You are on page 1of 44

‫سلسلة المباحث األصولية‬

‫مقامات التصرفات النبوية‬

‫الدكتور ‪ :‬عمر محمد جبه جي‬

‫دكتوراه في أصول الفقه ومقاصد الشريعة‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة ‪.‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين وأفضل الصالة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث‬
‫هادياً ومعلماً ورحم ًة وكاف ًة للناس أجمعين وبعد ‪:‬‬

‫جديد من سلسلة المباحث األصولية المقاصدية ‪ ،‬والتي نهدف من‬


‫بحث ٌ‬‫فهذا ٌ‬
‫خاللها إلى تأصيل المنهج األصولي المقاصدي وتعزيزه ونشره ‪ ،‬فهذا النهج يمثل‬
‫روح الشريعة الغراء ‪ ،‬فهو المنهج الوسط بين الغلو والتفريط ‪.‬‬

‫وفي هذا البحث الذين بين أيدينا نتحدث عن موضوع مقامات التصرفات النبوية ‪،‬‬
‫والمقصود بالتصرفات النبوية في هذا البحث ‪ :‬ما صدر عن النبي صلى هللا عليه‬
‫ٍ‬
‫صفات ‪ ،‬فهو‬ ‫قول أو ٍ‬
‫فعل ‪ ،‬فالنبي صلى هللا عليه وسلم يتصف بعدة‬ ‫وسلم من ٍ‬
‫مبلغ عن هللا ما أراد تبليغه للناس عن طريق الوحي المتلو ( القرآن‬
‫مرسل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫نبي‬
‫ٌ‬
‫الكريم ) ‪ ،‬والوحي غير المتلو ( السنة المطهرة ) ‪ ،‬كما أنه صلى هللا عليه وسلم‬
‫مخصص لعامه ‪ ،‬كما أنه‬
‫ٌ‬ ‫مقيد لمطلقه ‪،‬‬
‫مبين لمجمله ‪ٌ ،‬‬
‫مبين لمعاني القرآن ‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫صلى هللا عليه وسلم مفتي المسلمين ‪ ،‬فهو يجيبهم عن أسئلتهم الخاصة والعامة ‪،‬‬
‫وغالباً ما تكون أجوبته عام ًة لتشمل السائل ومن على شاكلته ‪.‬‬

‫مكلف من هللا بالقضاء بين الناس ‪ ،‬وهو قدوة القضاة ‪ ،‬وهو‬ ‫وهو من ٍ‬
‫جهة أخرى‬
‫ٌ‬
‫في القضاء يتصرف على ضوء الحجج والبينات التي يقدمها الخصوم بين يديه ‪،‬‬
‫ويقضي لهم وفق اجتهاده ‪ ،‬مطبقاً نصوص الشريعة على األقضية التي بين يديه‬
‫‪ ،‬والرسول عليه الصالة و السالم أيضاً إمام المسلمين ورئيسهم ‪ ،‬وهو يعمل بما‬
‫يحقق مصالحهم العامة ويدرء المفاسد عنهم ‪ ،‬بحسب الزمان والمكان والحال الذي‬
‫‪2‬‬
‫فوضها هللا تعالى إليه في رسالته‪ ،‬وهو أعظم‬ ‫هم فيه ‪ ،‬فجميع المناصب الدينية ّ‬
‫ديني إال وهو‬ ‫ٍ‬
‫منصب ٍ‬ ‫من كل من تولى منصباً منها إلى يوم القيامة ‪ ،‬فما من‬
‫تبة‪ ،‬غير أن غالب تصرفه صلى هللا عليه وسلم بالتبليغ؛‬ ‫متصف به في أعلى ر ٍ‬
‫ٌ‬
‫غالب عليه ‪ ،‬ثم تقع تصرفاته صلى هللا عليه وسلم‪:‬منها ما‬ ‫ألن وصف الرسالة ٌ‬
‫يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً ‪ ،‬ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء ‪ ،‬ومنها‬
‫ما يجمع الناس على أنه باإلمامة ‪ ،‬ومنها ما يتردد العلماء بين كونه بالقضاء أو‬
‫اإلمامة أو بالتبليغ والرسالة ‪.‬‬
‫جبلية بشر ٍ‬
‫ية ‪ ،‬كما‬ ‫ٍ‬ ‫تصرفات فطر ٍ‬
‫ية‬ ‫ٍ‬ ‫بشر يتصرف‬ ‫كما أن النبي مع ذلك كله ٌ‬
‫يتصرف على ضوء خبرته الحياتية التي اكتسبها من بيئته ومجتمعه ‪.‬‬

‫ولهذا البحث الذي بين أيدينا أهميةٌ كبيرة في مجال االجتهاد واإلفتاء ‪ ،‬وذلك أن‬
‫المجتهد أو الفقيه حين يتوجه إلى السنة النبوية ليستنبط منها البد له أن يكون‬
‫ملماً بأنواع المقامات التي صدرت منها تلك التصرفات ‪ ،‬ممي اًز بينها فالجهل‬
‫بمقامات التصرفات النبوية يؤدي إلى االضطراب في الفتوى لدى الذين ال يميزون‬
‫بين تصرفاته صلى هللا عليه وسلم التي يراد منها االقتداء واالتباع ‪ ،‬و األخرى‬
‫التي هي سياسات وقتية وتصرفات جزئية‪.‬‬

‫ولقد كان هذا التمييز بين مقامات التصرفات النبوية حاض اًر في عقول الصحابة‬
‫رضي هللا عنهم أجمعين ‪ ،‬كما كان واضحاً في أذهان علماء اإلسالم في مختلف‬
‫العصور ‪ ،‬وقد انعكس ذلك في تعاملهم مع السنة النبوية شرحاً وفقهاً واستنباطاً ‪.‬‬

‫وفي هذا البحث الذي بين أيدينا سأتحدث عن أهمية معرفة المقامات التي صدرت‬
‫منها التصرفات النبوية الشريفة ‪ ،‬وأبين طرق التمييز بين هذه المقامات المختلفة ‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫والصفات المميزة لكل مقا ٍم من المقامات الشريفة ‪ ،‬ثم أتعرض لتقسيمات السنة‬
‫النبوية ‪ ،‬فأذكر التصرفات التشريعية والمقامات التي تندرج تحتها ‪ ،‬والتصرفات‬
‫غير التشريعية والمقامات التي تندرج تحتها ‪ ،‬معز اًز ذلك كله بالكثير من األمثلة‬
‫من السنة النبوية الشريفة ‪ ،‬وأختم ذلك كله بخاتمة تحتوي مخلصاً لما تم عرضه‬
‫خالل هذا البحث ‪.‬‬

‫هذا وأسأل هللا تعالى أن يعينني ويسدد خطاي في هذا البحث ‪ ،‬وأن يجنبي الزلل‬
‫في القول والعمل ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫الدكتور ‪ :‬عمر محمد جبه جي‬

‫اإلمارات – العين‬

‫‪4‬‬
‫أوالً ‪:‬أهمية معرفة السياق والمقام الذي صدر فيه‬
‫التصرف النبوي ‪.‬‬
‫إن العلم بأسلوب الشارع وعادته وطريقته في التعبير عن األحكام الشرعية‬
‫ومقاصدها ضرورٌي جداً‪ ،‬إذ التخاطب بين المتكلمين ما وضع إال لقصد الفهم‬
‫والتواصل‪ ،‬فالعالقة إذاً بين المقاصد والخطاب الشرعي وطيدةٌ جداً ‪ ،‬فالبد من‬
‫ربط الكالم مع بعضه أوله وآخره وسببه وغايته حتى يفهم المراد منه(‪.)1‬‬

‫يقول الغزالي رحمه هللا في ذلك ‪ ( :‬يكون طريق فهم المراد تقدم المعرفة بوضع‬
‫اللغة التي بها المخاطبة‪ ،‬ثم إن كان نصاً ال يحتمل‪ ،‬كفى فيه معرفة اللغة وان‬
‫تطرق إليه االحتمال‪ ،‬فال يعرف المراد منه حقيقي ًة إال بانضمام قرين ٍة إلى اللفظ‪،‬‬
‫عقلي ‪ .....‬واما قرائن أحوال‬ ‫مكشوف ‪ .....‬واما إحال ٌة على ٍ‬
‫دليل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ظ‬
‫والقرينة إما لف ٌ‬
‫وحركات‪ ،‬وسوابق ولواحق‪ ،‬ال تدخل تحت الحصر والتخمين‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ورموز‬ ‫من إشار ٍ‬
‫ات‬
‫ٍ‬
‫بألفاظ‬ ‫يختص بدركها المشاهد كلها‪ ،‬فينقلها المشاهدون من الصحابة إلى التابعين‬
‫صر ٍ‬
‫يحة‪ ،‬أو مع قرائن من ذلك الجنس‪ ،‬أو جنس آخر‪ ،‬حتى توجب علماً ضرورياً‬
‫بفهم المراد‪ ،‬أو توجب ظناً وكل ما ليس له عبارةٌ موضوعة في اللغة‪ ،‬فتتعين فيه‬
‫القرائن) (‪.)2‬‬

‫ٍ‬
‫محتمل لمعنى‬ ‫يتلخص من كالمه أن مراد الشارع يعرف بمجرد اللغة إن كان غير‬
‫آخر غير لغوي‪ ،‬واال عرف ذلك بالقرائن العقلية أو المقالية أو الحالية‪.‬‬

‫‪ -1‬مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ‪:‬يوسف أحمد بدوي ‪ ،‬ص ‪ ، 219‬دار النفائس ‪ ،‬األردن ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪2000‬م ‪.‬‬
‫‪ -2‬المستصفى من علم األصول ‪ :‬اإلمام الغزالي ‪ ،‬تحقيق محمد سليمان األشقر ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪، 23-22‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪1997 ، 1‬م ‪ ،‬وأساس القياس ‪ :‬اإلمام الغزالي ‪ ،‬تحقيق د فهد السدحان‬
‫ص ‪ ، 52‬مكتبة العبيكان ‪ ،‬الرياض ‪1993 ،‬م ‪. .‬‬
‫‪5‬‬
‫ويقول الغزالي أيضاً‪( :‬ال يعرف قصد المخاطب إال بلفظه وشمائله الظاهرة)(‪.)3‬‬

‫رجل لغالمه‪ :‬اضرب فالناً ألنه‬


‫ويذكر الغزالي رحمه هللا لذلك مثاالً في أنه لو قال ٌ‬
‫سرق مالي ‪ ،‬فهم سبب الضرب من نص الكالم وهو السرقة‪ ،‬أما لو قال‪ :‬اضرب‬
‫فالناً‪ ،‬واقتصر ولم يذكر السبب‪ ،‬ولكن علم الحاضرون أنه قد شتمه ‪ ،‬غلب على‬
‫ظنونهم أن الداعي إلى األمر بالضرب شتمه‪ ،‬هذا إذا عرف من دأبه مقابلة‬
‫اإلساءة بمثلها على طريق العقاب والزجر واالنتقام والتشفي‪ ،‬أما الرجل الذي‬
‫عرف من دأبه مقابلة اإلساءة باإلحسان والتجاوز‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يتبين لنا أن‬
‫الضرب للشتم‪ ،‬فإن الدواعي والصوارف تختلف بالطباع والعادات‪ ،‬فالرجل المنعم‬
‫رجل احتمل ذلك أن يكون تبركاً منه بتقواه‪ ،‬واحتمل أن يكون طمعاً‬
‫إذا تواضع له ٌ‬
‫منه في نعماه ودنياه‪ ،‬وال يعرف إال بعادة المتواضع ‪ ،‬ثم يذكر الغزالي أن معاني‬
‫أحكام الشرع ومقاصده‪ ،‬تعقل بمثل هذا الطريق‪ ،‬وكل ذلك يستمد من موافقة‬
‫معاني الشرع وملحوظاته من المصالح‪ ،‬ألنه كما راعى ضروباً من المصالح‪،‬‬
‫اع من المصالح (‪.)4‬‬
‫أعرض عن أنو ٍ‬

‫ومما سبق يمكن أن نذكر بأن العناصر التي تتحكم في فهم الخطاب هي(‪:)5‬‬

‫‪ -1‬فهم لغة الخطاب‪.‬‬

‫‪ -2‬فهم اللغة على معهود العرب‪.‬‬

‫‪ -3‬معرفة سياق الخطاب‪ :‬ويقصد به هنا‪:‬‬

‫‪ -3‬المستصفى ‪:‬ج ‪ ، 2‬ص ‪.145‬‬


‫‪ -4‬ينظر ‪ :‬شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل ‪ :‬الغزالي ‪ ،‬تحقيق د‪ .‬حمد الكبيسي ‪،‬‬
‫ص ‪ ، 192 _191‬مطبعة اإلرشاد ‪ ،‬بغداد ‪ 1971 ،‬م ‪. .‬‬
‫‪ -5‬ينظر‪ :‬طرق الكشف عن مقاصد الشارع ‪ :‬د ‪ .‬نعمان جغيم ‪ ،‬ص‪ 82‬وما بعدها ‪ ،‬دار النفائس ‪،‬‬
‫ط‪2002 ، 1‬م ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬إما السياق اللغوي‪ :‬وهو معرفة الجمل والكلمات السابقة والالحقة‪.‬‬

‫‪ -‬أو السياق االجتماعي‪ :‬أي معرفة المقام الذي ألقي فيه الخطاب‪ ،‬ويدخل في‬
‫ذلك أسباب النزول وأسباب الورود‪ ،‬والظروف االجتماعية والنفسية السائدة وقت‬
‫ورود النص الشرعي‪.‬‬

‫‪ -4‬معرفة القرائن المحيطة بالخطاب‪ ،‬وقد تكون قرائن مقالية أو حالية‪.‬‬

‫ومن المهم هنا أن نذكر أنه للتعرف على مقاصد األقوال و األفعال النبوية البد لنا‬
‫من معرفة أنواع المقامات التي تصدر عنها تلك األقوال و األفعال‪ ،‬فلكي يؤدي‬
‫هذا المسلك ثماره في معرفة المقاصد البد من التمييز بين أنواع المقامات من أجل‬
‫أنها ضابط من ضوابط معرفة قصد الشارع‪.‬‬

‫و أحوال النبي صلى هللا عليه وسلم التي يصدر عنها قول منه أو فعل هي‬
‫التشريع‪ ،‬الفتوى‪ ،‬القضاء‪ ،‬اإلمارة‪ ،‬الهدي‪ ،‬الصلح‪ ،‬النصيحة‪ ،‬اإلشارة على‬
‫المستشر‪ ،‬تكميل النفوس‪ ،‬تعليم الحقائق العالية‪ ،‬الـتأديب‪ ،‬التجرد عن‬
‫اإلرشاد(‪.)6‬‬

‫‪ -6‬ينظر‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ :‬الطاهر بن عاشور ‪ ،‬تحقيق محمد الطاهر الميساوي‪ ،‬ص‬
‫‪ 212‬ومابعدها ‪ ،‬دار النفائس ‪2002 ،‬م ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أهمية التمييز بين مقامات التصرفات النبوية ‪.‬‬
‫إن لمعرفة أنواع تصرفات الرسول صلى هللا عليه وسلم أهمي ًة كبيرًة في الفهم‬
‫معين على فهم كالمه‬‫الصحيح للدين اإلسالمي واالجتهاد فيه ‪ ،‬وذلك لكونها أكبر ٍ‬
‫صلى هللا عليه وسلم الفهم السليم ‪ ،‬والعاصم من الغلو والجمود‪.7‬‬
‫ان و ٍ‬
‫احد من حيث عالقتها باألحكام الشرعية ‪،‬‬ ‫فالتصرفات النبوية ليست على وز ٍ‬
‫وذلك لتعدد األنشطة التي صدرت عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬واختالف‬
‫األحوال والقرائن التي صاحبت هذه التصرفات ‪ ،‬فالبد للناظر في هذه التصرفات‬
‫من تمييز األقوال واألفعال الصادرة عنه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬والتفرقة بين أنواع‬
‫تصرف بالجهة التي صدر عنه فيها ‪ ،‬بحسب ما يؤدي إليه‬ ‫ٍ‬ ‫تصرفاته ‪ ،‬وتقييد كل‬
‫ٍ‬
‫اجتهادية ‪،‬‬ ‫نهضة فقه ٍ‬
‫ية‬ ‫ٍ‬ ‫التحري واالجتهاد ‪ ،‬وهذا التفريق يعد دعام ًة أساسي ًة لقيام‬
‫تواكب مصالح الناس ‪ ،‬وتفتح لهم باب التطور واالرتقاء بما يالئم مختلف‬
‫ٍ‬
‫افتيآت على‬ ‫الظروف واألحوال ‪ ،‬وفي غير ما تعارض مع قواطع الشريعة أو‬
‫السنة النبوية الشريفة‪. 8‬‬

‫والحقيقة أن البعض ينظر للنصوص الشرعية الواردة عنه صلى هللا عليه وسلم‬
‫أداة لتبليغ األحكام العامة ‪ ،‬دون النظر إلى دوره صلى هللا عليه وسلم‬
‫بوصفها ً‬
‫بوصفه ولياً لألمر ‪ ،‬أو بوصفه بش اًر كغيره من البشر ‪ ،‬ويرجع السبب في ذلك‬
‫إلى االنطباع الذي ترسخ في أذهان الناس عن صورة النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ -7‬ينظر ‪:‬تصرفات الرسول باإلمامة الدالالت المنهجية والتشريعية ‪ :‬سعد الدين العثماني‪ ،‬ص‪، 43‬‬
‫منشورات الزمن ‪ ،‬الدار البيضاء‪2002،‬م ‪ ،‬و تصرفات الرسول باإلمامة وطرق الكشف عنها ‪ :‬بوعبد‬
‫هللا بن عطية ‪ ،‬ص‪ ، 28‬حوليات جامعة الجزائر ‪ ،‬العدد‪22.‬‬
‫‪ -8‬ينظر ‪ :‬السياسة الشرعية في تصرفات الرسول صلى هللا عليه وسلم المالية واالقتصادية ‪ :‬محمد‬
‫محمود أبو الليل ‪ ،‬ص ‪ ، 30‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬الجامعة األردنية ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫باعتباره مبلغاً عن ربه ‪ ،‬مع إغفال القرائن واألحوال التي تصاحب أفعاله صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪. 9‬‬
‫ٍ‬
‫بجالء في فتاوى وأحكام‬ ‫وقد ظهر أثر الجهل بمقامات التصرفات النبوية‬
‫بعض المتفقهة قديماً وحديثاً الذين ال يميزون بين تصرفاته صلى هللا عليه وسلم‬
‫التي يراد منها االقتداء واالتباع ‪ ،‬و األخرى التي هي سياسات وقتية وتصرفات‬
‫جزئية ‪ ،‬لقد أصاب هؤالء الفقهاء عمى األلوان فلم يفقهوا أقواله وأفعاله إال على‬
‫يقة و ٍ‬
‫احدة ‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى المالبسات والقرائن المحيطة بها ‪ ،‬ولم يربطوها‬ ‫طر ٍ‬

‫بأسبابها ومالبساتها ‪ ،‬وأحوالها الخاصة ‪ ،‬فغابت بذلك مقاصدها التشريعية‬


‫مجردة ‪ ،‬ال عالقة لها بواق ٍع يتحرك ‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫والتربوية والدعوية ‪ ،‬فأصبحت بذلك سنناً‬
‫‪10‬‬
‫ٍ‬
‫ببشر يتدافع ‪ ،‬وال بوقائع تستجد‬

‫ثالثاً ‪ :‬طرق معرفة مقامات التصرفات النبوية ‪.‬‬


‫لمعرفة المقامات التي تصدر عنها تصرفات النبي صلى هللا عليه وسلم هناك‬
‫طريقتان ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬تمييز النبي صلى هللا عليه وسلم بنفسه ألنواع تصرفاته ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬بيان الصحابة لذلك ‪ ،‬وعمل الخلفاء الراشدين ‪.‬‬

‫‪ -9‬المرجع السابق ‪ :‬ص ‪.30‬‬


‫‪ -10‬ينظر ‪:‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪ ،43‬و تصرفات الرسول باإلمامة‬
‫وطرق الكشف عنها ‪ :‬بو عبد هللا بن عطية ‪ ،‬ص‪28.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-1‬تمييز الرسول صلى هللا عليه وسلم بنفسه ألنواع تصرفاته ‪.‬‬
‫يبين النبي صلى هللا عليه وسلم أنه في بعض التصرفات التي يقوم بها ‪ ،‬إنما‬
‫بشر يتكلم على ضوء خبرته الحياتية‪ ،‬من ذلك أن النبي صلى‬ ‫يقوم بها بوصفه ٌ‬
‫هللا عليه وسلم قدم المدينة وهم يأبرون النخل ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما تصنعون ؟ قالوا ‪ :‬كنا‬
‫نصنعه ‪ ،‬قال ‪ :‬لعلكم لو لم تفعلوا كان خي اًر ‪ ،‬فتركوه ‪ ،‬فنفضت أو فنقصت ‪ ،‬قال‬
‫بشر ‪ ،‬إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ‪،‬‬
‫‪ :‬فذكروا ذلك له ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنما أنا ٌ‬
‫بشر )‪. 11‬‬
‫أي فإنما أنا ٌ‬
‫واذا أمرتكم بشيء من ر ٍ‬
‫مسلم رحمه هللا لهذا الحديث وأمثاله بقوله ‪ ( :‬وجوب امتثال ما‬
‫ٌ‬ ‫وقد بوب اإلمام‬
‫قاله شرعاً دون ما ذكره صلى هللا عليه وسلم من معايش الناس على سبيل‬
‫الرأي)‪.‬‬

‫ٍ‬
‫قاض بين الناس يقضي بالشرع‬ ‫كما بين النبي صلى هللا عليه وسلم أنه أيضاً‬

‫بشر يحكم في ضوء األدلة والحجج التي يقدمها الخصوم ‪ ،‬وقد يكون‬ ‫والقاضي ٌ‬
‫مبطل ‪ ،‬واآلخر ضعيف الحجة مع أنه صاحب‬ ‫بعضهم صاحب ٍ‬
‫حجة مع أنه‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫حق ‪ ،‬والقاضي ال يطلع على بواطن الناس وانما على الحجج والبراهين واإلثباتات‬
‫المقدمة أمامه ‪ ،‬وفي ذلك يقول عليه الصالة والسالم ‪( :‬إنما أنا بشر وانكم‬
‫تختصمون إلي‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على‬
‫ّ‬
‫نحو ما أسمع‪ ،‬فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فال يأخذه‪ ،‬فإنما أقطع له قطعة‬
‫من النار)‪.12‬‬

‫‪-11‬صحيح مسلم ‪ :‬كتاب الفضائل ‪ ،‬باب وجوب امتثال ماقاله شرعا ً دون ماذكره صلى هللا عليه وسلم‬
‫من معايش الناس على سبيل الرأي ‪ ،‬رقم الحديث ‪.2361‬‬
‫‪ -12‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الحيل ‪ ،‬باب حكم الحاكم ال يحل ما حرمه هللا ورسوله ‪ ،‬رقم ‪.6961‬‬
‫‪10‬‬
‫ومن ذلك أيضاً أن الرسول صلى هللا عليه وسلم لما اشتد على المسلمين البالء‬
‫جراء الحصار المفروض عليهم من األحزاب‪ ،‬بعث إلى عيينة بن حصن والحارث‬
‫بن عوفوهما قائدا غطفان‪ ،‬فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما‬
‫عنه وعن أصحابه‪ ،‬وكتبوا في ذلك كتاباً‪ ،‬وأرسل الرسول لسعد بن معاذ وسعد بن‬
‫أمر تحب فنصنعه؟ أم شئٌ أمرك هللا به‬
‫عبادة ليستشيرهما‪ ،‬فقاال‪ :‬يا رسول هللا ٌ‬
‫شئ أصنعه لكم‪ ،‬وهللا ما‬
‫البد لنا من العمل به؟ أم شئٌ تصنعه لنا؟ قال‪ :‬بل ٌ‬
‫قوس واحدةٍ‪ ،‬وكالبوكم من كل‬
‫ٍ‬ ‫أصنع ذلك إال ألني رأيت العرب قد رمتكم عن‬
‫أمر ما‪.‬‬
‫جانب‪ ،‬فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى ٍ‬
‫ٍ‬

‫فقال له سعد بن معاذ‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬قد كنا نحن وهؤالء القوم على الشرك باهلل‬
‫وعبادة األوثان‪ ،‬ال نعبد هللا وال نعرفه‪ ،‬وهم ال يطمعون أن يأكلوا منها ثمرًة إال قر ًى‬
‫أو بيعاً‪ ،‬أحين أكرمنا هللا باإلسالم وهدانا له وأعزنا بك وبه‪ ،‬نعطيهم أموالنا؟ وهللا‬
‫ما لنا بهذا حاجة‪ ،‬وهللا ما نعطيهم إال السيف حتى يحكم هللا بيننا وبينهم‪ .‬قال‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ :‬فأنت وذاك‪ ،‬فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما‬
‫فيها من الكتاب‪ ،‬ثم قال‪ :‬ليجهدوا علينا‪.13‬‬

‫فقد بين الرسول صلى هللا عليه وسلم في هذه القصة أنه تصرف بوصفه إماماً‬
‫للمسلمين يعمل بما فيه مصلحتهم ‪ ،‬وهو ملتزم بتصرفه هذا بشورى أهل الرأي من‬

‫‪ - 13‬ينظر‪ :‬السيرة النبوية ‪ :‬عبد الملك بن هشام ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ ، 155-154‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيرروت‪،‬‬
‫‪1990‬م ‪ ،‬وتاريخ االرسل والملوك‪ :‬اإلمام الطبري ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ، 573-572‬دار المعارف ‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫أصحابه ‪ ،‬كما أنه يرجع عن رأيه إلى رأي أصحابه إن رأى المصلحة العامة‬
‫تقتضي ذلك ‪.‬‬

‫‪-2‬بيان الصحابة وعمل الخلفاء الراشدين رضوان هللا عنهم‪.‬‬


‫كان الصحابة يميزون ما كان من تصرفات الرسول من قبيل التشريع وما كان من‬
‫قبيل السياسة العامة لألمة لتحقيق مصالحها ودرء المفاسد عنها‬

‫وقد تجسد ذلك من خالل‪: 14‬‬

‫أ‪-‬مراجعتهم إياه في بعض ق ارراته ‪.‬‬


‫كما فعل الحباب بن المنذر رضي هللا عنه في غزوة بدر ‪ ،‬فقد ورد في غزوة ٍ‬
‫بدر‬
‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم نزل عند أدنى ٍ‬
‫ماء من مياه بدر‪ ،‬وهنا قام الحباب‬
‫بن المنذر‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول هللا‪ :‬أرأيت هذا المنزل‪ ،‬أمنزالً أنزلكه هللا ليس لنا أن‬
‫نتقدمه وال نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال‪« :‬بل هو الرأي والحرب‬
‫ٍ‬
‫بمنزل‪ ،‬فانهض يا رسول هللا بالناس‬ ‫والمكيدة» قال‪ :‬يا رسول هللا فإن هذا ليس‬
‫حتى تأتي أدنى ماء من القوم‪-‬أي جيش المشركين‪ -‬فننزله ونغور –نخرب‪ -‬ما‬
‫حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم‪ ,‬فنشرب وال‬
‫ً‬ ‫وراءه من اآلبار ثم نبني عليه‬
‫يشربون‪ ،‬فأخذ النبي صلى هللا عليه وسلم برأيه‪.15‬‬

‫‪-14‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪42‬وما بعدها ‪ ،‬وتصرفات الرسول باإلمامة‬
‫وطرق الكشف عنها‪ :‬ص ‪ 56‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -15‬ينظر ‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ :‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 263‬‬
‫‪12‬‬
‫ب‪-‬اقتراحهم رأياً مخالفاً لرأيه بعد المشاورة ‪.‬‬

‫كما ورد في استشارة الرسول لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة في غزوة الخندق في‬
‫إعطاء غطفان جزءاً من ثمار المدينة ليفكوا حصارهم عن المدينة ‪ ،‬ورجوعه عن‬
‫رأيه لرأيهما ‪.‬‬

‫ومن ذلك استشارته ألصحابه في أسرى بدر وميله لرأي الصديق في أخذ الفداء ‪،‬‬
‫ثم نزول الوحي معاتباً ومرجحاً للرأي اآلخر ‪ ،‬ثم مبيناً إباحة أخذ الفداء مع كونه‬
‫رأياً مرجوحاً ‪.‬‬

‫ج‪-‬تأويلهم لبعض تصرفاته على أنها كانت لمصلح ٍة مؤقت ٍة ‪.‬‬

‫كتأويل ابن عباس رضي هللا عنه النهي عن أكل لحوم الحمر أنه كان‬
‫ٍ‬
‫مؤقتة وهي حمايتها من الفناء ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لمصلحة‬

‫د‪-‬مراجعة الخلفاء الراشدين لبعض تصرفاته صلى هللا عليه وسلم بعد‬
‫وفاته ‪.‬‬

‫وعي تا ٍم أن من تصرفاته صلى هللا عليه‬


‫فقد كان الصحابة رضي هللا عنهم على ٍ‬
‫وسلم ما صدر منه بحكم السياسة الشرعية ‪ ،‬اقتضتها مصالح جزئية ‪ ،‬فلما تغيرت‬
‫تلك المصالح تغيرت األحكام المرتبطة بها ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬

‫‪ -1‬أنه جاء أعرابي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فسأله عما يلتقطه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫اعرف عفاصها ( الوعاء الذي تحفظ فيه ) ووكاءها ( الخيط الذي يربط به‬
‫الوعاء ) ‪ ،‬ثم عرفها سن ًة‪ ،‬فإن جاء صاحبها واال فشأنك بها‪ ،‬قال‪ :‬فضالة الغنم يا‬
‫‪13‬‬
‫ضاَل ُة اإلبل؟ قال‪ :‬ما لك‬
‫رسول هللا؟ قال‪ :‬هي لك‪ ،‬أو ألخيك أو للذئب‪ ،‬قال‪َ :‬ف َ‬
‫ولها‪ ،‬معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها‪.16‬‬

‫وروى ُ‬
‫مالك أنه سمع ابن شهاب يقول‪ :‬كانت ضوال اإلبل في زمن عمر بن‬
‫أحد‪ ،‬حتى إذا كان زمن عثمان بن عفان أمر‬
‫الخطاب إبالً مرسل ًة تناتج ال يمسها ٌ‬
‫بتعريفها ثم تباع‪ ،‬فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها‪.17‬‬

‫في زمن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وزمن أبي ٍ‬
‫بكر وعمر – رضي هللا عنهما‬
‫– كانت األمانة هي خلق جميع أفراد المجتمع‪ ،‬لذلك كانت ضوال اإلبل تترك‬
‫أحد‪ ،‬ولما جاء زمن عثمان – رضي هللا عنه – اختلط الناس‬
‫مرسل ًة ال يعترضها ٌ‬
‫كثير من الغرباء إلى المدينة‪ ،‬فتغيرت أخالق الناس بسبب هذا‬
‫مع بعضهم‪ ،‬وجاء ٌ‬
‫االنفتاح على اآلخرين‪ ،‬وقلت األمانة في المجتمع أو ضعف الوازع اإليماني عند‬
‫البعض‪ ،‬فرأى عثمان أن يأمر بإمساك هذه اإلبل وبيعها‪ ،‬فإذا جاء صاحبها دفع‬
‫المال إليه‪ ،‬وهو ما يحقق مصلحة أصحاب ضوال اإلبل؛ ألن علة الحكم فيها‬
‫هي المحافظة على هذه اإلبل إما بأعيانها أو بثمنها وكال األمرين مصلح ٌة‪ ،‬وال‬
‫شك أن سيدنا عثمان بصنيعه هذا كان هدفه تحقق المصلحة العامة؛ ألنه رأى أن‬
‫ترك اإلبل على حالها – كما كان األمر في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم والى‬
‫زمن عمر – يعرضها للضياع‪ ،‬بعد أن تغيرت أخالق الناس‪ ،‬وأصبحوا يمدون‬
‫سليم‪،‬‬
‫اجتهاد ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أيديهم لضوال اإلبل‪ ،‬فرأى أن يقطع الطريق عليهم بما فعل‪ ،‬وهو‬

‫‪ -16‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب اللقطة‪ ،‬باب ضالة اإلبل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،184‬رقم ‪.2427‬‬
‫‪ - 17‬الموطأ‪ :‬كتاب األقضية‪ ،‬باب القضاء في الضوال‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،306‬رقم ‪.2210‬‬
‫‪14‬‬
‫سديد بال ريب‪ ،18‬وهذا من فقه عثمان رضي هللا عنه السديد المرتكز على‬
‫وحكم ٌ‬
‫ٌ‬
‫الموازنات والذي يراعي تغير الزمان والمكان واألحوال ‪ ،‬وهو من تصرفات اإلمام‬
‫المرتبطة بالمصلحة ‪.‬‬

‫‪ -2‬أراد الصديق – رضي هللا عنه – إقطاع عيينة بن حصن الفزاري واألقراع بن‬
‫حابس التميمي أرضاً أرادا استصالحها ثم عدل عن ذلك أخذاً برأي عمر – رضي‬
‫هللا عنه – في عدم الحاجة لتأليفهما على اإلسالم‪ ،‬فقد قال لهما عمر رضي هللا‬
‫ذليل‪ ،‬وان‬
‫عنه‪ :‬إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يتألفكما واإلسالم يومئذ ٌ‬
‫هللا عز وجل قد أعز اإلسالم‪ ،‬فاذهبا فاجهدا جهدكما‪.19‬‬
‫نظر وفقه مواز ٍ‬
‫نات‬ ‫إن إعطاء المؤلفة قلوبهم سهماً من أسهم الزكاة يحتاج إلى ٍ‬
‫ٍ‬
‫دقيق‪ ،‬فالبد من النظر في من نتألف؟ ومدى حاجة اإلسالم ودولته إليه؟ وهل في‬
‫تألفه مصلح ٌة تزيد على ما ندفعه له من سهم الزكاة؟ فإن كانت الحاجة والمصلحة‬
‫راجح ًة تألفنا‪ ،‬واال فعلينا توفير هذا المال لمصالح المسلمين األخرى‪.‬‬

‫وقد تألف الرسول الكريم عدداً من زعماء الشرك كأبي سفيان وعيينة بن حصن‬
‫واألقرع بن حابس وغيرهم‪ ،‬طمعاً في اطمئنان قلوبهم باإلسالم وطمعاً في دخول‬
‫مطاع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قومهم في اإلسالم أو ثباتهم عليه‪ ،‬فهم أصحاب ٍ‬
‫أمر‬

‫‪ - 18‬ينظر‪ :‬االجتهاد في الفقه اإلسالمي ضوابطه ومسرتقبله‪ :‬عبرد السرالم السرليما‪،‬ي ‪ ،‬ص ‪،144-143‬‬
‫وزارة األوقاف المغربية ‪1996 ،‬م ‪ ،‬و تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان ‪ :‬علري الصرالبي‪،‬‬
‫ص ‪ ، 159‬دار النشر والتوزيع ‪2002 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -19‬السررنن الكبرررح‪ :‬أحمررد بررن الحسررين بررن علرري البيهقرري‪ ،‬تحقيررع محمررد عبررد القررادر عطررا‪ ،‬كترراب قسررم‬
‫الصرردقات‪ ،‬برراب سررقوط سررهم المبلفررة قلرروبهم وترررك وعطررا هم عنررد هررور اإلسرالم‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ ،32‬رقررم‬
‫‪، 13189‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ 2003 ،3‬م‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ولما كان عهد أبي ٍ‬
‫بكر وعمر رضي هللا عنهما‪ ،‬وأصبح لإلسالم دولته‪ ،‬وأصبح‬
‫الدخول في اإلسالم مغنماً بعد أن كان مغرماً‪ ،‬لم تعد الحاجة للتألف قائم ًة لذلك‬
‫أوقف عمر هذا السهم‪ ،‬ليعود مردوده على مصالح اإلسالم ودولته‪.‬‬

‫‪ -3‬روى أبو عبيد أن عمر – رضي هللا عنه – قدم الجابية فأراد قسم األراضي‬
‫بين المسلمين فقال معاذ‪ :‬وهللا إذاً ليكونن ما تكره‪ ،‬إنك إن قسمتها صار الريع‬
‫العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة‪ ،‬ثم يأتي‬
‫من بعدهم قوم َي ُسدون من اإلسالم َم َسداً‪ ،‬وهم ال يجدون شيئاً فانظر اً‬
‫أمر يسع‬
‫أولهم وآخرهم‪.20‬‬

‫عدد من الصحابة منهم بالل والزبير – رضي هللا عنهما – على هذا‬
‫وقد اعترض ٌ‬
‫الرأي ورأيا قسمة األراضي كما قسم النبي صلى هللا عليه وسلم خيبر‪ ،‬لكن عمر‬
‫ين َما َفتَ ْح ُت َق ْرَي ًة ِإالَّ َق َس ْمتُ َها‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫– رضي هللا عنه – أجابهم بقوله‪َ" :‬ل ْوالَ آخ ُر اْل ُم ْسلم َ‬
‫النِب ُّى صلى هللا عليه وسلم َخ ْيَب َر " ‪.21‬‬ ‫َهلِ َها َك َما َق َسم َّ‬
‫َب ْي َن أ ْ‬
‫َ‬
‫وفي رو ٍ‬
‫اية يقول عمر رضي هللا عنه‪" :‬فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها‪ ،‬وأرض‬
‫الشام بعلوجها‪ ،‬فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية واألرامل لهذا البلد وبغيره من‬
‫أراضي الشام والعراق؟ ‪ ...‬وقد رأيت أن أحبس األرضين بعلوجها واضعاً عليهم‬
‫فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئاً للمسلمين‪ ،‬المقاتلة والذرية‪،‬‬
‫ولمن يأتي من بعدهم‪ ،‬أرأيتم هذه الثغور ال بد لها من رجال يلزمونها أرأيتم هذه‬

‫‪ –20‬األمرروال‪ :‬أبررو عبيررد القاسررم بررن سررالم‪ ،‬تحقيررع محمررد عمررارة‪ ،‬ص‪، 137- 136‬دار الشرررو ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1989‬م ‪.‬‬
‫‪ - 21‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب المزارعة‪ ،‬باب أوقراف أصرحاب النبري صرلع ي عليره وسرلم‪ ،‬رقرم ‪،2334‬‬
‫ج‪ ،2‬ص‪. 157-156‬‬
‫‪16‬‬
‫المدن العظام ال بد لها من أن تشحن بالجيوش‪ ،‬وادرار العطاء عليهم فمن أين‬
‫ُيعطى هؤالء إذا قسمت األرض والعلوج؟" فقال له الصحابة‪ :‬الرأي رأيك فنعم ما‬
‫قلت ورأيت‪ ،‬إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما َيتََقّوْون‬
‫به رجع أهل الكفر إلى مدنهم‪.22‬‬

‫‪-4‬فرض النبي صلى هللا عليه وسلم الدية مئة من اإلبل أو ثمانمئة درهم على‬
‫العاقلة باعتباره اإلمام ‪ ،‬ورأى عمر رضي هللا عنه فرضها بما يساوي هذا القدر‬
‫من أنواع األموال المختلفة ‪ ،‬وكانت على العاقلة فنقلها إلى أهل الديوان ‪ ،‬ورأى‬
‫الفقهاء أنه يجب أن يتعاون على أدائها كل من كان بينهم نوعٌ من التناصر ‪ ،‬فإذا‬
‫ٍ‬
‫تعاونية بين أهل كل‬ ‫ٍ‬
‫تأمينات‬ ‫عملة ر ٍ‬
‫ائجة ‪ ،‬وفرض قيام‬ ‫ٍ‬ ‫جاء اإلمام فقدرها بأية‬
‫حر ٍ‬
‫فة فال بأس ألن تصرف النبي كان تصرفاً باإلمامة التي يتوخى فيها مراعاة‬
‫مقاصد الشريعة بدرء المفاسد وجلب المصالح ‪ ،‬حسب المكان والزمان والحال‪.23‬‬

‫رابعاً ‪ :‬اهتمام العلماء ببيان أقسام التصرفات النبوية‬


‫والتفريق بينها ‪.‬‬
‫إن التمييز بين التصرفات النبوية كان حاض اًر في عقول الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫أجمعين ‪ ،‬وهذا ما رأيناه جلياً في الفقرة السابقة ‪ ،‬كما كان ذلك واضحاً في أذهان‬
‫علماء اإلسالم في مختلف العصور ‪ ،‬وقد انعكس ذلك في تعاملهم مع السنة‬
‫النبوية شرحاً وفقهاً واستنباطاً ‪.‬‬

‫‪ -22‬ينظر‪ :‬الخراج‪ :‬أبو يوسف يعقوب بن وبراهيم‪ ،‬ص‪ ،26-25‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1979 ،1‬م‪.‬‬
‫‪-23‬ينظر ‪ :‬تصرف الرسول باإلمامة وصلتها بالتشريع اإلسالمي‪ :‬د أحمد يوسف ‪ ،‬ص ‪ ، 429‬مجلة‬
‫مركز بحوث السنة والسيرة ‪ ،‬جامعة قطر ‪ ،‬العدد الثامن ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫وسنة غير تشر ٍ‬
‫يعية ‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬ ‫سنة تشر ٍ‬
‫يعية ‪،‬‬ ‫وقد قام العلماء بتقسيم السنة إلى ٍ‬

‫أوائل العلماء الذين ذكروا هذا التقسيم اإلمام ابن قتيبة في كتابه ( تأويل مختلف‬
‫الحديث ) ‪.‬‬

‫ثم جاء اإلمام القرافي المالكي رحمه هللا ففصل في هذه المسألة تفصيالً لم يسبق‬
‫إليه وذلك في كتابيه الفروق ‪ ،‬واإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام‬
‫وتصرفات القاضي واإلمام ‪.‬‬

‫يذكر القرافي رحمه هللا في كتابه الفروق أن الرسول صلى هللا عليه وسلم هو ‪:‬‬
‫(هو اإلمام األعظم والقاضي األحكم والمفتي األعلم‪ ،‬فهو صلى هللا عليه وسلم‬
‫فوضها هللا‬
‫إمام األئمة‪ ،‬وقاضي القضاة‪ ،‬وعالم العلماء‪ ،‬فجميع المناصب الدينية ّ‬
‫تعالى إليه في رسالته‪ ،‬وهو أعظم من كل من تولى منصباً منها في ذلك المنصب‬
‫متصف به في أعلى رتبة‪ ،‬غير أن‬
‫ٌ‬ ‫ديني إال وهو‬
‫منصب ٍ‬‫ٍ‬ ‫إلى يوم القيامة‪ ،‬فما من‬
‫غالب عليه ثم‬
‫ٌ‬ ‫غالب تصرفه صلى هللا عليه وسلم بالتبليغ؛ ألن وصف الرسالة‬
‫تقع تصرفاته صلى هللا عليه وسلم‪:‬منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً ‪ ،‬ومنها‬
‫ما يجمع الناس على أنه بالقضاء ‪ ،‬ومنها ما يجمع الناس على أنه باإلمامة ‪،‬‬
‫ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردده بين رتبتين فصاعدا‪ ،‬فمنهم من يغلب عليه‬
‫رتبة‪ ،‬ومنهم من يغلب عليه أخرى)‪.24‬‬

‫ثم يذكر القرافي رحمه هللا ما يخص كل نوٍع من هذه التصرفات ‪ ،‬فيقول عن‬
‫األحكام التبليغية ‪( :‬فكل ما قاله صلى هللا عليه وسلم أو فعله على سبيل التبليغ‪،‬‬

‫‪ -24‬الفروق ‪ :‬اإلمام أحمد بن إدريس القرافي ‪ ،‬الفرق ‪ ، 36‬ج‪ ، 1‬ص‪ ، 357‬دار الكتب العلمية ‪،‬‬
‫بيروت ‪1998 ،‬م ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫كان ذلك حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم القيامة‪ ،‬فإن كان مأمو اًر به أقدم عليه‬
‫كل أحد بنفسه‪ ،‬وكذلك المباح‪ ،‬وان كان منهياً عنه اجتنبه كل أحد بنفسه)‪. 25‬‬

‫أما أحكام اإلمامة فيقول فيها ‪( :‬وكل ما تصرف فيه عليه السالم بوصف اإلمامة‬
‫ال يجوز ألحد أن يقدم عليه إال بإذن اإلمام اقتداء به عليه السالم؛ وألن سبب‬
‫تصرفه فيه بوصف اإلمامة دون التبليغ يقتضي ذلك)‪. 26‬‬

‫أما أحكام القضاء فيقول فيها ‪( :‬وما تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم بوصف‬
‫القضاء ال يجوز ألحد أن يقدم عليه إال بحكم حاكم اقتداء به صلى هللا عليه‬
‫وسلم؛ وألن السبب الذي ألجله تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم بوصف القضاء‬
‫يقتضي ذلك )‪. 27‬‬

‫ومن العلماء الذين ذكروا هذه التقسيمات اإلمام ابن قيم الجوزية رحمه‬
‫هللا ‪ ،‬حيث يقول في زاد المعاد ‪( :‬رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنما كان يقضي‬
‫بالوحي وبما أراه هللا‪ ،‬ال بما رآه هو‪ ،‬فإنه صلى هللا عليه وسلم لم يقض بين‬
‫المتالعنين حتى جاءه الوحي ونزل القرآن‪...... ،‬وهذا في األقضية واألحكام‬
‫والسنن الكلية‪ ،‬وأما األمور الجزئية التي ال ترجع إلى أحكام كالنزول في ٍ‬
‫منزل‬
‫رجل ٍ‬
‫معين ونحو ذلك مما هو متعلق بالمشاورة المأمور بها بقوله‪:‬‬ ‫معين وتأمير ٍ‬
‫ٍ‬
‫مدخل‪ ،‬ومن هذا قوله‬
‫ٌ‬ ‫{وشاورهم في األمر} [آل عمران‪ ]159 :‬فتلك للرأي فيها‬

‫‪ -25‬الفروق ‪ :‬ج‪ ، 1‬ص ‪.357‬‬


‫‪ -26‬المصدر السابق ‪ :‬ج‪ ،1‬ص ‪.358‬‬
‫‪ -27‬المصدر السابق ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.358‬‬
‫‪19‬‬
‫أي رأيته) فهذا القسم شيء‪،‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم في شأن تلقيح النخل‪( :‬إنما هو ر ٌ‬
‫ٌ‬
‫شيء آخر)‪. 28‬‬
‫ٌ‬ ‫‪.‬واألحكام والسنن الكلية‬

‫فابن القيم رحمه هللا في النص السابق يقسم التصرفات النبوية إلى قسمين ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬ما ليس للنبي صلى هللا عليه وسلم فيها رأي أو تدخل ‪ ،‬وهذا في األقضية‬
‫واألحكام والسنة الكلية ‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬ما للرأي فيه مدخل وهو في األمور الجزئية التي ال ترجع إلى أحكام ‪،‬‬
‫رجل ٍ‬
‫معين ‪ ،‬ونحو ذلك مما هو متعلق‬ ‫معين ‪ ،‬وتأمير ٍ‬ ‫كالنزول في ٍ‬
‫منزل ٍ‬
‫بالمشاورة المأمور بها ‪.‬‬

‫ومن العلماء الذين اهتموا بهذه التقسيمات اإلمام الدهلوي في حجة هللا البالغة‬
‫‪ ،‬واإلمام الطاهر بن عاشور في مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬

‫وقد ذكر ابن عاشور رحمه هللا أن أحوال النبي صلى هللا عليه وسلم التي يصدر‬
‫عنها قول منه أو فعل هي التشريع‪ ،‬الفتوى‪ ،‬القضاء‪ ،‬اإلمارة‪ ،‬الهدي‪ ،‬الصلح‪،‬‬
‫النصيحة‪ ،‬اإلشارة على المستشر‪ ،‬تكميل النفوس‪ ،‬تعليم الحقائق العالية‪،‬‬
‫الـتأديب‪ ،‬التجرد عن اإلرشاد(‪.)29‬‬

‫‪-28‬زاد المعاد من هدي خيرالعباد ‪ :‬ابن قيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق األرنؤوط ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪، 375‬مؤسسة‬
‫الرسالة ‪.‬‬
‫‪ -29‬ينظر‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ 212 :‬ومابعدها ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫خامساً ‪ :‬أقسام التصرفات النبوية ‪.‬‬
‫تنقسم التصرفات النبوية إلى‪ - : 30‬تصرفات تشريعية ‪.‬‬

‫‪ -‬تصرفات غير تشريعية ‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬التصرفات التشريعية ‪.‬‬


‫وهي ما صدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم مما هو لالتباع واالقتداء ‪ ،‬وهذه‬
‫التصرفات بدورها تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬

‫‪ -1‬تصرفات بالتشريع العام ‪ -2 ،‬تصرفات بالتشريع الخاص ‪.‬‬

‫‪ -1‬التصرفات بالتشريع العام‪.31‬‬


‫موجه إلى كل الناس المكلفين زماناً ومكاناً إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عام‬
‫يع ٌ‬‫وهو تشر ٌ‬
‫وهو األصل في تصرفاته عليه الصالة والسالم إلى أن يثبت العكس ٍ‬
‫بأدلة وقرائن‬
‫معتبرٍة شرعاً ‪.‬‬

‫وقد وضع ابن عاشور رحمه هللا قرائن لتمييز التشريع العام من غيره ‪ ،‬يقول‬
‫رحمه هللا ‪( :‬فال بد للفقيه من استقراء األحوال وتوسم القرائن الحافة بالتصرفات‬
‫النبوية‪ ،‬فمن قرائن التشريع االهتمام بإبالغ النبي صلى هللا عليه وسلم إلى العامة‪،‬‬
‫والحرص على العمل به واإلعالم بالحكم‪ ،‬واب ارزه في صورة القضايا الكلية ‪ ،‬ومن‬
‫‪32‬‬
‫‪.‬‬ ‫عالمات عدم قصد التشريع عدم الحرص على تنفيذ الفعل )‬

‫‪ -30‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة‪ :‬سعد الدين العثماني‪ ،‬ص‪. 21‬‬


‫‪-31‬ينظر ‪- :‬تصرفات الرسول باإلمامة وطرق الكشف عنها‪ :‬ص‪ 30‬وما بعدها ‪ ،‬وتصرفات الرسول‬
‫باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ :‬ص‪ 22‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪-32‬ينظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص‪.228‬‬
‫‪21‬‬
‫من كالم اإلمام ابن عاشور نستنتج أن القرائن التي تميز التشريع العام ما يلي ‪:‬‬

‫‪-‬حرص الرسول على إبالغ التصرف للعامة كما في حجة الوداع ‪.‬‬

‫‪-‬أمره باالتباع ( خذوا عني مناسككم )‪.‬‬

‫‪ -‬إب ارزه في صورة القضايا الكلية ‪.‬‬

‫ويدخل ضمن التشريع العام ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬التصرفات بالتبليغ والرسالة ‪ ،‬ب‪-‬التصرفات بالفتوى ‪.‬‬

‫أ‪-‬التصرفات بالتبيلغ والرسالة‪.33‬‬


‫ويقصد بها ما بلغها الرسول عليه الصالة والسالم من غير القرآن ‪ ،‬ومهمة‬
‫شيء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الرسول فيها هي التبليغ المحض لما يتلقاه من الوحي ‪ ،‬وليس له من األمر‬

‫قال تعالى‪ ( :‬يا أيها النبي بلغ ما أوحي إليك من ربك ) ( المائدة ‪.) 67:‬‬

‫حكم‬
‫والتصرفات النبوية هنا تصدر عن طريق األمر أو النهي أو التقرير ‪ ،‬وهي ٌ‬
‫عام لكل المسلمين ‪ ،‬وقد أمرنا هللا بطاعة الرسول بقوله ‪ ( :‬من يطع الرسول فقد‬
‫ٌ‬
‫أطاع هللا ) ( النساء ‪ ، . )80 :‬وقال أيضاً ‪ ( :‬قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني‬
‫يحببكم هللا ) ( آل عمران ‪. )31 :‬‬

‫والتشريع هو المراد األول من الرسالة ‪ ،‬فتحمل تصرفات عليه إال إذا دلت القرائن‬
‫على خالف ذلك ‪.‬‬

‫والتشريع هو أغلب أحوال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬إذ ألجله بعثه هللا‬
‫ومن ذلك قوله عليه الصالة والسالم ‪( :‬خذوا عني مناسككم)‪ ، 34‬وقوله ‪:‬‬

‫‪ -33‬السياسة الشرعية من التصرفات النبوية ‪ :‬ص‪.42‬‬


‫‪22‬‬
‫(صلوا كما رأيتموني أصلي )‪ ، 35‬وقوله ‪ ( :‬إنما األعمال بالنية)‪ ، 36‬وقوله‬
‫‪ ( :‬ال يبع أحدكم على بيع أخيه )‪. 37‬‬
‫ويدخل في ذلك أيضاً ما أطلق عليه ابن عاشور حال الهدي واإلرشاد‬
‫فقد يأمر النبي وينهي وال يكون مقصوده العزم على الفعل ولكن اإلرشاد‬
‫إلى طرق الخير فيدخل في ذلك معظم المندوبات وما يدخل ضمن‬
‫مكارم األخالق وآداب الصحبة‪.38‬‬
‫ب‪ -‬التصرفات بالفتوى ‪.‬‬
‫هو إخباره عليه الصالة والسالم عن هللا تعالى بما يجده في األدلة من حكم هللا‬
‫تعالى‪. 39‬‬

‫يقول القرافي رحمه هللا ‪( :‬وكل ما تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم في العبادات‬
‫بقوله أو بفعله أو أجاب به سؤال سائل عن أمر ديني فأجابه فيه‪ ،‬فهذا تصرف‬
‫بالفتوى والتبليغ )‪.40‬‬

‫والرسول صلى هللا عليه وسلم في الفتوى كما يقول القرافي رحمه هللا‪ ( :‬يخبر عن‬
‫‪41‬‬
‫مقتضى الدليل الراجح عنده ‪ ،‬فهو كالمترجم عن عن هللا فيما وجده في األدلة )‬

‫مثال ذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم وقف في حجة الوداع على ناقته‬
‫بمنى للناس ليسألونه فجاء رجل فقال‪ :‬لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال ‪:‬‬

‫‪-34‬صحيح مسلم ‪ :‬كتاب الحج ‪ ،‬باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ً ‪ ،‬رقم ‪.1297‬‬
‫‪_35‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب األذان ‪ ،‬باب األذان للمسافر إذا كانوا جماعةً ‪ ،‬رقم ‪.631‬‬
‫‪-36‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب اإليمان ‪ ،‬باب ما جاء إن األعمال بالنية والحسبة ‪ ،‬رقم ‪.54‬‬
‫‪-37‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب ال يبع على بيع أخيه ‪ ،‬رقم ‪.2139‬‬
‫‪ -38‬ينظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص ‪.216‬‬
‫‪ -39‬السياسة الشرعية من التصرفات النبوية‪ :‬ص ‪. 42‬‬
‫‪ -40‬الفروق ‪ :‬ص‪. 358‬‬
‫‪ -41‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام ‪ :‬اإلمام القرافي ‪ ،‬ص‪. 84‬‬
‫‪23‬‬
‫انحر وال حرج‪ ،‬ثم جاء آخر فقال ‪ :‬نحرت قبل أن أرمي ‪ ،‬قال ‪ :‬ارمِ وال‬
‫حرج فما سئل عن شيء قدم وال أخر مما نسي المرء أو جهل إال قال ‪:‬‬
‫افعل وال حرج‪.42‬‬
‫ومثاله أيضاً ‪ :‬نهي النبي عن االنتباذ في الدباء والحنتم والمزفت و ِّ‬
‫‪43‬‬
‫المقير‬
‫وسبب النهي هو أن االنتباذ في هذه اآلنية يسرع االختمار في بالد الحجاز‬
‫فال يؤخذ هذا النهي أصالً يحرم ألجله وضع النبيذ في دباءة و حنتم لمن هو‬
‫في قطر بارد‪.‬‬
‫وتصرفه صلى هللا عليه وسلم بالفتوى كما الرسالة شرعٌ لنا إلى يوم الدين ‪ ،‬نتبع‬
‫كل حك ٍم مما بلغه إلينا عن ربه بسببه من غير اعتبار حكم حاك ٍم وال إذن إما ٍم‬
‫مبلغ لنا ذلك الحكم بذلك السبب ‪ ،‬وال يجوز لنا العدول‬
‫ألنه صلى هللا عليه وسلم ٌ‬
‫وال الخروج عن نصه إن اتحدت األسباب وتماثلت الحيثيات والمالبسات ‪ ،‬وليس‬
‫لإلمام أو المجتهد التغيير أو التبديل في هذا األمر‪. 44‬‬
‫وعلى الرغم من أن الكثير من الفتاوى ترد على أسباب خاصة وأجوب ًة أل ٍ‬
‫سئلة‬
‫حاصة إال أن ( العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب) كما يقول األصوليون ‪.‬‬

‫‪ -2‬التصرفات بالتشريع الخاص‪.45‬‬


‫ال أو أفرٍاد معينين ‪ ،‬وليست عام ًة‬
‫مكان أو أحو ٍ‬
‫بزمان أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وهو التشريع المرتبط‬
‫لألمة كلها‪ ،‬وهي ملزم ٌة لمن توجهت إليهم دون غيرهم ‪ ،‬ويسميها البعض‬
‫بالتصرفات الجزئية أو التشريعات الجزئية ‪.‬‬

‫‪-42‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الحج ‪ ،‬باب الفتيا على الدابة عند الصخرة ‪ ،‬رقم ‪.1736‬‬
‫‪-43‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب اإليمان ‪ ،‬باب أداء الخمس من اإليمان ‪ ،‬رقم ‪.53‬‬
‫‪ -44‬ينظر ‪ :‬السياسة الشرعية من التصرفات النبوية‪ :‬ص ‪.42‬‬
‫‪-45‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪ 28‬وما بعدها ‪ ،‬وتصرفات الرسول‬
‫باإلمامة وطرق الكشف عنها‪ :‬ص ‪ 32‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫والخصوصية هذه تحتاج إلى قرائن من سياق الكالم النبوي أو من أحوال تصرفاته‬

‫ويدخل في هذا القسم ‪:‬‬

‫أ‪ -‬التصرفات بالقضاء ‪.‬‬


‫وهو ما يحكم به النبي صلى هللا عليه وسلم بوصف كونه قاضياً بين‬
‫المتخاصمين‪ ،‬وفق ما ظهر له من البينات والحجج والقرائن التي يدلي بها‬
‫أحكام قضائي ٌة غير ملزم ٍة لغيره صلى‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫قضية من القضايا‪ ،‬فهي بذلك‬ ‫الخصوم في‬
‫قاض أن يحكم باجتهاده بعد النظر في حجج الخصوم‬ ‫ٍ‬ ‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬بل لكل‬
‫ومالبسات القضايا ‪.‬‬

‫يقول اإلمام القرافي رحمه هللا ‪( :‬ومتى فصل صلى هللا عليه وسلم بين اثنين في‬
‫دعاوى األموال أو أحكام األبدان ونحوها بالبينات أواإليمان والنكوالت ونحوها‪،‬‬
‫فنعلم أنه صلى هللا عليه وسلم إنما تصرف في ذلك بالقضاء دون اإلمامة العامة‪،‬‬
‫وغيرها؛ ألن هذا شأن القضاء والقضاة )‪. 46‬‬

‫وهنا البد من التمييز في الواقعة القضائية بين أمرين ‪:‬‬

‫عام ملزمة لألمة كلها ‪ ،‬أو‬


‫يع ٌ‬‫‪ -‬القاعدة القانونية المطبقة ‪ :‬وهي إما تشر ٌ‬
‫خاص بالقضية المقضي فيها ‪.‬‬‫يع ٌ‬ ‫تشر ٌ‬
‫‪-‬إثبات القضايا المعروضة وتطبيق القواعد القانونية عليها وهو المقصود‬
‫مجتهد و ليس تصرفه هنا بالوحي ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بتصرفه عليه السالم بالقضاء ‪ ،‬وهو في ذلك‬
‫وهو قدوةٌ لقضاة المسلمين من بعده ليجتهدوا كما اجتهد عليه الصالة و السالم ‪.‬‬

‫‪-46‬الفروق ‪ :‬ص‪.358‬‬
‫‪25‬‬
‫من أمثلة تصرف النبي صلى هللا عليه وسلم بالقضاء أن حبيبة بينت سهل‬
‫األنصارية شكت زوجها إلى النبي وقالت بأنها ال تحبه‪ :‬فقال لها رسول هللا‬
‫أتردين عليه حديقته قالت‪ :‬كل ما أعطاني فهو عندي ‪ ،‬فقال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم لثابت ‪ :‬خذ منها ‪ ،‬فأخذ حديقته وطلقها‪.47‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله صلى هللا عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان‬
‫شحيح ال يعطيني وولدي ما‬
‫ٌ‬ ‫رجل‬
‫لما قالت له صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إن أبا سفيان ٌ‬
‫يكفيني‪ ،‬فقال لها عليه الصالة والسالم ‪«:‬خذي لك ولولدك ما يكفيك‬
‫بالمعروف»‪.48‬‬

‫يقول القرافي رحمه هللا ‪ ( :‬اختلف العلماء في هذه المسألة وهذا التصرف منه‬
‫عليه السالم‪ :‬هل هو بطريق الفتوى؟ فيجوز لكل من ظفر بحقه أو بجنسه أن‬
‫يأخذه بغير علم خصمه به‪ ،‬ومشهور مذهب مالك خالفه‪ ،‬بل هو مذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬أو هو تصرف بالقضاء فال يجوز ألحد أن يأخذ جنس حقه أو حقه إذا‬
‫تعذر أخذه من الغريم إال بقضاء قاض‪.‬‬

‫حكى الخطابي القولين عن العلماء في هذا الحديث‪ :‬حجة من قال إنه بالقضاء‬
‫أنها دعوى في مال على معين فال يدخله إال القضاء؛ ألن الفتاوى شأنها العموم‪،‬‬
‫وحجة القول بأنها فتوى ما روي أن أبا سفيان كان بالمدينة والقضاء على‬
‫الحاضرين من غير إعالم وال سماع حجة ال يجوز فيتعين أنه فتوى وهذا هو‬
‫ظاهر الحديث )‪. 49‬‬

‫‪_47‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الطالق ‪ ،‬باب الخلع ‪ ،‬رقم ‪.5273‬‬


‫‪ -48‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب من أجرى أمر األمصار على ما يتعارفون بينهم ‪.‬‬
‫‪ -49‬الفروق ‪ :‬ص‪. 360-359‬‬
‫‪26‬‬
‫هذا و مما تتميز التصرفات بالقضاء عن التصرفات بالفتوى ما يلي‪: 50‬‬

‫ملزم بقوة الحكم بينما التصرف بالفتوى ملزم ٌة ألنها صادرة‬


‫‪-‬التصرف بالقضاء ٌ‬
‫عن الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فالتصرف بالقضاء ملزم بالحكم أما بالفتوى‬
‫فهو مخبر بالحكم الشرعي ‪.‬‬

‫‪-‬التصرف بالفتوى أعم ألنه يشمل العبادات والمعامالت وغيرها ‪ ،‬بينما التصرف‬
‫بالقضاء فيتعلق بالحقوق والواجبات ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لمستفت ‪ ،‬بينما بالقضاء فهو لفصل النزاع ‪.‬‬ ‫‪ -‬التصرف بالفتوى يكون جواباً‬

‫‪ -‬التصرف بالفتوى عام لألمة كلها ‪ ،‬بينما التصرف بالقضاء حكم خاص‬
‫بالجزئية المحكوم فيها ‪.‬‬

‫‪-‬التصرف بالفتيا يقبل النسخ ‪ ،‬بينما التصرف بالقضاء فال يقبل االنسخ ‪.‬‬

‫ب‪-‬التصرفات باإلمامة ‪.‬‬


‫عرف اإلمام الجويني رحمه هللا اإلمامة بأنها ‪( :‬سياس ٌة تام ٌة تتعلق بالخاصة‬
‫والعامة ‪ ،‬في مهمات الدين والدنيا ‪ ،‬مهمتها حفظ الحوزة ورعاية الرعية واقامة‬
‫الدعوة بالحجة والسيف ‪ ،‬وكف الخيف والحيف ‪ ،‬واالنتصاف للمظلومين من‬
‫الظالمين ‪ ،‬واستيفاء الحقوق من الممتنعين ‪ ،‬وايفاؤها على المستحقين ) ‪.51‬‬

‫‪ -50‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪ 30‬وما بعدها‬
‫‪ -51‬غياث األمم في التياث الظلم ‪ :‬اإلمام الجويني ‪ ،‬تحقيق مصطفى حلمي ‪ ،‬ص ‪ ، 15‬دار الدعوة ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫و التصرفات باإلمامة ‪ :‬هي التصرفات التي تصدر منه عليه الصالة والسالم‬
‫بوصفه إماماً للمسلمين ورئيساً للدولة ‪ ،‬يدير شؤونها بما يحقق المصالح ويدفع‬
‫المفاسد ‪ ،‬ويتخذ الق اررات واإلجراءات المناسبة بما يحقق مقاصد الشريعة في‬
‫المجتمع ‪ ،‬ويسميها بعض العلماء تصرفات بالسياسة الشرعية أو باإلمارة‪.52‬‬

‫وباختصار هي ‪ :‬ما صدر عن الرسول صلى هللا عليه وسلم من األقوال واألعمال‬
‫لتحقيق مصلحة عامة لألمة باعتباره إماماً للمسلمين‪. 53‬‬

‫ومما يميز التصرفات باإلمامة ما يلي‪: 54‬‬

‫‪-‬أن مقام اإلمامة هو مقام رعاية المقاصد العامة ‪ ،‬أي يهدف لرعاية مصلحة‬
‫األمة ودفع الفساد عنها ‪ ،‬والدفاع عن األمة ‪ ،‬وزجر المجرمين ‪ ،‬وقتل الطغاة ‪،‬‬
‫وليس تصرفاً في مصلحة خاصة فقط ‪ ،‬وهذه المصلحة تتغير بتغير حال األمة‬
‫زماناً ومكاناً وحاالً ‪ ،‬لذلك وضع العلماء قاعدة ‪ ( :‬تصرفات اإلمام منوط ٌة‬
‫بمصلحة الرعية ) ‪.‬‬

‫‪-‬أن اإلمام يملك قوة التنفيذ وهذا شيء ال يملكه القاضي أو المفتي ‪.‬‬

‫ظروف‬
‫ٌ‬ ‫تصرفات مرتبطة بمصالح جزئية بحسب مصلحة األمة تمليها‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬كما أنها‬
‫محددةٌ من حيث الزمان والمكان والحال ‪ ،‬ويمكن أن تختلف تبعاً لهذه الظروف‬
‫نفسها ‪ ،‬وبالتالي فهي ليست شرعاً عاماً ملزماً لألمة إلى قيام الساعة ‪ ،‬وعلى‬
‫والة أمر األمة أال يجمدوا عليها ‪ ،‬ولكن يتبعوا منهج الرسول صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ -52‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪28‬وما بعدها‪ ،‬و تصرفات الرسول‬
‫باإلمامة وطرق الكشف عنها‪ :‬ص ‪ 32‬وما بعدها‬
‫‪-53‬ينظر ‪ :‬السياسة الشرعية في تصرفات الرسول ‪ :‬ص‪.41‬‬
‫‪-54‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪ 54‬وما بعدها ‪ ،‬وكذلك ص ‪65‬‬
‫وما بعدها ‪ ،‬و تصرف الرسول باإلمامة ‪ :‬د أحمد يوسف ‪ ،‬ص ‪. 439‬‬
‫‪28‬‬
‫الذي بنى فيه حكمه أو تصرفه ‪ ،‬وأن يراعوا المصالح الباعثة على ذلك الحكم‬
‫والتي راعاها الرسول عليه الصالة والزمان زماناً ومكاناً وحاالً ‪.‬‬

‫ويدخل في ذلك أمور السياسة العامة وأمر الحرب وترتيباته‪ ،‬وتعيين السفراء وأمراء‬
‫واألمراء وقادة الجند ‪ ،‬وتوجيه الجيوش ‪ ،‬وكذلك أمور العقوبات التعزيرية ‪.‬‬

‫‪ -‬كما أنها تصرفات اجتهادية الرسول صلى هللا عليه وسلم حين يتصرف بكونه‬
‫أمنزل أنزلكه هللا فال نتجاوزه أم هو الرأي‬
‫ٌ‬ ‫إماماً فإنه يتصرف باجتهاده ورأيه ‪( ،‬‬
‫والحرب والمكيدة؟ ) ‪.‬‬

‫‪ -‬و هي تصرفات مرتبطة مباشرًة بأحوال الدولة اإلسالمية ونظامها الكلي من‬
‫الناحية السياسية ‪ ،‬واالجتماعية واالقتصادية ‪.‬‬

‫‪ -‬مراعاة التدرج في تنزيل األحكام ‪ ،‬مثل امتناع الرسول عن هدم الكعبة ‪ ،‬نهي‬
‫الرسول عن زيارة القبور ثم حثه على زيارتها ‪.‬‬

‫‪ -‬تصرفات في أمور غير دينية مباحة أي هي تراعي المصالح الدنيوية لألمة‬


‫في ذلك الزمان أو المكان أو الحال‪.‬‬

‫‪ -‬عدم خروجها عن الثوابت الشرعية مثل ‪ :‬رفع الحرج والتيسير ‪ ،‬والعدل ‪،‬‬
‫واالرتباط بالعقيدة واألخالق ‪.‬‬

‫‪ -‬مراعاة تغير أحوال الناس ‪ ،‬ومراعاة الظروف الطارئة ‪ ،‬مثال النهي عن‬
‫ادخار لحوم األضاحي ثم اإلذن باالدخار ‪ ،‬أخذ شطر مال مانع الزكاة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ومن أمثلة التصرفات النبوية باإلمامة ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬بعث الجيوش وتعيين األمراء والقادة وصرف أموال بيت المال في محالها ‪،‬‬
‫وقسمة الغنائم وغيرها ‪ ،‬وفي ذلك يقول اإلمام القرافي رحمه هللا ‪ ( :‬بعث‬
‫الجيوش لقتال الكفار والخوارج‪ ،‬ومن تعين قتاله‪ ،‬وصرف أموال بيت المال في‬
‫جهاتها وجمعها من محالها‪ ،‬وتولية القضاة والوالة العامة‪ ،‬وقسمة الغنائم‪ ،‬وعقد‬
‫العهود للكفار ذمة وصلحا‪ ،‬هذا هو شأن الخليفة واإلمام األعظم فمتى فعل صلى‬
‫هللا عليه وسلم شيئاً من ذلك علمنا أنه تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم بطريق‬
‫‪.‬‬ ‫‪55‬‬
‫اإلمامة دون غيرها )‬

‫‪ -‬بعض التقديرات االقتصادية كتحديد الفرق بين كل سن وسن بشاتين أو عشرين‬


‫درهماً ‪ ،‬يقول الدكتور القرضاوي حفظه هللا في ذلك ‪ ( :‬واالذي يظهر لي أن‬
‫تعيين النبي صلى هللا عليه وسلم لبعض التقديرات كان بصفة اإلمامة والرياسة‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ‪ ،‬ال بصفة النبوة وصفة اإلمامة‬ ‫التي له صلى هللا عليه وسلم على األمة‬
‫تعتبر ما هو األنفع للجماعة في الوقت والمكان والحال المعين ‪ ،‬وتأمر به ‪ ،‬وقد‬
‫تأمر بغيره لتغير الزمان أو المكان أو الحال ‪ ،‬أو تغيرها كلها بخالف ما يجيء‬
‫بصفة النبوة فهو يأخذ صورة التشريع الملزم لجميع األمة في جميع األزمنة‬
‫واألمكنة ‪ ،‬ويدخل في هذا –عندي‪ -‬تحديد الفرق بين كل سن وسن بشاتين أو‬
‫عشرين درهماً ‪ ،‬مع أن الفرق في مثل هذه األحوال ال يثبت على قيمة واحدة‬
‫جامدة ‪ ،‬فإن النسبة بين اإلبل والشياه – لو ظلت ثابتة – فإن تقويم الشاتين‬
‫بعشرين درهماً ال يثبت فقد تغلو قيمة الشياه ‪ ،‬أو تنخفض القيمة الشرائية للدرهم ‪،‬‬
‫ومشاهد اآلن فالنبي صلى هللا عليه وسلم حين‬
‫ٌ‬ ‫معلوم‬
‫ٌ‬ ‫أو يحدث العكس كما هو‬

‫‪ -55‬الفروق ‪ :‬ص‪.358‬‬
‫‪30‬‬
‫قدر الشاة بعشرين درهماً قومها باعتباره إماماً ‪ ،‬حسب سعر الوقت فال مانع عندنا‬
‫من تقدير الفرق بغير ذلك ‪ ،‬تبعاً الختالف القيم واألسعار ‪.‬‬

‫وبناء على هذا األساس جاء تقدير اإلمام علي رضي هللا عنه الفرق بين السنين‬
‫ً‬
‫بشاتين أو عشرة دراهم ‪ ،‬فهذا يدل على أن الشياه رخصت في عهده وليس ذلك‬
‫مخالفة لألمر النبوي )‪. 56‬‬

‫‪ -‬ومنه في الزكاة كذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم فرض زكاة الفطر وجعلها‬
‫بناء على ما كانوا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب ‪ً ،‬‬
‫يطعمونه ‪ ،‬ألن المقصود من زكاة الفطر هو إغناء الفقراء يوم العيد عن السؤال ‪،‬‬
‫وعلى أن قيم الصاع من هذه األطعمة متقاربة ‪ ،‬ولهذا لما رأى معاوية قمح الشام‬
‫وارتفاع قيمه بالنسبة للشعير أو التمر أو الزبيب قال ‪ ( :‬أرى مدين من سمراء‬
‫الشام تعدل صاعاً من ٍ‬
‫تمر) ‪ ،‬فأخذ الناس بذلك‪. 57‬‬

‫قال ابن قيم الجوزية رحمه هللا‪ ( :‬إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين فرضها‬
‫بيب أو صاعاً من أقط ‪ ،‬كانت هي غالب أقواتهم‬‫شعير أو ز ٍ‬
‫ٍ‬ ‫صاعاً من ٍ‬
‫تمر أو‬
‫بالمدينة ‪ ،‬فإذا وجد أهل ٍ‬
‫بلد قوتهم غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا‬
‫‪58‬‬
‫فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان ‪ ،‬إذ المقصود سد خلة المساكين في هذا اليوم )‬

‫‪ -‬في قضية التسعير ‪ ،‬الرسول صلى هللا عليه وسلم رفض التسعير عند الغالء‬
‫الطبيعي لألسعار‪ ،‬وقال لمن طلب منه التسعير ‪ ( :‬إن هللا هو المسعر القابض‬

‫‪-56‬فقه الزكاة ‪ :‬د يوسف القرضاوي ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ ، 190‬مؤسسة الرسالة ‪1973 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-57‬ينظر ‪ :‬تصرف الرسول باإلمامة ‪ :‬د أحمد يوسف ‪ ،‬ص ‪.423‬‬
‫‪-58‬إعالم الموقعين عن رب العالمين ‪ :‬اإلمام ابن قيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق مشهور آل سلمان ‪ ،‬ج‪، 4‬‬
‫ص ‪ ،353‬دار ابن الجوزي ‪ ،‬الرياض ‪1423 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الباسط الرازق ‪ ،‬واني ألرجو أن ألقى هللا عز وجل و ليس ٌ‬
‫أحد منكم يطلبني‬

‫بمظلم ٍة في ٍ‬
‫‪59‬‬
‫‪.‬‬ ‫مال )‬
‫دم وال ٍ‬
‫ٍ‬
‫طبيعية مثل كثرة الخلق وقلة المنتج فالتسعير‬ ‫ٍ‬
‫ألمور‬ ‫فالرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫في هذه الحالة يزيد الغالء ‪ ،‬فعدم التسعير مصلحة جزئية ‪ ،‬لذلك يصح أن نعتبر‬
‫التصرف النبوي في هذه الحالة من قبيل التصرف باإلمامة والرئاسة ‪ ،‬لذلك يروى‬
‫أحد‬
‫عن بعض الخلفاء أنه سعر ‪ ،‬وأفتى بعض التابعين بجواز التسعير ‪ ،‬ولم يقل ٌ‬
‫عام ‪ ،‬بحيث يحرم التسعير وال يجوز أبداً‪. 60‬‬
‫من العلماء أن عدم التسعير شرعٌ ٌ‬
‫‪ -‬ومن المسائل أيضاً مسألة جباية أموال الزكاة ‪ ،‬هل هي من وظائف اإلمام ؟‬
‫مقيد بالنصوص الواردة في هذا الموضوع ؟ أم أن لإلمام أن يرجع‬
‫وهل اإلمام ٌ‬
‫لرأيه ‪ ،‬ويتصرف وفقاً الجتهاده فيما يحقق المصلحة للمسلمين من توليها هو‬
‫بنفسه أو نوابه ‪ ،‬أو تفويض صاحب المال بإخراج زكاته مطلقاً ‪ ،‬أو في األموال‬
‫الباطنة دون األموال الظاهرة ؟‪. 61‬‬

‫والراجح أن أمر جباية زكاة المال من قبيل السياسة الشرعية المتغيرة بتغير‬
‫الظروف والزمان والمكان ‪ ،‬فتصرف الرسول صلى هللا عليه وسلم في أمر جباية‬
‫تصرف بمقتضى السياسة واإلمامة ‪ ،‬ولم يكن تصرفه تشريعياً إلزامياً‬
‫ٌ‬ ‫الزكاة هو‬
‫لألمة وللحكام من بعده ‪ ،‬لذلك في زمن عثمان رضي هللا عنه وجد أن المصلحة‬
‫تقتضي العدول عن هذه الطريقة ‪ ،‬وتوكيل أرباب األموال بإخراج زكاة أموالهم‬

‫‪-59‬سنن الترمذي ‪ :‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب ما جاء في التسعير ‪ ،‬رقم ‪.1314‬‬


‫‪-60‬ينظر ‪ :‬تصرف الرسول باإلمامة ‪ :‬د أحمد يوسف ‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫‪ -61‬ينظر ‪ :‬السياسة الشرعية في التصرفات النبوية ‪ :‬ص ‪.63-62‬‬
‫‪32‬‬
‫الباطنة ‪ ،‬واالكتفاء بجباية األموال الظاهرة ألن معالم الدولة بدأت تختلف في‬
‫عهده ‪ ،‬من حيث اتساع رقعتها و كثرة أعبائها والتزاماتها‪. 62‬‬

‫‪-‬ومن المسائل أيضاً تملك األرض الموات عن طريق اإلحياء ‪ ،‬فقد ورد أن‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم قال ‪«:‬من أحيا أرضا ميتة فهي له»‪.63‬‬

‫يقول اإلمام القرافي في هذا الحديث الشريف ‪ ( :‬اختلف العلماء رضي هللا عنهم‬
‫في هذا القول‪ ،‬هل تصرف بالفتوى فيجوز لكل أحد أن يحيي‪ ،‬أذن اإلمام في ذلك‬
‫اإلحياء أم ال ؟ وهو مذهب مالك والشافعي رضي هللا عنهما‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ألحد أن يحيي إال بإذن‬ ‫تصرف منه عليه السالم باإلمامة فال يجوز‬ ‫أو هو‬
‫ٌ‬
‫اإلمام‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة رحمه هللا‪.‬‬

‫وأما تفرقة مالك بين ما قرب من العمارة فال يحيا إال بإذن اإلمام وبين ما بعد‬
‫فيجوز بغير إذنه فليس من هذا الذي نحن فيه‪ ،‬بل من قاعدة أخرى‪ ،‬وهي أن ما‬
‫قرب من العمران يؤدي إلى التشاجر والفتن وادخال الضرر فال بد فيه من نظر‬
‫األئمة دفعا لذلك المتوقع كما تقدم‪ ،‬وما بعد من ذلك ال يتوقع فيه شيء من ذلك‬
‫فيجوز‪ ،‬ومذهب مالك والشافعي في اإلحياء أرجح؛ ألن الغالب في تصرفه صلى‬
‫هللا عليه وسلم الفتيا والتبليغ‪.‬‬

‫والقاعدة‪( :‬أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى))‪.64‬‬

‫‪-‬ومن المسائل أيضاً تملك سلب القتيل في المعركة ‪ ،‬فقد قال صلى هللا عليه‬
‫‪65‬‬
‫قال أبو حنيفة ومالك ال يجوز أخذ السلب إال‬ ‫وسلم‪( :‬من قتل قتيالً فله سلبه)‬

‫‪ -62‬ينظر ‪ :‬السياسة الشرعية في التصرفات النبوية ‪ :‬ص ‪.67‬‬


‫‪ -63‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب المزارعة ‪ ،‬باب من أحيا أرضا ً مواتا ً ‪ ،‬رقم ‪.2334‬‬
‫‪ -64‬الفروق ‪ :‬ص ‪. 359‬‬
‫‪33‬‬
‫بإذن اإلمام ألن هذا الحكم صادر عن النبي بوصفه إماماً ‪ ،‬وقال الشافعي وأبو‬
‫ثور وداوود الظاهري ال يتوقف ذلك على إذن اإلمام بل هو حق للقاتل ألن هذا‬
‫منه صلى هللا عليه وسلم تبليغي‪.‬‬

‫يقول اإلمام القرافي في هذه المسألة ‪ ( :‬اختلف العلماء في هذا الحديث هل‬
‫أحد سلب المقتول إال أن‬
‫تصرف فيه صلى هللا عليه وسلم باإلمامة؟ فال يستحق ٌ‬
‫يقول اإلمام ذلك‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬فخالف أصله فيما قاله في اإلحياء‪ ،‬وهو أن‬
‫غالب تصرفه صلى هللا عليه وسلم بالفتوى‪ ،‬فينبغي أن يحمل على الفتيا عمالً‬
‫أمور منها أن الغنيمة أصلها أن تكون للغانمين‪،‬‬
‫بالغالب ‪ ،‬وسبب مخالفته ألصله ٌ‬
‫لقوله عز وجل‪«:‬واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن هلل خمسه»‪ ،‬واخراج السلب‬
‫من ذلك خالف هذا الظاهر ‪ ،‬ومنها أن ذلك إنما أفسد اإلخالص عند المجاهدين‪،‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫كلمة‬ ‫نصر‬ ‫دون‬ ‫السلب‬ ‫لهذا‬ ‫فيقاتلون‬
‫ومن ذلك أنه يؤدي إلى أن يقبل على قتل من له سلب دون غيره‪ ،‬فيقع التخاذل‬
‫في الجيش‪ ،‬وربما كان قليل السلب أشد نكاي ًة على المسلمين‪ ،‬فألجل هذه‬
‫األسباب ترك هذا األصل‪ ،‬وعلى هذا القانون وهذه الفروق يتخرج ما يرد عليك‬
‫من هذا الباب من تصرفاته صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فتأمل ذلك فهو من األصول‬
‫الشرعية)‪.66‬‬
‫‪ -‬ويندرج تحت التصرفات باإلمامة ما يسميه اإلمام ابن عاشور رحمه هللا بحال‬
‫التأديب‬

‫قال ابن عاشور رحمه هللا ‪( :‬ينبغي إجادة النظر في هذه الحال ألنه قد‬

‫تحصل به المبالغة لقصد التهديد فعلى الفقيه أن ِّ‬


‫يميز ما يناسب أن يكون‬

‫‪ -65‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب فرض الخمس ‪ ،‬باب من لم يخمس األسالب ‪ ،‬رقم ‪.3141‬‬
‫‪-66‬الفروق ‪ :‬ص‪. 360‬‬
‫‪34‬‬
‫القصد منه بالذات التشريع ‪ ،‬وما يناسب أن يكون القصد منه التوبيخ‬
‫والتهديد ولكنه تشريع بالنوع أي بنوع أصل التأديب)‪.67‬‬
‫ويمثل ابن عاشور لذلك بحديث‪( :‬والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر‬
‫بحطب فيحطب ‪ ،‬ثم آمر بالصالة فيؤذن لها ثم آمر رجالً فيؤم الناس ‪،‬‬
‫ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ‪ ،‬والذي نفسي بيده لو يعلم‬
‫أحدهم أنه يجد عظماً ثميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)‪، 68‬‬
‫فالرسول صلى هللا عليه وسلم لم يكن ليحرق بيوت المسلمين ألجل شهود‬
‫صالة العشاء في الجماعة ‪ ،‬ولكن الكالم سيق مساق التهويل في التأديب‬
‫‪ ،‬أو أن هللا أطلعه على أن أولئك من المنافقين وأذن له بإتالفهم إن شاء‪.69‬‬
‫ج‪ -‬التصرفات الخاصة ‪.70‬‬
‫ٍ‬
‫بأشخاص معينين المخالفة لألحكام‬ ‫والمقصود بها التصرفات التشريعية الخاصة‬
‫العامة ‪ ،‬ويسميها الفقهاء ( قضايا األعيان ) ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لشخص في زمنه ‪ ،‬ثبتت‬ ‫والقاعدة هنا أن تصرفاته صلى هللا عليه وسلم إذا ثبتت‬
‫لغيره حتى يدل دليل على الخصوصية ‪.‬‬

‫ويمكن أن نلحق بذلك ما يسميه ابن عاشور رحمه هللا بحال طلب حمل‬
‫كثير في أوامر الرسول ونواهيه‬
‫النفوس على األكمل من األحوال‪ :‬وذلك ٌ‬
‫ألصحابه وذلك ليحملهم على ما يليق بجالل مرتبتهم من االتصاف بأكمل‬
‫األحوال مما لو ُحمل عليه جميع األمة لكان حرجاً عليهم‪.‬‬

‫‪ -67‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص‪. 225‬‬


‫‪-68‬صحيح البخاري‪ :‬أبواب صالة الجماعة واإلمامة ‪ ،‬باب وجوب صالة الجماعة ‪ ،‬رقم ‪.618‬‬
‫‪-69‬ينظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص ‪.225‬‬
‫‪-70‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪ 29‬وما بعدها‪ ،‬و تصرفات الرسول‬
‫باإلمامة وطرق الكشف عنها‪ :‬ص ‪ 32‬وما بعدها‬
‫‪35‬‬
‫سبع ‪،‬‬
‫بسبع ونهانا عن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫مثال‪( :‬أمرنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وابرار المقسم‬
‫ونصر المظلوم وافشاء السالم واجابة الداعي ‪ ،‬ونهانا عن خواتيم‬
‫القسية واإلستبرق‬
‫الذهب وعن آنية الفضة وعن المياثر الحمر و ّ‬
‫والديباج والحرير )‪.71‬‬
‫اجب ‪،‬‬‫الحديث جمع مأمورات ومنهيات مختلطة ‪ ،‬فمنها ما هو و ٌ‬
‫مندوب ‪ ،‬ومنها ما هو حرٌام ومنها ما هو مكروهٌ‪ ،‬والنهي‬
‫ٌ‬ ‫ومنها ما هو‬
‫في هذا الحديث هو ألجل تنزيه أصحابه عن التظاهر بمظاهر البذخ‬
‫والفخفخة‪.72‬‬
‫ومن ذلك أيضاً ما يسميه ابن عاشور رحمه هللا تعليم الحقائق العالية و مثاله ما‬
‫رواه أبو ذر الغفاري رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪( :‬ما‬
‫‪ ،‬فظن أبو ٍ‬
‫ذر أن هذا‬ ‫‪73‬‬
‫أحب أن لي مثل أحد ذهباً أنفقه كله إال ثالثة دنانير)‬
‫أمر عام لألمة فأصبح ينهى عن اكتناز المال حتى أنكر عليه جل الصحابة‪.74‬‬

‫ثانياً ‪ :‬التصرفات النبوية غير التشريعية ‪.‬‬


‫وهي تصرفات ال يقصد بها االقتداء واالتباع من األمة ال عامة وال خاصة ‪،‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ :‬التصرفات الجبلية ‪ ،‬والعادية ‪ ،‬والدنيوية ‪ ،‬واإلرشادية ‪ ،‬والخاصة‬ ‫ومنها‬

‫‪_71‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب األدب ‪ ،‬باب تشميت العاطس إذا حمد هللا ‪ ،‬رقم ‪.6222‬‬
‫‪-72‬ينظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص‪.222‬‬
‫‪ -73‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الزكاة ‪ ،‬رقم ‪.1408‬‬
‫‪-74‬ينظر ‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص ‪.224‬‬
‫‪-75‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪ 33‬وما بعدها‬
‫‪36‬‬
‫بالرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ويسميها ابن عاشور رحمه هللا ‪ ( :‬حال التجرد‬
‫عن اإلرشاد )‪.76‬‬

‫‪ -1‬التصرفات الجبلية ‪.‬‬


‫وهي التصرفات الصادرة بحكم بشرية الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهي تنقسم‬
‫إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪-‬ما يقع منه اضط ار ًار من غير ٍ‬
‫قصد كاستنارة وجهه عليه الصالة و السالم حين‬
‫يضحك ‪.‬‬

‫ويدخل فيهاهواجس النفس وحركات األعضاء ‪ ،‬فهذا النوع من األفعال ال يتعلق‬


‫فيه األمر باالتباع ‪ ،‬وليس فيه أسوة ‪.‬‬

‫‪ -‬األفعال الجبلية االختيارية كالقيام والجلوس والنوم فليس فيه ت ٍ‬


‫أس وال اتباع ‪.‬‬

‫‪ -2‬التصرفات العادية ‪.‬‬


‫ما يفعله الرسول صلى هللا عليه وسلم جرياً على عادة قومه ومألوفهم في األكل‬
‫والشرب واللباس ‪ ،‬كامتناعه عن أكل الضب ‪.‬‬

‫‪ -3‬التصرفات الدنيوية ‪.‬‬


‫وهي تصرفاته عليه السالم بمقتضى الخبرة البشرية في الزراعة أو الصناعة أو‬
‫خاص ‪ ،‬بل هي متروك ٌة إلى‬
‫يع ٌ‬‫الطب وغير ذلك ‪ ،‬وهذه األمور ليس فيها تشر ٌ‬
‫معارف الناس وتجاربهم ‪.‬‬

‫‪-76‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص ‪.226‬‬


‫‪37‬‬
‫ومثال ذلك حديث تأبير النخل الشهير ‪.‬‬

‫وفي ذلك الحديث يقول عليه الصالة و السالم ‪ ( :‬إنما أنا بشر ‪ ،‬إذا أمرتكم‬
‫بشئ من دينكم فخذوا به ‪ ،‬واذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر )‪. 77‬‬

‫وقد بوب اإلمام مسلم رضي هللا عنه لهذه األحاديث بقوله ‪ ( :‬باب وجوب امتثال‬
‫ما قاله شرعاً ‪ ،‬دون ما ذكره صلى هللا عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل‬
‫الرأي ) ‪.‬‬

‫‪-4‬التصرفات اإلرشادية ( النصيحة) ‪.‬‬


‫وهي تصرفات ترشد إلى األفضل من منافع الدنيا ‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬ما ورد في صحيح مسلم أن فاطمة بنت قيس ذكرت للنبي أن معاوية بن‬
‫أبي سفيان وأبا جهم خطباها فقال لها رسول هللا ‪(:‬أما أبو جهم ال يضع عصاه‬
‫عن عاتقه ‪ ،‬وأما معاوية فصعلوك)‪.78‬‬

‫ويدخل في هذا الصنف أيضاً ما ذكره ابن عاشور رحمه هللا من إشارته عليه‬
‫السالم على المستشير ‪ ،‬ونصحه وشفاعته‪. 79‬‬

‫مثال ذلك ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه حمل على فرس في‬
‫سبيل هللا فأضاعه الرجل الذي أعطاه عمر إياه ‪ ،‬ورام بيعه فرام عمر أن‬
‫يشتريه وظن أن صاحبه بائعه برخص فسأل عمر رسول هللا فقال له‪( :‬ال‬
‫تشتره ولو أعطاكه بدرهم فإن الراجع في صدقته كالكلب يعود في قيئه)‪.80‬‬

‫‪-77‬سبق تخريجه ‪.‬‬


‫‪_78‬صحيح مسلم ‪ :‬كتاب الطالق ‪ ،‬باب المطلقة ثالثا ً ال نفقة لها ‪ ،‬رقم ‪.1480‬‬
‫‪ -79‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ :‬ص ‪ 219‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -80‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الهبة ‪ ،‬باب ال يحل ألحد أن يرجع في هبته وصدقته ‪.2623 ،‬‬
‫‪38‬‬
‫ويمكن أن يلتحق بهذا النوع ما يسميه ابن عاشور رحمه هللا بحال المصالحة‬
‫بين الناس‪.‬‬
‫ومثال ذلك قضية كعب بن مالك حين طالب عبد هللا بن أبي حدرد بمال‬
‫كان له عليه فارتفعت أصواتهما في المسجد فخرج رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فقال يا كعب ‪ :‬ضع من دينك وأومأ إليه بالنصف ‪ ،‬فأخذ نصف‬
‫المال الذي له‪.81‬‬
‫‪-5‬التصرفات الخاصة به صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫مثل تزوجه بأكثر من أربع ٍ‬
‫نساء ‪ ،‬ووصاله الصوم ونحو ذلك ‪.‬‬

‫على أن الخصوصية ال تثبت إال بما يلي‪: 82‬‬

‫‪ -‬أن يرد في القرآن النص على الخصوص ( وام أر ٌة مؤمن ًة إن وهبت نفسها‬
‫للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) ( األحزاب ‪:‬‬
‫‪.)50‬‬

‫‪ -‬أن ينص النبي نفسه وذلك عندما سئل عن وصال الصوم قال‪ ( :‬إني لست‬
‫‪83‬‬
‫‪.‬‬ ‫كهيئتكم ‪ ،‬إني يطعمني ربي ويسقين)‬

‫‪ -‬اإلجماع على الخصوصية ‪ ،‬كاإلجماع باختصاص النبي بزواج أكثر من أربع‬


‫ٍ‬
‫نساء ‪.‬‬

‫‪ -81‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الصالة ‪،‬أبواب استقبال القبلة ‪ ،‬باب التقاضي والمالزمة في المسجد‪ ،‬رقم‬
‫‪.457‬‬
‫‪-82‬ينظر ‪ :‬تصرفات الرسول باإلمامة ‪ :‬سعد الدين العثماني ‪ ،‬ص ‪42‬وما بعدها‬
‫‪-83‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب الوصال ‪ ،‬رقم ‪.1964‬‬
‫‪39‬‬
‫الخاتمة ( وتتضمن أهم نتائج البحث )‬
‫‪ -1‬إن العلم بأسلوب الشارع وعادته وطريقته في التعبير عن األحكام الشرعية‬
‫ومقاصدها ضرورٌي جداً ‪ ،‬و للتعرف على مقاصد األقوال و األفعال النبوية البد‬
‫لنا من معرفة أنواع المقامات التي تصدر عنها تلك األقوال و األفعال‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الجهل بمقامات التصرفات النبوية يؤدي إلى االضطراب في الفتوى لدى‬
‫الذين ال يميزون بين تصرفاته صلى هللا عليه وسلم التي يراد منها االقتداء‬
‫واالتباع ‪ ،‬و األخرى التي هي سياسات وقتية وتصرفات جزئية‪.‬‬
‫‪ -3‬لمعرفة المقامات التي تصدر عنها تصرفات النبي صلى هللا عليه وسلم هناك‬
‫طريقتان ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬تمييز النبي صلى هللا عليه وسلم بنفسه ألنواع تصرفاته ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬بيان الصحابة لذلك ‪ ،‬وعمل الخلفاء الراشدين ‪.‬‬

‫وقد تجسد ذلك من خالل‪:‬‬

‫‪-‬مراجعتهم إياه في بعض ق ارراته ‪.‬‬

‫‪-‬اقتراحهم رأياً مخالفاً لرأيه بعد المشاورة ‪.‬‬


‫ٍ‬
‫مؤقتة ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لمصلحة‬ ‫‪-‬تأويلهم لبعض تصرفاته على أنها كانت‬
‫‪-‬مراجعة الخلفاء الراشدين لبعض تصرفاته صلى هللا عليه وسلم بعد وفاته ‪.‬‬
‫‪ -4‬إن التمييز بين التصرفات النبوية كان واضحاً في أذهان علماء اإلسالم في‬
‫مختلف العصور ‪ ،‬وقد انعكس ذلك في تعاملهم مع السنة النبوية شرحاً وفقهاً‬
‫واستنباطاً ‪ ،‬ومن هؤالء العلماء ابن قتيبة والقرافي وابن قيم الجوزية و الدهلوي‬
‫والطاهر بن عاشور وغيرهم رحمهم هللا جميعاً ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ -5‬تنقسم التصرفات النبوية إلى ‪ - :‬تصرفات تشريعية ‪.‬‬
‫‪ -‬تصرفات غير تشريعية ‪.‬‬

‫‪-6‬التصرفات التشريعية ‪ :‬هي ما صدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم مما هو‬
‫لالتباع واالقتداء ‪ ،‬وهذه التصرفات بدورها تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬

‫‪ -‬تصرفات بالتشريع العام ‪ - ،‬تصرفات بالتشريع الخاص ‪.‬‬

‫‪ -7‬يدخل ضمن التشريع العام ما يلي ‪:‬‬


‫‪ -‬التصرفات بالتبليغ والرسالة ‪- ،‬التصرفات بالفتوى ‪.‬‬

‫‪ -8‬ويدخل ضمن التشريع الخاص ما يلي ‪:‬‬


‫ٍ‬
‫خاص‬‫‪ -‬التصرفات بالقضاء‪- ،‬التصرفات باإلمامة ‪-‬التصرفات الخاصة أش‬
‫معينين ‪.‬‬

‫‪ -9‬التصرفات النبوية غير التشريعية ‪.‬‬


‫وهي تصرفات ال يقصد بها االقتداء واالتباع من األمة ال عامة وال خاصة ‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬التصرفات الجبلية ‪ ،‬والعادية ‪ ،‬والدنيوية ‪ ،‬واإلرشادية ‪ ،‬والخاصة ‪.‬‬
‫هذه أهم النتائج التي توصلت إليها من هذا البحث أرجو هللا أن يتقبل منا هذا‬
‫مجيب ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يب‬
‫سميع قر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫العمل ويجعله في ميزان حسناتنا إنه‬

‫الدكتور ‪ :‬عمر محمد جبه جي‬

‫اإلمارات – العين‬

‫‪41‬‬
‫المصادر والمراجع ‪.‬‬
‫‪-1‬القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم ‪.‬‬

‫‪-2‬االجتهـاد فـي الفقـه اإلسـالمي ضـوابطه ومسـتقبله‪ :‬عبـد السـالم الســليماني ‪،‬‬
‫وزارة األوقاف المغربية ‪1996 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-3‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام ‪ :‬اإلمام القرافي ‪،‬‬
‫‪-4‬أساس القياس ‪ :‬اإلمام الغزالي ‪ ،‬تحقيق د فهد السدحان ‪ ،‬مكتبة العبيكان‬
‫‪ ،‬الرياض ‪1993 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-5‬إعالم الموقعين عن رب العالمين ‪ :‬اإلمام ابن قيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق‬
‫مشهور آل سلمان ‪ ،‬دار ابن الجوزي ‪ ،‬الرياض ‪1423 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪-6‬األموال‪ :‬أبو عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬تحقيق محمد عمارة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1989‬م ‪.‬‬
‫‪-7‬تاريخ االرسل والملوك‪ :‬اإلمام الطبري ‪ ،‬دار المعارف ‪1967 ،‬م‪.‬‬

‫‪-8‬تصرفات الرسول باإلمامة الدالالت المنهجية والتشريعية ‪ :‬سعد الدين‬


‫العثماني‪ ،‬منشورات الزمن ‪ ،‬الدار البيضاء‪2002،‬م ‪.‬‬
‫‪-9‬تصرفات الرسول باإلمامة وطرق الكشف عنها ‪ :‬بوعبد هللا بن عطية ‪،‬‬
‫حوليات جامعة الجزائر ‪ ،‬العدد‪.22‬‬
‫‪-10‬تصرف الرسول باإلمامة وصلتها بالتشريع اإلسالمي‪ :‬د أحمد يوسف ‪،‬‬
‫مجلة مركز بحوث السنة والسيرة ‪ ،‬جامعة قطر ‪ ،‬العدد الثامن ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-11‬تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان ‪ :‬علي الصالبي‪ ،‬دار‬
‫النشر والتوزيع ‪2002 ،‬م ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -12‬الجــامع الصــحيح‪ :‬محمــد بــن إســماعيل البخــاري‪ ،‬اعتنــى بــه محــب الــدين‬
‫الخطيب ومحمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬المطبعة السلفية ومكتبتها‪ ،‬ط‪1400 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -13‬الجامع الصحيح (سنن الترمذي)‪ :‬أبو عيسى محمد بن عيسى بـن سـورة‪،‬‬
‫تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة مصطفى البابي الحلبي‪1938 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -14‬الخـــراج‪ :‬أبـــو يوســـف يعقـــوب بـــن إبـــراهيم‪ ،‬دار المعرفـــة‪ ،‬بيـــروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪-15‬زاد المعاد من هدي خيرالعباد ‪ :‬ابن قيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق األرنؤوط ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫‪-16‬الســنن الكبــرى‪ :‬أحمــد بــن الحســين بــن علــي البيهقــي‪ ،‬تحقيــق محمــد عبــد‬
‫القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ 2003 ،3‬م‪.‬‬
‫‪-17‬السياسة الشرعية في تصرفات الرسول صلى هللا عليه وسلم المالية‬
‫واالقتصادية ‪ :‬محمد محمود أبو الليل ‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬الجامعة األردنية ‪.‬‬
‫‪-18‬الســـيرة النبويـــة ‪ :‬عبـــد الملـــك بـــن هشـــام ‪ ،‬دار الكتـــاب العربـــي ‪ ،‬بيـــروت‪،‬‬
‫‪1990‬م ‪.‬‬
‫‪-19‬شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل ‪ :‬الغزالي ‪ ،‬تحقيق د‪.‬‬
‫حمد الكبيسي ‪ ،‬مطبعة اإلرشاد ‪ ،‬بغداد ‪ 1971 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-20‬صحيح مسلم‪ :‬مسلم بن الحجاج‪ ،‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬ط‪ 1998 ،1‬م‪.‬‬

‫‪-21‬طرق الكشف عن مقاصد الشارع ‪ :‬د ‪ .‬نعمان جغيم ‪ ،‬دار النفائس ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪2002 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-22‬غياث األمم في التياث الظلم ‪ :‬اإلمام الجويني ‪ ،‬تحقيق مصطفى حلمي‬
‫‪ ،‬دار الدعوة ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪-23‬الفروق ‪ :‬اإلمام أحمد بن إدريس القرافي ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪1998‬م ‪.‬‬
‫‪-24‬فقه الزكاة ‪ :‬د يوسف القرضاوي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1973 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-25‬المستصفى من علم األصول ‪ :‬اإلمام الغزالي ‪ ،‬تحقيق محمد سليمان‬
‫األشقر ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪1997 ، 1‬م ‪.‬‬
‫‪-26‬مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ‪:‬يوسف أحمد بدوي ‪ ،‬دار النفائس ‪،‬‬
‫األ ردن ‪ ،‬ط‪2000 ، 1‬م ‪.‬‬
‫‪-27‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ :‬الطاهر بن عاشور ‪ ،‬تحقيق محمد الطاهر‬
‫الميساوي ‪ ،‬دار النفائس ‪2002 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-28‬الموطأ‪ :‬مالك بن أنس‪ ،‬رواية يحيـى بـن يحيـى الليثـي‪ ،‬تحقيـق بشـار عـواد‬
‫معروف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ 1997 ،2‬م‪.‬‬

‫‪44‬‬

You might also like