You are on page 1of 39

Année 2022 – 2023 ‫السنة الدراسية‬

‫معهد الغزالي باريس‬


En partenariat avec la

FFAIACA
Fédération Française des Associations Islamiques
D’Afrique, des Comores et des Antilles

ANNEXE DE MARSEILLE – MOSQUEE BILAL


‫ملحق مرسيليا ـ مسجد بالل‬
rue de Girard 13001 Marseille ,2
FORMATION DES IMAMS
‫تكوين األئمة‬
Mémoire de fin d’études ‫مذكرة التخرج‬
‫إسم البحث‬: Sujet
"‫مبادئ اإلستقرار اإلجتماعي للمجتمع اإلسالمي في ضوء سورة‬
‫"الحجرات‬
Principes de stabilité sociale de la communauté musulmane mentionnés dans la sourate

Al-Houjourat

Ammar BAKEZZI ‫ عمار باقزي‬ ‫إعداد الطالب‬


‫المقدمة‬
‫بسم هللا منزل القرآن و حافظه‪ ،‬و الحمد هلل اآلمر بالعمل به و اإلقتداء بمبلغه عنه بإذنه‪ ،‬وصل اللهم على‬
‫الهادي إلى صراط القويم‪ ،‬النبي المصطفى الكريم‪ ،‬سيدنا محمد األمين‪ ،‬المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬و على‬
‫آل بيته الطيبين الطاهرين‪ ،‬وارض اللهم عن الصحابة و التابعين‪ ،‬و عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬و‬
‫عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين ‪.‬الحمد هلل رب العالمين و الصالة والسالم على سيد المرسلين و إمام‬
‫المتقين‪ ،‬الذي قاد منهج الهداية و النور المبين‪ ،‬إلى الصراط المستقيم‪ ،‬بالسبيل الواضح القويم‪ ،‬فسار على‬
‫محجة بيضاء‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالك و ال يتنكبها إال ضال‪ ،‬وبعد‪ : L‬‬
‫إنطالقا‪ L‬من شعوري بالمسؤولية و حماستي للمشاركة في استقرار و تربية المجتمع اإلسالمي الذي يتاج‬
‫إلى النظم في حاضرنا‪ L‬اليوم ألن البعد عن مبادئ‪ L‬اإلسالم‪ ،‬جعلت المجتمع متنافر‪ L‬و غير متعاون‪ ،‬وجعلت‬
‫أيضا المجتمع يسوده الفساد و الظلم‪ ،‬فنحن في حاجة إلى نظم تجعل مجتمعنا مجتمع نجاح متعاون يحب‬
‫الخير‪ ،‬يساعد من يطلب المساعدة‪ ،‬يبعدنا عن الفساد و الظلم الذي أصاب مجتمعنا اآلن‪.‬‬
‫هذا ماحملني أن أختار هذا الموضوع بعنوان‪" : ‬مبادئ اإلستقرار اإلجتماعي للمجتمع المسلم في ضوء‬
‫سورة الحجرات" لتوضيح التدابير الوقائية المستنبطة من سورة الحجرات‪ ،‬التدابير الشرعية التي اشتملت‬
‫عليهاهذه السورة فيما يتعلق بالفرد و المجتمع‪.‬‬
‫لما أثنى هللا على أصحاب رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ‬في خاتمة سورة الفتح جعل سورة الحجرات في‬
‫تكميل إيمانهم وتأديبهم‪ ، L‬فأرشد هللا المؤمنين إلى مكارم‪ L‬األخالق‪ ،‬وهي إما ‪:‬‬

‫في جانب هللا أو جانب رسوله ﷺ‬ ‫‪.1‬‬


‫أو بجانب المؤمن‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أو بجانب المؤمن المتلبس بالفسق‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أوبجانب المؤمن الحاضر ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أو بجانب المؤمن الغائب ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫أهداف البحث وأسئلته ‪ :‬يهدف البحث إلى إبراز اآلداب الواجبة للمسلم تجاه هللا ورسوله وتجاه أفراد‬
‫ألمجتمع والمذكورة في سورة ألحجرات وبيان أثر تطبيق‪ $‬هذه اآلداب في المجتمع المسلم‪ .‬فهو يسعى‬
‫لإلجابة على هذه األسئلة‪: ‬‬

‫ما هي اآلداب الواجبة تجاه هللا ورسوله الواردة في سورة الحجرات؟‬ ‫‪.1‬‬
‫ما هي اآلداب الواجبة تجاه أفراد المجتمع الواردة في سورة الحجرات؟‬ ‫‪.2‬‬
‫ما أثر تطبيق‪ $‬هذه اآلداب على المجتمع؟‬ ‫‪.3‬‬

‫حدود البحث ‪ :‬حدود البحث هي الحديث عن اآلداب اإلسالمية في سورة ألحجرات وبيان أثرها على‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫خطة البحث‪ :‬تناولت موضوع هذا البحث من خالل الخطة اآلتية‪: ‬‬

‫مقدمة‪  : ‬وفيها‪ $‬أهمية الموضوع وأسباب اختياره وحدود البحث وخطته‬ ‫‪‬‬
‫تمهيد‪:  ‬فيه بيان معنى اآلداب لغة واصطالحا‪ ، $‬والحديث عن السورة اسمها وعدد‬ ‫‪‬‬
‫آياتها ومقصدها و أغراضها‪$‬‬
‫المتن‪ :‬تقسيم البحث لخمسة فصول‪ ،‬و مباحث‪ ،‬و مطالب و هي كما يلي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫التمهيد‬
‫وقفة مع مصطلح اآلداب الشرعية‬ ‫‪.1‬‬

‫ولآلداب تعريفات ع َّدة في اللغة واالصطالح‪ ،‬نذ ُكر منها ما يهمُّنا في هذا المقال‪ ،‬وهي كال َّتالي‪: ‬‬
‫‪ ‬الفعل المستح َسن‪:‬‬
‫قال صاحب "آداب الصحبة"‪" :‬الهمزة وال َّدال والباء أصل واح‪$‬د تتف‪$‬رَّ ع مس‪$‬ائله وترج‪$‬ع إليْ‪$‬ه‪ ،‬ف‪$‬األدب أن‬
‫َتجمع الناس على طعامك‪ ،‬وهي المأ ُدوبة والمأدَب‪$$‬ة‪ ،‬والم‪$$‬آدب جم‪$$‬ع مأدب‪$$‬ة‪ ،‬ومن ه‪$$‬ذا القي‪$$‬اس األدَ ب؛ أل َّنه‬
‫مُجْ َمع على استحسانه"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الحس ‪$‬ن‪ :‬ف‪$$‬األدب الَّذي يت‪$$‬أ َّدب ب‪$$‬ه األديب من ال َّناس‪ُ ،‬س ‪$‬مِّي أد ًب‪$$‬ا أل َّنه ي‪$$‬أدب الن‪$$‬اس الَّذين‬
‫َ‬ ‫التعلُّم والس‪$$‬لوك‪$‬‬
‫يتعلَّمون على المحامد‪ ،‬وينهاهم‪ $‬عن المقابح‪ ،‬ويأدبهم؛‪ $‬أي‪ :‬يدعوهم‪ ،‬وأصل األدب‪ :‬الدعاء‪ ،‬وأ َّدبه فت‪$$‬أ َّدب‪:‬‬
‫علَّمه؛ لذلك يُقال‪ :‬هذا ما أ َّدب هللا تعالى به نبيَّه صلَّى هللا عليْه وسلَّم‪ ،‬ولكل وجهة أدب[‪.]1‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪$‬ول هللا ص‪$‬لَّى هللا عليْ‪$‬ه وس‪$‬لَّم‪(( :‬أ َّدب‪$$‬ني ربِّي فأحْ َس‪$‬ن ت‪ْ$‬أديبي))‪ ،‬فيق‪$$‬ول‪:‬‬ ‫ويشرح‪ $‬العاَّل مة المناوي‪ $‬قول رس‪ِ $‬‬
‫المكتسبة[‪.]2‬‬
‫َ‬ ‫األخالق الح َسنة‪ ،‬والعلوم‬ ‫األدب هو ما يحصُل لل َّنفس من ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬الفعل يليق بال َّشخص‪:‬‬
‫ومِن معانيها‪ $‬أ َّنها ُتطلَق على ما يليق بال َّشيء أو ال َّشخص‪ ،‬فيُقال‪ :‬آداب ال َّشخص‪ ،‬وآداب القاضي[‪.]3‬‬
‫‪ ‬‬
‫المحامد؛ ففي شرح ال َّنوابغ‪ :‬هو ما يؤ ِّدي بال َّناس المحامد‪ ،‬وك ّل اآلداب متل َّقي‪$$‬ات عن رس‪$$‬ول هللا ص ‪$‬لَّى هللا‬
‫عليْه وسلَّم؛ فإ َّنه مجمعها ظاهرً ا أو باط ًنا‪ ،‬ث َّم قال‪ :‬واألدب استعمال ما يُحمد قواًل وفعاًل [‪.]4‬‬
‫‪ ‬‬
‫وفي‪" $‬فتح القدير"‪ :‬األدب‪ :‬الخِصال الحميدة‪ ،‬والمراد‪ $‬باألدب في قول الفُقهاء‪ :‬كتاب أدب القاضي؛ أي‪ :‬ما‬
‫ينبغي للقاضي أن يفعله‪ ،‬ال ما عليه[‪.]5‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬اآلداب في مصطلح الفقهاء‪:‬‬
‫‪ ‬المستحبَّات ال يُسيء تاركها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫يقسم الفقهاء على ما وراء الفرائض والواجبات‪ :‬سُننا تاركها مسيء‪ ،‬وآدابًا تاركها غي ُر مسيء[‪.]6‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬المستحبَّات يُسيء تار ُكها‪:‬‬
‫فقد يطلقونه على ال ُّس َّنة في جامع الرموز‪ $‬في بيان العمرة‪ ،‬وما سوى ذلك سُنن وآداب تار ُكها مسيء[‪.]7‬‬
‫‪ ‬‬
‫وحُكي أنَّ حاتمًا األص َّم ق َّدم رجْ له اليسرى عند دخولِه المسجد‪ ،‬فتغ َّير‪ $‬لونه‪ ،‬وخرج م‪$$‬ذعورً ا‪ ،‬وق‪َّ $‬دم رجل‪$$‬ه‬
‫خفت أن يسْ لبني‪ $‬هللا َجميع ما أعطاني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تركت أدبًا مِن آداب الدين‪،‬‬ ‫اليُمنى‪ ،‬فقيل‪ :‬ما ذلك؟ فقال‪ :‬لو‬
‫‪ ‬‬
‫[‪ ]1‬أدب الصحبة البن عبدالرحمن السلمي‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬يوسف علي بديوي (‪ ،)15‬وانظر "لسان العرب" البن منظور‪.43/ 1 :‬‬
‫[‪ ]2‬فيض القدير‪ :‬شرح الجامع الصغير للمناوي‪ ،)225 ،224/ 1( :‬مطبعة مصطفى مح َّمد‪َّ ،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪.1356‬‬
‫[‪ ]3‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.43/ 1 :‬‬
‫للزاوي‪.282/ 1 :‬‬‫[‪ ]4‬ترتيب القاموس المحيط‪َّ ،‬‬
‫[‪ ]5‬البحر الرائق‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ ،277‬وقواعد الفقه‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.166‬‬
‫[‪ ]6‬مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.390‬‬
‫[‪ ]7‬كتب ورسائل وفتاوى‪ :‬ابن تيمية في الفقه‪ :‬ج ‪ ،24‬ص ‪.205‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ ‬ما يفعلُه ال َّشارع مرَّ ة ويتركه مرَّ ة‪:‬‬
‫والس‪َّ $‬نة‬
‫ُّ‬ ‫وتر َك‪$$‬ه ُأخ‪$$‬رى‪،‬‬ ‫ففي البزازية في كتاب الصَّالة‪ ،‬في الفصْ ل الثاني أنَّ ‪ :‬األدب ما َف َعله ال َّشارع مرَّ ة َ‬
‫والس‪َّ $‬نة إلكم‪$‬ال ال‪$‬واجب‪ ،‬واألدب إلكم‪$‬ال‬ ‫ُّ‬ ‫ش‪ِ $‬رع إلكم‪$‬ال الف‪$‬رض‪،‬‬ ‫ما واظب عليه ال َّشارع‪ ،‬وال‪$‬واجب م‪$‬ا ُ‬
‫ال ُّس َّنة[‪.]8‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬الورع‪:‬‬
‫فاألدبُ عند بعض أهْ ل ال َّشرع‪ :‬الورع‪ ،‬وعند أهل الحكمة‪ :‬صيانة ال َّنفس‪.‬‬
‫الصدق ومطابقة الحقائق‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫الخلق على بساط‬ ‫كما قال حكي ٌم‪ :‬األدَب مُجالسة ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬ما يقِي من الخطأ‪:‬‬
‫كما قال أهل ال َّتحقيق‪ :‬األدب‪ :‬الخروج مِن صدق االختِيار والتفرُّ غ على َيسار االفتقار‪ ،‬وكذا في "خالصة‬
‫السلوك" في تعريفات الجرجانى أنَّ ‪ :‬األدب عبارة عن معرفة ما يُح َترز به عن جميع أنواع ‪ ‬الخطأ‪ ،‬وأدب‬
‫القاضي وهو التِزامه لما َندَب إليْه ال َّشرع مِن بسْ ط العدل‪ ،‬ور ْفع‪ $‬الظلم‪ ،‬وترْ ك الميل[‪.]9‬‬
‫‪ ‬‬
‫المستحبُّ عند ذوي األلباب‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪ ‬الفعل‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫قال المرصفي‪ :‬اعلم أنَّ األدب معرفة األحْ وال التي يكون اإلنسان المتخلق بها محبوبًا عند أولي األلب‪$$‬اب‪،‬‬
‫يخص‪$‬ه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الَّذين هُم ُأمناء هللا على أهل أرضِ ه‪ ،‬مِن القول في موضعِه المناسب له‪ ،‬ف‪$$‬إنَّ لك‪$$‬ل ق‪$$‬ول موض‪ً $‬عا‪$‬‬
‫الش‪$‬اعر المش‪$$‬هور‪ $‬بالحُطيئ‪$$‬ة‪ :‬ف‪$$‬إنَّ لك‪$$‬ل‬ ‫بحيث ي ُكون وضْ ع غيره فيه خروجً ا‪ $‬عن األدب‪ ،‬كما ق‪$$‬ال ج‪$$‬رْ َول َّ‬
‫للص‪$‬مت موض‪$‬عً ا‪ ،‬يك‪$‬ون الق‪$‬ول في‪$‬ه‬ ‫َّ‬ ‫مقام مقااًل ‪ ،‬ومِن الصَّمت وهو السكوت المقص‪$‬ود في موض‪$‬عه‪ ،‬ف‪$‬إنَّ‬
‫خالف األدب‪ ،‬يرشد على ذل‪$$‬ك قول‪$$‬ه ص‪$‬لَّى هللا عليْ‪$‬ه وس‪$‬لَّم‪(( :‬رحِم هللاُ ام‪$$‬رءًا ق‪$$‬ال خ‪$$‬يرً ا فغنم‪ ،‬أو س‪$$‬كت‬
‫فسلِم))[‪.]10‬‬
‫‪ ‬‬
‫والكالم المنبِّه على مواضع األقوال‪ ،‬وعلى مواضع الصَّمت كث‪$$‬ير‪ ،‬ومن األحْ‪ $‬وال الَّتي يك‪$$‬ون التخلُّق به‪$$‬ا‬
‫ص‪$‬لَ َح َف‪َ$‬أجْ ُرهُ‬ ‫أدبًا‪ :‬وضْ ع األفعال في مواضعها؛‪ $‬كما قال هللا تعالى‪َ  ﴿ :‬و َج َزا ُء َس ِّيَئ ٍة َس ِّيَئ ٌة م ِّْثلُ َه‪$‬ا َف َمنْ َع َف‪$‬ا َوَأ ْ‬
‫َعلَى هَّللا ِ‪[ ﴾ ‬الشورى‪.]40 :‬‬
‫‪ ‬‬
‫فنبَّه سبحانه على أنَّ المطلوب الع ْفو المصْ لِح دون المفسد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬مراتب األدب‪:‬‬
‫أنبيائ‪$$‬ه‪ ،‬وليس األدَ ب م‪$$‬ع‬ ‫تتفاوت م‪$$‬راتِبُ األدَب بحس‪$$‬ب المت‪$$‬أ َّدب مع‪$$‬ه‪ ،‬فليس األدَب م‪$$‬ع هللا ك‪$$‬األدب م‪$$‬ع ِ‬ ‫َ‬
‫رسول هللا كاألدَب مع ساِئر ال َّناس‪ ،‬وليس لل َّتعامل مع الناس أدبٌ واح ٌد‪ ،‬بل للوالدَين أدبٌ خاصٌّ ‪ ،‬وللعلماء‬
‫والكبار‪ $‬أدبٌ خاصٌّ ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وكذلك لل َّتعامُل مع ال َّنفس آداب‪ ،‬فمراتب األدَب أربعة‪ ،‬هي‪ :‬األدب مع هللا ‪ -‬األدب مع‪ ‬رس‪$$‬ول هللا‬
‫‪ -‬األدب مع ال َّناس‪ -.‬األدب مع ال َّنفس‪.‬‬

‫[‪ ]8‬أنيس الفقهاء‪ :‬في تعريفات األلفاظ‪ :‬المتداولة بين الفقهاء‪ ::‬ج ‪ ،1‬ص ‪.106‬‬
‫شاف اصطالحات الفنون لل َّ‬
‫شيخ األجل ِّ المولوي محمد أعلى بن علي النهانوي‪.54 ،53/ 1 :‬‬ ‫[‪ ]9‬ك َّ‬
‫َّ‬
‫[‪ ]10‬أخرجه ابن المبارك في الزهد‪ ،128/ 1( :‬رقم ‪ ،)380‬وهناد‪ ،535/ 2( :‬رقم ‪.)1106‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬األدب مع هللا‪:‬‬
‫فهو رْأس األمر وعموده‪ ،‬وأه ُّم ما يقدمه العبد في دنياه‪ ،‬قال ابن القيِّم‪" :‬األدب مع هللا ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫أح ُدها‪ :‬صيان ُة معا َملتِه أن َيشو َبها بنقيصةٍ‪.‬‬
‫قلبه أن َيل َتفت إلى غيره‪.‬‬‫الثاني‪ :‬صيانة ِ‬ ‫َّ‬
‫الثالث‪ :‬صيانة إرادتِه أن تتعلَّق بما يمق ُتك عليْه"‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫البصر إلى السَّماء في الصَّالة؛ لل َّنهي عن ذلك‪ ،‬ومن األدب مع هللا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ث َّم قال‪" :‬ومِن األدب مع هللا عد ُم ر ْفع‬
‫يستدبره عند قضاء الحاج‪$$‬ة في الفض‪$$‬اء والبُني‪$$‬ان‪ ،‬ومن األدَ ب م‪$$‬ع هللا‪ :‬الس‪$$‬كون في‬ ‫ْ‬ ‫أن ال َيستق َبل ب ْي َته وال‬
‫الصَّالة‪ ،‬وعدم االلتفات فيها‪ ،‬واالستِماع‪ $‬للقراءة في الصَّالة‪ ،‬والمقص‪$$‬ود‪ $‬أنَّ األدب م‪$$‬ع هللا تب‪$$‬ارك وتع‪$$‬الى‬
‫قط األدبُ مع هللا إاَّل بثالثة أشياء‪ :‬معرفت‪$$‬ه‬ ‫هو القيا ُم بدينِه‪ ،‬والتأ ُّدب بآدابه ظاهرً ا وباط ًنا‪ ،‬وال يستقيم ألح ٍد ُّ‬
‫‪$‬ق‬‫بأسمائه وصفاته‪ ،‬ومعرفته بدينه وشرعه وما يُحبُّ وم‪$$‬ا يك‪$$‬ره‪ ،‬ونفسٌ مس‪$$‬تع َّدة قابل‪$$‬ة متهيِّئ‪$$‬ة لقب‪$$‬ول الح‪ِّ $‬‬
‫علمًا وعماًل "[‪.]11‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثانيًا‪ :‬األدب مع رسول هللا صلَّى هللا عليْه وسلَّم‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وأمَّا األدب مع الرَّ سول صلَّى هللا عليْه وسلَّم فالقرآن مملو ٌء ب‪$$‬ه‪ ،‬ف‪$$‬رْأسُ األدب مع‪$$‬ه كم‪$$‬ال‬
‫ال َّتسليم له‪ ،‬واالنقِياد ألمره‪ ،‬وتل ِّقي خبره بالقبول والتص‪$$‬ديق‪ $‬دون معارض‪$$‬ته بالعق‪$$‬ل أو الش‪$$‬ك‪ ،‬أو أن يق‪ِّ $‬دم‬
‫هللا تع‪$$‬الى بالعب‪$$‬ادة والخض‪$$‬وع‪$‬‬ ‫عليه آراء الرجال‪ ،‬فيوحده بالتحكيم والتسليم‪ $‬واالنقي‪$$‬اد‪ $‬واإلذع‪$$‬ان كم‪$$‬ا وحَّ د َ‬
‫ُّ‬
‫والذ ِّل واإلنابة والتو ُّكل‪$.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إذن وال تص‪$$‬رُّ ف‪،‬‬ ‫ومن األدب مع الرَّ سول صلَّى هللا عليْه وسلَّم‪ :‬أن ال يتق َّدم بين يدي‪$$‬ه ب‪$$‬أمْ ر وال نهي‪ ،‬وال ٍ‬
‫حتى َي‪$‬أمُر ه‪$$‬و و َين َهى و َي‪$$‬أ َذن؛ كم‪$$‬ا ق‪$$‬ال تع‪$$‬الى‪َ  ﴿ :‬ي‪$‬ا َأ ُّي َه‪$‬ا الَّذ َ‬
‫ِين آ َم ُن‪$$‬وا اَل ُت َق‪ِّ $‬دمُوا َبي َْن َي‪$‬دَيِ هَّللا ِ َو َر ُس‪$‬ولِ ِه‪﴾ ‬‬
‫[الحجرات‪.]1 :‬‬
‫‪ ‬‬
‫الظنُّ برف‪$‬ع اآلراء على ُس‪َّ $‬نته؟! ومن األدب أن ال‬ ‫األصوات فوق صوتِه‪ ،‬فما َّ‬ ‫ُ‬ ‫ومن األدب معه أن ال ُترفع‬
‫ف َقبو ُل ما ج‪$$‬اء ب‪$$‬ه على موافق‪$$‬ة أح‪$$‬د‪ ،‬فك‪ُّ $‬ل‬ ‫يُعارض نصُّه بقياس‪ ،‬وال يُحرف‪ $‬كالمه عن حقيقته‪ ،‬وال يُو َق َ‪$‬‬
‫هذا من قلَّة األدب معه صلَّى هللا عليْه وسلَّم‪ ،‬وهو عين الجرْ أة…"[‪.]12‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثالثا‪ :‬األدب مع الخلق‪:‬‬ ‫ً‬
‫هللا المالئك‪ُ $‬ة‪ ،‬وعلى المس‪$‬لِم أن يت‪$$‬أ َّدب معهم‪ ،‬ومن‬ ‫خل‪$$‬ق ِ‬ ‫فال ب َّد من أن يُعامل ك َّل واحد بما يلي‪$$‬ق ب‪$‬ه‪ ،‬ومِن ْ‬
‫ُّ‬
‫األدَب مع المالئكة مح َّب ُتهم ومواال ُتهم‪ ،‬ومن األدَب مع المالئكة‪ :‬البُع‪$$‬د عن ال‪$$‬ذنوب والمعاص‪$‬ي‪ $‬وال‪$$‬رَّ وائح‬
‫يتأذى منه ابن آدم‪ ،‬ومن األدب معهم االمتِناع عن ك ِّل ما َيمنع قُرب المالئك‪$$‬ة أو‬ ‫تتأذى ممَّا َّ‬ ‫الكريهة؛ أل َّنها َّ‬
‫والكلب والجرس‪ ،‬وك‪$‬ذلك‪ $‬ال تق‪$$‬رب المالئك‪$$‬ة‬ ‫ْ‬ ‫حضورهم مجال َسنا‪ ،‬مثل الصورة وال ِّتمثال‬ ‫َ‬ ‫دخولهم‪ $‬بيو َتنا أو‬
‫سكران أو ج ُنبًا إاَّل أن يتوضَّأ‪ ،‬ومتش ِّبهًا بالنساء وغيرهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫كذلك ال ب َّد أن يعامل ال َّناس كل واحد بما يليق به‪ ،‬فهناك آدابُ ال َّتعامل مع الوال‪$$‬دَين‪ ،‬وآدابٌ م‪$$‬ع األرْ ح‪$$‬ام‪،‬‬
‫الض ‪$‬يف‪ ،‬وآداب م‪$$‬ع‬ ‫وآدابٌ م‪$$‬ع الج‪$$‬ار المس ‪$‬لِم‪ ،‬وآدابٌ م‪$$‬ع العلم‪$$‬اء‪ ،‬وآداب م‪$$‬ع وُ الة األم‪$$‬ر‪ ،‬وآداب م‪$$‬ع َّ‬
‫الزوجين‪ ،‬وآداب مع عامَّة المسلمين‪ ،‬وآداب مع المخالِفين مِن أهل الب‪$$‬دع والفاس‪$$‬قين‪،‬‬ ‫األوالد‪ ،‬وآداب بين َّ‬ ‫ْ‬
‫وكذلك آداب مع غير المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫[‪ ]11‬مدارج السالكين‪ ::‬ج ‪ ،2‬ص ‪.386‬‬


‫[‪ ]12‬مدارج السالكين‪ ::‬ج ‪ ،2‬ص ‪.390‬‬

‫‪4‬‬
‫الخلق‪ ،‬فهو معامل ُتهم ِبما يليق بهم على اختِالف مراتبهم‪ $،‬فلك‪ِّ $‬ل مرتب‪ٍ $‬ة أدبٌ ‪،‬‬ ‫قال ابن القيِّم‪" :‬أمَّا األدب مع ْ‬
‫صة‪ ،‬فمع الوالدين أدبٌ خاصٌّ ‪ ،‬ولألب منهما أدب هو أخصُّ ب‪$‬ه‪ ،‬وم‪$‬ع الع‪$‬الم أدب‬ ‫والمراتب فيها آداب خا َّ‬
‫‪$‬ال أدب‪ :‬فلألك‪$$‬ل‬ ‫أدب‪$$‬ه م‪$$‬ع أهل‪$$‬ه‪ ،‬ولك‪ِّ $‬ل ح‪ٍ $‬‬
‫الض‪$‬يف أدب غ‪$$‬ير ِ‬ ‫َ‬
‫آخ‪ $‬ر‪ ،‬وم‪$$‬ع الس‪$$‬لطان أدب يلي‪$$‬ق ب‪$$‬ه‪ ،‬وم‪$$‬ع َّ‬
‫آداب‪ ،"...‬ث َّم قال‪" :‬وأدب المرء عنوان س‪$$‬عادته وفال ِح‪$$‬ه‪ ،‬وقلَّة أدب‪$‬ه عن‪$‬وان ش‪$$‬قاوتِه و َب‪$$‬واره‪ ،"...‬ث َّم ق‪$$‬ال‪:‬‬
‫الخلق أن ال يفرِّ ط في القيام بحقوقهم‪ ،‬وال َيستغرق فيها بحيث َيش‪$$‬تغِل به‪$$‬ا عن حق‪$$‬وق هللا أو‬ ‫"ومن حقوق ْ‬
‫عن ت ْكميلها‪ ،‬أو عن مصلحة دينه ْ‬
‫وقلبه‪.]13["...‬‬
‫‪ ‬‬
‫رابعً ا‪ :‬األدب مع النفس‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وأدب اإلنسان مع نفسه متنوِّ ع متفاوت كذلك‪ ،‬فمن األدب مع النفس السَّعْ ي إلى تزكيتها وإصالحِها‪$‬‬
‫حثها على ال َّتوبة واإلنابة والخشية‬ ‫الطاعات واألخالق‪ ،‬ومن األدب مع ال َّنفس ُّ‬ ‫ومحاسبتها‪ ،‬وتدريبها‪ $‬على َّ‬
‫وغيرها‪ ،‬وكذلك من األدَب مع النفس تدريبها‪ $‬وإلزامها على اآلداب ال َّشرعيَّة‪.‬‬

‫‪ .2‬اسم السورة‬
‫ت ‪ ،" ...‬يق‪LL‬ول‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫‪    ‬س‪LL‬ميت س‪LL‬ورة الحج‪LL‬رات ‪ ،‬لقول‪LL‬ه تع‪LL‬الى فيه‪LL‬ا ‪ِ " :‬إنَّ ال ِذينَ يُنَادُونَــكَ ِمن َو َراء ال ُح ُجـ َرا ِ‬
‫القاسمي ‪ " :‬وسميت بها لدالله آيتها على سلب إنسانية من ال يعظم رسول هللا غاي‪LL‬ة التعظيم ‪ ،‬وال يحترم‪LL‬ه‬
‫غاية االح‪L‬ترام ‪ ،‬وه‪LL‬و من أعظم مقاص‪L‬د الق‪L‬رآن"‪ ،  ‬وه‪L‬ذا فهم دقي‪LL‬ق وتعلي‪LL‬ل ش‪LL‬فاف من القاس‪LL‬مي ‪ ،‬وكأن‪LL‬ه‬
‫يقول ‪ :‬إن َم ْن يعاملون رسول هللا‪  ‬بهذه الغلظة والجف‪LL‬اء فق‪LL‬د تحج‪LL‬رت عق‪LL‬ولهم وقل‪LL‬وبهم ‪ ،‬فهي ك‪LL‬الحجرات‬
‫المغلقة المحجورة على َم ْن فيها ‪ ،‬أو هي كالحجارة التي تبنى منها الحجرات ‪ ،‬مصداقاً‪ L‬لقول‪LL‬ه تع‪LL‬الى ‪ " :‬ثُ َّم‬
‫ت قُلُوبُ ُكم‪ِّ L‬من بَ ْع ِد َذلِكَ فَ ِه َي َك ْال ِح َجا َر ِة َأوْ َأ َش ُّد قَ ْس َوةً ‪...‬‬
‫قَ َس ْ‬
‫ومن كان هذا حاله فقد سُلب إنسانيته ‪ ،‬ويصبح ذلك سمة عامة لكل َم ْن لم يتخل‪LL‬ق ب‪LL‬أخالق الس‪LL‬ورة كامل‪LL‬ة ‪،‬‬
‫وبهذا يظهر‪ L‬لنا وجه تسمية السورة بهذا االسم‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬زمن نزولها‪  ‬اجمع المفسرون على مدنية هذه السورة) ‪ ،‬فهي مما نزل بعد الهجرة ‪ ،‬أما قوله‬
‫شعُو ًبا‪َ $‬و َقبَاِئ َل ‪ )" ...‬فإنها نزلت بمكة يوم‬ ‫تعالى ‪َ " :‬يا َأ ُّي َها ال َّناسُ ِإ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم مِّن َذ َك ٍر َوُأن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ‬
‫فتحها ‪ ،‬لكن حكمها مدني ‪ ،‬ألنها نزلت في سورة مدنية ‪ ،‬وقد نزلت اآلية نفسها بعد الهجرة ‪ ،‬فهي من‬
‫اآليات التي نزلت بمكة وحكمها‪ $‬مدني‬

‫أسباب النزول في سورة الحجرات‬ ‫‪.3‬‬

‫لماذا نزلت سورة الحجرات ؟‬


‫الحمد هلل‪.‬‬

‫في سورة الحجرات‪ ،‬عدة آيات نزلت ألسباب مختلفة‪ ،‬وإليك بيانها‪:‬‬

‫فأما أول السورة الكريمة‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَد ِ‬
‫َي هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َواتَّقُوا‬ ‫‪‬‬
‫ت النَّبِ ِّي َواَل تَجْ هَرُوا‪ L‬لَهُ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫هَّللا َ ِإ َّن هَّللا َ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم * يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَرْ فَعُوا َأصْ َواتَ ُك ْ‪L‬م فَوْ َ‬
‫ُون * ِإ َّن الَّ ِذينَ يَ ُغضُّ ونَ َأصْ َواتَهُْ‪L‬م ِع ْن َد‬ ‫ْض َأ ْن تَحْ بَطَ َأ ْع َمالُ ُك ْم َوَأ ْنتُ ْم اَل تَ ْش ُعر َ‪L‬‬
‫ض ُك ْم لِبَع ٍ‬ ‫بِ ْالقَوْ ِل َك َجه ِْر بَ ْع ِ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ُول هَّللا ِ ُأولَِئكَ الَّ ِذينَ ا ْمتَ َحنَ هَّللا ُ قُلُوبَهُ ْم لِلتَّ ْق َوى لَهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوَأجْ ٌر ع ِ‬
‫َظي ٌم * ِإ َّن الَّ ِذينَ يُنَادُونَ َ‬ ‫َرس ِ‬
‫ُ‬ ‫هَّللا‬
‫ُج ِإلَ ْي ِه ْم لَ َكانَ خَ ْيرًا لَهُ ْم َو ُ َغفو ٌر‬ ‫صبَرُوا َحتَّى ت َْخر َ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬
‫ت كثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعقِلونَ * َولَوْ نَّهُ ْم َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬
‫َو َرا ِء ال ُح ُج َرا ِ‬
‫َر ِحي ٌم )‪ .‬الحجرات‪5-1/‬‬

‫[‪ ]13‬مدارج السالكين‪ ::‬ج ‪ ،2‬ص ‪393‬‬

‫‪5‬‬
‫فنزل في قصة أبي بكر وعمر ‪.‬‬

‫ي هَّللا ُ َع ْنهُ َما‪َ ،‬رفَ َعا َأصْ َواتَهُ َما ِع ْن َد‬‫ض َ‪L‬‬‫ان َأ ْن يَ ْهلِ َكا َأبُو بَ ْك ٍر َو ُع َم ُر َر ِ‬
‫ف َع ِن اب ِْن َأبِي ُملَ ْي َكةَ‪ ،‬قَا َل‪َ " :‬كا َد الخَ يِّ َر ِ‬
‫س َأ ِخي بَنِي‬ ‫ع‪ L‬ب ِْن َحابِ ٍ‬‫ار َأ َح ُدهُ َما بِاَأل ْق َر ِ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِحينَ قَ ِد َم َعلَ ْي ِه َر ْكبُ بَنِي تَ ِم ٍيم‪ ،‬فََأ َش َ‪L‬‬
‫النَّبِ ِّي َ‬
‫ال َأبُو بَ ْك ٍر لِ ُع َم َر‪َ :‬ما َأ َردْتَ ِإاَّل ِخالَفِي‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ُم َجا ِش ٍع‪َ ،‬وَأ َشا َر اآل َخ ُر بِ َرج ٍُل آ َخ َر ‪ -‬قَا َل نَافِ ٌع الَ َأحْ فَظُ ا ْس َمهُ ‪ -‬فَقَ َ‬
‫ك‪ ،‬فََأ ْنزَ َل هَّللا ُ‪( :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا الَ تَرْ فَعُوا‪َ L‬أصْ َواتَ ُك ْم)‬
‫ت َأصْ َواتُهُ َما‪ L‬فِي َذلِ َ‬ ‫ت ِخالَفَكَ فَارْ تَفَ َع ْ‬ ‫َما َأ َر ْد ُ‬
‫[الحجرات‪ " ]2 :‬اآليَةَ ‪.‬‬

‫ستَ ْف ِه َمهُ‪َ ،‬ولَ ْم‬


‫سلَّ َم بَ ْع َد َه ِذ ِه اآليَ ِة َحتَّى يَ ْ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫سو َل هَّللا ِ َ‬ ‫الزبَي ِْر‪ :‬فَ َما َكانَ ُع َم ُر يُ ْ‬
‫س ِم ُع َر ُ‬ ‫قَا َل ابْنُ ُّ‬
‫يَ ْذ ُك ْر َذلِ َك عَنْ َأبِي ِه يَ ْعنِي َأبَا بَ ْك ٍر‪ . ‬رواه البخاري‪.)4845( :‬‬

‫ت َأ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعقِلُونَ (‪(4‬‬


‫ك ِم ْن َو َرا ِء ْال ُح ُج َرا ِ‬
‫قول هللا تعالى‪ِ( :‬إ َّن الَّ ِذينَ يُنَادُونَ َ‪L‬‬ ‫‪‬‬

‫عن البراء بن عازب‪ ،‬في قوله تعالى‪( :‬إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ال يعقلون)‬
‫[الحجرات‪ ]4 :‬قال‪ :‬قام رجل فقال‪ :‬يا رسول‪ L‬هللا إن حمدي زين وإن ذمي شين‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬ذاك هللا عز وجل‪ ،‬رواه الترمذي‪ ،)387 /5( :‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫ت َأ ْكثَ ُرهُ ْم اَل‬
‫َك ِم ْن َو َرا ِء ْال ُحج َُرا ِ‬
‫وفي‪ L‬مسند الروياني (‪ ( : )307‬فََأ ْن َز َل هَّللا ُ تَ َعالَى (ِإ َّن الَّ ِذينَ يُنَادُون َ‪L‬‬
‫يَ ْعقِلُونَ ) ) ‪ .‬فصرح بأنها سبب النزول ‪.‬‬

‫وينظر‪" : L‬موسوعة ‪ :‬التفسير بالمأثور" (‪. )381-20/376‬‬

‫صيبُوا‪ L‬قَوْ ًما بِ َجهَالَ ٍة فَتُصْ بِحُوا‬ ‫ق بِنَبٍَإ فَتَبَيَّنُوا‪َ L‬أ ْن تُ ِ‬


‫قال هللا تعالى‪( :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌ‬ ‫‪‬‬
‫ير ِمنَ اَأْل ْم ِر لَ َعنِتُّ ْم َولَ ِك َّن هَّللا َ‬
‫َعلَى َما فَ َع ْلتُ ْم نَا ِد ِمينَ * َوا ْعلَ ُموا َأ َّن فِي ُك ْم َرسُو َل هَّللا ِ لَوْ ي ُِطي ُع ُك ْ‪L‬م فِي َكثِ ٍ‬
‫ُأ‬
‫ق َو ْال ِعصْ يَانَ ولَِئكَ هُ ُم الرَّا ِش ُدونَ *‬ ‫َّب ِإلَ ْي ُك ُم اِإْل ي َمانَ َوزَ يَّنَهُ فِي قُلُوبِ ُك ْ‪L‬م َو َك َّرهَ ِإلَ ْي ُك ُم ْال ُك ْف َر َو ْالفُسُو َ‪L‬‬
‫َحب َ‬
‫فَضْ اًل ِمنَ هَّللا ِ َونِ ْع َمةً َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم ) الحجرات‪.8-6 /‬‬

‫ار ْال ُخزَ ا ِع ِّي‪ ،‬قَ َ‬


‫ال‪:‬‬ ‫ارث بْن َأبِي ِ‬
‫ض َر ٍ‪L‬‬ ‫روى‪ L‬اإلمام أحمد في مسنده (‪ )18459‬عن ْال َح ِ‬
‫ت بِ ِه‪ ،‬فَ َدعَانِي ِإلَى‬ ‫ت فِي ِه‪َ ،‬وَأ ْق َررْ ُ‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فَ َدعَانِي ِإلَى اِإْل ْساَل ِم‪ ،‬فَ َد َخ ْل ُ‬ ‫ُول هللاِ َ‬‫ت َعلَى َرس ِ‬ ‫قَ ِد ْم ُ‬
‫ُول هللاِ‪َ ،‬أرْ ِج ُع ِإلَى قَوْ ِمي‪ ،‬فََأ ْدعُوهُْ‪L‬م ِإلَى اِإْل ْساَل ِم‪َ ،‬وَأدَا ِء ال َّز َكا ِة‪ ،‬فَ َم ْن‬ ‫ت‪ :‬يَا َرس َ‬ ‫ت بِهَا‪َ ،‬وقُ ْل ُ‬‫ال َّز َكا ِة‪ ،‬فََأ ْق َررْ ُ‬
‫َّان َك َذا َو َك َذا ‪ ،‬لِيَْأتِيَكَ َما‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َر ُسواًل ِإِل ب ِ‬‫ي َرسُو ُ‪L‬ل هللاِ َ‬ ‫ْت زَ َكاتَهُ‪ ،‬فَيُرْ ِس ُل ِإلَ َّ‬
‫اب لِي َج َمع ُ‬ ‫ا ْست ََج َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ْت ِمنَ الزكا ِة ‪.‬‬ ‫َج َمع ُ‬

‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َأ ْن يُ ْب َع َ‬


‫ث‬ ‫اب لَهُ‪َ ،‬وبَلَ َغ اِإْل بَّانَ الَّ ِذي َأ َرا َد َرسُو ُل هللاِ َ‬ ‫ار ُ‬
‫ث ال َّز َكاةَ ِم َّم ْن ا ْستَ َج َ‬ ‫فَلَ َّما َج َم َع ْال َح ِ‬
‫ث َأنَّهُ قَ ْد َحد َ‬ ‫ْأ‬
‫َث فِي ِه َس ْخطَةٌ ِمنَ هللاِ َع َّز َو َج َّل َو َرسُولِ ِه !!‬ ‫س َعلَ ْي ِه ال َّرسُولُ‪ ،‬فَلَ ْم يَ تِ ِه‪ ،‬فَظَ َّن ْال َح ِ‬
‫ار ُ‬ ‫ِإلَ ْي ِه‪ ،‬احْ تَبَ َ‬
‫ي َرسُولَهُ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َكانَ َوقَّتَ لِي َو ْقتًا‪ L‬يُرْ ِس ُل ِإلَ َّ‬ ‫ت قَوْ ِم ِه‪ ،‬فَقَا َل لَهُ ْم‪ِ :‬إ َّن َرس َ‬
‫ُول هللاِ َ‬ ‫فَ َدعَا بِ َس َر َوا ِ‬
‫ْس َرسُولِ ِه‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ْال ُخ ْلفُ ‪َ ،‬واَل َأ َرى َحب َ‬ ‫ض َما َكانَ ِع ْن ِدي ِمنَ ال َّز َكا ِة‪َ ،‬ولَي َ‬
‫ْس ِم ْن َرس ِ‬
‫ُول هللاِ َ‬ ‫لِيَ ْقبِ َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َ‪L‬م ‪.‬‬ ‫َت‪ ،‬فَا ْنطَلِقُوا‪ ،‬فَنَْأتِ َي َرس َ‬
‫ُول هللاِ َ‬ ‫ِإاَّل ِم ْن َس ْخطَ ٍة َكان ْ‬

‫ث لِيَ ْقبِ َ‬
‫ض َما َكانَ ِع ْن َدهُ ِم َّما َج َم َع ِمنَ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ْال َولِي َد ْبنَ ُع ْقبَةَ ِإلَى ْال َح ِ‬
‫ار ِ‬ ‫ث َرسُو ُل هللاِ َ‬ ‫َوبَ َع َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪،‬‬ ‫ُول هللاِ َ‬‫يق‪ ،‬فَ ِرقَ‪ ،‬فَ َر َج َع‪ ،‬فََأتَى َرس َ‪L‬‬ ‫ْض الطَّ ِر ِ‬ ‫ال َّز َكا ِة‪ ،‬فَلَ َّما َأ ْن َسا َر ْال َولِي ُد َحتَّى بَلَ َغ بَع َ‬
‫ث َمنَ َعنِي ال َّز َكاةَ‪َ ،‬وَأ َرا َد قَ ْتلِي !!‬ ‫ار َ‬ ‫َوقَا َل‪ :‬يَا َرسُو َل هللاِ‪ِ ،‬إ َّن ْال َح ِ‬

‫‪6‬‬
‫ث بَِأصْ َحابِ ِه ‪ِ ،‬إ ْذ ا ْستَ ْقبَ َل ْالبَع َ‬
‫ْث ‪،‬‬ ‫ث‪ ،‬فََأ ْقبَ َل ْال َح ِ‬
‫ار ُ‬ ‫ْث ِإلَى ْال َح ِ‬
‫ار ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ْالبَع َ‬ ‫ب َرسُو ُل هللاِ َ‬ ‫ض َر َ‪L‬‬‫فَ َ‬
‫ث !!‬ ‫ث‪ ،‬فَقَالُوا‪ :‬هَ َذا ْال َح ِ‬
‫ار ُ‬ ‫ار ُ‬ ‫ص َ‪L‬ل ِمنَ ْال َم ِدينَ ِة‪ ،‬لَقِيَهُ ُم ْال َح ِ‬‫َوفَ َ‬

‫ال لَهُ ْم‪ِ :‬إلَى َم ْن بُ ِع ْثتُ ْم؟ قَالُوا‪ِ :‬إلَ ْيكَ ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬ولِ َم؟‬ ‫فَلَ َّما َغ ِشيَهُ ْم‪ ،‬قَ َ‬
‫ك ْال َولِي َد ْبنَ ُع ْقبَةَ‪ ،‬فَزَ َع َم َأنَّكَ َمنَ ْعتَهُ ال َّز َكاةَ‪َ ،‬وَأ َردْتَ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َكانَ بَ َع َ‬
‫ث ِإلَ ْي َ‬ ‫ُول هللاِ َ‬ ‫قَالُوا‪ِ :‬إ َّن َرس َ‬
‫ث ُم َح َّمدًا بِ ْال َحقِّ‪َ ،‬ما َرَأ ْيتُهُ بَتَّةً‪َ ،‬واَل َأتَانِي ‪.‬‬ ‫قَ ْتلَهُ !! قَا َل‪ :‬اَل ‪َ ،‬والَّ ِذي بَ َع َ‬

‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬قَا َل‪َ " :‬منَعْتَ ال َّز َكاةَ‪َ ،‬وَأ َردْتَ قَ ْت َل َرسُولِي؟ " قَا َل‪:‬‬‫ث َعلَى َرسُو ِل هللاِ َ‬ ‫ار ُ‬‫فَلَ َّما َد َخ َل ْال َح ِ‬
‫صلَّى هللاُ‬
‫ُول هللاِ َ‬
‫ي َرسُو ُل َرس ِ‬ ‫س َعلَ َّ‬ ‫ت ِإاَّل ِحينَ احْ تَبَ َ‬‫ق َما َرَأ ْيتُهُ‪َ ،‬واَل َأتَانِي‪َ ،‬و َما َأ ْقبَ ْل ُ‬
‫اَل ‪َ ،‬والَّ ِذي بَ َعثَكَ بِ ْال َح ِّ‬
‫َت َس ْخطَةً ِمنَ هللاِ َع َّز َو َجلَّ‪َ ،‬و َرسُولِ ِه‪.‬‬ ‫يت َأ ْن تَ ُكونَ َكان ْ‬‫َش ُ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬خ ِ‬
‫صيبُوا قَوْ ًما بِ َجهَالَ ٍة‪ ،‬فَتُصْ بِحُوا َعلَى َما فَ َع ْلتُ ْم‬
‫ق بِنَبٍَأ فَتَبَيَّنُوا َأ ْن تُ ِ‬ ‫ات (يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن َجا َء ُك ْم فَ ِ‬
‫اس ٌ‬ ‫ت ْال ُح ُج َر ُ‬
‫ال‪ :‬فَنَ َزلَ ِ‬
‫قَ َ‬
‫نَا ِد ِمينَ ) [الحجرات‪ِ ]6 :‬إلَى هَ َذا ْال َم َكا ِن‪( :‬فَضْ اًل ِمنَ هللاِ َونِ ْع َمةً َوهللاُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم) [الحجرات‪. ]8 :‬‬

‫والحديث المذكور‪ L‬وإن كان في إسناده مقال‪ ،‬إال أنه مشهور سائر بين أهل العلم ‪.‬‬

‫قال محققو المسند (‪ " : )30/405‬حسن بشواهده‪ ،‬دون قصة إسالم الحارث" ‪.‬‬

‫َت ِإحْ دَاهُ َما َعلَى اُأْل ْخ َرى‪L‬‬ ‫(وِإ ْن طَاِئفَتَا ِن ِمنَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ ا ْقتَتَلُوا‪ L‬فََأصْ لِحُوا بَ ْينَهُ َما فَِإ ْن بَغ ْ‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬‬ ‫‪‬‬
‫ت فََأصْ لِحُوا‪ L‬بَ ْينَهُ َما بِ ْال َع ْد ِل َوَأ ْق ِسطُوا‪ِ L‬إ َّن هَّللا َ ي ُِحبُّ‬
‫فَقَاتِلُوا الَّتِي تَ ْب ِغي َحتَّى تَفِي َء ِإلَى َأ ْم ِر هَّللا ِ فَِإ ْن فَا َء ْ‬
‫ْال ُم ْق ِس ِطينَ (‪.))9‬‬

‫عن أنس رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قيل للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لو أتيت عبد هللا بن أبي‪ ،‬فانطلق إليه النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم وركب حمارا‪ ،‬فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة‪ ،‬فلما أتاه النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬إليك عني‪ ،‬وهللا لقد آذاني نتن حمارك‪ ،‬فقال رجل من األنصار منهم‪ :‬وهللا‬
‫لحمار رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ L‬أطيب ريحا منك‪ ،‬فغضب لعبد هللا رجل من قومه‪ ،‬فشتمه‪ ،‬فغضب‬
‫لكل واحد منهما أصحابه‪ ،‬فكان بينهما ضرب بالجريد‪ L‬واأليدي والنعال‪ ،‬فبلغنا أنها أنزلت‪( :‬وإن طائفتان‬
‫من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‪ L‬بينهما) [الحجرات‪ ،]9 :‬رواه البخاري‪.(183 /3( L:‬‬

‫قول هَّللا تعالى‪( :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل يَ ْسخَرْ قَوْ ٌ‪L‬م ِم ْن قَوْ ٍم َع َسى َأ ْن يَ ُكونُوا خَ ْيرًا ِم ْنهُ ْم َواَل نِ َسا ٌء ِم ْن‬ ‫‪‬‬
‫س ااِل ْس ُم ْالفُسُو ُ‪L‬‬
‫ق بَ ْع َد‬ ‫نِ َسا ٍء َع َسى َأ ْن يَ ُك َّن خَ ْيرًا ِم ْنه َُّن َواَل ت َْل ِم ُزوا َأ ْنفُ َس ُك ْم َواَل تَنَابَ ُزوا بِاَأْل ْلقَا ِ‬
‫ب بِْئ َ‬
‫ك هُ ُم الظَّالِ ُمونَ [الحجرات‪.]11 :‬‬ ‫اِإْل ي َما ِن َو َم ْن لَ ْم يَتُبْ فَُأولَِئ َ‪L‬‬

‫ال‪ :‬قَ ِد َم‬ ‫ب) [الحجرات‪ ]11 :‬قَ َ‬ ‫(واَل تَنَابَ ُزوا بِاَأْل ْلقَا ِ‬
‫ت فِي بَنِي َسلِ َمةَ َ‬ ‫ال‪ :‬فِينَا نَزَ لَ ْ‬
‫ك قَ َ‬‫ضحَّا ِ‬ ‫يرةَ بْنُ ال َّ‬ ‫عن أبي َجبِ َ‬
‫َأ‬ ‫ٌ‬ ‫َأ‬
‫ْس ِمنَّا َر ُج ٌل ِإاَّل َولَهُ ا ْس َما ِن وْ ثَاَل ثَة‪ ،‬فَ َكانَ ِإ َذا َدعَا َحدًا ِم ْنهُ ْم‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫صلى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم ال َم ِدينَةَ‪َ ،‬ولَي َ‬ ‫َّ‬ ‫َرسُو ُل هللاِ َ‬
‫ب) رواه‬ ‫ْ‬ ‫َأْل‬
‫ت‪َ ( :‬واَل تَنَابَ ُزوا‪ L‬بِا لقَا ِ‬ ‫ضبُ ِم ْن هَ َذا‪ :‬قَا َل‪ :‬فَنَزَ لَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ك ا ْس َما ِء‪ ،‬قَالوا‪ :‬يَا َرسُو َل هللاِ ِإنَّهُ يَ ْغ َ‬ ‫َأْل‬ ‫بِاس ٍْم ِم ْن تِ ْل َ‬
‫أحمد‪ ،)18288( :‬وأبو داود‪ ، )4962( :‬وصححه األلباني ‪.‬‬

‫ي ِإ ْساَل َم ُك ْم بَ ِل هَّللا ُ يَ ُم ُّن َعلَ ْي ُك ْم َأ ْن هَدَا ُك ْم‬


‫ك َأ ْن َأ ْسلَ ُموا قُلْ اَل تَ ُمنُّوا َعلَ َّ‬
‫قول هَّللا تعالى‪( :‬يَ ُمنُّونَ َعلَ ْي َ‬ ‫‪‬‬
‫صا ِدقِينَ [الحجرات‪.]17 :‬‬ ‫ان ِإ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫لِِإْل ي َم ِ‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قدم وفد‪ L‬بني أسد على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فتكلموا ‪ ،‬فقالوا‪ :‬قاتلتك‬
‫مضر ‪ ،‬ولسنا بأقلهم‪ L‬عددا‪ ،‬وال أكلهم شوكة‪ ،‬وصلنا رحمك‪ ،‬فقال ألبي بكر وعمر رضي هللا‬
‫عنهما‪ :‬تكلموا هكذا‪ ،‬قالوا‪ L:‬ال‪ ،‬قال‪ :‬إن فقه هؤالء قليل‪ ،‬وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم‪ ،‬قال عطاء في‬

‫‪7‬‬
‫حديثه‪ :‬فأنزل‪ L‬هللا جل وعز (يمنون عليك أن أسلموا) [الحجرات‪ ]17 :‬اآلية‪ ،‬رواه النسائي في الكبرى‪( :‬‬
‫‪.)11455‬‬

‫‪ .4‬فضل السورة‬
‫ه‪LL‬ذه الســورة محكم‪LL‬ة ‪ ،‬ليس فيه‪LL‬ا ناس‪LL‬خ وال منس‪LL‬وخ ‪ ،‬آياته‪LL‬ا ثم‪LL‬ان عش‪LL‬رة ‪ ،‬وكلماته‪LL‬ا‪ L‬ثالثمائ‪LL‬ة وثالث‬
‫وأربعون ‪ ،‬وحروفها‪ L‬ألف وأربعمائة وأربع وسبعون حرفا ً‪ . ‬يقول القاس‪LL‬مي ‪ " :‬وق‪L‬د‪ L‬انف‪LL‬ردت ه‪LL‬ذه الس‪LL‬ورة‬
‫بآداب جليلة ‪ ،‬أدب هللا بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به نبيه‬

‫مفهوم‪ :‬التربية األخالقية‬ ‫‪.5‬‬

‫هي مجموعة اآلداب والقيم والمبادئ‪ $‬السامية التي يعتقدها اإلنسان ‪ ،‬ويتربى‪ $‬عليه‪$$‬ا ‪ ،‬ويمارس‪$$‬ها م‪$$‬ع ذات‪$$‬ه‬
‫ومع اآلخرين حتى تصبح سمة لصاحبها ‪ ،‬يتسامى بها إلى األعالي" ‪.‬‬

‫الفصل األول‬
‫المبحث األول‪ :‬األدب مع هللا ‪ ‬جل جالله ومع رسوله‪: ‬‬

‫‪8‬‬
‫المطلب األول‪  : ‬تحلي الفرد المسلم بِاألدب مع هللا جل جالله‬

‫سولِ ِه َوا َّت ُقوا هَّللا َ ِإنَّ هَّللا َ َ‬


‫سمِي ٌع‬ ‫‪ : ‬األدب مع هللا جل جالله؛ يقول هللا تعالى‪َ { :‬يا َأ ُّي َها ا َّلذِينَ آ َم ُنوا اَل ُت َقدِّ ُموا َب ْينَ َيدَيِ هَّللا ِ َو َر ُ‬
‫َعلِي ٌم} [الحجرات‪ .]1 :‬واألدب مع هللا يتضمن وصفه تعالى بصفات الكمال‪ ،‬وإخالص العبادة له وحده ال شريك له‪،‬‬
‫والتسليم لحكمه‪ ،‬والرضاء بقدره‪ ،‬والخضوع له‪ ،‬وامتثال أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬ومراقبته والتوكل عليه‪ ،‬ومحبته‪،‬‬
‫والخوف منه‪ ،‬ورجائه‪ ،‬وشكره‪ ،‬والوالء له‪ ،‬والبراء من أعدائه‪ ،‬وما إلى ذلك مما يجب هلل‪.‬‬

‫قال ابن سعدي‪" :‬هذا متضمن لألدب مع هللا تعالى‪ ،‬ومع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫والتعظيم له‪ ،‬واحترامه‪ ،‬وإكرامه‪ ،‬فأمر هللا عباده المؤمنين‪ ،‬بما يقتضيه اإليمان‪ ،‬باهلل وبرسوله‪،‬‬
‫من امتثال أوامر‪ $‬هللا‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬وأن يكونوا ماشين خلف أوامر هللا‪ ،‬متبعين لسنة رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في جميع أمورهم‪ ،‬وأن ال يتقدموا بين يدي هللا ورسوله‪ ،‬وال يقولوا‬
‫حتى يقول‪ ،‬وال يأمروا‪ $‬حتى يأمر‪ ،‬فإن هذا حقيقة األدب الواجب مع هللا ورسوله‪ ،‬وهو عنوان‬
‫سعادة العبد وفالحه‪ ،‬وبفواته‪ ،‬تفوته السعادة األبدية‪ ،‬والنعيم السرمدي‪ ،‬وفي هذا النهي الشديد‬
‫عن تقديم قول غير الرسول صلى هللا عليه وسلم على قوله‪ ،‬فإنه متى استبانت سنة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وجب اتباعها‪ ،‬وتقديمها‪ $‬على غيرها‪ ،‬كائنا ما كان"([‪)]1‬‬

‫تحلي الفرد المسلم ِباألدب مع الرسول صلى هللا عليه و سلم‪: ‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األدب مع الرسول صلى هللا عليه وسلم؛‬

‫سولِهِ}‪ .‬قال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬والقول‬ ‫قال تعالى‪{ :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تُقَ ِّد ُموا بَيْنَ يَد ِ‬
‫َي هَّللا ِ َو َر ُ‬ ‫‪‬‬
‫الجامع في معنى اآلية‪ :‬ال تعجلوا بقول وال فعل قبل أن يقول رسول‪ L‬هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أو‬
‫يفعل"‪)]2[( .‬‬
‫وقال ابن سعدي عند تفسيره لهذه اآلية‪" :‬وهذا أدب مع رسول‪ L‬هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في خطاب‪LL‬ه‪ ،‬أي‪ :‬ال‬
‫يرفع المخاطب له‪ ،‬صوته معه‪ ،‬فوق‪ L‬ص‪LL‬وته‪ ،‬وال يجه‪LL‬ر ل‪LL‬ه ب‪LL‬القول‪ ،‬ب‪LL‬ل يغض الص‪LL‬وت‪ ،‬ويخاطب‪LL‬ه ب‪LL‬أدب‬
‫ولين‪ ،‬وتعظيم‪ L‬وتكريم‪ ،‬وإجالل وإعظام‪ ،‬وال يكون الرسول كأحدهم‪ ،‬بل يميزوه في خطابهم‪ ،‬كما تميز عن‬
‫غيره‪ ،‬في وجوب حقه على األمة‪ ،‬ووجوب‪ L‬اإليمان ب‪LL‬ه‪ ،‬والحب ال‪LL‬ذي ال يتم اإليم‪LL‬ان إال ب‪LL‬ه‪ ،‬ف‪LL‬إن في ع‪LL‬دم‬
‫القيام بذلك‪ ،‬محذورًا‪ ،‬وخشية أن يحبط عمل العبد وهو ال يشعر‪ ،‬كم‪LL‬ا أن األدب مع‪LL‬ه‪ ،‬من أس‪LL‬باب حص‪LL‬ول‬
‫الثواب وقب‪LL‬ول‪ L‬األعم‪LL‬ال‪ .‬ثم م‪LL‬دح من غض ص‪LL‬وته عن‪LL‬د رس‪LL‬ول هللا ص‪LL‬لى هللا علي‪LL‬ه وس‪LL‬لم‪ ،‬ب‪LL‬أن هللا امتحن‬
‫قلوبهم‪ L‬للتقوى‪ ،‬أي‪ :‬ابتالها واختبرها‪ ،‬فظهرت‪ L‬نتيجة ذلك‪ ،‬بأن صلحت قلوبهم للتقوى‪ ،‬ثم وع‪LL‬دهم المغف‪LL‬رة‬
‫لذنوبهم‪ L،‬المتضمنة لزوال الشر والمكروه‪ ،‬واألجر العظيم‪ ،‬الذي ال يعلم وص‪LL‬فه إال هللا تع‪LL‬الى‪ ،‬وفي األج‪LL‬ر‬
‫العظيم وجود‪ L‬المحب‪LL‬وب وفي ه‪LL‬ذا دلي‪LL‬ل على أن هللا يمتحن القل‪LL‬وب ب‪LL‬األمر والنهي‪ L‬والمحن‪ ،‬فمن الزم أم‪LL‬ر‬
‫هللا‪ ،‬واتبع رضاه‪ ،‬وسارع‪ L‬إلى ذلك‪ ،‬وقدمه على هواه‪ ،‬تمحض وتمحص للتق‪LL‬وى‪ ،‬وص‪LL‬ار‪ L‬قلب‪LL‬ه ص‪LL‬الحًا له‪LL‬ا‬
‫ومن لم يكن كذلك‪ ،‬علم أن‪L‬ه ال يص‪L‬لح للتق‪L‬وى"([‪ .)]3‬واألدب م‪L‬ع الرس‪L‬ول ص‪L‬لى هللا علي‪L‬ه وس‪L‬لم يقتض‪L‬ي‬
‫محبته‪ ،‬وطاعته‪ ،‬وتوقيره‪ ،‬وعدم التقديم بين يديه‪ ،‬وخفض الص‪LL‬وت عن‪LL‬ده‪ ،‬والتمس‪LL‬ك بس‪LL‬نته‪ ،‬واإلكث‪LL‬ار‪ L‬من‬
‫الصالة عليه‪ ،‬وإكرام‪ L‬أهل بيته‪ ،‬ومحبة أصحابه‪ ،‬وما إلى ذلك مما يجب تجاهه عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬ومن األدب معه‪ :‬أن ال ترفع األصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط األعمال فما الظن برفع‬
‫اآلراء ونتائج األفكار‪ L‬على سنته وما جاء به أترى ذلك موجبا لقبول األعم‪LL‬ال ورف‪L‬ع‪ L‬الص‪LL‬وت ف‪LL‬وق ص‪LL‬وته‬
‫موجبا لحبوطها‪)]4[(.‬‬
‫وقال في كتاب آخر‪" :‬فإذا كان رفع أصواتهم‪ L‬فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعق‪LL‬ولهم‬
‫وأذواقهم‪ L‬وسياستهم‪ L‬ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطا ألعمالهم"‬
‫ول بَ ْينَ ُك ْم َك‪ُ L‬دعَا ِء‬ ‫ومن األدب معه‪ :‬أن ال يجع‪LL‬ل دع‪LL‬اءه ك‪LL‬دعاء غ‪LL‬يره؛ ق‪LL‬ال تع‪LL‬الى‪{ :‬اَل تَجْ َعلُ‪LL‬وا ُد َع‪LL‬ا َء الر ُ‬
‫َّس‪ِ L‬‬
‫ض ُك ْ‪L‬م بَ ْعضًا}[النور‪ .]63 :‬وفيه قوالن للمفسرين أحدهما‪ :‬أنكم ال تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا‬ ‫بَ ْع ِ‬
‫بل قولوا‪ L:‬يا رسول هللا‪ ،‬يا نبي هللا‪ ،‬فعلى هذا‪ :‬المصدر مضاف إلى المفعول‪ ،‬أي دعاءكم الرسول‪L.‬‬

‫‪9‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المعنى ال تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضا‪ ،‬إن ش‪LL‬اء أج‪LL‬اب وإن ش‪LL‬اء ت‪LL‬رك‪ ،‬ب‪LL‬ل إذا‬
‫دعاكم لم يكن لكم بد من أجابته‪ ،‬ولم يسعكم‪ L‬التخلف عنها البتة‪ ،‬فعلى هذا‪ :‬المصدر مض‪LL‬اف‪ L‬إلى الفاع‪LL‬ل أي‬
‫دعاؤه إياكم‪.‬‬
‫ومن األدب معه‪ :‬أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رب‪LL‬اط لم ي‪LL‬ذهب أح‪LL‬د منهم م‪LL‬ذهبا‬
‫في حاجته حتى يستأذنه؛ كما قال تعالى‪ِ{ :‬إنَّ َما ْال ُمْؤ ِمنُونَ الَّ ِذينَ آ َمنُوا بِاهَّلل ِ َو َرسُولِ ِه َوِإ َذا َكانُوا َم َعهُ َعلَى َأ ْم ٍ‬
‫‪LL‬ر‬
‫َجا ِم ٍع لَ ْم يَ ْذهَبُوا َحتَّى يَ ْستَْأ ِذنُوهُ}[النور‪ .]62 :‬فإذا كان هذا مذهبا مقيدا بحاجة عارضة لم يوس‪LL‬ع لهم في‪LL‬ه إال‬
‫بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين‪ :‬أصوله وفروعه دقيقه وجليله ه‪LL‬ل يش‪LL‬رع ال‪LL‬ذهاب إلي‪LL‬ه ب‪LL‬دون‬
‫استئذانه‪{ :‬فَا ْسَألُوا َأ ْه َل ال ِّذ ْك ِر ِإ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُمونَ }[النحل‪.]43 :‬‬
‫ومن األدب معه‪ :‬أن ال يستشكل قوله بل تستشكل اآلراء لقوله وال يعارض نصه بقي‪LL‬اس ب‪LL‬ل ته‪LL‬در األقيس‪LL‬ة‬
‫وتلقى لنصوص‪LL‬ه وال يح‪LL‬رف كالم‪LL‬ه عن حقيقت‪LL‬ه لخي‪LL‬ال يس‪LL‬ميه أص‪LL‬حابه معق‪LL‬وال‪ ،‬نعم ه‪LL‬و مجه‪LL‬ول وعن‬
‫الصواب معزول‪ ،‬وال يوقف قبول م‪L‬ا ج‪L‬اء ب‪L‬ه على موافق‪L‬ة أح‪L‬د‪ ،‬فك‪L‬ل ه‪L‬ذا من قل‪L‬ة األدب مع‪L‬ه وه‪L‬و عين‬
‫الجرأة"[‪]5‬‬

‫[‪ ]1‬انظر" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪( ،‬صـ‪)799 ‬‬


‫‪ )2( ‬إعالم الموقعين (‪1/55‬‬
‫(‪ )3‬نظر" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬صـ(‪799‬‬
‫(‪ )4‬دارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين(‪)2/389‬‬
‫(‪ )5‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (‪2/390‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األثر العلمي لآليات في استقرار المجتمع‬


‫ِين آ َم ُنوا اَل‬ ‫ِين آ َم ُنوا اَل ُت َق ِّدمُوا َبي َْن َيدَيِ هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َوا َّت ُقوا هَّللا َ ِإنَّ هَّللا َ َسمِي ٌع َعلِي ٌم * َيا َأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫﴿ َيا َأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ض َأنْ َتحْ َب َط َأعْ َمالُ ُك ْم َوَأ ْن ُت ْم اَل‬ ‫ت ال َّن ِبيِّ َواَل َتجْ َهرُوا لَ ُه ِب ْال َق ْو ِل َك َجه ِْر َبعْ ضِ ُك ْم لِ َبعْ ٍ‬
‫ص ْو ِ‬ ‫َترْ َفعُوا َأصْ َوا َت ُك ْ‪$‬م َف ْو َق َ‬
‫ِين امْ َت َح َن هَّللا ُ قُلُو َب ُه ْ‪$‬م لِل َّت ْق َوى لَ ُه ْم َم ْغف َِرةٌ‬
‫ك الَّذ َ‬ ‫ُأ‬
‫ُول هَّللا ِ ولَِئ َ‬ ‫ُّون َأصْ َوا َت ُه ْ‪$‬م عِ ْن َد َرس ِ‬
‫ِين َي ُغض َ‬ ‫ُون *ِإنَّ الَّذ َ‬ ‫َت ْش ُعر َ‬
‫َوَأجْ ٌر عَظِ يم ﴾ سورة الحجرات ‪ 1 :‬ـ ‪3‬‬

‫‪10‬‬
‫قبل الدخول في أثراآليات في المحافضة على المجتمع سأذكر‪ $‬سبب نزولها الذي يعين على فهمها‪،‬‬
‫وسوف أقتصرعلى الصحيح من أسباب النزول‪ ،‬تناولت اآليات ثالثة قضايا‪ $‬و هي كما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪  : ‬تحريم االفتئات (التعدي )على هللا والرسول‪$‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تحريم رفع الصوت واألمر بغضِّه بين يدي النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫المطلب الثالث‪ :‬النهي عن إزعاجه صلى هللا عليه وسلم‪$‬‬

‫المطلب األول‪  : ‬تحريم االفتئات (التعدي )على هللا والرسول‬

‫سبب نزول اآلية ‪:‬‬

‫هذه اآليات نـزلت في أبي بكر وعمر – رضي هللا عنهما –‬

‫عن ابن أبي مليكة قال‪" :‬كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر – رضي هللا عنهما – رفعا أصواتهما‪ $‬عند‬
‫النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما باألقرع بن حابس رضي هللا‬
‫عنه ‪ ،‬وأشار اآلخر برجل آخر‪ ،‬فقال أبو بكر لعمر – رضي هللا عنهما ‪ :-‬ما أردت إال خالفي‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫ِين آ َم ُنوا ال َترْ َفعُوا َأصْ َوا َت ُك ْم‬
‫أردت خالفك‪ ،‬فارتفعت أصواتهما‪ $‬في ذلك فأنـزل هللا – تعالى ‪َ ( :-‬يا َأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ت ال َّن ِبيِّ ) (الحجرات‪ :‬من اآلية‪ ”)2‬البخاري‪$‬‬ ‫َف ْو َ‪$‬ق َ‬
‫ص ْو ِ‬

‫التفسير ‪:‬‬

‫معنى } ال تقدموا {‪ ‬أصلها ال تتقدموا حذفت إحدى التاءين تخفيفا ‪.‬‬

‫بقول أو بفعل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫والمراد‪ $:‬ال تسبقوا هللا ورسوله‬

‫ومعنى‪ }$‬واتقوا هللا{‪ ‬أي اتخذوا وقاية من عذاب هللا – عز وجل – وهذا ال يتحقق إال إذا قام اإلنسان بفعل‬
‫األوامر‪ $‬وترك‪ $‬النواهي‪.‬‬

‫}إن هللا سميع عليم{‪ ‬هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التق ُّدم بين يدي هللا ورسوله‪ ،‬أو أن‬
‫نخالف ما أمر به من تقواه ‪.‬‬

‫}سميع{‪ ‬أي سميع لما تقولون‬

‫} عليم {‪ ‬أي عليم بما تقولون وما تفعلون؛ ألن العلم أشمل وأعم‪ ،‬إذ إن السمع يتعلق بالمسموعات‪ ،‬والعلم‬
‫يتعلق بالمعلومات‪ ،‬وهللا تعالى محيط بكل شيء علماً‪ ،‬ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء‬

‫والمعنى‪ : $‬ال تتقدموا بهذه اآلراء التي تختلفون فيها‪َ ﴿ ‬بي َْن َيدَيِ هَّللا ِ َو َرسُولِه﴾‪ ‬قبل أن يرى النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم رأيه‪.‬‬

‫هل هذا خاص بحياة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ‬؟‬


‫الصحيح أنه ليس خاصا‪ ،‬بل ال يجوز ألحد أن يتقدم برأي أو بأمر في مسألة إذا كان فيها نص‪ ،‬من كتاب‬
‫هللا تعالى‪ ،‬أو من سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فال يقول‪ :‬هذا رأي استحسنته ‪ ،‬واالجتهاد‪ $‬يكون لفهم‬

‫‪11‬‬
‫النص (أي كالم هللا وكالم رسوله)ال لرد النص ‪،‬وإذا لم تستوعب عقولنا الفهم الصحيح للنص نتهم‬
‫عقولنا وال نتهم النص ‪.‬‬

‫وكذلك أيضا ال تقدموا حكمكم وال رأيكم قبل أن تعرضوا األمر على شرع هللا تعالى ‪.‬‬

‫وإذا تأملنا ‪ ‬قول هللا تعالى‪( :‬الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع‬
‫البصرهل ترى من فطور*ثم‪ $‬ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر‪ $‬خاسئا وهو حسير)‬
‫إذا‪ ‬تأملناها نجد‪ ‬من الجالل والمهابة ما يبهرنا‪ ،‬وكما يخسأ البصر أن يجد خلال في صنع هللا ‪ ،‬يخسأ العقل‬
‫أن يجد خلال في شرع هللا تعالى وفعله‪ ‬‬
‫فمن يدعي مخالفة شيء من الشرع للعقل فإما أن يكون ليس من الشرع‪ ،‬أو يكون العقل فاسدا‪{ $‬ويرى‬
‫الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق}‪ ‬وقال تعالى {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق‬
‫كمن هو أعمى}فمن زين له عقله أن في الشرع خلال ونقصا فهو أعمى فاسد العقل وإن ظن أنه مفكر ‪.‬‬

‫بغضه بين يدي النبي صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تحريم رفع الصوت واألمر‬

‫ت ال َّن ِبيِّ ) الحجرات‪ :‬من اآلية‪2‬‬ ‫ِين آ َم ُنوا ال َترْ َفعُوا َأصْ َوا َت ُك ْ‪$‬م َف ْو َق َ‬
‫ص ْو ِ‬ ‫قوله – تعالى ‪َ ( :-‬يا َأ ُّي َها الَّذ َ‬

‫)وال َتجْ َهرُوا لَ ُه ِب ْال َق ْو ِل (‬


‫معنى قوله‪َ  : ‬‬

‫أي ال تخاطبوه‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا محمد‪ ،‬ولكن يا نبي هللا‪ ،‬ويا رسول هللا‪ ،‬توقيرا له وتعظيما‪  $‬وما ذكره‬
‫العلماء هو في حياة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ $‬أما بعد وفاته فاألدب عند الكالم عنه فال يقال قال‬
‫محمد‪  ‬؛ حيث إن ذلك من الجفاء وسوء األدب وإنما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهكذا ‪ .‬‬

‫ومعنى‪ $‬اآلية ‪ :‬ال تجهروا‪ $‬بالكالم الذي فيه شيء من الجفاء أو نحو ذلك؛ كما يجهر بعضكم‪ $‬لبعض‪ ،‬بل‬
‫غضوا أصواتكم عنده‪ ،‬وال ترفعوا‪ $‬صوتكم؛ فإن في ذلك شيًئ ا من الجفاء‪ ،‬وشيًئ ا من غلظ الطبع‬

‫فكانوا‪ $‬إذا تكلم أحدهم ال يكاد يُسمع النبي صلى هللا عليه وسلم حرصا منهم على التأدب‪ ،‬وخوفا‪ $‬من حبوط‬
‫األعمال‪.‬‬

‫﴿ َأنْ َتحْ َب َط َأعْ َمالُ ُك ْم َوَأ ْن ُت ْم اَل َت ْش ُعر َ‬


‫ُون ﴾‪ ‬أي‪ :‬ال تعلمون‬

‫)تحبط (‪ ‬يعني‪ :‬تبطل أعمالكم؛ بسبب رفعكم‪ $‬أصواتكم عند النبي صلى هللا عليه وسلم‪ $‬مما يدل على عدم‬
‫االحترام‪ $‬له‪ ،‬وعدم اإلصغاء إلى كالمه‪ .‬‬

‫ام َت َحنَ هَّللا ُ قُلُو َب ُه ْم لِل َّت ْق َوى)‬


‫ول هَّللا ِ ُأولَِئ َك الَّذِينَ ْ‬
‫س ِ‬ ‫ضونَ َأ ْ‬
‫ص َوا َت ُه ْم عِ ْن َد َر ُ‬ ‫قوله تعالى‪ِ( :‬إنَّ الَّذِينَ َي ُغ ُّ‬
‫الحجرات‪ :‬من اآلية‪3‬‬

‫قال ابن عباس – رضي هللا عنهما ‪:-‬لما نـزل قوله) ‪  :‬ال َترْ َفعُوا َأصْ َوا َت ُك ْ‪$‬م (‪ ‬تألّي‪(  ‬حلف يمينا )أبو‬
‫بكر أال يكلم رسول هللا صلى هللا عليه‪ ‬وسلم إال كأخي السرار (كصاحب السرار َأي يكلمه بصوت‬
‫ُّون َأصْ َوا َت ُه ْ‪$‬م …‪)..‬‬ ‫منخفض )‪،‬فأنـزل هللا في‪ ‬أبي بكر‪ِ( :‬إنَّ الَّذ َ‬
‫ِين َي ُغض َ‬

‫﴿ امْ َت َح َن هَّللا ُ قُلُو َب ُه ْم ﴾االمتحان ‪ :‬االختبارأو بمعنىخلّص‪ ،‬فكما أن امتحان الذهب بالنار يخلصه من شوائب‬
‫أي معدن آخر‪.‬‬
‫إذاً‪ :‬قلوبهم أصبحت أوعية للتقوى‪ ،‬وليس في قلوبهم‪ $‬شي ٌء آخر قط غيرها‪ ،‬فطهرت ونقت‪ ،‬وتعطرت‪$‬‬
‫واستقبلت التقوى في تربة خصبة خالصة ال تشوبها‪ $‬شوائب أخرى‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫﴿ لِل َّت ْق َوى ﴾‪ ‬أي‪ :‬لتقوى هللا تعالى؛ فلما امتحنها ظهر أنها ممتلئة بالتقوى‪ ،‬ودل على ذلك غضهم أصواتهم‬
‫عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعدهم هللا في هذه اآليات بقوله‪: ‬‬

‫﴿لَ ُه ْم َم ْغف َِرةٌ َوَأجْ ٌر عَظِ ي ٌم ﴾المغفرة‪ :‬ستر الذنوب‪ ،‬وإزالة أثرها‪.‬‬

‫عمل عمله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫واألجر‪ :‬الثواب الذي يحصل عليه المؤمن مقابل‬

‫المطلب الثالث‪ :‬النهي عن إزعاجه صلى هللا عليه وسلم‬

‫ك مِنْ َو َرا ِء ْال ُحج َُرا ِ‬


‫ت )الحجرات‪ :‬من اآلية‪4‬‬ ‫قوله – تعالى ‪ِ( :-‬إنَّ الَّذ َ‬
‫ِين ُي َنا ُدو َن َ‬

‫سبب نـزولها‪:‬‬

‫قال ابن كثير‪ :‬ذكر أنها نـزلت في األقرع بن حابس التميمي رضي هللا عنه فيما أورده غير واحد‪ ،‬فقد‬
‫روى‪ $‬اإلمام أحمد بسنده عن األقرع بن حابس "أنه نادى رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬يا محمد يا‬
‫محمد‪ ،‬فلم يجبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وسلم إن حمدي لزين وإن ذمي لشين‪ ،‬فقال ذاك هللا‬
‫عز وجل ‪.‬‬

‫ت َأ ْك َث ُر ُه ْم اَل َيعْ قِلُ َ‬


‫ون ﴾‬ ‫ك مِنْ َو َرا ِء ْال ُحج َُرا ِ‬ ‫﴿‪ِ ‬إنَّ الَّذ َ‬
‫ِين‪ُ  ‬ي َنا ُدو َن َ‪$‬‬

‫والحجرات جمع حجرة‪ ،‬وهي الرقعة من األرض المحجورة بحائط يحوط‪ $‬عليها‪ ،‬فأصل كلمة الحجرة من‬
‫الحجر والحجر المنع‪ ،‬وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت عليه‪.‬‬

‫والمراد‪ $‬حجرات نساء رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وكان لكل واحدة منهن حجرة‪ .‬ومناداتهم‪ $‬من‬
‫ورائها‪ $‬يحتمل أنهم قد تفرقوا‪ $‬على الحجرات منادين عليه‪.‬‬

‫}أكثرهم ال يعقلون‪ {  ‬يعني ليس عندهم عقل‪ ،‬والمراد بالعقل هنا عقل الرشد؛ ألن العقل عقالن‪ :‬عقل‬
‫رشد‪ ،‬وعقل تكليف‪ ،‬فأما عقل الرشد فضده السفه‪ ،‬وأما عقل التكليف فضده الجنون‪،‬‬

‫ان َخيْرً ا لَ ُه ْم ﴾‪ ‬يدل على أنهم ما صبروا؛ بل أخذوا‬


‫ُج ِإلَي ِْه ْم لَ َك َ‬ ‫ثم يقول‪َ ﴿ :‬و َل ْو َأ َّن ُه ْم َ‬
‫ص َبرُوا َح َّتى َت ْخر َ‬
‫يصيحون‪ ،‬ويكررون‪ :‬يا محمد ؛ اخرج‪ ،‬يا محمد اخرج إلينا؛ يكررون ذلك؛ فدل ذلك على أن عندهم‬
‫شيئا من الجفاء؛ ألنهم نشئوا في البوادي وفي البراري‪.‬‬

‫‪ ‬في الحديث‪ « :‬إذا استأذن أحدكم ثالث مرات فلم يؤذن له؛ فلينصرف » فيمكن أن هؤالء كرروا‪$‬‬
‫االستئذان‪ :‬يا محمد يا محمد ‪ ،‬وهم يستأذنونه ويقولون‪ :‬اخرج إلينا؛ فلذلك ما صبروا‪.‬‬

‫﴿ َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َرحِي ٌ‪$‬م ﴾‪ ‬وعدهم بالمغفرة مع ما حصل منهم من هذا الجفاء‪ ،‬وذلك دليل على أن هللا تعالى‬
‫تسبق رحمته غضبه ؛ كتب على نفسه » ‪ :‬إن رحمتي غلبت غضبي«‬

‫المطلب الرابع‪ :‬وجوب األدب مع العلماء‬


‫وهذا األدب قد وعاه السلف حيث تجاوزوا به شخص رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى كل شيخ وعالم‬
‫من العلماء‪ ،‬احتراما لهم‪ ،‬حيث إنهم يحملون ميراث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ $‬وهو سنته‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫لقد كثر المتعالمون في عصرنا‪ ،‬وأصبحت تجد شابا حدثا يتصدر لنقد العلماء وتجريحهم‪ $‬والتطاول عليهم‬
‫‪،‬وهذا أمر خطير‪ ،‬ألن جرح العالم ليس جرحا شخصيا‪ ،‬كأي رجل ‪ ،‬ولكنه جرح بليغ األثر‪ ،‬يتعدى‬
‫الحدود الشخصية‪ ،‬إلى رد ما يحمله العالم من الحق‪.‬‬

‫ولذلك استغل المشركون من قريش هذا األمر‪ ،‬فلم يطعنوا في اإلسالم أوال‪ ،‬بل طعنوا في شخص‬
‫الرسول‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ألنهم يعلمون – يقينا – أنهم إن استطاعوا أن يشوهوا صورة الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم في أذهان الناس‪ ،‬فلن يقبلوا ما يقوله من الحق‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فالذي يجرح العالم يجرح العلم الذي معه‪.‬‬

‫ومن جرح هذا العلم‪ ،‬فقد جرح إرث النبي‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم وعلى ذلك فهو يطعن في اإلسالم من‬
‫حيث ال يشعر‪.‬‬

‫فيجب علينا أن نحفظ للعلماء مكانتهم‪ ،‬وفاعليتهم في قيادة األمة‪ ،‬وأن نتأدب معهم ‪.‬‬

‫ونحن نعلم أنه ال معصوم‪ $‬إال من عصم هللا وهم األنبياء والمالئكة ؛ وعلى ذلك فيجب أن ندرك أن العالم‬
‫معرض للخطأ‪ ،‬فنعذره حين يجتهد فيخطئ‪ ،‬وال نذهب نتلمس أخطاء العلماء ونحصيها عليهم‪.‬‬

‫وندرك‪ $‬أن الخالف موجود ؛لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخالف بين العلماء‪  ‬فلكل واحد منهم فهمه‪،‬‬
‫ولكل واحد إطالعه على األدلة‪ ،‬ولكل واحد نظرته في مالبسات األمور‪ ،‬فمن الطبيعي أن يوجد‪ $‬الخالف‬
‫بينهم‬

‫وينبغي‪ $‬أن نعرف أن عدم األخذ بقول العالم‪ ،‬وأن مناقشته‪ ،‬والصدع‪ $‬ببيان الحق‪ ،‬يختلف تماما عن الطعن‬
‫في العلماء‬

‫فالفرق‪ $‬بين األمرين عَظِ ي ٌم جدا‪ ،‬يجوز لنا أال نأخذ بالفتوى‪ ،‬إذا لم توافق‪ $‬الدليل‪ ،‬لكن ال يجوز لنا الطعن‬
‫في العلماء‬
‫في هذه اآليات تربية من هللا عز و جل للفرد المسلم أن يتحلى باألدب معه و مع نبيه صلى هللا عليه‬
‫وسلم و ورثته صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬و بدأت بالنداء المحبب إلى النفوس والذي يلهب المشاعرو يوقظ‬
‫الظمائر و يبعث العبد إلى اإلنقياد و التنفيذ‪ ،‬و ذلك لما تشثمل عليه اآليات من بناء للفرد و المجتمع‪ ،‬و‬
‫تربية للفرد على مكارم األخالق و معالي اآلداب‪. ‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫المبحث األول‪ :‬وجوب التثبت من األخبار‬

‫ويمثل عصرنا الحاضر‪ $‬عصراً ذهبيا ً لرواج الشائعات المغرضة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تتطوّ ر الشائعات بتطور‪ $‬العصور‪،‬‬
‫ّ‬
‫وما ذاك إال لتطوّ ر التقنيات‪ ،‬وكثرة وسائل االتصاالت‪ ،‬التي مثلت العالم قرية كونية واحدة‪ ،‬فآالف‪$‬‬
‫الوسائل اإلعالمية‪ ،‬والقنوات الفضائية‪ ،‬والشبكات المعلوماتية‪(  ‬االنترنت ) َ‪ ‬تتولّى‪ ‬نشر الشائعات‬
‫المغرضة‪ ،‬والحمالت اإلعالمية‪.‬‬
‫‪ .‬عن المغيرة بن شعبة رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ ” :‬إنَّ هللا حرم عليكم عقوق األمهات‪،‬‬
‫ووأ َد البنات‪ ،‬ومنعا ً وهات‪ ،‬وكره لكم قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة المال ” متفق عليه ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وإن من أولى الخطوات في مواجهة حرب الشائعات تربية النفوس على الخوف من هللا‪ ،‬والتثبت في األمور‪ ،‬فالمسلم ال‬
‫ينبغي أن يكون أذنا لكل ناعق‪ ،‬بل عليه التحقق والتب ّين‪ ،‬وطلب البراهين الواقعية‪ ،‬واألدلّة الموضوعية‪ ،‬والشواهد‬
‫العملية‪ ،‬وبذلك ُيسدّ الطريق أمام األدعياء‪ ،‬الذين يعملون خلف الستور‪ ،‬ويلوكون بألسنتهم كل قول وزور‪.‬‬

‫‪ ‬كيف عالج اإلسالم قضية اإلشاعة ؟‬


‫والتثبت له طرق كثيرة فمنها‪  : ‬‬
‫أ‪ -‬إرجاع األمر ألهل االختصاص‪:‬‬
‫يقول هللا تعالى ( و‪ ‬إذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي األمر‪ ‬منهم لعلمه‬
‫الذين يستنبطونه منهم‪[ ) ‬النساء ‪ ] 83‬قال الشيخ السعدي‪ -‬رحمه هللا ‪ ( :-‬هذا تأديب من هللا‪ ‬لعباده عن فعلهم غير‬
‫الالئق ‪ ،‬و أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من األمور المهمة و‪ ‬المصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف‬
‫الذي فيه مصيبة عليهم أن‪ ‬يتثبتوا و ال يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ‪ ،‬بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي األمر‪ ‬منهم ؛‬
‫أهل الرأي و العلم و العقل الذين يعرفون المصالح و ضدها‪.‬‬
‫فإن رأوا في‪ ‬إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرزا من أعدائهم ‪ :‬فعلوا ذلك‪.‬‬
‫فان رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة و لكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه‪ ‬‬
‫فكم من إشاعة كان بالمكان تالفي شرها بسؤال أهل االختصاص‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفكر في محتوى اإلشاعة‪:‬‬
‫إن كثير من المسلمين ال يفكر في مضمون اإلشاعة الذي قد يحمل في طياته كذب تلك‪ ‬اإلشاعة‪ ،‬بل تراه يستسلم لها و‬
‫ينقاد لها و كأنها من المسلمات‪.‬‬
‫و لو أعطينا‪ ‬أنفسنا و لو للحظات في التفكر في تلك اإلشاعات لما انتشرت إشاعة أبدا‪.‬‬
‫لقد بين‪ ‬هللا حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة اإلفك فقال سبحانه‪ ( :‬إذ تلقونه بألسنتكم‪ ‬و تقولون بأفواهكم ما ليس‬
‫(‬ ‫به علم‪) ‬النور ‪15‬‬

‫(إذ تلقونه بألسنتكم ) ومن البديهي أن اإلنسان يتلقى األخبار بسمعه ال بلسانه ‪ ،‬و لكن أولئك النفر من‬
‫الصحابة الذين وقعوا في اإلفك لم يستعملوا التفكير‪ ،‬لم يمروا ذلك الخبر على عقولهم ليتدبرا فيه‪ ،‬بل‬
‫قال هللا عنهم أنهم يتلقون حادثة اإلفك بألسنتهم ثم يتكلمون بها بأفواههم من شدة سرعتهم في نقل‬
‫الخبر و عدم التفكر فيه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪  :‬خطورة الشائعات‬


‫أ‪ -‬الناقل لإلشاعة من الفاسقين‪.‬‬
‫في اآلية السابقة يقول هللا تعالى‪ ( :‬يا‪ ‬أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا …) فجعل هللا من نقل‬
‫الخبر دون تثبت‪ ‬من الفاسقين‪.‬‬
‫فمجرد نقل األخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق؛ و ذلك ألن هذه‪ ‬األخبار ليس كلها صحيح‪ ،‬بل فيها‬
‫الصحيح والكاذب‪ ،‬فكان كل من نقل كل خبر وأشاعه؛ داخل‪ ‬في نقل الكذب‪ ،‬لذا جعله هللا من الفاسقين‪.‬‬
‫و قد صرح النبي بذلك كما في صحيح مسلم‪( : ‬كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع‪) ‬‬
‫فالمؤمن البد له من الحذر في أن يكون‪ ‬عند هللا من الفاسقين ‪. ‬‬

‫‪15‬‬
‫‪.‬والعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال‬
‫‪.‬و ال كل ما يعلم يصلح‪ ‬لإلشاعة و النشر‬
‫‪.‬وصح عنه – عليه الصالة والسالم – أنه قال‪“ :‬بئس مطية الرجل‪ :‬زعموا” رواه أبو داود وغيره‬
‫وأما إن كانت الشائعة صحيحة واقعة‪ ،‬لكن في إذاعتها مفسدة وأذى‪ ،‬فإن ذلك محرم أيضاً‪ ،‬خاصة إذا كان فيها أذية‬
‫‪ .‬لمسلم وإضرار به‪ ،‬وتتبع لعوراته‬
‫عن أبي برزة األسلمي – رضي هللا عنه – قال‪ :‬قال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم ‪“ :-‬يا معشر من آمن بلسانه‪،‬‬
‫ولم يدخل اإليمان قلبه ال تغتابوا المسلمين‪ ،‬وال تعيروهم‪ ،‬وال تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإنه من اتبع عوراتهم يتبع هللا عورته‪،‬‬
‫‪.‬ومن يتبع هللا عورته يفضحه ولو في جوف بيته” حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وأحمد‬
‫ب‪-‬التفكر في عواقب اإلشاعة‪:‬‬
‫و عودة مرة ثالثة لآلية السابقة في سورة الحجرات يقول هللا تعالى‪ ( :‬أن تصيبوا‪ ‬قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم‬
‫نادمين‪) ‬‬
‫هال تفكرت في نتائج اإلشاعة؟‪ ‬هال تدبرت في عواقبها؟‬
‫فاعلم أخي‪ :‬إن كل‪ ‬خسارة‪ ،‬كل هم و غم أصاب أخاك المسلم‪ ،‬كل أموال أهدرت بسبب إشاعتك التي نشرتها أو‪ ‬ساعدت‬
‫في نشرها فلك نصيب من اإلثم فيها‪ .‬حادثة اإلفك ‪:‬‬
‫ولعل من أشهره اإلشاعات قصة اإلفك‪ ،‬تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات‪ ،‬وهي تتناول بيت النبوة ‪،‬‬
‫وتتعرض لعرض أكرم الخلق على هللا – صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وعرض الص ّديق والصدّ يقة وصفوان بن المعطل –‬ ‫ّ‬
‫رضي هللا عنهم أجمعين‪ -‬وشغلت هذه الشائعة المسلمين بالمدينة شهراً كامالً‪ ،‬والمجتمع اإلسالمي يصطلي بنار تلك‬
‫الفرية‪ ،‬وتعصره الشائعة الهوجاء عصراً‪  ،‬حتى نزل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة ‪ ،‬ويرسم المنهج للمسلمين عبر‬
‫سم ِْع ُت ُموهُ َظنَّ ا ْل ُمْؤ ِم ُنونَ َوا ْل ُمْؤ ِم َناتُ ِبَأنفُسِ ِه ْم َخ ْي ًرا َو َقالُوا‬
‫العصور للواجب اتخاذه عند حلول الشائعات المغرضة {لَ ْواَل ِإ ْذ َ‬
‫ه ََذا ِإ ْف ٌك ُّمبِينٌ } ‪  12‬النــور‬
‫س ْب َحا َن َك َه َذا ُب ْه َتانٌ َعظِ ي ٌم * َي ِع ُظ ُك ُم هَّللا ُ َأن َت ُعودُوا‬
‫سم ِْع ُت ُموهُ قُ ْل ُتم َّما َي ُكونُ لَ َنا َأن َّن َت َكلَّ َم ِب َه َذا ُ‬
‫{ولَ ْواَل ِإ ْذ َ‬
‫إلى قوله سبحانه‪َ :‬‬
‫لِ ِم ْثلِ ِه َأ َب ًدا ِإن ُكن ُتم ُّمْؤ ِمنِينَ } ‪ 17 – 16‬النــور‬
‫وقد ورد أن أبا أيوب األنصاري‪  ‬قالت له امرأته أم أيوب‪ :‬يا أبا أيوب‪ ،‬أما تسمع ما يقول الناس في عائشة‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنها؟‬
‫ت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت‪ :‬ال وهللا ما كنتُ ألفعله‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وذلك الكذب‪ .‬أكن ِ‬
‫قال‪ :‬فعائشة وهللا خير منك‪.‬‬
‫تقول عائشة – رضي هللا عنها‪“ :-‬فمكثت شهراً ال يرقأ لي دم ٌع وال أكتحل بنوم”‪ ،‬حتى ّ‬
‫برأها هللا من فوق سبع‬
‫سماوات‪ – ،‬رضي هللا عنها وأرضاها‪.-‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬كيف نتعامل مع اإلشاعات‬


‫البد أن يكون هناك منهج محدد لكل مسلم يتعامل فيه مع‪ ‬اإلشاعات‪ ،‬ونلخصها في أربعة نقاط مستنبطة من حادثة‬
‫اإلفك‪ ،‬التي رسمت منهجا ً لألمة‪ ‬في طريقة تعاملها مع أية إشاعة إلى قيام الساعة ‪:‬‬

‫أ‪-‬أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم‪ ،‬قال هللا تعالى ‪( :‬لوال إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم‬
‫خيراً)النور‪12‬‬

‫ب‪ -‬أن يطلب المسلم الدليل على أية إشاعة‪ ‬يسمعها يقصد بها الخوض في عرض مسلم أو مسلمة قال هللا تعالى‪:‬‬
‫( لوال جاءوا عليه بأربعة شهداء)النور‪13‬‬

‫‪16‬‬
‫ج ‪-‬أن ال يتحدث بما سمعه وال ينشره‪ ،‬فإن‪ ‬المسلمين لو لم يتكلموا بأية إشاعة‪ ،‬لماتت في مهدها قال هللا تعالى‪( :‬ولوال‬
‫إذ‪ ‬سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا)النور ‪16‬‬

‫ح ‪ -‬أن يرد األمر إلى أولى األمر‪ ،‬وال يشيعه بين الناس أبداً‪ ،‬وهذه‪ ‬قاعدة عامة في كل األخبار المهمة‪ ،‬والتي لها أثرها‬
‫الواقعي‪:‬قال هللا تعالى‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫)وإذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم‪ ،‬ولوال‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فضل هللا عليكم ورحمته التبعتم الشيطان إال قليال)النساء ‪83‬‬

‫إن هذا المقطع يمث‪LL‬ل ج‪LL‬زءاً من أخالقي‪LL‬ات المجتم‪LL‬ع الفاض‪LL‬ل ال‪LL‬ذي اس‪LL‬تقرت أركان‪LL‬ه ‪ ،‬وم‪LL‬ا ع‪LL‬اد للم‪LL‬رجفين‬
‫والمش‪LL‬ككين ال‪LL‬ذين يف‪LL‬ترون الك‪LL‬ذب مج‪LL‬ال في قب‪LL‬ول‪ L‬أخب‪LL‬ارهم وإش‪LL‬اعاتهم ‪ ،‬إن‪LL‬ه مجتم‪LL‬ع ق‪LL‬ائم على القواع‪LL‬د‬
‫األخالقية والمبادئ التي تضمن سالمته وأمنه ‪ ،‬وأي تفريط في هذه المب‪LL‬ادئ واألخالق س‪LL‬يعرض المجتم‪LL‬ع‬
‫المسلم إلى الصراعات والفتن ‪ ،‬مع تجاهل القيادة العامة له‪LL‬ذا المجتم‪LL‬ع ‪ ،‬وه‪LL‬ذا ي‪LL‬ؤدي إلى الكف‪LL‬ر والفس‪LL‬وق‪L‬‬
‫والعصيان ‪ ،‬فالراشدون هم الذين يهت‪LL‬دون به‪LL‬ذه األخالق إلى فض‪LL‬ل هللا ونعم‪LL‬ه ‪ ،‬ألن‪LL‬ه ه‪LL‬و اله‪LL‬ادي لم‪LL‬ا في‪LL‬ه‬
‫مصلحة العباد والبالد ‪ ،‬والحكيم في أحكامه وأوام‪LL‬ره ونواهي‪LL‬ه ال‪LL‬تي تمث‪LL‬ل بمجموعه‪LL‬ا " التربي‪LL‬ة األخالقي‪LL‬ة‬
‫لألمة اإلسالمية "‪.‬‬
‫وال شك أن هذه التربية األخالقية الفاضلة هي التي ال تنساق وراء كل دعاية وإشاعة وتقوّل ‪ ،‬فكم من كالم‬
‫يُقال ‪ ،‬ويترتب علي‪L‬ه أفع‪LL‬ال وتص‪LL‬رفات ‪ ،‬ف‪LL‬إن بُحث عن أص‪LL‬ل الكالم ال تج‪LL‬د ل‪LL‬ه حقيق‪L‬ة ‪ ،‬وإنم‪LL‬ا ه‪LL‬و ك‪LL‬ذب‬
‫واختالق‪ ، L‬ولذا فإن ما بُني على الكذب فهو‪ L‬باطل يُالم صاحبه ويُذم‪ ، L‬وما بُني على الحقيق‪LL‬ة والص‪LL‬دق‪ L‬فه‪LL‬و‬
‫حق ال يُذم صاحبه ‪ ،‬بل هو محمود ممدوح بأخالقه وتصرفاته الحميدة ‪ ،‬وهذا أم‪L‬ر ب‪L‬ديهي‪ L‬ال يختل‪L‬ف علي‪L‬ه‬
‫اثنان ‪ ،‬وبهذا تظهر العالقة بين التربية األخالقية وبين اإلرشاد إلى التثبيت من مصدر األخبار‬

‫لتحقيق التعارف السليم بين الناس بعضهم البعض‪ ،‬وبين الشعوب المتقاربة أو المتباعدة‪ ،‬ال ُب َّد من البناء‬
‫السليم القائم على المعلومة السليمة‪ ،‬فال يقوم تعارف قويٌّ بين البشر حتى يكون ك ٌّل منهما قد عرف‬
‫صاحبه وخبره‪ ،‬واطمأنَّ إليه‪ ،‬وهو ما يكون بالمعلومة الصحيحة‪ ،‬وهذا ما ُترشدنا‪ $‬إليه اآلية الكريمة في‬
‫ِين آ َم ُنوا ِإنْ َجا َء ُك ْم َفاسِ ٌق ِب َن َبٍإ َف َت َب َّي ُنوا َأنْ ُتصِ يبُوا َق ْو ًما‪ِ $‬ب َج َهالَ ٍة َف ُتصْ ِبحُوا‪$‬‬
‫قول هللا سبحانه وتعالى‪َ { $:‬ياَأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ِين} [الحجرات‪ .]6 :‬وفي قراءة حمزة والكسائيِّ ‪" $:‬فتثبَّتوا" من التثبُّت‪ ،‬وقرأ الباقون‪:‬‬ ‫َعلَى َما َف َع ْل ُت ْ‪$‬م َنا ِدم َ‬
‫" َف َت َب َّي ُنوا" من التبيين"‪ .‬وك ٌّل من التبيُّن والتثبُّت معناهما واحد؛ فاآلية الكريمة ُترشدنا إلى أهميَّة المعلومة‬
‫ب سماته وصفاته الخاصَّة‪،‬‬ ‫الصحيحة لتحقيق التعارف‪ $‬بين الناس‪ ،‬وقد‪ $‬تبيَّن من خالل النظريَّة أنَّ لك ِّل شع ٍ‬
‫ب من الشعوب فال‪ُ  ‬ب َّد من معرفة الصفات المميِّزة له؛ لتحقيق التعارف السليم‬ ‫فمن أراد التعرُّ ف على شع ٍ‬
‫والقوي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أمَّا إن لم يتثبَّت قو ٌم من معلوم ٍة أو خبر فإ َّنه يُحْ دِث ما حذرتنا منه اآلية الكريمة‪ { :‬نْ تصِ يبُوا‪َ $‬ق ْومًا ِب َج َهالَ ٍة‬
‫ِين}‪ ،‬وهذا يُوضِّح أن تناقل األخبار والمعلومات آفة المجتمعات والشعوب‪،‬‬ ‫َف ُتصْ ِبحُوا َعلَى َما َف َع ْل ُت ْم َنا ِدم َ‬
‫إشاعة أو كذبًا‪ ،‬وقد‪ $‬يكون هناك كثي ٌر من المبالغة‪ ،‬وغالبًا ما يكون نقل المعلومة أو‬ ‫ً‬ ‫فقد يكون بعضها‬
‫الخبر بحاج ٍة ما َّس ٍة إلى الد َّقة في النقل‪ ،‬وضبط اللفظ‪ ،‬وفهم المراد‪ ،‬وتأويل المسموع‪ ،‬وقد يكون الخبر‬
‫كلُّه مل َّف ًقا أو موضو ًعا لدوافع‪ $‬سياسيَّة أو مناصرة اتجاه معيَّن أو لبذر بذور‪ $‬الفرقة‪ ،‬وتأجيج نار الخالف‬
‫بين الناس (األقارب أو األباعد)؛ لذا أوجب القرآن التثبُّت من األخبار والمعلومات؛ تحقي ًقا للمصلحة‬
‫العامَّة أو الخاصَّة‪ ،‬ومن ًعا من إيقاع الفتنة وزرع الفُرقة‪.‬‬
‫إ َّنها دعوةٌ قرآني ٌَّة لمن يُريد التعارف الب َّناء‪ :‬أن تثبَّتوا من المعلومات واألخبار‪ ،‬وتبيَّنوا صحَّ تها أو فسادها‪$،‬‬
‫فك ُّل ذلك ُيَؤ ِّثر في قوَّ ة التعارف‪ $‬أو ضعفه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ربط اآليات بالواقع ‪ :‬إن كثيراً من األحداث المؤسفة ال‪LL‬تي تق‪LL‬ع في واقعن‪LL‬ا المعاص‪LL‬ر من قت‪LL‬ل وس‪LL‬فك دم‪LL‬اء‬
‫وصراعات وفتن إنما هي بسبب اإلشاعات واألكاذيب ال‪L‬تي يروجه‪L‬ا‪ L‬المن‪L‬افقون والمندس‪LL‬ون في ه‪LL‬ذه األم‪LL‬ة‬
‫لهدم بنائها وتقويض أركانها‪ ، L‬فما أحوجنا إذن لمزيد من اليقظة واالنتباه والحذر الشديد من أخبار الفسقة ‪،‬‬
‫خاصة أننا نعيش زمانا ً ‪ ،‬اختلطت فيه الموازين والمقاييس ‪ ،‬فقد تنخدع بظاهر إنسان فتأخذ‪ L‬بكالمه ‪ ،‬وتبني‪L‬‬
‫عليه أحكاما ً وأفعاالً‪ ، L‬ثم يتبين لك الخلل الكب‪LL‬ير ال‪LL‬ذي وقعت في‪LL‬ه بس‪LL‬بب ه‪LL‬ذا اإلنس‪LL‬ان الودي‪LL‬ع في ظ‪LL‬اهرة ‪،‬‬
‫الثعلب في روغانه ‪ ،‬العقرب في لدغاتها‪.‬وما‪ L‬أحوجنا كذلك إلى القيادة الحكيمة الراشدة ال‪LL‬تي تح‪LL‬رص على‬
‫راحة األمة وسعادتها ‪ ،‬والتي يؤلمها عنت األمة وشقاؤها‪ L‬بإتباع أخب‪L‬ار ّ‬
‫الفس‪L‬اق والم‪LL‬رجفين ‪ ،‬قي‪LL‬ادة رباني‪LL‬ة‬
‫تدعو األمة إلى العزة والكرامة بالسير على منهاج هللا تعالى قرآناً‪ L‬وسنة ‪ ،‬وتأخذ بيد األمة بعي‪LL‬داً عن الكف‪LL‬ر‬
‫والفسوق‪ L‬والعصيان ‪ ،‬مهتدية بهدي هللا الذي يعلم ما يص‪LL‬لح األم‪LL‬ة ‪ ،‬وي‪LL‬رتقي به‪LL‬ا وبأخالقه‪LL‬ا وقيمه‪L‬ا‪ ، L‬إنه‪LL‬ا‬
‫التربية األخالقية في ضوء هذه اآليات من سورة الحجرات‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪: ‬اإلصالح بين المسلمين‬


‫‪18‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف اإلصالح بين المسلمين‬
‫ال يخلو مجتمع من خالف قد ينشب بين أخوين أو فرقتين لسبب أو آلخر فإن ترك األمر على ما ه‪LL‬و علي‪LL‬ه‬
‫من خالف وصراع واقتتال‪ L‬فإن ذلك يؤدي‪ L‬قطعا إلى تمزق أواصر‪ L‬ه‪LL‬ذا المجتم‪LL‬ع ‪ ،‬ويض‪LL‬عف‪ L‬الرابط‪LL‬ة بين‬
‫أبناء األمة المسلمة الواحدة ‪ ،‬وقد تس‪LL‬وء األخالق ‪ ،‬ويك‪LL‬ثر‪ L‬الكالم والقي‪LL‬ل والق‪LL‬ال ‪ ،‬ويك‪LL‬ثر الك‪LL‬ذب والدعاي‪LL‬ة‬
‫واإلش‪LL‬اعة ‪ ،‬ويتس‪LL‬ع الخ‪LL‬رق على الراق‪LL‬ع ‪ ،‬وبالت‪LL‬الي‪ L‬ال يلتقي أح‪LL‬د على أح‪LL‬د ‪ ،‬وال يتع‪LL‬اون أح‪LL‬د م‪LL‬ع إح‪LL‬د ‪،‬‬
‫ويصبح الجميع عدواً للجميع ‪ ،‬وتُفقد الثقة بين الجميع ‪ ،‬وإن مجتمعا ً هذا حال‪LL‬ه ال يمكن أن تق‪L‬وم ل‪L‬ه قائم‪L‬ة ‪،‬‬
‫وسوف يسعى األعداء والمندس‪LL‬ون إلى تغذي‪LL‬ة ه‪LL‬ذا الص‪LL‬راع والخالف بين المؤم‪LL‬نين ‪ ،‬وسيش‪LL‬علون ن‪LL‬اراً ال‬
‫ينطفيء لهيبها ‪ ،‬فأين األخالق عندئذ ؟ وأين ذهبت األلباب ؟ وأين أصحاب الحكمة وال‪LL‬رأي الس‪LL‬ديد ؟ وأين‬
‫المصلحون ؟ وأين القوة التي تفرض فض النزاع واالحتكام إلى ش‪LL‬رع هللا ودين‪LL‬ه ؟ وإنص‪LL‬اف المظل‪LL‬وم من‬
‫ظالمه ؟ وإيقاف الظالم عند حده ؟ فال يتجاوزه إلى افتراء وعدوان ‪ ،‬لذلك ج‪LL‬اءت األوام‪L‬ر‪ L‬اإللهي‪LL‬ة الس‪LL‬ديدة‬
‫لتعالج هذا الخلل الطارئ ‪ ،‬وتض‪LL‬ع منهج‪L‬ا ً قويم‪L‬اً‪ L‬إلنه‪LL‬اء الفتن‪LL‬ة وإخماده‪L‬ا‪ L‬قب‪LL‬ل أن يس‪LL‬تفحل أمره‪LL‬ا وي‪LL‬زداد‪L‬‬
‫خطرها ‪ ،‬مع تحري العدل والتقوى في الحكم بين المؤم‪LL‬نين ‪ ،‬ف‪LL‬ذلك أدعى إلى رحم‪LL‬ه هللا وعف‪LL‬وه ومغفرت‪LL‬ه‬
‫وأق‪LL‬وم‪ L‬لمجتم‪LL‬ع فاض‪LL‬ل يق‪LL‬وم على الخ‪LL‬ير والفض‪LL‬يلة والخل‪LL‬ق الحس‪LL‬ن في معامالت‪LL‬ه وتص‪LL‬رفاته وحركات‪LL‬ه‬
‫وسكناته ‪ ،‬لتتكامل بذلك أخالق المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬وهكذا تكون التربية األخالقية لألمة اإلسالمية‪]7[.‬‬

‫ت ِإحْ دَا ُه َما َعلَى‪ ‬األخرى‪َ  ‬ف َقا ِتلُوا‬ ‫ِين ا ْق َت َتلُوا َفَأصْ لِحُوا َب ْي َن ُه َما َفِإنْ َب َغ ْ‬ ‫ان م َِن ْالمُْؤ ِمن َ‬ ‫قال‪ ‬تعالى‪َ  ﴿ :‬وِإنْ َطاِئ َف َت ِ‬
‫ت َفَأصْ لِحُوا‪َ $‬ب ْي َن ُه َما ِب ْال َع ْد ِل َوَأ ْقسِ ُ‬
‫طوا ِإنَّ هَّللا َ ُيحِبُّ ْال ُم ْقسِ طِ َ‬ ‫مْر هَّللا ِ َفِإنْ َفا َء ْ‬ ‫َأ‬
‫ين *ِإ َّن َما‬ ‫الَّتِي َت ْبغِي َح َّتى َتفِي َء ِإلَى ِ‬
‫ُون ﴾ سورة الحجرات ‪ 9 :‬ـ ‪.10‬‬ ‫ون ِإ ْخ َوةٌ َفَأصْ لِحُوا َبي َْن َأ َخ َو ْي ُك ْم َوا َّتقُوا هَّللا َ لَ َعلَّ ُك ْم ُترْ َحم َ‬
‫ْالمُْؤ ِم ُن َ‬
‫سبب النـزول‪:‬‬
‫روى‪ $‬البخاري‪ $‬ومسلم عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪“ :‬قيل لرسول هللا‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬لو‬
‫أتيت عبد هللا بن أبي‪ ،‬فركب حمارا وانطلق معه المسلمون يمشون‪ ،‬فلما أتاه النبي‪ ‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ‬قال‪ :‬إليك عني‪،‬فو هللا لقد آذاني نتن حمارك‪ ،‬فقال رجل من األنصار‪ :‬وهللا‪ ،‬لحمار رسول هللا‪ ‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ $‬أطيب ريحا منك‪ ،‬فغضب لعبد هللا رجل من قومه‪ ،‬وغضب لكل واحد منهما أصحابه‪،‬‬
‫فكان بينهم ضرب بالجريد‪ $‬واأليدي‪ $‬والنعال‪ ،‬فبلغنا أنها نـزلت فيهم‪( :‬وإن طائفتان…‪ .)..‬الحجرات‪9‬‬
‫مناسبة اآلية لما قبلها ‪:‬‬
‫لما نبه سبحانه وتعالى على وجوب التبين من نبأ الفاسق‪ ،‬فقد يأتي الفاسق إلى قوم بنبأ كاذب على قوم‬
‫آخرين‪ ،‬فإذا سارعوا بتصديق‪ $‬نبأه سيقع القتال والفتنة‪ ،‬ولذا جاءت اآلية الكريمة كأنها بيان لما عساه أن‬
‫يقع بالمخالفة وعدم التبين والمسارعة بأخذ خبر الفاسق‪ ،‬فيقع مضرة على هؤالء الناس‪ ،‬ويقع القتال بين‬
‫الفريقين‪.‬‬
‫ان م َِن ْالمُْؤ ِمن َ‬
‫ِين ا ْق َت َتلُوا }‪ ، ‬فكأنه يقول‪ :‬وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‬ ‫فيكون هذا العالج‪َ { :‬وِإنْ َطاِئ َف َت ِ‬
‫بسبب نبأ فاسق‪ $‬جاءهم فتداركوا‪ $‬األمر‪ ،‬وأصلحوا‪ $‬بينهم‪ ،‬وال تتركوهم‪ $‬على ما هم عليه‪ ،‬وإن كانوا فرطوا‬
‫في عدم التثبت ال تفرطوا‪ $‬أنتم في عدم اإلصالح‪ ،‬وهذا ترتيب في غاية اإلعجاز‪.‬‬
‫التفسير التحليلي‬
‫﴿ َوِإنْ َطاِئ َف َت ِ‬
‫ان ﴾ يعني‪ :‬فرقتان من المؤمنين‪.‬‬
‫﴿ ا ْق َت َتلُوا ﴾‪ ‬أي‪ :‬حصل بينهم ما يسبب القتال‪ ،‬أواالختالف المؤدي إلى االقتتال‪.‬‬
‫وهذا في أي خالف‪ ‬خيف أنه يقع منه غير القتال؛ كالمقاطعة والفجور بالخصومة‪ ‬والتباغض والسباب‬
‫ونحو‪ $‬ذلك؛ فعلى البقية أن يسعوا‪ $‬في اإلصالح بينهم‪. ‬‬

‫‪19‬‬
‫ولهذا قال‪َ ( :‬فَأصْ لِحُوا َب ْي َن ُه َما)‪ ‬والصلح هو السعي في المؤاخاة ‪ ،‬وإزالة ما بينهما من العداوة‪ ،‬والحرص‬
‫على تأليف القلوب فيما بينهم‪ ،‬وجمعها‪ ،‬وإزالة العداوة والشحناء والقطيعة‪.‬‬
‫األخ َرى َف َقا ِتلُوا الَّتِي َت ْبغِي َح َّتى َتفِي َء ِإلَى َأم ِْر هَّللا ِ ﴾‪ ‬إذا قدر أن إحداهما امتنعت‬
‫ت ِإحْ دَا ُه َما َعلَى ْ‬
‫﴿ َفِإنْ َب َغ ْ‬
‫من الصلح‪ ،‬قالت‪ :‬ال نقبل‪ ،‬وال بد أننا نقاتلهم ؛ فإنهم‪ $‬اعتدوا علينا وظلمونا‪ $‬؛ فال نرضى بل ال بد أن‬
‫نقاتلهم‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬
‫قوله‪َ ﴿ :‬ف َقا ِتلُوا الَّتِي َت ْبغِي ﴾‪ ‬البغي هو التعدي‪ ،‬ومجاوزة الحد‬
‫فهؤالء هم الذين يقاتلون؛ يقاتلهم بقية المؤمنين‪ ‬حتى يرجعوا‪َ ﴿ ‬ح َّتى َتفِي َء ِإلَى َأم ِْر هَّللا ِ ﴾‪ ‬يعني حتى ترجع‬
‫هذه الطائفة الممتنعة‬
‫ت ﴾‪ ‬ورجعت فعند ذلك أصلحوا بينهما‪ ، ‬والفيئة الرجوع‪ُ ،‬أخذت من الفيء وهو الظل في آخر‬ ‫﴿ َفِإنْ َفا َء ْ‬
‫النهار؛ ألن الظل في أول النهار يكون إلى جهة الغرب لمجيء الشمس من الشرق‪ ،‬فإذا جاءت إلى كبد‬
‫السماء وتحولت إلى المغرب تحول الظل إلى الشرق‪.‬‬
‫وهذا هو الفيء‪.‬‬
‫فكذلك من كان على طريق فرجع عنه إلى عكسه فقد فاء‪.‬‬
‫فإن فاءت عن الغي وفاءت عن االعتداء حينئذٍ‪:‬‬
‫{ َفَأصْ لِحُوا‪َ $‬ب ْي َن ُه َما ِب ْال َع ْد ِل }‪ ‬؛ ال تميلوا إلى هؤالء وال إلى هؤالء‬
‫طوا ﴾‪ ‬والقسط أيضا‪ :‬هو المساواة‬ ‫﴿ َوَأ ْقسِ ُ‬
‫﴿ ِإ َّن َما ْالمُْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ِإ ْخ َوةٌ ﴾‪ ‬ولو تقاتلوا فال يخرجهم‪ $‬تقاتلهم عن كونهم‪ $‬مؤمنين؛ فهم إخوة لكم جميعا؛ واألخوة‬
‫هاهنا األخوة اإليمانية‪.‬‬
‫ونالحظ‪ $‬هنا‪ ‬كلمة (إنما) في اآلية الكريمة‪ ،‬فهي (أداة حصر) أي أنّ هللا عز وجل يخبرنا‪ $‬بأنه‪ :‬ال أخوّ ة‬
‫حقيقية إال أخوّ ة اإليمان واإلسالم‪ ،‬وعالقة األخوّ ة بين المؤمنين أقوى من عالقة النسب‪ ،‬تضعف‪ $‬بضعف‪$‬‬
‫إيمانهم‪ ،‬و َتقوى بقوّ ة هذا اإليمان!‪ ..‬ويقوى اإليمان بقوّ تها‪ ،‬ويضعف‪ $‬بضعفها!‬
‫﴿‪َ  ‬فَأصْ لِحُوا‪َ $‬بي َْن َأ َخ َو ْي ُك ْ‪$‬م ﴾‪ ‬جعل هؤالء إخوانكم‪ ،‬وهؤالء إخوانكم؛ مع أنهم يتقاتلون فيما بينهم؛ فلم‬
‫تخرجهم‪ $‬هذه المقاتلة عن كونهم إخوة؛ فهم إخوتكم يعني هؤالء وهؤالء‪ ،‬وكذلك بعضهم إخوة بعض‪.‬‬
‫(أخويكم }‪ ‬مثنى أخ ولم يقل بين إخوانكم؛ ألن هذه الطائفة كالجسد الواحد كأنها إنسانٌ ‪ ‬واحد وهذه الطائفة‬
‫المعادية التي تقاتلها كذلك كاإلنسان الواحد فأنت كأنك‪ ‬تصلح بين أخوين‬
‫{ َوا َّتقُوا‪ ‬هَّللا َ لَ َعلَّ ُك ْم ُترْ َحم َ‬
‫ُون }‪ ‬فرحمة هللا عز وجل إنما تنال باالتفاق‪ ‬وباأللفة وباألخوة وباالجتماع‪$.‬‬
‫التفسير الموضوعي‬
‫الموضوع الذي تعالجه اآليات الصلح بين المسلمين‬
‫حتمية الخالف‬
‫تقع الخالفات بين الناس ويحدث الخصام بين جميع فئات المجتمع بين الرجل وزوجته وبين القريب‬
‫وقريبه وبين الجار وجاره وبين الشريك‪ $‬وشريكه ‪ ،‬وهذا أمر طبيعي وحتمي‪ $‬ومشاهد ال يمكن إنكاره‬
‫وأسبابه كثيرة ال حصر‪ $‬لها ‪.‬‬
‫النار من مستصغر الشرر‬

‫‪20‬‬
‫وغالبا ما تكون هذه الخالفات في بداياتها‪ $‬اختالف بسيط يمكن تالفيه لو أحسن الناس التصرف‪ $‬ولكن‬
‫الشيطان الذي قال هللا عنه (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم )اإلسراء‪52‬‬
‫و كما أخبر بذلك الرسول صلى هللا عليه وسلم(إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب‬
‫ولكن في التحريش بينهم ) رواه مسلم‬
‫هذا الشيطان لن يدع هذه الفرصة تفوت عليه ولن يتوانى هو وأعوانه – النفس األمارة بالسوء والهوى‬
‫المتبع وأهل اإلفساد والشر‪ $‬والنميمة – في التحريش بينهم و إذكاء نار العداوة والبغضاء حتى تتحول هذه‬
‫الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير‪ $‬لها عواقبها الوخيمة ؛ فيساء الظن ويقع اإلثم وتحل القطيعة‬
‫ويفرق‪ $‬الشمل وتهتك األعراض وتسفك الدماء وتنتهك الحرمات‪.‬‬
‫أصدقاء األمس أعداء اليوم‬
‫ويتحول‪ $‬الحال ؛ فبعد المحبة والصفاء تحل العداوة والبغضاء‪ $‬وبعد القرب والوصال تكون القطيعة‬
‫والهجران ويصبح أصدقاء األمس أعداء اليوم ‪ ،‬ويفسد ذات بينهم وتقع الحالقة التي ال تحلق الشعر‬
‫ولكنها تحلق الدين كما اخبر بذلك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪. $‬‬
‫أهمية إصالح ذات البين‪:‬‬
‫وحيث حرص اإلسالم على وحدة المسلمين وأكد على أخوتهم وأمر بكل ما فيه تأليف لقلوبهم‪ $‬ونهى عن‬
‫كل أسباب العداوة والبغضاء فقد أمر بالسعي وإصالح ذات البين وحث عليه وجعل درجته أفضل من‬
‫درجة الصيام والصدقة والصالة ‪ ،‬وقد ورد في ذلك عدة آيات وأحاديث منها ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ( :‬إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا هللا لعلكم ترحمون )‪ ‬الحجرات ‪. 10‬‬
‫وقال تعالى‪ ( : ‬ال خير في كثير من نجواهم إال من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بين الناس ومن‬
‫يفعل ذلك ابتغاء مرضاة هللا فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)‪ .‬النساء‪114 :‬‬
‫وقال الرسول صلى هللا عليه وسلم ( أال أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصالة والصدقة ؟ قالوا‬
‫بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬إصالح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) رواه أبو داود ‪ ،‬وللترمذي ( ال أقول‬
‫تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) ‪.‬‬
‫ويقول صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬كل سُالمى من الناس عليه صدقة ك َّل يوم تطلع فيه الشمس ‪ ،‬تعدل بين‬
‫االثنين صدقة ) أي تصلح بينهما بالعدل · أخرجه البخاري ومسلم‪. $‬‬
‫ويقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬أفضل الصدقة إصالح ذات البين) صححه األلباني ‪.‬‬
‫هو السعي والتوسط بين المتخاصمين ألجل رفع الخصومة واالختالف عن طريق‪ $‬التراضي والمسالمة‬
‫تجنبا لحدوث البغضاء والتشاحن وإيراث الضغائن ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ : ‬بعض شروط الصلح‬

‫أن ال يشترط‪ $‬في الصلح شرطا مخالفا لحكم هللا فان كان مخالفا لحكم هللا فانه ال يجوز لقوله‬ ‫‪‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬أيما شرط ليس في كتاب هللا فهو باطل ‪ ،‬وإن كان مائة شرط ) رواه‬
‫البخاري‬
‫وال يتضمن شيئا محرما كأن يكون تحليل ما حرم هللا أو تحريم ما أحل هللا كما قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ( : $‬الصلح جائز بين المسلمين إال صلحا حرم حالال أو أحل حراما ) حديث حسن صحيح‬
‫رواه أبو داود والترمذي‪. $‬‬

‫‪21‬‬
‫أن يكون الصلح بتراض من الجانبين المتخاصمين لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬ال يحل مال‬ ‫‪‬‬
‫امرئ مسلم إال بطيب نفس منه )‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نية المسلم عند التدخل لإلصالح‬

‫طلب األجر والثواب من هللا تعالى قال تعالى ‪ ( :‬ال خير في كثير من نجواهم إال من أمر‬ ‫‪‬‬
‫بصدقة‪  ‬أو معروف أو إصالح بين الناس‪ ‬ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة هللا فسوف نؤتيه أجراً‬
‫عظيما ً‪ ) ‬النساء‪.114 :‬‬
‫تحقيق مفهوم األخوة قال تعالى ‪ ( :‬واعتصموا بحبل هللا جميعا ً وال تفرقوا‪ ) .… $‬آل عمران‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪. 103‬‬
‫الحرص على تماسك المجتمع ‪ ،‬وبث األلفة ‪ ،‬والرحمة ‪ ،‬و التسامح بين أفراد المجتمع المسلم ·‬ ‫‪‬‬
‫الدعاء الجميل‪ ،‬والثناء الكبير‪ ،‬حيث ارتفعت أيدي الناس بالدعاء‪ ،‬والسيما‪ $‬من ُحلّت له قضية‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬
‫نفست عنه كربة‪ ،‬أو قدمت له مساعدة‪ ،‬فما أحسن أن ينام اإلنسان ملء عينيه واألكف ترتفع في‬
‫جنح الليل تدعو له‪ ،‬وتترضى‪ $‬عنه‪ ،‬وتثني‪ $‬عليه ·‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آداب و صفات المصلح‬

‫أن يستشعر‪ $‬أنها عبادة يقوم بها استجابة ألمر هللا‬ ‫‪‬‬
‫·‪ ‬أن يكون ذا خلق ودين‪  ‬متصفا ً باألخالق‪ $‬الكريمة مبتعدا عن األخالق السيئة ال يغتاب وال ينم ألن‬
‫الغيبة والنميمة إفساد واإلفساد‪ $‬واإلصالح ال يجتمعان ‪.‬‬
‫أن يتصف‪ $‬بروح المبادرة والحرص على نشر الخير من تلقاء نفسه‬ ‫‪‬‬
‫أن يتحلى بالحلم وسعة البال والصبر‪ $‬والتأني وعدم العجلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يكون ذا علم شرعي عالم بما يحل ويحرم‪ $‬والشروط‪ $‬واألحكام خاصة في مجال الخصومة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يكون خبيرا في مجال النزاع عالما بالوقائع محيطا بالقضية ومالبساتها باحثا عن مسبباتها‪$‬‬ ‫‪‬‬
‫عارفا بطرق معالجة المشكالت ووضع الحلول والتسويات‪ $‬العادلة المقترحة‪  ‬سواء كانت في‬
‫مجال المشاكل الزوجية أو العقار أو الديون ‪.‬‬
‫أن يكون لطيفا ً مع الناس وأن يحرص على استعمال األسلوب الحسن والحكمة والبصيرة‪ .‬والبعد‬ ‫‪‬‬
‫عن العبارات الجارحة‪.‬‬
‫أن يكون محايدا فيحرص على أن ينظر إليه الطرفان بوصفه شخص محايد ال يميل مع أيهما ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يتحرى العدل قال تعالى ‪ ( :‬فأصلحوا‪ $‬بينهما بالعدل واقسطوا إن هللا يحب‬ ‫‪‬‬
‫المقسطين )‪ ‬الحجرات‪9 :‬‬
‫قال اإلمام ابن تيمية رحمه هللا في رسالة صغيرة اسمها‪ :‬رسالة المظالم‪:‬‬
‫)الملك يدوم مع العدل ولو لكافر‪ ،‬وال يدوم‪ $‬مع الظلم ولو لمسلم (‬
‫ألن الظلم كما نعلم يولد حقداً في المجتمعات واألفراد‪ $‬إذا كانوا يتظالمون في حقوقهم وأعراضهم؛ فكل‬
‫ينصب للثاني العداء‪ ،‬أما إذا كانت األمانة والعدالة‪ ،‬وكان الناس آمنون على الدين والنفس والعقل والنسب‬
‫والعرض والمال‪ ،‬حينها األمة تكون في خير وعلى خير‪.‬‬
‫المحافظة على أسرار‪ $‬المتخاصمين يقول الفضيل بن عياض في أهمية الستر ‪ « :‬المؤمن يستر‬ ‫‪‬‬
‫وينصح والفاجر يهتك ويفضح‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الثاني‪ :‬جواز الكذب ألجل اإلصالح‪ -‬الخصم المتعنت ‪ -‬بعد االتفاق والتصالح ‪:‬‬ ‫المبحث‬
‫المطلب األول‪ : ‬جواز الكذب ألجل اإلصالح ‪:‬‬

‫أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات وفي‪ $‬األمور التي توفق‪ $‬وتقرب وتخفف من شدة‬
‫العداوة وتحببهم إلى بعض قال صلى هللا عليه وسلم ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي‪ $‬خيرا أو‬
‫يقول خيرا ) رواه البخاري ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أن يحاول المصلح تبرير أعمال كل من المتخاصمين وأقوالهما‪ $‬بما يحقق التقارب ‪،‬‬
‫ويزيل أسباب الشقاق والخالف‪ ، $‬وأحيانا ينفي بعض أقوالهما السيئة فيما بينهما ‪ ،‬وينسب إلى كل منهما‬
‫من األقوال الحسنة في حق صاحبه مما لم يقله مثل أن يقول ‪ :‬فالن يسلم عليك ويحبك ‪ ،‬وما يقول فيك‬
‫إال خيرا ونحو ذلك ‪.‬‬
‫في كل الخطوات على المصلح دائما بالوعظ والنصيحة وتذكير‪ $‬الخصوم بالعاقبة ‪:‬‬
‫فيذكرهم بعاقبة الخصومة ‪ ,‬وما تجلبه من الشقاق ‪ ,‬وتوارث العداوات ‪ ,‬واشتغال القلوب ‪ ,‬وغفلتها عن‬
‫مصالحها‪ . $‬ويذكرهم كذلك بالعاقبة الحميدة للصلح في الدنيا واآلخرة ‪ ,‬ويسوق لهم اآلثار الواردة في ذلك‬
‫كقوله تعالى – ‪َ ( :‬وَأنْ َتعْ فُوا َأ ْق َربُ لِل َّت ْق َوى )‪[ ‬البقرة‪]237 :‬وكقوله ‪َ ( :‬و ْال َعاف َ‬
‫ِين َعنْ ال َّن ِ‬
‫اس )‪[ ‬آل‬
‫عمران‪ ]134 :‬وكقوله ‪َ ( :‬ف َمنْ َع َفا َوَأصْ لَ َح َفَأجْ ُرهُ َعلَى هَّللا ِ )‪[ ‬الشورى‪[40 $:‬‬
‫·‪ ‬وعلي المصلح أن يحسن االستماع ‪:‬ألن ك َّل طرف من األطراف‪ $‬يزعم أنه على حق ‪ ،‬وأن صاحبه‬
‫على باطل ؛ فيحتاج ك ُّل واحد منهما إلى َمنْ َيستمع إليه ‪ ،‬ويرفق‪ $‬به ‪ ،‬ويأخذ ويعطي معه ‪.‬‬
‫بل إن بعض الخصوم يكفيه أن يفرغ ما في نفسه من غيظ ‪ ،‬أو كالم ؛ فيشعر‪ $‬بعد ذلك بالراحة ‪ ،‬ويكون‬
‫مستعداً لما يُراد منه ‪.‬‬
‫ضرورة‪  ‬معرفة األسباب الحقيقية للخصام‪: $‬‬
‫فان استطاع‪ $‬أن يعرفها‪ $‬ويعالجها بشكل يرضي الطرفين كان ما بقي سهل وتضمن بذلك أن يدوم‪ $‬الصلح‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫ومما يجدر التنبيه إليه أن أطراف‪ $‬النزاع قد يجدون صعوبة في تقديم المعلومات أو إيضاح األسباب‬
‫الحقيقية التي ليست في صالحهم‪.‬‬
‫فعلى المصلح اكتشافها بنفسه واختبار المعلومات المقدمة له بطريقته‪.‬‬
‫االستعانة بمن يفيد ويرغب في إنهاء النزاع ‪:‬‬
‫سواء من أقارب األطراف‪ ،‬أو من أصدقائهم‪ ،‬أو معارفهم ‪ ،‬أو من له تأثير عليهم ‪ .‬ويُراعى في ذلك أن‬
‫يكون أولئك من ذوي الرأي والبصيرة والحكمة خاصة من عرف حرصه ورغبته في اإلصالح وحسنت‬
‫نيتهم وصدق‪ $‬حالهم‪.‬‬
‫ينبغي استقبال الخصوم بالبشاشة واللين ‪:‬‬
‫ومحاولة التخفيف من حدة غضبهم ‪ ،‬والتغاضي عن اإلساءات التي قد تحصل من بعضهم وإتباع الطرق‪$‬‬
‫الصحيحة في مناقشتهم وذلك باختيار‪ $‬اآليات واألحاديث المناسبة ‪،‬والكلمات التوجيهية ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الخصم المتعنت ‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫من أساليب مفاوضة الخصوم المتعنتين ومساومتهم للتخفيف من حدة مواقفهم‪ $‬أو التوسط في مطالبهم‪$‬‬
‫وشروطهم‪: $‬‬
‫‪ ‬االعتماد والتوكل على هللا والصبر والتحمل ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الوعظ والنصيحة وتذكيره بفضيلة العفو والتسامح والصلح وبيان أجره عند هللا عز وجل‪  ‬وذكر‪$‬‬ ‫‪‬‬
‫اآليات واألحاديث التي تحث على ذلك ‪.‬‬
‫الجلسات االنفرادية مع الخصم المتعنت والتدرج‪ $‬في عرض الصلح عليه‪.  ‬‬ ‫‪‬‬
‫االستعانة باألقارب ممن يرغبون في اإلصالح وخاصة ممن لهم مكانة عند هذا الخصم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الرفع من قيمة الخصم ‪ ،‬أنت من عائلة كريمة وما نسمع عنكم إال كل خير …أنت رجل تحفظ‬ ‫‪‬‬
‫القرآن ‪ ،‬أنت رجل حججت بيت هللا …‪.‬الخ‬
‫أيضا كذلك مناقشة الطلبات والشروط‪ $‬والمطالبة بترتيبها من حيث األهمية‬ ‫‪‬‬
‫ومناقشة صحة وقوة ما يستند إليه ومدى‪ $‬قوة موقفه وهل من صالحه التعنت أم الصلح وبيان‬ ‫‪‬‬
‫مزايا الصلح على القضاء وبيان موقفه لو رفع األمر من القضاء‬
‫مطالبته بطرح االقتراحات والحلول وعروض التسوية ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عد االتفاق والتصالح ‪:‬‬

‫توثيق‪ $‬عقد الصلح بالكتابة واإلشهاد عليه ‪:‬‬


‫وإذا وقع الصلح بشروطه من شأنه أن يسقط الحقوق والدعاوى التي جرت من أجلها المصالحة‬
‫وأن يتم تنفيذ ما أتفق عليه ‪ :‬فالبد من الصلح المبرم بين طرفين أو أكثر من إلزام بما اتفق عليه‬
‫التأكيد على أطراف الخصومة بعدم التحدث ‪:‬‬
‫بما حصل من الخصومة وأال يذكراه لكائن من كان وان يحتسب كل منها ذلك عند هللا تعالى وكذلك أال‬
‫يغتاب خصمه أو يسبه أو يشتمه في حضوره أو غيابه‪.‬‬

‫ربط اآليات بالواقع ‪:‬‬

‫إن واقعنا اليوم مليء بالخالفات والصراعات والنزاعات التي تؤدي في الغالب إلى االقتت‪LL‬ال وس‪LL‬فك ال‪LL‬دماء‬
‫خ‪L‬وف وال وج‪LL‬ل ‪ ،‬إنه‪L‬ا ج‪L‬رأة على هللا في س‪LL‬فك دم‪L‬اء المس‪L‬لمين ‪ ،‬وزه‪LL‬ق أرواحهم‪ L‬بس‪L‬بب أو ب‪LL‬دون‬ ‫ٍ‬ ‫بدون‬
‫سبب ‪ ،‬إن دل ذلك فإنما‪ L‬يدل على ضعف في اإليم‪LL‬ان والخل‪LL‬ق الحس‪LL‬ن ‪ ،‬حيث ت‪LL‬أثر الن‪LL‬اس بع‪LL‬ادات الغ‪LL‬رب‬
‫وتقاليدهم‪ L‬وأعرافهم ‪ ،‬مما أضعف صلتهم‪ L‬باهلل تعالى ‪ ،‬فجهل‪L‬وا دين‪L‬ه ‪ ،‬وتج‪L‬رأوا على أحكام‪L‬ه ‪ ،‬وس‪L‬عوا‪ L‬إلى‬
‫انته‪LL‬اك حرمات‪LL‬ه ‪ ،‬وتحزب‪LL‬وا ب‪LL‬ذلك م‪LL‬ع الش‪LL‬يطان ‪ ،‬وس‪LL‬عوا‪ L‬في األرض بالفس‪LL‬اد وإهالك الح‪LL‬رث والنس‪LL‬ل ‪،‬‬
‫واستبدلوا طاعة الشيطان بطاعة الرحمن ‪ ،‬وأصبح الناس يأتمرون بأمر سفهائهم فأضلوهم‪ L‬عن س‪LL‬بيل هللا ‪،‬‬
‫واشتروا الضاللة بالهدى فانحرفوا‪ L‬عن دين هللا ‪ ،‬كل يوم نسمع أن اقتتاال وقع في مكان ك‪LL‬ذا ‪ ،‬بين أخ‪LL‬وة أو‬
‫جيران أو أقرباء بسبب أطفال أو نساء أو هما معا ‪ ،‬فيقع فيها الكبار ‪ ،‬ويطمع األعداء في إشعال نار الفتن‪LL‬ة‬
‫ودعمها ‪ ،‬وقد يوفر‪ L‬لألطراف المتنازعة كل م‪LL‬ا يحت‪LL‬اجون من س‪LL‬الح وغ‪LL‬يره ح‪LL‬تى يقت‪LL‬ل بعض‪LL‬هم‪ L‬بعض‪LL‬ا ‪،‬‬
‫ويخرج كل منهم عن دينه كافرا مرتداً ‪ ،‬وال يعالج ذلك الخطر الكبير ‪ ،‬إال أخالق إيمانية تتعالى بأص‪LL‬حابها‪L‬‬
‫عن سفاسف األمور‪ L‬وصغائرها‪ L‬إلى السمو والعلو والفضيلة وحسن الخلق ‪ ،‬ورجال يهرعون ‪ ،‬حيث يوج‪L‬د‪L‬‬
‫الخالف ليصرفوا أسبابه ويطفئوا‪ L‬ناره ‪ ،‬ويستبدلوا‪ L‬االقتتال محبة ووئاماً‪ L‬وسالما ً ‪ ،‬ل‪LL‬ترتقي األم‪LL‬ة ب‪LL‬ذلك إلى‬
‫التربية األخالقية في ضوء هذه اآليات من‬

‫‪24‬‬
‫‪        -‬المبادي االجتماعية المستفادة من االية‬
‫‪  -1‬إصــالح ذات الــبين‪ :‬ورد في الق‪LL‬رآن الك‪LL‬ريم العدي‪LL‬د من اآلي‪LL‬ات ال‪LL‬تي ت‪LL‬دعو المس‪LL‬لمين وت‪LL‬أمرهم‪ L‬باإلجم‪LL‬اع‬
‫والتآلف‪ ،‬وتنهى‪ L‬عن التفرُّ ق واالختالف‪ L‬المؤ ّديين إلى التنازع والفشل‬
‫فض النزاع)‪ :‬االنتصار‪ L‬للمظلوم حتى ينال حقّه وه‪LL‬ذا خل‪LL‬ق إذا نم‪LL‬ا فى‬ ‫ق ال ّ‬ ‫‪  -2‬االنتصار للمظلوم‪( ‬إحقاق الح ّ‬
‫األمة علّمها الع ّزة ورفع‪ L‬عنها الذلة وزادها ارتباطا ً وحبا ً وأخوّة وقربا‪ًL.‬‬
‫إن الحفاظ على وحدة المجتم‪LL‬ع اإلس‪LL‬المي وتماس‪LL‬كه هي من أه ّم الوظ‪LL‬ائف ال‪LL‬تي‬ ‫‪  -3‬وجوب التصدّي للعدوان‪ّ  :‬‬
‫دعت إليها السورة المباركة‬

‫الفصل الرابع‪ : ‬أدب المؤمن مع إخوانه‪ ،‬جملة آداب وأخالق‪ ‬‬


‫المبحث األول‪ :‬أخالق وآداب التعامل مع المسلمين ‪:‬‬
‫إن تعامل المسلمين مع بعضهم‪ $‬البعض أمر الزم في سياق الحياة االجتماعية اليومية‪ ،‬وهو مظنة‬
‫كثير من االنحرافات‪ $‬واألخطاء والتعديات التي نراها تكاد تفتك بالمجتمع وتفرط عقد الجماعة‬
‫‪25‬‬
‫وتطعن في مصداقية األخوة اإليمانية مع األسف‪ .‬ولقد اهتمت هذه السورة بتصحيح جملة من‬
‫المفاهيم والتنفير من مجموعة من السلوكيات الخلقية المنحرفة الشائعة‪ ،‬لترتفع بأفراد‪ $‬المجتمع فوق‪$‬‬
‫فوضى‪ $‬انعدام األخالق إلى أفق وسمو‪ $‬المجتمع اإلنساني‪ $‬المسلم بحق‪ .‬وإن المتدبر في هذه السورة‬
‫العظيمة يجد عرضا ً موجزاً في آيتين اثنتين ال أبالغ إذا قلت إن فيهما ما يكفي لضبط أي مجتمع‬
‫بضابطٍ من األخالق ينأى به عن أي خلل مؤثر في سير المجتمع وعالقة أفراده ببعضهم‪ $‬البعض‪،‬‬
‫وما اإلعجاز إن لم يكن هذا؟ تأمل هذه الكلمات الموجزة المعجزة ‪:‬‬
‫" يأيها الذين آمنوا ال يسخر قو ٌم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم وال نسا ٌء من نساء عسى أن‬
‫يكن خيراً منهن وال تلمزوا أنفسكم وال تنابزوا‪ $‬باأللقاب بئس االسم الفسوق بعد اإليمان ومن لم يتب‬
‫فأولئك هم الظالمون‪ .‬يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم وال تجسسوا‪ $‬وال‬
‫يغتب بعضكم بعضا ً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ً فكرهتموه واتقوا هللا إن هللا تواب رحيم" [‬
‫‪ ]45‬سورة الحجرات – آية ‪[12-11‬‬

‫خلوق يرضى‪$‬‬‫ٍ‬ ‫راق‬


‫فقد أجملت هذه اآليات ست قبائح خلقية اجتماعية ال يتصور‪ $‬قيام مجتمع ٍ‬
‫باستقرار لوث ٍة من لوثاتها فيه‪ ،‬وهذه القبائح الست هي ‪ :‬السخرية واللمز‪ $‬والتنابز باأللقاب واتهام‬
‫المؤمنين بالظنون الضعيفة والتجسس‪ $‬على المؤمنين والغيبة للمؤمنين المتقين‪ .‬وقبل استعراض هذه‬
‫كل من هذه‬ ‫القبائح منفرد ًة أشير إلى لطيف ٍة تتمثل في األلوان التعبيرية التي جاء النهي بها عن ٍ‬
‫القبائح‪ ،‬يقول عبد الرحمن حبنكة الميداني في كتابه قواعد التدبر األمثل لكتاب هللا‪ ":‬ويالحظ‪ $‬في هذا‬
‫النص أن كل نهيٍ فيه قد انفرد بلون تعبيري‪ $‬ذي داللة خاصة قابلة ألن تكون شاملة للمنهيات‬
‫األخرى ؛ ففي السخرية ‪ ":‬ال يسخر قوم من قوم" وفي اللمز "وال تلمزوا أنفسكم" ‪ ،‬وفي التنابز‬
‫"وال تنابزوا‪ $‬باأللقاب" ‪ ،‬وفي الظن المنهي عنه " اجتنبوا"‪ ،‬وفي التجسس " وال تجسسوا" ‪ ،‬وفي‬
‫كل منها استعمال التعبيرات األخرى لتؤدي‬ ‫الغيبة " وال يغتب بعضكم بعضاً" ويالحظ أنه يصح في ٍ‬
‫فيه داللتها فيقال مثالً في السخرية ) ال تسخروا‪ $‬من أنفسكم – ال تتساخروا‪ – $‬اجتنبوا السخرية – ال‬
‫تسخروا – ال يسخر بعضكم من بعض) ‪ ...‬ومع ذلك فقد اختير لكل قبيحة من هذه القبائح الست‬
‫صيغة التعبير التي تدل على أبرز صورة من صورها"[ ‪ 46‬قواعد التدبر األمثل لكتاب هللا – عبد الرحمن حبنكة‪ :‬الميداني‬
‫‪، ]51 7 -‬وهذا في الحقيقة من روائع اإلعجاز البياني القرآني من حيث استيعاب كل المعاني‬
‫بأوجز أسلوب مؤثر ‪،‬ولسوف أستعرض تلك المناسبة بين الصيغة والقبيحة عند بيان كل منها إن‬
‫شاء هللا‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬النهي عن السخرية‪:‬‬

‫إن هذا السلوك االجتماعي الشائن يعكر على أفراد المجتمع المسلم صفو عالقتهم ويكدر صفاء مبادئهم؛ فال يسلم االعتقاد‬
‫بأفضلية المسلم وتساويه في الحقوق مع أخيه المسلم مع االستهزاء به والسخرية منه‪ ،‬فكان ال بد من توجيه قرآني يلفت‬
‫االنتباه إلى أصل الرابطة اإليمانية المشتركة بقوله تعالى‪":‬يأيها الذين آمنوا " ثم يأتي النهي بلون تعبيري مميز ‪":‬ال‬
‫يسخر قوم من قوم "‪ " ،‬وال نساء من نساء " ألن السخرية تغلب فيها المشاركة‪ ،‬فناسب أن يأتي النهي بهذا اللون[‬
‫‪ ،] 47‬كما ناسب إفراد النساء عن الرجال في النهي ألمرين؛ أحدهما كثرة وقوع ذلك منهن فكان عطفهن على القوم –‬
‫وإن كن داخالت فيهم أصالً – من باب عطف الخاص على العام لبيان شدة االهتمام بنهيهن عن هذا السلوك‪ ،‬والثاني –‬
‫أشار إليه صاحب قواعد التدبر األمثل – أن فيه إشارة إلى أن النساء ال يخالطن الرجال في المجالس االجتماعية فناسب‬
‫تذكير ونهي ك ٍل على حدة‪.‬‬
‫والسخرية منافية لخلق المسلم ألن فيها استعال ًء بغير الحق‪ ،‬ولذلك نبهت اآلية الكريمة على ذلك ‪":‬عسى أن يكونوا خيراً‬
‫منهم"‪ ،‬أي الخيرية الشرعية‪ ،‬فذلك الذي تسخر منه ألمر دنيوي قد يكون خيراً منك في المعيار الشرعي فيكون استعالؤك‬
‫عليه تقديم ألمر الدنيا على أمر اآلخرة‪ ،‬وتقديم لهوى النفس على معيار الشرع والعياذ باهلل‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ما تحدثه‬
‫هذه السخرية من غ ٍل في النفوس وش ٍر بين الناس حتى إن هللا علم نبيه صلى هللا عليه وسلم والمسلمين أن يستعيذوا به‬
‫من هذا الشر ؛‬
‫‪26‬‬
‫قال سبحانه ‪ ":‬ومن شر حاس ٍد إذا حسد"[‪]49‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النهي عن اللمز وعن التنابز باأللقاب‪:‬‬

‫واللمز في اللغة العيب واإلشارة بالعين ونحوها [‪ ،]50‬والمعنى في قوله تعالى‪ ":‬وال تلمزوا أنفسكم"[‪ ]51‬أي ال يلمز‬
‫بعضكم بعضاً‪ ،‬وذلك كقوله تعالى‪":‬وال تقتلوا أنفسكم"[‪ ]52‬أي ال يقتل بعضكم بعضاً[‪ .]53‬وفي هذا األسلوب التعبيري ما‬
‫مرغوب عنه‪ ،‬فوجب ترفُّع المرء عنه تماما ً‬
‫ٌ‬ ‫يشير إلى أن من لمز وعاب أخاه المسلم فكأنما لمز وعاب نفسه‪ ،‬وهذا قبيح‬
‫كما يترفع عن كشف مساويه وعيوبه للناس وإن كانت فيه في نفس األمر‪ .‬ولقد ورد الوعيد الشديد لمن قارف هذه‬
‫موضع آخر من القرآن الكريم حيث قال تعالى‪":‬وي ٌل لكل هُمزة لُمزة"[‪ ،]54‬وع َّد هذه الخصلة من جملة‬
‫ٍ‬ ‫القبيحة في‬
‫الخصال الذميمة حيث قال ‪":‬هماز مشاء بنميم"[‪]55‬‬
‫أما النبز لغةً اللمز ‪ ،‬ونبّزه ينبّزه ‪ :‬يلقبه‪ ،‬والتنابز ‪ :‬التعاير والتداعي باأللقاب[‪ .]56‬و "تنابز" على وزن تفاعل‪ ،‬وهو‬
‫يشير إلى تبادل الفعل بين جانبين‪ ،‬فهو فعل تغلب فيه المشاركة ألن من نبز غيره بلقب رد عليه المنبز بلقب آخر غالباً‪،‬‬
‫ولهذا جاء التعبير في النهي بصيغة ‪ ":‬وال تنابزوا باأللقاب" ألنه أقرب إلى حكاية الواقع‪.‬‬
‫ولقد نفَّرت السورة الكريمة من هاتين الخصلتين القبيحتين بوصف من تلبس بهما بالفسوق‪ ،‬وبينت أنه ال يليق بمن منَّ‬
‫هللا عليه بوصف اإليمان أن يعدل عنه إلى وصف الفسوق فقال تعالى‪ ":‬بئس االسم الفسوق بعد اإليمان"[‪]57‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬النهي عن الظن السيء بالمؤمنين‪:‬‬

‫ويخونه‪ ،‬وما ذلك إال إث ٌم محض حري بالمسلم أن يجتنبه‬


‫ِّ‬ ‫إن من اإلثم أن يتهم المسلم أخاه المسلم‬
‫ويترفع عنه‪ ،‬ولما كانت كثرة الظنون مفضيةً إليه جاءت السورة بالتوجيه الرباني لتأمر المؤمنين‬
‫باجتناب الظن احتياطا ً الحتمال التهمة في غير محلها‪ ،‬وما ذلك التحفظ واالحتياط إال لعظم حرمة المسلم‬
‫وشدة قبح هذه الرذيلة؛فقال تعالى‪ ":‬يأيها الذين آمنوا اجتنبواـ كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم"[‪]58‬‬
‫فناسب أن يأتي أسلوب التعبير باالجتناب الكلي ألن من جرى مع ظنونه واسترسل معها أوصلته إلى ما‬
‫ال يحمد عقباه مما يأثم به حتما ً‪ ،‬ولقد جاءت السنة النبوية المطهرة لتؤكد هذا النهي حيث قال صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ":‬إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"[‪ ،]59‬فكان هذا أبلغ ما يكون في تطهير المجتمع‬
‫المسلم من هذه القبيحة‪.‬‬

‫‪49‬سورة الفلق – آية‪ -]50 [ 5 :‬القاموس المحيط – الفيروزآبادي ‪ ]52 -‬سورة النساء – آية‪ -]53[ 29 :‬الجامع ألحكام القرآن – القرطبي – ‪278/16‬‬
‫[‪ ]54‬سورة الهمزة – آية ‪ ]55[ -1‬سورة القلم – آية ‪11‬‬
‫[‪]56‬القاموس المحيط – الفيروزآبادي‬
‫[‪ ]57‬سورة الحجرات – آية ‪ ]58[11‬سورة الحجرات – آية ‪[ ]59[ 12‬صحيح البخاري – كتاب األدب ‪5606 -‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬النهي عن التجسس‪:‬‬

‫قال الحافظ ابن كثير‪ :‬والتجسس غالبا ً يطلق على الشر‪ ،‬ومنه الجاسوس‪ ،‬وأما التحسس فيكون غالبا ً في‬
‫‪27‬‬
‫الخير‪ ،‬وقد يستعمل كل منهما في الشر‪ ،]60[.‬والشاهد أن النهي قد جاء في اآلية باللفظ الذي يغلب‬
‫استعماله في الشر فقال تعالى‪ ":‬وال تجسسوا"‪ .‬وهنا نكتة لطيفة وهي أن المرء ال يقوم بالتجسس على‬
‫غيره عادةً إال عندما يتهمه ويسيء الظن به‪ ،‬فناسب والحال كذلك أن يكون الترتيب في النهي في هذه اآلية‬
‫عن سوء الظن أوالً ثم عن التجسس‪ ،‬وما هذا التناسب إال دليل من األدلة الكثيرة على موافقة التوجيهات‬
‫الشرعية للطبائع البشرية‪ ،‬قال تعالى‪ ":‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"[‪]61‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬النهي عن الغيبة‪:‬‬

‫ذكر الحافظ ابن كثير اإلجماع على تحريم‪ $‬الغيبة‪ ،‬ولقد بين الشارع الحكيم ضابط الغيبة حيث جاء في‬
‫الحديث عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قيل يا رسو ل هللا‪ ،‬ما الغيبة؟ قال‪ ":‬ذكرك أخاك بما يكره"‪.‬‬
‫قيل‪ :‬أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال ‪ ":‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما تقول‬
‫فقد به َّته" [‪ ،]62‬ولقد جاءت السورة بصورة شديدة التنفير من هذه الرذيلة والقبيحة االجتماعية؛ فشبهت‬
‫غيبة الرجل أخاه بأكل لحمه ميتا ً حيث قال تعالى‪ ":‬أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ً فكرهتموه"[‪،]63‬‬
‫وهذا التشبيه التمثيلي من أروع األساليب القرآنية وأشدها‪ $‬تأثيراً‪ $‬في نفس المكلف‪ ،‬ولهذا التشبيه أوج ٌه عدة‬
‫بين المشبه والمشبه به؛ أولها أن الذي يُغتاب ال يعلم أن أخاه يغتابه تماما ً كما أن الميت ال يعلم من يأكل‬
‫لحمه‪ ،‬وثانيها أن الذي َيغتاب أخاه الحي قد هتك حرمة أخيه تماما ً كما أن آكل لحم أخيه ميتا ً قد هتك‬
‫حرمته‪ ،‬وثالثها‪ $‬أن الغيبة أمر مستقذ ٌ‪$‬ر في الطبائع السليمة تماما ً كما أن أكل لحم الميت أمر مستقذ ٌر‬
‫طبعا ً ‪ ،‬وكل هذه المعاني دائرة حول تنفير المكلف من هذه الخصلة المرذولة وتبشيعها‪ $‬في نفسه كما هي‬
‫بشعة في نفس األمر‪.‬‬
‫وبهذا تكتمل جملة القبائح االجتماعية التي نهت عنها السورة‪ ،‬وإن المتدبر ليدرك أن المجتمع الذي‬
‫يستطيع‪ $‬تخليص نفسه وأفراده من هذه الرذائل مجتم ٌع قمنٌ بارتقاء أسمى مراتب الرقي االجتماعي‬
‫واإلنساني بل والتعبدي‪ $‬عندما يؤطر ك َّفه عن هذه المنهيات في إطار االنقياد ألمر هللا عز وجل‪.‬‬

‫[‪ ]60‬تفسير القرآن العظيم‪ – :‬ابن كثير – ‪504/7‬‬

‫[‪ ]61‬سورة الملك – آية ‪14‬‬

‫[‪ ]62‬صحيح مسلم ‪2589 -‬‬

‫[‪ ]63‬سورة الحجرات – آية ‪12‬‬

‫َس‪L‬ى َأن يَ ُك َّن‬ ‫َس‪L‬ى َأن يَ ُكونُ‪L‬وا خَ يْ‪L‬رًا ِّم ْنهُ ْم َواَل نِ َس‪L‬اء ِّمن نِّ َس‪L‬اء ع َ‬ ‫" يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل يَسْخَرْ قَو ٌ‪L‬م ِّمن قَ‪L‬وْ ٍ‪L‬م ع َ‬
‫ك هُ ُم‬ ‫‪L‬ان َو َمن لَّ ْم يَتُبْ فَُأوْ لَِئ َ‪L‬‬ ‫س ا ِال ْس ُم ْالفُسُو ُ‬
‫ق بَ ْع‪َ L‬د اِإْل ي َم‪ِ L‬‬ ‫َخ ْيرًا ِّم ْنه َُّن َواَل ت َْل ِم ُزوا َأنفُ َس ُك ْم َواَل تَنَابَ ُزوا بِاَأْل ْلقَا ِ‬
‫ب بِْئ َ‬

‫‪28‬‬
‫ْض‪ُ L‬كم‬ ‫َّس‪L‬وا‪َ L‬واَل يَ ْغتَب بَّع ُ‬ ‫ْض الظَّنِّ ِإ ْث ٌم َواَل ت ََجس ُ‬ ‫الظَّالِ ُمونَ * يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اجْ تَنِبُ‪LL‬وا َكثِ‪LL‬يرًا ِّمنَ الظَّنِّ ِإ َّن بَع َ‬
‫ْض‪L‬ا َأي ُِحبُّ َأ َح‪ُ L‬د ُك ْم َأن يَْأ ُك‪َ L‬ل لَحْ َم َأ ِخي‪ِ L‬ه َم ْيتً‪LL‬ا فَ َك ِر ْهتُ ُم‪LL‬وهُ َواتَّقُ‪LL‬وا هَّللا َ ِإ َّن هَّللا َ تَ‪َّ L‬وابٌ َّر ِحي ٌم * يَ‪LL‬ا َأيُّهَ‪LL‬ا النَّاسُ ِإنَّا‬
‫بَع ً‬
‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫هَّللا‬ ‫َأ‬
‫َخلَ ْقنَاكم ِّمن ذك ٍر َو نثى َو َج َعلنَاك ْم شعُوبًا‪َ L‬وقبَاِئ َل لِت َعا َرفوا ِإن ك َر َمك ْم ِعن َد ِ تقاك ْم ِإن َ َعلِي ٌم خبِي ٌر "‪42( ‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫هذا المقطع يتضمن المنهيات ال‪L‬تي ال تتناس‪L‬ب م‪L‬ع أخالق المجتم‪L‬ع المس‪L‬لم ‪ ،‬ول‪L‬ذلك يجب تركه‪L‬ا واالبتع‪L‬اد‬
‫عنها ‪ ،‬ل‪LL‬ترتقي أخالقي‪LL‬ات األم‪L‬ة المس‪LL‬لمة في المجتم‪L‬ع المس‪L‬لم ‪ ،‬ل‪L‬ذلك ج‪L‬اء النهي عن س‪LL‬خرية الرج‪LL‬ال من‬
‫الرجال ‪ ،‬والنساء من النساء ‪ ،‬وبين العلة في هذا النهي ‪ ،‬ونهي عن اللمز وهو ذكر عيوب الناس وإشاعتها‬
‫‪ ،‬ونهي عن التنابز باأللقاب ‪ ،‬وسجّل الظلم على غ‪LL‬ير الت‪LL‬ائبين من ه‪LL‬ذه األخالق الجاهلي‪LL‬ة ‪ ،‬ونهي‪ L‬عن ظن‬
‫السوء بأهل الخير ‪ ،‬ألن ذلك إثم وحرام‪ ، L‬ونهي عن التجسس والغيبة ‪ ،‬وشبه من يفعل ذل‪LL‬ك بمن يأك‪LL‬ل لحم‬
‫أخيه ميتا ‪ ،‬وهذا مدعاة إلى الكراهية ‪ ،‬ثم دعا إلى تقوى هللا والتوبة من هذه األخالق الذميم‪LL‬ة البغيض‪LL‬ة إلى‬
‫هللا تعالى ‪ ،‬ثم بين تعالى األصل الواحد لكل البشر ‪ ،‬فهم جميعا ً من أب واح‪LL‬د وأم واح‪LL‬دة ‪ ،‬فال فض‪LL‬ل ألح‪ٍ L‬د‬
‫على أح ٍد إال بالتقوى والبعد عن المنهيات ‪ ،‬وااللتزام باألخالق الفاضلة ‪ ،‬وترك غيره‪LL‬ا مم‪LL‬ا يتع‪LL‬ارض م‪LL‬ع‬
‫أخالق المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬وهكذا تكون " التربية األخالقية لألمة اإلسالمية "‪]9[.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ربط اآليات بالواقع ‪:‬‬

‫إن واقع المسلمين اليوم على مستوى‪ L‬األفراد والجماعات في أمس الحاجة لهذه اآلداب واألخالق ‪ ،‬ألنهم إال‬
‫من رحم هللا واقعون في هذه المنهيات ‪ ،‬يمارسونها على أنها أمر طبيعي‪ L‬ومألوف ‪ ،‬فالسخرية واالس‪LL‬تهزاء‬
‫واللمز والتنابز‪ ، L‬كل ذلك ل‪L‬ه رص‪L‬يد في واقعن‪L‬ا الي‪L‬وم ‪ ،‬وال يج‪L‬د الن‪L‬اس من ي‪L‬ذ ّكرهم‪ L‬باهلل تع‪L‬الى ويش‪L‬عرهم‪L‬‬
‫بخطئهم‪ L‬في مخالفة أوامر هللا والوق‪LL‬وع‪ L‬في حرم‪LL‬ات المس‪LL‬لمين ‪ ،‬أض‪LL‬ف ل‪LL‬ذلك س‪LL‬وء الظن ب‪LL‬دون تمي‪LL‬يز بين‬
‫صالح وطالح ‪ ،‬بين مؤمن ومن‪LL‬افق‪ L‬فاس‪L‬ق‪ ، L‬وك‪LL‬ذا التجس‪L‬س على عي‪LL‬وب الن‪LL‬اس والغيب‪LL‬ة ‪ ،‬ك‪L‬ل ذل‪LL‬ك أص‪LL‬بح‬
‫مرض‪L‬ا ً مزمن‪L‬ا ً يحت‪LL‬اج إلى عالج مكث‪LL‬ف ومتواص‪LL‬ل وفاع‪LL‬ل ‪ ،‬إض‪LL‬افة إلى التف‪LL‬اخر باألحس‪LL‬اب واألنس‪LL‬اب ‪،‬‬
‫والتعالى‪ L‬بالغنى والثراء دون اعتبار لميزان هللا الذي جعله مقياس التمايز والتفاض‪LL‬ل بين الن‪LL‬اس ‪ ،‬ه‪LL‬ذا ه‪LL‬و‬
‫ح‪LL‬ال أغلب المجتمع‪LL‬ات المعاص‪LL‬رة ‪ ،‬تع‪LL‬اني انحراف‪LL‬ات أخالقي‪LL‬ة س‪LL‬لوكية ت‪LL‬ؤدي ب‪LL‬المجتمع إلى االنحط‪LL‬اط‪L‬‬
‫والتمزق‪ L‬والفرقة والضعف والهوان ‪ ،‬وال خالص من ذلك إال بالعود إلى كت‪L‬اب هللا لن‪L‬أتمر ب‪L‬أمره ‪ ،‬وننتهي‬
‫بنهيه ‪ ،‬ونتخلق‪ L‬بأخالقه لنرتقي بذلك إلى التربية األخالقية في ضوء هذه اآليات من سورة الحجرات‪.‬‬

‫الفصل الخامس‪: ‬منهج السورة في تقرير آداب وضوابط‬


‫المجتمع‬
‫ال شك أن منظومة اآلداب التي عرضتها السورة على قصرها‪ $‬وإيجازها تشكل توجيها ً تربويا ً معجزاً في‬
‫حد ذاته‪ ،‬إال أن حقيقة اإلعجاز – في نظري – تتمثل في األساليب التي قررت السورة من خاللها هذه‬
‫‪29‬‬
‫اآلداب لتترسخ حقائق ثابتة مستقرة في الضمير اإلسالمي بحيث ال يكون انخرامها إال نتيجة زل ٍة أو كبو ٍة‬
‫عابرة‪ ،‬ولسوف أعرض هاهنا بعض معالم المنهج القرآني في هذه السورة التي تم من خاللها هذا التوجيه‬
‫لتكتمل منظومة اإلعجاز التربوي‪ $‬لهذه السورة العظيمة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬وسائل تعزيز التوجيهات التربوية واألخالقية‬


‫لقد تعددت وسائل التوجيه التربوي في هذه السورة الكريمة‪ ،‬ولم يكن هذا التعدد مجرد تنويع لغرض‬
‫التنويع‪ ،‬وإنما غاية التوافق بين الغاية التربوية والطبيعة البشرية وفيما يلي إشارات عابرة لجملة من تلك‬
‫الوسائل ‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الترغيب والترهيب‪:‬‬

‫إذا تأملنا مجموع اآليات التي ضمت اآلداب والضوابط المتقدمة ظهرت لنا مجموعة من إشارات الترهيب والترغيب التي‬
‫تذيل تلك اآليات بحيث تعمل مجتمعةً على تحقيق منظومة متزنة من الدوافع والموانع التي تدفع الفرد المسلم والمجتمع‬
‫نحو السلوك المرغوب فيه وتحجزه عن السلوك المرغوب عنه‪.‬‬
‫فعلى صعيد الترهيب تجد قوله تعالى " أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون"[‪ ]64‬تحذير وترهيب من عواقب االفتئات‬
‫على هللا ورسوله‪ ،‬وفي مقابل ذلك قوله تعالى ترغيبا ً في حال الملتزمين بأدب التوقف بين يدي الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪":‬لهم مغفرة وأجر عظيم"[‪ .]65‬وكذلك تجد وصف " أكثرهم ال يعقلون"[‪ ]66‬يقابله فتح باب التوبة والمغفرة "‬
‫وهللا غفور رحيم"[‪.]67‬وبهذا يتحقق التوازن بين الترغيب والترهيب توافقا ً مع االستعداد المزدوج في النفس البشرية‬
‫لتحصيل ما فيه خيرها ودرء ما فيه شرها ومفسدتها‪ ،‬وما هذا إال شاه ٌد من الشواهد الكثيرة على فطرية هذا الدين‬
‫ومصدريته من لدن حكيم عليم‪ ،‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التذكير بنعمة هللا وفضله‪:‬‬

‫وهذا التذكير بالفضل مدعاة االلتزام بالهدي اإللهي والوقوف عند توجيهاته‪ ،‬تأمل على سبيل المثال قوله‬
‫تعالى‪ " :‬ولكن هللا حبب إليكم اإليمان وزينه في قلوبكم‪ $‬وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم‬
‫الراشدون" فجعل العصيان والفسوق‪ $‬والكفر في مقابل نعمة اإليمان بحيث يرغب من استقر اإليمان في‬
‫قلبه عن أن يجمع إليه من النقائض ما يكون كفرا ُ بنعمة هللا عز وجل‪.‬‬
‫ولعل من أصرح العبارات القرآنية في هذا السياق قوله تعالى‪ ":‬يمنون عليك أن أسلموا قل ال تم ُّنوا عليَّ‬
‫إسالمكم بل هللا يمن عليكم أن هداكم لإليمان إن كنتم صادقين"[‪ ،]68‬وهنا نكتة دقيقة وهي أنه لما ذكر‬
‫امتنان األعراب باالستجابة لدعوة الرسول صلى هللا عليه وسلم جاء بلفظ اإلسالم ليدل على عدم بلوغهم‬
‫مراتب الكمال في حين أنه لما ذكر امتنان هللا عليهم بهذا الدين جاء بلفظ اإليمان الدال على تمام نعمة‬
‫الهداية[‪ ]69‬فتم فضل هللا وظهر‪ $‬قصور‪ $‬عباده عن أداء حق الشكر كما زعموا‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬بيان عواقب عدم التزام هذه اآلداب‪:‬‬

‫لقد جاءت اآليات في هذه السورة بجملة من التنبيهات على خطورة العواقب المترتبة على ترك التزام‬
‫منظومة األخالق القرآنية المعروضة‪ ،‬ففي سياق األمر بالتثبت في األخبار جاء التحذير من عاقبة الندم‬
‫المترتبة على التصرف بغير علم وتثبُّت وتبيُّن ‪ ،‬فقال تعالى ‪":‬فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"[‪ ،]70‬وفي‪$‬‬
‫‪30‬‬
‫سياق النهي عن القبائح االجتماعية – كالسخرية والتنابز‪ $‬واللمز – جاء التحذير من وقوع‪ $‬الظلم بين أفراد‪$‬‬
‫المجتمع نتيجة االستهزاء بالغير واالفتراء عليه ومبالغة الغير في الرد على تلك السخرية واالفتراءات‪،‬‬
‫فقال تعالى ‪":‬ومن لم يتب فأولئك‪ $‬هم الظالمون"[‪ ]71‬وهكذا‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تنمية الوازع النفسي لاللتزام بهذه األخالق‪:‬‬

‫إن أحداً ال يستطيع أن يفرض التزام مبدأ من المبادئ أو خلقا ً من األخالق بقو ٍة‬
‫خارجية أو سلطة قانون‪ ،‬فها هي الدول اليوم تعيش تحت سلطة قوانين وضعية‬
‫التزام‬
‫ٍ‬ ‫ونظم قضائية وشرطة وقوات عسكرية لكنها لم تستطع أبداً أن تحقق أي‬
‫حقيقي باألخالق – إن صح أن يسمى ما عندهم أخالقا ً – ولهذا كان ال بد من حل‬
‫هذه اإلشكالية في منظومة األخالق اإلسالمية‪ ،‬وليس أقدر على ذلك من قوله‬
‫تعالى في ختام هذه السورة‪ ":‬إن هللا يعلم غيب السماوات واألرض وهللا بصير‬
‫بما تعملون" إذ أن استشعار هذه الرقابة الدائمة من هللا عز وجل كفي ٌل بتنمية‬
‫الوازع النفسي في كل فر ٍد بما يحقق التزامه بهذه األخالق واآلداب ولو كان في‬
‫خلوة من الناس أو معزل عن بطش السلطان وقهر السلطة والقانون‪،‬ـ وبهذا فقط‬
‫تنضبط منظومة األخالق في المجتمع‪ .‬وبهذا يتبين لنا اكتمال عنصر آخر من‬
‫عناصر اإلعجاز في هذه السورة المباركة‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬تقرير جملة من المبادئ والثوابت العامة‪:‬‬

‫لقد قررت سورة الحجرات بعض المبادئ‪ $‬التي يعين فهمها على التزام منظومة األخالق الواردة‬
‫في السورة‪ ،‬وبعض هذه المبادئ يؤصل المساواة بين الناس بحسب القدر المشترك من طبيعة‬
‫الخلق البشري‪ ،‬وبعضها اآلخر يؤصل للقدر المشترك األدنى من مسمى اإلسالم بين من‬
‫ينتسبون لهذا ا لدين ويُفصِّل في مقدمات الترقي‪ $‬في درجات اإليمان األعلى تاركا ً تقرير تحقيق‬
‫ذلك على الحقيقة إلى هللا عز وجل‪ ،‬فلنتأمل هذه اآليات‪ ":‬يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬
‫وجعلناكم‪ $‬شعوبا ً وقبائل‪ $‬لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم إن هللا عليم خبير‪ .‬قالت األعراب آمنا‬
‫قل لم تؤمنوا ولكن قولوا‪ $‬أسلمنا ولما يدخل اإليمان في قلوبكم وإن تطيعوا‪ $‬هللا ورسوله ال يلتكم‬
‫من أعمالكم شيئا ً إن هللا غفور رحيم‪ .‬إنما المؤمنون الذين آمنوا باهلل ورسوله ثم لم يرتابوا‪$‬‬
‫وجاهدوا‪ $‬بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا أولئك هم الصادقون"[‪ ]73‬ويمكن تعداد المبادئ‬
‫المستخلصة من هذه اآليات فيما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬عدم التفاضل في طبيعة الخلق‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫فكلنا آلدم وآدم من تراب‪ ،‬وال يرفع إنسانا ً فوق إنسان شيئ مما له عالقة بطبيعة الخلق البشري كاللون‬
‫والعرق‪ $‬والجنس؛ فاألب واحد واألم واحدة كما قال ‪":‬إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" وهذا نظير قوله‬
‫نفس واحدة وخلق منها زوجها‪ $‬وبث منهما رجاالً كثيراً‬
‫تعالى ‪ ":‬يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من ٍ‬
‫ً‬
‫ونسا ًء واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا"[‪ ]74‬قال الحافظ ابن كثير في تفسير‬
‫هذه اآلية ‪ ":‬فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء‪ ،‬وإنما يتفاضلون باألمور‪$‬‬
‫الدينية وهي طاعة هللا تعالى‬

‫داع من‬
‫ومتابعة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ]75[" $‬قلت‪ :‬وبتقرير هذا المبدأ ينتفي في ذهن المكلف أي ٍ‬
‫دواعي االستعالء على الغير من حيث صورة خلقه ونسبته البشرية‪ ،‬فينهدم ركن من أركان التفاضل‬
‫الموهوم‪ $‬الذي قد يسوغ للبعض استحالل عرض أخيه بغيبة أو نميمة أو تجسس أو سخرية أو تنابز ولمز‬
‫ونحوه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬معيار التفاضل بالتقوى‪:‬‬

‫بعد تقرير التساوي في النسبة الطينية ونقض التفاضل على أساسها كان من الطبيعي أن تنبه اآلية على‬
‫معيار التفاضل المعتبر شرعا ً فقال تعالى‪ ":‬إن أكرمكم عند هللا أتقاكم" وقد‪ $‬جاء في الحديث الصحيح عن‬
‫أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬إن هللا ال ينظر إلى صوركم‬
‫وأموالكم‪ $‬ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وهنا أمر مهم جداً وهو أنه لما كان معيار التفاضل المعتبر‬
‫شرعا ً هو التقوى ختمت اآلية بقوله تعالى‪":‬إن هللا عليم خبير" لتنبه إلى أن هللا تعالى هو الذي يعلم‬
‫المتقين من غيرهم‪ ،‬فقطعت بذلك الطريق على أي فرد يريد أن يتفاضل على غيره ولو في هذا المعيار‪،‬‬
‫إذ ليس المقصود‪ $‬من تحديد التقوى معياراً للتفاضل أن يهزأ الناس بعضهم ببعض أو يستبيحوا غيبتهم أو‬
‫لمزهم أو نحو ذلك ألنهم دونهم‪ $‬في التقوى‪ ،‬وإنما المقصود كف الناس عن بعضهم البعض وردهم في‬
‫التفاضل إلى علم هللا تعالى ألنه هو سبحانه وحده الذي يعلم المتقي على الحقيقة من غيره‪ ،‬ولقد جاء ذلك‬
‫بوضوح‪ $‬تام في سورة النجم حيث قال تعالى‪ ":‬فال تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تحرير أسماء الدين‪:‬‬

‫لما ردت اآلية الناس إلى معيار التقوى وكان من المشاهد ادعاء بعض الناس ألنفسهم مراتب ليست لهم‬
‫على الحقيقة كان من الالزم بيان مراتب اإليمان والتنبيه على الفرق بين اإلسالم واإليمان وأن تحقيق هذه‬
‫األسماء ال يكون بالتمني والدعوى وإنما باستكمال‪ $‬المقدمات واألعمال‪ ،‬تأمل معي قوله تعالى‪":‬قالت‬
‫األعراب آمنا قل لم تؤمنوا‪ $‬ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل اإليمان في قلوبكم" قال الحافظ ابن‬
‫كثير ‪":‬والصحيح أنهم قوم ادعوا ألنفسهم مقام اإليمان ولم يحصل لهم بعد فُأدبوا‪ $‬وُأعلموا أن ذلك لم‬
‫يصلوا إليه بعد"‪ ،‬قلت‪ :‬ثم بينت السورة ما يلزم لتحقيق مرتبة اإليمان فقال تعالى‪":‬إنما المؤمنون الذين‬
‫آمنوا باهلل ورسوله ثم لم يرتابوا‪ $‬وجاهدوا بأموالهم‪ $‬وأنفسهم في سبيل هللا أولئك هم الصادقون" فبدأت اآلية‬
‫بلفظ "إنما" وهو من أساليب الحصر لتحدد من هم المؤمنون ال ُكمَّل وليقف كل فرد عند حده فال يدعي‬
‫لنفسه مرتبة ليست له ‪.‬وعالقة كل ذلك بمسألة األخالق تجريد أفراد‪ $‬المجتمع من أي حجة أو ذريعة‬
‫وهمية لالستعالء على إخوانهم المسلمين‪ ،‬فيعود‪ $‬كل فرد إلى مالحظة عيوبه وأخطائه وقصوره فينشغل‬
‫بذلك عن تتبع عيوب وأخطاء اآلخرين وهتك سترهم‪ $‬بألفاظ السخرية والنميمة والغيبة واللمز ونحوه‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫وهذا البيان الشمولي في السورة ثمرة من ثمار اإلعجاز القرآني الفريد‪.‬‬

‫الخاتمة‪: ‬‬
‫وختامًا‪..‬‬
‫الحمد هلل الذي بنعمه وعزته و جالله تتم الصالحات‪ ،‬و الصالة و السالم على من أرسله رحمة للعالمين‬
‫و صالة و سالما متالزمين إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫إنَّ هذه اإلشارات التي جاءت في كتاب هللا عز وجل لِ َت ْش َرح للمسلمين كيف يُمكن أن يتعاملوا مع بعضهم‪$‬‬
‫دستور أخالقيٍّ فري ٍد‬
‫ٍ‬ ‫البعض‪ ،‬هي ليست في واقع األمر خاصَّة بالمسلمين وحدهم‪ ،‬بل هي تتح َّدث عن‬
‫يصلح للتطبيق‪ $‬على ك ِّل أمم األرض‪ ،‬وهي قواعد واضحة ب ِّي َنة‪ ،‬وعالق ُتها بالتعارف والتعايش وثيقة‬
‫ظاهرة؛ ولذلك فهي دعوةٌ عالمي ٌَّة من القرآن الكريم لك ِّل البشر أن ي َُح ِّققوا إحدى الغايات الكبرى من خلقهم‬
‫مختلفين‪ ،‬وهي غاية "التعارف"‪ ،‬ولم يكتفِ القرآن باإلشارات‪ $‬المجرَّ دة إلى الغاية‪ ،‬بل وضع آليَّات‪.‬‬

‫و في نهاية هذه المذكرة استخرجت ما يلي‪:‬‬

‫ـ أن سورة الحجرات مدنية‪ ،‬نزلت بعد الهجرة‪.‬‬

‫ـ أن السورة لهاأكثرمن سبب نزول‪.‬‬

‫ـ أن محورها الرئيسي هو التربية األخالقية‪.‬‬

‫ـ أن جميع محاورالتي‪ $‬ذكرت في السورة تدور على المحور الرئيسي وهو‪:‬‬

‫ًالحث على األخالق الفاضلة و التحذيرمن سيئها‪ً.‬‬

‫بهذا أكون قد انتهيت من استعراض موجز‪ $‬لمنظومة األخالق واآلداب االجتماعية في هذه‬
‫السورة العظيمة التي يصح أن يقال إنها سورة األخالق‪ ،‬ولقد تبين معنا استيفاء محاور التعامل‬
‫األخالقي‪ $‬وآدابه على شتى المحاور‪ $‬التي تؤلف أركان التفاعل في المجتمع المسلم ؛ المشرع‬
‫والقيادة وأفراد المجتمع‪ .‬واستطردنا بعض الشيء في تفصيل هذه اآلداب ودورها في ضبط‬
‫مسيرة المجتمع المسلم بما يرضي هللا عز وجل ثم تطرقنا في مبحث مستقل إلى بعض األدوات‬
‫التي عززت السورة من خاللها االلتزام بهذه اآلداب‪.‬‬
‫ويمكن اإلشارة إلى أهم نتائج هذا البحث في النقاط التالية‪:‬‬

‫األخالق في اإلسالم منبثقة من عقيدة اإلسالم تنضبط‪ $‬بها من جهة وتصب في بوتقة حراسة‬ ‫‪.1‬‬
‫العقيدة من جهة أخرى‪ ،‬وليست األخالق في اإلسالم نظريات وفلسفات يتيه فيها أصحابها كما‬
‫تتيه فيها المجتمعات التي تقع فريسة االفتتان بها‪.‬‬

‫شمولية المنظومة األخالقية اإلسالمية‪ :‬بل إن هذه السورة على قصرها‪ $‬وإيجازها قد جمعت‬ ‫‪.2‬‬
‫مقومات الفالح والثبات في ضبط المجتمع اإلسالمي‪ $‬بما ال يمكن تحقيقه البتة بشتى النظم‬
‫الوضعية مجتمعة‪ ،‬فما بال المرء لو أنه استقرأ القرآن الكريم كله سبراً لباقي التوجيهات‬
‫األخالقية‪.‬‬

‫ً‬
‫وحرمة‪،‬‬ ‫ثبات منظومة األخالق اإلسالمية‪ :‬فاألخالق‪ $‬اإلسالمية تدور مع حدود‪ $‬الشرع ِحالً‬ ‫‪.3‬‬
‫بخالف األخالق الوضعية المصلحية التي تتبدل وتدور‪ $‬مع المصالح فأخالق اليوم مثالب الغد‬
‫والعكس بالعكس‪.‬‬

‫تميُّز منظومة األخالق اإلسالمية برقابة ذاتية شرعية تضمن لها درجة من االلتزام الفردي ال‬ ‫‪.4‬‬
‫يمكن تحقيقها بغير هذا الوازع اإليماني وال بأي سلطة بشرية قهرية‪.‬‬

‫واخيراً‪ ،‬فإني أسأل هللا تعالى أن يوفقني للعمل بما علمت وأن يتقبل ما وافق‪ $‬الصواب منه ويغفر‬

‫‪34‬‬
‫عما زل به قلمي‪ ،‬إنه خير مأمول وأكرم مسؤول‪ ،‬وصلى هللا على محمد وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫فأحمد‪ $‬هللا تعالى على كرامه و امتنانه بأن أعاننا في إتمام هذه المذكرة و أسأله تعالى أن يرزقنا‪ $‬الثواب و‬
‫الجزاء الحسن به‪ ،‬و أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم‪ .‬هذا وأسأل هللا الكريم‪ ،‬رب العرش العظيم‪ ،‬أن‬
‫يوفقني‪ $‬و جميع المسلمين لما يحب و يرضى‪ .‬و صلى هللا و سلم و بارك على سيدنا و نبينا محمد و على‬
‫آله و صحبه أجمعي‬

‫‪  ‬‬

‫‪   ‬المراجع‬
‫‪ ‬آداب وضوابط المجتمع اإلسالمي من خالل سورة الحجرات د‪ .‬وسيم فتح هللا‬ ‫‪‬‬
‫األخالق االجتماعية البانية في سورة الحجرات رضوان بن شقرون‬ ‫‪‬‬

‫‪35‬‬
‫القرآن الكريم‬ ‫‪‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ‪  -‬ألبي عبد هللا محمد القرطبي‬ ‫‪‬‬
‫المجتمع المسلم في ضوء سورة الحجرات ـ د‪ .‬محمد سعيد محمد‬ ‫‪‬‬
‫لتربية األخالقية‪ ‬في‪ ‬ضوء سورة الحجرات‪ .‬التربية األخالقية‪ .‬في‪ ... ‬عبدالسالم حمدان‬ ‫‪‬‬
‫عودة‪ ‬اللوح‬
‫لتربية األخالقية‪ ‬في‪ ‬ضوء سورة الحجرات‪ .‬التربية األخالقية‪ .‬في‪ ... ‬عبدالسالم حمدان‬ ‫‪‬‬
‫عودة‪ ‬اللوح‬
‫في ظالل القرآن – سيد قطب عرام‬ ‫‪‬‬
‫قواعد اإلستقراراإلجتماعي للمجتمع المسلم في ضوء سورة الحجرات‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬عبد الرحمان السايد عبد الفتاح‬

‫الفهرس‬

‫‪1..................................................................................................................................‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪36‬‬
‫‪2...................................................................................................................................‬‬ ‫التمهيد‬
‫‪9.........................................................................................................................‬‬ ‫الفصل األول‬
‫رسوله‪9................................................................ : ‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬األدب مع هللا ‪ ‬جل جالله ومع‬
‫المطلب األول‪  : ‬تحلي الفرد المسلم ِباألدب مع هللا جل جالله ‪9......................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األدب مع الرسول صلى هللا عليه وسلم؛ ‪9............................................................................‬‬

‫المجتمع ‪11..........................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬األثر العلمي لآليات في استقرار‬


‫المطلب األول ‪11.......................................................................................................................‬‬
‫المطلب األول‪  : ‬تحريم االفتئات (التعدي )على هللا والرسول ‪11...................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تحريم رفع الصوت واألمر بغضِّه بين يدي النبي صلى هللا عليه وسلم ‪12.......................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬النهي عن إزعاجه صلى هللا عليه وسلم ‪13..........................................................................‬‬

‫‪14......................................................................................................................‬‬ ‫الفصل الثاني‬


‫األخبار ‪14.................................................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬وجوب التثبت من‬
‫الشائعات ‪15..........................................................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪  :‬خطورة‬
‫اإلشاعات ‪16...............................................................................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬كيف نتعامل مع‬
‫‪19.........................................................................‬‬ ‫الفصل الثالث‪: ‬اإلصالح بين المسلمين‬
‫المسلمين ‪19.........................................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف اإلصالح بين‬
‫المطلب األول‪ : ‬بعض شروط الصلح ‪21..............................................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نية المسلم عند التدخل لإلصالح ‪22..................................................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬آداب و صفات المصلح ‪22............................................................................................‬‬

‫والتصالح ‪23..............:‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬جواز الكذب ألجل اإلصالح‪ -‬الخصم المتعنت ‪ -‬بعد االتفاق‬
‫المطلب األول‪ : ‬جواز الكذب ألجل اإلصالح ‪23.................................................................................... :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الخصم المتعنت ‪24................................................................................................. :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬عد االتفاق والتصالح ‪24............................................................................................ :‬‬
‫ربط اآليات بالواقع ‪24................................................................................................................ :‬‬

‫‪26................................‬‬ ‫الفصل الرابع‪ : ‬أدب المؤمن مع إخوانه‪ ،‬جملة آداب وأخالق‬


‫المسلمين ‪26................................................................. :‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬أخالق وآداب التعامل مع‬
‫المطلب األول‪ :‬النهي عن السخرية‪26............................................................................................... :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬النهي عن اللمز وعن التنابز باأللقاب‪27............................................................................ :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬النهي عن الظن السيء بالمؤمنين‪27............................................................................... :‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬النهي عن التجسس‪28................................................................................................ :‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬النهي عن الغيبة‪28................................................................................................. :‬‬

‫‪29....................................................................................... :‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬ربط اآليات بالواقع‬

‫‪37‬‬
‫‪30........................‬‬ ‫الفصل الخامس‪: ‬منهج السورة في تقرير آداب وضوابط المجتمع‬
‫واألخالقية ‪30.....................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬وسائل تعزيز التوجيهات التربوية‬
‫المطلب األول‪ :‬الترغيب والترهيب‪30................................................................................................ :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التذكير بنعمة هللا وفضله‪30.......................................................................................... :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬بيان عواقب عدم التزام هذه اآلداب‪31............................................................................ :‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تنمية الوازع النفسي لاللتزام بهذه األخالق‪31...................................................................... :‬‬

‫العامة‪31........................................................ :‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬تقرير جملة من المبادئ والثوابت‬


‫المطلب األول‪ :‬عدم التفاضل في طبيعة الخلق‪32................................................................................... :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬معيار التفاضل بالتقوى‪32.......................................................................................... :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تحرير أسماء الدين‪32............................................................................................... :‬‬

‫‪34.............................................................................................................................. : ‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪38‬‬

You might also like