Professional Documents
Culture Documents
معرفة حكم هللا في أفعال المكلفين أشرف علوم الشريعة وأجلها بعد علم االعتقاد ،فبه تصحيح األفعال
واألقوال بحسب أوامر هللا ،وهذا مقصد عظيم ومن أجله أنزل هللا الشرائع والرسل ليعلم الناس ما يحب هللا
ويرضاهمن قول أو فعل ،وقد ّنبه عليه كثير من األئمة.
وفي هذا يقول اإلمام ابن مفلح الحنبلي (ت 363ه) – رحمه هللا -في اآلداب الشرعية فيما ينقله
عن صاحب المحيط 1من الحنفية ( :أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة
الفقه واألحكام الفاصلة بين الحالل والح ارم) ،2وهذا الكالم يبين أهمية العلم بالفقه بين العلوم الشرعية.
ويذكر هذا المعنى اإلمام الغزالي (ت 505هـ) – رحمه هللا – في خطبة كتابه المستصفى فيقول:
(وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه الرأي 3والشرع ،وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل
فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل ،فال هو تصرف بمحض العقول بحيث ال يتلقاه الشرع
4
بالقبول وال هو مبني على محض التقليد الذي ال يشهد له العقل بالتأييد والتسديد)
كتاب المحيط البرهاني ،لمصنفه محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن مازة البخاري أبو المعالي. 1
اآلداب الشرعية والمنح المرعية ،ابن مفلح الحنبلي ،ج ، 2ص .00 2
إن لترك التفقه في دين هللا مخاطر وخيمة على الفرد المسلم والمجتمعات المؤمنة ،ألن الساحة
وّ
ستخلو ألنصاف المتعلمين ويفتوا الناس بالجهل ،وفيما رواه اإلمام أبي داود ( ت 235هـ) – رحمه
رج ًال
فأصاب ُ
َ سف ٍر،
خر ْجنا في َ هللا -في سننه من حديث جابر بن عبدهللا – رضي هللا عنهَ ( :-
ِّ
أصحابه فقال :هل تجدو َن لي ُر ْخص ًة في َ
التي ُّممِّ؟ فقالوا: َ احت َلم ،فسأَل فش َّجه في ر ِّأسهَّ ،
ثم َ حجٌرَ ، منا َ َّ
النبي صلَّى هللا عليه َّ
وسل َم ُ فلما ِّقد ْمنا على ِّ فاغتس َل فماتَّ ، َ
تقدر على ِّ
الماء. ِّ
أنت ُ لك ُر ْخص ًة و َ
نجُد َ ما ِّ
ّ
ال ،إنَّما كان َي ْكفيه ِّ َّ ِّ أ ِّ
فاء الع ِّّي السؤ ُبذلك ،فقالَ :قتلوهَ ،قتَلهم هللاَُ ،أال سألوا إذ لم َي ْعَلموا؛ فإنما ش ُ ُخب َر َ
جسِّده ،6).فيه داللة سائر َ
ِّ
يمس َح عليها ،ويغس َل َ ثم َ
صر أو ِّ
يعص َب على ُج ْرِّحه ِّخ ْرق ًةَّ ، ِّ
وي ْع َيتي َّم َم َ
أن َ ْ
واضحة على ضرر عدم تعلم الفقه وعدم سؤال أهل الفقه ومدى حاجتنا لهم ،والناس ثالثة كما يقول
اإلمام علي بن أبي طالب – رضي هللا عنه ( :-عالم رباني ،متعلم على طريق النجاة ،همج رعاء
7
أتباع لكل ناعق يميلون مع كل ريح ،لم يستضيئوا بنور العلم ،ولم يلجأوا إلى ركن وثيق).
سنن أبي داود ،حديث رقم ،336حكم األلباني بأنه حسن ما عدا قوله ( إنما كان يكفيه.) .... 6
العلم الذي سيدرسه ،ويكون هذا من خالل المبادئ العشرة التي نظمها العالّمة الصبان – رحمه هللا – في
أبيات ثالثة:
أ .الفهم مطلقاً ويقصد بكلمة مطلقاً فهم المسائل العامة الواضحة والمسائل الدقيقة الغامضة.
ب .الفهم خاص للمسائل الدقيقة وقالوا أن فهم المسائل الجلية ال يعد فقهاً.
والمعنى األول هو الذي ُيسعفه الدليل وهذا مثال -للتمثيل ال الحصر ومن أراد يرجع للمطوالت – قوله
تعالى ( :واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي) ،8ومعنى يفقهوا يفهموا ،وقولي نكرة تفيد العموم تشمل الفهم
الجلي والدقيق.
العلم :بمعنى اإلداراك للشيء إدراكاً جازماً أو بغلبة الظن ،فاإلدراك الجازم هو ما يتعلق بالمسائل
القطعية واإلدراك بغلبة الظن ما يتعلق بالمسائل الظنية ،وقد أدخلت المسائل الظنية في التعريف
ألنها أكثر مسائل علم الفقه.
الملكة
تذكر :تأتي كلمة العلم في التعريفات العلمية بثالثة معاني :قواعد ،اإلدراك َ ،
بعض العلماء يزيد في التعريف فيقول ( العلم باألحكام الشرعية العملية المتعلقة بأفعال المكلفين.).. 9
األحكام :جاء هذا التقيد ليخرج كالً من اإلدراكات األخرى ،وهي كالتالي:
.4إدراك لألحكام :واألحكام هنا بمعنى :إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه ( :زيد نشيط ،الربا محرم،
الصالة واجبة)
الشرعية :جاء هذا التقيد ليخرج كالً من األحكام األخرى ،وهي الكتالي:
العمليـة :فاألحكام الشرعية نوعان ( :اعتقادية ،عملية ) وجاء هذا التقيد ليخرج األحكام الشرعية
ّ
االعتقادية من تعريف علم الفقه.
من الدليل التفصيلي – ال بالتقليد : -وهذا قيد اهتم به الفقهاء المتقدمون بخالف المتأخرين فإن
المتقدمين ال يسمون من عرف األحكام بدون أدلتها فقيهاً وال يعدون فهمه فقها ،و ّ
أما المتأخرين فإنهم
فعدوا كل من عرف األحكام بدون أدلتها فقيهاً وهذا لطبيعة زمانهم التي تجوزوا في المسألة ووسعوا ّ
ّ
ٍ
جمود وتعصب للمذاهب – وهذا من سلبياتها – إالّ أن لها إيجابية مهمة ال بد تميزت بأنها عصور
من ذكرها وعدم إغفالها عند ذكر هذه العصور وهي كثرة التصانيف المرتبة والمختصرة فقد أخذوا
الفقه من المؤلفات الضخمة وفصلوا بين األقوال الفقهية واستدالالتها.
ويقصد باألدلة التفصيلية :نصوص الكتاب والسنة واإلجماعات واألقيسة وغيرها من أدلة التشريع
المختلف فيها ،فإن األصولي يدرس األدلة بطريقة إجمالية ،والفقيه يدرس األدلة التفصيلي من األدلة
اإلجمالية.
-فائدة :كلمة الفقه في االستعمال الشرعي القديم أريد بها العلوم الدينية عموماً ،وقد استعملت
الكلمة بمعناها العام في القرآن الكريم في قوله تعالى ( :ولوال نفر من كل فرق منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ،10 ) ..وفي الحديث الذي يرويه البخاري عن معاوية بن أبي سفيان قال:
سمعت رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم -يقول( :من يرد هللا به خي اًر يفقهه في الدين)،
وسمى أبو حنيفة النعمان كتابه في العقيدة الفقه األكبر.
ّ
والثمرة يقصد بها النتيجة المعجلة لدراسة هذا العلم ،وثمرة علم الفقه :هي الوصول إلى حكم هللا سبحانه
وتعالى ومراده عز وجل فهو من علوم المقاصد والغايات والمقصد األعظم للدين كما تقدم في المقدمة
األولى.
والنسبة يقصد بها عالقة هذا العلم ،وعلم الفقه من العلوم الشرعية فهو ليس من علوم الطبيعة وال اللغة وال
غيرها ،ونسبته في العلوم الشرعية من علوم المقاصد والغايات فهو ليس من علوم اآلالت.
الفضل يقصد به النتيجة المؤجلة لهذا العلم ،وأصل النجاة متعلق بعلم التوحيد والعقيدة وتمام النجاة إنما يكون
بمعرفة السلوك إلى هللا -عز وجل .-
المرحلة األولى :نشأ هذا العلم مع بداية الدعوة اإلسالمية على يد سيد البشرية محمد -صلى هللا عليه
وسلم ،-وكان هو يعّلِّم الناس ويرشدهم في سلوكهم إلى هللا.
المرحلة الثانية :الفقه في عهد الخلفاء الراشدين ،فقد كانت تأتيهم الحوادث فيعرضونها على الكتاب والسنة
فإن وجدوا فيهما شيئا حكموا به ،وإن لم يجدوا فيجتهدون بحسب أصول االستنباط التي تعلموها تعلماً تطبيقياً
من النبي – صلى هللا عليه وسلم – لما كان لهم من كثرة احتكاك ومعاصرة ومالحظة معه ،ومن هنا بدأت
بذور المدارس الفقهية تظهر فإن الصحابة فهومهم تختلف وكذلك اجتهاداتهم ،ومنهم (عبدهللا بن مسعود ،
علي بن أبي طالب ،عبدهللا بن عمر ،عبدهللا بن عباس ،زيد بن ثابت).
المرحلة الثالثة :مرحلة التابعين وتابعي التابعين ،فكانوا يعرضون الحوادث على الكتاب والسنة واإلجماعات
التي انعقدت ثم يبدأون باالجتهاد بحسب األصول التي تعلموها من الصحابة رضوان هللا عليهم ،وظهرت
مدرسة في البصرة ومدرسة في الكوفة ومدرسة في المدينة ومدرسة في مكة ومدرسة في اليمن وغيرها)
المرحلة الرابعة :نشوء المذاهب الفقهية :وهي التي ظهر فيها األئمة األربعة واجتهاداتهم وهم ( :أبو حنيفة
النعمان الكوفي ( ت 150هـ)) ( ،مالك بن أنس األصبحي المدني ( ت 130هـ )) ( ،محمد بن إدريس
المكي ( ت 204هـ)) ( ،أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي ( ت 241هـ )).
الشافعي ّ
المرحلة الخامسة :ما بعد الفقهاء األربعة ،وقد بدأ هنا تالميذ وتالميذ تالميذ األئمة األربعة بتدوين علم الفقه
11
وأقوال األئمة فيه وترتيبها ومناقشتها بمصنفات خاصة بها.
وهذا ال يعني عدم وجود مذاهب لألئمة آخرين ولكنها مذاهب اندثرت ألن طلبة أولئك األئمة لم يهتموا بتدوين أقوال علمائهم 11
ويستَ َمُّد هذا العلم من الكتاب والسنة ثم من اإلجماع ثم من القياس ثم من مصادر التشريع المختلف فيها.
ُ
األمة فإن قام به من يسد الثغرة فيه سقط اإلثم عن باقي األمة وإن لم يسد فإن الفرد القادر
فرض كفاية على ّ
على التعلم بنفسه ولم يتعلم آثم ،وغير القادر على التعلم بنفسه إذا لم يدعم هذه المشاريع والمدارس وغيرها
فهو آثم ،كالتجار والمسؤولين وغيرهم.
وهي كل ما يدرس من مسائل في علم الفقه من كتاب الطهارة إلى كتاب القضاء واإلقرار.
.1فقه العبادات :وفيه تدرس الشعائر التعبيدية( :الطهارة – مفتاح الصالة ، -الصالة ،الزكاة ،الحج،
الجهاد).
.3فقه األسرة أو فقه األحوال الشخصية أو المناكحات :وفيه تدرس األمور التي تنظم األسرة في
اإلسالم ( :الزواج ،الطالق ،الفسخ ،الرضاع ،الحضانة.) .. ،
.4فقه القضاء :وفيه تدرس حل النزاعات والعقوبات الجنائية والعقوبات الحدية والقصاصية.
يزيد بعضهم فقه السياسة الشرعية والمعاهدات الدولية وهذه األبواب كثي ار ما تناقش في فقه الجهاد وفقه القضاء وله 12