You are on page 1of 192

‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬

‫===========================================================‬

‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية‬

‫تأليف ‪ /‬أحمد بن رمضان قنود‬

‫كتاب حوى درراً بعين الحسن ملحوظة‬


‫لــذا قـلـت تنبيها حقوق الطبع محفوظة‬

‫الطبعة الثانية‬
‫جديدة ومزيدة‬

‫‪1‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫مقدمــة‬
‫الحمد هلل رب الع المين والص الة والس الم على س يد األنبي اء والمرس لين وب ني آدم أجمعين‪ ،‬نبين ا‬
‫محمد وعلى آله وأصحابه الطي بين‪ ،‬وعلى أزواج ه وذريت ه وآل بيت ه الط اهرين‪ ،‬ومن تبعهم إلى‬
‫يوم الدين‪ ،‬وسلم تسليما كثير يارب العالمين ‪.‬‬

‫أما بعد‪....‬‬

‫فإن نعم هللا تعالى كثيرة وفيرة‪ ،‬التحصى والتعد‪ ،‬وال يوق ف له ا على ح د " وإن تع دوا نعم ة هللا‬
‫التحصوها" النحل (‪.)18‬‬

‫هذا ومن أجل هذه النعم نعمة البيان‪ ،‬تلكم النعمة التي من جمل ة م اتميز ب ه االنس ان عن البهيم من‬
‫الحيوان " الرحمن علم القرآن خلق اإلنسان علمه البيان" الرحمن (‪.)4-1‬‬

‫ومما ينبغي للعبد عند حصول النعمة أن يقابلها بالشكر ومن الشكر أن تص رف النعم ة –‬
‫نعمة البيان‪ -‬في طاعة هللا تعالى‪ ،‬فال يقال إال حق والينطق إال صدق‪.‬‬

‫ومن سعادة العبد أن يحيا مهذب األلف اظ‪ ،‬م ربى على ك ريم الس جايا واألخالق‪ ،‬ف إذا تكلم‬
‫كان هلل ذاكرا‪ ،‬وإذا صمت كان هلل متامال متفكراً‪ ،‬يختار أعذب الكلمات وأحلى العب ارات وأوض ح‬
‫الدالالت في حديث وتحديثه‪ ،‬وأص دق المع اني في فهم ه وتص ورة‪ ،‬مص داقا لقول ه تع الى" وق ل‬
‫لعب ادي يقول وا ال تي هي أحس ن إن الش يطان ي نزغ بينهم" االس راء (‪ .)53‬ولقول ه علي ه الص الة‬
‫والسالم في الحديث المتفق عليه " من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرا أو ليصمت"‬

‫فهو يصحح بلغ ه إيمان ه منح رف اللس ان‪ ،‬وبعقيدت ه ك ل خل ق مه ان‪ ،‬وبمنهج ه ك ل فهم‬
‫مش ان‪ ،‬اليقب ل من األق وال إال أص دقها و ال من التع ابير واألمث ال إال أدقه ا وال من األعم ال إال‬
‫أصوبها وأخلصها هلل عز وجل‪.‬‬

‫فالتعابير بصورة إجمالية لون من ألوان الثقافة التي استمدتها المجتمع ات من واق ع دي ني أو بي ئي‬
‫أو اجتماعي فعبرت بها عما يجيش في النفس والمجتمع والواقع من أفكار و أرآء ومعتقدات‪ ،‬فهي‬
‫بهذا تمثل رصيدا ضخما من التراث فك را وس لوكا وتص ورا واعتق ادا‪ ،‬وهي به ذا ناف ذة مفتوح ة‬
‫تطل بها المجتمعات بعضها على بعض‪ ،‬ولكن هذه التعابير منها الصالح المقبول‪ ،‬ومنه ا الط الح‬
‫المرذول‪ ،‬والميزان في ذلك هو القرآن والسنة ‪.‬‬

‫إذا قالت حذام فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذام‬

‫هذا وإن لمجتمعنا الليبي تراثا ضخما من التعابير الشعبية‪ ،‬تظهر شخصيته‪ ،‬وتبرز ثقافته‪ ،‬وتع بر‬
‫عن أصالته في إسالمه وعراقته في عروبته‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ففي تعابيرنا الشعبية أقوال ماثورة حميدة‪ ،‬وقواعد فقهية مشروعة س ديدة‪ ،‬وحكم ومواع ظ وع بر‬
‫مقبولة مفيدة كثير منها مستقى من الشرع أو من التجربة والواقع كما سترى إال م ا ش ذ منه ا مم ا‬
‫هو مدسوس من العدو البغيض إبان احتالله لبالدنا العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫كما أن فيها أي التعابير االشعبية أفكارا عالية رصينة‪ ،‬مترجمة بحق عن كل ماهو متع ارف علي ه‬
‫من عادات منضبطة بريئة‪ ،‬وتقاليد حميدة ال تتعارض مع الدين واألخالق‪ ،‬وتمث ل كم ا ه ائال من‬
‫المواقف الجليلة‪ ،‬واألخالقيات الكريمة‪ ،‬والسلوكيات القويمة‪ ،‬التي تحمل طابع اإليمان في معناه ا‬
‫ومبناها‪.‬‬

‫فهذه التعابير حصيلة تجارب طويل ة‪ ،‬وخ برة معايش ة مدي دة‪ ،‬ع بر ق رون وأجي ال تع اقبت‪ ،‬كم ا‬
‫نالحظ في تعابيرنا الشعبية غ زارة المع نى وقوت ه م ع قل ة األلف اظ ووجازته ا‪ ،‬وه ذا من جوام ع‬
‫الكلم‪ ،‬كما أن فيها كثيراً من أوجوه البالغة والفصاحة والكناية مع ق وة الس بك‪ ،‬وحس ن ال تركيب‪،‬‬
‫وإن كان أحيانا بلهجة عامية دارجة‪ ،‬وهذا يظهر ما يتمتع به مجتمعنا اللي بي من الص فات الراقي ة‬
‫في مجال األدب والبيان‪.‬‬

‫وكل ذلك سيراه القارئ الك ريم إن ش اء هللا في ص لب الكت اب‪ ،‬وهللا المرف ق إلى الص واب ال إل ه‬
‫غيره وال رب سواه‪.‬‬

‫ومما ينبغي التنبيه عليه اآلتي ‪-:‬‬

‫‪ .1‬المحافظة على إطار التعبير‪ ،‬فيؤخذ كما هو نصا وسمعا وذل ك للمحافظ ة على مض مونه‬
‫وإيقاعه وقيمته المعنوية‪ ،‬وألن الناس ألفوه هكذا‪ ،‬فإذا ما ُغير نفرت عنه األسماع‪.‬‬
‫‪ .2‬تص حيح التعب ير من حيث اللغ ة‪ ،‬فكث ير من التعب ير ألفاظه ا عامي ة لم تج ر على اللغ ة‬
‫الفصيحة وإن كانت غالبا لها أصل في اللغة الفصيحة وعليه فيذكر مايقابله ا من الفص يح‬
‫وعالقة كل ببعض‪.‬‬
‫‪ .3‬تصحيح الحديث وتضعيفه لهما قواعد وأص ول معروف ة في علم الح ديث‪ ،‬ول ذا ف إنني لم‬
‫أذكر حديثا مشيرا إلى صحته إال وقد رأيت من أهل الحديث من صححه‪.‬‬
‫‪ .4‬إذا كان الح ديث ض عيفا فالغ الب أني أص دره بص يغة رُوي الدال ة على التم ريض‪ ،‬على‬
‫طريقة أهل الحديث‪ ،‬وقليل من األحاديث التي لم أشر ال إلى تصحيحها وال إلى تض عيفها‬
‫مكتفيا بذكر من أخرجه ا ورواه ا لينظ ر الق اريء ويبحث عن درجته ا الس يما وإن ذل ك‬
‫سهل ميسور من حيث إن األحكام على األحاديث جاهزة جزى هللا خيرا عنا أهل الح ديث‬
‫خيراً فقد كفونا مؤنة البحث والنظر في أسانيدها ثم إن البحث في الكتب له فوائد عظيم ة‪،‬‬
‫وعوائد جسمية التخفى‪ ،‬وعموما فقد قال أهل الحديث ق ديما من أس ند ل ك فق د أحال ك‪ ،‬ثم‬
‫إني لست ببدع في هذا فقد جرى على هذا كثيرا من أهل العلم‪.‬‬
‫هذا‪ :‬وقد قسمت الكتاب إلى مقدمة وتسعة أبواب وخاتمة أسال هللا تعالى حسنها‪:‬‬
‫الباب األول ‪ :‬مكارم األخالق‪.‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬مساويء األخالق‪.‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬العقيدة‪.‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬الفقه مسائل وقواعد‪.‬‬
‫الباب الخامس ‪ :‬الفتوى والقضاء ( الشاهد واليمين)‪.‬‬
‫الباب السادس ‪ :‬أحكام أسرية‪.‬‬
‫الباب السابع ‪ :‬خيرية بعض األمور‪.‬‬
‫الباب الثامن ‪ :‬العلم والتعلم والعلماء‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الباب التاسع ‪ :‬متفرقات‪.‬‬

‫وإن أنس فال أنسى شكر األستاذ علي مصطفى المصراتي بارك هللا في جه وده ف إن ذل ك من‬
‫تمام شكر هللا تعالى‪ ،‬الذي له الشكر اوالً وآخرا ظاهراً وباطنا ً قال عليه الصالة والسالم‪" :‬من‬
‫اليشكر الناس اليشكر هللا" رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وفي الختام أتوجه بالشكر الجزيل لكل من أعان على إخراج ه ذا الكت اب وأخص بال ذكر‬
‫اإلخوة الكرام الذين مدوا يد العون والمساعدة شقيقي‪ /‬فتحي رمضان قنود وبهاء الدين خ يري‬
‫خلف‪ ،‬واألستاذ محمود عبدالعزيز حسن‪ ،‬ج زي هللا الجمي ع خ ير الج زاء‪ ،‬وجع ل م ا ق دموه‬
‫صدقة جارية لهم‪ ،‬تنفعهم يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا‪.‬‬

‫وهللا أسال أن يجعل عملي هذا خالصا لوجه ه الك ريم‪ ،‬وأن ينف ع ب ه النف ع العميم‪ ،‬وأن يوفقن ا‬
‫جميعا إلى مايحب ه ويرض اه إن ه س ميع مجيب‪ ،‬وباإلجاب ة ج دير‪ ،‬وه و حس بنا ونعم الوكي ل‪،‬‬
‫وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمدهلل رب العالمين‪..‬‬

‫‪4‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫مكارم األخالق‬

‫‪5‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( باله واسع )‬
‫سعة البال من نعم هللا على العبد ولق د ك ان لرس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم من ذل ك الق دح‬
‫المعلي وحاز قصب السبق‪ ،‬فكان عليه الصالة والسالم بدرا في ظلمة اللي الي‪ ،‬وعق دا في لب ة‬
‫المعالي ‪.‬‬

‫فإن تفق األنام وأنت منهم *** فإن المسك بعض دم الغزال‬

‫وفي الحديث المتفق عليه يقول أنس رضي هللا عنه ( ولقد خ دمت رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم عشر س نين‪ ،‬فم ا ق ال لي ق ط أف‪ ،‬والق ال لشيء فعلت ه لم فعلت ه‪ ،‬وال لشيء لم أفعل ه أال‬
‫فعلت كذا‪ ،‬وكان إذا عاتبه بعض آله قال‪ :‬دعوه لو قدر شيء لكان‪.‬‬

‫ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها *** عقد ومدح فما أرضي لكم كلمي‬

‫فمن كان واسع البال وجدته حليما صبورا‪ ،‬وهما من حس ن الخل ق وق د ك ان الن بي ص لى هللا‬
‫عليه وسلم أحسن الناس خلقا وقد أثنى عليه بذلك ربه سبحانه بقوله "وإن ك لعلى خل ق عظيم"‬
‫القلم اآلية (‪ )4‬وتأمل قوله تعالى وبالغته في وصفه لنبيه عليه الصالة والسالم والتوكي د على‬
‫ذلك بـ "إن" و"الالم" المؤكدتين وبـ "على" التي تدل على رسوخ قدمه عليه الصاله والس الم‬
‫في حسن الخلق وكأن األخالق الفاضلة صارت له كالدآبة يتصرف فيها كي ف يش اء‪ ،‬فلم يق ل‬
‫سبحانه ذو خلق‪ ،‬ولكن قال لعلى خلق ألن "ذو" بمعنى صاحب أي صاحب خلق وه ذا الي دل‬
‫على الرسوخ واالستعالء على الخلق ولكن "على" ت دل على ذل ك كم ا ه و ظ اهر‪ ،‬ووص ف‬
‫خلقه بالعظيم دل على أنه بلغ الكمال البشري في ذل ك‪ ،‬وال ذي لم يبلغ ه أح د من الخل ق غ يره‬
‫عليه الصالة السالم‪.‬‬
‫إن المكارم والمعروف أودية *** أحلك هللا منها حيث تجتمع‬
‫ومن أحسن ما مدحه به حسان رضي هللا عنه قوله‪:‬‬
‫وأحسن منك لم تر قط عيني *** وأجمل منك لم تلد النساء‬
‫خلقت مبراً مــن كــل عـيـب *** كأنك قـد خلقت كما تشاء‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال سُئل رسول هللا ص لى هللا علي ه وس لم عن أك ثر م ا ي دخل‬
‫الناس الجنة ؟ قال "تقوى هللا وحسن الخلق" رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وعن عائشة رضي هللا عنها قالت" سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول " إن الم ؤمن‬
‫ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " رواه أبوداود‪.‬‬
‫وسعة البال تدل على جملة من األخالق الفاضلة من حسن الخلق‪ :‬كالصبر والحلم األناة ونحو‬
‫ذلك وفي حسن األخالق كنوز األرزاق‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ألشج عبدالقيس "‬
‫إن فيك خصلتين يحبهما هللا الحلم واألناة " رواه مسلم‪.‬‬

‫وقال أيضا عليه الصالة والسالم‪ :‬وما أعطي عبد عطاء خ يرا وأوس ع من الص بر"متف ق‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( البنادم تربطه كلمته أو كلمة )‬


‫بنادم = ابن آدم ( هذا يس مى نحت ا‪ :‬وه و أخ ذ كلم ة من كلم تين أو أك ثر بحيث تأخ ذ من ك ل‬
‫بنصيب)‪.‬‬

‫هذا التعبير قريب من التعبير اآلخر (وعد الحر دين عليه) وهكذا ينبغي للمسلم أن يك ون عن د‬
‫كلمته ووعده‪ ،‬والوفاء بالعهد والوعد من الدين لقول ه تع الي‪ " :‬وأوف وا بالعه د إن العه د ك ان‬
‫مسؤوال " اإلسراء (‪ )34‬ومن أخلف وعداً بغير عذر فهو مهدد بقوله علي ه الص الة والس الم‪:‬‬
‫" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق‬
‫حتى يدعها‪ ،‬إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر "متفق عليه‪.‬‬

‫فمن وعد وع داً يجب إنج ازه‪ ،‬ومن وع د بش ي ينبغي تحقيق ه‪ ،‬ول ذلك م دح القائ ل نفس ه‬
‫بإنجاز الوعد بقوله‪:‬‬

‫واليرهب ابن العم ما عشت صولتي *** ويـأمــن مني صـولـة المتهـدد‬
‫وإنــي وان أوعـــدتــه أو وعـــدتـــه *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي‬

‫( الجار قبل الدار)‬


‫هذه الحكمة صحيحة أشار إليها الق رآن الك ريم‪ ،‬فق د ذك ر الق رآن على لس ان زوج ة فرع ون‬
‫قولها "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " اآلية (‪ )11‬من سورة التحريم‪ ،‬فق د طبت ج وار هللا‬
‫تعالى قبل الجنة فقالت "عندك" أي بجوارك قبل أن تسال هللا الجنة‪ ،‬ولذلك تجد أن الدار يزي د‬
‫ثمنها وينقص بحسب الجار‪.‬‬

‫هذا ‪ ...‬وقد أوصى هللا تع الى بالج ار بقول ه‪ " :‬واعب دوا هللا وال تش ركوا ب ه ش يئا وبالوال دين‬
‫إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب " النساء (‪.)3‬‬

‫وقد أوصى النبي صلى هللا عليه وسلم بالج ار في ح ديث ابن عم ر وعائش ة رض ي هللا عنهم‬
‫قاال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬مازال جبريل يوص يني بالج ار ح تى ظننت أن ه‬
‫سيورثه " متفق عليه‪.‬‬

‫وقال أيض ا " وهللا الي ؤمن وهللا الي ؤمن وهللا الي ؤمن قي ل‪ :‬من يارس ول هللا؟ ق ال‪ :‬ال ذي‬
‫اليأمن جاره بوائقه " أي غوائله‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬

‫وقال أيضا "خير األصحاب عند هللا تعالى خيرهم لصاحبه‪ ،‬وخير الجيران عند هللا تعالى‬
‫خيرهم لجاره" رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫واعلم رحمك هللا أن الجيران ثالثة‪:‬‬


‫‪ .1‬جار له ثالثة حقوق وهو الجار المسلم ذو القربى‪.‬‬
‫‪ .2‬جار له حقان وهو الجار المسلم الذي ليس بذي القربى‪.‬‬
‫‪ .3‬جار له حق واحد وهو الجار الكافر‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ثم اعلم أن حد الج ار أربع ون بيت ا من ك ل ناحي ة كم ا ورد عن بعض الس لف ك الزهري‬
‫والحسن واألوزاعي رحمهم هللا وقد رُوي ه ذا مرفوع ا إلى الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫ولكن الحديث ضعيف‪.‬‬

‫( حاسب روحك )‬
‫عب ارة وعظي ة متداول ة بين الن اس لت ذكيرهم ب أمر اآلخ رة‪ ،‬وق د أش ار هللا س بحانه وتع الى إلى‬
‫محاسبة النفس بقوله " ياأيها الذين آمنوا اتقوا هلل ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا هللا إن هللا خب ير‬
‫بما تعملون " الحشر (‪ ،)18‬وقال عمر رضي هللا عنه‪ ( :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوها‬
‫قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض األكبر) يومئذ تعرضون التخفى منكم خافيه " الحاقة (‪.)17‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم في هذا المعنى ما راوه الترمذي بسند حسن‪ " :‬الكيس من دان نفسه‬
‫وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على هللا األماني"‪.‬‬

‫دان = حاسب‪.‬‬ ‫الكيس = العاقل‪.‬‬

‫العين تعلم من عيني محدثها *** إن كان من حزبها أو من أعاديها‬


‫والنفس تعلم أنـي ال أصـدقها *** ولســت أرشــد إال حين أعصيهـا‬

‫والنفس كالشريك الخائن إن أهملته ذهب بمالك كله‪ ،‬فعلى المس لم أن يحاس ب نفس ه والي ترك له ا‬
‫الحبل على الغارب حتى التكون بطالة بالنهار جيفة بالليل‪ ،‬فعليه أن ينظ ر إلى الف رائض الواجب ة‬
‫كنظر التاجر إلى رأس ماله‪ ،‬وينظر إلى النوافل كنظر التاجر إلى أرباحه الزائدة على رأس المال‬
‫وينظر إلى المعاصي والذنوب كالخسارة في التجارة‪ ،‬ثم يخلو بنفسه آخ ر ك ل ي وم يحاس ب نفس ه‬
‫فيه على عمل يومه‪ ،‬فإن رأى نقصا في الفرائض المه ا ووبخه ا وق ام إلى ج بره في الح ال‪ ،‬ف إن‬
‫ك ان مم ا يُقض ي قض اه‪ ،‬وإن ك ان مم ا اليقض ى ج بره باإلكث ار من النواف ل وإن رأى نقص ا في‬
‫النوافل عوض النقص وجبره وإن رأى خسارة بارتكاب المنهى استغفر ون دم وان اب‪ ،‬وعم ل من‬
‫الخير مايراه مصلحا لما أفسد فإنه من كان له من نفسه واعظ كان من هللا حافظ‪.‬‬

‫يحاسـب النفس على األنفـاس *** ويزن الخاطر بالقسطاس‬


‫ويحفظ المفروض رأس المال*** والنفـل ربـحـه بـه يـوالي‬
‫ويـكـثـر الـذكـر بصـفـو لـبـه *** والعون في جميع ذا بربه‬

‫هذه هي المحاسبة للنفس‪ ،‬وهي إحدى طرق إص الحها وتأديبه ا وتزكيته ا وتطهيره ا‪ ،‬ف اللهم آت‬
‫نفوسنا تقواها‪ ،‬وزكها أنت خير من زكاها‪ ،‬أنت وليها وموالها آمين يارب العالمين‪...‬‬

‫ومن أحسن الكتب في محاسبة النفس‪ :‬مختصر منهاج القاص دين للمقدس ي‪ ،‬وكت اب العاقب ة لعب د‬
‫الحق األشبيلي‪ ،‬ومدراج السالكين البن القيم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( خطواتك معشرة أو معشرات )‬


‫هذه العبارة تقال غالب ا في التع ازي ونحوه ا‪ ،‬ف إذا ج اء المع زي ق ال ل ه أه ل الع زاء‪ :‬خطوات ك‬
‫معشرات ونحو ذلك‪ ،‬وهذا السلوك االجتم اعي ص حيح وه و م أخوذ من قول ه تع الى‪ " :‬من ج اء‬
‫بالحسنة فله عشر أمثالها" األنعام (‪ )161‬وقوله معشرة أو معشرات نسبة إلى العشرة ‪.‬‬

‫ومضاعفة الحسنة بعشر أمثالها الزم لكل الحسنات كما دلت عليه اآلي ة آنف ا‪ ،‬وأم ا زي ادة‬
‫المضاعفة على العشر لمن شاء هللا أن يضاعف ل ه ف دل علي ه قول ه تع الى‪ " :‬مث ل ال ذين ينفق ون‬
‫أموالهم في سبيل هللا كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وهللا يض اعف لمن يش اء‬
‫وهللا واسع عليم " البقرة (‪ )260‬فدلت هذه اآلية على أن النفقة في سبيل هللا تضاعف إلى سبعمائة‬
‫ضعف‪ ،‬وفي الحديث القدسي عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن رسول هللا صلى هللا عليه وس لم‬
‫فيما يروي ه عن رب ه تب ارك وتع الى ق ال‪ " :‬إن هللا كتب الحس نات والس يئات ثم بين ذل ك فمن ه َم‬
‫بحسنة فلم يعملها كتبها هللا عنده حسنة كاملة‪ ،‬وإن ه َم بها فعملها كتبها هللا عنده عشر حس نات إلى‬
‫سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن ه َم بسيئة فلم يعملها كتبها هللا عنده حس نة كامل ة‪ ،‬وإن ه َم‬
‫بها فعملها كتبها هللا سيئة واحدة "رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫فمضاعفة الحسنات زيادة على العشر بحسب حسن إسالم المرء وكمال إخالص ه وبحس ب فض ل‬
‫ذلك العمل في نفسه والحاجة إليه‪.‬‬

‫نسأل هللا فعل الخيرات وترك المنكرات وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه آمين ‪.‬‬

‫( دمه خفيف‪ -‬خفيف الدم )‬


‫يقصدون بهذه العبارة أن الشخص ظري ف لطي ف‪ ،‬خفي ف الظ ل‪ ،‬دمث األخالق‪ ،‬هين لين س هل‪،‬‬
‫يألف ويؤلف‪ ،‬محبوب للنفوس‪ ،‬مقبول لدى الناس ألخالق ة العالي ة ومعامالت ه الس امية‪ ،‬وبالجمل ة‬
‫فهو كما قيل‪ :‬أرق من نسيم‪ ،‬وهذا هو حسن الخل ق ال ذي مدح ه الش ارع وحث علي ه في أح اديث‬
‫كثيرة منها قوله علي ه الص الة والس الم‪ " :‬أكم ل المؤم نين أحس نهم خلق ا " رواه الترم ذي وق ال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وقول ه " أن ا زعيم‪ ،‬بيت في أعلى الجن ة لمن حس ن خلق ه "ح ديث ص حيح رواه أب وداود بإس ناد‬
‫صحيح‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن عبدهللا بن المبارك رحمه هللا تعالى في تفسير حسن الخلق قال‪ " :‬ه و طالق ة‬
‫الوجه وبذل المعروف وكف األذى"‪.‬‬

‫وقالوا في عالمة ذي الخلق الحسن " أن يكون كثير الحياء‪ ،‬قلي ل األذى‪ ،‬كث ير الص الح‪،‬‬
‫صدوق اللسان‪ ،‬قليل الكالم كثير العمل‪ ،‬قليل الزلل‪ ،‬قليل الفضول‪ ،‬ب را وص وال‪ ،‬وق ورا ص بورا‬
‫شكورا‪ ،‬رضيا حليما‪ ،‬وفيا عفيفا‪ ،‬ال لعانا وال سبابا‪ ،‬وال نمام ا وال مغتاب ا‪ ،‬والعج وال والحق ودا‪،‬‬
‫وال بخيال وال حسودا‪ ،‬هشاشا ً بشاشاً‪ ،‬يحب في هللا ويبغض في هللا‪ ،‬ويرض ى في هللا‪ ،‬ويس خط في‬
‫هللا "‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وحسن الخلق وسيلة عظيم ة في ال دعوة إلى الخ ير؛ ألن ه دع وة بالق دوة الحس نة والفع ل‬
‫الجميل‪ ،‬والدعوة بالفعل أبلغ من الدعوة ب القول‪ ،‬ق ال تع الي في قص ة يوس ف علي ه الس الم " إن ا‬
‫نراك من المحسنين " يوسف (‪. )36‬‬
‫وقد امتن هللا تعالى على نبيه صلى هللا عليه وسلم بلين الجانب ألصحابه رضي هللا عنهم ولو ك ان‬
‫غير ذلك لنفروا منه ولما استجاب له أحد ق ال تع الى‪ " :‬ول و كنت فظ ا غلي ظ القلب النفض وا من‬
‫حولك‪ "........‬آل عمران اآلية (‪.)159‬‬

‫( الدين النصيحة )‬
‫هذه الحكم ة المتداول ة على ألس نة الن اس ط رف من ح ديث نب وي ش ريف رواه اإلم ام مس لم في‬
‫صحيحه‪ ،‬فعن أبي رقية تميم بن أوس الدراي رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا علي ه وس لم ق ال‪:‬‬
‫" الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم"‪.‬‬

‫فالنصيحة عظيمة جدا‪ ،‬وهي منيحة ت درأ الفض يحة ح تى أن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم حص ر‬
‫الدين فيها بقوله‪ " :‬الدين النصيحة " وذلك بتعريف الجزئين كما هو مقرر في علم البالغة‪.‬‬

‫ولذلك كان الرسل عليهم الصالة السالم يقولون ألقوامهم " أنص ح لكم" " وأن ا لكم ناص ح أمين "‬
‫في آيات كثيرة من القرآن ‪.‬‬

‫وقد كان الصحابة رضي هللا عنهم يبايعون النبي صلى هللا عليه وسلم على النصح والنصيحة فعن‬
‫جرير بن عبدهللا رضى هللا عنه قال " بايعت رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم على إق ام الص الة‬
‫وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " متفق عليه‪.‬‬
‫فهذا يدل على أن النصيحة تشمل خصال اإلسالم واإليمان واإلحس ان ق ال أب وعمرو بن الص الح‬
‫رحمه هللا تعالى " النصيحة كلمة جامعة تتضمن قي ام الناص ح للمنص وح ل ه بوج وه الخ ير إرادة‬
‫وفعال "‪.‬‬
‫فالنصيحة هلل تكون بتوحيده ووصفه بص فات الكم ال والجالل‪ ،‬وتنزيه ه عم ا يض ادها ويخالفه ا‪،‬‬
‫وتجنب معاصيه‪ ،‬والقيام بطاعته محبة وإخالصا‪.‬‬
‫والنصيحة لكتابه ‪ :‬اإليمان به وتعظيمه‪ ،‬وتالوته حق التالوة‪ ،‬وتدبره والعمل بما فيه‪.‬‬
‫والنصيحة لرسوله عليه الصالة والسالم ‪ :‬اإليمان به ومحبته وإتباع سنته والذب عن شريعته‪.‬‬
‫والنصيحة ألئمة المسلمين ‪ :‬معاونتهم على الحق‪ ،‬وطاعتهم بالمعروف‪ ،‬وتنبيههم في رفق ولين‪.‬‬
‫والنصيحة لعامة المسلمين ‪ :‬إرشادهم إلى الخير‪ ،‬وتعليمهم أمور دينهم‪ ،‬وإس داء الخ ير لهم وس تر‬
‫عوراتهم وسد خالفاتهم ‪.‬‬
‫والنصيحة تكون سرا حتى قال بعضهم من وع ظ أخ اه فيم ا بين ه وبين ه فق د نص حه وزان ه‪ ،‬ومن‬
‫وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه وشانه وهي فضيحة حينئذ‪.‬‬

‫قال اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى ‪:‬‬

‫تعهدني بنصحك في انفـــــراد *** وجنبني النصيحة في الجماعـه‬


‫فإن النصـح بين النــاس نـــوع *** من التوبيخ ال أرضي إستماعه‬
‫فإن خـالفتني وعصيت أمــري *** فال تجـزع إذا لم تعــط طـــاعه‬

‫‪10‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وكثيرا ما يالقي الناصح صدودا وإعراضا من المنصوح ألنه كما قيل " كالم الحق وجاع"‬

‫وكم مرة أتبعتكم بنصيحتي *** وقد يستفيد البغضة المتنصح‬

‫قال أبو ذر رضي هللا عنه‪ " :‬قول الحق لم يدع لي صديقا "‪.‬‬
‫قال ابن األعرابي قال بعض الحكماء" اثنان ظالمان رجل أهديت له نصيحة فاتخذها ذنبا ‪ "....‬اهـ‬
‫من كتاب ( أدب اإلمالء واالستمالء) للحافظ السمعاني‪.‬‬

‫( الصبر مفتاح الفرج )‬


‫بنى هللا لألخيار بيتا سمـاؤه *** هموم وأحزان وحيطانه الصـبر‬
‫وأدخـلهم فيه وأغــلق بـابـه *** وقـال لهم مفتاح بـابـكـم الصـبر‬

‫هذا التعبير صحيح الغبار عليه‪ ،‬وصواب صدق الشك والخطأ فيه‪ ،‬وينطبق على ص دقة وثبوت ه‬
‫قول الشاعر‪:‬‬

‫وليس يصح في األذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل‬

‫من حسن أخالق المسلم التي يتحلى بها الصبر‪ ،‬وأفضل العبادة انتظار الفرج‪ ،‬والص بر ه و حبس‬
‫النفس على ما تكره أو احتم ال المك روه بن وع من الرض ا والتس ليم‪ ،‬وق د وردت آي ات كث يرة في‬
‫فضل الصبر منها " وبشر الصابرين" البقرة اآلية (‪ " )154‬وهللا يحب الص ابرين " آل عم ران‬
‫اآلية (‪.)146‬‬

‫قال اإلمام أحمد رحمه هللا تعالى " الصبر ذكر في تسعين موضعا من القرآن " وقد ذكر هللا تعالى‬
‫الصبر على ستة عشر وجها ً أمر ب ه ونهى عن ض ده‪ ،‬وأخ بر أن ه يحب الص ابرين وأنهم يوف ون‬
‫أجرهم بغير حساب ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬

‫إن األمور إذا سُددت مطالبها *** فالصـبر يفتق منها كــل مــا ارتتـجـا‬
‫(‪)1‬‬

‫ال تيأسن وإن طـالت مطـالبة *** إذا استعنت بصـبر أن تــرى فــرجــا‬
‫أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع لألبواب أن يلجا‬

‫واألحاديث كثيرة جاء منها مارواه مسلم " الصبر ض ياء " وقول ه علي ه الص الة والس الم‪ " :‬وم ا‬
‫أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" متفق عليه ‪.‬‬

‫وقال عمر رضي هللا عنه‪ " :‬وجدنا خير عيشنا بالصبر" رواه البخاري‪.‬‬
‫وقال علي رضي هللا عنه‪ " :‬إن الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجس د أال إن ه ال إيم ان لمن‬
‫الصبر له "‪.‬‬

‫‪------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ارتتج‪ :‬استغلق‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫إني رأيت وفي األيام تجربة *** للصـبر عــاقبة محمــودة األثــــر‬
‫وقل من جد في أمر يحـاوله *** واستصحب الصبر إال فاز بالظفر‬

‫قال بعض أهل العلم‪ ( :‬بالصبر واليقين تنال اإلمامة في الدين ) وتال قول ه تع الى‪ " :‬وجعلن ا منهم‬
‫أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " السجدة (‪.)24‬‬

‫فالصبر حبس النفس عن الج زع‪ ،‬وحبس اللس ان عن التش كي والتس خط‪ ،‬والج وارح عن‬
‫لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما‪.‬‬
‫استعمل الصبر تجني بعده العسال *** والزم الباب حتى تبلغ االمال‬

‫واعلم أن الصبر ثالثة أقسام ‪-:‬‬

‫‪ .1‬صبر على ما أمر هللا به (صبر على الطاعة)‪.‬‬


‫‪ .2‬صبر عما نهى عنه ( صبر على المعصية )‪.‬‬
‫‪ .3‬صبر على ماقدره من المصائب ( صبر على أقدار هللا)‪.‬‬
‫وهي في األفضلية على الترتيب المذكور‪.‬‬
‫واإليمان نصفان نصفه الصبر‪ ،‬والنصف الثاني الشكر قال تع الى‪ " :‬إن في ذل ك آلي ات لك ل‬
‫صبار شكور" لقمان اآلية (‪ ،)30‬والصبر اليستغني عنه أحد سواء في أم ور ال دين واآلخ رة‬
‫أو في أمور الدنيا فال يدرك شيء إال بالصبر‪.‬‬

‫والصبر واجب على العبد‪ ،‬فمن لم يصبر جزع وتسخط ووقع في الح رام‪ ،‬وأعلى من الص بر‬
‫الرضا لقوله عليه الص الة والس الم‪ " :‬اعب د هللا في الرض ا ف إن لم تس تطيع ففي الص بر على‬
‫ماتكره خير كثير " أخرجه الترمذي والطبراني‪ ،‬والصبر ُمر أوله‪ ،‬حلوة عاقبته‪.‬‬

‫والصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه احلى من العسل‬


‫ولمعرفة المزيد عليك بكتاب ( عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) البن قيم الجوزية‪.‬‬

‫( طار السو – يطير عليه في الس ّو )‬


‫كلمتان قريبتان من بعض‪ ،‬األولى تقال تفاؤال كأن ينكسر إناء أو يتع ثر الطف ل أو أي مص يبة‬
‫تقع يقال " طار السو " بمعنى دفع هللا ماكان أعظم‪ ،‬فهي إذاً جملة خبرية لكنها إنشائية دعائية‬
‫في معناها ‪.‬‬

‫والفأل محمود شرعاً‪ ،‬فقد قال عليه الصالة والس الم كم ا في الص حيحين " ال ع دوى وال‬
‫طيرة ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل ؟ قال الكلمة الطيبة "‪.‬‬

‫فالفأل إبانة عن مقتض ى الطبيع ة‪ ،‬وم وجب الفط رة اإلنس انية‪ ،‬ال تي تمي ل إلى مايوافقه ا‬
‫ويالئمها‪ ،‬ول ذا ك ان علي ه الص الة والس الم يحب الطيب والنس اء والحل واء وحس ن الص وت‬
‫بالقرآن واألذان‪ ،‬ويستمع إلي ه ويحب مك ارم الش يم ومع الي األخالق‪ ،‬وهللا س بحانه جع ل في‬
‫غرائز الناس اإلعجاب باالسم الحسن ومحبته‪ ،‬وميل نفوسهم إليه‪ ،‬وكذلك جعل فيها االرتي اح‬
‫واالستبش ار والس رور باس م الفالح والس الم والنج اح‪ ،‬ف إذا ق رعت ه ذه األس ماء األس ماع‬

‫‪12‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫استبشرت بها لنفوس وانشرحت لها الصدور‪ ،‬وقوى القلب بها‪ ،‬فيحصل لها حسن الظن وق وة‬
‫األمل فيتفاءل اإلنسان لذلك ‪.‬‬

‫والفأل ضد التشاؤم فاألول محمود مأمور به‪ ،‬والثاني مذموم منهى عنه‪ ،‬فالفأل حسن ظن باهلل‬
‫تع الى ورج اء رحمت ه‪ ،‬والم ؤمن م أمور بحس ن الظن‪ ،‬فمن حس ن ظن ه ط اب عيش ه‪ ،‬وأم ا‬
‫التشاؤم فسوء ظن باهلل تعالى عن ذلك علوا كبيرا ‪.‬‬

‫ولذا من الكلمات الشائعة بين الناس أن يقال‪ " :‬فال هللا وال فالك " لمن كان تفاؤله س يئا‪ ،‬وه و‬
‫ليس فأالً حينئذ‪ ،‬بل إلى التشاؤم أقرب‪ ،‬ويقال أيضا‪ " :‬فالك طيب " وهكذا ‪.‬‬

‫وأما قولهم " يطير عليه في السو " فهي كلمة تقال عند عيادة المريض‪ ،‬وعيادة الم ريض‬
‫من حق المسلم على أخيه كما ورد في الحديث الص حيح‪ ،‬ب ل إن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫قال‪ " :‬إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجن ة ح تى يرج ع‪ ،‬قي ل‪ :‬يارس ول هللا‬
‫وماخرفة الجنة؟ قال جناها "رواه مسلم ‪.‬‬

‫ومما يقال للمريض إذا عاده أخوه المسلم " البأس طهورا إن شاء هللا " ويستحب أن يدعو ل ه‬
‫كما ورد عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من عاد مريض ا لم يحض ر أجل ه فق ال عن ده س بع‬
‫مرات أسال هللا العظيم رب الع رش العظيم أن يش فيك إال عاف اه هللا من ذل ك الم رض " رواه‬
‫الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬بل يستحب للمريض أن يرقى نفسه بنفسه قبل أن يأخذ األدوي ة‬
‫الحسية‪ ،‬وفي كل وقت بالفاتحة وآية الكرسي وسورة اإلخالص والمعوذتين وباألدعية النبوية‬
‫وهي كثيرة ثم ينفث في يديه ويمسح على محل األلم ‪.‬‬

‫( عايف نفسه )‬
‫هذه العبارة تطلق على الشخص كناية عن التواضع وهضم النفس‪ ،‬وعدم رؤيتها بعين العجب‬
‫والغرور‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬بل ومطل وب ش رعاً‪ ،‬ألن الرض ى عن النفس والرك ون إليه ا يوق ع‬
‫العبد في أمراض مهلكة‪ :‬كالعجب والغرور وبذلك يصبح فريسة للشيطان والعياذ باهلل تع الى‪،‬‬
‫ومن عرف حقيق ة نفس ه لم يس عه إال أن ينظ ر إليه ا بعين النقص‪ ،‬ول ذلك ق ال هللا تع الى عن‬
‫حقيقة نفس اإلنسان" إنه كان ظلوما جهوال " األحزاب (‪.)72‬‬

‫قال القحطاني األندلسي رحمه هللا تعالى في نونيته المشهورة ‪:‬‬

‫وهللا لو علموا قبيح سريرتي *** ألبى السالم على من يلقاني‬

‫فمن كانت هذه حقيقته‪ ،‬ومن كان هذا وصفه فال مطمع في استقامته وزكاته من تلقاء نفس ه إن‬
‫لم يتداركه هللا برحمته وفضله قال تعالى‪ " :‬ولو ال فضل هللا عليكم ورحتم ه م ازكى منكم من‬
‫أحد أبداً ولكن هللا يزكي من يشاء وهللا سميع عليم "النور (‪ ،)21‬وقال تع الى‪ " :‬ول وال فض ل‬
‫هللا عليكم ورحمته التبعتم الشيطان إال قليال " النساء (‪ ،)82‬وق ال أيض ا‪ " :‬إن النفس ألم ارة‬
‫بالسوء إال مارحم ربي إن ربي غفور رحيم " يوسف (‪.)53‬‬

‫‪13‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فيجب على العب د أي يب ذل جه ده في العلم الن افع والعلم الص الح ل يرفع عن نفس ه الجه ل‬
‫والظلم‪.‬‬
‫وفي الدعاء المأثور "اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها وموالها"‪.‬‬

‫فحري بمن هذا شأنه أن يلجأ إلى مواله ليزكيه ويوفق ه إلى اإليم ان والعلم والن افع العم ل‬
‫الصالح ‪.‬‬
‫ذكر العسكري في المواعظ‪ :‬أن أبا بكر الصديق رضي هللا عنه إذا ُمدح قال‪ " :‬هللا أعلم م ني‬
‫بنفسي‪ ،‬وأن ا أعلم بنفس ي منهم‪ ،‬هللا اجعل ني خ يرا مم ا يظن ون واغف ر لي م اال يعمل ون‪ ،‬وال‬
‫تؤاخذني بما يقولون "‪ ،‬وقال أبو العتاهية رحمه هللا تعالى ‪:‬‬

‫يظن الناس بي خيرا وإني *** لشر الناس إن لم تعف عني‬

‫وكان عبدالرحمن بن عوف يطوف بالبيت وي دعو‪ " :‬رب ألهم ني رش دي‪ ،‬وق ني ش ر وش ح‬
‫نفسي " قال تعالى‪ " :‬ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " الحشر اآلية (‪.)9‬‬

‫وانظر إلى تواضع اإلمام الشافعي رحمه هللا وهضمه لنفسه لم ا كتب إلى تلمي ذه اإلم ام أحم د‬
‫رحمه هللا تعالى يقول له ‪:‬‬

‫أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنـال بـهـم شفاعـة‬


‫وأكره من تجارته المعاصي *** وإن كنا سواء في البضاعة‬
‫فرد عليه اإلمام أحمد قائال‪:‬‬
‫تحب الصالحين وأنت منهم *** لعـلك أن تنال بـك الشفـاعـة‬
‫وتكره من تجارته المعاصي *** حماك هللا من تلك البضاعة‬
‫وكان بعض العلماء إذا أثنى علي ه في وجه ه يق ول‪ :‬و هللا إني إلى الآن أج دد إس المي ك ل وقت‪،‬‬
‫وما أسلمت بعد إسالما جيدا‪ ،‬وكان كثيرا مايتمثل بقوله‪:‬‬

‫أنا المكدي وابن المكدي *** وهكذا كان أبي وجدي‬

‫وهلل دره عندما يقول‪:‬‬

‫أنـا الفقيـر إلـى رب البـريــات *** أنا المسكين في مجموع حاالتـي‬


‫أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي *** والخير إن يأتنا مـن عنده يـاتـي‬
‫ال أستطيع لنفسي جلب منفعة *** وال عن النفس لي دفع المضرات‬
‫وليس لـي دونه مولـى يدبرني *** وال شفيع إذا حـاطـت خطيئـاتـي‬
‫إال بـإذن مـن الرحمن خـالقنـا *** إلــى الشفيع كما قـد جــا بــآيــات‬
‫ولســت أملك شيئا دونـه أبــدا *** وال شـريـك أنـا فـي بعض ذرات‬
‫والظهير لـه كـي يستعين بــه *** كمــا يكــون ألربـــاب الواليــات‬
‫والفقر لي وصف ذات الزم أبدا *** كما الغني أبدا وصف لـه ذاتي‬
‫وهذه الحال حال الخلق أجمعهم *** وكـلـهــم عــنــده عــبــد لـــه آتـــي‬
‫فمن بغي مطلبا من غير خـالقـه *** فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي‬
‫والحمد هلل مـلء الكــون أجمعـه *** ماكـان منه ومــا مـن بعد قـد يـاتـي‬

‫‪14‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الحياء في الدين )‬
‫هذه عبارة خطأ من حيث ظاهر اللفظ(‪ ،)1‬لأن ظاهر لفظها أن الدين ليس فيه حياء‪ ،‬وإن كان الن اس‬
‫اليقصدون هذا المعنى‪ ،‬ولكن تص حيح اللف ظ قاع دة ش رعية اهتم به ا الش ارع‪ ،‬وإن ك ان المع نى‬
‫المقص ود من العب ارة ص حيحا‪ ،‬أال ت رى أن هللا تع الى نهى الص حابة رض ي هللا عنهم أن يقول وا‬
‫(راعنا) للنبي صلى هللا عليه وسلم " ياأيها الذين آمنوا التقول وا راعن ا وقول وا انظرن ا " البق رة (‬
‫‪ )103‬لأنها تتضمن معنى سيئا عند اليهود‪ ،‬وقوله عليه الص الة والس الم " اليق ولن أح دكم خبثت‬
‫نفسي ولكن ليقل لقست نفسي " متفق عليه ومعنى لقست هو معنى خبثت‪ ،‬ولكن كره لفظ الخبث‪.‬‬

‫وهذا يعطينا فائدة أخرى‪ :‬وهي أن الشارع إذا سد بابا من الشر فتح مكانه بابا بل أبوابا إلى الخير‪.‬‬

‫وعليه فالعبارة الصحيحة أن يقال " الحياء في فهم الدين " لأن الحي اء من ال دين ومن ش عبه‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ق ال‪" :‬الإيم ان بض ع‬
‫وس بعون أو بض ع وس تون ش عبه فأفض لها ق ول ال إل ه إال هللا وأدناه ا إماط ة الأذي عن الطري ق‬
‫والحياء شعبة من الإيمان"‪.‬‬

‫فــال وهللا مـا فـي العيش خيـر *** وال الدنيا إذا ذهـب الحيـاء‬
‫يعيش المرء ما استحيى بخير *** ويبقى العود مـا بقى اللحاء‬

‫ولأهل العلم تعريفان للحياء ‪-:‬‬

‫أحدهما لغوي والآخر شرعي‪ :‬أما اللغوي فهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خ وف ماي ذم به‪،‬‬
‫أما الشرعي فهو خلق في النفس يبعث على ترك القبيح‪ ،‬ويمنع من التقصير في حق ذي الحق‪.‬‬

‫واعلم أن الحياء نوعان ‪:‬‬

‫‪ .1‬ماكان خلقا وجبلة وطبعا غير مكتسب‪ ،‬وهو من أجل الأخالق التي يمنحها اهلل للعبد‪.‬‬
‫‪ .2‬ماك ان مكتس با من معرف ة هللا وعظمت ه واطالع ه على خلقه‪ ،‬وه و س بحانه يعلم خائن ة‬
‫الأعين وم ا تخفي الص دور‪ ،‬وه ذا من أعلى خص ال الإيم ان ب ل ه و من أعلى درج ات‬
‫الإحسان ‪.‬‬

‫‪-----------------------------------‬‬
‫ومن هذا القبيل – وهي منتشرة بكثرة على ألسنة الناس – وق ول القائ ل عن د الحوقل ة اختص ارا ‪ " :‬الح ول هلل " وه ذا خط أ‬ ‫‪.1‬‬
‫فاحش‪ ،‬لأن معناه نفي الحول والقوة عن هللا تعالى عن ذلك علو كبيرا ‪ ،‬ولوال نية القائل الحسنة لكفر بذلك‪ ،‬لأن معناها وصف‬
‫هللا تعالى بالعجز‪ ،‬والصواب أن يقال ال حول والقوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( اللي عنده موش ليه)‬


‫اللي = الذي ‪ ،‬موش = ليس ‪ ،‬ليه = له‪.‬‬

‫هذا التعبير يدل على نفسية شريفة‪ ،‬وروح من أثقال الشح والبخل خفيفة‪ ،‬قال تع الى‪ " :‬ومن ي وق‬
‫شح نفسه فأولئك هم المفلحون " الحشر (‪.)9‬‬

‫فقد بلغ صاحبنا من الجود والكرم منته اه‪ ،‬ح تى إن ال ذي في ي ده ليس ل ه محب ة في إس داء الخ ير‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وفي مثله يقال‪ :‬أرخ يديك واسترخ؛ إن الزناد من مرخ‪ ،‬وهذا مث ل يض رب لمن يطلب‬
‫حاجة من كريم؛ لأن الكريم إذا سئل اه تز‪ ،‬والل ئيم إذا س ئل أرز‪ ،‬أي أن الك ريم إذا س ئل استبش ر‬
‫وبذل‪ ،‬وأما اللئيم إذا سئل انقبض وبخل‪.‬‬
‫وفي الحديث المتفق عليه عن جابر رضي هللا عنه قال‪ " :‬ماسئل رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه‬
‫وسلم شئيا قط فقال ال‪ ،‬ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال ياقوم أس لموا‬
‫فإن محمداً يعطي عطاء من اليخشى الفقر " رواه مسلم‪.‬‬

‫لهم شيمة لم يعطها هللا غيرهم *** من الجود والأحالم غير عوازب‬

‫قال تعالى‪ " :‬ويؤثرون على أنفسهم ول و ك ان بهم خصاص ة " الحش ر (‪ ،)9‬وعن س هل بن س عد‬
‫رضي هللا عنه أن امرأة جاءت إلى رسول هللا صلى هللا عليه وآل ه وس لم ب بردة منس وجة فق الت ‪:‬‬
‫نسجتها بيدي لأكسوكها‪ ،‬فأخذها النبي محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها لإزاره‪ ،‬فقال فالن أكسنيها ما‬
‫أحسنها‪ ،‬فقال‪ :‬نعم فجلس النبي صلى هللا عليه وآله وس لم في المجلس ثم رج ع وطواها‪ ،‬ثم أرس ل‬
‫بها إليه فقال له القوم‪ :‬ما أحسنت‪ ،‬لبسها النبي صلى هللا عليه وسلم محتاجا إليه ا ثم س ألته وعلمت‬
‫أنه اليرد سائال‪ ،‬فقال‪ :‬إني وهللا ماسألته لألبسها‪ ،‬إنما سألته لتكون كف ني‪ ،‬ق ال س هل‪ :‬فك انت كفن ه‬
‫"رواه البخاري ‪.‬‬

‫تــــراه إذا مــاجـئتــه متـهــلال *** كــأنك تعطيه الـذي أنـت سـائله‬
‫ولو لم يكن في كفه غير روحه *** لجــاد بــها فـليتـق هللا ســـائـلـه‬
‫هو البحر من أي النواحي أتيته *** فلجته المعروف والجود ساحله‬

‫وفي الأثر أن إبراهيم عليه السالم قال هلل تعالى‪ِ " :‬لَم اتخذتني خليال؟ ق ال هللا تع الى‪ " :‬لأني رأيت‬
‫أن العطاء أحب إليك من الأخذ‪ ،‬ولما مدح الفرزدق زين العابدين على بن الحسين بن علي بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنهم في أبيات جميلة قال فيها مشيرا إلى كرمه وجوده وأن ه كج ده الن بي ص لى‬
‫هللا عليه وسلم في أنه ال يرد سائال واليقول (ال) لشيء سئله قال‪:‬‬

‫ماقال "ال" قط إال في تشهده *** لوال التشهد كانت الءه نعم‬

‫أي لوال قول ( ال إله إال هللا ) وأنه اليتم وال يصح التوحيد إال بالنفي في صدر كلمة التوحيد‪ ،‬ل وال‬
‫ذلك لما كانت عنده (ال) أبدا وأنها انقلبت كلها نعما‪.‬‬

‫حلف الزمان ليأتين بمثله *** حنثت يمينك يازمان فكفر‬

‫‪16‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫" ذرية بعضها من بعض وهللا سميع عليم " آل عمران (‪.)34‬‬

‫أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا ياجرير المجامع‬

‫تنبيه‪ :‬اليجوز للعبد أن ينفق كل ماعنده ويبقى عالة يتكفف الناس‪ ،‬وإنما المطلوب الكرم والجود‬
‫وسخاء النفس والإيثار والمواساة بما اليضر ويجعل العبد محتاجا إلى غيره‪ ،‬لأن النبي صلى هللا‬
‫عليه وآله وسلم قال‪ " :‬أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله " رواه مسلم‪ ،‬وقال أيضا‪:‬‬
‫" كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " حديث صحيح‪ ،‬رواه أبو داود وغيره‪ ،‬وقال أيضا‪ " :‬اليد‬
‫العليا خير من اليد السفلى‪ ،‬وابدأ بمن تعول " رواه البخاري ‪.‬‬

‫( من تواضع هلل رفعه )‬


‫المسلم يتواضع في غير مذلة والمهانة‪ ،‬والتواضع من أخالقه المثالية وصفاته العلية كما أن الكبر‬
‫ليس له بل هو لربه جل وعال‪ ،‬والمسلم يتواضع ليُرفع واليتكبر لئال يخفض إذ سنة هللا جارية في‬
‫رفع المتواضعين له‪ ،‬ووضع المتكبرين قال تعالى‪ " :‬واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين "‬
‫الحجر (‪ ،)88‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬وما تواضع أحد هلل إال رفعه هللا " رواه مسلم‪.‬‬

‫تواضع تكن كالبدر الح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع‬
‫وال تـك كالدخـان يعـلـو بنفسـه *** على طبقات الجو وهو وضيع‬

‫وأما تواضعه عليه السالم فعجب عجاب‪ ،‬فقد كان علي ه الص الة والس الم يحلب الش اة‪ ،‬ويخص ف‬
‫النعل‪ ،‬ويرقع الثوب‪ ،‬ويأكل مع خادم ه‪ ،‬ويطحن عن ه إذا أعيى‪ ،‬ويص افح الغ ني والفق ير‪ ،‬ويس لم‬
‫على الصغير والكبير‪ ،‬وكانت الأمة ( وهي الجارية المملوكة ) تأخ ذ بي ده في س كك المدين ة حيث‬
‫شاءت ليقضي لها حاجتها‪ ،‬وقد اقتدى به من بعده الصحابة رضي هللا عنهم والسلف الصالح‪ ،‬فهذا‬
‫الإمام مالك رحمه هللا تعالى لما جاء الخليفة ه ارون الرش يد ليحض ر درس ه في المس جد النب وي‪،‬‬
‫وكان الخليفة جالسا على كرسي والناس جل وس على األرض وك ان درس اإلم ام مال ك في الفقه‪،‬‬
‫فلما رأى مالك هذا المنظر لم يعجبه‪ ،‬فغير الدرس إلى التواضع وقال هذه القولة المش هورة‪ " :‬من‬
‫تواضع هلل رفعه" فما كان من الخليف ة رحم ه هللا إال أن ت رك الكرس ي وجلس على الأرض كبقي ة‬
‫الناس فرحم هللا الجميع‪.‬‬

‫تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة *** فإن رفيع القوم من يتواضع‬

‫) النظافة من الإيمان (‬
‫يروى هذا التعبير على أنه ح ديث نب وي ش ريف وه و ليس ك ذلك‪ ،‬ف إن الح ديث ال وارد في ذل ك‬
‫ضعيف جدا‪ ،‬وإن كان معناه صحيحا قد دل عليه الشرع المطهر‪ ،‬ففي الحديث الحس ن ق ال الن بي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إن هللا نظيف يحب النظافة " رواه الترمذي والدوالبي‪ ،‬وقوله تعالى‪ " :‬إن‬
‫هللا يحب التوابين ويحب المتطهرين " البقرة (‪ )220‬فقوله‪ " :‬التوابين " دل على طه ارة الب اطن‪،‬‬
‫وقوله " المتطهرين " دل على طهارة الظاهر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فطهارة الباطن أي طهارة القلب بأن يكون سليما كما قال تعالى‪ " :‬يوم ال ينفع مال والبنون إلا من‬
‫أتى هللا بقلب سليم " الشعراء (‪ ،)89‬والقلب الس ليم ه و القلب الس الم من الش رك والش ك والشر‪،‬‬
‫والقلب السليم اليقوده هواه بل يقوده شرع مواله‪.‬‬

‫وأما الطهارة الظاهر ونظافته فقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬الطهور شطر الإيمان " رواه مس لم‪،‬‬
‫فالوضوء والغسل وطهارة البدن والثوب والمكان كلها من الإيمان‪ ،‬وقد أمر عليه الصالة والس الم‬
‫في الحديث الحسن الذي رواه الترم ذي‪ :‬تنظي ف أفني ة ال بيوت مخالف ة لليه ود المغض وب عليهم‪،‬‬
‫ومن شرط صحة الصالة الطهارة في المكان والبدن والثياب‪.‬‬

‫( وعد الحر دين عليه )‬


‫أمر سبحانه وتعالى بالوفاء بالوعد والعهد ق ال تع الى‪ " :‬وأوف وا بالعه د إن العه د كان مس ؤوال "‬
‫الإسراء (‪ ،)34‬وقد أثنى هللا تعالى على إسماعيل عليه السالم لصدق وعده فقال سبحانه‪ " :‬واذكر‬
‫في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد " مريم (‪ ،)54‬وحذر عليه الصالة والسالم من إخالف ه‬
‫بقوله " آية المنافق ثالث‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا اؤتمن خان " متفق عليه‪.‬‬

‫فالوفاء بالوعد من صفات المؤمنين‪ ،‬ومن خصال المسلمين‪ ،‬وعكسه كم ا في الح ديث من ص فات‬
‫المنافقين الذين يقولون ماال يفعلون‪ ،‬ويفعلون م اال ي ؤمرون‪ ،‬وفي أمث ال ه ؤالء ق الت الع رب‪" :‬‬
‫أسمع جعجعة وال أرى طحنا " وحلوبة تثمل ال تصرح وهما مثالن يضربان لمن يعد ويخلف‪.‬‬

‫وهذا التعبير يبين أن المسلم إذا وعد وعدا وجب عليه الوف اء به‪ ،‬فه و دَْين في ذمت ه يجب إنج ازه‬
‫وتحقيقه‪ ،‬فالوعد وجه والإنجاز محاسنه‪ ،‬والوعد سحابة والإنجاز مطرها‪.‬‬

‫إذا قـلـت فــي شـيء نـعـم فــأتـمـه *** فإن (نعم) َدْين على الحر واجـب‬
‫وإال فقل‪( :‬ال) تسترح وتـرح بـهـا *** لئــال يـقـول النـاس إنــك كــاذب‬

‫وأما ما المراد بالحر فيحتمل وجهين‪-:‬‬


‫‪ .1‬إن المراد بالحر هو الرج ل الك ريم ذو الص فات الحمي دة ال تي جمعت في ه جمي ع ص فات‬
‫الرجولة‪ :‬من الشهامة والشجاعة والأصالة ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬إن المراد بالحر الذي سلم من رق العبودية للمخلوق‪ ،‬عكس العبد المملوك الرقيق‪.‬‬

‫فعلى المع نى الأول الينبغي للرج ل الح ر الك ريم ذي الص فات الكامل ة أن يخل ف وع دا؛ لأن آف ة‬
‫المروءة خلف الوعد؛ ولأن الوفاء بالعهد من صفات هذا الحر الكريم ‪ ،‬فهو دين في ذمته بمقتضى‬
‫رجولته وكونه حرا كريم الأصل والمعدن‪ ،‬فهذا الحر الكريم سيفى بوعده على كل حال كما ق الت‬
‫العرب‪ " :‬الخيل تجري على مساويها " ؟ أي أن الخيل وإن ك ان به ا ش ي من العل ل ف إن كرمه ا‬
‫يحملها على الجري فكذلك الحر الكريم‪.‬‬

‫وعد الكريم نقد وتعجيل *** ووعد اللئيم مطل وتعطيل‬

‫‪18‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وعلى المعنى الثاني‪ :‬كذلك ينبغي لمن كان حرا من عبودية الرق والملك للمخلوق أن يحقق العه د‬
‫واليخلف الوعد بمقتضى حريته خالف ا للعب د الممل وك فإن ه اليمل ك من أم ره ش يئاً؛ لأن ه ممل وك‬
‫لسيده‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬شاع عند بعض الناس قول‪ " :‬وعد انجليزي " أو نحو ذلك إذا أراد أحدهم أن يح دد موع دا‬
‫أكيدا م ع آخر‪ ،‬ويقص دون أن ه وع د ح ق منج ز المحالة‪ ،‬فال غش والخل ف والك ذب فيه‪ ،‬وه ذا‬
‫تصور خاطيء؛ ف إن المس لم ه و ال ذي وع ده حقيقي؛ لأن تحقي ق ذل ك من دين ه ومقتض ى إيمانه‪،‬‬
‫وخلف ه يوقع ه في النف اق‪ ،‬ثم ليعلم أن ه ذه االخالق الموج ودة عن دهم أخ ذوها من ا إب ان احتاللهم‬
‫لبلداننا العربية والإسالمية فأخذوا أحسن ماعندنا وتركوا فينا سيئ أخالقهم فنحن أولى وأحق به ذه‬
‫الأخالق الحميدة منهم‪.‬‬

‫ومــافـتـىء الزمـان يــدور حـتـى *** مضى بالمجد قوم آخـرونا‬


‫وأصبح اليرى في الركب قـومي *** وقــد عـاشـوا أئـمتـه سنينا‬
‫وآلمـــنــي وآلــــم كـــــل حـــــر *** سؤال الدهر أين المسلمونا‬

‫ثم هي عندهم أخالق تجارية كما يق ال‪ ،‬ليس ت مبني ة على أصل‪ ،‬أم ا نحن فهي مبني ة عن دنا على‬
‫أصل أصيل من الإسالم والإيمان‪.‬‬

‫( يكرهك في نفسك )‬
‫هذه العبارة قد يتبادر منها لأول وهلة أن هذا الشخص لسوء معاملته وقبح تصرفه يبعث في نفسك‬
‫الكراهية‪ ،‬ولكن ليس هذا هو الم راد ب ل الم راد أن ه ذا الش خص لدماث ة أخالقه‪ ،‬وطيب ص فاته‪،‬‬
‫ورقة مشاعره وإحساسه إذا قارنت نفسك معه تج د أن ك التداني ه والتقاربه‪ ،‬وعلي ه يص دق المث ل‬
‫القائل‪ :‬حق لفرس بعطر وأنس وهو مثل يض رب لمن م دح بم ا ه و أهله‪ ،‬فبالت الي تحتق ر نفس ك‬
‫أمامه‪ ،‬وتزدري حالك ازاءه‪ ،‬فهو قدوة حسنة‪ ،‬وأسوة طيبة لحسن خلقه‪.‬‬
‫الذي ينبغي للعبد أن ينظر لمن هو دونه في أمور ال دنيا ح تى يش كر نعم ة هللا عليه‪ ،‬والينظر إلى‬
‫من فوقه حتى اليزدري نعمة هللا؛ لقوله عليه الصالة والس الم‪ " :‬انظ روا إلى من ه و أس فل منكم‬
‫والتنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن التزدروا نعمة هللا عليكم " متفق عليه‪ ،‬وأم ا في أم ور‬
‫الدين فلينظر إلى من فوقه حتى يش حذ همت ه للح اق ب ه بفع ل الحس نات والمس ارعة في ذلك‪ ،‬وال‬
‫ينظر إلى من دونه حتى ال ينقطع عن العمل ويعجب بنفسه فيهلك بذلك‪.‬‬

‫الحن ْه وشويّ ْه من رطابة الليدين )‬


‫( شويّ ْه من ِ‬
‫ي ه و الش ئ اليس ير الهين" ‪،‬‬‫شوية = قليل ‪( ،‬عربية محرفة) ‪ ،‬قال يح يى بن س عيد ‪" :‬الش و ّ‬
‫ولعلها مصغر شئ مع تخفيف الهمزة ‪ ،‬وقد أضافت لها اللهجة التاء في آخرها ‪.‬‬
‫الحنة = الحناء(عربية صحيحة)‪ ،‬فأصل الحنة ‪:‬الحناء ‪ .‬الليدين = اليدين ‪.‬‬
‫هذا التعبير صحيح ‪ ,‬وهو مفيد جدا في التعامل ‪ ,‬فالحياة العامة والسلوك االجتم اعي يقتض ي‬
‫شيئا من المالينة ‪ ,‬ومداخلة الناس البد فيها من شئ من التنازالت ‪ ,‬فالتعبير كما هو واضح يدعو‬
‫إلى الموازنة ‪ ،‬وأن التنازالت ال بد أن تكون من الطرفين حتى يحصل التفاهم وتسير األمور ‪ ,‬أما‬
‫إذا كانت التنازالت من طرف واحد ‪ ،‬فإن ذلك قد يفضي إلى ظلمه ‪ ,‬ولذلك قال الش اعر وإن ك ان‬
‫في كالمه ما فيه‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫يضرسْ بأنياب ويوطأ بمنسم‬ ‫ومن ال يصانع في أمور كثيرة‬


‫وقد يؤيد ه ذا التعب ير" ش وية من الحن ة‪ "......‬م ا ي ذكره الفقه اء في ب اب المع امالت من ق ولهم‪:‬‬
‫" ضع وتعجل "(‪ , )1‬وبيان هذه المسألة ‪ :‬أن يقول المدين للدائن أسقط بعض حقك وأعجله لك قب ل‬
‫حلول أجل الدين ‪ ,‬فحقيقة ه ذه المس ألة(‪ )2‬هي الحطيط ة من ال دين المؤج ل ألج ل تعجيل ه‪ ،‬س واء‬
‫أكانت بطلب الدائن أم المدين‪.‬‬

‫) إن كان الكالم من فضة فإن السكوت من ذهب (‬

‫يُـؤتى اإلنـسـان من لفظته‬ ‫فالصمت زين ووقار وقد‬


‫ال شـك أن يعثر فـي عجلته‬ ‫من أطلق القول بال مهلة‬
‫ال يندم المـرء على سكتـته‬ ‫من لزم الصمت نجا سالما‬

‫هذه الحكمة المأثورة صحيحة ‪ ،‬وهي في األصل مقولة للقم ان الحكيم كم ا ذك ر ذل ك الحاف ظ ابن‬
‫رجب في كتابه ( جامع العلوم والحكم ) عند ش رحه لح ديث " من ك ان ي ؤمن باهلل والي وم اآلخ ر‬
‫فليقل خيرا أو ليصمت " ‪.‬‬
‫ولما س ئل ابن المب ارك رحم ه هللا تع الى عن ق ول لقم ان البن ه ‪ " :‬إن ك ان الكالم من فض ة ف إن‬
‫الصمت من ذهب " قال معناه ‪ :‬لو كان الكالم بطاعة هللا من فضة ‪ ،‬فإن الصمت عن معص ية هللا‬
‫من ذهب " ‪ ،‬وهذا يرجع إلى أن الكف عن المعاصي أفضل من عمل الطاعات ‪.‬‬
‫ففي هذه الحكمة المأثورة دليل على فضيلة الصمت ‪ ،‬وأنه خ ير من الكالم ال ذي ليس في ه فائ دة ‪،‬‬
‫ولذلك ورد في الحديث الذي رواه أحم د في المس ند ‪ ،‬وه و عن د الط براني بس ند جي د قول ه علي ه‬
‫الص الة والس الم ‪ " :‬من ص مت نج ا " ‪ ،‬وق ال وهب بن منب ه ‪" :‬أجمعت الحكم اء على أن رأس‬
‫الحكمة الصمت " ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ممقوت‬ ‫َحـ َسـن وإن كـثيره‬ ‫إن الـقـلـيـل من الـكـالم بـأهـلـه‬
‫ُ‬
‫صموت‬ ‫إال يزل وما يُعاب‬ ‫ما ز َّل ذو صمت وما من ُمكـثر‬
‫ُ‬
‫ياقوت‬ ‫فـالصـمت درٌّ زانه‬ ‫إن شـبه النطـق المبـين بـفـضة‬
‫فالصمت المحمود هو الصمت عن الكالم المحرم كالغيب ة والنميم ة ‪ ،‬ومثل ه الكالم ال ذي ال فائ دة‬
‫من ه ؛ إذ ربم ا يج رُّ إلى الكالم المك روه ‪ ،‬أو المح رم ‪ ،‬والس المة ال يع دلها ش ئ ؛ إذ هي إح دى‬
‫الغنيمتين ‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬إن لقمان الحكيم دخل على داود عليه السالم وهو يص نع درع ا ‪ ،‬فه ّم لقم ان أن يس أله عم ا‬
‫يصنع ‪ ،‬ثم أمسك ولم يسأل حتى تمم داود الدرع ‪ ،‬وق ام فلبس ها ‪ ،‬وق ال ‪ :‬نعم أداة الح رب ‪ ،‬فق ال‬
‫لقمان ‪ " :‬الصمت ِحـكـ َ ٌم وقليل فاعله " ِحكـَـم جمع حـكمة ‪ ،‬ومع نى قول ه ‪ " :‬قلي ل فاعل ه " ‪ :‬أن‬
‫غالب الناس مغرمون بالقيل والقال ‪ ،‬وكثرة السؤال ‪ ،‬فتراهم يهرف ون بم ا ال يعرف ون ‪ ،‬ويه ذون‬
‫بما ال يدرون ‪ ،‬إال من رحم هللا وقليل ما هم ‪ .‬قال أبو العتاهية رحمه هللا تعالى ‪:‬‬
‫من قـال بالـخـيـر غـنـم‬ ‫من لـزم الصمت نجا‬
‫من طـلـب الـعـلـم عـلـم‬ ‫من صــدق هللا عــال‬

‫(‪ )1‬هذه المسألة أجازها مجمع الفقه اإلسالمي ‪ ،‬في دورته السابعة ‪ ،‬ببعض الشروط ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هذه المسألة الفقهية يتبين التعبير الشعبي بجالء ‪ ،‬فنجد أن التنازالت وقعت من طرفين ‪ ،‬فالدائن تعجل دين ه وقبض ه قب ل أجل ه‪,‬‬
‫ولكن تنازل عن بعض حقه ‪ ,‬والمدين سدد الدين بأقل مما استدان ‪ ,‬ولكن تنازل عن طول األجل ‪ ,‬إذ أنه سدده قبل حلوله‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫من رحـم الـنـاس رحـم‬ ‫من ظـلـم الـناس أسـا‬


‫غير ذوي الفضل حرم‬ ‫من طلب الفضل إلى‬
‫من أحسن السـمع فهـم‬ ‫من حفـظ العـهـد وفـا‬

‫أما أيهما أفضل الصمت أم الكالم ؟ ف الجواب أن الكالم ب الخير مق دم على الص مت؛ ألن في ق ول‬
‫الخير نفعا متعديا‪ ،‬بخالف الصمت ففيه سالمة الشخص نفسه‪ ،‬وهو نف ع قاص ر خ اص بص احبه‪،‬‬
‫ومع ذلك فالصمت أفضل من الكالم بال خير‪.‬‬
‫والفيصل في هذا قوله تعالى ‪ " :‬ال خير في كثير من نج واهم إال من أم ر بص دقة أو مع روف أو‬
‫إصالح بين الناس " النساء (‪ ، )113‬فهذه اآلية الكريمة هي الفصل في قبيح الكالم ومليحه‪.‬‬
‫فــائــدة ‪ :‬قوله تعالى ‪ " :‬ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد " ق (‪.)18‬‬
‫ال خالف بين أهل العلم في أن جميع ما يتكلم به الم رء من خ ير ي ؤجر علي ه‪ ,‬واجب ا ك ان أو‬
‫مستحبا‪ ,‬أو من شر تلحق ه تبعت ه ‪ ,‬محرم ا ك ان أو مكروه ا ‪ ,‬فال خالف في كتاب ة الملكين له ذين‬
‫القس مين من خ ير أو ش ر‪ ,‬وإنم ا الخالف في " الكالم المب اح" كقول ك ‪ " :‬الي وم ح ار أو الليل ة‬
‫باردة ‪ .......‬ونحو ذلك " ‪ ,‬هل يكتبه الملكان أو ال يكتبانه؟‬
‫ألهل العلم قوالن في المسألة ‪ ،‬والصحيح الذي علي ه عام ة المحققين أنهم ا يكتبان ه ؛ لعم وم‬
‫قوله تعالى‪( :‬ما) مع (من) ‪ ،‬فيكتب الملكان كل ما ينطق ب ه اإلنس ان ‪ ،‬وأم ا الني ة الباعث ة ل ه فال‬
‫اطالع للملكين عليها‪ ,‬فاهلل يتوالها ‪.‬‬
‫فـوائـد الـصـمـت ‪- :‬‬
‫في الصمت فوائد منها‪ :‬جمع الهم‪ ،‬ودوام الوقار‪ ،‬والفراغ للفك ر وال ذكر والعب ادة‪ ،‬والس المة‬
‫من تبعات القول في الدنيا‪ ،‬ومن حسابه في اآلخرة‪.‬‬
‫قال بعض الحكماء‪ :‬الزم الصمت تكن حكيما ‪ ،‬وقال بعض البلغ اء‪ :‬رب مس كوت عن ه أبل غ من‬
‫منطوق به‪ ،‬وقال بعض األدباء‪ :‬سعد من لس انه ص موت‪ ،‬وكالم ه ق وت‪ ،‬وق ال بعض الفص حاء‪:‬‬
‫اعق ل لس انك إال عن ح ق توض حه‪ ،‬أو باط ل تدحض ه‪ ،‬أو حكم ة تنش رها‪ ،‬أو نعم ة ت دركها‪،‬‬
‫والصمت زينة الجاهل‪ ،‬وستر العيي من مذمة اآلخرين ‪.‬‬

‫ق عـبـسـتـكْ )‬
‫( شــ ْد خـبـزتـكْ واطـلـ ْ‬

‫هذا التعبير يشير إلى أدب من آداب الضيافة‪ ،‬وهي من آداب اإلسالم‪ ،‬ومك ارم األخالق ال تي‬
‫حث عليها الشرع المطهر في الكتاب والسنة‪ ,‬فمن القرآن الك ريم قول ه تع الى‪" :‬ه ل أت اك ح ديث‬
‫ض يف إب راهيم المك رمين‪ "............‬ال ذاريات (‪ ،)27-26-25‬ومن الس نة قول ه علي ه الص الة‬
‫والسالم كما في الحديث المتفق عليه ‪ " :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم ضيفه "‪.‬‬

‫سن الضيافة والقِ رى ه و أبون ا إب راهيم علي ه الس الم‪ ,‬فق َّدم مال ه للض يفان‪،‬‬
‫اعلم أن أول من ّ‬
‫وولده للقربان‪ ،‬وبدنه للنيران‪ ،‬فصار بذلك خليل الرحمن‪.‬‬

‫وقد تضمنت اآلية الكريمة السابقة خمسة عشر أدبا من آداب الضيافة منها‪-:‬‬

‫‪ -1‬خدمة األضياف ‪ ,‬فقد كان إبراهيم عليه الس الم يخ دم أض يافه بنفس ه ‪ ،‬وك ذلك نبين ا علي ه‬
‫الصالة والسالم عندما ك انت تأتي ه الوف ود ‪ ,‬ق ال علي بن الحس ين رض ي هللا عنهم ا ‪ ":‬من تم ام‬
‫المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدم إبراهيم عليه السالم ضيفه " ‪ ،‬ولما نزل الشافعي ضيفا على‬

‫‪21‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫اإلمام مالك صب الماء على يدي ه ‪ ،‬وق ال ‪ :‬اليَ ُر ْع ك م ا رأيت ؛ فخدم ة الض يف على المض يف‬
‫فرض ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعجيل الضيافة ؛ فإن ذل ك من إك رام الض يف لقول ه تع الى في اآلي ة ‪......":‬فج اء بعج ل‬
‫سمين " بالفاء العاطفة ‪ ،‬التي تقتضي الترتيب م ع التعقيب مباش رة ‪ ،‬وفي اآلي ة األخ رى ‪ " :‬فم ا‬
‫لبث أن جاء بعجل حنيذ " هود (‪ ، )68‬والتعبير بـ " فما لبث ‪ " ....‬يدل على سرعة المبادرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تقديم الطعام للضيفان وتقريبه إليهم كما في قوله تعالى ‪ ":‬فقربه إليهم" ‪ ,‬ال كما يُفعل اآلن‬
‫من نقل الضيوف إلى غرفة خاصة ‪ ,‬فاألدب تقريب الطعام للضيوف ال العكس ؛ ألن هللا تعالى لم‬
‫يقل ‪ ":‬فقربهم إليه" فتأمله ‪.‬‬
‫‪ -4‬حق الضيف ثالثة أيام ‪ ,‬أما اليوم األول فيقدم له أطيب الطعام وأجوده ‪ ،‬وأما الي وم الث اني‬
‫والثالث فيأكل الضيف مما يأكل أهل ال بيت ‪ ،‬وم ا زاد على الثالث ة فال ح ق للض يف في ه ؛ لقول ه‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ":‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم ضيفه جائزته ‪ ،‬ق الوا ‪ :‬ي ا رس ول‬
‫هللا وما جائزته ؟ قال ‪ :‬يومه وليلته ‪ ،‬والضيافة ثالثة أيام ‪ ,‬فما كان وراء ذلك فهو ص دقة " متف ق‬
‫عليه ؛ ولذلك فإن إبراهيم عليه السالم قدم عجالً كامالً مشويا ً ‪ ,‬وهذا من كرم ضيافته عليه الس الم‬
‫‪ ,‬فلم يق دم ج زءا من ه ك الربع أو النص ف مثال ‪ ,‬وعلي ه ‪ :‬ف إن من أدب الض يافة أن يق دم األج ود‬
‫واألفضل وقدر الكفاية ‪ ,‬فإن التقليل من الكفاية نقص في المروءة ‪.‬‬
‫‪ -5‬من أدب الضيافة أن ي ذهب رب ال بيت في خفي ة ‪ ،‬وع دم إش عار الض يف بأن ه سيُحْ ض ر‬
‫طعاما ؛ فإن ذلك إحراج للضيوف ‪ ,‬وقد دل على ذلك قوله تعالى ‪ ":‬فراغ إلى أهله " ‪ ،‬فالروغ ان‬
‫هو الذهاب في خفية وخلسة ‪ ،‬بحيث ال يشعر الضيوف بذلك ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يدعو رب البيت الضيوف إلى الطعام في رف ق ولين لقول ه تع الى ‪ ":‬فق ال أال ت أكلون‬
‫" ‪ ،‬وهذا كما هو معلوم أس لوب ع رض ‪ ،‬في ه تلط ف بالض يف ‪ ,‬وبه ذا نعلم خط أ ال ذين يلح ون‬
‫ويحلفون للضيف بأن يأكل ‪ ،‬السيما عند النساء ؛ فإنه إزعاج له ‪ ,‬فلعله ال يج د للطع ام مس لكا في‬
‫بطنه ‪.‬‬
‫‪ -7‬حسن استقبال الضيف ببسط الوجه ل ه ‪ ،‬والحف اوة ب ه ‪ ،‬ولين الق ول م ع التحي ة الحس نة ‪،‬‬
‫المصحوبة بالبشاشة ؛ فإن بشاشة الوجه خير من القِـرى ‪ ,‬فكيف بمن يجمع بينهما !؟‬
‫فكيف بمن يأتي به وهو يضحك ؟‬ ‫بشاشة وجه المرء خير من القرى‬
‫وإلى هذا األدب أشار التعبير الشعبي الذي نحن بصدده " شد خبزتك ‪. " .....‬‬
‫ويخصب عندي والمحل جديبُ‬ ‫أضـاحـك ضـيــفي قـبـل إنـزال رحـلـه‬
‫ولـكـنـمـا وجه الـكـريم خصيبُ‬ ‫وما الخصب لألضياف أن تكثر القرى‬
‫‪ -8‬إطال ة الح ديث عن د المؤاكل ة ‪ ,‬والمالطف ة في الكالم ‪ ,‬وأال يش كو حال ه وفق ره فتتنغص‬
‫الضيافة على األضياف ‪ ،‬وما أجمل التعبير الشعبي القائل‪":‬ليلة ضيفك انس فقرك" ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يشعرهم ويظهر لهم الفرح والس رور بض يافتهم ؛ ف إن الك ريم يس ر بالض يفان ويت ألم‬
‫لفراق ضيفه حتى يشعره بمحبته ‪.‬‬
‫َّ‬
‫شئ كطارقة الضيوف الـنـُّز ِل‬ ‫هللا يــعــلــم أنــه مــا ســرنـي‬
‫نزل‬
‫ضيفا له والضيف ربُّ ال َم ِ‬ ‫زلت بالترحيب حتى ِخلتني‬ ‫ُ‬ ‫ما‬
‫‪ -10‬أن يأكل مع ضيفه وال يعتذر بشبع ونحوه ؛ ألن ذل ك مم ا ي ريح الض يوف ويرف ع عنهم‬
‫الحرج ‪.‬‬
‫‪ -11‬من أدب الضيافة ‪ :‬أن لصاحب الضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم ال ؟ وهل هو في‬
‫حاج ة إلى فض ل طع ام أم ال ؟ وذل ك ينبغي أن يك ون خفي ة ‪ ،‬بتلفت ومس ارقة ‪ ،‬دون أن يش عر‬
‫الضيف بذلك ؛ لقوله تعالى ‪ " :‬فلما رءا أيديهم التصل إليه نكرهم ‪ " .......‬ه ود (‪ ، )69‬فق د دلت‬
‫اآلية على تـفـقـد حال الضيف عند األكل‪.‬‬
‫‪ -12‬أال ينظر إلى طعام أصحابه وكيف ي أكلون بتحدي د نظ ر ؛ لئال يس تحيوا ‪ ،‬رُوي أن أعرابي ا‬
‫أكل مع سليمان أو هشام بن عبد الملك ‪ ،‬ف رأى س ليمان في لقم ة األع رابي ش عرة فق ال ل ه ‪ :‬أزل‬
‫‪22‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ي نظ ر من ي رى الش عرة ؟ وهللا ال أكلت مع ك ‪ ،‬وخ رج‬ ‫الش عرة عن لقمت ك ‪ ،‬فق ال ل ه أتنظ ر إل َّ‬
‫األعرابي من عنده وهو يقول ‪:‬‬
‫يالحظ أطراف األكيل على عمد‬ ‫ولَ ْـلموت خـير من ضيافة باخـل‬
‫‪ -13‬أال يبادر إلى رفع الطعام قبل قضاء حاجتهم منه ‪ ,‬بل يمكنهم من االستيفاء ح تى يرفع وا‬
‫أيديهم ‪.‬‬
‫‪ -14‬أن يشيع ضيفه إلى باب داره إذا أراد االنصراف ويودعه ؛ فإن ه س نة ‪ ،‬وه و من ك رم‬
‫الضيافة ؛ لما رُوي عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى‬
‫باب الدار" ‪.‬‬
‫طــرفـــة ‪:‬‬
‫‪ -‬أحق الناس بلطمة من أتى طعاما لم يدع إليه ‪.‬‬
‫‪ -‬أحق الناس بلطمتين من يقول له صاحب البيت‪ :‬اجلس هنا ‪ ،‬فيقول‪ :‬بل هاهنا‪.‬‬
‫‪ -‬أحق الناس بثالث لطمات من دُعي إلى الطعام فقال لصاحب البيت ‪ :‬ادع ربة البيت تأكل‬
‫معنا ‪.‬‬
‫فــائــدة ‪:‬‬
‫يستحب في الضيافة أن تقدم الفاكهة أوالً ‪ ،‬ويليه ا ب اقي الطع ام لقول ه تع الى في طع ام أه ل‬
‫الجنة ‪ ":‬وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون" ‪ ,‬فق دم الفاكه ة على اللحم ‪ ,‬ولم ا ورد في‬
‫حديث مسلم عندما نزل النبي صلى هللا عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي هللا عنهم ا ض يوفا على‬
‫أحد الصحابة ‪ ،‬قدم لهم عذقا فيه بسر وتمر ورطب ‪ ،‬ثم ذبح لهم شاة ‪ ،‬ولذلك قال النووي كم ا في‬
‫شرح مسلم ‪ " :‬قوله ‪( :‬فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬كلوا من هذه ) " ‪ ...‬ثم ق ال ‪:‬‬
‫" وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما " اهـ ‪.‬‬
‫آداب الزائر " الضيف " ‪:‬‬
‫‪ -1‬ع دم اإلف راط في األك ل ‪ ,‬وال تكن أول من يم د ي ده إلى الطع ام ول ذا قي ل‪:‬‬
‫بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل‬ ‫وإن ُمدت األيدي إلى الزاد لم أكن‬
‫‪ -2‬ترك الفضولية الزائدة ‪ ،‬فبعض الضيوف إذا دخل الدار ابتدأ بالهندسة أوال فيق ول‪ " :‬ك ان‬
‫ينبغي أن يكون باب المجلس من هن ا ‪ ,‬والنواف ذ من هاهن ا‪..........‬وهك ذا" ‪ ،‬ثم ينتق ل من هندس ة‬
‫المجلس إلى هندسة الطعام والمائدة ‪ ,‬ف تراه يق ول ‪ :‬ض عوا ه ذه هن ا ‪ ،‬وه ذه هن اك‪ ...........‬وهلم‬
‫جرا ‪ ،‬وإذا كان الضيف من هذا الصنف فإن التعبير الشعبي يصفه بأنه " ضيف كلوفي " ‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم ذم الضيافة إذا كانت قليلة ؛ فإنه ما على المحسنين من سبيل ‪ ,‬وعليه ينبغي أن يخرج‬
‫الضيف طيب النفس وإن جرى في حقه تقصير ‪ ،‬فذلك من حس ن الخل ق والتواض ع ‪ ،‬وأال يخ رج‬
‫إال برضى صاحب المنزل وإذنه كما كان دخوله كذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬على الضيف أن يكون خفيف الظل ‪ ،‬خفيف الس ؤال ‪ ،‬لطي ف الطلب ‪ ،‬محافظ ا على آداب‬
‫الضيافة ‪ ،‬مراعيا حرمة المنزل الذي يضّيفه ‪ ,‬فال يحل له أن يطي ل اإلقام ة ح تى يح رج ص احب‬
‫البيت ويوقعه في الضيق ‪ ،‬مثل ما قيل ‪" :‬ع ّشـيناه بات عن دنا" ‪ ،‬ول ذا جع ل الن بي ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم ما يُـقدم للضيف بعد ثالثة أيام في حكم الصدقة تنف يرا ؛ ألن كث يرا من الن اس يت أففون غالب ا‬
‫من أكل الصدقة ؛ ألنها كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم ‪ ،‬أنها أوساخ الناس ‪.‬‬
‫أن ي دعو الض يف ل رب ال بيت بع د فراغ ه من الطع ام ؛ لقول ه علي ه الص الة والس الم‬ ‫‪-1‬‬
‫ألص حابه لم ا فرغ وا من طع ام الض يافة ‪ " :‬أثيب وا أخ اكم " ق الوا ‪ :‬يارس ول هللا وم ا إثابت ه ؟‬
‫قال ‪ .... ":‬فادعوا له ‪ ،‬فذلك إثابته " رواه أبو داود ‪ ،‬ومن أحس ن م ا يق ال ‪ :‬قول ه ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم لسعد بن عبادة لما ن زل ض يفا عن ده ‪ ":‬أفط ر عن دكم الص ائمون ‪ ،‬وأك ل طع امكم األب رار‪،‬‬
‫وصلت عليكم المالئكة " رواه أبو داود وأحمد وغيرهما ‪ ،‬وإسناده حسن‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫تـنـبـيـه ‪.....‬‬
‫يخطئ كثير من الناس في تعريفهم الجود حيث يقولون ‪ " :‬هو الجود بالموجود " أو " حد الجود ‪:‬‬
‫بذل الموجود " ‪ ،‬وهذا ال شك في خطئه كما سبق ؛ ألن الجود بذل م ا يحت اج إلي ه عن د الحاج ة ‪،‬‬
‫وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة ‪ ،‬ولذا قال ابن القيم رحم ه هللا تع الى في كتاب ه ( الواب ل‬
‫الصيب) ‪ .... " :‬وليس ‪ -‬كما قال بعض من نقص علمه ‪ : -‬ح د الج ود ب ذل الموج ود ‪ ،‬ول و ك ان‬
‫كما قال هذا القائل ‪ ،‬الرتفع اسم السرف والتبذير ‪ ،‬وقد ورد الكتاب بذمهما ‪ ،‬وجاءت السنة بالنهي‬
‫عنهما ‪ " ....‬اهـ ‪ .‬وصدق من قال ‪ :‬آفة الجود اإلسراف ‪.‬‬

‫وهللا أعلم‬

‫‪24‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ء‬
‫مساوي الأخالق‬

‫‪25‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( أخطا راسي وقص )‬


‫أناني ة مقيتة‪ ،‬وحب لل ذات مرف وض‪ ،‬وم ا أك ثر ه ذا الص نف في الن اس نعم ان ه كث ير ولألس ف‬
‫والعجب !!! تراه ال يرى إال نفسه‪ ،‬ويحب الخ ير إال لشخصه‪ ،‬أم ا الغ ير فال ع برة ب ه كم ا ق ال‬
‫بعضهم‪ ( :‬إذا مت أنا فال نزل القطر) أي‪ :‬المطر‪ ،‬ولما قال الأع رابي‪ " :‬اللهم ارحم ني ومحم دا‪،‬‬
‫والترحم معنا أحدا " نهاه النبي صلى هللا عليه وسلم عن ذلك وقال‪ " :‬لقد حجرت واس عا " أي أن‬
‫رحمة هللا أوسع‪ ،‬والحديث في الصحيحين ‪.‬‬

‫فهذه الصفة الذميمة‪ ،‬والخلق المذموم مخالف لمعان شرعية كثيرة منها ‪-:‬‬
‫‪ .1‬أن يحب المرء لأخيه المؤمن مايحب لنفسه من الخير كما ق ال علي ه الص الة والس الم‪" :‬‬
‫اليؤمن أحدكم حتى يحب لأخي ه م ا يحب ه لنفسه " متف ق عليه‪ ،‬وفي المس ند لأحمد‪ " :‬وأن‬
‫تحب للناس ماتحب لنفسك‪ ،‬وأن تكره لهم ما تكره "‪.‬‬
‫‪ .2‬الشعور بالترابط والتماسك كالجسد الواحد كما قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬مثل المؤمنين‬
‫في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‬
‫بالسهر والحمى " رواه مسلم‪ ،‬وقوله عليه الص الة والس الم‪ " :‬الم ؤمن للم ؤمن كالبني ان‬
‫يشد بعضه بعضا " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ .3‬حب الخير للغير وإيثاره على النفس كما قال تعالى‪ " :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة" الحشر (‪.)9‬‬

‫ثم ليعلم أن أول من قال هذه الكلمة (أنا) فشقى بها إبليس عليه لعنة هللا تعالى‪ " :‬أنا خير منه " ص‬
‫(‪ )75‬فطرده هللا من رحمته وأبعده‪.‬‬

‫فهذه الكلمة "أنا " تبعث في النفس معاني الشرور من العجب والغ رور‪ ،‬والتك بر ونح و ذل ك مم ا‬
‫هو مخالف لما أمر هللا به من التواضع والسكينة‪ ،‬وعدم رؤية النفس بعين العجب والغرور ‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬نسمع كثيرا ق ول البعض إذا تح دث عن نفسه يق ول‪ " :‬أنا وأع وذ باهلل من كلم ة أن ا " ظن ا‬
‫منهم أن كلمة ( أنا ) مكروهة في كل الأحوال‪.‬‬
‫وهذا خطأ لأن النبي صلى هللا عليه وس لم ق ال كم ا في الص حيحين‪ " :‬أن ا س يد ول د آدم والفخ ر"‬
‫وقال كما في البخاري‪ " :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة " هكذا‪...‬‬
‫فكلمة ( أنا ) التكره في كل الأحوال وإنما تكره في حالتين اثنتين هما ‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا كان ذلك على سبيل الكبر والإعجاب بالنفس كما سبق‪.‬‬
‫‪ .2‬عن د الاس تئذان ألن المس لم عن د الاس تئذان الب د أن ي ذكر اس مه لص احب ال بيت ففي‬
‫الصحيحين عن جابر رضي هللا عنه قال‪ :‬أتيت النبي صلى هللا علي ه وس لم ف دققت الب اب‬
‫فقال‪ :‬من ذا ؟ فقلت أنا‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أنا‪ ،‬كأنه كرهها‪.‬‬

‫) إذا لم تستح فاصنع ماشئت )‬


‫هذه العبارة المتداولة جزء من حديث شريف حسن رواه البخاري وتمامه عن أبي مسعود الب دري‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ص لى هللا علي ه وس لم‪ " :‬إن مم ا أدرك الن اس من كالم النب وة‬
‫الأولى إذا لم تستح فاصنع ماشئت "‪.‬‬

‫ولهذا الحديث ثالثة معان‪-:‬‬


‫‪26‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الأول‪ :‬إنه أمر بمعنى التهديد والوعيد والمعنى إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ماشئت‪ ،‬فاهلل يجازيك‬
‫عليه كقوله تعالى‪ " :‬اعملوا ماشئتم إنه بما تعملون بصير" فصلت (‪.)39‬‬

‫الثاني ‪ :‬إنها أمر بمعنى الخبر‪ ،‬والمعنى إن من لم يستح ص نع ماش اء ف إن الم انع من القب ائح ه و‬
‫الحياء‪ ،‬فالوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون بالوعاء‪.‬‬
‫إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا *** وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع‬
‫فمن لم يكن عنده حياء انهمك في كل منكر وفحشاء‪ ،‬ومن ذهب حياؤه ذهب بهاؤه‪.‬‬
‫وهذا مضرب المثل عند الناس حتى اليكاد يخطر ببالهم غيره‪.‬‬
‫إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستحي فاصنع ماتشاء‬

‫الثالث ‪ :‬إن المعنى إذا كان الذي تريد فعله ما اليستحي من فعله المن هللا والمن الن اس لكون ه من‬
‫أفعال الطاعات أو جميل الأخالق والآداب العادات فاصنعه حينئذ‪.‬‬

‫(استعجل تبطأ)‬
‫هذه حكمة عظيمة ال فض فوه قائلها‪ ،‬وهي مفتاح النجاح في حياة االنسان‪ ،‬وترك العمل بها حج ر‬
‫عثرة في طريق نجاحه وفالحه‪ ،‬وقديما قالوا (رب ح ثيث مكيث)‪ ،‬وه ذا المث ل يض رب لمن أراد‬
‫العجلة فحصل له البطء‪.‬‬

‫قال تعالى‪ " :‬وما يلقاها إال الذين صبروا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم " فصلت (‪ )35‬وأص ل ه ذه‬
‫الكلمة قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬العجلة من الشيطان " أخرجه الترمذي‪ ،‬وقال حديث حسن‪.‬‬

‫والعرب قالت في ذم العجلة‪ " :‬العجلة فرصة العجزة والخط أ زاد العج ول " ق ال بعض الحكم اء‬
‫إياك والعجلة فإنها تكنى بأم الندامة؛ لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم‪ ،‬ويجيب قب ل أن يفهم‪ ،‬ويع زم‬
‫قبل أن يفكر‪ ،‬ويحمد قب ل أن يج رب‪ ،‬ولن يص حب ه ذه الص فة أح د إال ص حب الندام ة وج انب‬
‫السالمة‪.‬‬

‫والعجلة هي السرعة في الشيء‪ ،‬وهي مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأن اة‪ ،‬محم ودة فيم ا يطلب‬
‫تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها‪.‬‬
‫فالتأني والأناة يعني رفض العجلة والنظر في عواقب الأمور‪ ،‬وقد قيل من نظر في عواقب الأمور‬
‫سلم من آفات الدهور‪ ،‬وقالوا أيضا العقل أصله التثبت وثمرت ه الس المة‪ ،‬ومن ت أني ن ال م اتمنى‪،‬‬
‫والتأني حصن السالمة والعجلة مفتاح الندامة‪.‬‬

‫تأن والتضق لألمر ذرعا *** فكم بالنجح يظفر من تأني‬


‫تـأن فحيثما المــرء تــأنى *** ينل نجحا ويدرك مـاتمـنى‬

‫نعم هناك أشياء العجلة فيه ا مطلوب ة ومحم ودة‪ ،‬كالص الة في أول وقته ا وقض اء ال دين وت زويج‬
‫البكر والجنازة‪ ،‬ولكن كما قيل ( لكل قاعدة إستثناء) والاستثناء يؤكد القاع دة‪ ،‬وق د يق ال‪ :‬ال مناف اة‬
‫بين الأناة والمسارعة‪ ،‬فإن سارع بتؤدة وت أن فيتم ل ه الأم ران فحسن‪ ،‬والض ابط أن خي ار الأم ور‬
‫أوسطها أي أعدلها قال عليه الصالة والس الم‪ " :‬الت ؤدة في ك ل ش ي خ ير إال في عم ل الآخ رة "‬

‫‪27‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫رواه الحاكم وأبو داود وقال أيضا لأشج بن عبدالقيس‪ " :‬إن فيك خصلتين يحبهما هللا الحلم والأن اة‬
‫" رواه مسلم‪.‬‬

‫وقال أحدهم وكان راكبا مع رجل في مركوبه وكان الرجل مسرعا قال له‪ " :‬سر ببطء كي نص ل‬
‫بسرعة " وقالت العرب قديما‪ " :‬رب عجلة تهب ريثا "‪.‬‬

‫قد يدرك المتأني بعض حاجته *** وقد يكون مع المستعجل الزلل‬

‫( إيش علمك الكذب؟ قال‪ :‬اللي نسمعه نقوله )‬


‫إيش = أي شي (نحت )‪ ،‬اللي = الذي‪ ،‬نسمعه = اسمعه‪ ،‬نقوله = اقوله‪.‬‬
‫هذا التعبير صحيح وهو مأخود من قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬كفى بالمرء كذبا أن يح دث بك ل‬
‫ماسمع " رواه مسلم‪ ،‬وهذا ي دل على فق ه مجتمعن ا واس تمداد أمثال ه وحكم ه من الش رع‪ ،‬وهك ذا‬
‫يجب أن تكون عاداته وتقاليده محكومة بالشرع أيضا وأن كل ما خالف شرع هللا تعالى ينبغي نبذه‬
‫وطرحه قال الناظم رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫والعرف إن خالف أمر الباري *** وجب أي ينبذ في البراري‬

‫كذلك يجب أن يتثبت االنسان من الخبر ويتاكد من صحته قب ل نقله؛ فإن ه كم ا قيل‪ :‬التثبت نص ف‬
‫العفو‪ ،‬لأن هللا تع الى ق ال‪ " :‬فت بينوا " وفي ق راءة‪ " :‬فتثبت وا " الحج رات (‪ )6‬ولق د ذم هللا تع الى‬
‫ماحصل من بعض الصحابة رض ي هللا عنهم‪ ،‬عن دما خاض وا في حادث ة الإف ك ب دون تثبت فق ال‬
‫سبحانه‪ " :‬إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم " النور (‪ )15‬وتأم ل ه ذه الآي ة ف إن التلقي يك ون‬
‫بالأذن ال باللسان‪ ،‬ولكن لسرعة إلقاء الخبر دون نظر وال روية كأنه لم يمر على الأذن أصال كم ا‬
‫قيل المسموع مدفوع‪.‬‬

‫(بالء الإنسان من اللسان)‬


‫واحفظ لسانك واحترز من لفظه *** فالمرء يسلم باللسان ويعطب‬
‫وزن الكـالم إذا نطقت والتـكـن *** ثـرثـارة فـي كـل نـاد تخطب‬

‫اعلم أن الإنسان بأصغريه " قلبه ولس انه " وكم ا قي ل لس انك حص انك‪ ،‬ف إن ص نته ص انك‪ ،‬وإن‬
‫أهملته أهانك‪ ،‬وربما ك ان مقت ل الرج ل بين فكي ه أي بس بب لس انه‪ ،‬وعلي ه ينبغي لك ل مكل ف أن‬
‫يحفظ لسانه عن جمي ع الكالم إال كالم ا ظه رت في ه المص لحة‪ ،‬وم تى اس توى الكالم وترك ه في‬
‫المصلحة فالسنة الإمساك عنه‪ ،‬لأنه قد يجر الكالم المباح إلى كالم حرام أو مكروه‪ ،‬وذلك كثير في‬
‫العادة‪ ،‬والسالمة ال يعدلها شيء‪ ،‬ومن سلك الجدد أمن العثار‪.‬‬

‫لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** ولم يبق إالصورة اللحم والدم‬

‫ويُروى أن لقمان الحكيم كان عبدا نجارا ق ال ل ه س يده اذبح ش اة‪ ،‬وأت ني بأطيبه ا بض عتين‪ ،‬فأت اه‬
‫باللسان والقلب‪ ،‬ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له‪ :‬ألق أخبثها بضعتين‪ ،‬فألقى اللسان والقلب‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضعتين فأتيت باللسان والقلب‪ ،‬وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت‬
‫اللسان والقلب‪ ،‬فقال ليس شيء أطيب منهما إذا طابا وال أخبث منهما إذا خبثا‪.‬‬

‫قال تعالى‪ " :‬الخير في كثير من نجواهم إال من أمر بصدقة أو مع روف أو إص الح بين الن اس "‬
‫النساء االية (‪.)113‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬من ك ان ي ؤمن باهلل والي وم‬
‫الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " متفق عليه‪.‬‬

‫وعن سهل بن سعد رضي هللا عن ه ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ‪ " :‬من يض من لي‬
‫مابين لحييه ومابين رجليه أضمن له الجنة " متفق عليه‪.‬‬

‫يصاب الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يصاب المرء من عثرة الرجل‬
‫فعثرته في القول تذهب راسه *** وعثرتـه بالـرجـل تبـرا عـلـى مـهــل‬

‫وقوله عليه الصالة والسالم لمعاذ رضي هللا عنه لم ا ق ال‪ " :‬ي انبي هللا وإن ا لمؤاخ ذون بم ا نتكلم‬
‫به ؟ فقال (عليه الصالة والسالم )‪ :‬ثكلتك أمك يامعاذ‪ ،‬وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو‬
‫قال على مناخرهم إال حصائد ألسنتهم ؟ " رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫جراحات السنان لها التئام *** واليلتام ماجرح اللسان‬

‫واعلم رحمك هللا أن آفات اللسان كثيرة جدا منها الغيبة والنميمة والسب واللعن‪ ،‬ولكن جم اع ه ذه‬
‫الآفات آفتان‪.‬‬

‫‪ .2‬سكوت عن الحق‪.‬‬ ‫‪ .1‬نطق بالباطل‪.‬‬

‫فالأول قالوا عنه‪ :‬شيطان ناطق‪ ،‬والثاني شيطان أخرس‪ ،‬والس الم منهم ا أن يتكلم الإنس ان ب الحق‬
‫ويسكت عن النطق بالباطل‪ ،‬كما قال عليه الص الة والس الم‪ " :‬فليق ل خ يرا أو ليص مت " أي عن‬
‫ئ تكلم فغنم أو سكت فسلم‪.‬‬
‫الباطل‪ ،‬ورحم هللا امر ٍ‬

‫احفظ لسـانـك أيـهـا الإنسـان *** اليـلـدغـنـك إنـــه ثـعـبــان‬


‫كم في القبور من قتيل لسانه *** كانت تهاب لقاءه الشجعان‬

‫( بو وجهين )‬
‫بو وجهين = أبو وجهين‪.‬‬
‫هذا هو النفاق بعينه‪ ،‬صورة قبيحة لصنف من الناس ممقوت ش رعا وعرفا‪ ،‬تج ده يتل ون م ع ك ل‬
‫قوم كالحرباء‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫كل يوم تتكون *** ترك هذا بك أجمل‬


‫ولذلك قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤالء بوجه وهؤالء‬
‫بوجه " متفق عليه و( شر) أفعل تفضيل أي‪ :‬ال أشر من هذا الصنف‪.‬‬
‫وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود قوله عليه الص الة والس الم‪ " :‬من ك ان ل ه وجه ان في‬
‫الدنيا‬

‫يسعى عليك كما يسعى إليك فال *** تأمن غوائل ذي الوجهين كياد‬

‫( جوع النجوع )‬
‫هذه لأاسف من العبارات التي تدل على السباب والدعاء على الشخص بالجوع الش ديد‪ ،‬وه ذا كم ا‬
‫هو ظاهر فيه مخالفة شرعية لتعاليم الشرع الح نيف ق ال تع الى‪ " :‬وق ل لعب ادي يقول وا ال تي هي‬
‫أحسن أن الشيطان ينزع بينهم " الإسراء (‪ ،)53‬وقد نهى رسول هللا صلى هلل عليه وسلم عن ألفاظ‬
‫السب والفحش والبذاء والإيذاء‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬المسلم من س لم المس لمون من لس انه‬
‫ويده " متفق عليه‪.‬‬

‫وقال أيضا " ليس المؤمن بالطعان وال اللعان وال الف احش وال الب ذيء " رواه الترم ذي‪،‬‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫ومن هذا القبيل قولهم ( اللي ادير بيده ربي يزيده ) لمن وج دوه منكوب ا في ورط ة ق د تس بب ه و‬
‫فيها‪ ،‬وهذا أيضا مخالف للشريعة السمحة‪ ،‬حيث إن النبي صلى هللا عليه وس لم حث على مس اعدة‬
‫المحتاج‪ ،‬وتفريج الكروب وتيسير العسير إلى غير ذلك من معاني الشفقة والرحمة‪.‬‬

‫ثم اعلم أن دين هللا مبنى على أمرين ‪-:‬‬

‫‪ .2‬الشفقة على المخلوق‬ ‫‪ .1‬تعظيم الخالق جال وعال‬

‫وها هي بعض الآثار التي تدل على ما ذكرت‪:‬‬

‫عن النعمان بن بشير رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " مثل المؤم نين في‬
‫توادهم وتراحمهم وتع اطفهم مث ل الجس د الواح د إذا اش تكى من ه عض و ت داعى ل ه س ائر الجس د‬
‫بالسهر والحمى " متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ( من الي رحم‬
‫الناس اليرحمه هللا ) متفق عليه‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬اليظلم ه‬
‫واليسلمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه كان هللا في حاجته‪ ،‬ومن فرج عن مسلم كربة فرج هللا عنه به ا‬
‫كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " متفق عليه‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬أتى النبي صلى هللا عليه وسلم برجل قد شرب خمرا ق ال‪" :‬‬
‫اضربوه‪ ،‬قال ابوهريرة‪ :‬فمنا الضارب بي ده‪ ،‬والض ارب بنعله‪ ،‬والض ارب بثوبه‪ ،‬فلم ا انص رف‬
‫قال بعض القوم‪ :‬أخزاك هللا‪ ،‬قال‪ :‬ال تقولوا هذا ولا تعينوا عليه الشيطان "رواه البخاري‪.‬‬

‫( دق حنك – لقني )‬
‫هذه الكلمة تدل على أحاديث السمر والسهر والمجالس ذات الكالم الفارغ‪ ،‬وقد ق ال علي ه الص الة‬
‫والسالم‪ " :‬ال تكثروا الكالم بغير ذكر هللا؛ فإن كثرة الكالم بغير ذكر هللا تعالى قس وة للقلب‪ ،‬وإن‬
‫أبعد الناس من هللا القلب القاسي " رواه الترمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما ‪.‬‬

‫وق ال علي رض ي هللا عن ه‪ :‬إذا تم العق ل نقص الكالم‪ ،‬ومن كالم الحكم اء‪ " :‬من نط ق في غ ير‬
‫خير فقد لغا‪ ،‬ومن نظر في غير اعتبار فقد سها‪ ،‬ومن سكت في غير فكر فقد لها "‪.‬‬

‫واعلم أخي – بارك هللا فيك – إننا مؤاخذون بما نتكلم به قال سبحانه‪ " :‬ما يلف ظ من ق ول‬
‫إال لدية رقيب عتيد " ق (‪ )18‬أي أن هللا تعالى وكل ملكين يكتبان كل ما يتلفظ به العب د من خ ير‬
‫أو شر‪ ،‬ق ال مجاه د رحم ه هللا تع الى‪ " :‬يكتب على الإنس ان ك ل شيء ح تى الأنين في مرض ه "‬
‫ولذلك لما مرض الإمام أحمد رحمه هللا تعالى وكان يئن في مرض ه قي ل ل ه إن طاوس ا رحم ه هللا‬
‫تعالى يقول‪ :‬إن الأنين يكتب‪ ،‬ترك الإمام الأنين حتى مات‪ ،‬فانظروا رحمكم هللا إلى العلماء وكي ف‬
‫يحاسبون أنفسهم على الكالم فلنا بهم أسوة حسنة‪.‬‬

‫أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا ياجرير المجامع‬

‫وقد عد أه ل العلم فض ول الكالم من مفس دات القل وب‪ ،‬ف إن الفض ول يق ود إلى العم ل الم رذول‪،‬‬
‫وترك الفضول من حزم العقول‪ ،‬قال ابن مسعود رضي هللا عنه‪ " :‬إي اكم وفض ول الكالم " وق ال‬
‫النخعي‪ :‬يهلك الناس في فضول الكالم ‪.‬‬

‫وقال عمر رضي هللا عنه‪ " :‬من كثر كالمه ك ثر س قطه‪ ،‬ومن ك ثر س قطه ك ثرت ذنوب ه‬
‫ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به "‪.‬‬

‫وعن سهل بن سعد رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬من يضمن‬
‫لي مابين لحييه (اللسان) ومابين رجليه (الفرج) اضمن له الجنة " متفق عليه‪.‬‬

‫أقلل كالمك واستعـذ مـن شـره *** إن البـالء ببعضه مقــرون‬


‫واحفظ لسانك واحتفظ من غيه *** حتى يكـون كـأنـه مسجون‬
‫وكـل فـؤادك باللسان وقــل لـه *** إن الكـالم عليكما مـوزون‬
‫فــزنـاه وليك محكما فــي قـلـة *** إن البالغة في القليل تكون‬

‫األمر الآخر المتعلق بهذا المثل ضياع الوقت‪ ،‬فوقتك هو رأس مالك ولذلك يسأل العبد يوم القيام ة‬
‫عن عمره فيم أفناه‪ ،‬ولقد ضرب علماؤنا في المحافظ ة على ال وقت أروع الأمثل ة فه ذا ابن عقي ل‬
‫كان يقول‪ " :‬إني ال يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا ك ّل لساني عن مناظرة وبص ري‬
‫عن مطالعة استطرحت فأعمل فكري حال استطراحتي فال أقوم إال وقد خطر لي ما أسطره "‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقال أيضاً‪ " :‬أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي‪ ،‬ح تى أخت ار س ف الكع ك وتحس يه بالم اء على‬
‫الخبز‪ ،‬ألجل مابينهما من تفاوت المضغ‪ ،‬توفرا على مطالعة أو تطير فائدة لم أدركها فيه "‪.‬‬
‫ذيل طبقات الحنابلة (‪.)1/145‬‬

‫والوقت أعظم ماعنيت بحفظه *** وأراه أسهل ماعليك يضيع‬

‫وقال أبوالعتاهية رحمه هللا تعالى‪:‬‬


‫إن الفراغ الشباب والجده *** مفسده للمرء أي مفسده‬

‫وأبلغ من ذلك قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الص حة والف راغ‬
‫" رواه البخاري‪.‬‬

‫( دمه رزين – ثقيل الدم )‬


‫رزين = ثقيل‪.‬‬

‫يقصد بهذا التعبير أن هذا االنسان ثقيل على النفوس بأخالقه‪ ،‬غير مقبول ل دى الن اس لتص رفاته‪،‬‬
‫ثقيل الظل كان هللا في عونك إذ نزل بك ولذلك كان الشعبي رحمه هللا إذا نزل به ه ذا الص نف من‬
‫الناس يقول‪ " :‬ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " الدخان (‪.)11‬‬

‫وحسبك من الثقالء أن الشرع لم يحتلمهم‪ ،‬بل وأنزل فيهم آية تؤدبهم‪ " :‬يأيها الذين آمنوا التدخلوا‬
‫بيوت النبي ‪ "....‬االحزاب (‪.)53‬‬

‫تجده يش تغل بم ا اليعني ه ويت دخل في خصوص يات غ يره‪ ،‬قلي ل الأدب غليظ‪ ،‬القلب الذوق عن ده‬
‫اليفهم بالإشارة‪ ،‬بل البد من صريح العبارة‪ ،‬إذا نزل بك هذا الصنف تذكرت قول امري القيس‪:‬‬

‫وليل كموج البحر أرخى سدوله *** على بأنواع الهموم ليبتلي‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫رب لـيـــل قـطـعـتـه كـصـــدود *** وفـراق مـاكـان فيه وداع‬
‫موحش كالثقل تقـذي بـه العيــن *** وتـأبـى حـديـثه الأسـمـاع‬
‫قال الشافعي رحمه هللا تع الى‪ :‬إن الثقي ل ليجلس إل ّي ف أظن أن األرض تمي ل في الجه ة ال تي ه و‬
‫فيها‪.‬‬

‫طرفه ‪...‬‬
‫يحكى أن جماعة من الثقالء نزلوا ضيوفا على رجل فلم يج د ب دا من ض يافتهم‪ ،‬فق ام إلى‬
‫شاة عنده ليذبحها ضيافة لهم‪ ،‬فلما أضجعها نظرت إليه ونظر إليها‪ ،‬ثم قال لها اصبري فأنا مك ره‬
‫وأنت مكرهة‪.‬‬
‫وبالجملة الينبغي لمسلم أن يكون كذلك‪ ،‬وإنما المسلم حس ن الخلق‪ ،‬ك ريم الطبع‪ ،‬ذو أخالق عالي ة‬
‫ومعاملة سامية وباهلل التوفيق‪....‬‬

‫‪32‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( رافع خشمه )‬
‫هذه العبارة تطلق على الشخص المتكبر كناية عن تكبره‪ ،‬والتكبر داء عضال‪ ،‬وم رض قت ال‪ ،‬ق د‬
‫توع د هللا أهل ه بالن ار‪ " :‬أليس في جهنم مث وى للمتك برين " الزم ر الآي ة (‪ )57‬وعن عبدهللا بن‬
‫مسعود رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬اليدخل الجنة من كان في قلبه مثق ال‬
‫حبة من كبر فقال رجل‪ :‬إن الرجل يحب أن يكون ثوب ه حس نا ونعل ه حس نا ؟ ق ال‪ :‬إن هللا جمي ل‬
‫يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق وغمط الناس " رواه مسلم‪.‬‬

‫وغمط الناس ‪ :‬احتقارهم‪.‬‬ ‫بطر الحق‪ :‬دفعه ورده على قائله‪.‬‬

‫والكبر من صفات هللا تعالى الخاصة به‪ ،‬ولذلك فإن من الأسماء الحسنى ( المتكبر) ‪.‬‬

‫وفي الحديث القدس ي ق ال هللا ع ز وجل‪ " :‬الع ز إزاري والكبري اء ردائي‪ ،‬فمن ن ازعني‬
‫عذبته " رواه مسلم ‪.‬‬

‫وأهل النار هم الجبارون والمتك برون‪ ،‬وأه ل الجن ة هم الض عفاء والمتواض عون‪ ،‬فعن أبي س عيد‬
‫الخدري رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬احتجت الجنة والن ار‪ ،‬فق الت الن ار‪:‬‬
‫فيّ الجبارون والمتكبرون‪ ،‬وق الت الجن ة‪ :‬فيّ ض عفاء الن اس ومس اكينهم‪ ،‬فقض ى الل ه بينهم إن ك‬
‫الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء‪ ،‬وإنك النار عذابي أع ذب ب ك من أش اء ولكليكم ا عل ّي ملؤه ا "‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫هذا الكبر‪ ،‬وهذه عاقبته‪ ،‬فكيف بمن يتكبر وليس لديه داعيه ومقتضاه ؟‬

‫ولذا فإن الكبر مذموم بكل حال‪ ،‬فالغني المتكبر مذموم‪ ،‬وكذلك صاحب الج اه‪ ،‬وأم ا أن يتك بر من‬
‫ليس عنده مايتكبر به فتلك هي قاصمة الظهر‪ ،‬ولذلك ورد أشد الوعيد لمن فعل ذلك‪ ،‬ففي الح ديث‬
‫الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وس لم‪ " :‬ثالث ة‬
‫اليكلمهم هللا يوم القيامة والينظر إليهم واليزكيهم ولهم عذاب أليم ‪ ....‬وعائل مس تكبر " أي‪ :‬فق ير‬
‫متكبر‪ ،‬ليس عنده شيء يتك بر به‪ ،‬وم ع ذل ك يتك بر‪ ،‬الم ال والج اه وال ‪ ...‬وال ‪ ....‬ف دل على أن‬
‫الكبر متأصل في نفسه وأنه متشبع بم ا لم يعطه‪ ،‬ول ذلك في المث ل الع ربي قيل‪ ( :‬اس ت في الم اء‬
‫وأنف في السماء ) وقي ل أيضا‪ ( :‬ب دال ماتمش ي وته زي كتف ك رقعي ف ردة خف ك)‪ ( ،‬وب الأرض‬
‫ول دتك أم ك )‪ ،‬وموق ف المس لم تج اه المتك برين أال يتواض ع لهم‪ ،‬ب ل يتك بر على تك برهم‪ ،‬لأن‬
‫التواضع لهم ضعف وذلة ومهانة‪ ،‬والمسلم عزير النفس‪ ،‬ب ل والينبغي لمس لم أن ي ذل نفس ه ق ال‬
‫تعالى‪ " :‬وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون (‪.)8‬‬

‫( سمع بالحامض دار مايقطع المصران )‬


‫دار = فعل وعمل‪.‬‬

‫هذا التعبير يقال لمن يبالغ في الشيء ويغلو فيه‪ ،‬والغلو منهى عنه بجميع أش كاله وص وره‪ ،‬س واء‬
‫أكان في أمور الإعتقاد العلمية أم في غيرها من أمور العبادات والمع امالت ق ال تع الى‪ ":‬وك ذلك‬

‫‪33‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫جعلناكم أمة وسطا " البقرة (‪ )142‬أي‪ :‬عدوال ‪ :‬ال إفراط وال تفريط ق ال تع الى‪ " :‬يأه ل الكت اب‬
‫التغلو في دينكم ‪ ....‬النساء االية (‪.)170‬‬

‫والغل و‪ :‬ه و التج اوز في الحد‪ ،‬والمبالغ ة في الشيء والتعم ق التنط ع فيه‪ ،‬بحيث يخ رج عن ح د‬
‫الاعتدال المطلوب شرعا‪.‬‬

‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬وإياكم والغلو في الدين‪ :‬فإنما أهلك من كان قبلكم الغل و في‬
‫الدين " رواه أحمد وهو حديث صحيح ‪.‬‬

‫وفي الأثر " إن المنبت ال أرضا قطع وال ظهرا أبقى " أي أن المب الغ في س يره على دآبت ه بحيث‬
‫اليريحه في السير فإنه بهذا يقتل دآبته‪ ،‬وبالتالي ال يصل إلى المكان الذي يقصده‪.‬‬

‫وقال ابن الجوزي رحمه هللا تعالى في كتابه النفيس " تلبيس إبليس " كالما معن اه‪ :‬إن هللا م ا أم ر‬
‫بأمر إال وللشيطان فيه نزغتان‪ ،‬اليبال بأيهما ظفر إما إفراط وإما تفريط يأتي لقلب العب د فيش آمه‪،‬‬
‫فإن وجد به نشاطا وإجتهادا أخذه من جانب الإفراط وإن وجد في ه كس ال وتهاون ا أخ ذه من ج انب‬
‫التفريط ‪.‬‬

‫ولذا قيل ‪:‬‬


‫عليك بأوساط الأمور فإنها *** نجاة والتركب ذلوال والصعبا‬

‫قال أع رابي للحس ن البص ري‪ :‬علم ني دين ا وس وطا‪ ،‬ال ذاهب ا فروط ا وال س اقطا س قوط‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫أحسنت يا أعرابي خير األمور أوساطها‪ ،‬وقال علي رض ي هللا عنه‪ " :‬عليكم بالنمرق ة الوس طى‪،‬‬
‫فإليها يرجع الغالي‪ ،‬وبها يلحق التالي‪ ،‬وقديما قالوا‪ :‬التكن رطبا فتعصر‪ ،‬واليابسا فتكسر‪.‬‬

‫فالوسطية نابعة من أصل هذا الدين وصميمه‪ ،‬والدين الإسالمي دين الوسطية(‪ ،)1‬وق د روى مس لم‬
‫عن ابن مسعود أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ ( :‬هلك المتنطعون ) قالها ثالثا ‪.‬‬

‫قال الخطابي‪ " :‬المتنطع المتعمق في الشيء"‪.‬‬


‫قال مطرف بن عبدهللا‪ " :‬الحسنة بين سيئتين " أي أن الاعتدال والصراط المستقيم بين سيئة الغل و‬
‫والإفراط‪ ،‬وسيئة التقصير التفريط ‪.‬‬

‫ومن مظاهرالاعتدال في الدين الإسالمي‪:‬‬

‫أن المسلمين يؤمنون بعيسى عليه السالم وأنه عبدهللا ورس وله‪ ،‬فال يغل ون في ه كم ا غلت‬
‫النصارى وقالوا‪ :‬ابن هللا تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‪ ،‬وال يقول ون كم ا ق الت اليه ود‪ :‬ه و لغ ير‬
‫رشدة أي أنه ابن زنا والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪------------------------‬‬
‫(‪ ) 1‬المراد بالوسطية االعتدال وليست البينية أي ‪ :‬التوسط بين شيئين‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فكون عيس ى علي ه الس الم عب د هللا رد على النص ارى ال ذين أله وه‪ ،‬وكون ه رس ول هللا رد على‬
‫اليهود الذين جفوا في حقه ووصفوه بأنه لغير رش دة‪ ،‬والرس ل منزهون عن ذل ك " س بحان رب ك‬
‫رب العزة عما يصفون وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين " الصفات (‪.)182-180‬‬

‫( طرى لها جرى لها )‬


‫عادة قبيحة‪ ،‬وظاهرة اجتماعية غير صحيحة‪ ،‬فاكهة المجالس‪ ،‬السيما في أوساط النساء‪ ،‬والش ك‬
‫أن هذا من اشتغال المرء بما اليعنيه‪ ،‬وقد ق ال علي ه الص الة والس الم‪ " :‬من حس ن إس الم الم رء‬
‫تركه ماال يعنيه " حديث حسن رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب‬
‫والظواهر والسالمة اليعدلها شي والعبد محاسب على ما يتكلم به قال تع الى‪ " :‬م ا يلف ظ من ق ول‬
‫إال لديه رقيب عتيد " ق الآية (‪.)18‬‬

‫وروي أبوعبي دة عن الحس ن ق ال‪ " :‬من عالم ة إع راض هللا تع الى عن العب د أن يجع ل‬
‫شغله فيما ال يعنية خذالنا من هللا عز وجل "‪.‬‬

‫والمنبغي أي يجعل الإنسان لسانه رطب بذكر هللا؛ لأنها وصية الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‪ ،‬ولأن‬
‫ذكر هللا دواء‪ ،‬وذكر الناس داء‪ ،‬فالواجب علينا كما س بق أن نطيب أفواه ا ون رطب ألس نتنا ب ذكر‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وأن نحذر من زالت اللسان وآفاته‪ ،‬ف إن الرج ل ليتكلم بالكلم ة من س خط هللا اليلقي لها‬
‫باال تهوي به في النار سبعين خريفا‪ ،‬والمؤمن الحق هو ال ذي يتكلم ب الخير والمع روف‪ ،‬ويمس ك‬
‫عن الشر مصداقا لقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من كان يؤمن باهلل واليوم الآخر فليق ل خ يرا‬
‫أو ليصمت متفق عليه‪.‬‬

‫( عاجباته روحه أو رويحته )‬


‫عاجباته = أعجبته‪.‬‬

‫العجب بالنفس وما يص در منه ا من ق ول وعم ل خل ق ذميم‪ ،‬وتص رف مش ين‪ ،‬لا يص در إال عن‬
‫شخص يشعر بالنقص‪ ،‬قد زين له سوء عمله‪ ،‬وقد رُوي في الح ديث الحس ن عن الن بي ص لى هللا‬
‫عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ثالث مهلكات ‪ :‬شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه " رواه البزار‬
‫والبيهقي‪ ،‬وقال تعالى‪ " :‬تلك الدار اآلخ رة نجعله ا لل ذين ال يري دون عل وا في الأرض وال فس ادا‬
‫والعاقبة للمتقين " القصص ()‪.‬‬

‫والعجب بالنفس تنشأ عنه أمراض أخ رى ك الكبر واالختي ال ونحوهم ا من الص فات الذميمة؛ لأن‬
‫السيئة تجر أختها‪ ،‬والمسلم ينبغي له أن يح ذر العجب والغ رور‪ ،‬ويجته د أال يكون ا وص فا ل ه في‬
‫حالة من الحاالت؛ إذ هما من أكبر العوائق عن الكمال‪ ،‬ومن أعظم المهالك في الح ال والم آل فكم‬
‫من نعمة انقلبت بهما نقمة‪ ،‬فكفى بهما داء عضاال‪ ،‬وكفى بهم ا على ص احبهما وب اال‪ ،‬وانظ ر إلى‬
‫اللعين إبليس لما أعجب بنفسه واغ تر بحال ه كي ف ط رده هللا من رحمت ه ولعنه‪ ،‬وانظ ر إلى ع اد‬
‫كيف أهلكهم هللا وأذاقهم عذاب الخزي في الدنيا واآلخرة لما قالوا معج بين بق وتهم " من أش د من ا‬
‫قوة " فصلت (‪ )14‬ولما أعجب أصحاب رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم في ح نين بك ثرتهم‪" :‬‬
‫ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلن تغن عنكم شيئا " التوب ة (‪ ،)25‬وق الوا لن نغلب الي وم من قلة‪،‬‬
‫فأصيبوا في بداية المعركة بهزيمة مريرة ح تى ض اقت عليهم الأرض بم ا رحبت ثم نص رهم هللا‬
‫‪35‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫بعد ذلك‪ ،‬وأنت تعلم يا أخي قصة ذلك الرجل الذي كان يختال في مشيته قد أعجبت ه نفس ه فخس ف‬
‫هللا به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‪ ،‬أي يغوص رواه البخاري ‪.‬‬

‫وقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه ( تلبيس إبليس) أن إبليس لعنه هللا لقى موس ى علي ه‬
‫السالم فسأله موسى عليه السالم ماهو الشيء الذي إذا فعله ابن آدم استحوذت عليه ؟ فق ال اللعين‪:‬‬
‫" إذا أعجبته نفسه‪ ،‬واستكثر طاعته ونسى ذنوبه "‪.‬‬

‫ومن يتبع ما يعجب النفس لم يزل *** مطيعا لها في فعل شي يضيرهـا‬
‫فنفسـك أكـرم عـن أمـور كـثـيـرة *** فـمـا لـك نفس بعـدهـا تستعيرهـا‬

‫واعلم – بارك هللا فيك‪ -‬أن للعجب ب النفس مظ اهر‪ :‬فمن مظ اهره أن يعجب الم رء بعلم ه ويغ تر‬
‫بكثرة معارفه فيحمله ذلك على عدم االستزادة واحتقار غيره واستصغار سواه‪ ،‬وكفى به ذا هالك ا‬
‫له‪ ،‬وقد يعجب بصورته ومظهره وحسنه فينسى حاله ومآله‪.‬‬

‫عجبت من معجب بصورته *** وكـان بالأمـس نطفة مذره‬


‫وفي غد بعد حسـن صورته *** يصير في اللحد جيفة قذرة‬
‫وهــو عــلـى تيهه ونخـوتـه *** مـابين جنبيه يحمل العذره‬

‫وأما في المال فيغتر بكثرة ماله فيبذر ويسرف ويتعالى على الخلق ويقول‪ ( :‬إنما أوتيته على علم‬
‫عندي) القصص (‪ )78‬كما قال الهالك قارون‪.‬‬

‫وأما في القوى فحسبك قصة عاد وماذا قالوا ؟ وماذا حل بهم؟‬


‫وأما في الشرف فيغتر بنسبه وحسبه‪ ،‬فيقعد عن طلب الكماليات متكئا على نسبه‪ ،‬وما علم قوله‬
‫عليه الصالة والسالم‪ " :‬ومن أبطا به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم‪.‬‬

‫وفي المثل السائر ( كان بوي كان جدي خرّاف قطاطيس)‬

‫قطاطيس= قطط‪.‬‬ ‫خراف = كالم فارغ‪.‬‬ ‫بوي= أبي‪.‬‬

‫وإنا وإن كرمت أوائلنا *** لسناعلى األحساب نتكل‬

‫بل وتجده مع ذلك يطعن في نسب غيره ويفتخر بحسبه هو‪ ،‬وهكذامن عادات الجاهلية وعليه‬
‫يصدق المثل‪ " :‬أحشفا وسوء كيلة؟ "‪.‬‬

‫ليس الفتى مـن يقول كـان أبي *** إن الفتى من يقول ها أنا ذا‬
‫فالمرء بكماله ال بجماله‪ ،‬وبأدبه البحسبه‪ ،‬وبفضيلته ال بفصيلته‪.‬‬
‫فمـا سودتني عامر عن وراثه *** أبى هللا أن أسمو بأم وال أب‬

‫‪36‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫كن عصاميا والتكن عظاميا‪ ،‬أي كن ممن يبنون مجدهم بأنفسهم‪ ،‬والتكن ممن يتفاخرون بالموتى‬
‫وبآبائهم وأجدادهم‪.‬‬
‫نفس عصام سودت عصاما ***وعلمته الكر واإلقداما‬
‫وصيرته ملكا هماما‬

‫وقد يعجب العبد بعبادته ويغتر بكثرة طاعته‪ ،‬فيحمله ذلك على اإلدالل على ربه ومنعمه فيحبط‬
‫عمله ويشقى باغتراره‪.‬‬

‫وأما عالج ذلك ففي ذكر هللا تعالى بالعلم‪ ،‬بأن ما أعطاه هللا اليوم من علم أو مال أو قوة أو عزة‬
‫أو شرف قد يسلبه هللا غدا لوشاء‪ ،‬ذلك وأن طاعة العبد لربه مهما كثرت التساوي بعض ما أنعم‬
‫هللا عليه‪ ،‬وأن هللا اليدل عليه بشيء‪ ،‬إذ هو سبحانه مصدر كل فضل‪ ،‬وواهب كل خير‪ ،‬وإن‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم يقول‪ " :‬لن ينجي أحدا منكم عمله قالوا‪ :‬وال أنت يارسول هللا ؟ قال‪:‬‬
‫وال أنا إال أن يتغمدني هللا برحمته " رواه البخاري‪.‬‬

‫(( فاللهم تغمدنا برحمتك يا أرحم الراحمين ) آمين‪.‬‬

‫( على قولة قالوا )‬


‫هذه العب ارة من حيث األص ل ص حيحة‪ ،‬وك أن ه ذا القائ ل والناق ل يخ رج من عه دة النق ل به ذه‬
‫العبارة‪ ،‬لذلك يقول أهل الحديث‪ " :‬من أسند لك فقد أحالك "‪.‬‬

‫ولكن هناك جانب سيئ في هذه العبارة وهو أن يحدث المرء بكل ما سمع‪ ،‬ففي الحديث الذي رواه‬
‫مسلم يقول علي ه الص الة والس الم‪ " :‬كفى ب المرء ك ذبا أن يح دث بك ل م ا س مع "‪ ،‬ومع نى ه ذا‬
‫الحديث مطابق للتعبير اآلخر‪ " :‬إيش علمك الكذب ؟ ق ال‪ :‬اللي نس معه نقول ه "‪ ،‬واإلس الم ي دعو‬
‫إلى التثبت والتبين قبل نقل األخبار قال تعالى‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنب أ فت بينوا "‬
‫وفي قراءة " فتثبتوا " الحجرات اآلية (‪ ،)6‬وقد قيل‪ ( :‬وما آفة األخبار إال رواتها)‪.‬‬

‫(على كل سكة يركب )‬


‫هذا هو النفاق بعينه في كل عرس يرقص‪ ،‬وله في كل زفاف أغنية‪ ،‬فهو يتلون كالحرباء مع ك ل‬
‫قوم بوجه‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬وتجدون ش ر الن اس ذا ال وجهين‪ ،‬ال ذي ي أتي ه ؤالء‬
‫بوجه وهؤالء بوجه " متفق عليه‪.‬‬

‫فهو عديم المبدأ‪ ،‬قليل المروءة‪ ،‬وهو مع نفاقه جمع بين سيئتين ووصفين ذميمين‪ ،‬فأقل مايقال فيه‪:‬‬
‫" تجمعين خالبة وصدودا! "‪.‬‬

‫والمسلم بعيد عن ذلك كله فهو صادق الينافق ألن الصدق أس اس اإليم ان كم ا أن الك ذب‬
‫والنفاق أساس الكفران فالمسلم صاحب مبدا صريح في موقفه ال يدور مع المص لحة والمنفع ة ب ل‬
‫يدور مع الحق أينما دار " يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين " التوبة اآلية (‪.)120‬‬

‫‪37‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وربما قصد بهذه العبارة‪ " :‬على كل سكة يركب " أن هذا اإلنسان ل ه ص فات تمكن ه من‬
‫مجاراة األمور‪ ،‬وحسن تأت في مزاولتها وركب صعابها مهما كانت‪ ،‬ولذلك نسمع بقولهم‪ " :‬ول د‬
‫وقته وين تحطه تلقها " وقديما قالوا‪ " :‬هو ثقف لقف وحيثما سقط لقط " وإذا كان الشخص محكما‬
‫لما يتناوله من االمور‪ ،‬وعلى هذا فهو تعبير مدح ال قدح وهللا أعلم ‪........‬‬

‫( الغضب يذهب الشيرة )‬


‫الشيرة = الصواب والتعقل ونحو ذلك ‪.‬‬

‫معنى ه ذا التعب ير أن الغض ب يفق د اإلنس ان ص وابه‪ ،‬ويض يع علي ه أم ره وق د ورد في ص حيح‬
‫البخاري أن رجال قال للنبي ص لى هللا علي ه وس لم أوص ني ق ال‪ " :‬التغض ب ف ردد م رارا ق ال‪:‬‬
‫التغضب "‪ ،‬ولذا قالوا من أطاع غضبه أضاع أدبه‪ ،‬ومن غضب من الشيء رضي بال شيء‪.‬‬

‫فالغضب يجمع الشر كله ولذا لما قي ل البن المب ارك اجم ع لن ا حس ن الخل ق في كلم ة ق ال‪ :‬ت رك‬
‫الغضب‪.‬‬
‫وفي كت اب التعريف ات للجرج اني ق ال‪ " :‬الغض ب تغ ير يحص ل عن د غلي ان دم القلب‬
‫ليحصل عنه التشفي للصدر "‪.‬‬

‫وليس المراد بنهي النبي صلى هللا عليه وس لم عن الغض ب النهي عن نفس الغض ب؛ ألن‬
‫هذا أمر جبلي اليمكن نزع ه‪ ،‬وإنم ا الم راد كم ا ق ال اإلم ام الخط ابي رحم ه هللا تع الى‪ :‬اجتن اب‬
‫أسباب الغضب‪ ،‬وعدم التعرض لما يجلبه‪ ،‬وقيل المراد‪ :‬التفعل ما يأمرك به الغض ب؛ ف إن العب د‬
‫إذا غض ب ص ار م أمورا للغض ب‪ ،‬وتأم ل قول ه تع الى‪ " :‬ولم ا س كت عن موس ى الغض ب "‬
‫األعراف اآلية (‪ ،)154‬فكأن الغضب كان يتكلم فيأمر وينهي ثم سكت‪.‬‬

‫فاإلنسان إذا غضب غضبا شديدا فقد صوابه‪ ،‬فربما قتل وربما طلق زوجته فن دم‪ ،‬وربم ا‬
‫كفر بكلمة يقولها والعياذ باهلل‪ ،‬وقد ذكر أهل العلم أن أحد أسباب الكفر الغضب‪.‬‬

‫وفي الحديث المتفق عليه قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ليس الشديد بالصرعة‪ ،‬إنما الش ديد‬
‫الذي يملك نفسه عند الغضب "‪ ،‬أي ليس الشديد الذي يص رع الرج ال فيغلبهم‪ ،‬إنم ا الش ديد ق وي‬
‫النفس‪ ،‬والمراد القوة المعنوية من مجاهدة النفس وإمساكها عن الشر‪ ،‬فالذي يمل ك نفس ه ويس يطر‬
‫عليها حين الغضب هو الشديد حقا‪.‬‬

‫أخرج اإلمام أحمد وغيره من حديث معاذ بن أنس الجهني رضي هللا عنه عن النبي صلى‬
‫هللا عليه وس لم ق ال‪ " :‬من كظم غيظ ا وه و يس تطيع أن ينف ذه دع اه هللا ي وم القيام ة على رؤوس‬
‫الخالئق حتى يخيره في أي الحور شاء "‪.‬‬

‫وعن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من كف غضبه كف هللا عنه‬
‫عذابه " أخرجه الطبراني في األوسط وهو حسن لغيره‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫والذي ينبغي هو أن يتأسى اإلنسان بالنبي ص لى هللا علي ه وس لم‪ ،‬فم ا ك ان علي ه الص الة‬
‫والسالم يغضب لنفس ه ق ط‪ ،‬وإنم ا ك ان غض به هلل ف إذا انتهكت مح ارم هللا غض ب علي ه الص الة‬
‫والسالم‪ ،‬ولم يقم لغضبه شيء صلى هللا عليه وسلم حتى ينتقم هلل تعالى والحديث أخرجه مسلم‪.‬‬

‫والغضب ي ترتب علي ه تغ ير في الب اطن والظ اهر من انتف اخ األوداج‪ ،‬واحم رار الوج ه‬
‫والعينين‪ ،‬ورعدة في األطراف‪ ،‬وخروج األفعال على غير ترتيب‪ ،‬حتى ل و رأى الغض بان نفس ه‬
‫في حالة غضبه لسكن حياء من قبح صورته‪ ،‬واستحالة خلقت ه‪ ،‬ه ذا في الظ اهر وأم ا في الب اطن‬
‫فقبحه أشد‪ ،‬وقد ورد في األحاديث دواء هذا الداء ففي بعض اآلث ار‪ " :‬أن الغض ب من الش يطان‪،‬‬
‫والشيطان خلق من الن ار‪ ،‬والم اء يطفيء الن ار ف إذا غض ب أح دكم فليغتس ل أو فليتوض أ " رواه‬
‫أبوداود وأبونعيم‪ ،‬وفي بعضها‪ " :‬إذا غضب أحدكم فقال‪ :‬أعوذ باهلل سكن غضبه " رواه الش يخان‬
‫بمعناه‪ " ،‬إذا غضب أحدكم فليس كت " رواه أحم د‪ " ،‬إذا غض ب أح دكم وه و ق ائم فليجلس‪ ،‬ف إن‬
‫ذهب عنه الغضب وإال فليضطجع " رواه أحمد وأبوداود ‪.‬‬

‫وهذا متوجه إلى الغضب على غير الحق‪ ،‬أما ما كان على الحق فمش روع فانتب ه للف رق‪،‬‬
‫ولذا بوب البخاري بابا فقال‪ " :‬باب ما يجوز من الغضب والشدة ألمر هللا "‪.‬‬

‫( في الوجه مرايا وفي القفا برايا )‬


‫برايا = سكين‪.‬‬

‫هذا التعبير يشير إلى خلق ذميم‪ ،‬وتصرف شائن سقيم‪ ،‬وعلى أن ص احب ه ذا الخل ق ذو وجهين‪،‬‬
‫وكما قيل‪ " :‬لس ان من رطب وي د من خش ب " والتعب ير في جزئ ه األول ي دل على ش دة النص ح‬
‫ألخيه وكأنه مرآة له‪ ،‬وهكذا يجب أن يكون المؤمن م ع إخوان ه؛ لقول ه علي ه الص الة والس الم‪" :‬‬
‫الم ؤمن م رآة أخي ه " أخرج ه أب وداود بإس ناد حس ن‪ ،‬ولكن لألس ف ليس ال وارد في التعب ير عن‬
‫صدق‪ ،‬وإنما الحال " لس ان يم دح وقلب ي ذبح " وفي المث ل " كالم كالعس ل وفع ل كاألس ل " أي‬
‫كالنبل‪.‬‬

‫ويحيين إذا القيته *** وإذا يخلو له لحمي رتع‬

‫ألن الجزء الثاني من التعبير يدل على بغضه وحق ده على أخي ه‪ ،‬وكأن ه يقط ع لحم أخي ه بالس كين‬
‫وهذه هي الغيبة بعينها‪.‬‬
‫يريك البشاشة عند اللقا *** ويبريك في السر بري القلم‬

‫والغيبة ظاهرة اجتماعية منتشرة‪ ،‬وهي ظاهرة سيئة من كبائر الذنوب يجب البعد عنها ‪:‬‬

‫وعش سالما صدرا وعن غيبة فغب *** تحضر حظار القدس أنقى مغسال‬

‫وقد ورد النهي عنها في الكتاب العزيز‪ ،‬والسنة المطهرة‪ ،‬قال تع الى‪ " :‬وال يغتب بعض كم بعض ا‬
‫أيحب أح دكم أن يأك ل لحم أخي ه ميت ا فكرهتم وه " الحج رات اآلي ة (‪ ،)12‬وأم ا الس نة فعن أنس‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬لما ع رج بي م ررت بق وم لهم أظف ار‬

‫‪39‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫من نحاس يخمشون وجوههم وص دورهم قلت‪ :‬من ه ؤالء ياجبري ل ؟ ق ال‪ :‬ه ؤالء ال ذي ي أكلون‬
‫لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " رواه أبوداود‪.‬‬
‫قيل للحسن البصري رحمه هللا تعالى‪ " :‬إن فالنا اغتابك‪ ،‬فأهدي إليه طبقا من رطب‪ ،‬فأتاه الرجل‬
‫وقال له‪ :‬اغتبتك فأهديت إل ّي‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬أهديت إل ّي حسناتك فأردت أن أكافئك "‪.‬‬

‫وأما تعريف الغيبة فقد نص على ذلك النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله‪ " :‬أت درون م ا الغيب ة؟‬
‫قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬ذكرك أخاك بما يك ره " قي ل أف رأيت إن ك ان في أخي م ا أق ول؟‬
‫قال‪ :‬إن كان فيه ماتقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ماتقول فقد بهته " رواه مسلم ‪.‬‬

‫واعلم أن السامع للغيبة شريك للمغتاب في اإلثم إن لم ينك ر علي ه‪ ،‬وإن لم يخ ف ض ررا‪ ،‬ف إن‬
‫خاف وجب عليه اإلنكار بقلبه ومفارقه المجلس‪ ،‬فإن قال ل ه‪ :‬اس كت بلس انه وقلب ه يش تهي س ماع‬
‫ذلك فقد قال بعض العلماء إن ذلك نفاق ‪.‬‬

‫التكشفن مساوي الناس ماستروا *** فيهتك هللا سترا عن مساويكا‬


‫واذكر محاسن مافيهم اذا ذكروا *** والتعب أحـدا منهم بـمـا فيكا‬

‫( كذبة بيضة )‬
‫بيضة = بيضاء ‪.‬‬

‫هذا تعبير خاطئ الحظ له من الصواب‪ ،‬والكذب كله أسود‪ ،‬ويس تعمله من رق دين ه لتنفي ذ مآرب ه‬
‫وتحقيق أغراض ه‪ ،‬إم أ طمع ا في مرغ وب‪ ،‬أو خوف ا من مره وب‪ ،‬فتج ده إذا حوص ر في الكالم‬
‫وقيل له‪ :‬إن الكذب حرام‪ ،‬استدل بهذا التعبير‪ ،‬والواقع كما قال القائل ‪:‬‬

‫سارت مشرقة وسرت مغربا *** شتان بين مشرق ومغرب‬

‫وفي المث ل الع ربي الق ديم‪ " :‬أنت تئ ق وأن ا مئ ق فم تى نتف ق؟ " وه و يض رب لألم رين‬
‫المختلفين‪.‬‬

‫ومعلوم شرعا حرمة الكذب‪ ،‬وأنه من كبائر الذنوب؛ ولذا قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬وإن‬
‫الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفج ور يه دي إلى الن ار‪ ،‬وإن الرج ل ليك ذب ح تى يكتب عن د هللا‬
‫كذابا " متفق عليه ‪.‬‬

‫ال يكذب المرء إال من مهانته *** أو فعله السـوء أو مـن قلة األدب‬
‫لبعض جيفة كلب خير رائحة *** من كذبة المرء في جد وفي لعب‬

‫وفي الحديث الذي رواه البخاري عن سمرة بن جندب رضي هللا عنه قال‪ :‬كان رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم مما يكثر أن يقول ألصحابه‪ " :‬ه ل رأى أح د منكم من رؤي ا ؟ فيقص علي ه‬
‫من شاء هللا أن يقص وأنه قال لنا ذات غداة‪ " :‬إنه آتاني الليلة آتي ان وأنهم ا ق اال لي‪ :‬انطل ق وإني‬
‫انطلقت معهما ‪ .....‬فأتينا على رجل مستلق لقفاه‪ ،‬وإذا آخر قائم علي ه بكل وب من حدي د‪ ،‬وإذا ه و‬
‫يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقة إلى قف اه‪ ،‬ومنخ ره إلى قف اه‪ ،‬وعين ه إلى قف اه‪ ،‬ثم يتح ول إلى‬

‫‪40‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الجانب اآلخر‪ ،‬فيفعل به مثل ما فعل بالجانب األول‪ ،‬فما يفرغ من ذل ك الج انب ح تى يص ح ذل ك‬
‫الجانب كما كان‪ ،‬ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة األولى " قال‪ :‬قلت‪ :‬سبحان هللا ماهذان‬
‫؟ ‪ .....‬أما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه‪ ،‬ومنخره إلى قفاه‪ ،‬وعين ه إلى قف اه‪ ،‬فإن ه‬
‫الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ االفاق ‪.‬‬

‫إياك من كذب الكذوب وإفكه *** فـلـربما مـزج اليقين بشكه‬


‫ولـربما كـذب امـرؤ بكـالمـه *** وبصمته وبكائه وبضحكه‬

‫عاقبة الكذب ‪....‬‬


‫إن قبح الكذب ليس مستقرا في فطرة اإلنسان فحسب‪ ،‬بل حتى البهيم من الحي وان‪ ،‬وإلي ك‬
‫هذه القصة التي ذكرها صاحب كتاب مفتاح دار الس عادة في كتاب ه دليال على ذل ك ‪....‬ق ال‪ :‬رأيت‬
‫نمل ة ج اءت إلى ش ق ج رادة فزاولت ه فلم تط ق حمل ه من األرض‪ ،‬ف ذهبت غ ير بعي د ثم ج اءت‬
‫بجماعة من النمل‪ ،‬قال فرفعت ذلك الش ق من األرض‪ ،‬فلم ا وص لت النمل ة برفقته ا مكان ه دارت‬
‫حوله ودرن معها فلم يج دن ش يئا ف رجعن فوض عته ثم ج اءت فص ادفته فزاولت ه فلم تط ق رفع ه‬
‫فذهبت غير بعيد ثم جاءت بهن فرفعته فدرن حول مكانه فلم يج دن ش يئا ف ذهبن فوض عته فع ادت‬
‫فج اءت بهن فرفعت ه ف درن ح ول المك ان فلم ا لم يج دن ش يئا تحلقن حلق ة وجلعن تل ك النمل ة في‬
‫وسطها ثم تحاملن عليها فقطعنها عضوا عضو وأنا انظر "‪.‬‬

‫( الكذب في المصالح يجوز)‬


‫لعل هذا التعبير وق ع في ه تص حيف‪ ،‬فلع ل أص له " الك ذب في المص الحة يج وز " فحرف ه بعض‬
‫المصلحيين ليوافق مصالحهم‪ ،‬وعليه فإن كان التعبير بمعنى المصالحة واإلصالح بين الناس فه و‬
‫صحيح صحيح‪ ،‬وسيأتي التدليل عليه‪ ،‬وأما إن كان معناه أن الكذب في المصالح الشخصية يج وز‬
‫فإن هذا الكالم فساده يغني عن إفساده‪ ،‬وبطالنه يكفي عن إبطاله‪ ،‬وفرق بين المصلحة الشخص ية‬
‫والمقصود الشرعي المحمود‪ ،‬فالكذب حرام في الحالة األولى‪ ،‬جائز في الحال ة الثاني ة‪ ،‬ول ذا ق ال‬
‫اإلم ام الن ووي رحم ه هللا تع الى‪ " :‬إن الكالم وس يلة إلى المقاص د‪ ،‬فك ل مقص ود محم ود يمكن‬
‫تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه‪ ،‬وإن لم يمكن تحصيله إال بالكذب جاز الك ذب‪ ،‬ثم إن ك ان‬
‫تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباح ا‪ ،‬وإن ك ان واجب ا ك ان الك ذب واجب ا‪ ،‬ف إذا اختفى‬
‫مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب باخفائه‪ ،‬وك ذا ل و‬
‫كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها‪ ،‬واألحوط في هذا كله أن يورّى‪ ،‬ومعنى‬
‫التورية‪ :‬أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه‪ ،‬وإن كان كاذب ا في ظ اهر‬
‫اللفظ‪ ،‬وبالنسبة إلى مايفهمه المخاطب‪ ،‬ولو ترك التورية وألق عبارة الكذب فليس بح رام في ه ذا‬
‫الحال ‪.‬‬

‫واستدل العلماء لجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي هللا عنه ا أنه ا س معت رس ول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ " :‬ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يق ول خ يرا "‬
‫متفق عليه ‪.‬‬

‫زاد مسلم في رواية‪ " :‬قالت أم كلثوم ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إال في‬
‫في ثالث‪ ،‬تعني الحرب واإلصالح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها "‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقال تعالى‪ " :‬الخير في كثير من نجواهم إال من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بين الن اس "‬
‫النساء (‪.)114‬‬

‫( اللسان وقلة اإلحسان )‬


‫هذا التعبير له وجهان من المعنى ‪-:‬‬

‫‪ .1‬إن هذا اإلنسان جمع بين س يئتين‪ :‬س الطة اللس ان‪ ،‬وقل ة اإلحس ان‪ ،‬فه و كالمث ل الع ربي‬
‫القائل‪ " :‬أحشفا وسوء كيلة ؟ "‪ ،‬وسبب هذا المثل أن أعرابيا جاء ليشتري تمرا‪ ،‬فكال ل ه‬
‫البائع تمرا رديئا وهو الحشف‪ ،‬وبخسه في الكيل‪ ،‬فق ال ذل ك المث ل‪ ،‬فص ار ه ذا يض رب‬
‫لمن جمع بين سيئتين أو خطأين ‪.‬‬

‫فمثال من فعل خطأ ولم ينه غيره عنه‪ ،‬إذا قيل له‪ " :‬لم التنهى غيرك ؟ قال‪ :‬كي ف أنه اه عن خط أ‬
‫وأنا واقع فيه ؟ " واستدل بقوله تعالى‪ " :‬أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ‪ "....‬البقرة (‪..)44‬‬
‫فيكون هذا المسكين قد جمع بين ذنبين‪ ( :‬وقوعه في الخطأ وترك نهي غيره عن ذلك الخطأ ) فهو‬
‫مأمور بترك الخطأ ونهي الغير عنه‪ ،‬فترك أحدهما ال يبرر ترك اآلخر‪ ،‬يوضحه أن العبد مأمور‬
‫بفعل الصالة في وقت محدد‪ ،‬فإذا فاته الوقت لعذر شرعي‪ ،‬فإن ذلك ال يبرر له ترك فعل الصالة‪.‬‬

‫‪ .2‬إن هذا التعبير يضرب لمن كان كالمه حسنا جميال‪ ،‬ولكن عمله سيئ قبيح‪ ،‬فتجده يخ الف‬
‫عمله قوله‪ ،‬وقد نهى سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله‪ " :‬ي ا أيه ا ال ذين آمن وا لم تقول ون م ا‬
‫التفعلون كبر مقتا عند هللا أن تقولوا ما التفعلون " الصف اآلي ة (‪ )3-2‬وه ذا من ص فات‬
‫المنافقين‪ ،‬وهو كما يقال بلسان العصر‪ " :‬انفصام في الشخصية "‪ ،‬وص احبه ذو وجهين‪،‬‬
‫قال عنه عليه الصالة والسالم‪ " :‬وتجدون شر الناس ذا الوجهين " متفق عليه‪ ،‬وفي األثر‬
‫" ذو الوجهين اليكون عند هللا وجيها "‪.‬‬

‫( ماتت حمارة القاضي مالقوش العزاية طريق (‬


‫)ولما مات القاضي مالقوش من يدفنه)‬
‫العزاية = المعزون‪.‬‬ ‫مالقوش = ما وجدوا‪.‬‬

‫هذا يشير إلى مرض النفاق‪ ،‬وكما يقال الدنيا م ع الواق ف‪ ،‬والن اس مص الح‪ ،‬فه ذا القاض ي م اتت‬
‫دآبته فجاء الناس كلهم للعزاء؛ ألن القاضي مرموق المكانة‪ ،‬ترجع إليه الخصومات والمنازعات‪،‬‬
‫والناس في حاجة إليه‪ ،‬فال يكاد أحد إال وله حاجة إليه‪ ،‬فلما ك ان األم ر ك ذلك لم يتخل ف أح د عن‬
‫تعزيته في دآبته‪ ،‬بل لم يجد المعزون طريقا للع زاء من ك ثرة الن اس وش دة الزح ام‪ ،‬ولكن لم يكن‬
‫ذلك محبة للقاض ي‪ ،‬وإنم ا الحقيق ة كم ا ق ال المث ل الع ربي‪ " :‬مأرب ة الحف اوة "‪ ،‬ألن ه لم ا م ات‬
‫القاض ي نفس ه لم يج دوا من يش يعه؛ ألن المص الح انتهت‪ ،‬والحاج ات انقض ت‪ ،‬وم ا ك ان هلل دام‬
‫واتصل‪ ،‬وما كان لغيرة انقطع وانفصل‪ ،‬وكما يقال‪ " :‬ظليت اص لي ح تى حص لي‪ ،‬فلم ا حص لي‬
‫بطلت اصلي "‪ " ،‬لو ال حاجتي مازرتك ياجارتي " ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫صلي وصام ألمر كان أمله *** حتى حواه فما صلى والصاما‬

‫وكما أشرت فإن هذا المثل يدل على النفاق‪ ،‬وهو مذموم شرعا وعرفا‪ ،‬ثم اعلم أن العلم اء قس موا‬
‫النفاق الى قسمين‪-:‬‬
‫‪ .1‬نفاق أكبر‪ :‬وهو مخرج من الملة‪ ،‬وحقيقته إظهار اإلسالم وإبطان الكفر‪ ،‬وه و ال ذي ق ال‬
‫هللا تعالى عنه‪ " :‬إن المنافقين في الدرك األسفل من النار" النساء (‪.)144‬‬
‫‪ .2‬نفاق أصغر‪ :‬غير مخرج من الملة وهو النفاق العملي‪ ،‬وقد قال فيه الن بي ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم‪ " :‬آية المن افق ثالث‪ :‬إذا ح دث ك ذب‪ ،‬وإذا وع د أخل ف‪ ،‬وإذا اؤتمن خ ان " متف ق‬
‫علي ه‪ ،‬وفي رواي ة أخ رى زي ادة خص لة رابع ة وهي‪ " :‬وإذا خاص م فج ر"‪ ،‬وهي في‬
‫الص حيحين أيض ا‪ ،‬فمن اتص ف بص فة من ه ذه الص فات ك انت في ه ص فة من ص فات‬
‫المنافقين حتى يدعها‪ ،‬وحكي الخط ابي أن مع نى الح ديث التح ذير للمس لم أن يعت اد ه ذه‬
‫الخصال التي يخاف عليه منها أن تفضي به إلى حقيقة النفاق‪.‬‬

‫قال تعالى " فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا هللا ما وعدوه وبما كانوا يك ذبون "‬
‫التوبة (‪ )78‬فإنه آل بهم خلف الوعد والكذب إلى الكفر‪ ،‬فيكون الح ديث التح ذير من التخل ق به ذه‬
‫األخالق التي تؤول بصاحبها إلى النفاق الحقيقي الكامل والعياذ باهلل ‪.‬‬

‫( ملعون في المذاهب األربعة )‬


‫هذه العبارة تقال لمن انتهك حرمة من حرمات هللا الظاهرة‪ ،‬المعلوم حرمتها من الدين بالض رورة‬
‫كمن شرب الخمر جهارا نهارا ‪.‬‬

‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬س معت رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم يق ول‪ " :‬ك ل أم تي‬
‫معافى إال المجاهرون ‪ ".......‬متفق عليه‪ ،‬واللعن معناه الطرد من رحمة هللا تعالى‪.‬‬

‫وقد قسم العلماء اللعن إلى قسمين‪-:‬‬

‫‪ .1‬لعن غير المعين‪ :‬أي على العموم كقوله تعالى‪ " :‬أن لعن ة هللا على الظ المين " األع راف‬
‫اآلية (‪ ،)43‬وأما السنة فطافحة بذلك فقد لعن النبي صلى هللا عليه وسلم آكل الربا وموكله‬
‫وكاتب ه وش اهديه‪ ،‬ومن ذبح لغ ير هللا‪ ،‬ولعن اليه ود والنص ارى اتخ ذوا قب ور أنبي ائهم‬
‫وصالحيهم مساجد‪ ،‬وهذا جائز باإلجماع لدالل ة نص وص الكت اب والس نة علي ه ص راحة‬
‫ونصا‪.‬‬

‫ولذلك بوب النووي رحمه هللا تعالى في كتابه (رياض الصالحين ) بابا بعنوان‪ " :‬ب اب ج واز‬
‫لعن أصحاب المعاصي غير المعينين "‪.‬‬

‫‪ .2‬لعن المعين كلعن شخص بعين ه وشخص ه‪ ،‬فه ذا ال يج وز على الص حيح إال من لعن ه هللا‬
‫ورسوله صلى هللا عليه وسلم كإبليس وفرعون لعن ة هللا عليهم ا؛ ول ذا ب وب الن ووي باب ا‬
‫بعنوان‪ " :‬تحريم لعن إنسان بعينه أو دآبة " وقد أورد عدة أدلة على ذلك‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫واعلم أنه الينبغي للمؤمن أن يكون لعانا قال ص لى هللا علي ه وس لم‪ " :‬ال ينبغي لص ديق أن يك ون‬
‫لعانا " رواه مسلم‪ ،‬وقال أيضا‪ " :‬ال يكون اللعانون ش فعاء وال ش هداء ي وم القيام ة " رواه مس لم‪.‬‬
‫ومما ي دل على ذل ك قول ه علي ه الص الة والس الم‪ ( :‬ليس الم ؤمن بلع ان وال طع ان وال ب دي وال‬
‫فاحش)‪.‬‬

‫( يتعارك مع ظله )‬
‫هذا شخص ضيق العطن‪ ،‬صغير النفس‪ ،‬المجال للنقاش معه‪ ،‬ألن نفسه أضيق من ظ ل رمح‪ ،‬إذا‬
‫ناقشته بالتي هي أحسن‪ ،‬خاصمك بالتي هي أخشن‪ ،‬وعليه يصدق المثل القائل‪ :‬ل وقلت تم رة لق ال‬
‫جمرة‪ ،‬وهذا المثل يضرب الختالف اآلراء فهو لضيق صدره ال يحتمل أح دا‪ ،‬ب ل يك اد يتخاص م‬
‫مع ظله إذا لم يجد من يخاصم‪ ،‬فإياك أن تقترب منه بل فرمنه فرارك من األسد‪.‬‬

‫فالمس لم واس ع الب ال‪ ،‬رحب الص در‪ ،‬ي ألف ويؤل ف‪ ،‬يأخ ذ ويعطي في الكالم‪ ،‬ين اقش ب التي هي‬
‫أحسن‪ ،‬وقاعدته في ذلك ما قاله اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى‪ " :‬ق ولي ص واب يحتم ل الخط أ‪،‬‬
‫وقول غيري خطأ يحتمل الصواب "‪ ،‬وهذا رسول هللا صلي هللا عليه وس لم يراجع ه أص حابه في‬
‫الكالم فيرجع أحيانا لقولهم إذا رأى في ه الص واب‪ ،‬كم ا حص ل في غ زوة ب در عن دما ن زل علي ه‬
‫الصالة والسالم في مكان‪ ،‬فقال له الحباب بن المنذر رضي هللا عنه‪ " :‬أرأيت هذا الم نزل أم نزال‬
‫أنزلكه هللا ليس أن نتقدمه وال نتأخر عنه‪ ،‬أم هو ال رأي والح رب والمكي دة ؟ ق ال‪ :‬ب ل ه و ال رأي‬
‫والحرب والمكيدة‪ ،‬قال‪ :‬يارسول هللا فإن هذا ليس بمنزل ‪ ".....‬فانتق ل علي ه الص الة والس الم إلى‬
‫مكان بدر‪ ،‬وترك رأيه صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫فالمسلم اليضيق صدره بالرأي المخالف‪ ،‬واليغضب إذا روجع في كالمه‪ ،‬فإن هللا سبحانه وتعالى‬
‫عندما عرض األمانه على السموات واألرض والجبال أبت أن تحملها فلم يغضب عليها سبحانه "‬
‫إنا عرضنا األمانة على السموات واألرض والجبال فأبين أن يحملنها ‪ " ....‬األحزاب اآلية (‪.)72‬‬

‫نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راض والرأي مختلف‬
‫فس عة الب ال‪ ،‬والمناقش ة ب التي هي أحس ن‪ ،‬واحتم ال ال رأي اآلخ ر واألخ ذ والعط اء في الكالم‪،‬‬
‫والمشاورة في األمور كل ذلك من أخالق المسلم‪.‬‬

‫إن اللبيب إذا تفـرق أمـره *** فتق األمـور مناظرا ومشاورا‬
‫وأخو الجهالة يستبد برأيه *** فتراه يعتسف األمور مخاطرا‬

‫( يخاف من ظله )‬
‫هذه العبارة ت دل على منتهى الخ وف والجبن‪ ،‬والجبن خل ق م ذموم‪ ،‬وه و من مس اويء األخالق‬
‫ولذلك اس تعاذ من ه الن بي ص لى هللا علي ه وس لم بقول ه‪ ( :‬اللهم إني أع وذ ب ك من العج ز والكس ل‬
‫والجبن والبخل ) رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وقد ذم هللا تعالى المنافقين لجبنهم‪ ،‬وذك ر من أوص افهم ت دل على ذل ك من دوران األعين‪ ،‬ونظ ر‬
‫المغشي عليه من الموت عند الخوف كما في سورة االحزاب اآلية (‪ )19‬والقتال اآلية (‪. )21‬‬

‫‪44‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقد كان علي ه الص الة والس الم أش جع الش جعان ح تى ق ال علي رض ي هللا عن ه‪ ( :‬كن ا إذا اش تد‬
‫الوطيس نحتمي برسول هللا صلى هللا عليه وسلم )‪ ،‬والشجاعة حس نة بين س يئتين‪ ،‬وخل ق محم ود‬
‫بين خلقين مذمومين‪ ،‬بين الجبن والتهور ولذلك قال المتنبي ‪:‬‬

‫الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني‬


‫فـإذا هما اجتمعا لنفس حـرة *** بلغت من العلياء كـل مكان‬

‫طرفة‪:‬‬

‫كان لرجل جبان سيف ليس بينه وبين العصا ف رق‪ ،‬وك ان يس ميه لع اب المني ة‪ ،‬وذات ليل ة س مع‬
‫خشخشة عند باب داره فانتضى سيفه ووقف على باب داره وهو يقول‪ :‬أيها المغتر بنا‪ ،‬المجتريء‬
‫علينا‪ ،‬بئس ‪-‬وهللا ‪ -‬ما اخترت لنفسك‪ ،‬خير قليل وسيف صقيل‪ ،‬وهو لعاب المنية الذي سمعت به‪،‬‬
‫اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك ثم فتح الب اب على وج ل ف إذا كلب ق د خ رج فق ال‬
‫الحمد هلل الذي مسخك كلبا وكفانا حربا‪.‬‬

‫( يخش بين الظفر واللحم )‬

‫وكلمة (خش) عربية صحيحة‪.‬‬ ‫يخش = يدخل‪.‬‬

‫جاء في اللسان خش في الشيء خشا دخل‪ ،‬وجاء في الصحاح خششت في الشيء دخلت‪.‬‬

‫هذا التعبير كالمثل العربي الق ديم القائ ل‪ :‬ي دخل بين العص ا ولحائه ا‪ ،‬أي وقش رتها‪ ،‬فه و‬
‫إنسان فضولي جدا‪ ،‬يتدخل في خصوصيات غيره‪ ،‬ثقيل الدم‪ ،‬بادر الطبع حتى لو أهين لم يتأثر‪.‬‬

‫من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيالم‬

‫وقد ورد النهي عن ذلك بقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من حسن إسالم المرء ترك ه م ا اليعني ه "‬
‫رواه الترمذي‪ ،‬وقال حديث حسن‪.‬‬
‫سئل لقمان الحكيم أي عملك أوثق فقال‪ :‬تركي ما ال يعنيني‪ ،‬وقال أبو ال درداء رض ي هللا عن ه‪" :‬‬
‫عالمة الجهل ثالث‪ :‬العجب‪ ،‬وكثرة المنطق فيما اليعنيه‪ ،‬وأن ينهى عن شيء ويأتيه "‪.‬‬

‫قال بعضهم طلبت الراحة لنفسي فلم أجد لها أروح من ت رك م ا ال يعنيه ا‪ ،‬ول ذلك من ت دخل فيم ا‬
‫اليعنيه لم يسلم من البالء‪ ،‬وفي مثل هذ قالو‪:‬ا بين القرينين حتى ظل مقرون ا‪ ،‬وه و مث ل يض رب‬
‫لمن يتدخل فيما اليعنيه حتى نشب وتورط فيه ‪.‬‬
‫سئل األحنف بم سدت قومك؟ قال بتركي من األمر م اال يعني ني‪ ،‬وفي الكالم ال دارج " الكالم بين‬
‫اثنين والثالث منين ؟ أي من أين؟‪.‬‬

‫وقد ذكر األبشيهي في كتاب ه ( المس تطرف في ك ل فن مس تظرف ) " وقي ل ثماني ة إن أهين وا فال‬
‫يلوموا إال أنفسهم ‪ .......‬والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخاله فيه‪ ،‬والمتعرض لم ا اليعني ه "‬
‫(جـ ‪ ،)1/121‬وقديما قالوا‪ :‬خلت ما يعنيها واتبعت حك رجليها ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ال بد للمرء مما ليس يرضيه *** إذا تدخل فيما ليس يعنيه‬

‫( يخيط في الزنق ويفصل في الشوارع )‬


‫الزنق = األزقة والشوراع وهي في الغالب ضيقة‪.‬‬

‫الزنقة (عربية صحيحة) وفي حديث عثمان رضي هللا عنه‪ " :‬من يشتري هذه الزنق ة فيزي دها في‬
‫المسجد "‪.‬‬

‫صاحبنا كما يقال " فاضي " الشغل له‪ ،‬فهو عاطل عن العمل‪ ،‬إال من ه ذه الص نعة المهين ة‪ ،‬وإذا‬
‫كان هو كذلك فإن المثل الشعبي يصوره في سخرية قائال‪ " :‬صنعة اللي ماعند صنعة "‪ ،‬وي روى‬
‫عن عمر رضي هللا عنه قوله‪ " :‬إني ألرى الرجل فيعجبني فإذا سألت عنه فقيل‪ :‬الحرفة له س قط‬
‫من عيني "‪.‬‬

‫وفي الغالب أن الناس اليسلمون من أذى هذا الص نف من الن اس؛ ألن النفس إن لم تش غلها ب الحق‬
‫شغلتك بالباطل‪ ،‬والينبغي لمسلم أن يكون فارغا ً عاطال‪ ،‬بل إما أن يكون منشغال في أم ر دين ه أو‬
‫دني اه‪ ،‬وق د ق ال علي ه الس الم‪ " :‬نعمت ان مغب ون فيهم ا كث ير من الن اس الص حة والف راغ " رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وفي حديث آخر رواه الحاكم وصححه أمر عليه الصالة السالم أن يغتنم المس لم فراغ ه‬
‫قبل شغله‪ ،‬وصحته قبل سقمه‪ ،‬وغناه قبل فقره‪ ،‬وشبابه قبل هرمه‪ ،‬وحياته قبل موته‪.‬‬

‫والفراغ قاتل إن لم يحسن المرء استغالله فيما يعود عليه بالنفع في دينه أو دني اه‪ ،‬ول ذلك ق ال اب و‬
‫العتاهية رحمه هللا تعالى‪-:‬‬

‫إن الفراغ والشباب والجده *** مفسدة للمرء أي مفسده‬

‫فالواجبات كثيرة والعمر قصير ‪:‬‬

‫دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان‬

‫وقتك رأس مالك‪ ،‬التضيعه فيما الينفع‪ ،‬وما تحسر العبد يوم القيامة على شيء تحسره على ساعة‬
‫مرت لم يذكر هللا تعالى فيها‪ ،‬فحافظ على وقتك‪ ،‬واغتنمه في فعل الخير؛ فإن البطالة أم الرذائل‪.‬‬

‫والوقت انفس ماعنيت *** وأراه أسهل ما عليك يضيع‬

‫( يقطع في عباده هللا أو يقرم )‬


‫يقرم = يغتاب‪.‬‬

‫هاهي الغيبة المذمومة‪ ،‬وقد سبق بيانها وحكمها‪ ،‬ولكن هنا أمر ينبغي بيانه‪ ،‬أال وه و م ا يب اح من‬
‫الغيبة ‪-:‬‬

‫‪46‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫اعلم أن الغيبة وإن كانت محرمة إال أنها تباح لغرض شرعي صحيح‪ ،‬ال يمكن الوصول إلي ه إال‬
‫بها‪ ،‬وقد حصره العلماء في ستة أسباب ‪-:‬‬
‫‪ .1‬التظلم ‪ :‬فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى من ينصفه من ظالمه فيقول‪ :‬ظلمني فالن‪.‬‬
‫‪ .2‬االستعانة على تغيير المنكر‪ :‬فيجوز أن يقول لمن يرج و قدرت ه على إزال ة المنك ر‪ ،‬فالن‬
‫يعمل كذا‪.‬‬
‫‪ .3‬االستفتاء ‪ :‬فيجوز أن يقول للمفتي ظلمني أخي ‪.‬‬
‫‪ .4‬تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم ‪ :‬كجرح الرواة والشهود ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يكون مجاهرا بفسقه ونحو ذلك ‪ :‬كالمجاهر بشرب الخمر‪.‬‬
‫‪ .6‬التعريف ‪ :‬فإذا كان اإلنسان معروف ا بلقب ك األعمش واألع رج وغيرهم ا‪ ،‬ج از تعريف ه‬
‫بذلك‪ ،‬ويحرم إطالقه على جهة النقص‪ ،‬ولو أمكن التعريف بغير ذلك كان أولى‪.‬‬

‫وأما أدلة ذلك فمن أرادها فليرجع الى كتاب رياض الصالحين (باب ما يباح من الغيبة)‪.‬‬

‫وقد جمعت هذه األساب الستة في قولهم ‪:‬‬

‫القــدح لـيـس بغيبه فـي سـتـة *** مـتـظـلـم ومعـرف ومحــذر‬


‫ومجاهر فسقا ومستفت ومـن *** طلب اإلعانة في إزالة منكر‬

‫( يقيد في األحوال )‬
‫يقيد = يراقب‪.‬‬

‫كأنه لتتبعه أحوال الناس ومعرفته بها قد أحاط بها‪ ،‬وجعل لها قيدا‪ ،‬هذا ش أن النفس الفارغ ة ال تي‬
‫قد سقطت من عين هللا تعالى النشغالها بعيوب غيرها عن عيوبها‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والس الم‪:‬‬
‫" من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعينه " حديث حسن‪ ،‬رواه الترم ذي‪ ،‬كم ا أن ه ذا العم ل من‬
‫منكرات األخالق ال تي اس تعاذ منه ا الن بي ص لى هللا علي ه وس لم كم ا في الح ديث ال ذي أخرج ه‬
‫الترمذي وصححه الحاكم " وطوبي لمن شغله هللا بعيبه عن عيوب الناس "‪.‬‬

‫وغالبا ال يتأتى هذا الخلق ال ذميم وه و مراقب ة أح وال الن اس إال من خالل الجل وس على‬
‫الطرقات‪ ،‬وقد نهى عليه الصالة والسالم عن ذلك بقوله‪ " :‬إياكم والجلوس على الطرق ات‪ ،‬ق الوا‪:‬‬
‫يارسول هللا مالنا بد من مجالسنا‪ ،‬نتحدث فيها قال‪ :‬إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه‪ ،‬قالوا‪ :‬وماحقه ؟‬
‫قال‪ :‬غض البص ر‪ ،‬وك ف األذى‪ ،‬ورد الس الم‪ ،‬واألم ر ب المعروف‪ ،‬والنهي عن المنك ر " متف ق‬
‫عليه‪.‬‬

‫واعلم أن للطريق ثالثة عشر أدبا نظمها الحافظ ابن حجر في أربعة أبيات‪:‬‬

‫جمعت آداب من رام الجلوس على الطــ***ـــريق من قول خير الخلق‬


‫أفش السالم وأحسن في الكالم وشمــ***ـــت عاطسا وسالما رد إحسانا‬
‫في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث *** لهفان اهد سبيال واهد حيرانا‬
‫بالعرف مر وأنه عن نكر وكف أذى *** وغض طرفا وأكثر ذكر موالنا‬

‫‪47‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫والمنبغي للمسلم تجاه إخوانه أن يسد خللهم‪ ،‬ويكمل نقصهم‪ ،‬ويقيل ع ثرتهم‪ ،‬ويغض الط رف عن‬
‫عوراتهم‪ ،‬ويستر عليهم ‪.‬‬

‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ " :‬اليستر عبد عبدا في الدنيا إال س تره هللا ي وم القيام ة " رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬

‫وفي الحديث اآلخر يقول عليه الصالة والسالم‪ " :‬يامعشر من آمن بلسانه ولم يدخل اإليمان قلب ه‪،‬‬
‫التغتابوا المسلمين وال تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإن من تتبع ع ورة أخي ه تتب ع هللا عورت ه‪ ،‬ومن تتب ع هللا‬
‫عورته فضحه ولو في جوف بيته " رواه أبوداود بإسناد جيد‪.‬‬

‫وقد بوب اإلمام النووي رحمه هللا تعالى بابا بعنوان ( ستر عورات المسلمين والنهي عن إش اعتها‬
‫لغير ضرورة ) وصدر الباب بقوله تعالى‪ " :‬إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم‬
‫عذاب أليم في الدنيا واآلخرة " النور (‪ ،)19‬وقد أحس ن القائ ل إذ يق ول‪ " :‬من راقب الن اس م ات‬
‫غما " و " من غربل الناس نخلوه " أي من فتش عن أمور الناس جعلوه نخالة‪.‬‬

‫( يمزح معاه )‬
‫معاه = معه‪.‬‬

‫المزح والمزاح البد منه‪ ،‬فإن للنف وس إقب اال وإدب ار‪ ،‬ف النفوس تم ل وتك ل ف إذا أعطيت ش يئا من‬
‫المزح بشروطه استجمت فأقبلت على الطاعة بنشاط وانشراح‪ ،‬بل إذا كان المزح به ذا الني ة أج ر‬
‫عليه العبد وأثيب ‪.‬‬

‫أروح القلب ببعض الهـزل *** تجـاهال منـي بغير جـهـل‬


‫أمزح فيه مزح أهل الفضل *** والمزح أحيانا جالء العقل‬

‫قال أبو الدراء‪ :‬إني ألضحك حتى يكون إجماما لقلبي ‪.‬‬

‫وقد كان عليه الصالة والسالم يمزح مع الصحابة‪ ،‬لكن اليقول إال حق ا ول ذلك يش ترط في الم زح‬
‫شرطان ‪-:‬‬

‫‪ .1‬أال يقول اإلنس ان في مزح ه إال حق ا لقول ه علي ه الص الة والس الم‪ " :‬أن ا زعيم ب بيت في‬
‫ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا‪ ،‬وببيت في وسط الجنة لمن ترك الك ذب وإن‬
‫كان مازحا ‪ "....‬رواه أبوداود بإسناد صحيح‪ ،‬وقد ورد الوعيد الشديد لمن يكذب ليضحك‬
‫الناس‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم‪ ،‬ويل ل ه ثم‬
‫ويل له " أخرجه الترمذي وغيره وحسنه ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون قليال تارة وتارة كالملح في الطعام‪ ،‬ألن المسلم ينبغي أن يك ون ج ادا في أم وره‬
‫هذا هو الطابع العام له ‪.‬‬

‫أفد طبعك المكدوح بالجد تارة *** وعلله أحيانا بشـيء مـن المـزح‬
‫ولكن إذا عطيته المـزح فليكن *** بمقدار ماتعطى الطعام من الملح‬

‫‪48‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫قال األحنف‪ :‬كثرة الضحك تذهب الهيبة‪ ،‬وكثرة المزاح تذهب المروءة‪ ،‬ومن لزم شيئا عرف ب ه‪،‬‬
‫وقال بعض الحكماء تجنب سوء المزاح ونكد الهزل‪ ،‬فإنهما بابان إذا فتحا لم يغلقا إال بعد غم ‪.‬‬

‫وقيل اسمى المزاح مزاحا ألنه أزيح عن وجه الصواب‪.‬‬


‫قال أبوعبيد‪ :‬وجاء عن بعض الخلفاء أنه ع رض على رج ل حل تين يخت ار أح دهما فق ال الرج ل‬
‫كلتاهما وتمرا‪ ،‬فغضب عليه‪ ،‬وقال أعندي تمزح؟ فلم يوله شيئا‪.‬‬

‫فـإيـاك إيـاك المـــزاح فـإنـه *** يجريء عليك الطفل والرجل النذال‬
‫ويذهب ماء الوجه بعد بهائه *** ويــورث بـعـد العــز صـاحـبـه ذال‬

‫قال عمر بن عبدالعزيز رحمه هللا تعالى‪" :‬إياك والمزاح فإنه يجر إلى القبيحة ويورث الضغينة"‪.‬‬

‫روى عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أنه ك ان يق ول‪ :‬ينبغي للرج ل أن يك ون في أهل ه مث ل‬
‫الصبي‪ ،‬فإذا التمس ماعنده وجد رجال "‪.‬‬

‫( ينقل في الد ّوة )‬


‫الدوة‪ :‬الكالم عربية األصل‪.‬‬ ‫دوي ‪ :‬تكلم‪.‬‬

‫في اللسان‪ :‬الدوي‪ :‬الصوت‪ ،‬وقد تخصص في اللهجة ليصبح الكالم لما فيه من الصوت‪.‬‬
‫هذه ظاهرة إجتماعية سيئة‪ ،‬نهى عنها الش ارع الحكيم ق ال تع الى‪ " :‬هم از مش اء بنميم " القلم (‬
‫‪ ،)11‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬اليدخل الجنة نمام " متفق عليه‪ ،‬والنمام هو الذي ينق ل الكالم‬
‫بين الناس على جهة اإلفساد‪ ،‬والنميمة قبيحة وإن كانت صحيحة ‪.‬‬

‫والمنبغي السعي في إصالح ذات ال بين‪ ،‬ح تى أن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم أج از لمن أراد أن‬
‫يصلح ذات البين أن يكذب في كالمه لتحقيق هذه المصلحة العظيمة‪ ،‬والحديث في ذلك صحيح‪.‬‬

‫قال ابن عبدالبر عن يحيي بن أبي كثير قال‪ " :‬يفسد النمام والكذاب في س اعة م اال يفس د الس احر‬
‫في سنة "‪.‬‬

‫والذي ينبغي اجتناب هذا الصنف من الناس قال ابن الوردي في الميته ( في الحكم واآلداب )‪:‬‬

‫ِملْ عن النمام وازجره فما *** بلغ المكروه إال من نقل‬

‫كما ينبغي لمن حُملت إليه نميمة وقيل له‪ :‬قال فيك فالن‪ :‬كذا وك ذا أال يص دق النم ام؛ ألن ه فاس ق‬
‫مردود الخبر‪ ،‬وأن ينهاه عن ذلك‪ ،‬ويقبح فعله ألن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬اليبلغني أح د‬
‫من أصحابي عن أحد شيئا؛ فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر " رواه الترمذي وأبوداود‪.‬‬

‫وكان الفضل بن سهل إذا أتاه نمام يقول له‪ " :‬إن صدقتنا بغضناك وإن كذبتنا عاقبناك "‪.‬‬
‫فالراوية أحد الشاتمين‪ ،‬بمعنى أنه شتمك من بلغك النميمة ‪.‬‬
‫لعمرك ماسب األمير عدوه *** ولكن سب األمير المبلغ‬

‫‪49‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقيل‪:‬‬
‫من ن َّم في الناس لم تؤمن عقاربه *** على الصديق ولم تؤمن أفـاعيه‬
‫كـالسـيـل اليـــدري بــــه أحــــد *** مـن أين جاء وال مـن أيـن يأتيه‬

‫( بــو نـسـيـب وال بـن عـ ّم قـريـب )‬


‫بن = ابن‪.‬‬ ‫بو = أبو‪.‬‬

‫يقصد الناس بهذا التعبير أن النسيب وهو الصهر أفضل وأولى وأنفع من القريب ذي الرحم ‪.‬‬
‫وقبل التعليق على هذا التعبير أحب أن أنبه على خطإ لغوي وهو أن عامة الناس يطلقون لف ظ‬
‫النسيب على الص هر ‪ -‬زوج البنت أو زوج األخت مثال ‪ ، -‬وه ذا من أوه امهم ؛ ألن النس ب لغ ة‬
‫وشرعا هو القرابة أي ‪ :‬ذوو األرحام ‪ ,‬ولذلك قسّم هللا تعالى البشر إلى قسمين‪ :‬نسب وصهر‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ " :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وص هرا وك ان رب ك ق ديرا" الفرق ان(‪, )54‬‬
‫فدلت اآلية على أن النسب قسيم الصهر‪ ,‬والشك أن النسب في اآلية يعني القرابة‪.‬‬

‫فــائدة لــغـويــة‪-:‬‬
‫النسب هو القرابة أي ذوو األرحام ‪ ,‬والختن هم أقارب الزوج ة كأخيه ا ‪ ،‬والحم و هم أق ارب‬
‫الزوج كأخيه ‪ ،‬والصهر أع ّم من ذلك ‪ ،‬فيشمل الختن والحمو ‪.‬‬
‫أعود إلى التعليق على هذا التعبير فأقول‪ :‬إن هذه العبارة‪ " :‬ب و نس يب وال بن عم ق ريب" ق د‬
‫قيلت من واقع محسوس ‪ ،‬بغض النظر عن صحتها من خطئها ؛ فإن الص هر أنف ع وأك ثر مداخل ة‬
‫لألسرة التي ت زوج منه ا من الق ريب ك ابن العم مثال‪ ،‬وه ذا يرج ع ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬إلى دور النس اء‬
‫وشدة تأثيرهن في تقريب هذا وإبعاد ذاك ‪ ,‬والذي يرسخ ذلك هو الخالف ات والع داوات ال تي تنش أ‬
‫‪ -2‬قس مة‬ ‫بين األق ارب ‪ ،‬ومن أهم أس باب ه ذه الخالف ات اآلتي ‪ -1 -:‬التج اور ‪.‬‬
‫الميراث ‪.‬‬
‫أما التجاور فقد قال األصمعي ‪ :‬إن ذوي القربة إذا تراخت دي ارهم ك ان أح رى أن يتح ابوا ‪،‬‬
‫فـ ِّر ْق بين ُم َعـ ٍّد َتـ َحابَّ " ‪ ،‬ويُ روى أن عم ر كتب‬ ‫وإذا تدانوا تحاسدوا وتباغضوا ‪ ،‬ولذا قيل ‪َ " :‬‬
‫إلى أبي موسى رضي هللا عنهما ‪ " :‬أن ُمـرْ ذوي القربى أن يتزاوروا وال يتجاوروا " ‪ ،‬والتزاور‬
‫يكون من البعد ‪ ،‬وهذا يورث المحبة ‪ ،‬ومنه تتولد ؛ ألن الهوى من النوى ‪ ،‬وألن اإلنسان إذا ك ان‬
‫يُرى كل يوم ُمـ ّل منه ؛ ولذلك قيل ‪ " :‬اغترب تتجدد " و " رُبَّ ثاو يُ َم ّل منه الثواء " ‪.‬‬
‫وأما قسمة الميراث فكم ا نعلم أن أعظم أس باب اإلرث ه و القراب ة بفروعه ا الثالث ة‪ :‬األص ول‬
‫والفروع والحواشي‪ ,‬وأم ا النك اح ال ذي تنش أ عن ه المص اهرة فه و س بب محص ور في الزوجي ة‬
‫بخالف القرابة ‪ ،‬فإنها سبب متشعب كما سبق ‪ ،‬فلذلك قلّت الخصومات أو انعدمت في المصاهرة‪،‬‬
‫فحصل التقارب بين األصهار‪ ،‬بينما كثرت بين األق ارب الخالف ات والخص ومات؛ لش ح األنفس‪،‬‬
‫وحب المال حبا جما‪ ،‬فأوجب تباغضا ً وتباعداً بين القرابة ‪ ,‬وأفرزت ه ذه الع داوات أق واال تحكي‬
‫هذا الواقع منها‪ :‬قول المقنع الكندي ‪:‬‬
‫وبـيـن بـنـي عــ ِّمـي لمـختـلف جـدا‬ ‫وإن الــذي بـيـني وبـين بـني أبـي‬
‫بنيت لهم مجدا‬ ‫ُ‬ ‫وإن هـدمـوا مـَجدي‬ ‫ُ‬
‫وفـرت لحـو َمهم‬ ‫فـإن أكـلوا لحمي‬
‫َويت لهم رُشدا‬ ‫وإن هُم هَ َووْ ا َغيْي ه ُ‬ ‫ُ‬
‫حفظت غيوبَهم‬ ‫وإن ضيعوا غَيبي‬
‫وإن قـَـ َّل مـالي لـم أكـلـفـْهُـمو ِرفـْـدا‬ ‫لهم جُـلُّ مالي إن تـتاب َع لي ِغـن ًى‬
‫وليس كريم القوم َم ْن يحم ُل ِ‬
‫الحقدا‬ ‫الحقـ َد القـدي َم عليهـمو‬
‫وال أحـم ُل ِ‬
‫وقول اآلخر ‪:‬‬
‫‪50‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وتـشقى به حتى الممات أقاربه‬ ‫من الناس من يغشى األباعد نفعه‬


‫وفي التعبير الشعبي ‪ " :‬وين دمك ‪ ،‬وين سمك " أي ‪ :‬أينما تكون قرابتك تكون عداوتك " ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪:‬‬
‫وال تــركـــن إلـى عــ ّم وخـال‬ ‫األقارب كالعقارب فاجتنبهم‬
‫خـال مـن الخيرات خالي‬ ‫ٍ‬ ‫وكـم‬ ‫عــم أتــاك الـهـ ّم مـنـه‬
‫فكـم ٍ‬
‫وقالوا أيضا ‪ " :‬أما األقارب فال تقارب ‪ ،‬إن األقارب سم العقارب "‬
‫وقيل أيضا ‪:‬‬
‫واستغن ما شئت عن عم وعن خال‬ ‫اجمع نقودك إن العز في المال‬

‫ق مـن بـ ّره ‪ ،‬شـنْ حـالك مـن داخـل !؟ (‬


‫) يامـز ّو ْ‬

‫مزوق ( عربية األصل ) = الشئ المنقش المزين ( مختار القاموس) ‪.‬‬


‫شن = كيف ؟ ‪.‬‬ ‫ب ّره = خارج ( عربية صحيحة ) ‪.‬‬
‫تـمـأل الـعـيـن زهـرة ورواء‬ ‫إن في الناس أوجها المـعات‬
‫لـم يـهـبها اإلله عـطرا ومـاء‬ ‫ويراها البصير صورة زهر‬
‫هذا تعبير سخرية ‪ ،‬يوجه لمن يهتم ب المظهر والش كل دون االهتم ام ب الجوهر والمض مون ‪،‬‬
‫فالظاهر جماله عال ‪ ،‬والباطن منه خال ‪ ،‬كفارغ المخالي ‪ ،‬وقريب من التعبير المذكور قولهم ‪" :‬‬
‫هللا " أو " االسم كبير والعشا شعير " ‪ ،‬وقديما ق الت الع رب ‪" :‬‬ ‫هللا ‪ ،‬ومن داخل يعلم ْ‬ ‫من ب ّر ْه ْ‬
‫هللا ْ‬
‫ترى الفتيان كالنخل ‪ ،‬وما ي دريك م ا ال دخل" أي ‪ :‬ت رى الفتي ان كالنخ ل ط وال وبه اء ‪ ،‬وحقيق ة‬
‫الباطن خواء وبالء ‪ ،‬كما تقول العام ة ‪ :‬الط ول والخياب ْه ‪ ،‬أي ‪ :‬ذهبت ط وال وع دمت معق وال ‪،‬‬
‫فالقامة تنمي والعقل يحري ‪ ،‬أي ‪ :‬القامة تزيد والعقل ينقص ‪ ،‬فالطول ط ول النخل ة والعق ل عق ل‬
‫السخلة أي ‪ :‬الشاة الصغيرة ‪.‬‬
‫جسم البغال وأحالم العصافير‬ ‫البأس بالقوم من طول ومن قصر‬
‫ولذلك إذا عاشرت هذا الصنف من الناس فسرعان ما تبغضه ؛ ألن جواهر األخالق تفضحها‬
‫المعاشرة ‪ ،‬ولذا قال أبو الدرداء رضي هللا عنه ‪ " :‬اخبُر تقله " أي‪ :‬ما من أحد إال وه و مس خوط‬
‫الفعل عند الخبرة ‪ ،‬وقال أبو العتاهية رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫عـن قـليـل لفعـلِ ِه‬ ‫ابْـ ُل من شئت تقلِ ِه‬
‫بعد و ٍد ّ لوصْ ـلِ ِه‬ ‫وتـبــ ّدله هـجـرة ً‬
‫واإلسالم ال يعتد بتكمل اإلنسان ‪ ،‬وتجمله الظاهري إال إذا قام هذا الجمال على نفسية طيب ة ‪،‬‬
‫وسريرة نقية ‪ ،‬وقلب سليم ‪ ،‬يُهدى به إلى الصراط المستقيم ‪.‬‬
‫واعلم أن لإلنسان حالين ال ثالث لهما ‪-:‬‬
‫الحالة األولى ‪ :‬أن يتوافق ظاهره مع باطنه ‪ ،‬وتستوي سريرته وعالنيته ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يخالف الظاهر الباطن‬
‫أما الحالة األولى فهي حالة الصدق ‪ ،‬الذي مدحه هللا تع الى ورس وله ص لى هللا علي ه وس لم ‪،‬‬
‫وذلك في قوله ‪ " :‬وال ذي ج اء بالص دق وص دق ب ه أولئ ك هم المتق ون ‪ " ........‬الزم ر (‪، )32‬‬
‫وقوله ‪ " :‬عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر ‪ ،‬وإن ال بر يه دي إلى الجن ة ‪ " .......‬رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وفي الصدق منجاة من الشر فاصدق‬ ‫وقد قيل‪ :‬وفي الحلـم إدهان وفي العـفـو دربـة‬

‫‪51‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وك ان من دع اء زين العاب دين علي بن الحس ين رض ي هللا عنهم ا‪ " :‬اللهم إني أع وذ ب ك أن‬
‫تحسِّـن في لوامع العيون عالنيتي ‪ ،‬وتقبـِّح في خفيـَّات الغيوب سريرتي " ‪.‬‬
‫قال مطرف بن عبد هللا الشخير ‪ " :‬إذا استوت سريرة العبد وعالنيته قال هللا عز وج ل ‪ :‬ه ذا‬
‫عبدي حقا " ‪ ،‬فمن طابت سريرته حسنت سيرته ‪ ،‬ومن مرضت سريرته ماتت عالنيته ‪.‬‬
‫والمسلم ال ينظر إلى الصدق كخلق فاضل يجب التخلق به فحسب ‪ ،‬بل إنه يذهب إلى أبعد من‬
‫ذلك ‪ ،‬يذهب إلى أن الصدق من متممات إيمانه ‪ ،‬ومكمالت إسالمه ؛ إذ أمر هللا تعالى به ‪ ،‬وأث نى‬
‫على المتصفين به بقوله ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين " التوبة (‪. )120‬‬
‫وليس الصدق مقصورا على القول فقط ‪ ،‬بل هو أوس ع من ذل ك ‪ ،‬فيك ون الص دق في الني ة ‪،‬‬
‫وذلك راجع إلى اإلخالص ‪ ،‬ويكون في العمل بأن يستوي الظاهر مع الباطن ‪ ،‬ويك ون في الع زم‬
‫والوفاء به ‪ ،‬ويكون أيضا في مقامات الدين ‪ ،‬وهو أعلى الدرجات ‪ :‬كالصدق في الخوف والرجاء‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬
‫أما ثمرات الصدق فكثيرة جدا منه ا ‪ :‬راح ة الض مير وطمأنين ة النفس ؛ لقول ه علي ه الص الة‬
‫والسالم ‪ ":‬فإن الصدق طمأنينة " رواه الترمذي وصححه ‪ ,‬والبرك ة في الكس ب وزي ادة الخ ير ؛‬
‫لقول ه علي ه الص الة والس الم‪ ":‬البيع ان بالخي ار م ا لم يتفرق ا ‪ ,‬ف إن ص دقا وبين ا ب ورك لهم ا في‬
‫بيعهم ا ‪ ,‬وإن كتم ا وك ذبا محقت برك ة بيعهم ا" رواه البخ اري ‪ ,‬ومن الثم رات ‪ :‬الف وز بمنزل ة‬
‫الشهداء ؛ لقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من سأل هللا الشهادة بصدق بلغه هللا من ازل الش هداء وإن‬
‫مات على فراشه" رواه مسلم ‪.‬‬
‫قــصــة ‪:‬‬
‫خطب الحجاج بن يوسف يوما فأطال الخطبة ‪ ,‬فقال أحد الحاضرين‪ " :‬الصالة ؛ ف إن ال وقت‬
‫ال ينتظرك ‪ ,‬والرب ال يعذرك " ‪ ,‬فأمر بحبس ه ‪ ,‬فأت اه قوم ه وزعم وا أن الرج ل مجن ون ‪ ,‬فق ال‬
‫الحجاج‪ " :‬إن أق ّر بالجنون خلصته من س جنه" ‪ ,‬فق ال الرج ل‪" :‬ال يس وغ لي أن أجح د نعم ة هللا‬
‫التي أنعم بها علي ‪ ,‬وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني هللا عنها " ‪ ,‬فلما رأى الحجاج ص دقه‬
‫خلى سبيله‪.‬‬
‫وأما الحالة الثانية ‪ :‬وهي مخالفة الظاهر للب اطن فهي النف اق بعين ه ‪ ،‬وهي ال تي يش ير إليه ا‬
‫هذا التعبير" ي امزوق‪ ، "..........‬ومص داق ذل ك قول ه تع الى في المن افقين‪" :‬وإذا رأيتهم تعجب ك‬
‫أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة" المنافقون (‪. )4‬‬
‫واعلم أن عالج األمور بتغطية سطحية للعيوب ‪ ،‬وتزويق المظاهر ال جدوى من ه ‪ ،‬وال خ ير‬
‫فيه ‪ ،‬وكل ما يحرزه هذا العالج الخادع من رواج بين الناس ‪ ،‬فال قيمة له ‪ ،‬ولن يغير من الحقيق ة‬
‫الكريهة شيئا ‪.‬‬
‫وتحت الثياب الخزي لوكان باديا‬ ‫على وجه مي مسحة من مالحة‬
‫وإن كان لون الماء أبيض صافيا‬ ‫ألـم تـر أن الـمـاء يـكـدر طعـمه‬
‫تـنـبـيـه ‪....‬‬
‫ما ذكر آنف ا ال يع ني أن اإلنس ان ال يهتم بمظه ره ‪ ،‬كال ؛ ألن اإلس الم اهتم بمظه ر اإلنس ان‬
‫ومخبره ‪ ،‬فكما حرص اإلسالم على أن يكون المسلم سليم القلب ‪ ،‬نقي السريرة ‪ ،‬ك ذلك حث على‬
‫جمال المظهر ‪ ،‬وإظهار أثر نعمة هللا على العبد ‪ ،‬ففي الح ديث ال ذي رواه مس لم لم ا سُـئل الن بي‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ‪ ،‬ونعله حس نا " ه ل ي دخل ذل ك في‬
‫الكبر ؟ قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬إن هللا جميل يحب الجمال "‬
‫زين الرجال بها تـُعـز وتـُكر ُم‬ ‫حس ِّْن ثيابك ما استطعت فإنها‬
‫تخشى اإللـه وتـتـقي ما يَحر ُم‬ ‫وجديد ثوبك ال يضر بعـد أن‬
‫ولما جاء رجل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وكان أشعث سيئ الهيئة ‪ ،‬قال له علي ه الص الة‬
‫والسالم ‪ :‬أما لك مال ؟ قال ‪ :‬من كل المال آتاني هللا عزوج ل ‪ ،‬فق ال ل ه علي ه الص الة والس الم ‪:‬‬
‫فإن هللا عزوجل إذا أنعم على عبد نعمة ‪ ،‬أحب أن تـُرى عليه ‪ ،‬والحديث رواه أحمد و الترمذي‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وفي الحديث الحسن قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬تجملوا حتى تكونوا كأنكم ش امة في عي ون‬
‫الناس " رواه أبو داود وأحمد ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن الجوزي رحمه هللا تع الى في ص فة الص فوة ص(‪ : )340|2‬عن عب د المل ك بن‬
‫عبد الحميد الميموني قال ‪ " :‬ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف ثوبا ‪ ،‬وال أشد تعاهدا لنفسه في شاربه‬
‫‪ ،‬وشعر رأسه ‪ ،‬وشعر بدنه ‪ ،‬وال أنقى ثوبا ‪ ،‬وال أشد بياضا من أحمد بن حنبل " ‪.‬‬
‫وبهذا نعلم أن محل الذم هو أن يكون المظهر أجوف ال حقيقة له ‪ ،‬فاهتمام العبد بمظهره على‬
‫حساب مخبره هو المذموم ‪ ،‬ولذا قال أبو العتاهية رحمه هللا تعالى ‪:‬‬
‫الموحش الباطل والحق أنسْ‬ ‫كم من نقي الثوب ذي قلب دنسْ‬
‫أما أن يجمع العبد بين جمال الظاهر والباطن فهذ ا هو المطلوب ؛ ألن فيه تحقيق المقصودين‬
‫‪ ،‬والجمع بين الحسنيين ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫يحـلِـ ْمـِلكْ ِ‬
‫الحـلم الشـين‬ ‫ش ْ‬‫) ) اللي ما ْي ِحـبّـ ِك ْ‬

‫يحلملك = يحلم لك ‪.‬‬ ‫ما يحبكش = ال يحبك ‪.‬‬ ‫اللي = الذي ‪.‬‬
‫هذه عداوة مفرط ة ‪ ،‬حيث لم يكت ف بعداوت ه في ع الم الش هادة ‪ ،‬ح تى تع دى ذل ك إلى ع الم‬
‫المثال في المنام ؛ وذلك أنه لما كانت النفس مفعمة مشبعة به ذه الع داوة س رى ذل ك إلى أن يك ون‬
‫حلما في المنام ‪ ،‬ويساق هذا التعب ير " اللي م ا يحبكش ‪ " ......‬لمن يُختل ق ل ه المش اكل واألم ور‬
‫المشينة ‪ ،‬من جهة الشخص الذي ال يحبه ‪ ،‬وعلى كل حال فالتعبير يش ير إلى م ا يتعل ق ب األحالم‬
‫والرؤى فأقول ‪:‬‬
‫لقد قسم العلماء ما يراه النائم إلى ثالثة أقسام ‪-:‬‬
‫‪ -3‬حديث نفس ‪.‬‬ ‫‪ -2‬حلم ‪.‬‬ ‫‪ -1‬رؤيا ‪.‬‬
‫وهذا التقسيم مأخوذ من قوله عليه الصالة والسالم الصحيح ‪ " :‬الرؤيا ثالث ‪ :‬الحسنة بش رى‬
‫من هللا ‪ ،‬والرؤيا يحدث الرجل بها نفسه ‪ ،‬والرؤيا تحزين من الشيطان" رواه الترمذي ‪.‬‬
‫وفي الحديث اآلخر يقول صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬الرؤيا من هللا ‪ ،‬والحلم من الشيطان " رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫فالرؤيا الصالحة من هللا تعالى ‪ ،‬وهي إما أن تكون مبشرة بخير ‪ ،‬وإما منذرة لمن كان غ افال‬
‫أو غارقا في الذنوب والمعاصي حتى يتوب ‪ ،‬وهذه الرؤيا بشقيها هي التي أخبر عنها النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم أنه ا من المبش رات ‪ ،‬وأنه ا ج زء من س تة وأربعين ج زءا من النب وة كم ا ورد في‬
‫الحديث المتفق عليه ‪ ..... " :‬ورؤيا الم ؤمن ج زء من س تة وأربعين ج زءا من النب وة " ‪ ،‬وقول ه‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ " :‬لم يبق من النبوة إال المبشرات ‪ ،‬ق الوا ‪ :‬وم ا المبش رات ؟ ق ال ‪ :‬الرؤي ا‬
‫الصالحة " رواه البخاري ‪ ،‬وزاد مالك ‪ " :‬يراها الرجل المسلم أو تـُرى له " ‪.‬‬
‫وأما الحلم فهو من الشيطان ‪ ،‬يتالعب بالعب د فيخوف ه ويحزن ه من أش ياء مكروه ة مفزع ة ‪،‬‬
‫تبلبل خواطره ‪ ،‬وترهق نفسه ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫ومن ذل ك أض غاث األحالم أو األحالم الجوف اء ‪ :‬وهي ال تي اليس تطيع الح الم اس تيعاب‬
‫أجزائها ‪ ،‬أو تذكر حوادثها حسب ترتيبها ‪ ،‬وك انت معانيه ا مختلف ة ‪ ،‬التل تئم على األص ول ‪ ،‬فال‬
‫تأويل لها ‪.‬‬
‫وأما حديث النفس فهي تحديث اإلنسان نفسه بم ا يش غله ويهم ه في ح ال يقظت ه كم ا قي ل ‪" :‬‬
‫اللي في قلب أ ِّم ح نين تحلم ب ه في اللي ل " ‪ ،‬فهي خ واطر النفس ‪ ،‬وتطلعاته ا ال تي تص بو إلى‬
‫تحقيقها في واقع الحياة ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫آداب الرؤيا ‪-:‬‬


‫من رأى في منامه رؤيا صالحة فعليه اآلتي ‪:‬‬
‫أال يقصّها على حاسد ؛ لقوله تعالى ‪ " :‬قال يا ب ني ال تقص ص رؤي اك على إخوت ك‬ ‫‪-1‬‬
‫فيكيدوا لك كيدا ‪ " ........‬يوسف (‪. )5‬‬
‫أال يقصّها على جاهل ؛ ألن الرؤيا على جناح طائر ‪ ،‬كيفما عُـبِّرت وقعت ‪ ،‬ول ذلك‬ ‫‪-2‬‬
‫رُوي مرفوعا ‪ " :‬ال تقصص رؤياك إال على حبيب أو لبيب " أي ‪ :‬عاقل ‪.‬‬
‫أال يكذب بزيادة أو نحوها في رؤي اه ؛ لقول ه علي ه الص الة والس الم " من ك ذب في‬ ‫‪-3‬‬
‫حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة " رواه مسلم ‪.‬‬
‫أن يحمد هللا عليها ؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إذا رأى أحدكم رؤيا يحبه ا فإنم ا‬ ‫‪-4‬‬
‫هي من هللا تعالى ‪ ،‬فليحمد هللا عليها " متفق عليه ‪.‬‬
‫وأما آداب الحلم فهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬يتحول عن جنبه الذي كان نائما عليه إلى الجنب اآلخر ؛ لقوله ص لى هللا علي ه وس لم ‪" :‬‬
‫وليتحول عن جنبه الذي كان عليه " رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬يتفل نفثا عن يساره ثالثا ‪ ،‬والنفث نفخ لطيف ال ريق معه ؛ لقوله عليه الصالة والس الم ‪:‬‬
‫" فلينفث عن شماله ثالثا " متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ -3‬يستعيذ باهلل من الشيطان الرجيم ثالثا ‪ ،‬ومن شر هذا الحلم ؛ لقوله عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫" وليستعذ باهلل من الشيطان ثالثا " رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬يقوم ويصلي ؛ لقوله عليه الصالة والسالم ‪ ... " :‬وليقم فليصل " متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ -5‬ال يحدث بها أحدا ؛ فإنها ال تضره ‪ ،‬كما قال عليه الص الة والس الم ‪ " :‬ف إذا رأى أح دكم‬
‫ما يكره فال يحدث به " متفق عليه ‪.‬‬
‫فائ دة ‪ :‬من أحس ن الكتب في ه ذا الش أن " تفس ير األحالم " المنس وب لمحم د بن س يرين‬
‫المتوفى سنة (‪110‬هـ) ‪.‬‬
‫حديث شريف عظيم القدر ‪- :‬‬
‫عن عبد الرحمن بن سمرة قال ‪ :‬خرج علينا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوما ‪ ،‬وكنا في ص فة‬
‫بالمدينة ‪ ،‬فقام علينا فق ال ‪ " :‬إني رأيت البارح ة عجب ا ‪ :‬رأيت رجال من أم تي أت اه مل ك الم وت‬
‫ليقبض روحه ‪ ،‬فجاءه بره بوالديه ‪ ،‬فرد ملك الموت عنه ‪ ،‬ورأيت رجال من أمتي ق د بس ط علي ه‬
‫عذاب القبر ‪ ،‬فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي ق د احتوش ته الش ياطين ‪،‬‬
‫فج اءه ذك ر هللا ع ز وج ل ‪ ،‬فط رد الش يطان عن ه ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي ق د احتوش ته مالئك ة‬
‫العذاب ‪ ،‬فجاءته صالته فاستنقذته من أيديهم ‪ ،‬ورأيت رجال من أمتي يلتهب ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬يلهث‬
‫عطشا ‪ ، -‬كلما دنا من حوض ُمنع وطرد ‪ ،‬فجاءه صيام ش هر رمض ان ‪ ،‬فأس قاه ورواه ‪ ،‬ورأيت‬
‫رجال من أمتي ‪ ،‬ورأيت النبيين جلوسا حلق ا حلق ا ‪ ،‬كلم ا دن ا إلى حلق ة ط رد ‪ ،‬فج اءه غس له من‬
‫الجنابة ‪ ،‬فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي ‪ ،‬ورأيت من أمتي بين يديه ظلم ة ‪ ،‬ومن خلف ه ظلم ة ‪ ،‬وعن‬
‫يمينه ظلمة ‪ ،‬وعن يساره ظلمة ‪ ،‬ومن فوقه ظلمة ‪ ،‬ومن تحته ظلمة ‪ ،‬وه و متح ير فيه ا ‪ ،‬فج اءه‬
‫حجه وعمرت ه ‪ ،‬فاس تخرجاه من الظلم ة ‪ ،‬وأدخاله في الن ور ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي يتقي بي ده‬
‫وهج الن ار وش رره ‪ ،‬فجاءت ه ص دقته ‪ ،‬فص ارت س ترة بين ه وبين الن ار ‪ ،‬وظللت على رأس ه ‪،‬‬
‫ورأيت رجال من أم تي يكلم المؤم نين وال يكلمون ه ‪ ،‬فجاءت ه ص لته لرحم ه فق الت ‪ :‬ي ا معش ر‬
‫المسلمين ‪ ،‬إنه كان وصوال لرحمه فكلموه ‪ ،‬فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم ‪ ،‬ورأيت رجال‬
‫من أمتي قد احتوشته الزبانية ‪ ،‬فجاءه أمره بالمعروف ونهي ه عن المنك ر ‪ ،‬فاس تنقذه من أي ديهم ‪،‬‬
‫وأدخله في مالئكة الرحمة ‪ ،‬ورأيت رجال من أمتي جاثيا على ركبتي ه ‪ ،‬وبين ه وبين هللا حج اب ‪،‬‬
‫فجاءه حس ن خلق ه ‪ ،‬فأخ ذه بي ده ‪ ،‬فأدخل ه على هللا ع ز وج ل ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي ق د ذهبت‬
‫ص حيفته من قِـبل ش ماله ‪ ،‬فج اءه خوف ه من هللا عزوج ل ‪ ،‬فأخ ذ ص حيفته فوض عها في يمين ه ‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ف ميزان ه ‪ ،‬فج اءه أفراطه(‪ )1‬فثـقلوا ميزان ه ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي‬ ‫ورأيت رجال من أم تي خ َّ‬
‫قائما على شفير جهنم ‪ ،‬فجاءه رجاؤه في هللا عز وجل ‪ ،‬فاستنقذه من ذلك ومض ى ‪ ،‬ورأيت رجال‬
‫من أمتي قد أه وى في الن ار ‪ ،‬فجاءت ه دمعت ه ال تي بكى من خش ية هللا ع ز وج ل ‪ ،‬فاس تنقذته من‬
‫ذل ك ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي قائم ا على الص راط يرع د كم ا ترع د الس عفة في ريح عاص ف ‪،‬‬
‫فجاءه حسن ظنه باهلل ع ز وج ل ‪ ،‬فس كن رعدت ه ومض ى ‪ ،‬ورأيت رجال من أم تي يزح ف على‬
‫ي فأقامت ه على قدمي ه وأنقذت ه ‪،‬‬‫الص راط ‪ ،‬ويحب و أحيان ا ‪ ،‬ويتعل ق أحيان ا ‪ ،‬فجاءت ه ص الته عل َّ‬
‫ورأيت رجال من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت األبواب دونه ‪ ،‬فجاءته شهادة أن ال إله هللا ‪،‬‬
‫ففتحت له األبواب ‪ ،‬وأدخلته الجنة " رواه الحاف ظ أب و موس ى الم ديني في كت اب ( ال ترغيب في‬
‫الخصال المنجية والترهيب من الخالل المردية ) ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن جدا ‪.‬‬

‫( اتـق شـر مـن أحـسـنـت إلـيـه )‬


‫هذه العبارة فيها خطأ يجب التنبيه عليه ؛ ألنها تزرع سوء الظن بين المسلمين ‪ ،‬وكأنه يقول ل ك ‪:‬‬
‫إياك أن تحسن إلى أحد ؛ فإن كل من أحسنت إليه سيقلب لك ظهر المجن ‪ ،‬وسيسئ إليك ‪.‬‬
‫نعم من فسدت فطرته ‪ ،‬وخبثت طويته ‪ ،‬فإنه يقاب ل اإلحس ان باإلس اءة ‪ ،‬اليق ر بجمي ل أح د ‪ ،‬وال‬
‫يع رف معروف ا ألح د ؛ ألن االع تراف من طبيع ة األش راف ‪ ،‬وه و حق ير دنىء ‪ ،‬عن الش رف‬
‫بمعزل ‪ ،‬وهذا الصنف شاذ ‪ ،‬والغالب من الناس االعتراف بالجميل ‪ ،‬ومعرفة الخير ألهل ه ‪ ،‬وإذا‬
‫كان العدو إذا أحسنت إليه انقلبت عداوته إلى محبة ل ك وص داقة ‪ ،‬فكي ف بمن لم تكن بين ك وبين ه‬
‫عداوة مسبقة ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه ع داوة كأن ه ولي حميم "‬
‫فصلت (‪. )33‬‬
‫فطالما استعبد اإلنسانَ إحسانُ‬ ‫أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم‬

‫فما عليك أيها الحبيب إال أن تفعل الخير ‪ ،‬ف إن ك ان في أهل ه فهم أهل ه ‪ ،‬وإن ك ان في غ ير أهل ه‬
‫فأنت من أهله ‪.‬‬
‫ال يذهب المعروف بين هللا والناس‬ ‫من يفعل الخير ال يعدم جوازيه‬

‫وال تلتفت إلى من يقول ‪:‬‬


‫يالق كما القى ُمجـير أم عامر‬ ‫ومن يصنع المعروف مع غير أهله‬
‫يجود بمعروف على غير شاكر‬ ‫فقل لذوي المعروف هذا جزاء من‬

‫ألن هذا مخالف لقوله تعالى ‪ " :‬فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " ‪.‬‬
‫عدو وفي أحشائه الضغن كامن‬ ‫وإني أللقى المرء أعلم أنه‬
‫سليما وقد ماتت لديه الضغائن‬ ‫فأمنحه بـشراً فيرجع قلبه‬

‫( ‪)1‬‬
‫‪ -‬أوالده الذين ماتوا قبل البلوغ ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫العقيـــــدة‬

‫‪56‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪57‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( إيمان بحارة )‬
‫هذه الظاهرة نطق بها القران الكريم‪ " :‬وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا هللا مخلصين له ال دين فلم ا‬
‫نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إال كل ختار كف ور " لقم ان اآلي ة (‪ ،)31‬وق د ك ان‬
‫المشركون قديما إذا كانوا في البر وحال الرخاء أشركوا باهلل تعالى فإذا ركبوا في الفلك وأح اطت‬
‫بهم األم واج أخلص وا دينهم هلل تع الى فيجيب هللا دع اءهم ألنهم مض طرون‪ ،‬والمض طر يج اب‬
‫دعاؤه وإن كان كافرا النقطاع األسباب ورجوعه إلى رب األرباب‪ ،‬وفي هذا داللة على أن الخلق‬
‫مفطورون على الرجوع إلى هللا تعالى عند الشدائد‪ ،‬وهللا تعالى ض من إجاب ة المض طر إذا دع اه؛‬
‫ألن الض رورة ينش أ عنه ا االخالص‪ ،‬ولإلخالص عن ده س بحانه موق ع وذم ة‪ ،‬وج د من م ؤمن‬
‫أوكافر‪ ،‬طائع أو فاجر‪ ،‬والمضطر يس تجاب ل ه لموض ع إخالص ه واض طراره‪ ،‬فكرم ه س بحانه‬
‫يقتضي إجابته‪ " :‬أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " النمل اآلية (‪ ،)64‬قال الشوكاني‬
‫رحمه هللا تعالى في تفسيره فتح القدير‪ " :‬فيا عجبا لما حدث في اإلسالم من طوائ ف يعتق دون في‬
‫األموات‪ ،‬فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دع وا األم وات ولم يخلص وا ال دعاء هلل كم ا‬
‫فعله المشركون‪ ،‬كما تواتر ذلك إلينا تواترا يحصل به القطع‪.".....‬‬

‫والذي ينبغي أن يكون اإلنسان مخلصا هلل الدين في الشدة الرخاء‪ ،‬فيكون في الرخاء ش اكرا‪ ،‬وفي‬
‫الضراء صابرا لقوله تعالى‪ " :‬إن في ذلك آليات لكل صبار شكور" لقمان اآلية ( ‪ ،)30‬وقال عليه‬
‫الصالة والسالم‪ " :‬تعرف إلى هللا في الرخاء يعرفك في الش دة " رواه أحم د‪ ،‬وذك ره الن ووي في‬
‫األربعين النووية‪ ،‬وق د ورد في األث ر‪ " :‬أن األعم ال الص الحة ال تي يعمله ا العب د له ا زج ل من‬
‫التسبيح عند العرش‪ ،‬فإذا وقع العبد في شدة ذكرت بصاحبها فنجاه هللا تع الى "‪ ،‬ول ذ ق ال أب وبكر‬
‫الصديق رضي هللا عنه‪ " :‬صنائع المع روف تقي مص ارع الس وء"‪ ،‬وق ال ابن عب اس رض ي هللا‬
‫عنهما " صاحب المعروف اليقع ‪ ،‬فإن وقع وجد متكئا "‪.‬‬

‫( الشرع حكيم )‬
‫هذه عبارة صحيحة س ليمة‪ ،‬وهي ت دل على إجالل مجتمعن ا اللي بي للش ريعة اإلس المية الس محة‪،‬‬
‫فالشرع حكيم بكل ماتعنيه الكلمة‪ ،‬والم راد بالش رع األحك ام الش رعية ال تي ش رعها هللا ورس وله‬
‫صلى هللا علي ه وس لم في الكت اب والس نة‪ ،‬وهللا س بحانه من أس مائه الحكيم ومن ص فاته الحكم ة‪،‬‬
‫ورسوله صلى هللا عليه وسلم الينطق عن الهوى‪ ":‬إن هو إال وحي يوحى " النجم اآلية (‪.)4‬‬

‫والحكمة ‪ :‬وضع الشي في موضعه الالئق به ‪.‬‬

‫واعلم –رحمك هللا‪ -‬أن وراء ك ل حكم من أحك ام الش ريعة حكم ة علمه ا من علمه ا‪ ،‬وجهله ا من‬
‫جهلها‪ ،‬واليخلو حكم من أحكامها من ذلك البتة‪ ،‬ولكن الحكم ة ق د تك ون ظ اهرة ت دركها عقولن ا‪،‬‬
‫وق د تك ون خفي ة‪ ،‬وعقولن ا قاص رة عن إدراك ك ل ِحكم الش رع‪ ،‬ول ذلك ينبغي أن نس لم ب ذلك‪،‬‬
‫واليمكن بحال أن نتوقف عن العمل بأحكام الشريعة بحجة ع دم معرف ة الحكم ة‪ ،‬والمنهج الس وي‬
‫في ذلك هو قوله تعالى‪ " :‬سمعنا وأطعنا " البق رة (‪ ،)284‬وأم ا معرف ة الحكم ة فتزي دنا طمأنين ة‬
‫وانشراحا لتلقي أحكام هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهي أي ( الحكمة ) إذا عرفناها فإن ذلك‬
‫من باب تضافر األدلة كما قال تعالى‪ " :‬هذا ما وعدنا هللا رس وله وص دق هللا ورس وله وم ازادهم‬
‫إال إيمانا وتسليما " االحزاب اآلية (‪.)22‬‬

‫‪58‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫واآلن إليك مثال على بيان حكمة من ِحكمه الكثيرة سبحانه ‪-:‬‬

‫قوله تعالى‪ " :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب لعلكم تتقون " البقرة اآلية (‪.)178‬‬

‫حكمته سبحانه وتعالى متجلية في اآلية الكريمة البليغ ة ق ال الش وكاني‪ " :‬أي لكم في ه ذا‬
‫الحكم الذي شرعه هللا لكم حياة "‪ ،‬وذلك ألن الرجل إذا علم أن ه يقت ل قصاص ا إذا قت ل آخ ر ك ف‬
‫وانزجر عن القتل والوق وع في ه‪ ،‬فيك ون ذل ك بمنزل ة الحي اة للنف وس اإلنس انية‪ ،‬وه ذا الن وع من‬
‫البالغة بليغ‪ ،‬وجنس من الفصاحة رفيع؛ فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة باعتبار م ايؤول‬
‫إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا ابقاء على أنفسهم واستدامة لحياتهم ‪.‬‬

‫وكانت العرب تقول‪ " :‬القتل أنفى للقتل " أي إذا قتل القاتل ف إن ذل ك س بب النتق اء القت ل‬
‫ألنه ردع لغيره عن ارتكاب هذه الجريمة ‪.‬‬

‫وبين اآلية الكريمة وقول العرب كما قال القرطبي رحمه هللا تعالى‪ " :‬وبين الكالمين في الفصاحة‬
‫والج زل ب ون عظيم "‪ ،‬ه ذا من حيث اللف ظ وال تركيب ك ذلك من حيث المع ني والمقص ود ف إن‬
‫العرب جعلوا القتل أنفى للقت ل‪ ،‬بينم ا اآلي ة الكريم ة جعلت القت ل ي ؤول إلى الحي اة‪ ،‬وش تان بين‬
‫الحياة والموت وأين الثري من الثريا ‪.‬‬

‫ومن أحسن الكتب التي تكلمت على ِحكم هللا وأس راره في أحكام ه‪ :‬الموافق ات للش اطبي‪ ،‬وإعالم‬
‫الموقعين البن القيم ‪.‬‬

‫( الشفاعة يا رسول هللا )‬


‫هذه العبارة يستعملها العوام عند ضيق الحال وشدة الكرب‪ ،‬وهي أسلوب اس تغاثه كم ا ه و ظ اهر‬
‫ومعلوم ش رعا أن االس تغاثة فيم ا اليق در علي ه إال هللا ال تك ون إال باهلل تع الى‪ ،‬ف المغفرة ودخ ول‬
‫الجنة والنجاة من النار اليطلب شئ من ذلك إال من هللا تعالى‪ ،‬وك ذلك الش فاعة التطلب إال من هللا‬
‫تعالى؛ ألنه اليملكها غيره سبحانه‪ ،‬ولذلك قال هللا تعالى للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ق ل ال أمل ك‬
‫لنفسي نفعا والضرا " األعراف اآلية (‪ ،)188‬وقال له‪ " :‬قل إني ال أمل ك لكم ض را وال رش دا "‬
‫الجن اآلية (‪.)21‬‬

‫فالصواب‪ :‬أن يستغاث باهلل تعالى في شدة الكرب‪ ،‬وأن تسأل الشفاعة من هللا تع الى فيق ال‪ " :‬اللهم‬
‫شفع ف ّي نبيك عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولذلك لما سأل أبو هريرة النبي ص لى هللا علي ه وس لم‪ " :‬من‬
‫أسعد الناس بشفاعتك يارسول هللا ؟ "‪ ،‬أجابه عليه الصالة والسالم بقول ه‪ " :‬من ق ال ال إل ه إال هللا‬
‫خالصا من قلبه " رواه البخاري‪ ،‬فالتوحيد أعظم سبب تنال به شفاعة النبي صلى هللا علي ه وس لم‪،‬‬
‫كما أن الشرك أعظم أسباب حرمانها‪ ،‬وللشفاعة أنواع وأقسام‪ ،‬ولها أيضا ش روط وبحث مس تقل‪،‬‬
‫من أرادها فعليه بكتب التوحيد والعقيدة كالعقدية الطحاوية لإلمام الطح اوي م ع ش رحها البن أبي‬
‫العز رحم هللا الجميع‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( العاطي حي – هللا كريم )‬


‫هاتان العبارتان تدالن على عمق اإليمان وقوة الرجاء في مجتمعنا‪.‬‬

‫الكلمتان يقولهما أو تقاالن رجاء وتفاؤال لمن حرم شيئا من الرزق أو رأي غ يره في نعم ه ليس ت‬
‫عنده‪ ،‬وهذا من عالج الحسد‪ ،‬فخ زائن هللا مألى‪ ،‬ونعم ه التحص ى وال تع د‪ ،‬وال يوق ف له ا على‬
‫حد‪ ،‬وفي الحديث‪ " :‬يد هللا مألى التغيضها نفقة‪ ،‬سحاء الليل والنهار " أفرأيتم م ا أنف ق ربكم من ذ‬
‫خلق السموات واالرض فإنه لم يغض ما في يمينه " رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وقد قال هللا تعالى‪:‬‬
‫" واسألوا هللا من فضله "‪ ....‬النساء (‪.)32‬‬

‫فاهلل تعالى هو مالك الملك‪ ،‬وهو الذي بيده الخ ير‪ " ،‬ق ل اللهم مال ك المل ك ت ؤتي المل ك من تش آء‬
‫وتنزع المل ك ممن تش آء وتع ز من تش آء وت ذل من تش آء بي دك الخ ير " آل عم ران (‪ ،)26‬وفي‬
‫الحديث القدسي الصحيح‪ " :‬ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنس كم وجنكم ق اموا في ص عيد واح د‬
‫فسألوني فأعطيت كل واح د مس ألته‪ ،‬م ا نقص ذل ك مم ا عن دي إال كم ا ينقص المخي ط إذا أدخ ل‬
‫البحر " رواه مسلم ‪.‬‬

‫كلهم سائل وأنت مجيب *** تلك نعماك مالها من نفاد‬

‫وإياك أن تتوجه بالسؤال إلى غير هللا فيما اليقدر عليه إال هللا تعالى‪ ،‬سواء أك انوا أحي اء أم أموات ا‬
‫قال تعالى‪ " :‬والذين تدعون من دونه م ا يملك ون من قطم ير إن ت دعوهم اليس معوا دع اءكم ول و‬
‫سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بش رككم والينبئ ك مث ل خب ير " ف اطر اآلي ة (‪،)14‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم في الح ديث الص حيح ال ذي رواه الترم ذي‪ " :‬إذا س ألت فاس أل هللا "‪،‬‬
‫وهذا من أساليب الحصر؛ ألنه أس لوب ش رطي‪ ،‬وألن ال دعاء وس ؤال الخ ير عب ادة‪ ،‬والعب ادة ال‬
‫يجوز صرف شيء منها لغير هللا تعالى‪ ،‬ورحمة هللا على القائل‪-:‬‬

‫واللي طلب يطلب هللا *** ويقول ياكريم المعاطي‬


‫والعبــد خـلـيـك مـنـّه *** اليشيعـك وال يـــواطـي‬

‫وافصح منه ‪:‬‬

‫هللا قـل وذر الوجود وما حوى *** إن كنت مــرتـادا بـلـوغ كمــال‬
‫فـالكــــل دون هللا أن حـقـقـتــه *** عـدم عـلى التفصيل واإلجمـال‬
‫واعلم بـأنــك والعـــوالــم كلها *** لواله فـي محو وفي اضمحـالل‬
‫مـن ال وجـود لذاتـه مـن ذاتــه *** فــوجــوده لــواله عـيـن محـال‬
‫والعـالمـون بـربهـم لـم يعرفوا *** شيئا ســوى المتكبـر المتعـالـي‬
‫ورأوا سواه على الحقيقة هالكا *** في الحال والماضي واإلستقبال‬

‫‪60‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫أما سؤال المخلوق فيما يقدر عليه ففيه شي من التفصيل ‪-:‬‬

‫أما في األمور الشرعية فمحمود ومأمور به‪ ،‬لقوله تعالى‪ " :‬فسألوا أهل الذكر إن كنتم التعلمون "‬
‫األنبياء (‪ ،)7‬ولما ورد في الحديث الصحيح عن الن بي ص لى هلل علي ه وس لم في قص ة ال ذي ش ج‬
‫رأسه‪ " :‬قتلوه قتلهم هللا ‪ :‬أال سألو إذ لم يعلموا ! فإنم ا ش فاء العي الس ؤال " رواه أب و داود‪ ،‬وأم ا‬
‫في األمور المادية فإن كان السؤال للغير ب أن يك ون فق يرا أو محتاج ا فه و محم ود أيض ا؛ لقص ة‬
‫القوم الذين قدموا المدينة‪ ،‬وكانوا مجتابي النمار‪ ،‬فقراء محتاجين‪ ،‬فأمر النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫بالصدقة عليهم والحديث أخرجه مسلم ‪.‬‬

‫وأما السؤال في األمور المادية للسائل نفسه فالقاعدة العامة‪-:‬‬

‫التسـألــن بـنـي آدم حــاجـة *** وسـل الـذي أبوابه التحجب‬


‫هللا يغضب إن تركت سؤاله *** وبُني آدم حين يسال يغضب‬

‫فإن كان السؤال عن ضرورة وحاجة فيجوز‪ ،‬وترك ه أولى؛ لقول ه علي ه الص الة والس الم‪ " :‬ألن‬
‫يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه " متفق عليه ‪.‬‬

‫التحسبن الموت موت البلى *** إنما الموت سؤال الرجال‬


‫كــالهـمـا مـــوت ولـكـن ذا *** أخف من ذلك لذل السؤال‬

‫قال لقمان البنه‪ :‬يابني إياك والسؤال؛ فإنه يذهب ماء الحياء من الوجه‪ ،‬وأعظم من ه ذا اس تخفاف‬
‫الناس بك‪.‬‬

‫ما اعتاض باذل وجه بسؤاله *** عوضا ولو نال الغني بسؤال‬
‫وإذا السؤال مع النوال وزنته *** رجح السؤال وخف كل نوال‬

‫وأما إن كان السؤال ليتكثر من المال فال يجوز‪ ،‬وهو حرام وسحت؛ لقوله عليه الص الة والس الم‪:‬‬
‫"من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر " اخرجه مسلم‪.‬‬

‫بلوت النــاس قـرنـا بعد قـرن *** فـلـم أر غـيـر خـتـال وقـال‬
‫ولم أر في الخطوب أشد وقعا *** وأمضي من معاداة الرجال‬
‫وذقت مـرارة األشـيـاء طــرا *** فما شـيء أمـر مـن السؤال‬

‫( عقابها شبر‪ -‬وآخرتها شبر)‬


‫عبارة وعظية إشارة إلى أن نهاية الدنيا قبر ضيق بعده حشر ونشر‪.‬‬
‫صاح هذي قبورنا تمأل الرحـــ***ــب فأين القبور من عهد عاد‬
‫خفف الوطء مـا أظـن أديـم األ *** رض إال مـن هـذه األجســاد‬

‫ثم اعلم يا أخي في هللا أن اإلنسان في حياته كلها يمر بأربعة أعمار ‪-:‬‬

‫‪61‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .1‬عمره وهو جنين في بطن أمه‪ ،‬تسعة أشهر أقل أو أكثر ويليه ‪:‬‬
‫‪ .2‬عمره في الحياه الدنيا‪ ،‬ستون أو سبعون س نة في الغ الب‪ ،‬وق ل من يج وز ذل ك كم ا ثبت‬
‫ذلك في الموطأ عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهذا العمر هو زمن العم ل ال ذي ي ترتب‬
‫عليه الجزاء ‪:‬‬

‫العمر ينقص والذنــوب تـزيـد *** وتقال عثرات الفتى ويعود‬


‫هل يستطيع جحود ذنب واحـد *** رجل جوارحه عليه شهود‬
‫والمرء يسأل عن سنيه فيشهي *** تقليلها وعـن الممات يحيد‬

‫‪ .3‬عمره في البرزخ والقبر‪ ،‬إما في نعيم وإما في جحيم يتناسب مع حياته البرزخية في قبره‬
‫ويليه ‪:‬‬
‫‪ .4‬عمره في دار القرار في الجنة أو النار‪ ،‬وهذا العمر ه و آخ ر األعم ار وه و عم ر أب دي‬
‫سرمدي‪ ،‬حياة بال موت‪ ،‬نسأل هللا أن يجعلنا من أهل جنته بفضله وكرمه سبحانه وتع الى‬
‫آمين ‪.‬‬

‫أعود إلى العبارة الوعظية " عقابه ش بر " وه و العم ر الث الث ف أقول‪ :‬ثبت في الح ديث الص حيح‬
‫الذي رواه اإلمام أحمد في المسند عن البراء ين عازب رض ي هللا عن ه ق ال‪ " :‬خرجن ا م ع الن بي‬
‫صلى هللا عليه وسلم في جنازة رجل من األنصار فانتهينا إلى القبر ولم ا يلح د‪ ،‬فجلس رس ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا حوله وكأن على رؤوس نا الط ير‪ ،‬وفي ي ده ع ود ينكت‬
‫به األرض‪ ،‬فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى األرض‪ ،‬وجعل يرفع بصره ويخفضه ثالثا فق ال‪:‬‬
‫" استعيذوا باهلل من عذاب القبر مرتين أو ثالثا ثم قال‪ " :‬اللهم إني أعوذ بك من عذاب الق بر ثالث ا‬
‫"‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقب ال من اآلخ رة ن زل إلي ه مالئك ة من‬
‫السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس‪ ،‬معهم كفن من أكفان الجنة‪ ،‬وحنوط من حنوط الجن ة‪،‬‬
‫حتى يجلسوا منه مد البصر‪ ،‬ثم يجي ملك الموت عليه السالم حتى يجلس عند رأسه فيق ول‪ :‬أيته ا‬
‫النفس الطيبة ( وفي رواية المطمئنة ) اخ رجي إلى مغف رة من هللا ورض وان‪ ،‬ق ال فتخ رج تس يل‬
‫كما تسيل القطرة من ف ّي السقاء فيأخذها ( وفي رواية حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل مل ك‬
‫بين السماء واألرض وكل ملك في السماء‪ ،‬وفتحت له أبواب السماء‪ ،‬وليس من أهل ب اب إال وهم‬
‫يدعونا هللا أن يعرج بروحه من قبلهم )‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرف ة عين‪ ،‬ح تى يأخ ذوها‬
‫فيجعلوها في ذلك الكفن‪ ،‬وفي ذلك الحن وط ف ذلك قول ه تع الى‪ " :‬توفت ه رس لنا وهم اليفرط ون "‬
‫األنعام (‪.)62‬‬

‫ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه األرض قال‪ :‬فيص عدون به ا فال يم رون يع ني‬
‫بها على مإل من المالئكة إال قالوا‪ :‬ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقول ون فالن بن فالن بأحس ن أس مائه‬
‫التي كانوا يسمونه بها في الدنيا‪ ،‬حتى ينتهوا إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيش يعه من‬
‫كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة‪ ،‬فيقول هللا ع ز وج ل‪:‬‬
‫اكتبوا كتاب عبدي في عليين ( وم ا أدراك م اعليون كت اب مرق وم يش هده المقرب ون) المطففين (‬
‫‪ ،)21-19‬فيكتب كتاب ه في عل يين‪ ،‬ثم يق ال أعي دوه إلى األرض؛ ف إني وع دتهم أني منه ا خلقتهم‬
‫وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى ‪.‬‬

‫قال‪ :‬فيرد إلى األرض‪ ،‬وتعاد روحه إلى جسده‪ ،‬قال‪ :‬فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ول وا عن ه‬
‫مدبرين ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فيأتيه ملكان شديدا االنتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقوالن ل ه‪ :‬من رب ك ؟ فيق ول ربي هللا ‪ ،‬فيق والن‬
‫له‪ :‬مادينك ؟ فيقول ديني االسالم ‪ ،‬فيقوالن له ما هذا الرجل ال ذي بعث فيكم ؟ فيق ول ه و رس ول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيقوالن ل ه‪ :‬وم ا علم ك ؟ فيق ول ق رأت كت اب هللا ف آمنت ب ه وص دقت‪،‬‬
‫فينتهره فيقول‪ :‬من ربك ؟ مادين ك؟ من نبي ك؟ وهي آخ ر فتن ة تع رض على الم ؤمن‪ ،‬ف ذلك حين‬
‫يقول هللا عز وجل‪ " :‬يثبت هللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحي اة ال دنيا وفي اآلخ رة ويض ل هللا‬
‫الظالمين ويفعل هللا مايشاء ) إبراهيم (‪ )29‬فيقول‪ :‬ربي هللا‪ ،‬وديني اإلس الم‪ ،‬ونب يي محم د ص لى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫فينادي مناد من السماء‪ :‬أن صدق عبدي‪ ،‬فأفرشوه من الجنة‪ ،‬وألبسوه من الجنة‪ ،‬وافتح وا ل ه باب ا‬
‫إلى الجنة‪ ،‬قال فيأتيه من روحها وطيبها‪ ،‬ويفسح له في قبره مد بصره‪ ،‬قال‪ :‬ويأتي ه (وفي رواي ة‪:‬‬
‫يمثل له) رجل حسن الوجه‪ ،‬حسن الثياب‪ ،‬طيب الريح فيقول‪ :‬أبشر بالذي يسرك أبشر برض وان‬
‫من هللا وجنات فيها نعيم مقيم‪ ،‬هذا يومك الذي كنت توعد فيقول ل ه‪ :‬وأنت فبش رك هللا ب الخير من‬
‫أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول‪ :‬أنا عملك الصالح‪ ،‬فوهللا ماعلمتك إال س ريعا في طاع ة‬
‫هللا‪ ،‬بطيئا في معصية هللا فجزاك هللا خيرا‪.‬‬

‫ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال ه ذا منزل ك لوعص يت هللا‪ ،‬أب دلك هللا ب ه ه ذا ف إذا‬
‫رأى ما في الجنة قال‪ :‬رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال له‪ :‬اسكن ‪.‬‬

‫قال‪ :‬وإن العبد الكافر (وفي رواية ‪:‬الفاجر) إذا كان في انقطاع من ال دنيا وإقب ال من اآلخ رة ن زل‬
‫إليه من السماء مالئكة غالظ شداد سود الوجوه‪ ،‬معهم المسوح من النار‪ ،‬فيجلسون منه مد البص ر‬
‫ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس الخبيثة اخ رجي إلى س خط من هللا‬
‫وغضب‪ ،‬قال‪ :‬فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الش عب من الص وف المبل ول‪،‬‬
‫فتقطع معها العروق والعصب‪ ،‬فيلعنه كل ملك بين السماء واألرض‪ ،‬وكل ملك في السماء‪ ،‬وتغلق‬
‫أب واب الس ماء‪ ،‬ليس من أه ل ب اب إال وهم ي دعون هللا أال تع رج روح ه من قبلهم‪ ،‬فيأخ ذها ف إذا‬
‫أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين‪ ،‬حتى يجعلها في تلك المسوح‪ ،‬ويخرج منها كأنتن ريح جيف ة‬
‫وجدت على وجه األرض‪ ،‬فيصعدون بها فال يمرون بها على مإل من المالئك ة إال ق الوا‪ :‬م ا ه ذا‬
‫الروح الخبيث ؟ فيقولون فالن بن فالن بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ح تى ينتهي ب ه‬
‫إلى السماء الدنيا فيس تفتح ل ه فال يفتح ل ه‪ ،‬ثم ق رأ رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم‪ " :‬التفتح لهم‬
‫أبواب السماء وال يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " األعراف (‪.)39‬‬

‫فيقول هللا عز وجل‪ :‬اكتبوا كتابه في س جين في األرض الس فلى‪ ،‬ثم يق ال‪ :‬أعي دوا عب دي‬
‫إلى األرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى‪.‬‬

‫فتطرح روحه من السماء طرحا حتى تقع في جسده ثم قرأ‪ " :‬ومن يشرك باهلل فكأنما خ ر‬
‫من السماء فتخطفه الطير أو ته وي ب ه ال ريح في مك ان س حيق " الحج (‪ ،)29‬فتع اد روح ه في‬
‫جسده قال‪ :‬فإنه ليسمع خفق نعال أص حابه إذا ول وا عن ه ويأتي ه ملك ان ش ديدا االنته ار فينتهران ه‬
‫ويجلسانه فيقوالن له‪ :‬من ربك ؟ فيقول هاه هاه ال أدري‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬ما دينك ؟ فيقول هاه هاه هاه‬
‫ال أدري‪ ،‬فيقوالن‪ :‬فما تق ول في ه ذا الرج ل ال ذي بعث فيكم ؟ فال يهت دي ألس مه‪ ،‬فيق ال محم د‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬هاه هاه ال أدري‪ ،‬سمعت الناس يقولون ذاك‪ ،‬قال‪ :‬فيقال ال دريت والتلوت فينادى مناد من‬
‫الس ماء أن ك ذب فافرش وا ل ه من الن ار‪ ،‬وافتح وا ل ه باب ا إلى الن ار فيأتي ه من حره ا وس مومها‪،‬‬
‫ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضالعه ويأتيه ( وفي وراي ة ويمث ل ل ه) رج ل ق بيح الوج ه‪،‬‬
‫قبيح الثياب‪ ،‬منتن الريح فيقول‪ :‬أبشر بالذي يسوءك‪ ،‬ه ذا يوم ك ال ذي كنت توع د‪ ،‬فيق ول‪ :‬وأنت‬
‫‪63‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فبشرك هللا بالشر من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا عملك الخبيث‪ ،‬فوهللا ماعلمتك‬
‫إال بطيئا عن طاعة هللا‪ ،‬سريعا إلى معصية هللا فجزاك هللا شرا‪.‬‬

‫ثم يقيض له أعمى أص م أبكم في ي ده مرزب ة ل و ض رب به ا جب ل ك ان تراب ا‪ ،‬فيض ربه‬


‫ضربة حتى يصير بها ترابا ثم يعيده هللا كما كان‪ ،‬فيضربه ضربة أخرى فيص يح ص يحة يس معه‬
‫كل شيء إال الثقلين ثم يفتح له باب من النار‪ ،‬ويمهد من فرش النار‪ ،‬فيقول رب التقم الساعة "‪.‬‬

‫تنبيه ‪......‬‬

‫هناك عبارة تقال عند دفن الميت أو تأبينه وهي‪ " :‬وصل فالن إلى مثواه األخير "‪ ،‬وهذه‬
‫العبارة الشك في خطئها؛ ألن القبر ليس هو المث وى األخ ير لإلنس ان‪ ،‬وإنم ا ه و مرحل ة له ا م ا‬
‫بعدها‪ ،‬وحلقة في سلسلة‪ ،‬فالقبر بعده القيامة والحياة اآلخرة‪ ،‬والمثوى األخ ير لإلنس ان ه و الجن ة‬
‫أو النار‪ ،‬ولذلك لما سمع أعرابي قوله تعالى‪ " :‬ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " ق ال بفطرت ه "‬
‫ليس الزائر بمقيم‪ " :‬أي أن الميت في المقبرة كالزائر تماما‪ ،‬فهو مرتحل منها والبد ‪.‬‬

‫( العقيدة باب الربح )‬


‫الشك في سالمة هذا التعبير‪ ،‬ولكن بشرط ص حة العقي دة‪ ،‬أي أن تك ون العقي دة س ليمة ص حيحة‪،‬‬
‫وهي التي جاء بها الشرع مما يتعلق بأركان اإليمان الستة‪ ،‬والتوحيد ونحو ذلك‪ ،‬ألن اإليم ان ه و‬
‫أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وأن تؤمن بالقدر خ يره وش ره‪ ،‬حل وه وم ره‪،‬‬
‫كما دل عليه حديث جبريل عليه السالم الصحيح المشهور‪.‬‬

‫وأما التوحيد فينبني على ثالثة أركان اليصح إيمان العبد إال باجتماعها وهي ‪-:‬‬
‫‪.1‬توحيد الربوبية‪ :‬وهو أن توحد هللا في ربوبيته وأنه الخالق المالك المدبر سبحانه ‪.‬‬
‫‪ .2‬توحيد األلوهية‪ :‬وهو أن توحد هللا في العبادة بأن ال تعبد إال هللا تعالى وحده ال شريك له ‪.‬‬
‫‪ .3‬توحيد األسماء والصفات‪ :‬وهو أن هللا تعالى واحد في أسمائه وصفاته‪ ،‬ليس كمثله ش يء وه و‬
‫السميع البصير‪ ،‬فله سبحانه األسماء الحسنى والصفات العلى ‪.‬‬

‫وه ذه األقس ام الثالث ة الب د من اجتماعه ا في العب د ح تى يك ون موح دا حق ا‪ ،‬فالعقي دة‬


‫اإلسالمية هي باب الربح لصاحبها‪ ،‬وإما قول بعضهم‪ " :‬استعقد ول و في رش ادة " أو " ل و اعتق د‬
‫أحدكم في حجر لنفعه "‪ ،‬فهذا هراء اليقبله عقل صريح‪ ،‬وال ذو لب ص حيح‪ ،‬فاإلس الم ماج اء إال‬
‫ليهدم األصنام‪ ،‬ويبطل عبادتها‪ ،‬فالنافع والضار هو هللا تعالى‪ ،‬والعقيدة النافعة االمنجية هي عقي دة‬
‫اإلسالم ال عقيدة األحجار واألصنام‪ ،‬ولذلك أحب أن أنبه على حديث موض ع مك ذوب على الن بي‬
‫صلى هللا عليه وسلم باتفاق المحدثين أال وهو‪ ( :‬إذا أعيتكم األمور فعليكم بأصحاب القبور)‪.‬‬

‫وعلى غرار هذا التعبير (العقيدة باب الربح) جاء ق ولهم‪ " :‬ص احب العقي دة ربح ه في اي ده " أي‬
‫مما يعتقده من عقيدة إسالمية مأخوذة من الكتاب والسنة‪ ،‬على فهم سلف األمة‪ ،‬به ذا يك ون رابح ا‬
‫في الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫صاحب العقيدة تجده منشرح الصدر‪ ،‬هادئ البال‪ ،‬مطمئن القلب‪ ،‬على بينة من أمره‪ ،‬اليع رف‬
‫الشك وال الحيرة‪ ،‬بل هو في راحة قلبية‪ ،‬وسعادة نفسية‪ ،‬ولسانه يقول‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وممـا زادنــي فخــرا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا‬


‫دخولي تحت قولك ياعبادي *** وأن صيرت أحمد لـي نبيا‬

‫وأما فاقد العقيدة فهو في شك وحيرة‪ ،‬وقلق واضطراب‪ ،‬وانظ ر إلى ص احب قص يدة الطالس م إذ‬
‫يقول فيها ؟؟؟؟‬

‫‪65‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الرباعية األولى‪-:‬‬

‫جئت ال أعلم من أين ؟ ولكني أتيت‬


‫ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت‬
‫وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت‬
‫كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي لست أدري !‬

‫الرباعية الثانية ‪-:‬‬

‫أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود؟‬


‫هل أنا حر طليق أم أسير في قيود؟‬
‫هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟‬
‫أتمنى أنني أدري ولكن لست أدري!‬

‫الرباعية الثالثة‪-:‬‬

‫وطريقي ماطريقي أطويل أم قصير ؟‬


‫هل أنا أصعد أم أهبط فيه أم أغور؟‬
‫أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير ؟‬
‫أم كالنا واقف والدهر يجري لست أدري!‬

‫الرباعية الرابعة‪-:‬‬

‫أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويا‬


‫أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيئا ؟‬
‫لست أدري ولماذا لست أدري ؟ لست أدري !‬

‫الرباعية الخامسة‪-:‬‬

‫قد سألت البحر يوما ‪ :‬هل أنا يابحر منكا ؟‬


‫هل صحيح مارواه بعضهم عني وعنكا ؟‬
‫أم ترى ما زعموا زورا وبهتانا وإفكا ؟‬
‫ضحكت أمواجه مني‪ :‬وقالت لست أدري!‬

‫‪66‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الرباعية السادسة‪-:‬‬

‫يا أيها البحر أتدري كم مضت ألف عليكا‬


‫وهل الشاطيء يدري أنه جاث لديكا؟‬
‫وهل األنهار تدري أنها منكا إليكا؟‬
‫ما الذي األمواج قالت حين ثأرت ؟ لست أدري!‬

‫الرباعية السابعة‪-:‬‬

‫إن في صدري يابجر ألسرارا عجابا‬


‫نزل الستر عليها وأنا كنت الحجابا‬
‫ولذا أزداد بعدا كلما ازددت اقترابا‬
‫وتراني كلما أوشكت أدري لست ادري!‬

‫الرباعية الثامنة‪-:‬‬

‫ولقد قلت لنفسي وأنا بين المقابر‬


‫هلي رأيت األمن والراحة إال في المقابر؟‬
‫فأشارت فاذا للدود عيث في المحاجر‬
‫ثم قالت ‪ :‬أيها السائل إني لست ادري!‬
‫ثم قالت أيها السائل إني لست أدري!‬

‫الرباعية التاسعة‪-:‬‬

‫إنني جئت وأمضي وأنا ال أعلم‬


‫أنا لغز وذهابي لمجيئي طلسم‬
‫والذي أوجد هذا الغز لغز مبهم‬
‫التجادل ذا الحجي من قال لست أدري!‬

‫الرباعية العاشرة‪-:‬‬

‫إن يك الموت قصاصا أي ذنب للطهارة ؟‬


‫وإذا كان ثوابا أي فضل للدعارة ؟‬
‫وإذا كان ومافيه جزاء أو خسارة‬
‫فلم األسماء إثم وصالح ؟ لست أدري!‬

‫‪67‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الرباعية الحادية عشرة ‪-:‬‬

‫فيك مثلي أيها الجبار – البحر‪ -‬أصداف ورمل‬


‫إنما أنت بال ظل ولي في األرض ظل‬
‫إنما أنت بال عقل ولي يابحر عقل‬
‫فلماذا ياترى أمضي وتبقى ؟ لست أدري!‬

‫هذا كما سبق كالم فاقد العقيدة‪ ،‬يخبط خب ط عش واء‪ ،‬وي ركب متن عمي اء‪ ،‬ي دل ذل ك على حيرت ه‬
‫واضطرابه وقلقه‪ ،‬وقد أجابه ورد على طالسمه أصحاب العقيدة فقالوا‪:‬‬

‫جواب الرباعية األولى‪-:‬‬

‫جئت دنياي وأدري عن يقين كيف جئت‬


‫جئت دنياي ألمر من هدى اآلي جلوت‬
‫ولقد أبصرت قدامي دليال فاهتديت‬
‫ليت شعري كيف ظل القوم عنه؟ ليت شعري!‬

‫جواب الرباعية الثانية‪-:‬‬

‫ليس سرا ذا خفاء أمر ذياك الوجود‬


‫كل ما في الكون إبداع إلى هللا يقود‬
‫كائنات البر والبحر على الخلق شهود‬
‫ليت شعري كيف ضل القوم رشدا ؟ ليت شعري!‬

‫جواب الرباعية الثالثة‪-:‬‬

‫كل مافي الكون يجري وفق علم من خبير‬


‫وسواء أصعدت أم هبطت أم تغور‬
‫وسواء سرت في الدرب أم الدرب يسير‬
‫أنت رهن بمراد الرب ذا يقين ‪ ..‬ليت شعري!‬

‫جواب الرباعية الرابعة‪-:‬‬

‫قال ربي كن فكنت ثم صرت اليوم حيا‬


‫وقواي مشرعات كيف شئت في يديا‬
‫دمت حراً في اختياري إن عصيا أو رضيا‬
‫عن جلي األمر ضلوا كيف ضلوا ؟ ليت شعري‬

‫جواب الرباعية الخامسة (أ)‪-:‬‬

‫قد سألت البحر يوما‪ :‬أأجيب الناس عنكا ؟‬


‫فأجاب البحر هيا قد سئمت القول إفكا‬
‫‪68‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫أنت مثلي خلق ربي ويفيض الحق منكا‬


‫ليت شعر ي! كم نسوه وهو حق !ليت شعري‬
‫جواب الرباعية الخامسة (ب)‪-:‬‬

‫أنت يابحر شقيق األرض التنفك عنكا‬


‫إنما األجساد أمشاج من الترب ومنكا‬
‫ليس هذا القول بدعا ال وال زورا وإفكا‬
‫إنه الصدق لماذا الشك فيه لست أدري !‬

‫جواب الرباعية السادسة ‪-:‬‬

‫أيها البحر كفانا قولهم زورا عليكا‬


‫هاهو الشاطيء يدري أنه جاث لديكا‬
‫هاهي األنهار أجرتها يد هللا إليكا‬
‫أحسب األمواج قالت حين ثارت ‪ :‬ليت شعري!‬

‫جواب الرباعية السابعة (أ)‪-:‬‬

‫إن في صدري يابحر ألنوارا عجابا‬


‫أشرق اإليمان منها وأنا كنت الرحابا‬
‫ولذا أزداد حبا كلما ازددت اقترابا‬
‫ليت شعري هل أرى األقوام مثلي؟ ليت شعري!‬

‫جواب الرباعية السابعة (ب)‪-:‬‬

‫إن من يرنو بعين القلب يزداد اقترابا‬


‫بينما يسدل الشك على النفس حجابا‬
‫فيظن القفر روضا ويرى الروض يبابا لست أدري!‬

‫جواب الرباعية الثامنة‪-:‬‬

‫قد تأملت طويال وأنا بين المقابر‬


‫كم عظيم وحقير غاب في هذي الحفائر‬
‫كم رؤى عاث بها الدود فغاضت في المحاجر‬
‫إنه العدل وكم من قال لست أدري!‬

‫جواب الرباعية التاسعة‪-:‬‬

‫أنا موجود والشك بأني أعلم‬


‫هل أنا أوجدت ذاتي أم إله منعم ؟‬
‫بعد ذاتي ‪ :‬أنا خلق جديد وقبل ذاتي عدم‬
‫‪69‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫هل تراه ذا حجي من قال أني لست ادري؟‬


‫جواب الرباعية العاشرة‪-:‬‬

‫التظن الموت إفناء لفسق أو طهاره‬


‫إنه منفرج أرواح من دار لداره‬
‫حيث يحيا المرء في ثوب نعيم أو خساره‬
‫هل ينال العفو من يلغو بأني لست ادري ؟‬

‫جواب الرباعية الحادية عشرة‪-:‬‬

‫قد براك هللا مثلي فيك أصداف ورمل‬


‫وبراني هللا من ماء وطين ذاك أصل‬
‫ثم كرمت بعقل وبنفخ الروح أعلو‬
‫من حباه هللا عقال كيف ينسى ؟ ليت شعري!‬

‫ف اللهم أرن ا الح ق حق ا وارزقن ا اتباع ه‪ ،‬وأرن ا الباط ل ب اطال وارزقن ا اجتناب ه‪ ،‬آمين ي ارب‬
‫العالمين‪.......‬‬

‫( على باب هللا – على بابك ياكريم )‬


‫كناية عن التوك ل على هللا واالعتم اد علي ه في قض اء الح وائج‪ ،‬وهي من حكم العام ة النابع ة من‬
‫إيمان وفطرة سليمة ‪.‬‬

‫والتوكل‪ :‬هو االعتماد على هللا –تع الى‪ -‬والثق ة ب ه في جلب المن افع ودف ع المض ار‪ ،‬م ع‬
‫األخذ باألسباب المشروعة‪.‬‬

‫هذا‪ :‬وقد وردت آيات كثيرة وأحاديث وفيرة في التوكل منه ا قول ه تع الى‪ " :‬ومن يتوك ل على هللا‬
‫فهو حسبه " أي ( كافيه ) الطالق اآلية (‪ ،)3‬وقوله‪ " :‬وعلى هللا فليتوكل المؤمن ون " آل عم ران‬
‫اآلية (‪ ،)160‬وأما األحاديث فقوله عليه الصالة والسالم‪ ( :‬ل و أنكم تتوكل ون على هللا ح ق توكل ه‬
‫لرزقكم كما ي رزق الط ير تغ دوا خماص ا وت روح بطان ا ) رواه الترم ذي‪ ،‬وق ال‪ :‬ح ديث حس ن‪،‬‬
‫ومعناه تذهب أول النهار خماصا أي ( ضامرة البطون من الجوع)‪ ،‬وتروح آخر النهار بطانا أي‪:‬‬
‫( ممتلئة البطون)‪.‬‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ " :‬كان آخر قول إبراهيم صلى هللا عليه وس لم حين ألقى في‬
‫النار حسبي هللا ونعم الوكيل " رواه البخاري‪.‬‬

‫فالتوكل عبادة عظيمة‪ ،‬وطاعة هلل جليلة‪ ،‬والمسلم اليرى التوك ل على هللا تع الى في جمي ع أم وره‬
‫واجبا خلقيا فحسب‪ ،‬بل يراه فريضه ديني ة‪ ،‬ويع ده عقي دة إس المية؛ ألن هللا تع الى أم ر ب ه وحث‬
‫عليه‪ ،‬وليس التوك ل مج رد كلم ة تلوكه ا األلس ن والتعيه ا القل وب‪ ،‬وال ه و نب ذ األس باب وت رك‬
‫العم ل‪ ،‬والقن وع والرض ا ب الهوان وال دون تحت ش عار التوك ل على هللا والرض ا بم ا تج ري ب ه‬
‫االقدار ‪ ....‬ال أب دا ب ل التوك ل ج زء من اإليم ان والعقي دة‪ ،‬وه و طاع ة هلل تع الى بإحض ار كاف ة‬

‫‪70‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫األساب المطلوبة ألي عمل من األعمال‪ ،‬فال يطمع في ثمرة دون أن يقدم أسبابها‪ ،‬واليرجو نتيجة‬
‫ما بدون أن يضع مقدماتها‪ ،‬غير أن موضوع إثمار تلك األس باب‪ ،‬وإنت اج تل ك المق دمات يفوض ه‬
‫إلى هللا؛ إذ هو القادر عليه دون سواه‪.‬‬

‫على المرء أن يسعى ويبذل جهده *** ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا‬

‫فالتوكل عند المسلم إذاً هو عمل وأمل مع هدوء القلب وطمأنين ة النفس‪ ،‬واعتق اد ج ازم أن ماش اء‬
‫هللا كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأن هللا اليضيع أجر من أحسن عمال‪.‬‬

‫توكل على هللا فــي األمــر كله *** وال ترغبن في العجز يوما عن الطلب‬
‫ألــم تـــر أن هللا قـــال لمــريـم *** هــزي إليك الجــذع يسـاقـط الـرطــب‬
‫فلو شاء أن تجنيه مـن غيرهزه *** جنته ولكـــن كــــل رزق لــــه سـبـب‬

‫فاألسباب وح دها ليس ت كفيل ة بتحقي ق األغ راض وانج اح المس اعي‪ ،‬واليع ني ه ذا أن نتق اعس‬
‫ونترك األسباب المشروعة إلنجاح األعمال‪ ،‬ال ألن ذلك نقص في العقل وطعن في الحكمة وق دح‬
‫في الدين‪ ،‬والمطل وب األخ ذ باألس باب م ع االعتم اد على رب األس باب‪ ،‬فال يجع ل العب د توكل ه‬
‫عجزا‪ ،‬وال عج زه ت وكال‪ ،‬ف القلب معتم د على هللا مطمئن إلي ه راض بقس مته‪ ،‬والج وارح تباش ر‬
‫األسباب التي شرعها هللا تعالى في حصول الغرض‪ ،‬والتعارض بين األمرين‪.‬‬
‫تنبيه ‪ -:‬بما سبق تعلم أن روح التوكل اإلعتماد على هللا تعالى والثقة به‪ ،‬وعليه نعلم خطأ العبارة‬
‫الشائعة بين كثير من الناس‪ " :‬أنا واثق من نفس ي " أو " عن دي ثق ة في نفس ي " عن دما يري د أن‬
‫يقدم على فعل شيء وإذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يقول في ال دعاء الم أثور‪ " :‬التكل ني إلى‬
‫نفسي طرف ة عين " ح ديث حس ن‪ ،‬رواه الح اكم‪ ،‬فعلى العب د أن يف وض أم ره إلى هللا تع الى وأن‬
‫يجعل يقينه وثقته في هللا تعالى وأن يبرأ من حول ه وقوت ه وثقت ه بنفس ه‪ ،‬ولس ان حال ه يق ول " م ا‬
‫توفيقي إال باهلل " هود اآلية (‪.)88‬‬

‫( على مراد هللا )‬


‫ال تــدبــر لـــك أمــــرا *** فأولوا التدبير هلكي‬
‫وارض عنا إن أحكامنا *** نحن أولى بـك منكا‬

‫هذه العبارة من حكم العامة‪ ،‬ويقصدون به ا الرض ا بقض اء هللا ع ز وج ل في المص ائب خاص ة‪،‬‬
‫كالمرض ونحوه وأعلى من ذلك الشكر‪ ،‬وهو أن يشكر هللا تع الى م انزل ب ه من المص ائب؛ ألن ه‬
‫يعلم أن هللا سبحانه ما أراد به إال خيراً ولما يعلم أن فيها تكفيرا للسيئات‪ ،‬ورفعة الدرجات‪ ،‬وكتابة‬
‫الحسنات‪ ،‬فهي إذا منحة في صورة محنة‪ ،‬وعطية في صورة بلية‪ ،‬ق ال عم ر رض ي هللا عن ه م ا‬
‫أصابتني مصيبة إال ولي فيها ثالث فوائد ‪:‬‬

‫‪ .2‬أنها لم تكن أكبر مما كانت‪.‬‬ ‫‪ .1‬أنها لم تكن في ديني‪.‬‬


‫‪ .3‬أن لي فيها من تكفير السيئات الشيء الكثير‪.‬‬

‫إذا بليت فثق باهلل وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو هللا‬
‫إذا قضى هللا فاستسلم لقدرته *** ما المـري حيلة فيما قضى هللا‬

‫‪71‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫اليـأس يقطع أحيانا بصـاحبه *** التيأسـن فـــإن الصــانــع هللا‬

‫إذا ضاق األمر اتسع‪ ،‬وإذا اشتد الحبل انقطع‪ ،‬وإذا زاد الظالم بدا الفجر وسطع‪ ،‬سنة هللا ماض ية‪،‬‬
‫وحكمته قاضية‪ ،‬فلتكن نفسك راضية‪:‬‬
‫إال خالي البال‬ ‫دع األمور يجري في أعنتها‬
‫يغير هللا من حال إلى حال‬ ‫مابين غمضة عين وانتباهتها‬

‫وأما الفرق بين الصبر على المصيبة الرضا بها‪ ،‬فالص بر حبس النفس عن الج زع‪ ،‬والس خط م ع‬
‫تمنى زوال المصيبة‪ ،‬وأما الرضا فالقلب راض بالمصيبة‪ ،‬وال يتم نى خالف م ا ق دره هللا تع الى‪،‬‬
‫فالراضي ال يتمنى تغير الحال‪ ،‬بل هو راض بحاله وواقعه الذي هو في ه‪ ،‬وأم ا الص ابر فال يفع ل‬
‫شيئا يغضب هللا تعالى من جزع أو تشك أو نحو ذلك‪ ،‬لكنه كم ا س بق يتم نى تغي ير الح ال وزوال‬
‫المصيبة‪.‬‬

‫إذا أتـاك الـدهـر يـومـا بنكبة *** فأفـرغ لها صبرا ووسع لها صدرا‬
‫فإن تصاريف الزمان عجيبه *** فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا‬

‫وفي األثر‪ " :‬اللهم رضني بقضائك ح تى أعلم أن م ا أص ابني لم يكن ليخطئ ني‪ ،‬وم ا أخط أني لم‬
‫يكن يصيبني "‪.‬‬
‫قد ينعم هللا بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي هللا بعض القوم بالنعم‬

‫( اللي يخطأ الشرع يجيه )‬


‫يجيه = يأتيه‪.‬‬ ‫يخطا = يخطيء‪.‬‬ ‫اللي = الذي‪.‬‬

‫هذا التعبير يبين م دى حاج ة الن اس إلى الش رع وأنه ا حاج ة ماس ة‪ ،‬وض رورة حتمي ة‪ ،‬أش د من‬
‫ضرورة الطعام والماء بل والهواء أيضا؛ ألن فقدان ذلك غايت ه هالك ال دنيا‪ ،‬وأم ا فق دان الش رع‬
‫فهالكه هالك أبدي ال سعادة بعده أبدا ‪.‬‬

‫وقد عد أهل العلم اإلعراض عن الشرع ( بحيث اليلتفت إلي ه‪ ،‬وال يتعلم ه‪ ،‬وال يقيم ب ذلك رأس ا )‬
‫من نواقض اإلسالم قال تعالى‪ " :‬والذين كفروا عما أنذروا معرضون " األحقاف (‪.)2‬‬

‫فالمسلم البد له من أن يحتا ج إلى أحكام الشريعة‪ ،‬فمهما أبعد فسيحتاج إلى أم ور الش رع‬
‫وأحكام الدين في عباداته ومعامالته‪ ،‬كما قيل في المثل الدارج ( ياشارب اللبن مرجوع ك للمي ة )‬
‫للمية = للماء ‪ ،‬أي مهما شربت من للبن فلن يغنيك عن الماء ‪.‬‬

‫فاإلنسان في حياته في عبادته ومعاملته في أحواله الشخصية من نكاح وطالق وغ ير ذل ك يحت اج‬
‫إلى شرع هللا تعالى والبد ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( المكتوب على الجبين الزم تشوفه العين)‬


‫تشوفه = تراه‪.‬‬

‫يدل على صحة هذا التعبير ما رواه ال بزار في مس نده عن ابن عم ر رض ي هللا عنهم ا عن الن بي‬
‫صلى هللا عليه وسلم ق ال‪ " :‬إذا خل ق هللا النس مة ق ال مل ك األرح ام أي رب أذك ر أم أن ثى ؟ ق ال‬
‫فيقضي هللا إليه أمره ثم يقول‪ :‬أي رب أشقي أم سعيد؟ فيقض ي هللا إلي ه أم ره ثم يكتب بين عيني ه‬
‫ماهو الق حتى النكبة ينكبها "‪.‬‬

‫وقد ورد هذا الحديث موقوفا من كالم ابن عمر ال من كالم النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫واعلم أن أركان اإليمان ستة اليتم إيمان العبد إال بها‪ ،‬وهي اإليم ان باهلل ومالئكت ه وكتب ه ورس له‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬واإليمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره‪ ،‬كما ثبت ذلك في حديث جبري ل المش هور‬
‫الذي رواه مسلم‪.‬‬

‫واإليمان بالقدر البد منه‪ ،‬وال يقبل هللا إيمان عبد بدونه‪ ،‬ولو أنفق مث ل أح د ذهب ا‪ ،‬اليقبل ه هللا من ه‬
‫حتى يؤمن بالقدر‪ ،‬ومن لم يؤمن به فال إيمان له‪ ،‬وإن مات أدخله هللا النار‪.‬‬

‫فهذا التعبير كما هو ظاهر يدل على اإليمان بالقض اء والق در‪ ،‬والمس لم ي ؤمن بقض اء هللا وق دره‪،‬‬
‫وحكمته ومشيئته‪ ،‬وأنه اليقع شيء في الوجود إال بتقديره س بحانه وأن ه س بحانه ع دل في قض ائه‬
‫وقدره‪ ،‬حكيم في تصرفه وتدبيره‪ ،‬وأنه ما شاء هللا كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن والحول والق وة إال ب ه‬
‫سبحانه ‪.‬‬
‫كل شئ بقضاء وقدر *** والمنايا عبر أي عبر‬

‫ومعنى اإليمان بالقضاء والقدر أن تؤمن بأن هللا تعالى علم مقادير الخالئ ق وكتبه ا عن ده س بحانه‬
‫في اللوح المحفوظ‪ ،‬وأنه جل وعال شاءها بحكمته‪ ،‬وخلقها بقدرت ه‪ ،‬فاإليم ان بالق در الب د في ه من‬
‫أربع مراتب العلم ثم الكتابة ثم المشيئة ثم الخلق‪.‬‬

‫علم كتابة موآلنا مشيئته *** كذاك خلق وإيجاد وتكوين‬

‫واألدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة وف يرة ق ال تع الى " ألم تعلم أن هللا يعلم م ا في الس ماء‬
‫واألرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على هللا يسير " الحج (‪ " ،)68‬وماتشاءون إال أن يش اء هللا إن‬
‫هللا كان عليما حكيما " اإلنسان (‪ " ،)30‬إنا كل شي خلقناه بقدر" القمر (‪.)49‬‬

‫وفي صحيح مسلم عن عبدهللا بن عمرو رض ي هللا عنهم ا عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ق ال‪:‬‬
‫" إن هللا قدر مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات واألرض بخمسين ألف سنة "‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫توهم مردود ‪.....‬‬

‫كثير من الناس يحتجون بالقدر على تقصيرهم في طاع ة هللا تع الى وارتك ابهم للمعاص ي‪ ،‬فال ذي‬
‫اليصلي إذا قيل له‪ :‬لماذا التصلي ؟ قال ‪ :‬لم يقدر هللا‪ ،‬ولو قدر لصليت‪ ،‬والذي فع ل المعص ية إذا‬
‫قيل له‪ :‬اتق هللا لماذا تفعل هذا ؟قال‪ :‬قدر هللا وكتبه‪ ،‬ماذا افعل؟‪.‬‬

‫والشك في أن هذا الكالم باطل مردود‪ ،‬وفساده يغ ني عن إفاس ده وكم ا قي ل ( كلم ة ح ق‬


‫أريد بها باطل )‪ ،‬نعم إن هللا قدر كل شي وكتبه‪ ،‬ولكن العبد مأمور بفعل الطاعة وترك المعص ية‪،‬‬
‫والقدر يحتج به في المصائب كالفقر والمرض‪ ،‬واليحتج به في المع ايب كال ذنوب والمعاص ي أال‬
‫ترى أنك إذا أصابتك مصيبة قلت‪ :‬قدر هللا وما شاء فعل‪ ،‬والتقل ذلك عن د المعص ية‪ ،‬وه ذا ال ذي‬
‫يحتج بالقدر على معصيته ال يقول ذلك عند طلب الرزق‪ ،‬فإذا قيل ل ه‪ :‬اجلس في بيت ك‪ ،‬وم ا ق در‬
‫لك سيأتيك‪ ،‬لماذا تسعى وتأخذ باألسباب ؟ لم يرض بهذا الكالم‪ ،‬فعندئذ يقال له‪ :‬لماذا التفع ل ه ذا‬
‫فيما شرعه هللا تعالى من فعل الطاعة وترك المعصية ؟‪.‬‬

‫والموفق من يقابل المصيبة بالصبر والرضا‪ ،‬والمعصية بالتوبة واالستغفار‪ ،‬والنعمة بالشكر‪.‬‬

‫( مالئكة )‬
‫هذه الكلمة تطلق على الطفل الصغير‪ ،‬كناية عن براءته وطهره‪ ،‬وأنه على الفطرة‪ ،‬لم يتدنس بع د‬
‫بالذنوب‪ ،‬وهذا صحيح من حيث المعني لما ورد عن أبي هريرة رضي هللا عنه ق ال‪ :‬ق ال رس ول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجس انه "‬
‫متفق عليه‪ ،‬وتأمل الحديث فإن النبي صلى هللا علي ه وس لم لم يق ل‪ " :‬ويس لمانه " أي يدخالن ه في‬
‫االسالم كما قال يهودان ه وينص رانه ويمجس انه أي يدخالن ه في المجوس ية؛ ألن المول ود مفط ور‬
‫على اإلسالم‪ ،‬ومولود عليه‪ ،‬فإذاً هو تحصيل حاصل كما يقال‪ ،‬وقد فسر أب وهريرة ( وه و راوي‬
‫الحديث ) الفطرة باإلسالم‪ ،‬كما أنه قول عام ة الس لف‪ ،‬ف المولود على الميث اق األول‪ " :‬وإذا أخ ذ‬
‫ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألس ت ب ربكم ق الوا بلى " األع راف‬
‫اآلية (‪.)172‬‬

‫فهو مهي أ ومس تعد لقب ول اإلس الم التفص يلي ال ذي ج اءت ب ه الرس ل بع د أن ك ان مفط ورا على‬
‫اإلسالم اإلجمالي‪ ،‬فإذا سلم من شياطين اإلنس والجن كان ذلك نورا على نور‪ ،‬نور اإلس الم على‬
‫نور الفطرة‪ ،‬ولذلك في الحديث القدسي الصحيح الذي أخرجه مسلم قال رسول هللا صلى هللا علي ه‬
‫وسلم‪ :‬قال هللا تعالى‪ " :‬وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم‪ ،‬وإنهم أتتهم الشياطين فاجت التهم عن دينهم‬
‫وحرمت عليهم ما أحللت لهم ‪.".....‬‬

‫( وحق اللي في صدرك )‬


‫اللي = الذي‪.‬‬

‫المراد بهذا التعبير الحلف بما يحفظه اإلنسان من كتاب هللا ( القرآن الكريم )؛ ألن القرآن محف وظ‬
‫في السطور والصدور‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك فإن ه ذا التعب ير ص حيح الغب ار علي ه؛ ألن ه حل ف‬
‫بكالم هللا والحلف بكالم هللا جائز؛ ألنه صفة من صفاته‪ ،‬والحلف بصفات هللا يجوز شرعا‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( ياشمس ياشموسه *** يـاعـوينة العـروسـة‬


‫خـوذي ســن حمار *** واعطيني سن غزال)‬

‫هذه العبارات طالما سمعناها ونحن صغار‪ ،‬فإذا سقطت س ن أح دهم أخ ذها واس تقبل به ا الش مس‬
‫وقال هذه العبارات‪ ( :‬ياشمس ‪.)......‬‬

‫وأما المآخذ على هذه العبارات فما ياتي ‪-:‬‬

‫‪ .1‬أن هذا الفعل من عادات العرب في ج اهليتهم قب ل االس الم كم ا ق ال األبش يهي في كتاب ه‬
‫(المستطرف) الجزء الثاني تحت باب ( في أخبار العرب في الجاهلية‪ )......‬ق ال‪ " :‬وأم ا‬
‫رمى الس ن فك انوا أي الع رب يزعم ون أن الغالم إذا ثغ ر ف رمى س نه في عين الش مس‬
‫بسبابته وإبهامه وقال‪ :‬أبدليني بأحسن منها فإنه يأمن على أسنانه العوج والفلج " اهـ‪ ،‬فدل‬
‫ق ول األبش يهي رحم ه هللا تع الى على أن ه ذا الفع ل من ض الل الع رب وش ركهم في‬
‫الجاهلية قبل اإلسالم‪ ،‬ويؤيد ذلك أن في هذه العبارات نداء ودع اء غ ير هللا تع الى وذل ك‬
‫بقول‪ ( :‬يا ‪ ).....‬التي للنداء والدعاء‪ ،‬ومعلوم عند كل مس لم أن ه ال يج وز دع اء غ ير هللا‬
‫تعالى؛ ألنه عبادة‪ ،‬والعبادة خاصة باهلل تعالى أيضا‪ ،‬يؤيده قولهم‪( :‬واعطيني سن غزال)‬
‫كما هو ظاهر؛ ألن المانع والمعطي هو هللا تعالى وحده الشريك له‪ ،‬فهو سبحانه الرازق‪،‬‬
‫وهو مالك الك ون وم ا في ه‪ ،‬ال ذي يخل ق وي رزق ويعطي ويمن ع‪ ،‬فال إل ه غ يره وال رب‬
‫سواه‪.‬‬
‫‪ .2‬في هذه العبارات تحقير وإهانة لإلنسان‪ ،‬حيث أنه وصف نفسه بالحمار كما في قوله‪:‬‬
‫( خوذي سن حمار )‪ ،‬وهذا مخ الف لقول ه تع الى‪ ( :‬ولق د كرمن ا ب ني آدم وحملن اهم في ال بر‬
‫والبح ر ورزقن اهم من الطيب ات وفض لناهم على كث ير ممن خلقن ا تفض يال ) اإلس راء (‪)70‬‬
‫فاإلنس ان مك رم‪ ،‬وق د أس جد هللا المالئك ة آلدم تكريم ا‪ ،‬ففي ب ني آدم الرس ل واألنبي اء‪،‬‬
‫والصديقون والشهداء‪ ،‬والصالحون والعلماء‪ ،‬فكيف يتفق ذل ك م ع العب ارات الس ابقة‪ ،‬وبه ذه‬
‫اآلي ة يت بين أن ق ول األب البن ه إذا أراد توبيخ ه‪ " :‬ياحم ار ‪ ....‬ي اكلب ‪ ....‬ي اقرد " أن ذل ك‬
‫اليجوز‪.‬‬

‫طرفة‪....‬‬

‫يحكى أن أحد اآلباء كان يوبخ ابنه ويقول له‪ :‬لماذا فعلت كذا ياجحش ؟ لماذا لم تفعل ك ذا‬
‫ي اجحش ؟ وذات ي وم رد االبن على أبي ه بع دما وبخ ه ق ائال‪ :‬الزلت جحش ا ي ا أبي ألم أك بر بع ُد‬
‫وأصبح حمارا مثلك ؟!‪.‬‬

‫كما سبق أن قول‪ " :‬ياشمس ‪ :" ...‬دعاء غير هللا تعالى‪ ،‬والدعاء عبادة‪ ،‬ومما يدل على أن الدعاء‬
‫عبادة قوله صلى هللا عليه وس لم‪ " :‬إن ال دعاء ه و العب ادة " رواه أه ل الس نن األربع ة وص ححه‬
‫الترم ذي‪ ،‬وقول ه تع الى‪ " :‬وق ال ربكم ادع وني أس تجب لكم إن ال ذين يس تكبرون عن عب ادتي‬
‫سيدخلون جهنم داخرين " غافر (‪ ،)60‬فقوله تعالى‪ " :‬عن عب ادتي أي عن دع ائي‪ ،‬ألن ه ق ال في‬
‫صدر اآلية " ادعوني" ثم قال بعدها " عن عبادتي " فدل ذلك على أن الدعاء هو العبادة‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( يالطيف الطف )‬
‫عبارة كثيرة اإلستعمال‪ ،‬والسيما عند الشدة والكرب‪ ،‬وهي جملة دعائية واستغاثة باهلل تعالى؛ ألن‬
‫اللطيف اسم من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬وقد أم ر هللا تع الى بدعائ ه بأس مائه الحس نى‪ " :‬وهلل األس ماء‬
‫الحسنى فادعوه بها " األعراف (‪ ،)180‬وفي هذه العبارة مناس بة ظ اهرة بين االس م " اللطي ف "‬
‫والفعل " الطف "‪ ،‬فبما أنه سبحانه لطيف بعباده فمقتض ى ذل ك أن ي دعى بم ا يناس ب ه ذا االس م‬
‫وهو ( اللطف)‪ ،‬فيقال " الطف بنا " كم ا تق ول " ي ارزاق ارزق ني ‪ -‬ي ارحيم ارحم ني "‪ ،‬وهك ذا‬
‫فليس من الحكمة في شيء أن تقول مثال‪ " :‬ياجبار ارحمني ‪ -‬ياقهار ارزق ني "؛ ألن ه ليس هن اك‬
‫مناسبة تربط بين االسم والشي المطلوب وهو‪ " :‬الرزق والرحمة "‪.‬‬

‫ووضع الندى في موضع السيف بالعال *** مضر كوضع السيف في موضع الندى‬

‫وكما سبق أن هذا دعاء واستغاثه باهلل تعالى‪ ،‬والدعاء واالستغاثة عبادة‪ ،‬والعبادة ال يجوز ص رف‬
‫شيء منها لغير هللا تعالى‪ ،‬وعليه نعلم خطأ من يستغيث بغير هللا تعالى في الشدائد والك روب ق ال‬
‫تعالى‪ " :‬وال تدعوا من دون هللا ماال ينفعك وال يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين " يونس (‬
‫‪ ،)106‬ومن تعابير العامة الصحيحة قولهم‪ " :‬الشدة في هللا " أي التمس ك واللج وء الى هللا وح ده‬
‫ال شريك له ‪.‬‬
‫واللي طلب يطلب هللا *** ويقول ياكريم المعاطي‬
‫والعــبــد خليـك مـنـّه *** اليشيعـك وال يــواطـي‬
‫تنبيه ‪.....‬‬
‫جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره قوله عليه الصالة والس الم‪ " :‬إن هلل‬
‫تسعة وتسعين اسما مائة إال واحدا من أحصاها دخل الجنة "‪.‬‬

‫اعلم ‪-‬رحم ك هللا‪ -‬أن ه لم يص ح عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم تع يين ه ذه األس ماء‪ ،‬والح ديث‬
‫المروي عنه في تعيينها ضعيف كما نص على ذلك جماعة من الحفاظ منهم الحافظ ابن حجر‪،‬‬
‫وقال الحافظ ابن كثير‪ ( :‬وال ذي ع ول علي ه جماع ة من الحاف ظ أن س رد األس ماء م درج)‪ ،‬ف إذا‬
‫الحديث في صدره إلى قوله عليه الصالة والسالم‪ ...." :‬من أحصاها دخل الجنة " صحيح الغبار‬
‫عليه‪ ،‬وأما سرد األسماء في آخر الحديث فلم يثبت ذلك عنه عليه الصالة والسالم‪ ،‬ب ل ه و م درج‬
‫من اجتهاد بعض الرواة‪.‬‬

‫قصة معاصرة تدل على لطف هللا بعباده ( وربي بمن يلجأ إليه لطيف )‪...‬‬

‫كان في بعض البالد مريض في أحد البيوت‪ ،‬وكان في حالة حرج ة‪ ،‬واللي ل مت أخر‪ ،‬ف إذا ب البيت‬
‫يطرق‪ ،‬فلما فتح الباب إذا بالطبيب فدخل وعالج المريض وكتب وص فة ال دواء‪ ،‬فلم ا انتهى طلب‬
‫أجره عمله فقال له صاحب البيت‪ :‬ليس عندي مال أدفعه لك‪ ،‬فقال له الطبيب‪ :‬أم ا تس تحي تتص ل‬
‫بي ثم بعد ذلك تقول‪ :‬ليس عندي م ال‪ ،‬فق ال‪ :‬وهللا ي ادكتور م ا اتص لت ب ك‪ ،‬وليس عن دي ه اتف‬
‫أصال‪ ،‬فتبين أن أح د الج يران ك ان عن ده م ريض‪ ،‬وه و ال ذي اتص ل ب الطبيب‪ ،‬فأخط أ الط بيب‬
‫الطريق فجاء إلى هذا الفقير رحمة من هللا تعالى‪ ،‬فما كان من الطبيب إال أن قدر الموقف وتن ازل‬
‫عن حقه‪.‬‬

‫والتجزع إذا ضاقت أمور *** فكم هلل من لطف خفي‬

‫‪76‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫واعلم أن الش دائد تفتح األس ماع واألبص ار‪ ،‬وتش خذ األفك ار‪ ،‬وتجلب االعتب ار‪ ،‬وتعلم التحم ل‬
‫واالصطبار‪ ،‬وهي أي الشدائد تذيب الخطايا‪ ،‬وتعظم العطايا‪ ،‬وهي لألجر مطايا‪.‬‬

‫ولقد أحسن القائل ‪-:‬‬

‫إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصدر الرحيب‬
‫وأوطنت المكــارة واطمـأنـت *** وأرست فـي مكانتها الخطـوب‬
‫ولـم تر النكشاف الضر وجها *** وال أغـــنــى بحيلته األريـــب‬
‫ُّ‬
‫يـمـن بــه اللطيـف المستجيـب‬ ‫أتــاك على قنوط منك غــوث ***‬
‫وكــل الحـادثـات إذا تنـاهــت *** فمـوصـول ال الفــرج القـريـب‬

‫وانظر كتاب ( الفرج بعد الشدة ) للتنوخي؛ فإن فيه خيراً كثيراً‪.‬‬

‫( تــســتــور )‬
‫قبل التعليق على هذا التعبير الدارج على ألسنة كثير من الناس‪ ،‬أري د أن أق دم بمقدم ة يتض ح به ا‬
‫المقال وال يلتبس بها الحال فأقول ‪:‬‬
‫هذه العبارة متعلقة عند الناس بأولياء هللا ‪ ,‬ومن عقيدة أهل السنة والجماعة اإليم ان ب أن هلل تع الى‬
‫من عباده أولياء صالحين ‪ ،‬استخلصهم لعبادته ‪ ,‬واستعملهم في طاعت ه ‪ ،‬وشـرّفهم بمحبت ه ‪ ,‬فه و‬
‫وليهم يحبهم ويق ربهم ‪ ,‬وهم أولي اؤه يحبون ه ويعظمون ه ‪ ,‬وهم أه ل اإليم ان والتق وى ‪ ,‬فمن ك ان‬
‫مؤمنا تقيا ‪ ،‬كان هلل وليا ‪ ,‬غير أنهم يتفاوتون في درجة واليتهم ‪ ,‬وذلك بحس ب إيم انهم وتق واهم ‪,‬‬
‫قال تعالى ‪ ":‬أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون " يونس (‬
‫‪.)62‬‬
‫فس ادات األولي اء هم الص حابة رض ي هللا عنهم بع د األنبي اء عليهم الص الة والس الم ‪ ,‬وأن م ا‬
‫يجري ه هللا تع الى على أي ديهم من كرام ات ‪ :‬كع دم االح تراق بالن ار ‪ ،‬وتس بيح الطع ام هي ثابت ة‬
‫وحق ‪.‬‬
‫ومن نفاها فانبذن كالمه‬ ‫وأثـبتن لألوليا الكرامه‬
‫وأنه يجب محبة هؤالء األولياء ونصرتهم وتوليهم ‪ ,‬واعتبار ذل ك قرب ة إلى هللا تع الى‪ ,‬ق ال علي ه‬
‫الصالة والسالم فيما يرويه عن ربه عز وجل ‪ ":‬من عادى لي ولي ا فق د آذنت ه ب الحرب‪"...........‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬
‫وفي المقابل ‪ ،‬ليعلم المسلم بأن للشيطان من الناس أولياء ‪ ،‬استحوذ عليهم فأنساهم ذكر هللا ‪ ,‬س وّل‬
‫لهم الشر ‪ ،‬وأملى لهم الباطل ‪ ،‬فأصمهم وأعمى أبصارهم عن رؤية الحق وسماعه ‪ ,‬فهم ألوام ره‬
‫مطيعون ‪ ،‬فك انوا ض د أولي اء هللا وحرب ا عليهم ‪ ,‬وظه رت على أي ديهم خ وارق ‪ :‬ك الطيران في‬
‫اله واء ‪ ،‬والمش ي على الم اء ‪ ,‬وليس ذل ك إال اس تدراجا من هللا لهم أو عون ا من الش يطان لمن‬
‫وااله ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم‪ "..........‬األنعام (‪.)122‬‬
‫وأما الفرق بين كرامة أولياء هللا الربانية وبين األحوال الشيطانية ‪ ,‬فإن ه يظه ر في س لوك العب د‬
‫وحاله ‪ ,‬فإن كان من ذوي اإليمان والتقوى ‪ ،‬المتمس كين بش ريعة هللا تع الى ظ اهرا وباطن ا ‪ ،‬فم ا‬
‫يجري على يديه من خارقة فهوكرامة من هللا تعالى له ‪ ,‬وإن كان من ذوي ال ُخبث والشر ‪ ،‬والبع د‬
‫عن التق وى ‪ ,‬المنغمس ين في المعاص ي ‪ ،‬فم ا يج ري على يدي ه من خارق ة إنم ا ه و من جنس‬

‫‪77‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫االستدراج أو هو عون من الشيطان له‪ ,‬قال بعضهم‪ ":‬لو رأيتم الرجل يطير في اله واء ‪ ،‬ويمش ي‬
‫على الماء ‪ ،‬فال تغتروا به ‪ ،‬حتى تنظروا كيف وقوفه عند األوامر والنواهي ؟ " ‪.‬‬
‫ومن أحسن الكتب التي تبين هذا األمر كت اب ‪ " :‬الفرق ان بين أولي اء ال رحمن وأولي اء الش يطان"‬
‫للشيخ أحمد بن عبد الحليم رحمه هللا تعالى ‪.‬‬
‫وإلى هنا فهذا قدر متفق عليه ‪ ،‬ومن خالف فمعركته في غير مي دان ‪ ،‬وزوبعت ه في فنج ان ‪ ،‬ول ه‬
‫تقول العرب ‪َ " :‬كـ َد ْمـتَ غَـي َْر َمـ ْكـدَم "‬
‫وعليه ‪ :‬فأعود إلى التعبير " تستور " فأقول ‪:‬‬
‫وأنظرنا نخبرك اليقينا‬ ‫أبا هند فال تعجل علينا‬
‫إن هذه الكلمة ‪ -‬تستور‪ -‬دارج ة على ألس نة كث ير من الن اس ‪ ،‬وتالح ظ أن مبعث ه ذه الكلمة ه و‬
‫الخوف ( خوف السر) من المخلوق الذي ال يملك لنفسه نفعا وال ضرا فضال عن غيره ‪ ،‬وخ وف‬
‫السر هذا ال يج وز ص رفه لغيرهللا عزوج ل؛ ألن ه خ وف عن طري ق الت أثير دون أس باب حس ية‬
‫ظاهرة ‪ ،‬فهو خوف تعبدى ‪.‬‬
‫إن معنى هذه الكلمة ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أن قائلها يطلب الستر من ال ذي دع اه واس تغاث ب ه ‪ ,‬فقول ه ‪" :‬‬
‫تستور ياسيدي فالن " أي ‪ :‬سترك عل ّي ‪ ,‬وهذا خطأ ظ اهر‪ ،‬فاهلل وح ده ه و الس تير‪ ،‬ال ذى يس تر‬
‫على العباد كما ورد بذلك الحديث الصحيح ال ذي رواه أحم د وأب و داود والنس ائي من قول ه علي ه‬
‫الصالة والسالم ‪ " :‬إن هللا حيي حليم ستير ‪ ،‬يحب الحياء والس تر " ‪ ,‬فهي دع اء واس تغاثة بميت‬
‫أو حى ال يملك لداعيه ضرا وال رشدا ‪ ,‬قال تعالى‪ " :‬إن ال ذين ت دعون من دون هللا عب اد أمث الكم‬
‫فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين "األع راف اآلي ة(‪ .)194‬وق ال أيض ا‪ " :‬إن ت دعوهم ال‬
‫يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم وال ينبئك مث ل خب ير "‬
‫فاطر اآلية(‪ ، )14‬وقال أيضا ‪ " :‬وإذا حش ر الن اس ك انوا لهم أع داء وك انوا بعب ادتهم ك افرين "‬
‫األحقاف ( ‪. ) 5‬‬
‫إن اإلسالم ما جاء إال ليحرر العقول من هذه الخرافات ‪ ,‬ما جاء إال ليعبّد الناس هلل وحده ال شريك‬
‫له ‪ ،‬فهو المرجو وهو المخوف ‪ ،‬وهو الذي بيده كل شيء ‪ ،‬فاليجوز أن يصرف ش ئ من العب ادة‬
‫لغير هللا تعالى‪ ,‬فالرغبة والرهبة والخوف والرجاء والدعاء واالس تغاثة وال ذبح والن ذر والحل ف‬
‫والطواف وطلب المدد ‪ .....‬كلها عبادات ‪ ،‬اليجوز صرفها إال هلل تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫) ) ديـر عـمـلـتـك ْوقـول يا بو عـجـيـلـة‬


‫يا بو = يا أبا ‪.‬‬ ‫قول = قل ‪.‬‬ ‫دير = اعمل ‪.‬‬
‫أقول ‪ " :‬ال تعملها ‪ ,‬وإن ‪ ......‬فقل يا هللا " ‪ ،‬ورحمة هللا على القائل ‪:‬‬

‫ويقول يا كريم المعاطي‬ ‫واللي طلبْ يطلبْ ْ‬


‫هللا‬
‫ال يـشيعـك وال يـواطي‬ ‫والـعـبـد خـلـيـك منـ ّ ْه‬

‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫يا من إلـيه المـشـتـكى والمفزع‬ ‫يا من يُــرجَّــى لـلــشـدائــد كـلـهـا‬
‫أنــت الــمـعـ ُّد لـكـل مـا يُـتـوقع‬ ‫يا من يرى ما في الضمير ويسمع‬
‫ي بـاب أقـرع‬ ‫فـلـئـن رددت فـأ َّ‬ ‫ما لي سـوى فـقـري إلـيك وسـيـلة‬
‫إن كان غوثك عن فقيرك يُمنع‬ ‫ومن الـذي أدعـو وأهـتـف باسـمه‬
‫الفضل أجزل والمواهب أوسع‬ ‫حاشـا لمجـدك أن تخــيّـب داعـيـا‬

‫‪78‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ظاهر من هذا التعبير"‪ ........‬يا بوعجيلة " أن ه ذا دع اء من مك روب ‪ ,‬وهي اس تغاثة ؛ ألن‬
‫فيها طلب الغوث وإزالة الشدة ‪.‬‬
‫ومن ِحـكم العامة في هذا الشأن ق ولهم ‪ ":‬الش دة في هللا " أي ‪ُ :‬شـ ّد ي ديك باهلل س بحانه ‪ ,‬فه و‬
‫الركن الشديد جل وعال‬
‫فـإنه الركـن إن خانتـك أركـانُ‬ ‫فالزم يديك بحبل هللا معتصما‬
‫وما أروع قول القائل على وجازته ‪:‬‬
‫أعني سبيل الحق واإليمان‬ ‫فلواحد كن واحدا في واحد‬
‫أي ‪ :‬كن هلل مخلصا مو ِّحدا له في عبادتك ‪ ,‬متبعا في ذلك النبي ص لى هللا علي ه وس لم ‪ ,‬وه ذا‬
‫معنى الشهادتين" ال إله إال هللا محمد رسول هللا " ‪.‬‬
‫أعود فأقول ‪ :‬إن الدعاء واالستغاثة عبادة ‪ ,‬والعبادة حق خ الص هلل تع الى ‪ ,‬اليج وز ص رفها‬
‫لغيره سبحانه ‪ ,‬ولذلك فإن النبي صلى هللا عليه وسلم قد رُوي عنه أنه ق ال ‪ " :‬إن ه ال يس تغاث بي‬
‫وإنما يستغاث باهلل " رواه االطبراني ‪ ,‬هذا الن بي ص لى هللا علي ه وس لم أفض ل الخل ق فكي ف بمن‬
‫دونه !؟ قال تع الى ‪ " :‬أمن يجيب المض طر إذا دع اه ويكش ف الس وء‪ ".........‬النم ل(‪ ، )64‬وإذا‬
‫كان من المعلوم من الدين بالضرورة أن األمور كلها بي ده س بحانه ‪ ،‬وأن ه ه و الم انع والمعطي ‪،‬‬
‫والمح يي والمميت ‪ ،‬والق ابض والباس ط ‪ ،‬وأن ه م ا ش اء هللا ك ان ‪ ،‬وم ا لم يش أ لم يكن ‪ ،‬فكي ف‬
‫يُستغاث ويُـدعى غيره سبحانه !؟ " وال تدع من دون هللا ما ال ينفعك وال يضرك ف إن فعلت فإن ك‬
‫إذاً من الظالمين وإن يمسسك ‪ "...................‬يونس(‪. )107 – 106‬‬
‫إذا احتـاج النهار إلى دلـيـل‬ ‫وليس يصح في األذهان شئ‬

‫ثم اعلم ‪ -‬رحمك هللا ‪ -‬أن أهل العلم قسموا االستغاثة إلى قسمين‪- :‬‬
‫‪ – 1‬استغاثة في األسباب الظاهرة العادية واألمور الحسية كقتال أو إدراك سبع أو عدو ونحو‬
‫ذل ك ‪ ،‬فه ذه ج ائزة كم ا ق ال تع الى ‪ " :‬فاس تغاثه ال ذي من ش يعته على ال ذي من ع دوه‪".......‬‬
‫القصص (‪. )14‬‬
‫‪ – 2‬استغاثة في األمور المعنوية بقوة التأثير ‪ ،‬دون أسباب ظاهرة محسوسة ‪ ،‬ك دفع م رض‬
‫أو نجاة من ش دة ‪ ،‬وغ وث من كرب ة ‪ ,‬فه ذه من خص ائص هللا تع الى التـُـطلب من غ يره ‪ ,‬ومن‬
‫طلبها من غيره فقد وقع في الشرك والعياذ باهلل تعالى ‪ ,‬ولذلك ذم هللا تع الى من طلبه ا من غ يره ‪,‬‬
‫ووصفه بأنه ال أضل من هذا الص نف ‪ ,‬ق ال تع الى‪ " :‬ومن أض ل ممن ي دعوا من دون هللا من ال‬
‫يستجيب له‪".........‬األحقاف (‪ ، )4‬وإذا كان األمر ك ذلك ‪ -‬وه و ك ذلك ‪ -‬فق د وض ح النه ار ل ذي‬
‫عين ‪ ,‬وتبيّن الرشد من غير غين ‪ ،‬وعليه فإن االستغاثة الواردة في التعبير المذكور آنفا من القسم‬
‫الثاني‪ ,‬اليختلف في ذلك اثنان ‪ ،‬وال ينتطح فيها عنزان ‪.‬‬
‫فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي‬ ‫فـمن بغى مـطلبا من غـير خالـقه‬
‫وانظر إلى كتاب ( الغلو في الدين ) للشيخ الصادق الغرياني ‪ ،‬ففيه مباحث مفيدة ‪ ،‬تتعلق باألولياء‬
‫وكراماتهم ‪ ،‬و التنبيه على األخطاء الحاصلة من الناس تجاه ذل ك ‪ ،‬فيحس ن الرج وع إلى الكت اب‬
‫المذكور ‪ ،‬وهللا الموفق ‪.‬‬

‫سـاد )‬
‫( يـمـوت الـنـِّـشـَّـاد و ْيـنـُوض الـو َّ‬
‫الوساد = المريض ‪.‬‬ ‫ينوض = يقوم ‪.‬‬ ‫النشاد = زائر المريض ‪.‬‬

‫ولقد يسقط السليم دفينا‬ ‫ولقد ينهض العليل سليما‬

‫‪79‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫هذا من عجائب القدر ‪ ،‬أن المريض يقوم من مرض ه ص حيحا مع افى ‪ ،‬بع د أن أش رف على‬
‫الموت ؛ ألن الحمى بريد الموت ‪ ،‬وأن زائ ر الم ريض الص حيح الس ليم يم وت ‪ ،‬بع د أن ك ان ذا‬
‫بعيدا عن البال ‪ ،‬ولذا يُحكى أن طبيبا جاء ليع الج الم ريض ‪ ,‬فلم ا انح نى الط بيب على الم ريض‬
‫ليرى ما به ‪ ,‬قبض ملك الموت روح الطبيب ‪ ,‬فلم يُـقم إال وه و ميت ‪ ,‬وعلي ه ‪ :‬فه ذه القص ة أبل غ‬
‫من هذا التعبير ‪ ,‬فلم يمت النشاد فقط بل حتى الطبيب !‬

‫صنع الدواء وباعه ومـن اشترى‬ ‫مات المداوي والمداوى والذي‬


‫يا شـافـي األمـراض مــن أرداك‬ ‫قل للطبيب تخطفته يــد الـردى‬
‫من يا صحـيـح بما قـضى أرداك‬ ‫قل للصحيح يـموت ال من علة‬
‫مـن يـا مـريـض بـطـبّـه أشـفـاك‬ ‫قل للمريض وكـان يحـذر علة‬

‫يشير هذا التعبير" يموت النشاد‪ ".........‬إلى عيادة المريض ‪ ,‬وهي من آداب اإلسالم ‪ ,‬فيجب‬
‫على المسلم عيادة أخيه المسلم إذا مرض ؛ لقوله عليه الصالة والسالم‪ ":‬أطعم وا الج ائع وع ودوا‬
‫المريض وفكوا العاني ‪ -‬األسير ‪ " -‬رواه البخاري ‪ ,‬ويستحب له إذا عاده في مرضه أن ي دعو ل ه‬
‫بالشفاء ‪ ,‬وأن يوصيه بالصبر‪ ,‬وأن يرفع من معنوياته ‪ ،‬وأن يقول له ما يطيب ب ه نفس ه ‪ ،‬ويبعث‬
‫األم ل والرج اء في رحم ة هللا أن يش فيه ‪ ,‬ك أن يق ول ل ه مثال ‪ :‬أبش ر بث واب هللا ‪ ،‬وأ ِذنَ هللا في‬
‫شفائك ‪ ،‬وتلقى داءك بدوائك ‪ ،‬ووجَّه وفد السالمة إليك ‪ ،‬وجعل علت ك ماحي ة ل ذنوبك ‪ ،‬مض اعفة‬
‫لثوابك ‪ ،‬وأعالك هللا إلى العافية ‪ ،‬ومسح عن ك بيمين ه الش افية ‪ ،‬وليح ذر من األلف اظ ال تي تقنط ه‬
‫وتيئسه من الشفاء ‪ ،‬وفيها تسخط على القدر كقولهم ‪ :‬وجهك مصفر أو ضعفت عما كنت عليه من‬
‫قبل أو ماذا دهاك أو ما تستأهل هذا ‪ ......‬إلخ ‪ ,‬كما يستحب له أال يطيل الجلوس عن ده إال إذا علم‬
‫سروره بذلك ‪.‬‬

‫إذا كثرت صارت إلى الهجر مسلكا‬ ‫عــلـيـك بإغـبـاب الـزيـارة إنهـا‬
‫ويُــسـأل بـاأليــدي إذا هـو أمـسـكـا‬ ‫ألـم تـر أن الغـيـث يُـسـأم دائـمـا‬

‫ـف "‬‫وما أروع التعبير الشعبي القائل ‪ " :‬ارح ْم من زار ْو َخفـ َّ ْ‬
‫أكـثـر الـترداد أقـصاه الملـل‬ ‫ِغـبْ و ُزرْ ِغـبّـا ً تـز ْد حُـبـا ً فمن‬

‫وليحذر المريض من الكالم الذي يض ره ويس خط هللا تع الى ‪ ،‬كق ول بعض هم ‪ :‬م اذا فعلت تحت ك‬
‫يارب ؟ أو يا رب ما كان ذنبي حتى فعلت بي هذا ؟ أو إلى متى ه ذا البالء ؟ أو ي دعو على نفس ه‬
‫بالموت ‪ ........‬؛ فإنه قد ورد عند الترمذي أن النبي صلى هللا عليه وسلم ع اد ش يخا كب يرا ف رأى‬
‫عليه حمى فقال ‪ " :‬ال بأس طهور إن شاء هللا " فقال ‪ :‬بل حمى تف ور ‪ ،‬على ش يخ كب ير ‪ ،‬تزي ره‬
‫القبور ‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم ‪ :‬فنعم إذاً ‪.‬‬

‫) حــشـِّـ ْمــنــي مــعــاك ربــي (‬

‫حشمني = أخجلني (عربية صحيحة) ‪ ،‬الحشم ‪ :‬هو االستحياء ‪ ،‬ج اء في الص حاح حش مته ‪:‬‬
‫معاك = معك ‪.‬‬ ‫أخجلته ‪ ،‬واالسم ‪ :‬الحشمة وهو االستحياء ‪.‬‬
‫اعلم أن في هذه العبارة سوء أدب مع هللا تعالى قد ال يُـنتبه إلي ه ‪ ,‬ووج ه ذل ك أن ظ اهر ه ذه‬
‫العبارة يوحي بأنه سبحانه من شأنه أن يفضح العباد ‪ ,‬ويوقع بينهم الحرج بسبب ذلك ‪ ،‬وهذا قطعا‬

‫‪80‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫غير صحيح ‪ ,‬وال هو من شأنه سبحانه ‪ ,‬فهو ج ل وعال ح يي س تير ‪ ،‬يحب الس تر على عب اده ‪،‬‬
‫ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى هللا علي ه وس لم ق ال ‪ ":‬إن هللا ح يي حليم س تير يحب الحي اء‬
‫والستر " رواه أحمد وأبو داود والنسائي ‪.‬‬

‫وفي الحديث اآلخر ‪ ،‬الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهم ا ‪ ،‬أن هللا تع الى عن دما يحاس ب‬
‫العبد المؤمن ‪ ،‬ويقرره بذنوبه يقول له ‪ ":‬فإني قد سترتها عليك في الدنيا ‪ ،‬وأنا أغفرها لك اليوم "‬
‫‪.‬‬
‫نعم قد يفضح هللا تعالى من يستحق الفضيحة عدال منه تبارك وتعالى ‪ ,‬ولكن فضله أحب إلي ه‬
‫من عدله ‪ ,‬ورحمته سبقت غضبه ‪ ,‬فهو العفو الكريم ‪ ,‬الرحيم الس تير ‪ ،‬يحب الس تر على عب اده ‪,‬‬
‫وندب إليه على لسان رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ":‬ومن ستر مسلما ستره هللا في الدنيا واآلخرة‬
‫" رواه مسلم ‪.‬‬
‫فهل بعد هذا يستقيم أن يقال ‪ ":‬حشمني معاك ربي" ! ؟‬

‫وبهذا نستفيد قاعدة عظيمة ‪ ،‬تكرر تقريرها في القرآن والسنة وهي ‪ :‬أن الخ ير والنعم تنس ب‬
‫إلى هللا تعالى ‪ ,‬وأما الشر والتقصير والسوء فال ينسب إليه جل وعال وأدلة ذلك كثيرة منها ‪-:‬‬
‫‪ " -1‬صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ‪ "...........‬الفاتحة (‪، )7‬‬
‫تأمل كلمة ( أنعمتَ ) و ( المغضوب ) كيف نـُسبت إليه النعمة ‪ ،‬ولم يُـنسب الغضب إليه ‪ ،‬فلم يقل‬
‫سبحانه ( غضبت ) كما قال ( أنعمت ) ‪.‬‬
‫‪ " -2‬وإنا ال ندري أشر أريد بمن في األرض أم أراد بهم ربهم رشدا " الجن (‪)10‬‬
‫انظر إلى أدب الجن ‪ ،‬حيث جاء فعل اإلرادة مبنيا لما لم يسم فاعل ه في ج انب الش ر ‪ ,‬بينم ا بُـني‬
‫فعل اإلرادة في جانب الخير للمعلوم ‪ ,‬فنسبوا الخير إلى هللا تعالى ‪ ،‬بخالف الشر كما سبق ‪.‬‬
‫‪ -3‬قوله تعالى ‪ " :‬بي دك الخ ير " آل عم ران (‪ ، )26‬فلم يق ل س بحانه ‪ ... " :‬والش ر " ‪ ،‬وإن‬
‫كان سبحانه بيده كل شئ ‪ :‬الخير والشر ‪ ،‬والنف ع والض ر ؛ ألن ه س بحانه الينس ب إلي ه إال‬
‫الخير ‪ ،‬وال يضاف إليه سبحانه من األلفاظ إال ما يستحسن منها دون ما يستقبح ‪ ،‬ولذا ق ال‬
‫عليه الصالة والسالم في صحيح مسلم ‪":‬والشر ليس إليك"‬
‫‪ -4‬قوله تعالى‪ " :‬وإذا مرضت فهو يشفين " الش عراء (‪ ،)80‬انظ ر إلى إب راهيم علي ه الس الم‬
‫كيف أضاف المرض ‪ -‬وهو نقص وشر – إلى نفسه ‪ ،‬وأما الشفاء فأضافه إلى هللا تع الى ؛‬
‫ألنه خير ‪ ،‬وهذا من أدبه مع ربه عليه السالم ‪.‬‬
‫ي ‪ ,‬وأبوء بذنبي فاغفر‬ ‫‪ -5‬قوله عليه الصالة والسالم في سيد االستغفار ‪ ":‬أبوء لك بنعمتك عل َّ‬
‫لي " رواه البخاري ‪ ،‬فانظر كي ف ُنـسبت النعم ة إلي هللا تع الى ‪ ،‬بينم ا ُنـسب ال ذنب إلى‬
‫العبد ‪.‬‬

‫مـالحـظـة ‪-:‬‬
‫نسمع كثيرا من الناس إذا أنجز أح دهم عمال جي دا أو حقـق نجاح ا ‪ ,‬نس معهم يقول ون ‪ :‬ه ذا من‬
‫ذكائي وشطارتي(‪ )1‬ونحو ذل ك من العب ارات ال تي فحواه ا العجب والغ رور ‪ ،‬ونس بة الخ ير إلى‬
‫النفس ‪ ,‬ونسيان فض ل هللا تع الى وتوفيق ه ‪ ,‬وال ش ك في خط إ ه ذا التعب ير ‪ ,‬ول ذلك ذم هللا تع الى‬
‫قارون عندما قال ‪ ":‬إنما أوتيته على علم عندي " القصص (‪. )78‬‬

‫والذي ينبغي أن ينسب الخير والفضل إلى هللا تعالى كما قال سليمان عليه السالم ‪":‬ه ذا من فض ل‬
‫ربي " النمل (‪ )41‬لما رأى عرش بلقيس عنده ‪ ,‬وكما قال ذو القرنين لما بنى الس د‪ ":‬ه ذا رحم ة‬
‫من ربي " الكهف (‪ ,)94‬وأما النقص والتقصير فهذا شأن النفس‪ ,‬ورحمة هللا على القائل‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪ -‬الشاطر في اللغة ‪ :‬هو من أعيا أهله خبثا ‪ ،‬وبهذا نعلم خطأ استعماله صفة مدح ‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫أنـا جائع أنـا ضائع أنـا عاري‬ ‫أنـا حامـد أنـا شـاكـر أنـا ذاكـر‬
‫فكـن الضمين لنصفها يا باري‬ ‫هي ستـة وأنـا الضمين لنصفها‬
‫فـأجـر عُبيدك مـن لهيب النار‬ ‫مدحي لغيرك لهب نار خضتها‬

‫‪82‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الفقه مسائل وقواعد‬

‫‪83‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( احنى تابعين مش بادعين )‬


‫بادعين = مبتدعين‪.‬‬ ‫مش = لسنا‪.‬‬ ‫احني = نحن‪ .‬تابعين = تابعون‪.‬‬

‫هذا التعبير يدل على فقه مجتمعنا‪ ،‬وتمسكه بدينه واتباعه لسلفه الصالح‪ ،‬فإن الخير ك ل الخ ير في‬
‫اتباع من سلف‪ ،‬والشر كل الشر في ابتداع من خلف‪ ،‬ورحمة هللا على اإلمام مالك القائل ‪:‬‬

‫وخير أمور الدين ماكان سنة *** وشر األمور المحدثات البدائع‬

‫فالبدع خطرها عظيم‪ ،‬وشرها جسيم‪ ،‬ولذلك عقد اإلمام النووي رحمه هللا تعالى في كتاب ه ري اض‬
‫الصالحين باب ا بعن وان ( النهي عن الب دع ومح دثات األم ور ) وأورد بعض اآلي ات واألح اديث‪،‬‬
‫منها " فماذا بعد الحق إال الضالل " يونس (‪ " ،)32‬وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا‬
‫السبل فتفرق بكم عن سبيله " األنعام (‪ ،)154‬وقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من أحدث في أمرن ا‬
‫هذا ماليس منه فهو رد " متفق عليه‪ ،‬وفي رواية مسلم‪" :‬من عمل عمال ليس عليه أمرنا فه و رد"‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫فالبدعة في الشرع المطهر هي كل عبادة أحدثت ليس لها أصل في الكتاب والسنة‪ ،‬وقد ق ال علي ه‬
‫الصالة والسالم‪ " :‬وإياكم ومحدثات األمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ض اللة وك ل ض اللة‬
‫في النار" رواه أبوداود وابن ماجة‪ ،‬وزيادة " وكل ضاللة في النار" عند النسائي‪.‬‬

‫وإذا كان الرسول صلى هللا عليه وسلم حذر أمته من البدع‪ ،‬فمقتضى ذلك أنها مفسدة محضة؛ ألن‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم عمم ولم يخص ص‪ ،‬ب ل عمم ب أقوى ص يغ العم وم وهي ( ك ل ) في‬
‫قوله‪ " :‬كل بدعة ضاللة " وفي هذا الحديث رد على من قسم البدعة إلى حسنة وس يئة أو من ق ال‬
‫إن البدع تدور عليها األحكام الخمسة‪ " :‬الواجب المستحب الحرام المكروه المباح "‪.‬‬

‫في االعتصام لإلمام الشاطبي قال ابن الماجشون‪ :‬سمعت مالكا يقول من ابتدع في اإلس الم بدع ة‬
‫يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى هللا عليه وسلم خ ان الرس الة؛ ألن هللا يق ول‪ " :‬الي وم أكملت‬
‫لكم دينكم " المائدة (‪ ،)4‬فما لم يكن يومئذ دينا فال يكون اليوم دينا‪.‬‬

‫ثم إن البدع في الحقيقة هي انتق اد غ ير مباش ر للش ارع الحكيم‪ ،‬واس تدراك علي ه؛ ألن معناه ا أن‬
‫الشريعة لم تكتمل بعدُ‪ ،‬وأن هذا المتبدع أكملها بما أحدث من البدع‪.‬‬

‫وعليه فمن تعبد بعبادة لم يتعبد بها النبي صلى هللا علي ه وس لم وال خلف اؤه الراش دون فهي البدع ة‬
‫المذمومة شرعا‪.‬‬

‫توهم مردود‪ :‬كما سبق ليس في الدين بدعة حسنة أبدا‪ ،‬وبعضهم يستدل على البدعة الحسنة بقول ه‬
‫عليه الصالة والسالم‪ " :‬من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها وأج ر من عم ل به ا‪ ،‬من غ ير‬
‫أن ينقص من أجورهم شيء ‪ "....‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وليس األمر كذلك؛ فإن الحديث لم يقل‪ " :‬من ابتدع في اإلسالم بدعة حسنة "؛ ألن الس نة الحس نة‬
‫هي التي توافق الشرع بخالف البدعة‪ ،‬فهي تخالفه ولذلك عقد اإلمام النووي رحم ه هللا تع الى في‬
‫كتابه (رياض الصالحين) بابين مختلفين‪:‬‬

‫األول‪ " :‬باب النهي عن البدع ومحدثات األمور " ولم يستثن منه شيئا ‪.‬‬
‫الثاني‪ " :‬باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة " مما يدل على أن هناك فرقا ظاهرا بين األمرين ولو‬
‫كانت البدعة الحسنة هي السنة الحسنة لجمعهما في باب واحد‪.‬‬

‫وانظر‪ -‬لمعرفة المزيد ‪ -‬كتاب االعتصام الشاطبي فإنه أجاد وأفاد في هذا الباب‪ ،‬فجزاه هللا خ يرا‪.‬‬
‫أعود إلى حديث‪ " :‬من س ن س نة حس نة ‪ "......‬ف أقول إن بعض أه ل العلم ق ال‪ :‬إن ه يش مل ثالث‬
‫صور‪-:‬‬

‫‪ .1‬إطالقة على من ابتدا العمل‪ ،‬وهذا هو سبب الحديث؛ فإن النبي صلى هللا علي ه وس لم حث‬
‫على التصدق على القوم الذين قدموا المدينة وهم في حالة فقر‪ ،‬فج اء رج ل من األنص ار‬
‫بصرة من فضة‪ ،‬فهذا الرجل سن سنة ابتداء عمل ال ابتداء شرع‪.‬‬
‫‪ .2‬السنة التي تركت ثم فعلها إنسان فأحياها كما فعل عمر رض ي هللا عن ه عن دما أحي ا س نة‬
‫التراويح(‪ )1‬بعد أن صالها الن بي ص لى هللا علي ه وس لم في بعض اللي الي من رمض ان ثم‬
‫تركها خشية أن تفرض على األمة‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يفعل شئ وسيلة ألمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب‪.‬‬

‫( آذان حنفي أو شافعي)‬

‫األذان هو‪ :‬اإلعالم بدخول وقت الصالة المفروضة بألفاظ مخصوصة ‪.‬‬

‫وهو على اختصاره مشتمل على مسائل العقي دة والتوحي د وإثب ات رس الة نبين ا ص لى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والدعاء إلى الفالح وهو من شعائر اإلسالم الظاهرة‪ ،‬يقاتل أهل بلد إذا تركوه‪.‬‬

‫وكان النبي صلى هللا علي ه وس لم إذا أتى قوم ا‪-‬اليع رفهم‪ -‬يس تدل على إس المهم ب األذان‬
‫وعلى كفرهم بتركه‪ ،‬وقد شرع األذان في المدين ة‪ ،‬ول ه قص ة معروف ة‪ ،‬وه و واجب على الكفاي ة‬
‫للرجال البالغين‪.‬‬

‫وفضل األذان عظيم‪ ،‬ولذلك فسر قول ه تع الى‪ " :‬ومن أحس ن ق وال ممن دع ا إلى هللا ‪"...‬‬
‫فصلت (‪ ،)32‬بأنه المؤذن قال عمر رضي هللا عنه‪ " :‬لوكنت أطي ق األذان م ع الخالق ة ألذنت "‬
‫رواه البيهقي بإسناد صحيح‪ ،‬وقال علي ه الص الة والس الم‪ " :‬المؤذن ون أط ول الن اس أعناق ا ي وم‬
‫القيامة " رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪---------------------------------‬‬
‫‪ .1‬وقول عمر رضي هللا عنه‪ " :‬نعمة البدعة هذه " المراد بها البدعة اللغوية ال الشرعية‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫واعلم أن لألذان صيغا متنوعة كلها جائزة‪ ،‬من ذلك م ا يس مى ب األذان الحنفي‪ ،‬ويك ون ب تربيع‬
‫التكبير في أول األذان دون ترجيع فيه وعلى هذا جمهور أهل العلم مستدلين بح ديث بالل رض ي‬
‫هللا عنه الذي رواه الترمذي وغيره وقال‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬

‫وأما المالكية فيرون تثنية التكبير في أوله مع الترجيع استنادا إلى ح ديث أبي مح ذورة رض ي هللا‬
‫عنه الذي رواه مسلم‪ ،‬فقد كان مؤذن المسجد الحرام بمكة‪.‬‬

‫ومع نى ال ترجيع في األذان أن يق ول الم ؤذن الش هادتين خافض ا به ا ص وته ثم يعي دها رافع ا‬
‫صوته‪ ،‬وهذا عمل أهل الحجاز‪ ،‬وقد استحبه الشافعية‪.‬‬

‫والحكمة من الترجيع أن يأتي بهما أوال بتدبر وإخالص وال يأتي كما ذلك إال م ع خفض الص وت‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬

‫ومما ينبغي للمؤذن أن يكون رفيع الصوت؛ ألن النبي صلى هللا علي ه وس لم ق ال لمن رأى األذان‬
‫" إنها رؤيا حق‪ ،‬فألقه على بالل النه رفيع الصوت " أخرجه أبوداود وغ يره‪ ،‬وه ذا قب ل ظه ور‬
‫مكبر الصوت‪ ،‬وأن يكون المؤذن عارفا بالوقت بنفسه أو بغ يره‪ ،‬ألن الم ؤذن م ؤتمن على ص يام‬
‫الناس وصالتهم‪.‬‬

‫وأيض ا ينبغي أن يك ون حس ن الص وت‪ ،‬ول ذلك اخت ار الن بي ص لى هللا علي ه وس لم أب ا‬
‫محذورة لألذان؛ ألنه وجده ن دي الص وت فأعجب ه‪ ،‬والح ديث رواه ابن خزيم ة‪ ،‬فن داوة الص وت‬
‫مطلوبة‪ ،‬ولذلك ق ال الص نعاني في س بل الس الم‪ :‬وفي ه دالل ة على أن ه يس تجب أن يك ون ص وت‬
‫المؤذن حسنا‪.‬‬

‫ومما تعارف عليه الناس أن األذان إذا كان فيه شيء من التطريب ونحوه قالوا عن ه‪ :‬ه ذا‬
‫أذان حنفي‪ ،‬ولكن في المسألة شيء من التفصيل‪ :‬فأما نداوة الص وت وحس نه فمطل وب ومس تحب‬
‫وما اختار النبي صلى هللا عليه وسلم أبا محذورة لألذان إال لذلك وأم ا التط ريب والتلحين وزي ادة‬
‫أحرف في األذان نتيجة زيادة الم دود في ه فليس بمش روع‪ ،‬وه و من ب دع األذان‪ ،‬ول ذلك لم ا أذن‬
‫مؤذن في حضرة ابن عمر رضي هللا عنهما زجره عن ذلك كما روى البيهقي وهللا الموفق‪.‬‬

‫( إذا حضر الماء بطل التيمم )‬


‫هذا المثل في األصل قاعدة شرعية صحيحة‪ ،‬وهو بمفهوم المخالفة يدل على أحد األسباب المبيحة‬
‫للتيمم وهو فقدان الماء‪ ،‬فإذا فقد الماء صح التيمم‪.‬‬

‫وموطن االستشهاد بها أن هذا المث ل يض رب لمن س ئل عن ش يء وك ان في المجلس من‬


‫هو أعلم منه وأفضل فيقال‪ " :‬إذا حضر الماء بطل ال تيمم "‪ ،‬فه و إذاً ق ريب من ق ولهم‪ " :‬اليف تي‬
‫ومالك في المدينة "‪.‬‬

‫وأما فقهه شرعا‪ :‬فإن التيمم طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين إذا ع دم الم اء‬
‫أو عدم القدرة على استعماله أو خوف على خروج الوقت ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫والتيمم من خصائص هذه األمة المحمدية التي يسر هللا أمورها‪ ،‬وس هل عليه ا ش ريعتها‪،‬‬
‫وجعل لها من الح رج فرج ا‪ ،‬ومن الض يق مخرج ا‪ ،‬وطه ر باطنه ا وظاهره ا ببرك ة ه ذا الن بي‬
‫الكريم صلى هللا عليه وسلم؛ فإن من عدم الماء الذي هو أحد اص لى الحي اة تع وض عن ه باألص ل‬
‫الثاني الذي هو التراب لئال يفقد الطهارة إطالقا؛ فإن طه ارة الم اء تطه ر الظ اهر والب اطن‪ ،‬ف إذا‬
‫ع دمت ه ذه األداة الكامل ة رجعن ا إلى ص ورة الطه ارة ب أداة ال تراب لتحص ل الطه ارة الباطن ة‪،‬‬
‫والشك في حكمته وال ريب في فائدته‪.‬‬

‫وهو ثابت في الكت اب العزي ز والس نة المطه رة وإجم اع األم ة ويقتض يه القي اس الص حيح‪ ،‬ق ال‬
‫تعالى‪ " :‬فتيمموا صعيدا طيبا" النساء اآلية (‪.)43‬‬

‫موجبات التيمم وهي ثالثة‪-:‬‬

‫‪ .1‬فقدان الماء حقيقة أوحكم ا‪ ،‬فأم ا حقيق ة فظ اهر‪ ،‬وأم ا حكم ا فك أن يك ون الم اء موج ودا‬
‫والسبيل إلى الوصول إليه مثل أن يكون الماء في البئر وال توجد آلة إلخراجه‪.‬‬
‫‪ .2‬العجز عن استعمال الماء إما لتوقع مرض أو زيادته أو تأخر برء‪.‬‬
‫‪ .3‬الخوف من خروج الوقت‪ ،‬وهذا على خالف‪.‬‬

‫وأما كيفية التيمم فبعد التس مية يض رب الص عيد الطيب " ال تراب أو الحج ر" ض ربة للوج ه‬
‫وأخرى لليدين إلى المرفقين‪ ،‬وإن اقتصر على ضربة واحدة للوجه والكفين أجزأه‪ ،‬فبكل ق ال‬
‫أهل العلم رحمهم هللا تعالى‪ ،‬وأدلة ذلك مبسوطة في كتب الحديث والفقه فارجع إليها راشدا‪.‬‬

‫( األعمال بالنيات أو الناوي ومانوى )‬


‫أوال‪ :‬هذا التعبير دارج على ألس نة الن اس خاص هم وع امهم‪ ،‬وه و في األص ل ط رف من ح ديث‬
‫شريف‪ " :‬إنما األعمال بالنيات " أخرجه البخاري‪ ،‬وقد استنبط العلماء منه قاعدة فقهية كبرى من‬
‫أمهات القواعد أال وهي " األمور بمقاصدها "‪.‬‬

‫يدل هذا المثل على أن النية هي ركيزة األعمال وم دارها‪ ،‬ف إذا ك ان العم ل ص الحا وك انت الني ة‬
‫خالصة لوجه هللا تعالى فالعمل مقبول‪ ،‬وإذا كان غ ير ذل ك فالعم ل م ردود‪ ،‬فالني ة ش رط أو ركن‬
‫أساس في العمل‪ ،‬فبها العمل يكون صالحا أو فاسدا‪ ،‬ناقصا في الثواب أو ك امال‪ ،‬ب ل ق د تقلب ه من‬
‫أعظم الطاعات إلى أحط المخالفات كمن يصلى رياء‪.‬‬

‫قال بعض أهل العلم مدار الدين على ثالثة أحاديث‪:‬‬

‫(إنما األعمال بالنيات) ‪( ،‬الحالل بين والحرام بين) متفق عليه‪ ( ،‬من عمل عمال ليس عليه أمرن ا‬
‫فه و رد ) رواه البخ اري ومس لم‪ ،‬فح ديث " إنم ا األعم ال بالني ات " م يزان لألعم ال الباطن ة‪،‬‬
‫وحديث " من عمل عمال " ميزان لألعمال الظاهرة‪.‬‬

‫والنية‪ :‬هي العزم على فعل العبادة تقرب ا إلى هللا تع الى‪ ،‬ولم ي رد عن الن بي ص لى علي ه‬
‫وسلم التلفظ بها؛ ألن محلها القلب‪ ،‬وهللا يعلم م ا في القل وب‪ ،‬إال في الحج والعم رة فيج وز التلف ظ‬
‫بها‪ ،‬وهذا على قول‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقد جاءت عب ارات أخ رى على ألس نة الن اس وإن ك انت العالق ة له ا بالمث ل الم ذكور مث ل‬
‫" على قيس نيته " أي حسب نيته ومقصده‪ ،‬و" فالن نية " أو " علي نياته " أي إنس ان طيب إلى‬
‫حد السذاجة أحيانا واليأتي منه المكر والخديعة‪.‬‬

‫( حاجة الوطا ما تنعطى )‬


‫ماتنعطى = ما تعطى‪.‬‬

‫الوطا ( أصلها ) الوطاء بالمد والهمزة جاء في القاموس‪ :‬الوطا ما انخفض وسهل من األرض‪.‬‬

‫وعلى ذلك قصرت اللهجة الممدود حين حذفت الهمزة من آخر الكلمة‪.‬‬
‫هذا التعبير ليس بصحيح وهو يتعلق بمبحث فقهي معروف في كتب الفق ه‪ ،‬س واء فق ه الح ديث أو‬
‫فقه المتون" المذاهب " وهذا المبحث هو ( مبحث اللقطة )‪.‬‬

‫واللقطة‪ :‬هي المال الضائع من صاحبة يلتقطه غيره‪.‬‬

‫واعلم أن الشي الملتقط على ثالثة أقسام‪-:‬‬

‫‪ .1‬قسم تافه ال تتبعه همة أوساط الناس كالسوط والرغي ف ونحوهم ا‪ ،‬فه ذا يمل ك بااللتق اط‪،‬‬
‫واليلزم تعريفه‪ ،‬وإذا قصد بالمثل هذا القسم فال بأس‪.‬‬
‫‪ .2‬ما اليجوز التقاطه‪ ،‬وهي األشياء التي تمنع نفسها من ص غار الس باع لع دوها كالظب اء أو‬
‫بقوتها وتحملها كاإلبل ونحوها‪.‬‬
‫‪ .3‬ماعدا ذلك فهذا الذي يستحب التقاطه بقصد حفظه لصاحبه وتعريفه‪.‬‬

‫عن زيد بن خالد الجهني رضي هللا عنه قال سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن لقطة ال ذهب‬
‫أو الورق (الفضة) فقال‪ :‬اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة‪ ،‬فإن لم تع رف اس تنفقها‪ ،‬ولتكن‬
‫وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه وسأله عن ض الة اإلب ل فق ال مال ك وله ا ؟‬
‫دعها فإن معها حذاءها ( خفها الذي تقطع به المفاوز) وسقاءها ( جوفها الذي يحم ل الم اء الكث ير‬
‫الطعام )‪ ،‬ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها‪ ،‬وسأله عن الشاة فقال خ ذها فإنم ا هي ل ك أو‬
‫ألخيك أو للذئب " متفق عليه‪.‬‬

‫فأرشد عليه الصالة والسالم إلى حكم اللقطة من المال بأنه يستحب التقاطها بني ة حفظه ا‬
‫وتعريفها حتى ترجع إلى صاحبها فبعد أن يعرف الالقط وكاءها ( وهو ماترب ط ب ه )‪ ،‬وعفاص ها‬
‫( وهو وعاء اللقطة ) يعرفها سنة هجرية كاملة في مجامع الناس كأبواب المساجد واألس واق وفي‬
‫مكان وجودها ألنه مكان بحث صاحبها‪ ،‬ويبلغ الجهات المسئولة كدوائر الشرطة ووسائل االعالم‬
‫كالصحف واإلذاعات إذا كانت اللقطة ثمينة جدا‪.‬‬

‫فإذا جاء صاحبها فليختبره بمعرفة أوصافها‪ ،‬فإن ص دق في ذل ك دفعت إلي ه وإال فال ف إن مض ت‬
‫سنة ولم يأت صاحبها انتفع بها أو تصدق بها إن شاء‪ ،‬ولكن بنية ضمانها‪ ،‬فلو جاء ص احبها يوم ا‬
‫يطلبها التزم بردها إن كانت موجودة بعينها وإال رد قيمتها‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وأما ضالة الحيوان ف إن ك انت إبال ونحوه ا مم ا يمتن ع بقوته ا أو بع دوه أو بطيران ه فال‬
‫يجوز التقاطها؛ ألن لها من طبيعتها ما يحفظه ا ويمنعه ا من الس باع‪ ،‬ولكن إن وج دت في مهلك ة‬
‫ردت بقصد اإلنقاذ ال االلتقاط‪ ،‬وإن كانت شاة فاألحسن ‪ -‬بعد أخذها ‪ -‬أن يعم ل فيه ا األص لح من‬
‫أكلها مقدرا قيمتها أو بيعها وحفظ ثمنها أو بقائها مدة التعرف‪ ،‬وأما تركها ب دون أخ ذها فتع ريض‬
‫لها للهالك‪ ،‬فإن جاء صاحبها رجع بها أو بقيمتها وإن لم يأت فهي لمن وجدها‪.‬‬

‫وأما لقطة الحرم (مكة) فال يجوز التقاطها إال إذا خيف ضياعها ومن التقطها وجب علي ه‬
‫تعريفها‪ ،‬ليس له تملكها أب دا وإذا خ رج من الح رم س لمها للجه ات المس ئولة لقول ه علي ه الص الة‬
‫والسالم‪ " :‬إن هذا البلد حرام اليعضد شوكه‪ ،‬وال يختلى خاله‪ ،‬وال ينف ر ص يده‪ ،‬وال تلتق ط لقطت ه‬
‫إال لمعرف " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫( حق وباطل أو عليك حق )‬
‫هذه األلفاظ يستعملها كثير من األصدقاء فيما بينهم‪ ،‬فتجدهم إذا قص ر أح دهم في ش يء أو تخل ف‬
‫عن موعد ألزموه بوجبة إما غداء وإم ا عش اء بق ولهم‪ " :‬ه ذه فيه ا ح ق وباط ل أو علي ك ح ق "‬
‫والعجيب كيف يجتمع الحق مع الباط ل في ق ولهم‪ " :‬ح ق " و" باط ل "؟ ف األمور إم ا ح ق وإم ا‬
‫باطل‪ ،‬أما اجتماع األمرين فكاجتماع النار والماء‪.‬‬
‫ثم إن هذا اإللزام فيه شبهة‪ ،‬فقد يكون من أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬حيث إن ص احب الطع ام ق د‬
‫يصنعه على استحياء‪ ،‬وما أخذ بسيف الحياء مثل ما أخذ غصبا واليحل مال امريء مس لم إال عن‬
‫طيب نفس منه كم ا ثبت الح ديث في المس تدرك للح اكم‪ ،‬وق د تك ون أحوال ه المالي ة غ ير مالئم ة‬
‫فيتكلف ويقع في الدين تحت ضغط هذا اإللزام واإلكراه بغير حق‪.‬‬

‫( الشرع يحكم بالظاهر )‬


‫هذه العبارة صحيحة وسليمة‪ ،‬وهي مستقاة من قوله عليه الصالة والس الم‪ " :‬إنكم تختص مون إل ّي‬
‫فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‪ ،‬فأقضى له على نحو ما أسمع من ه‪ ،‬فمن قطعت ل ه‬
‫من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار ‪ "....‬متفق عليه‪.‬‬

‫فالحديث دليل على أن حكم القاضي يكون بحسب الظاهر‪ ،‬وبذلك تبرأ ذم ة القاض ي أم ام‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وليعلم الكاذب المبطل أن حكم القاضي له اليحل له حراما إذا كان م ا ادع اه ب اطال في‬
‫نفس األمر‪.‬‬

‫فحكم القاضي اليحل حراما‪ ،‬وفي نفس األمر اليح رم حالال‪ ،‬ب ل إن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫كان يتعامل مع المنافقين بحسب ما يظهر منهم‪ ،‬فكان يحكم بإيمانهم ظاهرا مع علمه بنفاقهم‪ ،‬وفي‬
‫هذا دليل على أن القاضي اليحكم بعلمه‪ ،‬بل بما يظهر من الخصوم من بينات وشهود ونحو ذل ك‪،‬‬
‫ولذا قال أبو بكر رضي هللا عنه ( لو رأيت رجال على حد من حدود هللا م ا أخذت ه وال دع وت ل ه‬
‫أحدا حتى يكون معي غيره ) رواه أحمد وفي هذه المسألة خالف ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫(صلي الفرض وانقب األرض)‬


‫صلى = صل ( فعل أمر مبني على حذف حرف العلة "الياء")‪.‬‬

‫هذا التعبير فيه شيء من التفصيل‪ ،‬إن كان المراد منه أن العبد بعد أن يقوم بما افترض علي ه رب ه‬
‫يس عى في األرض ويبتغي من فض ل هللا فص حيح؛ ألن هللا تع الى ق ال‪ " :‬ف إذا قض يت الص الة‬
‫فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل هللا " الجمعة (‪ ،)10‬ولذلك ك ان ع راك بن مال ك –رحم ه‬
‫هللا تعالى – بعد أن يصلي الجمعة يقول‪ " :‬اللهم إني أجبت دعوتك‪ ،‬وصليت فريضتك‪ ،‬وانتش رت‬
‫كما أمرتني‪ ،‬فارزفني من فضلك وأنت خير الرازقين "‪.‬‬

‫ولكن بقيت مالحظة وهي‪ :‬أن في ه ذا التعب ير ع دم ذك ر الص لوات المس نونة ك الرواتب‬
‫وغيرها فللصلوات المكتوبة سنن راتبة حث عليه ا الش رع المطه ر‪ ،‬له ا فوائ د عظيم ة‪ ،‬وعوائ د‬
‫جسيمة من زي ادة الحس نات ورفع ة ال درجات وتكف ير الس يئات‪ ،‬وترقي ع خل ل الف رائض‪ ،‬وج بر‬
‫نقصها‪ ،‬ولتهيئة نفس المصلي للعبادة قبل ال دخول في الفريض ة‪ ،‬إلى غ ير ذل ك من الفوائ د‪ ،‬ول ذا‬
‫ينبغي االعتناء بها والمحافظة الشديدة عليها ‪.‬‬

‫قال القرطبي رحمه هللا تعالى‪ ( :‬من داوم على ترك السنن ك ان نقص ا في دين ه‪ ،‬ف إن ك ان تركه ا‬
‫تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا‪ ،‬لورود الوعيد عليه في قول ه ص لى هللا علي ه وس لم‪ " :‬فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني " رواه البخاري)‪.‬‬

‫وأما إن كان المراد من المثل هو س رعة الص الة‪ ،‬ونق ر األرض عن د الس جود‪ ،‬ف إن ه ذا‬
‫المعنى وهذه الصفة في الصالة منهى عنها‪ ،‬فقد ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم األمر بمخالفة‬
‫س ائر الحيوان ات في هيئ ات الص الة‪ ،‬فنهى عن التف ات كالتف ات الثعلب‪ ،‬وعن اف تراش ك افتراش‬
‫السبع‪ ،‬وعن إقعاء كإقعاء الكلب‪ ،‬ونقر كنقر الغراب‪ ،‬ورفع األيدي كأذناب خي ل ش مس‪ ،‬أي ح ال‬
‫السالم‪ ،‬وقد جمعها بعض الفضالء بقوله ‪:‬‬

‫إذا نحن قمنا في الصالة فإننا *** نهينا عــن اإلتـيـان فيـهـا بسـتـة‬
‫بـروك بعير والتفـات كثعلب *** ونقر غراب في سجود الفريضة‬
‫وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه *** وأذنـاب خيـل عـنـد فعــل التحية‬
‫وزدنــا كتدبيح الحمـار بمـده *** لعنق وتصـويـب لـرأس بــركعة‬

‫والتدبيح هو أن يطأطئ المصلي رأسه حتى يكون أخفض من ظهره حال الركوع‪ ،‬إال أن الن ووي‬
‫رحمه هللا تعالى قال عن حديث التدبيح‪ :‬إنه ضعيف‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وربما أطل ق ه ذا التعب ير (ص ل الف رض وانقب األرض) على من يق وم ب الفرائض ثم يس عى في‬
‫األرض فسادا‪.‬‬

‫( طهراته المالئكة )‬
‫يشيرون بذلك إلى من ولد مختونا‪ ،‬وهذ يقع وقد رُوي في صفة نبينا عليه الصالة والسالم أنه ول د‬
‫مختونا‪ ،‬قال ابن الجوزي رحمه هللا الشك أنه ولد مختونا غير أن هذا الحديث اليصح‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫هذا مفهوم العب ارة من حيث المع نى‪ ،‬وأم ا لف ظ العب ارة فليس بص حيح؛ ألن المالئك ة لم‬
‫تباشر ختان من ولد كذلك‪ ،‬بل خلق مختونا هكذا ‪.‬‬

‫والختان طهارة بالفعل‪ ،‬وذل ك ألن الطف ل ال ذي لم يختن بع ُد ت تراكم النجاس ة واألوس اخ‬
‫تحت جلدته فتحدث له األمراض والجروح‪.‬‬

‫والختان من الفطرة‪ ،‬وألهل العلم أقوال مختلفة في حكمه فقال بعضهم‪ :‬هو واجب في حق الرجال‬
‫مكرم ة للنس اء كم ا ورد ذل ك في أح اديث " الفط رة خمس‪ :‬الخت ان ‪ "...‬رواه البخ اري ومس لم‪،‬‬
‫وحديث " إذا التقى الختانان‪ " ....‬متفق عليه‪ " ،‬الختان سنة للرجال مكرم ة للنس اء " رواه اإلم ام‬
‫أحمد‪.‬‬

‫وأما وقت وجوبه فعند البلوغ‪ ،‬حينما تجب عليه الطهارة والصالة‪ ،‬و أول من اختتن من البشر هو‬
‫أبونا إبراهيم عليه السالم‪ ،‬خليل الرحمن‪ ،‬وهو أي الختان من الكلمات ال تي ابتلى هللا به ا إب راهيم‬
‫عليه السالم فأتمهن ‪.‬‬

‫( الضرورات تبيح المحظورات أو للضرورة أحكام )‬


‫هات ان العبارت ان من القواع د الفقهي ة المهم ة‪ ،‬وبين العب ارة األولى والثاني ة عم وم خص وص‪،‬‬
‫فالعبارة األولى أخص من الثانية؛ ألن القاعدة األولى تدل على أن المحظور –المحرم – يباح عند‬
‫وجود الضرورة‪ ،‬وأما القاعدة الثانية فتدل على أن للضرورة أحكاما كثيرة منها‪ :‬إباحة المحظور‪،‬‬
‫ومنها أن الضرورة تقدر بقدرها ومنها ‪ ....‬ومنها ‪. .....‬‬

‫ثم اعلم‪-‬بارك هللا فيك‪ -‬أن للفقه قواعد كبرى كلية‪ ،‬وقواع د ص غرى جزئي ة متفرع ة عن القواع د‬
‫الك بري ومنح درة تحته ا‪ ،‬وهي كث يرة ج دا منه ا‪ :‬هات ان القاع دتان اللت ان نحن بص ددهما‪ ،‬وأم ا‬
‫القواعد الكبرى فهي خمس جمعها بعض الفضالء بقوله‪:‬‬

‫ضرر يزال وعادة قد حكمت *** وكـــذا المشقـة تجلـب التيسـيـرا‬


‫والشـــك التـرفــع بــه متيقنا *** والقصد أخلص إن أردت أجورا‬

‫والقاعدة عند الفقه اء ي راد به ا الحكم الغ الب ال ذي ينطب ق على معظم الجزئي ات‪ ،‬وهي ض وابط‬
‫تراعى عند تخريج األحكم الفقهية ‪.‬‬

‫قال القرافي في مقدمة كتابه الفروق أن أصول الشريعة قسمان‪-:‬‬

‫‪ .1‬أصول الفقه ‪ :‬كداللة األمر على الوجوب‪ ،‬وداللة النهي على التحريم‪ ،‬وصيغ الخصوص‬
‫والعموم‪.‬‬
‫‪ .2‬القواعد الفقهية ‪ :‬وهي كثيرة لها من فروع األحكام ماال يحصى‪ ،‬وبقدر إحاطة الفقيه به ا‬
‫يعظم قدره‪ ،‬ومن أخذ بالفروع الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع‪ ،‬واحتاج‬
‫إلى حفظ جزئيات التتناهى‪ ،‬ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حف ظ أك ثر الجزئي ات؛‬
‫الندراجها في الكليات‪ ،‬وتناسب عنده ما تضارب عند غيره ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وأصل هذه القاعدة ودليلها قوله تعالى‪ " :‬فمن اضطر غير باغ والع اد فال إثم علي ه إن هللا غف ور‬
‫رحيم " البقرة (‪.)172‬‬

‫والضرورة‪ :‬هي الحالة الملجئة لتناول محرم شرعا‪ ،‬أما الحاج ة فهي حال ة جه د ومش قة‪ ،‬ولكنه ا‬
‫دون الضرورة‪ ،‬وال يتأتى معها الهالك بخالف الضرورة‪ ،‬ولهذا اليستباح بالحاجة المحرم ش رعا‬
‫كما هو الحال في الضرورة ‪.‬‬
‫والتباح كل المحظورات عند الضرورة بل يجب أن تكون المحظورات دون الضرورات‬
‫‪ ،‬أما إذا كانت المحظورات أكثر من الضرورات أو مساوية لها فال تكون مباحة‪ ،‬فلو هدد شخص‬
‫آخ ر بالقت ل أو بقط ع عض و وأج بره على قت ل ش خص فال يج وز للمك ره أن يوق ع القت ل؛ ألن‬
‫الضرورة هنا مساوية للمحظور أو أقل منه في حالة التهديد بقطع عضو من أعضائه‪.‬‬

‫واعلم أن قاعدة‪ " :‬الضرورات تبيح المحظورات " مقيدة بقاعدة أخرى وهي‪ " :‬أن الضرورة‬
‫تقدر بقدرها "‪ ،‬ومثال ذلك أن من اضطر إلى أكل الميتة خوف ا من الهالك‪ ،‬ف إذا ك انت ض رورته‬
‫تندفع بلقيمات تسد الرمق فال يأكل حينئذ حتى يشبع؛ ألنه كما سبق "الضرورة تقدر بقدرها"‪.‬‬

‫وأما الكتب المفيدة في هذا الشأن فمنها‪ :‬إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك‪ ،‬والفروق للق رافي‬
‫والموافقات للشاطبي ‪.‬‬

‫( هدي ماتبيش فقي )‬


‫فقي = فقيه‪.‬‬ ‫ماتبيش = ماتحتاج‪.‬‬ ‫هادي = هذي‪.‬‬

‫يقصدون بهذه العبارة أن هذه المسالة واضحة ظاهرة التحتاج إلى فقي ه لينظ ر في حكمه ا‪ ،‬واعلم‬
‫أن في طي ات ه ذه العب ارة إجالال وتق ديرا للفقي ه‪ ،‬حيث إن ه يختص بفهم دقي ق للمس ائل‪ ،‬وخفي‬
‫األحك ام ال تي اليعمله ا س ائر الن اس؛ ألن الفق ه في اللغ ة ليس مج رد الفهم‪ ،‬وإنم ا يختص ب الفهم‬
‫الدقيق لألشياء ‪.‬‬

‫واعلم رحمك هللا أن علوم الشريعة كثيرة ومختلفة‪ ،‬منها علم التوحيد‪ ،‬وعلم التفس ير‪ ،‬والح ديث و‬
‫القراءات والفقه ‪ ......‬فالفقه قسم من أقسام الشريعة والشريعة أعم منه ‪.‬‬

‫وبعد فالعلم عظيم الجدوى *** السيما الفقه أساس التقوى‬

‫ثم اعلم أن استعمال لفظ " الفقه " في الق رآن والس نة أعم من اس تعماله االص طالحي‪ ،‬فالفق ه في‬
‫الكتاب والسنة هو فهم األحكام الشرعية بعامة‪ ،‬سواء أكانت عقدي ة أم أخالقي ة أم عملي ة‪ ،‬ق ال هللا‬
‫تعالى‪ " :‬فلوال نفر من كل فرق ة منهم طائف ة ليتفقه وا في ال دين ‪ "....‬التوب ة (‪ ،)123‬وق ال علي ه‬
‫الصالة والسالم‪ " :‬من يرد هللا به خيرا يفقه في الدين " متفق عليه‪.‬‬

‫وبع ُد فمن في الدين فُقه مجتبى *** مراد به خير وللرشد أُهِّال‬

‫ولكن لما تطورت العلوم واتسع مدارها صار كل نوع من العلوم يطلق عليه اسم خاص‪ ،‬فض اقت‬
‫دائرة الفقه‪ ،‬فبعد أن كان يطلق على ما يشمل العقي دة وغيره ا ح تى س مى اإلم ام أبوحنيف ة كتاب ه‬

‫‪92‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الذي ألفه في العقيدة ( الفقه األكبر )‪ ،‬بعد هذا صارت كلمة الفق ه تطل ق على فهم األحك ام العملي ة‬
‫دون سواها‪ ،‬فالفقه هو األحكام العملية التي وردت في الكتاب والسنة وما توصل إلي ه المجته دون‬
‫من الصحابة والت ابعين وت ابعيهم واألئم ة المجته دين مم ا لم ي رد بش أنه نص في الكت اب وال في‬
‫السنة وقد كتب لهذا الفقه من عوامل النمو واالزدهار ما جعله فسيح الصدر‪ ،‬واسع األرجاء‪ ،‬حتى‬
‫شمل كل النواحي العملية‪ ،‬ولبى حاجة المسلمين في كل عصر ومصر‪.‬‬

‫كما يمكن تقسيم الفقه إلى قسمين رئيسين‪ :‬هما العب ادات والمع امالت‪ ،‬أم ا العب ادات فهي‬
‫التي تحدد عالقة المرء بربه‪ ،‬وأما المعامالت فهي التي تحدد عالقته ببني جنسه‪.‬‬

‫وقد عرفه الشريف الجرجاني في كتابه (التعريفات ) بقول ه‪ " :‬الفق ه ه و في اللغ ة عب ارة عن فهم‬
‫غ رض المتكلم من كالم ه‪ ،‬وفي االص طالح ه و العلم باألحك ام الش رعية العملي ة من أدلته ا‬
‫التفصيلية‪."....‬‬

‫فالفقه علم جليل القدر‪ ،‬رفيع المنزلة‪ ،‬حري بطالب العلم أن يهتم به‪ ،‬ولذا ق ال ابن ال وردي رحم ه‬
‫هللا تعالى ي الميته في الحكم واألدآب ‪:‬‬

‫اطـلـب العـلـم والتكسل فما *** أبـعـد الخير على أهـــل الكسـل‬
‫واحتفل للفقه فـي الديـن وال *** تشتغـل عـنـه بـمـــال وخــــول‬
‫واهجر النــوم وحصله فمن *** يعرف المطلوب يحقر مـا بـذل‬
‫التـقـل قـــد ذهـبـت أربـابـه *** كل من سار على الدرب وصل‬
‫في ازدياد العلم إرغام العدا *** وجـمـال العلم إصــالح العـمـل‬

‫ولقد كانت األمة غنية بالفقهاء والمجتهدين من لدن عصر الصحابة إلى عصرنا‪ ،‬فالخلفاء‬
‫الراشدون(‪ )1‬وفقهاء المدينة السبعة(‪ )2‬واألئمة ااالربعة(‪ )3‬وفقهاء المذاهب ك أبي يوس ف ومحم د بن‬
‫الحسن ومحمد بن القاسم وابن أبي زيد والقيرواني وسحنون وهكذا النووي وابن حجر وابن قدامة‬
‫وابن عبدالبر وابن حزم وابن رشد والحطاب وغيرهم من الفقهاء والعلماء‬

‫والمجته دين ال ذين أس هموا في نهض ة األم ة وحض ارتها وفي إث راء ال تراث اإلس المي الفقهي‬
‫وغيره‪ ،‬وانظر كتب تراجم الرجال تجد همما عالية‪ ،‬وقمما سامية‪ ،‬وأسوة حس نة في حي اة ه ؤالء‬
‫األفذاذ رحمهم هللا تعالى‪ ،‬من هذه الكتب تذكرة الحفاظ وسير أعالم النبالء كالهما للحافظ الذهبي‪،‬‬
‫وترتيب الم دارك في معرف ة أص حاب اإلم ام مال ك للقاض ي عي اض‪ ،‬وش جرة الن ور الزكي ة في‬
‫طبقات المالكية البن مخلوف وغيرها كثير ‪.‬‬

‫‪-----------------------------‬‬
‫‪ ( .1‬أبوبكر –عم ر –عثم ان – علي) رض ي هللا عنهم ‪ ( .2.‬عبي د هللا بن عبدهللا بن عتب ة بن مس عود – ع روة بن الزب ير – القاس م بن‬
‫محمد ابن أبي بكر – سعيد بن المسيب – أبوبكر بن عبدالرحمن – سليمان بن يسار – خارجه بن زيد بن ثابت) رحمهم هللا ‪ ،‬وق د نظمهم‬
‫بعض الفضالء بقوله ‪:‬‬
‫إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه‬
‫سعيد أبـوبكـر سليمان خــارجـه‬ ‫فخذهم عبيد هللا عـروة قــاسـم‬
‫‪ ( .3‬أبوحنيفة – مالك – الشافعي – أحمد ) رحمهم هللا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الورث حالل ولو يظل خالل )‬


‫هذا التعبير يتعلق بعلم جليل من علوم الشريعة أال وهو علم الفرائض‪ ،‬وهذا المثل ي دل على حلي ة‬
‫اإلرث الموروث ولو كان شيئا يسيرا "خالل"‪ ،‬والخالل هو اآللة الصغيرة المعروفة ال تي يتخل ل‬
‫بها في الثوب ونحوه‪.‬‬

‫علم الفرائض هو علم يبحث في قسمة المواريث فقها وحسابا ‪.‬‬

‫فاهلل سبحانة فرض المواريث بحكمته وعدله‪ ،‬وقسمها بين أهلها أحسن قس مة وأع دلها بحس ب م ا‬
‫تقتضيه حكمته البالغة‪ ،‬ورحمته الشاملة‪ ،‬وعلمه الواسع ‪.‬‬

‫وكان أهل الجاهلية في جاهليتهم ال يورثون النساء وال الصغار من الذكور‪ ،‬ويقولون‪ :‬اليعطي إال‬
‫من قاتل وحاز الغنيمة‪ ،‬فأبطل هللا ه ذا الحكم المب ني على الجه ل والظلم‪ ،‬فجع ل اإلن اث يش اركن‬
‫الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهن‪ ،‬فلم يحرمهن كما فع ل أه ل الجاهلي ة‪ ،‬وال س واها بالرج ل في‬
‫حصتها من الميراث‪.‬‬

‫ولما كانت األموال وقسمتها محط األنظار‪ ،‬وكان الميراث محبوب ا للنف وس ج داً كم ا ق ال تع الى‪:‬‬
‫" وتأكلون التراث أكال لما وتحبون المال حبا جم ا " الفج ر (‪ ،)22‬ولم ا ك ان الم يراث في معظم‬
‫األحيان للضعفاء والقاصرين تولى هللا تبارك وتعالى قسمتها بنفسه في كتابه‪ ،‬مبين ة مفص لة ح تى‬
‫اليكون فيها مجال لآلراء واألهواء‪.‬‬

‫وأشار إليها بقوله تعالى‪ " :‬آباؤكم وأبناؤكم التدرون أيهم أقرب لكم نفعا " النس اء اآلي ة (‪،)11‬‬
‫فبين هللا تعالى أنه فرض المواريث بحسب علمه وم ا تقتض يه حكمت ه وأن ذل ك ف رض من ه الزم‬
‫اليجوز تجاوزه وال النقص منه‪ ،‬ووعد من أطاعه في هذه الحدود جنات تجري من تحتها األنه ار‬
‫وتوعد من عصاه بالنار والعذاب المهين‪ ،‬فبعد أن ذكر ما يتعلق بالمواريث من أحكام قال سبحانه‪:‬‬
‫" تلك حدود هللا ومن يطع هللا ورسوله ندخله جنات تجري من تحته ا األنه ار خال دين فيه ا وذل ك‬
‫الفوز العظيم ومن يعص هللا ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " النساء‬
‫(‪.)14‬‬

‫ولعلم الف رائض فقه ه الخ اص ب ه يبحث في مظان ه‪ ( :‬كالمنظوم ة الرحبي ة م ع ش رحها لس بط‬
‫الم ارديني وحاش ية البق ري)‪ ،‬وهي من أنف ع ماص نف في ه ذا الفن للمبت ديء كم ا ق ال العالم ة‬
‫الشنش وري‪ ،‬ك ذلك (الج واهر المكنون ة في ص دف الف رائض المس نونة ) م ع ش رحها (إيض اح‬
‫األسرار المصونة في الجواهر المكنونة) كالهما للشيخ الجزولي المالكي رحمه هللا تعالى‪.‬‬

‫( يحلفوا براسه )‬
‫من المقرر شرعا أن الحلف اليكون إال باهلل تع الى أو بأس مائه وص فاته وذل ك ألن الحل ف عب ادة‬
‫ولذا وردت أحاديث كثيرة تنهى عن الحلف بغيره سبحانه منها‪:‬‬

‫حديث ابن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا علي ه وس لم ق ال‪ " :‬إن هللا تع الى ينه اكم أن‬
‫تحلفوا بآبائكم‪ ،‬فمن كان حالفا فليحلف باهلل أو ليصمت " متفق عليه‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وعن ابن عم ر رض ي هللا عنهم ا أيض ا أن ه س مع رجال يق ول‪ " :‬ال والكعب ة " فق ال ابن عم ر‪:‬‬
‫" التحلف بغير هللا فإني سمعت رسول هللا صلى هللا علي ه وس لم يق ول‪ " :‬من حل ف بغ ير هللا فق د‬
‫كفر أو أشرك " رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫وقد عقد اإلمام النووي –رحمه هللا تعالى – في كتابه ( رياض الصالحين ) بابا في هذا الشأن فقال‬
‫" ب اب النهي عن الحل ف بمخل وق ك النبي والكعب ة والمالئك ة والس ماء واآلب اء والحي اة وال روح‬
‫والرأس ونعمة السلطان وتربة فالن "‪.‬‬

‫وبذلك نعلم خطأ الحلف الشائع الدارج على ألسنة الناس‪ " :‬والنبي" وأن ذلك اليجوز‪.‬‬

‫ولكن هنا أمور ينبغي بيانها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الينبغي أن يكثر العبد من الحلف لقوله تعالي " والتطع كل حالف مهين " القلم (‪.)10‬‬

‫حالف صيغة مبالغة على وزن فعَّال أي كثير الحلف‪.‬‬

‫ولقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬إياكم وكثرة الحلف‪ "...‬رواه مسلم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يستحب لمن حلف على يمين فرأى غيرها خ يرا منه ا أن يفع ل ذل ك المحل وف ثم يكف ر عن‬
‫يمينه؛ لقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه‬
‫وليفعل الذي هو خير " رواه مسلم‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الكف ارة في لغ و اليمين وه و م ا يج ري على اللس ان بغ ير قص د اليمين كقول ه على س بيل‬
‫العادة‪ :‬ال هللا‪ ،‬بلى وهللا‪ ،‬ونحو ذلك لقوله تعالى‪ " :‬اليؤاخذكم هللا باللغو في أيمانكم " البقرة اآلية (‬
‫‪.)223‬‬

‫رابع ا‪ :‬من نس ى فحل ف بغ ير هللا تع الى فال تنعق د يمين ه والتجب في ه كف ارة اليمين‪ ،‬وكفارت ه أن‬
‫يقول" ال إله إال هللا " لقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من قال تع ال أق امرك فليتص دق‪ ،‬ومن حل ف‬
‫بالالت فليقل‪ :‬ال إله إال هللا " حديث صحيح‪ ،‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬اليمين الغموس هي اليمين التي يكون فيها الحالف كاذب ا متعم داً‪ ،‬وهي من كب ائر ال ذنوب‬
‫كما ثبت ذلك في الح ديث الص حيح‪ ،‬وس ميت غموس ا ألنه ا تغمس ص احبها في اإلثم ثم في الن ار‬
‫والعياذ باهلل‪ ،‬وال تجزيء فيها الكفارة لعظمها‪ ،‬وإنما تجب فيها التوبة واالس تغفار‪ ،‬وهن اك أحك ام‬
‫أخرى تتعلق باليمين والكفارة تبحث في كتب الفقه والحديث‪.‬‬
‫َّ‬
‫طالعن المطوال‬ ‫فذا القدر كاف للذي يكتفي وإن *** أردت كماال‬

‫( يمين جزار )‬
‫اليمين بمعنى الحلف‪ :‬وهو تحقيق األمر المحتمل أو تأكيده بذكر اسم من أسماء هللا تعالى أو ص فة‬
‫من صفاته‪.‬‬
‫والحلف أقسام‪-:‬‬

‫‪95‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .1‬لغو اليمين‪ :‬وهي التي اليقصدها الحالف بل تجري على لسانه بالقصد مثل ال وهللا – بلى‬
‫وهللا ‪.‬‬
‫أو أن يعق د الح الف اليمين على أم ر مض ى ظان ا ص دق نفس ه ثم يت بين خالف فه ذان‬
‫النوعان من لغو اليمين ليس على صاحبهما إثم وال كفارة‪.‬‬

‫ولست بمأخوذ بلغو تقوله *** إذا لم تعمد عاقدات العزائم‬

‫‪ .2‬اليمين الغم وس‪ :‬وهي اليمين الكاذب ة ال تي يقتط ع به ا ح ق غ يره‪ ،‬وهي من الكب ائر وال‬
‫كفارة فيها ألنها أعظم من أن تحلها كفارة ‪.‬‬
‫‪ .3‬يمين منعقدة تدخلها الكفارة وهي التي عقدها على أمر مستقبل كأن يقول‪ :‬وهللا الفعلن كذا‬
‫‪ ...‬أو‪ :‬وهللا ال أفعل كذا‪ ،‬وهذه اليمين التي يؤاخذ عليها العبد قال تعالى‪ " :‬ولكن يؤاخ ذكم‬
‫بما عقدتم األيمان " المائدة اآلية (‪ ،)91‬فمن حنث في هذه اليمين وجبت عليه الكفارة وإال‬
‫لزمه اإلثم‪.‬‬

‫فوائد ‪-:‬‬

‫‪ .1‬من فعل المحلوف على تركه أو ترك المحلوف على فعل ه ناس يا أو مخطئ ا أو مكره ا فال‬
‫شيء عليه‪ ،‬الكفارة وال إثم لقوله عليه الص الة والس الم في الح ديث الحس ن‪ " :‬رف ع عن‬
‫أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا استثنى الحالف في يمينه بأن قال‪ :‬وهللا ال أفعل ك ذا إن ش اء هللا أو وهللا ألفعلن ك ذا إال‬
‫أن يشاء هللا‪ ،‬فال شي عليه إذا فعل ماحلف على تركه أو ترك ماحلف على فعله‪.‬‬
‫‪ .3‬كفارة اليمين‪ :‬إطعام عشرة مساكين مد من طعام لك ل مس كين‪ ،‬والم د ه و‪ ( :‬ملء الي دين‬
‫المتوس طتين غ ير مقبوض تين وال مبس وطتين) أو كس وتهم ثوب ا يج زي في الص الة أو‬
‫تحرير رقبة مؤمنة‪ ،‬فمن لم يجد فصيام ثالثة أي ام‪ ،‬وال ينتق ل إلى الص وم إال بع د العج ز‬
‫عن الثالث األول لقوله تعالى‪ " :‬فكفارته إطع ام عش رة مس اكين من أوس ط م ا تطعم ون‬
‫أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقب ة فمن لم يج د فص يام ثالث ة أي ام ذل ك كف ارة أيم انكم إذا‬
‫حلفتم ‪ " ...‬المائدة اآلية (‪.)91‬‬

‫وه ذا التعب ير أي يمين ج زار يق ال‪ :‬لمن ك ان اليوث ق بيمين ه لك ثرة حنث ه وع دم مباالت ه بحف ظ‬
‫األيمان‪ ،‬فمن كان غير صادق في يمينه يوصف يمينه بأنه يمين جزار أي قص اب؛ ألن القص ابين‬
‫يكثرون الحلف لينفقوا سلعتهم‪ ،‬ومعلوم أن ذلك ممحق للبركة والينبغي للعب د أن يك ثر من الحل ف‬
‫على كل شيء؛ ألن هللا تعالى قال‪ " :‬واحفظوا أيمانكم" المائدة اآلية (‪ ،)91‬والمشروع هو الحل ف‬
‫عند الحاجة إلزالة شبهة أو نفي تهمة أو تأكيد خبر‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الشرك ْه ترك ْه أو الشرك ْه هلك ْه ولو في مك ْه )‬


‫هذا التعبير من حيث األصل ليس بصحيح ؛ ألن الشركة عق د مب ارك لم ا فيه ا من المص الح‬
‫العظيمة والمنافع الجسيمة ‪ ,‬ولذا ورد في الحديث القدسي الصحيح أن هللا تعالى يقول ‪ ":‬أن ا ث الث‬
‫الشريكين ‪ ,‬م ا لم يخن أح دهما ص احبه ‪ ,‬ف إذا خ ان خ رجت من بينهم ا " ‪ ،‬فالح ديث يُ ر ّغب في‬
‫الشركة لحصول بركة هللا تعالى فيها‪ ,‬وكونه س بحانه بإعانت ه وتوفيق ه وتس ديده م ع الش ريكين أو‬
‫الشركاء ‪ ,‬فإن هللا في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ‪ ,‬ولما في عقد الشركة من التعاون بين‬
‫الشركاء والتناوب بينهم في األعمال ‪ ،‬والتشاور والتف اهم على م ا ينف ع الش ركة وأعم الهم فيه ا ‪,‬‬
‫فمن رحمته تعالى أن أباحها و أجازها ‪ ,‬وكان معينا وموفقا ألصحابها ‪ ,‬وهذا ما لم تدخلها الخيان ة‬
‫والغش من أحد الش ريكين أو الش ركاء لص احبه ‪ ,‬فحينئ ذ ي دعهم هللا تع الى بال توفي ق وال تس ديد‬
‫فتحل الخسارة والبوار ؛ ألن أصل العمل النية الصالحة والنصح ‪ ,‬فإذا فقد هذا ودخل محل ه الغش‬
‫والخيانة ُمحقت البركة منهما أو منهم ‪.‬‬

‫هذا جانب في هذا التعبير‪ ,‬وأما الجانب اآلخر وهو الواقع المش اهد ال ذي قي ل من خالل ه ه ذا‬
‫التعبير فهو صحيح من حيث إن كثيرا من الشركات ت ؤول إلى المتارك ة واالنفص ام ب ل وال نزاع‬
‫والخصام ؛ إما لخيانة بعضهم بعضا ‪ ،‬وإما لتراكمات مالية قد أهملت ‪ ,‬فبداية الشركة تكون مبني ة‬
‫على المسامحة والعفو وشئ من المج امالت في تحم ل بعض التبع ات من قِب ل الش ريكين ‪ ،‬ثم إذا‬
‫تراكمت وثقل بها كاهل الشريك أفضى ذلك إلى النزاع والخصام وإلى حل ه ذه الش ركة ‪ ,‬ول ذلك‬
‫يقول هللا تع الى‪":‬وإن كث يرا من الخلط اء ليبغي بعض هم على بعض إال ال ذين آمن وا‪ "........‬ص(‬
‫‪.)23‬‬

‫ولذلك ينصح أص حاب الش ركات ب أن تك ون ش ركتهم مبني ة على التس امح والعف و وال تراحم‬
‫ومحبة الخير للغير‪ ,‬وأن يكون كل ش ريك ص ادقا م ع أخي ه ناص حا ل ه ‪ ,‬وأن تُب نى الش ركة على‬
‫معرفة الحقوق والواجبات على كل شريك ‪ ,‬وكما قيل ‪":‬أوّل ْه شرط وآخر ْه سالم ْه " ‪ ,‬م ع مراع اة‬
‫تالفي التراكمات والس يما المالي ة ح تى ال تختل ط األم ور وتتعق د ‪ ,‬وتص فى األم ور أوال ب أول ‪,‬‬
‫وأخ يرا أن تك ون األخ وة اإليماني ة هي المهيمن ة على ك ل ش ئ ‪ ،‬فقب ل أن يجتم ع الش ركاء على‬
‫الشركة وبعدها هم إخوة في هللا ‪":‬إنما المؤمنون إخوة" الحجرات(‪ ,)10‬ولذلك قال النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم للسائب المخزومي لما رآه يوم فتح مكة وكان ق د ش اركه قب ل النب وة ق ال ل ه ‪":‬مرحب ا‬
‫بأخي وشريكي ‪,‬ال يماري وال يداري" حديث صحيح ‪ ،‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ‪.‬‬
‫فلم ينس النبي صلى هللا عليه وسلم حسن عشرته ‪ ,‬بل أثنى عليه وفاء ل ه ؛ ألن حف ظ العه د الق ديم‬
‫ومراعاته من اإليمان ‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون الشركاء‪.‬‬

‫وهللا أعلم ‪...‬‬

‫‪97‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫) أولــ ْه شــرط آخــرتــه ســالمــ ْه (‬


‫هذا الكالم س ليم ج دا ‪ ،‬وفي ه س المة من كث ير من المش اكل ‪ ،‬وراح ة من جمي ع المت اعب ‪،‬‬
‫وقطع للخصومة وح د لل نزاع ال ذي يك ون بين الش ريكين أو المتب ايعين ‪ ،‬فمراعات ه مهم ة ج دا ‪،‬‬
‫وقديما قالوا‪" :‬الشرط نور" و "الموافقة قبل المرافقة" ‪.‬‬

‫وقد اهتم اإلسالم بالشروط أيَّم ا اهتم ام ‪ ,‬ول ذا ق ال علي ه الص الة والس الم‪" :‬المس لمون على‬
‫شروطهم إال شرطا ح رم حالال أو أح ل حرام ا" رواه الترم ذي وص ححه ‪ ,‬وص ححه ابن حب ان‬
‫أيضا من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫فالمسلمون على شروطهم أي‪ :‬ثابتون عليها ‪ ,‬ال يرجعون عنها إال ما استثناه الشرع من ذلك‬
‫"إال شرطا حرم حالال أو أح ل حرام ا" ‪ ,‬وه ذا أص ل كب ير من أص ول المع امالت والمعاه دات‬
‫والعقود ‪ ,‬فإن الشروط هي التي يشترطها أحد المتعاقدين على اآلخر‪ ,‬مما له فيه ح ظ ومص لحة ‪,‬‬
‫ف ذلك ج ائز الزم إذا اتفق ا علي ه ‪ ,‬وي دخل في ذل ك ال بيع والش راء واإلج ارة والش ركة والوق ف‬
‫والوصية والنك اح ‪ ....‬وهك ذا من الش روط المعلوم ة العادل ة ال تي ليس فيه ا جهال ة وال ظلم وال‬
‫مخاطرة ‪ ،‬فكلها شروط صحيحة الزمة ‪ ،‬ولذلك قال عمر رضي هللا عنه ‪ ":‬مق اطع الحق وق عن د‬
‫الشروط" ‪ .‬ثم اعلم أن للشروط أحكاما وأقساما ومباحث مستقلة ح تى أن بعض أه ل العلم أفرده ا‬
‫في كتب مستقلة ألهميتها ‪ ،‬فما من باب من أبواب الفقه سواء أكان من العبادات ابتداء من الص الة‬
‫وانتهاء بالحج أم من المعامالت من بيع وشراء‪ .........‬إال والشروط داخلة فيه‪.‬‬

‫كل ما ذكر آنفا من وجوب الوفاء بالشروط مقيد بالشروط التي لم تخالف شرع هللا وحكمه في‬
‫الكتاب أو السنـة أو اإلجماع ‪ ,‬وأما ما خالف شيئا من ذلك فهي ش روط باطل ة ‪ ,‬ول ذلك ق ال علي ه‬
‫الصالة والسالم ‪ ":‬ما كان من شرط ليس في كتاب هللا فهو باط ل ‪ ,‬وإن ك ان مائ ة ش رط" متف ق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫فـــائـــدة‪:‬‬
‫اعلم أن أهل العلم قد قسموا الشروط إلى قسمين‪-:‬‬
‫‪ -2‬شرعية ‪.‬‬ ‫‪ -1‬جعلية ‪.‬‬

‫أم ا الش روط الجعلي ة فهي ال تي يجعله ا أح د المتعاق دين على اآلخ ر ويش ترطها ‪ ،‬والتعب ير‬
‫المذكور آنفا متعلق بها ‪ ،‬وهي ‪ -‬أي الشروط الجعلية ‪ -‬محل بيانه ‪.‬‬
‫وأما الشروط الشرعية فهي ال تي ح ددها الش ارع الحكيم كعالم ات للش ئ ‪ ،‬وهي على ثالث ة‬
‫أقسام ‪-:‬‬
‫ج ‪ -‬شروط صحة ووجوب معا ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬شروط وجوب ‪.‬‬ ‫أ‪ -‬شروط صحة ‪.‬‬

‫وانظر على سبيل المثال الصالة أو الصوم أو الحج فلكل منها شروط بأقس امها الثالث ة ‪ ،‬كم ا‬
‫أن هذا القسم من الشروط ‪ -‬أي ‪ :‬الشرعية ‪ -‬ليس مختصا بالفقه فقط ‪ ,‬ب ل ح تى م ا يتعل ق بج انب‬
‫العقيدة ‪ ,‬وخذ على سبيل المثال كلمة التوحيد{ال إله إال هللا}‪ ,‬فقد ذكر أهل العلم لها شروطا نظمها‬
‫بعض الفضالء بقوله‪:‬‬
‫واالنـقـياد فـادر ما أقــو ُل‬ ‫الـعـلــم والـيـقـيـن والــقـبــو ُل‬
‫وفـــقــك هللا لـمـا أحــبــ ْه‬ ‫والصدق واإلخالص والمحب ْه‬

‫‪98‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وهي كاآلتي ‪-:‬‬


‫‪ -1‬العلم ‪ :‬لقوله تعالى ‪ " :‬فاعلم أنه ال إله إال هو " محمد (‪. )20‬‬
‫‪ -2‬اليقين‪ :‬لقوله تعالى‪ " :‬إنما المؤمنون الذين آمنوا باهلل ورسوله ثم لم يرتابوا" الحجرات()‪.‬‬
‫‪ -3‬القبول‪ :‬لقوله تعالى ‪ " :‬وقالوا سمعنا وأطعنا " البقرة (‪. )15‬‬
‫‪ -4‬االنقياد ‪ :‬لقوله تع الى ‪ " :‬ومن أحس ن دين ا ممن أس لم وجه ه هلل وه و محس ن " النس اء (‬
‫‪. )124‬‬
‫‪ -5‬الصدق ‪ :‬لقوله عليه الصالة والس الم في الص حيحين ‪ " :‬م ا من أح د يش هد أن ال إل ه إال‬
‫هللا ‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه ‪ ،‬إال حرَّمه هللا على النار " ‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلخالص ‪ :‬لقوله تعالى ‪ " :‬وما أمروا إال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين " البينة (‪. )5‬‬
‫‪ -7‬المحبة ‪ :‬لقوله تعالى ‪ " :‬والذين آمنوا أشد حبا هلل " البقرة (‪ ، )164‬ولقوله صلى هللا عليه‬
‫بهن حالوة اإليم ان ‪ :‬أن يك ون هللا ورس وله أحب إلي ه مم ا‬ ‫وس لم ‪ " :‬ثالث من كن في ه وج د َّ‬
‫سواهما ‪ " .........‬أخرجه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫هذه الشروط السبعة ‪ ،‬ال بد من تحقيقها ؛ لكي ينتفع بها قائلها في الدنيا واآلخرة ‪ ،‬من الدخول‬
‫في اإلسالم ‪ ،‬والفوز بالجنة والنجاة من النار ‪ ،‬ولذا قيل ‪:‬‬
‫وفي نصوص الوحي حقا وردت‬ ‫وبـشـروط سـبعـة قـد قـُيـدت‬
‫بـالـنـطـق إال حـيــث يستـكـملها‬ ‫فـإنـه لــم يـنـتــفـع قــائــلـهـا‬

‫( الــديــن الــمــعــامــلــة )‬
‫عبارة مشهورة على ألس نة الن اس ‪ ،‬ويقص دون به ا أن حس ن المعامل ة ‪ ،‬وك ريم األخالق من أهم‬
‫أمور الدين ‪ ،‬وهذا صحيح ؛ لقوله علي ه الص الة والس الم في الح ديث الص حيح ال ذي رواه أحم د‬
‫وغيره ‪ " :‬إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق " ‪ ،‬وما انتشر اإلسالم في كثير من أرجاء المعمورة (‬
‫شرق آسيا وأفريقيا ) إال باألخالق الفاضلة ‪ ،‬وحسن معاملة التجار المس لمين ألولئ ك الق وم ؛ ألن‬
‫هذا دعوة بلسان الحال ‪ ،‬وهي أبلغ من لسان المقال ‪.‬‬

‫ولكن هنا أمر ينبغي التنبي ه علي ه ‪ ،‬وه و أن ه ذه العب ارة ( ال دين المعامل ة ) يفهم منه ا كث ير من‬
‫الن اس أن ال دين محص ور في المعامل ة الحس نة ‪ ،‬وذل ك بتعري ف الج زأين كقول ه علي ه الص الة‬
‫والسالم ‪ " :‬الدين النصيحة " رواه مسلم ‪ ،‬أو أن أهم أمور الدين ه و حس ن التعام ل كقول ه ص لى‬
‫هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح ‪" :‬الحج عرفة " رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬مع أن األم ر ليس‬
‫كذلك ‪.‬‬

‫نعم إن المعاملة الحسنة ‪ ،‬واألخالق الفاضلة لها مكانته ا الرفيع ة في اإلس الم ‪ ،‬ومنزلته ا الس امية‬
‫في شريعة الرحمن ‪ ،‬واآليات الكريمة ‪ ،‬واألحاديث الشريفة الدالة على ذلك أكثر من أن تحصر ‪،‬‬
‫ولكن كما هو معلوم أن الدين يتضمن ثالثة أمور ‪ :‬العقيدة والش ريعة واألخالق ‪ ،‬فالعقي دة أهم من‬
‫األخالق ‪ ،‬وعالقة المرء بربه ( العب ادات ) أهم من عالقت ه بب ني جنس ه ( المع امالت ) ‪ ،‬واألهم‬
‫من الكل التوحيد ‪ ،‬المتمثل في اعتقاده ‪ ،‬وما يوجبه عليه نحو ربه جل وعال ‪.‬‬
‫معرفة الرحمن بالتوحيد‬ ‫أول واجب على العبيد‬

‫‪99‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫الفتوى والقضــــــاء‬
‫(الشاهد واليمين)‬

‫إذا جار الوزير وكاتباه ***وقاض األرض أجحف في القضاء‬

‫فويل ثمن ويل ثم ويل *** لقاضي األرض من قاض السماء‬

‫‪100‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( اكذب على الشرع يفتي لك )‬


‫يفتي = يفت ( مجزوم بحذف الياء‪ ،‬ألنه وقع في جواب الطلب)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ليعلم السائل المستفتي أن كذبه على المفتي في إيراد السؤال بالطريقة التي يري د الج واب أن‬
‫يكون موافق ا له واه ال ينجي ه عن د هللا تع الى‪ ،‬ب ل ال واجب أن يك ون المس تفتي في س ؤاله ص ادقا‬
‫صريحا مريدا للحق‪ ،‬مبينا لجميع جوانب السؤال ح تى ت برأ ذمت ه أم ام هللا تع الى‪ ،‬وليعلم الس ائل‬
‫أيضا أن حكم القاضي أو المفتي اليحل حراما‪ ،‬واليحرم حالل‪ ،‬واليبريء ذمة السائل أم ام هللا إال‬
‫صدقه في السؤال ال كما يعتقد العامة بقولهم‪ " :‬خليها في رقبة عالم تلق هللا سالم " خليه ا = خله ا‬
‫أو ( في رقبة عالم وال ظالم ) وال = وإال‪ ،‬أو " علقها في رقبة عالم واطلع منها سالم "‪ ،‬ف إن مث ل‬
‫هذا الكالم يؤدي إلى التنصل من المس ئولية الش رعية ب أي ص ورة ك انت مم ا يض يع الش رع في‬
‫نفوس الناس‪ ،‬ظنا منهم أن ذلك يرف ع عنهم اإلثم‪ ،‬فه ذه مق والت فاس دة المع نى ت ؤدي إلى مس لك‬
‫فاسد في أخذ الدين‪ ،‬وهللا الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫والمفتي يحكم بالظاهر بحسب ما يظهر من السؤال‪ ،‬وبذلك تبرا ذمة المفتي أمام هللا تعالى‬
‫ولذلك قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬إنكم تختصمون إل ّى فلع ل بعض كم أن يك ون ألحن بحجت ه من‬
‫بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطع ة من‬
‫النار" متفق عليه‪.‬‬

‫ثم اعلم أن هناك أمورا اليسع المسلم جهلها‪ ،‬بعضها يتعلق بالمفتي‪ ،‬وبعضها بالمستفتي‪ ،‬وبعض ها‬
‫بالفتوى‪ ،‬فأما مايتعلق بالمفتي فالب د من أن يك ون عارف ا ب الحكم يقين ا أوظن ا راجح ا وإال وجب‬
‫التوقف‪ ،‬كذلك البد أن يتصور السؤال تصورا تاما ليكون الحكم ص حيحا؛ ألن الحكم على الش يء‬
‫فرع عن تصوره فإذا أشكل عليه السؤال استفصل من السائل‪ ،‬والب د أيض ا من أن يك ون ه اديء‬
‫البال‪ ،‬فال يفتي حال انشغال فكره بغضب أو ه ٍّم أو نحو ذلك‪.‬‬

‫ويلزم المستفتي‪ :‬أن يقص د باس تفتائه الح ق والعم ل ب ه ال تتب ع ال رخص وغ ير ذل ك من‬
‫المقاصد السيئة‪ ،‬ويلزمه أيض ا أن ال يس تفتي إال من يعلم أن ه أه ل للفت وى‪ ،‬وينبغي أن يخت ار من‬
‫يثق في علمه ودينه وورعه‪.‬‬

‫ويشترط لوجوب الفتوى شروط منها ‪:‬‬

‫‪ .1‬وق وع الحادث ة المس ئول عنه ا‪ ،‬ف إن لم تكن وقعت فالتجب الفت وى إال أن يك ون الس ائل‬
‫طالب علم قصده التعلم‪ ،‬فال يجوز كتمان العلم حينئذ‪.‬‬
‫‪ .2‬أال يعلم من حال السائل أن قصده التعنت أو تتبع الرخص أو ضرب آراء العلماء بعض ها‬
‫ببعض‪ ،‬فال تجب حينئذ بل وال تجوز‪.‬‬
‫‪ .3‬أال يترتب على الفتوى ضرر أكبر من مصلحة الفتوى‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( بيني وبينك رسول هللا )‬


‫هذا التعبير يظهر منه معنيان كالهما صحيح‪-:‬‬

‫األول‪ :‬أن بيني وبينك شرع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وحكمه في سنته فيما تنازعن ا‬
‫فيه واختصمنا‪ ،‬فهذا المعنى صحيح؛ ألن هللا تعالى يقول‪ " :‬فإن تن ازعتم في ش يء ف ردوه إلى هللا‬
‫والرسول " النساء (‪ ،)58‬فرده إلى هللا أي إلى القرآن‪ ،‬ورده إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم أي‬
‫رده إلى شخصه الكريم في حياته‪ ،‬وإلى سنته بعد مماته‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن المقصود منه أن ه ذه العب ارة تق ال عن د المش اجرة بين اث نين‪ ،‬فيق ول أح دهم‪:‬‬
‫" بي ني وبين ك رس ول هللا " أي إن ك ان لرس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ق در عن دك واح ترام‬
‫فأرحني من هذه المشكلة‪ ،‬تعبير العوام ذلك وهللا اعلم ‪.‬‬

‫( اللي ماعنداش شاهد كذاب )‬


‫ماعنداش = ماعنده‪.‬‬ ‫اللي = الذي‪.‬‬

‫هذا التعبير يشير إلى باب من أب واب الفق ه عظيم‪ ،‬أال وه و ب اب القض اء والش هادات‪ ،‬وه و ب اب‬
‫عظيم حقا؛ ألنه يتعلق بالح دود والخص ومات‪ ،‬وال دعاوى والمنازع ات‪ ،‬والش اهد واليمين ونح و‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫فالقضاء‪ :‬هو بيان األحكام الشرعية وتنفيذها‪ ،‬وبهذا يختلف القاض ي عن المف تي‪ ،‬فالقاض ي ي بين‬
‫الحكم الش رعي ويل زم ب ه‪ ،‬وأم ا المف تي في بين الحكم الش رعي دون إل زام ب ه‪ ،‬وللقاض ي أحك ام‬
‫وشروط وآداب عظيمة بينها الفقهاء في باب القضاء ‪.‬‬

‫والشهادة هي إخبار المرء صادقا بما رأى أو س مع‪ ،‬ويش ترط في الش اهد أن يك ون مس لما ع اقال‬
‫بالغا غير متهم‪.‬‬

‫وأق ل الش هود اثن ان إال الش هادة في ال زنى فيش ترط فيه ا أربع ة وتقب ل ش هادة الش اهد بيمين ه في‬
‫األموال وما يتعلق به ا‪ ،‬وك ذلك يكفي فيه ا ش هادة رج ل وام رأتين لقول ه تع الى‪ " :‬ف إن لم يكون ا‬
‫رجلين فرجل وامرأتان " البقرة (‪ ،)281‬مع العلم بأن شهادة المرأة التقبل إال في األموال خاصة‪،‬‬
‫فال تقبل شهادتها في الح دود ونحوه ا‪ ،‬وتقب ل ش هادة الم رأة فيم ا اليطل ع علي ه الرج ال ك الوالدة‬
‫والرضاع والحمل ونحو ذلك مما اليطلع عليه إال النساء ويكفي فيها شهادة امرأتين ‪.‬‬

‫واعلم أن غ الب أحك ام القض اء مبني ة على قول ه علي ه الص الة والس الم‪ " :‬البين ة على‬
‫المدعي واليمين على من أنكر" رواه البيهقي بإسناد صحيح‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقد أخذ بعض الفضالء هذا المعنى من الحديث ونظمه بقوله‪:‬‬

‫تمييز حال المدعي والمدعى *** عـلـيـه جـملـة القـضــاء وقــعــا‬


‫فالمـدعـي مــن قـولـه مجرد *** من اصل أو عرف بصدق يشهد‬
‫وقيل من يقول قد كان ادعى *** ولــم يـكـن لـمـن عـلـيـه يـُدعـى‬

‫وقيل أيضا‪:‬‬

‫والمدعي مطالب بالبينة *** وحـالـة العمـوم فيـه بينه‬


‫والمـدعـى عليه باليمين *** في عجز مدع عن التبيين‬

‫( يفتي من راسه )‬
‫أوال‪ :‬وقبل بيان معنى هذا التعبير اعلم أخي أن للفتوى والمف تي والمس تفتي ش روطا وآداب ا ينبغي‬
‫مراعاتها قد أفاضت كتب األصول في بيانها في مباحث مستقلة ألهميتها‪.‬‬

‫ولكن المهم هنا بيان أن الفتوى أمرها خطير‪ ،‬وش أنها جس يم‪ ،‬ول ذلك ق ال ص احب كت اب‬
‫( إعالم الموقعين ) كالم ا معن اه‪ " :‬وإذا ك ان التوقي ع عن المل وك بالمك ان ال ذي اليخفي‪ ،‬فكي ف‬
‫بالتوقيع عن هللا تعالى؟ "؛ ألن المفتي موقع عن رب العالمين بفتواه‪.‬‬

‫أعود فأقول‪ :‬إن لهذا التعبير معنيين‪-:‬‬

‫‪ .1‬معنى ظاهر وهو‪ :‬أن هذا التعبير يقال عن الذي يفتي بال دليل وال أثارة من علم‪ ،‬وقد جاء‬
‫النهي األكي د‪ ،‬والوعي د الش ديد لمن تج رأ على ذل ك‪ ،‬فق د ورد في الح ديث الص حيح عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إن أجرأكم على الفتوى أجرؤكم على النار " كم ا ثبت ذل ك‬
‫في السنن وغيرها‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة رضي هللا عنهم يتدافعون الفتوى تورعا‪ ،‬فيحيلها كل واح د على اآلخ ر رغب ة‬
‫أن يكفيه ذلك حتى تعود إلى األول‪ ،‬ولما سئل اإلمام مال ك رحم ه هللا تع الى عن مس ائل كث يرة لم‬
‫يجب إال عن عدد قليل ‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬فال يفتي اإلنس ان إال عن علم‪ ،‬وال يس تحي من ق ول ( ال أدري ) فإنه ا نص ف العلم‪ ،‬ومن‬
‫قال‪ :‬ال أداري فقد أفتي‪.‬‬

‫‪ .2‬يقال هذا التعبير لمن كان حافظا مطلعا اليحتاج إلى الرج وع إلى الكتب حين يف تي‪ ،‬فه و يف تي‬
‫من حافظته‪ ،‬وذلك لتمكنه من العلم ورس وخ قدم ه في ه‪ ،‬ولكن اس تعمال التعب ير في المع نى األول‬
‫أكثر وأظهر وهللا اعلم‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫أحكــام أســـــرية‬

‫‪104‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( على سنة هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم )‬


‫هذه العبارة يقصد بها أن العقد الشرعي للزواج مستوف للشروط‪ ،‬وأنه صحيح معتبر الغبار‬
‫عليه‪.‬‬

‫وكما سبق أن هذه العبارة تطلق على عقد النكاح الصحيح‪ ،‬والنكاح مشروع بالكتاب والسنة‬
‫واإلجماع‪.‬‬

‫فالكتاب قوله تعالى‪ " :‬فانكحوا ماطاب لكم من النساء" النساء (‪.)3‬‬

‫والسنة تدل عليه قوال وفعال تقريرا‪ ،‬من ذلك قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬يامعشر الشباب من‬
‫استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ "...‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫واإلجماع منعقد على مشروعيته‪ ،‬وقد حث عليه الشرع لما يترتب عليه من الفوائد الجليلة‪،‬‬
‫وحكمه ‪-:‬‬
‫والحكم العظيمة‪ ،‬ويدفع به من المفاسد الجسيمة فمن فوائده ِ‬
‫ِ‬

‫اإلبقاء على النوع اإلنساني‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫إعفاف كل من الزوجين اآلخر‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بناء المجتمع الذي نواته األسرة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫تكثير أمة النبي صلى هللا عليه وسلم لقوله‪ " :‬تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم األمم‬ ‫‪.4‬‬
‫يوم القيامة " رواه أحمد ‪.‬‬
‫إنجاب ذرية صالحة تعبد هللا تعالى‪ ،‬فال تنقطع عبادة هللا على األرض ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫مايحصل بالزواج من األلفة والمودة والرحمة بين الزوجين‪ ،‬فإن اإلنسان البد له من‬ ‫‪.6‬‬
‫شريك في حياته‪ ،‬يشاطره همومه وغمومه‪ ،‬ويشاركه أفراحة وأتراحه قال تعالى‪ " :‬ومن‬
‫آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك‬
‫آليات لقوم يتفكرون " الروم (‪.)20‬‬
‫مايحصل به من تقارب األسر وتآلف العائالت‪ " :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله‬ ‫‪.7‬‬
‫نسبا وصهرا وكان ربك قديرا" الفرقان (‪.)54‬‬

‫فاألسرة كيان متوازن‪ ،‬الزوج يكد ويكدح في الخارج بالكسب فينفق ويعول‪ ،‬والمرأة تدبر‬
‫المنزل‪ ،‬وتنظم المعيشة‪ ،‬وتربي األجيال‪ ،‬وتقوم بشئونهم‪ ،‬وبهذا تستقيم األحوال‪ ،‬وتنتظم األمور‪،‬‬
‫وبهذا نعلم أن للمراة في بيته عمال كبيرا اليقل عن عمل الرجل خارجه‪ ،‬وأنها إذا أحسنت القيام‬
‫بما أنيط بها فقد أدت للمجتمع خدمات كبيرة جليلة‪.‬‬

‫وفوائد النكاح التحصيها األقالم‪ ،‬والتحيط بها األفهام؛ ألنه نظام شرعي إلهي‪ ،‬سنه‬
‫ليحقق مصالح األخرى واألولى‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( وصية أم شفقة البنتها )‬


‫لما خطب عمرو بن حجر الكندي إلى عوف بن ملحم الشيباني ابنته أم إياس وأجابه إلى ذلك‬
‫أقبلت عليها أمها ليلة دخوله بها توصيها‪ ،‬فكان مما أوصتها به أن قالت‪ :‬أي بنية إنك مفارقة بيتك‬
‫الذي منه خرجت‪ ،‬وعشك الذي منه درجت‪ ،‬إلى رجل لم تعرفيه‪ ،‬وقرين لم تألفيه‪ ،‬فكوني له أمة‬
‫يكن لك عبدا‪ ،‬واحفظي له خصاال عشرا يكن لك ذخرا‪ ،‬فأما األولى والثانية فالرضا بالقناعة‬
‫وحسن السمع والطاعة‪ ،‬وأما الثالثة الرابعة فالتفقد لمواضع عينيه وأنفه‪ ،‬فال تقع عينه منك على‬
‫قبيح‪ ،‬وال يشم أنفه منك إال أطيب الريح‪ ،‬وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت طعامه ومنامه؛ فإن‬
‫شدة الجوع ملهبة‪ ،‬وتنغيص النوم مغضبة‪ ،‬وأما السابعة والثامنة فاإلحراز لماله واإلرعاء على‬
‫حشمه وعياله‪ ،‬وأما التاسعة والعاشرة فال تعصي له أمرا‪ ،‬والتفشي له سرا؛ فإنك إن خالفت أمره‬
‫أوغرت صدره‪ ،‬وإن أفشيت سره لم تأمني غدره‪ ،‬وإياك ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتما‬
‫أي مهموما‪ ،‬والكآبة لديه إذا كان فرحا‪ ،‬فقبلت وصية أمها فأنجبت وولدت له الحارث بن عمرو‬
‫جد امريء القيس الملك الشاعر‪.‬‬

‫ثم اعلم أن للزواج أحكاما وآدابا وحقوقا على كل من الزوجين‪ ،‬من أرادها فعليه بكتب الفقه‬
‫والحديث ككتاب ( األسرة أحكام وأدلة ) للشيخ الصادق الغرياني‪.‬‬

‫( عيلــة دردنو )‬
‫عيلة = عائلة‪.‬‬

‫هذا التعبير يطلق على العائلة الفوضوية التي فقدت األدب والتقدير بين أفرادها‪ ،‬فال أصل‬
‫والفصل‪ ،‬وال انسجام وال احترام‪ ،‬وال يقصد بها عائلة معينة‪ ،‬وإنما هو وصف لكل عائلة كانت‬
‫بتلك األوصاف والنعوت السابقة ‪.‬‬

‫إن اإلسالم اهتم باألسرة أيما اهتمام‪ ،‬وحرص على بنائها بناء صحيحا‪ ،‬اهتم بها قبل وجودها‬
‫وتكوينها وذلك بحسن اختيار الزوجين؛ ألنهما ركنا األسرة األساسيان‪ ،‬واهتمام اإلسالم باألسرة‪،‬‬
‫ألنها أساس المجتمع منها تفترق األمم وتنتشر الشعوب ‪.‬‬

‫فاألسرة نواة المجتمع‪ ،‬وبصالحها يصلح الفرد بل المجتمع بأسره وإذا صلح المجتمع صلحت‬
‫األمة كلها‪ ،‬فاألسرة شأنها خطير‪ ،‬وأمرها جسيم‪ ،‬ولذلك حدد اإلسالم معالمها في حسن اختيار‬
‫الزوجين‪ ،‬وفي حسن تربية األوالد‪ ،‬ففي شأن الزوج قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬إذا خطب إليكم‬
‫من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‪ ،‬إال تفعلوا تكن فتنة في األرض وفساد عريض " رواه‬
‫الترمذي‪ ،‬وفي شأن الزوجة قال صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬تنكح المرأة ألربع‪ :‬لمالها ولحسبها‬
‫وجماله ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري‪ ،‬فأرشد عليه الصالة والسالم إلى‬
‫وصفين في حق الزوج‪:‬‬
‫‪ .2‬الخلق‪.‬‬ ‫‪ .1‬الدين‪.‬‬

‫وفي حق الزوجة إلى الدين‪.‬‬

‫وأما ثالثة األثافي‪ :‬فحسن تربية األوالد‪ ،‬فهذه البد منها‪ ،‬وبها يكتمل بناء صرح األسرة‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وتربية األوالد أمر هللا تعالى بها في كتابه‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ‪"....‬‬
‫التحريم (‪ ،)6‬قال علي رضي هللا عنه‪ " :‬علموهم وأدبوهم "‪ ،‬وقال الحسن‪ " :‬مروهم بطاعة هللا‬
‫وعلموهم الخير"‪ ،‬وفي الحديث‪ " :‬مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها‬
‫وهم أبناء عشر سنين‪ ،‬وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه الحاكم والترمذي وحسنه‪.‬‬

‫فتربية األوالد مسئولية الزوجين‪ ،‬وهما مسئوالن أمام هللا تعالي على هذه األمانة‪ ،‬قال عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ...." :‬أال فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري‪.‬‬

‫كذلك تقوم األسرة على أساس من التفاهم‪ ،‬وتمارس أعمالها بتشاور‪ ،‬وتبني حياتها على‬
‫التراضي‪ ،‬هذا بيان قرآني بليغ‪ ،‬يجلي هذه المبادئ السامية‪ ،‬فعند إرضاع األوالد وفطامهم يقول‬
‫هللا تعالى‪ " :‬والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " إلى قوله‪:‬‬
‫" فإن أرادا فصاال عن تراض منهما وتشاور فال جناح عليهما " البقرة (‪.)231‬‬

‫ولمعرفة مايتعلق باألسرة من فقه وأحكام انظر كتاب " األسرة أحكام وأدلة " للشيخ‬
‫الصادق الغرياني‪.‬‬

‫( اللي متربي من عند ربي )‬


‫متربي = مربى‪.‬‬ ‫اللي = الذي‪.‬‬

‫هذه العبارة صحيحة إلى حد ما‪ ،‬والبد فيها من التفصيل حتى يتبين صوابها من خطئها‪،‬‬
‫وقبل التفصيل أقول‪ :‬إن كثيراً من الناس يحتجون بهذه العبارة على تقصيرهم وتفريطهم في تربية‬
‫أوالدهم‪ ،‬فإذا لمت أحدهم على سوء أدب ولده قال‪ " :‬هللا غالب‪ -‬ماذا افعل؟‪ -‬المتربي من عند‬
‫ربي ‪ ...‬وهكذا "‪.‬‬
‫واعلم أن األخالق قسمان‪-:‬‬
‫‪ .1‬جبلية‪ :‬جبل هللا العبد عليها وهذا الذي يقصده الناس بقولهم‪ " :‬المتربي من عند ربي"‪.‬‬
‫‪ .2‬مكتسبة بالممارسة والرياضة‪.‬‬

‫وقد دل على هذين القسمين حديث أشج بن عبد القيس‪ " :‬عندما قال له رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬إن فيك خلتين يحبهما هللا ورسوله‪ :‬الحلم واألناة‪ ،‬قال‪ :‬يارسول هللا أنا أتخلق بهما أم هللا‬
‫جبلني عليهما؟‪ ،‬قال‪ :‬بل هللا جبلك عليهما‪ ،‬قال‪ :‬الحمد هلل الذي جبلني على خلتين يحبهما هللا‬
‫ورسوله " رواه أبوداود‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬

‫تحلم عن األدنين واستبق ودهم *** ولن تستطيع الحلم حتى تحلما‬

‫والخلق‪ :‬هيئة راسخة في النفس‪ ،‬تصدر عنها األفعال بال فكر والروية‪ ،‬فإن كانت األفعال حسنة‬
‫قيل خلق حسن‪ ،‬وإن كانت األفعال سيئة قيل خلق سيئ‪.‬‬

‫فاألخالق قابلة بطبعها لتأثير التربية الحسنة والسيئة فيها‪ ،‬واإلسالم اعتنى بتربية األوالد ابتداء‬
‫من اختيار الزوجة‪ ،‬ومن هنا يأتي سؤال يطرح نفسه وهو‪ :‬متى تبدأ تربية األوالد وفي أي سن‬
‫تكون؟‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫والجواب قد يكون محيرا عجيبا‪ ،‬وهو أن تربية األوالد تبدأ قبل الزواج وذلك باختيار الزوجة‬
‫الصالحة؛ ألن الولد يتأثر بأخالق أمه وصفاتها‪ ،‬ثم هو بعد والدته يكون ألصق بأمه من أبيه‪ ،‬فهي‬
‫التي تحضنه وترضعه وتربيه فيكتسب منها أخالقها وطباعها وصفاتها وعليه‪ :‬فإذا عرف السبب‬
‫بطل العجب‪.‬‬

‫واإلسالم يقرر أن للولد حقوقا على والده يجب عليه أداؤها له‪ ،‬وآدابا يلزمه القيام بها‬
‫إزاءه‪ ،‬وتتمثل ابتداء في اختيار والدته‪ ،‬وحسن تسميته‪ ،‬وذبح عقيقته عنه يوم سابعه وختانه‬
‫ورحمته والرفق به‪ ،‬والنفقة عليه وحسن تربيته‪ ،‬واالهتمام بتثقيفه وتأديبه وأخذه بتعاليم اإلسالم‪،‬‬
‫وتمرينه على أداء فرائضه وسننه وآدابه حتى إذا بلغ زوجه ثم خيره بين أن يبقى تحت رعايته‬
‫وبين أن يبني مجده بيده‪ ،‬والنصوص على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة قال هللا تعالى‪ ":‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا‪ "...‬التحريم (‪ ،)6‬قال ابن جرير رحمه هللا تعالى‪ " :‬فعلينا أن‬
‫نعلم أوالدنا الدين والخير وما اليستغني عنه من األدب "‪ ،‬وروي عنه عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫" أكرموا أوالدكم وأحسنوا أدبهم فإن أوالدكم هدية إليكم " رواه ابن ماجة‪ ،‬وقال أيضا‪ " :‬مروا‬
‫أوالدكم بالصالة وهم ابناء سبع سنين‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في‬
‫المضاجع " رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬

‫وجاء في األثر ( من حق الولد على الوالد‪ :‬أن يحسن أدبه ويحسن اسمه )‪ ( ،‬وما نحل‬
‫والد ولدا أفضل من أدب حسن )‪ ،‬وقال عمر رضي هللا عنه‪ " :‬من حق الولد على الوالد‪ :‬أن‬
‫يعلمه الكتابة والرماية وأال يرزقه إال حالال طيبا "‪ ،‬ويُروى عنه أيضا قوله‪ " :‬تزوجوا في الحجر‬
‫الصالح فإن العرق دساس "‪ ،‬ولمزيد من ذلك انظر كتاب " تحفة المودود بأحكام المولود "‬
‫للعالمة شمس الدين أبي عبدهللا بن قيم الجوزية؛ فإنه أفاد وأجاد فجزاه هللا خيراً‪.‬‬

‫( بـنـت المف ّوز على عيون بوها تتزوج )‬


‫بوها = أبيها ‪.‬‬ ‫المفوّز = ذو الحسب والنسب أو المال والجاه ‪.‬‬

‫المعنى أن البنت الحس يبة النس يبة ‪ ،‬ذات الم ال والج اه ‪ ،‬تت اح له ا فرص ة ال زواج أك ثر من‬
‫غيرها ؛ لكونها بنت فالن وعالن ‪ ,‬فلمكان ة أس رتها وعائلته ا الرفيع ة حص لت الرغب ة فيه ا وإن‬
‫كانت دميمة كما قيل ‪ ":‬من أجل عين تكرم عين" ‪ ,‬وعلى ه ذا درج الع رب ق ديما وح ديثا ‪ ,‬ولم ا‬
‫جاء اإلسالم بيّن هذه المسألة وأرشد إلى الصواب فيها ‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬تنكح الم رأة‬
‫ألربع ‪ :‬لمالها ‪ ,‬ولحسبها ‪ ,‬ولجمالها ‪ ,‬ولدينها ‪ ,‬فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه ‪.‬‬
‫يخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أن ال ذي ي دعو الرج ال إلى اختي ار الم رأة زوج ة ه و أح د ه ذه‬
‫األمور األربعة ‪ ,‬فبعضهم يريد المرأة لحس بها ولش رف أس رتها ‪ ,‬وبعض هم يري د الم ال ال ثراء ‪,‬‬
‫فنظرت ه مادي ة بحت ة ‪ ,‬وبعض الرج ال يطلب الجم ال ‪ ,‬ويهيم في الحُـسن الظ اهري ‪ ,‬فنظرت ه‬
‫سطحية ‪ ,‬وبعض الرجال يبحث عن الدين والتقى ‪ ,‬فهو مقص ده وم راده ‪ ,‬وه ذه الص فة هي ال تي‬
‫حث عليها النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله ‪ " :‬فاظفر بذات الدين ت ربت ي داك " ؛ ألن من ت زوج‬
‫المرأة لمالها فالمال غاد ورائح ‪ ،‬فال يوثق بدوام األلفة ‪ ،‬السيما إذا ق ّل المال ‪ ،‬وق د قي ل ‪ :‬عظم ك‬
‫عند استغاللك ‪ ،‬واستقلك؟ عند إقاللك ‪ ،‬وأما الجمال ف إذا ك ان مع ه ال دين فحس ن ‪ ،‬وأم ا إذا ك ان‬
‫القصد مجرد الجمال ‪ ،‬واكتفى به عن سائر الخصال فقد نهى النبي صلى هللا عليه وس لم عن ذل ك‬
‫بقوله ‪ " :‬ال تنكحوا النساء لحسنهن فلعله يرديهن ‪ ،‬وال لمالهن فلعله يطغيهن ‪ ،‬وانكحوهن لل دين ‪،‬‬

‫‪108‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وألمة سوداء خرقاء ذات دين أفض ل " أخرج ه ابن ماج ه وال بزار ‪ ،‬وق ال الش يخ أحم د ش اكر ‪:‬‬
‫إسناده صحيح ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫خيرية بعض األمور‬

‫‪110‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( خير البر عاجله )‬


‫البر كله خير‪ ،‬وأحسنه أعجله‪ ،‬والبر هو اسم جامع لجميع أبواب الخير‪ ،‬سواء فيما يتعلق بفعل‬
‫الطاعات أو فيما يتعلق بمعاملة الخلق واإلحسان إليهم‪ ،‬ولذلك قال هللا تعالى‪ " :‬ليس البر أن تولوا‬
‫وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر ‪ )....‬البقرة اآلية (‪،)176‬‬
‫وقال عليه الصالة السالم‪ " :‬البر حسن الخلق " رواه مسلم‪.‬‬

‫وقال ابن عمر رضي هللا عنهما‪:‬‬

‫( البر شيء هين *** وجه طلق وكالم لين)‬

‫هذا بالنسبة إلى البر‪ ،‬فإذا انضاف إلى ذلك المبادرة والمسارعة إليه كان ذلك نورا على نور‪.‬‬

‫فعجل فخير البر يحمد عاجال *** وأوف فوعد الحر دين به الحر‬

‫ولذلك حث الشارع الحكيم على المبادرة إلى فعل الخير قال تعالى‪ " :‬فاستبقوا الخيرات " المائدة‬
‫(‪ ،)50‬وقال أيضا‪ " :‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات واألرض ‪ "....‬آل‬
‫عمران اآلية (‪.)133‬‬

‫واألحاديث في ذلك كثيرة منها مارواه أبو هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬بادروا باألعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ويمسي‬
‫مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا " رواه مسلم ‪.‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم أيضا‪ " :‬التؤدة في كل شي خير إال في عمل اآلخرة " رواه الحاكم‬
‫وأبو داود‪ ،‬والتؤدة هي التأني‪.‬‬

‫وتالحظ أن هللا تعالى لما تكلم على أمور اآلخرة من الجنة والمغفرة أمر بالمسارعة والمسابقة‪،‬‬
‫ولما تكلم على أمور الدنيا من الرزق ونحوه لم يأمر بشيء من ذلك‪ ،‬وإنما أمر بالمشي وهو دون‬
‫المسارعة قال سبحانه‪ " :‬فامشوا في مناكبها " الملك اآلية (‪ ،)16‬وذلك ألن الرزق مضمون‪ ،‬قد‬
‫تكفل هللا به‪ ،‬ويأتي بسبب وبغير سبب‪ ،‬وأما أمور اآلخرة فهي التي ينبغي للعبد أن يسعى إليها‬
‫سعيا حثيثا‪.‬‬

‫( خير الكالم ماق َّل ود َّل ولم يَطل فيُم َّل )‬


‫هذا التعبير قريب من قولهم ‪ ( :‬لمحة دالة ) إذا كان الكالم قليال جدا قد دل على المراد‪ ،‬ثم اعلم‬
‫أن البليغ وتارة يسهب ويطنب وتارة يأتي بالعبارة بين بين على حسب ماتقتضيه حال المخاطب‬
‫والمقام ‪.‬‬

‫فاإليجاز هو جمع المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل مع اإلبانة واإلفصاح مثل قوله‬
‫تعالى‪ " :‬أال له الخلق واألمر" األعراف (‪ ،)53‬تضمنت هذه اآلية الكريمة على قلة ألفاظها كل‬
‫شيء‪ ،‬حتى لقد روي عن ابن عمر رضي هللا عنهما عندما قرأها ( من بقي له شي فليطلبه)‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وأما اإلسهاب و اإلطناب فهو زيادة اللفظ على المعني لفائدة كقوله تعالى‪ " :‬رب اغفر لي‬
‫ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات " نوح (‪.)30‬‬

‫ولقد بعث هللا سبحانه محمدا صلى هللا عليه وسلم بجوامع الكلم كما في الصحيحين‪ " :‬بعثت‬
‫بجوامع الكلم "‪ ،‬قال اإلمام النووي رحمه هللا تعالى‪ ( :‬جوامع الكلم فيما بلغنا أن هللا تعالى يجمع‬
‫له األمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في األمر الواحد واألمرين ونحو ذلك ) فقد‬
‫اختصر له عليه الصالة والسالم الكالم اختصارا‪ ،‬وجوامع الكلم الذي أوتيه النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم نوعان‪:‬‬

‫‪ .1‬ماهو في القرآن الكريم كما سبق اآلية‪.‬‬


‫‪ .2‬ماهو من كالمه عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهو منتشر في السنن المأثورةعنه صلى هللا عليه‬
‫وسلم كقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬قل‪ :‬آمنت باهلل ثم استقم " والحديث رواه مسلم‪ ،‬وهو‬
‫على قلة ألفاظه شمل الدين كله‪.‬‬

‫ومن أحسن ما ألف في هذا الباب‪ :‬األربعون النووية لإلمام النووي مع شرحها جامع العلوم‬
‫والحكم للحافظ ابن رجب رحم هللا الجميع‪.‬‬

‫( الكالم الزين ينعطى في الدين )‬


‫ينعطى = يعطى ‪.‬‬

‫هذا التعبير يدل على فضيلة الكالم الحسن‪ ،‬ومن النت كلمته وجبت محبته‪ ،‬وقد ورد في الحديث‬
‫قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬والكلمة الطيبة صدقة " رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وقبل ذلك قوله‬
‫تعالى‪ " :‬وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن " اإلسراء (‪ ،)53‬وقوله‪ " :‬وقولوا للناس حسنا "‬
‫البقرة (‪.)82‬‬

‫من الناس من لفظه لؤلؤ *** يبادره اللقط إذ يلفظ‬


‫ومنهم من لفظه كالحصى *** يقــال فيلغي ويلتفظ‬

‫وهذا كما سبق يدل على أثر الكلمة الطيبة وقيمتها حتى كأنها يحصل بها سداد جزء من الدين‪ ،‬بل‬
‫إن الكلمة الطيبة أفضل من ذلك‪ ،‬فبها يتقي العبد النار كما قال عليه الصالة السالم‪ " :‬اتقوا النار‬
‫ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة " متفق عليه‪ ،‬وقيل أن معنى التعبير أن الذي يريد أن‬
‫يستدين من آخر تملقه وأعطه حالوة في الكالم‪ ،‬فكل خاطب على لسانه تمرة؛ ألنه صاحب‬
‫مصلخة ومحتاج‪ ،‬فإذا قضى مصلحته انقلب الحال كما قيل‪ " :‬ظليت اصلي حتى حصلي فلما‬
‫حصلي بطلت اصلي "‪.‬‬
‫وأما ال َديْن فقد قالوا عنه‪ " :‬الدين ذل بالنهار وهم بالليل "‪ " ،‬والسلف تلف "‪ ،‬فال يلجأ‬
‫إليه العبد إال مضطرا‪ ،‬ومن خطورته أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان ال يصلي على من مات‬
‫وعليه دين‪ ،‬فلما فتح هللا عليه صار يصلي على الجميع‪ ،‬ويقضي دين المدينين عليه الصالة‬
‫والسالم ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( كل تأخيرة فيها خيرة – الخيرة فيما اختاره هللا )‬


‫قال تعالى‪ " :‬وربك يخلق مايشاء ويختار ماكان لهم الخيرة سبحان هللا وتعالى عما يشركون "‬
‫القصص اآلية (‪ ،)68‬وقال أيضا‪ " :‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضي هللا ورسوله أمراً أن‬
‫تكون لهم الخيرة من أمرهم " األحزاب اآلية (‪.)37‬‬
‫الشك في أن الخير كله فيما اختاره هللا تعالى‪ ،‬فاختيار هللا تعالى لنا خير لنا من اختيارنا‬
‫ألنفسنا‪ ،‬وينبغي أن يكون هذا اعتقاد كل مسلم‪ ،‬فال يسئ أحد الظن بربه‪ ،‬بل يحسن الظن به‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫التسيء باهلل ظنا يافتى *** إن سوء الظن باهلل عطب‬

‫ولذلك قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬والذي نفس بيده اليقضي هللا للمؤمن قضاء إال كان خريرا له‪،‬‬
‫إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر " رواه أحمد في مسنده‪.‬‬

‫كم مرة حفت بك المكاره *** خار لك هللا وأنت كاره‬

‫فقضاء هللا تعالى كله خير ورحمة‪ ،‬وعدل وحكمة‪ ،‬فاهلل تعالى أرحم بعبده المؤمن من والدته بل‬
‫أرحم به من نفسه‪ ،‬ولو تركنا الختيارنا لهلكنا‪ ،‬ولكن هللا لطف بنا فتولى أمرنا‪ ،‬فاهلل تعالى‬
‫اليقضي لعبده شرا محضا‪ ،‬بل وإن أصابه شيء من المكروه من مرض وفقر ونحو ذلك‪ ،‬فهو‬
‫خير إن قابله بالصبر والرضا‪ ،‬ففي ذلك من تكفير للسيئات‪ ،‬ورفعة للدرجات‪ ،‬وكثرة للحسنات ما‬
‫هللا به عليم ‪.‬‬

‫رب أمـــر تتقـيـه *** جــر أمــرا ترتضيه‬


‫ظهر المكروه منه *** وخفي المحبوب فيه‬

‫فقضاء هللا وتقديره ال شر فيه البتة‪ ،‬بل كله خير‪ ،‬وإنما الشر في المخلوق قال تعالى‪ " :‬من شر‬
‫ماخلق " الفلق اآلية (‪ ،)2‬وقال عليه الصالة والسالم في الحديث الذي رواه مسلم‪ " :‬والشر ليس‬
‫إليك "‪.‬‬

‫ثم الشك في أن العبد في خير ما دام قد استخار هللا تعالى‪ ،‬واستشار المخلوق‪ ،‬وثبت في‬
‫أمره‪ ،‬فال يدري الخير متى يأتي‪ ،‬فقد يكون في أول األمر وقد يكون في آخره‪.‬‬

‫العبد ذو ضجر والرب ذو قـدر *** والدهر ذو دول والرزق مقسوم‬


‫والخير أجمع فيما اختيار خالقنا *** وفـي اختيار ســواه اللوم والشـوم‬

‫وقد ورد الحديث عن جابر رضي هللا عنه قال‪ " :‬كان النبي صلى هللا ليه وسلم يعلمنا االستخارة‬
‫في األمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن‪ ،‬يقول‪ :‬إذا ه ّم أحدكم باألمر فليركع ركعتين من غير‬
‫الفريضة ثم ليقل‪ :‬اللهم إني أستخيرك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسالك من فضلك العظيم؛ فإنك‬
‫تقدر وال أقدر‪ ،‬وتعلم وال أعلم‪ ،‬وأنت عالم الغيوب‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أن هذا األمر خير لي في‬
‫ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله‪ ،‬فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه‪،‬‬
‫وإن كنت تعلم أن هذا األمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله‬

‫‪113‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فاصرفه عني‪ ،‬واصرفني عنه‪ ،‬واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به " قال ويسمي حاجته‪،‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬

‫إذا بـلـغ الرأي المشــورة فاستـعـن *** بـرأي نصيح أو نصيحة حــازم‬
‫والتجعل الشورى عليك غضاضة *** مكان الخــوافـي قــوة للقـــوائــم‬
‫وأدن إلـى الشـورى المسـدد رأيــه *** والتشهد الشورى امراً غير كاتم‬

‫فإذا صدئ الرأى صقلته المشـورة‪ ،‬ولــن يـعــدم المشاور مــرشـــداً‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫العــــلم والتعلــــــم‬
‫والعلماء‬

‫‪115‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( انشد على دينك لين يقولوا مهبول )‬


‫لين = حتى ( لعلها منحوتة من " إلى – أن " )‪ ،‬مهبول = مجنون ‪.‬‬

‫المنبغي على العبد أن يسأل عن أمور دينه كبيرها وصغيرها‪ ،‬وال يقدم على شيء حتى يعلم حكم‬
‫هللا فيه‪ ،‬هل هو حالل أم حرام؟ الكما يفعل بعض الناس‪ ،‬يعمل الشيء ثم يسأل عن حكمه ‪ -‬إن‬
‫سأل‪ -‬بعد تمامه‪ ،‬ولكن في هذا التعبير شيء من التفصيل ‪.‬‬

‫إن كان السائل طالب علم يريد التعلم فال بأس أن يسأل عن مسائل وإن لم تقع‪ ،‬فله أن‬
‫يسأل حتى عن المسائل االفتراضية؛ ألن المقام مقام تعليم والحال أن الوحي قد انقطع فلن يحرم‬
‫شيء بمسألته‪ ،‬والنهي " أي النهي عن كثرة السؤال " كان لعلة‪ ،‬فلما زالت زال الحكم بزوالها‪،‬‬
‫وأما إن لم يكن السائل طالب علم فليس له أن يسأل إال عن المسائل الواقعة‪ ،‬أما ما لم يقع فال‪ ،‬وقد‬
‫كان الصحابة رضي هللا عنهم إذا سئلوا عن المسائل التي لم تقع قالوا للسائل‪ :‬دعها تقع‪ ،‬فإذا‬
‫وقعت أجبنا عليها‪.‬‬

‫وال ينبغي للعبد أن يمنعه الحياء عن التفقه في أمر دينه‪ ،‬حتى في المسائل الخاصة جدا؛‬
‫ولذا قالت عائشة رضي هللا عنها‪ " :‬نعم النساء نساء األنصار‪ ،‬لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في‬
‫الدين " رواه مسلم‪ ،‬والدليل على ذلك سؤال أم سليم امراة أبي طلحة للنبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫في أمر خاص جدا (الغسل من الجنابة) والحديث متفق عليه ‪.‬‬

‫قال مجاهد‪ " :‬اليتعلم العلم مستحي وال مستكبر "‪ ،‬والحياء المانع من التفقه والسؤال عن حكم‬
‫الشرع حياء مذموم‪ ،‬وليس هو الحياء المحمود‪ ،‬بل ليس حياء أصال؛ ألن الحياء كله خير‪،‬‬
‫واليأتي إال بخير‪.‬‬

‫( بعد ماشاب خش ال ُكتاب)‬


‫خش = دخل (عربية صحيحة) جاء في اللسان " خش في الشيء خشا ‪ .‬دخل ‪.‬‬

‫وجاء في الصحاح ‪ :‬خششت في الشيء ‪ :‬دخلت‪.‬‬

‫ال ُكتاب= المكتب ‪ :‬وهو موضع التعليم كما جاء في اللسان وجمعه كتاتيب كما في مختار‬
‫الصحاح‪.‬‬

‫هذا التعبير في الحقيقة تعبير سيئ جدا‪ ،‬فقراءة القرآن اليختص به ا الص غار دون الكب ار‬
‫فكالم هللا تعالى " القرآن " نزل للجميع سواء كانوا صغاراً أم كب اراً‪ ،‬ثم إن ه ذا التعب ير في ه ص د‬
‫عن الخير‪ ،‬فالهداية قد تدرك الرجل كبيرا‪ ،‬ف إذا أراد أن يقب ل على كت اب هللا تع الى وتعلم الق رآن‬
‫في الكتاب صده هذا التعبير وأحجم خشية التعيير به ذا التعب ير " بع د م ا ش اب خش الكت اب " ثم‬
‫لألسف صار هذا التعبير مضرب سوء‪ ،‬فكل من فاته أمر أو أدركه متأخراً قيل له ذلك التعبير‬

‫‪116‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فصار " الكتاب " وهو مركز تحفيظ القرآن يذكر في سياق مشين‪ ،‬والح ول والق وة إال باهلل العلي‬
‫العظيم‪ ،‬وال أستبعد أن هذا التعبير وغيره كثير(‪ )1‬قد بثه أعداؤنا فينا فلننتبه لذلك‪.‬‬

‫( بيع الدار واشري االذكار )‬


‫واشري = واشتر‪.‬‬ ‫بيع = بع‪.‬‬

‫هذا ا لتعبير يدل على نبل مجتمعنا الليبي‪ ،‬وعلى عمق محبته للعلوم الشرعية إلى درج ة‬
‫أن يبيع داره التي يسكنها ليشتري كتاب األذكار‪ ،‬كما يدل هذا التعبير على نفاسة كت اب (األذك ار)‬
‫وجاللة قدره‪ ،‬وال غرور في ذلك فإنه قد تضمن أحاديث المصطفى صلى هللا علي ه وس لم ال واردة‬
‫في أعمال اليوم والليلة‪ ،‬من األذكار والدعوات‪ ،‬كما تضمن نفائس من علوم الدين والفقه ومهم ات‬
‫القواعد واآلداب التي يتأكد معرفتها‪ ،‬وال غرابة في هذا التعب ير‪ ،‬فق د ك ان أه ل العلم ي بيع أح دهم‬
‫حاجاته األصلية في سبيل طلب العلم الشرعي‪ ،‬وشراء الكتب الشرعية ‪.‬‬

‫وكتاب (األذكار) لإلمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا يحيي بن ش رف الن ووي‬
‫(‪676-631‬هـ)‪ ،‬ويس مى الكت اب أيض ا " حلي ة األب رار وش عار االخي ار في تلخيص ال دعوات‬
‫واألذك ار المتس حبة في اللي ل والنه ار "‪ ،‬وينبغي لك ل مس لم اقتن اؤه لعظيم فائدت ه‪ ،‬ففي ه األذك ار‬
‫الواردة عن النبي صلى هللا عليه وسلم والتي ال يستغني عنه مسلم‪.‬‬

‫فائدة ‪-:‬‬

‫ذكر هللا تعالى عبادة عظيمة‪ ،‬وقربة جليلة‪ ،‬أمر هللا تعالى بها في كتابه العزيز‪ ،‬بل وأم ر باإلكث ار‬
‫من ذلك فقال سبحانه‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا هللا ذكرا كث يرا " األح زاب اآلي ة (‪ ،)41‬وق ال‬
‫بعض أهل العلم‪ :‬اليعتبر العبد مكثرا من ذكر هللا تع الى ح تى ي ذكر هللا تع الى في جمي ع أحوال ه‪،‬‬
‫قائما وقاعد ومضطجع‪ ،‬ولذكر هللا تعالى فوائدة كثيرة تربو على المائة فائ دة‪ ،‬ذك ر منه ا ص احب‬
‫كتاب الوابل الصيب بضعا وسبعين فائدة ‪.‬‬

‫ومن الكتب المختصرة المفيدة في هذا الباب " حصن المسلم " للقحطاني وهو كتاب جيبي صغير‬
‫الجحيم كبيرة الفائدة‪ ،‬يسهل اقتناؤه فعليك به‪.‬‬

‫( حامل كتاب هللا )‬


‫هذا الوصف يطلق على من حفظ القران الكريم كامال عن ظه ر قلب‪ ،‬وه ذا الوص ف من‬
‫أوصاف التبجيل واالحترام‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث‪ " :‬إن هلل أهلين من الناس‪ ،‬فقالوا من هم يارس ول هللا ؟ ق ال‪ :‬أه ل الق رآن هم‬
‫أهل هللا وخاصته "‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪-----------------------------------‬‬
‫مثل‪ ( :‬تاجوراء ماريتيش عمر – عيشة راجل – تبقى على خير يام عيشة – عادت حليمة الى عادتها القديمة – عطيني السم‬ ‫‪.1‬‬
‫في عصبانتك ياحوا‪ -‬من تعطي بختها الختها إال عيشة المهبولة – حليمة الز‪ ....‬عذرا‪ ،‬فكل هذه العبارات المدسوسة تسربت‬
‫إلينا من أعدائنا واستعملناها على غفلة منا‪ ،‬وتالحظ أن هذه األسماء أسماء للصحابة الكرام‪ ،‬وألمنا حواء‪ ،‬وتجدها سيقت في‬
‫معرض الذم والسخرية واالستهزاء‪ ،‬مساقا مهينا مما يسيء إلى أشخاص الصحابة الكرام‪ ،‬وأسمائهم‪ ،‬ولو لم يكن في هذا إال‬
‫التنفير من أسمائهم لكفى به بالء‬

‫‪117‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وعن أبي موسى رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إن من إجالل هللا‬
‫تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم‪ ،‬وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه‪ ،‬وإكرام ذي السلطان‬
‫المقسط " حديث حسن‪ ،‬رواه أبوداود‪.‬‬

‫وفي الحديث اآلخر عن عثمان رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬خيركم‬
‫من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري‪.‬‬

‫هذي المكارم القعبان من لبن *** شربت فعادت بعد الشرب أبو اال‬
‫" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " المطفيين (‪.)26‬‬

‫العمر يفنى والشباب يشيب *** وقارئ القرآن ليس يخيب‬


‫ورحمة هللا على اإلمام الشاطبي إذ يقول‪:‬‬

‫فـيـا أيــهـا القــــاري بــــه متمسكــا *** مجال له فـي كـل حـال مبجـال‬
‫هـنـيـئـا مـــريـئـا والــــداك عليهمـا *** مالبس أنوار من التاج والحال‬
‫فــمـا ظنكم بالنـجـل عـنـد جــزائــه *** أولئك أهل هللا والصفوة المـال‬
‫أولو البر واإلحسان والصبر والتقي *** حالهم بها جاء القران مفصال‬
‫عليك بــه مـاعشت فـيـهـا مـنـافـسـا *** وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العال‬

‫( حرمهُ في المذاهب األربعة )‬


‫هذه العبارة يقصدون بها أن هذا األمر محرم تحريما شديدا أكيدا‪ ،‬حتى يكاد يكون أمرا إجماعيا‬
‫متفقا عليه‪ ،‬وإن كان اتفاق األئمة األربعة اليعتبر إجماعا؛ ألنه ثمة مذاهب أخرى‪ ،‬وأقوال ألئمة‬
‫كبار ليسوا بأصحاب مذاهب ‪.‬‬

‫وهذه نبذة مختصرة عن هذا الموضوع فأقول‪ :‬لقد شاعت في أوساط المسلمين عدة‬
‫مذاهب سنية منها‪ :‬ماكتب لها البقاء فقامت وانتشرت‪ ،‬ومنها مذاهب لم تقم‪ ،‬ولم يكتب لها البقاء‬
‫وذلك يرجع ألمور منها‪:‬‬

‫إما لعدم تدوين أصحابها لها‪ ،‬وإما عدم وجود تالميذ يقومون عليها‪ ،‬أو ألسباب أخرى كما قال‬
‫اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى عن سبب اندثار مذهب الليث بن سعد‪ " :‬إال أن أصحابه لم يقوموا‬
‫به " فأول هذه المذاهب المشهورة المتبوعة ‪-:‬‬

‫المذهب الحنفي‪:‬‬
‫ينسب هذا المذهب إلى اإلمام أبي حنيفة النعمان (‪150-80‬هـ)‪ ،‬وهو يعد إمام أصحاب‬
‫الرأي وفقيه العراق‪ ،‬تخرج على يد حماد بن أبي سليمان الذي تفقه على إبراهيم النخغي‪ ،‬قال‬
‫اإلمام الشافعي‪ " :‬الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة "‪ ،‬وقد وضح منهجه في االستنباط بقوله‪:‬‬
‫" إني آخذ بكتاب هللا إذا وجدته‪ ،‬فما لم أجد فيه أخذت بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم واآلثار‬
‫الصحاح عنه‪ ،‬التي فشت في أيدي الثقات‪ ،‬فإذا لم أجد في كتاب هللا والسنة رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم ال أخرج من قولهم إلى قول‬

‫‪118‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫غيرهم‪ ،‬فإذا انتهى األمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب (يريد‬
‫المجتهدين من التابعين ) فلى أن اجتهد كما اجتهدوا "‪.‬‬

‫وقد اتسعت المسائل الفقهية على يد أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬فكانوا يفرضون صورا للمسائل‬
‫ويلتمسون لكل صورة جوابا‪ ،‬وبهذا خالفوا سنة من كان قبلهم ممن اليفرضون حوادث وال‬
‫ينظرون إال في أحكام الحوادث التي وقعت بالفعل‪ ،‬وقد كان ألبي حنيفة أصحاب أخذوا العلم عنه‬
‫وشاركوه في الرأي واالستنباط‪ ،‬ونمت بهم مسائل مذهبه وكثرت‪ ،‬وقد امتزجت أقوالهم بأقوال‬
‫إمامهم وسميت جملة ذلك بمذهب أبي حنيفة‪ ،‬مع أنها خليط من آرائه وآراء تالميذه‪ ،‬ولم ينفصلوا‬
‫عنه كما انفصل الشافعي عن شيخه مالك‪ ،‬وكما انفصل أحمد عن شيخه الشافعي وكون كل واحد‬
‫منهم مذهبه المستقل ‪.‬‬

‫وهذا المذهب منتشر اآلن في بالد الهند والسند بكثرة‪ ،‬وهو السائد في البلد التركية ‪.‬‬

‫المذهب المالكي‪:‬‬
‫ينسب هذا المذهب إلى اإلمام مالك بن أنس إمام داره الهجرة (‪179-93‬هـ) بالمدينة‬
‫النبوية‪ ،‬وكانت منزلته في الحديث والفقه منزلة رفيعة‪ ،‬قال الشافعي‪ " :‬إذا ذكر العلماء فمالك‬
‫ي من مالك"‪.‬‬ ‫النجم‪ ،‬وما أحد َّ‬
‫أمن عل َّ‬

‫ولإلمام مالك كتاب الموطأ‪ ،‬وهو كتاب حديث وفقه معا‪ ،‬ولما أراد هارون الرشيد أن‬
‫يحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان رضي هللا عنه الناس على القرآن قال له اإلمام مالك‪:‬‬
‫" ليس إلى ذلك سبيل‪ ،‬ألن أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم افترقوا بعده في األمصار‪،‬‬
‫فحدثوا فعند أهل كل مصر علم "‪.‬‬

‫وفي الموطا يقول القاضي عياض رحمه هللا تعالى ‪:‬‬

‫إذا ذكـرت كـتـب المـوطا فحيهل *** بكتب الموطا من تصانيف مـالـك‬
‫أصــح أحـاديـثـا وأثـبـت حــجــة *** وأوضحها فـي الفـقـه نهجا لسـالـك‬
‫عليه مضي اإلجماع من كل أمـة *** على رغم خيشوم الحسود المماحك‬
‫فعنه فخذ عـلـم الـديـانـة خـالصـا *** ومـنـه استفد شـرع النـبـي المبـارك‬
‫وشـد بــه كــف الضنانـة تهتـدي *** فـمن حـاد عنه هـالـك فـي الهـوالـك‬

‫ويعتمد اإلمام رحمه هللا في استنباط األحكام على كتاب هللا ثم على السنة ثم على اإلجماع ثم على‬
‫القياس‪ ،‬ويقدم خبر اآلحاد على القياس‪ ،‬ولعمل أهل المدينة عنده أهمية كبرى‪ ،‬فكان يقدم علم أهل‬
‫المدينة على خبر الواحد إذا كان مخالفا له؛ وذلك العتقاده أن أهل المدينة توارثوا ماكانوا يعملون‬
‫به عن سلفهم‪ ،‬وسلفهم توارثوه عن الصحابة رضي هللا عنهم فكان أثبت عنده من خبرالواحد‪.‬‬

‫وهذا المذهب منتشر اآلن في بالد المغرب عموما‪ ،‬وصعيد مصر‪ ،‬وبالد السودان‪ ،‬ووسط أفريقيا‬
‫شرقا وغربا‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫المذهب الشافعي‪:‬‬

‫ينسب هذا المذهب إلى مؤسسه اإلمام أبي عبدهللا محمد بن إدريس الشافعي (‪204-150‬هـ)‪،‬‬
‫طلب الفقه والحديث منذ حداثة سنه‪ ،‬وقد نبغ منذ وقت مبكر‪ ،‬فيذكرون أنه حفظ موطأ مالك وهو‬
‫ابن عشر سنين وعرضه عليه‪ ،‬ثم أذن له في الفتوى وهو ابن عشرين سنة‪.‬‬

‫قد عرف العلماء فضله قال عبدهللا بن أحمد بن حنبل ألبيه‪ " :‬أي رجل كان الشافعي؛ فإني رأيتك‬
‫تكثر الدعاء له؟ فقال لي‪ :‬يابني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافيه للبدن‪ ،‬فانظر هل لهذين من‬
‫خلف؟ أوعنهما من عوض؟ "‪ ،‬ويعتمد الشافعي في االستنباط على كتاب هللا أوال‪ ،‬ثم على سنة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثانيا‪ ،‬ويأخذ بخبر الواحد بشروط معينة عنده‪ ،‬فإذا اجتمعت‬
‫الشروط لم يكن من الالزم أن يكون الخبر مشهورا كما اشترط األحناف أو يؤيده عمل أهل‬
‫المدينة كما اشترط مالك‪ ،‬ثم يعتمد على اإلجماع ثم على القياس غير أنه ال يتوسع فيه كما توسع‬
‫أهل العراق‪ ،‬وله مذهبان رحمه هللا‪ :‬المذهب القديم في بغداد ثم ألقى عصا التسيار في مصر‪،‬‬
‫وفيها أنشأ مذهبه الفقهي الجديد‪ ،‬وهذا المذهب منتشر اآلن في دول شرق آسيا وفي بعض بالد‬
‫مصر‪ ،‬ودول في أفريقيا‪.‬‬

‫المذهب الحنبلي‪:‬‬

‫ينسب هذا المذهب إلى مؤسسه اإلمام أحمد بن حنبل الشيباني (‪241-164‬هـ)‪ ،‬وكانت له رحلة‬
‫طويلة في طلب العلم‪ ،‬قال عنه الشافعي‪ " :‬خرجت من بغداد وماخلفت بها أتقى وال أفقه من ابن‬
‫حنبل "‪ ،‬وكان إماما في الحديث وضروبه‪ ،‬والفقه ودقائقة‪ ،‬والورع وغوامضه‪ ،‬والزهد وحقائقه‪،‬‬
‫وله موقف عظيم في فتنة خلق القرآن‪ ،‬فقد نصر هللا به الدين يومها كما نصرهللا اإلسالم بأبي بكر‬
‫يوم الردة‪ ،‬وقد ضرب أحمد مثال رائعا في التمسك بالمبدأ‪ ،‬وكفاه جزآء أنه ماذكرت المحنة إال‬
‫ذكر أحمد على أنه مثل يحتذى به في التمسك بالمبدأ والعقيدة‪ ،‬وكان رحمه هللا يعتمد في االستنباط‬
‫على النص‪ ،‬فإذا ظفر به أفتى بموجبه دون التفات إلى ما خالفه‪ ،‬فإذ لم يجد نصا لجأ إلى فتوى‬
‫الصحابة‪ ،‬فإذا وجد لبعضهم فتوى ال يعرف لها مخالفا لم يتجاوزها دون أن يدعى إجماعا‪ ،‬بل‬
‫يقل تورعا مايفيد أنه اليعلم شيئا يعارض هذه الفتوى‪ ،‬فإذا تعددت آراء الصحابة اختار أقربها إلى‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬اليخرج عن آرآئهم‪ ،‬وكان رحمه هللا يتوقف أحيانا عن الفتوى إذا لم يجد لذلك‬
‫مرجحا‪ ،‬فإذا لم يجد شيئا من هذه األدلة لجأ إلى القياس ضرورة‪ ،‬ومن هنا يظهر أن اإلمام أحمد‬
‫رجل حديث وأثر ( كمالك والشافعي ) أكثر منه رجل فقه ونظر كما هو الحال عند أبي حنيفة‬
‫رحمة هللا على الجميع‪.‬‬

‫وله كتاب المسند جمع فيه نحو أربعين الف حديث‪ ،‬وقد شملت مسائل الفقه‪ ،‬وهذا المذهب منتشر‬
‫اآلن في بالد الحجاز ونجد وغالب الجزيرة العربية‪.‬‬

‫هذه هي المذاهب األربعة التي خلدت على مر الزمن من مذاهب أهل السنة‪ ،‬وهي تتوزع العالم‬
‫اإلسالمي اليوم‪ ،‬وهناك مذاهب سنية أخرى اندثرت بعد أن عاش كل منها فترة من الزمن‬
‫ويرجع هذا إلى أنها لم يتح لها من األنصار والدعاة ما أتيح لغيرها من المذاهب األربعة‬
‫المشهورة‪ ،‬من هذه المذاهب مذهب األوزاعي والثوري والليث بن سعد والطبري‪ ،‬وأما المذهب‬
‫الظاهري فمؤسسه داود بن على األصفهاني (‪207-200‬هـ)‪ ،‬وقد انتصر له ونشره أبو محمد‬
‫على بن سعيد ابن حزم األندلسي المتوفي سنة ‪456‬هـ‪ ،‬وهو مذهب معتبر معتد به‪ ،‬ولكن انقرض‬
‫اتباعه تماما في القرن الثامن الهجري‪ ،‬وليس له أثر اآلن إال في بطون الكتب تقريبا‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫تنبيه ‪-:‬‬

‫اعلم أن الخالف بين االئمة لم يكن في األصول وإنما كان في الفروع‪ ،‬وأن النهي عن‬
‫االختالف والتفرق مخصوص باألصول التي اليسوغ الخالف فيها وما شابهها‪ ،‬وأن اختالف‬
‫المذاهب في الفروع نعمة كبيرة ورحمة عظيمة‪ ،‬تفضل هللا بها على هذه االمة لما في ذلك من‬
‫التوسعة على الناس‪.‬‬

‫( خالفهم رحمة )‬
‫أوال‪ :‬وقبل التعليق على هذه العبارة لنعلم أن االختالف معجون في طينة ابن آدم وعليه‪ :‬فقد قال‬
‫بعض أهل العلم‪ " :‬ووقوع االختالف بين البشر أمر ضروري البد منه لتفاوت إراداتهم وأفهامهم‬
‫وقوي إدراكهم‪ ،‬ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه‪ ،‬وإال فإذا كان االختالف على‬
‫وجه اليؤدي إلى التباين والتحزب‪ ،‬وكل من المختلفين قصدهم طاعة هللا ورسوله لم يضر ذلك‬
‫االختالف ‪.".....‬‬

‫وليس الخالف مقصورا على عوام بني آدم وحدهم‪ ،‬بل حتى خواصهم فهذا موسى‬
‫والخضر عليهما السالم اختلفا مرارا حتى افترقا كما في سورة الكهف‪ ،‬بل المالئكة كما في قصة‬
‫خلق آدم عليه السالم‪ ،‬وكاختصامهم في المأل األعلى في الكفارات والدرجات وغير ذلك وقد‬
‫أحسن ابن الوزير حين نظم ذلك بقوله ‪:‬‬

‫تـســل عـــن الــوفــاق فربنا قــــد *** حكى بين المــالئكة الخصاما‬
‫كـــذا الخضر المكرم والوجيهالـــ *** مـكـلــم إذ ألــــ َّم بـــه لـمــامـا‬
‫تــكـــدر صــفــو جمعهما مـــرارا *** فعجل صاحب السر الصراما‬
‫فـفـارقـه الـكـلـيـم كـلـيـم قــــلــــب *** وقد ثنى على الخضر المالما‬
‫وماسبب الخالف سوى اختالف الـ *** علوم هـنـاك بعضا أو تمـامـا‬
‫فـكـان مــن اللوازم أن يـكـون الـــ *** إلــه مخـالفـا فـيـهـا األنــامــا‬
‫فــال تجهل لـهـا قــــدرا وخــــذهـا *** شـكـوراً للـذي يحيي األنـامـا‬

‫قال القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي هللا عنه‪ " :‬لقد نفع هللا باختالف أصحاب النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم في أعمالهم‪ ،‬اليعمل العامل بعمل رجل منهم إال رأى أنه في سعة ورأي أن خيرا منه‬
‫قد عمله " جامع بيان العلم وفضله البن عبدالبر رحمه هللا‪.‬‬

‫أعود فأقول‪ :‬كثير من الناس يظن أن هذه الكلمة حديث شريف‪ ،‬واألمر ليس كذلك‪ ،‬نعم ورد‬
‫حديث ضعيف‪ " :‬اختالف أمتي رحمة " كما ذكر ذلك السخاوي في المقاصد الحسنة‪ ،‬بل الواقع‬
‫أن هذا الحديث ال أصل له‪.‬‬

‫نعم ورد عن بعض السلف قوله‪ " :‬اتفاق األمة حجة قاطعة‪ ،‬واختالفهم رحمة واسعة "‬
‫فالخالصة أن هذه الكلمة معناها صحيح على ماتبين‪ ،‬أما كونها حديثا فال يصح ذلك ‪.‬‬

‫أما تعريف االختالف ‪ :‬فقد عرفه الجرجاني في كتابه " التعريفات" بقوله‪ " :‬منازعة تجري من‬
‫المعارضين لتحقيق حق أو إلبطال باطل "‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫واعلم رحمك هللا أن الخالف قسمان ‪-:‬‬


‫‪ .1‬خالف مقبول سائغ‪ :‬وهو خالف التنوع سواء أكان في المسائل العلمية االعتقادية أم‬
‫العملية الفرعية‪ ،‬وهذا النوع اليلزم من صحة قول بطالن اآلخر‪ ،‬بل األمر فيه سعة‬
‫ويدخل في ذلك المسائل االجتهادية التي النص فيه محتمل للقولين‪.‬‬
‫وهذا النوع من الخالف بشكل عام هو من رحمة هللا بهذه األمة‪ ،‬وهو المقصود من العبارة‬
‫"خالفهم رحمة "‪.‬‬
‫ولبعض أهل العلم رسالة جيدة في هذا الباب بعنوان (رفع المالم عن األئمة االعالم )‪.‬‬

‫‪ .2‬خالف مذموم غير مقبول والسائغ‪ ،‬وكذلك هذا يكون في المسائل العلمية والعملية‪ ،‬وهذا‬
‫النوع يلزم من صحة قول بطالن اآلراء األخرى ويكون ذلك في المسائل المجمع عليها‬
‫أو التي فيها قول شاذ ونحو ذلك ولذلك قيل‪:‬‬

‫وليس كل خالف جاء معتبرا *** إال خالف له حظ من النظر‬

‫واعلم – رحمك هللا – أن هللا وسع على هذه األمة شريعتها‪ ،‬فأغلب نصوص الفقه ظنية‪،‬‬
‫تحتمل القولين والثالثة بل واألكثر‪ ،‬فكل يأخذ بما ترجح عنده بالدليل‪ ،‬فإذا استفتى المستفتي‬
‫من يثق في دينه وعلمه وورعه فأفتاه فال يضره إذا كان في المسألة أقوال أخرى؛ ألنه أتى‬
‫بما أمر به من سؤال أهل العلم‪ ،‬وفي مثل هذا يقال (خالفهم رحمة )‪ ،‬واليعني ذلك أن‬
‫اإلنسان يأخذ من الشرع بالتشهي أو ما تهواه نفسه من الفتاوي بحجة أن خالفهم رحمة‪ ،‬وأن‬
‫الدين يسر‪ ،‬كال فإن أهل العلم حذروا من ذلك وقالوا‪ :‬من تتبع الخالفات الشاذة ورخص‬
‫العلماء تزندق أو كاد‪ ،‬قال األوزاعي رحمه هللا تعالى‪ " :‬من أخذ بنوادر العلماء خرج من‬
‫اإلسالم " وقول اآلخر‪ " :‬من تتبع رخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله "‪.‬‬

‫( رامي اللوح أو رمي اللوح )‬


‫هذا التعبير يقصد به أن الطالب أكمل حفظ القران الكريم كامال غير منقوص‪ ،‬فإن كان قد‬
‫حفظه بقلم واحد وللمرة األولى يقال حفظه على الشقة‪ ،‬وإن كان قد حفظه للمرة الثانية يقال‬
‫كتبه قلمين ‪ ....‬وهكذا‪.‬‬

‫والطالب المبتدئ الصغير يقال يكتب بالرشيمة أي أن الشيخ يرسم له في اللوح والطالب يتتبع‬
‫بيده ما رسمه الشيخ‪.‬‬
‫وإذا كان يتقن الكتابة يقال يكتب بالملة (أي‪ :‬مايملى عليه من القرآن)‪.‬‬
‫والحفظ في اللوح سنة متبعة مباركة من قديم الزمان ‪.‬‬

‫( العقل فات العلم )‬


‫هذه العبارة ليست بصحيحة‪ ،‬بل العكس هو الصحيح‪ ،‬ولذا نظم بعضهم مناظرة بين العقل‬
‫والعلم فقال‪:‬‬

‫علم العليم وعقل العاقل اختلفا *** من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا‬
‫فالعلم قــال أنا احرزت غايته *** والعقل قـال أنـا الرحمن بـي عرفا‬
‫‪122‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فأفصح العلم افصاحا وقال له *** بـأيـنـا هللا فــي فـــرقـانـه اتـصـفـا‬
‫فـبـان للعـقـل ان العـلـم سيده *** فقبل العقل رأس العـلـم وانصـرفـا‬

‫قال بعض أهل العلم‪ :‬حياة النفس بالروح‪ ،‬وحياة الروح بالذكر‪ ،‬وحياة القلب بالعقل‪ ،‬وحياة‬
‫العقل بالعلم ‪.‬‬

‫اعلم أخي –رحمك هللا – أن العقل نوعان ‪-:‬‬

‫‪ .1‬غريزي‪ :‬خلقه هللا في اإلنسان‪ ،‬وهذا هو مناط التكليف‪ ،‬وبه تميز اإلنسان عن الحيوان‪،‬‬
‫هو غير مكتسب‪ ،‬ويسمى العقل المطبوع‪.‬‬
‫وقد اختلف في محله فقال اإلمامان أبوحنيفة وأحمد‪ :‬إنه في الدماغ وعلى هذا جمهور‬
‫األطباء‪ ،‬وقال الشافعي وتبعه الحافظ ابن حجر أن محله القلب‪ " :‬أفلم يسيروا في األرض‬
‫فتكون لهم قلوب يعقلون بها ‪ "...‬الحج (‪ ،)44‬وقال بعض أهل العلم وهو الصحيح‪ :‬إنه‬
‫موزع بين القلب والدماغ‪ ،‬ففي القلب القصد واإلرادة‪ ،‬وفي الدماغ الفكر والنظر‪ ،‬والعقل‬
‫يدعو إلى األمرين‪.‬‬
‫‪ .2‬مكتسب‪ :‬يكتسبه اإلنسان بتجاربه وخبرته في الحياة الدنيا‪ ،‬وهذا يزيد وينقص بحسب‬
‫تجارب الحياة بخالف النوع األول‪ ،‬وبه تدرك الصناعات وعواقب األمور ونحو ذلك‬
‫ويسمى العقل المسموع ‪.‬‬

‫ألم تر أن العقل زين ألهله *** ولكن تمام العقل طول التجارب‬

‫قال على رضي هللا عنه ‪:‬‬

‫رأيت العقل عقلين *** فمطبــوع ومسمـــوع‬


‫وال ينفع مسمـــوع *** إذا لــم يــك مطبــوع‬
‫كما التنفع الشمس *** وضوء العين ممنـوع‬

‫والعلوم على كثرتها نوعان‪-:‬‬

‫‪ .1‬علوم سلوكية وهي ما يتعلق بالحالل والحرام والفضيلة والرذيلة ‪.‬‬


‫‪ .2‬علوم تجريبية مادية ‪.‬‬

‫أما العلوم السلوكية فهذه ال مدخل للعقل فيها‪ ،‬وإنما مردها إلى الوحي اإللهي " القران والسنة "‪،‬‬
‫ووظيفة العقل هنا هي فهم نصوص الوحي وتلقيها بالقبول‪ ،‬وأما العلوم التجريبية فهذه هي مجال‬
‫العقل واجتهاده ‪.‬‬

‫إذا لـم يكن للمرء عقل فـإنـه *** وإن كان ذا بيت على الناس هين‬
‫ومـن كان ذا عقل أجل لعقله *** وأفضـل عقـل عقـل مــن يتديـن‬

‫والعاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش األسد بقوته حيث كان‪ ،‬فالعاقل قوله سديد‪ ،‬وفعله حميد‪،‬‬
‫والجاهل قوله سقيم‪ ،‬وفعله ذميم‪ ،‬وإذا عقَلَك ع ْقلُك عما ال يعنيك فأنت عاقل‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫قيل لعلي رضي هللا عنه‪ :‬صف لنا العاقل‪ ،‬قال‪ :‬هو الذي يضع الشيء مواضعه‪ ،‬قيل فصف لنا‬
‫الجاهل قال‪ :‬قد فعلت‪ ،‬يعني الذي اليضع الشيء مواضعه‪.‬‬

‫يشين الفتى في الناس قلة عقله *** وإن كرمت أعراقه ومناسبه‬
‫وإذا أكمل الرحمن للمرء عقله *** فقد كملت أخـالقه ومــآربـه‬

‫والعقل بالنسبة إلى الشرع كالعين مع الشمس‪ ،‬فكما أن العين التبصر إال بالشمس فكذلك العقل‬
‫اليهتدي إال بالشرع‪ ،‬فالشرع هو الحاكم على العقل‪ ،‬والعقل تابع للشرع‪ ،‬والشرع متبوع‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫واعلم – رحمك هللا – أن الشرع لم يهمل العقل‪ ،‬وإنما جعل له مجاله الذي يجتهد فيه كالعلوم‬
‫التجريبية ( الطب والهندسة )‪ ،‬وتلقى النصوص الشرعية بالقبول وفهمها‪ ،‬وإعمال االجتهاد‬
‫والرأي المحمود بشروطه فيه ‪ ...‬وهكذا ‪ ،‬ولذا قيل ‪ :‬التعارض بين نقل صحيح ورأي صريح‪،‬‬
‫وللشيخ أحمد بن عبدالحليم – رحمه هللا تعالى – كتاب نفيس في هذا الباب باسم ( درء تعارض‬
‫العقل والنقل )‪.‬‬

‫مالحظة‪ :‬هناك كلمة شائعة وهي‪ " :‬هللا عرفناه بالعقل أو ربنا عرفوه بالعقل "‪ ،‬وهي تحتاج إلى‬
‫التنبيه (إننا نعلم يقينا أن عقول البشر قاصرة فها هي العقول البشرية على مدى العصور كيف‬
‫قادت أصحابها إلى الكفر والجحود‪ ،‬فمنها من عبد الشمس والقمر‪ ،‬والحجر والشجر والبقر‪ ،‬بل‬
‫إلى اإللحاد وإنكار الخالق سبحانه‪ ،‬والصواب أن اإلنسان عرف هللا عز وجل بالشرع والعقل في‬
‫آن واحد )‪.‬‬

‫( الهو فرض وال هو سنة )‬


‫هذا التعبير قريب من المثل القائل‪ " :‬الهو في العير وال في النفير"‪ ،‬وهذا التعبير يقال لألمر‬
‫الهامشي الذي ال أهمية له وال هو من الدين‪ ،‬وقد يكون من األمور الجائزة‪ ،‬ولكن ليس فرضا‬
‫والسنة؛ ألن األوامر الشرعية إما واجبة أو مستحبة‪ ،‬فأما الواجبة فإما على األعيان وهو فرض‬
‫العين‪ ،‬وأما على الكفاية وهو فرض الكفاية الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين‪ ،‬فاألول‬
‫كالصلوات المفروضة والثاني كصالة الجنازة‪ ،‬وأما المستحبة فهي السنة التي يثاب فاعلها وال‬
‫يعاقب تاركها ‪.‬‬

‫( اليفتى ومالك في المدينة )‬


‫هذا المثل يضرب لمن يوجه إليه سؤال ويكون من هو أعلم منه موجودا‪ ،‬فيقول تواضعا أو حقيقة‬
‫"ال يفتى ومالك في المدينة "‪ ،‬وهذا المثل قريب من التعبير اآلخر " إذا حضر الماء بطل التيمم"‪.‬‬

‫والمدينة هي المدينة النبوية مهجر النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومنطلق الدعوة اإلسالمية‬
‫إلى أرجاء المعمورة وقد كانت قبل االسالم تسمى بـ( يثرب )‪.‬‬

‫ومالك‪ :‬هو اإلمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة‪ ،‬وصاحب المذهب الفقهي المالكي‪ ،‬ثاني‬
‫المذاهب الفقهية األربعة المشهورة‪ ،‬ينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان األصبحي‪ ،‬جده‬
‫مالك بن أبي عامر من كبار التابعين وعلمائهم‪ ،‬وأما جده الثاني ( أبوعامر ) فصحابي جليل ‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ولد اإلمام رحمه هللا تعالى في سنة ‪93‬هـ وتوفي سنة ‪179‬هـ ودفن في مقبرة البقيع‬
‫بالمدينة‪ ،‬قال عنه تلميذه اإلمام الشافعي –رحمه هللا تعالى – إذا جاء األثر فمالك النجم‪ ،‬وقال‬
‫أيضا إذا ذكر العلماء فمالك النجم‪.‬‬

‫وأخذ هذا المعنى الحافظ العراقي فقال في ألفيته الحديثية‪:‬‬

‫وصححوا استغناء ذي االشهرة عن *** تزكية كمالك نجم السنن‬

‫وقال يحي بن سعيد القطان ويحيي بن معين‪ :‬مالك أمير المؤمنين في الحديث‪ ،‬وقال سفيان بن‬
‫عيينه في حديث‪ " :‬يوشك أن يضرب الناس أكباد اإلبل يطلبون العلم فال يجدون عالما أعلم من‬
‫عالم المدينة " أخرجه أحمد والترمذي وحسنه قال‪ :‬نرى أنه مالك بن أنس‪.‬‬

‫وقال اإلمام البخاري أصح األسانيد ( مالك عن نافع عن ابن عمر) وهي السلسلة الذهبية ‪.‬‬

‫ولما سأل عبدهللا أباه اإلمام أحمد من أثبت أصحاب الزهري ؟ قال‪ :‬مالك أثبت في كل شيء‪،‬‬
‫وأما مجلسه فقد وصفه القائل بقوله‪:‬‬

‫يـدع الجـواب فال يراجع هيبة *** والسـائلون نـواكس األذقـان‬


‫أدب الوقار وعز سلطان التقى *** فهوالمطاع وليس ذا سلطان‬

‫صنف رحمه هللا الموطأ في أربعين سنة‪ ،‬وقال عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من‬
‫فقهاء المدينة‪ ،‬فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ قال عنه سعدون الورجيني‪:‬‬
‫أقـــول لمـن يـروي الحديث ويكتب *** ويسلك سـبـل الفـقـه فـيـه ويطـلـب‬
‫إذا شئت أن تدعى لدى الناس عالما *** فال تعد ما تحوي من العـلـم يثرب‬
‫أتـتـرك داراً كــــان بـيـن بـيـوتـهــا *** يــروح ويغـدو جبرئيل المـقــرب؟‬
‫ومــات رســول هللا فـيـهـا وبـعـــده *** بـسـنـتـه أصحــابـه قـــد تـــأدبـــوا‬
‫وفــرق شمل العـمـل فــي تابعيهمو *** فـكـل أمـر مـنهـم لــه فـيـه مـذهـب‬
‫فخلصـه بـالسـبــك للنـــاس مــالـك *** فمنهم صحيح فـي المجـس وأجـرب‬
‫فـبـادر مـوطـأ مـالـك قـبـل وفـاتــه *** فـمـا بـعـده إن فــات للحـق مـذهــب‬
‫ودع للمــوطــأ كــــل عـلـم تـريـده *** فـإن المـوطـأ الشمس والغيركـوكـب‬
‫ومــن لـم تكن كتـب المـوطـأ ببيته *** فــذاك مــن التـوفـيـق بـيـت مـخـيـب‬
‫جـزى هللا عـنـا فـي مـوطـإه مـلكـا *** بأفضل مـا يـجـزي اللـبـيـب المهـذب‬
‫لـقـد فـــاق أهـــل العـلـم حيا وميتا *** فصارت به األمثال في الناس تضرب‬

‫( اللي يقرا بالنيه يقرا خليل واأللفيه )‬


‫يشير هذا التعبير إلى أهمية كتابين من كتب أهل العلم‪ ،‬وهما مختصر خليل وألفية ابن مالك‪.‬‬
‫مللت كـل جليس كنت آلـفـه *** إال الكتاب فال يعدله إنسان‬
‫عاشرته فأراني كـل مكرمة *** لـه عل ّى رعـاه هللا إحسـان‬

‫‪125‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ومعنى التعبير –وهللا اعلم – أن من كان صادقا في طلبه للعلم‪ ،‬وبنية صحيحة وبجد واجتهاد‬
‫وكان قصده العلم المؤصل المجرد التسلية والثقافة فعليه بهذين الكتابين‪:‬‬

‫‪ .1‬مختصر خليل بن اسحاق المعروف بـ" ابن الجندي " وهو من أجل المختصرات عند‬
‫المالكية‪ ،‬وصار هو العمدة عند المالكية منذ تأليفه حتى اآلن وقد حوى أربعمائة ألف‬
‫مسالة فقهية‪ ،‬وقد كثرت شروحه وحواشيه حتى تجاوزت المائة‪ ،‬وقد طبع بتصحيح‬
‫وتعليق الشيخ الطاهر بن أحمد الزاوي‪.‬‬
‫ومن شروحه " مواهب الجليل شرح مختصر الشيخ خليل " للحطاب الطرابلسي‪.‬‬
‫‪ .2‬وأما ألفية ابن مالك فهي ألفية شهيرة في النحو والصرف‪ ،‬تلقاها العلماء بالقبول‪ ،‬وهي‬
‫تدرس في كل بلد من بالد المسلمين شرقا وغربا‪ ،‬ولم يؤلف نظم في النحو مثلها القبل‬
‫وال بعد‪ ،‬ولذلك قال في مطلع ألفيته ( فائقة الفية ابن معط )‪ ،‬ولم جاء السيوطي وقال في‬
‫ألفيته ( فائقة ألفية ابن مالك ) انتقده العلماء ولم يرتضوا قوله‪.‬‬

‫( مشي يقرا في السبكي وخال اآلجرومية تبكي )‬


‫يقرا= يقرأ‬ ‫مشي= ذهب‪.‬‬

‫هذا التعبير صحيح ال غبار عليه‪ ،‬وهو من التعابير التي تدل على وعي مجتمعنا وفقهه في‬
‫إدراك العلوم الشرعية والسبيل إلى ذلك‪ ،‬فهذا التعبير يصور ويرثى حالة من قفز إلى‬
‫المطوالت قبل المختصرات‪ ،‬وكأن اآلجرومية تبكي وترثي لحاله‪ ،‬وفي التعبير ذكر كتابين‬
‫مختلفين‪ ،‬كل منهما في فن‪ ،‬فالسبكي وكتابة (جمع الجوامع ) في علم األصول‪ ،‬وهو من‬
‫المطوالت‪ ،‬واآلجرومية في علم النحو‪ ،‬وهي من المختصرات‪ ،‬وليست (اآلجرومية ) بسلم‬
‫لجمع الجوامع‪ ،‬ولكن المراد بالتعبير بيان أن المختصر سلم وطريق إلى المطول بغض النظر‬
‫عن الكتابين المذكورين‪ ،‬فلزاما على طالب العلم أن يسلك سبيل أهل العلم في طلبهم للعلم‪،‬‬
‫فعليه بالتدرج في القراءة والدراسة‪ ،‬فيبدا باألصول والقواعد حتى يكون علمه مؤصال فقد‬
‫قيل‪ " :‬من حفظ األصول ضمن الوصول"‪ ،‬فالبد من المختصرات ثم المتوسطات‪ ،‬وينتهي‬
‫بالمطوالت‪ ،‬وأما من قفز إلى المطوالت كجمع الجوامع للسبكي قبل المختصرات‬
‫كاآلجرومية البن آجروم لم يكن عنده تأصيل علمي‪ ،‬ولن يحصل علما‪ ،‬وإنما غايته معلومات‬
‫متناثرة‪ ،‬ونتف من العلم وهذا يضيع الوقت‪ ،‬ويشت الذهن‪ ،‬ويجعلك قارئا مثقفا ال طالب علم ‪.‬‬

‫فأما "السبكي" فإشارة إلى الشيخ عبدالوهاب تاج الدين السبكي الشافعي المذهب المتوفي سنة‬
‫‪771‬هـ وكتابه جمع الجوامع في أصول الفقه وهو من المراجع الكبرى‪.‬‬

‫وهو من المتون الدقيقة العبارة في األصول‪ ،‬جمعه المؤلف من زهاء مائة مصنف كما‬
‫ذكر ذلك في المقدمة‪ ،‬وله شروح كثيرة منها شرح بدر الدين الزركشي في " تشنيف المسامع‬
‫بجمع الجوامع"‪ ،‬وعلى الكتاب المذكور حواش‪ ،‬وله نظم واختصارات كثيرة‪.‬‬

‫وأما اآلجرومية‪ :‬فهي ألبي عبدهللا محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بـ" ابن‬
‫آجروم " أي الفقير الصوفي توفي سنة ‪723‬هـ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وهو متن مشهور مبارك في علم النحو‪ ،‬وله شروح كثيرة منها شرح الشيخ خالد األزهري‪،‬‬
‫والشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬وعلي الشروح حواش‪ ،‬وللمتن نظم‪ ،‬فمن الحواشي‬
‫حاشية الجرجاوي‪ ،‬وأما النظم فقد نظمها الشيخ شرف الدين العمريطي وسماه‪ " :‬الدرة البهية‬
‫في نظم اآلجرومية "‪ ،‬وقد شرح النظم الشيخ البيجوري في " فتح البرية على الدرة البهية‬
‫نظم اآلجرومية "‪.‬‬

‫( من حفظ المتون حاز الفنون )‬


‫هذه قاعدة مفيدة جدا لطالب العلم؛ ألنه من المفيد جدا لطالب العلم المبتديء أن يحفظ من كل‬
‫فن وعلم متنا مختصرا‪ ،‬يجمع فيه بين طرفي ذلك الفن بحيث ال يجعله جاهال بفن من الفنون‬
‫ثم يتوسع بعد ذلك‪.‬‬

‫فالمتون هي المختصرات العلمية؛ ألنها تتضمن المسائل األساسية‪ ،‬ولذا فقد جرى‬
‫إطالقها عند أهل العلم على مبادئ العلوم ‪.‬‬

‫فالمتن يعتبر مدخال للعلوم وليس غاية لها‪ ،‬بل هو البداية واألساس‪ ،‬والمتون في الغالب تخلو‬
‫من االستطرادات والتفاصيل كالشواهد واألمثلة إال في حدود الضرورة لضيق المقام ‪.‬‬

‫ففي المتن أصول المسائل‪ ،‬ومن حفظ األصول ضمن الوصول‪ ،‬والمتون سابقا كانت تعرف‬
‫بالمختصرات كمختصر خليل ‪.‬‬
‫والمتون هي أول مراتب التأليف ثم تليها الشروح على تلك المتون ثم الحواشي ثم‬
‫التقارير على الحواشي والتعاليق‪.‬‬

‫والمتون قد تكون نثرا وهو الغالب وقد تكون نظما‪ ،‬ونظمها يكون غالبا على بحر الرجز‬
‫وهو مايسمى بالشعر التعليمي؛ ألنه نظم علمي خال من العواطف واألخيلة‪ ،‬ويقتصر على‬
‫األفكار والمعلومات والحقائق العلمية المجردة؛ وألنه أسهل البحور الشعرية‪ ،‬ويتسامح فيه ما‬
‫اليتسامح في غيره‪.‬‬

‫وللمتون فوائد منها ‪-:‬‬

‫‪ .1‬في المتون عمق علمي يتجلى في قلة األلفاظ وكثرة المعاني‪.‬‬


‫‪ .2‬تكوين صورة مجملة للفن والعلم الذي ألفت فيه‪ ،‬يستطيع الطالب اإلحاطة به في زمن‬
‫قليل‪.‬‬
‫‪ .3‬المتون تجمع حقائق العلم في ورقات يسهل حفظها واستحضارها في أي وقت ‪.‬‬

‫قال ابن مالك – رحمه هللا – في المية األفعال‪:‬‬

‫فهناك نظما محيطا بالمهم *** يحوي التفاصيل من يتحضر الجمال‬


‫ومن أحسن الكتب في معرفة المتون العلمية كتاب ( الدليل الى المتون العلمية ) لعبد العزيز بن‬
‫إبراهيم قاسم‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( يحفظ في مدونة مالك )‬


‫هذا التعبير يقال لمن كان متمكنا من العلم متضلعا فيه؛ ألن المدونة من الكتب الكبيرة المتقدمة‬
‫التي اليقرؤها المبتدئون‪ ،‬وهي من أهم المصادر في فقه اإلمام مالك – رحمه هللا – وفيها آرآؤه‬
‫الفقهية‪.‬‬

‫وقد رواها سحنون عن ابن القاسم ونقلها إلى القيروان‪.‬‬

‫نبذة عن المدونة ‪-:‬‬

‫تعد المدونة من أهم المصادر في الفقه المالكي‪ ،‬فهي األم األولى في المذهب‪ ،‬واألصل‬
‫الثاني بعد موطأ اإلمام مالك‪ ،‬وهي خالصة علم ثالثة أئمة مشهود لهم بالفضل والصالح من غير‬
‫منازع وهم‪ :‬اإلمام مالك إمام دار الهجرة واإلمام ابن القاسم المصري‪ ،‬واإلمام سحنون رحم هللا‬
‫الجميع‪ ،‬فأغلب األقوال التي تضمنتها هي أقوال اإلمام مالك‪ ،‬وفيها كثير من آرآء ابن القاسم‬
‫وقياساته على أقوال اإلمام مالك‪ ،‬وأما اإلمام سحنون فهو الذي صححها على ابن القاسم وهذبها‬
‫ورتبها وذيلها باآلثار‪ ،‬ولذلك نالحظ أنها تنسب أحيانا لإلمام مالك فيقال‪ :‬مدونة اإلمام مالك‪،‬‬
‫وأحيانا تنسب البن القاسم‪ ،‬وأحيانا تنسب لسحنون‪ ،‬وكل ذلك صحيح باعتبار ماسبق‪.‬‬

‫فاإلمام سحنون رحمه هللا بعد أن نسخ المدونة من شيخه أسد بن الفرات رحل بها إلى ابن القاسم‬
‫في مصر وصححها عليه ووثقها ثم بعد ذلك رجع بها إلى القيروان فهذبها وذيلها باآلثار وألحق‬
‫بها زيادات‪ ،‬ولكن عاجلته المنية قبل إكمال تهذيبها فبقيت منها أبواب على حالها من االختالط‬
‫حتى جاء البراذعي فرتبها وهذبها في كتابه ( التهذيب )‪.‬‬

‫ومما يدل على أهمية المدونة ما قاله اإلمام سحنون‪ " :‬عليكم بالمدونة فهي كالم رجل‬
‫صالح وروايته " وقال ايضاك " إنما المدونة من العلم بمنزلة أم القرآن من القرآن‪ ،‬تجزيء في‬
‫الصالة عن غيرها‪ ،‬واليجزيء غيرها عنها‪ ،‬أفرغ الرجال فيها عقولهم وشرحوها وبينوها‪ ،‬ما‬
‫اعتكف أحد على المدونة إال عرف ذلك في ورعه وزهده‪.‬‬

‫فائدة ‪:‬‬
‫أمهات المذهب المالكي ( المقصود باألمهات ‪ :‬الكتب التي حوت أقوال اإلمام مالك وروايات‬
‫وسماعات تالميذه وتالميذ تالميذه ) وأشهر هذه األمهات أربع ‪-:‬‬

‫‪ .2‬الواضحة البن حبيب‬ ‫‪ .1‬المدونة‬


‫‪ .4‬الموازية البن المواز‬ ‫‪ .3‬العتبية البن أحمد العتبي‬

‫ويضيف بعض العلماء لهذه الكتب كتابا خامسا ويجعله من األمهات وهو‪ :‬كتاب (المجموعة) البن‬
‫عبدوس ولكن لم يتمه‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( يقرا في السنة )‬
‫كان من عادة أهل العلم في هذه البالد وغيرها أن الطالب بعد أن يتم حفظ القرآن الكريم يبدأ في‬
‫دراسة العلوم الشرعية‪ ،‬كالفقه والحديث وغيرهما‪ ،‬وهذه طريقة صحيحة درج عليها أهل العلم‬
‫قديما وحديثا حتى ان الشيخ الذي يدرِّ س السنة يسأل الطالب الجديد هل أكملت حفظ القرآن؟ فإن‬
‫لم يكمله اليسمح له بالجلوس في الحلقة‪.‬‬

‫تعريف بالسنة‪:‬‬
‫السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع باإلجماع‪ ،‬وهي أي السنة ما أثر عن الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬
‫والخالف –كما سبق – بين العلماء في اعتبار السنة مصدرا من مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬وقد‬
‫دل على ذلك قوله تعالى‪ " :‬وما آتاكم الرسول فخذوه ‪ "....‬الحشر االية ( )‪.‬‬
‫والسنة مع القرآن على وجوه ثالثة‪-:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن تكون موافقة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم‪ ،‬فيكون ورود القرآن والسنة بالحكم من‬
‫باب تضافر األدلة‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن تكون مبينة وموضحة لما رود في القران الكريم وهذا البيان قد يكون بتفسير مبهم أو‬
‫تخصيص عام أو تقييد مطلق‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم "‬
‫النحل ()‪.‬‬
‫ثالتها‪ :‬أن تكون منشئة لحكم سكت عنه القرآن‪.‬‬

‫( نـقـاش بـيـزنـطـي )‬

‫هذا وصف لكل نقاش عقيم ‪ ,‬وجدل سقيم ‪ ،‬ال فائدة منه ‪ ،‬وال جدوى فيه ‪ ,‬ووج ه وص ف ك ل‬
‫نقاش عقيم بالبيزنط ّي ‪ :‬هو أن البيزنطيين لما حاصرهم العدو ‪ ،‬وكان على أبواب مدينتهم ‪ ،‬ك انوا‬
‫يتجادلون في جنس المالئكة ‪ ،‬أو هل البيضة قبل الدجاجة أم الدجاج ة قب ل البيض ة ؟ ح تى دهمهم‬
‫العدو ‪ ,‬فبدل أن يستعدوا لقتال عدوهم أخذوا يخوضون في هذه السفس طة ‪ ,‬ول ذلك نهى هللا تع الى‬
‫عن ه ذا الن وع من الج دال ‪ ،‬ولم ي أذن إال بالج دل الحس ن ‪ ،‬ال ذي في ه إظه ار الح ق ‪ ،‬ودحض‬
‫الباطل ‪ ،‬وإقامة الحجة على الخصم ‪ ،‬وإلزامه بها ‪ ،‬كما فعل إب راهيم علي ه الس الم م ع النم روذ ‪،‬‬
‫كما في قول ه تع الى ‪ " :‬ألم ت ر إلى ال ذي ح اج إب راهيم في رب ه ‪ " .......‬البق رة (‪ ، )257‬فح دود‬
‫الجدل ضيقة ‪ ،‬وظروفه خاصة ‪ ،‬قال تعالى ‪":‬وج ادلهم ب التي هي أحس ن" النح ل (‪ ، )125‬وق ال‬
‫أيضا ‪ ":‬وال تجادلوا أهل الكتاب إال بالتي هي أحسن إال الذين ظلموا منهم ‪ "...........‬العنكب وت (‬
‫‪. )46‬‬

‫وقال عليه الص الة والس الم ‪ " :‬أن ا زعيم ب بيت في ربض الجن ة لمن ت رك الم راء وإن ك ان‬
‫محقا" رواه أبو داود بإسناد صحيح ‪ ،‬وفي حديث آخر يقول صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ما ض ل ق وم‬
‫بعد هدى كانوا عليه إال أوتوا الجدل " أخرجه الترمذي وصححه ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫قال أبو الدرداء رضي هللا عن ه ‪ " :‬كفى ب ك إثم ا أن ال ت زال مماري ا " ‪ ،‬وق ال اإلم ام مال ك‬
‫رحمه هللا تعالى ‪ " :‬ليس ه ذا الج دال من ال دين في ش ئ " وق ال أيض ا ‪" :‬الم راء يقس ي القل وب‬
‫ويورث الضغائن " ‪.‬‬
‫قال القحطاني األندلسي المالكي رحمه هللا في نونيته القيمة ‪:‬‬

‫إن الـــجــدال يُــخـــل بــاألديــان‬ ‫ال تــفـن عـمرك بالـجـدال مـخاصما‬


‫تـدعــو إلى الـشـحـناء والــ َشـنآن‬ ‫واحـــذر مـجــادلــة الـرجـال فـإنـهـا‬
‫لـك َمـهـربــا وتـالقـت الـصـفـان‬ ‫وإذا اضـطررتَ إلى الجدال ولم تجد‬
‫والـشرع سـيفك وابْـد في الميدان‬ ‫كــتـاب هللا ِدرعــا سـابـغـا‬
‫َ‬ ‫فـاجـعــل‬
‫واركبْ جوا َد العزم في َ‬
‫الج َوالن‬ ‫والــسـنــة الـبـيـضـاء دونــك جُــنـَّة‬

‫وحد المراء والجدال ‪ :‬هو كل اعترض على كالم الغير بإظهار خلل فيه ‪ ،‬وقصد إفحام الغ ير‬
‫وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كالمه ‪ ،‬ونسبته إلى القصور والجهل فيه ‪ .‬فكل كالم سمعته إن ك ان‬
‫حقا فص دق ب ه ‪ ،‬وإن ك ان ب اطال أو ك ذبا ولم يكن متعلق ا ب أمور ال دين ‪ ،‬وال ي ترتب علي ه فس اد‬
‫فاسكت عنه ‪.‬‬
‫ثم اعلم أن للمناظرة آدابا كثيرة ‪ ،‬ينبغي أن تراعي ‪ ،‬من هذه اآلداب ‪ :‬م ا ذك ره القرط بي في‬
‫تفسير قوله تعالى ‪ " :‬ألم تر إلى الذي حاج إب راهيم في رب ه ‪ " ....‬ق ال ‪ " :‬ق ال الم زني ص احب‬
‫الشافعي ‪ :‬ومن حق المناظرة أن يراد بها هللا عزوجل ‪ ،‬وأن يقبل منها ما تبين ‪ .‬وقالوا ‪ :‬ال تص ح‬
‫المناظرة ‪ ،‬ويظهر الحق بين المتناظرين ‪ ،‬حتى يكونوا متقاربين أو مس تويين في مرتب ة واح دة ‪،‬‬
‫من الدين والعقل والفهم واإلنصاف ‪ ،‬وإال فهو مراء ومكابرة " ا هـ ‪.‬‬
‫تقول فالشر كل الشر في الجدل‬ ‫وال تجادل جهوال ليس يفهم مـا‬

‫وها هواإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى يشير إلى طرف من أدب المناظرة فيقول‪:‬‬
‫بما اختلف األوائ ُل واألواخر‬ ‫إذا ما كـنتَ ذا فـضل وعـلـم‬
‫حـلـيـما ال تـلـح وال تـكـابـر‬ ‫فناظرْ َمن تـناظر في سكون‬
‫من النكـت اللطيفة والنوادر‬ ‫يفـيدك ما استـفاد بال امتـنان‬
‫ُ‬
‫بأني قد غـلـبت ومن يـفاخر‬ ‫وإيـاك الـلجو َج ومن يـرائي‬
‫يُـمنـِّي بالـتـقـاطع والـتـدابر‬ ‫فـإن الـشر في َجنـَـبـات هذا‬

‫وللمزيد انظر ما دونه الخطيب البغدادي رحمه هللا تعالى في كتابه "الفقيه والمتفقه "(‪.)32-25\2‬‬
‫ومن أحسن الكتب في هذا الشأن ‪ :‬أدب البحث والمناظرة للش يخ العالم ة محم د األمين الش نقيطي‬
‫رحمه هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫متفرقـــــــات‬

‫‪131‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( ابعد عن الشر وغنيله )‬


‫وغنيله = وغن له ( فعل أمر مبني على حذف حرف العلة " الياء " )‪.‬‬

‫هذا التعبير له شقان‪ :‬أما الشق األول فهو صحيح معنى وشرعا‪ ،‬وهو البعد عن الشر‪ ،‬فينبغي‬
‫للعبد أن يبتعد عن الشر ويفعل الخير‪ ،‬ولذلك قال هللا تعالى‪ " :‬قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق‬
‫" الفلق (‪ ،)2-1‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا " رواه أبو داود‬
‫والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وشرور النفس قسمان‪ :‬إما إزعاج إلى معصية وإما تثبيط عن طاعة‪.‬‬

‫وشريعة هللا تعالى شريعة سمحة‪ ،‬كلها رحمة وخير وعدل وحكمة‪ ،‬وأسماء هللا تعالى كلها أسماء‬
‫حسنى‪ ،‬وصفاته عال‪ ،‬وهللا تعالى منزه عن كل عيب ونقص وشر‪ ،‬ولذلك كان صلى هللا عليه‬
‫وسلم يقول في دعائه في قيام الليل‪ " :‬والشر ليس إليك " رواه مسلم‪.‬‬

‫واإلنسان في هذه الحياة كما يقال‪ :‬في خير من هللا‪ ،‬وشر من خلقه‪.‬‬
‫قال اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى ‪-:‬‬

‫ومـا أحــد مــن ألسـن النـاس سـالما *** ولـو أنــه ذاك النبي المـطهـر‬
‫فـــإن كــان سكيتا يقــولــون أبــكــم *** وإن كان منطيقا يقولون مهدر‬
‫وإن كــان صـواما وبالـلـيـل قـائـمـا *** يقـولـون زوارا يـرائي ويمكر‬
‫فال تكثرت بالناس في المدح والثناء *** وال تــخــش إال هللا وهللا أكـبـر‬

‫وأما الشق الثاني فهو قولهم‪ " :‬وغني له " فهو يشير إلى أمرين ‪ :‬األول أصالة والثاني تبعا وهما‪:‬‬
‫المداهنة والمداراة‪ ،‬األولى منهما غير جائزة بخالف الثانية فهي جائزة بل ومستحسنة‪ ،‬وأما‬
‫الفرق بينهما فالمداهنة فيها إبطال للحق وإحقاق للباطل‪ ،‬وأما المداراة فهي التخلص من أهل‬
‫السوء بالحكمة‪ ،‬ودفع أذاهم بأسلوب حسن‪ ،‬دون إبطال للحق أو إحقاق للباطل‪ ،‬وقد فعل ذلك‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم عندما استأذن عليه رجل فقال لعائشة رضي هللا عنها‪ " :‬ائذنوا له‬
‫فلبئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة "‪ ،‬فلما دخل أالن له القول‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فقلت يارسول‬
‫هللا قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول قال‪ :‬ياعائشة إن شر الناس منزلة عند هللا يوم القيامة من‬
‫ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه " رواه مسلم‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي هللا عنه قوله‪ " :‬رأس العقل المداراة " وعن سمرة رضي‬
‫هللا عنه قال في الزوجة‪ " :‬فدارها تعش بها "‪.‬‬

‫دار من الناس مالالتهم *** من لم يدار الناس ملوه‬


‫ومكرم الناس حبب لهم *** من أكرم الناس أحبوه‬

‫وأما حكم الغناء فنقال من كتاب (الغلو في الدين ) للشيخ الصادق الغرياني "بتصرف "‬
‫قال هللا تعالى‪ " :‬ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل هللا بغير علم " وصح عن‬
‫ابن عباس وابن مسعود رضي هللا عنهم " أن اآلية نزلت في الغناء وأشباهه " وكان ابن مسعود‬
‫رضي هللا عنه " يحلف إنه الغناء "‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ولما سئل اإلمام مالك رحمه هللا تعالى عن الغناء قالك " إنما يفعله عندنا الفساق "‪.‬‬

‫وسأل رجل القاسم بن محمد وهو من فقهاء المدينة السبعة عن الغناء أحرام هو؟ قال‪ :‬انظر يا ابن‬
‫أخي اذا ميز هللا الحق من الباطل ففي أيهما يجعل الغناء؟ قال‪ :‬في الباطل قال‪ :‬الباطل في النار‪.‬‬

‫( اخنب وصدق ياعدو هللا )‬


‫وصدق = تصدق‪.‬‬ ‫اخنب = اسرق‪.‬‬

‫هذا كمن يجمع بين المتضادين كما قيل ( متطلب في الماء جذوة نار ) فكيف يبتغي األجر‬
‫والثواب من العصية والحرام‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬إن هللا تعالى طيب اليقبل إال طبيا "‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫وهللا عز وجل كما ورد في األثر " اليتصدق أحدكم بصدقة من كسب طيب واليقبل هللا إال طيبا "‬
‫فاهلل عز وجل اليقبل من الصدقات إال ما كان طيبا حالال‪ ،‬فالذي يسرق ويتصدق يجمع بين عمل‬
‫خبيث وطيب وقد قال تعالى‪ " :‬قل اليستوي الخبيث والطيب " المائدة (‪ ،)102‬ولما أمر سبحانه‬
‫بالصدقة قال‪ " :‬من ذا الذي يقرض هللا قرضا حسنا " البقرة (‪ )243‬وال يكون القرض حسنا إال‬
‫أن يكون من كسب طيب حالل‪ ،‬أريد به وجه هللا تعالى‪ ،‬وخرج عن طيب نفس‬

‫المال ينفد حله وحرامه *** يــومـا وتبقى غــدا آثــامـه‬


‫لـيـس التقي بمتق إللهه *** حتى يطيب شرابه وطعامه‬

‫عن ابن مسعود رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬ال يكتسب عبد ماال من‬
‫حرام فينفق منه فيبارك فيه‪ ،‬واليتصدق به فيتقبل منه‪ ،‬واليتركه خلف ظهره إال كان زاده إلى‬
‫النار‪ ،‬إن هللا اليمحو السيء بالسيء‪ ،‬ولكن يمحو السيء بالحسن‪ ،‬إن الخبيث اليمحو الخبيث "‬
‫رواه أحمد‪.‬‬

‫ورحمة هللا على القائل‪:‬‬

‫إذا حججت بمال أصله سحت *** فما حججت ولكن حجت العير‬
‫ال يقبل هللا إال كـــل صــالحـة *** ماكـل مـن حج بيت هللا مبرور‬

‫ولذلك قال الفقهاء من اكتسب ماال حراما كربا ونحوه ثم تاب وجب عليه أن يخرجه من يده‬
‫تخلصا منه ال تقربا إلى هللا تعالى؛ ألن هللا تعالى اليقبل إال طيبا‪ ،‬وأن يضعه في الصالح العام‬
‫كالطرق والمواضي وغيرها‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( باب التوبة مفتوح )‬


‫التوبة‪ :‬هي رجوع العبد من المعصية إلى الطاعة‪.‬‬

‫والتوبة واجبة على الفور من كل ذنب؛ ألن هللا تعالى قال‪ " :‬وتوبوا إلى هللا جميعا أيه المؤمنون‬
‫لعلكم تفلحون " النور (‪ ،)31‬وقد قسم هللا عباده إلى قسمين‪ :‬تائب غير ظالم وغير تائب ظالم‬
‫" ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون "الحجرات (‪ ،)11‬واعلم رحمك هللا أن للتوبة شروطا‪-:‬‬

‫أن يقلع ويترك المعصية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أن يندم على فعلها‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أن يعزم على أن ال يعود إليها أبدا‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أن تكون في وقته المحدد‪ ،‬وهو قبل طلوع الشمس من مغربها وهذا في آخر الزمان‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وقبل أن يغرغر العبد لقوله تعالى‪ " :‬هل ينظرون إال أن تأتيهم المالئكة أو يأتي ربك أو‬
‫يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ال ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل‬
‫‪ " ....‬األنعام (‪ ،)159‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬من تاب قبل أن تطلع الشمس من‬
‫مغربها تاب هللا عليه " رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫اإلخالص أي أن تكون التوبة خالصة لوجه هللا تعالى‪ ،‬ال رياء والسمعة وال لغرض‬ ‫‪.5‬‬
‫آخر‪.‬‬

‫وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فمع الشروط السابقة المذ كورة آنفا يضاف شرط آخر وهو‪ :‬أن‬
‫يتحلل من صاحب الحق‪ ،‬فإذا كان ماال أو نحوه رده‪ ،‬وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب‬
‫عفوه وإن كان غيبة يستحلها منها وهكذا‪ ،‬عن أنس رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وآله‬
‫وسلم قال‪ " :‬كفارة من اغتبته أن تستغفر له " رواه الحارث بن أبي اسامة بإسناد ضعيف‪.‬‬

‫قال بعض أهل العلم إن االستغفار لمن اغتابه يكون في حالة ما إذا أعلمه وقعت بينهما‬
‫وحشة وإيغار للصدر‪ ،‬وأما إذا علم أنه إذا أعلمه عفا عنه وسامحه استحله وطلب عفوه لقوله عليه‬
‫الصالة والسالم‪ " :‬من كانت له مظلمة ألخيه في عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن ال‬
‫يكون له دينار والدرهم وإن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ‬
‫من سيئات صاحبه فحمل عليه " أخرجه البخاري‪.‬‬

‫( الباب اللي يجيبلك الريح سده واستريح )‬


‫واستريح = واسترح‪.‬‬ ‫يجيبلك = يأتيك منه‪.‬‬ ‫اللي = الذي‪.‬‬

‫هذا التعبير صحيح إلى حد ما‪ ،‬ووجه ذلك أن على اإلنسان االبتعاد عن األسباب التي تجلب له‬
‫المشاكل والمتاعب‪ ،‬وأكثر مايكون ذلك من جهة تدخل اإلنسان فيما اليعنيه وقد قال عليه الصالة‬
‫والسالم‪ " :‬من حسن إسالم المرء تركه ما اليعنيه " رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وهذا‬
‫المعنى صحيح الشك فيه ‪.‬‬
‫وباختصار فال راحة للعبد إال بطاعة هللا تعالى‪ ،‬بذلك يسعد اإلنسان وينجح في حياته ولذا قيل‪:‬‬

‫حيثما تستقم يقدر لك اللــ***ـه نجاحا في غابر األزمان‬


‫‪134‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( باين على وجهه – مبين على وجهه )‬


‫هذا التعبير سليم صحيح‪ ،‬فالوجه عنوان القلب‪ ،‬وهناك عالقة شديدة بينهما‪ ،‬وارتباط وثيق‬
‫يجمعهما‪ ،‬فإذا أردت معرفة ما في القلب فعليك بتفرس الوجه؛ ولذلك قال هللا تعالى لنبيه عليه‬
‫الصالة والسالم في كيفية معرفة المنافقين‪ " :‬ولو نشاء ألريناكهم فلعرفتهم بسيماهم " محمد اآلية‬
‫(‪ ،)32‬وقال تعالى في حق الصحابة مثنيا عليهم بعالمات الصالح والنور في الوجوه من أثر‬
‫العبادة والطاعة‪ " :‬سيماهم في وجوهم من أثر السجود " الفتح (‪.)29‬‬

‫التسأل المرء عن خالئقه *** في وجه شاهد من الخبر‬

‫ومن المشاهدة أن الوجه يحمر ويصفر بل ويسود وتعلوه الكآبة‪ ،‬وأحيانا تتهلل أسارير الوجه من‬
‫الفرح‪.‬‬

‫فيحمر إذا غضب وكان قادرا على االنتقام‪ ،‬وذلك أن الدم يتدفق من القلب على الوجه‪ ،‬ويصفر إن‬
‫لم يكن قادرا‪ ،‬وذلك أن الدم يغور إلى القلب‪ ،‬ويسود إذا وقع في أمر يكرهه‪ ،‬ويبيض إذا حصل له‬
‫مايحبه قال تعالى‪ " :‬يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " آل عمران (‪ )106‬تبيض وجوه المؤمنين؛‬
‫ألنهم فازوا بالجنان‪ ،‬وتسود وجوه الكافرين؛ ألنهم وقعوا في النيران‪.‬‬

‫يريك الرضا والغل حشو جفونه *** وقد تنطق العينان والفم ساكت‬

‫وفي المثل العربي‪ " :‬تخبر عن مجهوله مرآته " أي أن منظره يخبر عن مخبره‪.‬‬
‫ولذلك كان الصحابة رضي هللا عنهم يعرفون كراهة النبي ألمر ما بما يظهر على وجهه صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬

‫( براءة الذئب من دم يوسف عليه السالم )‬


‫هذا التعبير يقال لبراءة الشخص براءة تامة الشك فيها‪ ،‬وذلك لدفع تهمة توجهت إليه‪ ،‬فيقال‬
‫توكيداً للبراءة‪ " :‬هو برئ منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السالم "‪ ،‬ويوسف عليه السالم‬
‫هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم كما سماه بذلك النبي صلى هللا عليه وسلم فهو يوسف‬
‫ابن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وله عليه الصالة والسالم سورة خاصة‬
‫بقصته سميت سورة يوسف عليه السالم وهذه القصة فيها من العبر والفوائد ما تتقاصر عنه‬
‫األقالم‪ ،‬وانظر قصص االنبياء للحافظ ابن كثير رحمه هللا تعالى‪.‬‬

‫( بعد العشاء افعل ماتشاء )‬


‫هذه اللفظة مخالفة للشرع مخالفة صريحة من عدة أوجه منها ‪-:‬‬

‫‪ .1‬أن فيها مخالفة لسنة النبي صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه عليه الصالة السالم كان يكره النوم قبل‬
‫العشاء والحديث بعدها كما ثبت ذلك في الصحيحين؛ ألن النوم قبل العشاء قد يفوت صالة العشاء‬
‫على العبد‪ ،‬وأما الحديث بعدها فلئال يشتغل بالحديث عن قيام آخر الليل وعن صالة الصبح‪،‬‬
‫‪135‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ولإلمام النووي رحمه هللا باب في كتابة رياض الصالحين‪ :‬بعنوان " كراهة الحديث بعد العشاء‬
‫اآلخرة " قال فيه‪ " :‬والمراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت‪ ،‬وفعله وتركه‬
‫سواء‪ ،‬فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت فهو في هذا الوقت أشد تحريما‬
‫وكراهة وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم األخالق والحديث مع‬
‫الضيف ومع طالب حاجة ونحو ذلك فال كراهة فيه بل هو مستحب‪ ،‬وكذا الحديث لعذر وعارض‬
‫الكراهة فيه وقد تظاهرت األحاديث الصحيحة على كل ماذكرته "‪.‬‬

‫عن ابن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صلى العشاء في آخر حياته فلما‬
‫سلم قال‪ " :‬أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن رأس مائة سنة ال يبقى ممن هو على ظهر األرض اليوم‬
‫أحد" متفق عليه‪.‬‬

‫واألمور التي رخص فيها أهل العلم هذه شريطة أال يضيع بسببه صالة الصبح‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫يؤدي ذلك إلى ضياع صالة الصبح فال يجوز حينئذ‪ ،‬ويكون الحال حينها كمن بني قصرا وهدم‬
‫مصرا‪.‬‬

‫‪ .2‬أن هذه العبارة ليست بصحيحة فقوله‪ " :‬افعل ماتشاء " قريب من قولهم‪ " :‬صلي الفرض‬
‫وانقب االرض " في بعض وجوه تفسيرهذا التعبير كما سبق وكأنه يقول‪ :‬الحرج عليك في أن‬
‫تفعل ماتشاء سواء أكان محرما أم غير محرم‪ ،‬ومن فعل ماشاء لقي ماساء‪.‬‬

‫‪ .3‬قوله‪ " :‬افعل ماتشاء " قريب من قول بعضهم إذا عوتب في خطأ فعله قال‪ " :‬أنا حر"‬
‫والمسلم عبد هلل تعالى‪ ،‬وليس له أن يفعل مايشاء‪ ،‬بل هو مقيد بأوامر الشرع ونواهيه؛ ألنه عبد هلل‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ويالألسف فإن الناس اليوم اليحلو لهم السهر والسمر والحديث إال بعد العشاء‪ ،‬فتجدهم في أحاديث‬
‫ال فائدة منها‪ :‬من غيبة ونميمة ونحوهما‪ ،‬فيقعون في أعراض الناس المحرمة وتفوت عليهم‬
‫مصالحهم الدينية كقيام الليل وصالة الصبح‪ ،‬ومصالحهم الدنيوية من أمر معاشهم‪ ،‬فتجدهم‬
‫يقومون ألعمالهم كسالى‪ ،‬فال يقومون بها على الوجه الصحيح‪ ،‬فيجد الكسب الحرام إلى معاشهم‬
‫سبيال‪ ،‬وهذا خالف ماكان عليه آباؤنا وأجدادنا من النوم مبكرا‪ ،‬فال يكاد أحدهم يصلي العشاء‬
‫حتى ينام‪ ،‬فتجده يستيقظ مبكرا لصالته وعمله يسابق الطيور في ذلك‪ ،‬قد فاز بدعوة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم ( اللهم بارك ألمتي في بكورها ) رواه أبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪،‬‬
‫فاللهم وفقنا لالقتداء بهم آمين‪.‬‬

‫ي قبل الهجير *** إن ذاك النجاح في التبكير‬


‫بكرا صاحب َّ‬

‫( تحت حس مس )‬
‫هذه العبارة كناية عن إنجاز عمل ما دون أن يعلم به أحد‪ ،‬بحيث اليطلع عليه إال أصحاب الشأن‬
‫دون غيرهم من الخلق‪.‬‬

‫وهذا صحيح إن لم يكن هناك مصلحة في إظهار العمل منها ‪-:‬‬

‫‪136‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .1‬السالمة من الحسد؛ لقوله عليه الصالة والسالم في الحديث الصحيح‪ " :‬استعينوا على‬
‫إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود " أخرجه الطبراني في المعجم الكبير‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .2‬السالمة من العين؛ ألن العائن إذا لم ير النعمة لم يتأت له أخذها بالعين‪ ،‬فإخفاء النعمة من‬
‫أسباب السالمة من ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬السالمة من حقد الحاقدين فإن النفوس إذا لم تحصل على ما عند الغير من النعم تحركت‬
‫للشر فحسدت وحقدت‪ ،‬وطغت وبغت وتبع ذلك كيد لصاحب النعمة‪.‬‬

‫فإذاً من وسائل إنجاح األعمال إخفاؤها عن أعين الحساد حتى إن كثيراً من األمور الشرعية‬
‫يستحب إخفاؤها للسالمة من الرياء؛ وألن ذلك أدعي إلى اإلخالص‪ ،‬فصدقة السر أفضل من‬
‫صدقة العلن قال تعالى‪ " :‬إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم‬
‫‪ "...‬البقرة (‪.)270‬‬

‫أما إذا كانت هناك مصلحة في إظهار العمل فإنه أفضل من اإلخفاء حينئذ‪ ،‬فإذا كان في‬
‫اإلظهار اقتداء بمن أظهره كمن تصدق على فقير علنا فتبعه الناس واقتدوا به أو كان في اإلظهار‬
‫إحياء لسنة أميتت فحينئذ اإلظهار أفضل‪.‬‬

‫( الحج ومابعده )‬
‫الحج عبادة عظيمة‪ ،‬وطاعة هلل جليلة‪ ،‬فهو الركن الخامس من أركان اإلسالم الخمسة‪ ،‬وفرض‬
‫على كل مسلم ومسلمة إذا استطاع إليه سبيال أن يحج مرة في العمر‪ ،‬غير أنه يستحب تكراره‪،‬‬
‫وقد فرض الحج سنة ست أو تسع على خالف بين أهل العلم‪ ،‬ولم يحج النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫إال سنة عشر‪ ،‬بعد أن طهر هللا البيت من آثار الشرك‪.‬‬
‫وأما فضله فقد وردت فيه نصوص كثيرة صحيحة‪ ،‬منها ما رواه البخاري ومسلم من أن‬
‫الحج المبرور ليس له جزاء إال الجنة‪ ،‬وروى أحمد والنسائي وابن ماجة من قوله عليه الصالة‬
‫والسالم‪ " :‬من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "‪.‬‬

‫وأما ِحكمه وأسراره فأكثرمن أن تحصى‪ ،‬وال يوافيه بيانا إال التصانيف المستقلة في األسفار‬
‫المطولة‪.‬‬

‫فهو مؤتمر إسالمي عظيم فيه من المنافع الدينية والدنيوية‪ ،‬والثقافية واالجتماعية مايفوت‬
‫الحصر والعد‪ ،‬ففيه تطهير النفوس من آثار الذنوب والمعاصي‪ ،‬وفيه اجتماع المسلمين ومناقشة‬
‫قضاياهم وتوحيد صفوفهم‪ ،‬إلى غير ذلك من الحكم التي تتقاصر عنها األقالم وتضيق بها االفهام‪.‬‬

‫أعود فأقول‪ :‬إن هذا التعبير يقصد به أن العبرة بما بعد الحج‪ ،‬فالمهم ليس مجرد أداء‬
‫الشعيرة والواجب الشرعي فحسب‪ ،‬بل البد من أن يكون هذا الحج أكبر زاجر وناه عن العودة‬
‫إلى المعاصي والموبقات‪ ،‬والبد من التوبة النصوح واالستقامة بعد الحج وأما من بقى على حالته‬
‫األولى ولم يحدث توبة ولم يستقم على طاعة هللا وال انتهى عن معصيته وحاله كما قيل‪ " :‬حج‬
‫وزمزم‪ ،‬وجاء للبالء متحزم " فهذا – والعياذ باهلل – لم يؤثر فيه الحج‪ ،‬وليس له نصيب من حجه‬
‫كمن يؤدي الصالة ولم ينته عن الفحشاء والمنكر حتى قيل‪ :‬من لم تنهه صالته عن الفحشاء‬
‫والمنكر لم يزدد من هللا إال بعدا‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( حذفوا وراه رشادة أو سبع رشادات )‬


‫وراه = وراءه‪.‬‬

‫رشادة = حجرة وهي عربية صحيحة ومنه قول الشاعر ‪-:‬‬

‫وغير مقلد وموشمات *** صلين الضوء من صم الرشاد‬

‫قال في مختار القاموس‪ :‬الرشادة الصخرة والحجر الذي يمال الكف وجمعه رشاد‪.‬‬

‫هذه العبارة كناية عن مسافر غير مرغوب فيه‪ ،‬وغائب غير محبوب‪ ،‬فمن العادات الشعبية‬
‫المنقرضة أن يرمى بحجر وراء هذا المسافر المبغوض كي ال يعود‪ ،‬وبالمقابل إذا كان المسافر‬
‫محبوبا يشق فراقهُ صبوا وراءه الماء تفاؤال بسالمته في سفره وهذا ليس بصحيح؛ فإنه ال عالقة‬
‫بين صب الماء خلف هذا المسافر أو حذف الرشاد وبين مايقدره هللا له في سفره من خير وشر؛‬
‫فإن هللا تعالى لم يجعل صب الماء وراءه سببا في سالمة هذا المسافر في سفره‪ ،‬ولم يجعل حذف‬
‫الرشاد وراءه سببا في ضرره أو عدم رجوعه‪ ،‬والعوض عن ذلك كله أن تراعى آداب السفر‬
‫الشرعية‪ ،‬وأن يدعى له بالسالمة والوصول بلطف وأمان‪.‬‬

‫وهذه اآلداب الشرعية تتمثل في االتي ‪-:‬‬

‫الخروج للسفر صبيحة يوم الخميس مبكرا إن أمكن لقول كعب بن مالك رضي هللا عنه‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫" وكان – النبي صلى هللا عليه وسلم – يحب أن يخرج يوم الخميس " متفق عليه‪ ،‬وفي‬
‫رواية‪ " :‬لقلما كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يخرج إال في يوم الخميس"‪ ،‬ولقوله‬
‫عليه الصالة والسالم‪ " :‬اللهم بارك ألمتي في بكورها " رواه أبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ ،‬والبكور هو الخروج في الصباح مبكرا‪.‬‬
‫طلب الرفقة الصالحة‪ ،‬وأن يكونوا جماعة أكثر من اثنين لقوله عليه الصالة السالم‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫" الراكب شيطان‪ ،‬والراكبان شيطانان والثالثة ركب " أخرجه أحمد والحاكم بسند‬
‫صحيح‪ ،‬ولقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ماسار‬
‫راكب بليل وحده " رواه البخاري‪.‬‬
‫استحباب السري (السير ليال ) إن أمن من حصول مكروه بسبب النعاس ونحو ذلك؛‬ ‫‪.3‬‬
‫لقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬عليكم بالدلجة فإن األرض تطوي بالليل " رواه أبو داود‬
‫بإسناد حسن‪ ،‬والدلجة = السير في الليل‪.‬‬
‫دعاء السفر‪ ،‬عن ابن عمر رضي هللا عنهما أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان إذا استوى‬ ‫‪.4‬‬
‫على بعيره خارجا للسفر كبر ثالثا ثم قال‪ " :‬سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين‬
‫وإنا إلى ربنا لمنقلبون " الزخرف (‪ ،)13-12‬اللهم إني أسالك في سفري هذا البر‬
‫والتقوى‪ ،‬ومن العمل ما ترضى‪ ،‬اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده‪ ،‬اللهم أنت‬
‫الصاحب في السفر والخليفة في األهل‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة‬
‫المنظر وسوء المنقلب في المال واألهل والولد " رواه مسلم‪ ،‬مقرنين = مطيقين‬
‫الوعثاء = الشدة‪ .‬الكآبة = تغير في النفس من حزن ونحوه‪ .‬المنقلب = المرجع ‪.‬‬
‫من سنن السفر أن يقول المسافر للمقيم " أستودعكم هللا الذي التضيع ودائعه " حديث‬ ‫‪.5‬‬
‫صحيح رواه ابن ماجة‪ ،‬ويرد عليه المقيم بقوله‪ " :‬استودع هللا دينك وأمانتك وخواتيم‬

‫‪138‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫عملك " حديث صحيح‪ ،‬رواه أحمد‪ ،‬أو " زودك هللا التقوى‪ ،‬وغفر ذنبك‪ ،‬ويسر لك الخير‬
‫حيث كنت " حديث صحيح‪ ،‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫‪ .6‬التكبير إذا صعد ثنية أو مرتفعا‪ ،‬والتسبيح إذا هبط واديا أو منخفضا لحديث ابن عمر –‬
‫رضي هللا عنهما – قال كان النبي صلى هللا عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا‪،‬‬
‫وإذا هبطوا سبحوا " رواه أبو دواد بإسناد حسن‪ ،‬ومناسبة ذلك ظاهرة‪ ،‬فإن العبد إذا عال‬
‫شيئا وارتفع عليه فليعلم أن هللا أكبر وأعلى من كل شيء وإذا هبط وانخفض أرضا فليعلم‬
‫أن هللا تعالى بخالف ذلك‪ ،‬فهو سبحانه في العلو تعالى هللا علوا كبيرا‪.‬‬
‫‪ .7‬اإلكثار من الدعاء في السفر لقوله – عليه الصالة والسالم‪ " :‬ثالث دعوات مستجابات‬
‫الشك فيهن‪ :‬دعوه المظلوم‪ ،‬دعوة المسافر‪ ،‬دعوة الوالد على ولده " رواه أبو داود‬
‫والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن وليس في رواية أبي داود " على ولده "‪.‬‬
‫‪ .8‬إذا نزل المسافر منزال أو مكانا في سفره فليدع بما ورد في الحديث عن خولة بنت حكيم‬
‫– رضي هللا عنها – قالت‪ :‬سمعت رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – يقول من نزل‬
‫منزال ثم قال‪ " :‬أعوذ بكلمات هللا التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من‬
‫منزله ذلك " رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ .9‬من سنن السفر ورخصه‪ :‬القصر في الصالة‪ ،‬والفطر في الصيام‪ ،‬والجمع بين الصلوات‬
‫إن احتاج إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ .10‬إذا رجع المسافر إلى أهله قال دعاء السفر السابق وزاد معه قوله‪ " :‬آيبون تائبون‬
‫عابدون لربنا حامدون "‪ ،‬لما ورد في صحيح مسلم عن أنس رضي هللا عنه قال أقبلنا مع‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم حتى إذا كنا بظهر المدينة قال‪ " :‬آيبون تائبون عابدون لربنا‬
‫حامدون " فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة "‪.‬‬
‫‪ .11‬استحباب ابتداء القادم من السفر بالمسجد الذي بجواره وصالته فيه ركعتين لما ورد في‬
‫الحديث المتفق عليه أنه‪ -‬عليه الصالة والسالم – كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع‬
‫فيه ركعتين‪.‬‬
‫‪ .12‬أال يطرق أهله ليال إال إذا سبق وأن حدد لهم موعد رجوعه لما ورد أن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ " :‬نهى أن يطرق الرجل أهله ليال " أخرجه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬

‫( الدنيا والبقاء هلل )‬


‫هذه العبارة تقال عند العزاء يقولها المعزى صاحب المصيبة للمعزي‪ ،‬فإذا قال المعزي " أعظم‬
‫هللا أجركم وأحسن عزاكم " رد عليه المعزى بقوله‪ " :‬الدنيا والبقاء هلل " أي هذا حال الدنيا‪ ،‬وهذا‬
‫شأنها‪ ،‬فهي فانية زائلة واليبقى إال هللا تعالى‪.‬‬

‫هـب الدنيا تساق إليك عفوا *** أليس مصيرذاك إلى زوال؟‬
‫ومــا دنـياك إالمـثـل فــيء *** أظـلـك ثـــم آذن بـالـــزوال‬

‫وهذه المعنى صحيح‪ ،‬فإن الدنيا دار فناء‪ ،‬واآلخرة دار بقاء‪ ،‬فهي سحابة صيف‪ ،‬وخيال‬
‫طيف‪:‬‬

‫أحالم نوم أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها اليخدع‬

‫‪139‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فالدنيا دار ممر‪ ،‬واآلخرة دار مقر‪ ،‬ملئت بالهموم والغموم‪ ،‬والشرور والمصائب‪:‬‬

‫يادار دار الهم والمعاصي *** هل فيك لي باب إلى الخالص‬

‫دار أتراحها أكثر من أفراحها‪ ،‬بل أفراحها منغصة‪ ،‬إذا اضحكت قليال أبكت كثيرا‪:‬‬

‫ياخاطب الدنيا الدنية إنها *** شرك الردى وقرارة األقذار‬

‫دار متى ماأضحكت في يومها *** أبكت غدا تبا لها من دار‬

‫وقد أحسن أبوالعتاهية رحمه هللا تعالى في وصفه الدنيا حين قال‪:‬‬

‫إنـي رأيـت عــواقـب الـدنـيـا *** فتركت ما أهوى لما أخشى‬


‫فكـرت فـي الـدنيـا وعـالـمهـا *** فـإذا جميع أمـورهـا تـفـنـى‬
‫وبـلــوت أكـثــر أهـلـهـا فــإذا *** كـل امرئ في شأنه يسعـى‬
‫أسـنـى منـازلـهـا وأرفـعـهــا *** في العز أقربها من المهوى‬
‫تعـفـو مسـاويهــا محــاسنهــا *** ال فــرق بين النعي البشرى‬
‫ولقـد مررت على القبور فمـا *** ميزت بين العـبـد والمــولى‬

‫أتراك تدري كم رأيت من الـ *** أحـيـاء ثم رأيتهم موتى‬

‫عبرة وعظة ‪ ( ....‬هكذا النيا تفعل باهلها)‬

‫روي أن عيسى عليه السالم كان معه صاحب في بعض سياحته فأصابهما الجوع وقد انتهيا إلى‬
‫قرية فقال عيسى عليه الصالة والسالم لصاحبه‪ :‬انطلق فاطلب لنا طعاما من هذه القرية وأعطاه‬
‫مايشتري به‪ ،‬فذهب الرجل وقام عيسى عليه الصالة والسالم يصلى‪ ،‬فجاء الرجل بثالثة أرغفة‬
‫فقعد ينتظر انصراف عيسى من الصالة فأبطا عليه فأكل رغيفا وكان عيسى عليه الصالة والسالم‬
‫رآه حين جاء ورأى األرغفة ثالثة‪ ،‬فلما انصرف من صالته لم يجد إال رغيفين فقال له‪ :‬أين‬
‫الرغيف الثالث؟ فقال الرجل ما كان إالرغيفين فأكالهما ثم مرا على وجوههما حتى أتيا على‬
‫ظباء ترعي فدعا عيسى عليه الصالة والسالم واحدا منها فجاءه فذكاه وأكال منه فقال له عيسى‪:‬‬
‫بالذي أراك هذه اآلية من أكل الرغيف الثالث؟ فقال‪ :‬ماكانا إال اثنين ثم مرا على وجوههما حتى‬
‫جاء قرية فدعا عيسى ربه أن ينطق له من يخبره عن حال هذه القرية‪ ،‬فأنطق هللا له لبنة فسألها‬
‫عيسى فأخبرته بكل ما أراد وصاحبه يتعجب مما رأى فقال له عيسى‪ :‬بحق ما أراك هذه اآلية من‬
‫صاحب الرغيف الثالث؟ فقال‪ :‬ما كانا إال اثنين فمرا على وجوههما حتى انتهيا إلى نهر عجاج‬
‫فأخذ عيسى صلوات هللا عليه بيد الرجل ومشى به على الماء حتى جاوزا النهر فقال الرجل‪:‬‬
‫سبحان هللا فقال عيسى عليه الصالة والسالم‪ :‬بالذي أراك هذه اآلية من صاحب الرغيف الثالث؟؟‬
‫فقال‪ :‬ما كانا إال اثنين فمرا على وجوههما حتى أتيا قرية عظيمة خربة وإذا قريب منها ثالث‬
‫لبنات عظام‪ ،‬وقيل ثالثة أكوام من الرمل‪ ،‬فقال لها‪ :‬كوني ذهبا بإذن هللا فكانت‪ ،‬فلما رآه الرجل‬
‫قال‪ :‬هذا مال فقال عيسى‪ :‬نعم واحدة لي‪ ،‬وواحدة لك‪ ،‬وواحدة لصاحب الرغيف الثالث‪ ،‬فقال‬
‫الرجل أنا صاحب الرغيف الثالث‪ ،‬فقال عيسى عليه الصالة والسالم هي لك كلها ثم فارقه‬
‫عيسى‪ ،‬فأقام الرجل ليس معه ما يحملها عليه‪ ،‬فمر به ثالثة نفر فقتلوه‪ ،‬فقال اثنان منهما للثالث‪:‬‬
‫انطلق إلى القرية فأتنا بطعام فانطلق فلما غاب قال أحدهما لآلخر‪ :‬إذا جاء قتلناه واقتسمنا المال‬
‫‪140‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫بيننا‪ ،‬قال اآلخرنعم‪ ،‬وأما الذي ذهب ليشتري الطعام فأنه أضمر لصاحبيه السوء‪ ،‬وقال أجعل‬
‫لهما في الطعام سما‪ ،‬فإذا أكاله ماتا وآخذ المال لنفسي‪ ،‬فوضع السم في الطعام وجاء فقاما إليه‬
‫فقتاله‪ ،‬وأكال الطعام فماتا‪ ،‬فمر بهم عيسى عليه الصاله والسالم وهم مصروعون حولها فقال‪:‬‬
‫هكذا الدنيا تفعل بأهلها‪.‬‬

‫وأما الشطر الثاني من العبارة " والبقاء هلل " فإن هللا تعالى قد حكم على جميع الخالئق بالفناء‪،‬‬
‫وال يبقى إال هللا تبارك وتعالى‪ " :‬كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجالل واإلكرام "‬
‫الرحمن اآلية (‪ " ،)25-24‬كل شيء هالك إال وجهه " القصص (‪.)88‬‬

‫الشيء مما ترى تبقى بشاشته *** إال اإلله ويردى المال والولد‬

‫وأما ما يتعلق بالتعزية فأقول‪-:‬‬

‫التعزية‪ :‬هي التصبير وحمل أهل الميت على العزاء والصبر بذكر يهون عليهم المصائب‪.‬‬

‫وهي مستحبة وفيها أجر عظيم؛ ولقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة‬
‫إال كساه هللا عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة " رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫والتعزية تكون قبل الدفن وبعده وفي أي مكان وجد صاحب المصيبة‪ ،‬وتجوز التعزية إلى ثالثة‬
‫أيام إال أن يكون أحد المعزين غائبا بعيدا فال بأس إن تأخرت‪.‬‬

‫وتؤدى التعزية بأي لفظ كان‪ ،‬ومما يروي عنه عليه الصالة والسالم في ذلك قوله‪ " :‬إن هلل ما‬
‫أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬فلتصبر ولتحتسب " رواه البخاري‪.‬‬

‫وإن قال‪ " :‬أعظم هللا أجرك‪ ،‬وأحسن عزاءك‪ ،‬وغفر لميتك " فحسن كما ذكر ذلك النووي في‬
‫كتابه األذكار‪ ،‬ويرد المعزى بقوله‪ " :‬آمين أو آجرك هللا أو ال أراك مكروها "‪.‬‬

‫ويحسن لمعرفة المزيد الرجوع إلى عادات المآتم للشيخ الصادق الغرياني وكتاب ( أحكام الجنائز‬
‫وبدعها ) لبعض أهل العلم‪.‬‬

‫والشك في أن الموت مصيبة كما قال تعالى‪ " :‬فأصابتكم مصيبة الموت " المائدة اآلية (‪،)108‬‬
‫وقد شرع هللا تعالى لنا آدابا عند المصيبة‪ :‬منها القولية ومنها الفعلية‪ ،‬فأما القولية فاالسترجاع أي‬
‫قول‪ " :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها " وأما الفعلية‬
‫فالصبر على المصيبة والرضا بها‪ ،‬فال شق للجيوب وال لطم للخدود وال شيء من ذلك ‪.‬‬

‫ومما يهون مصيبة الموت على العبد بفقده ألحبته ذكره لمصابه بنبيه وفقده عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫ومافقد الماضون مثل محمد *** والمثله إلى يوم القيامة يفقد‬

‫ولذلك قال القرطبي رحمه هللا في تفسيره عند قوله تعالى‪ " :‬الذين إذا أصابتهم مصيبة‬
‫قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون " من سورة البقرة من أعظم المصائب المصيبة في الدين‪ ،‬ذكر‬
‫أبوعمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفة حدثنا عطاء بن أبي رباح قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي‪ ،‬فإنها من أعظم المصائب "‬
‫‪141‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫أخرجه السمر قندي أبو محمد في مسنده أخبرنا أبو نعيم قال‪ :‬أنبأنا فطر فذكر مثله سواء وأسند‬
‫مثله عن مكحول مرسال قال أبوعمر‪ :‬وصدق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألن المصيبة به‬
‫أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة‪ ،‬انقطع الوحي وماتت النبوة‪.‬‬

‫وكل أول الشر بارتداد العرب وغير ذلك وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه‪.‬‬

‫قال أبو سعيد مانفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا‬
‫ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول(‪)1‬‬

‫اصـبــر لـكـل مصيبة وتــجــلــد *** واعلم بأن المرء غير مخلــد‬
‫أومـا تـرى أن المصـائـب جـمــة *** وترى المنية للعباد بمرصــد‬
‫من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟ *** هـذا سبيل لست فيه بـأوحــد‬
‫فــإذا ذكــرت محمداً ومـصـابــه *** فاذكر مصابك بالنبي محمد‬

‫تنبيه ‪.... -:‬‬

‫لألسف الشديد أن كثير من الناس يأتون إلى الجنازة ال للصالة عليها وحضور الدفن الذي‬
‫فيه من األجر قيراطان كما ثبت ذلك عن النبي – صلى هللا عليه وسلم – ولكن مجاملة ورياء‪،‬‬
‫فتجدهم يقفون مسرعين إلى صف العزاء ليحجزوا األماكن األولى في الصف والناس في صالة‬
‫الجنازة والدفن‪ ،‬وهذا –وهللا – من الخذالن العظيم‪ ،‬وبعضهم يزيد الطين بلة‪ ،‬والمرض علة‬
‫فتجده وهو في صف العزاء وفي المقبرة يشرب السيجارة ويتحدث في أمور الدنيا‪ ،‬بل ويضحك‬
‫أيضا وكأنه في حفل زفاف‪ ،‬بل ويتلقى مكالمات الهالتف النقال ذات النغمات الموسيقية في‬
‫المقبرة‪ ،‬وعند الدفن في ذلك الموقف الرهيب الذي يقول فيه الرسول صلى هللا عليه وسلم " ما‬
‫رأيت منظراًقط إال والقبر أفظع منه "‪ ،‬والذي كان عثمان رضي هللا عنه إذا وقف فيه على القبر‬
‫بكى بكاء شديدا حتى تبتل لحيته من دموعه‪ ،‬ومع هذا فقد رأيت بعيني من يتكلم بالنقال في المقبرة‬
‫ويتجول بين القبور وكأنه في حديقة يتنزه بين أزهارها وورودها‪ ،‬فاهلل المستعان على قسوة‬
‫القلوب‪ ،‬وإنا هلل وإنا إليه راجعون‪.‬‬

‫( ال َد ْين ذل بالنهار وه ٌّم بالليل )‬


‫الدين أمره عظيم‪ ،‬وخطره جسيم‪ ،‬والشك في أن هذا التعبير قيل من واقع محسوس وكما قيل‪:‬‬
‫" أسأل المجرب وال تسأل الطبيب "‪ ،‬وصواب هذه العبارة‪ " :‬أسأل المجرب والتنس الطبيب "‪،‬‬
‫فلكل واحد منهما علم وفائدة‪.‬‬

‫وهذا التعبير يصور لنا حالة المدين ونفسيته‪ ،‬فهو في نهاره ذليل‪ ،‬وفي ليله مهموم‪ ،‬فال نهاره‬
‫بنهار وال ليله بليل‪ ،‬حيث إنه إذا قابل الدائن ( صاحب الدين ) ذ َّل له‪ :‬فطأطأ رأسه‪ ،‬وخفض‬
‫بصره أمامه ذليال كاألسير‪ ،‬وأما ليله فهو في ه ّم وغ ّم اليعلمه إال هللا تعالى‪ ،‬قال جابر رضي هللا‬
‫عنه‪ " :‬ال هم إال هم الدين وال وجع إال وجع العين "‪ ،‬فالدين سواد الخدين وعمي العين‪.‬‬

‫وإذا كان هذا أمر الدين فقل لي بربك كيف يستدين اإلنسان ألمور كمالية توقع في هذا‬
‫البالء؟‬

‫‪142‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ومما يبين خطر الدين أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان في بداية اإلسالم اليصلي على من عليه‬
‫دين حتى يضمن أحد قضاء دين الميت‪ ،‬وبعد أن فتح هللا عليه صار يصلى على الجميع‪ ،‬فمن‬
‫ترك دينا تولى النبي صلى هللا عليه وسلم قضاءه بما فتح هللا عليه‪ ،‬وكذلك فإن الشهيد تغفر له‬
‫ذنوبه كلها إال الدين كما ثبت في صحيح مسلم‪ ،‬فإنه البد من قضائه ألنه حق آدمي ولذلك قال‬
‫عليه الصالة والسالم‪ " :‬نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه " رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن‪.‬‬

‫ولما وجد النبي صلى هللا عليه وسلم بعض أصحابه بالمسجد مهموما سأله فقال‪ :‬يارسول‬
‫هللا ديون لزمتني فأرشده عليه الصالة والسالم إلى دعاء إذا قاله قضي هللا عنه ديونه وهو‪ " :‬اللهم‬
‫إني أعوذ بك من الهم والحزن‪ ،‬وأعوذ بك من العجز والكسل‪ ،‬وأعوذ بك من الجبن البخل‪ ،‬وأعوذ‬
‫بك من غلبة الدين وقهر الرجال " أخرجه أبودواد‪.‬‬

‫وكان عليه الصالة والسالم يقول في دعائه‪ " :‬اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين ‪"...‬‬
‫رواه النسائي‪ ،‬وصححه الحاكم‪ ،‬وقد استعاذ عليه الصالة والسالم من المغرم وهو الدين‪ ،‬ولما‬
‫سألته عائشة رضي هللا عنها عن كثرة استعاذته من المغرم قال‪ " :‬إن الرجل إذا غرم حدث‬
‫فكذب‪ ،‬ووعد فأخلف "‪.‬‬

‫فمن استدان دينا يعلم أنه اليقدر على قضاءه فقد فعل محرما ومن باب أولى من استدان وهو‬
‫عازم على عدم القضاء‪ ،‬وفيه ورد الحديث‪ " :‬من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها هللا عنه‪،‬‬
‫ومن أخذها يريد إتالفها أتلفه هللا " أخرجه البخاري‪.‬‬

‫والشك في أن االنسان قد يضطر الى الدين‪ ،‬والحرج في ذلك إن علم من نفسه القدرة على قضاء‬
‫الدين‪ ،‬والمؤسف جدا أن اإلنسان يستدين من أجل أمور كمالية جدا ليست من الضروريات وال‬
‫من الحاجيات‪ ،‬بل فقط لمسايرة طبقته أو أصدقائه‪ ،‬فيقع في ديون اليستطيع الخروج منها‪،‬‬
‫فيصدق عليه المثل‪ " :‬يداك أوكتا وفوك نفخ "‪.‬‬

‫فاللهم اقض عنا دين الدنيا بالميسرة‪ ،‬ودين اآلخرة بالمغفرة ‪ (( .‬آمين يارب العالمين))‪.‬‬

‫( الدين يسر مش عسر )‬


‫مش = ليس‪.‬‬

‫هذه العبارة صحيحة سليمة قد دل عليها القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬أما القرآن فقوله‬
‫تعالى‪ " :‬يريد هللا بكم اليسروال يريد بكم العسر" البقرة (‪ ،)184‬وقوله‪ " :‬وماجعل عليكم في‬
‫الدين من حرج " الحج (‪ ،)76‬وأما السنة فقوله عليه الصاله والسالم الذي رواه البخاري عن أبي‬
‫هريرة رضي هللا عنه مرفوعا‪ " :‬إن الدين يسر"‪ ،‬وقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬خير دينكم‬
‫أيسره " أخرجه أحمد بسند صحيح‪.‬‬

‫وما خير رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بين أمرين إال اختار أيسرهما مالم يكن إثما‪ ،‬فإن كان‬
‫إثما كان أبعد الناس عنه‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫واليسر هنا بمعنى السهولة‪ ،‬فالدين في أحكامه كلها يسر‪ ،‬ولذلك قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬إني‬
‫أرسلت بالحنيفية السمحة " رواه أحمد بسند حسن‪.‬‬
‫فاليسر مقصد من مقاصد التشريع‪ ،‬وهللا تعالى وسع على هذه األمة أمر دينها‪ ،‬فقد حط‬
‫سبحانه مافيه مشقة من التكاليف على عباده‪ ،‬إما بإسقاطها من األصل وعدم التكليف بها كما كلف‬
‫بها األمم قبلنا أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل المشقة فيه أو بمشروعية التخلص من الذنب‬
‫بالوجه الذي شرعه هللا تعالى‪ ،‬أخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل قال‪ " :‬كان الرجل من بني‬
‫إسرائيل إذا أذنب قيل له توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه‪ ،‬فوضعت اآلصار عن هذه األمة "‪.‬‬

‫وقال القرطبي رحمه هللا في تفسيره في سورة األعراف عند قوله‪ ( :‬ويضع عنهم‬
‫إصرهم )‪ ،‬فإن بني إسرائيل كان قد أخذ عليهم أن يقوموا بأعمال ثقال‪ ،‬فوضع عليهم بمحمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك األعمال كغسل البول وتحليل الغنائم ومجالسة الحائض‬
‫ومؤاكلتها ومضاجعتها‪ ،‬فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه‪ ،‬وروي جلد أحدهم وإذا‬
‫جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها‪ ،‬وإذا حاضت المرأة لم يقربوها إلى غير ذلك مما ثبت‬
‫في الحديث الصحيح وغيره‪.‬‬

‫ومن مظاهر اليسر في الدين أن من لم يستطع الغسل أو الوضوء تيمم وإذا لم يستطع الصالة قائما‬
‫صلى قاعدا إلى غير ذلك‪ ،‬فإذا وجدت المشقة جاء التيسير‪ ،‬ولذلك القاعدة الفقهية الكبرى تقول‪:‬‬
‫" المشقة تجلب التيسير"‪.‬‬

‫( راقـــد ريـــح )‬
‫هذه العبارة كناية عن الشخص الضعيف الذي الحول له والقوة‪ ،‬والخبرة له بأمورالحياة‪ ،‬فشبه‬
‫ضعفه ومسكنته بالريح حال رقودها وسكونها‪ ،‬وقد عقد اإلمام النووي رحمه هللا بابا في كتابه‬
‫رياض الصالحين بعنوان‪ " :‬باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء ‪ "...‬وصدر الباب بقوله تعالى‪:‬‬
‫" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه والتعد عيناك عنهم "‬
‫الكهف اآلية (‪ ،)28‬وأورد عدة أحاديث منها ‪-:‬‬
‫قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬أال أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على‬
‫هللا ألبره أال أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر " متفق عليه ‪.‬‬

‫الجواظ = الجموع المنوع‪.‬‬ ‫العتل = الغليظ الجافي ‪.‬‬

‫بل لقد بلغ من فضلهم ما ورد في الحديث أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبالل في نفر‬
‫فقالوا‪ " :‬ما أخذت سيوف هللا من عدو هللا مأخذها فقال أبو بكر رضي هللا عنه‪ :‬أتقولون هذا لشيخ‬
‫قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى هللا عليه وسلم فأخبره فقال‪ " :‬يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن‬
‫كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك‪ ،‬فأتاهم فقال يا إخوتاه آغضبتكم؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬يغفر هللا لك يا أخي "‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫وعقد النووي بابا آخر‪ " :‬باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين " وصدر‬
‫الباب بقوله تعالى‪ " :‬والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما‬
‫ميبنا " األحزاب (‪ ،)58‬وذكر قوله عليه الصالة والسالم في الحديث القدسي‪ " :‬من عادى لي وليا‬
‫فقد آذنته بالحرب " رواه البخاري‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫هذا فضل الضعفة والمساكين من المسلمين‪ ،‬وكيف أن هللا أمر بالرفق بهم‪ ،‬والشفقة عليهم‪ ،‬مع‬
‫ذلك فقد ورد قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى هللا من المؤمن‬
‫الضعيف‪ ،‬وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن باهلل والتعجز‪ ،‬وإن أصابك شي فال تقل‬
‫لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدر هللا وما شاء فعل‪ ،‬فإن لو تفتح عمل الشيطان "‬
‫أخرجه مسلم ‪.‬‬

‫فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف‪ ،‬ولكن لما كان وجود هذا الصنف البد منه أمر عليه‬
‫الصالة والسالم بالرفق به‪ ،‬والشفقة عليه‪ ،‬وبين فضله وهللا الموفق‪.‬‬

‫( رقدة أهل الكهف )‬


‫هذه العباة تقال لمن كان كثير النوم‪ ،‬دعاء عليه لكسله ونومه الخارج عن العادة‪ ،‬وألهل الكهف‬
‫قصة عجيبة ذكرها هللا تعالى في كتابه‪ " :‬أم حسبت أن اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا‬
‫عجبا " الكهف (‪ ،)26-9‬والكهف هو الفجوة الواسعة في الجبل بخالف الغار فهو الفجوة‬
‫الصغيرة كغار حراء مثال‪.‬‬

‫وخالصة هذه القصة أن هؤالء الفتية المختلف في عددهم خرجوا من قومهم الكفار خوفا من‬
‫بطشهم وردهم‪ ،‬إلى ملة الكفر‪ ،‬وقد كان هؤالء الفتية مؤمنين بربهم فلجأوا إلى الكهف فرقدوا فيه‬
‫مدة طويلة ثالثمائة سنة ويزيد كما قال تعالى‪ " :‬ولبثوا في كهفهم ثالثمائة سنين وازدادوا تسعا "‬
‫الكهف (‪ ،)25‬فلبثوا في الكهف طيلة هذه المدة حتى هلك قومهم الكفار وجاء آخرون ثم تبينت لهم‬
‫حقيقة األمر‪.‬‬

‫ويستخلص من قصتهم اآلتي‪-:‬‬

‫أن هللا ينجي عباده المؤمنين بإيمانهم ( فأنجينا الذين آمنوا )‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ثبوت الكرامة ألولياء هللا تعالى حيث ناموا هذه المدة الطويلة‬ ‫‪.2‬‬
‫وأثبتن لألوليا الكرامه *** ومن نفاها فانبذن كالم ْه‬
‫ثبوت البعث حيث إن هذه القصة فيها بعث بعد نوم طويل أشبه بالموت بل النوم هو‬ ‫‪.3‬‬
‫الموت األصغر‪.‬‬
‫حفظ هللا تعالى ألوليائه الصالحين كما قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬احفظ هللا يحفظك "‬ ‫‪.4‬‬
‫رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬
‫علم من أعالم النبوة حيث ذكر الفرق الحسابي الدقيق بين السنين الشمسية والقمرية‬ ‫‪.5‬‬
‫(ولبثوا في كهفهم ثالثمائة سنين وازدادوا تسعا ) قال الزجاج‪ :‬إن المراد ثالثمائة سنة‬
‫شمسية وثالثمائة وتسع قمرية؛ ألنه يتفاوت في كل ثالث وثالثين سنة سنة‪ ،‬فيكون في‬
‫ثالثمائة تسع سنين‪ ،‬فذكر هذا الفرق الحسابي الدقيق من هذا النبي األمي عليه الصالة‬
‫والسالم دليل على نبوته عليه الصالة والسالم‪ ،‬وأنه الينطق عن الهوى‪ " :‬إن هو إال‬
‫وحي يوحى " النجم (‪ ،)4‬كذلك هذه القصة علم من أعالم النبوة من وجه آخر وهو‬
‫اإلخبار عن المغيبات في الماضي البعيد‪ " :‬تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت‬
‫تعلمها أنت والقومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين " هود (‪.)49‬‬

‫‪145‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .6‬عظيم قدرته سبحانه بهذه الكرامة العظيمة‪ ،‬والقصة الغريبة العجيبة حيث بقوا هذه المدة‬
‫الطويلة وهم رقود دون أن تتأثر أجسامهم بطول الرقاد‪ ،‬وعدم الطعام والشراب ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ .7‬األخذ باألسباب حيث أمروا من يأتيهم بالطعام بالتلطف إلى غير ذلك من العبر‪.‬‬

‫( سبب والمعين هللا )‬


‫هذه التعبير الغالب أنه يقال عند الرقي الشرعية والعزائم‪ ،‬ولكن معنى لفظه أوسع من‬
‫ذلك‪ ،‬فهو يدل على األخذ باألسباب عموما‪ ،‬شرعية كالرقي أو دنيوية كالسعي في أمور المعاش‬
‫والرزق‪ ،‬والمقصود بهذا المثل الرقى الشرعية‪ ،‬وهو عند العوام القراءة على المريض ويسمونه‬
‫التسبيب‪ ،‬ومباشرة األسباب واألخذ بها في حصول المطلوب أمر فطري‪ ،‬فطر هللا عليه اإلنسان‪،‬‬
‫بل البهيم من الحيوان‪ ،‬فإن هللا تعالى قد ربط المسببات بأسبابها‪ ،‬وال تستقيم الحياة إال بذلك‪ ،‬فعلى‬
‫العبد أن يتعاطى األسباب سواء في أمر معاشة أو معاده‪ ،‬فالمقادير قدرت بأسبابها‪ ،‬وهذا في‬
‫القرآن يزيد على ألف موضع كما ذكر بعض أهل العلم‪ ،‬فكثيرا ما يذكر‪ " :‬بما كنت تعلمون أو‬
‫تكسبون " بل عد أهل العلم ترك األسباب نقصا في العقل‪ ،‬وقدحا في الحكمة‪ ،‬وطعنا في الشرع‪،‬‬
‫والناس في هذا الباب طرفان ووسط‪ ،‬فطائفة فرطت وقصرت وتركت األسباب عجزا وتفريطا‪،‬‬
‫فجعلوا توكلهم عجزا وعجزهم توكال‪ ،‬قال بعض الحكماء‪ :‬الحركة بركة‪ ،‬والتواني هلكة‪ ،‬ولما‬
‫ادعى قوم أنهم متوكلون وكانوا يحجون بال زاد سماهم عمر رضي هللا عنه المتواكلين وليس‬
‫بالمتوكلين‪ ،‬وطائفة أخرى غلت في األسباب وتعلقت بها ونست مسبب األسباب وبالتالي وقعوا‬
‫في الشرك إما األصغر وإما األكبر على حسب اعتقادهم‪ ،‬وأما الطائفة الحقة فهي التي باشرت‬
‫األسباب طاعة هلل تعالى؛ ألنه أمر بها‪ ،‬وتعلقت برب األسباب‪ ،‬وهم المتوكلون حقا الذين جمعوا‬
‫بين القدر والشرع ‪..‬‬

‫التذهبن في األمور فرطا *** ال تسألن إن سألت شططا‬


‫وكن من الناس جميعا وسطا‬

‫فالعبد يباشر األسباب بجوارحه‪ ،‬وقلبه متعلق بربه‪ ،‬وهو إذ يؤمن بسنن هللا تعالى في الكون يعد‬
‫لألعمال أسبابها المطلوبة لها‪ ،‬ويستفرغ الجهد في إحضارها وإكمالها‪ ،‬واليعتقد أبدا أن األسباب‬
‫وحدها كفيلة بتحقيق األغراض‪ ،‬بل يرى وضع األسباب شيئا أمر هللا به‪ ،‬يجب أن يطاع فيه كما‬
‫يطاع في غيره؛ وألنه سبحانه ربط بحكمته بين األسباب والمسببات‪ ،‬وجعلها مرتبطة ببعضها‪،‬‬
‫وأما حصول النتائح والفوز بالرغائب فيكل أمرهما الى هللا تعالى‪.‬‬

‫وليس الرزق عن طلب حثيث *** ولكن ألق دلوك في الدالء‬


‫تجيء بحماة وقليل ماء ‪.‬‬

‫يجمع المسلم بين األسباب والتوكل‪ ،‬يتعاطى السبب ويتوكل على هللا في ذلك‪ ،‬وهذا هو مقتضى‬
‫التوحيد الذي هو حق هللا تعالى على العبيد‪.‬‬

‫تـوكل على الرحمن فـي كـل حـاجـة *** أردت فــإن هللا يقضـي ويقــدر‬
‫إذا مـا يـرد ذو العـــرش أمــرا بعبده *** يـصبـه ومـا للعـبـد مــا يتخيـر‬
‫وقد يهـلـك اإلنسان مـن وجـه حــذره *** وينجو بحمد هللا من حيث يحذر‬

‫‪146‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الصاحب ساحب )‬
‫هذه العبارة صحيحة‪ ،‬فالصحبة لها تأثير على كل من الصاحبين‪ ،‬ولذلك جاء في الحديث المتفق‬
‫عليه قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ‬
‫الكير‪ ،‬فحامل المسك إما أن يحذيك ( يعطيك ) وإما أن تبتاع منه‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا طيبة‪،‬‬
‫ونافخ الكير‪ ،‬إما أن يحرق ثيابك‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا نتنة "‪.‬‬

‫دل الحديث الشريف على أن التأثير حاصل المحالة‪ ،‬سواء من الجليس الصالح أو‬
‫الجليس السوء بإحدى الطرق التي بينها النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ولذلك أرشد عليه الصالة‬
‫والسالم في أحاديث أخرى بقوله‪ " :‬التصاحب إال مؤمنا وال يأكل طعامك إال تقي " رواه‬
‫أبوداود والترمذي بإسناد البأس به‪ ،‬وبقوله‪ " :‬الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "‬
‫رواه أبوداود والترمذي بإسناد صحيح‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬قال ابن مسعود رضي هللا‬
‫عنه‪ " :‬ما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب "‪.‬‬

‫وقد بين هللا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم خطورة صاحب السوء بقوله‪ " :‬ويوم يعض الظالم‬
‫على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيال يا ويلتي ليتني لم اتخذ فالنا خليال لقد أضلني عن‬
‫الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان لإلنسان خذوال " الفرقان (‪ ،)29‬وقوله سبحانه‪ " :‬فأقبل‬
‫بعضهم على بعض يتسآءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أءذا متنا‬
‫وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سوآء الجحيم قال تاهلل إن‬
‫كدت لتردين ولوال نعمة ربي لكنت من المحضرين " الصافات (‪.)57‬‬

‫وهل أهلك أبا طالب إال رفيق السوء فعندما احتضر كان عنده النبي صلى هللا عليه وسلم يلقنه‬
‫الشهادة‪ ،‬وكان أبوجهل وعبدهللا بن أبي أمية يذكرانه بملة عبدالمطلب ملة الكفر حتى مات عليها‬
‫وأبى أن ينطق بالشهادة والحديث في مسلم‪.‬‬

‫وألهل العلم أشعار في هذا الباب مفيدة منها ‪-:‬‬

‫اصحب خيار الناس حيث لقيتهم *** خير الصحابة من يكون عفيفا‬
‫والنــاس مـثـل دراهــم مـيـزتـها *** فـوجــدت مـنهـا فضة وزيـوفـا‬

‫ومنها ‪-:‬‬
‫إذا ماصحبت قوما فاصحب خيارهم *** والتصحب األردى فتردى مع الردي‬
‫ومنها ‪-:‬‬
‫عن المرء التسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي‬
‫ومنها ‪-:‬‬
‫التصحب الكسالن فـي حـاالته *** كــم صـالــح بفساد آخــر يـفـسـد‬
‫عدوى البليد إلى الجليد سريعة *** والجمر يوضع في الرماد فيخمد‬

‫‪147‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الصدقة دافعة للبالء )‬


‫هذه الكلمة صحيحة سليمة‪ ،‬وهي مستقاة من مشكاة الوحي‪ ،‬فقد وردت أحاديث كثيرة‪ ،‬وآثار‬
‫وفيرة تدل على عظم الصدقة وفضلها‪ ،‬ويكفي في شرف الصدقة أن سماها هللا تعالى قرضا له‬
‫سبحانه وهو الغني الحميد‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬من ذا الذي يقرض هللا قرضا حسنا " البقرة (‪.)243‬‬

‫والقرض الحسن ما اجتمعت فيه ثالثة شروط ‪-:‬‬


‫‪ .3‬وأن يكون عن طيب نفس‪.‬‬ ‫‪ .1‬أن يكون من كسب طيب‪ .2 .‬وأن يكون العبد مخلصا فيه‪.‬‬

‫وفي الحديث الذي رواه الترمذي وقال عنه‪ :‬حسن صحيح قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬والصدقة‬
‫تطفيء الخطيئة كما يطفي الماء النار"‪ ،‬وفي حديث رواه الطبراني قوله عليه الصال ة والسالم‪:‬‬
‫" إن صدقة السر لتطفيء غضب الرب‪ ،‬وتدفع ميتة السوء "‪.‬‬

‫كما أن الصدقة برهان على صحة إيمان صاحبها؛ ألن المال شقيق الروح وحبيبها‪ ،‬وال‬
‫ينفقه العبد في سبيل هللا إال ويدل على صحة إيمانه وصدقه‪ ،‬والبرهان على ذلك ما قال عليه‬
‫الصالة والسالم في الحديث الذي رواه مسلم‪ " :‬والصدقة برهان "‪.‬‬

‫واعلم أن الصدقة مفهومها واسع‪ ،‬ومعناها شامل‪ ،‬فليست الصدقة مقصورة على المال‬
‫فحسب‪ ،‬بل إن جميع أنواع فعل المعروف واإلحسان صدقة‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن حذيفة رضي‬
‫هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬كل معروف صدقة "‪ ،‬روى مسلم عن أبي ذر‬
‫رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ " :‬إن بكل تسبيحة صدقة‪ ،‬وكل تكبيرة‬
‫صدقة ‪ "....‬رواه الطبراني عن أبي أمامة رضي هللا عنه‪ ،‬ورواه الديلمي عن ابن عمر رضي هللا‬
‫عنهما بزيداة‪ " :‬فإنها تدفع عنكم األمراض "‪.‬‬

‫واآلن إليك هذه الواقعة التي تدل على صحة هذا المثل ‪-:‬‬

‫كان في بعض البالد رجل قد أصيب بمرض مزمن ( السرطان )‪ ،‬وكان يعالج في أحد الدول‬
‫المتقدمة طبيا‪ ،‬وكانت له مراجعات مع األطباء هناك‪ ،‬وبينما هو في بلده كان عند أحد أصدقائه‬
‫يتحدث معه في دكانه‪ ،‬وكان صاحبه قصابا ( جزارا ) إذ جاءت امرأة عجوز تلتقط العظام التي‬
‫كان يلقيها الجزار لتطبخها لعيالها ألنها كانت فقيرة التستطيع شراء اللحم‪ ،‬فلما رأى الرجل‬
‫المريض ذلك الموقف من العجوز تأثر منه جدا وتحرك فيه وازع الخير‪ ،‬وأمر للعجوز أن تأخذ‬
‫مرتين في األسبوع لحما من الدكان على حسابه‪ ،‬وكان ميسور الحال‪ ،‬فلما أعلمت العجوز بذلك‬
‫رفعت يديها تدعو له من قلبها‪ ،‬ثم ذهب المريض إلى الطبيب للمراجعة كعادته في تلك البالد‪ ،‬فلما‬
‫أجرى الطبيب كشفا وفحصا على المريض لم يجد للمرض أثرا وفورا سأل المريض ما هو‬
‫الدواء الذي استعملته حتى زال عنك المرض ؟ فتذكر المريض الدعوة الصالحة من تلك المرأة‬
‫المسكينة‪.‬‬

‫وإني ألرجو هللا واألمـر ضيق *** عل ّي فـمـا يـنـفـك أن يـفـرجـا‬


‫ورب آخـر سدت عليه وجوهه *** أصاب له لما دعا هللا مخرجا‬

‫‪148‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الصديق وقت الضيق )‬


‫هذا التعبير يتكلم على آداب الصداقة الصديق‪ ،‬فإن للصداقة آدابا قل من يراعيها؛ ولذلك فإننا‬
‫كثيراً مانجد المحبة تنقلب إلى عداوة‪ ،‬والصداقة تنقلب إلى بغضاء وخصومة‪ ،‬ولو تمسك كل من‬
‫الصاحبين بآداب الصحبة لما حدثت الفرقة بينهما‪ ،‬ولماوجد الشيطان طريقا إليهما‪.‬‬

‫وقد ذكر أهل العلم آدابا للصحبة واألخوة يجب مراعاتها منها ‪-:‬‬

‫‪ .1‬أن تكون الصحبة واألخوة في هللا عز وجل؛ ألن هللا تعالى قال‪ " :‬األخالء يومئذ بعضهم‬
‫لبعض عدو إال المتقين " الزخرف (‪ ،)67‬فكل عالقة وصحبة وصداقة لم تكن هلل تعالى فهي‬
‫منقطعة كما قال هللا تعالى‪ " :‬وتقطعت بهم األسباب " البقرة (‪ ،)165‬وقد وردت أحاديث كثيرة‬
‫في فضل األخوة والمحبة في هللا منها ما رواه مسلم قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إن هللا‬
‫تعالى يقول يوم القيامة‪ :‬أين المتحابون بجاللي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم الظل إال ظلي "‪.‬‬

‫وللمزيد انظر رياض الصاحلين باب" فضل الحب في هللا ‪."...‬‬


‫‪ .2‬أن يكون الصاحب ذا خلق ودين‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬التصاحب إال مؤمنا‪ ،‬وال يأكل‬
‫طعامك إال تقي " رواه أبو داود والترمذي بإسناد ال بأس به‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون الصاحب ذا عقل راجح‪.‬‬
‫‪ .4‬أن ينصح صاحبه برفق ولين‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يصبر عليه في النصيحة والييأس من اإلصالح‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يكون وفيا لصاحبه‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يستر عيوب صاحبه وال ينشرها‪ ،‬بل ينشر محاسنه‪.‬‬
‫‪ .8‬أن يزوره في هللا عز وجل‪ ،‬ال ألجل مصلحة دنيوية؛ لقوله عليه الصالة السالم‪ " :‬يقول هللا‬
‫تعالى‪ " :‬وجبت محبتي للمتحابين ف ّي‪ ،‬والمتجالسين ف ّي‪ ،‬والمتزاورين ف ّي‪ ،‬والمتباذلين في "‬
‫حديث صحيح رواه مالك في الموطأ‪.‬‬
‫‪ .9‬أن يسأل عليه إذا غاب‪ ،‬ويتفقد عياله إذا سافر‪.‬‬
‫‪ .10‬أن يحب له الخير كما يحبه لنفسه‪.‬‬
‫‪ .11‬أال يكثر عليه اللوم والعتاب‪.‬‬
‫‪ .12‬أن يقبل معاذيره إذا اعتذر‪ ،‬فكم سيف نبا‪ ،‬وجواد كبا‪ ،‬وضوء خبا‪ ،‬فال تشمت بنا العدا‪.‬‬
‫‪ .13‬أال يعيره بذنب فعله‪.‬‬
‫‪ .14‬أن يتواضع له وال يتكبر عليه‪.‬‬
‫‪ .15‬أال يفشي له سرا‪ ،‬واليخلف معه وعدا‪.‬‬
‫‪ .16‬أن يشاركه في أفراحه‪ ،‬ويواسيه في أتراحه‪.‬‬
‫‪ .17‬أال يبخل عليه إذا احتاج إلى مؤنته‪ ،‬فالصديق وقت الضيق‪.‬‬
‫‪ .18‬أن يكون عفيفا خفيفا على صاحبه‪ ،‬واليثقله بكثرة حوائجه‪.‬‬

‫ال تسألتن إلــى صـديـق حــاجــة *** فيحول عنك كما الزمان يحول‬
‫واستغـن بـالشـيء القـليـل فــإنــه *** ما صان عرضك ال يقـال قليل‬
‫من عف خف على الصديق لقاؤه *** وأخـو الحوائج وجهـه مملــول‬
‫وأخـوك مـن وفـرت مـا فـي كفه *** ومتى علقت بـه فـأنـت ثـقـيــل‬

‫‪149‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وروي أن عليا رضي هللا عنه قال‪:‬‬

‫إن أخالك الحق من كان معـك *** ومـن يضرنفسه لينفعـك‬


‫ومن إذا ريب الزمان صدعك *** شتت فيك شمله ليجمعك‬

‫ولمعرفة مزيد من اآلداب وما لإلخوان تجاه إخوانهم‪ ،‬وما عليهم‪ ،‬لمعرفة المزيد من ذلك عليك‬
‫بـ" منظومة أو نغمة األغاني في عشرة اإلخوان " البن علي األحمدي‪.‬‬

‫( طبيعته على خليقته )‬


‫الحقيقة أن هناك ارتباطا وثيقا بين الباطن والظاهر‪ ،‬فكثيرا ما ينبئك ظاهر اإلنسان عن باطنه‪،‬‬
‫السيما من كانت له فراسة قوية يستدل عن طريقها بالخلقة على الخلق‪ ،‬وبالظاهر على الباطن‪،‬‬
‫ولذلك قالوا‪ :‬رب لحظ أصدق من لفظ‪ ،‬والمؤمن بإيمانه تكون له فراسة إيمانية يميز بها بين أهل‬
‫الخير وأهل الشر قال تعالى‪ " :‬إن في ذلك آليات للمتوسمين " الحجر (‪ ،)75‬قال مجاهد رحمه‬
‫هللا تعالى أي للمتفرسين‪ ،‬والتوسم تفعل من الوسم وهو العالمة التي يستدل بها على مطلوب‬
‫غيرها تقول‪ :‬توسمت فيه الخير‪.‬‬

‫قال عبدهللا بن رواحه رضي هللا عنه للنبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫إني توسمت فيك الخير أعرفه *** وهللا يعلم أني ثابت البصر‬

‫وهذا عبدهللا بن سالم رضي هللا عنه يقول‪ :‬لما قدم النبي صلى هللا عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا‬
‫انجفل إليه الناس فكنت ممن جاءه‪ ،‬فنظرت في وجهه فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب‪،‬‬
‫والحديث رواه الترمذي‪.‬‬

‫شمس الضحى كجبينك الوضاح *** أف لمن جعلوه كالمصباح‬

‫وهللا ‪ -‬تعالى – قال لنبيه عليه الصالة والسالم عن المنافقين‪ " :‬ولو نشاء أليناكهم فلعرفتهم‬
‫بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول " محمد اآلية (‪ ،)31‬وقال أيضا عن الكافرين‪ " :‬واذا تتلى‬
‫عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر" الحج (‪ ،)70‬وأخبر أيضا عن المنافقين‬
‫بقوله‪ " :‬رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت " محمد (‬
‫‪ ،)19‬فتأمل كيف ربط سبحانه بين الباطن وهو ( مرض القلوب ) والظاهر وهو ( نظر المغشي‬
‫عليه من الموت )‪.‬‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫عيناك دلتا عين ّي على *** أمر لوالهما ماكنت أعلمه‬

‫وقال آخر‪:‬‬

‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفي على الناس تعلم‬

‫‪150‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فصالح الباطن يتبعه صالح الظاهر والبد‪ ،‬والعكس بالعكس؛ ولذا قال عليه الصالة والسالم في‬
‫الحديث الصحيح‪ " :‬أال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت الجسد كله‬
‫أال وهي القلب " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫فالقلب كالملك‪ ،‬واألعضاء جنوده؛ فإن كان الملك صالحا كانت هذه الجنود صالحة‪ ،‬وفساد‬
‫األصل يبتعه فساد الفرع‪ ،‬وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟‪.‬‬

‫إذا غاب أصل المرء فاستقر فعله *** فإن دليل الفرع ينبي عن األصل‬

‫وفي حديث البراء بن عازب الذي رواه أحمد في المسند وهو حديث صحيح في سؤال الملكين في‬
‫القبر يقول المؤمن لعلمه الصالح وقد مثل له في صورة رجل حسن‪ " :‬من أنت فوجهك الوجه‬
‫الذي يجيء بالخير؟ "‪ ،‬وأما الكافر فيقول لعمله السئ وقد مثل له في صورة رجل قبيح‪ " :‬من‬
‫أنت فوجهك الوجه الذي يجئ بالشر؟ "‪.‬‬

‫وبهذا يتبين خطأ بعض الناس الذين إذا نصحوا في أخطاء شرعية ظاهرة قالوا‪ :‬اإليمان في القلب‬
‫أو األعمال بالنيات أو قلبي أبيض أو ربك رب قلوب ونحو ذلك‪ ،‬والجواب على ذلك ما قاله عليه‬
‫الصالة والسالم‪ " :‬أال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد‬
‫كله أال وهي القلب "‪ ،‬فالقلب لوكان سليما قد امتأل حبا هلل فإن ذلك البد أن يظهر على الجوارح‪،‬‬
‫فالبد من اإليمان والعمل الصالح ‪ ...‬فاإليمان ما وقر في القلب وصدقه العمل‪ ،‬ثم إن قولهم‪( :‬قلبي‬
‫أبيض) فيه تزكية للنفس وقد نهينا عن ذلك قال تعالى‪ " :‬فال تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "‬
‫النجم اآلية (‪.)31‬‬

‫( عمر نوح عليه السالم )‬


‫في هذه العبارة إشارة إلى طول العمر؛ ألن نوحا عليه السالم عاش مئات السنين‪ ،‬فهو أبو البشر‬
‫الثاني بعد آدم عليهما السالم‪ ،‬فلم يبق بعد الطوفان إال ذريته عليه السالم من أوالده الثالثة ( سام‬
‫‪-‬حام – يافث ) قال هللا تعالى‪ " :‬وجعلنا ذريته هم الباقين " الصافات اآلية (‪ ،)77‬ونوح عليه‬
‫السالم من أولي العزم الخمسة ( محمد – إبراهيم – نوح – موسى – عيسى ) عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وهم خالصة البشر‪ ،‬وأفضل الخلق‪ ،‬وأفضلهم الخليالن (محمد وإبراهيم ) عليهما‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وأفضلهما نبينا صلى هللا عليه وسلم قال الناظم‪:‬‬

‫وأفضل الخلق على اإلطالق *** نبينا فَ ِملْ عن الشقاق‬

‫وقد ذكرهم هللا تعالى في موضعين من القرآن في سورة األحزاب (‪ )7‬وسورة الشورى (‪،)11‬‬
‫ونوح عليه السالم مكث يدعو في قومه ألف سنة إال خمسين عاما كما ذكر القران الكريم‪ " :‬ولقد‬
‫أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إالخمسين عاما " العنكبوت (‪ ،)13‬فدعاهم عليه‬
‫الصالة والسالم ليال ونهارا‪ ،‬سرا وجهارا‪ ،‬ما َم َّل وال َكلَّ‪ ،‬ولم ييأس‪ ،‬بل جاهد في هللا حق جهاده‬
‫حتى نصره هللا تعالى‪ ،‬ونجاه ومن معه من المؤمنين‪.‬‬

‫ونستخلص من قصته عليه السالم فوائد منها ‪-:‬‬

‫‪151‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .1‬أن خير الخلق من طال عمره وحسن عمله‪ ،‬وشر الخلق من طال عمره وساء عمله‪ ،‬ولما‬
‫سئل صلى هللا عليه وسلم من خير الناس؟ قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬من طال عمره‬
‫وحسن عمله " رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه‪ " ،‬خير الناس من طال عمره‬
‫وحسن عمله‪ ،‬وشر الناس من طال عمره وساء عمله " رواه الترمذي وأحمد وهو حديث‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪ .2‬صبر نوح عليه السالم على دعوة قومه‪ ،‬حيث دعاهم هذه الفترة الطويلة دون أن يمل أو‬
‫يكل‪.‬‬
‫‪ .3‬حكمة نوح عليه السالم في دعوة قومه‪ ،‬فتاره سرا وتار جهرا‪ ،‬ومرة بالليل وأخرى‬
‫بالنهار‪ ،‬فالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬والمجادلة بالتي هي أحسن كل ذلك وارد في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬كل وما يناسبه‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫وجادلهم بالتي هي أحسن ‪ "...‬النحل (‪.)125‬‬

‫( الغائب عذره معاه )‬


‫معاه = معه‪.‬‬

‫هذا التعبير صحيح في الغالب‪ ،‬وهو قريب من المثل العربي القديم " لعل له عذرا وأنت تلوم "‪،‬‬
‫فالغائب معذور حتى يتبين خالف ذلك‪ ،‬فالحوادث جمة‪ ،‬فال يدري العبد ماذا حصل لغائبه فرب‬
‫سامع الخبر لم يسمع بعذري‪ ،‬وأعقل الناس أعذرهم للناس‪ ،‬وليس من العدل سرعة العذل أي ليس‬
‫من العدل سرعة اللوم‪ ،‬فالتماس العذر للغير‪ ،‬وقبول المعذرة من مكارم أخالق المسلم التي جاء‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ليتممها‪ ،‬وقد ورد في الحديث قوله عليه الصالة والسالم‪ ... " :‬وألحد‬
‫أحب إليه العذر من هللا ‪ "...‬متفق عليه‪ ،‬وقال أيضا‪ " :‬من أقال مسلما أقال هللا تعالى عثرته "‬
‫حديث صحيح‪ ،‬أخرجه أبو داود وابن ماجة وغيرهما‪ ،‬كذلك العبارة " الغائب عذره معاه " حث‬
‫على عدم غيبة الغائب‪ ،‬بل إحسان الظن به‪.‬‬
‫وانظر إلى قصة الهدهد مع سيدنا سليمان عليه السالم‪ ،‬فإن سليمان عليه السالم لما تفقد الهدهد‬
‫ألاذبحنه أو ليأتنيني بسلطان مبين " النمل (‪ ،)21‬فما كان‬ ‫ولم يجده قال‪ " :‬ألعذبنه عذابا شديدا أو ْ‬
‫من الهدهد إال أن جاء بعذر هو السلطان المبين‪ " :‬أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين"‬
‫النمل (‪.)22‬‬

‫فتأمل عذر الهدهد وقوته كيف جعله يقف هذا الموقف القوي أمام سليمان عليه السالم الملك‬
‫الرسول النبي‪ ،‬حتى ساغ له أن يقول‪ " :‬أحطت بما لم تحط به "‪ ،‬ومعلوم أن سليمان عليه السالم‬
‫سخر هللا له الجن واإلنس والطير‪.‬‬
‫فيا رعاك هللا عذر يبلغ بصاحبه أن يقول هذا الكالم أمام هذا الرسول العظيم‪ ،‬ويقيمه هذا المقام‬
‫الخطير‪ ،‬أال يصح أن يقال بعد ذلك‪ " :‬الغائب عذره معه "؟‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة‬
‫صاحب مكس " قال المنذري رواه أبودواد في المراسيل وابن ماجة بإسنادين جيدين والمكاس هو‬
‫الذي يأخذ أموال الناس ظلما‪.‬‬

‫اقبل معـاذير مـن يأتيك معتذرا *** إن بر عندك فيما قال أو فجرا‬
‫فقد أطاعك من أرضاك ظاهره *** وقد أجلك من يعصيك مستترا‬

‫‪152‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( قبلـــــوه )‬
‫أي‪ :‬وجهوا المحتضر جهة القبلة‪ ،‬فينبغي أن يوجه من حضرته الوفاة إلى القبلة مضطجعا على‬
‫شقه األيمن كحالة الدفن في القبر‪ ،‬فإن لم يمكن فمستلقيا على ظهره ورجاله إلى القبلة؛ وذلك لما‬
‫رواه الحاكم وصححه من حديث أبي قتادة رضي هللا عنه‪ " :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم حين‬
‫قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور قالوا‪ :‬توفي وأوصي بثلث ماله لك يارسول هللا‪ ،‬وأوصى‬
‫أن يوجه إلى القبلة إذا احتضر‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أصاب الفطرة " فالقبلة قبلتنا‬
‫أحياء وأمواتا فهي أشرف الجهات‪ ،‬وقد شرع لنا التوجه إليها في كثير من العبادات كالصالة‬
‫والدعاء ونحوهما‪.‬‬

‫ومما ينيغي للمحتضر أن يحسن الظن بربه؛ لما أخرج مسلم من حديث جابر رضي هللا‬
‫عنه قال‪ " :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول قبل موته‪ " :‬اليموتن أحدكم إال وهو‬
‫يحسن الظن بربه "‪ ،‬وفي الصحيحين مرفوعا من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال هللا ‪:‬‬
‫" أنا عند ظن عبدي بي " وروى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم قال‪ " :‬كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد‬
‫محاسن عمله عند موته؛ لكي يحسن ظنه بربه "‪ ،‬وقد قال بعض أئمة العلم إنه يحسن جمع أربعين‬
‫حديثا في الرجاء تقرأ على المريض فيشتد حسن ظنه باهلل‪ ،‬وانظر كتاب ( حسن الظن باهلل ) البن‬
‫أبي الدنيا‪ ،‬ففيه مائة وواحد وخمسون نصا‪ ،‬مابين آية وحديث تدعو إلى الرجاء في رحمة هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫كما ينبغي للمسلم إذا عاين احتضار أخيه أن يلقنه كلمة اإلخالص فيقول عنده بلطف‪ " :‬ال إله إال‬
‫هللا " يذكره بها حتى يذكرها ويقولها‪ ،‬فإذا قالها كف عنه‪ ،‬وإن هو تكلم بكالم غيرها أعاد تلقينه‬
‫رجاء أن يكون آخركالمه من الدنيا ( ال إله إال هللا )‪ ،‬فيدخل الجنة لقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫" لقنوا موتاكم ال إله إال هللا " رواه مسلم‪ ،‬وقوله " من كان آخر كالمه ال إله إال هللا دخل الجنة "‬
‫رواه أحمد وأبو دواد‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬

‫وقد كره بعض العلماء اإلكثار عليه من التلقين والمواالة؛ لئال يضجر ويضيق حاله فيمتنع من‬
‫قولها‪ ،‬وكأن المراد بقوله‪ " :‬ال إله إال هللا " في حديث التلقين أي ومعها " محمد رسول هللا " فإنها‬
‫التقبل إحداهما إال باألخرى كماعلم‪ ،‬وقد رأى بعض أهل العلم قراءة سورة " يس " إذا اشتدت به‬
‫سكرات الموت رجاء أن يخفف هللا تعالى عنه ببركتها لقوله صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ما من ميت‬
‫يموت فتقرأ عنده " يس " إال هون هللا عليه " رواه صاحب الفردوس عن أبي الدرداء وأبي ذر‬
‫رضي هللا عنهما‪ ،‬ولكن الحديث ضعيف‪.‬‬

‫ومما ينبغي إذا مات الميت تغميض عينيه‪ ،‬وستره بغطاء‪ ،‬وتليين مفاصله حتى يسهل غسله وأال‬
‫يقال عنده إال خير مثل‪ " :‬اللهم اغفر له وارحمه "؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إذا حضرتم‬
‫المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن المالئكة يؤمنون على ماتقولون " رواه أبو داود وغيره‪.‬‬

‫ولقوله أيضا لما مات أبوسلمة رضي هللا عنه‪ " :‬التدعوا على أنفسكم إال بخير فإن المالئكة تؤمن‬
‫على ماتقولون " رواه مسلم‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يحضر المحتضر مايمنع من حضور المالئكة كالكلب والصورة والجنب‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( كلمته على طرف لسانه )‬


‫هذه العبارة لها معنيان‪ :‬أحدهما ممدوح‪ ،‬واآلخر فيه مقدوح‪.‬‬

‫أما المعني الممدوح فهو يدل على سرعة البديهة‪ ،‬وحدة الذكاء مع طالقة اللسان‪ ،‬وكما قيل‪:‬‬
‫( نعم الناصر الجواب الحاضر )‪ ،‬فالذكاء وسرعة البديهة مع توقد القريحة من نعم هللا تعالى على‬
‫العبد؛ لذلك فالرسل عليهم الصالة والسالم منزهون عن البالدة ومتصفون بغاية الذكاء‪.‬‬
‫وض ْ‬
‫ف له الفطان ْه‬ ‫وواجب في حقهم االمان ْه *** وصدقهم ِ‬
‫ومثل ذا تبليغهم لما أتــوا *** ويستحيل ضدها كما رووا‬

‫وقد اشترط اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى شروطا ستة في نيل العلم منها الذكاء فقال رحمه هللا‬
‫تعالى‪:‬‬
‫أخـي لــن تنال العلم إال بسـتـة *** سأنبيك عــن تفصيلها ببيان‬
‫ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة *** وصحبة إستاذ وطول زمان‬

‫وأما المعني المقدوح فيه فهو الكالم دون فكر وروية وتثبت بحيث يكون مهدارا يلقى الكالم على‬
‫رسيالته‪ ،‬وهذا أمر منهي عنه‪ ،‬والمنبغي على اإلنسان التثبت هل الوقت مناسب للكالم أم ال ؟‬
‫فإن كان غير مناسب صمت؛ ولذلك قال أبو الفتح البستي رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫تكلم وسدد ما استطعت فإنما *** كـالمـك حــي والسكــون جـمـاد‬


‫فإن لـم تجد قوال سديدا تقوله *** فصمتك عـن غـيـر السـداد سداد‬

‫وأبلغ من ذلك قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرا أو‬
‫ليصمت " متفق عليه‪ ،‬وقوله أيضا‪ " :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد‬
‫مما بين المشرق والمغرب " متفق عليه‪.‬‬

‫ومعنى (يتبين ) يتفكر هل هي خير أم ال ؟‬

‫وأبلغ من ذلك كله قوله تعالى‪ " :‬ما يلفظ من قول إال لدية رقيب عيتد " ق (‪.)18‬‬

‫وإن كان الوقت مناسبا وقف وقفة ثانية‪ ،‬هل هذا الكالم مناسب للمقام أم غيره أحسن منه ؟ وهكذا‬
‫ألن البالء موكل بالمنطق‪ ،‬وألن بالء اإلنسان من اللسان‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫احفظ لسانك ال تقول فتبتلي *** إن البالء موكل بالمنطق‬

‫وانظر إلى المؤمل الشاعر لما قال‪:‬‬


‫شف المؤمل يوم النقلة النظر *** ليت المؤمل لم يخلق له بصر‬
‫فلم يلبث أن عُمي‪.‬‬
‫ولما نزل الحسين رضي هللا عنه وأصحابه كربالء سأل عن اسمها فقيل‪ :‬كربالء‪ ،‬فقال كرب‬
‫وبالء‪ ،‬فكانت كما قال‪ ،‬فقتل بها شهيداً رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( كلمته واتية )‬
‫هذه العبارة قريب من العبارة السابقة ( كلمته على طرف لسانه )‪ ،‬كما سبق في شرح العبارة‬
‫السابقة قد يراد بها معنى حسن‪ ،‬وهو أنه لسرعة بديهته‪ ،‬وحدة ذكائه يرد على من كلمه بسرعة‬
‫ودون تلكؤ وكما قيل‪ " :‬نعم الناصر الجواب الحاضر "‪.‬‬
‫وقد يكون ذلك ليس بجيد؛ ألن هللا تعالى يقول‪ " :‬ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد "ق (‪،)18‬‬
‫وفي الحديث‪ " :‬وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط هللا تعالى اليلقي لها باال يهوي بها في جهنم "‬
‫رواه البخاري‪.‬‬

‫فال ينبغي للعبد أن يتسرع في النطق بحيث يلقى الكالم على عواهنه دون فكر وروية؛ ألن هذا‬
‫من آفات اللسان وزالته‪ ،‬ورب كلمة سلبت نعمة‪ ،‬ولذلك قال ابن المعتز‪:‬‬

‫والفكر قبل القول يؤمن زيفه *** شتان بين روية وبديه‬

‫قال المنصور لولده‪ " :‬خذ عني اثنتين‪ :‬ال تقل من غير تفكير‪ ،‬والتعمل من غير تدبير"‪.‬‬

‫والمطلوب أمران ‪-:‬‬

‫‪ .1‬اختيار الكالم المناسب بحيث يختارأحسن مايجد من الكالم كما قال تعالى‪ " :‬وقل لعبادي‬
‫يقولوا التي هي أحسن " اإلسراء (‪ ،)53‬و( أحسن ) اسم تفضيل أي‪ :‬أحسن الكالم‪.‬‬
‫‪ .2‬اختيار الوقت المناسب؛ ألنه قد يكون الكالم حسنا ولكن ليس هذا وقته‪ ،‬والحكمة الجمع‬
‫بين األمرين‪ ،‬ولذلك قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ " :‬التتكلم بما ال يعنيك‪ ،‬ودع الكالم‬
‫في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعا "‪ ،‬وقال أبوالعتاهية رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫والصمت أجمل بالفتى *** من منطق في غير حينه‬
‫ثم إن اختيار الوقت المناسب بحيث يطابق الكالم مقتضى الحال هو أحد ركني البالغة؛ فإن‬
‫الكالم ال يكون بليغا حتى يكون فصيحا ومطابقا لمقتضي الحال؛ فإن لكل مقام مقاال‪ ،‬ولما قيل‬
‫صحْ ‪.‬‬
‫صحْ قال كل شي في وقته َ‬ ‫للديك ِ‬
‫قال صاحب الجوهر المكنون‪:‬‬
‫فصاحة المفرد أن يخلص مـن *** تنافـر غـرابـة خلف زكـن‬
‫وفـي الكـالم مـن تنافـر الكـلـم *** وضعف تأليف وتعقيد سلم‬
‫وجـعــلــوا بـــالغـــة الكـــالم *** طـبـاقـه لمـقـتـض المـقـام‬

‫فقد يكون الكالم فصيحا وال يكون بليغا؛ ألنه ليس مطابقا لمقتضى الحال‪ ،‬إذاً البد من األمرين في‬
‫بالغة الكالم‪.‬‬

‫( اللي تشكي له يبكي لك أو اللي ما يبكي خانقته العبره )‬


‫خانقاته= خنقته‪.‬‬ ‫اللي = الذي‪.‬‬
‫إذا ما الدهر جر على أناس *** كـال كـلـه أناخ بـآخريـنـا‬
‫فــقـل للشامتيـن بـنـا أفيقـوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا‬

‫‪155‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫هذا التعبيران قريبان من بعض‪ ،‬وهما كالمثل العربي القديم‪ " :‬في كل واد بنو سعد " أي أن‬
‫الناس في الهم سواء‪ ،‬وهذا يبين حقيقة الدنيا‪ ،‬وأنها دار بالء وامتحان كما قال ابو العتاهية‪:‬‬

‫يادار دار الهم والمعاصي *** هل فيك لي باب إلى الخالص‬

‫ورحم هللا القائل‪:‬‬

‫حـكـم المنية فــي البـريـة جـــار *** مـاهـذه الدنيا بــدار قـــرار‬
‫بينا يـــرى اإلنسـان فيها مخبـرا *** فـإذا بـه خـبـرمـن األخبــار‬
‫طبعت على كـدر وأنت تـريـدها *** صفوا من األقذار واألكـدار‬
‫ومكلف األيــام ضــد طبــاعـهـا *** متطلب في الماء جذوة نـار‬
‫وإذا رجــوت المستحيل فــإنـمـا *** تبني الرجاء على شفير هار‬
‫فــالعـيـش نـــوم والمنية يـقـظـة *** والمـرء بينهما خيـال ســار‬
‫فالدهر يخدع بالمني ويغص إن *** هنّا ويـهـدم مـا بـنـى بـبـوار‬

‫فالدنيا مليئة بالهموم والبالء‪ ،‬أنزل إليها آدم عليه السالم عقوبة اليخلو اإلنسان فيها من بالء‬
‫وابتالء‪ ،‬فهو كما قيل ‪ " :‬بين حاذف وقاذف "‪ ،‬فمن غنى إلى فقر‪ ،‬ومن صحة إلى مرض‪ ،‬فال‬
‫يخرج من امتحان إال ويدخل في آخر‪ ،‬والسعيد من كان عبدا هلل في جميع أحواله‪ ،‬في السراء‬
‫والضراء‪ ،‬وفي العافية والبالء‪ ،‬فيكون شاكراً في العافية والسراء‪ ،‬وصابراً في البالء والضراء‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪ " :‬إن في ذلك آليات لكل صبار شكور" لقمان اآلية (‪ ،)30‬واليكن كمن قال هللا‬
‫فيه‪ " :‬ومن الناس من يعبد هللا على حرف فإن أصابه خير اطمان به وإن أصابته فتنة انقلب على‬
‫وجه خسر الدنيا واآلخرة ذلك هوالخسران المبين " الحج اآلية (‪.)11‬‬

‫وقد كان من هديه عليه الصالة والسالم إذ حزبه أمر وأهمه فزع إلى الصالة‪ ،‬وكان يقول‬
‫لبالل رضي هللا عنه‪ " :‬أرحنا بها يا بالل أي بالصالة " رواه أبو داود‪.‬‬

‫وقد أرشد عليه الصالة والسالم إلى دعوات تقال عند الهم والغم والكرب منها‪:‬‬

‫‪ .1‬ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " دعوة ذي النون عليه السالم ‪ /‬رواه‬
‫الترمذي " حديث صحيح "‪.‬‬
‫‪ " .2‬اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ ،‬ماض ف ّي حكمك‪ ،‬عدل ف ّي‬
‫قضاؤك‪ ،‬أسالك بكل اسم هو لك‪ ،‬سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك‪ ،‬أو علمته أحد من‬
‫خلقك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك‪ ،‬أن تجعل القرآن ربيع قلبي‪ ،‬ونور صدري‪،‬‬
‫وجالء حزني‪ ،‬وذهاب همي" اليقول هذا الدعاء أحد أصابه ه ّم والحزن إال أذهب هللا‬
‫عز وجل همه وحزنه‪ ،‬وأبدله هللا مكانه فرحا‪ ،‬ولما قيل لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫أال نتعلمها ؟ قال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها والحديث صحيح رواه أحمد‪.‬‬
‫وأما الدعاء عند المصيبة فأن تقول‪ " :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم آجرني في مصيبتي‬
‫واخلف لي خيرا منها " رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( اللي خـــاف سلم )‬


‫اللي = الذي‪.‬‬
‫هذا التعير فيه شيء من اإلجمال واإلطالق‪ ،‬فله محمل حسن صحيح‪ ،‬وآخر سيئ قبيح‪،‬‬
‫واليمكن فهمه على وجهه الصحيح إال بشي من التفصيل‪ ،‬مجمل المعنى في هذا التعبير أن‬
‫من خاف من هللا سلم‪ ،‬ومن لم يخف من هللا لم يسلم‪ ،‬أما معناه تفصيال‪:‬‬

‫وإذا عرفت الشيء بالتجميل *** فهاك ذكره على التفصيل‬

‫فاعلم أن الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها‪ ،‬وأجمع أنواع العبادات التي يجب إخالصها‬
‫هلل تعالى‪ ،‬قال سبحانه وتعالى‪ " :‬يخافون ربهم من فوقهم " النحل (‪ ،)50‬وقال أيضا‪ " :‬ولمن‬
‫خاف مقام ربه جنتان " الرحمن (‪.)45‬‬

‫وقد قسم العلماء الخوف من حيث هو إلى ثالثة أقسام ‪-:‬‬

‫‪ .1‬خوف السر‪ :‬وهذا اليجوز صرفه لغير هللا تعالى‪ ،‬وهوالخوف عن طريق التأثير بالقوة‬
‫دون أسباب حسية ظاهرة‪ ،‬وصرفه لغير هللا تعالى مناف للتوحيد أصال‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يترك اإلنسان مايجب عليه خوفا من الناس‪ ،‬فهذ ا محرم‪ ،‬وهومناف لكمال التوحيد‪،‬‬
‫وهو سبب نزول قوله تعالى‪ " :‬الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم‬
‫فاخشوهم‪ " ........‬آل عمران اآلية (‪.)173‬‬
‫‪ .3‬الخوف الطبيعي وهو الخوف من عدو أو سبع أو نحو ذلك فهذا اليضركما قال تعالى في‬
‫قصة موسى عليه السالم‪ " :‬فخرج منها خائفا يترقب " القصص (‪.)20‬‬

‫فالخوف الذي هو عبودية القلب ال يصلح إال هلل كالذل واإلنابة والتوكل ونحو ذلك‪ ،‬فكلما قوي‬
‫إيمان العبد زال خوفه مما سوى هللا‪ ،‬وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه مما سوى هللا‪.‬‬

‫وعلى التفصيل المذكور آنفا ينزل عموم التعبير وإطالقه‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫( اللي عنده في الطبق )‬


‫اللي = الذي‪.‬‬

‫هذا التعبير صحيح باعتبار‪ ،‬خطأ باعتبار آخر‪ ،‬فمن جهة أن هذا اإلنسان صريح وكما قيل‪:‬‬
‫" الصراحة راحة "‪ ،‬وأنه واضح‪ ،‬المداهنة وال مراوغة‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن صادقا؛‬
‫ألن الصدق أساس اإليمان‪ ،‬وعكسه أساس النفاق والخسران‪.‬‬

‫ومن جهة أنه البد لكل إنسان من أسرار يختص بها‪ ،‬سواء أكانت في خاصة نفسه أم تتعلق بغيره‬
‫ال يجوزله إفشاؤها‪ ،‬فإذا أظهرها على مقتضى هذا التعبير كان ذلك خطأ وحراما‪:‬‬
‫وأطعن الطعنة النجالء عن عرض *** وأكتم السر فيه ضربة العنق‬

‫‪157‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وفي الحديث الذي رواه البخاري في قصة عرض عمر ابنته حفصه على أبي بكر للزواج منها –‬
‫وفيه – قال أبوبكررضي هللا عنه‪ " :‬فلم أكن ألفشي سر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ولوتركها النبي صلي هللا عليه وسلم لقبلتها "‪.‬‬

‫اليكتم السـر إال كــل ذي ثقة *** والسـر عند خيارالنـاس مكتوم‬
‫فالسرعندي في بيت له غلق *** ضاعت مفاتيحه والباب مختوم‬

‫َّ‬
‫يلومن إال نفسه‪ ،‬فصدرك أوسع لسرك‪ ،‬قيل‬ ‫واعلم أن السر إذا ضاق به صدر صاحبه فال‬
‫ألعرابي كيف كتمانك للسر؟ قال‪ :‬أنا لحده‬
‫إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه *** فصدر الذي يستودع السر أضيق‬

‫( مالئكته رزينة أو خفيفة )‬


‫رزينة = ثقيلة‪.‬‬

‫هذاالتعبير فيه إساءة إلى المالئكة؛ ألن هللا تعالى وصفهم في كتابه الكريم بأوصاف كريمة‪:‬‬
‫" عباد مكرمون " األنبياء (‪ " ،)26‬كراما كاتبين " االنفطار اآلية (‪ " ،)11‬اليعصون هللا ما‬
‫أمرهم " التحريم (‪ ،)6‬وهم من أشرف خلق هللا تعالى‪ ،‬خلقهم من نور‪ ،‬والنور محمود يضرب به‬
‫المثل في البهاء والحسن‪ ،‬وهم يعبدون هللا تعالى ليل نهار‪ ،‬اليفترون وال يسأمون‪ ،‬وقد كلفهم هللا‬
‫تعالى بوظائف عظيمة‪ ،‬فجبريل عليه السالم الموكل بالوحي‪ ،‬وميكائيل الموكل بالقطر والنبات‪،‬‬
‫وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور‪ ،‬ورضوان خازن الجنة‪ ،‬ومالك خازن النار‪ ،‬وملك الموت‬
‫الموكل بقبض األرواح وهكذا‪ ،‬فهم جنود هللا تعالى‪ " :‬وما يعلم جنود ربك إالهو " المدثر (‪،)31‬‬
‫واليتم إيمان العبد إال بأن يؤمن بهم‪ ،‬فاإليمان بهم هو أحد أركان اإليمان الستة ‪.‬‬

‫وانظر إلى قوله عليه الصالة والسالم مما يدلك على كثرة عددهم عليهم السالم‪ " :‬أطت السماء‬
‫وحق لها أن تئط مافيها موضع أربع أصابع إال وملك واضع جبهته ساجداً هلل تعالى " رواه‬
‫الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫أطت من األطيط وهو صوت الرحل على البعير‪ ،‬ومعناه أن كثرة من في السماء من المالئكة‬
‫العابدين قد أثقلها حتى أطت‪.‬‬
‫وقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم‬
‫يعودوا إليه آخر ماعليهم " رواه مسلم‪.‬‬

‫والبيت المعمور كعبة المالئكة في السماء السابعة وهو حيال الكعبة المشرفة في األرض كما ثبت‬
‫في الحديث الذي ذكره الماوردي كما في تفسيرالقرطبي (سورة الطور)‪ ،‬فرفع لنا البيت المعمور‬
‫فإذا هو حيال الكعبة لو خ َّر خ َّر عليها "‪.‬‬

‫فهوالء هم مالئكة الرحمن‪ ،‬فكيف توصف بأنها ثقيلة أو رزينة ونحو ذلك‪ ،‬فينبغي اجتناب ألفاظ‬
‫اإلساءة؛ فإن الشرع الحكيم نهى عن كثير من األلفاظ لما تحمله من إساءة وإن كان قصد المتكلم‬
‫حسنا كما في قوله تعالى‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا التقولوا راعنا وقولوا انظرنا " البقرة اآلية (‬
‫‪ ،)103‬وكما قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬التقولوا ‪ :‬ما شاء هللا وشاء فالن ولكن قولوا ماشاء هللا‬
‫ثم شاء فالن " رواه أبو دواد بإسناد صحيح‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الناس أجناس )‬
‫هذه العبارة صحيحة باعتبارات شتى‪ ،‬فمن حيث الصورة الظاهرة لإلنسان وهي الخلقة والبدن‬
‫فالناس أجناس مختلفة‪ ،‬فهذا أبيض وذاك أسود وآخر أحمر ‪ .....‬وهكذا وهذا طويل وآخر قصير‬
‫وهذا عربي وذاك أعجمي و‪....‬و‪....‬و‪. ....‬‬

‫ومن حيث الصورة الباطنة للنفس وهي ال ُخلق فكذلك الناس أجناس فهذا ذو خلق حسن وآخر ذو‬
‫خلق سيئ وذاك لين سهل وآخر صعب شديد الجانب‪.‬‬

‫وهذا كله يرجع إلى أصل الخلقة‪ ،‬فحيث إن اإلنسان خلق من األرض كما قال تعالى‪ " :‬منها‬
‫خلقناكم " طه (‪ ،)54‬فكما أن األرض مختلفة في تركيبها‪ ،‬فهذه أرض سهلة ممهدة وأخرى صعبة‬
‫وعرة‪ ،‬وهذه طينة حمراء وأخرى بيضاء وهكذا‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬ومن الجبال جدد بيض وحمر‬
‫مختلف ألوانه وغرابيب سود " فاطر (‪ ،)27‬فكذلك جاء بنو آدم مختلفين في ال ُخلق والخَلق‪.‬‬

‫وقد د َّل على هذه العبارة (الناس أجناس) قوله تعالى‪ " :‬وما من دآبة في األرض والطائر يطير‬
‫بجناحيه إال أمم أمثالكم " األنعام (‪.)39‬‬
‫قال سفيان بن عيينة " أي ما من صنف من الدوآب والطير إال في الناس شبه منه " واستحسنه‬
‫الخطابي رحم هللا الجميع‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪ " :‬ومن آياته خلق السموات واألرض واختالف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك آليات‬
‫للعالمين " الروم (‪.)21‬‬

‫وأما في السنة فقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬الناس معادن كمعادن الذهب والفضة‪ ،‬خيارهم في‬
‫الجاهلية خيارهم في اإلسالم إذا فقهوا ‪ ".....‬رواه مسلم‪.‬‬

‫فهذامعدنه فضة أو ذهب نفيس‪ ،‬وآخر معدنه رديء خسيس‪ ،‬ومنهم مفتاح للخير مغالق للشر‪،‬‬
‫وآخر مغالق للخير مفتاح للشر‪ ،‬فطوبى لمن جعله هللا مفتاحا للخير مغالقا للشر‪ ،‬وويل لمن جعله‬
‫مغالقا للخير مفتاحا للشر كما ثبت ذلك في الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره‪.‬‬

‫وبما أن الناس أصناف وأجناس فاعلم –رحمك هللا – أن هناك أصنافا خمسة محمودة شرعا‪،‬‬
‫فاحرص على أن تكون واحدا منها وهي ‪-:‬‬

‫إذاما مـات ذو عـلـم وتـقـــوى *** فـقـد ثلمت مـن االسالم ثلم ْه‬
‫ومـوت الحـاكم العـدل المولى *** بحكم الشرع منقصة ونقمـ ْه‬
‫ومــوت العــابـد القــوام لـيـال *** يناجى ربـه فـي كـل ظـلـمـ ْه‬
‫ومـوت فتى كثير الجـود محل *** فـإن بـقـاءه خصب ونـعـمـ ْه‬
‫وموت الفارس الضرغام هدم *** فكم شهدت له بالنصر عزم ْه‬
‫فـحسـبـك خمسـة يبكـي عليهم *** وباقي الناس تخفيف ورحم ْه‬
‫وبـاقـي النــاس هـمـج رعـاع *** وفـي إيـجـادهــم هلل حـكـمـ ْه‬
‫وهللا اعلم‬

‫‪159‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( ياجوج وماجوج )‬
‫داللة على الكثرة الكاثرة‪ ،‬وكناية عن الفوضى والتماوج البشري‪ ،‬وهذا التعبير يطلق فيقال مثال‪:‬‬
‫" عيلة (عائلة ) ياجوج وماجوج "‪...‬‬
‫وقد ذكرهم هللا تعالى في القرآن الكريم في سورة الكهف واألنبياء ولهم قصة مع ذي القرنين‪،‬‬
‫وكيف بنى عليهم السد‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر رحمه هللا تعالى‪ " :‬ياجوج وماجوج قبيلتان من ولد‬
‫يافث بن نوح عليه السالم "‪.‬‬

‫وقد روى ابن مردويه والحاكم من حديث حذيفة موفوعا‪ " :‬ياجوج أمة وماجوج أمة‪ ،‬كل أمة‬
‫أربعمائة ألف رجل‪ ،‬اليموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه كلهم قد حمل السالح‪،‬‬
‫اليمرون على شيء إذا خرجوا إال أكلوه ويأكلون من مات منهم "‪.‬‬

‫فهم كثيرون جدا ومفسدون في األرض‪ ،‬ومن عالمات الساعة الكبرى خروجهم من الردم الذي‬
‫بناه عليهم ذو القرنين‪ ،‬وانظر قصتهم في تفسير ابن كثير أو البداية والنهاية له أيضا‪.‬‬

‫( ياقاتل الروح وين بتروح )‬


‫بتروح = ستذهب‪.‬‬ ‫وين = أين‪.‬‬
‫هذا التعبير صحيح‪ ،‬وهو جملة إنشائية ( استفاهمية ) لفظا‪ ،‬خبرية معنى أي ليس لك ملجأ‪،‬‬
‫وهوموافق لما ذكره البخاري عن ابن عمر قال‪ " :‬إن من ورطات األمور التي ال مخرج لمن‬
‫أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله "‪.‬‬

‫فإن من قتل نفسا بغير حق ضاقت عليه نفسه وضاقت عليه األرض بما رحبت؛ ولذلك قال عليه‬
‫الصالة والسالم‪ " :‬اليزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما " أخرجه البخاري‪.‬‬

‫وقد توعد هللا تعالى من قتل مؤمنا بغير حق بعقوبات عظيمة قال تعالى‪ " :‬ومن يقتل مؤمنا متعمداً‬
‫فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب هللا عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " النساء(‪.)92‬‬

‫فالشارع الحكيم حرص على إبقاء النفوس وأمنها‪ ،‬فجعل لها من شرعه حماية ووقاية‪ ،‬فجعل‬
‫أعظم الذنوب بعد الشرك قتل النفس التي حرم هللا بغير حق‪ " :‬والذين اليدعون مع هللا إلها آخر‬
‫واليقتلون النفس التي حرم هللا إال بالحق " الفرقان (‪.)68‬‬

‫وأخرج الترمذي عن ابن عمر أنه نظر يوما إلى الكعبة فقال‪ " :‬ما أعظمك وأعظم حرمتك‬
‫والمؤمنون عند هللا أعظم حرمة منك " والحديث حسن‪.‬‬
‫وفي الترمذي عنه عليه الصالة والسالم أنه قال‪ " :‬لزوال الدنيا أهون عند هللا من قتل مؤمن بغير‬
‫حق " حديث صحيح‪.‬‬

‫ولعظم شأن الدماء فإن أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة الدماء‪ ،‬كما روى البخاري‪ ،‬وفي‬
‫جامع الترمذي عنه عليه الصالة والسالم قال‪ " :‬يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه‬
‫بيده وأوداجه تشخب دما يقول‪ :‬يارب سل هذا فيم قتلني؟ " والحديث حسن‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقد حرم هللا تعالى قتل المسلم إال بإحدى ثالث كما ورد في الحديث المتفق عليه‪ " :‬اليحل دم‬
‫امرئ مسلم يشهد أن ال إله إال هللا وأني رسول هللا إال بإحدى ثالث‪ :‬الثيب الزاني والنفس بالنفس‬
‫والتارك لدينه المفارق للجماعة "‪.‬‬

‫فقولهم‪ " :‬ياقاتل الروح وين تروح " إذاً صحيح‪ ،‬ولكن له ملجأ واحد يخرج به من ورطته هذه أال‬
‫وهو التوبة الصادقة النصوح‪ ،‬فإنه إذا تاب إلى هللا توبة نصوحا ولجأ إلى هللا تعالى بالتقوى جعل‬
‫هللا له مخرجا‪ " :‬ومن يتق هللا يجعل له مخرجا " الطالق (‪ ،)2‬فالشرك الذي هو أعظم الذنوب‬
‫على اإلطالق إذا تاب العبد منه قبلت توبته فمن باب أولى ما دونه‪.‬‬
‫واعلم أن القتل العمد تتعلق به ثالثة حقوق ‪-:‬‬
‫‪ .3‬حق أولياء المقتول‪.‬‬ ‫‪ .2‬حق المقتول‪.‬‬ ‫‪ .1‬حق هللا تعالى‪.‬‬

‫أما حق هللا تعالى فيسقط بالتوبة‪ ،‬وأما حق أولياء المقتول فهم مخيرون بين ثالثة أمور‪-:‬‬

‫جـ‪ .‬العفو‪.‬‬ ‫بـ‪ .‬الدية‪.‬‬ ‫أ‪ .‬القصاص (القود)‪.‬‬

‫وأما حق المقتول فإن هللا تعالى يتولى أمر القاتل بتوبته النصوح يوم القيامة ويجعل له من ذلك‬
‫مخرجا سبحانه لما ورد في األثر المروي عن أنس مرفوعا‪ " :‬إن هللا تعالى يصلح بين المسلمين‬
‫يوم القيامة " قال الحاكم صحيح اإلسناد‪.‬‬

‫( ياكلمتي وليلي )‬
‫وليلي = ارجعي لي‪.‬‬

‫هذه العبارة يقولها الشخص تندما وتحسرا على كالم أو حديث سبق أن قاله أوسبق به لسانه‪،‬‬
‫والمنبغي للعبد أن يزن كالمه قبل أن يتكلم به‪ ،‬فرب كلمة تقول لصاحبها‪ :‬دعني‪ ،‬فإن الكلمة‬
‫مأسورة عندك حتى تتكلم بها‪ ،‬فإذا خرجت أسرتك‪ ،‬فكما اليعود اللبن في الضرع كذلك اليعود‬
‫الكالم إلى الفم‪ ،‬وخير الخالل حفظ اللسان‪ ،‬وفي حديث اإلسراء والمعراج الذي رواه الطبراني‬
‫والبزار أن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬مر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير ثم يريد أن يرجع‬
‫فال يتستطيع قال‪ :‬هذا يتلكم بالكلمة فيندم فيريد أن يردها فال يستطيع "‪.‬‬
‫والصمت أجمل بالفتى *** من منطق غير حينه‬
‫ولذا قالوا‪ :‬الصمت يكسب أهله المحبة‪.‬‬

‫الصمت زين والسكوت سالمه *** فإذا نطقت فال تكن مهدارا‬
‫فـإذا نـدمـت على سكوتك مرة *** فلتندمن على الكالم مرارا‬

‫( يجري على الدنيا )‬


‫ال‪ ،‬ال تجر على الدنيا‪ ،‬فهي التستحق منك ذلك‪ ،‬بل امش مشيا كما قال تعالى‪ ( :‬فامشوا‬
‫في مناكبها ‪ )...‬الملك (‪ ،)16‬فالرزق مضمون والقوت مقسوم‪ ،‬فأدنى سعى منك يكفي في ذلك‪،‬‬
‫إن هللا تعالى عندما ذكر أمر اآلخرة من الجنة والمغفرة أمر بالمسارعة والمسابقة‪ " :‬سارعوا إلى‬
‫مغفرة من ربكم " آل عمران (‪ " ،)133‬سابقوا إلى مغفرة من ربكم " الحديد (‪ " ،)20‬وفي ذلك‬
‫‪161‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫فليتنافس المتنافسون " المطففين (‪ ،)26‬أما أمور الدنيا فكما سبق أمر بالمشي وهو دون‬
‫المسارعة‪.‬‬

‫فالدنيا ال تستحق أن يجري لها العبد‪ ،‬فهي ما سميت دنيا إال لدنوها فهي دون اآلخرة‪ ،‬فال‬
‫ترض بالدون‪ ،‬فقد قالوا‪ :‬إن الراضي بالدون دنئ‪ ،‬وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬لو‬
‫كانت الدنيا تعدل عند هللا تعالى جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " رواه الترمذي‪،‬‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وقال أيضا عليه الصالة والسالم‪ " :‬ما الدنيا في اآلخرة إال كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم‬
‫(البحر) فلينظر بم يرجع ؟ " رواه مسلم‪.‬‬

‫وقد ضرب هللا تعالى لها األمثال في القرآن كثيرا‪ ،‬مما يبين حقارتها وسرعة زوالها‪ ،‬فدار هذه‬
‫حالها تستحق منك هذاالتعب‪ ،‬وال يعني ذلك تركها وعدم إعمارها كال‪ ،‬بل أمرنا بذلك‪ ،‬فهي‬
‫مزرعة اآلخرة‪ ،‬فينبغي السعي فيها واألخذ باألسباب في تحصيل المعاش ونحوه وقد قال تعالى‪:‬‬
‫" هو الذي أنشاكم في األرض واستعمركم فيها " هود (‪ )60‬أي أمركم بتعميرها‪.‬‬

‫ومع ذلك فهي دار ممر ال دار مقر‪ ،‬فال تكون في القلوب‪ ،‬بل في األيدي‪ ،‬فال مانع من كسب‬
‫األموال والغني فيها إذا كان من كسب حالل‪ ،‬فقد كان بعض الصحابة أغنياء كعثمان‬
‫وعبدالرحمن بن عوف رضي هللا عنهما‪ ،‬ولكن ما كانت تشغلهم عن طاعة هللا وعن اآلخرة‪.‬‬

‫والزهد في الدنيا مطلوب بل مجلب لمحبة هللا تعالى قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ازهد في الدنيا‬
‫يحبك هللا " حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة‪.‬‬

‫( يخدم على راسه – يحندب على راسه )‬


‫(يخدم – يحندب ) = يعمل‪.‬‬

‫هاتان العبارتان تقاالن لمن يسعى في أمر معاشة ومصالحه الدنيوية‪ ،‬وهذا مفهوم صحيح‪ ،‬فإن‬
‫اإلسالم أمر بالسعي والضرب في األرض الكتساب القوت والمعاش كما قال تعالى‪ " :‬فامشوا في‬
‫مناكبها " الملك (‪ " ،)16‬فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل هللا " الجمعة (‪ ،)10‬ولكن مع‬
‫ذلك فإن اإلسالم قيد هذا السعي في األرض بقيود يجب مراعاتها منها ‪:‬‬

‫أن يكون الكسب حالال‪ ،‬وأن ال ينشغل به عن طاعة هللا تعالى قال سبحانه‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫التلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر هللا ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " المنافقون (‪،)9‬‬
‫وأن يتجنب كل ما يخالف شرع هللا من الكذب الغش ونحو ذلك‪ ،‬وأخيرا وليس آخرا أال يشغله‬
‫طلب المعاش عن أمر دينه‪ ،‬بمعنى أال يصرف وقته كله في ذلك بحيث اليترك لطاعة ربه وقتا؛‬
‫فإن اإلنسان ماخلق إال لطاعة هللا تعالى‪ ،‬فينبغي أن يوازن بين األمرين‪ ،‬ويجمع بين هذا وذاك‪،‬‬
‫فال يجلس في المسجد بحجة الطاعة بحيث اليسعى في طلب الرزق؛ فإن السماء ال تمطر ذهبا‪،‬‬
‫وكذلك الينهمك في الدنيا بحجة طلب الرزق بحيث ال يعرف المسجد وال الطريق إليه‪.‬‬

‫والتغل في شي من األمر اقتصد *** كال طرف في قص األمور ذميم‬

‫‪162‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫في ختام هذا التعبير أريد أن أنبه على امر مهم في هذا الجانب وهو ‪-:‬‬

‫( أسباب الرزق وكثرته والبركة فيه )‬


‫اعلم أخي –بارك هللا فيك – أن أسباب الرزق قسمان ‪-:‬‬
‫ب‪ .‬حسية‪.‬‬ ‫أ‪ .‬شرعية‪.‬‬

‫أما الشرعية فهي التي تخفي على كثير من الناس وهي نوعان ‪-:‬‬
‫‪ .1‬الدعاء كقولك‪ " :‬يارزاق ارزقني – ياكريم أكرمني " وهكذا‪.‬‬

‫التخضعن لمخلوق على طمع *** فإن ذاك مضر منك بالدين‬
‫واسترزق هللا مما في خزائنه *** فإنما هي بين الكاف والنون‬

‫الطاعة مطلقا ابتداء من اإليمان فما دونه من الصالة والتقوى والتوكل واالستغفار وصلة‬ ‫‪.2‬‬
‫الرحم ‪....‬‬
‫( اإليمان ) قال تعالى‪ " :‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السمآء‬ ‫‪-‬‬
‫واألرض " األعراف (‪.)95‬‬
‫( الصالة ) قال تعالى‪ " :‬وأمر أهلك بالصالة واصطبر عليها ال نسألك رزقا نحن نرزقك‬ ‫‪-‬‬
‫والعاقبة للتقوى " طه (‪.)131‬‬
‫( التقوى ) قال تعالى‪ " :‬ومن يتق هللا يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث اليحتسب "‬ ‫‪-‬‬
‫الطالق اآلية (‪.)3‬‬
‫( التوكل ) قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬لو أنكم توكلون على هللا حق تولكه لرزقكم كما‬ ‫‪-‬‬
‫يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫( االستغفار) قال تعالى‪ " :‬فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم‬ ‫‪-‬‬
‫مدرارا ويمددكم بأموال " نوح (‪.)11‬‬
‫( صلة الرحم ) لقوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في‬ ‫‪-‬‬
‫أثرة فليصل رحمه " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫وبالجملة فقد قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬فإنه الينال ماعند هلل إال بطاعته " أخرجه أبو نعيم في‬
‫الحلية والطبراني في الكبير‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬‬

‫وحذار من الذنوب والمعاصي فإنها أكبر أسباب حرمان الرزق‪ ،‬ثبت في المسند لإلمام أحمد‬
‫وصحيح ابن حبان من قوله عليه الصالة والسالم‪ " :‬إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه "‪،‬‬
‫وقال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ " :‬ان للحسنة ضياء في الوجه‪ ،‬ونورا في القلب‪ ،‬وسعة في‬
‫الرزق‪ ،‬وقوه في البدن‪ ،‬ومحبة في قلوب الخلق‪ ،‬وإن للسيئة سواداً في الوجه‪ ،‬وظلمة في القلب‪،‬‬
‫ووهنا في البدن‪ ،‬ونقصا في الرزق‪ ،‬وبغضة في قلوب الخلق "‪.‬‬

‫قال الشافعي رحمه هللا تعالى‪:‬‬


‫إذا كنت في نعمة فارعها *** فان المعاصي تزيل النعـم‬
‫ودوام عليها بشكـر اإللـه *** فـإن اإللـه ســريـع النـقــم‬

‫‪163‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وأما األسباب الحسية فهي التي التخفى على أحد‪ ،‬وهي معروفة لدى الجميع من األخذ باألسباب‬
‫كحراثة األرض والسعي في أمر التجارة ونحوها‪.‬‬

‫( كل شاة معلقة من كراعها )‬


‫كراعها = رجلها‪.‬‬
‫أول من قال ذلك وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد ‪ ،‬وكان قد تولى أمر البيت ( الكعبة ) بعد‬
‫جرهم ‪ ،‬وذلك لما حضرته الوفاة جمع إياداً فقال لهم ‪ :‬اسمعوا وصيتي ؛ الكلم كلمتان ‪ ،‬واألمر‬
‫بعد البيان ‪ ،‬من رشد فاتبعوه ‪ ،‬ومن غوى فارفضوه ‪ ،‬وكل شاة برجلها معلقة ‪ ،‬فأرسلها مثال ‪.‬‬
‫هذا المثل صحيح من جهة أن كل مكلف محاسب على عمله هو دون عمل غيره ‪ ,‬فال يؤخذ‬
‫أحد بجريرة أحد ‪ ,‬وهو قريب من قوله تعالى‪ " :‬وال تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى‬
‫حملها ال يحمل منه شىء ولو كان ذا قربى " فاطراآلية (‪ )18‬وقوله‪ " :‬ياأيها الناس اتقوا ربكم‬
‫واخشوا يوما ال يجزي والد عن ولده وال مولود هو جاز عن والده شيئا " لقمان اآلية(‪ ، )32‬هذا‬
‫جانب في هذا المثل وهو صحيح كما ترى ‪ ،‬وأما الجانب اآلخر فهو سلبي ينبغي التنبيه عليه ‪،‬‬
‫وذلك أن صار هذا المثل يضرب في غير محله ‪ ,‬فإذا نصحت أحدا في خطإ ارتكبه قيل لك‪" :‬‬
‫أنت فضولي ‪ -‬وما شأنك به ؟ " ‪ ،‬حتى قال قائلهم ‪:‬‬

‫كـل شـاة بـرجـلها سـتـناط‬ ‫َد ْع عتابي فما عليك حسابي‬

‫فصار هذا المثل مبررا ووسيلة لترك ما افترضه هللا تعالى من األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"آل‬
‫عمران اآلية(‪ )110‬وقال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ‪ ،‬فإن لم‬
‫يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه ‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان " رواه مسلم ‪.‬‬

‫توهم مردود ‪-:‬‬


‫يتوهم كثير من الناس أن قوله تعالى‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا‬
‫اهتديتم " المائدة (‪ )107‬يدل على عدم وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬وأن هذا‬
‫الواجب يسقط إذا أدى اإلنسان الواجبات التي عليه لظاهر قوله‪ " :‬إذا اهتديتم" ‪ ،‬وهذا الوهم باطل‬
‫مردود ؛ ألنه كيف يكون مهتديا من ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وال يكون مهتديا‬
‫إال بقيامه بهذا الواجب ‪ ,‬ثم إن صديق هذه األمة أبا بكر رضي هللا عنه دفع هذا الوهم حينما قرأ‬
‫هذه اآلية ‪ ،‬وأوضح معناها ‪ ،‬وبيّن أنها التدل على ذلك‪ ,‬فعن أبي بكر الصديق رضي هللا عنه‬
‫قال ‪ :‬أيها الناس إنكم تقرأون هذه اآلية " يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم اليضركم من ضل إذا‬
‫اهتديتم " وإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا‬
‫على يديه ‪ ،‬أوشك أن يعمهم بعقاب منه " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة‪.‬‬

‫قال ابن النحاس في ( تنبيه الغافلين ) ص(‪ " : )82‬وال نعلم أحدا من العلماء ذهب إلى أن معنى‬
‫"عليكم أنفسكم" أنه ال يلزمكم أن تأمروا بمعروف وال تنهوا عن منكر؛ ألن ضالل غيركم ال‬
‫يضركم ‪ ,‬ومعاذ هللا أن يذهب إلى هذا أحد غير الجهلة العوام ‪ ،‬الهمج الرعاع ‪ ،‬أتباع كل ناعق ‪,‬‬
‫إذا أمرت أحدهم بمعروف أو نهيته عن منكر قال‪ :‬قال هللا تعالى ‪ " :‬عليكم أنفسكم " فتأوّل اآلية‬
‫على غير تأويلها ‪ ،‬كما قال سيدنا أبوبكر رضي هللا عنه ‪ ,‬ويردف إثم المعصية بإثم تفسير القرآن‬

‫‪164‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫برأيه ‪ ،‬وهو من الكبائر‪ .....‬وما علم المسكين أن شؤم العاصي وعقوبته في الدنيا واآلخرة تعم‬
‫المداهن الذي لم ينكر قطعا " ‪.‬‬

‫وبعضهم يستدل بقوله تعالى‪ " :‬وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " البقرة (‪ )194‬على ترك النصيحة‪،‬‬
‫وما علم أن التهلكة في تركها ال في القيام بها ‪.‬‬

‫تنبيه مهم‪....‬‬
‫بعض الناس يحتج على ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن الشخص الواقع في‬
‫المنكر لن يستجيب ‪ ,‬والواقع أن ذلك ليس بصحيح ‪ ,‬ألن هللا تعالى لن يسألك عن عدم استجابته ‪،‬‬
‫وإنما يسألك عن التبليغ والبيان " إن عليك إال البالغ " الشورى (‪ ، )45‬ثم إن في القيام بذلك‬
‫تبرئة للذمة‪ ,‬والمعذرة أمام هللا تعالى‪ ،‬ألم تسمع لقوله تعالى" وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما‬
‫هللا مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم " األعراف اآلية(‪.)164‬‬

‫)) الـخـلـطـة بـلـطـة والـجـرب يـعـدي‬

‫البلطة = الشيء الذي ليس بجيد‪.‬‬


‫هذا التعبير ذو شقين ‪ ,‬وهو يشير إلى قضيتين مهمتين‪-:‬‬
‫األولى‪ -:‬الخلطة وما يتعلق بها ‪.‬‬
‫الثانية‪ -:‬العدوى وحقيقتها ‪.‬‬

‫أما الخلطة فال بد عند بيانها من ذك ر ض دها وهي العزل ة ؛ ألن ه كم ا قي ل‪":‬وبض دها تتم يز‬
‫األشياء" ‪.‬‬
‫اعلم أنه ال بد لإلنس ان من الخلط ة والعزل ة ‪ ,‬فالمي ل إلى إح داهما دون األخ رى يف وّت على‬
‫العبد مصالح كثيرة ‪ ،‬ويوقعه في أخطاء جسيمة ‪ ,‬فالع دل الموازن ة بينهم ا‪ ,‬فيأخ ذ من ك ل واح دة‬
‫بق در مايص لح ب ه ش أنه‪ ،‬ق ال اإلم ام الش افغي رحم ه هللا تع الى‪ " :‬االنقب اض عن الن اس مكس بة‬
‫للعداوة‪ ,‬واالنبس اط إليهم مجلب ة للس وء"‪ ,‬فكن وس طا بين القبض والبس ط‪ ،‬ق ال تع الى‪ " :‬وك ذلك‬
‫جعلناكم أمة وسطا " البقرة (‪. )142‬‬
‫فضابط الخلطة النافعة إفادة أو استفادة ‪ ,‬إم ا مص لحة تتحق ق ل ك أو لغ يرك ‪ ،‬وم ا ع دا ذل ك‬
‫مضيعة للوقت ‪ ،‬لذا قيل ‪:‬‬
‫سوى الهـذيان من قيل وقـال‬ ‫لقاء الناس ليس يفيد شيئا‬
‫ألخذ العــلم أو إصالح حـال‬ ‫فأقـلل من لقـاء الناس إال‬

‫الخلطة النافعة هي التي يتحق ق به ا النف ع واالنتف اع ‪ :‬ك التعلم والتعليم ‪ ،‬والت أدب والت أديب ‪،‬‬
‫ونيل الثواب في القيام بالحقوق ‪ :‬كالجمع والجماع ات واألعي اد ‪ ,‬واس تفادة التج ارب من مش اهدة‬
‫األحوال ‪ ،‬ومساعدة المحتاجين والكسب للعيال ‪ ،‬وعيادة المرضى وحضور الجنازات ‪ ،‬واكتساب‬
‫األخالق التي ال تحصل إال بالمخالطة ‪ :‬كالصبر والتواضع ونحو ذلك ‪ ,‬ولذلك ق ال علي ه الص الة‬
‫والسالم في الحديث الحسن‪":‬الم ؤمن ال ذي يخال ط الن اس ويص بر على أذاهم ‪ ،‬خ ير من ال ذي ال‬
‫يخالط الناس وال يصبر على أذاهم " رواه أحمد والترمذي ‪ ،‬وم ا تحق ق بالغ الرس ل أق وامهم إال‬
‫بالخلطة ‪ ،‬فهذا ونحوه ضابط الخلطة النافعة ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وأما الخلطة الضارة فهي التي توقع اإلنس ان في المعاص ي والش رور‪ :‬كالخلط ة ال تي تك ون‬
‫فيها الغيبة والنميمة أو الخلطة التي تدعو إلى مسارقة الطباع الرديئة ‪ ،‬واألخالق السيئة ‪ :‬كخلط ة‬
‫األشرار ؛ فإن الصاحب ساحب كما في ح ديث الجليس الس وء ال ذي ش بهه الن بي ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم بنافخ الكير ‪.‬‬
‫صـرت للبـيت والكـتاب جليسا‬ ‫مـا تطعـمـت لـذة العـيـش حتى‬
‫ــم فـمـا أبــتـغـي ســواه أنـيـسا‬ ‫لـيس شئ أعز من صحبة العلـ‬
‫س فدعهم وعش عزيزا رئيسا‬ ‫إنـمـا الـذل في مـخـالـطـة الـنـا‬

‫وأما العزلة ففيها فوائد أيضا ‪ ،‬قال عمر رضي هللا عن ه ‪ ":‬خ ذوا بحظكم من العزل ة " ‪ ،‬فمن‬
‫فوائد العزلة ‪ :‬التفرغ للعبادة ‪ ،‬والبعد عن المعاصي ‪ ،‬والخالص من الفتن والخصومات ‪ ,‬والرياء‬
‫والتصنع للخلق ‪ ،‬والمجاملة المستكرهة ‪ ,‬والبعد عن خلطاء السوء ‪ ،‬وشرار الناس ‪ ،‬وقال رض ي‬
‫هللا عنه ‪ ":‬في العزلة راحة من خلطاء السوء " ‪ ,‬وفي العزلة األنس باهلل تعالى ‪ ،‬ومحاس بة النفس‬
‫على أعمالها واستدراك الفائت ‪ ,‬فالعزلة مملكة األفكار ‪ ،‬قال عليه الصالة والس الم لمن س أله عن‬
‫النجاة‪ ":‬أملك عليك لسانك ‪ ,‬وليسعك بيتك ‪ ,‬وابك على خطيئت ك " ح ديث حس ن ‪ ,‬رواه الترم ذي‬
‫وأحمد في المسند ‪.‬‬
‫فـدام لي الهـنا ونما السرور‬ ‫أنست بوحدتي ولزمت بيتي‬
‫أسار الجيش أم ركب األمير‬ ‫وقاطعـت األنـام فـما أبالي‬
‫ولك أن تراجع كتاب ( العزلة ) للخطابي ‪ ،‬ففيه فوائد جمة ‪.‬‬

‫نكتة لغـوية ‪- :‬‬


‫العزلة بال "عين" العلم زلة ‪ ،‬وبال "زاي" الزهد علة ‪ ،‬والعزل ة بهم ا ‪ -‬أي‪ :‬ب العلم والزه د ‪-‬‬
‫ـز له ‪ ،‬أي ‪ِ :‬ع ٌّ‬
‫ـز لصاحبها ‪.‬‬ ‫ِع ٌّ‬

‫طـرفـة ‪......‬‬
‫كما سبق أن العزلة بال علم توقع صاحبها في الزلل ‪ ،‬ولذا يُحكى أن رجال جاهال كان يحضر‬
‫درس وعظ ألحد العلماء ‪ ،‬فكان هذا العالم يقرر في درسه أن الدنيا فاني ة ‪ ،‬وأنه ا ال تع دل جن اح‬
‫بعوضة ‪ ،‬وال ينبغي للعب د أن يمأل عيني ه منه ا ‪ ،‬فهي ال تس تحق ذل ك ‪ ،‬ب ل ينبغي أن ينظ ر إليه ا‬
‫بعين واحدة زهدا فيها ‪ ،‬و أال ينس أن يأخذ بحظه من العزلة ‪ ،‬فما كان من هذا الرجل الجاه ل إال‬
‫أن اع تزل ‪ ،‬وأل زق جف ني أح د عيني ه ‪ ،‬وص ار ينظ ر بعين واح دة ‪ ،‬تنفي ذا لوص ية الع الم على‬
‫زعمه ‪ ،‬وظل على هذه الحالة مدة ‪ ،‬ثم رج ع إلى درس ذل ك الع الم ‪ ،‬فلم ا س أله عن س بب غياب ه‬
‫ذكر له ما فعل ‪ ،‬فقال له العالم ‪ :‬أعد صالتك منذ اعتزلت وألزقت عينك ؛ ألن وضوءك باط ل ؛‬
‫لوجود الحائل الذي على عينك ‪ ،‬من هذه المادة الالصقة ‪.‬‬
‫وأما الشق الثاني من التعبير الشعبي ‪ " :‬والج رب يع دي" في دل على ثب وت الع دوى ‪ ،‬وه ذا‬
‫صحيح ‪ ,‬ويؤي د ذل ك قول ه علي ه الص الة والس الم ‪ ":‬فِـ َّر من المج ذوم ف رارك من األس د" رواه‬
‫البخاري ‪ ,‬وقوله ‪ " :‬ال يورد ممرض على مصح " رواه البخ اري ومس لم ‪ ,‬وال يش كل على ذل ك‬
‫ما ورد في بعض األحاديث األخرى من نفي العدوى كقوله عليه الصالة والسالم ‪ ":‬ال عدوى وال‬
‫طيرة وال هامة وال صفر" متفق عليه ‪ ,‬فإن العدوى المنفي ة غ ير الع دوى المثبت ة ‪ ,‬فكالم ه علي ه‬
‫الصالة والسالم منسجم غاية االنسجام ‪ ,‬فالع دوى المنفي ة هي ال تي ت ؤثر بنفس ها وطبعه ا وتنتق ل‬
‫بدون تقدير هللا تعالى ‪ ،‬على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير هللا تعالى‪.‬‬

‫وأما العدوى المثبتة فهي التي تنتقل بتقديره سبحانه ال بنفسها ‪ ,‬وعليه فاختلف م ورد النص ين‬
‫فال تعارض بينهما ‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫للواحد القهار جل وعال‬ ‫فالفعل والتأثير ليس إال‬


‫ووجه الربط بين الشقين في التعبير أن الخلطة ‪ -‬الضارة ‪ -‬مفسدة ؛ لما فيها من مسارقة الطباع‬
‫الرديئة ‪ ،‬وانتقال األخالق السيئة من الصاحب لصاحبه ‪ ،‬كما أن صاحب الجرب يعدي وتسري‬
‫عدواه إلى من يخالطه بإذن هللا تعالى ‪.‬‬

‫) الــطـبـع يـغـلـب الـتـطـبّـع (‬

‫قد نظم هذا التعبير أبو الطيب المتنبئ في بيت فقال ‪:‬‬
‫تكلف شئ في طباعك ضده‬ ‫وأسرع مفعول فعلتَ تغيّرا‬
‫ولذلك قيل ‪ :‬إن العادة طبيعة خامسة أو العادة ت وأم الطبيع ة ‪ ,‬والع ادة هي الطب ع ال ذي تع ود‬
‫عليه اإلنسان ‪ ،‬حتى صار طبيعة فيه ‪ ،‬وقد يعبر عن التعبير السابق بعبارة أخ رى هي ‪ " :‬الطب ع‬
‫غالب " ‪ ،‬وفي مث ل دارج ‪ " :‬الخص لة اللي بالب دن م ا يغيره ا إال الكفن " أي ‪ :‬ال تـتغير إال‬
‫بالموت ‪.‬‬
‫خالئقه إلى الطبع القديم‬ ‫إذا رام التخلق جاذبته‬

‫أقول‪ :‬في هذه العبارة " الطبع يغلب التطبع " إشارة إلى مسألة ‪:‬‬

‫( هل األخالق قابلة للتغيير أو ال ؟ )‬

‫اعلم أوال ‪ :‬أن اإلنس ان م ركب من جس د وروح ‪ ,‬فالجس د م درك بالبص ر‪ ,‬وال روح مدرك ة‬
‫بالبصيرة ‪ ,‬فالجسد هو صورة اإلنسان الظاهرة ‪ ,‬والنفس أو الروح هي صورة اإلنس ان الباطن ة ‪,‬‬
‫فالص ورة الظ اهرة تس مى َخـلقا ‪ ,‬والص ورة الباطن ة تس مى ُخـلقا ‪ ,‬فيق ال فالن حس ن الخَ ـلق‬
‫وال ُخـلق ‪ ،‬وقد جمعهما هللا تعالى في قوله‪ ":‬إني خالق بش را من طين ف إذا س ويته ونفخت في ه من‬
‫روحي‪ ".......‬ص(‪ ، )72-71‬فنبه سبحانه على أن الجسد منس وب إلى الطين ‪ ,‬وال روح منس وب‬
‫إليه سبحانه وتعالى نسبة تشريف ‪ ،‬وال ُخـلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة ‪ ،‬تصدر عنه ا األفع ال‬
‫بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية ‪ ,‬فإن كانت األفعال جميلة سميت ُخـلقا حس نا ‪ ,‬وإن‬
‫كانت قبيحة سميت ُخـلقا سيئا ‪.‬‬

‫واآلن إليك جواب السؤال المطروح وهو‪ " :‬هل األخالق تقبل التغيير أو ال ؟ "‪ ،‬أقول ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫إن األخالق تقبل التغيير‪ ,‬إذ لو كانت ال تقبل لم يكن للمواعظ والوصايا في القرآن والس نة مع نى ‪,‬‬
‫وكيف يُـنكر تغييرها ونحن نرى الحيوان المتوحش يستأنس ‪ ،‬والكلب يُـعلم ! كم ا ق ال تع الى ‪" :‬‬
‫مكلبين تعلم ونهن مم ا علمكم هللا " المائ دة (‪ , )5‬إال أن بعض الطب اع س ريعة القب ول ‪ ،‬وبعض ها‬
‫مستصعبة ‪ ,‬وهذا في الحيوان ‪ ،‬فكيف في اإلنسان الذي ُخـلق قابال للتعليم !؟ ‪.‬‬

‫وأم ا م ا يج ري على ألس نة بعض الن اس من ق ولهم ‪ " :‬تغي ير جب ل وال تغي ير طب ع " فال‬
‫يستقيم ؛ ألن الحديث الذي استند عليه هذا الق ول ض عيف ‪ ،‬ونص ه ‪ " :‬إذا س معتم بجب ل زال عن‬
‫مكانه فصدقوا ‪ ،‬وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فال تصدقوا به ‪ ،‬وإنه يصير إلى ما جبل عليه "‬
‫رواه أحمد ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وليس المراد بتغيير الخـلق قمعه ونزعه بالكلية ‪ ,‬فإن هذا ال يتصور‪ ،‬وليس بمطلوب أصال ؛ ألن‬
‫هللا تعالى لم يخلق هذا ال ُخـلق في اإلنسان إال لحكمة ‪ ,‬وإنما المراد ضبط هذا الخلق وتهذيبه‬
‫بالشرع ‪ ,‬ورده إلى االعتدال ‪ ,‬وهذا االعتدال تارة يحصل بكمال الفطرة منحة من الخالق ‪ ,‬وتارة‬
‫‪167‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫يحصل باالكتساب ‪ ,‬وذلك بالتكلف والرياضة ‪ :‬وهي حمل النفس على األعمال الجالبة للخلق‬
‫المطلوب ‪ ,‬فمن أراد تحصيل خلق الجود مثال ‪ ،‬فليتكلف فعل الجود من البذل ليصير ذلك طبعا له‬
‫‪ ,‬ومصداق ذلك قوله عليه الصالة والسالم ‪ ":‬ومن يستعفف يعفه هللا ‪ ،‬ومن يستغن يغنه هللا ‪،‬‬
‫ومن يتصبر يصبره هللا‪ ".........‬رواه البخاري ‪ ،‬فلفظة ( يستعفف – يستغن – يتصبر ) فيها‬
‫معنى تكلف الفعل وطلبه ؛ ألنها من مادة استفعل ‪ ،‬كـ ( استغفر) أي ‪ :‬طلب المغفرة ‪.‬‬

‫) الـضـيـق في الـقـلـب (‬

‫يقصد الناس بهذه العبارة أن الضيق الحقيقي هو ضيق القلب ‪ ,‬بمعنى أن من كان ضيّق القلب‬
‫ال تنفعه سعة ماله أو بيته ونح و ذل ك ‪ ,‬وبالمقاب ل من ك ان منش رح القلب اليض ره ض يق بيت ه أو‬
‫أحواله المالية ؛ ألن المدار على القلب ‪ ,‬فالسعادة والطمأنينة منبعه ا من القلب ‪ ،‬وإن مم ا ي ورث‬
‫ضيق القلب اآلتي ‪- :‬‬
‫الذنوب والمعاصي ؛ فإنها توجب ضيقه وعذابه ‪ ,‬فتحدث له ه ّم ا ً وغ ّم ا ً اليفارق ه إال‬ ‫‪-2‬‬
‫بالتوبة النصوح ‪ ،‬وإذا أردت أن تعرف آثار ال ذنوب على حي اة العب د ف انظر كت اب‬
‫( الداء والدواء ) البن القيم ؛ فإنه أفاض وأجاد ‪ ،‬جزاه هللا خيرا ‪.‬‬
‫التسخط من قضاء هللا تعالى وقدره ‪ ،‬وعدم الرضا به ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الحق د على الن اس ‪ ،‬وحب االنتق ام منهم ‪ ،‬وحس دهم على م ا آت اهم هللا من فض له ‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وهذه صفة المغضوب عليهم ‪ ،‬اليهود‪ ،‬لعنهم هللا ‪ ،‬كما قال هللا تعالى ‪ " :‬أم يحسدون‬
‫الناس على ما آتاهم هللا من فضله " النساء (‪ ، )53‬وال راحة لمحسود ‪.‬‬
‫اإلعراض عن ذكر هللا ‪ ،‬قال جل وعال ‪ " :‬ومن أعرض عن ذكري ف إن ل ه معيش ة‬ ‫‪-5‬‬
‫ضنكا " طه (‪. )122‬‬

‫‪ : -‬وإن من أهم األسباب الجالبة لسعة القلب وانشراح الصدر اآلتي‬

‫توحيد هللا تبارك وتعالى ‪ ،‬فبحسب صفائه ونقائه يتسع القلب والصدر ‪ ،‬حتى يكون أوسع‬ ‫‪-1‬‬
‫من الدنيا وما فيها " أفمن شرح هللا صدره لإلسالم فهو على نور من ربه " الزمر (‪. )4‬‬
‫العلم النافع ‪ ،‬فالعلماء أشرح الناس صدورا ‪ ،‬وأكثرهم حبورا ‪ ،‬وأعظمهم سرورا ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫العمل الصالح ؛ ف إن للحس نة ن ورا في القلب ‪ ،‬وض ياء في الوج ه ‪ ،‬وس عة في ال رزق ‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ومحبة في قلوب الخلق ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اإلكثار من الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم ؛ لما صح عن د الترم ذي ‪ :‬أن أبَي بن‬ ‫‪-4‬‬
‫كعب رضي هللا عنه قال ‪ :‬يا رسول هللا ؛ كم أجعل لك من صالتي؟ قال ‪ :‬ما شئت ‪ ،‬ق ال‬
‫الربع ؟ قال ما شئت ‪ ،‬وإن زدت فخير ‪ ،‬قال الثلثين ؟ قال ‪ :‬ما شئت ‪ ،‬وإن زدت فخ ير ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬أجعل لك صالتي كلها ؟ قال‪ :‬إذن يغفر لك ذنبك ‪ ،‬وتكفى همك ‪.‬‬

‫واعلم أن أكمل الصالة علي الرسول ص لى هللا علي ه وس لم هي الص الة اإلبراهيمي ة‪ " :‬اللهم‬
‫صل على محم د وعلى آل محم د كم ا ص ليت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم‪ ،‬وب ارك على‬
‫محم د وعلى آل محم د كم ا ب اركت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم في الع المين إن ك حمي د‬
‫مجيد"‪.‬‬
‫‪ -5‬اجتناب المعاصي ؛ فإنها ه ّم الزم ‪ ،‬وغ ّم جاثم ‪ ،‬وظالم قاتم ‪.‬‬
‫وقد ي ُ‬
‫ُورث الذ َّل إدمانُها‬ ‫الذنوب تـ ُ ُ‬
‫ميت القلوب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رأيت‬

‫‪168‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وخي ٌر لنفسك عصيانُها‬ ‫ب حياة القلوب‬ ‫وتـر ُ‬


‫ك الذنو ِ‬
‫‪ -6‬اجتن اب ك ثرة المباح ات ‪ :‬من الكالم والطع ام والمن ام والخلط ة ‪ ،‬ق ال تع الى ‪" :‬وكل وا‬
‫واشربوا وال تسرفوا" األعراف (‪)29‬‬
‫إن بعد الحياة نوما طويال‬ ‫يا رفيق الفراش أكثرت نوما‬

‫)) َحـــــرا ْيــمــي‬

‫نس مع كث يرا ق ول الن اس على غفل ة منهم‪ ":‬أكلت الي وم ح رايمي أو اش تريت‬
‫حرايمي‪............‬وهكذا "‪ ،‬ويقصدون بكلمة " ح رايمي" الح وت والس مك ‪ ,‬وت تردد ه ذه الكلم ة‬
‫دون أن نعي وجه الخطإ فيها ‪.‬‬

‫فكلمة " حرايمي" نسبة إلى الحرام ‪ ،‬وال أدري كي ف يُعق ل أن نجم ع بين وص فه ب الحرام ثم‬
‫نشتريه ونأكله !! وصواب هذه الكلمة أن نقول‪ " :‬حاليلي" ؛ لقوله تعالى‪ " :‬أحل لكم صيد البح ر‬
‫وطعامه متاعا لكم وللسيارة " المائدة (‪ ، )98‬ولقوله عليه الصالة والسالم لما س ئل عن البح ر‪" :‬‬
‫هو الطهور ماؤه الحل ميتته " رواه الترمذي وغيره ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫السن عن سبب هذه التسمية " حرايمي "(‪ )1‬قيل لي‪ :‬إن اليهود يس مون‬ ‫ّ‬ ‫ولما سألت بعض كبار‬
‫فعلمت أنها تس ربت إلين ا منهم ‪ ،‬واس تعملناها على غفل ة من ا ‪ ،‬وه ذا من ش ؤمهم‬‫ُ‬ ‫الحوت كذلك ‪،‬‬
‫لعنهم هللا‪ ،‬ولم ا فك رت في األم ر قلت لع ل س بب ه ذه التس مية ه و م ا حص ل لليه ود من اللعن ة‬
‫والمسخ بسب تعديهم في صيدهم الحوت ي وم الس بت‪ ،‬وق د ُنـهوا عن ه ‪ ،‬فلم ا ك ان الح وت س بب‬
‫عذابهم تشاءموا منه ‪ ،‬فس موه " ح رايمي" ‪ ،‬وأم ا قص تهم م ع الح وت فق د ذكره ا هللا تع الى في‬
‫سورة األعراف ‪ " :‬وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ‪ ".....‬اآليات ( ‪ ، )163‬وحاصل‬
‫هذه القصة هو ‪ :‬أن هللا تعالى حرَّم على اليهود صيد السمك يوم الس بت ‪ ،‬وك انت الحيت ان ت أتيهم‬
‫يوم السبت كثيرة ظاهرة على وجه الم اء ‪ ،‬وتختفي س ائر األي ام ‪ ،‬وذل ك ابتالء من هللا تع الى لهم‬
‫بسبب فسقهم ‪ ،‬وانتهاكهم حرمات هللا عز وجل ‪ ،‬فأوحى إليهم إبليس فقال ‪ :‬إنما ُنـهيتم عن أخ ذها‬
‫يوم السبت ‪ ،‬فاتخذوا الحياض ‪ ،‬فكانوا يسوقون إليها الحيتان يوم الجمع ة ‪ ،‬فتبقى فيه ا فال يمكنه ا‬
‫الخروج منها لقلة الماء ‪ ،‬فيأخذونها ي وم األح د ‪ ،‬ويحت الون في ص يدها ‪ ،‬فمس خهم هللا ع ز وج ل‬
‫قردة وخنازير ‪ ،‬عقوبة الحتيالهم على هللا تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫هذه مسألة ‪ ،‬ومسألة أخرى وهي ( التحليل والتحريم ) ‪-:‬‬

‫اعلم أن أحكام التحليل والتحريم من المسائل العظيمة ‪ ،‬التي اليج وز بح ال أن يتكلم فيه ا اإلنس ان‬
‫دون دلي ل من الكت اب أو الس نة ‪ ،‬ول ذا ذ ّم هللا تع الى من تج رأ على ذل ك بال أث ارة من علم ق ال‬
‫تعالى ‪ " :‬وال تقولوا لما تصف ألس نتكم الك ذب ه ذا حالل وه ذا ح رام لتف تروا على هللا الك ذب "‬
‫النحل (‪ )116‬وقال أيضا ‪ " :‬قل أرأيتم م ا أن زل هللا لكم من رزق فجعلتم من ه حرام ا وحالال ق ل‬
‫ءآهلل أذن لكم أم على هللا تفترون " يونس (‪ ، )59‬وقد ثبت في السنن وغيرها ‪ ،‬والحديث صحيح ‪:‬‬
‫أن أجرأكم على الفتيا أجرؤكم على النار ‪.‬‬

‫( ‪ )1( -‬تسمية الحالل بالحرام من أغرب ما يكون ‪ ،‬ومن باب ذكر الشئ بالشئ ‪ ،‬تسمية هذا النبات المعروف بـ " عباد الشمس " ‪ ،‬وهي‬
‫تسمية فاسدة ؛ ألن العبودية ال تكون إال هلل تعالى ‪ " :‬ألم تر أن هللا يسجد له من في السموات ومن في األرض ‪ " ....‬الحج ( ) ‪،‬‬
‫والصواب أن يسمى ‪ " :‬دوّار الشمس " ؛ النفتاح الزهرة في مواجهة الشمس شرقا وغربا ‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫رب ـ إن عُـربتْ خـُربتْ‬


‫العرب َج ْ‬
‫ْ‬ ‫((‬
‫ال ْيصير من العرب باشا وال من الحطب ماشا‬
‫الجدُول ْه ))‬
‫ق العربي دول ْه إال ال ِمسح ْه و ْ‬
‫يلح ْ‬
‫ال ِّ‬

‫الجدوله = المساحة الصغيرة من األرض ؛ كالجابي ة الص غيرة ‪ ،‬تك ون‬ ‫المسحه = المسحاء ‪.‬‬
‫مزروعة ومحاطة بحواجز ترابية قصيرة عن بقية الجداول ‪.‬‬

‫هذه ألفاظ ُشعُوبية(‪ )1‬مقيت ة ‪ ،‬فضّ هللا ف اه قائله ا ‪ ،‬وبفي ه الحج ر ‪ ،‬ف العرب ليس وا جرب ا ‪ ،‬وال إن‬
‫عربت خربت ‪ ، .........‬فلقد كان من العرب ليس الباشا فقط ‪ ،‬بل األمير والخليفة ‪ ،‬وسيد الخليقة‪،‬‬
‫نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم في الحديث الص حيح‪ " :‬أن ا س يد‬
‫ولد آدم وال فخر" رواه الترمذي وابن ماجه ‪.‬‬

‫العربي الطاهر األ َّواه ؟‬ ‫محمد سيد خلق هللا‬

‫فالعرب حملة الهدى والنور ‪ ،‬وأصحاب الحضارة على م رِّ العص ور ‪ ،‬ي وم أن ك انت أورب ا‬
‫تتخب ط في ظلم ات الق رون الوس طى ‪ ،‬ب ل م ا ق امت حض ارة أورب ا والغ رب إال على أكت اف‬
‫حضارتنا العربية واإلسالمية ‪ ،‬فكان أن قطفوا ثمار حضارتنا ‪ ،‬فيا ليت قومي يستيقظون ‪.‬‬

‫قال صاحب كتاب ( اقتضاء الصراط المستقيم ) ‪ " :‬الذي عليه أه ل الس نة والجماع ة اعتق اد‬
‫أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ‪ ،‬وأن قريشا أفضل العرب ‪ ،‬وأن بني هاشم أفضل ق ريش‬
‫‪ ،‬وأن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أفضل بني هاشم ‪ ......‬قال الكرماني ‪ :‬هذا مذهب أئمة أه ل‬
‫العلم ‪ ،‬وأصحاب األثر ‪ ،‬وأهل السنة المعروفين بها ‪ ،‬فمن خالف هذا المذهب أو عابه فهو مبت دع‬
‫خارج عن الجماعة ‪ ،‬زائل عن منهج السنة وسبيل الحق ‪ ،‬ال ذي علي ه أحم د وإس حاق والحمي دي‬
‫وسعيد بن منصور وغيرهم ‪ ،‬فتعرف للعرب مقامها وفضلها وسابقتها ‪ ،‬وحس بهم ح ديث ‪ " :‬حب‬
‫العرب إيمان ‪ ،‬وبغضهم نفاق " وهو حديث ضعيف ‪ ،‬ولكنه في الفضائل ‪.‬‬

‫وس بب ه ذا الفض ل – وهللا أعلم – ه و م ا اختص وا ب ه في عق ولهم وألس نتهم ‪ ،‬وأخالقهم‬


‫وأعمالهم ‪ ،‬وذلك أن الفضل إما ب العلم الن افع ‪ ،‬وإم ا بالعم ل الص الح ‪ ،‬والع رب أفهم من غ يرهم‬
‫وأحفظ ‪ ،‬وأقدر على البيان والعبارة ‪ ،‬ولسانهم أت ّم لسان ‪ ،‬بيانا وتمييزا للمعاني ‪.‬‬

‫وأم ا العم ل ‪ :‬ف إنهم جُبل وا على األخالق الكريم ة ‪ ،‬وهي الغرائ ز المخلوق ة في النفس ‪،‬‬
‫وغرائزهم أطوع للخير من غ يرهم ‪ ،‬فهم أق رب إلى الس خاء والحلم والش جاعة والوف اء ‪ ،‬وغ ير‬
‫ذلك من األخالق المحمودة ‪ ،‬لكن كانوا قبل اإلسالم قابلين للخير ‪ ،‬معطلين عن فعله ‪ ،‬ليس عندهم‬
‫علم م نزل من الس ماء ‪ ،‬وال ش ريعة موروث ة عن ن بي ‪ ،‬وال هم مش تغلون ببعض العل وم العقلي ة‬
‫المحضة ‪ ،‬فلما بعث هللا محمدا صلى هللا عليه وسلم باله دى ‪ ،‬وتلق وه عن ه ‪ ،‬زال ذل ك ال رين عن‬
‫قلوبهم ‪ ،‬واستنارت بهداية الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله ‪ ،‬فأخذوا هذا الهدى العظيم بتل ك‬
‫الفطرة الجديدة ‪ ،‬فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم ‪ ،‬والكمال ال ذي أن زل هللا إليهم ‪ ،‬فص ار‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪ -‬الشـعوبية ‪ :‬طائفة مذهبها بغض العرب ‪ ،‬واحتقار أمرهم ‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫السابقون األولون من المهاجرين واألنصار أفضل الخلق بعد األنبياء ‪ ،‬وصار أفضل الناس بعدهم‬
‫من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة ‪ ،‬ومن تشبه بهم ‪ ......‬قال سلمان ‪ " :‬نفضلكم يا معشر العرب ؛‬
‫لتفضيل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إياكم ‪ ،‬ال ننكح نساءكم ‪ ،‬وال نؤمكم في الصالة " ‪.‬‬

‫ولما وضع عمر ديوان العطاء ‪ ،‬كتب الناس على قدر أنسابهم ‪ ،‬فبدأ بأقربهم نس با من رس ول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فلما انقضت العرب ذكر العجم " اهـ‪.‬‬

‫فـائـدة ‪-:‬‬
‫العرب أمة سامية األصل ‪ ،‬أي ‪ :‬نسبة إلى سام بن ن وح علي ه الس الم ‪ ،‬ك ان منش ؤها جزي رة‬
‫العرب ‪ ،‬ولفظة العرب مأخوذة من اإلعراب ‪ ،‬بمعنى اإلفصاح والبيان ‪ ،‬فهم – الع رب – أفص ح‬
‫األمم بيانا ‪ ،‬وأقدرهم إبانة ‪.‬‬

‫ثم اعلم أن العرب ينقسمون إلى قسمين ‪:‬‬


‫‪ -2‬عرب باقية‬ ‫‪ -1‬عرب بائدة‬

‫أما الع رب البائ دة فهي ال تي ج اء اإلس الم ولم يب ق منهم أح د ‪ ،‬وه ؤالء لم يص ل إلين ا ش ئ‬
‫صحيح من أخب ارهم إال م ا قص ه هللا تع الى علين ا في الق رآن الك ريم ‪ ،‬وإال م ا ج اء في الح ديث‬
‫الشريف ‪ ،‬ومن أشهر قبائلهم طسم وجديس وعاد وثمود ‪.‬‬

‫وأما العرب الباقية فهي التي جاء اإلسالم وهم باقون ‪ ،‬وهؤالء قسمان ‪:‬‬
‫ب‪ -‬عرب مستعربة‬ ‫ا‪ -‬عرب عاربة‬

‫أما العاربة فهم بنو قحطان بن عابر ‪ ،‬الذين اختاروا اليمن منازل لهم ‪ ،‬ومن أمهات قب ائلهم ‪:‬‬
‫كهالن وحمير ‪.‬‬

‫وأم ا المس تعربة فهم بن و إس ماعيل بن إب راهيم عليهم ا الس الم ‪ ،‬الط ارئون على القحط انيين ‪،‬‬
‫والممتزجون بهم لغة ونسبا ‪ ،‬والمعروفون بع ُد بالعدنانيين ‪ ،‬ومن أمهات قبائلهم ‪ :‬ربيعة ومضر ‪.‬‬

‫( كـل بـالد وعـزاهـا )‬

‫عزاها = عزاؤها‪.‬‬
‫أي‪ :‬كل قوم لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم ‪.‬‬

‫ـحـكـَّمـة" ‪،‬‬
‫اعلم أن في هذا التعبير إشارة إلى قاعدة فقهية مهمة ج دا ‪ ,‬أال وهي " الـعـادة ُم َ‬
‫وهي من أمهات القواعد الفقهية ‪ ,‬فهي قاعدة فقهية كبرى ‪ ,‬وألهمية هذه القاعدة فقد بحثه ا الفقه اء‬
‫وبنوا عليها أحكاما كثيرة جدا‪.‬‬

‫فالعادة مشتقة من ال َعود أو المعاودة بمعنى التكرار ‪ ,‬حتى تصير طبعا يسهل تعاطي ه ‪ ,‬فهي ‪-‬‬
‫العادة ‪ -‬األمر المقرر في النفوس ‪ ,‬المقبول عند ذوي الطباع السليمة ‪ ,‬والعرف في معنى العادة ‪.‬‬
‫هذه هي العادة المعتبرة شرعا ‪ ,‬والتي تـُبنى عليها األحكام ‪ ,‬ولذا قيل ‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫لـذا عليه الحكـم قـد يدا ُر‬ ‫والعرف في الشرع له اعتبا ُر‬

‫ومعنى "محكمة" أي ‪ :‬أن العادة هي المرج ع وال َحكم للفص ل عن د ال نزاع ‪ ,‬فللع ادة في نظ ر‬
‫الشرع حاكمية تخضع لها أحكام التصرفات ‪ ,‬وقد استند الفقهاء في تقرير ه ذه القاع دة على األث ر‬
‫الوارد ‪ ":‬ما رآه المسلمون حسنا فه و عن د هللا حس ن " ‪ ،‬ومن تطبيق ات ه ذه القاع دة أن ه إذا ورد‬
‫النص مطلقا ‪ ,‬وال ضابط له في الشرع وال في اللغة رُجع في تحديده إلى العرف ‪ ،‬ف الحرز مثال ‪,‬‬
‫لم يأت ضابط له في الش رع ‪ ،‬بحيث إذا س رق من ه الس ارق قطعت ي ده ‪ ,‬ف نرجع إلى الع رف في‬
‫تحديده ‪ ,‬قال الناظم ‪:‬‬
‫بالشرع كالحرز فبالعرف احُد ِد‬ ‫وكــل مـا أتـى ولـم يُـحـد ِد‬
‫وأما إذا ورد النص محددا فال يج وز ترك ه ‪ ,‬ب ل ال ب د من العم ل ب ه ‪ ,‬ونب ذ م ا س واه ‪ ,‬ومن‬
‫عبارات الفقهاء في هذا الشأن قولهم ‪ " :‬إذا ورد األثر بطل النظر" ؛ وذل ك ألن النص مب ني على‬
‫حق ‪ ,‬وال يتطرق إليه باط ل ألبت ة ‪ ,‬بخالف الع رف ‪ ،‬فق د يك ون مس تندا على باط ل ‪ ,‬وال يج وز‬
‫العـي ِد‬
‫ي ِ‬ ‫االلتف ات إلي ه حينئ ذ ‪ ,‬وق د نب ه على ذل ك بعض الفض الء بقول ه‪ :‬وليس بالمفـيد َج رْ ُ‬
‫ل ُخـلف أمر المبدئ ال ُمعي ِد‬
‫أي ‪ :‬إذا جرت العادة بما هو مخالف ألمر هللا تعالى فال عبرة بها حينئذ ‪.‬‬

‫( على قيس فراشك أو لحافك مد رجليك )‬

‫قيس = مقدار وحجم ‪.‬‬

‫التعبير معناه واضح ‪ ,‬فه و ي دل على أن ال ذي ينبغي للم رء أن تك ون تص رفاته – المالي ة –‬


‫على قدر مدخوله وم ا يملك ه من م ال ‪ ,‬ف المطلوب الموازن ة بين النفق ة وال دخل ‪ ,‬واالعت دال بين‬
‫اذكـرْ َحـال " وه و مث ل يض رب للنظ ر في‬ ‫الصادر والوارد ‪ ،‬وإال صدق عليه المثل‪ " :‬ياعاقـ ُد ُ‬
‫العواقب ‪. .‬‬

‫ففي هذه العبارة إشارة إلى االقتصاد في المعيشة ‪ ,‬والقص د في التص رفات المالي ة ‪ ,‬ال تي ل و‬
‫راعاها المس لم الس تراح من دي ون وتبع ات مالي ة كث يرة ‪ ،‬تجلب ل ه الهم والغم ؛ ف إن َمن أحْ َس نَ‬
‫اإلنف اق ‪ ،‬وحف ظ مال ه إال للحاج ة ‪ ،‬واجتنب التب ذير واإلس راف ‪ ،‬وج د الع ون من هللا تع الى ‪،‬‬
‫وأصاب ما أمر هللا به ‪ ،‬وحث عليه ‪ ،‬من االقتصاد في المعيشة بقوله ‪":‬وال تجعل يدك مغلولة إلى‬
‫عنقك وال تبسطها كل البسط فتقعد ملوما ً محسوراً" اإلسراء (‪ , )29‬بل وج ُِع ل من ال ذين اتص فوا‬
‫بخصال عباد الرحمن الممدوحة والتي منها اعتدالهم في النفقة ‪ ،‬وتحرِّيهم الوسطية فيها بقول ه ‪":‬‬
‫ُسرفوا ولم يُقتِروا وكان بين ذلك قواما ً " الفرق ان (‪ ، )67‬وم ا ظن ك بخص لة‬ ‫والذين إذا أنفقوا لم ي ِ‬
‫سألها الن بي ص لى هللا علي ه وس لم من رب ه بقول ه ‪ ":‬وأس ألك القص د في الفق ر والغ نى" أخرج ه‬
‫النسائي ‪ ،‬وأثنى عليها بقوله ‪ " :‬السمت الحسن والتؤدة واالقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا‬
‫من النبوة " رواه الترمذي ‪ ،‬فما عال من اقتصد أي ‪ :‬ما افتـقر من اقتص د في معيش ته ‪ ،‬والع رب‬
‫تقول‪" :‬الجرع أروى والرشف أنقع" أي ‪ :‬أن االقتصاد في المعيشة أبلغ وأدوم من اإلسراف فيها‪.‬‬

‫طرفي قصد األمور ذميم ‪ ،‬فمن‬


‫ْ‬ ‫فالقصد حسنة بين سيئتين ‪ ،‬بين سيئة التقتير وسيئة التبذير ‪ ،‬وكال‬
‫وقع في التقتير فهو بخيل ‪ ،‬وحسبك ب ه من داء ‪ ،‬ومن وق ع في اإلس راف والتب ذير فه و س فيه من‬
‫إخوان الشياطين ‪ ،‬يجب الحجر عليه ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫) اللي يبِّي الورد يتحمل شوكه (‬

‫واليــنـال الـعُــال مـن قــدم الـحـذرا‬ ‫ال يمتطي المجد من لم يركب الخطرا‬
‫قضى ولم يقـض مـن إدراكه وطرا‬ ‫ومـن أراد الــعـال عــفـوا بـال تـعــب‬
‫ال يجتني النفع من لم يحمل الضررا‬ ‫ال بــد لـلــشــهــد مـن نـحـل يـمـنـعـه‬
‫واليــتــم الــمـنـى إال لـمـن صــبـرا‬ ‫ال يـبـلـغ الـســؤل إال بـعــد مــؤلـمـة‬

‫اللي= الذي ‪.‬‬


‫يبّي = يريد ‪( ،‬عربية محرفة) ‪ ،‬قد تحول معناها نحو المراد ‪ ،‬وهو أحد أنواع انتقال الداللة‪،‬‬
‫ففي اللغة أبى فالن يأبى ‪ :‬امتنع ‪.‬‬
‫ولعل ‪ :‬يبي بمعنى يبغي ‪ ،‬فقلبت الغين باء وأدغمتا ‪.‬‬
‫ينبت النرجس إال من بصل‬ ‫إنما الورد من الـشوك ومـا‬

‫هذه القاعدة صحيحة ‪ ,‬فهي عام ة في أم ور ال دنيا واآلخ رة ‪ ،‬ف النعيم ال يُ درك ب النعيم ؛ ألن‬
‫المكارم منوطة بالمكاره ‪ ,‬فالمصالح والخيرات ‪ ,‬واللذات والكم االت ‪ ،‬كله ا ال تن ال إال بح ظ من‬
‫المشقة ‪ ,‬وال يُعبر إليها إال على جسر من التعب ‪.‬‬
‫الجـود يفـقـر واإلقـدام قتـا ُل‬ ‫لوال المشقة ساد الناس كلهمو‬

‫طلب الراحة تركَ الراحة " ‪ ,‬قال صاحب كتاب ( مفتاح دار السعادة) ‪ " :‬وقد‬ ‫َ‬ ‫وقد قيل ‪ ":‬من‬
‫َّ‬
‫أجمع عقالء كل أمة على أن النعيم اليُدرك بالنعيم ‪ ,‬وأن من آثر الراحة فاتته الراحة ‪ ,‬وأن بحسب‬
‫ركوب األهوال ‪ ,‬واحتمال المشاق ‪ ،‬تكون الفرحة والل ذة ‪ ,‬فال فرح ة لمن ال ه ّم ل ه ‪ ,‬وال ل ذة لمن‬
‫الصبر له ‪ ,‬وال نعيم لمن ال شقاء له ‪ ,‬وال راحة لمن ال تعب له ‪ ,‬بل إذا تعب العبد قليال ‪ ,‬اس تراح‬
‫طويال ‪ ,‬وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قادته لحياة األبد ‪ ,‬وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فه و ص بر‬
‫ساعة ‪ ,‬وهللا المستعان ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪ .........‬وال ريب عند كل عاقل أن كمال الراحة‬
‫بحسب التعب ‪ ,‬وكمال النعيم بحسب تحمل المشاق في طريقه ‪ ,‬وإنما تخلص الراحة واللذة والنعيم‬
‫في دار السالم ‪ ,‬فأما في هذه الدار فكال ول َّما " ا هـ ‪.‬‬

‫تـنـال إال عـلى جـسر من التعـب‬ ‫بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها‬

‫قيل للربيع بن خثيم ‪ ":‬لو أرحت نفسك ؟ "‪ ,‬قال ‪ ":‬راحتها أريد " ‪.‬‬
‫محبوبها سببا ما مثـله سببُ‬ ‫وربما كان مكروه النفوس إلى‬

‫فالجن ة ال يوص ل إليه ا إال على جس ر جهنم ‪ ,‬وابتن اء المن اقب باحتم ال المت اعب ‪ ،‬وإح راز‬
‫الذكر الجميل بالسعي في الخطب الجليل ‪ ,‬ومن طلب العُال سهر الليالي ‪ ,‬ومن خطب الحسناء بذل‬
‫الغالي ‪ ,‬وال ب د دون الش هد من إب ر النح ل ‪ ,‬والجن ة حُـفـت بالمك اره كم ا ثبت ذل ك في الح ديث‬
‫الصحيح الذي رواه مسلم ‪.‬‬
‫قال ابن نباتة السعدي ‪:‬‬
‫روض السهاد‬
‫َ‬ ‫ورعيي في الدُجى‬ ‫أعـاذلـتي على إتـعـاب نـفـسي‬
‫فــأهــونُ فــائــ ٍ‬
‫ت ِطــيــبُ الـرقـاد‬ ‫ق الـمعالي‬
‫إذا شـام الـفـتى بـر َ‬

‫‪173‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫)) بــو الـبـنـات مـرزوق‬


‫بـو = أبـو‪.‬‬

‫إذا رزقت البنات ‪ ،‬فإنهن من أعظم الحسنات ‪ ،‬حجاب من النار ‪ ،‬وحرز من غضب الجبار ‪،‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬من ابتلي من البن ات بش ئ ‪ ،‬فأحس ن إليهن كن ل ه س ترا من الن ار "‬
‫متفق عليه ‪ ،‬فاحتسب عليهن النفقة ؛ فإنها بر وصدقة ‪ ،‬ولو أنها غرفة من مرقة ‪ ،‬وتعاهدهن بالبر‬
‫والصلة ‪ ،‬فرحمتهن للجنة موصلة ‪ ،‬وكفاك أن رسول هللا صلى هللا علي ه وس لم الك ريم المش رع ‪،‬‬
‫قد رزق بنات أربعا ً ‪.‬‬

‫أما التعبير الشعبي الذي معنا " بو البنات مرزوق " ففيه نظرة متفائلة تجاه كس يرات الجن اح‬
‫لج برهن ‪ ،‬وه ذه طريق ة الق رآن كم ا في قول ه تع الى ‪ " :‬هلل مل ك الس موت واألرض‪" ..........‬‬
‫الشورى (‪ ، )47-46‬فبدأ سبحانه بذكر اإلناث قبل الذكور جبرا لهن ‪ ،‬وتطييبا لخاطرهن ‪ ،‬وحتى‬
‫يحسن استقبال الوالدين للمولودة الجديدة ؛ فإنها ذات شرف واهتم ام ؛ لتق ديمها في ال ذكر ‪ ،‬ثم في‬
‫هذا التقديم إبطال لما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات ‪ ،‬حتى كانوا يئدونهن ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا النوع‬
‫المؤخر الحقير عندكم ‪ ،‬مقدم عندي في الذكر ‪.‬‬

‫ذك ر القرط بي رحم ه هللا تع الى في تفس يره ‪ ،‬عن د قول ه تع الى ‪ " :‬وأم ا الغالم فك ان أب واه‬
‫مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحم ا "‬
‫الكهف (‪ )80‬في قصة موسى والخضر عليهما الس الم ‪ ،‬لم ا قت ل الخض ر الغالم ‪ ،‬أن ابن عب اس‬
‫رضي هللا عنهما قال‪ :‬إن هللا تعالى أبدلهما جارية ‪-‬بنتا ‪ -‬مكان الغالم ‪ ،‬فول دت نبي ا ‪ ،‬فك انت كم ا‬
‫وصف هللا عزوجل‪ " :‬خيرا منه زكاة وأق رب رحم ا " أي‪ :‬خ يرا من الغالم زك اة ‪ ،‬وأق رب من ه‬
‫رحما لوالديها ‪ .‬اهـ بتصرف‪.‬‬

‫جـبلت علي ه من العاطف ة‬ ‫واعلم أن البنت أك ثر حنان ا على وال ديها من االبن ؛ وذل ك لم ا ُ‬
‫ـنـونة " ‪ ،‬ثم إن ه ذا األم ر مش اهد‬
‫المفرطة ‪ ،‬ول ذا يص ورها التعب ير الش عبي بقول ه ‪ " :‬البنت َح ُ‬
‫ومحس وس ‪ ،‬فعلى س بيل المث ال ‪ :‬ل و أن ك طلبت كوب ا من م اء ‪ ،‬ل رأيت ابنت ك ق د أس رعت إلى‬
‫إحضاره ‪ ،‬بينما ترى االبن يتململ ويتباطؤ في ذلك ‪ ،‬حتى قال بعض المفسرين في قول ه تع الى ‪:‬‬
‫" وهللا جع ل لكم من أنفس كم أزواج ا وجع ل لكم من أزواجكم ب نين وحف دة " النح ل (‪ : )72‬إن‬
‫المراد بـ ( الحفدة ) البنات ‪ ،‬وسمين بالحفدة لس رعتهن في خدم ة األب وين ؛ ألن الحـفـد في اللغ ة‬
‫بمعنى السرعة ‪.‬‬

‫وعليه ‪ :‬ففي هذا التعبير ‪ ،‬بهذه النظرة المتفائلة ‪ ،‬دالل ة على محاس ن مجتمعن ا ‪ ،‬في مفاهيم ه‬
‫وتعابيره ‪ ،‬المستمدة من شريعته الغراء ‪ ،‬التي كرمت المرأة أيـّما تكريم ‪ ،‬كرمتها أ ّمـا ً ‪ ،‬قال علي ه‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬لما سئل‪ " :‬من أح ق الن اس بحس ن ص حابتي؟" ‪ -‬ق ال ‪ :‬أم ك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ثم من ؟‬
‫قال ‪ :‬أمك ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ :‬أمك ‪ " .......‬متفق علي ه ‪ ،‬وكرمته ا بنت ا وأخت ا ‪ ،‬ق ال ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬ال يكون ألحد ثالث بن ات أو ثالث أخ وات ‪ ،‬فيحس ن إليهن إال دخ ل الجن ة " رواه‬
‫أبو داود والترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن ‪ ،‬وكرمتها زوجة ‪ ،‬قال عليه الص الة والس الم ‪ " :‬خ يركم‬
‫خيركم ألهله وأنا خ يركم ألهل ه " ‪ ،‬ومن تك ريم الق رآن للم رأة أن س مى س ورة بس ورة النس اء ‪،‬‬
‫وأخرى سورة مريم ‪ ،‬وثالثة بالمجادلة ورابعة بالممتحنة ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وكان من حبه عليه الصالة والسالم للبنات ‪ ،‬وعطفه على الضعيفات ‪ ،‬يحمل أمامة(‪ )1‬وهو في‬
‫اإلمامة(‪ )2‬وكان يقوم البنته فاطمة الزهراء ‪ ،‬والدرة الغراء ‪ ،‬ويجلسه مكانه ‪ ،‬ويوطئ لها أركانه ‪،‬‬
‫فكأن سرور الحياة صب عليها ‪ ،‬وكأن الدنيا وضعت بين يديها ‪:‬‬
‫من ذا يساوي في األنام عُالها ؟‬ ‫هـي بـنـت َمـن ؟ هـي أ ُّم َمـن ؟‬
‫جـبـريـل بـالـتوحـيـد قـد ربـاهـا‬ ‫أما أبـوهـا فهـو أشـرف مرسل‬
‫ســيــف غــدا بـيـمـيـنـه تـيَّـاهـا‬ ‫وعل ّي زوج ال تسل عـنه سوى‬

‫وما أجمل أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه هللا إذ يقول ‪:‬‬
‫ورزقت في أصهارك الكرماء‬ ‫أأبـا الـبنات رزقـتهـن كرائـمـا‬
‫الـ ِذ ْكـ ُر نـعـم سـاللـة العـظـماء‬ ‫ال تـذهبن على الذكور بحسرة‬
‫وكـنـوز حــب صـادق ووفــاء‬ ‫إن الـبنات ذخائـر من رحـمـة‬
‫والـصـابــرات لــشــدة وبــالء‬ ‫والـساهـرات لـعـلـة أو كـَبْـرة‬
‫والزائـراتـك في العراء النائي‬ ‫والباكياتـك حـين ينقـطع البكـا‬
‫بـسـوالـف الـحرمـات واآلالء‬ ‫والذاكراتـك مـا حيـين تـحدثـا‬
‫وطلبن عند الدمع بعض عزاء‬ ‫عذرًا لهن إذا ذهبن مع األسى‬

‫وأما معنى هذا التعبير " بو البنات مرزوق " أن أبا البنات سيكثر أصهاره ‪ ،‬وبالت الي س يكثر‬
‫الخير من جهة هذه المصاهرة ؛ فإنه كم ا ه و مش اهد في مجتمعن ا أن الص هر أك ثر خدم ة ونفع ا‬
‫لألسرة التي تزوج منها من ولد األسرة نفسها ؛ ألنه من ز َّوج ابنته فقد اتخذ ل ه ول دا ‪ ،‬بخالف من‬
‫ز َّوج ابنه فقد أعطاه ‪ ،‬وهذا في الغالب ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫طــرفــة ‪......‬‬
‫يُروى أن رجال من العرب يُدعى أبا حمزة ‪ ،‬تزوج امرأة فولدت له بنتا فهجر منزله ا ‪ ،‬وم َّر‬
‫ذات يوم ببيتها فسمعها ترقص ابنتها وتقول ‪:‬‬
‫يظل في البيت الذي يلينا‬ ‫ما ألبي حمزة ال يأتينا‬
‫تـاهلل مـا ذلـك في أيـديـنا‬ ‫غضبان أال نـلـد البنينا‬
‫وإنـمـا نـأخـذ مـا أعـطـيـنا‬
‫سمع أبو حمزة هذه األبيات فعاد إلى بيت ه وص الح أمرأت ه ‪ ،‬وض م إلي ه ابنت ه ورض ي بعط اء هللا‬
‫عزوجل له ‪.‬‬

‫) الــبــنــادم نـــادم (‬

‫فـــإذا جــاء الـشــتـا أنـكـره‬ ‫يطلب اإلنسان في الصيف الشتاء‬


‫قــتــل اإلنـسـان مـا أكـفـره‬ ‫ليس يرضى المرء حال واحد‬
‫وفي المسند لإلمام أحمد أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " :‬ابن آدم إن أص ابه ال برد ق ال ‪:‬‬
‫حس ‪ ،‬وإن أصابه الحر قال ‪ :‬حس " ‪.‬‬

‫(‪ )1‬هي أمامة بنت زينب بنت الرسول صلى هللا عليه وسلم ورضي هللا عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬إمامة الصالة‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫قولهم ‪ " :‬البنادم نادم " من حيث اللفظ هما كلمتان على وزن واح د ‪ ،‬بينهم ا جن اس ن اقص ‪،‬‬
‫أما من حيث المعنى ففيهما بيان لحالة اإلنسان ‪ ،‬وأنه ال يستقر على حال واحد ‪ ،‬فهو دائم التقلب ‪،‬‬
‫كما قيل في المثل ‪ " :‬إنه لقـُبضة رُفـضة " وهو يضرب لمن يتمس ك بالش ئ فم ا يلبث أن يدع ه ‪،‬‬
‫وهذا حال اإلنسان ‪ ،‬طبعه الملل والسآمة ‪ ،‬يحب التجدد ‪ ،‬والتنق ل من ح ال إلى ح ال ‪ ،‬ح تى ول و‬
‫كان في نعيم ؛ ألنه كما قيل ‪ " :‬كثرة اإلمساس تـُفـقد اإلحساس " ‪ ،‬ولذلك فإن هذه الطبيعة ت نزع‬
‫وتبدل في الجنة لدى المؤمنين ‪ ،‬قال هللا تع الى ‪ " :‬إن ال ذين آمن وا وعمل وا الص الحات ك انت لهم‬
‫جنات الفردوس ن زال خال دين فيه ا ال يبغ ون عنه ا ح وال " الكه ف (‪ ، )103‬ف أخبر س بحانه عن‬
‫المؤمنين أنهم ال يريدون التحول وال االنتق ال من الجن ة ‪ ،‬فال مل ل وال س آمة ؛ وذل ك لكم ال نعيم‬
‫الجنة ‪ ،‬وأن ه نعيم متج دد ‪ ،‬اليعتري ه نقص ‪ ،‬وال تش وبه المنغص ات بوج ه من الوج وه ‪ ،‬بخالف‬
‫الحال في هذه الدار ‪ ،‬ورحمة هللا على القائل ‪:‬‬

‫صفوا من األقدار واألكدار‬ ‫طـُبعت على كدر وأنت تريدها‬


‫متطلب في الماء جذوة نار‬ ‫ومـكـلف األيــام ضـد طـباعها‬

‫الـغـيـب‬
‫ْ‬ ‫الـجـيـب يـأتي مـا في‬
‫ْ‬ ‫ق مـا في‬
‫) ) أنـفـ ْ‬

‫يأتي = يأت ( مجزوم بحذف الياء؛ ألنه وقع في جواب الطلب )‪.‬‬
‫هذا التعبير يدل على حسن الظن باهلل تع الى ‪ ,‬وه و مطلب ش رعي ‪ ،‬ويؤي ده قول ه تع الى‪ " :‬وم ا‬
‫أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " سبأ (‪ ، )39‬وفي الحديث القدسي يق ول هللا تع الى ‪:‬‬
‫" سبقت رحمتي غضبي ‪ ،‬يا ابن آدم أنف ق أنف ق علي ك ‪ ،‬يمين هللا مألى س حاء ‪ ،‬ال يغيض ها ش ئ‬
‫الليل والنهار " سحاء أي ‪ :‬دائمة العطاء ‪ ،‬وقال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ‪ " :‬م ا من ي وم‬
‫يصبح العباد فيه إال وملكان ينزالن ‪ ،‬فيقول أحدهما ‪ :‬اللهم أعط منفقا خلفا ‪ ،‬ويق ول اآلخ ر ‪ :‬اللهم‬
‫أعط ممسكا تلفا " متفق عليه ‪ ،‬وهكذا في المساء عند الغروب أيضا ‪.‬‬

‫ولما قيل لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يا رسول هللا " أنفق وال تخش من ذي الع رش إقالال‬
‫" تبسم رسول هللا صلى هللا علي ه وس لم ‪ ،‬وعُـرف الس رور في وجه ه ‪ ،‬ثم ق ال رس ول هللا علي ه‬
‫الصالة والسالم ‪ " :‬بذلك أمرت " ذكره في الكنز(‪. )3/311‬‬
‫وال تطع في سبيل الجود عذاال‬ ‫أنفق وال تخش من ذي العرش إقالال‬
‫عـيوبـه وكـفى بالـجود سرباال‬ ‫مـن جـاد جـاد عـليه هللا واستـتـرت‬
‫قال القرطبي رحمه هللا تعالى في تفسير قوله تعالى ‪ " :‬هو الذي خلق لكم ما في األرض جميع ا "‬
‫البقرة (‪ : )28‬قال علماؤنا رحم ة هللا عليهم ‪ :‬فخ وف اإلقالل من س وء الظن باهلل ؛ ألن هللا تع الى‬
‫خلق األرض بما فيها لولد آدم ؛ وقال في تنزيله ‪" :‬خل ق لكم م ا في األرض جميع ا " ‪ " ،‬وس خر‬
‫لكم ما في السموات وما في األرض جميعا منه " الجاثية (‪ ...... )12‬؛ فإذا كان العبد حس ن الظن‬
‫باهلل لم يخف اإلقالل ؛ ألنه يخلف عليه ‪ - ........‬ثم قال القرطبي بعد أن س اق تل ك اآلث ار ‪ -‬وه ذا‬
‫كله صحيح ‪ ،‬رواه األئمة ‪ ،‬والحمد هلل ‪ .‬فمن استنار صدره ‪ ،‬وعلم غ نى رب ه وكرم ه ‪ ،‬أنف ق ولم‬
‫يخف اإلقالل ‪ .......‬روى مسلم عن أس ماء بنت أبي بك ر ق الت ‪ :‬ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم ‪ " :‬انفحي أو انضحي أو أنفقي وال تحصي فيحصي هللا عليك ‪ ،‬وال ت وعي في وعي علي ك "‬
‫اهـ أي ‪ :‬أنفقي وال تشحي بالنفقة فيشح عليك ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وقال ابن كثير رحمه هللا تعالى عند تفسير قول ه تع الى ‪ " :‬وم ا أنفقتم من ش ئ فه و يخلف ه " أي ‪:‬‬
‫مهما أنفقتم من شئ فيما أمركم به ‪ ،‬وأباحه لكم فه و يخلف ه عليكم في ال دنيا بالب دل ‪ ،‬وفي اآلخ رة‬
‫بالجزاء والثواب ‪ .......‬وقال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ‪ " :‬أنف ق بالال ‪ ،‬وال تخش من ذي‬
‫العرش إقالال " اهـ ‪.‬‬
‫فـالـمـال عـاريـة والعـمـر رحـال‬ ‫هللا أعـطاك فأبـذل من عـطيته‬
‫يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال‬ ‫المال كالماء إن تحبس سواقيه‬

‫( الـفـرنـسـيـس = فــار نـجـيـس )‬

‫يقول األستاذ علي مصطفى المصراتي في كتابه ( التعابير الشعبية‪....":)....‬من أثر احتالل فرنسا‬
‫لبالد الجزائر وتونس ‪ ,‬وأراضي المغرب اإلسالمي ‪ ..‬في القرن الماضي(‪ , )1‬ومداخل هذا القرن‬
‫( ‪)2‬‬

‫‪ ..‬يوم أن هاجر كثير من أبناء الوطن المغربي إلى طرابلس ‪ ..‬وسموه عام " المغاربة " ‪ ،‬ويوج د‬
‫مسجد يسمى جامع المغاربة ‪ ..‬في تلك الفترة ‪ ,‬وعبارة الفرنسيس ‪ :‬فار نجيس يص ور االس تعمار‬
‫واالستبداد من حكومات فرنسا في تلك العصور‪. "...........‬‬

‫أق ول تأيـيدا لألس تاذ ‪ :‬نعم ق د ق ال هللا تع الى في محكم كتاب ه واص فا لهم ‪ ":‬إنم ا المش ركون‬
‫نجس‪ "....‬التوبة (‪. )28‬‬

‫وكلمة نجس " مصدر" ‪ ،‬وهي تدل على عين النجاسة ‪ ,‬فنجاس ة المش رك نجاس ة قلبي ة معنوي ة ‪،‬‬
‫فهو نجس الجوهر ‪ ،‬نجاسة اعتقاد باطل ‪ ،‬ال يطهرها الماء ‪ ،‬غ ير أن عين اله وى عمي اء ‪ ،‬فه ذه‬
‫النجاسة ال يطهرها إال اإلسالم ‪.‬‬
‫ينجـس الكـلب كلما تغـسَّـل‬ ‫أنت كـلب فال تغـسَّـل كثيرا‬

‫وفي وصف هذا المحتل بـ "الفار" النجس نكت ة وهي ‪ :‬أن الف أر من ش أنه الفس اد واإلفس اد ‪ ,‬فه و‬
‫مخرب من الدرج ة األولى ‪ ,‬ح تى س مى الن بي ص لى هللا علي ه وس لم الف أرة بـ " الفويس قة " أي‬
‫المؤذية والمفسدة ‪ ,‬بقوله ‪ ... " :‬فإن الفويسقة تضرم ‪ -‬تحرق ‪ -‬على أهل البيت بيتهم " رواه مسلم‬
‫‪ ،‬وقد بلغ من إفسادها ما ذكره القرطبي رحمه هللا تعالى في تفسير سورة البقرة أنه ا ك انت تقط ع‬
‫حبال سفينة نوح عليه السالم ‪ ،‬وهاتان الصفتان ‪ -‬اإليذاء والفساد ‪ -‬من أخص خصائص المحت ل ‪,‬‬
‫وهي ‪ -‬أي ‪ :‬الفأرة ‪ -‬من األشياء الخمسة التي تقتل في الحل والحرم ‪ ،‬وذلك لعظم ضررها ‪ ،‬كم ا‬
‫ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه ‪.‬‬

‫فـائـدة فـقـهـيـة ‪- :‬‬


‫إذا وقعت الفأرة في السمن ‪ ،‬فإن خرجت حية فالسمن ط اهر ‪ ،‬وإن م اتت في ه ‪ ،‬ف إن ك ان الس من‬
‫مائعا ‪ -‬سائال ‪ -‬فقد تنجس ‪ ،‬وإن كان جامدا فيلقى ما أصابته الفأرة وما حولها ‪ ،‬ويستـفاد بالباقي ‪،‬‬
‫ففي صحيح البخاري ‪ :‬سئل رسول هللا صلى هللا عليه وس لم عن ف أرة س قطت في س من ؟ فق ال ‪:‬‬
‫ألقوه وما حولها فاطرحوه ‪ ،‬وكلوا سمنكم " وفي رواية غير محفوظة ‪ -‬ضعيفة ‪ -‬عن د الترم ذي ‪:‬‬
‫" وإن كان مائعا فال تقربوه " إال أن عمل أهل العلم على ذلك ‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫‪ -‬القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪ -‬القرن العشرين ‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫( الــدوام يــقــطــع الــرخــام )‬

‫على صليب الصخر قد أثرا‬ ‫أما ترى الحبل بطول المدى‬

‫كان استخراج الماء من البئر قديما بـ ( الحبل والدلو ) ‪ ،‬فكان ج َّر حبل الدلو مع طول المدة مؤثراً‬
‫في حج ر ح وض الب ئر وه و م ا يس مى بـ" ال ِمـيدة " ‪ ،‬وهي الح وض ال ذي يُص ب في ه الم اء‬
‫المستخرج من البئر ‪ ،‬ومنه إلى الجابية عبر قناة تربط بينهما ‪.‬‬

‫وأبلغ من ذلك في بيان أث ر المداوم ة ‪ :‬ت أثير قط رات الم اء ‪ -‬وه و س ائل لطي ف ‪ -‬على الص خر‬
‫الجلمود بطول المدى ‪.‬‬

‫فالمداومة لها تأثير كبير ‪ ،‬ولو كانت من شئ صغير وقليل ‪ ،‬ولذلك فإن هللا تع الى أم ر به ا في‬
‫قوله ‪ " :‬يا أيها الذين آ َمـنوا آ ِمـنوا ‪ " .....‬النس اء (‪ )135‬أي ‪ :‬داوم وا على إيم انكم ‪ ،‬واس تمروا‬
‫علي ه ‪ ،‬وقول ه ‪ ..... " :‬وال تم وتن إال وأنتم مس لمون " آل عم ران (‪ )102‬أي ‪ :‬داوم وا على‬
‫إسالمكم إلى الموت ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ " :‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " النحل ( ) أي ‪ :‬داوم على‬
‫عبادة ربك حتى الموت ‪ ،‬فأحب العمل إلى هللا أدوم ه وإن ق َّل ‪ ،‬وفي الح ديث المتف ق علي ه تق ول‬
‫عائشة رضي هللا عنه ا عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ‪" :‬وك ان أحب ال دين إلي ه م ا داوم علي ه‬
‫صاحبه " ‪ ،‬فكان عمله علي ه الص الة والس الم ديم ة ‪ ،‬كم ا تق ول عائش ة رض ي هللا عنه ا ‪ ،‬وفي‬
‫الحديث الصحيح ال ذي أخرج ه أحم د وغ يره ‪ " :‬أحب العم ل إلى هللا م ا داوم علي ه ص احبه " ‪،‬‬
‫ولذلك ق ال أه ل العلم ‪ " :‬من ثبت نبت " أي ‪ :‬من داوم على طلب العلم أدرك ه ‪ ،‬وك ان من هدي ه‬
‫شـغل علي ه الص الة‬ ‫صلى هللا عليه وسلم إذا عمل عمال أثبته ‪ -‬أي ‪ :‬داوم عليه ‪ -‬ومثال ذلك ‪ :‬لما ُ‬
‫والسالم عن راتبة الظهر البعدية بوفد عب د القيس ‪ ،‬قض اها بع د العص ر ‪ ،‬ثم داوم على الركع تين‬
‫بعد العصر في بيته ؛ ألنه عليه الصالة والسالم إذا صلى صالة أثبتها كما ذكرت أم س لمة رض ي‬
‫هللا عنها ‪ ،‬وهذه المداومة على الركعتين من خصوصياته صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫قصة تدل على أهمية المداومة ‪-:‬‬


‫روى الخطيب البغ دادي في كتاب ه ( الج امع ألخالق ال راوي وآداب الس امع ) ‪ :‬أن أح د طلب ة‬
‫الحديث رام طلبه ‪ ،‬ورغب فيه ‪ ،‬وحضر عند األشياخ ‪ ،‬وجلس مجالسهم ‪ ،‬ثم لما م َّر عليه ال زمن‬
‫رأى أنه لم يستفد شيئا ‪ ،‬ولم يحصل كثير علم فقال ‪ :‬إنني اليناسبني هذا العلم ‪ ،‬وت رك العلم لظن ه‬
‫أن عنده في فهمه ركوداً ‪ ،‬أو أنه ال يصلح لطلب العلم ‪ ،‬فلما كان ذات يوم ‪ -‬أي بعد أن ترك طلب‬
‫العلم بمدة ‪ -‬م َّر على صخرة يقطر عليها الماء قطرة قطرة ‪ ،‬وقد أثر ذلك الماء في تلك الصخرة ‪،‬‬
‫فحفر فيها حفرة ‪ ،‬فتوقف متأمال ومعتبرا ومت دبرا فق ال ‪ :‬ه ذا الم اء على لطافت ه ‪ ،‬أث ر في ه ذه‬
‫الصخرة على قساوتها ‪ ،‬فليس عقلي وقلبي بأقس ى من الص خر ‪ ،‬وليس العلم ب ألطف من ه الم اء ‪،‬‬
‫فعزم على الرجوع إلى طلب العلم ‪ ،‬فرجع فنبغ فيه ‪ ،‬وصار ممن يشار إليه فيه ‪.‬‬

‫) ما لحقش العنقود قال ‪ :‬قارص (‬

‫‪178‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫قارص = حامض ‪ ،‬وقيل للح امض قارص ا ؛ ألن ه يل ذع اللس ان‬ ‫ما لحقش = لم يلحق ‪.‬‬
‫بحموضته ‪ ،‬كلذعة القرصة ‪.‬‬
‫" عنقود مدلي بالهوى (الهواء) ‪ -‬ما وصل له ‪ -‬قال ‪ :‬حامض ما استوى " ‪.‬‬
‫من لم يصل للدوالي‬ ‫ذ َّم العـناقـيد جهـال‬

‫وصواب البيت " ذم العناقيد عجزا وحسدا" ‪ ،‬هكذا ص غير النفس ‪ ,‬إذا لم ي درك م ا أدرك ه غ يره‬
‫من الفضائل والخيرات قال ‪ " :‬العنقود قارص" ‪ ,‬وكما قيل أيضا‪" :‬الثعلب ش اف العنق ود ع الي ‪,‬‬
‫قال ‪ :‬قلبي من الحامض الوي " شاف = رأى ‪ ،‬الوي= َوجـِع ‪.‬‬
‫بفيك وأحجار الكالب الرواهصا‬ ‫فعض حديد األرض إذ كنت ساخطا‬

‫فبدل أن يعترف بعجزه ‪ ,‬ويق َّر بفضل غيره تنكـر من وراء حجاب ؛ ألن االعتراف من طبيع ة‬
‫األشراف ‪ ,‬وال يعرف الفضل لذي الفضل إال ذو الفضل ‪.‬‬
‫أو سـلـمـوا لـمـواقـع األقـدار‬ ‫هال سعوا سعي الكرام فأدركوا‬

‫وهذا الصنف في الناس كثير ‪ ,‬يجعل المحاسن مساوئ حسدا ‪ ,‬كم ا قي ل ‪ ":‬م ا لق وا ب الورد عيب‬
‫قالوا ‪ :‬يا أحمر الخدين " ‪.‬‬
‫كما أن عين السخط تبدي المساويا‬ ‫وعـين الرضا عن كـل عيب كـليلة‬

‫وهـاك أسـبـابـا عـشـرة(‪ ، )1‬يـقـيـك هللا بها مـن حـسـد هـذا الصنف ‪:‬‬

‫‪ -1‬التعوذ باهلل من شر الحاسد ؛ لقوله تعالى ‪ " :‬قل أعوذ ب رب الفل ق ‪ .......‬ومن ش ر حاس د‬
‫إذا حسد " الفلق ( ‪. ) 5 -1‬‬
‫‪ -2‬تقوى هللا عزوجل ‪ ،‬وحفظه عند أمره ونهيه ؛ لقول ه علي ه الص الة والس الم ‪" :‬احف ظ هللا‬
‫يحفظك " رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫‪ -3‬الصبرعلى كيد الحاسد ؛ لقوله تعالى ‪ " :‬وإن تصبروا وتتقوا اليضركم كي دهم ش يئا " آل‬
‫عمران (‪. )120‬‬
‫‪ -4‬التوكل على هللا سبحانه ؛ لقوله تع الى ‪ " :‬ومن يتوك ل على هللا فه و حس به " أي ‪ :‬كافي ه‬
‫الطالق (‪. )2‬‬
‫‪ -5‬إعراض القلب عن الحاسد ‪ ،‬بحيث ال يفكر فيه أبدا ‪ ،‬بل يمحوه من قلبه تماما‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلقبال على هللا تعالى ‪ ،‬واإلخالص له ‪ ،‬وجعل محبته سبحانه في محل تفكيره بالحاسد ‪.‬‬
‫‪ -7‬التوبة إلى هللا تعالى من الذنوب ال تي س لطت علي ه ه ذا الحاس د ؛ ف إن هللا يق ول ‪ " :‬وم ا‬
‫أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم " الشورى (‪. )28‬‬
‫‪ -8‬الصدقة واإلحسان ما أمكنه ؛ فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دف ع البالء ‪ :‬من العين والحس د ‪،‬‬
‫والتجربة شاهدة بذلك ‪.‬‬
‫‪ -9‬اإلحسان إلى الحاسد ؛ لتطفئ نار حسده ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ " :‬وال تستوي الحس نة وال الس يئة‬
‫ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ‪ " .......‬فصلت (‪. )33‬‬
‫‪ -10‬توحيد هللا تبارك وتعالى ‪ ،‬فهو الذي بيده كل شئ ‪ ،‬فال ضر وال نفع إال بإذنه س بحانه ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬وإن يمسسك هللا بضر فال كاشف له إال هو وإن يردك بخير فال راد لفض له‬
‫" يونس (‪ ، )107‬ولقوله صلى هللا عليه وسلم البن عباس رضي هللا عنهم ا ‪ " :‬واعلم أن‬
‫األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ ‪ ،‬لم ينفعوك إال بشئ قد كتبه هللا تع الى ل ك ‪ ،‬وإن‬

‫( ‪)1‬‬
‫‪ -‬هذه األسباب مستفادة من كتاب ( بدائع الفوائد ) البن القيم رحمه هللا تعالى ( ‪ ، ) 245 – 238 |2‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫اجتمعوا على أن يضروك بشئ ‪ ،‬لم يضروك إال بشئ ق د كتب ه هللا تع الى علي ك ‪ ،‬رفعت‬
‫األقالم ‪ ،‬وجفت الصحف " رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬

‫ق الــدا و خـلـقـلَـ ْه الــدوا (‬


‫) خـلـ ْ‬
‫الدوا = الدواء‪.‬‬ ‫خلقـله = خلق له‪.‬‬ ‫الدا = الداء‪.‬‬

‫هذا الكالم صحيح ‪ ,‬ويؤيده قوله عليه الصالة والسالم ‪ ":‬ما أنزل هللا من داء إال أن زل هللا ل ه‬
‫شفاء" رواه البخاري ‪ ,‬وفي مسند اإلم ام أحم د من ح ديث أس امة بن ش ريك عن الن بي ص لى هللا‬
‫عليه وسلم قال ‪ ":‬إن هللا لم ينزل داء إال أنزل له شفاء ‪ ،‬علمه من علمه ‪ ,‬وجهله من جهله" حديث‬
‫ص حيح ‪ ,‬وفي لف ظ ‪ ":‬إن هللا لم يض ع داء إال وض ع ل ه ش فاء أو دواء ‪ ,‬إال داء واح دا‪ ,‬ق الوا‪ :‬ي ا‬
‫رسول هللا ما هو؟ قال ‪ :‬الهرم" قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث صحيح ‪.‬‬

‫واعلم أن أدواء القلب وال روح كث يرة ومختلف ة كم ا أن أدواء الب دن مختلف ة أيض ا ‪ ,‬ف القلب‬
‫يمرض كمرض البدن أو أشد ‪ ,‬بل قد يكون القلب ميتا والبدن في غاي ة الص حة والق وة والعكس ‪,‬‬
‫فقد يكون البدن عليالً والقلب سليما ً ‪ ,‬إذ ال تالزم بينهم ا ‪ ,‬والح ديث الم ذكور آنف ا يعم أدواء القلب‬
‫والروح والبدن وأدويتها ‪.‬‬

‫فمن أمراض القلب ‪ :‬الحقد والحسد والعجب بالنفس والغرور والكبر‪......‬وهكذا‪.‬‬

‫وقد أشار هللا سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله ‪ ":‬في قلوبهم مرض فزادهم هللا مرض ا" البق رة (‬
‫‪ , )9‬وقوله ‪ ":‬فيطمع الذي في قلبه مرض" األحزاب ( ‪ , )32‬وهذه األمراض ‪ -‬أمراض القلوب ‪-‬‬
‫على كثرتها ترجع إلى مرضين اثنين‪-:‬‬
‫‪ -2‬مرض الشهوات‪.‬‬ ‫‪ -1‬مرض الشبهات ‪.‬‬

‫فمرض الشبهات سببه فساد في الق وة العلمي ة ‪ ,‬وي ترتب علي ه فس اد في االعتق اد والتص ور‪,‬‬
‫وإلى ه ذا أش ار قول ه تع الى ‪ ":‬في قل وبهم م رض ف زادهم هللا مرض ا‪ ".......‬البق رة (‪ ، )9‬وه ذا‬
‫مرض النفاق ‪.‬‬
‫ومرض الشهوات سببه فساد في القوة العملية ‪ ,‬ويترتب عليه فساد العمل واإلرادة ‪ ,‬وإلى هذا‬
‫أشار قوله تعالى ‪ ":‬فيطمع الذي في قلبه مرض‪ "......‬األحزاب (‪. )32‬‬

‫وأما أمراض البدن فهي كثيرة ومعروفة ‪ ,‬وقد نصّ هللا تعالى ورسوله عليه الص الة والس الم‬
‫على شفاء بعضها ودوائها من ذلك ‪ :‬العسل والحجامة وماء زمزم والحبة الس وداء ‪ ,‬وإلي ك بعض‬
‫النصوص الدالة على ذلك‪-:‬‬
‫قال تعالى عن العسل‪ ":‬فيه شفاء للناس"النحل( ‪ , ) 69‬وقوله عليه الصالة والس الم‪ " :‬عليكم‬
‫بالشفاءين ‪ :‬العسل والقرآن " رواه ابن ماجة والحاكم وصححه على ش رط الش يخين ولم يخرج اه‬
‫ووافقه الذهبي ‪ ،‬وقوله عليه الصالة والسالم كما في صحيح البخ اري ‪ " :‬إن ه ذه الحب ة الس وداء‬
‫شفاء من كل داء إال السام" رواه البخاري ومسلم‪ ،‬والسام هو الموت ‪ ,‬وقوله عليه الصالة والسالم‬
‫‪":‬الشفاء في ثالثة ‪ :‬في شرط محجم أو شربة عسل أو كية بنار‪ ،‬وأنا أنهى أم تي عن الكي " رواه‬
‫البخاري ‪ ،‬وقوله عليه الصالة والسالم ‪ ":‬زمزم لما شرب ل ه" ح ديث ص حيح ‪ ,‬رواه أحم د وابن‬

‫‪180‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫ماجه ‪ ,‬وفي الحديث الحسن ال ذي رواه الط براني في الكب ير وابن حب ان في ص حيحه أنه ا طع ام‬
‫طعم وشفاء سقم ‪ ،‬فزمزم تتضمن شفاء األبدان واألرواح ‪.‬‬

‫تـنـبـيـــــــه‪-:‬‬
‫‪ -1‬اعلم أن أمراض األرواح والقلوب شفاؤها في الوحي اإللهي‪":‬الكت اب والس نة" وال ش فاء‬
‫لها في غير ذلك ؛ ألن الروح عنصر سماوي ‪ ,‬خلقت من العالم العلوي في المأل األعلى ‪ ,‬وعليه ‪:‬‬
‫فشفاؤها يكون في الوحي المنزل من السماء ‪ ,‬وأما أمراض األب دان فش فاؤها في الطب التجري بي‬
‫المادي وما توصل إليه األطباء ؛ ألن البدن عنصر أرضي ‪ ،‬خلق من العالم الس فلي ‪ ،‬فك ل منهم ا‬
‫أخذ دواءه من العالم الذي خلق منه ‪ ،‬أال ترى أن اإلنسان إذا مات فإن الروح ت ذهب إلى عالمه ا ‪،‬‬
‫وأن البدن يبقى فى األرض ‪ ،‬ومع ذلك فقد جاء دواء بعض األم راض البدني ة في الكت اب والس نة‬
‫كما سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪ -2‬أهم فرق بين الطب النبوي الشرعي والطب التجريبي المادي هو أن الطب النب وي يقي ن ّي‬
‫مقطوع بصحته ‪ ،‬فمتى ورد النص بذلك فال شك في صحته ؛ ألنه عليه الصالة والس الم ال ينط ق‬
‫عن الهوى " إن هو إال وحي يوحى " النجم (‪ , )4‬وأما الطب التجري بي فه و ظ ن ّي ؛ ألن ه نتيج ة‬
‫علم بش ري يعتري ه النقص والقص ور‪ ،‬والح دس والتخمين ‪ ،‬بخالف األول فه و نص ش رعي من‬
‫عليم خبير سبحانه‪" :‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" الملك(‪. )14‬‬
‫‪ -3‬من أهم الكتب التي ألفت في هذا الشأن ‪ :‬كتاب " الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن‬
‫الدواء الشافي " ‪ ،‬وكتاب " الطب النبوي " ‪ ,‬كالهما للعالمة شمس ال دين أبي عب د هللا المع روف‬
‫بابن قيم الجوزية رحمه هللا تعالى ‪.‬‬

‫( اللي ما سعى في الثالثين بمال وال عباد ْه‬


‫إذا طق العمر ستين تولي معيشته نكاد ْه )‬

‫نكاده = نكدة ‪.‬‬ ‫تولي = تصير ‪.‬‬ ‫طق = بلغ ‪.‬‬ ‫اللي = الذي ‪.‬‬

‫هذا التعبير يبين أهمية سن الشباب ‪ ،‬فهو يدل على أن الذي لم يس ع في ريع ان ش بابه ‪ ،‬وحين‬
‫قوته ونشاطه ‪ ،‬السيما سن الثالثين الذهبية ‪ ،‬إذا لم يستفد حينها بما ينفعه دنيويا بمال ونحوه ‪،‬‬
‫وال دينيا بعبادة ونحوه ا ‪ ،‬إذا لم يكن األم ر ك ذلك ‪ ،‬فإن ه إذا بل غ س ن الش يخوخة ( الس تين )‬
‫فستصبح معيشته نكدة ؛ ألنه كما يقال‪ :‬ليس هو في العير وال في النفير ‪.‬‬
‫كما سبق أن هذا التعبير يشير إلى أهم مرحلة من مراحل العمر ‪ ،‬وهي مرحل ة الش باب ؛ ألن‬
‫هذه المرحلة هي سن البذل والعطاء ‪ ،‬والمجد والبناء ‪ ،‬وفيها يحقق الم رء م ا يص بو إلي ه من‬
‫أمر الدين والدنيا ‪ ،‬أما إذا كبر وشاخ فهيهات هيهات ‪ ،‬طلب أمرا والت أوان ‪.‬‬
‫شـيـئـان ينقــشـعــان أول وهــلــة *** ظــل الشـبـاب وخـلـة األشــرار‬
‫وتراكضوا خيل الشباب وبـادروا *** إن تــســتــرد فــإنــهــن عـــوار‬
‫يـا كوكبا مـا كـان أقـصـر عمـره *** وكذاك عـمـر كـواكـب األسحـار‬
‫وطري من الدنيا الشباب وروقتـه *** فإذا انقضى فقد انقضت أوطاري‬
‫وألهمية سن الشباب أمر عليه الصالة والسالم باغتنام ه قب ل فوات ه ‪ ،‬ففي الح ديث ال ذي‬
‫أخرج ه ابن أبي ال دنيا بإس ناد حس ن ق ال ص لى هللا علي ه وس لم ‪" :‬اغتنم خمس ا قب ل خمس ‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫شبابك قبل هرمك ‪ ،‬وصحتك قبل سقمك ‪ ،‬وغناك قبل فق رك‪ ،‬وفراغ ك قب ل ش غلك‪ ،‬وحيات ك‬
‫قبل موتك "‪.‬‬

‫وأخ بر علي ه الص الة والس الم أن العب د يُس أل ي وم القيام ة عن عم ره م رتين عموم ا‬
‫وخصوصا‪ " :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسئل عن عم ره فيم أفن اه ‪ ،‬وعن ش بابه فيم‬
‫أباله " رواه الترمذي ‪.‬‬
‫بكيت على الشباب بدمع عيني *** فـمـا نـفع الـبكـاء وال النحـيـبُ‬
‫فيا أسـفا ً أسـفـت عـلـى شـبـاب *** نعاه الشيب والرأس الخضيـبُ‬
‫عريت من الشباب وكان غضا ً *** كما يعرى من الورق القضيبُ‬
‫أال ليـت الشـبـاب يعــود يـومـا ً *** فأخـبره بـمـا فـعــل المـشـيــبُ‬

‫فالبدار البدار ‪ ،‬كما قال النبي المختار عليه الصالة والسالم ‪ " :‬بادروا باألعمال الصالحة‬
‫سبعا ‪ ،‬هل تنتظرون إال فقرا منسيا ‪ ،‬أو غنى مطغيا ‪ ،‬أو مرضا مفسدا ‪ ،‬أو هرم ا مفن دا ‪ ،‬أو‬
‫موتا مجهزا ‪ ،‬أو الدجال شر غائب ينتظر ‪ ،‬أو الساعة فالس اعة أدهى وأم ر " رواه الترم ذي‬
‫وحسنه ‪.‬‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬بادروا باألعمال فتنا كقط ع اللي ل المظلم ‪ ،‬يص بح الرج ل‬
‫مؤمنا ‪ ،‬ويمسي كافرا ‪ ،‬أو يمسي مؤمنا ‪ ،‬ويصبح كافرا ‪ ،‬يبيع دينه بعرض من ال دنيا " رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫قال النووي في شرح مس لم ‪ " :‬الح ديث يحث على المب ادرة إلى األعم ال الص الحة قب ل‬
‫تعذرها ‪ ،‬واالشتغال عنه ا بم ا يح دث من الفتن الش املة المتك اثرة المتراكم ة ‪ ،‬ك تراكم اللي ل‬
‫المظلم ال المقمر " ا هـ ‪.‬‬
‫وفي الحديث المتفق عليه يقول عليه الصالة والسالم ‪ " :‬سبعة يظلهم هللا بظله يوم ال ظل‬
‫إال ظله – وذكر منهم – شاب نش أ في عب ادة هللا ‪ ، " .......‬ويق ول أيض ا ‪ " :‬إن هللا عزوج ل‬
‫ليعجب من الشاب ليست له صبوة " رواه أحمد والهيثمي ‪ ،‬والصبوة هي الميل إلى الهوى ‪.‬‬
‫شيئان لو بكت الدماء عليهما *** عـيناك حتى يؤذنا بذهاب‬
‫لـم تبلغ المعشار مـن حقيهما *** فق ُد الشباب وفرقة األحباب‬

‫فالشباب هم حملة الهدى والنور على مرِّ العصور ‪ ،‬كما قال تعالى عن أصحاب الكهف ‪" :‬‬
‫إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " الكهف (‪ ، )13‬وقوله عن إبراهيم عليه السالم ‪ " :‬قالوا‬
‫سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " األنبياء (‪ )60‬قال القرط بي رحم ه هللا تع الى في تفس ير‬
‫اآلية ‪ :‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ " :‬ما أرسل هللا نبيا إال شابا " ‪.‬‬
‫فسن الشباب ربيع العمر ‪ ،‬وهي سن أهل الجن ة كم ا ورد ب ذلك األث ر ‪ ،‬ورحم ة هللا على أبي‬
‫العتاهية إذ يقول ‪:‬‬
‫روائح الجنة في الشباب‬ ‫يا للشباب المرح التصابي‬

‫الـــخــيــط يُــ َودِّر اإلبــرة )‬


‫ِ‬ ‫( طــول‬

‫‪182‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫يودر = يضيع ‪.‬‬


‫أعماركم سفر من األسفار‬ ‫فاقضوا مآربكم عُجاال إنما‬

‫هذا التعبير قريب من قول عمر رض ي هللا عن ه ‪ " :‬من الق وة أال ت ؤخر عم ل الي وم إلى‬
‫الغد"؛ ألن في التأخير آف ات منه ا ‪ :‬ض ياع األم ور ‪ ،‬وتراكمه ا ح تى تثـقل على ص احبها ‪،‬‬
‫فيصعب عليه إدراكها ‪ ،‬وهذا عام في أمر الدنيا واآلخرة ‪ ،‬كمن يؤخر الصالة عن وقتها حتى‬
‫تدخل األخرى ‪ ،‬فيثقل عليه القضاء ‪ ،‬فيؤول به الحال إلى ت رك الص الة بالكلي ة ؛ ول ذا تق ول‬
‫ث يُعقب فوتا " وهو مثل يضرب لمن ي ؤخر الحاج ة ح تى تف وت ‪ ،‬وه ذا‬ ‫العرب ‪ " :‬رُبَّ َري ٍ‬
‫كله نتيجة التسويف ؛ ولذلك قال بعض أهل العلم ‪ " :‬أحذركم س وف ؛ فإنه ا أك بر جن د إبليس‬
‫" ‪ ،‬ترى العاصي يؤخر التوبة ‪ ،‬ويقول سوف أتوب ‪ ،‬فإذا باألجل يباغته ‪ ،‬فيندم والت س اعة‬
‫َمند ٍَم ؛ ولذا فإن طول األمل مذموم شرعا ‪.‬‬
‫فدليل العقل تقصير األمل‬ ‫قصِّ ـر اآلمال في الدنيا تفز‬

‫وهكذا كثيرا ما يحب اإلنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حيات ه ‪ ،‬ولكن ه يق رن ه ذه البداي ة‬
‫المرغوبة بموعد مع األقدار المجهولة كتحسن حالته ‪ ،‬أو تحول مكانت ه ‪ ،‬وق د يقرنه ا بموس م‬
‫معين كنهاية الشهر أو مطلع الع ام مثال ‪ ،‬وه و في ه ذا التس ويف يش عر أن راف دا من رواف د‬
‫القوة قد يجىء مع هذا الموعد فينشطه بعد خمول ‪ ،‬ويمنيه بعد إياس ‪ .‬وهذا وهم‬
‫م ا أعجب التس ويف ! يق ول الطف ل ‪ :‬عن دما أش ب فأص بح غالم ا ‪ ،‬ويق ول الغالم ‪ :‬عن دما‬
‫أترعرع فأصبح شابا ‪ ،‬ويقول الشاب ‪ :‬عندما أتزوج ‪ ،‬فإذا ت زوج ق ال ‪ :‬عن دما أص بح رجال‬
‫متفرغا ‪ ،‬فإذا جاءته الشيخوخة فالصيف ضيعت اللبن ‪.‬‬
‫اجتمع ثالثة نفر ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬ما بل غ قص ر أملكم ا ؟ ق ال أح دهما ‪ :‬إذا ص ليت ص الة فال‬
‫ي فلس ت على يقين أن تص ل‬ ‫أض من إدراك األخ رى ‪ ،‬وق ال اآلخ ر ‪ :‬إذا رفعت اللقم ة إلى فِ َّ‬
‫إليه ‪ ،‬فقال لهما ‪ :‬إن أملكما لطويل ‪ ،‬إني إذا خرج نفـ َ ِسي فال أثـق في رجوعه ‪.‬‬

‫ولما فرغ عمر بن عبد العزي ز‪ -‬رحم ه هللا من دفن س ليمان بن عب د المل ك ‪ ،‬وانتهى من‬
‫الخطبة التي بايعه فيها الناس ‪ ،‬نزل من على المنبر متجها إلى بيته ليستريح ساعة بعد عنائه‪،‬‬
‫أقبل عليه ولده قائال ‪ :‬ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين ؟ فأجابه ‪ :‬أري د أن أغف و إغف اءة؛‬
‫فلم يبق في جسدي طاقة ‪ ،‬فقال له ولده ‪ :‬أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها ؟ فقال رحم ه هللا‬
‫تعالى ‪ :‬يا ب ني إني ق د جه دت البارح ة في عم ل س ليمان ‪ ،‬وإني إذا ح ان النه ار ص ليت في‬
‫الناس ‪ ،‬ورددت المظالم إلى أهلها ‪ ،‬فقال الول د ‪ :‬ومن يض من ل ك البق اء إلى الظه ر ي ا أم ير‬
‫المؤمنين ؟ فألهبت هذه الكلمات حماسته ‪ ،‬وأطارت الن وم من عيني ه ‪ ،‬وق ال ل ه ‪ :‬ادن م ني ‪،‬‬
‫فضمه إليه ‪ ،‬وقبله قائال ‪ :‬الحمد هلل الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني ‪.‬‬

‫) الــعــمـــل عــبـــادة (‬

‫‪183‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫عبارة مشهورة على ألسنة أكثر الناس ‪ ،‬وال تقال في الغالب إال إذا أراد اإلنسان أن يترك فريض ة‬
‫فرضها هللا تعالى عليه ‪.‬‬
‫فإذا قلت لشخص – وهو يبيع في دكانه – هيا إلى الصالة ‪ ،‬قال لك ‪ :‬إن العمل عبادة !‬

‫نعم العمل عبادة من نوافل العب ادات إذا أراد اإلنس ان أن يع ف نفس ه عن س ؤال الن اس ‪ ،‬ويس عى‬
‫على عياله ليسد ح اجتهم من الطع ام والش راب ‪ .....‬وه و م أجور على ذل ك ؛ ألن ه في س بيل هللا‬
‫تعالى ؛ لما في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني في معجم ه الكب ير ‪ :‬ق ال كعب بن عج رة ‪:‬‬
‫م َّر على النبي صلى هللا عليه وسلم رج ل ‪ ،‬ف رأى أص حاب رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم من‬
‫جلده ‪ -‬قوته ‪ ، -‬فقالوا ‪ :‬يا رسول هللا لو كان هذا في سبيل هللا ! فقال ‪ :‬إن ك ان خ رج يس عى على‬
‫ولده صغارا فهو في سبيل هللا " ‪.‬‬

‫وأما ترك الصالة من أجل العمل فعبادة للشيطان الذي يزين لإلنسان ترك الصالة التي فرضها هللا‬
‫تعالى من فوق سبع سموات ‪.‬‬

‫فالصالة فرض ‪ ....‬والعمل من نوافل العبادات إذا استحضر اإلنسان النية الص الحة ‪ ،‬فه ل ن ترك‬
‫الفريضة من أجل النافلة ؟ !! ‪.‬‬

‫وهللا أعلى وأعلم ‪...‬‬

‫خـــاتمـــــــة‬
‫‪184‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫وإلى هنا يتوقف القلم وينتهي ماقد يسر هللا جمعه في هذا الكتاب‪ ،‬وال يسعني في الختام إال أن‬
‫أقول ماقاله بعض الفضالء(‪ )1‬لما انتهى من نظمه لمنظومته ‪-:‬‬

‫أرجــو بــه مغـفـرة لنفسي *** من خالقي قبل حلول رمسي‬


‫كذا إلخواني وكل الوالدين *** ولشيوخي وجميع المسلمين‬

‫ي بقبوله‬
‫ي بجمعه وكتابته‪ ،‬فامنن عل َّ‬
‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬فاللهم كما مننت عل َّ‬
‫ومثوبته‪ ،‬واجعله خالصا لوجهك الكريم‪ ،‬وذخرة لي عندك يارب العاليمن‪ ،‬يوم ال ينفع مال‬
‫والبنون إال من أتى هللا بقلب سليم‪ ،‬كما نسألك يارب أن تتجاوز عما وقع من زالت وهفوات‪،‬‬
‫فالكمال لك وحدك وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد‬
‫هلل رب العالمين‪.‬‬

‫باهلل يـاقـارئا كتبي وسـامـعـهــا *** أسبل عليها رداء الحكم والكرم‬
‫واستـر بلطفك ما تلقاه من خطإ *** أو أصلحنه تـثـب إن كنت فـهـم‬
‫فكم جـواد كبا والسبـق عــادتـه *** وكـم حسام نبا أو عــاد ذو ثـلـم‬
‫وكلنا يـا أخــي خطاء ذو زلــل *** والعذر يقبله ذو الفضل والشيـم‬

‫نقال عن موارد الظمان (‪)1/7‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫‪ .1‬هو العالمة محمد بن محمد الفطيسي واسم المنظومة " الضوء المنير المقتبس في مذهب اإلمام مالك بن أنس "‪.‬‬

‫((المراجـع))‬
‫‪185‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ .2‬تفسير القرطبي‪.‬‬
‫‪ .3‬حرز األماني ووجه التهاني للشاطبي‪.‬‬
‫‪ .4‬تدريبات لغوية لعبد اللطيف الشويرف‪.‬‬
‫‪ .5‬المستطرف في كل فن مستظرف لألبشيهي‪.‬‬
‫‪ .6‬رياض الصالحين للنووي‪.‬‬
‫‪ .7‬سبل السالم للصنعاني‪.‬‬
‫‪ .8‬المية الحكم واآلداب البن الوردي‪.‬‬
‫‪ .9‬منهاج المسلم للجزائري‪.‬‬
‫‪ .10‬جامع العلوم والحكم البن رجب‪.‬‬
‫‪ .11‬مدراج السالكين البن القيم‪.‬‬
‫‪ .12‬شرح صحيح مسلم لموسى شاهين الشين‪.‬‬
‫‪ .13‬تنوير الحوالك شرح موطأ مالك للسيوطي‪.‬‬
‫‪ .14‬التعابيرالشعبية دالالت نفسية واجتماعية لعلي مصطفى المصراتي‪.‬‬
‫‪ .15‬تحفة المودود في أحكام المولولد البن القيم‪.‬‬
‫‪ .16‬شذور الذهب البن هشام‪.‬‬
‫‪ .17‬قطر الندى البن هشام‪.‬‬
‫‪ .18‬الرحيق المختوم للمباركفوري‪.‬‬
‫‪ .19‬أحكام األسرة للصادق الغرياني‪.‬‬
‫‪ .20‬عقود شائعة للصادق الغرياني‪.‬‬
‫‪ .21‬الغلو في الدين للصادق الغرياني‪.‬‬
‫‪ .22‬الجواب الكافي البن القيم‪.‬‬
‫‪ .23‬البالغة الواضحة لعلي الجارم ومصطفى أمين‪.‬‬
‫‪ .24‬الضوء المنير المقتبس في مذهب مالك بن أنس للفطيسي‪.‬‬
‫‪ .25‬الدليل إلى المتون العلمية لعبدالعزيز بن إبراهيم قاسم‪.‬‬
‫‪ .26‬مفتاح دارالسعادة البن القيم‪.‬‬
‫‪ .27‬تيسير العالم لعبدهللا البسام‪.‬‬
‫‪ .28‬ألفيه الحديث للعراقي‪.‬‬
‫‪ .29‬مختار القاموس للطاهر الزاوي‪.‬‬
‫‪ .30‬فتح القدير للشوكاني‪.‬‬
‫‪ .31‬تاريخ التشريع اإلسالمي لعبد العظيم شرف الدين‪.‬‬
‫‪ .32‬األصول العربية الفصيحة أللفاظ اللهجة الليبية لعبد هللا عبد الحميد ومحمود سالمان‪.‬‬
‫‪ .33‬حاشية األمير على شرح الجوهرة للقاني‪.‬‬
‫‪ .34‬وصايا لقمان الحكيم لمجدي الشهاوي‪.‬‬
‫‪ .35‬حقبة من التاريخ لعثمان الخميس‪.‬‬
‫‪ .36‬الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية لألهدل‪.‬‬
‫‪ .37‬حفظ اللسان لحمد الحمد‪.‬‬
‫‪ .38‬المجتمع الليبي من خالل أمثاله الشعبية لعلي مصطفى المصراتي‪.‬‬
‫‪ .39‬المدد الفائض في خالصة علم الفرائض ألحمد حمادي‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪ .40‬مجمع األمثال للميداني‪.‬‬


‫‪ .41‬جواهر األدب للسيد أحمد الهاشمي‪.‬‬
‫‪ .42‬التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫((الفهـــرس))‬

‫الصفحة‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الموضوع‬


‫‪3‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫المقدمـــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪7‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .1‬مكارم األخالق‬
‫‪9‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫باله واسع‬
‫‪10‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫البنادم تربطه كلمته أو كلمة‬
‫‪11‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الجار قبل الدار‬
‫‪12‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫حاسب روحك‬
‫‪13‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫خطواتك معشرة أو معشرات‬
‫‪14‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫دمه خفيف – خفيف الدم‬
‫‪14‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الدين النصيحة‬
‫‪16‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الصبر مفتاح الفرج‬
‫‪18‬‬ ‫طار السو ‪ -‬يطير عليه في السو ‪.......................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫عايف نفسه‬
‫‪21‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الحياء في الدين‬
‫‪22‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللي عنده موش ليه‬
‫‪24‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫من تواضع هلل رفعه‬
‫‪25‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫النظامة من اإليمان‬
‫‪25‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫وعد الحر دين عليه‬
‫‪27‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يكرهك في نفسك‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫شوي ْه من الحن ْه وشوي ْه من‬
‫رطابة الليدين‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫إن كان الكالم من فضة فإن‬
‫السكوت من ذهب‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫ق عبستكْ‬ ‫شد خبزتكْ واطل ْ‬
‫‪29‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .2‬مساويء األخالق‬
‫‪31‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫أخطا راسي وقص‬
‫‪31‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫إذا لم تستحي فاصنع ماشئت‬
‫‪32‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫استعجل تبطأ‬
‫‪33‬‬ ‫إيش علمك الكذب؟ قال ‪ :‬اللي نسمعه نقوله ‪............................................‬‬
‫‪34‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫بالء اإلنسان من اللسان‬
‫‪35‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫بو وجهين‬
‫‪35‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫جوع النجوع‬
‫‪37‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫دق حنك – لقني‬
‫‪38‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫دمه رزين – ثقيل الدم‬
‫‪39‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫رافع خشمه‬
‫‪40‬‬ ‫سمع بالحامض دار مايقطع المصران ‪..................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫طري لها جرى لها‬
‫‪42‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫عاجباته روحه أو رويحته‬

‫‪188‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪45‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫على قولة قالوا‬


‫‪45‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫على كل سكة يركب‬
‫‪46‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الغضب يذهب الشيرة‬
‫‪47‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫في الوجه مرايا وفي القفا‬
‫برايا‬
‫‪49‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫كذبة بيضة‬
‫‪50‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الكذب في المصالح يجوز‬
‫‪51‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللسان وقلة اإلحسان‬
‫‪52‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫(ماتت حمارة القاضي)‬
‫‪53‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫ملعون في المذاهب األربعة‬
‫‪54‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يتعارك مع ظله‬
‫‪55‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يخاف من ظله‬
‫‪56‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يخش بين الظفر واللحم‬
‫‪56‬‬ ‫يخيط في الزنق ويفصل في الشوارع ‪..................................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يقطع في عباد هللا أو يقرم‬
‫‪58‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يقيد في األحوال‬
‫‪59‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يمزح معاه‬
‫‪60‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫ينقل في الدوة‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫بو نسيب وال بن ع ّم قريب‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫ق من ب ّره‪ ،‬شنْ حالك‬ ‫يا مز ّو ْ‬
‫من داخل!؟‬
‫……………………………………‬ ‫يحلِ ْملِكْ ِ‬
‫الحلم‬ ‫ش ْ‬ ‫اللي ما ْي ِحبّ ِك ْ‬
‫الشين‬
‫……………………………………‬ ‫اتق شر من أحسنت إليه‬
‫‪63‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .3‬العقيدة‬
‫‪65‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫إيمان بحارة‬
‫‪65‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الشرع حكيم‬
‫‪67‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الشفاعة يارسول هللا‬
‫‪67‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫العاطي حي – هللا كريم‬
‫‪70‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫عقابها شبر‬
‫‪73‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫العقيدة باب الربح‬
‫‪80‬‬ ‫على باب هللا – علي بابك ياكريم ‪........................................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫على مراد هللا‬
‫‪82‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللي يخطأ الشرع يجيه‬
‫‪82‬‬ ‫المكتوب على الجبين الزم تشوفه العين ‪................................................‬‬
‫‪84‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫مالئكة‬
‫‪85‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫وحق اللي في صدرك‬
‫‪85‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫(ياشمس ياشموسه )‬
‫‪86‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يالطيف الطف‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫تستور‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫دير عملتك وقول يا بوعجيلة‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫ينوض النِّشَّاد و ْين ُوض الو ّ‬
‫ساد‬
‫‪189‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪…………………………………….‬‬ ‫ش ْمني معاك ربي‬ ‫ح ِّ‬


‫‪86‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .4‬الفقه مسائل وقواعد‬
‫‪91‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫احنى تابعين مش بادعين‬
‫‪93‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫آذان حنفي أو شافعي‬
‫‪94‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫إذا حضر الماء بطل التيمم‬
‫‪95‬‬ ‫األعمال بالنيات أو الناوي ومانوى ‪......................................................‬‬
‫‪96‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫حاجة الوطا ماتنعطى‬
‫‪98‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫حق وباطل أو عليك حق‬
‫‪98‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الشرع يحكم بالظاهر‬
‫‪99‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫صلى الفرض وانقب األرض‬
‫‪100‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫طهراته المالئكة‬
‫‪100‬‬ ‫الضرورات تبيح المحظورات أو للضرورة أحكام ‪.....................................‬‬
‫‪102‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫هادي ماتبيش فقي‬
‫‪104‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الورث حالل ولو يظل خالل‬
‫‪105‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يحلفوا براسه‬
‫‪106‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يمين جزار‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫الشرك ْه ترك ْه أو الشرك ْه هلك ْه‬
‫ولو في مك ْه‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫أول ْه شرط آخرته سالم ْه‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫الدين المعاملة‬
‫‪109‬‬ ‫‪ .5‬الفتوى والقضاء (الشاهد واليمين) ‪.................................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اكذب على الشرع يفتي لك‬
‫‪112‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫بيني وبينك رسول هللا‬
‫‪112‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللي ماعنداش شاهد كذاب‬
‫‪113‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يفتي من راسه‬
‫‪115‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .6‬أحكام أسرية‬
‫‪117‬‬ ‫على سنة هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ‪...........................................‬‬
‫‪118‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫عيلة دردنو‬
‫‪120‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللي متربي من عند ربي‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫بنت المف ّوز على عيون بوها‬
‫تتزوج‬
‫‪123‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .7‬خيرية بعض األمور‬
‫‪125‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫خير البر عاجله‬
‫‪126‬‬ ‫خير الكالم ماقل ودل ولم يطل فيمل ‪....................................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫الكالم الزين ينعطى في الدين ‪..........................................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫كل تأخيرة فيها خيرة – الخيرة فيما اختاره هللا ‪.......................................‬‬
‫‪129‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .8‬العلم والتعلم والعلماء‬
‫‪131‬‬ ‫انشد على دينك لين يقولوا مهبول ‪......................................................‬‬
‫‪131‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫بعد ماشاب خش الكتاب‬
‫‪133‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫بيع الدار واشري األذكار‬
‫‪134‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫حامل كتاب هللا‬
‫‪137‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫حرمه في المذاهب األربعة‬
‫‪190‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪139‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫خالفهم رحمة‬


‫‪139‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫رامي اللوح أو رمي اللوح‬
‫‪141‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫العقل فات العلم‬
‫‪141‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الهو فرض والهو سنة‬
‫‪141‬‬ ‫‪.........................................................‬‬ ‫اليفتي ومالك في المدينة‬
‫‪143‬‬ ‫اللي يقرا بالنية يقرا خليل واأللفية ‪.....................................................‬‬
‫‪143‬‬ ‫مشي يقرا في السبكي وخال اآلجرومية تبكي ‪..........................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫من حفظ المتون حاز الفنون‬
‫‪146‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يحفظ في مدونة مالك‬
‫‪147‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يقرا في السنة‬
‫‪…………………………………….‬‬ ‫نقاش بيزنطي‬
‫‪149‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ .9‬متفرقات‬
‫‪151‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫ابعد عن الشر وغني له‬
‫‪152‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اخنب وصدق ياعدو هللا‬
‫‪153‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫باب التوبة مفتوح‬
‫‪154‬‬ ‫الباب اللي بيجيبلك الريح سده واستريح ‪...............................................‬‬
‫‪154‬‬ ‫باين على وجهه – مبين على وجهه ‪...................................................‬‬
‫‪155‬‬ ‫براءة الذئب من دم يوسف عليه السالم ‪................................................‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫بعد العشاء افعل ماتشاء‬
‫‪157‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫تحت حس مس‬
‫‪158‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الحج ومابعده‬
‫‪158‬‬ ‫حذفوا وراه رشادة أو سبع رشادات ‪..................................................‬‬
‫‪161‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الدنيا والبقاء هلل‬
‫‪165‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الد ْين ذل بالنهار وه ّم بالليل‬
‫َ‬
‫‪167‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الدين عسر مش عسر‬
‫‪168‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫راقد ريح‬
‫‪169‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫رقدة أهل الكهف‬
‫‪170‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫سبب والمعين هللا‬
‫‪171‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الصاحب ساحب‬
‫‪172‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الصدقة دافعة للبالء‬
‫‪174‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الصديق وقت الضيق‬
‫‪175‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫طبيعته على خليقته‬
‫‪177‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫عمر نوح عليه السالم‬
‫‪178‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الغائب عذره معاه‬
‫‪178‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫قبلوه‬
‫‪180‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫كلمته على طرف لسانه‬
‫‪180‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫كلمته واتية‬
‫‪181‬‬ ‫اللي تشكي له يبكي لك أو اللي مايبكي خانقاته العبرة ‪................................‬‬
‫‪182‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللي خاف سلم‬
‫‪183‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫اللي عنده في الطبق‬
‫‪184‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫مالئكته رزينة أو خفيفة‬
‫‪184‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫الناس أجناس‬
‫‪191‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬
‫نظرة شرعية إلى التعابير الشعبية الليبية ؛؛؛‬
‫===========================================================‬

‫‪186‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫ياجوج وماجوج‬


‫‪186‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫ياقاتل الروح وين بتروح؟‬
‫‪187‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫ياكلمتي وليلي‬
‫‪188‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫يجري على الدنيا‬
‫‪189‬‬ ‫يخدم على راسه – يحندب على راسه ‪..................................................‬‬
‫‪......................................................‬‬ ‫كل شاة معلقة من كراعها‬
‫‪......................................................‬‬ ‫الجلطة بلطة والجرب يعدي‬
‫‪.......................................................‬‬ ‫الطبع يغلب التطبّع‬
‫‪.......................................................‬‬ ‫الضيق في القلب‬
‫‪.......................................................‬‬ ‫حرا ْيمي‬
‫‪.......................................................‬‬ ‫العرب جرب ‪...‬‬
‫‪.......................................................‬‬ ‫كل بالد وعزاها‬
‫على قيس فراشك أو لحافك مد رجليك ‪...............................................‬‬
‫‪......................................................‬‬ ‫اللي يبّي الورد يتحمل شوكه‬
‫‪......................................................‬‬ ‫بو البنات مرزوق‬
‫‪......................................................‬‬ ‫البنادم نادم‬
‫الغيب ‪................................................‬‬‫ْ‬ ‫الجيب يأتي ما في‬
‫ْ‬ ‫ق ما في‬‫أنف ْ‬
‫‪......................................................‬‬ ‫الفرنسيس = فار نجيس‬
‫‪......................................................‬‬ ‫الدوام يقطع الرخام‬
‫‪......................................................‬‬ ‫مالحقش العنقود قال‪ :‬قارص‬
‫‪.....................................................‬‬ ‫ق الداء وخلقل ْه الدوا‬ ‫خل ْ‬
‫‪......................................................‬‬ ‫اللي ماسعى في الثالثين ‪...‬‬
‫‪......................................................‬‬ ‫طول الخيط يُ َودِّر اإلبرة‬
‫‪.....................................................‬‬ ‫العمل عبادة‬
‫‪191‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪193‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫المراجع‬

‫‪192‬‬
‫===========================‬ ‫==============================‬

You might also like