You are on page 1of 10

‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا حممد وعلى آله‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‪،‬‬
‫حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أ ّن ً‬
‫السلم كافّةً‪ ،}‬أي‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن هللا سبحانه وتعاىل يقول‪{ :‬ايأيّها الّذين ءامنوا ادخلوا يف ّ‬
‫خذوا اإلسالم من مجيع جوانبه‪.‬‬
‫حّت تقيموا التّوراة واإلجنيل وما أنزل إليكم‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬قل ايأهل الكتاب لستم على شيء ّ‬
‫من ربّكم‪.}‬‬
‫وقال اإلمام البخاري رمحه هللا (ج‪ 4‬ص‪ )3‬طبعة حلبية‪ :‬ابب مايتّقى من حم ّقرات‬
‫ال ّذنوب‪:‬‬
‫حدثنا أبوالوليد حدثنا مهدي عن غيالن عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬إنّكم لتعملون أعماالً هي‬
‫يب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم من‬ ‫الشعر‪ ،‬إن كنّا لنع ّدها على عهد النّ ّ‬
‫أدق يف أعينكم من ّ‬
‫ّ‬
‫املوبقات‪.‬‬
‫قال أبوعبدهللا‪ :‬يعين بذلك‪ :‬املهلكات‪.‬‬
‫قال احلافظ رمحه هللا‪ :‬التعبري ابحملقرات‪ ،‬وقع يف حديث سهل بن سعد رفعه‪ّ (( :‬إايكم وحم ّقرات‬
‫حّت‬
‫ال ّذنوب‪ ،‬فإ ّن مثل حم ّقرات ال ّذنوب‪ ،‬كمثل قوم نزلوا يف بطن واد‪ ،‬فجاء ذا بعود‪ ،‬وجاء ذا بعود‪ّ ،‬‬
‫مجعوا ما أنضجوا به خبزهم‪ ،‬وإ ّن حم ّقرات ال ّذنوب مّت يؤخذ هبا صاحبها أهلكْته))‪.‬‬
‫أخرجه أمحد بسند صحيح‪ ،‬وحنوه عند أمحد والطرباين من حديث ابن مسعود‪ ،‬وعند النسائي‬
‫النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم قال‪(( :‬ايعائشة‪ّ ،‬إايك وحم ّقرات‬
‫وابن ماجه عن عائشة أ ّن ّ‬
‫وجل طالبًا))‪ .‬وصححه ابن حبان‪ .‬اهـ‬
‫عز ّ‬‫ال ّذنوب‪ ،‬فإ ّن هلا من هللا ّ‬
‫ومن الذنوب اليت حيتقرها كثري من الناس‪ ،‬وجيهل حكمها آخرون اخلضاب ابلسواد‪.‬‬

‫• ‪ ‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.08 :‬‬


‫• ‪ ‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.68 :‬‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫وكنت وأان مبكة قد رأيت بعض طلبة العلم خيضب ابلسواد‪ ،‬فنصحته برتك ذلك فأىب‪ ،‬وقال‪ :‬أنه‬
‫ليس مبحرم‪ ،‬وكان من أصحابه رجل من العلماء‪ ،‬فقلت لذلك العامل ينصحه‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ليس مبحرم‪.‬‬
‫السواد))‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بل قال‪ :‬ال شيء فيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬حديث جابر يف "صحيح مسلم" وفيه‪(( :‬وجنّبوه ّ‬
‫هي مدرجة‪ .‬فقلت له‪ :‬فحديث ابن عباس الذي رواه أبوداود‪ ،‬واإلمام أمحد‪ ،‬وفيه وعيد شديد‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إنه حديث ال يثبت‪.‬‬
‫والرجل حمدث ولكين مل أقتنع بكالمه ودفعين هذا إىل مجع هذه الرسالة‪.‬‬
‫أيضا بعض الزعماء‬‫أيضا إىل مجع هذه الرسالة‪ ،‬أ ّن بعض أهل العلم‪ ،‬وهكذا ً‬ ‫ومما دفعين ً‬
‫واملسؤولني‪ ،‬وبعض مشايخ القبائل خيضبون ابلسواد‪ ،‬هؤالء الذين ال يتجرأون على حلاهم ابحللق‪.‬‬
‫يتجرأون وحيلقوهنا وخيالفون أمر رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم إبعفائها‬
‫أما الذين ّ‬
‫وبتوفريها‪ ،‬ورضوا ابلتشبّه أبعداء اإلسالم‪ ،‬والنيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم يقول‪(( :‬من تشبّه‬
‫بقوم فهو منهم))‪ .‬رواه أمحد بسند جيد كما قال شيخ اإلسالم يف "اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة‬
‫أصحاب اجلحيم"‪.‬‬
‫وحنن إذا التقينا هبم يكون هناك من الكبائر اليت توجد يف اجملتمع أكرب من اخلضاب ابلسواد‪،‬‬
‫من أجل ذلك رأيت أن تطبع هذه الرسالة حّت يطّلع على ما فيها من األحاديث وكل امرئ حجيج‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ولست أقول كما يقول بعض جهلة اإلخوان املسلمني‪ :‬إ ّن هذا من القشور‪ .‬ولكين أقول‪ :‬إنه‬
‫جيب على املسلم أن يلتزم بشرع هللا‪ ،‬يف حدود ما يستطيع‪ ،‬فإن هللا عز وجل يقول لنبيه حممد صلى‬
‫فاستقيموا إليه} ويقول‬
‫فاستقم كما أمرت}‪ .‬ويقول لنا أيها املسلمون‪ْ { :‬‬
‫هللا عليه وعلى آله وسلم‪ْ { :‬‬
‫النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم لرجل وقد طلب منه أن يوصيه فقال له‪((:‬قل آمنت ابهلل مثّ‬
‫استقم)) رواه مسلم‪ .‬وقد ذكرت مجلة من هذا يف "املخرج من الفتنة"‪.‬‬
‫ْ‬
‫فرب ذنب يكون سببًا لزيغ‬
‫وعلى كل فاملسلم ال ينبغى له أن يستهني بشيء من الذنوب‪ّ ،‬‬
‫فلما زاغوا أزاغ هللا قلوهبم‪.}3‬‬
‫القلب‪ .‬يقول هللا سبحانه وتعاىل‪ّ { :‬‬
‫أعاذان هللا وإايكم من زيغ القلوب‪ ،‬وثبت قلوبنا على احلق‪ .‬آمني‪.‬‬

‫• ‪ 3‬سورة الصف‪ ،‬اآلية‪.5 :‬‬


‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا حممد وآله‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬
‫حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫شريك له‪ ،‬وأشهد أ ّن ً‬
‫وبعد‪ :‬فهذه بعض األحاديث الواردة يف اخلضاب نقلتها ليتضح خطأ من خيضب ابلسواد ملا فيه‬
‫من الغش‪ ،‬وال أنقل إال ما كان من حديث رسول هللا‪ ،‬إذ ال حجة إال يف كتاب هللا أو سنة رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪.‬‬
‫قال االمام البخاري رمحه هللا يف "صحيحه" (ج‪ ‬ص‪ )476‬مع "الفتح"‪ :‬حدثنا احلميدي‬
‫حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن أيب سلمة وسليمان بن يسار عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال‬
‫النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪(( :‬إ ّن اليهود والنّصارى ال يصبغون فخالفوهم))‪.‬‬
‫ورراه مسلم (ج‪ ‬ص‪ )44‬من طريق سفيان بن عيينة به‪.‬‬
‫هذا احلديث مطلق يتناول أي صباغ‪ ،‬لكنه قيّد مبا رواه اإلمام مسلم رمحه هللا (ج‪ ‬ص‪)44‬‬
‫قال رمحه هللا‪ :‬حدثين أبوالطاهر أخربان عبدهللا بن وهب عن ابن جريج عن أيب الزبري عن جابر بن‬
‫بياضا فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫عبدهللا قال‪ :‬أيت أبيب قحافة يوم فتح م ّكة ورأسه وحليته كالثّغامة ً‬
‫السواد))‪.‬‬
‫غريوا هذا بشيء‪ ،‬واجتنبوا ّ‬
‫وعلى آله وسلم‪ّ (( :‬‬
‫السواد))‪ .‬مدرجة إذ األصل عدم اإلدراج‪ ،‬وأما ما رواه‬
‫ومل يصب من زعم أن قوله‪(( :‬واجتنبوا ّ‬
‫اإلمام أمحد من أن زهري بن معاوية سأل أاب الزبري ملا حدثه هبذا احلديث قال‪ :‬قلت أليب الزبري‪:‬‬
‫فمبين على أن أاب الزبري قد نسي وكم من حمدث قد نسي حديثه‬ ‫السواد))؟ قال‪ :‬ال‪ّ .‬‬‫قال‪((:‬جنّبوه ّ‬
‫فالان لقد ذ ّكرين‬
‫بعد ما حدث به‪ ،‬وهذا رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلميقول‪(( :‬رحم هللا ً‬
‫آية كذا كنت أنسيتها))‪ ،‬وقد صرح احلافظ يف "النخبة" أ ّن الصحيح أنه ال يرد احلديث لنسيان‬
‫علي‪ ،‬مل أحدثه هبذا‪ ،‬مث إنه قد اتبع ابن جريج ليث كما عند ابن ماجة‬
‫الشيخ‪ ،‬إال أن يقول‪ :‬كذب ّ‬
‫واإلمام أمحد‪ ،‬وهو ليث بن أيب سليم خمتلط‪ ،‬لكنه يصلح يف الشواهد واملتابعات‪.‬‬
‫وللحديث شاهد صحيح‪ ،‬قال اإلمام أمحد رمحه هللا (ج‪ 3‬ص‪ :)60‬ثنا حممد بن سلمة‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫احلراين عن هشام‪ 4‬عن حممد بن سريين قال‪ :‬سئل أنس ابن مالك عن خضاب رسول هللا صلى هللا‬
‫يسريا‪،‬‬
‫عليه وعلى آله وسلم فقال‪ :‬إ ّن رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم مل يكن شاب إالّ ً‬
‫لكن أاب بكر وعمر بعده خضبا ابحلنّاء والكتم‪ ،‬قال‪ :‬وجاء أبوبكر أببيه أيب قحافة إىل رسول هللا‬
‫و ّ‬
‫حّت وضعه بني يدي رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫صلى هللا عليه وعلى آله وسلم يوم فتح م ّكة حيمله‪ّ ،‬‬
‫الشيخ يف بيته‬
‫وعلى آله وسلم فقال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم أليب بكر‪(( :‬لو أقررت ّ‬
‫بياضا‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى‬
‫ألتيناه)) تكرمةً أليب بكر‪ ،‬فأسلم وحليته ورأسه كالثّغامة ً‬
‫السواد‪.))5‬‬
‫غريومها‪ ،‬وجنّبوه ّ‬
‫آله وسلم‪ّ (( :‬‬
‫قال اهليثمي يف "اجملمع" بعد ذكره هذا احلديث (ج‪ 5‬ص‪ :)60‬رواه أمحد وأبويعلى‪ ،‬والبزار‬
‫ابختصار‪ ،‬ويف الصحيح طرف منه‪ ،‬ورجال أمحد رجال الصحيح‪.‬‬
‫وآخر حسن‪[ :‬قال ابن سعد يف "طبقاته" (ج‪ 5‬ص‪ :)334-333‬أخربان عبدالرمحن بن حممد‬
‫احملاريب عن حممد بن إسحاق قال حدثين حيىي بن عباد بن عبدهللا بن الزبري عن أبيه عن أمساء‬
‫قالت‪ :‬ملا دخل رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم م ّكة واطمأّ ّن وجلس يف املسجد أاته‬
‫ّ‬
‫فلما رآه رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم قال‪(( :‬اي أاب بكر أال تركت‬
‫ّ‬ ‫قحافة‬ ‫أبيب‬ ‫أبوبكر‬
‫أحق أن ميشي إليك‪ ،‬من أن متشي‬ ‫حّت أكون أان الّذي أمشي إليه؟)) قال‪ :‬اي رسول هللا هو ّ‬
‫الشيخ ّ‬
‫ّ‬
‫إليه‪ .‬فأجلسه رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم بني يديه‪ ،‬مثّ قال‪(( :‬اي أاب قحافة أسلم‬
‫احلق‪ ،‬قال‪ :‬وأدخل عليه رأسه وحليته كأ ّهنما ثغامة‪ ،‬فقال رسول‬
‫تسلم)) قال‪ :‬فأسلم وشهد شهادة ّ‬
‫السواد))‪.‬‬
‫الشيب وجنّبوه ّ‬
‫غريوا هذا ّ‬
‫هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ّ (( :‬‬
‫أيضا اإلمام أمحد (ج‪ 6‬ص‪ )349‬مطوالً‪ ،‬وابن حبان (‪" )700‬موارد"‪ ،‬واحلاكم‬
‫أخرجه ً‬
‫(ج‪ 3‬ص‪].)46‬اهـ رازحي‪.‬‬
‫هذا وقد جاء الوعيد الشديد ملن خيضب ابلسواد‪ ،‬روى اإلمام أمحد يف "مسنده" عن ابن عباس‬
‫الزمان خيضبون‬
‫رضي هللا عنهما عن النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم قال‪(( :‬يكون قوم يف آخر ّ‬
‫ابلسواد كحواصل احلمام ال يرحيون رائحة اجلنّة))‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال صاحب "الفتح الرابين" يف تعليقه على "ترتيب املسند" (ج‪ 7‬ص‪ :)39‬سنده‬

‫• ‪ 4‬هشام هو ابن حسان‪ ،‬روى له أصحاب األمهات كلهم‪ ،‬وهو من أثبت الناس يف ابن سريين‪.‬‬
‫صحيح على شرط مسلم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫• ‪5‬‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫ذب عنها‬‫صحيح‪ ،‬ومن الغريب أن ابن اجلوزي أورده يف "املوضوعات" وهو من األحاديث اليت ّ‬
‫احلافظ ابن حجر يف كتابه "القول املسدد يف الذب عن مسند أمحد"‪ .‬قال رمحه هللا بعد ذكر سنده‬
‫ومتنه‪ :‬أورده ابن اجلوزي يف "املوضوعات" من طريق أيب القاسم البغوي عن هاشم بن احلارث عن‬
‫عبيدهللا بن عمرو به‪ .‬وقال‪ :‬حديث اليصح عن رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ .‬املتّهم به‬
‫عبدالكرمي بن أيب املخارق أبوأمية البصري‪ ،‬مث نقل جترحيه عن مجاعة‪ ،‬قال احلافظ‪ :‬وأخطأ يف ذلك‪،‬‬
‫املخرج له يف "الصحيح"‪ ،‬وقد أخرج احلديث من هذا‬ ‫فإن احلديث من رواية عبدالكرمي اجلزري الثقة ّ‬
‫الوجه أبوداود والنسائي وابن حبان يف "صحيحه" وغريهم‪.‬‬
‫قال أبوداود يف كتاب (الرتجل)‪ :‬حدثنا أبوتوبة حدثنا عبيدهللا عن عبدالكرمي عن سعيد بن جبري‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪(( :‬يكون قوم خيضبون يف آخر‬
‫ابلسواد كحواصل احلمام ال يرحيون رائحة اجلنّة))‪.‬‬
‫الزمان ّ‬
‫ّ‬
‫وأخرجه النسائي يف الزينة وابن حبان واحلاكم يف "صحيحيهما" من هذا الوجه‪ ،‬وقال أبويعلى يف‬
‫"مسنده"‪ :‬حدثنا زهري حدثنا عبيدهللا بن جعفر‪ ،‬هو الرقي به‪ ،‬وأخرجه احلافظ ضياء الدين‬
‫أيضا‪.‬اهـ كالم احلافظ‪.‬‬
‫املقدسي يف "املختارة مما ليس يف الصحيحني" من هذا الوجه ً‬
‫قال املعلق على "ترتيب املسند"‪ :‬قلت‪ :‬وهبذا تعرف أن احلديث صحيح ال مطعن فيه‪.‬اهـ‬
‫وضوحا أ ّن الذي يف سند هذا احلديث عبدالكرمي اجلزري وليس اببن أيب‬ ‫ً‬ ‫قلت‪ :‬ومما يزيدان‬
‫املخارق أن احلديث يف "سنن أيب داود" وعبدالكرمي ابن أيب املخارق ليس من رجال أيب داود كما يف‬
‫"هتذيب التهذيب" و"امليزان" وغريمها من كتب الرجال‪ ،‬نعم روى له أبوداود خارج "السنن" كما يف‬
‫"هتذيب الكمال" فإنه رمز "ملسائل أمحد" وأما يف "السنن" فال‪.‬‬
‫هذا وإنين ذاكر ما وجدته من الشواهد لألحاديث املتقدمة‪ ،‬قال االمام أمحد رمحه هللا تعاىل‬
‫"ترتيب املسند" (ج‪ 7‬ص‪ :)39‬حدثنا قتيبة أان ابن هليعة عن خالد بن أيب عمران عن سعد بن‬
‫غريوا‬
‫إسحاق بن كعب بن عجرة عن أنس قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ّ (( :‬‬
‫السواد))‪.‬‬
‫تقربوه ّ‬
‫الشيب وال ّ‬
‫ّ‬
‫ابن هليعة فيه ضعف‪ ،‬وال مينع من االستشهاد حبديثه‪.‬‬
‫وقال البيهقي رمحه هللا يف "السنن الكربى" (ج‪ 7‬ص‪ :)3‬أخربان أبواحلسن حممد بن احلسني‬
‫بن داود العلوي أان أمحد بن حممد بن احلسن احلافظ ان احلسن بن هارون ثنا مكي بن إبراهيم ان‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫عبدالعزيز بن أيب رواد عن حممد بن زايد عن أيب هريرة رضي هللا عنه ذكر رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫السواد)) اهـ‬
‫الشيب‪ ،‬والتشبّهوا ابليهود‪ ،‬واجتنبوا ّ‬
‫غريوا ّ‬
‫وعلى آله وسلم قال‪ّ (( :‬‬
‫وعبدالعزيز بن أيب ّرواد فيه كالم‪ ،‬واحلسن بن هارون‪ :‬قال أبوحامت‪ :‬ال أعرفه‪ .‬كما يف "لسان‬
‫امليزان"‪.‬‬
‫ويف "جممع الزوائد" (ج‪ 5‬ص‪ :)60‬وعن أيب أمامة رضي هللا عنه قال‪ :‬خرج رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وعلى آله وسلم على مشيخة من األنصار بيض حلاهم فقال‪(( :‬اي معشر األنصار محّروا أو‬
‫ص ّفروا‪ ،‬وخالفوا أهل الكتاب)) فذكر احلديث‪.‬‬
‫رواه أمحد ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬ويف "الصحيح" طرف منه‪ ،‬ورجال أمحد رجال الصحيح‪،‬‬
‫خال القاسم وهو ثقة وفيه كالم ال يضر‪.‬‬
‫قال أبوعبدالرمحن‪ :‬القاسم هو ابن عبدالرمحن أبوعبدالرمحن األموي‪ ،‬خمتلف فيه وهو إىل الضعف‬
‫أقرب‪ ،‬وال مينع من االستشهاد حبديثه‪.‬‬
‫الشيب وإ ّن‬
‫غريوا ّ‬
‫النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم قال‪ّ (( :‬‬
‫مث قال اهليثمي‪ :‬وعن أنس أ ّن ّ‬
‫الشيب‪ :‬احلنّاء والكتم))‪.‬‬
‫غريمت به ّ‬
‫أحسن ما ّ‬
‫يوما عند‬
‫رواه البزار وفيه سعيد بن بشري وهو ثقة وفيه ضعف‪ ،‬وعن أنس بن مالك قال‪ :‬كنّا ً‬
‫يب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم فدخلت عليه اليهود فرآهم بيض الّلحى‪ ،‬فقال‪(( :‬ما لكم ال‬ ‫النّ ّ‬
‫وإايي‬
‫غريوا ّ‬
‫يب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪(( :‬لكنّكم ّ‬
‫تغريون))؟ فقيل‪ :‬إ ّهنم يكرهون‪ ،‬فقال النّ ّ‬
‫ّ‬
‫السواد))‪.‬‬
‫و ّ‬
‫رواه الطرباين يف "األوسط" وفيه‪ :‬ابن هليعة‪ ،‬وبقية رجاله ثقات وهو حديث حسن‪.‬‬
‫الزمان قوم‬
‫يب صلى هللا عليه وعلى آله وسلمقال‪(( :‬يكون يف آخر ّ‬ ‫وعن ابن عباس أ ّن النّ ّ‬
‫يسودون أشعارهم‪ ،‬ال ينظر هللا إليهم))‪.‬‬
‫ّ‬
‫قلت‪ :‬رواه أبوداود‪ ،‬خال قوله‪(( :‬ال ينظر هللا إليهم))‪.‬‬
‫رواه الطرباين يف "األوسط" وإسناده جيد‪.‬اهـ املراد من "جممع الزوائد"‪.‬‬
‫وقال اإلمام الرتمذي رمحه هللا يف "جامعه" (ج‪ 3‬ص‪ )55‬مع "حتفة األحوذي" طبعة هندية‪:‬‬
‫حدثنا سويد بن نصر ثنا ابن املبارك عن األجلح عن عبدهللا بن بريدة عن أيب األسود عن أيب ذر‬
‫الشيب احلنّاء‬
‫غري به ّ‬
‫يب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم قال‪(( :‬إ ّن أحسن ما ّ‬ ‫رضي هللا عنه عن النّ ّ‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫والكتم))‪.‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫احلديث عزاه اجملد يف "املنتقى" للخمسة يعين أصحاب "السنن" وأمحد‪.‬‬
‫وقال النسائي رمحه هللا (ج‪ 8‬ص‪ :)39‬حدثنا حممد بن مسلم حدثنا حيىي بن يعلى حدثنا به‬
‫أيب عن غيالن عن أيب إسحاق عن ابن أيب ليلى عن أيب ذر عن النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‬
‫الشمط‪ :‬احلنّاء والكتم))‪.‬‬
‫غريمت به ّ‬
‫قال‪(( :‬أفضل ما ّ‬
‫قلت‪ :‬رجاله رجال مسلم غري حممد بن مسلم بن عثمان أبوعبدهللا بن واره‪ ،‬قال احلافظ فيه‪ :‬ثقة‬
‫حافظ‪ .‬وأبوإسحاق هو السبيعي‪ ،‬ثقة مدلس وقد عنعن‪ ،‬فهو الأبس به يف الشواهد‪.‬‬
‫وله شاهد من حديث ابن عباس عند أيب يعلى (ج‪ 3‬ص‪ ،)7‬والطرباين (ج‪ ‬ص ‪،)58‬‬
‫قال أبويعلى رمحه هللا‪ :‬حدثنا بشر بن سيحان حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن أيب عروبة عن قتادة‬
‫غريمت به‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس عن النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم قال‪(( :‬أحسن ما ّْ‬
‫الشيب‪ ،‬احلنّاء والكتم))‪.‬‬
‫ّ‬
‫احلديث رجاله رجال الشيخني‪ ،‬خال بشر بن سيحان‪ ،‬قال فيه أبوحامت‪ :‬ما به أبس كان من‬
‫العباد‪ .‬وقال أبوزرعة‪ :‬شيخ بصري صاحل‪ .‬اهـ "اجلرح والتعديل" (ج‪ ‬ص ‪.)358‬‬
‫هذا وهلم شبه ال أبس ببياهنا‪ ،‬لكي تنقطع حجتهم‪:‬‬
‫منها‪ :‬حديث ابن ماجة‪ ،‬قال رمحه هللا (ج‪ ‬ص‪ :)97‬حدثنا أبوهريرة الصرييف حممد بن‬
‫فراس حدثنا عمر بن اخلطاب بن زكراي الراسيب حدثنا دفّاع بن دغفل السدوسي عن عبداحلميد بن‬
‫صيفي عن أبيه عن جده صهيب اخلري قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ (( :‬إ ّن‬
‫عدوكم))‪.‬‬
‫السواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم يف صدور ّ‬ ‫أحسن ما اختضبتم به هلذا ّ‬
‫إين ألعجب ممن يعارض احلديث الصحيح الذي رواه مسلم يف "صحيحه"‪ ،‬واحلديث الصحيح‬
‫الذي رواه أمحد يف "مسنده" واحلديث الصحيح الذي رواه الرتمذي يف "جامعه"‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح؛ مبثل هذا احلديث الذي اجتمع فيه النكارة والضعف واإلنقطاع‪ ،‬أما نكارته فظاهرة‪،‬‬
‫وهو خمالفته ملا اشتهر عنه صلى هللا عليه وعلى آله وسلم من هنيه عن السواد‪ ،‬وأما ضعفه فقد قال‬
‫اإلمام الذهيب يف "امليزان" يف ترمجة دفّاع بن دغفل‪ :‬ضعفه أبوحامت ووثقه ابن حبان‪.‬اهـ‪ ،‬وليس له يف‬
‫األمهات إال هذا احلديث رواه ابن ماجة‪ ،‬وقد قال املزي رمحه هللا‪ :‬أن الغالب فيما تفرد به ابن ماجة‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

‫الضعف‪ .‬ذكره املناوي يف "فيض القدير" (ج‪ ‬ص‪ )5‬وذكره صاحب "حتفة األحوذي" يف املقدمة‬
‫ص(‪ )66‬طبعة هندية‪.‬‬
‫وأما توثيق ابن حبان له فهو معروف ابلتساهل‪ ،‬وقد كثر توثيقه للمجهولني‪ ،‬كما بينه الشيخ‬
‫األلباين يف تعليقه على "التنكيل" (ج‪ ‬ص‪ )438‬وذكره احلافظ يف "مقدمة لسان امليزان"‪ .‬وقد‬
‫يذكر الرجل يف كتاب "الثقات" ويف كتاب "الضعفاء" كما ذكره املعلمي رمحه هللا (ج‪ ‬ص‪)436‬‬
‫من "التنكيل"‪.‬‬
‫وأما انقطاع احلديث فقد قال الذهيب رمحه هللا يف "امليزان"‪ :‬عبداحلميد ابن زايد بن صيفي بن‬
‫صهيب قال البخاري‪ :‬ال يعرف مساع بعضهم من بعض‪.‬اهـ‬
‫احدا‪ .‬مث قال‬
‫وقال احلافظ يف "هتذيب التهذيب"‪ :‬قال أبوحامت‪ :‬شيخ روى له ابن ماجة حديثًا و ً‬
‫احلافظ‪ :‬قلت‪ :‬وذكره ابن حبان يف "الثقات"‪.‬اهـ‬
‫هذا وقد تقدم الكالم على ما انفرد به ابن ماجة‪ ،‬وأنه ال يعبأ بتوثيق ابن حبان إذا انفرد‪.‬‬
‫وهلم حديث آخر ميكن أن ميوهوا به على من ال معرفة له بعلم احلديث‪ ،‬وهو حديث‪(( :‬إذا‬
‫ابلسواد فليعلمها أنّه خيضب))‪.‬‬
‫خطب أحدكم املرأة وهو خيضب ّ‬
‫قال السيوطي يف "اجلامع الصغري"‪ :‬رواه الديلمي يف "مسند الفردوس" عن عائشة‪ ،‬ورمز لضعفه‪،‬‬
‫يغرها))‪ ،‬وفيه‬
‫أيضا البيهقي وزاد بعد قوله‪(( :‬فليعلمها وال ّ‬
‫وقال املناوي يف "فيض القدير"‪ :‬رواه عنها ً‬
‫عيسى بن ميمون قال البيهقي‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال الذهيب‪ :‬مرتوك‪.‬اهـ‬
‫هذا وهلم شبهة أخرى‪ ،‬وهو فعل بعض السلف رمحهم هللا‪ ،‬وما كنت أظن أن يتجاسر مؤمن‬
‫يؤمن ابهلل وبقوله تعاىل‪{ :‬ال تق ّدموا بني يدي هللا ورسوله‪.}6‬‬
‫وقوله‪{ :‬فليحذر الّذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم‪.}7‬‬
‫ما كنت أظن أن يتجاسر من يعرف هاتني اآليتني أن يعارض قول رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وعلى آله وسلم بقول فالن وفعل فالن‪ ،‬فإان هلل وإان إليه راجعون‪ ،‬وحسبنا هللا ونعم الوكيل‪ ،‬وصلى‬
‫هللا على نبينا حممد وآله وصحبه‪.‬‬
‫انتهى‪،،،،،،،‬‬

‫• ‪ 6‬سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪. :‬‬


‫• ‪ 7‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.63 :‬‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬تحريم الخضاب بالسواد‬

You might also like