Professional Documents
Culture Documents
1
المقدمة .
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العالمين وأفضل الصالة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث
هادياً ومعلماً ورحم ًة وكاف ًة للناس أجمعين وبعد :
وفي هذا البحث الذين بين أيدينا نتحدث عن موضوع مقامات التصرفات النبوية ،
والمقصود بالتصرفات النبوية في هذا البحث :ما صدر عن النبي صلى هللا عليه
ٍ
صفات ،فهو قول أو ٍ
فعل ،فالنبي صلى هللا عليه وسلم يتصف بعدة وسلم من ٍ
مبلغ عن هللا ما أراد تبليغه للناس عن طريق الوحي المتلو ( القرآن
مرسل ٌ
ٌ نبي
ٌ
الكريم ) ،والوحي غير المتلو ( السنة المطهرة ) ،كما أنه صلى هللا عليه وسلم
مخصص لعامه ،كما أنه
ٌ مقيد لمطلقه ،
مبين لمجمله ٌ ،
مبين لمعاني القرآن ٌ ،
ٌ
صلى هللا عليه وسلم مفتي المسلمين ،فهو يجيبهم عن أسئلتهم الخاصة والعامة ،
وغالباً ما تكون أجوبته عام ًة لتشمل السائل ومن على شاكلته .
مكلف من هللا بالقضاء بين الناس ،وهو قدوة القضاة ،وهو وهو من ٍ
جهة أخرى
ٌ
في القضاء يتصرف على ضوء الحجج والبينات التي يقدمها الخصوم بين يديه ،
ويقضي لهم وفق اجتهاده ،مطبقاً نصوص الشريعة على األقضية التي بين يديه
،والرسول عليه الصالة و السالم أيضاً إمام المسلمين ورئيسهم ،وهو يعمل بما
يحقق مصالحهم العامة ويدرء المفاسد عنهم ،بحسب الزمان والمكان والحال الذي
2
فوضها هللا تعالى إليه في رسالته ،وهو أعظم هم فيه ،فجميع المناصب الدينية ّ
ديني إال وهو ٍ
منصب ٍ من كل من تولى منصباً منها إلى يوم القيامة ،فما من
تبة ،غير أن غالب تصرفه صلى هللا عليه وسلم بالتبليغ؛ متصف به في أعلى ر ٍ
ٌ
غالب عليه ،ثم تقع تصرفاته صلى هللا عليه وسلم:منها ما ألن وصف الرسالة ٌ
يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً ،ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء ،ومنها
ما يجمع الناس على أنه باإلمامة ،ومنها ما يتردد العلماء بين كونه بالقضاء أو
اإلمامة أو بالتبليغ والرسالة .
جبلية بشر ٍ
ية ،كما ٍ تصرفات فطر ٍ
ية ٍ بشر يتصرف كما أن النبي مع ذلك كله ٌ
يتصرف على ضوء خبرته الحياتية التي اكتسبها من بيئته ومجتمعه .
ولهذا البحث الذي بين أيدينا أهميةٌ كبيرة في مجال االجتهاد واإلفتاء ،وذلك أن
المجتهد أو الفقيه حين يتوجه إلى السنة النبوية ليستنبط منها البد له أن يكون
ملماً بأنواع المقامات التي صدرت منها تلك التصرفات ،ممي اًز بينها فالجهل
بمقامات التصرفات النبوية يؤدي إلى االضطراب في الفتوى لدى الذين ال يميزون
بين تصرفاته صلى هللا عليه وسلم التي يراد منها االقتداء واالتباع ،و األخرى
التي هي سياسات وقتية وتصرفات جزئية.
ولقد كان هذا التمييز بين مقامات التصرفات النبوية حاض اًر في عقول الصحابة
رضي هللا عنهم أجمعين ،كما كان واضحاً في أذهان علماء اإلسالم في مختلف
العصور ،وقد انعكس ذلك في تعاملهم مع السنة النبوية شرحاً وفقهاً واستنباطاً .
وفي هذا البحث الذي بين أيدينا سأتحدث عن أهمية معرفة المقامات التي صدرت
منها التصرفات النبوية الشريفة ،وأبين طرق التمييز بين هذه المقامات المختلفة ،
3
والصفات المميزة لكل مقا ٍم من المقامات الشريفة ،ثم أتعرض لتقسيمات السنة
النبوية ،فأذكر التصرفات التشريعية والمقامات التي تندرج تحتها ،والتصرفات
غير التشريعية والمقامات التي تندرج تحتها ،معز اًز ذلك كله بالكثير من األمثلة
من السنة النبوية الشريفة ،وأختم ذلك كله بخاتمة تحتوي مخلصاً لما تم عرضه
خالل هذا البحث .
هذا وأسأل هللا تعالى أن يعينني ويسدد خطاي في هذا البحث ،وأن يجنبي الزلل
في القول والعمل ،إنه ولي ذلك والقادر عليه .
اإلمارات – العين
4
أوالً :أهمية معرفة السياق والمقام الذي صدر فيه
التصرف النبوي .
إن العلم بأسلوب الشارع وعادته وطريقته في التعبير عن األحكام الشرعية
ومقاصدها ضرورٌي جداً ،إذ التخاطب بين المتكلمين ما وضع إال لقصد الفهم
والتواصل ،فالعالقة إذاً بين المقاصد والخطاب الشرعي وطيدةٌ جداً ،فالبد من
ربط الكالم مع بعضه أوله وآخره وسببه وغايته حتى يفهم المراد منه(.)1
يقول الغزالي رحمه هللا في ذلك ( :يكون طريق فهم المراد تقدم المعرفة بوضع
اللغة التي بها المخاطبة ،ثم إن كان نصاً ال يحتمل ،كفى فيه معرفة اللغة وان
تطرق إليه االحتمال ،فال يعرف المراد منه حقيقي ًة إال بانضمام قرين ٍة إلى اللفظ،
عقلي .....واما قرائن أحوال مكشوف .....واما إحال ٌة على ٍ
دليل ٍ ٌ ظ
والقرينة إما لف ٌ
وحركات ،وسوابق ولواحق ،ال تدخل تحت الحصر والتخمين،ٍ ٍ
ورموز من إشار ٍ
ات
ٍ
بألفاظ يختص بدركها المشاهد كلها ،فينقلها المشاهدون من الصحابة إلى التابعين
صر ٍ
يحة ،أو مع قرائن من ذلك الجنس ،أو جنس آخر ،حتى توجب علماً ضرورياً
بفهم المراد ،أو توجب ظناً وكل ما ليس له عبارةٌ موضوعة في اللغة ،فتتعين فيه
القرائن) (.)2
ٍ
محتمل لمعنى يتلخص من كالمه أن مراد الشارع يعرف بمجرد اللغة إن كان غير
آخر غير لغوي ،واال عرف ذلك بالقرائن العقلية أو المقالية أو الحالية.
-1مقاصد الشريعة عند ابن تيمية :يوسف أحمد بدوي ،ص ، 219دار النفائس ،األردن ،ط، 1
2000م .
-2المستصفى من علم األصول :اإلمام الغزالي ،تحقيق محمد سليمان األشقر ،ج ، 2ص ، 23-22
مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1997 ، 1م ،وأساس القياس :اإلمام الغزالي ،تحقيق د فهد السدحان
ص ، 52مكتبة العبيكان ،الرياض 1993 ،م . .
5
ويقول الغزالي أيضاً( :ال يعرف قصد المخاطب إال بلفظه وشمائله الظاهرة)(.)3
ومما سبق يمكن أن نذكر بأن العناصر التي تتحكم في فهم الخطاب هي(:)5
-أو السياق االجتماعي :أي معرفة المقام الذي ألقي فيه الخطاب ،ويدخل في
ذلك أسباب النزول وأسباب الورود ،والظروف االجتماعية والنفسية السائدة وقت
ورود النص الشرعي.
ومن المهم هنا أن نذكر أنه للتعرف على مقاصد األقوال و األفعال النبوية البد لنا
من معرفة أنواع المقامات التي تصدر عنها تلك األقوال و األفعال ،فلكي يؤدي
هذا المسلك ثماره في معرفة المقاصد البد من التمييز بين أنواع المقامات من أجل
أنها ضابط من ضوابط معرفة قصد الشارع.
و أحوال النبي صلى هللا عليه وسلم التي يصدر عنها قول منه أو فعل هي
التشريع ،الفتوى ،القضاء ،اإلمارة ،الهدي ،الصلح ،النصيحة ،اإلشارة على
المستشر ،تكميل النفوس ،تعليم الحقائق العالية ،الـتأديب ،التجرد عن
اإلرشاد(.)6
-6ينظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية :الطاهر بن عاشور ،تحقيق محمد الطاهر الميساوي ،ص
212ومابعدها ،دار النفائس 2002 ،م .
7
ثانياً :أهمية التمييز بين مقامات التصرفات النبوية .
إن لمعرفة أنواع تصرفات الرسول صلى هللا عليه وسلم أهمي ًة كبيرًة في الفهم
معين على فهم كالمهالصحيح للدين اإلسالمي واالجتهاد فيه ،وذلك لكونها أكبر ٍ
صلى هللا عليه وسلم الفهم السليم ،والعاصم من الغلو والجمود.7
ان و ٍ
احد من حيث عالقتها باألحكام الشرعية ، فالتصرفات النبوية ليست على وز ٍ
وذلك لتعدد األنشطة التي صدرت عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،واختالف
األحوال والقرائن التي صاحبت هذه التصرفات ،فالبد للناظر في هذه التصرفات
من تمييز األقوال واألفعال الصادرة عنه صلى هللا عليه وسلم ،والتفرقة بين أنواع
تصرف بالجهة التي صدر عنه فيها ،بحسب ما يؤدي إليه ٍ تصرفاته ،وتقييد كل
ٍ
اجتهادية ، نهضة فقه ٍ
ية ٍ التحري واالجتهاد ،وهذا التفريق يعد دعام ًة أساسي ًة لقيام
تواكب مصالح الناس ،وتفتح لهم باب التطور واالرتقاء بما يالئم مختلف
ٍ
افتيآت على الظروف واألحوال ،وفي غير ما تعارض مع قواطع الشريعة أو
السنة النبوية الشريفة. 8
والحقيقة أن البعض ينظر للنصوص الشرعية الواردة عنه صلى هللا عليه وسلم
أداة لتبليغ األحكام العامة ،دون النظر إلى دوره صلى هللا عليه وسلم
بوصفها ً
بوصفه ولياً لألمر ،أو بوصفه بش اًر كغيره من البشر ،ويرجع السبب في ذلك
إلى االنطباع الذي ترسخ في أذهان الناس عن صورة النبي صلى هللا عليه وسلم
-7ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة الدالالت المنهجية والتشريعية :سعد الدين العثماني ،ص، 43
منشورات الزمن ،الدار البيضاء2002،م ،و تصرفات الرسول باإلمامة وطرق الكشف عنها :بوعبد
هللا بن عطية ،ص ، 28حوليات جامعة الجزائر ،العدد22.
-8ينظر :السياسة الشرعية في تصرفات الرسول صلى هللا عليه وسلم المالية واالقتصادية :محمد
محمود أبو الليل ،ص ، 30أطروحة دكتوراه ،الجامعة األردنية .
8
باعتباره مبلغاً عن ربه ،مع إغفال القرائن واألحوال التي تصاحب أفعاله صلى هللا
عليه وسلم. 9
ٍ
بجالء في فتاوى وأحكام وقد ظهر أثر الجهل بمقامات التصرفات النبوية
بعض المتفقهة قديماً وحديثاً الذين ال يميزون بين تصرفاته صلى هللا عليه وسلم
التي يراد منها االقتداء واالتباع ،و األخرى التي هي سياسات وقتية وتصرفات
جزئية ،لقد أصاب هؤالء الفقهاء عمى األلوان فلم يفقهوا أقواله وأفعاله إال على
يقة و ٍ
احدة ،ولم يلتفتوا إلى المالبسات والقرائن المحيطة بها ،ولم يربطوها طر ٍ
األولى :تمييز النبي صلى هللا عليه وسلم بنفسه ألنواع تصرفاته .
ٍ
قاض بين الناس يقضي بالشرع كما بين النبي صلى هللا عليه وسلم أنه أيضاً
بشر يحكم في ضوء األدلة والحجج التي يقدمها الخصوم ،وقد يكون والقاضي ٌ
مبطل ،واآلخر ضعيف الحجة مع أنه صاحب بعضهم صاحب ٍ
حجة مع أنه
ٌ
ٍ
حق ،والقاضي ال يطلع على بواطن الناس وانما على الحجج والبراهين واإلثباتات
المقدمة أمامه ،وفي ذلك يقول عليه الصالة والسالم ( :إنما أنا بشر وانكم
تختصمون إلي ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على
ّ
نحو ما أسمع ،فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فال يأخذه ،فإنما أقطع له قطعة
من النار).12
-11صحيح مسلم :كتاب الفضائل ،باب وجوب امتثال ماقاله شرعا ً دون ماذكره صلى هللا عليه وسلم
من معايش الناس على سبيل الرأي ،رقم الحديث .2361
-12صحيح البخاري :كتاب الحيل ،باب حكم الحاكم ال يحل ما حرمه هللا ورسوله ،رقم .6961
10
ومن ذلك أيضاً أن الرسول صلى هللا عليه وسلم لما اشتد على المسلمين البالء
جراء الحصار المفروض عليهم من األحزاب ،بعث إلى عيينة بن حصن والحارث
بن عوفوهما قائدا غطفان ،فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما
عنه وعن أصحابه ،وكتبوا في ذلك كتاباً ،وأرسل الرسول لسعد بن معاذ وسعد بن
أمر تحب فنصنعه؟ أم شئٌ أمرك هللا به
عبادة ليستشيرهما ،فقاال :يا رسول هللا ٌ
شئ أصنعه لكم ،وهللا ما
البد لنا من العمل به؟ أم شئٌ تصنعه لنا؟ قال :بل ٌ
قوس واحدةٍ ،وكالبوكم من كل
ٍ أصنع ذلك إال ألني رأيت العرب قد رمتكم عن
أمر ما.
جانب ،فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى ٍ
ٍ
فقال له سعد بن معاذ :يا رسول هللا ،قد كنا نحن وهؤالء القوم على الشرك باهلل
وعبادة األوثان ،ال نعبد هللا وال نعرفه ،وهم ال يطمعون أن يأكلوا منها ثمرًة إال قر ًى
أو بيعاً ،أحين أكرمنا هللا باإلسالم وهدانا له وأعزنا بك وبه ،نعطيهم أموالنا؟ وهللا
ما لنا بهذا حاجة ،وهللا ما نعطيهم إال السيف حتى يحكم هللا بيننا وبينهم .قال
الرسول صلى هللا عليه وسلم :فأنت وذاك ،فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما
فيها من الكتاب ،ثم قال :ليجهدوا علينا.13
فقد بين الرسول صلى هللا عليه وسلم في هذه القصة أنه تصرف بوصفه إماماً
للمسلمين يعمل بما فيه مصلحتهم ،وهو ملتزم بتصرفه هذا بشورى أهل الرأي من
- 13ينظر :السيرة النبوية :عبد الملك بن هشام ،ج ،3ص ، 155-154دار الكتاب العربي ،بيرروت،
1990م ،وتاريخ االرسل والملوك :اإلمام الطبري ،ج ،2ص ، 573-572دار المعارف 1967 ،م.
11
أصحابه ،كما أنه يرجع عن رأيه إلى رأي أصحابه إن رأى المصلحة العامة
تقتضي ذلك .
-14تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 42وما بعدها ،وتصرفات الرسول باإلمامة
وطرق الكشف عنها :ص 56وما بعدها .
-15ينظر :سيرة ابن هشام :ج ، 2ص . 263
12
ب-اقتراحهم رأياً مخالفاً لرأيه بعد المشاورة .
كما ورد في استشارة الرسول لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة في غزوة الخندق في
إعطاء غطفان جزءاً من ثمار المدينة ليفكوا حصارهم عن المدينة ،ورجوعه عن
رأيه لرأيهما .
ومن ذلك استشارته ألصحابه في أسرى بدر وميله لرأي الصديق في أخذ الفداء ،
ثم نزول الوحي معاتباً ومرجحاً للرأي اآلخر ،ثم مبيناً إباحة أخذ الفداء مع كونه
رأياً مرجوحاً .
كتأويل ابن عباس رضي هللا عنه النهي عن أكل لحوم الحمر أنه كان
ٍ
مؤقتة وهي حمايتها من الفناء . ٍ
لمصلحة
د-مراجعة الخلفاء الراشدين لبعض تصرفاته صلى هللا عليه وسلم بعد
وفاته .
-1أنه جاء أعرابي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فسأله عما يلتقطه ،فقال:
ّ ٌ
اعرف عفاصها ( الوعاء الذي تحفظ فيه ) ووكاءها ( الخيط الذي يربط به
الوعاء ) ،ثم عرفها سن ًة ،فإن جاء صاحبها واال فشأنك بها ،قال :فضالة الغنم يا
13
ضاَل ُة اإلبل؟ قال :ما لك
رسول هللا؟ قال :هي لك ،أو ألخيك أو للذئب ،قالَ :ف َ
ولها ،معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.16
وروى ُ
مالك أنه سمع ابن شهاب يقول :كانت ضوال اإلبل في زمن عمر بن
أحد ،حتى إذا كان زمن عثمان بن عفان أمر
الخطاب إبالً مرسل ًة تناتج ال يمسها ٌ
بتعريفها ثم تباع ،فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها.17
في زمن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وزمن أبي ٍ
بكر وعمر – رضي هللا عنهما
– كانت األمانة هي خلق جميع أفراد المجتمع ،لذلك كانت ضوال اإلبل تترك
أحد ،ولما جاء زمن عثمان – رضي هللا عنه – اختلط الناس
مرسل ًة ال يعترضها ٌ
كثير من الغرباء إلى المدينة ،فتغيرت أخالق الناس بسبب هذا
مع بعضهم ،وجاء ٌ
االنفتاح على اآلخرين ،وقلت األمانة في المجتمع أو ضعف الوازع اإليماني عند
البعض ،فرأى عثمان أن يأمر بإمساك هذه اإلبل وبيعها ،فإذا جاء صاحبها دفع
المال إليه ،وهو ما يحقق مصلحة أصحاب ضوال اإلبل؛ ألن علة الحكم فيها
هي المحافظة على هذه اإلبل إما بأعيانها أو بثمنها وكال األمرين مصلح ٌة ،وال
شك أن سيدنا عثمان بصنيعه هذا كان هدفه تحقق المصلحة العامة؛ ألنه رأى أن
ترك اإلبل على حالها – كما كان األمر في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم والى
زمن عمر – يعرضها للضياع ،بعد أن تغيرت أخالق الناس ،وأصبحوا يمدون
سليم،
اجتهاد ٌ
ٌ أيديهم لضوال اإلبل ،فرأى أن يقطع الطريق عليهم بما فعل ،وهو
-16صحيح البخاري :كتاب اللقطة ،باب ضالة اإلبل ،ج ،2ص ،184رقم .2427
- 17الموطأ :كتاب األقضية ،باب القضاء في الضوال ،ج ،2ص ،306رقم .2210
14
سديد بال ريب ،18وهذا من فقه عثمان رضي هللا عنه السديد المرتكز على
وحكم ٌ
ٌ
الموازنات والذي يراعي تغير الزمان والمكان واألحوال ،وهو من تصرفات اإلمام
المرتبطة بالمصلحة .
-2أراد الصديق – رضي هللا عنه – إقطاع عيينة بن حصن الفزاري واألقراع بن
حابس التميمي أرضاً أرادا استصالحها ثم عدل عن ذلك أخذاً برأي عمر – رضي
هللا عنه – في عدم الحاجة لتأليفهما على اإلسالم ،فقد قال لهما عمر رضي هللا
ذليل ،وان
عنه :إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يتألفكما واإلسالم يومئذ ٌ
هللا عز وجل قد أعز اإلسالم ،فاذهبا فاجهدا جهدكما.19
نظر وفقه مواز ٍ
نات إن إعطاء المؤلفة قلوبهم سهماً من أسهم الزكاة يحتاج إلى ٍ
ٍ
دقيق ،فالبد من النظر في من نتألف؟ ومدى حاجة اإلسالم ودولته إليه؟ وهل في
تألفه مصلح ٌة تزيد على ما ندفعه له من سهم الزكاة؟ فإن كانت الحاجة والمصلحة
راجح ًة تألفنا ،واال فعلينا توفير هذا المال لمصالح المسلمين األخرى.
وقد تألف الرسول الكريم عدداً من زعماء الشرك كأبي سفيان وعيينة بن حصن
واألقرع بن حابس وغيرهم ،طمعاً في اطمئنان قلوبهم باإلسالم وطمعاً في دخول
مطاع.
ٍ قومهم في اإلسالم أو ثباتهم عليه ،فهم أصحاب ٍ
أمر
- 18ينظر :االجتهاد في الفقه اإلسالمي ضوابطه ومسرتقبله :عبرد السرالم السرليما،ي ،ص ،144-143
وزارة األوقاف المغربية 1996 ،م ،و تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان :علري الصرالبي،
ص ، 159دار النشر والتوزيع 2002 ،م .
-19السررنن الكبرررح :أحمررد بررن الحسررين بررن علرري البيهقرري ،تحقيررع محمررد عبررد القررادر عطررا ،كترراب قسررم
الصرردقات ،برراب سررقوط سررهم المبلفررة قلرروبهم وترررك وعطررا هم عنررد هررور اإلسرالم ،ج ،7ص ،32رقررم
، 13189دار الكتب العلمية ،ط 2003 ،3م.
15
ولما كان عهد أبي ٍ
بكر وعمر رضي هللا عنهما ،وأصبح لإلسالم دولته ،وأصبح
الدخول في اإلسالم مغنماً بعد أن كان مغرماً ،لم تعد الحاجة للتألف قائم ًة لذلك
أوقف عمر هذا السهم ،ليعود مردوده على مصالح اإلسالم ودولته.
-3روى أبو عبيد أن عمر – رضي هللا عنه – قدم الجابية فأراد قسم األراضي
بين المسلمين فقال معاذ :وهللا إذاً ليكونن ما تكره ،إنك إن قسمتها صار الريع
العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة ،ثم يأتي
من بعدهم قوم َي ُسدون من اإلسالم َم َسداً ،وهم ال يجدون شيئاً فانظر اً
أمر يسع
أولهم وآخرهم.20
عدد من الصحابة منهم بالل والزبير – رضي هللا عنهما – على هذا
وقد اعترض ٌ
الرأي ورأيا قسمة األراضي كما قسم النبي صلى هللا عليه وسلم خيبر ،لكن عمر
ين َما َفتَ ْح ُت َق ْرَي ًة ِإالَّ َق َس ْمتُ َها ِِ ِ
– رضي هللا عنه – أجابهم بقولهَ" :ل ْوالَ آخ ُر اْل ُم ْسلم َ
النِب ُّى صلى هللا عليه وسلم َخ ْيَب َر " .21 َهلِ َها َك َما َق َسم َّ
َب ْي َن أ ْ
َ
وفي رو ٍ
اية يقول عمر رضي هللا عنه" :فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها ،وأرض
الشام بعلوجها ،فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية واألرامل لهذا البلد وبغيره من
أراضي الشام والعراق؟ ...وقد رأيت أن أحبس األرضين بعلوجها واضعاً عليهم
فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئاً للمسلمين ،المقاتلة والذرية،
ولمن يأتي من بعدهم ،أرأيتم هذه الثغور ال بد لها من رجال يلزمونها أرأيتم هذه
–20األمرروال :أبررو عبيررد القاسررم بررن سررالم ،تحقيررع محمررد عمررارة ،ص، 137- 136دار الشرررو ،ط،1
1989م .
- 21صحيح البخاري :كتاب المزارعة ،باب أوقراف أصرحاب النبري صرلع ي عليره وسرلم ،رقرم ،2334
ج ،2ص. 157-156
16
المدن العظام ال بد لها من أن تشحن بالجيوش ،وادرار العطاء عليهم فمن أين
ُيعطى هؤالء إذا قسمت األرض والعلوج؟" فقال له الصحابة :الرأي رأيك فنعم ما
قلت ورأيت ،إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما َيتََقّوْون
به رجع أهل الكفر إلى مدنهم.22
-4فرض النبي صلى هللا عليه وسلم الدية مئة من اإلبل أو ثمانمئة درهم على
العاقلة باعتباره اإلمام ،ورأى عمر رضي هللا عنه فرضها بما يساوي هذا القدر
من أنواع األموال المختلفة ،وكانت على العاقلة فنقلها إلى أهل الديوان ،ورأى
الفقهاء أنه يجب أن يتعاون على أدائها كل من كان بينهم نوعٌ من التناصر ،فإذا
ٍ
تعاونية بين أهل كل ٍ
تأمينات عملة ر ٍ
ائجة ،وفرض قيام ٍ جاء اإلمام فقدرها بأية
حر ٍ
فة فال بأس ألن تصرف النبي كان تصرفاً باإلمامة التي يتوخى فيها مراعاة
مقاصد الشريعة بدرء المفاسد وجلب المصالح ،حسب المكان والزمان والحال.23
-22ينظر :الخراج :أبو يوسف يعقوب بن وبراهيم ،ص ،26-25دار المعرفة ،بيروت ،ط1979 ،1م.
-23ينظر :تصرف الرسول باإلمامة وصلتها بالتشريع اإلسالمي :د أحمد يوسف ،ص ، 429مجلة
مركز بحوث السنة والسيرة ،جامعة قطر ،العدد الثامن 1995 ،م .
17
وسنة غير تشر ٍ
يعية ،ومن ٍ سنة تشر ٍ
يعية ، وقد قام العلماء بتقسيم السنة إلى ٍ
أوائل العلماء الذين ذكروا هذا التقسيم اإلمام ابن قتيبة في كتابه ( تأويل مختلف
الحديث ) .
ثم جاء اإلمام القرافي المالكي رحمه هللا ففصل في هذه المسألة تفصيالً لم يسبق
إليه وذلك في كتابيه الفروق ،واإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام
وتصرفات القاضي واإلمام .
يذكر القرافي رحمه هللا في كتابه الفروق أن الرسول صلى هللا عليه وسلم هو :
(هو اإلمام األعظم والقاضي األحكم والمفتي األعلم ،فهو صلى هللا عليه وسلم
فوضها هللا
إمام األئمة ،وقاضي القضاة ،وعالم العلماء ،فجميع المناصب الدينية ّ
تعالى إليه في رسالته ،وهو أعظم من كل من تولى منصباً منها في ذلك المنصب
متصف به في أعلى رتبة ،غير أن
ٌ ديني إال وهو
منصب ٍٍ إلى يوم القيامة ،فما من
غالب عليه ثم
ٌ غالب تصرفه صلى هللا عليه وسلم بالتبليغ؛ ألن وصف الرسالة
تقع تصرفاته صلى هللا عليه وسلم:منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً ،ومنها
ما يجمع الناس على أنه بالقضاء ،ومنها ما يجمع الناس على أنه باإلمامة ،
ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردده بين رتبتين فصاعدا ،فمنهم من يغلب عليه
رتبة ،ومنهم من يغلب عليه أخرى).24
ثم يذكر القرافي رحمه هللا ما يخص كل نوٍع من هذه التصرفات ،فيقول عن
األحكام التبليغية ( :فكل ما قاله صلى هللا عليه وسلم أو فعله على سبيل التبليغ،
-24الفروق :اإلمام أحمد بن إدريس القرافي ،الفرق ، 36ج ، 1ص ، 357دار الكتب العلمية ،
بيروت 1998 ،م .
18
كان ذلك حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم القيامة ،فإن كان مأمو اًر به أقدم عليه
كل أحد بنفسه ،وكذلك المباح ،وان كان منهياً عنه اجتنبه كل أحد بنفسه). 25
أما أحكام اإلمامة فيقول فيها ( :وكل ما تصرف فيه عليه السالم بوصف اإلمامة
ال يجوز ألحد أن يقدم عليه إال بإذن اإلمام اقتداء به عليه السالم؛ وألن سبب
تصرفه فيه بوصف اإلمامة دون التبليغ يقتضي ذلك). 26
أما أحكام القضاء فيقول فيها ( :وما تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم بوصف
القضاء ال يجوز ألحد أن يقدم عليه إال بحكم حاكم اقتداء به صلى هللا عليه
وسلم؛ وألن السبب الذي ألجله تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم بوصف القضاء
يقتضي ذلك ). 27
ومن العلماء الذين ذكروا هذه التقسيمات اإلمام ابن قيم الجوزية رحمه
هللا ،حيث يقول في زاد المعاد ( :رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنما كان يقضي
بالوحي وبما أراه هللا ،ال بما رآه هو ،فإنه صلى هللا عليه وسلم لم يقض بين
المتالعنين حتى جاءه الوحي ونزل القرآن...... ،وهذا في األقضية واألحكام
والسنن الكلية ،وأما األمور الجزئية التي ال ترجع إلى أحكام كالنزول في ٍ
منزل
رجل ٍ
معين ونحو ذلك مما هو متعلق بالمشاورة المأمور بها بقوله: معين وتأمير ٍ
ٍ
مدخل ،ومن هذا قوله
ٌ {وشاورهم في األمر} [آل عمران ]159 :فتلك للرأي فيها
فابن القيم رحمه هللا في النص السابق يقسم التصرفات النبوية إلى قسمين :
األول :ما ليس للنبي صلى هللا عليه وسلم فيها رأي أو تدخل ،وهذا في األقضية
واألحكام والسنة الكلية .
والثاني :ما للرأي فيه مدخل وهو في األمور الجزئية التي ال ترجع إلى أحكام ،
رجل ٍ
معين ،ونحو ذلك مما هو متعلق معين ،وتأمير ٍ كالنزول في ٍ
منزل ٍ
بالمشاورة المأمور بها .
ومن العلماء الذين اهتموا بهذه التقسيمات اإلمام الدهلوي في حجة هللا البالغة
،واإلمام الطاهر بن عاشور في مقاصد الشريعة اإلسالمية .
وقد ذكر ابن عاشور رحمه هللا أن أحوال النبي صلى هللا عليه وسلم التي يصدر
عنها قول منه أو فعل هي التشريع ،الفتوى ،القضاء ،اإلمارة ،الهدي ،الصلح،
النصيحة ،اإلشارة على المستشر ،تكميل النفوس ،تعليم الحقائق العالية،
الـتأديب ،التجرد عن اإلرشاد(.)29
-28زاد المعاد من هدي خيرالعباد :ابن قيم الجوزية ،تحقيق األرنؤوط ،ج ، 5ص ، 375مؤسسة
الرسالة .
-29ينظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية 212 :ومابعدها .
20
خامساً :أقسام التصرفات النبوية .
تنقسم التصرفات النبوية إلى - : 30تصرفات تشريعية .
وقد وضع ابن عاشور رحمه هللا قرائن لتمييز التشريع العام من غيره ،يقول
رحمه هللا ( :فال بد للفقيه من استقراء األحوال وتوسم القرائن الحافة بالتصرفات
النبوية ،فمن قرائن التشريع االهتمام بإبالغ النبي صلى هللا عليه وسلم إلى العامة،
والحرص على العمل به واإلعالم بالحكم ،واب ارزه في صورة القضايا الكلية ،ومن
32
. عالمات عدم قصد التشريع عدم الحرص على تنفيذ الفعل )
-حرص الرسول على إبالغ التصرف للعامة كما في حجة الوداع .
قال تعالى ( :يا أيها النبي بلغ ما أوحي إليك من ربك ) ( المائدة .) 67:
حكم
والتصرفات النبوية هنا تصدر عن طريق األمر أو النهي أو التقرير ،وهي ٌ
عام لكل المسلمين ،وقد أمرنا هللا بطاعة الرسول بقوله ( :من يطع الرسول فقد
ٌ
أطاع هللا ) ( النساء ، . )80 :وقال أيضاً ( :قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني
يحببكم هللا ) ( آل عمران . )31 :
والتشريع هو المراد األول من الرسالة ،فتحمل تصرفات عليه إال إذا دلت القرائن
على خالف ذلك .
والتشريع هو أغلب أحوال النبي صلى هللا عليه وسلم ،إذ ألجله بعثه هللا
ومن ذلك قوله عليه الصالة والسالم ( :خذوا عني مناسككم) ، 34وقوله :
يقول القرافي رحمه هللا ( :وكل ما تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم في العبادات
بقوله أو بفعله أو أجاب به سؤال سائل عن أمر ديني فأجابه فيه ،فهذا تصرف
بالفتوى والتبليغ ).40
والرسول صلى هللا عليه وسلم في الفتوى كما يقول القرافي رحمه هللا ( :يخبر عن
41
مقتضى الدليل الراجح عنده ،فهو كالمترجم عن عن هللا فيما وجده في األدلة )
مثال ذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم وقف في حجة الوداع على ناقته
بمنى للناس ليسألونه فجاء رجل فقال :لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال :
-34صحيح مسلم :كتاب الحج ،باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ً ،رقم .1297
_35صحيح البخاري :كتاب األذان ،باب األذان للمسافر إذا كانوا جماعةً ،رقم .631
-36صحيح البخاري :كتاب اإليمان ،باب ما جاء إن األعمال بالنية والحسبة ،رقم .54
-37صحيح البخاري :كتاب البيوع ،باب ال يبع على بيع أخيه ،رقم .2139
-38ينظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية :ص .216
-39السياسة الشرعية من التصرفات النبوية :ص . 42
-40الفروق :ص. 358
-41اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام :اإلمام القرافي ،ص. 84
23
انحر وال حرج ،ثم جاء آخر فقال :نحرت قبل أن أرمي ،قال :ارمِ وال
حرج فما سئل عن شيء قدم وال أخر مما نسي المرء أو جهل إال قال :
افعل وال حرج.42
ومثاله أيضاً :نهي النبي عن االنتباذ في الدباء والحنتم والمزفت و ِّ
43
المقير
وسبب النهي هو أن االنتباذ في هذه اآلنية يسرع االختمار في بالد الحجاز
فال يؤخذ هذا النهي أصالً يحرم ألجله وضع النبيذ في دباءة و حنتم لمن هو
في قطر بارد.
وتصرفه صلى هللا عليه وسلم بالفتوى كما الرسالة شرعٌ لنا إلى يوم الدين ،نتبع
كل حك ٍم مما بلغه إلينا عن ربه بسببه من غير اعتبار حكم حاك ٍم وال إذن إما ٍم
مبلغ لنا ذلك الحكم بذلك السبب ،وال يجوز لنا العدول
ألنه صلى هللا عليه وسلم ٌ
وال الخروج عن نصه إن اتحدت األسباب وتماثلت الحيثيات والمالبسات ،وليس
لإلمام أو المجتهد التغيير أو التبديل في هذا األمر. 44
وعلى الرغم من أن الكثير من الفتاوى ترد على أسباب خاصة وأجوب ًة أل ٍ
سئلة
حاصة إال أن ( العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب) كما يقول األصوليون .
-42صحيح البخاري :كتاب الحج ،باب الفتيا على الدابة عند الصخرة ،رقم .1736
-43صحيح البخاري :كتاب اإليمان ،باب أداء الخمس من اإليمان ،رقم .53
-44ينظر :السياسة الشرعية من التصرفات النبوية :ص .42
-45ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 28وما بعدها ،وتصرفات الرسول
باإلمامة وطرق الكشف عنها :ص 32وما بعدها .
24
والخصوصية هذه تحتاج إلى قرائن من سياق الكالم النبوي أو من أحوال تصرفاته
يقول اإلمام القرافي رحمه هللا ( :ومتى فصل صلى هللا عليه وسلم بين اثنين في
دعاوى األموال أو أحكام األبدان ونحوها بالبينات أواإليمان والنكوالت ونحوها،
فنعلم أنه صلى هللا عليه وسلم إنما تصرف في ذلك بالقضاء دون اإلمامة العامة،
وغيرها؛ ألن هذا شأن القضاء والقضاة ). 46
-46الفروق :ص.358
25
من أمثلة تصرف النبي صلى هللا عليه وسلم بالقضاء أن حبيبة بينت سهل
األنصارية شكت زوجها إلى النبي وقالت بأنها ال تحبه :فقال لها رسول هللا
أتردين عليه حديقته قالت :كل ما أعطاني فهو عندي ،فقال رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم لثابت :خذ منها ،فأخذ حديقته وطلقها.47
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله صلى هللا عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان
شحيح ال يعطيني وولدي ما
ٌ رجل
لما قالت له صلى هللا عليه وسلم :إن أبا سفيان ٌ
يكفيني ،فقال لها عليه الصالة والسالم «:خذي لك ولولدك ما يكفيك
بالمعروف».48
يقول القرافي رحمه هللا ( :اختلف العلماء في هذه المسألة وهذا التصرف منه
عليه السالم :هل هو بطريق الفتوى؟ فيجوز لكل من ظفر بحقه أو بجنسه أن
يأخذه بغير علم خصمه به ،ومشهور مذهب مالك خالفه ،بل هو مذهب
الشافعي ،أو هو تصرف بالقضاء فال يجوز ألحد أن يأخذ جنس حقه أو حقه إذا
تعذر أخذه من الغريم إال بقضاء قاض.
حكى الخطابي القولين عن العلماء في هذا الحديث :حجة من قال إنه بالقضاء
أنها دعوى في مال على معين فال يدخله إال القضاء؛ ألن الفتاوى شأنها العموم،
وحجة القول بأنها فتوى ما روي أن أبا سفيان كان بالمدينة والقضاء على
الحاضرين من غير إعالم وال سماع حجة ال يجوز فيتعين أنه فتوى وهذا هو
ظاهر الحديث ). 49
-التصرف بالفتوى أعم ألنه يشمل العبادات والمعامالت وغيرها ،بينما التصرف
بالقضاء فيتعلق بالحقوق والواجبات .
ٍ
لمستفت ،بينما بالقضاء فهو لفصل النزاع . -التصرف بالفتوى يكون جواباً
-التصرف بالفتوى عام لألمة كلها ،بينما التصرف بالقضاء حكم خاص
بالجزئية المحكوم فيها .
-التصرف بالفتيا يقبل النسخ ،بينما التصرف بالقضاء فال يقبل االنسخ .
-50ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 30وما بعدها
-51غياث األمم في التياث الظلم :اإلمام الجويني ،تحقيق مصطفى حلمي ،ص ، 15دار الدعوة .
27
و التصرفات باإلمامة :هي التصرفات التي تصدر منه عليه الصالة والسالم
بوصفه إماماً للمسلمين ورئيساً للدولة ،يدير شؤونها بما يحقق المصالح ويدفع
المفاسد ،ويتخذ الق اررات واإلجراءات المناسبة بما يحقق مقاصد الشريعة في
المجتمع ،ويسميها بعض العلماء تصرفات بالسياسة الشرعية أو باإلمارة.52
وباختصار هي :ما صدر عن الرسول صلى هللا عليه وسلم من األقوال واألعمال
لتحقيق مصلحة عامة لألمة باعتباره إماماً للمسلمين. 53
-أن مقام اإلمامة هو مقام رعاية المقاصد العامة ،أي يهدف لرعاية مصلحة
األمة ودفع الفساد عنها ،والدفاع عن األمة ،وزجر المجرمين ،وقتل الطغاة ،
وليس تصرفاً في مصلحة خاصة فقط ،وهذه المصلحة تتغير بتغير حال األمة
زماناً ومكاناً وحاالً ،لذلك وضع العلماء قاعدة ( :تصرفات اإلمام منوط ٌة
بمصلحة الرعية ) .
-أن اإلمام يملك قوة التنفيذ وهذا شيء ال يملكه القاضي أو المفتي .
ظروف
ٌ تصرفات مرتبطة بمصالح جزئية بحسب مصلحة األمة تمليها ٌ -كما أنها
محددةٌ من حيث الزمان والمكان والحال ،ويمكن أن تختلف تبعاً لهذه الظروف
نفسها ،وبالتالي فهي ليست شرعاً عاماً ملزماً لألمة إلى قيام الساعة ،وعلى
والة أمر األمة أال يجمدوا عليها ،ولكن يتبعوا منهج الرسول صلى هللا عليه وسلم
-52ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 28وما بعدها ،و تصرفات الرسول
باإلمامة وطرق الكشف عنها :ص 32وما بعدها
-53ينظر :السياسة الشرعية في تصرفات الرسول :ص.41
-54ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 54وما بعدها ،وكذلك ص 65
وما بعدها ،و تصرف الرسول باإلمامة :د أحمد يوسف ،ص . 439
28
الذي بنى فيه حكمه أو تصرفه ،وأن يراعوا المصالح الباعثة على ذلك الحكم
والتي راعاها الرسول عليه الصالة والزمان زماناً ومكاناً وحاالً .
ويدخل في ذلك أمور السياسة العامة وأمر الحرب وترتيباته ،وتعيين السفراء وأمراء
واألمراء وقادة الجند ،وتوجيه الجيوش ،وكذلك أمور العقوبات التعزيرية .
-كما أنها تصرفات اجتهادية الرسول صلى هللا عليه وسلم حين يتصرف بكونه
أمنزل أنزلكه هللا فال نتجاوزه أم هو الرأي
ٌ إماماً فإنه يتصرف باجتهاده ورأيه ( ،
والحرب والمكيدة؟ ) .
-و هي تصرفات مرتبطة مباشرًة بأحوال الدولة اإلسالمية ونظامها الكلي من
الناحية السياسية ،واالجتماعية واالقتصادية .
-مراعاة التدرج في تنزيل األحكام ،مثل امتناع الرسول عن هدم الكعبة ،نهي
الرسول عن زيارة القبور ثم حثه على زيارتها .
-عدم خروجها عن الثوابت الشرعية مثل :رفع الحرج والتيسير ،والعدل ،
واالرتباط بالعقيدة واألخالق .
-مراعاة تغير أحوال الناس ،ومراعاة الظروف الطارئة ،مثال النهي عن
ادخار لحوم األضاحي ثم اإلذن باالدخار ،أخذ شطر مال مانع الزكاة.
29
ومن أمثلة التصرفات النبوية باإلمامة ما يلي :
-بعث الجيوش وتعيين األمراء والقادة وصرف أموال بيت المال في محالها ،
وقسمة الغنائم وغيرها ،وفي ذلك يقول اإلمام القرافي رحمه هللا ( :بعث
الجيوش لقتال الكفار والخوارج ،ومن تعين قتاله ،وصرف أموال بيت المال في
جهاتها وجمعها من محالها ،وتولية القضاة والوالة العامة ،وقسمة الغنائم ،وعقد
العهود للكفار ذمة وصلحا ،هذا هو شأن الخليفة واإلمام األعظم فمتى فعل صلى
هللا عليه وسلم شيئاً من ذلك علمنا أنه تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم بطريق
. 55
اإلمامة دون غيرها )
-55الفروق :ص.358
30
قدر الشاة بعشرين درهماً قومها باعتباره إماماً ،حسب سعر الوقت فال مانع عندنا
من تقدير الفرق بغير ذلك ،تبعاً الختالف القيم واألسعار .
وبناء على هذا األساس جاء تقدير اإلمام علي رضي هللا عنه الفرق بين السنين
ً
بشاتين أو عشرة دراهم ،فهذا يدل على أن الشياه رخصت في عهده وليس ذلك
مخالفة لألمر النبوي ). 56
-ومنه في الزكاة كذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم فرض زكاة الفطر وجعلها
بناء على ما كانوا ٍ ٍ
صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب ً ،
يطعمونه ،ألن المقصود من زكاة الفطر هو إغناء الفقراء يوم العيد عن السؤال ،
وعلى أن قيم الصاع من هذه األطعمة متقاربة ،ولهذا لما رأى معاوية قمح الشام
وارتفاع قيمه بالنسبة للشعير أو التمر أو الزبيب قال ( :أرى مدين من سمراء
الشام تعدل صاعاً من ٍ
تمر) ،فأخذ الناس بذلك. 57
قال ابن قيم الجوزية رحمه هللا ( :إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين فرضها
بيب أو صاعاً من أقط ،كانت هي غالب أقواتهمشعير أو ز ٍ
ٍ صاعاً من ٍ
تمر أو
بالمدينة ،فإذا وجد أهل ٍ
بلد قوتهم غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا
58
فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان ،إذ المقصود سد خلة المساكين في هذا اليوم )
-في قضية التسعير ،الرسول صلى هللا عليه وسلم رفض التسعير عند الغالء
الطبيعي لألسعار ،وقال لمن طلب منه التسعير ( :إن هللا هو المسعر القابض
-56فقه الزكاة :د يوسف القرضاوي ،ج ، 1ص ، 190مؤسسة الرسالة 1973 ،م .
-57ينظر :تصرف الرسول باإلمامة :د أحمد يوسف ،ص .423
-58إعالم الموقعين عن رب العالمين :اإلمام ابن قيم الجوزية ،تحقيق مشهور آل سلمان ،ج، 4
ص ،353دار ابن الجوزي ،الرياض 1423 ،هـ .
31
الباسط الرازق ،واني ألرجو أن ألقى هللا عز وجل و ليس ٌ
أحد منكم يطلبني
بمظلم ٍة في ٍ
59
. مال )
دم وال ٍ
ٍ
طبيعية مثل كثرة الخلق وقلة المنتج فالتسعير ٍ
ألمور فالرسول صلى هللا عليه وسلم
في هذه الحالة يزيد الغالء ،فعدم التسعير مصلحة جزئية ،لذلك يصح أن نعتبر
التصرف النبوي في هذه الحالة من قبيل التصرف باإلمامة والرئاسة ،لذلك يروى
أحد
عن بعض الخلفاء أنه سعر ،وأفتى بعض التابعين بجواز التسعير ،ولم يقل ٌ
عام ،بحيث يحرم التسعير وال يجوز أبداً. 60
من العلماء أن عدم التسعير شرعٌ ٌ
-ومن المسائل أيضاً مسألة جباية أموال الزكاة ،هل هي من وظائف اإلمام ؟
مقيد بالنصوص الواردة في هذا الموضوع ؟ أم أن لإلمام أن يرجع
وهل اإلمام ٌ
لرأيه ،ويتصرف وفقاً الجتهاده فيما يحقق المصلحة للمسلمين من توليها هو
بنفسه أو نوابه ،أو تفويض صاحب المال بإخراج زكاته مطلقاً ،أو في األموال
الباطنة دون األموال الظاهرة ؟. 61
والراجح أن أمر جباية زكاة المال من قبيل السياسة الشرعية المتغيرة بتغير
الظروف والزمان والمكان ،فتصرف الرسول صلى هللا عليه وسلم في أمر جباية
تصرف بمقتضى السياسة واإلمامة ،ولم يكن تصرفه تشريعياً إلزامياً
ٌ الزكاة هو
لألمة وللحكام من بعده ،لذلك في زمن عثمان رضي هللا عنه وجد أن المصلحة
تقتضي العدول عن هذه الطريقة ،وتوكيل أرباب األموال بإخراج زكاة أموالهم
-ومن المسائل أيضاً تملك األرض الموات عن طريق اإلحياء ،فقد ورد أن
الرسول صلى هللا عليه وسلم قال «:من أحيا أرضا ميتة فهي له».63
يقول اإلمام القرافي في هذا الحديث الشريف ( :اختلف العلماء رضي هللا عنهم
في هذا القول ،هل تصرف بالفتوى فيجوز لكل أحد أن يحيي ،أذن اإلمام في ذلك
اإلحياء أم ال ؟ وهو مذهب مالك والشافعي رضي هللا عنهما.
ٍ
ألحد أن يحيي إال بإذن تصرف منه عليه السالم باإلمامة فال يجوز أو هو
ٌ
اإلمام ،وهو مذهب أبي حنيفة رحمه هللا.
وأما تفرقة مالك بين ما قرب من العمارة فال يحيا إال بإذن اإلمام وبين ما بعد
فيجوز بغير إذنه فليس من هذا الذي نحن فيه ،بل من قاعدة أخرى ،وهي أن ما
قرب من العمران يؤدي إلى التشاجر والفتن وادخال الضرر فال بد فيه من نظر
األئمة دفعا لذلك المتوقع كما تقدم ،وما بعد من ذلك ال يتوقع فيه شيء من ذلك
فيجوز ،ومذهب مالك والشافعي في اإلحياء أرجح؛ ألن الغالب في تصرفه صلى
هللا عليه وسلم الفتيا والتبليغ.
والقاعدة( :أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى)).64
-ومن المسائل أيضاً تملك سلب القتيل في المعركة ،فقد قال صلى هللا عليه
65
قال أبو حنيفة ومالك ال يجوز أخذ السلب إال وسلم( :من قتل قتيالً فله سلبه)
يقول اإلمام القرافي في هذه المسألة ( :اختلف العلماء في هذا الحديث هل
أحد سلب المقتول إال أن
تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم باإلمامة؟ فال يستحق ٌ
يقول اإلمام ذلك ،وهو مذهب مالك ،فخالف أصله فيما قاله في اإلحياء ،وهو أن
غالب تصرفه صلى هللا عليه وسلم بالفتوى ،فينبغي أن يحمل على الفتيا عمالً
أمور منها أن الغنيمة أصلها أن تكون للغانمين،
بالغالب ،وسبب مخالفته ألصله ٌ
لقوله عز وجل«:واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن هلل خمسه» ،واخراج السلب
من ذلك خالف هذا الظاهر ،ومنها أن ذلك إنما أفسد اإلخالص عند المجاهدين،
اإلسالم. كلمة نصر دون السلب لهذا فيقاتلون
ومن ذلك أنه يؤدي إلى أن يقبل على قتل من له سلب دون غيره ،فيقع التخاذل
في الجيش ،وربما كان قليل السلب أشد نكاي ًة على المسلمين ،فألجل هذه
األسباب ترك هذا األصل ،وعلى هذا القانون وهذه الفروق يتخرج ما يرد عليك
من هذا الباب من تصرفاته صلى هللا عليه وسلم ،فتأمل ذلك فهو من األصول
الشرعية).66
-ويندرج تحت التصرفات باإلمامة ما يسميه اإلمام ابن عاشور رحمه هللا بحال
التأديب
قال ابن عاشور رحمه هللا ( :ينبغي إجادة النظر في هذه الحال ألنه قد
-65صحيح البخاري :كتاب فرض الخمس ،باب من لم يخمس األسالب ،رقم .3141
-66الفروق :ص. 360
34
القصد منه بالذات التشريع ،وما يناسب أن يكون القصد منه التوبيخ
والتهديد ولكنه تشريع بالنوع أي بنوع أصل التأديب).67
ويمثل ابن عاشور لذلك بحديث( :والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر
بحطب فيحطب ،ثم آمر بالصالة فيؤذن لها ثم آمر رجالً فيؤم الناس ،
ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ،والذي نفسي بيده لو يعلم
أحدهم أنه يجد عظماً ثميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، 68
فالرسول صلى هللا عليه وسلم لم يكن ليحرق بيوت المسلمين ألجل شهود
صالة العشاء في الجماعة ،ولكن الكالم سيق مساق التهويل في التأديب
،أو أن هللا أطلعه على أن أولئك من المنافقين وأذن له بإتالفهم إن شاء.69
ج -التصرفات الخاصة .70
ٍ
بأشخاص معينين المخالفة لألحكام والمقصود بها التصرفات التشريعية الخاصة
العامة ،ويسميها الفقهاء ( قضايا األعيان ) .
ٍ
لشخص في زمنه ،ثبتت والقاعدة هنا أن تصرفاته صلى هللا عليه وسلم إذا ثبتت
لغيره حتى يدل دليل على الخصوصية .
ويمكن أن نلحق بذلك ما يسميه ابن عاشور رحمه هللا بحال طلب حمل
كثير في أوامر الرسول ونواهيه
النفوس على األكمل من األحوال :وذلك ٌ
ألصحابه وذلك ليحملهم على ما يليق بجالل مرتبتهم من االتصاف بأكمل
األحوال مما لو ُحمل عليه جميع األمة لكان حرجاً عليهم.
_71صحيح البخاري :كتاب األدب ،باب تشميت العاطس إذا حمد هللا ،رقم .6222
-72ينظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية :ص.222
-73صحيح البخاري :كتاب الزكاة ،رقم .1408
-74ينظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية :ص .224
-75ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 33وما بعدها
36
بالرسول صلى هللا عليه وسلم ،ويسميها ابن عاشور رحمه هللا ( :حال التجرد
عن اإلرشاد ).76
وفي ذلك الحديث يقول عليه الصالة و السالم ( :إنما أنا بشر ،إذا أمرتكم
بشئ من دينكم فخذوا به ،واذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر ). 77
وقد بوب اإلمام مسلم رضي هللا عنه لهذه األحاديث بقوله ( :باب وجوب امتثال
ما قاله شرعاً ،دون ما ذكره صلى هللا عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل
الرأي ) .
مثاله :ما ورد في صحيح مسلم أن فاطمة بنت قيس ذكرت للنبي أن معاوية بن
أبي سفيان وأبا جهم خطباها فقال لها رسول هللا (:أما أبو جهم ال يضع عصاه
عن عاتقه ،وأما معاوية فصعلوك).78
ويدخل في هذا الصنف أيضاً ما ذكره ابن عاشور رحمه هللا من إشارته عليه
السالم على المستشير ،ونصحه وشفاعته. 79
مثال ذلك ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه حمل على فرس في
سبيل هللا فأضاعه الرجل الذي أعطاه عمر إياه ،ورام بيعه فرام عمر أن
يشتريه وظن أن صاحبه بائعه برخص فسأل عمر رسول هللا فقال له( :ال
تشتره ولو أعطاكه بدرهم فإن الراجع في صدقته كالكلب يعود في قيئه).80
-أن يرد في القرآن النص على الخصوص ( وام أر ٌة مؤمن ًة إن وهبت نفسها
للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) ( األحزاب :
.)50
-أن ينص النبي نفسه وذلك عندما سئل عن وصال الصوم قال ( :إني لست
83
. كهيئتكم ،إني يطعمني ربي ويسقين)
-81صحيح البخاري :كتاب الصالة ،أبواب استقبال القبلة ،باب التقاضي والمالزمة في المسجد ،رقم
.457
-82ينظر :تصرفات الرسول باإلمامة :سعد الدين العثماني ،ص 42وما بعدها
-83صحيح البخاري :كتاب الصوم ،باب الوصال ،رقم .1964
39
الخاتمة ( وتتضمن أهم نتائج البحث )
-1إن العلم بأسلوب الشارع وعادته وطريقته في التعبير عن األحكام الشرعية
ومقاصدها ضرورٌي جداً ،و للتعرف على مقاصد األقوال و األفعال النبوية البد
لنا من معرفة أنواع المقامات التي تصدر عنها تلك األقوال و األفعال.
-2إن الجهل بمقامات التصرفات النبوية يؤدي إلى االضطراب في الفتوى لدى
الذين ال يميزون بين تصرفاته صلى هللا عليه وسلم التي يراد منها االقتداء
واالتباع ،و األخرى التي هي سياسات وقتية وتصرفات جزئية.
-3لمعرفة المقامات التي تصدر عنها تصرفات النبي صلى هللا عليه وسلم هناك
طريقتان :
األولى :تمييز النبي صلى هللا عليه وسلم بنفسه ألنواع تصرفاته .
40
-5تنقسم التصرفات النبوية إلى - :تصرفات تشريعية .
-تصرفات غير تشريعية .
-6التصرفات التشريعية :هي ما صدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم مما هو
لالتباع واالقتداء ،وهذه التصرفات بدورها تنقسم إلى قسمين :
اإلمارات – العين
41
المصادر والمراجع .
-1القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم .
-2االجتهـاد فـي الفقـه اإلسـالمي ضـوابطه ومسـتقبله :عبـد السـالم الســليماني ،
وزارة األوقاف المغربية 1996 ،م .
-3اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام :اإلمام القرافي ،
-4أساس القياس :اإلمام الغزالي ،تحقيق د فهد السدحان ،مكتبة العبيكان
،الرياض 1993 ،م .
-5إعالم الموقعين عن رب العالمين :اإلمام ابن قيم الجوزية ،تحقيق
مشهور آل سلمان ،دار ابن الجوزي ،الرياض 1423 ،هـ .
-6األموال :أبو عبيد القاسم بن سالم ،تحقيق محمد عمارة ،دار الشروق ،ط،1
1989م .
-7تاريخ االرسل والملوك :اإلمام الطبري ،دار المعارف 1967 ،م.
42
-12الجــامع الصــحيح :محمــد بــن إســماعيل البخــاري ،اعتنــى بــه محــب الــدين
الخطيب ومحمد فؤاد عبد الباقي ،المطبعة السلفية ومكتبتها ،ط1400 ،1هـ.
-13الجامع الصحيح (سنن الترمذي) :أبو عيسى محمد بن عيسى بـن سـورة،
تحقيق أحمد شاكر ،مكتبة مصطفى البابي الحلبي1938 ،م.
-14الخـــراج :أبـــو يوســـف يعقـــوب بـــن إبـــراهيم ،دار المعرفـــة ،بيـــروت ،ط،1
1979م.
-15زاد المعاد من هدي خيرالعباد :ابن قيم الجوزية ،تحقيق األرنؤوط ،
مؤسسة الرسالة .
-16الســنن الكبــرى :أحمــد بــن الحســين بــن علــي البيهقــي ،تحقيــق محمــد عبــد
القادر عطا ،دار الكتب العلمية ،ط 2003 ،3م.
-17السياسة الشرعية في تصرفات الرسول صلى هللا عليه وسلم المالية
واالقتصادية :محمد محمود أبو الليل ،أطروحة دكتوراه ،الجامعة األردنية .
-18الســـيرة النبويـــة :عبـــد الملـــك بـــن هشـــام ،دار الكتـــاب العربـــي ،بيـــروت،
1990م .
-19شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل :الغزالي ،تحقيق د.
حمد الكبيسي ،مطبعة اإلرشاد ،بغداد 1971 ،م .
-20صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج ،بيت األفكار الدولية ،ط 1998 ،1م.
-21طرق الكشف عن مقاصد الشارع :د .نعمان جغيم ،دار النفائس ،ط1
2002 ،م .
-22غياث األمم في التياث الظلم :اإلمام الجويني ،تحقيق مصطفى حلمي
،دار الدعوة .
43
-23الفروق :اإلمام أحمد بن إدريس القرافي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،
1998م .
-24فقه الزكاة :د يوسف القرضاوي ،مؤسسة الرسالة 1973 ،م .
-25المستصفى من علم األصول :اإلمام الغزالي ،تحقيق محمد سليمان
األشقر ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1997 ، 1م .
-26مقاصد الشريعة عند ابن تيمية :يوسف أحمد بدوي ،دار النفائس ،
األ ردن ،ط2000 ، 1م .
-27مقاصد الشريعة اإلسالمية :الطاهر بن عاشور ،تحقيق محمد الطاهر
الميساوي ،دار النفائس 2002 ،م .
-28الموطأ :مالك بن أنس ،رواية يحيـى بـن يحيـى الليثـي ،تحقيـق بشـار عـواد
معروف ،دار الغرب اإلسالمي ،ط 1997 ،2م.
44