You are on page 1of 6

‫السم‪ :‬حممد فطرا جم ّدد‬

‫املادة‪ :‬دراسات عقدية و نقدية‬

‫العالقة بني العقيدة و الفلسفة‬


‫‪ .1‬تعريف العقيدة‬
‫‪1‬‬
‫أ‪ .‬العقيدة‪ :‬هي كل ما يتعلق بعامل الغيب مما ال يرتبط به حكم عملي‪.‬‬
‫كلمة العقيدة يف اللغة مأخوذة من العقد‪ ،‬وهو نقيض احلل‪ ،‬وهو يدل على الشدة‬
‫‪2‬‬
‫والوثوق‪.‬‬
‫شرعا‪ :‬هي ما يدين به اإلنسان ربه ومجعها عقائد‪ ،‬والعقيدة اإلسالمية‬
‫والعقيدة ً‬ ‫ب‪.‬‬
‫جمموعة األمور الدينية اليت جتب على املسلم أن يصدق هبا قلبه‪ ،‬وتطمئن إليها نفسه‪،‬‬
‫وتكون يقينًا عنده ال ميازجه شك وال خيالطه ريب‪ ،‬فإن كان فيها ريب أو شك كانت‬
‫َلل َوَر ُسولِِه ثُم َْمل‬
‫ظنًّا ال عقيدة‪ ،3‬ودليل ذلك قوله تعاىل‪{ :‬إِمَّنَا الْمؤِمنُو َن الم ِذين آمنُوا ِِب مِ‬
‫َ َ‬ ‫ُْ‬
‫ك َج ِام ُع الن ِ‬ ‫ي رََتبوا} ‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ { :‬ذلِك الْ ِكتاب ال ري ِ‬
‫ماس‬ ‫ب فيه} وقوله تعاىل‪{ :‬إِنم َ‬ ‫َ َ ُ َْ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ب فِيه}‬ ‫ِ‬
‫ليَ ْوم ال َريْ َ‬
‫العقائد‪ :‬هي األمور اليت جيب أن يصدق هبا قلبك‪ ،‬وتطمئن إليها نفسك‪،‬‬ ‫ت‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وتكون يقينا عندك‪ ،‬ال ميازجه ريب وال خيالطه شك‪.‬‬
‫فهي إذن اعتقاد جازم مطابق للواقع ال يقبل شكا وال ظنا‪ ،‬فما مل يصل العلم ِبلشيء‬
‫إىل درجة اليقني اجلازم ال يسمى عقيدة‪ ،‬وإذا كان االعتقاد غري مطابق للواقع واحلق‬

‫‪" 1‬موسوعة األلباني في العقيدة"‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباني (م‪1٤٢٠ :‬هـ)‪ ،‬ص ‪169‬‬
‫‪" ٢‬عقيدة التوحيد في القرآن الكريم"‪ ،‬محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي (‪ 1٤٠٥‬ه)‪ ،‬ص ‪٢٠‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق‬
‫‪" ٤‬مجموعة الرسائل"‪ ،‬لإلمام الشهيد حسن البنا (م‪ 19٤9 :‬ه)‪ ،‬ص ‪٢9٠‬‬
‫الثابت وال يقوم على دليل‪ ،‬فهو ليس عقيدة صحيحة سليمة‪ ،‬وإَّنا هو عقيدة فاسدة‬
‫‪5‬‬
‫كاعتقاد النصارى أبلوهية عيسى وِبلتثليث‪.‬‬
‫‪ .2‬مفهوم الفلسفة‪:6‬‬
‫أ‪ .‬منشأ هذه الكلمة‪ :‬الفلسفة كلمة معمربة عن اليواننية‪ ،‬فهي لفظ يوانين نشأ أول ما‬
‫نشأ يف بالد اليوانن‪.‬‬
‫أصلها الوضعي‪ ،‬وسبب تسميتها بذلك‪ :‬لفظ "الفلسفة" مركب من كلمتني‬ ‫ب‪.‬‬
‫يواننيتني مها‪:‬‬
‫‪ )1‬فيلو‪ ،‬أو فيال ومعنامها‪ :‬احملبة‪ ،‬أو اإليثار‪.‬‬
‫‪ )2‬سوفيس‪ ،‬أو سوفيا ومعنامها‪ :‬احلكمة فهذا هو أصل الكلمة وسبب تسميتها‬
‫بذلك‪.‬‬
‫‪ )3‬تعريف الفلسفة الوضعي األصلي‪ :‬من خالل ما مضى يتبني لنا أن الفلسفة‬
‫ف‬
‫ِبعتبار الوضع األصلي تعرف ب ‪" :‬حمبة احلكمة‪ ،‬أو إيثار احلكمة"‪ .‬ويعمر ُ‬
‫الفيلسوف أبنه‪ :‬حمب احلكمة‪ ،‬أو املؤثر للحكمة‪.‬‬

‫َّناذج من تعريفات الفلسفة عند الفالسفة‪:‬‬ ‫ت‪.‬‬


‫للفلسفة عند الفالسفة تعريفات عديدة وقد تكون يف جمملها متقاربة فمن تلك‬
‫التعريفات ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬البحث عن احلقيقة‪.‬‬
‫‪ )2‬حب املعرفة‪.‬‬
‫‪ )3‬وعرفها يف موضع آخر بقوله‪ :‬هي علم احلق األول الذي هو علة كل حق‪.‬‬

‫‪ ٥‬مدخل لدراسة العقيدة اإلسالمية‪ ،‬د عثمان جمعة ضميرية ص ‪1٢1‬‬


‫‪ 6‬مصطلحات في كتب العقائد‪ ،‬محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد‪ ،‬ص ‪9٤‬‬
‫تعريف الفلسفة عند اإلطالق‪ ،‬ويف االصطالح العام‪ :‬كما مر من أن الفلسفة مرت‬
‫أبطوار‪ ،‬ولعل آخر أطوارها هو ما استقر عليه أمر الفلسفة؛ حيث صارت تطلق على‬
‫آراء حمددة‪ ،‬ونظرات خاصة للكون‪ ،‬والوحي‪ ،‬والنبوات‪ ،‬واإلهليات‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫وصارت تعىن ِبلعقل‪ ،‬وتقدمه على النقل‪ ،‬بل أصبح العقل عند الفالسفة إهلاً ومصدراً‬
‫للتلقي‪.‬‬

‫‪ .3‬الفرق بني العقيدة اإلسالمية والفلسفة وعلم الكالم‪:7‬‬


‫أ‪ .‬املصدر واملنبع‬
‫يعتمد علماء الفلسفة وعلم الكالم ف أحباثهم ودراساهتم‪ ،‬على ما يتعلق حبياة اإلنسان‬
‫من ظروف وتقلبات ‪ ،‬وتتحكم القيود واحلدود أبحباثهم‪ ،‬لتتدرج هبم وتوصلهم إل‬
‫ما هو جمهول‪ ،‬فقد تقرهبم من درجات الكمال‪ ،‬أو تبعدهم عنها حسب ما هو سائد‬
‫ف عصرهم من ظروف وأحوال ‪.‬ويتأثر علماء الفلسفة ابلبيئة احمليطة هبم‪ ،‬لدرجة أن‬
‫تصوراهتم وأفكارهم تنبن عليها وتظهر بصداها‪.‬‬
‫أما العقيدة اإلسالمية فمصدرها الوحي من للا عز وجل له حق األلوهية‪ ،‬وثبات‬
‫كلماته ابحلق وال تبديل هلا‪ ،‬وثبات صدق ما ف هذه الكلمات الت ال يتخللها‬
‫ابطل وال هباء‪ ،‬وال تؤثر فيها ظروف الدنيا وأحواهلا املتغرية‪ ،‬وف استقرارها ف قلب‬
‫اإلنسان منحة طيبة‪ ،‬تُنري على حاملها ابلعفو واملغفرة‪ ،‬بال تعب وال جهد‪.‬‬

‫املنهج والسبيل‬ ‫ب‪.‬‬


‫يبدأ علماء الفلسفة وعلم الكالم بفهم النفس اإلنسانية‪ ،‬ويعتربوهنا األساس الذي‬
‫سيبنون عليه دراساهتم‪ ،‬وركزوا على إدراك العلم ابلعقل أو احلس‪ ،‬معتقدين أهنما‬

‫‪" 7‬العقيدة في هللا"‪ ،‬عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص ‪٤6-3٥‬‬


‫‪،‬األصل الذي يقوم عليه أي علم ‪.‬ويتعمق علماء الفلسفة والكالم ف األمور الطبيعية‬
‫مث احلسابية‪ ،‬مث األخالق‪ ،‬وجعل بعضهم األخالق أمر فرعي ال ميكن اعتباره من‬
‫‪.‬األصول؛ كونه فرع يفتقر إل الدليل ف رأيهم ومنهج الفلسفة والكالم ال جدوى‬
‫‪،‬منه‪ ،‬فهو منهج يُشغل الناظر فيه طيلة حياته‪ ،‬وقد ينتهي به إل فقدان اليقني‬
‫واستحواذ الشبهات على تفكريه‪ ،‬ليصاب ابلظنون املتشتتة واحلرية الت ال خالص‬
‫منها‪.‬‬
‫ولنأيت إل منهج العقيدة اإلسالمية الذي يبدأ عمله ابلدعوة إل عبادة للا تعال‬
‫وحده‪ ،‬فأصل العلم عند أهل منهج العقيدة والقرآن هو معرفة للا تعال‪ ،‬دون االستعانة‬
‫ستهدف املقاصد‬
‫ابحلس أو البديهيات‪ ،‬ومن أصل هذا العلم تتفرع العلوم األخرى‪ ،‬وتُ َ‬
‫الطيبة‪.‬‬
‫وعبادة للا تعال وحده هي الدليل اهلادي للحق‪ ،‬والبينة الثابتة واحلجة املؤكدة الت‬
‫تزيد من علم اإلنسان وإميانه‪ ،‬وتسلم عقله من اجلهل‪ ،‬وتفكريه من الكفر وعليه‬
‫يكون منهج العقيدة اإلسالمية ف معرفة للا تعال هي الطريق السليم الذي يقود إل‬
‫معرفة احلياة‪ ،‬والعلم حبقيقة النفس اإلنسانية‪.‬‬

‫قوة التأثري‬ ‫ت‪.‬‬


‫ال ميكن للفلسفة أن تصل للقوة الت متتاز به العقيدة اإلسالمية بسلطاهنا على نفس‬
‫اإلنسان الذي يعتنقها‪ ،‬فالفلسفة هي حبث عن احلقائق الت متاثل طاقة البشر فقط‪ ،‬مث‬
‫‪.‬عرض تلك احلقائق‪ ،‬لتصل هبؤالء العلماء إل مستوى أهنم ما زالوا ال يعلمون شيئا‪.‬‬
‫لكن معتنِق العقيدة اإلسالمية يستمد قواه من عقيدة‪ ،‬أساسها املعرفة خبالق عامل بسر‬
‫احلياة والوجود‪ ،‬فمضمون العقيدة اإلسالمية حقيقة ال تضليل‪ ،‬وال تزييف أو تدليس‬
‫فيه ‪.‬كما أن العقيدة ملزمة لصاحبها ابخلضوع والتسليم‪ ،‬وال تسمح له ابجلدال أواملناقضة‬
‫ف أحكامها‪ ،‬وتسيطر على نفسه ف أي فكرة أخرى‪.‬‬
‫مث تظهر آاثر تلك العقيدة ف ضمري اإلنسان‪ ،‬وتنغرس ف شغف قلبه‪ ،‬فال يضيق هبا‬
‫صدره‪ ،‬وال تؤثر ف يقينه‪ ،‬أو إميانه الذي خيرتق وجدانه ويستقر ف قلبه‪ ،‬فهي جزءا‬
‫‪.‬أساسيا من حياته‪ ،‬ومصدر قوته‪ ،‬وقوة فكره وتفكريه ف الكون‬

‫األسلوب‬ ‫ث‪.‬‬
‫العقيدة اإلسالمية ُمصاغة أبسلوب حيوي مميز‪ُ ،‬خياطب الكينونة اإلنسانية جبميع‬
‫حاالهتا وقدراهتا‪ ،‬يوحي ابحلقائق الت ميكن فهمها ابإلشارة إليها دون التعبري عنها‪.‬‬
‫أما الفلسفة وعلم الكالم فلهما أسلوب آخر‪ ،‬ينتهي ابلنفس اإلنسانية إل التعقيد‬
‫واجلهل واجلفاف‪ ،‬حيث يقتصر على العبارة والتعبري إلظهار احلقائق‪ ،‬فضال عن أنه‬
‫يتعامل مع طرف واحد من أطراف الكينونة اإلنسانية‪.‬‬
‫ال ميكن عرض العقيدة اإلسالمية أبسلوب الفلسفة وعلم الكالم‪ ،‬ألن ذلك يُطفئ‬
‫النور الذي توحي به العقيدة‪ ،‬ويقتل إشعاعها‪ ،‬وحيد من بساطتها ف إظهار احلقيقة‪.‬‬

‫ج‪ .‬طريقة االستدالل‬


‫ختتلف العقيدة اإلسالمية عن الفلسفة وعلم الكالم ف طريقة االستدالل‪ ،‬فالعقيدة‬
‫ا ٍإلسالمية تستدل ابآلايت الكونية‪ ،‬الت تدل على وجود اخلالق ووحدانيته‪ ،‬دون‬
‫احلاجة إل بناء أدلة أخرى كالت يستخدمها الفالسفة ف طرق االستدالل لديهم‪.‬‬
‫وميكن االستدالل ابألدلة العقلية ف العقيدة اإلسالمية‪ ،‬الت تليق مبكانة اخلالق‬
‫وكماله‪ ،‬لكن مع االبتعاد عن قياس الشمول وقياس التمثيل؛ لعدم جواز مقارنة اخلالق‬
‫‪.‬ابملخلوق وتسويته به‪.‬‬
‫وابألدلة العقلية ف العقيدة اإلسالمية نستدل على احلق بسهولة‪ ،‬من خالل اإلحياء‬
‫إل احلقيقة بعبارة واحدة‪ ،‬تتصف ابلبالغة واإلجياز‪ ،‬أما األدلة الفلسفية فتتصف‬
‫بضعف االستدالل والوصول للحق‪ ،‬وتؤدي إل زايدة احلرية واالضطراب‪ ،‬ويُصبح‬
‫من الصعب االستدالل هبا‪ ،‬بسبب قدرة اخلصم على إظهار عيبها‪ ،‬وردها ابحلق‪.‬‬

‫ح‪ .‬العطاء واجلن‬


‫‪،‬من خالل العقيدة اإلسالمية يصل الفرد إل نتائج واضحة‪ ،‬تؤدي به إل معرفة للا‬
‫وفهم صفاته‪ ،‬وإدراك أمسائه وإحصائها‪ ،‬والتعرف إل قدراته عز وجل‪ ،‬واإلميان بيوم‬
‫القيامة‪ ،‬وتفاصيل احلساب واجلنة والنار ‪.‬أما ف الفلسفة وعلم الكالم فاملقصود‬
‫عندهم هدف اإلميان اجململ‪ ،‬الذي ال يزود الفرد ابلعلم الواضح‪ ،‬وال يعطيه تصورات‬
‫مفهومة عن حياته‪ ،‬وتفاصيل خلقه‬
‫وال تلتقي العقيدة اإلسالمية ابلفلسفة والكالم‪ ،‬فهما طريقان خمتلفان‪ ،‬وال حاجة‬
‫للتفريق بينهما‪ ،‬وال حيتاج الدين اإلسالمي إل َمن يكمله فهو دين قد أكمله اخلالق‬
‫جل وعال‪ ،‬وأقامه على احلق‪ ،‬وبعثه لتعديل ما اختلت استقامته من األفكار‬
‫واملعتقدات‪.‬‬

You might also like