You are on page 1of 179

‫العقيـدة اإلسالميــــة‬

‫تأليـــف‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عمر عيسى عمران‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد الكريم هجيج طعمة‬
‫أ‪ .‬م‪ .‬د‪ .‬محسن قحطان حمدان‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬أحمد خزعل جاسم‬
‫أ‪ .‬م‪ .‬د‪ .‬أحمد محمد رمضان‬
‫المراجعة اللغوية‪ :‬همام طه‬

‫لطالب‬
‫المرحلة الخامسة ‪ -‬المدارس اإلسالمية‬

‫الطبعة األولى‬

‫‪6102‬م – ‪0341‬هـ‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد هلل الواحد األحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد‪ ،‬ال شريك‬
‫له وال مثيل وال ولد‪ ،‬والصالة والسالم على هادي الناس‪ ،‬والرحمة‬
‫المهداة‪ ،‬سيدنا محمد‪ ،‬وآله وصحبه ومن انتهج طريقه واتبع سنته‬
‫إلى يوم لقاه‪ ،‬وسلم تسليما ً كثيراً‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫انطالقا ً من الواجب الشرعي فقد انتخبت شعبة المناهج والتطوير‬


‫التابعة لدائرة التعليم الديني والدراسات اإلسالمية نخبة من أهل‬
‫االختصاص‪ ،‬وعهدت إليهم مهمة تأليف كتاب العقيدة اإلسالمية‬
‫للصف الخامس الثانوي‪ ،‬يحقق المقاصد الدينية‪ ،‬ويغذي الحاجة‬
‫الفكرية‪ ،‬ويضيف لبنة إلى البناء العقائدي السليم لطلبة العلوم‬
‫الشرعية بما يتالءم وإدراكات الطلبة في هذه المرحلة‪ ،‬فأنجزت‬
‫اللجنة المكلفة بهذا العمل واجبها‪ ،‬واتبعت المنهجية العلمية في‬
‫التأليف إذ قسمت المباحث على وفق أقسام الحكم العقلي‪.‬‬

‫فكان المبحث األول‪ :‬معنيا ً بمقدمات العقيدة ببيان خصائص العقيدة‬


‫اإلسالمية ومصادر التلقي‪.‬‬

‫وكان المبحث الثاني‪ :‬مخصصا ً لبيان الحكم العقلي وأقسامه‪ ،‬وقد‬


‫كلف بهما األستاذ الدكتور عبد الكريم هجيج طعمة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وكان المبحث الثالث من الكتاب‪ :‬مخصصا ً لبيان الواجب والجائز‬
‫والمستحيل في باب اإللهيات‪ ،‬وكلف به األستاذ الدكتور عمر عيسى‬
‫عمران‪.‬‬

‫وجاء المبحث الرابع‪ :‬مخصصا ً لبيان الواجبات والجائزات‬


‫والمستحيالت في باب النبوات‪ ،‬وكلف به األستاذ المساعد الدكتور‬
‫أحمد محمد رمضان‪.‬‬

‫وكان المبحث الخامس‪ :‬مخصصا ً للبحث في أحكام السمعيات‪،‬‬


‫وكلف به األستاذ الدكتور أحمد خزعل جاسم‪.‬‬

‫وقد اعتمدنا منهجا ً وسطا ً في بيان مباحث العقيدة اإلسالمية يالئم‬


‫الفئة العمرية‪ ،‬ويعتمد على مصادر ومراجع لعلماء أفذاذ كتبوا في‬
‫هذا العلم‪ ،‬ومادة علمية تلبي حاجة طالب العلم‪ ،‬للتعرف على عقيدته‬
‫بشمولية ويسر‪ ،‬لتكوِّ ن لديه يقينا ً ال يمازجه ريب وال يخالفه شك‬
‫للتعرف على الوجود من حوله‪ ،‬من أين جاء؟ ولِ َم؟ وإلى أين؟‬
‫وحاجة الناس إلى أنبياء ورسل يوضحون لهم ذلك‪.‬‬

‫هذه التساؤالت ال بد منها‪ ،‬ليعلم أن له خالقا ً أزليا ً لم يوجده عبثاً‪،‬‬


‫وأنه مكلف للطاعة وعمارة األرض بفضل ما وهبه هللا تعالى من‬
‫عقل وإرادة تميزه عن سائر المخلوقات‪.‬‬

‫ثم إنه سيحشر في يوم ما إلى ربه فناظر ماذا عمل في دنياه وما‬
‫ادخره آلخرته‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وقد اعتمدنا في التأليف على إيراد األدلة العقلية والنقلية‪ ،‬ليعلم‬
‫المسلم وطالب العلم أن عقيدتنا وديننا لم يأت بما تحار به العقول‪،‬‬
‫بل يؤيدها العقل ويثبتها النظر الصحيح‪ ،‬والمتأمل في كتاب هللا –‬
‫تعالى – سيجد أنه سبحانه شرف العقل بالخطاب‪ ،‬وجعله مناط‬
‫التكليف‪ ،‬وندبه للبحث والنظر والتفكير‪.‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﭼ [يونس‪.] ١٠١ :‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ [ق‪.] ٦ :‬‬

‫وتضمنت المباحث نماذج من األسئلة؛ ليستفيد منها الطالب في‬


‫مراجعة دراسته‪ ،‬واستحضار المعلومات‪ ،‬وقياس قدرته على‬
‫اإلستيعاب‪.‬‬

‫وهللا نسأل أن ينفع بهذا المؤلف ويهدي به إلى صراطه المستقيم‪.‬‬

‫المؤلفون‬

‫‪4‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مقدمات في العقيدة‬

‫المطلب األول‪ :‬خصائص العقيدة اإلسالمية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مصادر التلقي واالستدالل في العقيدة اإلسالمية‬

‫‪5‬‬
‫المطلب األول‪ :‬خصائص العقيدة اإلسالمية‬

‫تمتاز العقيدة اإلسالمية بخصائص عديدة ميزتها عن غيرها من‬


‫العقائد الوضعية والديانات المنحرفة‪ ،‬وسنذكر أهمها كما يأتي‪:‬‬

‫أوالا‪ :‬الربانية‪:‬‬

‫تعد العقيدة اإلسالمية ربانيةة فةي المصةدر والمةنهج‪ ،‬وربانيةة فةي‬


‫المقصةةد والغايةةة‪ ،‬إذ تسةةتمد أصةةولها وتعاليمهةةا مةةن الةةوحي المتمثةةل‬
‫بةةالقرآن الكةةريم‪ ،‬ومةةا صةةح مةةن سةةنة الرسةةول األكةةرم (‪ )١()‬قةةال‬

‫تعةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭼ [النحل‪.]٤٤ :‬‬

‫ولكونها ربانية فهةي عقيةدة كاملةة‪ ،‬ال تقبةل الزيةادة أو النقصةان‪،‬‬


‫ثابتةةةة ال تقبةةةل التحريةةةف أو التبةةةديل‪ ،‬بيانهةةةا القةةةرآن المعجةةةز بنظمةةةه‬
‫وبالغته‪ ،‬لذا فهي ليسةت مةن قبيةل اإلنشةاء أو الكةالم البشةري القابةل‬
‫للنقد والرد‪ ،‬إنما هي حق الريب فيه‪ُ ،‬تحترم و ُتطاع طاعةة اختياريةة‬
‫ال إجبةةار وال إكةةراه عليهةةا‪ ،‬بخةةالف غيرهةةا مةةن األفكةةار والنظريةةات‬
‫والمبةةةادل المسةةةتوحاة مةةةن الفكةةةر البشةةةري‪ ،‬والتةةةي يعتريهةةةا التغييةةةر‬

‫‪ -1‬ينظر المدخل إلى دراسة الشريعة اإلسالمية‪ .‬د‪ .‬عبدالكريم زيدان‪ :‬ص‪ 35‬مؤسسة‬
‫الرسالة – بيروت – ‪ ،1191‬الخصائص العامة لإلسالم د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مكتبة وهبة‬
‫– القاهرة – ط‪1191 ، 4‬م ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫والنقص والزوال والتحريف‪ ،‬وصةدق هللا العظةيم القائةل‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [الحجر‪.]٩ :‬‬

‫ثانيا ا‪ :‬عقيدة الفطرة‪:‬‬


‫(‪)١‬‬
‫إن العقيةةدة اإلسةةالمية تتفةةق مةةع الفطةةرة اإلنسةةانية وتةةتالءم معهةةا‬

‫وهةةةذا هةةةو صةةةريح قةةةول هللا عةةةز وجةةةل‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬

‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [الةةروم‪ ]٠٠ :‬فاآليةةة دلةةت‪ :‬أن‬

‫الخلقةةة والهيئةةة التةةي فةةي نفةةس الطفةةل مهيةةأة ومعةةدة ألن يميةةز بهةةا‬
‫مصنوعات هللا تعالى‪ ،‬ويستدل بها على ربه تعةالى ويعةرف شةرائعه‬
‫ويؤمن به( )‪ ،‬وإلى هذه الحقيقة أشار نبينا األكرم (‪ )‬بقوله" ما من‬
‫(‪)٠‬‬
‫مولود إال يولد على الفطرة فأبواه يهودانةه وينصةرانه ويمجسةانه"‬
‫فالحديث ذكةر التهويةد والتنصةير والتمجةيس ولةم يةذكر اإلسةالم‪ ،‬فلةم‬
‫يقل‪ :‬أو يسةلمانه‪ ،‬وفةي ذلةك داللةة علةى أن اإلسةالم ديةن الفطةرة وال‬

‫‪ -1‬ينظر العقيدة اإلسالمية ومذاهبها أ‪.‬د قحطان عبدالرحمن الدوري ص‪ 19‬دار العلوم –‬
‫األردن ط‪2007 – 1‬م ‪.‬‬
‫‪ -2‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية (‪ )454-453/11‬مؤسسة دار‬
‫العلوم – قطر‪ ،‬ط‪1192 -1‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬صحيح مسلم بشرح النووي كتاب القدر – باب ‪ :‬معنى كل مولود على الفطرة – ج‪16‬‬
‫ص ‪ 207‬دار الخير‪ ،‬سنة الطبع ‪.1116‬‬
‫‪7‬‬
‫يحتاج إلى تأثير من األبوين(‪ ،)١‬وتتمثةل الفطةرة فةي االهتةداء لوجةود‬
‫هللا تعةةالى ووحدانيتةةه‪ ،‬واإليمةةان باألنبيةةاء والرسةةل (‪ ،)‬والشةةعور‬
‫واإلحساس فطرة بقرارة النفس البشرية إلى وجود يوم آخر يحاسةب‬
‫فيه الناس‪ ،‬وأن الدنيا حيةاة قصةيرة دار ابةتالء واآلخةرة دار السةعادة‬
‫والبقاء‪.‬‬

‫ثالثا ا‪ :‬الشمول‪:‬‬

‫يراد بالشمول إذا أطلةق علةى العقيةدة اإلسةالمية‪ :‬أنةه شةامل لجميةع‬
‫الجوانب فلم يترك اإلسالم زاوية من زوايا العقيدة التي يحتاجها بنةو‬
‫البشر إال وبينها ( ) ويتمثل ذلك الشمول بما يأتي‪-:‬‬

‫أ‪ -‬أنهةةةا عقيةةةدة تفسةةةر كةةةل القضةةةايا الكبةةةر فةةةي هةةةذا الوجةةةود‬
‫كاإللوهية ‪ -‬النبوة – اإلنسان– الكون – المصير قةال تعةالى‪:‬‬

‫ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬

‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [األنعةةةام‪ ،] ٠٣ :‬وقةةةال‬

‫سبحانه‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ [الملك‪.]١٤ :‬‬

‫ب‪ -‬أنها عقيدة ال تقبل التجزئة‪ ،‬بل البد أن تؤخذ كلها دون إنكةار‬
‫لبعضها أو شك في أي جزء منها‪.‬‬

‫‪ -1‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪209/16‬‬


‫‪ -2‬ينظر العقيدة اإلسالمية الميسرة‪ .‬د‪ .‬محمد عياش الكبيسي ‪:‬ص‪ 35- 34‬دار السالم –‬
‫دمشق – ط‪2001- 1‬م‬
‫‪9‬‬
‫فعقائد اإلسالم تتناول جملة أصوله وأركانه وأخباره وأحكامه‬
‫الثابتة في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية‪.‬‬
‫ومن معاني الشمولية‪ :‬شمول النفس اإلنسةانية فةي الجمةع بةين‬
‫خيري الدنيا واآلخرة‪ ،‬والتوفيق بين الروح والجسةد‪ ،‬وتشةمل‬
‫األمةةم اإلنسةةةانية كافةةة بةةةال فةةرق بةةةين عةةرق وآخةةةر أو طبقةةةة‬
‫وأخر ‪.‬‬
‫ويشمل اإليمان بجميع الكتب المنزلة وبجميع األنبياء والرسل‬

‫عليهم الصالة والسالم(‪ )١‬قةال تعةالى‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬

‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬

‫ﯔ ﯕ ﭼ [البقرة‪.] ٣٢ :‬‬

‫وفي مجال النبوة‪ :‬فالعقيةدة اإلسةالمية وسةطية لةيس فيهةا غلةو‬


‫في مقام األنبياء (عليهم الصالة والسالم) – إذ أعطت لهم ما‬
‫يتناسب مع مقامهم الكريم‪ ،‬فلم ترفعهم إلى مقام األلوهيةة كمةا‬
‫اعتقد البعض‪ ،‬كما لم تنزل لهم إلى مستو ال يليق بهم‪ ،‬كمةا‬

‫‪ -1‬ينظر العقيدة اإلسالمية‪ :‬أركانها وآثارها على الفرد والمجتمع أ‪ .‬د أحمد محمد أحمد‬
‫الجلي‪ :‬ص‪ 32‬دار الكتاب الجامعي – دولة األمارات العربية المتحدة ‪ ،‬ط‪2010-1‬م‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫زعةةم الةةةبعض فةةي أنبيةةةائهم‪ ،‬فهةةم بشةةةر اصةةطفاهم هللا تعةةةالى‬
‫(‪)١‬‬
‫وخصهم بالوحي وكلفهم بالرسالة‬

‫يقةةول هللا تعةةالى‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬

‫ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ [الحةةةةةج‪ ،]٥٢ :‬وجعلهةةةةةم قةةةةةدوة‬

‫حسنة‪ ،‬فقال سةبحانه‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬

‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [األحزاب‪.] ١ :‬‬

‫وفي مجال اإليمان بالغيب‪ :‬تميةزت العقيةدة اإلسةالمية فكانةت‬


‫وسطا ً بين من غال في الغيب وسةلك طرقةا ً غيةر شةرعية بمةا‬
‫يوافةةةق أهةةةواء النفةةةوس مةةةن سةةةحر وعبةةةادة الجةةةن وزعةةةم أن‬
‫المالئكة بنات هللا ‪ -‬تعالى هللا عماا يقولون علواً كبيراً – وبين‬
‫الماديين والدهريين والقائلين بالصدفة وينكرون كةل مةا وراء‬
‫الحس‪.‬‬
‫فالعقيةةدة الحةةق تمتةةاز بالوسةةطية وتةةدعو إلةةى اإليمةةان بالغيةةب‬
‫إجماالً مستندة إلى األدلة القطعية والبراهين اليقينية ‪.‬‬

‫قةةةةال تعةةةةالى‪ :‬ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ‬

‫[البقرة‪]٠:‬‬

‫‪ -1‬ينظر العقيدة اإلسالمية ‪ :‬أركانها وأثارها على الفرد والمجتمع أ‪.‬د أحمد محمد أحمد‬
‫الجلي ص ‪.34-33‬‬
‫‪10‬‬
‫رابعا ا‪ :‬الواقعية ومالءمتها للعقول السليمة‪:‬‬

‫يةةةراد بالواقعيةةةة‪ :‬أن المباحةةةث التةةةي تتناولهةةةا العقيةةةدة اإلسةةةالمية‪،‬‬


‫ليسةةت أوهامةةا ً أو خرافةةات ‪ ،‬بحيةةث يسةةتحيل علةةى العقةةل تقبلهةةا أو‬
‫فهمها‪ ،‬بل من خصوصياتها أنهةا توافةق العقةل‪ ،‬وتعتمةد علةى الحجةة‬
‫والبرهةةةان وتتحةةةاكم إلةةةى العقةةةل فيمةةةا تقةةةرره‪ ،‬وتحةةةث علةةةى النظةةةر‬
‫والتفكر‪ ،‬لذا فهي عقيدة تناسب جميع المكلفين(‪.)١‬‬

‫قةةةال تعةةةالى‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬

‫ﭼ [الفرقان‪ ]١ :‬وبسبب هذه الخصوصية نلمس كيف استطاعت عقيدة‬

‫اإلسةةالم أنت تقنةةع مختلةةف المسةةتويات الفكريةةة واالجتماعيةةة وغيرهةةا‬


‫فيتقبلهةةةةا الطفةةةةل الصةةةةغير‪ ،‬والفيلسةةةةوف الكبيةةةةر‪ ،‬والمةةةةرأة والرجةةةةل‬
‫والمسةةتويات كافةةة‪ ،‬ألنهةةا عقيةةدة تحةةاكي الفطةةرة ثةةم هةةي تةةدعو إلةةى‬
‫اإليمان بإله واحد بأدلاة فطرية وكونية‪ ،‬واإليمةان بصةفاته مةن خةالل‬
‫آثارها على النفس والكون واآلفةاق‪ ،‬كمةا تةدعو إلةى اإليمةان برسةول‬
‫بعثه هللا تعالى متمما ً به الرساالت (‪ )‬ثةم تةدعو إلةى اإليمةان بحيةاة‬
‫آخرة‪ ،‬يجز بها كل مكلةف بمةا عمةل مةن خيةر أو شةر فهةذه حقةائق‬
‫( )‬
‫فهةةةذه بعةةةض خصةةةائص العقيةةةدة‬ ‫واقعيةةةة‪ ،‬تالئةةةم العقةةةول السةةةليمة‬
‫اإلسةةةةالمية‪ ،‬وهنةةةةاك خصةةةةائص وميةةةةزات عديةةةةدة مثةةةةل اإليجابيةةةةة‬

‫‪ -1‬ينظر العقيدة اإلسالمية الميسرة د‪ .‬محمد عياش الكبيسي ‪ :‬ص‪. 34‬‬


‫‪ -2‬ينظر العقيدة اإلسالمية أركانها ‪ -‬حقائقها ‪ -‬مفسداتها ‪ ،‬د‪ .‬مصطفى سعيد الخنن‪ ،‬د‪ .‬محيني‬
‫الدين ديب مستو‪ :‬ص‪ / 510‬دار ابن كثير ‪ -‬دمشق ‪ -‬ط‪ 4‬سنة ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫والوضةةةوح والثبوتيةةةة والسةةةهولة واليسةةةر ومعظةةةم هةةةذه الخصةةةائص‬
‫تندرج ضمن ما ذكرناه سابقاً‪ ،‬فيكتفى بما ذكر خشية اإلطالة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ :١‬من خصائص العقيدة اإلسالمية‪ :‬الربانية – وضح ذلك معززاً‬


‫اإلجابة باألدلة‪.‬‬

‫س ‪ :‬تكلم على أنا العقيدة اإلسالمية فطرية‪ ،‬معززاً اإلجابة باألدلة‪.‬‬

‫س‪ :٠‬مةةةا مفهةةةوم الشةةةمول فةةةي العقيةةةدة اإلسةةةالمية‪ ،‬معةةةززاً اإلجابةةةة‬


‫باألدلة‪.‬‬

‫س‪ :٤‬تكلةةم باختصةةار علةةى الوسةةطية فةةي العقيةةدة اإلسةةالمية‪ ،‬معةةززاً‬


‫اإلجابة باألدلة واألمثلة‪.‬‬

‫س‪ :٢‬اتصفت العقيدة اإلسالمية بالواقعية ومالءمتها للعقول السليمة‪،‬‬


‫وضح ذلك معززاً اإلجابة باألدلة واألمثلة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫مصادر التلقي واالستدالل في العقيدة اإلسالمية‪:‬‬

‫قسام علماء الكالم والعقيدة مصةادر التلقةي أو أدلةة إثبةات العقيةدة‬


‫اإلسالمية على نوعين‪:‬‬

‫األول ‪ :‬األدلة النقلية‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬األدلة العقلية(‪.)0‬‬

‫وتوضيح ذلك كما يأتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬فاألدلة النقلية‪ :‬ما كان مصدرها القرآن الكريم والمتواتر( ) مةن‬
‫السنة النبوية المطهرة عن رسةول هللا (‪ ،)‬وكالهمةا قطعةي الثبةوت‬
‫عن رسول هللا (‪.)‬‬

‫ولكن العلماء اختلفوا في خبر اآلحاد(‪ ،)٠‬هل تثبت به العقيدة أم ال ؟ ‪.‬‬

‫‪ )١‬فذهب البعض‪ :‬أن أحاديث اآلحاد ال تثبت بها العقيةدة‪ ،‬وهةي تفيةد‬
‫العمةةل بهةةا دون العلةةم‪ ،‬أي‪ :‬دون القطةةع‪ ،‬وهةةو مةةذهب أكثةةر أهةةل‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬شرح جوهرة التوحيد للباجوري ‪ :‬ص‪ ،41-40‬والعقيدة اإلسالمية ومذاهبها‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬‬
‫قحطان الدوري ص‪.11‬‬
‫‪ -2‬الحديث المتواتر‪ :‬هو ما رواه عن رسول هللا ( ‪ )‬جمع يمتنع عادة أن يتواطأ أفراده على‬
‫الكذب‪ ،‬لكثرتهم وأمانتهم‪ ،‬ورواها عن هذا جمع مثله ‪ ،‬حتى وصلت إلينا بسند متصل‪ .‬ينظر‬
‫المستصفى في علم األصول ألبي حامد محمد بن محمد الغزالي ‪. 96/1 :‬‬
‫‪ -3‬خبر اآلحاد ‪ :‬هو الذي يروينه راو أو أكثنر لنم يبلغنوا حند التنواتر – ينظنر نخبنة الفكنر فني‬
‫مصطلح أهل األثر للحافظ أحمند بنن علني بنن حجنر العسنقالني‪ :‬تحقينق ‪ :‬عبند الحميند صنالح‬
‫قاسم‪ :‬ص‪ 2-1‬دار ابن حزم ‪2006-‬م‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫العلةةم وجمهةةور أهةةل الفقةةه والمتكلمةةين(‪ )١‬ومةةن أبةةرز حجةةج هةةذا‬
‫القول‪ :‬لو أفاد خبر الواحد العلم (القطع) لوجب تصديق كةل خبةر‬
‫نسمعه‪ ،‬لكنا ال نصدق كل خبر نسمعه ولو كان ناقله ثقةة‪ ،‬فهةو ال‬
‫يفيد العلم( )‪.‬‬
‫) وذهب البعض‪ :‬أن أخبار اآلحاد يحتج بهةا فةي المسةائل العقديةة ‪،‬‬
‫وأنهةةا تفيةةد القطةةع‪ ،‬فهةةي تفيةةد العلةةم الظةةاهر والعمةةل مع ةا ً ‪ ،‬وهةةو‬
‫مذهب كثير من أهل األثر وبعض المتكلمين(‪. )٠‬‬

‫ومةةةن أظهةةةر أدلةةةتهم‪ :‬أن النبةةةي (‪ )‬كةةةان يلتقةةةي النةةةاس أفةةةراداً‬


‫وجماعات في موسم الحج‪ ،‬وكةانوا يرجعةون إلةى بلةدانهم‪ ،‬فيخبةرون‬
‫أقوامهم بما سمعوه منةه (صةلى هللا عليةه وسةلم)‪ ،‬فةد ال علةى أن خبةر‬
‫اآلحاد تقوم به الحجة في قضايا العقائد كالقضايا الفقهية(‪. )٤‬‬

‫‪ )٠‬وذهةةب آخةةةرون‪ :‬أن مةةا أخرجةةةه الشةةةيخان البخةةاري ومسةةةلم فةةةي‬


‫صةةةحيحهما أو رواه أحةةةدهما مقطةةةوع بصةةةحته‪ ،‬والعلةةةم اليقينةةةي‬
‫النظري واقع به ‪ ،‬وهو ما اختاره ابن الصالح ‪.‬‬

‫والذي يبدو‪ :‬أن خبر اآلحاد ال يحتج به في مسائل العقيدة وهذا هو‬
‫رأي األكثرية من علماء المسلمين‪ ،‬لذا متةى صةح سةند أخبةار اآلحةاد‬

‫‪ -1‬ينظنننر لوامنننع األننننوار البهينننة وسنننواطع األسنننرار األثرينننة ‪ :‬لمحمننند بنننن أحمننند بنننن سنننالم‬
‫السفاريني‪:‬ص‪ 20-17‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪1111-3‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬ينظر العقيدة اإلسالمية ومذاهبها أ‪.‬د‪.‬قحطان الدوري ‪ :‬ص‪.20-11‬‬
‫‪ -3‬ينظر المصدر نفسه ‪ :‬ص‪. 20‬‬
‫‪ -4‬المصدر السابق ‪ :‬ص‪.21-20‬‬
‫‪15‬‬
‫وكانت متونها غير مستحيلة في العقل‪ ،‬كانت موجبةة للعمةل بهةا دون‬
‫العلم(‪.)١‬‬

‫ثانيا ا ‪ :‬األدلة العقلية‪:‬‬

‫هةةي األدلةةة المبنيةةة علةةى البةةراهين اليقينيةةة الجازمةةة التةةي يقيمهةةا‬


‫العقل‪ .‬وتسمى بالحكم العقلي‪ ،‬ويراد به‪:‬‬

‫إثبات أمر ألمر ‪ -‬ك إثبات القدم هلل ‪-‬تعالى‪.-‬‬

‫أو نفيه ‪-‬عنه ‪ -‬كنفي القدم عن العالم من غير توقف على تكرار أو‬
‫وضةةع واضةةع‪ ،‬وينقسةةم الحكةةم العقلةةي علةةى ثالثةةة أقسةةام‪ :‬واجةةب ‪،‬‬
‫وجائز‪ ،‬ومستحيل‪ ،‬أي أن كل ما حكم به العقل من إثبةات أو نفةي ال‬
‫يخرج عن اتصافه بواحد مةن هةذه الثالثةة‪ ،‬وسةنبين ذلةك تفصةيالً فةي‬
‫مبحث الحكم( )‪.‬‬

‫ونخلص مما تقدم‪ :‬أن أغلب علماء العقيدة وفقوا بين النقل والعقل‬
‫فةةي مسةةائل العقيةةدة كمصةةادر للتلقةةي واالسةةتدالل‪ ،‬ومعلةةوم أن القةةرآن‬
‫أخبر بشرف العقل‪ ،‬وجعله مناط التكليف‪ ،‬وندبه إلةى البحةث والنظةر‬

‫والتفكيةةةر ‪ -‬قةةةال تعةةةالى‪ :‬ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ‬

‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [يةةونس‪ ،]١٠١ :‬فلةةم يةةأت بمةةا يسةةتحيل‬

‫‪ -1‬ينظر أصول الدين ابو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت‪421/‬هن ) مكتبنة المثننى‬
‫‪-‬بغداد‪ :‬ص‪.12‬‬
‫‪ -2‬ينظر شرح جوهرة التوحيد للباجوري‪ :‬ص‪ ،42‬العقيدة اإلسالمية ومنذاهبها ‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬قحطنان‬
‫الدوري‪ :‬ص‪.11‬‬
‫‪16‬‬
‫على العقل فهمه إال ما أستأثره هللا تعالى في علم الغيب عنده‪ ،‬فالعقل‬
‫مؤيد للعقائد اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ :١‬أذكر مصادر التلقي واالستدالل عند علماء العقيدة‪.‬‬

‫س ‪ :‬ما المراد باألدلة النقلية في مباحث العقيدة‪ ،‬وضح ذلك‪.‬‬

‫س‪ :٠‬أذكر خالف العلماء في خبر اآلحاد‪ ،‬وهل يعةد حجةة ومصةدراً‬
‫في العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الحكم وأقسامه‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الحكم ا‬


‫لغة واصطالحا ا‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أقسام الحكم‬

‫‪11‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬الحكم وأقسامه‬

‫يجةةدر بنةةا عنةةد الشةةروع فةةي بيةةان الحكةةم وأقسةةامه التطةةرق إلةةى‬
‫تعريةةةف االصةةةوليين مةةةن علمةةةاء أصةةةول الفقةةةه‪ ،‬ثةةةم المتكلمةةةين مةةةن‬
‫علمةةةةاء العقيةةةةدة بهةةةةذا الخصةةةةوص‪ ،‬وذلةةةةك للةةةةتالزم الحاصةةةةل بةةةةين‬
‫أصةةول الفقةةه واصةةول الةةدين فةةي هةةذا الخصةةوص‪ ،‬وتوضةةيح ذلةةك‬
‫في المطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الحكم ً‬


‫لغة واصطالحا ً‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تعريةةةةف الحكةةةةم لغةةةةة‪ :‬يطلةةةةق علةةةةى الفصةةةةل‪ ،‬يقةةةةال‪ :‬حكمةةةةت‬


‫بةةةين الخصةةةمين إذا فصةةةلت بينهمةةةا‪ ،‬ويطلةةةق علةةةى‪ :‬إثبةةةات أمةةةر أو‬
‫نفيةةةه‪ ،‬ومةةةن معاينةةةة ‪ :‬القضةةةاء واإللةةةزام والمنةةةع‪ ،‬وسةةةمي القاضةةةي‬
‫حاكما لمنعه الخصوم من التظالم(‪.) ٠‬‬

‫ثانياااا‪ :‬تعريةةةف الحكةةةم فةةةي العةةةرف ‪ :‬إسةةةناد أمةةةر إلةةةى آخةةةر إيجابةةةا ً‬
‫أو سلبا ً(‪.) ١‬‬

‫ثالثا‪ :‬تعريف الحكم عند الفقهاء‪:‬‬

‫عبةةةةةارة عةةةةةن أثةةةةةر خطةةةةةاب الشةةةةةارع المتعلةةةةةق بأفعةةةةةال المكلفةةةةةين‬


‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫باالقتضاء أو التخيير‬

‫‪ -20‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪-‬البن منظور‪-‬مادة حكم ‪ 144/12‬دار صادر بيروت ‪.‬‬


‫‪ -21‬ينظر‪ :‬جامع العلوم في مصطلحات الفنون عبد أحمد فكري ‪ 50/2-‬مؤسسة األعلمي –‬
‫بيروت ‪1315‬ه ‪.‬‬
‫‪ -22‬ينظر‪ :‬شرح تنقيح الفصول ‪ -‬البن حلول أحمد بن عبد الرحمن ص‪ – 61‬طبعة تونس‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫فمةةةةةةةةةةةثالً قولةةةةةةةةةةةه تعةةةةةةةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ‬

‫[المائةةةةدة‪ ]١ :‬فةةةةإن األثةةةةةر المترتةةةةب علةةةةى الخطةةةةةاب‪ :‬هةةةةو وجةةةةةوب‬


‫الوفاء بالعقود‪.‬‬

‫وفةةةةي قولةةةةه تعةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ [اإلسةةةةراء‪ ]٠ :‬فةةةةإن األثةةةةر‬

‫المترتةةةةب علةةةةى الخطةةةةاب هةةةةو‪ :‬حرمةةةةة الزنةةةةا‪ ،‬وهكةةةةذا فةةةةي سةةةةائر‬


‫األحكام‪ ،‬فالفقهاء يقولون‪:‬‬

‫الحكم في هذا األمر الوجوب أو الحرمة أو اإلباحة‪.‬‬

‫رابعةةةةا ً‪ :‬تعريةةةةف الحكةةةةم عنةةةةد األصةةةةوليين‪ :‬عةةةةرف علمةةةةاء أصةةةةول‬


‫الفقةةةه الحكةةةةم ‪ :‬بأنةةةةه خطةةةةاب هللا تعةةةةالى المتعلةةةةق بأفعةةةةال المكلفةةةةين‬
‫)‪.‬‬ ‫(‪٠‬‬
‫باالقتضاء (أي‪ :‬الطلب) أو التخيير أو الوضع‬

‫فالخطةةةةةاب‪ :‬توجيةةةةةه الكةةةةةالم قصةةةةةد اإلفهةةةةةام بةةةةةه‪ ،‬والمةةةةةراد منةةةةةه‪:‬‬


‫المخاطةةةب بةةةه وهةةةو نصةةةوص الةةةوحي فةةةي القةةةرآن الكةةةريم والسةةةنة‬
‫النبويةةةةة‪ ،‬وقةةةةد أفةةةةاد التعريةةةةف‪ :‬أن نةةةةص الخطةةةةاب الصةةةةادر مةةةةن‬
‫الشارع الدال على طلب أو تخيير أو وضع يسمى‪ :‬حكما ً‪.‬‬

‫‪ -23‬ينظر‪ :‬اإلحكام في أصول األحكام لسيف الدين علي بن أبي علي بن محمد اآلمدي‬
‫ت(‪)631‬ه ‪-135/1:‬طبعة الحلبي ‪1379-‬ه ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫والغةةةةرض مةةةةن تعلةةةةق خطةةةةاب هللا تعةةةةالى بفعةةةةل المكلفةةةةين‪ :‬تعلقةةةةه‬
‫ولةةةو بفعةةةل واحةةةد مةةةن أفعالةةةه‪ ،‬وإال لتعةةةذر وجةةةود الحكةةةم أصةةةال‪ ،‬إذ‬
‫ال خطاب يتعلق بجميع األفعال‪.‬‬

‫والخطةةاب‪ :‬يشةةمل عمةةوم األدلةةة الشةةرعية التةةي تثبةةت بهةةا األحكةةام‬


‫ال خصةةةوص الخطةةةاب المتمثةةةل فةةةي القةةةرآن الكةةةريم‪ ،‬ألن وجةةةوب‬
‫اتبةةةاع النبةةةي (‪ )‬وولةةةي األمةةةر مةةةن بعةةةده واتبةةةاع أدلةةةة االجتهةةةاد‬
‫الصةةةحيحة إنمةةةا وجبةةةت بإيجةةةاب هللا تعةةةالى إياهةةةا‪ ،‬فةةةرل األمةةةر إلةةةى‬
‫أن الحكم كله هلل(‪.) ٤‬‬

‫خامسةةا‪ :‬تعريةةف الحكةةةم عنةةد المتكلمةةين‪ :‬هةةةو إثبةةات أمةةر ألمةةةر أو‬
‫نفيه عنه‪.‬‬

‫والحكم يستلزم‪ :‬حاكم وهو الشارع‪.‬‬

‫ومحكوم به وهو المعرفة‪.‬‬

‫ومحكوم عليه‪ :‬وهو المكلف البالغ العاقل(‪.) ٢‬‬

‫ويسمى الحكم في علم المنطق‪ :‬بالنسبة‪ ،‬وتنقسم على‪:‬‬

‫‪ -24‬ينظر‪ :‬التلويح على التوضيح سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ت(‪13/1: )713‬‬
‫دار الكتب العربية ‪.‬‬
‫‪ -25‬ينظر‪ :‬الحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكالم لالمام أبي عبد هللا محمد بن‬
‫يوسف السنوسي التلمساني المالكي ت(‪)915‬ه ‪:‬ص‪ 4-3‬اعتنى بها ‪ :‬ابو عبد الرحمن‬
‫المالكي المازري‪-‬نسخة مصورة عن نسخة من مقتنيات الحرم المدني ‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫أ‪ .‬نسةةبة موجبةةة‪ :‬وهةةي كةةل مةةا دلةةت علةةى االحاطةةة والشةةمول‬
‫سةةواء أكةةان لفظةةا أم غيةةره‪ ،‬وألفاظةةه الدالةةة عليةةه هةةي‪ :‬كةةل‪،‬‬
‫عامة‪ ،‬جميع‪ ،‬كافة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬كافة الخلق يحشرون‪ ،‬جميع الناس ينامون‪.‬‬
‫ب‪ .‬نسةةةبة سةةةالبة‪ :‬وهةةةي مةةةا دلةةةت علةةةي نفةةةي ثبةةةوت المحمةةةول‬
‫عةةةن جميةةةع أفةةةراد الموضةةةوع‪ ،‬وألفاظةةةه الدالةةةة عليةةةه هةةةي‪:‬‬
‫الشةةةئ‪ ،‬وال واحةةةد‪ ،‬وسةةةائر مةةةا يفيةةةد عمةةةوم النفةةةي ‪ ،‬مثةةةال‬
‫ذلك ‪ :‬ال أحد من المشركين بمسلم ‪.‬‬
‫والشئ من الذهب بنبات(‪.) ٦‬‬
‫توضيح تعريف المتكلمين‪:‬‬
‫معنةةةى إثبةةةات األمةةةر‪ :‬أي إثبةةةات شةةةيء لشةةةيء – كقولنةةةا‪:‬‬
‫الطير جميل‪ ،‬الشجرة طويلة‪ ،‬القلم جيد ‪.‬‬
‫فهةةةةةذا كلةةةةةه حكةةةةةم – إذ أثبتنةةةةةا الجمةةةةةال للطيةةةةةر‪ ،‬والطةةةةةول‬
‫للشةةجرة والجةةودة للقلةةم‪ ،‬وتسةةمى فةةي علةةم المنطةةق‪ :‬بالنسةةبة‬
‫الموجبة‬
‫ومعنةةةةى‪ :‬نفةةةةي أمةةةةر ألمةةةةر‪ :‬أي نفةةةةي شةةةةيء عةةةةن شةةةةيء‪،‬‬
‫كقولنةةةا‪ :‬القلةةةم لةةةيس أسةةةود اللةةةون‪ ،‬وكقولنةةةا‪ :‬العصةةةير لةةةيس‬
‫بةةارداً‪ ،‬فهةةذا حكةةةم أيضةةاً‪ ،‬إذ نفينةةا عةةةن القلةةم السةةواد‪ ،‬وعةةةن‬
‫العصةةةةير البةةةةرودة‪ ،‬ويسةةةةةمى فةةةةي علةةةةةم المنطةةةةق‪ :‬بالنسةةةةةبة‬
‫السالبة ‪.‬‬
‫‪ -26‬ينظر علم المنطق المفاهيم والمصطلحات أ‪.‬د‪ .‬محمد حسن مهدي بخيت ‪ 16/2‬عالم‬
‫الكتب الحديث‪-‬اربد‪-‬االردن‪-‬الطبعة األولى‪. 2013‬‬
‫‪23‬‬
‫فالحكم إذاً‪ :‬إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أقسام الحكم‬

‫عرفنا في المطلب السابق معنى الحكم اللغوي واالصطالحي‪ ،‬وفي‬


‫هذا المطلب سنتناول أقسام الحكم الثالثة‪ ( :‬الحكم الشرعي‪ ،‬الحكم‬
‫العادي‪ ،‬الحكم العقلي ) وذلك لعالقتها بمباحث العقيدة الرئيسة‪ ،‬إذ‬
‫ينبغي على المكلف أن يعرف ما قامت األدلة النقلية والعقلية عليه‬
‫إجماال كسائر الكماالت هلل تعالى‪ ،‬وأن يعرف ما قامت به األدلة‬
‫العقلية أو النقلية عليه تفصيال وهو العشرون صفة هلل تعالى‪ ،‬وكذا‬
‫يقال في المستحيل‪ ،‬وتوضيح ذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الحكم الشرعي‪:‬‬

‫هو خطاب هللا تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب أو اإلباحة أو‬
‫)‪.‬‬ ‫(‪٥‬‬
‫الوضع لهما‬

‫ويدخل في الطلب أربعة أشياء ‪:‬‬

‫أ‪ .‬اإليجاب‪ :‬وهو ما طلب الشارع فعله على سبيل اإللزام‪،‬‬


‫فيثاب فاعله ويعاقب تاركه كسائر الواجبات ‪.‬‬

‫‪ -27‬ينظر االحكام في اصول االحكام لآلمدي ‪. 135/1 :‬‬


‫‪24‬‬
‫ب‪ .‬التحريم‪ :‬وما طلب الشارع تركه على سبيل االلزام‪ ،‬فيثاب‬
‫تاركه ويعاقب فاعله ‪ ،‬كسائر المنهي عنها والمحرمات ‪.‬‬
‫ج‪ .‬الندب‪ :‬ما طلب الشارع فعله على وجه األفضلية‪ ،‬فيثاب‬
‫فاعله وليس في تركه عقاب ‪ :‬كسائر النافالت ‪.‬‬
‫د‪ .‬الكراهة‪ :‬ما طلب الشارع تركه من غير إلزام‪ ،‬فيثاب تاركه‬
‫وال يعاقب فاعله‪ ،‬كسائر المكروهات‪.‬‬
‫أما المراد باإلباحة‪ :‬فقد عرفت‪ :‬بأنها إذن الشارع في‬
‫)‪.‬‬ ‫(‪٣‬‬
‫التخيير بين الفعل والترك كاألكل والشرب وغيرهما‬

‫والمراد بالوضع‪ :‬هو جعل الشيء سببا ً أو شرطا أو مانعا ً ‪،‬‬


‫وتوضيح التعريف كما يأتي‪:‬‬

‫فالسبب‪ -:‬هو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم بالنظر‬
‫لذاته‬

‫مثاله‪ :‬كدخول الوقت للصالة‬

‫الشرط‪ -:‬هو الذي يلزم من عدمه العدم ‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود‬
‫وال عدم بالنظر لذاته ‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬كالطهارة للصالة ‪.‬‬

‫‪ -29‬ينظر نهاية السول شرح منهاج الوصول عبد الرحيم بن الحسن علي االسنوي ت‬
‫(‪)772‬ه ‪ 30،40/1 :‬دار الكتب العلمية – بيروت ط‪1111-1‬م ‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫المانع‪ -:‬هو الذي يلزم من وجوده العدم ‪ ،‬وال يلزم من عدمه ال‬
‫وجود وال عدم بالنظر لذاته ‪.‬‬
‫(‪) ٩‬‬
‫مثاله‪ :‬كالحيض مانع من الصوم والصالة‬

‫ثانيا ً‪ -:‬الحكم العادي‪ :‬هو إثبات الرابط بين أمر وأمر وجوداً أو‬
‫عدما ً بواسطة تكرار بينهما على الحس‪ ،‬وعدم تأثير أحدهما في‬
‫(‪.)١٠٠‬‬
‫اآلخر البتة‬

‫ُحرقة‪ ،‬فهذا حكم عادي‪ ،‬أو معناه‪ :‬أن‬


‫مثاله‪ :‬الحكم على النار بأنها م ِ‬
‫اإلحراق يقترن بمس النار في كثير من األجسام المشاهدة‪ ،‬وقد‬
‫تكرر ذلك على الحس‪ ،‬وليس معنى هذا الحكم‪ :‬أنا النار هي التي‬
‫أثرت في االحراق أو تسخين ما مسته مثال‪ ،‬إذ أن هذا المعنى ال‬
‫داللة للعادة عليه أصال‪ ،‬وانما غاية ما دلت عليه العادة‪ :‬االقتران‬
‫فقط بين األمرين‪ ،‬أما تعيين فاعل ذلك فليس للعادة فيه مدخل‪ ،‬وال‬
‫منها يتلقى علم ذلك‪ ،‬وقس على هذا سائر األحكام العادية‪ ،‬ككون‬
‫(‪) ٠١‬‬
‫الطعام مشبعا والشمس مضيئة والسكين قاطعة ونحو ذلك‬

‫وانما يلتقي العلم بفاعل هذه اآلثار المقارنة لهذه االشياء من دليلي‬
‫العقل والنقل‪ ،‬وقد أطبق العقل والشرع على انفراد هللا تعالى‬
‫‪ -21‬ينظر نهاية السول ‪ ،‬لآلسنوي ‪54 / 1‬‬
‫‪ .1‬ينظر االنوار اإللهية في شرح المقدمة السنونسية (عقيدة أهل التوحيد الصغرى‬
‫المعروف ب (أم البراهين) للسنوسي ‪ ،‬تأليف الشيخ عبد الغني بن اسماعيل الكناني‬
‫النابلسي ص ‪76‬‬
‫تحقيق ‪ :‬عمر بن محمد الشيخلي ‪ /‬دار الهدى والرشاد – سوريا ط ‪2013 - 1‬م‬
‫‪ .2‬ينظر‪ :‬شرح جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم بن محمد الباجوري ‪ ،‬تحقيق وتعليق ‪:‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا ص ‪ ، 42‬دار المصطفى – دمشق – ط‪2010 - 1‬م‬
‫‪26‬‬
‫باختراع جميع الكائنات عموما‪ ،‬وأنا ثبوت اإلحراق للنار من حيث‬
‫( ‪.)١٠‬‬
‫إنها سبب عادي يخلق هللا تعالى عنده اإلحراق‬

‫ثالثا‪ -:‬الحكم العقلي‪:٠٠‬‬

‫تعريفه‪ :‬هو إثبات أمر ألمر أو نفيه من غير توقف على تكرار أو‬
‫وضع واضع‪.‬‬

‫وبتعبير آخر‪ :‬هو ما يدرك العقل ثبوته أو نفيه من ذات أو صفة أو‬
‫نسبة وال يتوقف على التكرار‪ ،‬أي‪ :‬غير متوقف على التجربة أو‬
‫العادة أو السبل الموصولة إليها‪ ،‬ألننا إذا جربنا الشيء أو استنبطناه‬
‫سيكون حكما عاديا تجريبيا ً ومن صفاته أنه ال يقبل النقض‪ ،‬إذ العقل‬
‫يقرر أن النقيضين ال يجتمعان وال يرتفعان‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬كإثبات القدم هلل تعالى ونفي القدم عن غيره‪ ،‬وهكذا يوصف‬
‫الحكم العقلي ‪ /‬بأنه غير متوقف على وضع واضع‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬إذا اتفق الناس على أن الكل أكبر من الجزء فهذا ال ينطبق‬
‫على الحكم العقلي فالكل أكبر من الجزء والجزء أصغر من الكل‬

‫‪ .1‬ينظر‪ :‬شرح جوهرة التوحيد للباجوري ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أ ‪.‬د مصطفى ديب البغا ص‬
‫‪.43‬‬
‫‪ .1‬العقل‪ :‬هو قوة روحانية ساكنة في الدماغ ‪،‬منبثة في مقدمة بالتخييل وفي وسطه‬
‫بالتفكر وفي مؤخرة بالحفظ ‪ ،‬ومن العلماء من قال ‪:‬ومن العلماء من قال بانه القلب‬
‫ولم يفرق بينه وبين الروح ينظر االنوار االلهية للشيخ عبد الغني النابلسي‪ ،‬ص‬
‫‪.77 – 76‬‬
‫‪ .2‬ينظر‪ :‬المقدمات في علم التوحيد لالمام السنونسي‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪27‬‬
‫سواء اتفق الناس أم لم يتفقوا فهذا حكم عقلي يقيني ال يقبل الشك أو‬
‫الخطأ‪.‬‬

‫– أقسامه‪ -:‬ينقسم الحكم العقلي على أقسام ثالثة ينبغي على‬


‫طالب العلم االعتناء بها ألهميتها في موضوع العقائد وهذه األقسام‪:‬‬
‫الواجب والجائز (أو الممكن) والمستحيل‪.١٠٤‬‬

‫ويمكننا توضيحها على النحو االتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬الواجب‪ :‬هو ما ال يتصور في العقل عدمه ‪ ،‬أي كل أمر من‬


‫ذات أو صفة أو نسبة ثابت ال يقبل االنتفاء في ذاته‪ ،‬وال‬
‫(‪) ٠٢‬‬
‫يحكم العقل بعدمه مثاله‪ -:‬كذات هللا تعالى وصفاته‬

‫وهو قسمان‪:‬‬

‫ضروري‪ :‬كالتحيز للجرم ‪،‬فإنه مادام الجرم موجوداً يجب أن‬


‫يأخذ قسطا ً من الفراغ‪ ،‬فهو واجب مقيد بدوام الجرم‬

‫ومعنى الضروري‪ :‬أي بديهي وهو الذي يدركه العقل بال تأمل ‪:‬‬
‫كالواحد نصف االثنين‪ ،‬واستحالة صنعة بال صانع‪.‬‬

‫‪ .1‬ينظر حاشية الصاوي على شرح الخريدة البهية ‪ ،‬تأليف الشيخ أحمد بن محمد‬
‫الصاوي ‪ ...‬ص ‪ 31‬مكتبة محمد علي صبيح ‪ ،‬ط ‪1135 - 1‬م ‪.‬‬
‫‪ .2‬ينظر شرح جوهرة التوحيد للباجوري ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مصطفى البغا ص ‪. 44‬‬
‫‪ .3‬ينظر شرح الصاوي ‪ :‬تحقيق ‪ :‬د ‪.‬عبد الفتاح البزم ص ‪ 106‬دار ابن كثير –‬
‫دمشق ط ‪ ، 9‬سنة الطبع ‪2011‬م ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ومعنى النظري ‪ :‬هو الذي يدركه العقل بالتأمل‪ ،‬كثبوت القِدم هلل‬
‫(‪)٠٠٦‬‬
‫عز وجل وحدوث الكون‬

‫ب‪ -‬الجائز والممكن‪ -:‬هو ما يصح في العقل وجوده وعدمه ‪،‬‬


‫أي‪ :‬كل أمر قابل في حد ذاته لالنتفاء والثبوت ‪ ،‬فهو ممكن‬
‫الوجود وممكن العدم ‪.‬‬
‫(‪)١٠٥‬‬
‫مثاله‪ :‬كسائر الممكنات‬

‫وهو قسمان‪-:‬‬

‫ضروري‪ :‬كحركة الجرم أو سكونه‪.‬‬

‫ونظري‪ -:‬كتعذيب المطيع وإثابة العاصي‪ ،‬فهذا يقال له من باب‬


‫اإلمكان العقلي ‪ ،‬فيحكم العقل بإمكانية وجوده أو عدمه‪ ،‬فيجوز عقالً‬
‫أن يعذب هللا تعالى المطيع ‪ ،‬ويثيب العاصي ‪ ،‬لكن من ناحية‬
‫شرعية ممتنع وهكذا ‪.‬‬

‫ت – المستحيل‪-:‬‬

‫هو ما ال يتصور في العقل وجوده ‪ ،‬أي كل أمر من ذات أو صفة‬


‫أو نسبة ال يقبل الثبوت في ذاته‪ ،‬فال يحكم العقل بوجوده‪.‬‬
‫(‪)١٠٣‬‬ ‫مثاله‪ :‬كالشريك والزوجة والولد هلل تعالى‪ ،‬فهذا مستحيل عقالً‬

‫‪ .1‬ينظر شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص ‪. 45‬‬


‫‪ .2‬ينظر شرح الصادي على جوهرة التوحيد ‪ ،‬للشيخ احمد الصادي ‪ ...‬ص ‪. 106‬‬
‫‪21‬‬
‫وهو قسمان ‪:‬‬

‫ضروري‪ :‬كخلو الجرم من الحركة والسكون معا ً‬

‫(‪) ٠٩‬‬
‫نظري‪ :‬كالشريك هلل تعالى‬

‫هذه هي أقسام الحكم العقلي ‪ /‬وقد نصح العلماء بضروة تعلمها‬


‫وفهمها‪ ،‬ألهميتها في مباحث العقيدة‪ ،‬وقرروا أن مصدر معرفتها‬
‫العقل‪ ،‬بناء على أن العلم بوجوب الواجبات وجواز الجائزات‬
‫واستحالة المستحيالت ‪ ،‬أي تصور مفهوماتها‪ ،‬بأن يتصور العقل‪:‬‬
‫أن الواجب‪ :‬ما ال يقبل العدم‪ ،‬والمستحيل‪ :‬ما ال يقبل الوجود ‪،‬‬
‫والجائز‪ :‬ما يصح وجوده وعدمه‪ ،‬فهذا مما ال يستغنى عنه في‬
‫مباحث العقيدة‪ ،‬لذا نجد كثيراً من علماء العقيدة يجعلونه مطلبا ً في‬
‫بداية تأليفهم لكتب العقيدة‪.‬‬

‫‪ .1‬ينظر شرح جوهرة التوحيد للباجوري ‪ ...‬ص ‪. 45‬‬


‫‪ .2‬ينظر شرح الصاوي على جوهرة التوحيد للشيخ احمد الصاوي ‪ ...‬ص ‪106‬‬

‫‪30‬‬
‫األسئلة‬

‫س ‪ : ١‬عرف الحكم عند أهل اللغة واصطالح االصوليين‬


‫والمتكلمين معززاً إجابتك باألمثلة‪.‬‬

‫‪ :‬وضح الفرق بين الواجب عند األصوليين‪ ،‬والواجب عند‬ ‫س‬


‫المتكلمين‪ ،‬مع مثال لكل منهما‪.‬‬

‫س ‪ : ٠‬عدد أقسام الحكم‪ ،‬وما تعريف كل واحد منها‪.‬‬

‫س ‪ : ٤‬فصل القول في الحكم العقلي – تعريفا وأقساما ً معززاً‬


‫اإلجابة باألمثلة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الحكم العقلي في مبحث‬
‫اإللهيات‬
‫مدخل‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الواجب في حق هللا تعالى‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المستحيل في حق هللا‬
‫تعالى‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الجائز في حق هللا تعالى‬
‫المطلب الرابع‪ :‬القضاء والقدر‬

‫‪32‬‬
‫مدخل‬
‫اإللهيات‪ :‬هي المباحث التي ُتع َنةى بمعرفةة مةا يجةب هلل تعةالى‪،‬‬
‫ومةةا يجةةوز فةةي حقةةه‪ ،‬ومةةا يسةةتحيل عليةةه جةةل شةةأنه‪ ،‬ومةةع أن العقةةل‬
‫اإلنسةةةاني ال يةةةتمكن مةةةن إدراك حقيقةةةة الةةةذات اإللهيةةةة مهمةةةا حةةةاول‬
‫الوصول إليها؛ إال أن معرفة هللا تعالى من خالل آثاره وآثار صةفاته‬
‫العلية‪ ،‬وبأنه صانع العالم‪ ،‬وأنةه )‪ (‬قةديم‪ ،‬وسةميع‪ ،‬وبصةير‪،‬‬
‫وقدير‪ ،‬وغير ذلك من الصفات التي سنفصل فيهةا الحقةا ً ستسةهم فةي‬
‫تحفيزنةةةا نحةةةو بةةةذل الطاعةةةة والعبةةةادة‪ ،‬والتخلةةةق بةةةأخالق أهةةةل البةةةرِّ‬
‫والسيادة التي من شأنها أن تحقق لنا سعادة الفرد وطمأنينةة المجتمةع‬
‫والعيش الرغيد لهما‪.‬‬
‫ومما يجدر أن نشير إليه هنا‪ :‬هو أن العقل اإلنسةاني مهمةا بلةغ‬
‫به الذكاء؛ فهو محدود وقاصر‪ ،‬ولن يكون في مكنتةه يومةا أن يةدرك‬
‫جميع الحقائق وحده؛ بل البد من الوحي الذي هو قائد له يضيء له‬
‫معالم الطريق‪ ،‬وينير له دربه‪ ،‬وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه‪-‬‬
‫كمةةا يتصةةور بعضةةهم‪ -‬بةةل العقةةل ميةةزان صةةحيح؛ فأحكامةةه يقينيةةة ال‬
‫كةةذب فيهةةا غيةةر أنةةك ال تطمةةع أن تةةزن بةةه أمةةور التوحيةةد واآلخةةرة‬
‫وحقيقة النبةوة وحقةائق الصةفات اإللهيةة‪ ،‬وكةل مةا وراء طةوره؛ فةإن‬
‫ذلةةك طمةةع فةةي محةةال‪ ،‬ومثةةال ذلةةك مثةةال رجةةل رأ الميةةزان الةةذي‬
‫يوزن به الذهب؛ فطمع أن يةزن بةه الجبةال‪ ،‬وهةذا ال يةدرك علةى أن‬
‫الميزان في أحكامه غير صادق؛ لكةن للعقةل حة دد قةد يقةف عنةده‪ ،‬وال‬

‫‪33‬‬
‫يتعد طوره(‪ .)٤٠‬والعقل في ذلك حال العين الباصةرة؛ فهةي تبصةر‬
‫األشياء بشرائط معينة أهمها وجود الضوء؛ فلو وجد أحد سليم العين‬
‫والباصرة في غرفة مظلمة؛ فلةن يةتمكن مةن الرؤيةة لغيةاب الضةوء‪،‬‬
‫وهكذا العقل حةين تغيةب عنةه أنةوار الةوحي‪ ،‬ولعةل محدوديةة العقةل‬
‫ومحدوديةة صةفات البشةةر هةي مةةن رحمةة هللا تعةالى بهةةم؛ فلةو تعةةد‬
‫اإلنسةان طةةوره‪ ،‬وتجةةاوز ح ة اده السةةتحال عليةةه أن يعةةيش علةةى وجةةه‬
‫األرض‪ ،‬ولو تخيلنا أن بمكنة البشةر أن يشةموا الةروائح علةى مسةافة‬
‫عدة كيلومترات‪ ،‬فلةن تسةتقيم حيةاتهم بوجةود الةروائح الكريهةة‪ ،‬ولةن‬
‫تستقيم حياتهم‪ ،‬وأبصارهم تدرك المناظر القبيحة على بعةد مسةافتها‪،‬‬
‫ولةةةن تسةةةتقيم حيةةةاتهم‪ ،‬وآذانهةةةم تسةةةمع األصةةةوات الدقيقةةةة علةةةى بعةةةد‬
‫المسةةةافات‪ ،‬وهكةةةذا فةةةي بقيةةةة الصةةةفات؛ وكةةةذلك الحةةةال فةةةي العقةةةل‬
‫اإلنساني حين يروم تقحم ميدان الربوبية والبحث عن الذات االلهية؛‬
‫فسةةيعود خائبةةا كسةةيرا معترفةةا بنقصةةه‪ ،‬أو الوصةةول للجنةةون؛ فالعقةةل‬
‫جةز العشةب‬‫جز العشب إن أ ُحسِ َن استخدا ُمها وقيا ُدها أتت علةى ِّ‬‫كرلة ِّ‬
‫ونفسةها مةن‬
‫َ‬ ‫اليابس والضار‪ ،‬وأبقت ما هو صالح ونافع‪ ،‬وإنت ُخلايةت‬
‫غيةةةر قائةةةد أو مةةةن غيةةةر حكةةةيم عةةةارف باسةةةتخدامها؛ فسةةةتأتي علةةةى‬
‫األخضةةر واليةةةابس؛ لتصةةبح األرض جةةةرداء قاحلةةة لةةةيس فيهةةا أثةةةر‬
‫للجمال والحياة‪.‬‬

‫‪ )٤٠‬المقدمة‪ ،‬البن خلدون‪ :‬ص ‪.٤٦٠‬‬


‫‪34‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الواجب في حق هللا – تعالى ‪-‬‬

‫يجب هلل عز وجل عشرون صفة(‪ ،)٤١‬وهذا مقدار ما وصلت‬


‫إليه عقول البشر من معرفة هللا تعالى‪ ،‬وقدرت على إقامة الدليل‬
‫عليه‪ ،‬وإال فلله تعالى صفات ال عدد لها؛ إذ كماالته تعالى التي هي‬
‫صفاته الوجودية ال نهاية لها‪ ،‬وال يمكن تحديدها بهذا العدد؛ فاهلل‬
‫تعالى وحده من يعلم عددها؛ لقول النبي صلى هللا عليه وسلم في‬
‫الحديث المشهور‪(( :‬أسألك بكل اسم هو لك سميات به نفسك‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫استأثرت به في علم‬ ‫أنزلته في كتابك‪ ،‬أو علمته أحداً من خلقك‪ ،‬أو‬
‫الغيب عندك)) ( ‪ ،)٤‬وما استأثر هللا تعالى به في علم الغيب ال يمكن‬
‫ألحد حصره‪ ،‬وال اإلحاطة به‪ ،‬يقول ابن القيم في شفاء العليل‪:‬‬
‫( الحديث دليل على أن أسماء هللا أكثر من تسعة وتسعين‪ ،‬وأن له‬
‫أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده ال يعلمها غيره)(‪.)٤٠‬‬

‫والصفات الواجبة هلل تعالى أربعة‪ :‬الصفة النفسية‪،‬‬


‫والصفات السلبية‪ ،‬وصفات المعاني‪ ،‬والصفات المعنوية‪:‬‬

‫(‪ )٤١‬الصفة‪ :‬تطلق على المعنى الوجودي القائم بالموصوف وعلى ما ليس بذات؛ فكل ما‬
‫ليس بذات وينسب إلى الذات؛ فهو صفة‪ ،‬وهذا هو المراد هنا ليشمل النفسية والسلبية‬
‫والمعاني والمعنوية‪ .‬ينظر ‪ :‬تهذيب واختصار شروح السنوسية (أم البراهين‪ ،‬ألبي عبد هللا‬
‫محمد بن محمد بن يوسف السنوسي)‪ ،‬وهو تهذيب لشرح العالمة احمد بن عيسى‬
‫االنصاري مع تعليقات من شروح كبار العلماء‪ ،‬تهذيب واختصار‪ :‬د‪،‬عمر عبد هللا كامل‪:‬‬
‫(ص‪. )٤٠‬‬
‫( ‪ )٤‬صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان‪ ،‬البن حبان‪( :‬ح‪ ،) ٢٠/٠()٩٥ -‬قال شعيب‬
‫األرنؤوط ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )٤٠‬ينظر‪ :‬شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬البن قيم الجوزية‬
‫(ت‪٥٢١ :‬هـ)‪.) ٥٥/١( :‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -0‬الصفة النفسية‪ :‬وهي صفة واحدة وهي "الوجود"‪.‬‬

‫‪ -‬الصفات السلبية‪ :‬وهي خمس‪ ،‬وهي‪ ( :‬الوحدانية‪ ،‬القدم‪،‬‬


‫والبقاء‪ ،‬والقيام بالنفس‪ ،‬والمخالفة للحوادث)‪.‬‬

‫‪ -٠‬صفات المعاني‪ :‬وهي سبع صفات وهي‪( :‬العلم‪ ،‬القدرة‬


‫اإلرادة‪ ، ،‬الحياة‪ ،‬السمع‪ ،‬البصر‪ ،‬الكالم ) ‪.‬‬
‫‪ -٤‬الصفات المعنوية‪ :‬وهي سبع صفات وهي‪ ( :‬كونه حيا ً‬
‫وسميعا ً‪ ،‬وبصيراَ‪ ،‬ومتكلما ً‪ ،‬ومريداً‪ ،‬وقادراً‪ ،‬وعليما ً)‪.‬‬

‫وفيما يأتي تفصيل لما لهذه الصفات وما يتعلق بها من‬
‫مباحث‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الصفة النفسية (الوجود)‪:‬‬


‫عرفت "الصفة النفسية"‪ ،‬بأنها (صفة ثبوتية(‪ )٤٤‬يةدل الوصةف‬
‫بهةةا علةةى نفةةس الةةذات)‪ ،‬أي تةةدل علةةى التحقةةق والثبةةوت للةةذات‪( ،‬بةةال‬

‫(‪ )٤٤‬الصفة الثبوتية تنقسم على قسمين‪ ،‬القسم األول‪ :‬ما يةدل علةى نفةس الةذات‪ ،‬دون معنةى‬
‫زائد عليها‪ ،‬وهي الوجود‪ .‬والقسم الثةاني‪ :‬مةا يةد ال علةى معنةى زائةد علةى الةذات‪ ،‬وهةي‬
‫صفات المعاني والمعنوية‪ ،‬إال أن هذا المعنى الزائد وجةودي فةي المعةاني‪ ،‬وثبةوتي فةي‬
‫المعنوية‪ ،‬وكالهمةا أربةع عشةرة صةفة‪ .‬ينظةر‪ :‬كشةاف اصةطالحات الفنةون‪ ،‬التهةانوي‪:‬‬
‫‪.١٥٣٣/‬‬
‫‪36‬‬
‫معنةةةةى زائةةةةد عليهةةةةا‪ ،‬ككةةةةون الجةةةةوهر جةةةةوهراً(‪ ،)٤٢‬وذاتةةةةا ً وشةةةةيئا ً‬
‫موجوداً)(‪.)٤٦‬‬

‫والصةةةفة النفسةةةية هلل تعةةةالى‪ :‬هةةةي "الوجةةةود"‪ ،‬وسةةةبب تقةةةديم‬


‫الوجةود علةى بقيةةة الصةفات؛ ألنةةه كاألصةل بالنسةةبة لهةا‪ ،‬ووجةةود هللا‬
‫تعةةالى ال يشةةبه وجةةود مخلوقاتةةه؛ ألن وجةةود هللا "ذاتةةي لةةه" أي لةةيس‬
‫بتأثير مؤثر وفعل فاعل‪ ،‬ووجود الحوادث "تبعي" بتأثير هللا وفعلةه‪،‬‬
‫وعلى هذا؛ فوجود هللا يليق بأزليته وبخالقيته‪ ،‬ووجةود اإلنسةان يليةق‬
‫بضعفه وعجزه‪ ،‬بكونه كان عدماً؛ فأوجده هللا تبارك وتعالى(‪.)٤٥‬‬

‫‪ -‬األدلة النقلية‪:‬‬

‫الدليل على صفة الوجود من القرآن الكريم قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ [الطور‪] ٠٥ - ٠٢ :‬‬

‫(‪ )٤٢‬الجوهر لغةة‪ :‬الجةوهر معةروف‪ ،‬والواحةد جةوهرة‪ ،‬والجةوهر كةل حجةر يسةتخرج منةه‬
‫شيء ينتفع به‪ .‬واصطالحا ً‪ :‬الجوهر هو القائم بنفسةه‪ ،‬وهةو حامةل لاعةراض ال تتغيةر‬
‫ذاتيتةةةةةه؛ موصةةةةةوف ال واصةةةةةف‪ .‬ينظةةةةةر‪ :‬مفةةةةةاتيح العلةةةةةوم‪ ،‬الخةةةةةوارزمي‪ :‬ص‪١٦٥‬؛‬
‫والتعريفات‪ ،‬الجرجاني‪ :‬ص‪٥٩‬؛ ولسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،١٢ /٤ :‬مادة (جهر)‪.‬‬
‫(‪ )٤٦‬ينظةةةر‪ :‬تحفةةةة المريةةةد‪ ،‬للبةةةاجوري‪ ،‬ص‪ ،٠٢‬وشةةةرح الصةةةاوي علةةةى الجةةةوهرة‪ ،‬ل مةةةام‬
‫الصاوي‪ ،‬ص‪.١٤٠‬‬
‫(‪ )٤٥‬ينظر ‪" :‬تهذيب السنوسية"‪ ،‬سعيد فودة‪( :‬ص ‪ ٠٤‬من الهامش) ‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫ومن السنة قوله صلى هللا عليه وسلم‪ (( :‬إن هللا خالق كل صانع‬
‫وصنعته))(‪.)٤٣‬‬

‫ووجه الداللة‪ :‬من اآلية الكريمة والحديث الشريف تقوم على القول‬
‫باستحالة أن يكون الخلق من غير خالق‪ ،‬إذ ال بد للمخلوق من‬
‫خالق‪ ،‬وللمصنوع من صانع؛ فالعدم ال يخلق‪ ،‬وزع ُم خالفِ ذلك‬
‫أمر مستحيل تنكره العقول؛ ففاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬وهذا دليل غاية‬
‫في القوة والبيان‪ ،‬ولذلك عندما سمعه جبير بن مطعم قال ‪ " :‬كاد‬
‫قلبي أن يطير"(‪)٤٩‬؛ بل كان سماعه لهذه اآلية الدافع الرئيس‬
‫إلسالمه(‪.)٢٠‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫ومن الدالئل العقلية على كون هللا تعالى واجب الوجود‪ ،‬هو أن لكل‬
‫جد بال وجود؛‬ ‫أثر مؤثراً‪ ،‬فالب َد إذن لهذا الوجود من مُو ِ‬
‫جد‪ ،‬وال مُو ِ‬

‫(‪ )٤٣‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬للحاكم (ت‪٤٠٢ :‬هـ)‪ ٣٢/١( :‬برقم ‪ ،)٣٢‬قال الحاكم‪:‬‬
‫هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه ‪.‬‬
‫(‪ )٤٩‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب قوله {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس‬
‫وقبل الغروب}‪( :‬ح‪.)٤٣٢٤ -‬‬
‫(‪ )٢٠‬جاء في فتح الباري‪( :‬قال الخطابي كأنه انزعج عند سماع هذه اآلية لفهمه معناها‬
‫ومعرفته بما تضمنته؛ ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه‪ ،‬وذلك من قوله تعالى أم خلقوا‬
‫من غير شيء‪ ،‬قيل معناه ليسوا أشد خلقا من خلق السموات واألرض ألنهما خلقتا من غير‬
‫شيء ‪ ،‬أي هل خلقوا باطال ال يؤمرون وال ينهون ؟ وقيل المعنى أم خلقوا من غير خالق ؟‬
‫وذلك ال يجوز فال بد لهم من خالق ‪ ،‬وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون ألنفسهم ‪ ،‬وذلك في‬
‫الفساد والبطالن أشد؛ ألن ما ال وجود له كيف يخلق‪ ،‬وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم‬
‫بأن لهم خالقا ‪ .‬ثم قال‪ :‬أم خلقوا السماوات واألرض أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق‬
‫أنفسهم؛ فليدعوا خلق السماوات واألرض‪ ،‬وذلك ال يمكنهم‪ ،‬فقامت الحجة‪ .‬ثم قال‪ :‬بل ال‬
‫يوقنون فذكر العلة التي عاقتهم عن اإليمان وهو عدم اليقين الذي هو موهبة من هللا وال‬
‫يحصل إال بتوفيقه‪ ،‬فلهذا انزعج جبير حتى كاد قلبه يطير ‪ ،‬ومال إلى اإلسالم ‪ .‬انتهى) فتح‬
‫الباري‪. )٦٠٠/٣( :‬‬
‫‪39‬‬
‫فثبت بذلك أن هللا تعالى موجود‪ ،‬ويتميز هذا الوجود بالوجوب‪ ،‬ألنه‬
‫الفتقر‬
‫َ‬ ‫لو كان حادثا ً الفتقر إلى مُحت دِث‪ ،‬ولو افتقر إلى مُحت دِث‪،‬‬
‫مُحت د ُِثه إلى مُحت دِث؛ فيلزم الدور(‪ )٢١‬والتسلسل( ‪ ،)٢‬وكالهما‬
‫باطل(‪ ،)٢٠‬أما كون الدور والتسلسل باطلين؛ فلعلمنا بأننا موجودون‬
‫والكون من حولنا موجود‪ ،‬وما دمنا والكون موجودين؛ فيقينا ً أن‬
‫الدور والتسلسل باطالن؛ إذ لو لم يبطال لما تحقق وجودنا‪ ،‬ونظير‬
‫ذلك لو كان عند أحدهم معاملة يروم توقيعها من قبل أحد الموظفين‪،‬‬
‫ولنفرضه (أ)؛ فامتنع حتى يوقعها الموظف الثاني‪ ،‬ولنفرضه(ب)‬
‫الذي امتنع بدوره حتى يوقعها الموظف(ج)؛ فيقينا ً أن المعاملة حينها‬
‫لن توقع؛ لكن إذا وقعت المعاملة؛ فسنقول حينها‪ :‬أن التسلسل قد‬
‫بطل في هذه الحال‪ ،‬وأما دليل بطالن الدور؛ فلنفرض االفتراض‬
‫السابق‪ ،‬ونأتي بالمعاملة للموظف (ج) الذي امتنع من توقيعها حتى‬
‫يوقعها الموظف(أ)‪ ،‬والذي بدوره لن يوقعها حتى يوقعها‬
‫الموظف(ب)‪ ،‬والذي امتنع عن توقيعها أيضا حتى يوقعها‬
‫الموظف(ج)‪ ،‬وهنا أيضا ً لن توقع المعاملة‪ ،‬وسنقع في الدور‪ ،‬ولن‬
‫يرفعه إال توقيع المعاملة‪.‬‬

‫(‪ )٢١‬الدور‪ :‬وهو توقةف كةل واحةد مةن الشةيئين علةى اآلخةر‪ ،‬ينظةر‪ :‬التعريفةات‪ ،‬للجرجةاني‪،‬‬
‫ص‪.١٤٠‬‬
‫( ‪ )٢‬التسلسةةل‪ :‬هةةو ترتيةةب أمةةور وتعاقبهةةا فةةي جانةةب األزل ال نهايةةة لهةةا‪ ،‬ينظةةر التعريفةةات‪،‬‬
‫للجرجاني‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬
‫(‪ )٢٠‬ينظةةر‪ :‬وكتةةاب األربعةةين فةةي أصةةول الةةدين‪ ،‬للةةرازي‪ ،١ ٩/١ :‬وشةةرح الصةةاوي علةةى‬
‫الجوهرة‪ ،‬ل مام الصاوي‪ ،‬ص‪.١٤٢‬‬
‫‪31‬‬
‫أدلة وجود هللا ‪ -‬تعالى‪:-‬‬

‫الشك بأن أكثر الحقائق بداهة ووضوحا ً هي عقيدة اإليمان‬


‫بوجود هللا تعالى‪ ،‬ولهذا لم ينقل على مرِّ التأريخ من أنكر هذه‬
‫الحقيقة وجادل فيها؛ إال عن شرذمة قليلة ال يلتفت لها‪ ،‬وال يعبأ‬
‫بميزانها‪ ،‬ورحم هللا اإلمام البوصيري في بردته حين يقول‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫ضوء الشمس من رمد وينكر الف ُم طع َم الماء من سقم‬
‫َ‬ ‫قد تنكر العينُ‬

‫لذا فاإليمان بوجود هللا تعالى أمر كان ينبغي أال يختلف‬
‫ِّ‬
‫المنظم‪،‬‬ ‫ال اناس فيه؛ ألن داللة األثر على المؤثر‪ ،‬والنظام على‬
‫واإلحكام على الحكيم بدهية؛ بل قالوا‪ :‬إن ذلك مماا يدركه الحيوان‬
‫من‬ ‫فضالً عن اإلنسان؛ فإنك إذا ضربت الحمار مثالً التفت لير‬
‫ضربه؛ ألنه مركوز في فطرته أن األثر ال يكون بال مؤثر‪ ،‬والفعل‬
‫ال يكون بال فاعل؛ فإذا رأيت كلمة مركبة من ثالثة حروف لم تشك‬
‫في أن كاتبا ً كتبها‪ ،‬وإن رأيت ساعة تشير إلى األوقات أيقنت أن لها‬
‫صانعا رتب أجزاءها‪ ،‬وأع ادها لتلك الغاية(‪ .)٢٢‬وقد أقام العلماء‬
‫الكثير من الدالئل على وجود هللا تعالى‪ ،‬بيد أن ما قرره القرآن‬
‫الكريم يعد أقو الدالئل وأجالها وأوضحها لمن كان له قلب أو ألقى‬
‫السمع وهو شهيد‪ ،‬ونشير هنا بإيجاز ألبرز هذه الدالئل‪:‬‬

‫(‪ )٢٤‬البر دة شةرحا واعرابةا وبالغةة‪ ،‬محمةد يحيةى حلةو‪ ،‬مراجعةة محمةد علةي حميةد هللا‪ ،‬دار‬
‫البيروتي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪١٤ ٦ ،٠‬هـ‪ :‬ص‪. ١٤٢‬‬
‫(‪ )٢٢‬ينظر‪ :‬سبيل السعادة‪ ،‬لشيخ األزهر يوسف الدجوي‪.) ١/١( :‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ .0‬دليل الخلق واالختراع‪:‬‬

‫وهو من أوضح األدلة التي سةاقها القةرآن الكةريم‪ ،‬لالسةتدالل‬


‫علةةى وجةةود الخةةالق؛ فةةاألرض والسةةموات وكةةل مةةا فيهةةا‪ ،‬مبتدعةةة ال‬
‫على مثال سابق‪ ،‬وكذلك الحيوانات والنباتات كانت جماداً ثم انبعثةت‬
‫فيها الحياة؛ فنعلم من هنا قطعةا ً أنةه ال بةدَ مةن موجةد للحيةاة‪ ،‬مُخ َت ِةرع‬
‫لها؛ فال يصح أن يوجد مُخ َت َرع من دون الم ِ‬
‫ُخترع‪ ،‬وهو الخالق لهذا‬
‫الكون عز وجل كما أن مةا يظهةر مةن تكةوين هةذه األشةياء وإيجادهةا‬
‫بعدما كانت معدومةة غيةر موجةودة أقةو دليةل علةى موجةدها‪ ،‬وهةو‬

‫هللا تعةةالى‪ ،‬قةةال تعةةالى‪ :‬ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫(‪)٢٦‬‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [األعراف‪]١٣٢ :‬‬

‫ولهذا جاء على لسان األعرابي عندما سُئل عن دليل وجود‬


‫هللا؟ فقال‪ :‬البعرة تدل على البعير‪ ،‬وأثر األقدام يدل على المسير؛‬
‫فليل داج‪ ،‬وسماء ذات أبراج‪ ،‬وأرض ذات فجاج‪ ،‬وبحور ذات‬
‫أمواج أال تد ُّل على السميع البصير!!؟‪،‬‬

‫فهذا أعرابي استدل على أن هذه الحوادث العظيمة تدل على‬


‫خالق عظيم‪ ،‬هو السميع البصير؛ فالحوادث دليل على وجود‬
‫المحدث‪ ،‬ثم كل حادث منها يدل على صفة مناسبة غير الوجود‪،‬‬
‫فنزول المطر يدل ال شك على وجود الخالق ويدل على رحمته‬
‫(‪ )٢٦‬ينظر‪ :‬مناهج األدلة‪ ،‬البن رشد‪ :‬ص‪.١٩٤‬‬
‫‪41‬‬
‫وهذه داللة غير الداللة على الوجود‪ ،‬ووجود الجدب والخوف‬
‫والحروب تدل على وجود الخالق وتدل على غضب هللا عز وجل‬
‫وانتقامه‪ ،‬فكل حادث له داللتان‪:‬‬

‫داللة كلية عامة‪ :‬تشترك فيها جميع الحوادث وهي وجود‬


‫الخالق أو وجود المحدث‪.‬‬

‫وداللة خاصة‪ :‬في كل حادث بما يختص به كداللة الغيث‬


‫على الرحمة وداللة الجدب على الغضب وهكذا(‪.)٢٥‬‬

‫ومن نافلة القول نشير إلى أهم خصائص هذه الحياة الدنيا‬
‫وكونها فانية زائلة؛ لنخلص منها إلى افتقارها واحتياجها إلى الموجد‬
‫والخالق؛ فهذه الحياة الدنيا محكوم عليها بـ(الفناء)‪ ،‬و(التغير)‬
‫و(الزوال) في كل وقت وحين؛ فالشمس تشرق على أقوام‪ ،‬وتغيب‬
‫عن آخرين‪ ،‬والليل والنهار يعمالن في ابن آدم‪ ،‬ويصرخان في‬
‫صماخه‪ ،‬يابن آدم إنما أنت أيام؛ فإذا ذهب يوم ذهب بعضك‪ ،‬وهكذا‬
‫تبدأ دورة الحياة لتنتهي بالموت؛ لتعود مرة ثانية؛ فتبدأ من جديد‬
‫دورة أخر ‪ ،‬وهكذا لتقرر في خلد اإلنسان بأن ثمة ر ًابا حكيما مدبِّرا‬
‫لهذا الكون‪ ،‬يجازي باإلحسان إحسانا‪ ،‬وبالسيئات عفوا وغفرانا‪،‬‬
‫وكل شيء عنده بمقدار‪ ،‬وأن هذه الحياة ستؤول للزوال‪ ،‬ويبقى‬

‫الواحد القهار‪ ،‬وقد ضرب هللا لها مثال في قوله‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ‬

‫(‪ )٢٥‬ينظر‪ :‬شرح العقيدة السفارينية‪ ،‬لمحمد بن صالح‪ :‬ص‪.٤٢‬‬


‫‪42‬‬
‫ﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣ‬

‫ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ‬

‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [يونس‪ ] :‬إذ تشير اآلية الكريمة إلى‬

‫من ناظريه‪-‬‬ ‫أهم الحقائق التي غفل عنها اإلنسان مع أنها ‪-‬بمرأ‬
‫تحدث يوميا؛ إنها دورة الحياة والموت في الطبيعة‪ ،‬حين ينزل ماء‬
‫الحياة في فصل الخريف وفصل الشتاء‪ ،‬غيثا يبعث النبات من‬
‫أعشاب وزروع؛ فتبتهج األرض بالربيع الزاهر‪ ،‬وتحتفل بموسم‬
‫الجمال أشجارا وأطيارا وأنهارا وزخرفة تعلو الروابي والبساتين‬
‫والسهول؛ فتكون أشبه ما تكون بالحسناء المتزينة بشتى التالوين‬
‫وفنون التقيين‪ ،‬حتى تكون في أسحر أحوال اإلغواء واإلغراء ! ذلك‬
‫أن الزخرفة الصارخة تلقي على قلب اإلنسان شباكا سحرية؛‬
‫فتستوعب كل وجدانه وتفكيره؛ فال ير شيئا ً بعد ذلك إال من خاللها‬
‫حتى إذا جاء المصيف‪ ،‬وأنضجت الزروع حبوبها كان الحصاد‬
‫مرلها؛ فال تر لها في األرض أثراً إال هشيما ً من حصيد ! تماما ً كما‬
‫تتناثر أوراق األشجار عند الخريف‪ ،‬ل ًقى ذابالً‪ ،‬تذروه الرياح بك ِّل‬
‫البطاح؛ فتعوي ريح الفناء بالوديان والقيعان‪ ،‬لتكنس كل أثر للحياة‪،‬‬
‫وكأن األشجار المتحطمة األغصان‪ ،‬ما أورقت قط وال أزهرت‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫وكأن األطيار الراحلة في األفق البعيد ما عششت هاهنا‪ ،‬وال‬

‫غردت ! ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [يونس‪.)٢٣(] ٤ :‬‬

‫فعلةى اإلنسةةان أن يتةدبر هةةذا المثةل القرآنةةي حةق التةةدبر‪ ،‬وأن‬


‫يعيةةه جيةةدا كةةي يسةةتطيع أن يتشةةارك مةةع بنةةي جنسةةه هةةذه األرض‪،‬‬
‫ويعمرها وبخاصة مع من ينتسبون لدينه‪ ،‬وال يحرق الحرث والنسل‬
‫والبالد والعباد بةدعاو فارغةة وفهةم سةقيم؛ بةل عليةه اسةتغالل وقتةه‬
‫وطاقته فةي خدمةة دينةه ومجتمعةه وأبنةاء مجتمعةه؛ ليحقةق خالفةة هللا‬
‫تعالى في أرضه وملكوته‪.‬‬

‫‪ .6‬دليل الفطرة‪:‬‬

‫الفطةرة فةةي اللغةة‪ :‬هةةي اإلتبةاع واالختةةراع‪ ،‬والفطةرة بالكسةةر‬


‫الخلقةةة‪ ،‬والفطةةرة مةةا فطةةر هللا عليةةه الخلةةق مةةن اإليمةةان بةةه تعةةالى‬
‫وبوجوده(‪.)٢٩‬‬

‫واصطالحا ً‪ :‬هي التهيئة لقبول الدين(‪.)٦٠‬‬

‫يقةةةول تعةةةةالى‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬

‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ [لقمةان‪ ] ٢ :‬وهةذا اعتةراف‬

‫(‪ )٢٣‬بالغ الرسالة القرانية‪ ،‬د‪ .‬فريد األنصاري‪ :‬ص‪.٩٥-٩٦‬‬


‫(‪ )٢٩‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.٢٦/٢ ،‬‬
‫(‪ )٦٠‬التعريفات‪ ،‬للجرجاني‪ ،‬ص‪. ١٢‬‬

‫‪44‬‬
‫ثابةةت عنةةدهم مةةن مبةةدأ خلقهةةم‪ ،‬وقةةد جبلةةت عليةةه عقةةولهم(‪)٦١‬؛ فكةةانوا‬
‫يقةةرون بأنةةه الخةةالق والةةرازق‪ ،‬وإنمةةا أمةةره أن يقةةول الحمةةد هلل علةةى‬
‫إقرارهم؛ ألنه في هذا اإلقرار إلزام الحجة؛ فيوجب علةيهم التوحيةد‪،‬‬
‫ولكن أكثرهم ال يعقلون توحيد هللا تعالى مةع إقةرارهم بةأن هللا تعةالى‬
‫هو الخالق والرازق( ‪.)٦‬‬

‫فـ(الفطرة) إذن‪ :‬حالة وهيئة دينية ُخل َِق عليها الناسُ ابتداءً‪ ،‬ولكن‬
‫ما الذي تعنيه هذه الحالة الدينية؟ إن أول ما ينصرف إليه الذهن في‬
‫اإلجابة عن هذا التساؤل يكمن في الحديث المشهور‪َ (( :‬ما ِمنت‬
‫َم تولُود إِال يُولَ ُد َعلَى تالف تِط َرةِ‪َ ،‬فأ َ َب َواهُ ُي َهوِّ دَانِ ِه َو ُي َنص َِّرانِ ِه َو ُي َمج َ‬
‫ِّسانِهِ‪،‬‬
‫َك َما ُت تن َت ُج تال َب ِهي َم ُة َب ِهي َم ًة َج َ‬
‫(‪)٦٠‬‬
‫ُّون فِي َها ِمنت َج تد َعا َء؟))‬
‫حس َ‬ ‫متعا َء‪َ ،‬ه تل ُت ِ‬

‫إذ يشير هذا الحديث إلى أن المولود لو ترك مع فطرته األصلية‬


‫لما كان على شيء من األديان الباطلة واألفكار المنحرفة‪ ،‬وأ انه إنما‬
‫َيقدمُ على الدين الباطل؛ ألسباب خارجية‪ ،‬وهي سعي األبوين في‬
‫ذلك وحصول األغراض الفاسدة من البغي والحسد؛ فذكر األبوين‬

‫إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة‪ ،‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯠ ﯡ‬

‫ﯢ ﯣ ﭼ [الروم‪ ]٠٠ :‬يحتمل تأويلين‪:‬‬

‫(‪ )٦١‬ينظر‪ :‬المسامرة شرح المسايرة‪ ،‬لمحمد بن أبي شريف المقدسي‪ ،‬ص‪.٤١‬‬
‫( ‪ )٦‬ينظر‪ :‬زاد المسير‪ ،‬البن الجوزي‪.)٤١٠/٠( :‬‬
‫(‪)٦٠‬‬
‫صحيح مسلم‪( :‬ح‪ ،٤‬ص‪ ، ٠٤٥‬رقم الحديث‪) ٦٢٣ :‬‬

‫‪45‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يريد بها هذه الفطرة المذكورة؛ فهذه الفطرة ال تبديل‬
‫لها من جهة الخلق‪ ،‬وال يجيء األمر على خالف هذا بوجه‪.‬‬

‫واآلخر‪ :‬أن يكون قوله‪ :‬ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ رد على الكفار؛ كأنه‬

‫يقول‪ :‬أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا؛ فإن هؤالء الكفار‬
‫قد خلق هللا لهم الكفر‪ ،‬وال تبديل لخلق هللا‪ ،‬أي أنهم ال يفلحون؛‬
‫فالتعليل حينئذ من جهة أن سالمة الفطرة متحققة في كل أحد؛ فال بد‬
‫من لزومها بترتيب مقتضاها عليها وعدم اإلخالل به بما ذكر من‬
‫وخطوات الشيطان؛ فاألبوان لم ُي َغيرا فطرة ولدهما‪،‬‬ ‫اتباع الهو‬
‫ولم ينزعاها منه؛ وذلك ألن الفطرة أمر ثابت ال يستطيع أحد أن‬
‫يغيره‪ ،‬أو أن يُب ِدلَه‪ ،‬وإنما كان فع ُل األبوين مقتصراً على توجيه‬
‫ولدهما إلى الطريقة التي يريدان أنت يُشبعا ولدهما غريزة التديُّن‬
‫عنده بعد أن كبر؛ فاليهودي يزين لولده طريقة اإلشباع التي يشبع‬
‫بها اليهود هذه الغريزة‪ .‬والنصراني يُحبِّبُ لولده الطريق التي يشبع‬
‫غريزة التديُّن عندهم‪ .‬والمجوسي يوج ُه ولدَه إلى أن‬ ‫بها النصار‬
‫يشبع غريزة التدين عنده على وفق إشباع المجوس لها‪ .‬وهكذا كل‬
‫ملة تزين ألبنائها طريقة اإلشباع الخاصة بها على وفق معتقدها‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ :‬فإن كل آية أو كل حديث يدلُ على وجود‬


‫انحراف في الفطرة عند اإلنسان فال يعني ذلك أن االنحراف قد‬
‫ب تغيير الفطرة عنده؛ ذلك ألن الفطرة أمر ثابت ال‬
‫حصل بسب ِ‬

‫‪46‬‬
‫يتغير ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ [الروم‪ ] ٠٠ :‬وإنما يكون‬

‫ا‬
‫الشاذ‪،‬‬ ‫االنحراف قد حصل بسب اإلشباع الخاطئ أو اإلشباع‬
‫واإلشباع المحرم الذي أشبع اإلنسان غريزة التديُّن لديه‪.‬‬

‫فاألمور الفطرية كما أنها موجودة عند كل إنسان؛ فإنه يضاف‬


‫إلى ذلك أنها من األمور الثابتة له‪ ،‬فال تتبدل وال تتغير‪ ،‬وال يستطيع‬

‫ُغير األمور الفطرية عند اإلنسان ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ‬


‫أحد أن ي َ‬

‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [الروم‪]٠٠ :‬‬

‫ويد ال على ذلك آية أخر ‪ ،‬تقول‪ :‬ﭽ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬

‫ﮡ ﭼ [البقرة‪ ]١٠٣ :‬والصبغة هي التلوين‪ ،‬والصبغ هو من يلون‬

‫الحيطان؛ فقد يلون الحائط بلونه نفسه كاألبيض يصبغه بالبياض؛‬


‫فيزداد نصاعة وضياء‪ ،‬وقد يلون بلون مغاير فيذهب بلونه األصلي‪،‬‬
‫ويختفي فال يكاد يعرف اللون األصلي‪ ،‬وهذا حال المعاني الواردة‬
‫في الفطرة أو الصبغة؛ فالمولود يولد على الفطرة‪ ،‬وهي التوحيد‬
‫واإلسالم؛ لكن ال يلبث األبوان أن يصبغاه بلون مغاير يذهب باللون‬
‫ألوالدهم‪ ،‬أو لمن يريد الدخول في‬ ‫األصلي كما يفعل النصار‬
‫دينهم؛ إذ يعملون على تعميده‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫أما نحن المسلمين ال زالت الفطرة عندنا من هللا تعالى‪ ،‬وال زال‬
‫التلوين على وفق الشريعة السمحة؛ فلم يطرأ عليها تبديل وتغيير‪،‬‬
‫وهي فطرة اإلسالم وصبغة اإلسالم؛ لكن يجب توخي الحذر في‬
‫خضم الواقع الذي نعيشه وفي ظل الواقع االفتراضي الذي تفرضه‬
‫مواقع التواصل االجتماعي من "فيسبوك" و"تويتر" و"التليغرام"‬
‫فضال عن برامج الفايبر والواتس آب وسناب شات ونحوها من‬
‫المواقع والمجاميع المشتركة فيها‪ -‬من إثارة الشبه واالنسياق وراءها‬
‫والتعاطي مع األفكار الهدامة وآثارها السلبية في وعي النشء المسلم‬
‫وبخاصة إذا كان مفتقدا ألدوات المعرفة‪ ،‬والضروري من‬
‫المعلومات الدينية ونحوها‪ -‬وإسهاماتها السلبية في تشكيل العقل في‬
‫ضوء المدخالت الخاطئة لهذه المواقع مما يترك أثره السيء في بناء‬
‫الفرد وتعزيز قيم اإليمان والمواطنة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ -١‬هلل تعالى عشرون صفة‪ ،‬وتقع تحت أربعة عناوين‪ ،‬أذكرها‬
‫بالتفصيل‪.‬‬

‫س ‪ -‬عرف الصفة النفسية واذكر دالئلها بإيجاز‪.‬‬

‫س‪ -٠‬تكلم على دليل الخلق واالختراع وداللته على وجود هللا تعالى‬
‫بالتفصيل‪.‬‬

‫س‪ -٤‬بين بطالن كل من الدور والتسلسل بايجاز‪.‬‬

‫س‪ -٢‬تكلم على دليل الفطرة وداللته على وجود هللا تعالى‬
‫بالتفصيل‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫السلبية‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬الصفات َ‬

‫وهي التي دلت على سةلب مةا ال يليةق بةه سةبحانه‪ ،‬أي تسةلب‬
‫مةةن الةةذهن أضةةدادها‪ ،‬فهةةي تنفةةي كةةل أمةةر ال يليةةق بةةه تعةةالى‪ ،‬فالقةةدم‬
‫سلب ألولية الوجود‪ ،‬والبقاء دل على نفي اآلخرية التي ال تليةق بةاهلل‬
‫تعالى وهكذا(‪.)٦٤‬‬

‫والصفات السلبية كثيرة وغير منحصةرة علةى الصةحيح‪ ،‬ألن‬


‫النقائص كثيرة األنواع‪ ،‬إال أن هناك خمةس صةفات تعةد مةن مهمةات‬
‫(‪.)٦٢‬‬
‫أمهاتها‪ ،‬وألن الشارع الحكيم لم يكلفنا تفصيال إال بها‬

‫وبيان تلك الصفات على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -0‬الوحدانية‪:‬‬

‫إن بحةةث الوحدانيةةة مةةن أشةةرف مباحةةث العقيةةدة اإلسةةالمية‪،‬‬


‫ولذلك سمي هذا العلم باسم مشتق منهةا؛ فقيةل (علةم التوحيةد)‪ ،‬وذلةك‬
‫ألهميةةة التوحيةةد‪ ،‬وقةةد اهةةتم القةةرآن الكةةريم بهةةذه القضةةية كثيةةرا؛ إذ‬
‫األنبيةةاء علةةيهم السةةالم جميع ةا ً قةةد دعةةوا إلةةى توحيةةد هللا تعةةالى ونفةةي‬
‫الشرك‪ ،‬وهذا أمر مشةترك بةين جميةع األديةان السةماوية‪ ،‬وكثيةر مةن‬

‫اآليةةات القرآنيةةة تةةدعو إلةةى توحيةةد الخةةالق قةةال تعةةالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫(‪)٦٤‬‬
‫اليقينيات الكونية‪،‬‬
‫ينظر‪ :‬حاشية العقباوي على شرحه لعقيدة الدردير‪ :‬ص‪ ،٠٤‬وكبر‬
‫للبوطي‪ :‬ص ‪.٩‬‬
‫(‪)٦٢‬‬
‫ينظر‪ :‬شرح الصاوي على جوهرة التوحيد‪ ،‬ل مام الصاوي‪ ،‬ص‪ ،١٤٣‬وشرح جوهرة‬
‫التوحيد‪ ،‬للباجوري ص‪.٣٢‬‬
‫‪50‬‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ [اإلخةةالص‪ ،]٤ – ١ :‬وقةةال تعةةالى‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ [األعةةةةةةةةةةراف‪:‬‬

‫‪ ]٢٩‬وغير ذلك من اآليات القرآنية واألدلة النقلية‪.‬‬

‫والوحدانيةةة فةةي اصةةطالح المتكلمةةين تعنةةي‪ :‬وحدانيةةة الةةذات‬


‫والصفات واألفعال‪.‬‬

‫فالوحدانية في الذات تعني‪ :‬أن محدث هذا العالم ليس مركبةا‬


‫من أجزاء‪ ،‬كما هةو الحةال عنةد بعةض النحةل ‪-‬قةديما وحةديثا‪ -‬والتةي‬
‫تجسِّةم معبودهةا وتصةةوره بصةور شةتى مةةن أصةنام وتماثيةل وهياكةةل‬
‫وأوثان مصنوعة من ذهب وحجر ونحوه‪ ،‬ووحدانية الربِّ نعني به‪:‬‬
‫أنه غي ُر متعدد بحيث يكون ثمة إله ثان؛ فهو واحد مةن غيةر تركيةب‬
‫وال تعدد‪.‬‬

‫أما الوحدانية في الصفات؛ فتعني‪ :‬أن محدث العةالم لةيس لةه‬


‫قدرتان‪ ،‬وعلمان‪ ...‬إلةخ ‪ ،‬بةل لةه قةدرة واحةدة‪ ،‬وعلةم واحةد‪ ...‬إلةخ‪،‬‬
‫كما أنه ليس ألحد صفة تشبه صف َته تعالى‪.‬‬

‫والوحدانية في األفعةال تعنةي‪ :‬أنةه لةيس ألحةد فعةل كفعةل هللا‬


‫تعةةالى‪ ،‬ولةةيس معةةه أحةةد يشةةاركه فةةي فعلةةه سةةبحانه كإحةةداث العةةالم‬

‫‪51‬‬
‫ونحوه؛ فال يوجد لغير هللا فعل من األفعال على وجه اإليجاد‪ ،‬وإنمةا‬
‫ينسب الفعل لغير هللا تعالى على وجه الكسب واإلختيار(‪.)٦٦‬‬

‫وقد استدل العلماء على صفة الوحدانية بما يأتي‪:‬‬

‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫‪ -١‬ﭽ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ [البقةةةرة‪:‬‬

‫‪ ،]١٦٠‬ووجااه الداللااة فةةي هةةذه اآليةةة المباركةةة‪ ،‬يكمةةن فةةي‬


‫إخبار هللا تعالى أنه هو المسةتحق بالعبةادة‪ ،‬وال شةريك لةه‬
‫يصح أنت يعبد أو يسمى إلهاً‪ ،‬وفيها تقرير بالوحدانية؛ ألن‬
‫هللا تعةةالى هةةو مةةولى الةةنعم كلِّهةةا أصةةولها وفروعهةةا‪ ،‬ومةةا‬
‫سةةواه إمةةا نعمةةة أو مةةنعم عليةةه؛ فلةةم يسةةتحق العبةةادة أحةةد‬
‫(‪)٦٥‬‬
‫غيره‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫ومن أشهر األدلة العقلية التةي اعتمةدها معظةم المتكلمةين فةي‬


‫إثبةةات الوحدانيةةة ونفةةي الشةةريك هةةو برهةةان التمةةانع‪ ،‬وهةةذا البرهةةان‬

‫مستنبط من قوله تعةالى‪ :‬ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬

‫]‪ ،‬وملخةةص هةةذا البرهةةان‪ :‬انةةه لةةو‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [األنبيةةاء‪:‬‬

‫(‪ )٦٦‬ينظر‪ :‬المسامرة شرح المسايرة‪ ،‬لمحمد بن أبي شريف المقدسي‪ ،‬ص‪.٥ -٥١‬‬
‫(‪ )٦٥‬ينظر‪ :‬أنوار التنزيل وإسرار التأويل‪ ،‬للبيضاوي‪.)١١٦/١( :‬‬
‫‪52‬‬
‫أمكن وجود إلهين‪ ،‬لما وجد شيء من هذا العالم؛ ألنهما إمةا أن يتفقةا‬
‫على فعل الممكن‪ ،‬أو يختلفا؛ فإنت اتفقةا علةى إيجةاده؛ فإمةا أن يوجةداه‬

‫معةاً؛ فيلةةزم اجتمةاع مةةؤثرين علةى أثةةر واحةد‪ ،‬وهةةذا دليةل علةةى عة ِ‬
‫ةدم‬
‫إمكان قيةام أحةدهما بإيجةاده منفةردا‪ ،‬فحينهةا يكةون االثنةان عةاجزين‪،‬‬
‫وال يصح أن يكةون العةاجز إلهةاً‪ ،‬وإمةا أن يوجةداه مرتبةا ً بةأنت يوجةده‬
‫أحةةدهما أوال‪ ،‬ثةةم يوجةةده اآلخةةر؛ فعنةةد ذلةةك يلةةزم أن يوجةةد أحةةدهما‬
‫بعضا‪ ،‬واألخر يوجد بعضا آخةر؛ فيلةزم عجزهمةا حينئةذ أيضةا؛ ألن‬
‫أحةدهما لةةن يكةةون فةي مكنتةةه إنفةةاذ إرادتةه فةةي القسةةمين معةا؛ بةةل فةةي‬
‫واحةةد منهمةةا فقةةط‪ ،‬وإن اختلفةةا فةةي وجةةوده وعدمةةه بةةأنت أراد أحةةدهما‬
‫إيجاده واآلخةر عدمةه؛ فإمةا أن تقةع اإلرادتةان معةا‪ ،‬وهةذا محةال‪ ،‬أن‬
‫يكون الشيء الواحد موجودا ومعدوما فةي آن وزمةان ومكةان واحةد‪،‬‬
‫وسةةيلزم اجتمةةاع الضةةدين‪ ،‬وهةةو باطةةل أيضةةا‪ ،‬وإمةةا أن ينفةةذ أحة ُدهما‬
‫إرادته دون األخر؛ فيلزم عجز من لم تنفذ إرادته‪ ،‬وعجز من نفةذت‬
‫إرادته أيضاً؛ ألننا افترضناه مماثال له‪ ،‬ومماثل العاجز عاجز(‪.)٦٣‬‬

‫(‪)٦٣‬‬
‫ينظر‪ :‬شرح المواقف‪ ،‬المتن ل يجي‪ ،‬والشرح للجرجاني‪ ،)٦١/٠( :‬وشرح المقاصد‪،‬‬
‫للتفتازاني‪.)٠٢/٠( :‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -6‬صفة القِدم‪:‬‬

‫معنى القدم في حقةه تعةالى‪ :‬هةو عةدم األوليةة أو عةدم افتتةاح‬


‫وجوده تعالى؛ فالقديم هو الذي ال أول له‪ ،‬وضده الحادث وهو ما له‬
‫بداية‪ ،‬وأول(‪.)٦٩‬‬

‫والمراد بالقِدم في حقه تعالى القِدم الذاتي‪ ،‬وهةو عةدم افتتةاح الوجةود‬
‫أو عدم األوليةة للوجةود‪ ،‬وأمةا القِةدم فةي حةق الحةوادث؛ فةالمراد بةه‬

‫الزماني وهةو طةول المةدة‪ ،‬ومنةه قولةه تعةالى‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ [يس‪ ،] ٠٩ :‬وهو بهذا المعنى مسةتحيل فةي‬


‫(‪)٥٠‬‬
‫حقه تعالى‬

‫وأدلة صفة القِدم من النقل والعقل ما يأتي‪:‬‬

‫الدليل النقلي‪:‬‬

‫قولةةةةةه تعةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﯽﭼ [الحديد‪] ٠ :‬‬

‫(‪)٦٩‬‬
‫المسامرة شرح المسايرة‪ ،‬البن أبي الشريف‪ ،‬ص‪ ،٤٢‬وشرح الصاوي على الجوهرة‪،‬‬
‫ل مام الصاوي ص‪.١٤٣‬‬
‫(‪)٥٠‬‬
‫ينظر‪ :‬شرح الجوهرة‪ ،‬للباجوري‪ ،‬ص‪ ،٣٣‬والمسامرة شرح المسايرة‪ ،‬البن أبي الشريف‪،‬‬
‫ص‪.٤٢‬‬
‫‪54‬‬
‫ووجاه الداللاة‪ :‬مةةا قةرره ابةن جريةةر رحمةه هللا تعةالى بقولةةه‪:‬‬
‫(هو (األول) قبل كل شيء بغير حدٍّ‪ ،‬و(اآلخر) بعةد كة ِّل شةيء بغيةر‬
‫نهاية‪ ،‬وإنما قيل ذلك كذلك‪ ،‬ألنه كان وال شيء موجوداً سةواه‪ ،‬وهةو‬
‫كائن بعد فناء األشياء كلها‪ ،‬كما قال جل ثنةاؤه‪ُ " :‬كة ُّل َشةيت ء َهالِةك إِال‬
‫َوجت ه ُه")(‪.)٥١‬‬

‫وأ َّما الدليل العقلي‬

‫فهو لو لم يكن قديما ً لكان حادثاً؛ إذ ال وسط بينهما‪ ،‬ولو كان‬


‫حادثا ً الحتاج إلى محدث يحدثه‪ ،‬ومحدثه يحتاج إلةى محةدث وهكةذا؛‬
‫فليزم الدور أو التسلسل‪ ،‬وكالهما محال؛ فوجب أن يكون قديما ( ‪.)٥‬‬

‫ومن جميل ما يذكره ابن قيم الجوزية في هةذا المةوطن قولةه‪:‬‬


‫(فعبوديتةةةه باسةةةمه األول تقتضةةةي التجةةةرد مةةةن مطالعةةةة األسةةةباب أو‬
‫االلتفات إليها‪ ،‬وتجريد النظر إلى مجرد سةبق فضةله ورحمتةه‪ ،‬وأنةه‬
‫هو المبتد ء باإلحسان من غير وسيلة من العبد؛ إذ ال وسيلة له فةي‬
‫العةةدم قبةةل وجةةوده‪ ،‬وقةةد أتةةى عليةةه حةةين مةةن الةةدهر لةةم يكةةن شةةيئا‬
‫مةةذكورا‪ ،‬ووسةةمك بسةةمة اإليمةةان‪ ،‬وجعلةةك مةةن أهةةل قبضةةة اليمةةين؛‬
‫فعصمك عن العبةادة للعبيةد‪ ،‬وأعتقةك مةن التةزام الةرق لمةن لةه شةكل‬
‫وندية‪ ،‬ثم وجه وجهة قلبك إليه سةبحانه دون مةا سةواه؛ فاضةرع إلةى‬
‫الذي عصمك من السجود للصنم‪ ،‬وقضى لك بقدم الصةدق فةي القةدم‬

‫(‪ )٥١‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪.)١٦٣/ ٠( :‬‬


‫)‪.‬‬ ‫( ‪ )٥‬ينظر‪ :‬االقتصاد في االعتقاد‪ ،‬للغزالي‪ :‬ص‪ ٤٠‬وشرح المواقف‪ ،‬للجرجاني‪/٠( :‬‬
‫‪55‬‬
‫أن يةتم عليةك نعمةة هةةو ابتةدأها‪ ،‬وكانةت أوليتهةا منةةه بةال سةبب منةةك‪،‬‬
‫وعليةك بالمطالةب العاليةة والمراتةب السةامية التةي ال تنةال إال بطاعةة‬
‫هللا؛ فإن هللا سبحانه قضى أن ال ينال ما عنده إال بطاعته‪ ،‬ومةن كةان‬
‫هلل كما يريد كان هللا له فوق ما يريةد؛ فمةن أقبةل إليةه تلقةاه مةن بعيةد‪،‬‬
‫ومن تصرف بحوله وقوته أالن له الحديةد‪ ،‬ومةن تةرك ألجلةه أعطةاه‬
‫فةةوق المزيةةد‪ ،‬ومةةن أراد مةةراده الةةديني أراد مةةا يريةةد‪ ،‬واقصةةر حبةةك‬
‫وتقربك على من سبق فضله وإحسةانه إليةك كةل سةبب منةك‪ ،‬بةل هةو‬
‫الةةةذي جةةةاد عليةةةك باألسةةةباب‪ ،‬وهيةةةأ لةةةك‪ ،‬وصةةةرف عنةةةك موانعهةةةا‪،‬‬
‫وأوصلك بها إلى غايتك المحمودة؛ فتوكل عليه وحده وعامله وحده‪،‬‬
‫وآثةةر رضةةاه وحةةده‪ ،‬واجعةةل حبةةه ومرضةةاته هةةو كعبةةة قلبةةك التةةي ال‬
‫تةةزال طائفةةا بهةةا مسةةتلما ألركانهةةا واقفةةا بملتزمهةةا؛ فيةةا فةةوزك ويةةا‬
‫سعادتك إن أطلع سبحانه على ذلةك مةن قلبةك مةاذا يفةيض عليةك مةن‬
‫مالبس نعمه وخلع أفضاله؛ فمن نةزل اسةمه األول علةى هةذا المعنةى‬
‫أوجب له فقرا خاصا وعبودية خاصة)(‪.)٥٠‬‬

‫‪ -4‬صفة البقاء‪:‬‬

‫وهةةو امتنةةاع لحةةوق العةةدم بذاتةةه سةةبحانه وتعةةالى‪ ،‬أي أن هللا‬


‫تعالى أبدي ليس لوجوده آخر؛ فيستحيل أن يلحقه العدم والفناء (‪.)٥٤‬‬

‫وأدلة صفة البقاء من النقل والعقل ما يأتي‪:‬‬

‫(‪ )٥٠‬ينظر‪ :‬طريق الهجرتين وباب السعادتين‪ ،‬البن قيم الجوزية‪ :‬ص‪.٤٠‬‬
‫(‪ )٥٤‬ينظر‪ :‬المسامرة شرح المسايرة‪ ،‬البن أبي الشريف‪ ،‬ص‪ ،٤٣‬وشرح الصاوي على‬
‫الجوهرة‪ ،‬ل مام الصاوي‪ ،‬ص‪.١٢٠‬‬
‫‪56‬‬
‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬

‫ﭼ [الحديد‪.] ٠ :‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬جاء في تفسير المراد من (اآلخر)‪ :‬هو البةاقي‬


‫(‪)٥٢‬‬
‫بعد فناء الخلق‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫إن مةةا ثبةةت قدمةةه اسةةتحال عدمةةه‪ ،‬وإال لجةةاز عليةةه العةةةدم؛‬
‫(‪)٥٦‬‬
‫فيحتاج إلى مرجح؛ فيكون حادثا ال قديما‪ ،‬كيف وقد ثبت قدمه‪.‬‬

‫يقةةول ابةةن القةةيم فةةي هةةذا المةةوطن‪ :‬وعبوديتةةه باسةةمه اآلخةةر‬


‫تقتضةي أيضةا عةدم ركونةه ووثوقةه باألسةباب والوقةوف معهةا؛ فإنهةا‬
‫تنعةةدم ال محالةةة‪ ،‬وتنقضةةي باآلخريةةة‪ ،‬ويبقةةى الةةدائم البةةاقي بعةةةدها؛‬
‫فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي‪ ،‬والتعلق باآلخر سبحانه تعلق بالحي‬
‫الذي ال يموت وال يزول؛ فالمتعلق به حقيق أن ال يزول‪ ،‬وال ينقطع‬
‫بخةالف التعلةق بغيةره ممةا لةه آخةةر يفنةى بةه‪ ،‬كةذا نظةر العةارف إليةةه‬

‫(‪ )٥٢‬تفسير زاد المسير‪ ،‬البن الجوزي‪.)١٦٠/٣( :‬‬


‫(‪ )٥٦‬ينظر‪ :‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬للتفتازاني‪ :‬ص‪.٦٣‬‬
‫‪57‬‬
‫بسبق األولية حيث كان قبةل األسةباب كلهةا‪ ،‬وكةذلك نظةره إليةه ببقةاء‬
‫اآلخرية حيث يبقى(‪.)٥٥‬‬

‫‪ -3‬صفة المخالفة للحوادث‪:‬‬

‫وهي عدم مماثلة هللا تعالى لشيء من الحةوادث‪ ،‬ومعنةى ذلةك‬


‫أن ذاته وصةفاته تعةالى مخالفةة لكة ِّل حةادث‪ ،‬والمخالفةة تكةون بسةلب‬
‫الجرمية والعرضةية والكليةة والجزئيةة ولوازمهةا عنةه تعةالى؛ فةالزم‬
‫الجرمية التحيز‪ ،‬والزم العرضية القيةام بةالغير‪ ،‬والزم الكليةة الكبةر‪،‬‬
‫والزم الجزئية الصغر (‪.)٥٣‬‬

‫وأدلة مخالفته تعالى للحوادث من النقل والعقل كما يأتي‪:‬‬

‫الدليل النقلي‪:‬‬

‫قولةةةةةه تعةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ‬

‫[الشور ‪.] ١١ :‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬إن هللا تعالى ال يتصف بصفات المحدثات‪ ،‬وال‬


‫يطرأ عليه التحول واالنتقال‪ ،‬وألن هذه الصفات تدل على الحدوث‪،‬‬
‫وهللا تعالى يتقدس عن ذلك فال يوجد شيء يناسبه أو يماثله(‪.)٥٩‬‬

‫(‪ )٥٥‬ينظر‪ :‬طريق الهجرتين‪ :‬ص‪.٤٠‬‬


‫(‪ )٥٣‬ينظر‪ :‬تحفة المريد‪ ،‬للباجوري‪ :‬ص‪ ،٠٥‬وشرح العقائد النسفية‪ ،‬للتفتازاني‪ :‬ص ‪.٥‬‬
‫(‪ )٥٩‬ينظةةةر‪ :‬اإلنصةةةاف‪ ،‬للبةةةاقالني‪ :‬ص‪ ،٦٤‬والمسةةةامرة شةةةرح المسةةةايرة‪ ،‬البةةةن أبةةةي الشةةةريف‪:‬‬
‫ص‪.٢٢‬‬
‫‪59‬‬
‫الدليل العقلي‪:‬‬

‫لو لم يكن الباري مخالفا للحوادث لكان مثلها‪ ،‬ولو كان مثلهةا‬
‫لكان حادثاً‪ ،‬إال أنةه قةد ثبةت بالةدليل القةاطع قدمةه؛ فثبةت أنةه سةبحانه‬
‫مخالف للحوادث(‪.)٣٠‬‬

‫‪ -‬صفة القيام بالنفس‪:‬‬

‫ومعناه سلب االفتقار إلى المحل أو المخصص‪ ،‬أي أنه تعالى‬


‫غير مفتقر إلى موجد يوجده‪ ،‬وال إلى محل يقةوم بةه(‪)٣١‬؛ فةال يحتةاج‬
‫الباري ‪ ‬إلى مرجح يرجح وجوده على عدمةه‪ ،‬وال محةل يقةوم بةه‬
‫ألن من يقوم بالمحل يحتاج إلى ذلك المحل‪ ،‬والمحتاج ال يكةون إلهةا‬
‫‪.)٣‬‬ ‫(‬

‫واسةةتدل العلمةةاء علةةى قيامةةه تعةةالى بنفسةةه بأدلةةة نقليةة وعقليةةة‬


‫منها‪:‬‬

‫الدليل النقلي‪:‬‬

‫قولةةةةةةه تعةةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﭼ [فةةاطر‪ ،]١٢ :‬ووجااه الداللااة‪ :‬افتقةةار الخلةةق إلةةى هللا تعةةالى‪،‬‬

‫(‪ )٣٠‬ينظر‪ :‬تحفة المريةد‪ ،‬للبةاجوري‪ :‬ص‪ ،٠٥‬وشةرح الصةاوي علةى الجةوهرة‪ ،‬ل مةام الصةاوي‪:‬‬
‫ص‪.١٢٠‬‬
‫(‪ )٣١‬ينظر‪ :‬حاشة العقباوي على شرحه لعقيدة الدردير‪ ،‬لمصطفى العقباوي‪ :‬ص‪. ٦‬‬
‫( ‪ )٣‬ينظر‪ :‬حاشية العقباوي‪ ،‬لمصطفى العقباوي‪ :‬ص‪. ٥‬‬
‫‪51‬‬
‫وحاجتهم إلى فضله في جميةع أمةور الةدين والةدنيا؛ فهةم الفقةراء إلةى‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وهو الغني الحميد الذي ال يحتاج إلى أحد من خلقه(‪.)٣٠‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫‪ -١‬الةةدليل علةةى عةةدم افتقةةاره إلةةى مخصةةص‪ :‬لةةو افتقةةر إلةةى‬


‫مخصص لكةان حادثةاً‪ ،‬كيةف وقةد سةبق وجةوب وجةوده وقدمةه‪ ،‬ذاتةا ً‬
‫وصفات (‪.)٣٤‬‬

‫‪ -‬دليةةل عةةدم افتقةةاره إلةةى محةةل‪ :‬لةةو افتقةةر إلةةى محةةل لكةةان‬
‫صفة‪ ،‬ولو كان صفة لم يتصف بصفات المعاني‪ ،‬وهي واجبةة القيةام‬
‫به تعالى‪ ،‬لادلة الدالة على ذلك‪ ،‬فثبت عدم افتقاره إلى محل(‪.)٣٢‬‬

‫(‪ )٣٠‬ينظر‪ :‬فتح القدير‪ ،‬للشوكاني‪.)٠٩٢/٤( :‬‬


‫(‪ )٣٤‬ينظر‪ :‬أصول الدين‪ ،‬للغزنوي‪ :‬ص‪.٥٠‬‬
‫(‪ )٣٢‬ينظر‪ :‬تحفة المريد‪ ،‬للباجوري‪ :‬ص‪.٠٣‬‬
‫‪60‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ -١‬مما هلل تعالى صفة القدم‪ ،‬اذكر دليله من النقل والعقل‪.‬‬

‫س ‪ -‬تعد صفة الوحدانية من الصفات السلبية وهي تنفي‬


‫التعدد‪ ،‬فصل القول فيها‪.‬‬

‫س‪ -٠‬تكلم على صفة المخالفة للحوادث مع اقامة الدليل‬


‫النقلي والعقلي عليها‪.‬‬

‫س‪ -٤‬حاول أن توجز الكالم على صفة القيام بالنفس مع بيان‬


‫دليلها النقلي والعقلي‪.‬‬

‫س‪ -٢‬تكلم على صفة البقاء هلل تعالى‪ ،‬مع ذكر الدليل النقلي‬
‫والعقلي عليها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ثالثا ا‪ :‬صفات المعاني وأدلتها‬

‫وهي كل صفة قائمة بذاته تعالى ال تنفك عنةه الزمةة لذاتةه‪،‬‬


‫تسةةتلزم حكم ةا ً معينةةا لةةه كصةةفة العلةةم مةةثال؛ فه ةي تسةةتلزم أن يكةةون‬
‫المتصف بها عالما‪ ،‬وكصفة القدرة فهةي تسةتلزم أن يكةون المتصةف‬
‫بهةا قةديرا‪ ،‬وهكةذا بةةاقي الصةفات؛ فهةذا القسةم يةةدل علةى معنةى زائةةد‬
‫على الذات‪ ،‬وهو معنةى وجةودي‪ ،‬وصةفات الكمةال هلل تعةالى كثيةرة‪،‬‬
‫ولكنها تجتمع في سبع صفات رئيسة قام عليها الةدليل التفصةيلي مةن‬
‫الكتاب والسنة والعقل‪ ،‬وال يلزم من القول بها نفةي وتعطيةل غيرهةا؛‬
‫ألن غيرهةةا منةةدرج تحتهةةا‪ ،‬ولةةم يختلةةف المسةةلمون فةةي إثبةةات هةةذه‬
‫الصةةفات للبةةاري ‪ ‬فةةي كونةةه عالمةةا قةةادرا مريةةدا‪ ،‬ولكةةن الخةةالف‬
‫حصةةل فةةي تفسةةير كيفيةةة اتصةةافه بهةةا تعةةالى؛ كةةالخالف فةةي زيةةادة‬
‫الصفات على الذات وقدمها‪ ،‬وغير ذلك من األمةور التةي تطلةب فةي‬
‫المطوالت(‪.)٣٦‬‬

‫(‪ )٣٦‬ينظةةةر‪ :‬شةةةرح المواقةةةف المةةةتن ل يجةةةي‪ ،‬والشةةةرح للجرجةةةاني‪ ،)٦٣/٠( :‬والمسةةةامرة شةةةرح‬
‫المسايرة‪ ،‬البن أبي الشريف‪ ،‬ص‪.٩٠‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ -0‬صفة العلم‪:‬‬

‫صةةفة أزليةةة قائمةةة بذاتةةه تعةةالى تنكشةةف بهةةا المعلومةةات عنةةد‬


‫تعلقهةةةا بهةةةا وجميةةةع مةةةا يمكةةةن أن يتعلةةةق بةةةه العلةةةم؛ فهةةةو معلةةةوم لةةةه‬
‫تعالى(‪.)٣٥‬‬

‫وضده الجهل وما في معناه‪ ،‬كالظن والشك والوهم‪ ،‬والذهول‬


‫والغفلة والنسيان(‪ ،)٣٣‬ومن المعلوم أن هذه الصةفة‪ ،‬وظيفتهةا الكشةف‬
‫واالطةةالع علةةى الشةةيء الموجةةود أو الغائةةب الةةذي ال يةةزال فةةي حيةةز‬
‫العدم(‪.)٣٩‬‬

‫ولقد استدل العلماء علةى علمةه تعةالى باألدلةة النقليةة والعقليةة‬


‫وكما يأتي‪:‬‬

‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫قولةةةةةه تعةةةةةالى ‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [البقرة‪] ٩ :‬‬

‫ووجةةه الداللةةة فةةي هةةذه اآليةةة‪ :‬أنةةه تعةةالى ال يمكةةن أن يكةةون‬


‫خالقا ً لارض وما فيها‪ ،‬وللسموات وما فيها من العجائب والغرائب‪،‬‬

‫(‪ )٣٥‬ينظةةةةر‪ :‬حاشةةةةية العقبةةةةاوي‪ ،‬لمصةةةةطفى العقبةةةةاوي‪ ،‬ص‪ ، ٥‬وشةةةةرح العقائةةةةد النسةةةةفية‪،‬‬
‫للتفتازاني‪ ،‬ص‪.٣٢‬‬
‫(‪ )٣٣‬ينظر‪ :‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬للتفتازاني‪ ،‬ص‪.٣٢‬‬
‫(‪ )٣٩‬ينظر‪ :‬كبر اليقينيات الكونية‪ ،‬للبوطي‪ ،‬ص‪.١٠٠‬‬
‫‪63‬‬
‫إال إذا كان عالما بهةا محيطةا بجزئياتهةا وكلياتهةا‪ ،‬فةان إتقةان األفعةال‬
‫وإحكامها على هذا النسق العجيب‪ ،‬والوجه األحسن واألنسب للخلةق‬
‫(‪)٩٠‬‬
‫ال يتصور إال من عالم حكيم‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫إن هللا تعالى فاعل فعالً متق ًنا محكمًا‪ ،‬وهذا ظةاهر لمةن نظةر‬
‫فةةي اآلفةةاق واألنفةةس واألحيةةاء‪ ،‬ومةةن كةةان فعلةةه علةةى هةةذا اإلتقةةان ال‬
‫يكون إال عالما(‪.)٩١‬‬

‫‪ -6‬صفة القدرة‪:‬‬

‫وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى‪ ،‬يتأتى بها إيجاد كل ممكن‬
‫وإعدامه على وفق اإلرادة( ‪.)٩‬‬

‫وقةةد اسة ُتدل علةةى قدرتةةه تعةةالى باألدلةةة النقليةةة والعقليةةة وكمةةا‬
‫يأتي‪:‬‬

‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫‪ -١‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [البقرة‪] ٠ :‬‬

‫(‪ )٩٠‬ينظر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬للرازي‪.)٠٣٠/ ( :‬‬


‫(‪ )٩١‬ينظر‪ :‬أصول الدين للغزنوي‪ :‬ص‪.٩٢‬‬
‫( ‪ )٩‬ينظةةةةر‪ :‬أصةةةةول الةةةةدين‪ ،‬للبغةةةةدادي‪ :‬ص‪ ،١١٢‬وحاشةةةةية الدسةةةةوقي علةةةةى أم البةةةةراهين‪:‬‬
‫ص‪ ،١ ٩‬وكبر اليقنيات الكونية‪ ،‬للبوطي‪ ،‬ص‪.١٠١‬‬
‫‪64‬‬
‫أي هو هللا صاحب القدرة الشاملة لكل شيء؛ فهةو ‪ ‬القةادر‬
‫المقتدر على كل ممكن يقبل الوجود والعدم(‪.)٩٠‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫لةةو لةةم يتصةةف البةةاري ‪ ‬بالقةةدرة‪ ،‬التصةةف بضةةدها وهةةو‬


‫العجز‪ ،‬ولو كان عاجزا‪ ،‬لما ظهر شيء من هذه األكوان‪ ،‬كيف وقةد‬
‫(‪)٩٤‬‬
‫ظهرت؛ فظهورها ناف للعجز‬

‫‪ -4‬صفة اإلرادة‪:‬‬

‫وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تخصص أحد المقةدورين‪،‬‬


‫من الفعل والترك في أحد األوقات بالوقوع‪ ،‬مع استواء نسةبة القةدرة‬
‫إلى الكةل‪ ،‬ويةراد منهةا المشةيئة‪ ،‬وهةو مةذهب جمهةور المتكلمةين مةن‬
‫اتحاد المشيئة واإلرادة(‪.)٩٢‬‬

‫واسةةتدل العلمةةاء علةةى إرادتةةه تعةةالى باألدلةةة النقليةةة والعقليةةة‬


‫وكما يأتي‪:‬‬

‫(‪ )٩٠‬ينظر‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬للبيضاوي‪.)٢٠/١( :‬‬


‫(‪ )٩٤‬ينظر‪ :‬حاشية العقباوي‪ ،‬لمصطفى العقباوي‪ :‬ص‪ ،٠٠‬وشةرح الصةاوي علةى الجةوهرة‪،‬‬
‫ل مام الصاوي‪ :‬ص‪.١٥٠‬‬
‫(‪ )٩٢‬ينظةةةر‪ :‬شةةةرح المقاصةةةد‪ ،‬للتفتةةةازاني‪ ،)١٠٤/٤( :‬وشةةةرح العقائةةةد النسةةةفية‪ ،‬للتفتةةةازاني‪:‬‬
‫ص‪.١٠١‬‬
‫‪65‬‬
‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫قولةةه تعةةالى‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ‬

‫[البقرة‪] ١٣٢ :‬‬

‫وجةةه الداللةةة‪ :‬دلةةت اآليةةة علةةى أن هللا سةةبحانه‪ ،‬مريةةد بةةإرادة‬


‫قديمة أزلية زائدة على الذات(‪.)٩٦‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫لو لم يكن هللا تعالى مريداً لكان مكرهاً‪ ،‬ولو كان مكرها ً لكان‬
‫عاجزاً‪ ،‬ولو كان عاجزاً لما وجةد شةيء مةن هةذه المخلوقةات‪ ،‬وعةدم‬
‫وجةةود شةةيء مةةن هةةذه المخلوقةةات باطةةل بالمشةةاهدة؛ فثبتةةت إرادتةةه‬
‫تعالى(‪.)٩٥‬‬

‫‪ -3‬صفة الحياة‪:‬‬

‫صفة الحياة‪ :‬هي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تقتضي صحة‬
‫العلم والقدرة واإلرادة والكالم والسمع والبصر(‪.)٩٣‬‬

‫ولقد اس ُتدل على صةفة الحيةاة بأدلةة نقليةة وعقليةة أجملهةا بمةا‬
‫يأتي ‪:‬‬

‫(‪ )٩٦‬الجامع إلحكام القران‪ ،‬للقرطبي‪.)٠٠١/ ( :‬‬


‫(‪ )٩٥‬شرح الخريدة البهية‪ ،‬ألحمد الدردير‪ ،‬ص ‪.٠‬‬
‫(‪ )٩٣‬ينظر‪ :‬شرح الصاوي على جوهرة التوحيد‪ ،‬ل مام الصاوي‪ ،‬ص‪.١٣٠‬‬
‫‪66‬‬
‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ [البقرة‪] ٢٢ :‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬هو أن هللا تعالى وصف نفسه بالحي الذي يصح‬
‫أن يعلم ويقدر وكل ما يصح له؛ فهو واجب ال يزول(‪.)٩٩‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫الحيةةاة صةةفة كمةةال‪ ،‬وضةةدها نقةةص‪ ،‬وهللا تعةةالى منةةزه عةةن‬


‫النقائص(‪.)١٠٠‬‬

‫‪ -‬صفتا السمع والبصر‪:‬‬

‫صفة السمع‪ :‬هي صفة أزلية شةأنها إدراك كةل مسةموع‪ ،‬وإن‬
‫خفي‪.‬‬

‫مبصر‪ ،‬وإن‬
‫َ‬ ‫وصفة البصر‪ :‬هي صفة أزلية شأنها إدراك كل‬
‫(‪)١٠١‬‬
‫لطف‬

‫ولقد استدل العلماء على ثبوت صفتي السمع والبصر باألدلةة‬


‫النقلية والعقلية وكما يأتي‪-:‬‬

‫(‪ )٩٩‬أنوار التنزيل وإسرار التأويل‪ ،‬للبيضاوي‪.)١٢٠/١( :‬‬


‫(‪ )١٠٠‬ينظر‪ :‬شرح المقاصد‪ ،‬للتفتازاني‪.)١٠٣/٤( :‬‬
‫(‪ )١٠١‬ينظةةر‪ :‬المسةةامرة شةةرح المسةةايرة‪ ،‬البةةن أبةةي الشةةريف‪ ،‬ص‪ ،٣٣‬وكتةةاب األربعةةين فةةي‬
‫أصول الدين‪ ،‬للغزالي‪ :‬ص‪.١٤‬‬
‫‪67‬‬
‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫‪ -١‬قولةةةةةةةـه تعةةةةةةةـالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭼ‬

‫[المجادلة‪] ١ :‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬قال اإلمام الغزالةي‪( :‬وإنةه تعةالى سةميع بصةير‪،‬‬


‫يسمع وير ‪ ،‬ال يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي‪ ،‬وال يغيب عةن‬
‫رؤيته مرئي وإن دق‪ ،‬وال يحجب سمعه ُبعد‪ ،‬وال يدفع رؤيته ظالم‪،‬‬
‫يةةةر مةةةن غيةةةر حدقةةةة وال أجفةةةان‪ ،‬ويسةةةمع مةةةن غيةةةر أصةةةمخة وال‬
‫آذان)( ‪.)١٠‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬

‫السمع والبصر صفتا كمةال وقةد اتصةف بهمةا المخلةوق؛ فهةو‬


‫تعةةةالى األحةةةق باالتصةةةاف بهمةةةا‪ ،‬وإال لةةةزم أن يكةةةون للمخلةةةوق مةةةن‬
‫صفات الكمال ما ليس للخالق(‪.)١٠٠‬‬

‫‪ -2‬كالم هللا – تعالى ‪-‬‬

‫صفة الكالم‪ :‬هي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى‪ ،‬وهو بها‬
‫آمر‪ ،‬ناه‪ ،‬ومخبر وعبر عنها بالنظم‪ ،‬ما أوحاه هللا تعالى إلى رسله‬

‫( ‪ )١٠‬كتاب األربعين في أصول الدين‪ ،‬للغزالي‪ :‬ص‪.١٤‬‬


‫(‪ )١٠٠‬المسامرة شرح المسايرة‪ ،‬البن أبي الشريف‪ :‬ص‪.٣٩-٣٣‬‬
‫‪69‬‬
‫عليهم السالم كالقرآن والتوراة واإلنجيل(‪ ،)١٠٤‬واتفق أرباب الملل‬
‫والمذاهب على إثبات الكالم هلل تعالى‪ ،‬ولكن اختلفوا في تحديد‬
‫معنى الكالم كما اختلفوا في حدوثه أو قدمه(‪ .)١٠٢‬وقد قسم جمهور‬
‫العلماء الكالم على نوعين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬الكالم النفسي‪ :‬وهو الكالم حقيقة‪ ،‬المعبر عنه باأللفاظ‬


‫ليس من جنس الحروف واألصوات؛ بل هو صفة أزلية قائمة بذات‬
‫(‪)١٠٦‬‬
‫وهو بهذا اإلطالق قديم غير‬ ‫هللا تعالى منافية للسكوت‪ ،‬أو اآلفة‬
‫مخلوق‪.‬‬

‫وقد استدلوا على ثبوت الكالم النفسي بأدلة عدة منها‪:‬‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ‬

‫ﮧ ﭼ [المجادلة‪ ] ٣ :‬ووجه الداللة‪ :‬إن القول بالنفس قائم‪ ،‬وإن لم‬

‫ينطق به اللسان‪ ،‬والقول هو الكالم‪ ،‬والكالم هو القول‪ ،‬وفي هذا ر دد‬


‫على المخالفين بحصر الكالم في الحروف واألصوات فكالهما‬
‫حادثان(‪.)١٠٥‬‬

‫(‪ )١٠٤‬ينظةر‪ :‬شةرح المواقةف‪ ،‬الجرجةاني‪ ،)٩ /١( :‬وشةرح العقائةد النسةفية‪ ،‬للتفتةازاني‪ :‬ص‬
‫‪.٣٥‬‬
‫(‪ )١٠٢‬ينظر‪ :‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬للتفتازاني‪ :‬ص‪.٣٣‬‬
‫(‪ )١٠٦‬ينظر‪ :‬شرح المقاصد‪ ،‬للتفتازاني‪.)١٤٤/٤( :‬‬
‫(‪ )١٠٥‬ينظر‪ :‬اإلنصاف‪ ،‬للباقالني‪ ،‬ص‪.١٦٠‬‬
‫‪61‬‬
‫ب‪ -‬الكالم اللفظي‪ :‬وهو الحروف واألصوات الحادثةة‪ ،‬وهةي‬
‫غيةةر قائمةةة بذاتةةه تعةةالى لحةةدوثها‪ ،‬ويمتنةةع أن يقةةال القةةرآن حةةادث‪،‬‬
‫ألنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كالمه تعالى النفسي حادث(‪.)١٠٣‬‬

‫(‪ )١٠٣‬ينظر‪ :‬وشرح الجوهرة‪ ،‬للباجوري‪ :‬ص‪ ،١١٢‬وأصول الدين‪ ،‬للغزنوي‪ :‬ص‪.١٠١‬‬
‫‪70‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ -١‬من صفات المعاني هلل تعالى صفة العلم تكلم على‬
‫إثباتها بالدليل النقلي والعقلي‪.‬‬

‫س ‪ -‬فصل القول في صفة الكالم وبين المذهب المعتمد في‬


‫المسألة مع ذكر األدلة عليه‪.‬‬

‫س‪ -٠‬تكلم على دالئل إثبات صفتي السمع والبصر‪.‬‬

‫س‪ -٤‬تكلم على صفة العلم واذكر دالئلها من النقل والعقل‪.‬‬

‫س‪ -٢‬فصل القول في صفة القدرة وبيان دالئل إثباتها نقال‬


‫وعقال‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫رابعا ا‪ :‬الصفات المعنوية‪:‬‬

‫س ة اميت هةةذه الصةةفات بالمعنويةةة؛ ألنهةةا منسةةوبة إلةةى المعنةةى‬


‫الذي هو مفرد المعاني‪ ،‬وتعريفها اصطالحا ً‪ :‬هي األوصاف المشتقة‬
‫من صةفات المعةاني السةبع المةذكورة سةابقا‪ ،‬وهةي أنةه تعةالى‪ :‬قةادر‪،‬‬
‫(‪)١٠٩‬‬
‫مريد‪ ،‬عالم‪ ،‬حيا ‪ ،‬سميع‪ ،‬بصير‪ ،‬متكلم‪.‬‬

‫فيجب له تعالى سبع صفات تسمى صفات معنوية‪ ،‬ويشترط‬


‫فيها الكينونة‪ ،‬أي قولنا‪ :‬كونه قادراً‪ ،‬وكونه سميعا ً‪...‬إلخ‪.‬‬

‫وبإمكاننا إيراد الصفات المعنوية كما يأتي‪:‬‬

‫األولى‪ :‬كونه – تعالى ‪ -‬قادراا‪ :‬أي له قدرة يظهر بها كل شيء‬


‫أراده(‪.)١١٠‬‬

‫والثانية‪ :‬كونه – تعالى ‪ -‬مريداا‪ :‬أي له إرادة يخصص بها كل شيء‬


‫(‪)١١١‬‬
‫علمه‬

‫والثالثة‪ :‬كونه – تعالى ‪ -‬عالما ا‪ :‬أي له علم يكشف به عن‬


‫المعلومات( ‪ ،)١١‬على ما هي عليه في قبولها للظهور والتخصيص‪.‬‬

‫(‪ )١٠٩‬ينظر‪ :‬نهاية األقدام في علم الكالم‪ ،‬للشهرستاني‪ :‬ص ‪.١٠‬‬


‫(‪ )١١٠‬كونه قادرا ‪ :‬الكون هو الثبوت‪ ،‬والكونية هنا صفة ثابتة في نفسها قائمة بالذات‬
‫الزمة للقدرة فعندنا صفتان احداهما‪ :‬وجودية وهي القدرة‪ ،‬والثانية ‪ :‬ثبوتية ال يمكن‬
‫رؤيتها‪ ،‬وهي الكون قادراً وهكذا يقال في الباقي ينظر‪ :‬تهذيب شرح السنوسية أم البراهين‪،‬‬
‫لسعيد فودة‪( :‬ص‪.)٢٣‬‬
‫(‪ )١١١‬كونه مريداً‪ :‬وهي حال واجبة للذات لما قامت االرادة بذات هللا تعالى وجب وصفه‬
‫بكونه مريدا ‪ .‬ينظر ‪ :‬تهذيب شرح السنوسية (ص‪.)٢٣‬‬
‫( ‪ )١١‬كونه عالما ‪ :‬هي حال واجب للذات لما قام العلم بذات هللا تعالى وجب وصفه بكونه‬
‫‪72‬‬
‫والرابعة‪ :‬كونه – تعالى ‪ -‬حيا ا‪ :‬أي له حياة تصحح لذاته االتصاف‬
‫بصفات المعاني المذكورة(‪. )١١٠‬‬

‫والخامسة‪ :‬كونه – تعالى ‪ -‬سميعا ا‪ :‬أي له سمع يدرك به جميع‬


‫الموجودات الواجبة والممكنة (‪.)١١٤‬‬

‫والسادسة‪ -:‬كونه – تعالى ‪ -‬بصيراا‪ :‬أي له بصر يدرك به جميع‬


‫الموجودات أيضاً‪ ،‬الواجبة والممكنة (‪.)١١٢‬‬

‫والسةةابعة‪ :‬كونااه تعااالى‪ -‬متكلم اا ا‪ :‬أي لةةه كةةالم متعلةةق بجميةةع‬


‫األشةةةةياء المكشةةةةوفة لذاتةةةةه تعةةةةالى يظهرهةةةةا لحضةةةةرة صةةةةفاته(‪،)١١٦‬‬
‫والحاصل أن هةذه الصةفات المعنويةة السةبعة كنايةة عةن قيةام صةفات‬
‫المعاني السبعة بالذات العلية‪.‬‬

‫عالما وحقيقة العالم هو الذي انكشف لعلمه الواجب والجائز والمستحيل‪ .‬ينظر‪ :‬تهذيب‬
‫شرح السنوسية (ص‪.)٢٣‬‬
‫(‪ )١١٠‬كونه حيا‪ :‬هي حال واجبة للذات لما قامت الحياة بذات هللا وجب وصفه بكونه حيا ‪.‬‬
‫ينظر ‪ :‬تهذيب شرح السنوسية (ص‪.)٢٣‬‬
‫(‪)١١٤‬كونه سميعا ‪ :‬هي حال واجبة للذات لما قام السمع بذات هللا وجب وصفه بكونه‬
‫سميعا ‪ .‬ينظر ‪ :‬تهذيب شرح السنوسية (ص‪.)٢٣‬‬
‫(‪)١١٢‬كونه بصيرا ‪ :‬هي حال واجبة للذات لما قام البصر بذات هللا وجب وصفه بكونه‬
‫بصيرا ‪ .‬ينظر ‪ :‬تهذيب شرح السنوسية (ص‪.)٢٣‬‬
‫(‪ )١١٦‬كونه متكلما ‪ :‬هي حال واجبة للذات لما قام الكالم بذات هللا وجب وصفه بكونه‬
‫متكلما ينظر ‪ :‬تهذيب شرح السنوسية (ص‪.)٢٣‬‬
‫‪73‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المستحيل في حق هللا – تعالى ‪-‬‬

‫ألنها اضداد للواجبات‬ ‫بدأنا بالمستحيالت ال الجائزات؛‬


‫والضد أقرب حضورا بالبال عند ذكر ضده؛ فناسب أن نبدأ به‪،‬‬
‫والمستحيالت في حق هللا تعالى ال تتناهى كالواجبات‪ ،‬والمستحيالت‬
‫كما تقدم هي التي ال يتصور في العقل وجودها(‪ ،)١١٥‬والجائزات‬
‫التي يصح في العقل وجودها وعدمها؛ فإن هللا تعالى واجب في ذاته‬
‫وصفاته وأفعاله وأحكامه‪ ،‬ويستحيل عليه شيء من المستحيل العقلي‬
‫كالشريك‪ ،‬والولد‪ ،‬والصاحبة‪ ،‬وأن يتصف بشيء من الجائز العقلي‬
‫كذات العالم‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وأحكامه‪.‬‬

‫فيجةةب لةةه تعةةالى‪ ،‬عشةةرون صةةفة‪ ،‬وهةةي أضةةداد العشةةرين‬


‫األولى الواجبةة‪ ،‬ولهةذا اقتصةر عليهةا‪ ،‬ولةم يةذكر أكثةر مةن ذلةك مةن‬
‫المستحيالت‪ ،‬وهي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫األولى‪ :‬العدم‪ :‬وهو ضد الوجود‪ ،‬وهو االنتفاء والسلب(‪)١١٣‬؛‬


‫فيستحيل على الذات العلية والصفات األزلية‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬الحدوث‪ :‬وهو ضد القدم‪ ،‬والحدوث هو التجدد واالتصاف‬


‫بالوجود بعد العدم؛ فيستحيتل على ذات هللا تعالى‪ ،‬وعلى ك ِّل صفة‬
‫من صفاته‪ ،‬وك ُّل فعل من أفعاله‪ ،‬وك ُّل حكم من أحكامه‪ ،‬وإال كان‬

‫(‪ )١١٥‬ينظر‪ :‬الرأي السديد في شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬د‪ .‬ابراهيم محمد حريبه‪-٦٢/ ( :‬‬
‫‪.)٦٦‬‬
‫(‪ )١١٣‬ينظر‪ :‬تهذيب شرح السنوسية (ص‪. )٦٠‬‬
‫‪74‬‬
‫هللا تعالى حادثا ً بسبب حدوث شيء من ذلك له تعالى والحادث ال‬
‫يكون إلها ً ‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬طروء العدم‪ :‬أي‪ :‬لحوق العدم لذاته تعالى أو لصفة من‬
‫صفاته‪ ،‬أو لفعل من أفعاله أو لحكم من أحكامه‪ ،‬وذلك ضد البقاء‬
‫وهو الفناء والزوال فيستحيل على هللا تعالى‪ ،‬وإال كان هللا تعالى‬
‫حادثا ً الن كل ما يقبل العدم يكون حادثا ً‪.‬‬

‫والرابعة‪ :‬المماثلة للحوادث‪ :‬أي المشابهة‪ ،‬ولو بوجه من الوجوه في‬


‫الذات‪ ،‬أو في الصفات‪ ،‬أو األفعال‪ ،‬أو األحكام للحوادث‪ :‬أي‬
‫المخلوقات؛ فيستحيل على هللا تعالى شيء من ذلك‪ ،‬وإال لكان حادثا ً‬
‫مثل ذلك الشيء المماثل له؛ ألن مماثل الحادث حادث‪.‬‬

‫الصفة الخامسة‪ :‬أن ال يكون قائما ً بنفسه‪ :‬أي ال يكون ثابتا ً وموجوداً‬
‫بذاته‪ ،‬وهو ضد القيام بالنفس‪ ،‬والمراد أنه ليس بعرض‪ ،‬أو يحتاج‬
‫إلى فاعل يخصصه بمكان عن مكان‪ ،‬أو زمان عن زمان‪ ،‬أو‬
‫مقدار عن مقدار‪ ،‬أو صورة عن صورة‪ ،‬ونحو ذلك من صفات‬
‫األجسام‪.‬‬

‫الصفة السادسة‪ :‬التعدد‪ :‬وهو ضد الوحدانية‪ ،‬بأن يكون سبحانه‬


‫وتعالى مركبا ً‪ :‬أي له أجزاء يتركب منها في ذاته العلية كما تزعم‬
‫في األقانيم الثالثة‪ :‬أقنوم الوجود‪ ،‬وأقنوم الحياة‪ ،‬وأقنوم‬ ‫النصار‬
‫العلم؛ ثم يقولون‪ :‬إنما هو إله واحد !‪ ،‬وكما تزعم اليهود في قولهم‪:‬‬
‫بأن هللا تعالى جسم مستلق على العرش‪ ،‬وقد تعب من خلق‬
‫‪75‬‬
‫السماوات واألرض؛ فاستراح في يوم السبت‪ ،‬وقد كان بدء الخلق‬
‫يوم األحد‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬هو إله واحد!‬

‫الصفة السابعة‪ :‬العجز‪ :‬وهو ضد القدرة عن إيجاد أو إعدام أي‬


‫شيء من األشياء الممكنة سواء كان عظيماً‪ ،‬أو حقيراً‪ ،‬كبيراً‪ ،‬أو‬
‫صغيراً ‪.‬‬

‫والصفة الثامنة‪ :‬اإلكراه والذهول والغفلة‪ :‬أي إيجاد وإعدام شيء‬


‫عظيم أو حقير من العالم مع كراهته لذلك‪ ،‬أو الذهول عنه‪ ،‬والغفلة‪،‬‬
‫وبالمحصلة‪ :‬عدم إرادته له تعالى‪ ،‬وضدها اإلرادة‪ ،‬ال كما يزعم‬
‫ذلك بعض الفالسفة القائلين بنفي الصفات اإللهية‪ ،‬وإثبات اآلثار‬
‫صادرة عن ذات الباري تعالى على جهة أنه تعالى علاة إليجادها‬
‫(‪)١١٩‬‬
‫وإعدامها من غير إرادة وال اختيار‪ ،‬ويسمونه تعالى علة العلل‬
‫‪ ،‬أو إيجاد شي من العالم أو إعدامه مع الطبع بحيث تنتفي اإلرادة‬
‫(‪)١ ١‬‬ ‫(‪)١ ٠‬‬
‫في‬ ‫كما يزعم ذلك الطبائعيون‬ ‫واالختيار عنه تعالى‬

‫(‪ )١١٩‬قال محمد الغزالي في معرض الرد عليهم ‪ :‬إن بعض الفالسفة الذين يقولون بأن العالم‬
‫معلول في وجوده بغيره‪ ،‬ويسمون الخالق عله العلل أو مبدأ الوجود‪ ،‬يعطى صورة مبهمة‬
‫عن هذا الوجود األعلى‪ ،‬حتى لتحسب أن صدور الكائنات عن بارئها األعظم يشبه‬
‫التفاعالت الكيماوية التي ال روح فيها وال حياه معها‪ ،‬وهذا ضالل‪ .‬ينظر‪ :‬عقيدة المسلم‪،‬‬
‫لمحمد الغزالي‪ :‬ص ‪.٣٣‬‬
‫(‪ )١ ٠‬قال البيجوري في شرح جوهرة التوحيد ‪ :‬أي بان يكون الباري طبيعة تنشأ عنه‬
‫الخالئق من غير اختيار مع التوقف على وجود الشروط وانتفاء الموانع كالنار فإنها تؤثر‬
‫بطبعها عندهم في اإلحراق مع وجود شرط المماسة وانتفاء مانع البلل‪ ،‬وأهل السنة يقولون‪:‬‬
‫المؤثر في اإلحراق هو هللا تعالى‪ ،‬وال تأثير للنار أصال‪ ،‬وهذا كله ضد االرادة‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬للباجوري‪( :‬ص‪.)١٦٢‬‬
‫(‪ )١ ١‬الطبائعيون‪ :‬هم أصحاب الطبائع الذين قالوا بقدم العناصر االربعة‪ :‬االرض‪ ،‬الماء‪،‬‬
‫النار‪ ،‬الهواء‪ ،‬وقالوا‪ :‬فيها اربع طبائع قديمة‪ ،‬وهي‪ :‬الحرارة‪ ،‬البرودة‪ ،‬الرطوبة‪ ،‬اليبوسة‪،‬‬
‫وزعموا‪ :‬أن جميع انواع الجواهر والنبات والحيوان مركب من هذه االصول االربعة‪،‬‬
‫‪76‬‬
‫اعتقادهم أن هللا تعالى يؤثر في العالم بطبعه المقتضي ل يجاد‬
‫واإلعدام‪ ،‬وهو على هللا تعالى محال‪ ،‬للزومه أن يدخل تعالى تحت‬
‫قدرة غيره وإرادة غيره‪.‬‬

‫الصفة التاسعة‪ :‬الجهل‪ :‬وهو ضد العلم وما في معناه كالشك‪ :‬وهو‬


‫استواء الطرفين‪ ،‬والوهم‪ :‬وهو رجحان جانب الخطأ‪ ،‬والظن‪ :‬وهو‬
‫رجحان جانب على جانب؛ فكل ذلك مستحيل عليه تعالى‪.‬‬

‫الصفة العاشرة‪ :‬الموت‪ :‬وهو ضد الحياة؛ فيستحيل على هللا تعالى‪،‬‬


‫وإال لما اتصف بالقدرة واإلرادة ونحوهما من الصفات ‪.‬‬

‫والحادية عشرة‪ :‬الصمم‪ :‬وهو ضد السمع؛ فيستحيل عليه تعالى أن‬


‫ينشغل بمسموع عن مسموع؛ ألنه يصير أصم عما انشغل عنه‪.‬‬

‫والثانية عشرة العمى‪ :‬وهو ض ُد البصر؛ فال تشغله تعالى رؤية‬


‫شيء عن شيء آخر ‪ ،‬وإال لكان أعمى عن الشيء اآلخر‪ ،‬وهو‬
‫محال ‪.‬‬

‫والثالثة عشرة‪ :‬البكم‪ :‬وهو ضد الكالم‪ ،‬وكذلك يستحيل عليه‬


‫السكوت‪.‬‬

‫الصفة الرابعة عشرة‪ :‬كونه عاجزاً عن ممكن ما من الممكنات‪،‬‬


‫وضده كونه قادراً‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬بقدم االفالك والعالم‪ .‬ينظر‪ :‬اصول الدين‪ ،‬عبد القاهر البغدادي‪ ،‬ص‪.٠٤٤‬‬
‫‪77‬‬
‫والخامسة عشرة‪ :‬الكراهة‪ ،‬وهو كونه يوجد شيئا ً من العالم مع‬
‫كراهته لوجوده كما سبق‪ ،‬وضده كونه مريداً‪.‬‬

‫والسادسة عشرة‪ :‬كونه جاهالً بمعلوم ما وما في معنى الجهل‪،‬‬


‫وضده كونه عالما ً‪.‬‬

‫والسابعة عشرة‪ :‬كونه ميتا وضده كونه حيا ً‪.‬‬

‫والثامنة عشرة‪ :‬كونه أصم‪ ،‬وضده كونه سميعا ً‪.‬‬

‫والتاسعة عشرة‪ :‬كونه أعمى وضده كونه بصيراً‪.‬‬

‫والعشرون‪ :‬كونه أبكم‪ ،‬وضده كونه متكلما‪ ،‬وهذه تمام العشرين‬


‫صفة المستحيلة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫المطلب الثالث‬

‫الجائز في حقه – تعالى ‪-‬‬

‫فالمراد به‪ :‬فعل كل شيء ممكن من الممكنات العلوية‬


‫والسفلية‪ ،‬أو تركه؛ فال يجب على هللا تعالى شيء من الممكنات‬
‫عقالً‪ ،‬كما ال يستحيل عليه تعالى شيء منها عقالً؛ بل جائز أن يفعل‬
‫من الممكنات ما يشاء‪ ،‬ويترك ما يشاء باالختيار المطلق‪ ،‬وليس‬
‫ألحد استحقاق على هللا سبحانه وتعالى في فعل من األفعال؛ ألنه‬
‫فعال لما يريد‪ ،‬وهو متصف بالقدرة واإلرادة وهو العليم الخبير‪،‬‬
‫وهو على كل شيء قدير؛ فال يجب عليه شيء‪ ،‬وال يقبح منه شيء‪،‬‬
‫وله أن يعاقب المقصر والمذنب عدال منه‪ ،‬وله أن يعفو عنه تفضال‬
‫وتكرما‪ ،‬فهو وحده الخالق ل يمان والطاعة‪ ،‬وهو أيضا وحده‬
‫الخالق للكفر والمعاصي؛ فمن يهد هللا فهو المهتد‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وهو الخالق للمرض والشفاء‪ ،‬وهو الخالق للصحة‬
‫والمرض‪ ،‬وهو الخالق للغنى والفقر‪ ،‬وهو يعز من يشاء‪ ،‬ويذل من‬

‫يشاء‪ ،‬ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮇ ﮈ‬

‫ﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬ ‫ﮉ‬

‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ‬

‫‪71‬‬
‫]‪ ،‬وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﯮ ﯯ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ [آل عمران‪٥ - ٦ :‬‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ [األنبياء‪َ ،] ٠ :‬‬
‫فال َسائِل َيست أَل َربا تال َعرت ش‬

‫َعماا َي تف َعله ِب َخ تلقِ ِه ِمنت َتصت ِريفه تم فِي َما َشا َء ِمنت َح َياة َو َم توت َوإِعت َزاز‬
‫ِيه تم؛ ِألَن ُه تم َخ تلقه َو َع ِبيده‪َ ،‬و َجمِيعه تم فِي‬
‫َوإِ تذ َالل َو َغيتر َذل َِك ِمنت ح تُكمه ف ِ‬
‫ضاؤُ هُ‪َ ،‬ال َشيت ء َف توقه َيست أَل ُه‬
‫ضاء َق َ‬ ‫م تُلكه َوس تُل َطانه‪َ ،‬و تالح تُكم ح تُكمه‪َ ،‬و تال َق َ‬
‫َعما َي تف َعل؛ َف َيقُول‪ :‬لَ ُه لِ َم َف َع تلت؟ َولِ َم لَ تم َت تف َعل؟‬

‫فيكون الجائز في حقه تعالى‪ :‬فعل كل ممكن أو تركه‪ ،‬كاإليجاد‬


‫واإلعدام‪ ،‬واإلسعاد واإلشقاء‪ ،‬واإلعطاء والمنع‪ ،‬وإثابة المطيع‬
‫وتعذيب العاصي‪ ،‬ويد ُّل على أن فعل كل ممكن وتركه جائز في حق‬
‫هللا‪ :‬أنه قد وجب اتصافه تعالى بالقدرة واإلرادة والعلم والوحدانية؛‬
‫فثبت له االختيار المطلق في جميع شؤونه‪ ،‬فيجوز منه تعالى فعل‬
‫كل ممكن وتركه‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ -١‬حدد المراد من الصفات المعنوية وعددها بالتفصيل‪.‬‬

‫س ‪ -‬الصفات المستحيلة على هللا تعالى هي ما تكون أضداد‬


‫الصفات العشرين وضح ذلك‪.‬‬

‫س‪ -٠‬التعدد من الصفات المستحيلة‪ ،‬وضح ذلك‪.‬‬

‫س‪ -٤‬اإلكةةةراه مةةةن الصةةةفات التةةةي يسةةةتحيل أن يتصةةةف بهةةةا‬


‫الباري‪ ،‬وضح ذلك‪.‬‬

‫س‪ -٢‬ما الجائز في حق هللا تعالى‪ ،‬فصل القول في ذلك‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬القضاء والقدر‬

‫يعد مبحث القضاء والقدر من أعقد المباحث التي خاض فيها‬


‫المتكلمون؛ فتاه أكثرهم في هذا الباب‪ ،‬واضطربت آراؤهم وتحيرت‬
‫منةةاهجهم‪ ،‬وخيةةر كلمةةة قالهةةا عةةالم فةةي هةةذا البةةاب هةةي كلمةةة الشةةيخ‬
‫الرباني عبد القةادر الكيالنةي قةدس سةرُّ ه الشةريف حةين قةال‪َ " :‬كثِيةر‬
‫ةت لِةي‬ ‫ضا ِء َو تال َقةدَ ِر أَمت َسة ُكوا َوأَ َنةا ا تن َف َت َح ت‬ ‫صلُوا إلى تال َق َ‬ ‫ال إذا َو َ‬ ‫ِمنت الرِّ َج ِ‬
‫ةق"( ‪ ،)١‬أي ال يجةةوز‬ ‫ةال َح ِّق ل تِل َحة ِّ‬
‫ةق ِبة ت‬ ‫ةت أَ تقةةدَ َ‬
‫ار تال َحة ِّ‬ ‫فِي ة ِه َر تو َز َنةةة َف َن َ‬
‫ازعت ة ُ‬
‫االحتجةةةاج بالقةةةدر علةةةى معاصةةةي هللا تعةةةالى‪ ،‬كمةةةا ال يجةةةوز تسةةةويغ‬
‫األفعةال اإلجراميةة بقةدر هللا تعةالى؛ بةةل البةد أن نزيةل الشةر بةةالخير‬
‫بحسب اإلمكان‪ ،‬ونزيل الكفر باإليمةان‪ ،‬والبدعةة بالسةنة‪ ،‬والمعصةية‬
‫بالطاعة من أنفسنا‪ ،‬ومن عندنا؛ فك ُّل َمن كفةر‪ ،‬أو فسةق‪ ،‬أو عصةى؛‬
‫فعليةةةه أن يتةةةوب‪ ،‬وإن كةةةان ذلةةةك بقةةةدر هللا‪ ،‬وعليةةةه أن يةةةأمر غيةةةره‬
‫بةالمعروف‪ ،‬وينهةةاه عةةن المنكةر بحسةةب اإلمكةةان‪ ،‬ويجاهةد فةةي سةةبيل‬
‫هللا‪ ،‬ويصةةلح نفسةةه مةةا اسةةتطاع إلةةى ذلةةك سةةبيال‪ ،‬وفيمةةا يةةأتي نسةةلط‬
‫الضوء على حقيقة القضةاء والقةدر وبيةان رأي أهةل السةنة فةي حكةم‬
‫اإليمان به‪.‬‬

‫‪ )١‬مجموع الفتاو ‪ ،‬ألحمد بن عبد الحليم‪.)٢٤٥/٣( :‬‬ ‫(‬

‫‪92‬‬
‫أوالا‪ :‬تعريف القضاء والقدر لغة‪:‬‬
‫‪ .١‬القضاء لغة‪ :‬مصدر مأخوذ من قضى يقضي قضاءً‪ ،‬وهو‬
‫الخلق‪ ،‬وقضى الشيء قضاء‪ ،‬صنعه وقدره ومنه قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭼ [فصلت‪.]١ :‬‬

‫وهو بمنزلة الب اناء‪ ،‬والقضاء والقدر أمران متالزمان ال ينفةك‬


‫أحةةةةدهما عةةةةن اآلخةةةةر‪ ،‬فمةةةةن رام الفصةةةةل بينهمةةةةا فقةةةةد هةةةةدم البنةةةةاء‬
‫(‪)١ ٠‬‬
‫ونقضه‪.‬‬
‫‪ .‬القةةدر لغةةة‪ :‬وهةةو مصةةدر مةةن قةةدر قةةدراً‪ ،‬معنةةاه التقةةدير‪،‬‬
‫ووضةةع الشةةيء فةةي موضةةعه المناسةةب لةةه‪ ،‬وهةةو بمنزلةةة‬
‫األسةةاس لاشةةياء قبةةل تكوينهةةا وخلقهةةا‪ )١ ٤(.‬والقةةدر مبلةةغ‬
‫(‪)١ ٢‬‬
‫الشيء‪.‬‬

‫‪ )١‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.)١٣٦/١٢( :‬‬ ‫(‪٠‬‬

‫‪ )١‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه ‪.)٥٩/٢( :‬‬ ‫(‪٤‬‬

‫‪ )١‬ينظر‪ :‬تاج العروس‪ ،‬للزبيدي‪.)٠٥٠/١٠( :‬‬ ‫(‪٢‬‬

‫‪93‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬تعريف القضاء والقدر اصطالحا ا‪:‬‬

‫‪ .١‬القضاء‪ :‬وهو علم هللا ‪ ‬في األزل باألشياء كلِّها علةى مةا‬
‫ستكون عليه في المستقبل(‪ )١ ٦‬أي أن القضةاء يرجةع إلةى‬

‫صفة العلم وهو متقدم على القدر‪ ،‬قال تعةالى‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ‬

‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ [الحجر‪:‬‬

‫‪ ] ١‬أي أن جميع األشياء مقدورة هلل تعةالى محجوبةة عةن‬


‫الخلق(‪.)١ ٥‬‬
‫ويعرفون القةدر بأنةه‪ ( :‬إيجةاد هللا األشةياء بالفعةل طبقةا ً لعلمةه‬
‫األزلي المتعلق بها )(‪.)١ ٣‬‬
‫‪ -‬رأي أهل الحق في إثبات القضاء القدر‪:‬‬
‫ذهب أهل الحق إلى ضرورة اإليمان بقضاء هللا وقةدره‪ ،‬وأن‬
‫يمسك العبد لسانه عن الخوض فى دقائق القدر‪ ،‬ويضع نصب عينيه‬
‫عدل هللا ورحمته‪ ،‬وبهذا ينجو من المزالق في هذا الموضوع الشائك‬
‫‪.‬‬

‫‪ )١‬ينظةةةةر‪ :‬تحفةةةةة المريةةةةد‪ ،‬للبةةةةاجوري‪ :‬ص‪ ،٥١‬وكبةةةةر اليقينيةةةةات الكونيةةةةة‪ ،‬للبةةةةوطي‪:‬‬ ‫(‪٦‬‬

‫ص‪.١٠٠‬‬
‫‪ )١‬مفاتح الغيب‪ ،‬للرازي‪.)١٠٤/١٩( :‬‬ ‫(‪٥‬‬

‫‪ )١‬ينظر‪ :‬كتاب األربعين في أصول الدين‪ ،‬للغزالةي‪ :‬ص‪ ،١٠‬وتحفةة المريةد‪ ،‬للبةاجوري‪:‬‬ ‫(‪٣‬‬

‫‪.‬‬ ‫ص‪ ،٥٠‬والتعريفات للجرجاني‪ :‬ص‬


‫‪94‬‬
‫واإليمةةان بالقةةدر ال يصةةح حتةةى يةةؤمن العبةةد بمراتةةب القةةدر‬
‫األربع وهي‪:‬‬
‫‪ )١‬اإليمان بأن هللا تعةالى علةم كةل شةيء جملةة وتفصةيال مةن‬
‫األزل والقدم؛ فال يغيب عنه مثقال ذرة في السموات وال في األرض‬
‫) اإليمان بأن هللا كتب كل ذلك فةي اللةوح المحفةوظ قبةل أن‬
‫يخلق السموات واألرض بخمسين ألف سنة‪.‬‬
‫‪ )٠‬اإليمان بمشيئة هللا النافذة وقدرتةه الشةاملة؛ فةال يكةون فةي‬
‫هذا الكون شيء من الخير والشر إال بمشيئته سبحانه‪.‬‬
‫‪ )٤‬اإليمان بةأن جميةع الكائنةات مخلوقةة هلل فهةو خةالق الخلةق‬
‫وخالق صفاتهم وأفعالهم‪.‬‬
‫ومةةن لةةوازم صةةحة اإليمةةان بالقةةدر أن ن ةؤمن أن أفعةةال العبةةد‬
‫وقدرته غير خارجة عن قدرة هللا ومشيئته؛ فهو الذي منح العبد ذلك‬
‫وجعله قادراً على التمييز واالختيار كما قال تعةالى ‪ ( :‬ومةا تشةاءون‬
‫إال أن يشاء هللا رب العالمين ) التكوير‪٩/‬‬
‫أن العــلماء قد قسمــوا أفعال اإلنسةان علةى‬
‫ونشير هنــا إلى َ‬
‫قسمين هما‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬أفعال اضطرارية‪:‬‬
‫وهةةةي التةةةي ال قةةةدر َة ل نسةةةان وال اختية َ‬
‫ةةار لةةةه فيهةةةا كحركةةةة‬
‫المرتعش‪ ،‬وحركة األمعاء والقلب وغيرهةا مةن األفعةال‪ ،‬وقةد اتفقةت‬
‫(‪)١ ٩‬‬
‫الفرق اإلسالمية على أنها مخلوقة هلل تعالى‬
‫‪ -‬أفعال اختيارية‪:‬‬
‫ير فيها اإلنسان بين الفعل والترك‪،‬‬
‫وهي تلك األفعال التي خـ ُ َ‬
‫ويكةةةون ل نسةةةان فيهةةةا قةةةدرة واختيةةةار‪ ،‬كالقيةةةام والسةةةير‪ ،‬والكةةةالم‬
‫والقةةةراءة‪ ،‬وغيرهةةةا(‪ ،)١٠٠‬وهةةةذه األفعةةةال محةةةل خةةةالف بةةةين الفةةةرق‬
‫اإلسالمية‪ ،‬هل هي مخلوقة هلل تعالى‪ ،‬أو يُصدرها اإلنسان نفسه؟‬
‫وقةةد اسةةتطاع أهةةل الحةةق أن يكونةةوا مةةذهبا ً وسةةطا ً فةةي هةةذه‬
‫القضية بين من قال بالجبر‪ ،‬وبين من قةال باالختيةار المطلةق‪ ،‬وذلةك‬
‫من خالل نظرية الكسب‪ ،‬التةي أنزلةت اإلنسةان إلةى واقعةه البشةري؛‬
‫فجعلةةوه كاسةةبا ً ألفعالةةه ال خالق ةا ً لهةةا‪ ،‬عةةامالً بإرادتةةه‪ ،‬ولكةةن فةةي ظةةل‬
‫إرادة هللا تعالى ومشيئته؛ فتوسط أهةل الحةق بةين القدريةة والجبريةة؛‬
‫فلم ينفوا االختيار عن أنفسهم بالكلية‪ ،‬ولم ينفةوا القضةاء والقةدر عةن‬
‫هللا تعالى؛ بل قالوا‪ :‬أفعال العباد من هللا تعالى مةن وجةه‪ ،‬ومةن العبةد‬
‫من وجــه‪ ،‬وللعــبد حرية االختــيار والكسب؛ فاهلل تعالى خالــق كةل‬
‫ةإن جميةةع الموجةةودات‪ ،‬خلةةق لةةه تعةةالى؛‬
‫شةةيء‪ ،‬وال خـةةـالق سةةواه؛ فة َ‬

‫(‪ )١ ٩‬ينظر‪ :‬أصول الدين اإلسالمي‪ ،‬لرشدي عليان‪ :‬ص‪.١٣٢‬‬


‫(‪ )١٠٠‬ينظر‪ :‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬للتفتازاني‪ ،‬ص‪ ،١١٠‬وكبر اليقينيات الكونية‪ ،‬للبةوطي‪،‬‬
‫ص ‪.١٠‬‬
‫‪96‬‬
‫فأفعال اإلنسةان قليلهةا وكثيرهةا وقبيحهةا خلقهةا هللا تعةالى‪ ،‬فهةي منةه‬
‫خلق‪ ،‬وللعباد كسب(‪.)١٠١‬‬
‫وأن‬
‫وقةةد اسةةةتدل أهةةل الحةةةق علةةى إثبةةةات القضةةاء والقةةةدر‪َ ،‬‬
‫اإلنسةان لةةيس لةه مةةن أعمالةه إال الكسةةب بأدلةة نقليةةة وعقليةة منهةةا مةةا‬
‫يأتي‪:‬‬
‫األدلة النقلية‪:‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﭼ [الزمر‪.] ٦ :‬‬

‫وجااه الداللااة‪ :‬أن هةةذه اآليةةة الكريمةةة تةةدلل علةةى أن أفعالنةةا‬


‫مخلوقة‪ ،‬وهللا تعالى قد أدخة َل فةي خلقةه أفعةال العبةاد‪ ،‬وكة دل مخلةوق‪،‬‬
‫وفي هذا استحالة إثبات خالق غير هللا تعالى( ‪.)١٠‬‬

‫األدلة العقلية‪:‬‬
‫إن العبةةد لةةةو كةةان موجةةةداً لاشةةياء لكةةةان عالمةةا ً بتفاصةةةيلها‪،‬‬
‫ضةةرورة أن إيجةةاد الشةةيء بالقةةدرة واالختيةةار‪ ،‬ال يكةةون إال كةةذلك‪،‬‬
‫فإن النائم تصدر عنةه أفعةال‬
‫والالزم باطل‪ ،‬أي الواقع أنه ال يعلمها‪َ ،‬‬
‫اختيارية ال شعور له بتفاصيلها‪ ،‬وكذلك الماشي انسانا ً كان أو غيةره‬
‫يقطةةع مسةةافة معينةةة فةةي زمةةان معةةين مةةن غيةةر شةةعور لةةه بتفاصةةيل‬

‫(‪ )١٠١‬ينظر‪ :‬رسالة إلى أهل الثغر‪ ،‬لاشعري‪ ،‬ص‪. ٢٤‬‬


‫( ‪ )١٠‬ينظر‪ :‬وشرح العقائد النسفية‪ ،‬للتفتازاني‪ ،‬ص‪.١٠٣‬‬
‫‪97‬‬
‫األجزاء وحركات مشيه وسرعتها؛ بل لو سئل عنها لما عل َم‪ ،‬وهةذا‬
‫في أظهر أفعالةه(‪ ،)١٠٠‬وهةذا دليةل علةى أنةه لةيس موجةدا ألفعالةه وال‬
‫خالقا لها كما يزعمه بعضهم‪.‬‬

‫(‪ )١٠٠‬ينظر‪ :‬لمع األدلة‪ ،‬للجويني‪ :‬ص‪ ،١٠٥‬وشرح العقائد النسفية للتفتازاني‪ :‬ص‪.١٠٣‬‬
‫‪99‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ -١‬عرف القضاء والقدر في اللغة واالصطالح‪.‬‬

‫س ‪ -‬تنقسم أفعال العباد على قسمين وضحها بالتفصيل‪.‬‬

‫س‪ -٠‬لقد استطاع أهل السنة أن يكونوا وسطا بين القدرية والجبرية‬
‫وضح ذلك‪.‬‬

‫س‪ -٤‬استدل أهل السنة على أن ليس ل نسان إال الكسب وضح ذلك‬
‫مع ذكر الدالئل النقلية والعقلية‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫الحكم العقلي في مبحث النبوات‬

‫تمهيد‪ :‬مفهو ُم النبوة ومتعلقاتها‬

‫المطلب األول‪ :‬الواجب في حق األنبياء والرسل ( عليهم الصالة‬


‫والسالم )‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجائز في حق األنبياء والرسل ( عليهم الصالة‬


‫والسالم )‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ما يستحيل في في حق األنبياء والرسل ( عليهم‬


‫الصالة والسالم )‬

‫‪10‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫الحكم العقلي في مبحث النبوات‬

‫تمهيد‪ :‬مفهو ُم النبوة ومتعلقاتها‬

‫أوالا‪ :‬تعريف النبي والرسول في اللغ ِة واالصطالح‬

‫‪ : -١‬النبي في اللغة‪ :‬كلمة مشتقة من المعاني اللغوية الثالثة اآلتية‪-:‬‬

‫أ‪ -‬مِن ال َنبأ‪ :‬وهو الخبر‪ ،‬تقول‪ :‬نـَ َبـأ َ ونـَبـا أي‪ :‬أخبر ومنه قوله تعالى‪ :‬ﭽ‬

‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ [النبأ‪.] - ١ :‬‬

‫ب‪ -‬من النبوة والنباوة‪ :‬وهي ما ارتفع من األرض وتحدب وظهر للعيةان‬
‫فيكةةةةون النبةةةةي هةةةةو المرتفةةةةع الشةةةةأن علةةةةى غيةةةةره وعلةةةةو ِه ومنزلتةةةةه‬
‫العظيمة(‪.)١٠٤‬‬
‫ت‪ -‬من النبي‪ :‬وهو الطريق الواضح‪ ،‬وبذلك يكون النبي‪ :‬هو السبيل الواضةح‬
‫(‪)١٠٢‬‬
‫لهداية الناس من الضاللة‪.‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬ابن منظور محمد بن مكرم االفريقي المصري ت (‪711‬ه )‬
‫ط‪ ، 1‬دار صادر – بيروت ‪ ،‬مادة (نبا) ‪ ، 301/15‬والقاموس المحيط مجد الدين ابو طاهر‬
‫محمد بن يعقوب ت (‪917‬ه ) ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬مكتب التراث ‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت – لبنان‬
‫‪ ،‬ط‪2005 ،9‬م‪1337/1 ،‬‬
‫(‪ )١٠٢‬ينظر‪ :‬العين ‪ ،‬أبو عبد الرحمن الخليل بن احمد الفراهيدي ت (‪١٥٢‬هـ) تحقيق ‪ ،‬د‪.‬مهدي‬
‫المخزومي ‪ ،‬د‪.‬ابراهيم السامرائي ‪ ،‬نشر وزارة الثقافة واالعالم ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬دار الحرية للطباعة‬
‫‪. ٠٣ /٣ ، ١٩٣٢،‬‬

‫‪11‬‬
‫والمالحظ بأن هذه المعاني اللغوية كلها تجسدت في شةخص األنبيةاء‬
‫(عليهم الصالة والسالم) فإنهم طرق الهداية وهم أعلى رتبة من غيرهم‬
‫وهم من ينبأهم هللا تعالى فينبؤون غيرهم بما أنبأهم به هللا جل جالله‪.‬‬

‫‪ -6‬الرسول ا‬
‫لغة‪:‬‬

‫هةةو الةةذي يتةةابع أخبةةار مةةن سةةبقه‪ ،‬تقةةول‪ :‬جةةاءت الخي ة ُل أرسةةاال أي‬
‫متتابعة‪ ،‬وأرسلت فالنا في رسالة فهو مرسل ورسول‪ ،‬والرسول أيضا‬
‫بمعنى الرسالة وسمي الرسول رسوال ألنةه ذو رسةالة‪ ،‬ولفةظ (رسةول )‬
‫علةى وزن (فعةةول ) وهةي مثةةل فعيةل إذ يسةةتوي فيهةا المةةذكر والمؤنةث‪،‬‬

‫والواحد والجمع مثل‪ :‬عدو وصديق‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬

‫ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ [الشعراء‪ ]١٦ :‬ولم يقل إنا رسل(‪.)١٠٦‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف النبي والرسول اصطالحا ا‪:‬‬

‫عرفه جمهور أهل السنة والجماعة – أن النبي والرسول‪ :‬هما لفظان‬


‫متغايران في المعنى وليسا بمعنى واحد‪ ،‬ودليةـلهم فةي ذلةك قولةه تعةالى‪:‬‬

‫ﭽﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔﮕ‬

‫ينظر‪ :‬العين للفراهيدي‪ ، 06/2،‬والصحاح للجوهري باب رسل ‪ ،252/1،‬وتاج العروس‬ ‫(‪)١٠٦‬‬

‫من جواهر القاموس ‪ ،‬محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني أبو النبض الزبيدي ت(‪1265‬ه ـ)‬
‫تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين‪ ،‬دار الهداية‪47/22 ،‬‬

‫‪12‬‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﭼ [الحةج‪ ،] ٢ :‬فةةإن العطةةف فةي هةةذه اآليةةة بةين الرسةةول والنبةةي‬

‫يقتضي المغايرة‪ ،‬ولو كان النبي مساويا للرسول لمةا عُطةف عليةه وذلةك‬
‫ألن نفي أحد المتساويين يستلزم نفي اآلخر‪.‬‬

‫وكذلك قوله (‪ )‬حينما سُئل عن عدد األنبياء قال(‪ ":)‬مئة وأربعة‬


‫وعشرون ألفا" ‪ ،‬قيل‪ :‬فكم الرسل منهم؟ قال(‪ ": )‬ثلثمائة وثالثة عشر‬
‫جما ً غفيراً "(‪.)١٠٥‬‬

‫ثالثا ا‪ :‬بعثة األنبياء والمرسلين(عليهم السالم)‬

‫‪ : -0‬حكم مبعث األنبياء والرسل عليهم السالم‪.‬‬

‫تكلم العلماء المسلمون على مسألة مبعث األنبياء وإرسال‬


‫الرسل عليهم السالم أكانت واجبة على هللا تعالى أم ال ؟ فرأي أهل‬

‫(‪ )١٠٥‬اخرج ـ ـ ـ ابـ ـ ــن حب ـ ـ ــان فـ ـ ــي ص ـ ـ ــحيح ‪ ،‬محمـ ـ ــد ب ـ ـ ــن احمـ ـ ــد أب ـ ـ ــو حـ ـ ــات البس ـ ـ ــتي ت‬
‫(‪257‬ه ـ ـ ـ ـ) ‪ ،‬تحقي ـ ـ ــق‪ :‬ش ـ ـ ــعيب االرنـ ـ ـ ـ و ‪ ،‬م سس ـ ـ ــة الرس ـ ـ ــالة – بي ـ ـ ــروت ‪1222، 2 ،‬‬
‫والنه ـ ــي ع ـ ــن المنكـ ـ ــر ‪،‬‬ ‫‪،‬كت ـ ــاب الب ـ ــر واالحس ـ ــان ‪ ،‬ب ـ ــاب الص ـ ــدق واالم ـ ــر ب ـ ــالمعرو‬
‫جـ ــدا في ـ ـ اب ـ ـراهي بـ ــن‬ ‫‪ ،40/2 ، 201‬قـ ــال شـ ــعيب االرن ـ ـ و ‪ :‬اسـ ــناد ضـ ــعي‬ ‫حـ ــدي‬
‫هشـ ــا ‪ ،‬وهـ ــو ك ـ ـ اب ‪ .‬والهيثمـ ــي فـ ــي م ـ ـوارد الضـ ــم ن إل ـ ـ زوائـ ــد ابـ ــن حبـ ــان – ابـ ــو‬
‫الحس ــن ن ــور ال ــدين عل ــي ب ــن اب ــي بك ــر الهيثم ــي ت (‪764‬ه ـ ـ)‪ ،‬تحقي ــق ‪ :‬حس ــين س ــلي ‪،‬‬
‫دار الثقافـ ـ ـ ــة العربيـ ـ ـ ــة – دمشـ ـ ـ ــق ‪ ، 1226 ، 1 ،‬بـ ـ ـ ــاب الس ـ ـ ـ ـ ال للفائـ ـ ـ ــد ‪ ،‬حـ ـ ـ ــدي‬
‫‪ ،122/1 ،27‬وقال الهيثمي ‪ :‬في ابراهي بن هشا وهو ك اب ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫السنة‪ :‬أن البعثة‪ :‬هي لطف من هللا تعالى على عباده وأنها من‬
‫(‪)١٠٣‬‬
‫القضايا الجائزة ال الواجبة وال المستحيلة ‪.‬‬

‫‪ : -‬حكم اإليمان باألنبياء والمرسلين (عليهم السالم)‪.‬‬

‫كثيرة هي األدلة التي تثبت وجوب اإليمان باألنبياء (عليهم‬


‫السالم) وتصديقهم في أخبارهم وطاعة أوامرهم ومن هذه األدلة ‪:‬‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭸ‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ [البقرة‪ .] ١٠٦ :‬فإن‬

‫األمر في هذه اآلية يدل على وجوب اإليمان باألنبياء‬


‫والمرسلين(عليهم السالم)‪.‬‬

‫محمـ ــد بـ ــن عبـ ــد الك ـ ـري بـ ــن ابـ ــي بكـ ــر أحمـ ــد‬ ‫(‪ )١٠٣‬ينظـ ــر‪ ::‬الملـ ــل والنحـ ــل ‪ ،‬ابـ ــو الفـ ــت‬
‫الشهرس ـ ــتاني ‪ ،‬ت(‪577‬ه ـ ـ ـ) ‪ ،‬تحقي ـ ــق ‪ :‬محم ـ ــد س ـ ــيد الكيالن ـ ــي ‪ ،‬دار المعرف ـ ــة – بي ـ ــروت‬
‫‪ ، 22 /1،‬وينظـ ـ ـ ــر‪ ::‬نهايـ ـ ـ ــة االقـ ـ ـ ــدا فـ ـ ـ ــي عل ـ ـ ـ ـ الكـ ـ ـ ــال ‪ ،‬محمـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ــن عبـ ـ ـ ــد الك ـ ـ ـ ـري‬
‫الشهرس ـ ــتاني ‪ ،‬مكتب ـ ــة المثنـ ـ ـ – بغ ـ ــداد ‪ ،‬ص‪ . 175‬وينظ ـ ــر‪ ::‬االقتص ـ ــاد ف ـ ــي االعتق ـ ــاد‬
‫‪ ،‬ابـ ـ ـو حام ـ ــد محم ـ ــد ب ـ ــن محم ـ ــد الغ ازل ـ ــي ‪ ،‬ت(‪ 565‬هـ ـ ـ ـ) ‪ ،‬وضـ ـ ـ حواش ـ ــي ‪ :‬عب ـ ــد اهلل‬
‫محمد الخليلي ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت – لبنان ‪،‬ص‪.167‬‬

‫‪14‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬

‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [البقرة‪.] ٣٢ :‬‬

‫رابعا ا‪ :‬الرد على منكري النبوات‪:‬‬

‫إن حاجة الخلق إلى بعثة األنبياء والمرسلين (عليهم الصالة‬


‫السالم) ضرورة ملحة إذ ال ينتظم لهم حال وال يصلح لهم دين وال‬
‫بال إال بذلك‪ ،‬فالخلق أشد احتياجا ً إلى ذلك من إرسال المطر‬
‫والهواء الذي البد لهم منه‪ ،‬وأمام هذه الحقيقة فقد ذهب قوم إلى‬
‫القول‪ :‬بعدم حاجة اإلنسان إلى هدي النبوة فأنكروها ولم يقروا بها ‪،‬‬
‫والرد على هؤالء المنكرين يكون من خالل اآلتي‪:‬‬

‫‪١‬ـــ إن األصل الذي بنوا عليةه هةذه المسةألة وهةو التحسةين والتقبةيح‬
‫العقليان أصل فاسد‪ ،‬ألن العقل ال يدل على حسن شيء وال قبحه في‬
‫حكةةةم التكليةةةف وإنمةةةا يتلقةةةى التحسةةةين والتقبةةةيح مةةةن مةةةوارد الشةةةرع‬
‫وموجب السمع(‪. )١٠٩‬‬

‫األدلـة فـي أصـول االعتقـاد‪ ،‬إمـا الحـرمين أبـو المعـالي عبـد‬ ‫ينظر‪ :‬اإلرشاد إل قوا‬ ‫(‪)131‬‬

‫تحقيق‪ :‬أسعد تمي ‪ ،‬م سسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيـروت ـ لبنـان‪،‬‬ ‫الملك الجويني (ت‪747‬هـ)‪،‬‬
‫‪ : 1220 ،2‬ص‪. 227‬‬

‫‪15‬‬
‫ـــ إن تفاوت العقول وتباين األفكار واختالف األغراض والمنةازع‬
‫ينتج عنه تضارب اآلراء وتنةاقض المةذاهب وهةذا يفضةي إلةى سةفك‬
‫الدماء ونهب األموال واالعتةداء علةى األعةراض وانتهةاك الحرمةات‬
‫وبالجملة ينتهي األمةر إلةى تخريةب ال إلةى تنظةيم وال يرتفةع ذلةك إال‬
‫برسول يأتي ويفصل الخطاب ويقيم الحجة ويوضح المحجة(‪.)١٤٠‬‬

‫ينظر‪ :‬الحكمة من إرسال الرسل‪ ،‬الشيخ عبد الرزاق عفيفـي‪ ،‬دار الصـميعي‪ ،‬الريـاض ـ‬ ‫(‪)140‬‬

‫السعودية‪1726 ،2 ،‬هـ ‪ :‬ص‪. 02‬‬

‫‪16‬‬
‫االسئلة‬

‫س‪ ١‬عرف النبي والرسول لغة واصطالحا‪ ،‬واذكر العالقة بينهما‪.‬‬

‫س ما حكم بعثة الرسل واألنبياء علةيهم الصةالة والسةالم ومةا حكةم‬


‫اإليمان بهم‪.‬‬

‫س‪ ٠‬ناقش منكري النبوات بالدالئل العقلية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المطلب األول‬

‫الواجب في حق األنبياء والمرسلين (عليهم الصالة والسالم )‬

‫أوأل‪ :‬العصمة‪ :‬سنتناول ابتةداء تعريفهةا لغةة واصةطالحا ً ثةم أنواعهةا‬


‫كما يأتي‪:‬‬

‫‪ -0‬تعريف العصمة لغة واصطالحا ا‪:‬‬

‫صةةم ُه الطعةةام‪ ،‬أي‪ :‬منعةةه مةةن‬ ‫أ‪ : -‬العصاامة ا‬


‫لغااة‪ :‬المنةةع‪ ،‬يقةةال‪َ :‬ع َ‬
‫الجوع‪ ،‬واعتصم باهلل أي‪ :‬امتنةع بلطفةه عةن المعصةية‪ ،‬وقولةه تعةالى‬

‫فةةةي قصةةةة النبةةةي نةةةوح عليةةةه السةةةالم وابنةةةه‪ :‬ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬

‫ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ [هود‪ ،]٤٠ :‬يجوز أن يراد‪ :‬ال معصوم‪،‬‬

‫والعصةةمة المنعةةة‪ ،‬والعاصةةم المةةانع الحةةامي‪ ،‬واالعتصةةام اإلمسةةاك‬


‫بالشيء‪ ،‬ومنه شعر أبي طالب‪:‬‬

‫ثمال اليتامى عصمة لارامل‬

‫أي‪ :‬يمنعهم من الضياع والحاجة‪ ،‬والعصمة أيضا ً‪ :‬الحفظ(‪. )١٤١‬‬

‫ينظر‪ :‬مختار الصحاح ‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن عبـد القـادر الـرازي (ت‪000‬ه ـ)‪ ،‬تقـدي‬ ‫(‪)141‬‬

‫‪ :‬د‪ .‬يحيـ ـ م ـ ـراد‪ ،‬م سس ــة المختـ ــار‪ -‬الق ــاهر ‪1727 ،1 ،‬هـ ـ ـ ‪ ،172/2‬ولس ــان العـ ــرب‪:‬‬
‫‪ 762/12‬و ‪. 767‬‬

‫‪19‬‬
‫ب‪ : -‬العصمة اصطالحا ا‪:‬‬

‫عرفها اإليجي بأنها‪ :‬صفة لانبياء عليهم السالم وهةي بمعنةى أن‬
‫ال يخلق هللا تعالى فةيهم ذنبةا ً وهةي ملكةة تمنةع عةن الفجةور وتحصةل‬
‫بةةالعلم بمثالةةةب المعاصةةةي ومناقةةةب الطاعةةةات وتتأكةةةد بتتةةةابع الةةةوحي‬
‫باألوامر والنواهي واالعتراض علةى مةا يصةدر عةنهم مةن الصةغائر‬
‫( ‪)١٤‬‬
‫وترك األولى‬

‫‪ : -6‬أنواع العصمة واختالف العلماء فيها‪:‬‬

‫ذكةةر العلم ةاء نةةوعين للعصةةمة‪ ،‬وهمةةا‪ :‬العصةةمة عةةن الكبةةائر‪،‬‬


‫والعصمة عن الصغائر‪،‬‬

‫وسةةأكتفي بةةذكر التعريةةف الةةراجح فيهةةا إذ عرفةةت بأنهةةا‪ :‬مةةا يترتةةب‬


‫عليها حد في الةدنيا أو ُتوعةد عليهةا بالنةار أو اللعنةة أو الغضةب‪ ،‬أمةا‬
‫الصغائر‪ :‬فإنها ما ليس فيها حد في الدنيا وال وعيد في اآلخةرة(‪،)١٤٠‬‬
‫وتوضيح ذلك كاالتي‪:‬‬

‫أ‪ : -‬العصمة عن الكبائر‪:‬‬

‫العصمة عن الكفر‪:‬‬
‫اتفةةةق علمةةةاء أهةةةل السةةةنة والجماعةةةة علةةةى أن األنبيةةةاء (علةةةيهم‬
‫الصالة والسالم)‪ ،‬معصومون عن الكفةر قبةل النبةوة وبعةدها‪ ،‬فةإنهم‬

‫ينظر‪ :‬المواق ‪. 777/2 :‬‬ ‫(‪)142‬‬

‫ينظر‪ :‬شرح العقيد ال حاويةـ ‪. 201 :‬‬ ‫(‪)143‬‬

‫‪11‬‬
‫(عليهم الصالة والسالم) ال يجوز عليهم الكفر في حال الصغر تبعا ً‬
‫للوالدين‪ ،‬ألنهم مؤمنون بةاهلل تعةالى‪ ،‬عةارفون بةه حقيقةة فةال يجةري‬
‫عليهم حكم الكفر تبعا ً للوالدين(‪.)١٤٤‬‬

‫العصمة عن الكذب‪:‬‬

‫انعقةةةد اإلجمةةةاع علةةةى أن األنبيةةةاء (علةةةيهم الصةةةالة والسةةةالم)‬


‫معصةةومون عةةن تعمةةد الكةةذب فيمةةا يبلغونةةه عةةن هللا تعةةالى وكةةذلك‬
‫استحالة صدوره حال السهو والنسيان عند أكثةر العلمةاء وهةو القةول‬
‫المعتمد‪ ،‬وفي ذلك يقول اإليجي‪ " :‬أجمع أهةل الملةل والشةرائع علةى‬
‫وجوب عصمتهم ـ أي األنبياء عليهم السالم ـ عةن تعمةد الكةذب فيمةا‬
‫د ال المعجز القاطع على صدقهم فيه كدعو الرسالة وما يبلغونه عن‬
‫هللا إلةةى الخالئةةق إذ لةةو جةةاز علةةيهم التقةةول واالفتةةراء فةةي ذلةةك عقةالً‬
‫ألد إلى إبطال داللة المعجزة وهةو محةال ‪ ،‬وفةي جةواز صةدوره ـ‬
‫أي صةةدور الكةةذب عةةنهم ـ فيمةةا ذكةةر علةةى سةةبيل السةةهو والنسةةيان‬
‫خالف‪ :‬فمنعه األستاذ أبو إسحاق اإلسةفراييني أحةد أعةالم األشةاعرة‬
‫وكثيةةر مةةن األئمةةة األعةةالم لداللةةة المعجةةزة علةةى صةةدقهم فةةي تبليةةغ‬

‫ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪ ،‬احمد بن عبـد الحلـي الح ارنـي ابـن تيميـة ‪ ،‬تحقيـق‪ :‬أنـور البـاز ـ‬ ‫(‪)144‬‬

‫عامر الجزار‪ ،‬دار الوفاء‪ ،212/7 : 2665 ،2 ،‬لوامـ األنـوار البهيـة‪ ،267/2 :‬العقيـد‬
‫اإلسـالمية ومـ اهبها‪ ،‬الـدكتور قح ـان عبـد الـرحمن الـدوري‪ ،‬كتـاب ناشـرون‪ ،‬بيـروت ـ لبنـان‪،‬‬
‫‪ : 2611 ،1‬ص‪706‬و ‪. 701‬‬

‫‪100‬‬
‫األحكام‪ ،‬فلو جاز الخلةف فةي ذلةك لكةان نقضةا ً لداللةة المعجةزة وهةو‬
‫ممتنع"(‪.)١٤٢‬‬

‫العصمة عن الكبائر األخرى‪:‬‬

‫فأما قبل البعثة فإن العلماء أجمعوا على أن األنبياء (عليهم‬


‫الصالة والسالم) معصومون عن الكبائر التي توجب النفرة كعهر‬
‫األمهات والفجور في اآلباء‪ ،‬وأما الكبائر األخر ‪ ،‬فقال جمهور‬
‫العلماء‪ :‬أنه يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة على سبيل العمد‪ ،‬ولكن‬
‫ذهب كثير من العلماء إلى أن ذلك ال يمتنع على سبيل السهو‬
‫والنسيان‪ ،‬وهذا ما يقرره التفتازاني إذ يقول‪ ":‬وفي عصمتهم عن‬
‫سائر الذنوب تفصيل وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي‬
‫وبعده باإلجماع وكذا تعمد الكبائر عند الجمهور خالفا ً للحشوية‬
‫وإنما الخالف في أن امتناعه بدليل السمع أو العقل وأما سهواً‬
‫فجوزه األكثرون"‪ ،‬ثم بعد ذلك يبين أن الحق عصمة األنبياء (عليهم‬
‫الصالة والسالم) عن كل ما يوجب النفرة فيقول‪ ":‬والحق منع ما‬
‫يوجب النفرة كعهر األمهات والفجور والصغائر الدالة على‬
‫الخسة"(‪. )١٤٦‬‬

‫ب‪ :‬العصمة عن الصغائر‪:‬‬

‫‪ ،725/2 :‬وينظ ــر‪ :‬الوس ــيلة ف ــي ش ــرح الفض ــيلة‪ ،‬الش ــيخ عب ــد الكـ ـري محم ــد‬ ‫المواقـ ـ‬ ‫(‪)145‬‬

‫المدرس‪ ،‬م بعة اإلرشاد ـ بغداد‪ : 1242 ،1 ،‬ص‪. 025‬‬


‫شرح العقائد النسفية ‪. 105 :‬‬ ‫(‪)146‬‬

‫‪101‬‬
‫يفرق العلماء في هذه المسألة بين نوعين مةن الصةغائر‪ ،‬األولةى‪:‬‬
‫وهي صغائر الخسة التةي ُتلح ُ‬
‫ِةق صةاحبها بالرذائةل كةالتطفيف بتمةرة‬
‫أو سةةرقة حبةةةة أو لقمةةة ‪ ،‬والثانيةةةة ‪ :‬وهةةي الصةةةغائر التةةي ال تلحةةةق‬
‫صاحبها بالرذائل ‪.‬‬

‫فأمةةةةا صةةةةغائر الخسةةةةة فةةةةإن األنبيةةةةاء (علةةةةيهم الصةةةةالة والسةةةةالم)‬


‫معصومون عنها قبل البعثة وبعدها فال يمكةن أن تصةدر عةنهم عمةداً‬
‫وال سةةةهواً‪ ،‬وفةةةي معةةةرض الكةةةالم عةةةن هةةةذه المسةةةألة يقةةةول اإلمةةةام‬
‫التفتازاني‪ " :‬فال دليل على امتناع صدور الكبيرة‪ ،‬وذهبةت المعتزلةة‬
‫إلى امتناعها ألنها توجب النفرة المانعة عن إتباعهم مصةلحة البعثةة‪،‬‬
‫والحةةق منةةع مةةا يوجةةب النفةةرة كعهةةر األمهةةات والفجةةور والصةةغائر‬
‫الدالة على الخسة"(‪.)١٤٥‬‬

‫وأما الصغائر األخر فةإن األنبيةاء (علةيهم الصةالة والسةالم) غيةر‬


‫معصومين عنها قبل البعثة إال أنهم معصومون عنها بعد البعثة علةى‬
‫وجه العمد ‪ ،‬وقد تحدث عنهم على سبيل السهو والنسيان إال أنهم ال‬
‫يصرون عليها وال يقرون بها بل ينبهون فينتبهون(‪. )١٤٣‬‬

‫‪ : -4‬دفع ما يوهم عدم عصمة األنبياء عليهم السالم‪:‬‬

‫وردت فةةةةي القةةةةرآن الكةةةةريم والسةةةةنة النبويةةةةة المطهةةةةرة بعةةةةض‬


‫النصةةةوص التةةةي تةةةوهم فةةةي ظاهرهةةةا أن األنبيةةةاء (علةةةيهم الصةةةالة‬

‫شرح العقائد النسفية ‪. 105 :‬‬ ‫(‪)147‬‬

‫ينظر‪ :‬شرح المقاصد‪ ،216/2 :‬وعصمة األنبياء للرازي ‪ :‬ص‪. 76‬‬ ‫(‪)149‬‬

‫‪102‬‬
‫والسةالم) قةةد وقعةةوا فةةي المعصةةية‪ ،‬واقترفةةوا اآلثةةام واألخطةةاء‪ ،‬ولقةةد‬
‫وجه العلماء هذه النصةوص بمةا يتفةق وعقيةدة المسةلمين فةي عصةمة‬
‫األنبيةةاء والمرسةةلين علةةيهم السةةالم‪ ،‬فقةةالوا عنهةةا‪ :‬إن مةةا نقةةل بطريةةق‬
‫خبر اآلحاد فمردود ألن نسبة الخطأ إلى الرواة أهون من نسبته إلةى‬
‫األنبيةاء (علةيهم الصةالة والسةةالم)‪ ،‬وأمةا مةا نقةةل عةن طريةق التةةواتر‬
‫فيفسر على أنه نسيان أو أنه حدث قبةل البعثةة وأنةه مةن الصةغائر أو‬
‫أنه من قبيل ترك األولى واألفضل(‪. )١٤٩‬‬

‫ومن هذه النصوص الموهمة‪:‬‬

‫أ‪ : -‬ما يتعلق بقصة سيدنا آدم عليه السالم‪:‬‬

‫قةةةةةال تعةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [طةةةه‪ .] ١ ١ :‬ولقةةةد وجةةةه‬

‫العلماء هذه المعصية المنسوبة إلى سيدنا آدم بتوجيهات عدة منها‪:‬‬

‫ينظــر‪ :‬أصــول الــدين اإلســالمي‪ ،‬د‪ .‬رشــدي محمــد عليــان و د‪ .‬قح ــان عبــد الــرحمن‪،‬‬ ‫(‪)141‬‬

‫دار النعمان بن ثابت ـ بيروت ـ لبنان‪. 256/2 : 2611 2 ،‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ -‬أنها صدرت منه (عليه الصالة والسةالم) عةن نسةيان ودون قصةد‬

‫وتعمةةد بةةدليل قولــــةةـه تعةةالى‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬

‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [طه‪.)١٢٠(]١١٢ :‬‬

‫‪ -‬أن سيدنا آدم (عليه الصالة والسالم) ظن أن النهي يخةص شةجرة‬


‫بعينهةةا ولةةم يك ةن يظةةن أن النهةةي شةةامل لكةةل جنسةةها فإنةةه أخطةةأ فةةي‬
‫االجتهاد(‪. )١٢١‬‬

‫‪ -‬إن ما حدث كان قبل النبوة بدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫‪ ،]١‬واالجتبةةةاء‪ :‬هةةةو اصةةةطفاء هللا تعةةةالى لةةةه‬ ‫ﯛ ﯜ ﭼ [طةةةه‪:‬‬

‫بالرسالة( ‪.)١٢‬‬

‫ب‪ :‬ما يتعلق بسيدنا إبراهيم (عليه السالم)‪:‬‬

‫ينظــر‪ :‬الفــت المبــين‪ ،‬ابــن حجــر الهيتمــي‪ ،‬احمــد شــهاب الــدين (ت‪247‬هـ ـ)‪ ،‬تحقيــق‪:‬‬ ‫(‪)150‬‬

‫احمد جاس محمد وآخرين‪ ،‬مكتبة المنهاج ـ جد ‪ : 2662 2 ،‬ص‪. 712‬‬


‫ينظر‪ :‬النبو واألنبياء‪ ،‬محمد علي الصـابوني‪ ،‬مكتبـة الغ ازلـي ـ دمشـق‪: 1275 2 ،‬‬ ‫(‪)151‬‬

‫ص‪. 05‬‬
‫ينظــر‪ :‬تنزي ـ األنبيــاء عمــا نســب إلــيه حثالــة األءبيــاء‪ ،‬للشــيخ علــي بــن احمــد الســبتي‬ ‫(‪)152‬‬

‫األمــوي (ابــن حميــر)(ت‪017‬ه ـ)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬محمــد رضـوان الدايــة‪ ،‬دار الفكــر المعاصــر ـ‬
‫بيروت‪ : 1226 1 ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪104‬‬
‫فقةةد وردت نصةةوص كريمةةة مةةن آيةةات قرآنيةةة وأحاديةةث نبويةةة‬
‫توحي بظاهرهةا عةدم عصةمة سةيدنا إبةراهيم (عليةه السةالم) واكتفةي‬

‫بةةنص واحةةد فةةي قولةةه تعةةالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ‬

‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [البقرة‪ .] ٦٠ :‬ويُفهم من ظاهر هذا النص أن‬

‫سيدنا إبراهيم (عليه السالم) كان شاكا ً في قدرة هللا تعالى على إحياء‬
‫الموتى‪ ،‬وهذا فهم غير سليم إذ كيف يصدر الشك في قدرة هللا تعالى‬
‫من قبله وهةو خليةل الةرحمن وهةو الةذي وضةع أسةس التوحيةد وبنةى‬
‫بيتةةه الحةةرام‪ ،‬ولةةذا فةةإن سةةؤاله هةةذا كةةان لةةه سةةببه الةةذي ال يتعةةارض‬
‫وعصمة األنبياء (عليهم السالم)(‪. )١٢٠‬‬

‫وعلى هذا سار كثير من العلماء إذ يبين (ابن حجر الهيتمي) أن‬

‫قول سيدنا إبراهيم (عليةه السةالم)‪ :‬ﭽ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢﭣ ﭼ أي‪ :‬بانضةةمام عةةين اليقةةين إلةةى علةةم اليقةةين‪ ،‬وبةةذلك يتبةةين أن‬

‫ينظــر‪ :‬الحجــاب فــي بيــان األســباب‪ ،‬لشــهاب الــدين أبــي الفضــل احمــد بــن علــي (ابــن‬ ‫(‪)153‬‬

‫ـ الــدما ‪1 ،‬‬ ‫حجــر العســقالني)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد الحكــي محمــد األنــيس‪ ،‬دار ابــن الجــوزي‬
‫‪. 014/1 : 1224‬‬

‫‪105‬‬
‫إيمان سيدنا إبراهيم (عليه السالم) على أكمل وجوه اإليمةان وانةه لةم‬
‫يخالطةةه أدنةةى وهةةم وأنةةه لةةيس غرضةةه مةةن سةةؤاله عةةن ذلةةك إال ذلةةك‬
‫العيان الذي هو أعلى مقامات العرفان(‪.)١٢٤‬‬

‫ثانيا ا ـ الذكورة ـ‬

‫الةةةذكورة‪ :‬صةةةفة لانبيةةةاء (علةةةيهم السةةةالم)‪ ،‬وهةةةي مةةةن مقتضةةةيات‬


‫النبوة‪ ..‬واستدل العلماء على ذلك بما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬قوله تعةالى‪ :‬ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝ ﮞ ﭼ [يوسف‪ ،]١٠٩ :‬فاآلية تدل على أن هللا تعالى مةا‬

‫بعث رسوال إلةى الخلةق مةن النسةاء‪ ،‬وال مةن المالئكةة وهةذا‬
‫ظاهر من سياق اآلية(‪.)١٢٢‬‬

‫‪ .2‬قولةةةةةةةةةه تعةةةةةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [األنعةةام‪ ،] ٩ :‬فمعنةةى اآليةةة كمةةا يبةةين‬

‫االمام اآللوسي رحمه هللا‪ :‬أنه لو جعلنا النذير الذي اقتةرحتم‬


‫إنزاله َملَ َكا لمثلنا ذلةك ال َملَةك رجةال لعةدم اسةتطاعتكم معاينةة‬

‫ينظر‪ :‬الفتاوى الحديثية ‪ :‬ص ‪. 142‬‬ ‫(‪)154‬‬

‫ينظر‪ :‬مفاتي الغيب ‪.75/22 ،26/26 ،176 /17 :‬‬ ‫(‪)155‬‬

‫‪106‬‬
‫الملةةك علةةةى هيكلةةةه األصةةةلي‪ ،‬وفةةي هةةةذه اآليةةةة إشةةةعار بةةةأن‬
‫الرسول ال يكون امرأة(‪.)١٢٦‬‬

‫ثالثا ا‪ :‬التبليغ‬

‫‪ :-0‬تعريف التبليغ لغة واصطالحا ا‪:‬‬

‫أ‪ :‬التبليغ لغة من ( َبلَ َغ) وهو الوصول إلى الشةيء‪ ،‬نقةول‪ :‬بلغةت إذا‬
‫وصلت إليه(‪.)١٢٥‬‬

‫ب‪ :‬التبليغ اصطالحا ً‪ :‬هو إيصةال األحكةام التةي أمةر الرسةل (علةيهم‬
‫الصالة والسالم) بتبليغها إلى المرسل إليهم إذ هم مأمورون بالتبليغ‪،‬‬

‫فقةةةال تعةةةالى‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ [النسةةةةةاء‪ ،]١٦٢ :‬وال يةةةةةتم التبشةةةةةير‬

‫واإلنذار إال بالتبليغ(‪.)١٢٣‬‬

‫‪ :-6‬أقسام البالغ‪:‬‬

‫ينظر‪ :‬روح المعاني‪.51 /7 ،‬‬ ‫(‪)156‬‬

‫ينظر‪ :‬معج مقاييس اللغة‪،‬ابو الحسين احمد بن فارس بن زكريا‪ ،‬تحقيـق‪ :‬عبـد السـال‬ ‫(‪)157‬‬

‫محمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪-‬بيروت ‪1222 ،‬ه‪. 261/1 : 1242-‬‬


‫ينظر‪ :‬شرح الخريد في عل التوحيد‪ ،‬ابو البركـات احمـد الـدردير‪ ،‬تعليـق ‪ :‬حسـين عبـد‬ ‫(‪)159‬‬

‫الرحي مكي ‪،‬دار ومكتبة الهالل ‪،‬‬


‫بيروت _ لبنان ‪ :‬ص ‪. 72‬‬

‫‪107‬‬
‫قسةةم العلمةةاء المةةوحى بةةه إلةةى رسةةل هللا تعةةالى علةةى ثالثةةة أقسةةام‬
‫وهي‪:‬‬

‫أ‪ -‬البالغ الواجب‪ :‬وهو ما أُمروا بتبليغه فلم يكتموا منه حرفا ً ويدل‬
‫على ذلك ما جاء في القرآن الكريم من اآليات الكثيرة والتي تبدأ‬
‫بكلمة " قل" وهو أمر موجه إلى النبي (عليه الصالة والسالم) بتبليغ‬
‫ما يوحى إليه بال زيادة أو نقصان(‪.)١٢٩‬‬

‫وهناك أدلة عدة تشير إلى أن األنبياء (عليهم الصةالة والسةالم) قةد‬
‫بلغوا ما أُمروا بتبليغه بال نقصان ومن هذه األدلة‪:‬‬

‫ـــ ما جاء عن السيدة عائشة الطهر (رضةي هللا عنهةا وعةن أبيهةا)‬
‫أنها قالت‪ ":‬ولو كان محمداً(‪ )‬كاتما ً شيئا ً مما أنزل عليةه لكةتم هةذه‬

‫اآليةةةةةةةةةةةةةةةة‪ :‬ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬

‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀﮁ‬

‫ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ينظر‪ :‬حاشية البيجوري المسم ‪ :‬تحفة المريد عل جـوهر التوحيـد ‪ ،‬ابـراهي بـن محمـد‬ ‫(‪)151‬‬

‫بــن احمــد الشــافعي البيجــوري ت(‪)1244‬ه‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد اهلل محمــد الخليلــي‪ ،‬دار الكتــب‬
‫االول (‪1722‬ه‪ : ) 2661-‬ص ‪.262‬‬ ‫العلمية ‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬‬

‫‪109‬‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ‬

‫[األحزاب‪.)١٦٠(]٠٥ :‬‬

‫ب‪ -‬الاابالغ االختياااري‪ :‬وهةةو مةةا ُخ ايةةر فيةةه األنبيةةاء (علةةيهم الصةةالة‬
‫والسةةالم) بةةين التبليةةغ وعدمةةه فبلغةةوا بعضةةه وكتمةةوا الةةبعض اآلخةةر‬
‫بحسب ما تقتضيه أهلية المبلغ(‪.)١٦١‬‬

‫ولهةةذا القسةةةم دالئةةل وردت فةةةي الشةةةريعة اإلسةةالمية ومنهةةةا مةةةا‬


‫اختص سيدنا رسو ُل هللا(‪ )‬الصحابي معةاذ(رضةي هللا عنةه) حينمةا‬
‫سةةأله رسةةول هللا(‪ )‬بقولةةه‪ " :‬يةةا معةةاذ هةةل تةةدري مةةا حةةق هللا علةةى‬
‫عباده وما حق العباد على هللا؟" فقال معاذ‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬‬
‫فإن حق هللا على عباده أن يعبدوه وال يشركوا به شةيئاً‪ ،‬وحةق العبةاد‬
‫على هللا أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا ً"‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬يا رسول هللا‬
‫أفال أُبش ُر به الناس؟ قال‪ " :‬ال تبشرهم فيتكلوا"( ‪.)١٦‬‬

‫(‪: )0277‬‬ ‫أخرجـ البخــاري‪ ،‬كتــاب التوحيـد‪ ،‬بــاب‪ :‬و كــان عرشـ علـ المــاء"‪ ،‬حــدي‬ ‫(‪)160‬‬

‫‪ ،2022/0‬ومسـل ‪ ،‬كتــاب اإليمــان‪ ،‬بــاب معنـ قـول اهلل عــز وجــل‪ ( :‬ولقــد رآ نزلــة أخــرى)‪،‬‬
‫(‪. 152/1 : )144‬‬ ‫حدي‬
‫ينظــر‪ :‬تحفــة المريــد‪ ،‬اب ـراهي بــن محمــد بــن احمــد الشــافعي البيجــوري‪ ،‬ت (‪)1244‬ه‪،‬‬ ‫(‪)161‬‬

‫االول ـ (‪1722‬ه‪-‬‬ ‫تحقيــق‪ :‬عبــد اهلل محمــد الخليلــي‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بيــروت لبنــان‪،‬‬
‫‪. 262 : ) 2661‬‬
‫(‪،1672/2 ،)2461‬‬ ‫أخرج البخاري‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب اسـ الفـرس‪ ،‬حـدي‬ ‫(‪)162‬‬

‫ومسل ‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب الدليل عل ان من مات عل التوحيد دخـل الجنـة ق عـحا‪ ،‬حـدي‬
‫(‪. 57/1 ،)26‬‬

‫‪101‬‬
‫االسئلة‬

‫س‪ /١‬عةةرف العصةةمة لغةةة واصةةطالحا واذكةةر مةةذاهب العلمةةاء فةةي‬


‫عصمة الرسل واألنبياء عليهم السالم بصورة مختصرة‪.‬‬

‫س ‪ /‬فصل القول في بيان عصمة األنبياء عليهم السالم قبل الرسالة‬


‫وبعدها‪.‬‬

‫س‪ /٠‬تكلم على بعض النصوص الموهمة بما يخةرم عصةمة الرسةل‬
‫واألنبياء عليهم السالم‪.‬‬

‫س‪ /٤‬الةذكورة مةن الصةفات الواجبةة للرسةل واألنبيةاء علةيهم السةالم‬


‫وضح ذلك‪.‬‬

‫س‪ /٢‬تكلةةم علةةى صةةفة التبليةةغ ووجوبهةةا فةةي حةةق الرسةةل واألنبيةةاء‬
‫عليهم السالم باألدلة النقلية والعقلية‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫رابعا ا‪ :‬الصدق‬

‫أوال‪ :‬تعريف الصدق ا‬


‫لغة واصطالحا ا‪:‬‬

‫صةدَ َق فةي الحةديث َيصت ة ُد ُق‬ ‫‪ : -١‬الصدق ً‬


‫لغةة‪ :‬ضةد الكةذب‪ ،‬وقةد َ‬
‫صِ ةةدقاً‪ ،‬ويقةةال أيضةا ً‪َ :‬‬
‫صةةدَ َق ُه الحةةديث‪ ،‬وتصةةادقا فةةي الحةةديث‬
‫وفي المودة‪ ،‬وهو أيضا ً الذي ُيصِّدق قولَه بالعمل(‪.)١٦٠‬‬

‫ثانيا ا‪ :‬األدلة النقلياة والعقلياة علاى صادق األنبيااء (علايهم الصاالة‬


‫والسالم)‪.‬‬

‫ولقد استدل العلماء على صدق األنبياء والمرسلين (عليهم الصالة‬


‫والسالم) بأدلة عدة‪ ،‬نقلية وعقلية وكما يأتي‪:‬‬

‫‪ -0‬األدلة النقلية‪:‬‬

‫قولةةةةةه تعةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ [يونس‪.]٠٥ :‬‬

‫فهةةذا نفةةي لقةةول مةةن قةةال مةةن قةةريش‪ ":‬إن محمةةداً يفتةةري القةةرآن‬
‫وينسةةبه إلةةى هللا تعةةالى"‪ ،‬وهةةو تشةةنيع لقةةولهم وإعظةةام لامةةر‪ ،‬فةةإن‬
‫القةرآن الكةةريم هةو المعجةةزة الباقيةة الخالةةدة الدالةة علةةى صةدق النبةةي‬
‫(‪ ،)‬وهو كالم هللا قطعا ً ‪ ،‬وإعجةازه وتحةدي العةرب بةه دليةل علةى‬

‫ينظر‪ :‬العين ‪ ،50/5 :‬ولسان العرب ‪ ،122/16 :‬ومختار الصحاح ‪ :‬ص‪. 212‬‬ ‫(‪)163‬‬

‫‪111‬‬
‫ذلك‪ .‬فمعنى اآلية‪ :‬ما من شأن القرآن أن يُختلق ويُصاغ من غير هللا‬
‫تعالى ألن تميزه بأرقى درجات البالغة والفصاحة وأحكةام تشةريعية‬
‫وأخباره من المغيبات وإعجازه العلمي‪ ،‬كل ذلةك برهةان قةاطع علةى‬
‫أن القرآن من هللا تعالى جاء به النبةي (‪ )‬الةذي لةم يُعةرف عنةه أنةه‬
‫كذب على بشر قط فكيف يُعقل أن يكذب على هللا تعالى؟(‪.)١٦٤‬‬

‫‪ :-6‬األدلة العقلية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إن هللا تعالى إذا اصطفى إنسانا ً بالوحي إليه وكلفه بتبليةغ رسةالته‬
‫للناس وزوده بالمعجزة التي تةدل علةى صةدقه وبأنةه رسةول هللا حقةا ً‬
‫ومبلغ عنه‪ ،‬فهل يمكن أن يقبل العقةل أن يكةون قةد اصةطفى لرسةالته‬
‫من يكذب عليه بتبليغ أشياء مخالفة لما أمره بتبليغه‪ ،‬فيحةرف فيةه أو‬
‫يبدل؟ وهل يمكن أن يقبل العقل أنه لو كذب هةذا الرسةول علةى ربةه‬
‫قبل تأييده بالمعجزة أن يجري هللا تعالى بعد ذلك هذه المعجةزة علةى‬
‫يديه ويشهد له بالصدق؟ وهل يُعقل أن يتركه هللا تعالى بعد أن كةذب‬
‫هذا الرسول من غير أن يفضح أمره ويبين كذبه؟‬

‫ب‪ -‬علةى فرضةية أنهةم كةذبوا وعةرف النةاس مةنهم ذلةك فنتيجةة ذلةك‬
‫انتفاء فائدة الرسالة‪.‬‬

‫ينظــر‪ :‬التفســير الوســي ‪ ،‬د‪ .‬وهبــة بــن مص ـ ف الزحيل ـي‪ ،‬دار الفكــر ـ دمشــق‪،1 ،‬‬ ‫(‪)164‬‬

‫‪1722‬هـ ‪.242/2 :‬‬

‫‪112‬‬
‫ج ‪ -‬إن الكذب معصةية وهةم معصةومون عنهةا فةإنهم إذا لةم يصةدقوا‬
‫للزم الكذب في كالمه تعالى(‪.)١٦٢‬‬

‫خامسا ا‪ :‬السالمة من النقائص والمنفرات‬

‫ومعنى ذلةك أن يكةون النبةي (عليةه الصةالة والسةالم) سةالما ً مةن‬


‫العيةةوب المنفةةرة كةةالبرص والجةةذام ومةةن قلةةة المةةروءة كاألكةةل علةةى‬
‫الطريةق ودنةةاءة الصةناعة كالحجامةةة وكةةل مةا يخةةل بحكةم البعثةةة مةةن‬
‫إداء الشرائع وقبول األمة ‪ ،‬وذلك ألن النبوة أشةرف مناصةب الخلةق‬
‫مقتضية لغاية اإلجةالل الالئةق بةالمخلوق فيعتبةر لهةا انتفةاء مةا ينةافي‬
‫ذلك(‪.)١٦٦‬‬

‫وقد اختص األنبياء (عليهم الصالة والسالم) بهذه الصةفة ألنةه ال‬
‫يمكةةةن أن تكةةةون فةةةيهم عيةةةوب َخلقيةةةة أو ُخلقيةةةة تنفةةةر النةةةاس عةةةنهم‬
‫واالجتمةةاع بهةةةم أو اتبةةةاعهم والسةةماع لةةةدعوتهم‪ ،‬كمةةةا إن األمةةةراض‬
‫المنفرة كالبرص والجذام وغيرها مةن التشةويه الجسةدي ال يمكةن أن‬
‫يكون في أحد من األنبيةاء علةيهم السةالم فةإنهم وإن كةانوا مةن البشةر‬
‫تصيبهم العوارض التي تصيب البشر إال أن هللا تعالى قد صانهم من‬

‫ينظــر‪ :‬لوام ـ األن ـوار البهيــة ‪ ،264/2 :‬والعقيــد اإلســالمية وأسســها‪ ،276 :‬وأصــول‬ ‫(‪)165‬‬

‫الــدين اإلســالمي‪ ،‬د‪ .‬رشــدي عليــان و د‪ .‬قح ــان الــدوري ‪ ،275 :‬وشــرح النســفية‪ ،‬د‪ .‬عبــد‬
‫الملك السعدي‪ ،‬دار األنبار‪1726 ،2 ،‬هـ ‪. 105 :‬‬
‫ينظـ ــر‪ :‬شـ ــرح المقاصـ ــد ‪ ،214/2 :‬والمسـ ــامر شـ ــرح المسـ ــاير ‪ :‬ص ‪ ،125‬والعقيـ ــد‬ ‫(‪)166‬‬

‫اإلسالمية وم اهبها‪ ،‬د‪ .‬قح ان الدوري ‪ :‬ص ‪. 744‬‬

‫‪113‬‬
‫العيوب المنفرة وسلمهم من كل األمراض الشائنة التي تجعل النفوس‬
‫تنفر عنهم(‪.)١٦٥‬‬

‫سادسا ا‪ :‬الفطانـــــــة‬

‫‪ : -0‬تعريف الفطانة ا‬
‫لغة واصطالحا ا‪:‬‬
‫أ‪ : -‬الفطنة ا‬
‫لغة‪ :‬كالفهم‪ ،‬تقول‪ :‬فطن للشيء يفطنُ ف ً‬
‫ِطنةة‪ ،‬وهةي‬
‫ضد الغباوة‪ ،‬ورجل َفطِ ن‪ ،‬بيان الفطنة ‪ ،‬وقد فطن لهةذا األمةر‬
‫يفطن فطنة(‪.)١٦٣‬‬
‫ب‪ : -‬الفطنااة اصااطالحا ا‪ :‬سةةرعة إدراك مةةا يةةراد تعريضةةه علةةى‬
‫السةةةةامع وهةةةةي التةةةةيقظ إللةةةةزام الخصةةةةوم وإبطةةةةال دعةةةةاويهم‬
‫الباطلةة(‪ . )١٦٩‬والفطنةةة صةةفة الزمةةة لانبيةةاء (علةةيهم الصةةالة‬
‫والسالم) لما يقتضةيه اختصةاص النبةوة بإشةرف أفةراد النةوع‬
‫اإلنساني من كمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ولو في‬
‫حةةال الصةةبا كعيسةةى ويحيةةى (عليهمةةا السةةالم)(‪ . )١٥٠‬وبهةةذه‬
‫عرف الرسو ُل ما يُلقى إليه مةن الةوحي وبهةا يسةتطيع‬ ‫الصفة َي ِ‬
‫أن يحفظ ة ُه وال ينسةةاه‪ ،‬وبهةةا يسةةتطيع بعةةد ذلةةك أن يبلغةةه كمةةا‬
‫أُوحةةي إليةةه وبهةةا يسةةتطيع بعةةد ذلةةك أن يعةةالج أمتةةه بالتربيةةة‬
‫الحكيمة والقيادة السليمة على وفق أطباعهم وأخالقهم‪ ،‬ولذلك‬

‫ينظر‪ :‬لوام األنوار البهية ‪ ،204/2 :‬والنبو واألنبياء‪ ،‬للصابوني ‪ :‬ص ‪. 56‬‬ ‫(‪)167‬‬

‫ينظر‪ :‬مختار الصحاح ‪ :‬ص ‪ ،227‬ولسان العرب ‪. 222/12 :‬‬ ‫(‪)169‬‬

‫ينظر‪ :‬المواق ‪ ،‬لإليجي ‪ ،212/2 :‬وتحفة المريد‪ ،‬للبيجوري ‪ :‬ص ‪. 120‬‬ ‫(‪)161‬‬

‫ينظر‪ :‬لوام األنوار البهية ‪. 204/2 :‬‬ ‫(‪)170‬‬

‫‪114‬‬
‫فإن هللا تعالى ال يصطفي لرسالته إال من يتمتع بصفة الفطانة‬
‫التامةةة والعقةةل الةةراجح‪ ،‬فلةةو كةةان الرسةةول ناقص ةا ً فةةي عقلةةه‬
‫وفطنته مع تكليفه بالرسالة لكان ذلك متنافيا ً مع مبدأ الرسالة‪،‬‬
‫إذ هي أعفت ناقص العقل عن التكليف‪ ،‬فكيف يكون الرسول‬
‫(‪)١٥١‬‬
‫مكلفا ً بإداء الرسالة؟‬

‫‪ :-6‬أدلة الفطانة ورد الشبهات‪:‬‬

‫أ‪ :-‬األدلة النقلية‪:‬‬

‫ويشهد لفطانة الرسل (عليهم الصالة والسالم) آيات كثيرة من القرآن‬


‫الكريم ومنها‪:‬‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ [النحةةل‪ ،]١ ٢ :‬فالمجةةادل يحتةةاج إلةةى نباهةةة زائةةةدة‬

‫وفطانة كبيرة حتى يستطيع بها أن يعرا ف مجادليه بالحق ويقبض في‬
‫جدالهم على مغةامز الشةبهات مةنهم‪ ،‬ثةم يقةنعهم بةأقرب طريةق وألةين‬
‫حوار( ‪.)١٥‬‬

‫ينظر‪ :‬العقيد اإلسالمية وأسسـها‪ ،‬د‪ .‬عبـد الـرحمن حبنكـة ‪ :‬ص ‪ ،227‬شـرح النسـفية‪،‬‬ ‫(‪)171‬‬

‫د‪ .‬عبد الملك السعدي ‪ :‬ص ‪. 100‬‬


‫ينظر‪ :‬العقيد اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن حبنكة ‪. 225 :‬‬ ‫(‪)172‬‬

‫‪115‬‬
‫ب‪ :-‬األدلة العقلية‪:‬‬

‫ومةةةةن األدلةةةةة العقليةةةةة علةةةةى وجةةةةوب صةةةةفة الفطانةةةةة لانبيةةةةاء‬


‫والمرسلــــــــــــين (عليهم الصالة والسالم) ما يأتي‪:‬‬

‫ــــ أن منصبه يقتضةي أن يكةون سةائس الجميةع و مةرجعهم فةي حةل‬


‫المشةةةكالت(‪ )١٥٠‬فالبةةةد مةةةن أن يكةةةون علةةةى أعلةةةى درجةةةات الفطنةةةة‬
‫والذكاء‪.‬‬

‫ــــ ألنهم أرسلوا إللزام الخصوم وإبطال دعاويهم الباطلة‪ ،‬وال يكون‬
‫ذلك من أبله أو مغفل(‪.)١٥٤‬‬

‫ــــ ألننا مأمورون باالقتداء بهم في األقوال واألفعال والمقتد بةه ال‬
‫يكون بليداً (‪.)١٥٢‬‬

‫ـــةةـ أن الةةبالدة وعةةدم الفطنةةة همةةا أعةةراض بشةةرية مؤديةةة للةةنقص‬


‫فيستحيل أن يكون الرسول بليداً غير فطن(‪.)١٥٦‬‬

‫ينظر‪ :‬المسامر بشرح المساير ‪ :‬ص ‪. 127‬‬ ‫(‪)173‬‬

‫ينظر‪ :‬تحفة المريد‪ ،‬للبيجوري ‪ :‬ص ‪. 120‬‬ ‫(‪)174‬‬

‫ينظر‪ :‬العقيد اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬قح ان الدوري ‪ :‬ص ‪. 745‬‬ ‫(‪)175‬‬

‫ينظر‪ :‬حاشية الدسوقي عل أ البراهين ‪ :‬ص ‪. 147‬‬ ‫(‪)176‬‬

‫‪116‬‬
‫االسئلة‬

‫س‪ :١‬يعد الصدق من صفات األنبياء الواجبة تكلم عن ذلك‪.‬‬

‫س ‪ :‬سةةالمة الرسةةل واألنبيةةاء مةةن المنفةةرات صةةفة واجبةةة لانبيةةاء‬


‫والرسل فصل القول في ذلك‪.‬‬

‫س‪ :٠‬عرف الفطانة لغة واصةطالحا واذكةر الةدالئل النقليةة والعقليةة‬


‫على وجوب اتصاف الرسل واألنبياء بها‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫الجائز في حق األنبياء والرسل عليهم الصالة السالم‬

‫بشرية األنبياء والمرسلين عليهم الصالة السالم‬

‫أوالا‪ :‬إثبات البشرية لألنبياء والمرسلين (عليهم الصالة والسالم)‪.‬‬

‫ال تخفى الحكمة العظيمة فةي أن الرسةل مةن البشةر بحيةث تجتمةع‬
‫فيهم صفات اإلنس وغرائزهم ليكون في دعوتهم وأفعالهم وأخالقهةم‬
‫حجة على المرسل إليهم وليؤكدوا على استطاعة البشر تطبيق أوامر‬
‫هللا تعالى واجتناب نواهيه ولو كان الرسل (علةيهم الصةالة والسةالم)‬
‫من جةنس المالئكةة لمةا اسةتطاع البشةر أن يأخةذوا عةنهم أو يجتمعةوا‬
‫بهم ولكان للناس حجة في عدم االتباع وهو أن يقولوا‪ :‬هةؤالء الةذين‬
‫بعثهم هللا تعالى إلينةا وأُمرنةا بإتبةاعهم ليسةوا مةن جنسةنا إنمةا هةم مةن‬
‫جةةنس المالئكةةة وطبيعتنةةا تختلةةف عةةن طبيعةةتهم فهةةم أسةةمى منةةا ُخلقةا ً‬
‫وأطهر منا عمالً‪ ،‬وأكةرم مقامةا ً فةإنهم ال يةأكلون وال يشةربون ولةيس‬
‫لهم ميل إلى المعصية ألنهم عباد مكرمون(‪.)١٥٥‬‬

‫وقد عد أعداء األنبياء (عليهم الصالة والسالم) أن صفة البشةرية‬


‫منافية لكونهم رسالً‪ ،‬ولكن الرسل كانوا يردون عليهم بأظهر الردود‬

‫المقنعةةة‪ ،‬فيقولةةون لهةةم كمةةا حكةةى القةةرآن الكةةريم عةةنهم‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ‬

‫ينظ ــر‪ :‬النب ــو واألنبي ــاء‪ ،‬للص ــابوني ‪ :‬ص ‪ ،21‬والعقي ــد اإلس ــالمية‪ ،‬د‪ .‬عب ــد ال ــرحمن‬ ‫(‪)177‬‬

‫حبنكة ‪ :‬ص ‪. 277‬‬

‫‪119‬‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬

‫ﭯ ﭼ [إبراهيم‪.]١١ :‬‬

‫ومن حكمة هللا تعالى في هذه الصةفة مةا ورد فةي قولةه تعةالى‪ :‬ﭽ‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [األنعام‪:‬‬

‫‪ ،]٣‬فأخبر سبحانه عن المانع الذي يمنع من إنزال الملك عيانا ً بحيث‬


‫يشاهدونه‪ ،‬فإن حكمته تعالى وعنايته بخلقه منعت مةن ذلةك‪ ،‬فإنةه لةو‬
‫أنزل الملك ثم عاينوه ولم يؤمنوا به لعوجلوا بالعقوبةة ولةم يُنظةروا ‪،‬‬
‫وأيضا ً فإنه لو جعله ملكا ً فإما أن َيدَ َع ُه على هيئة المالئكةة أو يجعلةه‬
‫علةةى هيئةةة البشةةر‪ ،‬واألول يمةةنعهم مةةن التلقةةي‪ ،‬والثةةاني ال يحصةةل‬
‫مقصودهم إذ كانوا يقولون‪ :‬هو بشر ال ملك(‪. )١٥٣‬‬

‫ثانيا ا‪ :‬العوارض البشرية التي تصيب األنبياء والمرسلين (عليهم‬


‫الصالة والسالم)‪.‬‬

‫ينظـر‪ :‬شـفاء العليـل فــي مسـائل القضـاء والقــدر والحكمـة والتعليـل‪ ،‬محمــد بـن أبـي بكــر‬ ‫(‪)179‬‬

‫بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن القي الجوزية (ت‪451‬ه ـ)‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمـد بـدر الـدين أبـو‬
‫فراس الحلبي‪ ،‬دار الفكر ـ بيروت‪1227 ،‬هـ‪ ،120/1 ،‬وينظر‪ :‬شرح النسفية‪ ،‬د‪ .‬عبـد الملـك‬
‫السعدي ‪ :‬ص‪. 106‬‬

‫‪111‬‬
‫بعد أن تعرفنا أن أنبيةاء هللا تعةالى مةن جةنس البشةر فةال بةد مةن أن‬
‫يطرأ عليهم ما يطرأ على باقي البشةر مةن العةوارض والتةي ال تخةل‬
‫بمنصبهم وال تحط من قدرهم وعلو منزلتهم وعظةيم كةرامتهم‪ ،‬ومةن‬
‫أهم هذه العوارض ما يأتي‪:‬‬

‫‪ )١‬النةةوم‪ :‬وهةةو مةةن العةةوارض البشةةرية الجةةائزة فةةي حةةق األنبيةةاء و‬


‫المرسةةلين (علةةيهم الصةةالة والسةةالم)‪ ،‬وتؤكةةد ذلةةك النصةةوص الثابتةةة‬
‫والةةواردة فةةي القةةرآن الكةةريم والسةةنة النبويةةة المطهةةرة‪ ،‬ومةةن هةةذه‬

‫النصةةةةةةوص‪ :‬قولةةةةةةه تعةةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ [األنفةةةةال‪ ،]٤٠ :‬يبةةةةين‬

‫اإلمةةةام اآللوسةةةي‪ :‬أن النبةةةي (‪ )‬قةةةد أُري مةةةا أري فةةةي النةةةوم وإن‬
‫الروايات في ذلك كثيرة مشهورة ال يعارضها شيء(‪.)١٥٩‬‬

‫ةةزن الرجةةةل فهةةةو حةةةزن‬


‫وحة ِ‬
‫) الحةةةزن‪ :‬وهةةةو خةةةالف السةةةرور َ‬
‫وحزين(‪.)١٣٠‬‬

‫وقد جاءت آيات عدة تشير إلى أن النبي (‪ )‬كان يعتريه بعةض‬

‫الحزن كقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﭼ [يس‪ ،]٥٦ :‬ويذكر اإلمةام اآللوسةي أن المةراد مةن اآليةة نهيةه (‪)‬‬

‫ينظر‪ :‬روح المعاني ‪. 122/16 :‬‬ ‫(‪)171‬‬

‫ينظر‪ :‬الصحاح‪ ،‬للجوهري ‪ ،240/0 :‬ومختار الصحاح‪ ،‬للرازي ‪ :‬ص ‪. 72‬‬ ‫(‪)190‬‬

‫‪120‬‬
‫عةةن التةةأثر مةةن الحةةزن‪ ،‬فيكةةون المعنةةى‪ :‬أنةةه إذا كةةان هةةذا حةةالهم مةةع‬
‫ربهم فال تحزن بسبب قولهم على هللا تعالى وعليك ما ال يليق بشةأنه‬
‫تعالى وشأنك‪ ،‬وهذا من باب التسلية له (‪ )‬وليس في ذلةك مةا يخةل‬
‫بمرتبة النبوة(‪.)١٣١‬‬

‫‪ )٠‬الغضةةب‪ :‬وهةةو أيضةةا ً ممةةا يعتةةري األنبيةةاء والمرسةةلين (علةةيهم‬

‫الصالة والسالم) وقد ذكةر القةرآن الكةريم ذلةك كقولةه تعةالى‪ :‬ﭽ ﭑ‬

‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬

‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [األعراف‪.]١٢٠ :‬‬

‫‪ )٤‬السهو والنسيان‪:‬‬

‫السةةةهو‪ :‬هةةةو الغفلةةةة والةةةذهول عةةةن الشةةةئ‪ ،‬يقةةةال‪ :‬افعةةةل ذلةةةك سةةةهوا‬
‫وعفوا‪)١٣ (.‬‬

‫أما النسيان‪ :‬فهةو الغفلةة عةن معلةوم فةي غيةر حالةة السةنة(‪ ،)١٣٠‬وقةد‬
‫جاءت النصوص مؤكدة إضافتها لانبياء والمرسلين (عليهم الصةالة‬

‫والسالم) وذلك مثل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬

‫(‪ )191‬ينظر‪ :‬روح المعاني ‪ 714/22 :‬و ‪. 217/11‬‬


‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬المعجم الوسيط ‪151/1 :‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ ::‬التعريفات للجرجاني ‪ :‬ص ‪301‬‬
‫‪121‬‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ [الكهةف‪ ،] ٤ :‬وقولةةه (صةةلى هللا عليةةه‬

‫وسلم) عند سهوه في الصالة‪ " :‬إنما أنا بشةر أنسةى كمةا تنسةون فةإذا‬
‫نسيت فذكروني"(‪.)١٣٤‬‬

‫وقد فرق العلمةاء بةين السةهو والنسةيان فةي حةق األنبيةاء (علةيهم‬
‫الصةةالة والسةةالم) فةةإن السةةهو ممتنةةع علةةيهم فةةي األخبةةار البالغيةةة‬
‫كقةةولهم‪ :‬الجنةةة أعةةدت للمتقةةين‪ ،‬وغيةةر البالغيةةة كقةةام زيةةد ‪ ،‬وجةةائز‬
‫علةةيهم فةةي األفعةةال البالغيةةة وغيرهةةا كالسةةهو فةةي الصةةالة ‪ ،‬وأمةةةا‬
‫النسةيان فهةو ممتنةةع فةي البالغيةةات قبةل تبليغهةا قوليةةة كانةت‪ ،‬كالجنةةة‬
‫أعدت للمتقين أو فعلية كصالة الضحى‪ ،‬إذا أمةرهم هللا تعةالى بفعلهةا‬
‫ليُقتةةد بهةةم فيهةةا فيجةةوز نسةةيان مةةا ذكةةر مةةن هللا تعةةالى‪ ،‬وأمةةا نسةةيان‬
‫الشةةيطان فمسةةتحيل علةةيهم(‪ .)١٣٢‬وفةةي ذلةةك يةةذكر اإلمةةام اآللوسةةي أن‬
‫النسةةيان الةةذي يكةةون منشةةؤه اشةةتغال السةةر بالوسةةاوس والخطةةرات‬
‫الشيطانية فةإن ذلةك ممةا ال يرتةاب مةؤمن فةي اسةتحالته علةى رسةول‬
‫هللا(‪ ،)‬أما في أحكام الشرع فجائز ولكن ال ُي َقرُّ عليه بةل يُعلِمُةه هللا‬
‫تعالى به(‪.)١٣٦‬‬

‫(‪،150/1 : )222‬‬ ‫أخرج ـ البخــاري‪ ،‬كتــاب الصــال ‪ ،‬بــاب التوج ـ نحــو القبلــة‪ ،‬حــدي‬ ‫(‪)194‬‬

‫ومســل ‪ ،‬كتــاب المســاجد ومواض ـ الصــال ‪ ،‬بــاب الســهو فــي الصــال والســجود ل ـ ‪ ،‬حــدي‬
‫(‪. 766/1 : )542‬‬
‫ينظر‪ :‬تحفة المريد‪ ،‬للبيجوري ‪ :‬ص ‪. 122‬‬ ‫(‪)195‬‬

‫ينظر‪ :‬روح المعاني ‪. 227/7 :‬‬ ‫(‪)196‬‬

‫‪122‬‬
‫االسئلة‬

‫س‪ :١‬أثبت باألدلة بشرية الرسل واألنبياء وثمرة ذلك‪.‬‬

‫س ‪ :‬ما فوائد وثمرات وقوع األعراض البشرية بالرسل واالنبياء‪.‬‬

‫س‪ :٠‬ما أهم العوارض البشرية التي وقعةت للرسةل واألنبيةاء فصةل‬
‫القول فيها‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫المطلب الثالث‬

‫ما يستحيل في حق األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم‬


‫السالم‬

‫ويستحيل عقالً في حق الرسل عليهم الصالة والسالم أضداد‬


‫الصفات الواجبة لهم عليهم الصالة والسالم وهي‪:‬‬

‫األولى‪ :‬الكذب‪ :‬وهو ضد الصدق وهو عدم المطابقة للواقع قوالً أو‬
‫فعالً أو اعتقاداً فيستحيل صدور الكذب عن األنبياء ( عليهم الصالة‬
‫والسالم ) على سبيل العمد كما أجمع أهل الملل والشرائع كلها‪،‬‬
‫ويستحيل صدوره على سبيل السهو والنسيان عند أكثر األئمة‬
‫األعالم‪ ،‬وهو المعتمد على ما أفاده المحققون(‪.)١٣٥‬‬

‫والثانية‪ :‬الخيانة‪ :‬وهي ضد األمانة‪ ،‬ومعناها‪ :‬عدم المحافظة على‬


‫أوامر هللا تعالى ونواهيه القطعية والظنية‪ ،‬كالربا‪ ،‬والزنا‪ ،‬وشرب‬
‫الخمر‪ ،‬وقتل النفس المحرمة ونحو ذلك‪ ،‬أو نهي عنه نهي كراهة‬
‫تحريمية‪ ،‬إن ورد فيها نهي من الشارع كااللتفات بالوجه في‬
‫الصالة‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إياك وااللتفات في الصالة فإن‬
‫االلتفات في الصالة هلكة(‪ ،)))١٣٣‬أو تنزيهية إن لم يرد فيها نهي‪،‬‬

‫(‪.)١٣٥‬ينظر‪ :‬اصول الدين االسالمي ‪،‬للعليان والدوري(ص‪.) ٤٢‬‬


‫(‪ )١٣٣‬الحديث أخرجه الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ :‬قال لي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم(( يا بني إياك وااللتفات في الصالة فإن االلتفات في‬
‫الصالة هلكة فإن كان ال بد ففي التطوع ال في الفريضة ))ينظر‪ :‬سنن الترمذي (أبواب‬
‫السفر‪ ،‬باب ماذكر في االلتفات في الصالة‪ ٥ ٩ / ١ ،‬برقم ‪.)٢٣٩‬‬

‫‪124‬‬
‫وإنما اقتضت ترك سنة كترك التسبيحات في الركوع والسجود(‪،)١٣٩‬‬
‫ولم يرد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه فعل شيئا ً من ذلك إال أن‬
‫المكروه تنزيها ً ربما فعله صلى هللا عليه وسلم تعليما ً للجواز كشرب‬
‫الماء قائما(‪ )١٩٠‬ونحوه‪.‬‬

‫(‪ )١٣٩‬ترك التسبيح في الركوع والسجود اصال أو نقصه عن الثالثة مكروه كراهة تنزيهة‬
‫عند االحناف‪ ،‬قال االمام زين الدين ابن نجيم الحنفي في كتابه البحر الرائق " فالمراد من‬
‫الكراهة في قولهم لو ترك التسبيحات اصال أو نقص عن الثالث فهو مكروه كراهة التنزيه؛‬
‫النها في مقابلة المستحب " ا‪،‬هـ‪ ،‬وهذا مما يؤكد على تمسك االمام النابلسي – رحمه هللا‬
‫تعالى – بالمذهب الحنفي واعتماده عليه في استدالالته ‪،‬اما عند الشافعية فقال الدمياطي‬
‫صاحب اعانة الطالبين " واألقرب أنه إن ترك بعض التسبيح حصل له أصل سنتها وإن‬
‫ترك الكل وقعت له نفال مطلقا " ا‪،‬هـ ؛ واما حكم تركها عند االمام احمد فقوله ‪ " :‬إذا عمد‬
‫لشيء من تركها أعاد الصالة وإن كان ساهيا فأرجو "‪ .‬ينظر‪ :‬مسائل اإلمام أحمد بن حنبل‬
‫رواية ابن أبي الفضل صالح [‪ ٠٠‬هـ ‪ ٦٦ -‬هـ] ‪ ،‬أبو عبد هللا أحمد بن محمد بن حنبل بن‬
‫هالل بن أسد الشيباني (ت‪ ٤١ :‬هـ)‪،‬الدار العلمية‪ ،‬الهند (د‪،‬ط)(د‪،‬ت) ( ‪ ،)١٠١ /‬البحر‬
‫الرائق شرح كنز الدقائق ‪ ،‬زين الدين‪ ،‬المعروف بابن نجيم المصري (ت‪٩٥٠ :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتاب اإلسالمي‪ ،‬ط (د‪،‬ت) (‪ ،)٠٠٠ /١‬اعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (هو‬
‫حاشية على فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين)‪ ،‬أبو بكر (المشهور بالبكري)‬
‫الدمياطي (ت‪ :‬بعد ‪١٠٠‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط‪ ١٤١٣ (،١‬هـ ) (‪. )٠٠١ / ١‬‬
‫(‪ )١٩٠‬صح عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه نهى عن الشرب قائما‪ ،‬وصح عنه انه أمر‬
‫الذي شرب قائما ان يستقيء‪ ،‬وصح عنه انه شرب قائما‪ ،‬والمقصود من الشرب قائما عند‬
‫الفقهاء هو لتعلم الجواز كما قال النابلسي ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬وال بأس ان نوضح رأي كل‬
‫مذهب من المذاهب في المسألة ‪ ،‬أما رأي األحناف في الشرب قائما فعدم الكراهة ال دخوله‬
‫تحت االستحباب ‪،‬أما عند الشافعية فعندهم الشرب قائما بال عذر خالف االولى‪ ،‬وصوبه‬
‫االمام النووي وحمله على كراهة التنزيه‪ ،‬وعند المالكية ال بأس بالشرب قائما‪ ،‬وعند‬
‫الحنابلة ال يكره الشرب قائما على الصحيح من المذهب ‪.‬ينظر‪ :‬اإلنصاف في معرفة‬
‫الراجح من الخالف‪ ،‬علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الحنبلي (ت‪٣٣٢ :‬هـ)‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬ط (د‪،‬ت) (‪ .)٠٠٠ / ٣‬أسنى المطالب في شرح روض الطالب ‪،‬زكريا بن‬
‫محمد األنصاري‪ ،‬زين الدين أبو يحيى السنيكي (ت‪٩ ٦ :‬هـ) دار الكتاب اإلسالمي (د‪،‬ط)‬
‫(د‪،‬ت)(‪ ،) ٣ / ٠‬رد المحتار على الدر المختار ‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين بن عمر بن‬
‫عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (ت‪١ ٢ :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪،‬بيروت‪،‬ط ( ‪١٤١‬هـ )‬
‫(‪ ،)١ ٩ / ١‬الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬اآلبي األزهري (ت‪:‬‬
‫‪١٠٠٢‬هـ) المكتبة الثقافية ‪،‬بيروت (د‪،‬ط)(د‪،‬ت)‪.)٦٩٠ / ( ،‬‬

‫‪125‬‬
‫والثالثة‪ :‬كتمان شيء مما أمروا بتبليغه للخلق‪ :‬أي ألممهم وذلك‬
‫ضد تبليغهم لجميع ذلك‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ :١‬عةةدد المسةةتحيالت فةةي حةةق األنبيةةاء والرسةةل علةةيهم الصةةالة‬


‫والسالم‪.‬‬

‫س ‪ :‬فصل القول في المسةتحيالت فةي حةق األنبيةاء والرسةل علةيهم‬


‫الصالة والسالم معززاً اإلجابة باألدلة‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬األحكام المتعلقة بالسمعيات‬

‫تمهيد‬

‫المطلب األول‪ :‬عالم البرزخ ( التعريف – حكم‬


‫اإليمان به وأدلته )‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أشراط الساعة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الساعة والبعث والحشر والنشر‬

‫المطلب الرابع‪ :‬بعض أحوال يوم القيامة‬

‫‪129‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬األحكام المتعلقة بالسمعيات‬

‫تمهيد‬

‫تعةةد السةةمعيات األصةةل الثالةةث مةةن أصةةول العقيةةدة اإلسةةالمية‬


‫واطلقةةت عليهةةا هةةذه التسةةمية ألنهةةا تثبةةت بحاسةةة السةةمع حصةةراً ال‬
‫غيرها من الحواس‪ ،‬وعليه فإن مصدر اإلخبار عنها الوحي على ما‬
‫خةالف مةا سةةبق مةن أصةول الةةدين التةي يمكةن إثباتهةةا باألدلةة العقيلةةة‬

‫والنقلية‪ ،‬فهو عالم الغيب الذي يرد أمره إلى هللا تعالى‪ :‬ﭽ ﭸ ﭹ‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﭼ [سةةبأ‪ ،] ٠ :‬وحكمةةة هللا تعةةالى فةةي الخلةةق وااليجةةاد‬

‫واإلحيةةاء واإلماتةةة ومةةا توعةةد بةةه العصةةاة ومةةا أعةةده ألهةةل طاعتةةه‬
‫لتتضح دالالتها في المبحث الخاص باليوم اآلخةر والةذي سةنبينه فةي‬
‫مطالب هذا المبحث‪.‬‬
‫والسةةةةةمعيات مبحةةةةةث يجةةةةةري الحةةةةةديث فيةةةةةه عةةةةةن منةةةةةازل‬
‫اآلخةةةرة والتةةةي تبةةةدأ مةةةن عةةةالم البةةةرز وهةةةو منةةةزل اإلنسةةةان بعةةةد‬
‫موتةةةه فةةةي قبةةةره وهةةةو مةةةا يسةةةمى بالقيامةةةة الصةةةغر فاإلنسةةةان إذا‬
‫مةةا مةةات فقةةد قامةةت قيامتةةه‪ ،‬وكةةذلك الحةةديث عةةن عالمةةات القيامةةة‬

‫‪121‬‬
‫الكبةةةةةر وأشةةةةةراطها وأهوالهةةةةةا والبعةةةةةث والنشةةةةةور ثةةةةةم العةةةةةرض‬
‫والحسةةةاب ثةةةم وزن األعمةةةةال ثةةةم ختةةةام ذلةةةةك بمسةةةتقر النةةةاس فةةةةي‬
‫الجنة أو النار‪.‬‬
‫فاإليمةةةةةةان بةةةةةةاآلخرة أصةةةةةةل إثباتةةةةةةه السةةةةةةمعيات ‪ ،‬كمةةةةةةا إن‬
‫الفطةةةر السةةةليمة تشةةةهد بةةةه فهةةةو حقيقةةةة مسةةةتقرة فةةةي نفةةةوس البشةةةر‬
‫أجمعةةةةةين مةةةةةا لةةةةةم تحةةةةةرفهم عةةةةةن الفطةةةةةرة السةةةةةليمة الشةةةةةبهات أو‬
‫الشةةةةهوات ‪ ،‬والعقةةةةل لةةةةم يحكةةةةم باسةةةةتحالة شةةةةيء مةةةةن تفصةةةةيالت‬
‫اليةةةةوم اآلخةةةةر لكنةةةةه قةةةةد يعجةةةةز عةةةةن تصةةةةورها أو إدراك حقيقتهةةةةا‬
‫‪،‬ومةةةن حكمةةةة هللا تعةةةالى ووحدانيتةةةه أن يتوافةةةق صةةةحيح النقةةةل مةةةن‬
‫الوحي مع المنظور في كونه ودالئل قدرته تعالى‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫المطلب األول‪ :‬عالم البرزخ ( التعريف ‪ -‬حكم اإليمان به وأدلته)‪.‬‬

‫أوالا‪ :‬التعريف‪:‬‬

‫اار َز ُ‬
‫خ‪ :‬حةةةاجز بةةةين شةةةيئين بصةةةورة يمنةةةع اختالطهمةةةا أو‬ ‫ال َبا خ‬
‫اندماجهما ويحقق بينهما التمايز‪ ،‬والميت فةي عةالم ال َبةرت َز ِ فةي حيةاة‬
‫بين الحياة الدنيا والحياة اآلخرة ‪ ،‬وهي مدة من الةزمن مةا بعةد مةوت‬
‫المخلوق إلى يُبعث الناسُ ليوم الحساب‪.١٩١‬‬

‫ويعةةد البةةرز اللفةةظ األعةةم فلةةيس كةةل ميةةت يةةدفن فةةي قبةةره‪،‬‬
‫فيكون عالم البرز تعبيراً عن مدة المكث بين الةدنيا واآلخةرة‪ ،‬وأمةا‬
‫القبةةةر‪ :‬فهةةةو موضةةةع دفةةةن جسةةةم اإلنسةةةان تحةةةت التةةةراب أو غيةةةره‪،‬‬
‫وكالهمةةا يعبةةران هةةذه المرحلةةة مةةن حيةةاة اإلنسةةان‪ ،‬وقةةد ورد ذكةةر‬
‫البةرز فةي القةةرآن الكةريم بهةذا المعنةةى عنةد قولةه تعةةالى‪ ،‬فةي تمنةةي‬

‫الكفار للعودة للدنيا إلصالح ما فاته فيها من العمةل الصةالح‪ :‬ﭽ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬

‫ﯤ ﭼ [المؤمنون‪.] ١٠٠ :‬‬

‫وتأكدت الداللة فةي تفسةير هةذه اآليةة الكريمةة حيةث جةاء فةي‬
‫معناها‪ :‬أن البرز عالم يشرف أَهله فِي ِه على ال ُّد تن َيا َواآلخرة‪ ،‬وسمي‬

‫‪ :١٩١‬ينظر‪ :‬العين‪ .‬أبةو عبةد الةرحمن الخليةل بةن أحمةد الفراهيةدي (ت‪١٥٠ :‬هةـ) تحقيةق‪ :‬د‬
‫مهدي المخزومي‪ .‬دار الهالل‪.)٠٠٣/٤(.‬‬
‫‪131‬‬
‫بع َذاب تال َقبتر ونعيمه َوأَنه َر تو َ‬
‫ضة الجنةة أو ُح تف َةرة َنةار ِباعت تِ َبةار َغالةب‬ ‫َ‬
‫تالخلق ‪ ،‬فالمصلوب وميت الحريق َو تال َغريق وأكيل السة َباع والطيةور‬
‫لَ ُه من َع َذاب البرز ونعيمه قسطه الذ َت تق َتضِ يه أَعماله َوإِن تنوعت‬
‫أَس َباب النعيم َو تال َع َذاب وكيفياتهما ‪.١٩‬‬

‫ومما امتاز به عالم البرز عن غيره من العوالم االخر بما‬


‫يأتي‪:‬‬

‫‪ :١‬أنه أول منزل من منازل اآلخرة‪.‬‬

‫‪ :‬فيه فتنة القبر وعذابه وسؤال منكر ونكير‪.‬‬

‫‪ :٠‬يكون تأثير العذاب والنعيم على الجسد والةروح وإن كةان‬


‫ظاهر جسد الدنيا الفناء‪.‬‬

‫‪ :٤‬يفةةارق اإلنسةةان أهلةةه ومالةةه وال ينفعةةه إال العمةةل الصةةالح‬


‫الذي قدمه في الدنيا‪.‬‬

‫‪ :٢‬ال يوجد فيه خلود‪ ،‬وانما حياة مؤقتة يبعث الناس منها إلى‬
‫يوم الحساب‪.‬‬

‫‪ :١٩‬ينظةةر‪ :‬الةةروح ‪ .‬محمةةد بةةن أبةةي بكةةر بةةن أيةةوب ابةةن قةةيم الجوزيةةة (ت‪٥٢١ :‬هةةـ)‪.‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪(.‬ص‪.)٥٠‬‬
‫‪132‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬حكم اإليمان به وأدلته‪:‬‬

‫واجب فهو من أصول الدين‬ ‫اإليمان بوجود عالم البرز‬


‫وتثبت به صحة االعتقاد واإليمان‪ ،‬ذلك ألنه ثبت وجوده باألدلة‬
‫السمعية في القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬فضالً عن‬
‫إجماع علماء األمة اإلسالمية على ذلك‪ ،١٩٠‬وعليه فإن األدلة على‬
‫وجوده كاآلتي‪:‬‬

‫‪ :0‬األدلة على وجود عالم البرزخ من القرآن الكريم‪:‬‬

‫وردت العديةةد مةةن اآليةةات القرآنيةةة الكريمةةة التةةي تةةدل علةةى‬


‫وجود عالم البرز وأنه حقيقة يجب اإليمان بةه ومةن أبرزهةا‪ ،‬قولةه‬

‫تعةةالى فةةي آل فرعةةون‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ‬

‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [غةافر‪ ،] ٤٦ :‬حيةةث ذكةةرت‬

‫اآليةةة الكريمةةة النةةار التةةي يعةةرض عليهةةا أتبةةاع فرعةةون فةةي الصةةباح‬
‫والمساء في عالم البرز ‪ ،‬ثم يوم القيامة يدخلوا إلى أشد العذاب في‬
‫نار جهنم‪.‬‬

‫وكةةةةةذلك قولةةةةةه تعةةةةةالى‪ :‬ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬

‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ [غافر‪ .] ١١ :‬أي َكا ُنوا أَمت َوا ًتا فِةي‬

‫‪ :١٩٠‬الةروح ‪ .‬محمةد بةن أبةي بكةر بةن أيةوب بةن سةعد شةمس الةدين ابةن قةيم الجوزيةةة (ت‪:‬‬
‫‪٥٢١‬هـ)‪ .‬دار الكتب العلمية – بيروت‪.)٥٤/١(.‬‬
‫‪133‬‬
‫ب آ َبةائ ِِه تم‪َ ،‬فأَحت َيةا ُه ُم هللاُ فِةي الة ُّد تن َيا‪ُ ،‬ثةم أَ َمةا َت ُه ُم تال َمو َتة َة التِةي َال بُةد‬‫أَصت َال ِ‬
‫ان‪.١٩٤‬‬ ‫ان َو َم تو َت َت ِ‬ ‫ِم تن َها‪ُ ،‬ثم أَحت َيا ُه تم ل تِل َبعت ِ‬
‫ث َي تو َم تالقِ َيا َمةِ‪َ ،‬ف ُه َما َح َيا َت ِ‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ [التكةاثر‪:‬‬

‫‪ .] - ١‬قطعتم بالتكاثر أعمةاركم وحرصةكم علةى الةدنيا واالنشةغال‬


‫بها‪ ،‬حتى متم وزرتم بأجسادكم مقابرهةا‪ ،١٩٢‬فهةذه اآليةات الكريمةات‬
‫وغيرها أشارت إلى حقيقة وجود عالم البرز ‪.‬‬

‫‪ :6‬األدلة على وجود عالم البرزخ من السنة النبوية المطهرة ‪:‬‬

‫وأما السنة النبوية فقد وردت فيها من األخبةار مةا يثبةت عةالم‬
‫البرز وأن العبد يكون في هذه الحياة في نعيم أو عذاب لمدة الزمن‬
‫جةةةةزا ًء علةةةةى أعمالةةةةه فةةةةي الةةةةدنيا حتةةةةى يبعثةةةةه هللا إلةةةةى الحسةةةةاب‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وتضمنت األخبار مسائل متعددة‪ ،‬وهي كما يأتي‪:‬‬

‫أ‪ :‬وصف القبر بروضة من الجنة أو حفرة من النار‪َ :‬عنت‬


‫أَ ِبي َسعِيد‪َ ،‬قا َل َرسُو ُل هللاِ َ‬
‫صلى هللا ُ َعلَ تي ِه َو َسل َم‪ ( :‬إِن َما ال َق تب ُر َر تو َ‬
‫ضة‬
‫ار)‪.١٩٦‬‬ ‫الجن ِة أو ُح تف َرة ِمنت ُح َف ِر الن ِ‬
‫اض َ‬‫ِمنت ِر َي ِ‬

‫‪ ١٤‬هةـ ‪-‬‬ ‫‪ :١٩٤‬ينظر‪ :‬تفسير الطبري ‪ .‬محمد بن جرير (ت‪٠١٠ :‬هةـ) دار هجةر‪ .‬ط‪،١‬‬
‫‪ ٠٠١‬م‪.) ٩٠/ ٠(.‬‬
‫‪ :١٩٢‬ينظةةر‪ :‬المحةةرر الةةوجيز فةةي تفسةةير الكتةةاب العزيةةز‪ .‬بةةن عطيةةة األندلسةةي‪ .‬دار الكتةةب‬
‫العلمية‪ .‬ط‪١٤١٠ .١‬هـ ـ ‪١٩٩٠‬م‪.)٤٣٩/٢( .‬‬
‫غَريةب الَ‬ ‫َ‬
‫‪ :١٩٦‬الترمذي‪.) ٠/٤(.‬رقم الحديث‪ . ٤٦٠:‬قةال عنةه الترمةذي‪َ « :‬هةذا َحةدِيث ِ‬
‫َنعت ِرفُ ُه إِال مِنت َه َذا َ‬
‫الوجت ِه»‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫ب‪ :‬وصف سؤال منكر ونكير وفتنة القبر‪َ :‬عةنت أَ َنةس َرضِ َ‬
‫ةي‬
‫العبتة ُد إذا وُ ضِ َةع فِةي‬ ‫صلى هللاُ َعلَيتة ِه َو َسةل َم َقةا َل‪َ ( :‬‬ ‫هللاُ َع تنهُ‪َ ،‬ع ِن الن ِبيِّ َ‬
‫ةحا ُب ُه َحتةةى إِن ة ُه لَ َيست ة َم ُع َقةةرت َع ن َِعةةال ِِه تم‪ ،‬أَ َتةةاهُ‬ ‫ةب أَصت ة َ‬ ‫َق تبة ِةرهِ‪َ ،‬و ُتةةوُ لِّ َي َو َذ َهة َ‬
‫ةل م َُحمةةد‬ ‫ةت َتقُةةو ُل فِةةي َهة َةذا الر ُجة ِ‬ ‫ةان‪َ ،‬فأ َ تق َعةةدَ اهُ‪َ ،‬ف َيقُةةوالَ ِن لَة ُه‪َ :‬مةةا ُك تنة َ‬
‫َملَ َكة ِ‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم؟ َف َيقُو ُل‪ :‬أَ تش َه ُد أَن ُه َع تب ُد هللاِ َو َرسُولُهُ‪َ ،‬ف ُي َقا ُل‪ :‬ا تن ُ‬
‫ظرت‬ ‫َ‬
‫صةلى‬ ‫الجنةةِ‪َ ،‬قةا َل الن ِبةيُّ َ‬ ‫ار أَبتدَ لَ َك هللاُ ِب ِه َم تق َع ًدا مِة َن َ‬
‫ِك م َِن الن ِ‬ ‫إلى َم تق َعد َ‬
‫هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم‪َ " :‬ف َي َرا ُه َما َجمِيعًا‪َ ،‬وأَما ال َكةافِ ُر ‪ -‬أو ال ُم َنةاف ُِق ‪َ -‬ف َيقُةو ُل‪:‬‬
‫تةت‪،١٩٥‬‬ ‫تةت َوالَ َتلَي َ‬‫ت أَقُو ُل َما َيقُو ُل النةاسُ ‪َ ،‬ف ُي َقةا ُل‪ :‬الَ دَ َري َ‬ ‫الَ أَ تد ِري‪ُ ،‬ك تن ُ‬
‫ضةةرت َب ًة َب ةي َتن أ ُ ُذ َن تي ةهِ‪َ ،‬فيَصِ ةةي ُح َ‬
‫ص ةي َتح ًة‬ ‫ُثةةم يُضت ة َةربُ ِبم ت‬
‫ِط َر َقةةة ِمةةنت َحدِيةةد َ‬
‫تن‪ .١٩٩)١٩٣‬وأمةةا وجةةه االسةةتدالل بالحةةديث‬ ‫َيست ة َم ُع َها َمةةنت َيلِية ِه إِال الث َق َل ةي ِ‬
‫ةةةو َمة ت‬
‫ةةةذ َهب أهةةةةل ال اسةةةةنة‬ ‫ةةةذاب تال َق تبةةةةر‪َ ،‬و ُهة َ‬
‫الشةةةةريف هةةةةو إثبةةةةات َعة َ‬
‫َو تال َج َم َ‬
‫‪٠٠‬‬
‫‪.‬‬ ‫اعة‬
‫‪ :4‬األدلاااة علاااى وجاااود عاااالم البااارزخ مااان اجمااااع علمااااء‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫وأما ما ورد في اإلجماع فمنها ما يأتي‪:‬‬
‫أ‪ :‬ما أثبته اإلمام األعظم أبو حنيفاة النعماان بان ثابات رحماه تعاالى‬
‫بسؤاله واختباره ل إثبات اإليمان أو عدمه لكل انسان‪َ ( :‬فقةل أتةؤمن‬
‫‪َ (:١٩٥‬تلَيتتَ ‪ :‬أَصت لُ ُه َتلَ توتَ أي َال َف ِه تمتَ َو َال َق َرأتتَ القرآن َوا تل َمعت َنى َال د ََريتتَ َو َال ات َبعت ةتَ مةن‬
‫تيد ِري)‪ .‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ .‬أحمد بن علي بن حجةر أبةو الفضةل العسةقالني‪.‬‬
‫دار المعرفةة ‪ -‬بيةروت‪١٠٥٩ ،‬هةـ‪.‬رقةم كتبةه وأبوابةه وأحاديثةه‪ :‬محمةد فةؤاد عبةد البةاقي‪/٠(.‬‬
‫‪.) ٠٩‬‬
‫‪(:١٩٣‬الثقلين‪ :‬األنس والجن)‪.‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ :١٩٩‬صحيح البخاري‪.)٩٠/ (.‬رقم الحديث‪.١٠٠٣:‬‬
‫‪ : ٠٠‬عمةدة القةاري شةةرح صةحيح البخةةاري‪ .‬بةدر الةدين العينةةي (ت‪٣٢٢ :‬هةـ) ‪ .‬دار إحيةةاء‬
‫التراث العربي ‪ -‬بيروت ‪.)١٤٢/٣(.‬‬
‫‪135‬‬
‫ِب َع َذاب تال َقبتةر َوم َنكِةر َو َنكِيةر وبالقةدر َخيةره وشةره مةن هللا َت َعةالَى َفةإِن‬
‫َقا َل نعم َفقل لَة ُه أمةؤمن أَ تنةت َفةإِن َقةا َل َال أَ تد ِري َفقةل لَة ُه َال دَ ريةت َو َال‬
‫‪٠١‬‬
‫فهمت َو َال أفلحت)‬
‫ب‪ :‬ما أورده اإلمام الغزالي رحمه تعالى من إجماع في إثبات‬
‫عذاب القبر‪ ،‬فقال في ذلك‪( :‬وأما عذاب القبر فقد دلت عليه قواطع‬
‫الشرع إذ تواتر عن النبي صلى هللا عليه وسلم وعن الصحابة‬
‫رضي هللا عنهم باالستعاذة منه في األدعية واشتهر قوله عند‬

‫المرور بقبرين‪ (( :‬إنهما ليعذبان )) ودل عليه قوله تعالى‪ :‬ﭽﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬

‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬

‫ﮫ ﭼ [غافر‪ ،] ٤٦ - ٤٢ :‬وهو ممكن‪ ،‬فيجب التصديق به‪ .‬ووجه‬


‫‪٠‬‬
‫‪.‬‬ ‫إمكانه ظاهر)‬
‫جـ‪ :‬قول اإلمام ابن أبي العز الحنفي ـ رحمه هللا ـ‪ :‬تواترت األخبار‬
‫عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه‬
‫لمن كان لذلك أهالً‪ ،‬وسؤال الملكين‪ ،‬فيجب اعتقاد ثبوت ذلك‬
‫واإليمان به‪ ،‬وال نتكلم في كيفيته‪ ،‬إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته‪،‬‬

‫‪ : ٠١‬الفقةةه األكبةةر‪ .‬أبةةي حنيفةةة النعمةةان بةةن ثابةةت (ت‪١٢٠ :‬هةةـ)‪ .‬دار الفرقةةان ‪ -‬اإلمةةارات‬
‫العربية‪.‬ط‪١٤١٩ ،١‬هـ ‪١٩٩٩-‬م‪(.‬ص‪.)١٢٥‬‬
‫‪ : ٠‬االقتصاد في االعتقاد‪ .‬أبو حامد الغزالةي (ت‪٢٠٢ :‬هةـ)‪.‬دار الكتةب العلميةة‪ ،‬بيةروت‪.‬‬
‫ط‪ ١٤ ٤ ،١‬هـ ‪ ٠٠٤ -‬م‪(.‬ص‪.)١١٥‬‬
‫‪136‬‬
‫ألنه ال عهد له به في هذه الدار‪ ،‬والشرع ال يأتي بما يحيله المعقول‪،‬‬
‫ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول‪ ،‬فإن عود الروح إلى الجسد ليس‬
‫على الوجه المعهود في الدنيا‪ ،‬بل تعاد الروح إليه إعادة غير اإلعادة‬
‫‪٠٠‬‬
‫‪ .‬وكل هذه األدلة ظاهرة في وجود عالم البرز‬ ‫المألوفة في الدنيا‬
‫وإثباته باألدلة القطعية والواردة الينا بتواتر األخبار التي جاءت في‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وما ظهر لنا من إجماع‬
‫العلماء بعدهما بما سمعوا من األدلة الواردة في الوحي‪.‬‬

‫‪ : ٠٠‬شةةرح العقيةةدة الطحاويةةة‪ .‬محمةةد ابةةن أبةةي العةةز الحنفةةي (ت‪٥٩ :‬هةةـ)‪.‬تحقيةةق‪ :‬أحمةةد‬
‫شاكر‪.‬ط‪ ١٤١٣ ١‬هـ‪.)٢٥٣/ ( .‬‬

‫‪137‬‬
‫االسئلة‬

‫س‪ :١‬عرف البرز ‪ ،‬واذكر الفرق بينه وبين القبر‪.‬‬

‫س ‪ :‬اذكر ما ال يقل عن دليلين من القرآن الكريم تثبت وجود عالم‬


‫البرز ‪.‬‬

‫س‪ :٠‬اذكر ما ال يقل عن دليلين من السنة النبوية تثبت وجود عالم‬


‫البرز ‪.‬‬

‫س‪ :٤‬اذكر ما ال يقل عن قولين ما أقوال العلماء في إثبات وجود‬


‫عالم البرز ‪.‬‬

‫س‪ :٢‬ما العالمات التي امتاز بها عالم البرز عن عالمي الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أشراط الساعة‬

‫أشراط الساعة‪ :‬هي العالمات والدالئل التي تثبت قرب يوم‬


‫القيامة ‪ ،‬وتدعو الناس إلى التيقظ واالنتباه للقاء هللا تعالى‪ ،‬فيفرون‬
‫إليه بالتوبة واإلنابة‪ ،‬ويكثرون من األعمال الصالحة المكفرة‬

‫للذنوب‪ ،‬ويتجنبون معصيته والكفر بنعمته تعالى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈﰉﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐﰑ ﰒ‬

‫ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﭼ [محمد‪.] ١٩ - ١٣ :‬‬

‫في حين نجد أن السنة النبوية المطهرة قد بينت االشراط‬


‫بالتفصيل فمنها ما وقع ومنها ينتظر وقوعه ‪ ،‬وفيها العالمات‬
‫الكبر وكذلك الصغر ‪،‬وعلى العموم يمكن أن نعد ما ورد بيانه‬
‫فيها على صنفين‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األهوال الكبرى التي تسبق يوم القيامة‬
‫وتتوقف معها التوبة‪:‬‬
‫تعد هذه األهوال من األشراط الكبر التي تنتهي معها الحياة‬
‫تن طاووس‪َ ،‬عنت أَبِيهِ‪،‬‬ ‫الدنيا وتتوقف عندها التوبة‪َ ،‬عنت َمعت َمر‪َ ،‬ع ِن اب ِ‬
‫طلُو ُع الشمت ِ‬
‫س ِمنت َم تغ ِر ِب َها‪،‬‬ ‫اع ِة‪ُ :‬‬
‫َقا َل‪َ ( :‬ع تش ُر آ َيات َبي َتن َيدَيِ الس َ‬

‫‪131‬‬
‫اس إلى‬
‫ُوق الن َ‬ ‫عِيسى‪َ ،‬و َنار َتس ُ‬
‫َ‬ ‫َوال ُّد َخانُ ‪َ ،‬والدجالُ‪َ ،‬والداب ُة‪َ ،‬و ُن ُزو ُل‬
‫ير ِة تال َع َر ِ‬
‫ب)‪. ٠٤‬‬ ‫ج َيأتجُو َج َو َمأتج َ‬
‫ُوج‪َ ،‬و َخست ف فِي َج ِز َ‬ ‫تال َمحت َ‬
‫ش ِر‪َ ،‬و ُخرُو ُ‬
‫ت َغيتر ال َمأتلُو َف ًةة‪ ،‬منهةا ُ‬
‫س ِمةنت َم تغ ِر ِب َهةا‪،‬‬ ‫طل ُ َ‬
‫ةوع الشةمت ِ‬ ‫فهذه تاآل َيا ِ ِ‬
‫اوي ِة‪.‬‬ ‫َعلَى خ َِالفِ َعادَ تِ َها تال َمأتلُو َف ِة م َِن تاآل َيا ِ‬
‫ت الس َم ِ‬
‫عِيسى َعلَ تي ِه الس َالمُ م َِن الس َما ِء ‪َ ،‬و َك َذل َِك‬ ‫َ‬ ‫َواما الدجالُ َو ُن ُزو ُل‬
‫ج الداب ِة ِب َش تكل َغ ِريب َغي ِتر َمأتلُوف‪،‬‬ ‫ُوج‪َ ،،‬و ُخرُو ُ‬ ‫ُوج َو َمأتج َ‬
‫ُخرُو ُج َيأتج َ‬
‫َ‬ ‫ُثم م َُخ َ‬
‫ارج َعنت‬ ‫ان أو تال ُك تف ِر َفأمت ر َخ ِ‬ ‫اس َو َوست ُم َها إِيا ُه تم ِب ت ِ‬
‫اإلي َم ِ‬ ‫اط َب ُت َها الن َ‬
‫ت تاألَرت ضِ ي ِة‪. ٠٢‬‬ ‫ت‪ .‬وهذه م َِن تاآل َيا ِ‬ ‫اري تال َعادَ ا ِ‬‫َم َج ِ‬
‫والصنف الثاني‪ :‬الفتن التي تسبق قيام الساعة وال تتوقف‬
‫معها التوبة‪:‬‬
‫ومنها هذا الصنف في وقوع القتل وانتشاره وبيع اآلخرة‬
‫صلى هللا ُ َعلَ تي ِه َو َسل َم أنه قال‪:‬‬ ‫بعرض قليل من الدنيا‪َ ،‬عنت َرسُولُ هللاِ َ‬
‫اع ِة أَيامُ تال َهرت ِج‪ ،‬أَيام َي ُزولُ فِي َها تالع تِل ُم‪َ ،‬و َي تظ َه ُر فِي َها‬ ‫( َبي َتن َيدَ يِ الس َ‬
‫ش‪ :‬تال َق تت ُل)‪، ٠٦‬‬ ‫ان تال َح َب ِ‬ ‫ُوسى‪ " :‬تال َهرت ُج ِبل َِس ِ‬ ‫تال َج ته ُل " َف َقا َل أَبُو م َ‬
‫ات َعالِم َي تنقُصُ تالع تِلمُ‬ ‫و( َمعت َناه أَن تالع تِل َم َيرت َتفِ ُع ِب َم تو ِ‬
‫ت تال ُعلَ َما ِء َف ُكل َما َم َ‬
‫ِبال ِّنست َب ِة إلى َف تق ِد َحا ِملِ ِه َو َي تن َشأ ُ َعنت َذل َِك تال َج تهلُ بِ َما َك َ‬
‫ان َذل َِك تال َعالِ ُم‬

‫‪ : ٠٤‬الجةامع ‪.‬معمةر بةن أبةةي عمةرو األزدي(ت‪١٢٠ :‬هةـ)‪(.‬منشةةور كملحةق بمصةنف عبةةد‬
‫الرزاق) المكتب اإلسالمي بيروت‪ .‬ط ‪١٤٠٠،‬هـ‪.)٠٥٥/١١(.‬رقم الحديث‪. ٠٥٩١ :‬‬
‫‪ : ٠٢‬شرح العقيدة الطحاوية‪ .‬مصدر سابق‪.)٥٢٣ / (.‬‬
‫‪ : ٠٦‬مسند أحمةد بةن حنبةل‪( .‬ت‪ ٤١ :‬هةـ)‪ .‬تحقيةق‪ :‬شةعيب األرنةاؤوط‪ .‬مؤسسةة الرسةالة‪.‬‬
‫ط‪ ١٤ ١ ،١‬هةةةـ ‪ ٠٠١ -‬م‪ .) ٤٤ /٥(.‬رقةةةم الحةةةديث‪ .٤١٣٤ :‬قةةةال شةةةعيب األرنةةةاؤوط ‪:‬‬
‫(إسناده صحيح على شرط الشيخين)‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫َي تن َف ِر ُد ِب ِه َعنت َبقِي ِة تال ُعلَ َما ِء) ‪ ،‬وكذلك َقا َل َرسُولُ هللاِ َ‬
‫‪٠٥‬‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه‬
‫َو َسل َم‪َ ( :‬بي َتن َيدَيِ السا َع ِة فِ َتن َكق َِط ِع اللي ِتل تالم تُظل ِِم‪ ،‬يُمت سِ ي الر ُج ُل فِي َها‬
‫م تُؤ ِم ًنا َويُصت ِب ُح َكافِرً ا‪َ ،‬ويُصت ِب ُح م تُؤ ِم ًنا َويُمت سِ ي َكافِرً ا‪َ ،‬ي ِبي ُع أَ َح ُد ُه تم دِي َن ُه‬
‫ِب َع َرض م َِن ال ُّد تن َيا َقلِيل)‪. ٠٣‬‬

‫‪ : ٠٥‬تحفة األحوذي بشرح جامع الترمذي‪ .‬أبةو العةال محمةد عبةد الةرحمن بةن عبةد الةرحيم‬
‫المباركفور ‪(.‬ت‪١٠٢٠ :‬هـ)‪.‬دار الكتب العلمية – بيروت‪.)٠٦٣ /٦(.‬‬
‫‪: ٠٣‬كتاب الفتن‪ .‬أبو عبد هللا نعيم بن حماد (ت‪ ٣ :‬هةـ)‪ .‬تحقيةق‪ :‬سةمير أمةين الزهيةري‪.‬‬
‫مكتبة التوحيد – القاهرة‪.‬ط‪١٤١ ،١‬هـ‪(.)٠١/١(.‬رقم الحديث‪.)١٠:‬‬
‫‪141‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ :١‬عرف أشراط الساعة ‪ ،‬واذكر الدليل بإثباتها في القرآن‬


‫الكريم‪.‬‬

‫س ‪ :‬عدد خمسة من أشراط الساعة وردت في السنة النبوية معززاً‬


‫إجابتك باألدلة‪.‬‬

‫س‪ :٠‬ما نوعا أشراط الساعة في السنة النبوية اذكرهما معززاً‬


‫إجابتك باألدلة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الساعة والبعث والحشر والنشر‬
‫هذا المطلب توجد فيه مسائل متعددة كلها محددة بيوم القيامة وأهواله‬
‫الكبر ‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬
‫‪:١‬الساعة‪ :‬هي اليوم الرهيب الذي يشهد فيه العالم اضطرابا ً كبيراً‬
‫وتغيرات كونية ويهلك هللا تعالى كل مخلوق خلقه وصوره‪ ،‬وال‬

‫يبقى إال الواحد الديان الكبير المتعال‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ‬

‫[القصص‪ ،] ٣٣ :‬وقد أخبر القرآن الكريم بقدومه في أكثر من آية‬


‫كريمة‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬‬

‫‪ :١‬يؤكد هللا تعالى قدوم الساعة فيقول جل وعال‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ [غافر‪ .]٢٩ :‬يعني‬

‫كائنة ال شك فيها َولكِن أَ تك َث َر النا ِ‬


‫س ال ي تُؤ ِم ُن َ‬
‫ون‪ ،‬يعني كفار كل مكان‬
‫أكثرهم ال يصدقون بالبعث‪. ٠٩‬‬

‫‪ :‬يقسم هللا تعالى بذاته فيقول جل وعال‪ :‬ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬

‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬

‫‪ : ٠٩‬تفسير مقاتل بن سليمان‪ .‬أبو الحسن مقاتل بةن سةليمان (ت‪١٢٠ :‬هةـ)تحقيةق‪ :‬عبةد هللا‬
‫محمود شحاته‪ .‬دار إحياء التراث – بيروت‪.‬ط‪ ١٤ ٠ .١‬هـ‪.)٥١٣ /٠(.‬‬
‫‪143‬‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗﮘ‬

‫ﮙ ﭼ [سبأ‪ ،] ٠ :‬اقتضت حكمته وعدله أن تأتي الساعة ويبعث‬

‫الناس للحساب ليجزي المؤمنين الذين عملوا األعمال الصالحة بما‬


‫يستحقون من المغفرة والرزق الكريم‪ .‬والكافرين الذين يسعون في‬
‫تعطيل دعوة هللا وإطفاء نورها بما يستحقون من العذاب الشديد‬
‫‪١٠‬‬
‫‪.‬‬ ‫الموجع‬
‫ومن المسائل التي أكةدت السةاعة وأثبتةت قيامهةا وهةي كائنةة‬
‫ال شك فيها عند المؤمنين‪ ،‬ورودها بأسةماء متعةددة لكةل واحةدة منهةا‬
‫‪١١‬‬
‫‪:‬‬ ‫معنى مقصود‪ ،‬وهي كثيةرة جةداً نةذكر منهةا علةى سةبيل اإليجةاز‬

‫‪ .١‬القيامةةة ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ [القيامةةة‪ . ،]١ :‬الحاقةةة ﭽ ﮯ ﭼ‬

‫[الحاقةةة‪ .٠ ، ]١ :‬الطامةةة ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ ]النازعةةات‪،] ٠٤ :‬‬

‫‪.٤‬الغاشية ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ [الغاشةية‪.٢ ،] ١ :‬الواقعةة ﭽ ﮍ‬

‫ﮎ ﮏ ﭼ [الواقعةةة‪.٦ ،]١ :‬القارعةةةة ﭽ ﭜ ﭼ [القارعةةةة‪،]١ :‬‬

‫‪ : ١٠‬التفسةةير الحةةديث [حسةةب ترتيةةب النةةزول]‪ .‬دروزة محمةةد عةةزت‪ .‬دار إحيةةاء الكتةةب‬
‫العربية – القاهرة‪.‬ط‪١٠٣٠ :‬هـ‪.) ٦٢ /٤(.‬‬
‫‪ : ١١‬ينظر‪ :‬بحةر العلةوم‪ .‬أبةو الليةث نصةر بةن محمةد بةن إبةراهيم السةمرقندي‪ .‬دار الفكةر–‬
‫بيروت‪.) ٠ /٠( .‬‬
‫‪144‬‬
‫‪ .٥‬الصةةةاخة ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ [عةةةبس‪ .]٠٠ :‬فهةةةذه أبةةةرز أسةةةمائها‬

‫وقارل الكتاب العزيز يمر عليه الكثير منها‪.‬‬


‫وأما علم الساعة ومعرفة زمان وقوعها‪ ،‬فهو من الغيب الذي ال‬

‫يعلمه إال هللا تعالى‪ ،‬قال ج ال وعال ‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ‬

‫ﰙ ﭼ [األعراف‪ ،]١٣٥ :‬وإخفاء زمان قيام الساعة أمر مقصود‬

‫لحكمة هللا تعالى‪ ،‬ليبقى العبد دائم التوبة واإلنابة إلى ربه‪ ،‬ولذلك ال‬

‫تقبل التوبة عند قيام الساعة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷ ﭼ [األنعام‪ ،] ١٢٣ :‬أي َما َي تن َتظِ ر َ‬


‫ُون إِال أَنت َتأتتِ َي ُه ُم تال َمالئِ َك ُة‬

‫تض أَرت َواح ِِه تم َو َتعت ذ ِ‬


‫ِيب َها َوه َُو َو تقت َال َت تن َف ُع فِي ِه َت تو َب ُت ُه تم‬
‫‪١‬‬
‫‪ ،‬وإنه‬ ‫إلى َقب ِ‬
‫يوم تأتي بعض آيات هللا تكون الخاتمة التي ال ينفع بعدها إيمان وال‬
‫‪ : ١‬البحر المحيط في التفسةير ‪.‬أبةو حيةان األندلسةي (ت‪٥٤٢ :‬هةـ)‪.‬تحقيةق‪ :‬صةدقي محمةد‬
‫جميل‪ .‬دار الفكر‪.‬بيروت‪١٤ ٠.‬هـ‪.)٦٩٣/٤(.‬‬
‫‪145‬‬
‫عمل ‪ ،‬لنفس لم تؤمن من قبل‪ ،‬ولم تكسب عمالً صالحا ً في إيمانها‪،‬‬
‫فالعمل الصالح هو دائما ً قرين اإليمان وترجمته في ميزان‬
‫‪١٠‬‬
‫‪.‬‬ ‫اإلسالم‬
‫وللحةةديث عةةن أهةةوال السةةاعة وأحةةداثها امتةةازت عةةدة سةةور‬
‫فعةنت اب ِ‬
‫تةن‬ ‫قرآنية بهذه المعاني بينها حديث النبي صلى هللا عليه وسةلم َ‬
‫َعباس رضي هللا عنهما‪َ ،‬قا َل‪َ :‬قا َل أَبُو َب تكر رضي هللا عنه‪َ :‬يا َرسُو َل‬
‫الواق َِع ة ُة‪َ ،‬والمُرت َسة َةال ُ‬
‫ت‪َ ،‬و َعةةم‬ ‫تت‪َ ،‬قةةا َل‪َ « :‬شةةي َب تتنِي ُهةةود‪َ ،‬و َ‬
‫هللاِ َقة تةد شِ ةب َ‬
‫‪.‬‬ ‫‪١٤‬‬
‫ون‪َ ،‬وإِ َذا الشمت سُ ُكوِّ َر ت‬
‫ت»‬ ‫َي َت َسا َءلُ َ‬
‫وحين نقف مع داللةة الحةديث الشةريف وعنةد قولةه صةلى هللا‬
‫عليه وسلم َشي َب تتنِي هُود وأخواتها نجد عدة معان وحكم استنباطها من‬
‫خالل شروح الحديث الشريف‪ ،‬فما الذي كان سببا ً في ظهور الشيب‬
‫عليةه صةةلى هللا عليةه وسةةلم‪ ،‬والتةةي ينبغةي أن تشةةغل فكةر كةةل مةةؤمن‬
‫حكيم حينما يستمع لهذه السور القرآنية الكريمة وهو يتفكر بدالالتهن‬
‫ومعةةةانيهن ‪ ،‬ويسةةةتنبط مةةةنهن العبةةةر والعظةةةات والتةةةي نحةةةددها فةةةي‬
‫‪١٢‬‬
‫‪:‬‬ ‫الموضع بالمسائل اآلتية‬
‫‪ :١‬اشتمالهن الحديث عن أهوال يوم تالقِ َيا َمة وأحداثه الكبر ‪.‬‬
‫ازلَة بالماضين وقصص تاألُ َمم‬
‫‪ :‬لما تضمن من بيان الحوادث الن ِ‬
‫الغابرة‪.‬‬
‫‪: ١٠‬في ظالل القرآن‪ .‬سيد قطب ‪(.‬ت‪١٠٣٢ :‬هـ)‪.‬دار الشروق ‪ -‬بيروت‪ -‬القةاهرة‪.‬ط‪- ١٥‬‬
‫‪ ١٤١‬هـ‪.)١ ٠٩/٠( .‬‬
‫َ‬
‫‪ : ١٤‬الجةةامع‪ .‬الترمةةذي‪ .)٤٠ /٢(.‬رقةةم الحةةديث‪ .٠ ٩٥ :‬قةةال الترمةةذي‪َ « :‬هةةذا َحةةدِيث‬
‫تن َعباس إِال مِنت َه َذا َ‬
‫الوجت ِه»‬ ‫َح َسن غ َِريب َال َنعت ِرفُ ُه مِنت َحدِي ِ‬
‫ث اب ِ‬
‫‪ : ١٢‬التيسةةير بشةةرح الجةةامع الصةةغير‪ .‬المنةةاوي (ت‪١٠٠١ :‬هةةـ)‪.‬مكتبةةة اإلمةةام الشةةافعي –‬
‫الرياض‪.‬ط‪١٤٠٣ ،٠‬هـ ‪١٩٣٣ -‬م‪.)٣٠/ (.‬‬
‫‪146‬‬
‫‪ :٠‬الحديث عن الوعد ت‬
‫وال َوعيد والترهيب من عاقبة الظالمين‬
‫ألنفسهم في اآلخرة‪.‬‬
‫‪ :٤‬لتخصصهن بالحديث عن االستقامة والثبات على اإليمان‬
‫وطاعة هللا تعالى‪.‬‬
‫‪:‬الصةور‪ :‬بةةوق يةنفخ فيةه الملةةك إسةةرافيل عليةه السةةالم وذلةةك إيةةذانا ً‬
‫بقيام الساعة فيموت الخلق ثم يبعةثهم ربهةم مةن قبةورهم مةرة أخةر‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه‬
‫تن َعمت رو‪َ ،‬ع ِن الن ِبيِّ َ‬
‫للعرض والحساب‪َ ،‬عنت َع تب ِد هللاِ ب ِ‬
‫َو َسل َم َقا َل‪ « :‬الصُّو ُر َقرت ن ُي تن َف ُخ فِي ِه »‪. ١٦‬‬

‫وبين القرآن الكةريم هةذا المعنةى عنةد قولةه تعةالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ‬

‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ [الزمةةةر‪ ،]٦٣ :‬قةةةال جمهةةةور المفسةةةرين‪:‬‬

‫األولةةةى نفخةةةة المةةةوت‪ ،‬وأمةةةا الثانيةةةة فهةةةي نفخةةةة البعةةةث والنشةةةور‬

‫‪.‬وكذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫‪١٥‬‬

‫‪ : ١٦‬سنن أبي داود‪( .‬ت‪ ٥٢ :‬هـ) تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ .‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬بيروت‪.) ٠٦/٤(.‬رقم الحديث‪.٤٥٤ :‬‬
‫‪ : ١٥‬النكت والعيون‪ .‬أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت‪٤٢٠ :‬هـ)‪.‬تحقيق‪ :‬السيد‬
‫ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان‪.)١٠٢/٢(.‬‬
‫‪147‬‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ [النمل‪ ،]٣٥ :‬قال المفسارون‪:‬‬

‫حينما ينفخ في الصور ال َي تنطِ قُ َ‬


‫‪١٣‬‬
‫‪.‬‬ ‫ون بحجا ة أو عذر‬
‫وجةةةةةةاءت السةةةةةةنة النبويةةةةةةة المطهةةةةةةرة تحةةةةةةدد المةةةةةةدة بةةةةةةين‬
‫النفختةةةين الةةةواردة فةةةي القةةةرآن الكةةةريم (نفخةةةة الصةةةعق اإلماتةةةة ثةةةم‬
‫ةةر َة رضةةةي‬ ‫نفخةةةة البعةةةث اإلحيةةةاء للبعةةةث والنشةةةور) فعةةةن أَ َبةةةي ه َُر تية َ‬
‫صةةةلى هللاُ َعلَ تيةةة ِه َو َسةةةل َم َقةةةا َل‪َ « :‬بةةةي َتن الن تف َخ َتةةةي ِ‬
‫تن‬ ‫ةةن الن ِبةةةيِّ َ‬ ‫هللا عنةةةه‪َ ،‬عة ِ‬
‫ةةت‪َ ،‬قةةةا َل‪:‬‬ ‫ةةون َي تو ًمةةةا‪َ ،‬قةةةا َل‪ :‬أَ َب تية ُ‬
‫ةةر َة أَرت َب ُعة َ‬
‫ةةون» َقةةةالُوا‪َ :‬يةةةا أَ َبةةةا ه َُر تية َ‬
‫أَرت َب ُعة َ‬
‫ُةةةون َشةةةهترً ا‪َ ،‬قةةةا َل‪« :‬أَ َبي ُ‬
‫تةةةت‬ ‫تةةةت‪َ ،‬قةةةا َل‪ :‬أَرت َبع َ‬ ‫ُةةةون َسةةة َن ًة‪َ ،‬قةةةا َل‪ :‬أَ َبي ُ‬
‫أَرت َبع َ‬
‫ةةةب َذ َن ِبةةةةهِ‪ ،‬فِيةةةة ِه ي َُركةةةةبُ‬ ‫اإل تن َسة ِ‬
‫ةةةان‪ ،‬إِال َعجت ة َ‬ ‫َو َي تبلَةةةةى ُكةةةة ُّل َشةةةةيت ء ِمة َ‬
‫ةةةن ِ‬
‫‪.‬‬ ‫‪١٩‬‬
‫الخ تل ُق»‬
‫َ‬
‫وتعةةةةةةددت آ راء العلمةةةةةةاء فةةةةةةي بيةةةةةةان عةةةةةةدد النفخةةةةةةات فةةةةةةي‬
‫الصةةةةور فبعضةةةةهم قةةةةال‪ :‬ثالثةةةةة وهةةةةي الصةةةةعق والفةةةةزع والبعةةةةث‬
‫والةةةبعض االخةةةةر قةةةةال همةةةةا اثنتةةةان الصةةةةعق والبعةةةةث وهللا تعةةةةالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫والنفخ في الصور من االحداث العظمية ألهةوال يةوم القيامةة‪ ،‬والتةي‬
‫تجعل العبد يطلب نجاته وخالصه من النةار‪ ،‬فةال يسةأل عةن أهلةه أو‬
‫ماله وولده ‪،‬فهو منشغل ومترقب لنجاته في ذلك اليوم العصيب‪ ،‬قال‬

‫‪ : ١٣‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ .‬أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي (ت‪:‬‬


‫‪٤ ٥‬هـ)‪.‬تحقيق‪ :‬اإلمام أبي محمد بن عاشور‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت –‬
‫لبنان‪.‬ط‪١٤ .١‬هـ‪.) ٦/٥(.‬‬
‫‪ : ١٩‬البخاري‪.)١ ٦/٦(.‬رقم الحديث‪.٤٣١٤:‬‬
‫‪149‬‬
‫تعةةةةالى‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ‬

‫فص ةعِق َمةةنت فةةي السةةماوات‬


‫[المؤمنةةون‪( ،]١٠١ :‬إذا نفةةخ فةةي الصةةور‪َ ،‬‬
‫َو َمن في األرض إال َمنت شاء هللا‪ ،‬فال أنساب بينهم يومئةذ يتواصةلون‬
‫بهةةةةا‪ ،‬وال يتسةةةةاءلون‪ ،‬وال يتةةةةزاورون‪ ،‬فيتسةةةةاءلون عةةةةن أحةةةةوالهم‬
‫‪٠‬‬
‫‪ ،‬وكةةةل هةةةذه األحةةةداث دليةةةل علةةةى أهةةةوال ذلةةةك اليةةةوم‬ ‫وأنسةةةابهم)‬
‫المشهود‪.‬‬
‫‪ :٠‬البعةةث‪ :‬هةةو اإلخةةراج مةةن القبةةور واإلحيةةاء بعةةد اإلماتةةة للمجةةازاة‬
‫علةةى مةةا قةةدم فةةي الةةدنيا مةةن أعمةةال والسةةؤال عنهةةا‪ ،‬يبعةةث هللا تعةةالى‬

‫عبةةاده مةةن قبةةورهم‪ ،‬قةةال تعةةالى‪ :‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ‬

‫[المؤمنون‪َ .]١٦ :‬و َي توم تال َبعت ث‪ :‬هو َي توم تال ِق َيا َمةة ِألَن النةاس يبعثةون مةن‬
‫قبةةةورهم‪ ،‬وينتقلةةةون مةةةن علةةةم البةةةرز إلةةةى الةةةدار اآلخةةةرة للجةةةزاء‬
‫‪١‬‬
‫والحساب‪.‬‬
‫ونجةةد أن القةةرآن الكةةريم قةةد رد علةةى الكةةافرين زعمهةةم بعةةدم‬

‫البعث بعد الموت قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [التغابن‪.] ٥ :‬‬

‫‪ : ٠‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ .‬محمد بن جرير أبو جعفر الطبري (ت‪:‬‬
‫‪٠١٠‬هـ)‪.‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ .‬مؤسسة الرسالة‬
‫ط‪ ١٤ ٠ ،١‬هـ ‪ ٠٠٠ -‬م‪.)72/11(.‬‬
‫‪ : ١‬ينظر‪ :‬جمهرة اللغةة‪ .‬أبةو بكةر األزدي (ت‪٠ ١ :‬هةـ)‪ .‬دار العلةم للماليةين – بيةروت‪.‬‬
‫ط‪١٩٣٥ ،١‬م‪.) ٦٠/١(.‬‬
‫‪141‬‬
‫البعةةةث كةةةائن ال محالةةةة‪ ،‬وأقسةةةم هللا تعةةةالى الةةةذي بةةةرأ الخلةةةق‬
‫وأنشأهم من العدم على ذلةك ‪،‬وليحاسةبن العبةاد علةى أعمةالهم الكثيةر‬
‫‪.‬‬ ‫والقليل ‪ ،‬وذلك هين عليه يسير‬
‫والسنة النبوية المطهرة بينت البعث وذكرت في ذلةك فائةدتين‬
‫وهما اآلتي‪:‬‬
‫‪ :0‬النبي صالى هللا علياه وسالم أول مان ينشاق عناه القبار‪:‬‬
‫جاء عن أَبُي ه َُري َتر َة رضي هللا عنةه‪َ ،‬قةا َل‪َ :‬قةا َل َرسُةو ُل هللاِ َ‬
‫صةلى هللاُ‬
‫َعلَ تي ِه َو َسل َم‪« :‬أَ َنا َس ِّي ُد َولَ ِد آدَ َم َي تو َم تال ِق َيا َمةِ‪َ ،‬وأَو ُل َمنت َي تن َش ُّق َع تن ُه تال َق تبرُ‪،‬‬
‫ث َمنت َقب ِتر ِه َو َيحت ض َُر‬ ‫َوأَو ُل َشافِع َوأَو ُل ُم َشفع»‪( . ٠‬أَيت ‪ :‬أَو ُل َمنت ُيب َتع َ‬
‫فِي تال َمحت َش ِر)‪. ٤‬‬
‫‪ :6‬القرآن الكريم يكون شافعا ا ألهله في يوم البعث‪ :‬عن َعبتد‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه‬ ‫ت َجالِسًا عِ تندَ الن ِبيِّ َ‬ ‫هللاِ بتن ب َُريتدَ َة‪َ ،‬عنت أَ ِبي ِه َقا َل‪ُ :‬ك تن ُ‬
‫ُور َة تال َب َق َرةِ؛ َفإِن أَ تخ َذ َها َب َر َكة َو َترت َك َها‬
‫َو َسل َم َف َس ِمعت ُت ُه َيقُو ُل‪َ « :‬ت َعلمُوا س َ‬
‫اع ًة‪ُ ،‬ثم َقا َل‪" :‬‬ ‫ت َس َ‬‫َحست َرة‪َ ،‬و َال َيست َتطِ ي ُع َها تال َب َطلَ ُة»‪َ .‬قا َل‪ :‬ثُم َس َك َ‬

‫ان؛ َفإِن ُه َما الزهت َر َاو ِ‬


‫ان يُظِ ال ِن‬ ‫عِمتر َ‬
‫َ‬ ‫ُور َة تال َب َق َرةِ‪َ ،‬و ِ‬
‫آل‬ ‫َت َعلمُوا س َ‬
‫ان ِمنت َطيتر‬‫ان أو فِرت َق ِ‬ ‫ح َب ُه َما َي تو َم تالقِ َيا َم ِة َكأَن ُه َما َغ َما َم َت ِ‬
‫ان أو َغ َيا َي َت ِ‬ ‫صا ِ‬
‫َ‬
‫ح َب ُه َي تو َم تالقِ َيا َم ِة ح َ‬
‫ِين َي تن َش ُّق َع تن ُه َق تب ُرهُ‬ ‫ص َواف ‪َ ،‬وإِن القرآن َي تل َقى َ‬
‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫ب‪َ .‬ف َيقُو ُل لَ ُه‪َ :‬ه تل َتعت ِرفُنِي؟ َف َيقُولُ‪َ :‬ما أَعت ِرفُ َك َف َيقُولُ‪:‬‬ ‫ح ِ‬‫َكالرج ُِل الشا ِ‬
‫‪ :‬تفسةير المراغةي‪( .‬ت ‪١٠٥١‬هةةـ)‪.‬مطبعةة مصةطفى البةةابى الحلبةي ‪.‬ط‪ ١٠٦٢ .١‬هةةـ ‪-‬‬
‫‪١٩٤٦‬م‪.)١ ٤/ ٣(.‬‬
‫‪ : ٠‬صحيح مسلم‪ )١٥٣ /٤(.‬رقم الحديث‪. ٥٣ :‬‬
‫‪ : ٤‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ .‬علةي بةن محمةد‪ ،‬أبةو الحسةن نةور الةدين المةال‬
‫الهروي القاري (ت‪١٠١٤ :‬هـ)‪.‬دار الفكر‪ ،‬بيروت – لبنةان‪.‬ط‪١٤ ،١‬هةـ ‪ ٠٠ -‬م‪/٩( .‬‬
‫‪.)٠٦٥‬‬
‫‪150‬‬
‫ج ِر َوأَست َهرت ُ‬ ‫ت‬
‫ت لَ تيلَ َك‪َ ،‬وإِن‬ ‫ُك القرآن الذِي أَ تظ َمأ ُت َك فِي تال َه َوا ِ‬ ‫حب َ‬ ‫صا ِ‬ ‫أَ َنا َ‬
‫ارة َفيُعت َطى‬ ‫ارتِهِ‪َ ،‬وإِن َك تال َي تو َم ِمنت َو َرا ِء ُك ِّل ت َِج َ‬ ‫جر ِمنت َو َرا ِء ت َِج َ‬ ‫ُكل َتا ِ‬
‫ار‪،‬‬‫ج تال َو َق ِ‬ ‫ُوض ُع َعلَى َر تأسِ ِه َتا ُ‬ ‫تالم تُل َك ِب َيمِينِهِ‪َ ،‬و تال ُخ تل َد ِبشِ َمالِهِ‪َ ،‬وي َ‬
‫وال ِن‪ِ :‬ب َم ُكسِ ي َنا َه َذا؟‬ ‫تن َال ُي َقو ُم لَ ُه َما أهل ال ُّد تن َيا َف َيقُ َ‬ ‫َوي تُك َسى َوالِدَاهُ حُل َتي ِ‬
‫ج تال َجن ِة‬ ‫آن‪ُ .‬ثم ُي َقالُ لَ ُه‪ :‬ا تق َر تأ َواصت َع تد فِي َ‬
‫دَر ِ‬ ‫َف ُي َقا ُل‪ِ :‬بأ َ تخ ِذ َولَ ِد ُك َما تالقُرت َ‬
‫ِيال‪. ٦. ٢‬‬ ‫ان‪ ،‬أو َترت ت ً‬ ‫صعُود َما دَا َم َي تق َرأُ‪َ ،‬ه ًاذا َك َ‬ ‫َو ُغ َرفِ َها‪َ ،‬فه َُو فِي ُ‬
‫‪:٤‬الحشر والنشر‪ :‬الس تو ُق إلى ج َهة‪.‬‬
‫الح تشة ِةر‪ :‬هةةو يةةو ُم ال ِق َيا َمة ِة ألنةةه يسةةاقون إلةةى ربهةةم ويعرضةةون‬
‫و َية تةو ُم َ‬
‫‪٥‬‬
‫‪( ،‬الحشر فيعنى به إعادة الخلق وقةد دلةت عليةه القواطةع‬ ‫للحساب‬
‫الشرعية‪ ،‬وهو ممكن بدليل االبتداء‪ .‬فإن اإلعادة خلةق ثةان وال فةرق‬
‫بينه وبين االبتداء وإنما يسمى إعادة باإلضةافة إلةى االبتةداء السةابق‪،‬‬
‫‪٣‬‬
‫‪ ،‬يخبرنةا ربنةا‬ ‫والقادر على اإلنشاء واالبتةداء قةادر علةى اإلعةادة)‬
‫سبحانه تعالى في كتابه الكريم عن الحشر يوم القيامة فيقول تعةالى‪:‬‬

‫ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬

‫‪ : ٢‬مسةند أحمةةد بةةن حنبةةل‪( .‬ت‪ ٤١ :‬هةةـ) مؤسسةةة الرسةةالة‪.‬ط‪ ١٤ ١ ،١‬هةةـ ‪ ٠٠١ -‬م‪.‬‬
‫(‪ .)٤١/٠٣‬رقم الحديث‪. ٩٢٠ :‬‬
‫ان‪ :‬المنيرتان‪ُ .‬ي َقال لكل ُمنِير َزاهِر‪ .‬والزهرة‪ :‬ا تلب َياض‬ ‫هتر َ ِ‬
‫او‬ ‫‪( : ٦‬البطلة‪ :‬الس َح َرة)‪( .‬الز َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النير)‪( .‬الغمامة والغمام‪ :‬ا تلغَ يتم تاأل تب َيض‪َ ،‬وسمي غماما ِألن ُه يغم الس َماء)‪( .‬الغياية‪ :‬كل َشيت ء‬
‫قطعة من الشيت ء‪ " ،‬فرقان "‬ ‫أظل اإلنسان َفوق َرأسه مثل السحابة والغبرة)‪( .‬ا تلفرق‪ :‬ا تل َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫ارئ َها)‪ (.‬أَظ َمأت َ‬
‫ت‬
‫ك فِي ال َه َوا ِج ِر‪ :‬شدة‬ ‫قطعتان)‪ ( .‬صواف ‪ :‬أي مصطفة متضامه لتظلل َق ِ‬
‫عطش الصائم وقت الظهيرة)* كشف المشكل من حديث الصحيحين‪ .‬جمال الدين أبو الفرج‬
‫عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت‪٢٩٥ :‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬علي حسين البواب‪ .‬دار‬
‫الوطن – الرياض‪.)١٢٠ /٤(.‬‬
‫‪ : ٥‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ .‬محماد بن محماد مرتضى‪ ،‬الزبيدي (ت‪:‬‬
‫‪١ ٠٢‬هـ)‪.) ٠/١١(.‬‬
‫‪ : ٣‬االقتصاد في االعتقاد‪ .‬أبو حامد الغزالي (ت‪٢٠٢ :‬هـ)‪ ..‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫ط‪ ١٤ ٤ ،١‬هـ ‪ ٠٠٤ -‬م‪(.‬ص‪.)١١٦‬‬
‫‪151‬‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ‬

‫ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ [ق‪ ،] ٤٤ - ٤١ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ [مريم‪:‬‬

‫‪ .] ٣٦ - ٣٢‬يفةد المؤمنةون إلةى ربهةم فيكرمةون ويعظمةون ويشةفعون‬


‫ويحيون فيها بسالم‪ ،‬ويساق المجرمون عطاشا ً مشةاة وتغشةاهم الذلةة‬

‫‪ ،‬وجاء فةي تفسةير هةاتين اآليتةين الكةريمتين‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ‬ ‫‪٩‬‬


‫والهوان‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ ‪ ،‬يفدون إلةى ربهةم فيكرمةون ويعطةون‬

‫ويحيون ويشفعون‪ ،‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ يعني الكةافرين‬

‫إلى َج َهن َم ِورت داً عطاشى ‪ ،‬مشاة على أرجلهم قد ا‬


‫تقطعت أعناقهم مةن‬
‫‪٠٠‬‬
‫‪ ،‬وقد وضحت السنة النبوية‬ ‫العطش‪ ،‬والورد جماعة يردون الماء‬
‫المطهرة بعض العالمات الخاصة بالحشر والتي جاء فيها ما يأتي‪:‬‬
‫تن َسعت د رضي هللا عنه‪،‬‬ ‫أ‪ :‬وصف أرض المحشر‪َ :‬عنت َسه ِتل ب ِ‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم‪« :‬يُحت َش ُر الناسُ َي تو َم تال ِق َيا َمة ِة‬
‫هللا َ‬ ‫َقا َل‪َ :‬قا َل َرسُو ُل ِ‬
‫تس فِي َها َعلَم ِألَ َحد»‪. ٠١‬‬ ‫َعلَى أَرت ض َبي َ‬
‫تضا َء َع تف َرا َء‪َ ،‬كقُرت َ‬
‫ص ِة النقِيِّ ‪ ،‬لَي َ‬

‫‪ : ٩‬ينظر‪ :‬بحر العلوم‪ .‬أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (ت‪:‬‬
‫‪٠٥٠‬هـ)‪.)٠٣٥ / (.‬‬
‫‪: ٠٠‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ .‬الثعلبي (ت‪٤ ٥ :‬هـ)‪.‬إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫لبنان‪.‬ط‪ ،١٤ . ١‬هـ ‪ ٠٠ -‬م‪.) ٠١/٦(.‬‬
‫‪ : ٠١‬صحيح مسلم‪.) ١٢٠/٤(.‬رقم الحديث‪. ٥٩٠:‬‬
‫‪152‬‬
‫ةاض مائلةة إلةى‬ ‫يصف الحةديث أرض المحشةر بأنهةا َغيتة ُر َشةدِيدَ ِة تال َب َي ِ‬
‫ِيق تال َم تن ُخةو ُل تال ُم َنظةفُ َو تالقُرت َ‬
‫صة ُة لَةي َ‬
‫تس فِي َهةا َعلَةم‬ ‫تالحُمت َرةِ‪َ ،‬و النقِيِّ الةدق ُ‬
‫ِألَ َحد‪ ،‬فليس فيها أَ تبنِ َي َة أو عالمات ‪. ٠‬‬
‫ب‪ :‬وصف الناس في أرض المحشر‪ :‬عن اب َتن َعباس رضي‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم َيقُو ُل‪« :‬إِن ُك تم ُمالَقُو‬ ‫هللا عنهما‪ ،‬قال َس ِمعت ُ‬
‫ت الن ِبي َ‬
‫‪ .‬يحشر الناس ُح َفاة ِب َال نعل َو َال خةف‬ ‫هللاِ ُح َفا ًة ع َُرا ًة ُم َشا ًة ُغرت ًال»‬
‫‪٠٠‬‬

‫َو َال َشيت ء بأَرجُلهم‪ ،‬و ع َُرا ًة وال ثوب يسترهم‪ ،‬و ُم َشا ًة ُغرت ًال الذِي لم‬
‫يختن‪َ ،‬و تال َم تقصُود‪ :‬أَنهم يحشرون َك َما خلقُوا أول مرا ة‪ ،‬ويعةادون َك َمةا‬
‫َكا ُنوا فِي ِاال تبتِدَ اء َال يفقةد َشةيت ء مِة تنهُم‪َ ،‬حتةى الغرلةة‪َ :‬وه َُةو َمةا يقطعة ُه‬
‫خ َتان من ذكر الص ِبي‪. ٠٤‬‬ ‫تال ِ‬
‫‪ :٢‬العرض والحساب‪ :‬هو عرض األعمال على العباد فيقرره هللا‬
‫تعالى بها ‪،‬على صورة مفردة عن بقية العباد ‪،‬ثم يحاسبه هللا تعالى‬
‫على عمله ويجزيه عنها‪.‬‬
‫وقد بين القرآن الكريم هذه الصورة الرهيبة من انفرادية‬

‫العبد يوم القيامة للعرض والحساب فقال تعالى‪ :‬ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ‬

‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬

‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬

‫‪ : ٠‬ينظر‪ :‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ .‬المال علي القاري (‪.)٠٢١٠ /٣‬‬
‫‪ : ٠٠‬صحيح البخاري‪.)١٠٩/٣(.‬رقم الحديث‪.٦٢ ٤ :‬‬
‫‪ : ٠٤‬ينظر‪ :‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ .‬بدر الدين العيني(ت‪٣٢٢ :‬هـ)‪.‬دار‬
‫إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت (‪.)١٠٦ / ٠‬‬
‫‪153‬‬
‫ﰎ ﰏ ﭼ [األنعام‪ ،] ٩٤ :‬وثبتت المالئكة أعمال العباد فتعرض‬

‫عليهم يوم القيامة فتراهم كما قال هللا تعالى‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬

‫ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋ‬

‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ‬

‫[الكهف‪ ،]٤٩ :‬وجدوا أعمالهم قد أحصيت عليهم وثبتت الصغيرة‬


‫والكبيرة في كتاب أعمال الخلق‪ ،‬يأخذ كل امرل كتابه فِي يمينه أو‬
‫شماله بما قدم من عمل فال يظلم ربك أحداً‪ ،‬وهو على كل شيء‬
‫‪٠٢‬‬
‫‪.‬‬ ‫قدير‬
‫وقد بينت السنة النبوية المطهرة عدد هذه العرضات وما‬
‫فعنت أَ ِبي ه َُري َتر َة رضي هللا عنه‪َ ،‬قا َل‪َ :‬قا َل‬
‫تضمنته من أعمال‪َ ،‬‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم‪« :‬يُعت َرضُ الناسُ َي تو َم ال ِق َيا َم ِة َث َال َ‬
‫ث‬ ‫هللا َ‬ ‫َرسُولُ ِ‬
‫ض ُة الثالِ َث ُة‪،‬‬‫العرت َ‬ ‫جدَ ال َو َم َعاذِيرُ‪َ ،‬وأَما َ‬‫ان َف ِ‬
‫ض َت ِ‬ ‫ضات‪َ ،‬فأَما َعرت َ‬ ‫َعرت َ‬
‫صحُفُ فِي األَ تيدِي‪َ ،‬فرخِذ ِب َيمِينِ ِه َوآخِذ ِبشِ َمالِ ِه»‪. ٠٦‬‬ ‫َف ِع تندَ َذلِ َ‬
‫ك َتطِ ي ُر ال ُّ‬
‫فالعرض‪ :‬عبارة عن المحاسبة‪ .‬شبه ذلك بعرض السلطان‬
‫العسكر لتعرف أحوالهم ومحاسبتهم على أعمالهم بالخير أو الشر‪.‬‬
‫وهو يوم القيامة ثالث عرضات‪ :‬فأما عرضتان‪ :‬فاعتذار واحتجاج‬

‫‪ : ٠٢‬ينظةةر‪ :‬الوسةةيط فةةي تفسةةير القةةرآن المجيةةد‪ .‬أبةةو الحسةةن الواحةةدي‪ ،‬النيسةةابوري (ت‪:‬‬
‫‪٤٦٣‬هـ)‪.‬تحقيق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ .‬دار الكتب العلميةة‪ ،‬بيةروت – لبنةان‪.‬ط‪،١‬‬
‫‪ ١٤١٢‬هـ ‪١٩٩٤ -‬م‪.)١٢ /٠(.‬‬
‫‪ : ٠٦‬الترمذي‪(. )٦١٥/٤(.‬رقم الحديث‪.) ٤ ٢:‬‬
‫‪154‬‬
‫وتوبيخ واعتراف‪ ،‬وأما الثالثة‪ :‬ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه‬

‫‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫‪٠٥‬‬


‫بيمينه والهالك كتابه بشماله‬

‫ﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀﮁ‬

‫ﮂﮃﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐ‬

‫ﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ‬

‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ [االنشقاق‪.] ١٢ - ٦ :‬‬

‫‪: ٠٥‬الكشةةاف‪ .‬أبةةةو القاسةةم محمةةةود بةةن عمةةةر الزمخشةةري‪ .‬دار إحيةةةاء التةةراث العربةةةي –‬
‫بيروت‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق المهدي‪.)٦٠٦/٤(.‬‬
‫‪155‬‬
‫األسئلة‬
‫س‪ :١‬عرف الساعة وبين أهم ما ورد في إثباتها في القرآن الكريم‪.‬‬

‫س ‪ :‬عدد خمسة من أسماء الساعة وردت في القرآن الكريم مع‬


‫األدلة‪.‬‬

‫س‪ :٠‬عرف الصور وبين عدد النفخات فيه مع األدلة‪.‬‬

‫س‪ :٤‬بين مفهوم الحشر وأدلته‪.‬‬

‫س‪ :٢‬تكلم على العرض والحساب مع األدلة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬بعض أحوال يوم القيامة‬
‫في هذا المطلب نتعرف أبرز أحوال يوم القيامة وأحداثها‬
‫والذي تظهر فيها كرامة المؤمن وتتضح فيه عقوبة الكافر والمنافق‪،‬‬
‫وبتسلسل االحداث ندرس هذا المطلب وهي كاآلتي‪:‬‬
‫‪ :0‬الحوض‬
‫الحوض حق ثابت في الكتاب والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬حيث‬
‫جاء في السنة النبوية ما يشير إلى أن الكوثر الوارد ذكره في القرآن‬
‫فعنت أَ َنس رضي هللا عنه‪َ ،‬قا َل‪َ ( :‬ب تي َنا َرسُولُ ِ‬
‫هللا‬ ‫الكريم هو الحوض‪َ ،‬‬
‫ات َي توم َبي َتن أَ تظه ُِر َنا إذ أَ تغ َفى إِ تغ َفا َء ًة ُثم َر َف َع‬ ‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم َذ َ‬ ‫َ‬
‫ت َعلَي آنِ ًفا‬ ‫هللا َقا َل‪« :‬أ ُ تن ِزلَ ت‬‫ك َيا َرسُو َل ِ‬ ‫َر تأ َس ُه ُم َت َب ِّسمًا‪َ ،‬فقُ تل َنا‪َ :‬ما أَضت َح َك َ‬
‫ص ِّل‬ ‫اك تال َك تو َث َر‪َ .‬ف َ‬ ‫ُورة» َف َق َرأَ‪ِ :‬بست ِم هللاِ الرحت َم ِن الرح ِِيم {إِنا أَعت َط تي َن َ‬ ‫س َ‬
‫ِّك َوا تن َحرت ‪ .‬إِن َشانِ َئ َك ه َُو تاألَ تب َت ُر} ‪ُ ،‬ثم َقا َل‪« :‬أَ َت تدر َ‬
‫‪٠٣‬‬
‫ُون َما‬ ‫ل َِرب َ‬
‫تال َك تو َثرُ؟» َفقُ تل َنا هللاُ َو َرسُولُ ُه أَعت لَ ُم‪َ ،‬قا َل‪َ " :‬فإِن ُه َنهتر َو َعدَ نِي ِه َربِّي َعز‬
‫َو َجل‪َ ،‬علَ تي ِه َخيتر َكثِير‪ ،‬ه َُو َح توض َت ِر ُد َعلَ تي ِه أُمتِي َي تو َم تالقِ َيا َمةِ‪ ،‬آنِ َي ُت ُه‬
‫ُوم‪. ٠٩).....‬‬ ‫َعدَ ُد ال ُّنج ِ‬

‫وبينةةت السةةنة النبويةةة المطهةةرة وصةةف الحةةوض بشةةيء مةةن‬


‫التفصيل من حيث طوله وعرضه وآنيته وطعمه ولونه وغيرهةا مةن‬
‫التفاصةةيل المميةةزة لةةه عةةن مةةاء الةةدنيا‪َ ،‬عةةنت أَ ِبةةي َذرٍّ‪َ ،‬قةةا َل‪ :‬قُ تلة ُ‬
‫ةت‪َ :‬يةةا‬
‫ض َقا َل‪َ « :‬والذِي َن تفسُ م َُحمد ِب َي ِد ِه َآلنِ َي ُت ُه أَ تك َثة ُر‬
‫َرسُو َل هللاِ َما آنِ َي ُة تال َح تو ِ‬
‫‪( : ٠٣‬سورة الكوثر‪ :‬اآلية )‪.‬‬
‫‪ : ٠٩‬صحيح مسلم‪ .‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسةابوري (ت‪ ٦١ :‬هةـ)‪.‬فةؤاد‬
‫عبد الباقي‪ .‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ )٠٠٠/١(.‬رقم الحديث‪٤٠٠:‬‬
‫‪157‬‬
‫ُةوم السة َما ِء َو َك َواك ِِب َهةا‪ ،‬أَ َال فِةةي الل تيلَة ِة تالم تُظلِ َمة ِة تالمُصت ة ِ‬
‫ح َيةِ‪،‬‬ ‫ِمةنت َعةةدَ ِد ُنج ِ‬
‫ةان‬ ‫ب ِم تن َها لَ تم َي تظ َمأت آخ َِر َما َعلَ تيهِ‪َ ،‬ي تش َخبُ فِية ِه م َ‬
‫ِيزا َب ِ‬ ‫آنِ َي ُة تال َجن ِة َمنت َش ِر َ‬
‫ةان‬
‫طولِهِ‪َ ،‬ما َبي َتن َعم َ‬ ‫ض ُه م تِث ُل ُ‬ ‫ب ِم تن ُه لَ تم َي تظ َمأت‪َ ،‬عرت ُ‬ ‫م َِن تال َجنةِ‪َ ،‬منت َش ِر َ‬
‫إلى أَ تيلَ َة‪َ ، ٤٠‬ماؤُ هُ أَ َش ُّد َب َياضًا م َِن الل َب ِن‪َ ،‬وأَحت لَى م َِن تال َع َس ِل»‪. ٤١‬‬

‫صةةلى هللاُ َعلَيتةة ِه َو َسةةل َم‪:‬‬ ‫هللا بتةةنُ َعمتةةرو‪َ :‬قةةا َل الن ِبةةيُّ َ‬‫َقةةا َل َعبتةة ُد ِ‬
‫ِةن اللة َب ِن‪َ ،‬و ِري ُحة ُه أَ تط َيةبُ ِمة َةن‬ ‫ةيرةُ َشةهتر‪َ ،‬مةاؤُ هُ أَ تبة َيضُ م َ‬
‫« َح توضِ ةي مَسِ َ‬
‫‪. ٤‬‬
‫ب ِم تن َها َفالَ َي تظ َمأ ُ أَ َب ًدا»‬
‫ُوم الس َما ِء‪َ ،‬منت َش ِر َ‬‫ِيزا ُن ُه َك ُنج ِ‬
‫ال ِمست كِ ‪َ ،‬وك َ‬

‫ةةيرةُ َشةةهتر‪ ،‬بم َُربةةع مُست ةة َتو َال َيزيةة ُد ُ‬


‫طولُةة ُه َعلَةةى‬ ‫ض مَسِ َ‬ ‫ةالح تو ِ‬
‫فة َ‬
‫ِ‬
‫ُةوم السة َما ِء) فِةي تال َك تث َةر ِة َوال ُّن َ‬
‫ورانِيةةِ‪،‬‬ ‫ِيزا ُنه َجمت ُع ُكوز( َك ُنج ِ‬ ‫َعرت ضِ هِ‪ ،‬وك َ‬
‫ومن شرب منه َفالَ َي تظ َمأ ُ أَ َب ًدا ‪. ٤٠‬‬

‫‪ : ٤٠‬أيلة‪ :‬هي مدينة العقبة اليوم (األردن) ‪ .‬وفي تبوك ورد صاحب أيلة على رسول هللا‪،‬‬
‫وأعطةةاه الجزيةةة‪ ..‬المعةةالم األثيةةرة فةةي السةةنة والسةةيرة‪ .‬محمةةد بةةن محمةةد حسةةن ُشةةراب‪ .‬دار‬
‫القلم‪ ،‬الدار الشامية ‪ -‬دمشق‪ -‬بيروت‪.‬ط‪ ١٤١١ .١‬هـ‪(.‬ص‪.)٤٠:‬‬
‫‪: ٤١‬صحيح مسلم‪(.)١٥٩٣/٤(.‬رقم الحديث‪.) ٠٠٠:‬‬
‫‪: ٤‬صةحيح البخةاري‪ .‬محمةد بةن إسةماعيل أبةو عبةدهللا البخةاري الجعفةي‪ .‬المحقةق‪ :‬محمةد‬
‫زهيةةر بةةن ناصةةر الناصةةر‪ .‬دار طةةوق النجةةاة ‪ .‬الطبعةةة‪ :‬األولةةى‪١٤ ،‬هةةـ (‪)١١٩/٣‬رقةةم‬
‫الحديث‪.٦٢٥٩:‬‬
‫‪ : ٤٠‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪.)٠٢٠٦ /٣(.‬‬
‫‪159‬‬
‫‪ :6‬الشفاعة‬
‫والشةةةفاعة مةةةن أعظةةةم َمةةةا احت ةةةتج ب َهةةةا َوقةةةد َجةةةا َء اثباتهةةةا فةةةي‬
‫واآل َثةةةةار َعةةةن َرسُةةةول هللا والشةةةةفاعة فِةةةي تال َمعت ُهةةةةود‬
‫القةةةرآن الكةةةريم ت‬
‫والمتعةةةةالم مةةةةن األمةةةةر تكةةةةون عِ تنةةةةد زالت يست ةةةة َت توجب ب َهةةةةا المقةةةةت‬
‫والعقوبةةةةةةةة فيعفةةةةةةةى َعةةةةةةةن مرتكبهةةةةةةةا بشةةةةةةةفاعة األخيةةةةةةةار َوأهةةةةةةةل‬
‫‪٤٤‬‬
‫‪.‬‬ ‫ضا‬
‫الرِّ َ‬

‫ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬

‫ﭼ [الزمر‪ .] ٤٤ :‬قُ تل ِهللِ الش َف َ‬


‫اع ُة َجمِيعًا‪ :‬أي هو مختص بها ومالك‬
‫‪٤٢‬‬
‫‪ ،‬وله‬ ‫الشفاعة كلها‪ ،‬فال يشفع أحد إال بإذنه‪ ،‬وال يستقل بها أحد‬
‫تعالى أن يكتبها لمن يشاء من عباده الصالحين إكراما ً له‪ ،‬وأعظم‬
‫الشفعاء هو سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم‪َ ،‬عنت أَ ِبي ه َُري َتر َة‬
‫صلى هللا ُ َعلَ تي ِه َو َسل َم‪« :‬لِ ُك ِّل َن ِبيٍّ‬‫رضي هللا عنه‪َ ،‬قا َل‪َ :‬قا َل َرسُولُ هللاِ َ‬
‫اع ًة‬ ‫ت دَ عت َوتِي َش َف َ‬ ‫اخ َت َبأت ت‬
‫دَ عت َوة مُست َت َجا َبة‪َ ،‬ف َت َعج َل ُك ُّل َن ِبيٍّ دَ عت َو َتهُ‪َ ،‬وإِ ِّني ت‬
‫ك‬ ‫ات ِمنت أُمتِي َال ُي تش ِر ُ‬ ‫ِألُمتِي َي تو َم تالقِ َيا َمةِ‪َ ،‬ف ِه َي َنائِلَة إِنت َشا َء هللاُ َمنت َم َ‬
‫ِباهللِ َش تي ًئا»‪ . ٤٦‬لكل نبيٍّ عند هللا من رفيع الدرجة وكرامة المنزلة‬

‫‪ : ٤٤‬ينظر‪ :‬التوحيد‪ .‬محمةد بةن محمةد بةن محمةود‪ ،‬أبةو منصةور الماتريةدي (ت‪٠٠٠ :‬هةـ)‬
‫المحقق‪ :‬د‪ .‬فتح هللا خليف‪ .‬دار الجامعات المصرية – اإلسكندرية‪(.‬ص‪.)٠٦٢‬‬
‫‪ : ٤٢‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج‪ .‬د‪ .‬وهبة الزحيلةي‪ .‬دار الفكةر المعاصةر‬
‫– دمشق‪.‬ط ‪١٤١٣ ،‬هـ‪.)١٩/ ٤(.‬‬
‫‪: ٤٦‬صحيح مسلم ‪(.)١٣٩/١(.‬رقم الحديث‪.)١٩٩:‬‬
‫‪151‬‬
‫أن جعل له أن يدعوه فيما أحبا من األمور ويبلغه أمنيته‪ ،‬فيدعو في‬
‫‪٤٥‬‬
‫ذلك وهو عالم بإجابة هللا له‪.‬‬
‫ةةول هللاِ‬
‫ةةع َر ُسة ِ‬‫ةةجعِيِّ ‪َ ،‬قةةةا َل‪ُ :‬كنةةةا َمة َ‬ ‫ةةن َمالِةةةك تاألَ تشة َ‬
‫َعةةةنت َعة تةةوفِ تبة ِ‬
‫ةةت أَ تطلُةةبُ الن ِبةةةي‬ ‫صةةلى هللاُ َعلَيتةة ِه َو َسةةةل َم فِةةي َسةةة َفر‪َ ،‬ف َن َز تل َنةةا لَ تيلَ ً‬
‫ةةة‪َ ،‬فقُمت ة ُ‬ ‫َ‬
‫ةةن َج َبةةةل‪َ ،‬وأَ َبةةةا‬ ‫ةةاذ تبة َ‬‫ت م َُعة َ‬ ‫صةةةلى هللاُ َعلَ تيةةة ِه َو َسةةةل َم َفلَةةة تم أَ ِ‬
‫جة تةةدهُ‪َ ،‬و َو َجة تةةد ُ‬ ‫َ‬
‫تةةةةن َرسُةةةةو ُل هللاِ‬ ‫ةةةةت‪ :‬أَي َ‬ ‫ةةةةك؟ َفقُ تل ُ‬
‫اج ُت َ‬ ‫ةةةةاال‪َ :‬مةةةةا َح َ‬ ‫ةةةةع ِري َف َق َ‬ ‫ُوسةةةةى تاألَ تش َ‬‫م َ‬
‫ةةك إذ‬ ‫صةةةلى هللاُ َعلَ تيةةة ِه َو َسةةةل َم؟ َف َقةةةا َل‪َ :‬ال َنة تةةد ِري‪َ ،‬ف َب تي َنةةةا َنحت ةةةنُ َعلَةةةى َذلِة َ‬ ‫َ‬
‫ةث أَنت َجةةا َء‬ ‫ِير الر َحةةا‪َ ،‬فلَةة تم َن تل َبة ت‬ ‫َ‬
‫َس ة ِمعت َنا فِةةي أعت لَةةى تال َةةوادِي َه ة ِديرً ا َك َهةةد ِ‬
‫اك الل تيلَةةة َة‪،‬‬ ‫صةةةلى هللاُ َعلَ تيةةة ِه َو َسةةل َم‪َ ،‬فقُ تل َنةةةا‪َ :‬يةةةا َرسُةةو َل ِ‬
‫هللا‪َ ،‬ف َقة تةةد َن َ‬ ‫الن ِبةةيُّ َ‬
‫ةةةون أُمتِةةةةي‬‫َف َقةةةةا َل‪« :‬إِنةةةة ُه أَ َتةةةةانِي آت ِمةةةةنت َر ِّبةةةةي َف َخي َرنِةةةةي َبةةةةي َتن أَنت َت ُكة َ‬
‫اع َة» ‪َ ،‬فقُ تل َنةةا‪َ :‬يةةا‬‫ت الش ة َف َ‬ ‫اعةِ‪َ ،‬ف ت‬
‫ةةاخ َترت ُ‬ ‫ةط َر أهةةل تال َجن ةةِ‪َ ،‬و َبةةي َتن الش ة َف َ‬‫َشة ت‬
‫اعةِ‪َ ،‬ف َقةةةةةا َل‪« :‬الل ُهةةةةةم‬ ‫هللا أَنت َيجت َعلَ َنةةةةةا ِمةةةةةنت أهةةةةةل الشةةةةة َف َ‬
‫َن ِبةةةةةي هللاِ تاد ُع َ‬
‫اجت َع تل ُه ة تم ِمةةنت أَهت لِ َهةةا» ‪ُ ،‬ثةةم أَ َت تي َنةةا تال َق تةةو َم َفأ َ تخ َبرت َنةةا ُه تم َف َقةةالُوا‪َ :‬يةةا َرسُةةو َل‬
‫اعت َِك‪َ ،‬ف َقةةةا َل‪« :‬الل ُهةةةم اجت َع تل ُهةةة تم‬‫هللا أَنت َيجت َعلَ َنةةةا ِمةةةنت أهةةةل َشةةة َف َ‬ ‫هللاِ‪ ،‬تاد ُع َ‬
‫ُ‬ ‫ِمةةةنت أَهت لِ َهةةةا» ُثةةةم َقةةةا َل َر ُسةةةو ُل هللاِ َ‬
‫صةةةلى هللاُ َعلَ تيةةة ِه َو َسةةةل َم‪« :‬أ تشة ِ‬
‫ةةه ُد ُك تم‬
‫ك ِباهللِ َش تي ًئا»‪. ٤٣‬‬ ‫ات َال ُي تش ِر ُ‬
‫اعتِي لِ ُك ِّل َمنت َم َ‬ ‫أَن َش َف َ‬
‫اختار رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الشفاعة ألمته يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وادخر تلك الدعوة لهم‪ ،‬وذلك من عظيم رحمته بهذه األمة‬

‫‪ : ٤٥‬شةةرح صةةحيح البخةةاري‪ .‬ابةةن بطةةال أبةةو الحسةةن علةةي بةةن خلةةف بةةن عبةةد الملةةك (ت‪:‬‬
‫‪٤٤٩‬هةةـ)‪ .‬تحقيةةق‪ :‬أبةةو تمةةيم ياسةةر بةةن إبةةراهيم‪ .‬مكتب ةة الرشةةد ‪.‬الريةةاض‪.‬ط ‪١٤ ٠ ،‬هةةـ ‪-‬‬
‫‪ ٠٠٠‬م‪.)٥٤/١٠(.‬‬
‫‪ : ٤٣‬الجةةةةةامع ‪.‬معمةةةةةر بةةةةةن أبةةةةةي عمةةةةةةرو األزدي‪(.‬منشةةةةةور كملحةةةةةق بمصةةةةةنف عبةةةةةةد‬
‫الرزاق)‪(. )٤١٠/١١(..‬رقم الحديث‪.) ٠٣٦٢ :‬‬
‫‪160‬‬
‫‪،‬وهي الشفاعة العظمى التي يبدأ بعدها الحساب‪ ،‬ثم شفاعته ألمته‬
‫في أن يشملهم هللا تعالى بعفوه ومغفرته لكل من مات ولم يشرك باهلل‬
‫شيئا ً ‪ ،‬وكل ذلك من فضله هللا تعالى ومنته‪.‬‬
‫‪ :4‬وزن األعمال‬
‫أعمال العباد توزن يوم القيامة لتكتسب بها درجات في الجنة‬
‫بهم بدركات في النار للعصاة والكفار‬ ‫للمؤمنين‪ ،‬أو تترد‬
‫والمنافقين‪ ،‬وهذا الميزان يضبطه عدل هللا تعالى على المجرمين‬

‫وفضله على عباده المؤمنين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬

‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ [األنبياء‪ .] ٤٥ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮘ ﮙ‬

‫ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [األعراف‪ .] ٣ :‬وقوله‬

‫تعالى‪ :‬ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬

‫ﮭ ﭼ [األعراف‪.] ٩ :‬‬

‫فيه ثالثة أقوال‪:‬‬


‫أحااااادها‪ :‬أن الةةةةةوزن هةةةةةا هنةةةةةا هةةةةةو القضةةةةةاء بةةةةةالحق‪ ،‬أي‬
‫بالعةةةدل ‪ ،‬قالةةةه مجاهةةةد‪ .‬والثااااني‪ :‬أنةةةه موازنةةةة الحسةةةنات والسةةةيئات‬

‫‪161‬‬
‫بعالمةةةةةات يراهةةةةةا النةةةةةاس يةةةةةوم القيامةةةةةة‪ .‬والثالاااااث‪ :‬أنةةةةةه موازنةةةةةة‬
‫الحسنات والسيئات بميزان له كفتان‪ ،‬قاله الحسن وطائفة‪.‬‬
‫واختلةةةةف مةةةةن قةةةةال بهةةةةذا فةةةةي الةةةةذي يةةةةوزن علةةةةى ثالثةةةةة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫أحااادها‪ :‬أن الةةةذي يةةةوزن هةةةو الحسةةةنات والسةةةيئات بوضةةةع‬
‫إحةةةةداهما فةةةةي كفةةةةة واألخةةةةر فةةةةي كفةةةةة‪ ،‬قالةةةةه الحسةةةةن والسةةةةدي‪.‬‬
‫والثاااااني‪ :‬أن الةةةةذي يةةةةوزن صةةةةحائف األعمةةةةال‪ ،‬فأمةةةةا الحسةةةةةنات‬
‫والسةةةيئات فهةةةي أعمةةةال ‪ ،‬والةةةوزن إنمةةةا يكمةةةن فةةةي األجسةةةام‪ ،‬قالةةةه‬
‫عبةةةد هللا بةةةن عمةةةر‪ .‬والثالاااث‪ :‬أن الةةةذي يةةةوزن هةةةو اإلنسةةةان‪ ،‬قالةةةه‬
‫‪٤٩‬‬
‫‪.‬‬ ‫عبيد بن عمير‬
‫وقةةةد بينةةةت السةةةنة النبويةةةة المطهةةةرة فضةةةل هللا تعةةةالى علةةةى‬
‫ةةاص رضةةةي هللا‬
‫العة ِ‬
‫ةةن َ‬ ‫عبةةةاده المةةةؤمنين‪ ،‬عةةةن َع تبةةةد هللاِ تبةةةن َعمت ة ِ‬
‫ةةرو تبة ِ‬
‫صةةةةلى هللاُ َعلَ تيةةةة ِه َو َسةةةةل َم‪ " :‬إِن َ‬
‫هللا‬ ‫عنهمةةةةا‪َ ،‬يقُةةةةو ُل‪َ :‬قةةةةا َل َر ُسةةةةو ُل هللاِ َ‬
‫ُ‬ ‫َسةةةةي َُخلِّصُ َر ُجة ً‬
‫الخ َالئِة ِ‬
‫ةةةق َية ت‬
‫ةةةو َم القِ َيا َمةةةة ِة‬ ‫ُوس َ‬ ‫ةةةال ِمةةةةنت أمتِةةةةي َعلَةةةةى ُرء ِ‬
‫صة ِةر‪ُ ،‬ثةةم‬ ‫ج ٍّل م تِث ة ُل َم ة ِّد ال َب َ‬ ‫ِين سِ ة ً‬ ‫ش ة ُر َعلَ تي ة ِه تِست ة َةع ًة َوتِست ةع َ‬
‫ج اال ُك ة ُّل سِ ة ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َي تن ُ‬
‫ون؟ َف َيقُةةو ُل‪َ :‬ال‬ ‫ِظ َ‬ ‫الحةةاف ُ‬ ‫ةةك َك َت َبتِةةي َ‬ ‫َيقُةةو ُل‪ :‬أَ ُت تنكِةة ُر ِمةةنت َه َةةذا َش ة تي ًئا؟ أَ َظلَ َم َ‬
‫ةةك ُعةةة تذر؟ َف َيقُةةةو ُل‪َ :‬ال َيةةةا َربِّ ‪َ ،‬ف َيقُةةةو ُل‪َ :‬بلَةةةى إِن‬ ‫َيةةةا َربِّ ‪َ ،‬ف َيقُةةةو ُل‪ :‬أَ َفلَة َ‬
‫تةةك ال َي تةةو َم‪َ ،‬ف َت تخةة ُر ُج بِ َطا َقةةة فِي َهةةةا‪:‬‬ ‫ةةك عِ تنةةدَ َنا َح َسةة َن ًة‪َ ،‬فإِنةة ُه َال ُ‬
‫ظ تلةة َم َعلَي َ‬ ‫لَ َ‬
‫أَ تشةةة َه ُد أَنت َال إِلَةةة َه إِال هللاُ َوأَ تشةةة َه ُد أَن م َُحمة ًةةدا َع تبةةة ُدهُ َو َر ُسةةةولُهُ‪َ ،‬ف َيقُةةةو ُل‪:‬‬
‫الب َطا َقةةةةة ُة َمة َ‬
‫ةةةةع َهةةةةة ِذ ِه‬ ‫ضةةةةةرت َو تز َنة َ‬
‫ةةةةك‪َ ،‬ف َيقُةةةةةو ُل‪َ :‬يةةةةةا َربِّ َمةةةةةا َهةةةةة ِذ ِه ِ‬ ‫احت ُ‬

‫‪ : ٤٩‬النكت والعيون‪ .‬الماوردي (ت‪٤٢٠ :‬هـ)‪.) ٠١ / (.‬‬


‫‪162‬‬
‫جال ُ‬
‫ت فِةةةي‬ ‫ةةك َال ُت تظلَةةة ُم "‪َ ،‬قةةةا َل‪َ « :‬ف ُت َ‬
‫وضةةة ُع ال ِّسةةة ِ‬ ‫جالتِ‪َ ،‬ف َقةةةا َل‪ :‬إِنة َ‬
‫ال ِّسةةة ِ‬
‫الب َطا َقةةة ُة‪َ ،‬فة َ‬
‫ةةال‬ ‫ت ِ‬ ‫ت َو َثقُلَةةة ِ‬
‫جال ُ‬ ‫الب َطا َقةةة ُة فِةةةي َكفةةةة‪َ ،‬ف َطا َشةةة ِ‬
‫ت ال ِّسةةة ِ‬ ‫َكفةةةة َو ِ‬
‫َي تثقُ ُل َم َع است ِم هللاِ َشيت ء»‪. ٢٠‬‬

‫‪ :3‬الصراط‪ :‬جسر ممدود على نار جهنم يمر فوقه الناس أجمعين‬
‫فيسقط الظالم لنفسه ويتجاوزه المقتصد بالطاعات مع تعثره‪ ،‬ويفوز‬

‫السابق بالخيرات‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ [مريم‪- ٥١ :‬‬

‫‪ ،] ٥‬جاء َعنت أَبِي َسعِيد تال ُخ تد ِريِّ رضي هللا عنه أنه قال‪ُ ( :‬ثم‬
‫ون‪ :‬اللهُم َسلِّ تم‪َ ،‬سلِّ تم‬
‫اع ُة‪َ ،‬و َيقُول ُ َ‬ ‫يُضت َربُ تال ِ‬
‫جست ُر َعلَى َج َهن َم‪َ ،‬و َت ِ‬
‫ح ُّل الش َف َ‬
‫جست رُ؟ َقا َل‪ " :‬دَحت ض َم ِزلة‪ ،‬فِي ِه‬ ‫هللا‪َ ،‬و َما تال ِ‬ ‫" قِي َل‪َ :‬يا َرسُو َل ِ‬
‫ش َو تي َكة يُ َقا ُل لَ َها‬
‫َو َك َاللِيبُ َو َح َسك َت ُكونُ ِب َنجت د فِي َها ُ‬ ‫َخ َطاطِ يفُ‬
‫الرِّيح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تن‪َ ،‬و َك تال َبرت ِق‪َ ،‬و َك‬
‫ون َك َطرت فِ تال َعي ِ‬
‫َف َي ُم ُّر تالم تُؤ ِم ُن َ‬ ‫السعت دَ انُ ‪،‬‬
‫اوي ِد تال َخي ِتل َوالرِّ َكابِ‪َ ،‬ف َناج م َُسلم‪َ ،‬و َم تخ ُدوش مُرت َسل‪،‬‬ ‫َو َكأ َ َج ِ‬ ‫َو َكالطي ِتر‪،‬‬
‫َو َم تك ُدوس فِي َن ِ‬
‫‪٢١‬‬
‫‪.‬‬ ‫ار َج َهن َم)‬
‫ةةةو تال َم توضِ ةةةة ُع الةةةةذِي‬
‫َوالةةةةدحت ضُ َو تال َم َزلةةةة ُة ِب َمعت ًنةةةةى َواحِةةةةد َو ُهة َ‬
‫ةةز ُّل فِيةةة ِه تاألَ تقةةةدَ ا ُم َو َال َتست ةةة َتقِرُّ‪ ،‬أَمةةةا تال َخ َطةةةاطِ يفُ َف َجمت ةةة ُع ُخطةةةاف مةةةن‬
‫َتة ِ‬
‫‪ : ٢٠‬سةنن الترمةذي‪ .‬محمةد بةن عيسةى بةن َس تةورة بةن موسةى بةن الضةحاك‪ ،‬الترمةذي‪ ،‬أبةو‬
‫عيسةى (ت‪ ٥٩ :‬هةـ)‪.‬تحقيةق وتعليةق‪ :‬أحمةد محمةد شةاكر‪ .‬شةركة مكتبةة ومطبعةة مصةطفى‬
‫البةةةةةابي الحلبةةةةةي – مصةةةةةر ‪.‬ط ‪ ١٠٩٢ ،‬هةةةةةـ ‪ ١٩٥٢ -‬م‪.) ٤/٢(.‬رقةةةةةم الحةةةةةديث‪. ٦٠٩:‬‬
‫قال الترمذي‪َ « :‬ه َذا َحدِيث َح َسن غ َِريب»‬
‫‪: ٢١‬صحيح مسلم‪.)١٦٥/١(.‬رقم الحديث‪.١٣٠:‬‬
‫‪163‬‬
‫الخطةةةف واألخةةةذ بشةةةدة َو تال َك َاللِيةةةبُ ِب َمعت َنةةةاهُ َوأَمةةةا تال َح َسةةة ُ‬
‫ك َف ِب َفةةة تت ِح َ ُهة َةةو‬
‫صةةةلى هللاُ َعلَ تيةةة ِه َو َسةةةل َم‪َ ( :‬ف َنةةةاج‬ ‫صة تةةلب ِمةةةنت َحدِيةةةد وأمةةةا َق تولُةةة ُه َ‬‫َشة تةةوك ُ‬
‫ةةةار َج َهةةةن َم) َمعت َنةةةاهُ أَنهُةةة تم‬
‫م َُسةةةلم َو َم تخةةة ُدوش مُرت َسةةةل َو َم تكةةة ُدوس فِةةةي َن ِ‬
‫ةةال َوقِست ةةةم ي تُخةةةدَ شُ ُثةةةم‬ ‫ثالثةةةة أقسةةةام قسةةةم يسةةةلم فةةةال ينالةةةه شةةةيء أَصت ة ً‬
‫يُرت َسةةة ُل َفةةةي َُخلصُ َوقِست ةةةم ُي َكةةةرت دَ سُ َوي تُل َقةةةى َف َيست ةةةقُ ُ‬
‫ط فِةةةي َج َهةةةن َم‪ ،‬فهةةةةو‬
‫صةةةةةراط علةةةةةى جهةةةةةنم تكةةةةةون الكالليةةةةةب علةةةةةى جانبيةةةةةه تضةةةةةرب‬
‫العصةةةةاة فيتسةةةةاقطون فةةةةي نةةةةار جهةةةةنم‪ ،‬ويمةةةةر المؤمنةةةةون كطةةةةرف‬
‫العةةةةةين بسةةةةةرعتهم أي كغمضةةةةةة عةةةةةين وانفتاحهةةةةةا ‪ ،‬أو كاإلضةةةةةاءة‬
‫فةةةةةةي السةةةةةةماء بةةةةةةالبرق‪ ،‬وكةةةةةةالريح وهكةةةةةةذا كمةةةةةةا بينةةةةةةه الحةةةةةةديث‬
‫‪٢‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشريف‬
‫‪ :‬الجزاء‪ :‬هو مقام الناس لالقتصاص بينهم في المظالم والحقوق‬
‫التي لهم أو عليهم‪ ،‬فبعد تجاوزهم الصراط ونجاتهم من السقوط في‬
‫نار جهنم ‪ ،‬تأتي مرحلة دفع المظالم‪ ،‬ألن هللا تعالى اشترط أن ال‬
‫يدخل الجنة اال الطيب‪ ،‬والمظالم تمنع وتحجب هذا الوصف عن‬

‫المؤمنين‪ ،‬حتى قال هللا تعالى في كتابه الكريم‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ‬

‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬

‫‪: ٢‬ينظر‪ :‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ .‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن‬
‫شرف النووي (ت‪٦٥٦ :‬هـ)‪ .‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪.‬ط ‪١٠٩ ،‬هـ‪/٠(.‬‬
‫‪.) ٩‬‬
‫‪164‬‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ [الزمر‪ .]٥٠ :‬حشروا إلى‬
‫‪٢٠‬‬
‫‪.‬‬ ‫دخول الجنة جماعة جماعة‬
‫َسعِيد ال ُخ تد ِري رَضِ َي هللاُ َع تنهُ‪،‬‬ ‫وجاء في السنة النبوية أَن أَ َبا‬
‫ون م َِن‬ ‫َو َسل َم‪َ « :‬ي تخلُصُ الم تُؤ ِم ُن َ‬ ‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه‬‫َقا َل‪َ :‬قا َل َرسُو ُل هللاِ َ‬
‫ار‪َ ، ٢٤‬ف ُي َقصُّ لِ َبعت ضِ ِه تم‬ ‫الجن ِة َوالن ِ‬ ‫ُون َعلَى َق تن َط َرة َبي َتن َ‬ ‫ار‪َ ،‬فيُحت َبس َ‬ ‫الن ِ‬
‫ت َب تي َن ُه تم فِي ال ُّد تن َيا‪َ ،‬حتى إذا ه ُِّذبُوا َو ُنقُّوا أُذ َِن لَهُ تم‬
‫ِمنت َبعت ض َم َظالِ ُم َكا َن ت‬
‫الجنةِ‪َ ،‬ف َو الذِي َن تفسُ م َُحمد ِب َي ِدهِ‪َ ،‬ألَ َح ُد ُه تم أَهت َد ِب َم تن ِزلِ ِه فِي‬ ‫ول َ‬ ‫فِي ُد ُخ ِ‬
‫ان فِي ال ُّد تن َيا»‪. ٢٢‬‬
‫الجن ِة ِم تن ُه ِب َم تن ِزلِ ِه َك َ‬
‫َ‬

‫‪ :2‬الجنة والنار‬
‫أ‪ :‬الجنة‪....‬‬
‫الجنة منزل الفائزين في عبادة رب العالمين‪ ،‬فهي أمل العباد‬

‫أن يكرمهم هللا تعالى بدار الخلد في الجنة قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ‬

‫ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬

‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ آل[عمران‪:‬‬

‫‪ : ٢٠‬ينظر‪ :‬الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره‪ ،‬وأحكامةه‪ ،‬وجمةل مةن‬
‫فنون علومه‪ .‬أبو محمد مكي بن أبي طالب َحماةوش بةن محمةد بةن مختةار القيسةي القيروانةي‬
‫ثةم األندلسةي القرطبةي المةالكي (ت ‪٤٠٥ :‬هةةـ)‪ .‬تحقيةق ‪:‬جامعةة الشةارقة‪.‬ط‪ ١٤ ٩ ، ١‬هةةـ ‪-‬‬
‫‪ ٠٠٣‬م‪.)٦٠٣٩ /10(.‬‬
‫ُصرح ِبأَن تِ تل َ‬
‫ك القنطرة َبين ا تلجنة َوالنار‪ ،‬مُست َتقلة غير مُتصِ ةلَة بالصةراط)‪.‬‬ ‫الحدِيث م َ‬
‫‪َ ( : ٢٤‬‬
‫عمدة القاري‪.) ٣٢ /١ (.‬‬
‫‪: ٢٢‬صحيح البخاري‪ .)١١١/٣(.‬رقم الحديث‪.٦٢٠٢:‬‬
‫‪165‬‬
‫ار َوأ ُ تد ِ‬
‫خ َل‬ ‫‪ ،]١٣٢‬ظفر بالخير ونجا من الشرِّ ( َمنت ُزحت ِز َح َع ِن الن ِ‬
‫ُور) ألن العيش في هذه‬ ‫فاز‪َ ،‬و َما تال َحياةُ ال ُّد تنيا إِال َمتا ُع تال ُغر ِ‬
‫تال َجن َة َف َق تد َ‬
‫الدار الفانية‪ ،‬يغرُّ اإلنسان بما يُم ِّنيه من طول البقاء وهو ينقطع عن‬
‫قريب‪ ،6 2‬وهناك بعض المسائل التي ترسم لنا صورة واضحة‬
‫عنها نعرف بها وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أبوابها‪....‬‬
‫بين القرآن الكريم العديد من أوصافها وأن أبوابها مفتحة لمن‬

‫سيدخلها من المؤمنين بفضل هللا تعالى وكرمه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮕ‬

‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ [ص‪.] ٢٠ :‬‬

‫ت َع تدن‬
‫قال الرازي رحمه هللا تعالى في معنى قوله تعالى‪َ { :‬جنا ِ‬
‫ُم َفت َح ًة لَهُ ُم تاألَب َتوابُ }‪ ،‬ثالثة وُ جُوه‪:‬‬
‫ان إذا َرأَ توا‬ ‫ج َن ِ‬‫ِين ِب تال ِ‬ ‫ون تال َمعت َنى أَن تال َم َالئِ َك َة تالم َُوكل َ‬ ‫خاألَ َّول ُ‪ :‬أَنت َي ُك َ‬
‫ِب تال َجن ِة َف َتحُوا لَ ُه أَب َتوا َب َها َو َحي توهُ ِبالس َال ِم‪َ ،‬ف َي تد ُخ ُل َك َذل َِك َمحت فُو ًفا‬
‫صاح َ‬ ‫َ‬
‫ِب تال َم َالئِ َك ِة َعلَى أَ َع ِّز َحال َوأَجت َم ِل َه تي َئة‪.‬‬
‫اب ُكل َما أَ َرا ُدوا ا تنفِ َت َ‬
‫اح َها ا تن َف َت َح ت‬
‫ت لَهُ تم‪َ ،‬و ُكل َما‬ ‫ال َّثانِي‪ :‬أَن ت تِل َك تاألَب َتو َ‬
‫أَ َرا ُدوا ا تنغ َِال َق َها ا تن َغلَ َق ت‬
‫ت لَهُ تم‪.‬‬

‫‪: ٢٦‬الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ .‬أبو الحسن علي الواحدي ‪( ،‬ت‪٤٦٣ :‬هـ)‪ .‬دار‬
‫القلم‪ ،‬بيروت‪.‬ط‪ ١٤١٢ ،١‬هـ‪(.‬ص‪.) ٤٥:‬‬
‫‪166‬‬
‫ك تال َم َساك ِِن ِبالس َِّعةِ‪َ ،‬وم َُسا َف َرةُ‬ ‫ِث‪ :‬تالم َُرا ُد ِمنت َه َذا تال َف تت ِح‪َ ،‬وصت فُ ت تِل َ‬
‫ال َّثال ُ‬

‫ُون فِي َها‪َ ،‬و ُم َشاهِدَ ةُ تاألَحت َو ِ‬


‫ال اللذ َ‬
‫ِيذ ِة الط ِّي َب ِة‪. ٢٥‬‬ ‫تال ُعي ِ‬
‫وأبواب الجنة ثمانية كل واحد منها يكون سببه عمل من‬
‫األعمال الصالحة وقد بينت السنة النبوية المطهرة األعمال الكبر‬
‫الصالحة التي تستوجب دخول الجنة فجاء فيها‪َ ،‬عنت أَ ِبي ه َُري َتر َة ‪ ،‬أَن‬
‫يل هللاِ‬
‫تن فِي َس ِب ِ‬ ‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم َقا َل‪َ " :‬منت أَ تن َف َق َز تو َجي ِ‬
‫َرسُو َل هللاِ َ‬
‫ان ِمنت أهل الص َالةِ‪،‬‬ ‫ِي فِي تال َجن ِة‪َ :‬يا َعبتدَ هللاِ‪َ ،‬ه َذا َخيتر‪َ ،‬ف َمنت َك َ‬
‫ُنود َ‬
‫عِي ِمنت َبا ِ‬
‫ب‬ ‫ان ِمنت أهل تال ِ‬
‫ج َهادِ‪ُ ،‬د َ‬ ‫ب الص َالةِ‪َ ،‬و َمنت َك َ‬ ‫ُد َ‬
‫عِي ِمنت َبا ِ‬
‫ب الصدَ َقةِ‪َ ،‬و َمنت‬‫عِي ِمنت َبا ِ‬ ‫ان ِمنت أهل الصدَ َقةِ‪ُ ،‬د َ‬ ‫تال ِ‬
‫ج َهادِ‪َ ،‬و َمنت َك َ‬
‫يق‪:‬‬ ‫ص ِّد ُ‬‫ان " َقا َل أَبُو َب تكر ال ِّ‬ ‫ب الري ِ‬ ‫ص َي ِام‪ُ ،‬د َ‬
‫عِي ِمنت َبا ِ‬ ‫ان ِمنت أهل ال ِّ‬ ‫َك َ‬
‫ُورة‪َ ،‬ف َه تل‬‫ضر َ‬ ‫ب ِمنت َ‬ ‫َيا َرسُو َل هللاِ‪َ ،‬ما َعلَى أَ َحد ي تُد َعى ِمنت ت تِل َك تاألَب َتوا ِ‬
‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه‬ ‫ب ُكلِّ َها؟ َقا َل َرسُو ُل هللاِ َ‬ ‫ي تُد َعى أَ َحد ِمنت ت تِل َك تاألَب َتوا ِ‬
‫َو َسل َم‪َ « :‬ن َع تم‪َ ،‬وأَرت جُو أَنت َت ُك َ‬
‫ون ِم تن ُه تم»‬
‫‪٢٣‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ : ٢٥‬مفاتيح الغيب‪ .‬فخر الدين الرازي (ت‪٦٠٦ :‬هـ)‪ .‬دار إحياء التراث العربي –‬
‫بيروت‪.‬ط‪ ١٤ ٠ - ٠‬هـ‪.)٤٠ / ٦(.‬‬
‫‪ : ٢٣‬صحيح مسلم‪.)٥١١/ ( .‬رقم الحديث‪.١٠ ٥ :‬‬
‫‪167‬‬
‫‪ -‬وصفها‪....‬‬
‫كذلك رسم القرآن الكريم صورة واضحة عن وراثة الجنة‬

‫تكون لمن كان من أهل اإليمان وتقو هللا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ‬

‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ [مريم‪( ،] ٦٠ :‬نبقيها عليهم من ثمرة‬

‫لفظ‬ ‫تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه‪ ،‬والوراثة أقو‬
‫يستعمل في التملك واالستحقاق من حيث إنها ال تعقب بفسخ وال‬
‫استرجاع‪ ،‬وال تبطل برد وال إسقاط‪ .‬وقيل يورث المتقون من الجنة‬
‫‪٢٩‬‬
‫المساكن التي كانت ألهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم)‬
‫وجاء وصف أنهارها ومائها وظلها في اآليات الكريمة‪:‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬

‫ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الرعد‪:‬‬

‫‪ ،]٠٢‬وصف هللا تعالى الجنة بأن ليست كالدنيا فثمارها ال تنقطع‬


‫‪ ،‬وكذلك من‬ ‫‪٦٠‬‬
‫كثمار الدنيا َوظِ لُّها ال يزول وال تنسخه الشمس‬
‫فضله تعالى الذي يسوقه لعباده المؤمنين‪ ،‬ما ورد في قوله تعالى‪:‬‬

‫‪ : ٢٩‬أنةوار التنزيةةل وأسةةرار التأويةةل‪ .‬ناصةر الةةدين أبةةو سةةعيد عبةد هللا بةةن عمةةر بةةن محمةةد‬
‫الشةةيرازي البيضةةاوي (ت‪٦٣٢ :‬هةةـ)‪.‬تحقيةةق‪ :‬محمةةد عبةةد الةةرحمن المرعشةةلي‪ .‬دار إحيةةاء‬
‫التراث العربي – بيروت‪.‬ط‪١٤١٣ -١‬هـ‪.)١٢/٤(.‬‬
‫‪ : ٦٠‬ينظر‪ :‬زاد المسير في علم التفسير‪ .‬جمال الدين أبو الفةرج عبةد الةرحمن بةن علةي بةن‬
‫محمةةد الجةةوزي (المتةةوفى‪٢٩٥ :‬هةةـ)‪.‬تحقي ةق‪ :‬عبةةد الةةرزاق المهةةدي‪ .‬دار الكتةةاب العربةةي –‬
‫بيروت‪.‬ط‪ ١٤ -١‬هـ‪.)٤٩٣ / (.‬‬
‫‪169‬‬
‫ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ‬

‫[محمد‪.] ١٢ :‬‬

‫ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ يعنةةةي‪ :‬غيةةةر‬

‫متغير وال منتن‪ ،‬أسن المةاء وأجةن إذا تغيةر طعمةه وريحةه‪ ،‬ﭽ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﭼ يعني‪ :‬كما تتغير ألبان الدنيا فال يعود حامضا‬

‫وال قارصةةا وال مةةا يكةةره مةةن الطعةةوم‪ ،‬ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ‬

‫يعني‪ :‬لةيس فيهةا حموضةة وال مةرارة ولةم تدنسةها األرجةل بالةدوس‬
‫وال األيةةدي بالعصةةر ولةةيس مةةن شةةرابها ذهةةاب عقةةل وال صةةداع وال‬

‫خمةةار بةةل هةةي لمجةةرد االلتةةذاذ فقةةط‪ ،‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﭼ يعنةةي‪:‬‬

‫ليس فيه شمع كعسل الدنيا ولم يخرج مةن بطةون النحةل حتةى يمةوت‬
‫فيةةه بعةةض نحلةةه بةةل هةةو خةةالص صةةاف مةةن جميةةع شةةوائب عسةةل‬
‫‪٦١‬‬
‫‪.‬‬ ‫الدنيا)‬

‫‪ : ٦١‬لبةةاب التأويةةل فةةي معةةةاني التنزيةةل‪ .‬عةةالء الةةةدين الخةةازن (ت‪٥٤١ :‬هةةـ)‪.‬دار الكتةةةب‬
‫العلمية – بيروت‪.‬ط‪١٤١٢ - ١‬هـ‪.)١٤٠ /٤(.‬‬
‫‪161‬‬
‫‪ -‬بيوتها‪ ،‬طعامها‪ ،‬شرابها‪ ،‬خزنتها‪ ،‬أبوابها‪.....‬‬
‫القرآن الكريم بين منازل المؤمنين ووضح وصفها بطريقة‬
‫مشوقة‪ ،‬وذكر أصناف طعامهم وشرابهم ونعيمهم الجنة‪ ،‬وذلك في‬
‫مواضع متعددة في القرآن الكريم‪ ،‬ولخصوصية سورة الواقعة التي‬
‫بينت منازل المؤمنين على درجتين‪ ،‬وهما السابقون ثم من بعدهم‬
‫أ صحاب اليمين وكرامتهم عند هللا تعالى في الجنة عظيمة لحسن‬
‫عملهم ومسابقتهم إلى األعمال الصالحة‪ ،‬فالصنف األول‪ :‬السابقون‬
‫‪٦‬‬
‫‪.‬‬ ‫إلى اإليمان‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والطاعات الس ِابقُ َ‬
‫ون إلى الجنة‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬ‬

‫ﯭﯮﯯ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬

‫ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧ‬

‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴ‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ [الواقعة‪١٠ :‬‬

‫– ‪ ،] ٦‬وأما الصنف الثاني‪ :‬أصحاب اليمين‪ :‬أولئك الذين اقتحموا‬


‫العقبة ففكوا الرقاب‪ ،‬وأطعموا المساكين‪ ،‬وواسوا ذوي القربى في‬
‫‪: ٦‬بحةةةر العلةةةوم‪ .‬أبةةةو الليةةةث نصةةةر بةةةن محمةةةد بةةةن أحمةةةد بةةةن إبةةةراهيم السةةةمرقندي (ت‪:‬‬
‫‪٠٥٠‬هـ)‪.)٠٩١/٠(.‬‬
‫‪170‬‬
‫ﭽﮃ ﮄ‬ ‫‪٦٠‬‬
‫يوم المسغبة هم السعداء الممتعون بجنات النعيم‬

‫ﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑ ﮒ‬

‫ﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞ‬ ‫ﮓﮔﮕﮖﮗ‬

‫ﮟﮠﮡ ﮢﮣ ﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [الواقعة‪.] ٤٠ - ٥ :‬‬

‫ب‪ :‬النار‪....‬‬
‫النار منزل العصاة والكفار والمنافقين توعدهم هللا تعالى بها‬
‫لذنوبهم‪ ،‬فهي منزلهم عقوبة جزا ًء بمعصيتهم وكفرهم باهلل تعالى‪،‬‬
‫‪-‬أبوابها‪ ....‬ب اين القرآن الكريم العديد من أوصافها وان أبوابها‬

‫سبعة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [الحجر‪ ،] ٤٤ - ٤٠ :‬اجتمعوا اليوم في أصل‬

‫الضاللة‪ ،‬ثم الكفر ملل مختلفة‪ ،‬ثم يجتمعون غدا في العقوبة وهم‬
‫‪٦٤‬‬
‫‪.‬‬ ‫زمر مختلفون‪ ،‬لك ال دركة من دركات جهنم قوم مخصاون‬

‫‪ : ٦٠‬تفسةةةير المراغةةةي‪ .‬أحمةةةد بةةةن مصةةةطفى المراغةةةي (ت‪١٠٥١ :‬هةةةـ)‪.‬مكتبةةةة ومطبعةةةة‬


‫ط‪ ١٠٦٢ ،١‬هةةةةةةةـ ‪١٩٤٦ -‬‬ ‫مصةةةةةةطفى البةةةةةةةابي الحلبةةةةةةي وأوالده بمصةةةةةةةر‪.‬‬
‫م‪.)١٦٠/٠٠(.‬‬
‫‪ : ٦٤‬لطةةةةائف اإلشةةةةارات‪ .‬عبةةةةد الكةةةةريم بةةةةن هةةةةوازن بةةةةن عبةةةةد الملةةةةك القشةةةةيري (ت‪:‬‬
‫‪٤٦٢‬هةةةةـ)‪.‬تحقيةةةةق‪ :‬إبةةةةراهيم البسةةةةيوني‪ .‬الهيئةةةةة المصةةةةرية العامةةةةة للكتةةةةاب – مصةةةةر‪.‬ط‪.٠‬‬
‫( ‪.) ٥ /‬‬
‫‪171‬‬
‫وقد حذرت السنة النبوية المطهرة من كبائر الذنوب التي عقوبتها‬
‫النار وكان من بينها السبع الموبقات ‪َ ،‬عنت أَ ِبي ه َُري َتر َة أَن َرسُو َل هللاِ‬
‫ت‪ » ٦٢‬قِي َل‪َ :‬يا‬ ‫ُوب َقا ِ‬‫صلى هللاُ َعلَ تي ِه َو َسل َم َقا َل‪« :‬اجت َتنِبُوا السب َتع تالم ِ‬
‫َ‬
‫س التِي‬ ‫ك ِباهللِ‪َ ،‬والسِّحت رُ‪َ ،‬و َق تت ُل الن تف ِ‬ ‫َرسُو َل هللاِ‪َ ،‬و َما هُن؟ َقا َل‪« :‬ال ِّ‬
‫شرت ُ‬
‫ال تال َيت ِِيم َوأَ تكلُ الرِّ َبا‪َ ،‬والت َولِّي َي تو َم‬ ‫َحر َم هللا ُ إِال ِب تال َح ِّق‪َ ،‬وأَ تكلُ َم ِ‬
‫ت»‪ ، ٦٦‬قال تال ُعلَ َما ُء‬ ‫ت تالم تُؤ ِم َنا ِ‬ ‫الزحت فِ‪َ ،‬و َق تذفُ تالمُحت صِ َنا ِ‬
‫ت تال َغاف َِال ِ‬
‫ار ل تِل َك َبائ ِِر فِي عدد مذكور وقد جاء عن ابن‬ ‫ح َم ُهمُ هللا ُ َو َال ا تنح َ‬
‫ِص َ‬ ‫َر ِ‬
‫َعباس َرضِ َي هللا ُ َع تن ُه َما أَن ُه ُس ِئ َل َع ِن تال َك َبائ ِِر أَ َسبتع ه َِي َف َقا َل‪ :‬ه َِي إلى‬
‫ِين َويُرت َو إلى َسبتعمِا َئة أَ تق َربُ ‪. ٦٥‬‬ ‫َس تبع َ‬
‫‪-‬وصفها‪ ......‬كذلك رسم القةرآن الكةريم صةورة واضةحة عةن النةار‬

‫ووقودهةا‪ ،‬قةةال تعةةالى‪ :‬ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬﯭ ﯮﯯ‬

‫ﯰ ﭼ [التحةريم‪ ،] ٦ :‬أمر هللا تعةالى المةؤمن بةأن يقةي نفسةه وأهلةه‬

‫باألدب الصالح النار في اآلخرة‪ ،‬فيعلمهم الخير‪ ،‬وينهاهم عن الشر‪،‬‬


‫وذلك حق على كل مسلم أن يفعل بنفسه وأهله في تأديبهم وتعلةيمهم‬
‫‪ ،‬فاهلل تعالى جعل حطب النار الكفار من الناس وحجةارة الكبريةت ‪،‬‬

‫ات ُي َقا ُل َو َبقَ الر ُج ُل بفةتح البةاء يبةق بكسةرها ووبةق ِب َ‬


‫ضة ِّم‬ ‫ات َف ِه َي ا تل ُم تهلِ َك ُ‬ ‫‪َ ( : ٦٢‬وأَما ا تلم ِ‬
‫ُوب َق ُ‬
‫ةةةرهُ أي أَ تهلَ َكةةةة ُه) المنهةةةةاج شةةةةرح صةةةةحيح‬ ‫ةةةق إذا َهلَة َ‬
‫ةةةك وأوبةةةةق َغ تية َ‬ ‫ةةةر ا تل َبةةةةا ِء يُوبِة ُ‬
‫او َو َكست ة ِ‬ ‫ا تلة َ‬
‫ةةةو ِ‬
‫مسلم‪.)٣٤/ (.‬‬
‫‪ : ٦٦‬صحيح مسلم‪.)٩ /١(.‬رقم الحديث‪.٣٩:‬‬
‫‪ : ٦٥‬المنهاج شرح صحيح مسلم‪.)٣٢/ (.‬‬
‫‪172‬‬
‫وجعةةل عليهةةا خزنةةة النةةار مالئكةةة هةةم قسةةاوة القلةةوب وشةةداد أقويةةاء‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪٦٣‬‬
‫يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين أل ًفا في جهنم‬
‫‪ -‬بيوتها طعامها وشرابها‪ ،‬خزنتها‪ ،‬أبوابها‪.....‬‬
‫القرآن الكريم يبين حال أهل النار‪ ،‬وما يجدون فيها من ويل‬
‫وعذاب‪ ،‬جزاء ما كسبت أيديهم من ذنوب وآثام‪ ،‬ويصف طعامهم‬
‫وشرابهم في مواضع متعددة في القرآن الكريم‪ ،‬ونقف مع سورة‬

‫الواقعة التي بينت ذلك بالتفصيل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪ‬

‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯﯰﯱ ﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯷ‬

‫ﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ‬

‫ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒ ﭓﭔ‬

‫ﭕ ﭖﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬

‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [الواقعة‪.] ٢٦ - ٤١ :‬‬

‫في وصف النار في هذه اآليات الكريمة نجد مجموعة من‬


‫األلفاظ التي دلت على معان متعددة نبينها لتمام الفائدة وهي كاآلتي‪:‬‬

‫‪ : ٦٣‬الوسيط في تفسير القرآن المجيد‪.)٠ ١/٤(.‬‬


‫‪173‬‬
‫‪ { :١‬ﯡ ﯢ ﯣ }‪ :‬فيه قوالن‪ :‬أحدهما‪ :‬الدخان‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أنها نار سوداء‪.‬‬

‫‪ { :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ }‪ :‬فيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬ال بارد المدخل ‪،‬‬

‫وال كريم المخرج ‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬ال كرامة فيه ألهله‪.‬‬
‫ويحتمل ثالثا ا‪ :‬أن يريد ال طيب وال نافع‪.‬‬

‫‪ {:٠‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ }‪ :‬فيه وجهان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬منعمون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مشركون ‪.‬‬

‫‪ { :٤‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ}‪ :‬فيه ثالثة أوجه‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أنه الشرك باهلل‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬الذنب العظيم الذي ال يتوبون منه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬هو اليمين الغموس‪.‬‬
‫ويحتمل رابعا ا‪ :‬أن يكون الحنث العظيم نقض العهد‬
‫المحصن بالكفر‪.‬‬

‫‪ { :٢‬ﭦ ﭧ ﭨ } ‪ :‬فيه أربعة أقاويل‪ :‬أحدها‪ :‬أنها‬

‫األرض الرملة التي ال ترو بالماء‪ ،‬وهي هيام األرض‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫الثاني‪ :‬أنها اإلبل التي يواصلها الهيام وهو داء يحدث‬
‫عطشا ً فال تزال اإلبل تشرب الماء حتى تموت ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن الهيم اإلبل الضوال ألنها تهيم في األرض ال تجد‬
‫ما ًء فإذا وجدته فال شيء أعظم منها شربا ً‪ .‬الرابع‪ :‬أن شرب الهيم‬
‫هو أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس ثالث مرات ‪ ،‬فوصف‬
‫شربهم الحميم بأنه كشرب الهيم ألنه أكثر شربا ً فكان أزيد عذابا ً‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫األسئلة‬

‫س‪ :١‬عرف الحوض اصطالحا ً وبين أهم ما ورد في إثباته في‬


‫القرآن الكريم‪.‬‬

‫س ‪ :‬تكلم على الشفاعة كما وردت في القرآن الكريم‪.‬‬

‫س‪ :٠‬بين معنى وزن األعمال يوم القيامة مع األدلة‪.‬‬

‫س‪ :٤‬ما المقصود بالصراط وكيف يعبر الناس عليه بحسب‬


‫أعمالهم‪.‬‬

‫س‪ :٢‬تحدث عن الجزاء على األعمال يوم القيامة‪.‬‬

‫س‪ :٦‬تكلم بالتفصيل على وصف الجنة في الكتاب والسنة‪.‬‬

‫س‪ :٥‬تكلم بالتفصيل على وصف النار في الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫‪ -١‬اإلحكام في أصول اإلحكام‪ ،‬لسيف الدين علي بن أبي علي‬


‫اآلمدي‪ ،‬مطبعة الحلبي‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الدين‬
‫‪ -٠‬األنوار اإللهية في شرح المقدمة السنوسية ( عقيدة أهل‬
‫التوحيد الصغر ) المعروف بـ ( أم البراهين )‪ ،‬للسنوسي‬
‫– تأليف‪ :‬عبدالغني بن إسماعيل النابلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر بن‬
‫محمد الشيخلي‪ ،‬دار الهد والرشاد‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ٠١٠ ،١‬م‪.‬‬
‫‪ -٤‬التلويح على التوضيح‪ ،‬سعد الدين مسعود بن عمر‬
‫التفتازاني‪ ،‬دار الكتب العربية‪.‬‬
‫‪ -٢‬جامع العلوم في مصطلحات الفنون‪ ،‬عبد أحمد فكري‪،‬‬
‫مؤسسة األعلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -٦‬حاشية الصاوي على شرح الخريدة البهية‪ ،‬الشيخ أحمد بن‬
‫محمد الصاوي‪ ،‬مكتبة محمد علي صبيح‪ ،‬ط‪.١‬‬
‫‪ -٥‬الحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكالم‪ ،‬ل مام أبي‬
‫عبدهللا محمد بن يوسف السنوسي التلمساني المالكي‬
‫(ت‪٣٩٢‬هـ)‪ ،‬إعتنى بها‪ :‬أبو عبدالرحمن المالكي المازري‪،‬‬
‫نسخة مصورة عن نسخة من مقتنيات الحرم المدني‪.‬‬
‫‪ -٣‬الخصائص العامة ل سالم‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مكتبة‬
‫وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪١٩٣٩ ،٤‬م‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫‪ -٩‬شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬للشيخ ابراهيم بن محمد الباجوري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبدالسالم عبدالهادي شنار‪ ،‬دار البيروتي‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ط‪ ٠٠ ،١‬م‪.‬‬
‫شرح تنقيح الفصول‪ ،‬البن حلول أحمد بن‬ ‫‪-١٠‬‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬طبعة تونس‪.‬‬
‫شرح الصاوي على جوهرة التوحيد‪ ،‬للشيخ أحمد بن‬ ‫‪-١١‬‬
‫محمد المالكي الصاوي‪.‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬دار الخير‪١٩٩٦ ،‬م‪.‬‬ ‫‪-١‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪ :‬أركانها – حقائقها – مفسداتها‪ ،‬د‪.‬‬ ‫‪-١٠‬‬
‫مصطفى سعيد الخن‪ ،‬و د‪ .‬محمد الدين مستو‪ ،‬دار ابن كثير‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪ ٠٠٠ ،٤‬م‪.‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪ :‬أركانها وآثارها على الفرد‬ ‫‪-١٤‬‬
‫والمجتمع‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬أحمد محمد أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الجامعي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬ط‪ ٠١٠ ،١‬م‪.‬‬
‫العقيدة اإلسالمية الميسرة‪ ،‬د‪ .‬محمد عياش الكبيسي‪،‬‬ ‫‪-١٢‬‬
‫دار السالم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ٠٠٩ ،١‬م‪.‬‬
‫علم المنطق‪ :‬المفاهيم والمصطلحات‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد‬ ‫‪-١٦‬‬
‫حسن مهدي بخيت‪ ،‬عالم الكتاب الحديث‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،١‬‬
‫‪ ٠١٠‬م‪.‬‬
‫العقيدة اإلسالمية ومذاهبها‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬قحطان عبدالرحمن‬ ‫‪-١٥‬‬
‫الدوري‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ٠٠٥ ،١‬م‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-١٣‬‬
‫لوامع األنوار البهية وسواطع األسرار األثرية‪ ،‬محمد‬ ‫‪-١٩‬‬
‫بن أحمد السفاريني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،٠‬‬
‫‪١٩٩١‬م‪.‬‬
‫المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬ابن عطية‪،‬‬ ‫‪- ٠‬‬
‫مؤسسة دار العلوم‪ ،‬قطر‪ ،‬ط‪١٩٣ ،١‬م‪.‬‬
‫المدخل إلى دراسة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬عبدالكريم‬ ‫‪- ١‬‬
‫زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫نهاية السول شرح منهاج الوصول‪ ،‬عبدالرحيم بن‬ ‫‪-‬‬
‫الحسن االسنوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪١٩٩٩ ،١‬م‪.‬‬

‫‪192‬‬

You might also like