Professional Documents
Culture Documents
1
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []2
الناشر
دار الجاللين للنشر والتوزيع
السعودية ـ الرياض
( )1
تــقـديم
إنِّ الحَمدَ هلل نَحمدُهُ ونَستعينُهُ و نَسَتغفرُهُ ،ونَعوُذ باهللِ مِن شرور ِأنفُسنا ،ومِن
سيِّئاتِ أعمالنا ،مَن يَهدِهِ اهللُ فال مُضَِِّل لهُ ،ومَن يُضِلل فال هاديَ لهُ .
ن ال إلهُ إال اهلل وَحدَهُ ال شريكَ لهُ .
وأشهَدُ أ ْ
وأشهَدُ أنَِّ مُحمداً عَبدُهُ ورسوُلهُ .
أمَِّا بَعد :
فإنَِّ مِن أهمِّ قواعِدِ العلم ِ والعَمَل ِ والتَِّربية ِ قولَ رَبِّنا سُبحانَهُ :وَال تقْفُ ما لَيسَ
ك بهِ عِلمٌ إنَِّ السَِّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئكَ كانَ عَنهُ مَسؤوالً ) 2 ( ؛ إذِ اآليَةُ
لَ َ
2
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []3
تُبَيِّنُ أصلَ المَوقِفِ الشرعيِّ الصَِّحيح ِ للمُسلم فيما يَسمَعُ ،أو يُبصِرُ ،وأنَِّ ذلك كُلَِّهُ ـ
بِنَتائجِهِ ـ قائمٌ على العلم ،دونَما سِواه ...
ومعنى اآلية (( :ال تتبع ما ال علم لك به ،فال يكن منك اتباع بالقول ،أو الفعل ،أو
بالقلب ،لما ال تعلم ،فنهانا عن أن نعتقد إال عن علم ،أو أن نفعل إال عن علم ،أو
نقول إال عن علم .
فما كل ما نسمعه ،وما كل ما نراه نطوي عليه عقد قلوبنا ،بل علينا أن ننظر فيه
،ونفكر ،فإذا عرفناه عن بينة اعتقدناه ،وإال تركناه حيث هو ؛ في دائرة
الشكوك واألوهام ،أو الظنون التي ال تعتبر )) ( . ) 3
وخالصة مراد اآلية الكريمة الوصاة بأن (( :ال تقل للناس وفيهم ؛ ما ال علم لك بهم
،فترميهم بالباطل ،وتشهد عليهم بغير الحق )) ( . ) 4
وما أجمل قول اإلمام القدوة بكر بن عبد اهلل المزني رحمه اهلل (( :إياك من الكالم ما
إن أصبت فيه لم تؤجر ،وإن أخطأت تؤزر ؛ وذلك سوء الظن بأخيك )) ( . ) 5
أقول :
ما أحرى المسلمين ـ اليوم ـ وهم يهيئون أنفسهم ألمر عظيم عظيم ،أن يتأملوا هذه
المعاني الشريفة ،وأن يعملواً في عقولهم وقلوبهم أحكامها أمراً ونهياً ،علماً وعمالً
،ال أن تكون مجرد كلمات يتغنون بها ،وألفاظ يكررونها ؛ دونما تطبيق وداع ،
ومن غير تنفيذ لحقوقها وواجباتها !
وتطبيقاً لهذه القاعدة القرآنية الهامة ،و (( فقهاً للواقع )) الذي يعيشهُ المسلمون بعامةٍ
،و ( الدعاة ِ ) بخاصةٍ :ال بد من ذكر صور ( واقعية ) عشناها وعايشناها ؛ تُبَيِّنُ
مَدى التَِّناقُض ِ السحيق بين أمر القرآن وتنفيذ اإلنسان ،حتى نجتنبها في نفوسنا ،
ونحذر منها إخواننا وأصحاب الحقوق علينا ،فأقول :
3
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []4
كثيراً ما نسمع من ( الدعاة ) أو ( الشباب ) من يقول ويردد ... :العلمُ ...حُسنُ الظن
...التأني ...األخوة ...الخضوع للحق ...البعد عن التعصب ...الوالء للمؤمنين
) ...استماع النصيحة ...قبول الدليل ...ولكن ...وعند أول امتحان ( فعلي عملي
تعرف به ـ حقاً ـ تلكم األقوال ،وتقاس به ـ صدقاً ـ هاتيك الدعاوى ؛ ترى انقالب
المفاهيم ...وتغير الموازين :
فالعلم ينقلب جهال ً ...
وحسن الظن ينقلب تهمة ...
والتأني ينقلب تهوراً ...
واألخوة تنقلب ضداً ...
والخضوع للحق ينقلب رفضاً ...
والبعد عن التعصب ينقلب غلواءً ...
والوالء للمؤمنين ينقلب عداء ...
واستماع النصيحة ينقلب إباءً ...
وقبول الدليل ينقلب تقليداً ...
...كيف ذلك ! وقد مألوا الدنيا وشغلوا الناس !!
...كيف ذلك ! وهم يدعون الحرص ،واالمتثال ،واللين في األقوال واألعمال !!
...سبحان اهلل ! كل ذلك يكون ...من غير حجة تذكر ...ومن غير دليل يبين أو
يشهر ...
والناظر في ( واقع ) المسلمين اليوم ـ بل منذ ألف يوم ـ يرى أن ( الكثيرين ) منهم
بعيدون البعد كله عن ادعاءاتهم ،ومنحرفون االنحراف جميعه عن مزاعمهم !
ومما ( يتناسب ) مع هذه الرسالة وموضوعها ذكر أمثلة من هذا ( الواقع ) المرير ؛
مع أنها أكثر من أن تحصى ،وأوسع من أن تحصر :
( فنرى شاياً ـ مثال ً ـ أو شباباً ،يناقشهم( ( ) 6طالب علم ) في مسألةٍ ( فكريةٍ ) أو
دعويةٍ ) ...فإذا وافق النقاشُ ما ( لقنوه ) ...وطابق ما ( عايشوه ) ..وجاء ملبياً
4
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []1
لرغبات ما ( ألفوه ) واعتادوه :كان عندهم ( مناقشهم ) األخ المقدم الخالص صادق
الود ...
وإن خالف قولك مضمون فكرهم ،أو نواحي من رأيهم ...قذفوك بزبدٍ من القول
السوء ...ورموْك عن قوس واحدة بتهم بها العصبة أولو القوة تنوء !! بل تراهم
يتناقلونها ـ من غير ثبت ـ بكل هدوء !!!
ومثل آخر ( واقعي ) أيضاً :
أن من يوضع ـ من ( الدعاة ) أو غيهم ـ في بعض األذهان على أنه قدوة ،وأسوة ،
ومثل يحتذى به ،ويؤخذ قوله ؛ يصبح في عقول ذوي الحماسة ،ويضحي في
نفوس ذوي العواطف الجارفة :عالمة بنفسه على الحق ...ودليال ًبمحض كالمه
على الصواب ...
وهذا انحراف عظيم بال ارتياب ...
يقولون ـ بلسان قالهم أو حالهم ـ :نحن ( نقدر ) ( الدعاة ) ...وأولئك المقتدى بهم !!
فال تقربوهم ...وإياكم من الرد عليهم أو نقدهم !!
وهذا عجب ...فهل ثمة بشر فوق النقد والرد ،خال األنبياء صلوات اهلل عليهم
وسالمه .
) ولو أبدل ( بعض ) من هؤالء ـ لمرارة واقعهم ـ راء ( تقديرهم ) المزعوم ( سِيناً
لكان هو الوصف الحري بهم ،والموافق لحالهم ...
إذ مجرد الرد على واحد منهم ...ولو بكالم لطيف ...غير عنيف ...وهو ـ عند
هؤالء ـ جرم مشهود ...وفعل باطل غير معهود !
وأدنى إشارة ...ولو برقيق العبارة ...يعدونها من التعدي الصريح ...والتصرف
القبيح ...
ويصاحب هذه األفعال الفاسدة ...النابعة من العصبيات الكاسدة :موجات تلو
موجات من اتهام البرءاء ،والتحذير من األصفياء ،بل ومقاطعة األنقياء األتقياء
!!
أقول :
1
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []2
هذه شريحة لجانب من ( الواقع ) القاتم الذي يعيشه ـ دون شعور ـ عدد من الشباب
البريء ،العاطفي المحب لدين اهلل سبحانه وتعالى ...يجب أن يعرفوها بأضدادها
...ويفهموها بحقائقها ؛ لتهذيب نفوسهم ،وإصالح فعالهم ،حتى يكون ارتباطهم
بالحق وللحق !
وما نشأت تلك السوالب فيهم ( وترعرعت ) إال بسبب قلة العلم ،والنظر في اتجاهٍ
واحد !!
لقد جهل هؤالء اإلخوة األحبابُ األوفياءُ ـ أو تجاهلوا ـ أن الرد ال يلزم منه التنقيص
واالزدراء ....وال يرافقه المقت أو شديد الألواء والبالء ...ال من الراد أثناء رده ،
وال ( فيه ) نتيجة رده !!
رام كشفاً لقذى لم ينجل ِ ثم من ناظر أو جادل أو
()7
عرضه مرمى سهام المنصل ِ قدحوا في دينه واتخذوا
وبيانُ حقيقةِ هذا المنهج ِ العلمي المتين في الرد وقبوله ،واالستجابة إليه ،قائم على
أصلين :
األول :أن الواجب على المسلم أن يكون عنده (( االستعداد الدائم لتجاوز األخطاء ،
وتصحيحها ...وهذا ال يتم إال في جو من الفرح والغبطة بالنقد الصحيح ،وترك
أسلوب التزكية المطلقة لألقوال واألعمال واألشخاص والجماعات ،والسعي الدائم
لتعديل المناهج والمسالك ،على وفق الحق الذي تقتضيه شريعة اهلل ،ويدل عليه
النص من القرآن والسنة )) ( . ) 8
2
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []9
الثاني (( :األمر والنهي ضرورة بشرية ؛ فكل إنسان على وجه األرض ال بد له
من أمر ونهي ،والبد أن يؤمر وينهى ؛ حتى لو أنه وحده ؛ لكان يأمر نفسه
وينهاها :إما بمعروف ،وإما بمنكر )) ( . ) 9
فال أحد يعلو عن النقد ...وال أحد يستعلي على الحق ...
وهذا هو المنهج اإليماني الحق ،الذي يجب أن يكون ساري النور بين اإلخوة
األوفياء ،وظاهر الضياء في عقولهم وقلوبهم ؛ (( أما المنافقون ؛ فهم مجتمعون ال
على موحدٍ ،وال على منهج واضح ٍ ،بل على التخبط و التقليد األعمى ،واالِّتبا
لألشخاص ،بحيث تذوب شخصيات بعضهم في بعض وتنمحي ،فال تآمر بينهم
بمعروف ٍ ،وال تناهي بينهم عن منكر ،وال تناصح في اهلل )) ( . ) 10
وهذا كله ؛ دقه وجله :مما ال نرضاهُ من قريب أو من بعيد ،ألخ ـ أو إخوةٍ ـ
تجمعنا وإياهم دائرة عموم اإلسالم ،فضال ًعن حلقة خُصوص ِ عقيدة أهل السنة
والجماعة ...
ثم لو نظرنا إلى أنفسنا ـ أو إخواننا ـ بين راد ومردود عليه :نرى أن كل راد منهم
هنا فهو مردود عليه هناك ،وأن المردود عليه هناك هو نفسه راد على غيره هنا !!
( فلماذا ( يعامل ) هذا بما ال يعامل به ( ذاك ) ؟! ولماذا ( يتعامل ) مع هذا هكذا ،وال
يتعامل ) بمثله مع ( ذاك ) ؟!
أم أن ( الفرق ) ناتج عن (( الحزبية الضيقة التي فرقت المسلمين شيعاً )) ( ) 11؟! ولو
كانت حزبية نفسية !
حالل للطير من كل جنس ِ ! أحرام على بالبله الدوحُ
وأمرُ الرد والنقد طبيعي جدًا عند كل منصف يعرف ( الحق ) بجالله ...ال برجاله
(( ...إذ هو تطبيق عملي لتلك القاعدة ِ المشرقة المنيرة التي نرددها ...ويرددونها :
)) ( . ) 12 ليس أحد بعد النبي ، إال ويؤخذ ُ مِن قوله ويتر ُك ،إال النبي
9
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []7
(
وأما ما توهمه ـ أو أوهمه ـ ( البعضُ ) من أن في هذا الرد أو ذاك النقد قدحاً وغيبة
! ) 13فقد تكفل بنقض هذه الشبهة وكشف وهائها شيخُ اإلسالم ابنُ تيمية ـ في
(( الفتاوى )) ( ) 163 / 12ـ ،يرحمه اهلل ،حيثُ قال في معرض مناقشتهِ
لمشروعية الرد والنقد :
] (( :الغيبة ُ ذكرك أخاكَ بما يكرهُ )) ؛ فإن (( وليس هذا البابُ مُخالفاً لقوله [
األخَ هو المُؤمنُ ،واألخُ المُؤمنُ إن كانَ صادقاً في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا
الحق الذي يُحبه اهلل ورسولهُ ـ وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويهِ ـ ،بل عليه أن
يقوم بالقسطِ ،ويكون شاهداً هلل ولو على نفسه أو والديه أو قربيه ،ومتى كره هذا
الحق كان ناقصاً في إيمانه ،ينقص من أخوته بقدر ما نقص من إيمانه ،فلم يعتبر
كراهته من الجهة التي نقص منها إيمانه ؛ إذ كراهته لما ال يحبه اهلل ورسوله توجب
تقديم محبة اهلل ورسوله ،كما قال اهلل تعالى :واهلل ورسوله أحق أن
( . )) ) 14 يرضوه
وهذه الرسالة ـ أخي القارئُ الحبيبُ ـ تأتي هذه األيام لتعريف الناس بحقائق غائبة
عنهم ،انشغلوا بسواها عنها ،وانصرفوا بغيرها إلى ما هو أدون منها !! ويتضحُ
ذلك بجالءٍ في ثالثة أصولٍ مهمة ٍ :
األول :معرفة حقيقة (( فقه الواقع )) ،ومدى الحاجة إليه في ( واقعنا ) المُعاصر ،
سلباً وإيجاباً ،وكيف يُتعامل معه ؟ وكيف نستفيد منه ؟
والثاني :بيان للمنهج الواجب اتباع ُه من العُلماء ،والشباب ،و ( الدعاة ) ؛ أال وهو
منهج التصفية والتربية ،المبني على العلم بالكتاب والسنة وعلى منهج سلف األمة
،والعمل باألحكام المترتبة على ذلك ،والقائم على التأني وعدم التعجل ،والمؤسسُ
على صدق األخوة ،والبعد عن الحزبية المقيتة والعصبية القاتلة !
7
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []7
الثالث :أهمية الرد والنقد ،وبيان أنه أمر سائغ بل مطلوب ،ولكن بالتي هي أحسن
( للتي هي أقوم !! إذ (( الواجبُ على أي مسلم رأى أمراً أخطأ فيه أحدُ العلماء أو
) الدعاة
:أن يقوم بتذكيره ونصحه )) ( ، ) 15دونما نكيرٍ على الراد كائنًا من كان !! فيُؤخذ
منه ( الحق ) ،ويترك ما خالفه ،إذ الحق يعرف ( بدالئله ) ال بمجرد قائله ! وال
يكون ذلك إال (( بالتجرد هلل ـ جل وعال ـ ،والسالمة من الهوى ،والتحري في
المنهج )) ( . ) 16
وأما عكس ذلك ؛ فهو (( عادة ضعفاء العقول ؛ يعرفون الحق بالرجال ،ال الرجال
بالحق )) ( . ) 17
ورحم اهلل شيخ اإلسالم ابن تيمية القائل( : ) 18
المؤمن للمؤمن كاليدين ؛ تغسل إحداهما األخرى ،وقد ال ينقلع الوسخ إال بنوع ((
)) من الخشونة ؛ لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ،ما نحمد معه ذلك التخشين
وال بد لي من كلمة يقتضيها هذا المقام ؛ لصلتها بمسألةٍ ( واقعيةٍ ) من مسائل الدعوة
إلى اهلل ،فأقولُ :
قد كتبتُ في الشهور ِ األخيرةِ رسالتين ( ) 19في فقه الدعوة ِ( ) 20ـ أحسبهما ـ مُهمتين
غاية ـ وهما ال تخرجان في إطارهما العام عما سيأتي من كالم شيخنا ـ :
إحداهما :في تأصيل (( فقه الواقع )) ،وبيان مهمات متعلقة ٍ به .
والثانية :في مُقارنةِ بَعض (( المناهج الدعوية )) المُعاصرة ،بمنهج السلف ،
وبأصالتهِ ،وعُمق ِ مفاهيمه .
7
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []12
ولقد شرق ( البعض ) وغرب ...وأبعد ( ظنونه ) وقرب ...مُدعين دعاوى بعيدة ...
ال رشيدة وال سَديدة !!
ولستُ أريدُ الدفاع عَن نَفسي ،أو الذب عَمَِّا كتبتُ ،أو إيرادَ المَواقف ِ اإليجابَِّية ِ
مِن رساَلتَيَِّ أكتَفي ( هُنا ) أن أقول :
تاهللِ ...ما كَتَبتُ الذي كتبُهُ ـ مِمَِّا أش َكلَ على البَعض ِ ( واستعظَموهُ ) ـ إال تنبيهاً
وتحذيراً :
تنبيهاً :ألحبةٍ في اهللِ أخشى عليهم مِن تكرر أغالطٍ عِظام جُرَِّ إليها ( اآلخرون ) ،
( صلَ مَعَهم ـ جميعاً ـ ما
وأوقِع فيها ( السَِّابقونَ ) ،وأغرقً بها ( الماضون ) ...وَحَ َ
الكل ) به عارفون ...و (( السعيدُ مَن وُعِظَ بَغيرهِ ))( ) 21أيها المُؤمنون !!
وتحذيراً من ( استِدراج ماكرٍ ) ـ ال يُخرَجُ منه بِمُجرَِّد رسالةٍ شخصَِّيةٍ ،أو نَصيحةٍ
ذاتيةٍ ،أو مُكالمَةٍ هاتفيةٍ ـ ؛ نُساقُ إليه دونَ أن نَشعُرَ ،لِنَذوقَ مَرارَت ُه وقساوتهُ من
غير أن ندري ...
فليكن هذا عذراً لي فيما ظن أنه خشونة أو شدة ،فاألمرُ عظيم ...والخط ُر جسيم !!
هلل واجد ـ فربي يعلمُ ما في نفسي ،
...فإن لم أجد من يَعذُرُني ـ وال بد إن شاء ا ُ
ومُطلع بما في خبيئةِ فُؤادي ...
هم إخواننا ...وأحبابنا ...فلهم حق علينا ،ولنا حق عليهم ...فال تضيق صدور ...
وال تطيش ظنون ...
...و القلب مفتوح للنصح ...واألذن تنتظر اإلرشاد ...واهللُ الموفق للسداد )) .
12
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []11
فإن أبى ( البعضُ ) إال الكالم ...وأصر على قذف ( السهام ) فإني أعزي نفسي ومن
هو ( مثلي ) بقول من قال في قديم الزمان :
بظهور قيل في األنام ِ وقال اعمل لنفسكَ صـالحًا ال تحتفـل
ال بد من مثن علـيك وقـالي فالخلق ال يرجى اجتماع قلوبهم
وأما أولئك المتربصون ..الذين يتصيدون في الماء العكر ،بوضع الحق في غير
نصابه ،واستغاللهِ في غير بابه ـ كالعلمانيِّينَ وأذنابِ السَِّاسَةِ الماكرينَ ـ ،فهم أقل
مِن أن يُحَتفى بهم أو يُشارَ إليهم !! لِدَنيءِ مقاصِدهم ِ ،وَخبيثِ مآرِبهـِم !!
فال يجعلنا مكرهم ودهاؤهم نعرض عن قاعدة التواصي بالحق والتواصي بالصبر ،
ضمن دائرة األخوة الصادقة والعقيدة الصافية ،ولو صاحبها أحياناً ـ لمقتضى مهم ـ
نوع حدةٍ أو شدةٍ ! لكنها بين إخوةِ العقيدة (( حدةُ الوَدودِ ...وشدةُ الحبيبِ ))( . ) 24
فنحنُ ـ وهللُ الحَمدُ ـ في تطبيقنا لقاعَدةِ النقدِ الصريح ِ (( ال نتعصبُ ألحدٍ دون اآلخرِ
هلل بقدْرِ عَمَلهم وإخالصهم لهذا
؛ ألننا نعتقدُ أن الجميعَ إخواُننا ،ونحنُ نُحُّبهُم في ا ِ
الدين وفِقههم ؛ وعندما ننقد مسلكاً لبعضهم فال يعني هذا أننا نتهصب ضد ُه ،أو
نُؤث ُر عليهِ غَير ُه ،أو نكر ُههُ ..معاذ اهللِ ؛ بل نفعلُ ذلك ألنَِّ هذا هو حقُّ األخ علينا
،إذا رأيناهُ في حاجةٍ إلى النُّصح ِ والتسديدِ ،ولوال أننا نحبُّ لهُ الخيرَ والصوابَ
( ) 25
)) والفالحَ لَمَا نَصَحناهُ ،واهللُ عَزَِّ وجلَِّ يَشهدُ ،وهو وَحدهُ العليمُ بما في الصُّدورِ
(( ،والخالف في الرأي ال يجوز أن يكون مصدر لجاجةٍ أو غضبٍ ))( . ) 26
وواهللِ إن أقل واح ٍد من إخوانِنا ( الدُّعاةِ ) أو طُالِّبِ العلم ِ ،فضال ً عن مشايخنا من
العلماءِ ـ على ما قد يقع بينهم من اختالفٍ أو خالفٍ ـ لهو أغلى عندنا من دنيا أولئك
المتهوكين وما فيها !!
ث في األرض ِ
فأمَِّا الزَِّ َبدُ فيَذهَبُ جُفاءً وَأمَِّا ما يَنف ُع النَِّاسَ فيَمكُ ُ
11
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []12
...فإلى رسالةِ شيخِنا ؛ لننْ َهلَ من واسِع ِ علمِهِ ،ونستفَيدَ من عُمق ِ تَجربتهِ ،وننتفعَ
بثاقبِ نظرِهِ .واهللُ المُستعان .
وكتبهُ :أبو الحارث الحلبي األثري ـ يوم االثنين /1ذي القعدة 1111 /هـ .
الحمدُ هلل ربِّ العالَمين ،والصالة ُ والسالمُ على سَيِّدِ المُرسَلين ،وعلى آلِهِ وصحبهِ
أجمعين .
أما بعد :
)) فهذه رسالة ضمنتها جواباً على سؤال وَرَدَ إلَيَِّ حولَ ما يُسمى بـ (( فقه ِ الواقع
وحُكمهِ ،ومَدى حاجةِ المُسلمينَ إليهِ ،مَعَ بيان ِ صورَتِهِ الشرعيَِّةِ الصَِّحيحة .
جلٌ في مَجلس ٍ من المَجالس ِ العلميَِّة التي يَجتمعُ فيها
وأصلُ هذه الرِّسالةِ جوابٌ مُرت َ
ـ وهلل الحَمد ـ عَددٌ مِن الشبابِ المُسلم ِ الحَريص ِ على طلبِ العلم ِ الصَِّحيح ِ ؛
المُستقى مِن الكتابِ والسُّـنَِّة ،وعلى منهَج ِ السَّلَفِ الصَّالح ،صَفوَةِ األُمَِّة .
ثمَِّ قامَ أحَدُ اإلخوَةِ ـ جزاهُ اهللُ خيراً ـ بنسخ ِ كالمي الوارِد في شريط التَِّسجيل ،
وعَرَضهُ عَلَيَِّ ،فعَدَِّلتُهُ ،وَزِدتُ عليه ،وَنقَِّحُتهُ ،بما يَتناسَبُ مع نشْرِهِ ؛ لِتعُمَِّ به
الفائدَةُ ،ويَزدا َد به النَِّفعُ ـ إن شاءَ اهللُ ـ .
وقَـَد قامَ أخونا الفاضلُ (( علي بن حَسَن )) ـ وَفـَِّقـَهُ اهللُ لِمَراضيهِ ـ بَتهيئـَةِ هذه الرِّسالةِ
للنَِّشرِ ،وإعدادِها للطَِّبع( ، ) 27ثم نَسَخَها ـ بَعدُ ـ بِيَدِهِ ،وَضَبَط نَصَِّها ،وَقَدَِّمَ لها ؛
فَجَزاهُ اهللُ خَيراً .
ق عليها ،وأقرَّها
29ـ وبع َد تنضيدِ الرِّسال ِة ـ بمُقدِّمتها ـ وتصحيحها ،عَرَضتُها على شيخنا فوا َف َ
هلل خيرًا ( .علي ) . مَشكورًا ،فجزاهُ ا ُ
12
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []13
فاهللَ أسألُ أن يَنفَعَ بهذه الرِّسالةِ المُختَصرةِ قارئيها ،وأن يُفيدَ بها طالبيها ،إنَِّهُ سميعٌ
مُجيبٌ .
وكتبه :محمد ناصر الدين األلباني ــ عَمَّان 12 :شوَّال 1111هـ .
إنَِّ الحَمدَ هلل نَحمَدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُهُ ،ونَعوذُ باهللِ مِن شرورِ أنفُسنا ومِن سيِّئاتِ
أعمالِنا ،مَن يَهدِهِ اهللُ فال مُضلَِّ لهُ ،ومَن يُضِلل فال هادِيَ لهُ .
وأشهَدُ أن ال إلهَ إال اهللُ وَحدَهُ ال شريكَ لهُ .
وأشهَدُ أنَِّ مُحمَِّداً عَبدُهُ ورسولُهُ .
أمَِّا بَعد :
يقولُ (( :يُوشِكُ األُمَمُ أن تـَداعى عَليكُم ،كما تـَداعى فإنَِّ رَسولَ اهللِ مُحمَِّداً
األكَلَةُ إلى قَصْعَتِها )) .
فقال قائلٌ :ومِن قِلَِّةٍ نَحنُ يَومَئذٍ ؟
قال (( :بَل أنتُم يَومَئذٍ كثيرٌ ،ولكنَِّكُم غُثاءٌ كَغُثاء ِ السَِّيل ،وَلَيَنْزَعَنَِّ اهللُ من صُدورِ
عَدُوِّكُم المَهابَةَ منكُم ،وَلَيَقْذفَنَِّ اهللُ في قُلوِبكُم الوَهَن )) .
فقال قائلٌ :يا رَسولَ اهللِ ! وما الوَهَنُ ؟
قال (( :حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ المَوت ))( . ) 28
قـَد تـَجلَِّى هذا الحَديثُ النَِّبويُّ الشريفُ بأقوى مظاهرِ ِه وأجلى صُوَرِهِ ،في الفتنةِ
العظي َمةِ التي ضَرَبَت المُسلمين ؛ فَفَرَِّقـَتْ كلمَتـَهُم ،وَشـَتـَِّتـَتْ ( صُفوفَـَهُم ) .
13
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []14
وَلـَقـَد أصابَ طـَرَفٌ مِن هذه الفتنةِ القاسيةِ جَذْرَ قـُلوبِ عَددٍ كبيرٍ مِن الدُّعاةِ وَطـَلـَ َبةِ
العلم ِ ،فانقـَسَموا ـ ولألسَف الشديدٍ ـ على أنفُسهم ،فصارَ بَعضُهُم ( يَتـَكلـَِّمُ ) في
بَعض ٍ ،والبَعضُ ( اآلخَرُ ) ينقـُدُ الباقين ،ويَرُدُّ عليهم ...وهكذا ...
ولـَقـُد أثيرَت أثناءَ تلك الفتنةِ العَمياء ِ الصمَِّاء ِ البَكماء ِ مسائلُ شَتَِّى ؛ فِقهيَِّة ً ،
ومَنهَجيَِّة ً ،ودَعَويَِّة ً ،وكان لنا ـ حينَها ـ أجوبة ٌ علمَِّية ٌ عليها بِحَمد اهلل سبحانهُ
ومِنَِّتِه .
) ومِن المَسائل التي أعقَبَت تلك الفتنة َ ،وكَثُرَ الخَوضُ فيها :ما اصْطَلحَ ( البَعضُ
على تَسميِتِه بـ (( فقه الواقع )) !!
وأنا ال أخاِلفُ في صورَةِ هذا العلم ِ الذي ابتَدعوا لهُ هذا االسمَ ،أال وهو (( فقه
الواقع )) ؛ ألنَِّ كثيراً مِن العُلَماءِ قـَد نَصُّوا على أنَِّه يَنَبغي على مَن يَتَوَلونَ تَوجيهَ
األمَِّةِ وَوضعَ األجوبَةِ لِحَلِّ مشاكلهم :أن يَكونوا عالمينَ وعارفينَ بِواقِعِهِم ؛ لذلك
كان مِن مَشهورِ كلماِتهِم (( :الحُكمُ على الشيءِ فَر ٌ عَن تَصَوُّرهِ )) ،وال يَتَحقَِّق
ذلك إال بمَعرفَةِ ( الواقِع ) المُحيطِ بالمسألَةِ المُرادِ بَحثُها ؛ وهذا مِن قَواعدِ الفُتيا
بِخاصَِّةٍ ،وأصول ِ العلم ِ بعامَِّةٍ .
14
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []11
فَفِقهُ الواقع ـ إذاً ـ هو الوقوفُ على ما يَهُمُّ المُسلمين مِمَِّا يَتَعلَِّقُ بشؤوِنهِم ،أو كيدِ
َرياً( ، ) 29أو انشغاالً
واقعياً ،ال كالماً نَظ َّ
َّ أعدائِهم ؛ لتحذيرِهم ،والنُّهوض ِ بهم ،
بأخبارِ الكُفَِّارِ وأنبائهم ...أو إغراقاً بِتحليالِتهِم وأفكارِهم ِ !!
فمَعرفةُ الواقع ِ للوُصول ِ به إلى حُكم ِ الشر ِ واجبٌ مهم مِن الواجباتِ التي يَجبُ
أن يَقومَ بها طائفة ٌ مُختصَِّة ٌ مِن طالَِّب ِ العلم ِ المُسلمينَ النُّبَهاء ِ ،كأيِّ علم مِن
العلوم ِ الشرعيَِّةِ ،أو االجتماعيَِّةِ ،أو االقتصاديَِّةِ ،أو العَسكريَِّةِ ،أو أيِّ علم ٍ يَنفعُ
األمَِّة َ اإلسالميَِّة َ ويُدنيها مِن مَدارج ِ العَودَةِ إلى عِزِّها ومَجدِها وَسُؤْدُدِها ،
وَبـِخاصَِّةٍ إذا ما تـَطَوَِّرَت هذه العلومُ بتـَطوُّرِ األزِمنَةِ واألمكنَةِ .
وَمِمَِّا يَجبُ التَِّنبيهُ عليه في هذا المَقام ِ أنَِّ أنواعَ الفقهِ المَطلوبَة َ مِن جُملـَةِ المُسلمين
ليسَت فـَقـَط ذلك الفقهَ المَذهَبيَِّ الذي يَعرفونَهُ ويتلقـَِّنونَهُ ،أو هذا (( الفقهَ )) الذي تـَنـَبَِّه
إليه ونَبَِّهَ عليه بعضُ شبابِ الدُّعاةِ ! حيثُ إنَِّ أنواعَ الفقهِ الواجبِ على المُسلمين
القيامُ بها ـ ولو كِفائيَِّاً عل األقلّ ـ أكبرُ مِن ذلك كلـِّه ،وأوسَعُ دائرَة ً منهُ ؛ فَمِن ذلك
مَثال ً (( :فقه الكتاب )) ،و (( فقه السُّنـَِّة )) ،و (( فقه اللُّغَة )) ،و (( فقه السُّنن الكَونيَِّة
)) ،و (( فقه الخالف )) ،ونَحو ذلك مِمَِّا يُشبهُهُ .
وهذه األنواعُ مِن الفقه ـ بـِعُمومِها ـ ال تـَقِلُّ أهميَِّة ً عَن نَوعي الفقهِ المُشارِ إليهما
قـَبلُ ،سواءٌ منها الفقهُ المَعروفُ ،أم (( فقهُ الواقع ِ )) الذي نَحنُ بـِصدَدِ إيضاح ِ
القَول فيه .
وَمَع ذلك كُلـِّه ؛ فإنَِّنا ال نَرى مَن يُنَبِّهُ على أنواع ِ الفقهِ هذه ،أو يُشيرُ إليها !
وَبخاصَِّةٍ (( فقه الكتاب والسنة )) الذي هو رَأسُ هذه األنواع ِ وأسُّها ،هذا الفقهُ الذي
11
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []12
لو قال أحدٌ بوجوبهِ عَينيَِّا ً لـَما أبعَدَ ؛ لِعَظيم ِ حاجَةِ المُسلمين إليه ،وشديدِ لُزومِهِ لهم
؛ وبالرُّغم ِ من ذلك :
فإنَِّنا ال نَسمَعُ مَن يُدَندِنُ حَولَهُ ،وَيُقَعِّدُ مَنهَجَهُ ،ويشغلُ الشبابَ ب ِه ،وَيُربيهم عليه !
12
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []19
الكمالُ عزيزٌ ؛ فالواجبُ التـَّعاوُنُ : ◄
وَنَحنُ ال نَتـَصوَِّرُ وجودَ إنسان ٍ كاملٍ بكُلِّ مَعنى هذه الكلمةِ ،أي :أن يَكونَ عالماً
بكُلِّ هذه العلوم التي أشرتُ إليها ،وَسَبَقَ الكالمُ عليها .
فالواجبُ إذاً :تـَعاوُنُ هؤالء ِ الذين تـَفَرَِّغوا لِمَعرفـَةِ واقع ِ األُمةِ اإلسالمَِّيةِ وما
يُحاكُ ضِدَِّها ،مَعَ عُلماء ِ الكتابِ والسُّنَِّ ِة وعلى نَهج ِ سَلفِ األُمَِّةِ ،فأولئكَ يُقدَِّمونَ
تـَصوُّراتِهم وأفكارَهم ِ ،وهؤالء يُبيِّنونَ فيها حُكمَ اهللِ سبحا َنهُ ،القائمَ على الدِّليل ِ
ُجةِ النيِّرَةِ .
الصَّحيح ِ ،والح َّ
أمَِّا أن يُصبحَ المُتـَكلِّمُ في (( فقه الواقع )) في أذهان ِ سامعيهِ واحدًا من العُلماء ِ
والمُفتينَ ،ال لِشيءٍ إال ألنَِّه تكلَِّمَ بهذا (( الفقهِ )) المشار إليه ،فهذا ما ال يُحكَمُ له
بوج ٍه من الصَّوابِ ؛ إذ يُتـَِّخَذُ كالمُهُ تُكَأة ً تُرَدُّ بها فتاوى العُلماء ،وتُنْقَضُ فيه
اجتهاداتهُم وأحكامُهُم .
طهُ :
سقِ ُ ◄ خَ َ
طأُ ( العالِم ِ ) ال يُ ْ
وِمن المُهمِّ بيانُهُ في هذا المَقام ِ أنهُ قـَد يُخطئُ عالِمٌ ما في حُكمِهِ على مسألةٍ مُعَيَِّنةٍ
مِن تلك المسائل ِ الواقعيَِّةِ ،وهذا أمرٌ ( حَدَث ) وَيَحدُثُ ،ولكنْ ...هل هذا يُسقِطُ هذا
العالمَ أو ذاكَ ،وَيَجعلُ المُخالفينَ له يَصِفُونَهُ بكلماتِ ناب َيةٍ ال يَجوزَ إيرادُها عليه ،
س فقيهَ واقع ٍ !!!
كأنْ يُقالُ مثال ً ـ وقـَد قيل ـ :هذا فقيهُ شرْع ٍ ولي َ
فهذهِ قِسمَة ٌ تُخالفُ الشرع َ والواقع !
فكالمُهُم المُشارُ إليه كُلُّه كأنَِّهُ يوجـِبُ على عُلماء ِ الكتابِ والسُّنَِّةِ أن يَكونوا ـ أيضاً ـ
عارفينَ باالقتصادِ واالجتماع ِ والسِّياسةِ والنُّظُم العَسكريَِّةِ وطُرُق استعمال ِ األسلحةِ
الحَديثةِ ،ونَحوِ هذا وذاك !!
ولستُ أظُنُّ أنَِّ هناكَ أنساناً عاقال ً يَتصوَِّر اجتماع َ هذه العلوم والمَعارِف كلَِّها في
صَدرِ إنسان ٍ ،مهما كان عالماً أو ( كامال ً ) .
19
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []17
وقـَد سَمِعنا أيضاً عَن أناس ٍ يقولونَ (( :ما يَهُمُّنا نَحنُ أن نَعرِفَ هذا الواقع )) ! فهذا
ـ إن وَقـَعَ ـ خطاُ أيضاً .
فالعَدلُ أن يُقال :ال بُدَِّ في كلِّ علم ٍ من العلوم ِ أن يَكونَ هناك عارفونَ به
مُتخَصِّصونَ فيه ،يتعاوَنونَ فيما بَينهُم تعاوُناً إسالميَّا ً أخويَّا ً صادقا ً ،ال حزبَّية َ
فيه وال عَصبَيَّة ،لِيُحقِّقوا مصلَحة َ األمَِّةِ اإلسالميَِّ ِة ،وَإقامَة َ ما يَنشدُهُ كلُّ مُسلم ٍ مِن
إيجادِ المُجتمع اإلسالميّ ،وتطبيق ِ شرع ِ اهللِ في أرضِهِ .
س من
فكلُّ تلكَ العلوم ِ واجبَة ٌ وجوباً كِفائيَِّاً على مَجموع ِ عُلماء ِ المُسلمين ،ولي َ
الواجبِ في شيءٍ أن يَجمَعها فـَر ٌد واحدٌ ،فضال ً عن استحالةٍ ذلك واقعاً !
فـَمثال ً :ال يَجوزُ للطبيبِ أن يُسَوِّغ َ ـ أحياناً ـ القيامَ بعَمليَِّةٍ جراحيَِّةٍ مُعيَِّنَةٍ إال إذا
،وعلى مَنهج ِ استعانَ برأي العالم الفقيهِ بكتابِ اهلل سبحانَهُ ،وبسُنَِّةِ رسول اهلل
السَِّلفِ الصالح ِ ،إذ مِن الصَِّعبِ ـ إن لم نَقل :من المُستحيل ـ أن يَكونَ الطَِّبيبُ
المُتمَكِّنُ في علمِهِ عارفاً ـ أيضاً ـ بالكتابِ والسُّنَِّة ،مُتمَكِّناً من فِقههما ،وَمَعرفة
أحكامِهما .
لذلكَ ؛ ال بُدَِّ مِن التَِّعاوُن ِ ،عَمَال ً بقول ِ رَبَِّ العالمين في كتابهِ الكريم ِ :
، ) 30 ( وَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَِّقوى وَال تَعَاوَنوا عَلى اإلثمِ وَالعُدوان ِ
ُمةِ اإلسالميَّةِ .
ق المَصالحُ المَرجُوَّةُ لأل َّ
َق ُ
وبذلك تتح َّ
وهذه الَمسأل ُة من البَداهَةِ بِمَكان ٍ ،فإنَِّ المُسل َم ال يَكادُ يَتصَوَِّرُ عالماً فقيهاً في الكتابِ
(( والسُّنَِّة ،ثم هو مَع ذلك طَبيبٌ خِرِّيتٌ ،ثم هو مَع ذلك يعرفُ ـ كما يقولونَ اليَومَ ـ
فقه الواقع )) !! إذ بقدْر اشتغالهِ بهذا العلم ِ يَنشغِلُ عَن ذاكَ العلم ِ ،وَبِقدْرِ اهتمامهِ
بذاكَ العلم ِ يَنصَرِفُ عَن هذا العلم ...وهكذا ...
17
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []17
وال يَكونُ الكمَالُ ـ كما ذكَرتُ آنِفاً ـ إال بتعاوُن ِ هؤالء ِ جميعاً كلٌّ في اخِتصاصهِ ـ
مَع اآلخَرين ،وبذلك ـ وبه فقط ـ تتحقَِّقُ المَقاصِدُ الشرعيَّة ُ لكُلِّ المُسلمين ،وَيَنْجونَ
من الخُسران ِ المُبين ،كما قال ربُّ العالمين :وَالعَصْ ِر إنَِّ اإلنسانَ لَفي
صوْا
صوْا بِالحَقِّ وتَوا َ
الصاِلحاتِ وَتَوا َ
خُسْ ٍر إالَِّ الَِّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا َِّ
. بِالصَِّبر
◄ ال ُغلُوُّ فيما البُدَّ منه :
لكنَِّ الذي الحَظناهُ ونُالحظُهُ أنَِّ للعَواطِفِ الحماسيَِّةِ الجامحَةِ التي ال حُدودَ لها :
آثاراً سلبيَِّة ً مُتعَدِّدَة ً ،منها ال ُغلُوُّ فيما ال بُدَّ منه ،إذ الواجبُ الذي ال بُدَِّ منه يُقسَم
إلى قسمين :
األوَّل :الفَرضُ العَينيُّ ،وهذا يَجبُ على كلِّ مُسلم .
الثَّاني :الفرضُ الكِفائيُ ،وهو ما إذا قا َم به البَعضُ سَقطَ عَن الباقين .
فال يَجوزُ أن نَجعَل الفَرضَ الكِفائيَِّ كالفَرض ِ العَينيِّ ،مُتساويَيْن ِ في الحُكم ِ .
ن بفقه
ولو أنَِّنا قُلنا ـ تنَزُّال ً ـ :يَجبُ على طُالَِّبِ العلم ِ الصَِّاعِدينَ أن يَكونوا عارِفي َ
الواقع ،فال يُمكنُ أن نُطِلقَ هذا الكالمَ في عُلماء ِ المُسلمين الكبار ،فَضالً عَن أن
ب مَعرفةِ الواقِع ِ ،وما يَترَتَِّبُ على هذه المَعرِفَةِ مِن فقهٍ
ُالبَ العلم ِ بوجو ِ
نُلزمَ ط َّ
يُعطي لكُلِّ حالةٍ حُكْمَها .
17
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []22
الشوائب التي عَلَقت بهِ ،ومبنيَِّة ً على قاعدةِ التربَيةِ على اإلسالم المُصَفَِّى ،كما
وال بُدَِّ هُنا مِن بيان ِ أمرٍ مهمٍّ جدَِّاً يَغفلُ عنه الكثيرون ،فأقولُ :ليسَت عِلَِّة ُ بقاء ِ
المُسلمين فيما هم عليه مِن الذُّلِّ واستعبادِ الكُفَِّارِ ـ حتى اليَهود ـ لبَعض ِ الدُّوَل
اإلسالميَِّة ،هي جهلَ الكثيرين مِن أهل ِ العلم ِ بفق ِه الواقع ،أو عَدمَ الوقوفِ على
مُخَطَِّطاتِ الكُفارِ وَمُؤامراتِهم ،كما يُتوهمُّ !
31ـ فهم للمُسلمينَ ـ جماعاتٍ وأفرادًا ـ ضيا ُء السبَّيل ِ ومنارُ الطريق ِ ؛ وعلى نهجهم يَسيرون .
(علي ) .
32ـ الشورى . 47 :
22
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []21
ولذلك فأنا أرى أنَِّ االهتمامَ بفقه الواقع اهتمامًا زائداً بحَيث يكونُ منهجاً
للدُّعاةِ والشبابِ ُ ،يرَبُّونَ وَيَتَربَِّونَ عليه ،ظانَِّينَ َِّأنهُ سبيلُ النَِّجِاةِ :خَطأُ
ظا ِهرٌ وَغََلطٌ واضحٌ !
واألمرُ الذي ال يَختِلَفُ فيه مِن الفُقهاء ِ اثنان ،وال يَنتطحُ فيه عَنزان :أنَِّ العلَِّةَ
األساسيَِّة للذُّلِّ الذي حَطَِّ في المُسلمين رِحاَلهُ :
أوَّالً :جَهلُ المُسلمين باإلسالم الذي أنزَلَهُ ا ُ
هلل على قَلبِ نبيَِّنا عليه الصَِّالةُ والسَِّالم .
وثانياً :أنَِّ كثيراً مِن المُسلمين الذين يَعرفونَ أحكامَ اإلسالم ِ في بَعض ِ شؤوِنهم ال
يَعملونَ بها .
فإذاً :مِفتاحُ عَودَةِ مَجـِد اإلسالم ِ :تَطبيقُ العلم ِ النَّافِع ِ ،والقيامُ بال َعمَل
الصَّالح ِ ،وهو أمرٌ جليلٌ ال يُمِكنُ للمُسلمين أن يَصِلوا إليه إال بإعمال ِ مَنهج ِ
التَّصفيةِ والتَّربَيةِ ،وهُما واجبان ِ مُهمَِّان ِ عَظيمان ِ( : ) 33
وأرَدتُ باألوَّل ِ منهما أموراً :
األوَّل :تصفيَة ُ العَقيدةِ اإلسالميَِّة مِمَِّا هو غـَريبٌ عنها ،كالشركِ ،وجَحُدِ الصَِّفاتِ
اإللهيَِّة ،وتأويلها ،وردّ األحاديث الصَِّحيحةِ لتعلُّقها بالعَقيدة وَنحوِها .
الثَّاني :تصفيَة ُ الفقهِ اإلسالميِّ مِن االجتهاداتِ الخاطئةِ المُخالِفةِ للكتابِ والسُّنَِّة ،
وتحريرُ العقول مِن آصارِ التَِّقليد ،وظُلمات التعصُّب .
الثَّالث :تصفية ُ كتب التفسيرِ ،والفقهِ ،والرَِّقائق ِ ،وغيرها مِن األحاديث
الضَِّعيفة والمَوضوعَة ،واإلسرائيليَِّات والمنُكَرات .
21
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []22
وأمَّا الواجبُ اآلخرُ :فأري ُد بهِ تربَية َ الجيل ِ النَِّاشئ على هذا اإلسالم ِ المُصفَِّى مِن
كلِّ ما ذكَرنا ؛ تربية ً إسالمية ً صحيحة ً منذ نُعومَةِ أظفارِ ِه ،دونَ أيِّ تأثرٍ بالتربَِّيةِ
الغربَِّيةِ الكافِرَةِ .
ومِمَِّا ال رَيبَ فيه أنَِّ تحقيقَ هذين الواجبَين يَتطّلَِّبُ جُهوداً جبَِّارة ً مُخلصَة ً بينَ
حقاً إقامَة ُ المُجتمع ِ اإلسالميِّ
المُسلمين كاَِّفة ً :جماعاتٍ وأفراداً ؛ من الذين يَهُمُّهُم َّ
المَنشودِ ،كل ٌّ في مَجالهِ واختِصاصِهِ .
فال بُدَِّ ـ إذاّ ـ مِن أن يُعنى العُلماءُ العارِفونَ بأحكام ِ اإلسالم ِ الصَِّحيح بَدَعوَةِ
المُسلمين إلى هذا اإلسالم الصَِّحيح ،وتفهيمهم إيَِّا ُه ثم تربيتهم عليهِ ،كمل ما قال اهللُ
تعالى :وَلك ْ
ن كُونوا رَبَِّانيَِّين بـِما كُنْ ُت ْم تُعَلَِّمونَ الكِتابَ وبما كُنْتُم
. ) 34 ( َتدْرُسونَ
هذا هو الحلُّ الوحَيدُ الذي جاءَت به نُصوصُ الكتابِ والسُّنَِّة ،كما في قوله تـَعالى :
فـَمِن المُتـَِّفـَق عليه دونَ خِالفٍ ـ وهلل الحَمد ـ بين المُسلمين أنَِّ مَعنى إ ْ
ن
،أي :إنْ عملتُم بما أمَرَكُم به :نصَرَكُم اهللُ على أعدائكُم . تَنْصرُوا اهللَ
ومِن أهمِّ النُّصوص ِ المُؤيِّدَةِ لهذا المَعنى مِمَِّا يُناسِبُ واقعَنا الذي نعيشُه تماماً ،حيثُ
وَصْفُ الدَِّواء ِ والعالج ِ معاً ؛ قولهُ (( : إذا تبايَعتُم بالعِينَة ،وَأخَذتُم أذنابَ البَقـَر
22
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []23
،وَرَضيتُم بالزَِّرع ،وَتركُتم الجهادَ ،سَلَِّطَ اهللُ عليكُم ُذالً ال يَنزعُهُ عَنكُم حتى
ترجِعوا إلى دينكُم ))( . ) 36
فإذاً :ليسَ مَرَضُ المُسلمين اليَومَ هو جهلَهُم بعلم مُعَيَِّن ٍ ،أقولُ هذا مُعترفاً بأنَِّ كلَِّ
علم يَنفعُ المُسلمين فهو واجبٌ بقدْرهِ ،ولكن ليسَ سَ َببُ الذلَِّ الذي لَحِقَ بالمُسلمين
جَهلَهُم بهذا الفقه المُسَمَِّى اليَوم (( فقه الواقع )) ! وإنما العِلَّة ُ ـ كما جاءَ في هذا
وسُنَّة ً .
الحديث الصَِّحيح ـ هي إهماُلهُم ال َعمَل بأحكام ِ الدِّين ؛ كتاباً َ
(( :إذا تبايَعتُم بالعِينَة )) ؛ إشارة ٌ إلى نَوع ٍ مِن المُعامَالت الِّربَويَِّة ذات فقولُه
التحايُل على الشرع .
(( :وأخَذتُم أذنابَ البَقـَر )) ؛ إشارَة ٌ إلى االهتمام ِ بأمورِ الدُّنيا والرُّكون ِ وقولهُ
إليها ،وَعَدم ِ االهتمام ِ بالشريعَةِ وأحكامها .
إشارَة ٌ صريحة ٌ إلى أنَّ الدَّين الذي يَجبُ الرُّجو ُ إليه هو الذي ذكَرَهُ اهللُ عَز وجلَّ
23
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []24
في أكثرِ مِن آيَةٍ كريمةٍ ،كمثل ِ قولهِ سُبحانَهُ :اليَو َم أكمَل ُ
ت لَكُم دينَكم
( . ) 38 ت ل ُك ُم اإلسال َم ديناً
ت عَلَيكُم نِعمَتي وَ َرضِ ُ
وأتْمَمْ ُ
وفي تعليق اإلمام مالكٍ المشهورِ على هذه اآليَةِ ما يُبَيَِّنُ المُرادَ ،حيثُ قال ـ رحمه
اهلل ـ (( :وما لم يَكُن يَومئذٍ ديناً فال يَكونُ اليَومَ ديناً ،وال يصُلحُ آخِرُ هذه األمَّة إال
صلَحَ به أوَّلُها )) .
بما َ
. ) 39 ( انْحَرَفوا عَن مثلِ قوله تعالى :فاعْلَم أنَِّهُ ال إل َه إال اهللُ
واقعُ ( الدُّعاة ) مع (( فقه الواقع )) : ◄
ونَحنُ نعلمُ أنَِّ كثيراً مِن أولئك ( الدُّعاةِ ) يُشارِكونَنا في مِعرِفةِ س َببَ سوء ِ الواقع
الذي يَعيشهُ المُسلمون اليَومَ جَذريًَِّا ؛ أال وهو بُعدُهُم عَن الفهم الصَِّحيح ِ لإلسالم ِ
فيما يَجبُ على كلِّ فـَردٍ ،وليسَ فيما يَجبُ على بَعض ِ األفرادِ فقط ،فالواجبُ :
تـَصحيحُ العَقيد ِة ،وتـَصحيحُ العبادَةِ ،وتـَصحيحُ السُّلوكِ .
أينَ مِن هذه األمَِّة مَن قامَ بهذا الواجب العَينيِّ وليسَ الواجبَ الكِفائيَِّ ؟؟ إذ الواجبُ
الكِفائيُّ يأتي بَعدَ الواجب العَينيِّ ،وليسَ قبلَهُ !
24
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []21
اإلسالميةِ إلى العنايَة
َّ األمةِ
الخاصةِ مِن َّ
َّ ولذلكَ :فإنَّ االنشغالَ واالهتمامَ بدَعوَةِ
َينياً عَلى
بواجبٍ كِفائيِّ أال وهو (( فقه الواقع )) ،وتقليلَ االهتمام بالفقهِ الواجب ع َّ
( ) 40
ت إليه :هو إفراط ٌ وتضييعٌ
كل مُسلم ـ وهو (( فقهُ الكتاب والسُّنَّة )) ـ بما أشر ُ
ِّ
لمَا يَجبُ وُجوباً مُؤكداً على كُلِّ فر ٍد مِن أفرادٍ األمَّة المُسل َمةِ ،وغـُلوٌّ في رَفع شأن ِ
ِفائياً ! .
أمر ٍ ال يَعدو كَو َن ُه ـ على حَقيقتهِ ـ واجباً ك َّ
21
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []22
فيَتعاوَنُ ـ إذاً ـ مَن عَرَفوا فِقهَ الشرع ِ بأدلَِّتِهِ وأحكامِهِ ،مَعَ مَن عَرفوا فقهَ الواقع
بصورَ ِتهِ الصَّحيحة التـَّطبيقيَّة ال النَّظرية ،فأولئكَ يَمُدُّونَ هؤالء بما عندَهمُ مِن علم
وَفِقهٍ ،وهؤالء يُوِقفونَ أولئكَ على ما تـَبيّنَ لهم لِيَحذروا وَيُحذّروا .
ومِن هذا التـَِّعاوُن الصَِّادِق بينَ العُلماء ِ والدُّعاةِ على تـَنوُّع اختصاصاتِهـِم ،يُمكنُ
تـَحقيقُ ما يَنشدُهُ كُلُّ مسلم ٍ غـَيور ٍ .
22
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []29
وهذه التَِّخطئة ُ ـ بهذه الصُّورة اللَِّيِّنَةِ الحكيمَة ـ ال تـَكونُ إال بينَ العُلماء ِ المُخِلصينَ
وطُالَِّبِ العلم النَِّاصحين ؛ الذين همُ في علمهم ودَعوتهم على كلمةٍ سواء ،مَبنيَِّةٍ
سلَف األمَة .
على الكتاب والسُّنَِّة ؛ وعلى نَهج َ
أما إذا كان مَن يُرادُ تـَخطِئتُهُ مِن المُنحَرفينَ عَن هذا المَنهج الرَِّبَِّاني فله ـ حينئذٍ ـ
مُعامَلة ٌ خاصَِّة ٌ ،وأسلوبٌ خاصٌّ يَليقُ بـِقـَدْرِ انحِرافِهِ وَبُعدِهِ عَن جادَِّةِ الحَقَِّ
والصَِّواب .
وال بُدَِّ ـ أخيراً ـ مِن تـَعريفِ المُسلمينَ بأمرٍ مُهمِّ جدَِّاً في هذا الباب ،فأقولُ :
يَجبُ أالّ يَدفـَعَنا الرَِّضا بفقه الواقع ـ بصورتهِ الشرعيَِّةِ ـ ،أو االنشغالُ به ،إلى
ولوج ِ أبوابِ السيِّاسةِ المُعاصرةِ الظَّالم ِ أهلُها ،مُغتَرِّينَ بكلمات السَِّاسةِ ،مُرَدِّدين
ألساليبهم ،غارقين بطرائقهم .
)) وإنَِّما الواجبُ هو السَِّيرُ على السِّياسة الشرعيَِّةِ ،أالَ وهي (( رعاية ُ شؤون ِ األمَّة
،وال تـَكونُ هذه الرِّعاية ُ إالّ في ضوء ِ الكتابِ والسُّنَِّة ،وعلى مَنهج ِ السَِّلف
الصَِّالح ،وبـِيدِ أولي األمر ِ مَن العُلماء ِ العاملينَ ،واألمراء ِ العادلينَ ،فإنَِّ اهللَ
يَ َزعُ بالسُّلطان ِ ما ال يَ َزعُ بالقـُرآن ِ ( . ) 45
أمَِّا تلك السَِّياسة ُ الغَربيَِّة ُ التي تـَفتحُ أبوابَها ،وَتـَغُرُّ أصحابَها :فال دينَ لها ،وسائرُ
من انساقَ خـَلفها ؛ أو غرقَ بـِبَحرِها :أصابهُ بأسُها ،وضَرَبهُ جَحيمُها ؛ ألنَِّهُ انشغَل
بالفرع ِ قبلَ األصل ِ ! ورَحمَ اهللُ مَن قال (( :مَن تَـعَجَِّلَ الشيْءَ قـَبلَ أوانهِ :
عُوقِبَ بـِحرْما ِنهِ )) .
واهللُ المُوَفِّق للسداد .
وآخِرُ دَعوانا أن ِ الحَمْدُ هللِ رَبِّ العالَمين .
29
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []27
س الكتابُ
فِهر ُ
تـَقديم 1 .....................................................................
مقدِّمة المؤلِّف 41 ............................................................
فقه الواقع 46 .................................................................
واقع المُسلمين 46 ............................................................
معرفة الحقِّ بالردِّ 41 ........................................................
مسألة (( فقه الواقع )) 41 ......................................................
أهمِّيَِّة معرفة الواقع 41 .......................................................
من أنواع (( الفقه )) الواجبة 41 ...............................................
27
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []27
نريدُ ( المنهج ) ال مُجرَِّد الكالم 41 ..........................................
االنقسام حول (( فقه الواقع )) 43 ..............................................
الكمالُ عزيزٌ ؛ فالواجب التَِّعاوُن 43 .........................................
خطأ ( العلم ) ال يُسقِطُهُ 41 ....................................................
خطأ ( الجَهل ) بالواقع 41 .....................................................
التَِّأكيد على وجوب التَِّعاوُن 42 ...............................................
الغُلُوُّ فيما البُدَِّ منه 49 .........................................................
اليُنكَرُ ( فقه الواقع ) 49 ........................................................
بينَ العُلماء والحكَِّام 12 .......................................................
عِلَِّة ُ ذُل المُسلمين 12 .........................................................
مِن أغالط بعض ( الدُّعاة ) 12 ................................................
التَِّصفية والتَِّربية 14 ...........................................................
اإلسالمُ الصَِّحيح 11 ........................................................
كيف يأتي نَصر اهلل ؟ 11 ...................................................
سبَب ( مرض ) المُسلمين 11 ................................................
الغُلُوُّ في ( فقه الواقع ) 11 ....................................................
واقع ( الدُّعاة ) مع (( فقه الواقع )) 11 .........................................
القول الوَسط الحقُّ في (( فقه الواقع )) 11 ....................................
وجوب المحبَِّة والوالء 11 ....................................................
خَطَرُ الطَِّعن بالعُلماء 13 ......................................................
كيف نعالج األخطاء؟ 13 ......................................................
خَطر ( السَِّياسة ) المُعاصرة 11 ..............................................
فهرس الكتاب 12 ..............................................................و. 19
27
للعالمَةِ شيخ ِ اإلسالم األلباني
سُـؤالٌ و جـوابٌ حـولَ فقهِ الواقع ِ ِّ []32
32