪« :‬ولو وقفنا بني يدي رسول الله ﷺ عىل بعد‬
‫ألحب أن يقربنا» ‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فقربوهم‪ .‬فجعلت فاطمة وسكينة يتطاوالن لرتيا رأس‬
‫أبيهما‪ ،‬وجعل يزيد يتطاول يف مجلسه ليسرت عنهما رأس أبيهما‪ ،‬ثم أمر بهم فجهزوا‪،‬‬
‫فأصلح إليهم‪ ،‬وأخرجوا إىل املدينة"‪.‬‬

‫أفرجل كهذا يعتد بخالفته الصحابة‪ ،‬ويتبعهم يف ذلك التابعون‪ ،‬ثم نتبع القعد من أهل‬
‫األهواء؟ إنا إذا ً لضالون‪.‬‬

‫قال البخاري‪ :‬حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال ملا خلع‬
‫أهل املدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال إني سمعت النبي ﷺ يقول‬
‫ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هذا الرجل عىل بيع الله ورسوله وإني ال‬
‫أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل عىل بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال وإني ال أعلم‬
‫(‪)1‬‬
‫أحدا منكم خلعه وال بايع يف هذا األمر إال كانت الفيصل بيني وبينه"‬
‫وقال مسلم يف صحيحه حدثنا عبيد الله بن معاذ العنربي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عاصم ‪ ،‬وهو‬
‫ابن محمد بن زيد ‪ ،‬عن زيد بن محمد ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء عبد الله بن عمر إىل عبد الله‬
‫بن مطيع حني كان من أمر الحرة ما كان ‪ ،‬زمن يزيد بن معاوية ‪ ،‬فقال ‪ :‬اطرحوا ألبي عبد‬
‫الرحمن وسادة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني لم آتك ألجلس ‪ ،‬أتيتك ألحدثك حديثا سمعت رسول الله ﷺ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم‪.٧١١١ :‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫يقوله ‪ :‬سمعت رسول الله ﷺ يقول ‪ :‬من خلع يدا من طاعة ‪ ،‬لقي الله يوم القيامة ال حجة‬
‫(‪)1‬‬
‫له ‪ ،‬ومن مات وليس يف عنقه بيعة ‪ ،‬مات ميتة جاهلية"‪.‬‬

‫فسبحان الله‪ ،‬لقد عظمت مز َّلة هؤالء القوم‪ ،‬وأعجب منهم أشياخهم املأخوذ عنهم معالم‬
‫الدين‪ ،‬فاملسرتشد منهم تزيده األيام والليايل عىل طول اسرتشاده إياهم حرية‪ ،‬واملستهدي‬
‫منهم تائه‪ ،‬يرتدد باستهدائه إياهم يف ظلمة ال يتبني حقا من باطل‪ ،‬وأجهل جهال‪ ،‬وأسخف‬
‫عقال‪ ،‬وأسوأ حاال وأضل سبيال من يسمع من هؤالء اللكع بال دالئل‪ ،‬وال براهني‪ ،‬ويرد الحق‬
‫الذي صح عن أئمة املسلمني وأعالمهم األساطني‪ ،‬وكل منهم يدعي اتباع السنة واألثر وما‬
‫استطاع الصرب عىل أذية إمام "يراه جائرا"‪ ،‬مخالفني يف ذلك نهج األولني من الثقات‬
‫املعروفني العدول الصالحني يف التعامل مع الوالة والسالطني‪ ،‬وحسبك من ضاللهم‬
‫واختناث عقولهم ما يرمون به جماعة املسلمني كأنهم بمعزل عن ما رموها به‪ ،‬فالقعد‬
‫زعموا الوقوف ضد الظلم ‪ ،‬وإىل أمس كان غالب األمنيني تالمذة عند أصحابهم‪ ،‬وهم‬
‫أنفسهم قضاة ومحققون ومناصحون يف غياهب السجون‪ ،‬ثم الموا الدولة عىل أمر أخواتنا‬
‫الطاهرات ‪-‬فرج الله عنهن وحفظهن بعينه التي ال تنام ‪-‬وكلنا والله نالم وقد قرصنا يف‬
‫ريا ال يغفر‪ -‬و أصحابهم قد حققوا مع من رموهم بتهمة الخيانة ألجل رغبتهم‬ ‫حقهن تقص ً‬
‫بإخراجهن قبل أمد بعيد‪ ،‬و يا للعجب‪ ،‬ث َبَت "الخائن" ‪-‬وحاشاه‪ -‬مدافعا عن دينه وأرض‬
‫اإلسالم‪ ،‬وفر األمني وما هو باألمني ‪ ،‬والناس قد استفاض حديثهم عن أن املحقق الذي أفشل‬
‫(‪)2‬‬
‫خروج النساء هو أمري البحوث وصحبه‪ ،‬والله أعلم بالصواب‪.‬‬
‫فس ُد الكذَّاب الديريّ‬
‫وصنف وقتها املُ ِ‬
‫َ‬ ‫ثم هؤالء شيوخكم قد شاركوا ض ّد خروج الخوارج‪- ،‬‬
‫كتابه الذي حق له أن يسمى نصح الحمري يف الخروج عىل األمري‪ ،‬وقد وافق ّ‬
‫الحق يف مسألة‬
‫ثم عاد لنقض إجماع السلف َكما هي حاله دائمً ا وأن االعتزال هو الحل فال إمام للمسلمني‬
‫وال جماعة تماما كإخوانه الغري أشقاء من الخوارج الغالة‪ ،-‬و"الظالم" ال يُعان عىل‬
‫مقاال‪ ،‬وهذا ما خالفه "شيوخكم"‪ ،‬ثم خالفوا ما عليه السلف من عد ِم‬ ‫الخوارج ألن لهم ً‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم رقم‪.٤٨٢١ :‬‬


‫(‪ )2‬وقد بلغنا خربُ مقتل أبي أسماء التونيس مقبال غري مدبر يف الصفوف األمامية بالباغوز‪ ،‬نحسبه والله حسيبه‬
‫ممن ثبت وإن ظلم ورمي بالخيانة من قبل من أفشل خروج النساء‪.‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫ظلم وعوقب فوق ما تستحقه جنايته‪- ،‬فهم حسب‬ ‫تبليغ الوالة عىل املسلم املبتدع إذا ُ‬
‫الغاشمي قد شاركوا يف الظلم وبالتايل يستحقون نصيبا من لعناته‪.-‬‬
‫وقد ادعيتم "أيام الرخاء" أن أبا بكر إمام بويع بيعة عُ ظمى‪ ،‬ث َّم ما لبثتم أن جرحتموه‬
‫جرحً ا غري مفرس‪ ،‬وأندرتم وكدتم أن تقلبوا العربية ظهرها لبطنها إن جازت عليكم هذه‬
‫ً‬
‫تدليسا عىل الجهال‪ ،‬فقلتم‪ :‬ما أبو بكر بأحسن ممن انتكس قبله‪ ،‬ثم قلتموها‬ ‫املستحيالت‬
‫عن الحربي املدني بعد أن زعمتم أنه العالم الرباني‪ ،‬وكذلك فعلتم مع أبي العباس وغريه‪،‬‬
‫فيا سبحان الله‪ ،‬أينتكس كل هؤالء وال ينتكس بعض أصحابكم؟ ولقد رمتنا القعد بدائها‬
‫وانسلت‪ ،‬إذ قالت عنا أننا نحطم الرموز ونطمسها‪ ،‬وهم قد طمسوا وجرحوا أمة ألجل رجل‬
‫واحد فمن أوىل بها من مسبة؟ وال عجب‪ ،‬فهذا حال من جعلوا املقدم فيهم سلفعا خراجة‬
‫والجة‪ ،‬ونبذوا كتب السحب الثجاجة من علماء التابعني فمن تبعهم‪ ،‬وقد ردوا قبلها إجماع‬
‫علماء أهل النقل يف حرمة الخروج عىل الظالم لكالم أبي حنيفة الرأي الذي أجمع علماء‬
‫الجرح والتعديل عىل تجريحه‪ ،‬فهذا حال من ادعى ‪-‬وهو الكذوب‪-‬العلم بالسنة واألثر‪ ،‬فما‬
‫شمه وال شم ‪-‬بحق‪-‬رائحة الدليل وبهاء النظر‪ ،‬نعوذ بالله من الحور بعد الكور‪ ،‬ومن‬
‫الضالل بعد الحق‪.‬‬
‫ُاألرضُبحراُفزادنيُ*ُإىلُحزنيُأنُابح َرُاملرشبُالعذبُُ‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫وقدُعادُماء‬

‫وإني ماكنت أحبذ الحديث يف هذا األمر ‪-‬والله‪ -‬إال بعد أن عظمت فتنة القعد وإشهارهم‬
‫بني الصحب التناكر والتحاسد‪ ،‬والتدابر والتباعد‪ ،‬وحسبي ما قاله أبو زرعة الرازي‪" :‬كل‬
‫من لم يتكلم يف هذا الشأن عىل الديانة‪ ،‬فإنما يعطب نفسه‪ ،‬كل من كان بينه و بني إنسان‬
‫حقد أو بالء يجوز أن يذكره؟!؛ كان الثوري و مالك يتكلمون يف الشيوخ عىل الدين فنفذ‬
‫قولهم‪ ،‬ومن لم يتكلم فيهم عىل غري الديانة يرجع األمر عليه"‪ ،‬وأشهد الله أنه ليس بيني‬
‫ً‬
‫إنصافا إلبراهيم إمام املسلمني‬ ‫وبني صاحبهم تهمة وال خصومة شخصية‪ ،‬وإنما تحدثت‬
‫بعد أن رموه بكل إفك وبهتان وكذب ظاهر البطالن‪ ،‬وما أنا باملسلم إن تركت أخي يال ُك‬
‫عرضه ويستباح وبي قوة لإلجابة‪ ،‬وإن كان من يرار األيرار كما يزعم الضالون‪.‬‬
‫َ‬
‫دون البغي‬ ‫َ‬
‫االقتصاد واالعتدَال‬ ‫مبناها َ‬
‫عىل‬ ‫َ‬ ‫"أصل السنَّة‬
‫ْ‬ ‫قا َل شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واالعتداء"‬

‫(‪ )1‬مجمو ُع الفتاوى ‪٤/١٧٠‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫حق وبَاطل‪ ،‬فالوَ اجب موافقتهم فيمَ ا قالُوه من‬ ‫َ‬
‫طائفة منها معهَ ا ٌّ‬ ‫َّ‬
‫"فإن كل‬ ‫وقال ابن القيم‪:‬‬
‫عليه بهذه الطريق فقد فتحَ له من العلم‬ ‫الحق‪ ،‬ور ّد ماقالوه من البَاطل‪ ،‬ومن فتحَ الله ِ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫والدِّين كل باب‪ ،‬ويرس عليه فيهمَ ا األسباب‪ ،‬والله املستعَ ان"‬

‫تعمدت تجاوز ذكر كثري من األحداث والقصص‪ ،‬لغنى املسلمني يف وقتنا هذا‬ ‫ُ‬ ‫وليُع َلم أني‬
‫ويردت النساء وهؤالء القع ُد والغالة قتلهم الله‬‫عن الكالم والجدال وقد ت َكالبت علينا األمم ُ ّ‬
‫تعطيال‪ ،‬وإني أخَش عىل من يفضحُ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫وأهله ويعطلون الجهَ اد‬ ‫َ‬
‫يخذلون عن نرصة الدين‬
‫َ‬
‫يكون من املعينني عىل دمائهم‪ ،‬أعاذنا الله‬ ‫املسلمني وإن كانوا مبتدعة أو يلمح ألماكنهم أن‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫طاب ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬إىل النَّاس‪" :‬ع َلي ُكم أنفسكم‪ ،‬ومن‬ ‫كتبَ أمري املؤمنني عم ٌر بن الخ َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫البالء"‬ ‫ُ‬
‫فيفشوا في ُكم َ‬ ‫استَوجب التغيري فغريوا عليه‪ ،‬وال ّ‬
‫تعريوا أحدًا‬
‫الس َف ِر َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا عَ ْب ُد‬ ‫قال العقيَل‪ :‬حَ َّدثَنَا ا ْلهَ يْث َ ُم بْ ُن َخ َل ٍف َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا أَبُو عُ بَيْ َد َة بْ ُن أ َ ِبي َّ‬
‫وَق ْد َرآ ُه أَبُو عُ بَيْ َد َة‬ ‫صالِحً ا َ‬ ‫ان عَ بْدًا َ‬ ‫ال َّل ِه بْ ُن مُحَ مَّ ِد ب ِْن َسا ِل ٍم َقا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت ُر َشيْ َد ا ْل َخبَّا َز وَ َك َ‬
‫السن َّ ِة وَ َكا َن‬‫ان ُس ْفيَا ُن مُجَ ِاو ًرا ِبهَ ا ِت ْلكِ ُّ‬ ‫ي َُقو ُل‪َ :‬خ َرجْ ُت مَ َع مَ َوْاليَ إِ َىل مَ َّك َة َفجَ اوَ َر َسنَتَ ِئ ٍذ وَ َك َ‬
‫ات يَوْ ٍم جَ ا َء إِن ْ َسا ٌن َف َقا َل‬ ‫ان ذَ َ‬ ‫َّث عَ ن ْ َك وَأ َنَا مَ عَ هُ‪َ ،‬ف َلمَّ ا َك َ‬ ‫يش يَتَحَ د ُ‬ ‫مَ َوْاليَ يَ ُروحُ إ ِ َلي ِْه ِبا ْلعَ ِ ِّ‬
‫اف‪،‬‬ ‫طوَ ِ‬ ‫صال ٍِح َقا َل‪ :‬وَ أَي َْن ُهمَ ا؟ َقا َل‪ِ :‬يف ال َّ‬ ‫َان‪ :‬يَا أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه َق ِد َم ا ْليَوْ َم حَ َس ٌن وَ عَ َِل ٌّ ابْن َ ْى َ‬ ‫ل ُِس ْفي َ‬
‫َقا َل‪َ :‬ف ِإذَا مَ َّرا َفأ َ ِرين ِِهمَ ا‪َ ،‬قا َل‪َ :‬فمَ َّر أَحَ ُد ُهمَ ا َف َقا َل‪َ :‬هذَا عَ َِل ٌّ ث ُ َّم مَ َّر ْاْل َخ ُر َف َقا َل‪َ :‬هذَا حَ َس ٌن‬
‫صاحِ بُ َسي ٍْف َال يَمْ َأل ُ جَ َ‬
‫وْف ُه‬ ‫صاحِ بُ آخِ َرةٍ‪ ،‬وَ أَمَّ ا ْاْل َخ ُر يَعْ نِي حَ َسنًا َف َ‬ ‫األوَّ ُل َف َ‬‫َف َقا َل‪ُ :‬س ْفيَا ُن أَمَّ ا ْ َ‬
‫ان ِم َن ا ْل َغ ِد مَ َىض‬ ‫ان مَ عَ نَا َفذَ َهبَ إ ِ َىل عَ َِل ي َفأ َ ْخ َرب َُه‪َ ،‬ف َلمَّ ا َك َ‬ ‫يشءٌ‪َ ،‬قا َل‪َ :‬في َُقو ُم إ ِ َلي ِْه َر ُج ٌل ِممَّ ْن َك َ‬ ‫َ ْ‬
‫مَ َوْاليَ إ ِ َىل عَ َِل ي ي َُس ِّل ُم عَ َلي ِْه‪ ،‬وَجَ ا َء ُس ْفيَا ُن ي َُس ِّل ُم عَ َلي ِْه َف َقا َل َل ُه عَ َِلٌّ‪ :‬يَا أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه مَ ا حَ مَ َل َك عَ َىل‬
‫يش ي ُْؤ ِمنُكِ أ َ ْن تَبْلُ َغ َه ِذهِ ا ْل َكلِمَ ُة اب َْن أ َ ِبي جَ عْ َف ٍر َفيَبْعَ َث إ ِ َلي ِْه‬ ‫أ َ ْن ذَ َك ْر َت أَخِ ي أَمْ َس ِبمَ ا ذَ َك ْرتَهُ‪ ،‬إ ِ ْ‬
‫وَهمَ ْت عَ يْنَاهُ"‪.‬‬ ‫وَه َو ي َُقو ُل‪ :‬أ َ ْستَ ْغفِ ُر ال َّلهَ‪َ ،‬‬ ‫َان ُ‬‫ظ ْر ُت إ ِ َىل ُس ْفي َ‬ ‫َفي َْقتُلُهُ‪َ ،‬قا َل‪َ :‬فن َ َ‬

‫طريق الهجرتني ص‪٣٢٨/٣٢٧:‬‬‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫ُ‬
‫تاريخ الطربي‪ ،‬الجزء‪/٤:‬ص‪٩٧:‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪- 90 -‬‬
‫ولو لم يكن عندنا حُ جَّ ة للكالم يف هؤالء سوَى كال ُم املتأخرين لجبن َّا عن ذلك‪ ،‬ولكنها آثَار‬
‫تنطق بيننا وعنهُم استربأنا ويف هؤالء الفرق إخواننا وأصحابنا‪ ،‬غري أننا نقيم عليهم‬ ‫ُ‬ ‫التابعني‬
‫الحجة ابتغاء توبتهم‪.‬‬
‫األوزاعي أن يمد‬
‫ّ‬ ‫َقال أبو توبة‪ :‬حدثنا أصحابنا أن ً‬
‫ثورا لقي األوزاعي فم ّد يده إليه‪ ،‬فأبى‬
‫(‪)1‬‬
‫يده إليه‪ ،‬وقال‪" :‬يا ثَور‪ ،‬لو كانت الدنيا لكانت املقاربة‪ ،‬ولكنه الدِّين"‬

‫فصل‬

‫ِيث ا ْل َك َال َم‬ ‫ض مَ ْن َال ي َْفهَ ُم عَ َىل أ َ ْه ِل ا ْلحَ د ِ‬ ‫وَق ْد عَ ابَ بَعْ ُ‬ ‫الرتمذيّ ‪-‬رحمه الله‪َ :-‬‬ ‫يىس ِّ‬ ‫َقال أبو عِ َ‬
‫ال ِمنْهُ ُم ا ْلحَ َس ُن‬ ‫الرجَ ِ‬ ‫ني َق ْد تَ َك َّلمُوا ِيف ِّ‬ ‫ري وَ احِ ٍد ِم َن ْ َ‬
‫األئِمَّ ِة ِم َن التَّا ِبعِ َ‬ ‫وَق ْد وَجَ ْدنَا َغ ْ َ‬‫ال ‪َ ،‬‬ ‫الرجَ ِ‬ ‫ِيف ِّ‬
‫يب ‪،‬‬ ‫ط ْل ِق ب ِْن حَ ِب ٍ‬ ‫َري ِيف َ‬ ‫اوُس ‪ ،‬تَ َك َّلمَ ا ِيف مَ عْ بَ ٍد ا ْلجُ هَ ن ِِّي ‪ ،‬وَ تَ َك َّل َم َسعِ ي ُد بْ ُن جُ ب ْ ٍ‬ ‫ط ٌ‬ ‫َرصيُّ ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ا ْلب ْ ِ‬
‫األعْ وَ ِر ‪ ،‬وَ َه َكذَا ُر ِويَ عَ ْن أَيُّوبَ‬ ‫الشعْ ِب ُّي ‪ِ ،‬يف ا ْلحَ ِار ِث ْ َ‬ ‫وَ تَ َك َّل َم إِب َْراهِ ي ُم الن َّ َخعِ ُّي ‪ ،‬وَ عَ ِام ٌر َّ‬
‫وْريِّ‬ ‫وَس ْفي َ‬
‫َان الث َّ ِ‬ ‫اج ‪ُ ،‬‬ ‫وَشعْ ب ََة ب ِْن ا ْلحَ جَّ ِ‬‫ان التَّي ِْم ِّي ‪ُ ،‬‬ ‫وَس َليْمَ َ‬ ‫وْن ‪ُ ،‬‬ ‫الس ْخ ِتيَان ِِّي ‪ ،‬وَ عَ بْ ِد ال َّل ِه ب ِْن عَ ٍ‬ ‫َّ‬
‫وْزاعِ ِّي ‪ ،‬وَ عَ بْ ِد ال َّل ِه ب ِْن ا ْل ُمب ََاركِ ‪ ،‬وَ يَحْ يَى ب ِْن َسعِ ي ٍد ا ْل َق َّ‬ ‫‪ ،‬وَمَ الِكِ ب ِْن أَن َ ٍس ‪ ،‬وَ ْ َ‬
‫األ َ‬
‫يع‬‫ان ‪ ،‬وَ وَ ِك ِ‬ ‫ط ِ‬
‫ال‬ ‫الرجَ ِ‬ ‫الرحْ مَ ِن ب ِْن مَ هْ دِ يي ‪ ،‬وَ َغ ْ ِريهِ ْم ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْلعِ ْل ِم ‪ ،‬أَنَّهُ ْم تَ َك َّلمُوا ِيف ِّ‬ ‫اح ‪ ،‬وَ عَ بْ ِد َّ‬ ‫ب ِْن ا ْلجَ َّر ِ‬
‫ظ ُّن ِب ِه ْم أَنَّهُ ْم‬ ‫ني َال يُ َ‬ ‫وَضعَّ ُفوا ‪َ ،‬وإِنَّمَ ا حَ مَ َلهُ ْم عَ َىل ذَ ِل َك عِ ن ْ َدنَا وَ ال َّل ُه أَعْ َل ُم الن َّ ِصيحَ ُة ِل ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫َ‬
‫ف َه ُؤَال ِء ِل َك ْي يُعْ َر ُفوا ‪،‬‬ ‫ضعْ َ‬ ‫اس أ َ ِو ا ْلغِ يب ََة ‪ ،‬إِنَّمَ ا أ َ َرادُوا عِ ن ْ َدنَا أ َ ْن يُبَيِّنُوا َ‬‫طعْ َن عَ َىل الن َّ ِ‬ ‫أ َ َرادُوا ا ْل َ‬
‫ِيث ‪ ،‬وَ بَعْ َضهُ ْم‬ ‫ان ُمتَّهَ مً ا ِيف ا ْلحَ د ِ‬ ‫صاحِ بَ ِبدْعَ ٍة ‪ ،‬وَ بَعْ َضهُ ْم َك َ‬ ‫ضعِّ ُفوا َكا َن َ‬ ‫ِين ُ‬ ‫ِ َأل َّن بَعْ َض ا َّلذ َ‬
‫ين‬ ‫األئِمَّ ُة أ َ ْن يُبَيِّنُوا أَحْ وَ ا َلهُ ْم َش َف َق ًة عَ َىل ال ِّد ِ‬ ‫ط ٍإ ‪َ ،‬فأ َ َرا َد َه ُؤَال ِء ْ َ‬‫صحَ ابَ َغ ْف َل ٍة وَ َكث ْ َر ِة َخ َ‬ ‫َكانُوا أ َ ْ‬
‫ال ‪.‬‬ ‫وق وَ ْ َ‬
‫األمْ وَ ِ‬ ‫الشهَ ا َد ِة ِيف ا ْلحُ ُق ِ‬ ‫ِّين أَحَ ُّق أ َ ْن يُتَثَب ََّت فِ يهَ ا ِم َن َّ‬ ‫الشهَ ا َد َة ِيف الد ِ‬ ‫وَ تَث ْ ِبيتًا ِ َأل َّن َّ‬

‫طا ُن ‪ ،‬حَ َّدثَنِي أ َ ِبي ‪،‬‬‫ربنِي مُحَ مَّ ُد بْ ُن إِ ْسمَ اعِ يل حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد ْب ُن يَحْ يَى ب ِْن َسعِ ي ٍد ا ْل َق َّ‬ ‫َقا َل ‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫الرجُ ِل تَ ُكو ُن‬‫َان ب َْن عُ يَيْن َ َة عَ ِن َّ‬ ‫وَشعْ ب ََة ‪ ،‬وَمَ ا ِل َك ب َْن أَن َ ٍس ‪ُ ،‬‬
‫وَس ْفي َ‬ ‫وْريَّ ‪ُ ،‬‬ ‫َقا َل ‪َ :‬سأ َ ْل ُت ُس ْفي َ‬
‫َان الث َّ ِ‬
‫َني ؟ َقالُوا ‪ :‬ب َِّني‪.‬‬
‫ْ (‪)2‬‬ ‫ف أ َ ْس ُك ُت ‪ ،‬أ َ ْو أ ُب ِّ ُ‬
‫ضعْ ٌ‬ ‫فِ ِيه تُهْ مَ ٌة ‪ ،‬أ َ ْو َ‬

‫(‪ )1‬السري ‪٣٤٤/١١‬‬


‫(‪ )2‬العلل للرتمذي‪.‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫تقبل‬ ‫ني مَ ن ْ‬ ‫طعن ِيف ُروَ اة حُ َّفاظ الحَ ديث َ‬
‫وال التَّمْ ييز بَ َ‬ ‫ني ال َّ‬ ‫"وال َف َ‬
‫رق ب َ‬ ‫وَقال اب ُن رجَ ب‪َ :‬‬
‫طأ ِيف َفهم معَ اني الكتَاب والسنَّة وتأوَّ َل‬ ‫طأ مَ ن أخ َ‬ ‫روَ ايتُه منهُ م ومَ ن َال تقبَل‪ ،‬وَ بَني تب ِيني خ َ‬
‫طأ فيه‪،‬‬ ‫يتمسك به ليُحذِّر من االقتدَاء به فيمَ ا أخ َ‬ ‫َّ‬ ‫وتمسك بمَ ا َال‬ ‫َّ‬ ‫عىل َغري تأويل ِه‬‫شيئًا منهَ ا َ‬
‫الرشعية‬ ‫نجد يف كت ِبهم املصنَّفة ِيف أنوَ اع العلُوم َّ‬
‫يضا‪ .‬ولهَ ذَا ِ‬ ‫عىل جَ واز ذَلك أ ً‬ ‫َ‬
‫وقد أجمَ ع الع َلماء َ‬
‫ظرات ور ِّد‬ ‫وغري ذَلك ممْ تلئة باملنا َ‬ ‫واختالف العلمَ اء َ‬
‫َ‬ ‫ويروح الحَ ديث والفقه‬ ‫التفسري ُ ُ‬ ‫ِمن ْ‬
‫الصحابة والتَّابعني ومَ ن بعدَهم‪ .‬و َلم‬ ‫والخلف من َّ‬ ‫السلف َ‬ ‫ف ْأقوَ اله من أئِمة َّ‬ ‫ْأقوال من تُ َضعَّ ُ‬
‫نقصا‬ ‫أهل العل ِم وال ادَّعَ ى فيه طعنًا عَ ىل مَ ن ر َّد عليه قو َله وال ذمَّ ا وال ً‬ ‫يرتُك ذ ِل َك أحَ د من ْ‬
‫العبارة فيُن َكر ع َليه‬
‫َ‬ ‫ال َّلهم َّإال أن يكون املصنِّف ممن يُفحش يف َ‬
‫الكالم ويُيس ُء األدَب يف‬
‫الرشعية واألدِ لة املعْ تربة‪ .‬وسببُ‬ ‫إقامة للحجَ ج َّ‬
‫ً‬ ‫دون أصل ردِّه ومخا َلفته‪،‬‬ ‫فحاشته وإساءَته َ‬ ‫َ‬
‫رسول ُه ﷺ‬‫بعث الله به ُ‬ ‫الحق الذي َ‬‫ِّ‬ ‫قصد إظهَ ار‬‫ذ َلك أ َّن علمَ اء الدِّين ك ُّلهم مجمعُ ون عىل ْ‬
‫بأن اإلحا َ‬
‫طة بالعلم‬ ‫رتفون َّ‬ ‫وألن يكون الدِّين كله لله وأن ت ُكون كلمته هي العليَا‪ ،‬وك ُّلهم معْ ُ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬
‫من‬ ‫ك ِّله من غري شذُوذ يشء منه ليْس هو مرتبة أحَ د منهُ م وال ادَّعاه أح ٌد من َ‬
‫املتقدمني َ‬
‫وفضلهم يقبَلُون الحَ ق ممَّ ن أوردَه‬ ‫علمهم َ‬
‫ِ‬ ‫املتَأخ ِّرين فلهذَا كان أئمّ ة الس َلف املجمَ ع عىل‬
‫ظهر يف َغري‬ ‫الحق إذا َ‬
‫ِّ‬ ‫ُوصون أصحَ ابهم وأتْبَاعهم بقبُول‬ ‫ع َليهم وإن َكان صغريًا وي ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫قولهم"‪.‬‬
‫ِ‬

‫ُ‬
‫وقلت‬ ‫مسهر‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫سمعت أبَا‬ ‫الهروي َقال‪ :‬ثَنا أبو ُزرعَ ة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫وَ عَ ن ابن أبي حاتم بإسنَاده َ‬
‫إىل ش ْكر‬
‫أترى ذلك من الغِ يبة؟ َق َ‬
‫ال‪:‬ال‪.‬‬ ‫له‪َ :‬‬

‫الرتمذيِّ َقال‪َ :‬‬


‫أخربني محمَّ د ب ُن إسمَ اعيل البخاريّ ‪ ،‬ثنَا محم ٌد بن يَحيَى ب ُن َسعيد‪:‬‬ ‫وعَ ن ّ‬
‫الرجل يَ ُكون فِ يه تُهمة أو‬
‫وَسفيان بن عُ يَينة‪ ،‬ومال ًكا عن ّ‬ ‫ألت ُشعبَة‪ُ ،‬‬
‫ألت أ ِبي‪َ ،‬قال‪َ :‬س ُ‬‫َس ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ضعف‪ ،‬أس ُكت أم أُبَ ّني؟ قالوا جميعً ا‪ّ :‬‬
‫بني أمره‬ ‫ُ‬

‫الفرق بني النّصيحة والتّع ِيري‪.‬‬


‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم يف الجرح والتعديل ‪.٢/٢٤‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫الضعفاء؛ حَ َّدثَنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن إ ِ ْسمَ اعِ ي َل َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا ا ْلحَ َس ُن ْب ُن عَ َِل ي َقا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا‬ ‫َ‬ ‫وقال َ‬
‫العقيَل يف‬
‫يع َشيْئًا ِم ْن أَمْ ِر ا ْلفِ تَ ِن َف َقا َل‪ :‬ذَا َك‬ ‫َاط عَ ْن وَ ِك ٍ‬ ‫ف ب ِْن أ َ ْسب ٍ‬ ‫ُوس َ‬‫الْضا ُء َقا َل‪ :‬حَ َكي ُْت ِلي ُ‬ ‫صال ٍِح َّ َّ‬ ‫أَبُو َ‬
‫ون َه ِذهِ غِ يب ٌَة؟‬ ‫اف أ َ ْن تَ ُك َ‬ ‫ف‪ :‬أَمَ ا تَ َخ ُ‬ ‫ُوس َ‬‫ي ُْش ِب ُه أ ُ ْستَاذَ ُه يَعْ نِي ا ْلحَ َس َن ب َْن حُ ي يَي َقا َل ْت‪ُ :‬ق ْل ُت ِلي ُ‬
‫اس أ َ ْن يَعْ مَ لُوا ِبمَ ا أَحْ َدثُوا‬ ‫َف َقا َل‪ِ :‬ل َم يَا أَحْ مَ ُق‪ ،‬أَنَا َخ ْريٌ لِهَ ُؤَال ِء ِم ْن أُمَّ هَ ات ِِه ْم وَ آبَائ ِِهمْ‪ ،‬أَنَا أَن ْ ِهي الن َّ َ‬
‫ْض عَ َلي ِْهمْ‪.‬‬‫ان أ َ َ َّ‬‫اه ْم َك َ‬ ‫ط َر ُ‬‫وْزا ُر ُهمْ‪ ،‬وَمَ ْن أ َ ْ‬
‫َفتَ ِبعَ تْهُ ْم أ َ َ‬

‫وكال العصبتني –القعد والغالة‪ -‬يف هذا الباب عىل ضالل يعجب املسلم منه‪ ،‬فلو تكلمنا‬
‫فيما أخطأ فيه شيخنا أبو همام البنعَل أو عمر القحطاني‪-‬تقبلهم الله‪ ، -‬قالت القعد‪ :‬هذا‬
‫طعن بهم وما أنتم بأعلم منهم‪ ،‬والحق أنهم ليسوا بشيوخ لهم‪ ،‬بل هم أعداء لهم‪ ،‬مخالفون‬
‫لهم يف األصول والفروع‪.‬‬

‫ربنَا مُحَ مَّ ُد بْ ُن عَ َِل ي ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬حَ َّدثَنَا أَبُو بَ ْك ٍر األَث ْ َر ُم ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬س ِمعْ ُت أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه‬ ‫قال الخالل‪ :‬وَ أ َ ْخ َ َ‬
‫ِين جَ ا َء عَ ِن الن َّ ِب ِّي ﷺ أَنَّهُ ْم ِيف ا ْلجَ ن َّ ِة ‪َ ،‬ف َقا َل أَبُو‬ ‫ان ‪َ ،‬فذَ َك ُروا َّ‬
‫الشهَ ا َد َة ِل َّلذ َ‬ ‫َاب عَ َّف َ‬ ‫وَ نَحْ ُن عَ َىل ب ِ‬
‫ري ٍة ‪ ،‬وَاحْ تُجَّ عَ َلي ِْه‬ ‫ظ ا ْل َقوْ َل عَ َىل مَ ْن َل ْم ي َْشهَ ْد ‪ ،‬وَ احْ تَجَّ ِبأ َ ْشيَا َء َك ِث َ‬ ‫عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪ :‬نَعَ ْم ن َ ْشهَ ُد ‪ ،‬وَ َغلَّ َ‬
‫يث ‪ ،‬وَ احْ تُجَّ عَ لَي ِْه ِب َقوْ ِل عَ بْ ِد‬
‫األحَ ادِ َ‬ ‫ف َه ِذهِ َ‬ ‫ِبأ َ ْشيَا َء َف َغ ِضبَ حَ تَّى َقا َل ‪ِ :‬صبْيَا ٌن نَحْ ُن َلي َْس نَعْ ِر ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫يث‪.‬‬‫األحَ ادِ ِ‬‫الرحْ مَ ِن بْ ُن مَ هْ دِ يي مَ ْن ُه َو ؟ أ َيْ مَ َع َه ِذهِ َ‬ ‫الرحْ مَ ِن ب ِْن مَ هْ دِ يي ‪َ ،‬ف َقا َل ‪ ،‬عَ بْ ُد َّ‬ ‫َّ‬

‫"وقال محَ مَّ د ب ُن َزيد املستَمْ َل َسأ َل أحم َد رجُ ٌل َفقال أكتُب كتبَ الرأي؟ َقال‬
‫قا َل اب ُن القيِّم‪َ :‬‬
‫ابن املبارك َقد كتبَها فقا َل له أحم ٌد اب ُن‬
‫إن َ‬ ‫السائل َّ‬ ‫تفعل ع َليك بالحَ ديث واْلثار َ‬
‫فقال له َّ‬ ‫َال ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫نأخذ الع ْل َم من َفوق"‪.‬‬
‫السماء إنمَ ا أمرنا أن ُ‬ ‫ينزل من َّ‬
‫املبارك ل ْم ِ‬

‫(‪ )1‬كتاب السنة للخالل رقم‪٤٨٥ :‬‬


‫(‪ )2‬الطرق الحكمية ‪٤٠١/١‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫ني‪ ،‬وَ ذَ َك َر إِب َْراهِ يْم بن أ َ ِبي ال َّليْث‪ ،‬فذكر منه َشيْئًا لم‬ ‫وَس ِمعْ ُت يَحْ يَى بن مَ عِ ْ ٍ‬ ‫قال ابن محرز‪َ :‬‬
‫ِف إليه وَ يَ ْكتُبُ عَ نْهُ؟ َف َقا َل‪ :‬لو اختلف‬ ‫فق ْل ُت َلهُ‪ :‬يا أَبَا َز َك ِريَّا إن أَحْ مَ د بن حَ نْبَل ي َْختَل ُ‬
‫أحفظه‪ُ .‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ان إال َكذَّابًا‪.‬‬ ‫صور بن ا ْل ُمعْ تَ ِمر ما َك َ‬ ‫إليه ثمانون كلهم مثل مَ ن ْ ُ‬

‫قال ابن أبي َخيثمة حَ َّدثَنا أَحْ مَ ُد بْ ُن يُون ُ َس‪َ ،‬قا َل‪ :‬حَ َّدثَنَا ابن أبي ذئب‪ ،‬عَ ِن ُّ‬
‫الز ْه ِريّ ‪َ ،‬قا َل‪ :‬ما‬
‫(‪)2‬‬
‫رأيت قومً ا أشب َه بالنصارى من السائبة‪.‬‬ ‫أهل مَ َّكة‪ ،‬وال ُ‬ ‫عرى اإلسالم من ْ‬ ‫َ‬
‫أنقض ل َ‬ ‫رأيت قوما‬
‫قال تقي الدين ابن تيمية رحمه الله‪" :‬وإذا قيل لهذا املستهدي املسرتشد ‪ :‬أنت أعلم أم‬
‫اإلمام الفالني ؟ كانت هذه معارضة فاسدة ؛ ألن اإلمام الفالني قد خالفه يف هذه املسألة‬
‫من هو نظريه من األئمة ولست أعلم من هذا وال هذا ولكن نسبة هؤالء إىل األئمة كنسبة أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان وعَل وابن مسعود وأبي ومعاذ ونحوهم إىل األئمة وغريهم فكما أن هؤالء‬
‫الصحابة بعضهم لبعض أكفاء يف موارد النزاع ؛ وإذا تنازعوا يف يشء ردوا ما تنازعوا فيه‬
‫إىل الله والرسول وإن كان بعضهم قد يكون أعلم يف مواضع أخر ‪ :‬فكذلك موارد النزاع بني‬
‫األئمة وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود يف مسألة تيمم الجنب وأخذوا بقول من هو‬
‫دونهما كأبي موَس األشعري وغريه ملا احتج بالكتاب والسنة وتركوا قول عمر يف دية‬
‫األصابع وأخذوا بقول معاوية ملا كان معه من السنة أن النبي ﷺ قال ‪ " :‬هذه وهذه سواء‬
‫" ‪ .‬وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس يف املتعة فقال له ‪ :‬قال أبو بكر وعمر فقال ابن‬
‫عباس ‪ :‬يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله ﷺ وتقولون قال‬
‫أبو بكر وعمر ؟ ‪.‬وكذلك ابن عمر ملا سألوه عنها فأمر بها فعارضوا بقول عمر فتبني لهم‬
‫أن عمر لم يرد ما يقولونه فألحوا عليه فقال لهم ‪ :‬أمر رسول الله ﷺ أحق أن يتبع أم أمر‬
‫عمر ؟ مع علم الناس أن أبا بكر وعمر أعلم ممن هو فوق ابن عمر وابن عباس ‪ .‬ولو فتح‬
‫هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله ويبقى كل إمام يف أتباعه بمنزلة النبي‬
‫ﷺ يف أمته وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى يف قوله ‪ { :‬اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابا من دون الله واملسيح ابن مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها واحدا ال إله إال‬
‫(‪)3‬‬
‫هو سبحانه عما يرشكون } والله سبحانه وتعاىل أعلم والحمد لله وحده"‬

‫(‪ )1‬تاريخ ابن محرز ‪٣٦٦/‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ ابن أبي خيثمة‪٢٧٤٧/‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى ‪٢١٥/٢٠‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫ومن ذلك مخالفة شيخنا أبي همام إجماع السلف يف مس املحدث للمصحف وترجيحه كالم‬
‫أهل الظاهر‪ .‬قال البنعَل ‪-‬تقبله الله‪" :-‬يقول ‪-‬يريد السائل‪ :-‬يف مسألة مس املصحف‬
‫للمحدث أو الجنب‪ ،‬والخالف يف ذلك‪.‬فنقول‪ :‬لقد اختلف أهل العلم رحمهم الله يف مس‬
‫املصحف ملن كان عىل حدث أصغر أو أكرب‪ ،‬فذهب جمهور العلماء ومنهم األئمة األربعة إىل‬
‫تحريم ذلك‪ ،‬وذهب البعض إىل جواز ذلك وهم الظاهرية كابن حزم ومن قال بقوله وهو‬
‫الراجح بإذن الله تعاىل‪ ،‬غري أنه لقول الجمهور هيبة ومكانة وقوة‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪{ :‬ال‬
‫يمسه إال املطهرون}‪ ،‬ويرد عليهم بأن الله تعاىل قال املطهرون ولم يقل املتطهرون‪ ،‬واملراد‬
‫بذلك اللوح املحفوظ وال يمسه إال املالئكة املتطهرون‪ ،‬فإن قيل املصحف فاملسلم املوحد‬
‫ليس بنجس بل يف كل أحواله طاهر‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إنما املرشكون نجس}‪ ،‬فاملسلم طاهر‬
‫ويجوز له مس املصحف ولكن كما أسلفنا فهذا القول لم يقل به إال الظاهرية وبعض‬
‫األئمة‪ ،‬فإشهار هذا القول قد يؤدي ملفسدة"‪.‬‬

‫َ‬
‫الذين تدو ُر عليهم الفتوىٰ ‪-‬و عىل ٰ أصحابهم‪-‬‬ ‫األمصـار‬
‫ِ‬ ‫قـال ابن عب ِد الرب‪" ّ:‬أجم َع فقها ُء‬
‫طاه ُر"‪.‬‬‫يمس ُه َّإال ال َّ‬ ‫َ‬
‫املصحف ال ُّ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫وروى األثرم والدارقطني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن‬
‫النبي ﷺ كتب إىل أهل اليمن كتابا وكان فيه ال يمس القران إال طاهر‪.‬‬

‫ثم تجد هؤالء القعد ينكرون عىل اإلمام ونوابه مسائل لهم فيها سلف وحجة من كالم علماء‬
‫أهل النقل والعلم بالحديث ‪-‬خالفا ملا قام به الشيخ تركي ومثله الشيخ عمر القحطاني‬
‫وهو كثري‪ -‬مع أن سرية العلماء يف نصح والتهم واإلنكار عليهم مخالفة لطريقتهم يف اإلنكار‬
‫عىل العلماء‪ ،‬وانظر رسالة أبي الفضل إسحق العلثي إىل ابن الجوزي ثم انظر كالم من‬
‫تكلم منهم مع الوالة تجد فرقا كبريا‪ ،‬والقعد يأنفون من تخطئة شيوخهم‪ ،‬ولو قال قائل‪:‬‬
‫"كاد شيخكم الفالني الدين لـمّ ا أثنى عىل املبتدعة" لهموا به ولوثبوا عليه‪ ،‬وإن كنا نقول‪،‬‬
‫أن من طلب العلم بعد معرفته باملنهج عالة عىل البنعَل‪ ،‬كما أن كل مسلم أسلم بسبب‬
‫أعمال الفرقان أو هاجر فهو عالة عليه رحمهما الله وغفر لهما‪.‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫ومما يقارب هذه الحوادث ويدانيها‪ ،‬ويناسبها ويضاهيها‪ ،‬إكفار الغالة أهل السنة لذكرهم‬
‫محاسن شيوخنا بسجون الجزيرة ومن قتل بالدولة ‪،‬مع أن الغالة ما عرفوا اإلسالم إال عن‬
‫طريق هؤالء‪ ،‬وال أدري ماكان القعد والغالة سيقولون البن معني ملا غضب من كالم إمام‬
‫الشام الفزاري أبي إسحاق يف وكيع‪ ،‬وأحمد يف الكرابييس بسبب وضعه عىل األعمش وغريه‬
‫وتتبع زالتهم‪.‬‬

‫فصلُ‬

‫ِيف ذ ْك ِر َقواع َد مهمَّ ات ب َ‬


‫ُني عليهَ ا الكتاب‬
‫بأثر ْ‬
‫فافعَ ل"‪.‬‬ ‫َقال ُسفيا ٌن الثّوري‪َ " :‬لو است َ‬
‫طعت حَ ّك رأس َك ٍ‬
‫الصفات‪" :‬أمَّ ا نحْ ُن فقد أخذنَا ديننَا عن‬ ‫وردّهم أحَ َ‬
‫اديث ِّ‬ ‫َ‬
‫وَقا َل يريك َّملا سئ َل عن املعْ تَزلة َ‬
‫(‪)1‬‬
‫صحابَة َر ُسول الله ﷺ ‪ ،‬فهُ م عمَّ ن أخذوا؟‬ ‫التَّابعني‪ ،‬عَ ن َ‬
‫وليس أمر ينزل باملسلم إال وشبيهه قد وقع زمن صحابة رسول الله ﷺ ‪ ،‬لهذا عمدت إىل‬
‫كتب التاريخ الخاصة بزمن صحابة رسول الله ﷺ ابتغاء سرب األخبار واستخراج العرب‬
‫مما وافق حجج هؤالء القوم ردا عليهم بما رد عىل األولني‪ ،‬فإن اسطاعوا الرد عىل الصحابة‪،‬‬
‫ازدادت فرقتهم اعوجاجا وازداد أهل السنة املوحدين بمخالفتهم ابتهاجا‪ ،‬وإن كان األصل‬
‫الكف عما شجر بني الصحابة إال أن سري األولني والتعلم من زالتهم رساج للتابعني‪.‬‬

‫ربنَا أَبُو َب ْك ٍر ا ْلمَ ُّروذِيُّ ‪َ ،‬قا َل‪َ :‬س ِمعْ ُت أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه‪ ،‬ي َُقو ُل‪ :‬إ ِ َّن َقوْ مً ا يَ ْكتُب َ‬
‫ُون‬ ‫الخالل‪ ،‬أ َ ْخ َ َ‬‫َّ‬ ‫روى‬
‫وَق ْد حَ َكوْ ا عَ ن ْ َك أَن َّ َك ُق ْل ُت‪ :‬أَنَا َال أُن ْ ِك ُر أ َ ْن‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ ‪َ ،‬‬ ‫اب َر ُس ِ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫الردِ يئَ َة ِيف أ َ ْ‬‫يث َّ‬ ‫األحَ ادِ َ‬ ‫َه ِذهِ ْ َ‬
‫وَقا َل‪" :‬‬ ‫يث يَعْ ِر ُفهَ ا‪َ ،‬ف َغ ِضبَ وَ أَن ْ َك َر ُه إِن ْ َك ًارا َشدِ يدًا‪َ ،‬‬ ‫ِيث يَ ْكتُبُ َه ِذهِ ْ َ‬
‫األحَ ادِ َ‬ ‫صاحِ بُ حَ د ٍ‬ ‫ون َ‬ ‫يَ ُك َ‬
‫اب مُحَ مَّ دٍ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫ْف ِيف أ َ ْ‬‫اس َ َألن ْ َك ْرتُهُ‪َ ،‬كي َ‬ ‫ان َهذَا ِيف أ َ ْفنَا ِء الن َّ ِ‬‫َاط ٌل‪ ،‬مَ عَ اذَ ال َّل ِه‪ ،‬أَنَا َال أُن ْ ِك ُر َهذَا‪َ ،‬ل ْو َك َ‬
‫ب ِ‬
‫يث "‪ُ ،‬ق ْل ُت ِ َأل ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه‪َ :‬فمَ ْن عَ َر ْفتَ ُه يَ ْكتُبُ َهذِهِ‬ ‫وَقا َل‪ :‬أَنَا َل ُم أ َ ْكتُبْ َهذِهِ ْ َ‬
‫األحَ ادِ َ‬ ‫ﷺ‪َ ،‬‬
‫الردِ يئَ ِة‬ ‫يث َّ‬ ‫األحَ ادِ ِ‬ ‫صاحِ بُ َهذِهِ ْ َ‬ ‫الردِ يئَ َة وَ يَجْ مَ عُ هَ ا أَيُهْ جَ ُر؟ َقا َل‪« :‬نَعَ مْ‪ ،‬ي َْستَأْهِ ُل َ‬ ‫يث َّ‬ ‫األحَ ادِ َ‬ ‫َْ‬
‫صال ٍِح‪َ ،‬ف ُق ْل ُت َلهُ‪ :‬تُحَ د ُ‬
‫ِّث ِبهَ ذِهِ‬ ‫الرحْ مَ ِن بْ ُن َ‬ ‫وَقا َل أَبُو عَ بْ ِد ال َّل ِه‪ :‬جَ ا َءنِي عَ بْ ُد َّ‬ ‫الرجْ َم» ‪َ ،‬‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬روا ُه عبد الله بن أحم َد يف السنّة‪.‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫َّث ِبهَ ا ُف َال ٌن‪ ،‬وَ أَنَا أ َ ْر ُف ُق ِب ِه‪ُ ،‬‬
‫وَه َو يَحْ تَجُّ ‪،‬‬ ‫َّث ِبهَ ا ُف َال ٌن‪ ،‬وَحَ د َ‬
‫يث؟ َفجَ عَ َل ي َُقو ُل‪َ :‬ق ْد حَ د َ‬ ‫األحَ ادِ ِ‬ ‫َْ‬
‫ض ُت عَ ن ْ ُه وَ َل ْم أ ُ َك ِّلمْ هُ"‪.‬‬
‫َف َرأَيْتُ ُه بَعْ ُد َفأَعْ َر ْ‬

‫وَسأ َ َل ُه عَ ِن‬
‫ني َقا َل‪ :‬ثَنَا َب ْك ُر ْب ُن مُحَ مَّ دٍ ‪ ،‬عَ ْن أ َ ِب ِيه‪ ،‬عَ ْن أ َ ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه‪َ ،‬‬ ‫وَ َكتَبَ إ ِ َيل َّ أَحْ مَ ُد ْب ُن ا ْل َ‬
‫حُس ْ ِ‬
‫يه َكمَ ا َس ِمعْ تُهُ؟‬ ‫يشءٌ‪ ،‬ي َُقو ُل‪ :‬أ َ ْر ِو ِ‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ َ ْ‬ ‫اب َر ُس ِ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫ِيث فِ ِيه عَ َىل أ َ ْ‬
‫الرجُ ِل ي َْر ِوي ا ْلحَ د َ‬ ‫َّ‬
‫يشءٌ‪َ ،‬قا َل‪:‬‬ ‫ول ال َّل ِه ﷺ َ ْ‬ ‫اب َر ُس ِ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫الرجُ ُل حَ دِيثًا فِ ِيه عَ َىل أ َ ْ‬ ‫َقا َل‪ " :‬مَ ا يُعْ ِجبُنِي أ َ ْن ي َْر ِويَ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫يشءٌ"‪.‬‬ ‫ول ال َّل ِه ﷺ َ ْ‬ ‫اب َر ُس ِ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫يث ِممَّ ا فِ ِيه عَ َىل أ َ ْ‬ ‫ْضبُ عَ َىل َغ ْ ِ‬
‫ري حَ دِ ٍ‬ ‫َوإِنِّي َ ُأل ْ ِ‬

‫الرصيحة ُهو من ًهذا البَاب ‪-‬الكذب‪ -‬يَرويها‬ ‫املنقول ِمن ا َملطاعن َّ‬ ‫َقا َل ابن تَيمية‪" :‬وَ أكث ُر ُ‬
‫هشام بن محمَ د بن‬‫بن يحيَى ومثل َ‬ ‫مخنف لُوط ِ‬
‫ٍ‬ ‫الكذَّابُون ا َملع ُر ُ‬
‫وفون بال َكذب ِمث َل‪ :‬أ ِبي‬
‫استشهد هذَا الرافيضُّ بمَ ا صنَّفه َ‬
‫هشام الكلبي‬ ‫ْ‬ ‫السائب الكلبي وأمثالهمَ ا من الكذَّابني ولهَ ذا‬ ‫َ‬
‫يروي عَ ن أبيه وعَ ن أبي ُمخنف َ‬
‫وكالهما مرتُوك‬ ‫شيعي ْ‬‫ٌّ‬ ‫ِيف ذَلك وه َو من أكذَب النَّاس وه َو‬
‫(‪)2‬‬
‫كذَّاب"‬

‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬السنة للخالل‪ ،‬رقم‪٨٠٠-٧٩٩ :‬‬


‫(‪ )2‬منهاج السنة ‪٨١/٥‬‬

‫‪- 97 -‬‬
‫بابُُ‬
‫ُذكرُاألسبَابُالتيُنقمواُبهاُعىلُالخليفةُالبغداديّ ُوَ عُمَُّالهُ‬
‫ِف ِ‬

‫بقادر وال أهل فوجب عزله"‬


‫ٍ‬ ‫قالوا‪" :‬ليس الخليفة‬
‫فيُقال‪ :‬هذا من أعظم املسبَّة ملن زعمتم أنهم شيوخكم‪ ،‬وطع ٌن كبري بهم‪ ،‬فإما أنهم داهنوا‬
‫أقروا عىل باطل وخدعوا املسلمني‪ ،‬فلهم ضعف العذاب‬‫الظلمة وكانوا من أعوانهم‪ ،‬أو أنهم ُّ‬
‫بما اقرتفوا‪.‬‬
‫قال صاحب الرياض النْضة يف تأخر بيعة عَل ّ ‪-‬ريض الله عنه‪" : -‬وهذا التأويل مما يجب‬
‫اعتقاده‪،‬ويتعني املصري إليه ألنه ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬إما أن يعتقد صحة خالفة أبي بكر مع‬
‫ً‬
‫عدوال عن‬ ‫أحقيته‪ ،‬فيكون تخلفه عن البيعة ومفارقة الجماعة ونزع ربقة الطاعة‬
‫الحق‪،‬وماذا بعد الحق إال الضالل وهو مربأ عن ذلك ومنزه عنه ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬أو ال يعتقد‬
‫صحتها فيكون قد أقر عىل الباطل‪ ،‬ألنه ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬أقر الطري عىل وكناتها ولم يظهر‬
‫منه نكري عىل فعلهم ال بقول وال بفعل مع قوة إيمانه وشدة بأسه وكثرة نارصه‪ ،‬وكفى‬
‫بفاطمة بنت رسول الله ‪-‬ﷺ‪ -‬والعباس عم رسول الله ‪-‬ﷺ‪ -‬وبني هاشم بأجمعهم ظهريًا‬
‫ونصريًا‪ ،‬مع ما أسس له رسول الله ‪-‬ﷺ‪ -‬من القواعد يف العقائد‪ ،‬وأن مواالته مع مواالته‬
‫ومحبته مع محبته والدعاء ملن وااله وعىل من عاداه‪ ،‬ومع ذلك كله لم يظهر عنه ما يقتضيه‬
‫ً‬
‫باطال للزم تقريره الباطل والالزم‬ ‫حال مثله من إنكار الباطل بحسب طاقته‪ ،‬فلو كان‬
‫باطل إجماعً ا فامللزوم كذلك‪ ،‬والقول بأن سكوته كان تقية كما يزعم الروافض باطل عريق‬
‫يف البطالن؛ فإن مقتىض ذلك ضعف إما يف الدين أو يف الحال‪ ،‬واألول باطل إجماعً ا والثاني‬
‫(‪)1‬‬ ‫أيضا باطل ملا قررناه ً‬
‫آنفا"‪.‬‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬الرياض النْضة ‪246‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫بابُ ِِفُاجْ تِهَ ادِ ُا ْلحَ اكِ ِمُ‬

‫اىل ‪" : -‬وليس من الناس أحد بعد رسول الله ﷺ إال وقد أخذ‬ ‫َقا َل َّ‬
‫الشافِ عِ ُّي ‪َ -‬رحِ مَ ُه ال َّل ُه تَعَ َ‬
‫من قوله وترك لقول غريه من أصحاب رسول الله ﷺ وال يجوز يف قول النبي ﷺ أن يرد‬
‫لقول أحد غريه فإن قال قائل فاذكر يل يف هذا ما يدل عىل ما وصفت فيه قيل له‪ :‬ما وصفت‬
‫يف هذا الباب وغريه متفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام املسلمني واملقدم يف املنزلة‬
‫والفضل وقدم الصحبة والورع والثقة والثبت واملبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه؛‬
‫ألن قوله حكم يلزم حتى كان يقيض بني املهاجرين واألنصار أن الدية للعاقلة وال ترث املرأة‬
‫من دية زوجها شيئا حتى أخربه‪ ،‬أو كتب إليه (الضحاك بن سفيان أن النبي ﷺ كتب إليه‬
‫أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها) فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقيض‬
‫أن يف اإلبهام خمس عرشة والوسطى واملسبحة عرشا عرشا ويف التي تَل الخنرص تسعا ويف‬
‫الخنرص ستا حتى وجد كتابا عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي ﷺ (ويف كل أصبع‬
‫مما هنالك عرش من اإلبل) فرتك الناس قول عمر وصاروا إىل كتاب النبي ﷺ ففعلوا يف ترك‬
‫أمر عمر ألمر النبي ﷺ فعل عمر يف فعل نفسه يف أنه ترك فعل نفسه ألمر النبي ﷺ وذلك‬
‫الذي‪ ،‬أوجب الله عز وجل عليه وعليهم وعىل جميع خلقه‪.‬‬
‫[قال الشافعي]‪ :‬ويف هذا داللة عىل أن حاكمهم كان يحكم برأيه فيما لرسول الله ﷺ فيه‬
‫سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل عىل أن علم خاص األحكام خاص كما وصفت‬
‫ال عام كعام جمل الفرائض‪.‬‬
‫[قال الشافعي]‪ :‬وقسم أبو بكر حتى لقي الله عز وجل فسوى بني الحر والعبد ولم يفضل‬
‫بني أحد بسابقة وال نسب‪ ،‬ثم قسم عمر فألغى العبيد وفضل بالنسب والسابقة‪ ،‬ثم قسم‬
‫عَل فألغى العبيد وسوى بني الناس وهذا أعظم ما يَل الخلفاء وأعمه وأواله أن ال يختلفوا‬
‫فيه وإنما جعل الله عز وجل يف املال ثالثة أقسام‪ :‬قسم الفيء‪ ،‬وقسم الغنيمة‪ ،‬وقسم‬
‫الصدقة فاختلف األئمة فيها ولم يمتنع أحد من أخذ ما أعطاه أبو بكر وال عمر وال عَل ويف‬
‫هذا داللة عىل أنهم يسلمون لحاكمهم‪ ،‬وإن كان رأيهم خالف رأيه‪ ،‬وإن كان حاكمهم قد‬
‫(‪)1‬‬
‫يحكم بخالف آرائهم"‬

‫كتاب األم للشافعي‪177/‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫والخوارج الذين خرجوا عىل الصحابة كانت لهم نفس حجج هؤالء‪.‬‬

‫َصلُحُ ِل ْل ِوَالي َ ِة‪،‬‬


‫ني مَ ْن َال ي ْ‬ ‫وَىل أُمُو َر ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫يض‪ " :‬وَ أَمَّ ا عُ ثْمَ ا ُن َف ِإن َّ ُه َّ‬ ‫"قا َل َّ‬
‫الرافِ ِ ُّ‬ ‫قال ابن تيمية‪َ :‬‬
‫َني أ َ َق ِار ِب ِه‪ ،‬وَ عُ وتِبَ‬
‫ات ب ْ َ‬ ‫وَق َّس َم ا ْل ِوَالي َ ِ‬‫وق‪ ،‬وَ ِم ْن بَعْ ِض ِه ُم ا ْلخِ يَان َ ُة‪َ ،‬‬ ‫ظهَ َر ِم ْن بَعْ ِض ِه ُم ا ْل ُف ُس ُ‬ ‫حَ تَّى َ‬
‫يربُ الْ َخمْ ِر‪َ ،‬‬
‫وَص َّىل‬ ‫ظهَ َر ِمن ْ ُه ُ ْ‬ ‫استَعْ مَ َل ا ْلوَ ِلي َد ب َْن عُ ْقب ََة‪ ،‬حَ تَّى َ‬ ‫عَ َىل ذَ ِل َك ِم َر ًارا َف َل ْم ي َْر ِجعْ‪ ،‬وَ ْ‬
‫ظهَ َر ِمن ْ ُه مَ ا أَدَّى إ ِ َىل أ َ ْن‬ ‫وف ِة‪ ،‬وَ َ‬ ‫اص عَ َىل ا ْل ُك َ‬ ‫استَعْ مَ َل َسعِ ي َد ب َْن ا ْلعَ ِ‬ ‫وَهوَ َس ْك َرا ُن‪ .‬وَ ْ‬ ‫اس ُ‬ ‫ِبالن َّ ِ‬
‫ظ َّل َم ِمن ْ ُه أ َ ْهلُهَ ا‪،‬‬‫رص حَ تَّى تَ َ‬ ‫رس ٍح ِم ْ َ‬ ‫وَىل عَ بْ َد ال َّل ِه ب َْن َسعْ ِد ب ِْن أ َ ِبي َ ْ‬ ‫وف ِة ِمنْهَ ا‪ .‬وَ َّ‬ ‫أ َ ْخ َرجَ ُه أ َ ْه ُل ا ْل ُك َ‬
‫ف مَ ا َكتَبَ إِلَي ِْه جَ هْ ًرا‪ ،‬وَ أَمَ َر ِب َقتْ ِل مُحَ مَّ ِد ب ِْن أ َ ِبي بَ ْك ٍر‪.‬‬ ‫رسا‪ ،‬خِ َال َ‬ ‫وَ َكاتَبَ ُه أ َ ْن ي َْستَ ِم َّر عَ َىل ِوَاليَت ِِه ِ ًّ‬
‫َرص َة َف َفعَ َل ِم َن‬ ‫وَىل عَ بْ َد ال َّل ِه ب َْن عَ ِام ٍر ا ْلب ْ َ‬ ‫َث‪ .‬وَ َّ‬ ‫َث ِم َن ا ْلفِ تَ ِن مَ ا أَحْ د َ‬ ‫الشامَ‪َ ،‬فأَحْ د َ‬ ‫وَىل مُعَ ِاوي ََة َّ‬ ‫وَ َّ‬
‫َث ِم ْن‬ ‫ُورهِ ‪ ،‬وَ د ََف َع إِلَي ِْه َخاتَمَ هُ‪َ ،‬فحَ د َ‬ ‫ان أَمْ َر ُه‪ ،‬وَ أ َ ْل َقى إِلَي ِْه مَ َقالِي َد أُم ِ‬ ‫وَىل مَ ْروَ َ‬‫ري مَ ا َفعَ َل‪ .‬وَ َّ‬ ‫ا ْلمَ نَا ِك ِ‬
‫ري ِة ِم ْن‬ ‫ال ا ْل َك ِث َ‬
‫األمْ وَ ِ‬‫ان ي ُْؤ ِث ُر أ َ ْه َل ُه ِب ْ َ‬
‫َث‪ .‬وَ َك َ‬ ‫األمَّ ِة مَ ا حَ د َ‬‫َني ْ ُ‬
‫َث ِم َن ا ْلفِ تْن َ ِة ب ْ َ‬ ‫ان‪ ،‬وَحَ د َ‬ ‫ذَ ِل َك َقتْ ُل عُ ثْمَ َ‬
‫ال‪ ،‬حَ تَّى أَن َّ ُه د ََف َع إ ِ َىل أ َ ْربَعَ ِة ن َ َف ٍر ِم ْن ُق َري ٍْش ‪َ -‬زوَّجَ هُ ْم بَنَات ِِه ‪ -‬أ َ ْربَعَ ِمائَ ِة أ َ ْل ِف دِ ين َ ٍار‪،‬‬ ‫بَي ِْت ا ْلمَ ِ‬
‫ْض َب ُه‬‫طعَ ُن عَ َلي ِْه وَ يُ َك ِّف ُر ُه‪ ،‬وَ َلمَّ ا حَ َك َم َ َ‬ ‫ان ابْ ُن مَ ْسعُ و ٍد يَ ْ‬ ‫ف] دِ ين َ ٍار‪ .‬وَ َك َ‬ ‫ف [أ َ ْل َ‬ ‫ان أ َ ْل َ‬ ‫وَ د ََف َع إ ِ َىل مَ ْروَ َ‬
‫وَق ْد َقا َل فِ ِيه الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪« :-‬عَ مَّ ا ٌر ِج ْل َد ٌة ب ْ َ‬
‫َني‬ ‫صا َر ِب ِه َفتْ ٌق‪َ .‬‬ ‫ْضبَ عَ مَّ ًارا حَ تَّى َ‬ ‫ات‪ .‬وَ َ َ‬ ‫حَ تَّى مَ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫طعَ ُن عَ َلي ِْه"‪.‬‬ ‫ان عَ مَّ ا ٌر يَ ْ‬ ‫عَ يْن َ َّي تَ ْقتُلُ ُه ا ْلفِ ئَ ُة الْبَاغِ ي َُة‪َ ،‬ال أَنَا َلهُ ُم ال َّل ُه َش َفاعَ تِي يَوْ َم ا ْلقِ يَامَ ِة» ‪ .‬وَ َك َ‬

‫فاستصحب حجج أبي محمد التقية وما نسبه لبعضهم‪ ،‬وانظر كيف نسب الشيعة لصحابة‬
‫رسول الله ما نسبه هؤالء ملن زعموا أنهم أصحابهم! وال شك يف كذب الشيعة وتدليسهم‬
‫لعنهم الله‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪-":‬الرد عىل قول الرافيض أن عثمان ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬وىل من ال يصلح‬
‫ون َهذَا ب ِ‬
‫َاط ًال‪،‬‬ ‫َصلُحُ ِل ْل ِوَالي َ ِة‪ .‬إِمَّ ا أ َ ْن يَ ُك َ‬ ‫ان َّ‬
‫وَىل مَ ْن َال ي ْ‬ ‫يض‪ :‬إ ِ َّن عُ ثْمَ َ‬ ‫للوالية وَحِ ين َ ِئ ٍذ َف َقوْ ُل َّ‬
‫الرافِ ِ ِّ‬
‫ان مُجْ تَ ِه ًدا ِيف‬ ‫َصلُحُ ِيف ن َ ْف ِس ْ َ‬
‫األمْ ِر‪َ ،‬ل ِكن َّ ُه َك َ‬ ‫ون َّ‬
‫وَىل مَ ْن َال ي ْ‬ ‫َصلُحُ ‪َ .‬وإِمَّ ا أ َ ْن يَ ُك َ‬
‫وَ َل ْم يُوَ ِّل إ ِ َّال مَ ْن ي ْ‬
‫وَهذَا َال ي َْقدَحُ فِ ِيه"‪.‬‬
‫ظنُّهُ‪َ ،‬‬ ‫طأ َ َ‬ ‫َصلُحُ وَ أ َ ْخ َ‬
‫ان ي ْ‬‫ظ َّن أَن َّ ُه َك َ‬
‫ذَ ِل َك‪َ ،‬ف َ‬

‫"فأ َ َرا َد الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أ َ ْن ي ُْر ِس َل إِلَي ِْه ْم جَ ي ًْشا‪،‬‬ ‫ذكر قصة الوليد بن عقبة‪َ :‬‬ ‫إىل أن قال بعد ِ‬
‫اس ٌق ِبنَبَ ٍإ َفتَبَيَّنُوا أ َ ْن تُ ِصيبُوا َقوْ مً ا ِبجَ هَ ا َل ٍة‬ ‫َفأَن ْ َز َل ال َّل ُه تَعَ َ‬
‫اىل‪{ :‬يَاأَيُّهَ ا ا َّلذ َ‬
‫ِين آمَ نُوا إ ِ ْن جَ ا َء ُك ْم َف ِ‬

‫(‪ )1‬املنهاج ‪/‬ص‪١٨١:‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫ْف َال‬ ‫ان حَ ا ُل َهذَا َخفِ َي عَ َىل الن َّ ِب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ف َكي َ‬ ‫‪.‬ف ِإذَا َك َ‬ ‫ني}(‪َ )1‬‬ ‫ص ِبحُ وا عَ َىل مَ ا َفعَ ْلتُ ْم نَادِ ِم َ‬ ‫َفتُ ْ‬
‫ان‬‫وَق ْد َك َ‬ ‫‪.‬في َُقا ُل‪ :‬بَابُ التَّوْ ب َِة مَ ْفتُوحٌ ‪َ .‬‬ ‫ان َّوَال ُه بَعْ َد ذَ ِل َك َ‬
‫ان؟ ! َوإِذَا قِ ي َل‪ :‬إ ِ َّن عُ ثْمَ َ‬‫ي َْخ َفى عَ َىل عُ ثْمَ َ‬
‫وَق ِب َل الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬إ ِ ْس َالمَ ُه‬ ‫رس ٍح‪ْ -‬ارتَ َّد عَ ِن ْ ِاإل ْس َال ِم‪ ،‬ث ُ َّم جَ ا َء تَا ِئبًا‪َ ،‬‬ ‫عَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن َسعْ ِد ‪-‬ب ِْن أ َ ِبي َ ْ‬
‫ظن ُّ ُه‬
‫َني َل ُه ِم ْن عُ مَّ ال ِِه مَ ا َل ْم يَ ُك ْن يَ ُ‬ ‫ان أ َ ْه َد َر دَمَ هُ‪.‬وَ عَ َِل ٌّ ‪َ -‬ر ِ َ‬
‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪ -‬تَب َّ َ‬ ‫وَ تَوْ بَتَ ُه بَعْ َد أ َ ْن َك َ‬
‫ري ُه‬ ‫وَىل مَ ْن يَعْ َل ُم أ َ َّن َغ ْ َ‬
‫ان َّ‬ ‫ان وَ َال َغ ْ ِريهِ ‪ .‬وَ َغاي َُة مَ ا ي َُقا ُل‪ :‬إ ِ َّن عُ ثْمَ َ‬ ‫فِ ِيهمْ‪َ .‬فهَ ذَا َال ي َْقدَحُ ِيف عُ ثْمَ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وَهذَا ِم ْن مَ وَ ِاردِ ِاالجْ تِهَ ادِ ‪.".‬‬
‫ص َلحُ ِمنْهُ‪َ ،‬‬ ‫أَ ْ‬
‫وهذا األشرت النخعي كان ممن خرج عىل عثمان ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬وأفسد يف األرض‪ ،‬ومع‬
‫ِ‬
‫لتوليته األشرت؟‬ ‫ذلك واله عَل بن أبي طالب ! فهال طعنوا يف عَل ‪-‬ريض الله عنه‪-‬‬
‫قال ابن كثري‪" :‬استمر الحصار عليه ‪-‬يريد عثمان ريض الله عنه ‪-‬حتى أنهم منعوا عنه‬
‫املاء‪ ،‬فوصل الخرب إىل أمهات املؤمنني فجاءت أم حبيبة ‪-‬ريض الله عنها‪ -‬وكانت من أقارب‬
‫عثمان فأخذت املاء وجعلته تحت ثوبها‪ ،‬وركبت بغله وحولها حشمها وخدمها‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما‬
‫جاء بك؟ فقالت‪ :‬إن عنده وصايا بني أمية أليتام وأرامل‪ ،‬فأحببت أن أذكره بها‪ ،‬فكذبوها‬
‫يف ذلك ونالها منهم شدة عظيمة‪ ،‬وقطعوا حزام البغلة وندَّت بها‪ ،‬وكادت أو سقطت عنها‪،‬‬
‫وكادت تقتل لوال تالحق بها الناس فأمسكوا بدابتها‪ ،‬ووقع أمر كبري جدا‪ ،‬ولم يبق يحصل‬
‫لعثمان وأهله من املاء إال ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم يف الخفية ليال فإنا لله وإنا إليه‬
‫راجعون" (‪.)3‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪“ :‬وقد وىل عَل ‪ -‬ريض الله عنه ‪ -‬زياد بن أبي سفيان أبا عبيد الله بن‬
‫(‪)4‬‬
‫زياد قاتل الحسني‪ ،‬ووىل األشرت النخعي‪ ،‬ووىل محمد بن أبي بكر وأمثال هؤالء‪”.‬‬
‫قال صاحب اإلصابة(‪ :)5‬وأخرج بن سع ٍد أيضا بسند حسن عن كنانة موىل صفية قال‪:‬‬
‫قدمت بصفية بغلة لرتد عن عثمان فلفينا األشرت فْضب وجه البغلة فقالت‪ :‬ردوني ال‬
‫يفضحني‪ .‬قال‪ :‬ثم وضعت حسنا ً بني منزلها ومنزل عثمان فكانت تنقل إليه الطعام واملاء‪.‬‬

‫ور ُة الْحُ جُ َر ِ‬
‫ات‪6 :‬‬ ‫(‪ُ )1‬س َ‬
‫(‪ )2‬منهاج السنة ‪238/ 6‬‬
‫(‪ )3‬البداية والنهاية ‪ 184/7‬بترصف‬
‫(‪ )4‬منهاج السنة‬
‫(‪ )5‬اإلصابة ( ‪)348/4‬‬

‫‪- 101 -‬‬


‫وقال املزي يف ترجمته من «تهذيب الكمال»(‪ :)1‬وكان ممن سعى يف الفتنة وألب عىل عثمان‬
‫وشهد حرصه‪ ،‬وروي أن عائشة دعت عليه يف جماعة ممن سعى يف أمر عثمان فما منهم‬
‫أحد إال أصابته دعوتها؛ وروي أن عبد الله بن الزبري كان قد شهد يوم الجمل مع أبيه‬
‫وعائشة وكان ال يأخذ أحد بخطام الجمل إال قتل‪ ،‬فجاء ابن الزبري فأخذ بخطامه فقالت‬
‫عائشة‪ :‬من أنت قال عبد الله قالت‪ :‬واثكل أسماء! فأقبل األشرت فعرفه ثم اعتنقا فقال‪ :‬عبد‬
‫الله اقتلوني ومال ًكا وقال األشرت‪ :‬اقتلوني وعبد الله ولوال قال‪ :‬األشرت لقتال جميعا‪.‬‬
‫بل إن الرافضة لعنهم الله يحكون ِيف كتبهم ذلك‪ ،‬ومن ذلك ما روي يف بحار األنوار‪ ،‬أن عليًا‬
‫وىل عبد الله بن العباس البرصة و عبيد الله بن العباس اليمن وقثم بن العباس مكة حتى‬
‫قال مالك األشرت عند ذلك‪" :‬عىل ماذا قتلنا الشيخ أمس"‪ ،‬ويقصد بالشيخ عثمان !‪ ،‬حتى‬
‫قال أصحاب عَل ‪-‬ريض الله عنهم‪ -‬له‪" :‬هل نحن إال يف حكم األشرت" لكثر ِة تدخله يف‬
‫الحكم‪ ،‬فانظر كيف أن هذا الخارجي املشارك يف قتل ذي النورين عثمان ‪-‬ريض الله عنه‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قد واله عليا ريض الله عنه‪ ،‬فهال تحدثت القعد يف هذا؟‬
‫وروى اإلخباريون أن عمر بن الخطاب ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬استعم َل املغرية بن شعبة عىل‬
‫البحرين‪ ،‬فكرهوه‪ ،‬فعزله عمر‪ ،‬فخافوا أن يرده؛ فقال دهاتهم‪ :‬إن فعلتم ما آمركم لم يرده‬
‫علينا‪ .‬قالوا‪ :‬مرنا‪ .‬قال‪ :‬تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إىل عمر‪ ،‬فأقول‪َّ :‬‬
‫إن املغرية اختان‬
‫هذا‪ ،‬فدفعه إيل َّ‪ .‬قال‪ :‬فجمعوا له مائة ألف‪ ،‬وأتى عمر‪ ،‬فقال ذلك‪ .‬فدعا املغرية‪ ،‬فسأله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كذب‪ ،‬أصلحك الله‪ ،‬إنما كانت مائتي ألف‪ .‬قال‪ :‬فما حملك عىل هذا؟ قال‪ :‬العيال والحاجة‪.‬‬
‫َ‬
‫ألصدقنك‪ ،‬ما دفع إيل َّ قليالً وال كثريًا‪ .‬فقال عمر‬ ‫فقال عمر للعِ لج‪ :‬ما تقول؟ قال‪ :‬ال والله‬
‫للمغرية ‪ :‬ما أردت إىل هذا؟ قال‪ :‬الخبيث كذب عَلَ‪ ،‬فأحببت أن أخزيه‪.‬‬
‫فانظر كيف أن الرعية قد تكره الحاكم دون أن يظلمها وهذا يف زمن صحابة رسول الله‬
‫ﷺ فكيف بمن هم دونهم؟‬
‫اش ٍم بَعْ َد عَ َِل ي ِيف حَ يَات ِِه‪ ،‬ث ُ َّم مَ َع َهذَا أَمَّ َر الن َّ ِب ُّي‬ ‫ان جَ عْ َف ٌر أ َ ْف َض َل بَنِي َه ِ‬ ‫قال ابن تيمية‪َ " :‬وإِذَا َك َ‬
‫ان وَ التَّ ْقوَى‪،‬‬ ‫وَه َو ِم ْن َك ْل ٍب ‪ -‬عَ َلي ِْه ‪ ،‬عُ ِل َم أ َ َّن التَّ ْقدِي َم ِب َف ِضي َل ِة ْ ِاإليمَ ِ‬
‫‪ -‬ﷺ ‪َ -‬زيْ َد ب َْن حَ ِارث َ َة ‪ُ -‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ص َلحَ ِة َال ِبالن َّ َس ِب"‬‫ُور أ ُ َخ َر‪ِ ،‬بحَ َس ِب ا ْلمَ ْ‬
‫وَ ِبحَ ْس ِب أُم ٍ‬

‫(‪128-127/27 )1‬‬
‫(‪ )2‬بحار األنوار‪ 539/ 32 :‬و ‪313/ 33‬‬
‫(‪ )3‬منهاج السنة ‪196 /‬‬

‫‪- 102 -‬‬


‫صومٌ‪َ ،‬ف َلي َْس ُه َو أَعْ َ‬
‫ظ َم‬ ‫وَه َو مَ عْ ُ‬ ‫وصا عَ َلي ِْه ُ‬ ‫ص ً‬ ‫يض إ ِ ْن َزعَ َم أ َ َّن ْ ِاإلمَ ا َم يَ ُكو ُن مَ ن ْ ُ‬ ‫الرافِ ِ ُّ‬‫وقال‪" :‬وَ َّ‬
‫الش ِار ُع عَ َىل ُك ِّل مُعَ يَّن َ ٍة‪،‬‬‫ص َّ‬ ‫وَال يُمْ ِك ُن أ َ ْن يَن ُ َّ‬
‫ني‪َ ،‬‬ ‫صومِ َ‬ ‫ول‪ ،‬وَ نُوَّ ابُ ُه وَ عُ مَّ الُ ُه َلي ُْسوا مَ عْ ُ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫ان الن َّ ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يُ ِّ‬
‫وَيل ا ْلوَ ِلي َد‬ ‫َاط َن ِيف ُك ِّل مُعَ يَّن َ ٍة‪ ،‬بَ ْل َق ْد َك َ‬‫وَال ْ ِاإلمَ ا َم أ َ ْن يَعْ َل َم ا ْلب ِ‬
‫وَال يُمْ كِ َن الن َّ ِب َّي َ‬‫َ‬
‫وَيف‬‫اس ٌق ِبنَبَ ٍإ َفتَبَيَّنُوا أ َ ْن تُ ِصيبُوا َقوْمً ا ِبجَ هَ ا َل ٍة} ِ‬ ‫ب َْن عُ ْقب ََة ث ُ َّم يُن ْ ِز ُل ال َّل ُه فِ ِيه‪{ :‬إ ِ ْن جَ ا َء ُك ْم َف ِ‬
‫ون أ َ ْلحَ َن‬ ‫ُون إ ِ َيل َّ‪ ،‬وَ َلعَ َّل بَعْ َض ُك ْم أ َ ْن يَ ُك َ‬
‫يح عَ ِن الن َّ ِب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أَن َّ ُه َقا َل‪« " :‬إِن َّ ُك ْم تَ ْختَ ِصم َ‬ ‫الصحِ ِ‬‫َّ‬
‫ِبحُ جَّ ت ِِه ِم ْن بَعْ ٍض‪َ ،‬وإِنَّمَ ا أ َ ْق ِيض ِبنَحْ ٍو ِممَّ ا أ َ ْسمَ عُ‪َ ،‬فمَ ْن َق َضي ُْت َل ُه ِم ْن حَ ِّق أَخِ ِيه َشيْئًا َف َال‬
‫طعَ ًة ِم َن الن َّ ِار»؛ َفحُ ْك ُم ُه ِيف ا ْل َق ِضي َِّة ا ْلمُعَ يَّن َ ِة إِنَّمَ ا ُه َو ِباجْ تِهَ ادِ هِ ‪،‬‬ ‫ط ُع َل ُه قِ ْ‬ ‫يَأ ْ ُخذْ ُه‪َ ،‬ف ِإنَّمَ ا أ َ ْق َ‬
‫ظهَ َر [ ِل ْلحَ ا ِك ِم]‬ ‫ف مَ ا َ‬ ‫َاط ُن ِبخِ َال ِ‬ ‫ان ا ْلب ِ‬ ‫وَ ِلهَ ذَا نَهَ ى ا ْلمَ حْ ُكو ُم َل ُه أ َ ْن يَأ ْ ُخذَ مَ ا حُ كِ َم َل ُه ِب ِه إِذَا َك َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ني‪َ ،‬فاجْ تَهَ َد ِيف ذَ ِل َك"‬ ‫ص َلحَ ِل ْلم ُْس ِل ِم َ‬ ‫األ ْ‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪ -‬إِمَ امٌ‪ ،‬وَ عَ َلي ِْه أ َ ْن ي َْستَ ْخل َ‬
‫ِف ْ َ‬ ‫‪.‬وَ عُ مَ ُر ‪َ -‬ر ِ َ‬
‫قال أبوبكر بن العربي يف العواصم مبينًا بطالن طعن الرافضة عىل عثمان بتولية الوليد بن‬
‫عقبة‪" :‬وأما تولية الوليد بن عقبة فإن الناس عىل فساد النيات أرسعوا إىل السيئات قبل‬
‫الحسنات‪ ،‬فذكر االفرتائيون أنه إنما واله للمعنى الذي تكلم به‪ ،‬قال عثمان‪ :‬ما وليت الوليد‬
‫ألنه أخي‪ ،‬وإنما وليته ألنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله ﷺ وتوأمة أبيه والوالية‬
‫اجتهاد‪ ،‬وقد عزل عمر ابن الخطاب ‪-‬ريض الله عنه‪ -‬سعد بن أبي وقاص وقدم أقل منه‬
‫درجة"‪.‬‬

‫فرض أنه رأي رآه الخليفة يف تولية بعضهم‪،‬‬


‫قلت‪ :‬والشاهد قوله أن الوالية اجتهاد وعىل ِ‬
‫فال يعد ذلك قادحا فيه‪.‬‬

‫قال ابن تيمية‪[" :‬فصل كالم الرافيض أن عمر كان يأخذ بالرأي والحدس والظن] فصل‬
‫قال الرافيض‪ " :‬وقال بالرأي والحدس والظن "‪.‬والجواب‪ :‬أن القول بالرأي لم يختص به‬
‫عمر ‪ -‬ريض الله عنه‪ ،‬بل عَل كان من أقولهم بالرأي‪ ،‬وكذلك أبو بكر وعثمان وزيد وابن‬
‫مسعود وغريهم من الصحابة ‪ -‬ريض الله عنهم ‪ -‬كانوا يقولون بالرأي‪ ،‬وكان رأي عَل يف‬
‫دماء أهل القبلة ونحوه من األمور العظائم‪.‬كما يف سنن أبي داود وغريه عن الحسن‪ ،‬عن‬
‫قيس بن عباد قال‪ :‬قلت لعَل‪ :‬أخربنا عن مسريك هذا‪ ،‬أعهد عهده إليك رسول الله ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة ‪140/ 6‬‬

‫‪- 103 -‬‬


‫أم رأي رأيته؟ قال‪ :‬ما عهد النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬إيل شيئا ولكنه رأي رأيته‪ ،‬وهذا أمر ثابت‪ ،‬ولهذا‬
‫لم يرو عَل ‪ -‬ريض الله عنه ‪ -‬يف قتال الجمل وصفني شيئا‪ ،‬كما رواه يف قتال الخوارج‪ ،‬بل‬
‫روى األحاديث الصحيحة هو وغريه من الصحابة يف قتال الخوارج املارقني‪ ،‬وأما قتال‬
‫الجمل وصفني فلم يرو أحد منهم فيه نصا إال القاعدون؛ فإنهم رووا األحاديث يف ترك‬
‫القتال يف الفتنة‪.‬‬
‫إىل أن قال‪ :‬فإذا كان مثل هذا الرأي ال يعاب به‪ ،‬فرأي عمر وغريه يف مسائل الفرائض‬
‫والطالق أوىل أن ال يُعاب‪ .‬مع أن عليا يركهم يف هذا الرأي‪ ،‬وامتاز برأيه يف الدماء‪.‬وقد كان‬
‫ابنه الحسن وأكثر السابقني األولني ال يرون القتال مصلحة‪ ،‬وكان هذا الرأي أصلح من رأي‬
‫القتال بالدالئل الكثرية‪.‬ومن املعلوم أن قول عَل يف الجد وغريه من املسائل كان بالرأي‪ ،‬وقد‬
‫قال‪ :‬اجتمع رأيي ورأي عمر عىل املنع من بيع أمهات األوالد‪ ،‬واالن فقد رأيت أن يبعن‪ ،‬فقال‬
‫له قاضيه عبيدة السلماني‪ :‬رأيك مع رأي عمر يف الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك يف‬
‫الفرقة‪.‬ويف صحيح البخاري عن أيوب‪ ،‬عن ابن سريين‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عَل قال‪ " :‬اقضوا‬
‫كما كنتم تقضون‪ ،‬فإني أكره االختالف‪ ،‬حتى يكون للناس جماعة‪ ،‬أو أموت كما مات‬
‫أصحابي"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وكان ابن سريين يرى أن عامة ما يروى عن عَل كذب‪ .‬وقد جمع الشافعي ومحمد‬
‫بن نرص املروزي املسائل التي تركت من قول عَل وابن مسعود‪ ،‬فبلغت شيئا كثريا‪ ،‬وكثري‬
‫(‪)1‬‬
‫منها قد جاءت السنة بخالفه"‬
‫قلت‪ :‬وهذه فائدة جليلة جدا يتنبه لها‪ ،‬فالديري قد ذكر جمعً ا من األصحاب وقعوا يف مسألة‬
‫نحو هذه ‪-‬مخالفة السنة‪ -‬وذلك ألنها خفيت عليهم‪ ،‬ومنها مسألة الخروج عىل الظلمة التي‬
‫يتشدق بها هؤالء القعد‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإن كان القول بالرأي ذنبا‪ ،‬فذنب غري عمر ‪ -‬كعَل وغريه ‪ -‬أعظم‪ ،‬فإن ذنب من‬
‫استحل دماء املسلمني برأي‪ ،‬هو ذنب أعظم من ذنب من حكم يف قضية جزئية برأيه‪ ،‬وإن‬
‫كان منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ‪ ،‬فعمر ‪ -‬ريض الله عنه ‪ -‬أسعد بالصواب من غريه‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فإن الصواب يف رأيه أكثر منه يف رأي غريه‪ ،‬والخطأ يف رأي غريه أكثر منه يف رأيه"‪.‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية ‪111/ 6‬‬


‫(‪ )2‬منهاج السنة النبوية ‪119/ 6‬‬

‫‪- 104 -‬‬


‫بابٌ ُِفُتوليةُاملرتد‬

‫قالوا‪ :‬قد وىل من كان مرتدا باألمس يقاتل أولياء الله‪.‬‬


‫فقيل لهم‪ :‬فكيف بمن كان يُفتي لهؤالء؟ وكيف بمن كان يُبيح الرشك؟ وكيف بمن عمل يف‬
‫الحمالت االنتخابية؟ فعالم لم تستنكروا أن وُ يل َّ بعض هؤالء مناصب يرعية هي أعظم مما‬
‫ويل هؤالء الذين كانوا من املرتدين‪ ،‬وها أنتم اْلن استنكرتم أن ويل من استمع لفتاوى هؤالء‬
‫فعمل بها؟ أتعذرون العالم وال تعذرون الجاهل التابع له ومن هو مظن َّة جهل؟ ثم إن‬
‫عثمان ريض الله عنه قد وىل عبد الله بن أبي الرسح وقد كان خري الربية أهدر دمه‪ ،‬فهال‬
‫أنكرتم عىل عثمان كذلك؟‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪[" :‬الرد عىل زعم الرافيض أن عثمان اوى ابن أبي رسح وواله‬
‫مرص بعد أن أهدر النبي ﷺ دمه]"[‪ ]...‬وعبد الله هذا كان كاتبا للوحي فارتد‪ ،‬وافرتى‬
‫عىل النبي ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬فأهدر دمه‪ ،‬ثم ملا قدم به عثمان عفا عنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول الله‬
‫بايع عبد الله‪ .‬فأعرض عنه مرتني أو ثالثا‪ ،‬ثم بايعه‪ .‬فقال‪ " :‬أما فيكم رجل رشيد ينظر‬
‫إيل وقد أعرضت عن هذا فيْضب عنقه؟ " فقال رجل من األنصار‪ :‬يا رسول الله هال‬
‫أومضت إيل؟ فقال‪ " :‬ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة األعني»‪ ،‬ثم ملا بايعه حسن إسالمه‪،‬‬
‫ولم يعلم منه بعد ذلك إال الخري‪ ،‬وكان محمودا عند رعيته يف مغازيه‪ ،‬وقد كانت عداوة غريه‬
‫من الطلقاء أشد من عداوته‪ ،‬مثل صفوان بن أمية‪ ،‬وعكرمة بن أبي جهل‪ ،‬وسهيل بن عمرو‪،‬‬
‫وأبي سفيان بن حرب وغريهم‪ ،‬وذهب ذلك كله‪ .‬كما قال تعاىل‪{ :‬عىس الله أن يجعل بينكم‬
‫وبني ا لذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم} فجعل بني أولئك وبني النبي‬
‫‪ -‬ﷺ ‪ -‬مودة تجب تلك العداوة والله قدير عىل تقليب القلوب وهو غفور رحيم‪ ،‬غفر الله‬
‫ما كان من السيئات بما بدلوه من الحسنات‪ ،‬وهو الذي يقبل التوبة عن عباده‪ ،‬ويعفو عن‬
‫السيئات‪ ،‬ويعلم ما تفعلون (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية ‪357 /6‬‬

‫‪- 105 -‬‬


‫ٍ‬
‫غنيمة وعده بها عثمان ‪-‬ريض الله عنهما‪-‬‬ ‫بخمس‬
‫ِ‬ ‫وعبد الله قد نقمت عليه رعيت ُه أن استأثر‬
‫بالرفق فْضب عبد الله من اشتكى‬‫‪ ،‬بل ُروي أنهم اشتكوا لعثمان فكتب له عثمان يأمره ِّ‬
‫حتى قتل منهم واح ًدا كما عند الطربيّ وغريه والله أعلم بصحته‪.‬‬
‫قال ابن كثري يف البداية والنهاية‪" :‬وكان سبب عزله إياه ‪-‬عمرو بن العاص‪-‬أن الخوارج‬
‫من املرصيني كانوا محصورين من عمرو بن العاص مقهورين معه ال يستطيعون أن‬
‫يتكلموا بسوء يف خليفة وال أمري‪ ،‬فما زالوا حتى شكوه إىل عثمان لينزعه عنهم ويويل عليهم‬
‫من هو ألني منه‪ ،‬فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه عىل الصالة‪ ،‬و وىل‬
‫عىل الحرب والخراج عبد الله بن أبي رسح"‪.‬‬

‫فتأمل مشابهة هؤالء القعد ملن خرج عىل عثمان ‪-‬ريض الله عنه‪.-‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫ُذكرُخربُ"ماُننطيها"‬
‫بابٌُُ ِِف ِ‬

‫"عىل فرض صحتها"‪ ،‬فها َك كالما كثريا لصحابة رسول الله ﷺ خرية أهل األرض‪ ،‬فهال‬
‫أنكر القعد عليهم أيضا؟ وأنَّى لهم ذلك‪.‬‬
‫قال محب الدين‪" :‬فقال قائل من األنصار‪ :‬أنا جذيلها املحكك وعذيقها املرجب‪ ،‬منا أمري‬
‫ومنكم أمري قال‪ :‬فكثر اللغط وارتفعت األصوات حتى خشينا الخالف فقلت‪ :‬ابسط يدك يا‬
‫أبا بكر‪ ،‬فبسط يده فبايعته وبايعه املهاجرون ثم بايعه األنصار‪ ،‬ونزونا عىل سعد بن عبادة‬
‫فقال قائل منهم‪ :‬قتلتم سعد بن عبادة قال‪ :‬فقلت‪ :‬قتل الله سعد بن عبادة قال مالك‪:‬‬
‫فأخربني ابن شهاب عن عروة بن الزبري أن الرجلني اللذين لقياهما عويم بن ساعدة ومعن‬
‫بن عدي قال ابن شهاب‪ :‬وأخربني سعيد بن املسيب أن الذي قال‪ :‬أنا جذيلها املحكك‬
‫(‪)1‬‬
‫وعذيقها املرجب الحباب بن املنذر‪ ،‬أخرجاه‪".‬‬
‫وقال‪" :‬زاغ أن ينقض عليه القريش فقال عمر‪ :‬ال ينبغي هذا األمر وال يصلح إال لرجل من‬
‫قريش‪ ،‬ولن ترَض العرب إال به ولن تعرف اإلمارة إال له‪ ،‬والله ما يخالفنا أحد إال‬
‫قتلناه‪.‬فقام حباب بن املنذر السلمي فقال‪ :‬منا أمري ومنكم أمري‪ ،‬أنا جذيلها املحكك وعذيقها‬
‫املرجب‪ ،‬وقد دفت علينا دافة أرادوا أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من األمر‪ ،‬وإن شئتم‬
‫كررناها جذعة‪.‬قال‪ :‬فكثر القول حتى كاد أن يكون بينهم يف السقيفة حرب‪ ،‬وتوعد بعضهم‬
‫بعضا ثم تراد املسلمون وعصم الله لهم دينهم‪ ،‬فرجعوا بقول حسن فسلموا األمر وأغضبوا‬ ‫ً‬
‫الشيطان‪ ،‬فوثب عمر وأخذ بيد أبي بكر وقام أسيد بن الحضري أخو بني عبد األشهل وبشري‬
‫بن سعد يسبقان ليبايعا فسبقهما عمر وبايعاه معً ا‪ ،‬ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة‬
‫وسعد بن عبادة مضطجع يوعك‪ ،‬فازدحم الناس عىل بيعة أبي بكر فقال قائل من األنصار‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫اتقوا سعد بن عبادة وال تطئوه فقال عمر‪ :‬اقتلوه قتله الله‪ ،‬وقال عمر ذلك بغضب"‬

‫وقال‪" :‬قال ابن شهاب‪ :‬وغضب رجال من املهاجرين يف بيعة أبي بكر‪ ،‬منهم عَل بن أبي‬
‫طالب والزبري فدخال بيت فاطمة معهما السالح‪ ،‬فجاءهما عمر بن الخطاب يف عصابة من‬

‫(‪ )1‬الرياض النْضة‪ /‬ص‪234:‬‬


‫(‪ )2‬ذات املصدر ‪/‬ص‪237:‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫املسلمني منهم أسيد بن حضري وسلمة بن سالمة بن وقش وهما من بني عبد األشهل ويقال‪:‬‬
‫منهم ثابت بن قيس بن شماس من بني الخزرج‪ ،‬فأخذ أحدهم سيف الزبري فْضب به‬
‫الحجر حتى كرسه ويقال‪ :‬إنه كان فيهم عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن مسلمة وإن‬
‫محمد بن مسلمة هو الذي كرس سيف الزبري والله أعلم‪ .‬خرجه موَس بن عقبة وهذا محمول‬
‫عىل تقدير صحته عىل تسكني نار الفتنة وإغماد سيفها ال عىل قصد إهانة الزبري‪ ،‬وتخلف‬
‫عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة يف طائفة من الخزرج وعَل بن أبي طالب وابناه‬
‫والعباس عم رسول الله ‪-‬ﷺ‪ -‬وبنوه يف بني هاشم والزبري وطلحة وسلمان وعمار وأبو‬
‫ذر واملقداد وغريهم من املهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬ثم إنهم بايعوا كلهم فمنهم‬
‫ً (‪)1‬‬
‫من أرسع ببيعته ومنهم من تأخر حينا"‬

‫وانظر إىل الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم ‪ -‬وكلهم أجلة مغفور لهم إن شاء الله‪ ،‬ومع ذلك‬
‫حصل من بعضهم تعصب‪ ،‬فكيف يالم من هو دونهم؟‬
‫قال‪" :‬وهذا ال يقدح فيما تقدم ذكره من دعوى اإلجماع بل نقول‪ :‬خالف الواحد مع ظهور‬
‫(‪)2‬‬ ‫ً‬
‫خالفا ينتقض به اإلجماع‪ ،‬والله أعلم‪".‬‬ ‫العناد والحمية الجاهلية ال يعد‬
‫والشاهد قوله‪ :‬ظهور الحمية الجاهلية‪ ،‬يريد بذلك سعد بن عبادة ‪-‬ريض الله عنه‪.-‬‬
‫قال‪" :‬فإن قيل‪ :‬قوله ‪-‬يريد عليا‪ -‬فاستبددتم به علينا‪ ،‬يشعر بأن املراد بالحق املشاورة‬
‫واملراجعة واالشرتاك يف الرأي‪ ،‬وأنه إنما نقم انفرادهم دونهم‪ ،‬وأنهم لو أيركوه معهم يف‬
‫(‪)3‬‬
‫الرأي لتابعهم عليه"‬

‫وفيما تقدم فائدة عظيمة‪ :‬أن الصحابة الذين تنازعوا كلهم من أهل السابقة يف اإلسالم‬
‫متأخرا أو بعد فتح مكة‪ ،‬وعىل ذلك‬
‫ً‬ ‫والهجرة والجهاد ‪ ،‬ولم ينازعهم شخص أسلم أو هاجر‬
‫قس حالة الدولة‪ ،‬فكيف ينازع من هاجر بعد فتح املوصل والرقة وإعالن الخالفة من سبقه‬
‫باإلسالم والجهاد والهجرة ب‪ 15‬سنة!‬

‫(‪ )1‬نفس املصدر‪ /‬ص‪241:‬‬


‫(‪ )2‬نفس املصدر السابق‪ /‬ص‪242:‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق ‪/‬ص‪247:‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫قال‪" :‬عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال أبو بكر لعَل بن أبي طالب‪ :‬قد علمت أني كنت يف‬
‫هذا األمر قبلك قال‪ :‬صدقت يا خليفة رسول الله فمد يده فبايعه‪ ،‬فلما جاء الزبري قال‪ :‬أما‬
‫علمت أني كنت يف هذا األمر قبلك؟ قال‪ :‬فمد يده فبايعه‪ ،‬خرجه يف فضائله وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن"‪.‬‬
‫والشاهد قوله‪ :‬أما علمت أنى كنت يف هذا األمر قبلك‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪" :‬ذكر الخرب عما جرى بني املهاجرين واألنصار ِيف أمر اإلمارة ِيف سقيفة‬
‫بني ساعدة ‪َ ....‬ف َقا َل بعد أن حمد الله وأثنى عَ َلي ِْه‪ :‬يا معرش األنصار‪ ،‬لكم سابقة ِيف الدين‬
‫وفضيلة ِيف اإلسالم ليست لقبيله من العرب‪ ،‬ان محمدا ﷺ السالم لبث بضع عرشة سنة ِيف‬
‫قومه يدعوهم إىل عبادة الرحمن وخلع األنداد واألوثان‪ ،‬فما آمن به من قومه إال رجال قليل‪،‬‬
‫ان ما كانوا يقدرون عىل أن يمنعوا َر ُسول ال َّل ِه‪ ،‬وال أن يعزوا دينه‪ ،‬وال أن يدفعوا عن‬ ‫وَ َك َ‬
‫أنفسهم ضيما عموا به‪ ،‬حَ تَّى إذا أراد بكم الفضيلة‪ ،‬ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة‪،‬‬
‫فرزقكم ال َّله اإليمان به وبرسوله‪ ،‬واملنع َل ُه وألصحابه‪ ،‬واإلعزاز َل ُه ولدينه‪ ،‬والجهاد ألعدائه‪،‬‬
‫فكنتم أشد الناس عىل عدوه منكم‪ ،‬وأثقله عىل عدوه من غريكم‪ ،‬حَ تَّى استقامت العرب ألمر‬
‫الله طوعا وكرها‪ ،‬وأعطى البعيد املقادة صاغرا داخرا‪ ،‬حَ تَّى أثخن الله عز وجل لرسوله‬
‫بكم األرض‪ ،‬ودانت بأسيافكم َل ُه العرب‪ ،‬وتوفاه ال َّله وهو عنكم راض‪ ،‬وبكم قرير عني‬
‫استبدوا بهذا األمر فإنه لكم دون الناس"(‪.)1‬‬
‫والشاهد قول سعد بن عبادة ريض الله عنه‪" :‬استبدوا بهذا األمر فإنه لكم من دون الناس"‪.‬‬

‫َار إِال عَ َىل النُّجْ عَ ِة‪ ،‬وَال‬ ‫اس‪َ ،‬ف َقا َل‪:‬إ ِ َّن ا ْلحِ جَ ا َز َلي َْس َل ُك ْم ِبد ٍ‬ ‫"وَقا َم عُ مَ ُر َرحِ مَ ُه ال َّل ُه ِيف الن َّ ِ‬‫قال‪َ :‬‬
‫األ ْر ِض الَّ ِتي‬ ‫ون عَ ْن مَ وْ عُ و ِد ال َّل ِه! ِسريُوا ِيف َ‬ ‫اج ُر َ‬ ‫ط َّرا ُء ا ْلمُهَ ِ‬‫ي َْقوَى عَ َلي ِْه أ َ ْهلُ ُه إِال ِبذَ ِل َك‪ ،‬أَي َْن ال ُّ‬
‫ظ ِه ٌر‬‫ِّين ُك ِّل ِه*» ‪ ،‬وَ ال َّل ُه ُم ْ‬ ‫ظ ِه َر ُه عَ َىل الد ِ‬‫ُوها‪َ ،‬ف ِإن َّ ُه َقا َل‪ِ « :‬ليُ ْ‬‫اب أ َ ْن يُو ِرث َ ُكم َ‬ ‫وَ عَ َد ُك ُم ال َّل َه ِيف ا ْل ِكتَ ِ‬
‫ان أَوَّ ُل ُمنْتَد ٍَب‬ ‫ون! َف َك َ‬ ‫الصالِحُ َ‬ ‫األمَ ِم أَي َْن عِ بَا ُد ال َّل ِه َّ‬
‫يث ُ‬ ‫ارص ُه‪ ،‬وَ مُوَ ِّيل أ َ ْه َل ُه مَ وَ ِار َ‬
‫دِ ينَهُ‪ ،‬وَ مُعِ ٌّز ن َ ِ َ‬
‫أَبُو عُ َبيْ ِد ْب ُن مَ ْسعُ ودٍ‪ ،‬ث ُ َّم ثنى سعد بن عبيد‪ -‬او سليط ابن َقي ٍْس‪َ -‬ف َلمَّ ا اجْ تَمَ َع ذَ ِل َك ا ْل َبعْ ُث‪،‬‬
‫ص ِار َقا َل‪ :‬ال وَ ال َّل ِه ال أ َ ْفعَ ُل‪ ،‬إ ِ َّن‬ ‫ين وَ َ‬
‫األن ْ َ‬ ‫اج ِر َ‬ ‫ني ِم َن ا ْلمُهَ ِ‬ ‫السا ِبقِ َ‬ ‫قِ ي َل لِعُ مَ َر‪ :‬أَمِّ ْر عَ َلي ِْه ْم َرجُ ال ِم َن َّ‬

‫(‪ )1‬تاريخ الطربي ‪218/ 3‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫وَرسعَ ِت ُك ْم إ ِ َىل ا ْلعَ ُدوِّ‪ ،‬فإذا جبنتم وكرهتم اللقاء‪ ،‬فاوىل بالرئاسة‬ ‫ال َّل َه إِنَّمَ ا َر َفعَ ُك ْم ِب َسبْقِ ُك ْم ُ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِمن ْ ُك ْم مَ ْن َسب ََق إ ِ َىل الد َّْف ِع‪ ،‬وَ أَجَ ابَ إ ِ َىل الدُّعَ ا ِء! وَ ال َّل ِه ال أ ُ َؤمِّ ُر عَ َلي ِْه ْم إِال أَوَّ َلهُ ُم ان ْ ِتدَابًا‪.".‬‬

‫َ‬
‫قولهم‪ُ:‬ماهذهُالدولةُالتيُالُيكتبُاإلمامُفيهاُعقيدته‬

‫فقلت‪ :‬يا سبحان الله‪ ،‬قد وقعتم يف الشيخ الفرقان وهو قد امتحن َّ‬
‫املوىل بيشء مندوب إليه‬
‫وله فيه سلف‪ ،‬فسموا لنا رجالكم‪ ،‬من الذي امتحن اإلمام يف منهجه وعقيدته؟ ومع ذلك‬
‫نقول‪ ،‬أن كتابة عقيدة والصدع بها عىل املنابر‪ ،‬عمل به بعض امللوك قديمً ا‪.‬‬
‫السلف ليحمل الناس عليها فكتبها له الكرجي القصاب‬‫ومن ذلك أمر القادر بكتابة عقيدة َّ‬
‫وسميت العقيدة القادرية وذلك قبل توليه الخالفة‪.‬‬
‫ثم حمل الناس عليها وأمر بقراءتها وامتثل أمره وسار عىل نهجه محمود بن سبكتكني‬
‫الذي كان يحكم أكثر بالد املرشق والهند وزاد عليه باألمر بلعن املبتدعة حتى لُعنت‬
‫األشعرية ‪.‬ثم جرى بعد ذلك يف خالفة القائم ويف مملكة السالجقة طغرل بك وذويه لعن‬
‫(‪)2‬‬
‫املبتدعة عىل املنابر فلعنت األشاعرة‪ ،‬ثم جرى ذلك سنة ‪.٤٦٠‬‬
‫جاء يف سري األعالم‪" :‬وامتثل ابن سبكتكني أمر القادر‪ ،‬فبث السنة بممالكه‪ ،‬وتهدد بقتل‬
‫الرافضة واإلسماعيلية والقرامطة‪ ،‬واملشبهة والجهمية واملعتزلة‪ ،‬ولعنوا عىل املنابر"‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية يف نقض املنطق‪ " :‬ولهذا اهتم كثري من امللوك والعلماء بأمر اإلسالم وجهاد‬
‫أعدائه حتى صاروا يلعنون الرافضة والجهمية وغريهم عىل املنابر‪ ،‬حتى لعنوا كل طائفة‬

‫(‪445/ 3 )1‬‬
‫(‪ )2‬انظر يرح أصول االعتقاد لاللكائي ‪ ، 723/4‬ذم الكالم للهروي‪ ،‬املنتظم البن الجوزي ‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪،‬‬
‫تاريخ ابن كثري ‪ ،‬تلبيس الجهمية ‪ 331/2‬والتسعينية ‪ 1001‬والدرء ‪ 252/6‬والصفدية ‪ 162/2‬والفتاوى‬
‫‪ 15/4‬البن تيمية‬

‫‪- 110 -‬‬


‫رأوا فيها بدعة‪ ،‬فلعنوا الكالبية واألشعرية كما كان يف مملكة األمري محمود بن سبكتكني‬
‫(‪)1‬‬
‫‪،‬ويف دولة السالجقة ابتدا ًء وكذلك الخليفة القادر"‪.‬‬
‫قال الهروي ‪" :‬قرأت كتاب محمود األمري يحث فيه عىل كشف أستار هذه الطائفة واإلفصاح‬
‫بعيبهم ولعنهم"(‪.)2‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ ":‬وأظهر السلطان محمود بن سبكتكني لعنة أهل البدع عىل املنابر‪،‬‬
‫وأظهر السنة‪ ،‬وتناظر عنده ابن الهيصم وابن فورك يف مسألة العلو‪ ،‬فرأى قوة كالم ابن‬
‫الهيصم‪ ،‬فرجح ذلك‪ ،‬ويقال إنه قال البن فورك‪ :‬فلو أردت تصف املعدوم كيف كنت تصفه‬
‫بأكثر من هذا؟ أو قال‪ :‬فرق يل بني هذا الرب الذي تصفه وبني املعدوم؟ وأن ابن فورك‬
‫كتب إىل أبي إسحق األسفراييني يطلب الجواب عن ذلك‪ ،‬فلم يكن الجواب إال أنه لو كان‬
‫ً (‪)3‬‬
‫فوق العرش للزم أن يكون جسما‪" .‬‬
‫قلت‪ :‬وابن الهيصم كالبي‪ ،‬ومع ذلك فقد مدح السلف محمود بن سبكتكني وسموه‬
‫بالسلطان الصالح وما خرج عليه أحد‪ ،‬ومدحوا القادر بالله ملا جاء يف عقيدته من تكفري‬
‫سني يف األصول‪ ،‬مصادر تلقيه‬ ‫ٌّ‬ ‫القائل بخلق القرآن‪ ،‬وهذا إبراهيم ابن عواد البغدادي‬
‫الكتابة والسنة ثم اإلجماع‪ ،‬متبع للسلف كما رصح أكثر من مرة‪ ،‬يكفر من قال بخلق القرآن‬
‫والواقفة واللفظية عىل تفصيل السلف‪ ،‬يقر بعلو الله عىل خلقه‪ ،‬يقاتل الرافضة والنصريية‬
‫واملرتدين واملرشكني وكل أمم الكفر ويكفرهم‪ ،‬أظهر السنة يف دولته‪ ،‬وحارب البدع‬
‫الظاهرة‪ ،‬ونرش التوحيد‪ ،‬وقمع الرشك والتنديد‪ ،‬وأمورا كثرية لم تجتمع يف واحد من ملوك‬
‫الدول السابقة‪ ،‬ومع ذلك تجد هؤالء الخوارج يلعنونه ويتقربون إىل الله بلعنه بسبب عدم‬
‫اتباعه لب دعهم اللفظية يف مسائل األصل والالزم التي ما أنزل الله بها من سلطان حتى‬
‫تحدث بها بعض املتكلمني‪ ،‬ثم مع ذلك نقول‪ ،‬أرأيتم لو أراد أن يكتب عقيدة سلفية سنية‬
‫تامة‪ ،‬أكنتم لتتبعوها؟ ال ورب الكعبة‪ ،‬فلو أظهر الذم ألبي حنيفة وتكفري األشاعرة ونفاة‬
‫العلو ولعنهم ‪-‬وهو ما عليه السلف‪ ،-‬الزدادت كراهيتكم له‪ ،‬ولقلتم أنه يكفر السلف‬
‫ويضللهم لعظم جهلكم وتعبدكم الله بكالم املتأخرين واملعارصين‪ ،‬وهؤالء امللوك السابقون‬
‫الذين تمدحونهم‪ ،‬وقعوا يف بدع مكفرة‪ ،‬كخلق القرآن‪ ،‬ونفي علو الله‪ ،‬وتعطيل الصفات‪،‬‬

‫(‪ )1‬كتاب مجموع الفتاوى ‪/‬ص‪15‬‬


‫(‪ )2‬ذم الكالم ‪/‬ص‪552‬‬
‫(‪ )3‬تعارض العقل والنقل (‪) 253 /6‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫ومع ذلك تضللون من يكفرهم‪ ،‬وتدافعون عنهم‪ ،‬وصالح الدين األيوبي أشعري نرش مذهب‬
‫األشاعرة بالسيف‪ ،‬وهو مع ذلك إمام عندكم‪ ،‬وحجتكم يف ذلك‪ :‬قتاله للرافضة‪ ،‬وسبكتكني‬
‫بلخ كالبي‪ ،‬وهناك املخلوقي‪ ،‬وابن سعود األول رويت عنه مظالم كثرية‪ ،‬وأقالها له أئمة‬
‫الدعوة الذين هم أعلم منكم‪ ،‬فعجبا والله‪ ،‬عجبا يميت القلب؛ أحببتم هؤالء‪ ،‬وصنفتم يف‬
‫الدفاع عنهم‪ ،‬وإقالة عثراتهم وهي يرك وبدع‪ ،‬وما استطعتم الصرب عىل هذا الذي زعمتم‬
‫وقوعه يف بدعة إرجاء خفية أو غلو بسبب عظم الفتنة وكثرة الفرق‪ ،‬ولو قال قائل‪ :‬إنه‬
‫لظالم‪ ،‬فهؤالء السابقون قد كانوا ظلمة‪ ،‬وما أعل ُم مل ًكا منهم سلم من الظلم‪ ،‬وهذا سبكتكني‬
‫بلخ قد ْضب أبا القاسم القايض بالدبوس إلكفاره الكالبية‪ ،‬ومع ذلك ترحم عليه السلف‬
‫وأقالوها له ألجل فتوحاته بالهند فقط‪ ،‬فأين أنتم من سرية السلف؟ وإنا لله وإنا إليه‬
‫لراجعون‪.‬‬

‫قال املقريزي يف الخطط ‪ ":‬فلما ملك السلطان امللك النارص صالح الدين يوسف بن أيوب‬
‫املاراني عىل هذا‬
‫ّ‬ ‫ديار مرص‪ ،‬كان هو وقاضيه صدر الدين عبد امللك بن عيىس بن درباس‬
‫املذهب‪ ،‬قد نشآ عليه منذ كانا يف خدمة السلطان امللك العادل نور الدين محمود بن زنكي‬
‫بدمشق‪ ،‬وحفظ صالح الدين يف صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو املعايل مسعود بن‬
‫محمد بن مسعود النيسابوريّ ‪ ،‬وصار يحفظها صغار أوالده‪ ،‬فلذلك عقدوا الخنارص وشدّوا‬
‫البنان عىل مذهب األشعريّ ‪ ،‬وحملوا يف أيام دولتهم كافة الناس عىل التزامه‪ ،‬فتمادى الحال‬
‫عىل ذلك جميع أيام امللوك من بني أيوب‪ ،‬ثم يف أيام مواليهم امللوك من األتراك‪ ،‬واتفق مع‬
‫ذلك توجه أبي عبد الله محمد بن تومرت أحد رجاالت املغرب إىل العراق‪ ،‬وأخذ عن أبي‬
‫حامد الغزايل ّ مذهب األشعريّ ‪ ،‬فلما عاد إىل بالد املغرب وقام يف املصامدة يفقههم ويعلمهم‪،‬‬
‫القييس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وضع لهم عقيدة لقفها عنه عامّ تهم‪ ،‬ثم مات فخلفه بعد موته عبد املؤمن بن عَل ّ‬
‫وتلقب بأمري املؤمنني‪ ،‬وغلب عىل ممالك املغرب هو وأوالده من بعد مدّة سنني‪ ،‬وتسموا‬
‫باملوحدين‪ ،‬فلذلك صارت دولة املوحدين ببالد املغرب تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن‬
‫تومرت‪ ،‬إذ هو عندهم اإلمام املعلوم‪ ،‬املهديّ املعصوم‪ ،‬فكم أراقوا بسبب ذلك من دماء خالئق‬
‫ال يحصيها ّإال الله خالقها سبحانه وتعاىل‪ ،‬كما هو معروف يف كتب التاريخ‪ ،‬فكان هذا هو‬
‫السبب يف اشتهار مذهب األشعريّ وانتشاره يف أمصار اإلسالم‪ ،‬بحيث نيس غريه من‬
‫املذاهب‪ ،‬وجهل حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه‪ّ ،‬إال أن يكون مذهب الحنابلة أتباع اإلمام‬
‫أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ريض الله عنه‪ ،‬فإنهم كانوا عىل ما كان عليه السلف‪،‬‬
‫‪- 112 -‬‬
‫ال يرون تأويل ما ورد من الصفات‪ ،‬إىل أن كان بعد السبعمائة من سني الهجرة‪ ،‬اشتهر‬
‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحكم بن عبد السالم بن تيمية‬
‫بدمشق وأعمالها ّ‬
‫اني‪ ،‬فتصدّى لالنتصار ملذهب السلف وبالغ يف الر ّد عىل مذهب األشاعرة‪ ،‬وصدع‬‫الحر ّ‬
‫ّ‬
‫بالنكري عليهم وعىل الرافضة‪ ،‬وعىل الصوفية"‬

‫‪- 113 -‬‬


‫قاعدةُُ‬
‫ِفُالتعاملُمعُالخليفةُوماُظه َرُمنهُمنُأخطاءُومظالمُ‬

‫ون ِيف‬ ‫ِين ي َْقدَحُ َ‬ ‫ان‪ :‬ا ْل َقادِ حُ َ‬


‫ون ا َّلذ َ‬ ‫َاب ِصن ْ َف ِ‬ ‫ون ِيف َهذَا ا ْلب ِ‬‫اس ا ْل ُمنْحَ ِر ُف َ‬ ‫قال تقي الدين‪" :‬وَ الن َّ ُ‬
‫السعْ ِي‬ ‫َاب َّ‬ ‫ور َة ِم ْن ب ِ‬ ‫ون ْ ُ‬
‫األمُو َر ا ْلمَ ْغ ُف َ‬ ‫ِين يَجْ عَ لُ َ‬ ‫الش ْخ ِص ِبمَ ا ي َْغفِ ُر ُه ال َّل ُه َل ُه‪ .‬وَ ا ْلمَ ادِ حُ َ‬
‫ون ا َّلذ َ‬ ‫َّ‬
‫ات‪ .‬وَ ذَ ِل َك يَجْ ُفو فِ ِيه حَ تَّى‬ ‫الش ْخ ِص ا ْلوَ احِ ِد حَ تَّى يَجْ عَ َل َسيِّئَات ِِه حَ َسن َ ٍ‬ ‫ور‪َ .‬فهَ ذَا ي َْغلُو ِيف َّ‬ ‫ا ْلمَ ْش ُك ِ‬
‫وَق ْد أَجْ مَ َع ا ْلم ُْس ِلم َ‬
‫ُون [ ُك ُّلهُ مْ] ‪ -‬حَ تَّى ا ْل َخوَ ِارجُ‬ ‫ات‪َ .‬‬ ‫ط ًة ِل ْلحَ َسن َ ِ‬
‫السيِّئَ َة ا ْلوَ احِ َد َة ِمن ْ ُه مُحْ ِب َ‬
‫يَجْ عَ َل َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ات"‪.‬‬ ‫‪ -‬عَ َىل أ َ َّن الذُّنُوبَ تُمْ حَ ى ِبالتَّوْ ب َِة‪ ،‬وَ أ َ َّن ِمنْهَ ا مَ ا يُمْ حَ ى ِبا ْلحَ َسن َ ِ‬

‫وهذا كثري يف هؤالء املبتدعة‪ ،‬والحاكم قد يَجتهد ألجل مصلحة ُمتوهمة ومع ذلك ال يُنكر كل‬
‫خريه‪ ،‬كما ال يرمى بالجهل املركب‪.‬‬

‫ُون حَ تَّى يَعْ َلمُوا‬ ‫ني ُه َو عُ ُقوب ٌَة َلهُ مْ‪َ ،‬ف َال يُعَ َاقب َ‬ ‫"ف َل ْو َقا َل َقا ِئ ٌل‪ :‬قِ تَا ُل ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫قال تقي الدين‪َ :‬‬
‫ُون أ َ َّن َلهُ ْم ذَنْبًا‪،‬‬
‫ِين َقاتَ َلهُ ْم عَ َِل ٌّ] َل ْم يَ ُكونُوا يَعْ َلم َ‬ ‫صحَ ابُ مُعَ ِاوي ََة [ا َّلذ َ‬ ‫ْ ِاإليجَ ابَ وَ التَّحْ ِريمَ‪ ،‬وَ أ َ ْ‬
‫ُون أَن َّ ُه ذَنْبٌ ‪َ ،‬وإ ِ ْن َكانُوا ُمذْ ِن ِب َ‬
‫ني َف ِإ َّن َغاي ََة مَ ا ي َُقا ُل‪ :‬إِنَّهُ ْم‬ ‫َف َل ْم يَجُ ْز لِعَ َِل ي قِ تَالُهُ ْم عَ َىل مَ ا َال يَعْ َلم َ‬
‫ُون أَن َّ ُه ي َِجبُ عَ َلي ِْه ْم‬
‫اجب ََة‪َ ،‬لك َِّن َك ِثريًا ِمنْهُ ْم ‪ -‬أ َ ْو أ َ ْكث َ َر ُه ْم ‪َ -‬ل ْم يَ ُكونُوا يَعْ َلم َ‬ ‫طاعَ َة ا ْلوَ ِ‬
‫تَ َر ُكوا ال َّ‬
‫ْف‬‫وب‪َ ،‬ف َكي َ‬ ‫ات وَ التَّأ ْ ِو َيال ِت مَ ا يَمْ ن َ ُع عِ ْلمَ هُ ْم ِبا ْلوُجُ ِ‬
‫الشبَهَ ِ‬ ‫ان َلهُ ْم ِم َن ُّ‬ ‫طاعَ ُة عَ َِل ي وَ ُمتَابَعَ تُهُ‪ ،‬بَ ْل َك َ‬ ‫َ‬
‫صومً ا؟ َل ْم يَ ُك ْن ِمث ْ ُل‬ ‫ان مَ عْ ُ‬ ‫اجبًا‪ ،‬أ َ ْو َفعَ َل مُحَ َّرمً ا مَ َع َكوْ ن ِِه َك َ‬ ‫جَ ا َز قِ تَا ُل مَ ْن َل ْم يَعْ َل ْم أَن َّ ُه تَ َر َك وَ ِ‬
‫ْف يَ ُكو ُن ذَ ِل َك َقدْحً ا ِيف إِمَ امَ ِة عُ مَ َر؟ َ!ال ِسيَّمَ ا وَ ا ْلقِ تَا ُل عَ َىل تَ ْركِ‬ ‫َهذَا َقدْحً ا ِيف إِمَ امَ ِة عَ َِلي‪َ ،‬ف َكي َ‬
‫ص َلحَ ُة‬ ‫اج ِب‪ ،‬وَ ا ْلمَ ْ‬ ‫ال أ َ َق َّل ِم ْن مَ ْف َس َد ِة تَ ْركِ ذَ ِل َك ا ْلوَ ِ‬
‫ُرش ُع إِذَا َكان َ ْت مَ ْف َس َد ُة ا ْلقِ تَ ِ‬ ‫اج ِب إِنَّمَ ا ي ْ َ‬
‫ا ْلوَ ِ‬
‫ص َلحَ ِة ِب َ ْ‬
‫رتك ِِه‪.‬‬ ‫ال أَعْ َ‬
‫ظ َم ِم َن ا ْلمَ ْ‬ ‫ِبا ْلقِ تَ ِ‬
‫صيَا ُن النَّا ِس‬ ‫طلُوب ََة‪ ،‬بَ ْل َزا َد ِبذَ ِل َك عِ ْ‬ ‫طاعَ َة ا ْلمَ ْ‬‫ص ِل ال َّ‬ ‫وَ َل ْم يَ ُك ِن ْ َ‬
‫األمْ ُر َكذَ ِل َك؛ َف ِإ َّن ا ْلقِ تَا َل َل ْم يُحَ ِّ‬
‫وَقاتَ َل ُه َك ِثريٌ ِم ْن أُمَ َرا ِء جَ ي ِْش ِه‪ ،‬وَ أ َ ْكث َ ُر ُه ْم‬
‫وَخ َرجَ عَ َلي ِْه َخوَ ِارجُ ِم ْن عَ ْس َك ِرهِ ‪َ ،‬‬ ‫صا ُه َ‬ ‫لِعَ َِلي‪ ،‬حَ تَّى عَ َ‬
‫‪.‬ف ِإ ْن قِ ي َل‪ :‬عَ َِل ٌّ‬ ‫ال َ‬ ‫ط َو َع َل ُه ِمنْهُ ْم بَعْ َد ا ْلقِ تَ ِ‬‫ال أ َ ْ‬
‫ط َل ًقا‪ ،‬وَ َكانُوا َقبْ َل ا ْلقِ تَ ِ‬ ‫ني َل ُه ُم ْ‬ ‫َل ْم يَ ُكونُوا م ُِطيعِ َ‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة ‪198/ 6‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫ان ِمث ْ ُل َهذَا ِاالجْ ِتهَ ا ِد‬ ‫طاعَ َة‪.‬قِ ي َل‪َ :‬ف ِإذَا َك َ‬ ‫ص ُل ال َّ‬ ‫ال يُحَ ِّ‬ ‫ان مُجْ تَ ِهدًا ِيف ذَ ِل َك‪ ،‬مُعْ تَقِ دًا أَن َّ ُه ِبا ْلقِ تَ ِ‬ ‫َك َ‬
‫ص ِل‬ ‫ص َل ا ْل َف َسادُ‪ ،‬وَ َل ْم يَحْ ُ‬ ‫ني‪ِ ،‬بحَ ي ُْث حَ َ‬ ‫وف ِم َن ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ورا‪ ،‬مَ َع أَن َّ ُه أ َ ْف َىض إ ِ َىل َقتْ ِل أُلُ ٍ‬ ‫مَ ْغ ُف ً‬
‫ص َلحَ ِة‬ ‫ص َل ِب ِه ن َ ْو ُع ا ْلمَ ْ‬ ‫الص َال ِح‪ ،‬أ َ َف َال يَ ُكو ُن ِاالجْ تِهَ ا ُد ِيف َقتْ ِل وَ احِ دٍ‪َ ،‬ل ْو ُق ِت َل َلحَ َ‬ ‫طلُوبُ ِم َن َّ‬ ‫ا ْلمَ ْ‬
‫ورا؟ مَ َع أ َ َّن ذَ ِل َك َل ْم ي َْقتُ ْلهُ‪ ،‬بَ ْل َه َّم ِب ِه وَ تَ َر َكهُ‪ .‬وَ ِ‬
‫وَيل ُّ‬ ‫الزجْ ِر عَ ِن ا ْل َفوَ احِ ِش‪ ،‬اجْ تِهَ ادًا مَ ْغ ُف ً‬ ‫ِم َن َّ‬
‫األحْ َكا ِم ِيف ا ْلحُ دُو ِد‬ ‫َاس ِة ا ْلعَ امَّ ِة ا ْل ُك ِّلي َِّة أَحْ وَجُ ِمن ْ ُه إ ِ َىل مَ عْ ِر َف ِة ْ َ‬
‫السي َ‬ ‫األحْ َكا ِم ِيف ِّ‬ ‫األمْ ِر إ ِ َىل مَ عْ ِر َف ِة ْ َ‬
‫َْ‬
‫ا ْلجُ ْز ِئي َِّة"(‪.)1‬‬

‫َاس ِة ا ْلعَ امَّ ِة ا ْل ُك ِّلي َِّة أَحْ وَجُ ِمن ْ ُه إ ِ َىل مَ عْ ِر َف ِة‬ ‫األمْ ِر إ ِ َىل مَ عْ ِر َف ِة ْ َ‬
‫األحْ َكا ِم ِيف ِّ‬
‫السي َ‬ ‫وَيل ُّ ْ َ‬
‫فتأمل قوله‪ :‬وَ ِ‬
‫َْ‬
‫األحْ َكا ِم ِيف ا ْلحُ دُو ِد ا ْلجُ ْز ِئيَّة‬
‫ً‬
‫جهال مركبًا لخفاء بعض املسائل الجُ زئية الخفية‬ ‫ً‬
‫جاهال‬ ‫وكيف جعلت الخوارج الخليفة‬
‫عليه‪ ،‬ورسول الله ﷺ قال‪" :‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إال الحدود"‪.‬‬
‫وقال الثوري‪ :‬ليس يكاد يفلت من الخطأ أحد‪ ،‬إذا كان الغالب عىل الرجل الحفظ فهو حافظ‬
‫وإن غلط‪ ،‬وإن كان الغالب عليه الغلظ ترك"‪ ،‬فهل يغلب عىل أبي بكر القريش الظلم والغلو‬
‫والبدعة والفقر‪ ،‬أم غلب عىل دولته التوحيد والعدل والعفة‪ ،‬وإلن قالوا األوىل فلنأتني بشهادة‬
‫ِ‬
‫نفسه من رسائله التي‬ ‫كل شيخ من شيوخهم يقول بخالف مقالتهم‪ ،‬بل بكالم هذا الديري‬
‫كتبها حال عيشه بالدولة‪.‬‬
‫وقال سعيد بن املسيب‪ :‬ليس من يريف وال عالم وال ذي فضل إال َّ وفيه عيب ولكن من‬
‫الناس من الينبغي أن تُذكر عيوبه‪ ،‬فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله‪.‬‬
‫أيضا أن من كثرت‬‫قال ابن القيم يف مفتاح دار السعادة‪" :‬من قواعد الرشع والحكمة ً‬
‫حسناته وع ُ‬
‫ظمت وكان له يف اإلسالم تأثري ظاهر فإنه يحتمل له ما ال يحتمل لغريه‪ ،‬ويعفى‬
‫عنه ماال يعفى عن غريه‪ ،‬فإن املعصية خبث‪ ،‬واملاء إذا بلغ قلتني لم يحمل الخبث‪ ،‬بخالف‬
‫املاء القليل فإنه ال يحمل أدنى خبث‪ ،‬ومن هذا قول النبي ﷺ لعمر‪ :‬وما يدريك لعل الله‬
‫اطلع عىل أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‪ .‬وهذا هو املانع له ﷺ من قتل من‬
‫جس عليه وعىل املسلمني وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم فأخرب ﷺ أنه شهد بدرا‪ ،‬فدل‬
‫عىل أن مقتىض عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ماله من املشهد العظيم‪ ،‬فوقعت‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة ‪48/ 6‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫تلك السقطة العظيمة مغتفرة يف جنب ماله من الحسنات‪ ،‬وملا حض النبي ﷺ عىل الصدقة‬
‫فأخرج عثمان ريض الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال‪ :‬ما ْض عثمان ما عمل بعدها‪.. .‬‬
‫وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر يف فطرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح‬
‫بالسيئة والسيئتني ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته عىل إساءته وداعي شكره عىل‬
‫إحسانه‪ ،‬فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل‪:‬‬
‫وإذا الحبيب أتى بذنب واحد * جاءت محاسنه بألف شفيع‬
‫وقال آخر‪ :‬فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا * فأفعاله الالتي رسرن كثري" اهـ‬
‫وهذا مبني عىل أصل عظيم‪ ،‬هو قوله تعاىل‪{ :‬وَ ا ْلوَ ْز ُن يَوْمَ ِئ ٍذ ا ْلحَ ُّق َفمَ ْن ث َ ُق َل ْت مَ وَ ِازين ُ ُه َفأُو َٰل ِئ َك‬
‫ُه ُم ا ْلم ُْفلِحُ ون}‬

‫عن ابن عباس ريض الله عنه عن النبي ﷺ قال‪" :‬من سرت عورة أخيه املسلم سرت الله‬
‫عورته يوم القيامة‪ ،‬ومن كشف عورة أخيه املسلم كشف الله عورته‪ ،‬حتى يفضحه بها يف‬
‫بيته" رواه ابن ماجه‪ ،‬وجاء بلفظ آخر يف الصحيحني‪.‬‬
‫األسلمي ريض الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪" :‬يَا مَ عْ َ َ‬
‫رش مَ ْن آمَ َن ِبل َِسان ِِه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وعن أبي ب َْرزة‬
‫وْرات ِِه ْم‬ ‫ْخ ِل ْ ِاإليمَ ا ُن َق ْلبَهُ‪َ :‬ال تَ ْغتَابُوا ا ْلم ُْس ِل ِم َ‬
‫ني‪ ،‬وَ َال تَتَّ ِبعُ وا عَ وْ َرات ِِهمْ‪َ ،‬ف ِإن َّ ُه مَ ِن اتَّبَ َع عَ َ‬ ‫وَ َل ْم يَد ُ‬
‫وْرتَ ُه ي َْف َضحْ ُه ِيف َبيْت ِِه" رواه أحمد وأبو داود وابن حبان‬ ‫وْرتَهُ‪ ،‬وَ مَ ْن يَتَّ ِب ِع ال َّل ُه عَ َ‬
‫يَتَّ ِبع ال َّل ُه عَ َ‬

‫ص َّىل‬‫يض ال َّلـ ُه عَ نْهُ مَ ا َقا َل‪" :‬مَ َّر الن َّ ِب ُّي َ‬ ‫َّاس‪َ ،‬ر ِ َ‬ ‫وقد كان ﷺ يكتفي بالبيان العام‪ ،‬عَ ْن ابن عب ٍ‬
‫ان َال‬ ‫ري‪ ،‬أَمَّ ا أَحَ د ُُهمَ ا َف َك َ‬‫َان ِيف َك ِب ٍ‬ ‫ين َف َقا َل‪" :‬إِنِّهُ مَ ا َليُعَ ذَّب ِ‬
‫َان‪ ،‬وَمَ ا يُعَ ذَّب ِ‬ ‫ال َّلـ ُه عَ َلي ِْه َس َّل َم ِب َق ْرب ِ‬
‫ِص َفني َف َغ َر َز‬ ‫طب ًَة َف َش َّقهَ ا ن ْ‬ ‫ان يَمْ ِيش ِبالن َّ ِميمَ ِة‪َ ،‬فأ َ َخذَ جَ ريد ًة ِر ْ‬ ‫ي َْستَ ِرتُ ِم َن ا ْلبَوْ ِل‪ ،‬وَ أَمَّ ا َ‬
‫اْلخ ُر َف َك َ‬
‫ف عَ نْهُ مَ ا مَ ا َلـ ْم‬ ‫ِيف ُك ِّل َق ْ ٍرب وَ احِ َد ًة‪َ .‬ف َقالُوا‪ :‬لِـ َم َفعَ ْل َت َهذَا يَا َر ُسو َل الله؟‪َ .‬ف َقا َل‪َ :‬لعَ َّل ُه ي َُخ ِّف ُ‬
‫يَيْب ََسا"‪ُ .‬متَّ َف ٌق عَ َلي ِْه‪.‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫قال صاحب فتح الباري‪" :‬لم يعرف اسم املقبورين وال أحدهما والظاهر أن ذلك كان عىل‬
‫عمد من الرواة لقصد السرت عليهما ‪ ،‬وهو عمل مستحسن ‪ ،‬وينبغي أن ال يبالغ يف الفحص‬
‫عن تسمية من وقع يف حقه ما يذم به"‪.‬‬

‫قال ابن رجب‪" :‬وكان السلف يكرهون األمر باملعروف والنهي عن املنكر عىل هذا الوجه‬
‫ويحبون أن يكون رسا ً فيما بني اْلمر واملأمور فإن هذا من عالمات النصح فإن الناصح‬
‫ليس له غرض يف إشاعة عيوب من ينصح له وإنما غرضه إزالة املفسدة التي وقع فيها ‪.‬‬
‫وأما إشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله قال الله تعاىل ‪ ﴿ :‬إ ِ َّن ا َّلذ َ‬
‫ِين يُحِ ب َ‬
‫ُّون‬
‫ِين آمَ نُوا َلهُ ْم عَ ذَابٌ أَلِي ٌم ِيف ال ُّدنْيَا وَ ْاْلخِ َر ِة وَ ال َّل ُه يَعْ َل ُم وَ أَن ْتُ ْم ال تَعْ َلم َ‬
‫ُون‬ ‫أ َ ْن تَ ِشي َع ا ْل َفاحِ َش ُة ِيف ا َّلذ َ‬
‫﴾ (‪)1‬؛ واألحاديث يف فضل الرس كثري ٌة جدَّا‪ ،‬وقال بعض العلماء ملن يأمر باملعروف‪" :‬واجتهد‬
‫أحق يشء بالسرت‪ :‬العورة" ؛ فلهذا‬ ‫أن تسرت العصاة فإن ظهور عوراتهم وهن يف اإلسالم ُّ‬
‫كان إشاعة الفاحشة مقرتنة بالتعيري وهما من خصال الفجار ألن الفاجر ال غرض له يف‬
‫زوال املفاسد وال يف اجتناب املؤمن للنقائص واملعايب إنما غرضه يف مجرد إشاعة العيب يف‬
‫أخيه املؤمن وهتك عرضه فهو يعيد ذلك ويبديه ومقصوده تنقص أخيه املؤمن يف إظهار‬
‫فغرضه بذلك إزالة عيب‬ ‫ُ‬ ‫عيوبه ومساويه للناس ليُدخل عليه الْضر يف الدنيا؛ وأما الناصح‬
‫أخيه املؤمن واجتنابه له وبذلك وصف الله تعاىل رسوله ﷺ فقال‪َ ﴿ :‬ل َق ْد جَ ا َء ُك ْم َر ُسو ٌل‬
‫(‪)2‬‬
‫ف َرحِ ي ٌم ﴾‬ ‫ني َر ُؤو ٌ‬ ‫ِم ْن أَن ْ ُف ِس ُك ْم عَ ِزي ٌز عَ َلي ِْه مَ ا عَ ِنتُّ ْم حَ ِر ٌ‬
‫يص عَ َليْ ُك ْم ِبا ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬

‫ِين مَ عَ ُه أ َ ِشدَّا ُء عَ َىل الْ ُك َّف ِار ُرحَ مَ ا ُء‬‫ووصف بذلك أصحابه فقال‪ ﴿ :‬مُحَ مَّ ٌد َر ُسو ُل ال َّل ِه وَ ا َّلذ َ‬
‫اه ْم ِيف وُجُ وهِ ِه ْم ِم ْن أَث َ ِر‬ ‫ضوَ انا ً ِسيمَ ُ‬ ‫وَر ْ‬‫ون َف ْضالً ِم َن ال َّل ِه ِ‬ ‫اه ْم ُر َّكعا ً ُسجَّ دا ً يَبْتَ ُغ َ‬ ‫بَيْنَهُ ْم تَ َر ُ‬
‫ظ‬ ‫طأ َ ُه َف َآز َر ُه َف ْ‬
‫استَ ْغ َل َ‬ ‫يل َك َز ْر ٍع أ َ ْخ َرجَ َش ْ‬ ‫األن ْ ِج ِ‬‫وْرا ِة وَمَ ثَلُهُ ْم ِيف ْ ِ‬ ‫السجُ و ِد ذَ ِل َك مَ ثَلُهُ ْم ِيف التَّ َ‬‫ُّ‬
‫ات‬ ‫صالِحَ ِ‬ ‫ِين آمَ نُوا وَ عَ ِملُوا ال َّ‬ ‫ظ ِب ِه ُم ا ْل ُك َّفا َر وَ عَ َد ال َّل ُه الَّذ َ‬
‫الز َّرا َع ِليَغِ ي َ‬
‫استَوَى عَ َىل ُسوق ِِه يُعْ ِجبُ ُّ‬ ‫َف ْ‬
‫ِمنْهُ ْم مَ ْغفِ َر ًة وَ أَجْ را ً عَ ِظيما ً ﴾ (‪.)3‬ووصف املؤمنني بالصرب والتوايص باملرحمة؛ وأما الحامل‬
‫للفاجر عىل إشاعة السوء وهتكه فهو القوة والغلظة ومحبته إيذاء أخيه املؤمن وإدخال‬
‫الْضر عليه وهذه صفة الشيطان الذي يزيِّن لبني آدم الكفر والفسوق والعصيان ليصريوا‬

‫(‪ )1‬النور‪19:‬‬
‫(‪ )2‬التوبة‪128:‬‬
‫(‪ )3‬الفتح‪29:‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫ان َل ُك ْم عَ ُد ٌّو َفاتَّخِ ذُو ُه عَ دُوّ ا ً إِنَّمَا يَدْعُ و حِ ْزبَ ُه‬
‫ط َ‬ ‫بذلك من أهل النريان كما قال الله‪ ﴿ :‬إ ِ َّن َّ‬
‫الشيْ َ‬
‫ري ﴾ (‪.)1‬وقال بعد أن قص علينا قصته مع نبي الله آدم عليه‬ ‫السعِ ِ‬
‫اب َّ‬
‫صحَ ِ‬‫ِليَ ُكون ُوا ِم ْن أ َ ْ‬
‫ِرييَهُ مَ ا‬ ‫ومكره به حتى توصل إىل إخراجه من الجنة‪ ﴿ :‬يَن ْ ِز ُع عَ نْهُ مَ ا ِلب َ‬
‫َاسهُ مَ ا ل ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫السالم‬
‫َسوْ آت ِِهمَ ا﴾ (‪)2‬؛‬
‫فشتان بني من قصده النصيحة وبني من قصده الفضيحة وال تلتبس إحداهما باألخرى إال‬
‫(‪)3‬‬
‫عىل من ليس من ذوي العقول الصحيحة"‪.‬‬
‫قال الفضيل بن عياض‪" :‬املؤمن يسرت وينصح‪ ،‬والفاجر يهتك ويعري"‪.‬‬
‫وهذا خالد القرسي‪ ،‬قد بنى كنيسة ألمه ‪،‬و ُروي عنه الوقيعة يف عَل ‪-‬ريض الله عنه‪،-‬‬
‫والظلم الكثري فقد ظلم العلماء ‪-‬خاصة الذين هربوا من العراق خشية بطش الحجاج‪-‬‬
‫ومنهم مجاهد وطلق و سعيد بن جبري الذي ارسله ليقتله الحجاج‪ ،‬لكن السلف احتملوا‬
‫ذلك ألجل قتله الجعد بن درهم فتأمل‪ .‬قال ابن القيم يف مدح خالد القرسي‪:‬‬

‫رسيُّ ُيَومَُذَبائِحُالق ِ‬
‫ربانُ‬ ‫ُذاُضحَّ ىُ ِبجَ ع ٍدُخالِدُُ*ُ َ‬
‫الق ِ‬ ‫َ‬ ‫جل‬‫َِ‬
‫وأل ِ‬
‫َ‬
‫ُليسُخلي َلهُُ*ُكالُوَالُموىسُالكليمُالدَّاني‬ ‫إذُقا َلُإبراهيم‬
‫ُ*ُللهُدر َكُمنُأخيُق ُِ‬
‫ربانُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُالضحِ ي ََّةُك ُّلُصاحِ ِبُسن َّ ٍة‬
‫َش َك َر َّ‬

‫وقال‪" :‬فلما اشتهر أمره يف املسلمني طلبه خالد بن عبدالله القرسي وكان أمريا عىل العراق‬
‫حتى ظفر به فخطب الناس يف يوم األضحى وكان آخر ما قال يف خطبته ايها الناس ضحوا‬
‫تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موَس تكليما‬
‫ولم يتخذ إبراهيم خليال تعاىل الله عما يقول الجعد علوا كبريا ثم نزل فذبحه يف أصل املنرب‬
‫(‪)4‬‬
‫فكان ضحية"‬

‫(‪ )1‬فاطر‪6:‬‬
‫(‪ )2‬األعراف‪ :‬من اْلية‪27‬‬
‫(‪ )3‬الفرق بني النصيحة والتعيري‬
‫(‪ )4‬الصواعق املرسلة ‪1071/3‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫قال الدارمي‪" :‬وأما الجعد فأخذه خالد بن عبد الله القرسي‪ ،‬فذبحه ذبحا بواسط يوم‬
‫األضحى‪ ،‬عىل رؤوس من شهد العيد معه من املسلمني‪ ،‬وال يعيبه به عائب‪ ،‬وال يطعن عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫طاعن ‪ ،‬بل استحسنوا ذلك من فعله‪ ،‬وصوبوه من رأيه"‪.‬‬
‫وقال ابن كثري‪" :‬والذي يظهر أن هذا ال يصح عنه‪ ،‬فإنه كان قائما يف إطفاء الضالل والبدع‬
‫كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغريه من أهل اإللحاد‪ ،‬وقد نسب إليه صاحب العقد‬
‫أشياء ال تصح‪ ،‬ألن صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع ومغاالة ألهل البيت"‪.‬‬
‫قال ابن سحمان‪" :‬وأما قوله‪( :‬فهذا الذي قتل الجعد عامل من عمال بني أمية قتله من غري‬
‫مشاورة عالم من علماء الدين فكيف يقول ابن عبد الوهاب‪ :‬إنه قتل بإجماع التابعني فأين‬
‫الحياء من رب العاملني يف نسبة اإلجماع لهذا الفعل إىل التابعني وهو فعل عامل من عمال‬
‫الجبارين) والجواب‪ :‬أن يقال لهذا الجاهل الذي ينطق بما ال يعقل‪ :‬قد كان خالد بن عبدالله‬
‫القرسي من عمال بني أمية‪ ،‬وقد غضب لله وغار من كفر عدو الله الجعد بن درهم؛ حيث‬
‫زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليالً وال كلم موَس تكليما‪ ،‬فقتله غضبا لله وغرية وحمية‪،‬‬
‫فأقره عىل ذلك وشكره عليه جميع أهل السنة‪ ،‬فكان إجماعً ا‪ ،‬وال يلزم من ذكر اإلجماع عىل‬
‫مسألة أو قضية أو فتوى أن يبعث إىل جميع األمة ويشاورهم عىل فعلها‪ ،‬وال يكون إجماعً ا‬
‫إال ما كان كذلك‪ ،‬وهذا لم يقله أحد من العلماء‪ ،‬بل الذي ذكر أهل العلم أن الصحابي أو‬
‫الواحد من العلماء إذا قال قوال ً أو قىض بقضية فانترشت وظهرت ولم يكن لها مخالف من‬
‫الصحابة ‪ ،‬أو فعل ذلك أحد من التابعني ولم يعرف له مخالف‪ ،‬أن ذلك إجماع‪ ،‬وقد اشتهر‬
‫قتل خالد بن عبدالله القرسي لجعد عدو الله ولم ينكره أحد من التابعني وال من بعدهم‬
‫من العلماء‪ ،‬ولم يُعرف يف ذلك مخالف‪ ،‬فكان إجماعا‪.‬وأما تعليله بأنه من عمال الجبارين‬
‫! فهو تعليل بارد ‪ ،‬أما علم هذا املفتون أن أكثر والة أهل اإلسالم من عهد يزيد بن معاوية‬
‫حاشا عمر بن عبدالعزيز وما شاء الله من بني أمية ‪ ،‬قد وقع منهم ما وقع من الجرأة‬
‫والحوادث العظام والخروج والفساد يف والية أهل اإلسالم ‪ ،‬ومع ذلك فسرية األئمة األعالم‬
‫والسادة العظام معروفة مشهورة ‪ ،‬ال ينـزعون يدًا من طاعتهم فيما أمر الله به ورسوله‬
‫من يرائع اإلسالم وواجبات الدين ‪ ،‬وأْضب لك مثالً بالحجاج بن يوسف الثقفي ‪ ،‬وقد‬
‫اشتهر أمره يف األمة بالظلم والغشم واإلرساف يف سفك الدماء وانتهاك حرمات الله ‪ ،‬وقتل‬
‫من قتل من سادات األمة كسعيد بن جبري ‪ ،‬وحارص ابن الزبري وقد عاذ بالحرم الرشيف ‪،‬‬

‫(‪ )1‬الرد عىل الجهمية ص ‪204‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫واستباح الحرمة ‪ ،‬وقتل ابن الزبري مع أن ابن الزبري قد أعطاه الطاعة وبايعه عامة أهل‬
‫مكة واملدينة واليمن وأكثر سواد العراق ‪ ،‬والحجاج نائب عن مروان ثم عن ولده عبدامللك ‪،‬‬
‫ولم يعهد أحد من الخلفاء إىل مروان ولم يبايعه أهل الحل والعقد ‪ ،‬ومع ذلك لم يتوقف‬
‫أحد من أهل العلم يف طاعته واالنقياد له فيما تسوغ طاعته فيه من أركان اإلسالم وواجباته‬
‫‪ ،‬وكان ابن عمر ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله ﷺ ال ينازعونه وال يمتنعون‬
‫من طاعته فيما يقوم به اإلسالم ويكمل به اإليمان ‪ ،‬وكذلك من يف زمانه من التابعني كابن‬
‫املسيب والحسن البرصي وابن سريين وإبراهيم التيمي وأشباههم ونظرائهم من سادات‬
‫األمة ‪ ،‬واستمر العمل عىل هذا بني علماء األمة وأئمتها يأمرون بطاعة الله ورسوله والجهاد‬
‫يف سبيله مع كل إمام بر أو فاجر ‪ ،‬كما هو معروف يف كتب أصول الدين والعقائد ‪ ،‬وكذلك‬
‫قهرا بالسيف لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين‬‫بنو العباس استولوا عىل بالد املسلمني ً‬
‫‪ ،‬فقتلوا خلقا ً كثريا ً وجما ً غفريا ً من بني أمية وأمرائهم ونوابهم ‪ ،‬وقتلوا ابن هبرية أمري‬
‫العراق ‪ ،‬وقتلوا الخليفة مروان حتى نُقل أن السفاح قتل يف يوم واحد ثمانني من بني أمية‬
‫ووضع الفرش عىل جثتهم وجلس عليها ودعا باملطاعم واملشارب ‪ ،‬ومع ذلك فسرية األئمة‬
‫كاألوزاعي ومالك والزهري والليث بن سعد وعطاء بن أبي رباح مع هؤالء امللوك ال تخفي‬
‫عىل من له مشاركة يف العلم ‪ ،‬واطالع ‪ ،‬والطبقة الثانية من أهل العلم كأحمد بن حنبل‬
‫ومحمد ابن إسماعيل البخاري ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن نوح وإسحاق ابن‬
‫راهويه وإخوانهم وقع يف عرصهم من امللوك ما وقع من البدع العظام وإنكار الصفات‬
‫فقتل من قتل كمحمد ابن نرص ‪ ،‬ومع ذلك فال يعلم أن أحدا ً‬ ‫ودعوا إىل ذلك وامتحنوا فيه ‪ُ ،‬‬
‫منهم نزع يدا ً من طاعة وال رأى الخروج‪ ،‬واملقصود أنه إذا فعل عامل من عمال هؤالء امللوك‬
‫الظلمة أمرا ً يحبه الله ورسوله يجب عىل كل مسلم إعانته عليه وحضه عىل فعل ما أمر الله‬
‫ورسوله ‪ ،‬وكان فيه إعزاز اإلسالم وأهله وقمع الرشك وأهله ومحق آثار البدع وأهلها ومن‬
‫أحدثها ‪ ،‬فإنه ال يعاب عىل فعل ما أمر الله به ورسوله لكونه عامالً من عمال الظلمة‬
‫الجبارين ‪ ،‬فكيف إذا أقره عىل ذلك كافة علماء السنة وشكروه عىل هذا الصنيع ‪ ،‬فال يعيب‬
‫بهذا إال رجل جاهل ال يدري ما الناس فيه من أمر دينهم ‪ ،‬وال يعيب عىل الشيخ محمد‬

‫‪- 120 -‬‬


‫رحمه الله بنقل إجماع أهل السنة عىل ذلك إال معتوه مصاب يف عقله ‪ ،‬مغموص بالنفاق ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والله املستعان‪".‬‬

‫ِ‬
‫لرعيته بالكفاالت واجتماعهم حوله تحت‬ ‫وال شك أن الشيخ أبا بكر البغدادي قد أحسن‬
‫حكم يرع الله وجهاده لكل أمم الكفر ومحاسنه كثرية‪ ،‬فلو وقع يف ظل ٍم وجور‪ ،‬فأحب‬
‫للمسلم أن يغفر له ويسامحه‪ ،‬وهذا كان دأب السلف رحمهم الله‪.‬‬

‫الفضيل بن عياض ‪-‬رحمه الله‪“ :-‬ما رأيت أزهد من رجل من أهل خراسان‪ ،‬جلس إيل ّ‬‫قال ُ‬
‫يف املسجد‪ ،‬ثم قام ليطوف فرسقت دنانري كانت معه‪ ،‬فجعل يبكي‪ ،‬فقلت‪ :‬أعىل الدنانري‬
‫تبكي؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن مثلتني وإياه بني يدي الله ‪-‬عز وجل‪ -‬فأيرف عقَل عىل إدحاض‬
‫حجته فبكيت رحمة له"‪.‬‬
‫قال ابن املربد يف كتاب أدب الدعاء‪" :‬فهذا رحم الظالم‪ ،‬وممن رحم الظالم ‪ً -‬‬
‫أيضا‪ -‬أشياء‬
‫كثرية؛ كما روي عن بعضهم‪ :‬أنه خطفت عمامته‪ ،‬فبقي يعدو خلفه ويقول‪ :‬أبرأت ذمتك‬
‫منها‪ ،‬فقل‪ :‬قبلت‪ ،‬فقيل له‪ ،‬فقال‪ :‬مني يأخذه حالال‪.‬‬
‫وجرى ْلخر مثل هذا‪ ،‬فقيل له‪ :‬فقال‪ :‬ألن هذا منكر‪ ،‬فإذا أبرأته منها‪ُ ،‬‬
‫أزلت املنكر‪.‬‬
‫وممن علم ظامله‪ ،‬وقدر عليه‪ ،‬ولم يؤاخذه‪ ،‬ما جرى لشيخنا الشيخ زين الدين ابن الحبال‬
‫الحنبَل‪ :‬أنه كان يف بعض بساتني الشام هو وأخوه‪ ،‬فجاء‪ ،‬فلقيهما أناس‪ ،‬فعروهم‪ ،‬وأخذوا‬
‫ما عليهما‪ ،‬ثم عرف واحدا منهم‪ ،‬ولم يقل له شيئا واحدًا‪ ،‬وأخربني هو بهذا الخرب‪.‬قلت له‪:‬‬
‫عرفته؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬هو يف املجزرة‪ ،‬قلت له‪ :‬وما قلت له؟ قال‪ :‬قلت له‪ :‬تُب إىل الله تعاىل‪ ،‬وال‬
‫وعرفته‪ ،‬قلت له‪ :‬من هو؟‪ ،‬قال‪ :‬ما كنت ألهتكه‪ ،‬وما أظنه دعا عليه‪ ،‬بل دعا له‪.‬‬‫تعد‪َّ ،‬‬
‫قال‪ :‬وال يدع عىل الظالم‪ ،‬والصرب عن الدعاء عليه أوىل‪ ،‬كما يف قصة اإلمام أحمد ملا ْضب‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬أال تدعوا عليهم؟ فقال‪ :‬ليس بصابر من دعا عىل ظالم‪.‬وقد ُروي عن النبي ﷺ‪،‬‬
‫ِ‬
‫حديث عائشة ريض الله عنها‪:‬‬ ‫أنه نهى عن سب السارق‪ ،‬والدعاء عليه‪.‬وخ َّرج أبو داود‪ ،‬من‬

‫(‪ )1‬قال الشيخ سليمان بن سحمان ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬يف كتابه " تنبيه ذوي األلباب السليمة "( ص ‪) 143-137‬‬
‫ردًا عىل الزيدي املعرتض عىل شيخ اإلسالم محمد بن عبدالوهاب ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫أنها ُرسقت ملحفة لها‪ ،‬فجعلت تدعو عىل من رسقها‪ ،‬فجعل النبي ﷺ يقول لها‪ :‬ال تسبخي‬
‫عنه ‪-‬يعني ال تخففي‪.-‬‬
‫قال‪ :‬ومن العارفني من كان يرحم الظلمة‪ ،‬وربما دعا له‪.‬وقيل لبعض السلف الصالح‪ :‬إن‬
‫فالنا يقع فيك‪ ،‬فقال‪ :‬ألغيظن من أمره‪ ،‬يغفر الله يل وله‪ ،‬قيل‪ :‬ومن أمره؟ قال‪ :‬الشيطان‬
‫(‪)1‬‬
‫"‪.‬‬

‫(‪ )1‬أدب املرتعا يف علم الدعا البن املربد صفحة ‪273‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫َُّ‬
‫ُقولهمُأنُأباُبكرُقدُوىلُالدبرُولمُيُقاتل‬ ‫بابُذكر‬

‫ٌ‬
‫خالفة وله الحق يف الذهاب إىل كل بقعة يحكمها من‬ ‫وهذا الكالم غريب يف الحقيقة‪ ،‬إذ أنها‬
‫الفلبني إىل افريقية‪ ،‬دون الحديث عن مصلحة الجماعة ومفسدة الفرقة التي ال تهم هؤالء‬
‫الخوارج‪ ،‬لكن يقال لهم‪ ،‬ما تقولون يف هذه األخبار التي حصلت للصحابة ريض الله عنهم؟‬
‫قال محب الدين‪ " :‬عن ابن عباس‪ ،‬أن عمر بن الخطاب خرج إىل الشام‪ ،‬حتى إذا كان‬
‫برسغ‪ ،‬لقيه أمراء األجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه‪ ،‬فأخربوه أن الوباء قد وقع‬
‫بالشام‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬فقال عمر‪ :‬ادع يل املهاجرين األولني‪ ،‬فدعوتهم‪ ،‬فاستشارهم‬
‫وأخربهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬خرجت ألمر فال نرى أن ترجع‬
‫عنه‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬معك بقية الناس وأصحاب رسول الله ﷺ‪ ،‬وال نرى أن تقدمهم عىل‬
‫هذا الوباء‪ ،‬فقال‪ :‬ارتفعوا عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬ادع يل األنصار فدعوتهم‪ ،‬فاستشارهم فسلكوا‬
‫سبيل املهاجرين واختلفوا كاختالفهم‪ ،‬فقال‪ :‬ارتفعوا عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬ادع يل من كان هاهنا‬
‫من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح‪ ،‬فدعوتهم‪ ،‬فلم يختلف عليه رجالن‪ ،‬وقالوا‪ :‬نرى أن‬
‫ترجع بالناس وال تقدمهم عىل هذا الوباء‪ ،‬فنادى عمر يف الناس إني مصبح عىل ظهر‪،‬‬
‫فأصبحوا عليه‪ ،‬فقال أبو عبيدة بن الجراح‪ :‬أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر‪ :‬لو غريك قالها‬
‫يا أبا عبيدة وكان عمر يكره خالفه نفر من قدر الله إىل قدر الله‪ ،‬أرأيت لو كان لك إبل‬
‫فهبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة‪ ،‬واألخرى جدبة‪ ،‬أليس إن رعيت الخصبة رعيتها‬
‫بقدر الله‪ ،‬وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪.‬قال‪ :‬فجاء عبد الرحمن بن عوف‪،‬‬
‫وكان متغيبا يف بعض حاجته‪ ،‬فقال‪ :‬إن عندي من هذا علما‪ ،‬سمعت رسول الله ﷺ يقول‪:‬‬
‫«إذا سمعتم به بأرض فال تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقع بأرض وأنتم بها فال تخرجوا فرارا منه»‬
‫قال‪ :‬فحمد الله عمر بن الخطاب ثم انرصف ‪ ،‬ويف رواية‪ :‬فسار حتى أتى املدينة فقال‪ :‬هذا‬
‫(‪)1‬‬
‫املحل وهذا املنزل إن شاء الله تعاىل‪ ،‬أخرجاه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرياض النْضة ‪333‬‬

‫‪- 123 -‬‬


‫قبل سماعه بالحديث وبلوغه النص‪.‬‬
‫عمرا ريض الله عنه رأى العودة ِ‬
‫قلت‪ :‬والشاهد أن ً‬
‫وروى الطربي يف تاريخه بإسناده‪" :‬فقال عثمان لعمر‪ :‬ما بلغك؟ ما الذي تريد؟ فنادى‪:‬‬
‫الصالة جامعة فاجتمع الناس إليه‪ ،‬فأخربهم الخرب ثم نظر ما يقول الناس‪ ،‬فقال العامة‪:‬‬
‫رس ورس بنا معك‪ ،‬فدخل معهم يف رأيهم‪ ،‬وكره أن يدعهم حتى يخرجهم منه يف رفق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫استعدوا وأعدوا فإني سائر إال أن يجيء رأي هو أمثل من ذلك ثم بعث إىل أهل الرأي‪،‬‬
‫فاجتمع إليه وجوه أصحاب النبي ﷺ وأعالم العرب‪ ،‬فقال‪ :‬أحْضوني الرأي فإني سائر‬
‫فاجتمعوا جميعا‪ ،‬وأجمع ملؤهم عىل أن يبعث رجال من اصحاب رسول الله ﷺ ويقيم‪،‬‬
‫ويرميه بالجنود‪ ،‬فإن كان الذي يشتهي من الفتح‪ ،‬فهو الذي يريد ويريدون‪ ،‬وإال أعاد‬
‫رجال وندب جندا اخر‪ ،‬ويف ذلك ما يغيظ العدو‪ ،‬ويرعوي املسلمون‪ ،‬ويجيء نرص الله‬
‫بإنجاز موعود الله فنادى عمر‪ :‬الصالة جامعة‪ ،‬فاجتمع الناس إليه‪ ،‬وأرسل إىل عَل ‪ ،‬وقد‬
‫استخلفه عىل املدينة‪ ،‬فأتاه‪ ،‬وإىل طلحة وقد بعثه"‬
‫إىل أن قال عمر‪" :‬إني إنما كنت كرجل منكم حتى رصفني ذوو الرأي منكم عن الخروج‪،‬‬
‫فقد رأيت أن أقيم وأبعث رجال"‪.‬‬
‫فرار أو جبان كما يف منطقكم ومعايريكم الساذجة‬
‫فهل كان عمر–وحاشاه ريض الله عنه ‪ّ -‬‬
‫؟ومثل هذا كثري‪.‬‬
‫أخرج اإلمام البخاري من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب قال‪ :‬جاء رجل من أهل مرص‬
‫يريد حج البيت فرأى قوما ً جلوسا فقال‪ :‬من هؤالء القوم؟ قالوا‪ :‬هؤالء قريش‪ ،‬قال‪ :‬فمن‬
‫الشيخ فيهم؟ قالوا عبد الله بن عمر‪ .‬قال‪ :‬يا ابن عمر‪ ،‬إني سائلك عن يشء فحدثني عنه‪.‬‬
‫هل تعلم أن عثمان ف َّر يوم أحد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال الله أكرب! قال‬
‫ابن عمر‪ ،‬وتعال أبني لك‪ .‬أما فرار ُه يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له‪ .‬وأما تغيبه‬
‫بنت رسول الله ‪-‬ﷺ‪-‬وكانت مريضة فقال له رسول الله ‪-‬ﷺ ‪-‬‬ ‫عن بدر فإنه كان تحته ُ‬
‫إن لك أجر رجل ممن شهد بدر وسهمه‪ .‬وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أح ٌد أعز‬
‫ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه‪ ،‬فبعث رسول الله ‪-‬ﷺ‪-‬عثمان وكانت بيعة الرضوان‬
‫بعد ما ذهب عثمان إىل مكة فقال رسول الله ﷺ بيده اليمنى‪" :‬هذه يد عثمان"‪ ،‬فْضب‬
‫بها عىل يده فقال‪" :‬هذه لعثمان"‪ ،‬ثم قال له ابن عمر ‪:‬اذهب بها اْلن معك‪.‬‬
‫ألهميته ريض الله عنه فيما أ ُسند إليه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وهذا تخلف عن الغزو‬
‫‪- 124 -‬‬
‫بابُذكرُأخبارُمنُأنكرُعلناا‬

‫العلني‪ ،‬ويربطون األمر بقصة إنكار عبادة وأبي ذر‬‫ّ‬ ‫كثريا ما يتحدث الناس عن اإلنكار‬
‫ريض الله عنهما عىل عثمان ريض الله عنه‪ ،‬والحقِ يقة أنه ليس فيه ما ذهبوا إليه‪.‬‬
‫ان ي ََق ُع بَيْن َ ُه وَ ب ْ َ‬
‫َني‬ ‫ات ِبهَ ا ل َِسب َِب مَ ا َك َ‬ ‫الربَذَ َة وَ مَ َ‬ ‫"فا ْلجَ وَ ابُ ‪ :‬أ َ َّن أَبَا َذ ير َس َك َن َّ‬ ‫قال تقي الدين‪َ :‬‬
‫الز ْه َد‬ ‫ان ِم ْن مَ ذْ َه ِب ِه أ َ َّن ُّ‬
‫صالِحً ا َزاهِ دًا‪ ،‬وَ َك َ‬ ‫ان َرجُ ًال َ‬ ‫اس‪َ ،‬ف ِإ َّن أَبَا ذَ ير ‪َ -‬ر ِ َ‬
‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪َ -‬ك َ‬ ‫الن َّ ِ‬
‫اض ًال عَ ْن حَ اجَ ت ِِه َفهُ َو َكن ْ ٌز يُ ْكوَى ِب ِه ِيف الن َّ ِار" [‪ ]...‬وَ َلمَّ ا‬ ‫اجبٌ ‪ ،‬وَ أ َ َّن مَ ا أَمْ َس َك ُه ْ ِاإلن ْ َسا ُن َف ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫ف مَ ًاال‪ ،‬جَ عَ َل أَبُو َذ ير َذ ِل َك ِم َن ا ْل َكن ْ ِز ا َّلذِي يُعَ َاقبُ عَ َلي ِْه‪،‬‬ ‫ف َ‬
‫وَخ َّل َ‬ ‫الرحْ مَ ِن بْ ُن عَ وْ ٍ‬
‫وُيف َ عَ بْ ُد َّ‬ ‫تُ ِّ‬
‫ان َق ْد َ‬
‫وَق َع بَيْن َ ُه‬ ‫ْضبَ ُه أَبُو ذَ ير‪ ،‬وَ َك َ‬‫ان‪َ ،‬ف َ َ‬ ‫َخ َل َكعْ بٌ وَ وَ َاف َق عُ ثْمَ َ‬ ‫اظ ُر ُه ِيف ذَ ِل َك‪ ،‬حَ تَّى د َ‬ ‫وَ عُ ثْمَ ا ُن يُن َ ِ‬
‫الصحَ اب َِة َل ُه مَ ا ٌل عَ َىل عَ هْ ِد‬ ‫ان َغ ْريُ وَ احِ ٍد ِم َن َّ‬ ‫وَق ْد َك َ‬ ‫السب َِب [‪َ ]...‬‬ ‫الشا ِم ِبهَ ذَا َّ‬‫َني مُعَ ِاوي ََة ِب َّ‬ ‫وَ ب ْ َ‬
‫ان‬ ‫ان َغ ْريُ وَ احِ ٍد ِم َن ْ َ‬
‫األن ْ ِبيَا ِء َل ُه مَ ا ٌل‪.‬وَ َك َ‬ ‫ين‪ .‬وَ َك َ‬ ‫اج ِر َ‬‫ص ِار‪ ،‬بَ ْل وَ ِم َن ا ْلمُهَ ِ‬ ‫الن َّ ِب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪ِ ،-‬م َن ْ َ‬
‫األن ْ َ‬
‫ُوج ِب ال َّل ُه عَ َلي ِْهمْ‪ ،‬وَ يَذُمُّ هُ ْم عَ َىل مَ ا لَ ْم يَذُمُّ هُ ُم ال َّل ُه‬‫اس مَ ا َل ْم ي ِ‬ ‫ُوجبَ عَ َىل الن َّ ِ‬ ‫أَبُو ذَ ٌّر ي ُِري ُد أ َ ْن ي ِ‬
‫ِين ِم ْن‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه ‪َ -‬ك َسائ ِِر ا ْلمُجْ تَ ِهد َ‬ ‫طاعَ ِت ِه ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫عَ َلي ِْه‪ ،‬مَ َع أَن َّ ُه مُجْ تَ ِه ٌد ِيف ذَ ِل َك‪ُ ،‬مثَابٌ عَ َىل َ‬
‫ني‬ ‫وَهذَا ِم ْن أ َ ْسب ِ‬
‫َاب ا ْلفِ تَ ِن بَ ْ َ‬ ‫ات‪َ .‬‬ ‫اه ْم عَ ِن ا ْل ُمبَاحَ ِ‬ ‫وَس َع أَبُو ذَ ير ِيف ْ ِاإلن ْ َك ِار حَ تَّى نَهَ ُ‬ ‫أَمْ ثَال ِِه[‪ ]..‬وَ تَ َّ‬
‫ض ِم َن‬ ‫ان مَ َع أ َ ِبي ذَ ير َغ َر ٌ‬ ‫السب َِب‪ ،‬وَ َل ْم يَ ُك ْن لِعُ ثْمَ َ‬ ‫ان اعْ ت َِزا ُل أ َ ِبي ذَ ير لِهَ ذَا َّ‬ ‫ني‪َ .‬ف َك َ‬ ‫طائ َِفتَ ْ ِ‬ ‫ال َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اض"‪.‬‬ ‫َْ‬
‫األ ْغ َر ِ‬
‫وأبو ذر ريض الله عنه هو القائل‪" :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬افتح الباب‪ ،‬ال تحسبني من قوم‬
‫يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"‪ ،‬وال أدري لم سيقولها ريض الله عنه إال أن‬
‫جرسا يعرب من خالله الخوارج‪ ،‬ولقد مر به خوارج الكوفة فقالوا له‪:‬‬
‫ً‬ ‫العلني‬
‫ّ‬ ‫يكون اإلنكار‬
‫يا أبا ذر‪ ،‬فعل بك هذا الرجل وفعل‪ ،‬فهل أنت ناصب لك راية فنكملك برجال ما شئت؟‬
‫فقال‪ :‬يا أهل اإلسالم‪ ،‬ال تعرضوا عَل ذاكم وال تذلوا السلطان‪ ،‬فإنه من أذل السلطان‪ ،‬فال‬
‫توبة له‪ ،‬والله لو صلبني عىل أطول خشبة أو حبل‪ ،‬لسمعت وصربت ورأيت أن ذلك خري‬
‫يل"‪.‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة ‪275 / 6‬‬

‫‪- 125 -‬‬


‫ولهذا كان ابتداء ظهور الخوارج زمن عثمان من خالل اإلنكار العلني كخوارج عرصنا حذو‬
‫القذة بالقذة‪ ،‬وليت خوارج عرصنا أنكروا داخل الدولة املنكرات واملظالم‪ ،‬وإنما داهنوا‬
‫وتملقوا فلما حُ رموا دنياهم هربوا وجعلوا يفسدون ويدعون إىل الخروج ويُشمتون بنا‬
‫األعداء‪ ،‬و والله لو لم يكن من فسادهم سوى أن نرشوا كالمهم الذي سيؤذي أخواتنا‬
‫األسريات‪ ،‬ويخوفهن بأن الدولة ال تهتم لهن‪ ،‬وما سيتبع ذلك من انتكاسات وطوام‪ ،‬لكفى‬
‫به داللة عىل سوء هؤالء الفساق أسكت الله نأمتهم‪.‬‬

‫أسباب الخروج عىل عثمان‪ ،‬أن منها الرخاء الذي أورث األمة البطر‪ ،‬قال الحسن‬ ‫ِ‬ ‫وقد قيل يف‬
‫البرصي رحمه الله‪" :‬أدركت عثمان عىل ما نقموا عليه‪ ،‬قلما يأتي عىل الناس يوم إال وهم‬
‫يقتسمون فيه خريًا‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬يا معرش املسلمني‪ ،‬اغدوا عىل أعطياتكم‪ .‬فيأخذونها وافرة‪،‬‬
‫ثم يقال لهم‪ :‬يا معرش املسلمني‪ ،‬اغدوا عىل أرزاقكم‪ .‬فيأخذونها وافرة‪ ،‬ثم يقال لهم‪ :‬اغدوا‬
‫عىل السمن والعسل‪ .‬األعطيات جارية‪ ،‬واألرزاق دائرة والعدو منفي‪ ،‬وذات البني حسن‪،‬‬
‫والخري كثري‪ ،‬وما مؤمن يخاف مؤمنًا‪ ،‬من لقيه فهو أخوه من كان‪ ،‬ألفته ونصيحته ومودته‪،‬‬
‫قد عهد إليهم أنها ستكون أثرة‪ ،‬فإذا كانت أن يصربوا‪ ...‬ولو أنهم صربوا حني رأوها‬
‫لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخري الكثري‪ ،‬قالوا‪ :‬ال والله ما نصابرها‪ .‬فو الله‬
‫ما ردوا وال سلموا‪ ،‬واألخرى كان السيف مغمدًا عن أهل اإلسالم ما عىل األرض مؤمن يخاف‬
‫سيفا‪ ،‬حتى سلوه عىل أنفسهم‪ ،‬فوالله ما زال مسلوال ً إىل يوم الناس‬ ‫أن يسل مؤمن عليه ً‬
‫هذا‪ ،‬وأيم الله إني ألراه ً‬
‫سيفا مسلوال ً إىل يوم القيامة"‪.‬‬

‫ودولة الخالفة قد عاش رعيتها يف رخاء كبري‪ ،‬وحصل ألهل الجهاد من الغنى مالم يحلموا‬
‫سابقا ملا كانوا مطاردين يف السجون والصحاري إال من شذ عنهم‪ ،‬وقيل أن االختالف‬ ‫ً‬ ‫به‬
‫بني طبع عثمان وطبع عمر لعب دورا كبريا‪ ،‬إذ كان عمر شديدا وعثمان حليما‪ ،‬لذلك قال‬
‫عبد الله بن عمر‪ :‬والله لقد نقموا عىل عثمان أشياء لو فعلها عمر ما تكلم منهم أحد‪.‬‬
‫وأنا أقول‪ :‬قد نقموا عىل البغدادي أشياء لو فعلها أسامة بن الدن أو الزرقاوي ما تكلم منهم‬
‫أحد‪.‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫سلف الغاشمي وصحبه يف اإلنكار ‪ ،‬قال محمد بن عمر‪ :‬وحدثني محمد بن صالح‬ ‫َ‬ ‫وانظر إىل‬
‫عن عبد الله بن رافع بن نقاخة عن عثمان بن الرشيد قال‪ :‬مر عثمان بن عفان عىل جبلة‬
‫بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره فقال جبلة لعثمان‪" :‬يا نعثل‪ ،‬والله ألقتلنك وألحملنك‬
‫عىل قلوص جرباء وألخرجنك إىل حرة النار"‪ .‬ثم جاءه مرة أخري وعثمان عَل املنرب فانزله‬
‫(‪)1‬‬
‫عنه "‬

‫وروى أبو بكر بن اسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد قال‪ :‬كان أول من اجرتأ عىل عثمان‬
‫باملنطق السيئ جبلة بن عمرو الساعدي‪ ،‬مر به عثمان وهو جالس يف ندى قومه ويف يد‬
‫جبلة جامعة‪ ،‬فلما مر عثمان سلم فرد القوم‪ ،‬فقال جبلة‪" :‬ل َم تردون عىل رجل فعل كذا‬
‫وكذا!!" قال‪ :‬ثم أقبل عىل عثمان فقال‪" :‬والله ألطرحن هذه الجامعة يف عنقك أو لترتكن‬
‫بطانتك هذه"‪ .‬قال عثمان‪" :‬أي بطانة! فوالله اني ألتخري الناس"‪ ،‬فقال‪" :‬مروان تخريته!‬
‫ومعاوية تخريته! وعبد الله بن عامر بن ُكريز تخريته! وعبد الله بن سعد تخريته! منهم من‬
‫نزل القرآن بدمه‪ ،‬وأباح رسول الله دمه"‪.‬‬
‫وجاء يف تاريخ اإلسالم (‪: )2‬قال أبو األشهب عن الحسن قال ‪ :‬لقد رأيتهم تحاصبوا يف املسجد‬
‫حتى ما أبرص السماء وإن رجال رفع مصحفه من حجرات النبي ﷺ ثم نادى ‪ :‬ألم تعلموا‬
‫أن محمدا قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا وقال سالم ‪ :‬سمعت الحسن قال ‪ :‬خرج‬
‫عثمان يوم الجمعة فقام إليه رجل فقال ‪ :‬أسألك كتاب الله فقال ‪ :‬ويحك أليس معك كتاب‬
‫الله ! قال ‪ :‬ثم جاء رجل آخر فنهاه وقام آخر وآخر حتى كثروا ثم تحاصبوا حتى لم أر‬
‫أدم السماء وروى برش بن شغاف عن عبد الله بن سالم قال ‪ :‬بينما عثمان يخطب فقام‬
‫رجل فنال منه فوذأته فاتذأ فقال رجل ‪ :‬ال يمنعك مكان ابن سالم أن تسب نعثال فإنه من‬
‫شيعته فقال له ‪ :‬لقد قلت القول العظيم يف الخليفة من بعد نوح وذأته ‪ :‬زجرته وقمعته‬
‫وقالوا لعثمان " نعثال " تشبها له برجل مرصي اسمه نعثل كان طويل اللحية والنعثل ‪:‬‬
‫الذكر من الضباع وكان عمر يشبه بنوح يف الشدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الطربي‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬ص ‪661‬‬


‫(‪444 / 1 )2‬‬

‫‪- 127 -‬‬


‫وروى نور الدين الهيثمي عن عبادة بن زاهر أبي رواع قال‪ :‬سمعت عثمان يخطب قال ‪:‬‬
‫إنا والله قد صحبنا رسول الله ﷺ يف السفر والحْض وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا‬
‫ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثري وإن ناسا يعلموني به عىس أن ال يكون أحدهم رآه‬
‫قط رواه أحمد وأبو يعىل يف الكبري وزاد ‪ :‬فقال له أعني ابن امرأة الفرزدق ‪ :‬يا نعثل إنك قد‬
‫بدلت ‪ .‬فقال ‪ :‬من هذا ؟ فقالوا ‪ :‬أعني ‪ .‬فقال ‪ :‬بل أنت أيها العبد ‪ .‬قال ‪ :‬فوثب الناس إىل‬
‫أعني ‪ .‬قال ‪ :‬وجعل رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله داره‪ .‬ورجالهما رجال‬
‫(‪)1‬‬
‫الصحيح غري عباد بن زاهر وهو ثقة‪.‬‬
‫جاء يف اإلصابة‪ :‬فوثب محمد بن أبي حذيفة عىل عقبة فأخرجه من مرص وذلك يف شوال‬
‫(‪)2‬‬
‫منها ودعا إىل خلع عثمان وأسعر البالد وحرض الناس عىل عثمان‪.‬‬
‫وقال الذهبي‪ :‬محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القريش العبشمي أبو‬
‫القاسم ‪ .‬كان أبوه من السابقني إىل اإلسالم وهاجر إىل الحبشة فولد له هذا بها‪ .‬واستشهد‬
‫يوم اليمامة فنشأ محمد يف حجر عثمان ثم إنه غضب عىل عثمان لكونه لم يستعمله أو لغري‬
‫ذلك فصار إلبا عىل عثمان‪ .‬فلما وفد أمري مرص عبد الله بن سعد بن أبي رسح إىل عثمان‬
‫وكان محمد بمرص فتوثب عىل مرص وأخرج منها نائب ابن أبي رسح عقبة بن مالك وخلع‬
‫(‪)3‬‬
‫عثمان واستوىل عىل مرص فلم يتم أمره‪.‬‬

‫قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن بن عون عن محمد بن سريين قال‬
‫أيرف عليهم عثمان من القرص فقال ائتوني برجل أتاليه كتاب الله فأتوه بصعصعة بن‬
‫صوحان وكان شابا فقال أما وجدتم أحدا تأتوني به غري هذا الشاب قال فتكلم صعصعة‬
‫بكالم فقال له عثمان اتل فقال أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله عىل نرصهم لقدير‬
‫فقال كذبت ليست لك وال ألصحابك ولكنها يل وألصحابي ثم تال عثمان أذن للذين يقاتلون‬
‫(‪)4‬‬
‫بأنهم ظلموا وإن الله عىل نرصهم لقدير حتى بلغ وإىل الله عاقبة األمور‪.‬‬

‫(‪ )1‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد املؤلف؛ ‪463 / 7‬‬


‫(‪ )2‬اإلصابة يف تمييز الصحابة املؤلف ‪ :‬أحمد بن عَل بن حجر أبو الفضل العسقالني؛ ‪11 / 6‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ اإلسالم؛ ‪479 / 1‬‬
‫(‪ )4‬املصنف يف األحاديث واْلثار؛ ‪443 / 7‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫وعثمان ريض الله عنه‪ ،‬إمام املؤمنني‪ ،‬وعلم املسلمني‪ ،‬وصاحب رسول الله ﷺ وهو من هو‬
‫لشخصه‪ ،‬قال ابن منظور‪ ( :‬نعثل ) النَّعْ ث َ ُل‬‫ِ‬ ‫يف فضله وسابقته لم يسلم من تعرض الخوارج‬
‫يخ وهو الذ َكر من الضباع ونَعْ ث َ َل َخمَ ع‬ ‫حمق ويقال فيه نَعْ ث َ ٌلة أَي حمق والنَّعْ ث َ ُل الذِّ ُ‬ ‫الشيخ َ‬
‫األ ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫التبخرت ونَعْ ثَل‬ ‫ف بهما وهو من‬ ‫يميش الرجل مُفاجًّ ا وي َْقلِب َقدَمَ يْه كأَنه ي َْغ ِر ُ‬ ‫والنَّعْ ثَلة أَن ِ َ‬
‫رجل من أَهل ِم ْرص كان طويل ال ِّلحْ ية قيل إِنه كان ي ُْش ِبه عثمان ريض الله عنه هذا قول أَبي‬
‫عبيد وشا ِتمُو عثمان ريض الله عنه يسمونه نَعْ ثَالً ويف حديث عثمان أَنه كان يخطب ذات‬
‫يوم فقام رجل فنال منه َفوَ ذَأ َ ُه اب ُن َسالم فاتَّذَأ َ فقال له رجل ال يَمْ نَعَ نَّك مكان ابن سالم أَن‬
‫تَ ُسبَّ نَعْ ثَالً ف ِإنه من ِشيعته وكان أَعدا ُء عثمان يسمونه نَعْ ثَالً تشبيها ً بالرجل امل ِ ْرصيّ‬
‫املذكور آنفا ً ويف حديث عائشة ْاقتُلُوا نَعْ ثَالً َقتَل الل ُه نَعْ ثَالً تعني عثمان وكان هذا منها ملا‬
‫وذهبت إِىل مكة وكان عثمان إِذا نِي َل منه وعيب شبِّه بهذا الرجل امل ِ ْرصيّ لطول‬ ‫ْ‬ ‫غاضبَتْه‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫لحيته ولم يكونوا يجدون فيه عيبا ً غري هذا‬

‫وقد نسبت لألشرت النخعي رسالة لعثمان جاء فيها‪" :‬من مالك بن الحارث إىل الخليفة‬
‫املبتىل الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره‪ .‬أما بعد فقد قرأنا‬
‫كتابك؛ فإن ُه نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيري الصالحني‪ ،‬نسمح لك بطاعتنا‪.‬‬
‫وزعمت إنا قد ظلمنا أنفسنا‪ ،‬وذلك ظنك الذي أرداك فأراك الجور عدال ً والباطل حقا‪ .‬وأما‬
‫محبتنا فان تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنيك عىل خيارنا‪ ،‬وتسيريك صلحاءنا‪،‬‬
‫وإخراجك إيانا من ديارنا‪ ،‬وتوليتك األحداث علينا‪ ،‬وأن تويل مرصنا عبد الله بن قيس أبا‬
‫موَس األشعري وحذيفة‪ ،‬فقد رضيناهما‪ .‬واحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إليه‬
‫الهوى من أهل بيتك إن شاء الله والسالم"‪.‬‬

‫وقال ابن سبأ‪ :‬إن عثمان أخذ األمر بغري حق و هذا ويص الرسول ﷺ‪ ،‬فانهضوا يف هذا‬
‫األمر فحركوه‪ ،‬و ابدؤوا بالطعن يف أمرائكم و أظهروا األمر باملعروف و النهي عن املنكر‬
‫ان استفسد ِيف األمصار‬ ‫تستميلوا الناس‪ ،‬و ادعوهم إىل هذا األمر فبث دعاته‪ ،‬وكاتب من َك َ‬
‫وكاتبوه‪ ،‬ودعوا ِيف الرس إ ِ َىل مَ ا عَ َلي ِْه رأيهم‪ ،‬وأظهروا األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫وجعلوا يكتبون إ ِ َىل األمصار بكتب يضعونها ِيف عيوب والتهم‪ ،‬ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذَ ِل َك‪،‬‬

‫(‪ )1‬لسان العرب ؛ ‪669 / 11‬‬

‫‪- 129 -‬‬


‫ويكتب أهل كل مرص ِمنْهُ ْم إ ِ َىل مرص آخر بما يصنعون‪ ،‬فيقرؤه أُو َل ِئ َك ِيف أمصارهم وهؤالء‬
‫ِيف أمصارهم‪ ،‬حَ تَّى تناولوا ِبذَ ِل َك ا ْلمَ دِينَة‪ ،‬وأوسعوا األرض إذاعة‪ ،‬وهم يريدون غري مَ ا‬
‫(‪)1‬‬
‫يظهرون‪ ،‬ويرسون غري مَ ا يبدون‪" ،‬‬
‫ف تأمل عظيم التطابق والتشابه بني أتباع أبي محمد الديري وبني طائفة السبئية وكيف‬
‫ساروا عىل نهجهم حذو القذة بالقذة فسبحان الله‪.‬‬
‫قال صاحب العواصم يف ما نسب لعمار ‪-‬ريض الله عنه‪ :-‬هذا كله باطل سندا ومتنا لو أنه‬
‫فتق أمعاءه ما عاش أبدا‪.‬‬
‫علق عىل ذلك محب الدين الخطيب يف الحاشية فقال ‪":‬وقد روى الطربي(‪ )2‬عن سعيد بن‬
‫املسيب أنه كان بني عمار وعباس بن عتبة بن أبي لهب خالف حمل عثمان عىل أن يؤدبهما‬
‫عليه بالْضب‪ .‬قلت هذا مما يفعله ويل أمر يف مثل هذه األحوال قبل عثمان وبعده‪ ،‬كما فعل‬
‫عمر مثل ذلك بأمثال عمار ومن هم خري من عمار بما له من حق الوالية عىل املسلمني‪ ،‬وملا‬
‫نظم السبئيون حركة اإلشاعات‪ ،‬وصاروا يرسلون الكتب من كل مرص إىل األمصار األخرى‬
‫باألخبار الكاذبة فأشار الصحابة عىل عثمان بأن يبعث رجاال ً ممن يثق بهم إىل األمصار‬
‫حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال تناَس عثمان ما كان من عمار فأرسله إىل مرص ليكون‬
‫موضع ثقته يف كشف حالها‪ .‬فأبطأ عمار يف مرص والتف به السبئيون ليستميلوه إليهم‪،‬‬
‫فتدارك عثمان وعامله عىل مرص هذا األمر وجيء بعمار إىل املدينة مكرما وعاتبه ملا قدم‬
‫عليه فقال له "يا أبا اليقضان قذفت ابن أبي لهب أن قذفك وغضبت عَل أن أخذت لك بحقك‬
‫ول ه بحقه اللهم قد وهبت ما بيني وبني أمتي من مظلمة اللهم إني متقرب إليك بإقامة‬
‫حدودك يف كل أحد وال أبايل‪ ،‬اخرج عني يا عمار"‪.‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الطربي (‪)647- 648/2‬‬

‫(‪99 / 5 )2‬‬

‫‪- 130 -‬‬


‫بابُفيمَ اُيَستَد ُّل ِ‬
‫ُبهُأهلُاألهوَ ا ُِءُ‬
‫ُاإل َ‬
‫سالمُوَ بَيَانُجهل ِِهم‬ ‫ُعَ َىلُمَ اُوقع‬
‫َُبأهل ِ‬
‫ِ‬

‫مكن الله لها يف أرضه الواسعة‪ ،‬خ َرج منها أشباه الرجال وال‬ ‫َّملا ابتُليَت دولة الخالفة التي ّ‬
‫الكفر التي‬
‫ِ‬ ‫رجال من ط َغام األحالم وعقول ربَّات الحجال‪ ،‬و ّملا استقر بهم املقام بأرض‬
‫هربوا إليها بدينه ُم املزعوم‪ ،‬بعدما لفظتهم دار الطهر واإلسالم كما ترفض األنفس السوية‬
‫صيحة باطل‪ ،‬وكفروا بكل خري كفران الجارية بالعشري‪ ،‬أما بعضهم فقد‬ ‫َ‬ ‫املجذوم‪ ،‬صاحوا‬
‫كان يُبْطن الكفر والتجهم والبدع فلما استيأس من إظهار ما يبطن خرجَ ُم َّدعيًا أنه ال ح َّق‬
‫اليوم وال سنّة‪ ،‬فذهب ينتظر مخلصه وال مهديّ فيهم‪ ،‬وآخرون عُ رفوا بالجبن وحُ ب املال‬
‫فلمَّ ا ق َّلت النعم ولم تدم خذلوا الدولة اإلسالمية وخذَّلوا املسلمني عن الغزو‪ ،‬وقالوا هذا أوان‬
‫حمار ُة القيظ الذي ال انرصا َم له! ُديِّثوا بالصغار‪ ،‬وما علموا أن املال ظل‬
‫َّ‬ ‫ُقـ ير ُ‬
‫وَصـ ير‪ ،‬بل‬
‫زائل وعارية مسرتجعة‪.‬‬

‫فقالوا‪" :‬إن هذه الدولة قد ْضبها الله‪ ،‬فسبيت نسائها وقتل رجالها"‪.‬‬
‫ِ‬
‫الشماتة‬ ‫أهلك الله صاحب هذه املقالة وأهلك من لم ينكرها وسخم وجهه ملا أظهر فيها من‬
‫بالحرائر الالتي ما رضني إال بالعفاف والسرت‪ ،‬هو والله العجب‪ ،‬قد زعم أنه املؤمن الوحيد‬
‫وىل ُدبره وخرج‬‫ساداته بعد إذ َّ‬
‫ِ‬ ‫وما هو إال للنفاق أقرب‪ ،‬صار يبحث ويُنقب عن عثرات‬
‫ذليال حقريًا تلقاء ديار األتراك واملرتدين ال يف عري وال يف نفري‪ ،‬وما ُ‬
‫اكرتث لهذا وال لكالم‬ ‫ً‬
‫ألعراض ونسا ِء املوحدين‬
‫ِ‬ ‫أمثاله يف ثُب َِّت األقدام عِ ظام الها ّم ُرجَّ ِح َ‬
‫األحالم‪ ،‬لكن األمر قد وصل‬
‫َ‬
‫يشمت بهم الصعافقة من األعراب القعدة املارقة وَ أمثالهم من املرتدين والله املستعان‪.‬‬ ‫أن‬

‫قا َل ال َكذّاب‪" :‬قد نسبت ظلمها ملنهاج النبوة"‪.‬‬


‫لسان أمريها الذي لو كفر لخرجنا‬‫ِ‬ ‫والجواب‪ :‬أما زعمه أنها قد نسبت الظلم ملنهاج النبوة عىل‬
‫عليه ‪-‬مع القدرة وتفصيل السلف املشهور‪ ،-‬أو عىل لسان وزرائه الذين د َّلت القرائن عىل‬
‫أنهم ما يتحدثون إال بما يدين به اإلمام وإن كان األصل أن الساكت ال ينسب له قول قائل‬

‫‪- 131 -‬‬


‫وال عمل عامل‪ ،‬فهذا من الكذب البني عليه‪ ،‬وقد قال الله تعاىل‪{ :‬وال يجرمنَّكم شنآن قو ٍم‬
‫عىل َّأال تع ِدلوا اعدلوا هو أقربُ للتقوى}‪.‬‬
‫َ‬
‫وصدق عبد الله بن طاهر حني قال عن املرجئة‪ :‬إنكم تبغضون هؤالء القوم عن جهل‪ ،‬وأنا‬
‫ابغضهم عن معرفة‪ ،‬إن أول أمرهم أنهم ال يرون للسلطان طاعة‪.‬‬
‫فلقول هؤال ِء القوم ومن وافقهم رس خفي وحقيقة باطنة قد تخفى عىل الكثريين‪ ،‬وهي‬
‫تكفريُ الخليفة والخروج عىل جماعة املسلمني‪.‬‬
‫قال تعاىل‪{ :‬ومن اظلم ممن افرتى عىل الله الكذب}‪ ،‬وقال‪{ :‬وال تقولوا ملا تصف ألسنتكم‬
‫الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفرتوا عىل الله الكذب}‪ ،‬واملقرر أن من افرتى عىل الله تعاىل‬
‫كفرا‪.‬‬
‫عليه وعىل رسوله فقد كفر وانسلخ عن دين اإلسالم واستبدل إيمانه ً‬ ‫وكذب ِ‬

‫وكال ُم إبراهيم القريش ظاهر‪ ،‬وسلس تفهمه السامة والعامة‪ ،‬فأين أتى عىل ِ‬
‫ذكر منهاج‬
‫العدناني ونسب منهاج النبوة لكرس‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ املجاهد أبو محمد‬ ‫النبوة؟ وإنما ذكرها وزيره‬
‫القيود وإزالة الحدود وقتل الرافضة أذناب اليهود‪.‬‬
‫بكر البغدادي ‪-‬حفظه الله وأصلحه ووفق ُه‪" :-‬قد أمرنا الله تبارك‬ ‫قال أمري املؤمنني أبو ٍ‬
‫اختص به سبحانه وجعله‬ ‫َّ‬ ‫وتعاىل بالجهاد وفرضه علينا ولم يكلفنا النرص أو يطالبنا به‪ ،‬بل‬
‫أيضا بالسالمة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ومن يقاتل يف سبيل الله فيُقتل أو يَغلب‬ ‫من عنده‪ ،‬وما وعدنا ً‬
‫أجرا عظيمً ا}‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬ويتخذ منكم شهداء}‪ ،‬لذا فإن القتل فينا أو‬ ‫فسوف نؤتيه ً‬
‫فضال وكرا ً‬
‫مة من الله‬ ‫ً‬ ‫وإرصارا وصربًا‪ ،‬وال نع ُّد القتل إال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عزيمة‬ ‫االبتالء ال يزيدنا إال يقينًا و‬
‫عزوجل يختص به من يشاء من عباده"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬ونذكركم بأوىل أولوياتكم دائمً ا؛ أال وهو فكاك أرسى املسلمني يف كل مكان‪ ،‬وجعل‬
‫الحراس يف‬
‫َّ‬ ‫جزاريهم من القضاة واملحققني‪ ،‬وجالوزتهم من‬ ‫مطاردة ومالحقة وتصفية َّ‬
‫رأس قائمة األهداف" (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الكلمة الصوتية " ويأبى الله إال أن يتم نوره"‬

‫‪- 132 -‬‬


‫وقال‪" :‬ولقد ابتليت بهذه األمانة‪ ..‬فإن رأيتموني عىل ّ‬
‫حق فأعينوني‪ ،‬وإن رأيتموني عىل‬
‫باطل فانصحوني وسددوني‪ ،‬وأطيعوني ما أطعت الله فيكم‪ ،‬فإن عصيته فال طاعة يل‬
‫عليكم‪ ،‬وإني ال أعدكم كما يعد امللوك والحكام أتباعهم ورعيّتهم‪ ،‬من رفاهية ودعة وأمن‬
‫(‪)1‬‬
‫ورخاء"‬
‫ِ‬
‫تقاته؛ يعزكم يف الدنيا واْلخرة‪ ،‬إن أردتم‬ ‫وقال‪" :‬عبا َد الله؛ أقيموا دينكم‪ ،‬واتقوا الله حق‬
‫األمن؛ فاتقوا الله‪ ،‬وإن أردتم الرزق؛ فاتقوا الله‪ ،‬وإن أردتم حياة كريمة؛ فاتقوا الله‬
‫وجاهدوا يف سبيل الله" (‪.)2‬‬
‫وقال‪" :‬وال يفوتني أن أذكر األرسى يف سجون الطواغيت‪ ،‬فال والله ما نسيناكم‪ ..‬وأخص‬
‫طلبة العلم يف سجون آل سلول" (‪.)3‬‬
‫وقال‪" :‬فازهدوا يف الدنيا وأقبلوا عىل الله‪ ،‬فالدنيا فانية‪ ،‬وما عند الله خري وأبقى‪ ،‬وأقلعوا‬
‫عن املعايص‪ ،‬واجتنبوا الظلم‪ ،‬وأطيعوا أمراءكم‪ ،‬فال تنازعوا‪ ،‬وأكثروا من قراءة القرآن‪،‬‬
‫وأكثروا من التوبة واالستغفار"(‪.)4‬‬
‫وقال‪" :‬وإن وصيتي لكم إخراج األرسى يف كل مكان وخصوصا طلبة العلم يف سجون‬
‫الطواغيت"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وتجنبوا معصية الله ومخالفة أمرهِ‪ ،‬فإن عاقبة ذلك وخيمة عىل جميعكم‪ ،‬وإني‬
‫تال عليكم وصية أمري املؤمنني عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص ريض الله عنهما ومن‬ ‫ٍ‬
‫حيث قال‪" :‬فإني آمرك و من معك من األخيار بتقوى الله عىل كل حال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫معه من األجناد‪،‬‬
‫فإن تقوى الله أفضل العدة عىل العدو‪ ،‬و أقوى املكيدة يف الحرب‪ ،‬و آمرك و من معك أن‬
‫تكونوا أشد احرتاسا من املعايص منكم من عدوكم‪ ،‬فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من‬
‫عدوهم‪ ،‬و إنما ينرص املسلمون بمعصية عدوهم لله‪ ،‬و لوال ذلك لم تكن لنا بهم قوة‪ ،‬ألن‬
‫عددنا ليس كعددهم‪ ،‬و ال عدتنا كعدتهم‪ ،‬فإن استوينا يف املعصية كان لهم الفضل علينا يف‬
‫القوة‪ ،‬و إال ننرص عليهم بفضلنا‪ ،‬لن نغلبهم بقوتنا‪ .‬اعلموا‪ ،‬أن عليكم يف سريكم حفظة من‬
‫الله‪ ،‬يعلمون ما تفعلون‪ ،‬فاستحيوا منهم‪ ،‬و ال تعملوا بمعايص الله‪ ،‬و أنتم يف سبيل الله‪،‬‬

‫(‪ )1‬خطبة الحدباء‪.‬‬


‫(‪ )2‬خطبة الحدباء‬
‫ً‬
‫وثقاال"‬ ‫ً‬
‫خفافا‬ ‫(‪ )3‬الكلمة الصوتية " انفروا‬
‫(‪ )4‬الكلمة الصوتية " فرتبصوا إنا معكم مرتبصون"‬

‫‪- 133 -‬‬


‫و ال تقولوا عدونا ير عنا‪ ،‬فلن يسلط علينا و إن أسئنا‪ ،‬فرب قوم مسلط عليهم ير منهم‪،‬‬
‫كما سلط عىل بني إرسائيل ملا عملوا بمساخط الله كفرة املجوس‪ ،‬فجاسوا خالل الديار و‬
‫كان وعدا مفعوال‪.‬‬
‫واسألوا الله العون عىل أنفسكم‪ ،‬كما تسألونه النرص عىل عدوكم‪ ،‬أسأل الله ذلك لنا و‬
‫لكم"(‪.)1‬‬
‫وقال‪" :‬ثم إني أحذركم النزاع والخالف بينكم يف علومكم وأعمالكم وأنتم يف عدوة واحدة‬
‫توحدون ربكم وتجاهدون عدوكم وتسعون إلعالء كلمة الله يف أرضه"‪.‬‬
‫قربة وأطيعوا لهم عبادة‪ ،‬مالم‬‫ً‬ ‫وقال‪" :‬وإياكم واالختالف عىل أمرائكم‪ ،‬اسمعوا لهم‬
‫يأمروكم بمعصية‪ ،‬واعلموا أ َّن خالفكم إياهم من أمر الجاهلية‪ ،‬وإنما أعزكم الله باإلسالم‬
‫والجماعة والسمع والطاعة"‪.‬‬

‫ولعمري مارأيت شخصا ينصح رعيته وجنده كإبراهيم‪ ،‬وليت شعري‪ ،‬أين ذك َر أن الدولة‬
‫فضال عن أن ينسب الظلم واملعايص لها‪ ،‬بل كل كالمه يحرص ما أمكن‬ ‫ً‬ ‫عىل منهاج النبوة‪،‬‬
‫فيه عىل اتباع سنة رسول الله ﷺ ‪ ،‬إبرا ًء لذمته‪.‬‬

‫وأما ذكر منهاج النبوة‪ ،‬فقد ذُكر خالل غزوة بيجي حني سفك املسلمون دماء الروافض يف‬
‫قتل ألنجس خلق‬ ‫يوم من أيام الله‪ ،‬فنسبت تلك الغزوة إىل منهاج النبوة ملا كان فيها من ٍ‬
‫الله من الرافضة القاذفني لعرض أم املؤمنني‪ ،‬ثم قول شيخنا أبي محمد العدناني تقبله‬
‫الله‪" :‬يا جنود الدولة اإلسالمية‪ ،‬إنها الخالفة بإذن الله؛ فإن أردتموها عىل منهاج النبوة إن‬
‫شاء الله؛ فإياكم والظلم‪ ،‬إياكم والعجب والغرور‪ ،‬اخلصوا نياتكم لله تعاىل‪ ،‬وجددوها‬
‫دائما‪ ،‬وأكثروا من التوبة واالستغفار وقول ال حول وال قوة إال بالله‪ ،‬تربؤوا من حولكم‬
‫وقوتكم إىل حول الله وقوته"‪.‬‬

‫(‪ )1‬هذا ما وعدنا الله ورسوله‬

‫‪- 134 -‬‬


‫وقال‪" :‬فما بعد إزالة هذه الحدود! حدود الذل! وكرس هذا الصنم؛ صنم الوطنية؛ إال خالفة‬
‫ً‬
‫تعليقا"‪.‬‬ ‫ً‬
‫تحقيقا ال‬ ‫عىل منهاج النبوة‪ ،‬إن شاء الله تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫الدعي املصاب بداء الشيزوفرينيا هو من قال أنها‬
‫ّ‬ ‫والحقيقة أن أبو محمد الديريّ الكذاب‬
‫خالفة نبوية وذلك يف رده عىل الرسوري حمود العمري (الدليل مُرفق)‬

‫فقط لتعرفوا أن عبد الدينار هذا متذبذب مُتق ِّلب الدين له وال منهَ ج وإنما يسري وفق هواه‬
‫الخاصة ويقفز من خندق لخندق عىل حسب ما تقتضيه املصلحة فهي خالفة‬ ‫َّ‬ ‫ومصالحه‬
‫نبوية عندما تغدق عليه األموال وهي دولة ظاملة عندما ينضب املخزون‪ ،‬وهذا دأب املنافقني‬
‫املتذبذبني يف كل زمن فهم ال يستطيعون تحمل البالء مجرد ما تتعقد األمور ويعظم الخطب‬
‫وينزل التمحيص ينقلبون عىل أعقابهم ألنهم ال يستطيعون البقاء يف الجانب املبتىل " َف َ َ‬
‫رتى‬
‫ِين ِيف ُقلُو ِب ِهم مَّ َر ٌ‬
‫ض ي َُس ِارعُ َ‬
‫ون فِ ِيه ْم "‬ ‫ا َّلذ َ‬

‫و والله قد بحثت لهؤالء الخوارج مخرجً ا وحجة فما وجدتها‪.‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫ثم إني قد استحسنت كالمً ا لصاحب الربهان القاطع يف إثبات الصانع وجميع ما جاءت به‬
‫قمر يُرى من مسري ثالثة أشهر أو شهر‬ ‫حيث قال‪" :‬فقد مكن املقنّع من إطالع ٍ‬‫ُ‬ ‫الرشائع‪،‬‬
‫عند دعوى الربوبية‪ ،‬واستمر حتى قتله املسلمون يف علقة َسنَام واشتهر حتى قيلت فيه‬
‫األشعار‪ ...‬وكذلك مكن الله الدجال من خرق العادات عند دعوى الربوبية‪ ،‬ألننا نقول‪:‬‬
‫الدليل العقَل ّ عىل بطالن ربوبيتهم قائم وكاف يف تكذيبهم‪ ،‬ويف العلم ببطالن ما جاؤوا به‬
‫بخالف ما لو ا ّد عوا النبوة قبل أن يأتي السمع بانقطاع النبوة‪ ،‬أما بعد أن جاء السمع‬
‫بانقطاعها مثل أن ي َّدعي بعد محمد ﷺ أحد النبوة‪ ،‬فإنه ال يجب عىل الله أن يمنعه من‬
‫إظهار سحره‪ ،‬ألن العلم بكذبه وتزويره حاصل من قبل السمع"‪.‬‬

‫ويف هذا الكال ِم أبلغ الر ِّد عىل حجة هؤالء املبتدعة‪ ،‬فلو أن الدولة نسبت ظلمها ملنهاج النبوة‬
‫أخف من ادعاء الشخص النبوة بل الربوبية‪ ،‬فبطال ُن ذلك ظاهر من جهة السمع‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫وهو‬
‫فكيف بأن يعذب الله العامة بذنب الخاصة وما قرص العامة يف اإلنكار عىل‬ ‫َ‬ ‫الكتاب والسنة‪،‬‬
‫الخاصة ‪ ،‬بل العلماء عىل أن اإلنكار يسقط عند الخوف من سيف السلطان كما يف األحكام‬
‫السلطانية واألمر باملعروف ألبي يعىل القايض واألمر باملعروف والنهي عن املنكر للخالل‬
‫يف املروي عن اإلمام أحمد‪ ،‬أفيقال بعد هذا أن علماء أهل النقل قد عطلوا أحكام الله وداهنوا‬
‫الظلمة؟ كما يقول هؤالء القعد عن املجاهدين وشيوخهم وطلبة العلم فيهم‪.‬‬

‫ٌ‬
‫تمحيص للصف وهذا ال ينكره‬ ‫وأما ما ح َّل باملسلمني املوحِّ دين بدولة اإلسالم‪َ ،‬ف ِ‬
‫فيه ما هو‬
‫إال مكابر‪ ،‬ولو لم يكن من أبني الداللة عليه ِسوى خروج هؤالء القعد واملعتزلة وغريهم من‬
‫لكفى به تمحيصا وقرة عني للمؤمنني‪ِ ،‬‬
‫وفيه ما هو عائ ٌد لعصيان الجند أمريهم‬ ‫املبتدعة َ‬
‫وجبن بعضهم‪ ،‬وفيه ما هو استدراج ألهل الكفر حتى يظهروا ما يبطنونه كما يحصل يف‬
‫ديار الردة‪ ،‬وفيه ما هو سبب بدعة أو ظلم أو معايص‪ ،‬وهذه يكفرها الله تعاىل عن عباده‬
‫عرب البالء الذي يحل بهم فمتى كفرت عنهم خطاياهم وصربوا نزل النرص إن شاء الله‪ ،‬إذ‬
‫الذنوب مطلقا من جميع املؤمنني هي سبب العذاب‪ ،‬لكن العقوبة بها يف اْلخرة يف جهنم‬
‫تندفع بنحو عرشة أسباب ذكرها شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه الله يف منهاج السنة النبوية‪،‬‬
‫قال رحمه الله‪:‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫َ‬
‫يع‬‫"السبَبُ ْاألوَّ ُل‪ :‬التَّوْ ب َُة؛ َف ِإ َّن التَّائِبَ ِم َن الذَّن ْ ِب َكمَ ْن َال ذَنْبَ َلهُ‪ .‬وَ التَّوْ ب َُة مَ ْقبُولَ ٌة ِم ْن جَ ِم ِ‬ ‫َّ‬
‫ِين َك َف ُروا إ ِ ْن يَنْتَهُ وا ي ُْغ َف ْر َلهُ ْم‬ ‫اىل‪ُ :‬‬
‫{ق ْل ِل َّلذ َ‬ ‫َان‪َ .‬قا َل ال َّل ُه تَعَ َ‬
‫صي ِ‬ ‫وب‪ :‬ا ْل ُك ْف ِر‪ ،‬وَ ا ْل ُف ُس ِ‬
‫وق‪ ،‬وَ ا ْلعِ ْ‬ ‫الذُّن ُ ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫الز َكا َة َف ِإ ْخوَ ان ُ ُك ْم ِيف الد ِ‬
‫ِّين}‬ ‫{ف ِإ ْن تَابُوا وَ أ َ َقامُوا َّ‬
‫الص َال َة وَ آتَوُا َّ‬ ‫اىل‪َ :‬‬ ‫ف} (‪َ )1‬‬
‫وَقا َل تَعَ َ‬ ‫مَ ا َق ْد َس َل َ‬
‫ِين َقالُوا إ ِ َّن ال َّل َه ثَال ُ‬
‫ِث ث َ َالث َ ٍة وَمَ ا ِم ْن إ ِ َل ٍه إ ِ َّال إ ِ َل ٌه وَ احِ ٌد َوإ ِ ْن َل ْم يَن ْتَهُ وا‬ ‫اىل‪َ { :‬ل َق ْد َك َف َر ا َّلذ َ‬ ‫َ‬
‫وَقا َل تَعَ َ‬
‫ِين َك َف ُروا ِمنْهُ ْم عَ ذَابٌ أَلِي ٌم ‪ -‬أ َ َف َال يَتُوب َ‬
‫ُون إ ِ َىل ال َّل ِه وَ ي َْستَ ْغفِ ُرون َ ُه وَ ال َّل ُه‬ ‫ون َليَمَ َّس َّن ا َّلذ َ‬ ‫عَ مَّ ا ي َُقولُ َ‬
‫َغ ُفو ٌر َرحِ يمٌ} (‪. )3‬‬
‫ات ث ُ َّم َل ْم يَتُوبُوا َف َلهُ ْم عَ َذابُ جَ هَ ن َّ َم وَ َلهُ ْم عَ ذَابُ‬ ‫ِين َفتَنُوا ا ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬
‫ني وَ ا ْلم ُْؤ ِمن َ ِ‬ ‫وَقا َل‪{ :‬إ ِ َّن ا َّلذ َ‬ ‫َ‬
‫ظ ُروا إ ِ َىل َهذَا الْ َك َر ِم وَ ا ْلجُ ودِ‪َ ،‬فتَنُوا أَوْ ِليَاء َُه وَعَ ذَّب ُ‬
‫ُوه ْم‬ ‫َرصيُّ ‪ :‬ان ْ ُ‬ ‫يق} (‪َ .)4‬قا َل ا ْلحَ َس ُن ا ْلب ْ ِ‬ ‫ا ْلحَ ِر ِ‬
‫ِبالن َّ ِار‪ ،‬ث ُ َّم ُه َو يَدْعُ ُ‬
‫وه ْم إ ِ َىل التَّوْ ب َِة"‪.‬‬
‫ثم ذكر بقية األسباب إىل أن قال‪:‬‬
‫[السبب السابع املصائب الدنيوية التي يكفر الله بها الخطايا]‪.‬‬
‫وَال َغ يم‬
‫ص ٍب‪َ ،‬‬‫وَال ن َ َ‬
‫وَص ٍب َ‬‫يح عَ ِن الن َّ ِب ِّي ﷺ أَن َّ ُه َقا َل‪« " :‬مَ ا ي ُِصيبُ ا ْلم ُْؤ ِم َن ِم ْن َ‬ ‫الصحِ ِ‬‫َكمَ ا ِيف َّ‬
‫طايَا ُه»"‪.‬‬ ‫وَال حَ َز ٍن وَ َال أ َ ًذى‪ ،‬حَ تَّى َّ‬
‫الشوْ َك ِة ي َُشا ُكهَ ا‪ ،‬إ ِ َّال َك َّف َر ال َّل ُه ِبهَ ا ِم ْن َخ َ‬ ‫وَال َهمي‪َ ،‬‬
‫َ‬

‫ني عَ ِن الن َّ ِب ِّي ﷺ أَن َّ ُه َقا َل‪« " :‬مَ ث َ ُل ا ْلم ُْؤ ِم ِن مَ ث َ ُل ا ْل َخامَ ِة ِم َن َّ‬
‫الز ْر ِع تُ َفيِّئُهَ ا‬ ‫الصحِ يحَ ْ ِ‬ ‫وَيف َّ‬ ‫ِ‬
‫ال ِّريَاحُ ‪ ،‬تُ َقوِّ مُهَ ا تَ َار ًة وَ تُ ِميلُهَ ا أ ُ ْخ َرى‪ .‬وَمَ ث َ ُل ا ْل ُمنَافِ ِق َكمَ ث َ ِل َشجَ َر ِة ْ َ‬
‫األ ْر َزةِ‪َ ،‬ال تَ َزا ُل ثَا ِبتَ ًة عَ َىل‬
‫ون ان ْ ِجعَ ُ‬
‫افهَ ا مَ َّر ًة وَ احِ َد ًة»"‪.‬‬ ‫صلِهَ ا‪ ،‬حَ تَّى يَ ُك َ‬ ‫أَ ْ‬
‫الصحَ اب َُة ‪ِ -‬ر ْ‬
‫ضوَ ا ُن ال َّل ِه عَ َليْ ِه ْم‬ ‫ريةٍ] وَ َّ‬ ‫وَه َذا ا ْلمَ عْ نَى ُمتَوَ ا ِت ٌر عَ ِن الن َّ ِب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪[ِ -‬يف أَحَ ادِ َ‬
‫يث َك ِث َ‬ ‫َ‬
‫ص َل ْت ِيف‬ ‫صائ ِِب ا َّلتِي حَ َ‬ ‫رت َك ٍة‪َ ،‬كا ْلمَ َ‬ ‫صائِبَ م ُْش َ َ‬ ‫اص ِة‪ ،‬وَ ابْتُلُوا ِبمَ َ‬ ‫صائ ِِب ا ْل َخ َّ‬ ‫‪َ -‬كانُوا يُبْتَ َلوْ َن ِبا ْلمَ َ‬
‫وَهذَا أ ُ ِصيبَ‬ ‫األحْ يَا ُء أ ُ ِصيبُوا ِبأ َ ْهل ِ‬
‫ِيه ْم وَ أ َ َق ِار ِب ِه ْم‪َ ،‬‬ ‫ا ْلفِ تَ ِن‪ ،‬وَ َل ْو َل ْم يَ ُك ْن إ ِ َّال أ َ َّن َك ِثريًا ِمنْهُ ْم ُق ِتلُوا‪ ،‬وَ ْ َ‬
‫وَهذَا أ ُ ِصيبَ ِبذَ َه ِ‬
‫اب ِوَاليَت ِِه وَ عِ ِّزهِ ‪..‬‬ ‫وَهذَا أ ُ ِصيبَ ِب ِج َراحَ ت ِِه‪َ ،‬‬ ‫ِيف مَ ال ِِه‪َ ،‬‬
‫الصحَ اب َِة‪َ ،‬ف َكيْ َ‬
‫ف‬ ‫ني ِم ْن َغ ْ ِ‬
‫ري َّ‬ ‫ري ذَ ِل َك‪َ ،‬فهَ ِذهِ ُك ُّلهَ ا ِممَّ ا يُ َك ِّف ُر ال َّل ُه ِبهَ ا ذُنُوبَ ا ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬
‫إ ِ َىل َغ ْ ِ‬
‫الصحَ اب َُة؟ َ‬
‫وَهذَا ِممَّ ا َال بُ َّد ِمنْهُ‪.‬‬ ‫َّ‬

‫ال‪38 :‬‬‫ور ُة ْاألَن ْ َف ِ‬


‫(‪ُ )1‬س َ‬
‫ور ُة التَّوْ ب َِة‪11 :‬‬‫(‪ُ )2‬س َ‬
‫ور ُة الْمَ ا ِئ َدةِ‪74 - 73 :‬‬‫(‪ُ )3‬س َ‬
‫ُوج‪10 :‬‬‫ور ُة الْ ُرب ِ‬ ‫(‪ُ )4‬س َ‬
‫‪- 137 -‬‬
‫ني‬‫طانِي اثْنَتَ ْ ِ‬ ‫يح عَ ِن الن َّ ِب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أَن َّ ُه َقا َل‪َ « " :‬سأ َ ْل ُت َربِّي ث َ َالثًا َفأَعْ َ‬ ‫الصحِ ِ‬ ‫وَق ْد ثَب ََت ِيف َّ‬ ‫َ‬
‫وَسأ َ ْلتُ ُه أ َ ْن َال ي َُس ِّل َ‬
‫ط عَ َلي ِْه ْم‬ ‫وَمَ نَعَ نِي وَ احِ َد ًة‪َ .‬سأ َ ْلتُ ُه أ َ ْن َال يُهْ ِل َك أُمَّ تِي ِب َسن َ ٍة عَ امَّ ٍة‪َ ،‬فأَعْ َ‬
‫طانِيهَ ا‪َ ،‬‬
‫وَسأ َ ْلتُ ُه أ َ ْن َال يَجْ عَ َل بَأ ْ َسهُ ْم بَيْنَهُ ْم َفمَ نَعَ نِيهَ ا»"‪.‬‬
‫طانِيهَ ا‪َ .‬‬‫[فيَجْ تَاحَ هُ مْ]‪َ ،‬فأَعْ َ‬ ‫عَ دُوًّ ا ِم ْن َغ ْ ِريهِ ْم َ‬

‫ني عَ ْن عُ بَا َد َة‪َ ،‬قا َل‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل ال َّل ِه ‪ -‬ﷺ ‪« " :-‬بَا ِيعُ ونِي عَ َىل أ َ ْن َال‬ ‫الصحِ يحَ ْ ِ‬ ‫"وَيف َّ‬ ‫قال‪ِ :‬‬
‫َني أَيْدِي ُك ْم وَ أ َ ْرجُ ِل ُكمْ‪ ،‬وَ َال‬‫ان تَ ْف َرتُون َ ُه ب ْ َ‬ ‫رس ُقوا‪ْ َ ،‬‬ ‫رش ُكوا ِبال َّل ِه َشيْئًا‪َ ،‬‬ ‫تُ ْ ِ‬
‫وَال تَأتُوا ِببُهْ تَ ٍ‬ ‫وَال تَ ْزن ُوا َ‬
‫وَال تَ ْ ِ‬
‫صابَ ِم ْن َذ ِل َك َشيْئًا َفعُ وقِبَ ِب ِه‬ ‫وَىف ِمن ْ ُك ْم َفأَجْ ُر ُه عَ َىل ال َّل ِه‪ ،‬وَمَ ْن أ َ َ‬
‫وف‪َ ،‬فمَ ْن َّ‬ ‫صونِي ِيف مَ عْ ُر ٍ‬ ‫تَعْ ُ‬
‫[م ْن َذ ِل َك] َشيْئًا َف َس َرت َُه ال َّل ُه عَ َلي ِْه‪َ ،‬فأَمْ ُر ُه إ ِ َىل ال َّل ِه‪ ،‬إ ِ ْن‬ ‫صابَ ِ‬ ‫ِيف ال ُّدنْيَا َفهُ َو َك َّف َار ٌة َلهُ‪ ،‬وَمَ ْن أ َ َ‬
‫َرش‬‫ري فِ عْ ِل ب َ ٍ‬ ‫السمَ ِاوي َُّة ا َّلتِي تَجْ ِري ِب َغ ْ ِ‬ ‫صائِبُ َّ‬ ‫َشا َء عَ ذَّبَهُ‪َ ،‬وإ ِ ْن َشا َء َغ َف َر َل ُه»"‪َ .‬ف ِإذَا َكان َ ِت ا ْلمَ َ‬
‫وْىل‪َ ،‬كمَ ا ي ُِصيبُ‬ ‫األ َ‬‫يق ْ َ‬
‫ط ِر ِ‬ ‫ظا ِل ِم ِب َ‬‫طايَا‪َ ،‬فمَ ا يَجْ ِري ِم ْن أ َ َذى ا ْل َخ ْل ِق وَ ا ْلمَ َ‬ ‫ِممَّ ا يُ َك ِّف ُر ال َّل ُه ِبهَ ا ا ْل َخ َ‬
‫ظلُو َم‬‫األن ْ ِبيَا َء ِم ْن أ َ َذى مَ ْن يُ َكذِّبُهُ مْ‪ ،‬وَ َكمَ ا ي ُِصيبُ ا ْلمَ ْ‬ ‫ِين ِم ْن أ َ َذى ا ْل ُك َّف ِار‪ ،‬وَ َكمَ ا ي ُِصيبُ ْ َ‬ ‫ا ْلمُجَ اهِ د َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِم ْن أ َ َذى ال َّ‬
‫ظا ِل ِم‪.‬‬
‫ومن األسباب كذلك‪ ،‬ما أشار له شيخ اإلسالم رحمه الله وهو سبب مهم جدًّا‪ ،‬بل إني أزعم‬
‫أنه أهمها‪ ،‬كما يف مجموع الفتاوى(‪:)2‬‬
‫ني وَ أ َ ْه َل‬‫ُرش ِك َ‬‫ط ا ْلم ْ ِ‬ ‫الر َّد ِة مَ ا أَوْجَ بَ تَ ْسلِي َ‬ ‫اق وَ ِّ‬ ‫إىل ْ ِاإل ْس َال ِم فِ ِيه ِم ْن الن ِّ َف ِ‬
‫ان َك ِثريٌ ِممَّ ْن يَنْتَ ِسبُ َ‬ ‫"وَ َك َ‬
‫األدِ َّل ِة ال َّل ْف ِظي َِّة عَ َىل‬‫طعَ ُن ِيف د ََال َل ِة ْ َ‬ ‫ني‪َ .‬فتَ ِج ُد أَبَا عَ بْ ِد ال َّل ِه َّ‬
‫الر ِازيَّ يَ ْ‬ ‫اب عَ َىل ِب َالدِ ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ا ْل ِكتَ ِ‬
‫الزنْد ََق ِة َكمَ ا َق َّدمْ نَاهُ‪ .‬ث ُ َّم يَعْ تَ ِم ُد فِ يمَ ا أ َ َق َّر‬‫ان ُهمَ ا م َُقدِّمَ تَا َّ‬ ‫وَهذَ ِ‬
‫األ ْخب َِار ِل ْلعِ ْل ِم‪َ .‬‬ ‫وَيف َإفا َد ِة ْ َ‬ ‫ني ِ‬ ‫ا ْليَقِ ِ‬
‫ات‬ ‫َات وَ ا ْلمُحَ َّرمَ ِ‬ ‫ين ْ ِاإل ْس َال ِم ِمث ْ ُل ا ْلعِ بَاد ِ‬ ‫ض ِط َر ِار ِم ْن دِ ِ‬ ‫ور ْ ِاإل ْس َال ِم عَ َىل مَ ا عُ ِل َم ِب ِاال ْ‬ ‫ِب ِه ِم ْن أ ُ ُم ِ‬
‫يث ‪ -‬يَجْ عَ ُل ا ْلعِ ْل َم‬ ‫األحَ ادِ ِ‬ ‫ري وَ ْ َ‬‫اس ِ‬‫ط َال ِع عَ َىل التَّ َف ِ‬
‫األجْ َسادِ ‪ -‬بَعْ َد ِاال ِّ‬ ‫اإل ْق َرا ُر ِبمَعَ ادِ ْ َ‬
‫ظاهِ َر ِة وَ َكذَ ِل َك ْ ِ‬ ‫ال َّ‬
‫وَال يُقِ ُّر ْإق َرا َر ا ْلحُ ن َ َفا ِء‬ ‫ني َ‬ ‫ط ُل تَعْ ِطي َل ا ْل َف َال ِس َف ِة؛ َّ‬
‫الصا ِب ِئ َ‬ ‫ريةٍ؛ َف َال يُعَ ِّ‬ ‫ِبذَ ِل َك م ُْستَ َفادًا ِم ْن أُم ٍ‬
‫ُور َك ِث َ‬
‫ان ي َُقو ُل ِبعَ دَا َلت ِِه ْم فِ يمَ ا ن َ َقلُو ُه وَ ِبعِ ْل ِم ِه ْم ِيف‬ ‫الصحَ اب َُة " َوإ ِ ْن َك َ‬ ‫ني‪ .‬وَ َكذَ ِل َك " َّ‬ ‫ا ْلعُ َلمَ ا ِء ا ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬
‫اضوا فِ ِيه إذْ َل ْم يَ ِج ْد‬ ‫ات ا ْل َف َال ِس َف ِة وَ مَ ا َخ ُ‬ ‫اضعَ‪ :‬أَنَّهُ ْم َل ْم يَعْ َلمُوا ُشبُهَ ِ‬ ‫ا ْلجُ مْ َل ِة َلك ِْن ي َْزعُ ُم ِيف مَ وَ ِ‬
‫الر ِّد عَ َىل مَ ْن َزعَ مَ‪. . .‬‬ ‫ورا عَ نْهُ ْم التَّ َك ُّل َم ِبلُ َغ ِة ا ْل َف َال ِس َف ِة وَ يَجْ عَ ُل َهذَا حُ جَّ ًة َل ُه ِيف َّ‬ ‫مَ أْث ُ ً‬
‫ني ِيف ا ْلعِ ْل ِم وَ أ َ ْ‬
‫ظ َل ِم ِه ْم ِم ْن َه ُؤَال ِء ا ْل ُمتَ َك ِّلمَ ِة‬ ‫وَ َكذَ ِل َك َهذِهِ ا ْلمَ َق َاال ُت َال تَ ِجد َُها َّإال عِ ن ْ َد أَجْ هَ ِل ا ْل ُمتَ َك ِّل ِم َ‬
‫ري ِم ْن ا ْلعُ َلمَ ا ِء وَ ا ْل ُمتَأَمِّ َرةِ‪ :‬أ َنَا‬‫لصحَ اب َِة " ِمث ْ ُل َقوْ ِل َك ِث ٍ‬ ‫واملتفلسفة وَ ا ْل ُمتَ َشيِّعَ ِة واالتحادية ِيف " ا َّ‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية ‪263 / 6‬‬


‫(‪ )2‬مجموع الفتاوى ‪104/4‬‬

‫‪- 138 -‬‬


‫َايروا ا ْلحُ ُروبَ ُمب َ َ‬
‫َايرتَن َا وَ َال‬ ‫أ َ ْشجَ ُع ِمنْهُ ْم َوإِنَّهُ ْم َل ْم ي َُقا ِتلُوا ِمث ْ َل ا ْلعَ ُد ِّو الَّذِي َقاتَ ْلنَا ُه َ‬
‫وَال ب َ ُ‬
‫وَهذَا َال تَ ِجد ُُه َّإال ِيف أَجْ هَ ِل ا ْل ُملُوكِ وَ أ َ ْ‬
‫ظ َل ِم ِهمْ"‪.‬‬ ‫َاستَنَا َ‬ ‫اسوا ِسي َ‬ ‫َس ُ‬
‫ظهَ َر ِيف ْ ِاإل ْس َال ِم التَّعْ ِطي َل ا َّلذِي تَ َضمَّ ن َ ُه َقوْ ُل فِ ْرعَ وْ َن‬ ‫ف أَن َّ ُه أ َ ْ‬ ‫"وَق ْد قِ ي َل ‪ :‬إ َّن أَوَّ َل مَ ْن عَ َر َ‬ ‫وقال‪َ :‬‬
‫ضحُّ وا تَ َقبَّ َل‬ ‫اس َ‬ ‫وَقا َل ‪ :‬أَيُّهَ ا الن َّ ُ‬ ‫رسيُّ َ‬ ‫ُه َو ا ْلجَ عْ ُد بْ ُن دِ ْر َه ًم َف َضحَّ ى ِب ِه َخا ِل ُد بْ ُن عَ بْ ِد ال َّل ِه ا ْل َق ْ ِ‬
‫ِيال وَ َل ْم‬ ‫ُضحي ِبا ْلجَ عْ ِد ب ِْن دِ ْر َه ٍم ‪ ،‬إن َّ ُه َزعَ َم أ َ َّن ال َّل َه َل ْم يَتَّخِ ذْ إب َْراهِ ي َم َخل ً‬ ‫ضحَ ايَا ُك ْم إنِّي م َ‬ ‫ال َّل ُه َ‬
‫اىل ال َّل ُه عَ مَّ ا ي َُقو ُل ا ْلجَ عْ ُد عُ لُوًّ ا َك ِبريًا ‪ .‬ث ُ َّم ن َ َز َل َفذَبَحَ ُه وَ َش َك َر َل ُه عُ َلمَ ا ُء‬ ‫ُوَس تَ ْكلِيمً ا تَعَ َ‬ ‫يُ َك ِّل ْم م َ‬
‫وَهذَا ا ْلجَ عْ ُد إ َلي ِْه يُن ْ َسبُ مَ ْروَ ا ُن بْ ُن مُحَ مَّ ٍد‬ ‫َرصيِّ وَ َغ ْ ِريهِ ‪َ .‬‬ ‫ني مَ ا َفعَ َل ُه َكا ْلحَ َس ِن ا ْلب ْ ِ‬ ‫ا ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫ظهَ َر ْت‬ ‫ان ُش ْؤ ُم ُه عَ ا َد عَ َلي ِْه حَ تَّى َزا َل ْت الدَّوْ َل ُة ؛ َف ِإن َّ ُه إذَا َ‬ ‫ا ْلجَ عْ دِيُّ آخِ ُر ُخ َل َفا ِء بَنِي أُمَ ي ََّة وَ َك َ‬
‫ظهَ َر ْت‬ ‫رص َلهُ ْم ؛ وَ ِلهَ ذَا َلمَّ ا َ‬ ‫الر ُس َل وَ انْتَ َ َ‬ ‫ف ُّ‬ ‫الر ُس ِل انْتَ َق َم ال َّل ُه ِممَّ ْن َخا َل َ‬ ‫ين ُّ‬ ‫ِف دِ َ‬ ‫ا ْل ِبدَ ُع ا َّلتِي تُ َخال ُ‬
‫َاط ُن أَمْ ِرهِ ْم‬ ‫الزنْد ََق ُة الَّذِي ُه َو ب ِ‬ ‫اق وَ َّ‬ ‫ظهَ َر فِ يهَ ا الن ِّ َف ُ‬ ‫الشا َم وَ َغ ْري ََها َ‬ ‫َاط ِني َُّة وَمَ َل ُكوا َّ‬ ‫ا ْلمَ َالحِ َد ُة ا ْلب ِ‬
‫ون ِب ِه‬ ‫اه ُر َ‬ ‫ظ َ‬ ‫الصان ِِع َوإِن ْ َكا ُر عِ بَا َدت ِِه " وَخِ يَا ُر مَ ا َكانُوا يَتَ َ‬ ‫وْن " إن ْ َكا ُر َّ‬ ‫يق ُة َقوْ ِل فِ ْرعَ َ‬ ‫وَه َو حَ قِ َ‬ ‫ُ‬
‫وَاإل ْلحَ ا ُد حَ تَّى‬ ‫ض ِْ‬ ‫الر ْف ُ‬
‫ظهَ َر ِب َسبَ ِب ِه ْم َّ‬ ‫الرافِ َض ُة وَ َ‬ ‫إىل ْ ِاإل ْس َال ِم َّ‬ ‫ان خِ يَا ُر ُه ْم وَ أ َ ْق َربُهُ ْم َ‬ ‫ض َف َك َ‬ ‫الر ْف ُ‬ ‫َّ‬
‫ان ِم ْن‬ ‫ني ؛ وَ َكذَ ِل َك مَ ْن َك َ‬ ‫َان ا ْل َغا ِلي َِة وَ نَحْ ِوهِ ْم ُمتَ َشيِّعِ َ‬ ‫الشا َم ِمث ْ ُل بَنِي حَ مْ د َ‬ ‫ان يَن ْ ِز ُل َّ‬ ‫ان مَ ْن َك َ‬ ‫َك َ‬
‫اشتَ َغ ْلت‬ ‫ان ابْ ُن ِسينَا وَ أ َ ْه ُل بَيْت ِِه ِم ْن أ َ ْه ِل دَعْ وَ ت ِِه ْم َقا َل ‪ :‬وَ ِب َسب َِب ذَ ِل َك ْ‬ ‫رش ِق ‪ .‬وَ َك َ‬ ‫بَنِي بويه ِيف ا ْلمَ ْ ِ‬
‫وَه َو مَ بْدَأ ُ انْحِ َال ِل‬ ‫وَىل ا ْلم ُْقتَ ِد ُر وَ َل ْم يَ ُك ْن بَ َل َغ بَعْ ُد ُ‬ ‫ني تَ َّ‬ ‫ورهِ ْم ِم ْن حِ ِ‬ ‫ظهُ ِ‬ ‫ان مَ بْدَأ ُ ُ‬ ‫ِيف ا ْل َف ْل َس َف ِة وَ َك َ‬
‫ان َقبْ َل‬ ‫ان ِب ْ َ‬
‫األن ْ َدلُ ِس وَ َك َ‬ ‫األمَ ِويُّ ا َّلذِي َك َ‬ ‫ني ْ ُ‬ ‫ري ا ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬ ‫َّاسي َِّة ؛ وَ ِلهَ َذا ُسمِّ َي حِ ين َ ِئ ٍذ ِبأ َ ِم ِ‬ ‫الدَّوْ َل ِة ا ْلعَ ب ِ‬
‫وَيل َ ا ْلم ُْقتَ ِد ُر َقا َل َهذَا‬ ‫ان َف َلمَّ ا ِ‬ ‫ني َخل َ‬
‫ِيفتَ ِ‬ ‫َذ ِل َك َال ي َُسمَّ ى ِبهَ َذا ِاال ْس ِم وَ ي َُقو ُل ‪َ :‬ال يَ ُكو ُن ِل ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫َّاح ا ْلمَ َالحِ َد ُة ي َُسمَّ وْ َن ِبهَ ذَا‬ ‫ان بَنُو عُ بَيْ ِد ال َّل ِه ا ْل َقد ِ‬ ‫ص ِب ٌّي َال تَ ِصحُّ ِوَاليَتُ ُه َف ُسمِّ َي ِبهَ ذَا ِاال ْس ِم ‪ .‬وَ َك َ‬ ‫َ‬
‫َاط ًال َكدِين ِِه ْم ؛‬ ‫ان ن َ َسبُهُ ْم ب ِ‬ ‫ني وَ َك َ‬ ‫َاط ِن مَ َالحِ َد ًة َزنَادِ َق ًة ُمنَافِ قِ َ‬ ‫ِاال ْس ِم َلكِ َّن َه ُؤَال ِء َكانُوا ِيف ا ْلب ِ‬
‫ُون َكأَمْ ثَال ِِه ْم ِم ْن ُخ َل َفا ِء‬ ‫وَه ْم م ُْس ِلم َ‬ ‫صحِ يحٌ ُ‬ ‫َّايس َف ِإ َّن ك َِال ُهمَ ا ن َ َسبُ ُه َ‬ ‫األمَ ِويِّ وَ ا ْلعَ ب ِ ِّ‬ ‫ف ُْ‬ ‫ِبخِ َال ِ‬
‫األعْ دَا ُء‬‫ط ْت عَ َلي ِْه ْم ْ َ‬ ‫ول ُس ِّل َ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫ِين َّ‬ ‫ِف ِلد ِ‬ ‫ُخال ُ‬ ‫اق وَ ا ْل ِبدَ ُع وَ ا ْل ُفجُ و ُر ا ْلم َ‬ ‫ظهَ َر الن ِّ َف ُ‬ ‫ني ‪َ .‬ف َلمَّ ا َ‬ ‫ا ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫الش ِامي ََّة َشيْئًا‬ ‫ير ِة مَ َّر ًة بَعْ َد مَ َّر ٍة وَأ َ َخذُوا الث ُّ ُغو َر َّ‬ ‫الشا ِم وَا ْلجَ ِز َ‬ ‫إىل َّ‬ ‫ص َارى َ‬ ‫الرو ُم الن َّ َ‬ ‫َف َخ َرجَ ْت ُّ‬
‫ارصوا دِ مَ ْش َق‬ ‫الرا ِبعَ ِة وَ بَعْ َد َهذَا ِب ُم َّد ِة حَ َ ُ‬ ‫إىل أ َ ْن أ َ َخذُوا بَي َْت ا ْلمَ ْقد ِِس ِيف أَوَ اخِ ِر ا ْل ِمائَ ِة َّ‬ ‫يش ٍء َ‬ ‫بَعْ َد َ ْ‬
‫وَىل ن ُو ُر‬ ‫إىل أ َ ْن تَ َّ‬
‫ني ا ْلمَ َالحِ َد ِة ؛ َ‬ ‫ص َارى وَ ا ْل ُمنَافِ قِ َ‬ ‫َني ا ْل ُك َّف ِار الن َّ َ‬ ‫ال ب ْ َ‬ ‫الشا ِم ِبأ َ ْسوَ أِ حَ ٍ‬ ‫ان أ َ ْه ُل َّ‬ ‫وَ َك َ‬
‫ظهَ ِارهِ وَ ا ْل ِجهَ ادِ ِ َألعْ دَائ ِِه ث ُ َّم ا ْستَنْجَ َد ِب ِه‬ ‫وَقا َم ِبمَ ا َقا َم ِب ِه ِم ْن أَمْ ِر ْ ِاإل ْس َال ِم َوإ ِ ْ‬ ‫الش ِهي ُد َ‬ ‫ِّين َّ‬ ‫الد ِ‬
‫رص ِم ْن‬ ‫إىل أ َ ْن أُخِ ذَ ْت ِم ْ ُ‬ ‫ري ٌة َ‬ ‫صو ٌل َك ِث َ‬ ‫ص َارى َفأَنْجَ د َُه ْم وَجَ َر ْت ُف ُ‬ ‫رص بَنُو عُ بَيْ ٍد عَ َىل الن َّ َ‬ ‫ُملُو ُك ِم ْ َ‬
‫ظهَ َر‬ ‫َّاس ؛ َف ِم ْن حِ ين َ ِئ ٍذ َ‬ ‫طبَ ِبهَ ا ِلبَنِي ا ْلعَ ب ِ‬ ‫وَخ َ‬ ‫ف بْ ُن شادي َ‬ ‫ُوس ُ‬
‫ِّين ي ُ‬ ‫ص َالحُ الد ِ‬ ‫بَنِي عُ بَيْ ٍد أ َ َخذَ َها َ‬
‫ان‬‫ين ْ ِاإل ْس َال ِم ِمائَ َة َسن َ ٍة ‪َ .‬ف َك َ‬ ‫ِّين عَ ْن دِ ِ‬ ‫ني ا ْلم ُْرتَد َ‬ ‫رص بَعْ َد أ َ ْن مَ َكث َ ْت ِبأَيْدِي ا ْل ُمنَافِ قِ َ‬ ‫ْ ِاإل ْس َال ُم ِب ِم ْ ِ‬

‫‪- 139 -‬‬


‫اإل ْلحَ ا ُد‬ ‫ري ال ُّدنْيَا وَ ْاْلخِ َر ِة وَ ِبا ْلعَ ْك ِس ا ْل ِبدَ ُع وَ ْ ِ‬ ‫ول وَ ا ْل ِجهَ ا ُد عَ ْن دِ ين ِِه َسبَبًا ل َِخ ْ ِ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫ْ ِاإليمَ ا ُن ِب َّ‬
‫اإل ْلحَ ا ُد‬ ‫ير ِة ْ ِ‬
‫رص وَ ا ْلجَ ِز َ‬ ‫الشا ِم وَ ِم ْ َ‬ ‫ظهَ َر ِيف َّ‬ ‫ِرش ال ُّدنْيَا وَ ْاْلخِ َر ِة ‪َ .‬ف َلمَّ ا َ‬‫ُخا َل َف ُة مَ ا جَ ا َء ِب ِه َسبَبٌ ل َ ِّ‬ ‫وَ م َ‬
‫ني‬‫ين وَ ا ْل ُمبْتَ ِدعِ َ‬ ‫وَقهْ ِر ا ْل ُم ْلحِ ِد َ‬‫ط عَ َلي ِْه ْم ا ْل ُك َّفا ُر وَ َلمَّ ا أ َ َقامُوا مَ ا أ َ َقامُو ُه ِم ْن ْ ِاإل ْس َال ِم َ‬ ‫وَ ا ْل ِبدَ ُع ُس ِّل َ‬
‫ِين آمَ نُوا َه ْل أ َ ُد ُّل ُك ْم عَ َىل تِجَ َار ٍة تُن ْ ِجي ُك ْم‬ ‫يقا ل َِقوْ ِل ِه ‪ { :‬يَا أَيُّهَ ا ا َّلذ َ‬‫رص ُه ْم ال َّل ُه عَ َىل ا ْل ُك َّف ِار ؛ تَحْ قِ ً‬ ‫نَ َ َ‬
‫يل ال َّل ِه ِبأَمْ وَ ا ِل ُك ْم وَ أَن ْ ُف ِس ُك ْم ذَ ِل ُك ْم‬ ‫ُون ِيف َس ِب ِ‬‫وَر ُسو ِل ِه وَ تُجَ اهِ د َ‬ ‫ون ِبال َّل ِه َ‬ ‫اب أَلِي ٍم } { تُ ْؤ ِمن ُ َ‬ ‫ِم ْن عَ ذَ ٍ‬
‫األن ْهَ ا ُر‬ ‫ات تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِهَ ا ْ َ‬ ‫ُون } { ي َْغفِ ْر َل ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم وَ يُدْخِ ْل ُك ْم جَ ن َّ ٍ‬ ‫إن ُكنْتُ ْم تَعْ َلم َ‬ ‫َخ ْريٌ َل ُك ْم ْ‬
‫رص ِم َن ال َّل ِه َ‬
‫وَفتْحٌ‬ ‫ات عَ د ٍْن َذ ِل َك ا ْل َفوْ ُز ا ْلعَ ِظي ُم } { وَ أ ُ ْخ َرى تُحِ بُّونَهَ ا ن َ ْ ٌ‬ ‫طيِّب ًَة ِيف جَ ن َّ ِ‬ ‫وَمَ َساك َِن َ‬
‫ين عَ َىل‬ ‫ور َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ني ِب ْ ِاإل ْس َال ِم َكانُوا مَ ن ْ ُ‬ ‫رش ِق َقائ ِِم َ‬ ‫ان أ َ ْه ُل ا ْلمَ ْ ِ‬
‫ني } ‪ .‬وَ َكذَ ِل َك َلمَّ ا َك َ‬ ‫َرش ا ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬ ‫َق ِريبٌ وَ ب ِّ ِ‬
‫دَع‬‫ظهَ َر ِم ْن ا ْل ِب ِ‬ ‫ظهَ َر ِمنْهُ ْم مَ ا َ‬ ‫ني وَ َغ ْ ِريهِ ْم َف َلمَّ ا َ‬ ‫الص ِ‬ ‫ني ِم ْن ُّ ْ‬
‫الرتكِ وَ ا ْل ِهن ْ ِد وَ ِّ‬ ‫ُرشكِ َ‬ ‫ا ْل ُك َّف ِار ا ْلم ْ ِ‬
‫اب‬ ‫إىل بَنِي ْإرسائِي َل ِيف ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫وَق َضيْنَا َ‬ ‫اىل ‪َ { :‬‬ ‫ط عَ َلي ِْه ْم ا ْل ُك َّفا ُر َقا َل تَعَ َ‬ ‫ور ُس ِّل َ‬ ‫اإل ْلحَ ادِ وَ ا ْل ُفجُ ِ‬ ‫وَ ْ ِ‬
‫ني وَ َلتَعْ لُ َّن عُ لُوًّ ا َك ِبريًا } { َف ِإذَا جَ ا َء وَ عْ ُد أ ُ َوال ُهمَ ا بَعَ ثْنَا عَ َليْ ُك ْم عِ بَادًا َلنَا‬ ‫األ ْر ِض مَ َّرتَ ْ ِ‬ ‫َلتُ ْف ِسد َُّن ِيف ْ َ‬
‫وال } { ث ُ َّم َر َد ْدنَا َل ُك ُم ا ْل َك َّر َة عَ َلي ِْه ْم‬ ‫ان وَ عْ دًا مَ ْفعُ ً‬ ‫اسوا خِ َال َل ال ِّدي َِار وَ َك َ‬ ‫ويل بَأ ْ ٍس َشدِي ٍد َفجَ ُ‬ ‫أُ ِ‬
‫ني وَجَ عَ ْلنَا ُك ْم أ َ ْكث َ َر نَفِ ريًا } { إ ْن أَحْ َسنْتُ ْم أَحْ َسنْتُ ْم ِ َألن ْ ُف ِس ُك ْم َوإ ِ ْن أ َ َسأْتُ ْم‬ ‫ال وَ بَ ِن َ‬ ‫وَ أَمْ َد ْدنَا ُك ْم ِبأَمْ وَ ٍ‬
‫ربوا‬ ‫َخلُو ُه أَوَّ َل مَ َّر ٍة وَ ِليُتَ ِّ ُ‬ ‫ْخلُوا ا ْلمَ ْس ِج َد َكمَ ا د َ‬ ‫وه ُك ْم وَ ِليَد ُ‬ ‫َف َلهَ ا َف ِإذَا جَ ا َء وَ عْ ُد ْاْلخِ َر ِة ِلي َُسوءُوا وُجُ َ‬
‫ين حَ ِصريًا }‬ ‫مَ ا عَ َلوْ ا تَتْ ِبريًا } { عَ َىس َربُّ ُك ْم أ َ ْن ي َْرحَ مَ ُك ْم َوإ ِ ْن عُ ْدتُ ْم عُ ْدنَا وَجَ عَ ْلنَا جَ هَ ن َّ َم ِل ْل َكافِ ِر َ‬
‫وَقتَ َل‬ ‫اق َ‬ ‫الرتكِ التَّتَ ِار ا َّلذِي َقهَ َر ا ْل َخل َ‬
‫ِيف َة ِبا ْلعِ َر ِ‬ ‫ض ا ْلمَ َشا ِي ِخ ي َُقو ُل ‪ُ :‬ه َوال ُكو ‪ -‬مَ ِل ُك ُّ ْ‬ ‫ان بَعْ ُ‬ ‫‪ .‬وَ َك َ‬
‫َار ا ْل ُم ْلكِ حِ ين َ ِئ ٍذ‬ ‫ف أَلْ ٍف وَ َكذَ ِل َك َقتَ َل ِبحَ َل ِب د ِ‬ ‫ِبب َْغدَا َد مَ ْقتَ َل ًة عَ ِظيمَ ًة ِجدًّا ي َُقا ُل ‪َ :‬قتَ َل ِمنْهُ ْم أ َ ْل َ‬
‫ان ِم ْن‬ ‫إرسائِي َل ‪ .‬وَ َك َ‬ ‫رص ِلبَنِي ْ َ‬ ‫ني ِبمَ ن ْ ِز َل ِة ب ُْخ َت ن َ َّ َ‬ ‫ُوخ ي َُقو ُل ُه َو ‪ِ -‬ل ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫الشي ِ‬ ‫ض ُّ‬ ‫ان بَعْ ُ‬ ‫َك َ‬
‫ف الرازي‬ ‫صن َّ َ‬‫دَع حَ تَّى أَن َّ ُه َ‬ ‫اق وَ ا ْل ِب ِ‬ ‫اإل ْلحَ ادِ وَ الن ِّ َف ِ‬
‫ظهُ و ُر ْ ِ‬ ‫ني ُ‬ ‫ول َه ُؤَال ِء دِ يَا َر ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ُخ ِ‬ ‫َاب د ُ‬ ‫أ َ ْسب ِ‬
‫طب َِة‬ ‫ُخا َ‬ ‫السحْ ِر وَ م َ‬ ‫الرس ا ْلمَ ْكتُو ُم ِيف ِّ‬ ‫السحْ ِر َسمَّ ا ُه " ِّ ُّ‬ ‫صنَا ِم وَ عَ مَ ِل ِّ‬ ‫ِكتَابًا ِيف عِ بَا َد ِة ا ْل َكوَ ا ِك ِب ْ َ‬
‫وَاأل ْ‬
‫ِّين مُحَ مَّ ِد ب ِْن ت ْك ِش ب ِْن جَ َال ِل الد ِ‬
‫ِّين‬ ‫ان عَ َال ِء الد ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫الس ْل َ‬‫صن َّ َف ُه ِ ُأل ِّم ُّ‬ ‫النُّجُ و ِم " وَ ي َُقا ُل ‪ :‬إن َّ ُه َ‬
‫وَّ إ َلي ِْه‬ ‫صا ٌل َق ِويٌّ حَ تَّى أَن َّ ُه َّ‬ ‫ان للرازي ِب ِه اتِّ َ‬ ‫األ ْر ِض وَ َك َ‬ ‫ظ ِم ُملُوكِ ْ َ‬ ‫ان ِم ْن أَعْ َ‬ ‫َخوَ ِار ْزم شاه وَ َك َ‬
‫وَهذِهِ‬ ‫السمَ ِاوي َِّة " ‪َ .‬‬ ‫ات َّ‬ ‫الر َسا َلة ا ْلعَ َال ِئيَّة ِيف ِاال ْخ ِتي ََار ِ‬ ‫ف َل ُه ِكتَابًا َسمَّ ا ُه " ِّ‬ ‫عَ َىل أ َ َوْالدِ هِ َ‬
‫وَصن َّ َ‬
‫ني َكمَ ا َقا َل جَ ا ِب ٌر ِيف‬ ‫الض َال ِل َب َد ُل ِاال ْست َِخ َار ِة الَّتِي عَ َّلمَ هَ ا الن َّ ِب ُّي ﷺ ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ات ِ َأل ْه ِل َّ‬ ‫ِاال ْخ ِتي ََار ُ‬
‫وَغ ْري ُُه ‪َ { :‬كا َن َر ُسو ُل ال َّل ِه ﷺ يُعَ ِّل ُمنَا ِاال ْست َِخ َار َة ِيف‬ ‫يح ا َّلذِي َروَا ُه ا ْلب َُخ ِاريُّ َ‬ ‫الصحِ ِ‬ ‫ِيث َّ‬ ‫ا ْلحَ د ِ‬
‫ني ِم ْن‬ ‫ري َك ْع َر ْكعَ تَ ْ ِ‬ ‫آن ي َُقو ُل ‪ :‬إذَا َه َّم أَحَ ُد ُك ْم ِب ْ َ‬
‫األمْ ِر َف ْل َ ْ‬ ‫ور َة ِم ْن ا ْل ُق ْر ِ‬
‫الس َ‬ ‫ُور ُك ِّلهَ ا َكمَ ا يُعَ ِّل ُمنَا ُّ‬ ‫األم ِ‬ ‫ُْ‬
‫يض ِة ث ُ َّم ِلي َُق ْل ‪ :‬ال َّلهُ َّم إنِّي أ َ ْستَخِ ريُك ِبعِ ْل ِمك وَ أ َ ْستَ ْق ِد ُرك ِب ُقد َْرتِك وَ أ َ ْسأَلُك ِم ْن َف ْضلِك‬ ‫ري ا ْل َف ِر َ‬ ‫َغ ْ ِ‬
‫اس ِم ِه َخ ْريٌ ِيل ِيف دِ ينِي وَمَ عَ ِايش وَ عَ اقِ ب َِة‬ ‫األمْ َر وَ ي َُسمِّ ِيه ِب ْ‬ ‫إن ُكنْت تَعْ َل ُم أ َ َّن َهذَا ْ َ‬ ‫ا ْلعَ ِظي ِم ال َّلهُ َّم ْ‬

‫‪- 140 -‬‬


‫ير ِيل ِيف دِينِي وَمَ عَ ِايش‬ ‫َرس ُه ث ُ َّم ب َِار ْك ِيل فِ ِيه َوإ ِ ْن ُكنْت تَعْ َل ُم أ َ َّن َهذَا ْ َ‬
‫األمْ َر َ ٌّ‬ ‫أَمْ ِري َف ْاقد ُْر ُه ِيل وَ ي ِّ ْ‬
‫ضنِي ِب ِه } وَ أ َ ْه ُل‬ ‫ان ث ُ َّم َر ِّ‬ ‫ري حَ ي ُْث َك َ‬ ‫ارص ْفنِي عَ ن ْ ُه وَ ْاق ُد ْر ِيل ا ْل َخ ْ َ‬ ‫ارص ْف ُه عَ نِّي وَ ْ ِ‬ ‫وَ عَ اقِ ب َِة أَمْ ِري َف ْ ِ‬
‫طالِعً ا َسعِ يدًا َفعَ ِم َل فِ ِيه ذَ ِل َك ا ْلعَ مَ َل‬ ‫ات إذَا أ َ َرا َد أَحَ د ُُه ْم أ َ ْن ي َْفعَ َل فِ عْ ًال أ َ َخذَ َ‬ ‫اخ ِتي ََار ٌ‬ ‫النُّجُ و ِم َلهُ ْم ْ‬
‫ف‬ ‫الر ِّد عَ َلي ِْه ْم وَ ذَ َك ُروا َكث ْ َر َة مَ ا ي ََق ُع ِم ْن خِ َال ِ‬ ‫اس ُكتُبًا ِيف َّ‬ ‫ف الن َّ ُ‬ ‫صن َّ َ‬ ‫وَق ْد َ‬ ‫ِليَنْجَ حَ ِب َزعْ ِم ِه ْم َ‬
‫ون‬ ‫ُون ِم ْن َخ َ ٍرب َفيَ ُكو ُن َك ِذبًا وَ َك ْم يَأ ْ ُم ُر َ‬ ‫ون ِب ِه وَ َك ْم ي ُْخ ِرب َ‬ ‫ُون ِب ِه وَ يَأ ْ ُم ُر َ‬ ‫صودِهِ ْم فِ يمَ ا ي ُْخ ِرب َ‬ ‫مَ ْق ُ‬
‫ِرش ِب ا ْل َخمْ ِر‬ ‫ات لِهَ ذَا ا ْلمَ لِكِ وَ ذَ َك َر فِ ِيه ِاال ْخ ِتيَا َر ل ُ ْ‬ ‫ف ِاال ْخ ِتي ََار ِ‬ ‫صن َّ َ‬ ‫يرا والرازي َ‬ ‫اخ ِتي َِار َفيَ ُكو ُن َ ًّ‬ ‫ِب ْ‬
‫الرشكِ‬ ‫السجُ و ِد َلهَ ا وَ ِّ ْ‬ ‫الرس ا ْلمَ ْكتُوم " ِيف عِ بَا َد ِة ا ْل َكوَ ا ِك ِب وَ دَعْ وَ تِهَ ا مَ َع ُّ‬ ‫ري ذَ ِل َك َكمَ ا ذَ َك َر ِيف " ِّ ّ‬ ‫وَ َغ ْ ِ‬
‫اسبٌ‬ ‫ظ ُّن أَن َّ ُه ُمن َ ِ‬‫ظ َم وَ التَّ َق ّر ِب إلَيْهَ ا ِبمَ ا يُ َ‬ ‫ُون َربَّهُ ْم ؛ َب ْل أَعْ َ‬ ‫ِبهَ ا وَ دُعَ ائِهَ ا ِمث ْ َل مَ ا يَدْعُ و ا ْلمُوَحِّ د َ‬
‫وَير ِب‬ ‫الز ْه َر ِة ِبفِ عْ ِل ا ْل َفوَ احِ ِش ُ ْ‬ ‫إىل ُّ‬ ‫َان َفذَ َك َر أَن َّ ُه يَتَ َق َّربُ َ‬ ‫صي ِ‬ ‫وق وَ ا ْلعِ ْ‬ ‫َلهَ ا ِم ْن ا ْل ُك ْف ِر وَ ا ْل ُف ُس ِ‬
‫ني‬ ‫اط ِ‬ ‫الشيَ ِ‬ ‫إىل َّ‬ ‫األمْ ِر ي َُق ِّربُ َ‬ ‫وَهذَا ِيف ن َ ْف ِس ْ َ‬ ‫وَر ُسولُ ُه ‪َ .‬‬ ‫ا ْل َخمْ ِر وَ ا ْلغِ نَا ِء وَ نَحْ َو ذَ ِل َك ِممَّ ا حَ َّرمَ ُه ال َّل ُه َ‬
‫ات‬ ‫إن ا ْل َكوْ َكبَ ن َ ْف َس ُه يُحِ بُّ ذَ ِل َك َوإ ِ َّال َفا ْل َكوَ اكِ بُ م َُس َّخ َر ٌ‬ ‫ون َلهُ ْم ‪َّ :‬‬ ‫ِين يَأ ْ ُم ُرونَهُ ْم ِبذَ ِل َك وَ ي َُقولُ َ‬ ‫ا َّلذ َ‬
‫ني هِ َي ا َّلتِي تَأ ْ ُم ُر‬ ‫َاط َ‬ ‫الشي ِ‬ ‫ايص وَ َلك َِّن َّ‬ ‫وَال َغ ْ ِريهِ ِم ْن ا ْلمَ عَ ِ‬ ‫رشكِ َ‬ ‫ِبأَمْ ِر ال َّل ِه م ُِطيعَ ٌة ِل َّل ِه َال تَأ ْ ُم ُر ِب ِ ْ‬
‫ظهَ َر‬ ‫ني َف َلمَّ ا َ‬ ‫َاط ُ‬‫وَق ْد يَجْ عَ لُونَهَ ا مَ َال ِئ َك ًة َوإِنَّمَ ا هِ َي َشي ِ‬ ‫ِبذَ ِل َك وَ ي َُسمُّ ونَهَ ا ُروحَ ا ِني ََّة ا ْل َكوَ ا ِك ِب َ‬
‫اإل ْلحَ ادِ‬ ‫ظهَ َر ِم ْن ْ ِ‬ ‫وَمث ْ ِل َهذَا ا ْلعَ ا ِل ِم وَ نَحْ ِوهِ مَ ا َ‬ ‫رش ِق ِب َسب َِب ِمث ْ ِل َهذَا ا ْلمَ لِكِ وَ نَحْ ِوهِ ِ‬ ‫ِبأ َ ْر ِض ا ْلمَ ْ ِ‬
‫رب ٌة‬ ‫ني ا ْل ُك َّفا َر َفأَبَادُوا َهذَا ا ْل ُم ْل َك وَجَ َر ْت َل ُه أُمُو ٌر فِ يهَ ا عِ ْ َ‬ ‫ُرش ِك َ‬ ‫الرت َك ا ْلم ْ ِ‬ ‫ط ال َّل ُه عَ َلي ِْه ْم ُّ ْ‬ ‫دَع َس َّل َ‬
‫وَ ا ْل ِب ِ‬
‫اق‬ ‫يه ْم آيَا ِتنَا ِيف ا ْْل َف ِ‬ ‫يق مَ ا أ َ ْخ َربَ ال َّل ُه ِب ِه ِيف ِكتَا ِب ِه حَ ي ُْث يَ ُقو ُل ‪َ { :‬سن ُ ِر ِ‬ ‫لِمَ ْن يَعْ تَ ِربُ وَ يَعْ َل ُم تَحْ قِ َ‬
‫وَقا َل ‪َ { :‬سأ ُ ِري ُك ْم آيَاتِي َف َال‬ ‫آن حَ ٌّق َ‬ ‫َني َلهُ ْم أَن َّ ُه ا ْلحَ ُّق } أَيْ أ َ َّن ا ْل ُق ْر َ‬ ‫وَيف أَن ْ ُف ِس ِه ْم حَ تَّى يَتَب َّ َ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫صو ُد ُهنَا " أ َ َّن دَوْ َل َة بَنِي أُمَ ي ََّة َك َ‬ ‫آخ ُر‪ .‬و" ا ْلمَ ْق ُ‬ ‫ط َهذَا َل ُه مَ وْ ِض ٌع َ‬ ‫ون } وَ ب َْس ُ‬ ‫تَ ْستَعْ ِجلُ ِ‬
‫وَيف آخِ ِر‬ ‫َاب ا َّلتِي أَوْجَ ب َْت إ ْدب ََار َها ِ‬ ‫األ ْسب ِ‬ ‫ط ِل وَ َغ ْ ِريهِ ِم ْن ْ َ‬ ‫اضهَ ا ِب َسب َِب َهذَا ا ْلجَ عْ ِد ا ْلمُعَ ِّ‬ ‫انْقِ َر ُ‬
‫ط َل ِة‬ ‫ظهَ َر َقوْ َل ا ْلمُعَ ِّ‬ ‫ص َل ُه ِم ْن ت ِْر ِمذَ وَ أ َ ْ‬ ‫إن أ َ ْ‬‫وَق ْد قِ ي َل ‪َّ :‬‬ ‫ان َ‬ ‫اس َ‬ ‫ان ِب ُخ َر َ‬ ‫ص ْفوَ َ‬ ‫ظهَ َر ا ْلجَ هْ ُم بْ ُن َ‬ ‫دَوْ لَت ِِه ْم َ‬
‫يق ِة‬ ‫رش ِق أَعْ َلم ِبحَ قِ َ‬ ‫ني ِبا ْلمَ ْ ِ‬ ‫ان أَئِمَّ ُة ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫وب ‪ .‬وَ َك َ‬ ‫وَق ْد ُق ِت َل ِيف بَعْ ِض ا ْلحُ ُر ِ‬ ‫النفاة الجهمية ‪َ .‬‬
‫اق وَ ِلهَ ذَا يُوجَ ُد لِعَ بْ ِد ال َّل ِه بْ ِن ا ْل ُمب ََاركِ وَ َغ ْ ِريهِ ِم ْن عُ َلمَ ا ِء‬ ‫الشا ِم وَ ا ْلعِ َر ِ‬ ‫َقوْ ِل ِه ِم ْن عُ َلمَ ا ِء ا ْلحِ جَ ِاز وَ َّ‬
‫ني‬ ‫رش ِق ِم ْن ا ْل َك َال ِم ِيف الجهمية أ َ ْكث َ ُر ِممَّ ا يُوجَ ُد ل َِغ ْ ِريهِ ْم مَ َع أ َ َّن عَ امَّ َة أَئِمَّ ِة ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ني ِبا ْلمَ ْ ِ‬‫ا ْلم ُْسل ِِم َ‬
‫وَىل‬ ‫الر ِشي ُد وَ تَ َّ‬ ‫ات َّ‬ ‫رش ِق َلك ِْن َق ِويَ أَمْ ُر ُه ْم َلمَّ ا مَ َ‬ ‫ين َّإال ِبا ْلمَ ْ ِ‬ ‫ظاهِ ِر َ‬ ‫تَ َك َّلمُوا فِ ِيه ْم وَ َلك ِْن َل ْم يَ ُكونُوا َ‬
‫رش ِق وَ تَ َل َّقى عَ ْن َه ُؤَال ِء مَ ا تَ َل َّقا ُه ‪ .‬ث ُ َّم َلمَّ ا ِ‬ ‫ُون ِبا ْلمَ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ري‬‫وَيل َ ا ْلخِ َال َف َة اجْ تَمَ َع ِب َك ِث ِ‬ ‫ابْن ُ ُه ا ْل ُم َل َّقبُ ِبا ْلمَ أم ِ‬
‫وَه َو ِبالث َّ ْغ ِر بطرسوس ا َّلتِي ِببَ َل ِد‬ ‫إىل ب َْغدَا َد ُ‬ ‫إىل َقوْ ِل ِه ْم ِيف آخِ ِر عُ مْ ِرهِ وَ َكتَبَ َ‬ ‫ِم ْن َه ُؤَال ِء وَ دَعَ ا َ‬
‫ِّين ِم ْن‬ ‫ني ي َْق ِصد َُها أ َ ْه ُل الد ِ‬ ‫ور ا ْلم ُْسل ِِم َ‬ ‫ظ ِم ث ُ ُغ ِ‬ ‫وَم ْن أَعْ َ‬ ‫ور ب َْغدَا َد ِ‬ ‫ظ َم ث ُ ُغ ِ‬ ‫يس وَ َكان َ ْت إ ْذ ذَا َك أَعْ َ‬ ‫ِس َ‬
‫الرسيُّ السقطي‬ ‫يض ال َّل ُه عَ ن ْ ُه وَ َّ ِ‬ ‫ط ِبهَ ا ْ ِاإلمَ ا ُم أَحْ مَ د ْب ُن حَ نْب ٍَل َر ِ َ‬ ‫ون ِبهَ ا َرابَ َ‬ ‫ط َ‬ ‫ُك ِّل نَاحِ ي ٍَة وَ ي َُرا ِب ُ‬

‫‪- 141 -‬‬


‫صالِحُ ْب ُن أَحْ مَ د ب ِْن حَ نْب ٍَل وَ ِلهَ ذَا ذُك َِر ْت‬ ‫وَىل َق َضاء ََها أَي ًْضا َ‬ ‫وَىل َق َضاء ََها أَبُو عُ بَيْ ٍد وَ تَ َّ‬ ‫وَ َغ ْري ُُهمَ ا وَ تَ َّ‬
‫اق ب ِْن‬ ‫إسحَ َ‬ ‫إىل نَا ِئ ِب ِه ِبب َْغدَا َد ْ‬ ‫ِيف ُكتُ ِب ا ْلفِ ْق ِه َك ِثريًا َف ِإنَّهَ ا َكان َ ْت ث َ ْغ ًرا عَ ِظيمً ا َف َكتَبَ ِم ْن الث َّ ْغ ِر ‪َ -‬‬
‫وق َف َل ْم ي ُِجبْ ُه أَحَ ٌد ث ُ َّم‬ ‫إىل أ َ ْن ي َُقولُوا ‪ :‬ا ْل ُق ْرآ ُن مَ ْخلُ ٌ‬ ‫اس فِ ِيه َ‬ ‫ُصعَ ٍب ِكتَابًا يَدْعُ و الن َّ َ‬ ‫إب َْراهِ ي َم ب ِْن م ْ‬
‫َكتَبَ ِكتَابًا ثَا ِنيًا يَأ ْ ُم ُر فِ ِيه ِبتَ ْق ِيي ِد مَ ْن َل ْم ي ُِجبْ ُه َوإ ِ ْر َسال ِِه إ َلي ِْه َفأَجَ ابَ أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ث ُ َّم َقيَّدُوا َسبْعَ ًة‬
‫ان َل ْم ي ُِجيبَا ‪ِ ْ :‬اإلمَ ا ُم أَحْ مَ د بْ ُن حَ نْب ٍَل‬ ‫َ‬
‫َل ْم ي ُِجيبُوا َفأجَ ابَ ِمنْهُ ْم َخمْ َس ٌة بَعْ َد ا ْل َقيْ ِد وَ بَقِ َي اثْن َ ِ‬
‫اق‬ ‫إسحَ َ‬ ‫إىل أَخِ ِيه أ َ ِبي ْ‬ ‫وّْ َ‬ ‫ات َقبْ َل أ َ ْن ي َِص َال إ َلي ِْه ث ُ َّم أ َ َ‬ ‫وهمَ ا إ َلي ِْه َفمَ َ‬ ‫وح ؛ َفأ َ ْر َسلُ ُ‬ ‫وَ مُحَ مَّ ُد بْ ُن ن ُ ٍ‬
‫ين َفجَ َرى‬ ‫رش َ‬ ‫إىل َسن َ ِة عِ ْ ِ‬ ‫ني وَ بَقِ َي أَحْ مَ د ْب ُن حَ نْب ٍَل ِيف ا ْلحَ ب ِْس َ‬ ‫رش َة ِ‬
‫وَمائَتَ ْ ِ‬ ‫ان َه َذا َسن َ َة ثَمَ انِي عَ ْ َ‬ ‫وَ َك َ‬
‫ظهَ َر‬ ‫ط َل ُقو ُه وَ َ‬ ‫ْضبُو ُه وَ أ َ ْ‬ ‫افوا ا ْلفِ تْن َ َة َ َ‬ ‫طعَ هُ ْم ِبا ْلحُ جَّ ِة ث ُ َّم َلمَّ ا َخ ُ‬ ‫ظ َر ِة حَ تَّى َق َ‬ ‫مَ ا جَ َرى ِم ْن ا ْل ُمنَا َ‬
‫طا َء وَ عَ َزلُو ُه‬ ‫طوْ ُه َوإ ِ َّال مَ نَعُ و ُه ا ْلعَ َ‬ ‫صا َر مَ ْن أَجَ ابَهُ ْم أَعْ َ‬ ‫اس َف َ‬ ‫مَ ذْ َهبُ النفاة الجهمية وَ امْ تَحَ نُوا الن َّ َ‬
‫ري َف ِإ ْن أَجَ ابَهُ ْم‬ ‫األ ِس َ‬ ‫ون ْ َ‬ ‫رسى يَمْ تَحِ ن ُ َ‬ ‫ات وَ َل ْم ي َْقبَلُوا َشهَ ا َدتَ ُه وَ َكانُوا إذَا ْافتَ ُّكوا ْ َ‬
‫األ ْ َ‬ ‫ِم ْن ا ْل ِوَالي َ ِ‬
‫اض ِيه ْم أَحْ مَ د بْ ُن أ َ ِبي دؤاد عَ َىل ِستَ َار ِة ا ْل َكعْ بَة " َلي َْس َك ِمثْل ِِه‬ ‫ْافتَدَوْ ُه َوإ ِ َّال َل ْم ي َْفتَدُو ُه ‪ .‬وَ َكتَبَ َق ِ‬
‫إىل‬ ‫األمْ ُر َ‬ ‫اشتَ َّد ْ َ‬ ‫وَيل َ ا ْلوَ اث ُِق وَ ْ‬
‫الس ِمي ُع ا ْلب َِصريُ } ث ُ َّم ِ‬ ‫وَه َو { َّ‬ ‫وَه َو ا ْلعَ ِزي ُز ا ْلحَ ِكي ُم " لم يَ ْكتُبْ ُ‬ ‫يش ٌء ُ‬ ‫َ ْ‬
‫صو ُد‬ ‫آخ ُر ‪ .‬وَ ا ْلمَ ْق ُ‬ ‫وْض ٌع َ‬ ‫ط َهذَا َل ُه مَ ِ‬ ‫السن َّ ُة وَ ب َْس ُ‬
‫ظهَ َر ْت حِ ين َ ِئ ٍذ ُّ‬ ‫أ َ ْن ِ‬
‫وَيل َ ا ْل ُمتَوَ ِّك ُل َف َر َف َع ا ْل ِمحْ ن َ َة وَ َ‬
‫يق َة َقوْ ِل الجهمية بَيَّنُو ُه حَ تَّى َقا َل عَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن ا ْل ُمب ََاركِ ‪ :‬إنَّا‬ ‫ني َلمَّ ا عَ َر ُفوا حَ قِ َ‬ ‫أ َ َّن أَئِمَّ َة ا ْل ُم ْسل ِِم َ‬
‫ان يَن ْ ُش ُد ‪ :‬عَ ِجبْت‬ ‫ص َارى وَ َال ن َ ْستَ ِطي ُع أ َ ْن نَحْ ك َِي َك َال َم الجهمية وَ َك َ‬ ‫َلنَحْ كِي َك َال َم ا ْليَهُ و ِد وَ الن َّ َ‬
‫ف َربُّنَا ؟‬ ‫اس ُم ُه ِم ْن جَ هَ ن َّ َم وَقِ ي َل َل ُه ‪ِ :‬بمَ اذَا يُعْ َر ُ‬ ‫اشتُ َّق ْ‬ ‫إىل الن َّ ِار وَ ْ‬ ‫اس جَ هْ َر ًة َ‬ ‫ان دَعَ ا الن َّ َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ل َِشيْ َ‬
‫َقا َل ‪ِ :‬بأَن َّ ُه َفوْ َق َسمَ وَ ات ِِه عَ َىل عَ ْر ِش ِه بَا ِئ ٌن ِم ْن َخ ْلقِ ِه قِ ي َل َل ُه ‪ِ :‬بحَ ِّد ؟ َقا َل ‪ِ :‬بحَ ِّد ‪ .‬وَ َك َذ ِل َك َقا َل‬
‫اق ْب ُن إب َْراهِ ي َم ب ِْن راهويه وَ عُ ثْمَ ا ُن ْب ُن َسعِ ي ٍد الدارمي وَ َغ ْري ُُه ْم ِم ْن أ َ ِئمَّ ِة‬ ‫أَحْ مَ د بْ ُن حَ نْبَ ٍل َوإ ِ ْسحَ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫السن َّ ِة"‬
‫ُّ‬
‫فتأمل ما ذكره شيخ اإلسالم تقي الدين ‪-‬رحمه الله‪ -‬ففيه تشخيص الداء وبلسمه‪ ،‬وليس‬
‫مسلم يقول أن الدولة ظه َر فِ يها اإللحاد الرصيح والتعطيل والتجهم‪ ،‬وإنما ظه َر فيها‬
‫بعض املحدثات كالدفاع عن املعطلة النفاة وبعض القبورية‪ ،‬بل صنف بعض شيوخنا ‪-‬‬
‫غفر الله لهم‪ -‬ونصحوا بتفاسري األشاعرة نفاة العلو كاملنسوب للشيخ القحطاني‪ ،‬أو يف‬
‫الدفاع عن هؤالء النفاة كاملنسوب للشيخ أبي سفيان يف كتاب موسوم بـ "اإلعالم بإقالة‬
‫ِ‬
‫عثرات األعالم"‪ ،‬رغم أن بعض هذه العثرات يرك وبدع وتعطيل‪ ،‬ولو ُس َ‬
‫مي بـ"اإلعالم‬
‫كفر أهل اإلسالم" لكان أصوب ‪-‬ومما جعلني أتوقف يف نسبة هذا الكتاب‬ ‫عثرات من َّ‬
‫ِ‬ ‫بإقالة‬
‫للشيخ أبي سفيان أو أنه كتبه يف فرتة متقدمة من هجرته ثم دلس الناير كما هي عادته‬

‫(‪ )1‬مجموع فتاوى ابن تيمية ‪173 / 3 -‬‬

‫‪- 142 -‬‬


‫ِ‬
‫وأمثاله‬ ‫يف التدليس‪ ،‬أن الشيخ أفتى عرب األثري عىل إذاعة البيان بعدم مطالعة كتب البوطي‬
‫ملا فيها من الْضر وأن يف غريها غنية‪ ،‬وإن كانت كتبا أدبية فتأمل‪ ،‬وأنه خالل يرحه لكتاب‬
‫التوحيد رصح الشيخ أن بيعة إخواننا لطالبان كانت اختيار أخف الْضرين‪ ،‬واعتربَ مجرد‬
‫ط ًة سوداء" ثم اتباع املاتريدية كذلك‪ ،‬ويف اإلعالم يوجد نقيض‬
‫اتباع مذهب أبي حنيفة "نق َ‬
‫ِ‬
‫مذهبه نقطة سوداء ؟! وغريها من‬ ‫ذلك‪ ،‬وال أدري كيف يكون أحدهم سنيا صالحا‪ ،‬واتباع‬
‫القرائن التي تدف ُع ادعاء بعضهم أن هذه الوريقات هي من آخر ما كتبه شيخنا ‪-‬رحمه‬
‫الله‪.-‬‬
‫قال صاحب الكتاب ‪-‬بعد أن ذكر أسماء بعض العلماء وبعض املبتدعة‪" : -‬وعىل العكس‬
‫من صنيع الفحول‪ ،‬واألئمة العدول‪ ،‬نجد بعض املبتدئني من طلبة العلم‪ ،‬أو أدعياء األثر‬
‫ومتحذلقي الفهم‪ ،‬أو الغالة يف التكفري‪ ،‬أو املتحمسني لكل أمر خطري‪ ،‬يجنح إىل تكفري هؤالء‬
‫العلماء ويسارع لذلك دون ترو وتؤدة" إىل أن قال‪" :‬وبعضهم يزيد عىل ذلك بحرق كتبهم‬
‫والنهي عن القراءة فيها‪ ،‬أو تداولها بيعا ويراء أو تعاطيها‪ ،‬وهذا طريق غاية يف الفساد‪،‬‬
‫مخالف ملنهج املحققني والنقاد"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فانظر كيف جعل صاحب الكتاب من خالفه يف املسألة إما جاهال أو مغاليا‪ ،‬وأن حرق‬
‫ٌ‬
‫مخالف ملنهج املحققني‪ ،‬واملحققون عند السني أعالم السلف وعلماء أهل النقل‪.‬‬ ‫كتب هؤالء‬
‫وقد قال الفضيل بن عياض‪" :‬من أتاه رجل فشاوره فدله عىل مبتدع فقد غش اإلسالم"‪.‬‬

‫وملا قدم سفيان الثوري البرصة سأل عن الربيع بن صبيح قال‪ :‬أي شئ مذهبه ؟ قالوا‪ :‬ما‬
‫مذهبه إال السنة‪ ،‬قال‪ :‬ما بطانته؟ قالوا‪ :‬أهل القدر‪ ،‬قال‪ :‬هو قدري‪.‬‬
‫وقال عمرو بن قيس املالئي ‪ " :‬إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة فارجه‪ ،‬وإذا‬
‫رأيته مع أهل البدع فايئس منه‪ ،‬فإن الشاب عىل أول نشوئه"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن بطة يف الرشح واإلبانة ص‪150‬‬

‫‪- 143 -‬‬


‫جاء يف طبقات الحنابلة (‪َ ": )1‬قا َل أَحْ مَ د من دل عَ َىل صاحب رأي ليفتنه فقد أعان عَ َىل هدم‬
‫اإلسالم"‬
‫قال الفضل بن زياد‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪ -‬يعني أحمد بن حنبل ‪ -‬عن الكرابييس وما أظهره؟‬
‫فكلح وجهه ثم قال ‪" :‬إنما جاء بالؤهم من هذه الكتب التي وضعوها تركوا آثار رسول الله‬
‫‪ -‬ﷺ ‪ -‬وأصحابه‪ ،‬وأقبلوا عىل هذه الكتب"‪.‬‬
‫وقال املروذي ‪ :‬قلت ألبي عبد الله‪ :‬استعرت كتابا فيه أشياء رديئة‪ ،‬ترى أن أخرقه أو‬
‫أحرقه؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال املروذي‪ :‬قال أبو عبد الله‪ :‬يضعون البدع يف كتبهم‪ ،‬إنما أحذر منها‬
‫أشد التحذير‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد ‪-‬أيضا ً‪ :-‬إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب األهواء قليالً وال كثريا‪،‬‬
‫عليكم بأصحاب اْلثار والسنن‪.‬‬
‫وعن حرب بن إسماعيل قال‪ :‬سألت إسحاق بن راهوية‪ ،‬قلت‪ :‬رجل رسق كتابا من رجل‬
‫فيه رأي جهم أو رأي القدر؟ قال‪ :‬يرمي به‪ .‬قلت‪ :‬إنّه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به هل‬
‫عليه قطع؟ قال‪ :‬ال قطع عليه‪ ،‬قلت إلسحاق‪ :‬رجل عنده كتاب فيه رأي اإلرجاء أو القدر أو‬
‫بدعة فاستعرته منه فلما صار يف يدي أحرقته أو مزقته؟ قال‪ :‬ليس عليك يشء‪.‬‬

‫قال الربذعي يف سؤاالته ألبي زرعة‪ :‬شهدت أبا زرعة سئل عن‪ ،‬الحارث املحاسبي‪ ،‬وكتبه؟‬
‫فقلت للسائل‪ :‬إياك‪ ،‬وهذه الكتب‪ ،‬هذه كتب بدع‪ ،‬وضالالت‪ ،‬عليك باألثر‪ ،‬فإنك تجد فيه ما‬
‫يغني عن هذه الكتب‪ .‬قيل له‪ :‬يف هذه الكتب عربة‪ ،‬قال‪" :‬من لم يكن له يف كتاب الله عربة‪،‬‬
‫فليس له يف هذه الكتب عربة‪ ،‬بلغكم أن مالك بن أنس‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬واألئمة‬
‫املتقدمني صنفوا هذه الكتب يف الخطرات‪ ،‬والوساوس‪ ،‬وهذه األشياء‪ ،‬هؤالء قوم خالفوا أهل‬
‫العلم فأتونا مرة بالحارث املحاسبي‪ ،‬ومرة بعبد الرحيم الذبيَل ومرة بحاتم األصم‪ ،‬ومرة‬
‫بشقيق البلخي‪ ،‬ثم قال‪" :‬ما أرسع الناس إىل البدع"‪.‬‬

‫(‪ )1‬طبقات الحنابلة (‪)54/1‬‬

‫‪- 144 -‬‬


‫وقال العالمة حمد بن عتيق كما يف الدرر السنية‪ ":‬وليحذر طالب الحق من كتب أهل البدع‪،‬‬
‫كاألشاعرة‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬ونحوهم‪ ،‬فإن فيها من التشكيك‪ ،‬واإليهام‪ ،‬ومخالفة نصوص الكتاب‬
‫(‪)1‬‬
‫والسنة ما أخرج كثريا من الناس عن الرصاط املستقيم‪ ،‬نعوذ بالله من الخذالن"‬

‫قال إسحاق بن راهويه ‪ :‬وكتب أهل البدع التي فيها إرجاء؛ أو قدر؛ أو رأي جهم أو بدعة ‪:‬‬
‫ترمى أو تحرق‪.‬‬
‫فتأمل يف قوله‪" :‬فيها ارجاء‪ ..‬او رأي"‪ ،‬فبمجرد مخالفة واحدة ترمى وتحرق ! فكيف‬
‫بتفاسري وكتب كلها ضالالت وزندقة؟"‬

‫طريقا غاية يف الفساد مخال ًفا‬


‫ً‬ ‫ونقول العلماء يف هذا كثرية‪ ،‬فال أدري كيف يكون منهجهم‬
‫ملنهج املحققني والنقاد ؟ وأن ينصح الشخص املسلم بتفسري أشعري ينفي علو الله ويرجح‬
‫ِ‬
‫بعينه كما قال‬ ‫كالم األشعري عىل إجماع السلف والصحابة ملما يؤدي إىل الضالل املبني‬
‫حمد بن عتيق ‪-‬رحمه الله‪.-‬‬

‫قال اإلمام محمد بن عبد الوهاب ‪-‬رحمه الله‪ -‬يف رسائله الشخصية ‪ ":‬وأما عبارة الشيخ‬
‫التي لبسوا بها عليك‪ ،‬فهي أغلظ من هذا كله‪ ،‬ولو نقول بها لكفرنا كثريا ً من املشاهري‬
‫عني ال يكفر إال إذا قامت عليه الحجة‪ .‬فإذا كان املعني‬ ‫بأعيانهم؛ فإنه رصح فيها بأن ا ُمل َّ‬
‫يكفر إذا قامت عليه الحجة‪ ،‬فمن املعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كالم الله ورسوله‬
‫مثل فهم أبي بكر ‪-‬ريض الله عنه‪ ،-‬بل إذا بلغه كالم الله ورسوله‪ ،‬وخال من يشء يعذر به‪،‬‬
‫فهو كافر‪ ،‬كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله‪ {:‬وَ جَ عَ ْلنَا عَ َىل‬
‫ُقلُو ِب ِه ْم أ َ ِكن َّ ًة أ َ ْن ي َْف َقهُ و ُه }‬
‫ون}‪ .‬وإذا كان كالم الشيخ ليس‬‫ِين ال يَعْ قِ لُ َ‬
‫الص ُّم ا ْلبُ ْك ُم ا َّلذ َ‬ ‫وقوله‪ {:‬إ ِ َّن َ َّ‬
‫ير الدَّوَ ابِّ عِ ن ْ َد ال َّل ِه ُّ‬
‫يف الرشك والردة‪ ،‬بل يف املسائل الجزئيات‪ ،‬سواء كانت من األصول أو الفروع‪ ،‬ومعلوم أنهم‬
‫يذكرون يف كتبهم يف مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة االستواء أو غري ذلك مذهب‬

‫(‪ )1‬الدرر السنية (‪)357 /3‬‬

‫‪- 145 -‬‬


‫السلف‪ ،‬ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله‪ ،‬والذي درج عليه هو وأصحابه‪ ،‬ثم يذكرون‬
‫مذهب األشعري أو غريه‪ ،‬ويرجحونه ويسبون من خالفه‪ .‬فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة عىل‬
‫غالبهم‪ ،‬قامت عىل هذا املعني الذي يحكي املذهبني‪ :‬مذهب رسول الله ﷺ ومن معه‪ ،‬ثم‬
‫يحكي مذهب األشعري ومن معه؛ فكالم الشيخ يف هذا النوع يقول‪ :‬إن السلف ّ‬
‫كفروا النوع‪،‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫وأما املعني‪ :‬فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه‪ ،‬وإال لم ّ‬
‫يكفروا"‪.‬‬
‫قال عبد الله بن أحمد يف السنة ‪ ":‬حَ َّدثَنِي إ ِ ْسمَ اعِ ي ُل بْ ُن عُ بَيْ ِد ب ِْن أ َ ِبي َك ِريمَ َة‪َ ،‬س ِمعْ ُت َشبَاب ََة‬
‫اس ِم وَ جَ مَ اعَ ٍة ِم َن ا ْل ُف َقهَ ا ِء عَ َىل‬ ‫اش ِم ب ِْن ا ْل َق ِ‬ ‫وَراي أ َ ِبي الن َّ ْ ِ‬
‫ْض َه ِ‬ ‫ب َْن َسوَّ ٍار‪ ،‬ي َُقو ُل‪« :‬اجْ تَمَ َع َرا ِيي َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ْضب َْت عُ ن ُ ُق ُه»‪.‬‬ ‫ييس َكافِ ٌر جَ احِ ٌد ن َ َرى أ َ ْن ي ُْستَتَابَ َف ِإ ْن تَابَ َوإ ِ َّال ُ ِ‬
‫أ َ َّن ا ْلمَ ِر ِ َّ‬
‫ايض‪َ ،‬س ِمعْ ُت أَخِ َي عَ بْ َد َّ‬
‫الرحْ مَ ِن ب ِْن عَ بْدِ‬ ‫وقال عبد الله أيضا ً ‪َ :‬س ِمعْ ُت َسوَّ ا َر ب َْن عَ بْ ِد ال َّل ِه ا ْل َق ِ‬
‫ْضبُو ُه‬ ‫ييس حَ تَّى َ َ‬ ‫اس عَ َىل ِب ْ ٍ‬
‫رش ا ْلمَ ِر ِ ِّ‬ ‫َان ب ِْن عُ يَيْن َ َة َفوَ ثَبَ الن َّ ُ‬ ‫ال َّل ِه ب ِْن َسوَّ ٍار‪ ،‬ي َُقو ُل‪ُ :‬كن ْ ُت عِ ن ْ َد ُس ْفي َ‬
‫وَقالُوا‪ :‬جَ هْ ِم ُّي‪َ ،‬ف َقا َل َل ُه ُس ْفيَا ُن‪ :‬يَا دُوَ يْب َُة يَا دُوَ يْبَة أ َ َل ْم تَ ْسمَ ِع ال َّل َه عَ َّز وَجَ َّل ي َُقو ُل {أ َ َال َل ُه‬ ‫َ‬
‫رش؟ َقا َل‪:‬‬ ‫األمْ ِر‪ ،‬قِ ي َل ل َِسوَّ ٍار َفأَي ٍْش َقا َل ِب ْ ٌ‬ ‫رب عَ َّز وَجَ َّل أ َ َّن ا ْل َخ ْل َق َغ ْريُ ْ َ‬ ‫األمْ ُر}(‪َ )3‬فأ َ ْخ َ َ‬
‫ا ْل َخ ْل ُق وَ ْ َ‬
‫َس َك َت َل ْم يَ ُك ْن عِ نْد َُه حُ جَّ ٌة "‪.‬‬
‫َّاغا يَهُ وَ دِ يًّا "‪ .‬وَ َك َّف َر ُه ُس ْفيَا ُن‬ ‫صب ً‬ ‫ان َ‬ ‫ييس ‪َ ،‬لعَ ن َ ُه ال َّل ُه وَ َك َ‬
‫َاث ا ْلمَ ِر ِ ُّ‬ ‫رش بْ ُن ِغي ٍ‬ ‫قال الاللكائي‪ِ :‬ب ْ ُ‬
‫اص ٍم‪ ،‬وَ يَحْ يَى بْ ُن َسعِ يدٍ‪ ،‬وَ عَ بْ ُد‬ ‫بْ ُن عُ يَيْن َ َة‪ ،‬وَعَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن ا ْل ُمبَ َاركِ ‪ ،‬وَ عَ بَّا ُد بْ ُن ا ْلعَ وَّ ا ِم‪ ،‬وَ عَ َِل ُّ بْ ُن عَ ِ‬
‫األ ْسوَ ُد ْب ُن‬ ‫وَشبَاب َُة ْب ُن َسوَّ ٍار‪ ،‬وَ ْ َ‬ ‫اس ِم‪َ ،‬‬ ‫اش ُم بْ ُن ا ْل َق ِ‬ ‫ْض َه ِ‬ ‫الرحْ مَ ِن بْ ُن مَ هْ دِ يي ‪ ،‬وَ وَ ِكيعٌ‪ ،‬وَ أَبُو الن َّ ْ ِ‬ ‫َّ‬
‫الش ِام ُّي‪،‬‬ ‫ان َّ‬ ‫وَس َليْمَ ا ُن بْ ُن حَ َّس َ‬
‫َّاع‪ُ ،‬‬ ‫طب ِ‬ ‫ف بْ ُن ال َّ‬ ‫ُوس ُ‬ ‫رش بْ ُن ا ْلوَ ِليدِ‪ ،‬وَ ي ُ‬ ‫ون‪ ،‬وَ ِب ْ ُ‬ ‫عَ ِام ٍر‪ ،‬وَ ي َِزي ُد بْ ُن َها ُر َ‬
‫اق بْ ُن َهمَّ ا ٍم‪ ،‬وَ أَبُو َقتَا َد َة ا ْلحَ َّران ُِّي‪ ،‬وَ عَ بْ ُد‬ ‫الر َّز ِ‬
‫َّان‪ ،‬وَ عَ بْ ُد َّ‬ ‫طنَافِ ِسي ِ‬ ‫وَ مُحَ مَّ ٌد وَ يَعْ َىل ابْنَا عُ بَيْ ٍد ال َّ‬
‫ني‪،‬‬ ‫ف ا ْلفِ ْريَا ِب ُّي‪ ،‬وَ أَبُو نُعَ يْ ٍم ا ْل َف ْض ُل بْ ُن ُد َك ْ ٍ‬ ‫ُوس َ‬ ‫اج ُشو ُن‪ ،‬وَ مُحَ مَّ ُد ْب ُن ي ُ‬ ‫يز ا ْلمَ ِ‬ ‫ا ْلمَ لِكِ بْ ُن عَ بْ ِد ا ْلعَ ِز ِ‬
‫الزاهِ دُ‪ ،‬وَأَبُو ا ْلبَ ْخ َ ِرتيِّ‬
‫ُصعَ ٍب َّ‬ ‫رش بْ ُن ا ْلحَ ِار ِث‪ ،‬وَ مُحَ مَّ ُد بْ ُن م ْ‬ ‫وَ عَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن مَ ْس َلمَ َة ا ْل َقعْ ن َ ِب ُّي‪ ،‬وَ ِب ْ ُ‬
‫ايض ب َْغدَادَ‪ ،‬وَ يَحْ يَى بْ ُن يَحْ يَى النَّي َْساب ِ‬
‫ُوريُّ ‪ ،‬وَ عَ بْ ُد ال َّل ِه بْ ُن‬ ‫السوَ ائ ُِّي الْمَ َدن ُِّي َق ِ‬ ‫وَه ٍب ُّ‬ ‫وَهبُ بْ ُن ْ‬ ‫ْ‬
‫صال ٍِح ا ْلهَ َر ِويُّ ‪ ،‬وَ ا ْلحَ َس ُن ْب ُن عَ َِل ي‬ ‫الس َال ِم بْ ُن َ‬ ‫َري ا ْلحُ مَ يْدِيُّ ‪ ،‬وَعَ َِل ُّ بْ ُن ا ْلمَ دِين ِِّي‪ ،‬وَ عَ بْ ُد َّ‬ ‫الزب ْ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ا ْلحُ ْلوَ ان ُِّي‪.‬‬

‫(‪ )1‬رسائله الشخصية ص‪177‬‬


‫(‪ )2‬السنة ‪)194( - 179‬‬
‫(‪ )3‬األعراف‪54 :‬‬

‫‪- 146 -‬‬


‫وهذا محل إجماع عندهم‪ ،‬مع أن املرييس قد تحدث يف خلق القرآن وهي مسألة خفية‪ ،‬بينما‬
‫بدعة هؤالء األشاعرة يف مسألة معلومة من الدين بالْضورة كعلو الله عىل خلقه‪ ،‬وزادوا‬
‫عليها مسائل خفية كذلك‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم يف درء تعارض العقل والنقل‪ ":‬وجواب هذا أن يقال القول بأن الله تعاىل‬
‫فوق العالم معلوم باالضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف األمة بعد تدبر ذلك كالعلم‬
‫باألكل والرشب يف الجنة والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب والعلم بأن الله بكل يشء عليم‬
‫وعىل كل يشء قدير والعلم بأنه خلق السماوات واألرض وما بينهما بل نصوص العلو قد‬
‫قيل إنها تبلغ مئني من املواضع واألحاديث عن النبي ﷺ والصحابة والتابعني متواترة‬
‫موافقة لذلك فلم يكن بنا حاجة إىل نفي ذلك من لفظ معني قد يقال إنه يحتمل التأويل‬
‫ولهذا لم يكن بني الصحابة والتابعني نزاع يف ذلك كما تنطق بذلك كتب اْلثار املستفيضة‬
‫املتواترة يف ذلك وهذا يعلمه من له عناية بهذا الشأن أعظم مما يعلمون أحاديث الرجم‬
‫والشفاعة والحوض وامليزان وأعظم مما يعلمون النصوص الدالة عىل خرب الواحد واإلجماع‬
‫والقياس وأكثر مما يعلمون النصوص الدالة عىل الشفعة وسجود السهو ومنع نكاح املرأة‬
‫عىل عمتها وخالتها ومنع مرياث القاتل ونحو ذلك مما تلقاه عامة األمة بالقبول ولهذا كان‬
‫السلف مطبقني عىل تكفري من أنكر ذلك ألنه عندهم معلوم باالضطرار من الدين واألمور‬
‫املعلومة بالْضورة عند السلف واألئمة وعلماء الدين قد ال تكون معلومة لبعض الناس إما‬
‫إلعراضه عن سماع ما يف ذلك من املنقول فيكون حني انرصافه عن االستماع والتدبر غري‬
‫محصل لرشط العلم بل يكون ذلك االمتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض‬
‫عن رؤية الهالل فال يراه مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل ملن ال يصغي‬
‫إىل استماع كالم غريه وتدبره ال سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول ال يقول مثل ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫فيبقى قلبه غري متدبر وال متأمل ملا به يحصل له هذا العلم الْضوري "‬

‫وقال العالمة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما يف مجموعة الرسائل واملسائل وهو يتكلم‬
‫عن األشعرية ‪ ":‬وقد حكى ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬عن خمسمائة إمام من أئمة اإلسالم‪،‬‬
‫ومفاتيه العظام أنهم ّ‬
‫كفروا من أنكر االستواء‪ ،‬وزعم أنه بمعنى االستيالء‪ ،‬ومن جملتهم‬
‫إمامك الشافعي ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬وجملة من أشياخه كمالك وعبد الرحمن بن مهدي‬

‫(‪ )1‬درء تعارض العقل والنقل (‪)27/7‬‬

‫‪- 147 -‬‬


‫والسفيانني‪ ،‬ومن أصحابه أبو يعقوب البويطي واملزني‪ ،‬وبعدهم إمام األئمة ابن خزيمة‬
‫الشافعي‪ ،‬وابن رسيج‪ ،‬وخلق كثري‪ .‬وقولنا‪ :‬إمامك الشافعي مجاراة للنسبة‪ ،‬ومجرد‬
‫الدعوى‪ ،‬وإال فنحن نعلم أنكم بمعزل عن طريقته يف األصول‪ ،‬وكثري من الفروع‪ ،‬كما هو‬
‫(‪)1‬‬
‫معروف عند أهل العلم واملعرفة"‬

‫قال عبد الله بن أحمد يف السنة(‪ -)2‬حدثني أبو الحسن بن العطار محمد بن محمد قال ‪:‬‬
‫سمعت محمد بن مصعب العابد ‪ ،‬يقول ‪ « :‬من زعم أنك ال تتكلم وال ترى يف اْلخرة فهو‬
‫كافر بوجهك ال يعرفك ‪ ،‬أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سماوات ليس كما يقول أعداء‬
‫الله الزنادقة »‬
‫اىل ن َ ْف َس ُه ِيف ِكتَا ِب ِه وَ عَ َىل ل َِسا ِن‬
‫ف ال َّل ُه تَعَ َ‬ ‫وَص َ‬ ‫قال شيخ اإلسالم كما يف مجموع الفتاوى ‪َ ":‬ق ْد َ‬
‫ري ٍة حَ تَّى َقا َل بَعْ ُض‬ ‫َات َك ِث َ‬‫َر ُسولِ ِه " ِبا ْلعُ لُ ِّو وَ ِاال ْستِوَ ا ِء عَ َىل ا ْلعَ ْر ِش وَا ْل َفوْقِ ي َِّة " ِيف ِكتَا ِب ِه ِيف آي ٍ‬
‫ال عَ َىل‬
‫اىل عَ ٍ‬‫ِيل " أ َ ْو أ َ ْزيَ ُد ‪ :‬تَ ُد ُّل عَ َىل أ َ َّن ال َّل َه تَعَ َ‬ ‫آن " أ َ ْل ُ‬
‫ف َدل ٍ‬ ‫الشافِ عِ ِّي ‪ِ :‬يف ا ْل ُق ْر ِ‬‫اب َّ‬ ‫صحَ ِ‬ ‫أ َ َكا ِب ِر أ َ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫وْق عِ بَادِ هِ "‬ ‫ا ْل َخ ْل ِق وَ أَن َّ ُه َف َ‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف االستقامة‪ ":‬مثل هذا من املؤمنني إن استفرغ وسعه يف طلب‬
‫الحق فإن الله يغفر له خطأه وإن حصل منه نوع تقصري فهو ذنب ال يجب ان يبلغ الكفر‬
‫وإن كان يطلق القول بأن هذا الكالم كفر كما أطلق السلف الكفر عىل من قال ببعض‬
‫مقاالت الجهمية مثل القول بخلق القرآن أو إنكار الرؤية أو نحو ذلك مما هو دون إنكار‬
‫علو الله عىل الخلق وأنه فوق العرش فإن تكفري صاحب هذه املقالة كان عندهم من أظهر‬
‫األمور فإن التكفري املطلق مثل الوعيد املطلق ال يستلزم تكفري الشخص املعني حتى تقوم‬
‫(‪)4‬‬
‫عليه الحجة التي تكفر تاركها"‪.‬‬

‫(‪ )1‬مجموعة الرسائل واملسائل ( ‪)221/1‬‬


‫(‪ )2‬يف السنة ‪168‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى (‪)121/5‬‬
‫(‪ )4‬االستقامة ص‪164‬‬

‫‪- 148 -‬‬


‫قال سليمان بن سحمان يف كشف الشبهتني ‪ ":‬وإذا كان أعداء الله الجهمية‪ ،‬وعباد القبور‬
‫قد قامت عليهم الحجة‪ ،‬وبلغتهم الدعوة‪ ،‬منذ أعصار متطاولة‪ ،‬ال ينكر هذا إال مكابر‪ ،‬فكيف‬
‫يزعم هؤالء الجهلة أنه ال يقال ألحدهم‪ :‬يا كافر‪ ،‬ويا مرشك‪ ،‬ويا فاسق‪ ،‬ويا متعور‪ ،‬ويا‬
‫جهمي‪ ،‬ويا مبتدع وقد قام به الوصف الذي صار به كافراً‪ ،‬أو مرشكاً‪ ،‬أو فاسقاً‪ ،‬أو مبتدعا ً‬
‫وقد بلغته الحجة‪ ،‬وقامت عليه‪ ،‬مع أن الذي صدر من القبورية الجهمية هؤالء لم يكن من‬
‫وقف يف حال أحدهم‪ ،‬لكن قد علم‬ ‫املسائل الخفية التي قد يخفى دليلها عىل اإلنسان َفيُتَ َّ‬
‫بالْضورة من دين اإلسالم أن من جحد علوا الله عىل خلقه‪ ،‬وأنكر صفاته ونعوت جالله‬
‫أنه كافر معطل ال يشك يف ذلك مسلم"‪.‬‬

‫والحجة يف املسائل الظاهرة البلوغ‪ ،‬والعلو ثابت بالفطرة والعقل وامليثاق والسمع‪ ،‬وما من‬
‫أحد من هؤالء إال وقد بلغه النص‪ ،‬بل تجدهم يرشحون أحاديث رسول الله ﷺ‬
‫ويعارضونها‪ ،‬وهذا أكرب العناد‪.‬‬

‫قال القرطبي يف تفسريه" قوله تعاىل‪" :‬ثم استوى عىل العرش"‪.‬‬


‫هذه مسألة االِستواء وللعلماء فيها كالم وإجراء وقد بينا أقوال العلماء فيها يف الكتاب‬
‫األسنى يف يرح أسماء الله الحسنى وصفاته العَل وذكرنا فيها هناك أربعة عرش قوال‬
‫واألكثر من املتقدمني واملتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز‬
‫فمن ْضورة ذلك ولواحقه الالزمة عليه عند عامة العلماء املتقدمني وقادتهم من املتأخرين‬
‫تنزيهه تبارك وتعاىل عن الجهة فليس بجهة فوق عندهم ألنه يلزم من ذلك عندهم متى‬
‫اختص بجهة أن يكون يف مكان أو حيز ويلزم عىل املكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز‬
‫والتغري والحدوث هذا قول املتكلمني وقد كان السلف األول ريض الله عنهم ال يقولون بنفي‬
‫الجهة وال ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعاىل كما نطق كتابه وأخربت‬
‫رسله ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى عىل عرشه حقيقة وخص العرش بذلك‬
‫ألنه أعظم مخلوقاته وإنما جهلوا كيفية اإلستواء فإنه ال تعلم حقيقته قال مالك رحمه الله‬
‫اإلستواء معلوم يعني يف اللغة والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة وكذا قالت أم سلمة‬

‫‪- 149 -‬‬


‫ريض الله عنها وهذا القدر كاف ومن أراد زيادة عليه فليقف عليه يف موضعه من كتب‬
‫(‪)1‬‬
‫العلماء"‪.‬‬

‫قلت فانظر كيف أنه ينقل إجماع السلف عىل إثبات العلو ثم يختار كالم دهاقنة األشاعرة‪،‬‬
‫وهذا عني ما تحدث عنه الشيخ محمد يف رسائله رحمه الله‪ ،‬والعجب أن فالنا قد نصحَ‬
‫بتفسري القرطبي هذا يف رسالة "املراجع العلمية العامة" وهي موجهة للعوام وطلبة العلم‬
‫البسطاء‪ ،‬والطامة الكربى أن قال يف البداية‪" :‬هذه بعض املراجع العلمية والكتب املنهجية‬
‫القديمة والجديدة‪ ،‬والتي تعني املسلم وترسم له الطريق الصحيحة ملعرفة مذهب أهل الحق‬
‫والسنة والجماعة‪ ،"....‬فأين مذهب أهل السنة يف غالب ما نصح به والله املستعان‪ ،‬ونقض‬
‫كالمه هذا بكالم بعده غريب نبه له فقال‪" :‬إن ذكر بعض الرسائل والكتب ال يعني سالمة‬
‫منهج أصحابها‪ "...‬وقال‪" :‬كما أن بعض هذه الكتب ال تخلو من أغالط علمية وأخطاء‬
‫منهجية نتيجة لسوء معتقد مؤلفها أو لغفله منه‪."....‬‬

‫وغري ذلك من الكالم الذي أقل ما يقال فيه أنه تهافت ‪ ،‬فكيف تعني املسلم وترسم له الطريق‬
‫الصحيحة ملعرفة مذهب أهل الحق والسنة والجماعة كتبٌ مؤلفوها لهم مناهج منحرفة‬
‫واعتقادات ضالة؟ ولله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬

‫قال ابن تيمية يف الحموية ‪":‬وهذه التأويالت املوجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر‬
‫التأويالت التي ذكرها أبو بكر بن فورك يف كتاب «التأويالت» وذكرها أبو عبد الله محمد‬
‫بن عمر الرازي يف كتابه الذي سماه «تأسيس التقديس» ويوجد كثري منها يف كالم خلق‬
‫كثري غري هؤالء مثل أبي عَل الجبّائي‪ ،‬وعبد الجبار بن أحمد الهمذاني‪ ،‬وأبي الحسني‬
‫البرصي‪ ،‬وأبي الوفاء بن عقيل‪ ،‬وأبي حامد الغزايل وغريهم‪ ،‬هي بعينها التأويالت التي‬
‫ذكرها برش املرييس التي ذكرها يف كتابه‪ ،‬وإن كان قد يوجد يف كالم بعض هؤالء رد التأويل‬
‫وإبطاله ً‬
‫أيضا ولهم كالم حسن يف أشياء‪ .‬فإنما بيَّنت أن عني تأويالتهم هي عني تأويالت‬
‫املرييس‪ ،‬ويدل عىل ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد األئمة املشاهري‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطبي ‪219/ 7‬‬

‫‪- 150 -‬‬


‫يف زمان البخاري‪ ،‬صنف كتابًا سماه‪« :‬رد عثمان بن سعيد عىل الكاذب العنيد فيما افرتى‬
‫عىل الله يف التوحيد» حكى فيه من التأويالت بأعيانها عن برش املرييس بكالم يقتيض أن‬
‫املرييس أقعد بها‪ ،‬وأعلم باملنقول واملعقول من هؤالء املتأخرين الذين اتصلت إليهم من‬
‫جهته‪ ،‬ثم رد عثمان بن سعيد بكالم إذا طالعه العاقل الذكي‪ :‬علم حقيقة ما كان عليه‬
‫السلف‪ ،‬وتبني له ظهور الحجة لطريقهم‪ ،‬وضعف حجة من خالفهم"‬

‫فانظر كيف أن املرييس املتقدم ذكره قد كان متأوال ولم يعذره السلف‪.‬‬

‫والسنَّة‬
‫قال السبكي األشعري يف معيد النعم ومبيد النقم ‪:‬ورأيي فيمن أعرض عن الكتاب ُّ‬
‫واشتغ َل بمقاالت ابن سينا ومن نحا نحوه‪ ،‬وترك قول املسلمني‪ :‬قال أبو بكر‪ ،‬وقال عمر‬
‫ريض ال َّله تعاىل عنهما وقال الشافعي‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬وقال األشعريّ ‪ ،‬وقال القايض أبو‬
‫بكر‪ ،‬إىل قوله‪ :‬قال الشيخ الرئيس يعني ابن سينا‪ ،‬وقال خواجا نصري‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أن‬
‫يْضب بالسياط‪ ،‬ويُطاف به يف األسواق‪ ،‬ويُنادى عليه‪ :‬هذا جزاء من ترك الكتاب والسنَّة‪:‬‬
‫واشتغ َل بأباطيل املبتدعني‪.‬‬
‫شعارا ‪-‬من ال َّله تعاىل إذا قرأ قوله تعاىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫أو ما يستحي من يتَّخذ أقوال ابن سينا وتعظيمه‬
‫ين عَ َىل أ َ ْن ن ُ َسوِّيَ بَنَانَهُ}ويذكر إنكار ابن سينا‬ ‫{أَيَحْ َسبُ ْ ِاإلن ْ َسا ُن أ َ َّل ْن نَجْ مَ َع عِ َ‬
‫ظامَ ُه ب ََىل َقادِ ِر َ‬
‫وجمع العظام"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لحرش األجساد‪،‬‬

‫فكيف بمن يرتك الكتاب والسنة بفهم السلف ويشتغل بأباطيل األشاعرة‪ ،‬أوما يستحي من‬
‫يذب عن السبكي وأقرانه من األشاعرة ويعظمهم ويؤذي من ضللهم من الله تعاىل إذا قرأ"‬
‫{الرحمن عىل العرش استوى}‪{ ،‬ثم استوى عىل العرش}‪ ،‬ويذكر إنكار ابن حجر والسبكي‬
‫والعز لعلو الله واستوائه عىل العرش"‪.‬‬

‫بل صاحب اإلعالم قد نسب النهي عن مطالعة كتب املبتدعة وحرقها ملنهج الجهلة ‪،‬وهذا‬
‫َّ‬
‫يظن ظان أن هذه‬ ‫السبكي القبوري الذي ذَبّ عنه يف كتابه قد كان أقرب للصواب‪ ،‬وال‬

‫‪- 151 -‬‬


‫املسألة هينة‪ ،‬ال ورب الكعبة‪ ،‬بل هي أصل غالب الضالالت‪ ،‬وأجهل الجهل أن املخالف يف‬
‫هذا ينسب كل ضالله للسلف‪ ،‬وشيوخنا قد قالوا علينا بمنهج السلف والعتيق وأطنبوا يف‬
‫مثل هذا‪ ،‬فإذا وصل األمر ملسألة هؤالء املبتدعة جعلوا سقفهم كالم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪-‬‬
‫فمن جاء بعده من املتأخرين واملعارصين‪ ،‬فأين العتيق وأين السلف وأين األمر األول من‬
‫هذا؟ ولهذا وجد يف طلبة العلم من قال بأن رسول الله ﷺ لم يكن يعرف الرشك قبل الوحي‬
‫وحصلت بسبب ذلك فتن كثرية‪.‬‬

‫اق ‪َ ،‬قا َل‬ ‫صا ٍم ا ْلعُ ْك َ ِربيُّ ‪َ ،‬قا َل ‪ :‬ثَنَا حَ نْبَ ُل بْ ُن إ ِ ْسحَ َ‬ ‫صمَ ُة بْ ُن عِ َ‬ ‫ربنِي عِ ْ‬ ‫قال ابو بكر الخالل‪ :‬أ َ ْخ َ َ‬
‫وْم ِه َقبْ َل أ َ ْن يُبْعَ َث ؟ َف َقا َل ‪:‬‬ ‫ين َق ِ‬ ‫ان عَ َىل دِ ِ‬ ‫‪ُ :‬ق ْل ُت َأل ِبي عَ بْ ِد ال َّل ِه ‪ " :‬مَ ْن َزعَ َم أ َ َّن الن َّ ِب َّي ﷺ َك َ‬
‫ِصاحِ ِب َه ِذهِ ا ْلمَ َقا َل ِة تَ َخذُّ َر َكالمَ ُه ‪ ،‬وَال يُجَ ا َل ُس ‪ُ ،‬ق ْل ُت َل ُه ‪ :‬إ ِ َّن جَ َارن َا‬ ‫َهذَا َقوْ ُل ُسو ٍء ‪ ،‬يَنْبَغِ ي ل َ‬
‫يش ٍء أَب َْقى إِذَا َزعَ َم أ َ َّن َر ُسو َل‬ ‫َّاس ي َُقو ُل َه ِذهِ ا ْلمَ َقا َل ُة ؟ َف َقا َل ‪َ :‬قاتَ َل ُه ال َّل ُه ‪ ،‬أَيُّ َ ْ‬ ‫النَّاقِ َد أَبُو ا ْلعَ ب ِ‬
‫يىس ‪،‬‬ ‫َرش ِب ِه عِ َ‬‫وَقا َل ال َّل ُه عَ َّز وَ جَ َّل وَ ب َّ َ‬
‫صنَا َم ‪َ ،‬‬ ‫ُون َ‬
‫األ ْ‬ ‫وَه ْم يَعْ بُد َ‬ ‫ين َقوْ ِم ِه ُ‬ ‫ان عَ َىل دِ ِ‬ ‫ال َّل ِه ﷺ َك َ‬
‫ني تَ َزوَّجَ هَ ا الن َّ ِب ُّي ﷺ ِيف‬ ‫وَزعَ َم أ َ َّن َخدِيجَ َة َكان َ ْت عَ َىل ذَ ِل َك حِ َ‬ ‫اس ُم ُه أَحْ مَ ُد ‪ُ ،‬ق ْل ُت َل ُه ‪َ :‬‬ ‫َف َقا َل ‪ْ :‬‬
‫ا ْلجَ اهِ ِلي َِّة ‪َ ،‬ف َقا َل ‪ :‬أَمَّ ا َخدِيجَ ُة َفال أ َ ُقو ُل َشيْئًا ‪َ ،‬ق ْد َكان َ ْت أَوَّ َل مَ ْن آمَ َن ِب ِه ِم َن الن ِّ َسا ِء ‪ ،‬ث ُ َّم مَ اذَا‬
‫ان ال َّل ِه ‪،‬‬‫صحَ ابُ ا ْل َكال ِم ‪ ،‬مَ ْن أَحَ بَّ ا ْل َكال َم َل ْم يُ ْفلِحْ ‪ُ ،‬سبْحَ َ‬ ‫اس ِم َن ا ْل َكال ِم ‪َ ،‬ه ُؤال ِء أ َ ْ‬ ‫ِّث الن َّ ُ‬ ‫يُحَ د ُ‬
‫ظ ُه ‪ ،‬وَ ذَ َك َر أُمَّ ُه حَ يْ ُث‬ ‫ظ َم ذَ ِل َك وَ احْ تَجَّ ِيف ذَ ِل َك ِب َكال ٍم َل ْم أَحْ َف ْ‬ ‫استْعَ َ‬ ‫ان ال َّل ِه لِهَ ذَا ا ْل َقوْ ِل ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ُسبْحَ َ‬
‫طهَّ ًرا ِم َن‬ ‫طاهِ ًرا ُم َ‬ ‫ان َ‬ ‫وَقبْ َل أ َ ْن يُبْعَ َث َك َ‬‫َت َرأ َ ْت َهذَا َ‬ ‫ورا ‪ ،‬أ َ َف َلي َْس َهذَا عِ نْدَمَ ا وَ َلد ْ‬ ‫َت َرأ َ ْت ن ُ ً‬ ‫وَ َلد ْ‬
‫صحَ ابَ ا ْل َكال ِم ‪ ،‬ال‬ ‫ص ِب ‪ ،‬ث ُ َّم َقا َل ‪ :‬احْ َذ ُروا أ َ ْ‬ ‫ان ال يَأ ْ ُك ُل مَ ا ذُ ِبـحَ عَ َىل الن ُّ ُ‬ ‫ان ‪ ،‬أ َ َو َلي َْس َك َ‬ ‫َ‬
‫األوْ ث َ ِ‬
‫ري"‪.‬‬‫يَئُو ُل أَمْ ُر ُه ْم إ ِ َىل َخ ْ ٍ‬

‫ووُجد من جعل العلم بقدرة الله وأنه سميع بصري من املسائل الظاهرة التي قد يعذر فيها‬
‫بعضهم‪ ،‬والسلف عىل أنها من أصول دين املرء‪ ،‬قال ابن خزيمة رحمه الله‪" :‬بَابُ إِثْب ِ‬
‫َات‬
‫ف ن َ ْف َسهُ‪َ :‬س ِمي ٌع ب َِصريٌ‪ ،‬وَ مَ ْن َك َ‬
‫ان مَ عْ بُود ُُه‬ ‫وَالر ْؤي َِة ِل َّل ِه جَ َّل وَعَ َال الَّذِي ُه َو َكمَ ا َ‬
‫وَص َ‬ ‫السمْ ِع ُّ‬ ‫َّ‬
‫ري‪ ،‬يَعْ بُ ُد َغ ْريَ ا ْل َخال ِِق ا ْلب َِار ِئ‪ ،‬ا َّلذِي ُه َو ِس ِمي ٌع‬
‫يع ا ْلب َِص ِ‬ ‫ري‪َ ،‬فهُ َو َكافِ ٌر ِبال َّل ِه َّ‬
‫الس ِم ِ‬ ‫يع ب َِص ٍ‬ ‫َغ ْريَ َس ِم ٍ‬
‫ب َِصريٌ"‪.‬‬
‫الرحْ مَ ِن أَبَاهُ‪ ،‬وَ تَوْ ِب َ‬
‫يخ ُه إ ِيَّا ُه‬ ‫ِيل َّ‬‫طب ََة َخل ِ‬‫ُخا َ‬ ‫وقال‪" :‬وَ تَ َدبَّ ُروا أَيُّهَ ا ا ْلعُ َلمَ اءُ‪ ،‬وَ م ُْقتَ ِب ُسوا ا ْلعِ ْلمَ‪ ،‬م َ‬
‫ط َال َن مَ ذْ َه ِب‬ ‫يق َخالِقِ نَا جَ َّل وَ عَ َال‪ِ ،‬صحَّ َة مَ ذْ َه ِبنَا‪ ،‬وَ بُ ْ‬ ‫ان يَعْ بُدُ‪ ،‬تَعْ قِ لُوا ِبتَوْفِ ِ‬ ‫لِعِ بَا َد ِت ِه مَ ْن َك َ‬
‫‪- 152 -‬‬
‫وَس َال ُم ُه عَ َلي ِْه‪َ ِ ،‬أل ِب ِيه‪ِ { :‬ل َم تَعْ بُ ُد‬
‫ات ال َّل ِه َ‬ ‫ص َلوَ ُ‬‫الرحْ مَ ِن َ‬‫ط َل ِة َقا َل َخلِي ُل َّ‬ ‫ُخالِفِ ينَا ِم َن ا ْلجَ هْ ِمي َِّة ا ْلمُعَ ِّ‬‫م َ‬
‫ال يَا ذَ ِوي ا ْلحِ جَ ا‪ ،‬أ َ ْن ي َُقو َل‬ ‫ْرص وَ َال ي ُْغنِي عَ ن ْ َك َشيْئًا} (‪ )1‬أ َ َف َلي َْس ِم َن امل ِحَ ِ‬ ‫وَال يُب ِ ُ‬ ‫مَ ا َال ي َْسمَ ُع َ‬
‫ْرص} (‪ ، )2‬وَ يَعِ يبُ ُه ِبعِ بَا َد ِة مَ ا َال ي َْسمَ ُع‪،‬‬ ‫وَال يُب ِ ُ‬‫الرحْ مَ ِن ِ َأل ِب ِيه َآز َر‪ِ { :‬ل َم تَعْ بُ ُد مَ ا َال ي َْسمَ ُع َ‬‫َخلِي ُل َّ‬
‫صنَا ِم ا َّلتِي هِ َي ِم َن ا ْلمَ وْ تَا ِن‪َ ،‬ال‬ ‫ْرص‪َ ،‬ك ْ َ‬
‫األ ْ‬ ‫وَال يُب ِ ُ‬ ‫ْرص‪ ،‬ث ُ َّم يَدْعُ و ُه إ ِ َىل عِ بَا َد ِة مَ ْن َال ي َْسمَ عُ‪َ ،‬‬
‫وَال يُب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫الس ِمي ُع ا ْلب َِصريُ َكمَ ا ي َِص ُف ُه َه ُؤَال ِء ا ْلجُ هَّ ا ُل‬ ‫ْف يَ ُكو ُن َربُّنَا ا ْل َخال ُِق ا ْلب َِارئ ُ َّ‬ ‫ان أَي ًْضا‪َ ،‬ف َكي َ‬ ‫ِم َن ا ْلحَ يَوَ ِ‬
‫صنَا ِم‬ ‫ان وَ ْ َ‬
‫األ ْ‬ ‫ري‪َ ،‬فهُ َو َكعَ ا ِب ِد ْ َ‬
‫األوْ ث َ ِ‬ ‫وَال ب َِص ٍ‬ ‫يع‪َ ،‬‬‫ري َس ِم ٍ‬ ‫ط َل ُة؟‪ ،‬عَ َّز َربُّنَا وَ جَ َّل عَ ْن أ َ ْن يَ ُك َ‬
‫ون َغ ْ َ‬ ‫ا ْلمُعَ ِّ‬
‫(‪)3‬‬ ‫ْرص‪ ،‬أ َ ْو َكعَ ا ِب ِد ْ َ‬
‫األنْعَ ا ِم"‬ ‫وَال يُب ِ ُ‬ ‫َال ي َْسمَ ُع َ‬

‫وقال املروزي يف تعظيم قدر الصالة‪" :‬الجهل بالله كفر يف كل حال قبل الخرب وبعد الخرب"‪.‬‬

‫ومصطلحات األصل والالزم هذه ما سمعناها من السلف األولني‪ ،‬وإنما أُدخلت بسبب‬
‫اهتمام أهل البدع بعلوم الكالم‪ ،‬وكل مسلم يعلم آفة هذه املصطلحات والفتن التي جرت‬
‫عىل دولة اإلسالم‪.‬‬
‫وبعض من ذبَّ عنهم صاحب كتاب اإلعالم‪ ،‬هم علماء عند غالب ُخصومنا‪ ،‬قد صنفوا يف‬
‫إباحة الرشك‪ ،‬والتعطيل‪ ،‬وتكفري املسلمني إلثباتهم صفات الله تعاىل‪ ،‬وما استشهد الديري‬
‫يف كتابه الركيك إال بكالمهم‪ ،‬بينما حجتنا عليه كانت من كالم علماء أهل النقل‪ ،‬ولوال علماء‬
‫الحديث‪ ،‬لتفرقت الجماعة‪ ،‬ولخرجنا كفارا يْضب بعضنا رقاب بعض‪ ،‬فتأمل يف فضل علم‬
‫السلف عىل الخلف‪ ،‬تجد أعظم الخري يف اتباعهم‪ ،‬وأكرب الرش يف مخالفتهم‪.‬‬

‫قال أبو حاتم الرازي يف ترجمة (يوسف بن خالد السمتي)‪ " :‬أنكرت قول يحيى بن معني‬
‫فيه‪ :‬إنه زنديق‪ ،‬حتى حمل إيل كتاب قد وضعه يف التجهم بابا بابا‪ ،‬ينكر امليزان يف القيامة‪،‬‬
‫فعلمت أن يحيى بن معني كان ال يتكلم إال عىل بصرية وفهم"‬

‫(‪ )1‬مريم‪42 :‬‬


‫(‪ )2‬مريم‪42 :‬‬
‫(‪ )3‬كتاب التوحيد البن خزيمة ص‪١٠٩:‬‬

‫‪- 153 -‬‬


‫قال سليمان بن سحمان‪" :‬فهذا الرج ُل املسمى الشهابَ الرمَل َّ إن كان ِمن املعروفني بالعلم‬
‫ني الذين يُصنِّفون يف إباحة‬ ‫السبْكِي وأْضا ِبه الغال َ‬ ‫أعرف ما حالُه ‪ -‬فهو ِمن جن ْ ِس ُّ‬
‫‪ -‬ألني ال ِ‬
‫الرشك وجوازه زاعمني أن ذلك من تعظيم الرسول ‪ ،‬وتعظيم األنبياء واألولياء ‪ ،‬وذلك‬
‫لجهلهم ‪ ،‬وعدم إدراكهم لحقائق الدين‪ ،‬ومدارك األحكام‪ ،‬وليس لهم قدم صدق يف العاملني‪،‬‬
‫ورا َفمَ ا َل ُه ِم ْن‬ ‫َ‬
‫حجة يف أقوالهم ‪ { .‬وَ مَ ْن َل ْم يَجْ عَ ِل ال َّل ُه َل ُه ن ُ ً‬ ‫وال كانوا من العلماء العاملني‪ ،‬فال‬
‫وأكابر أهل الفقه والورع‬ ‫ِ‬ ‫ور } ثم لو كان الشهاب الرمَل ِمن أهل الفضل والعلم والعبادة‬ ‫نُ ٍ‬
‫كفره‬
‫يوجب َ‬ ‫والزهادة لكان قد أخطأ فيما قاله وأراده ‪ ،‬ودعا إىل عبادة غري الله ‪ ،‬وهذا ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫وارتدادَه"‪.‬‬
‫فال ريب أن الذب عن هؤالء املبتدعة‪ ،‬والسماح بتداول كتبهم عىل مافيها من الضالل‪ ،‬وشنيع‬
‫املقال‪َ ،‬ملن اإلفساد‪ ،‬ومما يوجب تسلط األعداء‪ ،‬وقد ح َّدثني رجل صالح ‪-‬فرج الله عنا وعنه‪-‬‬
‫وقد عمل بالحسبة‪ ،‬أن قاضيا كان يخبئ كتب بالعمة الطواغيت يف مخدته ومخدة تلميذه‬
‫ريا ما ُرمي بحرب الرشعيني وحرق كتب‬ ‫خوفا من حرقها عىل يد هذا األخ الصالح الذي كث ً‬
‫العلماء! بل قال هذا القايض ألخينا‪ :‬أنا أدرس منهج "فالن" وال أدرس منهج الدولة‪.‬‬

‫وبالجملة فالكالم يف هذه املسألة قد يطول جدا‪ ،‬والناس فيه بني غايل وجايف‪ ،‬ومذهب أهل‬
‫السنة قد تقدم ذكره‪ ،‬وهؤالء وأهل الرأي فيهم من يطعن يف داللة األدلة اللفظية عىل اليقني‬
‫ويف إفادة األخبار للعلم‪ .‬وهذان هما مقدمتا الزندقة كما ذكر شيخ االسالم‪ ،‬ومع ذاك‬
‫يُستشهد بأقوالهم عند أقوام‪ ،‬ويُجعل عمدة يف أبواب كثرية‪ ،‬بل من القضاة من كان يقيض‬
‫بمذهب أبي حنيفة‪ ،‬وهذا خالف ما عليه السلف‪.‬‬

‫قال يوسف ابن عبد الهادي يف بحر الدم _ وقد تويف بعد الخطيب بزمن طويل _ ‪ ":‬النعمان‬
‫بن ثابت بن زوطا‪ ،‬االمام أبو حنيفة‪ :‬قال أحمد يف رواية إبراهيم بن هانئ‪ :‬اترك رأي أبي‬
‫حنيفة وأصحابه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الصواعق املرسلة ‪260‬‬

‫‪- 154 -‬‬


‫وقال محمد بن روح العكربي‪ :‬سمعت أحمد يقول‪ :‬لو أن رجال ويل القضاء‪ ،‬ثم حكى برأي‬
‫أبي حنيفة ثم سئلت عنه لرأيت أن أرد أحكامه‪.‬‬
‫وقال يف رواية عمر بن معمر‪ :‬إذا رأيت الرجل يجتنب أبا حنيفة‪ ،‬والنظر فيه‪ ،‬وال يطمنئ‬
‫إليه‪ ،‬وال إىل من يذهب مذهبه ممن يغلو وال يتخذه إماما فارج خريه"‪.‬‬

‫ظلم الغيبة والنميمة والتجسس وتضييع‬ ‫ظلم العباد‪ ،‬ومن ال ُّ‬


‫ومما يُوجب العقاب كذلك ُ‬
‫األمانات وإفشاء األرسار والتقول عىل الله بغري علم‪ ،‬وتكفري املسلمني وأعظم الظلم الرشك‬
‫واإلمام يجب عليه أن يحارب كل أصناف الظلم‪.‬‬

‫ُوأخريا ا ُفإن القارئ لهذا الكتاب سيَخلص إىل أن هذا الديريَ أبا محمد املُفسد الكذاب‪،‬‬
‫مُتقوَّ ل عىل الله بغري علم‪ ،‬قد كذب عىل الله وعىل رسوله ﷺ ِبر ِّد ما صحَّ وتواتر عنه من‬
‫أحاديث لم يجرؤ أحد من العلماء عىل تضعيفها يف سابق األزمنة‪ ،‬ناهيك عن كذبه عىل‬
‫الصحابة الكرام والسلف األعالم وبرته لنصوصهم بال حياء وال خجل ظان ًّا لسفاهته أن لن‬
‫يكتشف أحد ذلك‪ ،‬و غري كذبه وافرتائه عىل مشايخ الدولة اإلسالمية وخليفتها وقادتها‬
‫كالمه من خارجيات كتكفري املسلمني بغري مُكفر وإهدار‬‫ِ‬ ‫وجنودها وظلمه لهم‪ ،‬وما فاح من‬
‫الدماء بغري حق‪ ،‬واستحالل رسقة أموال املسلمني وَ اإلفتاء بذلك‪ ،‬فهو فاحش اللسان لعّ ان‬
‫ظ مبتذل ال يحفظ ألحد حقا وال يقيل ملسلم عثرة‪.‬‬ ‫طعّ ان كالمه ف ٌّ‬

‫كارها للكتابة لوال أن اضطررت لها اضطرا ًرا بسبب كالم هؤالء الخوارج‬ ‫ً‬ ‫وليُعلم أني كنت‬
‫القعد‪ ،‬مخافة أن يغرت بكالمهم إخواننا وأخواتنا‪ ،‬أو ي ُفتنوا بهم‪ ،‬وييأسوا من الدولة وخريها‪،‬‬
‫ويصدقوا ما جاء يف كالم هؤالء املفرتين‪ ،‬ويف ظل غياب كالم علمائنا ‪-‬فرج الله عنهم‪،-‬‬
‫وإني قد حذفت فصوال ً من الكتاب واستعجلني بعض إخواني لنرشه لعدم جواز تأخري‬
‫البيان عن وقت الحاجة ‪ ،‬ما كان يف كتابي هذا من صواب فمن الله وحده‪ ،‬وما كان فيه من‬
‫الخطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬ورحم الله من عقل عن الله‪ ،‬ورجع عن القول الذي يخالف‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وقال بقول علماء الحديث‪ :‬وهو قول املهاجرين واألنصار‪ ،‬وتر َك مذهب‬

‫‪- 155 -‬‬


‫النهوض ونرصة أخواتنا يف‬
‫ِ‬ ‫الخوارج الساعني للفرقة‪ ،‬وألن نْضب رقاب بعضنا‪ ،‬بدل‬
‫املخيمات‪ ،‬والسعي لفكاك أرسهن‪ ،‬والتخفيف عن حالهن وحال إخواننا‪.‬‬
‫وإىل الديري ومن تبعه‪ ،‬إن الهالك كل الهالك يف اإلرصار عىل الباطل‪ ،‬فالرجوع إىل الحق‬
‫خري من التمادي يف الباطل‪ ،‬ولقد وضعت نفس َك موض َع التهمة‪ ،‬فنلت ما نلته‪ ،‬ولقد قسوت‬
‫ً‬
‫باطال‪ ،‬مبتدعً ا‪ ،‬و والله ال‬ ‫عليك عن عمد‪ ،‬وإنك قد فتنت املؤمنني واملؤمنات‪ ،‬واتبعت مذهبًا‬
‫خري يف طريق خالفها املسلمون حقا واستقروا عىل خالفها‪ ،‬فرتاجع وتب لربك‪ ،‬تب إىل الله‬
‫تعاىل فإنه يحب التوابني ويحب املتطهرين‪ ،‬وإلن تبت نلت خري الدنيا واْلخرة‪ ،‬وال خريَ فيما‬
‫أنت عليه اْلن‪.‬‬

‫اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم‪ُ ،‬كن يل وإلخواني املجاهدين وألخواتنا‬
‫جارا من الطواغيت وأحزابهم وأشياعهم أن يفرطوا علينا أو يطغوا‪ ،‬عز جارك‬‫األسريات ً‬
‫وجل ثناؤك وال إله غريك‪.‬‬
‫اللهم رب جربيل وميكائيل وإرسافيل ومنزل التوراة واإلنجيل والقرآن‪ ،‬ادرأ عن إخواننا‬
‫املجاهدين وأخواتنا األسريات ير الكفرة واملرتدين‪.‬‬
‫اللهم انرصهم‪ ،‬اللهم افتح عليهم‪ ،‬اللهم احفظهم وأصلح أحوالهم وأصلح أمري املؤمنني‬
‫واهده للحق‪.‬‬
‫اللهم فك أرس إخواننا وأخواتنا‪ ،‬واحفظ شيوخنا‪ ،‬وفرج عنهم‪.‬‬

‫وصىل الله وسلم عىل سيدنا محمد وعىل آله وصحبه‪.‬‬

‫ُللسائل ُاملرتاب ُاملستهدي ُِف ُم ّد ُاألكف ُواأليدي ُوذيلهُ‬


‫ُصواب ُالجواب ّ‬
‫ُكتاب َ‬
‫ِ‬ ‫آخر‬
‫الصاعقةُِفُالردُعىلُأخناثُالصعافقةُ‬
‫وتمُالفراغُمنهُأوسطُرجبُلعامُ‪ُ١٤٤٠‬منُهجرةُرسولُالله‪ُ،‬بدولةُاإلسالم‪ُ.‬‬

‫‪- 156 -‬‬


‫خاتمةُ‬
‫منُدررُالشيخُأبيُأسامةُالغريبُ–تقبلهُالله‪-‬‬
‫وفاء لشيخنا الحبيب أبي أسامة الغريب استحسنت أن انرش شيئا‪ ،‬من وصاياه للمنارصين‬
‫تأكيدا عىل منهج شيوخنا ‪-‬تقبلهم الله تعاىل وجمعنا بهم يف عليني‪ -‬فقد كانوا أحرص‬
‫الناس عىل االئتالف وجمع الكلمة ونبذ الفرقة وعدم إشمات العدو باملوحدين أو نرش‬
‫األباطيل أو خيانة األمانات أو نرش الترسيبات والحرصيات –خالفا ملا يفعله املت َّ‬
‫مسحون‬
‫به‪ -‬تقبلك الله يا قرة العني فليتك تعلم ما أحدثه هؤالء املبتدعة بعدك‪.‬‬

‫‪- 157 -‬‬


- 158 -
- 159 -

You might also like