You are on page 1of 30

‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬

‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]1‬‬

‫لشيخ اإلسالم العالمة‬


‫محمد ناصر الدين األلباني السلفي‬

‫قام على نشره‬


‫علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي‬
‫األثري‬

‫‪1‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]2‬‬

‫الطبعة األولى كانت سنة‬


‫‪ 4141‬هـ ـ ‪ 4991‬م‬

‫الناشر‬
‫دار الجاللين للنشر والتوزيع‬
‫السعودية ـ الرياض‬

‫( ‪)1‬‬
‫تــقـديم‬
‫إنِّ الحَمدَ هلل نَحمدُهُ ونَستعينُهُ و نَسَتغفرُهُ ‪ ،‬ونَعوُذ باهللِ مِن شرور ِأنفُسنا ‪ ،‬ومِن‬
‫سيِّئاتِ أعمالنا ‪ ،‬مَن يَهدِهِ اهللُ فال مُضَِِّل لهُ ‪ ،‬ومَن يُضِلل فال هاديَ لهُ ‪.‬‬
‫ن ال إلهُ إال اهلل وَحدَهُ ال شريكَ لهُ ‪.‬‬
‫وأشهَدُ أ ْ‬
‫وأشهَدُ أنَِّ مُحمداً عَبدُهُ ورسوُلهُ ‪.‬‬
‫أمَِّا بَعد ‪:‬‬
‫فإنَِّ مِن أهمِّ قواعِدِ العلم ِ والعَمَل ِ والتَِّربية ِ قولَ رَبِّنا سُبحانَهُ ‪  :‬وَال تقْفُ ما لَيسَ‬

‫ك بهِ عِلمٌ إنَِّ السَِّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئكَ كانَ عَنهُ مَسؤوالً ‪ ) 2 ( ‬؛ إذِ اآليَةُ‬
‫لَ َ‬

‫‪ 4‬ـ بقلم ‪ :‬علي بن حسن ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]3‬‬
‫تُبَيِّنُ أصلَ المَوقِفِ الشرعيِّ الصَِّحيح ِ للمُسلم فيما يَسمَعُ ‪ ،‬أو يُبصِرُ ‪ ،‬وأنَِّ ذلك كُلَِّهُ ـ‬
‫بِنَتائجِهِ ـ قائمٌ على العلم ‪ ،‬دونَما سِواه ‪...‬‬
‫ومعنى اآلية ‪ (( :‬ال تتبع ما ال علم لك به ‪ ،‬فال يكن منك اتباع بالقول ‪ ،‬أو الفعل ‪ ،‬أو‬
‫بالقلب ‪ ،‬لما ال تعلم ‪ ،‬فنهانا عن أن نعتقد إال عن علم ‪ ،‬أو أن نفعل إال عن علم ‪ ،‬أو‬
‫نقول إال عن علم ‪.‬‬
‫فما كل ما نسمعه ‪ ،‬وما كل ما نراه نطوي عليه عقد قلوبنا ‪ ،‬بل علينا أن ننظر فيه‬
‫‪ ،‬ونفكر ‪ ،‬فإذا عرفناه عن بينة اعتقدناه ‪ ،‬وإال تركناه حيث هو ؛ في دائرة‬
‫الشكوك واألوهام ‪ ،‬أو الظنون التي ال تعتبر )) ( ‪. ) 3‬‬
‫وخالصة مراد اآلية الكريمة الوصاة بأن ‪ (( :‬ال تقل للناس وفيهم ؛ ما ال علم لك بهم‬
‫‪ ،‬فترميهم بالباطل ‪ ،‬وتشهد عليهم بغير الحق )) ( ‪. ) 4‬‬
‫وما أجمل قول اإلمام القدوة بكر بن عبد اهلل المزني رحمه اهلل ‪ (( :‬إياك من الكالم ما‬
‫إن أصبت فيه لم تؤجر ‪ ،‬وإن أخطأت تؤزر ؛ وذلك سوء الظن بأخيك )) ( ‪. ) 5‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫ما أحرى المسلمين ـ اليوم ـ وهم يهيئون أنفسهم ألمر عظيم عظيم ‪ ،‬أن يتأملوا هذه‬
‫المعاني الشريفة ‪ ،‬وأن يعملواً في عقولهم وقلوبهم أحكامها أمراً ونهياً ‪ ،‬علماً وعمالً‬
‫‪ ،‬ال أن تكون مجرد كلمات يتغنون بها ‪ ،‬وألفاظ يكررونها ؛ دونما تطبيق وداع ‪،‬‬
‫ومن غير تنفيذ لحقوقها وواجباتها !‬
‫وتطبيقاً لهذه القاعدة القرآنية الهامة ‪ ،‬و (( فقهاً للواقع )) الذي يعيشهُ المسلمون بعامةٍ‬
‫‪ ،‬و ( الدعاة ِ ) بخاصةٍ ‪ :‬ال بد من ذكر صور ( واقعية ) عشناها وعايشناها ؛ تُبَيِّنُ‬
‫مَدى التَِّناقُض ِ السحيق بين أمر القرآن وتنفيذ اإلنسان ‪ ،‬حتى نجتنبها في نفوسنا ‪،‬‬
‫ونحذر منها إخواننا وأصحاب الحقوق علينا ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ اإلسراء ‪. 63 :‬‬


‫‪ 3‬ـ (( أصول الهدية )) ( ص ‪ ) 79‬البن باديس ـ بتعليقي ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ (( تفسير الطبري )) ( ‪. ) 79 / 11‬‬
‫(( الحلية )) ( ‪. ) 222 / 2‬‬ ‫‪ 1‬ـ رواه ابن سعد في (( الطبقات )) ( ‪ ) 212 / 9‬وأبو نعيم في‬

‫‪3‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]4‬‬
‫كثيراً ما نسمع من ( الدعاة ) أو ( الشباب ) من يقول ويردد ‪ ... :‬العلمُ ‪ ...‬حُسنُ الظن‬
‫‪ ...‬التأني ‪ ...‬األخوة ‪ ...‬الخضوع للحق ‪ ...‬البعد عن التعصب ‪ ...‬الوالء للمؤمنين‬
‫)‬ ‫‪ ...‬استماع النصيحة ‪ ...‬قبول الدليل ‪ ...‬ولكن ‪ ...‬وعند أول امتحان ( فعلي عملي‬
‫تعرف به ـ حقاً ـ تلكم األقوال ‪ ،‬وتقاس به ـ صدقاً ـ هاتيك الدعاوى ؛ ترى انقالب‬
‫المفاهيم ‪ ...‬وتغير الموازين ‪:‬‬
‫فالعلم ينقلب جهال ً ‪...‬‬
‫وحسن الظن ينقلب تهمة ‪...‬‬
‫والتأني ينقلب تهوراً ‪...‬‬
‫واألخوة تنقلب ضداً ‪...‬‬
‫والخضوع للحق ينقلب رفضاً ‪...‬‬
‫والبعد عن التعصب ينقلب غلواءً ‪...‬‬
‫والوالء للمؤمنين ينقلب عداء ‪...‬‬
‫واستماع النصيحة ينقلب إباءً ‪...‬‬
‫وقبول الدليل ينقلب تقليداً ‪...‬‬
‫‪ ...‬كيف ذلك ! وقد مألوا الدنيا وشغلوا الناس !!‬
‫‪ ...‬كيف ذلك ! وهم يدعون الحرص ‪ ،‬واالمتثال ‪ ،‬واللين في األقوال واألعمال !!‬
‫‪ ...‬سبحان اهلل ! كل ذلك يكون ‪ ...‬من غير حجة تذكر ‪ ...‬ومن غير دليل يبين أو‬
‫يشهر ‪...‬‬
‫والناظر في ( واقع ) المسلمين اليوم ـ بل منذ ألف يوم ـ يرى أن ( الكثيرين ) منهم‬
‫بعيدون البعد كله عن ادعاءاتهم ‪ ،‬ومنحرفون االنحراف جميعه عن مزاعمهم !‬
‫ومما ( يتناسب ) مع هذه الرسالة وموضوعها ذكر أمثلة من هذا ( الواقع ) المرير ؛‬
‫مع أنها أكثر من أن تحصى ‪ ،‬وأوسع من أن تحصر ‪:‬‬
‫(‬ ‫فنرى شاياً ـ مثال ً ـ أو شباباً ‪ ،‬يناقشهم( ‪ ( ) 6‬طالب علم ) في مسألةٍ ( فكريةٍ ) أو‬
‫دعويةٍ ) ‪ ...‬فإذا وافق النقاشُ ما ( لقنوه ) ‪ ...‬وطابق ما ( عايشوه ) ‪ ..‬وجاء ملبياً‬

‫‪ 2‬ـ سواء بالكتابة أم المشافهة !‬

‫‪4‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]1‬‬
‫لرغبات ما ( ألفوه ) واعتادوه ‪ :‬كان عندهم ( مناقشهم ) األخ المقدم الخالص صادق‬
‫الود ‪...‬‬
‫وإن خالف قولك مضمون فكرهم ‪ ،‬أو نواحي من رأيهم ‪ ...‬قذفوك بزبدٍ من القول‬
‫السوء ‪ ...‬ورموْك عن قوس واحدة بتهم بها العصبة أولو القوة تنوء !! بل تراهم‬
‫يتناقلونها ـ من غير ثبت ـ بكل هدوء !!!‬
‫ومثل آخر ( واقعي ) أيضاً ‪:‬‬
‫أن من يوضع ـ من ( الدعاة ) أو غيهم ـ في بعض األذهان على أنه قدوة ‪ ،‬وأسوة ‪،‬‬
‫ومثل يحتذى به ‪ ،‬ويؤخذ قوله ؛ يصبح في عقول ذوي الحماسة ‪ ،‬ويضحي في‬
‫نفوس ذوي العواطف الجارفة ‪ :‬عالمة بنفسه على الحق ‪ ...‬ودليال ًبمحض كالمه‬
‫على الصواب ‪...‬‬
‫وهذا انحراف عظيم بال ارتياب ‪...‬‬
‫يقولون ـ بلسان قالهم أو حالهم ـ ‪ :‬نحن ( نقدر ) ( الدعاة ) ‪ ...‬وأولئك المقتدى بهم !!‬
‫فال تقربوهم ‪ ...‬وإياكم من الرد عليهم أو نقدهم !!‬
‫وهذا عجب ‪ ...‬فهل ثمة بشر فوق النقد والرد ‪ ،‬خال األنبياء صلوات اهلل عليهم‬
‫وسالمه ‪.‬‬
‫)‬ ‫ولو أبدل ( بعض ) من هؤالء ـ لمرارة واقعهم ـ راء ( تقديرهم ) المزعوم ( سِيناً‬
‫لكان هو الوصف الحري بهم ‪ ،‬والموافق لحالهم ‪...‬‬
‫إذ مجرد الرد على واحد منهم ‪ ...‬ولو بكالم لطيف ‪ ...‬غير عنيف ‪ ...‬وهو ـ عند‬
‫هؤالء ـ جرم مشهود ‪ ...‬وفعل باطل غير معهود !‬
‫وأدنى إشارة ‪ ...‬ولو برقيق العبارة ‪ ...‬يعدونها من التعدي الصريح ‪ ...‬والتصرف‬
‫القبيح ‪...‬‬
‫ويصاحب هذه األفعال الفاسدة ‪ ...‬النابعة من العصبيات الكاسدة ‪ :‬موجات تلو‬
‫موجات من اتهام البرءاء ‪ ،‬والتحذير من األصفياء ‪ ،‬بل ومقاطعة األنقياء األتقياء‬
‫!!‬
‫أقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]2‬‬

‫هذه شريحة لجانب من ( الواقع ) القاتم الذي يعيشه ـ دون شعور ـ عدد من الشباب‬
‫البريء ‪ ،‬العاطفي المحب لدين اهلل سبحانه وتعالى ‪ ...‬يجب أن يعرفوها بأضدادها‬
‫‪ ...‬ويفهموها بحقائقها ؛ لتهذيب نفوسهم ‪ ،‬وإصالح فعالهم ‪ ،‬حتى يكون ارتباطهم‬
‫بالحق وللحق !‬
‫وما نشأت تلك السوالب فيهم ( وترعرعت ) إال بسبب قلة العلم ‪ ،‬والنظر في اتجاهٍ‬
‫واحد !!‬
‫لقد جهل هؤالء اإلخوة األحبابُ األوفياءُ ـ أو تجاهلوا ـ أن الرد ال يلزم منه التنقيص‬
‫واالزدراء ‪ ....‬وال يرافقه المقت أو شديد الألواء والبالء ‪ ...‬ال من الراد أثناء رده ‪،‬‬
‫وال ( فيه ) نتيجة رده !!‬
‫رام كشفاً لقذى لم ينجل ِ‬ ‫ثم من ناظر أو جادل أو‬
‫(‪)7‬‬
‫عرضه مرمى سهام المنصل ِ‬ ‫قدحوا في دينه واتخذوا‬
‫وبيانُ حقيقةِ هذا المنهج ِ العلمي المتين في الرد وقبوله ‪ ،‬واالستجابة إليه ‪ ،‬قائم على‬
‫أصلين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن الواجب على المسلم أن يكون عنده (( االستعداد الدائم لتجاوز األخطاء ‪،‬‬
‫وتصحيحها ‪ ...‬وهذا ال يتم إال في جو من الفرح والغبطة بالنقد الصحيح ‪ ،‬وترك‬
‫أسلوب التزكية المطلقة لألقوال واألعمال واألشخاص والجماعات ‪ ،‬والسعي الدائم‬
‫لتعديل المناهج والمسالك ‪ ،‬على وفق الحق الذي تقتضيه شريعة اهلل ‪ ،‬ويدل عليه‬
‫النص من القرآن والسنة )) ( ‪. ) 8‬‬

‫‪ 9‬ـ (( البدرُ الطالع )) ( ‪ ) 463 /4‬للشوكاني ــ و المنصل ‪ :‬السيف ‪.‬‬


‫‪ 7‬ـ (( من وسائل دفع الغربة )) ( ص ‪ 22‬ـ ‪ ) 29‬لألخ سلمان العودة ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]9‬‬
‫الثاني ‪ (( :‬األمر والنهي ضرورة بشرية ؛ فكل إنسان على وجه األرض ال بد له‬
‫من أمر ونهي ‪ ،‬والبد أن يؤمر وينهى ؛ حتى لو أنه وحده ؛ لكان يأمر نفسه‬
‫وينهاها ‪ :‬إما بمعروف ‪ ،‬وإما بمنكر )) ( ‪. ) 9‬‬
‫فال أحد يعلو عن النقد ‪ ...‬وال أحد يستعلي على الحق ‪...‬‬
‫وهذا هو المنهج اإليماني الحق ‪ ،‬الذي يجب أن يكون ساري النور بين اإلخوة‬
‫األوفياء ‪ ،‬وظاهر الضياء في عقولهم وقلوبهم ؛ (( أما المنافقون ؛ فهم مجتمعون ال‬
‫على موحدٍ ‪ ،‬وال على منهج واضح ٍ ‪ ،‬بل على التخبط و التقليد األعمى ‪ ،‬واالِّتبا‬
‫لألشخاص ‪ ،‬بحيث تذوب شخصيات بعضهم في بعض وتنمحي ‪ ،‬فال تآمر بينهم‬
‫بمعروف ٍ ‪ ،‬وال تناهي بينهم عن منكر ‪ ،‬وال تناصح في اهلل )) ( ‪. ) 10‬‬
‫وهذا كله ؛ دقه وجله ‪ :‬مما ال نرضاهُ من قريب أو من بعيد ‪ ،‬ألخ ـ أو إخوةٍ ـ‬
‫تجمعنا وإياهم دائرة عموم اإلسالم ‪ ،‬فضال ًعن حلقة خُصوص ِ عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة ‪...‬‬
‫ثم لو نظرنا إلى أنفسنا ـ أو إخواننا ـ بين راد ومردود عليه ‪ :‬نرى أن كل راد منهم‬
‫هنا فهو مردود عليه هناك ‪ ،‬وأن المردود عليه هناك هو نفسه راد على غيره هنا !!‬
‫(‬ ‫فلماذا ( يعامل ) هذا بما ال يعامل به ( ذاك ) ؟! ولماذا ( يتعامل ) مع هذا هكذا ‪ ،‬وال‬
‫يتعامل ) بمثله مع ( ذاك ) ؟!‬
‫أم أن ( الفرق ) ناتج عن (( الحزبية الضيقة التي فرقت المسلمين شيعاً )) ( ‪) 11‬؟! ولو‬
‫كانت حزبية نفسية !‬
‫حالل للطير من كل جنس ِ !‬ ‫أحرام على بالبله الدوحُ‬
‫وأمرُ الرد والنقد طبيعي جدًا عند كل منصف يعرف ( الحق ) بجالله ‪ ...‬ال برجاله‬
‫((‬ ‫‪ ...‬إذ هو تطبيق عملي لتلك القاعدة ِ المشرقة المنيرة التي نرددها ‪ ...‬ويرددونها ‪:‬‬

‫)) ( ‪. ) 12‬‬ ‫ليس أحد بعد النبي ‪ ، ‬إال ويؤخذ ُ مِن قوله ويتر ُك ‪ ،‬إال النبي ‪‬‬

‫‪ 7‬ـ (( المرجع السابق )) ( ص ‪. ) 91‬‬


‫‪ 12‬ـ (( المرجع السابق )) ( ص ‪. ) 97‬‬
‫‪ 11‬ـ (( لحوم العلماء مسمومة )) ( ص ‪ ) 23‬لألخ ناصر العمر ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]7‬‬
‫(‬
‫وأما ما توهمه ـ أو أوهمه ـ ( البعضُ ) من أن في هذا الرد أو ذاك النقد قدحاً وغيبة‬
‫‪ ! ) 13‬فقد تكفل بنقض هذه الشبهة وكشف وهائها شيخُ اإلسالم ابنُ تيمية ـ في‬
‫(( الفتاوى )) ( ‪ ) 163 / 12‬ـ ‪ ،‬يرحمه اهلل ‪ ،‬حيثُ قال في معرض مناقشتهِ‬
‫لمشروعية الرد والنقد ‪:‬‬

‫] ‪ (( :‬الغيبة ُ ذكرك أخاكَ بما يكرهُ )) ؛ فإن‬ ‫‪‬‬ ‫(( وليس هذا البابُ مُخالفاً لقوله [‬
‫األخَ هو المُؤمنُ ‪ ،‬واألخُ المُؤمنُ إن كانَ صادقاً في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا‬
‫الحق الذي يُحبه اهلل ورسولهُ ـ وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويهِ ـ ‪ ،‬بل عليه أن‬
‫يقوم بالقسطِ ‪ ،‬ويكون شاهداً هلل ولو على نفسه أو والديه أو قربيه ‪ ،‬ومتى كره هذا‬
‫الحق كان ناقصاً في إيمانه ‪ ،‬ينقص من أخوته بقدر ما نقص من إيمانه ‪ ،‬فلم يعتبر‬
‫كراهته من الجهة التي نقص منها إيمانه ؛ إذ كراهته لما ال يحبه اهلل ورسوله توجب‬

‫تقديم محبة اهلل ورسوله ‪ ،‬كما قال اهلل تعالى ‪  :‬واهلل ورسوله أحق أن‬
‫( ‪. )) ) 14‬‬ ‫يرضوه ‪‬‬
‫وهذه الرسالة ـ أخي القارئُ الحبيبُ ـ تأتي هذه األيام لتعريف الناس بحقائق غائبة‬
‫عنهم ‪ ،‬انشغلوا بسواها عنها ‪ ،‬وانصرفوا بغيرها إلى ما هو أدون منها !! ويتضحُ‬
‫ذلك بجالءٍ في ثالثة أصولٍ مهمة ٍ ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬معرفة حقيقة (( فقه الواقع )) ‪ ،‬ومدى الحاجة إليه في ( واقعنا ) المُعاصر ‪،‬‬
‫سلباً وإيجاباً ‪ ،‬وكيف يُتعامل معه ؟ وكيف نستفيد منه ؟‬
‫والثاني ‪ :‬بيان للمنهج الواجب اتباع ُه من العُلماء ‪ ،‬والشباب ‪ ،‬و ( الدعاة ) ؛ أال وهو‬
‫منهج التصفية والتربية ‪ ،‬المبني على العلم بالكتاب والسنة وعلى منهج سلف األمة‬
‫‪ ،‬والعمل باألحكام المترتبة على ذلك ‪ ،‬والقائم على التأني وعدم التعجل ‪ ،‬والمؤسسُ‬
‫على صدق األخوة ‪ ،‬والبعد عن الحزبية المقيتة والعصبية القاتلة !‬

‫‪ 12‬ـ (( جامع بيان العلم وفضله )) ( ‪ ) 71 / 2‬البن عبد البر ‪.‬‬


‫‪ 13‬ـ و ( بعضهم ) يقول ‪ (( :‬قد سلم العلمانيون ! ولم يسلم المؤمنون )) !! ‪ ...‬وهو كالم فارغ‬
‫المضمون !!! إذ يكفينا لنقض ِ الفكر ِ العلماني فضائحُ الديمقراطية المعاصرة !! فال أطيل ! ‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ التوبة ‪. 22 :‬‬

‫‪7‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]7‬‬
‫الثالث ‪ :‬أهمية الرد والنقد ‪ ،‬وبيان أنه أمر سائغ بل مطلوب ‪ ،‬ولكن بالتي هي أحسن‬
‫(‬ ‫للتي هي أقوم !! إذ (( الواجبُ على أي مسلم رأى أمراً أخطأ فيه أحدُ العلماء أو‬
‫)‬ ‫الدعاة‬
‫‪ :‬أن يقوم بتذكيره ونصحه )) ( ‪ ، ) 15‬دونما نكيرٍ على الراد كائنًا من كان !! فيُؤخذ‬
‫منه ( الحق ) ‪ ،‬ويترك ما خالفه ‪ ،‬إذ الحق يعرف ( بدالئله ) ال بمجرد قائله ! وال‬
‫يكون ذلك إال (( بالتجرد هلل ـ جل وعال ـ ‪ ،‬والسالمة من الهوى ‪ ،‬والتحري في‬
‫المنهج )) ( ‪. ) 16‬‬
‫وأما عكس ذلك ؛ فهو (( عادة ضعفاء العقول ؛ يعرفون الحق بالرجال ‪ ،‬ال الرجال‬
‫بالحق )) ( ‪. ) 17‬‬
‫ورحم اهلل شيخ اإلسالم ابن تيمية القائل( ‪: ) 18‬‬
‫المؤمن للمؤمن كاليدين ؛ تغسل إحداهما األخرى ‪ ،‬وقد ال ينقلع الوسخ إال بنوع‬ ‫((‬

‫))‬ ‫من الخشونة ؛ لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ‪ ،‬ما نحمد معه ذلك التخشين‬
‫وال بد لي من كلمة يقتضيها هذا المقام ؛ لصلتها بمسألةٍ ( واقعيةٍ ) من مسائل الدعوة‬
‫إلى اهلل ‪ ،‬فأقولُ ‪:‬‬
‫قد كتبتُ في الشهور ِ األخيرةِ رسالتين ( ‪ ) 19‬في فقه الدعوة ِ( ‪ ) 20‬ـ أحسبهما ـ مُهمتين‬
‫غاية ـ وهما ال تخرجان في إطارهما العام عما سيأتي من كالم شيخنا ـ ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬في تأصيل (( فقه الواقع )) ‪ ،‬وبيان مهمات متعلقة ٍ به ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬في مُقارنةِ بَعض (( المناهج الدعوية )) المُعاصرة ‪ ،‬بمنهج السلف ‪،‬‬
‫وبأصالتهِ ‪ ،‬وعُمق ِ مفاهيمه ‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ من كالم شيخنا في هذه الرسالة ( ص ‪22‬‬


‫)‬

‫‪ 12‬ـ (( امتحان القلوب )) ( ص ‪ ) 12‬لألخ ناصر العمر ‪.‬‬


‫‪ 19‬ـ (( لحوم العلماء مسمومة )) ( ‪. ) 24‬‬
‫‪ 17‬ـ (( مجموع الفتاوى )) ( ‪. ) 13 / 27‬‬
‫ن‬
‫ت عَددًا م َ‬
‫‪ 17‬ـ وبعد كتابة ِ هذه المقدم ِة بنحو شهرين ‪ ،‬وفي أثناء ِ حج عام ( ‪ 1412‬هـ ) سمع ُ‬
‫ت ) عن رسالتي هاتين !!‬ ‫الشباب ِ يذكرُ أني ( تراجع ُ‬
‫وهذا عَجَب عُجاب ‪ ،‬ليس له في الحقيقة ِ نصاب !!‬
‫‪ 22‬ـ وهما رسالتان ِ عامتان ِ ليسَتا مُوجهتين ِ لفئ ٍة بذاتها ‪ ،‬أو أشخاص ٍ لخُصوصهم ؛ ومَن توهم‬
‫غير ذلكَ فقد جانب الصواب !‬

‫‪7‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]12‬‬
‫ولقد شرق ( البعض ) وغرب ‪ ...‬وأبعد ( ظنونه ) وقرب ‪ ...‬مُدعين دعاوى بعيدة ‪...‬‬
‫ال رشيدة وال سَديدة !!‬
‫ولستُ أريدُ الدفاع عَن نَفسي ‪ ،‬أو الذب عَمَِّا كتبتُ ‪ ،‬أو إيرادَ المَواقف ِ اإليجابَِّية ِ‬
‫مِن رساَلتَيَِّ أكتَفي ( هُنا ) أن أقول ‪:‬‬
‫تاهللِ ‪ ...‬ما كَتَبتُ الذي كتبُهُ ـ مِمَِّا أش َكلَ على البَعض ِ ( واستعظَموهُ ) ـ إال تنبيهاً‬
‫وتحذيراً ‪:‬‬
‫تنبيهاً ‪ :‬ألحبةٍ في اهللِ أخشى عليهم مِن تكرر أغالطٍ عِظام جُرَِّ إليها ( اآلخرون ) ‪،‬‬
‫(‬ ‫صلَ مَعَهم ـ جميعاً ـ ما‬
‫وأوقِع فيها ( السَِّابقونَ ) ‪ ،‬وأغرقً بها ( الماضون ) ‪ ...‬وَحَ َ‬
‫الكل ) به عارفون ‪ ...‬و (( السعيدُ مَن وُعِظَ بَغيرهِ ))( ‪ ) 21‬أيها المُؤمنون !!‬
‫وتحذيراً من ( استِدراج ماكرٍ ) ـ ال يُخرَجُ منه بِمُجرَِّد رسالةٍ شخصَِّيةٍ ‪ ،‬أو نَصيحةٍ‬
‫ذاتيةٍ ‪ ،‬أو مُكالمَةٍ هاتفيةٍ ـ ؛ نُساقُ إليه دونَ أن نَشعُرَ ‪ ،‬لِنَذوقَ مَرارَت ُه وقساوتهُ من‬
‫غير أن ندري ‪...‬‬
‫فليكن هذا عذراً لي فيما ظن أنه خشونة أو شدة ‪ ،‬فاألمرُ عظيم ‪ ...‬والخط ُر جسيم !!‬
‫هلل واجد ـ فربي يعلمُ ما في نفسي ‪،‬‬
‫‪ ...‬فإن لم أجد من يَعذُرُني ـ وال بد إن شاء ا ُ‬
‫ومُطلع بما في خبيئةِ فُؤادي ‪...‬‬

‫‪. ) 22 (‬‬ ‫‪َ ‬أوَ لَيسَ ا ُ‬


‫هلل بِأعَلمَ بِما في صُدور ِ العالَمين‬
‫وإني أكررُ هنا ما كتبته في مقام آخر( ‪ ... ) 23‬أكررُه ليُفهم بوعي عميق ‪ ...‬ال ليمرر‬
‫دون تأمل وتطبيق ‪:‬‬
‫ومن نافلةِ القول ِ أن أؤكد ـ هنا ـ أن جميع من تكلمنا عليهم ‪ ،‬أو أشرنا إليهم ‪...‬‬ ‫((‬

‫هم إخواننا ‪ ...‬وأحبابنا ‪ ...‬فلهم حق علينا ‪ ،‬ولنا حق عليهم ‪ ...‬فال تضيق صدور ‪...‬‬
‫وال تطيش ظنون ‪...‬‬
‫‪ ...‬و القلب مفتوح للنصح ‪ ...‬واألذن تنتظر اإلرشاد ‪ ...‬واهللُ الموفق للسداد )) ‪.‬‬

‫‪ 21‬ـ رواه مُسل ٌم ( ‪ ) 2241‬عَن ابن مَسعو ٍد مِن قول ِه ‪.‬‬


‫‪ 22‬ـ العَنكبوت ‪. 12 :‬‬
‫‪ 23‬ـ (( رؤية واقعية في المناهج الدعوية )) ( ص ‪. ) 77‬‬

‫‪12‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]11‬‬
‫فإن أبى ( البعضُ ) إال الكالم ‪ ...‬وأصر على قذف ( السهام ) فإني أعزي نفسي ومن‬
‫هو ( مثلي ) بقول من قال في قديم الزمان ‪:‬‬
‫بظهور قيل في األنام ِ وقال‬ ‫اعمل لنفسكَ صـالحًا ال تحتفـل‬
‫ال بد من مثن علـيك وقـالي‬ ‫فالخلق ال يرجى اجتماع قلوبهم‬
‫وأما أولئك المتربصون ‪ ..‬الذين يتصيدون في الماء العكر ‪ ،‬بوضع الحق في غير‬
‫نصابه ‪ ،‬واستغاللهِ في غير بابه ـ كالعلمانيِّينَ وأذنابِ السَِّاسَةِ الماكرينَ ـ ‪ ،‬فهم أقل‬
‫مِن أن يُحَتفى بهم أو يُشارَ إليهم !! لِدَنيءِ مقاصِدهم ِ ‪ ،‬وَخبيثِ مآرِبهـِم !!‬
‫فال يجعلنا مكرهم ودهاؤهم نعرض عن قاعدة التواصي بالحق والتواصي بالصبر ‪،‬‬
‫ضمن دائرة األخوة الصادقة والعقيدة الصافية ‪ ،‬ولو صاحبها أحياناً ـ لمقتضى مهم ـ‬
‫نوع حدةٍ أو شدةٍ ! لكنها بين إخوةِ العقيدة (( حدةُ الوَدودِ ‪ ...‬وشدةُ الحبيبِ ))( ‪. ) 24‬‬
‫فنحنُ ـ وهللُ الحَمدُ ـ في تطبيقنا لقاعَدةِ النقدِ الصريح ِ (( ال نتعصبُ ألحدٍ دون اآلخرِ‬
‫هلل بقدْرِ عَمَلهم وإخالصهم لهذا‬
‫؛ ألننا نعتقدُ أن الجميعَ إخواُننا ‪ ،‬ونحنُ نُحُّبهُم في ا ِ‬
‫الدين وفِقههم ؛ وعندما ننقد مسلكاً لبعضهم فال يعني هذا أننا نتهصب ضد ُه ‪،‬أو‬
‫نُؤث ُر عليهِ غَير ُه ‪ ،‬أو نكر ُههُ ‪ ..‬معاذ اهللِ ؛ بل نفعلُ ذلك ألنَِّ هذا هو حقُّ األخ علينا‬
‫‪ ،‬إذا رأيناهُ في حاجةٍ إلى النُّصح ِ والتسديدِ ‪ ،‬ولوال أننا نحبُّ لهُ الخيرَ والصوابَ‬
‫( ‪) 25‬‬
‫))‬ ‫والفالحَ لَمَا نَصَحناهُ ‪ ،‬واهللُ عَزَِّ وجلَِّ يَشهدُ ‪ ،‬وهو وَحدهُ العليمُ بما في الصُّدورِ‬
‫‪ (( ،‬والخالف في الرأي ال يجوز أن يكون مصدر لجاجةٍ أو غضبٍ ))( ‪. ) 26‬‬
‫وواهللِ إن أقل واح ٍد من إخوانِنا ( الدُّعاةِ ) أو طُالِّبِ العلم ِ ‪ ،‬فضال ً عن مشايخنا من‬
‫العلماءِ ـ على ما قد يقع بينهم من اختالفٍ أو خالفٍ ـ لهو أغلى عندنا من دنيا أولئك‬
‫المتهوكين وما فيها !!‬

‫ث في األرض ِ ‪‬‬
‫‪ ‬فأمَِّا الزَِّ َبدُ فيَذهَبُ جُفاءً وَأمَِّا ما يَنف ُع النَِّاسَ فيَمكُ ُ‬

‫‪ 24‬ـ (( رُؤية واقعية )) ( ص ‪27‬‬


‫)‬

‫‪ 21‬ـ (( دعوة إلى التفكي ِر المَنهجي )) ( ص ‪ ) 7‬للرُّحيلي ‪.‬‬


‫‪ 22‬ـ (( أدب الخالف )) ( ص ‪ ) 9‬للشيخ صالح بن حميد ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]12‬‬
‫‪ ...‬فإلى رسالةِ شيخِنا ؛ لننْ َهلَ من واسِع ِ علمِهِ ‪ ،‬ونستفَيدَ من عُمق ِ تَجربتهِ ‪ ،‬وننتفعَ‬
‫بثاقبِ نظرِهِ ‪ .‬واهللُ المُستعان ‪.‬‬
‫وكتبهُ ‪ :‬أبو الحارث الحلبي األثري ـ يوم االثنين ‪ /1‬ذي القعدة ‪ 1111 /‬هـ ‪.‬‬

‫الحمدُ هلل ربِّ العالَمين ‪ ،‬والصالة ُ والسالمُ على سَيِّدِ المُرسَلين ‪ ،‬وعلى آلِهِ وصحبهِ‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫))‬ ‫فهذه رسالة ضمنتها جواباً على سؤال وَرَدَ إلَيَِّ حولَ ما يُسمى بـ (( فقه ِ الواقع‬
‫وحُكمهِ ‪ ،‬ومَدى حاجةِ المُسلمينَ إليهِ ‪ ،‬مَعَ بيان ِ صورَتِهِ الشرعيَِّةِ الصَِّحيحة ‪.‬‬
‫جلٌ في مَجلس ٍ من المَجالس ِ العلميَِّة التي يَجتمعُ فيها‬
‫وأصلُ هذه الرِّسالةِ جوابٌ مُرت َ‬
‫ـ وهلل الحَمد ـ عَددٌ مِن الشبابِ المُسلم ِ الحَريص ِ على طلبِ العلم ِ الصَِّحيح ِ ؛‬
‫المُستقى مِن الكتابِ والسُّـنَِّة ‪ ،‬وعلى منهَج ِ السَّلَفِ الصَّالح ‪ ،‬صَفوَةِ األُمَِّة ‪.‬‬
‫ثمَِّ قامَ أحَدُ اإلخوَةِ ـ جزاهُ اهللُ خيراً ـ بنسخ ِ كالمي الوارِد في شريط التَِّسجيل ‪،‬‬
‫وعَرَضهُ عَلَيَِّ ‪ ،‬فعَدَِّلتُهُ ‪ ،‬وَزِدتُ عليه ‪ ،‬وَنقَِّحُتهُ ‪ ،‬بما يَتناسَبُ مع نشْرِهِ ؛ لِتعُمَِّ به‬
‫الفائدَةُ ‪ ،‬ويَزدا َد به النَِّفعُ ـ إن شاءَ اهللُ ـ ‪.‬‬
‫وقَـَد قامَ أخونا الفاضلُ (( علي بن حَسَن )) ـ وَفـَِّقـَهُ اهللُ لِمَراضيهِ ـ بَتهيئـَةِ هذه الرِّسالةِ‬
‫للنَِّشرِ ‪ ،‬وإعدادِها للطَِّبع( ‪ ، ) 27‬ثم نَسَخَها ـ بَعدُ ـ بِيَدِهِ ‪ ،‬وَضَبَط نَصَِّها ‪ ،‬وَقَدَِّمَ لها ؛‬
‫فَجَزاهُ اهللُ خَيراً ‪.‬‬

‫ق عليها ‪ ،‬وأقرَّها‬
‫‪ 29‬ـ وبع َد تنضيدِ الرِّسال ِة ـ بمُقدِّمتها ـ وتصحيحها ‪ ،‬عَرَضتُها على شيخنا فوا َف َ‬
‫هلل خيرًا ‪ ( .‬علي ) ‪.‬‬ ‫مَشكورًا ‪ ،‬فجزاهُ ا ُ‬

‫‪12‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]13‬‬
‫فاهللَ أسألُ أن يَنفَعَ بهذه الرِّسالةِ المُختَصرةِ قارئيها ‪ ،‬وأن يُفيدَ بها طالبيها ‪ ،‬إنَِّهُ سميعٌ‬
‫مُجيبٌ ‪.‬‬
‫وكتبه ‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني ــ عَمَّان ‪ 12 :‬شوَّال ‪ 1111‬هـ ‪.‬‬

‫إنَِّ الحَمدَ هلل نَحمَدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُهُ ‪ ،‬ونَعوذُ باهللِ مِن شرورِ أنفُسنا ومِن سيِّئاتِ‬
‫أعمالِنا ‪ ،‬مَن يَهدِهِ اهللُ فال مُضلَِّ لهُ ‪ ،‬ومَن يُضِلل فال هادِيَ لهُ ‪.‬‬
‫وأشهَدُ أن ال إلهَ إال اهللُ وَحدَهُ ال شريكَ لهُ ‪.‬‬
‫وأشهَدُ أنَِّ مُحمَِّداً عَبدُهُ ورسولُهُ ‪.‬‬
‫أمَِّا بَعد ‪:‬‬

‫يقولُ ‪ (( :‬يُوشِكُ األُمَمُ أن تـَداعى عَليكُم ‪ ،‬كما تـَداعى‬ ‫فإنَِّ رَسولَ اهللِ مُحمَِّداً ‪‬‬
‫األكَلَةُ إلى قَصْعَتِها )) ‪.‬‬
‫فقال قائلٌ ‪ :‬ومِن قِلَِّةٍ نَحنُ يَومَئذٍ ؟‬
‫قال ‪ (( :‬بَل أنتُم يَومَئذٍ كثيرٌ ‪ ،‬ولكنَِّكُم غُثاءٌ كَغُثاء ِ السَِّيل ‪ ،‬وَلَيَنْزَعَنَِّ اهللُ من صُدورِ‬
‫عَدُوِّكُم المَهابَةَ منكُم ‪ ،‬وَلَيَقْذفَنَِّ اهللُ في قُلوِبكُم الوَهَن )) ‪.‬‬
‫فقال قائلٌ ‪ :‬يا رَسولَ اهللِ ! وما الوَهَنُ ؟‬
‫قال ‪ (( :‬حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ المَوت ))( ‪. ) 28‬‬

‫◄ واق ُع المُسلمين ‪:‬‬

‫قـَد تـَجلَِّى هذا الحَديثُ النَِّبويُّ الشريفُ بأقوى مظاهرِ ِه وأجلى صُوَرِهِ ‪ ،‬في الفتنةِ‬
‫العظي َمةِ التي ضَرَبَت المُسلمين ؛ فَفَرَِّقـَتْ كلمَتـَهُم ‪ ،‬وَشـَتـَِّتـَتْ ( صُفوفَـَهُم ) ‪.‬‬

‫ث صحيحٌ ‪ ،‬تراه مُخَرَّجًا في (( الصَّحيحة )) ( ‪. ) 717‬‬


‫‪ 27‬ـ حدي ٌ‬

‫‪13‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]14‬‬
‫وَلـَقـَد أصابَ طـَرَفٌ مِن هذه الفتنةِ القاسيةِ جَذْرَ قـُلوبِ عَددٍ كبيرٍ مِن الدُّعاةِ وَطـَلـَ َبةِ‬
‫العلم ِ ‪ ،‬فانقـَسَموا ـ ولألسَف الشديدٍ ـ على أنفُسهم ‪ ،‬فصارَ بَعضُهُم ( يَتـَكلـَِّمُ ) في‬
‫بَعض ٍ ‪ ،‬والبَعضُ ( اآلخَرُ ) ينقـُدُ الباقين ‪ ،‬ويَرُدُّ عليهم ‪ ...‬وهكذا ‪...‬‬

‫معرفةُ الحقِّ بالردِّ ‪:‬‬ ‫◄‬


‫وليسَت تلك الرُّدودُ ( مُجَرَِّدة ً ) ‪ ،‬أو هاتيكَ النَِّقـَداتُ ( وَحدَها ) بضائرةٍ أحداً مِن‬
‫هؤالء أو أولئكَ ‪ ،‬سواءٌ منهم الرَِّادُّ أم المَردودُ عليه ‪ ،‬ألنَّ الحَقَّ يُعرَفُ بنوِرهِ‬
‫ودالئِلهِ ‪ ،‬ال بِحاكيِه وقائِل ِه ـ عند أهل ِ اإلنصافِ ‪ ،‬وليسَ عندَ ذوي التعصُّب‬
‫واالعتساف ـ ؛ وإنَِّما الذي يَضيرُ أولئكَ أو هؤالء ‪ :‬هو الكالمُ ‪ ،‬بغَير علم ٍ ‪ ،‬وإلقاءُ‬
‫القَول ِ على عَواهِنِهِ ‪ ،‬والتكلُّمُ بغَيرِ حقَِّ على عبادِ اهلل !!‬

‫◄ مسألةُ (( فقه الواقع )) ‪:‬‬

‫ولـَقـُد أثيرَت أثناءَ تلك الفتنةِ العَمياء ِ الصمَِّاء ِ البَكماء ِ مسائلُ شَتَِّى ؛ فِقهيَِّة ً ‪،‬‬
‫ومَنهَجيَِّة ً ‪ ،‬ودَعَويَِّة ً ‪ ،‬وكان لنا ـ حينَها ـ أجوبة ٌ علمَِّية ٌ عليها بِحَمد اهلل سبحانهُ‬
‫ومِنَِّتِه ‪.‬‬
‫)‬ ‫ومِن المَسائل التي أعقَبَت تلك الفتنة َ ‪ ،‬وكَثُرَ الخَوضُ فيها ‪ :‬ما اصْطَلحَ ( البَعضُ‬
‫على تَسميِتِه بـ (( فقه الواقع )) !!‬
‫وأنا ال أخاِلفُ في صورَةِ هذا العلم ِ الذي ابتَدعوا لهُ هذا االسمَ ‪ ،‬أال وهو (( فقه‬
‫الواقع )) ؛ ألنَِّ كثيراً مِن العُلَماءِ قـَد نَصُّوا على أنَِّه يَنَبغي على مَن يَتَوَلونَ تَوجيهَ‬
‫األمَِّةِ وَوضعَ األجوبَةِ لِحَلِّ مشاكلهم ‪ :‬أن يَكونوا عالمينَ وعارفينَ بِواقِعِهِم ؛ لذلك‬
‫كان مِن مَشهورِ كلماِتهِم ‪ (( :‬الحُكمُ على الشيءِ فَر ٌ عَن تَصَوُّرهِ )) ‪ ،‬وال يَتَحقَِّق‬
‫ذلك إال بمَعرفَةِ ( الواقِع ) المُحيطِ بالمسألَةِ المُرادِ بَحثُها ؛ وهذا مِن قَواعدِ الفُتيا‬
‫بِخاصَِّةٍ ‪ ،‬وأصول ِ العلم ِ بعامَِّةٍ ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]11‬‬
‫فَفِقهُ الواقع ـ إذاً ـ هو الوقوفُ على ما يَهُمُّ المُسلمين مِمَِّا يَتَعلَِّقُ بشؤوِنهِم ‪ ،‬أو كيدِ‬
‫َرياً( ‪ ، ) 29‬أو انشغاالً‬
‫واقعياً ‪ ،‬ال كالماً نَظ َّ‬
‫َّ‬ ‫أعدائِهم ؛ لتحذيرِهم ‪ ،‬والنُّهوض ِ بهم ‪،‬‬
‫بأخبارِ الكُفَِّارِ وأنبائهم ‪ ...‬أو إغراقاً بِتحليالِتهِم وأفكارِهم ِ !!‬

‫◄ أهم َِّّيةُ معرفة الواقع ‪:‬‬

‫فمَعرفةُ الواقع ِ للوُصول ِ به إلى حُكم ِ الشر ِ واجبٌ مهم مِن الواجباتِ التي يَجبُ‬
‫أن يَقومَ بها طائفة ٌ مُختصَِّة ٌ مِن طالَِّب ِ العلم ِ المُسلمينَ النُّبَهاء ِ ‪ ،‬كأيِّ علم مِن‬
‫العلوم ِ الشرعيَِّةِ ‪ ،‬أو االجتماعيَِّةِ ‪ ،‬أو االقتصاديَِّةِ ‪ ،‬أو العَسكريَِّةِ ‪ ،‬أو أيِّ علم ٍ يَنفعُ‬
‫األمَِّة َ اإلسالميَِّة َ ويُدنيها مِن مَدارج ِ العَودَةِ إلى عِزِّها ومَجدِها وَسُؤْدُدِها ‪،‬‬
‫وَبـِخاصَِّةٍ إذا ما تـَطَوَِّرَت هذه العلومُ بتـَطوُّرِ األزِمنَةِ واألمكنَةِ ‪.‬‬

‫◄مِن أنوا ِ (( الفقه )) الواجبة ‪:‬‬

‫وَمِمَِّا يَجبُ التَِّنبيهُ عليه في هذا المَقام ِ أنَِّ أنواعَ الفقهِ المَطلوبَة َ مِن جُملـَةِ المُسلمين‬
‫ليسَت فـَقـَط ذلك الفقهَ المَذهَبيَِّ الذي يَعرفونَهُ ويتلقـَِّنونَهُ ‪ ،‬أو هذا (( الفقهَ )) الذي تـَنـَبَِّه‬
‫إليه ونَبَِّهَ عليه بعضُ شبابِ الدُّعاةِ ! حيثُ إنَِّ أنواعَ الفقهِ الواجبِ على المُسلمين‬
‫القيامُ بها ـ ولو كِفائيَِّاً عل األقلّ ـ أكبرُ مِن ذلك كلـِّه ‪ ،‬وأوسَعُ دائرَة ً منهُ ؛ فَمِن ذلك‬
‫مَثال ً ‪ (( :‬فقه الكتاب )) ‪ ،‬و (( فقه السُّنـَِّة )) ‪ ،‬و (( فقه اللُّغَة )) ‪ ،‬و (( فقه السُّنن الكَونيَِّة‬
‫)) ‪ ،‬و (( فقه الخالف )) ‪ ،‬ونَحو ذلك مِمَِّا يُشبهُهُ ‪.‬‬
‫وهذه األنواعُ مِن الفقه ـ بـِعُمومِها ـ ال تـَقِلُّ أهميَِّة ً عَن نَوعي الفقهِ المُشارِ إليهما‬
‫قـَبلُ ‪ ،‬سواءٌ منها الفقهُ المَعروفُ ‪ ،‬أم (( فقهُ الواقع ِ )) الذي نَحنُ بـِصدَدِ إيضاح ِ‬
‫القَول فيه ‪.‬‬
‫وَمَع ذلك كُلـِّه ؛ فإنَِّنا ال نَرى مَن يُنَبِّهُ على أنواع ِ الفقهِ هذه ‪ ،‬أو يُشيرُ إليها !‬
‫وَبخاصَِّةٍ (( فقه الكتاب والسنة )) الذي هو رَأسُ هذه األنواع ِ وأسُّها ‪ ،‬هذا الفقهُ الذي‬

‫حي ِز ( الواقع ) فعالً ؛‬


‫ال ‪ ،‬ويُخرج ُه إلى ِّ‬ ‫س ل ُه مَن ( يتبنَّا ُه ) ع َم ً‬
‫َّظري ) الذي لي َ‬
‫‪ 27‬ـ أمَّا الكال ُم ( الن ُّ‬
‫ث وجُهدٌ ضائ ٌع )) ‪،‬‬ ‫فقد وَصَفهُ شيخنا في بَعض مجالس ِه مع األخ الدكتور ناصر ال ُعمَر بأن ُه (( عَب ٌ‬
‫كما في شريطِ التسَّجيل ِ المَنشو ِر من تلكَ المجالس ِ ‪ ( .‬علي ) ‪ .‬وانظر ما سيأتي ( ص ‪. ) 19‬‬

‫‪11‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]12‬‬
‫لو قال أحدٌ بوجوبهِ عَينيَِّا ً لـَما أبعَدَ ؛ لِعَظيم ِ حاجَةِ المُسلمين إليه ‪ ،‬وشديدِ لُزومِهِ لهم‬
‫؛ وبالرُّغم ِ من ذلك ‪:‬‬
‫فإنَِّنا ال نَسمَعُ مَن يُدَندِنُ حَولَهُ ‪ ،‬وَيُقَعِّدُ مَنهَجَهُ ‪ ،‬ويشغلُ الشبابَ ب ِه ‪ ،‬وَيُربيهم عليه !‬

‫نُريدُ ( المَنهج ) ال مُجرَّدَ الكالم ‪:‬‬ ‫◄‬


‫نَعَم ؛ كثيرون ـ وهلل الحَمد ـ الَِّذينَ يَتـَكلَِّمونَ في الكتاب والسُّنَِّة اليَومَ ‪ ،‬وَيُشيرون‬
‫إليهما ‪ ،‬ولكنَّ الواجبَ الذي نُريدُهُ ليسَ فقط أكتوبَة ً ‪ ،‬أو مُحاضَرَة ً هناك ‪ ،‬إنما‬
‫العام لكلِّ صَغير وكبير ِ ‪ ،‬وأن يَكونَ‬
‫الذي نُريدُهُ جَعلُ الكتاب ِ والسُّنَّة اإلطارَ ِّ‬
‫منَهجهمُماً هو الشِّعارَ والدِّثارَ للَِّدعوَةِ ؛ بَدْء ٍ وانتهاءً ‪ ،‬وبالتَِّالي أن يَكونَ تـَفكيرُ‬
‫المَدعوّين مِن الشبابِ وغَيرهم مُؤصَِّال ً وَفـْق هذا المَنهَج العَظيم الذي ال يصَالحَ‬
‫لألمَِّة إال بهِ وعليه ‪.‬‬
‫فال بُدَِّ ـ إذا ً ـ من أن يكون هناك عُلماءُ في كُلَِّ أنواع الفقه ِ المُتقدِّمَةِ ـ وبخاصَِّة (( فقه‬
‫الكتاب والسُّنَِّة )) ـ ‪ ،‬بـِضَوابط واضحةٍ ‪ ،‬وَقواعِدَ مُبيِّنَةٍ ‪.‬‬

‫االنقسام حولَ (( فقه الواقع )) ‪:‬‬ ‫◄‬


‫ولكَِّننا سمِعنا والحَظنا أنَِّهُ قـَد وَقـَعَ كثيرٌ مِن الشبابِ المُسلم ِ في حَيْصَ بيْصَ نَحو‬
‫هذا النَِّوع ِ من العلم الذي سَبَقت اإلشارَةُ إلى تـَسمِيَتهم له بـِ (( فقه الواقع )) ‪،‬‬
‫فانقـَسموا قسمين ‪ ،‬وصاروا ـ لألسَفِ ـ فَريقيَن ‪ ،‬حيثُ إنَِّه قـَد غـَال البَعضُ بهذا‬
‫األمر ‪ ،‬وَقـَصَِّرَ البَعضُ اآلخَرُ فيهِ !‬
‫إذ إنكَ تـَرى وتـَسمَعُ ـ مِمَِّن يُفَخِّمونَ شأنَ (( فقه الواقع )) ‪ ،‬وَيَضعونَهُ في مرتبةٍ عَليَِّةٍ‬
‫ق مَرتبتهِ العلميَِّةِ الصَِّحيحةِ ‪ ،‬ـ أنهم يُريدونَ مِن كُلِّ عالم ٍ بالشرع ِ أن يَكونَ‬
‫فو َ‬
‫عالماً بما سَمَِّوهُ (( فقه الواقع )) !‬
‫كما أن َِّ العَكسَ ـ أيضاً ـ حاصلٌ فيهم ‪ ،‬فـَقـَد أوْهموا السَِّامعينَ لهم ‪ ،‬والمُلتـَفَِّينَ‬
‫حَولـَهُم أنَِّ كلَِّ مَن كان عارفاً بواقع العالم ِ اإلسالميِّ هو فقيهٌ في الكتابِ والسُّنَِّةِ ‪،‬‬
‫وعلى منهج السَِّلف الصَِّالح !!‬
‫وهذا ليسَ بالزِم ٍ كما هو ظاهرٌ ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]19‬‬
‫الكمالُ عزيزٌ ؛ فالواجبُ التـَّعاوُنُ ‪:‬‬ ‫◄‬
‫وَنَحنُ ال نَتـَصوَِّرُ وجودَ إنسان ٍ كاملٍ بكُلِّ مَعنى هذه الكلمةِ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن يَكونَ عالماً‬
‫بكُلِّ هذه العلوم التي أشرتُ إليها ‪ ،‬وَسَبَقَ الكالمُ عليها ‪.‬‬
‫فالواجبُ إذاً ‪ :‬تـَعاوُنُ هؤالء ِ الذين تـَفَرَِّغوا لِمَعرفـَةِ واقع ِ األُمةِ اإلسالمَِّيةِ وما‬
‫يُحاكُ ضِدَِّها ‪ ،‬مَعَ عُلماء ِ الكتابِ والسُّنَِّ ِة وعلى نَهج ِ سَلفِ األُمَِّةِ ‪ ،‬فأولئكَ يُقدَِّمونَ‬
‫تـَصوُّراتِهم وأفكارَهم ِ ‪ ،‬وهؤالء يُبيِّنونَ فيها حُكمَ اهللِ سبحا َنهُ ‪ ،‬القائمَ على الدِّليل ِ‬
‫ُجةِ النيِّرَةِ ‪.‬‬
‫الصَّحيح ِ ‪ ،‬والح َّ‬
‫أمَِّا أن يُصبحَ المُتـَكلِّمُ في (( فقه الواقع )) في أذهان ِ سامعيهِ واحدًا من العُلماء ِ‬
‫والمُفتينَ ‪ ،‬ال لِشيءٍ إال ألنَِّه تكلَِّمَ بهذا (( الفقهِ )) المشار إليه ‪ ،‬فهذا ما ال يُحكَمُ له‬
‫بوج ٍه من الصَّوابِ ؛ إذ يُتـَِّخَذُ كالمُهُ تُكَأة ً تُرَدُّ بها فتاوى العُلماء ‪ ،‬وتُنْقَضُ فيه‬
‫اجتهاداتهُم وأحكامُهُم ‪.‬‬

‫طهُ ‪:‬‬
‫سقِ ُ‬ ‫◄ خَ َ‬
‫طأُ ( العالِم ِ ) ال يُ ْ‬

‫وِمن المُهمِّ بيانُهُ في هذا المَقام ِ أنهُ قـَد يُخطئُ عالِمٌ ما في حُكمِهِ على مسألةٍ مُعَيَِّنةٍ‬
‫مِن تلك المسائل ِ الواقعيَِّةِ ‪ ،‬وهذا أمرٌ ( حَدَث ) وَيَحدُثُ ‪ ،‬ولكنْ ‪ ...‬هل هذا يُسقِطُ هذا‬
‫العالمَ أو ذاكَ ‪ ،‬وَيَجعلُ المُخالفينَ له يَصِفُونَهُ بكلماتِ ناب َيةٍ ال يَجوزَ إيرادُها عليه ‪،‬‬
‫س فقيهَ واقع ٍ !!!‬
‫كأنْ يُقالُ مثال ً ـ وقـَد قيل ـ ‪ :‬هذا فقيهُ شرْع ٍ ولي َ‬
‫فهذهِ قِسمَة ٌ تُخالفُ الشرع َ والواقع !‬
‫فكالمُهُم المُشارُ إليه كُلُّه كأنَِّهُ يوجـِبُ على عُلماء ِ الكتابِ والسُّنَِّةِ أن يَكونوا ـ أيضاً ـ‬
‫عارفينَ باالقتصادِ واالجتماع ِ والسِّياسةِ والنُّظُم العَسكريَِّةِ وطُرُق استعمال ِ األسلحةِ‬
‫الحَديثةِ ‪ ،‬ونَحوِ هذا وذاك !!‬
‫ولستُ أظُنُّ أنَِّ هناكَ أنساناً عاقال ً يَتصوَِّر اجتماع َ هذه العلوم والمَعارِف كلَِّها في‬
‫صَدرِ إنسان ٍ ‪ ،‬مهما كان عالماً أو ( كامال ً ) ‪.‬‬

‫خَطَأ ( الجَهل ) بالواقع ‪:‬‬ ‫◄‬

‫‪19‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]17‬‬
‫وقـَد سَمِعنا أيضاً عَن أناس ٍ يقولونَ ‪ (( :‬ما يَهُمُّنا نَحنُ أن نَعرِفَ هذا الواقع )) ! فهذا‬
‫ـ إن وَقـَعَ ـ خطاُ أيضاً ‪.‬‬
‫فالعَدلُ أن يُقال ‪ :‬ال بُدَِّ في كلِّ علم ٍ من العلوم ِ أن يَكونَ هناك عارفونَ به‬
‫مُتخَصِّصونَ فيه ‪ ،‬يتعاوَنونَ فيما بَينهُم تعاوُناً إسالميَّا ً أخويَّا ً صادقا ً ‪ ،‬ال حزبَّية َ‬
‫فيه وال عَصبَيَّة ‪ ،‬لِيُحقِّقوا مصلَحة َ األمَِّةِ اإلسالميَِّ ِة ‪ ،‬وَإقامَة َ ما يَنشدُهُ كلُّ مُسلم ٍ مِن‬
‫إيجادِ المُجتمع اإلسالميّ ‪ ،‬وتطبيق ِ شرع ِ اهللِ في أرضِهِ ‪.‬‬
‫س من‬
‫فكلُّ تلكَ العلوم ِ واجبَة ٌ وجوباً كِفائيَِّاً على مَجموع ِ عُلماء ِ المُسلمين ‪ ،‬ولي َ‬
‫الواجبِ في شيءٍ أن يَجمَعها فـَر ٌد واحدٌ ‪ ،‬فضال ً عن استحالةٍ ذلك واقعاً !‬
‫فـَمثال ً ‪ :‬ال يَجوزُ للطبيبِ أن يُسَوِّغ َ ـ أحياناً ـ القيامَ بعَمليَِّةٍ جراحيَِّةٍ مُعيَِّنَةٍ إال إذا‬

‫‪ ،‬وعلى مَنهج ِ‬ ‫استعانَ برأي العالم الفقيهِ بكتابِ اهلل سبحانَهُ ‪ ،‬وبسُنَِّةِ رسول اهلل ‪‬‬
‫السَِّلفِ الصالح ِ ‪ ،‬إذ مِن الصَِّعبِ ـ إن لم نَقل ‪ :‬من المُستحيل ـ أن يَكونَ الطَِّبيبُ‬
‫المُتمَكِّنُ في علمِهِ عارفاً ـ أيضاً ـ بالكتابِ والسُّنَِّة ‪ ،‬مُتمَكِّناً من فِقههما ‪ ،‬وَمَعرفة‬
‫أحكامِهما ‪.‬‬

‫◄التَّأكيدُ على وجوبِ التَّعاوُن ‪:‬‬

‫لذلكَ ؛ ال بُدَِّ مِن التَِّعاوُن ِ ‪ ،‬عَمَال ً بقول ِ رَبَِّ العالمين في كتابهِ الكريم ِ ‪ :‬‬
‫‪، ) 30 (‬‬ ‫وَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَِّقوى وَال تَعَاوَنوا عَلى اإلثمِ وَالعُدوان ِ‬
‫ُمةِ اإلسالميَّةِ ‪.‬‬
‫ق المَصالحُ المَرجُوَّةُ لأل َّ‬
‫َق ُ‬
‫وبذلك تتح َّ‬
‫وهذه الَمسأل ُة من البَداهَةِ بِمَكان ٍ ‪ ،‬فإنَِّ المُسل َم ال يَكادُ يَتصَوَِّرُ عالماً فقيهاً في الكتابِ‬
‫((‬ ‫والسُّنَِّة ‪ ،‬ثم هو مَع ذلك طَبيبٌ خِرِّيتٌ ‪ ،‬ثم هو مَع ذلك يعرفُ ـ كما يقولونَ اليَومَ ـ‬
‫فقه الواقع )) !! إذ بقدْر اشتغالهِ بهذا العلم ِ يَنشغِلُ عَن ذاكَ العلم ِ ‪ ،‬وَبِقدْرِ اهتمامهِ‬
‫بذاكَ العلم ِ يَنصَرِفُ عَن هذا العلم ‪ ...‬وهكذا ‪...‬‬

‫‪ 32‬ـ المائدَة ‪. 2 :‬‬

‫‪17‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]17‬‬
‫وال يَكونُ الكمَالُ ـ كما ذكَرتُ آنِفاً ـ إال بتعاوُن ِ هؤالء ِ جميعاً كلٌّ في اخِتصاصهِ ـ‬
‫مَع اآلخَرين ‪ ،‬وبذلك ـ وبه فقط ـ تتحقَِّقُ المَقاصِدُ الشرعيَّة ُ لكُلِّ المُسلمين ‪ ،‬وَيَنْجونَ‬

‫من الخُسران ِ المُبين ‪ ،‬كما قال ربُّ العالمين ‪  :‬وَالعَصْ ِر إنَِّ اإلنسانَ لَفي‬
‫صوْا‬
‫صوْا بِالحَقِّ وتَوا َ‬
‫الصاِلحاتِ وَتَوا َ‬
‫خُسْ ٍر إالَِّ الَِّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا َِّ‬
‫‪.‬‬ ‫بِالصَِّبر‬
‫◄ ال ُغلُوُّ فيما البُدَّ منه ‪:‬‬

‫لكنَِّ الذي الحَظناهُ ونُالحظُهُ أنَِّ للعَواطِفِ الحماسيَِّةِ الجامحَةِ التي ال حُدودَ لها ‪:‬‬
‫آثاراً سلبيَِّة ً مُتعَدِّدَة ً ‪ ،‬منها ال ُغلُوُّ فيما ال بُدَّ منه ‪ ،‬إذ الواجبُ الذي ال بُدَِّ منه يُقسَم‬
‫إلى قسمين ‪:‬‬
‫األوَّل ‪ :‬الفَرضُ العَينيُّ ‪ ،‬وهذا يَجبُ على كلِّ مُسلم ‪.‬‬
‫الثَّاني ‪ :‬الفرضُ الكِفائيُ ‪ ،‬وهو ما إذا قا َم به البَعضُ سَقطَ عَن الباقين ‪.‬‬
‫فال يَجوزُ أن نَجعَل الفَرضَ الكِفائيَِّ كالفَرض ِ العَينيِّ ‪ ،‬مُتساويَيْن ِ في الحُكم ِ ‪.‬‬
‫ن بفقه‬
‫ولو أنَِّنا قُلنا ـ تنَزُّال ً ـ ‪ :‬يَجبُ على طُالَِّبِ العلم ِ الصَِّاعِدينَ أن يَكونوا عارِفي َ‬
‫الواقع ‪ ،‬فال يُمكنُ أن نُطِلقَ هذا الكالمَ في عُلماء ِ المُسلمين الكبار ‪ ،‬فَضالً عَن أن‬
‫ب مَعرفةِ الواقِع ِ ‪ ،‬وما يَترَتَِّبُ على هذه المَعرِفَةِ مِن فقهٍ‬
‫ُالبَ العلم ِ بوجو ِ‬
‫نُلزمَ ط َّ‬
‫يُعطي لكُلِّ حالةٍ حُكْمَها ‪.‬‬

‫ال يُنكَرُ ( فقه الواقع ) ‪:‬‬ ‫◄‬


‫وكذلك ال يَجوزُ ـ والحالةُ هذه ـ أن يُنكِرَ أحدٌ مِن طُالَِّبِ العلم ِ ضرَورَة َ هذا الفقه‬
‫بالواقع ‪ ،‬ألنَِّهُ ال يُمكِنُ الوُصولُ إلى تحقيق الضَِّالَِّةِ المَنشودَةِ بإجماع ِ المُسلمين ـ أال‬
‫وهي التخلُّص مِن االستعمارِ الكافرِ للبالدِ اإلسالميَِّة ‪ ،‬أو ـ على األقلّ ـ بَعضِها ـ إالّ‬
‫بأن نَعرفَ ما يتآمَرون به ‪ ،‬أو ما يَجتمعونَ عليهِ ؛ لِنَحذرَهُ ونُحذِّرَ منهُ ؛ حتى ال‬
‫يَستمِرَِّ استعمارُهمُ واستعبادُهمُ للعالم ِ اإلسالميِّ ‪ ،‬وهذا ال يَكونُ جُزءٌ منه إال بتربَيةِ‬
‫الشبابِ تربيَة ً عقائديَِّة ً علميَِّة ً مَنهجيَِّة ًقائمة ً على أساس ِ التصف َيةِ لإلسالم ِ مِن‬

‫‪17‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]22‬‬
‫الشوائب التي عَلَقت بهِ ‪ ،‬ومبنيَِّة ً على قاعدةِ التربَيةِ على اإلسالم المُصَفَِّى ‪ ،‬كما‬

‫‪.‬‬ ‫أنزَلَهُ على قلبِ رسول ‪‬‬


‫بين العُلماء والحكَّام ‪:‬‬ ‫◄‬
‫ومن األمورِ التي يَنبَغي ذِكرُها هنا ‪ :‬أنَِّ الذين يَستطيعونَ حملَ األمةِ على ما يَجبُ‬
‫عليها وجوباً عَينيَِّاً أو كِفائيَِّاً ‪ ،‬ليسَ هم الخُطباءَ المُتحَمِّسينَ ‪ ،‬وال الفقهاءَ النَّظريِّين‬
‫؛ وإنما هم الحُكَِّامُ الذين بيدِهم ِ األمرُ والتنفيذُ والحَلُّ والعَقدُ ‪ ،‬وليسَ ـ أيضاً ـ أولئكَ‬
‫المُتحمِّسينَ من الشبابِ ‪ ،‬أو العاطفيِّين من الدُّعاةِ ‪...‬‬
‫فعلى الخُطباء ِ والعلماء ِ والدُّعاة ِ أن يُرَبُّوا المُسلمين َ على قبول ِ حُكم اإلسالم ِ ‪،‬‬
‫واالستسالم له ‪ ،‬ثمَِّ دعوَةُ الحُكَِّام ِ ـ بالّتي هي أحسنُ للّتي هي أقوَمُ ـ إلى أن يَستعينوا‬
‫بالفُقهاء ِ والعُلماء ِ( ‪ ) 31‬على اختالف عِلمهم وتنوُّع ِ فِقههم ؛ فقه الكتاب والسُّنَِّة ‪ ،‬فقه‬
‫اللُّغَة ‪ ،‬فقه السُّنَن الكونيَِّة ‪ ،‬فقه الواقع ‪ ...‬وغير ذلك من مُهمَِّات ؛ إعماالً منهم للمبدأ‬
‫اإلسالميِّ العَظيم ؛ مبدأ الشورى ‪ ،‬وَيَومئذٍ تستقيمُ األمورُ ‪ ،‬ويَفرَحُ المُؤمنون بنصر‬

‫‪! ) 32 (‬‬ ‫ك عَلَيهِم حَفيظاً‬ ‫اهللِ ؛ ‪ ‬فإ ْ‬


‫ن أعْ َرضُوا فَما أرْسَلْنا َ‬
‫◄عِلَّة ُ ذلَ المُسلمين ‪:‬‬

‫وال بُدَِّ هُنا مِن بيان ِ أمرٍ مهمٍّ جدَِّاً يَغفلُ عنه الكثيرون ‪ ،‬فأقولُ ‪ :‬ليسَت عِلَِّة ُ بقاء ِ‬
‫المُسلمين فيما هم عليه مِن الذُّلِّ واستعبادِ الكُفَِّارِ ـ حتى اليَهود ـ لبَعض ِ الدُّوَل‬
‫اإلسالميَِّة ‪ ،‬هي جهلَ الكثيرين مِن أهل ِ العلم ِ بفق ِه الواقع ‪ ،‬أو عَدمَ الوقوفِ على‬
‫مُخَطَِّطاتِ الكُفارِ وَمُؤامراتِهم ‪ ،‬كما يُتوهمُّ !‬

‫◄مِن أغالط بَعض ( الدُّعاة ) ‪:‬‬

‫‪ 31‬ـ فهم للمُسلمينَ ـ جماعاتٍ وأفرادًا ـ ضيا ُء السبَّيل ِ ومنارُ الطريق ِ ؛ وعلى نهجهم يَسيرون ‪.‬‬
‫(علي ) ‪.‬‬
‫‪ 32‬ـ الشورى ‪. 47 :‬‬

‫‪22‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]21‬‬
‫ولذلك فأنا أرى أنَِّ االهتمامَ بفقه الواقع اهتمامًا زائداً بحَيث يكونُ منهجاً‬
‫للدُّعاةِ والشبابِ ‪ُ ،‬يرَبُّونَ وَيَتَربَِّونَ عليه ‪ ،‬ظانَِّينَ َِّأنهُ سبيلُ النَِّجِاةِ ‪ :‬خَطأُ‬
‫ظا ِهرٌ وَغََلطٌ واضحٌ !‬
‫واألمرُ الذي ال يَختِلَفُ فيه مِن الفُقهاء ِ اثنان ‪ ،‬وال يَنتطحُ فيه عَنزان ‪ :‬أنَِّ العلَِّةَ‬
‫األساسيَِّة للذُّلِّ الذي حَطَِّ في المُسلمين رِحاَلهُ ‪:‬‬
‫أوَّالً ‪ :‬جَهلُ المُسلمين باإلسالم الذي أنزَلَهُ ا ُ‬
‫هلل على قَلبِ نبيَِّنا عليه الصَِّالةُ والسَِّالم ‪.‬‬
‫وثانياً ‪ :‬أنَِّ كثيراً مِن المُسلمين الذين يَعرفونَ أحكامَ اإلسالم ِ في بَعض ِ شؤوِنهم ال‬
‫يَعملونَ بها ‪.‬‬

‫◄التَّصفيَة ُ والتَّربيَة ُ ‪:‬‬

‫فإذاً ‪ :‬مِفتاحُ عَودَةِ مَجـِد اإلسالم ِ ‪ :‬تَطبيقُ العلم ِ النَّافِع ِ ‪ ،‬والقيامُ بال َعمَل‬
‫الصَّالح ِ ‪ ،‬وهو أمرٌ جليلٌ ال يُمِكنُ للمُسلمين أن يَصِلوا إليه إال بإعمال ِ مَنهج ِ‬
‫التَّصفيةِ والتَّربَيةِ ‪ ،‬وهُما واجبان ِ مُهمَِّان ِ عَظيمان ِ( ‪: ) 33‬‬
‫وأرَدتُ باألوَّل ِ منهما أموراً ‪:‬‬
‫األوَّل ‪ :‬تصفيَة ُ العَقيدةِ اإلسالميَِّة مِمَِّا هو غـَريبٌ عنها ‪ ،‬كالشركِ ‪ ،‬وجَحُدِ الصَِّفاتِ‬
‫اإللهيَِّة ‪ ،‬وتأويلها ‪ ،‬وردّ األحاديث الصَِّحيحةِ لتعلُّقها بالعَقيدة وَنحوِها ‪.‬‬
‫الثَّاني ‪ :‬تصفيَة ُ الفقهِ اإلسالميِّ مِن االجتهاداتِ الخاطئةِ المُخالِفةِ للكتابِ والسُّنَِّة ‪،‬‬
‫وتحريرُ العقول مِن آصارِ التَِّقليد ‪ ،‬وظُلمات التعصُّب ‪.‬‬
‫الثَّالث ‪ :‬تصفية ُ كتب التفسيرِ ‪ ،‬والفقهِ ‪ ،‬والرَِّقائق ِ ‪ ،‬وغيرها مِن األحاديث‬
‫الضَِّعيفة والمَوضوعَة ‪ ،‬واإلسرائيليَِّات والمنُكَرات ‪.‬‬

‫ت رسالَتي (( التَّصفيَة والتَّربية‬


‫ن حَوَلهُما شيخُنا دائمًا بَني ُ‬
‫‪ 33‬ـ وعلى هذين الواجبين اللَّذين ِ يُدَند ُ‬
‫وأثرُهُما في استئناف الحياة اإلسالميَّة )) ‪ ،‬وهي مطبوعة منذ سنوات ‪ ( .‬علي ) ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]22‬‬
‫وأمَّا الواجبُ اآلخرُ ‪ :‬فأري ُد بهِ تربَية َ الجيل ِ النَِّاشئ على هذا اإلسالم ِ المُصفَِّى مِن‬
‫كلِّ ما ذكَرنا ؛ تربية ً إسالمية ً صحيحة ً منذ نُعومَةِ أظفارِ ِه ‪ ،‬دونَ أيِّ تأثرٍ بالتربَِّيةِ‬
‫الغربَِّيةِ الكافِرَةِ ‪.‬‬
‫ومِمَِّا ال رَيبَ فيه أنَِّ تحقيقَ هذين الواجبَين يَتطّلَِّبُ جُهوداً جبَِّارة ً مُخلصَة ً بينَ‬
‫حقاً إقامَة ُ المُجتمع ِ اإلسالميِّ‬
‫المُسلمين كاَِّفة ً ‪ :‬جماعاتٍ وأفراداً ؛ من الذين يَهُمُّهُم َّ‬
‫المَنشودِ ‪ ،‬كل ٌّ في مَجالهِ واختِصاصِهِ ‪.‬‬

‫◄اإلسالُم الصَّحيحُ ‪:‬‬

‫فال بُدَِّ ـ إذاّ ـ مِن أن يُعنى العُلماءُ العارِفونَ بأحكام ِ اإلسالم ِ الصَِّحيح بَدَعوَةِ‬
‫المُسلمين إلى هذا اإلسالم الصَِّحيح ‪ ،‬وتفهيمهم إيَِّا ُه ثم تربيتهم عليهِ ‪ ،‬كمل ما قال اهللُ‬

‫تعالى ‪  :‬وَلك ْ‬
‫ن كُونوا رَبَِّانيَِّين بـِما كُنْ ُت ْم تُعَلَِّمونَ الكِتابَ وبما كُنْتُم‬
‫‪. ) 34 (‬‬ ‫َتدْرُسونَ‬
‫هذا هو الحلُّ الوحَيدُ الذي جاءَت به نُصوصُ الكتابِ والسُّنَِّة ‪ ،‬كما في قوله تـَعالى ‪:‬‬

‫‪ ، ) 35 (‬وغيره كثير ‪.‬‬ ‫هلل يَ ْنصُرْ ُكمْ وَيُثَبَِّتْ أقْدامَكُم‬ ‫‪‬إْ‬


‫ن تَنْصُروا ا َ‬
‫◄كيف يأتي نـَصرُ اهللِ ؟‬

‫فـَمِن المُتـَِّفـَق عليه دونَ خِالفٍ ـ وهلل الحَمد ـ بين المُسلمين أنَِّ مَعنى ‪ ‬إ ْ‬
‫ن‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬إنْ عملتُم بما أمَرَكُم به ‪ :‬نصَرَكُم اهللُ على أعدائكُم ‪.‬‬ ‫تَنْصرُوا اهللَ ‪‬‬
‫ومِن أهمِّ النُّصوص ِ المُؤيِّدَةِ لهذا المَعنى مِمَِّا يُناسِبُ واقعَنا الذي نعيشُه تماماً ‪ ،‬حيثُ‬

‫وَصْفُ الدَِّواء ِ والعالج ِ معاً ؛ قولهُ ‪ (( : ‬إذا تبايَعتُم بالعِينَة ‪ ،‬وَأخَذتُم أذنابَ البَقـَر‬

‫‪ 34‬ـ آل عمران ‪. 97 :‬‬


‫‪ 31‬ـ مُحمَّد ‪. 9 :‬‬

‫‪22‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]23‬‬
‫‪ ،‬وَرَضيتُم بالزَِّرع ‪ ،‬وَتركُتم الجهادَ ‪ ،‬سَلَِّطَ اهللُ عليكُم ُذالً ال يَنزعُهُ عَنكُم حتى‬
‫ترجِعوا إلى دينكُم ))( ‪. ) 36‬‬

‫◄سَببُ ( مَرَض ) المُسلمين ‪:‬‬

‫فإذاً ‪ :‬ليسَ مَرَضُ المُسلمين اليَومَ هو جهلَهُم بعلم مُعَيَِّن ٍ ‪ ،‬أقولُ هذا مُعترفاً بأنَِّ كلَِّ‬
‫علم يَنفعُ المُسلمين فهو واجبٌ بقدْرهِ ‪ ،‬ولكن ليسَ سَ َببُ الذلَِّ الذي لَحِقَ بالمُسلمين‬
‫جَهلَهُم بهذا الفقه المُسَمَِّى اليَوم (( فقه الواقع )) ! وإنما العِلَّة ُ ـ كما جاءَ في هذا‬
‫وسُنَّة ً ‪.‬‬
‫الحديث الصَِّحيح ـ هي إهماُلهُم ال َعمَل بأحكام ِ الدِّين ؛ كتاباً َ‬

‫‪ (( :‬إذا تبايَعتُم بالعِينَة )) ؛ إشارة ٌ إلى نَوع ٍ مِن المُعامَالت الِّربَويَِّة ذات‬ ‫فقولُه ‪‬‬
‫التحايُل على الشرع ‪.‬‬

‫‪ (( :‬وأخَذتُم أذنابَ البَقـَر )) ؛ إشارَة ٌ إلى االهتمام ِ بأمورِ الدُّنيا والرُّكون ِ‬ ‫وقولهُ ‪‬‬
‫إليها ‪ ،‬وَعَدم ِ االهتمام ِ بالشريعَةِ وأحكامها ‪.‬‬

‫‪ (( :‬ورَضيتُم بالزَِّرع )) ‪.‬‬ ‫ومِثُلُهُ قولُه ‪‬‬


‫وقولهُ ‪ (( : ‬وترَكتُم الجهادَ )) ؛ هو ثمَرَةُ الخلودِ إلى الدُّنيا ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ :‬‬
‫هلل اثـَِّا َقلْتُم‬
‫يا أيُّها الَِّذينَ آمَنوا ما لَ ُكمْ إذا قيلَ لَكُم انْفِرُوا في سَبيل ِ ا ِ‬
‫ع الحيَا ِة الدُّنيا‬
‫إلى األرض ِ أرَضيتُم بالحَيَا ِة الدُّنيا مِن اآلخِ َر ِة فما مَتا ُ‬
‫( ‪. ) 37‬‬ ‫في اآلخِ َر ِة إال قَليلٌ ‪‬‬
‫وقولهُ ‪ ... (( : ‬سَلَِّط اهللُ عليكُم ذ ً‬
‫ال ال يَنزِعُهُ عنكُم حتى تـَراجعوا إلى دينكُم )) ؛ فيه‬

‫إشارَة ٌ صريحة ٌ إلى أنَّ الدَّين الذي يَجبُ الرُّجو ُ إليه هو الذي ذكَرَهُ اهللُ عَز وجلَّ‬

‫ج في كتابي (( سلسلة األحاديث الصَّحيحة )) ( رقم ‪. ) 11 :‬‬


‫‪ 32‬ـ وهو مُخرَّ ٌ‬
‫‪ 39‬ـ التوبة ‪. 37 :‬‬

‫‪23‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]24‬‬
‫في أكثرِ مِن آيَةٍ كريمةٍ ‪ ،‬كمثل ِ قولهِ سُبحانَهُ ‪  :‬اليَو َم أكمَل ُ‬
‫ت لَكُم دينَكم‬
‫( ‪. ) 38‬‬ ‫ت ل ُك ُم اإلسال َم ديناً ‪‬‬
‫ت عَلَيكُم نِعمَتي وَ َرضِ ُ‬
‫وأتْمَمْ ُ‬
‫وفي تعليق اإلمام مالكٍ المشهورِ على هذه اآليَةِ ما يُبَيَِّنُ المُرادَ ‪ ،‬حيثُ قال ـ رحمه‬
‫اهلل ـ ‪ (( :‬وما لم يَكُن يَومئذٍ ديناً فال يَكونُ اليَومَ ديناً ‪ ،‬وال يصُلحُ آخِرُ هذه األمَّة إال‬
‫صلَحَ به أوَّلُها )) ‪.‬‬
‫بما َ‬

‫ال ُغلُوُّ في ( فقه الواقع ) ‪:‬‬ ‫◄‬


‫وأمَِّا هؤالء الدُّعا ُة الذين يُدنَدِنونَ اليَومَ حولَ (( فقه الواقع )) ‪ ،‬ويُفَخِّمونَ أمرَهُ ‪،‬‬
‫ويَرفَعونَ شأنَهُ ـ وهذا حقٌ في األصل ِ ـ ‪ ،‬فإنَِّهم يُغالونَ فيه ؛ حيث يَفهَمونَ‬
‫ويُفهِّمونَ ـ ربَِّما مِن غـَيرِ قـَصْدٍ ـ أنَِّهُ يَجبُ على كلِّ عالم ٍ بَل على كلِّ طالبِ علم ٍ‬
‫أن يَكونَ عارفاً بهذا الفقهِ !!‬
‫مَع أنَِّ كثيراً مِن هؤالء ِ الدُّعاةِ يَعلمونَ جيِّداً أنَِّ هذا الدِّينَ الذي ارتـَضاهُ ربُّنا عَزَِّ‬
‫وجَلَِّ في أمَِّةِ اإلسالم قـَد تغَيَِّرَت مفاهيمُهُ قـَديم الزَِّمان ِ حتى فيما يَتلَِّقُ بالعَقيدةِ ‪،‬‬
‫فـَنَجِدُ أناساً كثيرين جدَِّاً يَشهَدونَ أن (( ال إله إال اهلل )) ‪ ،‬وَيقومون بسائر األركان ‪،‬‬
‫بل قـَد يَتعبَِّدونَ بنوا ِفلَ مِن العِبادات ‪ ،‬كقيام ِ اللَِّيل ‪ ،‬والصَِّدقات ‪ ،‬ونَحو ذلك ‪ ،‬ولكَِّنهُم‬

‫‪. ) 39 (‬‬ ‫انْحَرَفوا عَن مثلِ قوله تعالى ‪  :‬فاعْلَم أنَِّهُ ال إل َه إال اهللُ‬
‫واقعُ ( الدُّعاة ) مع (( فقه الواقع )) ‪:‬‬ ‫◄‬
‫ونَحنُ نعلمُ أنَِّ كثيراً مِن أولئك ( الدُّعاةِ ) يُشارِكونَنا في مِعرِفةِ س َببَ سوء ِ الواقع‬
‫الذي يَعيشهُ المُسلمون اليَومَ جَذريًَِّا ؛ أال وهو بُعدُهُم عَن الفهم الصَِّحيح ِ لإلسالم ِ‬
‫فيما يَجبُ على كلِّ فـَردٍ ‪ ،‬وليسَ فيما يَجبُ على بَعض ِ األفرادِ فقط ‪ ،‬فالواجبُ ‪:‬‬
‫تـَصحيحُ العَقيد ِة ‪ ،‬وتـَصحيحُ العبادَةِ ‪ ،‬وتـَصحيحُ السُّلوكِ ‪.‬‬
‫أينَ مِن هذه األمَِّة مَن قامَ بهذا الواجب العَينيِّ وليسَ الواجبَ الكِفائيَِّ ؟؟ إذ الواجبُ‬
‫الكِفائيُّ يأتي بَعدَ الواجب العَينيِّ ‪ ،‬وليسَ قبلَهُ !‬

‫‪ 37‬ـ آل عمران ‪. 17 :‬‬


‫‪ 37‬ـ مُحمَّد ‪. 17 :‬‬

‫‪24‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]21‬‬
‫اإلسالميةِ إلى العنايَة‬
‫َّ‬ ‫األمةِ‬
‫الخاصةِ مِن َّ‬
‫َّ‬ ‫ولذلكَ ‪ :‬فإنَّ االنشغالَ واالهتمامَ بدَعوَةِ‬
‫َينياً عَلى‬
‫بواجبٍ كِفائيِّ أال وهو (( فقه الواقع )) ‪ ،‬وتقليلَ االهتمام بالفقهِ الواجب ع َّ‬
‫( ‪) 40‬‬
‫ت إليه ‪ :‬هو إفراط ٌ وتضييعٌ‬
‫كل مُسلم ـ وهو (( فقهُ الكتاب والسُّنَّة )) ـ بما أشر ُ‬
‫ِّ‬
‫لمَا يَجبُ وُجوباً مُؤكداً على كُلِّ فر ٍد مِن أفرادٍ األمَّة المُسل َمةِ ‪ ،‬وغـُلوٌّ في رَفع شأن ِ‬
‫ِفائياً ! ‪.‬‬
‫أمر ٍ ال يَعدو كَو َن ُه ـ على حَقيقتهِ ـ واجباً ك َّ‬

‫◄ القولُ الوَسَط ُ الحقُّ في (( فقه الواقع )) ‪:‬‬

‫‪ ) 41 (‬؛ ففقهُ‬ ‫فاألمرُ ـ إذاً ـ كما قال اهلل تعالى ‪  :‬وَكَذل َ‬


‫ك جَعَلناكُم أمَِّة ً وَسَطا ً‬
‫الواقع بمَعناهُ الشرعيِّ الصَّحيح هو واجبٌ بال شكّ ‪ ،‬ولكنْ وجوباً كِفائيَِّا ً ‪ ،‬إذا قا َم به‬
‫بَعضُ العُلماء ِ سَقطَ عَن سائرِ العُلماء ِ ‪ ،‬فضال ً عَن طالّبِ العلم ِ ‪ ،‬فضال ً عَن‬
‫عامَِّةِ المُسلمين !‬
‫فلذلك يَجبُ االعتدالُ بدعوة المُسلمين إلى مَعرفِة (( فقه الواقع )) ‪ ،‬وَعَدمُ إغراقهم‬
‫ب ـ دائماً وأبَدًا ـ الدَِّندَنَة ُ‬
‫بأخبارِ السِّياسة ‪ ،‬وَتـَحليالتِ مُفكِّري الغـَرب‪ ،‬وإنَّما الواج ُ‬
‫ق به مِن شوائبَ ‪ ،‬ثم تربَية ُ المُسلمين ‪ :‬جماعاتٍ‬
‫حولَ تـَصفية اإلسالم ِ مِمَِّا عَلَ َ‬
‫وأفرادًا ‪ ،‬على هذا اإلسالم المُصَفَِّى ‪ ،‬وَرَبطُهُم بـِمَنهَج ِ الدَِّعوةِ األصيل ‪:‬‬
‫الكتاب والسُّنَِّة بفـَهم سَلَف األمَِّة ‪.‬‬

‫وجوبُ المحبَّة والوالء ‪:‬‬ ‫◄‬


‫ومِن الواجب على العُلماء ِ ـ أيضاً ـ وعلى مُختلفِ اختصاصاتهـِم ـ فضال ً عَن بَقيَِّة‬

‫األمَِّة ـ أن يَكونوا مُمْتثِلين قولَ نَبيِّهم ‪ (( : ‬مَثلُ المُؤمنين في تـَوَادِّهم ِ وتراحُمِهم‬

‫كمَثل ِ الجَسَدِ الواحدِ ‪. ) 42 ()) ...‬‬


‫وال يَتحقَِّقُ هذاالمَثلُ النَِّبويُّ العظيمُ بمعناه الرَِّائع الجميل ِ إال بتعاوُن ِ العُلماء ِ َمعَ‬
‫أفرا ِد المُجتمع ‪ ،‬تـَعليما ً وتـَعلُّما ً ‪ ،‬دَعوة ً وَتـَطبيقا ً ‪.‬‬

‫‪ 42‬ـ أنظر ما سبَق ( ص ‪. ) 14‬‬


‫‪ 41‬ـ البقرة ‪. 143 :‬‬
‫‪ 42‬ـ مُخرَّج في (( الصيحة )) ( ‪. ) 1273‬‬

‫‪21‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]22‬‬
‫فيَتعاوَنُ ـ إذاً ـ مَن عَرَفوا فِقهَ الشرع ِ بأدلَِّتِهِ وأحكامِهِ ‪ ،‬مَعَ مَن عَرفوا فقهَ الواقع‬
‫بصورَ ِتهِ الصَّحيحة التـَّطبيقيَّة ال النَّظرية ‪ ،‬فأولئكَ يَمُدُّونَ هؤالء بما عندَهمُ مِن علم‬
‫وَفِقهٍ ‪ ،‬وهؤالء يُوِقفونَ أولئكَ على ما تـَبيّنَ لهم لِيَحذروا وَيُحذّروا ‪.‬‬
‫ومِن هذا التـَِّعاوُن الصَِّادِق بينَ العُلماء ِ والدُّعاةِ على تـَنوُّع اختصاصاتِهـِم ‪ ،‬يُمكنُ‬
‫تـَحقيقُ ما يَنشدُهُ كُلُّ مسلم ٍ غـَيور ٍ ‪.‬‬

‫خـَطَرُ الطَّعن بالعُلماء ِ ‪:‬‬ ‫◄‬


‫أمَِّا الطَِّعنُ في بَعض ِ العُلماء ِ أو طُالّب العلم ِ ‪ ،‬وَ َنبْزُهمُ بجهل فقهِ الواقع ‪ ،‬وَرَميُهم‬
‫بما يُستـَحيى مِن إيرادهِ ‪ :‬فهذا خَطَأ وَغـَلطٌ ظاهرٌ ال يَجوزُ استمرارُهُ ألنَِّهُ مِن‬
‫التباغُض ِ الذي جاءَت األحاديثُ الكثيرةُ لِتـَنهى المُسلمينَ عنه ‪ ،‬بَل لِتـَأمُرَهمُ بضِدِّهِ‬
‫مِن التَّحابِّ والتَّالفي والتَّعاوُن ِ ‪.‬‬

‫كيف نُعا ِلجُ األخطاءَ ؟‬ ‫◄‬


‫وأمَِّا الواجبُ على أيِّ مُسلم ٍ رأى أمراً أخطَأ فيه أحَدُ العُلماء ِ أو ( الدُّعاةِ ) ‪ :‬فهو أن‬
‫يَقـَومَ بتـَذكيرِهِ ‪ ،‬وَنُصحِهِ ‪:‬‬
‫فإن كان الخَطَأ في مكان ٍ مَحصور ٍ ‪ :‬كان التـَِّنبيهُ في ذلك المكان نَفسهِ دونَ إعالن ٍ‬
‫أو إشهار ٍ ‪ ،‬وبالّتي هي أحسَنُ للّتي هي أقوَمُ ‪.‬‬
‫وإن كانَ الخَطأ مُعلَناً مَشهوراً ‪ ،‬فال بَأسَ مِن التـَِّنبيهِ والبيان ِ لهذا الخَطأ ‪ ،‬وعلى‬

‫ك بِالحِكْمَةِ‬ ‫طريقةِ اإلعالن ‪ ،‬ولكن كما قال اهللُ تعالى ‪  :‬ادْ ُ‬


‫ع إلى سَبيل ِ ر َِّب َ‬
‫‪. ) 43 (‬‬ ‫ن‬
‫عظَةِ الحَسَنةِ وَجادِلهُم بالَِّتي هيَ أحْسَ ُ‬
‫والمَو ِ‬
‫ومِن المهمِّ بيا ُنهُ أنَّ التَّخطئة المُشارَ إليها هنا ليسَت التَّخطئةَ المبنيَّة َ على حماسةِ‬
‫طفِهم ‪ ،‬دونَما علم أو بيِّنةٍ ‪ ،‬ال ؛ وإنَِّما المُرادُ ‪ :‬التـَِّخطئة ُ القائمة ُ على‬
‫الشباب وعَوا ِ‬
‫الحُجَِّةِ والبيان ‪ ،‬والدَِّليل ِ والبُرهان ( ‪. ) 44‬‬

‫‪ 43‬ـ النَّحل ‪. 121 :‬‬


‫‪ 44‬ـ فَـلْيُتاْمَّل هذا الكال ُم َولْيُتـَدَبَّر ‪ ( .‬علي ) ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]29‬‬
‫وهذه التَِّخطئة ُ ـ بهذه الصُّورة اللَِّيِّنَةِ الحكيمَة ـ ال تـَكونُ إال بينَ العُلماء ِ المُخِلصينَ‬
‫وطُالَِّبِ العلم النَِّاصحين ؛ الذين همُ في علمهم ودَعوتهم على كلمةٍ سواء ‪ ،‬مَبنيَِّةٍ‬
‫سلَف األمَة ‪.‬‬
‫على الكتاب والسُّنَِّة ؛ وعلى نَهج َ‬
‫أما إذا كان مَن يُرادُ تـَخطِئتُهُ مِن المُنحَرفينَ عَن هذا المَنهج الرَِّبَِّاني فله ـ حينئذٍ ـ‬
‫مُعامَلة ٌ خاصَِّة ٌ ‪ ،‬وأسلوبٌ خاصٌّ يَليقُ بـِقـَدْرِ انحِرافِهِ وَبُعدِهِ عَن جادَِّةِ الحَقَِّ‬
‫والصَِّواب ‪.‬‬

‫◄ خَطَرُ ( السِّياسَة ) المُعاصرَة ‪:‬‬

‫وال بُدَِّ ـ أخيراً ـ مِن تـَعريفِ المُسلمينَ بأمرٍ مُهمِّ جدَِّاً في هذا الباب ‪ ،‬فأقولُ ‪:‬‬
‫يَجبُ أالّ يَدفـَعَنا الرَِّضا بفقه الواقع ـ بصورتهِ الشرعيَِّةِ ـ ‪ ،‬أو االنشغالُ به ‪ ،‬إلى‬
‫ولوج ِ أبوابِ السيِّاسةِ المُعاصرةِ الظَّالم ِ أهلُها ‪ ،‬مُغتَرِّينَ بكلمات السَِّاسةِ ‪ ،‬مُرَدِّدين‬
‫ألساليبهم ‪ ،‬غارقين بطرائقهم ‪.‬‬
‫))‬ ‫وإنَِّما الواجبُ هو السَِّيرُ على السِّياسة الشرعيَِّةِ ‪ ،‬أالَ وهي (( رعاية ُ شؤون ِ األمَّة‬
‫‪ ،‬وال تـَكونُ هذه الرِّعاية ُ إالّ في ضوء ِ الكتابِ والسُّنَِّة ‪ ،‬وعلى مَنهج ِ السَِّلف‬
‫الصَِّالح ‪ ،‬وبـِيدِ أولي األمر ِ مَن العُلماء ِ العاملينَ ‪ ،‬واألمراء ِ العادلينَ ‪ ،‬فإنَِّ اهللَ‬
‫يَ َزعُ بالسُّلطان ِ ما ال يَ َزعُ بالقـُرآن ِ ( ‪. ) 45‬‬
‫أمَِّا تلك السَِّياسة ُ الغَربيَِّة ُ التي تـَفتحُ أبوابَها ‪ ،‬وَتـَغُرُّ أصحابَها ‪ :‬فال دينَ لها ‪ ،‬وسائرُ‬
‫من انساقَ خـَلفها ؛ أو غرقَ بـِبَحرِها ‪ :‬أصابهُ بأسُها ‪ ،‬وضَرَبهُ جَحيمُها ؛ ألنَِّهُ انشغَل‬
‫بالفرع ِ قبلَ األصل ِ ! ورَحمَ اهللُ مَن قال ‪ (( :‬مَن تَـعَجَِّلَ الشيْءَ قـَبلَ أوانهِ ‪:‬‬
‫عُوقِبَ بـِحرْما ِنهِ )) ‪.‬‬
‫واهللُ المُوَفِّق للسداد ‪.‬‬
‫وآخِرُ دَعوانا أن ِ الحَمْدُ هللِ رَبِّ العالَمين ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الد ّر المَنثور )) ( ‪. ) 77 / 4‬‬


‫‪ 41‬ـ انظر (( ُّ‬

‫‪29‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]27‬‬

‫س الكتابُ‬
‫فِهر ُ‬

‫تـَقديم ‪1 .....................................................................‬‬
‫مقدِّمة المؤلِّف ‪41 ............................................................‬‬
‫فقه الواقع ‪46 .................................................................‬‬
‫واقع المُسلمين ‪46 ............................................................‬‬
‫معرفة الحقِّ بالردِّ ‪41 ........................................................‬‬
‫مسألة (( فقه الواقع )) ‪41 ......................................................‬‬
‫أهمِّيَِّة معرفة الواقع ‪41 .......................................................‬‬
‫من أنواع (( الفقه )) الواجبة ‪41 ...............................................‬‬

‫‪27‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]27‬‬
‫نريدُ ( المنهج ) ال مُجرَِّد الكالم ‪41 ..........................................‬‬
‫االنقسام حول (( فقه الواقع )) ‪43 ..............................................‬‬
‫الكمالُ عزيزٌ ؛ فالواجب التَِّعاوُن ‪43 .........................................‬‬
‫خطأ ( العلم ) ال يُسقِطُهُ ‪41 ....................................................‬‬
‫خطأ ( الجَهل ) بالواقع ‪41 .....................................................‬‬
‫التَِّأكيد على وجوب التَِّعاوُن ‪42 ...............................................‬‬
‫الغُلُوُّ فيما البُدَِّ منه ‪49 .........................................................‬‬
‫اليُنكَرُ ( فقه الواقع ) ‪49 ........................................................‬‬
‫بينَ العُلماء والحكَِّام ‪12 .......................................................‬‬
‫عِلَِّة ُ ذُل المُسلمين ‪12 .........................................................‬‬
‫مِن أغالط بعض ( الدُّعاة ) ‪12 ................................................‬‬
‫التَِّصفية والتَِّربية ‪14 ...........................................................‬‬
‫اإلسالمُ الصَِّحيح ‪11 ........................................................‬‬
‫كيف يأتي نَصر اهلل ؟ ‪11 ...................................................‬‬
‫سبَب ( مرض ) المُسلمين ‪11 ................................................‬‬
‫الغُلُوُّ في ( فقه الواقع ) ‪11 ....................................................‬‬
‫واقع ( الدُّعاة ) مع (( فقه الواقع )) ‪11 .........................................‬‬
‫القول الوَسط الحقُّ في (( فقه الواقع )) ‪11 ....................................‬‬
‫وجوب المحبَِّة والوالء ‪11 ....................................................‬‬
‫خَطَرُ الطَِّعن بالعُلماء ‪13 ......................................................‬‬
‫كيف نعالج األخطاء؟ ‪13 ......................................................‬‬
‫خَطر ( السَِّياسة ) المُعاصرة ‪11 ..............................................‬‬
‫فهرس الكتاب ‪12 ..............................................................‬و‪. 19‬‬

‫‪‬‬
‫‪27‬‬
‫للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني‬
‫سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ‬ ‫[‪]32‬‬

‫‪32‬‬

You might also like